من الطبعة5*الجزء 1**سورة النساء2**مقدمة السورة3*

@ وهي مدنية إال آية واحدة نزلت بمك��ة ع��ام الفتح في عثم��ان بن طلح��ة الحجبي وهي قوله: "إن الله يأمركم أن تؤدوا األمانات إلى أهلها" ]النساء:

[ على ما يأتي بيانه. قال النقاش: وقيل: نزلت عند هج��رة الن��بي ص��لى58 الله عليه وس��لم من مك��ة إلى المدين��ة. وق��د ق��ال بعض الن��اس: إن قول��ه تعالى: "يا أيها الناس" حيث وقع إنما هو مكي؛ وقاله علقمة وغيره، فيشبه أن يكون صدر السورة مكيا، وما نزل بعد الهج�رة فإنم�ا ه�و م�دني. وق�ال

النحاس: هذه السورة مكية. قلت: والصحيح األول، فإن في صحيح البخاري عن عائشة أنها قالت:

ما نزلت سورة النساء إال وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تعني قد بنى بها. وال خالف بين العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم إنم��ا ب��نى بعائشة بالمدينة. ومن تبين أحكامها علم أنها مدنية ال ش��ك فيه��ا. وأم��ا من قال: إن قوله. "يا أيها الناس" مكي حيث وقع فليس بصحيح؛ ف��إن البق��رة

مدنية وفيها قوله: "يا أيها الناس" في موضعين، وقد تقدم. والله أعلم }يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق1*اآلية: 3*

منها زوجها وبث منهما رجاال كثيرا ونس��اء واتق��وا الل��ه ال��ذي تس��اءلون ب��هواألرحام إن الله كان عليكم رقيبا{

@قوله تع��الى: "ي��ا أيه��ا الن��اس اتق��وا ربكم ال��ذي خلقكم" ق��د مض��ى في "البقرة" اشتقاق "الناس" ومعنى التق��وى وال��رب والخل��ق وال��زوج والبث، فال معنى لإلعادة. وفي اآلية تنبيه على الصانع. وقال "واح��دة" على ت��أنيث لفظ النفس. ولف��ظ النفس ي��ؤنث وإن ع��ني ب��ه م��ذكر. ويج��وز في الكالم "من نفس واحد" وهذا على مراعاة المع��نى؛ إذ الم��راد ب��النفس آدم علي��ه السالم؛ قاله مجاهد وقتادة. وهي ق�راءة ابن أبي عبل��ة "واح�د" بغ�ير ه�اء. "وبث" معن��اه ف��رق ونش��ر في األرض؛ ومن��ه "وزرابي مبثوث��ة" ]الغاش��ية:

[ وق��د تق��دم في "البق��رة". و"منهم��ا" يع��ني آدم وح��واء. ق��ال مجاه��د:16 خلقت ح��واء من مقص��يرى آدم. وفي الح��ديث: )خلقت الم��رأة من ض��لع عوجاء(، وقد مضى في البق��رة. "رج��اال كث��يرا ونس��اء" حص��ر ذريتهم��ا في نوعين؛ فاقتض��ى أن الخن��ثى ليس بن��وع، لكن ل��ه حقيق��ة ت��رده إلى ه��ذين النوعين وهي اآلدمية فيلحق بأحدهما، على ما تقدم ذكره في "البقرة" من

اعتبار نقص األعضاء وزيادتها. @قوله تعالى: "واتقوا الله الذي تساءلون به واألرحام" كرر االتق��اء تأكي��دا وتنبيه���ا لنف���وس الم���أمورين. و"ال���ذي" في موض���ع نص���ب على النعت. "واألرحام" معطوف. أي اتقوا الله أن تعصوه، واتقوا األرحام أن تقطعوها. وقرأ أهل المدينة "تساءلون" بإدغام التاء في السين. وأهل الكوفة بح��ذف التاء، الجتماع تاءين، وتخفيف السين؛ ألن المعنى يعرف؛ وهو كقول��ه: "وال

[ و"ت��نزل" وش��بهه. وق��رأ إب��راهيم النخعي2تع��اونوا على اإلثم" ]المائ��دة: وقتادة واألعمش وحمزة "األرحام" بالخفض. وقد تكلم النحويون في ذلك. فأما البصريون فقال رؤساؤهم: هو لحن ال تحل القراءة به. وأما الكوفيون

فقالوا: هو قبيح؛ ولم يزيدوا على هذا ولم يذكروا علة قبحه؛ قال النح��اس:فيما علمت.

وقال سيبويه: لم يعطف على المضمر المخفوض؛ ألنه بمنزلة التنوين، والتنوين ال يعطف عليه. وقال جماع�ة: ه��و معط�وف على المك��ني؛ ف�إنهم ك�انوا يتس��اءلون به�ا، يق��ول الرج��ل: س��ألتك بالل��ه وال��رحم؛ هك��ذا فس��ره الحسن والنخعي ومجاهد، وهو الصحيح في المسألة، على ما يأتي. وضعفه أقوام منهم الزجاج، وقالوا: يقبح عطف االس��م الظ��اهر على المض��مر في الخفض إال بإظهار الخافض؛ كقوله "فخسفنا به وب��داره األرض" ]القص��ص:

[ ويقبح "مررت ب��ه وزي��د". ق��ال الزج��اج عن الم��ازني: ألن المعط��وف81 والمعطوف عليه شريكان. يحل كل واحد منهما محل صاحبه؛ فكما ال يجوز "مررت بزيد وك" كذلك ال يجوز "مررت بك وزيد". وأما سيبويه فهي عنده

قبيحة وال تجوز إال في الشعر؛ كما قال: فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك واأليام من عجب

عطف "األيام" على الكاف في "ب��ك" بغ��ير الب��اء للض��رورة. وك��ذلك ق��ولاآلخر:

نعلق في مثل السواري سيوفنا وما بينها والكعب مهوى نفانف عطف "الكعب" على الض��مير في "بينه��ا" ض��رورة. وق��ال أب��و علي: ذل��ك ض��عيف في القي��اس. وفي كت��اب الت��ذكرة المهدي��ة عن الفارس��ي أن أب��ا العب��اس الم��برد ق��ال: ل��و ص��ليت خل��ف إم��ام يق��رأ "م��ا أنتم بمص��رخي"

[ و"اتق��وا الل��ه ال��ذي تس��اءلون ب��ه واألرح��ام" ألخ��ذت نعلي22]إب��راهيم: ومضيت. قال الزجاج: قراءة حمزة م��ع ض��عفها وقبحه��ا في العربي��ة خط��أ عظيم في أصول أمر ال��دين؛ ألن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ق��ال: )ال تحلفوا بآبائكم( فإذا لم يجز الحلف بغير الله فكي��ف يج��وز ب��الرحم. ورأيت إسماعيل بن إسحاق يذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم، وإنه خاص لله تعالى. قال النحاس: وقول بعضهم "واألرحام" قسم خط��أ من المع��نى واإلعراب؛ ألن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على النص��ب. وروى شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند النبي صلى الله علي��ه وس��لم ح��تى ج��اء ق��وم من مض��ر حف��اة ع��راة، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغ��ير لم��ا رأى من ف��اقتهم؛ ثم ص��لى الظه��ر وخطب الن��اس فق��ال: )ي��ا أيه��ا الن��اس اتق��وا ربكم، إلى: واألرحام(؛ ثم قال: )تصدق رجل بديناره تصدق رجل بدرهمه تص��دق رج��ل بصاع تمره...( وذكر الحديث. فمعنى ه��ذا على النص��ب؛ ألن��ه حض��هم على صلة أرحامهم. وأيضا فقد صح عن النبي صلى الله علي��ه وس��لم )من ك��ان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت(. فهذا ي��رد ق��ول من ق��ال: المع��نى أس��ألك بالله وبالرحم. وقد قال أبو إسحاق: مع��نى "تس��اءلون ب��ه" يع��ني تطلب��ون

حقوقكم به. وال معنى للخفض أيضا مع هذا. قلت: هذا ما وقفت عليه من القول. لعلماء اللس��ان في من��ع ق��راءة

"واألرحام" بالخفض، واختاره ابن عطية. ورده اإلمام أب��و نص��ر عب��دالرحيم بن عبدالكريم القشيري، واختار العطف فقال: ومثل هذا الكالم مردود عند أئمة الدين؛ ألن القراءات التي قرأ بها أئم��ة الق��راء ثبتت عن الن��بي ص��لى الله عليه وسلم تواترا يعرفه أهل الصنعة، وإذا ثبت شيء عن النبي ص��لى الله عليه وسلم فمن رد ذلك فقد رد على الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم،

واستقبح ما قرأ به، وهذا مقام محذور، وال يقلد فيه أئمة اللغة والنحو؛ فإن العربية تتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم، وال يشك أحد في فص��احته. وأما ما ذكر من الحديث ففيه نظر؛ ألنه علي��ه الس��الم ق��ال ألبي العش��راء: )وأبيك لو طعنت في خاصرته(. ثم النهي إنم�ا ج�اء في الحل��ف بغ�ير الل��ه، وهذا توسل إلى الغير بحق الرحم فال نهي فيه. ق��ال القش��يري: وق��د قي��ل هذا إقسام بالرحم، أي اتقوا الله وحق الرحم؛ كما تقول: افع��ل ك��ذا وح��ق أبيك. وقد جاء في التنزيل: "والنجم"، والطور، والتين، لعمرك" وهذا تكلف

وقلت: ال تكلف فيه فإنه ال يبعد أن يكون "واألرحام" من هذا القبيل، فيكون أقسم بها كما أقسم بمخلوقاته الدالة على وحدانيته وقدرت��ه تأكي��دا لها حتى قرنها بنفسه. والله أعلم. ولله أن يقسم بما ش��اء ويمن��ع م��ا ش��اء ويبيح ما شاء، فال يبعد أن يكون قسما. والعرب تقس��م ب��الرحم. ويص��ح أن

تكون الباء مرادة فحذفها كما حذفها في قوله: مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة وال ناعب إال ببين غرابها

فج��ر وإن لم يتق��دم ب��اء. ق��ال ابن ال��دهان أب��و محم��د س��عيد بن مب��ارك:والكوفي يجيز عطف الظاهر على المجرور وال يمنع منه. ومنه قوله:

آبك أيه بي أو مصدر من حمر الجلة جأب حشور ومنه:

فاذهب فما بك واأليام من عجب وقول اآلخر:

وما بينها والكعب غوط نفانف ومنه:

فحسبك والضحاك سيف مهند وقول اآلخر:

وقد رام آفاق السماء فلم يجد له مصعدا فيها وال األرض مقعدا وقول اآلخر:

ما إن بها واألمور من تلف ما حم من أمر غيبه وقعا وقول اآلخر:

أمر على الكتيبة لست أدري أحتفي كان فيها أم سواها ف� "سواها" مجرور الموض��ع بفي. وعلى ه��ذا حم��ل بعض��هم قول��ه تع��الى:

[ فعط��ف20"وجعلنا لكم فيها معايش ومن لس��تم ل��ه ب��رازقين" ]الحج��ر: على الكاف والميم. وقرأ عبدالله بن يزيد "واألرحام" بالرفع على االبت��داء، والخبر مقدر، تقديره: واألرحام أهل أن توص��ل. ويحتم��ل أن يك��ون إغ��راء؛

ألن من العرب من يرفع المغرى. وأنشد الفراء: إن قوما منهم عمير وأشباه عمير ومنهم السفاح لجديرون باللقاء إذا قال أخو النجدة السالح السالح

وقد قيل: إن "واألرحام" بالنصب عطف على موضع به؛ ألن موضعه نصب،ومنه قوله:

فلسنا بالجبال وال الحديدا وكانوا يقولون: أنشدك بالله والرحم. واألظهر أنه نصب بإض��مار فع��ل كم��ا

ذكرنا. @ اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة. وقد ص��ح أن النبي صلى الله عليه وسلم ق��ال ألس��ماء وق��د س��ألته أأص��ل أمي )نعم

صلي أمك( فأمرها بصلتها وهي ك��افرة. فلتأكي��دها دخ��ل الفض��ل في ص��لة الكافر، حتى انتهى الحال بأبي حنيفة وأصحابه فقالوا بتوارث ذوي األرح��ام إن لم يكن عصبة وال فرض مسمى، ويعتق��ون على من اش��تراهم من ذوي رحمهم لحرمة الرحم؛ وعضدوا ذلك بما رواه أبو داود أن النبي ص��لى الل��ه عليه وسلم قال: )من ملك ذا رحم محرم فهو ح��ر(. وه��و ق��ول أك��ثر أه��ل العلم. روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبدالله بن مسعود، وال يعرف لهما مخالف من الصحابة. وهو قول الحس��ن البص��ري وج��ابر بن زي��د وعط��اء والش��عبي والزه��ري، وإلي��ه ذهب الث��وري وأحم��د وإس��حاق. ولعلمائنا في ذلك ثالثة أقوال: األول - أنه مخصوص باآلباء واألجداد. الثاني - الجناحان يع�ني اإلخ�وة. الث�الث - كق��ول أبي حنيف�ة. وق�ال الش��افعي: ال يعتق عليه إال أوالده وآباؤه وأمهاته، وال يعتق عليه إخوت��ه وال أح��د من ذوي قرابته ولحمته. والص��حيح األول للح��ديث ال��ذي ذكرن��اه وأخرج��ه الترم��ذي والنسائي. وأحسن طرقه رواية النس��ائي ل��ه؛ رواه من ح��ديث ض��مرة عن سفيان عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الل��ه عليه وسلم: )من ملك ذا رحم محرم فقد عت��ق علي��ه(. وه��و ح��ديث ث��ابت بنقل العدل عن العدل ولم يقدح فيه أحد من األئمة بعلة توجب تركه؛ غ��ير أن النسائي قال في آخره: هذا حديث منكر. وقال غيره: تفرد ب��ه ض��مرة. وهذا هو معنى المنكر والشاذ في اصطالح المح��دثين. وض��مرة ع��دل ثق��ة،

وانفراد الثقة بالحديث ال يضره. والله أعلم. @ واختلفوا من هذا الباب في ذوي المحارم من الرضاعة. فقال أكثر أه��ل العلم ال يدخلون في مقتضى الحديث. وقال شريك القاضي بعتقهم. وذهب أه��ل الظ��اهر وبعض المتكلمين إلى أن األب ال يعت��ق على االبن إذا ملك��ه؛ واحتج��وا بقول��ه علي��ه الس��الم: )ال يج��زي ول��د وال��دا إال أن يج��ده مملوك��ا فيشتريه فيعتقه(. قالوا: فإذا صح الشراء فقد ثبت الملك، ولصاحب الملك التص��رف. وه��ذا جه��ل منهم بمقاص��د الش��رع؛ ف��إن الل��ه تع��الى يق��ول:

[ فق��د ق��رن بين عبادت��ه وبين اإلحس��ان23"وبالوالدين إحسانا" ]اإلس��راء: للوالدين في الوجوب، وليس من اإلحسان أن يبقى والده في ملك��ه وتحت سلطانه؛ فإذا يجب عليه عتقه إم��ا ألج��ل المل��ك عمال بالح��ديث )فيش��تريه فيعتقه(، أو ألجل اإلحسان عمال باآلي��ة. ومع��نى الح��ديث عن��د الجمه��ور أن الولد لما تسبب إلى عتق أبي��ه باش��ترائه نس��ب الش��رع العت��ق إلي��ه نس��بة اإليقاع منه. وأما اختالف العلماء فيمن يعتق بالملك، فوجه القول األول م��ا ذكرن��اه من مع��نى الكت��اب والس��نة، ووج��ه الث��اني إلح��اق القراب��ة القريب��ة المحرمة باألب الم��ذكور في الح��ديث، وال أق��رب للرج��ل من ابن��ه فيحم��ل على األب، واألخ يقاربه في ذلك ألنه يدلي باألبوة؛ فإنه يقول: أنا ابن أبي��ه.

وأما القول الثالث فمتعلقه حديث ضمرة وقد ذكرناه. والله أعلم. @قوله تعالى: "واألرحام" الرحم اس��م لكاف��ة األق��ارب من غ��ير ف��رق بين المحرم وغيره. وأبو حنيفة يعتبر الرحم المحرم في منع الرجوع في الهب��ة، ويجوز الرج��وع في ح��ق ب��ني األعم��ام م��ع أن القطيع�ة موج��ودة والقراب��ة حاص��لة؛ ول��ذلك تعل��ق به��ا اإلرث والوالي��ة وغيرهم��ا من األحك��ام. فاعتب��ار المحرم زيادة على نص الكت��اب من غ��ير مس��تند. وهم ي��رون ذل��ك نس��خا، سيما وفيه إشارة إلى التعليل بالقطيعة، وقد جوزوها في حق بني األعم��ام

وبني األخوال والخاالت. والله أعلم.

@قوله تع�الى: "إن الل�ه ك�ان عليكم رقيب�ا" )أي حفيظ�ا(؛ عن ابن عب��اس ومجاه��د. ابن زي��د: عليم��ا. وقي��ل: "رقيب��ا" حافظ��ا؛ قي��ل: بمع��نى فاع��ل. فالرقيب من صفات الله تعالى، والرقيب: الحافظ والمنتظ��ر؛ تق��ول رقبت أرقب رقبة ورقبانا إذا انتظرت. والمرقب: المكان العالي المش��رف، يق��ف عليه الرقيب. والرقيب: السهم الثالث من السبعة التي لها أنصباء. ويق��ال:

إن الرقيب ضرب من الحيات، فهو لفظ مشترك. والله أعلم. }وآتوا اليتامى أموالهم وال تتب��دلوا الخ��بيث ب��الطيب وال ت��أكلوا2*اآلية: 3*

أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا{ @قوله تعالى: "وآتوا اليتامى أموالهم" وأراد باليت��امى ال��ذين ك��انوا أيتام��ا؛

[ وال سحر مع الس��جود،120كقوله: "وألقي السحرة ساجدين "]األعراف: فكذلك ال يتم مع البلوغ. وكان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يتيم أبي طالب" استصحابا لما كان. "وآتوا" أي أعطوا. واإليتاء اإلعطاء. ولفالن أتو، أي عطاء. أبو زيد: أتوت الرجل آت�وه إت��اوة، وهي الرش��وة. والي��تيم من لم يبلغ الحلم، وقد تقدم في "البقرة" مستوفى. وه��ذه اآلي��ة خط��اب لألولي��اء واألوصياء. نزلت - في قول مقات��ل والكل��بي - في رج��ل من غطف��ان ك��ان معه مال كثير البن أخ له يتيم، فلم��ا بل��غ الي��تيم طلب الم��ال فمنع��ه عم��ه؛ فنزلت، فقال العم: نعوذ بالله من الحوب الكبير! ورد الم��ال. فق��ال الن��بي صلى الله عليه وسلم: )من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يح��ل داره( يعني جنت��ه. فلم��ا قبض الف��تى الم��ال أنفق��ه في س��بيل الل��ه، فق��ال علي��ه السالم: )ثبت األجر وبقي الوزر(. فقيل: كيف يا رسول الل��ه؟ فق��ال: )ثبت

األجر للغالم وبقي الوزر على والده( ألنه كان مشركا. @ وإيتاء اليتامى أموالهم يكون بوجهين: أحدهما - إجراء الطعام والكس��وة ما دامت الوالية؛ إذ ال يمكن إال ذلك لمن ال يستحق األخذ الكلى واالستبداد كالصغير والسفيه الكبير. الثاني - اإليتاء بالتمكن وإسالم المال إليه، وذل��ك عند االبتالء واإلرشاد، وتكون تسميته مجازا، المعنى: الذي كان يتيم��ا، وه��و استصحاب االس��م؛ كقول��ه تع��الى: "وألقي الس��حرة س��اجدين" ]األع��راف:

[ أي الذين كانوا سحرة. وك��ان يق��ال للن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم:120 "يتيم أبي طالب". فإذا تحقق الولي رشده ح��رم علي��ه إمس��اك مال��ه عن��ه وكان عاصيا. وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمسا وعشرين سنة أعطي ماله كله

على كل حال، ألنه يصير جدا. قلت: لما لم يذكر الله تعالى في هذه اآلية إيناس الرشد وذك��ره في

قوله تعالى: "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ف��إن آنس��تم منهم رش��دا [. ق��ال أب��و بك��ر ال��رازي الحنفي في6ف��ادفعوا إليهم أم��والهم" ]النس��اء:

أحك��ام الق��رآن: لم��ا لم يقي��د الرش��د في موض��ع وقي��د في موض��ع وجب استعمالهما، فأقول: إذا بلغ خمسا وعشرين سنة وهو سفيه لم يؤنس من��ه الرشد، وجب دفع المال إلي��ه، وإن ك��ان دون ذل�ك لم يجب، عمال ب��اآليتين. وقال أبو حنيفة: لما بلغ رشده صار يصلح أن يكون جدا فإذا صار يص��لح أن يكون جدا فكيف يصح إعطاؤه المال بعلة اليتم وباسم اليتيم؟! وه��ل ذل��ك إال في غاية البعد؟. قال ابن العربي: وهذا باطل ال وج��ه ل��ه؛ ال س��يما على أصله الذي يرى المقدرات ال تثبت قياسا وإنما تؤخذ من جهة النص، وليس

في هذه المسألة. وسيأتي ما للعلماء في الحجر إن شاء الله تعالى.

@قوله تعالى: "وال تتبدلوا الخبيث ب�الطيب" أي ال تتب�دلوا الش�اة الس��مينة من مال اليتيم بالهزيل��ة، وال ال��درهم الطيب ب��الزيف. وك��انوا في الجاهلي��ة لعدم الدين ال يتحرجون عن أموال اليتامى، فكانوا يأخ��ذون الطيب والجي��د من أموال اليتامى ويبدلونه ب��الرديء من أم��والهم؛ ويقول��ون: اس��م باس��م ورأس برأس؛ فنهاهم الله عن ذلك. هذا قول سعيد بن المسيب والزه��ري والسدي والضحاك وهو ظاهر اآلية. وقيل: المعنى ال تأكلوا أم��وال اليت��امى وهي محرمة خبيثة وتدعوا الطيب وه��و م��الكم. وق��ال مجاه��د وأب��و ص��الح وباذان: ال تتعجلوا أكل الخ�بيث من أم�والهم وت�دعوا انتظ�ار ال�رزق الحالل من عند الله. وقال ابن زيد: كان أهل الجاهلية ال يورثون النس��اء والص��بيان ويأخذ األكبر الم��يراث. عط��اء: ال ت��ربح على يتيم��ك ال��ذي عن��دك وه��و غ��ر صغير. وهذان القوالن خارجان عن ظاهر اآلي��ة؛ فإن��ه يق��ال: تب��دل الش��يء

بالشيء أي أخذه مكانه. ومنه البدل. @قوله تعالى: "وال تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" ق��ال مجاه��د: وه��ذه اآلي��ة ناهية عن الخلط في اإلنفاق؛ فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفق��ة أيتامه��ا

[.220فنهوا عن ذلك، ثم نسخ بقوله "وإن تخالطوهم فإخوانكم" ]البق�رة: وقال ابن فورك عن الحسن: تأول الناس في هذه اآلي��ة النهي عن الخل��ط فاجتنبوه من قبل أنفسهم، فخفف عنهم في آية البقرة. وقالت طائف��ة من المتأخرين: إن "إلى" بمع��نى م��ع، كقول��ه تع��الى: "من أنص��اري إلى الل��ه"

[. وأنشد القتبي:14]الصف: يسدون أبواب القباب بضمر إلى عنن مستوثقات األواصر

وليس بجيد. وقال الح��ذاق: "إلى" على بابه��ا وهي تتض��من اإلض��افة، أي ال تضيفوا أموالهم وتضموها إلى أموالكم في األكل. فنهوا أن يعتق��دوا أم��وال

اليتامى كأموالهم فيتسلطوا عليها باألكل واالنتفاع. @قوله تعالى: "إنه كان حوبا كبيرا" "إنه "أي األكل" كان حوب��ا كب��يرا" )أي إثما كبيرا(؛ عن ابن عباس والحسن وغيرهم�ا. يق�ال: ح�اب الرج�ل يح�وب حوبا إذا أثم. وأصله الزجر لإلبل؛ فسمي اإلثم حوب��ا؛ ألن��ه يزج�ر عن��ه وب��ه. ويق��ال في ال��دعاء: اللهم اغف��ر حوب��تي؛ أي إثمي. والحوب��ة أيض��ا الحاج��ة. ومنه في الدعاء: إليك أرفع حوب��تي؛ أي ح��اجتي. والح��وب الوحش��ة؛ ومن��ه قوله عليه السالم ألبي أيوب: )إن طالق أم أيوب لحوب(. وفيه ثالث لغات "حوبا" بضم الح��اء وهي ق��راءة العام��ة ولغ��ة أه��ل الحج��از. وق��رأ الحس��ن

"حوبا" بفتح الحاء. وقال األخفش: وهي لغة تميم. مقاتل: لغة الحبش.الحيابة. والحوب االسم. وقرأ أبي بن كعب المصدر، وكذلك والحوب

"حابا" على المصدر مثل القال. ويجوز أن يكون اسما مثل الزاد. والحوأب )بهمزة بعد الواو(. المكان الواسع. والحوأب ماء أيضا. ويق��ال: ألح��ق الل��ه به الحوبة أي المسكنة والحاجة؛ ومنه قولهم: بات بحيبة سوء. وأصل الي��اء ال��واو. وتح��وب فالن أي تعب��د وألقى الح��وب عن نفس��ه. والتح��وب أيض��ا التح��زن. وه��و أيض��ا الص��ياح الش��ديد؛ ك��الزجر، وفالن يتح��وب من ك��ذا أي

يتوجع وقال طفيل: فذوقوا كما ذقنا غداة محجر من الغيظ في أكبادنا والتحوب }وإن خفتم أال تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما ط��اب لكم من3*اآلية: 3*

النساء مثنى وثالث ورباع فإن خفتم أال تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكمذلك أدنى أال تعولوا{

@قول��ه تع��الى: "وإن خفتم" ش��رط، وجواب��ه "ف��انكحوا". أي إن خفتم أال تعدلوا في مهورهن وفي النفقة عليهن "فانكحوا ما طاب لكم" أي غيرهن. وروى األئمة واللفظ لمسلم عن عروة بن الزبير عن عائشة في قول الل��ه تع��الى: "وإن خفتم أال تقس��طوا في اليت��امى ف��انكحوا م��ا ط��اب لكم من النساء مثنى وثالث ورباع" قالت: يا ابن أختي هي اليتيم��ة تك��ون في حج��ر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجماله��ا فيري��د وليه��ا أن يتزوجه��ا من غ��ير أن يقس��ط في ص��داقها فيعطيه��ا مث��ل م��ا يعطيه��ا غ��يره، فنه��وا أن ينكحوهن إال أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. وذكر الحديث. وقال ابن خ��ويز منداد: ولهذا قلنا إنه يجوز أن يشتري الوصي من مال اليتيم لنفسه، وي��بيع من نفسه من غير محاباة. وللموكل النظر فيما اشترى وكيله لنفسه أو باع منها. وللسلطان النظر فيما يفعله الوصي من ذلك. فأما األب فليس ألح��د عليه نظر ما لم تظهر عليه المحاباة فيعترض علي��ه الس��لطان حينئ��ذ؛ وق��د مضى في "البقرة" القول في هذا. وقال الض��حاك والحس��ن وغيرهم��ا: إن اآلية ناس��خة لم��ا ك��ان في الجاهلي��ة وفي أول اإلس��الم؛ من أن للرج��ل أن يتزوج من الحرائر ما ش��اء، فقص��رتهن اآلي��ة على أرب��ع. وق��ال ابن عب��اس وابن جبير وغيرهم��ا: )المع��نى وإن خفتم أال تقس��طوا في اليت��امى فك��ذلك خ��افوا في النس��اء(؛ ألنهم ك��انوا يتحرج��ون في اليت��امى وال يتحرج��ون في النساء و"خفتم" من األضداد؛ فإنه يكون المخوف منه معلوم الوقوع، وق��د يكون مظنونا؛ فلذلك اختل��ف العلم��اء في تفس��ير ه��ذا الخ��وف. فق��ال أب��و عبي��دة: "خفتم" بمع��نى أيقنتم. وق��ال آخ��رون: "خفتم" ظننتم. ق��ال ابن عطية: وهذا الذي اختاره الح��ذاق، وأن��ه على باب��ه من الظن ال من اليقين. التق��دير من غلب على ظن��ه التقص��ير في القس��ط لليتيم��ة فليع��دل عنه��ا. و"تقسطوا" معناه تعدلوا. يقال: أقسط الرج��ل إذا ع��دل. وقس��ط إذا ج��ار وظلم ص��احبه. ق��ال الل��ه تع��الى: "وأم��ا القاس��طون فك��انوا لجهنم حطب��ا"

[ يعني الجائرون. وقال علي��ه الس��الم: )المقس��طون في ال��دين15]الجن: على منابر من نور يوم القيامة( يع��ني الع��ادلين. وق��رأ ابن وث��اب والنخعي "تقسطوا" بفتح التاء من قسط على تقدير زيادة "ال" كأنه قال: وإن خفتم

أن تجوروا. @قوله تعالى: "فانكحوا ما ط��اب لكم من النس��اء" إن قي��ل: كي��ف ج��اءت "ما" لآلدميين وإنم��ا أص��لها لم��ا ال يعق��ل؛ فعن��ه أجوب��ة خمس��ة: األول - أن "من" و"ما" قد يتعاقبان؛ قال الله تعالى: "والسماء وما بناه��ا" ]الش��مس:

[ أي ومن بناها. وقال "فمنهم من يمش��ي على بطن��ه ومنهم من يمش��ي5 [. فما ههنا لمن يعق��ل45على رجلين ومنهم من يمشي على أربع" ]النور:

وهن النساء؛ لقوله بعد ذلك "من النساء" مبينا لمبهم. وق��رأ ابن أبي عبل��ة "من طاب" على ذكر من يعقل. الثاني: قال البصريون: "ما" تق��ع للنع��وت كما تقع لما ال يعق��ل يق��ال: م��ا عن��دك؟ فيق��ال: ظري��ف وك��ريم. ف��المعنى فانكحوا الطيب من النساء؛ أي الحالل، وما حرمه الل��ه فليس بطيب. وفي التنزيل "وما رب العالمين" فأجابه موس��ى على وف��ق م��ا س��أل؛ وس��يأتي. الث��الث: حكى بعض الن��اس أن "م��ا" في ه��ذه اآلي��ة ظرفي��ة، أي م��ا دمتم تستحسنون النكاح قال ابن عطية: وفي هذا الم��نزع ض��عف. ج��واب راب��ع: ق��ال الف��راء "م��ا" ههن��ا مص��در. وق��ال النح��اس: وه��ذا بعي��د ج�دا؛ ال يص��ح

فانكحوا الطيبة. قال الجوهري: ط��اب الش��يء يطيب طيب��ة وتطياب��ا. ق��العلقمة:

كأن تطيابها في األنف مشموم جواب خ��امس: وه��و أن الم��راد بم��ا هن��ا العق��د؛ أي ف��انكحوا نكاح��ا طيب��ا. وقراءة ابن أبي عبلة ترد هذه األقوال الثالثة. وحكى أبو عمرو بن العالء أن أهل مكة إذا سمعوا الرعد قالوا: سبحان ما سبح له الرعد. أي سبحان من سبح له الرعد. ومثله ق��ولهم: س��بحان م��ا س��خركن لن��ا. أي من س��خركن. واتفق كل من يعاني العلوم على أن قول��ه تع�الى: "وإن خفتم أال تقس��طوا في اليتامى" ليس له مفهوم؛ إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليت��امى ل�ه أن ينكح أك��ثر من واح�دة: اثن��تين أو ثالث��ا أو أربع�ا كمن خاف. فدل على أن اآلية نزلت جوابا لمن خاف ذلك، وأن حكمها أعم

من ذلك. @ تعلق أبو حنيفة بهذه اآلية في تجويزه نكاح اليتيمة قب��ل البل��وغ. وق��ال: إنما تكون يتيمة قبل البلوغ، وبعد البلوغ هي امرأة مطلقة ال يتيم��ة؛ ب��دليل أنه لو أراد البالغة لما نهى عن حطه��ا عن ص��داق مثله��ا؛ ألنه��ا تخت��ار ذل��ك فيجوز إجماعا. وذهب مالك والشافعي والجمهور من العلم��اء إلى أن ذل��ك ال يج��وز ح��تى تبل��غ وتس��تأمر؛ لقول��ه تع��الى: "ويس��تفتونك في النس��اء"

[ والنس��اء اس��م ينطل��ق على الكب��ار كالرج��ال في ال��ذكور،127]النس��اء: واسم الرجل ال يتن��اول الص��غير؛ فك��ذلك اس��م النس��اء، والم��رأة ال يتن��اول

[ والم��راد ب��ه هن��اك127الصغيرة. وقد قال: "في يتامى النساء" ]النس��اء: اليتامى هنا؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها. فق��د دخلت اليتيم��ة الكب��يرة في اآلية فال تزوج إال بإذنها، وال تنكح الصغيرة إذ ال إذن لها، فإذا بلغت ج��از نكاحها لكن ال تزوج إال بإذنه�ا. كم�ا رواه ال�دارقطني من ح�ديث محم��د بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: زوجني خ��الي قدام��ة بن مظع��ون بنت أخيه عثمان بن مظعون، فدخل المغيرة بن ش��عبة على أمه��ا، فأرغبه��ا في المال وخطبها إليها، فرفع شأنها إلى الن��بي ص�لى الل�ه علي��ه وس��لم فق��ال قدامة: يا رسول الله ابنة أخي وأنا وصي أبيها ولم أقص��ر به��ا، زوجته��ا من قد علمت فضله وقرابته. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إنه��ا يتيمة واليتيمة أولى بأمرها( فنزعت مني وزوجها المغ��يرة بن ش��عبة. ق��ال الدارقطني: لم يسمعه محمد بن إسحاق من نافع، وإنم��ا س��معه من عم��ر بن حس��ين عن��ه. ورواه ابن أبي ذئب عن عم��ر بن حس��ين عن ن��افع عن عبدالله بن عمر: أنه تزوج بنت خاله عثمان بن مظعون قال: ف��ذهبت أمه��ا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي تكره ذل��ك. ف��أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها ففارقها. وقال: )وال تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن فإذا سكتن فهو إذنها(. فتزوجها بعد عبدالل��ه المغ��يرة بن شعبة. فهذا يرد م��ا يقول�ه أب��و حنيف��ة من أنه��ا إذا بلغت لم تحتج إلى ولي، بناء على أصله في عدم اشتراط الولي في ص�حة النك��اح. وق��د مض��ى في "البقرة" ذكره؛ فال معنى لقولهم: إن هذا الحديث محمول على غير البالغة

لقوله )إال بإذنها( فإنه كان ال يكون لذكر اليتيم معنى والله أعلم. @ وفي تفسير عائشة لآلية من الفقه ما قال به مالك صداق المثل، والرد إليه فيما فسد من الص��داق ووق��ع الغبن في مق��داره؛ لقوله��ا: )ب��أدنى من سنة صداقها(. فوجب أن يكون صداق المثل معروفا لكل صنف من الناس

على قدر أحوالهم. وقد قال مالك: للناس مناكح ع��رفت لهم وعرف��وا له��ا. أي صدقات وأكفاء. وسئل مال��ك عن رج��ل زوج ابنت��ه غني��ة من ابن أخ ل��ه فقير فاعترضت أمها فقال: إني ألرى لها في ذلك متكلم��ا. فس��وغ له��ا في ذلك الكالم حتى يظهر هو من نظره ما يس��قط اع��تراض األم علي��ه. وروى "ال أرى" بزيادة األلف واألول أصح. وجائز لغ��ير اليتيم��ة أن تنكح ب��أدنى من صداق مثلها؛ ألن اآلية إنما خرجت في اليتامى. هذا مفهومها وغ��ير اليتيم��ة

بخالفها. فإذا بلغت اليتيمة وأقسط الولي في صداقها جاز له أن يتزوجها، ويكون

هو الناكح والمنكح على ما فسرته عائشة. وب��ه ق��ال أب��و حنيف��ة واألوزاعي والثوري وأبو ث��ور، وقال��ه من الت��ابعين الحس��ن وربيع��ة، وه��و ق��ول الليث. وقال زفر والشافعي: ال يجوز له أن يتزوجها إال بإذن السلطان، أو يزوجه��ا منه ولي لها هو أقعد بها منه؛ أو مثل�ه في القع�ود؛ وأم�ا أن يت�ولى ط�رفي العق��د بنفس��ه فيك��ون ناكح��ا منكح��ا فال. واحتج��وا ب��أن الوالي��ة ش��رط من شروط العقد لقوله عليه السالم: )ال نكاح إال بولي وشاهدي عدل(. فتعديد الن��اكح والمنكح والش��هود واجب؛ ف��إذا اتح��د اثن��ان منهم س��قط واح��د من الم��ذكورين. وفي المس��ألة ق��ول ث��الث، وه��و أن تجع��ل أمره��ا إلى رج��ل يزوجها منه. روي هذا عن المغ��يرة بن ش��عبة، وب��ه ق��ال أحم��د، ذك��ره ابن

المنذر. @قوله تعالى: "ما طاب لكم من النساء" معناه ما ح��ل لكم؛ عن الحس��ن وابن جب��ير وغيرهم��ا. واكتفى ب��ذكر من يج��وز نكاح��ه؛ ألن المحرم��ات من النساء كثير. وقرأ ابن إسحاق والجحدري وحم��زة "ط��اب" "باإلمال��ة" وفي مصحف أبي "طيب" بالياء؛ فهذا دليل اإلمالة. "من النساء" دلي�ل على أن�ه ال يقال نساء إال لمن بلغ الحلم. وواحد النساء نسوة، وال واح��د لنس��وة من

لفظه، ولكن يقال امرأة. @قول�ه تع�الى: "مث�نى وثالث ورب�اع" وموض�عها من اإلع�راب نص�ب على البدل من "ما" وهي نكرة ال تنصرف؛ ألنه��ا معدول��ة وص��فة؛ ك��ذا ق��ال أب��و علي. وقال الطبري: هي معارف؛ ألنها ال يدخلها األلف والالم، وهي بمنزل��ة عم��ر في التعري��ف؛ ق��ال الك��وفي. وخط��أ الزج��اج ه��ذا الق��ول. وقي��ل: لم ينصرف؛ ألنه مع��دول عن لفظ��ه ومعن��اه، فأح��اد مع��دول عن واح��د واح��د، ومثنى معدولة عن اثنين اث��نين، وثالث معدول��ة عن ثالث��ة ثالث��ة، ورب��اع عن أربعة أربعة. وفي كل واحد منها لغتان: فع��ال ومفع��ل؛ يق��ال أح��اد وموح��د وثناء ومثنى وثالث ومثلث ورباع ومربع، وكذلك إلى معشر وعش��ار. وحكى أبو إسحاق الثعلبي لغة ثالثة: أحد وثنى وثلث وربع مثل عمر وزفر. وكذلك قرأ النخعي في هذه اآلي��ة. وحكى المه��دوي عن النخعي وابن وث��اب "ثالث

وربع" بغير ألف في ربع فهو مقصور من رباع استخفافا؛ كما قال: أقبل سيل جاء من عند الله يحرد حرد الجنة المغلة

قال الثعلبي: وال يزاد من هذا البناء على األربع إال بيت جاء عن الكميت: فلم يستريثوك حتى رمي� �ت فوق الرجال خصاال عشارا

يعني طعنت عشرة. وقال ابن الدهان: وبعضهم يقف على المس��موع وه��و من أحاد إلى رباع وال يعتبر بالبيت لشذوذه. وقال أب��و عم��رو بن الح��اجب: ويقال أحاد وموحد وثناء ومثنى وثالث ومثلث ورباع ومربع. وهل يقال فيما ع��داه إلى التس��عة أو ال يق��ال؟ في��ه خالف أص��حها أن��ه لم يثبت. وق��د نص

البخاري في صحيحه على ذلك. وكونه معدوال عن معناه أنه ال يستعمل في موضع تستعمل فيه األعداد غير المعدولة؛ تق��ول: ج��اءني اثن��ان وثالث��ة، وال يجوز مثنى وثالث حتى يتق��دم قبل��ه جم��ع، مث��ل ج��اءني الق��وم أح��اد وثن��اء وثالث ورباع من غير تكرار. وهي في موضع الحال هن��ا وفي اآلي��ة، وتك��ون صفة؛ ومثال كون هذه األعداد صفة يت��بين في قول��ه تع��الى: "أولي أجنح��ة

[ فهي ص��فة لألجنح��ة وهي نك��رة. وق��ال1مث��نى وثالث ورب��اع" ]ف��اطر: ساعدة بن جؤية:

ولكنما أهلي بواد أنيسه ذئاب تبغي الناس مثنى وموحد وأنشد الفراء:

قتلنا به من بين مثنى وموحد بأربعة منكم وآخر خامس فوصف ذئابا وهي نك��رة بمث��نى وموح��د، وك��ذلك بيت الف��راء؛ أي قتلن��ا ب��ه ناسا، فال تنصرف إذا هذه األس��ماء في معرف��ة وال نك��رة. وأج��از الكس��ائي والفراء صرفه في العدد على أن��ه نك��رة. وزعم األخفش أن��ه إن س�مى ب�ه

صرفه في المعرفة والنكرة؛ ألنه قد زال عنه العدل. @ اعلم أن هذا العدد مثنى وثالث ورباع ال يدل على إباحة تسع، كم��ا ق��ال من بعد فهمه للكتاب والسنة، وأعرض عم��ا ك�ان علي��ه س��لف ه�ذه األم��ة، وزعم أن الواو جامعة؛ وعضد ذلك بأن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم نكح تسعا، وجمع بينهن في عصمته. والذي صار إلى ه��ذه الجهال��ة، وق��ال ه��ذه المقالة الرافضة وبعض أهل الظاهر؛ فجعلوا مثنى مثل اثنين، وكذلك ثالث ورباع. وذهب بعض أهل الظاهر أيضا إلى أقبح منها، فق��الوا بإباح��ة الجم��ع بين ثمان عشرة؛ تمسكا منه بأن العدل في تلك الصيغ يفيد التكرار وال��واو للجمع؛ فجعل مثنى بمعنى اثنين اثنين وكذلك ثالث ورباع. وه��ذا كل��ه جه�ل باللسان والسنة، ومخالفة إلجماع األمة، إذ لم يسمع عن أحد من الص��حابة وال التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع. وأخ��رج مال��ك في موطئ��ه، والنسائي والدارقطني في سننهما أن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ق��ال لغيالن بن أمية الثقفي وقد أس��لم وتحت��ه عش��ر نس��وة: )اخ��تر منهن أربع��ا وفارق سائرهن(. في كتاب أبي داود عن الح��ارث بن قيس ق��ال: أس��لمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: )اخ��تر منهن أربعا(. وق��ال مقات��ل: إن قيس بن الح��ارث ك��ان عن��ده ثم��ان نس��وة حرائر؛ فلما نزلت هذه اآلية أمره رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم أن يطلق أربعا ويمسك أربعا. كذا قال: "قيس بن الحارث"، والصواب أن ذلك ك��ان ح��ارث بن قيس األس��دي كم��ا ذك��ر أب��و داود. وك��ذا روى محم��د بن الحس��ن في كت��اب الس��ير الكب��ير: أن ذل��ك ك��ان ح��ارث بن قيس، وه��و المعروف عند الفقهاء. وأما ما أبيح من ذلك للنبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم فذلك من خصوصياته؛ على ما يأتي بيانه في "األح��زاب". وأم��ا ق��ولهم: إن الواو جامعة؛ فقد قيل ذلك، لكن الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغ��ات. والعرب ال تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين وثالثة وأربع��ة. وك��ذلك تس��تقبح ممن يقول: اعط فالنا أربعة ستة ثمانية، وال يقول ثمانية عشر. وإنما ال�واو في هذا الموضع بدل؛ أي انكحوا ثالثا بدال من مث��نى، ورب��اع ب��دال من ثالث؛ ولذلك عطف بالواو ولم يعطف بأو. ول�و ج��اء ب��أو لج��از إال يك��ون لص��احب المثنى ثالث، وال لصاحب الثالث رباع. وأما قولهم: إن مثنى تقتضي اث��نين، وثالث ثالثة، ورباع أربعة، فتحكم بما ال يوافقهم أهل اللسان عليه، وجهال��ة

منهم. وكذلك جهل اآلخ��رين، ب��أن مث��نى تقتض��ي اث��نين اث��نين، وثالث ثالث��ة ثالثة، ورباع أربعة أربع��ة، ولم يعلم��وا أن اث��نين اث��نين.، وثالث��ا ثالث��ا، وأربع��ا أربعا، حصر للعدد. ومثنى وثالث ورباع بخالفه��ا. ففي الع��دد المع��دول عن��د العرب زيادة معنى ليست في األصل؛ وذلك أنه��ا إذا ق��الت: ج��اءت الخي��ل مثنى، إنما تع�ني ب��ذلك اث��نين اث��نين؛ أي ج�اءت مزدوج��ة. ق��ال الج��وهري: وكذلك معدول العدد. وق��ال غ��يره: إذا قلت ج��اءني ق��وم مث��نى أو ثالث أو أحاد أو عشار، فإنما تريد أنهم جاؤوك واحدا واحدا، أو اثنين اثنين، أو ثالث��ة ثالثة، أو عشرة عشرة، وليس هذا المعنى في األصل؛ ألنك إذا قلت جاءني قوم ثالثة ثالثة، أو قوم عشرة عشرة، فقد حصرت عدة القوم بقولك ثالثة وعشرة. فإذا قلت جاؤوني رباع وثناء فلم تحصر ع��دتهم. وإنم��ا تري��د أنهم جاؤوك أربعة أربعة أو اثنين اثنين. وسواء كثر عددهم أو قل في هذا الباب،

فقصرهم كل صيغة على أقل ما تقتضيه بزعمه تحكم. @ وأما اختالف علم�اء المس�لمين في ال�ذي ي�تزوج خامس�ة وعن�ده أرب�ع: فقال مالك والشافعي: عليه الحد إن كان عالما. وب��ه ق��ال أب��و ث��ور. وق��ال الزهري: يرجم إذا كان عالما، وإن كان جاهال أدنى الحدين الذي هو الجل��د، ولها مهرها ويفرق بينهما وال يجتمعان أبدا. وقالت طائف��ة: ال ح��د علي��ه في شيء من ذلك. ه��ذا ق��ول النعم��ان. وق��ال يعق��وب ومحم��د: يح��د في ذات المحرم وال يحد في غير ذلك من النكاح. وذلك مثل أن ي��تزوج مجوس��ية أو خمسة في عقدة أو تزوج متعة أو تزوج بغ��ير ش��هود، أو أم��ة تزوجه��ا بغ��ير إذن موالها. وقال أبو ثور: إذا علم أن هذا ال يحل له يجب أن يحد في��ه كل��ه إال ال��تزوج بغ��ير ش��هود. وفي��ه ق��ول ث��الث قال��ه النخعي في الرج��ل ينكح الخامسة متعمدا قب��ل أن تنقض��ي ع��دة الرابع��ة من نس��ائه: جل��د مائ��ة وال ينفى. فهذه فتيا علمائنا في الخامسة على ما ذكره ابن المنذر فكي��ف بم��ا

فوقها. @ ذك��ر الزب��ير بن بك��ار ح��دثني إب��راهيم الح��زامي عن محم��د بن معن الغفاري قال: أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فق��الت: ي��ا أمير المؤمنين، إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل وأن��ا أك��ره أن أش��كوه، وهو يعمل بطاعة الله عز وجل. فقال لها: نعم الزوج زوجك: فجعلت تكرر عليه الق��ول وه��و يك��رر عليه��ا الج��واب. فق��ال ل�ه كعب األس��دي: ي��ا أم��ير المؤمنين، هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدت��ه إياه��ا عن فراش��ه. فق��ال عمر: )كما فهمت كالمها فاقض بينهما(. فقال كعب: علي بزوجها، فأتي به فقال له: إن امرأتك ه��ذه تش��كوك. ق��ال: أفي طع��ام أم ش��راب؟ ق��ال ال.

فقالت المرأة: يا أيها القاضي الحكيم رشده ألهى خليلي عن فراشي مسجده زهده في مضجعي تعبده فاقض القضا كعب وال تردده نهاره وليله ما يرقده فلست في أمر النساء أحمده

فقال زوجها:زهدني في فرشها وفي الحجل أني امرؤ أذهلني ما قد نزل في سورة النحل وفي السبع الطول وفي كتاب الله تخويف جلل

فقال كعب:إن لها عليك حقا يا رجل نصيبها في أربع لمن عقل

فأعطها ذاك ودع عنك العلل

ثم قال: إن الله عز وجل قد أحل لك من النساء مث��نى وثالث ورب��اع، فل��ك ثالثة أي�ام ولي�اليهن تعب�د فيهن رب�ك. فق�ال عم�ر: )والل�ه م�ا أدري من أي أمريك أعجب؟ أمن فهمك أمرهما أم من حكمك بينهما؟ اذهب فقد وليت��ك قضاء البصرة(. وروى أبو هدبة إبراهيم بن هدبة حدثنا أنس بن مالك ق��ال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تس��تعدي زوجه��ا، فق��الت: ليس لي م�ا للنس�اء؛ زوجي يص�وم ال�دهر. ق�ال: )ل�ك ي�وم ول�ه ي�وم، للعب�ادة ي�وم

وللمرأة يوم(. @قول�ه تع�الى: "ف�إن خفتم أال تع�دلوا" ق�ال الض�حاك وغ�يره: في المي�ل والمحبة والجماع والعشرة والقسم بين الزوج��ات األرب��ع والثالث واالثن��تين "فواحدة" فمنع من الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل في القس�م وحس�ن العشرة. وذل��ك دلي��ل على وج��وب ذل��ك، والل��ه أعلم. وق��رئت ب��الرفع، أي فواحدة فيها كفاية أو كافية. وقال الكسائي: فواحدة تقنع. وقرئت بالنصب

بإضمار فعل، أي فانكحوا واحدة. @قول��ه تع��الى: "أو م��ا ملكت أيم��انكم" يري��د اإلم��اء. وه��و عط��ف على "فواحدة" أي إن خاف أال يعدل في واحدة فما ملكت يمينه. وفي هذا دليل على أال حق لملك اليمين في الوطء وال القسم؛ ألن المعنى "فإن خفتم أال تعدلوا" في القسم "فواحدة أو ما ملكت أيمانكم" فجعل مل��ك اليمين كل��ه بمنزلة واحدة، فانتفى بذلك أن يكون لإلماء حق في الوطء أو في القس��م. إال أن ملك اليمين في العدل قائم بوجوب حسن الملكة والرف��ق ب��الرقيق. وأس��ند تع��الى المل��ك إلى اليمين إذ هي ص��فة م��دح، واليمين مخصوص��ة بالمحاسن لتمكنها. أال ترى أنها المنفقة؟ كما ق��ال علي��ه الس��الم: )ح��تى ال تعلم شماله ما تنف�ق يمين�ه( وهي المعاه�دة المبايع�ة، وبه�ا س�ميت األلي�ة

يمينا، وهي المتلقية لرايات المجد؛ كما قال:إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين

@قول�ه تع�الى: "ذل�ك أدنى أال تعول��وا" أي ذل�ك أق�رب إلى أال تميل��وا عن الحق وتجوروا؛ عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما. يقال: ع��ال الرج��ل يع��ول إذا جار ومال. ومنه ق��ولهم: ع��ال الس��هم عن اله�دف م��ال عن��ه. ق��ال ابن

عمر: )إنه لعائل الكيل والوزن(؛ قال الشاعر: قالوا اتبعن��ا رس��ول الل��ه واطرح��وا ق��ول الرس��ول وع��الوا في

الموازينأي جاروا. وقال أبو طالب:

بميزان صدق ال يغل شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل يريد غير مائل. وقال آخر:

ثالثة أنفس وثالث ذود لقد عال الزمان على عيالي أي جار ومال. وعال الرجل يعيل إذا افتقر فصار عالة. ومن��ه قول��ه تع��الى:

[. ومنه قول الشاعر:28"وإن خفتم عيلة" ]التوبة: وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل

وهو عائل وقوم عيلة، والعيلة والعالة الفاق��ة، وع��الني الش��يء يعول��ني إذا غلبني وثقل علي، وعال األمر اشتد وتفاقم. وق��ال الش��افعي: "أال تعول��وا"

[ أال تكثر عيالكم. قال الثعلبي: وما قال هذا غيره، وإنم��ا يق��ال:3]النساء: أعال يعيل إذا ك�ثر عي�ال. وزعم ابن الع�ربي أن ع�ال على س��بعة مع�ان ال

ثامن لها، يقال: عال مال، الثاني زاد، الثالث ج�ار، الراب�ع افتق�ر، الخ��امسأثقل؛ حكاه ابن دريد. قالت الخنساء:

ويكفي العشيرة ما عالها السادس عال قام بمؤون��ة العي��ال؛ ومن��ه قول��ه علي��ه الس��الم: )واب��دأ بمن تعول(. السابع عال غلب؛ ومنه عيل صبره. أي غلب. ويقال: أع��ال الرج��ل

كثر عيال. وأما عال بمعنى كثر عياله فال يصح. قلت: أما قول الثعلبي "ما قاله غيره" فقد أسنده الدارقطني في سننه

عن زي��د بن أس��لم، وه��و ق��ول ج��ابر بن زي��د؛ فه��ذان إمام��ان من علم��اء المسلمين وأئمتهم قد سبقا الشافعي إليه. وأما م��ا ذك��ره ابن الع��ربي من الحصر وعدم الصحة فال يصح. وقد ذكرنا: عال األمر اش��تد وتف��اقم؛ حك��اه الجوهري. وقال الهروي في غريبه: "وقال أبو بكر: يق��ال ع��ال الرج��ل في األرض يعيل فيها أي ضرب فيها. وقال األحمر: يقال عالني الش��يء يعيل��ني عيال ومعيال إذا أعجزك". وأما عال كثر عيال��ه ف��ذكره الكس��ائي وأب��و عم��ر الدوري وابن األعرابي. قال الكسائي أب��و الحس��ن علي بن حم��زة: الع��رب تقول عال يعول وأعال يعيل أي كثر عياله. وقال أبو حاتم: ك��ان الش��افعي أعلم بلغة العرب منا، ولعله لغة. قال الثعل��بي المفس��ر: ق��ال أس��تاذنا أب��و القاسم بن حبيب: سألت أبا عمر ال��دوري عن ه��ذا وك��ان إمام��ا في اللغ��ة

غير مدافع فقال: هي لغة حمير؛ وأنشد: وإن الموت يأخذ كل حي بال شك وإن أمشى وعاال

يعني وإن ك��ثرت ماش��يته وعيال��ه. وق��ال أب��و عم��رو بن العالء: لق��د ك��ثرت وجوه العرب حتى خشيت أن آخذ عن الحن لحنا. وقرأ طلح��ة بن مص��رف "أال تعيلوا" وهي حجة الش��افعي رض�ي الل��ه عن�ه. ق�ال ابن عطي��ة: وق��دح الزجاج وغيره في تأويل عال من العيال بأن قال: إن الل��ه تع��الى ق��د أب��اح كثرة السواري وفي ذلك تكث��ير العي��ال، فكي��ف يك��ون أق��رب إلى أال يك��ثر العيال. وهذا القدح غير صحيح؛ ألن الس��راري إنم��ا هي م��ال يتص��رف في��ه ب��البيع، وإنم��ا العي��ال الق��ادح الحرائ��ر ذوات الحق��وق الواجب��ة. وحكى ابن

األعرابي أن العرب تقول: عال الرجل إذا كثر عياله. @ تعلق بهذه اآلية من أجاز للمملوك أن يتزوج أربعا، ألن الله تعالى ق��ال: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء" يعني ما حل "مث��نى وثالث ورب��اع" ولم يخص عب��دا من ح��ر. وه��و ق��ول داود والط��بري وه��و المش��هور عن مال��ك وتحصيل مذهبه على ما في موطئه، وكذلك روى عنه ابن القاسم وأشهب. وذكر ابن المواز أن ابن وهب روى عن مالك أن العب��د ال ي��تزوج إال اثن��تين؛ قال وهو قول الليث. قال أبو عمر: قال الشافعي وأب��و حنيف��ة وأص��حابهما والثوري والليث بن سعد: ال يتزوج العب��د أك��ثر من اثن��تين؛ وب��ه ق��ال أحم��د وإسحاق. وروي عن عمر بن الخط��اب وعلي بن أبي ط��الب وعب��دالرحمن بن ع���وف في العب���د ال ينكح أك���ثر من اثن���تين؛ وال أعلم لهم مخالف���ا من الصحابة. وهو قول الشعبي وعطاء وابن سيرين والحكم وإب��راهيم وحم��اد. والحجة لهذا القول القياس الصحيح على طالقه وحده. وكل من ق�ال ح�ده نصف حد الحر، وطالقه تطليقتان، وإيالؤه شهران، ونحو ذل��ك من أحكام��ه

فغير بعيد أن يقال: تناقض في قوله "ينكح أربعا" والله أعلم. }وآتوا النساء ص��دقاتهن نحل��ة ف��إن طبن لكم عن ش��يء من��ه4*اآلية: 3*

نفسا فكلوه هنيئا مريئا{

@قوله تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن" الص��دقات جم��ع، الواح��دة ص��دقة. قال األخفش: وبنو تميم يقولون صدقة والجمع صدقات، وإن ش��ئت فتحت وإن شئت أسكنت. قال الم��ازني: يق��ال ص��داق الم��رأة بالكس��ر، وال يق��ال بالفتح. وحكى يعقوب وأحمد بن يحيى بالفتح عن النح��اس. والخط��اب في هذه اآلية لألزواج؛ قال ابن عباس وقتادة وابن زيد وابن جريج. )أمرهم الله تعالى بأن يتبرعوا بإعطاء المه��ور نحل��ة منهم ألزواجهم(. وقي��ل: الخط��اب لألولياء؛ قاله أبو صالح. وك��ان ال��ولي يأخ��ذ مه��ر الم��رأة وال يعطيه��ا ش��يئا، فنهوا عن ذلك وأم��روا أن ي��دفعوا ذل��ك إليهن. ق��ال في رواي��ة الكل��بي: أن أهل الجاهلية كان الولي إذا زوجها فإن ك�انت مع�ه في العش�رة لم يعطه�ا من مهرها كثيرا وال قليال، وإن كانت غريبة حملها على بعير إلى زوجها ولم يعطها شيئا غير ذلك البعير؛ فنزل: "وآتوا النس��اء ص��دقاتهن نحل��ة". وق��ال المعتمر بن س��ليمان عن أبي��ه: زعم حض��رمي الم��راد باآلي��ة المتش��اغرون ال�ذين ك��انوا ي��تزوجون ام��رأة ب��أخرى، ف��أمروا أن يض��ربوا المه��ور. واألول أظهر؛ فإن الض��مائر واح��دة وهي بجملته��ا لألزواج فهم الم��راد؛ ألن��ه ق��ال: "وإن خفتم أال تقسطوا في اليت��امى" إلى قول��ه: "وآت��وا النس��اء ص��دقاتهن

نحلة". وذلك يوجب تناسق الضمائر وأن يكون األول فيها هو اآلخر. @ هذه اآلية تدل على وجوب الصداق للمرأة، وه��و مجم��ع علي��ه وال خالف في��ه إال م��ا روي عن بعض أه��ل العلم من أه��ل الع��راق أن الس��يد إذا زوج عبده من أمته أنه ال يجب فيه ص��داق؛ وليس بش��يء؛ لقول��ه تع�الى "وآت��وا النس��اء ص��دقاتهن نحل��ة" فعم. وق��ال: "ف��انكحوهن ب��إذن أهلهن وأت��وهن

[. وأجمع العلماء أيضا أن��ه ال ح��د لكث��يره،25أجورهن بالمعروف" ]النساء: واختلفوا في قليله على ما يأتي بيان��ه في قول��ه: "وآتيتم إح�داهن قنط��ارا"

دقاتهن" بفتح الص��اد وض�م ال�دال. وق�رأ20]النساء: [. وقرأ الجمه�ور "ص�دقاتهن" بض��م الص��اد وس��كون ال��دال. وق��رأ النخعي وابن وث��اب قتادة "ص��

بضمهما والتوحيد "صدقتهن" حلة، بكسر النون وض�مها لغت�ان. وأص�لها حلة والن @قوله تعالى: "نحلة" الن من العط��اء؛ نحلت فالن��ا ش��يئا أعطيت��ه. فالص��داق عطي��ة من الل��ه تع��الى للمرأة. وقيل: "نحلة" أي عن طيب نفس من األزواج من غير تنازع. وق��ال قتادة: معنى "نحلة" فريضة واجبة. ابن ج��ريج وابن زي��د: فريض��ة مس��ماة. قال أبو عبيد: وال تكون النحلة إال مسماة معلوم��ة. وق��ال الزج��اج: "نحل��ة" تدينا. والنحلة الديانة والملة. يقال. ه��ذا نحلت��ه أي دين��ه. وه��ذا يحس��ن م��ع كون الخطاب لألولياء الذين ك��انوا يأخذون��ه في الجاهلي��ة، ح��تى ق��ال بعض

النساء في زوجها: ال يأخذ الحلوان من بناتنا

تقول: ال يفعل ما يفعله غيره. فانتزعه الله منهم وأمر به للنساء. و"نحل��ة" منصوبة على أنها حال من األزواج بإضمار فعل من لفظها تقديره أنحلوهن نحلة. وقيل: هي نصب وقي��ل على التفس��ير. وقي��ل: هي مص��در على غ��ير

الصدر في موضع الحال. @قول��ه تع��الى: "ف��إن طبن لكم عن ش��يء من��ه نفس��ا" مخاطب��ة لألزواج، ويدل بعمومه على أن هبة المرأة صداقها لزوجها بكرا كانت أو ثيبا ج��ائزة؛ وبه قال جمهور الفقهاء. ومنع مالك من هبة البكر الص��داق لزوجه��ا وجع��ل ذلك للولي مع أن الملك لها. وزعم الفراء أنه مخاطبة لألولياء؛ ألنهم ك��انوا

يأخذون الصداق وال يعطون المرأة منه شيئا، فلم يبح لهم منه إال ما طابت به نفس المرأة. والقول األول أصح؛ ألنه لم يتقدم لألولي��اء ذك��ر، والض��مير في "منه" عائد على الصداق. وكذلك قال عكرمة وغيره. وسبب اآلية فيما ذكر أن قوما تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوه إلى الزوجات فنزلت

"فإن طبن لكم". @ واتفق العلماء على أن الم��رأة المالك��ة ألم��ر نفس��ها إذا وهبت ص��داقها لزوجها نفذ ذلك عليها، وال رجوع له��ا في��ه. إال أن ش��ريحا رأى الرج��وع له��ا فيه، واحتج بقوله: "فإن طبن لكم عنه شيء منه نفس�ا" وإذا ك�انت طالب��ة له لم تطب به نفسا. قال ابن العربي: وهذا باطل؛ ألنها قد طابت وقد أكل فال كالم له��ا؛ إذ ليس الم��راد ص��ورة األك��ل، وإنم��ا ه��و كناي��ة عن اإلحالل

واالستحالل، وهذا بين. فإن شرطت عليه عند عقد النكاح أال يتزوج عليها، وحطت عنه لذلك

شيئا من صداقها، ثم تزوج عليها فال شيء لها عليه في رواية ابن القاس��م؛ ألنها شرطت عليه ما ال يجوز شرطه. كم��ا اش��ترط أه��ل بري��رة أن تعتقه��ا عائشة والوالء لبائعها، فصحح النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم العق��د وأبط��ل الشرط. كذلك ههنا يصح إسقاط بعض الصداق عن��ه وتبط��ل الزيج��ة. ق��ال ابن عبدالحكم: إن كان بقي من صداقها مثل صداق مثلها أو أكثر لم ترج��ع عليه بشيء، وإن كانت وضعت عنه شيئا من ص�داقها ف�تزوج عليه�ا رجعت عليه بتمام صداق مثلها؛ ألنه شرط على نفسه شرطا وأخذ عنه عوضا كان لها واجبا أخذه منه، فوجب عليه الوفاء لقوله عليه السالم: )المؤمنون عند

شروطهم(. @ وفي اآلية دلي��ل على أن العت��ق ال يك��ون ص��داقا؛ ألن��ه ليس بم��ال؛ إذ ال يمكن المرأة هبته وال الزوج أكله. وبه قال مالك وأبو حنيفة وزف��ر ومحم��د والشافعي. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق ويعقوب: يك��ون ص��داقا وال مه��ر لها غير العتق؛ على حديث صفية - رواه األئمة - أن النبي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم أعتقها وجعل عتقه�ا ص�داقها. وروي عن أنس أن�ه فعل�ه، وه�و راوي حديث صفية. وأج��اب األول��ون ب��أن ق��الوا: ال حج��ة في ح��ديث ص��فية؛ ألن النبي صلى الله علي��ه وس��لم ك��ان مخصوص��ا في النك��اح ب��أن ي��تزوج بغ��ير صداق، وقد أراد زينب فحرمت على زيد فدخل عليها بغير ولي وال ص��داق.

فال ينبغي االستدالل بمثل هذا؛ والله أعلم. @قوله تعالى: "نفسا" قيل: هو منصوب على البيان. وال يج��يز س��يبويه وال الكوفيون أن يتقدم ما كان منصوبا على البيان، وأج��از ذل��ك الم��ازني وأب��و

العباس المبرد إذا كان العامل فعال. وأنشد: وما كان نفسا بالفراق تطيب

[ فعلى ه��ذا يج��وز7وفي التنزي��ل "خش��عا أبص��ارهم يخرج��ون" ]القم��ر: "شحما تفقأت. ووجها حسنت". وقال أصحاب سيبويه: إن "نفسا" منصوبة بإضمار فعل تقديره أعني نفسا، وليس��ت منص��وبة على التمي��يز؛ وإذا ك��ان

هذا فال حجة فيه. وقال الزجاج. الرواية: وما كان نفسي...

واتفق الجميع على أنه ال يجوز تقديم المميز إذا كان العامل غ��ير متص��رفكعشرين درهما.

@قول��ه تع��الى: "فكل��وه" ليس المقص��ود ص��ورة األك��ل، وإنم��ا الم��راد ب��ه االستباحة بأي طريق كان، وه��و المع��ني بقول��ه في اآلي��ة ال��تي بع��دها "إن

[. وليس الم��راد نفس10ال��ذين ي��أكلون أم��وال اليت��امى ظلم��ا" ]النس��اء: األكل؛ إال أن األكل لما كان أوفى أنواع التمتع بالم��ال ع��بر عن التص��رفات باألكل. ونظيره قوله تعالى: "إذا نودي للصالة من يوم الجمعة فاسعوا إلى

[ يعلم أن صورة البيع غير مقصودة، وإنما9ذكر الله وذروا البيع" ]الجمعة: المقصود ما يشغله عن ذكر الله تعالى مثل النكاح وغيره؛ ولكن ذكر ال��بيع

ألنه أهم ما يشتغل به عن ذكر الله تعالى. @قوله تع��الى: "هنيئ��ا مريئ��ا" منص��وب على الح��ال من اله�اء في "كل��وه" وقي��ل: نعت لمص��در مح��ذوف، أي أكال هنيئ��ا بطيب األنفس. هن��أه الطع��ام والشراب يهنوه، وما كان هنيئا؛ ولقد هنؤ، والمصدر الهنء. وكل ما لم يأت بمشقة وال عناء فهو هنيء. وهنيء اسم فاعل من هنؤ كظريف من ظرف. وهنئ يهنأ فهو هنيء على فعل كزمن. وهنأني الطعام ومرأني على اإلتباع؛ فإذا لم يذكر "هنأني" قلت: أمرأني الطع��ام ب��األلف، أي انهض��م. ق��ال أب��و علي: وهذا كما جاء في الحديث )ارجعن مأزورات غير م��أجورات(. فقلب��وا الواو من "موزورات" ألفا إتباعا للفظ مأجورات. وقال أبو العباس عن ابن األعرابي: يق��ال ه��نيء وهن��أني وم��رأني وأم��رأني وال يق��ال مرئ��ني؛ حك��اه الهروي. وحكى القشيري أنه يقال: هنئني ومرئني بالكسر يهنأني ويمرأني،

وهو قليل. وقيل: "هنيئا" ال إثم فيه، و"مريئا" ال داء فيه. قال كثير: هنيئا مريئا غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت

ودخل رجل على علقمة وهو يأكل شيئا وهبته امرأته من مهرها فق��ال ل��ه: ك��ل من اله��نيء الم��ريء. وقي��ل: اله��نيء الطيب المس��اغ ال��ذي ال ينغص��ه شيء، والمريء المحم��ود العاقب��ة، الت��ام الهض��م ال��ذي ال يض��ر وال ي��ؤذي. يقول: ال تخافون في الدنيا به مطالبة، وال في اآلخرة تبع��ة. ي��دل علي��ه م��ا روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وس��لم أن��ه س��ئل عن ه��ذه اآلي��ة "فإن طبن لكم عن ش��يء من��ه نفس��ا فكل��وه" فق��ال: )إذا ج��ادت لزوجه��ا بالعطية طائعة غير مكرهة ال يقضي به عليكم س��لطان، وال يؤاخ��ذكم الل��ه تعالى به في اآلخرة( وروي عن علي بن أبي طالب رض��ي الل��ه عن��ه ق��ال: )إذا اشتكى أحدكم شيئا فليسأل امرأت��ه درهم��ا من ص��داقها ثم ليش��تر ب��ه عسال فليشربه بماء السماء؛ فيجم��ع الل��ه ع��ز وج��ل ل��ه اله��نيء والم��ريء

والماء المبارك(. والله أعلم. }وال تؤت��وا الس��فهاء أم��والكم ال��تي جع��ل الل��ه لكم قيام��ا5*اآلي��ة: 3*

وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قوال معروفا{ @ لما أمر الله تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم في قول��ه: "وآت��وا اليت��امى أموالهم" وإيصال الص��دقات إلى الزوج�ات، بين أن الس�فيه وغ��ير الب��الغ ال يجوز دفع ماله إليه. فدلت اآلية على ثبوت الوصي والولي والكفيل لأليتام. وأجمع أهل العلم على أن الوصية إلى المسلم الح��ر الثق��ة الع��دل ج��ائزة. واختلفوا في الوصية إلى المرأة الحرة؛ فقال عوام أهل العلم: الوصية له��ا جائزة. واحتج أحمد بأن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفص��ة. وروي عن عطاء بن أبي رب��اح أن��ه ق��ال في رج��ل أوص��ى إلى امرأت��ه ق��ال: ال تك��ون المرأة وصيا؛ فإن فعل حولت إلى رج��ل من قوم��ه. واختلف��وا في الوص��ية إلى العب��د؛ فمنع��ه الش��افعي وأب��و ث��ور ومحم��د ويعق��وب. وأج��ازه مال��ك

واألوزاعي وابن عب��دالحكم. وه��و ق��ول النخعي إذا أوص��ى إلى عب��ده. وق��دمضى القول في هذا في "البقرة" مستوفى.

@قول��ه تع��الى: "الس��فهاء" ق��د مض��ى في "البق��رة" مع��نى الس��فه لغ��ة. واختلف العلم��اء في ه��ؤالء الس��فهاء، من هم؟ ف��روى س��الم األفطس عن سعيد بن جبير قال: هم اليتامى ال تؤتوهم أموالكم. قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في اآلية. وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مال��ك ق��ال: هم األوالد الصغار، ال تعطوهم أموالكم فيفس��دوها وتبق��وا بال ش��يء. وروى سفيان عن حميد األعرج عن مجاهد قال: هم النساء. قال النحاس وغ��يره: وهذا القول ال يصح؛ إنما تقول العرب في النساء سفائه أو س��فيهات؛ ألن��ه األكثر في جمع فعيلة. ويقال: ال تدفع مالك مضاربة وال إلى وكيل ال يحسن التجارة. وروي عن عمر أنه قال: من لم يتفقه فال يتجر في س��وقنا؛ ف��ذلك قوله تعالى: "وال تؤتوا السفهاء أموالكم" يعني الجهال باألحكام. ويق��ال: ال تدفع إلى الكفار؛ ولهذا كره العلماء أن يوكل المسلم ذميا بالشراء وال��بيع، أو يدفع إليه مضاربة. وقال أبو موسى األشعري رضي الله عنه: )الس��فهاء هنا كل من يستحق الحجر(. وهذا جامع. وقال ابن خويز منداد: وأما الحجر على السفيه فالسفيه له أح��وال: ح��ال يحج��ر علي��ه لص��غره، وحال��ة لع��دم عقله بجنون أو غيره، وحالة لس��وء نظ��ره لنفس��ه في مال��ه. فأم��ا المغمى عليه فاستحسن مالك أال يحجر عليه لس��رعة زوال م��ا ب��ه. والحج��ر يك��ون مرة في حق اإلنسان ومرة في حق غ��يره؛ فأم��ا المحج��ور علي��ه في ح��ق نفسه من ذكرنا. والمحجور عليه في حق غيره العب��د والم��ديان والم��ريض في الثلثين، والمفلس وذات الزوج لح��ق ال��زوج، والبك��ر في ح��ق نفس��ها. فأما الصغير والمجنون فال خالف في الحج��ر عليهم��ا. وأم��ا الكب��ير فألن��ه ال يحسن النظر لنفس��ه في مال��ه، وال ي��ؤمن من��ه إتالف مال��ه في غ��ير وج��ه، فأشبه الصبي؛ وفيه خالف يأتي. وال فرق بين أن يتلف مال��ه في المعاص��ي أو القرب والمباحات. واختلف أص��حابنا إذا أتل��ف مال��ه في الق��رب؛ فمنهم من حجر عليه، ومنهم من لم يحجر علي��ه. والعب��د ال خالف في��ه. والم��ديان ينزع ما بيده لغرمائه؛ إلجماع الص��حابة، وفع��ل عم��ر ذل��ك بأس��يفع جهين��ة؛ ذكره مالك في الموطأ. والبكر ما دامت في الخدر محج��ور عليه��ا؛ ألنه��ا ال تحسن النظر لنفسها. حتى إذا تزوجت ودخل إليها الن��اس، وخ��رجت وب��رز وجهها عرفت المضار من المنافع. وأما ذات الزوج فألن رسول الل��ه ص��لى الله عليه وسلم قال: )ال يجوز المرأة ملك زوجها عصمتها قض��اء في ماله��ا

إال في ثلثها(. قلت: وأما الجاهل باألحكام وإن كان غير محجور عليه لتنميت��ه لمال��ه

وعدم تدبيره، فال يدفع إليه المال؛ لجهل��ه بفاس��د البياع��ات وص��حيحها وم��ا يحل وما يحرم منها. وكذلك الذمي مثله في الجهل بالبياع��ات ولم��ا يخ��اف

من معاملته بالربا وغيره. والله أعلم. واختلفوا في وجه إضافة المال إلى المخ��اطبين على ه��ذا، وهي للس��فهاء؛ فقيل: أضافها إليهم ألنها بأيديهم وهم الناظرون فيها فنسبت إليهم اتساعا؛

[ وقول��ه "ف��اقتلوا61كقول��ه تع��الى: "فس��لموا على أنفس��كم" ]الن��ور: [. وقيل: أضافها إليهم ألنه��ا من جنس أم��والهم؛ ف��إن54أنفسكم" ]البقرة:

األموال جعلت مش��تركة بين الخل��ق تنتق��ل من ي��د إلى ي��د، ومن مل��ك إلى

ملك، أي هي لهم إذا احتاجوه��ا ك��أموالكم ال��تي تقي أعراض��كم وتص��ونكموتعظم أقداركم، وبها قوام أمركم.

وقول ثان قال��ه أب��و موس��ى األش��عري وابن عب��اس والحس��ن وقت��ادة: )أن المراد أموال المخاطبين حقيقة(. قال ابن عباس: )ال تدفع مالك ال��ذي ه��و سبب معيش��تك إلى امرأت��ك وابن�ك وتبقى فق�يرا تنظ�ر إليهم وإلى م�ا في أي��ديهم؛ ب��ل كن أنت ال��ذي تنف��ق عليهم(. فالس��فهاء على ه��ذا هم النس��اء والصبيان؛ صغار ولد الرج��ل وامرأت��ه. وه��ذا يخ��رج م��ع ق��ول مجاه��د وأبي

مالك في السفهاء. ودلت اآلية على جواز الحجر على السفيه؛ ألم��ر الل��ه ع��ز وج��ل ب��ذلك في قوله: "وال تؤتوا السفهاء أموالكم" وقال "فإن كان الذي عليه الحق سفيها

[. ف��أثبت الوالي��ة على الس��فيه كم��ا أثبته��ا على282أو ض��عيفا" ]البق��رة: الضعيف. وك��ان مع��نى الض��عيف راجع��ا إلى الص��غير، ومع��نى الس��فيه إلى الكبير الب��الغ؛ ألن الس��فه اس��م ذم وال ي��ذم اإلنس��ان على م��ا لم يكتس��به،

والقلم مرفوع عن غير البالغ، فالذم والحرج منفيان عنه؛ قاله الخطابي. @ واختلف العلماء في أفعال السفيه قبل الحجر عليه؛ فقال مالك وجمي��ع أصحابه غير ابن القاسم: إن فعل الس��فيه وأم��ره كل��ه ج��ائز ح��تى يض��رب اإلم��ام على ي��ده. وه��و ق��ول الش��افعي وأبي يوس��ف. وق��ال ابن القاس��م: أفعال غير جائزة وإن لم يضرب عليه اإلمام. وق��ال أص��بغ: إن ك��ان ظ��اهر السفه فأفعاله مردودة، وإن كان غ��ير ظ��اهر الس��فه فال ت��رد أفعال��ه ح��تى يحجر عليه اإلمام. واحتج سحنون لقول مال��ك ب��أن ق��ال: ل��و ك��انت أفع��ال السفيه مردودة قبل الحجر ما أحتاج السلطان أن يحجر على أح��د. وحج��ة ابن القاسم ما رواه البخاري من حديث جابر أن رجال أعت��ق عب��دا ليس ل��همال غيره فرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن حجر عليه قبل ذلك.

@ واختلفوا في الحجر على الكبير؛ فق��ال مال��ك وجمه��ور الفقه��اء: يحج��ر عليه. وقال أب��و حنيف��ة: ال يحج��ر على من بل��غ ع��اقال إال أن يك��ون مفس��دا لماله؛ فإذا كان كذلك منع من تسليم المال إليه حتى يبلغ خمسا وعش��رين سنة، فإذا بلغها سلم إليه بكل حال، سواء كان مفسدا أو غير مفس��د؛ ألن��ه يحبل منه الثنتي عشرة سنة، ثم يولد له لستة أشهر فيصير جدا وأب��ا، وأن��ا أستحي أن أحجر على من يص��لح أن يك��ون ج��دا. وقي��ل عن��ه: إن في م��دة المنع من المال إذا بلغ مفسدا ينفذ تص��رفه على اإلطالق، وإنم��ا يمن��ع من تس��ليم الم��ال احتياط��ا. وه��ذا كل��ه ض��عيف في النظ��ر واألث��ر. وق��د روى الدارقطني: حدثنا محم��د بن أحم��د بن الحس��ن الص��واف أخبرن��ا حام��د بن شعيب أخبرنا شريح بن يونس أخبرنا يعقوب بن إبراهيم - ه��و أب��و يوس��ف القاضي - أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن عبدالله بن جعف��ر أتى الزب��ير فقال: إني اشتريت بيع كذا وك�ذا، وإن علي��ا يري�د أن ي�أتي أم�ير المؤم��نين فيسأله أن يحجر علي فيه. فقال الزبير: أنا ش��ريكك في ال��بيع. ف��أتى علي عثمان فقال: إن ابن جعفر اشترى بيع كذا وكذا فاحجر عليه. فقال الزبير: فأنا شريكه في البيع. فقال عثمان: كيف أحجر على رجل في بي��ع ش��ريكه فيه الزبير؟ قال يعقوب: أنا آخذ بالحجر وأراه، وأحجر وأبطل بيع المحج��ور عليه وشراءه، وإذا اشترى أو باع قبل الحجر أجزت بيع��ه. ق��ال يعق��وب بن إبراهيم: وإن أبا حنيفة ال يحجر وال يأخذ بالحجر. فقول عثمان: كيف أحج��ر على رج�ل، دلي��ل على ج�واز الحج��ر على الكب��ير؛ ف��إن عبدالل��ه بن جعف��ر

ولدته أمه بأرض الحبشة، وهو أول مولود ولد في اإلس��الم به��ا، وق��دم م��ع أبيه على النبي صلى الله عليه وسلم عام خي��بر فس��مع من��ه وحف��ظ عن��ه. وك��انت خي��بر س��نة خمس من الهج��رة. وه��ذا ي��رد على أبي حنيف��ة قول��ه.

وستأتي حجته إن شاء الله تعالى. @قوله تعالى: "ال�تي جع�ل الل��ه لكم قيام�ا" أي لمعاش��كم وص��الح دينكم. وفي "ال��تي" ثالث لغ��ات: ال��تي واللت بكس��ر الت��اء واللت بإس��كانها. وفي تثنيتها أيضا ثالث لغات: اللتان واللتا بحذف النون واللتان بشد الن��ون. وأم��ا

الجمع فتأتي لغاته في موضعه من هذه السورة إن شاء الله تعالى. والقيام والقوام: ما يقيمك بمعنى. يقال: فالن قيام أهله وق��وام بيت��ه، وه��و الذي يقيم شأنه، أي يصلحه. ولما انكسرت الق��اف من ق��وام أب��دلوا ال��واو ياء. وقراءة أهل المدينة "قيما "بغ��ير أل��ف. ق��ال الكس��ائي والف��راء: قيم��ا وقواما بمعنى قياما، وانتصب عندهما على المصدر. أي وال تؤت��وا الس��فهاء أموالكم التي تصلح بها أموركم فيقوموا بها قياما. وق��ال األخفش: المع��نى قائمة بأموركم. يذهب إلى أنها جم��ع. وق��ال البص��ريون: قيم��ا جم��ع قيم��ة؛ كديمة وديم، أي جعلها الله قيمة لألشياء. وخطأ أبو علي هذا القول وق��ال: هي مصدر كقيام وقوام وأصلها قوم، ولكن شذت في ال��رد إلى الي��اء كم��ا شذ قولهم: جياد في جمع جواد ونحوه. وقوم�ا وقوام�ا وقيام�ا معناه�ا ثبات�ا في صالح الح��ال ودوام��ا في ذل��ك. وق��رأ الحس��ن والنخعي "الالتي" جع��ل على جمع التي، وقراءة العام�ة "ال�تي" على لف�ظ الجماع�ة. ق�ال الف�راء: األك��ثر في كالم الع��رب "النس��اء الل��واتي، واألم��وال ال��تي" وك��ذلك غ��ير

األموال؛ ذكره النحاس. @قوله تعالى: "وارزقوهم فيها واكسوهم" قيل: معناه اجعل��وا لهم فيه��ا أو افرضوا لهم فيها. وهذا فيمن يلزم الرجل نفقته وكسوته من زوجت��ه وبني��ه األصاغر. فكان هذا دليال على وجوب نفقة الولد على الوال��د والزوج��ة على زوجها. وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الن��بي ص��لى الله عليه وسلم: )أفضل الصدقة ما ت��رك غ��نى والي��د العلي��ا خ��ير من الي��د السفلى وابدأ بمن تعول تق��ول الم��رأة إم��ا أن تطعم��ني وإم��ا أن تطلق��ني ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول االبن أطعمني إلى من ت��دعني( ؟ فقالوا: يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم؟ ق��ال: ال، ه��ذا من كيس أبي هري��رة!. ق��ال المهلب: النفق��ة على األه��ل

والعيال واجبة بإجماع؛ وهذا الحديث حجة في ذلك. @ قال ابن المنذر: واختلفوا في نفق��ة من بل��غ من األبن��اء وال م��ال ل��ه وال كسب؛ فقالت طائفة: على األب أن ينفق على ولده الذكور حتى يحتلم��وا، وعلى النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن. فإن طلقها بعد البناء أو مات عنه��ا

فال نفقة لها على أبيها. وإن طلقها قبل البناء فهي على نفقتها. @ وال نفقة لولد الولد على الجد؛ ه��ذا ق��ول مال��ك. وق��الت طائف��ة: ينف��ق على ولد ولده حتى يبلغوا الحلم والمحيض. ثم ال نفق��ة علي��ه إال أن يكون��وا زمنى، وسواء في ذلك الذكور واإلناث م��ا لم يكن لهم أم��وال، وس��واء في ذل��ك ول��ده أو ول��د ول��ده وإن س��فلوا م��ا لم يكن لهم أب دون��ه يق��در على النفقة عليهم؛ هذا قول الشافعي. وأوجبت طائف��ة النفق��ة لجمي��ع األطف��ال والبالغين من الرجال والنساء إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها عن نفقة الوال��د؛ على ظ��اهر قول��ه علي��ه الس��الم لهن��د: )خ��ذي م��ا يكفي��ك وول��دك

ب���المعروف(. وفي ح���ديث أبي هري���رة )يق���ول االبن أطعم���ني إلى من ت��دعني؟( ي��دل على أن��ه إنم��ا يق��ول ذل��ك من ال طاق��ة ل��ه على الكس��ب والتحرف. ومن بلغ سن الحلم فال يقول ذلك؛ ألنه قد بلغ ح��د الس��عي على

[6نفسه والكسب لها، بدليل قوله تعالى: "حتى إذا بلغوا النكاح" ]النساء: اآلية. فجعل بلوغ النكاح حدا في ذل��ك. وفي قول��ه: )تق��ول الم��رأة إم��ا أن تطعمني وإم��ا أن تطلق��ني( ي��رد على من ق��ال: ال يف��رق باإلعس��ار ويل��زم الم��رأة الص��بر؛ وتتعل��ق النفق��ة بذمت��ه بحكم الح��اكم. ه��ذا ق��ول عط��اء والزه��ري. وإلي��ه ذهب الكوفي��ون متمس��كين بقول��ه تع��الى: "وإن ك��ان ذو

[. قالوا: فوجب أن ينظر إلى أن280عسرة فنظرة إلى ميسرة" ]البقرة: [ اآلي��ة. ق��الوا:32يوسر. وقول��ه تع��الى: "وأنكح��وا األي��امى منكم" ]الن��ور:

فندب تعالى إلى إنكاح الفقير؛ فال يجوز أن يكون الفقر س��ببا للفرق��ة وه��و مندوب منعه إلى النكاح. وال حجة لهم في هذه اآلية على ما يأتي بيان��ه في موضعها. والحديث نص في موض��ع الخالف. وقي��ل: الخط��اب ل��ولي الي��تيم لينفق عليه من ماله الذي ل��ه تحت نظ��ره؛ على م��ا تق��دم من الخالف في إضافة المال. فالوصي ينفق على اليتيم على ق��در مال��ه وحال��ه؛ ف��إن ك��ان صغيرا وماله كثير اتخذ له ظئرا وحواضن ووسع عليه في النفقة. وإن ك��ان كبيرا قدر ل��ه ن��اعم اللب��اس وش��هي الطع��ام والخ��دم. وإن ك��ان دون ذل��ك فبحسبه. وإن كان دون ذلك فخشن الطعام واللباس قدر الحاجة. فإن كان اليتيم فقيرا ال مال له وجب على اإلمام القيام به من بيت الم��ال؛ ف��إن لم يفعل اإلمام وجب ذلك على المسلمين األخص به فاألخص. وأم�ه أخص ب�ه فيجب عليها إرضاعه والقيام به. وال ترجع علي��ه وال على أح��د. وق��د مض��ى

[. 233في البقرة عند قوله: "والوالدات يرضعن أوالدهن" ]البقرة: @قول��ه تع��الى: "وقول��وا لهم ق��وال معروف��ا" أراد تل��يين الخط��اب والوع��د الجميل. واختلف في القول المعروف؛ فقيل: معناه ادعوا لهم: ب��ارك الل��ه فيكم، وحاطكم وصنع لكم، وأنا ناظر لك، وهذا االحتياط يرجع نفع��ه إلي��ك. وقيل: معناه وع��دوهم وع��دا حس��نا؛ أي إن رش��دتم دفعن��ا إليكم أم��والكم. ويقول األب البنه: مالي إليك مصيره، وأنت إن شاء الل��ه ص��احبه إذا ملكت

رشدك وعرفت تصرفك. }وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ف�إن آنس��تم منهم رش��دا6*اآلية: 3*

فادفعوا إليهم أموالهم وال تأكلوها إسرافا وبدارا أن يك��بروا ومن ك��ان غني��ا فليستعفف ومن كان فق�يرا فليأك�ل ب�المعروف ف�إذا دفعتم إليهم أم�والهم

فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا{ @قوله تعالى: "وابتل�وا اليت�امى" االبتالء االختب��ار؛ وق�د تق�دم. وه�ذه اآلي�ة خطاب للجميع في بيان كيفية دفع أموالهم. وقيل: إنها ن��زلت في ث��ابت بن رفاعة وفي عمه. وذلك أن رفاعة توفي وترك ابن��ه وه��و ص��غير، ف��أتى عم ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابن أخي ي��تيم في حج��ري

فما يحل لي من ماله، ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه اآلية. @ واختلف العلماء في معنى االختبار؛ فقيل: ه��و أن يتأم��ل الوص��ي أخالق يتيمه، ويستمع إلى أغراضه، فيحصل له العلم بنجابت��ه، والمعرف��ة بالس��عي في مصالحه وضبط ماله، واإلهمال لذلك. فإذا توس��م الخ��ير ق��ال علماؤن��ا وغيرهم: ال بأس أن يدفع إليه شيئا من مال��ه ي��بيح ل��ه التص��رف في��ه، ف��إن نماه وحسن النظر فيه فقد وقع االختبار، ووجب على الوصي تسليم جمي��ع

ماله إليه. وإن أساء النظر فيه وجب عليه إمس��اك مال��ه عن��ده. وليس في العلماء من يقول: إنه إذا اختبر الصبي فوج��ده رش��يدا ترتف��ع الوالي��ة عن��ه، وأنه يجب دفع ماله إليه وإطالق يده في التصرف؛ لقوله تع��الى: "ح��تى إذا بلغوا النكاح". وقال جماعة من الفقهاء: الصغير ال يخلو من أحد أمرين؛ إما أن يكون غالما أو جاري��ة؛ ف��إن ك��ان غالم��ا رد النظ��ر إلي��ه في نفق��ة ال��دار شهرا، أو أعطاه شيئا نزرا يتصرف فيه؛ ليعرف كيف تدبيره وتصرفه، وه��و مع ذل��ك يراعي��ه لئال يتلف��ه؛ ف��إن أتلف��ه فال ض��مان على الوص��ي. ف��إذا رآه متوخيا سلم إليه ماله وأشهد عليه. وإن ك��انت جاري��ة رد إليه�ا م�ا ي��رد إلى ربة البيت من ت��دبير بيته��ا والنظ��ر في��ه، في االس��تغزال واالستقص��اء على الغ��زاالت في دف��ع القطن وأجرت��ه، واس��تيفاء الغ��زل وجودت��ه. ف��إن رآه��ا رشيدة سلم أيضا إليها مالها وأشهد عليها. وإال بقيا تحت الحجر حتى يؤنس رشدهما. وقال الحسن ومجاهد وغيرهما: اختبروهم في عق��ولهم وأدي��انهم

وتنمية أموالهم. @قوله تعالى: "حتى إذا بلغوا النك��اح" أي الحلم؛ لقول��ه تع��الى: "وإذا بل��غ

[ أي البلوغ، وحال النكاح. والبل��وغ يك��ون59األطفال منكم الحلم" ]النور: بخمسة أشياء: ثالثة يشترك فيها الرجال والنساء، واثنان يختص��ان بالنس��اء وهما الحيض والحبل. فأما الحيض والحبل فلم يختلف العلماء في أنه بلوغ، وأن الفرائض واألحكام تجب بهما. واختلفوا في الثالثة؛ فأما اإلثبات والسن فقال األوزاعي والش��افعي وابن حنب��ل: خمس عش��رة س��نة بل��وغ لمن لم يحتلم. وه��و ق��ول ابن وهب وأص��بغ وعب��دالملك بن الماجش��ون وعم��ر بن عبدالعزيز وجماعة من أهل المدين��ة، واخت��اره ابن الع��ربي. وتجب الح��دود والفرائض عندهم على من بل�غ ه�ذا الس�ن. ق�ال أص�بغ بن الف�رج: وال�ذي نقول به إن حد البلوغ الذي تلزم به الفرائض والحدود خمس عشرة س��نة؛ وذلك أحب م��ا في��ه إلي وأحس��نه عن��دي؛ ألن��ه الح��د ال��ذي يس��هم في��ه في الجهاد ولمن حضر القتال. واحتج بحديث ابن عم��ر إذ ع��رض ي��وم الخن��دق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجيز، ولم يجز ي��وم أح��د؛ ألن��ه ك��ان ابن أرب��ع عشرة سنة. أخرجه مس�لم. ق�ال أب��و عم�ر بن عب�دالبر: ه�ذا فيمن ع�رف مولده، وأما من جهل مولده وعدة سنه أو جحده فالعمل فيه بما روى نافع عن أسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أمراء األجن��اد: )أال تضربوا الجزية إال على من ج��رت علي��ه المواس��ي(. وق��ال عثم��ان في غالم س��رق: انظ��روا إن ك��ان ق��د اخض��ر م��ئزره ف��اقطعوه. وق��ال عطي��ة القرظي: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ب��ني قريظ��ة؛ فك��ل من أنبت منهم قتله بحكم س�عد بن مع�اذ، ومن لم ينبت منهم اس�تحياه؛ فكنت فيمن لم ينبت فتركني. وقال مالك وأب��و حنيف��ة وغيرهم��ا: ال يحكم لمن لم يحتلم حتى يبلغ ما لم يبلغه أحد إال احتلم، وذلك سبع عشرة س��نة؛ فيك��ون عليه حينئذ الحد إذا أتى ما يجب علي��ه الح��د. وق��ال مال��ك م��رة: بلوغ��ه أن يغلظ صوته وتنشق أرنبته. وعن أبي حنيفة رواية أخرى: تسع عشرة سنة؛ وهي األشهر. وقال في الجارية: بلوغها لسبع عش��رة س��نة وعليه��ا النظ��ر. وروى اللؤلئي عن��ه ثم��ان عش��رة س��نة. وق��ال داود: ال يبل��غ بالس��ن م��ا لم يحتلم ولو بلغ أربعين سنة. فأما اإلنب��ات فمنهم من ق��ال: يس��تدل ب��ه على البلوغ؛ روي عن ابن القاسم وسالم، وقال مالك مرة، والشافعي في أح��د قوليه، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور. وقيل: ه��و بل��وغ؛ إال أن��ه يحكم ب��ه

في الكف���ار فيقت���ل من أنبت ويجع���ل من لم ينبت في ال���ذراري؛ قال���ه الشافعي في القول اآلخ��ر؛ لح��ديث عطي��ة الق��رظي. وال اعتب��ار بالخض��رة والزغب، وإنما يترتب الحكم على الشعر. وقال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: العمل عندي على حديث عمر بن الخطاب: لو جرت عليه المواس��ي لحددته. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم وأحب إلي أال يق��ام علي��ه الح��د إال باجتماع اإلنبات والبلوغ. وقال أبو حنيفة: ال يثبت باإلنب��ات حكم، وليس ه��و ببل��وغ وال دالل��ة على البل��وغ. وق��ال الزه��ري وعط��اء: ال ح��د على من لم يحتلم؛ وهو قول الشافعي، ومال إليه مالك مرة، وق��ال ب��ه بعض أص��حابه. وظاهره عدم اعتبار اإلنبات والسن. ق��ال ابن الع��ربي: "إذا لم يكن ح��ديث ابن عمر دليال في السن فكل عدد يذكرونه من السنين فإنه دعوى، والسن التي أجازها رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم أولى من س��ن لم يعتبره��ا، وال قام في الشرع دليل عليها، وكذلك اعتبر النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم اإلنبات في ب��ني قريظ��ة؛ فمن ع��ذيري ممن ت��رك أم��رين اعتبرهم��ا الن��بي صلى الله عليه وسلم فيتأوله ويعتبر ما لم يعت��بره الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه

وسلم لفظا، وال جعل الله له في الشريعة نظرا". قلت: هذا قوله هنا، وقال في سورة األنفال عكسه؛ إذ لم يعرج على

حديث ابن عمر هناك، وتأوله كما تأول علماؤنا، وأن موجبه الف��رق بين من يطيق القتال ويس��هم ل��ه وه��و ابن خمس عش��رة س��نة، ومن ال يطيق��ه فال يس��هم ل��ه فيجع��ل في العي��ال. وه��و ال��ذي فهم��ه عم��ر بن عب��دالعزيز من

الحديث. والله أعلم. @قوله تعالى: "فإن آنستم منهم رشدا ف��ادفعوا إليهم أم��والهم" "آنس��تم"

29أي أبصرتم ورأيتم؛ ومنه قول��ه تع��الى: "آنس من ج��انب الط��ور ن��ارا" ] القصص[ أي أبصر ورأى. قال األزهري: تقول العرب اذهب فاس��تأنس ه��ل

ترى أحدا؛ معناه تبصر. قال النابغة: ... على مستأنس وحد

أراد ثورا وحشيا يتبصر هل يرى قانصا فيح��ذره. وقي��ل: آنس��ت وأحسس�ت ووجدت بمع��نى واح��د؛ ومن��ه قول��ه تع��الى: "ف��إن آنس��تم منهم رش��دا" أي علمتم. واألصل فيه أبصرتم. وقراءة العامة "رش��دا" بض��م ال��راء وس��كون الش��ين. وق��رأ الس��لمي وعيس��ى والثقفي وابن مس��عود رض��ي الل��ه عنهم "رشدا" بفتح الراء والشين، وهما لغتان. وقيل: رشدا مصدر رشد. ورش��دا

مصدر رشد، وكذلك الرشاد. والله أعلم. @ واختل��ف العلم��اء في تأوي��ل "رش��دا" فق��ال الحس��ن وقت��ادة وغيرهم��ا: صالحا في العقل والدين. وقال ابن عباس والس��دي والث��وري: )ص��الحا في العقل وحفظ المال(. قال سعيد بن جبير والشعبي: إن الرجل ليأخذ بلحيته وما بلغ رشده؛ فال يدفع إلى اليتيم ماله وإن ك��ان ش��يخا ح��تى ي��ؤنس من��ه رشده. وهكذا قال الضحاك: ال يعطى اليتيم وإن بلغ مائ��ة س��نة ح��تى يعلم منه إصالح مال��ه. وق��ال مجاه��د: "رش��دا" يع��ني في العق��ل خاص��ة. وأك��ثر العلماء على أن الرشد ال يكون إال بعد البلوغ، وعلى أن��ه إن لم يرش��د بع��د بلوغ الحلم وإن شاخ ال يزول الحجر عنه؛ وهو مذهب مال��ك وغ��يره. وق��ال أبو حنيفة: ال يحجر على الحر البالغ إذا بلغ مبلغ الرج��ال، ول��و ك��ان أفس��ق الناس وأشدهم تبذيرا إذا كان عاقال. وبه قال زفر بن الهذيل؛ وه��و م��ذهب النخعي. واحتجوا في ذلك بما رواه قتادة عن أنس أن حبان بن منق��ذ ك��ان

يبتاع وفي عقدته ضعف، فقيل: يا رسول الله احجر عليه؛ فإن��ه يبت��اع وفي عقدته ضعف. فاستدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: )ال تبع(. فقال: ال أصبر. فقال له: )فإذا بايعت فقل ال خالبة ولك الخيار ثالث�ا(. ق�الوا: فلم�ا سأل القوم الحج��ر علي��ه لم��ا ك��ان في تص��رفه من الغبن ولم يفع��ل علي��ه السالم، ثبت أن الحجر ال يجوز. وهذا ال حجة لهم فيه؛ ألنه مخصوص ب��ذلك على ما بيناه في البقرة، فغيره بخالفه. وق��ال الش��افعي: إن ك��ان مفس��دا لماله ودينه، أو كان مفسدا لماله دون دين��ه حج��ر علي��ه، وإن ك��ان مفس��دا لدين��ه مص��لحا لمال��ه فعلى وجهين: أح��دهما يحج��ر علي��ه؛ وه��و اختي��ار أبي العباس بن شريح. والث��اني ال حج��ر علي��ه؛ وه��و اختي��ار إس��حاق الم��روزي، واألظهر من مذهب الشافعي. قال الثعلبي: وهذا ال�ذي ذكرن��اه من الحج��ر على السفيه قول عثمان وعلي والزبير وعائش��ة وابن عب��اس وعبدالل��ه بن جعفر رضوان الله عليهم، ومن الت��ابعين ش��ريح، وب��ه ق��ال الفقه��اء: مال��ك وأهل المدينة واألوزاعي وأهل الشام وأبو يوسف ومحمد وأحم��د وإس��حاق

وأبو ثور. قال الثعلبي: وادعى أصحابنا اإلجماع في هذه المسألة. @ إذا ثبت ه��ذا ف��اعلم أن دف��ع الم��ال يك��ون بش��رطين: إين��اس الرش��د والبلوغ، فإن وج��د أح��دهما دون اآلخ��ر لم يج��ز تس��ليم الم��ال، ك��ذلك نص اآلية. وهو رواية ابن القاسم وأشهب وابن وهب عن مال��ك في اآلي��ة. وه��و قول جماعة الفقه��اء إال أب��ا حنيف��ة وزف��ر والنخعي ف��إنهم أس��قطوا إين��اس الرشد ببلوغ خمس وعشرين سنة. قال أبو حنيف�ة: لكون��ه ج�دا وه�ذا ي��دل على ضعف قوله، وضعف ما احتج به أبو بكر الرازي في أحكام الق�رآن ل�ه من استعمال اآليتين حسب ما تقدم؛ فإن ه�ذا من ب�اب المطل�ق والمقي��د، والمطلق يرد إلى المقيد باتفاق أهل األصول. وماذا يغني كونه جدا إذا كان غير جد، أي بخت. إال أن علماءنا شرطوا في الجارية دخول ال�زوج به�ا م�ع البلوغ، وحينئذ يقع االبتالء في الرشد. ولم يره أبو حنيفة والش��افعي، ورأوا االختبار في الذكر واألنثى على ما تقدم. وفرق علماؤن��ا بينهم��ا ب��أن ق��الوا: األنثى مخالفة للغالم لكونها محجوبة ال تعاني األمور وال تبرز ألج��ل البك��ارة فل��ذلك وق��ف فيه��ا على وج��ود النك��اح؛ فب��ه تفهم المقاص��د كله��ا. وال��ذكر بخالفها؛ فإنه بتصرفه ومالقاته للناس من أول نش��ئه إلى بلوغ��ه يحم��ل ل��ه االختبار، ويكمل عقل��ه ب��البلوغ، فيحص��ل ل��ه الغ��رض. وم��ا قال��ه الش��افعي أصوب؛ فإن نفس الوطء بإدخال الحش��فة ال يزي��دها في رش��دها إذا ك��انت عارفة بجميع أمورها ومقاصدها، غير مبذرة لمالها. ثم زاد علماؤن��ا فق��الوا: ال بد بعد دخول زوجها من مضي م��دة من الزم��ان تم��ارس فيه��ا األح��وال. قال ابن العربي: وذكر علماؤنا في تحدي��دها أق��واال عدي��دة؛ منه��ا الخمس��ة األعوام والستة والسبعة في ذات األب. وجعلوا في اليتيمة ال��تي ال أب له��ا وال وصي عليها عاما واحدا بعد ال�دخول، وجعل�وا في الم�ولى عليه�ا مؤب�دا حتى يثبت رشدها. وليس في هذا كله دليل، وتحديد األع��وام في ذات األب عسير؛ وأعسر منه تحديد العام في اليتيمة. وأما تمادي الحجر في الم��ولى عليها حتى يتبين رشدها فيخرجها الوصي عنه، أو يخرجه��ا الحكم من��ه فه��و ظاهر القرآن. والمقصود من هذا كله داخل تحت قوله تعالى: "فإن آنس��تم منهم رشدا" فتعين اعتبار الرشد ولكن يختلف إيناسه بحسب اختالف ح��ال

الراشد. فاعرفه وركب عليه واجتنب التحكم الذي ال دليل عليه.

@ واختلفوا فيما فعلته ذات األب في تلك المدة؛ فقيل: ه��و محم��ول على الرد لبقاء الحجر، وما عملته بعده فهو محمول على الجواز. وقال بعض��هم: ما عملته في تلك المدة محمول على ال��رد إال أن يت��بين في��ه الس��داد، وم��ا

عملته بعد ذلك محمول على اإلمضاء حتى يتبين فيه السفه. واختلفوا في دفع المال إلى المحجور عليه هل يحتاج إلى الس��لطان أم ال؟ فقالت فرقة: ال بد من رفعه إلى الس��لطان، ويثبت عن��ده رش��ده ثم ي��دفع إليه ماله. وقالت فرقة: ذلك موكول إلى اجتهاد الوصي دون أن يحتاج إلى رفع��ه إلى الس��لطان. ق��ال ابن عطي��ة: والص��واب في أوص��ياء زمانن��ا أال يستغنى عن رفعه إلى السلطان وثبوت الرشد عنده، لما حفظ من تواط��ؤ األوصياء على أن يرشد الصبي، ويبرأ المحجور عليه لسفهه وقل��ة تحص��يله

في ذلك الوقت. @ فإذا سلم المال إليه بوج��ود الرش��د، ثم ع��اد إلى الس��فه بظه��ور تب��ذير وقلة تدبير عاد إليه الحجر عندنا، وعند الشافعي في أحد قوليه. وق��ال أب��و حنيفة: ال يعود؛ ألنه بالغ عاقل؛ بدليل جواز إقراره في الح��دود والقص��اص. ودليلنا قوله تعالى: "وال تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الل��ه لكم قيام��ا"

[ وقال تعالى: "فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ض��عيفا أو ال5]النساء: [ ولم يفرق بين أن282يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل" ]البقرة:

يكون محجورا سفيها أو يطرأ ذلك عليه بعد اإلطالق. @ ويجوز للوصي أن يصنع في مال اليتيم ما كان لألب أن يصنع من تجارة وإبضاع وشراء وبيع. وعليه أن يؤدي الزكاة من سائر أموال��ه: عين وح��رث وماش��ية وفط��رة. وي��ؤدي عن��ه أروش الجناي��ات وقيم المتلف��ات، ونفق��ة الوالدين وسائر الحقوق الالزم��ة. ويج��وز أن يزوج��ه وي��ؤدي عن��ه الص��داق، ويشتري له جارية يتسررها، ويص��الح ل��ه وعلي��ه على وج��ه النظ��ر ل��ه. وإذا قضى الوصي بعض الغرماء وبقي من المال بقية تفي م��ا علي��ه من ال��دين كان فعل الوصي جائزا. فإن تلف باقي المال فال شيء لباقي الغرماء على الوصي وال على الذين اقتض��وا. وإن اقتض��ى الغرم��اء جمي��ع الم��ال ثم أتى غرماء آخرون فإن كان عالما بالدين الباقي أو ك��ان الميت معروف��ا بال��دين الباقي ضمن الوصي لهؤالء الغرماء ما ك��ان يص��يبهم في المحاص��ة، ورج��ع على الذين اقتضوا دينهم ب��ذلك. وإن لم يكن عالم��ا ب��ذلك، وال ك��ان الميت معروفا بالدين فال ش��يء على الوص��ي. وإذا دف��ع الوص��ي دين الميت بغ��ير إشهاد ضمن. وأما إن أشهد وط��ال الزم��ان ح��تى م��ات الش��هود فال ش��يء عليه. وقد مضى في البقرة عند قوله تع��الى: "وإن تخ��الطوهم ف��إخوانكم"

[ من أحكام الوصي في اإلنفاق وغيره ما فيه كفاية، والحم��د220]البقرة: لله.

@قوله تعالى: "وال تأكلوها إس��رافا وب��دارا أن يك��بروا" ليس يري��د أن أك��ل مالهم من غير إسراف جائز، فيكون له دليل خطاب، ب��ل الم��راد وال ت��أكلوا أموالهم فإنه إسراف. فنهى الله سبحانه وتعالى األوص��ياء عن أك��ل أم��وال اليتامى بغير الواجب المباح لهم؛ على ما يأتي بيان��ه. واإلس��راف في اللغ��ة اإلفراط ومج��اوزة الح��د. وق��د تق��دم في آل عم��ران والس��رف الخط��أ في

اإلنفاق. ومنه قول الشاعر: أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ما في عطائهم من وال سرف

أي ليس يخطئون مواضع العطاء. وقال آخر:

وقال قائلهم والخيل تخبطهم أسرفتم فأجبنا أننا سرف قال النضر بن شميل: السرف التبذير، والس��رف الغفل��ة. وس��يأتي لمع��نى اإلسراف زي��ادة بي��ان في "األنع��ام" إن ش��اء الل��ه تع��الى. "وب��دارا" معن��اه ومبادرة كبرهم، وهو حال البلوغ. والبدار والمبادرة كالقتال والمقاتلة. وه��و معطوف على "إسرافا". و"أن يكبروا" في موضع نص��ب ب��� "ب��دارا"، أي ال تستغنم مال محجورك فتأكله وتقول أبادر كبره لئال يرشد ويأخذ ماله(؛ عن

ابن عباس وغيره. @قوله تعالى: "ومن كان غنيا فليستعفف" بين الله تعالى ما يحل لهم من أموالهم؛ فأمر الغني باإلمساك وأباح للوصي الفقير أن يأكل من مال ولي��ه ب���المعروف. يق���ال: ع���ف الرج���ل عن الش���يء واس���تعف إذا أمس���ك. واالستعفاف عن الشيء ترك��ه. ومن��ه قول��ه تع��الى: "وليس��تعفف ال��ذين ال

[. والعف��ة: االمتن��اع عم��ا ال يح��ل وال يجب فعل��ه.33يجدون نكاحا" ]النور: روى أبو داود من حديث حسين المعلم عن عمرو بن ش��عيب عن أبي��ه عن جده أن رجال أتى النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم فق��ال: إني فق��ير ليس لي شيء ولي يتيم. قال: فقال: )كل من مال يتيمك غير مسرف وال مب��اذر وال

متأثل(. @ واختلف العلماء من المخاطب والمراد بهذه اآلي��ة؟ ففي ص��حيح مس��لم عن عائشة في قوله تعالى: "ومن كان فق��يرا فليأك��ل ب��المعروف" ق��الت: نزلت في ولي اليتيم الذي يق��وم علي��ه ومص��لحه إذا ك��ان محتاج��ا ج��از أن يأكل منه. في رواية: بقدر ماله بالمعروف. وقال بعضهم: المراد الي��تيم إن كان غنيا وسع عليه وأعف عن ماله، وإن كان فقيرا أنفق عليه بقدره؛ قال ربيعة ويحيى بن سعيد. واألول ق��ول الجمه��ور وه��و الص��حيح؛ ألن الي��تيم ال

يخاطب بالتصرف في ماله لصغره ولسفهه. والله أعلم. @ واختلف الجمهور في األكل بالمعروف ما هو؟ فقال قوم: )ه��و الق��رض إذا احتاج ويقضى إذا أيسر(؛ قال��ه عم��ر بن الخط��اب وابن عب��اس وعبي��دة وابن جبير والشعبي ومجاهد وأبو العالية، وهو قول األوزاعي. وال يستسلف أكثر من حاجته. قال عمر: )أال إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة الولي من م�ال الي��تيم، إن اس��تغنيت اس��تعففت، وإن افتق��رت أكلت ب��المعروف؛ فإذا أيسرت قضيت(. روى عبدالله بن المبارك عن عاص��م عن أبي العالي��ة "ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف" قال: قرضا - ثم تال "ف�إذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم". وقول ثان - روي عن إب��راهيم وعط��اء والحس��ن البص���ري والنخعي وقت���ادة: ال قض���اء على الوص���ي الفق���ير فيم���ا يأك���ل بالمعروف؛ ألن ذلك حق النظر، وعليه الفقهاء. قال الحسن: هو طعمة من الله له؛ وذلك أنه يأكل ما يسد جوعته، ويكتسي ما يستر عورت��ه، وال يلبس الرفيع من الكتان وال الحلل. والدليل على ص��حة ه��ذا الق��ول إجم��اع األم��ة على أن اإلمام الناظر للمسلمين ال يجب عليه غرم ما أكل بالمعروف؛ ألن الله تعالى قد ف��رض س��همه في م��ال الل��ه. فال حج��ة لهم في ق��ول عم��ر: )فإذا أيسرت قضيت( - أن لو صح. وق��د روي عن ابن عب��اس وأبي العالي��ة والشعبي أن )األكل بالمعروف ه��و كاالنتف��اع بألب��ان المواش��ي، واس��تخدام العبيد، وركوب الدواب إذا لم يضر بأصل المال؛ كم��ا يهن��أ الجرب��اء، وينش��د الضالة، ويلوط الحوض، ويجذ التم�ر. فأم��ا أعي��ان األم�وال وأص��ولها فليس للوصي أخذها(. وهذا كله يخرج مع قول الفقهاء: إنه يأخذ بقدر أجر عمل��ه؛

وقالت به طائفة وأن ذلك هو المعروف، وال قضاء عليه، والزيادة على ذلك محرمة. وف��رق الحس��ن بن ص��الح بن حي - ويق��ال ابن حي��ان - بين وص��ي األب والحاكم؛ فلوصي األب أن يأك��ل ب��المعروف، وأم��ا وص��ي الح��اكم فال سبيل له إلى المال بوجه؛ وهو القول الثالث. وقول راب��ع روي عن مجاه��د ق��ال: ليس ل��ه أن يأخ��ذ قرض��ا وال غ��يره. وذهب إلى أن اآلي��ة منس��وخة، نسخها قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أم�والكم بينكم بالباط�ل إال

[ وه��ذا ليس بتج��ارة. وق��ال29أن تكون تجارة عن تراض منكم" ]النساء: زيد بن أسلم: إن الرخصة في هذه اآلية منسوخة بقوله تع��الى: "إن ال��ذين

[ اآلية. وحكى بشر بن الوليد عن10يأكلون أموال اليتامى ظلما" ]النساء: ابن يوسف قال: ال أدري، لعل هذه اآلية منسوخة بقوله عز وجل: "ي��ا أيه��ا الذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تك��ون تج��ارة عن ت��راض

[. وق��ول خ��امس - وه��و الف��رق بين الحض��ر والس��فر؛29منكم" ]النس��اء: فيمنع إذا كان مقيما معه في المصر. فإذا احت��اج أن يس��افر من أجل��ه فل��ه أن يأخذ ما يحتاج إليه، وال يقتني شيئا؛ قاله أبو حنيفة وصاحباه أب��و يوس��ف ومحمد. وقول سادس - قال أبو قالبة: فليأك��ل ب��المعروف مم��ا يج��ني من

الغلة؛ فأما المال الناض فليس له أن يأخذ منه شيئا قرضا وال غيره. وق��ول س��ابع - روى عكرم��ة عن ابن عب��اس "ومن ك��ان فق��يرا فليأك��ل بالمعروف" قال: )إذا احتاج واضطر(. وق�ال الش�عبي: ك�ذلك إذا ك�ان من�ه بمنزلة الدم ولحم الخنزير أخذ منه؛ فإن وجد أوفى. قال النح��اس: وه��ذا ال معنى له ألنه إذا اضطر هزا االضطرار كان له أخذ ما يقيمه من مال يتيم��ه أو غيره من ق��ريب أو بعي��د. وق��ال ابن عب��اس أيض��ا والنخعي: )الم��راد أن يأكل الوص��ي ب��المعروف من م��ال نفس��ه ح��تى ال يحت��اج إلى م��ال الي��تيم؛ فيستعفف الغنى بغناه، والفقير يق��تر على نفس��ه ح��تى ال يحت��اج إلى م��ال يتيمه(. قال النحاس: وهذا من أحسن ما روي في تفسير اآلية؛ ألن أم��وال

الناس محظورة ال يطلق شيء منها إال بحجة قاطعة. قلت: وقد اختار هذا القول الكيا الطبري في أحكام القرآن له؛ فقال:

"ت��وهم متوهم��ون من الس��لف بحكم اآلي��ة أن للوص��ي أن يأك��ل من م��ال الصبي قدرا ال ينتهى إلى حد السرف، وذلك خالف م�ا أم��ر الل��ه تع�الى ب��ه من قوله: - "ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن ت��راض منكم" وال يتحقق ذلك في مال اليتيم. فقوله: "ومن كان غنيا فليس��تعفف" يرجع إلى أكل مال نفسه دون مال اليتيم. فمعناه وال ت��أكلوا أم��وال الي��تيم مع أموالكم، بل اقتصروا على أكل أموالكم. وقد دل عليه قوله تعالى: "وال

[ وب��ان بقول��ه2تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كب��يرا" ]النس��اء: تعالى: "ومن ك��ان غثي��ا فليس��تعفف ومن ك��ان فق��يرا فليأك��ل ب��المعروف" االقتصار على البلغة، حتى ال يحتاج إلى أكل مال اليتيم؛ فه��ذا تم��ام مع��نى اآلية. فقد وجدنا آيات محكمات تمنع أكل مال الغير دون رض��اه، س��يما في حق اليتيم. وقد وج�دنا ه�ذه اآلي�ة محتمل��ة للمع�اني، فحمله�ا على م�وجب اآليات المحكمات متعين. فإن قال من ينص��ر م��ذهب الس��لف: إن القض��اة يأخذون أرزاقهم ألجل عملهم للمسلمين، فهال كان الوصي كذلك إذا عم��ل لليتيم، ولم ال يأخذ األجرة بقدر عمله؟ قيل ل��ه: اعلم أن أح��دا من الس��لف لم يجوز للوصي أن يأخذ من مال الصبي مع غنى الوصي، بخالف القاضي؛ فذلك فارق بين المسألتين. وأيضا فالذي يأخذه الفقهاء والقض��اة والخلف��اء

القائمون بأمور اإلسالم ال يتعين له مالك. وقد جعل الله ذلك المال الض��ائع ألصناف بأوص��اف، والقض��اة من جملتهم، والوص��ي إنم��ا يأخ��ذ بعمل��ه م��ال شخص معين من غير رضاه؛ وعمله مجهول وأجرته مجهولة وذلك بعيد عن

االستحقاق. قلت: وكان شيخنا اإلمام أبو العباس يقول: إن كان مال اليتيم كث��يرا

يحتاج إلى كبير قيام عليه بحيث يشغل الولي عن حاجاته ومهماته فرض له فيه أجر عمله، وإن كان تافها ال يشغله عن حاجاته فال يأكل منه شيئا؛ غ��ير أنه يستحب له شرب قليل اللبن وأكل القلي��ل من الطع��ام والس��من، غ��ير مضر به وال مستكثر له، ب��ل على م��ا ج��رت الع�ادة بالمس��امحة في��ه. ق��ال شيخنا: وما ذكرت��ه من األج��رة، وني��ل اليس��ير من التم��ر واللبن ك��ل واح��د

منهما معروف؛ فصلح حمل اآلية على ذلك. والله أعلم. قلت: واالحتراز عنه أفضل، إن شاء الله.

وأما ما يأخذه قاضي القسمة ويسميه رسما ونهب أتباعه فال أدرى له وجها وال حال، وهم داخل��ون في عم��وم قول��ه تع��الى: "إن ال��ذين ي��أكلون أم��وال

[.10اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا" ]النساء: @قوله تعالى: "فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم" أمر الله تع��الى باإلش��هاد تنبيه��ا على التحص��ين وزواال للتهم. وه��ذا اإلش��هاد مس��تحب عن��د طائفة من العلماء؛ فإن القول قول الوصي؛ ألنه أمين. وقالت طائف��ة: ه��و فرض؛ وهو ظاهر اآلية، وليس بأمين فيقبل قوله، كالوكيل إذا زعم أنه ق��د رد ما دفع إليه أو المودع، وإنما هو أمين لألب، وم��تى ائتمن��ه األب ال يقب��ل قوله على غير. أال ترى أن الوكيل لو أدعى أنه ق�د دف�ع لزي�د م�ا أم�ره ب�ه بعدالته لم يقبل قول��ه إال ببين��ة؛ فك��ذلك الوص��ي. ورأى عم��ر بن الخط��اب رضي الله عنه وابن جبير أن ه��ذا اإلش��هاد إنم��ا ه��و على دف��ع الوص��ي في يسره ما استقرضه من مال يتيمه حالة فقره. قال عبيدة: هذه اآلي��ة دلي��ل على وجوب القضاء على من أكل؛ المعنى: فإذا اقترضتم أو أكلتم فأشهدوا إذا غرمتم. والص��حيح أن اللف��ظ يعم ه��ذا وس��واه. والظ��اهر أن الم��راد إذا أنفقتم شيئا على المولى عليه فأشهدوا، حتى ولو وق��ع خالف أمكن إقام��ة البينة؛ فإن كل مال قبض على وجه األمانة بإشهاد ال ي��برأ من��ه إال باإلش��هاد على دفعه، لقوله تعالى: "فأشهدوا" فإذا دفع لمن دفع إليه بغير إش��هاد فال

يحتاج في دفعها إلشهاد إن كان قبضها بغير إشهاد. والله أعلم. @ كما على الوصي والكفيل حف��ظ م��ال يتيم��ه والتثم��ير ل��ه، ك��ذلك علي��ه حفظ الصبي في بدنه. فالمال يحفظه بضبطه، والبدن يحفظ��ه بأدب��ه. وق��د مضى هذا المعنى في "البقرة". وروي أن رجال قال للنبي صلى الل��ه علي��ه وسلم: إن في حجري يتيما أآكل من ماله؟ ق��ال: )نعم غ��ير متأث��ل م��اال وال واق مالك بماله(. قال: يا رسول الله، أفأضربه؟ قال: )ما كنت ض��اربا من��هولدك(. قال ابن العربي: وإن لم يثبت مسندا فليس يجد أحد عنه ملتحدا. @قوله تعالى: "وكفى بالله حسيبا" أي كفى الله حاسبا ألعمالكم ومجازي��ا

بها. ففي هذا وعيد لكل جاحد حق. والباء زائدة، وهو في موضع رفع. }للرجال نصيب مما ترك الوالدان واألقرب��ون وللنس��اء نص��يب7*اآلية: 3*

مما ترك الوالدان واألقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا{ @ لما ذكر الله تعالى أمر اليتامى وصله بذكر المواريث. ون��زلت اآلي��ة في أوس بن ثابت األنصاري، توفي وترك امرأة يقال لها: أم كج��ة وثالث بن��ات

ل��ه منه��ا؛ فق��ام رجالن هم��ا ابن��ا عم الميت ووص��ياه يق��ال لهم��ا: س��ويد وعرفجة؛ فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته ش�يئا، وك�انوا في الجاهلي�ة ال يورثون النساء وال الصغير وإن كان ذك��را، ويقول��ون: ال يعطى إال من قات��ل على ظه��ور الحي��ل، وط��اعن ب��الرمح، وض��ارب بالس��يف، وح��از الغنيم��ة. فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما، فقاال: ي��ا رسول الله، ولدها ال يركب فرسا، وال يحمل كال وال ينكأ عدوا. فق��ال علي��ه السالم: )انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن(. فأنزل الله هذه اآلي��ة ردا عليهم، وإبط��اال لق��ولهم وتص��رفهم بجهلهم؛ ف��إن الورث��ة الص��غار ك��ان ينبغي أن يكون��وا أح��ق بالم��ال من الكب��ار، لع��دم تص��رفهم والنظ��ر في مصالحهم، فعكسوا الحكم، وأبطلوا الحكمة فضلوا بأهوائهم، وأخطؤوا في

آرائهم وتصرفاتهم. @ قال علماؤنا: في هذه اآلية فوائد ثالث: األولى: بيان علة الم��يراث وهي القرابة. الثانية: عموم القرابة كيفم��ا تص��رفت من ق�ريب أو بعي��د. الثالث��ة: إجمال النصيب المفروض. وذلك مبين في آي��ة الم��واريث؛ فك��ان في ه��ذهاآلية توطئة للحكم، وإبطال لذلك الرأي الفاسد حتى وقع البيان الشافي.

@ الثالثة: ثبت أن أبا طلحة لما تصدق بماله - بئر حاء - وذك��ر ذل��ك للن��بي صلى الله عليه وسلم قال له: )اجعلها في فقراء أقاربك( فجعله��ا لحس��ان وأبي. قال أنس: )وكانا أقرب إليه مني(. ق��ال أب��و داود: بلغ��ني عن محم��د بن عبدالله األنصاري أنه قال: أبو طلحة األنصاري زيد بن سهل بن األس��ود بن حرام بن عمرو بن زي��د من��اة بن ع��دي بن عم��رو بن مال��ك بن النج��ار. وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام يجتمعان في األب الثالث وهو ح��رام. وأبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوي�ة بن عم�رو بن مال�ك بن النجار. قال األنصاري: بين أبى طلحة وأبي ستة آباء. قال: وعمرو بن مالك يجمع حسان وأبي بن كعب وأبا طلحة. قال أب��و عم��ر: في ه��ذا م��ا يقض��ي على القرابة أنها ما كانت في هذا القعدد ونحوه، وما كان دونه فه��و أح��رى

أن يلحقه اسم القرابة. @ الرابعة: قوله تعالى: "مما ق��ل من��ه أو ك�ثر نص��يبا مفروض��ا" أثبت الل��ه تعالى للبنات نصيبا في الميراث ولم يبين كم هو؛ فأرسل النبي ص��لى الل��ه عليه وسلم إلى س�ويد وعرفج�ة أال يفرق�ا من م�ال أوس ش��يئا؛ ف�إن الل��ه جعل لبناته نصيبا ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل ربنا. فنزلت "يوصيكم

[ إلى قوله تعالى: "الفوز العظيم" ]النس��اء:11الله في أوالدكم" ]النساء: [ فأرس��ل إليهم��ا )أن أعطي��ا أم كج��ة الثمن مم��ا ت��رك أوس، ولبنات��ه13

الثلثين، ولكما بقية المال(. @ الخامسة: استدل علماؤنا بهذه اآلية في قسمة المتروك على الف��رائض إذا كان فيه تغيير عن حاله، كالحم��ام وال��بيت وبي��در الزيت��ون وال��دار ال��تي تبطل منافعها بإقرار أهل السهام فيه��ا. فق��ال مال��ك: يقس��م ذل��ك وإن لم يكن في نصيب أحدهم ما ينتفع به؛ لقوله تعالى: "مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا". وهو قول ابن كنانة، وبه قال الشافعي، ونحوه قول أبي حنيف��ة. قال أبو حنيفة: في الدار الصغيرة بين اثنين فطلب أح��دهما القس��مة وأبى ص��احبه قس��مت ل��ه. وق��ال ابن أبي ليلى: إن ك��ان فيهم من ال ينتف��ع بم��ا يقسم له فال يقسم. وكل قسم يدخل فيه الض��رر على أح��دهما دون اآلخ��ر فإنه ال يقسم؛ وه��و ق��ول أبي ث��ور. ق��ال ابن المن��ذر: وه��و أص��ح الق��ولين.

ورواه ابن القاسم عن مالك فيما ذكر ابن العربي. ق��ال ابن القاس��م: وأن��ا أرى أن ك��ل م��ا ال ينقس��م من ال��دور والمن��ازل والحمام��ات، وفي قس��مته الضرر وال ينتفع به إذا قسم، أن يباع وال شفعة في��ه؛ لقول��ه علي��ه الس��الم: )الشفعة في كل ما ال يقسم فإذا وقعت الح��دود فال ش��فعة(. فجع��ل علي��ه السالم الشفعة في كل ما يتأتى فيه إيقاع الحدود، وعلق الش��فعة فيم��ا لم

يقسم مما يمكن إيقاع الحدود فيه. هذا دليل الحديث. قلت: ومن الحجة لهذا القول ما خرجه الدارقطني من حديث ابن جريج

أخبرني صديق بن موسى عن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن الن��بي ص��لى الله عليه وسلم أنه قال: )ال تعضية على أهل الميراث إال ما حمل القسم(. قال أبو عبيد: هو أن يموت الرجل ويدع شيئا إن قسم بين ورثت��ه ك��ان في ذل��ك ض��رر على جميعهم أو على بعض��هم. يق��ول: فال يقس��م؛ وذل��ك مث��ل الجوهرة والحمام والطيلسان وم��ا أش��به ذل��ك. والتعض��ية التفري��ق؛ يق��ال: عضيت الشيء إذا فرقته. ومنه قوله تعالى: "الذين جعلوا الق�رآن عض��ين"

[ فنفى المض��ارة.12[. وق��ال تع��الى: "غ��ير مض��ار" ]النس��اء: 91]الحجر: وكذلك قال عليه السالم: )ال ضرر وال ضرار(. وأيض��ا ف��إن اآلي��ة ليس فيه��ا تعرض للقسمة، وإنما اقتضت اآلية وجوب الحظ والنصيب للصغير والكب��ير قليال كان أو كث��يرا، ردا على الجاهلي��ة فق��ال: "للرج��ال نص��يب" "وللنس��اء

[ وهذا ظاهر جدا. فأما إبراز ذلك النصيب فإنم��ا يؤخ��ذ32نصيب" ]النساء: من دليل آخر؛ وذلك بأن يقول الوارث: قد وجب لي نصيب بقول الل��ه ع��ز وجل فمكنوني منه؛ فيق��ول ل��ه ش��ريكه: أم��ا تمكين��ك على االختص��اص فال يمكن؛ ألنه يؤدي إلى ضرر بي��ني وبين��ك من إفس��اد الم��ال، وتغي��ير الهيئ��ة، وتنقيص القيمة؛ فيقع الترجيح. واألظهر سقوط القسمة فيه يبطل المنفعة

وينقص المال مع ما ذكرناه من الدليل. والله الموفق. قال الفراء: "نصيبا مفروضا" هو كقولك: قسما واجبا، وحقا الزما؛ فهو

اسم في معنى المص��در فله��ذا انتص��ب. الزج��اج: أنتص��ب على الح��ال. أي له��ؤالء أنص��باء في ح��ال الف��رض. األخفش: أي جع��ل الل��ه لهم نص��يبا.

والمفروض: المقدر: الواجب. }وإذا حض��ر القس��مة أول��وا الق��ربى واليت��امى والمس��اكين8*اآلي��ة: 3*

فارزقوهم منه وقولوا لهم قوال معروفا{ @ بين الله تعالى أن من لم يستحق شيئا إرثا وحض��ر القس��مة، وك��ان من األقارب أو اليتامى والفقراء الذين ال يرثون أن يكرموا وال يحرموا، إن كان المال كثيرا؛ واالعتذار إليهم إن كان عقارا أو قليال الرضخ. وإن ك��ان عط�اء من القليل ففيه أجر عظيم؛ درهم يسبق مائة ألف. فاآلية على هذا الق��ول محكمة؛ قاله ابن عباس. وامتثل ذلك جماعة من التابعين: عروة بن الزب��ير وغيره، وأمر به أبو موسى األشعري وروي عن ابن عب��اس )أنه��ا منس��وخة نسخها قوله تعالى: "يوصيكم الل��ه في أوالدكم لل��ذكر مث��ل ح��ظ األنث��يين"

[( وق��ال س��عيد بن المس��يب: نس��خها آي��ة الم��يراث والوص��ية.11]النساء: وممن قال إنها منسوخة أبو مالك وعكرمة والض��حاك. واألول أص��ح؛ فإنه��ا مبينة استحقاق الورث��ة لنص��يبهم، واس��تحباب المش��اركة لمن ال نص��يب ل��ه ممن حضرهم. قال ابن جبير: ضيع الناس ه��ذه اآلي��ة. ق��ال الحس��ن: ولكن الناس شحوا. وفي البخ��اري عن ابن عب��اس في قول�ه تع�الى: "وإذا حض��ر القسمة أولوا الق��ربى واليت��امى والمس��اكين" ق��ال: )هي محكم��ة وليس��ت

بمنسوخة(. وفي رواية قال: )إن ناس��ا يزعم��ون أن ه��ذه اآلي��ة نس��خت، ال والله ما نسخت ولكنها مما تهاون بها؛ هما والي��ان: وال ي��رث وذل��ك ال��ذي يرزق، ووال ال يرث وذلك الذي يقول ب��المعروف، ويق��ول: ال أمل��ك ل��ك أن أعطيك(. قال ابن عب��اس: )أم��ر الل��ه المؤم��نين عن��د قس��مة م��واريثهم أن يص��لوا أرح��امهم، ويتام��اهم ومس��اكينهم من الوص��ية، ف��إن لم تكن وص��ية وصل لهم من الميراث(. قال النحاس: فهذا أحس��ن م��ا قي��ل في اآلي��ة، أن يكون على الندب والترغيب في فعل الخير، والشكر لله عز وج��ل. وق��الت طائفة: هذا الرضخ واجب على جهة الفرض، تعطي الورث��ة له�ذه األص�ناف ما طابت به نفوسهم، كالماعون والثوب الخلق وما خف. حكى هذا الق��ول ابن عطية والقشيري. والصحيح أن ه��ذا على الن��دب؛ ألن��ه ل��و ك��ان فرض��ا لكان استحقاقا في التركة ومش��اركة في الم��يراث، ألح��د الجه��تين معل��وم ولآلخر مجهول. وذلك مناقض للحكم��ة، وس��بب للتن��ازع والتق��اطع. وذهبت فرق��ة إلى أن المخ��اطب والم��راد في اآلي��ة المحتض��رون ال��ذين يقس��مون أموالهم بالوصية، ال الورثة. وروي عن ابن عباس وسعيد بن المس�يب وابن زيد. )فإذا أراد المريض أن يفرق ماله بالوصايا وحض��ره من ال ي��رث ينبغي له أال يحرمه(. وه��ذا والل��ه أعلم - يت��نزل حيث ك��انت الوص��ية واجب��ة، ولم

تنزل آية الميراث. والصحيح األول وعليه المعول. @ فإذا كان الوارث صغيرا ال يتصرف في ماله؛ فقالت طائفة: يعطي ولي الوارث الصغير من مال محجوره بقدر ما يرى. وقي��ل: ال يعطي ب��ل يق��ول لمن حضر القسمة: ليس لي شيء من هذا المال إنما هو لليتيم، ف��إذا بل��غ عرفت��ه حقكم. فه��ذا ه��و الق��ول المع��روف. وه��ذا إذا لم ي��وص الميت ل��ه بشيء؛ فإن أوصى يصرف له ما أوصى. ورأى عبيدة ومحمد بن سيرين أن الرزق في هذه اآلية أن يصنع لهم طعاما يأكلونه؛ وفعال ذلك، ذبحا شاة من التركة، وقال عبيدة: لوال هذه اآلية لك��ان ه��ذا من م��الي. وروى قت��ادة عن يح��يى بن يعم��ر ق��ال: ثالث محكم��ات ت��ركهن الن��اس: ه��ذه اآلي��ة، وآي��ة االستئذان "يا أيها ال��ذين آمن��وا ليس��تأذنكم ال��ذين ملكت أيم��انكم" ]الن��ور:

[. 13[، وقوله: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" ]الحجرات: 58 @قول�ه تع�الى: "من�ه" الض�مير عائ�د على مع�نى القس�مة؛ إذ هي بمع�نى المال والميراث؛ لقوله تع��الى: "ثم اس��تخرجها من وع��اء أخي��ه" ]يوس��ف:

[ أي السقاية؛ ألن الصواع مذكر. ومنه قوله عليه السالم: )وات��ق دع��وة76 المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب( فأعاد مذكرا على معنى ال��دعاء. وك��ذلك قول��ه لس��ويد بن ط��ارق الجعفي حين س��أل عن الخم��ر )إن��ه ليس بدواء ولكنه داء( فأعاد الض��مير على مع��نى الش��راب. ومثل��ه كث��ير. يق��ال: قاسمه المال وتقاسماه واقتسماه، واالسم القسمة مؤنثة؛ والقسم مصدر قسمت الشيء فانقسم، والموضع مقسم مث��ل مجلس، وتقس��مهم ال��دهر

فتقسموا، أي فرقهم فتفرقوا. والتقسيم التفريق. والله أعلم. @قوله تعالى: "وقولوا لهم قوال معروفا" ق��ال س��عيد بن جب��ير: يق��ال لهم خذوا بورك لكم. وقيل: قولوا مع ال��رزق وددت أن ل��و ك��ان أك��ثر من ه��ذا. وقيل: ال حاجة مع الرزق إلى عذر، نعم إن لم يصرف إليهم شيء فال أق��ل

من قول جميل ونوع اعتذار. }وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ض�عافا خ�افوا عليهم9*اآلية: 3*

فليتقوا الله وليقولوا قوال سديدا{

@قول��ه تع��الى: "وليخش" ح��ذفت األل��ف من "ليخش" للج��زم ب��األمر، وال يجوز عند سيبويه إضمار الم األمر قياسا على حروف الج��ر إال في ض��رورة

الشعر. وأجاز الكوفيون حذف الالم مع الجزم؛ وأنشد الجميع: محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من شيء تباال

أراد لتفد، ومفعول "يخش" محذوف لداللة الكالم علي��ه. و"خ��افوا" ج��واب "لو". التقدير لو تركوا لخافوا. ويجوز ح��ذف الالم في ج��واب "ل��و". وه��ذه اآلية قد اختلف العلماء في تأويلها؛ فقالت طائفة: )هذا وعظ لألوص��ياء، أي افعلوا باليتامى ما تحبون أن يفعل بأوالدكم من بع��دكم(؛ قال��ه ابن عب��اس. ولهذا قال الله تعالى: "إن الذين ي��أكلون أم��وال اليت��امى ظلم��ا" ]النس��اء:

[. وقالت طائفة: الم��راد جمي��ع الن��اس، أم��رهم باتق��اء الل��ه في األيت��ام10 وأوالد الناس؛ وإن لم يكون��وا في حج��ورهم. وأن يش��ددوا لهم الق��ول كم��ا يريد كل واحد منهم أن يفعل بولده بعده. ومن هذا ما حكاه الشيباني قال: كنا على قسطنطينية في عسكر مسلمة بن عب��دالملك، فجلس��نا يوم��ا في جماعة من أهل العلم فيهم ابن الديلمي، فتذاكروا ما يكون من أهوال آخر الزمان. فقلت له: يا أبا بشر، ودي أال يكون لي ولد. فقال لي: م��ا علي��ك ! ما من نسمة قضى الله بخروجها من رجل إال خرجت، أحب أو ك��ره، ولكن إذا أردت أن تأمن عليهم فاتق الله في غيرهم؛ ثم تال اآلية. وفي رواي��ة: أال أدلك على أمر إن أنت أدركته نجاك الل��ه من��ه، وإن ت�ركت ول�دا من بع�دك حفظهم الله فيك؟ فقلت: بلى ! فتال هذه اآلية "وليخش ال��ذين ل��و ترك��وا"

إلى آخرها. قلت: ومن هذا المعنى ما روى محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة

عن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ق��ال: )من أحس��ن الص��دقة ج��از على الصراط ومن قضى حاجة أرملة أخلف الله في تركت�ه(. وق�ول ث�الث قال�ه جمع من المفسرين: هذا في الرجل يحضره الموت فيقول له من بحضرته عند وصيته: إن الله سيرزق ولدك فأنظر لنفسك، وأوص بمالك في س��بيل الله، وتصدق وأعتق. حتى يأتي على عام��ة مال��ه أو يس��تغرقه فيض��ر ذل��ك بورثته؛ فنهوا عن ذلك. فكأن اآلي��ة تق��ول لهم: )كم��ا تخش��ون على ورثتكم وذريتكم بعدكم، فكذلك فاخشوا على ورثة غ��يركم وال تحمل��وه على تب��ذير ماله(؛ قاله ابن عباس وقتادة والسدي وابن جبير والضحاك ومجاه��د. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: )إذا حضر الرجل الوص��ية فال ينبغي أن يقول أوص بمالك فإن الله تعالى رازق ولدك، ولكن يقول قدم لنفسك واترك لولدك(؛ فذلك قوله تعالى: "فليتقوا الله". وقال مقسم وحض��رمي: نزلت في عكس هذا، وه��و أن يق��ول للمحتض��ر من يحض��ره: أمس��ك على ورثتك، وأبق لولدك فليس أحد أحق بمالك من أوالدك، وينهاه عن الوصية، فيتضرر بذلك ذوو القربى وكل من يستحق أن يوصى ل��ه؛ فقي��ل لهم: كم��ا تخشون على ذريتكم وتسرون بأن يحسن إليهم، فكذلك سددوا الق��ول في جهة المساكين واليتامى، واتقوا الله في ض�ررهم. وه�ذان الق��والن مبني�ان على وقت وجوب الوصية قبل نزول آية المواريث؛ روي عن سعيد بن جبير وابن المسيب. قال ابن عطية: وهذان القوالن ال يطرد واحد منهما في كل الناس، ب�ل الن�اس ص�نفان؛ يص�لح ألح�دهما الق�ول الواح�د، وآلخ�ر الق�ول الثاني. وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغني��اء حس��ن أن يندب إلى الوصية، ويحم�ل على أن يق�دم لنفس�ه. وإذا ت�رك ورث�ة ض�عفاء

مهملين مقلين حسن أن يندب إلى ال��ترك لهم واالحتي��اط؛ ف��إن أج��ره في قصد ذلك كأجره في المساكين، فالمراعاة إنما هو الضعف فيجب أن يمال

معه. قلت: وهذا التفصيل صحيح؛ لقوله عليه السالم لسعد: )إن��ك إن ت��ذر

ورثت��ك أغني��اء خ��ير من أن ت��ذرهم عال��ة يتكفف��ون الن��اس(. ف��إن لم يكن لإلنسان ولد، أو كان وه��و غ��ني مس��تقل بنفس��ه ومال��ه عن أبي��ه فق��د أمن عليه؛ فاألولى باإلنسان حينئذ تقديم ماله بين يديه ح��تى ال ينفق��ه من بع��ده

فيما ال يصلح، فيكون وزره عليه. @قوله تعالى: "وليقولوا قوال سديدا" السديد: العدل والصواب من القول؛ أي مروا المريض ب��أن يخ��رج من مال��ه م��ا علي��ه من الحق��وق الواجب��ة، ثم يوصي لقرابته بقدر ما ال يضر بورثته الصغار. وقي�ل: المع�نى قول�وا للميت قوال عدال، وهو أن يلقنه بال إله إال الله، وال ي��أمره ب��ذلك، ولكن يق��ول ذل��ك في نفسه حتى يسمع منه ويتلقن. هكذا قال النبي صلى الله علي��ه وس��لم: )لقنوا موتاكم ال إل��ه إال الل��ه( ولم يق��ل م��روهم؛ ألن��ه ل��و أم��ر ب��ذلك لعل��ه

يغضب ويجحد. وقيل: المراد اليتيم؛ أن ال ينهروه وال يستخفوا به. }إن ال��ذين ي��أكلون أم��وال اليت��امى ظلم��ا إنم��ا ي��أكلون في10*اآلي��ة: 3*

بطونهم نارا وسيصلون سعيرا{ @قوله تعالى: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" روي أنها ن��زلت في رجل من غطفان يقال له: مرثد بن زيد، ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله؛ فأنزل الله تعالى فيه هذه اآلي�ة، ق�ال مقات�ل بن حي�ان؛ وله�ذا ق�ال الجمهور: إن المراد األوصياء الذين يأكلون م��ا لم يبح لهم من م��ال الي��تيم. وقال ابن زيد: نزلت في الكفار الذين كانوا ال يورث��ون النس��اء وال الص��غار. وسمي أخذ المال على كل وجوهه أكال؛ لما ك��ان المقص��ود ه��و األك��ل وب��ه أكثر إتالف األشياء. وخص البطون بالذكر لتب��يين نقص��هم، والتش��نيع عليهم بضد مكارم األخالق. وسمى الم��أكول ن��ارا بم��ا ي��ؤول إلي��ه؛ كقول��ه تع�الى:

[ أي عنبا. وقيل: نارا أي حرام��ا؛ ألن36"إني أراني أعصر خمرا" ]يوسف: الحرام يوجب النار، فسماه الله تع��الى باس��مه. وروى أب��و س��عيد الخ��دري قال: حدثنا النبي صلى الل�ه علي��ه وس�لم عن ليل�ة أس��ري ب�ه ق�ال: )رأيت قوما لهم مش��افر كمش��افر اإلب��ل وق��د وك��ل بهم من يأخ��ذ بمش��افرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار يخرج من أس��افلهم فقلت ي��ا جبري��ل من هؤالء قال هم الذين يأكلون أم�وال اليت�امى ظلم�ا(. ف�دل الكت��اب والس�نة على أن أكل مال اليتيم من الكبائر. وقال صلى الله عليه وس��لم: )اجتنب��وا

السبع الموبقات( وذكر فيها )وأكل مال اليتيم(. @قوله تعالى: "وسيصلون سعيرا" وقرأ ابن ع��امر وعاص��م في رواي��ة ابن عباس بضم الياء على اسم م�ا لم يس�م فاعل�ه؛ من أص�اله الل�ه ح�ر الن�ار

[. وقرأ أبو حيوة بض��م26إصالء. قال الله تعالى: "سأصليه سقر" ]المدثر: الياء وفتح الصاد وتشديد الالم من التصلية لكثرة الفع��ل م��رة بع��د أخ��رى.

[. ومن��ه ق��ولهم: ص��ليته31دليله قوله تعالى: "ثم الجحيم صلوه" ]الحاقة: مرة بعد أخرى. وتصليت: استدفأت بالنار. قال:

وقد تصليت حر حربهم كما تصلى المقرور من قرس

وقرأ الب��اقون بفتح الي��اء من ص��لي الن��ار يص��الها ص��لى وص��الة. ق��ال الل��ه [. والص��الء ه��و التس��خن بق��رب15تعالى: "ال يصالها إال األش��قى" ]اللي��ل:

النار أو مباشرتها؛ ومنه قول الحارث بن عباد: لم أكن من جناتها علم الله وإني لحرها اليوم صال

والسعير: الجمر المشتعل. @ وهذه آية من آيات الوعي��د، وال حج��ة فيه��ا لمن يكف��ر بال��ذنوب. وال��ذي يعتق��ده أه��ل الس��نة أن ذل��ك ناف��ذ على بعض العص��اة فيص��لى ثم يح��ترق ويموت؛ بخالف أهل النار ال يموتون وال يحيون، فكأن هذا جمع بين الكت��اب والس��نة، لئال يق��ع الخ��بر فيهم��ا على خالف مخ��بره، س��اقط بالمش��يئة عن بعضهم؛ لقوله تعالى: "إن الله ال يغفر أن يش��رك ب��ه ويغف��ر م��ا دون ذل��ك

[. وهك��ذا الق��ول في ك��ل م��ا ي��رد علي��ك من ه��ذا48لمن يشاء" ]النس��اء: المعنى. روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: ق��ال رس��ول الله صلى الله عليه وسلم: )أما أه��ل الن��ار ال��ذين هم أهله��ا فيه��ا ف��إنهم ال يموت��ون فيه��ا وال يحي��ون ولكن ن��اس أص��ابتهم الن��ار ب��ذنوبهم - أو ق��ال بخطاياهم - فأماتهم الله إماتة ح��تى إذا ك��انوا فحم��ا أذن بالش��فاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون كما تنبت الحب��ة في حمي��ل الس��يل(. فق��ال رج��ل من الق��وم ك��أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يرعى بالبادية.-�� 11*اآليات: 3* }يوصيكم الله في أوالدكم للذكر مثل ح��ظ األنث��يين14

فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فله��ا النص��ف وألبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ول��د ف��إن لم يكن ل��ه ولد وورثه أبواه فألمه الثلث ف��إن ك��ان ل��ه إخ��وة فألم��ه الس��دس من بع��د وصية يوص�ي به�ا أو دين آب�اؤكم وأبن�اؤكم ال ت�درون أيهم أق�رب لكم نفع�ا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما، ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الرب��ع مم��ا ت��ركن من بع��د وص��ية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كاللة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ف��إن ك��انوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوص��ى به��ا أو دين غ��ير مض��ار وص��ية من الل��ه والل��ه عليم حليم، تل��ك ح��دود الل��ه ومن يط��ع الل��ه ورسوله يدخله جن��ات تج��ري من تحته��ا األنه��ار خال��دين فيه��ا وذل��ك الف��وز العظيم، ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ن��ارا خال��دا فيه��ا ول��ه

عذاب مهين{ @قوله تع�الى: "يوص�يكم الل��ه في أوالدكم" بين تع�الى في ه�ذه اآلي��ة م��ا

[ و"للنساء نصيب" فدل هذا32أجمله في قوله: "للرجال نصيب" ]النساء: على ج��واز ت��أخير البي��ان عن وقت الس��ؤال. وه��ذه اآلي��ة ركن من أرك��ان الدين، وعم��دة من عم��د األحك��ام، وأم من أمه��ات اآلي��ات؛ ف��إن الف��رائض عظيمة القدر حتى أنها ثلث العلم، وروي نصف العلم. وه��و أول علم ي��نزع من الناس وينس��ى. رواه ال��دارقطني عن أبي هري��رة رض��ي الل��ه عن��ه أن النبي صلى الله عليه وسلم ق�ال: )تعلم�وا الف�رائض وعلم�وه الن��اس فإن�ه نصف العلم وهو أول شيء ينسى وهو أول شيء ين��تزع من أم��تي(. وروي أيضا عن عبدالله بن مسعود ق��ال: ق��ال لي رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه

وسلم: )تعلموا القرآن وعلموه الناس وتعلم��وا الف��رائض وعلموه��ا الن��اس وتعلم��وا العلم وعلم��وه الن��اس ف��إني ام��رؤ مقب��وض وإن العلم س��يقبض وتظهر الفتن حتى يختلف االثنان في الفريضة ال يجدان من يفصل بينهم��ا(. وإذا ثبت ه���ذا ف���اعلم أن الف���رائض ك���ان ج���ل علم الص���حابة، وعظيم مناظرتهم، ولكن الخلق ضيعوه. وقد روى مطرف عن مالك، قال عبدالل��ه بن مس���عود: )من لم يتعلم الف���رائض والطالق والحج فبم يفض���ل أه���ل البادي��ة؟( وق��ال ابن وهب عن مال��ك: كنت أس��مع ربيع��ة يق��ول: )من تعلم الفرائض من غير علم بها من الق�رآن م��ا أس��رع م��ا ينس�اها(. ق��ال مال�ك:

وصدق. @ روى أبو داود والدارقطني عن عبدالله بن عم��رو بن الع��اص أن رس��ول الله صلى الله عليه وسلم قال: )العلم ثالثة وما سوى ذلك فهو فضل: آي��ة محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة(. قال الخط��ابي أب��و س��ليمان: اآلي��ة المحكمة هي كتاب الله تعالى: واشترط فيها اإلحكام؛ ألن من اآلي م��ا ه��و منسوخ ال يعمل به، وإنما يعمل بناس��خه. والس��نة القائم��ة هي الثابت��ة مم��ا جاء عن��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم من الس��نن الثابت��ة. وقول��ه: )أو فريض��ة

عادلة( يحتمل وجهين من التأويل: أح��دهما: أن يك��ون من الع��دل في القس��مة؛ فتك��ون معدل��ة ع��ل األنص��باء

والسهام المذكورة في الكتاب والسنة. والوجه اآلخر: أن تكون مستنبطة من الكتاب والسنة ومن معناهما؛ فتكون هذه الفريضة تعدل ما اخذ من الكتاب والسنة إذ كانت في مع��نى م��ا أخ��ذ عنهما نصا. روى عكرمة قال: أرس��ل ابن عب��اس إلى زي��د بن ث��ابت يس��أل عن امرأة تركت زوجها وأبويها. ق��ال: لل��زوج النص��ف، ولألم ثلث م��ا بقي. فقال: تجده في كتاب الله أو تقول برأي؟ قال: أقوله ب��رأي؛ ال أفض��ل أم��ا على أب. قال أبو سليمان: فهذا من باب تع��ديل الفريض��ة إذا لم يكن فيه��ا نص؛ وذلك أنه اعتبرها بالمنصوص عليه، وه��و قول��ه تع��الى: "وورث��ه أب��واه فألمه الثلث". فلما وجد نصيب األم الثلث، وك��ان ب��اقي الم��ال ه��و الثلث��ان لألب، قاس النصف الفاضل من المال بعد نصيب الزوج على كل المال إذا لم يكن مع الوالدين ابن أو ذو سهم؛ فقسمه بينهم��ا على ثالث��ة، لألم س��هم ولألب سهمان وهو الباقي. وكان هذا أعدل في القسمة من أن يعطي األم من النصف الباقي ثلث جميع المال، ولألب ما بقي وهو الس��دس، ففض��لها عليه فيك��ون له��ا وهي مفض��ولة في أص��ل الم��وروث أك��ثر مم��ا لألب وه��و المقدم والمفضل في األصل. وذل�ك أع�دل مم�ا ذهب إلي��ه ابن عب�اس من توفير الثلث على األم، وبخس األب حقه ب��رده إلى الس��دس؛ ف��ترك قول��ه وصار عامة الفقهاء إلى زيد. قال أبو عمر: وقال عبدالله بن عب��اس رض��ي الله عنه في زوج وأبوين: )للزوج النص��ف، ولألم ثلث جمي��ع الم��ال، ولألب ما بقي(. وقال في امرأة وأبوين: )للم��رأة الرب��ع، ولألم ثلث جمي��ع الم��ال، والب��اقي لألب(. وبه��ذا ق��ال ش��ريح القاض��ي ومحم��د بن س��يرين وداود بن علي، وفرق��ة منهم أب��و الحس��ن محم��د بن عبدالل��ه الفرض��ي المص��ري المعروف بابن اللبان في المسألتين جميعا. وزعم أنه قياس قول علي في المشتركة. وقال في موضع آخر: إنه قد روي ذلك عن علي أيضا. ق��ال أب�و عمر: المعروف المشهور عن علي وزيد وعبدالله وس��ائر الص��حابة وعام��ة العلماء ما رسمه مالك. ومن الحج��ة لهم على ابن عب��اس: )أن األب��وين إذا

اشتركا في الوراثة، ليس معهم��ا غيرهم��ا، ك��ان لألم الثلث ولألب الثلث��ان(. وكذلك إذا اشتركا في النصف الذي يفضل عن الزوج، كانا فيه ك��ذلك على

ثلث وثلثين. وهذا صحيح في النظر والقياس. @ واختلفت الروايات في سبب نزول آية المواريث؛ فروى الترم��ذي وأب��و داود وابن ماجة والدارقطني عن جابر بن عبدالله أن امرأة سعد بن الربيع قالت: يا رسول الله، إن سعدا هلك وترك بنتين وأخاه، فعمد أخ��وه فقبض ما ت�رك س�عد، وإنم�ا تنكح النس��اء على أم�والهن؛ فلم يجبه�ا في مجلس�ها ذلك. ثم جاءته فقالت: يا رسول الله، ابنتا سعد؟ فقال رس��ول الل��ه ص��لى الله عليه وسلم: )ادع لي أخ�اه( فج��اء فق��ال ل��ه: )ادف��ع إلى ابنت��ه الثل��ثين وإلى امرأت��ه الثمن ول��ك م��ا بقي(. لف��ظ أبي داود. في رواي��ة الترم��ذي وغيره: فنزلت آية المواريث. ق��ال: ه��ذا ح��ديث ص��حيح. وروى ج��ابر أيض��ا قال: عادني رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم وأب��و بك��ر في ب��ني س��لمة يمشيان، فوجداني ال أعقل، فدعا بماء فتوض��أ، ثم رش علي من��ه ف��أفقت. فقلت: كيف أصنع في م��الي ي��ا رس��ول الل��ه؟ ف��نزلت "يوص��يكم الل��ه في أوالدكم". أخرجاه في الصحيحين. وأخرج��ه الترم��ذي وفي��ه "فقلت ي��ا ن��بي الله كيف أقسم مالي بين ولدي؟ فلم يرد علي شيئا فنزلت "يوصيكم الل��ه في أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيين" اآلي�ة. ق�ال: "ح�ديث حس�ن ص�حيح". وفي البخاري عن ابن عباس )أن نزول ذلك ك��ان من أج��ل أن الم��ال ك��ان للولد، والوصية للوالدين؛ فنسخ ذلك بهذه اآليات(. وق��ال مقات��ل والكل��بي: نزلت في أم كجة؛ وقد ذكرناها. السدي: نزلت بسبب بنات عبدالرحمن بن ثابت أخي حسان بن ثابت. وقيل: إن أهل الجاهلية ك��انوا ال يورث��ون إال من القى الحروب وقاتل العدو؛ فنزلت اآلية تبيينا أن لكل ص��غير وكب��ير حظ��ه. وال يبعد أن يكون جوابا للجميع؛ ولذلك تأخر نزولها. والله أعلم. ق��ال الكي��ا الطبري: وق��د ورد في بعض اآلث��ار أن م��ا ك��انت الجاهلي��ة تفعل��ه من ت��رك توريث الصغير كان في صدر اإلس��الم إلى أن نس��خته ه��ذه اآلي��ة ولم يثبت عندنا اشتمال الشريعة على ذلك، بل ثبت خالفه؛ فإن هذه اآلية ن��زلت في ورثة سعد بن الربي��ع. وقي��ل: ن��زلت في ورث��ة ث��ابت بن قيس بن ش��ماس. واألول أصح عند أهل النقل. فاسترجع رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم الميراث من العم، ولو كان ذلك ثابتا من قبل في شرعنا ما استرجعه. ولم يثبت قط في شرعنا أن الصبي ما ك��ان يعطى الم��يراث ح��تى يقات��ل على

الفرس ويذب عن الحريم. قلت: وكذلك قال القاضي أبو بكر بن العربي قال: ودل نزول هذه اآلية

على نكتة بديعة؛ وهو أن ما كانت عليه الجاهلي��ة تفعل��ه من أخ��ذ الم��ال لم يكن في صدر اإلسالم شرعا مسكوتا مقرا عليه؛ ألنه لو ك��ان ش��رعا مق��را عليه لما حكم النبي صلى الله عليه وسلم على عم الص��بيتين ب��رد م��ا أخ��ذ من مالهم��ا؛ ألن األحك��ام إذا مض��ت وج��اء النس��خ بع��دها إنم��ا ي��ؤثر في المس��تقبل فال ينقض ب��ه م��ا تق��دم وإنم��ا ك��انت ظالم��ة رفعت. قال��ه ابن

العربي. @قول��ه تع��الى: "يوص��يكم الل��ه في أوالدكم" ق��الت الش��افعية: ق��ول الل��ه تعالى "يوصيكم الله في أوالدكم "حقيقة في أوالد الصلب، فأم��ا ول��د االبن فإنما يدخل فيه بطريق المجاز؛ ف��إذا حل��ف أن ال ول��د ل��ه ول��ه ول��د ابن لم

يحنث؛ وإذا أوصى لولد فالن لم يدخل فيه ولد ولده. وأبو حنيفة يقول: إن��هيدخل فيه إن لم يكن له ولد صلب. ومعلوم أن األلفاظ ال تتغير بما قالوه. @ قال ابن المنذر: لما قال تعالى: "يوصيكم الله في أوالدكم" فكان الذي يجب على ظ��اهر اآلي��ة أن يك��ون الم��يراث لجمي��ع األوالد، الم��ؤمن منهم والكافر؛ فلما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: )ال ي��رث المسلم الكافر علم أن الله أراد بعض األوالد دون بعض، فال ي��رث المس�لم

الكافر، وال الكافر المسلم على ظاهر الحديث. قلت: ولما ق��ال تع��الى: "في أوالدكم" دخ��ل فيهم األس��ير في أي��دي

الكفار؛ فإنه ي��رث م��ا دام تعلم حيات��ه على اإلس��الم. وب��ه ق��ال كاف��ة أه��ل العلم، إال النخعي فإنه قال: ال يرث األسير. فأما إذا لم تعلم حيات��ه فحكم��ه حكم المفقود. ولم يدخل في عم��وم اآلي��ة م��يراث الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم لقوله: )ال نورث ما تركنا صدقة( وسيأتي بيانه في "م��ريم" إن ش��اء الله تعالى. وكذلك لم ي��دخل القات��ل عم��دا ألبي��ه أو ج��ده أو أخي��ه أو عم��ه بالسنة وإجماع األمة، وأنه ال يرث من مال من قتله وال من ديته شيئا؛ على ما تقدم بيانه في البقرة. فإن قتله خطأ فال ميراث له من الدية، ويرث من المال في قول مالك، وال يرث في قول الشافعي وأحمد وسفيان وأصحاب الرأي، من المال وال من الدية شيئا؛ حسبما تقدم بيان�ه في البق�رة. وق�ول مالك أصح، وبه قال إسحاق وأبو ثور. وهو قول سعيد بن المسيب وعط��اء بن أبي رب��اح ومجاه��د والزه��ري واألوزاعي وابن المن��ذر؛ ألن م��يراث من ورثه الله تعالى في كتاب��ه ث��ابت ال يس��تثنى من��ه إال بس��نة أو إجم��اع. وك��ل

مختلف فيه فمردود إلى ظاهر اآليات التي فيها المواريث. @ اعلم أن الميراث كان يستحق في أول اإلس��الم بأس��باب: منه��ا الحل��ف والهجرة والمعاقدة، ثم نسخ على ما يأتي بيانه في هذه السورة عند قول��ه

[. إن ش�اء الل��ه تع�الى. وأجم�ع33تعالى: "ولكل جعلن��ا م�والي" ]النس��اء: العلماء على أن األوالد إذا كان معهم من له فرض مسمى أعطيه، وكان ما بقي من الم��ال لل��ذكر مث��ل ح��ظ األنث��يين؛ لقول��ه علي��ه الس��الم: )ألحق��وا الفرائض بأهلها( رواه األئمة. يعني الفرائض الواقعة في كتاب الل��ه تع��الى. وهي س��تة: النص��ف والرب��ع والثمن والثلث��ان والثلث والس��دس. فالنص��ف فرض خمسة: ابن��ة الص��لب، وابن��ة االبن، واألخت الش��قيقة، واألخت لألب، والزوج. وكل ذلك إذا انفردوا عمن يحجبهم عنه. والرب��ع ف��رض ال��زوج م��ع الح��اجب، وف��رض الزوج��ة والزوج��ات م��ع عدم��ه. والثمن ف��رض الزوج��ة والزوجات مع الح��اجب. والثلث��ان ف��رض أرب��ع: االثن��تين فص��اعدا من بن��ات الصلب، وبنات االبن، واألخوات األش��قاء، أو لألب. وك��ل ه��ؤالء إذا انف��ردن عمن يحجبهن عنه. والثلث فرض صنفين: األم مع ع�دم الول�د، وول�د االبن، وعدم االثنين فصاعدا من اإلخوة واألخوات، وفرض االثنين فصاعدا من ولد األم. وهذا هو ثلث كل المال. فأما ثلث ما يبقى فذلك لألم في مسألة زوج أو زوجة وأبوان؛ فلألم فيه��ا ثلث م��ا يبقى. وق��د تق��دم بيان��ه. وفي مس��ائل الج��د م��ع اإلخ��وة إذا ك��ان معهم ذو س��هم وك��ان ثلث م��ا يبقى أحظى ل��ه. والس��دس ف��رض س��بعة: األب��وان والج��د م��ع الول��د وول��د االبن، والج��دة والج��دات إذا اجتمعن، وبن��ات االبن م��ع بنت الص��لب، واألخ��وات لألب م��ع األخت الشقيقة، والواحد من ولد األم ذك�را ك�ان أو أن�ثى. وه�ذه الف�رائض كلها مأخوذة من كتاب الله تعالى إال فرض الجدة والجدات فإنه مأخوذ من

السنة. واألسباب الموجبة لهذه الفروض بالميراث ثالثة أشياء: نسب ثابت، ونكاح منعقد، ووالء عتاقة. وقد تجتمع الثالث��ة األش��ياء فيك��ون الرج��ل زوج المرأة وموالها وابن عمها. وقد يجتم��ع في��ه منه��ا ش��يئان ال أك��ثر، مث��ل أن يكون زوجها وموالها، أو زوجها وابن عمها؛ فيرث بوجهين ويكون ل��ه جمي��ع المال إذا انفرد: نصفه بالزوجية ونصفه بالوالء أو بالنسب. ومثل أن تك��ون المرأة ابن��ة الرج�ل وموالت��ه، فيك��ون له��ا أيض��ا الم��ال إذا انف��ردت: نص��فه

بالنسب ونصفه بالوالء. @ وال ميراث إال بعد أداء ال��دين والوص��ية؛ ف��إذا م��ات المت��وفى أخ��رج من تركته الحقوق المعينات، ثم ما يل��زم من تكفين��ه وتقب��يره، ثم ال��ديون على مراتبه��ا، ثم يخ��رج من الثلث الوص��ايا، وم��ا ك��ان في معناه��ا على مراتبه��ا أيضا، ويكون الباقي ميراثا بين الورث��ة. وجملتهم س��بعة عش��ر. عش��رة من الرج�ال: االبن وابن االبن وإن س��فل، واألب وأب األب وه�و الج�د وإن عال، واألخ وابن األخ، والعم وابن العم، والزوج ومولى النعمة. ويرث من النساء س���بع: البنت وبنت االبن وان س���فلت، واألم والج���دة وإن علت، واألخت

والزوجة، وموالة النعمة وهي المعتقة. وقد نظمهم بعض الفضالء فقال: والوارثون إن أردت جمعهم مع اإلناث الوارثات معهم عشرة من جملة الذكران وسبع أشخاص من النسوان وهم، وقد حصرتهم في النظم االبن وابن االبن وابن العم واألب منهم وهو في الترتيب والجد من قبل األخ القريب وابن األخ األدنى أجل والعم والزوج والسيد ثم األم وابنة االبن بعدها والبنت وزوجة وجدة وأخت والمرأة الموالة أعني المعتقه خذها إليك عدة محققه

@ لما قال تعالى: "في أوالدكم" يتناول كل ولد ك�ان موج�ودا أو جنين�ا في بطن أمه، دنيا أو بعيدا، من الذكور أو اإلناث ما عدا الكافر كما تقدم. ق��ال بعض��هم: ذل��ك حقيق��ة في األذنين مج��از في األبع��دين. وق��ال بعض��هم: ه��و حقيقة في الجميع؛ ألنه من التولد، غير أنهم يرثون على ق��در الق��رب من��ه؛

[. وقال عليه السالم: )أنا س��يد26قال الله تعالى: "يا بني آدم" ]األعراف: ولد آدم( قال: )يا بني إسماعيل ارموا فإن أب��اكم ك��ان رامي��ا( إال أن��ه غلب عرف االستعمال في إطالق ذلك على األعي��ان األدنين على تل��ك الحقيق��ة؛ فإن كان في ولد الصلب ذكر لم يكن لول�د الول�د ش��يء، وه��ذا مم�ا أجم�ع عليه أهل العلم. وإن لم يكن في ولد الصلب ذكر وكان في ولد الول��د ب��دء بالبنات للصلب، ف�أعطين إلى مبل��غ الثل��ثين، ثم أعطي الثلث الب��اقي لول��د الولد إذا استووا في القعدد، أو كان ال��ذكر أس��فل ممن فوق��ه من البن��ات، للذكر مثل حظ األنثيين. هذا قول مال��ك والش��افعي وأص��حاب ال��رأي. وب��ه قال عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بع��دهم؛ إال م��ا ي��روى عن ابن مسعود أنه قال: )إن كان ال��ذكر من ول��د الول��د ب��إزاء الول��د األن��ثى رد عليها، وإن كان أسفل منها يرد عليها(؛ مراعيا في ذلك قوله تع��الى: "ف��إن

[ فلم يجع��ل للبن��ات11كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا م��ا ت��رك" ]النس��اء:وإن كثرن إال الثلثين.

قلت: هكذا ذكر ابن العربي هذا التفصيل عن ابن مسعود، والذي ذكره ابن المنذر والباجي عنه: )أن م��ا فض��ل عن بن��ات الص��لب لب��ني االبن دون بنات االبن(، ولم يفصال. وحكاه ابن المن��ذر عن أبي ث��ور. ونح��وه حكى أب��و

عمر، ق��ال أب��و عم��ر: وخ��الف في ذل��ك ابن مس��عود فق��ال: وإذا اس��تكمل البنات الثلثين فالباقي لبني االبن دون أخواتهم، ودون من فوقهم من بنات االبن، ومن تحتهم. وإلى هذا ذهب أبو ث��ور وداود بن علي. وروي مثل��ه عن علقمة. وحجة من ذهب هذا الم��ذهب ح��ديث ابن عب��اس عن الن��بي ص��لى الله عليه وسلم أنه قال: )اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فما أبقت الفرائض فألولى رجل ذك��ر( خرج��ه البخ��اري ومس��لم وغيرهم��ا. ومن حجة الجمهور قول الله عز وج��ل: "يوص��يكم الل��ه في أوالدكم لل��ذكر مثل حظ األنثيين" ألن ولد الولد ولد. ومن جهة النظر والقياس أن ك��ل من يعصب من في درجته في جملة المال فواجب أن يعص��به في الفاض��ل من المال؛ كأوالد الصلب. فوجب بذلك أن يشرك ابن االبن أخت��ه، كم��ا يش��رك االبن للص��لب أخت��ه. ف��إن احتج ألبي ث��ور وداود أن بنت االبن لم��ا لم ت��رث شيئا من الفاضل بعد الثلثين منفردة لم يعص��بها أخوه��ا. ف��الجواب أنه��ا إذا ك��ان معه��ا أخوه��ا ق��ويت ب��ه وص��ارت عص��بة مع��ه. وظ��اهر قول��ه تع��الى:

"يوصيكم الله في أوالدكم" وهي من الولد. @قوله تعالى: "فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ت��رك" اآلي��ة. ف��رض الله تعالى للواحدة النصف، وفرض لم��ا ف�وق الثن�تين الثل��ثين، ولم يف��رض للثنتين فرضا منصوصا في كتاب��ه؛ فتكلم العلم��اء في ال��دليل ال��ذي ي��وجب لهما الثلثين ما هو؟ فقيل: اإلجماع وهو مردود؛ ألن الصحيح عن ابن عباس أنه أعطى البنتين النصف؛ ألن الله ع��ز وج��ل ق��ال: "ف��إن كن نس��اء ف��وق

[ وهذا شرط وجزاء. قال: فال أعطي11اثنتين فلهن ثلثا ما ترك" ]النساء: البن��تين الثل��ثين. وقي��ل: أعطيت��ا الثل��ثين بالقي��اس على األخ��تين؛ ف��إن الل��ه سبحانه لما قال في آخر السورة: "وله أخت فلها نصف ما ترك" ]النس��اء:

[ وقال تعالى: "فإن كانت��ا اثن��تين فلهم��ا الثلث��ان مم��ا ت��رك" ]النس��اء:176 [ ف���ألحقت االبنت���ان ب���األختين في االش���تراك في الثل���ثين، وألحقت176

األخوات إذا زدن على اثنتين بالبن��ات في االش��تراك في الثل��ثين. واع��ترض هذا بأن ذلك منصوص عليه في األخوات، واإلجماع منعقد عليه فهو مس��لم بذلك. وقيل: في اآلية ما يدل على أن للبنتين الثلثين، وذل��ك أن��ه لم��ا ك��ان للواحدة مع أخيها الثلث إذا انفردت، علمنا أن لالثن��تين الثل��ثين. احتج به��ذه الحجة، وقال هذه المقال��ة إس��ماعيل القاض��ي وأب��و العب��اس الم��برد. ق��ال النحاس: وهذا االحتج��اج عن��د أه��ل النظ��ر غل��ط؛ ألن االختالف في البن��تين وليس في الواحدة. فيقول مخالفه: إذا ترك بن��تين وابن��ا فللبن��تين النص��ف؛ فه��ذا دلي��ل على أن ه��ذا فرض��هم. وقي��ل: "ف��وق" زائ��دة أي إن كن نس��اء

[ أي األعن��اق.12اثنتين. كقوله تعالى: "فاضربوا ف��وق األعن��اق" ]األنف��ال: ورد هذا القول النحاس وابن عطية وقاال: ه��و خط��أ؛ ألن الظ��روف وجمي��ع األسماء ال يجوز في كالم العرب أن تزاد لغير معنى. قال ابن عطي��ة: وألن قوله تعالى: "فاضربوا فوق األعناق" هو الفصيح، وليس��ت ف�وق زائ��دة ب��ل هي محكمة للمعنى؛ ألن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظ��ام في المفصل دون الدماغ. كما قال دريد بن الص��مة: أخفض عن ال��دماغ وارف��ع عن العظم، فهك��ذا كنت أض��رب أعن��ان األبط��ال. وأق��وى االحتج��اج في أن للبن��تين الثل��ثين الح��ديث الص��حيح الم��روي في س��بب ال��نزول. ولغ��ة أه��ل الحجاز وبني أسد الثلث والربع إلى العش��ر. ولغ��ة ب��ني تميم وربيع��ة الثلث بإسكان الالم إلى العشر. ويقال: ثلث الق��وم أثلثهم، وثلثت ال��دراهم أثلثه��ا

إذا تممته��ا ثالث��ة، وأثلثت هي؛ إال أنهم ق��الوا في المائ��ة واألل��ف: أمأيته��اوآلفتها وأمأت وآلفت.

@قوله تعالى: "وإن كانت واح�دة فله�ا النص��ف" ق��رأ ن��افع وأه��ل المدين��ة "واحدة" بالرفع على مع��نى وقعت وح��دثت، فهي ك��انت التام��ة؛ كم��ا ق��ال

الشاعر: إذا كان الشتاء فأدفئوني فإن الشيخ يهرمه الشتاء

والب��اقون بالنص��ب. ق��ال النح��اس: وه��ذه ق��راءة حس��نة. أي وإن ك��انت المتروكة أو المولودة "واحدة" مثل "فإن كن نس��اء". ف��إذا ك��ان م��ع بن��ات الصلب بنات ابن، وكان بنات الصلب اثن��تين فص��اعدا حجبن بن��ات االبن أن يرثن بالفرض؛ ألنه ال مدخل لبنات االبن أن يرثن بالفرض في غير الثل��ثين. فإن كانت بنت الصلب واحدة فإن ابنة االبن أو بن�ات االبن ي�رثن م�ع بن�ات الصلب تكملة الثلثين؛ ألنه فرض يرث��ه البنت��ان فم��ا زاد. وبن��ات االبن يقمن مقام البنات عن�د ع�دمهن. وك�ذلك أبن�اء الب�نين يقوم�ون مق�ام الب�نين في الحجب والميراث. فلما ع��دم من يس��تحق منهن الس��دس ك��ان ذل��ك لبنت االبن، وهي أولى بالسدس من األخت الشقيقة للمتوفى. على هذا جمه��ور الفقهاء من الصحابة والتابعين؛ إال ما ي��روى عن أبي موس��ى وس��ليمان بن أبي ربيعة أن للبنت النصف، والنصف الثاني لألخت، وال حق في ذل��ك لبنت االبن. وقد صح عن أبي موسى ما يقتضي أنه رجع عن ذلك؛ رواه البخاري: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا أب��و قيس س��معت هزي��ل بن ش��رحبيل يق��ول: سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت. فق��ال: )لالبن��ة النص��ف، ولألخت النصف(؛ وأت ابن مسعود فإنه سيتابعني. فسئل ابن مسعود وأخ��بر بق��ول أبي موسى فقال: )لقد ضللت إذا وما أنا من المهت��دين ! أقض��ي فيه��ا بم��ا قضى النبي صلى الله علي��ه وس��لم: لالبن��ة النص��ف، والبن��ة االبن الس��دس تكمل��ة الثل��ثين، وم��ا بقي فلألخت(. فأتين��ا أب��ا موس��ى فأخبرن�اه بق�ول ابن مسعود فقال: )ال تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم(. فإن كان مع بنت االبن أو بنات االبن ابن في درجتها أو أسفل منها عص��بها، فك��ان النص��ف الث��اني بينهما، للذكر مثل حظ األنثيين بالغا م��ا بل��غ - خالف��ا البن مس��عود على م��ا تقدم إذا استوفى بنات الصلب، أو بنت الصلب وبنات االبن الثل�ثين وك�ذلك يق���ول في األخت ألب وأم، وأخ���وات وإخ���وة ألب: لألخت من األب واألم النصف، والباقي لإلخوة واألخوات، م��ا لم يص��بهن من المقاس��مة أك��ثر من السدس؛ فإن أصابهن أكثر من السدس أعطاهن الس��دس تكمل��ة الثل��ثين،

ولم يزدهن على ذلك. وبه قال أبو ثور. @ إذا مات الرجل وترك زوجته حبلى فإن المال يوقف حتى يتبين ما تضع. وأجمع أهل العلم على أن الرجل إذا مات وزوجته حبلى أن الولد الذي في بطنها يرث ويورث إذا خرج حيا واس��تهل. وق��الوا جميع��ا: إذا خ��رج ميت��ا لم يرث؛ فإن خرج حيا ولم يستهل فقالت طائفة: ال ميراث ل��ه وإن تح��رك أو عطس م��ا لم يس��تهل. ه��ذا ق�ول مال�ك والقاس�م بن محم��د وابن س��يرين والشعبي والزهري وقتادة. وقالت طائفة: إذا عرفت حياة المولود بتحري��ك أو ص��ياح أو رض��اع أو نفس فأحكام��ه أحك��ام الحي. ه��ذا ق��ول الش��افعي وسفيان الثوري واألوزاعي. قال ابن المن�ذر: ال�ذي ق�ال الش�افعي يحتم�ل النظر، غير أن الخبر يمنع منه وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

)م��ا من مول��ود يول��د إال نخس��ه الش��يطان فيس��تهل ص��ارخا من نخس��ةالشيطان إال ابن مريم وأمه(. وهذا خبر، وال يقع على الخبر النسخ.

@ لم��ا ق��ال تع��الى: "في أوالدكم" تن��اول الخن��ثى وه��و ال��ذي ل��ه فرج��ان. وأجمع العلماء على أنه يورث من حيث يبول؛ إن بال من حيث يبول الرجل ورث ميراث رج�ل، وإن ب��ال من حيث تب�ول الم��رأة ورث م��يراث الم��رأة. قال ابن المنذر: وال أحفظ عن مالك فيه شيئا، بل قد ذكر ابن القاس��م أن��ه هاب أن يسأل مالكا عنه. فإن بال منهما معا ف��المعتبر س��بق الب��ول؛ قال��ه سعيد بن المسيب وأحمد وإسحاق. وحكي ذلك عن أص��حاب ال��رأي. وروى قتادة عن سعيد بن المسيب أن��ه ق��ال في الخن��ثى: يورث��ه من حيث يب��ول؛ فإن بال منهما جميعا فمن أيهما س��بق، ف�إن ب�ال منهم�ا مع�ا فنص�ف ذك�ر ونصف أنثى. وقال يعقوب ومحمد: من أيهم��ا خ��رج أك��ثر ورث؛ وحكي عن األوزاعي. وقال النعمان: إذا خ�رج منهم��ا مع�ا فه�و مش�كل، وال أنظ�ر إلى أيهما أكثر. وروي عنه أنه وق��ف عن��ه إذا ك��ان هك��ذا. وحكي عن��ه ق��ال: إذا أشكل يعطى أقل النص��يبين. وق��ال يح��يى بن آدم: إذا ب��ال من حيث يب��ول الرج��ل ويحيض كم��ا تحيض الم��رأة ورث من حيث يب��ول؛ ألن في األث��ر: يورث من مباله. وفي ق��ول الش��افعي: إذا خ��رج منهم��ا جميع��ا ولم يس��بق أحدهما اآلخر يك��ون مش��كال، ويعطى من الم��يراث م��يراث أن��ثى، وموق��ف الباقي بينه وبين سائر الورثة حتى يتبين أمره أو يص��طلحوا؛ وب��ه ق��ال أب��و ثور. وقال الشعبي: يعطي نصف ميراث الذكر، ونصف ميراث األن��ثى؛ وب��ه قال األوزاعي، وهو مذهب مالك. قال ابن شاس في جواهره الثمينة، على مذهب مالك عالم المدينة: الخن��ثى يعت��بر إذا ك��ان ذا ف��رجين ف��رج الم��رأة وفرج الرجل بالمبال منهما؛ فيعطى الحكم لم��ا ب��ال من��ه ف��إن ب��ال منهم��ا اعتبرت الكثرة من أيهما، فإن تساوى الحال اعتبر السبق، ف��إن ك��ان ذل��ك منهما معا اعتبر نبات اللحية أو كبر الثديين ومشابهتهما لثدي النس��اء، ف��إن اجتمع األمران اعتبر الحال عند البلوغ، فإن وجد الحيض حكم به، وإن وجد االحتالم وحده حكم به، فإن اجتمعا فهو مشكل. وكذلك لو لم يكن فرج، ال المختص بالرجال وال المختص بالنساء، بل كان ل��ه مك��ان يب��ول من��ه فق��ط انتظر به البلوغ؛ فإن ظهرت عالمة مميزة وإال فهو مشكل. ثم حيث حكمنا

باإلشكال فميراثه نصف نصيبي ذكر وأنثى. قلت: هذا الذي ذكروه من العالمات في الخنثى المشكل. وقد أشرنا

إلى عالمة في "البقرة" وص��در ه��ذه الس��ورة تلحق��ه بأح��د الن��وعين، وهي اعتبار األضالع؛ وهي مروية عن علي رضي الله عن��ه وبه��ا حكم. وق��د نظم

بعض الفضالء العلماء حكم الخنثى في أبيات كثيرة أولها: وأنه معتبر األحوال بالثدي واللحية والمبال

وفيها يقول: وإن يكن قد استوت حاالته ولم تبن وأشكلت آياته فحظه من مورث القريب ستة أثمان من النصيب هذا الذي استحق لإلشكال وفيه ما فيه من النكال وواجب في الحق أال ينكحا ما عاش في الدنيا وأال ينكحا إذ لم يكن من خالص العيال وال اغتدى من جملة الرجال وكل ما ذكرته في النظم قد قاله سراة أهل العلم وقد أبى الكالم فيه قوم منهم ولم يجنح إليه لوم

لفرط ما يبدو من الشناعة في ذكره وظاهر البشاعه وقد مضى في شأنه الخفي حكم اإلمام المرتضى علي بأنه إن نقصت أضالعه فللرجال ينبغي إتباعه في اإلرث والنكاح واإلحرام في الحج والصالة واألحكام وإن تزد ضلعا على الذكران فإنها من جملة النسوان ألن للنسوان ضلعا زائده على الرجال فاغتنمها فائدة إذ نقصت من آدم فيما سبق لخلق حواء وهذا القول حق عليه مما قاله الرسول صلى عليه ربنا دليل

قال أبو الوليد بن رشد: وال يكون الخنثى المشكل زوج��ا وال زوج��ة، وال أب��ا وال أما. وقد قيل: إنه قد وجد من له ولد من بطن��ه وول��د من ظه��ره. ق��ال ابن رشد: فإن صح ورث من ابنه لصلبه ميراث األب كامال، ومن ابنه لبطنه ميراث األم كامال. وهذا بعي��د، والل��ه أعلم. وفي س��نن ال��دارقطني عن أبي هانئ عمر بن بشير ق��ال: س��ئل ع��امر الش��عبي عن مول��ود ليس ب��ذكر وال أنثى، ليس له ما للذكر وال ما لألنثى، يخرج من سرته كهيئة البول والغائط؛فسئل عامر عن ميراثه فقال عامر: نصف حظ الذكر ونصف حظ األنثى.

@قوله تعالى: "وألبويه" أي ألبوي الميت. وهذا كناية عن غير مذكور، وجاز [ و"إن��ا32ذلك لداللة الكالم عليه؛ كقول��ه: "ح��تى ت��وارت بالحج��اب" ]ص:

[. و"الس��دس" رف��ع باالبت��داء، وم��ا قبل��ه1أنزلناه في ليلة الق��در" ]الق��در: خبره: وكذلك "الثلث. والسدس". وكذلك "نصف م��ا ت��رك" وك��ذلك "فلكم الربع". وك�ذلك "لهن الرب��ع". و"فلهن الثمن" وك�ذلك "فلك��ل واح�د منهم�ا السدس". واألبوان تثنية األب واألبة. واستغني بلفظ األم عن أن يق��ال له��ا أب��ة. ومن الع��رب من يج��ري المختلفين مج��رى المتفقين؛ فيغلب أح��دهما على اآلخر لخفته أو شهرته. جاء ذلك مسموعا في أسماء صالحة؛ كقولهم لألب واألم: أبوان. وللشمس والقم��ر: القم��ران. وللي��ل والنه��ار: المل��وان. وك��ذلك العم��ران ألبى بك��ر وعم��ر رض��ي الل��ه عنهم��ا. غلب��وا القم��ر على الشمس لخفة التذكير، وغلب��وا عم��ر على أبي بك��ر ألن أي��ام عم��ر امت��دت فاش��تهرت. ومن زعم أن��ه أراد ب��العمرين عم��ر بن الخط��اب وعم��ر بن عبدالعزيز فليس قوله بشيء؛ ألنهم نطقوا بالعمرين قبل أن يروا عم��ر بن عبدالعزيز؛ قال ابن الش��جري. ولم ي��دخل في قول��ه تع��الى: "وألبوي��ه" من عال من اآلباء دخ�ول من س�فل من األبن�اء في قول�ه "أوالدكم"؛ ألن قول�ه: "وألبوي��ه" لف��ظ مث��نى ال يحتم��ل العم��وم والجم��ع أيض��ا؛ بخالف قول��ه "أوالدكم". والدليل على صحة هذا قوله تعالى: "فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فألمه الثلث" واألم العليا جدة وال يف�رض له��ا الثلث بإجم��اع، فخ��روج الجدة عن هذا اللفظ مقطوع به، وتناوله للجد مختلف فيه. فممن قال ه��و أب وحجب به اإلخوة أبو بكر الصديق رضي الله عن��ه ولم يخالف��ه أح��د من الصحابة في ذلك أيام حياته، واختلفوا في ذلك بعد وفات��ه؛ فممن ق��ال إن��ه أب ابن عباس وعبدالله بن الزب��ير وعائش��ة ومع��اذ بن جب��ل وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو هريرة، كلهم يجعلون الجد عن��د ع�دم األب ك�األب س��واء، يحجب��ون ب��ه اإلخ��وة كلهم وال يرث��ون مع��ه ش��يئا. وق��ال عط��اء وط��اوس والحسن وقتادة. وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو ثور وإسحاق. والحجة لهم قوله

[،26[ "ي��ا ب��ني آدم" ]األع��راف: 78تع��الى: "مل��ة أبيكم إب��راهيم" ]الحج: وقوله عليه السالم: )يا بني إسماعيل ارموا فإن أباكم ك��ان رامي��ا(. وذهب

علي بن أبي ط��الب وزي��د وابن مس��عود إلى ت��وريث الج��د م��ع اإلخ��وة، وال ينقص من الثلث مع اإلخوة لألب واألم أو لألب إال م�ع ذوي الف�روض؛ فإن�ه ال ينقص معهم من السدس شيئا في قول زيد. وهو ق��ول مال��ك واألوزاعي وأبي وسف ومحمد والشافعي. وك��ان علي يش��رك بين اإلخ��وة والج��د إلى السدس وال ينقصه من السدس شيئا مع ذوي الفرائض وغيرهم. وهو ق��ول ابن أبي ليلى وطائفة. وأجمع العلم��اء على أن الج��د ال ي��رث م��ع األب وأن االبن يحجب أباه. وأنزل��وا الج��د بمنزل��ة األب في الحجب والم��يراث إذا لم يترك المتوفى أبا أقرب من��ه في جمي��ع المواض��ع. وذهب الجمه��ور إلى أن الجد يسقط بني اإلخوة من الميراث؛ إال ما روي عن الشعبي عن علي أنه أجرى بني اإلخوة في المقاسمة مجرى اإلخوة. والحجة لقول الجمه��ور أن هذا ذكر ال يعصب أخته فال يقاس��م الج��د ك��العم وابن العم. ق��ال الش��عبي: أول ج��د ورث في اإلس��الم عم��ر بن الخط��اب رض��ي الل��ه عن��ه؛ م��ات ابن لعاصم بن عمر وترك أخوين ف��أراد عم��ر أن يس��تأثر بم��ال فاستش��ار علي��ا وزيدا في ذلك فمثال له مثال فقال: )لوال أن رأيكما اجتمع ما رأيت أن يكون ابني وال أكون أباه(. روى الدارقطني عن زيد بن ثابت أن عمر بن الخطاب استأذن عليه يوما فأذن له، ورأسه في يد جاري��ة ل��ه ترجل��ه، ف��نزع رأس��ه؛ فقال له عمر: دعها ترجلك. فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إلي جئتك. فقال عمر: إنما الحاجة لي، إني جئتك لتنظر في أم�ر الج��د. فق�ال زي�د: ال والله ! ما تقول فيه. فقال عمر: ليس ه��و ب��وحي ح��تى نزي��د في��ه وننقص، إنما هو شيء تراه، فإن رأيته وافقني تبعته، وإال لم يكن عليك في��ه ش��يء. فأبى زيد، فخرج مغضبا وقال: قد جئتك وأن��ا أظن س��تفرغ من ح��اجتي. ثم أتاه مرة أخرى في الساعة التي أتاه في المرة األولى، فلم ي��زل ب��ه ح��تى قال: فسأكتب لك فيه. فكتبه في قطع��ة قتب وض��رب ل��ه مثال. إنم��ا مثل��ه مثل شجرة تنبت على ساق واحدة، فخرج فيها غص��ن ثم خ��رج في غص��ن غصن آخر؛ فالساق يسقي الغصن، ف��إن قطعت الغص��ن األول رج��ع الم��اء إلى الغص��ن، وإن قطعت الث��اني رج��ع الم��اء إلى األول. ف��أتى ب��ه فخطب الناس عمر ثم قرأ قطعة القتب عليهم ثم قال: إن زي��د بن ث��ابت ق��د ق��ال في الجد قوال وقد أمضيته. قال: وكان عم��ر أول ج��د ك��ان؛ ف��أراد أن يأخ��ذ المال كله، مال ابن ابنه دون إخوته، فقس��مه بع��د ذل��ك عم��ر بن الخط��اب

رضي الله عنه. @ وأما الجدة فأجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم. وأجمعوا على أن األم تحجب أمه��ا وأم األب. وأجمع��وا على أن األب ال يحجب أم األم. واختلفوا في توريث الج��دة وابنه��ا حي؛ فق��الت طائف��ة: )ال ترث الجدة وابنه��ا حي(. روي عن زي��د بن ث��ابت وعثم��ان وعلي. وب��ه ق��ال مالك والثوري واألوزاعي وأبو ثور وأصحاب ال��رأي. وق��الت طائف��ة: )ت��رث الجدة مع ابنها(. روي عن عمر وابن مس��عود وعثم��ان وعلي وأبي موس��ى األشعري، وق��ال ب��ه ش��ريح وج�ابر بن زي��د وعبيدالل��ه بن الحس��ن وش��ريك وأحمد وإسحاق وابن المنذر. وقال: كم��ا أن الج��د ال يحجب��ه إال األب ك��ذلك الجدة ال يحجبه��ا إال األم. وروى الترم��ذي عن عبدالل��ه ق��ال في الج��دة م��ع ابنها: )إنها أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وس��لم سدس��ا م��ع

ابنها وابنها حي(. والله أعلم.

@ واختلف العلماء في توريث الجدات؛ فقال مالك: ال ي��رث إال ج��دتان، أم أم وأم أب وأمهاتهما. وكذلك روى أبو ثور عن الشافعي، وق��ال ب��ه جماع��ة من التابعين. فإن انفردت إحداهما فالس��دس له��ا، وإن اجتمعت��ا وقرابتهم��ا سواء فالسدس بينهما. وكذلك إن كثرن إذا تساوين في القعدد؛ وه��ذا كل��ه مجمع عليه. فإن قربت التي من قب��ل األم ك��ان له��ا الس��دس دون غيره��ا، وإن قربت التي من قبل األب كان بينها وبين التي من قبل األم وإن بعدت. وال ترث إال جدة واحدة من قبل األم. وال ترث الجدة أم أب األم على حال. هذا مذهب زيد بن ثابت، وهو أثبت ما روي عنه في ذلك. وه��و ق��ول مال��ك وأهل المدينة. وقيل: إن الجدات أمهات؛ فإذا اجتمعن فالس��دس ألق��ربهن؛ كما أن اآلباء إذا اجتمع��وا ك��ان أح��دهم ب��الميراث أق��ربهم؛ فك��ذلك البن��ون واإلخوة، وبنو اإلخوة وبنو العم إذا اجتمعوا ك��ان أحقهم ب��الميراث أق��ربهم؛ فكذلك األمهات. قال ابن المنذر: وه��ذا أص��ح، وب��ه أق��ول. وك��ان األوزاعي يورث ثالث جدات: واحدة من قب��ل األم واثن��تين من قب��ل األب. وه��و ق��ول أحمد بن حنبل؛ رواه الدارقطني عن النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم مرس��ال وروي عن زيد بن ثابت عكس هذا؛ أنه كان يورث ثالث ج��دات: اثن��تين من جهة األم وواحدة من قبل األب. وقول علي رضي الله عنه كقول زيد ه��ذا. وكانا يجعالن السدس ألقربهم��ا، من قب��ل األم ك��انت أو من قب��ل األب. وال يشركها فيه من ليس في قعددها، وبه يقول الثوري وأب��و حنيف��ة وأص��حابه وأبو ثور. وأما عبدالله بن مسعود وابن عباس فكانا يورثان الجدات األرب��ع؛ وه��و ق��ول الحس��ن البص��ري ومحم��د بن س��يرين وج��ابر بن زي��د. ق��ال ابن المنذر: وك��ل ج��دة إذا نس��بت إلى المت��وفى وق��ع في نس��بها أب بين أمين

فليست ترث، في قول كل من يحفظ عنه من أهل العلم. @قوله تعالى: "لكل واحد منهم��ا الس��دس" ف��رض تع��الى لك��ل واح��د من األبوين مع الولد السدس؛ وأبهم الولد فكان الذكر واألنثى فيه س��واء. ف��إن مات رجل وترك ابنا وأبوين فألبوي�ه لك��ل واح�د منهم�ا الس�دس، وم�ا بقي فلالبن. فإن ترك ابنة وأبوين فلالبنة النصف ولألب�وين السدس��ان، وم��ا بقي فألقرب عصبة وهو األب؛ لقول رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )م��ا أبقت الف��رائض فألولى رج��ل ذك��ر(. ف��اجتمع لألب االس��تحقاق بجه��تين: التعصيب والفرض. "فإن لم يكن له ولد وورثه أب��واه فألم��ه الثلث" ف��أخبر جل ذكره أن األب�وين إذا ورث�اه أن لألم الثلث. ودل بقول�ه: "وورث�ه أب�واه" وإخب��اره أن لألم الثلث، أن الب��اقي وه��و الثلث��ان لألب. وه��ذا كم��ا تق��ول لرجلين: هذا المال بينكما، ثم تق��ول ألح��دهما: أنت ي��ا فالن ل��ك من��ه ثلث؛ فإنك حددت لآلخ��ر من��ه الثل��ثين بنص كالم��ك؛ وألن ق��وة الكالم في قول��ه: "وورثه أبواه" ي��دل على أنهم��ا منف��ردان عن جمي��ع أه��ل الس��هام من ول��د

وغيره، وليس في هذا اختالف. قلت: وعلى هذا يكون الثلثان فرضا لألب مسمى ال يكون عصبة، وذكر

ابن العربي أن المعنى في تفضيل األب ب��الثلث عن��د ع��دم الول��د الذكوري��ةوالنصرة، ووجوب المؤنة عليه، وثبتت األم على سهم ألجل القرابة.

قلت: وهذا منتقض؛ فإن ذلك موجود م��ع حيات��ه فلم ح��رم الس��دس. والذي يظهر أنه إنما حرم السدس في حياته إرفاقا بالص��بي وحياط��ة على ماله؛ إذ قد يكون إخراج جزء من م��ال إجحاف��ا ب��ه. أو أن ذل��ك تعب��د، وه��و

أولى ما يقال. والله الموفق.

إن قيل: ما فائدة زيادة الواو في قوله: "وورثه أب��واه"، وك��ان ظ��اهر الكالم أن يقول: ف��إن لم يكن ل��ه ول��د ورث��ه أب��واه. قي��ل ل��ه: أراد بزيادته��ا اإلخبار ليبين أنه أمر مس��تقر ث��ابت، فيخ��بر عن ثبوت��ه واس��تقراره، فيك��ون حال الوال��دين عن��د انفرادهم��ا كح��ال الول��دين، لل��ذكر مث��ل ح��ظ األنث��يين. ويجتمع لألب بذلك فرضان السهم والتعصيب إذ يحجب اإلخوة كالولد. وهذا

عدل في الحكم، ظاهر في الحكمة. والله أعلم. �م��ه الثلث" وهى لغ��ة @قوله تعالى: "فألم��ه الثلث" ق��رأ أه��ل الكوف��ة "فإل حكاها سيبويه. قال الكسائي: هي لغة كثير من ه��وازن وه��ذيل؛ وألن الالم لما كانت مكسورة وكانت متصلة بالحرف كرهوا ضمة بعد كسرة، فأب��دلوا من الض��مة كس��رة؛ ألن��ه ليس في الكالم فع��ل. ومن ض��م ج��اء ب��ه على

األصل؛ وألن الالم تنفصل ألنها داخلة على االسم. قال جميعه النحاس. @قوله تعالى: "فإن كان له إخوة فألمه السدس" اإلخوة يحجبون األم عن الثلث إلى السدس، وهذا هو حجب النقصان، وسواء كان اإلخوة أش��قاء أو لألب أو لألم، وال سهم لهم. وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: )الس��دس الذي حجب اإلخوة األم عنه هو لإلخوة(. وروي عنه مثل ق��ول الن��اس )إن��ه لألب(. ق��ال قت��ادة: وإنم��ا أخ��ذه األب دونهم؛ ألن��ه يم��ونهم ويلي نك��احهم والنفقة عليهم. وأجمع أهل العلم على أن أخ��وين فص��اعدا ذكران��ا ك��انوا أو إناث�������ا من أب وأم، أو من أب أو من أم يحجب�������ون األم عن الثلث إلى الس��دس؛ إال م��ا روي عن ابن عب���اس أن )االث��نين من اإلخ��وة في حكم الواح��د، وال يحجب األم أق��ل من ثالث��ة(. وق��د ص��ار بعض الن��اس إلى أن األخوات ال يحجبن األم من الثلث إلى السدس؛ ألن كت��اب الل��ه في اإلخ��وة وليست قوة ميراث اإلناث مثل قوة م��يراث ال��ذكور ح��تى تقتض��ي الع��برة اإللحاق. قال الكيا الطبري: ومقتضى أقوالهم أال ي��دخلن م��ع اإلخ��وة؛ ف��إن لف��ظ اإلخ��وة بمطلق��ه ال يتن��اول األخ��وات، كم��ا أن لف��ظ الب��نين ال يتن��اول البن��ات. وذل��ك يقتض��ي أال تحجب األم ب��األخ الواح��د واألخت من الثلث إلى السدس؛ وهو خالف إجماع المسلمين. وإذا كن مرادات باآلي��ة م��ع اإلخ��وة كن مرادات على االنفراد. واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان؛ ألن التثنية جم�ع ش��يء إلى مثل�ه، ف�المعنى يقتض�ي أنه�ا جم�ع. وق�ال علي��ه الس�الم: )االثنان فما فوقهما جماعة(. وحكي عن س��يبويه أن��ه ق��ال: س��ألت الخلي��ل عن قوله "ما أحسن وجوههم��ا" ؟ فق��ال: االثن��ان جماع��ة. وق��د ص��ح ق��ول

الشاعر: ومهمهين قذفين مرتين ظهراهما مثل ظهور الترسين

وأنشد األخفش:لما أتتنا المرأتان بالخبر فقلن إن األمر فينا قد شهر

وقال آخر:يحيى بالسالم غني قوم ويبخل بالسالم على الفقير أليس الموت بينهما سواء إذا ماتوا وصاروا في القبور

ولما وقع الكالم في ذلك بين عثمان وابن عباس قال له عثمان: )إن قومك حجبوها - يعني قريشا - وهم أهل الفصاحة والبالغة(. وممن قال: )إن أق��ل الجمع ثالث��ة( - وإن لم يق�ل ب�ه هن�ا - ابن مس�عود والش�افعي وأب��و حنيف��ة

وغيرهم. والله أعلم.

@قوله تعالى: "من بعد وصية يوصي بها أو دين" قرأ ابن كثير )أب��و عم��رو وابن عامر وعاصم "يوصى" بفتح الصاد. الب��اقون بالكس��ر، وك��ذلك اآلخ��ر. واختلفت الرواية فيهما عن عاص��م. والكس��ر اختي��ار أبي عبي��د وأبي ح��اتم؛ ألنه جرى ذكر الميت قبل هذا. قال األخفش: وتص��ديق ذل��ك قول��ه تع��الى:

"يوصين" و"توصون". @ إن قيل: ما الحكم�ة في تق�ديم ذك�ر الوص�ية على ذك�ر ال�دين، وال�دين مقدم عليه��ا بإجم��اع. وق��د روى الترم��ذي عن الح��ارث عن علي أن الن��بي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية، وأنتم تقرون الوصية قب��ل الدين. قال: والعمل على هذا عن��د عام�ة أه�ل العلم أن�ه يب�دأ بال�دين قب�ل الوصية. وروى الدارقطني من حديث عاصم بن ضمرة عن علي قال: ق��ال رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )ال��دين قب��ل الوص��ية وليس ل��وارث وص��ية(. رواه عنهم��ا أب��و إس��حاق الهم��داني. ف��الجواب من أوج��ه خمس��ة: األول: إنما قصد تقديم هذين الفص��لين على الم��يراث ولم يقص��د ترتيبهم��ا في أنفسهما؛ فلذلك تق��دمت الوص��ية في اللف��ظ. ج��واب ث��ان: لم��ا ك��انت الوصية أقل لزوما من الدين قدمها اهتماما بها؛ كما ق��ال تع��الى: "ال يغ��ادر

[. ج��واب ث��الث: ق��دمها لك��ثرة وجوده��ا49ص��غيرة وال كب��يرة" ]الكه��ف: ووقوعها؛ فصارت كالالزم لك��ل ميت م��ع نص الش��رع عليه��ا، وأخ��ر ال��دين لشذوذه، فإنه قد يكون وقد ال يكون. فبدأ ب��ذكر ال��ذي ال ب��د من��ه، وعط��ف بالذي قد يقع أحيانا. ويقوى هذا: العطف ب��أو، ول��و ك��ان ال��دين راتب��ا لك��ان العط��ف ب��الواو. ج��واب راب��ع: إنم��ا ق��دمت الوص��ية إذ هي ح��ظ مس��اكين وضعفاء، وأخر الدين إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة وسلطان وله فيه مق��ال. جواب خامس: لما كانت الوصية ينشئها من قبل نفسه قدمها، والدين ثابت

مؤدى ذكره أو لم يذكره. @ ولما ثبت هذا تعلق الش��افعي ب��ذلك في تق��ديم دين الزك��اة والحج على الميراث فق��ال: إن الرج��ل إذا ف��رط في زكات��ه وجب أخ��ذ ذل��ك من رأس ماله. وهذا ظاهر ببادئ الرأي؛ ألنه حق من الحقوق فيل��زم أداؤه عن��ه بع��د الموت كحقوق اآلدميين ال س��يما والزك��اة مص��رفها إلى اآلدمي. وق��ال أب��و حنيفة ومالك: إن أوصى بها أديت من ثلثه، وإن سكت عنها لم يخ��رج عن��ه شيء. قالوا: ألن ذلك موجب لترك الورث��ة فق��راء؛ إال أن��ه ق��د يتعم��د ت��رك

الكل حتى إذا مات استغرق ذلك جميع ماله فال يبقى للورثة حق. @قوله تعالى: "آباؤكم وأبناؤكم" رفع باالبتداء والخبر مض��مر، تق��ديره: هم المقسوم عليهم وهم المعطون. "ال تدرون أيهم أقرب لكم نفعا" قيل: في الدنيا بالدعاء والصدقة؛ كما جاء في األثر )إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده(. وفي الحديث الصحيح )إذا مات الرج��ل انقط��ع عمل��ه إال من ثالث - فذكر - أو ولد صالح يدعو له(. وقيل: )في اآلخرة؛ فقد يك��ون االبن أفض��ل فيش��فع في أبي��ه(؛ عن ابن عب��اس والحس��ن. وق��ال بعض المفس��رين: إن االبن إذا كان أرفع من درجة أبي��ه في اآلخ��رة س��أل الل��ه فرف��ع إلي��ه أب��اه، وكذلك األب إذا كان أرفع من ابنه؛ وسيأتي في "الطور" بيان��ه. وقي��ل: في

الدنيا واآلخرة؛ قال ابن زيد. واللفظ يقتضي ذلك. @قوله تعالى: "فريضة" نصب على المصدر المؤك��د، إذ مع��نى "يوص��يكم" يفرض عليكم. وقال مكي وغ��يره: هي ح��ال مؤك��دة؛ والعام��ل "يوص��يكم" وذلك ضعيف. واآلية متعلقة بما تق��دم؛ وذل��ك أن��ه ع��رف العب��اد أنهم كف��وا

مؤنة االجتهاد في إيص��اء القراب��ة م��ع اجتم��اعهم في القراب��ة، أي أن اآلب��اء واألبن��اء ينف��ع بعض��هم بعض��ا في ال��دنيا بالتناص��ر والمواس��اة، وفي اآلخ��رة بالشفاعة. وإذا تقرر ذلك في اآلباء واألبناء تق��رر ذل��ك في جمي��ع األق��ارب؛ فلو كان القسمة موكولة إلى االجتهاد لوج��وب النظ��ر في غ��نى ك��ل واح��د منهم. وعند ذلك يخرج األمر عن الضبط إذ قد يختل��ف األم��ر، ف��بين ال��رب تبارك وتعالى أن األصلح للعبد أال يوكل إلى اجتهاده في مقادير الم��واريث، بل بين المقادير شرعا. "إن الله كان عليما" أي بقسمة المواريث "حكيما" حكم في قسمتها وبينها ألهله��ا. وق��ال الزج��اج: "عليم��ا" أي باألش��ياء قب��ل خلقها "حكيما" فيما يقدره ويمضيه منها. وقال بعضهم: إن الله س��بحانه لم يزل وال يزال، والخبر منه بالماضي كالخبر منه باالستقبال. ومذهب سيبويه أنهم رأوا حكمة وعلما فقيل لهم: إن الله عز وجل كان كذلك لم يزل على

ما رأيتم. @قوله تعالى: "ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن ك��ان لكم ول��د فلهن الثمن مم��ا ت��ركتم من بعد وصية توصون بها أو دين" الخطاب للرجال. والولد هنا بن��و الص��لب وبنو بنيهم وإن سفلوا، ذكرانا وإناثا واحدا فما زاد بإجم��اع. وأجم��ع العلم��اء على أن للزوج النصف مع عدم الولد أو ولد الولد، ول��ه م��ع وج��وده الرب��ع. وترث المرأة من زوجها الربع مع فقد الولد، والثمن م��ع وج��وده. وأجمع��وا على أن حكم الواحدة من األزواج والثنتين والثالث واألربع في الرب��ع إن لم يكن له ولد، وفي الثمن إن كان له ولد واحد، وأنهن ش��ركاء في ذل��ك؛ ألن الل��ه ع�ز وج�ل لم يف�رق بين حكم الواح�دة منهن وبين حكم الجمي�ع، كم�ا فرق بين حكم الواحدة من البنات والواحدة من األخوات وبين حكم الجميع

منهن. @قوله تعالى: "وإن كان رجل يورث كالل��ة أو ام��رأة" الكالل��ة مص��در؛ من تكلله النسب أي أحاط به. وبه سمي اإلكليل، وهي منزلة من منازل القمر إلحاطته��ا ب��القمر إذا احت��ل به��ا. ومن��ه اإلكلي��ل أيض��ا وه��و الت��اج والعص��ابة المحيطة بالرأس. )فإذا مات الرجل وليس له ولد وال وال�د فورثت��ه كالل�ة(. هذا قول أبي بكر الصديق وعمر وعلي وجمهور أهل العلم. وذكر يح��يى بن آدم عن شريك وزهير وأبي األحوص عن أبي إسحاق عن س��ليمان بن عب��د قال: ما رأيتهم إال وقد تواطؤوا وأجمعوا على أن الكاللة من مات ليس ل��ه ولد وال وال�د. وهك�ذا ق�ال ص�احب كت�اب العين وأب�و منص��ور اللغ�وي وابن عرفة والقتبي وأبو عبيد وابن األنباري. فاألب واالبن طرف��ان للرج��ل؛ ف��إذا

ذهبا تكلله النسب. ومنه قيل: روضة مكللة إذا حفت بالنور. وأنشدوا: مسكنه روضة مكللة عم بها األيهقان والذرق

يعني نبتين. وقال امرؤ القيس: أصاح ترى برقا أريك وميضه كلمع اليدين في حبي مكلل

فسموا القرابة كاللة؛ ألنهم أطافوا بالميت من جوانبه وليس��وا من��ه وال ه��و منهم، وإح��اطتهم ب��ه أنهم ينتس��بون مع��ه. كم��ا ق��ال أع��رابي: م��الي كث��ير

ويرثني كاللة متراخ نسبهم. وقال الفرزدق: ورثتم قناة المجد ال عن كاللة عن ابني مناف عبد شمس وهاشم

وقال آخر:

وإن أبا المرء أحمى له ومولى الكاللة ال يغضب وقيل: إن الكاللة مأخوذة من الكالل وهو اإلعياء؛ فكأنه يصير الم��يراث إلى

الوارث عن بعد وإعياء. قال األعشى: فآليت ال أرثي لها من كاللة وال من وجى حتى تالقي محمدا

وذكر أبو حاتم واألثرم عن أبى عبيدة قال: الكالل��ة ك��ل من لم يرث��ه أب أو ابن أو أخ فهو عند العرب كاللة. قال أبو عمر: ذكر أبي عبيدة األخ هن��ا م��ع األب واالبن في ش��رط الكالل��ة غل��ط ال وج��ه ل��ه، ولم ي��ذكره في ش��رط الكاللة غيره. وروي عن عمر بن الخطاب أن )الكاللة من ال ولد له خاصة(؛ وروي عن أبي بك��ر ثم رجع��ا عن��ه. وق��ال ابن زي��د: الكالل��ة الحي والميت جميعا. وعن عطاء: الكاللة المال. قال ابن الع��ربي: وه��ذا ق��ول طري��ف ال

وجه له. قلت: له وجه متبين باإلعراب آنفا. وروي عن ابن األعرابي أن الكاللة

بنو العم األباعد. وعن السدي أن الكاللة الميت. وعنه مثل ق��ول الجمه��ور. وهذه األقوال تتبين وجوهها باإلعراب؛ فقرأ بعض الكوفيين "ي��ورث كالل��ة" بكسر الراء وتشديدها. وقرأ الحسن وأيوب "يورث" بكسر الراء وتخفيفها، على اختالف عنهما. وعلى ه��اتين الق��راءتين ال تك��ون الكالل��ة إال الورث��ة أو المال. كذلك حكى أصحاب المعاني؛ ف��األول من ورث، والث��اني من أورث. و"كاللة" مفعوله و"كان" بمعنى وقع. ومن قرأ "يورث" بفتح ال��راء احتم��ل أن تكون الكاللة المال، والتقدير: ي��ورث وراث��ة كالل��ة فتك��ون نعت��ا لمص��در محذوف. ويجوز أن تكون الكاللة اسما للورثة وهي خبر ك��ان؛ فالتق��دير: ذا ورثة. ويجوز أن تكون تام�ة بمع�نى وق�ع، و"ي�ورث" نعت لرج�ل، و"رج�ل" رف��ع بك��ان، و"كالل��ة" نص��ب على التفس��ير أو الح��ال؛ على أن الكالل�ة ه��و

الميت، التقدير: وإن كان رجل يورث متكلل النسب إلى الميت. @ ذكر الله عز وجل في كتابه الكالل��ة في موض��عين: آخ��ر الس��ورة وهن��ا، ولم يذكر في الموضعين وارثا غير اإلخوة. فأما ه��ذه اآلي��ة ف��أجمع العلم��اء على أن اإلخوة فيها عني بها اإلخوة لألم؛ لقوله تعالى: "فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث". وك��ان س��عد بن أبي وق��اص يق��رأ "ول��ه أخ أو أخت من أم���ه". وال خالف بين أه���ل العلم أن اإلخ���وة لألب واألم أو األب ليس ميراثهم كه��ذا؛ ف��دل إجم��اعهم على أن اإلخ��وة الم��ذكورين في آخ��ر السورة هم إخوة المتوفى ألبيه وأمه أو ألبيه؛ لقوله ع��ز وج��ل "وإن ك��انوا

[. ولم يختلف��وا176إخوة رجاال ونساء فللذكر مثل حظ األنثيين" ]النس��اء: أن ميراث اإلخ��وة لألم ليس هك��ذا؛ ف��دلت اآليت��ان أن اإلخ��وة كلهم جميع��ا كاللة. وقال الشعبي: )الكاللة ما كان سوى الولد والوالد من الورث��ة إخ��وة أو غيرهم من العصبة(. ك��ذلك ق��ال علي وابن مس��عود وزي��د وابن عب��اس، وهو القول األول ال��ذي ب��دأنا ب��ه. ق��ال الط��بري: والص��واب أن الكالل��ة هم الذين يرثون الميت من عدا ولده ووالده، لصحة خبر جابر: فقلت يا رسول

الله إنما يرثني كاللة، أفأوصي بمالي كله؟ قال: )ال(. @ قال أهل اللغة: يقال رجل كاللة وامرأة كاللة. وال يث��نى وال يجم��ع؛ ألن��ه مص��در كالوكال�ة والدالل�ة والس��ماحة والش��جاعة. وأع�اد ض��مير مف�رد في قوله: "ول��ه أخ" ولم يق��ل لهم��ا. ومض��ى ذك��ر الرج��ل والم��رأة على ع��ادة العرب إذا ذك��رت اس��مين ثم أخ��برت عنهم��ا وكان��ا في الحكم س��واء ربم��ا أضافت إلى أحدهما وربما أضافت إليهما جميعا؛ تقول: من كان عن��ده غالم

وجارية فليحسن إليه وإليه��ا وإليهم��ا وإليهم؛ ق��ال الل��ه تع��الى: "واس��تعينوا [. وقال تع��الى: "إن يكن غني��ا أو45بالصبر والصالة وإنها لكبيرة" ]البقرة:

[ ويجوز أولى بهم؛ عن الفراء وغيره.135فقيرا فالله أولى بهما" ]النساء: ويقال في امرأة: م��رأة، وه�و األص��ل. وأخ أص��له أخ�و، ي��دل علي�ه أخ�وان؛ فح��ذف من��ه وغ��ير على غ��ير قي��اس. ق��ال الف��راء ض��م أول أخت، ألن المحذوف منها واو، وكسر أول بنت؛ ألن المحذوف منها ياء. وه��ذا الح��ذف

والتعليل على غير قياس أيضا. @قول��ه تع��الى: "ف��إن ك��انوا أك��ثر من ذل��ك فهم ش��ركاء في الثلث" ه��ذا التشريك يقتضي التسوية بين الذكر واألنثى وإن كثروا. وإذا ك��انوا يأخ��ذون ب��األم فال يفض��ل ال��ذكر على األن��ثى. وه��ذا إجم��اع من العلم��اء، وليس في الفرائض موضع يكون فيه الذكر واألنثى سواء إال في م��يراث اإلخ��وة لألم. فإذا ماتت امرأة وتركت زوجها وأمه��ا وأخاه��ا ألمه��ا فلل��زوج النص��ف ولألم الثلث ولألخ من األم السدس. فإن تركت أخوين وأختين - والمسألة بحاله�ا - فلل��زوج النص��ف ولألم الس��دس ولألخ��وين واألخ��تين الثلث، وق��د تمت الفريض��ة. وعلى ه��ذا عام��ة الص��حابة؛ ألنهم حجب��وا األم ب��األخ واألخت من الثلث إلى السدس. وأما ابن عباس فإنه لم ير العول ولو جع��ل لألم الثلث لعالت المسألة، وهو ال يرى ذل��ك. والع��ول م��ذكور في غ��ير ه��ذا الموض��ع، ليس هذا موض��عه. ف��إن ت��ركت زوجه��ا وإخ��وة ألم وأخ��ا ألب وأم؛ فلل��زوج النصف، وإلخوتها ألمها الثلث، وما بقي فألخيها ألمها وأبيه��ا. وهك��ذا من ل��ه فرض مسمى أعطيه، والباقي للعص��بة إن فض��ل. ف��إن ت��ركت س��تة إخ��وة مفترقين فهذه الحمارية، وتسمى أيضا المشتركة. قال ق��وم: )لإلخ��وة لألم الثلث، ولل��زوج النص��ف، ولألم الس��دس(، وس��قط األخ واألخت من األب واألم، واألخ واألخت من األب. روي عن علي وابن مس���عود وأبي موس���ى والشعبي وش��ريك ويح��يى بن آدم، وب��ه ق��ال أحم��د بن حنب��ل واخت��اره ابن المنذر؛ ألن الزوج واألم واألخ��وين لألم أص��حاب ف��رائض مس��ماة ولم يب��ق للعص��بة ش��يء. وق��ال ق��وم: )األم واح��دة، وهب أن أب��اهم ك��ان حم��ارا ! وأشركوا بينهم في الثلث(؛ ولهذا س��ميت المش��تركة والحماري��ة. روي ه�ذا عن عمر وعثمان وابن مسعود أيضا وزيد بن ثابت ومس�روق وش��ريح، وب�ه قال مالك والشافعي وإسحاق. وال تستقيم هذه المسألة أن لو ك��ان الميت

رجال. فهذه جملة من علم الفرائض تضمنتها اآلية، والله الموفق للهداية. وكانت الوراثة في الجاهلية بالرجولية والقوة، وكانوا يورثون الرج��ال

دون النساء؛ فأبطل الله عز وجل ذلك بقوله: "للرجال نصيب مما اكتسبوا [ كما تقدم. وكانت الوراثة أيضا في الجاهلي��ة32وللنساء نصيب" ]النساء:

وبدء اإلس��الم بالمحالف��ة، ق��ال الل��ه ع�ز وج�ل: "وال�ذين عق�دت أيم��انكم" [ على ما يأتي بيانه. ثم ص��ارت بع��د المحالف��ة ب��الهجرة؛ ق��ال33]النساء:

الله تعالى: "والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من واليتهم من ش��يء ح��تى [ وس��يأتي. وهن��اك ي��أتي الق��ول في ذوي األرح��ام72يه��اجروا" ]األنف��ال:

وم��يراثهم، إن ش��اء الل��ه تع��الى. وس��يأتي في س��ورة "الن��ور" م��يراث ابن المالعنة وولد الزنا والمكاتب بحول الله تعالى. والجمهور من العلم��اء على أن األسير المعلوم حياته أن ميراثه ثابت؛ ألنه داخ��ل في جمل��ة المس��لمين الذين أحكام اإلسالم جاري��ة عليهم. وق��د روي عن س��عيد بن المس��يب أن��ه

قال في األسير في يد العدو: ال يرث. وقد تقدم ميراث المرت��د في س��ورة"البقرة" والحمد لله.

@قوله تعالى: "غير مضار" نصب على الحال والعامل "يوصي". أي يوصي بها غير مضار، أي غير م��دخل الض��رر على الورث��ة. أي ال ينبغي أن يوص��ي بدين ليس عليه ليضر بالورثة؛ وال يقر ب��دين. فاإلض��رار راج��ع إلى الوص��ية والدين؛ أما رجوعه إلى الوص��ية فب��أن يزي��د على الثلث أو يوص��ي ل��وارث، فإن زاد فإنه ي�رد، إال أن يج�يزه الورث�ة؛ ألن المن�ع لحق�وقهم ال لح��ق الل�ه تعالى. وإن أوصى لوارث فإنه يرجع ميراثا. وأجمع العلماء على أن الوصية لل��وارث ال تج��وز. وق��د تق��دم ه��ذا في "البق��رة". وأم��ا رجوع��ه إلى ال��دين فباإلقرار في حالة ال يجوز له فيها؛ كما لو أقر في مرضه لوارثه أو لصديق مالطف؛ فإن ذلك ال يجوز عندنا. وروي عن الحس��ن أن��ه ق��رأ "غ��ير مض��ار وصية من الله" على اإلضافة. قال النحاس: وقد زعم بعض أه��ل اللغ��ة أن هذا لحن؛ ألن اسم الفاع��ل ال يض��اف إلى المص��در. والق��راءة حس��نة على حذف، والمعنى: غير مضار ذي وصية، أي غير مضار بها ورثته في ميراثهم. وأجمع العلماء على أن إمراره بدين لغ��ير وارث ح��ال الم��رض ج��ائز إذا لم

يكن عليه دين في الصحة. @ فإن كان عليه دين في الصحة ببينة وأقر ألجنبي ب��دين؛ فق��الت طائف��ة: يبدأ بدين الصحة؛ هذا قول النخعي والكوفيين. قالوا: فإذا استوفاه ص��احبه فأصحاب اإلقرار في المرض يتحاصون. وقالت طائفة: هما س��واء إذا ك��ان لغير وارث. هذا قول الشافعي وأبي ثور وأبي عبيد، وذكر أبو عبيد إنه قول

أهل المدينة ورواه عن الحسن. @ قد مضى في "البقرة" الوعيد في اإلضرار في الوص��ية ووجوهه��ا. وق��د روى أب��و داود من ح��ديث ش��هر بن حوش��ب )وه��و مطع��ون في��ه( عن أبى هريرة حدثه أن رس��ول الل�ه ص�لى الل�ه علي�ه وس�لم ق�ال: )إن الرج�ل أو المرأة ليعمل بطاعة الله س��تين س��نه ثم يحض��رهما الم��وت فيض��اران في الوصية فتجب لهما النار(. ق�ال: وق�رأ علي أب�و هري��رة من ههن��ا "من بع�د وصية يوصي بها أو دين غير مضار" حتى بل��غ "ذل��ك الف��وز العظيم". وق��ال ابن عباس: )اإلضرار في الوصية من الكبائر(؛ ورواه عن الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم، إال أن مشهور مذهب مال��ك وابن القاس��م أن الموص��ي ال يع��د فعله مضارة في ثلثه؛ ألن ذل��ك حق��ه فل��ه التص��رف في��ه كي��ف ش��اء. وفي

المذهب قوله: أن ذلك مضارة ترد. وبالله التوفيق. @قوله تع��الى: "وص��ية" نص��ب على المص��در في موض��ع الح��ال والعام��ل "يوصيكم" ويصح أن يعم��ل فيه��ا "مض��ار" والمع��نى أن يق��ع الض��رر به��ا أو بس��ببها ف��أوقع عليه��ا تج��وزا، ق��ال ابن عطي��ة؛ وذك��ر أن الحس��ن بن أبي الحسن قرأ "غير مضار وصية" باإلضافة؛ كما تق��ول: ش��جاع ح��رب. وبض��ة المتجرد؛ في قول طرفة بن العبد. والمعنى على ما ذكرناه من التجوز في اللفظ لصحة المعنى. "والل��ه عليم حليم" يع�ني عليم بأه�ل الم��يراث حليم على أهل الجهل منكم. وقرأ بعض المتقدمين "والله عليم حكيم" ]النس��اء:

[ يعني حكيم بقسمة الميراث والوصية.26 @قوله تعالى: "تلك حدود الله" و"تلك" بمعنى ه��ذه، أي ه��ذه أحك��ام الل��ه قد بينها لكم لتعرفوها وتعملوا به�ا. "ومن يط��ع الل��ه ورس��وله" في قس�مة المواريث فيقر بها ويعمل بها كما أمره الله تعالى "يدخله جنات تجري من

تحته��ا األنه��ار" جمل��ة في موض��ع نص��ب على النعت لجن��ات. وقول��ه "ومن يعص الله ورسوله" يريد في قسمة المواريث فلم يقس�مها ولم يعم��ل به�ا "ويتعد حدوده" أي يخالف أمره "يدخله نارا خالدا فيها". والعصيان إن أريد به الكفر فالخلود على بابه، وإن أريد به الكبائر وتج��اوز أوام��ر الل��ه تع��الى

فالخلود مستعار لمدة ما. كما تقول: خلد الله ملكه. وقال زهير: وال خالدا إال الجبال الرواسيا

وقد تقدم هذا المعنى في غير موضع. وقرأ نافع وابن عامر "ندخله" بالنون في الموض��عين، على مع��نى اإلض��افة إلى نفس��ه س��بحانه. الب��اقون بالي��اء

كالهما؛ ألنه سبق ذكر اسم الله تعالى أي يدخله الله. }والالتي ي��أتين الفاحش��ة من نس��ائكم فاستش��هدوا عليهن15*اآلي��ة: 3*

أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في ال��بيوت ح��تى يتوف��اهن الم��وت أويجعل الله لهن سبيال{

@ لم�ا ذك�ر الل��ه تع�الى في ه��ذه الس�ورة اإلحس��ان إلى النس��اء وإيص��ال صدقاتهن إليهن، وانجر األمر إلى ذكر ميراثهن م��ع م��واريث الرج��ال، ذك��ر أيضا التغلي��ظ عليهن فيم��ا ي��أتين ب��ه من الفاحش��ة، لئال تت��وهم الم��رأة أن��ه

يسوغ لها ترك التعفف. @قوله تعالى: "والالتي" "الالتي" جمع التي، وهو اسم مبهم للمؤنث، وهي معرفة وال يجوز نزع األلف والالم منه للتنكير، وال يتم إال بصلته؛ وفي��ه ثالث لغ��ات كم��ا تق��دم. ويجم��ع أيض��ا "الالت" بح��ذف الي��اء وإبق��اء الكس��رة؛ و"الالئي" بالهمزة وإثبات الياء، و"الالء" بكسر الهمزة وحذف الياء، و"الال" بح��ذف الهم��زة. ف��إن جمعت الجم��ع قلت في الالتي: الل��واتي، وفي الالء: اللوائي. وقد روي عنهم "الل��وات" بح��ذف الي��اء وإبق��اء الكس��رة؛ ق��ال ابن

الشجري. قال الجوهري: أنشد أبو عبيد: من اللواتي والتي والالت زعمن أن قد كبرت لدات

واللوا بإسقاط التاء. وتصغير التي اللتيا بالفتح والتشديد؛ قال الراجز: بعد اللتيا واللتيا والتي

وبعض الشعراء أدخل على "التي" ح�رف الن��داء، وح��روف الن��داء ال ت��دخل على ما فيه األلف والالم إال في قولنا: يا الله وح��ده؛ فكأن��ه ش��بهها ب��ه من

حيث كانت األلف والالم غير مفارقتين لها. وقال: من أجلك يالتي تيمت قلبي وأنت بخيلة بالود عني

ويقال: وقع في اللتيا والتي؛ وهما اسمان من أسماء الداهية. @قوله تعالى: "يأتين الفاحشة" الفاحشة في هذا الموضع الزنا، والفاحشة الفعل���ة القبيح���ة، وهي مص���در كالعاقب���ة والعافي���ة. وق���رأ ابن مس���عود

"بالفاحشة" بباء الجر. قول��ه تع��الى: "من نس��ائكم" إض��افة في مع��نى اإلس��الم وبي��ان ح��ال

[ ألن282المؤمنات؛ كما قال "واستشهدوا شهيدين من رجالكم" ]البقرة: الكافرة قد تكون من نساء المسلمين بنسب وال يلحقها هذا الحكم.

@قوله تعالى: "فاستشهدوا عليهن أربعة منكم" أي من المسلمين، فجع��ل الل��ه الش��هادة على الزن�ا خاص�ة أربع�ة تغليظ�ا على الم��دعي وس��ترا على العباد. وتعديل الشهود باألربعة في الزن��ا حكم ث��ابت في الت��وراة واإلنجي��ل والقرآن؛ قال الله تعالى: "وال��ذين يرم��ون المحص��نات ثم لم ي��أتوا بأربع��ة

[ وقال هن��ا: "فاستش��هدوا عليهن4شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة" ]النور:

أربعة منكم". وروى أبو داود عن جابر بن عبدالله قال: جاءت اليهود برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال: الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم )ائت��وني ب��أعلم رجلين منكم( فأتوه بابني صوريا فنش��دهما: )كي��ف تج��دان أم��ر ه��ذين في التوراة؟( قاال: نجد في التوراة إذا ش��هد أربع��ة أنهم رأوا ذك��ره في فرجه��ا مثل الميل في المكحلة رجم��ا. ق��ال: )فم��ا يمنعكم��ا أن ترجموهم�ا(؛ ق��اال: ذهب سلطاننا فكرهن��ا القت��ل؛ ف��دعا رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم بالش��هود، فج��اؤوا فش��هدوا أنهم رأوا ذك��ره في فرجه��ا مث��ل المي��ل في المكحلة؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما. وقال قوم: إنما كان الشهود في الزنا أربعة لي��ترتب ش��اهدان على ك�ل واح��د من الزان��يين كسائر الحقوق؛ إذ هو حق يؤخذ من كل واح��د منهم��ا؛ وه��ذا ض��عيف؛ ف��إناليمين تدخل في األموال واللوث في القسامة وال مدخل لواحد منهما هنا.

وال بد أن يكون الشهود ذكورا؛ لقوله: "منكم" وال خالف فيه بين األمة. وأن يكونوا عدوال؛ ألن الله تعالى شرط العدالة في البيوع والرجع��ة، وه��ذا أعظم، وهو بذلك أولى. وهذا من حمل المطلق على المقيد بال��دليل، على ما ه��و م��ذكور في أص��ول الفق��ه. وال يكون��ون ذم��ة، وإن ك��ان الحكم على ذمية، وسيأتي ذلك في "المائدة" وتعلق أب��و حنيف��ة بقول��ه: "أربع��ة منكم" في أن الزوج إذا كان أحد الشهود في القذف لم يالعن. وسيأتي بيان��ه في

"النور" إن شاء الله تعالى. @قوله تعالى: "فإن ش��هدوا فأمس��كوهن في ال��بيوت" ه��ذه أول عقوب��ات الزناة؛ وك��ان ه��ذا في ابت��داء اإلس��الم؛ ق��ال عب��ادة بن الص��امت والحس��ن ومجاهد حتى نسخ باألذى الذي بعده، ثم نسخ ذل��ك بآي��ة "الن��ور" وب��الرجم في الثيب. وقالت فرقة: بل كان اإليذاء هو األول ثم نسخ باإلمساك، ولكن التالوة أخ��رت وق��دمت؛ ذك��ره ابن ف��ورك، وه��ذا اإلمس��اك والحبس في البيوت كان في ص��در اإلس��الم قب��ل أن يك��ثر الجن��اة، فلم��ا ك��ثروا وخش��ي

قوتهم اتخذ لهم سجن؛ قاله ابن العربي. @ واختلف العلماء هل كان هذا الس�جن ح�دا أو وع�دا بالح��د على ق�ولين: أحدهما: أنه توعد بالحد، والثاني: أنه حد؛ قال ابن عباس والحسن. زاد ابن زيد: وأنهم منعوا من النكاح حتى يموتوا عقوبة لهم حين طلب��وا النك��اح من غير وجهه. وهذا يدل على أنه كان حدا بل أش��د؛ غ��ير أن ذل��ك الحكم ك��ان ممدودا إلى غاية وه��و األذى في اآلي��ة األخ��رى، على اختالف الت��أويلين في أيهما قبل؛ وكالهما مم��دود إلى غاي��ة وهي قول��ه علي��ه الس��الم في ح��ديث عبادة بن الصامت: )خذوا عني خذوا عني ق��د جع��ل الل��ه لهن س��بيال البك��ر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة وال��رجم(. وه��ذا نح��و

[ ف��إذا ج��اء اللي��ل187قوله تعالى: "ثم أتموا الصيام إلى اللي��ل" ]البق��رة: ارتفع حكم الصيام النتهاء غايته ال لنسخه. ه��ذا ق��ول المحققين المت��أخرين من األصوليين، فإن النسخ إنما يكون في القولين المتعارضين من كل وجه اللذين ال يمكن الجمع بينهم��ا، والجم��ع ممكن بين الحبس والتعي��ير والجل��د والرجم، وقد قال بعض العلماء: أن األذى والتعيير باق م�ع الجل��د؛ ألنهم�ا ال يتعارضان بل يحمالن على ش��خص واح��د. وأم��ا الحبس فمنس��وخ بإجم��اع،

وإطالق المتقدمين النسخ على مثل هذا تجوز. والله أعلم. }واللذان يأتيانها منكم فآذوهم��ا ف�إن تاب��ا وأص��لحا فأعرض�وا16*اآلية: 3*

عنهما إن الله كان توابا رحيما{

@قوله تعالى: "والل��ذان" "الل��ذان" تثني��ة ال��ذي، وك��ان القي��اس أن يق��ال: اللذيان كرحيان ومصطفيان وشجيان. قال سيبويه: حذفت الياء ليفرق بين األسماء المتمكنة واألسماء المبهمات. وقال أبو علي: حذفت الياء تخفيف��ا، إذ ق��د أمن اللبس في الل��ذان؛ ألن الن��ون ال تنح��ذف، ون��ون التثني��ة في األسماء المتمكنة قد تنحذف مع اإلضافة في رحياك ومصطفيا الق��وم؛ فل��و حذفت الياء الشتبه المفرد باالثنين. وقرأ ابن كثير "اللذان" بتشديد الن��ون؛ وهي لغة قريش؛ وعلته أنه جعل التشديد عوضا من ألف "ذا" على ما يأتي بيانه في سورة "القصص" عند قوله تع��الى: "ف��ذانك برهان��ان" ]القص��ص:

[. وفيها لغة أخ��رى "الل��ذا" بح��ذف الن��ون. ه��ذا ق��ول الكوف��يين. وق��ال32 البصريون: إنما حذفت النون لط��ول االس��م بالص��لة. وك��ذلك ق��رأ "ه��ذان" و"فذانك برهانان" بالتشديد فيهما. والب��اقون ب��التخفيف. وش��دد أب��و عم��رو "فذانك برهانان" وحدها. و"الل��ذان" رف��ع باالبت��داء. ق��ال س��يبويه: المع��نى وفيما يتلى عليكم اللذان يأتيانه��ا، أي الفاحش��ة "منكم". ودخلت الف��اء في "فآذوهما" ألن في الكالم معنى األمر؛ ألنه لم��ا وص��ل ال��ذي بالفع��ل تمكن فيه معنى الشرط؛ إذ ال يقع عليه شيء بعينه، فلما تمكن الشرط واإلبه��ام فيه جرى مجرى الشرط فدخلت الفاء، ولم يعمل فيه ما قبله من اإلضمار كما ال يعمل في الشرط م��ا قبل��ه؛ فلم��ا لم يحس��ن إض��مار الفع��ل قبلهم��ا لينصبا رفعا باالبتداء؛ وهذا اختيار سيبويه. ويجوز النصب على تقدير إض��مار فعل، وهو االختيار إذا كان في الكالم معنى األمر والنهي نحو قولك: اللذين

عندك فأكرمهما. @قوله تع��الى: "فآذوهم��ا" ق��ال قت��ادة والس��دي: معن��اه الت��وبيخ والتعي��ير. وقالت فرقة: هو الس��ب والجف��اء دون تعي��ير. ابن عب��اس: الني��ل باللس��ان والضرب بالنعال. قال النحاس: وزعم قوم أنه منسوخ. قلت: رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: "والالتي يأتين الفاحشة" و"اللذان يأتيانه��ا" ك��ان في أول األمر فنسختهما اآلية التي في "النور". قال النحاس: وقيل وهو أولى: إن��ه ليس بمنس��وخ، وأن��ه واجب أن يؤدب��ا ب��التوبيخ فيق��ال لهم��ا: فجرتم��ا

وفسقتما وخالفتما أمر الله عز وجل. @ واختلف العلم��اء في تأوي��ل قول��ه تع��الى: "والالتي" وقول��ه: "والل��ذان" فق��ال مجاه��د وغ��يره: اآلي��ة األولى في النس��اء عام��ة محص��نات وغ��ير محصنات، واآلية الثانية في الرجال خاصة. وبين لفظ التثنية صنفي الرجال من أحصن ومن لم يحصن؛ فعقوبة النساء الحبس، وعقوبة الرج��ال األذى. وهذا قول يقتضيه اللفظ، ويستوفي نص الكالم أصناف الزن��اة. ويؤي��ده من جهة اللفظ قوله في األولى: "من نس��ائكم" وفي الثاني��ة "منكم"؛ واخت��اره النحاس ورواه عن ابن عباس. وقال الس��دي وقت��ادة وغيرهم��ا: األولى في النساء المحص��نات. يري��د: ودخ��ل معهن من أحص��ن من الرج��ال ب��المعنى، والثانية في الرجل والمرأة البكرين. قال ابن عطية: ومعنى هذا القول ت��ام إال أن لفظ اآلية يقلق عنه. وقد رجحه الطبري، وأباه النحاس وقال: تغليب المؤنث على المذكر بعيد؛ ألنه ال يخرج الشيء إلى المج��از ومعن��اه ص��حيح في الحقيقة. وقي��ل: ك��ان اإلمس��اك للم��رأة الزاني��ة دون الرج��ل؛ فخص��ت المرأة بالذكر في اإلمساك ثم جمعا في اإليذاء. قال قت��ادة: ك��انت الم��رأة

تحبس ويؤذيان جميعا؛ وهذا ألن الرجل يحتاج إلى السعي واالكتساب.

@ واختلف العلماء أيضا في القول بمقتضى ح�ديث عب��ادة ال��ذي ه��و بي��ان ألحكام الزناة على ما بيناه؛ فق��ال بمقتض��اه علي بن أبي ط��الب ال اختالف عنه في ذلك، وأنه جلد شراحة الهمداني��ة مائ��ة ورجمه��ا بع��د ذل��ك، وق��ال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وس��لم. وق��ال بهذا القول الحس��ن البص��ري والحس��ن بن ص��الح بن حي وإس��حاق. وق��ال جماعة من العلماء: بل على ال�ثيب ال�رجم بال جل��د. وه�ذا ي��روى عن عم�ر وهو قول الزهري والنخعي ومالك والثوري واألوزاعي والشافعي وأص��حاب الرأي وأحمد وأبي ثور؛ متمسكين بأن النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما، وبقوله عليه السالم ألنيس: )اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها( ولم يذكر الجلد؛ فلو كان مش��روعا لم��ا س��كت عنه. قيل لهم: إنما سكت عنه؛ ألنه ثابت بكت��اب الل��ه تع��الى، فليس يمتن��ع أن يس��كت عن��ه لش��هرته والتنص��يص علي��ه في الق��رآن؛ ألن قول��ه تع��الى:

[ يعم جمي��ع2"الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" ]الن��ور: الزناة. والله أعلم. ويبين هذا فعل علي بأخذه عن الخلفاء رضي الله عنهم

ولم ينكر عليه فقيل له: عملت بالمنسوخ وتركت الناسخ. وهذا واضح. @ واختلفوا في نفي البكر مع الجلد؛ فال��ذي علي��ه الجمه��ور أن��ه ينفى م��ع الجلد؛ قاله الخلفاء الراشدون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهو قول ابن عمر رضوان الله عليهم أجمعين، وبه قال عطاء وطاوس وس��فيان ومال��ك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. وق��ال بترك��ه حم��اد بن أبي سليمان وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن. والحجة للجمهور حديث عب��ادة المذكور، وحديث أبي هريرة وزيد بن خال��د، ح��ديث العس��يف وفي��ه: فق��ال النبي صلى الله عليه وسلم: )والذي نفسي بيده ألقضين بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد عليك( وجلد ابنه مائة وغربه عام��ا. أخرج��ه األئم��ة. احتج من لم ي�ر نفي��ه بح��ديث أبي هري�رة في األم�ة، ذك�ر في�ه الجل��د دون النفي. وذك��ر عب��دالرزاق عن معم��ر عن الزه��ري عن س��عيد بن المس��يب قال: غرب عمر ربيعة بن أبي أمي��ة بن خل��ف في الخم��ر إلى خي��بر فلح��ق بهرق�ل فتنص��ر؛ فق�ال عم�ر: ال أغ��رب مس�لما بع�د ه��ذا. ق��الوا: ول��و ك��ان التغريب حدا لله تعالى ما ترك��ه عم��ر بع��د. ثم إن النص ال��ذي في الكت��اب إنما هو الجلد، والزيادة على النص نسخ؛ فيل��زم علي��ه نس��خ الق��اطع بخ��بر الواحد. والجواب: أما حديث أبي هريرة فإنما هو في اإلماء ال في األح��رار. وقد صح عن عبدالله بن عمر أنه ضرب أمته في الزنا ونفاها. وأم��ا ح��ديث عمر وقوله: ال أغرب بعده مس��لما، فيع��ني في الخم��ر - والل��ه أعلم - لم��ا رواه نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغ��رب، وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب. أخرجه الترمذي في جامع��ه، والنسائي في سننه عن أبي كريب محمد بن العال الهمداني عن عبدالله بن إدريس عن عبيدالله بن عمر عن نافع. قال ال��دارقطني: تف��رد ب��ه عبدالل��ه بن إدريس ولم يسنده عنه أحد من الثقات غ��ير أبي ك��ريب، وق��د ص��ح عن النبي صلى الله عليه وسلم النفي فال كالم ألحد مع��ه، ومن خالفت��ه الس��نة

خاصمته. وبالله التوفيق. وأما قولهم: الزيادة على النص نسخ، فليس بمسلم، بل زيادة حكم آخر

مع األصل. ثم هو قد زاد الوضوء بالنبيذ بخبر لم يصح على الماء، واش��ترط

الفقر في القربى؛ إلى غير ذلك مما ليس منصوصا عليه في الق��رآن. وق��دمضى هذا المعنى في البقرة ويأتي.

@ القائلون ب��التغريب في يختلف��وا في تغ��ريب ال��ذكر الح��ر، واختلف��وا في تغريب العبد واألمة؛ فممن رأى التغريب فيهما ابن عم��ر جل��د مملوك��ة ل��ه في الزنا ونفاها إلى فدك وبه قال الش��افعي وأب��و ث��ور والث��وري والط��بري وداود. واختلف قول الشافعي في نفي العبد، فمرة قال: أستخير الل��ه في نفي العبد، ومرة قال: ينفى نصف س��نة، وم��رة ق��ال: ينفى س��نة إلى غ��ير

بلده؛ وبه قال الطبري. واختلف أيضا قوله في نفي األمة على قولين. وقال مالك: ينفى الرجل وال تنفى المرأة وال العبد، ومن نفي حبس في الموضع الذي ينفى إليه. وينفى من مص��ر إلى الحج��از وش��غب وأس��وان ونحوه��ا، ومن المدين��ة إلى خي��بر وف��دك؛ وك��ذلك فع��ل عم��ر بن عب��دالعزيز. ونفى علي من الكوف��ة إلى البصرة. وقال الشافعي: أقل ذلك يوم وليلة. قال ابن الع��ربي: ك��ان أص��ل النفي أن بني إس��ماعيل أجم��ع رأيهم على أن من أح�دث ح��دثا في الح��رم غرب منه، فصارت س��نة فيهم ي��دينون به��ا؛ فألج��ل ذل��ك اس��تن الن��اس إذا أحدث أحد ح��دثا غ��رب عن بل��ده، وتم��ادى ذل��ك في الجاهلي��ة إلى أن ج��اء اإلسالم فأقره في الزنا خاص��ة. احتج من لم ي��ر النفي على العب��د بح��ديث أبي هريرة في األمة؛ وألن تغريبه عقوبة لمالكه تمنعه من منافعه في مدة تغريبه، وال يناسب ذلك تصرف الشرع، فال يعاقب غير الجاني. وأيض��ا فق��د سقط عنه الجمعة والحج والجهاد الذي ه��و ح��ق لل��ه تع��الى ألج��ل الس��يد؛

فكذلك التغريب. والله أعلم. والمرأة إذا غربت ربما يكون ذلك سببا لوقوعها فيما أخرجت من سببه

وهو الفاحشة، وفي التغ�ريب س��بب لكش��ف عورته�ا وتض��ييع لحاله��ا؛ وألن األصل منعها من الخروج من بيتها وأن صالتها فيه أفضل. وقال ص��لى الل��ه عليه وسلم: )أعروا النساء يلزمن الحجال( فحصل من هذا تخصيص عموم حديث التغريب بالمصلحة المش��هود له��ا باالعتب��ار. وه��و مختل��ف في��ه عن��د األص��وليين والنظ��ار. وش��ذت طائف��ة فق��الت: يجم��ع الجل��د وال��رجم على الشيخ، ويجلد الشاب؛ تمسكا بلفظ "الشيخ" في حديث زي��د بن ث��ابت أن��ه سمع رسول الله صلى الله عليه وس��لم يق��ول: "الش��يخ والش��يخة إذا زني��ا فارجموهما البتة" خرجه النسائي. وهذا فاسد؛ ألنه قد س��ماه في الح��ديث

اآلخر "الثيب". @قوله تعالى: "فإن تابا" أي من الفاحشة. "وأصلحا" يعني العمل فيما بعد ذلك. "فأعرضوا عنهما" أي اتركوا أذاهما وتعييرهم��ا. وإنم��ا ك��ان ه��ذا قب��ل نزول الحدود. فلما نزلت الحدود نسخت هذه اآلية. وليس المراد باإلعراض الهج��رة، ولكنه��ا متارك��ة مع��رض؛ وفي ذل��ك احتق��ار لهم بس��بب المعص��ية المتقدمة، وبحسب الجهالة في اآلية األخرى. والله ت��واب أي راج��ع بعب��اده

عن المعاصي.-�� 17*اآليتان: 3* }إنما التوبة على الله للذين يعملون الس��وء بجهال��ة18

ثم يتوبون من قريب فأولئ��ك يت��وب الل��ه عليهم وك��ان الل��ه عليم��ا حكيم��ا، وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حض��ر أح��دهم الم��وت ق��ال

إني تبت اآلن وال الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما{

@قوله تعالى: "إنما التوبة على الله" قيل: هذه اآلية عامة لك��ل من عم��ل ذنبا. وقيل: لمن جهل فقط، والتوبة لك��ل من عم��ل ذنب��ا في موض��ع آخ��ر. واتفقت األمة على أن التوبة فرض على المؤمنين؛ لقول��ه تع��الى: "وتوب��وا

[. وتص��ح من ذنب م��ع اإلقام��ة31إلى الله جميعا آيه المؤمن��ون". ]الن��ور: على غيره من غير نوعه خالفا للمعتزلة في قولهم: ال يكون تائب��ا من أق��ام على ذنب. وال فرق بين معصية ومعصية - هذا مذهب أهل السنة. وإذا تاب العبد فالله سبحانه بالخيار إن شاء قبلها، وإن شاء لم يقبله��ا. وليس قب��ول التوبة واجبا على الله من طريق العقل كما قال المخ��الف؛ ألن من ش��رط ال��واجب أن يك��ون أعلى رتب��ة من الم��وجب علي��ه، والح��ق س��بحانه خ��الق الخلق ومالكهم، والمكلف لهم؛ فال يص��ح أن يوص�ف بوج�وب ش�يء علي��ه، تعالى عن ذلك، غير أنه قد أخبر سبحانه وهو الصادق في وعده بأن��ه يقب��ل التوبة عن العاصين من عباده بقوله تع��الى: "وه��و يقب��ل التوب��ة عن عب��اده

[.25ويعفو عن السيئات" ]الشورى: [104وقوله: "ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده" ]التوبة:

[ فإخب��اره س��بحانه وتع��الى عن82وقول�ه: "وإني لغف��ار لمن ت��اب" ]ط��ه: أشياء أوجبها على نفسه يقتضي وجوب تلك األشياء. والعقي��دة أن��ه ال يجب عليه شيء عقال؛ فأما السمع فظاهره قبول توبة التائب. قال أب��و المع��الي وغ��يره: وه��ذه الظ��واهر إنم��ا تعطي غلب��ة ظن، ال قطع��ا على الل��ه تع��الى بقبول التوب��ة. ق��ال ابن عطي��ة: وق��د خول��ف أب��و المع��الي وغ��يره في ه��ذا المعنى. فإذا فرضنا رجال ق��د ت��اب توب��ة نص��وحا تام��ة الش��روط فق��ال أب��و المعالي: يغلب على الظن قبول توبته. وقال غيره: يقطع على الل��ه تع��الى بقبول توبته كما أخبر عن نفسه جل وعز. قال ابن عطية: وكان أبي رحمه الله يميل إلى هذا القول ويرجحه، وبه أقول، والله تعالى أرحم بعب��اده من أن ينخرم في هذا التائب المفروض معنى قول��ه: "وه��و ال��ذي يقب��ل التوب��ة

[. وإذا82[ وقول��ه تع��الى: "وإني لغف��ار" ]ط��ه: 25عن عباده" ]الش��ورى: تقرر هذا فاعلم أن في قوله "على الله" ح��ذفا وليس على ظ��اهره، وإنم��ا المعنى على فضل الله ورحمته بعب��اده. وه��ذا نح��و قول��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم لمعاذ: )أتدري ما حق العباد على الله( ؟ ق��ال: الل��ه ورس��وله أعلم. قال: )أن يدخلهم الجنة(. فهذا كله معناه: على فضله ورحمته بوعده الحق

[12وقوله الصدق. دليله قوله تعالى: "كتب على نفسه الرحمة" ]األنع��ام: أي وعد بها. وقيل: "على" ههنا معناها "عند" والمعنى واحد، التق��دير: عن��د الله، أي إنه وعد وال خلف في وعده أن��ه يقب��ل التوب��ة إذا ك��انت بش��روطها المص��ححة له��ا؛ وهي أربع��ة: الن��دم ب��القلب، وت��رك المعص��ية في الح��ال، والعزم على أال يعود إلى مثلها، وأن يكون ذلك حياء من الل��ه تع��الى ال من غيره؛ فإذا اختل شرط من ه��ذه الش��روط لم تص��ح التوب��ة. وق��د قي��ل من شروطها: االعتراف بالذنب وكثرة االستغفار، وق��د تق��دم في "آل عم��ران" كثير من معاني التوبة وأحكامها. وال خالف فيما أعلمه أن التوب��ة ال تس��قط حدا؛ ولهذا قال علماؤنا: إن السارق والسارقة والقاذف متى ت��ابوا وق��امت الشهادة عليهم أقيمت عليهم الحدود. وقيل: "على" بمع��نى "من" أي إنم��ا التوبة من الله للذين؛ قاله أبو بك��ر بن عب��دوس، والل��ه أعلم. وس��يأتي في

"التحريم" الكالم في التوبة النصوح واألشياء التي يتاب منها.

@قول��ه تع��الى: "لل��ذين يعمل��ون الس��وء بجهال��ة" الس��وء في ه��ذه اآلي��ة، [ يعم الكف�ر54و"األنعام". "أن�ه من عم�ل منكم س�وءا بجهال�ة" ]األنع�ام:

والمعاصي؛ فكل من عصى ربه فهو جاه��ل ح��تى ي��نزع عن معص��يته. ق��ال قتادة: أجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن كل معص��ية فهي بجهالة، عمدا ك��انت أو جهال؛ وق��ال ابن عب��اس وقت��ادة والض��حاك ومجاه��د والسدي. وروي عن الضحاك ومجاهد أنهما قاال: الجهالة هن��ا العم��د. وق��ال عكرمة: أمور الدنيا كلها جهالة؛ يريد الخاصة بها الخارج��ة عن طاع��ة الل��ه. وهذا القول جار مع قوله تع��الى: "إنم��ا الحي��اة ال��دنيا لعب وله��و" ]محم��د:

[. وقال الزجاج: يعني قوله "بجهالة" اختيارهم اللذة الفاني��ة على الل��ذة36 الباقية. وقيل: "بجهالة" أي ال يعلمون كنه العقوبة؛ ذك��ره ابن ف��ورك. ق��ال

ابن عطية: وضعف قوله هذا ورد عليه. @قوله تعالى: "ثم يتوبون من قريب" قال ابن عباس والسدي: معناه قبل المرض والموت. وروي عن الضحاك أنه قال: كل ما كان قبل الموت فه��و قريب. وقال أبو مجلز والض��حاك أيض��ا وعكرم��ة وابن زي��د وغ��يرهم: قب��ل المعاين��ة للمالئك��ة والس��وق، وأن يغلب الم��رء على نفس��ه. ولق��د أحس��ن

محمود الوراق حيث قال:قدم لنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس األلسن بادر بها غلق النفوس فإنها ذخر وغنم للمنيب المحسن

قال علماؤن�ا رحمهم الل��ه: وإنم��ا ص�حت التوب�ة من��ه في ه��ذا ال��وقت؛ ألن الرجاء باق ويصح منه الندم والعزم على ت��رك الفع��ل. وق��د روى الترم��ذي عن ابن عمر عن النبي صلى الل��ه علي�ه وس�لم ق�ال: )إن الل��ه يقب�ل توب�ة العبد ما لم يغرغر(. قال: هذا حديث حسن غريب. ومعنى ما لم يغرغر: ما لم تبلغ روحه حلقومه؛ فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به. قال الهروي وقيل: المعنى يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إص��رار. والمب��ادر في الص��حة أفض��ل، وألح��ق ألمل��ه من العم��ل الص��الح. والبع��د ك��ل البع��د

الموت؛ كما قال: وأين مكان البعد إال مكانيا

وروى صالح المري عن الحسن قال: من عير أخاه بذنب قد ت��اب إلى الل��ه منه ابتاله الله به. وقال الحسن أيضا: إن إبليس لم��ا هب��ط ق��ال: بعزت��ك ال أفارق ابن آدم ما دام الروح في جسده. قال الله تعالى: )فبعزتي ال أحجب

التوبة عن ابن آدم ما لم تغرغر نفسه(. @قوله تعالى: "وليست التوب��ة" نفى س��بحانه أن ي��دخل في حكم الت��ائبين من حضره الموت وصار في حين اليأس؛ كما ك��ان فرع��ون حين ص��ار في غمرة الماء والغرق فلم ينفعه م��ا أظه��ر من اإليم��ان؛ ألن التوب��ة في ذل��ك الوقت ال تنفع، ألنها ح�ال زوال التكلي�ف. وبه�ذا ق�ال ابن عب�اس وابن زي�د وجمهور المفس��رين. وأم��ا الكف��ار يموت��ون على كف��رهم فال توب��ة لهم في اآلخرة، وإليهم اإلشارة بقوله تعالى: "أولئك أعت��دنا لهم ع��ذابا أليم��ا" وه��و الخلود. وإن كانت اإلشارة بقوله إلى الجميع فهو في جهة العصاة عذاب ال خلود معه؛ وهذا على أن الس��يئات م��ا دون الكف��ر؛ أي ليس��ت التوب��ة لمن عمل دون الكفر من الس��يئات ثم ت��اب عن��د الم��وت، وال لمن م��ات ك��افرا فت��اب ي��وم القيام��ة. وق��د قي��ل: إن الس��يئات هن��ا الكف��ر، فيك��ون المع��نى وليست التوبة للكفار ال��ذين يتوب��ون عن��د الم��وت، وال لل��ذين يموت��ون وهم

كفار. وقال أبو العالية: نزل أول اآلية في المؤمنين "إنما التوبة على الله". والثانية في المنافقين. "وليست التوبة للذين يعملون السيئات" يعني قبول التوبة لل��ذين أص��روا على فعلهم. "ح��تى إذا حض��ر أح��دهم الم��وت" يع��ني الشرق والنزع ومعاينة ملك الموت. "قال إني تبت اآلن" فليس لهذا توب��ة. ثم ذكر توبة الكفار فقال تعالى: "وال الذين يموتون وهم كفار أولئك أعت��دنا

لهم عذابا أليما" أي وجيعا دائما. وقد تقدم. }يا أيها ال��ذين آمن��وا ال يح��ل لكم أن ترث��وا النس��اء كره��ا وال19*اآلية: 3*

تعض���لوهن لت���ذهبوا ببعض م���ا آتيتم���وهن إال أن ي���أتين بفاحش���ة مبين���ة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله

فيه خيرا كثيرا{ @قوله تعالى: "ال يحل لكم أن ترثوا النساء كره��ا" ه��ذا متص��ل بم��ا تق��دم ذك��ره من الزوج��ات. والمقص��ود نفي الظلم عنهن وإض��رارهن؛ والخط��اب لألولياء. و"أن" في موضع رف��ع ب��� "يح��ل"؛ أي ال يح��ل لكم وراث��ة النس��اء. و"كرها" مصدر في موضع الح��ال. واختلفت الرواي��ات وأق��وال المفس��رين في سبب نزولها؛ فروى البخاري عن ابن عباس "يا أيها الذين آمنوا ال يحل لكم أن ترثوا النساء كرها وال تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتم��وهن" ق��ال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أح��ق بامرأت��ه، إن ش��اء بعض��هم تزوجه��ا، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه اآلية في ذلك. وأخرجه أبو داود بمعناه. وقال الزهري وأبو مجلز: ك��ان من عادتهم إذا مات الرجل يلقي ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوب��ه على المرأة فيصير أح�ق به�ا من نفس��ها ومن أوليائه�ا؛ ف�إن ش��اء تزوجه�ا بغ�ير صداق إال الصداق الذي أص��دقها الميت، وان ش��اء زوجه��ا من غ��يره وأخ��ذ صداقها ولم يعطها شيئا؛ وإن شاء عضلها لتفتدى منه بما ورثت��ه من الميت أو تموت فيرثها، فأنزل الل��ه تع��الى: "ي��ا أيه��ا ال��ذين آمن��وا ال يح��ل لكم أن ترثوا النساء كرها". فيكون المع��نى: ال يح��ل لكم أن ترث��وهن من أزواجهن فتكونوا أزواجا لهن. وقيل: كان ال��وارث إن س��بق ف��ألقى عليه��ا ثوب��ا فه��و أحق بها، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها ك��انت أح��ق بنفس��ها؛ ق��ال الس��دي. وقيل: كان يكون عند الرجل عجوز ونفسه تتوق إلى الش��ابة فيك��ره ف��راق العجوز لمالها فيمسكها وال يقربها حتى تفتدي منه بماله��ا أو تم��وت ف��يرث مالها. فنزلت هذه اآلية. وأمر الزوج أن يطلقها إن كره صحبتها وال يمسكها كرها؛ فذلك قوله تعالى: "ال يحل لكم أن ترثوا النس��اء كره��ا". والمقص��ود من اآلية إذه�اب م�ا ك�انوا علي��ه في ج�اهليتهم، وأال تجع�ل النس�اء كالم�ال يورثن عن الرجال كما يورث الم��ال. "وكره�ا" بض��م الك��اف ق��راءة حم��زة والكس��ائي، الب��اقون ب��الفتح، وهم��ا لغت��ان. وق��ال القت��بي: الك��ره )ب��الفتح( بمعنى اإلكراه، والكره )بالضم( المشقة. يقال: لتفعل ذلك طوعا أو كره��ا، يعني طائعا أو مكرها. والخطاب لألولياء. وقيل: ألزواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العش��رة طماعي��ة إرثه�ا، أو يفت��دين ببعض مه�ورهن، وه��ذا أص��ح. واختاره ابن عطية قال: ودليل ذل��ك قول��ه تع��الى: "إال أن ي��أتين بفاحش��ة( وإذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعا من األمة،

وإنما ذلك للزوج، على ما يأتي بيانه في المسألة بعد هذا. @قول��ه تع��الى: "وال تعض��لوهن" ق��د تق�دم مع��نى العض��ل وأن��ه المن��ع في "البقرة". "إال أن يأتين بفاحشة مبينة" اختلف الناس في مع��نى الفاحش��ة؛

فقال الحسن: هو الزنا، وإذا زنت البكر فإنها تجلد مائ�ة وتنفى س�نة، وت��رد إلى زوجها ما أخذت منه. وقال أبو قالب��ة؛ إذا زنت ام��رأة الرج��ل فال ب��أس أن يضارها ويشق عليه��ا ح��تى تفت��دي من��ه. وق��ال الس��دي: إذا فعلن ذل��ك فخذوا مهورهن. وقال ابن سيرين وأبو قالبة: ال يحل له أن يأخذ منها فدي��ة إال أن يجد على بطنها رجال، قال الله تعالى: "إال أن يأتين بفاحش��ة مبين��ة". وقال ابن مسعود وابن عباس والضحاك وقتادة: الفاحشة المبينة في ه��ذه اآلية البغض والنشوز، قالوا: فإذا نشزت حل ل��ه أن يأخ��ذ ماله��ا؛ وه��ذا ه��و مذهب مالك. قال ابن عطي��ة: إال أني ال أحف��ظ ل��ه نص��ا في الفاحش��ة في اآلية. وقال قوم: الفاحشة البذاء باللسان وسوء العشرة ق��وال وفعال؛ وه��ذا في معنى النشوز. ومن أه��ل العلم من يج��يز أخ��ذ الم��ال من الناش��ز على جه��ة الخل��ع؛ إال أن��ه ي��رى أال يتج��اوز م��ا أعطاه��ا ركون��ا إلى قول��ه تع��الى: "لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن". وقال مالك وجماع��ة من أه��ل العلم: لل��زوج أن يأخذ من الناشز جميع م��ا تمل��ك. ق��ال ابن عطي��ة: والزن��ا أص��عب على الزوج من النشوز واألذى، وكل ذلك فاحشة تحل أخذ المال. قال أبو عمر: قول ابن سيرين وأبي قالب��ة عن��دي ليس بش��يء؛ ألن الفاحش��ة ق��د تك��ون البذاء واألذى؛ ومنه قيل للبذيء: فاحش ومتفحش، وعلى أنه لو أطلع منها على الفاحشة كان له لعانها، وإن شاء طلقها؛ وأما أن يضارها حتى تفت��دي منه بمالها فليس له ذلك، وال أعلم أحدا قال: له أن يض��ارها ويس��يء إليه��ا حتى تختلع منه إذا وجدها تزني غير أبي قالبة. والل��ه أعلم. وق��ال الل��ه ع��ز

[ يع��ني في حس��ن229وجل: "ف��إن خفتم أال يقيم��ا ح��دود الل��ه" ]البق��رة: العشرة والقيام بحق الزوج وقيامه بحقها "فال جناح عليهما فيما افتدت به"

[ وقال الله عز وجل: "ف��إن طبن لكم عن ش��يء من��ه نفس��ا229]البقرة: [ فهذه اآليات أصل هذا الب��اب. وق��ال عط��اء4فكلوه هنيئا مريئا" ]النساء:

الخراساني: كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها م��ا س��اق إليه��ا وأخرجها، فنسخ ذلك بالحدود. وقول رابع "إال أن يأتين بفاحش��ة مبين��ة "إال أن يزنين فيحبسن في البيوت، فيك��ون ه��ذا قب��ل النس��خ، وه��ذا في مع��نى

قول عطاء، وهو ضعيف. @ وإذا تنزلنا على القول بأن المراد بالخطاب في العض��ل األولي��اء ففقه��ه أنه متى صح في ولي أنه عاضل نظر القاضي في أمر الم��رأة وزوجه��ا. إال األب في بناته؛ فإنه إن كان في عضله صالح فال يعترض، قوال واحدا، وذلك بالخاطب والخاطبين وإن صح عض��له ففي��ه ق��والن في م��ذهب مال��ك: أن��ه كسائر األولياء، يزوج القاضي من ش��اء ال��تزويج من بنات��ه وطلب��ه. والق��ول اآلخر - ال يعرض له: يجوز أن يكون "تعضلوهن" جزم��ا على النهى، فتك��ون الواو عاطفة جملة كالم مقطوعة من األولى، ويجوز أن يكون نص��با عطف��ا على "أن ترثوا" فتك�ون ال�واو مش�تركة عطفت فعال على فع�ل. وق�رأ ابن مس��عود "وال أن تعض��لوهن" فه��ذه الق��راءة تق��وي احتم��ال النص��ب، وأن

العضل مما ال يجوز بالنص. @قوله تعالى: "مبينة" بكسر الياء قراءة نافع وأبي عم��رو، والب��اقون بفتح الياء. وقرأ ابن عباس "مبينة" بكسر الباء وسكون الياء، من أب��ان الش��يء، يقال: أبان األمر بنفس��ه، وأبنت��ه وبين وبينت��ه، وه��ذه الق��راءات كله��ا لغ��ات

فصيحة.

@قوله تعالى: "وعاشروهن بالمعروف" أي على ما أمر الله به من حس��ن المعاشرة. والخطاب للجميع، إذ لكل أحد عشرة، زوجا كان أو ولي��ا؛ ولكن المراد به��ذا األم��ر في األغلب األزواج، وه��و مث��ل قول��ه تع��الى: "فإمس��اك

[. وذلك توفية حقها من المهر والنفق��ة، وأال يعبس229بمعروف" ]البقرة: في وجهها بغير ذنب، وأن يك��ون منطلق��ا في الق��ول ال فظ��ا وال غليظ��ا والمظهرا ميال إلى غيرها. والعشرة: المخالطة والممازجة. ومنه قول طرفة:

فلئن شطت نواها مرة لعلى عهد حبيب معتشر جعل الحبيب. جمعا كالخليط والغريق. وعاش��ره معاش��رة، وتعاش��ر الق��وم واعتشروا. فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتك��ون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال، فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش. وه��ذا واجب على الزوج وال يلزمه في القضاء. وقال بعض��هم: ه��و أن يتص��نع له��ا كم��ا تتص��نع ل��ه. وق��ال يح��يى بن عب��دالرحمن الحنظلي: أتيت محم��د بن الحنفية فخرج إلي في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالي��ة، فقلت: م��ا هذا؟ قال: إن هذه الملحف��ة ألقته��ا علي ام��رأتي ودهنت��ني ب��الطيب، وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن. وقال ابن عباس رضي الله عنه: إني أحب أن أتزين المرأتي كما أحب أن تتزين المرأة لي. وهذا داخل فيما ذكرناه. قال ابن عطي��ة: وإلى مع�نى اآلي��ة ينظ��ر ق�ول الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )فاستمتع بها وفيها عوج( أي ال يكن منك سوء عشرة مع اعوجاجها؛ فعنه��ا

تنشأ المخالفة وبها يقع الشقاق، وهو سبب الخلع. @ واستدل علماؤنا بقوله تعالى: "وعاشروهن بالمعروف" على أن الم��رأة إذا ك��انت ال يكفيه��ا خ��ادم واح��د أن علي��ه أن يخ��دمها ق��در كفايته��ا، كابن��ة الخليف��ة والمل��ك وش��بههما ممن ال يكفيه��ا خ��ادم واح��د، وأن ذل��ك ه��و المعاشرة بالمعروف. وقال الشافعي وأبو حنيفة: ال يلزمه إال خادم واح��د - وذلك يكفيها خدمة نفسها، وليس في العالم امرأة إال وخادم واحد يكفيه��ا؛ وهذا كالمقاتل تكون له أفراس عدة فال يسهم له إال لف��رس واح��د؛ ألن��ه ال يمكنه القتال إال على فرس واحد. قال علماؤنا: وهذا غلط؛ ألن مث��ل بن��ات الملوك الالتي لهن خدمة كثيرة ال يكفيها خادم واحد؛ ألنها تحتاج من غس��ل ثيابها إلصالح مضجعها وغير ذلك إلى ما ال يقوم به الواحد، وهذا بين. والل��ه

أعلم. @قوله تعالى: "فإن كرهتموهن" أي لدمامة أو سوء خلق من غير ارتك��اب فاحشة أو نشوز؛ فهذا يندب فيه إلى االحتمال، فعسى أن يؤول األم��ر إلى أن ي��رزق الل��ه منه��ا أوالدا ص��الحين. و"أن" رف��ع ب��� "عس��ى" وأن والفع��ل

مصدر. قلت: ومن هذا المعنى ما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )ال يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منه��ا آخ��ر( أو ق��ال )غ��يره(. المع��نى: أي ال يبغض��ها بغض��ا كلي��ا يحمله على فراقها. أي ال ينبغي له ذلك بل يغفر سيئتها لحسنتها ويتغاض��ى عما يكره لم��ا يحب. وق��ال مكح��ول: س��معت ابن عم��ر يق��ول: إن الرج��ل ليستخير الله تع��الى فيخ��ار ل��ه، فيس��خط على رب��ه ع��ز وج��ل فال يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خير ل��ه. وذك��ر ابن الع��ربي ق��ال أخ��برني أب��و القاس��م بن ح��بيب بالمهدي��ة، عن أبي القاس��م الس��يوري عن أبي بك��ر بن عبدالرحمن حيث قال: كان الشيخ أبو محمد بن أبي زي�د من العلم وال�دين

في المنزلة والمعرفة. وكانت ل�ه زوج�ة س��يئة العش��رة وك�انت تقص��ر في حقوقه وتؤذيه بلسانها؛ فيقال ل��ه في أمره��ا ويع��ذل بالص��بر عليه��ا، فك��ان يقول: أنا رجل قد أكمل الله علي النعم��ة في ص��حة ب��دني ومعرف��تي وم��ا ملكت يميني، فلعلها بعثت عقوبة على ذن��بي فأخ��اف إن فارقته��ا أن ت��نزل بي عقوبة هي أشد منها. قال علماؤن��ا: في ه��ذا دلي��ل على كراه��ة الطالق مع اإلباحة. وروي عن النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم أن��ه ق��ال: )إن الل��ه ال

يكره شيئا أباحه إال الطالق واألكل وإن الله ليبغض الم�عى إذا امتأل(. }وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن21 -� 20*اآليتان: 3*

قنطارا فال تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا، وكيف تأخذون��ه وق��دأفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا{

@ لم��ا مض��ى في اآلي��ة المتقدم��ة حكم الف��راق ال��ذي س��ببه الم��رأة، وأن للزوج أخذ المال منها عقب ذلك بذكر الفراق الذي سببه ال��زوج، وبين أن��هإذا أراد الطالق من غير نشوز وسوء عشرة فليس له أن يطلب منها ماال.

واختلف العلماء إذا كان الزوجان يريدان الفراق وك��ان منهم��ا نش��وز وسوء عشرة؛ فقال مالك رضي الله عنه: للزوج أن يأخذ منه��ا إذا تس��ببت في الفراق وال يراعى تسببه هو. وقال جماعة من العلماء: ال يجوز له أخ��ذ

المال إال أن تنفرد هي بالنشوز وتطلبه في ذلك. @قوله تعالى: "وآتيتم إحداهن قنطارا" فيها دليل على ج��واز المغ��االة في المهور؛ ألن الل��ه تع��الى ال يمث��ل إال بمب��اح. وخطب عم��ر رض��ي الل��ه عن��ه فقال: أال ال تغالوا في صدقات النساء فإنها ل�و ك�انت مكرم�ة في ال�دنيا أو تقوى عند الله لكان أوالكم بها رسول الله؛ ما أصدق قط امرأة من نس��ائه وال بناته فوق اثن��تي عش��رة أوقي��ة. فق��امت إلي��ه ام��رأة فق��الت: ي��ا عم��ر، يعطينا الله وتحرمن��ا! أليس الل��ه س��بحانه وتع��الى يق��ول: "وآتيتم إح��داهن قنطارا فال تأخذوا منه شيئا" ؟ فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر. وفي رواية فأطرق عمر ثم قال: كل الناس أفق��ه من��ك ي��ا عم��ر !. وفي أخ��رى: امرأة أصابت ورجل أخط��أ. وت��رك اإلنك��ار. أخرج��ه أب��و ح��اتم البس��تي في صحيح مسنده عن أبي العجفاء السلمي قال: خطب عم��ر الن��اس، ف��ذكره إلى قوله: اثنتي عشرة أوقية، ولم ي��ذكر: فق��امت إلي��ه ام��رأة. إلى آخ��ره. وأخرجه ابن ماجة في سننه عن أبي العجفاء، وزاد بع��د قول��ه: أوقي��ة. وأن الرجل ليثقل صدقة امرأته حتى تكون له��ا ع��داوة في نفس��ه، ويق��ول: ق��د كلفت إليك علق القربة - أو عرق القربة؛ وكنت رجال عربيا مولدا م��ا أدري ما علق القربة أو عرق القربة. قال الجوهري: وعلق القربة لغ��ة في ع��رق القربة. قال غيره: ويقال علق القربة عصامها الذي تعلق ب��ه. يق��ول كلفت إليك حتى عصام القربة. وعرق القربة ماؤه��ا؛ يق��ول: جش��مت إلي��ك ح��تى سافرت واحتجت إلى عرق القربة، وهو ماؤها في السفر. ويقال: بل عرق القرب��ة أن يق��ول: نص��بت ل��ك وتكلفت ح��تى ع��رقت ع��رق القرب��ة، وه��و سيالنها. وقي��ل: إنهم ك��انوا ي��تزودون الم��اء فيعلقون��ه على اإلب��ل يتناوبون��ه فيشق على الظهر؛ ففسر به اللفظ��ان: الع��رق والعل��ق. وق��ال األص��معي: عرق القربة كلمة معناها الشدة. قال: وال أدري ما أصلها. ق��ال األص��معي: وسمعت ابن أبي طرفة وكان من أفصح من رأيت يقول: س��معت ش��يخاننا يقول��ون: لقيت من ف��والن ع��رق القرب��ة، يعن��ون الش��دة. وأنش��دني البن

األحمر:

ليست بمشتمة تعد وعفوها عرق السقاء على القعود الالغب قال أبو عبيد: أراد أنه يسمع الكلمة تغيظه وليست بش��تم فيؤاخ��ذ ص��احبها بها، وقد أبلغت إليه كعرق القربة، فقال: كعرق السقا لما لم يمكنه الشعر؛ ثم قال: على القعود الالغب، وكان معناه أن تعلق القرب��ة على القع��ود في أسفارهم. وهذا المعنى شبيه بما ك��ان الف��راء يحكي��ه؛ زعم أنهم ك��انوا في المفاوز في أسفارهم يتزودون الماء فيعلقونه على اإلب��ل يتناوبون��ه؛ فك��ان في ذلك تعب ومشقة على الظهر. وك��ان الف��راء يجع��ل ه��ذا التفس��ير في علق القربة بالالم. وقال قوم: ال تعطى اآلي��ة ج��واز المغ��االة ب��المهور؛ ألن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغ��ة؛ كأن��ه ق��ال: وآتيتم ه��ذا الق��در العظيم الذي ال يؤتيه أحد. وهذا كقوله: )من بنى لله مسجدا ول��و كمفحص قطاة بنى الله له بيت��ا في الجن��ة(. ومعل��وم أن��ه ال يك��ون مس��جد كمفحص قطاة. وقد قال صلى الله عليه وسلم البن أبي حدرد وقد جاء يستعينه في مهره، فسأله عنه فقال: مائتين؛ فغضب رسول الله صلى الله عليه وس��لم وقال: )كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عرض الحرة أو جبل(. فاستقرأ بعض الناس من هذا منع المغاالة بالمهور؛ وهذا ال يلزم، وإنكار النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم على ه��ذا الرج��ل الم��تزوج ليس إنك��ارا ألج��ل المغ��االة واإلكثار في المهور، وإنما اإلنكار ألن��ه ك��ان فق��يرا في تل��ك الح��ال ف��أحوج نفسه إلى االستعانة والسؤال، وهذا مك��روه باتف��اق. وق��د أص��دق عم��ر أم كلثوم بنت علي من فاطمة رض��وان الل��ه عليهم أربعين أل��ف درهم. وروى أبو داود عن عقبة بن عامر أن النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ق��ال لرج��ل: )أترضى أن أزوجك فالنة( ؟ قال: نعم. وقال للمرأة: )أترض��ين أن أزوج��ك فالن��ا( ؟ ق��الت: نعم. ف��زوج أح��دهما من ص��احب؛ ف��دخل به��ا الرج��ل ولم يفرض لها صداقا ولم يعطه�ا ش��يئا، وك�ان ممن ش��هد الحديبي��ة ول�ه س��هم بخيبر؛ فلما حضرته الوف��اة ق��ال: إن رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم زوجني فالنة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا، وإني أشهدكم أني قد أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر؛ فأخذت سهمها فباعته بمائة أل��ف. وق��د أجم��ع العلم��اء على أال تحدي��د في أك��ثر الص��داق؛ لقول��ه تع��الى: "وآتيتم إحداهن قنطارا" واختلفوا في أقله، وسيأتي عن��د قول��ه تع��الى: "أن تبتغ��وا

[. ومض��ى الق��ول في تحدي��د القنط��ار في "آل24ب��أموالكم" ]النس��اء: عمران". وقرأ ابن محيصن "وآتيتم احداهن" بوص��ل أل��ف "إح��داهن" وهي

لغة؛ ومنه قول الشاعر:وتسمع من تحت العجاج لها ازمال

وقول اآلخر: إن لم أقاتل فألبسوني برقعا

@قوله تعالى: "فال تأخذوا منه شيئا" قال بكر بن عبدالله الم��زني: ال يأخ��ذ الزوج من المختلعة شيئا؛ لقول الله تع��الى: "فال تأخ��ذوا"، وجعله��ا ناس��خة آلية "البقرة". وقال ابن زيد وغيره: هي منسوخة بقول��ه تع��الى في س��ورة

[.229البق��رة "وال يح��ل لكم أن تأخ��ذوا مم��ا آتيتم��وهن ش��يئا" ]البق��رة: والصحيح أن هذه اآليات محكمة وليس فيها ناسخ وال منس��وخ وكله��ا يب��نى بعض��ها على بعض. ق��ال الط��بري: هي محكم��ة، وال مع��نى لق��ول بك��ر: إن أرادت هي العطاء؛ فقد جوز النبي صلى الل��ه علي�ه وس��لم لث��ابت أن يأخ�ذ

من زوجته ما ساق إليها. "بهتانا" مصدر في موضع الحال "وإثما" معطوفعليه "مبينا" من نعته.

@قوله تعالى: "وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض" تعلي��ل لمن��ع األخذ مع الخلوة. وقال بعضهم: اإلفضاء إذا كان معها في لحاف واحد جامع أو لم يجامع؛ حكاه الهروي وهو قول الكلبي. وقال الفراء: اإلفضاء أن يخلو الرجل والمرأة وأن يجامعها. وقال ابن عباس ومجاه��د والس��دي وغ��يرهم: اإلفضاء في هذه اآلي��ة الجم��اع. ق��ال ابن عب��اس: ولكن الل��ه ك��ريم يك��نى. وأصل اإلفضاء في اللغة المخالط��ة؛ ويق�ال للش��يء المختل��ط: فض��ا. ق��ال

الشاعر: فقلت لها يا عمتي لك ناقتي وتمر فضا في عيبتي وزبيب

ويقال: القوم فوضى فض��ا، أي مختلط��ون ال أم��ير عليهم. وعلى أن مع��نى "أفض��ى" خال وإن لم يكن ج��امع، ه��ل يتق��رر المه��ر بوج��ود الخل��وة أم ال؟ اختلف علماؤنا في ذلك على أربعة أقوال: يستقر بمجرد الخلوة. ال يس��تقر إال ب��الوطء. يس��تقر ب��الخلوة في بيت اإله��داء. التفرق��ة بين بيت��ه وبيته��ا. والصحيح استقراره بالخلوة مطلقا، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، ق��الوا: إذا خال بها خلوة صحيحة يجب كمال المهر والعدة دخ��ل به��ا أو لم ي��دخل به��ا؛ لما رواه ال��دارقطني عن ثوب��ان ق��ال: ق��ال رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم: )من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق(. وق��ال عم��ر: إذا أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فق�د وجب الص��داق وعليه�ا الع�دة وله�ا الم��يراث. وعن علي: إذا أغل��ق باب��ا وأرخى س��ترا ورأى ع��ورة فق��د وجب الصداق. وقال مالك: إذا طال مكثه معها مثل السنة ونحوه��ا، واتفق��ا على أال مسيس وطلبت المهر كله كان لها. وقال الشافعي: ال ع��دة عليه��ا وله��ا

نصف المهر. وقد مضى في "البقرة". @قوله تعالى: "وأخذن منكم ميثاقا غليظا" فيه ثالثة أقوال. قيل: هو قول��ه علي��ه الس��الم: )ف��اتقوا الل��ه في النس��اء ف��إنكم أخ��ذتموهن بأمان��ة الل��ه واستحللتم فروجهن بكلمة الله(. قاله عكرمة والربيع. الثاني: قوله تع��الى:

[ قال��ه الحس��ن وابن229"فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" ]البقرة: س�يرين وقت�ادة والض��حاك والس�دي. الث�الث: عق�دة النك�اح ق�ول الرج�ل: نكحت وملكت عقدة النك��اح؛ ق�ال مجاه�د وابن زي�د. وق�ال ق�وم: الميث�اق

الغليظ الولد. والله أعلم. }وال تنكحوا ما نكح آباؤكم من النس��اء إال م��ا ق��د س��لف إن��ه22*اآلية: 3*

كان فاحشة ومقتا وساء سبيال{ @قوله تعالى: "وال تنكحوا ما نكح آب��اؤكم من النس��اء" يق��ال: ك��ان الن��اس يتزوجون امرأة األب برضاها بعد نزول قوله تعالى: "يا أيه�ا ال��ذين آمن��وا ال

[ حتى ن��زلت ه��ذه اآلي��ة: "وال19يحل لكم أن ترثوا النساء كرها" ]النساء: تنكحوا ما نكح آباؤكم" فصار حراما في األحوال كلها؛ ألن النك��اح يق��ع على الجماع والتزوج، فإن كان األب ت��زوج ام��رأة أو وطئه��ا بغ��ير نك��اح ح��رمت

على ابنه؛ على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. @قوله تعالى: "ما نكح" قيل: المراد به��ا النس��اء. وقي��ل: العق��د، أي نك��اح آباؤكم الفاسد المخالف لدين الل��ه؛ إذ الل��ه ق��د أحكم وج��ه النك��اح وفص��ل شروطه. وهو اختي��ار الط��بري. ف��� "من" متعلق��ة ب��� "تنكح��وا" و"م��ا نكح" مصدر. قال: ولو كان معناه وال تنكحوا النساء الالتي نكح آباؤكم ل��وجب أن

يكون موضع "ما" "من". فالنهي على ه��ذا إنم��ا وق��ع على أال ينكح��وا مث��ل نك��اح آب��ائهم الفاس��د. واألول أص��ح، وتك��ون "م��ا" بمع�نى "ال��ذي" و"من". والدليل عليه أن الصحابة تلقت اآلية على ذلك المعنى؛ ومنه استدلت على منع نكاح األبناء حالئل اآلب��اء. وق��د ك��ان في الع��رب قبائ��ل ق��د اعت��ادت أن يخلف ابن الرجل على امرأة أبيه، وكانت هذه الس��يرة في األنص��ار الزم��ة، وكانت في قريش مباحة م��ع التراض��ي. أال ت��رى أن عم��رو بن أمي��ة خل��ف على امرأة أبيه بعد موته فولدت له مسافرا وأبا معيط، وكان لها من أمي��ة أبو العيص وغيره؛ فكان بن��و أمي��ة إخ��وة مس��افر وأبي معي��ط وأعمامهم��ا. ومن ذلك صفوان بن أمية بن خلف تزوج بعد أبيه امرأته فاخته بنت األسود بن المطلب بن أسد، وكان أمية قتل عنها. ومن ذلك منظور بن زبان خلف على مليكة بنت خارجة، وكانت تحت أبيه زبان بن سيار. ومن ذل��ك حص��ن بن أبي قيس تزوج امرأة أبي��ه كبيش��ة بنت معن. واألس��ود بن خل��ف ت��زوج امرأة أبيه. وق��ال األش��عث بن س��وار: ت��وفي أب��و قيس وك��ان من ص��الحي األنصار فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت: إني أع��دك ول��دا، ولك��ني آتي وسول الله صلى الله عليه وسلم استأمره؛ فأتته فأخبرته فأنزل الل��ه ه��ذه اآلية. وقد كان في الع��رب من ت��زوج ابنت��ه، وه��و ح��اجب بن زرارة تمجس وفعل هذه الفعلة؛ ذكر ذلك النضر بن شميل في كتاب المثالب. فنهى الله

المؤمنين عما كان عليه آباؤهم من هذه السيرة. @قوله تعالى: "إال ما قد سلف" أي تقدم ومضى. والسلف؛ من تق��دم من آبائك وذوي قرابتك. وهذا استثناء منقطع، أي لكن م��ا ق��د س��لف ف��اجتنبوه ودعوه. وقيل: "إال" بمع��نى بع��د، أي بع��د م��ا س��لف؛ كم��ا ق��ال تع��الى: "ال

[ أي بع��د الموت��ة56ي��ذوقون فيه��ا الم��وت إال الموت��ة األولى" ]ال��دخان: األولى. وقيل: "إال ما قد سلف" أي وال ما سلف؛ كقوله تع��الى: "وم��ا ك��ان

[ يع��ني وال خط��أ. وقي��ل: في92لمؤمن أن يقتل مؤمنا إال خطأ" ]النس��اء: اآلية تقديم وتأخير، معناه: وال تنكحوا م��ا نكح آب��اؤكم من النس��اء إن��ه ك��ان فاحشة ومقتا وساء سبيال إال ما قد س��لف. وقي��ل: في اآلي��ة إض��مار لقول��ه "وال تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء" فإنكم إن فعلتم تعاقبون وتؤاخ��ذون

إال ما قد سلف. @قوله تعالى: "إن�ه ك�ان فاحش�ة ومقت�ا وس�اء س��بيال" عقب بال�ذم الب�الغ المتتابع، وذل��ك دلي��ل على أن��ه فع��ل انتهى من القبح إلى الغاي��ة. ق��ال أب��و العباس: سألت ابن األعرابي عن نكاح المقت فقال: هو أن ي��تزوج الرج��ل امرأة أبيه إذا طلقها أو مات عنها؛ ويقال لهذا الرج��ل: الض��يزن. وق��ال ابن عرفة: كانت العرب إذا تزوج الرجل امرأة أبيه فأولدها قيل للولد: المقتي. وأصل المقت البغض؛ من مقته يمقته مقت��ا فه��و ممق��وت ومقيت. فك��انت الع��رب تق��ول للرج��ل من ام��رأة أبي��ه: مقيت؛ فس��مى تع��الى ه��ذا النك��اح "مقتا" إذ هو ذا مقت يلحق فاعله. وقيل: الم��راد باآلي��ة النهي عن أن يط��أ الرجل امرأة وطئها اآلباء، إال ما قد سلف من اآلباء في الجاهلية من الزنى بالنساء ال على وج��ه المناكح��ة فإن��ه ج��ائز لكم زواجهن. وأن تط��ؤوا بعق��د النكاح ما وطئه آباؤكم من ال��زنى؛ ق��ال ابن زي��د. وعلي��ه فيك��ون االس��تثناء

متصال، ويكون أصال في أن الزنى ال يحرم على ما يأتي بيانه. والله أعلم. }ح���رمت عليكم أمه���اتكم وبن���اتكم وأخ���واتكم وعم���اتكم23*اآلي���ة: 3*

وخاالتكم وبنات األخ وبنات األخت وأمهاتكم الالتي أرضعنكم وأخ��واتكم من

الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم الالتي في حجوركم من نس��ائكم الالتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فال جناح عليكم وحالئل أبنائكم الذين من أصالبكم وأن تجمعوا بين األختين إال ما قد س��لف إن الل��ه ك��ان غف��ورا

رحيما{ @قوله تعالى: "حرمت عليكم أمهاتكم وبن��اتكم" أي نك��اح أمه��اتكم ونك��اح بناتكم؛ فذكر الله تعالى في هذه اآلية ما يحل من النساء وم��ا يح��رم، كم��ا ذك��ر تح��ريم حليل��ة األب. فح��رم الل��ه س��بعا من النس��ب وس��تا من رض��اع وصهر، وألحقت السنة المتواترة سابعة؛ وذلك الجم��ع بين الم��رأة وعمته��ا، ونص عليه اإلجماع. وثبتت الرواية عن ابن عب��اس ق��ال: ح��رم من النس��ب سبع ومن الصهر سبع، وتال هذه اآلية. وقال عمرو بن سالم م��ولى األنص��ار مثل ذلك، وقال: السابعة قوله تعالى: "والمحص��نات". فالس��بع المحرم��ات من النسب: األمه��ات والبن��ات واألخ��وات والعم��ات والخ��االت، وبن��ات األخ وبنات األخت. والسبع المحرمات بالصهر والرضاع: األمه��ات من الرض��اعة واألخوات من الرضاعة، وأمهات النس��اء والرب��ائب وحالئ��ل األبن��اء والجم��ع بين األختين، والسابعة "وال تنكحوا ما نكح آبائكم". قال الطحاوي: وكل هذا من المحكم المتفق عليه، وغير جائز نكاح واح��دة منهن بإجم��اع إال أمه��ات النساء اللواتي لم يدخل بهن أزواجهن؛ فإن جمه��ور الس��لف ذهب��وا إلى أن األم تحرم بالعقد على االبنة، وال تحرم االبنة إال بالدخول باألم؛ وبه��ذا ق��ول جمعي أئم��ة الفت��وى باألمص��ار. وق��الت طائف��ة من الس��لف: األم والربيب��ة

سواء، ال تحرم منهما واحدة إال بالدخول باألخرى. قالوا: ومعنى قوله: "وأمهات نسائكم" أي الالتي دخلتم بهن. "وربائبكم

الالتي في حج��وركم من نس��ائكم الالتي دخلتم بهن". وزعم��وا أن ش��رط الدخول راجع إلى األمه��ات والرب��ائب جميع��ا؛ رواه خالس عن علي بن أبي طالب. وروي عن ابن عباس وج�ابر وزي�د بن ث�ابت، وه�و ق�ول ابن الزب�ير ومجاهد. قال مجاهد: الدخول مراد في النازلتين؛ وق��ول الجمه��ور مخ��الف لهذا وعليه الحكم والفتيا، وقد شدد أهل العراق فيه حتى قالوا: ل��و وطئه��ا بزنى أو قبلها أو لمسها بشهوة حرمت عليه ابنتها. وعن��دنا وعن��د الش��افعي إنما تحرم بالنكاح الصحيح؛ والحرام ال يحرم الحالل على ما ي��أتي. وح��ديث خالس عن علي ال تقوم به حجة، وال تصح روايته عند أه��ل العلم بالح��ديث، والصحيح عنه مثل قول الجماعة. قال ابن جريج: قلت لعط��اء الرج��ل ينكح المرأة ثم ال يراها وال يجامعها حتى يطلقها أو تح��ل ل��ه أمه��ا؟ ق��ال: ال، هي مرسلة دخل بها أو لم يدخل. فقلت ل��ه: أك��ان ابن عب��اس يق��رأ: "وأمه��ات نسائكم الالتي دخلتم بهن" ؟ قال: ال ال. وروى سعيد عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: "وأمهات نسائكم" قال: هي مبهمة ال تح��ل بالعقد على االبنة؛ وكذلك روى مالك في موطئه عن زي��د بن ث��ابت، وفي��ه: "فقال زيد ال، األم مبهمة ليس فيها شرط وإنما الشرط في الربائب". قال ابن المنذر: وهذا هو الصحيح؛ لدخول جميع أمهات النساء في قوله تع��الى: "وأمهات نس��ائكم". ويؤي��د ه��ذا الق��ول من جه��ة اإلع��راب أن الخ��برين إذا اختلفا في العام�ل لم يكن نعتهم�ا واح�دا؛ فال يج�وز عن�د النح�ويين م�ررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات، على أن تكون "الظريف��ات" نعت��ا لنس�ائك ونس�اء زي�د؛ فك��ذلك اآلي�ة ال يج�وز أن يك�ون "الالتي" من نعتهم�ا

جميعا؛ ألن الخبرين مختلفان، ولكنه يجوز على معنى أعني. وأنشد الخلي��لوسيبويه:

إن بها أكتل أو رزاما خويربين ينقفان الهاما خ��ويربين يع��ني لص��ين، بمع��نى أع��ني. وينقف��ان: يكس��ران؛ نقفت رأس��ه كسرته. وقد جاء صريحا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: )إذا نكح الرجل المرأة فال يحل ل��ه أن ي��تزوج أمها دخل بالبنت أو لم يدخل وإذا تزوج األم فلم يدخل به��ا ثم طلقه��ا ف��إن

شاء تزوج البنت( أخرجه في الصحيحين وإذا تقرر هذا وثبت فاعلم أن التحريم ليس صفة لألعي��ان، واألعي��ان

ليست موردا للتحليل والتح��ريم وال مص��درا، وإنم��ا يتعل��ق التكلي��ف ب��األمر والنهي بأفعال المكلفين من حركة وسكون؛ لكن األعيان لما ك��انت م��وردا لألفع��ال أض��يف األم��ر والنهي والحكم إليه��ا وعل��ق به��ا مج��ازا على مع��نى

الكناية بالمحل عن الفعل الذي يحل به. @قوله تعالى: "أمهاتكم" تح��ريم األمه��ات ع��ام في ك��ل ح��ال ال يتخص��ص بوجه من الوجوه؛ ولهذا يسميه أهل العلم المبهم، أي ال باب فيه وال طريق إليه النسداد التحريم وقوته؛ وكذلك تحريم البنات واألخ��وات ومن ذك��ر من المحرمات. واألمهات جمع أمهة؛ يقال: أم وأمهة بمعنى واحد، وجاء القرآن بهما. وقد تقدم في الفاتحة بيانه. وقيل: إن أصل أم أمه��ة على وزن فعل��ة

مثل قبرة وحمرة لطيرين، فسقطت وعادت في الجمع. قال الشاعر: أمهتي خندف والدوس أبي

وقيل: أصل األم أمة، وأنشدوا: تقبلتها عن أمة لك طالما تثوب إليها في النوائب أجمعا

ويكون جمعها أمات. قال الراعي: كانت نجائب منذر ومحرق أماتهن وطرقهن فحيال

فاألم اسم لكل أنثى لها عليك والدة؛ في��دخل في ذل��ك األم دني��ة، وأمهاته��ا وج��داتها وأم األب وجدات��ه وإن عل��ون. والبنت اس��م لك��ل أن��ثى ل��ك عليه��ا والدة، وإن ش��ئت قلت: ك��ل أن��ثى يرج��ع نس��بها إلي��ك ب��الوالدة بدرج��ة أو درج��ات؛ في��دخل في ذل��ك بنت الص��لب وبناته��ا وبن��ات األبن��اء وإن ن��زلن. واألخت اسم لكل أنثى جاورت��ك في أص��ليك أو في أح��دهما والبن��ات جم��ع بنت، واألصل بنية، والمستعمل ابنة وبنت. ق��ال الف��راء: كس��رت الب��اء من بنت لتدل الكس��رة على الي��اء، وض��مت األل��ف من أخت لت��دل على ح��ذف ال��واو، ف��إن أص��ل أخت أخ��وة، والجم��ع أخ��وات. والعم��ة اس��م لك��ل أن��ثى شاركت أباك أو جدك في أصليه أو في أحدهما. وإن شئت قلت: ك��ل ذك��ر رجع نسبه إليك فأخته عمتك. وق��د تك��ون العم��ة من جه��ة األم، وهي أخت أب أمك. والخالة اسم لكل أنثى شاركت أم��ك في أص��ليها أو في أح��دهما. وإن شئت قلت: كل أنثى رج��ع نس��بها إلي��ك ب��الوالدة فأخته��ا خالت��ك. وق��د تكون الخالة من جهة األب وهي أخت أم أبيك. وبنت األخ اس��م لك��ل أن��ثى ألخيك عليها والدة بواس�طة أو مباش��رة؛ وك�ذلك بنت األخت. فه�ذه الس�بع المحرم��ات من النس��ب. وق��رأ ن��افع - في رواي��ة أبي بك��ر بن أبي أويس -

بتشديد الخاء من األخ إذا كانت فيه األلف والالم مع نقل الحركة. @قول��ه تع��الى: "وأمه��اتكم الالتي أرض��عنكم" وهي في التح��ريم مث��ل من ذكرنا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )يحرم من الرضاع ما يح��رم

من النس��ب(. وق��رأ عبدالل��ه "وأمه��اتكم الالئي" بغ��ير ت��اء؛ كقول��ه تع��الى:[ قال الشاعر: 4"والالئي يئسن من المحيض" ]الطالق:

من الالء لم يحججن يبغين حسبة ولكن ليقتلن البريء المغفال "أرضعنكم" فإذا أرضعت المرأة طفال حرمت علي��ه ألنه�ا أم�ه، وبنته�ا ألنه�ا أخته، وأختها ألنها خالته، وأمها ألنها جدته، وبنت زوجه��ا ص��احب اللبن ألنه��ا أخته، وأخته ألنها عمته، وأمه ألنه��ا جدت��ه، وبن��ات بنيه��ا وبناته��ا ألنهن بن��ات

إخوته وأخواته. @ قال أبو نعيم عبيدالله بن هشام الحل��بي: س��ئل مال��ك عن الم��رأة أيحج معها أخوها من الرضاعة؟ قال: نعم. قال أبو نعيم: وسئل مالك عن ام��رأة تزوجت فدخل بها زوجها. ثم جاءت ام��رأة ف��زعمت أنه��ا أرض��عتهما؛ ق��ال: يفرق بينهما، وما أخذت من ش��يء ل��ه فه��و له��ا، وم��ا بقي علي��ه فال ش��يء عليه. ثم قال مالك: إن النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم س��ئل عن مث��ل ه��ذا فأمر بذلك؛ فقالوا: يا رسول الله، إنها امرأة ضعيفة؛ فقال النبي صلى الله

عليه وسلم: )أليس يقال إن فالنا تزوج أخته( ؟ @ التحريم بالرضاع إنما يحصل إذا اتفق اإلرضاع في الح��ولين؛ كم��ا تق��دم في "البقرة". وال فرق بين قليل الرضاع وكثيره عندنا إذا وصل إلى األمعاء ولو مصة واحدة. واعتبر الش��افعي في اإلرض��اع ش��رطين: أح��دهما خمس رضعات؛ لحديث عائشة قالت: كان فيما أنزل الله عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، وتوفي رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن. موضع ال��دليل من��ه أنه�ا أثبتت أن العش��ر نس��خن بخمس، فل��و تعل��ق التح��ريم بم��ا دون الخمس لك��ان ذل��ك نس��خا للخمس. وال يقبل على هذا خبر واحد وال قي��اس؛ ألن��ه ال ينس��خ بهم��ا. وفي حديث سهلة )أرضعيه خمس رضعات يحرم بهن(. الشرط الثاني: أن يكون في الحولين، فإن كان خارجا عنهما لم يحرم؛ لقوله تعالى: "حولين كاملين

[. وليس بع��د التم��ام والكم��ال233لمن أراد أن يتم الرض��اعة" ]البق��رة: شيء. واعتبر أبو حنيفة بعد الح��ولين س��تة أش��هر. ومال��ك الش��هر ونح��وه. وقال زفر: ما دام يجتزئ باللبن ولم يفطم فهو رض��اع وإن أتى علي��ه ثالث سنين. وقال األوزاعي: إذا فطم لسنة واستمر فطامه فليس بع��ده رض��اع. وانفرد الليث بن سعد من بين العلماء إلى أن رضاع الكبير يوجب التحريم؛ وهو قول عائشة رضي الله عنه��ا؛ وروي عن أبي موس��ى األش��عري، وروي عنه ما يدل على رجوعه عن ذلك، وهو ما رواه أبو حص��ين عن أبي عطي��ة قال: قدم رجل بامرأته من المدين��ة فوض��عت وت��ورم ث��ديها، فجع��ل يمص��ه ويمجه فدخل في بطنه جرعة منه؛ فس��أل أب��ا موس��ى فق��ال: ب��انت من��ك، وأت ابن مس���عود ف���أخبره، ففع���ل؛ فأقب���ل ب���األعرابي إلى أبي موس���ى األشعري وقال: أرضيعا ترى هذا األشمط ! إنما يحرم من الرضاع م��ا ينبت اللحم والعظم. فق��ال األش��عري: ال تس��ألوني عن ش��يء وه��ذا الح��بر بين أظه��ركم. فقول��ه: "ال تس��ألوني" ي��دل على أن��ه رج��ع عن ذل��ك. واحتجت عائشة بقصة سالم مولى أبي حذيفة وأنه كان رجال. فقال النبي صلى الل�ه عليه وسلم لسهلة بنت سهيل: )أرض��عيه( خرج��ه الموط��أ وغ��يره. وش��ذت طائفة فاعتبرت عشر رضعات؛ تمسكا بأنه كان فيما أنزل: عشر رض��عات. وك��أنهم لم يبلغهم الناس��خ. وق��ال داود: ال يح��رم إال بثالث رض��عات؛ واحتج بقول رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم )ال تح��رم اإلمالج��ة واإلمالجت��ان(.

خرجه مسلم. وهو مروى عن عائشة وابن الزبير، وبه قال أحم��د وإس��حاق وأبو ثور وأبو عبيد، وهو تمسك بدليل الخط��اب، وه��و مختل��ف في��ه. وذهب من عدا هؤالء من أئمة الفتوى إلى أن الرض��عة الواح��دة تح��رم إذا تحققت كما ذكرنا؛ متمسكين بأقل ما ينطلق عليه اس��م الرض��اع. وعض��د ه��ذا بم��ا وجد من العمل عليه بالمدينة وبالقياس على الصهر؛ بعلة أنه معنى ط��ارئ يقتضي تأبيد التحريم فال يشترط فيه العدد كالصهر. وق��ال الليث بن س��عد: وأجمع المسلمون على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد م��ا يفط��ر

الصائم. قال أبو عمر. لم يقف الليث على الخالف في ذلك. قلت: وأنص ما في هذا الباب قوله صلى الله عليه وس��لم: )ال تح��رم

المصة وال المصتان( أخرجه مسلم في ص��حيحه. وه��و يفس��ر مع��نى قول��ه تعالى: "وأمهاتكم الالتي أرضعنكم" أي أرضعنكم ثالث رضعات فأكثر؛ غ��ير أن��ه يمكن أن يحم��ل على م��ا إذا لم يتحق��ق وص��وله إلى ج��وف الرض��يع؛ لقوله: "عش��ر رض��عات معلوم��ات. وخمس رض��عات معلوم��ات". فوص��فها بالمعلومات إنما ه��و تح��رز مم��ا يت��وهم أو يش��ك في وص��وله إلى الج��وف. ويفيد دليل خطابه أن الرضعات إذا ك��انت غ��ير معلوم��ات لم تح��رم. والل��ه أعلم. وذكر الطح��اوي أن ح��ديث اإلمالج��ة واإلمالج��تين ال يثبت؛ ألن��ه م��رة يرويه ابن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومرة يرويه عن عائش��ة، ومرة يرويه عن أبيه؛ ومثل هذا االضطراب يسقطه. وروي عن عائشة أن��ه ال يحرم إال سبع رضعات. وروي عنها أنها أمرت أختها "أم كلثوم" أن ترضع سالم بن عبدالله عشر رضعات. وروي عن حفصة مثله، وروي عنه��ا ثالث،وروي عنها خمس؛ كما قال الشافعي رضي الله عنه، وحكي عن إسحاق.

@قوله تعالى: "وأمهاتكم الالتي أرضعنكم" استدل به من نفى لبن الفحل، وه��و س��عيد بن المس��يب وإب��راهيم النخعي وأب��و س��لمة بن عب��دالرحمن، وقالوا: لبن الفحل ال يح��رم ش��يئا من قب��ل الرج��ل. وق��ال الجمه��ور: قول�ه تع��الى: "وأمه��اتكم الالتي أرض��عنكم" ي��دل على أن الفح��ل أب؛ ألن اللبن منسوب إليه فإنه در بسبب ولده. وهذا ض�عيف؛ ف�إن الول�د خل�ق من م�اء الرجل والمرأة جميعا، واللبن من المرأة ولم يخ��رج من الرج��ل، وم��ا ك��ان من الرجل إال وطء هو سبب لنزول الماء منه، وإذا فصل الول��د خل��ق الل��ه اللبن من غير أن يكون مضافا إلى الرجل بوجه ما؛ ول��ذلك لم يكن للرج��ل حق في اللبن، وإنما اللبن لها، فال يمكن أخذ ذلك من القي��اس على الم��اء. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: )يحرم من الرضاع م��ا يح��رم من النسب( يقتضي التح��ريم من الرض��اع، وال يظه��ر وج��ه نس��بة الرض��اع إلى الرجل مثل ظهور نسبة الماء إليه والرضاع منه��ا. نعم، األص��ل في��ه ح��ديث الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة رض��ي الل��ه عنه��ا: أن أفلح أخ��ا القعيس ج��اء يس��تأذن عليه��ا، وه��و عمه��ا من الرض��اعة بع��د أن ن��زل الحجاب. قالت: فأبيت أن آذن له؛ فلما جاء النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم أخبرته فقال: )ليلج عليك فإنه عمك تربت يمينك(. وك��ان أب��و القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة رضي الله عنها؛ وهذا أيضا خبر واحد. ويحتم��ل أن يكون "أفلح" مع أبي بكر رضيعي لب��ان فل��ذلك ق��ال: )ليلج علي��ك فإن��ه عمك(. وبالجملة فالقول فيه مشكل والعلم عند الل��ه، ولكن العم��ل علي��ه، واالحتي��اط في التح��ريم أولى، م��ع أن قول��ه تع��الى: "وأح��ل لكم م��ا وراء

ذلكم" يقوي قول المخالف.

@قوله تعالى: "وأخواتكم من الرض��اعة" وهي األخت ألب وأم، وهي ال��تي أرضعتها أمك بلبان أبي��ك؛ س��واء أرض��عتها مع�ك أو ول��دت قبل��ك أو بع�دك. واألخت من األب دون األم، وهي ال��تي أرض��عتها زوج��ة أبي��ك. واألخت من األم دون األب، وهي التي أرضعتها أمك بلبان رج��ل آخ��ر. ثم ذك��ر التح��ريم بالمصاهرة فقال تعالى: "وأمهات نسائكم" والصهر أربع: أم المرأة وابنته��ا وزوجة األب وزوجة االبن. ف��أم الم��رأة تح��رم بمج��رد العق��د الص��حيح على

ابنتها على ما تقدم @قول��ه تع��الى: "ورب��ائبكم الالتي في حج��وركم من نس��ائكم الالتي دخلتم بهن" هذا مستقل بنفسه. وال يرجع قوله: "من نس��ائكم الالتي دخلتم بهن" إلى الفريق األول، بل هو راجع إلى الربائب، إذ هو أقرب مذكور كما تقدم. والربيبة: بنت امرأة الرجل من غيره؛ سميت ب�ذلك ألن�ه يربيه�ا في حج�ره فهي مربوبة، فعيلة بمعنى مفعولة. واتف��ق الفقه��اء على أن الربيب��ة تح��رم على زوج أمها إذا دخل ب��األم، وإن لم تكن الربيب��ة في حج��ره. وش��ذ بعض المتقدمين وأهل الظاهر فقالوا: ال تحرم عليه الربيبة إال أن تكون في حجر المتزوج بأمها؛ فلو كانت في بلد آخر وفارق األم بعد الدخول فله أن يتزوج بها؛ واحتجوا باآلية فقالوا: حرم الله تع��الى الربيب��ة بش��رطين: أح��دهما: أن تك��ون في حج��ر الم��تزوج بأمه��ا. والث��اني: ال��دخول ب��األم؛ ف��إذا ع��دم أح��د الش��رطين لم يوج��د التح��ريم. واحتج��وا بقول��ه علي��ه الس��الم: )ل��و لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة( فشرط الحج��ر. ورووا عن علي بن أبي طالب إجازة ذلك. قال ابن المنذر والطح��اوي: أم��ا الحديث عن علي فال يثبت؛ ألن راويه إبراهيم بن عبي��د عن مال��ك بن أوس عن علي، وإب��راهيم ه��ذا ال يع��رف، وأك��ثر أه��ل العلم ق��د تلق��وه بال��دفع والخالف. ق��ال أب��و عبي��د: ويدفع��ه قول��ه: )فال تعرض��ن علي بن��اتكن وال أخ���واتكن( فعم. ولم يق���ل: الالئي في حج���ري، ولكن���ه س���وى بينهن في التحريم. قال الطحاوي: وإضافتهن إلى الحجور إنما ذلك على األغلب مم��ا

يكون عليه الربائب؛ ال أنهن ال يحرمن إذا لم يكن كذلك. @قول��ه تع��الى: "ف��إن لم تكون��وا دخلتم بهن" يع��ني باألمه��ات. "فال جن��اح عليكم" يعني في نكاح بناتهن إذا طلقتموهن أو متن عنكم. وأجمع العلم��اء على أن الرجل إذا تزوج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن ي��دخل به��ا ح��ل له نكاح ابنتها. واختلفوا في معنى الدخول باألمه��ات ال��ذي يق��ع ب��ه تح��ريم الربائب؛ فروي عن ابن عباس أنه قال: الدخول الجماع؛ وهو قول ط��اوس وعمرو بن دين��ار وغيرهم��ا. واتف��ق مال��ك والث��وري وأب��و حنيف��ة واألوزاعي والليث على أنه إذا مسها بشهوه حرمت علي��ه أمه��ا وابنته��ا وح��رمت على األب واالبن، وهو أحد قولي الشافعي. واختلفوا في النظر؛ فقال مالك: إذا نظر إلى شعرها أو صدرها أو شيء من محاسنها لل��ذة ح��رمت علي��ه أمه��ا وابنتها. وقال الكوفيون: إذا نظر إلى فرجه��ا للش��هوة ك��ان بمنزل��ة اللمس للشهوة. وقال الثوري: يح��رم إذا نظ�ر إلى فرجه�ا متعم�دا أو لمس�ها؛ ولم يذكر الشهوة. وقال ابن أبي ليلى: ال تحرم بالنظر ح��تى يلمس؛ وه��و ق��ول الشافعي. والدليل على أن بالنظر يقع التحريم أن فيه نوع استمتاع فجرى مجرى النكاح؛ إذ األحكام تتعلق بالمعاني ال باأللفاظ. وقد يحتمل أن يق��ال: إن��ه ن��وع من االجتم��اع باالس��تمتاع؛ ف��إن النظ��ر اجتم��اع ولق��اء، وفي��ه بين

المحبين استمتاع؛ وقد بالغ في ذلك الشعراء فقالوا:

أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا فذاك بنا تدان نعم، وترى الهالل كما أراه ويعلوها النهار كما عالني

فكيف بالنظر والمجالسة والمحادثة واللذة. @قوله تعالى: "وحالئل أبنائكم" الحالئل جمع حليلة، وهي الزوجة. س��ميت حليلة ألنها تح��ل م��ع ال��زوج حيث ح��ل؛. فهي فعيل��ة بمع��نى فاعل��ة. وذهب الزجاج وقوم إلى أنها من لفظة الحالل؛ فهي حليلة بمع�نى محلل��ة. وقي��ل:

ألن كل واحد منهما يحل إزار صاحبه. أجمع العلماء على تحريم ما عقد عليه اآلباء على األبناء، وما عقد عليه

األبناء على اآلباء، كان مع العقد وطء أو لم يكن؛ لقوله تعالى: "وال تنكح��وا م��ا نكح آب��ائكم من النس��اء" وقول��ه تع��الى: "وحالئ��ل أبن��ائكم ال��ذين من أصالبكم "؛ فإن نكح أحدهما نكاحا فاسدا حرم على اآلخر العقد عليها كم��ا يحرم بالصحيح؛ ألن النكاح الفاسد ال يخلو: إما أن يكون متفقا على فساده أو مختلفا فيه. فإن كان متفقا على فساده لم ي��وجب حكم��ا وك��ان وج��وده كعدمه. وإن كان مختلفا فيه فيتعل��ق ب��ه من الحرم��ة م��ا يتعل��ق بالص��حيح؛ الحتمال أن يكون نكاحا فيدخل تحت مطل��ق اللف��ظ. والف��روج إذا تع��ارض فيها التحريم والتحليل غلب التحريم. والله أعلم. قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من علم�اء األمص��ار على أن الرج�ل إذا وطئ ام�رأة بنك�اح

فاسد أنها تحرم على أبيه وابنه وعلى أجداده وولد ولده. @ وأجمع العلماء على أن عقد الش��راء على الجاري��ة ال يحرمه��ا على أبي��ه وابنه؛ فإذا اشترى الرجل جارية فلمس أو قبل ح��رمت على أبي��ه وابن��ه، ال أعلمهم يختلفون فيه؛ ف��وجب تح�ريم ذل�ك تس��ليما لهم. ولم�ا اختلف�وا في تحريمها بالنظر دون اللمس لم يج��ز ذل��ك الختالفهم. ق��ال ابن المن��ذر: وال يصح عن أحد من أصحاب رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم خالف م��ا قلن��اه. وق��ال يعق��وب ومحم��د: إذا نظ��ر رج��ل في ف��رج ام��رأة من ش��هوة حرمت على أبيه وابن�ه، وتح��رم علي�ه أمه�ا وابنته�ا. وق�ال مال�ك: إذا وطئ األمة أو قعد منها مقع��دا ل��ذلك وإن لم يفض إليه��ا، أو قبله��ا أو باش��رها أو غمزها تلذذا فال تحل البنه. وقال الشافعي: إنم��ا تح��رم ب��اللمس وال تح��رم

بالنظر دون اللمس؛ وهو قول األوزاعي @ واختلفوا في الوطء بالزنى هل يحرم أم ال؛ فق��ال أك��ثر أه��ل العلم: ل��و أصاب رجل امرأة بزنى لم يحرم عليه نكاحها بذلك؛ وكذلك ال تح��رم علي��ه امرأت��ه إذا زنى بأمه��ا أو بابنته��ا، وحس��به أن يق��ام علي��ه الح��د، ثم ي��دخل بامرأته. ومن زنى بامرأة ثم أراد نكاح أمها أو ابنتها لم تحرما علي��ه ب��ذلك. وقالت طائفة: تحرم عليه. روي هذا القول عن عمران بن حصين؛ وبه قال الشعبي وعطاء والحسن وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب ال��رأي، وروي عن مالك؛ وأن ال��زنى يح��رم األم واالبن��ة وأن��ه بمنزل��ة الحالل، وه��و قول أهل العراق. والصحيح من قول مالك وأهل الحجاز: أن ال��زنى ال حكم له؛ ألن الله سبحانه وتعالى قال: "وأمهات نسائكم" وليست ال�تي زنى به�ا من أمهات نسائه، وال ابنتها من ربائبه. وهو قول الش��افعي وأبي ث��ور. ألن��ه لم��ا ارتف��ع الص��داق في ال��زنى ووج��وب الع��دة والم��يراث ولحق��وق الول��د ووجوب الحد ارتفع أن يحكم له بحكم النكاح الجائز. وروى الدارقطني من حديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت: س��ئل رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها فقال: )ال يحرم

الحرام الحالل إنما يحرم ما كان بنك��اح(. ومن الحج��ة للق��ول اآلخ��ر إخب��ار النبي صلى الله عليه وس��لم عن ج��ريج وقول��ه: )ي��ا غالم من أب��وك( ق��ال: فالن الراعي. فهذا يدل على أن الزنى يحرم كما يح��رم ال��وطء الحالل؛ فال تح��ل أم الم��زني به��ا وال بناته��ا آلب��اء ال��زاني وال ألوالده؛ وهي رواي��ة ابن القاسم في المدونة. ويستدل به أيضا على أن المخلوقة من م��اء ال��زنى ال تحل للزاني بأمها، وهو المشهور. قال عليه السالم: )ال ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنته�ا( ولم يفص�ل بين الحالل والح�رام. وق�ال علي�ه السالم: )ال ينظر الله إلى من كشف قن��اع ام��رأة وابنته��ا(. ق��ال ابن خ��ويز منداد: ولهذا قلنا إن القبلة وس��ائر وج�وه االس�تمتاع ينش�ر الحرم�ة. وق�ال عبدالملك الماجشون: إنها تحل؛ وه��و الص��حيح لقول��ه تع��الى: "وه��و ال��ذي

[ يع��ني بالنك��اح54خلق من الماء بشرا فجعل��ه نس��با وص��هرا" ]الفرق��ان: الصحيح، على ما ي�أتي في "الفرق�ان" بيان�ه. ووج�ه التمس�ك من الح�ديث على تلك المسألتين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حكى عن جريج أنه نسب ابن الزنى للزاني، وصدق الل��ه نس��بته بم��ا خ��رق ل��ه من الع��ادة في نطق الصبي بالشهادة له بذلك؛ وأخبر بها النبي صلى الله عليه وس��لم عن ج��ريج في مع��رض الم��دح وإظه��ار كرامت��ه؛ فك��انت تل��ك النس��بة ص��حيحة بتصديق الله تعالى وبإخبار النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم عن ذل��ك؛ فثبتت

البنوة وأحكامها. فإن قيل: فيلزم على هذا أن تجري أحكام البنوة واألبوة من التوارث

والواليات وغير ذلك، وقد اتف��ق المس��لمون على أن��ه ال ت��وارث بينهم��ا فلمتصح تلك النسبة؟

فالجواب: إن ذلك موجب م��ا ذكرن��اه. وم��ا انعق��د علي��ه اإلجم��اع من األحكام استثنيناه، وبقي الباقي على أصل ذلك الدليل، والله أعلم.

@ واختلف العلماء أيض��ا من ه��ذا الب��اب في مس��ألة الالئ��ط؛ فق��ال مال��ك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم: ال يحرم النكاح باللواط. وقال الثوري: إذا لعب بالصبي حرمت عليه أمه؛ وهو ق��ول أحم��د بن حنب��ل. ق��ال: إذا تل��وط بابن امرأته أو أبيها أو أخيها ح��رمت عل��ه امرأت��ه. وق��ال األوزاعي: إذا الط بغالم وولد للمفجور به بنت لم يجز للفاجر أن يتزوجه��ا؛ ألنه��ا بنت من ق��د

دخل به. وهو قول أحمد بن حنبل. @قوله تعالى: "الذين من أصالبكم" تخص��يص ليخ��رج عن��ه ك��ل من ك��انت العرب تتبناه ممن ليس للصلب. ولما تزوج الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم امرأة زيد بن حارثة قال المشركون: تزوج امرأة ابنه ! وكان علي�ه الس�الم تبناه؛ على ما يأتي بيانه في "األحزاب". وح��رمت حليل��ة االبن من الرض��اع وإن لم يكن للصلب - باإلجم��اع المس��تند إلى قول��ه علي��ه الس��الم: )يح��رم

الرضاع ما يحرم من النسب(. @قوله تعالى: "وأن تجمعوا بين األخ��تين" موض��ع "أن" رف��ع على العط��ف على "حرمت عليكم أمه��اتكم". واألخت��ان لف��ظ يعم الجمي��ع بنك��اح وبمل��ك يمين. وأجمعت األم��ة على من��ع جمعهم��ا في عق��د واح��د من النك��اح له��ذه اآلية، وقوله عليه السالم: )ال تعرضن علي بن��اتكن وال أخ��واتكن(. واختلف��وا في األختين بملك اليمين؛ فذهب كافة العلماء إلى أنه ال يجوز الجمع بينهما بالملك في الوطء، وإن كان يجوز الجمع بينهما في الملك بإجم��اع؛ وك��ذلك المرأة وابنتها صفقة واحدة. واختلف��وا في عق��د النك��اح على أخت الجاري��ة

التي وطئها؛ فقال األوزاعي: إذا وطئ جارية له بملك اليمين لم يجز له أن يتزوج أختها. وق��ال الش��افعي: مل��ك اليمين ال يمن��ع نك��اح األخت. ق��ال أب��و عمر: من جعل عقد النكاح كالشراء أجازه، ومن جعل��ه ك��الوطء لم يج��زه. وقد أجمعوا على أنه ال يجوز العقد على أخت الزوج��ة؛ لق��ول الل��ه تع��الى: "وأن تجمع��وا بين األخ��تين" يع��ني الزوج��تين بعق��د النك��اح. فق��ف على م��ا

اجتمعوا عليه وما اختلفوا فيه يتبين لك الصواب إن شاء الله. والله أعلم. @ ش��ذ أه��ل الظ��اهر فق��الوا: يج��وز الجم��ع بين األخ��تين بمل��ك اليمين في الوطء؛ كما يجوز الجمع بينهما في الملك. واحتجوا بما روي عن عثمان في األختين من ملك اليمين: "حرمتهم��ا آي��ة وأحلتهم��ا آي��ة". ذك��ره عب��دالرزاق حدثنا معمر عن الزه��ري عن قبيص��ة بن ذؤيب أن عثم��ان بن عف��ان س��ئل عن األخ��تين مم��ا ملكت اليمين فق��ال: ال آم��رك وال أنه��اك أحلتهم��ا آي��ة وحرمتهما آية. فخرج السائل فلقي رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال معمر: أحسبه قال علي - قال: وما سألت عن��ه عثم��ان؟ فأخبره بما سأل وبما أفت��اه؛ فق��ال ل��ه: لك��ني أنه��اك، ول��و ك��ان لي علي��ك سبيل ثم فعلت لجعلتك نكاال. وذكر الطح��اوي وال��دارقطني عن علي وابن عباس مثل قول عثمان. واآلية التي أحلتهم��ا قول��ه تع��الى: "وأح��ل لكم م��ا وراء ذلكم". ولم يلتفت أحد من أئمة الفتوى إلى هذا الق��ول؛ ألنهم فهم��وا من تأويل كتاب الله خالف��ه، وال يج��وز عليهم تحري��ف التأوي��ل. وممن ق��ال ذلك من الصحابة: عم��ر وعلي وابن مس��عود وعثم��ان وابن عب��اس وعم��ار وابن عمر وعائشة وابن الزبير؛ وهؤالء أهل العلم بكتاب الله، فمن خالفهم فهو متعس�ف في التأوي�ل. وذك�ر ابن المن�ذر أن إس��حاق بن راهوي�ه ح�رم الجمع بينهم��ا ب��الوطء، وأن جمه�ور أه�ل العلم كره��وا ذل�ك، وجع��ل مالك��ا فيمن كرهه. وال خالف في جواز جمعهم��ا في المل��ك، وك��ذلك األم وابنته��ا. قال ابن عطية: ويجيء من قول إسحاق أن يرجم الج��امع بينهم��ا ب��الوطء، وتستقرأ الكراهية من ق��ول مال��ك: إن��ه إذا وطئ واح��دة ثم وطئ األخ��رى وقف عنهما حتى يحرم إحداهما؛ فلم يلزمه حدا. قال أبو عم��ر: )أم��ا ق��ول علي لجعلته نكاال( ولم يقل لحددته حد الزاني؛ فألن من ت��أول آي��ة أو س��نة ولم يط�أ عن�د نفس�ه حرام�ا فليس ب�زان بإجم�اع وإن ك�ان مخطئ�ا، إال أن ي��دعي من ذل��ك م��ا ال يع��ذر بجهل��ه. وق��ول بعض الس��لف في الجم��ع بين األختين بملك اليمين: )أحلتهما آية وحرمتهما آية( معل��وم محف��وظ؛ فكي��ف يح��د ح��د ال��زاني من فع��ل م��ا في��ه مث��ل ه��ذا من الش��بهة القوي��ة؟ وبالل��ه

التوفيق. @ واختلف العلماء إذا كان يطأ واحدة ثم أراد أن يطأ األخ��رى؛ فق��ال علي وابن عمر والحسن البصري واألوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: ال يجوز له وطء الثانية حتى يحرم فرج األخرى بإخراجها من ملكه ببيع أو عت��ق، أو بأن يزوجها. قال ابن المنذر: وفيه قول ثان لقت��ادة، وه��و أن��ه إذا ك�ان يط��أ واحدة وأراد وطء األخرى فإنه ينوي تحريم األولى على نفس��ه وأال يقربه��ا، ثم يمسك عنهما ح�تى يس�تبرئ األولى المحرم�ة، ثم يغش�ى الثاني�ة. وفي��ه قول ثالث: وهو إذا كان عنده أخت��ان فال يق��رب واح��دة منهم��ا. هك��ذا ق��ال الحكم وحماد؛ وروي معنى ذلك عن النخعي. ومذهب مالك: إذا كان أخت��ان عند رجل بملك فله أن يطأ أيتهم��ا ش��اء، والك��ف عن األخ��رى موك��ول إلى أمانته. ف��إن أراد وطء األخ��رى فيلزم��ه أن يح��رم على نفس��ه ف��رج األولى

بفعل يفعله من إخراج عن الملك: إم��ا ب��تزويج أو بي��ع أو عت��ق إلى أج��ل أو كتابة أو إخدام طويل. فإن كان يطأ إحداهما ثم وثب على األخ��رى دون أن يحرم األولى وقف عنهما، ولم يجز له قرب إح��داهما ح��تى يح��رم األخ��رى؛ ولم يوكل ذلك إلى أمانته؛ ألنه متهم فيمن قد وطئ؛ ولم يكن قب��ل متهم��ا إذ كان لم يطأ إال الواحدة. ومذهب الكوفيين في هذا الب��اب: الث��وري وأبي حنيفة وأصحابه أنه إن وطئ إحدى أمتيه لم يطأ األخرى؛ فإن باع األولى أو زوجها ثم رجعت إليه أمسك عن األخرى؛ وله أن يطأها ما دامت أخته�ا في العدة من طالق أو وفاة. فأما بعد انقضاء العدة فال، حتى يملك ف��رج ال��تي يطأ غيره؛ وروي معنى ذل��ك عن علي رض��ي الل��ه عن��ه. ق��الوا: ألن المل��ك الذي منع وطء الجارية في االبتداء موجود، فال فرق بين عودته��ا إلي��ه وببن بقائها في ملكه. وقول مالك حسن؛ ألنه تحريم صحيح في الح��ال وال يل��زم مراعاة المال؛ وحسبه إذا حرم فرجها عليه ببيع أو بتزويج أنها حرمت عليه في الحال. ولم يختلفوا في العتق؛ ألنه ال يتصرف فيه بح��ال؛ وأم��ا الكاتب��ة فقد تعجز فترجع إلى ملكه. فإن كان عند رجل أمة يطؤه��ا ثم ت��زوج أخته��ا ففيها في المذهب ثالثة أقوال في النكاح. الثالث: في المدون��ة أن��ه يوق��ف عنهما إذا وقع عقد النكاح حتى يحرم إحداهما مع كراهية لهذا النكاح؛ إذ هو عقد في موضع ال يجوز فيه الوطء. وفي هذا ما ي��دل على أن مل��ك اليمين ال يمنع النكاح؛ كما تق��دم عن الش��افعي. وفي الب��اب بعين��ه ق��ول آخ��ر: أن النك��اح ال ينعق��د؛ وه��و مع��نى ق��ول األوزاعي. وق��ال أش��هب في كت��اب

االستبراء: عقد النكاح في الواحدة تحريم لفرج المملوكة. @ وأجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته طالقا يمل��ك رجعته��ا أن��ه ليس له أن ينكح أختها أو أربعا سواها حتى تنقضي عدة المطلقة. واختلفوا إذا طلقها طالقا ال يملك رجعتها؛ فقالت طائفة: ليس له أن ينكح أخته��ا وال رابعة حتى تنقضي ع�دة ال�تي طل��ق؛ وروي عن علي وزي�د بن ث�ابت، وه�و مذهب مجاهد وعط��اء بن أبي رب��اح والنخعي، وس��فيان الث��وري وأحم��د بن حنبل وأص��حاب ال��رأي. وق��الت طائف��ة: ل��ه أن ينكح أخته��ا وأربع��ا س��واها؛ وروي عن عطاء، وهي أثبت الروايتين عنه، وروي عن زي��د بن ث��ابت أيض��ا؛ وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والقاس��م وع��روة بن الزب��ير وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور وأبو عبي��د. ق��ال ابن المن��ذر: وال أحس��به إال ق��ول

مالك وبه نقول. @قوله تعالى: "إال ما قد سلف" يحتمل أن يكون معناه معنى قوله: "إال ما ق��د س��لف" في قول��ه: "وال تنكح��وا م��ا نكح آب��اؤكم من النس��اء إال م��ا ق��د سلف". ويحتمل معنى زائدا وهو جواز ما سلف، وأنه إذا ج��رى الجم��ع في الجاهلية كان النكاح صحيحا، وإذا جرى في اإلسالم خ�ير بين األخ�تين؛ على ما قاله مالك والشافعي، من غير إجراء عقود الكفار على م��وجب اإلس��الم ومقتضى الشرع؛ وسواء عقد عليهما عقدا واح��دا جم��ع ب��ه بينهم��ا أو جم��ع بينهما في عقدين. وأبو حنيفة يبطل نكاحهما إن جمع في عقد واحد. وروى هش��ام بن عبدالل��ه عن محم��د بن الحس��ن أن��ه ق��ال: ك��ان أه��ل الجاهلي��ة يعرفون هذه المحرمات كلها التي ذكرت في هذه اآلية إال اثن��تين؛ إح��داهما نكاح امرأة األب، والثانية، الجمع بين األختين؛ أال ترى أنه قال: "وال تنكح��وا ما نكح آباؤكم من النساء إال ما قد سلف". "وان تجمعوا بين األختين إال م��ا

قد سلف" ولم يذكر في سائر المحرمات "إال ما قد سلف". والله أعلم.

}والمحص��نات من النس��اء إال م��ا ملكت أيم��انكم كت��اب الل��ه24*اآلية: 3* عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فم��ا اس��تمتعتم ب��ه منهن ف��آتوهن أج��ورهن فريض��ة وال جن��اح عليكم فيم��ا

تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما{ @قوله تعالى: "والمحصنات" عط��ف على المحرم��ات والم��ذكورات قب��ل. والتحصن: التمنع؛ ومنه الحصن ألنه يمتنع فيه؛ ومنه قوله تعالى: "وعلمن��اه

[ أي لتمنعكم؛ ومن��ه80صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأس��كم" ]األنبي��اء: الحص��ان للف��رس )بكس�ر الح��اء( ألن��ه يمن��ع ص��احبه من الهالل. والحص��ان )بفتح الحاء(: الم�رأة العفيف�ة لمنعه��ا نفس��ها من الهالك. وحص��نت الم��رأة تحصن فهي حصان؛ مثل جبنت فهي جبان. وقال حسان في عائشة رض��ي

الله عنها: حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

والمصدر الحصانة )بفتح الحاء( والحصن كالعلم. فالمراد بالمحص��نات ههن�ا ذوات األزواج؛ يقال: امرأة محصنة أي متزوج��ة، ومحص��نة أي ح��رة؛ ومن��ه "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب" ]المائدة:

[. ومحص��نة أي عفيف��ه؛ ق��ال الل��ه تع��الى: "محص��نات غ��ير مس��افحات"5 [ وقال: "محصنين غير مسافحين". ومحصنة ومحصنة وحصان25]النساء:

أي عفيفة، أي ممتنعة من الفسق، والحرية تمنع الحرة مما يتعاطاه العبيد. [ أي الحرائ��ر، وك��ان4قال الله تعالى: "والذين يرمون المحصنات" ]النور:

عرف اإلماء في الجاهلي��ة ال�زنى؛ أال ت��رى إلى ق�ول هن��د بنت عتب�ة للن��بي صلى الله عليه وسلم حين بايعته: "وهل تزني الحرة" ؟ والزوج أيضا يمن��ع زوجه من أن تزوج غيره؛ فبناء )ح ص ن( معناه المن��ع كم��ا بين��ا. وس��تعمل اإلحص��ان في اإلس��الم؛ ألن��ه حاف��ظ وم��انع، ولم ي��رد في الكت��اب وورد في السنة؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: )اإليمان قيد الفت��ك(. ومن��ه

قول الهذلي: فليس كعهد الدار يا أم مالك ولكن أحاطت بالرقاب السالسل

وقال الشاعر:قالت هلم إلى الحديث فقلت ال يأبى عليك الله واإلسالم

ومنه قول سحيم:كفى الشيب واإلسالم للمرء ناهيا

@ إذا ثبت هذا فقد اختلف العلماء في تأويل هذه اآلي��ة؛ فق��ال ابن عب��اس وأب��و قالب��ة وابن زي��د ومكح��ول والزه��ري وأب��و س��عيد الخ��دري: الم��راد بالمحص��نات هن��ا المس��بيات ذوات األزواج خاص��ة، أي هن محرم��ات إال م��ا ملكت اليمين بالس��بي من أرض الح��رب، ف��إن تل��ك حالل لل��ذي تق��ع في سهمه وإن كان لها زوج. وهو قول الشافعي في أن السباء يقطع العصمة؛ وقال ابن وهب وابن عبدالحكم ورياه عن مالك، وقال به أشهب. يدل عليه ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي س��عيد الخ��دري أن رس��ول الل��ه ص��لى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلق��وا الع��دو فق��اتلوهم وظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا؛ فكان ناس من أصحاب النبي صلى الل��ه عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله عز وجل في ذلك "والمحصنات من النساء إال م��ا ملكت أيم��انكم". أي فهن لكم حالل إذا انقض�ت ع�دتهن. وه�ذا نص ص�حيح ص�ريح في أن اآلي�ة

ن��زلت بس��بب تح��رج أص��حاب الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم عن وطء المس��بيات ذوات األزواج؛ ف��أنزل الل��ه تع��الى في ج��وابهم "إال م��ا ملكت أيمانكم". وبه قال مالك وأبو حنيفة وأص��حابه والش��افعي وأحم��د وإس��حاق وأبو ثور، وهو الصحيح إن شاء الل��ه تع��الى. واختلف��وا في اس��تبرائها بم��اذا يكون؛ فقال الحس��ن: ك��ان أص��حاب رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم يستبرئون المسبية بحيضة؛ وقد روي ذل��ك من ح��ديث أبي س��عيد الخ��دري في سبايا أوطاس )ال توطأ حام��ل ح��تى تض��ع وال حائ��ل ح��تى تحيض(. ولم يجعل لفراش الزوج السابق أث�را ح�تى يق�ال أن المس�بية مملوك�ة ولكنه�ا كانت زوجة زال نكاحها فتعت��د ع��دة اإلم��اء، على م��ا نق��ل عن الحس��ن بن صالح قال: عليها العدة حيض��تان إذا ك��ان له��ا زوج في دار الح��رب. وكاف��ة العلم��اء رأوا اس��تبراءها واس��تبراء ال��تي ال زوج له��ا واح��دا في أن الجمي��ع بحيض��ة واح��دة. والمش��هور من م��ذهب مال��ك أن��ه ال ف��رق بين أن يس��بى الزوجان مجتمعين أو متفرقين. وروى عنه ابن بكير أنهم��ا إن س��بيا جميع��ا واستبقي الرجل أقرا علي نكاحهما؛ ف��رأى في ه��ذه الرواي��ة أن اس��تبقاءه إبقاء لما يملكه؛ ألنه قد صار له عهد وزوجته من جملة ما يملكه، فال يح��ال بينه وبينها؛ وهو قول أبي حنيفة والثوري، وب��ه ق��ال ابن القاس��م ورواه عن مالك. والص��حيح األول؛ لم��ا ذكرن��اه؛ وألن الل��ه تع��الى ق��ال: )إال م��ا ملكت أيمانكم( فأحال على ملك اليمين وجعله هو الم��ؤثر فيتعل��ق الحكم ب��ه من حيث العموم والتعليل جميعا، إال ما خصه الدليل. وفي اآلية قول ث��ان قال��ه عبدالله بن مسعود وسعيد بن المسيب والحس��ن بن أبي الحس��ن وأبي بن كعب وجابر بن عبدالل��ه وابن عب��اس في رواي��ة عكرم��ة: أن الم��راد باآلي��ة ذوات األزواج، أي فهن حرام إال أن يشتري الرج��ل األم��ة ذات ال��زوج ف��إن بيعها طالقها والصدقة بها طالقها وأن تورث طالقها وتطليق الزوج طالقها. قال ابن مسعود: فإذا بيعت األمة ولها زوج فالمشتري أحق ببضعها وكذلك المسبية؛ كل ذلك موجب للفرقة بينها وبين زوجها. ق��الوا: وإذا ك��ان ك��ذلك فال بد أن يكون بيع األمة طالقا لها؛ ألن الفرج مح��رم على اث��نين في ح��ال

واحدة بإجماع من المسلمين. قلت: وهذا يرده حديث بريرة؛ ألن عائشة رض��ى الل��ه عنه��ا اش��ترت

بريرة وأعتقتها ثم خيرها الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وك��انت ذات زوج؛ وفي إجماعهم على أن بريرة قد خيرت تحت زوجها مغيث بعد أن اش��ترتها عائشة فأعتقتها لدليل على أن بيع األمة ليس طالقه��ا؛ وعلى ذل��ك جماع��ة فقهاء األمص��ار من أه��ل ال��رأي والح��ديث، وأال طالق له��ا إال الطالق. وق��د احتج بعضهم بعموم قوله: أالم��ا ملكت أيم��انكم" وقياس��ا على المس��بيات. وم��ا ذكرن��اه من ح��ديث بري��رة يخص��ه وي��رده، وأن ذل��ك إنم��ا ه��و خ��اص بالمسبيات على حديث أبي سعيد، وهو الصواب والحق إن شاء الله تعالى. وفي اآلية قول ثالث: روى الثوري عن مجاهد عن إبراهيم قال ابن مسعود في قول��ه تع��الى: "والمحص��نات من النس��اء إال م��ا ملكت أيم��انكم" ق��ال: ذوات األزواج من المسلمين والمشركين. وقال علي بن أبي طالب: ذوات األزواج من المشركين. وفي الموطأ عن سعيد بن المس��يب "والمحص��نات من النساء "هن ذوات األزواج؛ ويرجع ذلك إلى أن الله حرم الزنى. وقالت طائفة: المحصنات في هذه اآلية يراد ب��ه العف��ائف، أي ك��ل النس��اء ح��رام.

وألبس��هن اس��م المحص��ان من ك��ان منهن ذات زوج أو غ��ير ذات زوج؛ إذالشرائع في أنفسها تقتضي ذلك.

@قوله تعالى: "إال ما ملكت أيم��انكم" ق��الوا: معن��اه بنك��اح أو ش��راء. ه��ذا قول أبي العالية وعبيدة السلماني وطاوس وسعيد بن جبير وعط��اء، ورواه عبي��دة عن عم��ر؛ ف��أدخلوا النك��اح تحت مل��ك اليمين، ويك��ون مع��نى اآلي��ة عندهم في قوله تع�الى: "إال م��ا ملكت أيم�انكم "يع�ني تملك��ون عص��متهن بالنكاح وتملكون الرقبة بالشراء، فك��أنهن كلهن مل��ك يمين وم��ا ع��دا ذل��ك فزنى، وهذا قول حسن. وقد ق��ال ابن عب��اس: "المحص��نات" العف��ائف من المسلمين ومن أهل الكتاب. ق��ال ابن عطي��ة: وبه��ذا التأوي��ل يرج��ع مع��نى اآلية إلى تحريم الزنى؛ وأسد الط��بري أن رجال ق��ال لس��عيد بن جب��ير: أم��ا رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه اآلية فلم يقل فيها شيئا؟ فقال سعيد: كان ابن عباس ال يعلمها. وأس��ند أيض��ا عن مجاه��د أن��ه ق��ال: ل��و أعلم من يفسر لي هذه اآلية لضربت إليه أكباد اإلبل: قوله "والمحصنات "إلى قول��ه "حكيما". قال ابن عطية: وال أدري كيف نسب ه��ذا الق��ول إلى ابن عب��اس

وال كيف انتهى مجاهد إلى هذا القول؟ @قوله تعالى: "كتاب الله عليكم" نصب على المصدر المؤك�د، أي ح�رمت هذه النساء كتابا من الله عليكم. ومعنى "حرمت عليكم" كتب الله عليكم. وقال الزجاج والكوفيون: هو نصب على اإلغراء، أي الزم��وا كت��اب الل��ه، أو عليكم كتاب الله. وفيه نظر على ما ذكره أب��و علي؛ ف��إن اإلغ��راء ال يج��وز فيه تقديم المنص��وب على ح��رف اإلغ��راء، فال يق��ال: زي��دا علي��ك، أو زي��دا دونك؛ بل يقال: عليك زيدا ودونك عمرا، وهذا ال�ذي قال�ه ص�حيح على أن�ه منصوبا ب� "عليكم" إشارة إلى ما ثبت في القرآن من قوله تع��الى: "مث��نى

[ وفي ه��ذا بع��د؛ واألظه��ر أن قول��ه: "كت��اب الل��ه3وثالث ورباع" ]النس��اء: عليكم" إنم��ا ه��و إش��ارة إلى التح��ريم الح��اجز بين الن��اس وبين م��ا ك��انت

العرب تفعله. @قوله تعالى: "وأحل لكم م��ا وراء ذلكم" ق��رأ حم��زة والكس��ائي وعاص��م في رواية حفص "وأحل لكم" ردا على "حرمت عليكم". الباقون بالفتح ردا على قوله تعالى: "كتاب الله عليكم". وهذا يقتضي أال يحرم من النس��اء إال من ذكر، وليس كذلك؛ فإن الل��ه تع��الى ق��د ح��رم على لس��ان نبي��ه من لم يذكر في اآلية فيضم إليها، قال الله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما

[. روى مسلم وغيره عن أبي هري��رة رض��ي7نهاكم عنه فانتهوا" ]الحشر: الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وس��لم ق��ال: "ال يجم��ع بين الم��رأة وعمتها وال بين المرأة وخالتها(. وقال ابن شهاب: فنرى خال��ة أبيه��ا وعم��ة أبيها بتلك المنزلة، وقد قيل: إن تحريم الجمع بين الم��رأة وعمته��ا وخالته��ا متلقى من اآلية نفسها؛ ألن الله تع��الى ح��رم الجم��ع بين األخ��تين، والجم��ع بين المرأة وعمتها في معنى الجمع بين األخ��تين؛ أو ألن الخال��ة في مع��نى الوال��دة والعم��ة في مع��نى الوال��د. والص��حيح األول؛ ألن الكت��اب والس��نة كالشيء الواحد؛ فكأنه قال: أحللت لكم ما وراء ما ذكرنا في الكتاب، وم��ا وراء ما أكملت به البيان على لسان محمد عليه السالم. وقول ابن شهاب: "فنرى خالة أبيها وعمة أبيها بتلك المنزلة" إنم��ا ص��ار إلى ذل��ك ألن��ه حم��ل الخالة والعمة على العموم وتم له ذلك؛ ألن العمة اسم لكل أنثى ش��اركت أباك في أصليه أو في أحدهما والخالة ك��ذلك كم��ا بين��اه. وفي مص��نف أبي

داود وغيره عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وس��لم: )ال تنكح المرأة على عمتها وال العمة على بنت أخيها وال المرأة على خالتها وال الخال��ة على بنت أخته��ا وال تنكح الك��برى على الص��غرى وال الص��غرى على الكبرى(. وروى أبو داود أيض��ا عن ابن عب��اس عن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين. الرواية "ال يجم��ع" برف��ع العين على الخ��بر على المش��روعية فيتض��من النهي عن ذلك، وهذا الحديث مجمع على العمل به في تحريم الجمع بين من ذكر فيه بالنكاح. وأجاز الخوارج الجمع بين األختين وبين المرأة وعمتها وخالته��ا، وال يعتد بخالفهم ألنهم مرقوا من الدين وخرجوا منه، وألنهم مخ��الفون للس��نة الثابتة. وقوله: )ال يجمع بين العمتين والخالتين( فقد أشكل على بعض أهل العلم وتحير في معناه حتى حمله على ما يبعد أو ال يجوز؛ فقال: معنى بين العمتين على المجاز، أي بين العمة وبنت أخيها؛ فقي��ل لهم��ا: عمت��ان، كم��ا قيل: سنة العمرين أبي بكر وعمر؛ قال: وبين الخالتين مثله. قال النحاس: وهذا من التعسف الذي ال يكاد يسمع بمثل��ه، وفي��ه أيض�ا م�ع التعس��ف أن��ه يكون كالما مكررا لغير فائدة؛ ألنه إذا كان المعنى نهى أن يجمع بين العمة وبنت أخيها وبين العمتين يعني به العمة وبنت أخيها صار الكالم مكررا لغير فائدة؛ وأيضا فلو كان كما قال لوجب أن يك��ون وبين الخال��ة، وليس ك��ذلك الحديث؛ ألن الح��ديث )نهى أن يجم��ع بين العم��ة والخال��ة(. ف��الواجب على لفظ الحديث أال يجمع بين ام��رأتين إح��داهما عم��ة األخ��رى واألخ��رى خال��ة األخرى. قال النحاس: وهذا يخ��رج على مع��نى ص��حيح، يك��ون رج��ل وابن��ه تزوجا امرأة وابنتها؛ تزوج الرجل البنت وت��زوج االبن األم فول��د لك��ل واح��د منهما ابنة من هاتين الزوجتين؛ فابنة األب عمة ابنة االبن، وابنة االبن خال��ة ابنة األب. وأما الجمع بين الخالتين فهذا يوجب أن يكونا امرأتين كل واحدة منهما خالة األخرى؛ وذلك أن يكون رجل تزوج ابنة رجل وتزوج اآلخر ابن��ة، فولد لكل واحد منهما ابنة، فابنة كل واحد منهما خالة األخرى. وأما الجم��ع بين العمتين فيوجب أال يجمع بين امرأتين كل واحدة منهم��ا عم��ة األخ��رى؛ وذلك أن يتزوج رجل أم رج��ل وي��تزوج اآلخ��ر أم اآلخ��ر، فيول��د لك��ل واح��د منهما ابنة فابنة كل واحد منهما عمة األخرى؛ فهذا ما حرم الله على لسان

رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مما ليس في القرآن. @ وإذا تقرر هذا فقد عقد العلماء فيمن يح��رم الجم��ع بينهن عق��دا حس��نا؛ فروى معتمر بن سليمان عن فضيل بن ميسرة عن أبي جرير عن الشعبي قال: ك��ل ام��رأتين إذا جعلت موض��ع إح��داهما ذك��را لم يج��ز ل��ه أن ي��تزوج األخ��رى ف��الجمع بينهم��ا باط��ل. فقلت ل��ه: عمن ه��ذا؟ ق��ال: عن أص��حاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سفيان الث��وري: تفس��يره عن��دنا أن يكون من النسب، وال يكون بمنزلة امرأة وابنة زوجها يجمع بينهما إن شاء. قال أبو عمر: وه��ذا على م��ذهب مال��ك والش��افعي وأبي حنيف��ة واألوزاعي وسائر فقهاء األمصار من أهل الحديث وغيرهم فيما علمت ال يختلفون في هذا األص��ل. وق��د ك��ره ق��وم من الس��لف أن يجم��ع الرج��ل بين ابن��ة رج��ل وامرأته من أجل أن أحدهما لو كان ذكرا لم يحل له نك��اح األخ��رى. وال��ذي علي��ه العلم��اء أن��ه ال ب��أس ب��ذلك، وأن الم��راعى النس��ب دون غ��يره من المصاهرة؛ ثم ورد في بعض األخبار التنبيه على العل��ة في من��ع الجم��ع بين من ذكر، وذلك ما يفضي إليه الجمع من قطع األرحام القريبة مما يق��ع بين

الضرائر من الشنان والشرور بسبب الغيرة؛ ف��روى ابن عب��اس ق��ال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ي��تزوج الرج��ل الم��رأة على العم��ة أو على الخالة، وقال: )إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم( ذكره أبو محم��د األص��يلي في فوائ��ده وابن عب��دالبر وغيرهم��ا. ومن مراس��يل أبي داود عن حسين بن طلحة ق��ال: نهى رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم أن تنكح المرأة على أخواتها مخافة القطيع�ة؛ وق��د ط��رد بعض الس��لف ه��ذه العل��ة فمنع الجمع بين المرأة وقريبتها، وسواء كانت بنت عم أو بنت خال أو بنت خالة؛ روي ذلك عن إسحاق بن طلحة وعكرم��ة وقت��ادة وعط��اء في رواي��ة ابن أبي نجيح، وروى عنه ابن جريج أن�ه ال ب�أس ب�ذلك وه�و الص�حيح. وق�د نكح حسن بن حس��ين بن علي في ليل��ة واح��دة ابن��ة محم��د بن علي وابن��ة عمر بن علي فجمع بين ابنتي عم؛ ذكره عبدالرزاق. زاد ابن عيينة: فأص�بح نساؤهم ال ي�درين إلى أيتهم�ا ي��ذهبن؛ وق�د ك�ره مال�ك ه�ذا، وليس بح�رام عنده. وفي سماع ابن القاسم: سئل مال��ك عن ابن��تي العم أيجم��ع بينهم��ا؟ فقال: ما أعلمه حراما. قيل له: أفتكرهه؟ قال: إن ناسا ليتقون��ه؛ ق��ال ابن القاسم: وهو حالل ال ب�أس ب�ه. ق��ال ابن المن��ذر: ال أعلم أح�دا أبط�ل ه�ذا النكاح. وهما داخلتان في جملة ما أبيح بالنكاح غير خارجتين منه بكتاب وال سنة وال إجماع، وكذلك الجمع بين ابنتي عمة وابن��تي خال��ة. وق��ال الس��دي في قوله تعالى: "وأحل لكم ما وراء ذلك ": يعني النكاح فيما دون الف��رج. وقيل: المعنى وأحل لكم ما وراء ذوات المحارم من أقربائكم. قتادة: يعني

بذلك ملك اليمين خاصة. @قوله تعالى: "أن تبتغوا ب��أموالكم" لف��ظ يجم��ع ال��تزوج والس��راء. و"أن" في موض��ع نص��ب ب��دل من "م��ا"، وعلى ق��راءة حم��زة في موض��ع رف��ع؛ ويحتمل أن يك��ون المع��نى ألن، أو ب��أن؛ فتح��ذف الالم أو الب��اء فيك��ون في موضع نصب. و"محصنين" نصب على الحال، ومعن��اه متعففين عن ال��زنى. "غير مس��افحين" أي غ��ير زانين. والس��فاح ال��زنى، وه��و م��أخوذ من س��فح الماء، أي صبه وسيالنه؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وس��لم حين س��مع الدفاف في عرس: )هذا النكاح ال السفاح وال نك��اح الس��ر(. وق��د قي��ل: إن قوله "محصنين غير مسافحين" يحتم��ل وجهين: أح��دهما: م��ا ذكرن��اه وه��و اإلحصان بعق��د النك��اح، تق��ديره اطلب��وا من��افع البض��ع ب��أموالكم على وج��ه النكاح ال على وجه السفاح؛ فيكون لآلية على ه��ذا الوج��ه عم��وم. ويحتم��ل أن يقال: "محصنين" أي اإلحصان صفة لهن، ومعناه لتزوجوهن على شرط اإلحص��ان فيهن؛ والوج��ه األول أولى؛ ألن��ه م��تى أمكن ج��ري اآلي��ة على عمومه��ا والتعل��ق بمقتض��اها فه��و أولى؛ وألن مقتض��ى الوج��ه الث��اني أن

المسافحات ال يحل التزوج بهن، وذلك خالف اإلجماع. @قوله تعالى: "بأموالكم" أباح الل��ه تع��الى الف��روج ب��األموال ولم يحص��ل، فوجب إذا حصل بغ��ير الم��ال أال تق��ع اإلباح��ة ب��ه؛ ألنه��ا على غ��ير الش��رط المأذون فيه، كما لو عقد على خم�ر أو خ�نزير أو م�ا ال يص��ح تملك�ه. وي�رد على أحمد قوله في أن العتق يكون صداقا؛ ألنه ليس فيه تسليم مال وإنما فيه إسقاط الملك من غير أن استحقت به تسليم مال إليها؛ فإن الذي كان يملكه المولى من عنده لم ينتقل إليها وإنما س��قط. ف��إذا لم يس��لم ال��زوج إليها شيئا ولم تستحق عليه شيئا، وإنما أتلف به ملكه، لم يكن مهرا. وه��ذا

[ وذلك أمر يقتضي اإليجاب،4بين مع قوله تعالى: "وأتوا النساء" ]النساء:

وإعطاء العتق ال يصح. وقوله تعالى: "فإن طبن لكم عن ش��يء من��ه نفس��ا [ وذلك محال في العتق، فلم يبق أن يك��ون الص��داق إال4فكلوه" ]النساء:

[ اختلف من ق��ال ب��ذلك في ق��در24ماال لقوله تعالى: "بأموالكم" ]النساء: ذلك؛ فتعلق الشافعي بعموم قوله تع��الى: "ب��أموالكم" في ج��واز الص��داق بقليل وكثير، وهو الصحيح؛ ويعضده قوله عليه السالم في حديث الموهوبة )ولو خاتما من حديد(. وقوله عليه السالم: )أنكحوا األيامى(؛ ثالثا. قيل: م��ا العالئق بينهم يا رسول الله؟ قال: )ما تراضى عليه األهلون ولو قض��يبا من أراك(. وقال أبو سعيد الخدري: سألنا رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم عن صداق النساء فقال: )ه��و م��ا اص��طلح علي��ه أهل��وهم(. وروى ج��ابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )لو أن رجال أعطى امرأة ملء يديه طعاما كانت به حالال(. أخرجهما الدارقطني في سننه. قال الش��افعي: ك��ل ما جاز أن يكون ثمنا لشيء، أو جاز أن يكون أجرة ج��از أن يك��ون ص��داقا، وه��ذا ق��ول جمه��ور أه��ل العلم. وجماع��ة أه��ل الح��ديث من أه��ل المدين��ة وغيرها، كلهم أجازوا الصداق بقليل الم��ال وكث��يره، وه��و ق��ول عبدالل��ه بن وهب صاحب مالك، واختاره ابن المنذر وغيره. قال سعيد بن المسيب: ل��و أصدقها سوطا حلت به، وأنكح ابنته من عبدالله بن وداعة بدرهمين. وق��ال ربيعة: يجوز النكاح بدرهم. وقال بعض أصحابنا في تعليل ل��ه: وك��ان أش��به األشياء بذلك قطع من ربع دينار أو ثالثة دراهم كيال. قال بعض أصحابنا في تعليل له: وكان أشبه األشياء بذلك قطع اليد، ألن البضع عضو والي��د عض��و يستباح بمقدر من المال، وذل�ك رب�ع دين�ار أو ثالث�ة دراهم كيال؛ ف�رد مال�ك البضع إليه قياسا على اليد. قال أبو عمر: ق��د تقدم��ه إلى ه��ذا أب��و حنيف��ة، فقاس الصداق على قطع الي��د، والي��د عن��ده ال تقط�ع إال في دين��ار ذهب��ا أو عش��رة دراهم كيال، وال ص��داق عن��ده أق��ل من ذل��ك، وعلى ذل��ك جماع��ة أصحابه وأهل مذهبه، وهو قول أك��ثر أه��ل بل��ده في قط��ع الي��د ال في أق��ل الصداق. وقد قال الداروردي لمالك إذ ق��ال ال ص��داق أق��ل من رب��ع دين��ار: تعرقت فيها يا أبا عبدالله أي سلكت فيها سبيل أهل العراق. وقد احتج أب��و حنيفة بما رواه جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ق��ال: )ال ص��داق دون عشرة دراهم( أخرجه الدارقطني. وفي سنده مبشر بن عبيد متروك. وروي عن داود األودي عن الشعبي عن علي عليه السالم: ال يك��ون المه��ر أقل من عشرة دراهم. ق��ال أحم��د بن حنب��ل: لقن غي��اث بن إب��راهيم داود األودي عن الشعبي عن علي: ال مهر أقل من عشرة دراهم. فص��ار ح��ديثا. وقال النخعي: أقله أربعون درهم��ا. س��عيد بن جب��ير: خمس��ون درهم��ا. ابن شبرمة: خمسة دراهم. ورواه ال��دارقطني عن ابن عب��اس عن علي رض��ي

الله عنه: ال مهر أقل من خمسة دراهم. @قول��ه تع��الى: "فم��ا اس��تمتعتم ب��ه منهن ف��آتوهن أج��ورهن فريض��ة" االستمتاع التلذذ واألجور المهور؛ وسمي المهر أج��را ألن��ه أج��ر االس��تمتاع، وه��ذا نص على أن المه�ر يس��مى أج��را، وذل��ك دلي��ل على أن��ه في مقابل��ة البضع؛ ألن ما يقابل المنفعة يسمى أجرا. وقد اختلف العلماء في المعق��ود عليه في النكاح ما هو: بدن المرأة أو منفعة البضع أو الح��ل؛ ثالث��ة أق��وال،

والظاهر المجموع؛ فإن العقد يقتضي كل ذلك. والله أعلم. @ واختل��ف العلم��اء في مع��نى اآلي��ة؛ فق��ال الحس��ن ومجاه��د وغيرهم��ا: المعنى فما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنك��اح الص��حيح "ف��آتوهن

أجورهن" أي مهورهن، فإذا جامعها مرة واحدة فق��د وجب المه��ر ك��امال إن كان مسمى، أو مهر مثلها إن لم يسم، فإن كان النكاح فاسدا فقد اختلفت الرواي��ة عن مال��ك في النك��اح الفاس��د، ه��ل تس��تحق ب��ه مه��ر المث��ل، أو المسمى إذا كان مهرا ص��حيحا؟ فق��ال م��رة المه��ر المس��مى، وه��و ظ��اهر مذهبه؛ وذلك أن ما تراضوا عليه يقين، ومهر المثل اجتهاد فيجب أن يرج��ع إلى ما تيقناه؛ ألن األموال ال تستحق بالشك. ووجه قوله: "مهر المث��ل" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها مهر مثلها بما استحل من فرجها(. ق��ال ابن خ��ويز منداد: وال يجوز أن تحمل اآلية على ج��واز المتع��ة؛ ألن رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم نهى عن نك��اح المتع��ة وحرم��ه؛ وألن الل��ه تع��الى ق��ال: "ف��أنكحوهن ب��إذن أهلهن "ومعل��وم أن النك��اح ب��إذن األهلين ه��و النك��اح الشرعي بولي وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك. وقال الجمهور: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر اإلسالم. وقرأ ابن عب��اس وأبي وابن جب��ير "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ف��أتوهن أج��ورهن "ثم نهى عنه��ا الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم. وق��ال س��عيد بن المس��يب: نس��ختها آي��ة الميراث؛ إذ كانت المتعة ال ميراث فيها. وقالت عائشة والقاسم بن محمد: تحريمها ونسخها في القرآن؛ وذلك في قوله تعالى: "والذين هم لف��روجهم ح��افظون إال على أزواجهم أو م��ا ملكت أيم��انكم ف��إنهم غ��ير مل��ومين"

[. وليست المتعة نكاحا وال ملك يمين. وروى الدارقطني عن5]المؤمنون: علي بن أبي ط��الب ق��ال: نهى رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم عن المتعة، قال: وإنما كانت لمن لم يج��د، فلم��ا ن��زل النك��اح والطالق والع��دة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت. وروى عن علي رض��ى الل��ه عن��ه أن��ه قال: نسخ صوم رمض��ان ك��ل ص��وم، ونس��خت الزك��اة ك�ل ص��دقة، ونس��خ الطالق والع��دة والم��يراث المتع��ة، ونس��خت األض��حية ك��ل ذبح. وعن ابن مس��عود ق��ال: المتع��ة منس��وخة نس��خها الطالق والع��دة والم��يراث. وروى عطاء عن ابن عباس قال: ما كانت المتع��ة إال رحم��ة من الل��ه تع��الى رحم

بها عباده ولوال نهي عمر عنها ما زنى إال شقي. @ واختل��ف العلم��اء كم م��رة أبيحت ونس��خت؛ ففي ص��حيح مس��لم عن عبدالله قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء؛ فقلنا: أال نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح الم��رأة ب��الثوب إلى أجل. قال أبو حاتم البستي في صحيحه: قولهم للنبي صلى الل��ه علي��ه وسلم "أال نستخصي" دلي��ل على أن المتع��ة ك��انت محظ��ورة قب��ل أن أبيح لهم االستمتاع، ولو لم تكن محظوره لم يكن لسؤالهم عن ه��ذا مع��نى، ثم رخص لهم في الغزو أن ينكحوا المرأة بالثوب إلى أجل ثم نهى عنه��ا ع��ام خيبر، ثم أذن فيها عام الفتح، ثم حرمه��ا بع��د ثالث، فهي محرم��ة إلى ي��وم القيامة. وقال ابن العربي: وأم��ا متع��ة النس��اء فهي من غ��رائب الش��ريعة؛ ألنها أبيحت في صدر اإلس��الم ثم ح��رمت ي��وم خي��بر، ثم أبيحت في غ��زوة أوطاس، ثم حرمت بعد ذلك واستقر األم��ر على التح��ريم، وليس له��ا أخت في الشريعة إال مسألة القبلة، ألن النسخ ط��رأ عليه��ا م��رتين ثم اس��تقرت بعد ذلك. وقال غيره ممن جمع طرق األحاديث فيها: إنه��ا تقتض��ي التحلي��ل والتحريم سبع مرات؛ فروى ابن أبي عمرة أنه��ا ك��انت في ص��در اإلس��الم.

وروى سلمة بن األكوع أنها كانت ع�ام أوط��اس. ومن رواي��ة علي تحريمه��ايوم خيبر. ومن رواية الربيع بن سبرة إباحتها يوم الفتح.

قلت: وهذه الطرق كلها في صحيح مسلم؛ وفي غيره عن علي نهي��ه عنها في غزوة تبوك؛ رواه إسحاق بن راش��د عن الزه��ري عن عبدالل��ه بن محم�د بن علي عن أبي�ه عن علي، ولم يت�ابع إس�حاق بن راش�د على ه�ذه الرواية عن ابن شهاب؛ قال أبو عمر رحمه الله. وفي مصنف أبي داود من حديث الربيع بن سبرة النهي عنها في حجة الوداع، وذهب أب��و داود إلى أن هذا أصح ما روي في ذلك. وقال عمرو عن الحسن: م��ا حلت المتع��ة ق��ط إال ثالثا في عمرة القضاء م��ا حلت قبله��ا وال بع��دها. وروي ه��ذا عن س��برة أيض�ا؛ فه�ذه س�بعة م�واطن أحلت فيه�ا المتع�ة وح�رمت. ق�ال أب�و جعف�ر الطحاوي: كل هؤالء الذين رووا عن النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم إطالقه�ا أخبروا أنها كانت في س��فر، وأن النهي لحقه��ا في ذل��ك الس��فر بع��د ذل��ك، فمنع منها، وليس أحد منهم يخبر أنها كانت في حضر؛ وكذلك روي عن ابن مسعود. فأما حديث سبرة الذي فيه إباحة النبي صلى الله عليه وسلم له��ا في حجة الوداع فخارج عن معانيها كلها؛ وقد اعتبرنا هذا الحرف فلم نجده إال في رواية عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز خاصة، وق��د رواه إس��ماعيل بن عياش عن عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز فذكر أن ذلك كان في فتح مكة وأنهم ش��كوا إلي��ه العزب��ة ف��رخص لهم فيه��ا، ومح��ال أن يش��كوا إلي��ه العزبة في حجة الوداع؛ ألنهم كانوا حجوا بالنساء، وكان تزويج النساء بمكة يمكنهم، ولم يكونوا حينئذ كما كانوا في الغزوات المتقدمة. ويحتمل أنه لما كانت عادة النبي صلى الله عليه وس��لم تكري��ر مث��ل ه��ذا في مغازي��ه وفي المواضع الجامع��ة، ذك��ر تحريمه��ا في حج��ة ال��وداع؛ الجتم��اع الن��اس ح��تى يس��معه من لم يكن س��معه، فأك��د ذل��ك ح��تى ال تبقى ش��بهة ألح��د ي��دعي

تحليلها؛ وألن أهل مكة كانوا يستعملونها كثيرا. @ روى الليث بن سعد عن بكير بن األشج عن عمار م��ولى الش��ريد ق��ال: سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح؟ قال: ال سفاح وال نك��اح. قلت: فما هي؟ قال: المتعة كما قال الل��ه تع��الى. قلت: ه��ل عليه��ا ع��دة؟ قال: نعم حيضة. قلت: يتوارثان، قال: ال. قال أبو عمر: لم يختل��ف العلم��اء من السلف والخلف أن المتعة نكاح إلى أجل ال ميراث في��ه، والفرق��ة تق��ع عند انقض��اء األج��ل من غ��ير طالق. وق��ال ابن عطي��ة: "وك��انت المتع��ة أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن ال��ولي إلى أج��ل مس��مى؛ وعلى أن ال ميراث بينهما، ويعطيها ما اتفقا عليه؛ فإذا انقض��ت الم��دة فليس ل��ه عليه��ا سبيل ويستبرئ رحمها: ألن الولد ال حق فيه بال شك، ف��إن لم تحم��ل حلت لغ��يره. وفي كت��اب النح��اس: في ه��ذا خط��أ وأن الول��د ال يلح��ق في نك��اح

المتعة". قلت: هذا هو المفهوم من عبارة النحاس؛ فإنه قال: وإنما المتعة أن

يقول له�ا: أتزوج��ك يوم��ا - أو م��ا أش��به ذل�ك - على أن��ه ال ع�دة علي��ك وال ميراث بيننا وال طالق وال شاهد يشهد على ذلك؛ وهذا هو ال��زنى بعين��ه ولم يبح قط في اإلسالم؛ ولذلك قال عمر: ال أوتى برجل ت��زوج متع��ة إال غيبت��ه

تحت الحجارة. @ وقد اختلف علماؤنا إذا دخل في نكاح المتعة هل يحد وال يلحق به الولد أو يدفع الحد للشبهة ويلحق به الولد على قولين؛ ولكن يعذر ويعاقب. وإذا

لح��ق الي��وم الول��د في نك��اح المتع��ة في ق��ول بعض العلم��اء م��ع الق��ول بتحريمه، فكيف ال يلح��ق في ذل��ك ال��وقت ال��ذي أبيح، ف��دل على أن نك��اح المتعة كان على حكم النكاح الصحيح، ويفارقه في األجل والميراث. وحكى المه��دوي عن ابن عب��اس أن نك��اح المتع��ة ك��ان بال ولي وال ش��هود. وفيم��ا حك��اه ض��عف؛ لم��ا ذكرن��ا. ق��ال ابن الع��ربي: وق��د ك��ان ابن عب��اس يق��ول بجوازها، ثم ثبت رجوعه عنها، فانعق��د اإلجم��اع على تحريمه��ا؛ ف��إذا فعله��ا أحد رجم في مشهور المذهب. وفي رواية أخ�رى عن مال�ك: ال ي�رجم؛ ألن نكاح المتعة ليس بحرام، ولكن ألصل آخر لعلمائنا غ��ريب انف��ردوا ب��ه دون سائر العلماء؛ وهو أن ما حرم بالسنة هل هو مثل م�ا ح�رم ب�القرآن أم ال؟ فمن رواية بعض المدنيين عن مالك أنهما ليسا بسواء؛ وهذا ضعيف. وق��ال أبو بكر الطرطوسي: ولم ي��رخص في نك��اح المتع��ة إال عم��ران بن حص��ين وابن عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت. وفي ق��ول ابن عب��اس

يقول الشاعر: أقول للركب إذ طال الثواء بنا يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس في بضة رخصة األطراف ناعمة تكون مثواك حتى مرجع الناس

وسائر العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الص��الحين على أن هذه اآلية منسوخة، وأن المتعة حرام. وقال أبو عم��ر: أص��حاب ابن عب��اس من أه��ل مك��ة واليمن كلهم ي��رون المتع��ة حالال على م��ذهب ابن عب��اس وحرمها سائر الناس. وقال معمر: قال الزهري: ازداد الناس لها مقتا ح��تى

قال الشاعر: قال المحدث لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس

كما تقدم. @قول��ه تع��الى: "أج��ورهن" يعم الم��ال وغ��يره، فيج��وز أن يك��ون الص��داق منافع أعيان. وقد اختلف في ه��ذا العلم��اء؛ فمنع��ه مال��ك والم��زني والليث وأحم��د وأب��و حنيف��ة وأص��حابه؛ إال أن أب��ا حنيف��ة ق��ال: إذا ت��زوج على ذل��ك فالنكاح جائز وهو في حكم من لم يسم لها، ولها مهر مثله��ا إن دخ��ل به��ا، وإن لم يدخل بها فلها المتعة. وكرهه ابن القاسم في كتاب محم��د وأج��ازه أصبغ. قال ابن شاس: فإن وقع مضى في قول أكثر األصحاب. وهي رواي��ة أصبغ عن ابن القاسم. وقال الشافعي: النك��اح ث��ابت وعلي��ه أن يعلمه��ا م��ا شرط لها. فإن طلقها قبل الدخول ففيها للشافعي قوالن: أح��دهما أن له��ا نص��ف أج��ر تعليم تل��ك الس��ورة، واآلخ��ر أن له��ا نص��ف مه��ر مثله��ا. وق��ال إسحاق: النكاح جائز. قال أبو الحسن اللخمي: والق��ول بج��واز جمي��ع ذل��ك أحسن. واإلجارة والحج كغيرهما من األموال ال��تي تتمل��ك وتب��اع وتش��ترى. وإنما كره ذلك مالك ألنه يستحب أن يكون الصداق معجال، واإلج��ارة والحج في معنى المؤجل. احتج أهل القول األول بأن الله تعالى قال: "ب��أموالكم"

[ وتحقيق المال ما تتعلق به األطماع، ويعد لالنتفاع، ومنفع��ة1 0]النساء: الرقبة في اإلجارة ومنفعة التعليم للعلم كل��ه ليس بم��ال. ق��ال الطح��اوي: واألصل المجتمع عليه أن رجال ل�و اس�تأجر رجال على أن يعلم�ه س��ورة من القرآن سماها، بدرهم لم يجز؛ ألن اإلجارات ال تجوز إال ألح��د معن��يين؛ إم��ا على عمل بعينه كخياطة ثوب وما أشبهه، وإما على وقت معلوم؛ وك�ان إذا استأجره على تعليم سورة فتلك إجارة ال على وقت معل��وم وال على عم�ل معلوم، وإنما استأجره على أن يعلم، وق��د يفهم بقلي��ل التعليم وكث��يره في

قلي��ل األوق��ات وكثيره��ا. وك��ذلك ل��و باع��ه داره على أن يعلم��ه س��ورة من القرآن لم يج��ز للمع��اني ال��تي ذكرناه��ا في اإلج��ارات. وإذا ك��ان التعليم ال يملك به المنافع وال أعي��ان األم��وال ثبت ب��النظر أن��ه ال تمل��ك ب��ه األبض��اع. والل��ه الموف��ق. احتج من أج��از ذل��ك بح��ديث س��هل بن س��عد في ح��ديث الموهوبة، وفي��ه فق��ال: )اذهب فق��د ملكتكه��ا بم��ا مع��ك من الق��رآن(. في رواية قال: )انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن(. قالوا: فقي هذا دليل على انعقاد النكاح وتأخر المه��ر ال��ذي ه��و التعليم، وه��ذا على الظ��اهر من قوله: )بما معك من القرآن( فإن الباء للعوض؛ كما تقول: خذ هذا بهذا، أي عوضا منه. وقوله في الرواي��ة األخ��رى: )فعلمه��ا( نص في األم��ر ب��التعليم، والمساق يشهد بأن ذلك ألج��ل النك��اح، وال يلتفت لق��ول من ق��ال إن ذل��ك كان إكراما للرج��ل بم��ا حفظ��ه من الق��رآن، أي لم��ا حفظ��ه، فتك��ون الب��اء بمع�نى الالم؛ ف�إن الح��ديث الث��اني يص��رح بخالف��ه في قول�ه: )فعلمه�ا من القرآن(. وال حجة فيما روي عن أبي طلحة أنه خطب أم سليم فق��الت: إن أسلم تزوجته. فأسلم فتزوجها؛ فال يعلم مه�ر ك��ان أك�رم من مهره�ا، ك�ان مهرها اإلسالم فإن ذل��ك خ��اص ب��ه. وأيض��ا فإن��ه ال يص��ل إليه��ا من��ه ش��يء بخالف التعليم وغيره من المنافع. وقد زوج شعيب علي��ه الس��الم ابنت��ه من موسى عليه السالم على أن يرعى له غنما في صداقها؛ على ما يأتي بيانه في سورة "القصص". وقد روي من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه: )يا فالن ه��ل ت��زوجت( ؟ ق��ال: ال، وليس معي ما أتزوج به. قال: أليس مع�ك "ق�ل ه��و الل��ه أح�د" ]اإلخالص:

[؟ قال: بلى! قال: )ثلث القرآن، أليس معك آية الكرس��ي( ؟ ق��ال: بلى!1 [ ؟ قال:1قال: )ربع القرآن، أليس معك "إذا جاء نصر الله والفتح" ]الفتح:

[( ؟ ق��ال:1بلى ! قال: )ربع الق��رآن( أليس مع��ك "إذا زل��زلت" ]الزلزل��ة: بلى ! قال: )ربع القرآن. تزوج تزوج(.

قلت: وقد أخرج الدارقطني حديث سهل من حديث ابن مسعود، وفيه زيادة تبين، ما احتج به مالك وغيره، وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من ينكح هذه( ؟ فقام ذلك الرجل فقال: أنا يا رسول الله؛ فق��ال: )ألك مال( ؟ قال: ال، يا رسول الله؛ قال: )فهل تقرأ من الق��رآن ش��يئا( ؟. قال: نعم، سورة البقرة، وسورة المفص��ل. فق�ال رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )ق��د أنكحتكه��ا على أن تقرئه��ا وتعلمه��ا وإذا رزق��ك الل��ه عوضتها(. فتزوجها الرجل على ذلك. وهذا نص - لو صح - في أن التعليم ال يك��ون ص��داقا. ق��ال ال��دارقطني: تف��رد ب��ه عتب��ة بن الس��كن وه��و م��تروك

الحديث. و"فريضة" نصب على المصدر في موضع الحال، أي مفروضة. @قوله تعالى: "وال جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة" أي من زي��ادة ونقص��ان في المه��ر؛ ف��إن ذل��ك س��ائغ عن��د التراض��ي بع��د اس��تقرار الفريضة. والمراد إبراء المرأة عن المه��ر، أو توفي��ة الرج��ل ك��ل المه��ر إن طلق قبل الدخول. وقال القائلون بأن اآلية في المتعة: هذا إش��ارة إلى م��ا تراضيا عليه من زيادة في مدة المتعة في أول اإلس��الم؛ فإن��ه ك��ان ي��تزوج الرجل المرأة شهرا على دينار مثال، فإذا انقضى الشهر فربما ك��ان يق��ول:

زيديني في األجل أزدك في المهر. فبين أن ذلك كان جائزا عند التراضي. }ومن لم يستطع منكم طوال أن ينكح المحص��نات المؤمن��ات25*اآلية: 3*

فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيم��انكم بعض��كم

من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غ��ير مسافحات وال متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نص��ف ما على المحصنات من العذاب ذل��ك لمن خش��ي العنت منكم وأن تص��بروا

خير لكم والله غفور رحيم{ @قوله تعالى: "ومن لم يستطع منكم ط��وال" نب��ه تع��الى على تخفي��ف في النكاح وهو نكاح األم��ة لمن لم يج��د الط��ول. واختل��ف العلم��اء. في مع��نى الطول على ثالثة أقوال: األول: الس��عة والغ�نى؛ قال��ه ابن عب��اس ومجاه�د وسعيد بن جبير والسدي وابن زيد ومالك في المدونة. يق��ال: ط��ال يط��ول ط�وال في اإلفض�ال والق�درة. وفالن ذو ط��ول أي ذو ق�درة في م�ال )بفتح الطاء(. وطوال )بض�م الط�اء( في ض�د القص�ر. والم�راد ههن�ا الق�درة على المهر في قول أكثر أهل العلم، وبه يقول الشافعي وأحم��د وإس��حاق وأب��و ثور. قال أحمد بن المعذل: قال عب��دالملك: الط�ول ك�ل م��ا يق�در ب�ه على النك��اح من نق��د أو ع��رض أو دين على ملي. ق��ال: وك��ل م��ا يمكن بيع��ه وإجارته فهو طول. ق��ال: وليس��ت الزوج��ة وال الزوجت��ان وال الثالث��ة ط��وال. وقال: وقد سمعت ذل��ك من مال��ك رض��ي الل��ه عن��ه. ق��ال عب��دالملك: ألن الزوجة ال ينكح بها وال يصل بها إلى غيرها إذ ليست بمال. وقد س��ئل مال��ك عن رجل يتزوج أمة وهو ممن يج��د الط��ول؛ فق��ال: أرى أن يف��رق بينهم��ا. قيل له: إنه يخاف العنت. ق��ال: الس��وط يض��رب ب��ه. ثم خفف��ه بع��د ذل��ك. القول الثاني: الطول الحرة. وق��د اختل��ف ق��ول مال��ك في الح��رة ه��ل هي طول أم ال؛ فقال في المدونة: ليست الحرة بط��ول تمن��ع من نك��اح األم��ة؛ إذا لم يجد سعة ألخرى وخاف العنت. وقال في كتاب محمد ما يقتض��ي أن الحرة بمثابة الطول. قال اللخمي: وهو ظاهر القرآن. وروي نح��و ه��ذا عن ابن حبيب، وقال أبو حنيفة. فيقتضي ه��ذا أن من عن��ده ح��رة فال يج��وز ل��ه نكاح األمة ألن عدم السعة وخاف العنت، ألنه طالب شهوة وعن��ده ام��رأة، وقال به الطبري واحتج له. قال أبو يوسف: الطول هو وجود الح��رة تحت��ه؛ فإذا كانت تحته حرة فهو ذو طول، فال يجوز له نكاح األمة. الق��ول الث��الث: الطول الجلد والصبر لمن أحب أمة وهويها حتى ص��ار ل��ذلك ال يس��تطع أن يتزوج غيرها، فإن له أن يتزوج األمة إذا لم يملك هواها وخاف أن يبغي به��ا وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة؛ هذا قول قت��ادة والنخعي وعط��اء وسفيان الثوري. فيكون قوله تعالى: "لمن خشي العنت" على هذا التأوي��ل في ص��فة ع��دم الجل��د. وعلى التأوي��ل األول يك��ون ت��زويج األم��ة معلق��ا بشرطين: عدم السعة في المال، وخوف العنت؛ فال يص��ح إال باجتماعهم��ا. وهذا هو نص مذهب مال��ك في المدون��ة من رواي��ة ابن ن��افع وابن القاس��م وابن وهب وابن زياد. قال مطرف وابن الماجشون: ال يحل للرجل أن ينكح أمة، وال يقران إال أن يجتمع الشرطان كما ق��ال الل��ه تع��الى. وق��ال أص��بغ. وروي ه��ذا الق��ول عن ج��ابر بن عبدالل��ه وابن عب��اس وعط��اء وط��اوس والزهري ومكحول، وبه قال الشافعي وأبو ث��ور وأحم��د وإس��حاق، واخت��اره ابن المنذر وغيره. ف�إن وج�د المه�ر وع�دم النفق�ة فق�ال مال�ك في كت��اب محمد: ال يجوز له أن يتزوج أمة. وقال أصبغ: ذلك جائز؛ إذ نفقة األمة على أهلها إذا لم يضمها إليه. وفي اآلية قول رابع: قال مجاه��د: مم��ا وس��ع الل��ه على هذه األمة نكاح األمة والنصرانية، وإن ك��ان موس��را. وق��ال ب��ذلك أب��و حنيفة أيضا، ولم يشترط خ��وف العنت؛ إذا لم تكن تحت��ه ح��رة. ق��الوا: ألن

كل مال يمكن أن يتزوج به األمه يمكن أن يتزوج به الحرة؛ فاآلية على هذا أصل في جواز نكاح األمة مطلقا. قال مجاهد: وبه يأخذ سفيان، وذل��ك أني سألته عن نكاح األمة فح��دثني عن ابن أبي ليلى عن المنه��ال عن عب��اد بن عبدالله عن علي رضي الل��ه عن��ه ق��ال: إذا نكحت الح��رة على األم��ة ك��ان للحرة يومان ولألمة يوم. ق��ال: ولم ي��ر علي ب��ه بأس��ا. وحج��ة ه��ذا الق��ول

[. وقوله تعالى:24عموم قوله تعالى: "وأحل لكم ما وراء ذلكم" ]النساء: "ومن لم يستطع منكم ط��وال" إلى قول��ه: "ذل��ك لمن خش��ي العنت منكم"

[؛ لقوله عز وجل: "ف��انكحوا م��ا ط��اب لكم من النس��اء مث��نى25]النساء: [. وقد اتف��ق الجمي��ع3وثالث ورباع فإن خفتم أال تعدلوا فواحدة" ]النساء:

على أن للحر أن يتزوج أربعا وإن خاف أال يع��دل. ق��الوا: وك��ذلك ل��ه ت��زوج األمة وإن كان واج��دا للط�ول غ��ير خ��ائف للعنت. وق��د روي عن مال��ك في الذي يجد طوال لحرة أنه يتزوج أم��ة م��ع قدرت��ه على ط��ول الح��رة؛ وذل��ك ضعيف من قول. وق�د ق�ال م�رة أخ�رى: م�ا ه�و ب�الحرام ال�بين، وأج�وزه. والصحيح أنه ال يجوز للحر المسلم أن ينكح أمة غير مس��لمة بح��ال، وال ل��ه أن يتزوج باألمة المسلمة إال بالشرطين المنصوص عليهما كما بينا. والعنت الزنى؛ فإن عدم الطول ولم يخش العنت لم يجز له نكاح األمة، وكذلك إن

وجد الطول وخشي العنت. @ فإن قدر على طول حرة كتابية فهل ي��تزوج األم��ة؛ اختل��ف علماؤن��ا في ذلك، فقيل: يتزوج األمة فإن األمة المسلمة ال تلحق بالكافرة، فأمة مؤمنة خير من حرة مشركة. واختاره ابن العربي. وقيل: يتزوج الكتابية؛ ألن األمة وإن كانت تفضلها باإليمان فالك��افرة مفض��لها بالحري��ة وهي زوج��ة. وأيض��ا فإن ولدها يكون حرا ال يسترق، وولد األم��ة يك��ون رقيق��ا؛ وه��ذا ه��و ال��ذي

يتمشى على أصل المذهب. @ واختل��ف العلم��اء في الرج��ل ي��تزوج الح��رة على األم��ة ولم تعلم به��ا؛ فقالت طائفة: النكاح ثابت. كذلك قال س��عيد بن المس��يب وعط��اء بن أبي رباح والشافعي وأبو ث�ور وأص�حاب ال�رأي، وروي عن علي. وقي�ل: للح��رة الخيار إذا علمت. ثم في أي شيء يكون لها الخيار؛ فقال الزه��ري وس��عيد بن المس��يب ومال��ك وأحم��د وإس��حاق في أن تقيم مع��ه أو تفارق��ه. وق��ال عبدالملك: في أن تقر نكاح األمة أو تفسخه. وقال النخعي: إذا تزوج الحرة على األمة فارق األمة إال أن يكون له منها ولد؛ فإن ك��ان لم يف��رق بينهم��ا. وقال مسروق: يفسخ نك��اح األم��ة؛ ألن��ه أم��ر أبيح للض��رورة كالميت��ة، ف��إذا

ارتفعت الضرورة ارتفعت اإلباحة. @ فإن كانت تحته أمت��ان علمت الح��رة بواح��دة منهم��ا ولم تعلم ب��األخرى فإنه يكون لها الخيار. أال ترى لو أن حرة تزوج عليها أمة فرضيت، ثم تزوج عليها أمة فرضيت، ثم تزوج عليها أخرى فأنكرت كان ذلك لها؛ فكذلك هذه إذا لم تعلم باألمتين وعلمت بواحدة. ق��ال ابن القاس��م: ق��ال مال��ك: وإنم��ا جعلنا الخيار للحرة في هذه المسائل لما قالت العلم��اء قبلي. يري��د س��عيد بن المسيب وابن شهاب وغيرهما. قال مالك: ولوال ما ق��الوه لرأيت��ه حالال؛ ألنه في كتاب الله حالل. فإن لم تكفه الحرة واحت��اج إلى أخ��رى ولم يق��در على صداقها جاز له أن يتزوج األمة ح�تى ينتهي إلى أرب��ع ب��التزويج بظ��اهر القرآن. رواه ابن وهب عن مالك. وروى ابن القاسم عنه: يرد نكاحه. ق��ال ابن العربي: واألول أصح في الدليل، وكذلك هو في القرآن؛ فإن من رضي

بالسبب المحقق رضي بالمسبب المرتب عليه، وأال يك��ون له��ا خي��ار؛ ألنه��ا قد علمت أن له نكاح األربع؛ وعلمت أنه إن لم يقدر على نكاح ح��رة ت��زوج أمة، وما شرط الله سبحانه عليها كما شرطت على نفس��ها، وال يعت��بر في شروط الله سبحانه وتعالى علمها. وهذا غاية التحقيق في الباب واإلنصاف

فيه. @قوله تعالى: "المحصنات" يريد الحرائر؛ ي��دل علي��ه التقس��يم بينهن وبين اإلماء في قوله: "من فتياتكم المؤمنات". وق��الت فرق��ة: معن��اه العف��ائف. وهو ضعيف؛ ألن اإلماء يقعن تحته فأجازوا نكاح إماء أهل الكتاب، وحرم��وا البغاي��ا من المؤمن��ات والكتابي��ات. وه��و ق��ول ابن ميس��رة والس��دي. وق��د اختلف العلماء فيما يجوز للحر الذي ال يجد الطول ويخشى العنت من نكاح اإلماء؛ فقال مالك وأبو حنيفة وابن شهاب الزهري والحارث العكلي: له أن يتزوج أربعا. وقال حماد بن أبي سليمان: ليس له أن ينكح من اإلم��اء أك��ثر من اثنتين. وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإس��حاق: ليس ل��ه أن ينكح من اإلماء إال واحدة. وهو قول ابن عباس ومس��روق وجماع��ة؛ واحتج��وا بقول��ه

تعالى: "ذلك لمن خشي العنت منكم" وهذا المعنى يزول بنكاح واحدة. @قوله تعالى: "فمن ما ملكت أيمانكم" أي فليتزوج بأمة الغ��ير. وال خالف بين العلماء أنه ال يجوز له أن يتزوج أمة نفسه؛ لتعارض الحقوق واختالفها. "من فتياتكم" أي المملوكات، وهي جم��ع فت��اة. والع��رب تق��ول للممل��وك: ف��تى، وللمملوك��ة فت��اة. وفي الح��ديث الص��حيح: )ال يق��ولن أح��دكم عب��دي وأمتي ولكن ليقل فتاي وفتاتي( وسيأتي. ولفظ الفتى والفتاة يطل��ق أيض��ا على األحرار في ابتداء الش��باب، فأم��ا في الممالي��ك فيطل��ق في الش��باب

وفي الكبر. @قوله تعالى: "المؤمنات" بين به��ذا أن��ه ال يج��وز ال��تزوج باألم��ة الكتابي��ة، فهذه الصفة مشترطة عند مالك وأصحابه، والش��افعي وأص��حابه، والث��وري واألوزاعي والحسن البصري والزهري ومكحول ومجاهد. وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي: نكاح األمة الكتابية جائز. قال أبو عم��ر: وال أعلم لهم سلفا في قولهم، إال أبا ميسرة عمرو بن شرحبيل فإنه قال: إماء أهل الكت��اب بمنزل��ة الحرائ��ر منهن. ق��الوا: وقول��ه "المؤمن��ات" على جه��ة الوصف الفاضل وليس بشرط أال يجوز غيرها؛ وه��ذا بمنزل��ة قول��ه تع��الى: "فإن خفتم أال تعدلوا فواحدة" فإن خاف أال يعدل ف��تزوج أك��ثر من واح��دة جاز، ولكن األفضل أال يتزوج؛ فكذلك هنا األفضل أال يتزوج إال مؤمن��ة، ول��و تزوج غير المؤمنة جاز. واحتجوا بالقياس على الحرائ��ر، وذل��ك أن��ه لم��ا لم يمنع قول��ه: "المؤمن��ات" في الحرائ��ر من نك��اح الكتابي��ات فك��ذلك ال يمن��ع قوله: "المؤمنات" في اإلماء من نك��اح إم��اء الكتابي��ات. وق��ال أش��هب في المدونة: جائز للعبد المسلم أن يتزوج أمة كتابي��ة. ف��المنع ع��ده أن يفض��ل الزوج في الحرية والدين مع��ا. وال خالف بين العلم��اء أن��ه ال يج��وز لمس��لم نكاح مجوسية وال وثنية، وإذا كان حراما بإجماع نكاحهم��ا فك��ذلك وطؤهم��ا بملك اليمين قياسا ونظرا. وقد روي عن ط��اوس ومجاه�د وعط��اء وعم�رو بن دينار أنهم قالوا: ال بأس بنكاح األمة المجوسية بملك اليمين. وه�و ق��ول شاذ مهجور لم يلتفت إليه أحد من فقهاء األمصار. وقالوا: ال يحل أن يطأها حتى تسلم. وقد تق��دم الق��ول في ه��ذه المس��ألة في "البق��رة" مس��توفى.

والحمد لله.

@قوله تعالى: "والله أعلم بإيمانكم" المعنى أن الله عليم بب��واطن األم��ور ولكم ظواهرها، وكلكم بنو آدم وأكرمكم عند الله أتقاكم، فال تستنكفوا من التزوج باإلماء عند الضرورة، وإن كانت حديثة عهد بسباء، أو كانت خرس��اء وما أشبه ذلك. ففي اللفظ تنبيه على أنه ربما ك��ان إيم��ان أم��ة أفض��ل من

إيمان بعض الحرائر. @قوله تع��الى: "بعض��كم من بعض" ابت��داء وخ��بر؛ كقول��ك زي��د في ال��دار. والمعنى أنتم بنو آدم. وقيل: أنتم مؤمنون. وقيل: في الكالم تقديم وتأخير؛ المعنى: ومن لم يستطع منكم طوال أن ينكح المحصنات المؤمن��ات فلينكح بعضكم من بعض: هذا فتاة هذا، وهذا فتاة هذا. فبعضكم على هذا التق��دير مرفوع بفعله وهو فلينكح. والمقصود بهذا الكالم توطئة نفوس العرب التي كانت تستهجن ولد األمة وتعيره وتسميه الهجين، فلم��ا ج�اء الش��رع بج��واز نكاحها علموا أن ذلك التهجين ال مع��نى ل��ه، وإنم��ا انحطت األم��ة فلم يج��ز للحر التزوج بها إال عند الضرورة؛ ألنه تسبب إلى إرقاق الولد، وأن األمة ال

تفرغ للزوج على الدوام، ألنها مشغولة بخدمة المولى. @قول��ه تع��الى: "ف��انكحوهن ب��إذن أهلهن" أي بوالي��ة أرب��ابهن الم��الكين وإذنهم. وكذلك العبد ال ينكح إال بإذن س��يده؛ ألن العب��د ممل��وك ال أم��ر ل��ه، وبدنه كله مستغرق، لكن الفرق بينهما أن العبد إذا ت��زوج بغ��ير إذن س��يده فإن أجازه السيد جاز؛ هذا مذهب مالك وأصحاب الرأي، وهو قول الحس��ن البصري وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وشريح والشعبي. واألم��ة إذا تزوجت بغير إذن أهلها فسخ ولم يجز بإجازة السيد؛ ألن نقصان األنوث��ة في األمة يمنع من انعقاد النكاح البت��ة. وق��الت طائف��ة: إذا نكح العب��د بغ��ير إذن س��يده فس��خ نكاح��ه؛ ه��ذا ق��ول الش��افعي واألوزاعي وداود بن علي، ق��الوا: ال تج��وز إج��ازة الم��ولى إن لم يحض��ره؛ ألن العق��د الفاس��د ال تص��ح إجازته، فإن أراد النكاح استقبله على سنته. وق��د أجم��ع علم��اء المس��لمين على أنه ال يجوز نكاح العبد بغير إذن سيده. وقد ك��ان ابن عم��ر يع��د العب��د بذلك زانيا ويحده؛ وهو قول أبي ثور. وذكر عبدالرزاق عن عبدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، وعن معم��ر عن أي��وب عن ن��افع عن ابن عم��ر أن��ه أخذ عبدا له نكح بغير إذنه فضربه الحد وفرق بينهما وأبطل ص��داقها. ق��ال: وأخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة أنه أخبره عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى نكاح العبد بغير إذن وليه زنى، ويرى علي��ه الح��د، ويع��اقب ال��ذين أنكحوهما. قال: وأخبرنا ابن ج�ريج عن عبدالل��ه بن محم��د بن عقي��ل ق��ال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: قال رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )أيما عبد نكح بغير إذن سيده فه��و ع��اهر(. وعن عم��ر بن الخط��اب رض��ي الله عنه: هو نكاح حرام؛ ف��إن نكح ب��إذن س��يده ف��الطالق بي��د من يس��تحل الفرج. ق��ال أب��و عم��ر: على ه��ذا م��ذهب جماع�ة فقه�اء األمص��ار بالحج��از والعراق، ولم يختلف عن ابن عباس أن الطالق بيد السيد؛ وتابعه على ذلك ج�ابر بن زي�د وفرق��ة. وه��و عن��د العلم��اء ش�ذوذ ال يع�رج علي�ه، وأظن ابن عباس تأول في ذلك قول الله تعالى: "ضرب الله مثال عبدا مملوكا ال يقدر

[. وأجمع أهل العلم على أن نكاح العبد جائز ب��إذن75على شيء" ]النحل: مواله؛ فإن نكح نكاحا فاسدا فق��ال الش��افعي: إن لم يكن دخ��ل فال ش��يء لها، ألن كان دخل فعليه المهر إذا عتق؛ هذا هو الص��حيح من مذهب��ه، وه��و قول أبي يوسف ومحمد ال مهر عليه حتى يعتق. وقال أبو حنيف��ة: إن دخ��ل

عليها فلها المهر. وقال مالك والشافعي: إذا كان عبد بين رجلين ف��أذن ل��ه أح��دهما في النك��اح فنكح فالنك��اح باط��ل، فأم��ا األم��ة إذا أذنت أهله��ا في

النكاح فأذنوا جاز، وإن لم تباشر العقد لكن تولي من يعقده عليها. @قوله تعالى: "وآتوهن أجورهن" دليل على وجوب المهر في النكاح، وأنه لألم��ة. "ب��المعروف" معن��اه بالش��رع والس��نة، وه��ذا يقتض��ي أنهن أح��ق بمهورهن من الس��ادة، وه��و م��ذهب مال��ك. ق��ال في كت��اب الره��ون: ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بال جهاز. وقال الشافعي: الصداق للس��يد؛ ألنه عوض فال يكون لألمة. أصله إجازة المنفع��ة في الرقب��ة، وإنم��ا ذك��رت ألن المهر وجب بسببها. وذك�ر القاض�ي إس�ماعيل في أحكام�ه: زعم بعض العراق��يين إذا زوج أمت��ه من عب��ده فال مه��ر. وه��ذا خالف الكت��اب والس��نة

وأطنب فيه. @قوله تعالى: "محصنات" أي عفائف. وقرأ الكس��ائي "محص��نات" بكس��ر الصاد في جمي��ع الق��رآن، إال في قول��ه تع��الى: "والمحص��نات من النس��اء"

[. وق��رأ الب��اقون بالنص��ب في جمي��ع الق��رآن. ثم ق��ال: "غ��ير24]النس��اء: مسافحات" أي غير زوان، أي معلنات بالزنى؛ ألن أهل الجاهلية ك��ان فيهم الزواني في العالنية، ولهن رايات منص��وبات كراي��ة البيط��ار. "وال متخ��ذات أخدان" أصدقاء على الفاحشة، واحدهم خدن وخدين، وه��و ال��ذي يخادن��ك، ورجل خدنة، إذا اتخ��ذ أخ�ذانا أي أص�حابا، عن أبي زي�د. وقي��ل: المس�افحة المجاهرة بالزنى، أي التي تكري نفسها لذلك. وذات الخدن هي التي تزني سرا. وقيل: المسافحة المبذولة، وذات الخدن ال��تي ت��زني بواح��د. وك��انت العرب تعيب اإلعالن بالزنى، وال تعيب اتخاذ األخدان، ثم رفع اإلسالم جميع ذلك، وفي ذلك نزل قوله تعالى: "وال تقربوا الفواحش م��ا ظه��ر منه��ا وم��ا

[؛ عن ابن عباس وغيره. 151بطن" ]األنعام: @قوله تعالى: "فإذا أحصن" قراءة عاصم وحمزة والكسائي بفتح الهم��زة. الباقون بض��مها. فب��الفتح معن��اه أس��لمن، وبالض��م زوجن. ف��إذا زنت األم��ة المسلمة جلدت نصف جلد الحرة؛ وإسالمها هو إحصانها في قول الجمهور، ابن مسعود والشعبي والزه��ري وغ��يرهم. وعلي��ه فال تح��د ك��افرة إذا زنت، وهو قول الشافعي فيما ذكر ابن المن��ذر. وق��ال آخ��رون: إحص��انها ال��تزوج بحر. فإذا زنت األمة المسلمة التي لم تتزوج فال حد عليه�ا، ق�ال س��عيد بن جبير والحسن وقت��ادة، وروي عن ابن عب��اس وأبي ال��درداء، وب��ه ق��ال أب��و عبيد. قال: وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه س��ئل عن ح��د األمة فقال: إن األم��ة ألقت ف��روة رأس��ها من وراء ال��دار. ق��ال األص��معي: الفروة جلدة الرأس. قال أب��و عبي��دة: وه��و لم ي��رد الف��روة بعينه��ا، وكي��ف تلقى جلدة رأسها من وراء الدار، ولكن هذا مثل ! إنما أراد بالفروة القناع، يقول ليس عليها قناع وال حجاب، وأنها تخرج إلى كل موضع يرس��لها أهله��ا إليه، ال تقدر على االمتناع من ذلك؛ فتصير حيث ال تق��در على االمتن��اع من الفجور، مثل رعاية الغنم وأداء الض��ريبة ونح��و ذل��ك؛ فكأن��ه رأى أن ال ح��د عليها إذا فجرت؛ لهذا المعنى. وقالت فرقة: إحص��انها ال��تزوج، إال أن الح��د واجب على األمة المسلمة غير المتزوجة بالسنة، كما في ص��حيح البخ��اري ومسلم أنه قيل: يا رسول الله، األمة إذا زنت ولم تحص��ن؟ ف��أوجب عليه��ا الحد. قال الزهري: فالمتزوجة محدودة بالقرآن، والمسلمة غ��ير المتزوج��ة محدودة بالحديث. قال القاضي إسماعيل في ق��ول من ق��ال "إذا أحص��ن"

أسلمن: بعد؛ ألن ذكر اإليمان قد تقدم لهن في قوله تع��الى: "من فتي��اتكم المؤمنات". وأما من قال: "إذا أحصن" تزوجن، وأنه ال حد على األمة ح��تى تتزوج؛ فإنهم ذهبوا إلى ظاهر الق��رآن وأحس��بهم لم يعلم��وا ه��ذا الح��ديث. واألمر عندنا أن األمة إذا. زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب الل��ه، وإذا زنت ولم تحصن مجلودة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وال رجم عليها؛ ألن الرجم ال يتنصف. قال أبو عمر: ظاهر قول الل��ه ع��ز وج��ل يقتض��ي أال ح��د على أمة وإن كانت مسلمة إال بعد التزويج، ثم جاءت السنة بجلدها وإن لم

تحصن، فكان ذلك زيادة بيان. قلت: ظهر المؤمن حمى ال يستباح إال بيقين، وال يقين م��ع االختالف،

لوال ما جاء في صحيح السنة من الجلد في ذلك. والله أعلم. وقال أبو ث��ور فيما ذكر ابن المنذر: وإن كانوا اختلفوا في رجمهما فإنهما يرجمان إذا كانا

محصنين، وإن كان إجماع فاإلجماع أولى. @ واختل��ف العلم��اء فيمن يقيم الح��د عليهم��ا؛ فق��ال ابن ش��هاب: مض��ت الس��نة أن يح��د العب��د واألم�ة أهل��وهم في ال��زنى، إال أن يرف�ع أم��رهم إلى السلطان فليس ألحد أن يفتات عليه؛ وهو مقتضى قوله عليه الس��الم: )إذا زنت أمة أحدكم فليحدها الحد(. وقال علي رضي الله عن��ه في خطبت��ه: ي��ا أيها الناس، أقيموا على أرقامكم الح��د، من أحص��ن منهم ومن لم يحص��ن، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت ف��أمرني أن أجل��دها، ف��إذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أقتلها، ف��ذكرت ذل��ك للن��بي صلى الله عليه وسلم فقال: )أحسنت(. أخرج��ه مس��لم موقوف��ا عن علي. وأسنده النسائي وقال فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من أحصن منهم ومن لم يحصن( وه��ذا نص في إقامة السادة الحدود على المماليك من أحص��ن منهم ومن لم يحص��ن. قال مالك رضي الل�ه عن�ه: يح�د الم�ولى عب�ده في ال�زنى وش�رب الخم�ر والقذف إذا شهد عنده الشهود بذلك، وال يقطعه في السرقة، وإنما يقطعه اإلمام؛ وهو قول الليث. وروي عن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا الح�دود على عبيدهم، منهم ابن عم��ر وأنس، وال مخ��الف لهم من الص��حابة. وروي عن ابن أبي ليلى أن��ه ق��ال: أدركت بقاي��ا األنص��ار يض��ربون الولي��دة من والئدهم إذا زنت، في مجالسهم. وقال أبو حنيفة: يقيم الحدود على العبي��د واإلماء السلطان دون المولى في الزنى وسائر الحدود؛ وهو قول الحس��ن بن حي. وق��ال الش��افعي: يح��ده الم��ولى في ك��ل ح��د ويقطع��ه؛ واحتج باألح��اديث ال��تي ذكرن��ا. وق��ال الث��وري واألوزاعي: يح��ده في ال��زنى؛ وه��و مقتضى األحاديث، والله أعلم. وقد مضى القول في تغريب العبيد في هذه

السورة. @ فإن زنت األمة ثم عتقت قبل أن يح��دها س��يدها لم يكن ل��ه س��بيل إلى حدها، والسلطان يجلدها إذا ثبت ذلك عنده؛ ف��إن زنت ثم ت��زوجت لم يكن لسيدها أن يجلدها أيضا لحق الزوج؛ إذ قد يضره ذلك. وه��ذا م��ذهب مال��ك

إذا لم يكن الزوج ملكا للسيد، فلو كان، جاز للسيد ذلك ألن حقهما حقه. @ فإن أقر العبد بالزنى وأنكره المولى فإن الحد يجب على العبد إلقراره، وال التفات لما أنكره المولى، وهذا مجمع عليه بين العلماء. وكذلك الم��دبر وأم الولد والمكاتب والمعتق بعضه. وأجمع��وا أيض��ا على أن األم��ة إذا زنت

ثم أعتقت حدت ح��د اإلم��اء؛ وإذا زنت وهي ال تعلم ب��العتق ثم علمت وق��دحدت أقيم عليها تمام حد الحرة؛ ذكره ابن المنذر.

@ واختلفوا في عفو السيد عن عبده وأمته إذا زنيا؛ فكان الحسن البصري يقول: له أن يعفو. وقال غير الحسن: ال يسعه إال إقامة الحد، كم��ا ال يس��ع السلطان أن يعفو عن ح��د إذا علم��ه، لم يس��ع الس��يد ك��ذلك أن يعف��و عن أمته إذا وجب عليها الحد؛ وهذا على مذهب أبي ثور. قال ابن المن��ذر: وب��ه

نقول. @قوله تعالى: "فعليهن نصف ما على المحص��نات من الع��ذاب" أي الجل��د ويعني بالمحصنات ههنا األبكار الحرائر؛ ألن ال��ثيب عليه��ا ال��رجم ال يتبعض، وإنما قيل للبكر محصنة وإن لم تكن متزوجة؛ ألن اإلحصان يكون بها؛ كم��ا يقال: أضحية قبل أن يضحي بها؛ وكما يق��ال للبق��رة: مث��يرة قب��ل أن تث��ير. وقيل: "المحصنات" المتزوجات؛ ألن عليها الض��رب وال��رجم في الح��ديث، والرجم ال يتبعض فصار عليهن نصف الضرب. والفائدة في نقص��ان ح��دهن أنهن أض��عف من الحرائ��ر. ويق��ال: إنهن ال يص��لن إلى م��رادهن كم��ا تص��ل الحرائر. وقيل: ألن العقوبة تجب على قدر النعمة؛ أال ت��رى أن الل��ه تع��الى قال ألزواج النبي صلى الله علي��ه وس��لم: "ي��ا نس��اء الن��بي من ي��أت منكن

[ فلم��ا ك��انت30بفاحشة مبينة يض��اعف له��ا الع��ذاب ض��عفين" ]األح��زاب: نعمتهن أكثر جع�ل عق��وبتهن أش�د، وك�ذلك اإلم�اء لم�ا ك�انت نعمتهن أق�ل فعقوبتهن أقل. وذكر في اآلية حد اإلماء خاصة، ولم يذكر حد العبي��د؛ ولكن حد العبيد واإلماء سواء؛ خمس��ون جل��دة في ال��زنى، وفي الق��ذف وش��رب الخمر أربعون؛ ألن حد األمة إنم��ا نقص لنقص��ان ال��رق ف��دخل ال��ذكور من العبيد في ذلك بعلة المملوكية، كما دخل اإلم��اء تحت قول��ه علي��ه الس��الم: )من أعتق شركا له في عبد(. وهذا الذي يسميه العلماء القياس في معنى

[ اآلي��ة.6األصل؛ ومنه قول��ه تع��الى: "وال��ذين يرم��ون المحص��نات" ]الن��ور: فدخل في ذلك المحصنين قطعا؛ على ما يأتي بيانه في س��ورة "الن��ور" إن

شاء الله تعالى. @ وأجمع العلماء على أن بي�ع األم�ة الزاني�ة ليس بيعه�ا ب�واجب الزم على بها، وإن اختاروا له ذلك؛ لقوله عليه الس��الم: )إذا زنت أم��ة أح��دكم فت��بين زناها فليبعها الحد وال يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد وال يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من ش��عر(. أخرج��ه مس��لم عن أبي هريرة. وقال أه��ل الظ��اهر بوج��وب بيعه��ا في الرابع��ة. منهم داود وغيره؛ لقوله )فليبعها( وقوله: )ثم بيعوها ولو بضفير(. قال ابن شهاب: فال أدري بعد الثالثة أو الرابعة؛ والضفير الحبل. فإذا باعها بزناها؛ ألنه عيب فال يحل أن يكتم. فإن يكتم. فإن قيل: إذا كان مقص��ود الح��ديث إبع��اد الزاني��ة ووجب على بائعها التعريف بزناها فال ينبغي ألحد أن يشتريها؛ ألنها مما ق��د أمرنا بإبعادها. فالجواب أنه�ا م�ال وال تض��اع؛ للنهي عن إض�اعة الم�ال، وال تسيب؛ ألن ذلك إغراء لها بالزنى وتمكين من��ه، وال تحبس دائم��ا، ف��إن في��ه تعطيل منفعتها على سيدها فلم يب��ق إال بيعه��ا. ولع��ل الس��يد الث��اني يعفه��ا ب�الوطء أو يب��الغ في التح�رز فيمنعه�ا من ذل�ك. وعلى الجمل��ة فعن�د تب�دل

المالك تختلف عليها األحوال. والله أعلم. @قوله تعالى: "وأن تصبروا خير لكم" أي الصبر على العزبة خير من نكاح األمة، ألنه يفضي إلى إرقاق الولد، والغض من النفس والصبر على مك�ارم

األخالق أولى من البذالة. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أيم��ا ح��ر تزوج بأمة فقد أرق نصفه. يعني يصير ولده رقيقا؛ فالصبر عن ذلك أفض��ل لكيال يرق الولد. وقال سعيد بن جبير: ما نكاح األم��ة من ال��زنى إال ق��ريب، قال الله تعالى: "وأن تص�بروا خ�ير لكم"، أي عن نك��اح اإلم�اء. وفي س�نن ابن ماج��ة عن الض��حاك بن م��زاحم ق��ال: س��معت أنس بن مال��ك يق��ول: سمعت رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم يق��ول: "من أراد أن يلقى الل��ه طاهرا مطه��را فلي��تزوج الحرائ��ر(. ورواه أب��و إس��حاق الثعل��بي من ح��ديث ي��ونس بن م��رداس، وك��ان خادم��ا ألنس، وزاد: فق��ال أب��و هري��رة س��معت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )الحراير صالح البيت واإلماء هالك

البيت - أو قال - فساد البيت(. }يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن ال��ذين من قبلكم ويت��وب26*اآلية: 3*

عليكم والله عليم حكيم{ @ أي لي��بين لكم أم��ر دينكم ومص��الح أم��ركم، وم��ا يح��ل لكم وم��ا يح��رم عليكم. وذلك يدل على امتناع خلو واقعة عن حكم الله تعالى؛ ومن��ه قول��ه

[ على ما يأتي. وق��ال38تعالى: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" ]األنعام: [ فجاء هذا "ب��أن" واألول28بعد هذا: "يريد الله أن يخفف عنكم" ]النساء:

بالالم. فقال الفراء: العرب تعاقب بين الم كي وأن؛ فتأتي بالالم التي على معنى "كي" في موضع "أن" في أردت وأمرت؛ فيقولون: أردت أن تفع��ل، وأردت تفعل؛ ألنهما يطلبان المستقبل. وال يجوز ظننت لتفعل؛ ألنك تق��ول

[15ظننت أن قد قمت. وفي التنزي��ل "وأم��رت ألع��دل بينكم" ]الش��ورى: [. "يري��دون ليطفئ��وا ن��ور الل��ه71"وأمرنا لنسلم لرب العالمين" ]األنع��ام:

[. ق��ال32[. "يريدون أن يطفئوا ن��ور الل��ه" ]التوب��ة: 8بأفواههم" ]الصف: الشاعر:

أريد ألنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل يريد أن أنسى. قال النحاس: وخطأ الزجاج هذا القول وقال: لو كانت الالم بمعنى "أن" ل��دخلت عليه��ا الم أخ��رى؛ كم��ا تق��ول: جئت كي تكرم��ني، ثم

تقول جئت لكي تكرمني. وأنشدنا: أردت لكيما يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود

قال: والتقدير إرادته ليبين لكم. ق��ال النح��اس: وزاد األم��ر على ه��ذا ح��تى سماها بعض القراء الم أن؛ وقيل: المعنى يريد الله ه��ذا من أج��ل أن ي��بين

لكم. @قوله تعالى: "ويهديكم سنن الذين من قبلكم" أي من أهل الحق. وقي��ل: معنى "يه��ديكم" ي��بين لكم ط��رق ال��ذين من قبلكم من أه��ل الح��ق وأه��ل الباطل. وقال بعض أهل النظر: في ه�ذا دلي��ل على أن ك��ل م��ا ح�رم الل��ه قبل هذه اآلية علينا فقد حرم على من كان قبلنا. قال النحاس: وهذا غلط؛ ألنه يكون المعنى ويبين لكم أمر من كان قبلكم ممن ك��ان يجتنب م��ا نهي عنه، وقد يكون ويبين لكم كما بين لمن كان قبلكم من األنبياء فال يومي به إلى هذا بعينه. ويقال: إن قوله "يريد الله" ابتداء القص��ة، أي يري��د الل��ه أن يبين لكم كيفية طاعته. "ويهديكم" يع�رفكم "س��نن ال�ذين من قبلكم" أنهم لما تركوا أمري كيف عاقبتهم، وأنتم إذا فعلتم ذلك ال أعاقبكم ولكني أتوب

عليكم. "والله عليم" بمن تاب "حكيم" بقبول التوبة.

-�� 27*اآليتان: 3* }والله يري��د أن يت��وب عليكم ويري��د ال��ذين يتبع��ون28 الشهوات أن تميلوا ميال عظيما، يريد الله أن يخفف عنكم وخل��ق اإلنس��ان

ضعيفا{ @قوله تعالى: "والله يريد أن يتوب عليكم" ابتداء وخبر. و"أن" في موضع نصب ب� "يريد" وكذلك "يري��د الل��ه أن يخف��ف عنكم"؛ ف��� "أن يخف��ف" في موض��ع نص��ب ب��� "يري��د" والمع��نى: يري��د ت��وبتكم، أي يقبله��ا فيتج��اوز عن ذنوبكم ويري��د التخفي��ف عنكم. قي��ل: ه��ذا في جمي��ع أحك��ام الش��رع، وه��و الصحيح. وقيل: المراد ب��التخفيف نك��اح األم��ة، أي لم��ا علمن��ا ض��عفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة اإلماء؛ قال مجاهد وابن زيد وطاوس. قال طاوس: ليس يكون اإلنسان في ش�يء أض��عف من�ه في أم�ر النس�اء. واختلف في تعيين المتبعين للشهوات؛ فق��ال مجاه��د: هم الزن��اة. الس��دي: هم اليه��ود والنص��ارى. وق��الت فرق��ة: هم اليه��ود خاص��ة؛ ألنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نك��اح األخ��وات من األب. وق��ال ابن زي��د: ذل�ك على العموم، وهو األصح. والميل: العدول عن طريق االستواء؛ فمن ك��ان عليه��ا

أحب أن يكون أمثاله عليها حتى ال تلحقه معرة. قوله تعالى: "وخلق اإلنسان ضعيفا" نصب على الحال؛ والمع��نى أن ه��واه يس��تميله وش��هوته وغض��به يس��تخفانه، وه��ذا أش��د الض��عف فأحت��اج إلى التخفيف. وقال طاوس: ذلك في أمر النساء خاصة. وروي عن ابن عب��اس أنه قرأ "وخلق اإلنسان ضعيفا" أي وخلق الله اإلنسان ضعيفا، أي ال يص��بر عن النساء. قال ابن املس��يب: لق��د أتى علي ثم��انون س��نة وذهبت إح��دى عيني وأنا أعشو باألخرى وصاحبي أعمى أصم - يع�ني ذك�ره - وإني أخ�اف من فتنة النساء. ونحوه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال عب��ادة: أال تروني ال أقوم إال رفدا وال آكل إال م��ا ل��وق لي - ق��ال يح��يى: يع��ني لين وسخن - وق��د م��ات ص��احبي من��ذ زم��ان - ق��ال يح��يى: يع�ني ذك��ره - وم��ا يس��رني أني خل��وت ب��امرأة ال تح��ل لي، وأن لي م��ا تطل��ع علي��ه الش��مس

مخافة أن يأتيني الشيطان فيحركه علي، إنه ال سمع له وال بصره. }يا أيها الذين آمن��وا ال ت��أكلوا أم��والكم بينكم بالباط��ل إال أن29*اآلية: 3*

تكون تجارة عن تراض منكم وال تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما{ @قوله تعالى: "بالباطل" أي بغير حق. ووجوه ذلك تكثر على ما بيناه؛ وقد قدمنا معناه في البقرة. ومن أكل المال بالباطل بيع العربان؛ وهو أن يأخ��ذ منك السلعة أو يكتري منك الدابة ويعطيك درهما فم��ا فوق��ه، على أن��ه إن اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كراء الدابة؛ وإن ترك ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطاك فه��و ل��ك. فه��ذا ال يص��لح وال يج��وز عن��د جماعة فقهاء األمصار من الحجازيين والعراقيين، ألنه من ب��اب بي��ع القم��ار والغرر والمخاطرة، وأكل المال بالباطل بغير عوض وال هب��ة، وذل��ك باط��ل بإجماع. وبيع العربان مفسوخ إذا وقع على هذا الوج��ه قب��ل القبض وبع��ده، وترد السلعة إن كانت قائمة، فإن فاتت رد قيمته��ا ي��وم قبض��ها. وق��د روي عن قوم منهم ابن سيرين ومجاه��د ون��افع بن عب��دالحارث وزي��د بن أس��لم أنهم أجازوا بيع العربان على ما وصفنا. وكان زي��د بن أس��لم يق��ول: أج��ازه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أب��و عم��ر: ه��ذا ال يع��رف عن الن��بي صلى الله عليه وسلم من وجه يصح، وإنما ذكره عب��دالرزاق عن األس��لمي عن زيد بن أسلم مرسال؛ وه��ذا ومثل��ه ليس حج��ة. ويحتم��ل أن يك��ون بي��ع

العرب��ان الج��ائز على م��ا تأول��ه مال��ك والفقه��اء مع��ه؛ وذل��ك أن يعربن��ه ثم يحسب عربانه من الثمن إذا اختار تمام البيع. وهذا ال خالف في جوازه عن مالك وغيره؛ وفي موطأ مالك عن الثق��ة عن��ده عن عم��رو بن ش��عيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم )نهى عن بيع العرب��ان(. قال أبو عمر: قد تكلم الناس في الثقة عنده في هذا الموض��ع، وأش��به م��ا قيل نيه: أنه أخ��ذه عن ابن لهيع��ة أو عن ابن وهب عن ابن لهيع��ة؛ ألن ابن لهيعة سمعه من عمرو بن شعيب ورواه عنه. ح�دث ب�ه عن ابن لهيع�ة ابن وهب وغيره، وابن لهيعة أحد العلماء إال أنه يقال: إنه اح��ترقت كتب��ه فك��ان إذا حدث بعد ذلك من حفظه غلط. وم��ا رواه عن��ه ابن المب��ارك وابن وهب فهو عند بعضهم صحيح. ومنهم من يض��عف حديث��ه كل��ه.، وك��ان عن��ده علم

واسع وكان كثير الحديث، إال أن حال عندهم كما وصفنا. @قوله تعالى: "إال أن تكون تجارة عن تراض منكم" هذا اس��تثناء منقط��ع، أي ولكن تجارة عن تراض. والتجارة هي ال��بيع والش��راء؛ وه��ذا مث��ل قول��ه

[ على ما تق��دم. وق��رئ275تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" ]البقرة: "تجارة"، بالرفع أي إال أن تقع تجارة؛ وعليه أنشد سيبويه:

فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي إذا كان يوم ذو كواكب أشهب وتسمى هذه كان التامة؛ ألنها تمت بفاعله��ا ولم تحتج إلى مفع��ول. وق��رئ "تج��ارة" بالنص��ب؛ فتك��ون ك��ان ناقص��ة؛ ألنه��ا ال تتم باالس��م دون الخ��بر، فاسمها مض��مر فيه��ا، وإن ش��ئت قدرت��ه، أي إال أن تك��ون األم��وال أم��وال تجارة؛ فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وق��د تق��دم ه��ذا؛ ومن��ه

[. 280قوله تعالى: "وإن كان ذو عسرة" ]البقرة: @قوله تعالى: "تجارة" التجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة؛ ومنه األج�ر الذي يعطيه البارئ س��بحانه العب��د عوض��ا عن األعم��ال الص��الحة ال��تي هي بعض من فعله؛ قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ه��ل أدلكم على تج��ارة

[. وق��ال تع��الى: "يرج��ون تج��ارة لن10تنجيكم من ع��ذاب أليم" ]الص��ف: [. وقال تعالى: "إن الل��ه اش��ترى من المؤم��نين أنفس��هم29تبور" ]فاطر:

[ اآلي��ة. فس��مى ذل��ك كل��ه بيع��ا وش��راء على وج��ه111وأموالهم" ]التوبة: المجاز، تشبيها بعقود األشرية والبياعات ال��تي تحص��ل به��ا األغ��راض، وهي نوعان: تقلب في الحضر من غير نقلة وال سفر، وه��ذا ت��ربص واحتك��ار ق��د رغب عن��ه أول��و األق��دار، وزه��د في��ه ذوو األخط��ار. والث��اني تقلب الم��ال باألس��فار ونقل��ه إلى األمص��ار، فه��ذا ألي��ق بأه��ل الم��روءة، وأعم ج��دوى ومنفعة، غير أنه أكثر خطرا وأعظم غررا. وق��د روي عن الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم أنه قال: )إن المسافر وماله لعلى قلت إال ما وقى الله(. يعني على خطر. وقيل: في التوراة يا ابن آدم، أح��دث س��فرا أح��دث ل��ك رزق��ا.

الطبري: وهذه اآلية أدل دليل على فساد قول. @ اعلم أن ك��ل معاوض��ة تج��ارة على أي وج��ه ك��ان الع��وض إال أن قول��ه "بالباطل" أخرج منها كل عوض ال يجوز ش��رعا من رب��ا أو جهال��ة أو تق��دير عوض فاسد كالخمر والخنزير وغير ذلك. وخرج منها أيضا كل عقد ج��ائز ال عوض فيه؛ كالقرض والصدقة والهب��ة ال للث��واب. وج��ازت عق��ود التبرع��ات بأدلة أخرى مذكورة في مواض��عها. فه��ذان طرف��ان متف��ق عليهم��ا. وخ��رج منها أيضا دعاء أخيك إي��اك إلى طعام��ه. روى أب��و داود عن ابن عب��اس في قوله تعالى: "ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن تراض

منكم" فكان الرجل يحرج أن يأكل عند أحد من الناس بعد م��ا ن��زلت ه��ذه اآلية؛ فنسخ ذلك باآلية األخرى التي في "النور"؛ فقال: "ليس على األعمى ح��رج وال على األع��رج ح��رج وال على الم��ريض ح��رج وال على أنفس��كم أن

[ إلى قول��ه "أش��تاتا"؛ فك��ان الرج�ل الغ�ني61تأكلوا من بي��وتكم" ]الن��ور: يدعو الرجل من أهله إلى طعامه فيقول: إني ألجنح أن آكل من��ه - والتجنح الحرج ويقول: المسكين أحق به مني. فأحل في ذل��ك أن ي��أكلوا مم��ا ذك��ر

اسم الله عليه، وأحل طعام أهل الكتاب. @ لو اشتريت من السوق شيئا؛ فقال لك صاحبه قبل الش��راء: ذق��ه وأنت في حل؛ فال تأكل منه؛ ألن إذنه باألكل ألجل الش��راء؛ فربم��ا ال يق��ع بينكم��ا شراء فيكون ذلك شبهة، ولكن ل��و وص��ف ل��ك ص��فة فاش��تريته فلم تج��ده

على تلك الصفة فأنت بالخيار. @ والجمهور على جواز الغبن في التج�ارة؛ مث�ل أن ي�بيع رج�ل ياقوت�ة ب�ه بدرهم وهي تساوي مائة فذلك جائز، وأن المالك الصحيح المل��ك ج��ائز ل��ه أن يبيع ماله الكثير بالتافه اليسير، وه��ذا م��ا ال اختالف في��ه بين العلم�اء إذا عرف قدر ذلك، كما تجوز الهبة لو وهب. واختلف��وا في��ه إذا لم يع��رف ق��در ذلك؛ فقال قوم: عرف قدر ذلك أو لم يعرف فهو جائز إذا كان رشيدا ح��را بالغا. وقالت فرقة: الغبن إذا تجاوز الثلث مردود، وإنما أبيح منه المتق��ارب المتعارف في التجارات، وأم��ا المتف��احش الف��ادح فال؛ وق��ال ابن وهب من أصحاب مالك رحمه الله. واألول أصح؛ لقوله عليه السالم في حديث األمة الزانية. )فليبعها ول��و بض��فير( وقول��ه علي��ه الس��الم لعم��ر: )ال تبتع��ه يع��ني القرس - ولو أعطاكه بدرهم واحد( وقوله عليه السالم: )دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض( وقوله عليه السالم: )ال يبغ حاضر لب��اد( وليس فيه��ا

تفصيل بين القليل والكثير من ثلث وال غيره. @قول��ه تع��الى: "عن ت��راض منكم" أي عن رض��ى، إال أنه��ا ج��اءت من المفاعل��ة إذ التج��ارة من اث��نين. واختل��ف العلم��اء في التراض��ي؛ فق��الت طائفة: تمامه وجزمه بافتراق األبدان بعد عقدة البيع، أو بأن يقول أح��دهما لصاحبه: اختر؛ فيقول: قد اخترت، وذلك بعد العقدة أيضا فينجزم أيضا وإن لم يتفرقا؛ قاله جماعة من الصحابة والتابعين، وبه قال الش��افعي والث��وري واألوزاعي والليث وابن عيينة وإسحاق وغيرهم. قال األوزاعي: هما بالخيار ما لم يتفرقا؛ إال بيوعا ثالثة: بيع السلطان المغانم، والشركة في الم��يراث، والشركة في التجارة؛ فإذا صافقه في هذه الثالث��ة فق��د وجب ال��بيع وليس��ا فيه بالخيار. وقال: وحد التفرقة أن يت��وارى ك��ل واح��د منهم��ا عن ص��احبه؛ وهو قول أهل الشام. وقال الليث: التفرق أن يق��وم أح��دهما. وك��ان أحم��د بن حنبل يقول: هما بالخيار أبدا ما لم يتفرقا بأبدانهما، وسواء ق��اال: اخترن��ا أو لم يقواله حتى يفترقا بأبدانهما من مكانهما؛ وقال الشافعي أيض��ا. وه��و الصحيح في هذا الباب لألحاديث الواردة في ذلك. وهو مروي عن ابن عمر وأبي برزة وجماعة من العلماء. وقال مالك وأبو حنيفة: تم��ام ال��بيع ه��و أن يعقد ال��بيع باأللس��نة فينج��زم العق��د ب��ذلك ويرتف��ع الخي��ار. ق��ال محم��د بن الحسن: معنى قوله في الحديث )البيعان بالخي��ار م��ا لم يتفرق��ا( أن الب��ائع إذا قال: قد بعتك، فله أن يرجع ما لم يقل المشتري ق��د قبلت. وه��و ق��ول أبي حنيفة، ونص مذهب مالك أيضا، حكاه ابن خويز منداد. وقيل: ليس ل��ه أن يرج��ع. وق��د مض��ى في "البق��رة". واحتج األول��ون بم��ا ثبت من ح��ديث

سمرة بن جندب وأبي برزة وابن عمر وعبدالله بن عم��رو بن الع�اص وأبي هريرة وحكيم بن حزام وغيرهم عن النبي صلى الله علي��ه وس��لم )البيع��ان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لص��احبه أخ��تر(. رواه أي��وب عن ن��افع عن ابن عم��ر؛ فقول��ه علي��ه الس��الم في ه��ذه الرواي��ة: )أو يق��ول أح��دهما لصاحبه اختر( هو معنى الرواية األخرى )إال بيع الخيار( وقوله: )إال أن يكون بيعهما عن خيار( ونحوه. أي يقول أح��دهما بع��د تم��ام ال��بيع لص��احبه: اخ��تر إنفاذ البيع أو فسخه؛ فإن اختار إمضاء البيع تم ال��بيع بينهم وإن لم يتفرق��ا. وكان ابن عمر وهو راوي الحديث إذا بايع أحدا وأحب أن ينفذ ال��بيع مش��ى قليال ثم رجع. وفي األصول: إن من روى حديثا فه��و أعلم بتأويل��ه، ال س��يما الصحابة إذ هم أعلم بالمنال وأقعد بالحال. وروى أبو داود والدارقطني عن أبي الوضيء قال: كنا في سفر في عسكر فأتى رجل معه فرس فقال ل��ه رجل منا: أتبيع هذا الفرس به��ذا الغالم ؟ ق��ال: نعم؛ فباع��ه ثم ب��ات معن��ا، فلما أصبح قام إلى فرسه، فق�ال ل�ه ص�احبنا: مال�ك والف�رس ! أليس ق�د بعتنيها ؟ فقال: م��ا لي في ه��ذا ال��بيع من حاج��ة. فق��ال: مال��ك ذل��ك، لق��د بعتني. فقال لهما القوم: هذا أبو برزة صاحب رسول الله صلى الل��ه علي��ه وسلم فأتياه؛ فقال لهما: أترضيان بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقاال: نعم. فق��ال: ق��ال رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )البيع��ان بالخيار ما لم يتفرقا( وإني ال أراكم�ا افترقتم��ا. فه�ذان ص�حابيان ق�د علم�ا مخرج الحديث وعمال بمقتضاه، بل هذا كان عمل الصحابة. قال سالم: قال ابن عمر: كنا إذا تبايعنا كان كل واحد منا بالخي��ار م��ا لم يف��رق المتبايع��ان. قال: فتبايعت أنا وعثمان فبعته مالي بالوادي بم��ال ل��ه بخي��بر؛ ق��ال: فلم��ا بعته طفقت أنكص القهقرى، خشية أن يرادني عثمان البيع قبل أن أفارقه. أخرجه الدارقطني ثم قال: إن أهل اللغة فرقوا بين فرقت مخففا وف��رقت مثقال؛ فجعلوه ب��التخفيف في الكالم وبالتثقي��ل في األب��دان. ق��ال أحم��د بن يح��يى ثعلب: أخ��برني ابن األع��رابي عن المفض��ل ق��ال: يق��ال ف��رقت بين الكالمين مخففا فافترقا وفرقت بين اثنين مشددا فتفرقا؛ فجع��ل االف��تراق في القول، والتفرق في األبدان. احتجت المالكي��ة بم��ا تق��دم بيان��ه في آي��ة

[ وهذان قد تعاق��دا. وفي1الدين، وبقوله تعالى: "أوفوا بالعقود" ]المائدة: هذا الحديث إبطال الوفاء بالعقود. قالوا: وقد يكون التف��رق ب��القول كعق��د النكاح ووقوع الطالق الذي قد س��ماه الل��ه فراق��ا؛ ق��ال الل��ه تع��الى: "وإن

[ وق��ال تع��الى: "وال تكون��وا130يتفرقا يغن الله كال من س��عته" ]النس��اء: [ وقال عليه السالم: )تف��ترق أم��تي( ولم105كالذين تفرقوا" ]آل عمران:

يقل بأبدانها. وقد روى الدارقطني وغيره عن عمرو بن شعيب قال: سمعت شعيبا

يقول: سمعت عبدالل��ه بن عم��رو يق��ول: س��معت الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم يقول: )أيما رجل ابتاع من رجل بيعة ف��إن ك��ل واح��د منهم��ا بالخي��ار ح��تى يتفرق��ا من مكانهم��ا إال أن تك��ون ص��فقة خي��ار فال يح��ل ألح��دهما أن يفارق صاحبه مخافة أن يقيله(. قالوا: فهذا يدل على أنه قد تم البيع بينهما قبل االفتراق؛ ألن اإلقالة ال تصح إال فيما قد تم من ال��بيوع. ق��الوا: ومع��نى قوله )المتبايعان بالخيار( أي المتساومان بالخي��ار م��ا لم يعق��دا ف��إذا عق��دا بطل الخيار فيه. والج��واب: أم�ا م�ا اعتل��وا ب�ه من االف��تراق ب��الكالم فإنم�ا المراد بذلك األديان كما بيناه في "آل عمران"، وإن كان ص��حيحا في بعض

المواضع فهو في ه��ذا الموض��ع غ��ير ص��حيح. وبيان��ه أن يق��ال: خبرون��ا عن الكالم الذي وقع به االجتماع وتم به البيع، أهو الكالم الذي أريد به االفتراق أم غيره ؟ فإن قالوا: هو غيره فقد أحالوا وجاؤوا بما ال يعقل؛ ألنه ليس ثم كالم غير ذلك. وإن قالوا: ه��و ذل��ك الكالم بعين��ه قي��ل لهم: كي��ف يج��وز أن يكون الكالم الذي به اجتمعا وتم ب��ه بيعهم��ا، ب��ه افترق��ا، ه��ذا عين المح��ال والفاسد من القول. وأما قوله: )وال يحل ل��ه أن يف��ارق ص��احبه مخاف��ة أن يقيله( فمعناه - إن صح - على الندب؛ بدليل قوله عليه الس��الم. )من أق��ال مسلما أقاله الله عثرت��ه( وبإجم��اع المس��لمين على أن ذل��ك يح��ل لفاعل��ه على خالف ظاهر الحديث، وإلجماعهم أنه جائز له أن يفارقه لينفذ بيعه وال يقيله إال أن يشاء. وفيما أجمعوا عليه من ذلك رد لرواية من روى )ال يحل( فإن لم يكن وجه هذا الخبر الن��دب، وإال فه��و باط��ل باإلجم��اع. وأم��ا تأوي��ل "المتبايعان" بالمتساومين فعدول عن ظاهر اللفظ، وإنما معناه المتبايع��ان بعد عقدهما مخيران ما داما في مجلسهما، إال بيعا يق��ول أح��دهما لص��احبه فيه: اختر فيختار؛ فإن الخيار ينقطع بينهما وإن لم يتفرقا؛ فإن فرض خي��ار فالمعنى: إال بيع الخيار فإنه يبقى الخي��ار بع��د التف��رد باألب��دان. وتتميم ه��ذا الباب في كتب الخالف. وفي ق��ول عم��رو بن ش��عيب "س��معت أبي يق��ول "دليل على صحة حديثه؛ فسن الدارقطني قال حدثنا أب��و بك��ر النيس��ابوري حدثنا محمد بن علي الوراق قال: قلت ألحمد بن حنب��ل: ش��عيب س��مع من أبيه شيئا ؟ قال: يقول حدثني أبي. ق��ال: فقلت: ف��أبوه س��مع من عبدالل��ه بن عمرو؟ قال: نعم، أراه قد سمع منه. قال ال��دارقطني س��معت أب��ا بك��ر النيسابوري يقول: هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالل��ه بن عم��رو بن العاص، وقد صح سماع عمرو بن شعيب من أبي��ه ش��عيب وس��ماع ش��عيب

من جده عبدالله بن عمرو. @ روى الدارقطني عن ابن عمر قال: ق��ال رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم: )التاجر الصدوق األمين المسلم مع النبي والصديقين والشهداء يوم القيامة(. ويكره للتاجر أن يحلف ألج��ل ت��رويج الس��لعة وتزيينه��ا، أو يص��لي على الني صلى الله عليه وسلم في عرض س��لعته؛ وه��و أن يق��ول: ص��لى الله على محمد ! ما أجود هذا. ويستحب للتاجر أال تشغله تجارت��ه عن أداء الفرائض؛ فإذا جاء وقت الصالة ينبغي أن يترك تجارته حتى يكون من أه��ل

[37ه��ذه اآلي��ة: "رج��ال ال تلهيهم تج��ارة وال بي��ع عن ذك��ر الل��ه" ]الن��ور: وسيأتي.

@ وفي هذه اآلية مع األحاديث التي ذكرناها م��ا ي��رد ق��ول من ينك��ر طلب األقوات بالتجارات والصناعات من المتصوفة الجهلة؛ ألن الله تع��الى ح��رم

أكلها بالباطل وأحلها بالتجارة، وهذا بين. @قول��ه تع��الى: "وال تقتل��وا أنفس��كم" في��ه مس��ألة واح��دة - ق��رأ الحس��نلوا" على التكثير. وأجمع أهل التأويل على أن المراد به��ذه اآلي��ة النهي "تقت أن يقتل بعض الناس بعضا. ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفس��ه بقص��د منه للقت��ل في الح��رص على ال��دنيا وطلب الم��ال ب��أن يحم��ل نفس��ه على الغرر المؤدي إلى التلف. ويحتمل أن يقال: "وال تقتلوا أنفس��كم" في ح��ال ضجر أو غضب؛ فهذا كله يتناول النهي. وق��د احتج عم��رو بن الع��اص به��ذه اآلي��ة حين امتن��ع من االغتس��ال بالم��اء الب��ارد حين أجنب في غ��زوة ذات

السالسل خوفا على نفسه منه؛ فقرر النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجهوضحك عنده ولم يقل شيئا. خرجه أبو داود وغيره، وسيأتي.

}ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك30*اآلية: 3*على الله يسيرا{

@قوله: "ذلك" إشارة إلى القتل؛ ألنه أقرب مذكور؛ قاله عطاء. وقيل: هو عائد إلى أكل المال بالباط��ل وقت��ل النفس؛ ألن النهي عنهم��ا ج��اء متس��قا مسرودا، ثم ورد الوعيد حسب النهي. وقيل: هو عام على كل ما نهى عن��ه من القضايا، من أول السورة إلى قول�ه تع��الى: "ومن يفع��ل ذل��ك". وق��ال الطبري: "ذلك" عائد على ما نهى عنه من آخر وعي��د، وذل��ك قول��ه تع��الى:

[ ألن19"يا أيها الذين آمنوا ال يحل لكم أن ترث��وا النس��اء كره��ا" ]النس��اء: كل ما نهى عنه من أول السورة قرن به وعيد، إال من قوله: "يا أيها ال��ذين آمنوا ال يحل لكم" فإنه ال وعيد بع��ده إال قول��ه: "ومن يفع��ل ذل��ك ع��دوانا"

[. والعدوان تجاوز الحد. والظلم وضع الشيء في غير موضعه،10]النساء وقد تق�دم. وقي�د الوعي��د ب�ذكر الع�دوان والظلم ليخ�رج من��ه فع�ل الس�هو والغل��ط، وذك��ر الع��دوان والظلم م��ع تق��ارب معانيهم��ا الختالف ألفاظهم��ا،

وحسن ذلك في الكالم كما قال: وألفى قولها كذبا ومينا

وحسن العطف الختالف اللفظين؛ يقال: بعدا وسحقا؛ ومن��ه ق��ول يعق��وب: [. فحس��ن ذل��ك الختالف86"إنما أشكو ب��ثي وح��زني إلى الل��ه" ]يوس��ف:

اللفظ. و"نصليه" معناه نمسه حرها. وقد بين��ا مع��نى الجم��ع بين ه��ذه اآلي وحديث أبي سعيد الخدري في العصاة وأهل الكبائر لمن أنفذ عليه الوعيد؛ فال معنى إلعادة ذل��ك. وق��رأ األعمش والنخعي "نص��ليه" بفتح الن��ون، على أنه منقول من صلي نارا، أي أصليته؛ وفي الخبر "شاة مصلية". ومن ض��م

النون منقول بالهمزة، مثل طعمت وأطعمت. }إن تجتنب��وا كب��ائر م��ا تنه��ون عن��ه نكف��ر عنكم س��يئاتكم31*اآلي��ة: 3*

وندخلكم مدخال كريما{ @ لما نهى تعالى في هذه السورة عن آثام هي كب��ائر، وع��د على اجتنابه��ا التخفيف من الصغائر، ودل هذا على أن في الذنوب كب��ائر وص��غائر. وعلى ه��ذا جماع��ة أه��ل التأوي��ل وجماع��ة الفقه��اء، وأن اللمس��ة والنظ��رة تكف��ر باجتناب الكبائر قطعا بوعده الصدق وقوله الح��ق، ال أن��ه يجب علي��ه ذل��ك. ونظير الكالم في هذا ما تقدم بيانه في قبول التوبة في قوله تعالى: "إنم��ا

[، فالله تعالى يغفر الصغائر باجتناب الكب��ائر،17التوبة على الله" ]النساء: لكن بضميمة أخ��رى إلى االجتن��اب وهي إقام��ة الف��رائض. روى مس��لم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمض��ان إلى رمض��ان مكف��رات م��ا بينهن إذا اجتنب الكبائر. وروى أبو ح��اتم البس��تي إلى ص��حيح مس��نده عن أبي هري��رة وأبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وس��لم جلس على المن��بر ثم قال: )والذي نفسي بيده( ثالث مرات، ثم سكت فأكب كل رجل من��ا يبكي حزينا ليمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: )م��ا من عب��د ي��ؤدي الص��لوات الخمس ويص��وم رمض��ان ويجتنب الكب��ائر الس��بع إال فتحت ل��ه ثمانية أبواب من الجنة يوم القيام��ة ح��تى إنه��ا لتص��فق( ثم تال "إن تجتنب��وا كبائر ما تنه�ون عن��ه نكف��ر عنكم س��يئاتكم". فق��د تعاض��د الكت��اب وص��حيح

السنة بتكف��ير الص��غائر قطع��ا ك��النظر وش��بهه. وبينت الس��نة أن الم��راد ب� "تجتنبوا" ليس كل االجتن��اب لجمي��ع الكب��ائر. والل��ه أعلم. وأم��ا األص�وليون فقالوا: ال يجب على القطع تكفير الصغائر باجتن��اب الكب��ائر، وإنم��ا محم��ل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء والمش��يئة ثابت�ة. ودل على ذل�ك أن��ه ل�و قطعنا لمجتنب الكبائر وممتثل الفرائض تكفير صغائره قطعا لكانت له في حكم المباح الذي يقط��ع ب��أال تباع��ة في��ه، وذل��ك نقض لع��رى الش��ريعة. وال صغيرة عندنا. قال القشيري عبدالرحيم: والصحيح أنه��ا كب��ائر ولكن بعض��ها أعظم وقع��ا من بعض، والحكم��ة في ع��دم التمي��يز أن يجتنب العب��د جمي��ع

المعاصي. قلت: وأيضا فإن من نظر إلى نفس المخالفة كما ق��ال بعض��هم: - ال

تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر من عصيت - كانت الذنوب بهذه النس��بة كله��ا كب��ائر، وعلى ه��ذا النح��و يخ��رج كالم القاض��ي أبي بك��ر بن الطيب واألس��تاذ أبي إس��حاق اإلس��فراييني وأبي المع��الي وأبي نص��ر عب��دالرحيم القشيري وغيرهم؛ قالوا: وإنما يقال لبعض��ها ص�غيرة باإلض��افة إلى م�ا ه��و أكبر منها، كما يقال الزنى ص��غيرة بإض��افته إلى الكف��ر، والقبل��ة المحرم��ة صغيرة بالنسبة إلى الزنى، وال ذنب عندنا يغفر باجتناب ذنب آخر، ب��ل ك��ل ذلك كبيرة ومرتكبه في المشيئة غير الكفر، لقوله تعالى: "إن الله ال يغف��ر

[ واحتجوا بق��راءة48أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" ]النساء: من قرأ "إن تجتنبوا كبير ما تنهون عنه" على التوحيد؛ وكبير اإلثم الش��رك. قالوا: وعلى الجمع فالمراد أجناس الكفر. واآلي�ة ال�تي قي�دت الحكم ف�ترد إليها هذه المطلقات كلها قوله تع��الى: "ويغف��ر م��ا دون ذل��ك لمن يش��اء". واحتجوا بما رواه مسلم وغيره عن أبي أمام��ة أن رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم قال: )من اقتطع حق امرئ مسلم بيمين��ه فق��د أوجب الل��ه ل��ه النار وحرم علي�ه الجن�ة( فق�ال ل�ه رج�ل: ي�ا رس��ول الل�ه، وإن ك�ان ش�يئا يسيرا ؟ قال: )وإن كان قض��يبا من أراك(. فق��د ج��اء الوعي��د الش��ديد على اليسير كما جاء على الكثير. وقال ابن عباس: الكبيرة كل ذنب ختم��ه الل��ه بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقال ابن مسعود: الكبائر ما نهى الله عن��ه في هذه السورة إلى ثالث وثالثين آية؛ وتصديقه قول��ه تع��الى: "إن تجتنب��وا كبائر ما تنهون عنه". وقال طاوس: قيل البن عب��اس الكب��ائر س��بع ؟ ق��ال: هي إلى الس��بعين أق��رب. وق��ال س��عيد بن جب��ير: ق��ال رج��ل البن عب��اس الكبائر سبع ؟ قال: هي إلى السبعمائة أقرب منه��ا إلى الس��بع؛ غ��ير أن��ه ال كبيرة مع استغفار وال صغيرة مع إصرار. وروي عن ابن مس��عود أن��ه ق��ال: الكبائر أربعة: الي��أس من روج الل��ه، والقن��وط من رحم��ة الل��ه، واألمن من مكر الله، والشرك بالله؛ دل عليها القرآن. وروي عن ابن عمر: هي تس��ع: قتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، ورمي المحصنة، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، والسحر، واإللحاد في البيت الحرام. ومن الكبائر عند العلماء: القمار والس��رقة وش��رب الخم��ر وس��ب الس��لف الصالح وعدول الحكام عن الحق واتباع اله��وى واليمين الف��اجرة والقن��وط من رحمة الله وسب اإلنسان أبويه - بأن يس��ب رجال فيس��ب ذل��ك الرج��ل أبويه - والسعي في األرض فسادا - ؛ إلى غير ذلك مما يكثر تعداده حسب ما جاء بيانها في القرآن، وفي أحاديث خرجها األئمة، وق�د ذك�ر مس��لم في كتاب اإليمان منها جملة وافرة. وقد اختل��ف الن��اس في تع��دادها وحص��رها

الختالف اآلثار فيها؛ والذي أقول: إنه قد جاءت فيها أح��اديث كث��يرة ص��حاح وحسان لم يقصد بها الحصر، ولكن بعضها أك��بر من بعض بالنس��بة إلى م��ا يكثر ضرره، فالشرك أكبر ذلك كل��ه، وه��و ال��ذي ال يغف��ر لنص الل��ه تع��الى على ذلك، وبعده اليأس من رحمة الله؛ ألن في��ه تك��ذيب الق��رآن؛ إذ يق��ول

[ وه��و يق�ول: ال156وقوله الحق: "ورحمتي وسعت كل شيء" ]األعراف: يغفر له؛ فقد حج�ر واس�عا. ه�ذا إذا ك�ان معتق�دا ل�ذلك؛ ول�ذلك ق�ال الل�ه

[.87تع��الى: "إن��ه ال ي��يئس من روح الل��ه إال الق��وم الك��افرون" ]يوس��ف: وبعده القنوط؛ قال الله تع��الى: "ومن يقن��ط من رحم��ة رب��ه إال الض��الون"

[. وبعده األمن من مكر الله فيسترس��ل في المعاص��ي ويتك��ل56]الحجر: على رحمة الله من غير عمل؛ قال الله تعالى: "أفأمنوا مكر الله فال ي��أمن

[. وق��ال تع��الى: "وذلكم99مك��ر الل��ه إال الق��وم الخاس��رون" ]األع��راف: [.23ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاس��رين" ]فص��لت:

وبعده القتل؛ ألن فيه إذهاب النفوس وإعدام الوج��ود، والل��واط في��ه قط��ع النسل، والزنى فيه اختالط األنساب بالمياه، والخمر فيه ذهاب العقل الذي هو مناط التكليف، وترك الصالة واألذان في�ه ت�رك إظه�ار ش��عائر اإلس��الم، وشهادة الزور فيها استباحة الدماء والفروج واألموال، إلى غير ذلك مما هو بين الضرر؛ فكل ذنب عظم الشرع التوعد عليه بالعقاب وش��دده، أو عظم ضرره في الوجود كما ذكرنا فهو كبيرة وما عداه ص��غيرة. فه��ذا يرب��ط ل�ك

هذا الباب ويضبطه، والله أعلم. @قوله تعالى: "ون��دخلكم م��دخال كريم��ا" ق��رأ أب��و عم��رو وأك��ثر الكوف��يين "م��دخال" بض��م الميم، فيحتم��ل أن يك��ون مص��درا، أي إدخ��اال، والمفع��ول محذوف أي وندخلكم الجنة إدخاال. ويحتمل أن يكون بمعنى المكان فيكون مفعوال. وقرأ أهل المدينة بفتح الميم، فيج��وز أن يك��ون مص��در دخ��ل وه��و منصوب بإضمار فعل؛ التقدير وندخلكم فتدخلون مدخال، ودل الكالم علي��ه. ويجوز أن يكون اس��م مك��ان فينتص��ب على أن��ه مفع��ول ب��ه، أي ون��دخلكم مكانا كريم��ا وه�و الجن��ة. وق��ال أب��و س��عيد بن األع�رابي: س��معت أب��ا داود السجستاني يقول: سمعت أبا عبدالل��ه أحم��د بن حنب��ل يق��ول: المس��لمون كلهم في الجنة؛ فقلت له: وكيف ؟ قال: يقول الله ع��ز وج��ل: "إن تجتب��وا كبائر ما تنهون، عن��ه نكف��ر عنكم س��يئاتكم ون��دخلكم م��دخال كريم��ا" يع��ني الجنة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: )ادخ�رت ش��فاعتي أله�ل الكب�ائر من أمتي(. فإذا كان الله عز وجل يغفر ما دون الكب��ائر والن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم يش��فع في الكب��ائر ف��أي ذنب يبقى على المس��لمين. وق��ال علماؤنا: الكبائر عند أهل السنة تغفر لمن أقلع عنها قبل الموت حسب م��ا تقدم. وقد يغفر لمن مات عليها من المسلمين كما قال تعالى: "ويغفر م��ا

[ والمراد ب��ذلك من م��ات على ال��ذنوب؛48دون ذلك لمن يشاء" ]النساء: فلو كان المراد من تاب قبل الموت لم يكن للتفرق��ة بين اإلش��راك وغ��يره معنى؛ إذ التائب من الش��رك أيض��ا مغف��ور ل�ه. وروي عن ابن مس�عود أن�ه قال: خمس آيات من سورة النساء هي أحب إلي من ال��دنيا جميع��ا، قول��ه تعالى: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" وقوله "إن الله ال يغف��ر أن يش��رك

[ اآلي��ة، وقول��ه تع��الى: "ومن يعم��ل س��وءا أو يظلم48به ويغفر" ]النساء: [اآلي��ة، وقول��ه تع��الى: "وإن ت��ك حس��نة يض��اعفها"110نفس��ه" ]النس��اء:

[.152[، وقوله تعالى: "والذين آمنوا بالل��ه ورس��له" ]النس��اء: 40]النساء:

وقال ابن عباس: ثمان آيات في سورة النس��اء، هن خ��ير له��ذه األم��ة مم��ا [، "والل��ه26طلعت عليه الشمس وغربت: "يريد الله ليبين لكم" ]النساء:

[، "يريد الله أن يخفف عنكم" ]النس��اء:27يريد أن يتوب عليكم" ]النساء: [،31[، "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم س��يئاتكم" ]النس��اء: 28

اآلي��ة، "إن الل��ه ال يغف��ر أن يش��رك ب��ه"، "إن الل��ه ال يظلم مثق��ال ذرة" [، "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه"، "ما يفعل الله بع��ذابكم"40]النساء: [اآلية.147]النساء:

}وال تتمن��وا م��ا فض��ل الل��ه ب��ه بعض��كم على بعض للرج��ال32*اآلي��ة: 3* نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فض��له إن

الله كان بكل شيء عليما{ @ روى الترمذي عن أم سلمة أنها ق��الت: يغ��زو الرج��ال وال يغ��زو النس��اء وإنما لنا نصف الميراث؛ فأنزل الله تع��الى: "وال تتمن��وا م��ا فض��ل الل��ه ب��ه بعضكم على بعض". قال مجاهد: وأنزل فيها "إن المسلمين والمس��لمات"

[، وكانت أم سلمة أول ظعينة قدمت المدينة مه��اجرة. ق��ال35]األحزاب: أب��و عيس��ى: ه��ذا ح��ديث مرس��ل، ورواه بض��عهم عن ابن أبي نجيح عن مجاه��د، مرس��ل أن أم س��لمة ق��الت ك��ذا. وق��ال قت��ادة: ك��ان الجاهلي��ة ال يورثون النساء وال الصبيان؛ فلما ورثوا وجعل للذكر مثل حظ األنثيين تمنى

النساء أن لو جعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال. وقال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في اآلخرة كما فضلنا عليهن في الم��يراث؛

فنزلت، "وال تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض". @قول��ه تع��الى: "وال تتمن��وا" التم��ني ن��وع من اإلرادة يتعل��ق بالمس��تقبل، ك��التلهف ن��وع منه��ا يتعل��ق بالماض��ي؛ فنهى الل��ه س��بحانه المؤم��نين عن التمني؛ ألن فيه تعلق البال ونسيان األجل. وقد اختلف العلم��اء ه��ل ي��دخل في هذا النهي الغبطة، وهي أن يتمنى الرجل أن يكون له حال ص��احبه وإن لم يتمن زوال حاله. والجمهور على إجازة ذلك: مالك وغ��يره؛ وهي الم��راد عند بعضهم في قوله عليه السالم )ال حس��د إال في اثن��تين رج��ل أت��اه الل��ه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل أتاه الل��ه م��اال فه��و ينفق��ه آناء الليل وآناء النهار(. فمعنى قوله: "ال حسد" أي ال غبطة أعظم وأفض��ل من الغبطة في هذين األم��رين. وق��د نب��ه البخ��اري على ه��ذا المع��نى حيث بوب على هذا الح��ديث )ب��اب االغتب��اط في العلم والحكم��ة( ق��ال المهلب: بين الله تعالى في هذه اآلية ما ال يج��وز تمني��ه، وذل��ك م��ا ك��ان من ع��رض الدنيا وأشباهها. قال ابن عطية: وأما التم��ني في األعم��ال الص��الحة ف��ذلك هو الحسن، وأما إذا تمنى المرء على الله من غير أن يقرن أمنيت��ه بش��يء مما قدمنا ذكره فذلك جائز؛ وذلك موجود في حديث النبي صلى الله علي��ه

وسلم في قول: )وددت أن أحيا ثم أقتل(. قلت: هذا الحديث هو الذي صدر به البخاري كتاب التمني في صحيحه،

وهو يدل على تمني الخير وأفعال البر والرغبة فيها، وفي��ه فض��ل الش��هادة على سائر أعمال البر؛ ألنه عليه الس��الم تمناه��ا دون غيره��ا، وذل��ك لرفي��ع منزلتها وكرامة أهلها، فرزقه الله إياها؛ لقوله: )ما زالت أكلة خيبر تع��ادني اآلن أوان قطعت أبهري(. وفي الصحيح: )إن الشهيد يقال ل��ه تمن فيق��ول أتمنى أن أرجع إلى الدنيا حتى أقتل في سبيلك مرة أخرى(. وك��ان رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم يتم��نى إيم��ان أبي ط��الب وإيم��ان أبي لهب

وصناديد قريش مع علمه بأنه ال يكون؛ وكان يقول: )واشوقاه إلى إخ��واني الذين يجيئون من بعدي يؤمن��ون بي ولم ي��روني(. وه��ذا كل��ه ي��دل على أن التم��ني ال ينهى عن��ه إذا لم يكن داعي��ة إلى الحس��د والتب��اغض، والتم��ني المنهي عنه في اآلية من هذا القبي��ل؛ في��دخل في��ه أن يتم��نى الرج��ل ح��ال اآلخر من دين أو دنيا على أن يذهب ما عند اآلخر، وسواء تم��نيت م��ع ذل��ك أن يعود إليك أو ال. وهذا هو الحسد بعينه، وهو الذي ذمه الله تعالى بقول��ه: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله" ]النساء: [ وي��دخل في��ه أيضا خطبة الرجل على خطب��ة أخي��ه وبيع��ه على بيع��ه؛ ألن��ه داعي��ة الحم��د والمقت. وقد كره بعض العلماء الغبط�ة وأنه�ا داخل��ة في النهي، والص��حيح جوازها على ما بينا، وبالله توفيقنا. وقال الضحاك: ال يح��ل ألح��د أن يتم��نى م��ال أح��د، ألم تس��مع ال��ذين ق��الوا: "ي��ا ليت لن��ا مث��ل م��ا أوتي ق��ارون" ]القصص: [ إلى أن قال: "وأصبح الذين تمنوا مكانه باألمس" ]القص��ص: [ حين خس��ف ب��ه وب��داره وبأموال��ه "ل��وال أن من الل��ه علين��ا لخس��ف بن��ا" ]القصص: [ وقال الكلبي: ال يتمن الرجل م��ال أخي��ه وال امرأت��ه وال خادم��ه وال دابته؛ ولكن ليقل: اللهم ارزقني مثله. وهو ك��ذلك في الت��وراة، وك��ذلك قوله في الق�رآن "واس��ألوا الل��ه من فض��له". وق�ال ابن عب��اس: نهى الل��ه سبحانه أن يتمنى الرجل مال فالن وأهله، وأمر عباده المؤمنين أن يسألوه من فضله. ومن الحجة للجمهور قوله صلى الله علي��ه وس��لم: )إنم��ا ال��دنيا ألربعة نفر: رجل أتاه الله ماال وعلما فهو يتقي في��ه رب��ه ويص��ل ب��ه رحم��ه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل، ورجل أتاه الله علما ولم يؤته ماال فهو صادق الني��ة يق��ول ل��و أن لي م��اال لعملت في��ه بعم��ل فالن فه��و بنيت��ه فأجرهما س��واء( الح��ديث... وق��د تق��دم. خرج��ه الترم��ذي وص��ححه. وق��ال الحسن: ال يتمن أحدكم المال وما يدريه لعل هالكه فيه؛ وهذا إنما يصح إذا تمناه للدنيا، وأما إذا تمناه للخير فقد جوزه الشرع، فيتمناه العبد ليصل ب��ه

إلى الرب، ويفعل الله ما يشاء. @قوله تعالى: "للرجال نص��يب مم��ا اكتس��بوا" يري��د من الث��واب والعق��اب "وللنساء" كذلك؛ قال قتادة. فللمرأة الج��زاء على الحس��نة بعش��ر أمثاله��ا كما للرجال. وقال ابن عباس: المراد بذلك الميراث. واالكتس��اب على ه��ذا القول بمعنى اإلصابة، للذكر مث��ل ح��ظ األنث��يين؛ فنهى الل��ه ع��ز وج��ل عن التمني على هذا الوجه لما في��ه من دواعي الحس��د؛ وألن الل��ه تع��الى أعلم بمص��الحهم منهم؛ فوض��ع القس��مة بينهم على التف��اوت على م��ا علم من

مصالحهم. @قوله تعالى: "واسألوا الله من فضله" روى الترم��ذي عن عبدالل��ه ق��ال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )سلوا الله من فضله فإن��ه يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج( وخرج أيضا ابن ماج��ة عن أبي هري��رة قال: قال رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم: )من لم يس��أل الل��ه يغض��ب عليه(. وهذا يدل على أن األمر بالسؤال لله تع��الى واجب؛ وق��د أخ��ذ بعض

العلماء هذا المعنى فنظمه فقال:الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب

وقال أحمد بن المعذل أبو الفضل الفقيه المالكي فأحسن: التمس األرزاق عند الذي ما دونه إن سيل من حاجب من يبغض التارك تسأله جودا ومن يرضى عن الطالب

ومن إذا قال جرى قوله بغير توقيع إلى كاتب وق��د أش��بعنا الق��ول في ه��ذا المع��نى في كت��اب "قم��ع الح��رص بالزه��د والقناعة". وقال سعيد بن جبير: "واس��ألوا الل��ه من فض��له" العب��ادة، ليس من أمر الدنيا. وقيل: سلوه التوفيق للعمل بما يرضيه. وعن عائشة رض��ي الله عنها أنها قالت: سلوا ربكم حتى الش��بع؛ فإن��ه إن لم ييس��ره الل��ه ع��ز

وجل لم يتيسر. وقال سفيان بن عيينة: لم يأمر بالسؤال إال ليعطي. وقرأ الكسائي وابن كثير: "وسلوا الله من فضله" بغير همز في جميع

الق��رآن. الب��اقون ب��الهمز. "واس��ألوا الل��ه". وأص��له ب��الهمز إال أن��ه ح��ذفتالهمزة للتخفيف. والله أعلم.

}ولكل جعلنا م��والي مم��ا ت��رك الوال��دان واألقرب��ون وال��ذين33*اآلية: 3*عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا{

@ بين تعالى أن لكل إنسان ورثة وموالي؛ فلينتفع كل واحد بما قسم الله له من الميراث، وال يتمن مال غير. وروى البخاري في كتاب الف��رائض من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس: "ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان واألقرب��ون وال��ذين عاق��دت أيم��انكم" ق��ال: ك��ان المه��اجرون حين ق��دموا المدين��ة ي��رث األنص��اري المه��اجري دون ذوي رحم��ه؛ لألخ��وة ال��تي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت "ولك��ل جعلن��ا م��والي" قال: نسختها "والذين عاقدت أيمانكم". قال أبو الحسن بن بطال: وقع في جميع النسخ "ولكل جعلنا موالي" قال: نسختها "والذين عاقدت أيم��انكم". والص��واب أن اآلي��ة الناس��خة "ولك��ل جعلن��ا م��والي" والمنس��وخة "وال��ذين عاق��دت أيم��انكم"، وك��ذا رواه الط��بري في روايت��ه. وروي، عن جمه��ور السلف أن اآلية الناسخة لقوله: "والذين عاقدت أيمانكم" قوله تع��الى في

[. روي ه��ذا75"األنفال ": "وأولوا األرحام بعض��هم أولى ببعض" ]األنف��ال: عن ابن عباس وقتادة والحسن البصري؛ وهو الذي أثبته أبو عبيد في كتاب "الناس��خ والمنس��وخ" ل��ه. وفيه��ا ق��ول آخ��ر رواه الزه��ري عن س��عيد بن المسيب قال: أمر الله عز وجل الذين تبنوا غير أبنائهم في الجاهلية وورثوا في اإلسالم أن يجعلوا لهم نصيبا في الوصية ورد الميراث إلى ذوي ال��رحم والعصبة. وق��الت طائف��ة: قول��ه تع��الى: "وال��ذين عاق��دت أيم��انكم" محكم وليس بمنسوخ؛ وإنما أمر الله المؤمنين أن يعط��وا الحلف��اء أنص��باءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك؛ ذك��ره الط�بري عن ابن عب��اس. "وال��ذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم" من النصرة والنص��يحة والرف��ادة ويوص��ي

لهم وقد ذهب الميراث؛ وهو قول مجاهد والسدي. قلت: واختاره النحاس؛ ورواه عن سعيد بن جبير، وال يصح النسخ؛ فإن

الجمع ممكن كما بينه ابن عباس فيما ذكره الط��بري، ورواه البخ��اري عن��ه في كتاب التفسير. وسيأتي ميراث "ذوي األرح��ام" في "األنف��ال" إن ش��اء

الله تعالى. @ قول��ه: "ك��ل" في كالم الع��رب معناه��ا اإلحاط��ة والعم��وم. ف��إذا ج��اءت مف��ردة فال ب��د أن يك��ون في الكالم ح��ذف عن��د جمي��ع النح��ويين؛ ح��تى أن بعضهم أجاز مررت بكل، مثل قبل وبعد. وتقدير الحذف: ولكل أح��د جعلن��ا موالي، يعني ورثة. "وال��ذين عاق��دت أيم��انكم" يع��ني ب��الحلف؛ عن قت��ادة. وذلك أن الرجل ك��ان يعاق��د الرج��ل فيق��ول: دمي دم��ك، وه��دمي ه��دمك، وثأري ثأرك، وحربي حرب��ك، وس��لمي س��لمك، وترث��ني وأرث��ك، وتطلب بي

وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عنك؛ فيكون للحليف الس��دس من م��يراثالحليف ثم نسخ.

@قوله تعالى: "موالي" أعلم أن المولى لفظ مشترك يطل��ق على وج��وه؛ فيسمى المعتق م��ولى والمعت��ق م��ولى. ويق��ال: الم��ولى األس��فل واألعلى أيضا. ويسمى الناصر المولى؛ ومنه قول��ه تع�الى: "وأن الك�افرين ال م�ولى

[. ويس��مى ابن العم م��ولى والج��ار م��ولى. فأم��ا قول��ه11لهم" ]محم��د: تعالى: "ولكل جعلنا موالي" يري��د عص��بة؛ لقول��ه علي��ه الس��الم: )م��ا أبقت السهام فألولى عصبة ذكر(. ومن العصبات المولى األعلى ال األسفل، على قول أكثر العلماء؛ ألن المفهوم في حق المعت��ق أن��ه المنعم على المعت��ق، كالموجد له؛ فاستحق ميراثه لهذا المعنى. وحكى الطحاوي عن الحسن بن زي��اد أن الم��ولى األس��فل ي��رث من األعلى؛ واحتج في��ه بم��ا روي أن رجال أعتق عبدا له لهذا الحديث ولم يترك إال المعتق فجع��ل رس��ول الل��ه ص��لى الله عليه وسلم ميراث��ه للغالم المعت��ق. ق��ال الطح��اوي: وال مع��ارض له��ذا الحديث، ف��وجب الق��ول ب��ه؛ وألن��ه إذا أمكن إثب��ات الم��يراث للمعت��ق على تقدير أنه كان كالموجد له، فهو شبيه باألب؛ والمولى األسفل شبيه ب��االبن؛ وذلك يقتضي التسوية بينهما في الم��يراث، واألص��ل أن االتص��ال يعم. وفي الخ��بر )م��ولى الق��وم منهم(. وال��ذين خ��الفوا ه��ذا وهم الجمه��ور ق��الوا: الميراث. يستدعي القرابة وال قرابة، غير أنا أثبتن��ا للمعت��ق الم��يراث بحكم اإلنعام على المعتق؛ فيقتض��ي مقابل��ة اإلنع��ام بالمج��ازاة، وذل��ك ال ينعكس في المولى األس��فل. وأم��ا االبن فه��و أولى الن��اس ب��أن يك��ون خليف��ة أبي��ه وقائما مقامه، وليس المعتق صالحا ألن يقوم مق�ام معتق��ه، وإنم�ا المعت�ق قد أنعم عليه فقابله الشرع بأن جعله أحق بم��واله المعت��ق، وال يوج��د ه��ذا

في المولى األسفل؛ فظهر الفرق بينهما والله أعلم. @قوله تعالى: "وال��ذين عق��دت أيم��انكم" روى علي بن كبش��ة عن حم��زة "عقدت" بتش��ديد الق��اف على التكث��ير. والمش��هور عن حم��زة "عق��دت أيمانكم" مخففة القاف، وهي قراءة عاصم والكسائي، وهي قراءة بعي��دة؛ ألن المعاقدة ال تكون إال من اثنين فصاعدا، فبابه��ا فاع��ل. ق��ال أب��و جعف��ر النحاس: وقراءة حمزة تجوز على غموض في العربية، يكون التق��دير فيه��ا والذين عقدتهم أيمانكم الحلف، وتعدى إلى مفعولين؛ وتقديره: عقدت لهم أيم���انكم الحل���ف، ثم ح���ذفت الالم مث���ل قول���ه تع���الى: "وإذا ك���الوهم"

[ أي كالوا لهم. وحذف المفعول الثاني، كما يقال: كلت��ك أي3]المطففين: كلت لك برا. وحذف المفعول األول ألنه متصل في الصلة.

@قوله تعالى: "فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا" أي ق��دشهد معاقدتكم إياهم، وهو عز وجل يحب الوفاء.

}الرجال قوامون على النس��اء بم��ا فض��ل الل��ه بعض��هم على34*اآلية: 3* بعض وبم��ا أنفق��وا من أم��والهم فالص��الحات قانت��ات حافظ��ات للغيب بم��ا حفظ الل��ه والالتي تخ�افون نش�وزهن فعظ�وهن واهج�روهن في المض�اجع

واضربوهن فإن أطعنكم فال تبغوا عليهن سبيال إن الله كان عليا كبيرا{ @قوله تعالى: "الرج�ال قوام�ون على النس�اء" ابت�داء وخ�بر، أي يقوم��ون بالنفقة عليهن والذب عنهن؛ وأيضا فإن فيهم الحك��ام واألم��راء ومن يغ��زو، وليس ذلك في النساء. يقال: قوام وقيم. واآلية نزلت في س��عد بن الربي��ع نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبي زهير فلطمه��ا؛ فق��ال

أبوه��ا: ي��ا رس��ول الل��ه، أفرش��ته كريم��تي فلطمه��ا ! فق��ال علي��ه الس��الم: )لتقتص من زوجها(. فانصرفت مع أبيها لتقتص من��ه، فق��ال علي��ه الس��الم: )ارجعوا هذا جبريل أتاني( فأنزل الله هذه اآلية؛ فقال عليه الس�الم: )أردن�ا أمرا وأراد الله غيره(. وفي رواية أخرى: )أردت شيئا وم��ا أراد الل��ه خ��ير(. ونقض الحكم األول. وقد قيل: إن في هذا الحكم المردود ن��زل "وال تعج��ل

[. ذك��ر إس��ماعيل بن114بالقرآن من قبل أن يقض��ى إلي��ك وحي��ه" ]ط��ه: إسحاق قال: حدثنا حجاج بن المنهال وعارم بن الفضل - واللفظ. لحجاج - قال حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقول: إن امرأة أتت الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم فق��الت: إن زوجي لطم وجهي. فق��ال: )بينكم��ا القصاص(، فأنزل الله تعالى: "وال تعجل بالقرآن من قب��ل أن يقض��ى إلي��ك وحيه". وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم ح��تى ن��زل: "الرج��ال قوام��ون على النساء". وقال أبو روق: نزلت في جميل�ة بنت أبي وفي زوجه�ا ث�ابت بن قيس بن ش��ماس. وق��ال الكل��بي: ن��زلت في عم��يرة بنت محم��د بن مسلمة وفي زوجها سعد بن الربيع. وقيل: سببها قول أم س��لمة المتق��دم. ووج���ه النظم أنهن تكلمن في تفض���يل الرج���ال على النس���اء في اإلرث، فنزلت "وال تتمنوا" اآلية. ثم بين تع�الى أن تفض��يلهم عليهن في اإلرث لم�ا على الرجال من المهر واإلنفاق؛ ثم فائ��دة تفض��يلهم عائ��دة إليهن. ويق��ال: إن الرجال لهم فضيلة في زي��ادة العق��ل والت��دبير؛ فجع��ل لهم ح��ق القي��ام عليهن لذلك. وقيل: للرجال زيادة قوة في النفس والطبع ما ليس للنس��اء؛ ألن طبع الرجال غلب علي��ه الح��رارة واليبوس��ة، فيك��ون في��ه ق��وة وش��دة، وطب��ع النس��اء غلب علي��ه الرطوب��ة وال��برودة، فيك��ون في��ه مع��نى اللين والضعف؛ فجعل لهم حق القيام عليهن بذلك، وبقوله تعالى: "وبم��ا أنفق��وا

من أموالهم". @ ودلت هذه اآلية على تأديب الرجال نساءهم، فإذا حفظن حقوق الرجال فال ينبغي أن يسيء الرجل عشرتها. و"ق��وام" فع��ال للمبالغ��ة؛ من القي��ام على الشيء واالستبداد بالنظر فيه وحفظه باالجته��اد. فقي��ام الرج��ال على النساء هو على هذا الحد؛ وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعه��ا من ال��بروز، وأن عليه��ا طاعت��ه وقب��ول أم��ره م��ا لم تكن معص��ية؛ وتعليل ذلك بالفضيلة والنفق��ة والعق��ل والق��وة في أم��ر الجه��اد والم��يراث واألم��ر ب��المعروف والنهي عن المنك��ر. وق��د راعى بعض��هم في التفض��يل اللحية - وليس بشيء؛ فإن اللحية قد تكون وليس معها شيء مم��ا ذكرن��ا.

وقد مضى الرد على هذا في "البقرة". @فهم العلماء من قوله تعالى: "وبما أنفقوا من أم��والهم" أن��ه م��تى عج��ز عن نفقتها لم يكن قوام�ا عليه�ا، وإذا لم يكن قوام�ا عليه�ا ك�ان له�ا فس�خ العقد؛ لزوال المقصود الذي شرع ألجله النكاح. وفيه داللة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند اإلعسار بالنفقة والكسوة؛ وه��و م��ذهب مالك والشافعي. وقال أب��و حنيف��ة: ال يفس��خ؛ لقول��ه تع��الى: "وإن ك��ان ذو

[ وقد تق��دم الق��ول في ه��ذا في280عسرة فنظرة إلى ميسرة" ]البقرة: هذه السورة.

@قول��ه تع��الى: "فالص��الحات قانت��ات حافظ��ات للغيب" ه��ذا كل��ه خ��بر، ومقصوده األمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في ماله وفي نفس��ها في ح��ال غيب��ة ال��زوج. وفي مس��ند أبي داود الطيالس��ي عن أبي هري��رة ق��ال: ق��ال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: )خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظت��ك في نفس��ها ومال��ك( ق��ال: وتال هذه اآلية "الرجال قوامون على النساء" إلى آخ��ر اآلي��ة. وق��ال ص��لى الل��ه عليه وسلم لعمر: )أال أخبرك بخير ما يكنزه المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعت��ه وإذا غ��اب عنه��ا حفظت��ه "أخرج��ه أب��و داود. وفي مصحف ابن مس��عود "فالص��والح ق��وانت حواف��ظ". وه��ذا بن��اء يختص بالمؤنث. قال ابن جني: والتكسير أشبه لفظا بالمعنى؛ إذ هو يعطي الكثرة وهي المقصود ههنا. و"ما" في قوله: "بما حفظ الله" مص��درية، أي بحف��ظ الله لهن. ويصح أن تكون بمعنى ال�زي، ويك�ون العائ�د في "حف�ظ" ض�مير نصب. وفي قراءة أبي جعفر "بما حفظ الله" بالنصب. قال النحاس: الرفع أبين؛ أي حافظات لمغيب أزواجهن بحفظ الل��ه ومعونت��ه وتس�ديده. وقي��ل: بما حفظهن الله في مهورهن وعشرتهن. وقيل: بما استحفظهن الل��ه إي��اه من أداء األمانات إلى أزواجهن. ومعنى ق��راءة النص��ب: بحفظهن الل��ه؛ أي بحفظهن أمره أو دينه. وقيل في التقدير: بما حفظن الله، ثم وحد الفع��ل؛

كما قيل:فإن الحوادث أودى بها

وقيل: المعنى بحفظ الله؛ مثل حفظت الله. @قوله تعالى: "والالتي تخافون نشوزهن" الالتي جمع التي وقد تقدم. قال ابن عباس: تخافون بمعنى تعلمون وتتيقنون. وقيل هو على بابه. والنش��وز العصيان؛ مأخوذ من النشز، وهو ما ارتف��ع من األرض. يق��ال: نش��ز الرج��ل ينشز وينشز إذا كان قاعدا فنهض قائما؛ ومنه قول��ه ع��ز وج��ل: "وإذا قي��ل

[ أي ارتفع��وا وانهض��وا إلى ح��رب أو أم��ر11انشزوا فانشزوا" ]المجادل��ة: من أمور الله تعالى. فالمعنى: أي تخافون عص��يانهن وتع��اليهن عم��ا أوجب الله عليهن من طاعة األزواج. وقال أبو منصور اللغوي: النشوز كراهية كل واح��د من ال��زوجين ص��احبه؛ يق��ال: نش��زت تنش��ز فهي ناش��ز بغ��ير ه��اء. ونشصت تنشص، وهي السيئة للعشرة. وقال ابن فارس: ونش��زت الم��رأة استصعبت على بعلها، ونشز بعلها عليها إذا ضربها وجفاها. ق��ال ابن دري��د:

نشزت المرأة ونشست ونشصت بمعنى واحد. @قول��ه تع��الى: "فعظ��وهن" أي بكت��اب الل��ه؛ أي ذك��روهن م��ا أوجب الل��ه عليهن من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج، واالعتراف بالدرجة ال��تي له عليها، ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )لو أم��رت أح��دا أن يسجد ألحد ألمرت المرأة أن تسجد لزوجها(. وقال: )ال تمنع��ه نفس��ها وإن كانت على ظهر قتب(. وقال: )أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنته��ا المالئكة حتى تصبح( في رواية )حتى تراجع وتضع يدها في يده(. وم��ا ك��ان

مثل هذا. @قول��ه تع��الى: "واهج��روهن في المض��اجع" وق��رأ ابن مس��عود والنخعي وغيرهما "في المضجع" على اإلف�راد؛ كأن��ه اس��م جنس ي�ؤدي عن الجم��ع. والهجر في المضاجع هو أن يض��اجعها ويوليه��ا ظه��ره وال يجامعه��ا؛ عن ابن عب��اس وغ��يره. وق��ال مجاه��د: جنب��وا مض��اجعهن؛ فيتق��در على ه�ذا الكالم حذف، ويعضده "اهجروهن" من الهجران، وهو البعد؛ يقال: هجره أي تباعد ونأى عنه. وال يمكن بعدها إال بترك مضاجعتها. وقال معناه إب��راهيم النخعي والش��عبي وقت��ادة والحس��ن البص��ري، ورواه ابن وهب وابن القاس��م عن

مالك، واختاره ابن العربي وقال: حملوا األمر على األكثر الم��وفي. ويك��ونهذا القول كما تقول: اهجره في الله. وهذا أصل مالك.

قلت: هذا قول حسن؛ فإن الزوج إذا أعرض عن فراشها ف��إن ك��انت محبة للزوج فذلك يشق عليها ف��ترجع للص��الح، وإن ك��انت مبغض��ة فيظه��ر النشوز منها؛ فيتبين أن النش�وز من قبله�ا. وقي�ل: "اهج�روهن" من الهج�ر وهو الق��بيح من الكالم، أي غلظ��وا عليهن في الق��ول وض��اجعوهن للجم��اع وغيره؛ قال معناه سفيان، وروي عن ابن عباس. وقيل: أي ش��دوهن وثاق��ا في بيوتهن؛ من قولهم: هجر البعير أي ربطه بالهج��ار، وه��و حب��ل يش��د ب��ه البعير، وهو اختيار الطبري وق��دح في س��ائر األق��وال. وفي كالم��ه في ه��ذا الموضع نظر. وقد رد عليه القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام��ه فق��ال: يا لها من هفوة من عالم بالقرآن والسنة ! والذي حمل��ه على ه��ذا التأوي��ل ح�ديث غ��ريب رواه ابن وهب عن مال�ك أن أس��ماء بنت أبي بك��ر الص��ديق امرأة الزبير بن العوام كانت تخرج حتى عوتب في ذلك. قال: وعتب عليها وعلى ضرتها، فعقد شعر واحدة باألخرى ثم ضربهما ضربا ش��ديدا، وك��انت الضرة أحسن اتقاء، وكانت أسماء ال تتقي فكان الضرب بها أكثر؛ فش��كت إلى أبيها أبي بكر رضي الله عنه فقال لها: أي بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح، ولعله أن يكون زوجك في الجن��ة؛ ولق��د بلغ��ني أن الرج��ل إذا ابتك��ر بامرأة تزوجها في الجنة. فرأى الربط والعقد مع احتم��ال اللف��ظ م��ع فع��ل الزبير فأقدم على هذا التفسير. وهذا الهجر غايته عن��د العلم��اء ش��هر؛ كم��ا فع��ل الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم حين أس��ر إلى حفص��ة فأفش��ته إلى عائشة، وتظاهرتا عليه. وال يبلغ ب��ه األربع��ة األش��هر ال��تي ض��رب الل��ه أجال

عذرا للمولي. @قوله تعالى: "واض��ربوهن" أم��ر الل��ه أن يب��دأ النس��اء بالموعظ��ة أوال ثم بالهجران، فإن لم ينجعا فالضرب؛ فإنه هو الذي يص��لحها ل��ه ويحمله��ا على توفية حقه. والضرب في هذه اآلية هو ضرب األدب غير المبرح، وهو ال��ذي ال يكس��ر عظم��ا وال يش��ين جارح��ة ك��اللكزة ونحوه��ا؛ ف��إن المقص��ود من��ه الصالح ال غير. فال ج��رم إذا أدى إلى الهالك وجب الض��مان، وك��ذلك الق��ول في ضرب المؤدب غالمه لتعليم القرآن واألدب. وفي صحيح مسلم: )اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان��ة الل��ه واس��تحللتم ف��روجهن بكلم��ة الله ولكم عليهن أال يوطئن فرشكم أح��دا تكرهون��ه ف��إن فعلن فاض��ربوهن ضربا غير مبرح( الحديث. أخرجه من حديث ج�ابر الطوي�ل في الحج، أي ال يدخلن منازلكم أحدا ممن تكرهون��ه من األق��ارب والنس��اء األج��انب. وعلى هذا يحمل ما رواه الترمذي وصححه عن عمرو بن األحوص أنه ش��هد حج��ة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأث��نى علي��ه وذك��ر ووع��ظ فق��ال: )أال واستوص��وا بالنس��اء خ��يرا ف��إنهن ع��وان عن��دكم ليس تملك��ون منهن ش��يئا غ��ير ذل��ك إال أن ي��أتين بفاحش��ة مبين��ة ف��إن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فال تبغوا عليهن سبيال أال إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نس��ائكم فال ي��وطئن فرش��كم من تكره��ون وال ي��أذن في بي��وتكم من تكره��ون أال وحقهن عليكم أن تحس��نوا إليهن في كس��وتهن وطع��امهن(.

[ يريد19وقال: هذا حديث حسن صحيح. فقوله: "بفاحشة مبينة" ]النساء: ال يدخلن من يكرهه أزواجهن وال يغضبنهم. وليس المراد بذلك الزنى؛ ف��إن

ذلك محرم ويلزم علي��ه الح��د. وق��د ق��ال علي��ه الص��الة والس��الم: )أض��ربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربا غ��ير م��برح(. ق��ال عط��اء: قلت البن عباس ما الضرب غير المبرح ؟ قال بالسواك ونحوه. وروي أن عمر رضي الله عنه ضرب امرأته فعذل في ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الل��ه

عليه وسلم يقول: )ال يسأل الرجل فيم ضرب أهله(. @قوله تعالى: "فإن أطعنكم" أي تركوا النش��وز. "فال تبغ��وا عليهن س��بيال" أي ال تجنوا عليهن بقول أو فعل. وهذا نهي عن ظلمهن بعد تقري��ر الفض��ل عليهن والتمكين من أدبهن. وقي��ل: المع��نى ال تكلف��وهن الحب لكم فإن��ه

ليس إليهن. @قوله تعالى: "إن الله كان عليا كبيرا" إش��ارة إلى األزواج بخفض الجن��اح ولين الجانب؛ أي إن كنتم تقدرون عليهن فتذكروا قدرة الله؛ فيده بالق��درة فوق كل يد. فال يستعلي أح��د على امرأت��ه فالل��ه بالمرص��اد فل��ذلك حس��ن

االتصاف، هنا بالعلو والكبر. @ وإذا ثبت ه�ذا ف�اعلم. أن الل��ه ع�ز وج�ل لم ي�أمر في ش�يء من كتاب��ه بالضرب صراحا إال هنا وفي الحدود العظام؛ فس��اوى معص��يتهن ب��أزواجهن بمعصية الكب��ائر، وولى األزواج ذل��ك دون األئم��ة، وجعل��ه لهم دون القض��اة بغ��ير ش��هود وال بين��ات ائتمان��ا من الل��ه تع��الى لألزواج على النس��اء. ق��ال المهلب: إنم��ا ج��وز ض��رب النس��اء من أج��ل امتن��اعهن على أزواجهن في المباضعة. واختلف في وجوب ضربها في الخدمة، والقياس ي��وجب أن��ه إذا جاز ض��ربها في المباض��عة ج��از ض��ربها في الخدم��ة الواجب��ة لل��زوج عليه��ا بالمعروف. وقال ابن خويز منداد. والنشوز يسقط النفق��ة وجمي��ع الحق��وق الزوجية، ويجوز معه أن يضربها الزوج ضرب األدب غ��ير الم��برح، والوع��ظ والهجر حتى ترجع عن نشوزها، فإذا رجعت عادت حقوقها؛ وكذلك ك��ل م��ا اقتض��ى األدب فج��ائز لل��زوج تأديبه��ا. ويختل��ف الح��ال في أدب الرفيع��ة والدنيئة؛ فأدب الرفيعة العذل، وأدب الدنيئة السوط. وقد قال النبي ص��لى الله عليه وسلم: )رحم الله امرأ علق سوطه وأدب أهل��ه(. وق��ال: )إن أب��ا

جهم ال يضع عصاه عن عاتقه(. وقال بشار: الحر يلحى والعصا للعبد

يلحى أي يالم؛ وقال ابن دريد: واللوم للحر مقيم رادع والعبد ال يردعه إال العصا

ق��ال ابن المن��ذر: اتف��ق أه��ل العلم على وج��وب نفق��ات الزوج��ات على أزواجهن إذا كانوا جميعا بالغين إال الناشز منهن الممتنعة. وق��ال أب��و عم��ر: من نشزت عنه امرأته بعد دخوله سقطت عنه نفقته��ا إال أن تك��ون ح��امال. وخالف ابن القاسم جماعة الفقهاء في نفق��ة الناش��ز فأوجبه��ا. وإذا ع��ادت الناشز إلى زوجها وجب في المستقبل نفقتها. وال تسقط نفقة الم��رأة عن زوجها لشيء غير النش��وز؛ ال من م��رض وال حيض وال نف��اس وال ص��وم وال حج وال مغيب زوجها وال حبسه عنها في حق أو ج��ور غ��ير م��ا ذكرن��ا. والل��ه

أعلم. }وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكم�ا من أهل��ه وحكم�ا من35*اآلية: 3*

أهلها إن يريدا إصالحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا{ @قول��ه تع��الى: "وإن خفتم ش��قاق بينهم��ا" ق��د تق��دم مع��نى الش��قاق في "البقرة". فكأن كل واح��د من ال��زوجين يأخ��ذ ش��قا غ��ير ش��ق ص��احبه، أي

ناحية غير ناحية صاحبه. والمراد إن خفتم شقاقا بينهم��ا؛ فأض��يف المص��در إلى الظرف كقولك: يعجبني سير الليلة المقمرة، وصوم ي��وم عرف��ة. وفي

[. وقيل: إن "بين" أجري مج��رى33التنزيل: "بل مكر الليل والنهار" ]سبأ: األسماء وأزي��ل عن��ه الظرفي��ة؛ إذ ه��و بمع��نى حالهم��ا وعش��رتهما، أي وإن خفتم تباعد عشرتهما وصحبهما "ف��ابعثوا". و"ختم" على الخالف المتق��دم. قال سعيد بن جبير: الحكم أن يعظها أوال، فإن قبلت وإال هجرها، ف��إن هي قبلت وإال ضربها، فإن هي قبلت وإال بعث الح��اكم حكم��ا من أهل��ه وحكم��ا من أهلها، فينظران ممن الضرر، وعند ذلك يكون الخلع. وق��د قي��ل: ل��ه أن

يضرب قبل الوعظ. واألول أصح لترتيب ذلك في اآلية. @ والجمهور من العلم��اء على أن المخ��اطب بقول��ه: "وإن خفتم" الحك��ام واألمراء. وأن قول: "إن يريدا إص��الحا يوف��ق الل��ه بينهم��ا" يع��ني الحكمين؛ في قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما. أي إن ي��رد الحكم��ان إص��الحا يوف��ق الل��ه بين ال�زوجين. وقي��ل: الم��راد الزوج�ان؛ أي إن ي��رد الزوج�ان إص��الحا وصدقا فيما أخبرا به الحكمين "يوفق الله بينهما". وقيل: الخطاب لألولياء. يقول: "إن خفتم" أي علمتم خالف�ا بين ال��زوجين "ف�ابعثوا حكم��ا من أهل�ه وحكما من أهلها" والحكمان ال يكونان إال من أهل الرجل والم��رأة؛ إذ هم��ا أقعد بأحوال ال��زوجين، ويكون��ان من أه��ل العدال��ة وحس��ن النظ��ر والبص��ر بالفق��ه. ف��إن لم يوج��د من أهلهم��ا من يص��لح ل��ذلك فيرس��ل من غيرهم��ا عدلين عالمين؛ وذلك إذا أشكل أمرهما ولم يدر ممن اإلساءة منهما. فأم��ا إن عرف الظالم فإنه يؤخذ له الحق من صاحبه ويج��بر على إزال��ة الض��رر. ويقال: أن الحكم من أهل الزوج يخلو به ويقول له: أخبرني بما في نفسك أتهواها أم ال حتى أعلم مرادك ؟ فإن قال: ال حاجة لي فيها خذ لي منها ما استطعت وفرق بيني وبينها، فيع��رف أن من قبل��ه النش��وز. وإن ق��ال: إني أهواها فأرضها من مالي بما شئت وال تف��رق بي��ني وبينه��ا، فيعلم أن��ه ليس بناشز. ويخلو الحكم من جهتها بالمرأة ويقول لها: أتهوين زوجك أم ال؛ فإن قالت: ف�رق بي��ني وبين�ه وأعط�ه من م�الي م�ا أراد؛ فيعلم أن النش�وز من قبلها. وإن قالت: ال تفرق بيننا ولكن حثه على أن يزيد في نفقتي ويحس��ن إلي، علم أن النشوز ليس من قبلها. فإذا ظهر لهما الذي ك�ان النش��وز من قبله يقبالن عليه بالعظة والزجر والنهى؛ فذلك قوله تعالى: "فابعثوا حكم��ا

من أهله وحكما من أهلها". @ قال العلماء: قسمت هذه اآلية النساء تقسيما عقلي��ا؛ ألنهن إم��ا طائع��ة وإما ناشز؛ والنشوز إما أن يرجع إلى الطواعية أو ال. فإن كان األول ترك��ا؛ لما رواه النسائي أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيع��ة فكان إذا دخل عليها تقول: يا بني هاش��م، والل��ه ال يحبكم قل��بي أب��دا ! أين الذين أعناقهم كأباريق الفض��ة ! ت��رد أن��وفهم قب��ل ش��فاههم، أين عتب��ة بن ربيعة، أين شيبة بن ربيعة؛ فيسكت عنها، حتى دخل عليه��ا يوم��ا وه��و ب��رم فقالت له: أين عتب��ة بن ربيع�ة ؟ فق�ال: على يس�ارك في الن��ار إذا دخلت؛ فنشرت عليها ثيابها، فجاءت عثمان فذكرت ل��ه ذل��ك؛ فأرس��ل ابن عب��اس ومعاوية، فقال ابن عباس: ألفرقن بينهم��ا؛ وق��ال معاوي��ة: م��ا كنت ألف��رق بين شيخين من بني عبد مناف. فأتياهما فوجداهما قد سدا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما. فإن وجداهما قد اختلفا ولم يصطلحا وتفاقم أمرهما سعيا في األلفة جهدهما، وذكرا بالله وبالصحبة. ف��إن أناب��ا ورجع��ا تركاهم��ا، وإن

كانا غير ذلك ورأي��ا الفرق��ة فرق��ا بينهم��ا. وتفريقهم��ا ج��ائز على ال��زوجين؛ وس��واء واف��ق حكم قاض��ي البل��د أو خالف��ه، وكلهم��ا الزوج��ان ب��ذلك أو لم يوكالهما. والفراق في ذلك طالق بائن. وقال قوم: ليس لهما الطالق ما لم يوكلهما ال��زوج في ذل��ك، وليعرف��ا اإلم��ام؛ وه��ذا بن��اء على أنهم��ا رس��والن شاهدان. ثم اإلمام يفرق إن أراد ويأمر الحكم بالتفريق. وه��ذا أح��د ق��ولي الشافعي؛ وبه قال الكوفيون، وهو قول عطاء وابن زيد والحسن، وبه ق��ال أبو ثور. والصحيح األول، ألن للحكمين التطليق دون توكيل؛ وهو قول مالك واألوزاعي وإس��حاق وروي عن عثم��ان وعلي وابن عب��اس، وعن الش��عبي والنخعي، وهو قول الشافعي؛ ألن الله تعالى قال: "فابعثوا حكما من أهل��ه وحكما من أهلها" وهذا نص من الل��ه س��بحانه بأنهم��ا قاض��يان ال وكيالن وال شاهدان. وللوكيل اسم في الش��ريعة ومع��نى، وللحكم اس��م في الش��ريعة ومعنى؛ فإذا بين الله كل واحد منهم��ا فال ينبغي لش��اذ - فكي��ف لع��الم - أن يركب معنى أحدهما على اآلخر !. وقد روى ال�دارقطني من ح�ديث محم�د بن سيرين عن عبيدة في هذه اآلية "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكم��ا من أهله وحكما من أهلها" قال: جاء رجل وام��رأة إلى علي م��ع ك��ل واح��د منهما فئام من الن��اس ف��أمرهم فبعث�وا حكم�ا من أهل��ه وحكم��ا من أهله�ا، وقال للحكمين: هل تدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما. فقالت، المرأة: رضيت بكت��اب الل��ه بم�ا علي في��ه ولي. وق�ال ال�زوج: أم��ا الفرقة فال. فقال علي: كذبت، والله ال تبرح حتى تقر بمثل الذي أقرت به. وهذا إسناد صحيح ثابت روي عن علي من وجوه ثابتة عن ابن س��يرين عن عبيدة؛ قال أبو عمر. فلو كانا وكيلين أو شاهدين لم يقل لهما: أت��دريان م��ا عليكما ؟ إنما كان يقول: أتدريان بما وكلتم��ا ؟ وه��ذا بين. احتج أب��و حنيف��ة بقول علي رضي الله عنه للزوج: ال تبرح حتى ترضى بما رضيت ب��ه. ف��دل على أن مذهبه أنهما ال يفرقان إال برضا الزوج، وبأن األصل المجتم��ع علي��ه أن الطالق بيد الزوج أو بيد من جعل ذلك إليه. وجعله مالك ومن تابع��ه من

باب طالق السلطان على المولى والعنين. @ فإن اختلف الحكمان لم ينف��ذ قولهم��ا ولم يل��زم من ذل��ك ش��يء إال م��ا اجتمعا عليه. وكذلك كل حكمين حكما في أمر؛ فإن حكم أح��دهما بالفرق��ة ولم يحكم بها اآلخر، أو حكم أحدهما بمال وأبى اآلخر فليس��ا بش��يء ح��تى يتفقا. وقال مالك في الحكمين يطلقان ثالثا قال: تلزم واح��دة وليس لهم��ا الفراق بأكثر من واحدة بائن��ة؛ وه��و ق��ول ابن القاس��م. وق��ال ابن القاس��م أيض���ا: تلزم���ه الثالث إن اجتمع���ا عليه���ا؛ وق���ال المغ���يرة وأش���هب وابن الماجشون وأصبغ. وقال ابن المواز: إن حكم أحدهما بواحدة واآلخ��ر بثالث

فهي واحدة. وحكى ابن حبيب عن أصبغ أن ذلك ليس بشيء. @ ويجزئ إرسال الواحد؛ ألن الله سبحانه حكم في ال��زنى بأربع��ة ش��هود، ثم قد أرسل. النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة الزاني��ة أنيس��ا وح��ده

وقال له: )إن اعترفت فأرجمها( وكذلك قال عبدالملك في المدونة. قلت: وإذا جاز إرسال الواحد فلو حكم الزوج��ان واح��دا ألج��زأ، وه��و

ب��الجواز أولى إذا رض��يا ب��ذلك، وإنم��ا خ��اطب الل��ه باإلرس��ال الحك��ام دون الزوجين. فإن أرس��ل الزوج��ان حكمين وحكم��ا نف��ذ حكمهم��ا؛ ألن التحكيم عندنا جائز، وينفذ فعل الحكم في كل مسألة. هذا إذا كان كل واح�د منهم�ا عدال، ولو كان غير عدل قال عبدالملك: حكمه منقوض؛ ألنهما تخ��اطرا بم��ا

ال ينبغي من الغرر. قال ابن العربي: والصحيح نف��وذه؛ ألن��ه إن ك��ان ت��وكيال ففعل الوكيل نافذ، وإن كان تحكيما فقد قدماه على أنفسهما وليس الغ��رر بمؤثر فيه كما لم يؤثر في باب التوكي��ل، وب��اب القض��اء مب��ني على الغ��رر كله، وليس يلزم فيه معرفة المحكوم عليه بما يؤول إلي��ه الحكم. ق��ال ابن العربي: مسألة الحكمين نص الله عليها وحكم بها عند ظه��ور الش��قاق بين ال��زوجين، واختالف م��ا بينهم��ا. وهي مس��ألة عظيم��ة اجتمعت األم��ة على أصلها في البعث، وإن اختلفوا في تفاصيل ما ترتب عليه. وعجبا ألهل بلدنا حيث غفلوا عن موجب الكتاب والسنة في ذل��ك وق��الوا: يجعالن على ي��دي أمين؛ وفي هذا من معاندة النص ما ال يخفى عليكم، فال بكتاب الله ائتمروا وال باألقيسة اجتزؤوا. وقد ن��دبت إلى ذل��ك فم��ا أج��ابني إلى بعث الحكمين عند الشقاق إال قاض واحد، وال بالقضاء باليمين م�ع الش�اهد إال آخ�ر، فلم�ا ملك��ني الل��ه األم��ر أج��ريت الس��نة كم��ا ينبغي. وال تعجب أله��ل بل��دنا لم��ا غمرهم من الجهالة، ولكن أعجب ألبي حنيفة ليس للحكمين عنده خبر، بل اعجب مرتين للشافعي فإن��ه ق��ال: ال��ذي يش��به ظ��اهر اآلي��ة أن��ه فيم��ا عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حاالهما. قال: وذلك أني وجدت الله عز رج�ل أذن في نشوز الزوج بأن يص��طلحا وأذن في خوفهم��ا أال يقيم��ا ح��دود الل��ه بالخلع وذلك يشبه أن يكون برضا المرأة. وحظر أن يأخذ الزوج مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج؛ فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينهم��ا ب��الحكمين دل على أن حكمهم��ا غ��ير حكم األزواج، ف��إذا ك��ان ك��ذلك بعث حكم��ا من أهل��ه وحكم��ا من أهله��ا، وال يبعث الحكمين إال م��أمونين برض��ا الزوجين وتوكيلهما بأن يجمعا أو يفرق��ا إذا رأي��ا ذل��ك. وذل��ك ي��دل على أن الحكمين وكيالن لل��زوجين. ق��ال ابن الع��ربي: ه��ذا منتهى كالم الش��افعي، وأصحابه يفرحون به وليس فيه ما يلتفت إلي��ه وال يش��به نص��ابه في العلم، وقد تولى الرد عليه القاضي أبو إسحاق ولم ينصفه في األك��ثر. أم��ا قول��ه: "الذي يشبه ظاهر اآلية أنه فيما عم الزوجين" فليس بصحيح بل ه��و نص��ه، وهي من أبين آيات القرآن وأوضحها جالء؛ فإن الل��ه تع�الى ق�ال: "الرج�ال

[ - ومن خاف من امرأته نشوزا وعظها،34قوامون على النساء" ]النساء: فإن أنابت وإال هجرها في المضجع، فإن ارعوت وإال ضربها، فإن اس��تمرت في غلوائها مشى الحكمان إليهما. وهذا إن لم يكن نصا فليس في الق��رآن بيان. ودعه ال يكون نص��ا، يك��ون ظ��اهرا؛ فأم��ا أن يق��ول الش��افعي: يش��به الظاهر فال ندري ما الذي أشبه الظ��اهر ؟. ثم ق��ال: "وأذن في خوفهم��ا أال يقيما حدود الله بالخلع وذل��ك يش��به أن يك��ون برض��ا الم��رأة، ب��ل يجب أن يكون كذلك وهو نصه". ثم قال: "فلما أمر بالحكمين علمنا أن حكمهما غير حكم األزواج، ويجب أن يكون غ��يره ب��أن ينف��ذ عليهم��ا من غ��ير اختيارهم��ا فتتحقق الغيرية. فأما إذا أنف��ذا عليهم��ا م��ا وكالهم��ا ب��ه فلم يحكم��ا بخالف أمرهما فلم تتحقق الغيرية". وأما قوله "برضى الزوجين وتوكيلهما" فخط��أ ص��راح؛ ف��إن الل��ه س��بحانه خ��اطب غ��ير ال��زوجين إذا خ��اف الش��قاق بين الزوجين بإرسال الحكمين، وإذا كان المخ��اطب غيرهم��ا كي��ف يك��ون ذل��ك بتوكيلهم��ا، وال يص��ح لهم��ا حكم إال بم��ا اجتمع��ا علي��ه. ه��ذا وج��ه اإلنص��اف والتحقيق في الرد عليه. وفي هذه اآلي��ة دلي��ل على إثب��ات التحكيم، وليس كما تقول الخوارج إنه ليس التحكيم ألحد سوى الله تعالى. وهذه كلمة حق

ولكن يريدون بها الباطل.

}واعبدوا الله وال تشركوا به شيئا وبالوال��دين إحس��انا وب��ذي36*اآلية: 3* القربى واليتامى والمساكين والج��ار ذي الق��ربى والج��ار الجنب والص��احب بالجنب وابن السبيل وم��ا ملكت أيم��انكم إن الل��ه ال يحب من ك��ان مخت��اال

فخورا{ @ أجمع العلماء على أن هذه اآلي��ة من المحكم المتف��ق علي��ه، ليس منه��ا شيء منسوخ. وكذلك هي في جميع الكتب. ولو لم يكن كذلك لعرف ذل��ك من جهة العقل، وإن لم ينزل به الكتاب. وق��د مض��ى مع��نى العبودي��ة وهي التذلل واالفتقار، لمن له الحكم واالختيار؛ فأمر الله تعالى عباده بالتذلل له واإلخالص فيه، فاآلية أص��ل في خل��وص األعم��ال لل��ه تع��الى وتص��فيتها من شوائب الرياء وغيره؛ قال الله تعالى "فمن كان يرج��وا لق��اء رب��ه فليعم��ل

[ حتى لقد قال بعض110عمال صالحا وال يشرك بعبادة ربه أحدا" ]الكهف: علمائنا: إنه من تطهر تبردا أو صام محما لمعدته ونوى مع ذلك التقرب لم يجزه؛ ألنه مزج في نية التقرب نية دنياوي��ة وليس لل��ه إال العم�ل الخ�الص؛

[. وق��ال تع��الى: "وم��ا3كما قال تعالى: "أال لله ال��دين الخ��الص" ]الزم��ر: [. وك��ذلك إذا أحس5أمروا إال ليعب��دوا الل��ه مخلص��ين ل��ه ال��دين" ]البين��ة:

الرجل بداخل في الركوع وهو إمام لم ينتظره؛ ألنه يخرج ركوعه بانتظ��اره عن كونه خالصا لله تعالى. وفي صحيح مس��لم عن أبي هري��رة ق��ال: ق��ال رسول الل�ه ص�لى الل�ه علي�ه وس�لم: )ق�ال الل��ه تب��ارك وتع�الى أن�ا أغ��نى الشركاء عن الشرك من عمل عمال أشرك فيه معي غيري تركته وشركه(. وروى الدارقطني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله علي��ه وسلم: )يجاء ي��وم القيام��ة بص��حف مختم��ة فتنص��ب بين ي��دي الل��ه تع��الى فيقول الله تعالى للمالئكة القوا هذا واقبلوا هذا فتقول المالئكة وعزتك م��ا رأينا إال خيرا فيقول الله عز وجل - وهو أعلم - إن هذا كان لغيري وال أقبل اليوم من العمل إال ما كان ابتغي ب��ه وجهي(. وروي أيض��ا عن الض��حاك بن قيس الفهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إن الل��ه تع��الى يقول أنا خير شريك فمن أشرك معي شريكا فهو لشريكي ي��ا أيه��ا الن��اس أخلصوا أعمالكم لله تعالى فإن الله ال يقبل إال ما خلص له وال تقول��وا ه��ذا لله وللرحم فإنها للرحم وليس لله منها شيء وال تقولوا هذا لله ولوجوهكم

فإنها لوجوهكم وليس لله تعالى منها شيء(. مسألة: إذا ثبت هذا فاعلم أن علماءنا رضي الله عنهم قالوا: الشرك

على ثالث مراتب وكله محرم. وأصله اعتقاد شريك لل��ه في ألوهيت��ه، وه��و الشرك األعظم وهو شرك الجاهلية، وهو المراد بقول��ه تع��الى: "إن الل��ه ال

[. ويليه في48يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء". ]النساء: الرتبة اعتقاد شريك لله تعالى في الفعل، وهو ق��ول من ق��ال: إن موج��ودا ما غير الله تعالى يستقل بإح��داث فع��ل وإيج��اده وإن لم يعتق��د كون��ه إله��ا كالقدرية مجوس هذه األمة، وقد تبرأ منهم ابن عمر كما في حديث جبريل عليه السالم. ويلي هذه الرتب��ة اإلش��راك في العب��ادة وه�و الري�اء؛ وه�و أن يفعل شيئا من العبادات التي أم��ر الل��ه بفعله��ا ل��ه لغ��يره. وه��ذا ه��و ال��ذي سيقت اآليات واألحاديث لبيان تحريمه، وه��و مبط��ل لألعم��ال وه��و خفي ال يعرفه كل جاهل غبي. ورضي الله عن المحاس��بي فق��د أوض��حه في كتاب��ه "الرعاية" وبين إفساده لألعم��ال. وفي س��نن ابن ماج��ة عن أبي س��عيد بن أبي فضالة األنصاري وكان من الصحابة قال: قال رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه

عليه وسلم: )إذا جمع الله األولين واآلخرين ليوم القيامة لي��وم ال ريب في��ه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله عز وجل أحدا فليطلب ثواب��ه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك(. وفيه عن أبي سعيد الخدري قال: خرج علينا رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ونحن نت��ذاكر المسيخ الدجال فقال: )أال أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المس��يخ الدجال ؟( قال: فقلنا بلى يا رسول الله؛ فق��ال: )الش��رك الخفي أن يق��وم الرجل يصلي فيزين صالته لم��ا ي��رى من نظ��ر رج��ل(. وفي��ه عن ش��داد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وس�لم: )إن أخ�وف م�ا أتخ�وف على أمتي اإلشراك بالله أما إني لست أقول يعب��دون شمس��ا وال قم��را وال وثنا ولكن أعماال لغير الله وشهوة خفية( خرجه الترم��ذي الحكيم. وس��يأتي في آخر الكهف، وفيه بيان الش��هوة الخفي��ة. وروى ابن لهيع�ة عن يزي�د بن أبي حبيب قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهوة الخفية فقال: )هو الرجل يتعلم العلم يحب أن يجلس إليه(. قال سهل بن عبدالل��ه التستري رضي الله عنه: الرياء على ثالثة وجوه؛ أحدها: أن يعقد في أص��ل فعله لغير الله ويريد به أن يعرف أنه لله، فهذا ص��نف من النف��اق وتش��كك في اإليمان. واآلخر: يدخل في الشيء لله فإذا اطلع عليه غير الل��ه نش��ط، فه��ذا إذا ت��اب يزي��د أن يعي��د جمي��ع م��ا عم��ل. والث��الث: دخ��ل في العم��ل باإلخالص وخرج به لله فعرف بذلك ومدح عليه وس��كن إلى م��دحهم؛ فه��ذا الرياء الذي نهى الله عنه. قال س��هل: ق��ال لقم��ان البن��ه: الري��اء أن تطلب ثواب عملك في دار الدنيا، وإنما عم��ل الق��وم لآلخ��رة. قي��ل ل��ه: فم��ا دواء الرياء ؟ قال كتمان العمل، قيل له: فكي��ف يكتم العم��ل ؟ ق��ال: م��ا كلفت إظهاره من العمل فال تدخل فيه إال باإلخالص، وما لم تكل��ف إظه��اره أحب أال يطلع عليه إال الل��ه. ق��ال: وك��ل عم��ل اطل��ع علي��ه الخل��ق فال تع��ده من العمل. وقال أيوب السختياني: ما هو بعاقل من أحب أن يعرف مكان��ه من

عمله. قلت: قول سهل "والثالث دخل في العمل باإلخالص" إلى آخ��ره، إن

كان سكونه وسروره إليهم لتحصل منزلت��ه في قل��وبهم فيحم��دوه ويجل��وه وي��بروه وين��ال م��ا يري��ده منهم من م��ال أو غ��يره فه��ذا م��ذموم؛ ألن قلب��ه مغمور فرحا باطالعهم عليه، وإن كانوا قد اطلعوا علي��ه بع��د الف��راغ. فأم��ا من أطلع الل��ه علي��ه خلق��ه وه��و ال يحب إطالعهم علي��ه فيس��ر بص��نع الل��ه وبفضله عليه فسروره بفضل الله طاعة؛ كما قال تعالى: "قل بفض��ل الل��ه

[. وبسط ه��ذا58وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" ]يونس: وتتميمه في كتاب "الرعاي��ة للمحاس��بي"، فمن أراده فليق��ف علي��ه هن��اك. وقد سئل سهل عن حديث النبي صلى الله علي��ه وس��لم الل��ه علي��ه وس��لم )أني أسر العمل فيطلع عليه فيعجبني( ق��ال: يعجب��ه من جه��ة الش��كر لل��ه الذي أظهره الله عليه أو نحو هذا. فه�ذه جمل��ة كافي��ة في الري��اء وخل��وص

األعمال. وقد مضى في "البقرة". حقيقة اإلخالص. والحمد لله. @قوله تعالى: "وبالوالدين إحسانا" قد تقدم في صدر هذه السورة أن من

[ حكم برهم�ا1اإلحس�ان إليهم�ا عتقهم�ا، وي�أتي في "س�بحان" ]اإلس��راء: معنى مستوفى. وقرأ ابن أبي عبل�ة "إحس�ان" ب�الرفع أي واجب اإلحس�ان إليهما. الباقون بالنصب، على معنى أحسنوا إليهم��ا إحس��انا. ق��ال العلم��اء: فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر واإلحسان والتزام البر والطاعة له

واإلذعان من قرن الله اإلحسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهم��ا [. وروى شعبة14الوالدان؛ فقال تعالى: "أن اشكر لي ولوالديك. ]لقمان:

وهشيم الواسطيان عن يعلي بن عطاء عن أبيه عن عبدالل��ه بن عم��رو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )رضى الرب في رضى

الوالدين وسخطه في سخط الوالدين". @قوله تعالى: "وبذي القربى واليتامى والمساكين" وقد مضى الكالم في��ه

في )البقرة(. @قوله تعالى: "والجار ذي القربى والجار الجنب" أما الجار فق��د أم��ر الل��ه تعالى بحفظه والقيام بحقه والوص��اة ب��رعي ذمت��ه في كتاب��ه وعلى لس��ان نبيه. أال تراه سبحانه أكد ذكره بعد الوالدين واألقربين فقال تعالى: "والجار ذي الق��ربى" أي الق��ريب. "والج��ار الجنب" أي الغ��ريب؛ ق��ال ابن عب��اس، وكذلك هو في اللغة. ومنه فالن أجنبي، وكذلك الجنابة البع��د. وأنش��د أه��ل

اللغة: فال تحرمني نائال عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب

وقال األعشى: أتيت حريثا زائرا عن جنابة فكان حريث عن عطائي جامدا

وقرأ األعمش والمفضل "والجار الجنب" بفتح الجيم وس��كون الن��ون وهم��ا لغتان؛ يقال: جنب وجنب وأجنب وأجنبي إذا لم يكن بينهما قراب��ة، وجمع��ه أجانب. وقي��ل: على تق��دير ح��ذف المض��اف، أي والج��ار ذي الجنب أي ذي الناحية. وقال نوف الشامي: "الجار ذي القربى" المس��لم "والج��ار الجنب"

اليهودي والنصراني. قلت: وعلى هذا فالوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلما كان أو

كافرا، وهو الص��حيح. واإلحس��ان ق��د يك��ون بمع��نى المواس��اة، وق��د يك��ون بمع��نى حس��ن العش��رة وك��ف األذى والمحام��اة دون��ه. روى البخ��اري عن عائشة عن النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ق��ال: )م��ا زال جبري��ل يوص��يني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه(. وروي عن أبي شريح أن النبي ص��لى الل��ه عليه وسلم قال: )والل��ه ال ي��ؤمن والل��ه ال ي��ؤمن والل��ه ال ي��ؤمن( قي��ل: ي��ا رسول الله ومن ؟ قال: )الذي ال ي��أمن ج��اره بوائق��ه( وه��ذا ع��ام في ك��ل جار. وقد أكد عليه السالم ترك إذايت��ه بقس��مه ثالث م��رات، وأن��ه ال ي��ؤمن الكام��ل من أذى ج��اره. فينبغي للم��ؤمن أن يح��ذر أذى ج��اره، وينتهي عم��ا نهى الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رض��ياه وحض��ا العب��اد علي��ه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: )الجيران ثالثة فج��ار ل��ه ثالث��ة حق��وق وجار له حقان وجار له حق واحد فأما الجار ال��ذي ل��ه ثالث��ة حق��وق فالج��ار المسلم القريب له حق الجوار وحق القرابة وحق اإلسالم والجار ال��ذي ل��ه حقان فهو الجار المسلم فله حق اإلسالم وحق الجوار والجار الذي له ح��ق

واحد هو الكافر له حق الجوار(. @ روى البخاري عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي، قال: )إلى أقربهما منك بابا(. ف��ذهب جماع��ة من العلم��اء إلى أن هذا الحديث يفسر المراد من قول�ه تع�الى: "والج��ار ذي الق�ربى" وأن��ه القريب المسكن منك. "والجار الجنب" هو البعيد المس�كن من�ك. واحتج��وا بهذا على إيجاب الشفعة للجار، وعضدوه وبقوله عليه السالم: )الجار أح��ق بصقبه(. وال حجة في ذلك، فإن عائشة رضي الله عنه��ا إنم��ا س��ألت الن��بي

صلى الله عليه وسلم عمن تبدأ به من جيرانها في الهدي��ة فأخبره��ا أن من قرب بابه فإنه أولى بها من غيره. قال ابن المنذر: فدل ه��ذا الح��ديث على أن الجار يقع على غير اللصيق. وقد خرج أبو حنيفة عن ظاهر هذا الح��ديث فقال: إن الجار اللصيق إذا ترك الشفعة وطلبها الذي يليه وليس ل��ه ج��دار إلى الدار وال طريق ال شفعة في�ه ل�ه. وع�وام العلم�اء يقول�ون: إن أوص�ى الرجل لجيرانه أعطي اللصيق وغيره؛ إال أبا حنيفة فإنه فارق عوام العلماء

وقال: ال يعطى إال اللصيق وحده. @ واختلف الناس في حد الجيرة؛ فكان األوزاعي يق��ول: أربع��ون دارا من كل ناحية؛ وقال ابن شهاب. وروي أن رجال جاء إلى النبي صلى الل��ه علي��ه وسلم فقال: إني نزلت محلة قوم وإن أقربهم إلي جوارا أش��دهم لي أذى؛ فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا يصيحون على أبواب المساجد: أال إن أربعين دارا جار وال يدخل الجنة من ال يأمن ج��اره بوائق��ه. وقال علي بن أبي ط��الب: من س��مع الن��داء فه��و ج��ار. وق��الت فرق��ة: من سمع إقامة الصالة فهو جار ذلك المس��جد. وق��الت فرق��ة: من س��اكن رجال في محلة أو مدينة فه��و ج��ار. ق��ال الل��ه تع��الى: "لئن لم ينت��ه المن��افقون"

[ إلى قول��ه: "ثم ال يجاورون��ك فيه��ا إال قليال" فجع��ل تع��الى60]األح��زاب: اجتم��اعهم في المدين��ة ج��وارا. والج��يرة م��راتب بعض��ها الص��ق من بعض،

أدناها الزوجة؛ كما قال: أيا جارتا بيني فإنك طالقة

@ ومن إكرام الجار ما رواه مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءه��ا وتعاه��د جيران��ك(. فحض عليه السالم على مكارم األخالق؛ لما رتب عليها من المحبة وحس��ن العشرة ودفع الحاجة والمفسدة؛ ف��إن الج��ار ق��د يت��أذى بقت��ار ق��در ج��اره، وربم��ا تك��ون ل��ه ذري��ة فتهيج من ض��عفائهم الش��هوة، ويعظم على الق��ائم عليهم األلم والكلف��ة، ال س��يما إن ك��ان الق��ائم ض��عيفا أو أرمل��ة فتعظم المشقة ويشتد منهم األلم والحسرة. وهذه كانت عقوبة يعقوب في ف��راق يوسف عليهما السالم فيما قيل. وكل هذا يندفع بتش��ريكهم في ش��يء من الطبيخ يدفع إليهم، ولهذا المعنى حض عليه السالم الجار الق��ريب بالهدي��ة؛ ألنه ينظر إلى ما يدخل دار جاره وما يخ��رج منه��ا، ف��إذا رأى ذل��ك أحب أن يشارك فيه؛ وأيض��ا فإن��ه أس��رع إجاب��ة لج��اره عن��دما ينوي��ه من حاج��ة في أوقات الغفل��ة والغ��رة؛ فل��ذلك ب��دأ ب��ه على من بع��د باب��ه وإن ك��انت داره

أقرب. والله أعلم. @ قال العلماء: لما قال عليه السالم "فأكثر ماءها" نبه ب��ذلك على تيس��ير األمر على البخيل تنبيها لطيفا، وجعل الزيادة فيما ليس له ثمن وهو الماء؛ ولذلك لم يقل: إذا طبخت مرقة فأكثر لحمه��ا؛ إذ ال يس��هل ذل��ك على ك��ل

أحد. ولقد أحسن القائل: قدري وقدر الجار واحدة وإليه قبلي ترفع القدر

وال يهدى النزر اليسير المحتقر؛ لقوله عليه السالم: )ثم أنظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمع��روف( أي بش��يء يه��دى عرف��ا؛ ف��إن القلي��ل وإن كان مما يهدى فقد ال يقع ذلك الموقع، فلو لم يتيسر إال القلي��ل فليه��ده وال يحتقر، وعلى المهدى إليه قبوله؛ لقوله عليه السالم: )يا نساء المؤمن��ات ال تحتقرن إحداكن لجارتها ولو كراع شاة محرقا( أخرج��ه مال��ك في موطئ��ه.

وكذا قيدناه )يا نساء المؤمنات( بالرفع على غير اإلضافة، والتقدير: يا أيه��ا النساء المؤمنات؛ كما تقول يا رجال الكرام؛ فالمنادى محذوف وهو يا أيها، والنساء في التقدير النعت أليها، والمؤمنات نعت للنساء. قد قيل: في��ه: ي��ا

نساء المؤمنات باإلضافة، واألول أكثر. @ من إكرام الجار أال يمنع من غرز خشبة له إرفاقا به؛ ق��ال رس��ول الل��ه صلى الله عليه وسلم )ال يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في ج�داره(. ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله ألرمين بها بين أكنافكم. روي "خش���به وخش���بة" على الجم���ع واإلف���راد. وروي "أكت���افهم" بالت���اء و"أكنافهم" بالنون. ومعنى "ألرمين بها" أي بالكلمة والقص��ة. وه��ل يقض��ى بهذا على الوجوب أو الندب ؟ في��ه خالف بين العلم��اء. ف��ذهب مال��ك وأب��و حنيفة وأصحابهما إلى أن معناه الندب إلى بر الجار والتجاوز له واإلحس��ان إليه، وليس ذلك على الوج��وب؛ ب��دليل قول��ه علي��ه الس��الم: )ال يح��ل م��ال امرئ مسلم إال عن طيب نفس منه(. قالوا: ومعنى قول��ه )ال يمن��ع أح��دكم جاره( هو مثل معنى قوله عليه الس�الم: )إذا اس�تأذنت أح�دكم امرأت�ه إلى المسجد فال يمنعها(. وهذا معناه عند الجميع الن��دب، على م��ا ي��راه الرج��ل من الصالح والخ��ير في ذل��ك. وق��ال الش��افعي وأص��حابه وأحم��د بن حنب��ل وإسحاق وأبو ثور وداود بن علي وجماعة أه��ل الح��ديث: إلى أن ذل��ك على الوجوب. قالوا: ولوال أن أبا هري��رة فهم فيم��ا س��مع من الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم معنى الوجوب ما كان لي�وجب عليهم غ��ير واجب. وه�و م�ذهب عم��ر بن الخط��اب رض��ي الل��ه عن��ه؛ فإن��ه قض��ى على محم��د بن مس��لمة للضحاك بن خليفة في الخليج أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، فقال محمد بن مسلمة: ال والله. فقال عمر: والل��ه ليم��رن ب��ه ول��و على بطن��ك. ف��أمره عم��ر أن يم��ر ب��ه ففع��ل الض��حاك؛ رواه مال��ك في الموط��أ. وزعم الشافعي في كتاب "ال��رد" أن مالك��ا لم ي��رو عن أح��د من الص��حابة خالف عمر في هذا الباب؛ وأنكر على مالك أنه رواه وأدخل��ه في كتاب�ه ولم يأخ�ذ ب��ه ورده برأي��ه. ق��ال أب��و عم��ر: ليس كم��ا زعم الش��افعي؛ ألن محم��د بن مسلمة كان رأيه في ذلك خالف رأي عمر، ورأي األنصار أيض��ا ك��ان خالف��ا ل��رأي عم��ر، وعب��دالرحمن بن ع��وف في قص��ة الربي��ع وتحويل��ه - والربي��ع الس��اقية - وإذا اختلفت الص��حابة وجب الرج��وع إلى النظ��ر، والنظ�ر، ي��دل على أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم بعض��هم على بعض ح��رام إال ما تطيب ب��ه النفس خاص�ة؛ فه�ذا ه��و الث��ابت عن الن�بي ص�لى الل��ه علي�ه وسلم. وي��دل على الخالف في ذل��ك ق��ول أبي هري��رة: م��ا لي أراكم عنه��ا معرضين والله ألرمينكم بها؛ هذا أو نحوه. أج��اب األول��ون فق��الوا: القض��اء بالمرفق خارج بالسنة عن معنى قوله علي��ه الس��الم: )ال يح��ل م��ال ام��رئ مسلم إال عن طيب نفس منه( ألن ه�ذا معن��اه التملي��ك واالس��تهالك وليس المرفق من ذلك؛ ألن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ق��د ف��رق بينهم��ا في الحكم. فغ�ير واجب أن يجم�ع بين م�ا ف�رق رس�ول الل�ه ص�لى الل�ه علي�ه وسلم. وحكى مالك أنه كان بالمدينة قاض يقضي به يس��مى أب��و المطلب. واحتجوا من األثر بحديث األعمش عن أنس ق��ال: استش��هد من��ا غالم ي��وم أحد فجعلت أمه تمسح التراب عن وجه��ه وتق��ول: أبش��ر هنيئ��ا ل��ك الجن��ة؛ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم )وما ي��دريك لعل��ه ك��ان يتكلم فيم��ا ال

يعنيه ويمنع ما ال يضره(. واألعمش ال يصح له سماع من أنس، والله أعلم.قاله أبو عمر.

@ ورد حديث جمع النبي صلى الله علي��ه وس��لم في��ه مراف��ق الج��ار، وه��و حديث معاذ بن جبل قال: قلنا ي�ا رس�ول الل��ه، م�ا ح�ق الج�ار ؟ ق�ال: )إن استقرضك أقرضته وإن استعانك أعنته وإن احتاج أعطيته وإن مرض عدته وإن مات تبعت جنازته وإن أص��ابه خ��ير س��رك وهنيت��ه وإن أص��ابته مص��يبة ساءتك وعزيته وال تؤذه بنار قدرك إال أن تعرف له منه��ا وال تس��تطل علي��ه بالبناء لتشرف عليه وتسد عليه الريح إال بإذنه وإن اشتريت فاكهة فأهد ل��ه منها وإال فأدخلها سرا ال يخرج ول��دك بش�يء من��ه يغيظ��ون ب��ه ول�ده وه��ل تفقهون ما أق��ول لكم لن ي��ؤدي ح��ق الج��ار إال القلي��ل ممن رحم الل��ه( أو كلمة نحوها. هذا حديث جامع وهو ح��ديث حس��ن، في إس��ناده أب��و الفض��ل

عثمان بن مطر الشيباني غير مرضي. @ قال العلماء: األحاديث في إكرام الجار جاءت مطلقة غ��ير مقي��دة ح��تى الكافر كما بينا. وفي الخبر قالوا: يا رسول الله أنطعمهم من لحوم النسك ؟ قال: )ال تطعموا المشركين من نسك المسلمين(. ونهيه صلى الله علي��ه وسلم عن إطعام المشركين من نسك المسلمين يحتم��ل النس��ك ال��واجب في الذمة الذي ال يجوز للناسك أن يأكل منه وال أن يطعم��ه األغني��اء؛ فأم��ا غير الواجب الذي يجزيه إطعام األغنياء فجائز أن يطعمه أهل الذم��ة. ق��ال النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم لعائش��ة عن��د تفري��ق لحم األض��حية: )اب��دئي بجارنا اليهودي(. وروي أن شاة ذبحت في أهل عبدالله بن عمرو فلما ج��اء قال: أهديتم لجارنا اليهودي ؟ - ثالث م��رات - س��معت رس��ول الل��ه ص��لى الله عليه وس��لم يق��ول: )م��ا زال جبري��ل يوص��يني بالج��ار ح�تى ظننت أن��ه

سيورثه(. @قوله تعالى: "والصاحب بالجنب" أي الرفيق في السفر. وأس��د الط��بري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين فدخل رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم غيض��ة، فقط��ع قض��يبين أحدهما معوج، فخرج وأعطى لصاحبه القويم؛ فق��ال: كنت ي��ا رس��ول الل��ه أحق بهذا ! فقال: )كال يا فالن إن كل صاحب يصحب آخر فإنه مسؤول عن ص��حابته ول��و س��اعة من نه��ار(. وق��ال ربيع��ة بن أبي عب��دالرحمن: للس��فر مروءة وللحضر مروءة؛ فأما المروءة في السفر فبذل الزاد، وقل��ة الخالف على األصحاب، وكثرة الم��زاج في غ��ير مس��اخط الل��ه. وأم��ا الم��روءة في الحضر فاإلدمان إلى المساجد، وتالوة القرآن وكثرة اإلخ��وان في الل��ه ع��ز

وجل. ولبعض بني أسد - وقيل إنها لحاتم الطائي: إذا ما رفيقي لم يكن خلف ن��اقتي ل��ه م��ركب فض��ال فال حملت

رجلي ولم يك من زادي له ش��طر م��زودي فال كنت ذا زاد وال كنت ذا فضل

شريكان فيما نحن فيه وقد أرى علي له فضال بما نال من فضلي وقال علي وابن مس��عود وابن أبي ليلى: "الص��احب ب��الجنب" الزوج��ة. ابن جريج: هو الذي يصحبك ويلزمك رجاء نفع��ك. واألول أص��ح؛ وه��و ق��ول ابن عباس وابن جبير وعكرم��ة ومجاه��د والض��حاك. وق��د تتن��اول اآلي��ة الجمي��ع

بالعموم. والله أعلم.

@قول��ه تع��الى: "وابن الس��بيل" ق��ال مجاه��د: ه��و ال��ذي يجت��از ب��ك م��ارا. والسبيل الطريق؛ فنسب المسافر إلي��ه لم��روره علي��ه ولزوم��ه إي��اه. ومن

اإلحسان إليه إعطاؤه وإرفاقه وهدايته ورشده. @قول��ه تع��الى: "وم��ا ملكت أيم��انكم" أم��ر الل��ه تع��الى باإلحس��ان إلى المماليك، وبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ فروى مس�لم وغ��يره عن المعرور بن سويد قال: مررنا بأبي ذر بالربذة وعليه برد وعلى غالمه مثله، فعلنا: يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة؛ فقال: إنه كان بي��ني وبين رج��ل من إخواني كالم، وك��انت أم��ه أعجمي��ة فعيرت��ه بأم��ه، فش��كاني إلى الن��بي صلى الله عليه وسلم فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: )ي��ا أب��ا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية( قلت: يا رسول الل��ه، من س��ب الرج��ال س��بوا أب��اه وأمه. قال: )يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلي��ة هم إخ��وانكم جعلهم الل��ه تحت أيديكم فأطعموهم مم��ا ت��أكلون وألبس��وهم مم��ا تلبس��ون وال تكلف��وهم م��ا يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم(. وروي عن أبي هريرة أنه ركب بغلة ذات يوم فأردف غالمه خلفه، فقال له قائل: لو أنزلته يسعى خلف دابتك؛ فقال أبو هريرة: ألن يسعى معي ضغثان من ن��ار يحرق��ان م��ني م��ا أحرق��ا أحب إلي من أن يس��عى غالمي خلفي. وخ��رج أب��و داود عن أبي ذر ق��ال: ق��ال رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم: )من اليمكم من ممل��وكيكم ف��أطعموه مما تأكلون واكسوه مما تكتس��ون ومن ال ياليمكم منهم ف��بيعوه وال تع��ذبوا خل��ق الل��ه(. اليمكم وافقكم. والماليم��ة الموافق��ة. وروى مس��لم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الن�بي ص�لى الل��ه علي�ه وس��لم ق�ال: )للممل��وك طعامه وكسوته وال يكلف من العمل إال ما يطيق( وق��ال علي��ه الس��الم: )ال يقل أحدكم عبدي وأمتي بل ليقل فتاي وفت�اتي( وس�يأتي بيان�ه في س�ورة يوسف عليه الس��الم. فن��دب ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم الس��ادة إلى مك��ارم األخالق وحضهم عليها وأرشدهم إلى اإلحسان وإلى سلوك طريق التواض��ع حتى ال يروا ألنفسهم مزي��ة على عبي��دهم، إذ الك��ل عبيدالل��ه والم��ال م��ال الله، لكن سخر بعضهم لبعض، وملك بعضهم بعض��ا إتمام��ا للنعم��ة وتنفي��ذا للحكمة؛ فإن أطعموهم أقل مما يأكلون، وألبسوهم أقل مما يلبسون صفه ومقدارا ج�از إذا ق��ام بواجب��ه علي��ه. وال خالف في ذل�ك والل��ه أعلم. وروى مسلم عن عبدالله بن عم��رو إذ ج��اءه قهرم��ان ل��ه ف��دخل فق��ال: أعطيت الرقيق قوتهم ؟ قال ال. قال: فأنطلق فأعطهم، قال رسول الله صلى الله

عليه وسلم: )كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم(. @ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: )من ضرب عبده ح��دا لم يأته أو لطم�ه فكفارت�ه أن يعتق�ه(. ومعن�اه أن يض�ربه ق�در الح�د ولم يكن عليه حد. وج��اء عن نف��ر من الص��حابة أنهم اقتص��وا للخ��ادم من الول��د في الضرب وأعتقوا الخادم لما لم يرد القصاص وقال عليه السالم: )من قذف مملوكه بالزنى أقام عليه الحد يوم القيامة ثمانين(. وقال عليه الس��الم: )ال يدخل الجنة سيئ الملكة(. وقال عليه السالم: )سوء الخلق ش��وم وحس��ن

الملكة نماء وصلة الرحم تزيد في العمر والصدقة تدفع ميتة السوء(. @ واختلف العلماء من هذا الباب أيهما أفضل الحر أو العبد؛ فروى مس��لم عن أبي هري��رة ق��ال: ق��ال رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )للعب��د المملوك المص��لح أج��ران( وال��ذي نفس أبي هري��رة بي��ده ل��وال الجه��اد في سبيل الل�ه والحج وب�ر أمي ألحببت أن أم�وت وأن�ا ممل�وك. وروي عن ابن

عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )إن العبد إذا نص��ح لس��يده وأحسن عبادة الله فله أجره مدتين(. فاستدل بهذا وما كان مثله من فضل العبد؛ ألنه مخاطب من جهتين: مطالب بعبادة الله، مطالب بخدمة س��يده. وإلى هذا ذهب أبو عم��ر يوس��ف بن عب��دالبر النم��ري وأب��و بك��ر محم��د بن

عبدالله بن أحمد العامري البغدادي الحافظ. استدل من فضل الحر بأن قال: االستقالل بأمور الدين والدنيا وإنم��ا

يحصل باألحرار والعبد كالمفقود لعدم استقالل، وكاآلل��ة المص��رفة ب��القهر، وكالبهيم��ة المس��خرة ب��الجبر؛ ول��ذلك س��لب مناص��ب الش��هادات ومعظم الواليات، ونقصت حدوده عن حدود األحرار إشعارا بخسة المق��دار، والح��ر وإن طولب من جهة واحدة فوظائفه فيها أكثر، وعناؤه أعظم فثوابه أك��ثر. وقد أشار إلى ه��ذا أب��و هري��رة بقول��ه: ل��وال الجه��اد والحج؛ أي ل��وال النقص

الذي يلحق العبد لفوت هذه األمور. والله أعلم. @ روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أن��ه ق��ال: )م��ا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه س��يورثه، وم��ا زال يوص��يني بالنس��اء حتى ظننت أنه سيحرم طالقهن، وما زال يوص��يني بالممالي��ك ح��تى ظننت أنه سيجعل لهم مدة إذا انتهوا إليها عتقوا، وما زال يوصيني بالسواك ح��تى خشيت أن يحفي فمي - وروي ح�تى ك�اد - وم�ا زال يوص�يني بقي��ام اللي��ل حتى ظننت أن خيار أمتي ال ينامون ليال(. ذكره أب��و الليث الس��مرقندي في

تفسيره. @قوله تعالى: "إن الل��ه ال يحب" أي ال يرض��ى. "من ك��ان مخت��اال فخ��ورا" فنفى سبحانه محبته ورضاه عمن هذه صفته؛ أي ال يظهر علي��ه آث��ار نعم��ه في اآلخ��رة. وفي ه��ذا ض��رب من التوع��د. والمخت��ال ذو الخيالء أي الك��بر. والفخور: الذي يعدد مناقبه ك��برا. والفخ��ر: الب��ذخ والتط��اول. وخص ه��اتين الصفتين بالذكر هنا ألنهما تحمالن صاحبيهما على األنفة من القريب الفقير والجار الفقير وغيرهم ممن ذكر في اآلية فيضيع أمر الله باإلحس��ان إليهم. وقرأ عاصم فيما ذكر المفض��ل عن��ه "والج��ار الجنب" بفتح الجيم وس��كون النون. قال المهدوي: هو على تقدير حذف المضاف؛ أي والج��ار ذي الجنب

أي ذي الناحية. وأنشد األخفش: الناس جنب واألمير جنب

والجنب الناحية، أي المتنحي عن القرابة. والله أعلم. }الذين يبخلون ويأمرون الن��اس بالبخ��ل ويكتم��ون م��ا آت��اهم37*اآلية: 3*

الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا{ @قوله تعالى: "الذين يبخلون" "الذين" في موض��ع نص��ب على الب��دل من "من" في قوله: "من كان" وال يكون صفة؛ ألن "من" و"ما" ال يوصفان وال يوصف بهما. ويجوز أن يكون في موض�ع رف�ع ب�دال من المض��مر ال�ذي في فخور. ويجوز أن يك��ون في موض��ع رف��ع فيعط��ف علي��ه. ويج��وز أن يك��ون ابتداء والخبر محذوف، أي الذين يبخلون، لهم كذا، أو يكون الخبر "إن الل��ه

[. ويجوز أن يكون منصوبا بإض��مار أع��ني،40ال يظلم مثقال ذرة" ]النساء: فتكون اآلية في المؤمنين؛ فتجيء اآلية على هذا التأويل أن الباخلين منفية عنهم محبة الله، فأحسنوا أيها المؤمنون إلى من س��مي ف��إن الل��ه ال يحب

من فيه الخالل المانعة من اإلحسان.

@قول��ه تع��الى: "يبخل��ون وي��أمرون الن��اس بالبخ��ل" البخ��ل الم��ذموم في الشرع هو االمتن��اع من أداء م��ا أوجب الل��ه تع��الى علي��ه. وه��و مث��ل قول��ه تعالى: "وال يحسبن الذين يبخلون بما آت�اهم الل��ه من فض��له" ]آل عم�ران:

[ اآلي��ة. وق��د مض��ى في "آل عم��ران" الق��ول في البخ��ل وحقيقت��ه،180 والفرق بينه وبين الشح مستوفى. والمراد بهذه اآلي��ة في ق��ول ابن عب��اس وغيره اليهود؛ فإنهم جمعوا بين االختيال والفخر والبخل بالمال وكتم��ان م��ا أنزل الله من التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم. وقي��ل: الم��راد المنافقون الذي كان إنفاقهم وإيمانهم تقية، والمع��نى إن الل��ه ال يحب ك��ل

مختال فخور، وال الذين يبخلون؛ على ما ذكرنا من إعرابه. @قوله تعالى: "وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا" فصل تعالى توعد المؤم��نين الباخلين من توعد الك��افرين ب��أن جع��ل األول ع��دم المحب��ة والث��اني ع��ذابا

مهينا. }والذين ينفقون أم��والهم رئ��اء الن��اس وال يؤمن��ون بالل��ه وال38*اآلية: 3*

باليوم اآلخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا{ @قوله تعالى: "والذين ينفقون أموالهم رئاء الن��اس" اآلي��ة. عط��ف تع��الى

[: "ال��ذين ينفق��ون أم��والهم رئ��اء180على "الذين يبخل��ون" ]آل عم��ران: الناس". وقيل: هو عطف على الك��افرين، فيك��ون في موض��ع خفض. ومن رأى زيادة الواو أجاز أن يكون الثاني عنده خبرا لألول. قال الجمهور ن��زلت في المنافقين: لقوله تعالى: "رئاء الناس" والرئاء من النفاق. مجاه��د: في اليهود. وض��عفه الط��بري؛ ألن��ه تع��الى نفى عن ه��ذه الص��فة اإليم��ان بالل��ه واليوم اآلخر، واليهود ليس كذلك. قال ابن عطية: وقول مجاهد متجه على المبالغ��ة واإلل��زام؛ إذ إيم��انهم ب��اليوم اآلخ��ر كاإليم��ان من حيث ال ينفعهم. وقيل: نزلت في مطعمي يوم بدر، وهم رؤس��اء مك��ة؛ أنفق��وا على الن��اس ليخرجوا إلى بدر. قال ابن الح��ربي: ونفق��ة الرئ��اء ت��دخل في األحك��ام من حيث إنها ال تجزئ. قلت: وي��دل على ذل��ك من الكت��اب قول��ه تع��الى: "ق��ل

[ وسيأتي. 53أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم" ]التوبة: @قول��ه تع��الى: "ومن يكن الش��يطان ل��ه قرين��ا فس��اء قرين��ا" في الكالم إضمار تقديره "وال يؤمنون بالله وال باليوم اآلخر" فقرينهم الشيطان "ومن يكن الش��يطان ل��ه قرين��ا فس��اء قرين��ا". والق��رين: المق��ارن، أي الص��احب

والخليل وهو فعيل من اإلقران؛ قال عدي بن زيد: عن المرء ال تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

والمعنى: من قب��ل من الش�يطان في ال��دنيا فق��د قارن�ه. ويج��وز أن يك�ون المعنى من قرن به الشيطان في النار "فساء قرينا" أي ف��بئس الش��يطان

قرينا، وهو نصب على التمييز. }وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم اآلخر وأنفقوا مم��ا رزقهم39*اآلية: 3*

الله وكان الله بهم عليما{ @ قول��ه: "م��ا" في موض��ع رف��ع باالبت��داء و"ذا" خ��بره، وذا بمع��نى ال��ذي. ويجوز أن يكون ما وذا اسما واحدا. فعلى األول تق��ديره وم��ا ال��ذي عليهم، وعلى الثاني تقديره وأي شيء عليهم "ل��و آمن��وا بالل��ه والي��وم اآلخ��ر"، أي صدقوا بواجب الوجود، وبما جاء به الرسول من تفاصيل اآلخ��رة، "وأنفق��وا

مما رزقهم الله". "وكان الله بهم عليما" تقدم معناه في غير موضع.

}إن الله ال يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يض��اعفها وي��ؤت40*اآلية: 3*من لدنه أجرا عظيما{

@قوله تع��الى: "إن الل��ه ال يظلم مثق��ال ذرة" أي ال يبخس��هم وال ينقص��هم من ث��واب عملهم وزن ذرة ب��ل يج��ازيهم به��ا وي��ثيبهم عليه��ا. والم��راد من الكالم أن الله تعالى ال يظلم قليال وال كث��يرا؛ كم��ا ق��ال تع��الى: "إن الل��ه ال

[. والذرة: النمل��ة الحم��راء؛ عن ابن عب��اس44يظلم الناس شيئا" ]يونس: وغيره، وهي أصغر النمل. وعنه أيضا رأس النملة. وق��ال يزي��د بن ه��ارون: زعموا أن الذرة ليس لها وزن. ويحكى أن رجال وضع خبزا ح��تى عاله ال��ذر

مقدار ما يستره ثم وزنه فلم يزد على وزن الخبز شيئا. قلت: والقرآن والسنة يدالن على أن للذرة وزنا؛ كما أن للدينار ونصفه

وزنا. والله أعلم. وقيل: الذرة الخردل��ة؛ كم��ا ق��ال تع��الى: "فال تظلم نفس [. وقيل غير هذا،47شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها" ]األنبياء:

وهي في الجملة عبارة عن أقل األشياء وأصغرها. وفي ص��حيح مس��لم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إن الل��ه ال يظلم مؤمن��ا حس��نة يعطى به��ا في ال��دنيا ويج��زى به��ا في اآلخ��رة وأم��ا الك��افر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها في الدنيا حتى إذا أفض��ى إلى اآلخ��رة لم تكن ل��ه

حسنة يجزى بها(. @قوله تعالى: "وإن تكن حسنة يضاعفها ويؤت" أي يكثر ثوابها. وقرأ أه��ل الحجاز "حسنة" بالرفع، والعامة بالنصب؛ فعلى األول "تك" بمعنى تح��دث، فهي تامة. وعلى الثاني هي الناقصة، أي إن تك فعلته حسنة. وقرأ الحسن "نضاعفها" بنون العظمة. والباقون بالياء، وهي أصح؛ لقوله "ويؤت". وق��رأ أبو رجاء "يضعفها"، والباقون "يضاعفها" وهما لغتان معناهما التكثير. وقال أبو عبيدة: "يضاعفها" معناه يجعل��ه أض��عافا كث��يرة، "ويض��اعفها" بالتش�ديد يجعلها ضعفين. "من لدن�ه" من عن�ده. وفي�ه أرب�ع لغ�ات: ل�دن ول�دن ول�د ولدى؛ فإذا أضافوه إلى أنفس��هم س��ددوا الن��ون، ودخلت علي��ه "من" حيث كانت "من" الداخلة البتداء الغاية و"لدن" كذلك، فلما تشاكال حسن دخ��ول "من" عليها؛ ولذلك قال سيبويه في لدن: إنه الموضع الذي هو أول الغاي�ة. "أج��را عظيم��ا" يع��ني الجن��ة. وفي ص��حيح مس��لم من ح��ديث أبي س��عيد الخدري الطويل - حديث الشفاعة - وفي��ه: )ح��تى إذا خلص المؤمن��ون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقص��اء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة إلخوانهم الذين في الن��ار يقول��ون ربن��ا ك��انوا يص��ومون معن��ا ويص��لون ويحج��ون فيق��ال لهم أخرج��وا من ع��رفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخ��ذت الن��ار إلى نص��ف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا ب��ه فيق��ول جل وع��ز أرجع��وا فمن وج��دتم في قلب��ه مثق��ال دين��ار من خ��ير ف��أخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ن�ذر فيه�ا أح�دا ممن أمرتن�ا ب�ه ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نص��ف دين��ار من خ��ير ف��أخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلق��ا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا(. وكان أبو سعيد الخدري يق��ول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن ش��ئتم "إن الل��ه ال يظلم مثق��ال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما" وذكر الح��ديث. وروي

عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: )يؤتى بالعبد يوم القيام�ة فيوق�ف وين�ادي من��اد على رؤوس الخالئ�ق ه�ذا فالن بن فالن من كان له عليه حق فليأت إلى حقه ثم يقول آت هؤالء حقوقهم فيقول يا رب من أين لي وقد ذهبت الدنيا عني فيقول الله تع��الى للمالئك��ة انظ��روا إلى أعمال��ه الص��الحة ف��أعطوهم منه��ا ف��إن بقي مثق��ال ذرة من حس��نة ق��الت المالئكة يا رب - وهو أعلم بذلك منهم - قد أعطي لكل ذي حق حقه وبقي مثقال ذرة من حسنة فيقول الله تعالى للمالئكة ض�عفوها لعب�دي وأدخل��وه بفضل رحمتي الجنة ومصداقه "إن الله ال يظلم مثقال ذرة وإن تك حس��نة يضاعفها" - وإن كان عبدا شقيا قالت المالئكة إلهن��ا ف��نيت حس��ناته وبقيت سيئاته وبقي طالبون كثير فيقول تعالى خ��ذوا من س��يئاتهم فأض��يفوها إلى سيئاته ثم صكوا له صكا إلى النار(. فاآلية على ه��ذا التأوي��ل في الخص��وم، وأنه تعالى ال يظلم مثقال ذرة للخصم على الخصم يأخذ له من��ه، وال يظلم مثقال ذرة تبقى له بل يثيبه عليها ويضعفها له؛ فذلك قوله تعالى: "وإن تك حسنة يضاعفها". وروى أبو هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )إن الله سبحانه يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواح��دة ألفي أل��ف حس��نة( وتال "إن الل��ه ال يظلم مثق��ال ذرة وإن ت��ك حس��نة يض��اعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما". قال عبيدة: ق��ال أب��و هري��رة: وإذا ق��ال الل��ه "أج�را عظيم��ا" فمن ال�ذي يق�در ق�دره ! وق��د تق�دم عن ابن عب��اس وابن مس��عود: أن ه��ذه اآلي��ة إح��دى اآلي��ات ال��تي هي خ��ير مم��ا طلعت علي��ه

الشمس. }فكيف إذا جئن��ا من ك��ل أم��ة بش��هيد وجئن��ا ب��ك على ه��ؤالء41*اآلية: 3*

شهيدا{ @ فتحت الفاء الساكنين "وإذ" ظرف زمان والعامل في��ه "جئن��ا" ذك��ر أب��و الليث السمرقندي: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا ابن منيع قال: ح��دثنا أبو كامل قال: ح�دثنا فض��يل عن ي�ونس بن محم�د بن فض��الة عن أبي�ه أن رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم أت��اهم في ب��ني ظف��ر فجلس على الصخرة التي في بني ظفر ومع��ه ابن مس��عود ومع��اذ ون��اس من أص��حابه فأمر قارئا يقرأ حتى إذا أتى على هذه اآلي��ة "فكي��ف إذا جئن��ا من ك�ل أم��ة بشهيد وجئنا بك على هؤالء شهيدا" بكى رسول الله صلى الله عليه وس��لم حتى اخضلت وجنتاه؛ فقال: )يا رب هذا على من أنا بين ظه��رانيهم فكي��ف من لم أرهم(. وروى البخاري عن عبدالله قال. قال لي رسول الل��ه ص��لى الله عليه وسلم: )اقرأ علي( قلت: اق��رأ علي��ك وعلي��ك أن��زل ؟ ق��ال: )إني أحب أن أس��معه من غ��يري( فق��رأت علي��ه س��ورة "النس��اء" ح��تى بلغت "فكيف إذا جئنا من ك��ل أم��ة بش��هيد وجئن��ا ب��ك على ه��ؤالء ش��هيدا" ق��ال: )أمسك( فإذا عيناه ت��ذرفان. وأخرج��ه مس��لم وق��ال ب��دل قول��ه )أمس��ك(: فرفعت رأسي - أو غمزني رجل إلى جنبي - فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل. قال علماؤنا: بكاء النبي صلى الله عليه وسلم إنم��ا ك��ان لعظيم م��ا تضمنته هذه اآلية من هول المطلع وش��دة األم��ر؛ إذ ي��ؤتى باألنبي��اء ش��هداء على أممهم بالتصديق والتكذيب، وي��ؤتى ب��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ي��وم القيامة شهيدا. واإلشارة بقوله "على هؤالء" إلى كفار قريش وغ��يرهم من الكفار؛ وإنما خص كفار قريش بالذكر ألن وظيفة العذاب أشد عليهم منه��ا على غيرهم؛ لعنادهم عند رؤية المعجزات، وما أظهره الل��ه على يدي��ه من

خوارق العادات. والمعنى فكيف يكون حال هؤالء الكف��ار ي��وم القيام��ة "إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤالء شهيدا" أمعذبين أم منعمين ؟ وه��ذا اس��تفهام معن��اه الت��وبيخ. وقي��ل: اإلش��ارة إلى جمي��ع أمت��ه. ذك��ر ابن المبارك أخبرنا رج��ل من األنص��ار عن المنه��ال بن عم��ر وحدث��ه أن��ه س��مع سعيد بن المسيب يق�ول: ليس من ي�وم إال تع�رض على الن�بي ص�لى الل�ه عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعم��الهم فل��ذلك يش��هد عليهم؛ يقول الله تبارك وتعالى "فكيف إذا جئنا من كل أمة بش��هيد" يع��ني بنبيها "وجئنا بك على هؤالء شهيدا". وموضع "كي��ف" نص��ب بفع��ل مض��مر، التقدير فكيف يكون حالهم؛ كم��ا ذكرن��ا. والفع��ل المض��مر ق��د يس��د مس��د "إذا"، والعامل في "إذا" "جئنا". و"شهيدا" ح��ال. وفي الح��ديث من الفق��ه جواز قراءة الطالب على الشيخ والع��رض علي��ه، ويج��وز عكس��ه. وس��يأتي بيانه في حديث أبي في سورة "لم يكن"، إن شاء الل��ه تع��الى. و"ش��هيدا"

نصب على الحال. }يومئ��ذ ي��ود ال��ذين كف��روا وعص��وا الرس��ول ل��و تس��وى بهم42*اآلية: 3*

األرض وال يكتمون الله حديثا{ @ ضمت الواو في "عصوا". اللتقاء الساكنين، ويجوز كس��رها. وق��رأ ن��افع وابن عامر "تس��وى" بفتح الت��اء والتش��ديد في الس��ين. وحم��زة والكس��ائي كذلك إال أنهما خففا السين. والب��اقون ض��موا الت��اء وخفف��وا الس��ين، مبني��ا للمفعول والفاعل غ��ير مس��مى. والمع��نى ل��و يس��وي الل��ه بهم األرض. أي يجعلهم واألرض سواء. ومعنى آخر: تمنوا لو لم يبعثهم الل��ه وك��انت األرض مس��توية عليهم؛ ألنهم من ال��تراب نقل��وا. وعلى الق��راءة األولى والثاني��ة فاألرض فاعلة، والمعنى تمنوا ل��و انفتحت لهم األرض فس��اخوا فيه��ا؛ قال��ه قتادة. وقي��ل: الب��اء بمع��نى على، أي ل��و تس��وى عليهم أي تنش��ق فتس��وى عليهم؛ عن الحسن. فقراءة التش��دد على اإلدغ��ام، والتخفي��ف على ح��ذف الت��اء. وقي��ل: إنم��ا تمن��وا ه��ذا حين رأوا البه��ائم تص��ير تراب��ا وعلم��وا أنهم مخلدون في النار؛ وهذا معنى قوله تعالى: "ويق��ول الك��افر ي��ا ليت��ني كنت

[. وقيل: إنما تمنوا هذا حين شهدت هذه األمة لألنبياء على40ترابا" ]النبأ: ما تق�دم في "البق��رة" عن�د قول�ه تع�الى: "وك�ذلك جعلن��اكم أم�ة وس�طا"

[ اآلي��ة. فتق��ول األمم الخالي��ة: إن فيهم الزن��اة والس��راق فال143]البقرة: تقبل شهادتهم فيزكيهم النبي صلى الله علي��ه وس��لم، فيق�ول المش��ركون:

[ فيختم على أف��واههم وتش��هد23"والله ربنا م��ا كن��ا مش��ركين" ]األنع��ام: أرجلهم وأيديهم بما كانوا يكسبون؛ فذلك قول��ه تع��الى: "يومئ��ذ ي��ود ال��ذين كفروا وعص��وا الرس��ول ل��و تس��وى بهم األرض "يع��ني تخس��ف بهم. والل��ه

أعلم. @قوله تعالى: "وال يكتمون الل��ه ح��ديثا" ق��ال الزج��اج: ق��ال بعض��هم: "وال يكتمون الله حديثا" مستأنف؛ ألن ما عملوه ظاهر عند الله ال يقدرون على كتمانه. وقال بعضهم: هو معطوف، والمعنى يود ل��و أن األرض س��ويت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثا؛ ألنه ظهر ك��ذبهم. وس��ئل ابن عب��اس عن ه��ذه اآلية، وعن قوله تعالى: "والله ربنا ما كنا مشركين" فق��ال: لم��ا رأوا أن��ه ال يدخل الجنة إال أهل اإلسالم قالوا: "والله ربنا ما كنا مش��ركين" فختم الل��ه على أف��واههم وتكلمت أي��ديهم وأرجلهم فال يكتم��ون الل��ه ح��ديثا. وق��ال الحسن وقت�ادة: اآلخ�رة م�واطن يك�ون ه�ذا في بعض�ها وه�ذا في بعض�ها.

ومعناه أنهم لما تبين لهم وحوسبوا لم يكتموا. وسيأتي لهذا مزيد بي��ان في"األنعام" إن شاء الله تعالى.

}ي��ا أيه�ا ال�ذين آمن�وا ال تقرب�وا الص��الة وأنتم س��كارى ح�تى43*اآلية: 3* تعلموا ما تقولون وال جنبا إال عابري سبيل حتى تغتس��لوا وإن كنتم مرض��ى أو على سفر أو جاء أح��د منكم من الغائ��ط أو المس��تم النس��اء فلم تج��دوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوج��وهكم وأي��ديكم إن الل��ه ك��ان عف��وا

غفورا{ @قوله تعالى: "يا أيها ال��ذين آمن��وا ال تقرب��وا الص��الة وأنتم س��كارى" خص الله سبحانه وتعالى بهذا الخط��اب المؤم��نين؛ ألنهم ك��انوا يقيم��ون الص��الة وقد أخذوا من الخمر وأتلفت عليهم أذهانهم فخصوا بهذا الخطاب؛ إذ ك��ان الكفار ال يفعلونها صحاة وال سكارى. روى أب��و داود عن عم��ر بن الخط��اب رضي الله عنه قال: لما ن��زل تح��ريم الخم��ر ق��ال عم��ر: اللهم بين لن��ا في الخم��ر بيان��ا ش��افيا؛ ف��نزلت اآلي��ة ال��تي في البق��رة "يس��ألونك عن الخم��ر

[ قال: فدعي عمر فقرئت علي��ه فق��ال: اللهم بين219والميسر" ]البقرة: لنا في الخمر بيانا شافيا؛ فنزلت اآلية التي في النساء "يا أيها ال��ذين آمن��وا ال تقربوا الصالة وأنتم سكارى" فكان منادي رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم إذا أقيمت الصالة ينادي: أال ال يقربن الص��الة س��كران. ف��دعي عم��ر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا؛ فنزلت ه��ذه اآلي��ة:

[ قال عمر: انتهينا. وقال س��عيد بن جب�ير:91"فهل أنتم منتهون" ]المائدة: كان الناس على أمر جاهليتهم حتى يؤمروا أو ينهوا؛ فك��انوا يش��ربونها أول اإلسالم حتى ن��زلت: "يس��ألونك عن الخم��ر والميس��ر ق��ل فيهم��ا إثم كب��ير

[. ق��الوا: نش��ربها للمنفع��ة ال لإلثم؛ فش��ربها219ومنافع للناس" ]البق��رة: رجل فتقدم يصلي بهم فقرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون؛ فنزلت: "يا أيها الذين آمنوا ال تقربوا الصالة وأنتم س��كارى". فق��الوا: في غ��ير عين الصالة. فقال عمر: اللهم أنزل علينا في الخمر بيانا ش��افيا؛ ف��نزلت: "إنم��ا

[ اآلية. فقال عم��ر: انتهين��ا، انتهين��ا. ثم ط��اف91يريد الشيطان" ]المائدة: منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أال إن الخمر قد حرمت؛ على م��ا يأتي بيانه في "المائدة" إن شاء الل��ه تع��الى: وروى الترم��ذي عن علي بن أبي طالب قال: صنع لنا عبدالرحمن بن ع��وف طعام��ا ف��دعانا وس��قانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصالة فقدموني فقرأت: "قل ي��ا أيه��ا

-�� 1الكافرون ال أعبد ما تعبدون" ]الكافرون: [ ونحن نعب��د م��ا تعب��دون.2 قال: فأنزل الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ال تقربوا الص��الة وأنتم س��كارى حتى تعلموا ما تقولون". قال أبو عيسى: هذا حديث حس��ن ص��حيح. ووج��ه االتصال والنظم بما قبله أنه قال سبحانه وتعالى: "واعبدوا الله وال تشركوا

[. ثم ذك��ر بع��د اإليم��ان الص��الة ال��تي هي رأس36ب��ه ش��يئا" ]النس��اء: العبادات؛ ول��ذلك يقت��ل تاركه��ا وال يس��قط فرض��ها، وانج��ر الكالم إلى ذك��ر

شروطها التي ال تصح إال بها. @ والجمهور من العلماء وجماع��ة الفقه��اء على أن الم��راد بالس��كر س��كر الخمر؛ إال الضحاك فإنه قال: المراد سكر النوم؛ لقول��ه علي��ه الس��الم: )إذا نعس أحدكم في الصالة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن��ه ال ي��دري لعل��ه يستغفر فيسب نفسه(. وقال عبيدة الس��لماني: "وأنتم س��كارى" يع��ني إذا

كنت حاقنا؛ لقوله عليه السالم: )ال يص��لين أح��دكم وه��و ح��اقن( في رواي��ة)وهو ضام بين فخذيه(.

قلت: وق��ول الض��حاك وعبي��دة ص��حيح المع��نى؛ ف��إن المطل��وب من المصلي اإلقبال على الله تعالى بقلبه وترك االلتفات إلى غيره، والخلو عن كل ما يشوش عليه من ن��وم وحقن��ة وج��وع، وك��ل م��ا يش��غل الب��ال ويغ��ير الح��ال. ق�ال ص�لى الل��ه علي�ه وس�لم: )إذا حض��ر العش��اء وأقيمت الص��الة فابدؤوا بالعشاء(. فراعى صلى الله عليه وسلم زوال ك��ل مش��وش يتعل��ق به الخاطر، حتى يقبل على عبادة ربه بفراغ قلبه وخالص لب�ه، فيخش�ع في صالته. ويدخل في هذه اآلي��ة: "ق��د أفلح المؤمن��ون ال��ذين هم في ص��التهم

-�� 1خاشعون" ]المؤمنون: [ على ما ي��أتي بيان��ه. وق��ال ابن عب��اس: إن2 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ال تقربوا الصالة وأنتم سكارى" منسوخ بآية

[ اآلي�ة. ف��أمروا على6المائدة: "إذا قمتم إلى الصالة فاغس��لوا" ]المائ�دة: هذا القول بأال يصلوا سكارى؛ ثم أمروا بأن يصلوا على كل حال؛ وهذا قبل التحريم. وقال مجاهد: نسخت بتحريم الخمر. وكذلك قال عكرم��ة وقت��ادة، وهو الصحيح في الباب لحديث علي الم�ذكور. وروي أن عم�ر بن الخط�اب رضي الله عنه قال: أقيمت الصالة فن��ادى من��ادي رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم ال يقربن الصالة سكران؛ ذكره النح��اس. وعلى ق��ول الض��حاك

وعبيدة اآلية محكمة ال نسخ فيها. @قوله تعالى: "ال تقربوا" إذا قيل: ال تقرب بفتح الراء كان معن��اه ال تلبس بالفعل، وإذا كان بضم الراء كان معناه ال تدن منه. والخطاب لجماعة األمة الصاحين. وأما السكران إذا عدم الميز لس��كره فليس بمخ��اطب في ذل��ك الوقت لذهاب عقله؛ وإنما هو مخاطب بامتثال ما يجب علي��ه، وبتكف��ير م��ا

ضيع في وقت سكره من األحكام التي تقرر تكليفه إياها قبل السكر. @قوله تعالى: "الصالة" اختل��ف العلم��اء في الم��راد بالص��الة هن��ا؛ فق��الت طائفة: هي العبادة المعروف��ة نفس��ها؛ وه��و ق�ول أبي حنيف�ة؛ ول�ذلك ق�ال "حتى تعلموا ما تقولون". وقالت طائفة: المراد مواضع الصالة؛ وه��و ق��ول الش��افعي، فح��ذف المض��اف. وق��د ق��ال تع��الى "له��دمت ص��وامع وبي��ع

[ فسمى مواضع الصالة صالة. ويدل على هذا التأويل40وصلوات" ]الحج: قوله تعالى: "وال جنبا إال عابري سبيل "هذا يقتضي جواز العبور للجنب في المسجد ال الصالة فيه. وقال أبو حنيفة: الم�راد بقول�ه تع�الى: "وال جنب�ا إال عابري سبيل" المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ويصلي؛ وسيأتي بيان��ه. وقالت طائف��ة: الم��راد الموض��ع والص��الة مع��ا؛ ألنهم ك��انوا حينئ��ذ ال ي��أتون

المسجد إال للصالة وال يصلون إال مجتمعين، فكانا متالزمين. @قوله تعالى: "وأنتم سكارى" ابتداء وخ��بر، جمل��ة في موض��ع الح��ال من "تقربوا". و"سكارى" جمع س��كران؛ مث��ل كس��الن وكس��الى. وق��رأ النخعي "سكرى" بفتح السين على مثال فعلى، وهو تكس��ير س��كران؛ وإنم��ا كس��ر على سكرى ألن السكر آفة تلحق العقل فجرى مجرى صرعى وبابه. وق��رأ األعمش "سكرى" كحبلى فهو صفة مفردة؛ وجاز اإلخبار بالص��فة المف��ردة عن الجماعة على ما يستعملونه من اإلخبار عن الجماعة بالواحد. والسكر: نقيض الصحو؛ يقال: سكر يسكر مس�كرا، من ب�اب حم�د يحم��د. وس��كرت عينه تسكر أي تحيرت؛ ومنه قوله تعالى: "إنما س��كرت أبص��ارنا" ]الحج��ر:

[. وسكرت الشق س��ددته. فالس��كران ق��د انقط��ع عم��ا ك��ان علي��ه من15العقل.

@ وفي ه��ذه اآلي��ة دلي��ل ب��ل نص على أن الش��رب ك��ان مباح��ا في أول اإلسالم ح��تى ينتهي بص��احبه إلى الس��كر. وق��ال ق��وم: الس��كر مح��رم في العقل وما أبيح في شيء من األديان؛ وحمل��وا الس��كر في ه��ذه اآلي��ة على النوم. وقال القفال: يحتمل أنه كان أبيح لهم من الشراب ما يحرك الطب��ع

إلى السخاء والشجاعة والحمية. قلت: وهذا المعنى موجود في أشعارهم؛ وقد قال حسان. ونشربها فتتركنا ملوكا

وقد أشبعنا هذا المعنى في "البقرة". ق��ال القف��ال: فأم��ا م��ا يزي��ل العق��ل حتى يصير صاحبه في حد الجنون واإلغماء فما أبيح قصده، بل لو اتفق من

غير قصد فيكون مرفوعا عن صاحبه. قلت: هذا صحيح، وسيأتي بيانه في "المائدة" إن شاء الله تعالى في

قصة حمزة. وكان المسلمون لما نزلت هذه اآلية يجتنبون الش��رب أوق��ات الص��لوات، ف��إذا ص��لوا العش��اء ش��ربوها؛ فلم يزال��وا على ذل��ك ح��تى ن��زل

[.91تحريمها في "المائدة" في قوله تعالى: "فهل أنتم منتهون" ]المائدة: @قوله تعالى: "حتى تعلموا ما تقولون" أي حتى تعلموه متيق��نين في��ه من غير غلط. والسكران ال يعلم ما يقول؛ ولذلك قال عثم��ان بن عف��ان رض��ي الل��ه عن��ه: إن الس��كران ال يلزم��ه طالق��ه. وروي عن ابن عب��اس وط��اوس وعط��اء والقاس��م وربيع��ة، وه��و ق��ول الليث بن س��عد وإس��حاق وأبي ث��ور والمزنى؛ واختاره الطحاوي وقال: أجمع العلم��اء على أن طالق المعت��وه ال يجوز، والسكران معتوه كالموس��وس معت��وه بالوس��واس. وال يختلف��ون أن من شرب البنج فذهب عقل��ه أن طالق��ه غ��ير ج��ائز؛ فك��ذلك من س��كر من الش��راب. وأج��ازت طائف��ة طالق��ه؛ وروي عن عم��ر بن الخط��اب ومعاوي��ة وجماعة من التابعين، وه��و ق��ول أبي حنيف��ة والث��وري واألوزاعي، واختل��ف فيه قول الشافعي. والزمه مالك الطالق والق��ود في الج��راح والقت��ل، ولم يلزمه النكاح والبيع. وقال أبو حنيفة: أفع�ال الس�كران وعق�وده كله�ا ثابت�ة كأفع��ال الص��احي، إال ال��ردة فإن��ه إذا ارت��د فإن��ه ال ت��بين من��ه امرأت��ه إال استحس��انا. وق��ال أب��و يوس��ف: يك��ون مرت��دا في ح�ال س��كره؛ وه��و ق�ول الش��افعي إال أن��ه ال يقتل��ه في ح�ال س��كره وال يس��تتيبه. وق��ال اإلم��ام أب��و عبدالله المازري: وقد رويت عندنا رواية شاذة أنه ال يلزم طالق الس��كران. وقال محمد بن عبدالحكم: ال يلزمه طالق وال عتاق. قال ابن شاس: ون��زل الشيخ أبو الوليد الخالف على المخلط الذي مع��ه بقي��ة من عقل��ه إال أن��ه ال يملك االختالط من نفس��ه فيخطئ ويص��يب. ق��ال: فأم��ا الس��كران ال��ذي ال يع���رف األرض من الس���ماء وال الرج���ل من الم���رأة، فال اختالف في أن���ه كالمجنون في جميع أفعال وأحواله فيما بينه وبين الناس، وفيم��ا بين��ه وبين الله تعالى أيضا؛ إال فيما ذهب وقته من الصلوات، فقيل: إنها ال تسقط عنه بخالف المجنون؛ من أجل أنه بإدخاله السكر على نفس��ه كالمتعم��د لتركه��ا حتى خرج وقته��ا. وق��ال س��فيان الث��وري: ح��د الس��كر اختالل العق��ل؛ ف��إذا استقرئ فخلط في قراءته وتكلم بما ال يعرف جلد. وق��ال أحم��د: إذا تغ��ير عقل��ه عن ح��ال الص��حة فه��و س��كران؛ وحكي عن مال��ك نح��وه. ق��ال ابن المنذر: إذا خلط في قراءته فهو سكران؛ استدالال بقول الله تعالى: "ح��تى

تعلموا ما تقولون". فإذا كان بحيث ال يعلم ما يقول تجنب المسجد مخاف��ة التلويث؛ وال تصح صالته وإن صلى الله عليه وسلم قض��ى. وإن ك��ان بحيث

يعلم ما يقول فأتى بالصالة فحكمه حكم الصاحي. @قوله تعالى: "وال جنبا" عطف على موضع الجمل��ة المنص��وبة في قول��ه: "ح��تى تعلم��وا" أي ال تص��لوا وق��د أجنبتم. ويق��ال: تجنبتم وأجنبتم وجنبتم بمعنى. ولفظ الجنب ال ي��ؤنث وال يث��نى وال يجم��ع؛ ألن��ه على وزن المص��در كالبعد والقرب. وربما خففوه فقالوا: جنب؛ وق��د ق��رأه ك��ذلك ق��وم. وق��ال الفراء: يقال جنب الرجل وأجنب من الجنابة. وقيل: يجم��ع الجنب في لغ��ة على أجناب؛ مثل عنق وأعن��اق، وطنب وأطن��اب. ومن ق��ال للواح��د ج��انب قال في الجمع: جناب؛ كقولك: راكب وركاب. واألص��ل البع��د؛ ك��أن الجنب

بعد بخروج الماء الدافق عن حال الصالة؛ قال: فال تحرمي نائال عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب

ورجل جنب: غريب. والجنابة مخالطة الرجل المرأة. @والجمهور من األمة على أن الجنب هو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان. وروي عن بعض الصحابة أال غسل إال من إنزال؛ لقوله عليه السالم: )إنما الماء من الماء( أخرج��ه مس��لم. وفي البخ��اري عن أبي بن كعب أن��ه قال: يا رسول الله، إذا جامع الرجل المرأة فلم ي��نزل ؟ ق��ال: )يغس��ل م��ا مس المرأة من ثم يتوضأ ويصلي(. قال أبو عبدالله: الغسل أح��وط؛ وذل��ك اآلخر إنما بيناه الختالفهم. وأخرجه مس��لم في ص��حيحه بمعن��اه، وق��ال في آخره: قال أبو العالء بن الشخير كان رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ينسخ حديثه بعضه بعضا كما ينسخ القرآن بعضه بعض��ا. ق��ال أب��و إس��حاق:

هذا منسوخ. وقال الترمذي: كان هذا الحكم في أول اإلسالم ثم نسخ. قلت: على هذا جماعة العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء األمصار،

وأن الغسل يجب بنفس التقاء الختانين. وقد ك��ان في��ه خالف بين الص��حابة ثم رجعوا فيه إلى رواية عائشة عن النبي صلى الله عليه وس��لم ق��ال: )إذا جلس بين شعبها األربع ومس الخت�ان الخت�ان من�ه وجب الغس�ل(. أخرج�ه مسلم. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم قال: )إذا قعد بين شعبها األربع ثم جهدها فقد وجب علي��ه الغس��ل(. زاد مسلم )وإن لم ينزل(. وقال ابن القصار: وأجمع الت��ابعون ومن بع��دهم بع��د خالف من قبلهم على األخ��ذ بح��ديث )إذا التقى الختان��ان( وإذا ص��ح اإلجماع بع��د الخالف ك��ان مس��قطا للخالف. ق��ال القاض��ي عي��اض: ال نعلم أحدا ق��ال ب��ه بع��د خالف الص��حابة إال م��ا حكي عن األعمش ثم بع��ده داود األصبهاني. وقد روي أن عمر رضي الله عنه حمل الناس على ت��رك األخ��ذ بحديث )الماء من الماء( لما اختلف��وا. وتأول��ه ابن عب��اس على االحتالم؛ أي إنم��ا يجب االغتس��ال بالم��اء من إن��زال الم��اء في االحتالم. وم��تى لم يكن إنزال وإن رأى أنه يجامع فال غسل. وهذا ما ال خالف فيه بين كافة العلماء. @قوله تعالى: "إال ع��ابري س��بيل" يق��ال: ع��برت الطري��ق أي قطعت��ه من جانب إلى جانب. وعبرت النهر عبورا، وهذا ع��بر النه��ر أي ش��طه، ويق��ال: عبر بالضم. والمعبر ما يعبر عليه من سفينة أو قنطرة. وهذا عابر الس��بيل أي مار الطريق. وناقة عبر أسفار: ال تزال يسافر عليه��ا ويقط��ع به��ا الفالة

والهاجرة لسرعة مشيها. قال الشاعر: عيرانة سرح اليدين شملة عبر الهواجر كالهزف الخاضب

وعبر القوم ماتوا. وأنشد: قضاء الله يغلب كل شيء ويلعب بالجزوع وبالصبور فإن نعبر فإن لنا لمات وإن نغبر فنحن على نذور

يقول: إن متنا فلنا أقران، وإن بقينا فال بد لنا من الموت؛ ح��تى ك��أن علين��افي إتيانه نذورا.

@ واختلف العلماء في قوله: "إال عابري سبيل" فقال علي رضي الله عنه وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحكم: ع��ابر الس��بيل المس��افر. وال يص��ح ألحد أن يقرب الصالة وهو جنب إال بعد االغتسال، إال المسافر فإنه ي��تيمم؛ وهذا قول أبي حنيفة؛ ألن الغالب في الماء ال يع��دم في الحض��ر؛ فالحاض��ر يغتسل لوجود الماء، والمسافر يتيمم إذا لم يجده. ق��ال ابن المن��ذر: وق��ال أصحاب الرأي في الجنب المسافر يم��ر على مس��جد في��ه عين م��اء ي��تيمم الص��عيد وي��دخل المس��جد ويس��تقي منه��ا ثم يخ��رج الم��اء من المس��جد. ورخص��ت طائف��ة في دخ��ول الجنب المس��جد. واحتج بعض��هم بق��ول الن��بي صلى الله عليه وسلم: )المؤمن ليس بنجس(. قال ابن المنذر: وبه نق��ول. وق��ال ابن عب��اس أيض��ا وابن مس��عود وعكرم��ة والنخعي: ع��ابر الس��بيل الخ��اطر المجت��از؛ وه��و ق��ول عم��رو بن دين��ار ومال��ك والش��افعي. وق��الت طائفة: ال يمر الجنب في المسجد إال أال يجد ب��دا في�تيمم ويم�ر في��ه؛ هك��ذا قال الثوري وإسحاق بن راهويه. وقال أحمد وإسحاق في الجنب: إذا توضأ ال بأس أن يجلس في المسجد حكاه ابن المن�ذر. وروى بعض�هم في س��بب اآلية أن قوما من األنصار ك��انت أب��واب دورهم ش��ارعة في المس��جد، ف��إذا

أصاب أحدهم الجنابة أضطر إلى المرور في المسجد. قلت: وهذا صحيح؛ يعضده ما رواه أب��و داود عن جس��رة بنت دجاج��ة

قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تق�ول: ج�اء رس�ول الل��ه ص�لى الل��ه عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد؛ فقال: )وجهوا ه��ذه البيوت عن المس��جد(. ثم دخ��ل الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ولم يص��نع القوم ش��يئا رج��اء أن ت��نزل لهم رخص��ة فخ��رج إليهم فق��ال: )وجه��وا ه��ذه البيوت عن المسجد فإني ال أحل المس��جد لح��ائض وال جنب(. وفي ص��حيح مسلم: )ال تبقين في المسجد خوخة إال خوخة أبي بك��ر(. ف��أمر ص��لى الل��ه عليه وسلم بسد األبواب لما ك��ان ي��ؤدي ذل��ك إلى اتخ��اذا المس��جد طريق��ا والعبور فيه. واستثنى خوخة أبي بكر إكراما ل��ه وخصوص��ية؛ ألنهم��ا كان��ا ال يفترقان غالبا. وقد روي عن النبي صلى الله علي��ه وس��لم أن��ه لم يكن أذن ألحد أن يمر في المسجد وال يجلس فيه إال علي بن أبي طالب رض��ي الل��ه عنه. ورواه عطية العوفي عن أبي سعيد الخ��دري ق��ال: ق��ال رس��ول الل��ه صلى الله عليه وسلم: )ما ينبغي لمسلم وال يص��لح أن يجنب في المس��جد إال أنا وعلي(. قال علماؤنا: وهذا يج��وز أن يك��ون ذل��ك؛ ألن بيت علي ك��ان في المسجد، كما كان بيت النبي صلى الله عليه وس��لم في المس��جد، وإن كان البيتان لم يكونا في المسجد ولكن كان��ا متص��لين بالمس��جد وأبوابهم��ا كانت في المسجد فجعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد فقال: )ما ينبغي لمسلم( الحديث. والذي ي��دل على أن بيت علي ك��ان في المسجد ما رواه ابن شهاب عن سالم بن عبدالله قال: سأل رجل أبي عن علي وعثمان رضي الله عنهما أيهما كان خيرا ؟ فقال له عبدالله بن عم��ر: هذا بيت رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ! وأش��ار إلى بيت علي إلى

جنبه، لم يكن في المسجد غيرهما؛ وذك��ر الح��ديث. فلم يكون��ا يجنب��ان في المس��جد وإنم��ا كان��ا يجنب��ان في بيوتهم��ا، وبيوتهم��ا من المس��جد إذ ك��ان أبوابهم��ا في��ه؛ فكان��ا يس��تطرقانه في ح��ال الجناب��ة إذا خرج��ا من بيوتهم��ا. ويجوز أن يكون ذلك تخصيصا لهما؛ وقد كان النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم خص بأشياء، فيكون هذا مما خص به، ثم خص النبي صلى الله عليه وسلم عليا عليه السالم فرخص له في ما لم يرخص فيه لغيره. وإن كانت أب��واب بيوتهم في المسجد، فإنه كان في المسجد أبواب بيوت غير بيتيهم��ا؛ ح��تى أمر الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم بس��دها إال ب��اب علي. وروى عم��رو بن ميمون عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )س��دوا األبواب إال باب علي( فخصه عليه السالم بأن ترك بابه في المسجد، وكان يجنب في بيته وبيته في المسجد. وأما قوله: )ال تبقين في المسجد خوخ��ة إال خوخة أبي بكر( فإن ذلك كانت - والله أعلم - أبوابا تطل��ع إلى المس��جد خوخات، وأبواب البيوت خارجة من المسجد؛ فأمر عليه السالم بس��د تل��ك الخوخات وترك خوخة أبي بكر إكراما له. والخوخ��ات ك��الكوى والمش��اكي، وباب علي كان باب البيت الذي كان يدخل منه ويخرج. وقد فسر ابن عمر ذلك بقوله: ولم يكن في المسجد غيرهما. فإن قي��ل: فق��د ثبت عن عط��اء بن يسار أنه قال: ك�ان رج�ال من أص�حاب الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم تصيبهم الجنابة فيتوضؤون ويأتون المسجد فيتحدثون فيه. وه��ذا ي��دل على أن اللبث في المسجد للجنب جائز إذا توضأ؛ وه��و م��ذهب أحم��د وإس��حاق كما ذكرنا. فالجواب أن الوضوء ال يرفع ح��دث الجناب��ة، وك��ل موض��ع وض��ع للعبادة وأكرم عن النجاس��ة الظ��اهرة ينبغي أال يدخل��ه من ال يرض��ى لتل��ك العب��ادة، وال يص�ح ل�ه أن يتلبس به�ا. والغ�الب من أح�والهم المنقول��ة أنهم كانوا يغتسلون في بي��وتهم. ف��إن قي��ل: يبط��ل بالمح��دث. قلن��ا: ذل��ك يك��ثر وقوعه فيشق الوضوء منه؛ وفي قوله تعالى: "وال جنبا إال عابري سبيل" ما يغني ويكفي. وإذا كان ال يجوز له اللبث في المس��جد ف��أحرى أال يج��وز ل��ه مس المص��حف وال الق��راءة في��ه؛ إذ ه��و أعظم حرم��ة. وس��يأتي بيان��ه في

"الواقعة" إن شاء الله تعالى. @ ويمنع الجنب عند علمائن��ا من ق��راءة الق��رآن غالب��ا إال اآلي��ات اليس��يرة للتعوذ. وقد روى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: ق��ال رس��ول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم: )ال يق��رأ الجنب والح��ائض ش��يئا من الق��رآن( أخرجه ابن ماجة. وأخرج الدارقطني من حديث سفيان عن مسعر، وشعبة عن عمرو بن مرة عن عبدالله بن سلمة عن علي ق��ال: ك��ان رس��ول الل��ه صلى الله عليه وسلم ال يحجبه عن قراءة القرآن شيء إال أن يك��ون جنب��ا. قال سفيان: قال لي شعبة: م��ا أح��دث بح��ديث أحس��ن من��ه. وأخرج��ه ابن ماجة قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، ح��دثنا ش��عبة، عن عمرو بن مرة؛ فذكره بمعن��اه، وه��ذا إس��ناد ص��حيح. وعن ابن عب��اس، عن عبدالله بن رواحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ أح��دنا القرآن وه��و جنب؛ أخرج��ه ال��دارقطني. وروى عن عكرم��ة ق��ال: ك��ان ابن رواحة مضطجعا إلى جنب امرأته فق��ام إلى جاري��ة ل��ه في ناحي��ة الحج��رة فوقع عليها؛ وفزعت امرأته فلم تجده في مضجعه، فقامت فخرجت فرأته على جاريته، فرجعت إلى البيت فأخذت الش��فرة ثم خ�رجت، وف��رغ فق��ام فلقيها تحمل الشفرة فقال مهيم ؟ قالت: مهيم ! ل��و أدركت��ك حيث رأيت��ك

لوجأت بين كتفيك بهذه الش��فرة. ق��ال: وأين رأيت��ني ؟ ق��الت: رأيت��ك على الجارية؛ فقال: ما رأيتني؛ وقد نهى رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم أن

يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب. قالت: فأقرأ، وكانت ال تقرأ القرآن، فقال: أتانا رسول الله يتلوا كتابه كما الح مشهور من الفجر ساطع أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

فقالت: آمنت بالله وكذبت البصر. ثم غدا على رسول الله صلى الله علي��هوسلم فأخبره؛ فضحك حتى بدت نواجذه صلى الله عليه وسلم.

@قوله تعالى: "حتى تغتسلوا" نهى الله سبحانه وتعالى عن الصالة إال بع��د االغتسال؛ واالغتسال معنى معقول، ولفظه عند العرب معلوم، يعبر به عن إمرار الي��د م��ع الم��اء على المغس��ول؛ ول��ذلك ف��رقت الع��رب بين ق��ولهم: غسلت الثوب، وبين قولهم: أفضت عليه الماء وغمسته في الماء. إذا تقرر ه��ذا ف��اعلم أن العلم��اء اختلف��وا في الجنب يص��ب على جس��ده الم��اء أو ينغمس في��ه وال يت��دلك؛ فالمش��هور من م��ذهب مال��ك أن��ه ال بجزئ��ه ح��تى يتدلك؛ ألن الله سبحانه وتعالى أمر الجنب باالغتسال، كم��ا أم��ر المتوض��ئ بغسل وجهه ويديه؛ ولم يكن للمتوضئ ب��د من إم��رار يدي��ه م��ع الم��اء على وجهه ويديه، فكذلك جمي��ع جس��د الجنب ورأس��ه في حكم وج��ه المتوض��ئ ويدي��ه. وه��ذا ق��ول الم��زني واختي��اره. ق��ال أب��و الف��رج عم��رو بن محم��د المالكي: وهذا هو المعقول من لفظ الغسل؛ ألن االغتس��ال في اللغ��ة ه��و االفتعال، ومن لم يمر فلم يفعل غ��ير ص��ب الم��اء ال يس��ميه أه��ل اللس��ان غاسال، بل يسمونه صابا للماء ومنغمسا فيه. ق��ال: وعلى نح��و ه��ذا ج��اءت اآلثار عن النبي صلى الله علي��ه وس��لم أن��ه ق��ال: )تحت ك��ل ش��عرة جناب��ة فاغسلوا الشعر واتقوا البش��رة( ق��ال: وإنق��اؤه - والل��ه أعلم - ال يك��ون إال

بتتبعه؛ على حد ما ذكرنا. قلت: ال حجة فيما استدل به من الحديث ل�وجهين: أح�دهما: أن��ه ق��د

خولف في تأويله؛ قال سفيان بن عيينة: المراد بقوله عليه السالم )وأنق��وا البشرة( أراد غسل الفرج وتنظيفه، وأنه كنى بالبشرة عن الفرج. ق��ال ابن

وهب: ما رأيت أحدا أعلم بتفسير األحاديث من ابن عيينة. الثاني: إن الحديث أخرجه أبو داود في سننه وقال فيه: وه�ذا الح��ديث

ضعيف؛ كذا في رواية ابن داسة. وفي رواية اللؤلئي عنه: الحارث بن وجيه ض��عيف، حديث��ه منك��ر؛ فس��قط االس��تدالل بالح��ديث، وبقي المع��ول على اللسان كما بينا. ويعضده ما ثبت في صحيح الح��ديث أن الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم أتي بصبي فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه بول ولم يغس��له؛ روت��ه عائشة، ونحوه عن أم قيس بنت محصن؛ أخرجهما مسلم. وق��ال الجمه��ور من العلماء وجماعة الفقهاء: يجزئ الجنب صب الم��اء واالنغم��اس في��ه إذا أسبغ وعم وإن لم يتدلك؛ على مقتضى حديث ميمون��ة وعائش��ة في غس��ل النبي صلى الله عليه وس��لم. رواهم��ا األئم��ة، وأن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم كان يفيض الماء على جسده؛ وبه ق��ال محم��د بن عب��دالحكم، وإلي��ه رجع أبو الفرج ورواه عن مالك؛ قال: وإنما أمر ب��إمرار الي��دين في الغس��ل ألنه ال يكاد من لم يمر يديه عليه يسلم من تنكب الم��اء عن بعض م��ا يجب عليه من جسده. وقال ابن العربي: وأعجب ألبي الف��رج ال��ذي روى وحكى

عن صاحب المذهب أن الغسل دون ذلك يجزئ ! وما قاله قط مال��ك نص��اوال تخريجا، وإنما هي من أوهامه.

قلت: قد روي هذا عن مالك نصا؛ قال مروان بن محمد الظاهري وهو ثقة من ثقات الشاميين: سألت مال��ك بن أنس عن رج��ل انغمس في م��اء وهو جنب ولم يتوضأ، قال: مضت صالته. قال أبو عمر: فهذه الرواي��ة فيه��ا لم يتدلك وال توض��أ، وق��د أج��زأه عن��د مال��ك. والمش��هور من مذهب��ه أن��ه ال يجزئه حتى يتدلك؛ قياسا عل غسل الوجه واليدين. وحجة الجماعة أن ك��ل من صب عليه الماء فقد اغتس��ل. والع��رب تق��ول: غس��لتني الس��ماء. وق��د حكت عائشة وميمونة صفة غسل رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم ولم يذكرا تدلكا، ولو كان واجبا ما تركه؛ ألنه المبين عن الله مراده، ول��و فعل��ه لنقل عنه؛ كما نقل تخليل أصول ش��عره بالم��اء وغرف��ه على رأس��ه، وغ��ير ذلك من صفة غسله ووضوئه عليه السالم. ق��ال أب��و عم��ر: وغ��ير نك��ير أن يكون الغسل في لسان العرب مرة بالعرك وم��رة بالص��ب واإلفاض��ة؛ وإذا كان هذا فال يمتنع أن يكون الله جل وع��ز تعب��د عب��اده في الوض��وء ب��إمرار أيديهم على وجوههم مع الماء ويكون ذل��ك غس��ال، وأن يفيض��وا الم��اء على أنفسهم في غسل الجنابة والحيض، ويكون ذلك غس�ال موافق�ا للس�نة غ�ير خارج من اللغة، ويكون كل واحد من األم��رين أص��ال في نفس��ه، ال يجب أن يرد أحدهما إلى صاحبه؛ ألن األصول ال يرد بعضها إلى بعض قياس��ا - وه��ذا ما ال خالف فيه بين علماء األم��ة. وإنم��ا ت��رد الق��روع قياس��ا على األص��ول.

وبالله التوفيق. @ حديث ميمونة وعائش��ة ي��رد م��ا رواه ش��عبة م��ولى ابن عب��اس عن ابن عباس أنه كان إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه سبعا وفرج��ه س��بعا. وق��د روي عن ابن عمر قال: كانت الصالة خمس��ين، والغس��ل من الجناب��ة س��بع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار؛ فلم يزل رسول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم يسأل حتى جعلت الص��الة خمس��ا، والغس��ل من الجناب��ة م��رة، والغسل من البول م��رة. ق��ال ابن عب��دالبر: وإس��ناد ه��ذا الح��ديث عن ابن عمر فيه ضعف ولين، وإن كان أبو داود قد خرج��ه وال��ذي قبل��ه عن ش��عبة مولى ابن عباس، وشعبة هذا ليس بالقوي، ويرهما حديث عائشة وميمونة. @ ومن لم يستطع إمرار يده على جس��ده فق��د ق��ال س��حنون: يجع��ل من يلي ذلك منه، أو يعالجه بخرقه. وفي الواض��حة: يم��ر يدي��ه على م��ا يدرك��ه

من جسده، ثم يفيض الماء حتى يعم ما لم تبلغه يداه. @ واختلف قول مالك في تخليل الجنب لحيته؛ فروى ابن القاسم عنه أن��ه قال: ليس عليه ذلك. وروى أشهب عنه أن عليه ذلك. قال ابن عب��دالحكم: ذلك هو أحب إلينا؛ ألن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل ش��عره في غسل الجنابة، وذلك عام وإن كان األظهر فيه شعر رأسه؛ وعلى هذين القولين العلماء. ومن جهة المعنى أن استيعاب جمي��ع الجس��د في الغس��ل واجب، والبشرة التي تحت اللحي��ة من جملت��ه؛ ف��وجب إيص��ال الم��اء إليه��ا ومباشرتها باليد. وإنما انتقل الفرض إلى الشعر في الطهارة الصغرى ألنها مبنية على التخفيف، ونيابة األبدال فيها من غير ضرورة؛ ول��ذلك ج��از فيه��ا

المسح على الخفين ولم يجز في الغسل. قلت: ويعضد. هذا قوله صلى الله عليه وسلم: )تحت كل شعرة جنابة(.

@ وقد بالغ ق��وم ف��أوجبوا المضمض��ة واالستنش��اق؛ لقول��ه تع��الى: "ح��تى تغتسلوا" منهم أبو حنيفة؛ وألنهما من جمل��ة الوج��ه وحكمهم��ا حكم ظ��اهر الوجه كالخد والجبين، فمن تركهما أعاد كمن ترك لمع��ة، ومن تركهم��ا في وضوئه فال إعادة علي��ه. وق��ال مال��ك: ليس��تا بف��رض ال في الجناب��ة وال في الوضوء؛ ألنهما باطنان فال يجب كداخل الجسد. وبذلك قال محمد بن جرير الطبري والليث بن س��عد واألوزاعي وجماع��ة من الت��ابعين. وق��ال ابن أبي ليلى وحماد بن أبي سليمان: هما فرض في الوضوء والغس�ل جميع�ا؛ وه�و ق��ول إس��حاق وأحم��د بن حنب��ل وبعض أص��حاب داود. وروي عن الزه��ري وعط��اء مث��ل ه��ذا الق��ول. وروي عن أحم��د أيض��ا أن المضمض��ة س��نة واالستنشاق فرض؛ وقال به بعض أصحاب داود. وحجة من لم يوجبهم��ا أن الله سبحانه لم يذكرهما في كتاب��ه، وال أوجبهم��ا رس��وله وال اتف��ق الجمي��ع عليه؛ والفرائض ال تثبت إال بهذه الوج��وه. احتج من أوجبهم��ا باآلي��ة، وقول��ه تعالى: "فاغس��لوا وج��وهكم "فم��ا وجب في الواح��د من الغس��ل وجب في اآلخر، والنبي صلى الله علي��ه وس��لم لم يحف��ظ عن��ه أن��ه ت��رك المضمض��ة واالستنشاق في وضوئه وال في غس��له من الجناب��ة؛ وه��و الم��بين عن الل��ه مراده قوال وعمال. احتج من فرق بينهما بأن النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم فعل المضمضة ولم يأمر بها، وأفعاله مندوب إليها ليست بواجبة إال ب��دليل،

وفعل االستنشاق وأمر به؛ وأمره على الوجوب أبدا. @ قال علماؤنا: وال بد في غس��ل الجناب��ة من الني��ة؛ لقول��ه تع��الى: "ح��تى تغتسلوا" وذلك يقتضي النية؛ وبه ق��ال مال��ك والش��افعي وأحم��د وإس��حاق وأبو ثور، وكذلك الوضوء والتيمم. وعضدوا هذا وبقوله تع�الى: "وم��ا أم�روا

[ واإلخالص الني��ة في التق��رب5إال ليعبدوا الله مخلصين له الدين "]البينة: إلى الله تعالى، والقصد له بأداء م��ا اف��ترض على عب��اده المؤم��نين، وق��ال عليه السالم: )إنما األعمال بالنيات( وهذا عمل. وق��ال األوزاعي والحس��ن: يجزئ الوضوء والتيمم بغ��ير ني��ة. وق��ال أب��و حنيف��ة وأص��حابه: ك��ل طه��ارة بالماء فإنها تجزئ بغ��ير ني��ة، وال يج��زئ ال��تيمم إال بني��ة؛ قياس��ا على إزال��ة النجاسة باإلجماع من األبدان والثياب بغير نية. ورواه الوليد بن مس��لم عن

مالك. @ وأما قدر الماء الذي يغتسل به؛ فروى مالك عن ابن ش��هاب عن ع��روة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إن��اء ه��و الف��رق من الجناب��ة. "الف��رق "تح��رك راؤه وتسكن. قال ابن وهب: "الفرق "مكيال من الخشب، كان ابن شهاب يقول: إنه يسع خمسة أقس��اط بأقس��اط ب��ني أمي��ة. وق��د فس��ر محم��د بن عيسى األعشى "الف��رق "فق��ال: ثالث��ة آص��ع، ق��ال: وهي خمس��ة أقس��اط، قال: وفي الخمسة أقساط اثنا عشر مدا بمد النبي صلى الله عليه وس�لم. وفي صحيح مسلم قال سفيان: "الفرق "ثالثة آص��ع. وعن أنس ق��ال: ك��ان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد. وفي رواية: يغتسل بخمسة مكاكيك ويتوضأ بمكوك. وه��ذه األح��اديث ت��دل على استحباب تقليل الماء من غير كيل وال وزن، يأخذ من��ه اإلنس��ان بق��در ما يكفي وال يكثر منه، فإن اإلكثار منه س��رف والس��رف م��ذموم. وم��ذهب

األباضية اإلكثار من الماء، وذلك من الشيطان.

@قول��ه تع��الى: "وإن كنتم مرض��ى أو على س��فر أو ج��اء أح��د منكم من الغائط أو المستم النساء فلم تج��دوا م�اء ف��تيمموا ص�عيدا طيب��ا فامس�حوا بوجوهكم وأيديكم" هذه آية التيمم، نزلت في عبدالرحمن بن عوف أصابته جنابة وهو جريح؛ فرخص له في أن يتيمم، ثم صارت اآلية عامة في جمي��ع الناس. وقيل: نزلت بسبب عدم الصحابة الماء في غزوة "المريسيع "حين انقط��ع العق��د لعائش��ة. أخ��رج الح��ديث مال��ك من رواي��ة عب��دالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة. وترجم البخاري هذه اآلية في كتاب التفس��ير: حدثنا محمد قال: أخبرنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبي��ه، عن عائش��ة رضي الله عنها ق��الت: هلكت قالدة ألس��ماء فبعث الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم في طلبها رجاال، فحضرت الصالة وليسوا على وضوء ولم يجدوا ماء

فصلوا وهم على غير وضوء؛ فأنزل الله تعالى آية التيمم. قلت: وهذه الرواية ليس فيها ذكر للموض��ع، وفيه��ا أن القالدة ك��انت

ألسماء؛ خالف حديث مالك. وذكر النس��ائي من رواي��ة علي بن مس��هر عن هشام بن عروة عن أبي�ه عن عائش�ة أنه�ا اس�تعارت من أس��ماء قالدة له�ا وهي في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وس��لم فأنس��لت منه��ا وك��ان ذلك المكان يقال له الصلصل؛ وذكر الحديث. ففي هذه الرواية عن هش��ام أن القالدة ك��انت ألس��ماء، وأن عائش��ة اس��تعارتها من أس��ماء. وه��ذا بي��ان لحديث مالك إذا قال: انقطع عقد لعائشة، ولحديث البخاري إذ قال: هلكت قالدة ألسماء. وفيه أن المكان يقال له الصلصل. وأخرج��ه الترم��ذي ح��دثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا هش�ام بن ع�روة عن أبي�ه، عن عائش�ة أنه�ا سقطت قالدتها ليلة األبواء، فأرس��ل رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم رجلين في طلبها؛ وذكر الحديث. ففي هذه الرواية عن هشام أيض��ا إض�افة القالدة إليها، لكن إضافة مستعير بدليل حديث النسائي. وقال في المكان: "األبواء "كما قال مالك، إال أنه من غير شك. وفي حديث مالك قال: وبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحت��ه. وج��اء في البخ��اري: أن رس��ول الله صلى الله عليه وسلم وجده. وهذا كله ص��حيح المع��نى، وليس اختالف النقلة في العقد والقالدة وال في الموضع م��ا يق��دح في الح��ديث وال ي��وهن شيئا منه؛ ألن المع��نى الم��راد من الح��ديث والمقص��ود ب��ه إلي��ه ه��و ن��زول التيمم، وقد ثبتت الروايات في أمر القالدة. وأما قوله في حديث الترمذي: فأرسل رجلين قيل: أحدهما أسيد بن حضير. ولعلهم��ا الم��راد بالرج��ال في حديث البخاري فعبر عنهما بلفظ الجمع، إذ أقل الجمع اثن��ان، أو أردف في أثرهما غيرهما فصح إطالق اللف��ظ والل��ه أعلم. فبعث��وا في طلبه��ا فطلب��وا فلم يجدوا شيئا في وجهتهم، فلما رجعوا أثاروا البعير فوج��دوه تحت��ه. وق��د روي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابتهم جراحة ففشت فيهم ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذل��ك لرس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم فنزلت هذه اآلية. وهذا أيضا ليس بخالف لم�ا ذكرن�ا؛ ف�إنهم ربم�ا أص��ابتهم الجراحة في غزوتهم تلك التي قفلوا منها إذ كان فيها قتال فش��كوا، وض��اع العقد ونزلت اآلية. وقد قيل: إن ضياع العقد كان في غزاة بني المصطلق. وهذا أيض��ا ليس بخالف لق��ول من ق��ال في غ��زاة المريس��يع، إذ هي غ��زاة واحدة؛ فإن النبي صلى الله عليه وس��لم غ��زا ب��ني المص��طلق في ش��عبان من السنة السادسة من الهجرة، على ما قال خليفة بن خياط وأبو عمر بن عبدالبر، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري. وقيل: بل نميلة بن عبدالله

الليثي. وأغار رسول الله صلى الله عليه وس��لم على ب��ني المص��طلق وهم غارون، وهم على ماء يقال له المريسيع من ناحية قديد مم��ا يلي الس��احل فقتل من قتل وسبى من سبى من النساء والذرية وك��ان ش��عارهم يومئ��ذ: أمت أمت. وقد قيل: إن بني المصطلق جمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوه، فلما بلغه ذلك خرج إليهم فلقيهم على م��اء. فه��ذا م��ا ج��اء في بدء التيمم والسبب فيه. وقد قيل: إن آية المائدة آي��ة ال��تيمم، على م��ا يأتي بيانه هناك. ق��ال أب��و عم��ر: ف��أنزل الل��ه تع��الى آي��ة ال��تيمم، وهي آي��ة الوضوء المذكورة في سورة "المائدة"، أو اآلية التي في سورة "النس��اء".

ليس التيمم مذكورا في غير هاتين اآليتين وهما مدنيتان. @قوله تعالى: "مرضى "المرض عبارة عن خروج البدن عن ح��د االعت��دال واالعتياد، إلى االعوجاج والشذوذ. وهو على ضربين: كثير ويسير؛ فإذا ك��ان كثيرا بحيث يخاف الموت لبرد الماء، أو للعلة التي به، أو يخاف فوت بعض األعضاء، فهذا يتيمم بإجماع؛ إال ما روي عن الحسن وعطاء أنه يتطهر وإن مات. وه��ذا م��ردود بقول��ه تع��الى: "وم��ا جع��ل عليكم في ال��دين من ح��رج

[. وروى29[ وقول��ه تع��الى: "وال تقتل��وا أنفس��كم "]النس��اء:78"]الحج: الدارقطني عن سعيد بن جب��ير عن ابن عب��اس في قول��ه ع��ز وج��ل: "وإن كنتم مرضى أو على سفر "قال: إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الل��ه أو القروح أو الجدري فيجنب فخاف أن يموت إن اغتسل، تيمم. وعن سعد بن جبير أيض��ا عن ابن عب��اس ق��ال: رخص للم��ريض في ال��تيمم بالص��عيد. وتيمم عمرو بن العاص لما خاف أن يهلك من شدة البرد ولم ي��أمره ص��لى الله عليه وسلم بغسل وال إعادة. فإن كان يسيرا إال أنه يخاف معه ح��دوث علة أو زيادتها أو بطء برء فهؤالء ي��تيممون بإجم��اع من الم��ذهب. ق��ال ابن

عطية: فيما حفظت. قلت: قد ذكر الباجي فيه خالفا؛ قال القاض��ي أب��و الحس��ن: مث��ل أن

يخاف الصحيح نزلة أو حمى، وكذلك إن كان المريض يخاف زي��ادة م��رض؛ وبنحو ذلك قال أبو حنيفة. وق�ال الش�افعي: ال يج�وز ل�ه ال�تيمم م�ع وج�ود الماء إال أن يخاف التلف؛ ورواه القاضي أب��و الحس��ن عن مال��ك. ق��ال ابن العربي: "ق�ال الش�افعي ال يب��اح ال�تيمم للم��ريض إال إذا خ�اف التل��ف؛ ألن زيادة المرض غير متحقق��ة؛ ألنه�ا ق�د تك��ون وق��د ال تك��ون، وال يج�وز ت�رك الفرض المتيقن للخوف المشكوك. قلنا: قد ناقضت؛ فإن��ك قلت إذا خ��اف التلف من البرد تيمم؛ فكما يبيح التيمم خ��وف التل��ف ك��ذلك، يبيح��ه خ��وف المرض؛ ألن المرض محذور كما أن التلف محذور. ق��ال: وعجب��ا للش��افعي يقول: لو زاد الماء على ق��در قيمت��ه حب��ة لم يلزم��ه ش��راؤه ص��يانة للم��ال ويلزم��ه ال��تيمم، وه��و يخ��اف على بدن��ه الم��رض ! وليس لهم علي��ه كالم

يساوي سماعه". قلت: الص��حيح من ق��ول الش��افعي فيم��ا ق��ال القش��يري أب��و نص��ر

عبدالرحيم في تفسيره: والمرض الذي يباح له التيمم هو الذي يخ��اف في��ه فوت الروح أو فوات بعض األعض��اء ل�و اس��تعمل الم��اء. ف��إن خ�اف ط��ول الم���رض ف���القول الص���حيح للش���افعي: ج���واز ال���تيمم. روى أب���و داود والدارقطني، عن يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي ح��بيب، عن عم��ران بن أبي أنس، عن عب��دالرحمن بن جب��ير، عن عم��رو بن الع�اص ق��ال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السالس��ل فأش��فقت إن اغتس��لت أن أهل��ك؛

فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح؛ فذكروا ذلك لرس��ول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم فقال يا عمرو: )صليت بأصحابك وأنت جنب( ؟ فأخبرته بال��ذي منعني من االغتسال وقلت: إني سمعت الله ع��ز وج��ل يق��ول: "وال تقتل��وا

[ فضحك نبي الله صلى الل��ه29أنفسكم إن الله كان بكم رحيما "]النساء: عليه وسلم ولم يقل شيئا. فدل هذا الحديث على إباحة التيمم مع الخ��وف ال مع اليقين، وفيه إطالق اسم الجنب على المتيمم وج��واز ص��الة الم��تيمم بالمتوضئين؛ وهذا أحد القولين عندنا؛ وهو الصحيح وهو ال��ذي أق��رأه مال��ك في موطئه وقرئ علي��ه إلى أن م��ات. والق��ول الث��اني: أن��ه ال يص��لي؛ ألن��ه أنقص فضيلة من المتوضئ، وحكم اإلم�ام أن يك��ون أعلى رتب�ة؛ وق�د روى الدارقطني من حديث جابر بن عبدالله قال: ق��ال رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم: )ال يؤم الم�تيمم المتوض�ئين( إس�ناده ض�عيف. وروى أب�و داود والدارقطني عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجال منا حج��ر فش��جه في رأسه ثم احتلم، فس�أل أص�حابه ه�ل تج��دون لي رخص��ة في ال�تيمم ؟ فقالوا: ما نجد ل��ك رخص��ة وأنت تق��در على الم��اء؛ فاغتس��ل فم��ات، فلم��ا قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: )قتلوه قتلهم الله أال سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال وإنما كان يكفيه أن ي��تيمم ويعص��ر أو يعص��ب - ش��ك موس��ى - على جرح��ه خرق��ة ثم يمس��ح عليه��ا ويغسل سائر جسده(. قال الدارقطني: "قال أبو بكر ه��ذه س��نة تف��رد به��ا أهل مكة وحملها أهل الجزيرة، ولم يروه عن عط��اء عن ج��ابر غ��ير الزب��ير بن خري��ق، وليس ب��القوي، وخالف��ه األوزاعي ف��رواه عن عط��اء عن ابن عباس وهو الصواب. واختل��ف عن األوزاعي فقي��ل عن��ه عن عط��اء، وقي��ل عنه: بلغني عن عطاء، وأرسل األوزاعي آخره عن عط��اء عن الن��بي ص��لى الله عليه وسلم وهو الصواب. وقال ابن أبي حاتم: س��ألت أبي وأب��ا زرع��ة عنه فقاال: رواه ابن أبي العشرين، عن األوزاعي، عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، وأس��ند الح��ديث". وق��ال داود: ك��ل من انطل��ق عليه اسم المريض فجائز له التيمم؛ لقوله تعالى: "وإن كنتم مرضى". قال ابن عطية: وهذا ق��ول خل��ف، وإنم��ا ه��و عن��د علم��اء األم��ة لمن خ��اف من استعمال الماء أو تأذيه به كالمجدور والمحص��وب، والعل��ل المخ��وف عليه��ا

من الماء؛ كما تقدم عن ابن عباس. @قوله تعالى: "أو على سفر" يجوز ال��تيمم بس��بب الس��فر ط��ال أو قص��ر عند عدم الماء، وال يشترط أن يكون مما تقص��ر في��ه الص��الة؛ ه��ذا م��ذهب مالك وجمهور العلماء. وقال قوم: ال يتيمم إال في سفر تقصر فيه الص��الة.

واشترط آخرون أن يكون سفر طاعة. وهذا كله ضعيف. والله أعلم. @ أجمع العلماء على جواز التيمم في السفر حسبما ذكرنا، واختلف��وا في��ه في الحضر؛ فذهب مالك وأصحابه إلى أن التيمم في الحضر والسفر جائز؛ وهو قول أبي حنيفة ومحمد. وقال الشافعي: ال يجوز للحاض��ر الص��حيح أن يتيمم إال أن يخاف التلف؛ وهو قول الطبري. وقال الش��افعي أيض��ا والليث والطبري: إذا عدم الماء في الحضر م��ع خ��وف ال��وقت الص��حيح والس��قيم تيمم وصلى الله علي��ه وس��لم ثم أع��اد. وق��ال أب��و يوس��ف وزف��ر: ال يج��وز التيمم في الحضر ال لم��رض وال لخ��وف ال��وقت وق��ال الحس��ن وعط��اء: ال يتيمم المريض إذا وجد الماء، ال غير المريض. وسبب الخالف اختالفهم في مفهوم اآلية؛ فقال مالك ومن تابعه: ذكر الله تعالى المرضى والمس��افرين

في شرط التيمم خرج على األغلب فيمن ال يجد الماء، والحاضرون األغلب عليهم وجوده فلذلك لم ينص عليهم. فكل من لم يج��د الم��اء أو منع��ه من��ه مانع أو خاف فوات وقت الصالة، تيمم المسافر بالنص، والحاضر ب��المعنى. وكذلك المريض بالنص والصحيح بالمعنى. وأما من منعه في الحضر فقال: إن الله تع��الى جع��ل ال��تيمم رخص��ة للم��ريض والمس��افر؛ ك��الفطر وقص��ر الص��الة، ولم يبح ال��تيمم إال بش��رطين، وهم��ا الم��رض والس��فر؛ فال دخ��ول للحاضر الصحيح في ذلك لخروجه من شرط الله تعالى. وأما قول الحس��ن وعطاء الذي منعه جملة مع وجود الماء فقال: إنما شرطه الل��ه تع��الى م��ع عدم الماء، لقوله تعالى: "فلم يجدوا ماء فتيمموا "فلم يبح التيمم ألح��د إال عند فقد الماء. وقال أبو عمر: ولوال قول الجمهور وما روي من األثر لك��ان قول الحسن وعطاء صحيحا؛ والله أعلم. وقد أجاز رسول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم التيمم لعمرو بن العاص وهو مسافر إذ خاف الهالك إن اغتسل بالماء، ف��المريض أح��رى ب��ذلك. قلت: ومن ال��دليل على ج��واز ال��تيمم في

الحضر إذا خاف فوات الصالة إن ذهب إلى الماء الكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله سبحانه: "أو جاء أحد منكم من الغائط "يعني المقيم

إذا عدم الماء تيمم. نص عليه القشيري عبدالرحيم ق��ال: ثم يقط��ع النظ��ر في وج��وب القض��اء؛ ألن ع��دم الم��اء في الحض��ر ع��ذر ن��ادر وفي القض��اء

قوالن: قلت: وهكذا نص أصحابنا فيمن تيمم في الحضر، فهل يعي��د إذا وج��د

الماء أم ال؛ المشهور من مذهب مالك أنه ال يعيد وه��و الص��حيح. وق��ال ابن حبيب ومحمد بن عبدالحكم. يعيد أبدا؛ ورواه ابن المن��ذر عن مال��ك. وق��ال الوليد عنه: يغتسل وإن طلعت الشمس. وأما السنة فما رواه البخاري عن أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة األنص��اري ق��ال: أقب��ل الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم من نحو "بئر جمل" فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمس��ح بوجه��ه ويدي��ه، ثم رد عليه السالم. وأخرجه مسلم وليس فيه لف��ظ "ب��ئر". وأخرج��ه ال��دارقطني من حديث ابن عمر وفيه "ثم رد على الرجل السالم وقال: )إنه لم يمنعني

أن أرد عليك السالم إال أني لم أكن على طهر". @قوله تعالى: "أو جاء أحد منكم من الغائط" الغائط أصله م��ا انخفض من األرض، والجمع الغيط��ان أو األغ��واط؛ وب��ه س��مي غوط��ة دمش��ق. وك��انت الع�رب تقص��د ه�ذا الص�نف من المواض�ع لقض��اء حاجته�ا تس�ترا عن أعين الناس، ثم سمي الحدث الخارج من اإلنس��ان غائط��ا للمقارن��ة. وغ��اط في

األرض يغوط إذا غاب. وقرأ الزهري: "من الغيط" فيحتمل أن يكون أصله الغي��ط فخف��ف،

كهين وميت وشبهه. ويحتمل أن يكون من الغوط؛ بداللة ق��ولهم تغ��وط إذا أتى الغائ��ط، فقلبت واو الغ��وط ي��اء؛ كم��ا ق��الوا في ال ح��ول ال حي��ل. و"أو "بمعنى الواو، أي إن كنتم مرضى أو على سفر وجاء أحد منكم من الغائط فتيمموا فالسبب الموجب للتيمم على هذا هو الحدث ال الم��رض والس��فر؛ فدل على جواز التيمم في الحضر كما بين��اه. والص��حيح في "أو "أنه��ا على بابها عند أهل النظر. فألو معناها، وللواو معناها. وهذا عندهم على الحذف، والمعنى وإن كنتم مرضى مرض��ا ال تق��درون في��ه على مس الم��اء أو على

سفر ولم تجدوا ماء واحتجتم إلى الماء. والله أعلم.

@ لفظ "الغائط "يجمع بالمعنى جميع األحداث الناقضة للطهارة الصغرى. وقد اختلف الناس في حصرها، وأنبل ما قيل في ذل��ك أنه��ا ثالث��ة أن��واع، ال خالف فيها في مذهبنا: زوال العقل، خ��ارج معت��اد، مالمس��ة. وعلى م��ذهب أبي حنيفة ما خرج من الجسد من النجاسات، وال ي��راعى المخ��رج وال يع��د اللمس. وعلى م���ذهب الش���افعي ومحم���د بن عب���دالحكم م���ا خ���رج من الس��بيلين، وال ي��راعى االعتي��اد، ويع��د اللمس. وإذا تق��رر ه��ذا ف��اعلم أن المسلمين أجمعوا على أن من زال عقله بإغم��اء أو جن��ون أو س��كر فعلي��ه الوضوء، واختلفوا في النوم هل هو حدث كسائر األحداث ؟ أو ليس بحدث

أو مظنة حدث؛ ثالثة أقوال: طرفان وواسطة. الطرف األول: ذهب المزني أبو إبراهيم إسماعيل إلى أنه حدث، وأن

الوضوء يجب بقليله وكثيره كسائر األحداث؛ وهو مقتض��ى ق��ول مال��ك في الموط��أ لقول��ه: وال يتوض��أ إال من ح��دث يخ��رج من ذك��ر أو دب��ر أو ن��وم. ومقتضى حديث صفوان بن عسال أخرجه النسائي والدارقطني والترم��ذي وصححه. رووه جميعا من ح��ديث عاص��م بن أبي النج��ود عن زر بن ح��بيش فقال: أتيت صفوان بن عسال الم��رادي فقلت: جئت��ك أس��ألك عن المس��ح على الخفين؛ قال: نعم كنت في الجيش الذي بعثهم رسول الله صلى الله عليه وس��لم فأمرن��ا أن نمس��ح على الخفين إذا نحن أدخلناهم��ا على طه��ر ثالثا إذا سافرنا، ويوما وليل��ة إذا أقمن��ا، وال نخلعهم��ا من ب��ول وال غائ��ط وال نوم وال نخلعهما إال من جنابة. ففي هذا الحديث وق��ول مال��ك التس��وية بين الغائط والبول والنوم. قالوا: والقياس أن��ه لم��ا ك��ان كث��يره وم��ا غلب على العقل منه ح��دثا وجب أن يك��ون قليل��ه ك��ذلك. وق��د روي عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وس��لم: )وك��اء الس��نه العين��ان فمن نام فليتوضأ( وه��ذا ع��ام. أخرج��ه أب��و داود، وأخرج��ه ال��دارقطني من

حديث معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الطرف اآلخر فروي عن أبي موسى األشعري م��ا ي��دل على أن

النوم عنده ليس بحدث على أي حال ك��ان، ح��تى يح��دث الن��ائم ح��دثا غ��ير النوم؛ ألنه كان يوكل من يحرسه إذا نام. فإن لم يخرج منه حدث ق��ام من نوم��ه وص��لى الل��ه علي��ه وس��لم؛ وروي عن عبي��دة وس��عيد بن المس��يب واألوزاعي في رواي���ة محم���ود بن خال���د. والجمه���ور على خالف ه���ذين الطرفين. فأما جملة مذهب مالك فإن كل نائم استثقل نوما، وط��ال نوم��ه على أي حال ك��ان، فق��د وجب علي��ه الوض��وء؛ وه��و ق��ول الزه��ري وربيع��ة واألوزاعي في رواية الوليد بن مسلم. قال أحمد بن حنبل: فإن كان الن��وم خفيفا ال يخ��امر القلب وال يغم��ره لم يض��ر. وق��ال أب��و حنيف��ة وأص��حابه: ال وضوء إال على من نام مضطجعا أو متوركا. وقال الشافعي: من نام جالسا فال وض��وء علي��ه؛ ورواه ابن وهب عن مال��ك. والص��حيح من ه��ذه األق��وال مشهور مذهب مال�ك؛ لح��ديث ابن عم��ر أن رس��ول الل��ه ص�لى الل��ه علي��ه وسلم شغل عنها ليلة يع��ني العش��اء فأخره��ا ح��تى رق��دنا في المس��جد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا ثم خرج علينا النبي صلى الله عليه وس��لم ثم ق��ال: )ليس أح��د من أه��ل األرض ينتظ��ر الص��الة غ��يركم( رواه األئم��ة واللفظ للبخاري؛ وهو أصح ما في هذا الباب من جهة اإلسناد والعمل. وأما ما قاله مالك في موطئه وصفوان بن عسال في حديثه فمعناه: ونوم ثقيل غالب على النفس؛ بدليل هذا الحديث وما كان في معناه. وأيضا فق��د روى

حديث صفوان وكيع عن مسعر عن عاص��م بن أبي النج��ود فق��ال: )أو ريح( بدل )أو نوم(، فق��ال ال��دارقطني: لم يق��ل في ه��ذا الح��ديث )أو ريح( غ��ير

وكيع عن مسعر. قلت: وكيع ثقة إمام أخرج له البخاري ومس��لم وغيرهم��ا من األئم��ة؛

فسقط االستدالل بحديث صفوان لمن تمسك به في أن النوم حدث. وأم��ا ما ذهب إليه أبو حنيفة فضعيف؛ رواه الدارقطني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام وهو ساجد حتى. غط أو نفخ ثم ق��ام فص��لى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إنك قد نمت ! فقال: )إن الوضوء ال يجب إال على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاص��له(. تف��رد به أبو خالد عن قتادة وال يصح؛ قال ال��دارقطني. وأخرج��ه أب��و داود وق��ال: قوله: )الوضوء على من نام مض��طجعا( ه��و ح��ديث منك��ر لم ي��روه إال أب��و خالد يزيد الداالني عن قتادة، وروى أوله جماعة عن ابن عباس لم ي��ذكروا شيئا من هذا. وقال أبو عمر بن عبدالبر: هذا حديث منكر لم يروه أح�د من أصحاب قتادة الثقات، وإنما انف��رد ب��ه أب��و خال��د ال��داالني، وأنك��روه وليس بحج��ة فيم��ا نق��ل. وأم��ا ق��ول الش��افعي: على ك��ل ن��ائم الوض��وء إال على الجالس وحده، وإن كل من زال عن حد االستواء ونام فعليه الوضوء؛ فه��و قول الطبري وداود، وروي عن علي وابن مسعود وابن عم��ر؛ ألن الج��الس ال يكاد يستثقل، فهو في مع��نى الن��وم الخفي��ف. وق��د روى ال��دارقطني من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده أن رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وسلم قال: )من نام جالسا فال وضوء عليه ومن وضع جنبه فعليه الوضوء(. وأما الخارج؛ فلنا ما رواه البخاري ق��ال: ح��دثنا قتيب��ة ق��ال: ح��دثنا يزي��د بن زريع، عن خالد، عن عكرمة، عن عائش��ة ق��الت: اعتكفت م��ع رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ام��رأة من أزواج��ه فك��انت ت��رى ال��دم والص��فرة والطست تحتها وهي تصلي. فهذا خارج على غير المعتاد، وإنم��ا ه��و ع��رق انقطع فهو مرض؛ وما كان هذا سبيله مم�ا يخ�رج من الس��بيلين فال وض��وء فيه عن�دنا إيجاب�ا، خالف�ا للش�افعي كم�ا ذكرن�ا. وبالل�ه توفيقن��ا. وي�رد على الحنفي حيث راعى الخ��ارج النجس. فص��ح ووض��ح م��ذهب مال��ك بن أنس

رضي الله عنه ما تردد نفس، وعنهم أجمعين. @قوله تعالى: "أو المستم النساء" قرأ نافع وابن كثير وأبو عم��رو وعاص��م وابن عامر "المستم". وقرأ حمزة والكس�ائي: "لمس�تم "وفي معن��اه ثالث�ة أقوال: األول: أن يكون لمستم جامعتم. الث��اني: لمس��تم باش��رتم. الث��الث: يجمع األمرين جميعا. و"المستم "بمعناه عند أكثر الن��اس، إال أن��ه حكي عن محمد بن يزيد أنه قال: األولى في اللغة أن يكون "المس��تم "بمع��نى قبلتم أو نظ��يره؛ ألن لك��ل واح��د منهم��ا فعال. ق��ال: و"لمس��تم "بمع��نى غش��يتم

ومسستم، وليس للمرأة في هذا فعل. واختلف العلماء في حكم اآلية على م��ذاهب خمس��ة؛ فق��الت فرق��ة:

المالمسة هنا مختصة باليد، والجنب ال ذكر له إال مع الم��اء؛ فلم ي��دخل في المعنى المراد بقوله: "وإن كنتم مرضى "اآلي��ة، فال س��بيل ل��ه إلى ال��تيمم، وإنما يغتسل الجنب أو يدع الصالة ح��تى يج��د الم��اء؛ روي ه��ذا الق��ول عن عمر وابن مسعود. قال أبو عمر: ولم يق��ل بق��ول عم��ر وعبدالل��ه في ه��ذه المسألة أحد من فقهاء األمصار من أهل الرأي وحملة اآلث��ار؛ وذل��ك والل��ه أعلم لحديث عمار وعمران بن حصين وحديث أبي ذر عن النبي صلى الل��ه

عليه وسلم في تيمم الجنب. وق��ال أب��و حنيف��ة عكس ه��ذا الق��ول، فق��ال: المالمسة هنا مختصة باللمس الذي ه��و الجم��اع. ف��الجنب ي��تيمم والالمس بيده لم يجر له ذكر؛ فليس بحدث وال هو ناقص لوضوئه. فإذا قب��ل الرج��ل امرأت��ه لل��ذة لم ينتقض وض��وءه؛ وعض��دوا ه��ذا بم��ا رواه ال��دارقطني عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم خ��رج إلى الصالة ولم يتوضأ. قال عروة: فقلت لها من هي إال أنت ؟ فضحكت. وقال مالك: المالمس بالجماع يتيمم، والمالمس باليد يتيمم إذا التذ. فإذا لمس��ها بغير شهوة فال وضوء؛ وبه قال أحمد وإس��حاق، وه��و مقتض��ى اآلي��ة. وق��ال علي بن زياد: وإن كان عليها ثوب ك�ثيف فال ش�يء علي�ه، وإن ك�ان خفيف�ا فعليه الوضوء. وقال عبدالملك بن الماجشون: من تعمد مس امرأت��ه بي��ده لمالعب��ة فليتوض��أ الت��ذ أو لم يلت��ذ. ق��ال القاض��ي أب��و الولي��د الب��اجي في المنتقى: والذي تحق��ق من م��ذهب مال��ك وأص��حابه أن الوض��وء إنم��ا يجب لقص��ده الل��ذة دون وجوده��ا؛ فمن قص��د الل��ذة بلمس��ه فق��د وجب علي��ه الوضوء، التذ بذلك أو لم يلتذ؛ وهذا معنى ما في العتبية من رواي��ة عيس��ى عن ابن القاسم. وأما اإلنعاظ بمجرده فقد روى ابن ن��افع عن مال��ك أن��ه ال يوجب وضوءا وال غسل ذكر حتى يكون مع��ه لمس أو م��ذي. وق��ال الش��يخ أبو إسحاق: من أنعظ إنعاظا أنتقض وضوئه؛ وهذا قول مالك في المدون��ة. وقال الشافعي: إذا أفضى الرجل بشيء من بدن��ه إلى ب��دن الم��رأة س��واء كان باليد أو بغيرها من أعضاء الجسد معلق نقض الطهر به؛ وهو ق��ول ابن مسعود وابن عمر والزهري وربيعة. وق�ال األوزاعي: إذا ك�ان اللمس بالي��د نقض الطه��ر، وإن ك��ان بغ��ير الي��د لم ينقض��ه؛ لقول��ه تع��الى: "فلمس��وه

[. فه��ذه خمس��ة م��ذاهب أس��دها م��ذهب مال��ك؛ وه��و7بأيديهم" ]األنع��ام: مروي عن عمر وابنه عبدالله، وهو قول عبدالل��ه بن مس�عود أن المالمس��ة ما دون الجماع، وأن الوضوء يجب بذلك؛ وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء. قال ابن العربي: وهو الظاهر من مع��نى اآلي��ة؛ ف��إن قول��ه في أوله��ا: "وال جنب��ا "أفاد الجماع، وإن قوله: "أو جاء أحد منكم من الغائط" أف��اد الح��دث، وإن قوله: "أو المستم" أفاد اللمس والقبل. فصارت ثالث جم�ل لثالث��ة أحك�ام، وهذه غاية في العلم واإلعالم. ولو كان المراد باللمس الجماع ك��ان تك��رارا

في الكالم. قلت: وأما ما استدل به أبو حنيفة من حديث عائشة فحديث مرسل؛

رواه وكيع، عن األعمش عن حبيب بن أبي ث��ابت، عن ع��روة، عن عائش��ة. قال يحيى بن سعيد: وذكر حديث األعمش عن حبيب عن عمرو فقال: أم��ا إن سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا، زعم أن حبيبا لم يسمع من عروة شيئا؛ قال الدارقطني. فإن قيل: فأنتم تقول�ون بالمرس�ل فيل�زمكم قبول�ه والعم��ل ب��ه. قلن��ا: تركن��اه لظ��اهر اآلي��ة وعم��ل الص��حابة. ف��إن قي��ل: إن المالمس��ة هي الجم��اع وق��د روي ذل��ك عن ابن عب��اس. قلن��ا: ق��د خالف��ه الف���اروق وابن���ه وتابعهم���ا عبدالل���ه بن مس���عود وه���و ك���وفي، فم���ا لكم خ��الفتموه ؟ ! ف��إن قي��ل: المالمس��ة من ب��اب المفاعل��ة، وال تك��ون إال من اثنين، واللمس باليد إنما يكون من واحد؛ فثبت أن المالمس��ة هي الجم��اع. قلنا: المالمسة مقتضاها التقاء البشرتين، سواء كان ذل��ك من واح��د أو من

اثنين؛ ألن كل واحد منهما يوصف المس وملموس.

جواب آخر: وهو أن المالمسة قد تكون من واحد؛ ول��ذلك نهى الن��بي صلى الله عليه وسلم عن بيع المالمس��ة، والث��وب ملم��وس وليس بالمس، وقد قال ابن عمر مخبرا عن نفسه "وأنا يومئذ قد ناهزت االحتالم". وتقول

العرب: عاقبت اللص وطارقت النعل، وهو كثير. فإن قيل: لما ذكر الله سبحانه سبب الحدث، وهو المجيء من الغائط

ذكر سبب الجنابة وهو المالمسة، فبين الح��دث والجناب��ة عن��د ع��دم الم��اء، كما أفاد بيان حكمهم��ا عن��د وج��ود الم��اء. قلن��ا: ال نمن��ع حم��ل اللف��ظ على الجماع واللمس، ويفيد الحكمين كما بينا. وقد قرئ "لمس��تم" كم��ا ذكرن��ا. وأما ما ذهب إليه الشافعي من لمس الرجل المرأة ببعض أعضائه ال حائ��ل بينه وبينها لشهوة أو لغ�ير ش��هوة وجب علي��ه الوض��وء فه��و ظ��اهر الق��رآن أيضا؛ وكذلك إن لمسته هي وجب عليه الوضوء، إال الش��عر؛ فإن��ه ال وض��وء لمن مس شعر امرأته لشهوة كان أو لغير شهوة، وك��ذلك الس��ن والظف��ر، فإن ذلك مخالف للبشرة. ولو احتلط فتوض��أ إذا مس ش��عرها ك��ان حس��نا. ولو مسها بيده أو مسته بيدها من ف��وق الث��وب فالت��ذ ب��ذلك أو لم يلت��ذ لم يكن عليهما شيء حتى يفضي إلى البشرة، وسواء في ذلك كان متعمدا أو ساهيا، كانت المرأة حية أو ميتة إذا كانت أجنبي��ة. واختل��ف قول��ه إذا لمس صبية ص��غيرة أو عج��وزا كب��يرة بي��ده أو واح��دة من ذوات محارم��ه ممن ال يحل ل�ه نكاحه�ا، فم��رة ق�ال: ينتقض الوض��وء؛ لقول�ه تع�الى: "أو المس�تم النساء "فلم يف��رق. والث��اني ال ينقض؛ ألن��ه ال م��دخل للش��هوة فيهن. ق��ال المروزي: قول الشافعي أشبه بظاهر الكتاب؛ ألن الله عز وج��ل ق��ال: "أو المستم النساء "ولم يقل بشهوة وال من غير شهوة؛ وك�ذلك ال�ذين أوجب��وا الوضوء من أصحاب النبي ص�لى الل��ه علي�ه وس��لم لم يش�ترطوا الش��هوة. قال: وكذلك عامة التابعين. ق��ال الم��روزي: فأم��ا م��ا ذهب إلي��ه مال��ك من مراعاة الشهوة واللذة من فوق الثوب يوجب الوضوء فقد وافقه على ذلك الليث بن سعد، وال نعلم أحدا ق��ال ذل��ك غيرهم��ا. ق��ال: وال يص��ح ذل��ك في النظر؛ ألن من فعل ذل��ك فه��و غ��ير المس المرأت��ه، وغ��ير مم��اس له��ا في الحقيقة، إنما هو المس لثوبها. وقد أجمعوا أنه لو تل��ذذ واش��تهى أن يلمس لم يجب عليه وضوء؛ فكذلك من لمس فوق الثوب ألنه غير مماس للمرأة.

قلت: أما ما ذكر من أنه لم يوافق مالكا على قول إال الليث بن سعد، فقد ذكر الحافظ أبو عمر بن عبدالبر أن ذلك ق��ول إس��حاق وأحم��د، وروي ذلك عن الشعبي والنخعي كلهم قالوا: إذا لمس فالت��ذ وجب الوض��وء، وإن لم يلتذ فال وضوء. وأما قول��ه: "وال يص��ح ذل��ك في النظ��ر" فليس بص��حيح؛ وقد جاء في صحيح الخبر عن عائشة قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجالي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما ثانيا، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. فهذا نص في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان المالمس، وأنه غمز رجل عائش��ة؛ كم��ا في رواي��ة القاس��م عن عائش��ة )ف��إذا أراد أن يس��جد غم��ز رجلي فقبضتهما( أخرجه البخاري. فه��ذا يخص عم��وم قول��ه: "أو المس��تم" فك��ان واجبا لظاهر اآلي��ة انتق��اض وض��وء ك��ل مالمس كي��ف المس. ودلت الس��نة التي هي البيان لكتاب الل��ه تع�الى أن الوض��وء على بعض المالمس��ين دون بعض، وهو من لم يلتذ ولم يقصد. وال يقال: فلعله كان على قدمي عائش��ة ثوب، أو كان يضرب رجليها بكمه؛ فإنا نقول: حقيقة الغم�ز إنم��ا ه��و بالي��د؛

ومنه غم��زك الكبش أي تجس��ه لتنظ��ر أه��و س��مين أم ال ؟ فأم��ا أن يك��ون الغم�ز الض��رب ب��الكم فال. والرج�ل من الن��ائم الغ�الب عليه�ا ظهوره�ا من النائم؛ ال سيما مع امتداده وضيق حاله. فهذه كانت الحال في ذلك الوقت؛ أال ترى إلى قولها: )وإذا قام بسطتهما( وقولها: )والبيوت يومئ��ذ ليس فيه�ا مصابيح(. وقد ج��اء ص��ريحا عنه��ا ق��الت: )كنت أم��د رجلي في قبل��ة الن��بي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فإذا س��جد غم��زني فرفعتهم��ا، ف��إذا ق��ام مددتهما( أخرجه البخاري. فظهر أن الغمز كان على حقيقته مع المباش��رة. ودليل آخر - وهو ما روته عائشة أيضا رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمس��ته، ف��وقعت ي��دي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان؛ الحديث. فلما وض��عت ي��دها على قدمه وهو س��اجد وتم��ادى في س��جوده ك��ان دليال على أن الوض��وء ال

ينتقض إال على بعض المالمسين دون بعض. فإن قيل: كان على قدمه حائل كما قال المزني. قيل له: القدم قدم بال

حائل حتى يثبت الحائل، واألصل الوقوف مع الظاهر؛ بل بمجموع ما ذكرن��ايجتمع منه كالنص.

فإن قيل: فقد أجمعت األمة على أن رجال ل��و اس��تكره ام��رأة فمس ختان��ه ختانه��ا وهي ال تلت��ذ ل��ذلك، أو ك��انت نائم��ة فلم تلت��ذ ولم تش��ته أن الغسل واجب عليها؛ فكذلك حكم من قبل أو المس بشهوة أو لغير ش��هوة انتقضت طهارته ووجب علي��ه الوض��وء؛ ألن المع��نى في الجس��ة واللمس��ة والقبلة الفعل ال اللذة. قلنا: قد ذكرن��ا أن األعمش وغ��يره ق��د خ��الف فيم��ا ادعيتموه من اإلجماع. سلمناه، لكن هذا استدالل باإلجماع في محل النزاع فال يل��زم؛ وق��د اس��تدللنا على ص��حة م��ذهبنا بأح��اديث ص��حيحة. وق��د ق��ال الشافعي - فيما زعمتم إنه لم يسبق إليه، وقد سبقه إليه شيخه مالك؛ كما ه��و مش��هور عن��دنا "إذا ص��ح الح��ديث فخ��ذوا ب��ه ودع��وا ق��ولي "وق��د ثبت الح��ديث ب��ذلك فلم ال تقول��ون ب��ه ؟ ! ويل��زم على م��ذهبكم أن من ض��رب امرأته فلطمها بيده تأديبا لها وإغالظا عليها أن ينتقض وضوءه؛ إذ المقصود وجود الفعل، وهذا ال يقوله أحد فيما أعلم، والله أعلم. وروى األئم��ة مال��ك وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى الل��ه علي��ه وس��لم وأمام��ة بنت أبي العاص ابنة زينب بنت رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم على عاتق��ه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها. وهذا يرد ما ق��ال الش��افعي في أحد قوليه: لو لمس صغيرة النتقض طهره تمسكا بلفظ النس��اء، وه��ذا ض��عيف؛ ف��إن لمس الص��غيرة كلمس الحائ��ط. واختل��ف قول��ه في ذوات المحارم ألجل أنه ال يعت��بر الل��ذة، ونحن اعتبرن��ا الل��ذة فحيث وج�دت وج�د الحكم، وهو وجوب الوضوء. وأما ق��ول األوزاعي في اعتب��اره الي��د خاص��ة؛ فإن اللمس أكثر ما يستعمل باليد، فقصره علي��ه دون غ��يره من األعض��اء؛ حتى أنه لو أدخل الرجل رجليه في ثياب امرأت��ه فمس فرجه��ا أو بطنه��ا ال ينتقض لذلك وضوءه. وقال في الرجل يقبل امرأته: إن ج��اء يس��ألني قلت يتوضأ، وإن لم يتوضأ لم أعبه. وقال أبو ثور: ال وضوء على من قبل امرأت��ه

أو باشرها أو لمسها. وهذا يخرج على مذهب أبي حنيفة، والله أعلم. @قوله تعالى: "فلم تجدوا ماء" األسباب التي ال يجد المسافر معه��ا الم��اء هي إما عدمه جملة أو عدم بعضه، وإما أن يخ��اف ف��وات الرفي��ق، أو على الرحل بسبب طلبه، أو يخاف لصوصا أو سباعا، أو فوات الوقت، أو عطشا

على نفسه أو على غيره؛ وكذلك لطبيخ يطبخ��ه لمص��لحة بدن��ه؛ ف��إذا ك��ان أحد هذه األشياء تيمم وصلى الله عليه وسلم. ويترتب عدمه للم��ريض ب��أال يجد من يناوله، أو يخاف من ضرره. ويترتب أيضا عدم��ه للص��حيح الحاض��ر بالغالء الذي يعم جميع األصناف، أو ب��أن يس��جن أو يرب��ط. وق��ال الحس��ن: يشتري الرجل الماء بماله كل��ه ويبقى ع��ديما، وه��ذا ض��عيف، ألن دين الل��ه يسر. وقالت طائفة: يشتريه ما لم يزد على القيمة الثلث فصاعدا. وق��الت طائفة: يشتري قيمة الدرهم بالدرهمين والثالث ونح��و ه��ذا؛ وه��ذا كل��ه في مذهب مالك رحمه الله. وقي��ل ألش��هب: أتش��ترى القرب��ة بعش��رة دراهم ؟

فقال: ما أرى ذلك على الناس. وقال الشافعي بعدم الزيادة. @ واختلف العلماء هل طلب الماء شرط في ص��حة ال��تيمم أم ال؟ فظ��اهر مذهب مالك أن ذلك شرط، وهو قول الشافعي. وذهب القاضي أبو محم��د بن نصر إلى أن ذلك ليس بشرط في صحة التيمم؛ وه��و ق��ول أبي حنيف��ة. وروي عن ابن عمر أنه كان يكون في السفر على غل��وتين من طريق��ه فال يعدل إليه. قال إسحاق: ال يلزمه الطلب إال في موضعه، وذك��ر ح��ديث ابن عمر، واألول أصح وهو المشهور من مذهب مالك في الموطأ لقوله تعالى: "فلم تجدوا ماء "وهذا يقتض��ي أن ال��تيمم ال يس��تعمل إال بع��د طلب الم��اء. وأيضا من جهة القياس أن هذا ب��دل م�أمور ب��ه عن��د العج�ز عن مبدل�ه، فال

يجزئ فعله إال مع تيقن عدم مبدله؛ كالصوم مع العتق في الكفارة. @ وإذا ثبت هذا وعدم الماء، فال يخل��و أن يغلب على ظن المكل��ف الي��أس من وج�وده في ال�وقت، أو يغلب على ظن�ه وج�وده ويق�وى رج�اؤه ل�ه، أو يتساوى عن��ده األم��ران، فه��ذه ثالث��ة أح��وال: ف��األول: يس��تحب ل��ه ال��تيمم والصالة في أول الوقت: ألنه إذا فاتت��ه فض��يلة الم��اء فإن��ه يس��تحب ل�ه أن يحرز فضيلة أول الوقت. الثاني: يتيمم وسط الوقت؛ حكاه أص��حاب مال��ك عنه، فيؤخر الصالة رجاء إدراك فضيلة الماء ما لم تفته فضيلة أول الوقت، فإن فضيلة أول الوقت قد تدرك بوسطه لقربه منه. الثالث: ي��ؤخر الص��الة إلى أن يجد الماء في آخر الوقت؛ ألن فضيلة الم��اء أعظم من فض��يلة أول الوقت، ألن فضيلة أول الوقت مختلف فيه��ا، وفض��يلة الم��اء متف��ق عليه��ا، وفضيلة أول الوقت يجوز تركها دون ضرورة وال يجوز ترك فضيلة الم��اء إال لضرورة، والوقت في ذلك هو آخ�ر ال�وقت المخت�ار؛ ق�ال ابن ح�بيب. ول�و علم الماء في آخر الوقت فتيمم في أول��ه وص��لى فق��د ق��ال ابن القاس��م: يجزئ��ه، ف��إن وج��د الم��اء أع��اد في ال��وقت خاص��ة. وق��ال عب��دالملك بن

الماجشون: إن وجد الماء بعد أعاد أبدا. والذي يراعى من وجود الماء أن يجد منه ما يكفيه لطهارته، فإن وجد

أقل من كفايته تيمم ولم يستعمل ما وجد منه. وهذا قول مال��ك وأص��حابه؛ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وه��و ق��ول أك��ثر العلم��اء؛ ألن

الله تعالى جعل فرضه أحد الشيئين، إما الماء وإما التراب. فإن لم يكن الماء مغنيا عن التيمم كان غير موج��ود ش��رعا؛ ألن المطل��وب من وجود الكفاية. وقال الشافعي في القول اآلخ�ر: يس�تعمل م��ا مع�ه من الماء ويتيمم؛ ألنه واجد ماء فلم يتحقق شرط التيمم؛ فإذا اس��تعمله وفق��د الماء تيمم لما لم يجد. واختلف قول الش��افعي أيض��ا فيم�ا إذا نس��ي الم��اء في رحله فتيمم؛ والصحيح أنه يعيد؛ ألنه إذا كان الماء عنده فهو واجد وإنما

فرط. والقول اآلخر ال يعيد؛ وهو قول مالك؛ ألنه إذا لم يعلمه فلم يجده.

@ وأجاز أبو حنيفة الوضوء بالماء المتغير؛ لقوله تعالى: "فلم تج��دوا م��اء" فقال: هذا نفي في نكرة، وهو يعم لغة؛ فيكون مفيدا جواز الوض��وء بالم��اء المتغير وغير المتغير؛ النطالق اسم الماء عليه. قلنا: النفي في النك��رة يعم كما قلتم، ولكن في الجنس، فهو عام في كل ماء كان من سماء أو نهر أو عين عذب أو ملح. فأم��ا غ��ير الجنس وه��و المتغ��ير فال ي��دخل في��ه؛ كم��ا ال يدخل فيه ماء الباقالء وال ماء الورد، وس��يأتي حكم المي��اه في "الفرق��ان"،

إن شاء الله تعالى. @ وأجمعوا على أن الوضوء واالغتسال ال يجوز بشيء من األش��ربة س��وى النبي��ذ عن��د ع��دم الم��اء؛ وقول��ه تع��الى: "فلم تج��دوا م��اء ف��تيمموا "ي��رده. والحديث الذي فيه ذكر الوضوء بالنبيذ رواه ابن مسعود، وليس بث��ابت؛ ألن الذي رواه أبو زيد، وهو مجهول ال يعرف بصحبة عبدالل��ه؛ قال��ه ابن المن��ذر

وغيره. وسيأتي في "الفرقان "بيانه إن شاء الله تعالى. @ الماء الذي يبيح عدمه التيمم هو الطاهر المطه��ر الب��اقي على أوص��اف خلقته. وقال بعض من ألف في أحكام القرآن لما قال تعالى: } فلم تجدوا ماء فتيمموا { فإنما أباح التيمم عند عدم كل جزء من ماء؛ ألنه لفظ منك��ر يتناول كل جزء منه؛ سواء كان مخالطا لغيره أو منف��ردا بنفس��ه. وال يمتن��ع أحد أن يقول في نبيذ التمر ماء؛ فلما كان كذلك لم يجز التيمم مع وجوده. وه��ذا م��ذهب الكوف��يين أبي حنيف��ة وأص��حابه؛ واس��تدلوا على ذل�ك بأخب��ار ضعيفة يأتي ذكرها في سورة "الفرقان"، وهناك يأتي الق��ول في الم��اء إن

شاء الله تعالى. @قوله تعالى: "فتيمموا" التيمم مما خصت ب��ه ه��ذه األم��ة توس��عة عليه��ا؛ قال صلى الله عليه وسلم: )فضلنا على الناس بثالث جعلت لنا األرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طه�ورا( وذك�ر الح�ديث، وق�د تق�دم ذك�ر نزول�ه، وذلك بسبب القالدة حس�بما بين�اه. وق�د تق�دم ذك�ر األس�باب ال�تي تبيح�ه، والكالم ههنا في معناه لغة وشرعا، وفي صفته وكيفيته وما يتيمم ب��ه ول��ه،

ومن يجوز له التيمم، وشروط التيمم إلى غير ذلك من أحكامه. فالتيمم لغة هو القصد. تيممت الش��يء قص��دته، وتيممت الص��عيد تعمدت��ه،

وتيممته برمحي وسهمي أي قصدته دون من سواه. وأنشد الخليل: يممته الرمح شزرا ثم قلت له هذي البسالة ال لعب الزحاليق

قال الخليل: من قال في هذا البيت أممته فقد أخطأ؛ ألنه قال: "شزرا "واليكون الشزر إال من ناحية ولم يقصد به أمامه. وقال امرؤ القيس:

تيممتها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظر عال وقال أيضا:

تيممت العين التي عند ضارج يفيء عليها الظل عرمضها طامي آخر:

إني كذاك إذا ما ساءني بلد يممت بعيري غيره بلدا وقال أعشى بأهلة:

تيممت قيسا وكم دونه من األرض من مهمة ذي شزن وقال حميد بن ثور:

سل الربع أنى يممت أم طارق وهل عادة للربع أن يتكلما وللشافعي:

علمي معي حيثما يممت أحمله بطني وعاء له ال بطن صندوق

قال ابن السكيت: قوله تعالى "فتيمموا صعيدا طيب��ا "أي اقص��دوا؛ ثم ك��ثر استعمالهم لهذه الكلمة حتى ص��ار ال��تيمم مس��ح الوج��ه والي��دين ب��التراب. وقال ابن األنباري في قولهم: "قد تيمم الرج��ل "معن��اه ق��د مس��ح ال��تراب على وجهه ويديه. قلت: وهذا ه��و ال��تيمم الش��رعي، إذا ك��ان المقص��ود ب��ه القربة. ويممت المريض فتيمم للصالة. ورجل ميمم يظفر بك��ل م�ا يطلب؛

عن الشيباني. وأنشد: إنا وجدنا أعصر بن سعد ميمم البيت رفيع المجد

وقال آخر:أزهر لم يولد بنجم الشح ميمم البيت كريم السنح

@ لفظ التيمم ذكره الله تعالى في كتابه في "البقرة "وفي ه��ذه الس��ورة و"المائ��دة "وال��تي في ه��ذه الس��ورة هي آي��ة ال��تيمم. والل��ه أعلم. وق��ال القاضي أبو بكر بن العربي: ه��ذه معض��لة م��ا وج��دت ل��دائها من دواء عن��د أح��د؛ هم��ا آيت��ان فيهم��ا ذك��ر ال��تيمم إح��داهما في "النس��اء" واألخ��رى في "المائدة". فال نعلم أية آية عنت عائشة بقولها: "فأنزل الله آية التيمم". ثم قال: وحديثها يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معلوما وال مفعوال لهم.

قلت: أما قوله: "فال نعلم أية آية عنت عائشة "فهي هذه اآلية على ما ذكرنا. والله أعلم. وقوله: "وحديثها يدل على أن التيمم قب��ل ذل��ك لم يكن معلوم��ا وال مفع��وال لهم "في ص��حيح وال خالف في��ه بين أه��ل الس��ير؛ ألن��ه معلوم أن غسل الجنابة لم يفترض قبل الوضوء، كما أنه معلوم عند جمي��ع أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم منذ افترضت عليه الصالة بمك��ة لم يصل إال بوضوء مثل وضوئنا اليوم. فدل على أن آية الوضوء إنما ن��زلت ليكون فرضها المتقدم متلوا في التنزيل. وفي قول��ه: "ف��نزلت آي��ة ال��تيمم "ولم يقل آية الوضوء ما يبين أن الذي طرأ لهم من العلم في ذلك ال��وقت

حكم التيمم ال حكم الوضوء؛ وهذا بين ال إشكال فيه. @ التيمم يلزم كل مكلف لزمته الصالة إذا عدم الماء ودخل، وقت الصالة. وقال أبو حنيفة وصاحباه والمزني صاحب الشافعي: يجوز قبل��ه؛ ألن طلب الماء عندهم ليس بشرط قياسا على النافلة؛ فلما جاز التيمم للنافل��ة دون طلب الماء جاز أيضا للفريض��ة. واس��تدلوا من الس��نة بقول��ه علي��ه الس��الم ألبي ذر: )الصعيد الطيب وضوء المس��لم ول��و لم يج��د الم��اء عش��ر حجج(. فسمى عليه الس�الم الص��عيد وض�وءا كم�ا يس��مى الم��اء؛ فحكم�ه إذا حكم الماء. والله أعلم. ودليلنا قوله تعالى: "فلم تجدوا م��اء "وال يق��ال: لم يج��د الماء إال لمن طلب ولم يجد. وقد تقدم هذا المعنى؛ وألنها طه��ارة ض��رورة كالمستحاضة؛ وألن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ق��ال: )فأينم��ا أدركت��ك الصالة تيممت وصليت(. وهو قول الشافعي وأحم��د، وه��و م��روي عن علي

وابن عمر وابن عباس. @ وأجمع العلماء على أن التيمم ال يرفع الجنابة وال الح��دث، وأن الم��تيمم لهما إذا وجد الماء عاد جنبا كما كان أو محدثا؛ لقوله عليه الس��الم ألبي ذر: )إذا وج���دت الم���اء فأمس���ه جل���دك( إال ش���يء روي عن أبي س���لمة بن عبدالرحمن، رواه ابن جريج وعبدالحميد بن جبير بن شيبة عن��ه؛ ورواه ابن أبي ذئب عن عبدالرحمن بن حرملة عنه قال في الجنب المتيمم يجد الماء وهو على طهارته: ال يحتاج إلى غسل وال وضوء حتى يحدث. وقد روي عنه فيمن تيمم وصلى ثم وجد الماء في الوقت أنه يتوض��أ ويعي��د تل��ك الص��الة.

قال ابن عبدالبر: وهذا تناقض وقلة روية. ولم يكن أبو سلمة عن��دهم يفق��هكفقه أصحابه التابعين بالمدينة.

@ وأجمعوا على أن من تيمم على ثم وجد الماء قبل ال��دخول في الص��الة بطل تيمم��ه؛ وعلي��ه اس��تعمال الم��اء. والجمه��ور على أن من تيمم وص��لى وفرغ من صالته، وق��د ك��ان اجته�د في طلب��ه الم��اء ولم يكن في رحل��ه أن صالته تامة؛ ألنه أدى فرضه كما أم��ر. فغ�ير ج��ائز أن ت��وجب علي��ه اإلع�ادة بغير حجة. ومنهم من استحب ل��ه أن يعي��د في ال��وقت إذا توض��أ واغتس��ل. وروي عن ط��اوس وعط��اء والقاس��م بن محم��د ومكح��ول وابن س��يرين والزهري وربيعة كلهم يقول: يعيد الصالة. واس��تحب األوزاعي ذل��ك وق��ال: ليس ب��واجب؛ لم��ا رواه أب��و س��عيد الخ��دري ق��ال: خ��رج رجالن في س��فر فحضرت الصالة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصالة بالوضوء ولم يعد اآلخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك ل��ه فق��ال لل��ذي لم يع��د: )أص��بت الس��نة وأجزأتك صالتك( وقال للذي توضأ وأعاد: )ل�ك األج�ر م��رتين(. أخرج��ه أب��و داود وقال: وغير ابن ن��افع يروي��ه عن الليث عن عم��يرة بن أبي ناجي��ة عن بكر بن سوادة عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أبي س��عيد في هذا اإلسناد ليس بمحف��وظ. وأخرج��ه ال��دارقطني وق��ال في��ه: ثم وج��د

الماء بعد في الوقت. @ واختلف العلماء إذا وجد الماء بعد دخول في الصالة؛ فقال مال��ك: ليس عليه قطع الصالة واستعمال الماء وليتم صالته وليتوضأ لما يستقبل؛ وبه��ذا قال الشافعي واختاره ابن المنذر. وقال أبو حنيفة وجماعة منهم أحم��د بن حنبل والمزني: يقطع ويتوضأ ويس��تأنف الص��الة لوج��ود الم��اء. وحجتهم أن التيمم لما بطل بوجود الماء قبل الصالة فك��ذلك يبط��ل م��ا بقي منه��ا، وإذا بطل بعضها بطل كلها؛ إلجم��اع العلم��اء على أن المعت��دة بالش��هور ال يبقى عليها إال أقلها ثم تحيض أنها تستقبل ع��دتها ب��الحيض. ق��الوا: وال��ذي يط��رأ عليه الماء وهو في الصالة كذلك قياس��ا ونظ��را. ودليلن��ا قول��ه تع��الى: "وال

[. وقد اتفق الجمي��ع على ج��واز ال��دخول في.33تبطلوا أعمالكم "]محمد: الصالة بالتيمم عن��د ع��دم الم��اء، واختلف��وا في قطعه��ا إذا رئي الم��اء؛ ولم تثبت سنة بقطعها وال إجماع. ومن حجتهم أيضا أن من وجب علي��ه الص��وم في ظهار أو قتل فصام منه أك��ثره ثم وج��د رقب��ة ال يلغي ص��ومه وال يع��ود إلى الرقبة. وكذلك من دخ��ل في الص��الة ب��التيمم ال يقطعه��ا وال يع��ود إلى

الوضوء بالماء. @ واختلفوا هل يصلى به صلوات أم يلزم التيمم لكل ص��الة ف��رض ونف��ل؛ فقال شريك بن عبدالله القاضي: يتيمم لك��ل ص�الة نافل��ة وفريض��ة. وق�ال مالك: لكل فريضة؛ ألن عليه أن يبتغي الماء لكل ص��الة، فمن ابتغى الم��اء فلم يجده فإنه يتيمم. وق��ال أب��و حنيف��ة والث��وري والليث والحس��ن بن حي وداود: يصلي ما شاء بتيمم واحد ما لم يحدث؛ ألنه طاهر ما لم يجد الم��اء؛ وليس عليه طلب الماء إذا يئس منه. وما قلن��اه أص��ح؛ ألن الل��ه ع��ز وج��ل أوجب على كل ق��ائم إلى الص��الة طلب الم��اء، وأوجب عن��د عدم��ه ال��تيمم الستباحة الصالة قب��ل خ��روج ال��وقت، فهي طه��ارة ض��رورة ناقص��ة ب��دليل إجماع المسلمين على بطالنه��ا بوج��ود الم��اء وإن لم يح��دث؛ وليس ك��ذلك الطهارة بالماء. وقد ينبني هذا الخالف أيض��ا في ج��واز ال��تيمم قب��ل دخ��ول

الوقت؛ فالشافعي وأهل المقالة األولى ال يجوزونه؛ ألنه لما قال الله تعالى "فلم تجدوا ماء فتيمموا "ظهر منه تعلق أجزاء ال��تيمم بالحاج��ة، وال حاج��ة قبل الوقت. وعلى هذا ال يصلى فرض�ين ب��تيمم واح�د، وه��ذا بين. واختل�ف علماؤنا فيمن صلى صالتي فرض بتيمم واح�د؛ ف��روى يح��يى بن يح��يى عن ابن القاسم: يعيد الثانية م��ا دام في ال�وقت. وروى أب��و زي��د بن أبي الغم�ر عنه: يعيد أبدا. وكذلك روي عن مطرف وابن الماجشون يعيد الثاني��ة أب��دا. وهذا الذي يناظر عليه أصحابنا؛ ألن طلب الماء شرط. وذك��ر ابن عب��دوس أن ابن نافع روى عن مالك في الذي يجم��ع بين الص��التين أن��ه ي��تيمم لك��ل صالة. وقال أبو الفرج فيمن ذكر صلوات: إن قضاهن بتيمم واحد فال شيء عليه وذلك جائز له. وهذا على أن طلب الم��اء ليس بش��رط. واألول أص��ح.

والله أعلم. @قوله تعالى: "صعيدا طيبا" الصعيد: وج��ه األرض ك��ان علي��ه ت��راب أو لم يكن؛ قاله الخليل وابن األعرابي والزجاج. قال الزج��اج: ال أعلم في��ه خالف��ا بين أهل اللغة، قال الل��ه تع��الى: "وإن��ا لج��اعلون م��ا عليه��ا ص��عيدا ج��زرا"

[ أي أرض��ا غليظ��ة ال تنبت ش��يئا. وق��ال تع��الى "فتص��بح ص�عيدا8]الكهف: [. ومنه قول ذي الرمة: 40زلقا" ]الكهف:

كأنه بالضحى ترمي الصعيد به دبابة في عظام الرأس خرطوم وإنما س��مي ص��عيدا ألن��ه نهاي��ة م��ا يص��عد إلي��ه من األرض. وجم��ع الص��عيد صعدات؛ ومنه الحديث )إياكم والجلوس في الص�عدات (. واختل�ف العلم�اء فيه من أجل تقييده بالطيب؛ فقالت طائفة: ي�تيمم بوج�ه األرض كل��ه تراب�ا كان أو رمال أو حجارة أو مع��دنا أو س��بخة. ه��ذا م��ذهب مال��ك وأبي حنيف��ة والثوري والطبري. و"طيبا "معناه طاهرا. وقالت فرقة: "طيبا "حالال؛ وه��ذا قلق. وقال الشافعي وأبو يوسف: الصعيد التراب المنبت وهو الطيب؛ قال

[ فال يج��وز58الله تعالى: "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه "]األع��راف: التيمم عندهم على غيره. وقال الشافعي: ال يقع الصعيد إال على ت��راب ذي غبار. وذكر عبدالرزاق عن ابن عباس أنه سئل أي الص��عيد أطيب ؟ فق��ال: الحرث. قال أبو عمر: وفي قول ابن عباس ه��ذا م��ا ي��دل على أن الص��عيد يكون غير أرض الحرث. وقال علي رضي الله عنه: هو التراب خاصة. وفي كت��اب الخلي��ل: تيمم بالص��عيد، أي خ�ذ من غب��اره؛ حك��اه ابن ف�ارس. وه�و يقتضي التيمم بالتراب فإن الحجر الصلد ال غبار عليه. وقال الكيا الط��بري: واشترط الشافعي أن يعلق التراب باليد ويتيمم به نقال إلى أعضاء ال��تيمم، كالماء ينقل إلى أعضاء الوضوء. قال الكيا: وال شك أن لف��ظ الص��عيد ليس نصا فيما قال الشافعي، إال أن قول رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم:

)جعلت لي األرض مسجدا وترابها طهورا ( بين ذلك. قلت: فاستدل أصحاب هذه المقالة بقوله عليه السالم: )وجعلت تربتها

لنا طهورا ( وقالوا: هذا من باب المطلق والمقي��د وليس ك��ذلك، وإنم��ا ه��و من باب النص على بعض أشخاص العموم، كما قال تعالى: "فيهم��ا فاكه��ة

[ وقد ذكرناه في "البقرة "عند قوله "ومالئكته68ونخل ورمان" ]الرحمن: [. وقد حكى أه��ل اللغ��ة أن الص��عيد98ورسله وجبريل وميكائيل" ]البقرة:

اسم لوجه األرض كما ذكرنا، وهو نص القرآن كما بينا، وليس بعد بيان الله بيان. وقال صلى الله علي�ه وس�لم للجنب: )علي�ك بالص��عيد فإن��ه يكفي�ك ( وس��يأتي. في "ص��عيدا "على ه��ذا ظ��رف مك��ان. ومن جعل��ه لل��تراب فه��و

مفعول به بتقدير حذف الباء أي بصعيد. و"طيبا "نعت له. ومن جعل "طيب��ا"بمعنى حالال نصبه على الحال أو المصدر.

@ وإذا تقرر هذا فاعلم أن مكان اإلجماع مما ذكرناه أن يتيمم الرجل على تراب منبت طاهر غير منقول وال مغص��وب. ومك��ان اإلجم��اع في المن��ع أن يتيمم الرجل على الذهب الص��رف والفض��ة والي��اقوت والزم��رد واألطعم��ة ك���الخبز واللحم وغيرهم���ا، أو على النجاس���ات. واختل���ف في غ���ير ه���ذا كالمعادن؛ فأجيز وهو م��ذهب مال��ك وغ��يره. ومن��ع وه��و م��ذهب الش��افعي وغيره. وقال ابن خويز منداد: ويجوز عند مال��ك ال��تيمم على الحش��يش إذا ك���ان دون األرض، واختل���ف عن���ه في ال���تيمم على الثلج ففي المدون���ة والمبسوط جوازه؛ وفي غيرهما منع��ه. واختل��ف الم��ذهب في ال��تيمم على العود؛ فالجمهور على المنع. وفي مختصر الوقار أنه ج��ائز. وقي��ل: ب��الفرق بين أن يكون منفصال أو متص��ال ف��أجيز على المتص��ل ومن��ع في المنفص��ل. وذكر الثعلبي أن مالكا قال: لو ضرب بيده على شجرة ثم مسح بها أجزأه. قال: وق�ال األوزاعي والث�وري: يج��وز ب�األرض وك�ل م�ا عليه�ا من الش�جر والحجر والمدر وغيرها، حتى قاال: لو ضرب بيده عاف الجمد والثلج أجزأه. قال ابن عطية: وأما التراب المنقول من طين أو غ��يره فجمه��ور الم��ذهب على جواز التيمم به، وفي المذهب المنع وهو في غير المذهب أك��ثر، وأم��ا ما طبخ ك��الجص واآلج��ر ففي��ه في الم��ذهب ق��والن: اإلج��ازة والمن��ع؛ وفي

التيمم على الجدار خالف. قلت: والص��حيح الج��واز لح��ديث أبي جهيم بن الح��ارث بن الص��مة

األنصاري قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وس��لم من نح��و ب��ئر جم��ل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ح��تى أقب��ل على الج��دار فمس��ح بوجه��ه ويدي��ه، ثم رد علي��ه الس��الم. أخرج��ه البخاري. وهو دليل على صحة ال�تيمم بغ�بر ال�تراب كم�ا يق�ول مال�ك ومن وافقه. ويرد على الشافعي ومن تابعه في أن الممسوح به تراب ط��اهر ذو غبار يعلق باليد. وذكر النقاش عن ابن علية وابن كيسان أنهما أجازا التيمم بالمسك والزعفران. قال ابن عطية: وهذا خطأ بحت من جه��ات. ق��ال أب��و عمر: وجماعة العلماء على إج�ازة ال�تيمم بالس�باخ إال إس�حاق بن راهوي�ه. وروي عن ابن عب��اس فيمن أدرك��ه ال��تيمم وه��و في طين ق��ال: يأخ��ذ من الطين فيطلي به بعض جسده، فإذا ج��ف تيمم ب��ه. وق��ال الث��وري وأحم��د: يجوز التيمم بغب��ار اللب��د. ق��ال الثعل��بي: وأج��از أب��و حنيف��ة ال��تيمم بالكح��ل وال��زرنيخ والن��ورة والجص والج��وهر المس��حوق. ق��ال: ف��إذا تيمم بس��حالة الذهب والفضة والصفر والنحاس والرصاص لم يجزه؛ ألن��ه ليس من جنس

األرض. @قوله تعالى: "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم" المسح لفظ مش��ترك يك��ون بمعنى الجم��اع، يق��ال: مس��ح الرج��ل الم��رأة إذا جامعه��ا. والمس��ح: مس��ح الش��يء بالس��يف وقطع��ه. ومس��حت اإلب��ل يومه��ا إذا س��ارت. والمس��حاء المرأة الرسحاء التي ال إست لها. وبفالن مس��حة من جم��ال. والم��راد هن��ا بالمسح عبارة عن جر اليد على الممسوح خاصة، فإن كان بآلة فهو عب��ارة عن نقل اآللة إلى اليد وجرها على الممسوح، وهو مقتضى قوله تعالى في

[. فقول��ه "من��ه6آية المائدة: "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه "]المائدة: "يدل على أنه ال بد من نقل التراب إلى محل التيمم. وهو مذهب الشافعي

وال نشترطه نحن؛ ألن النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم لم��ا وض��ع يدي��ه على األرض ورفعهم��ا نفخ فيهم��ا؛ وفي رواي��ة: نفض. وذل��ك ي��دل على ع��دم اشتراط اآللة؛ يوضحه تيممه على الجدار. ق��ال الش��افعي: لم��ا لم يكن ب��د في مسح الرأس بالماء من بلل ينقل إلى الرأس، فكذلك المس��ح ب��التراب ال ب���د من النق���ل. وال خالف في أن حكم الوج���ه في ال���تيمم والوض���وء االستيعاب وتتبع مواضعه؛ وأجاز بعضهم أال يتتبع كالغضون في الخفين وم��ا بين األصابع في الرأس، وهو في الم�ذهب ق�ول محم�د بن مس�لمة؛ حك�اه ابن عطية. وقال الل��ه ع��ز وج��ل: "بوج��وهكم وأي��ديكم "فب��دأ بالوج��ه قب��ل اليدين وبه قال الجمه��ور. ووق��ع في البخ��اري من ح��ديث عم��ار في "ب��اب التيمم ضربة "ذكر اليدين قبل الوج��ه. وق��ال بعض أه��ل العلم قياس��ا على

تنكيس الوضوء. @ واختل��ف العلم��اء أين يبل��غ ب��التيمم في الي��دين؛ فق��ال ابن ش��هاب: إلى المناكب. وروي عن أبي بكر الص��ديق. وفي مص��نف أبي داود عن األعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مس��ح إلى أنص��اف ذراعي��ه. ق��ال ابن عطي��ة: ولم يق��ل أح��د به��ذا الح��ديث فيم��ا حفظت. وقي��ل: يبل��غ ب��ه إلى المرفقين قياسا على الوضوء. وهو قول أبي حنيفة والش��افعي وأص��حابهما والثوري وابن أبي سلمة والليث كلهم يرون بلوغ المرفقين ب��التيمم فرض��ا واجب��ا. وب�ه ق�ال محم�د بن عبدالل��ه بن عب��دالحكم وابن ن�افع، وإلي��ه ذهب إسماعيل القاضي. قال ابن نافع: من تيمم إلى الكوعين أع��اد الص��الة أب��دا وقال مالك في المدونة: يعيد في الوقت. وروى ال�تيمم إلى الم�رفقين عن النبي صلى الله عليه وسلم جابر بن عبدالله وابن عمر وبه كان يقول. قال الدارقطني: سئل قتادة عن التيمم في السفر فقال: ك��ان ابن عم��ر يق��ول إلى المرفقين. وكان الحسن وإبراهيم النخعي يقوالن إلى المرفقين. قال: وحدثني محدث عن الشعبي عن عبدالرحمن بن أب��زى عن عم��ار بن ياس��ر أن رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ق��ال: )إلى الم��رفقين (. ق��ال أب��و إسحاق: فذكرته ألحم��د بن حنب��ل فعجب من��ه وق��ال م��ا أحس��نه !. وق��الت طائفة: يبلغ به إلى الكوعين وهما الرس��غان. روي عن علي بن أبي ط��الب واألوزاعي وعطاء والشعبي في رواية، وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي والطبري. وروي عن مالك وه��و ق��ول الش��افعي في القديم. وقال مكحول: اجتمعت أنا والزهري فتذاكرنا التيمم فقال الزهري: المسح إلى اآلباط. فقلت: عمن أخ��ذت ه��ذا ؟ فق��ال: عن كت��اب الل��ه ع��ز وجل، إن الله تعالى يقول: "فامس��حوا بوج��وهكم وأي��ديكم "فهي ي��د كله��ا. قلت له: ف��إن الل��ه تع��الى يق��ول: "والس��ارق والس��ارقة ف��اقطعوا أي��ديهما

[ فمن أين تقط���ع الي���د ؟ ق���ال: فخص���مته. وحكي عن38"]المائ���دة: الدراوردي أن الكوعين فرض واآلباط فضيلة. قال ابن عطية: ه��ذا ق��ول ال يعضده قياس وال دليل، وإنم��ا عمم ق��وم لف��ظ الي��د ف��أوجبوه من المنكب: وقاس قوم على الوضوء فأوجبوه من المرافق وههنا جمهور األمة، ووق��ف قوم مع الحديث في الكوعين، وقيس أيضا على القطع إذ هو حكم ش��رعي وتطهير كما هذا تطهير، ووقف قوم مع حديث عمار في الكفين. وهو ق��ول

الشعبي. @ واختلف العلماء أيضا هل يكفي في التيمم ضربة واح��دة أم ال ؟ ف��ذهب مالك في المدونة أن التيمم بضربتين: ض��ربة للوج��ه وض��ربة للي��دين؛ وه��و

قول األوزاعي والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم، والثوري والليث وابن أبي سلمة. ورواه جابر بن عبدالله وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وس��لم. وق���ال ابن أبي الجهم: ال���تيمم بض���ربة واح���دة. وروي عن األوزاعي في األشهر عنه؛ وهو قول عطاء والشعبي في رواية. وبه قال أحم��د بن حنب��ل وإسحاق وداود والطبري. وهو أثبت ما روي في ذلك من حديث عمار. قال مالك في كتاب محمد: إن تيمم بضربة واحدة أجزأه. وقال ابن ن��افع: يعي��د أبدا. قال أبو عم�ر وق�ال ابن أبي ليلى والحس�ن بن حي: ض�ربتان؛ يمس�ح بكل ضربة منهما وجهه وذراعي��ه ومرفقي��ه. ولم يق��ل ب��ذلك أح��د من أه��ل العلم غيرهما. قال أبو عمر: لما اختلفت اآلثار في كيفية التيمم وتعارض��ت كان الواجب في ذلك الرجوع إلى ظاهر الكت��اب، وه��و ي��دل على ض��ربتين ضربة للوجه، وللي�دين أخ�رى إلى الم�رفقين، قياس�ا على الوض�وء واتباع�ا لفعل ابن عمر؛ فإنه من ال يدفع علمه بكتاب الله. ولو ثبت عن النبي صلى

الله عليه وسلم في ذلك شيء وجب الوقوف عنده. وبالله التوفيق. @قوله تعالى: "إن الله كان عفوا غفورا" أي لم يزل كائنا يقبل العفو وه��و

السهل، ويغفر الذنب أي يستر عقوبته فال يعاقب.-�� 44*اآليات: 3* }ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكت��اب يش��ترون53

الضاللة ويريدون أن تضلوا السبيل، والله أعلم بأع��دائكم وكفى بالل��ه ولي��ا وكفى بالله نصيرا، من الذين هادوا يحرف��ون الكلم عن مواض��عه ويقول��ون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم ق��الوا س��معنا وأطعن��ا واس��مع وانظرن��ا لك��ان خ��يرا لهم وأق��وم ولكن لعنهم الله بكفرهم فال يؤمنون إال قليال، يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بم��ا نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوه��ا فنرده��ا على أدباره��ا أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعوال، إن الل��ه ال يغف��ر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد اف��ترى إثم��ا عظيم��ا، ألم ت��ر إلى ال��ذين يزك�ون أنفس��هم ب��ل الل��ه ي��زكي من يش��اء وال يظلمون فتيال، انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبين��ا، ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون ب��الجبت والط��اغوت ويقول��ون للذين كفروا هؤالء أهدى من الذين آمن��وا س��بيال، أولئ��ك ال��ذين لعنهم الل��ه ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا، أم لهم نصيب من المل��ك ف�إذا ال يؤت�ون

الناس نقيرا{ @قوله تعالى: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب "إلى قوله تعالى:

"فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه "اآلية. نزلت في يهود المدينة وما واالها. قال ابن إسحاق: وكان رفاعة بن زيد

بن التابوت من عظماء يهود، إذا كلم رس�ول الل�ه ص�لى الل�ه علي��ه وس�لم لوى لسانه وقال: أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك؛ ثم طعن في اإلسالم وعابه فأنزل الله عز وجل "ألم تر إلى الذين أوتوا نص��يبا من الكت��اب "إلى قول��ه "قليال". ومع��نى "يش��ترون "يس��تبدلون فه��و في موض��ع نص��ب على الحال، وفي الكالم حذف تقديره يشترون الضاللة بالهدى؛ كما قال تع��الى:

[ قال��ه القت��بي وغ��يره.16"أولئك الذين اشتروا الضاللة باله��دى "]البق��رة: "ويريدون أن تضلوا السبيل" عطف علي��ه، والمع��نى تض��لوا طري��ق الح��ق.

وقرأ الحسن: "تضلوا "بفتح الضاد أي عن السبيل.

@قوله تعالى: "والله أعلم بأعدائكم" يري��د منكم؛ فال تستص��حبوهم ف��إنهم أعداؤكم. ويجوز أن يكون "أعلم "بمعنى عليم؛ كقوله تع��الى: "وه��و أه��ون

[ أي هين. "وكفى بالل��ه ولي��ا" الب��اء زائ��دة؛ زي��دت ألن27علي��ه "]ال��روم: المعنى اكتفوا بالله فهو يكفيكم أع��داءكم. و"ولي��ا "و "نص��يرا" نص��ب على

البيان، وإن شئت على الحال. @قوله تعالى: "من الذين هادوا" قال الزجاج: إن جعلت "من "متعلقة بم��ا قبل فال يوقف على قول "نصيرا"، وإن جعلت منقطعة فيجوز الوق��ف على "نصيرا "والتق�دير من ال�ذين ه�ادوا ق�وم يحرف�ون الكلم؛ ثم ح�ذف. وه�ذا

مذهب سيبويه، وأنشد النحويون: لو قلت ما في قومها لم تيثم يفضلها في حسب ومبسم

قالوا: المعنى لو قلت ما في قومها أحد يفضلها؛ ثم ح��ذف. وق��ال الف��راء: المحذوف "من" المعنى: من الذين هادوا من يحرفون. وهذا كقوله تع��الى:

[ أي من له. وقال ذو الرمة:164"وما منا إال له مقام معلوم" ]الصافات: فظلوا ومنهم دمعه سابق له وآخر يذري عبرة العين بالهمل

يري��د ومنهم من دمع��ه، فح��ذف الموص��ول. وأنك��ره الم��برد والزج��اج؛ ألن حذف الموصول كحذف بعض الكلمة. "يحرفون" يتأولونه على غير تأويل��ه. وذمهم الل��ه تع�الى ب��ذلك ألنهم يفعلون�ه متعم��دين. وقي��ل: "عن مواض�عه" يعني صفة النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم. "ويقول��ون س��معنا وعص��ينا" أي سمعنا قولك وعصينا أمرك. "واسمع غ��ير مس�مع" ق�ال ابن عب�اس: ك�انوا يقولون النبي صلى الله عليه وسلم: اسمع ال سمعت، هذا مرادهم - لعنهم الله - وهم يظهرون أنهم يريدون اسمع غير مسمع مكروها وال أذى. وق��ال الحسن ومجاه��د. معن��اه غ��ير مس��مع من��ك، أي مقب��ول وال مج��اب إلى م��ا تقول. قال النحاس: ولو كان كذلك لكان غير مسموع منك. وتق��دم الق��ول في "راعن��ا". ومع��نى "لي��ا بألس��نتهم" أي يل��وون ألس��نتهم عن الح��ق أي يميلونها إلى ما في قلوبهم. وأصل اللي الفتل، وه��و نص��ب على المص��در، وإن شئت كان مفع��وال من أجل��ه. وأص��له لوي��ا ثم أدغمت ال��واو في الي��اء. "وطعنا" معطوف عليه أي يطعن��ون في ال��دين، أي يقول��ون ألص��حابهم ل��و كان نبي��ا ل��درى أنن��ا نس��به، ف��أظهر الل��ه تع��الى نبي��ه على ذل��ك فك��ان من عالم��ات نبوت��ه، ونه��اهم عن ه��ذا الق��ول. ومع��نى "أق��وم" أص��وب لهم في ال��رأي. "فال يؤمن��ون إال قليال "أي إال إيمان��ا قليال ال يس��تحقون ب��ه اس��م اإليمان. وقيل: معناه ال يؤمنون إال قليال منهم؛ وهذا بعيد ألنه ع�ز وج�ل ق�د

أخبر عنهم أنه لعنهم بكفرهم. @قوله تعالى: "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا" قال ابن إسحاق: كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبدالل��ه بن صوريا األع��ور وكعب بن أس��د فق��ال لهم: )ي��ا معش��ر يه��ود اتق��وا الل��ه وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق ( ق��الوا: م��ا نع��رف ذلك يا محمد. وجحدوا ما عرفوا وأصروا على الكفر؛ فأنزل الله ع��ز وج��ل فيهم "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لم��ا معكم من قب��ل

أن نطمس وجوها "إلى آخر اآلية. @قوله تعالى: "مصدقا لما معكم" نصب على الحال. "من قبل أن نطمس وجوها" الطمس استئصال أثر الش��يء؛ ومن��ه قول��ه تع��الى: "ف��إذا النج��وم

[. ونطمس ونطمس بكس��ر الميم وض��مها في8طمس��ت "]المرس��الت:

المستقبل لغتان. ويقال في الكالم: طسم يطسم ويطسم بمع��نى طمس؛ يقال: طمس األثر وطسم أي أمحى، كله لغات؛ ومن��ه قول��ه تع��الى: "ربن��ا

[ أي أهلكه��ا؛ عن ابن عرف��ة. ويق��ال:88اطمس على أم��والهم"]ي��ونس: طمسته فطمس الزم ومتعد. وطمس الله بصره، وهو مطموس البصر إذا ذهب أثر العين؛ ومنه قوله تعالى: "ولو نشاء لطمس��نا على أعينهم "]يس:

[ يقول أعميناهم.66 واختلف العلماء في المعنى المراد بهذه اآلية؛ هل هو حقيقة فيجع��ل

الوجه كالقف��ا في��ذهب ب��األنف والفم والح��اجب والعين. أو ذل��ك عب��ارة عن الضالل في قلوبهم وس��لبهم التوفي��ق ؟ ق��والن. روي عن أبي بن كعب أن��ه قال: "من قب��ل أن نطمس "من قب��ل أن نض��لكم إض��الال ال تهت��دون بع��ده. يذهب إلى أنه تمثيل وأنهم إن لم يؤمنوا فعل هذا بهم عقوبة. وقال قت��ادة: معناه من قبل أن نجعل الوجوه أقفاء. أي يذهب ب��األنف والش��فاه واألعين والح��واجب؛ ه��ذا معن��اه عن��د أه��ل اللغ��ة. وروي عن ابن عب��اس وعطي��ة العوفي: أن الطمس أن تزال العينان خاصة وت��رد في القف��ا؛ فيك��ون ذل��ك ردا على الدبر ويمشي القهقرى. وقال مالك رحم�ه الل�ه: ك�ان أول إس�الم كعب األحبار أنه مر برجل من الليل وه��و يق��رأ ه��ذه اآلي��ة: "ي��ا أيه��ا ال��ذين أوتوا الكتاب آمنوا "فوضع كفيه على وجهه ورجع القهقرى إلى بيته فأسلم مكانه وقال: والله لقد خفت أال أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي. وكذلك فعل عبدالله بن سالم، لما نزلت هذه اآلية وسمعها أتى رسول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم قبل أن يأتي أهله وأسلم وقال: يا رس��ول الل��ه، م��ا كنت أدرى أن أصل إليك حتى يحول وجهي في قفاي. فإن قيل: كيف جاز أن يه��ددهم بطمس الوجه إن لم يؤمنوا ثم لم يؤمنوا ولم يفع��ل ذل��ك بهم؛ فقي��ل: إن��ه لما آمن هؤالء ومن اتبعهم رفع الوعيد عن الب��اقين. وق��ال الم��برد: الوعي��د

باق منتظر. وقال: ال بد من طمس في اليهود ومسخ قبل يوم القيامة. @قوله تعالى: "أو نلعنهم" أي أصحاب الوجوه "كما لعنا أص��حاب الس��بت" أي نمس��خهم ق��ردة وخن��ازير؛ عن الحس��ن وقت��ادة. وقي��ل: ه��و خ��روج من الخطاب إلى الغيبة "وكان أمر الله مفعوال" أي كائنا موجودا. وي��راد ب��األمر المأمور فهو مصدر وقع موقع المفع��ول؛ ف��المعنى أن��ه م��تى أراده أوج��ده.

وقيل: معناه أن كل أمر أخبر بكونه فهو كائن على ما أخبر به. @قوله تعالى: "إن الله ال يغف�ر أن يش�رك ب�ه" روي أن الن��بي ص�لى الل�ه

[ فقال له رج��ل:53عليه وسلم تال: "إن الله يغفر الذنوب جميعا "]الزمر: يا رسول الله والشرك ! فنزل "إن الله ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء". وهذا من المحكم المتف��ق علي��ه ال��ذي ال اختالف في��ه بين األمة. "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "من المتشابه الذي قد تكلم العلم��اء فيه. فقال محمد بن جرير الط��بري: ق��د أب��انت ه��ذه اآلي��ة أن ك��ل ص��احب كبيرة ففي مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه ذنبه، وإن ش��اء عاقب��ه علي��ه ما لم تكن كبيرته شركا بالله تعالى. وقال بعضهم: قد بين الله تعالى ذل��ك

[31بقول: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم "]النس��اء: فاعلم أنه يشاء أن يغفر الص��غائر لمن اجتنب الكب��ائر وال يغفره��ا لمن أتى الكبائر. وذهب بعض أهل التأويل إلى أن ه�ذه اآلي�ة ناس�خة لل�تي في آخ�ر "الفرقان". قال زيد بن ثابت: نزلت سورة "النساء "بعد "الفرق��ان "بس��تة أشهر، والصحيح أن ال نسخ؛ ألن النسخ في األخبار يستحيل. وس��يأتي بي��ان

الجمع بين اآلي في هذه السورة وفي "الفرقان "إن شاء الله تع��الى. وفي الترمذي عن علي بن أبي طالب قال: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه اآلية "إن الله ال يغفر أن يشرك به ويغف��ر م��ا دون ذل��ك لمن يش��اء "ق��ال:

هذا حديث حسن غريب. @قوله تعالى: "ألم ت�ر إلى ال�ذين يزك�ون أنفس�هم" ه�ذا اللف�ظ ع�ام في ظاهره ولم يختلف أحد من المتأولين في أن الم��راد اليه��ود. واختلف��وا في المعنى الذي زكوا به أنفسهم؛ فق��ال قت��ادة والحس��ن: ذل��ك ق��ولهم: "نحن أبناء الله وأحباؤه"، وقولهم: "لن يدخل الجنة إال من ك��ان ه��ودا أو نص��ارى "وقال الضحاك والسدي: قولهم ال ذنوب لنا وما فعلن��اه نه��ارا غف��ر لن��ا ليال وما فعلن��اه ليال غف��ر لن��ا نه��ارا، ونحن كاألطف��ال في ع��دم ال��ذنوب. وق��ال مجاهد وأبو مالك وعكرمة: تقديمهم الصغار للصالة؛ ألنهم ال ذن��وب عليهم. وهذا يبعد من مقصد اآلية. وقال ابن عباس: ذلك قولهم آباؤنا ال��ذين م��اتوا يشفعون لنا ويزكونن�ا. وق�ال عبدالل��ه بن مس��عود: ذل�ك ثن�اء بعض��هم على بعض. وهذا أحسن ما قيل؛ فإنه الظاهر من معنى اآلية، والتزكية: التطه��ير

والتبرية من الذنوب. [ يقتضي الغض32@ هذه اآلية وقوله تعالى: "فال تزكوا أنفسكم" ]النجم:

من المزكي لنفسه بلسانه، واإلعالم بأن الزاكي المزكى من حسنت أفعاله وزكاه الله عز وجل فال عبرة بتزكية اإلنس��ان نفس��ه، وإنم��ا الع��برة بتزكي��ة الله له. وفي صحيح مس��لم عن محم��د بن عم��رو بن عط��اء ق��ال: س��ميت ابنتي برة؛ فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا االسم، وسميت برة؛ فقال رسول الله صلى الله علي��ه وسلم: )ال تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم ( فقالوا: بم نس��ميها ؟ فق��ال: )س��موها زينب (. فق��د دل الكت��اب والس��نة على المن��ع من تزكي��ة اإلنسان نفسه، ويجري هذا المجرى ما قد كثر في هذه الديار المصرية من نعتهم أنفسهم بالنعوت التي تقتضي التزكية؛ كزكي الدين ومحي الدين وما أشبه ذلك، لكن لما كثرت قبائح المسمين بهذه األسماء ظه��ر تخل��ف ه��ذه

النعوت عن أصلها فصارت ال تفيد شيئا. @ فأما تزكية الغير ومدحه له؛ ففي البخاري من حديث أبي بك��رة أن رجال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فأثنى علي�ه رج�ل خ�يرا، فق�ال الن��بي صلى الله عليه وسلم: )ويحك قطعت عنق صاحبك - يقوله مرارا - إن كان أحدكم مادحا ال محالة فليق��ل أحس��ب ك��ذا وك��ذا إن ك��ان ي��رى أن��ه ك��ذلك وحسيبه الله وال يزكي على الل��ه أح��دا ( فنهى ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم أن يفرط في مدح الرج��ل بم��ا ليس في��ه فيدخل��ه في ذل��ك اإلعج��اب والك��بر، ويظن أنه في الحقيقة بتلك المنزلة فيحمله ذلك على تضييع العم��ل وت��رك االزدياد من الفضل؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: )ويحك قطعت عنق ص��احبك (. وفي الح��ديث اآلخ��ر )قطعتم ظه��ر الرج��ل ( حين وص��فوه بم��ا ليس فيه. وعلى هذا ت��أول العلم��اء قول��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )احث��وا التراب في وجوه المداحين ( إن المراد به المداحون في وجوههم بالباط��ل وبما ليس فيهم، حتى يجعلوا ذلك بضاعة يستأكلون به المم��دوح ويفتنون��ه؛ فأما مدح الرجل بما فيه من الفع��ل الحس��ن واألم��ر المحم��ود ليك��ون من��ه ترغيبا له في أمثاله وتحريض��ا للن��اس على االقت��داء ب��ه في أش��باهه فليس بمداح، وإن كان قد صار مادحا بم��ا تكلم ب��ه من جمي��ل الق��ول في��ه. وه��ذا

راجع إلى النيات "والله يعلم المفسد من المصلح". وق��د م��دح في الش��عر والخطب والمخاطبة ولم يحث في وجوه المداحين التراب، وال أم��ر ب��ذلك.

كقول أبي طالب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة لألرامل

وكمدح العباس وحسان له في شعرهما، ومدحه كعب بن زهير، وم��دح ه��و أيضا أصحابه فقال: )إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عن��د الف��زع (. وأم��ا قوله صلى الله عليه وسلم في ص��حيح الح��ديث: )ال تط��روني كم��ا أط��رت النصارى عيسى ابن مريم وقولوا: عبدالل��ه ورس��وله ( فمعن��اه ال تص��فوني بما ليس في من الصفات تلتمسون ب��ذلك م��دحي، كم��ا وص��فت النص��ارى عيسى بما لم يكن فيه، فنس��بوه إلى أن��ه ابن الل��ه فكف��روا ب��ذلك وض��لوا. وهذا يقتضي أن من رف��ع أم��را ف��وق ح��ده وتج��اوز مق��داره بم��ا ليس في��ه فمعتد آثم؛ ألن ذلك لو جاز في أحد لك��ان أولى الخل��ق ب��ذلك رس��ول الل��ه

صلى الله عليه وسلم. @قول��ه تع��الى: "وال يظلم��ون ف��تيال" الض��مير في "يظلم��ون" عائ��د على الم��ذكورين ممن زكى نفس��ه وممن يزكي��ه الل��ه ع��ز وج��ل. وغ��ير ه��ذين الصنفين علم أن الله تعالى ال يظلمه من غ��ير ه��ذه اآلي��ة. والفتي��ل الخي��ط الذي في شق نواة التمرة؛ قال ابن عباس وعطاء ومجاهد. وقيل: القشرة التي ح��ول الن��واة بينه��ا وبين البس��رة. وق��ال ابن عب��اس أيض��ا وأب��و مال��ك والسدي: هو ما يخرج بين أص��بعيك أو كفي��ك من الوس��خ إذا فتلتهم��ا؛ فه��و فعي��ل بمع��نى مفع��ول. وه��ذا كل��ه يرج��ع إلى كناي��ة عن تحق��ير الش��يء وتصغيره، وأن الله ال يظلمه شيئا. ومثل هذا في التحقير قوله تع��الى: "وال

[ وهو النكتة التي في ظهر النواة، ومنه تنبت124يظلمون نقيرا" ]النساء: النخلة، وسيأتي. قال الشاعر يذم بعض الملوك:

تجمع الجيش ذا األلوف وتغزو ثم ال ترزأ العدو فتيال ثم عجب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: "انظر كي��ف يف��ترون على الل��ه الك��ذب" في ق��ولهم: نحن أبن��اء الل��ه وأحب��اؤه. وقي��ل: ت��زكيتهم ألنفسهم؛ عن ابن جريج. وروي أنهم قالوا: ليس لنا ذنوب إال كذنوب أبنائن��ا يوم تولد. واالفتراء االختالق؛ ومنه افترى فالن على فالن أي رماه بما ليس في��ه. وف��ريت الش��يء قطعت��ه. "وكفى ب��ه إثم��ا مبين��ا" نص��ب على البي��ان.

والمعنى تعظيم الذنب وذمه. العرب تستعمل مثل ذلك في المدح والذم. @قوله تعالى: "ألم ت��ر إلى ال��ذين أوت��وا نص��يبا من الكت��اب" يع��ني اليه��ود "يؤمن��ون ب��الجبت والط��اغوت" اختل��ف أه��ل التأوي��ل في تأوي��ل الجبت والطاغوت؛ فقال ابن عباس وابن جبير وأبو العالية: الجبت الساحر بلسان الحبشة، والطاغوت الكاهن. وقال الف��اروق عم��ر رض��ي الل��ه عن��ه: الجبت السحر والطاغوت الشيطان. ابن مسعود: الجبت والطاغوت ههنا كعب بن األش��رف وح��يي بن أخطب. عكرم��ة: الجبت ح��يي بن أخطب والط��اغوت كعب بن األشرف؛ دليله قوله تعالى: "يريدون أن يتح��اكموا إلى الط��اغوت

[. قتادة: الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن. وروى ابن وهب60"]النساء: عن مال��ك بن أنس: الط��اغوت م��ا عب��د من دون الل��ه. ق��ال: وس��معت من يقول إن الجبت الشيطان؛ ذكره النحاس. وقيل: هم��ا ك��ل معب��ود من دون الله، أو مطاع في معص��ية الل��ه؛ وه��ذا حس��ن. وأص��ل الجبت الجبس وه��و الذي ال خير في��ه، فأب��دلت الت��اء من الس��ين؛ قال��ه قط��رب. وقي��ل: الجبت

إبليس والطاغوت أولياؤه. وقول مال��ك في ه��ذا الب��اب حس��ن؛ ي��دل علي��ه [ وقال تع�الى:36قوله تعالى: "أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت "]النحل:

[. وروى قطن بن17"وال��ذين اجتنب��وا الط��اغوت أن يعب��دوها "]الزم��ر: المخارق عن أبيه قال: قال رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )الط��رق والطيرة والعيافة من الجبت (. الطرق الزجر، والعيافة الخ��ط؛ خرج��ه أب��و داود في سننه. وقيل: الجبت كل م��ا ح��رم الل��ه، الط��اغوت ك��ل م��ا يطغي

اإلنسان. والله أعلم. @قوله تعالى: "ويقولون للذين كفروا" أي يقول اليهود لكف��ار ق��ريش أنتم أهدى سبيال من الذين آمنوا بمحمد. وذل��ك أن كعب بن األش��رف خ��رج في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريش��ا على قت��ال رسول الله صلى الله عليه وس��لم، ف��نزل كعب على أبي س��فيان فأحس��ن مثواه، ونزلت اليهود في دور قريش فتعاقدوا وتعاهدوا ليجتمعن على قتال محمد؛ فقال أب��و س��فيان: إن��ك ام��رؤ تق��رأ الكت��اب وتعلم، ونحن أمي��ون ال نعلم، فأينا أهدى س��بيال وأق��رب إلى الح��ق. نحن أم محم��د ؟ فق��ال كعب:

أنتم والله أهدى سبيال مما عليه محمد. @قول���ه تع���الى: "أم لهم نص���يب من المل���ك" أي ألهم ؟ والميم ص���لة. "نص��يب" ح��ظ "من المل��ك" وه��ذا على وج��ه اإلنك��ار؛ يع��ني ليس لهم من الملك شيء، ول��و ك�ان لهم من��ه ش��يء لم يعط��وا أح�دا من��ه ش��يئا لبخلهم وحس��دهم. وقي��ل: المع��نى ب��ل ألهم نص��يب؛ فتك��ون أم منقطع��ة ومعناه��ا اإلضراب عن األول واالستئناف للثاني. وقي��ل: هي عاطف��ة على مح��ذوف؛ ألنهم أنفوا من أتب��اع محم��د ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم. والتق��دير: أهم أولى ب��النبوة ممن أرس��لته أم لهم نص��يب من المل��ك ؟. "ف��إذا ال يؤت��ون الن��اس نق��يرا "أي يمنع��ون الحق��وق. خ��بر الل��ه ع��ز وج��ل عنهم بم��ا يعلم��ه منهم. والنقير: النكتة في ظهر النواة؛ عن ابن عباس وقت��ادة وغيرهم��ا. وعن ابن عباس أيضا: النق��ير: م��ا نق��ر الرج��ل بأص��بعه كم��ا ينق��ر األرض. وق��ال أب��و العالي��ة: س��ألت ابن عب��اس عن النق��ير فوض��ع ط��رف اإلبه��ام على ب��اطن السبابة ثم رفعهما وقال: هذا النقير. والنقير: أصل خشبة ينقر وينب��ذ في��ه؛ وفيه جاء النهي ثم نسخ. وفالن كريم النق��ير أي األص��ل. و"إذا "هن��ا ملغ��اه غير عاملة لدخول فاء العطف عليها، ول��و نص��ب لج��از. ق��ال س��يبويه: "إذا "في عوامل األفع��ال بمنزل��ة "أظن "في عوام��ل األس��ماء، أي تلغى إذا لم يكن الكالم معتم��دا عليه��ا، ف��إن ك��انت في أول الكالم وك��ان ال��ذي بع��دها مستقبال نص��بت؛ كقول��ك: أن��ا أزورك فيق��ول مجيب��ا ل��ك: إذا أكرم��ك. ق��ال

عبدالله بن عنتمة الضبي: اردد حمارك ال يرتع بروضتنا إذن يرد وقيد العير مكروب

نصب ألن الذي قبل "إذن "تام فوقعت ابت��داء كالم. ف��إن وقعت متوس��طة بين شيئين كقولك. زيد إذا يزورك ألغيت؛ فإن دخ��ل عليه�ا ف��اء العط��ف أو واو العطف فيجور فيها اإلعمال واإللغ�اء؛ أم��ا األعم��ال فألن م��ا بع�د ال��واو يستأنف على طريق عطف الجمل��ة على الجمل��ة، فيج��وز في غ��ير الق��رآن

[ وفي مص��حف76فإذا ال يؤت��وا. وفي التنزي��ل "وإذا ال يلبث��ون "]اإلس��راء: أبي "وإذا ال يلبثوا". وأم��ا اإللغ��اء فألن م��ا بع��د ال��واو ال يك��ون إال بع��ه كالم يعطف عليه، والناصب للفع��ل عن��د س��يبويه "إذا" لمض��ارعتها "أن"، وعن��د الخليل أن مضمرة بعد إذا. وزعم الفراء أن إذا تكتب ب��األلف وأنه��ا منون��ة.

قال النحاس: وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت أب��ا العب��اس محم��د بن يزيد يقول: أشتهي أن أكوي يد من يكتب إذا باأللف؛ إنها مث��ل لن وإن،

وال يدخل التنوين في الحروف.-�� 54*اآليتان: 3* }أم يحسدون الناس على ما آتاهم الل��ه من فض��له55

فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما، فمنهم من آمنبه ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا{

@قوله تعالى: "أم يحسدون" يعني اليهود. "الناس" يعني النبي صلى الل��ه عليه وسلم خاصة؛ عن ابن عباس ومجاهد وغيرهم��ا. حس��دوه على النب��وة وأصحابه على اإليمان به. وقال قتادة: "الن��اس "الع��رب، حس��دتهم اليه��ود على النبوة. الض��حاك: حس��دت اليه��ود قريش��ا؛ ألن النب��وة فيهم. والحس��د مذموم وصاحبه مغموم وهو يأكل الحسنات كم��ا تأك��ل الن��ار الحطب؛ رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحسن: ما رأيت ظالما أش��به بمظلوم من حاسد؛ نفس دائم، وحزن الزم، وعبرة ال تنفد. وق��ال عبدالل��ه بن مسعود: ال تعادوا نعم الله. قيل له: ومن يعادي نعم الله ؟ ق��ال: ال��ذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، يق��ول الل��ه تع��الى في بعض الكتب: الحس��ود ع��دو نعم��تي متس��خط لقض��ائي غ��ير راض بقس��متي.

ولمنصور الفقيه: أال قل لمن ظل لي حاسدا أتدري على من أسأت األدب أسأت على الله في حكمه إذا أنت لم ترض لي ما وهب

ويقال: الحسد أول ذنب عصي الل��ه ب��ه في الس��ماء، وأول ذنب عص��ي ب��ه في األرض؛ فأما في الس��ماء فحس��د إبليس آلدم، وأم��ا في األرض فحس��د

قابيل لهابيل. وألبي العتاهية في الناس: فيا رب إن الناس ال ينصفونني فكيف ولو أنصفتهم ظلموني وإن كان لي شيء تصدوا ألخذه وإن شئت أبغي شيئهم منعوني وإن نالهم بذلي فال شكر عندهم وإن أنا لم أبذل لهم شتموني وإن طرقتني نكبة فكهوا بها وإن صحبتني نعمة حسدوني سأمنع قلبي أن يحن إليهمو وأحجب عنهم ناظري وجفوني

وقيل: إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك. ولرجل من قريش:حسدوا النعمة لما ظهرت فرموها بأباطيل الكلم وإذا ما الله أسدى نعمة لم يضرها قول أعداء النعم

ولقد أحسن من قال: أصبر على حسد الحسو د فإن صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله

وقال بعض أهل التفسير في قول الله تعالى: "ربن��ا أرن��ا ال��ذين أض��النا من [.29الجن واإلنس نجعلهما تحت أق��دامنا ليكون��ا من األس��فلين "]فص��لت:

إن��ه إنم��ا أراد بال��ذي من الجن إبليس وال��ذي من اإلنس قابي��ل؛ وذل��ك أن إبليس كان أول من سن الكفر، وقابيل كان أول من سن القتل، وإنما كان

أصل ذلك كله الحسد. وقال الشاعر: إن الغراب وكان يمشي مشية فيما مضى من سالف األحوال حسد القطاة فرام يمشي مشيها فأصابه ضرب من التعقال

@قول��ه تع��الى: "فق��د آتين��ا" ثم أخ��بر تع��الى أن��ه آتى آل إب��راهيم الكت��اب والحكمة وآتاهم ملكا عظيما. قال همام بن الحارث: أيدوا بالمالئكة. وقيل:

يع��ني مل��ك س��ليمان؛ عن ابن عب��اس. وعن��ه أيض��ا: المع��نى أم يحس��دون محمدا على ما أحل الله له من النساء فيكون الملك العظيم على ه��ذا أن��ه أحل لداود تسعا وتسعين امرأة ولسليمان أك��ثر من ذل��ك. واخت��ار الط��بري أن يك��ون الم��راد م��ا أوتي��ه س��ليمان من المل��ك وتحلي��ل النس��اء. والم��راد تكذيب اليهود والرد عليهم في قولهم: لو كان نبيا ما رغب في كثرة النساء ولش��غلته النب��وة عن ذل��ك؛ ف��أخبر الل��ه تع��الى بم��ا ك��ان ل��داود وس��ليمان يوبخهم، فأقرت اليهود أنه اجتمع عند سليمان ألف امرأة، فقال لهم الن��بي صلى الله عليه وسلم: ألف امرأة ؟ قالوا: نعم ثالثمائ��ة مهري��ة، وس��بعمائة سرية، وعند داود مائة امرأة. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: )ألف عند رجل ومائة عند رجل أكثر أو تسع نسوة ( ؟ فسكتوا. وك��ان ل��ه يومئ��ذ

تسع نسوة. @ يقال: إن سليمان علي�ه الس�الم ك�ان أك�ثر األنبي��اء نس�اء. والفائ�دة في كثرة تزوجه أنه كان ل��ه ق��وة أربعين نبي��ا، وك��ل من ك��ان أق��وى فه��و أك��ثر نكاحا. ويقال: إنه أراد بالنكاح كثرة العشيرة؛ ألن لكل امرأة قبيلتين قبيل��ة من جه��ة األب وقبيل��ة من جه��ة األم؛ فكلم��ا ت��زوج ام��رأة ص��رف وج��وه القبيلتين إلى نفسه فتكون عونا له على أعدائ��ه. ويق��ال: إن ك��ل من ك��ان أتقى فشهوته أشد؛ ألن الذي ال يكون تقيا فإنما يتف��رج ب��النظر والمس، أال ترى ما روى في الخبر: )العين��ان تزني��ان والي��دان تزني��ان (. ف��إذا ك��ان في النظ�ر والمس ن�وع من قض��اء الش��هوة ق��ل الجم�اع، والمتقي ال ينظ��ر وال يمس فتكون الشهوة مجتمعة في نفسه فيكون أكثر جماعا. وقال أبو بك��ر الوراق: كل شهوة تقسي القلب إال الجماع فإنه يصفي القلب؛ وله��ذا ك��ان

األنبياء يفعلون ذلك. @قوله تعالى: "فمنهم من آمن به" يعني بالنبي صلى الله عليه وسلم ألنه تقدم ذكره وهو المحس��ود. "ومنهم من ص��د عن��ه" أع��رض فلم ي��ؤمن ب��ه. وقيل: الضمير في "به "راجع إلى إبراهيم. والمع��نى: فمن آل إب��راهيم من

آمن به ومنهم من صد عنه. وقيل: يرجع إلى الكتاب. والله أعلم. }إن الذين كف��روا بآياتن��ا س��وف نص��ليهم ن��ارا كلم��ا نض��جت56*اآلية: 3*

جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما - والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تج��ري من57*اآلية: 3*

تحتها األنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظال ظليال{ @ قد تق��دم مع��نى اإلص��الء أول الس��ورة. وق��رأ حمي��د بن قيس "نص��ليهم "بفتح الن��ون أي نش��ويهم. يق��ال: ش��اة مص��لية. ونص��ب "ن��ارا "على ه��ذه القراءة بنزع الخافض تق��ديره بن��ار. "كلم��ا نض��جت جل��ودهم" يق��ال: نض��ج الشيء نضجا ونضجا، وفالن نضيج الرأي محكمه. والمعنى في اآلية: تب��دل الجلود جلودا أخر. فإن قال من يطعن في القرآن من الزنادقة: كي��ف ج��از أن يعذب جلدا لم يعصه ؟ قيل له: ليس الجل��د بمع��ذب وال مع��اقب، وإنم��ا األلم واقع على النفوس؛ ألنها هي التي تحس وتعرف فتبديل الجلود زي��ادة في عذاب النفوس. يدل عليه قوله تعالى: "ليذوقوا العذاب "وقوله تعالى:

[. فالمقص��ود تع��ذيب األب��دان97"كلم��ا خبت زدن��اهم س��عيرا "]اإلس��راء: وإيالم األرواح. ولو أراد الجلود لقال: ليذقن العذاب. مقاتل: تأكله النار ك��ل يوم سبع مرات. الحسن: سبعين أل��ف م��رة كلم��ا أكلتهم قي��ل لهم: ع�ودوا فعادوا كما كانوا. ابن عمر: إذا احترقوا بدلت لهم جلود بيض ك��القراطيس.

وقيل: عنى بالجلود السرابيل؛ كم��ا ق��ال تع��الى: "وت��رى المج��رمين يومئ��ذ-�� 49مقرنين في األصفاد سرابيلهم من قطران "]إب��راهيم: [ س��ميت50

جلودا للزومها جلودهم على المجاورة؛ كما يقال للشيء الخاص باإلنس��ان:هو جلدة ما بين عينيه. وأنشد ابن عمر رضي الله عنه:

يلومونني في سالم وألومهم وجلدة بين العين واألنف سالم فكلما احترقت السرابيل أعيدت. قال الشاعر:

كسا الل�ؤم تيم�ا خض�رة في جلوده�ا فوي�ل ل�تيم من س��رابيلها الخضر

فكنى عن الجلود بالسرابيل. وقيل: المعنى أعدنا الجل��د األول جدي��دا؛ كم��ا تقول للصائغ: صغ لي من هذا الخاتم خاتما غيره؛ فيكسره ويصوغ لك من��ه خاتما. فالخاتم المصوغ ه��و األول إال أن الص��ياغة تغ��يرت والفض��ة واح��دة. وه��ذا ك��النفس إذا ص��ارت تراب��ا وص��ارت ال ش��يء ثم أحياه��ا الل��ه تع��الى. وكعهدك بأخ لك صحيح ثم تراه بعد ذلك سقيما مدنفا فتقول له: كيف أنت ؟ فيقول: أنا غير الذي عهدت. فهو هو، ولكن حاله تغ��يرت. فق��ول القائ��ل: أنا غير الذي عهدت، وقوله تع��الى: "غيره��ا" مج��از. ونظ��يره قول��ه تع��الى:

[ وهي تل��ك األرض بعينه�ا إال48"يوم تب�دل األرض غ�ير األرض "]إب�راهيم: أنها تغير آكامها وجبالها وأنهارها وأشجارها، ويزاد في سعتها ويس��وى ذل��ك منه��ا؛ على م��ا ي��أتي بيان��ه في س��ورة "إب��راهيم "علي��ه الس��الم. ومن ه��ذا

المعنى قول الشاعر: فما الناس بالناس الذين عهدتهم وال الدار بالدار التي كنت أعرف

وقال الشعبي: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أال ترى ما ص��نعت عائش��ة.ذمت دهرها، وأنشدت بيتي لبيد:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد األجرب يتلذذون مجانة ومذلة ويعاب قائلهم وإن لم يشغب

فقالت: رحم الله لبيدا فكيف لو أدرك زماننا ه��ذا ! فق��ال ابن عب��اس: لئن ذمت عائشة دهرها لق��د ذمت "ع��اد" دهره��ا؛ ألن��ه وج��د في خزان��ة "ع��اد" بعدما هلكوا بزمن طوي��ل ك��أطول م��ا يك��ون من رم��اح ذل��ك ال��زمن علي��ه

مكتوب: بالد بها كنا ونحن بأهلها إذ الناس ناس والبالد بالد

البالد باقية كما هي إال أن أحوالها وأحوال أهلها تنك��رت وتغ��يرت. "إن الل��ه كان عزيزا" أي ال يعجزه شيء وال يفوته. "حكيما" في إيعاده عباده. وقوله في ص��فة أه��ل الجن��ة: "ون��دخلهم ظال ظليال "يع��ني كثيف��ا ال ش��مس في��ه. الحسن: وصف بأنه ظلي��ل؛ ألن��ه ال يدخل��ه م��ا ي��دخل ظ��ل ال��دنيا من الح��ر والسموم ونحو ذلك. وقال الضحاك: يعني ظالل األش��جار وظالل قص��ورها

الكلبي: "ظال ظليال" يعني دائما. }إن الل��ه ي��أمركم أن ت��ؤدوا األمان��ات إلى أهله��ا وإذا حكمتم58*اآلية: 3*

بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الل��ه ك��ان س��ميعابصيرا{

@قوله تعالى: "إن الله يأمركم أن تؤدوا األمان��ات" ه��ذه اآلي��ة من أمه��ات األحكام تضمنت جميع الدين والشرع. وقد اختلف من المخاطب بها؛ فق��ال علي بن أبى طالب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب وابن زيد: هذا خطاب لوالة المسلمين خاص��ة، فهي للن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وأمرائ��ه، ثم

تتناول من بعدهم. وقال ابن جريج وغيره: ذل��ك خط��اب للن��بي ص��لى الل��ه عليه وس��لم خاص��ة في أم��ر مفت��اح الكعب��ة حين أخ��ذه من عثم��ان بن أبي طلحة الحجبي العبدري من بني عبدال��دار ومن ابن عم��ه ش��يبة بن عثم��ان بن أبي طلحة وكانا كافرين وقت فتح مكة، فطلبه العباس بن عب��دالمطلب لتنضاف له السدانة إلى السقاية؛ فدخل رسول الله صلى الله عليه وس��لم الكعبة فكسر ما كان فيها من األوث��ان، وأخ��رج مق��ام إب��راهيم ون��زل علي��ه جبريل بهذه اآلية. قال عمر بن الخطاب: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه اآلية، وما كنت سمعتها قبل منه، فدعا عثم��ان وش��يبة فق��ال: )خ��ذاها خال��دة تال��دة ال ينزعه��ا منكم إال ظ��الم (. وحكى مكي: أن شيبة أراد أال يدفع المفتاح، ثم دفعه، وقال للنبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: خذه بأمانة الله. وق��ال ابن عب��اس: اآلي��ة في ال��والة خاص��ة في أن يعظ��وا النساء في النش��وز ونح��وه وي��ردوهن إلى األزواج. واألظه��ر في اآلي��ة أنه��ا عام��ة في جمي��ع الن��اس فهي تتن��اول ال��والة فيم��ا إليهم من األمان��ات في قسمة األموال ورد الظالمات والعدل في الحكومات. وهذا اختيار الطبري. وتتن��اول من دونهم من الن��اس في حف��ظ الودائ��ع والتح��رز في الش��هادات وغير ذلك، كالرج��ل يحكم في نازل��ة م��ا ونح��وه؛ والص��الة والزك��اة وس��ائر العب��ادات أمان��ة الل��ه تع��الى. وروي ه��ذا المع��نى مرفوع��ا من ح��ديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )القتل في سبيل الل��ه يكف��ر الذنوب كلها ( أو قال: )كل شيء إال األمانة - واألمانة في الص��الة واألمان��ة في الص��وم واألمان��ة في الح��ديث وأش��د ذل��ك الودائ��ع (. ذك��ره أب��و نعيم الحافظ في الحلية. وممن قال إن اآلية عامة في الجميع ال��براء بن ع��ازب وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب ق��الوا: األمان��ة في ك��ل ش��يء في الوضوء والصالة والزكاة والجنابة والصوم والكيل وال��وزن والودائ��ع، وق��ال

ابن عباس: لم يرخص الله لمعسر وال لموسر أن يمسك األمانة. قلت: وهذا إجماع. وأجمعوا على أن األمانات مردودة إلى أربابها األبرار

منهم والفجار؛ قاله ابن المن��ذر. واألمان��ة مص��در بمع��نى المفع��ول فل��ذلك جمع. ووجه النظم بما تقدم أنه تعالى أخبر عن كتم��ان أه��ل الكت��اب ص��فة محمد صلى الله عليه وسلم، وقولهم: إن المش��ركين أه��دى س��بيال، فك��ان ذلك خيانة منهم فانجر الكالم إلى ذكر جميع األمانات؛ فاآلية شاملة بنظمها لكل أمان��ة وهي أع��داد كث��يرة كم��ا ذكرن��ا. وأمهاته��ا في األحك��ام: الوديع��ة واللقطة والرهن والعاري��ة. وروى أبي بن كعب ق��ال: س��معت رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم يق��ول: )أد األمان��ة إلى من ائتمن��ك وال تخن من خانك (. أخرجه الدارقطني. ورواه أنس وأبو هري��رة عن الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم وقد تقدم في "البقرة "معناه. وروى أب��و أمام��ة ق��ال: س��معت رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم يق��ول في خطبت��ه ع��ام حج��ة ال��وداع: )العارية مؤداة والمنحة مردودة وال��دين مقض��ي وال��زعيم غ��ارم (. ص��حيح أخرجه الترمذي وغيره. وزاد الدارقطني: فق��ال رج��ل: فعه��د الل��ه ؟ ق��ال: )عهد الله أحق ما أدي (. وقال بمقتضى هذه اآلية والحديث في رد الوديعة وأنها مضمونة على كل حال كانت مما يغاب عليها أو ال يغاب تعدي فيها أو لم يتعد - عطاء والشافعي وأحمد وأشهب. وروي أن ابن عباس وأبا هريرة رضي الله عنهما ضمنا الوديعة. وروى ابن القاسم عن مالك أن من استعار حيوانا أو غيره مم��ا ال يغ��اب علي��ه فتل��ف عن��ده فه��و مص��دق في تلف��ه وال

يض��منه إال بالتع��دي. وه��ذا ق��ول الحس��ن البص��ري والنخعي، وه��و ق��ول الكوفيين واألوزاعي قالوا: ومعنى قول عليه السالم: )العارية م��ؤداة( ه��و كمعنى قوله تعالى: "إن الله ي��أمركم أن ت��ؤدوا األمان��ات إلى أهله��ا". ف��إذا تلفت األمانة لم يلزم المؤتمن غرمها ألنه مصدق فك��ذلك العاري�ة إذا تلفت من غير تعد؛ ألنه لم يأخذها على الض��مان، ف��إذا تلفت بتعدي��ه عليه��ا لزم��ه قيمتها لجنايته عليها. وروي عن علي وعمر وابن مسعود أن��ه ال ض��مان في العاري��ة. وروى ال��دارقطني عن، عم��رو بن ش��عيب، عن أبي��ه عن ج��ده أن رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم ق��ال: )ال ض��مان على م��ؤتمن (. واحتج الشافعي فيما استدل به بقول صفوان للنبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم لم��ا استعار منه األدراع: أعارية مضمونة أو عاري��ة م��ؤداة ؟ فق��ال: )ب��ل عاري��ة

مؤداة (. @قوله تعالى: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" ق��ال الض��حاك: بالبينة على المدعي واليمين على من أنكر. وه��ذا خط��اب لل��والة واألم��راء والحك��ام، وي��دخل في ذل��ك ب��المعنى جمي��ع الخل��ق كم��ا ذكرن��ا في أداء األمانات. قال صلى الل�ه علي��ه وس��لم: )إن المقس�طين ي��وم القيام�ة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يع��دلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا (. وق��ال: )كلكم راع وكلكم مس��ؤول عن رعيت��ه فاإلم��ام راع وه�و مس�ؤول عن رعيت�ه والرج�ل راع على أهل�ه وه�و مس�ؤول عنهم والمرأة راعية على بيت زوجه��ا وهي مس��ؤولة عن��ه والعب��د راع على م��ال سيده وهو مسؤول عنه أال فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته (. فجع��ل في هذه األحاديث الصحيحة كل هؤالء رعاة: وحكاما على مراتبهم، وك��ذلك الع��الم الح��اكم؛ ألن��ه إذا أف��تى حكم وقض��ى وفص��ل بين الحالل والح��رام، والفرض والندب، والصحة والفساد، فجميع ذلك أمانة تؤدى وحكم يرض��ى.

وقد تقدم في )البقرة( القول في "نعما". @قوله تعالى: "إن الله كان سميعا بصيرا" وص�ف الل��ه تع�الى نفس�ه بأن�هسميع بصير يسمع ويرى؛ كما قال تعالى: "إنني معكما أسمع وأرى" ]ط��ه:

[ فهذا طريق السمع. والعقل يدل على ذلك؛ فإن انتفاء السمع والبص��ر46 يدل على نقيضهما من العمى والصمم، إذ المح��ل القاب�ل للض��دين ال يخل��و من أح��دهما، وه��و تع��الى مق��دس عن النق��ائص ويس��تحيل ص��دور األفع��ال الكاملة من المتصف، بالنقائص؛ كخلق السمع والبصر ممن ليس ل��ه س��مع وال بصر. وأجمعت األمة على تنزيه�ه تع�الى عن النق�ائص وه�و أيض�ا دلي��ل سمعي يكتفى به مع نص القرآن في من��اظرة من تجمعهم كلم��ة اإلس��الم. ج��ل ال��رب تب��ارك وتع��الى عم��ا يتوهم��ه المتوهم��ون ويختلق��ه المف��ترون

[.180الكاذبون "سبحان ربك رب العزة عما يصفون "]الصافات: }يا أيه��ا ال��ذين آمن��وا أطيع��وا الل��ه وأطيع��وا الرس��ول وأولي59*اآلية: 3*

األم��ر منكم ف��إن تن��ازعتم في ش��يء ف��ردوه إلى الل��ه والرس��ول إن كنتمتؤمنون بالله واليوم اآلخر ذلك خير وأحسن تأويال{

@ لما تقدم إلى الوالة في اآلية المتقدمة وبدأ بهم فأمرهم بأداء األمان��ات وأن يحكم��وا بين الن��اس بالع��دل، تق��دم في ه��ذه اآلي��ة إلى الرعي��ة ف��أمر بطاعت��ه ج��ل وع��ز أوال، وهي امتث��ال أوام��ره واجتن��اب نواهي��ه، ثم بطاع��ة رسوله ثانيا فيم��ا أم��ر ب��ه ونهى عن��ه، ثم بطاع��ة األم��راء ثالث��ا؛ على ق��ول الجمهور وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم. قال سهل بن عبدالله التستري:

أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكايي��ل واألوزان، واألحكام والحج والجمعة والعيدين والجهاد. قال سهل: وإذا نهى الس��لطان العالم أن يفتي فليس له أن يفتي، ف��إن أف��تى فه��و ع��اص وإن ك��ان أم��يرا جائرا. وقال ابن خويز منداد: وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان له في��ه طاعة، وال تجب فيما كان لله في��ه معص��ية؛ ول��ذلك قلن��ا: إن والة زمانن��ا ال تجوز طاعتهم وال مع��اونتهم وال تعظيمهم، ويجب الغ��زو معهم م��تى غ��زوا، والحكم من ق��ولهم، وتولي��ة اإلمام��ة والحس��بة؛ وإقام��ة ذل��ك على وج��ه الشريعة. وإن صلوا بن��ا وك��انوا فس��قة من جه��ة المعاص��ي ج��ازت الص��الة معهم، وإن كانوا مبتدعة لم تجز الصالة معهم إال أن يخ��افوا فيص��لي معهم

تقية وتعاد الصالة. قلت: روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: حق على

اإلم��ام أن يحكم بالع��دل، وي��ؤدي األمان��ة؛ ف��إذا فع��ل ذل��ك وجب على المسلمين أن يطيعوه؛ ألن الله تعالى أمرنا ب��أداء األمان��ة والع��دل، ثم أم��ر بطاعته. وقال جابر بن عبدالله ومجاهد: "أولو األمر "أه��ل الق��رآن والعلم؛ وهو اختيار مال��ك رحم��ه الل��ه، ونح��وه ق��ول الض��حاك ق��ال: يع��ني الفقه��اء والعلماء في الدين. وحكي عن مجاهد أنهم أصحاب محمد صلى الله علي��ه وسلم خاصة. وحكى عن عكرمة أنها إشارة إلى أبي بكر وعمر رضي الل��ه عنهما خاصة. وروى سفيان بن عيينة عن الحكم بن أبان أنه س��أل عكرم��ة عن أمهات األوالد فقال: هن حرائر. فقلت بأي شيء ؟ قال بالقرآن. قلت: ب��أي ش��يء في الق��رآن ؟ ق��ال: ق��ال الل��ه تع��الى: "أطيع��وا الل��ه وأطيع��وا الرس��ول وأولي األم��ر منكم "وك��ان عم��ر من أولي األم؛ ق��ال: عتقت ول��و بسقط. وسيأتي هذا المعنى مبينا في س��ورة "الحش��ر "عن��د قول��ه تع��الى:

[. وق��ال ابن7"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" ]الحشر: كيسان: هم أولو العقل، الرأي الذين يدبرون أمر الناس.

قلت: وأصح هذه األقوال األول والثاني؛ أما األول فألن أصل األم منهم والحكم إليهم. وروى الصحيحان عن ابن عباس ق��ال: ن��زل "ي��ا أيه��ا ال��ذين آمن�وا أطيع�وا الل�ه وأطيع�وا الرس��ول وأولي األم�ر منكم" في عبدالل��ه بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وس��لم في سرية. قال أبو عم��ر: وك��ان في عبدالل��ه بن حذاف��ة دعاب��ة معروف��ة؛ ومن دعابته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم�ره على س�رية ف�أمرهم أن يجمعوا حطبا ويوقدوا نارا؛ فلما أوقدوها أمرهم ب��التقحم فيه��ا، فق��ال لهم: ألم يأمركم رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم بط��اعتي ؟ ! وق��ال: )من أطاع أميري فقد أطاعني (. فقالوا: ما آمنا بالل��ه واتبعن��ا رس��وله إال لننج��و من النار ! فص��وب رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم فعلهم وق��ال: )ال طاعة لمخلوق في معصية الخ��الق ق��ال الل��ه تع��الى: "وال تقتل��وا أنفس��كم

[ (. وهو حدث صحيح اإلسناد مشهور. وروى محمد بن عم��رو29"]النساء: بن علقمة عن عمر بن الحكم بن ثوب��ان أن أب��ا س��عيد الخ��دري ق��ال: ك��ان عبدالله بن حذافة بن قيس، السهمي من أصحاب بدر وك��انت في��ه دعاب��ة. وذكر الزب��ير ق��ال: ح��دثني عب��دالجبار بن س��عيد عن عبدالل��ه بن وهب عن الليث بن سعد قال: بلغني أنه حل حزام راحلة رسول الله صلى الله علي��ه وسلم في بعض أسفاره، حتى كاد رسول الله صلى الله عليه وس��لم يق��ع. ق��ال ابن وهب: فقلت لليث ليض��حكه ؟ ق��ال: نعم ك��انت في��ه دعاب��ة. ق��ال

ميمون بن مهران ومقاتل والكلبي: "أول��وا األم��ر" أص��حاب الس��رايا. وأم��ا القول الثاني فيدل على صحته قوله تعالى "فإن تنازعتم في شيء ف��ردوه إلى الله والرسول". فأمر تعالى برد المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس لغير العلماء معرفة كيفي��ة ال��رد إلى الكت��اب والسنة؛ ويدل هذا على صحة كون سؤال العلم��اء واجب��ا، وامتث��ال فت��واهم الزما. قال سهل بن عبدالله رحمه الل��ه: ال ي��زال الن��اس بخ��ير م��ا عظم��وا السلطان والعلماء؛ فإذا عظم��وا ه��ذين أص��لح الل��ه دني��اهم وأخ��راهم، وإذا استخفوا بهذين أفسد دنياهم وأخراهم. وأما القول الث��الث فخ��اص، وأخص منه الق��ول الراب��ع. وأم��ا الخ��امس فيأب��اه ظ��اهر اللف��ظ وإن ك��ان المع��نى صحيحا، فإن العقل لكل فضيلة أس، ولكل أدب ينبوع، وهو الذي جعله الله للدين أصال وللدنيا عمادا، فأوجب الله التكليف بكمال، وجعل الدنيا م��دبرة بأحكامه؛ والعاقل أقرب إلى رب��ه تع��الى من جمي��ع المجته��دين بغ��ير عق��ل وروى هذا المعنى عن ابن عباس. وزعم قوم أن الم��راد ب��أولي األم��ر علي واألئم��ة المعص��ومون. ول�و ك�ان ك�ذلك م��ا ك�ان لقول�ه: "ف��ردوه إلى الل��ه والرسول "معنى، بل كان يقول فردوه إلى اإلمام وأولي األمر، ف��إن قول��ه عند هؤالء هو المحكم على الكتاب والسنة. وهذا قول مهجور مخ��الف لم��ا عليه الجمهور. وحقيقة الطاعة امتثال األمر، كما أن المعص��ية ض��دها وهي مخالفة األمر. والطاعة مأخوذة من أطاع إذا انقاد، والمعص��ية م��أخوذة من عصى إذا اش��تد. و"أول��و "واح��دهم "ذو "على غ��ير قي��اس كالنس��اء واإلب��ل والخيل، كل واحد اسم الجمع وال واحد له من لفظ��ه. وق��د قي��ل في واح��د

الخيل: خائل وقد تقدم. @قوله تعالى: "فإن تنازعتم في ش�يء" أي تج�ادلتم واختلفتم؛ فك��أن ك�ل واحد ينتزع حجة اآلخر ويذهبها. والنزع الج�ذب. والمنازع�ة مجاذب�ة الحجج؛

ومنه الحديث )وأنا أقول ما لي ينازعني القرآن (. وقال األعشى: نازعتم قضب الريحان متكئا وقهوة مزة راووقها خضل

الخضل النبات الناعم والخض��يلة الروض��ة "في ش��يء" أي من أم��ر دينكم. "ف��ردوه إلى الل��ه والرس��ول" أي ردوا ذل��ك الحكم إلى كت��اب الل��ه أو إلى رسوله بالسؤال في حياته، أو بالنظر في سنته بعد وفاته ص��لى الل��ه علي��ه وسلم؛ هذا قول مجاهد واألعمش وقت��ادة، وه��و الص��حيح. ومن لم ي��ر ه��ذا أختل إيمانه؛ لقوله تعالى: "إن كنتم تؤمن��ون بالل��ه والي��وم اآلخ��ر". وقي��ل: المعنى قولوا الله ورسوله أعلم؛ فه�ذا ه�و ال�رد. وه�ذا كم�ا ق�ال عم�ر بن الخطاب رضي الله عنه: الرجوع إلى الحق خ��ير من التم��ادي في الباط��ل. والقول األول أصح؛ لقول علي رضي الله عن��ه: م��ا عن��دنا إال م��ا في كت��اب الله وما في هذه الصحيفة، أو فهم أعطيه رجل مسلم. ولو ك��ان كم��ا ق��ال ه��ذا القائ��ل لبط��ل االجته��اد ال��ذي خص ب��ه ه��ذه األم��ة واالس��تنباط ال��ذي أعطيها، ولكن تضرب األمثال ويطلب المثال حتى يخرج الصواب. ق�ال أب�و العالية: وذلك قوله تعالى: "ولو ردوه إلى الرس��ول وإلى أولي األم��ر منهم

[. نعم، ما كان مما استأثر الل��ه83لعلمه الذين يستنبطونه منهم "]النساء: بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه فذلك الذي يقال فيه: الله أعلم. وق��د استنبط علي رضي الله عنه مدة أقل الحمل - وهو ستة أش�هر - من قول�ه

[ وقول��ه تع��الى:15تع��الى: "وحمل��ه وفص��اله ثالث��ون ش��هرا "]األحق��اف: [ ف��إذا فص��لنا233"والوالدات يرض��عن أوالدهن ح��ولين ك��املين" ]البق��رة:

الحولين من ثالثين شهرا بقيت ستة أشهر؛ ومثله كث��ير. وفي قول��ه تع��الى: "وإلى الرس��ول" دلي��ل على أن س��نته ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم يعم��ل به��ا ويمتثل ما فيها. قال صلى الله عليه وسلم: )ما نهيتكم عن��ه ف��اجتنبوه وم��ا أمرتكم ب��ه ف��افعلوا من��ه م��ا اس��تطعتم فإنم��ا أهل��ك من ك��ان قبلكم ك��ثرة مسائلهم واختالفهم على أنبيائهم ( أخرجه مس��لم. وروى أب��و داود عن أبي رافع عن النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم ق��ال: )ال ألفين أح��دكم متكئ��ا على أريكته يأتيه األمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيق��ول ال ن��دري م��ا وجدنا في كتاب الله اتبعناه (. وعن العرباض بن س��ارية أن��ه حض��ر رس��ول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس وهو يقول: )أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إال ما في ه��ذا الق��رآن أال وإني والله ق��د أم��رت ووعظت ونهيت عن أش��ياء إنه��ا لمث��ل الق��رآن أو أك��ثر (. وأخرجه الترمذي من حديث المق��دام بن مع��ديكرب بمعن��اه وق��ال: ح��ديث حسن غريب. والقاطع قوله تعالى: "فليحذر ال��ذين يخ��الفون عن أم��ره أن

[ اآلية. وسيأتي. 63تصيبهم فتنة "]النور: @قوله تعالى: "ذلك خ��ير" أي ردكم م��ا اختلفتم في��ه إلى الكت��اب والس��نة خير من التنازع. "وأحسن تأويال" أي مرجعا؛ من آل يؤول إلى كذا أي صار. وقيل: من ألت الشيء إذا جمعته وأص��لحته. فالتأوي��ل جم��ع مع��اني ألف��اظ أشكلت بلفظ ال إشكال فيه؛ يقال: أول الله عليك أمرك أي جمعه. ويج��وز

أن يكون المعنى وأحسن من تأويلكم. }ألم تر إلى الذين يزعم�ون أنهم آمن�وا بم�ا أن�زل إلي�ك وم�ا60*اآلية: 3*

أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا ب��هويريد الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا

- وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أن��زل الل��ه وإلى الرس��ول رأيت61*اآلية: 3*المنافقين يصدون عنك صدودا{

@ روى يزي��د بن زري��ع عن داود بن أبي هن��د عن الش��عبي ق��ال: ك��ان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فدعا اليه��ودي المن��افق إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ألنه علم أنه ال يقب��ل الرش��وة. ودع��ا المن��افق اليهودي إلى حكامهم؛ ألنه علم أنهم يأخ�ذون الرش��وة في أحك��امهم؛ فلم�ا اجتمعا على أن يحكما كاهنا في جهينة؛ فأنزل الله تعالى في ذلك: "ألم ت��ر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك" يعني المنافق. "وما أنزل من قبل��ك" يع��ني اليه��ودي. "يري��دون أن يتح��اكموا إلى الط��اغوت" إلى قول��ه: "ويسلموا تسليما" وقال الضحاك: دعا اليه��ودي المن��افق إلى الن��بي ص��لى الله عليه وسلم، ودعاه المن��افق إلى كعب بن األش��رف وه��و "الط��اغوت" ورواه أبو صالح عن ابن عباس قال: كان بين رجل من المنافقين يقال ل��ه بشر وبين يهودي خصومة؛ فق��ال اليه��ودي: انطل��ق بن��ا إلى محم��د، وق��ال المنافق: بل إلى كعب بن األشرف وهو الذي س��ماه الل��ه "الط��اغوت" أي ذو الطغيان فأبى اليهودي أن يخاصمه إال إلى رسول الله صلى الل��ه علي��ه وسلم؛ فلما رأى ذلك المنافق أتى معه إلى رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم فقضى لليهودي. فلما خرجا قال المنافق: ال أرضى، انطل��ق بن��ا إلى أبي بكر؛ فحكم لليهودي فلم ي��رض ذك��ره الزج��اج وق��ال: انطل��ق بن��ا إلى عمر فأقبال على عمر فقال اليهودي: إنا صرنا إلى رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم ثم إلى أبي بكر فلم يرض؛ فقال عم��ر للمن��افق: أك��ذلك ه��و ؟

قال: نعم. قال: رويدكما حتى أخرج إليكما. فدخل وأخذ الس��يف ثم ض��رب به المنافق حتى برد، وق��ال: هك��ذا أقض��ي على من لم ي��رض بقض��اء الل��ه وقضاء رسوله؛ وهرب اليهودي، ونزلت اآلية، وقال رسول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم: )أنت الفاروق (. ونزل جبريل وقال: إن عمر ف��رق بين الح��ق والباط��ل؛ فس��مي الف��اروق. وفي ذل��ك ن��زلت اآلي��ات كله��ا إلى قول��ه:

[ وانتص��ب: "ض��الال "على المع��نى، أي65"ويس��لموا تس��ليما "]النس��اء: فيضلون ضالال؛ ومثله قول��ه تع��الى: "والل��ه أنبتكم من األرض نبات��ا "]ن��وح:

[. وق��د تق��دم ه��ذا المع��نى مس��توفى. و"ص��دودا "اس��م للمص��در عن��د17الخليل، والمصدر الصد. والكوفيون يقولون: هما مصدران.

}فكي�ف إذا أص�ابتهم مص�يبة بم�ا ق�دمت أي�ديهم ثم ج�اؤوك62*اآلية: 3*يحلفون بالله إن أردنا إال إحسانا وتوفيقا

- أولئ��ك ال��ذين يعلم الل��ه م��ا في قل��وبهم ف��أعرض عنهم63*اآلي��ة: 3*وعظهم وقل لهم في أنفسهم قوال بليغا{

@ أي "فكيف" يكون حالهم، أو "فكيف" يصنعون "إذا أصابتهم مصيبة" أي ترك االستعانة بهم، وما يلحقهم من الذل في قوله: "فقل لن تخرجوا معي

[. وقيل: يري��د قت��ل ص��احبهم "بم��ا83أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا "]التوبة: قدمت أي��ديهم "وتم الكالم. ثم ابت��دأ يخ��بر عن فعلهم؛ وذل�ك أن عم��ر لم��ا قتل ص�احبهم ج�اء قوم�ه يطلب�ون ديت�ه ويحلف�ون م�ا نري�د بطلب ديت��ه إال اإلحس��ان وموافق��ة الح��ق. وقي��ل: المع��نى م��ا أردن��ا بالع��دول عن��ك في المحاكم��ة إال التوفي��ق بين الخص��وم، واإلحس��ان ب��التقريب في الحكم. ابن

[.107كيسان: عدال وحقا؛ نظيرها "وليحلفن إن أردنا إال الحسنى" ]التوبة: فقال الله تعالى مكذبا لهم: "أولئك الذين يعلم الل��ه م��ا في قل��وبهم "ق��ال الزج��اج: معن��اه ق��د علم الل��ه أنهم من��افقون. والفائ��دة لن��ا: اعلم��وا أنهم منافقون. "فأعرض عنهم" قيل: عن عق��ابهم. وقي��ل: عن قب��ول اعت��ذارهم "وعظهم" أي خوفهم. قيل في المأل. "وقل لهم في أنفسهم قوال بليغا" أي ازجرهم بأبلغ الزجر في السر والخالء. الحسن: قل لهم إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلتكم. وقد بلغ القول بالغة؛ ورجل بلي��غ يبل��غ بلس��انه كن��ه م��ا في قلبه. والعرب تقول: أحمق بلغ وبلغ، أي نهاي��ة في الحماق��ة. وقي��ل: معن��اه يبلغ ما يريد وإن كان أحمق. ويقال: إن قول��ه تع��الى: "فكي��ف إذا أص��ابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم "نزل في شأن الذين بن��وا مس��جد الض��رار؛ فلم��ا أظهر الله نفاقهم، وأمرهم بهدم المسجد حلف��وا لرس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم دفاع��ا عن أنفس��هم: م��ا أردن��ا ببن��اء المس��جد إال طاع��ة الل��ه

وموافقة الكتاب. }وم��ا أرس��لنا من رس��ول إال ليط��اع ب��إذن الل��ه ول��و أنهم إذ64*اآلي��ة: 3*

ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الل��هتوابا رحيما{

@قوله تعالى: "وما أرسلنا من رسول" "من "زائ��دة للتوكي��د. "إال ليط��اع" فيما أمر به ونهى عنه. "بإذن الل��ه" بعلم الل��ه. وقي��ل: بتوفي��ق الل��ه. "ول��و أنهم إذ ظلموا أنفس��هم ج��اؤوك فاس��تغفروا الل��ه واس��تغفر لهم الرس��ول" روى أبو صادق عن علي قال: قدم علينا أعرابي بعد م��ا دفن��ا رس��ول الل��ه صلى الله عليه وسلم بثالثة أيام، فرمى بنفسه على قبر رسول الله ص��لى الله عليه وس��لم وحث��ا على رأس��ه من تراب��ه؛ فق��ال: قلت ي��ا رس��ول الل��ه

فسمعنا قولك، ووعيت عن الله فوعينا عنك، وكان فيم��ا أن��زل الل��ه علي��ك "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم "اآلية، وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي. فنودي من الق��بر أن��ه ق��د غف��ر ل��ك. "لوج��دوا الل��ه تواب��ا رحيم��ا" أي ق��ابال

لتوبتهم، وهما مفعوالن ال غير. }فال وربك ال يؤمنون ح��تى يحكم��وك فيم��ا ش��جر بينهم ثم ال65*اآلية: 3*

يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما{ @ قال مجاهد وغيره: المراد بهذه اآلية من تقدم ذك��ره ممن أراد التح��اكم إلى الطاغوت وفيهم نزلت. وق��ال الط��بري: قول��ه "فال "رد على م��ا تق��دم ذك�ره؛ تق�ديره فليس األم��ر كم�ا يزعم��ون أنهم آمن��وا بم�ا أن��زل إلي��ك، ثم استأنف القسم بقوله: "وربك ال يؤمنون". وقال غيره: إنم��ا ق��دم "ال "على القسم اهتماما بالنفي وإظهارا لقوته، ثم ك��رره بع��د القس��م تأكي��دا للتهمم بالنفي، وكان يصح إسقاط "ال "الثانية ويبقى أكثر االهتم��ام بتق��ديم األولى، وك��ان يص��ح إس��قاط األولى ويبقى مع��نى النفي وي��ذهب مع��نى االهتم��ام. و"ش��جر "معن��اه اختل��ف واختل��ط؛ ومن��ه الش��جر الختالف أغص��انه. ويق��ال

لعصي الهودج: شجار؛ لتداخل بعضها في بعض. قال الشاعر: نفسي فداؤك والرماح شواجر والقوم ضنك للقاء قيام

وقال طرفة: وهم الحكام أرباب الهدى وسعاة الناس في األمر الشجر

وقالت طائفة: نزلت في الزبير مع األنصاري، وكانت الخص��ومة في س��قي بستان؛ فقال عليه السالم للزبير: )اسق أرضك ثم أرس��ل الم��اء إلى أرض جارك (. فقال الخصم: أراك تح��ابي ابن عمت��ك؛ فتل��ون وج��ه رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وق��ال للزب��ير: )اس��ق ثم احبس الم��اء ح��تى يبل��غ الجدر ( ونزل: "فال وربك ال يؤمنون". الحديث ث��ابت ص��حيح رواه البخ��اري عن علي بن عبدالل��ه عن محم��د بن جعف��ر عن معم��ر، ورواه مس��لم عن قتيبة كالهما عن الزهري. واختلف أهل ه��ذا الق��ول في الرج��ل األنص��اري؛ فقال بعضهم: هو رجل من األنصار من أهل بدر. وقال مكي والنحاس: ه��و ح��اطب بن أبي بلتع��ة. وق��ال الثعل��بي والواح��دي والمه��دوي: ه��و ح��اطب. وقيل: ثعلبة بن حاطب. وقيل غيره: والصحيح القول األول؛ ألنه غ��ير معين وال مسمى؛ وكذا في البخاري ومسلم أنه رجل من األنصار. واختار الطبري أن يكون نزول اآلية في المن��افق واليه��ودي. كم��ا ق��ال مجاه��د؛ ثم تتن��اول بعمومها قصة الزبير. قال ابن العربي: وهو الصحيح؛ فكل من اتهم رس��ول الله صلى الله علي��ه وس��لم في الحكم فه�و ك�افر، لكن األنص��اري زل زل�ه فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأقال عثرته لعلمه بص��حة يقين��ه، وأنها كانت فلتة وليست ألحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وكل من لم يرض بحكم الحاكم وطعن فيه ورده فهي ردة يس��تتاب. )أم��ا إن طعن في الحاكم نفسه ال في الحكم فله تعزيره وله أن يصفح عنه وسيأتي بيان هذا

في آخر سورة "األعراف" إن شاء الله تعالى. @ وإذا كان سبب نزول هذه اآلية ما ذكرناه من الحديث ففقهها أن��ه علي��ه السالم سلك مع الزبير وخصمه مسلك الصلح فقال: )اسق يا زبير ( لقربه من الماء )ثم أرسل الماء إلى جارك (. أي تس��اهل في حق��ك وال تس��توفه وعجل في إرسال الماء إلى جارك. فحضه على المسامحة والتيسير، فلم��ا سمع األنصاري هذا لم يرض بذلك وغضب؛ ألنه كان يرب��د أال يمس��ك الم��اء

أصال، وعند ذلك نطق بالكلمة الجائرة المهلكة الفاقرة فق��ال: أن ك��ان ابن عمتك ؟ بمد هم��زة "أن "المفتوح��ة على جه��ة اإلنك��ار؛ أي أتحكم ل��ه علي ألجل أنه قرابتك ؟. فعند ذلك تلون وجه النبي صلى الله عليه وسلم غض��با عليه، وحكم للزبير باستيفاء حقه من غير مسامحة له. وعليه ال يقال: كيف حكم في حال غضبه وق��د ق��ال: )ال يقض��ى القاض��ي وه��و غض��بان ( ؟ فإن��ا نقول: ألنه معص��وم من الخط�أ في التبلي�غ واألحك�ام، ب�دليل العق�ل ال�دال على صدقه فيما يبلغه عن الله تعالى فليس مث��ل غ��يره من الحك��ام. وفي ه��ذا الح��ديث إرش��اد الح��اكم إلى اإلص��الح بين الخص��وم وإن ظه��ر الح��ق. ومنعه مالك، واختلف فيه قول الشافعي. وهذا الحديث حج��ة واض��حة على

الجواز؛ فإن اصطلحوا وإال استوفى لذي الحق حقه وثبت الحكم. @ واختلف أصحاب مالك في صفة إرسال الماء األعلى إلى األسفل؛ فقال ابن حبيب: يدخل صاحب األعلى جميع الماء في حائطه ويس��قي ب��ه، ح��تى إذا بلغ الماء من قاع�ة الحائ�ط إلى الكع�بين من الق�ائم في�ه أغل�ق م�دخل الماء، وصرف ما زاد من الماء على مقدار الكعبين إلى من يليه، فيصنع به مثل ذلك حتى يبلغ السيل إلى أقصى الحوائط. وهك��ذا فس��ره لي مط��رف وابن الماجشون. وقاله ابن وهب. وق��ال ابن القاس��م: إذا انتهى الم��اء في الحائط إلى مقدار الكعبين أرسله كل��ه إلى من تحت��ه وال يحبس من��ه ش��يئا في حائطه. قال ابن حبيب: وقول مطرف وابن الماجش��ون أحب إلي وهم

أعلم بذلك؛ ألن المدينة دارهما ومها كانت القضية وفيها جرى العمل. @ روى مالك عن عبدالله بن أبي بكر أنه بلغه أن رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم قال في سيل مهزور ومذينب: )يمسك حتى الكعبين ثم يرس��ل األعلى على األسفل (. قال أبو عمر: "ال أعلم هذا الحديث يتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه من الوجوه، وأرفع أسانيده ما ذكره محم��د بن إسحاق عن أبي مالك بن ثعلبة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وس��لم أتاه أهل مهزور فقضى أن الم��اء إذا بل��غ الكع��بين لم يحبس األعلى. وذك��ر عبدالرزاق عن أبي حازم القرطبي عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور أن يحبس على كل حائط حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل. وغيره من الس��يول ك��ذلك. وس��ئل أب��و بك��ر ال��بزار عن حديث هذا الباب فقال: لست أحفظ فيه عن النبي صلى الله علي��ه وس��لم حديثا يثبت. قال أبو عمر: في هذا المعنى - وإن لم يكن بهذا اللفظ حديث ث��ابت مجتم��ع على ص��حته. رواه ابن وهب عن الليث بن س��عد وي��ونس بن يزيد جميعا عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عبدالل��ه بن الزب��ير حدثه عن الزبير أنه خاصم رجال من األنصار قد شهد ب�درا م�ع رس��ول الل�ه صلى الله عليه وسلم في ش��راج الح��رة كان��ا يس��قيان به��ا كالهم��ا النخ��ل؛ فقال األنصاري: سرح الماء؛ ف��أبى علي��ه، فاختص��ما إلى الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم" وذكر الحديث. قال أب��و عم��ر: وقول�ه في الح��ديث: )يرس��ل ( وفي الحديث اآلخر )إذا بلغ الماء الكع�بين لم يحبس األعلى ( يش��هد لق�ول ابن القاس��م. ومن جه��ة النظ��ر أن األعلى ل��و لم يرس��ل إال م��ا زاد على الكعبين ال يقطع ذلك الماء في أق��ل م��دة، ولم ينت��ه حيث ينتهي إذا أرس��ل الجميع، وفي إرسال الجميع بعد أخذ األعلى منه ما بلغ الكعبين أعم فائ��دة وأكثر نفعا فيما قد جعل الناس فيه ش�ركاء؛ فق�ول ابن القاس�م أولى على كل حال. هذا إذا لم يكن أصله ملكا لألسفل مختص��ا ب��ه، ف��إن م��ا اس��تحق

بعمل أو بملك صحيح أو استحقاق قديم وثبوت مل��ك فك��ل على حق��ه علىحسب ما كان من ذلك بيده وعلى أصل مسألته. وبالله التوفيق.

@قول��ه تع��الى: "ثم ال يج��دوا في أنفس��هم حرج��ا مم��ا قض��يت" أي ض��يقا وشكا؛ ومن��ه قي��ل للش��جر الملت��ف: ح��رج وحرج��ة، وجمعه��ا ح��راج. وق��ال الضحاك: أي إثما بإنكارهم ما قضيت. "ويسلموا تسليما" أي ينقادوا ألمرك في القضاء. وقال الزجاج: "تسليما "مصدر مؤكد؛ فإذا قلت: ضربت ض��ربا فكأنك قلت ال أشك فيه؛ وكذلك "ويسلموا تس��ليما "أي ويس��لموا لحكم��ك

تسليما ال يدخلون على أنفسهم شكا. }ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا68 -� 67 -� 66*اآلية: 3*

من دياركم ما فعلوه إال قليل منهم ولو أنهم فعل��وا م��ا يوعظ��ون ب��ه لك��ان خيرا لهم وأشد تثبيتا، وإذا آلتيناهم من لدنا أجرا عظيما، ولهديناهم ص��راطا

مستقيما{ @ سبب نزولها ما روى أن ثابت بن قيس بن شماس تف��اخر ه��و ويه��ودي؛ فقال اليهودي: والله لقد كتب علينا أن نقتل أنفس��نا فقتلن��ا، وبلغت القتلى سبعين ألفا؛ فقال ثابت: والله لو كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم لفعلن��ا. وقال أبو إسحاق السبيعي: لما نزلت "ولو أنا كتبنا عليهم "اآلية، قال رجل: لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا. فبلغ ذلك رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم فقال: )إن من أمتي رجاال اإليمان أثبت في قلوبهم من الجب��ال الرواسي (. قال ابن وهب قال مال��ك: القائ��ل ذل��ك ه��و أب��و بك��ر الص��ديق رضي الله عنه؛ وهكذا ذكر مكي أنه أب��و بك��ر. وذك��ر النق��اش أن��ه عم��ر بن الخطاب رضي الله عنه. وذكر عن أبي بكر رض��ي الل��ه عن��ه أن��ه ق��ال: ل��و كتب علينا ذلك لبدأت بنفسي وأهل بيتي. وذكر أبو الليث الس��مرقندي: أن القائل منهم عمار بن ياسر وابن مسعود وثابت بن قيس، قالوا: لو أن الله أمرنا أن نقتل أنفسنا أو نخرج من ديارنا لفعلنا؛ فقال النبي صلى الله عليه وس��لم: )اإليم��ان أثبت في قلوبن��ا الرج��ال من الجب��ال الرواس��ي (. و"ل��و "حرف يدل على امتناع الشيء المتناع غ��يره؛ ف��أخبر الل��ه س��بحانه أن��ه لم يكتب ذلك علينا رفقا بنا لئال تظهر معصيتنا. فكم من أم��ر قص��رنا عن��ه م��ع خفته فكي��ف به�ذا األم�ر م�ع ثقل�ه ! لكن أم�ا والل�ه لق�د ت�رك المه�اجرون مساكنهم خاوية وخرجوا يطلبون بها عيشة راضية. "م��ا فعل��وه" أي القت��ل والخروج "إال قليل منهم" "قليل "بدل من الواو، والتقدير م��ا فعل��ه أح��د إال قليل. وأهل الكوفة يقولون: هو على التكرير م��ا فعل��وه م��ا فعل��ه إال قلي��ل منهم. وقرأ عبدالله بن ع��امر وعيس��ى بن عم��ر "إال قليال "على االس��تثناء. وكذلك هو في مصاحف أه��ل الش��ام. الب��اقون ب��الرفع، والرف��ع أج��ود عن��د جميع النحويين. وقيل: انتصب على إضمار فعل، تق��ديره إال أن يك��ون قليال منهم. وإنم��ا ص��ار الرف��ع أج��ود ألن اللف��ظ أولى من المع��نى، وه��و أيض��ا يشتمل على المعنى. وكان من القليل أبو بكر وعم��ر وث��ابت بن قيس كم��ا ذكرنا. وزاد الحسن ومقاتل وعمار وابن مسعود وقد ذكرناهم��ا. "ول��و أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم" أي في الدنيا واآلخرة. "وأشد تثبيت��ا" أي على الحق. "وإذا آلتيناهم من لدنا أج��را عظيم��ا" أي ثواب��ا في اآلخ��رة. وقيل: الالم الم الجواب، و"إذا "دال��ة على الج��زاء، والمع��نى ل��و فعل��وا م��ا

يوعظون به آلتيناهم.

- ومن يطع الله والرسول فأولئك مع ال�ذين أنعم الل�ه عليهم69*اآلية: 3*من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا

- ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما{70*اآلية: 3* @قوله تعالى: "ومن يطع الله والرسول" لم��ا ذك�ر تع��الى األم��ر ال�ذي ل�و فعله المنافقون حين وعظ��وا ب��ه وأن��ابوا إلي��ه ألنعم عليهم، ذك��ر بع��د ذل��ك ثواب من يفعله. وهذه اآلية تفسير قوله تعالى: "اهدنا الص��راط المس��تقيم

-�� 6صراط الذين أنعمت عليهم "]الفاتحة: [ وهي المراد في قول��ه علي��ه7 السالم عند موته )اللهم الرفيق األعلى (. وفي البخاري عن عائشة ق��الت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وس��لم يق��ول: )م��ا من ن��بي يم��رض إال خير بين ال��دنيا واآلخ��رة ( ك��ان في ش��كواه ال��ذي م��رض في��ه أخذت��ه بح��ة شديدة فسمعته يقول: )مع الذين أنعم الل��ه عليهم من النب�يين والص��ديقين والشهداء والصالحين ( فعلمت أنه خ��ير. وق��الت طائف��ة: إنم��ا ن��زلت ه��ذه اآلية لما قال عبدالله بن زيد بن عبدربه األنصاري - ال��ذي أري األذان - : ي��ا رسول الل��ه، إذا مت ومتن��ا كنت في عل��يين ال ن��راك وال نجتم��ع ب��ك؛ وذك��ر حزنه على ذلك فنزلت هذه اآلية. وذكر مكي عن عبدالله هذا وأنه لما مات النبي صلى الله علي�ه وس��لم ق�ال: اللهم أعم�ني ح�تى ال أري ش��يئا بع�ده؛ فعمي مكانه. وحكاه القشري فقال: اللهم أعمني فال أرى شيئا بعد حبي��بي حتى ألقى حبيبي؛ فعمي مكانه. وحكى الثعلبي: أنها نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شديد الحب له قليل الص��بر عن��ه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه، يعرف في وجهه الحزن؛ فق��ال له: )يا ثوبان ما غير لونك ( فقال: يا رسول الله ما بي ض��ر وال وج��ع، غ��ير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحش��ة ش��ديدة ح��تى ألق��اك، ثم ذكرت اآلخرة وأخاف أال أراك هناك؛ ألني عرفت أنك ترفع مع النبيين وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل ف��ذلك حين ال أراك أبدا؛ فأنزل الله تعالى هذه اآلية. ذك��ره الواح��دي عن الكل��بي. وأسند عن مسروق قال: قال أصحاب رسول الله صلى الل��ه علي�ه وس��لم: ما ينبغي لنا أن نفارقك في ال��دنيا، فإن��ك إذا فارقتن��ا رفعت فوقن��ا؛ ف��أنزل الله تعالى: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين". وفي طاعة الله طاعة رسوله ولكنه ذكره تشريفا لق��دره وتنويه��ا باسمه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وعلى آل��ه. "فأولئ��ك م��ع ال��ذين أنعم الل��ه عليهم" أي هم معهم في دار واح���دة ونعيم واح���د يس���تمتعون ب���رؤيتهم والحض��ور معهم، ال أنهم يس��اوونهم في الدرج��ة؛ ف��إنهم يتف��اوتون لكنهم يتزاورون لالتباع في الدنيا واالقتداء. وكل من فيه�ا ق��د رزق الرض��ا بحال��ه، وق��د ذهب عن��ه اعتق��اد أن��ه مفض��ول. ق��ال الل��ه تع��الى: "ونزعن��ا م��ا في

[. والصديق فعيل، المبالغ في الص��دق أو43صدورهم من غل "]األعراف: في التصديق، والصديق هو الذي يحقق بفعله ما يق�ول بلس��انه. وقي��ل: هم فضالء أتباع األنبياء الذين يسبقونهم إلى التصديق كأبي بكر الص��ديق. وق��د تقدم في البقرة اشتقاق الصديق ومع��نى الش��هيد. والم��راد هن��ا بالش��هداء عمر وعثمان وعلي، والصالحين سائر الص��حابة رض��ي الل��ه عنهم أجمعين. وقيل "الشهداء" القتلى في سبيل الله. "والصالحين" ص��الحي أم��ة محم��د

رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: واللفظ يعم كل صالح وشهيد، والله أعلم. والرفق لين الجانب. وسمي الصاحب رفيق�ا الرتفاق�ك بص��حبته؛ ومن�ه الرفق�ة الرتف�اق بعض�هم ببعض. ويجوز "وحسن أولئك رفقاء". قال األخفش: "رفيقا "منص��وب على الحال وهو بمعنى رفقاء؛ وقال: انتص��ب على التمي��يز فوح��د ل��ذلك؛ فك��أن المعنى وحسن كل واحد منهم رفيقا. كما ق��ال تع��الى: "ثم نخ��رجكم طفال

[ أي نخ��رج ك��ل واح��د منكم طفال. وق��ال تع��الى: "ينظ��رون من5"]الحج: [ وينظر معنى هذه اآلية قوله ص��لى الل��ه علي��ه45طرف خفي "]الشورى:

وسلم: )خير الرفقاء أربعة( ولم يذكر الله تعالى هنا إال أربعة فتأمله. @ في هذه اآلية دليل على خالفة أبي بكر رضي الل�ه عن�ه؛ وذل�ك أن الل��ه تعالى لما ذكر مراتب أوليائه في كتابه ب��دأ ب��األعلى منهم وهم الن��بيون، ثم ثنى بالصديقين ولم يجعل بينهما واسطة. وأجم��ع المس��لمون على تس��مية أبى بكر الصديق رضي الله عنه ص��ديقا، كم��ا أجمع��وا على تس��مية محم��د عليه السالم رسوال، وإذا ثبت هذا وصح أنه الصديق وأنه ثاني رس��ول الل��ه

صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يتقدم بعده أحد. والله أعلم. @قوله تعالى: "ذلك الفضل من الله" أخبر تع��الى أنهم لم ين��الوا الدرج��ة. بطاعتهم بل نالوها بفضل الله تعالى وكرمه. خالفا لما قالت المعتزلة: إنما ينال العبد ذلك بفعله. فلما امتن الل��ه س��بحانه على أوليائ��ه بم��ا آت��اهم من فضله، وكان ال يجوز ألحد أن يثني على نفسه بم��ا لم يفعل��ه دل ذل��ك على

بطالن قولهم. والله أعلم. }يا أيها ال��ذين آمن��وا خ��ذوا ح��ذركم ف��انفروا ثب��ات أو انف��روا71*اآلية: 3*

جميعا{ @قوله تعالى: "يا أيها الذين آمن��وا خ��ذوا ح��ذركم" ه��ذا خط��اب للمؤم��نين المخلصين من أمة محمد صلى الله عليه وس��لم، وأم��ر لهم بجه��اد الكف��ار والخروج في سبيل الله وحماية الشرع. ووجه النظم واالتصال بما قبل أنه لما ذكر طاعة الله وطاعة رسوله، أم��ر أه��ل الطاع��ة بالقي��ام بإحي��اء دين��ه وإعالء دعوته، وأمرهم أال يقتحموا على عدوهم على جهالة حتى يتحسسوا إلى ما عندهم، ويعلموا كيف يردون عليهم، ف��ذلك أثبت لهم فق��ال: "خ�ذوا حذركم "فعلمهم مباشرة الحروب. وال ينافي هذا التوكل بل هو مق��ام عين التوكل كما تقدم في "آل عم�ران "وي��أتي. والح��ذر والح��ذر لغت��ان كالمث��ل والمثل. قال القراء: أكثر الكالم الحذر، والح��ذر مس��موع أيض��ا؛ يق��ال: خ��ذ حذرك، أي أحذر. وقيل: خذوا السالح حذرا؛ ألنه به الح��ذر والح��ذر ال ي��دفع

القدر. @ خالفا للقدرية في قولهم: إن الحذر يدفع ويمنع من مكائد األع��داء، ول��و لم يكن كذلك ما ك��ان ألم��رهم بالح��ذر مع��نى. فيق��ال لهم: ليس في اآلي��ة دليل على أن الحذر ينفع من القدر شيئا؛ ولكنا تعبدنا ب��أال نلقي بأي��دينا إلى التهلكة؛ ومن��ه الح��ديث )اعقله��ا وتوك��ل (. وإن ك��ان الق��در جاري��ا على م��ا قضى، ويفعل الله ما يشاء، فالمراد منه طمأنين��ة النفس، ال أن ذل��ك ينف��ع من القدر وكذلك أخذ الح��ذر. ال��دليل على ذل��ك أن الل��ه تع��الى أث��نى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: "قل لن يص��يبنا إال م��ا كتب الل��ه

[ فلو كان يصيبهم غير ما قض��ى عليهم لم يكن له��ذا الكالم51لنا "]التوبة: معنى.

@قوله تعالى: "فانفروا ثبات" يقال: نفر ينفر )بكسر الفاء ( نفيرا. ونفرت الدابة تنفر )بض��م الف��اء( نف��ورا؛ المع��نى: انهض��وا لقت��ال الع��دو. واس��تنفر اإلمام الناس دعاهم إلى النفر، أي للخروج إلى قتال الع��دو. والنف��ير اس��م للقوم الذين ينفرون، وأص��له من النف��ار والنف��ور وه��و الف��زع؛ ومن��ه قول��ه

[ أي ن��افرين. ومن��ه نف��ر46تعالى: "ولوا على أدب��ارهم نف��ورا "]اإلس��راء: الجلد أي ورم. وتخلل رجل بالقصب فنفر فمه أي ورم. قال أبو عبيد: إنم��ا هو من نفار الشيء من الشيء وه��و تجافي��ه عن��ه وتباع��ده من��ه. ق��ال ابن فارس: النفر عدة رجال من ثالثة إلى عشرة. والنفير النف��ر أيض��ا، وك��ذلك النفر والنفرة، حكاها الفراء بالهاء. ويوم النفر: يوم ينفر الن��اس عن م��نى. "ثبات "معناه جماع��ات متفرق��ات. ويق��ال: ث��بين يجم��ع جم��ع الس��المة في

التأنيث والتذكير. قال عمرو بن كلثوم: فأما يوم خشينا عليهم فتصبح خيلنا عصبا ثبينا

كناية عن السرايا، الواحدة ثبة وهي العصابة من الناس. وكانت في األص��ل الثبية. وقد ثبيت الجيش جعلتهم ثبة ثبة. والثبة: وسط الحوض الذي يث��وب إليه الماء أي يرجع قال النحاس: وربم��ا ت��وهم الض��عيف في العربي��ة أنهم��ا واح��د، وأن أح��دهما من اآلخ��ر؛ وبينهم��ا ف��رق، فثب��ة الح��وض يق��ال في تصغيرها: ثويبة؛ ألنها من ثاب يث��وب. ويق��ال في ثب��ة الجماع��ة: ثيب��ة. ق��ال غير: فثبة الحوض محذوفة الواو وهو عين الفعل، وثبة الجماعة معتل الالم من ثبا يثبو مثل خال يخلو. ويجوز أن يك��ون الثب��ة بمع��نى الجماع��ة من ثب��ة الح��وض؛ ألن الم��اء إذا ث��اب اجتم��ع؛ فعلى ه��ذا تص��غر ب��ه الجماع��ة ثوبي��ة فتدخل إحدى الياءين في األخرى. وقد قيل: إن ثبة الجماع��ة إنم��ا اش��تقت من ث��بيت على الرج��ل إذا أث��نيت علي��ه في حيات��ه وجمعت محاس��ن ذك��ره

فيعود إلى االجتماع. @قوله تعالى: "أو انفروا جميعا" معناه الجيش الكثيف م��ع الرس��ول علي��ه السالم؛ قاله ابن عباس وغيره. وال تخ��رج الس��رايا إال ب��إذن اإلم��ام ليك��ون متجسسا لهم، عضدا من ورائهم، وربم��ا احت��اجوا إلى درئ��ه. وس��يأتي حكم السرايا وغنائمهم وأحكام الجيوش ووجوب النف��ير في "األنف��ال "و "ب��راءة

"]التوبة[ إن شاء الله تعالى. @ ذكر ابن خويز منداد: وقيل إن هذه اآلية منسوخة بقوله تعالى: "انف��روا

[؛ وألن يكون "انف��روا39خفافا وثقاال" وبقوله: "إال تنفروا يعذبكم "]التوبة: [ منسوخا بقوله: "فانفروا ثب��ات أو انف��روا جميع��ا41خفافا وثقاال "]التوبة:

[ أولى؛ ألن فرض122"و بقوله: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة" ]التوبة: الجهاد تقرر على الكفاية، فمتى سد الثغور بعض المسلمين أسقط الفرض عن الب��اقين. والص��حيح أن اآلي��تين جميع��ا محكمت��ان، إح��داهما في ال��وقتالذي يحتاج فيه إلى تعين الجميع، واألخرى عند االكتفاء بطائفة دون غيرها.

- وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مص��يبة ق��ال ق��د أنعم72*اآلية: 3*الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا

- ولئن أص��ابكم فض��ل من الل��ه ليق��ولن ك��أن لم تكن بينكم73*اآلي��ة: 3*وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما{

@قول���ه تع���الى: "وإن منكم لمن ليبطئن" يع���ني المن���افقين. والتبطئ���ة واإلبطاء التأخر، تقول: ما أبطأك عنا؛ فهو الزم. ويجوز بطأت فالنا عن كذا أي أخرته؛ فهو متعد. والمعنيان مراد في اآلية؛ فكانوا يقعدون عن الخ��روج

ويقعدون غ��يرهم. والمع�نى إن من دخالئكم وجنس�كم وممن أظه�ر إيمان�ه لكم. فالمن��افقون في ظ��اهر الح��ال من أع��داد المس��لمين ب��إجراء أحك��ام المس��لمين عليهم. والالم في قول��ه "لمن "الم توكي��د، والثاني��ة الم قس��م، و"من "في موضع نصب، وصلتها "ليبطئن "ألن في��ه مع��نى اليمين، والخ��بر "منكم". وق������رأ مجاه������د والنخعي والكل������بي "وإن منكم لمن ليبطئن "بالتخفيف، والمع�نى واح�د. وقي��ل: الم�راد بقول��ه "وإن منكم لمن ليبطئن "بعض المؤمنين؛ ألن الله خاطبهم بقوله: "وإن منكم "وقد فرق الله تعالى

[ وه��ذا يأب��اه56بين المؤمنين والمنافقين بقول��ه "وم��ا هم منكم "]التوب��ة: مس��اق الكالم وظ��اهره. وإنم��ا جم��ع بينهم في الخط��اب من جه��ة الجنس والنسب كما بينا ال من جهة اإليمان. ه��ذا ق��ول الجمه��ور وه��و الص��حيح إن شاء الله تعالى، والله أعلم. يدل عليه قوله "فإن أصابتكم مصيبة" أي قتل وهزيم��ة "ق��ال ق��د أنعم الل��ه علي" يع��ني ب��القعود، وه��ذا ال يص��در إال من منافق؛ ال سيما في ذلك الزمان الكريم، بعيد أن يقول م��ؤمن. وينظ��ر إلى هذه اآلية ما رواه األئمة عن أبي هريرة عن النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم إخبارا عن المنافقين )إن أثقل صالة عليهم صالة العشاء وصالة الفجر ول��و يعلمون ما فيهما ألتوهما ولو حبوا ( الح�ديث. في رواي�ة )ول�و علم أح�دهم أنه يجد عظما سمينا لشهدها ( يعني صالة العشاء. يقول: لو الح شيء من الدنيا يأخذونه وكانوا على يقين منه لبادروا إلي��ه. وه��و مع��نى قول��ه: "ولئن أصابكم فضل من الله" أي غنيمة وفتح "ليقولن" ه��ذا المن��افق ق��ول ن��ادم حاسد "يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيم��ا" "ك��أن لم يكن بينكم وبين��ه مودة "ف�الكالم في�ه تق�ديم وت�أخير. وقي�ل: المع�نى "ليق�ولن ك�أن لم يكن بينكم وبينه مودة "أي كأن لم يعاقدكم على الجهاد. وقي��ل: ه��و في موض��ع نصب على الحال. وقرأ الحسن "ليقولن" بضم الالم على معنى "من"؛ ألن معنى قوله "لمن ليبطئن" ليس يعني رجال بعينه. ومن فتح الالم أعاد فوحد الضمير على لفظ "من". وقرأ ابن كث��ير وحفص عن عاص��م "ك��أن لم تكن "بالتاء على لفظ المودة. ومن قرأ بالي��اء جع�ل م�ودة بمع�نى ال�ود. وق��ول المن��افق "ي��ا ليت��ني كنت معهم "على وج��ه الحس��د أو األس��ف على ف��وت الغنيمة مع الشك في الجزاء من الله. "فأفوز" جواب التمني ولذلك نصب. وقرأ الحسن "فأفوز" بالرفع على أنه تم��نى الف��وز، فكأن��ه ق��ال: ي��ا ليت��ني أف��وز ف��وزا عظيم��ا. والنص��ب على الج��واب؛ والمع��نى إن أكن معهم أف��ز. والنصب فيه بإض��مار "أن" ألن��ه محم��ول على تأوي��ل المص��در؛ التق��دير ي��ا

ليتني كان لي حضور ففوز. }فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة ال��دنيا ب��اآلخرة74*اآلية: 3*

ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما{ @قوله تعالى: "فليقاتل في سبيل الل��ه" الخط��اب للمؤم��نين؛ أي فليقات��ل في سبيل الل��ه الكف��ار "ال��ذين يش��رون "أي ي��بيعون، أي يب��ذلون أنفس��هم

وأموالهم لله عر وجل "باآلخرة "أي بثواب اآلخرة. @قول��ه تع��الى: "ومن يقات��ل في س��بيل الل��ه" ش��رط. "فيقت��ل أو يغلب "عطف علي��ه، والمج��ازاة "فس�وف نؤتي��ه أج�را عظيم��ا". ومع�نى "فيقت��ل "فيستشهد. "أو يغلب "يظفر فيغنم. وقرأت طائفة "ومن يقاتل ""فليقات��ل "بسكون الم األمر. وقرأت فرقة "فليقاتل "بكسر الم األم��ر. ف��ذكر تع��الى

غايتي حالة المقاتل واكتفى بالغايتين عما بينهما؛ ذكره ابن عطية.

@ ظاهر اآلية يقتضي التس��وية بين من قت��ل ش��هيدا أو انقلب غانم��ا. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وس��لم: )تضمن الله لمن خرج في سبيله ال يخرجه إال جهاد في سبيلي وإيم��ان بي وتصديق برسلي فهو علي ض��امن أن أدخل��ه الجن��ة أو أرجع��ه إلى مس��كنه الذي خرج منه نائال ما ن��ال من أج��ر أو غنيم��ة ( وذك��ر الح��ديث. وفي��ه عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )ما من غازي��ة تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيم��ة إال تعجل��وا ثل��ثي أج��رهم من اآلخ��رة ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيم��ة تم لهم أج�رهم(. فقول�ه: )ن��ائال م��ا ن��ال من أج��ر أو غنيم��ة( يقتض��ي أن لمن يستش��هد من المجاه��دين أح��د األمرين؛ إما األجر إن لم يغنم، وإما الغنيمة وال أجر، بخالف حديث عبدالل��ه بن عمرو، ولما كان هذا قال قوم: حديث عبدالل��ه بن عم��رو ليس بش��يء؛ ألن في إسناده حميد بن هانئ وليس بمشهور، ورجحوا الحديث األول عليه لشهرته. وقال آخ�رون: ليس بينهم��ا تع��ارض وال اختالف. و"أو "في ح�ديث أبي هريرة بمعنى الواو، كما يقول الكوفيون وقد دلت عليه رواية أبي داود فإنه ق��ال في��ه: )من أج��ر وغنيم��ة ( ب��الواو الجامع��ة. وق��د رواه بعض رواة مسلم بالواو الجامعة أيضا. وحميد بن هانئ مص��ري س��مع أب��ا عب��دالرحمن الحبلى وعمرو بن مالك، وروى عنه حيوة بن ش��ريح وابن وهب؛ فالح��ديث األول محمول على مجرد الني��ة واإلخالص في الجه��اد؛ ف��ذلك ال��ذي ض��من الله له إما الشهادة، وإما رده إلى أهله مأجورا غانم��ا، ويحم��ل الث��اني على ما إذا نوى الجهاد ولكن مع نيل المغنم، فلم�ا انقس�مت نيت�ه انح��ط أج�ره؛ فقد دلت السنة على أن للغانم أجرا كما دل علي��ه الكت��اب فال تع��ارض. ثم قيل: إن نقص أج��ر الغ��انم على من يغنم إنم��ا ه��و بم��ا فتح الل��ه علي��ه من الدنيا فتمتع به وأزال عن نفسه شظف عيشه؛ ومن أخفق فلم يصب ش��يئا بقي على ش��ظف عيش��ه والص��بر على حالت��ه، فبقي أج��ره م��وفرا بخالف األول. ومثله قوله في الحديث اآلخ��ر: )فمن��ا من م��ات لم يأك��ل من أج��ره

شيئا - منهم مصعب بن عمير - ومنا من أينعت له تمرته فهو يهدبها (. - وم��ا لكم ال تق��اتلون في س��بيل الل��ه والمستض��عفين من75*اآلي��ة: 3*

الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالمأهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا{

@قوله تعالى: "وما لكم ال تقاتلون في سبيل الله" حض على الجهاد. وه��و يتض���من تخليص المستض���عفين من أي���دي الكف���رة المش���ركين ال���ذين يسومونهم سوء العذاب، ويفتنونهم عن الدين؛ فأوجب تعالى الجه��اد إلعالء كلمته وإظهار دينه واس��تنقاذ المؤم��نين الض��عفاء من عب��اده، وإن ك��ان في ذلك تلف النف��وس. وتخليص األس��ارى واجب على جماع��ة المس��لمين إم��ا بالقتال وإما باألموال؛ وذلك أوجب لكونها دون النفوس إذ هي أه��ون منه��ا. قال مالك: واجب على الناس أن يفدوا األس��ارى بجمي��ع أم��والهم. وه��ذا ال خالف فيه؛ لقوله عليه الس��الم )فك��وا الع��اني ( وق��د مض��ى في "البق��رة". وكذلك قالوا: عليهم أن يواسوهم فإن المواس��اة دون المف��اداة. ف��إن ك��اناألسير غنيا فهل يرجع عليه الفادي أم ال؛ قوالن للعلماء، أصحهما الرجوع. @قوله تعالى: "والمستضعفين" عطف على اسم الله ع��ز وج��ل، أي وفي سبيل المستضعفين، فإن خالص المستضعفين من سبيل الله. وهذا اختي��ار الزجاج وقال الزهري. وقال محمد بن يزي��د: أخت��ار أن يك��ون المع��نى وفي

المستض���عفين فيك���ون عطف���ا على الس���بيل؛ أي وفي المستض���عفين الستنقاذهم؛ فالسبيالن مختلفان. ويعني بالمستضعفين من ك��ان بمك��ة من المؤم��نين تحت إذالل كف��رة ق��ريش وأذاهم وهم المع��نيون بقول��ه علي��ه السالم: )اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستض���عفين من المؤم���نين(. وق���ال ابن عب���اس: كنت أن���ا وأمي من المستض��عفين. في البخ��اري عن��ه "إال المستض��عفين من الرج��ال والنس��اء والولدان "فقال: كنت أنا وأمي ممن عذر الل��ه، أن��ا من الول��دان وأمي من

النساء. @قوله تعالى: "من هذه القرية الظالم أهلها" القرية هنا مك��ة بإجم��اع من المتأولين. ووصفها بالظلم وإن كان الفعل لألهل لعلقة الضمير. وه��ذا كم��ا تقول: مررت بالرجل الواسعة داره، والكريم أبوه، والحسنة جاريت��ه. وإنم��ا وصف الرجل بها للعلق�ة اللفظي�ة بينهم�ا وه�و الض��مير، فل��و قلت: م�ررت بالرجل الكريم عمر ولم تجز المسألة؛ ألن الكرم لعمرو فال يجوز أن يجعل صفة لرجل إال بعلقة وهي الهاء. وال تثنى هذه الصفة وال تجمع، ألنه��ا تق��وم مقام الفعل، فالمعنى أي التي ظلم أهلها ولهذا لم يقل الظالمين. وتق��ول: مررت برجلين كريم أبواهما حسنة جاريتاهما، وبرجال كريم آباؤهم حس��نة جواريهم. "واجع��ل لن��ا من ل��دنك" أي من عن��دك. "ولي��ا" أي من يس��تنقذنا

"واجعل لنا من لدنك نصيرا" أي ينصرنا عليهم. }الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله وال��ذين كف��روا يق��اتلون76*اآلية: 3*

في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا{ @قول��ه تع��الى: "ال��ذين آمن��وا يق��اتلون في س��بيل الل��ه" أي في طاعت��ه. "والذين كفروا يقاتلون في سبيل الط��اغوت" ق��ال أب��و عبي��دة والكس��ائي: الطاغوت يذكر ويؤنث. قال أبو عبيد: وإنما ذك�ر وأنث ألنهم ك�انوا يس��مون الكاهن والكاهنة طاغوتا. قال: حدثنا حجاج عن ابن ج��ريج ق��ال: ح��دثنا أب��و الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله وسئل عن الطاغوت التي كانوا يتح��اكمون إليه��ا فق��ال: ك��انت في جهين��ة واح��دة وفي أس��لم واح��دة، وفي ك��ل حي واحدة. قال أبو إسحاق: الدليل على أنه الشيطان قوله عز وجل: "فق��اتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ض�عيفا" أي مك��ره ومك��ر من اتبع�ه. ويقال: أراد به يوم بدر حين قال للمشركين "ال غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم"

[ على ما يأتي.48]األنفال: }ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصالة وآتوا77*اآلية: 3*

الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخش��ية الل��ه أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لوال أخرتنا إلى أج��ل ق��ريب

قل متاع الدنيا قليل واآلخرة خير لمن اتقى وال تظلمون فتيال{ @ روى عم��رو بن دين��ار عن عكرم��ة عن ابن عب��اس أن عب��دالرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا: يا نبي الله، كنا في ع��ز ونحن مش��ركون، فلم��ا آمن��ا ص��رنا أذل��ة ؟ فق��ال: )إني أم��رت بالعفو فال تقاتلوا القوم (. فلما حول الله تعالى إلى المدين��ة أم��ره بالقت��ال فكف��وا، ف��نزلت اآلي��ة. أخرج��ه النس��ائي في س��ننه، وقال��ه الكل��بي. وق��ال مجاهد: هم يهود. قال الحسن: هي في المؤمنين؛ لقوله: "يخشون الناس" أي مشركي مكة "كخشية الله" فهي على ما طبع عليه البشر من المخافة

ال على المخالفة. قال السدي: هم ق��وم أس��لموا قب��ل ف��رض القت��ال فلم��ا فرض كرهوه. وقيل: ه��و وص��ف للمن��افقين؛ والمع��نى يخش��ون القت��ل من المشركين كما يخشون الموت من الله. "أو أشد خش��ية" أي عن��دهم وفي

اعتقادهم. قلت: وهذا أشبه بسياق اآلية، لقوله: "وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال

لوال أخرتنا إلى أجل قريب "أي هال، وال يليها إال الفعل. ومعاذ الله أن يصدر هذا القول من صحابي كريم يعلم أن اآلج��ال مح��دودة واألرزاق مقس��ومة، بل كانوا ألوامر الله ممتثلين س��امعين ط��ائعين، ي��رون الوص��ول إلى ال��دار اآلجلة خيرا من المقام في الدار العاجلة، على ما هو معروف من س��يرتهم رضي الله عنهم. اللهم إال أن يكون قائله ممن لم يرسخ في اإليمان قدمه، وال انش��رح باإلس��الم جنان��ه، ف��إن أه��ل اإليم��ان متفاض��لون فمنهم الكام��ل ومنهم الناقص، وهو الذي تنفر نفسه عما يؤمر به فيما تلحقه فيه المش��قة

وتدركه فيه الشدة. والله أعلم. @قوله تعالى: "قل متاع الدنيا قليل" ابتداء وخبر. وكذا "واآلخرة خير لمن اتقى" أي المعاصي؛ وقد مضى القول في ه�ذا في "البق�رة" ومت��اع ال��دنيا منفعتها واالستمتاع بلذاتها وسماه قليال ألنه ال بقاء ل��ه. وق��ال الن��بي ص��لى الله عليه وسلم )مثلي ومثل الدنيا كراكب قال قيلولة تحت ش��جرة ثم راح

وتركها ( وقد تقدم هذا المعنى في "البقرة "مستوفى. }أين ما تكونوا يدرككم الم��وت ول��و كنتم في ب��روج مش��يدة78*اآلية: 3*

وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تص��بهم س��يئة يقول��وا ه��ذهمن عندك قل كل من عند الله فما لهؤالء القوم ال يكادون يفقهون حديثا{

@قوله تعالى: "أينما تكونوا يدرككم الموت" شرط ومجازاة، و"ما" زائ��دة وهذا الخطاب عام وإن كان الم��راد المن��افقين أو ض��عفة المؤم��نين ال��ذين قالوا: "لوال أخرتنا إلى أجل ق��ريب "أي إلى أن نم��وت بآجالن��ا، وه��و أش��به المنافقين كما ذكرنا، لقولهم لما أصيب أهل أحد، قالوا: "لو كانوا عندنا م��ا

[ فرد الله عليهم "أينم��ا تكون��وا ي��درككم156ماتوا وما قتلوا "]آل عمران: الموت ولو كنتم في بروج مش��يدة "ق��ال ابن عب��اس في رواي��ة أبي ص��الح عنه. وواحد البروج برج، وهو البناء المرتف��ع والقص��ر العظيم. ق��ال طرف��ة

يصف ناقة: كأنها برج رومي تكففها بان بشيد واجر وأحجار

وقرأ طلحة بن س��ليمان "ي��درككم "برف��ع الك��اف على إض��مار الف�اء، وه��وقليل لم يأت إال في الشعر نحو قوله:

من يفعل الحسنات الله يشكرها أراد فالله يشكرها.

واختلف العلماء وأهل التأويل في المراد بهذه البروج، فقال األكثر وهو األصح. إنه أراد ال��بروج في الحص��ون ال��تي في األرض المبني��ة، ألنه��ا غاي��ة البشر في التحصن والمنعة، فمثل الل��ه لهم به��ا. وق��ال قت��ادة: في قص��ور محصنة. وقاله ابن جريج والجمه��ور، ومن��ه ق��ول ع��امر بن الطفي��ل للن��بي صلى الله عليه وسلم: هل لك في حص��ن حص��ين ومنع��ة ؟ وق��ال مجاه��د: ال��بروج القص��ور. ابن عب��اس: ال��بروج الحص��ون واآلط��ام والقالع. ومع��نى "مش��يدة "مطول��ة، ق��ال الزج��اج والقت��بي. عكرم��ة: المزين��ة بالش��يد وه��و الجص. قال قتادة: محصنة. والمشيد والمشيد سواء، ومنه "وقص��ر مش��يد

[ والتشديد للتكثير. وقيل المش�يد المط�ول، والمش��يد المطلي45"]الحج: بالشيد. يقال: شاد البني��ان وأش��اد ب��ذكره. وق��ال الس��دي: الم��راد ب��البروج بروج في السماء الدنيا مبنية. وحكى هذا القول مكي عن مال��ك وأن��ه ق��ال

[ و"جع��ل في1أال ترى إلى قوله تعالى: "والسماء ذات ال��بروج "]ال��بروج: [ "ولقد جعلن��ا في الس��ماء بروج��ا "]الحج��ر:61السماء بروجا "]الفرقان:

[. وحكاه ابن العربي أيض��ا عن ابن القاس��م عن مال��ك. وحكى النق��اش16 عن ابن عباس أنه قال: "في ب�روج مش�يدة" معن��اه في قص�ور من حدي�د.

قال ابن عطية: وهذا ال يعطيه ظاهر اللفظ. @ هذه اآلي��ة ت��رد على القدري��ة في اآلج��ال، لقول��ه تع��الى: "أينم��ا تكون��وا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة "فعرفهم بذلك أن اآلج��ال م��تى انقضت فال بد من مفارقة الروح الجسد، ك��ان ذل��ك بقت��ل أو م��وت أو غ��ير ذلك مما أجرى الله العادة بزهوقها به. وقالت المعتزلة: إن المقتول ل��و لم يقتله القاتل لعاش. وقد تقدم الرد عليهم في "آل عمران "وي��أتي فوافق�وا

بقولهم هذا الكفار والمنافقين. @ اتخاذ البالد وبنائها ليمتنع بها في حفظ األموال والنفوس، وهي سنة الله في عب��اده. وفي ذل��ك أدل دلي��ل على رد ق��ول من يق��ول: التوك��ل ت��رك األس��باب، ف��إن اتخ��اذ البالد من أك��بر األس��باب وأعظمه��ا وق��د أمرن��ا به��ا، واتخذها األنبياء وحفروا حولها الخنادق ع��دة وزي��ادة في التمن��ع. وق��د قي��ل لألحنف: ما حكمة السور ؟ فقال: ليردع السفيه حتى يأتي الحكيم فيحميه. الرابعة: وإذا تنزلنا على قول مالك والسدي في أنها بروج الس��ماء، ف��بروج الفلك اثن�ا عش�ر برج�ا مش�يدة من الرف�ع، وهي الك��واكب العظ�ام. وقي�ل للكواكب بروج لظهورها، من برج يبرج إذا ظه��ر وارتف��ع؛ ومن��ه قول��ه: "وال

[ وخلقه��ا الل��ه تع��الى من��ازل33تبرجن تبرج الجاهلي��ة األولى "]األح��زاب: للشمس والقمر وقدره فيها، ورتب األزمنة عليها، وجعلها جنوبية وش��مالية دليال على المصالح وعلما على القبلة، وطريقا إلى تحصيل آناء الليل وآن��اء

النهار لمعرفة أوقات التهجد غير ذلك من أحوال المعاش. @قوله تعالى: "وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الل��ه "أي إن يص��ب المنافقين خصب قالوا: هذا من عن��د الل��ه. "وإن تص��بهم س��يئة "أي ج��دب ومح��ل ق�الوا: ه�ذا من عن�دك، أي أص�ابنا ذل�ك بش�ؤمك وش��ؤم أص�حابك. وقيل: الحسنة السالمة واألمن، والسيئة األمراض والخوف. وقيل: الحس��نة الغنى، والسيئة الفق��ر. وقي��ل: الحس��نة النعم�ة والفتح والغنيم��ة ي��وم ب��در، والسيئة البلية والشدة والقتل يوم أحد. وقي��ل: الحس��نة الس��راء، والس��يئة الضراء. هذه أقوال المفس�رين وعلم�اء التأوي�ل - ابن عب��اس وغ�يره - في اآلية. وأنها نزلت في اليهود والمنافقين، وذل��ك أنه�ا لم��ا ق��دم رس��ول الل��ه صلى الله عليه وسلم المدينة عليهم قالوا: ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه. قال ابن عب��اس: ومع�نى "من عن��دك "أي بس��وء ت��دبيرك. وقي��ل: "من عن��دك "بش��ؤمك، كم��ا ذكرن��ا، أي بشؤمك الذي لحقنا، قالوه على جهة التطير. قال الله تعالى: "قل ك��ل من عند الله" أي الشدة والرخاء والظفر والهزيمة من عند الله، أي بقضاء الله وقدره." فمال هؤالء القوم" يعني المنافقين "ال يكادون يفقهون حديثا" أي

ما شأنهم ال يفقهون أن كال من عند الله.

}ما أصابك من حسنة فمن الله وم��ا أص��ابك من س��يئة فمن79*اآلية: 3*نفسك وأرسلناك للناس رسوال وكفى بالله شهيدا{

@قوله تعالى: "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أص��ابك من س��يئة فمن نفسك" أي ما أصابك يا محمد من خصب ورخ��اء وص��حة وس��المة فبفض��ل الله عليك وإحسانه إليك، وما أصابك من جدب وشدة فبذنب أتيته ع��وقبت عليه. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته. أي ما أصابكم يا معشر الناس من خصب واتساع رزق فمن تفضل الله عليكم، وما أصابكم من جدب وضيق رزق فمن أنفسكم؛ أي من أج��ل ذن��وبكم وق��ع ذل��ك بكم. قال الحسن والسدي وغيرهما؛ كما ق��ال تع��الى: "ي��ا أيه��ا الن��بي إذا طلقتم

[. وقد قيل: الخطاب لإلنسان والم��راد ب��ه الجنس؛ كم��ا1النساء "]الطالق: [ أي إن الناس2 -� 1قال تعالى: "والعصر إن اإلنسان لفي خسر "]العصر:

لفي خسر، أال تراه استثنى منهم فقال "إال الذين آمنوا "وال يستثنى إال من جملة أو جماعة. وعلى هذا التأويل يكون قوله "ما أصابك" استئنافا. وقيل: في الكالم حذف تقديره يقولون؛ وعليه يكون الكالم متصال؛ والمعنى فمال هؤالء القوم ال يكادون يفقهون حديثا حتى يقولوا ما أصابك من حسنة فمن الله. وقيل: إن أل��ف االس��تفهام مض��مرة؛ والمع��نى أفمن نفس��ك ؟ ومثل��ه

[ والمع��نى77قوله وتعالى: "فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي" ]األنعام: أو تلك نعمة ؟ وك��ذا قول��ه تع��الى: "فلم��ا رأى القم��ر بازغ��ا ق��ال ه��ذا ربي

[ أي أهذا ربي ؟ قال أبو خراش الهذلي: 77"]األنعام: رموني وقالوا يا خويلد لم ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم

أراد "أهم "فأضمر ألف االس��تفهام وه�و كث��ير وس��يأتي. ق�ال األخفش "م�ا "بمعنى الذي. وقيل: هو شرط. قال النحاس: والصواب قول األخفش؛ ألنه نزل في شيء بعينه من الجدب، وليس ه��ذا من المعاص��ي في ش��يء ول��و كان منها لكان وما أصبت من سيئة. وروى عبدالوهاب بن مجاه��د عن أبي��ه عن ابن عب��اس وأبي وابن مس��عود "م��ا أص�ابك من حس��نة فمن الل��ه وم��ا أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك "فهذه قراءة على التفس��ير، وقد أثبتها بعض أه��ل الزي��غ من الق��رآن، والح��ديث ب��ذلك عن ابن مس��عود وأبي منقط��ع؛ ألن مجاه��دا لم ي��ر عبدالل��ه وال أبي��ا. وعلى ق��ول من ق��ال: الحسنة الفتح والغنيمة يوم بدر، والسيئة ما أصابهم يوم أح�د؛ أنهم عوقب�وا عند خالف الرماة الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحموا ظه��ره وال ي��برحوا من مك��انهم، ف��رأوا الهزيم��ة على ق��ريش والمس��لمون يغنمون أموالهم فتركوا مصافهم، فنظر خال��د بن الولي��د وك��ان م��ع الكف��ار يومئذ ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انكشف من الرماة فأخ��ذ سرية من الخيل ودار حتى صار خل��ف المس��لمين وحم��ل عليهم، ولم يكن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرماة إال صاحب الراية، حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف حتى استش�هد مكان�ه؛ على ما تقدم في "آل عمران "بيانه. فأنزل الله تعالى نظير هذه اآلية وهو قوله

[ يع��ني ي��وم أح��د "ق��د165تعالى: "أولما أص��ابتكم مص��يبة "]آل عم��ران: أصبتم مثليها "يعني يوم بدر "قلتم أنى هذا قل ه�و من عن�د أنفس�كم". وال يجوز أن تكون الحسنة ههنا الطاعة والسيئة المعصية كم��ا ق��الت القدري��ة؛ إذ لو كان كذلك لكان ما أص��بت كم��ا ق��دمنا، إذ ه��و بمع��نى الفع��ل عن��دهم والكسب عندنا، وإنما تك��ون الحس��نة الطاع��ة والس��يئة المعص��ية في نح��و

قوله: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن ج��اء بالس��يئة فال يج��زى إال [ وأم��ا في ه��ذه اآلي��ة فهي كم��ا تق��دم ش��رحنا ل��ه من160مثلها "]األنعام:

الخصب والج��دب والرخ��اء والش��دة على نح��و م��ا ج��اء في آي��ة "األع��راف "وهي قوله تعالى: "ولق�د أخ�ذنا آل فرع�ون بالس�نين ونقص من الثم�رات

[. "بالسنين "بالجدب سنة بعد سنة؛ حبس130لعلهم يذكرون "]األعراف: المطر عنهم فنقصت ثمارهم وغلت أسعارهم. "فإذا جاءتهم الحسنة ق��الوا لنا هذه وإن تصبهم س��يئة يط��يروا بموس��ى ومن مع��ه "أي يتش��اءمون بهم ويقولون هذا من أجل أتباعنا لك وطاعتنا إياك؛ فرد الله عليهم بقول��ه: "أال

[ يع��ني أن ط��ائر البرك��ة وط��ائر131إنما ط��ائرهم عن��د الل��ه "]األع��راف: الشؤم من الخير والشر والنفع والضر من الله تعالى ال صنع فيه لمخل��وق؛ فكذلك قوله تعالى فيما أخبر عنهم أنهم يض��يفونه للن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم حيث قال: "وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله "كما قال: "أال إنما طائرهم عند الله "وكما قال تع��الى: "وم��ا أص��ابكم

[ أي بقضاء الل��ه وق��دره166يوم التقى الجمعان فبإذن الله" ]آل عمران: وعلمه، وآيات الكتاب يشهد بعضها لبعض. ق��ال علماؤن��ا: ومن ك��ان ي��ؤمن بالله واليوم اآلخر فال يشك في أن كل ش��يء بقض��اء الل��ه وق��دره وإرادت��ه

[ وقال35ومشيئته؛ كما قال تعالى: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة "]األنبياء: تعالى: "وإذا أراد الله بقوم س��وءا فال م��رد ل��ه وم��ا لهم من دون��ه من وال

[.11"]الرعد: مسألة: وقد تجاذب بعض جهال أهل السنة هذه اآلية واحتج بها؛ كم��ا

تجاذبها القدرية واحتجوا بها، ووجه احتج��اجهم به�ا أن القدري��ة يقول�ون: إن الحسنة ههنا الطاعة، والس��يئة المعص��ية؛ ق��الوا: وق��د نس��ب المعص��ية في قوله تعالى: "وم��ا أص�ابك من س��يئة فمن نفس��ك "إلى اإلنس��ان دون الل��ه تعالى؛ فهذا وجه تعلقهم بها. ووجه تعلق اآلخرين منه��ا قول��ه تع��الى: "ق��ل كل من عند الله "قالوا: فقد أضاف الحسنة والسيئة إلى نفسه دون خلقه. وهذه اآلية إنما يتعلق بها الجهال من الفريقين جميعا؛ ألنهم بن��وا ذل��ك على أن السيئة هي المعصية، وليست كذلك لما بيناه. والل��ه أعلم. والقدري��ة إن ق��الوا "م��ا أص��ابك من حس��نة "أي من طاع��ة "فمن الل��ه "فليس ه��ذا اعتقادهم؛ ألن اعتقادهم الذي بنوا عليه مذهبهم أن الحسنة فعل المحس��ن والسيئة فعل المسيء. وأيضا فلو كان لهم فيها حجة لكان يقول: ما أصبت من حسنة وما أصبت من سيئة؛ ألنه الفاع��ل للحس��نة والس��يئة جميع��ا، فال يضاف إليه إال بفعله لهما ال بفعل غيره. نص على هذه المقال��ة اإلم��ام أب��و الحسن شبيب بن إب��راهيم بن محم��د بن حي��درة في كتاب��ه المس��مى بح��ز

الغالصم في إفحام المخاصم. @قوله تعالى: "وأرسلناك للناس رس��وال" مص��در مؤك��د، ويج��وز أن يك��ون المعنى ذا رسالة "وكفى بالله شهيدا" نصب على البي��ان والب��اء زائ��دة، أي

كفى الله شهيدا على صدق رسالة نبيه وأنه صادق. }من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن ت��ولى فم��ا أرس��لناك80*اآلية: 3*

عليهم حفيظا{ @قوله تعالى: "من يط��ع الرس��ول فق��د أط��اع الل��ه" أعلم الل��ه تع��الى أن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعة له. وفي ص�حيح مس��لم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ق��ال: )من أط��اعني فق��د أط��اع

الله ومن يعصني فقد عصى الله ومن يطع األمير فقد أط��اعني ومن يعصاألمير فقد عصاني ( في رواية. )ومن أطاع أميري، ومن عصى أميري (.

@قوله تعالى: "ومن تولى" أي أع�رض "فم�ا أرس��لناك عليهم حفيظ�ا" أي حافظا ورقيبا ألعمالهم، إنما عليك البالغ. وقال القتبي: محاسبا؛ فنسخ الله

هذا بآية السيف وأمره بقتال من خالف الله ورسوله.-�� 81*اآليتان: 3* }ويقولون طاعة فإذا ب��رزوا من عن��دك بيت طائف��ة82

منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الل��ه وكفى بالله وكيال، أفال يتدبرون القرآن ولو كان من عن��د غ��ير الل��ه لوج��دوا

فيه اختالفا كثيرا{ @قوله تعالى: "ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غ��ير ال��ذي تق��ول والل��ه يكتب م��ا ي��بيتون" أي أمرن��ا طاع��ة، ويج��وز "طاع��ة" بالنصب، أي نطيع طاعة، وهي قراءة نصر بن عاصم والحسن والجح��دري. وهذا في المنافقين في قول أكثر المفسرين؛ أي يقولون إذا ك��انوا عن��دك: أمرنا طاع��ة، أو نطي��ع طاع�ة، وق��ولهم ه�ذا ليس بن��افع؛ ألن من لم يعتق��د الطاعة ليس بمطيع حقيقة، ألن الله تعالى لم يحقق طاعتهم بما أظهروه، فل��و ك��انت الطاع��ة بال اعتق��اد حقيق��ة لحكم به��ا لهم؛ فثبت أن الطاع��ة باالعتقاد مع وجودها. "فإذا برزوا" أي خرجوا "من عندك بيت طائفة منهم" ف�ذكر الطائف�ة ألنه�ا في مع�نى رج�ال. وأدغم الكوفي�ون الت�اء في الط�اء؛ ألنهم��ا من مخ��رج واح��د، واس��تقبح ذل��ك الكس��ائي في الفع��ل وه��و عن��د البصريين غير. قبيح. ومعنى "بيت "زور وموه. وقيل: غير وبدل وحرف؛ أي بدلوا قول الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم فيم��ا عه�ده إليهم وأم��رهم ب��ه..

والتبييت التبديل؛ ومنه قول الشاعر: أتوني فلم أرض ما بيتوا وكانوا أتوني بأمر نكر ألنكح أيمهم منذرا وهل ينكح العبد حر لحر

آخر: بيت قولي عبدالملي� �ك قاتله الله عبدا كفورا

وبيت الرجل األمر إذا دبر ليال؛ قال الله تعالى: "إذ يبيتون م�ا ال يرض�ى من [. والعرب تقول: أمر بيت بليل إذا أحكم. وإنما خص108القول "]النساء:

الليل بذلك ألنه وقت يتفرغ فيه. قال الشاعر:أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء

ومن هذا بيت الصيام. والبيوت: الماء يبيت ليال. والبيوت: األمر ي��بيت علي��هصاحبه مهتما به؛ قال الهذلي:

وأجعل فقرتها عدة إذا خفت بيوت أمر عضال والتبييت والبي��ات أن ي�أتي الع�دو ليال. وب�ات يفع�ل ك�ذا إذا فعل�ه ليال؛ كم�ا يقال: ظل بالنه��ار. وبيت الش��يء ق��در. ف��إن قي��ل: فم��ا وج��ه الحكم��ة في ابتدائه بذكر جملتهم ثم قال: "بيت طائفة منهم "؟ قيل: إنما عبر عن ح��ال من علم أن��ه بقي على كف��ره ونفاق��ه، وص��فح عمن علم أن��ه س��يرجع عن ذلك. وقيل: إنما عبر عن ح��ال من ش��هد وح��ار في أم��ره، وأم��ا من س��مع وس��كت فلم ي��ذكره. والل��ه أعلم. "والل��ه يكتب م��ا ي��بيتون" أي يثبت��ه في صحائف أعمالهم ليجازيهم علي��ه. وق��ال الزج��اج: المع�نى ينزل��ه علي��ك في الكتاب. وفي هذه اآلية دليل على أن مجرد القول ال يفيد شيئا كم��ا ذكرن��ا؛ ف��إنهم ق��الوا: طاع��ة، ولفظ��وا به��ا ولم يحق��ق الل��ه ط��اعتهم وال حكم لهم

بصحتها؛ ألنهم لم يعتقدوها. فثبت أنه ال يكون المطيع مطيع��ا إال باعتقاده��امع وجودها.

قوله تع�الى: "ف��أعرض عنهم" أي ال تخ�بر بأس��مائهم؛ عن الض��حاك، يع�ني المنافقين. وقيل: ال تعاقبهم. "وتوكل على الله وكفى بالله وكيال" ثم أم��ره بالتوكل عليه والثقة به في النصر على عدوه. ويقال: إن هذا منسوخ بقوله

[73تعالى: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين "]التوبة: @قوله تعالى: "أفال يت��دبرون الق��رآن" ثم ع��اب المن��افقين ب��اإلعراض عن التدبر في الق��رآن والتفك��ر في��ه وفي معاني��ه. ت��دبرت الش��يء فك��رت في عاقبته. وفي الحديث )ال تدابروا ( أي ال ي��ولي بعض��كم بعض��ا دب��ره. وأدب��ر القوم مضى أمرهم إلى آخره. والتدبير أن يدبر اإلنس��ان أم��ره كأن��ه ينظ��ر إلى ما تص��ير إلي��ه عاقبت��ه. ودلت ه��ذه اآلي�ة وقول�ه تع�الى: "أفال يت��دبرون

[ على وجوب التدبر في الق��رآن24القرآن أم على قلوب أقفالها" ]محمد: ليعرف معن��اه. فك��ان في ه��ذا رد على فس��اد ق��ول من ق��ال: ال يؤخ��ذ من تفسيره إال ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنع أن يتأول على ما يسوغه لسان العرب. وفي��ه دلي��ل على األم��ر ب��النظر واالس��تدالل وإبط��ال

التقليد، وفيه دليل على إثبات القياس. @قوله تعالى: "ولو كان من عند غير الل��ه لوج��دوا في��ه اختالف��ا كث��يرا" أي تفاوتا وتناقضا؛ عن ابن عباس وقتادة وابن زيد. وال ي��دخل في ه��ذا اختالف ألفاظ القراءات وألفاظ األمثال والدالالت ومق��ادير الس��ور واآلي��ات. وإنم��ا أراد اختالف التناقض والتفاوت. وقيل: المعنى لو ك��ان م��ا تخ��برون ب��ه من عند غير الله الختلف. وقيل: إنه ليس من متكلم يتكلم كالما كث��يرا إال وج��د في كالمه اختالف كثير؛ إما في الوصف واللف��ظ؛ وإم��ا في ج��ودة المع��نى، وإما في التناقض، وإما في الكذب. فأنزل الله ع��ز وج��ل الق��رآن وأم��رهم بتدبره؛ ألنهم ال يج��دون في��ه اختالف��ا في وص��ف وال ردا ل��ه في مع��نى، وال

تناقضا وال كذبا فيما يخبرون به من الغيوب وما يسرون. }وإذا جاءهم أمر من األمن أو الخ��وف أذاع��وا ب��ه ول��و ردوه83*اآلية: 3*

إلى الرسول وإلى أولي األم��ر منهم لعلم��ه ال��ذين يس��تنبطونه منهم ول��والفضل الله عليكم ورحمته التبعتم الشيطان إال قليال{

@قوله تع��الى: "وإذا ج��اءهم أم��ر من األمن" في "إذا "مع��نى الش��رط وال يج�ازى به�ا وإن زي�دت عليه�ا "م�ا "وهي قليل��ة االس�تعمال. ق�ال س�يبويه.

والجيد ما قال كعب بن زهير: وإذا ما تشاء تبعث منها مغرب الشمس ناشطا مذعورا

يعني أن الجيد ال يجزم بإذا ما كما لم يجزم في هذا البيت، وق��د تق��دم في أول "البقرة". والمعنى أنهم إذا سمعوا شيئا من األمور فيه أمن نحو ظف��ر المسلمين وقتل عدوهم "أو الخوف "وهو ضد هذا "أذاعوا ب��ه" أي أفش��وه وأظهروه وتحدثوا به قبل أن يقفوا على حقيقته. فقيل: كان هذا من ضعفة المسلمين؛ عن الحسن؛ ألنهم ك��انوا يفش��ون أم��ر الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم ويظنون أنهم ال شيء عليهم في ذلك. وقال الضحاك وابن زي��د: ه��و

في المنافقين فنهوا عن ذلك لما يلحقهم من الكذب في اإلرجاف. @قول��ه تع��الى: "ول��و ردوه إلى الرس��ول وإلى أولي األم��ر منهم" أي لم يحدثوا به ولم يفشوه حتى يكون النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ه��و ال��ذي يحدث به ويفشيه. أو أولو األمر وهم أهل العلم والفقه؛ عن الحسن وقتادة

وغيرهما. السدي وابن زيد: ال��والة. وقي��ل: أم��راء الس��رايا. "لعلم��ه ال��ذين يستنبطونه منهم" أي يستخرجونه، أي لعلموا ما ينبغي أن يفشى من��ه وم��ا ينبغي أن يكتم. واالس��تنباط م��أخوذ من اس��تنبطت الم��اء إذا اس��تخرجته. والنبط: الماء المستنبط أول ما يخرج من ماء البئر أول م��ا تحف�ر. وس��مي النب���ط نبط���ا ألنهم يس���تخرجون م���ا في األرض. واالس���تنباط في اللغ���ة

االستخراج، وهو يدل على االجتهاد إذا عدم النص واإلجماع كما تقدم. @قوله تعالى: "ولوال فضل الله عليكم ورحمته" رفع باالبتداء عند س��يبويه، وال يجوز أن يظه�ر الخ��بر عن��ده. والكوفي��ون يقول��ون: رف��ع بل��وال. "التبعتم الش��يطان إال قليال" في ه��ذه اآلي��ة ثالث��ة أق��وال؛ ق��ال ابن عب��اس وغ��يره: المع��نى أذاع��وا ب��ه إال قليال منهم لم ي��ذع ولم يفش. وقال��ه جماع��ة من النحويين: الكسائي واألخفش وأبو عبيد وأبو حاتم والطبري. وقيل: المعنى لعلمه الذين يستنبطونه منهم إال قليال منهم؛ عن الحس��ن وغ��يره، واخت��اره الزجاج قال: ألن هذا االستنباط األك��ثر يعرف��ه؛ ألن��ه اس��تعالم خ��بر. واخت��ار األول الف��راء ق��ال: ألن علم الس��رايا إذا ظه��ر علم��ه المس��تنبط وغ��يره، واإلذاعة تكون في مضى دون بعض. قال الكلبي عن��ه: فل��ذلك استحس��نت االستثناء من اإلذاعة. قال النحاس: فهذان قوالن على المجاز، يريد أن في الكالم تقديما وتأخيرا. وقول ثالث بغير مج��از: يك��ون المع��نى ول��وال فض��ل الل��ه عليكم ورحمت��ه ب��أن بعث فيكم رس��وال أق��ام فيكم الحج��ة لكف��رتم وأشركتم إال قليال منكم فإنه كان يوح�د. وفي�ه ق�ول راب�ع - ق�ال الض��حاك: المعنى التبعتم الشيطان إال قليال، أي إن أص��حاب محم��د ص��لى الل��ه علي��ه وسلم حدثوا أنفسهم بأمر من الشيطان إال قليال، يع��ني ال��ذين امتحن الل��ه قلوبهم للتقوى. وعلى هذا القول يكون قوله "إال قليال "مس��تثنى من قول��ه "التبعتم الشيطان". قال المهدوي: وأنكر هذا القول أك��ثر العلم��اء، إذ ل��وال

فضل الله ورحمته التبع الناس كلهم الشيطان. }فقاتل في سبيل الله ال تكلف إال نفسك وح��رض المؤم��نين84*اآلية: 3*

عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيال{ @قوله تع�الى: "فقات�ل في س��بيل الل��ه" ه�ذه الف��اء متعلق�ة بقول�ه "ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أج��را عظيم��ا" ]النس��اء:

[ "فقاتل في سبيل الله" أي من أج��ل ه��ذا فقات��ل. وقي��ل: هي متعلق��ة74 بقوله: "وما لكم ال تقاتلون في سبيل الل��ه. فقات��ل". ك��أن ه��ذا المع��نى: ال تدع جهاد العدو واالستنصار عليهم للمستضعفين من المؤمنين ولو وح��دك؛ ألنه وعده بالنصر. قال الزجاج: أم��ر الل��ه تع��الى رس��وله ص��لى الل��ه علي��ه وسلم بالجهاد وإن قاتل وحده؛ ألنه قد ضمن له النص��رة. ق��ال ابن عطي��ة: "هذا ظاهر اللفظ، إال أنه لم يجئ في خبر قط أن القتال فرض علي��ه دون األمة مدة ما؛ فالمعنى والله أعلم أنه خطاب له في اللفظ، وه��و مث��ال م��ا يقال لكل واحد في خاصة نفسه؛ أي أنت ي��ا محم��د وك��ل واح��د من أمت��ك القول له؛ "فقاتل في س��بيل الل��ه ال تكل��ف إال نفس��ك". وله��ذا ينبغي لك��ل مؤمن أن يجاهد ولو وحده؛ ومن ذلك قول النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )والله ألقاتلنهم ح��تى تنف��رد س��الفتي (. وق��ول أبي بك��ر وقت ال��ردة: ول��و خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي. وقي��ل: إن ه��ذه اآلي��ة ن��زلت في موس��م بدر الصغرى؛ فإن أبا سفيان لما انصرف من أحد واعد رس��ول الل��ه ص��لى الله عليه وسلم موسم بدو الصغرى؛ فلما جاء الميع��اد خ��رج إليه��ا رس��ول

الله صلى الله عليه وس��لم في س��بعين راكب��ا فلم يحض��ر أب��و س��فيان ولم يتفق قتال. وهذا على معنى ما قال�ه مجاه��د كم��ا تق�دم في "آل عم��ران". ووجه النظم على هذا واالتصال بم��ا قب��ل أن��ه وص��ف المن��افقين بالتخلي��ط وإيقاع األراجي��ف، ثم أم��ر الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ب��اإلعراض عنهم

وبالجد في القتال في سبيل الله وإن لم يساعده أحد على ذلك. @قوله تعالى: "ال تكل��ف إال نفس��ك" "تكل��ف "مرف��وع ألن��ه مس��تقبل، ولم يجزم ألن��ه ليس عل��ة لألول. وزعم األخفش أن��ه يج��وز جزم��ه. "إال نفس��ك

"خبر ما لم يسم فاعله؛ والمعنى ال تلزم فعل غيرك وال تؤاخذ به. @قوله تعالى: "وحرض المؤمنين" أي حضهم على الجهاد والقت��ال. يق��ال: حرض��ت فالن��ا على ك��ذا إذا أمرت��ه ب��ه. وح��ارض فالن على األم��ر وأكب وواظب بمعنى واحد. "عس�ى الل��ه أن يك��ف ب�أس ال�ذين كف�روا" إطم�اع، واإلطماع من الله عز وجل واجب. على أن الطمع قد جاء في كالم العرب على الوجوب؛ ومنه قوله تعالى: "والذي أطمع أن يغف��ر لي خطيئ��تي ي��وم

[. وقال ابن مقبل: 82الدين "]الشعراء: ظني بهم كعسى وهم بتنوفة يتنازعون جوائز األمثال

قوله تعالى: "والله أشد بأسا" أي صولة وأعظم سلطانا وأقدر بأس��ا على ما يريده. "وأشد تنكيال" أي عقوبة؛ عن الحسن وغيره. قال ابن دريد: رماه الله بنكلة، أي رماه بما ينكله. قال: ونكلت بالرجل تنكيال من النك��ال.

والمنكل الشيء الذي ينكل باإلنسان. قال: وأرم على أقفائهم بمنكل

@إن قال قائل: نحن نرى الكفار في بأس وشدة، وقلتم: إن عسى بمعنى اليقين فأين ذلك الوعد؟ قيل له: قد وجد هذا الوعد وال يل��زم وج��وده على االستمرار والدوام فمتى وجد ولو لحظة مثال فقد صدق الوعد؛ فك��ف الل��ه ب��أس المش��ركين بب��در الص��غرى، وأخلف��وا م��ا ك��انوا عاه��دوه من الح��رب

[ وبالحديبية أيضا عم��ا25والقتال "وكفى الله المؤمنين القتال "]األحزاب: راموه من الغدر وانتهاز الفرصة، ففطن بهم المسلمون فخرجوا فأخذوهم أسرة، وكان ذلك والسفراء يمشون بينهم في الص��لح، وه��و الم��راد بقول��ه

[ على ما يأتي. وق��د ألقى24تعالى: "وهو الذي كف أيديهم عنكم "]الفتح: الله في قلوب األحزاب الرعب وانصرفوا من غير قتل وال قت�ال؛ كم�ا ق�ال تعالى "وكفى الله المؤمنين القت��ال". وخ�رج اليه�ود من دي�ارهم وأم��والهم بغير قتال المؤمنين لهم، فهذا كله بأس قد كفه الله عن المؤمنين، مع أن��ه ق��د دخ��ل من اليه��ود والنص��ارى الع��دد الكث��ير والجم الغف��ير تحت الجزي��ة صاغرين وتركوا المحاربة داخرين، فكف الله بأسهم عن المؤمنين. والحمد

لله رب العالمين. }من يشفع شفاعة حس��نة يكن ل��ه نص��يب منه��ا ومن يش��فع85*اآلية: 3*

شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا{ @قوله تعالى: "من يشفع "أص��ل الش��فاعة والش��فعة ونحوه��ا من الش��فع وهو الزوج في العدد؛ ومنه الشفيع؛ ألنه يصير م��ع ص��احب الحاج��ة ش��فعا. ومنه ناقة شفوع إذا جمعت بين محلبين في حلبة واح��دة. وناق��ة ش��فيع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها. والشفع ض��م واح��د إلى واح��د. والش��فعة ض��م ملك الشريك إلى ملكك؛ فالشفاعة إذا ض��م غ��يرك إلى جاه��ك ووس��يلتك،

فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع وإيصال المنفعة إلىالمشفوع له.

@ واختل��ف المت��أولون في ه��ذه اآلي��ة؛ فق��ال مجاه��د والحس��ن وابن زي��د وغيرهم هي في شفاعات الناس بينهم في حوائجهم؛ فمن يشفع لينفع فله نصبب، ومن يشفع ليضر فله كفل. وقيل: الش��فاعة الحس��نة هي في ال��بر والطاع��ة، والس��يئة في المعاص��ي. فمن ش��فع ش��فاعة حس��نة ليص��لح بين اثنين استوجب األج��ر، ومن س��عى بالنميم��ة والغيب��ة أثم، وه��ذا ق��ريب من األول. وقيل: يعني بالشفاعة الحسنة ال��دعاء للمس��لمين، والس��يئة ال��دعاء عليهم. وفي صحيح الخبر: )من دعا بظهر الغيب استجيب له وق��ال المل��ك آمين ولك بمثل (. هذا هو النصيب، وكذلك في الشر؛ بل يرجع شؤم دعائه عليه. وكانت اليهود تدعو على المس��لمين. وقي��ل: المع��نى من يكن ش��فعا لص��احبه في الجه��اد يكن ل��ه نص��يبه من األج��ر، ومن يكن ش��فعا آلخ��ر في باطل يكن له نصيبه من الوزر. وعن الحس�ن أيض��ا: الحس��نة م�ا يج��وز في الدين، والسيئة م��ا ال يج��وز في��ه. وك��أن ه��ذا الق��ول ج�امع. والكف��ل ال��وزر واإلثم؛ عن الحسن وقتادة. الس��دي وابن زي��د ه��و النص��يب. واش��تقاقه من الكساء الذي يحوي��ه راكب البع��ير على س��نامه لئال يس��قط. يق��ال: اكتفلت البعير إذا أدرت على سنامه كساء وركبت عليه. ويقال ل��ه: اكتف��ل ألن��ه لم يستعمل الظهر كله بل استعمل نصيبا من الظه��ر. ويس��تعمل في النص��يب من الخ��ير والش��ر، وفي كت��اب الل��ه تع��الى "ي��ؤتكم كفلين من رحمت��ه

[. والشافع يؤجر فيما يج��وز وإن لم يش��فع؛ ألن��ه تع��الى ق��ال28"]الحديد: "من يشفع "ولم يقل يشفع. وفي صحيح مس��لم )اش��فعوا ت��ؤجروا وليقض

الله على لسان نبيه ما أحب(. @قوله تعالى: "وكان الله على كل ش��يء مقيت��ا" "مقيت��ا "معن��اه مقت��درا؛

ومنه قول الزبير بن عبدالمطلب:وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتا

أي قديرا. فالمعنى إن الله تعالى يعطي كل إنسان قوته؛ ومنه قول��ه علي��ه السالم: )كفى ب��المرء إثم��ا أن يض��يع من يقيت (. على من رواه هك��ذا، أي من هو تحت قدرته وفي قبضته من عيال وغ�يره؛ ذك�ره ابن عطي��ة. يق�ول منه: قته أقوته قوتا، وأقته أقيته إقاتة فأنا قائت ومقيت. وحكى الكس��ائي:

أقات يقيت. وأما قول الشاعر: . .. إني على الحساب مقيت

فقال فيه الطبري: إنه من غير هذا المعنى المتقدم، وإنه بمعنى الموقوف. وقال أبو عبيدة: المقيت الحافظ. وقال الكس��ائي: المقيت المقت��در. وق��ال النحاس: وق�ول أبي عبي�دة أولى ألن�ه مش�تق من الق�وت، والق�وت معن��اه مقدار ما يحفظ اإلنسان. وقال الفراء: المقيت الذي يعطي كل رجل قوته. وجاء في الحديث: )كفى بالمرء إثما أن يضيع من يق��وت ( و"يقيت "ذك��ره الثعل���بي: وحكى ابن ف���ارس في المجم���ل: المقيت المقت���در، والمقيت

الحافظ والشاهد، وما عنده قيت ليلة وقوت ليلة. والله أعلم. }وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوه��ا إن الل��ه ك��ان86*اآلية: 3*

على كل شيء حسيبا{ @قوله تعالى: "وإذا حييتم بتحية" التحي��ة تفعل��ة من ح��ييت؛ األص��ل تحيي��ة مثل ترضية وتسمية، فأدغموا الياء في الياء. والتحية السالم. وأصل التحي��ة

الدعاء بالحياة. والتحيات لله، أي الس��الم من اآلف��ات. وقي��ل: المل��ك. ق��ال عبدالله بن ص��الح العجلي: س��ألت الكس��ائي عن قول��ه "التحي��ات لل��ه "م��ا معناه ؟ فقال: التحيات مثل البركات؛ فقلت: ما معنى البركات ؟ فقال: ما سمعت فيها شيئا. وسألت عنها محمد بن الحسن فقال: هو شيء تعبدالل��ه ب�ه عب�اده. فق�دمت الكوف�ة فلقيت عبدالل�ه بن إدريس فقلت: إني س�ألت الكس��ائي ومحم��دا عن ق��ول "التحي��ات لل��ه "فأجاب��اني بك��ذا وك��ذا؛ فق��ال عبدالله بن إدريس: إنهم��ا ال علم لهم��ا بالش��عر وبه��ذه األش��ياء ؟ ! التحي��ة

الملك؛ وأنشد: أؤم بها أبا قابوس حتى وأنيخ على تحية بجندي

وأنشد ابن خويز منداد: أسير به إلى النعمان حتى أنيخ على تحيته بجندي

يريد على ملكه. وقال آخر: ولكل ما نال الفتى قد نلته إال التحية

وقال القتبي: إنما ق��ال "التحي��ات لل��ه "على الجم��ع؛ ألن��ه ك��ان في األرض ملوك يحي��ون بتحي��ات مختلف��ات؛ فيق��ال لبعض��هم: أبيت اللعن، ولبعض��هم: اسلم وانعم، ولبعضهم: عش ألف سنة. فقيل لنا: قول��وا التحي��ات لل��ه؛ أي األلفاظ التي تدل على الملك، ويكنى بها عنه لله تع��الى. ووج��ه النظم بم��ا قبل أنه قال: إذا خرجتم للجهاد كم��ا س��بق ب��ه األم��ر فح��ييتم في س��فركم بتحية اإلسالم، فال تقول��وا لمن ألقى إليكم الس��الم لس��ت مؤمن��ا، ب��ل ردوا

جواب السالم؛ فإن أحكام اإلسالم تجري عليهم. @ واختلف العلماء في معنى اآلية وتأويلها؛ ف��روى ابن وهب وابن القاس��م عن مالك أن هذه اآلية في تشميت الع��اطس وال��رد على المش��مت. وه��ذا ضعيف؛ إذ ليس في الكالم داللة على ذلك، أما ال��رد على المش��مت فمم��ا يدخل بالقياس في معنى رد التحية، وهذا هو منحى مالك إن صح ذلك عنه. والله أعلم. وقال ابن خويز منداد: وقد يجوز أن تحمل هذه اآلية على الهبة إذا كانت للثواب؛ فمن وهب له هبة على الثواب فهو بالخيار إن ش��اء رده��ا

وإن شاء قبلها وأثاب عليها قيمتها. قلت: ونحو هذا قال أصحاب أبي حنيفة، قالوا: التحية هنا الهدية؛ لقوله

تعالى: "أو ردوها "وال يمكن رد اإلسالم بعين��ه. وظ��اهر الكالم يقتض��ي أداء التحية بعينها وهي الهدية، فأمر ب��التعويض إن قب��ل أو ال��رد بعين��ه، وه��ذا ال يمكن في الس��الم. وس��يأتي بي��ان حكم الهب��ة للث��واب والهدي��ة في س��ورة

[ إن ش��اء الل��ه تع��الى.39"الروم "عند قوله: "وما آتيتم من ربا "]ال��روم: والصحيح أن التحية ههنا السالم؛ لقوله تعالى: "وإذا ج��اؤوك حي��وك بم��ا لم

[. وقال النابغة الذبياني: 8يحيك به الله "]المجادلة: تحييهم بيض الوالئد بينهم وأكسية اإلضريج فوق المشاجب

أراد: ومسلم عليهم. وعلى ه��ذا جماع��ة المفس��رين. وإذا ثبت ه��ذا وتق��رر ففقه اآلية أن يقال: أجم��ع العلم��اء على أن االبت��داء بالس��الم س��نة م��رغب فيها، ورده فريضة؛ لقوله تعالى: "فحيوا بأحسن منها أو ردوه��ا". واختلف��وا إذا رد واح��د من جماع��ة ه��ل يج��زئ أو ال؛ ف��ذهب مال��ك والش��افعي إلى اإلجزاء، وأن المسلم قد رد علي��ه مث��ل قول��ه. وذهب الكوفي��ون إلى أن رد السالم من الفروض المتعينة؛ قالوا: والس��الم خالف ال��رد؛ ألن االبت��داء ب��ه تطوع ورده فريضة. ولو رد غير المسلم عليهم لم يسقط ذلك عنهم فرض

الرد، ف��دل على أن رد الس��الم يل��زم ك��ل إنس��ان بعين��ه؛ ح��تى ق��ال قت��ادة والحسن: إن المصلي يرد السالم كالما إذا سلم عليه وال يقط��ع ذل��ك علي��ه صالته؛ ألنه فعل ما أمر به. والناس على خالفه. احتج األولون بما رواه أب��و داود عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )يج��زئ من الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم (. وهذا نص في موضع الخالف. قال أبو عمر: وهو حديث حسن ال معارض له، وفي إسناده سعيد بن خالد، وهو سعيد بن خال��د الخ��زاعي م��دني ليس به بأس عند بعضهم؛ وقد ضعفه بعضهم منهم أبو زرعة وأبو حاتم ويعق��وب بن شيبة وجعلوا حديثه هذا منك��را؛ ألن��ه انف��رد في��ه به��ذا اإلس��ناد؛ على أن عبدالله بن الفضل لم يسمع من عبيدالله بن أبي رافع؛ بينهم��ا األع��رج في غير ما حديث. والله أعلم. واحتجوا أيضا بقوله عليه السالم: )يسلم القليل على الكثير(. ولما أجمعوا على أن الواح��د يس��لم على الجماع��ة وال يحت��اج إلى تكريره على عداد الجماعة، كذلك يرد الواحد عن الجماعة وين��وب عن الباقين كف��روض الكفاي�ة. وروى مال�ك عن زي��د بن أس��لم أن رس�ول الل�ه صلى الله عليه وسلم قال: )يسلم ال��راكب على الماش��ي وإذا س��لم واح��د من القوم أجزأ عنهم (. قال علماؤنا: وهذا ي��دل على أن الواح��د يكفي في

الرد؛ ألنه ال يقال أجزأ عنهم إال فيما قد وجب. والله أعلم. قلت: هكذا تأول علماؤنا هذا الحديث وجعلوه حجة في جواز رد الواحد؛

وفيه قلق. @قوله تعالى: "فحيوا بأحسن منها أو ردوها" رد األحسن أن يزي��د فيق��ول: عليك السالم ورحمة الله؛ لمن قال: سالم علي��ك. ف��إن ق��ال: س��الم علي��ك ورحمة الله؛ زدت في ردك: وبركاته. وهذا هو النهاي��ة فال مزي��د. ق��ال الل��ه

[ على م��ا73تعالى مخبرا عن البيت الكريم "رحم��ة الل��ه وبركات��ه" ]ه��ود: يأتي بيانه إن ش��اء الل��ه تع��الى. ف��إن انتهى بالس��الم غايت��ه، زدت في ردك الواو في أول كالم�ك فقلت: وعلي�ك الس�الم ورحم�ة الل�ه وبركات�ه. وال�رد بالمثل أن تقول لمن ق��ال الس�الم علي��ك: علي��ك الس��الم، إال أن��ه ينبغي أن يك��ون الس�الم كل�ه بلف��ظ الجماع�ة، وإن ك�ان المس�لم علي��ه واح�دا. روى األعمش عن إبراهيم النخعي ق��ال: إذا س��لمت على الواح�د فق��ل: الس�الم عليكم، فإن معه المالئكة. وكذلك الجواب يكون بلفظ الجمع؛ قال ابن أبي زيد: يقول المسلم السالم عليكم، ويق��ول ال��راد وعليكم الس��الم، أو يق��ول السالم عليكم كما قيل له؛ وهو معنى قول�ه "أو ردوه��ا "وال تق��ل في ردك:

سالم عليك. @ واالختيار في التس��ليم واألدب في��ه تق��ديم اس��م الل��ه تع��الى على اس��م

[. وقال130المخلوق؛ قال الله تعالى: "سالم على إل ياسين "]الصافات: في قصة إب��راهيم علي��ه الس��الم: "رحم��ة الل��ه وبركات��ه عليكم أه��ل ال��بيت

[. وفي47[. وقال مخبرا عن إب��راهيم: "س��الم علي��ك "]م��ريم: 73"]هود: صحيحي البخاري ومس��لم من ح��ديث أبي هري��رة ق��ال: ق��ال رس��ول الل��ه صلى الله عليه وسلم: )خلق الله عز وجل آدم على ص��ورته ط��ول س��تون ذراعا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نف��ر من المالئك��ة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك - ق�ال - ف�ذهب فق�ال السالم عليكم فقالوا السالم عليك ورحمة الله - قال - فزادوه ورحمة الله

- قال - فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا فلم يزلالخلق ينقص بعده حتى اآلن (.

قلت: فقد جمع هذا الحديث مع صحته فوائد سبعا: األولى: اإلخبار عن صفة خلق آدم. الثانية: أنا ندخل الجنة عليها بفضله. الثالثة: تس��ليم القلي��ل على الكثير. الرابعة: تقديم اسم الله تعالى. الخامسة: الرد بالمثل لقولهم: السالم عليكم. السادسة: الزيادة في ال��رد. الس��ابعة: إجاب��ة الجمي��ع ب��الرد

كما يقول الكوفيون. والله أعلم. @ فإن رد فقدم اسم المسلم عليه لم يأت محرما وال مكروها؛ لثبوت��ه عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال للرجل الذي لم يحسن الص��الة وق��د سلم عليه: )وعليك السالم أرجع فص��ل فإن��ك لم تص��ل (. وق��الت عائش��ة: وعليه السالم ورحمة الله؛ حين أخبره��ا الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم أن جبريل يقرأ عليها السالم. أخرجه البخاري. وفي ح��ديث عائش��ة من الفق��ه أن الرجل إذا أرس��ل إلى رج��ل بس��المه فعلي��ه أن ي��رد. كم��ا ي��رد علي��ه إذا شافهه. وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وس��لم فق��ال: إن أبي يقرئ��ك السالم؛ فقال: )عليك وعلى أبيك الس��الم (. وق��د روى النس��ائي وأب��و داود من حديث جابر بن سليم قال: لقيت رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم فقلت: عليك السالم يا رسول الله؛ فقال: )ال تقل عليك السالم فإن علي��ك السالم تحية الميت ولكن قل السالم عليك(. وهذا الح��ديث ال يثبت؛ إال أن��ه لما جرت عادة العرب بتقديم اسم المدعو علي�ه في الش�ر كق�ولهم: علي�ه لعنة الله وغضب الله. قال الله تعالى: "وإن عليك لعنتي إلى ي��وم ال��دين".

[. وك��ان ذل��ك أيض��ا دأب الش��عراء وع��ادتهم في تحي��ة الم��وتى؛78]ص: كقولهم:

عليك سالم الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما وقال آخر وهو الشماخ:

عليك سالم من أمير وباركت يد الله في ذاك األديم الممزق نهاه عن ذلك، ال أن ذاك هو اللفظ المشروع في ح��ق الم��وتى؛ ألن��ه علي��ه الس��الم ثبت عن��ه أن��ه س��لم على الم��وتى كم��ا س��لم على األحي��اء فق��ال: )السالم عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن ش��اء الل��ه بكم الحق��ون (. فق��الت عائشة: قلت يا رسول الله، كيف أق��ول إذا دخلت المق��ابر ؟ ق��ال: )ق��ولي الس��الم عليكم أه��ل ال��ديار من المؤم��نين ( الح��ديث؛ وس��يأتي في س��ورة

"ألهاكم" ]التكاثر[ إن شاء الله تعالى. قلت: وقد يحتمل أن يكون حديث عائشة وغيره في السالم على أهل

القب��ور جميعهم إذا دخله�ا وأش��رف عليه�ا، وح�ديث ج�ابر بن س��ليم خ�اصبالسالم على المرور المقصود بالزيارة. والله أعلم.

@ من السنة تسليم الراكب على الماشي، والق��ائم على القاع��د، والقلي��ل على الكثير؛ هكذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة. ق��ال: ق��ال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )يسلم الراكب ( ف��ذكره فب��دأ ب��الراكب لعلو مرتبته؛ وألن ذلك أبعد له من الزهو، وك�ذلك قي��ل في الماش��ي مثل��ه. وقيل: لما كان القاعد على حال وقار وثبوت وسكون فله مزية ب��ذلك على الماشي؛ ألن حاله على العكس من ذلك. وأم�ا تس��ليم القلي�ل على الكث��ير فمراعاة لش��رفية جم��ع المس��لمين وأك��ثريتهم. وق��د زاد البخ��اري في ه��ذا الحديث )ويسلم الص��غير على الكب��ير (. وأم��ا تس��ليم الكب��ير على الص��غير

فروى أشعث عن الحسن أنه كان ال يرى التسليم على الصبيان؛ ق��ال: ألن الرد فرض والصبي ال يلزمه الرد فال ينبغي أن يسلم عليهم. وروي عن ابن سيرين أنه كان يسلم على الصبيان ولكن ال يسمعهم. وقال أك��ثر العلم��اء: التسليم عليهم أفضل من تركه. وق�د ج�اء في الص�حيحين عن س�يار ق�ال: كنت أمشي مع ثابت فمر بصبيان فسلم عليهم، وذكر أنه ك��ان يمش��ي م��ع أنس فمر بصبيان فسلم عليهم، وح�دث أن�ه ك�ان يمش�ي م�ع رس��ول الل�ه صلى الله عليه وسلم فمر بص��بيان فس��لم عليهم. لف��ظ مس��لم. وه��ذا من خلقه العظيم صلى الله عليه وسلم، وفيه تدريب للصغير وحض على تعليم

السنن ورياضة لهم على آداب الشريعة فيه؛ فلتقتد. وأما التسليم على النساء فجائز إال على الشابات منهن خوف الفتن��ة

من مكالمتهن بنزعة شيطان أو خائنة عن. وأما المتجاالت والعج��ز فحس��ن لألمن فيما ذكرناه؛ هذا قول عطاء وقت��ادة، وإلي��ه ذهب مال��ك وطائف��ة من العلماء. ومنعه الكوفيون إذا لم يكن منهن ذوات محرم وقالوا: لم��ا س��قط عن النس��اء األذان واإلقام��ة والجه��ر ب��القراءة في الص��الة س��قط عنهن رد السالم فال يسلم عليهن. والصحيح األول لما خرجه البخ��اري عن س��هل بن سعد قال: كنا نفرح بيوم الجمعة. قلت ولم ؟ قال: كانت لنا عج��وز ترس��ل إلى بضاعة - قال ابن مس�لمة: نخ��ل بالمدين�ة - فتأخ�ذ من أص�ول الس�لق فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شعير، ف��إذا ص��لينا الجمع��ة انص��رفنا فنسلم عليها فتقدمه إلينا فنفرح من أجله: وما كنا نقيل وال نتغ��دى إال بع��د

الجمعة. تكركر أي تطحن؛ قاله القتبي. @ والسنة في السالم والجواب الجهر؛ وال تكفي اإلش��ارة باإلص��بع والك��ف عن��د الش��افعي، وعن��دنا تكفي إذا ك��ان على بع��د؛ روى ابن وهب عن ابن مسعود قال: السالم اسم من أسماء الله عز وجل وض��عه الل��ه في األرض فأفشوه بينكم؛ فإن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه ك��ان ل��ه عليهم فضل درجة ألنه ذك��رهم، ف��إن لم ي��ردوا علي��ه رد علي��ه من ه��و خ��ير منهم وأطيب. وروى األعمش عن عمرو بن م�رة عن عبدالل��ه بن الح��ارث ق��ال: إذا سلم الرجل على القوم كان له فضل درج�ة، ف�إن لم ي�ردوا علي��ه ردت علي��ه المالئك��ة ولعنتهم. ف��إذا رد المس��لم علي��ه أس��مع جواب��ه؛ ألن��ه إذا لم يسمع المسلم لم يكن جواب�ا ل�ه؛ أال ت�رى أن المس�لم إذا س��لم بس�الم لم يسمعه المسلم عليه لم يكن ذلك منه سالما، فكذلك إذا أج��اب بج��واب لم يسمع منه فليس بجواب. وروي أن النبي صلى الله عليه وس��لم ق��ال: )إذا س��لمتم فأس��معوا وإذا رددتم فأس��معوا وإذا قع��دتم فأقع��دوا باألمان��ة وال يرفعن بعضكم حديث بعض (. قال ابن وهب: وأخبرني أس��امة بن زي��د عن نافع قال: كنت أس��اير رجال من فقه��اء الش��ام يق��ال ل��ه عبدالل��ه بن زكري��ا فحبستني دابتي تبول، ثم أدركته ولم أسلم عليه؛ فقال: أال تسلم ؟ فقلت: إنما كنت معك آنفا؛ فقال: وإن صح؛ لقد ك��ان أص��حاب رس��ول الل��ه ص��لى الله عليه وسلم يتسايرون فيفرق بينهم الش��جر ف��إذا التق��وا س��لم بعض��هم

على بعض. @ وأم��ا الك��افر فحكم ال��رد علي��ه أن يق��ال ل��ه: وعليكم. ق��ال ابن عب��اس وغيره: الم��راد باآلي��ة: "وإذا ح��ييتم بتحي��ة "ف��إذا ك��انت من م��ؤمن "فحي��وا بأحسن منها "وإن كانت من كافر فردوا على ما قال رسول الله صلى الله

علي��ه وس��لم أن يق��ال لهم: )وعليكم (. وق��ال عط��اء: اآلي��ة في المؤم��نينخاصة، ومن سلم من غيرهم قيل له: عليك؛ كما جاء في الحديث.

قلت: فقد جاء إثبات الواو وإسقاطها في صحيح مسلم )عليك ( بغير واو وهي الرواية الواضحة المعنى، وأما مع إثبات الواو ففيه��ا إش��كال؛ ألن الواو العاطفة تقتضي التشريك فيلزم من��ه أن ي��دخل معهم فيم��ا دع��وا ب��ه علينا من الموت أو من سامة ديننا؛ فاختلف المت��أولون ل��ذلك على أق��وال: أوالها أن يقال: إن الواو على بابه��ا من العط��ف، غ��ير أن��ا نج��اب عليهم وال يجابون علينا، كما قال صلى الل��ه علي��ه وس��لم. وقي��ل: هي زائ��دة. وقي��ل: لالستئناف. واألولى أولى. ورواية حذف ال��واو أحس��ن مع��نى وإثباته��ا أص��ح

رواية وأشهر، وعليها من العلماء األكثر. @ واختل��ف في رد الس��الم على أه��ل الذم��ة ه��ل ه��و واجب ك��الرد على المسلمين؛ وإليه ذهب ابن عب��اس والش��عبي وقت��ادة تمس��كا بعم��وم اآلي��ة وباألمر بالرد عليهم في صحيح السنة. وذهب مالك فيم��ا روى عن��ه أش��هب وابن وهب إلى أن ذلك ليس بواجب؛ فإن رددت فق��ل: علي��ك. واخت��ار ابن ط�اوس أن يق�ول في ال�رد عليهم: عالك الس�الم. أي ارتف�ع عن�ك. واخت��ار بعض علمائنا السالم )بكسر السين ( يعني به الحجارة. وقول مالك وغ��يره في ذل�ك ك�اف ش��اف كم�ا ج�اء في الح�ديث، وس�يأتي في س�ورة "م�ريم "القول في ابتدائهم بالسالم عند قوله تعالى إخب�ارا عن إب�راهيم في قول��ه

[. وفي ص��حيح مس��لم عن أبي هري��رة عن47ألبيه "سالم علي��ك "]م��ريم: النبي صلى الله عليه وسلم قال: )ال تدخلون الجن��ة ح�تى تؤمن�وا وال ت�ؤدوا ح��تى تح��ابوا أوال أدلكم على ش��يء إذا فعلتم��وه تح��اببتم أفش��وا الس��المبينكم (. وهذا يقتضي إفشاءه بين المسلمين دون المشركين. والله أعلم. @ وال يسلم على المصلي فإن سلم عليه فهو بالخيار إن شاء رد باإلش��ارة بإصبعه وإن شاء أمسك حتى يفرغ من الصالة ثم ي��رد. وال ينبغي أن يس��لم على من يقضي حاجته فإن فعل لم يلزمه أن ي��رد علي��ه. دخ��ل رج��ل على النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحال فقال ل��ه: )إذا وج��دتني أو رأيتني على هذه الحل فال تسلم علي فإنك إن سلمت علي لم أرد عليك (. وال يسلم على من يقرأ القرآن فيقطع عليه قراءت��ه، وه��و بالخي��ار إن ش��اء رد وإن شاء أمسك حتى يفرغ ثم يرد، وال يسلم على من دخل الحمام وهو كاشف العورة، أو كان مشغوال بما له دخل بالحمام، ومن كان بخالف ذل��ك

سلم عليه. @قوله تعالى: "إن الله كان على كل شيء حسيبا" معن��اه حفيظ��ا. وقي��ل: كافيا؛ من قولهم: أحسبني كذا أي كفاني، ومثله حسبك الله. وق��ال قت��ادة: محاسبا كما يق��ال: أكي��ل بمع��نى مواك��ل. وقي��ل: ه��و فعي��ل من الحس��اب، وحسنت هذه الصفة هنا؛ ألن معنى اآلية في أن يزي��د اإلنس��ان أو ينقص أو يوفي قدر ما يجيء به. روى النسائي عن عمران بن حصين قال: كن��ا عن��د النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فس��لم، فق�ال: الس�الم عليكم ف�رد عليه رسول الله صلى الله عليه وس��لم وق��ال: )عش��ر ( ثم جلس، ثم ج��اء آخر فسلم فقال: السالم عليكم ورحمة الله؛ فرد عليه رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وق��ال: )عش��رون ( ثم جلس وج��اء آخ��ر فق��ال: الس��الم عليكم ورحمة الله وبركاته؛ فرد عليه رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وق��ال: )ثالث��ون (. وق��د ج��اء ه��ذا الخ��بر مفس��را وه��و أن من ق��ال ألخي��ه

المسلم: س��الم عليكم كتب ل�ه عش��ر حس�نات، ف�إن ق��ال: الس��الم عليكم ورحمة الله كتب له عشرون حسنة. فإن قال: السالم عليكم ورحم��ة الل��ه

وبركاته كتب له ثالثون حسنة، وكذلك لمن رد من األجر. والله أعلم. }الل��ه ال إل��ه إال ه��و ليجمعنكم إلى ي��وم القيام��ة ال ريب في��ه87*اآلية: 3*

ومن أصدق من الله حديثا{ @قوله تعالى: "الله ال إله إال هو" ابتداء وخبر. والالم في ق��ول "ليجمعنكم "الم القسم؛ نزلت في الذين شكوا في البعث فأقسم الله تع��الى بنفس��ه. وكل الم بع��دها ن��ون مش��ددة فه��و الم القس��م. ومعن��اه في الم��وت وتحت األرض "إلى يوم القيامة ال ريب فيه" وقال بعضهم: "إلى" صلة في الكالم، معناه ليجمعنكم يوم القيامة. وسميت القيام��ة قيام��ة ألن الن��اس يقوم��ون فيه لرب العالمين جل وعز؛ قال الله تعالى: "أال يظن أولئك أنهم مبعوثون

-�� 4ليوم عظيم. يوم يقوم الناس لرب العالمين" ]المطففين: [. وقي��ل:6 سمي يوم القيامة ألن الناس يقومون من قبورهم إليه��ا؛ ق��ال الل��ه تع�الى:

[ وأص��ل القيام��ة ال��واو.43"يوم يخرجون من األجداث سراعا "]المع��ارج: "ومن أصدق من الله حديثا" نصب على البيان، والمعنى ال أحد أص��دق من الله. وقرأ حمزة والكسائي "ومن أزدق" بالزاي. الب��اقون: بالص��اد، وأص��له

الصاد إال أن لقرب مخرجها جعل مكانها زاي. }فما لكم في المن��افقين فئ��تين والل��ه أركس��هم بم��ا كس��بوا88*اآلية: 3*

أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيال{ @قول��ه تع��الى: "فم��ا لكم في المن��افقين فئ��تين" "فئ��تين "أي فرق��تين مختلفتين. روى مسلم عن زيد بن ثابت أن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم خرج إلى أحد فرجع ناس ممن كان معه، فكان أص��حاب الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم فيهم فرقتين؛ فقال بعضهم: نقتلهم. وقال بعض��هم: ال؛ ف��نزلت "فم��ا لكم في المن��افقين فئ��تين". وأخرج��ه الترم��ذي ف��زاد: وق��ال: )إنه��ا طيبة ( وقال: )إنها تنفي الخبيث كما تنفي النار خبث الحديد ( قال: ح��ديث حسن صحيح. وقال البخاري: )إنها طيبة تنفي الخبث كم��ا تنفي الن��ار خبث الفضة (. والمعني بالمنافقين هن��ا عبدالل��ه بن أبي وأص��حابه ال��ذين خ��ذلوا رسول الله ص�لى الل�ه علي�ه وس�لم ي�وم أح�د ورجع�وا بعس�كرهم بع�د أن خرجوا؛ كما تقدم في "آل عمران". وقال ابن عباس: هم فوم بمك��ة آمن��وا وتركوا الهجرة، ق�ال الض��حاك: وق��الوا إن ظه�ر محم��د - ص�لى الل��ه علي�ه وسلم - فقد عرفنا، وإن ظهر قومنا فهو أحب إلينا. فصار المسلمون فيهم فئتين قوم يتولونهم وقوم يتبرؤون منهم؛ فقال الل��ه ع��ز وج��ل: "فم��ا لكم في المنافقين فئتين". وذكر أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبي��ه أنه��ا ن��زلت في ق��وم ج��اؤوا إلى المدين��ة وأظه��روا اإلس��الم؛ فأص��ابهم وب��اء المدين��ة وحماها؛ فأركسوا فخرجوا من المدينة، فاستقبلهم نفر من أص��حاب الن��بي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما لكم رجعتم ؟ فقالوا: أصابنا وب��اء المدين��ة فاجتويناها؛ فقالوا: ما لكم في رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم أس��وة؟ فقال بعضهم: نافقوا. وقال بعضهم: لم ينافقوا، هم مسلمون؛ ف��أنزل الل��ه عز وجل: "فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بم��ا كس��بوا "اآلي��ة. حتى جاؤوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون، ثم ارتدوا بعد ذل��ك، فاس��تأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيه��ا،

ف��اختلف فيهم المؤمن��ون فقائ��ل يق��ول: هم من��افقون، وقائ��ل يق��ول: هممؤمنون؛ فبين الله تعالى نفاقهم وأنزل هذه اآلية وأمر بقتلهم.

قلت: وهذان القوالن يعضدهما سياق آخر اآلية من قوله تعالى: "حتى [، واألول أص��ح نقال، وه��و اختي��ار البخ��اري ومس��لم89يه��اجروا" ]النس��اء:

والترم��ذي. و"فئ��تين "نص��ب على الح��ال؛ كم��ا يق��ال: مال��ك قائم��ا ؟ عن األخفش. وقال الكوفيون: هو خ�بر "م��ا لكم "كخ��بر ك��ان وظننت، وأج�ازوا إدخال األلف والالم فيه وحكى الفراء: "أركسهم، وركس��هم "أي ردهم إلى الكفر ونكسهم؛ وقال النضر بن شميل والكسائي: وال��ركس والنكس قلب الش��يء على رأس��ه، أو رد أول��ه على آخ��ره، والمرك��وس المنك��وس. وفي

قراءة عبدالله وأبي رضي الله عنهما "والله ركسهم". وقال ابن رواحة: أركسوا في فتنة مظلمة كسواد الليل يتلوها فتن

أي نكس��وا. وارتكس فالن في أم��ر ك��ان نج��ا من��ه. والركوس��ية ق��وم بين النص��ارى والص��ابئين. وال��راكس الث��ور وس��ط الب��در والث��يران حوالي��ه حين الدياس. "أتريدون أن تهدوا من أض��ل الل��ه" أي ترش��دوه إلى الث��واب ب��أن يحكم لهم بحكم المؤم��نين. "فلن تج��د ل��ه س��بيال" أي طريق��ا إلى اله��دى والرشد وطلب الحجة. وفي هذا رد على القدري��ة وغ��يرهم الق��ائلين بخل��ق

هداهم وقد تقدم.-� 89*اآليتان: 3* }ودوا ل�و تكف�رون كم�ا كف�روا فتكون�ون س�واء فال90

تتخ��ذوا منهم أولي��اء ح��تى يه��اجروا في س��بيل الل��ه ف��إن تول��وا فخ��ذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم وال تتخذوا منهم وليا وال نصيرا، إال الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حص��رت ص�دورهم أن يق�اتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اع��تزلوكم فلم

يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيال{ @قول��ه تع��الى: "ودوا ل��و تكف��رون" أي تمن��وا أن تكون��وا كهم في الكف��ر والنفاق شرع س��واء؛ ف��أمر الل��ه تع��الى ب��البراءة منهم فق��ال: "فال تتخ��ذوا منهم أولياء حتى يهاجروا "؛ كما قال تعالى: "ما لكم من واليتهم من شيء

[ والهج��رة أن��واع: منه��ا الهج��رة إلى المدين��ة72ح��تى يه��اجروا "]األنف��ال: لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت ه��ذه واجب��ة أول اإلس��الم ح��تى قال: )ال هجرة بعد الفتح (. وكذلك هجرة المن��افقين م��ع الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم في الغزوات، وهجره من أس��لم في دار الح��رب فإنه��ا واجب��ة. وهجرة المس��لم م��ا ح��رم الل��ه علي��ه؛ كم��ا ق��ال ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )والمهاجر من هجر ما ح��رم الل��ه علي��ه (. وهات��ان الهجرت��ان ثابتت��ان اآلن. وهجرة أهل المعاص��ي ح��تى يرجع��وا تأديب��ا لهم فال يكلم��ون وال يخ��الطون حتى يتوبوا؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع كعب وصاحبيه. "فإن تول��وا فخ��ذوهم واقتل��وهم "يق��ول: إن أعرض��وا عن التوحي��د والهج��رة فأسروهم واقتلوهم. "حيث وجدتموهم" عام في األم��اكن من ح��ل وح��رم.

والله أعلم. @ ثم استثنى فق��ال تع��الى: "إال ال��ذين يص��لون" اس��تثناء أي يتص��لون بهم ويدخلون فيم��ا بينهم من الج��وار والحل��ف؛ المع��نى: فال تقتل��وا قوم��ا بينهم وبين من بينكم وبينهم عهد فإنهم على عهدهم ثم انتسخت العهود فانتس��خ هذا. هذا قول مجاهد وابن زيد وغيرهم، وهو أصح ما قيل في مع��نى اآلي��ة.

قال أبو عبيد: يصلون ينتسبون؛ ومنه قول األعشى:

إذا اتصلت قالت لبكر بن وائل وبكر سبتها واألنوف رواغم يريد إذا انتسبت. قال المه��دوي: وأنك��ره العلم��اء؛ ألن النس��ب ال يمن��ع من قتال الكفار وقتلهم. وقال النحاس: وهذا غل��ط عظيم؛ ألن��ه ي��ذهب إلى أن الله تعالى حظر أن يقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب، والمشركون ق��د كان بينهم وبين السابقين األولين أنساب، وأشد من هذا الجهل بأنه كان ثم نسخ؛ ألن أهل التأويل مجمعون على أن الناس��خ ل��ه "ب��راءة "وإنم��ا ن��زلت

"براءة" بعد الفتح وبعد أن انقطعت الحروب. وقال معناه الطبري. قلت: حمل بعض العلماء معنى ينتسبون على األمان؛ أي إن المنتسب

إلى أهل األمان آمن إذا أمن الك��ل منهم، ال على مع��نى النس��ب ال��ذي ه��و بمعنى القرابة. واختلف في هؤالء الذين ك��ان بينهم وبين الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم ميثاق؛ فقيل: بنو م��دلج. عن الحس��ن: ك��ان بينهم وبين ق��ريش عقد، وكان بين قريش وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عه��د. وق��ال عكرمة: نزلت في هالل بن عويمر وس��راقة بن جعش��م وخزيم��ة بن ع��امر بن عبد مناف كان بينهم وبين النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم عه��د. وقي��ل: خزاعة. وقال الضحاك عن ابن عباس: أنه أراد ب��القوم ال��ذين بينكم وبينهم

ميثاق بني بكر بن زيد بن مناة، كانوا في الصلح والهدنة. @ في هذه اآلية دليل على إثبات الموادعة بين أهل الحرب وأهل اإلس��الم إذا كان في الموادعة مصلحة للمسلمين، على ما ي��أتي بيان��ه في "األنف��ال

وبراءة "إن شاء الله تعالى. @قوله تعالى: "أو جاؤوكم حصرت صدورهم" أي ضاقت. وقال لبيد:

أسهلت وانتصبت كجذع منيفة جرداء يحصر دونها جرامها أي تضيق صدورهم من طول ه��ذه النخل��ة؛ ومن��ه الحص��ر في الق��ول وه��و

ضيق الكالم على المتكلم. والحصر الكتوم للسر؛ قال جرير: ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا حصرا بسرك يا أميم ضنينا

ومعنى "حصرت "قد حص��رت فأض��مرت ق��د؛ ق��ال الف��راء: وه��و ح��ال من المضمر المرفوع في "جاؤوكم "كما تق��ول: ج��اء فالن ذهب عقل��ه، أي ق��د ذهب عقله. وقيل: ه��و خ��بر بع��د خ��بر قال��ه الزج��اج. أي ج��اؤوكم ثم أخ��بر فقال: "حصرت صدورهم "فعلى هذا يك��ون "حص��رت "ب��دال من "ج��اؤوكم "كما قيل: "حصرت "في موضع خفض على النعت لق��وم. وفي ح��رف أبي "إال الذين يص��لون إلى ق��وم بينكم وبينهم ميث��اق حص��رت ص��دورهم "ليس في��ه "أو ج��اؤوكم". وقي��ل: تق��ديره أو ج��اؤوكم رج��اال أو قوم��ا حص��رت ص��دورهم؛ فهي ص��فة موص��وف منص��وب على الح��ال. وق��رأ الحس��ن "أو جاؤوكم حصرة ص��دورهم "نص��ب على الح��ال، ويج��وز رفع��ه على االبت��داء والخبر. وحكى "أو جاؤوكم حصرت صدورهم"، ويجوز الرفع. وق��ال محم��د بن يزيد: "حصرت صدورهم "هو دعاء عليهم؛ كما تقول: لعن الل��ه الك��افر؛ وق��ال الم��برد. وض��عفه بعض المفس��رين وق��ال: ه��ذا يقتض��ي أال يق��اتلوا قومهم؛ وذلك فاسد؛ ألنهم كفار وقومهم كفار. وأجيب ب��أن معن��اه ص��حيح، فيك��ون ع��دم القت��ال في ح��ق المس��لمين تعج��يزا لهم، وفي ح��ق ق��ومهم تحقيرا لهم. وقيل: "أو "بمع��نى ال��واو؛ كأن��ه يق��ول: إلى ق��وم بينكم وبينهم ميثاق وجاؤوكم ضيقة ص��دورهم عن قت��الكم والقت��ال معكم فكره��وا قت��ال الفريقين. ويحتمل أن يكون��وا معاه��دين على ذل��ك فه��و ن��وع من العه��د، أو قالوا نسلم وال نقاتل؛ فيحتمل أن يقب��ل ذل��ك منهم في أول اإلس��الم ح��تى

يفتح الله قلوبهم للتقوى ويشرحها لإلسالم. واألول أظه��ر. والل��ه أعلم. "أويقاتلوا "في موضع نصب؛ أي عن أن يقاتلوكم.

@قوله تعالى: "ول��و ش��اء الل��ه لس��لطهم عليكم فلق��اتلوكم" تس��ليط الل��ه تعالى المشركين على المؤمنين ه�و ب��أن يق�درهم على ذل�ك ويق�ويهم إم�ا عقوبة ونقمة عند إذاعة المنكر وظهور المعاصي، وإم��ا ابتالء واختب��ارا كم��ا ق��ال تع��الى: "ولنبل��ونكم ح��تى نعلم المجاه��دين منكم والص��ابرين ونبل��و

[، وإما تمحيص��ا لل��ذنوب كم��ا ق��ال تع��الى: "وليمحص31أخباركم" ]محمد: [ ولله أن يفع��ل م��ا يش��اء ويس��لط من141الله الذين آمنوا "]آل عمران:

يشاء على من يشاء إذا ش��اء. ووج��ه النظم واالتص��ال بم��ا قب��ل أي اقتل��وا المن��افقين ال��ذين اختلفتم فيهم إال أن يه��اجروا، وإال أن يتص��لوا بمن بينكم وبينهم ميثاق فيدخلون فيما دخلوا فيه فلهم حكمهم، وإال الذين جاؤوكم قد حص��رت ص��دورهم عن أن يق��اتلوكم أو يق��اتلوا ق��ومهم ف��دخلوا فيكم فال

تقتلوهم. }ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل م��ا91*اآلية: 3*

ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم الس��لم ويكف��وا أي���ديهم فخ���ذوهم واقتل���وهم حيث ثقفتم���وهم وأولئكم جعلن���ا لكم عليهم

سلطانا مبينا{ @قول��ه تع��الى: "س��تجدون آخ��رين يري��دون أن ي��أمنوكم وي��أمنوا ق��ومهم" معناها مع��نى اآلي��ة األولى. ق��ال قت��ادة: ن��زلت في ق��وم من تهام��ة طلب��وا األمان من النبي صلى الله عليه وسلم ليأمنوا عنده وعند ق��ومهم. مجاه��د: هي في قوم من أهل مكة. وقال السدي: نزلت في نعيم بن مس��عود ك��ان يأمن المسلمين والمشركين. وقال الحسن: ه��ذا في ق��وم من المن��افقين. وقي��ل: ن��زلت في أس��د وغطف��ان ق��دموا المدين��ة فأس��لموا ثم رجع��وا إلى

ديارهم فأظهروا الكفر. @قوله تعالى: "كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيه��ا" ق��رأ يح��يى بن وث��اب واألعمش "ردوا "بكسر الراء؛ ألن األص��ل "رددوا "ف��أدغم وقلبت الكس��رة على الراء. "إلى الفتنة "أي الكفر "أركسوا فيها". وقيل: أي س��تجدون من يظهر لكم الصلح لي��أمنوكم، وإذا س��نحت لهم فتن��ة ك��ان م��ع أهله��ا عليكم. ومعنى "أركسوا فيها "أي انتكسوا عن عهدهم الذين عاهدوا. وقيل: أي إذا

دعوا إلى الشرك رجعوا وعادوا إليه. }وما كان لمؤمن أن يقت��ل مؤمن��ا إال خط��أ ومن قت��ل مؤمن��ا92*اآلية: 3*

خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مس��لمة إلى أهل��ه إال أن يص��دقوا ف��إن ك��ان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من ق��وم بينكم وبينهم ميث��اق فدي��ة مس��لمة إلى أهل��ه وتحري��ر رقب��ة مؤمن��ة فمن لم يج��د

فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما{ @قوله تعالى: "وم��ا ك�ان لم��ؤمن أن يقت��ل مؤمن��ا إال خط��أ" ه��ذه آي��ة من أمهات األحكام. والمعنى ما ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمنا إال خط��أ؛ فقول��ه: "وما كان "ليس على النفي وإنما ه��و على التح��ريم والنهي، كقول��ه: "وم��ا

[ ول��و ك��انت على النفي لم��ا53كان لكم أن تؤذوا رسول الل��ه "]األح�زاب: وجد مؤمن قتل مؤمنا قط؛ ألن ما نفاه الله فال يجوز وجوده، كقوله تعالى:

[. فال يق��در العب��اد أن ينبت��وا60"م��ا ك��ان لكم أن تنبت��وا ش��جرها "]النم��ل: شجرها أبدا. وقال قتادة: المعنى ما كان له ذلك في عه�د الل��ه. وقي�ل: م�ا

كان له ذلك فيما سلف، كما ليس له اآلن ذل��ك بوج��ه، ثم اس��تثنى اس��تثناء منقطعا ليس من األول وهو الذي يكون في��ه "إال "بمع��نى "لكن "والتق��دير ما كان له أن يقتله البتة لكن إن قتله خط�أ فعلي�ه ك�ذا؛ ه�ذا ق�ول س�يبويه والزجاج رحمهما الله. ومن االستثناء المنقطع قوله تعالى: "ما لهم ب��ه من

[: وقال النابغة: 157علم إال اتباع الظن "]النساء:وقفت فيها أصيالنا أسائلها عيت جوابا وما بالربع من أحد إال األواري أليا ما أبينها والنوي كالحوض بالمظلومة الجلد

فلما لم تكن "األواري "من جنس أحد حقيق��ة لم ت��دخل في لفظ��ه. ومثل��هقول اآلخر:

أمسى سقام خالء ال أنيس به إال السباع ومر الريح بالغرف وقال آخر:

وبلدة ليس بها أنيس إال اليعافير وإال العيس وقال آخر:

وبعض الرجال نخلة ال جنى لها وال ظل إال أن تعذ من النخل أنشده سيبويه؛ ومثله كثير، ومن أبدعه قول جرير:

من البيض لم تظعن بعيدا ولم تط��أ على األرض إال ذي��ل م��رط مرحل

كأنه قال: لم تطأ على األرض إال أن تط�أ ذي�ل ال�برد. ون�زلت اآلي�ة بس�بب قتل عياش بن أبي ربيع��ة الح��ارث بن يزي��د بن أبي أنيس��ة الع��امري لحن��ة كانت بينهم��ا، فلم��ا ه��اجر الح��ارث مس��لما لقي��ه عي��اش فقتل��ه ولم يش��عر بإسالمه، فلما أخبر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رس��ول الل��ه، إنه قد كان من أمري وأمر الحارث ما قد علمت، ولم أشعر بإسالمه ح��تى قتلته فنزلت اآلية. وقيل: هو استثناء متصل، أي وما كان لم��ؤمن أن يقت��ل مؤمنا وال يقتص منه إال أن يكون خطأ؛ فال يقتص منه؛ ولكن فيه كذا وك��ذا. ووجه آخر وهو أن يقدر كان بمعنى استقر ووجد؛ كأنه قال: وم��ا وج��د وم��ا تقرر وما ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمن��ا إال خط��أ إذ ه��و مغل��وب في��ه أحيان��ا؛ فيجيء االستثناء على هذين التأويلين غير منقطع. وتتضمن اآلي��ة على ه��ذا إعظام العمد وبشاعة شأنه؛ كما تقول: ما كان ل��ك ي��ا فالن أن تتكلم به��ذا إال ناسيا ؟ إعظاما للعمد والقصد مع حظر الكالم به البت��ة. وقي��ل: المع��نى وال خطأ. قال النحاس: وال يجوز أن تكون "إال" بمعنى الواو، وال يعرف ذلك في كالم الع��رب وال يص��ح في المع��نى؛ ألن الخط��أ ال يحظ��ر. وال يفهم من دليل خطابه جواز قتل الكافر المس��لم ف��إن المس��لم مح��ترم ال��دم، وإنم��ا خص المؤمن بالذكر تأكيدا لحنانه وأخوته وشفقته وعقيدته. وق��رأ األعمش "خطاء "ممدودا في المواضع الثالثة. ووجوه الخطأ كثيرة ال تحصى يربطها عدم القصد؛ مثل أن يرمي صفوف المشركين فيص��يب مس��لما. أو يس��عى بين يديه من يستحق القتل من زان أو محارب أو مرتد فطلبه ليقتله فلقي غيره فظنه هو فقتله فذلك خطأ. أو يرمي إلى غرض فيصيب إنسانا أو م��ا جرى مجراه؛ وهذا مما ال خالف فيه. والخطأ اسم من أخطأ خط��أ وإخط��اء إذا لم يصنع عن تعمد؛ فالخطأ االسم يقوم مقام اإلخطاء. ويق��ال لمن أراد شيئا ففعل غير: أخطأ، ولمن فعل غير الص��واب: أخط��أ. ق��ال ابن المن��ذر: قال الله تبارك وتعالى: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إال خطأ "إلى قوله تعالى: "ودية مسلمة إلى أهل��ه "فحكم الل��ه ج��ل ثن��اؤه في الم��ؤمن يقت��ل

خطأ بالدية، وثبتت السنة الثابتة عن رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لمعلى ذلك وأجمع أهل العلم على القول به.

@ ذهب داود إلى القص��اص بين الح��ر والعب��د في النفس، وفي ك��ل م��ا يستطاع القصاص في��ه من األعض��اء؛ تمس��كا بقول��ه تع��الى: "وكتبن��ا عليهم

[ إلى قوله تعالى: "والجروح قصاص45فيها أن النفس بالنفس "]المائدة: [، وقول�ه علي��ه الس��الم: )المس�لمون تتكاف��أ دم��اؤهم ( فلم45"]المائ�دة:

يفرق بين حر وعبد؛ وهو قول ابن أبي ليلى. وقال أب��و حنيف��ة وأص��حابه: ال قصاص بين األحرار والعبي��د إال في النفس فيقت��ل الح��ر بالعب��د، كم��ا يقت��ل العبد ب��الحر، وال قص��اص بينهم��ا في ش��يء من الج��راح واألعض��اء. وأجم��ع العلماء على أن قوله تعالى: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إال خطأ" أن��ه لم يدخل فيه العبيد، وإنما أريد به األحرار دون العبي��د؛ فك��ذلك قول��ه علي��ه السالم: )المسلمون تتكاف�أ دم�اؤهم ( أري�د ب�ه األح�رار خاص�ة. والجمه�ور على ذل���ك وإذا لم يكن قص���اص بين العبي���د واألح���رار فيم���ا دون النفس

فالنفس أحرى بذلك؛ وقد مضى هذا في "البقرة". @قوله تعالى: "فتحرير رقبة مؤمنة" أي فعليه تحرير رقب��ة؛ ه��ذه الكف��ارة ال��تي أوجبه��ا الل��ه تع��الى في كف��ارة القت��ل والظه��ار أيض��ا على م��ا ي��أتي. واختلف العلم��اء فيم��ا يج��زئ منه��ا، فق��ال ابن عب��اس والحس��ن والش��عبي والنخعي وقتادة وغيرهم: الرقبة المؤمنة هي التي ص��لت وعقلت اإليم��ان، ال تجزئ في ذلك الصغيرة، وهو الصحيح في هذا الباب ق��ال عط��اء بن أبي رب��اح: يج��زئ الص��غير المول��ود بين مس��لمين. وق��ال جماع��ة منهم مال��ك والشافعي: يجزئ كل من حكم له بحكم في الصالة عليه إن م��ات ودفن��ه. وقال مالك: من صلى وص�ام أحب إلي. وال يج�زئ في ق�ول كاف�ة العلم�اء أعمى وال مقع�د وال مقط�وع الي�دين أو ال�رجلين وال أش�لهما، ويج�زئ عن�د أكثرهم األعرج واألعور. قال مال��ك: إال أن يك��ون عرج��ا ش��ديدا. وال يج��زئ عند مالك والشافعي وأكثر العلماء أقطع إحدى الي��دين أو إح��دى ال��رجلين، ويجزئ عند أبي حنيفة وأصحابه. وال يجزئ عند أك��ثرهم المجن��ون المطب��ق وال يجزئ عند مالك الذي يجن ويفيق، ويجزئ عند الشافعي. وال يجزئ عند مالك المعتق إلى سنين، ويجزئ عند الشافعي. وال يجزئ المدبر عند مالك واألوزاعي وأصحاب الرأي، ويجزئ في قول الش��افعي وأبي ث��ور، واخت��اره ابن المنذر. وقال مالك: ال يصح من أعت��ق بعض��ه؛ لقول��ه تع��الى: "فتحري��ر رقبة". ومن أعتق البعض ال يقال ح�رر رقب��ة وإنم�ا ح�رر بعض��ها. واختلف�وا أيضا في معناها فقيل: أوجبت تمحيصا وطه��ورا ل��ذنب القات��ل، وذن��ه ت��رك االحتياط والتحفظ حتى هلك على يديه امرؤ محق��ون ال��دم. وقي��ل: أوجبت بدال من تعطيل حق الله تعالى في نفس القتي�ل، فإن�ه ك�ان ل�ه في نفس�ه حق وهو التنعم بالحياة والتصرف فيما أحل له تص��رف األحي��اء. وك��ان لل��ه سبحانه فيه حق، وهو أنه كان عب��دا من عب��اده يجب ل��ه من أم��ر العبودي��ة صغيرا كان أو كبيرا حرا كان أو عبدا مسلما كان أو ذمي��ا م��ا يتم��يز ب��ه عن البه��ائم وال��دواب، وي��رتجى م��ع ذل��ك أن يك��ون من نس��له من يعب��د الل��ه ويطيع��ه، فلم يخ��ل قاتل��ه من أن يك��ون ف��وت من��ه االس��م ال��ذي ذكرن��ا، والمعنى الذي وصفنا، فلذلك ضمن الكفارة. وأي واحد من هذين المعن��يين كان، ففيه بيان أن النص وإن وقع على القاتل خطأ فالقاتل عمدا مثله، بل

أولى بوجوب الكفارة عليه منه، على ما يأتي بيانه، والله أعلم.

@قوله تعالى: "ودية مس��لمة" الدي��ة م��ا يعطى عوض��ا عن دم القتي��ل إلى ولي��ه. "مس��لمة" مدفوع�ة م��ؤداة، ولم يعين الل��ه في كتاب��ه م��ا يعطى في الدية، وإنما في اآلية إيجاب الدية مطلقا، وليس فيه�ا إيجابه��ا على العاقل��ة أو على القاتل، وإنما أخ��ذ ذل��ك من الس��نة، وال ش��ك أن إيج��اب المواس��اة على العاقلة خالف قياس األصول في الغرامات وضمان المتلف��ات، وال��ذي وجب على العاقلة لم يجب تغليظا، وال أن وزر القاتل عليهم ولكنه مواساة محضة. واعتقد أبو حنيفة أنه��ا باعتب��ار النص��رة فأوجبه��ا على أه��ل ديوان��ه. وثبتت األخبار عن رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم ب��أن الدي��ة مائ��ة من اإلبل، ووداها صلى الله عليه وسلم في عبدالل��ه بن س��هل المقت��ول بخي��بر لحويص��ة ومحيص��ة وعب��دالرحمن، فك�ان ذل�ك بيان�ا على لس�ان نبي��ه علي�ه السالم لمجمل كتابه. وأجمع أهل العلم ع��ل أن على أه��ل اإلب��ل مائ��ة من اإلبل واختلفوا فيما يجب على غ��ير أه��ل اإلب��ل؛ فق��الت طائف��ة: على أه��ل الذهب ألف دينار، وهم أهل الشام ومصر والمغرب؛ هذا قول مالك وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه، في القديم. وروي ه��ذا عن عمر وعروة بن الزبير وقتادة. وأما أهل الورق فاثنا عش��ر أل��ف درهم، وهم أهل العراق وفارس وخراسان؛ ه��ذا م��ذهب مال��ك على م��ا بلغ��ه عن عمر أنه قوم الدية على أهل القرى فجعله��ا على أه��ل ال��ذهب أل��ف دين��ار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم. وقال المزني: قال الشافعي الدية اإلبل؛ فإن أعوزت فقيمتها بال�دراهم وال�دنانير على م��ا قومه�ا عم�ر، أل�ف دينار على أهل الذهب واثنا عشر أل��ف درهم على أه��ل ال��ورق. وق��ال أب��و حنيفة )أصحابه والثوري: الدية من الورق عشرة آالف درهم. رواه الشعبي عن عبيدة عن عمر أنه جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أه��ل الورق عشرة آالف درهم، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أه��ل الش��اء ألف شاة، وعلى أهل اإلبل مائة من اإلبل، وعلى أه��ل الحل��ل م��ائتي حل��ة. قال أبو عمر: في هذا الحديث ما يدل على أن الدنانير والدراهم صنف من أصناف الدي��ة ال على وج�ه الب�دل والقيم��ة؛ وه��و الظ�اهر من الح��ديث عن عثمان وعلي وابن عباس. وخالف أب��و حنيف��ة م��ا رواه عن عم��ر في البق��ر والشاء والحلل. وبه قال عطاء وط��اوس وطائف��ة من الت��ابعين، وه��و ق��ول الفقهاء السبعة المدنيين. قال ابن المنذر: وقالت طائفة: دية الحر المسلم مائة من اإلبل ال دية غيرها كما فرض رسول الله ص�لى الل�ه علي�ه وس��لم. هذا قول الشافعي وبه قال ط��اوس. ق��ال ابن المن��ذر: دي��ة الح��ر المس��لم مائة من اإلبل في كل زمان، كما فرض رسول الله صلى الله عليه وس��لم. واختلفت الروايات عن عمر رضي الله عن��ه في أع��داد ال��دراهم وم��ا منه��ا

شيء يصح عنه ألنها مراسيل، وقد عرفتك مذهب الشافعي وبه ونقول. @ واختلف الفقهاء في أسنان دية اإلبل؛ فروى أبو داود من ح��ديث عم��رو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من اإلبل: ثالثون بنت مخاض، وثالثون بنت لب��ون، وثالثون حقة، وعشر بني لبون. قال الخطابي: هذا الحديث ال أع��رف أح��دا قال به من الفقهاء، وإنما قال أكثر العلماء: دية الخط��أ أخم��اس. ك��ذا ق��ال أصحاب الرأي والثوري، وكذلك مالك وابن سيرين وأحمد بن حنب��ل إال أنهم اختلف��وا في األص��ناف؛ ق��ال أص��حاب ال��رأي وأحم��د: خمس بن��و مخ��اض، وخمس بنات مخاض، وخمس بن��ات لب��ون، وخمس حق��اق، وخمس ج��ذاع.

وروي هذا القول عن ابن مسعود. وق��ال مال��ك والش��افعي: خمس حق��اق، وخمس جذاع، وخمس بنات لبون، وخمس بنات مخاض، وخمس بنو لبون. وحكي ه��ذا الق��ول عن عم��ر بن عب��دالعزيز وس��ليمان بن يس��ار والزه��ري وربيعة والليث بن سعد. ق��ال الخط��ابي: وألص��حاب ال�رأي في��ه أث��ر، إال أن راويه عبدالله بن خشف بن مالك وهو مجه��ول ال يع��رف إال به��ذا الح��ديث. وعدل الشافعي عن القول به. لما ذكرنا من العلة في راويه، وألن فيه بني مخاض وال مدخل لبني مخاض في شيء من أس��نان الص��دقات. وق��د روي عن النبي صلى الله عليه وس��لم في قص��ة القس��امة أن��ه ودى قتي��ل خي��بر مائة من إبل الصدقة وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض. قال أبو عم��ر: وق��د روى زي��د بن جب��ير عن خش��ف بن مال��ك عن عبدالل��ه بن مس��عود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الدية في الخطأ أخماسا، إال أن هذا لم يرفعه إال خشف بن مالك الكوفي الطائي وه��و مجه��ول؛ ألن��ه لم ي��روه عنه إال زيد بن جبير بن حرمل الطائي الجشمي من بني جش��م بن معاوي��ة

أحد ثقات الكوفيين. قلت: قد ذكر الدارقطني في سننه حديث خشف بن مالك من رواية

حج��اج بن أرط��اة عن زي��د بن جب��ير عن خش��ف بن مال��ك عن عبدالل��ه بن مسعود قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخط��أ مائ��ة من اإلبل؛ منه�ا عش�رون حق�ة، وعش�رون جذع�ة، وعش��رون بن��ات لب��ون، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنو مخاض. قال الدارقطني: "هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرف��ة بالح��ديث من وج��وه ع��دة؛ أح��دها أن��ه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبدالله بن مسعود عن أبيه بالسند الص��حيح عن��ه، ال�ذي ال مطعن في��ه وال تأوي�ل علي��ه، وأب��و عبي�دة أعلم بح��ديث أبي��ه وبمذهبه وفتياه من خشف بن مال��ك ونظرائ��ه، وعبدالل��ه بن مس��عود أتقى لربه وأشح على دينه من أن يروي عن رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم أنه يقضي بقضاء ويفتي ه��و بخالف��ه؛ ه��ذا ال يت��وهم مثل��ه على عبدالل��ه بن مسعود وهو القائل في مسألة وردت عليه لم يسمع فيه��ا من رس��ول الل��ه صلى الله عليه وسلم شيئا ولم يبلغه عنه فيها قول: أقول فيها ب��رأي ف��إن يكن صوابا فمن الله ورسوله، وإن يكن خطأ فمني؛ ثم بلغ��ه بع��ه ذل��ك أن فتياه فيها وافق قضاء رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم في مثله��ا، ف��رآه أصحابه عند ذلك فرح فرحا شديدا لم يروه فرح مثله، لموافقة فتياه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن كانت هذه صفته وهذا حال فكي��ف يصح عنه أن يروي عن رسول الله صلى الل�ه علي�ه وس��لم ش�يئا ويخالف�ه. ووجه آخر: وهو أن الخبر المرفوع ال��ذي في��ه ذك��ر ب��ني المخ��اض ال نعلم��ه رواه إال خشف بن مالك عن ابن مسعود وهو رجل مجهول لم يروه عنه إال زيد بن جب��ير بن حرم��ل الجش��مي وأه��ل العلم بالح��ديث ال يحتج��ون بخ��بر ينفرد بروايته رجل غير معروف، وإنم��ا يثبت العلم عن��دهم ب��الخبر إذا ك��ان راويه عدال مشهورا، أو رجال ق��د ارتف��ع عن��ه اس��م الجهال��ة، وارتف��اع اس��م الجهالة عنه أن يروي عنه رجالن فصاعدا؛ فإذا كانت هذه صفته ارتفع عن��ه حينئذ اسم الجهالة، وص��ار حينئ��ذ معروف��ا. فأم��ا من لم ي��رو عن��ه إال رج��ل واحد وانفرد بخبر وجب التوقف عن خبره ذل��ك ح��تى يوافق��ه علي��ه غ��يره.

والله أعلم.

ووجه آخر: وهو أن حديث خشف بن مالك ال نعلم أحدا رواه عن زيد بن جبير عنه إال الحجاج بن أرطأة، والحجاج رجل مش��هور بالت��دليس وبأن��ه يحدث عمن لم يلقه ولم يسمع منه؛ وترك الرواي��ة عن��ه س��فيان بن عيين��ة ويح��يى بن س��عيد القط��ان وعيس��ى بن ي��ونس بع��د أن جالس��وه وخ��بروه، وكفاك بهم علما بالرج��ل ونبال. وق��ال يح��يى بن معين: حج��اج بن أرط��أة ال يحتج بحديث��ه. وق��ال عبدالل��ه بن إدريس: س��معت الحج��اج يق��ول ال ينب��ل الرجل حتى ي��دع الص��الة في الجماع��ة. وق��ال عيس��ى بن ي��ونس: س��معت الحجاج يقول: أخرج إلى الصالة يزاحمني الحمالون والبقالون. وقال جرير: سمعت الحجاج يقول: أهلكني حب المال والشرف. وذكر أوجها أخر؛ منه��ا أن جماعة من الثقات رووا ه��ذا الح��ديث عن الحج��اج بن أرط��أة ف��اختلفوا عليه فيه. إلى غير ذلك مما يطول ذكره؛ وفيما ذكرن��اه مم��ا ذك��روه كفاي��ة وداللة على ضعف ما ذهب إليه الكوفيون في الدي��ة، وإن ك��ان ابن المن��ذر مع جاللته قد اختاره على ما ي��أتي. وروى حم��اد بن س��لمة ح��دثنا س��ليمان ال��تيمي عن أبي مجل��ز عن أبي عبي��دة أن ابن مس��عود ق��ال: دي��ة الخط��أ خمسة أخماس عشرون حقة، وعش��رون جذع��ة وعش��رون بن��ات مخ��اض، وعشرون بنات لبون وعشرون بني لبون ذكور. قال الدارقطني: هذا إسناد

حسن ورواته ثقات، وقد روي عن علقمة عن عبدالله نحو هذا. قلت: وهذا هو مذهب مالك والشافعي أن الدية تكون مخمسة. ق��ال

الخطابي: وقد روي عن نفر من العلماء أنهم قالوا دي��ة الخط��أ أرب��اع؛ وهم الشعبي والنخعي والحسن البصري، وإليه ذهب إسحاق بن راهويه؛ إال أنهم قالوا: خمس وعشرون جذع��ة وخمس وعش��رون حق��ة وخمس وعش��رون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض. وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب. قال أبو عم��ر: أم��ا ق��ول مال��ك والش��افعي ف��روي عن س��ليمان بن يسار وليس فيه عن صحابي شيء؛ ولكن عليه عمل أهل المدين��ة. وك��ذلك

حكى ابن جريج عن ابن شهاب. قلت: قد ذكرنا عن ابن مسعود ما يوافق ما صار إليه مالك والشافعي.

قال أبو عمر: وأس��نان اإلب��ل في ال�دبات لم تؤخ�ذ قياس��ا وال نظ��را، وإنم�ا أخذت اتباعا وتسليما، وما أخذ من جهة األثر فال م��دخل في��ه للنظ��ر؛ فك��ل

يقول بما قد صح عنده من سلفه؛ رضي الله عنهم أجمعين. قلت: وأما ما حكاه الخطابي من أنه ال يعلم من قال بحديث عمرو بن

شعيب فق��د حك��اه ابن المن��ذر عن ط��اوس ومجاه��د، إال أن مجاه��دا جع��ل مكان بنت مخاض ثالثين جذعة. قال ابن المنذر: وبالقول األول أقول. يريد قول عبدالل��ه وأص��حاب ال��رأي ال��ذي ض��عفه ال��دارقطني والخط��ابي، وابن عبدالبر قال: ألنه األقل مما قيل؛ وبح��ديث. مرف��وع عن الن��بي ص��لى الل��ه

عليه وسلم يوافق هذا القول. قلت: وعجبا البن المنذر ؟ مع نقده واجته��اده كي��ف ق��ال بح��ديث لم

يوافقه أهل النقد على صحته ! لكن الذهول والنسيان قد يع��تري اإلنس��ان،وإنما الكمال لعزة ذي الجالل.

@ ثبتت األخبار عن النبي المختار محمد صلى الله عليه وس��لم أن��ه قض��ى بدية الخطأ على العاقلة، وأجمع أهل العلم على القول به. وفي إجماع أهل العلم أن الدية في الخطأ على العاقلة دليل على أن المراد من قول الن��بي صلى الله عليه وسلم ألبي رمثة حيث دخل عليه ومعه ابن��ه: )إن��ه ال يج��ني

عليك وال تج��ني علي��ه ( العم��د دون الخط��أ. وأجمع��وا على أن م��ا زاد على ثلث الدية على العاقلة. واختلفوا في الثلث؛ والذي عليه جمهور العلماء أن العاقلة ال تحمل عمدا وال اعترافا وال صلحا، وال تحمل من دية الخطأ إال م��ا جاوز الثلث وما دون الثلث في مال الج��اني. وق��الت طائف��ة: عق��ل الخط��أ على عاقلة الجاني، قلت الجناية أو كثرت؛ ألن من غرم األكثر غرم األق��ل.

كما عقل العمد. في مال الجاني قل أو كثر؛ هذا قول الشافعي. @ وحكمها أن تك��ون منجم��ة على العاقل��ة، والعاقل��ة العص��بة. وليس ول��د الم��رأة إذا ك��ان من غ��ير عص��بتها من العاقل��ة. وال اإلخ��وة من األم بعص��بة إلخوتهم من األب واألم، فال يعقل��ون عنهم ش��يئا. وك�ذلك ال�ديوان ال يك��ون عاقلة في قول جمهور أهل الحجاز. وقال الكوفيون: يكون عاقل��ة إن ك��ان من أهل الديوان؛ فتنجم الدية على العاقلة في ثالثة أع��وام على م��ا قض��اه عمر وعلي؛ ألن اإلبل قد تكون حوامل فتض�ر ب�ه. وك�ان الن�بي ص�لى الل�ه عليه وس�لم يعطيه�ا دفع�ة واح�دة ألغ�راض؛ منه�ا أن�ه ك�ان يعطيه�ا ص�لحا وتسديدا. ومنها أنه كان يعجلها تأليفا. فلما تمه��د اإلس��الم ق��درتها الص��حابة على هذا النظام؛ قاله ابن الع�ربي. وق��ال أب�و عم�ر: أجم��ع العلم��اء ق�ديما وحديثا أن الدية على العاقلة ال تكون إال في ثالث سنين وال تكون في أق��ل منه��ا. وأجمع��وا على أنه��ا على الب��الغين من الرج��ال. وأجم��ع أه��ل الس��ير والعلم أن الدية كانت في الجاهلية تحملها العاقلة فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في اإلس��الم، وك��انوا يتع��اقلون بالنص��رة؛ ثم ج��اء اإلس��الم فجرى األمر على ذلك حتى جعل الديوان. واتفق الفقه��اء ع��ل رواي��ة ذل��ك والقول به. وأجمعوا أنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وال زمن أبي بكر ديوان، وأن عمر جعل الديوان وجم��ع بين الن��اس، وجع��ل

أهل كل ناحية يدا، وجعل عليهم قتال من يليهم من العدو. @ قلت: ومما ينخرط في سلك هذا الباب ويدخل في نظامه قت��ل الج��نين في بطن أمه؛ وهو أن يضرب بطن أمه فتلقيه حي��ا ثم يم��وت؛ فق��ال كاف��ة العلماء: فيه الدية كاملة في الخطأ وفي العمد بعد القس��امة. وقي��ل: بغ��ير قس��امة. واختلف��وا فيم��ا ب��ه تعلم حيات��ه بع��د اتف��اقهم على أن��ه إذا اس��تهل صارخا أو ارتضع أو تنفس نفسا محققة حي، فيه الدية كامل��ة؛ ف��إن تح��رك فقال الشافعي وأبو حنيفة: الحركة تدل على حياته. وق�ال مال�ك: ال، إال أن يقارنها طول إقامة. والذكر واألنثى عند كافة العلماء في الحكم سواء. فإن ألقته ميتا ففيه غرة: عبد أو وليدة. فإن لم تلقه وماتت وهو في جوفه��ا لم يخرج فال شيء في��ه. وه��ذا كل��ه إجم��اع ال خالف في��ه. وروي عن الليث بن سعد وداود أنهما قاال في المرأة إذا ماتت من ضرب بطنها ثم خرج الجنين ميتا بعد موتها: ففيه الغرة، وسواء رمته قبل موتها أو بع��د موته��ا؛ المعت��بر حياة أمه في وقت ضربها ال غير. وقال سائر الفقهاء: ال شيء فيه إذا خرج ميتا من بطنها بعد موتها. قال الطحاوي محتجا لجماعة الفقه��اء ب��أن ق��ال: قد أجمعوا والليث معهم على أنه لو ضرب بطنها وهي حية فماتت والجنين

في بطنها ولم يسقط أنه ال شيء فيه؛ فكذلك إذا سقط بعد موتها. @ وال تكون الغرة إال بيضاء. قال أبو عمرو بن العالء في قول رسول الل��ه صلى الله عليه وسلم: )في الجنين غرة عبد أو أمة ( - لوال أن رسول الل��ه صلى الله عليه وس��لم أراد ب��الغرة مع��نى لق��ال: في الج��نين عب��د أو أم��ة، ولكنه عنى البي��اض؛ فال يقب��ل في الدي��ة إال غالم أبيض أو جاري��ة بيض��اء، ال

يقبل فيها أسود وال سوداء. واختلف العلماء في قيمتها؛ فقال مال��ك: تق��وم بخمسين دينارا أو ستمائة درهم؛ نصف عشر دية الحر المسلم، وعشر دية أمه الحرة؛ وهو قول ابن شهاب وربيعة وسائر أهل المدينة. وقال أص��حاب الرأي: قيمتها خمسمائة درهم. وقال الشافعي: سن الغ��رة س��بع س��نين أو ثمان سنين؛ وليس عليه أن يقبلها معيبة. ومقتضى مذهب مالك أن��ه مخ��ير بين إعطاء غرة أو عشر دية األم، من الذهب عشرون دينارا إن كانوا أه��ل ذهب، ومن الورق - إن كانوا أه�ل ورق - س��تمائة درهم، أو خمس ف��رائض من اإلبل. قال مالك وأصحابه: هي في مال الجاني؛ وهو ق��ول الحس��ن بن حي. وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما، هي على العاقل��ة. وه��و أص��ح؛ لحديث المغيرة بن شعبة أن ام��رأتين كانت��ا تحت رجلين من األنص��ار - في رواية فتغايرتا - فضربت إحداهما األخرى بعمود فقتلتها، فاختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجالن فقاال: ن��دي من ال ص�اح وال أك�ل، وال ش��رب وال استهل. فمثل ذلك يطل !، فقال: )أسجع كس��جع األع��راب ( ؟ فقض��ى فيه غ�رة وجعله�ا على عاقل�ة الم�رأة. وه�و ح�ديث ث�ابت ص�حيح، نص في موضع الخالف يوجب الحكم. ولما كانت دية المرأة المضروبة على العاقلة كان الجنين كذلك في القياس والنظ��ر. واحتج علماؤن��ا بق��ول ال��ذي قض��ي عليه: كيف أغرم ؟ قالوا: وهذا يدل على أن ال��ذي قض��ي علي��ه معين وه��و الجاني. ولو أن دية الجنين قضى بها على العاقلة لقال: فقال ال��ذي قض��ى عليهم. وفي القياس أن كل جان جنايت��ه علي��ه، إال م��ا ق��ام بخالف��ه ال��دليل الذي ال معارض له؛ مثل إجماع ال يجوز خالف�ه، أو نص س��نة من جه�ة نق�ل اآلحاد العدول ال معارض لها، فيجب الحكم بها، وقد ق��ال الل��ه تع��الى: "وال

[. 164تكسب كل نفس إال عليها والتزر وازرة وزر أخرى" ]األنعام: @ وال خالف بين العلماء أن الجنين إذا خ��رج حي��ا في��ه الكف��ارة م��ع الدي��ة. واختلفوا في الكفارة إذا خرج ميتا؛ فقال مالك: فيه الغرة والكفارة. وق��ال أبو حنيفة والشافعي: فيه الغرة وال كفارة. واختلفوا في م�يراث الغ�رة عن الجنين؛ فقال مالك والشافعي وأصحابهما: الغ��رة في الج��نين موروث��ة عن الجنين على كتاب الله تعالى؛ ألنها دية. وقال أب��و حنيف��ة وأص��حابه: الغ��رة لألم وحدها؛ ألنها جناية جنى عليها بقطع عضو من أعض��ائها وليس��ت بدي��ة. ومن الدليل على ذلك أنه لم يعتبر فيه الذكر واألنثى كما يلزم في ال��ديات، فدل على أن ذلك كالعضو. وكان ابن هرمز يقول: ديته ألبويه خاص�ة؛ ألبي�ه ثلثاها وألمه ثلثها، من كان منهما حيا كان ذل��ك ل��ه، ف��إن ك��ان أح��دهما ق��د

مات كانت للباقي منهما أبا كان أو أما، وال يرث اإلخوة شيئا. @قوله تع��الى: "إال أن يص��دقوا" أص��له "أن يتص��دقوا "ف��أدغمت الت��اء في الصاد. والتصدق اإلعطاء؛ يعني إال أن يبرئ األولياء ورثة المقت��ول الق��اتلين مم��ا أوجب لهم من الدي��ة عليهم. فه��و اس��تثناء ليس من األول. وق��رأ أب��و عبدالرحمن ونبيح "إال أن تصدقوا "بتخفيف الص��اد والت�اء. وك��ذلك ق��رأ أب��و عمرو، إال أنه شدد الصاد. ويجوز على هذه القراءة ح�ذف الت�اء الثاني�ة، وال يج��وز ح��ذفها على ق��راءة الي��اء. وفي ح��رف أبي وابن مس��عود "إال أن يتصدقوا". وأما الكفارة التي هي لله تعالى فال تسقط بإبرائهم؛ ألن��ه أتل��ف شخص��ا في عب��ادة الل��ه س��بحانه، فعلي��ه أن يخلص آخ��ر لعب��ادة رب��ه وإنم��ا تسقط الدية التي هي حق لهم. وتجب الكفارة في مال الجاني وال تتحمل.

@قوله تع��الى: "ف��إن ك��ان من ق��وم ع��دو لكم وه��و م��ؤمن" ه��ذه مس��ألة المؤمن يقتل في بالد الكفار أو في حروبهم على أنه من الكف��ار. والمع��نى عند ابن عباس وقتادة والسدي وعكرمة ومجاه��د والنخعي: ف��إن ك��ان ه��ذا المقتول رجال مؤمنا قد أمن وبقي في قومه وهم كفرة "عدو لكم "فال دية فيه؛ وإنما كفارته تحرير. الرقبة. وهو المشهور من قول مالك، وبه قال أبو حنيفة. وسقطت الدية لوجهين: أحدهما: أن أولياء القتيل كفار فال يص��ح أن تدفع إليهم فيتقووا بها. والثاني: أن حرمة هذا الذي آمن ولم يه��اجر قليل��ة، فال دية؛ لقوله تعالى: "وال��ذين آمن��وا ولم يه��اجروا م��ا لكم من واليتهم من

[. وقالت طائفة: ب��ل الوج��ه في س��قوط72شيء حتى يهاجروا "]األنفال: الدية أن األولياء كفار فقط؛ فسواء كان القتل خط��أ بين أظه��ر المس��لمين أو بين قومه ولم يهاجر أو هاجر ثم رجع إلى قومه كفارته التحري��ر وال دي��ة فيه، إذ ال يصح دفعها إلى الكفار، ولو وجبت الدية لوجبت لبيت الم�ال على بيت الم��ال؛ فال تجب الدي��ة في ه��ذا الموض��ع وإن ج��رى القت��ل في بالد اإلسالم. هذا قول الش�افعي وب�ه ق�ال األوزاعي والث�وري وأب�و ث�ور. وعلى القول األول إن قتل المؤمن في بالد المسلمين وقوم��ه ح�رب ففي��ه الدي��ة

لبيت المال والكفارة. قلت: ومن هذا الباب ما جاء في صحيح مسلم عن أسامة قال: بعثنا

رسول الله صلى الله عليه وسلم في س��رية فص��بحنا الحرق�ات من جهين��ة ف�أدركت رجال فق�ال: ال إل�ه إال الل��ه؛ فطعنت��ه فوق�ع في نفس��ي من ذل�ك، فذكرته للنبي صلى الله علي��ه وس��لم فق��ال رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم: )أقال ال إله إال الله وقتلته ( ! قال: قلت يا رسول الل��ه، إنم��ا قاله��ا خوفا من السالح؛ قال: )أفال ش�ققت عن قلب��ه ح�تى تعلم أقاله�ا أم ال ؟ (. فلم يحكم عليه صلى الله عليه وسلم بقص��اص وال دي��ة. وروي عن أس��امة أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لي بعد ثالث مرات، وقال: )أعتق رقبة ( ولم يحكم بقصاص وال دية. فقال علماؤنا: أما س��قوط القصاص فواضح إذ لم يكن القتل عدوانا؛ وأما سقوط الدية فألوج��ه ثالث��ة: األول: ألنه كان أذن ل�ه في أص�ل القت��ال فك��ان عن��ه إتالف نفس محترم��ة غلط��ا كالخ��اتن والط��بيب. الث��اني: لكون��ه من الع��دو ولم يكن ل��ه ولي من المسلمين تكون له ديته؛ لقوله تعالى: "فإن كان من ق��وم ع��دو لكم "كم��ا ذكرن��ا. الث��الث: أن أس��امة اع��ترف بالقت��ل ولم تقم ب��ذلك بين��ة وال تعق��لالعاقلة اعترافا، ولعل أسامة لم يكن له مال تكون فيه الدية. والله أعلم.

@قوله تع��الى: "وإن ك��ان من ق��وم بينكم وبينهم ميث��اق" ه��ذا في ال��ذمي والمعاه��د يقت��ل خط��أ فتجب الدي��ة والكف��ارة؛ ق��ال ابن عب��اس والش��عبي والنخعي والش��افعي. واخت��اره الط��بري ق��ال: إال أن الل��ه س��بحانه وتع��الى أبهمه ولم يقل وهو مؤمن، كم��ا ق��ال في القتي��ل من المؤم��نين ومن أه��ل الحرب. وإطالقه ما قيد قبل يدل على أنه خالفه. وق�ال الحس�ن وج�ابر بن زيد وإبراهيم أيضا: المعنى وإن كان المقتول خطأ مؤمنا من قوم معاهدين لكم فعهدهم يوجب أنهم أحق بدية صاحبهم، فكفارته التحري��ر وأداء الدي��ة. وقرأها الحسن: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق وه��و م��ؤمن". ق��ال الحسن: إذا قتل المسلم الذمي فال كفارة عليه. قال أب��و عم��ر: وأم��ا اآلي��ة فمعناها عند أهل الحج��از م��ردود على قول��ه: "وم��ا ك��ان لم��ؤمن أن يقت��ل مؤمنا إال خطأ "ثم ق��ال تع��الى: "وإن ك��ان من ق��وم" يري��د ذل��ك الم��ؤمن.

والل��ه أعلم. ق��ال ابن الع��ربي: وال��ذي عن��دي أن الجمل��ة محمول��ة حم��لالمطلق على المقيد.

قلت: وهذا معنى ما قال الحسن وحكاه أب��و عم��ر عن أه�ل الحج�از. وقوله "فدية مسلمة "على لفظ النكرة ليس يقتضي دية بعينها. وقيل: هذا في مشركي العرب الذين كان بينهم وبين النبي عليه السالم عه��د على أن يسلموا أو يؤذنوا بحرب إلى أجل معلوم: فمن قتل منهم وجبت في��ه الدي��ة والكفارة ثم نسخ بقوله تعالى: "براءة من الله ورسوله إلى الذين عاه��دتم

[.1من المشركين "]التوبة: @ وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل؛ قال أبو عمر: إنما صارت ديتها - والله أعلم - على النصف من دية الرجل من أجل أن لها نصف ميراث الرجل، وشهادة امرأتين بشهادة رجل. وه��ذا إنم��ا ه��و في دية الخطأ، وأما العمد ففيه القصاص بين الرج��ال والنس��اء لقول��ه ع��ز

[. و"الح��ر ب��الحر "كم��ا تق��دم في45وج��ل: "النفس ب��النفس "]المائ��دة: "البقرة".

@ روى ال��دارقطني من ح��ديث موس��ى بن علي بن رب��اح اللخمي ق��ال: سمعت أبي يق��ول إن أعمى ك��ان ينش��د في الموس��م في خالف��ة عم��ر بن

الخطاب رضي الله عنه وهو يقول: يا أيها الناس لقيت منكرا هل يعقل األعمى الصحيح المبصرا

خرا مما كالهما تكسرا وذل��ك أن األعمى ك��ان يق��وده بص��ير فوقع��ا في ب��ئر، فوق��ع األعمى على البصير فمات البصير؛ فقضى عمر بعقل البصير على األعمى. وق��د اختل��ف العلماء في رجل يسقط على آخر فيموت أح�دهما؛ ف�روي عن ابن الزب�ير: يض��من األعلى األس��فل، وال يض��من األس��فل األعلى. وه��ذا ق��ول ش��ريح والنخعي وأحمد وإسحاق. وقال مالك في رجلين جر أحدهما صاحبه. ح��تى سقطا وماتا: على عاقلة الذي جبذه الدية. قال أبو عمر: م��ا أظن في ه��ذا خالف��ا - والل��ه أعلم - إال م��ا ق��ال بعض المت��أخرين من أص��حابنا وأص��حاب الشافعي: يضمن نصف الدية؛ ألنه م��ات من فعل��ه، ومن س��قوط الس��اقط عليه. وقال الحكم وابن شبرمة: إن سقط رج��ل على رج��ل من ف��وق بيت فمات أحدهما، قاال: يضمن الحي منهما. وقال الش��افعي في رجلين يص��دم أحدهما اآلخر فماتا، قال: دية المصدوم على عاقلة الص��ادم، ودي��ة الص��ادم هدر. وقال في الفارسين إذا اصطدما فماتا: على ك��ل واح��د منهم��ا نص��ف دية صاحبه؛ ألن كل واحد منهما مات من فعل نفسه وفع��ل ص��احبه؛ وق��ال عثمان البتي وزف��ر. وق��ال مال��ك واألوزاعي والحس��ن بن حي وأب��و حنيف��ة وأصحابه في الفارسين يصطدمان فيموتان: على كل واحد منهما دية اآلخر على عاقلته. قال ابن خويز منداد: وكذلك عن��دنا الس��فينتان تص��طدمان إذا لم يكن النوتي صرف السفينة وال الفارس صرف الفرس. وروي عن مالك في السفينتين والفارسين. على كل واحد منهم��ا الض��مان لقيم��ة م��ا أتل��ف

لصاحبه كامال. @ واختلف العلماء من هذا الباب في تفصيل دية أهل الكتاب؛ فقال مال��ك وأص��حابه: هي على النص��ف من دي��ة المس��لم، ودي��ة المجوس��ي ثمانمائ��ة درهم، ودية نسائهم على النص��ف من ذل�ك. روي ه�ذا الق��ول عن عم��ر بن عبدالعزيز وعروة بن الزبير وعم��رو بن ش��عيب وق��ال ب��ه أحم��د بن حنب��ل.

وهذا المعنى قد روى فيه سليمان بن بالل، عن عبدالرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن عم��رو بن ش��عيب، عن أبي��ه، عن ج��ده أن الن��بي صلى الله عليه وسلم جعل دية اليهودي والنص��راني على النص��ف من دي��ة المسلم. وعبدالرحمن ه��ذا ق��د روى عن��ه الث��وري أيض��ا. وق��ال ابن عب��اس والشعبي والنخعي: المقتول من أه��ل العه��د خط��أ ال تب��الي مؤمن��ا ك��ان أو ك��افرا على عه��د قوم��ه في��ه الدي��ة كدي��ة المس��لم؛ وه��و ق��ول أبي حنيف��ة والثوري وعثمان البتي والحسن بن حي؛ جعلوا الديات كلها سواء، المسلم واليه��ودي والنص��راني والمجوس��ي والمعاه��د وال��ذمي، وه��و ق��ول عط��اء والزهري وسعيد بن المسيب. وحجتهم قوله تعالى: "فدية "وذل��ك يقتض��ي الدية كاملة كدية المسلم. وعض��دوا ه��ذا بم��ا رواه محم��د بن إس��حاق، عن داود بن الحص��ين، عن عكرم��ة، عن ابن عب��اس في قص��ة ب��ني قريظ��ة والنضير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ديتهم سواء دية كامل��ة. قال أبو عمر: هذا حديث فيه لين وليس في مثل��ه حج��ة. وق��ال الش��افعي: دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم، ودية المجوس��ي ثمانمائ��ة درهم؛ وحجته أن ذلك أقل ما قيل في ذلك، والذمة بريئة إال بيقين أو حجة. وروي ه��ذا الق��ول عن عم��ر وعثم��ان، وب��ه ق��ال ابن المس��يب وعط��اء والحس��ن

وعكرمة وعمرو بن دينار وأبو ثور وإسحاق. @قوله تعالى: "فمن لم يجد" أي الرقبة وال اتسع مال��ه لش��رائها. "فص��يام شهرين" أي فعليه صيام شهرين. "متتابعين "حتى لو أفطر يوم��ا اس��تأنف؛ هذا قول الجمهور. وقال مكي عن الشعبي: إن صيام الش��هرين يج��زئ عن الدية والعتق لمن لم يجد. قال ابن عطية: وهذا القول وهم؛ ألن الدية إنم��ا هي على العاقل��ة وليس��ت على القات��ل. والط��بري حكى ه��ذا الق��ول عن

مسروق. @ والحيض ال يمن��ع التت��ابع من غ��ير خالف، وإنه��ا إذا طه��رت ولم ت��ؤخر وصلت باقي صيامها بما سلف منه، ال ش��يء عليه��ا غ��ير ذل��ك إال أن تك��ون طاهرا قب��ل الفج��ر فت��ترك ص�يام ذل��ك الي�وم عالم�ة بطهره��ا، ف�إن فعلت استأنفت عند جماعة من العلم��اء؛ قال��ه أب��و عم��ر. واختلف��وا في الم��ريض الذي قد صام من شهري التت��ابع بعض��ها على ق��ولين؛ فق��ال مال��ك: وليس ألحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الل��ه تع��الى أن يفط��ر إال من عذر أو مرض أو حيض، وليس له أن يسافر فيفط��ر. وممن ق��ال يب��ني في الم��رض س��عيد بن المس��يب وس��ليمان بن يس��ار والحس��ن والش��عبي وعطاء ومجاهد وقتادة وطاوس. وقال سعيد بن جب��ير والنخعي والحكم بن عيين��ة وعط��اء الخراس��اني: يس��تأنف في الم��رض؛ وه��و ق��ول أبي حنيف��ة وأصحابه والحسن بن حي؛ وأحد قولي الشافعي؛ وله قول آخ��ر: أن��ه يب��ني كما قال مالك. وقال ابن شبرمة: يقض��ي ذل��ك الي��وم وح��ده إن ك��ان ع��ذر غالب، كصوم رمضان. قال أبو عمر: حج��ة من ق��ال يب��ني ألن��ه مع��ذور في قطع التتابع لمرضه ولم يتعمد، وقد تجاوز الله عن غير المتعمد. وحجة من قال يستأنف ألن التتابع فرض ال يسقط لعذر، وإنما يس��قط الم��أثم؛ قياس��ا

على الصالة؛ ألنها ركعات متتابعات فإذا قطعها عذر استأنف ولم يبن. @قوله تعالى: "توبة من الله" نصب على المص��در، ومعن��اه رجوع��ا. وإنم��ا مست حاجة المخطئ إلى التوبة ألنه لم يتحرز وكان من حق��ه أن يتحف��ظ. وقيل: أي فليأت بالصيام تخفيفا من الله تعالى عليه بقبول الصوم بدال عن

الرقبة؛ ومن��ه قول��ه تع��الى: "علم الل��ه أنكم كنتم تخت��انون أنفس��كم فت��اب [ أي خفف، وقوله تعالى: "علم أن لن تحصوه فت��اب187عليكم "]البقرة:

[. 20عليكم" ]المزمل: قوله تعالى: "وكان الله" أي في أزله وأبده. "عليما" بجميع المعلومات

"حكيما "فيما حكم وأبرم. }ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خال��دا فيه��ا وغض��ب93*اآلية: 3*

الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما{ @قول��ه تع��الى: "ومن يقت��ل ""من "ش��رط، وجواب��ه "فج��زاؤه "وس��يأتي. واختل��ف العلم��اء في ص��فة المتعم��د في القت��ل؛ فق��ال عط��اء والنخعي وغيرهما: هو من قتل بحديدة كالسيف والخنجر وس��نان ال��رمح ونح��و ذل��ك من المشحوذ المعد للقطع أو بما يعلم أن في��ه الم��وت من ثق��ال الحج��ارة ونحوها. وقالت فرقة: المتعمد كل من قتل بحديدة كان القت��ل أو بحج��ر أو

بعصا أو بغير ذلك؛ وهذا قول الجمهور. @ ذكر الله عز وجل في كتابه العم�د والخط�أ ولم ي��ذكر ش�به العم��د وق��د اختلف العلماء في القول به؛ فق��ال ابن المن��ذر: أنك��ر ذل��ك مال��ك، وق��ال: ليس في كتاب الل��ه إال العم��د والخط��أ. وذك��ره الخط��ابي أيض��ا عن مال��ك وزاد: وأما شبه العمد فال نعرفه. قال أبو عمر: أنكر مالك والليث بن س��عد شبه العمد؛ فمن قت��ل عن��دهما بم��ا ال يقت��ل مثل��ه غالب��ا كالعض��ة واللطم��ة وضربة السوط والقضيب وشبه ذلك فإنه عمد وفيه القود. ق��ال أب��و عم��ر: وقال بقولهما جماعة من الصحابة والتابعين. وذهب جمهور فقهاء األمص��ار إلى أن هذا كله شبه العمد. وق��د ذك��ر عن مال��ك وق��ال ابن وهب وجماع��ة من الصحابة والتابعين. قال ابن المنذر: وشبه العمد يعمل به عن�دنا. وممن أثبت شبه العمد الشعبي والحكم وحم��اد والنخعي وقت��ادة وس��فيان ال��ثري وأهل العراق والشافعي، وروينا ذل��ك عن عم��ر بن الخط��اب وعلي بن أبي

طالب رضي الله عنهما. قلت: وهو الصحيح؛ فإن الدماء أحق ما احتيط لها إذ األصل صيانتها في

أهبها، فال تستباح إال بأمرين ال إشكال فيه، وهذا فيه إشكال؛ ألنه لم��ا ك��ان مترددا بين العمد والخطأ حكم له بش�به العم�د؛ فالض�رب مقص��ود والقت�ل غير مقصود، وإنما وقع بغير القصد فيسقط القود وتغلظ الدية. وبمثل ه��ذا جاءت السنة؛ روى أبو داود من ح��ديث عبدالل��ه بن عم��رو أن رس��ول الل��ه صلى الله عليه وسلم قال: "أال إن دية الخطأ شبه العمد ما ك��ان بالس��وط والعصا مائة من اإلبل منها أربعون في بطونها أوالدها (. وروى ال��دارقطني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم: )العم��د ق��ود اليد والخطأ عقل ال قود فيه ومن قتل في عمي��ة بحج��ر أو عص��ا أو س��وط فهو دي��ة مغلظ��ة في أس��نان اإلب��ل (. وروي أيض��ا من ح��ديث س��ليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )عق��ل ش��به العم��د مغل��ظ مث��ل قت��ل العم��د وال يقت��ل صاحبه (. وهذا نص. وقال ط��اوس في الرج��ل يص��اب في م��اء الرمي��ا في القتال بالعصا أو السوط أو الترامي بالحجارة ي�ودي وال يقت��ل ب��ه من أج�ل أن��ه ال ي��درك، من قاتل��ه. وق��ال أحم��د بن حنب��ل: العمي��ا ه��و األم��ر األعمى للعصبية ال تستبين ما وجهه. وقال إس��حاق: ه��ذا في تح��ارج الق��وم وقت��ل.

بعضهم بعضا. فكأن أصله من التعمية وهو التلبيس؛ ذكره الدارقطني.

@ مسألة: واختلف القائلون بشبه العمد في الدية المغلظ��ة، فق��ال عط��اء والشافعي: هي ثالثون حقة وثالثون جذعة وأربع��ون خلف��ة. وق��د روي ه��ذا القول عن عمر وزيد بن ثابت والمغيرة بن ش��عبة وأبي موس��ى األش��عري؛ وهو مذهب مالك حيث يقول بشبه العمد، ومشهور مذهبه أن��ه لم يق��ل ب��ه إال في مثل قصة المدلجي بابنه حيث ضربه بالسيف. وقيل: هي مربعة ربع بنات لبون، وربع حقاق، وربع جذاع، وربع بنات مخاض. ه��ذا ق��ول النعم��ان ويعقوب؛ وذكره أبو داود عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي. وقيل: هي مخمسة: عشرون بنت مخ��اض وعش��رون بنت لب��ون وعشرون ابن لبون وعشرون حق��ة وعش��رون جذع�ة؛ ه�ذا ق��ول أبي ث��ور. وقيل: أربعون جذعة إلى بازل عامه��ا وثالث��ون حق��ة، وثالث��ون بن��ات لب��ون. وروي عن عثمان بن عفان وبه قال الحس��ن البص��ري وط��اوس والزه��ري. وقي��ل: أرب��ع وثالث��ون خلف��ة إلى ب��ازل عامه��ا، وثالث وثالث��ون حق��ة، وثالث وثالث��ون جذع��ة؛ وب��ه ق��ال الش��عبي والنخعي، وذك��ره أب��و داود عن أبي

األحوص عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي. @ واختلفوا فيمن تلزمه دية شبه العم��د؛ فق��ال الح��ارث العكلي وابن أبي ليلى وابن ش��برمة وقت��ادة وأب��و ث��ور: ه��و علي��ه في مال��ه. وق��ال الش��عبي والنخعي والحكم والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب ال��رأي: ه��و على العاقلة. قال ابن المنذر: قول الش��عبي أص��ح؛ لح��ديث أبي هري��رة أن

النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية الجنين على عاقلة الضاربة. @ أجمع العلماء على أن العاقلة ال تحمل دية العمد وأنها في مال الج��اني؛ وق��د تق��دم ذكره��ا في "البق��رة". وق��د أجمع��وا على أن على القات��ل خط��أ الكفارة؛ واختلفوا فيها في قتل العمد؛ فكان مال��ك والش��افعي يري��ان على قاتل العمد الكفارة كما في الخطأ. قال الش��افعي: إذا وجبت الكف��ارة في الخطأ فألن تجب في العمد أولى. وقال: إذا شرع السجود في السهو فألن يش��رع في العم��د أولى، وليس م��ا ذك��ره الل��ه تع��الى في كف��ارة العم��د بمسقط ما قد وجب في الخطأ. وقد قيل: إن القاتل عمدا إنما تجب علي��ه الكفارة إذا عفي عنه فلم يقتل، فأما إذا قتل قودا فال كفارة عليه تؤخذ من ماله. وقيل تجب. ومن قتل نفسه فعليه الكف��ارة في مال��ه. وق��ال الث��وري وأبو ثور وأصحاب الرأي: ال تجب الكفارة إال حيث أوجبها الل��ه تع�الى. ق�ال ابن المنذر: وكذلك نقول؛ ألن الكفارات عب��ادات وال يج��وز التمثي��ل. وليس يجوز ألحد أن يفرض فرضا يلزمه عب��اد الل��ه إال بكت��اب أو س��نة أو إجم��اع،

وليس مع من فرض على القاتل عمدا كفارة حجة من حيث ذكرت. @ واختلفوا في الجماع�ة يقتل��ون الرج�ل خط�أ؛ فق�الت طائف�ة: على ك�ل واحد منهم الكفارة؛ كذلك قال الحسن وعكرمة والنخعي والح��ارث العكلي ومال��ك والث��وري والش��افعي وأحم��د وإس��حاق وأب��و ث��ور وأص��حاب ال��رأي. وقالت طائفة: عليهم كلهم كفارة واحدة؛ هكذا ق��ال أب��و ث��ور، وحكي ذل��ك عن األوزاعي. وف��رق الزه��ري بين العت��ق والص��وم؛ فق��ال في الجماع��ة يرم��ون ب��المنجنيق فيقتل��ون رجال: عليهم كلهم عت��ق رقب��ة، وإن ك��انوا ال

يجدون فعلى كل واحد منهم صوم شهرين متتابعين. @ روى النسائي: أخبرنا الحس��ن بن إس��حاق الم��روزي - ثق��ة ق��ال: ح�دثنا خالد بن خداش قال: حدثنا حاتم بن إس��ماعيل عن بش��ير بن المه��اجر عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال: قال رس�ول الل��ه ص�لى الل��ه علي�ه وس�لم:

)قتل المؤمن أعظم عند الل��ه من زوال ال��دنيا (. وروي عن عبدالل��ه ق��ال: قال رسول الله: )أول م��ا يحاس��ب ب��ه العب��د الص��الة وأول م��ا يقض��ى بين الن��اس في ال��دماء(. وروى إس��ماعيل بن إس��حاق عن ن��افع بن جب��ير بن مطعم عن عبدالله بن عباس أنه س��أل س��ائل فق��ال: ي��ا أب��ا العب��اس، ه��ل للقاتل توبة ؟ فق�ال ل�ه ابن عب�اس ك�المتعجب من مس�ألته: م�اذا تق�ول ! مرتين أو ثالثا. ثم قال ابن عب��اس: ويح��ك ! أنى ل��ه توب��ة ! س��معت ن��بيكم صلى الله عليه وسلم يقول: )يأتي المقتول معلقا رأسه بإحدى يديه متلبب��ا قاتله بيده األخ�رى تش�خب أوداج�ه دم�ا ح�تى يوقف�ا فيق�ول المقت��ول لل�ه سبحانه وتعالى رب هذا قتلني فيقول الله تعالى للقاتل تعست وي��ذهب ب��ه إلى النار (. وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )م��ا

نازلت ربي في شيء ما نازلته في قتل المؤمن فلم يجبني (. @ واختلف العلماء في قاتل العمد هل له من توب��ة ؟ ف��روى البخ��اري عن سعيد بن جبير قال: اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت فيها إلى ابن عب��اس، فسألته عنها فق�ال: ن�زلت ه�ذه اآلي�ة "ومن يقت��ل مؤمن��ا متعم�دا فج��زاؤه جهنم "هي آخر ما نزل وما نسخها شيء. وروى النسائي عنه ق��ال: س��ألت ابن عباس هل لمن قتل مؤمن�ا متعم�دا من توب�ة ؟ ق�ال: ال. وق�رأت علي�ه

[68اآلية التي في الفرقان: "والذين ال يدعون مع الله إلها آخر "]الفرقان: قال: هذه آية مكية نسختها آي��ة مدني��ة "ومن يقت��ل مؤمن��ا متعم��دا فجزائ��ه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه". وروي عن زيد بن ثابت نحوه، وإن آي��ة النس�اء ن�زلت بع�د آي�ة الفرق�ان بس�تة أش�هر، وفي رواي�ة بثماني�ة أش��هر؛ ذكرهما النسائي عن زيد بن ثابت. وإلى عموم هذه اآلي��ة م��ع ه��ذه األخب��ار عن زي��د وابن عب��اس ذهبت المعتزل��ة وق��الوا: ه��ذا مخص��ص عم��وم قول��ه

[ ورأوا أن الوعيد ناف��ذ48تعالى: "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "]النساء: حتما على كل قاتل؛ فجمعوا بين اآليتين بأن قالوا: التق��دير ويغف��ر م��ا دون ذلك لمن يشاء إال من قتل عمدا. وذهب جماعة من العلماء منهم. عبدالل��ه بن عمر - وهو أيضا مروي عن زيد وابن عباس - إلى أن له توبة. روى يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو مالك األش��جعي عن س��عد بن عبي��دة ق��ال: ج��اء رجل إلى ابن عباس فقال ألمن قتل مؤمنا متعمدا توبة ؟ قال: ال، إال النار؛ قال: فلما ذهب قال له جلس��اؤه: أهك��ذا كنت تفتين��ا ؟ كنت تفتين��ا أن لمن قتل توبة مقبولة؛ قال: إني ألحسبه رجال مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا. ق��ال: فبعثوا في إثره فوجدوه كذلك. وهذا مذهب أهل السنة وه��و الص��حيح، وإن هذه اآلية مخصوصة، ودليل التخصيص آيات وأخب��ار. وق��د أجمع��وا على أن اآلية نزلت في مقيس بن ضبابة؛ وذلك أنه كان قد أسلم هو وأخ�وه هش�ام بن ضبابة؛ فوجد هشاما قتيال في بني النجار فأخبر بذلك الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم، فكتب له إليهم أن يدفعوا إليه قاتل أخيه وأرسل معه رجال من بني فهر؛ فقال بنو النجار: والله ما نعلم له قاتال ولكنا نؤدي الدية؛ فأعطوه مائة من اإلبل؛ ثم انصرفا راجعين إلى المدين��ة فع��دا مقيس على الفه��ري

فقتله بأخيه وأخذ اإلبل وانصرف إلى مكة كافرا مرتدا؛ وجعل ينشد: قتلت به فهرا وحملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع حللت به وتري وأدركت ثورتي وكنت إلى األوثان أول راجع

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )ال أؤمنه في حل وال حرم (. وأمر بقتله يوم فتح مكة وهو متعلق بالكعبة. وإذا ثبت ه��ذا بنق��ل أه��ل التفس��ير

وعلماء الدين فال ينبغي أن يحم��ل على المس��لمين، ثم ليس األخ��ذ بظ��اهر اآلية بأولى من األخذ بظاهر قوله: "إن الحسنات ي��ذهبن الس��يئات "]ه��ود:

[25[ وقوله تعالى: "وه�و ال�ذي يقب�ل التوب�ة عن عب��اده "]الش�ورى: 114 [. واألخ��ذ بالظ��اهرين48وقوله: "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "]النس��اء:

تناقض فال بد من التخصيص. ثم إن الجمع بين آي��ة "الفرق��ان "وه��ذه اآلي��ة ممكن فال نسخ وال تعارض، وذلك أن يحمل مطلق آية "النساء "على مقي��د آية "الفرقان "فيكون معناه فج��زاؤه ك��ذا إال من ت��اب؛ ال س��يما وق��د اتح��د الموجب وهو القتل والموجب وهو التواعد بالعق��اب. وأم��ا األخب��ار فكث��يرة كحديث عبادة بن الصامت الذي قال فيه: )تبايعوني على أال تش��ركوا بالل��ه شيئا وال تزنوا وال تسرقوا وال تقتلوا النفس التي حرم الل��ه إال ب��الحق فمن وفى منكم فأجره على الل��ه ومن أص��اب ش��يئا من ذل��ك فع��وقب ب��ه فه��و كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الل��ه علي��ه ف��أمره إلى الل��ه إن شاء عفا عنه وإن شاء عذب��ه (. رواه األئم��ة أخرج��ه الص��حيحان. وكح��ديث أبي هريرة عن النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم في ال��ذي قت��ل مائ��ة نفس. أخرجه مسلم في صحيحه وابن ماجة في سننه وغيرهما إلى غير ذل��ك من األخبار الثابتة. ثم إنهم قد أجمعوا معنا في الرجل يشهد عليه بالقتل، ويق��ر بأنه قتل عمدا، ويأتي السلطان األولياء فيقام عليه الحد ويقتل قودا، فه��ذا غير متبع في اآلخرة، والوعيد غير نافذ علي��ه إجماع��ا على مقتض��ى ح��ديث عبادة؛ فقد انكسر عليهم ما تعلقوا به من عموم قوله تع��الى: "ومن يقت��ل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم "ودخله التخصيص بما ذكرن��ا، وإذا ك��ان ك��ذلك فالوجه أن هذه اآلية مخصوصة كما بين��ا، أو تك��ون محمول��ة على م��ا حكي عن ابن عباس أنه قال: متعمدا معناه مستحال لقتله؛ فهذا أيض��ا ي��ؤول إلى الكفر إجماعا. وقالت جماعة: إن القاتل في المشيئة تاب أو لم يتب؛ ق��ال أبو حنيفة وأصحابه. فإن قيل: إن قوله تع��الى: "فج��زاؤه جهنم خال��دا فيه��ا وغضب الله عليه ولعنه "دليل على كفره؛ ألن الله تعالى ال يغضب إال على كافر خارج من اإليمان. قلنا: هذا وعيد، والخلف في الوعيد كرم؛ كما قال:

وإني متى أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي وقد تقدم. جواب ثان: إن جازاه بذلك؛ أي هو أهل لذلك ومس��تحقه لعظيم ذنبه. نص على هذا أبو مجلز الح��ق بن حمي��د وأب��و ص��الح وغيرهم��ا. وروى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: )إذا وعد الله لعبد ثوابا فهو منجزه وإن أوعد له العقوبة فله المشيئة إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه (. وفي ه��ذين الت��أويلين دخ�ل؛ أم��ا األول - فق��ال القش��يري: وفي هذا نظ��ر؛ ألن كالم ال�رب ال يقب��ل الخل��ف إال أن ي��راد به�ذا تخص��يص العام؛ فه�و إذا ج�ائز في الكالم. وأم�ا الث��اني: وإن روي أن�ه مرف��وع فق�ال النحاس: وهذا الوجه الغلط فيه بين، وقد قال الله عز وجل: "ذلك جزاؤهم

[ ولم يقل أحد: إن جازاهم؛ وه��و خط��أ في106جهنم بما كفروا "]الكهف: العربي��ة ألن بع�ده "وغض��ب الل��ه علي��ه "وه��و محم�ول على مع�نى ج�ازاه. وجواب ثالث: فجزاؤه جهنم إن لم يتب وأصر على الذنب ح��تى وافى رب��ه على الكفر بشؤم المعاصي. وذكر هبة الله في كت��اب "الناس��خ والمنس��وخ "أن ه��ذه اآلي��ة منس��وخة بقول��ه تع��الى: "ويغف��ر م��ا دون ذل��ك لمن يش��اء

[، وقال: هذا إجم�اع الن�اس إال ابن عب��اس وابن عم�ر فإنهم��ا48"]النساء: قاال هي محكمة. وفي هذا الذي قال نظر؛ ألنه موض��ع عم��وم وتخص��يص ال

موضع نسخ؛ قال ابن عطية. قلت: هذا حسن؛ ألن النسخ ال ي��دخل األخب��ار إنما المعنى فهو يجزيه. وقال النحاس في "معاني القرآن "له: الق��ول في��ه عند العلماء أهل النظر أنه محكم وأن��ه يجازي��ه إذا لم يتب، ف��إن ت��اب فق��د

[ فه��ذا ال يخ��رج عن��ه،82بين أمره بقول��ه: "وإني لغف��ار لمن ت��اب "]ط��ه: والخلود ال يقتضي ال�دوام، ق��ال الل��ه تع�الى: "وم��ا جعلن��ا لبش��ر من قبل�ك

[ اآلية. وقال تعالى: "يحسب أن ماله أخلده "]الهم��زة:34الخلد "]األنبياء: [. وقال زهير: 3

وال خالدا إال الجبال الرواسيا وهذا كله يدل على أن الخلد يطلق على غير معنى التأبيد؛ ف��إن ه��ذا ي��زول بزوال الدنيا. وك��ذلك الع��رب تق��ول: ألخل��دن فالن��ا في الس��جن؛ والس��جن ينقطع ويفنى، وكذلك المسجون. ومثله قولهم في الدعاء: خلد الل��ه ملك��ه

وأبد أيامه. وقد تقدم هذا كله لفظا ومعنى. والحمد لله. }يا أيه��ا ال��ذين آمن��وا إذا ض��ربتم في س��بيل الل��ه فت��بينوا وال94*اآلية: 3*

تقولوا لمن ألقى إليكم السالم لس��ت مؤمن��ا تبتغ��ون ع��رض الحي��اة ال��دنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الل��ه

كان بما تعملون خبيرا{ @قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في س�بيل الل��ه" ه�ذا متص��ل بذكر القتل والجهاد. والضرب: السير في األرض؛ تقول العرب: ضربت في األرض إذا س��رت لتج��ارة أو غ��زو أو غ��يره؛ مقترن��ة بفي. وتق��ول: ض��ربت األرض دون "في" إذا قصدت قضاء حاجة اإلنسان؛ ومنه قول الن��بي ص��لى الله عليه وسلم: )ال يخرج الرجالن يض��ربان الغائ��ط يتح��دثان كاش��فين عن فرجيهم��ا ف��إن الل��ه يمقت على ذل��ك (. وه��ذه اآلي��ة ن��زلت في ق��وم من المسلمين مروا في سفرهم برجل مع��ه جم��ل وغنيم��ة يبيعه��ا فس��لم على القوم وقال: ال إله إال الله محمد رسول الله؛ فحم��ل علي��ه أح��دهم فقتل��ه. فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم شق عليه ونزلت اآلية. وأخرج��ه البخاري عن عطاء عن ابن عب��اس ق��ال: ق��ال ابن عب��اس: ك��ان رج��ل في غنيمة له فلحقه المسلمون فقال: السالم عليكم؛ فقتل��وه وأخ��ذوا غنيمت��ه؛ فأنزل الله تعالى ذلك إلى قوله: "عرض الحياة الدنيا "تل��ك الغنيم��ة. ق��ال: قرأ ابن عباس "السالم". في غير البخاري: وحمل رسول الل��ه ص��لى الل��ه

عليه وسلم ديته إلى أهله ورد عليه غنيماته. واختلف في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة، فالذي عليه األكثر

وهو في سير ابن إس��حاق ومص��نف أبي داود واالس��تيعاب البن عب��دالبر أن القاتل محلم بن جثامة، والمقتول عامر بن األضبط فدعا عليه السالم على محلم فما عاش بع�د ذل�ك إال س��بعا ثم دفن فلم تقبل��ه األرض ثم دفن فلم تقبله ثم دفن ثالثة فلم تقبله؛ فلما رأوا أن األرض ال تقبله ألق��وه في بعض تلك الشعاب؛ وقال عليه السالم: )إن األرض لتقبل من هو شر منه (. ق��ال الحسن: أما إنها تحبس من هو شر منه ولكنه وعظ القوم أال يع��ودوا. وفي سنن ابن ماجة عن عمران بن حص��ين ق��ال: بعث رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم جيشا من المس��لمين إلى المش��ركين فق��اتلوهم قت��اال ش��ديدا، فمنح��وهم أكت��افهم فحم��ل رج��ل من لحم��تي على رج��ل من المش��ركين بالرمح فلما غشيه قال: أشهد أن ال إله إال الله؛ إني مسلم؛ فطعنه فقتل��ه؛ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت ! قال:

)وما الذي صنعت ( ؟ مرة أو مرتين، فأخبره بالذي صنع. فقال ل��ه رس��ول الله صلى الله عليه وسلم: )فهال شققت عن بطن��ه فعلمت م��ا في قلب��ه ( فقال: يا رسول الله لو شققت بطنه أكنت أعلم ما في قلبه ؟ قال: )ال فال أنت قبلت ما تكلم به وال أنت تعلم ما في قلبه (. فسكت عنه رسول الل��ه صلى الله عليه وسلم فلم يلبث إال يسيرا حتى م��ات ف��دفناه، فأص��بح على وجه األرض. فقلنا: لع��ل ع��دوا نبش��ه، ف��دفناه ثم أمرن��ا غلمانن��ا يحرس��ونه فأصبح على ظهر األرض. فقلنا: لعل الغلم��ان نعس��وا، ف��دفناه ثم حرس��ناه بأنفسنا فأصبح على ظهر األرض، فألقيناه في بعض تل��ك الش��عاب. وقي��ل: إن القاتل أسامة بن زيد والمقتول مرداس بن نهيك الغطفاني ثم الف��زاري من ب��ني م��رة من أه��ل ف��دك. وق��ال ابن القاس��م عن مال��ك. وقي��ل: ك��ان مرداس هذا قد أسلم من الليلة وأخبر بذلك أهله؛ ولم��ا عظم الن��بي ص��لى الله عليه وسلم األمر على أسامة حلف عن��د ذل��ك أال يقات��ل رجال يق��ول: ال إله إال الله. وق��د تق��دم الق��ول في��ه. وقي��ل: القات��ل أب��و قت��ادة. وقي��ل: أب��و ال��درداء. وال خالف أن ال��ذي لفظت��ه األرض حين م��ات ه��و مح��رم ال��ذي ذكرن��اه. ولع��ل ه��ذه األح��وال ج��رت في زم��ان متق��ارب ف��نزلت اآلي��ة في الجميع. وقد روي أن النبي ص�لى الل��ه علي��ه وس��لم رد على أه��ل المس�لم الغنم والجمل وحمل ديته على طري��ق االئتالف والل��ه أعلم. وذك��ر الثعل��بي أن أمير تلك السرية رجل يقال له غالب بن فضالة الليثي. وقي��ل: المق��داد

حكاه السهيلي. @قوله تعالى: "فتبينوا" أي تأملوا. و"تبينوا "ق��راءة الجماع��ة، وه��و اختي��ار أبي عبيد وأبي حاتم، وقاال: من أمر بالتبين فقد أمر بالتثبيت؛ يق��ال: ت��بينت األمر وتبين األمر بنفسه، فهو متعد والزم. وقرأ حمزة "فتثبت��وا "من التثبت بالثاء مثلثة وبعدها ب��اء بواح��دة "وت��بينوا "في ه��ذا أوك��د؛ ألن اإلنس��ان ق��د يتثبت وال ي��بين. وفي "إذا "مع��نى الش��رط، فل��ذلك دخلت الف��اء في قول��ه

"فتبينوا". وقد يجازى بها كما قال: وإذا تصبك خصاصة فتجمل

والجيد أال يجازى بها كما قال الشاعر: والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع

والتبين التثبت في القت�ل واجب حض�را وس�فرا وال خالف في�ه، وإنم�ا خصالسفر بالذكر ألن الحادثة التي فيها نزلت اآلية وقعت في السفر.

@قوله تعالى: "وال تقول��وا لمن ألقى إليكم الس��الم لس��ت مؤمن��ا" الس��لم والسلم، والسالم واحد، ق�ال البخ��اري. وق��رئ به�ا كله�ا. واخت��ار أب�و عبي�د القاسم بن سالم "السالم". وخالفه أهل النظر فقالوا: "السلم "ههنا أشبه؛ ألنه بمعنى االنقياد والتسليم، كما ق��ال ع��ز وج��ل: "ف��ألقوا الس��لم م��ا كن��ا

[ فالس��لم االستس��الم واالنقي��اد. أي ال تقول��وا28نعمل من سوء "]النح��ل: لمن ألقى بيده واستسلم لكم وأظهر دعوتكم لست مؤمنا. وقي��ل: الس��الم قول السالم عليكم، وهو راجع إلى األول؛ ألن سالمه بتحية اإلس��الم م��ؤذن بطاعته وانقياده، ويحتمل أن يراد به االنحياز وال��ترك. ق��ال األخفش: يق��ال فالن سالم إذا كان ال يخالط أحدا. والسلم )بشد السين وكس��رها وس��كون

الالم( الصلح. وروي عن أبي جعفر أنه قرأ "لست مؤمنا "بفتح الميم الثانية، من آمنته

إذا أجرته فهو مؤمن.

@ والمسلم إذا لقي الكافر وال عهد له جاز ل��ه قتل��ه؛ ف��إن ق��ال: ال إل��ه إال الله لم يجز قتله؛ ألنه ق��د اعتص��م بعص��ام اإلس��الم الم��انع من دم��ه ومال��ه وأهله: فإن قتله بعد ذلك قتل به. وإنما سقط القت�ل عن ه��ؤالء ألج�ل أنهم كانوا في صدر اإلسالم وت��أولوا أن��ه قاله��ا متع��وذا وخوف��ا من الس��الح، وأن العاصم قولها مطمئنا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عاصم كيفم��ا قالها؛ ولذلك قال ألسامة: )أفال ش��ققت عن قلب��ه ح�تى تعلم أقاله�ا أم ال ( أخرجه مسلم. أي تنظر أصادق هو في قوله أم كاذب ؟ وذلك ال يمكن فلم يب��ق إال أن ي��بين عن��ه لس��انه. وفي ه��ذا من الفق��ه ب��اب عظيم، وه��و أن

األحكام تناط بالمظان والظواهر ال على القطع واطالع السرائر. فإن قال: سالم عليكم فال ينبغي أن يقتل أيضا حتى يعلم ما وراء هذا؛

ألنه موضع إشكال. وقد قال مالك في الكافر يوجد فيق��ول: جئت مس��تأمنا أطلب األم��ان: ه��ذه أم��ور مش��كلة، وأرى أن ي��رد إلى مأمن��ه وال يحكم ل��ه بحكم اإلسالم؛ ألن الكف��ر ق��د ثبت ل��ه فال ب��د أن يظه��ر من��ه م��ا ي��دل على قوله، وال يكفي أن يقول أنا مسلم وال أنا م��ؤمن وال أن يص��لي ح��تى يتكلم بالكلمة العاصمة التي علق النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بها عليه في

قوله: )أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ال إله إال الله (. @ فإن صلى أو فعل فعال من خصائص اإلسالم فق��د اختل��ف في��ه علماؤن��ا؛ فقال ابن العربي: نرى أنه ال يكون بذلك مسلما، أما أنه يقال ل��ه: م��ا وراء هذه الصالة ؟ فإن قال: صالة مسلم، قيل له: قل ال إله إال الله؛ فإن قاله��ا تبين صدقه، وإن أبى علمنا أن ذل�ك تالعب، وك�انت عن�د من ي�رى إس��المه ردة؛ والصحيح أنه كفر أص��لي ليس ب��ردة. وك��ذلك ه��ذا ال��ذي ق��ال: س��الم عليكم، يكلف الكلمة؛ فإن قالها تحقق رشاده، وإن أبى تبين عن��اده وقت��ل. وه��ذا مع��نى قول��ه: "فت��بينوا "أي األم��ر المش��كل، أو "تثبت��وا "وال تعجل��وا المعنيان سواء. فإن قتله أحد فقد أتى منهيا عنه. فإن قيل: فتغلي��ظ الن��بي صلى الله عليه وسلم على محلم، ونبذه من قبره كيف مخرجه ؟ قلنا: ألنه علم من نيته أنه لم يبال بإس��المه فقتل��ه متعم��دا ألج��ل الحن��ة ال��تي ك��انت

بينهما في الجاهلية. @قوله تعالى: "تبتغون عرض الحياة الدنيا" أي تبتغون أخذ مال��ه: ويس��مى متاع الدنيا عرضا ألنه عارض زائل غير ثابت. ق��ال أب�و عبي�دة: يق�ال جمي�ع متاع الحياة الدنيا عرض بفتح الراء؛ ومنه: )الدنيا عرض حاض��ر يأك��ل منه��ا البر والفاجر (. والعرض )بسكون الراء ( ما سوى الدنانير وال�دراهم؛ فك�ل عرض عرض، وليس كل عرض عرضا. وفي صحيح مسلم عن النبي ص��لى الله عليه وسلم: )ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغ��نى غ��نى النفس (.

وقد أخذ بعض العلماء هذا المعنى فنظمه: تقنع بما يكفيك واستعمل الرضا فإنك ال تدري أتصبح أم تمسي

فليس الغنى عن كثرة المال إنما يكون الغنى والفق��ر من قب��ل النفس

وهذا يصحح قول أبي عبيدة: فإن المال يشمل كل م��ا يتم��ول. وفي كت��اب العين: العرض ما نيل من الدنيا؛ ومنه قوله تع��الى: "تري��دون ع�رض ال��دنيا

[ وجمع��ه ع��روض. وفي المجم��ل البن ف��ارس: والع��رض م��ا67"]األنفال: يعترض اإلنسان من مرض أو نحوه وعرض الدنيا ما كان فيها من مال ق��ل

أو كثر. والعرض من األث��اث م��ا ك�ان غ��ير نق�د. وأع��رض الش��يء إذا ظه��روأمكن. والعرض خالف الطول.

@قوله تعالى: "فعند الله مغانم كثيرة" عدة من الل��ه تع��الى بم��ا ي��أتي ب��ه على وجهه ومن حل��ه دون ارتك��اب محظ�ور، أي فال تته�افتوا. "ك�ذلك كنتم من قب��ل "أي ك��ذلك كنتم تخف��ون إيم��انكم عن ق��ومكم خوف��ا منكم على أنفسكم ح��تى من الل��ه عليكم ب��إعزاز ال��دين وغلب��ة المش��ركين، فهم اآلن كذلك كل واحد منهم في قومه متربص أن يصل إليكم، فال يص��لح إذ وص��ل إليكم أن تقتلوه حتى تتبينوا أمره. وقال ابن زيد: المعنى كذلك كنتم كف��رة "فمن الله عليكم "بأن أس��لمتم فال تنك��روا أن يك��ون ه��و ك��ذلك ثم يس��لم

لحينه حين لقيكم فيجب أن تتثبتوا في أمره. @ استدل بهذه اآلية من ق��ال: إن اإليم��ان ه��و الق��ول، لقول��ه تع��الى: "وال تقولوا لمن ألقى إليكم السالم لست مؤمنا". قالوا: ولما منع أن يقال لمن قال ال إله إال الله لست مؤمنا منع من قتلهم بمجرد الق��ول. ول��وال اإليم��ان الذي هو هذا الق��ول لم يعب ق��ولهم. قلن��ا: إنم��ا ش��ك الق��وم في حال��ة أن يكون ه��ذا الق��ول من��ه تع��وذا فقتل��وه، والل��ه لم يجع��ل لعب��اده غ��ير الحكم بالظاهر؛ وقد قال صلى الله علي��ه وس��لم: )أم��رت أن أقات��ل الن��اس ح��تى يقولوا ال إله إال الله ( وليس في ذلك أن اإليمان هو اإلقرار فق��ط؛ أال ت��رى أن المنافقين كانوا يقولون هذا الق��ول وليس��وا بمؤم��نين حس��ب م��ا تق��دم بيان�ه في "البق�رة "وق�د كش�ف البي��ان في ه�ذا قول�ه علي�ه الس�الم: )أفال ش��ققت عن قلب��ه ( ؟ فثبت أن اإليم��ان ه��و اإلق��رار وغ��يره، وأن حقيقت��ه التص��ديق ب��القلب، ولكن ليس للعب�د طري�ق إلي��ه إال م�ا س�مع من��ه فق�ط. واستدل بهذا أيضا من قال: إن الزنديق تقبل توبته إذا أظهر اإلسالم؛ ق��ال: ألن الله تعالى لم يفرق بين الزنديق وغيره متى أظهر اإلسالم. وقد مض��ى القول في هذا في أول البقرة. وفيها رد على القدرية، فإن الله تعالى أخبر أنه من على المؤمنين من بين جميع الخلق بأن خصهم بالتوفيق، والقدري��ة تق��ول: خلقهم كلهم لإليم��ان. ول��و ك��ان كم��ا زعم��وا لم��ا ك��ان الختص��اص

المؤمنين بالمنة من بين الخلق معنى. @قوله تع��الى: "فت��بينوا" أع��اد األم��ر ب��التبيين للتأكي��د. "إن الل��ه ك��ان بم��ا تعملون خبيرا "تحذير عن مخالفة أمر الله؛ أي احفظ��وا أنفس��كم وجنبوه��ا

الزلل الموبق لكم.-�� 95*اآلية: 3* }ال يستوي القاعدون من المؤمنين غ��ير أولي الض��رر96

والمجاه��دون في س��بيل الل��ه ب��أموالهم وأنفس��هم فض��ل الل��ه المجاه��دين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكال وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما، درجات منه ومغفرة ورحم��ة وك��ان

الله غفورا رحيما{ @قول�ه تع�الى: "ال يس��توي القاع�دون من المؤم�نين "ق��ال ابن عب��اس: ال يستوي القاعدون عن ب��در والخ��ارجون إليه��ا. ثم ق��ال: "غ��ير أولي الض��رر "والضرر الزمانة. روى األئمة واللفظ ألبي داود عن زيد بن ثابت قال: كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخ��ذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فما وجدت ثقل شيء أثق��ل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وس��لم ثم س��ري عن��ه فق��ال: )اكتب ( فكتبت في كت��ف "ال يس��توي القاع��دون من المؤم��نين والمجاه��دون في

سبيل الله "إلى آخر اآلي��ة؛ فق��ام ابن أم مكت��وم - وك��ان رجال أعمى - لم��ا سمع فضيلة المجاهدين فقال: يا رسول الله، فكيف بمن ال يستطيع الجهاد من المؤمنين ؟ فلما قضى كالمه غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخ��ذي، ووج��دت من ثقله��ا في الم��رة الثاني��ة كما وجدت في المرة األولى، ثم س��ري عن رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم فقال: )اق��رأ ي��ا زي��د ( فق��رأت "ال يس��توي القاع��دون من المؤم��نين "فقال رسول الله صلى الله عليه وس��لم: "غ��ير أولي الض��رر "اآلي��ة كله��ا. قال زيد: فأنزلها الله وحدها فألحقتها؛ والذي نفسي بيده لك��أني أنظ��ر إلى ملحقها عند صدع في كت��ف. وفي البخ��اري عن مقس��م م��ولى عبدالل��ه بن الحارث أنه س��مع ابن عب��اس يق��ول: "ال يس��توي القاع��دون من المؤم��نين "عن بدر والخارجون إلى بدر. قال العلماء: أهل الضرر هم أهل األع��ذار إذ قد أضرت بهم حتى منعتهم الجهاد. وصح وثبت في الخبر أنه علي��ه الس��الم قال - وقد قفل من بعض غزواته: )إن بالمدين��ة رج��اال م��ا قطعتم وادي��ا وال سرتم مسيرا إال كانوا معكم أولئك قوم حبسهم الع��ذر (. فه��ذا يقتض��ي أن صاحب العذر يعطى أجر الغ��ازي؛ فقي��ل: يحتم��ل أن يك��ون أج��ره مس��اويا وفي فضل الله متسع، وثوابه فضل ال استحقاق؛ فيثيب على النية الصادقة ماال يثيب على الفعل. وقيل: يعطى أجره من غير تضعيف فيفضله الغ��ازي

بالتضعيف للمباشرة. والله أعلم. قلت: والقول األول أصح - إن شاء الله - للحديث الصحيح في ذلك )إن

بالمدينة رجاال ( ولحديث أبي كبشة األنماري قوله عليه السالم )إنما ال��دنيا ألربعة نفر ( الحديث وقد تقدم في سورة "آل عمران". ومن ه��ذا المع��نى ما ورد في الخبر )إذا مرض العبد ق��ال الل��ه تع��الى اكتب��وا لعب��دي م��ا ك��ان

يعمله في الصحة إلى أن يبرأ أو أقبضه إلي (. @ وقد تمسك بعض العلماء بهذه اآلية ب��أن أه��ل ال��ديوان أعظم أج��را من أهل التطوع؛ ألن أهل الديوان لما ك��انوا متملكين بالعط��اء، ويص��رفون في الشدائد، وتروعهم البع��وث واألوام��ر، ك��انوا أعظم من المتط��وع؛ لس��كون جأشه ونعمة باله في الصوائف الكبار ونحوه��ا. ق��ال ابن مح��يريز: أص�حاب العطاء أفضل من المتطوعة لما يروعون. ق��ال مكح��ول: روع��ات البع��وث

تنفي روعات القيامة. @ وتعلق بها أيضا من قال: إن الغنى أفضل من الفق��ر؛ ل��ذكر الل��ه تع��الى المال الذي يوص��ل ب��ه إلى ص��الح األعم��ال. وق��د اختل��ف الن��اس في ه��ذه المسألة مع اتفاقهم أن ما أحوج من الفق��ر مك��روه، وم��ا أبط��ر من الغ��نى مذموم؛ فذهب قوم إلى تفضيل الغ�ني، ألن الغ�ني مقت��در والفق��ير ع�اجز، والقدرة أفضل من العجز. قال الماوردي: وهذا مذهب من غلب علي��ه حب النباهة. وذهب آخرون إلى تفضيل الفقر، ألن الفقير تارك والغ��ني مالبس، وترك الدنيا أفض��ل من مالبس��تها. ق��ال الم��اوردي: وه��ذا م��ذهب من غلب عليه حب السالمة. وذهب آخ��رون إلى تفض��يل التوس��ط بين األم��رين ب��أن يخرج عن حد الفق��ر إلى أدنى م��راتب الغ��نى ليص��ل إلى فض��يلة األم��رين، وليسلم من مذمة الحالين. قال الماوردي: وه��ذا م��ذهب من ي��رى تفض��يل االعتدال وأن )خير األم��ور أوس��طها (. ولق��د أحس��ن الش��اعر الحكيم حيث

قال: أال عائذا بالله من عدم الغنى ومن رغبة يوما إلى غير مرغب

@قوله تعالى: "غير أولي الض��رر "ق��راءة أه��ل الكوف��ة وأب��و عم��رو "غ��ير "ب��الرفع؛ ق��ال األخفش: ه��و نعت للقاع��دين؛ ألنهم لم يقص��د بهم ق��وم بأعيانهم فصاروا كالنكرة فجاز وصفهم بغير؛ والمعنى ال يستوي القاع��دون غ��ير أولي الض��رر؛ أي ال يس��توي القاع��دون ال��ذين هم غ��ير أولي الض��رر. والمعنى ال يستوي القاعدون األصحاء؛ قال الزج��اج. وق��رأ أب��و حي��وة "غ��ير "جعل��ه نعت��ا للمؤم��نين؛ أي من المؤم�نين ال�ذين هم غ��ير أولي الض��رر من المؤمنين األصحاء. وقرأ أهل الح��رمين "غ��ير "بالنص��ب على االس��تثناء من القاع���دين أو من المؤم���نين؛ أي إال أولي الض���رر ف���إنهم يس���توون م���ع المجاهدين. وإن شئت على الحال من القاع��دين؛ أي ال يس��توي القاع��دون من األصحاء أي في حال ص��حتهم؛ وج��ازت الح��ال منهم؛ ألن لفظهم لف��ظ المعرفة، وهو كما تقول: جاءني زي��د غ��ير م��ريض. وم��ا ذكرن��اه من س��بب

النزول يدل على معنى النصب، والله أعلم. @قوله تعالى: "فضل الله المجاه��دين ب��أموالهم وأنفس��هم على القاع��دين درجة "وق��د ق��ال بع��د ه��ذا: "درج��ات من��ه ومغف��رة ورحم��ة "فق��ال ق��وم: التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبي��ان وتأكي��د. وقي��ل: فض��ل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر بدرجة واحدة، وفض��ل الل��ه المجاهدين على القاعدين من غير عذر درج��ات؛ ق��ال ابن ج��ريج والس��دي وغيرهم��ا. وقي��ل: إن مع��نى درج��ة عل��و، أي أعلى ذك��رهم ورفعهم بالثن��اء والمدح والتقريظ. فهذا معنى درج��ة، ودرج��ات يع��ني في الجن��ة. ق��ال ابن محيريز: سبعين درجة بين كل درجتين حضر الفرس الج��واد س��بعين س��نة. و"درجات "بدل من أجر وتفسير له، ويجوز نصبه أيضا على تقدير الظرف؛ أي فضلهم بدرجات، ويجوز أن يكون توكيدا لقول "أجرا عظيما "ألن األج��ر العظيم هو الدرجات والمغفرة والرحمة، ويج��وز الرف��ع؛ أي ذل��ك درج��ات. و"أجرا "نصب ب� "فضل "وإن شئت كان مصدرا وهو أحسن، وال ينتص��ب ب� "فض��ل "ألن��ه ق��د اس��توفى مفعولي��ه وهم��ا قول��ه: "المجاه��دين "و "على القاعدين "؛ وكذا "درجة". فال��درجات من��ازل بعض��ها أعلى من بعض. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم )إن في الجنة مائ��ة درج��ة أع��دها الله للمجاهدين في سبيله بين الدرجتين كم��ا بين الس��ماء واألرض (. "وكال وعد الله الحسنى ""كال "منصوب ب� "وع��د "و "الحس��نى "الجن��ة؛ أي وع��د الل��ه كال الحس��نى. ثم قي��ل: الم��راد )بك��ل ( المجاه��دون خاص��ة. وقي��ل:

المجاهدون وأولو الضرر. والله أعلم. }إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم99 - 97*اآليات: 3*

كنتم ق��الوا كن��ا مستض��عفين في األرض ق��الوا ألم تكن أرض الل��ه واس��عة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وس��اءت مص��يرا، إال المستض��عفين من الرجال والنساء والول��دان ال يس��تطيعون حيل��ة وال يهت��دون س��بيال، فأولئ��ك

عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا{ @ المراد بها جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظه��روا للن��بي ص��لى الله عليه وسلم اإليمان به، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وس��لم أق��اموا مع قومهم وفتن منهم جماعة فافتتنوا، فلما كان أمر ب��در خ��رج منهم ق��وم مع الكفار؛ فنزلت اآلية. وقيل: إنهم لما استحقروا ع��دد المس��لمين دخلهم شك في دينهم فارتدوا فقتلوا على الردة؛ فقال المس�لمون: ك�ان أص�حابنا هؤالء مسلمين وأكرهوا على الخروج فاستغفروا لهم؛ فنزلت اآلي��ة. واألول

أصح. روى البخاري عن محمد بن عبدالرحمن قال: قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت في��ه فلقيت عكرم��ة م��ولى ابن عب��اس فأخبرت��ه فنه��اني عن ذلك أشد النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس أن ناسا من المس��لمين ك��انوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه عليه وسلم يأتي السهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل؛

فأنزل الله تعالى: "إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم". @قوله تعالى: "توفاهم المالئك��ة "يحتم��ل أن يك��ون فعال ماض��يا لم يس��تند بعالمة تأنيث، إذ تأنيث لفظ المالئك��ة غ��ير حقيقي، ويحتم��ل أن يك��ون فعال مستقبال على معنى تتوفاهم؛ فحذفت إحدى التاءين. وحكى ابن فورك عن الحسن أن المعنى تحشرهم إلى النار. وقيل: تقبض أرواحهم؛ وه��و أظه��ر. وقيل: الم��راد بالمالئك��ة مل��ك الم��وت؛ لقول��ه تع��الى: "ق��ل يتوف��اكم مل��ك

[. و"ظ��المي أنفس��هم "نص��ب على11الموت الذي وك��ل بكم "]الس��جدة: الح��ال؛ أي في ح��ال ظلمهم أنفس��هم، والم��راد ظ��المين أنفس��هم فح��ذف

[.95النون استخفافا وأضاف؛ كما قال تعالى: "هديا بالغ الكعبة "]المائدة: وق��ول المالئك��ة "فيم كنتم" س��ؤال تقري��ع وت��وبيخ، أي أكنتم في أص��حاب الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم أم كنتم مش��ركين ! وق��ول ه��ؤالء: "كن��ا مستضعفين في األرض" يعني مكة، اعتذار غير صحيح؛ إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبيل، ثم وقفتهم المالئك��ة على دينهم بق��ولهم "ألم تكن أرض الل��ه واس��عة". ويفي��د ه��ذا الس��ؤال والج��واب أنهم م��اتوا مس��لمين ظالمين ألنفسهم في تركهم الهج��رة، وإال فل��و م��اتوا ك��افرين لم يق��ل لهم شيء من هذا، وإنما أض��رب عن ذك��رهم في الص��حابة لش��دة م��ا واقع�وه، ولعدم تعين أحدهم باإليمان، واحتمال ردته. والله أعلم. ثم اس��تثنى تع��الى منهم من الضمير الذي هو الهاء والميم في "م��أواهم "من ك��ان مستض��عفا حقيقة من زمنى الرجال وضعفة النس��اء والول��دان؛ كعي��اش بن أبي ربيع��ة وسلمة بن هشام وغيرهم الذين دعا لهم الرسول صلى الل��ه علي��ه وس��لم. قال ابن عباس: كنت أنا وأمي ممن عنى الله بهذه اآلية؛ وذلك أنه كان من الولدان إذ ذاك، وأمه هي أم الفضل بنت الحارث واسمها لبابة، وهي أخت ميمونة، وأختها األخرى لبابة الصغرى، وهن تسع أخ��وات ق��ال الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم فيهن: )األخ��وات مؤمن��ات ( ومنهن س��لمى والعص��ماء وحفي��دة ويق��ال في حفي��دة: أم حفي��د، واس��مها هزيل��ة. هن س��ت ش��قائق وثالث ألم؛ وهن س��لمى، وس��المة، وأس��ماء. بنت عميس الخثعمي��ة ام��رأة جعفر بن أبي طالب، ثم امرأة أبي بكر الصديق، ثم امرأة علي رضى الل��ه

عنهم أجمعين. @قوله تع��الى: "فيم كنتم" س��ؤال ت��وبيخ، وق��د تق��دم. واألص��ل "فيم��ا "ثم حذفت األلف فرقا بين االستفهام والخبر، والوقف عليها )فيمه ( لئال تحذف األلف والحركة. والمراد بقول��ه: "ألم تكن أرض الل��ه واس��عة" المدين��ة؛ أي ألم تكونوا متمكنين قادرين على الهجرة والتباعد ممن ك��ان يستض��عفكم ! وفي هذه اآلية دليل على هجران األرض التي يعمل فيها بالمعاص��ي. وق��ال سعيد بن جبير: إذا عم��ل بالمعاص��ي في أرض ف��اخرج منه��ا؛ وتال "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها". وروي عن النبي ص�لى الل�ه علي�ه وس��لم أنه قال: )من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا اس��توجب الجن��ة وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهم��ا الس��الم (. "فأولئ��ك م��أواهم جهنم "أي

مثواهم النار. وكانت الهجرة واجبة على ك��ل من أس��لم. "وس��اءت مص��يرا"نصب على التفسير.

وقوله تعالى: "ال يستطيعون حيلة" الحيلة لفظ عام ألنواع أسباب التخلص. والسبيل سبيل المدينة؛ فيما ذكر مجاهد والسدي وغيرهما، والص��واب أن��ه عام في جميع السبل. وقوله تعالى: "فأولئ��ك عس��ى الل��ه أن يعف��و عنهم" هذا الذي ال حيلة له في الهجرة ال ذنب له ح��تى يعفى عن��ه؛ ولكن المع��نى أنه قد يتوهم أنه يجب تحم��ل غاي��ة المش��قة في الهج��رة، ح��تى أن من لم يتحمل تلك المشقة يعاقب فأزال الله ذل�ك ال�وهم؛ إذ ال يجب تحم�ل غاي��ة المشقة، بل كان يجوز ترك الهجرة عند فقد الزاد والراحلة. فمع��نى اآلي��ة؛ فأولئك ال يستقص�ى عليهم في المحاس�بة؛ وله�ذا ق�ال: "وك�ان الل�ه عف�وا

غفورا "والماضي والمستقبل في حقه تعالى واحد، وقد تقدم. }ومن يهاجر في سبيل الله يج��د في األرض مراغم��ا كث��يرا100*اآلية: 3*

وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الم��وت فق��دوقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما{

@قول��ه تع��الى: "ومن يه��اجر في س��بيل الل��ه يج��د" ش��رط وجواب��ه. "في األرض مراغم��ا" اختل��ف في تأوي��ل الم��راغم؛ فق��ال مجاه��د: الم��راغم المتزحزح. وقال ابن عباس والضحاك والربيع وغ�يرهم: الم�راغم المتح�ول والم��ذهب. وق��ال ابن زي��د: والم��راغم المه��اجر؛ وقال��ه أب��و عبي��دة. ق��ال النحاس: فهذه األقوال متفقة المعاني. ف��المراغم الم��ذهب والمتح��ول في حال هجرة، وهو اسم الموضع الذي ي�راغم في�ه، وه�و مش�تق من الرغ��ام. ورغم أنف فالن أي لصق بالتراب. وراغمت فالنا هجرته وعاديته، ولم أب��ال إن رغم أنفه. وقيل: إنما سمي مهاجرا ومراغما ألن الرجل ك��ان إذا أس��لم عادى قومه وهجرهم، فسمى خروجه مراغم��ا، وس��مى مص��يره إلى الن��بي صلى الله عليه وسلم هج��رة. وق��ال الس��دي: الم��راغم المبتغي للمعيش��ة. وقال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: المراغم ال��ذهاب في األرض. وه��ذا كله تفسير بالمعنى، وكله قريب بعضه من بعض؛ فأما الخاص باللفظة فإن الم��راغم موض��ع المراغم��ة كم��ا ذكرن��ا، وه��و أن ي��رغم ك��ل واح��د من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده؛ فك��أن كف��ار ق��ريش أرغم��وا أن��وف المحبوس��ين بمك��ة، فل��و ه��اجر منهم مه��اجر ألرغم أن��وف ق��ريش لحصوله في منع��ة منهم، فتل��ك المنع�ة هي موض��ع المراغم��ة. ومن��ه ق��ول

النابغة. كطرد يالذ بأركانه عزيز المراغم والمهرب

@قوله تعالى: "وسعة" أي في الرزق؛ قال ابن عباس والربي��ع والض��حاك.

وقال قتادة: المعنى س��عة من الض��اللة إلى اله��دى ومن العل��ة إلى الغ��نى. وقال مالك: السعة س��عة البالد. وه��ذا أش��به بفص��احة الع�رب؛ ف�إن بس��عة األرض وكثرة المعاقل تك��ون الس��عة في ال��رزق، واتس��اع الص��در لهموم��ه

وفكره وغير ذلك من وجوه الفرج. ونحو هذا المعنى قول الشاعر: وكنت إذا خليل رام قطعي وجدت وراي منفسحا عريضا

آخر: لكان لي مضطرب واسع في األرض ذات الطول والعرض

@ قال مالك: هذه اآلية دالة على أنه ليس ألحد المقام ب�أرض يس�ب فيه�ا الس��لف ويعم��ل فيه��ا بغ��ير الح��ق. وق��ال: والم��راغم ال��ذهاب في األرض،

والسعة سعة البالد على ما تقدم. واس��تدل أيض��ا بعض العلم�اء به�ذه اآلي��ة على أن للغازي إذا خرج إلى الغزو ثم مات قبل القت��ال ل��ه س��همه وإن لم يحضر الحرب؛ رواه ابن لهيع��ة عن يزي��د بن أبي ح��بيب عن أه��ل المدين��ة.

وروي ذلك عن ابن المبارك أيضا. @قوله تعالى: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله" قال عكرمة مولى ابن عباس: طلبت اسم هذا الرجل أرب��ع عش��رة س��نة ح��تى وجدت��ه. وفي قول عكرمة هذا دليل على شرف ه��ذا العلم ق��ديما، وأن االعتن��اء ب��ه حسن والمعرفة به فضل؛ ونحو منه قول ابن عباس: مكثت سنين أري��د أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم، ما يمنعني إال مهابته. والذي ذكره عكرم��ة ه��و ض��مرة بن العيص أو العيص بن ضمرة بن زنباع؛ حكاه الطبري عن سعيد بن جبير. ويق��ال في��ه: ض���ميرة أيض���ا. ويق���ال: جن���دع بن ض���مرة من ب���ني ليث، وك���ان من المستضعفين بمكة وكان مريضا، فلما سمع ما أنزل الله في الهجرة ق��ال: أخرجوني؛ فهيئ ل�ه ف�راش ثم وض�ع علي�ه وخ�رج ب�ه فم�ات في الطري�ق بالتنعيم، فأنزل الله فيه "ومن يخرج من بيته مهاجرا "اآلية. وذكر أبو عم��ر أنه قد قيل فيه: خالد بن حزام بن خويلد ابن أخي خديجة، وأن��ه ه��اجر إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات قب��ل أن يبل��غ أرض الحبش��ة؛ ف��نزلت في��ه اآلي��ة، والل��ه أعلم. وحكى أب��و الف��رج الج��وزي أن��ه ح��بيب بن ضمرة. وقيل: ضمرة بن جندب الضمري؛ عن الس��دي. وحكي عن عكرم��ة أنه جندب بن ضمرة الجن��دعي. وحكي عن ابن ج�ابر أن�ه ض�مرة بن بغيض الذي من بني ليث. وحكى المهدوي أنه ضمرة بن ض��مرة بن نعيم. وقي��ل: ضمرة بن خزاعة، والله أعلم. وروى معمر عن قتادة قال: لم��ا ن��زلت "إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفس��هم "اآلي��ة، ق��ال رج��ل من المس��لمين وهو مريض: والله ما لي من عذر ! إني ل��دليل في الطري��ق، وإني لموس��ر فاحملوني. فحملوه فأدركه الموت في الطريق؛ فقال أصحاب النبي ص��لى الله عليه وسلم: لو بلغ إلينا لتم أجره؛ وقد م��ات ب��التنعيم. وج�اء بن��وه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بالقصة، فنزلت هذه اآلية "ومن يخرج من بيته مهاجرا "اآلية. وكان اس��مه ض��مرة بن جن��دب، ويق��ال: جن��دب بن ضمرة على ما تقدم. "وكان الله غفورا" لما كان منه من الشرك. "رحيما"

حين قبل توبته. @ ق��ال ابن الع�ربي: قس��م العلم��اء رض��ي الل��ه عنهم ال�ذهاب في األرض قسمين: هربا وطلبا؛ فاألول ينقسم إلى ستة أقس��ام: األول: الهج��رة وهي الخروج من دار الحرب إلى دار اإلسالم، وكانت فرضا في أيام النبي ص��لى الله عليه وسلم، وه��ذه الهج��رة باقي��ة مفروض��ة إلى ي��وم القيام��ة، وال��تي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان؛ فإن بقي في دار الحرب عصى؛ ويختل��ف في حال��ه. الث��اني: الخ��روج من أرض البدعة؛ قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول ال يح��ل ألح��د أن يقيم ب��أرض يسب فيها السلف. قال ابن العربي: وهذا صحيح؛ فإن المنك��ر إذا لم تق��در أن تغيره فزل عنه، قال الله تعالى: "وإذا رأيت ال��ذين يخوض��ون في آياتن��ا

[. الث��الث: الخ��روج من68فأعرض عنهم "إلى قوله "الظالمين" ]األنع��ام: أرض غلب عليها الحرام: فإن طلب الحالل فرض على كل مس��لم. الراب��ع: الفرار من األذية في البدن؛ وذلك فضل من الل��ه أرخص في��ه، ف��إذا خش��ي

على نفسه فقد أذن الله في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذل��ك المحذور. وأول من فعله إبراهيم عليه الس��الم؛ فإن��ه لم��ا خ��اف من قوم��ه

[، وق��ال: "إني ذاهب إلى ربي26قال: "إني مهاجر إلى ربي "]العنكب��وت: [. وق��ال مخ��برا عن موس��ى: "فخ��رج منه��ا خائف��ا99سيهدين "]الصافات: [. الخ��امس: خ��وف الم��رض في البالد الوخم��ة21ي��ترقب" ]القص��ص:

والخروج منها إلى األرض النزهة. وقد أذن صلى الل��ه علي��ه وس��لم للرع��اة حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المسرح فيكونوا فيه ح��تى يص��حوا. وق��د اس��تثنى من ذل��ك الخ��روج من الط��اعون؛ فمن��ع الل��ه س��بحانه من��ه بالحديث الص��حيح عن نبي��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم، وق��د تق��دم بيان��ه في "البقرة". بيد أن علماءنا قالوا: هو مكروه. السادس: الف��رار خ��وف األذي��ة في المال؛ فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه، واألهل مثل��ه وأوك��د. وأم��ا

قسم الطلب فينقسم قسمين: طلب دين وطلب دنيا. فأما طلب الدين فيتعدد بتعدد أنواعه إلى تسعة أقسام: األول: س��فر

العبرة؛ قال الله تعالى: "أولم يسيروا في األرض فينظروا كيف كان عاقب��ة [ وهو كثير. ويق��ال: إن ذا الق��رنين إنم��ا ط��اف9الذين من قبلهم "]الروم:

س��فر الحج. واألول3األرض ليرى عجائبها. وقيل: لينفذ الحق فيها. الثاني: وإن كان ندبا فهذا فرض. الثالث: سفر الجهاد ول��ه أحكام��ه. الراب��ع: س��فر المعاش؛ فقد يتعذر على الرج��ل معاش��ه م��ع اإلقام��ة فيخ��رج في طلب��ه ال يزيد عليه. من صيد أو احتطاب أو احتشاش؛ فه��و ف��رض علي��ه. الخ��امس: سفر التجارة والكسب الزائد على القوت، وذلك جائز بفضل الل��ه س��بحانه وتع��الى، ق��ال الل��ه تع��الى: "ليس عليكم جن��اح أن تبتغ��وا فض��ال من ربكم"

[ يعني التجارة، وهي نعمة من الله بها في سفر الحج، فكيف198]البقرة: إذا انفردت. السادس: في طلب العلم وهو مشهور. السابع: قص��د البق��اع؛ قال صلى الله عليه وسلم: )ال تشد الرحال إال إلى ثالثة مساجد (. الث��امن: الثغور للرباط بها وتكثير سوادها لل��ذب عنه��ا. التاس��ع: زي��ارة اإلخ��وان في الله تعالى: قال رسول الله صلى الله عليه وس��لم: )زار رج��ل أخ��ا ل��ه في قرية فأرصد الله له ملكا على مدرجته فقال أين تري��د فق��ال أري��د أخ��ا لي في هذه القرية قال: هل لك من نعمة تربه��ا علي��ه ق��ال ال غ��ير أني أحببت��ه في الله عز وجل قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كم��ا أحببت��ه

فيه (. رواه مسلم وغيره. }وإذا ضربتم في األرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من101*اآلية: 3*

الص��الة إن خفتم أن يفتنكم ال��ذين كف��روا إن الك��افرين ك��انوا لكم ع��دوامبينا{

@قوله تعالى: "ضربتم "س��افرتم، وق��د تق��دم. واختل��ف العلم��اء في حكم القص��ر في الس��فر؛ ف��روي عن جماع��ة أن��ه ف��رض. وه��و ق��ول عم��ر بن عبدالعزيز والكوفيين والقاضي إسماعيل وحماد بن أبي س��ليمان؛ واحتج��وا بحديث عائشة رضي الله عنها )فرضت الصالة ركعتين ركعتين الحديث، وال حجة فيه لمخالفتها له؛ فإن��ه ك��انت تتم في الس��فر وذل��ك يوهن��ه. وإجم��اع فقهاء األمصار على أنه ليس بأصل يعتبر في صالة المسافر خل��ف المقيم؛ وق��د ق��ال غيره��ا من الص��حابة كعم��ر وابن عب��اس وجب��ير بن مطعم: )إن الصالة فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركع�تين وفي الخ�وف ركع�ة ( رواه مسلم عن ابن عباس. ثم إن ح��ديث عائش��ة ق��د رواه ابن عجالن عن

صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت: فرض رسول الله صلى الل��ه عليه وسلم الصالة ركعتين ركعتين. وقال فيه األوزاعي عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: فرض الله الصالة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ركع�تين؛ الح��ديث، وه�ذا اض�طراب. ثم إن قوله�ا: )فرض�ت الصالة ( ليس على ظاهره؛ فقد خ��رج عن��ه ص��الة المغ��رب والص��بح؛ ف��إن المغرب ما زيد فيها وال نقص منها. وكذلك الصبح، وهذا كله يضعف متن��ه ال س��نده. وحكى ابن الجهم أن أش��هب روى عن مال��ك أن القص��ر ف��رض، ومشهور مذهبه وجل أصحابه وأكثر العلماء من السلف والخلف أن القص��ر سنة، وهو قول الشافعي، وهو الصحيح على م��ا ي��أتي بيان��ه إن ش��اء الل��ه. وم��ذهب عام��ة البغ��داديين من الم��الكيين أن الف��رض التخي��ير؛ وه��و ق��ول أص��حاب الش��افعي. ثم اختلف��وا في أيهم��ا أفض��ل؛ فق��ال بعض��هم: القص��ر أفض��ل؛ وه�و ق��ول األبه�ري وغ��يره. وقي��ل: إن اإلتم��ام أفض�ل؛ وحكي عن الش��افعي. وحكى أب��و س��عيد الف��روي الم��الكي أن الص��حيح على م��ا ي��أتي

مذهب مالك التخيير للمسافر في اإلتمام والقصر. قلت: وهو الذي يظهر من قوله سبحانه وتعالى: "فليس عليكم جناح أن

تقصروا من الصالة" إال أن مالكا رحمه الله يستحب له القصر، وكذلك يرى علي��ه اإلع��ادة في ال��وقت إن أتم. وحكى أب��و مص��عب في "مختص��ره "عن مالك وأهل المدينة قال: القصر في السفر للرجال والنساء سنة. ق��ال أب��و عمر: وحسبك بهذا في مذهب مالك، م��ع أن��ه لم يختل��ف ف��ول: أن من أتم في السفر يعيد ما دام في الوقت؛ وذلك استحباب عند من فهم، ال إيجاب. وقال الشافعي: القصر في غير الخوف بالسنة، وأما في الخوف مع السفر فبالقرآن والسنة؛ ومن صلى أربع��ا فال ش��يء علي��ه، وال أحب ألح��د أن يتم في السفر رغبة عن السنة. وق��ال أب��و بك��ر األث��رم: قلت ألحم��د بن حنب��ل للرجل أن يصلي في السفر أربعا ؟ ق��ال: ال، م��ا يعجب��ني، الس��نة ركعت��ان. وفي موطأ مالك عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد، أنه س��أل عبدالله بن عمر فق��ال: ي��ا أب��ا عب��دالرحمن إن��ا نج��د ص��الة الخ��وف وص��الة الحضر في القرآن وال نجد صالة الس�فر ؟ فق�ال عبدالل��ه بن عم�ر: ي��ا ابن أخي إن الله تبارك وتعالى بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وس��لم وال نعلم شيئا، فإنا نفعل كما رأيناه يفعل. ففي هذا الخبر قص��ر الص��الة في الس��فر من غير خوف ستة ال فريضة؛ ألنه��ا ال ذك��ر له��ا في الق��رآن، وإنم��ا القص��ر الم�ذكور في الق�رآن إذا ك�ان س��فرا وخوف�ا واجتمع�ا؛ فلم يبح القص��ر في كتابه إال مع ه��ذين الش�رطين. ومثل��ه في الق�رآن: "ومن لم يس�تطع منكم

[ اآلي��ة، وق��د تق��دم. ثم ق��ال تع��الى: "ف��إذا25ط��وال أن ينكح "]النس��اء: [ أي فأتموه��ا؛ وقص��ر رس��ول الل��ه103اطمأننتم فأقيموا الصالة "]النساء:

صلى الله عليه وسلم من أربع إلى اثنتين إال المغرب في أسفاره كلها آمنا ال يخاف إال الله تعالى؛ فكان ذلك سنة مسنونة منه صلى الله عليه وسلم، زيادة في أحكام الله تعالى كسائر ما سنة وبينه، مما ليس ل��ه في الق��رآن ذكر. وقوله: "كما رأيناه يفع��ل" م��ع ح��ديث عم��ر حيث س��أل رس��ول الل��ه صلى الله عليه وسلم عن القصر في السفر من غ��ير خ��وف؛ فق��ال: )تل��ك صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته ( يدل على أن الل��ه تع��الى ق��د يبيح الشيء في كتابه بشرط ثم يبيح ذلك الشيء على لسان نبيه من غ��ير

ذلك الشرط. وسأل حنظلة ابن عمر عن صالة السفر فقال: ركعتان.

قلت: ف�أين قول�ه تع�الى: "إن خفتم أن يفتنكم ال�ذين كف�روا "ونحن آمنون؛ قال: سنة رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم. فه��ذا ابن عم��ر ق��د أطلق عليها سنة؛ وكذلك قال ابن عباس. فأين المذهب عنهم��ا ؟ ق��ال أب��و عمر: ولم يقم مالك إسناد هذا الحديث؛ ألن��ه لم يس��م الرج��ل ال��ذي س��أل ابن عمر، وأسقط من اإلسناد رجال، والرج�ل ال��ذي لم يس��مه ه��و أمي��ة بن عبدالله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمي��ة بن عب��د ش��مس بن عب��د

مناف، والله أعلم. @ واختلف العلماء في حد المسافة التي تقص��ر فيه�ا الص��الة؛ فق�ال داود: تقصر في كل سفر طويل أو قصير، ول�و ك�ان ثالث�ة أمي��ال من حيث ت�ؤتى الجمعة؛ متمسكا بما رواه مسلم عن يحيى بن يزي��د الهن��ائي ق��ال: س��ألت أنس بن مالك عن قصر الصالة فق�ال: ك�ان رس�ول الل��ه ص�لى الل�ه علي�ه وسلم إذا خرج مسيرة ثالثة أميال أو ثالثة فراسخ - ش��عبة الش��اك - ص��لى ركعتين. وهذا ال حجة فيه؛ ألنه مشكوك فيه، وعلى تقدير أحدهما فلعله حد المسافة التي بدأ منها القصر، وك�ان س��فرا ط�ويال زائ�دا على ذل�ك، والل�ه أعلم. قال ابن العربي: وق��د تالعب ق��وم بال��دين فق��الوا: إن من خ��رج من البل�د إلى ظ�اهره قص�ر وأك�ل، وقائ�ل ه�ذا أعجمي ال يع�رف الس�فر عن�د العرب أو مستخف بالدين، ولوال أن العلم��اء ذك��روه له��ا رض�يت أن ألمح��ه بمؤخر عيني، وال أفكر فيه بفضول قلبي. ولم يذكر حد السفر الذي يقع به القصر ال في الق��رآن وال في الس��نة، وإنم��ا ك�ان ك��ذلك ألنه�ا ك��انت لفظ��ة عربية مستقر علمها عند العرب الذين - خاطبهم الله تعالى بالقرآن؛ فنحن نعلم قطعا أن من برز عن الدور لبعض األمور أنه ال يكون مسافرا لغ��ة وال شرعا، وإن مشى مسافرا ثالثة أيام فإنه مسافر قطعا. كما أن��ا نحكم على أن من مشى يوما وليلة كان مسافرا؛ لقول النبي صلى الله علي��ه وس��لم: )ال يحل المرأة تؤمن بالله واليوم اآلخر أن تس��افر مس�يرة ي�وم إال م��ع ذي محرم منها ( وهذا هو الصحيح، ألنه وسط بين الحالين وعلي��ه ع��ول مال��ك، ولكنه لم يجد ه�ذا الح��ديث متفق�ا علي�ه، وروي م�رة )يوم�ا وليل��ة ( وم�رة )ثالثة أيام ( فجاء إلى عبدالله بن عمر فعول على فعل��ه، فإن��ه ك��ان يقص��ر الصالة إلى رئم، وهي أربعة ب��رد؛ ألن ابن عم��ر ك��ان كث��ير االقت��داء ب��النبي صلى الله عليه وسلم. قال غيره: وكافة العلماء على أن القصر إنما ش��رع تخفيفا، وإنم��ا يك��ون في الس��فر الطوي��ل ال��ذي تلح��ق ب��ه المش��قة غالب��ا، ف��راعى مال��ك والش��افعي وأص��حابهما والليث واألوزاعي وفقه��اء أص��حاب الحديث أحمد وإسحاق وغيرهما يوما تاما. وقول مالك يوما وليلة راجع إلى اليوم التام، ألنه لم يرد بقول: مسيرة يوم وليلة أن يسير النهار كله والليل كله، وإنما أراد أن يسير سيرا يبيت فيه بعي��دا عن أهل��ه وال يمكن��ه الرج��وع إليهم. وفي البخاري: وك�ان ابن عم�ر وابن عب��اس يفط�ران ويقص��ران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرس��خا، وه��ذا م��ذهب مال��ك. وق��ال الش��افعي والطبري: ستة وأربعون ميال. وعن مالك في العتبية فيمن خرج إلى ضيعته على خمسة وأربعين ميال قال: يقص��ر، وه��و أم��ر متق�ارب. وعن مال�ك في الكتب المنث��ورة: أن��ه يقص��ر في س��تة وثالثين ميال، وهي تق��رب من ي��وم وليلة. وقال يحيى بن عمر: يعيد أبدا. ابن عب��دالحكم: في ال��وقت !. وق��ال الكوفيون: ال يقصر في أقل من مسيرة ثالثة أيام؛ وه��و ق��ول عثم��ان وابن مسعود وحذيفة. وفي ص��حيح البخ��اري عن ابن عم�ر أن الن��بي ص��لى الل��ه

عليه وسلم قال: )ال تسافر المرأة ثالثة أيام إال م��ع ذي مح��رم (. ق��ال أب��و حنيف��ة: ثالث��ة أي��ام ولياليه��ا بس��ير اإلب��ل ومش��ي األق��دام. وق��ال الحس��ن والزهري: تقصر الصالة في مس��يرة ي��ومين؛ وروي ه��ذا الق�ول عن مال��ك، ورواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وس��لم ق��ال: )ال تس��افر المرأة مسيرة ليلتين إال مع زوج أو ذي محرم (. وقصر ابن عمر في ثالثين ميال، وأنس في خمس��ة عش��ر ميال. وق��ال األوزاعي: عام��ة العلم��اء في القصر على اليوم التام، وبه نأخذ. قال أبو عمر: اضطربت اآلثار المرفوعة في هذا الباب كما ت��رى في ألفاظه��ا؛ ومجمله��ا عن��دي - والل��ه أعلم - أنه�ا خرجت على أجوبة السائلين، فحدث كل واحد بمعنى ما سمع، كأنه قيل له صلى في وقت ما: هل تسافر المرأة مسيرة يوم بغير مح��رم ؟ فق��ال: ال. وقيل له في وقت آخر: هل تسافر المرأة ي��ومين بغ��ير مح��رم ؟ فق��ال: ال. وقال له آخر: هل تسافر المرأة مسيرة ثالثة أيام بغ��ير مح��رم ؟ فق��ال: ال. وكذلك معنى الليلة والبريد على م��ا روي، ف��أدى ك��ل واح��د م��ا س��مع على المع��نى، والل��ه أعلم. ويجم��ع مع��اني اآلث��ار في ه��ذا الب��اب - وإن اختلفت ظواهرها - الحظر على المرأة أن تسافر سفرا يخاف عليها فيه الفتنة بغير

محرم، قصيرا كان أو طويال. والله أعلم. @ واختلفوا في نوع السفر الذي تقص��ر في��ه الص��الة، ف��أجمع الن��اس على الجهاد والحج والعمرة وما ض��ارعها من ص��لة رحم وإحي��اء نفس. واختلف��وا فيما سوى ذلك، فالجمهور على جواز القص��ر في الس��فر المب��اح كالتج��ارة ونحوه��ا. وروي عن ابن مس��عود أن��ه ق��ال: ال تقص��ر الص��الة إال في حج أو جهاد. وقال عطاء: ال تقص��ر إال في س��فر طاع��ة وس��بيل من س��بل الخ��ير. وروي عنه أيضا: تقصر في كل الس��فر المب��اح مث��ل ق��ول الجمه��ور. وق��ال مالك: إن خ��رج للص��يد ال لمعاش��ه ولكن متنزه��ا، أو خ��رج لمش��اهدة بل��دة متنزها ومتلذذا يقص��ر. والجمه��ور من العلم��اء على أن��ه ال قص��ر في س��فر المعصية؛ كالباغي وقاطع الطريق وم�ا في معناهم�ا. وروي عن أبي حنيف�ة واألوزاعي إباحة القص�ر في جمي�ع ذل�ك، وروي عن مال�ك. وق�د تق�دم في "البقرة "واختلف�وا عن أحم�د، فم�رة ق�ال بق�ول الجمه�ور، وم�رة ق�ال: ال يقصر إال في حج أو عم��رة. والص��حيح م��ا ق��ال الجمه��ور، ألن القص��ر إنم��ا شرع تخفيفا عن المس��افر للمش��قات الالحق��ة في��ه، ومعونت��ه على م��ا ه��و بصدده مما يجوز، وكل األسفار في ذلك سواء؛ لقوله تعالى: "وإذا ض��ربتم في األرض فليس عليكم جن���اح "أي إثم "أن تقص���روا من الص���الة "فعم. وقال عليه السالم )خير عب��اد الل��ه ال��ذين إذا س��افروا قص��روا وأفط��روا (. وقال الشعبي: إن الله يحب أن يعمل برخصه كما يحب أن يعمل بعزائم��ه. وأما سفر المعص��ية فال يج��وز القص��ر في��ه؛ ألن ذل��ك يك��ون عون��ا ل��ه على معصية الله. والله تع��الى يق��ول: "وتع��اونوا على ال��بر والتق��وى وال تع��اونوا

[ 2على اإلثم والعدوان "]المائدة: @ واختلفوا متى يقصر، فالجمهور على أن المسافر ال يقص��ر ح��تى يخ��رج من بي��وت القري��ة، وحينئ��ذ ه��و ض��ارب في األرض، وه��و ق��ول مال��ك في المدونة. ولم يحد مالك في القرب حدا. وروي عن��ه إذا ك��انت قري��ة تجم��ع أهلها فال يقصر أهلها حتى يجاوزوها بثالث��ة أمي��ال، وإلى ذل��ك في الرج��وع. وإن كانت ال تجمع أهلها قصروا إذا جاوزوا بساتينها. وروي عن الح��ارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بهم ركع��تين في منزل��ه، وفيهم األس��ود بن

يزيد وغير واحد أصحاب ابن مسعود، وبه قال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى. قلت: ويك��ون مع��نى اآلي��ة على ه��ذا: "وإذا ض��ربتم في األرض "أي إذا عزمتم على الضرب في األرض. والله أعلم. وروي عن مجاهد أن��ه قال: ال يقصر المسافر يوم��ه األول ح��تى اللي��ل. وه��ذا ش��اذ؛ وق��د ثبت من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم ص��لى الظه��ر بالمدينة أربعا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين. أخرج��ه األئم��ة، وبين ذي

الحليفة والمدينة نحو من ستة أميال أو سبعة. الخامس��ة: وعلى المس��افر أن ين��وي القص��ر من حين اإلح��رام؛ ف��إن افتتح الصالة بنية القصر ثم عزم على المقام في أثناء ص��الته جعله��ا نافل��ة، وإن كان ذلك بعد أن صلى منها ركعة أضاف إليها أخرى وسلم، ثم ص��لى ص��الة مقيم. قال الزه��ري وابن الجالب: ه��ذا - والل��ه أعلم - اس��تحباب ول��و ب��نى على صالته وأتمها أجزأته صالته. قال أبو عم�ر: ه�و عن�دي كم�ا ق��اال؛ ألنه�ا

ظهر، سفرية كانت أو حضرية وكذلك سائر الصلوات الخمس. @ واختلف العلماء من هذا الباب في مدة اإلقامة التي إذا نواه��ا المس��افر أتم؛ فقال مالك والشافعي والليث بن س��عد والط��بري وأب��و ث��ور: إذا ن��وى اإلقام��ة أربع��ة أي��ام أتم؛ وروي عن س��عيد بن المس��يب. وق��ال أب��و حنيف��ة وأصحابه والثوري: إذا ن��وى إقام��ة خمس عش��رة ليل��ة أتم، وإن ك��ان أق��ل قصر. وهو قول ابن عمر وابن عباس وال مخ��الف لهم��ا من الص��حابة فيم��ا ذكر الطحاوي، وروي عن سعيد أيضا. وقال أحمد: إذا جمع المسافر مق��ام إحدى وعشرين صالة مكتوبة قصر، وإن زاد على ذلك أتم، وب��ه ق��ال داود. والصحيح ما قاله مالك؛ لحديث ابن الحضرمي عن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم أنه جعل للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثالثة أيام ثم يصدر. أخرج��ه الطح��اوي وابن ماج��ة وغيرهم��ا. ومعل��وم أن الهج��رة إذ ك��انت مفروضة قبل الفتح كان المقام بمكة ال يجوز؛ فجعل النبي صلى الله علي��ه وسلم للمهاجر ثالث��ة أي��ام لتقض��ية حوائج��ه وتهيئ��ة أس��بابه، ولم يحكم له��ا بحكم المقام وال في حيز اإلقامة، وأبقى عليه فيه��ا حكم المس��افر، ومنع��ه من مقام الرابع، فحكم له بحكم الحاضر القاطن؛ فكان ذلك أص��ال معتم��دا عليه. ومثله ما فعله عمر رضي الل�ه عن�ه حين أجلى اليه�ود لق�ول رس�ول الله صلى الله عليه وسلم؛ فجعل لهم مقام ثالثة أيام في قض��اء أم��ورهم. قال ابن العربي: وسمعت بعض أحب��ار المالكي��ة يق��ول: إنم��ا ك��انت الثالث��ة األي��ام خارج��ة عن حكم اإلقام��ة؛ ألن الل��ه تع��الى أرج��أ فيه��ا من أن��زل ب��ه العذاب وتيقن الخروج عن الدنيا؛ فقال تعالى: "تمتعوا في داركم ثالثة أيام

[.65ذلك وعد غير مكذوب "]هود: وفي المسألة قول غير هذه األقوال، وهو أن المسافر يقصر أبدا حتى

يرجع إلى وطنه، أو ينزل وطنا له. روي عن أنس أنه أقام سنتين بنيس��ابور يقصر الصالة. وقال أبو مجلز: قلت البن عمر: إني آتي المدين��ة ف��أقيم به��ا السبعة أشهر والثمانية طالبا حاجة؛ فقال: صل ركعتين. وقال أب��و إس��حاق السبيعي: أقمنا بسجس��تان ومعن��ا رج��ال من أص��حاب ابن مس��عود س��نتين نصلي ركعتين. وأق��ام ابن عم��ر بأذربيج��ان يص��لي ركع��تين ركع��تين؛ وك��ان الثلج حال بينهم وبين القفول: قال أبو عمر: محم��ل ه��ذه األح��اديث عن��دنا على أن ال نية لواحد من هؤالء المقيمين ه��ذه الم��دة؛ وإنم��ا مث��ل ذل��ك أنيقول: أخرج اليوم، أخرج غدا؛ وإذا كان هكذا فال عزيمة ههنا على اإلقامة.

@ روى مسلم عن عروة عن عائشة قالت: فرض الله الصالة حين فرضها ركعتين، ثم أتمها في الحضر، وأقرت ص��الة الس��فر على الفريض��ة األولى. قال الزهري: فقلت لعروة ما بال عائشة تتم في السفر ؟ قال: إنها تأولت ما تأول عثمان. وهذا جواب ليس بمستوعب. وقد اختلف الناس في تأوي��ل إتم��ام عثم��ان وعائش��ة رض��ي الل��ه عنهم��ا على أق��وال: فق��ال معم��ر عن الزهري: إن عثمان رضي الله عنه إنما ص��لى بم��نى أربع��ا ألن��ه أجم��ع على اإلقام��ة بع�د الحج. وروى مغ�يرة عن إب��راهيم أن عثم�ان ص�لى أربع�ا ألن��ه اتخذها وطن��ا. وق��ال ي��ونس عن الزه��ري ق��ال: لم��ا اتخ��ذ عثم��ان األم��وال بالطائف وأراد أن يقيم بها صلى أربعا. قال: ثم أخذ به األئم��ة بع�ده. وق�ال أيوب عن الزهري، إن عثمان بن عفان أتم الصالة بمنى من أجل األعراب؛ ألنهم كثروا عامئذ فصلى بالناس أربعا ليعلمهم أن الصالة أرب��ع. ذك��ر ه��ذه األقوال كلها أبو داود في مصنفه في كتاب المناسك في باب الصالة بمنى. وذكر أبو عمر في )التمهيد ( ق��ال ابن ج��ريج: وبلغ��ني إنم��ا أوفاه��ا عثم��ان أربعا بمنى، من أجل أن أعرابيا ن��اداه في مس��جد الخي��ف بم��نى فق��ال: ي��ا أم�ير المؤم��نين، م��ا زلت أص��ليها ركع�تين من�ذ رأيت��ك ع�ام األول؛ فخش��ي عثمان أن يظن جهال الناس أنم��ا الص��الة ركعت��ان. ق��ال ابن ج��ريج: وإنم��ا أوفاها بمنى فقط. قال أبو عمر: وأم��ا الت��أويالت في إتم��ام عائش��ة فليس منها شيء يروى عنها، وإنما هي ظنون وتأويالت ال يصحبها دلي��ل. وأض��عف ما قيل في ذلك: إنها أم المؤمنين، وإن الناس حيث كانوا هم بنوه��ا، وك��ان منازلهم منازلها، وهل كانت أم المؤمنين إال أنه��ا زوج الن��بي أبي المؤم��نين صلى الله علي��ه وس��لم وه��و ال��ذي س��ن القص��ر في أس��فاره وفي غزوات��ه وحجه وعمره. وفي قراءة أبي بن كعب ومصحفه "الن��بي أولى ب��المؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم". وقال مجاهد في قوله تع��الى:

[ قال: لم يكن بناته ولكن كن نس��اء78"هؤالء بناتي هن أطهر لكم "]هود: أمته، وكل نبي فهو أبو أمته.

قلت: وقد اعترض على هذا بأن النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ك��ان مشرعا، وليست هي كذلك فانفصال. وأضعف من ه��ذا ق��ول من ق��ال: إنه�ا حيث أتمت لم تكن في سفر جائز؛ وهذا باطل قطع��ا، فإنه��ا ك��انت أخ��وف لله وأتقى من أن تخرج في سفر ال يرضاه. وهذا التأويل عليها من أك��اذيب الشيعة المبتدعة وتشنيعاتهم؛ س��بحانك ه��ذا بهت��ان عظيم ! وإنم��ا خ��رجت رضي الله عنها مجتهدة محتسبة تريد أن تطفئ نار الفتنة، إذ هي أح��ق أن يستحيا منها فخرجت األمور عن الضبط. وسيأتي بيان هذا المعنى إن ش��اء الله تعالى. وقيل: إنها أتمت ألنها لم تكن ترى القصر إال في الحج والعمرة والغزوة. وهذا باطل؛ ألن ذلك لم ينقل عنها وال ع��رف من م��ذهبها، ثم هي قد أتمت في سفرها إلى علي. وأحسن ما قي��ل في قص��رها وإتمامه�ا أنه�ا أخذت برخصة الله؛ لتري الناس، أن اإلتمام ليس فيه حرج وإن ك��ان غ��يره أفضل. وقد قال عطاء: القصر سنة ورخص��ة، وه��و ال��راوي عن عائش��ة أن رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم ص��ام وأفط��ر وأتم الص��الة وقص��ر في السفر، رواه طلحة بن عمر. وعنه قال: كل ذل��ك ك��ان يفع��ل رس��ول الل��ه صلى الله عليه وس��لم، ص��ام وأفط��ر وقص��ر الص��الة وأتم. وروى النس��ائي بإسناد صحيح أن عائشة اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي

! قصرت وأتممت وأفط�رت وص�مت ؟ فق�ال: )أحس�نت ي�ا عائش�ة ( وم�ا عاب علي. كذا هو مقيد بفتح التاء األولى وضم الثانية في الكلم��تين. وروى الدارقطني عن عائشة أن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ك��ان يقص��ر في

السفر ويتم ويفطر ويصوم؛ قال إسناده صحيح. @قوله تعالى: "أن تقصروا من الصالة ""أن "في موضع نصب، أي في أن تقص��روا. ق��ال أب��و عبي��د: فيه��ا ثالث لغ��ات: قص��رت الص��الة وقص��رتها وأقصرتها. واختلف العلماء في تأويله، فذهب جماع��ة من العلم��اء إلى أن��ه القصر إلى اثنتين من أربع في الخوف وغ��يره؛ لح��ديث يعلي بن أمي��ة على ما يأتي. وقال آخرون: إنما ه��و قص��ر الركع��تين إلى ركع��ة، والركعت��ان في السفر إنما هي تم��ام، كم��ا ق��ال عم��ر رض��ي الل��ه عن��ه: تم��ام غ��ير قص��ر، وقصرها أن تصير ركعة. قال السدي: إذا ص��ليت في الس��فر ركع��تين فه��و تمام، والقصر ال يحل إال أن تخاف، فهذه اآلية مبيحة أن تصلي ك��ل طائف��ة ركعة ال تزيد عليها شيئا، ويكون لإلمام ركعت��ان. وروي نح��وه عن ابن عم��ر وجابر بن عبدالله وكعب، وفعله حذيفة بطبرستان وقد سأله األم��ير س��عيد بن العاص عن ذلك. وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ك�ذلك في غ�زوة ذي ق�رد ركع�ة لك�ل طائف�ة ولم يقض�وا. وروى ج�ابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بأص��حابه ي��وم مح��ارب خصفة وبني ثعلبة. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وس��لم ص��لى

كذلك بين ضجنان وعسفان. قلت: في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: فرض الله الص��الة على

لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحض��ر أربع��ا وفي الس��فر ركع��تين وفي الخوف ركعة. وهذا يؤيد هذا القول ويعض��ده، إال أن القاض��ي أب��ا بك��ر بن العربي ذك��ر في كتاب��ه المس��مى )ب��القبس(: ق��ال علماؤن��ا رحم��ة الل��ه

عليهم هذا الحديث مردود باإلجماع. قلت: وهذا ال يصح، وقد ذكر هو وغيره الخالف والنزاع فلم يص��ح م��ا

ادع��وه من اإلجم��اع وبالل��ه التوفي��ق. وحكى أب��و بك��ر ال��رازي الحنفي في )أحكام القرآن ( أن الم��راد بالقص��ر ههن��ا القص��ر في ص��فة الص��الة ب��ترك الركوع والسجود إلى اإليماء، وبترك القيام إلى الركوع. وقال آخرون: هذه اآلي��ة مبيح��ة للقص��ر من ح��دود الص��الة وهيئته��ا عن��د المس��ايفة واش��تعال الحرب، فأبيح لمن هذه حاله أن يصلي إيماء برأسه، ويص��لي ركع��ة واح��دة حيث توجه، إلى تكبيرة؛ على م��ا تق��دم في "البق��رة". ورجح الط��بري ه��ذا الق��ول وق��ال: إن��ه يع��ادل قول��ه تع��الى: "ف��إذا اطم��أننتم ف��أقيموا الص��الة

[ أي بحدودها وهيئتها الكاملة. 103"]النساء: قلت: هذه األقوال الثالث��ة في المع��نى متقارب��ة، وهي مبني��ة على أن

فرض المسافر القصر، وإن الصالة في حقه ما نزلت إال ركعتين، فال قصر. وال يقال في العزيمة ال جناح، وال يقال فيما شرع ركعتين إنه قص��ر، كم��ا ال يقال في صالة الصبح ذلك. وذكر الله تعالى القصر بشرطين وال��ذي يعت��بر فيه الشرطان صالة الخ��وف؛ ه��ذا م��ا ذك��ره أب��و بك��ر ال��رازي في )أحك��ام القرآن ( واحتج به، ورد عليه بح��ديث يعلى بن أمي��ة على م��ا ي��أتي آنف��ا إن

شاء الله تعالى. @قوله تعالى: "إن خفتم" خ�رج الكالم على الغ�الب، إذ ك��ان الغ�الب على المسلمين الخوف في األسفار؛ ولهذا قال يعلى بن أمية قلت لعمر: ما لن��ا

نقصر وقد أمنا. قال عمر: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وس��لم عن ذل��ك فق��ال: )ص��دقة تص��دق الل��ه به��ا عليكم ف��اقبلوا

صدقته (. قلت: وقد استدل أصحاب الشافعي وغيرهم على الحنفية بحديث يعلى

بن أمية هذا فقالوا: إن قوله: "ما لنا نقصر وقد أمنا "دلي��ل ق��اطع على أن مفهوم اآلية القصر في الركعات. قال الكيا الطبري: ولم يذكر أصحاب أبي حنيفة على ه��ذا ت��أويال يس��اوي ال��ذكر؛ ثم إن ص��الة الخ��وف ال يعت��بر فيه��ا الشرطان؛ فإنه لو لم يضرب في األرض ولم يوجد السفر بل جاءنا الكف��ار وغزونا في بالدنا فتجوز صالة الخوف؛ فال يعت��بر وج��ود الش��رطين على م��ا ق��ال. وفي ق��راءة أبي "أن تقص��روا من الص��الة أن يفتنكم ال��ذين كف��روا "بس��قوط "إن خفتم". والمع��نى على قراءت��ه: كراهي��ة أن يفتنكم ال��ذين كفروا. وثبت في مصحف عثمان رضي الله عنه "إن خفتم". وذهب جماعة إلى أن هذه اآلي�ة إنم�ا هي مبيح�ة للقص�ر في الس�فر للخ�ائف من الع�دو؛ فمن كان آمنا فال قصر ل��ه. روي عن عائش��ة رض��ى الل��ه عنه��ا أنه��ا ك��انت تقول في السفر: أتموا صالتكم؛ فق�الوا: إن رس��ول الل��ه ص�لى الل��ه علي�ه وس��لم ك�ان يقص��ر، فق�الت: إن�ه ك�ان في ح�رب وك�ان يخ��اف، وه��ل أنتم تخافون ؟. وقال عطاء: كان يتم من أصحاب رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم عائشة وس��عد بن أبي وق��اص وأتم عثم��ان، ولكن ذل��ك معل��ل بعل��ل تقدم بعضها. وذهب جماعة إلى أن الله تع��الى لم يبح القص��ر في كتاب��ه إال بشرطين: السفر والخوف، وفي غير الخوف بالسنة، منهم الش��افعي وق��د تقدم. وذهب آخرون إلى أن قوله تعالى: "إن خفتم "ليس متصال بما قب��ل، وإن الكالم تم عن���د قول���ه: "من الص���الة "ثم افتتح فق���ال: "إن خفتم أن يفتنكم ال��ذين كف��روا "ف��أقم لهم ي��ا محم��د ص��الة الخ��وف. وقول��ه: "إن الك��افرين. ك��انوا لكم ع��دوا مبين��ا "كالم مع��ترض، قال��ه الجرج��اني وذك��ره المهدوي وغيرهما. ورد هذا القول القشيري والقاضي أبو بك��ر بن الع��ربي. قال القشيري أب��و نص��ر: وفي الحم��ل على ه��ذا تكل��ف ش��ديد، وإن أطنب الرجل - يريد الجرجاني - في التقدير وض��رب األمثل��ة. وق��ال ابن الع��ربي:

وهذا كله لم يفتقر إليه عمر وال ابنه وال يعلي بن أمية معهما. قلت: قد جاء حديث بما قاله الجرجاني ذكره القاضي أب��و الولي��د بن

رشد في مقدماته، وابن عطية أيض��ا في تفس��يره عن علي بن أبي ط��الب رضي الله عنه أنه قال: سأل قوم من التجار رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم فقالوا: إن��ا نض��رب في األرض فكي��ف نص��لي ؟ ف��أنزل الل��ه تع��الى: "وإذا ض��ربتم في األرض فليس عليم جن��اح أن تقص��روا من الص��الة "ثم انقطع الكالم، فلما كان بعد ذلك بحول غ��زا رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم فصلى الظهر، فقال المش��ركون: لق��د أمكنكم محم��د وأص��حابه من ظهورهم هال ش��ددتم عليهم ؟ فق��ال قائ��ل منهم: إن لهم أخ��رى في أثره��ا فأنزل الله تعالى بين الصالتين "إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا "إلى آخر صالة الخوف. فإن صح هذا الخبر فليس ألحد معه مقال، ويكون في��ه دلي��ل على القصر في غير الخوف بالقرآن. وقد روى عن ابن عباس أيض��ا مثل��ه، ق��ال: إن قول��ه تع��الى: "وإذا ض��ربتم في األرض فليس عليكم جن��اح أن تقصروا من الصالة "ن��زلت في الص��الة في الس��فر، ثم ن��زل "إن خفتم أن يفتنكم ال��ذين كف��روا "في الخ��وف بع��دها بع��ام. فاآلي��ة على ه��ذا تض��منت

قضيتين وحكمين. فقول��ه: "وإذا ض��ربتم في األرض فليس عليكم جن��اح أن تقصروا من الصالة "يعني به في السفر؛ وتم الكالم، ثم ابتدأ فريضة أخرى فقدم الشرط؛ والتق�دير: إن خفتم أن يفتنكم ال�ذين كف�روا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصالة. وال��واو زائ��دة، والج��واب "فلتقم طائف��ة منهم مع��ك". وقوله: "إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبين��ا "اع��تراض. وذهب ق��وم إلى أن ذكر الخوف منسوخ بالسنة، وهو حديث عمر إذ روى أن الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم قال له: )هذه صدقة تصدق الل��ه به��ا عليكم ف��اقبلوا ص��دقته (. قال النحاس: من جعل قصر النبي صلى الل�ه علي�ه وس��لم في غ�ير خ�وف وفعله في ذلك ناسخا لآلية فقد غلط؛ ألنه ليس في اآلي��ة من��ع للقص��ر في األمن، وإنما فيها إباحة القصر في الخوف فقط. "أن يفتنكم الذين كف��روا" قال الفراء: أهل الحجاز يقولون فتنت الرجل. وربيعة وقيس وأسد وجمي��ع أهل نجد يقولون أفتنت الرجل. وفرق الخليل وسيبويه بينهم��ا فق��اال: فتنت��ه جعلت فيه فتنة مثل أكحلته، وافتنته جعلت��ه مفتتن��ا. وزعم األص��معي أن��ه ال يعرف أفتنته. "إن الك��افرين ك��انوا لكم ع��دوا مبين��ا" "ع��دوا "ههن��ا بمع��نى

أعداء. والله أعلم. }وإذا كنت فيهم ف��أقمت لهم الص��الة فلتقم طائف��ة منهم102*اآلي��ة: 3*

معك وليأخذوا أس��لحتهم ف��إذا س��جدوا فليكون��وا من ورائكم ولت��أت طائف�ة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كف��روا لو تغفلون عن أس��لحتكم وأمتعتكم فيميل��ون عليكم ميل��ة واح��دة وال جن��اح عليكم إن ك��ان بكم أذى من مط��ر أو كنتم مرض��ى أن تض��عوا أس��لحتكم

وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا{ @قوله تعالى: "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الص��الة "روى ال��دارقطني عن أبي عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، فاستقبلنا المشركون، عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبل��ة، فص��لى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، فقالوا: قد كانوا على حال لو أص��بنا غرتهم؛ ق��ال: ثم ق��الوا ت��أتي اآلن عليهم ص��الة هي أحب إليهم من أبن��ائهم وأنفسهم؛ قال: فنزل جبريل عليه الس��الم به��ذه اآلي��ة بين الظه��ر والعص��ر "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الص��الة". وذك��ر الح��ديث. وس��يأتي تمام��ه إن شاء الله تعالى. وهذا كان سبب إسالم خالد رضي الله عن��ه. وق��د اتص��لت هذه اآلية بما سبق من ذكر الجهاد. وبين الرب تبارك وتع��الى أن الص��الة ال تسقط بعذر السفر وال بعذر الجهاد وقتال العدو، ولكن فيها رخص على م��ا تقدم في "البقرة "وه��ذه الس��ورة، بيان��ه من اختالف العلم��اء. وه��ذه اآلي��ة خطاب للنبي صلى الله علي��ه وس��لم، وه��و يتن��اول األم��راء بع��ده إلى ي��وم

[ ه�ذا103القيامة، ومثله قوله تعالى: "خ�ذ من أم�والهم ص�دقة" ]التوب�ة: قول كافة العلماء. وشذ أب��و يوس��ف وإس��ماعيل بن علي��ة فق��اال: ال نص��لي صالة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الخطاب كان خاص��ا ل��ه بقول��ه تع��الى: "وإذا كنت فيهم "وإذا لم يكن فيهم لم يكن ذل��ك لهم؛ ألن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في ذلك، وكلهم كان يحب أن يأتم به ويصلي خلفه، وليس أحد بعده يقوم في الفض��ل مقام��ه، والن��اس بع��ده تستوي أحوالهم وتتقارب؛ فل��ذلك يص��لي اإلم��ام بفري��ق وي��أمر من يص��لي بالفريق اآلخر، وأما أن يصلوا بإمام واحد فال. وقال الجمهور: إنا ق��د أمرن��ا باتباعه والتأسي به في غ��ير م��ا آي��ة وغ��ير ح��ديث، فق�ال تع��الى: "فليح��ذر

[ وقال ص��لى الل��ه63الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة... "]النور: عليه وسلم: )صلوا كما رأيتموني أصلي (. فلزم اتباع��ه مطلق��ا ح��تى ي��دل دليل واضح على الخصوص؛ ولو كان ما ذك��روه دليال على الخص��وص لل��زم قصر الخطابات على من توجهت له، وحينئذ كان يل��زم أن تك��ون الش��ريعة قاصرة على من خوطب به��ا؛ ثم إن الص��حابة رض��وان الل��ه عليهم أجمعين اطرحوا توهم الخصوص في هذه الصالة وعدوه إلى غير الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم، وهم أعلم بالمقال وأقعد بالحال. وقد قال تعالى: "وإذا رأيت، الذين يخوض��ون في آياتن��ا ف��أعرض عنهم ح��تى يخوض��وا في ح��ديث غ��يره

[ وهذا خطاب له، وأمته داخلة فيه، ومثله كثير. وقال تع��الى:68"]األنعام: [ وذل�ك ال ي�وجب االقتص��ار علي�ه103"خ�ذ من أم�والهم ص�دقة "]التوب�ة:

وحده، وأن من بعده يقوم في ذل��ك مقام��ه؛ فك��ذلك في قول��ه: "وإذا كنت فيهم". أال ترى أن أبا بكر الص��ديق في جماع��ة الص��حابة رض��ي الل��ه عنهم قاتلوا من تأول في الزكاة مث��ل م��ا ت��أولتموه في ص��الة الخ��وف. ق��ال أب��و عمر: ليس في أخذ الزكاة ال��تي ق��د اس��توى فيه��ا الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم ومن بعده من الخلفاء ما يشبه ص��الة من ص��لى خل��ف الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وص��لى خل��ف غ��يره؛ ألن أخ��ذ الزك��اة فائ��دتها توص��يلها للمس��اكين، وليس فيه��ا فض��ل للمعطى كم��ا في الص��الة فض��ل للمص��لي

خلفه. @قوله تعالى: "فلتقم طائفة منهم معك" يعني جماعة منهم جماع��ة منهم تق��ف مع��ك في الص��الة. "ليأخ��ذوا أس��لحتهم "يع�ني ال�ذين يص��لون مع��ك. ويقال: "وليأخذوا أسلحتهم "الذين هم بإزاء العدو، على ما يأتي بيان��ه. ولم ي��ذكر الل��ه تع��الى في اآلي��ة لك��ل طائف��ة إال ركع��ة واح��دة، ولكن روى في األحاديث أنهم أض��افوا إليه��ا أخ��رى، على م��ا ي��أتي. وح��ذفت الكس��رة من قوله: "فلتقم "و "فليكونوا" لثقلها. وحكى األخفش والق��راء والكس��ائي أن الم األمر والم كي والم الجحود يفتحن. وسيبويه يمنع من ذلك لعلة موجبة، وهى الفرق بين الم الجر والم التأكيد. والمراد من هذا األمر االنقس��ام، أي

وسائرهم وجاه العدو حذر من توقع حملته. وقد اختلفت الروايات في هيئة صالة الخوف، واختلف العلماء الختالفها؛

فذكر ابن القصار أنه صلى الله عليه وسلم صالها في عشرة مواضع. ق��ال ابن العربي: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ص��لى ص��الة الخ��وف أربعا وعشرين مرة. وقال اإلمام أحمد بن حنبل، وه��و إم��ام أه��ل الح��ديث والمقدم في معرفة علل النقل فيه: ال أعلم أنه روى في ص��الة الخ��وف إال حديث ثابت. وهي كلها صحاح ثابتة، فعلى أي ح��ديث ص��لى منه��ا المص��لي صالة الخوف أجزأه إن شاء الله. وكذلك قال أبو جعفر الطبري. وأما مالك وسائر أصحابه إال أشهب فذهبوا في صالة الخوف إلى حديث سهل بن أبي حثمة، وهو ما رواه في موطئه عن يحيى بن سعيد عن القاس��م بن محم��د عن ص��الح بن خ��وات األنص��اري أن س��هل بن أبي حثم��ة حدث��ه أن ص��الة الخوف أن يقوم اإلمام ومعه طائف��ة من أص��حابه وطائف��ة مواجه��ة الع��دو، فيركع اإلمام ركعة وسجد بال�ذين مع�ه ثم يق��وم، ف��إذا اس��توى قائم��ا ثبت، وأتم��وا ألنفس��هم الركع��ة الباقي��ة ثم يس��لمون وينص��رفون واإلم��ام ق��ائم، فيكونون وج��اه الع��دو، ثم يقب��ل اآلخ��رون ال��ذين لم يص��لوا فيك��برون وراء اإلمام فيركع بهم الركعة ويسجد ثم يس��لم، فيقوم��ون ويركع��ون ألنفس��هم

الركعة الباقية ثم يسلمون. قال ابن القاس��م ص��احب مال��ك: والعم��ل عن��د مالك على حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات. قال ابن القاسم: وقد كان يأخذ بحديث مزي��د بن روم��ان ثم رج��ع إلى ه��ذا. ق��ال أب��و عم��ر: حديث القاسم وحديث يزيد بن رومان كالهم��ا عن ص��الح بن خ��وات: إال أن بينهما فص�ال في الس�الم، ففي ح�ديث القاس�م أن اإلم�ام يس�لم بالطائف�ة الثانية ثم يقومون فيقضون ألنفسهم الركعة، وفي ح��ديث يزي��د بن روم��ان أنه ينتظرهم ويسلم بهم. وبه ق��ال الش��افعي وإلي��ه ذهب؛ ق��ال الش��افعي: حديث يزيد بن رومان عن صالح بن خوات ه��ذا أش��به األح��اديث في ص��الة الخوف بظاهر كتاب الله، وبه أقول. ومن حج��ة مال��ك في اختي��اره ح��ديث القاسم القياس على سائر الصلوات، في أن اإلمام ليس له أن ينتظر أحدا سبقه بشيء منه��ا، وأن الس��نة المجتم��ع عليه��ا أن يقض��ي الم��أمومون م��ا سبقوا به بعد سالم اإلمام. وقول أبي ثور في هذا الباب كقول مالك، وقال أحمد كقول الشافعي في المختار عنده؛ وك��ان ال يعيب من فع��ل ش��يئا من

األوجه المرومة في صالة الخوف. وذهب أشهب من أصحاب مالك إلى حديث ابن عمر قال: صلى رسول

الله صلى الله عليه وسلم صالة الخوف بإحدى الط�ائفتين ركع�ة والطائف�ة األخرى مواجه��ة الع��دو، ثم انص��رفوا وق��اموا مق��ام أص��حابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم س��لم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قضى هؤالء ركعة وهؤالء ركع��ة. وق��ال ابن عمر: فإذا كان خوف أكثر من ذلك صلى راكبا أو قائما يومئ إيماء، أخرجه البخاري ومسلم ومال��ك وغ��يرهم. وإلى ه��ذه الص��فة ذهب األوزاعي، وه��و الذي ارتضاه أبو عمر بن عبدالبر، قال: ألنه أصحها إس��نادا، وق��د ورد بنق��ل أه��ل المدين��ة وبهم الحج��ة على من خ��الفهم، وألن��ه أش��به باألص��ول، ألن الطائفة األولى والثانية لم يقضوا الركع��ة إال بع��د خ��روج الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم من الصالة، وهو المعروف من سنته المجتم�ع عليه�ا في س�ائر الصلوات. وأما الكوفيون: أبو حنيفة وأصحابه إال أبا يوسف القاضي يعقوب فذهبوا إلى حديث عبدالله بن مسعود، أخرجه أب��و داود وال��دارقطني ق��ال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صالة الخوف فقاموا ص��فين، ص��فا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصفا مستقبل العدو، فص��لى بهم الن��بي صلى الله عليه وسلم ركعة؛ وجاء اآلخرون فقاموا مقامهم، واستقبل هؤالء العدو فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وس��لم ثم س��لم، فق��ام ه��ؤالء فصلوا ألنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا فق��اموا مق��ام أولئ��ك مس��تقبلين العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم فص��لوا ألنفس��هم ركع��ة ثم س��لموا. وه��ذه الصفة والهيئة هي الهيئة المذكورة في حديث ابن عمر إال أن بينهما فرق��ا؛ وهو أن قضاء أولئك في حديث ابن عمر يظهر أنه في حال��ة واح��دة ويبقى اإلمام كالحارس وحده، وههن��ا قض��اؤهم متف��رق على ص��فة ص��التهم. وق��د تأول بعضهم ح��ديث ابن عم��ر على م��ا ج��اء في ح��ديث ابن مس��عود. وق��د ذهب إلى حديث ابن مس��عود الث��وري - في إح��دى الرواي��ات الثالث عن��ه - وأشهب بن عبدالعزيز فيما ذكر أبو الحسن اللخمي عنه، واألول ذك��ره أب��و عمر وابن يونس وابن حبيب عن��ه. وروى أب��و داود من ح��ديث حذيف��ة وأبي هريرة وابن عمر أنه عليه السالم صلى بكل طائفة ركعة ولم يقض��وا، وه��و مقتضى حديث ابن عباس "وفي الخوف ركعة". وه��ذا ق��ول إس��حاق. وق��د

تقدم في "البقرة "اإلشارة إلى هذا، وأن الصالة أولى بما احتي��ط له��ا، وأن حديث ابن عباس ال تقوم به حجة، وقوله في ح��ديث حذيف��ة وغ��يره: "ولم يقضوا "أي في علم من روى ذلك، ألنه قد روي أنهم قضوا ركع��ة في تل��ك الصالة بعينها، وشهادة من زاد أولى. ويحتمل أن يك��ون الم��راد لم يقض��وا، أي لم يقضوا إذا أمنوا، وتكون فائدة أن الخائف إذا أمن ال يقضي ما ص��لى على تل��ك الهيئ��ة من الص��لوات في الخ��وف، ق��ال جميع��ه أب��و عم��ر. وفي صحيح مسلم عن جابر أنه عليه الصالة والسالم ص��لى بطائف��ة ركع��تين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة األخرى ركعتين. قال: فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان. وأخرجه أبو داود وال��دارقطني من حديث الحسن عن أبي بكرة وذكرا فيه أنه سلم من كل ركع��تين. وأخرج��ه الدارقطني أيض��ا عن الحس��ن عن ج��ابر أن رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وسلم صلى بهم ركعتين ثم سلم، ثم صلى باآلخرين ركعتين ثم سلم. ق��ال أبو داود: وبذلك كان الحسن يفتي، وروي عن الشافعي. وبه يحتج ك��ل من أج��از اختالف ني��ة اإلم��ام والم��أموم في الص��الة، وه��و م��ذهب الش��افعي واألوزاعي وابن علية وأحمد بن حنبل وداود. وعضدوا هذا بحديث جابر: أن معاذا كان يصلي مع النبي ص�لى الل�ه علي��ه وس�لم العش�اء ثم ي�أتي في��ؤم قومه، الحديث. وقال الطحاوي: إنما كان هذا في أول اإلسالم إذ كان يجوز أن تصلي الفريضة مرتين ثم نسخ ذلك، والله أعلم. فه��ذه أقاوي��ل العلم��اء

في صالة الخوف. @وه��ذه الص��الة الم��ذكورة في الق��رآن إنم��ا يحت��اج إليه��ا والمس��لمون مستدبرون القبلة ووجه العدو القبلة، وإنما اتف��ق ه��ذا ب��ذات الرق��اع، فأم��ا بعسفان والموضع اآلخر فالمسلمون كانوا في قبالة القبلة. وما ذكرناه من سبب النزول في قصة خالد بن الوليد ال يالئم تفريق الق��وم إلى ط��ائفتين، فإن في الحديث بعد قوله: "ف��أقمت لهم الص��الة "ق��ال: فحض��رت الص��الة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا السالح وصفنا خلفه صفين، قال: ثم ركع فركعنا جميع�ا، ق�ال: ثم رف��ع فرفعن��ا جميع�ا، ق��ال: ثم س��جد الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم بالص��ف ال��ذي يلي��ه ق��ال: واآلخ��رون قي��ام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا جلس اآلخرون فسجدوا في مكانهم، قال: ثم تقدم هؤالء في مصاف هؤالء وجاء ه��ؤالء إلى مص��اف ه��ؤالء، ق��ال: ثم ركع فركعوا جميعا، ثم رفع فرفعوا جميعا، ثم سجد النبي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم والصف الذي يليه، واآلخرون قيام، يحرسونهم فلم��ا جلس اآلخ��رون سجدوا ثم سلم عليهم. قال: فصالها رس�ول الل�ه ص�لى الل�ه علي��ه وس�لم مرتين: م��رة بعس��فان وم��رة في أرض ب��ني س��ليم. وأخرج��ه أب��و داود من حديث أبي عياش الزرقي وقال: وهو قول الث��وري وه�و أحوطه�ا. وأخرج�ه أبو عيسى الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وسلم نزل بين ضجنان وعسفان؛ الحديث. وفيه أنه عليه الس��الم ص��دعهم صدعين وصلى بكل طائفة ركعة، فكانت للقوم ركعة ركع��ة، وللن��بي ص��لى الله عليه وسلم ركعتان، قال: حديث حسن صحيح غ��ريب. وفي الب��اب عن عبدالله بن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وج��ابر وأبي عي��اش ال��زرقي واسمه زيد بن الصامت، وابن عمر وحذيفة وأبي بكر وسهل بن أبي حثمة.

قلت: وال تعارض بين هذه الروايات، فلعله صلى بهم صالة كما جاء في حديث أبي عياش مجتمعين، وصلى بهم صالة أخرى متفرقين كما ج��اء في

حديث أبي هريرة، ويكون فيه حجة لمن يق��ول ص��الة الخ��وف ركع��ة. ق��ال الخطابي: صالة الخوف أنواع صالها النبي صلى الله علي��ه وس��لم في أي��ام مختلفة وأشكال متباينة، يتوخى فيها كلها م��ا ه��و أح��وط للص��الة وأبل��غ في

الحراسة. @واختلفوا في كيفية صالة المغ��رب، ف��روى ال��دارقطني عن الحس��ن عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم صالة المغ��رب ثالث ركعات ثم انصرفوا، وجاء اآلخرون فصلى بهم ثالث ركعات، فك��انت للن��بي صلى الله عليه وسلم ستا وللقوم ثالثا ثالثا، وب��ه ق��ال الحس��ن. والجمه��ور في صالة المغرب على خالف هذا، وهو أنه يصلي باألولى ركعتين وبالثاني��ة ركعة، وتقضي على اختالف أصولهم فيه متى يكون ؟ هل قبل سالم اإلمام أو بع��ده. ه��ذا ق��ول مال��ك وأبي حنيف��ة، ألن��ه أحف��ظ لهيئ��ة الص��الة. وق��ال الشافعي: يصلي باألولى ركعة، ألن عليا رضي الله عنه فعلها ليل��ة الهري��ر،

والله تعالى أعلم. @واختلفوا في ص��الة الخ��وف عن��د التح��ام الح��رب وش��دة القت��ال وخي��ف خروج الوقت فقال مال��ك والث��وري واألوزاعي والش��افعي وعام��ة العلم��اء: يصلي كيفما أمكن، لقول ابن عمر: فإن كان خوف أك��ثر من ذل��ك فيص��لي راكب��ا أو قائم��ا ي��ومئ إيم��اء. ق��ال في الموط��أ: مس��تقبل القبل��ة وغ��ير مستقبلها، وقد تقدم في "البقرة "قول الضحاك وإسحاق. وق��ال األوزاعي: إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصالة ص��لوا إيم�اء ك�ل ام�رئ لنفس��ه؛ فإن لم يق��دروا على اإليم��اء أخ��روا الص��الة ح��تى ينكش��ف القت��ال وي��أمنوا فيص��لوا ركع��تين، ف��إن لم يق��دروا ص��لوا ركع��ة س��جدتين، ف��إن لم يق��دروا

يجزئهم التكبير ويؤخروها حتى يأمنوا؛ وبه قال مكحول. قلت: وحكاه الكيا الط��بري في "أحك��ام الق��رآن "ل��ه عن أبي حنيف��ة

وأصحابه، قال الكيا: وإذا كان الخوف أش��د من ذل��ك وك��ان التح��ام القت��ال فإن المسلمين يصلون على ما أمكنهم مستقبلي القبلة ومس��تدبريها؛ وأب��و حنيف��ة وأص��حابه الثالث��ة متفق��ون على أنهم ال يص��لون والحال��ة ه��ذه ب��ل يؤخرون الصالة. وإن قاتلوا في الص��الة ق��الوا: فس��دت الص��الة وحكي عن

الشافعي أنه إن تابع الطعن والضرب فسدت صالته. القول يدل على صحة قول أنس: حضرت مناهضة حصن قلت: وهذا

تستر عند إضاءة الفجر، واش�تد اش��تعال القت�ال فلم نق�در على الص�الة إال بعد ارتفاع النهار؛ فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا. ق��ال أنس: وم��ا يسرني بتلك الصالة الدنيا وما فيها، ذكره البخاري وإليه كان ي��ذهب ش��يخنا األستاذ أبو جعفر أحمد بن محم�د بن محم�د القيس�ي القرط�بي المع�روف بأبي حجة؛ وهو اختيار البخاري فيما يظهر؛ ألنه أردفه بح��ديث ج��ابر، ق��ال: جاء عمر يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش ويقول: يا رس��ول الل��ه، م��ا صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم: )وأنا والله ما صليتها ( قال: فنزل إلى بطحان فتوضأ وصلى العصر

بعد ما غربت الشمس ثم صلى المغرب بعدها. @ واختلفوا في صالة الطالب والمطلوب؛ فقال مالك وجماعة من أصحابه هما سواء، كل واحد منهم��ا يص��لي على دابت��ه. وق��ال األوزاعي والش��افعي وفقهاء أصحاب الحديث وابن عبدالحكم: ال يصلي الطالب إال ب��األرض وه��و الصحيح؛ ألن الطلب تطوع، والص��الة المكتوب��ة فرض��ها أن تص��لي ب��األرض

حيثم��ا أمكن ذل��ك، وال يص��ليها راكب إال خ��ائف ش��ديد خوف��ه وليس ك��ذلكالطالب. والله أعلم.

@ واختلفوا أيضا في العس��كر إذا رأوا س��وادا فظن��وه ع��دوا فص��لوا ص��الة الخوف ثم بان لهم أنه غير شيء؛ فلعلمائنا فيه روايتان: إح��داهما يعي��دون، وبه قال أبو حنيفة. والثاني��ة ال إع��ادة عليهم، وه��و أظه��ر ق��ولي الش��افعي. ووج��ه األولى أنهم ت��بين لهم الخط��أ فع��ادوا إلى الص��واب كحكم الح��اكم. ووجه الثانية أنهم عملوا على اجتهادهم فجاز لهم كم��ا ل��و أخط��ؤوا القبل��ة؛ وهذا أولى ألنهم فعلوا ما أمروا به. وقد يقال: يعيدون في الوقت، فأما بعد

خروجه فال. والله أعلم. @قوله تعالى: "وليأخذوا أسلحتهم "وق��ال: "وليأخ��ذوا ح��ذرهم وأس��لحتهم "ه��ذا وص��اة بالح��ذر وأخ��ذ الس��الح لئال ين��ال الع��دو أمل��ه وي��درك فرص��ته.

والسالح ما يدفع به المرء عن نفسه في الحرب، قال عنترة: كسوت الجعد بني أبان سالحي بعد عري وافتضاح

يقول: أعرته سالحي ليمتن��ع به��ا بع��د عري��ه من الس��الح. ق��ال ابن عب��اس: "وليأخ��ذوا أس��لحتهم "يع��ني الطائف��ة ال��تي وج��اه الع��دو، ألن المص��لية ال تحارب. وقال غ��يره: هي المص��لية أي وليأخ��ذ ال��ذين ص��لوا أوال أس��لحتهم، ذكره، الزجاج. قال: ويحتمل أن تكون الطائفة الذين هم في الصالة أم��روا بحمل السالح؛ أي فلتقم طائفة منهم معك وليأخ��ذوا أس��لحتهم فإن��ه أرهب للعدو. النح��اس: يج��وز أن يك��ون للجمي��ع؛ ألن��ه أهيب. للع��دو. ويحتم��ل أن يكون للتي وجاه العدو خاص��ة. ق��ال أب��و عم��ر: أك��ثر أه��ل العلم يس��تحبون للمص��لي أخ��ذ س��الحه إذا ص��لى في الخ��وف، ويحمل��ون قول��ه: "وليأخ��ذوا أسلحتهم "على الندب؛ ألنه شيء لوال الخوف لم يجب أخ��ذه؛ فك��ان األم��ر به ندبا. وقال أهل الظاهر: أخذ السالح في صالة الخ��وف واجب ألم��ر الل��ه به، إال لمن كان به أذى من مطر، فإن كان ذلك جاز له وضع س��الحه. ق��ال ابن العربي: إذا صلوا أخذوا سالحهم عند الخوف، وبه ق��ال الش��افعي وه��و نص الق��رآن. وق��ال أب��و حنيف��ة: ال يحملونه��ا؛ ألن��ه ل��و وجب عليهم حمله��ا لبطلت الصالة بتركها. قلنا: لم يجب حملها ألجل الصالة وإنم��ا وجب عليهم

قوة لهم ونظرا. @قول�ه تع�الى: "ف�إذا س��جدوا" الض��مير في "س��جدوا" للطائف��ة المص��لية فلينصرفوا؛ هذا على بعض الهيئات المروي��ة. وقي��ل: المع��نى ف��إذا س��جدوا ركعة القضاء؛ وهذا على هيئة سهل بن أبي حثمة. ودلت هذه اآلية على أن السجود قد يعبر به عن جميع الصالة؛ وهو كقول�ه علي�ه الس�الم: )إذا دخ�ل أحدكم المسجد فليسجد سجدتين (. أي فليص��ل ركع��تين وه��و في الس��نة. والضمير في قوله: "فليكونوا "يحتمل أن يكون للذين سجدوا، ويحتم��ل أن

يكون للطائفة القائمة أوال بإزاء العدو. @قوله تع�الى: "ود ال�ذين كف�روا" أي تم��نى وأحب الك�افرون غفلتكم عن أخذ السالح ليصلوا إلى مقصودهم؛ فبين الله تعالى بهذا وج��ه الحكم��ة في األمر بأخذ السالح، وذكر الحذر في الطائفة الثاني��ة دون األولى؛ ألنه��ا أولى بأخذ الحذر، ألن العدو ال ي��ؤخر قص��ده عن ه��ذا ال��وقت ألن��ه آخ��ر الص��الة؛ وأيضا يقول العدو قد أثقلهم السالح وكلوا. وفي هذه اآلي��ة أدل دلي��ل على تعاطي األسباب، واتخاذ كل ما ينجي ذوي األلب��اب، ويوص��ل إلى الس��المة،

ويبلغ دار الكرامة. "ميلة واحدة" مبالغة، أي مستأص��لة ال يحت��اج معه��ا إلىثانية.

@قوله تعالى: "وال جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر" اآلي��ة. للعلم��اء في وج�وب حم�ل الس�الح في الص��الة كالم ق�د أش�رنا إلي��ه، ف�إن لم يجب فيستحب لالحتياط. ثم رخص في المطر وضعه؛ ألنه تبتل المبطنات وتثقل ويصدأ الحديد. وقيل: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم يوم بطن نخلة لما انهزم المشركون وغنم المسلمون؛ وذلك أنه ك�ان يوم�ا مط�يرا وخ�رج النبي صلى الله علي��ه وس��لم لقض��اء حاجت��ه واض��عا س��الحه، ف��رآه الكف��ار منقطعا عن أصحابه فقص��ده غ��ورث بن الح��ارث فانح��در علي��ه من الجب��ل بسيفه، فقال: من يمنعك مني اليوم ؟ فقال: )الله ( ثم قال: )اللهم اكفني الغورث بما ش��ئت (. ف��أهوى بالس��يف إلى الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم ليضربه، فانكب لوجهه لزلقة زلقها. وذكر الواقدي أن جبريل علي��ه الس��الم دفعه في صدره على ما يأتي في المائدة، وسقط السيف من ي��ده فأخ��ذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: )من يمنعك مني يا غ�ورث ( ؟ فق�ال: ال أحد. فقال: )تشهد لي بالحق وأعطيك سيفك ( ؟ ق��ال: ال؛ ولكن أش��هد أال أقاتلك بعد هذا وال أعين عليك عدوا؛ فدفع إليه السيف ونزلت اآلية رخص��ة في وضع السالح في المطر. ومرض عبدالرحمن بن ع��وف من ج��رح كم��ا في صحيح البخاري، ف�رخص الل��ه س��بحانه لهم في ت�رك الس�الح والت��أهب للعدو بعذر المطر، ثم أمرهم فقال: "خ��ذوا ح��ذركم "أي كون��وا م��تيقظين، وضعتم الس��الح أو لم تض��عوه. وه��ذا ي��دل على تأكي��د الت��أهب والح��ذر من العدو في كل األحوال وترك االستسالم؛ فإن الجيش ما جاءه مص��اب ق��ط إال من تفريط في حذر. وقال الضحاك. في قول��ه تع��الى: "وخ��ذوا ح��ذركم

"يعني تقلدوا سيوفكم فإن ذلك هيئة الغزاة.-� 103*اآليتان: 3* }فإذا قضيتم الصالة فاذكروا الل�ه قيام�ا وقع�ودا104

وعلى جن��وبكم ف��إذا اطم��أننتم ف��أقيموا الص��الة إن الص��الة ك��انت على المؤمنين كتابا موقوتا، وال تهنوا في ابتغاء القوم إن تكون��وا ت��ألمون ف��إنهميألمون كما تألمون وترجون من الله ما ال يرجون وكان الله عليما حكيما{

@قوله تعالى: "قضيتم" معناه فرغتم من صاله الخوف وهذا ي��دل على أن القضاء يستعمل فيما قد فعل قي وقته؛ ومن��ه قول��ه تع��الى: "ف��إذا قض��يتم

[ وقد تقدم. الثانية: قول��ه تع��الى: "ف��اذكروا الل��ه200مناسككم "]البقرة: قياما وقعودا وعلى جنوبكم "ذهب الجمهور إلى أن هذا الذكر الم��أمور ب��ه. إنما هو إثر صالة الخوف؛ أي إذا ف��رغتم من الص��الة ف��اذكروا الل��ه ب��القلب واللسان، على أي حال كنتم "قياما وقعودا وعلى جن��وبكم "وأديم��وا ذك��ره بالتكبير والتهلي��ل وال�دعاء بالنص��ر ال س��يما في ح�ال القت��ال. ونظ�يره "إذا

[. ويق��ال:45لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون "]األنفال: "فإذا قضيتم الصالة "بمعنى إذا صليتم في دار الحرب فصلوا على الدواب، أو قياما أو قعودا أو على جنوبكم إن لم تستطيعوا القيام، إذا كان خوف��ا أو مرضا؛ كما قال تعالى في آية أخرى: "فإن خفتم فرجاال أو ركبانا" ]البقرة:

[ وق��ال ق��وم: ه��ذه اآلي��ة نظ��يرة ال��تي في "آل عم��ران "؛ ف��روي أن239 عبدالل��ه بن مس��عود رأى الن��اس يض��جون في المس��جد فق��ال: م��ا ه��ذه الضجة ؟ قالوا: أليس الله تعالى يقول "ف�اذكروا الل��ه قيام�ا وقع�ودا وعلى جن��وبكم" ؟ ق��ال: إنم��ا يع��ني به��ذا الص��الة المكتوب��ة إن لم تس��تطع قائم��ا

فقاع��دا، وإن لم تس��تطع فص��ل على جنب��ك. ف��المراد نفس الص��الة؛ ألن الصالة ذكر الله تعالى، وقد اشتملت على األذك��ار المفروض��ة والمس��نونة؛

والقول األول أظهر. والله أعلم. @قوله تعالى: "ف��إذا اطم��أننتم" أي أمنتم. والطمأنين��ة س��كون النفس من الخوف. "فأقيموا الصالة" أي فأتوه��ا بأركانه��ا وبكم��ال هيئته��ا في الس��فر، وبكمال عددها في الحضر. "إن الصالة كانت على المؤمنين كتاب��ا موقوت��ا" أي مؤقتة مفروضة. وقال زيد بن أسلم: "موقوتا "منجم��ا، أي تؤدونه��ا في أنجمها؛ والمعنى عند أهل اللغة: مف��روض ل��وقت بعين��ه؛ يق��ال: وقت��ه فه��و موقوت. ووقته فهو مؤقت. وهذا قول زي��د بن أس��لم بعين��ه. وق��ال: "كتاب��ا

"والمصدر مذكر؛ فلهذا قال: "موقوتا". @قوله تعالى: "وال تهنوا" أي ال تضعفوا، وقد تقدم في "آل عم��ران". "في ابتغاء القوم" طلبهم. قيل: نزلت في حرب أحد حيث أمر النبي ص�لى الل��ه عليه وسلم بالخروج في آثار المشركين، وكان بالمسلمين جراحات، وك��ان أم��ر أال يخ��رج مع��ه إال من ك��ان في الوقع��ة، كم��ا تق��دم في "آل عم��ران"

وقيل: هذا في كل جهاد. @قوله تعالى: "إن تكونوا ت��ألمون" أي تت��ألمون مم��ا أص��ابكم من الج��راح فهم يتألمون أيضا مما يص��يبهم، ولكم مزي��ة وهي أنكم ترج�ون ث��واب الل��ه وهم ال يرجونه؛ وذلك أن من ال يؤمن بالله. ال يرجون من الله شيئا. ونظير هذه اآلية "إن يمسس�كم ق�رح فق�د مس الق�وم ق�رح مثل�ه "]آل عم�ران:

[ وقد تقدم. وقرأ عب��دالرحمن األع��رج "أن تكون��وا "بفتح الهم��زة، أي140 ألن وقرأ منصور بن المعتمر "إن تكونوا تألمون "بكسر التاء. وال يجوز عند البصريين كسر التاء لثقل الكسر فيها. ثم قيل: الرجاء هنا بمعنى الخ��وف؛ ألن من رجا شيئا فه��و غ��ير ق��اطع بحص��وله فال يخل��و من خ��وف ف��وت م��ا يرجو. وقال الفراء والزجاج: ال يطلق الرجاء بمع��نى الخ��وف إال م��ع النفي؛

[ أي ال تخ��افون لل��ه13كقوله تعالى: "ما لكم ال ترجون لله وق��ارا "]ن��وح: [ أي ال14عظم��ة. وقول��ه تع��الى: "لل��ذين ال يرج��ون أي��ام الل��ه "]الجاثي��ة:

يخافون. قال القشيري: وال يبعد ذكر الخوف من غ��ير أن يك��ون في الكالمنفي، ولكنها ادعيا أنه لم يوجد ذلك إال مع النفي. والله أعلم.

}إنا أنزلنا إليك الكتاب ب��الحق لتحكم بين الن��اس بم��ا أراك105*اآلية: 3*الله وال تكن للخائنين خصيما{

@ في هذه اآلية تش��ريف للن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وتك��ريم وتعظيم وتفويض إليه، وتقويم أيض��ا على الج��ادة في الحكم، وت��أنيب على م��ا رف��ع إليه من أمر بني أبيرق ! وكانوا ثالثة إخوة: بشر وبشير ومبشر، وأس��ير بن عروة ابن عم لهم؛ نقبوا مشربة لرفاعة بن زيد في الليل وس��رقوا أدراع��ا له وطعاما، فعثر على ذلك. وقيل إن السارق بشير وحده، وك��ان يك��نى أب��ا طعمة أخذ درعا؛ قيل: كان الدرع في جراب فيه دقيق، فكان الدقيق ينت��ثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى داره، فجاء ابن أخي رفاع��ة واس��مه قتادة بن النعمان يشكوهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فجاء أسير بن عروة إلى النبي صلى الل�ه علي�ه وس�لم فق�ال: ي�ا رس�ول الل�ه، إن ه�ؤالء عمدوا إلى أهل بيت هم أهل صالح ودين فأنبوهم بالسرقة ورموهم بها من غير بينة؛ وجعل يجادل عنهم حتى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قت��ادة ورفاع��ة؛ ف��أنزل الل��ه تع��الى: "وال تج��ادل عن ال��ذين يخت��انون

[ اآلية. وأنزل الله تعالى: "ومن يكس��ب خطيئ��ة أو107أنفسهم "]النساء: [ وكان البريء الذي رموه بالسرقة لبيد112إثما ثم يرم به بريئا "]النساء:

بن سهل. وقيل: زيد بن السمين وقيل: رجل من األنصار. فلم��ا أن��زل الل��ه ما أنزل، هرب ابن أبيرق السارق إلى مك��ة، ون��زل على س��الفة بنت س��عد

بن شهيد؛ فقال فيها حسان بن ثابت بيتا يعرض فيه بها، وهو: وقد أنزلته بنت سعد وأصبحت ينازعها جلد استها وتنازعه ظننتم بأني خفي الذي قد صنعتمو وفينا نبي عنده الوحي واضعه

فلما بلغها قالت: إنما أهديت لي شعر حسان؛ وأخذت رحله فطرحته خارج المنزل، فهرب إلى خيبر وأرتد. ثم إنه نقب بيتا ذات ليل��ة ليس��رق فس��قط الحائط عليه فمات مرت�دا. ذك�ر ه�ذا الح�ديث بكث�ير من ألفاظ�ه الترم�ذي وق��ال: ح��ديث حس��ن غ��ريب، ال نعلم أح��دا أس��نده غ��ير محم��د بن س��لمة الحراني. وذكره الليث والطبري بألفاظ مختلفة. وذكر قصة موته يحيى بن سالم في تفسيره، والقشري كذلك وزاد ذكر الردة. ثم قي��ل: ك��ان زي��د بن السمين ولبيد بن سهل يهوديين. وقيل: كان لبيد مسلما. وذكره المه��دوي، وأدخله أبو عمر في كتاب الصحابة له، فدل ذلك على إسالمه عنده. وك��ان بشير رجال منافقا يهجو أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وينحل الش��عر غيره، وكان المسلمون يقولون: والله ما هو إال شعر الخبيث. فق��ال ش��عرا

يتنصل فيه؛ فمنه قوله: أو كلما قال الرجال قصيدة نحلت وقالوا ابن األبيرق قالها

وق��ال الض��حاك: أراد الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم أن يقط��ع ي��ده وك��ان مطاعا، فجاءت اليهود شاكين في السالح فأخ��ذوه وهرب��وا ب��ه؛ ف��نزل "ه��ا

[ يعني اليهود. والله أعلم. 109أنتم هؤالء "]النساء: @قوله تعالى: "بما أراك الله" معناه على قوانين الشرع؛ إما بوحي ونص، أو بنظر جار على سنن الوحي. وهذا أصل في القياس؛ وه��و ي��دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا أصاب؛ ألن الله تعالى أراه ذل��ك، وقد ضمن الله تعالى ألنبيائه العص��مة؛ فأم��ا أح��دنا إذا رأى ش��يئا يظن��ه فال قطع فيم��ا رآه، ولم ي��رد رؤي��ة العين هن��ا؛ ألن الحكم ال ي��رى ب��العين. وفي الكالم إضمار، أي بما أراكه الله، وفيه إضمار آخر، وامض األحكام على م��ا

عرفناك من غير اغترار باستداللهم. @قوله تعالى: "وال تكن للخائنين خصيما" اسم فاعل؛ كقولك: جالسته فأنا جليس��ه، وال يك��ون فعيال هن��ا بمع��نى مفع��ول؛ ي��دل على ذل��ك "وال تج��ادل "فالخصيم هو المج��ادل وجم�ع الخص��يم خص��ماء. وقي��ل: خص��يما مخاص��ما اسم فاعل أيضا. فنهى الله عز وجل رسول عن عض��د أه��ل التهم وال��دفاع عنهم بما يقول��ه خص��مهم من الحج��ة. وفي ه��ذا دلي��ل على أن النياب��ة عن المبطل والمتهم في الخصومة ال تجوز. فال يجوز ألحد أن يخاص��م عن أح��د إال بعد أن يعلم أن��ه مح��ق. ومش��ى الكالم في الس��ورة على حف��ظ أم��وال اليتامى والناس؛ فبين أن مال الكافر محفوظ عليه كم��ال المس��لم، إال في

الموضع الذي أباحه الله تعالى. @ قال العلماء: وال ينبغي إذا ظهر للمسلمين نفاق ق��وم أن يج��ادل فري��ق منهم فريقا عنهم ليحموهم ويدفعوا عنهم؛ فإن هذا قد وقع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم نزل قول��ه تع��الى: "وال تكن للخ��ائنين خص��يما

[.107"وقول���ه: "وال تج���ادل عن ال���ذين يخت���انون أنفس���هم "]النس���اء:

والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد منه الذين كانوا يفعلونه من المسلمين دونه لوجهين: أحدهما: أنه تعالى أبان ذلك بما ذكره بعد بقول��ه:

[. واآلخ��ر: أن109"ها أنتم هؤالء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا "]النس��اء: النبي صلى الله عليه وسلم كان حكما فيما بينهم، ول��ذلك ك��ان يعت��ذر إلي��ه

وال يعتذر هو إلى غيره، فدل على أن القصد لغيره. }واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما{106*اآلية: 3*

@ ذهب الط��بري إلى أن المع��نى: اس��تغفر الل��ه من ذنب��ك في خص��امك للخائنين؛ فأمره باالستغفار لما هم بالدفع عنهم وقط��ع ي��د اليه��ودي. وه��ذا مذهب من جوز الصغائر على األنبياء، صلوات الله عليهم. قال ابن عطي��ة: وهذا ليس بذنب؛ ألن النبي صلى الله عليه وس�لم إنم��ا داف��ع على الظ��اهر وه���و يعتق���د ب���راءتهم. والمع���نى: واس���تغفر الل���ه للم���ذنبين من أمت���ك والمتخاص��مين بالباط��ل؛ ومحل��ك من الن��اس أن تس��مع من المت��داعيين وتقضي بنحو ما تسمع، وتستغفر للمذنب. وقيل: ه��و أم��ر باالس��تغفار على طريق التسبيح، كالرجل يقول: استغفر الله؛ على وجه التسبيح من غير أن يقصد توبة من ذنب. وقيل: الخطاب للنبي صلى الله عليه وس��لم والم��راد

[، "ف��إن كنت1بنو أبيرق، كقوله تعالى: "يا أيها النبي اتق الله "]األح��زاب: [.94في شك "]يونس:

}وال تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الل��ه ال يحب من107*اآلية: 3*كان خوانا أثيما{

@أي ال تحاجج عن الذين يخونون أنفسهم؛ نزلت في أس��ير بن ع��روة كم��ا تقدم. والمجادلة المخاصمة، من الج��دل وه��و الفت��ل؛ ومن��ه رج��ل مج��دول الخلق، ومنه األجدل للصقر. وقيل: هو من الجدالة وهي وجه األرض، فك��ل

واحد من الخصمين يريد أن يلقي صاحبه عليها؛ قال العجاج: قد أركب الحالة بعد الحالة وأترك العاجز بالجدالة منعفرا ليست له محاله

الجدالة األرض؛ من ذلك قولهم: تركته مجدال؛ أي مطروحا على الجدالة. "إن الله ال يحب" أي ال يرضى عنه وال ين��وه ب�ذكر. "من ك�ان خوان��ا أثيم��ا" خائنا. )وخوانا ( أبلغ؛ ألنه من أبنية المبالغة؛ وإنما كان ذلك لعظم قدر تل��ك

الخيانة. والله أعلم. }يستخفون من الناس وال يستخفون من الله وهو109 - 108*اآليتان: 3*

معهم إذ يبيتون ما ال يرضى من القول وكان الله بم��ا يعمل��ون محيط��ا، ه��ا أنتم هؤالء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة

أم من يكون عليهم وكيال{ @قال الضحاك: لما سرق الدرع اتخ�ذ حف�رة في بيت�ه وجع�ل ال�درع تحت التراب؛ ف�نزلت "يس�تخفون من الن��اس وال يس�تخفون من الل��ه "يق�ول: ال

يخفى مكان الدرع على الله "وهو معهم" أي رقيب حفيظ عليهم. وقيل: "يستخفون من الن��اس "أي يس��تترون، كم��ا

[ أي مس��تتر. وقي��ل:10قال تعالى: "ومن ه��و مس��تخف باللي��ل "]الرع��د: يستحيون من الن��اس، وه��ذا ألن االس��تحياء س��بب االس��تتار. ومع��نى "وه��و معهم "أي بالعلم والرؤية والسمع، هذا قول أه��ل الس��نة. وق��الت الجهمي��ة والقدرية والمعتزلة: هو بكل مكان، تمسكا بهذه اآلية وما كان مثلها، قالوا: لما قال "وهو معهم" ثبت أنه بكل مكان، ألن�ه ق�د أثبت كون�ه معهم تع�الى

الله عن قولهم، فإن هذه صفة األجس��ام والل��ه تع��الى متع��ال عن ذل��ك أال ترى مناظرة بشر في قول الله عز وجل: "ما يكون من نجوى ثالثة إال ه��و

[ حين قال: هو بذاته في كل مكان فقال ل��ه خص��مه:7رابعهم "]المجادلة: ه��و في قلنس��وتك وفي حش��وك وفي ج��وف حم��ارك. تع��الى الل��ه عم��ا يقولون ! حكى ذلك وكيع رضي الله عن�ه. ومع�نى "ي�بيتون" يقول�ون. ق�ال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. "م��ا ال يرض��ى من الق��ول" أي م��ا ال يرضاه الله أله��ل طاعت��ه. "من الق��ول "أي من ال��رأي واالعتق��اد، كقول��ك: مذهب مالك الشافعي. وقيل: "القول "بمعنى المقول؛ ألن نفس الق��ول ال

يبيت. @قوله تع�الى: "ه��ا أنتم ه�ؤالء" يري��د ق�وم بش�ير الس�ارق لم�ا هرب�وا ب�ه وجادلوا عنه. قال الزجاج: "هؤالء" بمعنى الذين. "ج��ادلتم" ح��اججتم. "في الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة" استفهام معناه اإلنك��ار والت��وبيخ. "أم من يكون عليهم وكيال" الوكيل: القائم بتدبير األمور، فالله تع��الى ق��ائم بتدبير خلقه. والمعنى: ال أحد يقوم بأمرهم إذا أخذهم الله بعذاب��ه وأدخلهم

النار. }ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يج�د الل��ه110*اآلية: 3*

غفورا رحيما{ @قال ابن عباس: عرض الله التوبة على بني أبيرق به��ذه اآلي��ة، أي "ومن يعمل سوءا "بأن يسرق "أو يظلم نفس��ه "ب��أن يش��رك "ثم يس��تغفر الل��ه" يعني بالتوبة، فإن االستغفار باللسان من غير توب��ة ال ينف��ع، وق��د بين��اه في "آل عمران". وقال الض��حاك: ن�زلت اآلي�ة في ش�أن وحش�ي قات�ل حم�زة أشرك بالله وقتل حمزة، ثم جاء إلى رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وقال: إني لن��ادم فه��ل لي من توب��ة ؟ ف��نزل: "ومن يعم��ل س��وءا أو يظلم نفسه "اآلية. وقيل: الم��راد به��ذه اآلي��ة العم��وم والش��مول لجمي��ع الخل��ق. وروى سفيان عن أبي إسحاق عن األس��ود وعلقم��ة ق��اال: ق��ال عبدالل��ه بن مسعود من قرأ هاتين اآلي��تين من س��ورة "النس��اء "ثم اس��تغفر ل��ه: "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غف��ورا رحيم��ا". "ول��و أنهم إذ ظلم��وا أنفس��هم ج��اؤوك فاس��تغفروا الل��ه واس��تغفر لهم الرس��ول

[. وروي عن علي رضي الله عن��ه أن��ه64لوجدوا الله توابا رحيما"]النساء: قال: كنت إذا سمعت حديثا من رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم نفع��ني الله به ما شاء، وإذا سمعته من غيره حلفته، وحدثني أب��و بك��ر وص��دق أب��و بكر قال: ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلي ركعتين ويس��تغفر الل��ه إال غفر له، ثم تال هذه اآلية "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الل��ه

يجد الله غفورا رحيما". }ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان112 -� 111*اآليتان: 3*

الله عليما حكيما، ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئ��ا فق��د احتم��لبهتانا وإثما مبينا{

@قوله تعالى: "ومن يكسب إثما" أي ذنبا "فإنم��ا يكس��به على نفس��ه" أي عاقبته عائدة عليه. والكسب ما يجر ب��ه اإلنس��ان إلى نفس��ه نفع��ا أو ي��دفع

عنه به ضررا؛ ولهذا ال يسمى فعل الرب تعالى كسبا. @قوله تعالى: "ومن يكسب خطيئة أو إثما" قيل: هم��ا بمع��نى واح��د ك��رر الختل��ف اللف�ظ تأكي�دا. وق�ال الط�بري: إنم�ا ف�رق بين الخطيئ�ة واإلثم أن

الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد، واإلثم ال يكون إال عن عمد. وقي��ل: الخطيئة ما لم تتعمده خاص��ة كالقت��ل بالخط��أ. وقي��ل: الخطيئ��ة الص��غيرة،

واإلثم الكبيرة، وهذه اآلية لفظها عام يندرج تحته أهل النازلة وغيرهم. @قوله تعالى: "ثم يرم به بريئا" قد تقدم اسم البريء في البق��رة. واله��اء في "به "لإلثم أو للخطيئة. ألن معناه��ا اإلثم، أولهم��ا جميع��ا. وقي��ل: ترج��ع إلى الكسب. "فقد احتمل بهتانا وإثما مبين��ا" تش��بيه؛ إذ ال��ذنوب ثق��ل ووزر فهي كالمحموالت. وقد قال تعالى: "وليحملن أثق��الهم وأثق��اال م��ع أثق��الهم

[. والبهتان من البهت، وهو أن تس��تقبل أخ��اك ب��أن تقذف��ه13"]العنكبوت: بذنب وهو منه بريء. وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )أتدرون ما الغيبة ( ؟ قالوا: الله ورس��وله أعلم؛ ق��ال: )ذك��رك أخاك بما يكره (. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ ق��ال: )إن ك��ان فيه ما تقول فق�د اغتبت��ه وإن لم يكن في��ه فق�د بهت��ه (. وه��ذا نص؛ ف��رمي البريء بهت له. يقال: بهته بهتا وبهتا وبهتانا إذا قال عليه ما لم يفعله. وهو بهات والمقول له مبهوت. ويقال: بهت الرجل )بالكسر ( إذا دهش وتح��ير. وبهت )بالضم ( مثله، وأفصح منهما بهت، كما قال الله تعالى: "فبهت الذي

[ ألنه يقال: رجل مبهوت وال يقال: باهت وال بهيت، قال258كفر" ]البقرة: الكسائي.

}ول�وال فض��ل الل��ه علي��ك ورحمت��ه لهمت طائف��ة منهم أن113*اآلي�ة: 3* يضلوك وما يضلون إال أنفسهم وما يض�رونك من ش�يء وأن�زل الل�ه علي��ك

الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما{ @قوله تعالى: "ولوال فض��ل الل��ه علي��ك ورحمت��ه" م��ا بع��د "ل��وال" مرف��وع باالبتداء عند سيبويه، والخبر محذوف ال يظهر، والمعنى: "ولوال فض��ل الل��ه عليك ورحمته "ب��أن نبه��ك على الح��ق، وقي��ل: ب��النبوءة والعص��مة. "لهمت طائفة منهم أن يض�لوك "عن الح�ق؛ ألنهم س�ألوا رس�ول الل�ه ص�لى الل�ه عليه وسلم أن يبرئ ابن أبيرق من التهمة ويلحقها اليه��ودي، فتفض��ل الل��ه عز وجل على رسوله عليه السالم بأن نبهه على ذل��ك وأعلم��ه إي��اه. "وم��ا يضلون إال أنفسهم "ألنهم يعملون عمل الضالين، فوبال��ه لهم راج��ع عليهم. "وم��ا يض��رونك من ش��يء "ألن��ك معص��وم. "وأن��زل الل��ه علي��ك الكت��اب والحكمة" هذا ابتداء كالم. وقي�ل: ال�واو للح��ال، كقول�ك: جئت��ك والش��مس

طالعة؛ ومنه قول امرئ القيس: وقد أغتدي والطير في وكناتهما

فالكالم متصل، أي ما يض��رونك من ش��يء م��ع إن��زال الل��ه علي��ك الق��رآن. "والحكمة" القضاء بالوحي. "وعلمك م��ا لم تكن تعلم" يع��ني من الش��رائع واألحكام وكان فضله عليك كبيرا. و"تعلم" في موضع نصب؛ ألنه خبر كان.

وحذفت الضمة من النون للجزم، وحذفت الواو اللتقاء الساكنين. }ال خير في كثير من نجواهم إال من أمر بصدقة أو معروف114*اآلية: 3*

أو إصالح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراعظيما{

@أراد ما تفاوض به قوم بني أبيرق من التدبير، وذكروه الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم. والنجوى: السر بين االثنين، تقول: ناجيت فالن��ا مناج��اة ونج��اء وهم ينتجون ويتناجون. ونجوت فالنا أنجوه نجوا، أي ناجيته، فنجوى مشتقة

من نجوت الشيء أنجوه، أي خلصته وأفردته، والنجوة من األرض المرتف��عالنفراده بارتفاعه عما حوله، قال الشاعر:

فمن بنجوته كمن بعقوته والمستكن كمن يمشي بقرواح فالنجوى المسارة، مصدر، وقد تسمى به الجماعة، كم��ا يق��ال: ق��وم ع��دل

[ فعلى األول يك��ون47ورضا. قال الله تعالى: "وإذ هم نج��وى" ]اإلس��راء: األمر أمر اس��تثناء من غ��ير الجنس. وه��و االس��تثناء المنقط��ع. وق��د تق��دم، وتكون "من" في موضع رفع، أي لكن من أمر بصدقة أو معروف أو إصالح بين الناس ودعا إليه ففي نج��واه خ��ير. ويج��وز أن تك��ون "من" في موض��ع خفض ويك��ون التق��دير: ال خ��ير في كث��ير من نج��واهم إال نج��وى من أم��ر بص��دقة ثم ح��ذف. وعلى الث��اني وه��و أن يك��ون النج��وى اس��ما للجماع��ة المنفردين، فتكون "من" في موضع خفض على البدل، أي ال خير في كث��ير من نجواهم إال فيمن أمر بصدقة. أو تكون في موضع نصب على ق��ول من قال: ما مررت بأحد إال زيدا. وقال بعض المفسرين منهم الزجاج: النج��وى كالم الجماعة المنفردة أو االثنين كان ذلك سرا أو جهرا، وفي��ه بع��د. والل��ه أعلم. والمعروف لفظ يعم أعمال البر كله��ا. وق��ال مقات��ل: المع��روف هن��ا الفرض، واألول أصح. وقال صلى الله علي��ه وس��لم: )ك��ل مع��روف ص��دقة وإن من المع��روف أن تلقى أخ��اك بوج��ه طل��ق (. وق��ال ص��لى الل��ه علي��ه وسلم: )المعروف كاسمه وأول من ي��دخل، الجن��ة ي��وم القيام��ة المع��روف وأهله (. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ال يزهدنك في المعروفكفر من كفره، فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الكافر. وقال الحطيئة:

من يفعل الخير ال يعدم جوازيه ال يذهب العرف بين الله والناس وأنشد الرياشي:

يد المعروف غنم حيث كانت تحملها كفور أو شكور ففي شكور الشكور لها جزاء وعند الله ما كفر الكفور

وقال الماوردي: "فينبغي لمن يقدر على إسداء المعروف أن يعجل��ه ح��ذار فواته، ويبادر به خيفة عجزه، وليعلم أنه من فرص زمان��ه، وغن��ائم إمكان��ه، وال يهمله ثقة بالقدرة عليه، فكم من واث��ق بالق��درة ف��اتت ف��أعقبت ن��دما،

ومعول على مكنة زالت فأورثت خجال، كما قال الشاعر: ما زلت أس��مع كم من واث��ق خج��ل ح��تى ابتليت فكنت الواث��ق

الخجال ولو فطن لنوائب دهره، وتحفظ من عواقب أمره لكانت مغانمه م��ذخورة، ومغارمه مجبورة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ق��ال: )من فتح عليه باب من الخير فلينتهزه فإنه ال يدري متى يغلق عنه (. وروي عنه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم أن��ه ق��ال: )لك��ل ش��يء ثم��رة وثم��رة المع��روف السراح (. وقيل ألنوشروان: ما أعظم المص��ائب عن��دكم ؟ ق��ال: أن تق��در على المعروف فال تصطنعه حتى يفوت. وقال عبدالحميد: من أخر الفرصة

عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها. وقال بعض الشعراء: إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكون وال تغفل عن اإلحسان فيها فما تدري السكون متى يكون

وكتب بعض ذوي الحرمات إلى وال قصر في رعاية حرمته: أعلى الصراط تريد رعية حرمتي أم في الحساب تمن باإلنعام للنفع في الدنيا أريدك، فأنتبه لحوائجي من رقدة النوام

وقال العباس رض��ي الل��ه عن��ه: ال يتم المع��روف إال بثالث خص��ال: تعجيل��ه وتص��غيره وس��تره، ف��إذا عجلت��ه هنأت��ه، وإذا ص��غرته عظمت��ه، وإذا س��ترته

أتممته. وقال بعض الشعراء: زاد معروفك عندي عظما أنه عندك مستور حقير تتناساه كأن لم تأته وهو عند الناس مشهور خطير

ومن شرط المعروف ترك االمتنان به، وترك اإلعجاب بفعله، لما فيهما منإسقاط الشكر وإحباط األجر. وقد تقدم في "البقرة "بيانه.

@قوله تعالى: "أو إصالح بين الناس" عام في الدماء واألموال واألع��راض، وفي كل شيء يقع التداعي واالختالف في��ه بين المس��لمين، وفي ك��ل كالم يراد به وجه الله تع�الى. وفي الخ��بر: )كالم ابن آدم كل�ه علي�ه ال ل�ه إال م�ا كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله تعالى (. فأما من طلب الري�اء وال�ترؤس فال ين�ال الث�واب. وكتب عم�ر إلى أبي موس�ى األش��عري رضي الله عنه: رد الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن. وسيأتي في "المجادلة "ما يحرم من المناجاة وما يج�وز إن ش�اء الله تعالى. وعن أنس بن مالك رض��ي الل��ه عن��ه أن��ه ق��ال،: من أص��لح بين أثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة. وقال النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم ألبي أيوب: )أال أدلك على صدقة يحبها الله ورس��وله، تص��لح بين أن��اس إذا تفاسدوا، وتقرب بينهم إذا تباعدوا (. وق��ال األوزاعي: م��ا خط��وة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصالح ذات البين، ومن أص��لح بين اث��نين كتب الله له براءة من النار. وق��ال محم��د بن المنك��در: تن��ازع رجالن في ناحي��ة المسجد فملت إليهما، فلم أزل بهما حتى اصطلحا؛ فقال أب��و هري��رة وه��و يراني: سمعت رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم يق��ول: )من أص��لح بين أث�نين اس��توجب ث�واب ش��هيد (. ذك�ر ه��ذه األخب��ار أب�و مطي��ع مكح��ول بن المفضل النسفي في كتاب اللؤلئيات له، وجدته بخط المص��نف في وريق��ة ولم ينبه على موضعها رضي الله عنه. و)ابتغاء ( نص��ب على المفع��ول من

أجله. }ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى116 -� 115*اآليتان: 3*

ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما ت��ولى ونص��له جهنم وس��اءت مص��يرا، إن الله ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يش��اء ومن يش��رك بالل��ه

فقد ضل ضالال بعيدا{ @ قال العلماء: هاتان اآليت��ان نزلن��ا بس��بب ابن أب��يرق الس��ارق، لم��ا حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليه بالقطع وهرب إلى مكة وارتد؛ قال سعيد بن جبير: لم��ا ص��ار إلى مك��ة نقب بيت��ا بمك��ة فلحق��ه المش��ركون فقتل��وه؛ فأنزل الله تعالى: "إن الله ال يغف��ر أن يش��رك ب��ه "إلى قول��ه: "فق��د ض��ل ضالال بعي��دا". وق��ال الض��حاك: ق��دم نف��ر من ق��ريش المدين��ة وأس��لموا ثم انقلب��وا إلى مك��ة مرت��دين ف��نزلت ه��ذه اآلي��ة "ومن يش��اقق الرس��ول". والمشاقة المعاداة. واآلية وإن نزلت في سارق الدرع أو غ��يره فهي عام��ة في ك��ل من خ��الف طري��ق المس��لمين. و"اله��دى ": الرش��د والبي��ان، وق��د تقدم. وقوله تعالى: "نوله ما تولى "يقال: إن��ه ن��زل فيمن ارت��د؛ والمع��نى؛ نتركه وما يعبد؛ عن مجاه��د. أي نكل��ه إلى األص��نام ال��تي ال تنف��ع وال تض��ر؛ وقال مقات�ل. وق�ال الكل��بي؛ ن�زل قول�ه تع�الى: "نول�ه م�ا ت�ولى "في ابن أبيرق؛ لما ظهرت حاله وسرقته هرب إلى مكة وارتد ونقب حائط��ا لرج��ل

بمكة يقال له: حج��اج بن عالط، فس��قط فبقي في النقب ح��تى وج��د على حاله، وأخرجوه من مكة؛ فخ��رج إلى الش��ام فس��رق بعض أم��وال القافل��ة فرجموه وقتلوه، فنزلت "نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا". وقرأ�ه "بجزم الهاء، والب��اقون بكس��رها، �ه ""ونصل عاصم وحمزة وأبو عمرو "نول

وهما لغتان. @ قال العلماء في قوله تعالى: "ومن يشاقق الرس��ول "دلي��ل على ص��حة القول باإلجماع، وفي قوله تعالى: "إن الله ال يغفر أن يش��رك ب��ه "رد على الخوارج؛ حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة كافر. وقد تق��دم الق��ول في ه��ذا المعنى. وروى الترمذي عن علي بن أبي طالب رض��ي الل��ه عن��ه ق��ال: م��ا في القرآن آي��ة أحب إلي من ه��ذه اآلي��ة: "إن الل��ه ال يغف��ر أن يش��رك ب��ه ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "قال: ه��ذا ح��ديث غ��ريب. ق��ال ابن ف��ورك: وأجمع أصحابنا على أنه ال تخليد إال للكافر، وأن الفاسق من أهل القبلة إذا مات غير ت��ائب فإن��ه إن ع��ذب بالن��ار فال محال��ة أن��ه يخ��رج منه��ا بش��فاعة الرسول؛ أو بابتداء رحم��ة من الل��ه تع��الى. وق��ال الض��حاك: إن ش��يخا من األعراب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ي��ا رس��ول الل��ه، إني شيخ منهمك في الذنوب والخطاي��ا، إال أني لم أش��رك بالل��ه ش��يئا من��ذ عرفته وآمنت به، فما حالي عند الله ؟ فأنزل الله تعالى: "إن الله ال يغف��ر

أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "اآلية. }إن يدعون من دونه إال إناثا وإن يدعون إال شيطانا مريدا{117*اآلية: 3*

@قوله تعالى: "إن يدعون من دونه" أي من دون الله "إال إناثا"؛ نزلت في أهل مكة إذ عبدوا األصنام. و"إن "نافية بمعنى "ما". و"إناثا" أصناما، يع��ني الالت والعزى ومناة. وكان لكل حي صنم يعبدونه ويقولون: أنثى بني فالن، ق��ال الحس��ن وابن عب��اس، وأتى م��ع ك��ل ص��نم ش��يطانه ي��تراءى للس��دنة والكهنة ويكلمهم؛ فخ��رج الكالم مخ��رج التعجب؛ ألن األن��ثى من ك��ل جنس أخسه؛ فهذا جهل ممن يشرك بالله جمادا فيسميه أن��ثى، أو يعتق��ده أن��ثى. وقيل: "إال إناثا "مواتا؛ ألن الموات ال روح له، كالخشبة والحج��ر. والم��وات يخبر عنه كما يخبر عن المؤنث ال تضاع المنزلة؛ تقول: األحجار تجبني، كما تقول: المرأة تعجبني. وقيل: "إال إناثا "مالئكة؛ لقولهم: المالئكة بنات الله، وهي شفعاؤنا عند الل��ه؛ عن الض��حاك. وق��راءة ابن عب��اس "إال وثن��ا "بفتح الواو والثاء على إفراد اسم الجنس؛ وقرأ أيض��ا "وثن��ا "بض��م الث��اء وال��واو؛ جمع وثن. وأوثان أيضا جمع وثن مثل أس��د وآس��اد. النح��اس: ولم يق��رأ ب��ه

فيما علمت. قلت: قد ذكر أبو بكر األنباري - حدثنا أبي حدثنا نصر بن داود حدثنا أبو

عبيد حدثنا حجاج عن ابن جريج عن هش��ام بن ع�روة عن أبي��ه عن عائش�ة رضى الله عنها أنها كانت تقرأ: "إن يدعون من دون��ه إال أوثان��ا". وق��رأ ابن عباس أيضا "إال أثنا" كأنه جمع وثنا على وثان؛ كما تقول: جمل وجمال، ثم جمع أوثانا على وثن؛ كما تقول: مثال ومثل؛ ثم أبدل من ال��واو هم��زة لم��ا

[ من11انضمت؛ كم��ا ق��ال ع��ز وج��ل: "وإذا الرس��ل أقتت "]المرس��الت: الوقت؛ فأثن جمع الجمع. وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: "إال أثنا "جم��ع أثين، كغدير وغدر. وحكى الطبري أنه جم��ع إن��اث كثم��ار وثم��ر. حكى ه�ذه القراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو عمرو ال��داني؛ ق��ال: وق��رأ به��ا

ابن عباس والحسن وأبو حيوة.

@قول��ه تع��الى: "وإن ي��دعون إال ش��يطانا مري��دا" يري��د إبليس؛ ألنهم إذا أطاعوه فيما سول لهم فقد عبدوه؛ ونظيره في المعنى: "اتخذوا أحب��ارهم

[ أي أطاعوهم فيما أم��روهم ب��ه؛31ورهبانهم أربابا من دون الله" ]التوبة: ال أنهم عبدوهم. وس��يأتي. وق��د تق��دم اش��تقاق لف��ظ الش��يطان. والمري��د: العاتي المتمرد؛ فعيل من مرد إذا عتا. ق��ال األزه��ري: المري��د الخ��ارج عن الطاعة، وقد مرد الرجل يمرد مرودا إذا عتا وخرج عن الطاعة، فه��و م��ارد ومريد ومتمرد. ابن عرفة ه��و ال��ذي ظه��ر ش��ره؛ ومن ه��ذا يق��ال: ش��جرة مرداء إذا تساقط ورقه��ا فظه��رت عي��دانها؛ ومن��ه قي��ل للرج��ل: أم��رد، أي

ظاهر مكان الشعر من عارضيه. }لعنه الله وقال ألتخذن من عبادك نصيبا مفروضا{118*اآلية: 3*

@قوله تعالى: "لعنه الله" أصل اللعن اإلبعاد، وقد تقدم. وه��و في الع��رف إبعاد مقترن بسخط وغضب؛ فلعنة الله على إبليس - عليه لعنة الله - على التعيين جائزة، وكذلك سائر الكفرة الموتى كفرع��ون وهام��ان وأبي جه��ل؛

فأما األحياء فقد مضى الكالم فيه في "البقرة". @قول��ه تع��الى: "وق��ال ألتخ��ذن من عب��ادك نص��يبا مفروض��ا" أي وق��ال الشيطان؛ والمعنى: الستخلصنهم. بغوايتي وأضلنهم بإضاللي، وهم الكف��رة

والعصاة. وفي الخبر )من كل ألف واحد لله والباقي للشيطان (. قلت: وهذا صحيح معنى؛ يعضده قوله تعالى آلدم يوم القيامة: )أبعث

بعث النار فيقول: وما بعث النار ؟ فيق��ول من ك��ل أل��ف تس��عمائة وتس��عة وتسعين (. أخرجه مس��لم. وبعث الن��ار ه��و للمول��ود مس��مارا عن��د والدت��ه،

ودورانهم به يوم أسبوعه، يقولون: ليعرفه العمار. }وألض���لنهم وألم���نينهم وآلم���رنهم فليبتكن آذان األنع���ام119*اآلي���ة: 3*

وآلمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخ��ذ الش��يطان ولي��ا من دون الل��ه فق��دخسر خسرانا مبينا{

@قوله تعالى: "وألض��لنهم" أي ألص��رفنهم عن طري��ق اله��دى. "وألم��نينهم "أي ألسولن لهم، من التمني، وهذا ال ينحصر إلى واحد من األمنية، ألن كل واحد في نفسه إنما يمنيه بقدر رغبته وقرائن حاله. وقي��ل: ألم��نينهم ط��ول الحياة الخير والتوبة والمعرفة مع اإلصرار. "وآلمرنهم فليبتكن آذان األنعام "البت��ك القط��ع، ومن��ه س��يف بات��ك. أي أحملهم على قط��ع آذان البح��يرة والسائبة ونحوه. يقال: بتك��ه وبتك��ه، )مخفف��ا ومش��ددا ( وفي ي��ده قطع��ة،

والجمع بتك، قال زهير: طارت وفي كفه من ريشها بتك

@قول��ه تع��الى: "وآلم��رنهم فليغ��يرن خل��ق الل��ه "الالم��ات كله��ا للقس��م. واختلف العلماء في هذا التغيير إلى ماذا يرجع، فقالت طائفة: ه��و الخص��اء وفقء األعين وقط��ع اآلذان، ق��ال معن��اه ابن عب��اس وأنس وعكرم��ة وأب��و صالح. وذلك كله تعذيب، للحيوان، وتحريم وتحلي��ل بالطغي��ان، وق��ول بغ��ير حج��ة وال بره��ان. واآلذان في األنع��ام جم��ال ومنفع��ة، وك��ذلك غيره��ا من األعضاء، فلذلك رأى الشيطان أن يغير به�ا خل�ق الل�ه تع�الى. وفي ح�ديث عي���اض بن حم���ار المجاش���عي: )وإني خلقت عب���ادي حنف���اء كلهم وأن الش���ياطين أتتهم فاجت���التهم عن دينهم فح���رمت عليهم م���ا أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وأمرتهم أن يغيروا خلقي (. الحديث، أخرجه القاض�ي إس��ماعيل ومس�لم أيض�ا. وروى إس�ماعيل ق�ال:

حدثنا أبو الوليد وسليمان بن حرب ق��اال ح��دثنا ش��عبة عن أبي إس��حاق عن أبي األحوص عن أبيه قال: أتيت رسول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وأن��ا قشف الهيئ��ة، ق��ال: )ه��ل ل��ك من م��ال ( ؟ ق��ال قلت: نعم. ق��ال )من أي المال ( ؟ قلت: من كل المال، من الخيل واإلبل والرقيق - قال أبو الوليد: والغنم - قال: )فإذا أتاك الله ماال فلير عليك أثره ( ثم قال: )ه��ل تنتج إب��ل قومك ص��حاحا آذانه��ا فتعم��د إلى موس��ى فتش��ق آذانه��ا وتق��ول ه��ذه بم��ر وتشق جلودها وتقول هذه صرم لتحرمها عليك وعلى أهلك ( ؟ ق��ال: قلت أجل. قال: )وكل ما آتاك الله حل وموسى الل��ه أح��د من موس��ك، وس��اعد الله أشد من ساعدك(. قال قلت: يا رسول الله، أرأيت رجال نزلت ب��ه فلم

يقرني ثم نزل بي أفأقريه أم أكافئه ؟ فقال:)بل أقره (. @ ولما كان هذا من فعل الشيطان وأثره أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن نستشرف العين واألذن وال نضحي بعوراء وال مقابلة وال م��دابرة وال خرق��اء وال ش��رقاء ( أخرج��ه أب��و داود عن علي ق��ال: أمرن��ا؛ ف��ذكره. المقابل��ة: المقطوع��ة ط��رف األذن. والم��دابرة المقطوع��ة م��ؤخر األذن. والشرقاء: مشقوقة األذن. والخرقاء التي تخرق أذنه�ا الس�مة. والعيب في األذن مراعى عند جماعة العلماء. ق��ال مال��ك والليث: المقطوع��ة األذن أو جل األذن ال تجزئ، والشق للميسم يج��زئ، وه��و ق��ول الش��افعي وجماع��ة الفقهاء. فإن كانت سكاء، وهى التي خلقت بال أذن فقال مالك والشافعي:

ال تجوز. وإن كانت صغيرة األذن أجزأت، وروي عن أبي حنيفة مثل ذلك. @ وأما خصاء البهائم فرخص في��ه جماع��ة من أه��ل العلم إذا قص��دت في��ه المنفعة إما لسمن أو غيره. والجمه��ور من العلم��اء وجم��اعتهم على أن��ه ال بأس أن يضحي بالخص��ي، واستحس��نه بعض��هم إذا ك��ان أس��من من غ��يره. ورخص في خصاء الخيل عمر بن عبدالعزيز. وخص��ى ع��روة بن الزب��ير بغال له. ورخص مالك في خصاء ذكور الغنم، وإنم��ا ج��از ذل��ك ألن��ه ال يقص��د ب��ه تعليق الحيوان بالدين لصنم يعبد، وال لرب يوح��د. وإنم��ا يقص��د ب��ه تط��ييب اللحم فيما يؤكل، وتقوية الذكر إذا انقطع أمله عن األنثى. ومنهم من ك��ره ذل��ك، لق��ول الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )إنم��ا يفع��ل ذل��ك ال��ذين ال يعلمون (. واختاره ابن المنذر وق��ال: ألن ذل��ك ث��ابت عن ابن عم��ر، وك��ان يقول: هو نماء خلق الله؛ وكره ذلك عبدالملك بن مروان. وق��ال األوزاعي: كانوا يكرهون خصاء كل شيء له نسل. وق��ال ابن المن��ذر: وفي��ه ح��ديثان: أحدهما عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خص��اء الغنم والبقر واإلبل والخيل. واآلخر حديث ابن عباس أن الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم نهى عن ص��بر ال��روح وخص��اء البه��ائم. وال��ذي في الموط��أ من ه��ذا الباب ما ذكره عن نافع عن ابن عمر أنه كان يك��ره اإلخص��اء ويق��ول: في��ه تمام الخلق. قال أبو عمر: يعني في ترك اإلخصاء تمام الخلق، وروي نم��اء

الخلق. قلت: أسنده أبو محمد عبدالغني من حديث عمر بن إسماعيل عن نافع

عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )ال تخص��وا ما ينمي خلق الله (. رواه عن الدارقطني شيخه، ق��ال: ح�دثنا أب�و عبدالل��ه المع��دل ح��دثنا عب��اس بن محم��د ح��دثنا أب��و مال��ك النخعي عن عم��ر بن إسماعيل، فذكره. قال الدارقطني: ورواه عبدالص��مد بن النعم��ان عن أبي

مالك.

الرابعة: وأما الخصاء في اآلدمي فمصيبة، فإنه إذا خصي بطل قلبه وقوته، عكس الحيوان، وانقطع نسله المأمور به في قوله عليه الس��الم: )تن��اكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم األمم ( ثم إن فيه ألما عظيما ربما يفضي بصاحبه إلى الهالك، فيكون فيه تضييع مال وإذهاب نفس، وكل ذلك منهي عن��ه. ثم هذه مثلة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وس��لم عن المثل��ة، وه��و ص��حيح. وق��د ك��ره جماع��ة من فقه��اء الحج��ازيين والكوف��يين ش��راء الخص��ي من الصقالبة وغيرهم وقالوا: ل��و لم يش��تروا منهم لم يخص��وا. ولم يختلف��وا أن خصاء بني آدم ال يحل وال يجوز؛ ألنه مثلة وتغيير لخلق الله تع��الى، وك��ذلك

قطع سائر أعضائهم في غير حد وال قود، قال أبو عمر. @ وإذا تقرر هذا فاعلم أن الوسم واإلشعار مستثنى من نهيه عليه الس�الم عن شريطة الشيطان، وهي ما قدمناه من نهيه عن تعذيب الحيوان بالن��ار، والوسم: الكي بالنار وأصله العالمة، يقال: وس��م الش��يء يس��مه إذا علم��ه

[.29بعالمة يعرف بها، ومنه قوله تعالى: "س��يماهم في وج��وههم" ]الفتح: فالسيما العالمة والميسم المكواة. وثبت في صحيح مسلم عن أنس ق��ال: رأيت في يد رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم الميس��م وه��و يس��م إب��ل الصدقة والفيء وغير ذلك حتى يعرف كل مال فيؤدى في حقه، وال يتجاوز

به إلى غيره. @ والوسم جائز في ك��ل األعض��اء غ��ير الوج��ه، لم��ا رواه ج��ابر ق��ال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوج��ه وعن الوس��م في الوجه، أخرجه مسلم. وإنما ك��ان ذل��ك لش��رفه على األعض��اء، إذ ه��و مق��ر الحسن والجمال، وألن به قوام الحيوان، وق��د م��ر الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وسلم برج��ل يض��رب عب��ده فق��ال: )ات��ق الوج��ه ف��إن الل��ه خل��ق آدم على صورته (. أي على صورة المضروب؛ أي وج��ه ه��ذا المض��روب يش��به وج��ه آدم، فينبغي أن يحترم لشبهه. وهذا أحسن ما قي��ل في تأويل��ه والل��ه أعلم. وقالت طائفة: اإلشارة بالتغيير إلى الوش��م وم��ا ج��رى مج��راه من التص��نع للحسن؛ قال ابن مسعود والحسن. ومن ذلك الحديث الصحيح عن عبدالله ق��ال: ق��ال رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )لعن الل��ه الواش��مات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلج��ات للحس��ن، المغ��يرات خلق الله ( الحديث أخرجه مسلم، وسيأتي بكماله في الحشر إن شاء الله تعالى. والوشم يكون في اليدين، وهو أن يغرز ظهر كف المرأة ومعص��مها بإبرة ثم يحشى بالكحل أو بالنئور فيخضر. وق��د وش��مت تش��م وش��ما فهي واشمة. والمستوشمة التي يفعل ذلك بها؛ قال الهروي. وقال ابن الع��ربي: ورج�ال ص�قلية وإفريقي��ة يفعلون��ه؛ لي��دل ك�ل واح�د منهم على رجلت��ه في حداثته. قال القاضي عياض: ووقع في رواية اله��روي - أح��د رواة مس��لم - مكان "الواشمة والمستوشمة ""الواشية والمستوشية ")بالياء مكان الميم ( وهو من الوشي وهو التزين؛ وأصل الوشي نسج الثوب على لونين، وثور موشى في وجهه وقوائمه سواد؛ أي تشي المرأة نفسها بما تفعله فيها من التنميص والتفليج واألش��ر. والمتنمص��ات جم��ع متنمص��ة وهي ال��تي تقل��ع الشعر من وجهها بالمنماص، وهو الذي يقول الشعر؛ ويق��ال له��ا النامص��ة. ابن العربي: وأهل مصر ينتفون ش��عر العان��ة وه��و من��ه؛ ف��إن الس��نة حل��ق العانة ونتف اإلبط، فأما نتف الفرج فإنه يرخي��ه ويؤذي��ه، ويبط��ل كث��يرا من المنفعة فيه. والمتفلجات جمع متفلجة، وهي التي تفعل الفلج في أسنانها؛

أي تعانيه حتى ترجع المصمتة األسنان خلقة فلجاء صنعة. وفي غ��ير كت��اب مسلم: "الواشرات"، وهي جمع واشرة، وهي التي تشر أسنانها؛ أي تص��نع فيها أش�را، وهي التحزي��زات ال�تي تك��ون في أس��نان الش�بان؛ تفع�ل ذل�ك المرأة الكبيرة تشبها بالشابة. وهذه األمور كلها قد ش�هدت األح�اديث بلعن فاعلها وأنها من الكبائر. واختلف في المعنى الذي نهي ألجلها؛ فقيل: ألنه��ا من باب التدليس. وقي��ل: من ب�اب تغي�ير خل��ق الل�ه تع�الى؛ كم�ا ق��ال ابن مسعود، وهو أصح، وهو يتض��من المع��نى األول. ثم قي��ل: ه��ذا المنهي عن��ه إنما هو فيما يكون باقيا؛ ألنه من ب�اب تغي�ير خل��ق الل��ه تع�الى، فأم��ا م��ا ال يكون باقيا كالكحل والتزين به للنساء فقد أجاز العلماء ذلك مال��ك وغ��يره. وكرهه مالك للرجال. وأجاز مالك أيضا أن تشي المرأة يديها بالحناء. وروي عن عمر إنكار ذلك وقال: إما أن تخض��ب ي��ديها كله��ا وإم��ا أن ت��دع، وأنك��ر مالك هذه الرواية عن عمر، وال تدع الخضاب بالحناء؛ فإن النبي صلى الل��ه عليه وسلم رأى امرأة ال تختضب قال: )ال تدع إحداكن يدها كأنها يد رج��ل(

فما زالت تختضب وقد جاوزت التسعين حتى ماتت. قال القاضي عياض: وج�اء ح�ديث ب��النهي عن تس�ويد الحن��اء، ذك�ره

صاحب المصابيح وال تتعط�ل، ويك��ون في عنقه�ا قالدة من س��ير في خ�رز، فإنه يروى عن النبي صلى الله علي��ه وس��لم أن��ه ق��ال لعائش��ة رض��ي الل��ه عنها: )إنه ال ينبغي أن تكوني بغير قالدة إما بخيط وإما بس��ير. وق��ال أنس: يستحب للمرأة أن تعلق في عنقها في الصالة ول��و س��يرا. ق��ال أب��و جعف��ر الطبري: في ح�ديث ابن مس�عود دلي�ل على أن�ه ال يج��وز تغي�ير ش�يء من خلقها الذي خلقها الله علي��ه بزي��ادة أو نقص��ان، التم��اس الحس��ن ل��زوج أو غيره، سواء فلجت أسنانها أو وشرتها، أو ك��ان له��ا س��ن زائ��دة فأزالته��ا أو أسنان طوال فقطعت أطرافها. وكذا ال يجوز له��ا حل��ق لحي��ة أو ش��ارب أو عنفقة إن نبتت لها؛ ألن كل ذلك تغيير خلق الله. ق��ال عي��اض: وي��أتي على ما ذكره أن من خلق بأصبع زائدة أو عضو زائد ال يجوز له قطعه وال نزع��ه؛ ألنه من تغيير خلق الله تع��الى: إال أن تك��ون ه��ذه الزوائ��د تؤلم��ه فال ب��أس

بنزعها عند أبي جعفر وغيره. قلت: ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: )لعن الله الواصلة

والمستوصلة والواشمة والمستوش��مة ( أخرج��ه مس��لم. فنهى ص��لى الل��ه عليه وسلم عن وصل المرأة شعرها؛ وهو أن يضاف إلي��ه ش��عر آخ��ر يك��ثر به، والواصلة هي ال��تي تفع��ل ذل��ك، والمستوص��لة هي ال��تي تس��تدعي من يفعل ذلك بها. مسلم عن جابر قال: زجر النبي صلى الل��ه علي��ه وس��لم أن تصل المرأة بشعرها شيئا. وخرج عن أس��ماء بنت أبي بك��ر ق��الت: ج��اءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رس��ول الل��ه، إن لي ابن��ة عريسا أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفأص��له ؟ فق��ال: )لعن الل��ه الواص��لة والمستوصلة (. وهذا كل��ه نص في تح��ريم وص��ل الش��عر، وب��ه ق��ال مال��ك وجماعه العلماء. ومنعوا الوصل بكل شيء من الصوف والخرق وغير ذلك؛ ألنه في معنى وصله بالشعر. وشذ الليث بن س��عد فأج��از وص��له بالص��وف والخرق وما ليس بشعر؛ وهذا أشبه بم��ذهب أه��ل الظ��اهر. وأب��اح آخ��رون وضع الشعر على الرأس وقالوا: إنما جاء النهي عن الوص��ل خاص��ة، وه��ذه ظاهرية محضة وإعراض عن المعنى. وشذ ق��وم فأج��ازوا الوص��ل مطلق��ا، وهو قول باطل قطعا ترده األحاديث. وقد روي عن عائشة رضي الله عنه��ا

ولم يص��ح. وروي عن ابن س��يرين أن��ه س��أل رج��ل فق��ال: إن أمي ك��انت تمشط النساء، أتراني آكل من مالها ؟ فقال: إن كانت تصل فال. وال يدخل في النهي ما ربط منه بخيوط الحرير الملونة على وج��ه الزين��ة والتجمي��ل،

والله أعلم. @ وق��الت طائف��ة: الم��راد ب��التغيير لخل��ق الل��ه ه��و أن الل��ه تع��الى خل��ق الشمس والقمر واألحجار والنار وغيرها من المخلوقات؛ ليعتبر به��ا وينتف��ع بها، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معب��ودة. ق��ال الزج��اج: إن الل��ه تع��الى خلق األنعام لتركب وتؤكل فحرموها على أنفسهم، وجعل الشمس والقمر والحجارة مسخرة للناس فجعلوها آلهة يعبدونها، فقد غيروا ما خل��ق الل��ه. وقاله جماعة من أهل التفسير: مجاهد والضحاك وسعيد بن جب��ير وقت��ادة. وروي عن ابن عباس "فليغيرن خلق الله "دين الله؛ وقال النخعي، واختاره الطبري قال: وإذا كان ذلك معناه دخل فيه فعل كل م��ا نهى الل��ه عن��ه من خص��اء ووش��م وغ��ير ذل��ك من المعاص��ي؛ ألن الش��يطان ي��دعو إلى جمي��ع المعاصي؛ أي فليغيرن ما خلق الله في دينه. وقال مجاهد أيضا: "فليغ��يرن خل��ق الل�ه "فط�رة الل��ه ال�تي فط�ر الن��اس عليه�ا؛ يع�ني أنهم ول�دوا على اإلسالم فأمرهم الشيطان بتغي��يره، وه��و مع��نى قول��ه علي��ه الس��الم: )ك��ل مولود يول��د على الفط��رة ف��أبواه يهودان��ه وينص��رانه ويمجس��انه (. ف��يرجع معنى الخلق إلى ما أوجده فيهم يوم الذر من اإليمان به في قول��ه تع��الى:

[. ق��ال ابن الع�ربي: روي عن172"ألس��ت ب��ربكم ق��الوا بلى "]األع��راف: طاوس أنه كان ال يحضر نكاح سوداء بأبيض وال بيضاء بأسوده ويقول: ه��ذا من قول الله "فليغيرن خلق الله". ق��ال القاض��ي: وه��ذا وإن ك��ان يحتمل��ه اللفظ فهو مخصوص بما أنفذه النبي صلى الله عليه وسلم من نكاح مواله زيد وكان أبيض؛ بظئره برك��ة الحبش��ية أم أس��امة وك��ان أس��ود من أبيض،

وهذا مما خفي على طاوس مع علمه. قلت: ثم أنكح أسامة فاطمة بنت قيس وكانت بيض��اء قرش��ية. وق��د

كانت تحت بالل أخت عبدالرحمن بن عوف زهرية. وه��ذا أيض��ا يخص وق��دخفي عليهما.

@قوله تعالى: "ومن يتخذ الش��يطان ولي��ا من دون الل��ه" أي يطيع��ه وي��دع أمر الله. "فقد خسر" أي نقص نفسه وغبنها بأن أعطى الشيطان حق الله

تعالى فيه وتركه من أجله. }يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إال غرورا،122 -� 120*اآليات: 3*

أولئ��ك م��أواهم جهنم وال يج��دون عنه��ا محيص��ا، وال��ذين آمن��وا وعمل��وا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها األنهار خال��دين فيه��ا أب��دا وع��د

الله حقا ومن أصدق من الله قيال{ @قوله تعالى: "يعدهم "المعنى يعدهم أباطيله وترهات��ه من الم��ال والج��اه والرياسة، وأن ال بعث وال عقاب، ويوهمهم الفقر حتى ال ينفق��وا في الخ��ير "ويمنيهم "ك��ذلك "وم��ا يع��دهم الش��يطان إال غ��رورا "أي خديع��ة. ق��ال ابن عرفة: الغرور م��ا رأيت ل��ه ظ��اهرا تحب��ه وفي��ه ب��اطن مك��روه أو مجه��ول. والشيطان غ��رور؛ ألن�ه يحم��ل على مح��اب النفس، ووراء ذل�ك م�ا يس�وء. "أولئك "ابتداء "مأواهم "ابتداء ثان "جهنم "خبر الثاني والجملة خ��بر األول. و"محيص��ا "ملج��أ، والفع��ل من��ه ح��اص يحيص. "ومن أص��دق من الل��ه قيال "ابتداء وخبر. "قيال "على البي�ان؛ ق�ال قيال وق�وال وق�اال، بمع�نى أي ال أح�د

أصدق من الله. وقد مضى الكالم على م��ا تض��منته ه��ذه اآلي من المع��انيوالحمد لله.

}ليس بأمانيكم وال أماني أهل الكتاب من يعمل س��وء يج��ز123*اآلية: 3*به وال يجد له من دون الله وليا وال نصيرا{

@قوله تع��الى: "ليس بأم��انيكم وال أم��اني أه��ل الكت��اب" وق��رأ أب��و جعف��ر المدني "ليس بأمانيكم وال أماني أهل الكتاب "بتخفي��ف الي��اء فيه��ا جميع��ا. ومن أحسن ما روي في نزولها ما رواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: قالت اليهود والنصارى لن يدخل الجنة إال من كان منا. وق��الت قريش: ليس نبعث، فأنزل الل��ه "ليس بأم��انيكم وال أم��اني أه��ل الكت��اب". وقال قتادة والسدي: تفاخر المؤمن��ون وأه��ل الكت��اب فق�ال أه��ل الكت��اب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أحق بالله منكم. وقال المؤمن��ون:

نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على سائر الكتب، فنزلت اآلية. @قوله تعالى: "من يعمل سوءا يجز به "السوء ههنا الشرك، قال الحسن:

[. وعنه أيضا17هذه اآلية في الكافر، وقرأ "وهل يجازى إال الكفور "]سبأ: "من يعمل سوءا يجز ب��ه "ق��ال: ذل��ك لمن أراد الل��ه هوان��ه، فأم��ا من أراد كرامته فال، قد ذكر الله قوما فقال: "أولئك ال��ذين نتقب��ل عنهم أحس��ن م��ا عملوا ونتجاوز عن س��يئاتهم في أص��حاب الجن��ة وع��د الص��دق ال��ذي ك��انوا

[. وق���ال الض���حاك: يع���ني اليه���ود والنص���ارى16يوع���دون" ]األحق���اف: والمجوس وكفار العرب. وقال الجمهور: لفظ اآلية عام، والكافر والم��ؤمن مجازى بعمله السوء، فأما مج��ازاة الك��افر فالن��ار؛ ألن كف��ره أوبق��ه، وأم��ا المؤمن فبنكبات الدنيا، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هري��رة ق��ال: لما نزلت "من يعمل س��وءا يج��ز ب��ه "بلغت من المس��لمين مبلغ��ا ش��ديدا، فقال رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )ق��اربوا وس��ددوا ففي ك��ل م��ا يصاب به المس��لم كف��ارة ح��تى النكب��ة ينكبه��ا والش��وكة يش��اكها (. وخ��رج الترم��ذي الحكيم في )ن��وادر األص��ول، في الفص��ل الخ��امس والتس��عين ( حدثنا إب��راهيم بن المس��تمر اله�ذلي ق��ال ح�دثنا عب��دالرحمن بن س��ليم بن حيان أبو زيد قال: س��معت أبي ي��ذكر عن أبي��ه ق��ال ص��حبت ابن عم��ر من مكة إلى المدينة فقال لنافع: ال تمر بي على المص��لوب؛ يع��ني ابن الزب��ير، قال: فما فجئ��ه في ج��وف اللي��ل أن ص��ك محمل��ه جذع��ه؛ فجلس فمس��ح عينيه ثم قال: يرحمك الله أبا خبيب أن كنت وأن كنت ! ولقد سمعت أباك الزبير يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )من يعمل س��وءا يج��ز به في الدنيا أو في اآلخرة ( فإن ي��ك ه��ذا ب��ذاك فهي��ه. ق��ال الترم��ذي أب��و عبدالله: فأما في التنزيل فقد أجمله فقال: "من يعم��ل س��وءا يج��ز ب��ه وال يجد له من دون الله وليا وال نصيرا "فدخل فيه البر والفاجر والعدو والولي والمؤمن والك��افر؛ ثم م��يز رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم في ه��ذا الحديث بين الموط��نين فق��ال: )يج��ز ب��ه في ال��دنيا أو في اآلخ��رة ( وليس يجمع عليه الجزاء في الموطنين؛ أال ترى أن ابن عمر ق��ال: ف��إن ي��ك ه��ذا بذاك فهيه؛ معناه أنه قاتل في حرم الل��ه وأح��دث في��ه ح��دثا عظيم��ا ح��تى أحرق البيت ورمي الحجر األسود بالمنجنيق فانص��دع ح��تى ض��بب بالفض��ة فهو إلى يومنا هذا ك��ذلك، وس��مع لل��بيت أنين��ا: آه آه ! فلم��ا رأى ابن عم��ر فعله ثم رآه مقتوال مصلوبا ذكر قول رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )من يعمل سوءا يجز به (. ثم ق��ال: إن ي��ك ه��ذا القت��ل ب��ذاك ال��ذي فعل��ه

فهيه؛ أي كأنه جوزي بذلك السوء هذا القتل والصلب. رحمه الله ! ثم م��يز رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر بين الفريقين؛ ح��دثنا أبي رحمه الله قال ح��دثنا أب��و نعيم ق��ال ح��دثنا محم��د بن مس��لم عن يزي��د بن عبدالله بن أسامة بن الهاد الليثي قال: لما نزلت "من يعمل سوءا يجز ب��ه "قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ما هذه بمبقية منا؛ قال: )يا أب��ا بك��ر إنما يجزى المؤمن بها في الدنيا ويجزى به��ا الك��افر ي��وم القيام��ة (. ح��دثنا الجارود قال حدثنا وكيع وأبو معاوية وعبدة عن إسماعيل بن أبي خال��د عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي قال: لما نزلت "من يعمل سوءا يجز به "قال أبو بكر: كيف الصالح يا رسول الله مع هذا ؟ كل ش��يء عملن��اه جزين��ا ب�ه، فقال: )غفر الله لك يا أبا بكر ألست تنصب، ألست تحزن، الس��ت تص��يبك الألواء ؟. قال: بلى. قال )فذلك مما تجزون به ( ففسر رسول الل��ه ص��لى الله عليه وسلم ما أجمله التنزي��ل من قول��ه: "من يعم��ل س��وءا يج��ز ب��ه". وروى الترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنها لما نزلت ق��ال ل��ه النبي صلى الله عليه وسلم: )أما أنت يا أبا بكر والمؤمنون فتج��زون ب��ذلك في الدنيا حتى تلقوا الله وليس لكم ذنوب وأما اآلخ��رون فيجم��ع ذل��ك لهم حتى يج�زوا ب�ه ي�وم القيام�ة (. ق�ال: ح�ديث غ�ريب: وفي إس��ناده مق�ال: وموسى بن عبي��دة يض��عف في الح��ديث، ض��عفه يح��يى بن س��عيد القط��ان وأحمد بن حنبل. ومولى بن سباع مجهول، وقد روي هذا من غير وج��ه عن

أبي بكر وليس له إسناد صحيح أيضا؛ وفي الباب عن عائشة. قلت: خرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب

قال حدثنا قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن أمه أنه��ا س��ألت [284عائشة عن هذه اآلية "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" ]البق��رة:

وعن هذه اآلية "من يعمل سوءا يجز به "فقالت عائشة: ما سألني أحد منذ سألت رسول الله صلى الل��ه علي�ه وس�لم عنه�ا؛ فق�ال: )ي�ا عائش�ة، ه�ذه مبايعة الله بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع فيجدها في عيبته، حتى إن الم��ؤمن ليخ��رج من ذنوب��ه كما يخ��رج الت��بر من الك��ير (. واس��م "ليس "مض��مر فيه��ا في جمي��ع ه��ذه األقوال؛ والتقدير: ليس الكائن من أموركم ما تتمنونه، بل من يعمل س��وءا يجز به. وقيل: المعنى ليس ثواب الله بأمانيكم "إذ قد تقدم "والذين آمن��وا

وعملوا الصالحات سندخلهم جنات". @قوله تعالى: "وال يجد له من دون الله وليا وال نصيرا "يع��ني المش��ركين؛ لقوله تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمن��وا في الحي��اة ال��دنيا وي��وم يق��وم

[. وقي��ل: "من يعم��ل س��وءا يج��ز ب��ه "إال أن يت��وب.51األش��هاد" ]غ��افر: وقراءة الجماعة "وال يجد له "بالجزم عطفا على "يجز به". وروى ابن بكار عن ابن ع��امر "وال يج��د "ب��الرفع اس��تئنافا. ف��إن حملت اآلي��ة على الك��افر فليس له غ��دا ولي وال نص��ير. وإن حملت على الم��ؤمن فليس ل��ه ولي وال

نصير دون الله. }ومن يعم�ل من الص�الحات من ذك�ر أو أن�ثى وه�و م�ؤمن124*اآلية: 3*

فأولئك يدخلون الجنة وال يظلمون نقيرا{ @ شرط اإليمان ألن المشركين أدلوا بخدمة الكعبة وإطعام الحجيج وقرى األضياف، وأهل الكت��اب بس��بقهم، وق��ولهم نحن أبن��اء الل��ه وأحب��اؤه؛ ف��بين تعالى أن األعمال الحسنة ال تقب��ل من غ��ير إيم��ان. وق��رأ "ي��دخلون الجن��ة

"الشيخان أبو عمرو وابن كثير )بضم الي��اء وفتح الخ��اء ( على م��ا لم يس��م فاعله. الباقون بفتح الياء وضم الخاء؛ يعني يدخلون الجن��ة بأعم��الهم. وق��د

مضى ذكر النقير وهي النكتة في ظهر النواة. }ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محس��ن واتب��ع125*اآلية: 3*

ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليال{ @قوله تعالى: "ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لل�ه وه�و محس�ن واتب�ع ملة إبراهيم حنيفا" فضل دين اإلسالم على سائر األديان و"أسلم وجهه لله "معناه أخلص دينه لله وخضع له وتوجه إليه بالعبادة. قال ابن عب��اس: أراد أبا بكر الصديق رضي الله عنه. وانتصب "دينا "على البي��ان. "وه��و محس��ن "ابتداء وخبر في موضع الحال، أي موحد فال يدخل فيه أه��ل الكت��اب؛ ألنهم تركوا اإليمان بمحمد عليه السالم. والمل��ة ال��دين، والح��نيف المس��لم وق��د

تقدم. @قوله تعالى: "واتخذ الله إب��راهيم خليال" ق��ال ثعلب: إنم��ا س��مي الخلي��لخليال ألن محبته تتخلل القلب فال تدع فيه خلال إال مألته؛ وأنشد قول بشار:

قد تخللت مسلك الروح مني وبه سمي الخليل خليال وخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى العالم وقيل: هو بمعنى المفع��ول كالحبيب بمعنى المحبوب، وإبراهيم كان محبا لله وكان محبوبا لله. وقي��ل: الخلي��ل من االختص��اص فالل��ه ع��ز وج��ل أعلم اختص إب��راهيم في وقت��ه للرسالة. واختار هذا النحاس قال: والدليل على هذا قول النبي ص��لى الل��ه عليه وسلم )وقد اتخذ الله صاحبكم خليال ( يعني نفس��ه. وق��ال ص��لى الل��ه عليه وسلم: )لو كنت متخذا أبا بكر خليال ( أي لو كنت مختصا أح�دا بش�يء الختصصت أبا بكر. رض�ي الل��ه عن��ه. وفي ه�ذا رد على من زعم أن الن��بي صلى الله عليه وسلم اختص بعض أصحابه بشيء من الدين. وقيل: الخليل المحتاج؛ فإبراهيم خليل الله معنى أنه فقير محت��اج إلى الل��ه تع��الى؛ كأن��ه

الذي به االختالل. وقال زهير يمدح هرم بن سنان وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول ال غالب مالي وال حرم

أي ال ممنوع. ق��ال الزج��اج: ومع��نى الخلي��ل: ال��ذي ليس في محبت��ه خل��ل؛ فجائز أن يكون سمي خليال لله بأنه الذي أحبه واصطفاه محبة تامة. وجائز أن يسمى خليل الل��ه أي فق��يرا إلى الل��ه تع��الى؛ ألن��ه لم يجع��ل فق��ره وال فاقته إال إلى الله تعالى مخلصا في ذلك. واالختالل الفق��ر؛ ف��روي أن��ه لم��ا رمي ب��المنجنيق وص��ار في اله��واء أت��اه جبري��ل علي��ه الس��الم فق��ال: أل��ك حاجة ؟ قال: أما إليك فال. فخلق الله تع�الى إلب�راهيم نص�رته إي�اه. وقي�ل: سمي بذلك بسبب أنه مضى إلى خليل له بمصر، وقي��ل: بالموص��ل ليمت��ار من عن��ده طعام��ا فلم يج��د ص��احبه، فمأل غرائ��ره رمال وراح ب��ه إلى أهل��ه فحطه ونام؛ ففتحه أهله فوجدوه دقيقا فصنعوا له من��ه، فلم��ا ق��دموه إلي��ه قال: من أين لكم هذا ؟ قالوا: من الذي جئت به من عند خليلك المص��ري؛ فقال: هو من عند خليلي؛ يعني الله تعالى؛ فسمي خليل الله بذلك. وقيل: إنه أضاف رؤساء الكف��ار وأه��دى لهم ه��دايا وأحس��ن إليهم فق��الوا ل��ه: م��ا حاجتك ؟ قال: حاجتي أن تسجدوا سجدة؛ فسجدوا فدعا الله تعالى وقال: اللهم إني قد فعلت ما أمكنني فافع��ل اللهم م��ا أنت أه��ل ل��ذلك؛ ف��وفقهم الله تعالى لإلسالم فاتخذه الله خليال لذلك. ويقال: لما دخلت عليه المالئكة بشبه اآلدميين وجاء بعجل سمين فلم يأكلوا منه وق��الوا: إن��ا ال نأك��ل ش��يئا

بغير ثمن فقال لهم: أعطوا ثمنه وكلوا، قالوا: وما ثمن��ه ؟ ق��ال: أن تقول��وا في أوله باسم الله وفي آخره الحمد لله، فقالوا فيما بينهم: حق على الل��ه أن يتخذه خليال؛ فاتخذه الله خليال. وروى جابر بن عبدالله عن رس��ول الل��ه صلى الل��ه علي��ه وس��لم ق��ال: )اتخ��ذ الل��ه إب��راهيم خليال إلطعام��ه الطع��ام وإفشائه السالم وصالته بالليل والناس نيام (. وروى عبدالل��ه بن عم��رو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليال ( ؟ قال: إلطعامه الطعام يا محمد. وقيل: معنى الخليل ال��ذي ي��والي في الله ويعادي في الله. والخلة بين اآلدميين الصداقة؛ مش��تقة من تخل��ل األسراء بين المتخالين. وقيل: هي من الخلة فكل واح��د من الخليلين يس��د خلة صاحبه. وفي مصنف أبي داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ق��ال: )الرج��ل على دين خليل��ه فلينظ��ر أح��دكم من يخال��ل (. ولق��د

أحسن من قال: من لم تكن في الله خلته فخليله منه على خطر

آخر: إذا ما كنت متخذا خليال فال تثقن بكل أخي إخاء فإن خيرت بينهم فألصق بأهل العقل منهم والحياء فإن العقل ليس له إذا ما تفاضلت الفضائل من كفاء

وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه: أخالء الرجال هم كثير ولكن في البالء هم قليل فال تغررك خلة من تؤاخي فمالك عند نائبة خليل وكل أخ يقول أنا وفي ولكن ليس يفعل ما يقول سوى خل له حسب ودين فذاك لما يقول هو الفعول }ولله م��ا في الس��ماوات وم��ا في األرض وك��ان الل��ه بك��ل126*اآلية: 3*

شيء محيطا{ @قوله تعالى: "ولله ما في السماوات وما في األرض" أي ملكا واختراع��ا. والمعنى إنه اتخ��ذ إب��راهيم خليال بحس��ن طاعت��ه ال لحاجت��ه إلى مخالت��ه وال للتكثير به واالعتضاد؛ وكيف وله ما في الس��موات وم��ا في األرض ؟ وإنم��ا

أكرمه المتثاله ألمره.@قوله تعالى: "وكان الله بكل شيء محيطا "أي أحاط علمه بكل األشياء.

}ويستفتونك في النس��اء ق��ل الل��ه يف��تيكم فيهن وم��ا يتلى127*اآلية: 3* عليكم في الكت���اب في يت���امى النس���اء الالتي ال تؤت���ونهن م���ا كتب لهن وترغب��ون أن تنكح��وهن والمستض��عفين من الول��دان وأن تقوم��وا لليت��امى

بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما{ @ نزلت بسبب سؤال ق��وم من الص��حابة عن أم��ر النس��اء وأحك��امهن في الميراث وغير ذلك؛ فأمر الله نبيه عليه السالم أن يقول لهم: الل��ه يف��تيكم فيهن؛ أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه. وهذه اآلي��ة رج��وع إلى م��ا افتتحت به السورة من أمر النساء، وكان قد بقيت لهم أحكام لم يعرفوه��ا فس��ألوا فقيل لهم: إن الله يفتيكم فيهن. روى أش��هب عن مال��ك ق��ال: ك��ان الن��بي صلى الله عليه وسلم يسأل فال يجيب حتى ي�نزل علي�ه ال�وحي، وذل�ك في كتاب الله "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن". "ويس��ألونك عن

[.219[. و"يسألونك عن الخمر والميسر "]البقرة: 220اليتامى" ]البقرة: [. 105"ويسألونك عن الجبال" ]طه:

@قوله تعالى: "وما يتلى عليكم" "ما" في موضع رف��ع، عط��ف على اس��م الله تعالى. والمعنى: والقرآن يفتيكم فيهن، وهو قوله: "فانكحوا م��ا ط��اب

[ وقد تقدم. 3لكم من النساء" ]النساء: وقوله تعالى: "وترغبون أن تنكح��وهن "أي وترغب��ون عن أن تنكح��وهن، ثم ح��ذفت "عن". وقي��ل: وترغب��ون في أن تنكح��وهن ثم ح��ذفت "في". ق��ال سعيد بن جبير ومجاهد: ويرغب في نكاحها وإذا كانت كثيرة المال. وحديث عائشة يقوي ح��ذف "عن "ف��إن في ح��ديثها: وترغب��ون أن تنكح��وهن رغب��ة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليل��ة الم��ال والجم��ال؛

وقد تقدم أول السورة. }وإن ام�رأة خ�افت من بعله�ا نش�وزا أو إعراض�ا فال جن��اح128*اآلية: 3*

عليهما أن يصلحا بينهما ص�لحا والص�لح خ�ير وأحض��رت األنفس الش�ح وإنتحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا{

@قوله تعالى: "وإن امرأة "رفع بإضمار فع�ل يفس�ره م�ا بع�ده. و"خ�افت "بمعنى توقعت. وقول من قال: خافت تيقنت خطأ. ق��ال الزج��اج: المع��نى وإن امرأة. خافت من بعلها دوام النشوز. قال النحاس: الفرق بين النش��وز واإلعراض أن النشوز التباعد، واإلعراض أال يكلمه��ا وال ي��أنس به��ا. ون��زلت اآلية بسبب سودة بنت زمعة. روى الترمذي عن ابن عب��اس ق��ال: خش��يت سودة أن يطلقها رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم فق��الت: ال تطلق��ني وأمسكني، وأجعل يومي منك لعائشة؛ ففعل فنزلت: "فال جناح عليهم��ا أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير "فما اصطلحا عليه من ش��يء فه��و ج��ائز، قال: هذا حديث حسن غريب. وروى ابن عيينة عن الزه��ري عن س��عيد بن المسيب أن رافع بن خديج كانت تحته خولة بنة محم��د بن مس��لمة، فك��ره من أمرها إما كبرا وإما غيره، فأراد أن يطلقها فقالت: ال تطلق��ني واقس��م لي ما ش��ئت؛ فج��رت الس��نة ب��ذلك ف��نزلت "وإن ام��رأة خ��افت من بعله��ا نشوزا أو إعراضا". وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنه��ا "وإن ام��رأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا" قالت: الرجل تكون عن��ده الم��رأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من ش��أني في ح��ل؛ ف��نزلت هذه اآلية. وقراءة العامة "أن يصالحا". وق�رأ أك�ثر الكوف�يين "أن يص��لحا".

وقرأ الجحدري وعثمان البتي "أن يصلحا "والمعنى يصطلحا ثم أدغم. @ في هذه اآلية من الفقه الرد على الرعن الجهال الذين يرون أن الرجل إذا أخذ شباب المرأة وأسنت ال ينبغي أن يتب��دل به��ا. ق��ال ابن أبي مليك��ة: إن س��ودة بنت زمع��ة لم��ا أس��نت أراد الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم أن يطلقها، فآثرت الكون معه، فق��الت ل��ه: أمس��كني وأجع��ل ي��ومي لعائش��ة؛

ففعل صلى الله عليه وسلم، وماتت وهي من أزواجه. قلت: وكذلك فعلت بنت محمد بن مسلمة؛ روى مالك عن ابن شهاب

عن رافع بن خديج أنه تزوج بنت محمد بن مسلمة األنصارية، فكانت عن��ده حتى كبرت، فتزوج عليها فتاة شابة، فآثر الش��ابة عليه��ا، فناش��دته الطالق، فطلقها واحدة، ثم أهملها حتى إذا كانت تحل راجعها، ثم عاد ف��آثر الش��ابة عليه��ا فناش��دته الطالق فطلقه��ا واح��دة، ثم راجعه��ا ف��آثر الش��ابة عليه��ا فناشدته الطالق فقال: ما شئت إنما بقيت واح��دة، ف��إن ش��ئت اس��تقررت على ما ترين من األثرة، وإن شئت فارقتك. قالت: بل أستقر على األث��رة. فأمسكها على ذلك؛ ولم ير رافع علي��ه إثم��ا حين ق��رت عن��ده على األث��رة.

رواه معمر عن الزهري بلفظه ومعناه وزاد: ف��ذلك الص��لح ال�ذي بلغن��ا أن��ه نزل فيه "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فال جناح عليهم��ا أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير". ق��ال أب��و عم��ر بن عب��دالبر: ق��ول والل��ه أعلم: "فآثر الشابة عليها "يريد في الميل بنفسه إليها والنشاط له��ا؛ ال أن��ه آثره��ا عليه��ا في مطعم وملبس وم��بيت؛ ألن ه��ذا ال ينبغي أن يظن بمث��ل رافع، والله أعلم. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال: ح��دثنا أب��و األح��وص عن سماك بن حرب عن خالد بن عرع��رة عن علي بن أبي ط��الب رض��ي الل��ه عنه أن رجال سأل عن هذه اآلية فقال: هي المرأة تكون عند الرج��ل فتنب��و عيناه عنها من دمامتها أو فقرها أو كبرها أو سوء خلقها وتكره فراقه؛ فإن وضعت له من مهرها ش��يئا ح��ل ل��ه أن يأخ��ذ وإن جعلت ل��ه من أيامه��ا فال حرج. وقال الضحاك: ال بأس أن ينقصها من حقها إذا ت��زوج من هي أش��ب منها وأعجب إليه. وقال مقات��ل بن حي��ان: ه��و الرج��ل تك��ون تحت��ه الم��رأة الكبيرة فيتزوج عليها الشابة؛ فيقول لهذه الكبيرة: أعطي��ك من م��الي على أن أقسم له��ذه الش��ابة أك��ثر مم��ا أقس��م ل��ك من اللي��ل والنه��ار؛ فترض��ى األخرى بما اصطلحا علي��ه؛ وإن أبت أال ترض�ى فعلي��ه أن يع�دل بينهم�ا في

القسم @ قال علماؤنا: وفي هذا أن أنواع الصلح كلها مباحة في هذه النازلة؛ ب��أن يعطي الزوج على أن تصبر هي، أو تعطي هي على أن يؤثر الزوج، أو على أن ي��ؤثر ويتمس��ك بالعص��مة، أو يق��ع الص��لح على الص��بر واألث��رة من غ��ير عطاء؛ فهذا كله مب�اح. وق�د يج��وز أن تص��الح إح�داهن ص�احبتها عن يومه�ا بشيء تعطيها، كم��ا فع��ل أزواج الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم؛ وذل��ك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غضب على صفية، فق��الت لعائش��ة: أصلحي بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وهبت يومي لك. ذكره ابن خويز منداد في أحكامه عن عائشة قالت: وجد رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم على ص��فية في ش��يء؛ فق��الت لي ص��فية: ه��ل ل��ك أن ترضين رسول الله صلى الله عليه وسلم عني ولك يومي ؟ قالت: فلبست خمارا كان عندي مصبوغا بزعف��ران ونض��حته، ثم جئت فجلس��ت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إلي��ك ع��ني فإن��ه ليس بيوم��ك (. فقلت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؛ وأخبرته الخبر، فرض��ي عنه��ا. وفي��ه أن ترك التسوية بين النساء وتفض��يل بعض��هن على بعض ال يج��وز إال ب��إذن

المفضولة ورضاها. @ ق��رأ الكوفي��ون "يص��لحا". والب��اقون "أن يص��الحا". الجح��دري "يص��لحا" فمن قرأ "يصالحا "فوجهه أن المعروف في كالم العرب إذا ك��ان بين ق��وم تشاجر أن يقال: تصالح الق��وم، وال يق��ال: أص��لح الق��وم ؟ ول�و ك��ان أص��لح لكان مصدره إصالحا. ومن قرأ "يصلحا "فق��د اس��تعمل مثل��ه في التش��اجر والتنازع؛ كما قال "فاصلح بينهم". ونصب قوله: "صلحا" على هذه الق��راءة على أنه مفعول، وهو اسم مثل العطاء من أعطيت. فأصلحت ص��لحا مث��ل أصلحت أمرا؛ وكذلك هو مفعول أيض��ا على ق��راءة من ق��رأ "يص��الحا "ألن تفاعل قد جاء متعديا؛ ويحتمل أن يكون مص�درا ح�ذفت زوائ�ده. ومن ق�رأ "يصلحا "فاألصل "يص��تلح "ثم ص��ار إلى يص��طلحا، ثم أب��دلت الط��اء ص��ادا

وأدغمت فيها الصاد؛ ولم تبدل الصاد طاء لما فيها من امتداد الزفير.

@قوله تعالى: "والصلح خير" لفظ عام مطلق يقتضي أن الص��لح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخالف خير على اإلطالق. وي��دخل في هذا المعنى جميع ما يقع عليه الصلح بين الرجل وامرأت��ه في م��ال أو وطء أو غ��ير ذل��ك. "خ��ير "أي خ��ير من الفرق��ة؛ ف��إن التم��ادي على الخالف والشحناء والمباغضة هي قواع��د الش��ر، وق��ال علي��ه الس��الم في البغض��ة:

)إنها الحالقة ( يعني حالقة الدين ال حالقة الشعر. @قوله تعالى: "وأحضرت األنفس الشح "إخب��ار ب��أن الش��ح في ك��ل أح��د. وأن اإلنسان ال بد أن يشح بحكم خلقت��ه وجبلت��ه ح��تى يحم��ل ص��احبه على بعض ما يكره؛ يقال: شح يشح )بكس��ر الش��ين ( ق��ال ابن جب��ير: ه��و ش��ح المرأة بالنفقة من زوجها وبقسمه لها أيامها. وقال ابن زيد: الشح هنا من��ه ومنه��ا. وق��ال ابن عطي��ة: وه��ذا أحس��ن؛ ف��إن الغ��الب على الم��رأة الش��ح بنصيبها من زوجها، والغالب على الزوج الشح بنص��يبه من الش��ابة. والش��ح الض��بط على المعتق��دات واإلرادة وفي الهمم واألم��وال ونح��و ذل��ك، فم��ا أفرط منه على الدين فهو محم��ود، وم��ا أف��رط من��ه في غ��يره ففي��ه بعض المذم��ة، وه��و ال��ذي ق��ال الل��ه في��ه: "ومن ي��وق ش��ح نفس��ه فأولئ��ك هم

[. وما صار إلى حيز منع الحقوق الشرعية أو ال��تي16المفلحون" ]التغابن: تقتضيها المروءة فهو البخ��ل وهي رذيل��ة. وإذا آل البخ��ل إلى ه��ذه األخالق

المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير مرجو وال صالح مأمول. قلت: وقد روي أن النبي صلى الله علي��ه وس��لم ق��ال لألنص��ار: )من

سيدكم ( ؟ قالوا: الجد بن قيس على بخل فيه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: )وأي داء أدوى من البخ��ل ( ! ق��الوا: وكي��ف ذاك ي��ا رس��ول الل��ه ؟ قال: )إن قوم��ا نزل��وا بس��احل البح��ر فكره��وا لبخلهم ن��زول األض��ياف بهم فقالوا ليبعد الرجال منا عن النساء ح��تى يعت��ذر الرج��ال بالرج��ال والنس��اء

بالنساء (. وقد تقدم، ذكره الماوردي. @قوله تعالى: "وإن تحسنوا وتتق�وا "ش��رط "ف�إن الل��ه ك�ان بم��ا تعمل��ون خبيرا "جوابه. وهذا خطاب لألزواج من حيث إن للزوج أن يشح وال يحسن؛ أي إن تحس��نوا وتتق��وا في عش��رة النس��اء بإق��امتكم عليهن م��ع ك��راهيتكم

لصحبتهن واتقاء ظلمهن فهو أفضل لكم. }ولن تس��تطيعوا أن تع��دلوا بين النس��اء ول��و حرص��تم فال129*اآلي��ة: 3*

تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورارحيما{

@قول��ه تع��الى: "ولن تس��تطيعوا أن تع��دلوا بين النس��اء ول��و حرص��تم فال تميلوا ك��ل المي��ل" أخ��بر تع��الى بنفي االس��تطاعة في الع��دل بين النس��اء، وذلك في مي��ل الطب��ع بالمحب��ة والجم��اع والح��ظ من القلب. فوص��ف الل��ه تعالى حالة البش��ر وأنهم بحكم الخلق��ة ال يملك��ون مي��ل قل��وبهم إلى بعض دون بعض؛ ولهذا ك�ان علي�ه الس�الم يق�ول: )اللهم إن ه�ذه قس�متي فيم�ا أملك فال تلمني فيما تملك وال أملك(. ثم نهى فقال: "فال تميلوا كل الميل" قال مجاهد: ال تتعمدوا اإلساءة بل الزموا التسوية في القسم والنفقة؛ ألن هذا مما يستطاع. وسيأتي بيان هذا في "األحزاب" مبس��وطا إن ش��اء الل��ه تعالى. وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهي��ك عن أبي هري��رة قال: قال رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم: )من ك��انت ل��ه امرأت��ان فلم

يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل (.

@قوله تعالى: "فت��ذروها كالمعلق��ة" أي ال هي مطلق��ة وال ذات زوج؛ قال��ه الحسن. وهذا تشبيه بالشيء المعلق من شيء؛ ألنه ال على األرض اس��تقر وال على ما علق عليه انحم��ل؛ وه��ذا مط��رد في ق��ولهم في المث��ل: "ارض من المركب بالتعليق". وفي عرف النحويين فمن تعلي�ق الفع�ل. ومن�ه في ح��ديث أم زرع في ق��ول الم��رأة: زوجي العش��نق، إن أنط��ق أطل��ق، وإن أس���كت أعل���ق. وق���ال قت���ادة: كالمس���جونة؛ وك���ذا ق���رأ أبي "فت���ذروها كالمسجونة". وقرأ ابن مسعود "فتذروها كأنها معلقة". وموضع "فت��ذروها"

نصب؛ ألنه جواب النهي. والكاف في "كالمعلقة" في موضع نصب أيضا. -�� 130*اآليات: 3* }وإن يتفرقا يغن الل��ه كال من س��عته وك��ان الل��ه132

واسعا حكيما، ولله م��ا في الس��ماوات وم��ا في األرض ولق��د وص��ينا ال��ذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الل��ه وإن تكف��روا ف��إن لل��ه م��ا في السماوات وما في األرض وكان الله غني��ا حمي��دا، ولل��ه م��ا في الس��ماوات

وما في األرض وكفى بالله وكيال{ @قوله تعالى: "وإن يتفرقا يغن الله كال من سعته "أي وإن لم يصطلحا بل تفرقا فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوس��ع عليه��ا. وروي عن جعف��ر بن محم��د أن رجال ش��كا إلي��ه الفق��ر، فأمره بالنكاح، فذهب الرجل وتزوج؛ ثم جاء إليه وشكا إليه الفق��ر، ف��أمره بالطالق؛ فسئل عن هذه اآلية فقال: أمرته بالنكاح لعله من أهل هذه اآلية: "إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فض��له" فلم��ا لم يكن من أه��ل تل��ك اآلي��ة أمرته بالطالق فقلت: فلعله من أهل ه��ذه اآلي��ة "وإن يتفرق��ا يغن الل��ه كال

من سعته". @قول��ه تع��الى: "ولق��د وص��ينا ال��ذين أوت��وا الكت��اب من قبلكم "أي األم��ر بالتقوى كان عاما لجميع األمم: وق��د مض��ى الق��ول في التق��وى. "وإي��اكم" عطف على "الذين". "أن اتقوا الله" في موض��ع نص��ب؛ ق��ال األخفش: أي بأن اتقوا الله. وقال بعض الع��ارفين: ه��ذه اآلي��ة هي رحى أي الق��رآن، ألن

جميعه يدور عليها. @قوله تع��الى: "وإن تكف��روا ف��إن لل��ه م��ا في الس��ماوات وم��ا في األرض وكان الله غنيا حميدا، ولله م��ا في الس��ماوات وم��ا في األرض وكفى بالل��ه وكيال" إن قال قائل: ما فائدة هذا التكرير ؟ فعنه جوابان: أحدهما: أنه كرر تأكيدا؛ ليتنبه العباد وينظروا ما في ملكوته وملكه وأنه غ��ني عن الع��المين. الجواب الثاني: أنه كرر لفوائد: فأخبر في األول أن الله تعالى يغني كال من سعته؛ ألن له ما في السموات وم��ا في األرض فال تنف��د خزائن��ه. ثم ق��ال: أوصيناكم وأهل الكتاب ب��التقوى "وإن تكف��روا "أي وإن تكف��روا فإن��ه غ��ني عنكم؛ ألن له ما في السموات وما في األرض. ثم أعلم في الثالث بحف��ظ خلقه وتدبيره إياهم بقوله: "وكفى بالله وكيال "ألن له ما في السموات وما في األرض. وقال: "م��ا في الس��موات" ولم يق��ل من في الس��موات؛ ألن��ه

ذهب به مذهب الجنس، وفي السموات واألرض من يعقل ومن ال يعقل. }إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت ب��آخرين وك�ان الل��ه على133*اآلية: 3*

ذلك قديرا{ @قول��ه تع��الى: "إن يش��أ ي��ذهبكم "يع��ني ب��الموت "أيه��ا الن��اس "يري��د المشركين والمنافقين "ويأت بآخرين "يعني بغيركم. ولما نزلت ه��ذه اآلي��ة ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهر سلمان وقال: )هم قوم

هذا (. وقيل: اآلية عامة، أي وإن تكف��روا ي��ذهبكم وي��أت بخل��ق أط��وع لل��ه منكم. وهذا كما قال في آية أخرى: "وإن تتولوا يستبدل قوما غ��يركم ثم ال

[. وفي اآلية تخويف وتنبيه لجميع من كانت ل��ه38يكونوا أمثالكم" ]محمد: والية وإمارة ورياسة فال يعدل في رعيته، أو كان عالما فال يعمل بعلم��ه وال ينصح الناس، أن يذهبه ويأتي بغيره." وكان الله على ذلك ق��ديرا "والق��درة ص��فة أزلي��ة، ال تتن��اهى مقدورات��ه، كم��ا ال تتن��اهى معلومات��ه، والماض��ي والمستقبل في صفاته بمعنى واحد، وإنما خص الماضي بال��ذكر لئال يت��وهم أنه يحدث في ذاته وصفاته. والقدرة هي ال��تي يك��ون به��ا الفع��ل وال يج��وز

وجود العجز معها. }من كان يريد ثواب الدنيا فعند الل��ه ث��واب ال��دنيا واآلخ��رة134*اآلية: 3*

وكان الله سميعا بصيرا{ @ أي من عمل بم��ا افترض��ه الل��ه علي��ه طلب��ا لآلخ��رة أت��اه الل��ه ذل��ك في اآلخرة، ومن عمل طلب��ا لل��دنيا أت��اه بم��ا كتب ل��ه في ال��دنيا وليس ل��ه في اآلخرة من ثواب؛ ألنه عمل لغير الله كما قال تعالى: "وم��ا ل��ه في اآلخ��رة

[. وق��ال تع��الى: "أولئ��ك ال��ذين ليس لهم في20من نص��يب "]الش��ورى: [. وهذا على أن يك��ون الم��راد باآلي��ة المن��افقون16اآلخرة إال النار" ]هود:

والكف��ار، وه��و اختي��ار الط��بري. وروي أن المش��ركين ك��انوا ال يؤمن��ون بالقيامة، وإنم��ا. يتقرب��ون إلى الل��ه تع��الى ليوس��ع عليهم في ال��دنيا ويرف��ع عنهم مكروهها؛ فأنزل الله عز وجل "من كان يريد ثواب ال��دنيا فعن��د الل��ه ثواب الدنيا واآلخرة وكان الله سميعا بصيرا "أي يسمع ما يقولون��ه ويبص��ر

ما يسرونه. }يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لل��ه ول��و135*اآلية: 3*

على أنفسكم أو الوالدين واألقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالل��ه أولى بهم��ا فال تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله ك�ان بم��ا تعمل��ون

خبيرا{ @قوله تعالى: "كون��وا ق��وامين ""ق��وامين "بن��اء مبالغ��ة، أي ليتك��رر منكم القيام بالقسط، وهو الع��دل في ش��هادتكم على أنفس��كم، وش��هادة الم��رء على نفسه إقراره بالحقوق عليها. ثم ذكر الوال��دين لوج��وب برهم��ا وعظم قدرهما، ثم ثنى باألقربين إذ هم مظنة المودة والتعصب؛ فكان األجنبي من الناس أحرى أن يقام عليه بالقسط ويشهد عليه، فجاء الكالم في الس��ورة

في حفظ حقوق الخلق في األموال. @ ال خالف بين أهل العلم في صحة أحك��ام ه�ذه اآلي�ة، وأن ش�هادة الول�د على الوالدين األب واألم ماضية، وال يمنع ذلك من برهما، بل من برهما أن يشهد عليهما ويخلصهما من الباطل، وهو معنى قوله تعالى: "قوا أنفس��كم

[ فإن شهد لهما أو شهدا له وهي: 6وأهليكم نارا "]التحريم: فقد اختلف فيها قديما وحديثا؛ فقال ابن شهاب الزهري: كان من مضى

من السلف الصالح يجيزون شهادة الوالدين واألخ، ويتأولون في ذلك ق��ول الله تعالى: "كون��وا ق��وامين بالقس��ط ش��هداء لل��ه "فلم يكن أح��د يتهم في ذلك من السلف الصالح رض��وان الل��ه عليهم. ثم ظه��رت من الن��اس أم��ور حملت الوالة على اتهامهم، ف��تركت ش��هادة من يتهم، وص��ار ذل�ك ال يج��وز في الول��د والوال��د واألخ وال��زوج والزوج��ة، وه��و م��ذهب الحس��ن والنخعي والشعبي وشريح ومالك والث��وري والش��افعي وابن حنب��ل. وق��د أج��از ق��وم

ش��هادة بعض��هم لبعض إذا ك��انوا ع��دوال. وروي عن عم��ر بن الخط��اب أن��ه أج��ازه؛ وك��ذلك روي عن عم��ر بن عب��دالعزيز، وب��ه ق��ال إس��حاق والث��وري والم��زني. وم��ذهب مال��ك ج��واز ش��هادة األخ ألخي��ه إذا ك��ان ع��دال إال في النسب. وروى عنه ابن وهب أنها ال تجوز إذا ك��ان في عيال��ه أو في نص��يب من مال يرث��ه. وق��ال مال��ك وأب��و حنيف��ة: ش��هادة ال��زوج لزوجت��ه ال تقب��ل؛ لتواصل منافع األمالك بينهما وهي مح��ل الش�هادة. وق�ال الش�افعي: تج�وز شهادة الزوجين بعضهما لبعض؛ ألنهما أجنبيان، وإنما بينهم��ا عق��د الزوجي��ة وه��و مع��رض لل��زوال. واألص��ل قب��ول الش��هادة إال حيث خص فيم��ا ع��دا المخصوص فبقي على األصل؛ وهذا ضعيف؛ ف��إن الزوجي��ة ت��وجب الحن��ان والمواصلة واأللفة والمحبة، فالتهمة قوية ظ��اهرة. وق��د روى أب��و داود من حديث سليمان بن موسى عمرو بن ش��عيب عن أبي��ه عن ج��ده أن رس��ول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم رد ش��هادة الخ��ائن والخائن��ة وذي الغم��ر على أخيه، ورد شهادة القانع أله��ل ال��بيت وأجازه��ا لغ��يرهم. ق��ال الخط��ابي: ذو الغمر الذي بينه وبين المش��هود علي��ه ع�داوة ظ��اهرة، ف�ترد ش��هادته علي��ه للتهمة. وقال أبو حنيفة: شهادته على العدو مقبولة إذا ك��ان ع��دال. والق��انع السائل والمستطعم، وأصل القنوع السؤال. ويقال في القانع: إنه المنقطع إلى الق��وم يخ��دمهم ويك��ون في ح��وائجهم؛ وذل��ك مث��ل األج��ير أو الوكي��ل ونحوه. ومعنى رد ه��ذه الش��هادة التهم��ة في ج��ر المنفع��ة إلى نفس��ه؛ ألن القانع ألهل البيت ينتفع بما يص�ير إليهم من نف�ع. وك�ل من ج�ر إلى نفس�ه بش��هادته نفع��ا فش��هادته م��ردودة؛ كمن ش��هد لرج��ل على ش��راء دار ه��و شفيعها، أو كمن حكم له على رجل بدين وهو مفلس، فشهد المفلس على رجل بدين ونحوه. قال الخطابي: ومن رد شهادة القانع ألهل البيت بس��بب جر المنفعة فقياس قوله أن يرد شهادة الزوج لزوجت��ه؛ ألن م��ا بينهم��ا من التهمة في جر المنفعة أكثر؛ وإلى هذا ذهب أبو حنيفة. والحديث حجة على من أجاز شهادة األب البنه؛ ألنه يجر به النفع لما جبل عليه من حبه والميل إليه؛ وألن�ه يمتل�ك مال�ه، وق�د ق�ال ص�لى الل�ه علي�ه وس��لم: )أنت ومال�ك

ألبيك (. وممن ترد شهادته عند مالك البدوي على القروي؛ قال: إال أن يك��ون

في بادية أو قرية، فأما الذي يشهد في الحضر بدويا وي��دع جيرت��ه من أه��ل الحضر عندي مريب. وق��د روى أب��و داود وال��دارقطني عن أبي هري��رة أن��ه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )ال تجوز ش��هادة ب��دوي على صاحب قرية (. قال محمد بن عبدالحكم: تأول مالك ه��ذا الح��ديث على أن المراد به الشهادة في الحقوق واألموال، وال ترد الش��هادة في ال��دماء وم��ا في معناها مما يطلب به الخلق. وقال عامة أهل العلم: شهادة الب��دوي إذا كان عدال يقيم الشهادة على وجهها جائزة؛ والله أعلم. وق��د مض��ى الق��ول

في هذا في "البقرة"، ويأتي في "براءة "تمامها إن شاء الله تعالى. @قوله تعالى: "شهداء لله "نصب على النعت ل� "قوامين"، وإن شئت كان خبرا بعد خبر. قال النحاس: وأجود من هذين أن يكون نصبا على الحال بما في "قوامين "من ذكر الذين آمنوا؛ ألن��ه نفس المع��نى، أي كون��وا ق��وامين بالعدل عند شهادتكم. قال ابن عطية: والحال فيه ضعيفة في المعنى؛ ألنها تخصيص القيام بالقسط إلى معنى الش��هادة فق��ط. ولم ينص��رف "ش��هداء

"ألن فيه ألف التأنيث.

قوله تعالى: "لله "معناه لذات الله ولوجهه ولمرضاته وثوابه. "ولو على أنفسكم أو الوالدين واألقربين "متعلق ب� "شهداء "؛ هذا ه��و الظ��اهر ال��ذي فسر عليه الناس، وإن هذه الشهادة الم�ذكورة هي في الحق��وق فيق��ر به��ا ألهلها، فذلك قيامه بالشهادة على نفس��ه؛ كم��ا تق��دم. أدب الل��ه ج�ل وع�ز المؤم��نين به��ذا؛ كم��ا ق��ال ابن عب��اس: أم��روا أن يقول��وا الح��ق ول��و على أنفس��هم. ويحتم��ل أن يك��ون قول��ه: "ش��هداء لل��ه "معن��اه بالوحداني��ة لل��ه،

ويتعلق قوله: "ولو على أنفسكم "ب "قوامين "والتأويل األول أبين. @قوله تعالى: "إن يكن غنيا أو فقيرا فالل��ه أولى بهم��ا" في الكالم إض��مار وهو اسم كان؛ أي إن يكن الط��الب أو المش�هود غني��ا فال ي�راعى لغن��اه وال يخاف منه، وإن يكن فقيرا فال يراعى إشفاقا عليه. "فالل��ه أولى بهم��ا "أي فيما اختار لهما من فقر وغنى. قال السدي: اختصم إلى الن��بي ص��لى الل��ه عليه وسلم غني وفقير، فكان ض��لعه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم م��ع الفق��ير،

ورأى أن الفقير ال يظلم الغني؛ فنزلت اآلية. @قوله تعالى: "فالله أولى بهما "إنما قال "بهما "ولم يقل "به "وإن ك��انت "أو "إنما ت��دل على الحص��ول الواح��د؛ ألن المع��نى فالل��ه أولى بك��ل واح��د منهما. وق��ال األخفش: تك��ون "أو" بمع��نى ال��واو؛ أي إن يكن غني��ا وفق��يرا فالله أولى بالخصمين كيفما كانا؛ وفيه ضعف. وقيل: إنما قال: "بهما" ألن��ه قد تق��دم ذكرهم��ا؛ كم��ا ق��ال تع��الى: "ول��ه أخ أو أخت فلك��ل واح��د منهم��ا

[. 12السدس"]النساء: @قوله تعالى: "فال تتبعوا الهوى" نهي، فإن اتب��اع اله��وى م��رد، أي مهل��ك؛ قال الل��ه تع��الى: "ف��احكم بين الن��اس ب��الحق وال تتب��ع اله��وى فيض��لك عن

[ فاتباع الهوى يحمل على الشهادة بغير الح��ق، وعلى26سبيل الله "]ص: الجور في الحكم، إلى غير ذلك. وق�ال الش�عبي: أخ�ذ الل��ه ع�ز وج�ل على الحك��ام ثالث��ة أش��ياء: أال يتبع��وا اله��وى، وأال يخش��وا الن��اس ويخش��وه، وأال

يشتروا بآياته ثمنا قليال. "أن تعدلوا "في موضع نصب. @قوله تعالى: "وإن تلووا أو تعرض��وا" ق��رئ "وإن تل��ووا "من ل��ويت فالن��ا حقه ليا إذا دفعته به، والفعل منه "ل��وى "واألص��ل في��ه "ل��وى "قلبت الي��اء ألفا لحركتها وحركة ما قبلها، والمصدر "ليا "واألص��ل لوي��ا، وليان��ا واألص��ل لويان��ا، ثم أدغمت ال��واو في الي��اء. وق��ال القت��بي: "تل��ووا "من اللي في الشهادة والميل إلى أحد الخصمين. وقرأ ابن عامر والكوفي��ون "تل��وا "أراد قمتم باألمر وأعرضتم، من قولك: وليت األم�ر، فيك�ون في الكالم. الت�وبيخ لإلعراض عن القيام باألمر وقيل: إن معنى "تلوا "اإلعراض. فالقراءة بضم الالم تفيد معنيين: الوالية واإلعراض، والق��راءة ب��واوين تفي��د مع��نى واح��دا وهو اإلعراض. وزعم بعض النح��ويين أن من ق��رأ "تل��وا "فق�د لحن؛ ألن��ه ال معنى للوالية ههنا. قال النحاس وغيره: وليس يلزم هذا ولكن تك��ون "تل��وا "بمعنى "تلووا "وذلك أن أصله "تلووا" فاستثقلت الضمة على الواو بع��دها واو أخ��رى. ف��ألقيت الحرك��ة على الالم وح��ذفت إح��دى ال��واوين اللتق��اء الساكنين؛ وهي كالقراءة بإسكان الالم وواوين؛ ذكره مكي. وقال الزج��اج: المعنى على قراءته "وإن تلووا "ثم همز ال��واو األولى فص��ارت "تل��ؤوا "ثم خففت الهمزة بإلق��اء حركته��ا على الالم فص��ارت "تل��وا "وأص��لها "تل��ووا". فتتف�ق القراءت�ان على ه�ذا التق�دير. وذك�ره النح��اس ومكي وابن الع�ربي وغيرهم. ق��ال ابن عب��اس: ه��و في الخص��مين يجلس��ان بين ي��دي القاض��ي

فيكون لي القاضي وإعراضه ألحدهما على اآلخ��ر؛ ف��اللي على ه��ذا مط��ل الكالم وجره حتى يفوت فصل القضاء وإنف��اذه لل��ذي يمي��ل القاض��ي إلي��ه. قال ابن عطية: وق��د ش��اهدت بعض القض��اة يفعل��ون ذل��ك، والل��ه حس��يب الكل. وقال ابن عباس أيضا والسدي وابن زيد والضحاك ومجاه��د: هي في الشهود يلوي الشاهد الش��هادة بلس��انه ويحرفه��ا فال يق��ول الح��ق فيه��ا، أو يعرض عن أداء الحق فيها. ولفظ اآلية يعم القضاء والشهادة، وك��ل إنس��ان مأمور بأن يعدل. وفي الحديث: )لي الواجد يح��ل عرض��ه وعقوبت��ه (. ق��ال

ابن األعرابي: عقوبته حبسه، وعرضه شكايته. وقد استدل بعض العلماء في رد شهادة العبد بهذه اآلية؛ فقال: جع��ل الل��ه تعالى الحاكم شاهدا في هذه اآلية، وذلك أدل دليل على أن العبد ليس من أهل الش��هادة؛ ألن المقص��ود من��ه االس��تقالل به��ذا المهم إذا دعت الحاج��ة

إليه، وال يتأتى ذلك من العبد أصال فلذلك ردت الشهادة. }يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب ال�ذي ن�زل136*اآلية: 3*

على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكف��ر بالل��ه ومالئكت��ه وكتب��هورسله واليوم اآلخر فقد ضل ضالال بعيدا{

@قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا آمنوا" اآلية. نزلت في جمي��ع المؤم��نين؛ والمعنى: يا أيها الذين صدقوا أقيموا على تصديقكم وأثبتوا عليه. "والكتاب الذي نزل على رسوله "أي القرآن. "والكتاب الذي أنزل من قبل" أي ك��ل كتاب أنزل على النب��يين. وق��رأ ابن كث��ير وأب��و عم��رو وابن ع��امر "ن��زل "و "أنزل "بالضم. الباقون "ن��زل "و "أن��زل "ب��الفتح. وقي��ل: ن��زلت فيمن آمن بمن تقدم محمدا صلى الله عليه وسلم من األنبي��اء عليهم الس��الم. وقي��ل: إنه خطاب للمنافقين؛ والمعنى على ه�ذا ي��ا أيه�ا ال�ذين آمن�وا في الظ�اهر أخلصوا لله. وقيل: المراد المشركون؛ والمعنى يا أيها ال��ذين آمن��وا ب��الالت

والعزى والطاغوت آمنوا بالله؛ أي صدقوا بالله وبكتبه. }إن ال��ذين آمن��وا ثم كف��روا ثم آمن��وا ثم كف��روا ثم ازدادوا137*اآلية: 3*

كفرا لم يكن الله ليغفر لهم وال ليهديهم سبيال{ @ قيل: المعنى آمن��وا بموس��ى وكف��روا بعزي�ر، ثم آمن��وا بعزي��ر ثم كف�روا بعيسى، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الل��ه علي��ه وس��لم. وقي��ل: إن ال��ذين آمن��وا بموس��ى ثم آمن��وا بعزي��ر، ثم كف��روا بع��د عزي��ر بالمس��يح، وكف��رت النصارى بما جاء به موسى وآمنوا بعيس�ى، ثم ازدادوا كف�را بمحم��د ص�لى الله عليه وسلم وما جاء به من القرآن. فإن قي��ل: إن الل��ه تع��الى ال يغف��ر شيئا من الكفر فكيف قال: "إن الذين آمن��وا ثم كف��روا ثم ازدادوا كف��را لم يكن الله ليغفر لهم "فالجواب أن الكافر إذا آمن غفر له كف��ره، ف��إذا رج��ع فكفر لم يغفر له الكفر األول؛ وهذا كما جاء في صحيح مسلم عن عبدالله قال: قال أناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رس��ول الل��ه أنؤاخ��ذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال: )أما من أحسن منكم في اإلسالم فال يؤاخ��ذ بها ومن أساء أخذ بعمله في الجاهلي��ة واإلس��الم(. وفي رواي��ة )ومن أس��اء في اإلسالم أخذ باألول واآلخر (. اإلساءة هنا بمع��نى الكف��ر؛ إذ ال يص��ح أن يراد بههنا ارتكاب سيئة، فإنه يلزم عليه أال يهدم اإلسالم م��ا س��بق قبل��ه إال لمن يعصم من جميع السيئات إال حين موته، وذلك باطل باإلجماع. ومعنى: "ثم ازدادوا كفرا "أصروا على الكفر. "لم يكن الله ليغف��ر لهم وال ليه��ديهم سبيال "ليرشدهم. "سبيال" طريق��ا إلى الجن��ة. وقي��ل: ال يخص��هم ب��التوفيق

يخص أولياءه. وفي هذه اآلية رد على أهل القدر؛ فإن الله تعالى بين أنه ال يهدي الكافرين طريق خير ليعلم العبد أن��ه إنم��ا ين��ال اله��دى بالل��ه تع��الى، ويحرم الهدى بإرادة الله تعالى أيضا. وتضمنت اآلي��ة أيض��ا حكم المرت��دين، وقد مضى القول فيهم في "البقرة "عن��د قول��ه تع��الى: "ومن يرت��دد منكم

[.217عن دينه فيمت وهو كافر "]البقرة: }بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما{138*اآلية: 3*

@ التبشير اإلخبار بما ظهر أثره على البشرة، وقد تقدم بيانه في "البق��رة"ومعنى النفاق.

}الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغ��ون139*اآلية: 3*عندهم العزة فإن العزة لله جميعا{

@قوله تعالى: "الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤم��نين ""ال�ذين "نعت للمنافقين. وفي هذا دليل على أن من عم��ل معص��ية من الموح��دين ليس بمنافق؛ ألنه ال يتولى الكفار. وتضمنت المنع من م��واالة الك��افر، وأن يتخ��ذوا أعوان��ا على األعم��ال المتعلق��ة بال��دين. وفي الص��حيح عن عائش��ة رضي الله عنها أن رجال من المشركين لحق بالنبي صلى الله علي��ه وس��لم يقاتل معه، فقال له: )ارجع فإنا ال نس��تعين بمش��رك(. "الع�زة" أي الغلب��ة، عزه يعزه عزا إذا غلبه. "فإن العزة لله جميعا "أي الغلبة والقوة لل��ه. ق��ال

ابن عباس: "أيبتغون عندهم "يريد بني قينقاع، فإن ابن أبي كان يواليهم. }وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات141 -� 140*اآليتان: 3*

الله يكفر بها ويستهزأ بها فال تقعدوا معهم حتى يخوض��وا في ح��ديث غ��يره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميع��ا، ال��ذين يتربص��ون بكم ف��إن ك��ان لكم فتح من الل��ه ق��الوا ألم نكن معكم وإن ك��ان للك��افرين نص��يب ق��الوا ألم نس��تحوذ عليكم ونمنعكم من المؤم��نين فالل��ه

يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيال{ @قوله تعالى: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكف��ر بها ويستهزأ بها" الخطاب لجميع من أظهر اإليمان من محق ومن��افق؛ ألن��ه إذا أظهر اإليم�ان فق�د لزم��ه أن يمتث��ل أوام�ر كت��اب الل��ه. ف�المنزل قول��ه تعالى: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتن��ا ف��أعرض عنهم ح��تى يخوض��وا

[. وكان المنافقين يجلسون إلى أحبار اليهود68في حديث غيره "]األنعام: فيسخرون من القرآن. وقرأ عاصم ويعقوب "وقد نزل "بفتح النون والزاي وش��دها؛ لتق�دم اس��م الل��ه ج�ل جالل�ه في قول�ه تع�الى: "ف��إن الع�زة لل��ه جميعا". وقرأ حميد كذلك، إال أنه خفف الزاي. الباقون "نزل "غ��ير مس�مى الفاعل. "أن إذا س�معتم آي�ات الل�ه "موض�ع "أن إذا س�معتم "على ق�راءة عاصم ويعقوب نصب بوقوع الفعل عليه. وفي قراءة الب��اقين رف��ع؛ لكون��ه اسم ما لم يسم فاعله. "يكفر بها "أي إذا سمعتم الكفر واالستهزاء بآي��ات الله؛ فأوقع السماع على اآلي��ات، والم��راد س��ماع الكف��ر واالس��تهزاء؛ كم��ا

تقول: سمعت عبدالله يالم، أي سمعت اللوم في عبدالله. @قوله تعالى: "فال تقعدوا معهم حتى يخوض��وا في ح�ديث غ��يره" أي غ��ير الكفر. "إنكم إذا مثلهم "فدل بهذا على وجوب اجتن��اب أص��حاب المعاص��ي إذا ظهر منهم منكر؛ ألن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرض��ا ب��الكفر كف��ر؛ ق��ال الل��ه ع��ز وج��ل: "إنكم إذا مثلهم". فك��ل من جلس في مجلس معص��ية ولم ينك��ر عليهم يك��ون معهم في ال��وزر س��واء، وينبغي أن ينك��ر

عليهم إذا تكلموا بالمعص��ية وعمل�وا به�ا؛ ف�إن لم يق�در على النك��ير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى ال يكون من أهل هذه اآلية. وقد روي عن عم��ر بن عبدالعزيز رضى الله عنه أنه أخذ قوما يش��ربون الخم��ر، فقي��ل ل��ه عن أحد الحاضرين: إن��ه ص��ائم، فحم��ل علي��ه األدب وق��رأ ه��ذه اآلي��ة "إنكم إذا مثلهم "أي إن الرض��ا بالمعص��ية معص��ية؛ وله��ذا يؤاخ��ذ الفاع��ل والراض��ي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا ب��أجمعهم. وه��ذه المماثل��ة ليس��ت في جمي��ع

الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة؛ كما قال: فكل قرين بالمقارن يقتدي

وقد تقدم. وإذا ثبت تجنب أصحاب المعاص��ي كم��ا بين��ا فتجنب أه��ل الب��دع واألهواء أولى. وقال الكلبي: قوله تعالى: "فال تقعدوا معهم ح��تى يخوض��وا في حديث غيره "نسخ بقوله تعالى: "وما على ال��ذين يتق��ون من حس��ابهم

[. وق��ال عام��ة. المفس��رين: هي محكم��ة. وروى69من ش��يء "]األنع��ام: جويبر عن الضحاك قال: دخل في هذه اآلية ك�ل مح��دث في ال�دين مبت�دع

إلى يوم القيامة. @قوله تعالى: "إن الله جامع المنافقين" األصل "ج��امع" ب��التنوين فح��ذف استخفافا؛ فإنه بمعنى يجمع." ال��ذين يتربص��ون بكم "يع��ني المن��افقين، أي ينتظرون بكم الدوائر. "فإن ك��ان لكم فتح من الل��ه "أي غلب��ة على اليه��ود وغنيم���ة. "ق���الوا ألم نكن معكم "أي أعطون���ا من الغنيم���ة. "وإن ك���ان للكافرين نصيب" أي ظفر. "قالوا ألم نستحوذ عليكم "أي ألم نغلب عليكم حتى هابكم المسلمون وخذلناهم عنكم. يق��ال: اس��تحوذ على ك��ذا أي غلب

[. وقيل:19عليه؛ ومنه قوله تعالى: "استحوذ عليهم الشيطان "]المجادلة: أصل االستحواذ الحوط؛ حاذه يحوذه حوذا إذا حاطه. وهذا الفعل ج��اء على األصل، ولو أعل لكان ألم نس��تحذ، والفع��ل على اإلعالل اس��تحاذ يس��تحيذ، وعلى غير اإلعالل استحوذ يستحوذ. "ونمنعكم من المؤم��نين "أي بتخ��ذيلنا إي��اهم عنكم، وتفريقن��ا إي��اهم مم��ا يريدون��ه منكم. واآلي��ة ت��دل على أن المنافقين كانوا يخرجون في الغزوات مع المسلمين وله��ذا ق��الوا: ألم نكن معكم ؟ وتدل على أنهم كانوا ال يعطونهم الغنيمة ولهذا طلبوها وقالوا: ألم نكن معكم ! ويحتم��ل أن يري��دوا بق��ولهم "ألم نكن معكم "االمتن��ان على

المسلمين. أي كنا نعلمكم بأخبارهم وكنا أنصارا لكم. @قوله تعالى: "ولن يجعل الل��ه للك��افرين على المؤم��نين س��بيال "للعلم��اء

فيه تأويالت خمس: أحدها: ما روي عن يس��يع الحض��رمي ق��ال: كنت عن��د علي بن أبي ط��الب رضي الله عنه فقال ل��ه رج�ل ي��ا أم��ير المؤم��نين، أرأيت ق��ول الل��ه: "ولن يجع��ل الل��ه للك��افرين على المؤم��نين س��بيال "كي��ف ذل��ك، وهم يقاتلونن��ا ويظهرون علينا أحيانا ! فقال علي رضي الله عنه: معنى ذلك ي��وم القيام��ة يوم الحكم. وكذا قال ابن عباس: ذاك يوم القيامة. قال ابن عطي��ة: وبه��ذا قال جميع أهل التأويل. قال ابن العربي: وهذا ض�عيف: لع��دم فائ��دة الخ��بر فيه، وإن أوهم ص��در الكالم معن��اه؛ لقول��ه تع��الى: "فلل��ه يحكم بينكم ي��وم القيامة" فأخر الحكم إلى ي�وم القيام�ة. وجع�ل األم�ر في ال�دنيا دوال تغلب الكفار تارة وتغلب أخرى؛ بما رأى من الحكمة وسبق من الكلمة. ثم ق��ال: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيال" فت��وهم من ت��وهم أن آخ��ر

الكالم يرجع إلى أوله، وذلك يسقط فائدته، إذ يكون تكرارا.

الثاني: إن الله ال يجعل لهم سبيال يمح��و ب��ه دول��ة المؤم��نين، وي��ذهب آثارهم ويستبيح بيضتهم؛ كما جاء في صحيح مس��لم من ح��ديث ثوب��ان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )وإني سألت ربي أال يهلكه��ا بس��نة عام��ة وأال يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه ال يرد وإني قد أعطيت��ك ألمت��ك أال أهلكهم بسنة عامة وأال أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ول��و اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعض��ا ويس��بي بعض��هم

بعضا (. الثالث: إن الله سبحانه ال يجعل للكافرين على المؤمنين سبيال منه إال

أن يتواصوا بالباط��ل وال يتن��اهوا عن المنك��ر ويتقاع��دوا عن التوب��ة فيك��ون تسليط العدو من قبلهم؛ كما ق��ال تع��الى: "وم��ا أص��ابكم من مص��يبة فبم��ا

[. قال ابن العربي: وهذا نفيس جدا. 30كسبت أيديكم "]الشورى: قلت: ويدل عليه قوله علي�ه الس��الم في ح�ديث ثوب�ان )ح�تى يك��ون

بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا ( وذلك أن "حتى "غاي��ة؛ فيقتض��ي ظاهر الكالم أنه ال يسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إال إذا كان منهم إهالك بعض��هم لبعض، وس��بي بعض��هم لبعض، وق��د وج��د ذل��ك في ه��ذه األزم��ان بالفتن الواقعة بين المسلمين؛ فغلظت شوكة الكافرين واستولوا على بالد المسلمين حتى لم يبق من اإلسالم إال أقله؛ فنسأل الله أن يتداركنا بعفوه

ونصره ولطفه. الرابع: إن الله سبحانه ال يجعل للكافرين على المؤمنين سبيال ش��رعا؛

فإن وجد فبخالف الشرع. الخامس: "ولن يجعل الله للك��افرين على المؤم��نين س��بيال "أي حج��ة

عقلية وال شرعيه يستظهرون بها إال أبطلها ودحضت. @ ابن العربي: ونزع علماؤن��ا به��ذه اآلي��ة في االحتج��اج على أن الك��افر ال يملك العبد المس��لم. وب��ه ق��ال أش��هب والش��افعي: ألن الل��ه س��بحانه نفى السبيل للكافر عليه، والملك بالشراء سبيل، فال يشرع له وال ينعق��د العق��د بذلك. وقال ابن القاسم عن مالك، وه��و ق��ول أبي حنيف��ة: إن مع��نى "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيال "في دوام الملك؛ ألنا نجد االبتداء يكون له عليه وذلك باإلرث. وصورته أن يسلم عبد كافر في يد كافر فيلزم القضاء عليه ببيعه، فقب��ل الحكم علي��ه ببيع��ه م��ات، ف��يرث العب��د المس��لم وارث الكافر. فهده سبيل قد ثبت قهرا ال قصد فيه، وإن ملك الش��راء ثبت بقصد النية، فقد أراد الكافر تملكه باختي��اره، ف��إن حكم بعق��د بيع��ه وثب��وت ملكه فقد حقق فيه قصده، وجعل له سبيل عليه. قال أبو عمر: وقد أجم��ع المسلمون على أن عتق النصراني أو اليهودي لعبده المس��لم ص��حيح ناف��ذ عليه. وأجمعوا أنه إذا أسلم عبدالكافر فبيع عليه أن ثمنه ي��دفع إلي��ه. ف��دل على أنه على ملكه بيع وعلى ملكه ثبت العتق له، إال أنه ملك غ��ير مس��تقر لوجوب بيعه عليه؛ وذلك والله أعلم لقول الله عز وج��ل: "ولن يجع��ل الل��ه للكافرين على المؤمنين س��بيال "يري��د االس��ترقاق والمل��ك والعبودي��ة ملك��ا

مستقرا دائما. واختلف العلماء في شراء العبد الك��افر العب��د المس��لم على ق��ولين:

أحدهما: البيع مفسوخ. والثاني: البيع صحيح ويباع على المشتري.

@ واختلف العلماء أيض��ا من ه��ذا الب��اب في رج��ل نص��راني دب��ر عب��دا ل��ه نصرانيا فأسلم العبد؛ فقال مالك والشافعي في أحد قوليه: يحال بينه وبين العبد، ويخارج على سيده النصراني، وال يباع عليه ح��تى يت��بين أم��ره. ف��إن هلك النصراني وعليه دين قضي دين��ه من ثمن العب��د الم��دبر، إال أن يك��ون في ماله ما يحمل المدبر فيعتق المدبر. وقال الشافعي في الق��ول اآلخ��ر: إنه يباع عليه ساعة أسلم؛ واختاره المزني؛ ألن المدبر وصية وال يجوز ترك مسلم في ملك مشرك يذله ويخارجه، وقد صار باإلس��الم ع��دوا ل��ه. وق��ال الليث بن س��عد: يب��اع النص��راني من مس��لم فيعتق��ه، ويك��ون والؤه لل��ذي اشتراه وأعتقه، ويدفع إلى النصراني ثمن��ه. وق��ال س��فيان والكوفي��ون: إذا أسلم مدبر النصراني قوم قيمته فيسعى في قيمت�ه، ف�إن م�ات النص�راني

قبل أن يفرغ المدبر من سعايته عتق العبد وبطلت السعاية. }إن المنافقين يخادعون الله وه�و خ�ادعهم وإذا ق�اموا إلى142*اآلية: 3*

الصالة قاموا كسالى يراؤون الناس وال يذكرون الله إال قليال{ @قوله تعالى: "إن المنافقين يخادعون الله وه��و خ��ادعهم" ق��د مض��ى في "البقرة "معنى الخدع. والخ��داع من الل��ه مج��ازاتهم على خ��داعهم أولي��اءه ورسله. قال الحسن: يعطى كل إنسان من مؤمن ومنافق نور يوم القيامة فيفرج المنافقون ويظنون أنهم قد نجوا؛ فإذا جاؤوا إلى الصراط طفئ نور

[. 13كل منافق، فذلك قولهم: "انظرونا نقتبس من نوركم "]الحديد: @قوله تعالى: "وإذا قاموا إلى الصالة ق��اموا كس��الى" أي يص��لون م��راءاة وهم متكاسلون متثاقلون، ال يرجون ثواب��ا وال يعتق��دون تركه��ا عقاب��ا. وفي ص�حيح الح�ديث: )إن أثق�ل ص�الة على المن�افقين العتم�ة والص�بح (. ف�إن العتمة تأتي وقد أتعبهم عمل النهار فيثقل عليهم القيام إليها، وصالة الصبح

تأتي والنوم أحب إليهم من مفروح به، ولوال السيف ما قاموا. والرياء: إظهار الجميل ليراه الناس، ال التباع أمر الله؛ وقد تقدم بيانه.

ثم وصفهم بقلة الذكر عند المراءاة وعند الخ��وف. وق��ال ص��لى الل��ه علي��ه وسلم ذاما لمن أخر الصالة: )تلك صالة المن��افقين - ثالث��ا - يجلس أح��دهم ي��رقب الش��مس ح��تى إذا ك��انت بين ق��رني الش��يطان - أو - على ق��رني الشيطان قام فنقر أربع��ا ال ي��ذكر الل��ه فيه��ا إال قليال ( رواه مال��ك وغ��يره. فقيل: وصفهم بقلة الذكر ألنهم ك��انوا ال ي��ذكرون الل��ه بق��راءة وال تس��بيح، وإنما كانوا يذكرونه بالتكبير. وقيل: وصفه بالقل��ة ألن الل��ه تع��الى ال يقبل��ه.

وقيل: لعدم اإلخالص فيه. وهنا مسألتان: األولى: بين الله تعالى في هذه اآلية صالة المنافقين، وبينه��ا رس��وله

محمد صلى الله عليه وسلم؛ فمن صلى كصالتهم وذكر كذكرهم لح��ق بهم في عدم القبول، وخرج من مقتضى قوله تعالى: "قد أفلح المؤمنون الذين

[. وس��يأتي اللهم إال أن يك��ون ل��ه1هم في صالتهم خاشعون "]المؤمنون: عذر فيقتصر على الفرض حسب ما علمه الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم. لألع��رابي حين رآه أخ��ل بالص��الة فق��ال ل��ه: )إذا قمت إلى الص��الة فأس��بغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم أقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم أرك��ع ح��تى تطمئن راكعا ثم أرفع حتى تعتدل قائما ثم أس��جد ح��تى تطمئن س��اجدا ثم أرفع ح��تى تطمئن جالس��ا ثم أفع��ل ذل��ك في ص��التك كله��ا (. رواه األئم��ة. وقال صلى الله عليه وسلم: )ال صالة لمن لم يقرأ بأم الق��رآن(. وق��ال: )ال تجزئ صالة ال يقيم الرجل فيها صلبه. الركوع والسجود(. أخرج��ه الترم��ذي

وقال: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عن��د أه��ل العلم من أص��حاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، ي��رون أن يقيم الرج��ل ص��لبه في الركوع والسجود. ق��ال الش��افعي وأحم��د وإس��حاق: من ال يقيم ص��لبه في الركوع والسجود فصالته فاس��دة؛ لح��ديث الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: )تجزئ صالة ال يقيم الرج��ل فيه��ا ص��لبه في الرك��وع والس��جود(. ق��ال ابن العربي: وذهب ابن القاسم وأب�و حنيف�ة إلى أن الطمأنين��ة ليس�ت بف�رض. وهي رواية عراقية ال ينبغي ألحد من المالكيين أن يشتغل به��ا. وق��د مض��ى

في "البقرة "هذا المعنى. الثاني��ة: ق�ال ابن الع�ربي: إن من ص�الة ليراه��ا الن�اس ويرون�ه فيه�ا

فيشهدون له باإليمان، أو أراد طلب المنزلة والظهور لقبول الشهادة ج��واز اإلمامة فليس ذلك بالرياء المنهي عنه، ولم يكن علي��ه ح��رج؛ وإنم��ا الري��اء المعصية أن يظهرها صيدا للن��اس وطريق�ا إلى األك�ل، فه�ذه ني��ة ال تج��زئ

وعليه اإلعادة. قلت: قوله "وأراد طلب المنزلة والظهور لقبول الشهادة "فيه نظ��ر.

وقد تقدم بيانه في "النساء" فتأمله هناك. ودلت هذه اآلي��ة على أن الري��اء يدخل الفرض والنف��ل؛ لق��ول الل��ه تع��الى: "وإذا ق��اموا إلى الص��الة ق��اموا "فعم. وقال قوم: إنما يدخل النفل خاص��ة؛ ألن الف��رض واجب على جمي��ع الناس والنفل عرضة لذلك. وقي��ل ب��العكس؛ ألن��ه ل��و لم ي��أت بالنواف��ل لم

يؤاخذ بها. }مذبذبين بين ذلك ال إلى ه�ؤالء وال إلى ه�ؤالء ومن يض��لل143*اآلية: 3*

الله فلن تجد له سبيال{ @ المذب��ذب: الم��تردد بين أم��رين؛ والذبذب��ة االض��طراب. يق��ال: ذبذبت��ه

فتذبذب؛ ومنه قول النابغة: ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب

آخر: خيال ألم السلسبيل ودونها مسيرة شهر للبريد المذبذب

كذا روي بكسر الذال الثانية. قال ابن جني: أي المهتز القلق ال��ذي ال يثبت وال يتمه��ل. فه��ؤالء المن��افقون م��ترددون بين المؤم��نين والمش��ركين، ال مخلصين اإليمان وال مصرحين بالكفر. وفي ص��حيح مس��لم من ح��ديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: )مثل المنافق كمث��ل الش��اة الع��ائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه أخ��رى ( وفي رواي��ة )تك��ر( ب��دل )تعير(. وقرأ الجمهور "مذبذبين" بضم الميم وفتح الذالين. وقرأ ابن عباس بكسر الذال الثانية. وفي حرف أبي "متذبذبين". ويجوز اإلدغ��ام على ه��ذه الق��راءة "مذب��ذبين" بتش��ديد ال��ذال األولى وكس��ر الثاني��ة. وعن الحس��ن

"مذبذبين" بفتح الميم والذالين. }ي��ا أيه��ا ال��ذين آمن��وا ال تتخ��ذوا الك��افرين أولي��اء من دون144*اآلية: 3*

المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا{ @قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا الكافرين أولياء" مفع��والن؛ أي ال تجعلوا خاصتكم وبطانتكم منهم؛ وق��د تق��دم ه��ذا المع��نى. "أتري��دون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا" أي في تعذيبه إياكم بإقامت��ه حجت��ه عليكم

إذ قد نهاكم.

}إن المنافقين في الدرك األس��فل من الن��ار ولن تج��د لهم145*اآلية: 3*نصيرا{

@قول��ه تع��الى: "في ال��درك". ق��رأ الكوفي��ون "ال��درك" بإس��كان ال��راء، واألولى أفص��ح؛ ألن��ه يق��ال في الجم��ع: أدراك مث��ل جم��ل وأجم��ال؛ ق��ال النحاس. وقال أبو علي: هما لغتان كالشمع والشمع ونحوه، والجمع أدراك. وقيل: جمع الدرك أدرك؛ كفلس وأفلس. والنار دركات س��بعة؛ أي طبق��ات ومنازل؛ إال أن استعمال العرب لكل ما تسافل أدراك. يق��ال: للب��ئر أدراك، ولما تعالى درج؛ فللجنة درج، وللنار أدراك. وقد تق��دم ه��ذا. فالمن��افق في الدرك األسفل وهي الهاوي��ة؛ لغل��ظ كف��ره وك��ثرة غوائل��ه وتمكن��ه من أذى المؤمنين. وأعلى الدركات جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم الس��عير ثم س��قر ثم الجحيم ثم الهاوية؛ وقد يسمى جميعها باسم الطبقة األولى، أعاذنا الل��ه من ع��ذابها بمن��ه وكرم��ه. وعن ابن مس��عود في تأوي��ل قول��ه تع��الى: "في الدرك األسفل من الن��ار" ق��ال: ت��وابيت من حدي��د مقفل��ة في الن��ار تقف��ل عليهم. وقال ابن عمر: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثالثة: المن��افقون، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرع��ون؛ تص��ديق ذل��ك في كت��اب الل��ه تعالى، قال الله تعالى: "إن المنافقين في الدرك األسفل من النار". وق��ال تعالى أصحاب المائدة: "ف��إني أعذب��ه ع��ذابا ال أعذب��ه أح��دا من الع��المين"

[. وقال في آل فرعون: "أدخلوا آل فرع��ون أش��د الع��ذاب"115]المائدة: [.46]غافر:

}إال الذين تابوا وأص��لحوا واعتص��موا بالل��ه وأخلص��وا دينهم146*اآلية: 3*لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما{

@ استثناء ممن نافق. ومن شرط التائب. من النف��اق أن يص��لح في قول��ه وفعله، ويعتصم بالله أي يجعله ملجأ ومعاذا، ويخلص دين��ه لل��ه؛ كم��ا نص��ت عليه. هذه اآلية؛ وإال فليس بتائب؛ ولهذا أوقع أجر المؤمنين في التس��ويف النضمام المنافقين إليهم. والله أعلم. روى البخ��اري عن األس��ود ق��ال: كن��ا في حلقة عبدالله فجاء حذيفة ح��تى ق��ام علين��ا فس��لم ثم ق��ال: لق��د ن��زل النفاق على قوم خ��ير منكم، ق��ال األس��ود: س��بحان الل��ه ! إن الل��ه تع��الى يقول: "إن المنافقين في الدرك األسفل من النار". فتبسم عبدالله وجلس حذيفة في ناحية المسجد؛ فقام عبدالله فتفرق أص��حابه فرم��اني بالحص��ى فأتيته. فق��ال حذيف��ة: عجبت من ض��حكه وق��د ع��رف م��ا قلت: لق��د أن��زل النفاق على قوم كانوا خيرا منكم ثم تابوا فتاب الل��ه عليهم. وق�ال الف�راء: معنى "فأولئ��ك م��ع المؤم��نين" أي من المؤم��نين. وق��ال القت��بي: ح��اد عن كالمهم غضبا عليهم فقال: "فأولئك مع المؤمنين" ولم يقل: هم المؤمنون. وح��ذفت الي��اء من "ي��ؤت" في الخ��ط كم��ا ح��ذفت في اللف��ظ؛ لس��كونها

[ و"س��ندع الزباني��ة"41وسكون الالم بعدها، ومثله "يوم يناد المنادي" ]ق: [ ح��ذفت ال��واوات اللتق��اء6[ و"ي��وم ي��دع ال��داعي" ]القم��ر: 18]العل��ق: الساكنين.

}ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا147*اآلية: 3*عليما{

@ استفهام بمعنى التقرير للمنافقين. التق�دير: أي منفع�ة ل�ه في ع�ذابكم إن شكرتم وآمنتم؛ فنبه تعالى أن��ه ال يع��ذب الش��اكر الم��ؤمن، وأن تعذيب��ه عباده ال يزيد في ملكه، وتركه عقوبتهم على فعلهم ال ينقص من س��لطانه.

وق��ال مكح��ول: أرب��ع من كن في��ه كن ل��ه، وثالث من كن في��ه كن علي��ه؛ فاألربع الالتي له: فالشكر واإليمان والدعاء واالس��تغفار، ق��ال الل��ه تع��الى: "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم" وقال الله تعالى: "وما كان الل��ه

[33ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله مع�ذبهم وهم يس��تغفرون" ]األنف��ال: [. وأم�ا77وقال تع�الى: "ق�ل م�ا يعب�أ بكم ربي ل�وال دع�اؤكم" ]الفرق�ان:

الثالث الالتي عليه: ف��المكر والبغي والنكث؛ ق��ال الل��ه تع��الى: "فمن نكث [. وق��ال تع��الى: "وال يحي��ق المك��ر10فإنم��ا ينكث على نفس��ه" ]الفتح:

[ وق��ال تع��الى: "إنم��ا بغيكم على أنفس��كم"43السيئ إال بأهل��ه" ]ف��اطر: [. "وك��ان الل��ه ش�اكرا عليم��ا" أي يش��كر عب��اده على طاعت�ه.23]ي��ونس:

ومع��نى "يش��كرهم" ي��ثيبهم؛ فيتقب��ل العم��ل القلي��ل ويعطي علي��ه الث��واب الجزيل، وذلك شكر من�ه على عبادت�ه. والش�كر في اللغ�ة الظه�ور، يق�ال: دابة شكور إذا أظهرت من السمن فوق م��ا تعطى من العل��ف، وق��د تق��دم هذا المعنى مستوفى. والعرب تقول في المث��ل: "أش��كر من بروق�ة" ألنه�ا

يقال: تخضر وتنضر بظل السحاب دون مطر. والله أعلم.