طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

ـ١ـ :حين جاءهم به السلكاوى، قدمه قائال

سعيد مباهى، زميل جديد، سوف يعمل مساعدا لى ـ

.بجهاز السيد رئيس مجلس إدارة المؤسسة

:قال الثالثة فى نفس واحد

.ـ بال مكتب، وبال قرار تعيين

:ساخرا أسرع السلكاوى بالرد

ـ بالقطع بال مكتب، وبال تعيين، وهل عينت أنا بعد

بـارك اهللا فـيكم، !!.. أن خدمت عهدين من قيادات الشركة؟

!. فأنتم أهل الثقة والتعيين

:ثم استطرد قائال فى لهجة يشوبها التحذير

فقط كل ما أطلبه، أن تتسـلموا منـه الرسـائل ـ

.م الخاصة بالرئيس، لتوصلوها بال تدخل منك

وما إن انتهى السلكاوى من كالمـه، حتـى جـذب

مباهى من ذراعه منصرفا، فأوشك أن يوقعه علـى األرض

الزلقة من كثرة التنظيف، فلقد كان مباهى يقـف مشـدوها،

كانـت الجذبـة مستغرقا فى مراقبة ما يحدث حوله، ولهـذا

كالصفعة المدوية فى إفاقته، فانطلق خلف سلكاوى خارجا من

ضخمة الفخمة، إلى البهو الكبير، وهو يتلفت حوله، الحجرة ال

يتطلع

إلى كل شىء فى نهم من يريد أن يطبع صورة كـل

شىء فى ذاكرته، وإن مأله إحساس بأنه داخل فخ لن يغادره

.يدخله مرة أخرى أبدا، وعاهد نفسه على أن ال

كان السلكاوى كلما مر بجماعة من الحـراس أو ..

وكان السلكاوى يرد عليهم بأحسن مما الخدم حيوه فى مودة،

حيوه به، كان واضحا للمباهى أن السلكاوى يحظـى بحـب

البسطاء من العاملين بالمؤسسة، فى حين ظهر له منذ اللحظة

األولى، مدى كره كبار العاملين لسلكاوى، من خالل كلمـات

النفاق والغمز واللمز فى ثنايا الحديث، خاصة وأن كلمـات

ى قيلت له، ال تتفق وبريق الكراهية الذى كانـت المجاملة الت

!!.تشى به العيون

ـ ٢ ـخال المكتب من سلكاوى والفتـى الجديـد، تبـادلوا

نظرات خاطفة، ثم أسرعوا فى صـمت تـاركين مكـاتبهم،

واجتمعوا فى الصالون الملحق بالمكتب، لينعقد فـى لحظـة

:مجلس الثالثة، همس أكبرهم سنا

لكبير قد طلب منه بصاصا جديد، يبدو أن الرجل ا ـ

ليحصى على رؤساء الشركات خطواتهم، وعلـى العـاملين

!!.أنفاسهم

:أضاف الخبيث مصححا يقول

أو ليكون عينا على سلكاوى نفسه، فيعرف مـدى ـ

!!.صدق أو كذب ما يكتب إليه من تقارير

ارتعد الساكت، فتح فمه ليتكلم، ولكن كبيرهم أسـكته

: وقال آمرا وهو ينهض واقفا بإشارة من يده،

.وال كلمة، نجتمع الليلة فى مكاننا المعتاد ـ

.ثم انصرف مسرعا إلى مكتبه، وهم من ورائه ..

ـ ٣ ـكان سعيد مباهى يلهث وهو يسرع مالحقا خطـوات

السلكاوى فى قفزات متعثرة، وما أن لمح سيارة السـلكاوى

مـامى، ويغلـق حتى أسرع يفتح بابها ويدلف إلى مقعدها األ

الباب من ورائه بسرعة، وأنفاسه تتابع الهثة، وهو يحـاول

جاهدا أن يسيطر عليها، غير مصدق أنه قد أفلت من قبضـة

األمن، وفخ المبنى الضخم، وعاد مرة ثانية إلـى الطريـق؛

وبعد لحظات خالها سنين، فتح السلكاوى باب السيارة، وجلس

مهتم بوجوده، لكنه استدار إلى مقعد القيادة، وانطلق بها غير

إليه فجأة غير آبه بالسيارات التى تحيطه من كـل جانـب،

:وقال فى يقين، وكأنه قد قرأ كل ما يعتمل داخل نفسه

سوف تعتاد على كل هذه الشكليات، هكذا كـان ـ

انطباعى عندما دخلت المبنى للمرة األولى، قلت إننـى لـن

..ه مرة أخرى، و أخرج منه، وإذا خرجت فلن أعود ألدخل

توقف السلكاوى عن االستطراد، والتمعت عينـاه،

وقد تركزت نظراته على السيارات التى تسبقه للحظات، ثـم

:استطرد قائال

سوف نتمكن معا من كسر طوق الشياطين مـن ـ

حول الرئيس، فهو طيب، يحب عملـه ومؤسسـته، لكـنهم

مصـالحهم مالعين يحولون بينه وبين الحقيقة، فهم يجعلون

.فوق كل المصالح

ثم ضغط السلكاوى بقدمه فى عنف علـى بـدال ..

السرعة، فانطلقت السيارة مندفعة تزمجر فـى جنـون بـين

السيارات المتالصقة تحاورهم، فيسارع سائقوها يفسحون لها

مكانا ليبتعدوا عن أذاها، وأصبح ال يسمع من حـولهم غيـر

.كلمات الغضب صرخات الفرامل، واألصوات الصاخبة ب

ـ ٤ ـفى المساء، جلسوا فى المقهـى المطـل علـى ..

المدينة من أعلى ربوة فيها، وقد تقاربت رؤوسهم، وأفـرغ

: الساكت ما ابتلعه فى المكتب، وتساءل فى قلق

ترى هل سيظل الوافد الجديد فى حدود أيدينا، أم ـ

!.سيخرج منا كما فعل السلكاوى من قبل ؟

:قال كبيرهم

لو تخلصنا من السلكاوى، سـنتمكن مـن عـدم ـ

تكرار خطأنا السابق، ونعود للسيطرة علـى التقـارير كمـا

.تعودنا، وسيكون الولد الجديد تحت ضروسنا

:قال الخبيث

.إذا علينا أن نسرع بالتخلص من السلكاوى ـ

لمعت العيون بالفرحة، وتساءل الكبير والساكت فى

:نفس واحد

!!.هذا ممكن ؟وهل ـ

:قال الخبيث

سعيد مباهى جديد، ال يعرف أصول اللعبة، هـو ـ

متوهج إلثبات ذاته، وعلينا أن نسرع بالتقرب إليه واحتوائه،

وحين نفعل ذلك، ثقوا من أنه سيصبح اليد التى نبطش بهـا

!!.بالسلكاوى، ودعوا األمر جميعه لى، أتوافقان ؟

:صاحا فى نشوة

.شك فى هذا، بالطبع نوافق وهل هناك ـ

ـ ٥ ـذكر مباهى اسمه لحارس الباب الرئيسى، طالبا اإلذن

له بالدخول لمقابلة مدير مكتب رئيس المؤسسة، رفع الحارس

سماعة الهاتف المعلق بجانبه، وأخذ يدير القرص، ثم يتحدث

فى أدب جم لمن رد عليه مبلغا طلب مباهى، بينمـا جسـد

الخوف، و حبات العرق تتساقط علـى مباهى يرتعد من شدة

وجهه، وقد راح يلوم نفسه على موافقته علـى العمـل مـع

السلكاوى، فلقد حذره شقيقه األكبر وقـال لـه إنـه طريـق

من ربوا على دين أبيهم بصـالحين محفوف بالمخاطر، وأن

لهذه األعمال، لكنه لم يستمع إليه، فهو يتعجل أن يصبح فردا

وهذا هو أرقى موقع يمكن أن يتألق من مرموقا فى المجتمع،

!. خالله، ولكن ما أبشعه طريق

انتبه على كلمات الحارس، فلم يفهم منها شـيئا، ..

وإن طمأنته االبتسامة التى ارتسـمت علـى وجهـه مكـان

:الجهامة التى قابله بها، وعندما أدرك الكلمات، كان يقول

معـك إنه المكتب الثامن على اليسار، هل أرسل ـ

!!.من يرشدك ؟

:رد مباهى مفاخرا

شكرا لقد كنت هنا أول أمس فى صحبة األسـتاذ ـ

.السلكاوى

ابتسم الحارس وهو يفسح له الطريـق لينفـذ إلـى

:الداخل، وقال

. أهال بسلكاوى بك وبضيوفه أيضا ـ

شق مباهى طريقه وسط البهو فى تردد، وقـد راح

جلس اإلدارة فجأة مـن يمنى نفسه بأن يخرج سعادة رئيس م

أحد األبواب الضخمة ذات المقابض الذهبية، فيسـرع إليـه،

تـرى : يحتضنه ويقبله، ولكن تساؤال أوقف شريط األمنيات

هل سيعرفه الرئيس، وهل حدثه السلكاوى عنه، كما ذكر له

!!. ؟

سواء عرفنى، : هز رأسه طاردا هواجسه، وتمتم ..

سده، أقبله، وأعبر له عن أم لم يعرفنى، فسوف أرتمى على ج

مشاعر الحب التى تراكمت بداخلى نتيجة ما عرفت عنه من

طيبة وكرم أخالق وتفان فى خدمة المتعاملين مع شـركات

اسمح لى أن يكون لـى شـرف : مؤسسته، وسوف أقول له

.العمل خادما مخلصا لك، ردا لبعض فضلك على الجميع

ه، أفاق على صوت خطوات تالحقه، اسـتدار وراء

أشار رجل األمن إلـى بـاب فـى وجده أحد رجال األمن،

:الخلف، ونبهه محذرا

.لقد تجاوزت باب حجرة مدير مكتب الرئيس ـ

: وضاربا بها فخذيه فى خجلن قائالاعتذر رافعا يديه

.أسف جدا، إنه االنبهار بروعة المكان ـ

:لكن الرجل لم يقبل اعتذاره، وقال متجهما

يث عهد بالمكان، ولكن التجـاوز أعرف أنك حد ـ

هنا غير مسموح به، إن كنت ضعيف الذاكرة، فاستعن بواحد

.منا يرشدك

كرر اعتذاره، واستدار عائدا، ليدق علـى خشـب

الباب بلطف، ثم يدخل وهو يتوقع أن يقابل من الموجـودين

بتجاهل، كما تنبأ السلكاوى، ولكنه فوجئ بالخبيث يبتسم وهو

:يسأله

تريد أن تسلم شيئا يخص السيد رئيس مجلس هل ـ

.اإلدارة ؟

:ابتلع مباهى المفاجأة، وتبسم فى مودة، قائال

ـ نعم، لو تكرمت، فهذه رسالة من السلكاوى بـك،

.هاك هى

تناول الخبيث المظروف المغلق بإحكام شديد، وهـو

:يقول

العفو يا سيد مباهى، إنه عملى، ونحن هنـا فـى ـ

.ئيس مجلس اإلدارة خدمة السيد ر

وحين استدار مباهى ليخرج، لحق به صوت الخبيث،

:متسائال

هل ذكر لك السلكاوى، أنه يريد تسـليم تقريـره ـ

!!.مغلقا ؟

:توقف، ورد مؤكدا فى رجاء

.لو تكرمت، فهذه هى تعليمات سيادته ـ

ثم عاود السبر، ولكن لحقت به كلمـات الخبيـث ..

:كخنجر مخترقا قلبه

وهل جاء بك السلكاوى لتعمل ساعى بريد، أيـن ـ

.تقريرك أنت

:رد ثائرا لكرامته

إن أكثر من نصف معلومات السلكاوى يسـتقيها ـ

.منى أنا

:عقب الخبيث متسائال

إذا لماذا ال تكتب ما تعرف بنفسك، حتى يتعـرف ـ

الرجل على قدراتك، أم تراك تود أن تظل متعلقا فـى ذيـل

!!.غيرك ؟

ـ ٦ ـحين سار مباهى داخل الطرقة الضخمة، عاوده نفس

الشعور الذى طارده من قبل، من كونه فى فـخ، وأنـه لـن

يخرج من هذا المبنى، وسوف يحتجز بداخله، ولـن يـرى

أوالده وال زوجته، وال أحباؤه وأهله؛ فأخذ يلوم نفسه، علـى

تورطه فى مثل هذه األمور، العنا اللحظة التى تعرف فيهـا

السلكاوى، وقد بدت له الطرقة ممتدة بـال نهايـة، وإن على

راح يطمئن نفسه بحسن استقبال الخبيث له، وهنا تراجعـت

:كل مخاوفه، وتمتم لنفسه مفاخرا

البد وأن سيادة الرئيس قد أوصاهم بى خيرا، فأنا ـ

من طبعى أن أكـون فظـا أختلف كليا عن السلكاوى، وليس

ول أسرية ضخمة، وابن رجل غليظ القلب، كما وأننى لى أص

صالح طيب، ولست نبتا شيطانيا، أفرزته عوامل اجتماعيـة،

!!. وتعقيدات استثنائية ال تخضع لقيم أو لعلم، مثل السلكاوى

استغرقته أفكاره، فلم يدر بأنه قد غادر المبنـى، ..

ويسير فى الطريق العام، إال حين اصطدم بأحد المارة، فزام

:صارخا

.مك يا أعمى أنظر أما ـ

لم يغضب، بل أسعدته الكلمات، فلقد تأكد أنـه قـد

خرج من الفخ، نادى على تاكسى، وقفـز بداخلـه، واخبـر

السائق بعنوان بيته، ثم تكوم فى المقعد الكبير يحلق فى عالم

.من الخياالت المبهجة

قبل زوجته حين صادفته فى مدخل البيت، دار على

تحى بزوجته جانبـا، وراح يقـص ولديه وابنته يقبلهم، ثم ان

عليها مباهيا؛ كيف التقى بالرئيس، وكيف تحدث إليه، وكيف

اكتشف أن الرئيس يعرف عنه كل دقائق حياته، وأنه يعرف

بعمله فى تصدير الخضر والفاكهة إلى الخارج، ويعرف حتى

بزيجاته، وكيف فشل فى زواجه األول، ونجاحه فى زواجـه

:الثانية

عرفه، وأيضا يعرف أسماء األوالد، حتى اسمك ي ـ

.رجل عظيم حقا

ثم نهض كالنائم، متجها إلى غرفته، دون أن يقـول

:لزوجته وعياله، كما اعتاد

.تصبحون على خير ـ

فلقد استغرق فى أحالمه الوردية، فها هو ذا أخيـرا

يلتقى بالرجل الذى أحبه، وها هو ذا يستطيع أن يكاتبه، بـل

إليه ليبين له الحقائق الغائبة عنه، وينقـل وأن يراه، ويجلس

إليه أفراح وأحزان المتعاملين مع شركات مؤسسته، ويكشف

له الخونة والمرتشين، فيسارع الرئيس إلى إعالنـه رئيسـا

للرقابة والمتابعة؛ وحين شعر بخدر النوم، تنهد فـى سـعادة

:قائال

.كم أنا مدين لك يا سلكاوى ـ

ـ ٧ ـ :ى معاتبا قال له السلكاو

لقد بلغنى أنك قد سلمت باألمس تقريـرا لمكتـب ـ

!! .الرئيس

:هز رأسه عاجبا، وقال

وماذا فى تسليمى تقريرا، لقد طلب منى أن أقـدم ـ

!! . معلوماتى الخاصة، ففعلت ؟

:قال السلكاوى فى غضب، وهو يستشعر الخطر

ما فى هذا يا سعيد مباهى أنك غشيم، وقد تكتـب ـ

. غضب الرجل منىما ي

..!!منك أنت، وهل أنت من كتب ؟ ـ

. نعم، ألنك محسوب على، بسيئاتك وحسناتك ـ

!.إذا، ماذا كان على أن أفعل ؟ ـ

تطلعنى على كل كلمة قبـل أن تسـلمها لمكتـب ـ

. الرجل

.لك هذا ـ

وحين انصرف السلكاوى ، وخال مباهى بنفسه، ..

ة تأكللقد بدأت الغير: قال متنهدا

.السلكاوى قلب

وحين أدار شريط الحوار مستعيدا ما حدث، انتابـه

لسلكاوى أن يتعامل معـه غضب شديد، والم نفسه ألنه سمح

بمثل هذا األسلوب، وتصاعد غضبه فلم يعد يحتمل االنتظار

. حتى يذهب إليهم

رفع سماعة الهاتف، طلب مكتب الـرئيس، ولـم ..

:ب من صوته، وهو يتساءل يستطيع أن يخفى نبرة الغض

هل من الضرورى أن أستأذن سلكاوى فيما أكتب، ـ

.!وأقرئه تقاريرى قبل أن أسلمها إلى سعادتكم ؟

: قال الخبيث، وهو يفرك يديه فى سرور

بالعكس، إن الرئيس يغضب جـدا إذا عـرف أن ـ

هناك من يقرأ الكلمات التى ترسل إليه، هات لنا بكل ما تريد

ال تهتم بذلك الحقود ، وال تخطـره بمـا تفعـل، مباشرة، و

.ومرحبا بك

:الديكتافون، واستدار قائال اغلق الخبيث بوق

هل سمعتما، لقد اشـتعلت نـار الحـرب بـين ـ

.السلكاوى وسعيد مباهى، أسرع مما كنا نتوقع

:قال الكبير

إذا نسرع بالتخلص من السلكاوى، فالرجل اصبح ـ

حتى أصبحنا محاصـرين بـه فـى كـل يثق فيه أكثر منا،

تحركاتنا، كما وأنه أصبح يتجسس علينا، واه عيون ترصـد

.زوارنا

:قال الساكت فى غضب

. أيدينا، اهللا يوقف حالهلقد عطل مصالحنا، وكبل ـ

ـ ٨ ـوقف سعيد مباهى أمام الخبيث بتقريره الجديد، قـال

:له مشيرا إلى أقرب المقاعد إليه

.أال تجلس ـ

ولما لمح الخبيث عالمات التردد على وجه مبـاهى،

:تبسم له وقال مشجعا

يا رجل لقد أصبحت واحدا منا، اجلس يا مبـاهى ـ

. بك، فأنت فى مكتبك

: هو يقول لنفسه جلس المباهى و السعادة تغمره ، و

البد و إن الرئيس زجرهم على عدم احتـرامهم لـى، فـى

وا معاملتى، فأنا شىء آخر زيارتى السابقة، وأمرهم بأن يحسن

. غير السلكاوى

: قال الخبيث وهو يرمق الساكت من طرف خفى

.كم يحبه الرئيس ويوصينا به خيراقل له يا أستاذ ـ

:قال الساكت مؤكدا

وهل يحتاج األمر إلى إيضاح، إن الرئيس دائمـا ـ

يوصينا بك خيرا، ويقول لنا افعلوا ما شئتم، ولكن ال تمسـوا

. مباهى، ال يمسه أحد فهو فى حكم أوالدىسعيد

انتفخت أوداج مباهى فخرا، وانفـرد جسـده يمـأل

:المقعد، فلقد تأكد ظنه، وقال

أسال اهللا أن يجعلنى على قدر محبة سعادته، وأن ـ

.أكون دائما فى خدمته

:قال الخبيث يستحثه

اذكر لهما ما قاله لك سلكاوى حين سلمتنا تقريرك ـ

.السابق

قص عليهم ما حدث، ثم أضاف مبالغا، فذكر لهم ..

انه ثار ومار فى وجه السلكاوى، وهدده بأوخم العواقـب إذا

:تجرا على توبيخه مرة ثانية، قال الكبير

.البد وان يحاط الرئيس بفعلة السلكاوى هذه ـ

:أكد الخبيث قائال

انه بسلوكه ذاك يريد أن يجعل من نفسـه رقيبـا ـ

. يس، وهو أكثر شىء يغضبه على الرئ

: قال الساكت

ولماذا نستغرب هذا التصرف مـن السـلكاوى، ـ

خاصة وأن مباهى بك البد وأنه يعرف

مصدره الخوف منك، فهو يعرف أنك بالقطع تـدرك

.مفاسده، واستغالله لعالقته بالسيد رئيس مجلس اإلدارة

:صاح مباهى وقد أخذته المفاجأة

ا فالمزرعة التى تملكهـا أخيـرا، يا للمصيبة، إذ ـ

..والشقة الرائعة

:اكمل الخبيث

كلها وحياتك حازها باسـتغالله السـم الرجـل ـ

.!! النظيف، لدى رؤساء الشركات

:ضرب مباهى كفا بكف، وقال

مصيبة واهللا مصيبة، وأنا مـن كنـت أظـن أن ـ

. السلكاوى هو من انظف خلق اهللا

:قال الخبيث

من فى أننا ال نستطيع أن نبلغ الرجـل الكارثة تك ـ

بكل هذه المصائب، حتى ال يظن إننا نريـد الـتخلص مـن

.!! السلكاوى

نهض مباهى منتفشا وهو يضرب علـى عضـديه،

:ويقول

إذا أعطونى مهلة أسبوعا، وسوف آتى الـرئيس ـ

بكل تجاوزات السلكاوى؛ اطمئنوا ودعوا األمر لـى، فلقـد

خطأ فى طريقه، وسـوف تكـون وضع السلكاوى الرجل ال

.نهايته على يدى هاتين

ـ ٩ ـثالث ليال متوالية لم يغمض فيها للمباهى جفن، كان

يتحرك فى دائرة السلكاوى بهمة،

يسأل بدأب كل أعدائه، حتى جمع مئـات الخطايـا

واألخطاء التى تلوثه، ثم جلس يصوغها فى تقرير مطـول،

أنه يحبه، وأنه يضـحى فلقد شعر إنها فرصته ليثبت للرئيس

بأعز األصدقاء، بل وبأستاذه السلكاوى، إذا مـا مثـل أيـة

خطورة على الرئيس، أيضا وجدها فرصة لينفرد هو بمحبة

الرئيس، والبد وأنه سيطلب لقائه فور قراءتـه لكـل تلـك

. األوراق والمستندات، لينصبه خليفة لسلكاوى

وهـو لم يطق أن ينام، حمل أوراقه وذهب إليهم، ..

يمنى النفس بان يراه الرئيس فى حال اإلرهـاق التـى هـو

ما بالك مرهـق : عليها، والبد وأن الرئيس سائله ال محالة

: هكذا يا مباهى ؟، وهنا سيرد عليه بكل مشاعره، وبال تردد

.!! العمر يهون فداءك يا رئيس

قطع الممر متباطئا، وعيناه المرهقتان تدوران فـى

وجه الرئيس الذى لم يـره سـوى فـى كل ركن باحثة عن

الصحف، وبعض اللقاءات التليفزيونية، حتـى وصـل إلـى

حجرتهم ولم يره، دخل المكتب واضعا كومة الملفات أمـام

:الخبيث، الذى استقبل ما يرى فى دهشة، قائال

!!. ما كل هذه األوراق ؟ ـ

قال مباهى ونبرة الفخر تشع من كل نغمة تصدر عن

:حنجرته

إنها تجاوزات السلكاوى، مسجلة باليوم والثانيـة، ـ

..ومدعمة بالوثائق

والتمعت نظرات الكبير فى انتصار، وهب واقفا، ..

:وقال

.واهللا انك لرجل، والرجال قليلون ـ

!! .هل سيسر الرئيس بجهدى هذا ؟ ـ

وأى سرور، اجلس يا رجل، أم ترانى ناصـحك ـ

نا، فـنحن نهـتم بسـالمتك بان تعود إلى منزلك لتنام مطمئ

الصحية كل االهتمام، وثق انك ستصحو على صوت السـيد

. الرئيس يهنئك على هذا الجهد الرائع

اخذ مباهى بالنصيحة وانصرف، فلقد كان يكـاد ..

يسقط من فرط اإلرهاق، وأسرع الساكت والخبيث يقفان عن

يسار ويمين الكبير، وراحوا جميعا يتسابقون فـى تفحـص

الصفحات التى سودها مباهى وتلخيصها، ثم حملهـا راقاألو

الكبير إلى ملف العرض، ووضعها على قمة األوراق، لتكون

: " أول ما تقع عليه عينا الرئيس، بعد إن ذيلت بكلمات تقول

هذا جهد مخلص بسيط من جهاز مكتبك ، لتظل مؤسسـتكم

أعمالها، وطهارة العاملين فيها فى ظـل محافظة على طهارة

.". !!قيادتكم النزيهة

ـ ١٠ ـلم ينم سعيد مباهى كما طلب منه الكبير، ولكنـه ..

راح يتقلب فى فراشه، وأذناه معلقتـان بصـوت الهـاتف،

منتظرا استدعاء الرئيس له، ولكن الساعات مرت والحـزن

تراكم مع صمت الهاتف، ولم يجد مباهى حال ليطرد أحزانه

وان المشاغل تحيط بـالرئيس، و غير االستسالم للنوم، فالبد

:أنه باليقين قد صدم مما عرف عن السلكاوى، تمتم مواسيا

.كان اهللا فى عونك يا رئيس ـ

كعادته كلما استيقظ من النوم، مد أصابعه يتحسس ..

أزرار المذياع المالصق لفراشه وفتحه، فوجئ بمذيع النشرة

لمال العـام، المحلية يعلن عن اكتشاف شبكة لالستيالء على ا

وأنه تقرر إحالة السلكاوى إلى النيابة بعد القبض عليه، نتيجة

.للتحريات التى تابعها مكتب رئيس مجلس إدارة المؤسسة

انتفض مذهوال مما سمع، قال لنفسه والغضب يجعله

:يرتعد بشدة

لقد نسبوا األمر جميعه ألنفسـهم، وأخفـوا عـن ـ

!! .الرئيس جهدى وعرقى

ى مالبسه، ويشق طريقه خارجـا، بـال أسرع يرتد

.تحية لزوجته وال ألبنائه

ـ ١١ ـولشدة غضبه لم يشعر أنه قد وصل إلى هدفه، وأنه

:يقف مبحلقا يصرخ فى وجه الخبيث، قائال

!! .أهكذا تبتلعون جهدى، وتسفحون دمى ؟ ـ

:قال الكبير فى دهاء

.اجلس أمامى هنا.. اهدأ يا سيد مباهى، تعال ـ

سار مستسلما، وجلس فى مواجهة الكبير وهو يفرك

:كفيه غاضبا، قال الكبير بهدوء

يا سيد سعيد، إنك جديد على مؤسستنا هذه، فهل ـ

ترانا كنا كاشفين أمرك لرؤساء الشركات بإفشاء اسمك فـى

ع يأخذون حذرهم وهـم يتعـاملون التحقيقات، فنجعل الجمي

سهل، فيتركك تهـرب وهل ترى السلكاوى صيد !!.. ؟معك

!! .. بفعلتك بال قصاص يصبه عليك وعلى أفراد أسـرتك ؟

وهل لديك من الحصانة مثلما نملك نحن، حتى تؤمن نفسـك

!! .ضد إرهاب السلكاوى وأنصاره ؟

مع تدفق الكلمات، شعر سـعيد مبـاهى بتفاهـة ..

تفكيره، وعدم تقديره لألمور، وفى المقابل رأى مدى عظمة

الرئيس، فالبد وان ما سمع من الكبير، قاله الرئيس لهم، ولم

!!.ال وهو قد أوصاهم به خيرا

:انكمش فى جلسته متضائال، وهمس لنفسه

هـذا المـدى هكذا يفكر الكبار يا مباهى، ياه إلى ـ

أال ما أحكمـك وأروعـك يـا يصل تقدير الرئيس لألمور،

.رئيس

ولم يستطع سعيد مباهى إال أن يعتذر للكبير، وهو ..

ينهض منصرفا مكررا أسفه على ما بدر منه، ولكن الكبيـر

:منعه من الخروج، قائال

انتظر يا رجل، انك ضيفنا اليوم، فالبد وأن تحتفل ـ

.ساد بإزاحة رأس الف معنا

ـ ١٢ ـمع ضوء الفجر، عاد إلى بيته ، وساقيه ال تكادان ..

تحمالنه، وجد زوجته فى انتظاره، وما أن لمحت وجهه يطل

من الباب، حتى قذفته بمسند المقعد الذى كانت تضع رأسـها

عليه، فتجنبه ليصطدم بالباب، ويسقط على األرض، صرخت

:فيه غاضبة

يالك إال مع الفجر، أصبحت ال تعود إلى بيتك وع ـ

نسيتنا، ونسيت صالتك وعبادتك، وأهملـت عملـك وأكـل

فأنا زوجة بال زوج، وأبناؤك : عيشك، لقد جنيت علينا جميعا

يبحثون عن القدوة وال يجدونها، وابنتك التـى كنـت دائـم

العطف عليها، تبحث حواليها فال تجدك، وأحاول أن أعوضها

قم ممن كان السـبب فـى عنك فال تطيق منى كلمة؛ اللهم انت

!! .ضياعنا، اللهم انتقم من السلكاوى

:تضاحك يالطفها

لقد استجابت السماء لدعائك، ألم تسـتمعى إلـى ـ

.لقد دمر السلكاوى، دمرته أنا !!.. األخبار اليوم ؟

:قالت فى غضب

إذا ما قالته زوجة السلكاوى صحيح، لقد اتصـلت ـ

هكذا يكون جزاء زوجـى أ: بى هاتفيا، صباح أمس، وقالت

أبلغى زوجك أن !!.. من زوجك، وقد فتح له أبواب الخير ؟

دوره آت، وأن السلكاوى ليس لقمة تبتلع بسهولة، ثم أغلقـت

!!.الخط فى وجهى

:تبسم ساخرا وقال

لست لصا وال مرتشيا وال سلكاويا كزوجها، حتى ـ

.يطيحوا بى مثلما فعلوا به

:قالت زوجته ساخرة ومنذرة

ال تكن واثقا هكذا، وانتبه فقد تكون قد دخلت فخا ـ

.رهيبا، أو أنك تلعب من غير أن تتقن أصول اللعبة

:قال مهونا وهو يقبلها

ال تقنطى، فالرئيس يحبنى حبـا عظيمـا، ومـن ـ

.المحال أن يسمح ألحد أن يبطش بى

:دفعته تبعده عنها، ونظرت فى وجهه بقلق، ثم قالت

!! . يقول السلكاوىوهكذا كان ـ

:احتضنها ليسكت الخوف المتنامى بداخلها، وقال

إننى أرى الرئيس كل يوم، وهـل تـرين فكـر ـ

!!.. السلكاوى االنتهازى كان يتناسب وفكر الرئيس الراقى ؟

لقد كان السلكاوى مجرد خادم، بصاص يتصـيد األخطـاء

قد للعاملين ورؤساء الشركات، وليس بصديق مثلى، فالرئيس

.جعلنى جزء من أى قرار يتخذه، فهو يستنير برأيى دائما

:قالت وقد يئست من استجابته لمخاوفها

إذا ال تنس أن عملك هذا بال مقابل، وأن إيراداتك ـ

!! .الحقيقية من مكتبك، وقد أهملته فكادت أرزاقنا تجف

همس حاسما الموقف، خاصة وقـد رأى رؤوس ..

:ائلة من وراء أبواب حجراتهم أوالده قد بدأت تطل متس

أعدك منذ اللحظة أن أنتظم فى مواعيد عـودتى ـ

.إلى البيت، وأن أعطى للمكتب من وقتى الكثير

وأسرع إلى حجرة نومه، لكنها لحقت به تسـتنفره،

: قائلة

ـ الموظفون فى مكتبك أصبحوا ينهبون كل شـىء،

تبـا وفـتح مك آخر واحد من النهابين استقال منـذ أسـبوع

.لينافسك

:قال وهو يندس فى الفراش

ـ أعدك بأنه ال تهاون منذ اللحظة، هكـذا نبهنـى

.الرئيس

ـ ١٣ ـلم يف سعيد مباهى بما عاهد زوجته عليه، فلقـد ..

ال يهتم بمكتبه، تاركـا العمـل توالت األيام والشهور، وهو

للموظفين، كما وأنه لم ينظم وقت عودته إلى البيت، فهو كما

يتسلل كل ليلة إلى فراشه فى أوقات متأخرة من الليـل، هو

حتى زوجته قد يأست من جدوى الحديث إليـه، فأصـبحت

!!.تتظاهر باالستغراق فى النوم كلما رأته

لقد ظل شغله الشاغل تقصى ما يدور وما يقـال ..

الكثيـر مـن عن مديرى الشركات، ولهـذا كـان يـدعو

تربطهم بهم صـداقات، الشخصيات المتعاملة معهم، أو ممن

يستدرجهم ويمنيهم بحسن الجزاء، حتى أصبح يعلـم الكثيـر

تحدث داخـل هـذه الشـركات، والكثير عن المخالفات التى

وبالقطع هو خاف عن رئيس المؤسسة، وإال ألطـاح بـأكثر

.رؤساء شركاتها

وتحولت تقاريره إلى الرئيس لرسـائل خاصـة، ..

لمسئولية وتشـعبها، كمـا تفيض باإلشفاق عليه من ضخامة ا

كتب إليه بال مواربة عن المديرين وتجاوزاتهم، وتصـرفهم

فى أمور الشركات التى ترأسوها وكأنه ملكية خاصة بهـم،

ولم يهتم بنصائح الناصحين من كون بعض هـؤالء الـذين

ينتقدهم أصحاب حظوة عند رئيس مجلس اإلدارة، أو عنـد

ج خوفا من رئيس قطاع أحد من أفراد أسرته، كما أنه لم يرت

األمن الذى عرف بضلوعه فى قضايا الفساد مع المـديرين،

رغم معرفته بقسوته، وخرقه لكل األعراف، وكتب كاشفا كل

!! .تجاوزاته

ولكثرة ما انشغل باله وعايش األحداث، أصبحت ..

تتمثل له فى رؤى تطارده فى صحوه ونومه، وبـدأ يسـمع

!!.خبر الرئيس بكذا أو كيت أصواتا تناديه تطالبه بأن ي

ومع مرور الشهور، ازداد تدهور أعمال سـعيد ..

مباهى، وانفض زبائن مكتبه، وانعدمت مـوارده، وأصـبح

يستدين حتى من موظفيه، لكى يسدد مصـروفات بيتـه، و

إيجار مكتبه، وهو مندفع أشد االندفاع وراء تحرياته، غيـر

من الفسـاد الـذى آبه يشىء، فلقد امتأل خوفا على الرئيس

يحاصره كالسوار من كل جانب، حتى لقد تخيل نفسه مبعوثا

!!.من اهللا إلنقاذ هذا الرجل

ـ ١٤ ـأصبح الثالثة يجتمعون كل يوم بمكانهم المفضل، فى

المقهى المطل على مبنى المؤسسة، بعد أن كانوا يجتمعـون

مرة واحدة كل أسبوع، فلقد استهوتهم قراءة تقارير مبـاهى

ليومية، فهم يقرءونها ويضحكون ساخرين وشـامتين فـى ا

المديرين والرؤساء الغافلين عن انفضاح أمرهم، وانكشـاف

سترهم، خاصة وأن أسلوب مباهى يعج بالصور والنـداءات

الصاخبة، وكانوا يتابعون إخطار المديرين من المقربين، بما

وصلهم من نقاط التسرب، حتى يتداركوا األسباب التـى أدت

إلى تسرب أسرار شركاتهم، وهو ما زاد من تـدفق الهـدايا

والميزات المالية عليهم، مـن أولئـك العـارفين بالفضـل

وكانوا يحتفظون برسائل مبـاهى داخـل خزانـة والجميل،

وأهـوائهم، وبمـا خاصة، وال يعلمون الرئيس إال بما يتفق

!! .يضر أعدائهم

ئيس، ولقد أطلقوا على سعيد مباهى مجنـون الـر ..

ولقد كان هو كذلك حقا، أما حين يواجهونه، فكانوا يظهرون

من التملق، ويمتدحونه لغزارة معلوماتـه وتعـدد له الكثير

مصادره، وكانوا يبلغونه بأن رئيس مجلس اإلدارة أصبح ال

يعتمد إال على تقاريره، وال يسمح ألحد غيره بأن يفضـها،

:ويقول لهم

ال يطمئن لى بـال، وال أبلغوا سعيد مباهى أننى ـ

. يغمض لى جفن، إال بعد أن أقرأ ما يكتبه إلى

وذات يوم فاجأ سعيد مباهى كبيرهم، وهو يردد ..

:تلك الكلمات، وقال له

إذا كان عملى يثير اهتمام الرئيس إلى هذا الحد، ـ

!!.فلماذا لم يحدد لى موعدا للقائه حتى اآلن ؟

لـم يجـد ردا، ولكـن اربك تساؤله الكبير للحظة ف

:الخبيث أسرع ينقذ الموقف قائال

لو وافق الرجل على لقائك، النكشف أمرك عنـد ـ

أعدائه من الفاسدين، فيأخذون حذرهم منك، بـل ولـدمروك

.تدميرا، بينما الرجل يدخرك لدور عظيم

ـ ١٥ ـلم تفلح كلمات الخبيث فى تخدير مباهى، فلقد ملـىء

ئيس، فبدأ يدير تحرياتـه حـولهم، شكا فى ثالثى مكتب الر

فصدمه ما سمعه عن فسادهم، وأيقن أن رسائله السابقة كانت

ال تصل إلى الرجل كاملة، ولهذا بدأ يهتم بإحكام غلق رسائله

قبل أن يسلمها إليهم، بل وكتب إليه يحذره مـن فسـاد إدارة

!!.مكتبه

ولقد بلغهم من العاملين بمكتب مباهى، أنه يشـتد ..

انتقاده لهم أمام زواره، وأنه ال يكف عن الحـديث عمـا فى

كتب وسيكتب به إلى الرئيس حتى يستأصلهم مـن حولـه،

!!.هو الوحيد الذى يصلح ليكون بجانب الرئيس ويقول أنه

:ثار الكبير ثورة شديدة، قائال

.لقد تجاوز المجنون كل حد ـ

:قال الساكت مشفقا

ـ ـ ر، وهـو تحـت إنه مسكين يعيش فى وهم كبي

.سيطرتنا تماما

:قال الخبيث

لقد كان خطأ منا أن دمرنا السلكاوى، فلقد كـان ـ

أهون بكثير من هذا الغبى المباهى، الـذى يـدعى الشـرف

والبطولة الكاذبة، ولم يطلب لنفسه ميزة واحدة منـذ عمـل

معنا، ولم يصرف له مليما من المصروفات الخاصة، بينمـا

!!. إنه بحق لمجنون عمله قد بار، واهللا

:قال الكبير فى حسم

مجنون أو عاقل، هذا أمر ال يقدم وال يؤخر فـى ـ

.شىء، إذ يجب أن نتخلص منه، فلقد امتد خطره لمسنا نحن

:قال الخبيث فى ثقة

هذا أمر سهل، اتركوه لـى، ومـا علـيكم إال أن ـ

.تراقبوا ما سوف يحدث

:انتفض الساكت وقال فى انفعال

اهللا إن سعيد مباهى ألهون مائة مرة ممن سبقوه، و ـ

يكفى أنه يصدق أنه يكتب للرجل وليس لنا نحن، ويكفى مـا

.أجاله لنا من عيوب فى نظام السرية فى شركاتنا

:زجره الكبير قائال

أسكت إنك لمعتوه مثله، يكفى أنه فضحنا فى كل ـ

ثـل مكان، إنه غبى ال يعرف أصول اللعبة، مثله فى هـذا م

السلكاوى، ولو تركناه ليس ببعيد أن يخترق نطاقنا ليصل إلى

!!.الرجل، وحين إذ لن ينفعنا كونه عاقل أو مجنون

:رمق الخبيث الساكت بسخرية، ثم قال

دعك منه يا كبير، فصوته استشارى، ولقد وعدتك ـ

.بأننى سوف أخلصك من مباهى، وسوف أفعل

ـ ١٦ ـس قطـاع األمـن عرف الخبيث من تحريات رئـي

بالمؤسسة، أن سعيد مباهى يعانى من ضائقة مالية شـديدة،

وأنه أصبح ال يستطيع سداد ديونه، ووجد فيما عرف الطريق

إلى التخلص من مباهى، وتتابعت الخيوط تنسج الفـخ فـى

رأس الخبيث، وقرر أن يبدأ بمجرد أن يراه، ولكـن سـعيد

شديد التأنق، مباهى فاجأه حين حضر، فلقد صحب معه شابا

:قدمه إليه قائال

.السيد عارف، سيعمل معى منذ اليوم ـ

:وقبل أن يعقب الخبيث، استطرد قائال ..

أعرف الشروط، وأيضا عارف قـد اسـتوعبها، ـ

ال تعيين، ال مكتب، وهل كنت : وهو راض عنها كل الرضا

إلخـالص فـى أنا قد عينت، رغم كل هذه السنوات مـن ا

!!.؟العمل

:الخبيث وقد حانت الفرصة همس

ولكن الرجل ال ينسى فضل المخلصـين، ولـك ـ

.عندى مفاجأة، فقط ليخرج عارف

انسحب عارف من الحجرة مسرعا، وأسرع مبـاهى

:إلى الخبيث متسائال، وقلبه يكاد يحطم ضلوعه

!!.هل قرر الرئيس مقابلتى ؟ ـ

:تضاحك الخبيث ساخرا، وقال

بك، إنه أمر أعظم بكثير من أى لقاء هذا يا سعيد ـ

.أى أمر آخر

والحظ الخبيث موت الفرحة من وجه مباهى، فأسرع

:يفجر قنبلته

.إنها مكافأة ـ

عادت الفرحة تزغرد فى وجه مباهى، قـال غيـر

:مصدق

!!.مكافأة لى أنا ؟ ـ

.من الرئيس، وبالماليين ـ

!! .لى أنا ؟ ـ

فقرر أن يمنحك لقد علم الرئيس بضائقتك المالية، ـ

قطعة األرض المجاورة لشركة السـحلى، موقـع متميـز،

.ومساحة كبيرة، تزيد قيمتها على الخمسين مليونا

..لكن ـ

ال لكن، وال شكر، ألم أقل لك أن الرئيس ال ينسى ـ

.المخلصين، ولكنك ال تصبر

أعنى أنه توجد على هذه األرض الفتة تقول أنها ـ

!!.ملك لسحلى

أن وكيل مالكها هو السحلى، يا رجل هـذا تقصد ـ

أمر قديم، كان منذ أن كان السحلى رئيسا لتلك الشركة، ولكنه

رفت منها، وهى مجرد مسميات قديمة بال معنى، وإذا كانت

هناك أوراق لدى السحلى فلقد زورها أيام أن كانـت لديـه

األختام، ثم ال تنس أنها تعليمات الرئيس، وأبو سحلى رجـل

. جالنا، يؤمر فيطيع من ر

.فى هذه الحالة، أستطيع أن أنقل ملكيتها باسمى ـ

وأنصحك بأن تسرع بهذا، فأرض بال سند ملكيـة ـ

ال تساوى مليما، كما وأنك لن تستطيع بيعها، وسوف أعمـل

على مساعدتك، لكى نخرجك من حال اإلفالس التى أصبحت

.عليها

سـعيد ووجد الخبيث نفسه محاصرا داخل ذراعـى

مباهى، فلقد فاجأه بأن قفز عليه محتضنا ومقبال، وقد ارتعـد

:صوته وهو يقول

أبلغ سيادته بخالص شكرى، وبأننى سوف أبقـى ـ

.الخادم األمين

ـ ١٧ ـدخل سعيد مباهى على زوجته مهلال، وقد أمسك فى

:يده عقد تسجيل األرض، يصرخ فرحا، وقال

.؟ذا أصبحنا نملك يا أم العيال، ماتعالى، انظرى ـ

نظرت زوجته إلى الوريقات مستخفة، ثـم تسـاءلت

:قائله فى ال مباالة

بل قل أنت، أتراها رسالة جديدة، أم بـالغ عـن ـ

!!.مرتش ؟

:قال مفاخرا

بل عقد أرض منحها لى الرئيس، تقديرا لجهودى ـ

.خالصى وال

أرض، وماذا ترانا فاعلين بها، وليس بدارنا جنيه ـ

!!.؟واحد

إذا بعناها فهى تسـاوى خمسـين مليونـا مـن ـ

.الجنيهات

!!.أتقول خمسين مليونا ؟ ـ

.هكذا يكون تقدير سعيد مباهى الحقيقى ـ

.وهل تسلمت العقد من الرئيس ؟ ـ

.بل تسلمته من مكتب سيادته ـ

:قالت محذرة

أخاف أن تكون مكيدة للتخلص منك كمـا حـدث ـ

.لسلكاوى ؟

عقول أن يتصرفوا فى أمر كهذا بـال وهل من الم ـ

!!.تعليمات منه، أو أن يقولوا على لسانه دون إذن منه ؟

!!.وهل تستطيع أنت أن تقول له وقد ورطت ؟ ـ

قال المباهى، فى صراخ فأر شعر بأنه قد حوصـر،

:وأصبح قاب قوسين من القتل

بل أستطيع، نعم أستطيع، وسوف أكتب له بكل ما ـ

.جرى

:استغراب مستنكرة قالت فى

!!.ولماذا تكتب له، وأنت تقابله ؟ ـ

: أسرع متداركا زلة لسانه

.معك حق، سوف أتحدث إليه ـ

جرجر قدميه متجها إلى حجرة مكتبه، وقد ماتت ..

الفرحة أمام ما واجهته به زوجته، فلو صدقت نبوءتها لكـان

مصيره كمصير السلكاوى، والنتهى به األمر إلى السـجن،

:قال لنفسه

مصيبة يا مباهى، وأية مصـيبة، خاصـة وقـد ـ

.تورطت ووقعت على عقد التمليك

ـ ١٨ ـيقدم رجال ويؤخر األخرى، مد يده إلى " عارف"تقدم

الخبيث برسالة مباهى، فدعاه ألن يجلـس، ثـم طلـب لـه

مشروبا ساخنا، وحين انتهى من احتسـاء المشـروب كـان

!! .قريره هو اآلخر الخبيث قد طالبه بأن يقدم ت

:تساءل عارف متلعثما

!!.وهل بإمكانى أن أفعل هذا ؟ ـ

نعم، حتى يتعرف السيد الرئيس علـى جهـدك، ـ

وينظر فى أمر تقدير مكافأة لك، أم تراك ستظل تابعا لسـعيد

!!.مباهى، فتخيب خيبته ؟

قال عارف والفرحة تكاد تحمل جسده فـى الهـواء

:ليحلق طائرا كالعصفور

إذا كنت سيادتكم تأمر، فإنها لسـعادة بالغـة أن ـ

أكتب لسيادتك بكل ما أرى وأسمع، ففى الواقـع أنـتم مـن

. تقرؤون، وأنتم من تحكمون

:قال الخبيث

ولد عارف بحق، أكتب لى عن كل شىء، حتـى ـ

.عن سعيد مباهى نفسه

:قال عارف

.سيادتك تأمر وعلى الطاعة ـ

:قال الخبيث متداركا

بل األمر هنا لشخص واحد، هو السـيد رئـيس ـ

مجلس إدارة المؤسسة، ونحن جميعا فى خدمته، وأعلـم يـا

.عارف، أنه ليس كل ما يعرف يقال

ـ ١٩ ـتسلل سحلى فلم يشعر بدخوله أحد إال حـين تكلـم

:متسائال

ما هذا الذى فعله سعيد مباهى فى األرض التـى ـ

!!.وكلت عليها يا سادة ؟

:الكبير قناع الالمعرفة، قال متسائال ارتدى

!!.ماذا فعل هذا الولد المجنون ؟ ـ

:ناح سحلى، قائال فى استنكار

.لقد سجل األرض لنفسه يا كبير ـ

:صرخ الخبيث متسائال فى عجب

هذا المجنون، أال يكف عن تصرفاته الحمقاء التى ـ

.تسىء إلى المؤسسة

:ز قال سحلى متلويا من القهر والعج

!!.وماذا أستطيع أن أفعل وهو فى حمايتكم ؟ ـ

:قال الكبير

.وهل تراك تعرف عنا تجاوز للقانون ؟ ـ

:قال سحلى مؤكدا

.سنوات عدة فلم أر تجاوزا للقانونلقد عملت هنا ل ـ

ـ إذا دع القانون يأخذ مجراه، وليحصد سعيد مباهى

:فرك سحلى كفيه فى حبور قائال ,ما زرعت يداه

..إذا تسمحون لى ؟ ـ

:قال الكبير فى حزم

.ـ افعل ما شئت

انصرف سحلى وقد ملىء عزما، قال الخبيث متأففـا

:فور خروجه

كم أكره أسلوب هذا السحلى، إنه يتواجـد بيننـا ـ

.كالبالء بال مقدمات وال استئذان

:قال الكبير

ولكن له دور نحتاجه ليقوم به، ويجب أن نحتمله، ـ

.أذهبناه من قبل، نرميه خارجا ثم كما

:قال الساكت مشفقا

انه شرير وشحيح، ولن يترك لمبـاهى فرصـة ـ

.للتنفس، بعد أن اعتدى على أرضه

:قال الكبير

وهذا غاية ما نتمناه، حتى يعلم المباهى مع مـن ـ

.يلعب

:ثم أردف قائال لهما ..

يسرع باالنتهـاء مـن تابعا السحلى وحفزاه حتى ـ

.يد مباهى سع

ـ ٢٠ ـلم يتوان سحلى لحظة عن إبالغ النيابة ضـد سـعيد

مباهى العتدائه على أرض هو موكل عن مالكهـا، وأصـر

على أن يسلم بالغه يدا بيد لوكيل النيابة، وحين دخل عليـه

عرفه بنفسه، ولم يكن فى حاجة لكل ما قال، فلقد تذكر وكيل

أستاذه بالجامعة، فقـام النيابة منذ وقعت عليه عينيه، أنه كان

يبدى واجب الطاعة والعرفان، ولمـا عـرف بالموضـوع،

أسرع يصدر قرارا بسرعة القبض علـى سـعيد مبـاهى،

.ليعرض عليه محبوسا

عرف سعيد مباهى من مصادره بكل ما حـدث، ..

عند أحد أصدقائه، وانهمك فأسرع تاركا بيته ومكتبه، واختبأ

ـ رئيس مجلـس إدارة يكتب بكل الغضب القصـة كاملـة ل

المؤسسة، ويوصيه بزوجته وأوالده خيرا، بعـد أن تمكـن

.الفاسدين من اإليقاع به

ثم تحدث بعد ذلك إلى عارف، وطلب منه أن يحضر

.إلى مخبأه ليحمل رسالته إلى السيد الرئيس

ـ ٢١ ـ :قال الخبيث، وهو يتسلم الرسالة من عارف

ألخير، لقد بالقطع قد بلغك تصرف سعيد مباهى ا ـ

استغل صلته بنا وتحايل وسرق لنفسـه أرضـا هـى مـن

ممتلكات إحدى شركات المؤسسة، ثم ها هو ذا قد هرب من

.مواجهة القصاص

:تساءل عارف فى دهشة

وهل تتركوه ليسجن، إنه يقول أنكم أنتم من سمح ـ

!!.له بتملكها هدية مقابل عمله ؟

:تساءل الخبيث دهشا

وهل نحن جهة تمليك، ياله مـن نحن سمحنا له، ـ

كاذب، هل قال لك هذا، وإن كان بريئـا فلمـاذا ال يواجـه

.الجميع بأدلة براءته

:سكت الخبيث لحظة، ثم سأل عارف بغتة ..

.أال تعرف مكان اختبائه ؟ ـ

:قال عارف وقد أدرك أنه قد وقع فى الفخ

.وكيف ال أعرفه، ومعى رسالة منه ؟ ـ

رشد سحلى على مكانه، وتتـولى ولد زكى، إذا ت ـ

األولى، وسـيكون لـك أنت عمله، وسوف تكافأ منذ اللحظة

.مكتب أيضا

ـ ٢٢ ـخرجت الصحف بعناوين صـاخبة، تعلـن عـن ..

القبض على نصاب يتحايل علـى سـرقة أراض المؤسسـة

بتوكيالت مزورة، مستغال ادعائه بأنه على صـلة بمكتـب

.رئيس مجلس اإلدارة

:كت بعد أن رمى بالجريدة بعيدا تساءل السا

!!.هل سنترك سعيد مباهى يسجن يا كبير ؟ ـ

:قال الكبير

بل سنوقف الحكم، ولكن بعـد أن يكـون سـعيد ـ

مباهى قد عاد إلى صوابه، وعرف أن للعبة أصول ال يجـب

عليه أن يتخطاها، فإما أن يسير عليها، وإما أن يعتزل ويبتعد

.عن الملعب نهائيا

در الحكم على مباهى بالسجن سبع سنين، لكنه ص..

لم يستسلم لسجنه، وراح يهرب الرسائل مع عارف ليوصلها

إلى رئيس مجلس إدارة المؤسسة، وكان عارف يسلمها إلـى

الخبيث، فيقرأها ويضحك ساخرا مـن غبـاء مبـاهى، ثـم

يمزقها، ومع مرور األيام تغيرت لهجة سعيد مباهى، وأصبح

نة، بل إنه كتب يشيد بجهـد رجـال مكتـب يميل إلى المهاد

الرئيس وتعاونهم معه، قائال إن ما كتب من قبل كان مجـرد

انفعاالت غاضبة، وأن الحقيقة تطالبه بأن يعلن أنه قد أخطـأ

.ويطلب الصفح

:قال الساكت معقبا فى إشفاق

!!.أال تعفو عنه يا كبير ؟ ـ

:قال الكبير

نستدعى السحلى بل نتركه بضع شهور أخرى، ثم ـ

.ونأمره بالتنازل عن األرض

:صرخ عارف بال وعى قائال

.بل تتركونه بضع سنين ـ

:ضحك الخبيث فى صخب وقال

لك ما تريد يا عارف، دع المباهى يا كبيـر فـى ـ

.السجن بضع سنين

تمت بحمد اهللا

ـ١ـ : االسطى سنية

طة حين رأتنى طو أطلقت االسطى سنية ضحكة مم

مما جعلنى أنظر سـريعا الـى . مرتديا مالبسى العسكرية

بنطلونى وحذائى وأتحسس وضع غطاء راسى فوجدت كـل

.شىء تمام

حكين يا اسطى ؟ أذن على ماذا تض..

اال وجودك يـا هكان الجيش ال ينقص أبالذمة -

طبلجى عوالم نصف لبة بماذا سيستفاد منك ؟ . .؟ س يعت

!!! ؟ نساء صهيونأسيجعلونك ترقص..

شـاركتها البنـات ،أغرقت االسطى فى الضـحك

ظلت على صمتها والعينان مركزتان فلقد زينات إال الضحك،

." تبالى تحمل وال" على تهمس فى ود

. هكذا أنت يا زينات انسانة طول عمرك ..

يا أسطى أنا قلت أمر عليكم لالطمئنان ، لـم -

ال أراكم و ثالثة أشهر غيبة يهن على أن أنزل أجازه بعد

.

. فيك الخير يا مهندس -

هكذا يحلـو لهـا دائمـا أن . قالتها زينات -

. فتحـي مهنـدس : كانت تقول في كل مكان . تناديني

لي كثيرون قبله ما حركـت دقـات واحـد مـنهم طبل

. أوصالي مثلما حركتها دقات فتحي

أسرعت بالهرب من حجـرة الألسـطي -

بعـدها فوجئـت ، صـمت البنـات ةسنية منتهزا فرص

بترحيب زينات فهي خيرهن ، فما من زبون طلب واحدة

. الكل يطلب زينات ألنها فنانة بحق وحقيق. منهن

فلقد . نا منقبض القلب خرجت من المنزل وأ -

ـ دتبد ٤٨ ـت كل أحالمي وتمنيت لو لم أنل أجـازة ال

ساعة التي رحت أحلم بنيلها علي أمل أن أجد المأوي فى

منزل الألسطي سنية حيث حجرتي ومقري فلـيس لـي

، تربيـت ر ألنني مقطوع من شـجرة خبالقاهرة مكان أ

ولم أجد منهم رجال يقول ،كبرت في بيوت ناس كثيرين و

: ي كما يقول لألطفال األخرين الذين هم في مثل سني ل

تخطيء فتقـول لم أسمع وال ست من سيداتي ويا أبني،

أنـه . صحيح أنني أعرف أسم أبي كمـا . يا بني : لي

مثبت في شهادة الميالد التي أحتفظ بها كالحجاب داخـل

كيس من النايلون يغلفه كيس من القماش ثم كيس ثالـث

. عليه وردات حمراء من المشمع مرسوم

وال أتـذكر أنـي . لكن أسم أمي مشطوب تماما ..

نجحت مرة واحدة في استرجاعه رغم أن مالمحهـا كانـت

ة في مخيلتي بشكل محدد وواضـح ومتميـز كتلـك رسومم

العالمات التي تفرق بين أشكال الطائرات رغم أنها جميعـا

!!..تطير في السماء

-٢- :الست إيناس

ال أذهب ألبيـت بمنـزل السـت لماذاسألت نفسى

..؟أيناس

لكن كيف يحدث هذا ولى خمس سنوات أو يزيد لـم

!تطأ قدمى عتبة بيتها ؟

فقـد أستشـهد . الست ايناس أم لثالث بنات يتيمات

علمتنى اصول تحريك التى وهى ١٩٤٨أبيهم فى حرب عام

.األصابع فوق جلد الطبلة

كنت . لبناتها كنت أشعر بوالء غريب للست ايناس و

ولوال اننى شعرت بأن سنى لـم . أحسها أمى وهن أخواتى

لما تركت . يعد مناسبا للعمل وسط بنات جميالت ناضجات

.خدمتهن معرضا نفسى أليام من الحزن المميت لفراقهن

اخص عليك يا أسطى سنية بدال مـن أحظـى . ..

ى شوارع بليلة راحة أو ليلة عمل ونقوط جعلتها ليلة ضياع ف

.وحوارى لم تطأها قدماى

. افتحي . أنا فتحي يا ست إيناس -

: تأملتني طويال ،لم تتغير.. هي.. هي -

لك عذرك فكم عمل عندك . عرفتك وال تعرفينني ..

. من أمثالي

أنا فتحي نقار .. أال تعرفينني يا ست إيناس -

ي في نضنتوجدتها تندفع لتح .وقبل أن أستطرد .. الطبلة

:ولهفة شوق

لم كل .. لماذا تركتنا فجأة .. أبني .. فتحي -

.. هذه الغيبة

: راحت تتأملني .تركتني تراجمت للواء -

تصور لـم أعرفـك . واهللا كبرت يا فتحي -

ـ . تعال . ال يمللـن .لن عنـك أأدخل البنات دائما يس

حتى الهام رغم زواجها دائما تسأل . الحديث والذكريات

: نا حتى غار زوجها منك وقـال عنك كلما حضرت عند

.أود أن أرى هذا الفتحى الخرع

:عادت تنظر الى متفحصة ثم ضحكت

هـو . ليته يراك حتى يعلم أنك لست خرعا -

رتبته كبيرة لكنه يحمل شـارة مثـل . أيضا فى الجيش

. أنتما فى سالح واحد لعلك تعمل فى فرقتـه . شارتك

.ليتك تجيئين اآلن يا الهام

. ماما ؟من يا -

فتحى يا بنات -

تصاعدت صرخات الفرح ووجدتنى ألول مرة فـى

ولم أتمالـك ،حياتى محاطا بمن يهتم بى ويسأل عن أخبارى

أجهشت فى البكاء متذكرا كل ما مر بـى خـالل . عواطفى

ضـياعى فـى . أمالى المحبطـة . االسطى سنية : يومى

التى تؤلمانى األحساس بالغربة والالأنتماء ساقاى . الشوارع

.أمالى الضائعة فى يوم راحة . جسدى المنهك .

منذ ذلك اليوم وصلت ما أنقطع بينى وأسرة السـت

ايناس التى قالت لى وهى تودعنى أنها كانت تتمنى لو يكون

كون لقد عوضها اهللا أل و ،لها ولد يواصل نضال ولدها الشهيد

.أنا هو

-٣- :هى الحرب

.كل األفراد أنتباه -

ضباط الفرق يشرحون لألفراد مهمة الهجوم -

.ثم يأخذون التمام أستعداد للساعة س

. أذن هى الحرب -

.الحمد لك يا رب . جاءت اللحظة ..

.أحساس بالراحة جرى فى عروقنا ..

.أخيرا سيكون لألنتظار نهاية ..

فـوق ظهورنـا نحمـل ، أندفعنا نعبر الممر المائى

مهمتنا حماية األفراد المقاتلين . فض صواريخ الطيران المنخ

تعبر معنـا وحـدات مـن ،فى العمق من هجمات الطيران

.الصاعقة

جاء يوم اللقاء -

.سأسقط من أشباحهم عشرة -

.هنك على ضعف ما ستسقط اأر -

. يا رب

. يا رب

-٤- : أمى.. أمى

.اهللا أكبر ـ

.اهللا أكبر ـ

. اهللا أكبر -

. أكبر اهللا-

. اهللا أكبر -

. اهللا أكبر -

. اهللا أكبر -

أقوى من دوى . باسم اهللا صوتنا يزلزل األرض

أقدمنا تغوص فـى . أكثر أرتفاعا من هدير المدافع . القنابل

. عيوننا على السماء . رمال أرضنا الثكلى منذ سنوات ست

ـ . وعاد العدو فى العمق، والتف طيراننا ضرب م تـنقص ل

..تهم فى العودة دعد. عددتهم فى الذهاب .ئرة واحدة طا

.لك الحمد يا رب -

ظهرت طائراتهم تريـد اللحـاق بنسـورنا، -

:كشرت عن انيابى، توترت أعصابى، زأرت

واهللا لن أمكنك مـن أطـالق .. تعالى . ربى تأق..

. خذها يا أبن صهيون .. أو أسقاط قنبلة صاروخ،

يتوهج شاقا طريقه صاروخ من خلف ظهرى لاندفع ا

دوى أنفجار ،هدفه نجمة داود الزرقاء . فى ثقة وهو ال يحيد

..رهيب وأمتالءت السماء بأشالء الفانتوم تطاردها صرختى

.اهللا أكبر -

: تردد التكبير بجانبى -

.اهللا أكبر -

:صرخ زميلى فى سعادة -

واحد لواحد يـا عـم .. أسقط أنا أيضا طائرة ـ

. لك شد حي. فتحى

ـ ،كانت طائرتهم تتساقط .. ن، لـم ينـاورو واراح

ثـم أصـبحوا ال . هربوا ألعلى ستسلموا تماما لمصيرهم ي

يطـاردوا مـن ال ، حتـى يهبطون من أرتفاعتهم الشـاهقة

الشبكات األرضية وتفتت طائرتهم كالشهب ولكن هذا اللعين

. يدنو من األرض ينـاور . أنه يهبط . هدفى الثامن عشر .

سأكسر . لن أعتقك . تلف . تدور . أنت يا روح أمك ماكر

لكنك فـى النهايـة .وسطك مثل زينات وسط معازيم الفرح

.ستسقط عجزا مع دقة النهاية

فـوق زنـاد الصـاروخ فى ترقب أصابعى تدق ..

: عينى ترصدها . الطائرة تتلوى . متابعة تحركاته البهلوانية

.ى كسرت وسطى اهللا يكسر وسطك يا فتح -

:ثم صعود ألعلى . هبوط مفاجىء ألسفل

.سأسقط من طولى يا فتحى -

. أسـقطى .. هيا أسقطى . أثبتى يا زينات -

أعترفـى . أعترفـى . هذه نقرتى األخيرة ال تنـاورى

ستسـقطين . ليس فوقى أنا . ال ترتمى فوقى . وسلمى

.أشرار .. قتله .. ملعونين .. أبتعد ..على أبتعدى

.ه . .أ .. أ -

.اسمك يا بطل ؟ -

!أ أسمى ؟.. أ -

.أسمك يا بطل ؟ -

..بط .. بطل ..بـ -

اسمك ؟ -

.ى ..فتحـ .. فـ -

لك أقارب ؟أ. .فتحى -

أمى ؟.. أ -

..اسمها ؟ -

.اس ..أينـ ..أ -

عنوانها ؟ -

… عنوانــ

ايناس ؟يدةعنوان الس. عنوانها يا فتحى -

رفعت جفـونى المحملـة ، ثقيل. رأسى ثقيل ..

.ال شىء سوى الظالم . أكياس الرمل ب

أيـن . ١٨ رصيدى مازال ،ال أرى السماء جيدا

تعالى يا أمى يا ست ايناس . تحيا مصر . اهللا اكبر . ١٩الـ

أنـا . طائرة لست خرعا كما قالت المعلمـة ١٨أنظرى .

أدق على زناد مدفعى أحسن من دقاتى علـى . بطل . كفء

..أ .. أ . ضا يا زينات مهندس هنا أي ..الطبلة

. هللا على السالمة احمد -

.كتب لك عمر جديد يا بطل -

..ستة أيام فى غيبوبة -

.لى عالء زوج أبنتى الهام يا فتحىأعرفك ع -

.لقد أثبت أن فكرتى عنك خطأ يا بطل -

.هو فخور بك وفخرى بك أكبر يا بنى -

كنـت ،وددت لو أخذتنى أمى الى صدرها ألبكى ..

:ول لها أريد أن أق

..ل فقط أصابع طبا أصابعىليست.. يا أمى ـ

:ولكن هدير االصوات كان يغطى كل الموجودات

. اهللا أكبر …اهللا أكبر . اهللا أكبر -

:اعتدلت صارخا -

.اتركونى السقط طائرة فقط الستريح -

:انحنت تمسح جبهتى بكفها

لقد أسقط ما فيه الكفاية اال ترحم نفسك .. ولدى ـ

.

كان صوتها مالئكيا تسلل الى أعماقى يزيح كـل ..

األلم

.. أمى ..أ .. أ -

. آه يا حبيبتى يا أمى

١٩٧٦ مجلة النصر عدد مايو

الرجال والمدفع

حينما دوت فى الوجود أغنية الفداء ، بدءوا يتململون

فى وقفتهم فاحتضنتهم إلى صدرها الذى يمور بمـاء الحيـاة

نسدل شعرها األخضر وقـد تخللتـه شـعيرات صـفراء وا

لكن أصداء األغنية ارتفعت علت فارتخت يـداها ' يحوطهم

من حولهم وانطلقوا يحيطون بها وهى تحتويهم بعينيهـا ثـم

. ناولتهم المدفع فتناوله الواحد من اآلخر

:الرجل األول

تصاعدت فقاعات الهواء فوق سطح البحر السـاكن

الهدوء يلف كل شـئ عاصـمة . صة ألعلى واندفعت الغوا

. العدو غير بعيدة عن مرمى المدافع

على الشط تحركات أشباح تـروح وتجـئ .. هناك

وسط الظالم

تبدد الهدوء ،، ولى .. . ، تساقطت األشباح .فجأة .

الصمت فتحت الغواصة نيرانها

وكان هو واقفا بمدفعه فوق سطح الغواصة يرقب .

اقتراب أى غريب

كفت الغواصة عن إطالق النيران ، بدأت األوامـر

.. ليعد الجميع إلى الداخل .. انتهت المهمة -: تصدر إليهم

تدافع المقاتلون إلى الداخل مـن خـالل . االستعداد للغوص

الفوهة الضيقة ، ولكنه توقف فجأة وتخلى عن مكانه وتقهقر

كان قد سمع دوى محرك طـائرة . ليكون فى نهاية الصف

مع الغوص تنطلق الصـواريخ مـن : أيقن بالخطر المحدق

لن يتمكنوا من هذا ، ضغط على . الطائرة فتغرق الغواصة

ووقف وقد فتح ما بين ساقية والمدفع فـى يـده .. . نواجزه

مصوب ألعلى، حومت الطائرة رصدت الهدف ، تأكدت منه

-صرخ صوت من داخل الفوهة . ثم ابتعدت لتقوم بدورتها

.إلى الداخل عد

. . اثنين ثالث أ . . واحد : لكنه لم يستجب وبدأ العد

ولم يعد يسمع شيئا سوى ارتطام غطاء الفوهة وانطلق .. ر

مدفعه الرشاش يواجه الطائرة المقتربـة مئـات الطلقـات

تدافعت وسمع صرخة بددها انفجار الطائرة ثم سكن كل شئ

هبوطهـا ألعمـاق األمن الفقاعات التى تبعثها الغواصة مع

حينما وصل الماء يغطـى سـاقيه . البحر بعيدا عن الخطو

امسك بسور الغواصة ورفع مدفعـه ألعلـى فمـدت يـدها

تحتضنه إلى صدرها ، وعلى الصدر كانت تنتظـره نفيسـة

بجلبابها المزركش وقد مدت يدها فتناولها وانطلقا معا زوجا

.و زوجة

:الرجل الثانى

ح بعد لم يتفتح كلمات الرسـالة المطار ساكن الصبا

التى يعث بها إلى أوالده الخمسة لم تزل حاضرة فى ذهنه ،

هناك بشاش سالم ولكن هل يعترف مصاص الدماء بالسـالم

وعيناه شاردتان تعيشان وجه ولده خالد، واللحظة األخيـرة

: وهو يتعلق برقبته معانقا ومودعا

. أريد أن أكون بطال مثلك : بابا

صغيرى الحبيب ،من أدراك أن بابـا سـيكون آه يا

بطال قد اجبن ساعة القتال ؟ التقطت إذ ناه صوت أزيز بعيد

لكن طائرتنا على . أدرك بخبرته انه لمجموعه من الطائرات

: أرهف السمع . أبه طائرات فى الجو األرض وليست هناك

تسلل فى . أنها أصوات طائرات غريبة ، ولكن هنالك سالم

الخارج كل شيء هـادى النـوم يلـف المطـار صمت إلى

واألرض ، شجرة الزيتون تتحرك أغصانها ببطء وصـوت

يرتفع ، بال شعور اتجه إلى اقرب مدفع . الطائرات يقترب ،

أريد أن أكون بطـال .. بابا –. جلس اليه وأعصابه مشدودة

دفء االحتضان لم يزل حرك دمـاءه وهى تنتظره ، . مثلك

يراها تحتضن أبناءه والطائرات بدأت تدفع بالهواء فيثيـر ..

شعر رأسها ،انفتحت فوهة المدفع استحالت السـماء جحيمـا

وتساقطت قنابل من السماء وتفجرت األرض وهوت طـائرة

ولحقتها ثانيه وثالثة جن جنونهم اقتربت منه ست طـائرات

طيرت ". بت منه واندفعت طاقات حقدها على مرمى اليد اقتر

ساقه الحقت نظراته الساق الطائرة للحظة ثم سـكنت فـوق

عيون زمالئه التى تغلفهما ظالل نوم وشفق حاولوا أن يحمده

: بعيدا عن المدفع صرخ فيهم

هيـا خـذوا دعونى فهذا مكانى ومكانكم أيضا ، -

يران مدفعه جروا إلى مدافعهم واستمر هو يطلق ن . أماكنكم

طبيبا شاب ومعه ممرضتان ، أشار إلـى : لمسته يد، التفت

-. ساقه ، أومأ إلى األرض يتمدد عليها ، لكنه أشاح بوجهة

لن أتخلى عن مكانى، افعلوا مابدا لكم وأنا فى مكانى، ينبوع

الدم يتدفق من االورطة والشرايين اإلبر تنغرس فى لحمـه

.. محمومة، الكلمات مطموسة وهو يالحق الطائرات بطلقات

عن : قال لنفسه . النزيف ال يريد أن بتوقف . . ال جدوى -

لكنـى سـأهديك . أى شىء يتكلمون ليقولوا ما بدالهم قوله

هى لك :الطائرة الخامسة يا خالد

وسقطت الطائرة مشتعلة، وانهار هو فـوق المـدفع

فـرع بدون نقطة دم واحدة ومن السماء تهاوى على جسده

. محترق طار من شجرة الزيتون

:الرجل الثالث

ال يدرى كيف وجد نفسه أسـيرا وسـط المئـات

وحولهم سور شائك، كان مدفعه ينطلق وكانوا يتسـاقطون،

كانت ماسورة المدفع تلتهب ، فكر كثيرا فى مدفع أخر أقوى

فى كليته درس نظريات وعمليات خلط ودمج للحديد .. واشد

خرى، تمنى أن يطورها ليخلق منها مادة جديدة بالعناصر األ

.تستطيع أن تدمر أعداء السالم ، دون أن يستطيعوا تدميرها

المعسكر ضيق بالنسبة لمئات المكدسين بـه ، لكـن

الشمس الحارقة لم تدع فرصة ألحد أن يفكر فى مثـل هـذه

األشياء، كانوا جميعهم وقوفا، وكان هناك تحت رجليه طفـل

وباختناق، مد يديه، رفعه لفوق، واحتضـنه إلـى يبكى بقوة

صدره، سكت الصغير، بينما كان هناك عجوز يبرطم فـى

: ضيق قالت العجوز مجاورة له تنهره

لن يسألوا فينا يا رجل أتظنهم أمثالنا ، لن يقـدموا -

. وال ماء وال طعام فدع عنك الوهملنا شيئا ال دواء

ثم تهاوى ساقطا سكت العجوز عن همهماته الملحة،

. رجل، وودعته العجوز بنظرة جامدةفى يأس تحت األ

ذهبت الشمس، تركت لهم لزوجة تجعـل مالبسـهم

: ملتصقة بأجسادهم والطفل جائع كلمته الوحيدة

! إ. . ـ مم

:والعجوز وسط الظالم تهتز بعنف وترقب

.. ارحمنا أيها الرب -

ـ وانطلقت خيوط حمـراء تـومض وسـط ال ة ظلم

، وارتخت يدا الطفل فجأة من حول رقبتـه، ارتمـى تجاههم

الجسد البض إلى الخلف فى حركة مباغتة جعلته يسقط، رغم

محاولته اليائسة فى أن يحول بينه وبين السقوط من بين يديه،

سقط هو أيضا معه وسط األنات والدماء اللزجة .. لكنه سقط

يقع، وهو على أمه فكاد هلالتى غطت صدره، وتذكر كيف

يقسم لها انه سيحول كل شعره صـفراء فـى رأسـها إلـى

خضرة، وهى تبتسم له فيقوى عوده، ويتململ محـاوال أن

يقف، فتقبل عربات سوداء كئيبة لتحمله مع الجرحى، ولكنهم

لم يذهبوا بهم إلى المستشفى، رموا بهم وسط الصحراء، ثـم

انـتفض . ابتعد الجند عنهم كثيرا، وفتحوا نيران مـدافعهم

، واكتشف وهو يجرى انـه لـيس . وجرى .. واقفا، جرى

جريحا، لقد فداه جسد الطفل، وأصبحت طلقاتهم اعجز من أن

: تنال منه

. آه يا أمى -

ارتمى فوق صدرها يلهث وهى تحضنه بقوة، لحظت

عيناه أن شعيرات صفراء جديدة قد نبتت بين الخضرة فاقسم

.من أعماقه أن يغير لونها

:الرجل الرابع

تنهد بارتياح وهو يفرد جسمه فى المقعد الصـغير،

وكأنما يريد أن يشعر بكل ذرة من كيانـه تلتصـق بـذرات

: المقعد، ومد يديه يربط الحزام حول جسده وتنهد

" أخيرا عدت إلى طائرتك ، وانطلقت األوامر تقول

علينـا . طابور من مدفعية العدو يتقدم لتعزيز قواته المعتدية

" .أن نبيده

كان يشعر بأن الكالم موجه له بالذات، لـذا حلقـت

طائرته فى ثوان، ومرقت كالسهم تسبق كل الطائرات، تحته

بدت الخضرة، والبيوت، ثم خط الميـاه وقـد بـدأ رفيعـا

ممطوطا، فالشريط العريض األصفر، الشـعيرات الصـفراء

ب وسط الخضرة؛ على صدرها كانت تتحرك جرارات تسح

. وراءها مدافع ضخمة

: قالت زوجته

لو كانت فوق رؤوسـهم طـائرة : ـ آخي قال

واحدة لدمروا كل مدافعهم وأشباحهم بكى لحظتها، بكى بقوة

ولكنى سأقوم بكل ما لـم : وهوان من يجد نفسه مغلوال وقال

. تقوموا به

واندفعت الطائرة تهبط كالصاعقة ، ويده فوق ..

المدفع بثقة، فتتحطم كتل الصلب وتشتعل فيهـا الزر ينطلق

وارتفعت طائرته ثانية فى شموخ ، ومدفعها لم يزل . النيران

ينفث الدخان والرجل تتحرك عيناه فى وعى لتحيط بكل شئ

حوله ، وحوله كانت طائرات زمالئه قد لحقته محلقة حولـه

ومدافعها متحفزة فى تحية اعتزاز ، ولما شـاهدتهم أضـاء

مل وجهها، واستعادتهم إلى صدرها فناولها المدفع الجديد، األ

ومد يده يسمح على شعرها، فمدت يدها بالمدفع إلى األطفال

الخمسة ونفيسة، فتناوله الواحد من اآلخر وأغنيـة الفـداء

.تتردد قوية واثقة

١٩٦٧مجلة االجتماعى عدد يونيو

"حقيقــة " وإسرائيل أثناء حرب االستنزاف بين مصر

أسقطت طائرة إسرائيلية قنابلها فوق مدرسة

، وأثناء حرب "بحر البقر " لألطفــال بقرية

أكتوبر أسقطت صواريخ المصرية، طـائرة ٦

" إسرائيلية فى حقول القرية ذاتها

ة أمني

- ١ - ظل لسنوات يحلم بأن تكون له طفلة ، ابنة تكون له

. حبا وعطفا ورعاية حملت امرأته مثل ما كانت أخواته ألبيه

وكلمـا مـرت . اكثر من الدعاء والتوسل هللا بأن يحقق أمله

إلى أن سمع صوتها يأتى .. األيام وصنعت شهورا زاد قلقة

ثم سـمع صـوت . رقيقا عبر الحجرة التى تلد فيها زوجته

ربنا يطول عمرك وتعـيش حتـى : " القابلة يؤكد فى تردد

"تزوجها

:ل شوقه صرخ بك

.تحققت أمنيتى.. الحمد لك يا رب ..بنت -

- ٢ - مع نموها ينمو حبها . كانت تكبر بين حدقتى عينيه

له ويطغى حتى صارت ال تأكل أو تشرب شيئا اال وضـعته

:أمام فمه متسائلة فى رجاء

أال تأخذه أنت يا أبى ؟ -

جميلة هى ، ولقد أقلقه جمالها الصارخ ، فأسـتنجد

ولياء ، وبكتاب االحجبة ، لكى يحفظها اهللا مـن عيـون باأل

.الحساد

ثم فكر أن يمنعها من الذهاب الى مدرسة القرية ، أن

يجعلها ال تغادر البيت ، ولكن كيف يفعل هـذا وأمنيتـه أن

..وتكبر وتصبح طبيبة ترعاه فى شيخوخته؟ .. تكبر

ولقد كان هو الرجل الوحيد فى قريـة البقـر الـذى

حب ابنته كل صباح الى المدرسة ، وينتظرهـا عنـد يصط

الظهيرة ليعود بها إلى الدار ، وألنه من المعتـاد أن تقـوم

. .النساء بهذا الدور

:كثيرا ما يسأله رجال القرية ساخرين

!!!لماذا ال تدخل معها الفصل يا عمدة ؟ -

حقـا لمـاذا ال : والواقع أنه كثيرا ما سأل نفسه ..

!!!ها ؟أدخل مع

- ٣ - صرخ الخطر مع انفجار قنابل الطائرات المغيرة فى

:حقول القرية ، جار صوت رجل

.. الطائرة ضربت المدرسة يا رجال -

: توجع قلب امرأة

. عيالى فى المدرسة -

سال دمه .. سقط على وجهه .. انكفأ فى قعدته ..

: أن ..على أيدى الذين أعانوه على االعتدال

هناك.. أمنية .. أبنتى -

. دارت به الدنيا ، أغش عليه

- ٤ - استفسر فى إصرار عن نوع الطائرة وعن طريـق

إسقاطها ، وتمنى أن يجلس وراء مدفع ماسورته تشمخ ألعال

باحثة بين نتف الغيوم لتطلق داناتها فال تخطـىء الهـدف ،

ته يحدد مالمحه وكأنه وهدفه دائما طائرة بذاتها ، وطيار بذا

رآه وعرفه بل وتأمله كثيرا حتى حفرت صورته فى ذاكرته

.بكل وضوح

لما سأل عن الطريقة التى يستطيع أن يملك بهـا ..

مدفعا فوجئ باستحالة مطلبه حتى لو باع كل ما يملك ، لـذا

راح يتخيل نفسه طائرا فى السـماء يالحـق ذات الطـائرة

اء القرية وأسقطت قنابلهـا فـوق الضخمة التى مرت فى سم

يتوجع .. أمنية فتطايرت أشالء حتى أنه لم يعثر لها على أثر

:قلبه

. سألحق بها -

ويسرع ، يلحق بالطـائرة ، .. ويسرع فى طيرانه

.. يقف فوق جسمها العمالق ، ينهال عليـه بالمطرقـة ، ال

ة وقبل أن تسقط يمد يـده إلـى كابينـة القيـاد . بيديه يفتتها

، لكريه ، ينزل به إلى األرض يخنقه ويخرجه منها ذو الوجه ا

بادئا باألصـابع ، .. يقطعه بسكين صدئة ، بادئا باليدين ، ال

إلى أن يحوله إلى فتات صـغيرة .. بل بأجزاء من األصابع

تذروها الرياح فيتابعها بنشوة عارمة وهى تتالشى عاويا فى

:تشف

.تبدد .. تبدد .. اذهب -

وهنا كان يبكى بحرقه وتمتد أيدى زوجته وأبناؤه ..

لتوقظه من كابوسه الرهيب ، لكن الحلم تمدد وتضخم وصار

كل حياته فأصبح يراه وهو جالس بين اهل القريـة ، وهـز

:الرجال رؤوسهم مشفقين

عمدة القرية يسـعى حثيثـا فـى .. ال اله إال اهللا -

.طريق الجنون

- ٥ - تجرى نساءها، رجالها، أطفالهـا،، : قرية بحر البقر

والصرخات .. دوابها، طيورها

:الفرحة المتشفية تتناثر من األفواه

. مدفعيتنا أسقطت طائرة العدو -

. طيارها قفز حيا -

. هيا نقتله -

. نقتله -

. نقتله -

انحنت عليه زوجته تهزه فى ترفـق وتشـرح لـه

لموقف وهو غير مدرك أو مستجيب فلم تجد مناصا من أن ا

:تهزه بشدة صارخة

الطيار قاتل ابنتنـا .. لقد تحققت أمنيتك .. أنهض -

..أسقطوه

دبت الحياة فى أوصاله ، قفز .. توهج عقله الخامل

:من فراشه فى نزق

. آه أخيرا وقع فى يدى ابن القتلة -

من داره ، بكل قـواه بمالبس نومه اندفع خارجا ..

يجرى متخطيا من أمامه ،لكنه وجد آخرين قد سبقوه ، وقـع

يدا السفاح : أقترب منه .. الطيار بين أيديهم يصرخ فى هلع

ال بل يدان عاديتان لكنهما ملطختان بالدماء .. مخالب النسر

بل هى دماؤه هو .. دماء ابنته التى قتلها ، ويقترب أكثر ..

ة ، واأليدى تنهال فوقه باللكمات فى حقد ، فرأسه مشجوج ..

كل واحد منهم له ابن مات ، لكن مصيبتهم ليست فى حجـم

:مصيبته أمر واقع ، صرخ فيهم .. مصيبته

.أنا الذى سأقتله .. ابتعدوا عنه .. دعوه لى -

.. نظروا إلى عمدتهم .. توقفوا .. أفزعتهم الصرخة

.. تراجعـوا للخلـف هالهم الجنون الذى يبرق من عينيـه

تحـول .. خطوات ، تقدم وجسده ينتفض من شدة االنفعـال

: التقت العيـون .. وجه الطيار الى عينين كبيرتين فزعتين

نفس لون عيونهـا .. عيونه خضراء فى عين النبات الفضى

أبنته ، حتى لون دمه الذى يسـيل كلـون .. عيون أمينة ..

:فتح الطيار فمه وتوسل .. دمها

أبـى .. ال تقتلنى يـا مصـرى .. سالم .. مان أ -

أبى يحبنى .. سيموت

..أحبك .. آه .. أباك يحبك .. يا حبة القلب

سالت دموعه وهو ينحنى على أمنية وقد فتحت فمها

رضيعة تنتظر أن يلقفها حلمة الثـدى الصـناعى وعيناهـا

:تنظران إليه فى توسل ورجاء بأن ال يخذلها

.ا مسكينة ي.. يا مسكينة -

بهت أهـل .. أخذ رأسه إلى صدره .. ركع بجانبه

:القرية ثم تصايحوا فى غضب

.يصمد جراح قاتله .. مجنون -

امتدت األيدى محاولـة .. تدافعت الجموع تحيط به

تخليص الطيار من بين يديه ، لكنه حمله ونهض شامخا ، ال

ل الطيـار يدرى من أين جاءته كل تلك القوة التى جعلته يحم

آخر أمنياته أن يخرج باألسير من بيـنهم .. بين يديه وأمنيته

.حيا، حتى لو استوجب األمر أن يموت هو

١٩٩٥مجلة أكتوبر يناير

9

:الغريـب أستأذن من العمل وأحضر فى الحادية .. أرجوك ـ

. فقـط لـيكن حضـورك صـباحا .. عشرة اليوم أو غدا

، الدور الثاني من المبني رقـم ٢٨عنواني شقة . سأنتظرك

..ن تكتبه سأكرر العنوان ، لك أ.. ، الشارع الخامس ٩

صوتها ينساب . راحت تعيد إمالء العنوان ببطء ..

كانت عيناه . لم يتكلم ، الى أذنيه رقيقا فيجعلهما فى لون الدم

وكأنه يـود أن . تختلسان النظر الى زميله الذى يحملق فيه

يقرأ على وجهه ما تلتقطه أذنه المختفية وراء سماعة التليفون

:من كلمات

..م ؟ لماذا ال تتكل ـ

ود لو ،نقل السماعة من أذن ألذن ،زاد ارتباكه ..

ال .. نعـم :يقول ،يسأل عن سر الدعوة ،يعتذر ،يرد عليها

..لن أحضر .. سأحضر .. حاضر ..

:لكن عينا زميله تشل لسانه ..

.هل أصبت بالبكم ؟ . قل لها أى شىء ـ

:قبل أن ينفذ نصيحة زميله قالت له

.إلى اللقاء .. افقا سأعتبرك مو ـ

تحـرك الـى ،وضع سماعة التليفون فى صمت ..

،ع يده فى جيبه وض ، اخرج ورقة ، جذب الدرج ، جلس ،مكتبه

خط على الورقة كلمات اعتذار لعدم تمكنه مـن ،أخرج قلما

ـ ، قام، االستمرار فى العمل واعطـاة ه ناول الورقـة لزميل

.فأنها العاشرة والنص : نظر إلى ساعته ه،ظهر

!!د تالحقه سنظرات الحواتجه إلى الباب ..

***

..ما الذى ذكرها به ؟ ..ترى :

لعلها لم تتزوج وتود أن تعيد ما كان بينهمـا مـن :

..حب ؟

تعيسة مثله ، لكنها مثله أيضا تأيضا تزوج لعلها :

لب الزواج غير المشـكالت وتعـب جوماذا ي :فى زواجها

؟القلب

الحـى، كضـمير ب يا جمـاالت ليت أيامك تعود :

. والغم والنكد ال تعرف الهمالتى كونفس

***

كـان ،لم يستطيع االهتداء إلى العنوان بسـهولة ..

.القديم يعيش لحظات الحب اذهنه شارد

…سال ..

…ضل الطريق ..

وبعد دقائق ضاعت يعـرف كـم هـى .. أخيرا ..

انـدفع ،امس بالشارع الخ ٦وجد نفسه أمام المبنى رقم ،ثمينة

:لة حانقا أكاد يصطدم بالبواب ، س ،سريعا الى الداخل

..الى أين يا سيد ؟ ـ

. ١٨شقة ـ

قلبه يرقص فى . واصل قفزة على درجات السلم ..

:فرحة

..الدور األول

..الدور الثانى

– ٢٩ – ٢٧ قعيناه تمسح أرقام الشق . وقف بلهث ٢٨ – ٣٠ – ٢٨ – ٣١.

وتسـتقر عليـة ، ٢٨تواجه عيناه رقم للمرة الثالثة

.قلبه خيالة وعقلة : وتوقف كل شىء

ا سيقول لها ؟ ذما:

كيف سيتصرف ؟ :

ما الذى يخبئه الباب المغلق ؟ :

. الحادية عشرة وتسع دقائق هاأن: نظر الى ساعته

. لقد حضر وال مناص

ضـغط . تلمس الحـائط . هفرد أصبع . همد زراع

تسـارع وجيـب ،انتفض، فوجىء ،أضاء نور السلم . الزر

برفق وهو ه ضغط ه،وجد، عن زر الجرس يهبحث بعين ،قلبه

. ن الجرس تالفا فال يجيبه أحد ويود لو يك

طالعة وجـه . فتح الباب . سمع وقع خطوات رقيقة

:، ارتبك فتاة صغيرة..جميل ، محال أن يكون لها

المعذرة ـ

. الشغالة .. آه:

:ل ءتساسك، تما

..موجودة ؟ التاالسيدة جم ـ

..... ـ

. أنا احمد الزينى ـ

. السيدة تنتظرك فى الصالون .. تفضل ـ

ثم وقف يتطلع حواليه منتظرا . انسل من فتحة الباب

،فخم.. األثاث جديد ، شقة رائعة ، أن تقوده الفتاة إلى الداخل

يـا طول عمرك تعـرفين طريقـك : لألبد أن زوجها ثرى

الوجاهة والثراء ،أهدافك محددة منذ زمالة الجامعة . جماالت

. ، أو حتى ال يجىء،ثم يجىء الحب

.تفضل واتبعنى ـ

بعثرة ، وسـار وراء الفتـاة فـى لملم نظراته الم ..

.صمت

***

بـل . جذابـة . أنيقة . كما هى .. هى .. جماالت

مكانـه االمـتالء فـى . فقد أصبحت مكتنزة ،جاذبيتها أشد

ود لو . كانت عيناه تأكلها باشتهاء واضح .الصحيح بالجسم

ما أحمقنى حينما . آه يا جماالت : ليفتح لها ذراعيه . تنهض

.هربت من زواجك

.أهال يا أحمد ـ

أشـارت . لمسها محييا . له أطراف أصابعها مدت

. البد من التدلل يا جمـاالت : له ليجلس على مقعد مواجه

د مـا أنـا محتـاج ألن تكـونى فلش. أجلس بجانبك لكنى س

.بجانبى

اسـتدارت تواجهـه . جلس على المقعد المجـاور

:مبتسمة

تبدو أكبر من . لقد أثر فيك الزمن كثيرا يا أحمد ـ

أتـراك . لو لم تكن زميلى لقلت رجل فى الخمسـين . سنك

لى زوج أحبه ألنى أجد فى . تزوجت ؟ أنا شخصيا تزوجت

المرأة دائما تبحث عن الرجل الذى يشعرها ، االطمئنان كنفه

مـا : لعلك تتسـاءل .. هه . بأنها فى مأمن حتى من نفسها

طلبت منك . أتذكر يوم جلسنا فى الكازينو . الذى ذكرنى بك

لقـد .. أن ترينى صورة المرأة التى أنجبت من أحببـت ؟

رة قلت أنها الصـو . أحضرت لى فى اليوم التالى صورتها

منذ شهور تقريبا قـرأت فـى . الوحيدة التى تملكها أسرتك

تذكرت تذكرت كل شىء . البقية فى حياتك . الجريدة نعيها

. قررت أن أعيدها إليـك . أيضا أن صورتها ضمن أوراقى

لعلى خفت عليها من .. قد تتساءل ولماذا لم أرسلها بالبريد ؟

التى هربت منهـا ولعلى أيضا أردت أن أريك تلك . الضياع

.. كيف تعيش ، وكم هى سعيدة و

. شفاه تتحرك . ولم يعد أحمد الزينى يعى شيئا ..

:تفصد العرق من جبينه . كلمات تتداخل

.. ذكريات

..حاضر

..مستقبل

طلبت منـه أن . ناولته مظروف . نهضت جماالت

!!ى كل ما كان سين

تلمس . ى الباب لإولم يقل كلمة وداع فر . لم ينتظر

تعثر فوق الدرجات لتلتقطه فى مدخل المبنـى . طريق السلم

.عينا البواب

البواب– ٢. أنا أعرف هذا الصنف الحقيـر مـن الرجـال :

ولكـن لـن تكـون . ناعم الحديث . معطر . صنف متأنق

فأنـه ألمـر . بأحد على عالقة غير شريفة ١٨الساكنة رقم

..!!يدعو للدهشة والغرابة

من هذا الصنف ١٨مستحيل أن تكون رقم .. ال :

..لكن لماذا أستبعد األمر ؟.. الوضيع

..نها جميلة ؟أأل :

..آلن زوجها شاب مهذب جذاب ؟أ :

.وهل ينم المظهر دائما عن األعماق ؟.. :

مـن ٤٣إذا كان األمر كذلك لعدت الساكنة رقم :

ار عـن الحقيقـة التـى المالئكة ، ولكن األيام أزاحت الست

السيدة الطيبة التى ال ٤٣أذهلتنى وأذهلت كل من عرف رقم

تفتح باب شقتها لقريب أو جار ، وال يسمع لهـا أو ألخيهـا

ليسـت ٤٣له ببـال أن ومن كان يصدق أو يخطر ، صوت

، فش ، وظل مقيما معها عأختا لذلك األفندى الذى حضر مع ال

وأسـميه . ختى ، وتناديه بأخى يعاملها باحترام ، ويناديها بأ

! أخو الست : أنا

.وأنكشف المستور . لى أن كانت إرادة اهللا إ..

***

.الحكاية فى مخيلتى وكأنها حدثت اآلن

، وقد داعب كنت جالسا أمام باب العمارة فى الشمس

الباعـة ةضاحكم المارة و ةقبارم الكرى جفونى بعد أن مللت

المقابل أتجه نحوى رجل مهيب من فوق الرصيف ،الجائلين

:الطلعة يحمل فى يده حقيبة سفر كبيرة

…هل تسكن هنا السيدة .. صباح الخير ـ

قاومـت . أن اهللا حلـيم سـتار . لن اذكر اسمها :

طردت النوم الذى أثقل جفونى وأخبرته بأنها تسكن . الدفء

. مع أخيها٤٣رقم

صـفرة يشهد اهللا أن لون الرجـل أصـبح فـى :

له مكانا بجـانبى أفسحت اعتدلت، .حسبته مريضا . ةالليمون

:لكنه سأل . كى يجلس

.. معها ؟ شقيق السيدة قيمهل ي ـ

:قلت . فهمت . وأشار بإصبعه ألعلى العمارة ..

. أيضـا فـى عملهـا ٤٣و . اآلن أنه فى عمله ـ

.سيعودان فى تمام الثالثة

حقا : نى كلماته أتساءل جعلت. سار مبتعدا و. استدار

!..غير شقيق ؟أخ أم ،شقيق أخ ٤٣هل أخو ..

***

أخبرتها بأن رجال سـأل . فى موعدها ٤٣حضرت

شـعرت أنـى ،طلبت منـى أن أصـفه . انزعجت . عنها

هى سيدة شـحيحة . إطالقا ٤٣فأنا ال أتعامل مع . تسرعت

يت من اهللا أن تدفع أجرى عن الحراسة بعد مماطلة حتى تمن

بصاحبتها وأخيها بعيدا عـن ٤٣تحدث معجزة وتطير الشقة

أردت أن أنكـر .تضاحكت ، قررت أن أخدعها ، العمارة كلها

ولكنى أخذت جانب . ما قلت مدعيا أن ما كان مجرد مزحة

أخبرتها بأن الرجل يرتدى مالبس . الحيطة فقد يعود الرجل

.مثل سعاة البنوك

فتحت حقيبة . شكرتنى . عن وجهها أنزاح االنزعاج

ووسـط –توقعت أن تخرج منديال لتمخط ، ولكنهـا . يدها

و انصـرفت . أخرجت ورقة مالية دستها فى يدى –ذهولى

.وهى ترجونى أن أخبرها دائما بكل ما يدور حولها

***

٤٣سـألنى هـل . عاد الرجل المهيب . فى المساء

عن أخيها هـل ٤٣أن أسأل حقا لقد نسيت : وشقيقها بأعلى

هو شقيق أم غير شقيق ؟

:أشرت مثله ألعلى . هززت رأسى

.هما هناك اآلن .. نعم ـ

راح يقفـز . جرى الى السـلم . فقد الرجل وقاره

.الدرجات مثنى وثالث

:قلت

.االسانسير ـ

كدت ألحق بـه ، . قفزت أعدو وراءه . لم يأبه ..

ضاع صوت . وقفت الهث . بيننا حال ٤٣ولكن الباب رقم

لهاثى فى زحمة الصراخ الذى تصاعد من وراء الباب الذى

يعدو حتى كاد يكتسحنى ٤٣سرعان ما فتح وأندفع منه أخو

وأنا أالحقـه –ولم يتوقف . فى طريق تلمسه لدرجات السلم

. اال وهو داخل تاكسى يواصل العدو بدال منه –

تشفت أنى صعدت السلم اك. أسرعت عائدا الى الشقة

تبكى وتنوح أمام الباب ٤٣وجدت .نسيت االسانسير . قفزا

وسرعان ما اندفعت من فتحه الباب لفافـة ، بمالبسها ةمطالب

ـ يمين قد يكون فأوقعتها، و ٤٣ضخمة صدمت ى ذ الطالق ال

سـبب سـقوطها علـى وهبصوت جهورى، أطلقه الرجل

!..األرض ؟

لت عنهـا اللفافـة حم. على الوقوف ٤٣ساعدت

تركتها وعدت الى الدكة مندهشا . أركبتها تاكسى . الضخمة

.أضرب كفا بكف

***

، ٤٣شيئا فشيئا أدركت أن الرجل المهيب هو زوج

!! أو غير أشقاء ، ليس لها أخوة أشقاء٤٣وأن

***

. لقد كادت تضيعنى معها . ١نة رقم أو تلك الساك ..

ثم إذ بسيارات الشرطة تحيط . طة كانت تدعى أنها تعمل خيا

بالعمارة ويقفز منها رجال يقتحمون الشقة ، ويخرجوا مـن

داخلها نساء ورجاال ليس على أجسادهم ما يسترها

***

. تريد أن تثير الزوابع من جديد١٨ها هى .. ثم ..

، أن هذى العروس الجميلة بشر صدقي هل ، ١٨ :

.. تــ .. وجهـا تــ وهى ممسكة بيد ز حبا تكاد تذوب و

.استغفر اهللا العظيم .. استغفر اهللا

..يا حليم يا ستار ـ

***

فـأن أنا لم أعد أحتمل أن أتكتم ما حدث، .. يا سادة

هـذا أن أتـرك لكننه أمر محتمل ، و إال أبوح به للسكان ف

:فهو ما ال يحتمل . يطعن من الخلف الشاب الجميل

..هو رجل ، وأنا رجل :

.. زوج ، وأنا زوج هو :

..وقد علمت ، والبد وأن أخبره :

. كل ما أعرفه ١٨يجب أن يعرف زوج رقم :

الزوج– ٣كلمات الحـب ، لحظـات ، كل ما كان خداعا اأذ :

هـذا ا حتى األصهار ، هل يعقل أن يكون كل دناحالهناء ، ات

..خداعا ؟

بل . ليقتلها ، وليحكموا عليه بالموت ، هو يحبها :

..يكرهها ، أذن لماذا يموت من أجلها ؟

.الطالق هو الحل .. ليطلقها :

:الجميلة وتلك األيام :

.هل أجبرتك على شىء . آه منك مخادعة :

أو لم تختاره هى رغم معارضة أهلها ، وتبرؤهم :

..منها ؟

.. لماذا تطعنه من وراء ظهره ؟اأذ :

.ك لو سألتينى الطالق لطلقت :

ظـل يتقلـب تحـت الغطـاء . لت دموعه اس..

له عين وال يطاوعـه لسـانه علـى ال تغمض . كالمحموم

.مخاطبتها

.أكرهك يا دنسه .. أكرهك :

لقد شاهد فـى أحـد األفـالم .ليقتلها ويهرب بجلده

أحضـر ،خانته زوجته وقرر االنتقام منها . زوجا يفعل هذا

يوما بعد يوم، ورشفة طءراح يجرعها السم بب . زجاجة سم

فى النهايـة مـل . ومعه يجرعها خداع الحب وراء رشفة،

طول الزمن ولزوجة الجسد الخائن ، وضع لها جرعة سـم

.قتلها . كبيرة

لقد قتلت زوجتك ، والـدليل فـى .. أيها السيد ـ

.يدى

فى غرفة الغاز . سار منهارا مع رجل البوليس ..

.ديه دليل على خيانة زوجته كانت نهايته ، فلم يكن ل

:بكت ليلتها ، قالت

.كان بإمكانه أن يلفظها . حرام أن يموت الزوج ـ

:تنهد متهكما..

. يتركها لتنعم بعشيقها :

كان يشترى السم من صيدلية فلقد .لقد اخطأ الزوج

.ابلغ الشرطة . شك الصيدلى .واحدة

.لن أقع فى الخطأ. لن افعل هذا :

..ولكن لماذا يسلم بصحة ما قاله البواب ؟ :

..؟ وما مصلحة البواب فى أن يدعى عليها كذبا :

وما الذى يمنعه من االدعاء ، لعل هنالك سبب ، :

لعل هنالك خالف ، من يدرك ؟

.راقبها آذن -

***

تسلل خارجا بال . نهض من الفراش .. فى الصباح

خطواته ترجحبعد ما تد . نائمة ال تزال تكان. كلمة وداع

أال يجـب قبل جبينهـا مودعـا، على السلم، عاد من جديد،

.يشعرها بشىء ، علية أن يلقمها طعم األمان

***

خرج إلى الشارع . لم يستطيع أن يستمر فى عملة

لقد . ليبصر الدليل بعينى رآسة . مراقبتها لعلية أن يذهب .

البد . ن تشعر باألمان ى اآل ه. مرت ساعة منذ غادرة البيت

:وأنة هناك

.الكلبة -

… أسرع يشير إلى التاكسي

***

. حجرة النوم مغلقة .. نزل ٩ل رقم بعيدا عن المنز

أم هو جالس على حافة الفراش وقد . أتراها معه فى السرير

ـ تارتدى منامته ، واراح ل هى رأسها فوق فخذه كمـا تفع

.معه

..ة الحقير.. الحقيرة -

بكل قوتـه . التقط حجرا من فوق الطور .. انحنى

.قذف به النافذة المغلقة ، وفر هاربا

***

فاض أ. عاد إلى عملة اخذ يكتب إلى زوجته رسالة

ينزل على رغبتهـا هقال أن . ذكرها بالفيلم . هكل حقد بفيها

رجاها أن تترك المنزل حتى ال تدفعـه الرتكـاب . ويطلقها

مـرر . وضعها فى المظروف . ثنى الرسالة .جريمة قتل

ابتلعهـا . شعر بمرارة غريبة فى فمه . لسانة على الصمغ

إلـى ناولـه للسـاعى ليوصـله . اغلق المظروف . عامدا

.زوجته

***

رغم حلمه بأن يصل إلى صعد الدرجات مترددا ..

الفراش ليرتمى فوقه وينام، فلقد قضى يومه خـارج البيـت

حزن عجيب . قلبه منقبض صة الرحيل، كان جتى يعطيها فر

فـى السـينما يشاهد ه أصر على أن رغم أن . يعتصر كيانه

رائحـة . مظلم . البيت صامت . فتح الباب . لما ضاحكا يف

تقدم فـى . أضاء كل المصابيح . غريبة تنبعث من المطبخ

. أسرع يفتح النوافذ . أنبوبة الغاز مفتوحة . اتجاه الرائحة

. ليتها أحرقته . تريد أن تحرق المنزل ئنة الخا :

معلقة فى أمام الباب ورقة . اتجه ثانية إلى المطبخ

:ها، قرأ كلماتها فى لهفةالتقط. المفتاح

من فإذا كنت تطردنى . لقد بعت الدنيا ال أشتريك "

. ةخرمالذى إذا هو اآل . كلها، فانك تطردنى من الدنيا حياتك

"ظلمك لى وليغفر اهللا.. وداعا

يعيـد قرائـه . ال يفهم شيئا . به األرض تدار..

ال تستطيع أن تسـتدل علـى .يده تلتقط المفتاح . الكلمات

مكان القفل

لكنها لم تدافع عن نفسها لم تشر لبراءتها بكلمـة :

واحدة

قد أكون أنا . ورغم كل شىء هى التتساهل الموت :

. حدث طأأكيد هناك خ. الذى دفعتها لذلك

.احفظها يا رب -

الزوجة ممددة فـوق ارض المطـبخ ، . فتح الباب

، حملهـا ارتمى على جثتها يتحسس نبضها وقلبه يكاد يتوقف

:بين يديه

. يا حبيبتى ، فإلى أين كنت سـتذهبين كلقد قتلت ـ

.إلى أين ؟

يسقط رجـال . تعثرت خطواته فوق دراجات السلم

:ليتبعها باألخرى

قبض على ، لقـد قتلـت زوجتـى أيها الضابط ا -

. بالغاز

يلوح في وجه ٢٨في المدخل وقف ساكن الشقة رقم

.البواب ، والبواب يحتج بأنة ال يعلم، وقد سدا عليه الطريق

بعينا البواب، أسرع إليه معتذرا بأنه قـد التقت عيناه

.أخطأ رقم الشقة التى زارها الغريب

١٩٨٨مجلة زينة يونية

ـ١ـ ت أبوه أوصاه أن يحافظ علـى ثروتـه، ومي قبل أن

ولقد ..ربا ال كون ماله من بخيال األب ، فلقد كان اوأن ينميه

:قال له ناصحا

ال تستمع إلى أخوك األكبر، وال تسير على دربه، ـ

يبيع كـل مـا فهو مسرف ال يمتلك قرشا إال وبدده، وسوف

يؤول إليه بعد موتى، ويضيعه على زوجته وأوالده ومتعـه

الدنيئة التى ال تنتهى، أما أنت فأراك حريصا منذ صـغرك،

.فكن مثلى، واسلك مسلكى فال قوة إال بالمال

مؤكدا صدق أبيـه، وثاقـب , وهذا ما تحقق بالفعل

اإلعالن عـن في " حامد " نظره، فما أن مات األب حتى بدأ

يع قطعة من األرض التى ورثها، فأسرع هو إليه وتعاهـد ب

معه بأن ال يبيع ألحد غيره، وبعد جدل ومداهنـة اشـترى

قطعة األرض بأقل من سعرها، وما أن استقرت رزم النقود

حـى راق، وانتقـل في يد أخيه حتى سارع بشراء شقة في

إليها مع أوالده الخمسة، ولم يكتف بذلك، بـل أثـث البيـت

د بأحدث وأغلى أنواع المفروشات، وسرعان ما صـار الجدي

كفه خاويا بال جنيه واحد، فجاءه يعرض عليه شراء قطعـة

أرض جديدة، واشترى لنفسه سيارة، بل واشـترى لزوجتـه

" حامـد " سيارة ثانية، وحين عاتبه على إسرافه رد عليـه

:قائال

.ملعون المال الذى ال يسعد صاحبه ـ

:اب، قال له أخوه الكبير العتفي وحين اشتد

أليس ما أنفق مالى، إذا فال شأن لك بما أفعل، ولو ـ

قصدتك يوما سائال العون فلك أن تغضب، بل وأن تطردنـى

.وتتبرأ منى

:ثم قال له ناصحا

ـ يا أخى ال تخش الفقر، فاهللا هو الرزاق، وطالمـا

أوجـه تغضـب اهللا، وال في كنا ال نسرف، وال ننفق المال

.من زكاة، فال خوف علينا من الفقرسى أن نخرج ما علينا نن ـ٢ـ

صميم أعماقـه، في "حامد " أصابته كلمات أخيه ..

وشعر بغصة جعلته يبتلع الكلمات التى كانت علـى طـرف

لسانه، فلقد كان فعال يخشى الفقر، بل ويشعر بأنه فقير جدا،

األبنـاء، إنجـاب في أمام سفه أخيه وكثرة إنفاقه، ومبالغته

فبماذا سيفيده ذلك، غير كسر الظهر وكثرة المطالب، وضياع

!!.المال ؟

وحين علم بأن أخيه الكبير قـد نقـل أوالده مـن

المــدارس الحكوميــة ليــدخلهم مــدارس خاصــة باهظــة

المصروفات، لم يملك نفسه، وعاد يعاتبه على هذا التصرف

:األحمق، فرد عليه قائال

روة الحقيقية التى يهبها لنا اهللا، إن أوالدنا هم الث ـ

والعلم هو السالح الذى نتركه لهم ليواجهوا به الدنيا، وهـم

.الذكرى التى نتركها بعد موتنا

:ولم يملك سوى أن يتمتم لنفسه ..

سفيه، أخذ ما ال يستحق، وبالقطع سيبدد كل مـا ـ

.ورث ليموت شحاذا ـ٣ـ

أنه ما كان علـى قرارة نفسه ب في لقد كان يشعر ..

أبيه أن يورث هذا األخ المجنون، الذى ال يعرف حدوده، وال

واقع حاله وموقعه بين األغنياء الحقيقيـين مـن أصـحاب

الماليين والمليارات، فهو يتصرف معتقدا أنه من األثريـاء،

إذا ما قورن بهم، ولكنه ليس فقير.. الواقع فقير في بينما هو

ا جزء مما يحدث، خاصة وأنه كان الوحيد المذنب، فأبى أيض

يعرف بسفه أخيه، بل ولقد أعلنه به، فلماذا لم يحرمـه مـن

!!. .لماذا ؟.. الميراث

كان األخ األكبر يفعل ما يفعل، كـان هـو ما وإذا

يسعى ألن يعوض ما ضيع بمزيد من التقتير علـى نفسـه،

وبمزيد من الحرص على ما ورث، بل وتنميته وتكثيره، فهو

ر وشعال مهما كان ما ينفقه قليال كان نفقما أضطر ألن ي إذا

، فكل قرش ينفقه يتهـدد وجـوده، عليه شتداداايزداد الفقر ب

نفس البيت في الحى الشعبى، و في لذلك ظل مقيما لزمن طال

البورصة بضـرورة في نصحه وكيله الذى نشأ فيه، إلى أن

يسـتجب ترك هذا البيت، بل واشتد عليه حين ما ماطله ولم

لنصحه فهو يرى ضرورة ظهوره بمظهـر يـدعو الجميـع

للشعور بأنه أكثر ثراء، حتى يستطيع أن يحقق المزيد مـن

الثروة، وحتى تقبل البنوك إقراضه، ويرضى التجار ورجال

األعمال أن يبيعوا له بضاعتهم باآلجل، ولوال هذا جميعه، ما

نـة، ولمـا حى األثرياء بالمدي في استجاب له وانتقل للسكنى

اضطر بعد فترة إلى بيع سيارته القديمة، وشراء سيارة جديدة

ذلـك في بل وشديدة الفخامة، وثمنها قاتل، ولقد ناقش وكيله

طويال وراح يسوف ويناور، فاقترح أن يستأجر السيارة كلما

أراد الظهور أمام أصحاب األعمال، بدال من شرائها، لكـن

لحساب، بأن اإليجار سوف وكيله أقنعه عن طريق األرقام وا

يكلفه نفس قيمة القسط الشهرى الذى سيشتريها به إن لم يكن

سيزيد عنه، ولما رأى المال ينحـاز لفكـر وكيلـه وافـق

يستخدم واشتراها، لكنه بعد حين فوجئ بوكيله يطلب منه أن

فـي سائق، فاقترح عليه أن يدرب الطباخ على القيادة ليقوم

:أوقات فراغه بهذا العمل، لكن الوكيل أوضح قائال

بل يجب آن يكون من ستستخدمه سائقا مـدربا ـ

.وشديد التأنق وله سابقة عمل عند الطبقات الثرية

وقد كان ووجد نفسه أمام شاب قوى البنـاء حسـن

اللحظات في المظهر، شديد التأنق، حتى أنه صار ينقم عليه

رآة ليرى ما قد ارتداه هو، فلقد كانـت التى يقف فيها أمام الم

غاية السوء، ألنه كان يشتريها من أرخـص في مالبسه تبدو

المحالت منتهزا مواسم التخفيضات وبيع البقايا من مخلفـات

المصانع، ولم ال يكره إسراف هذا الشاب، أليس المال الـذى

!.يشترى به من راتبه الذى يتقاضاه من ماله؟

حزنه على ما ينفق فهو يقلل من فيشتد كربه، ويزيد

ماله وال يزيده، رغم حرصه الشديد على أال تمتد يـد إلـى

حسابه، فعلى الجميع أن ينتظروا العائدات في جنيه تم إيداعه

التى تدرها استثماراته بالبنوك، ولهذا فلقد تضخمت ثروتـه

!!.بمرور السنين

كان يتابع الحياة االقتصادية بشـغف وتحفـز، وال

رك فرصة القنص إال واهتبلها، وحين حدث تعثر لشركات يت

النقل البحرى بسبب الكساد التجارى، اشترى باخرة ثم أخرى

نقل الركاب بـين في ا يعمل يرب ك حتى أصبح يملك أسطوال

واكثر ربحا من انتظار , الدول الفقيرة، فلقد وجد ذلك أضمن

.نقل البضائع ـ٤ـ

وت أبيهم، فنصحه وكيل ذات يوم أبلغه أوالد أخيه بم

أعماله بأن يقيم له مأتما ضـخما، ليظهـر قوتـه وثـراءه

للمنافسين، فاتصل بأبناء أخيه ونصحهم باختيار دار مناسبات

فخمة، ومقرئين من المشاهير، وسارع سكرتيريه باالتصـال

بكل من يتعاملون معه ويخطروهم بالموعد والمكـان الـذى

جدوه بالفعل يتصـدر القاعـة ، ولقد و "الباشا " سيتواجد به

ويتلقى العزاء، وقبل أن ينتهى المقرئ من ختم القـرآن فـر

هاربا، فلقد أدرك أن عليه أن يدفع تكلفة المأتم إذا ما اسـتمر

!!. جالسا

ـ٥ـ ذروة موسم الحج ونشاط بواخره بين مـوانئ في و

، وكـادت تغـرق منهـا بـاخرة عطبت مصر والسعودية، أ

نفجار المحرك الرئيسى بهـا، وحـين بلـغ ا بسبب بركابها،

الملياردير ما حدث ثار ومار وتوعد المتسبب بأشد العقـاب

بعدما حرمه من عائد موسم من أهم المواسم، وطلب إخطاره

هذا الخراب، أما المحرك فلقد كان علـى في باسم المتسبب

ثقة من كون شركة التأمين سوف تشترى له محركا جديـدا

وهو ما هون عليه الخسارة فـثمن المحـرك بدال من القديم،

الجديد يغطى مواسم عديدة، وجاءه تقرير المسـاعد الفنـى

هذا العطل، فلقـد في ليؤكد أن كبير المهندسين هو المتسبب

كان يحقد عليه ويكرهه لتفوقه وعلمه الغزير، وهو ما كـان

أن يكـون هـو المهنـدس األول علـى في يحبط طموحاته

لقد جاء قرار الملياردير برفـت المهنـدس الباخرة، ولهذا ف

رغـم ، األول وبحرمانه من كل حقوقه عن الفترة التى عملها

تلـف في تأكيد مكتب الخبرة الذى عاين المحرك بأن السبب

في المحرك راجع إلى استعمال زيوت رديئة ورخيصة الثمن

عملية التزييت، أيضا لعدم التزام إدارة الباخرة بعمل دورات

مواقيتها المختصة المحـرك التـالف في ة والتحديث الصيان

، ورغـم علمـه بـأن جنيـه ى بمليون ت قيمة اإلصالح قدر

، وأنه يمـر بظـروف "حامد " ابن أخيه المهندس األول هو

صعبة، فزوجته حامل وهو ال يملك غير راتبه، وتمتم وهـو

: شماتة في يتنهد

. فليحصد سفه أبيه ـ ـ٦ـ

الفنى لمكتب الخبرة إلى شركة حين يصل التقرير و

ألن سبب العطل ناتج عن إهمـال التأمين ترفض اإلصالح

يصـاب بأزمـة الشركة المالكة للباخرة، وحين يبلغه الخبر

وتنهار حالته الصحية وتزداد سوءا لحظة مـن بعـد قلبية،

لحظة، وال يجد األطباء أمامهم حال سـوى سـفره للخـارج

تبين لهـم سـابقة إصـابته إلجراء جراحة ضخمة، بعد أن

.القلب لم يعالج منها العالج المطلوب في بأزمات متكررة

ـ٧ـ

التى في المستشفي طفال زوجة المهندس األول وتلد

أمـا سارع اخوته بدفع تكاليفها، بعد سماعهم بما حدث لـه؛

الملياردير فلقد مات كمدا فور إجراء الجراحة، عندما سـمع

طباء، وبالفـاتورة التـى طالبتـه بهـا باألجر الذى طلبه األ

المستشفى، وحين بلغ المهندس ما حدث لعمه، قرر أن يحمل

الوليد اسم العم الراحل الذى آلت كل ثروته ألبنـاء أخيـه،

نشوته بجمع المـال وتكثيـره أن في بعدما نسى الملياردير

.يتزوج، فلقد كان يحسب أن ماله أخلده

- ١ - الدوار وحيـدا فى" حصافى مستكفى" الشيخ جلس

الليل شديد الظلمـة، ومـن كانبعد أن غادره آخر زواره،

شرفة الدوار كانت تطل عليه نجمات صغيرات من السـماء

ه بنجمة وحيدة متألقة راحت ا وحياء، وقد تعلقت عين وهنفى

" وهو يجـدها كابنتـه حامدعليه، وتنهد الشيخ تشع بنورها

الـدنيا بال اخوة وال أخوات، لقـد أعطـت وحيدة " مرمرية

مما كان يرجو، فلقد شب فى أسـرة أكثر " مستكفى" للشيخ

كان ترتيبه فى قائمتها الثالث عشر واألخير، الحالمتوسطة

اهللا عليها، ال تمل مـن رحمة " خدوجة" وكانت أمه الحاجة

:ديد قصة مولده تر

وبعـد أن اكتفينـا .. جئت غلطة يا مستكفى لقد -

ولذلك أصررت على أن أسـميك مسـتكفى، خلفة،

: " لـى يقـول أبوك كان دائم القلق من أجلك، كان المرحوم

جاء والدار فـى غيـر فلقد محدود، رزقه سيكون " مستكفى

أو نام يوصـينى صحى وكان كلما العيال، للمزيد من حاجة

: دائمـا الخوف عليك، وكـان يقـول شديد كان خيرا،بك

الذى لـن عشر الثالثة هو الوحيد من بين أوالدى المستكفى

فى الستين مـن عمـره، وأبوك خلفناكأحضر زواجه، فلقد

أبوك ومات وأنت ابن عشر سنين، ولكن قاله، ماولقد صدق

اهللا بسـم مستكفىفأنت يا .. يصدق فى حكاية قلة الرزق لم

وماال وجاها، أرضا وأكثرهمشاء اهللا أكثر اخوتك رزقا، ما

تتم تعليمك لتصبح أفندى مثـل أجعلك أنرغم أننى حاولت

يـا الرزق لم تفلح، ومع هذا فأنت واسع ولكنك اخوتكباقى

.مستكفى يا ابنى

: مستكفى قائال فى صوت كاألنين ويقاطعها

.أمى إال فى الخلفة يا -

: كتفه مؤنبه الحاجة علىوتضربه

اهللا وينقص، واحمـد يزيد سبحان مقسم األرزاق -

أن قادر اهللا . .كلها أجمل بنات البلدة فهى " مرمرية" على

.وبنات بنينيرزقك من ذريتها األحفاد

الجميالت، ورغم كونها لم جميلة " مرمرية " وألن

من عمرها، تقدم لطلب يدها عشـرات عشرةتتخط السادسة

ومدرسـين مهندسـين : ب أعرق األسـر بالناحيـة من شبا

درويـش " ملحـوس " وصحفيين ومالك أرض، حتى الولد

" مسـتكفى " إليه يطلب يد مرمرية، ولكن الشيخ تقدمالقرية

شـاب ثـرى فهـو " البشارى مراد" أن يزوجها لـ فضل

عاصـمة ومثقف ومن أسرة ذات نفوذ، كما وأنه يسكن فـى

ال تحب حياة الريـف، كانت " مريةمر" اإلقليم، خاصة وأن

.وكانت شديدة الضيق بها

الشيخ مستكفى أن هذه الزيجة قد تمت علـى وفات

الماليـة، حالته " البشارى " عائلةأسس حسابية، فلقد درست

أرض وأموال بعد وفاته، أما من " مرمرية" وما سيئول إلى

ابهـا إنج عند " مرمرية" فى حياته فلقد رسمت الخطط لدفع

تطلب من أبيها لكل طفل وطفلة بضع أفدنـه أن " مراد" من

" تأول كـل أمالكـه لعائلـة فشيئامن أرضه، وهكذا وشيئا

".البشارى

تعيش فى فرح القرية " مستكفى" لقد جعل الشيخ ..

ثالثة ليال، لم ينقطع فيها تقديم الطعام لكل عابر طيلةمتصل

ويتيم، واستمر السهر كـل محتاجسبيل، واللحم والمال لكل

ليلة فى غناء وطبل وزمر ورقص حتى يؤذن لصالة الفجر،

خطيبها، وحملتها السـيارات إلـى إلى " مرمرية" زفت ثم

عدد سياراته على المائة سيارة، حيث يزيدالمدينة فى موكب

فيال فخمة ضخمة على شـاطئ فى" البشارى مراد" يسكن

".رةالمنصو" بمدينةالكبيرالبحر

" مـراد " أقبـل حتى هى إال شهور قالئل وما ..

وهو ينـزل له ويقول " مستكفى" البشارة لحماه الشيخ حامال

:من سيارته الفخمة

.إن مرمرية حامل .. يا عم أبشر -

فرحا، ويدعو اهللا أن يطير " مستكفى" الشيخ ويكاد

" مريةمر" له فى أحفاده كما بشرته أمه، فتأتى الخيريكون

عن ويتخلى مجلسه، من البنات والبنين، ويترك الشيخ بقبيلة

: وصوته يتهدج مهنئا، " مراد" وقاره ويحتضن

حياتكماربنا يمأل عليكما .. مبروك يا مراد ألف -

.بالخلف الصالح

- ٢ - وتمر الشهور سراعا، ويبعث مراد بسائقه ليحضر ..

د جاءتها آالم الوضـع، فمرمرية ق المدينة،حماه وحماته إلى

علـى وجـه للسفرويطلب منهم السائق أن يرتديا مالبسهما

السرعة، وتنتاب الشيخ مستكفى فرحة شديدة فكـل مـا ورد

ترزق بتوأم مـن الـذكور أو سوف " مرمرية" بخاطره أن

خيـر .. بنتين لوحتى : ببنت وولد، ويردد بينه وبين نفسه

.بنون وبركة، فبعدهم بالقطع سيتوافد ال

كانت على غيـر حالـه، فلقد " صالحة" زوجته أما

يتقطع قلبها من القلق والخـوف علـى ساهمة،كانت واجمة

تنسـى أنهـا والوحيدته، فهى تعرف آالم الوالدة األولـى،

أما بعد ذلك فيقـال ، "مرمرية" كادت تموت وهى تلد ابنتها

. الوالدة تكون يسيرة وميسرة ان

" ما إلى فيال حامد كما توقع الشيخ يتجه السائق به لم

إلى داخل المدينـة، وسـأله الشـيخ اتجه ولكنه ، "مستكفى

:مستفسرا

. أين يا أسطى شحاتة ؟إلى -

: السائق قال

ولـذلك نقلهـا .. هانم وضـعها متعسـر الست -

. بك إلى المستشفى مراد

السيارة أمام مستشفى خاص شـديد األناقـة ووقفت

وهل أقل من أن تلـد : لنفسه مستكفىالشيخ والفخامة، وقال

.فمال حامد وفير والحمد هللا .. ابنته فى المستشفى

زادت اكتئابـا فـوق فلقـد " صـالحة " الحاجة أما

هواجس تكاد تصل إلى اليقين بأن مرمرية ومألتهااكتئابها،

وأخرى، فلـم لحظةفى خطر عظيم، وأنها ستضيع منها بين

:لة فى حزن تملك دمعها وتوجعت قائ

.ضناي.. وحيدتى .. ابنتى -

:الئما " مستكفى" لها الشيخ فقال

. أيقنى خيرا .. صالحة بشرى وال تنفرى يا -

واندفعا يقفزان السليمات خلف السائق، وسـقطت ..

ودموع " حامد" األرض فور رؤية على " صالحة" الحاجة

قد حملها زوجها التأثر تمأل عينيه، فلم تغادر المستشفى إال و

بجبانة القريـة، رغـم محـاوالت لتدفن " مستكفى" الشيخ

منها، ورغم نقلها إلى الوليداألطباء إلسعافها، ورغم تقريب

الحجرة التى كانت مرمرية تنام فيها تحت تـأثير المخـدر،

. وضعت وليدها بعملية قيصرية بعدما

- ٣ - البيت وجد ، "مستكفى" أن هدأت أحزان الشيخ وبعد

فهو ووحيد بال أنيس، وشعر بأنه يكاد يموت من عليهقد كبر

زميلـه " جودة سيد " صباهالملل والهم، وفجأة يتذكر صديق

فيقرر أن يسافر إليه حيث يسكن بالقـاهرة، فهـو بالمدرسة

" فلعـل " القللـى " بحى أسرتهبالقطع مازال يسكن فى بيت

حال الحزن الـذى من يخرجه عهده فيه من مرح، بما " سيد

يعيشه منذ وفاة زوجته، ويكفى أنـه سـيخرج مـن منـزل

ال يحمل بين جدرانه غير صورة الغالية التى الذىالذكريات

. جليس والرحلت عنه فجأة وخلفته وحيدا بال ونيس

الوصول إلى مسكن فى " مستكفى" يتعب الشيخ ولم

فـى فلقد صدق توقعه، ووجده ما زال يسكن ،" جودة سيد"

. أصابت المبنى التىبيت أبيه رغم الشيخوخة

بعد أن لمـح مـا يحملـه بالترحاب " سيد " استقبله

عليـه زوجتـه وأقبلت ولفافات وطيور، أكياسصديقه من

أنها سـيدة وأدركمرحبة صاخبة رغم أنه لم يرها من قبل،

.ودودة

خال الصديقان إلى بعضهما، راحا يتـذاكران وحين

أن علم بوفاة بعد " مستكفى " للشيخ " سيد" ال أيام الصبا، وق

:زوجته

. صديقى أنت يلزمك الخروج للدنيا يا -

" :مستكفى " قال

. جئت إليك بعد أن اختنقت من الوحدة لقد -

. هيا بنا إلى االنطالق والفرفشة إذا -

- ٤ - لونـا مقهـى وجلسات الصديقان أيام الشباب استعاد

" عماد الـدين، ورغـم أن الشـيخ ، وسهرات شارع كبار

وجد المقهى لم يعد بجاذبيته القديمة، وأن شارع قد " مستكفى

" من المحـالت، إال أن متراصةعماد الدين أصبح مجموعة

بشـارع ذهب به إلى أماكن أكسر سحرا ومرحـا قد " سيد

الهرم، ووسط جو المرح وذكريات الصبا والغرام، قال لـه

" : جودة سيد"

بـالبنين يا مستكفى لماذا ال تتزوج لتـأتى لى قل -

. ؟اسمك ليحملوا

:مبتسما "مستكفى " قال

.. فيهـا والبركـة رزقنى اهللا بابنتى مرمرية، لقد -

المرحومـة وال اإلتيان به ال أنا أستطعفهى ستأتينى بما لم

.أمها

يضغط على الكلمات حتـى يكـاد وهو " سيد " قال

:يسحقها

وال.. ة تحمل اسمك أنت يا مستكفى لك ذري أقول -

. تحمل اسم زوج مرمرية ابنتكأن أقصد

: مستكفى وكأنه يقطع الطريق قال

رجـال هى المجنونة التى تقبل بأن تتـزوج ومن -

. من عمره ؟الستين من يقترب

: سيد قال

أنت ال يظهر عليك سـن، فـالخير الـوفير أوال -

ال تـنس أن ثم.. بعين الوافرة يجعالنك فى سن األر والصحة

. روحه تطلعالرجل منا يظل ينجب إلى أن

: حازت الفكرة قبوله وقد " مستكفى " قال

ال إن تزوجت فسوف أقيم بالقاهرة حتـى ولكنى -

يمضـغون أجرح مشاعر مرمرية أو أتـرك أهـل القريـة

بكر تعيـد .. صغيرة بنتقصصهم حولى، كم إنى إن أتزوج

. على قلبى بهجةال وتدخل .. إلى شبابى

" :سيد " قال

هـى عروس .. وعروسك عندى .. مقبول طلبك -

فردة تحل من هىمن اآلخر .. إلى جانب الصبا ملكة جمال

.حبل المشنقة

: همة فى " مستكفى " قال

. أراها ؟ومتى -

" :سيد " قال

. موعدا جارتنا وغدا سأجعل زوجتى تحدد لك هى -

: فى انتعاش كاضاح " مستكفى " قال

.وتتركنى وحدى يا سيد ؟.. لى موعدا تحدد -

" :سيد " قال

وأنت ك،سندي تريد وهل عيب يا رجل يا عجوز، -

.فتيات؟ كنت تسندنى مع كل من عرفت من من

" :مستكفى " قال

لقد أنستنى معيشة الريـف كـل .. ان يا ما ك كان -

لك أننى قلت لوى هل تصدقن .. الجرأة فى معاملة البنات تلك

.وحدى ذهبت لوسأغرق فى عرقى خجال

" :سيد " قال

معـك سأحضر .. ال تهن على يا مستكفى وأنت -

نفسـى بها أهندم نقودالمقابلة فقط امأل يدك الكريمة برزمة

.بالشريفةحتى أليق

ينهض ويشير للنادل طالبا دفع وهو " مستكفى " قال

:الحساب

لتأخذومر على .. دقى ألنم مبكرا أذهب إلى فن إذا -

لو تمت هـذه الحالوةوسوف تكون لزوجتك .. مائتى جنيه

.الزيجة

:ضاحكا " سيد " قال

.وتفهم األصول ؟ .. أستاذ ألم أقل لك أنك -

- ٥ - " وزوجتـه " سـيد " مساء اليوم التالى صـحب فى

ب لهم الباوفتحت بيت ال يبعد كثيرا عن بيتهم، إلى " مستكفى

فتاة شديدة الجمال، ثم تقدمت ترشدهم إلى حجرة الصـالون،

جسدها تتأود تحت البلوزة الفضفاضـة وقـد منوكل قطعة

بينمـا كشف صدرها المفتوح عن صدر ربراب كـالمرمر،

" أظهر البنطلون شديد الضيق مفاتن سـاقيها، فلـم يتمالـك

: من أن يقول بصوت مسموع نفسه " مستكفى

.. لعظيم الخالق اسبحان -

:قائال " سيد" مال على ثم

. تقبل مثل هذه الفاتنة الزواج منى ؟وهل -

: يغمز بعينه وهو " سيد " قال

ال رجليا .. إليها ستجد عينيها تكالنك أكال انظر -

هذه األيام يعرفـون بناتوال تنس أن .. تحط من قدر نفسك

يشـربوا مـا لم يأكلوا ما أكلنا أو خرعأن شباب هذا الجيل

الممتلـئ والجو العفن لوثتهم الفراخ التى تأكل وقد.. شربنا

رجـل ألـم يـا المتوترة،وهدتهم الحياة .. والسمومبالدخان

.أم تراك فقدت دهنك .. العتاقى أن الدهن فىتعرف

" مسـتكفى " نشوة، بينما قال فى" جودة سيد " وقهقه

: حماس فى

وسـوف .. هى تقول موافقة على زواجـى فقط -

. منها يا أبو السيد عنى كل ما يسرك تسمع

: مرتفع بصوت " سيد " قال

العريس الـذى يفـيض هذا ما رأيك يا نواعم فى -

. وماال ؟حالوة

: خجل مصطنع فى " نواعم " قالت

. لى رأى وأنت موجود يا أستاذ سيد ؟وهل -

" :سيد " قال

. نقرأ الفاتحة إذا

يقرأ الفاتحـة، ثـم كفيه " فىمستك" وعى رفع وبال

:اءلتس

. نتمم إجراءات الزواج ؟ومتى -

" :سيد " قال

نحددثم .. غدا نشترى الشبكة .. البر عاجله خير -

.موعد الزواج

: أفقدته نظرات نواعم صوابه وقد " مستكفى " قال

الشـبكة نشـترى .. ال نتمم كل شىء غدا ولماذا -

.ونتزوج الشقة والموبيليا ونشترى

: ميوعة فى " نواعم " قالت

كيف .. لست حملك .. على يا مستكفى بك بالراحة -

.نشترى شقة ونفرشها فى يوم واحد ؟

" :مستكفى " قال

العسل فى أى فندق خمسة نجوم لفترة شهر ننزل -

. إلى شقتنا ننتقل ثم

: دالل فى " نواعم " قالت

. وباسمى ال يا حبيبى بل شقتى أنا .. شقتنا -

: وله فى " مستكفى " قال

هـى شـقتك .. طلبتى ما يعز على جمالك وهل -

.فقط اسمحى لى أن أبيت معك فيها .. وباسمك

: صوت متناغم فى " نواعم " قالت

بالخجـل إن كالمك الصريح يصيبنى .. معى تنام -

. هذا كالم ال يقال إال بعد كتب الكتاب..

: لعابه سالوقد " مستكفى " قال

المأذون كان يرضيك نكتب الكتاب حاال فمكتب إذا -

لـك شـيكا وأكتب.. على قمة الشارع والشهود موجودين

من هنـا إلـى فنـدقنا ونخرج.. ومهرك الشقة .. بالشبكة

البـر خير قال صديقى سيد أفندى وكما .. وعروسهعريس

.عاجله

- ٦ - أو جالسـا نائما يحلم، كان " مستكفى" الشيخ وكأن

يشاهد فيلما، فلقد نفذ سيد جودة ما قاله، وعقد له السينمافى

فندق، وتاه فى عيونها والتصق فىالمأذون، واستأجر جناحا

وفعال، ولقـد اسما " نواعم" بنعومة لم ير لها مثيال فهى حقا

مـن أنـه وتأكد العشرين، ابن له أنه مازال ما أكد أسمعته

.ن عشرين يستطيع أن ينجب من البني

نـواعم وجد " مستكفى" الصباح حين استيقظ وفى

وقد استغرقت فى النوم، وهنا بدأت أمـور فراشهعارية فى

أهل نواعم فأين : " إليهاكثيرة تتقافز فى ذهنه لم يكن منتبها

.. منه من غير أخذ رأيهـم ؟ زواجهاوكيف وافقت على .. ؟

.. ؟ لها أهـل تخطت سن الثالثين ولكن أليس قد صحيح أنها

مـن تكـون أن " سيد" إنها ليست عذراء كما طلب من ثم

" سمارة " الزواج وثيقة كما وأن اسمها فى !.. ؟ منهايتزوج

!!." نواعم ؟وليس

التفكير وهو ينظـر إلـى فى " مستكفى " أستغرق

الممدد بجانبه، فلم يصدق أن فى هذه الـدنيا المرمرىالجسد

ويملـى " نواعم" يتأمل " مستكفى" امرأة بهذا الجمال، راح

نظره منها للحظات ولحظات حتى اتقدت رغبتـه، ودون أن

: يهمس لهواجسه وهويدرى التصق بها

هل سيدثم إننى لم أسأل .. لعلها يتيمة ؟ يدرينى ومن"

أمام هذه شيئا االسم وهل يضيف .. ؟..هى عذراء أم مطلقة

ثم إنهـا أصـبحت . !!.؟ مسخوطةالفتنة حتى لو كان اسمها

." الناس وأمام اهللازوجتى أمام

- ٧ - وهو يجذب زوجته إلى طويال" جودة سيد " ضحك

:صدره قائال

وهو من تدلل حين .. وهكذا شربها مستكفى أفندى -

وها هو ذا .. "حسنية" عرضت عليه أمى الزواج من أختى

.صائدة الرجال " سمارة " قد تزوج من

: زوجته ونظرت إليه قائلة تعجبت

. لى ما أصل الحكاية يا أبو السيد ؟قل -

: لها وهو يتمدد على السرير قال

لقد كـان مسـتكفى .. حكاية طويلة وقديمة إنها -

تتـولى أمه وكانتكان يتيما .. فى المدرسة االبتدائية زميلى

.. ورثها عـن أبيـه ميراث قراريط بضعاإلنفاق عليه من

ليسكن عندنا بدال نأخذه فالح وأصيل طيبهو ولد أمى قالت

"حسنية" البنتنا مفروشة وبعد أن يكبر نتخذه حجرة سكنىمن

خيره بدال من حياتها فى وتتمتعزوجا يصونها ويحافظ عليها

.معنا فى ضنك

ولكنـه لـم .. بيتنـا ليعيش فى " مستكفى " وانتقل

الثانويـة ىف تعليمه فلقد تكرر رسوبه فى االستمرار يستطع

مـواالة أمـه تسـتطع العامة حتى فصل من المدرسة، ولم

منه ألمى أن يحضـر وعد علىاإلنفاق عليه فعاد إلى قريته

ولكن األيام والشهور مرت ، "حسنية " أختىله أهله ليخطبوا

سنا تكبره ثرية بوعده، ثم علمنا بأنه تزوج من امرأة يف ولم

ذلك حتى أصبح مـن فى نجحولقد .. حتى يتاجر فى أموالها

" حسنية" بحسرتها ثم مرضت أمى وماتت.. أثرياء منطقته

لم تكن زرتها تعالج فى المستشفيات وكلما وظلت موتها، بعد

حتى أشـفقت عليهـا أخباره،تسألنى إال عن مستكفى وعن

ذلـك لها فى حادث، وليتنى ما قلت مات بأنهوأخبرتها كاذبا

وحـين ظهـر .. بأمهـا لحقت المرض حتى عليهافلقد ثقل

..ألختى آن األوان ألن أنتقم قد علمت أنه مستكفى

: الزوجة وهى تنظر إليه فى قلق قالت

. أن تفعل بى ما تفعله بالناس أخاف -

: سيد متضاحكا قال

تعلمينوأنت .. هذا معقول يا زوجتى الثالثة وهل -

.أن الثالثة ثابتة ثبوت الحديد

: فى دالل قالت

.أعلم -

سيد مستثيرا رضاها وهو يعلـم مـدى حبهـا قال

:للمال

هـذه هل تعلمين كم هى عمولتى من وراء ترى -

.الزيجة حتى اآلن ؟

:قالت

. ؟كم -

: سيد قال

ويتبقـى .. آالف جنيه بالتمـام والكمـال عشرة -

. من ثمن الشقة نصيبى

. أن تنفقها على المخدرات يا سيد أخشى -

:قال

. مستحيل -

: وهى تدفعه بعيدا عنها قالت

تعطنـى مستحيل أن أستجيب لرغباتك ما لم وأنا -

اهللا أهد هـذه وحق وإال.. خمسة آالف جنيه بالتمام والكمال

. راقصة الكباريهبسالمتها ورأسالزيجة على رأسك

دوالب دلفـت سيد يتطوح من السـكر ففـتح قام

ثـالث رزم مـن دومالهالمالبس واستخرج من تحت كومة

.النقود وناولها لزوجته بعد أن قبلها

نعمـل واأللفين بعد أن .. آالف عربون لك ثالثة -

.اتفقنا ؟.. عريس وعروس

: وهى تنضو مالبسها فى رضا قالت -

.اتفقنا -

- ٨ - من القاهرة لم يتجه إلى " مستكفى " حين عاد الشيخ

" مراد البشارى " و فيال ذهب إليه ه قريته، بل كان أول مكان ي

مرمرية عاتبة عليـه " حيث توجد ابنته وحفيده، ولقد قابلته

:طول انقطاعه عن رؤيتها قائلة

يـا لى فى هذه الدنيا سند غير اهللا ثم أنـت وهل -

!.بى؟أ

: يمأل صدره والخزى " مستكفى" الشيخ قال

ولكنهـا .. كل الحق فى عتابك يـا ابنتـى معك -

تعلمـين وأنت القاهرةلقد افتتحت لى متجرا فى ف .. التجارة

أساس حتى يـأتى له البد أن يوضع بدء عمله أن المتجر فى

.بالثمر

: برقبته وتقبله تتعلق وهى " مرمرية " قالت

.الزيارة باهللا يا أبت أال تغيب على فى أستحلفك -

: مستكفى وهو مطأطأ الرأس قال

.ن تتكرر إنها غلطة ول.. يا ابنتى أعدك -

كـل فأنجز من يومه إلى القرية، "مستكفى" وسافر

" أعماله المعطلة، ولكنه لم يستطع الصبر على بعـده عـن

وفى بما عاهد عليه ابنته أ و القاهرة،فشد الرحال إلى " نواعم

".مرمرية"

- ٩ - مستكفى" ، وبدأت نظرات ور الشهور مرتتابع و..

بالملل، ثم باليـأس، تصاب " نواعم" إلى بطن المتلصصة"

ولم يدر ماذا يقول الكثار،فلقد خبت آماله، فى أن تهبه العيال

جودة سيد " إال عدم حملها، ولم يجد أمامه عن " نواعم" لـ

: " سيد" إليه تأخر حملها، وعقب فشكى"

فهذه أمور ال يتحدث ، لتستفسر منها زوجتى أرسل -

.فيها أو يعرفها غير النساء

- ١٠ - وذهب إلى العمارة الضخمة زوجته " سيد " صحب

شـقة " مستكفى" القاهرة والتى اشترى أحياءالفخمة بأرقى

" حتى صاح بهـا ، فتحت لهم الباب أن وما ، "نواعم" باسم

" :سيد

تسـدى هل تريدين أن .. جرى لك يا سمارة ماذا -

.أبواب الخير عنك وعنا ؟

:تساءلت إليه نواعم متعجبة ونظرت

.. يا سيد خير -

: سيد مزمجرا قال

علـى يا هانم وال وأنت.. يتعجل الخلفة الرجل -

!!.بالك

:قائلة " سمارة" عليه احتدت

محموقـا ثم ما الذى يجعلـك .. أنا ماكينة ؟ وهل -

أم تراك سـتنال .. شهر؟أال يصلك المعلوم أول كل .. هكذا

!!. ؟أنجبهسمسرة عن كل طفل

: النقاش قائلة فى "سيد" زوجة خلتتد

سمارة أنت تعلمين أن سـيد يعتبـرك كأختـه يا -

وحـدنا واتركناأخرج أنت يا سيد .. على مصلحتك ويخاف

.فهذه أمور ال يعرفها غيرنا

وبدأت زوجته تعقد اتفاقـا خارجا، " سيد " انسحب

وبعد ممانعة اتفقا على أن يـذهبا معـا إلـى ، "سمارة" مع

تحتـاج إلـى عـالج فلعلهايب أمراض نساء ليفحصها، طب

.بسيط

مجموعـة مـن إجـراء الطبيب، ثم طلب وفحصها

تعانى " سمارة" تؤكد أن التحاليلالتحاليل، وقد جاءت نتيجة

تحقـق وبـين من ورم على المبيض وهو ما يحول بينهـا

:قال " سيد" الحمل، وحين بلغ الخبر

عـن فلنبحث .. المائة سمارة أنت سليمة مائة ب يا -

.األمرواتركى لى تدبير هذا .. زوجك في العيب

- ١١ - :لمستكفى" جودة سيد " قال

الفحـوص الدكتور أجرى كل .. سيدى مبروك يا -

أن تنجب من البنين وبقدورها.. وثبت أن زوجتك تمام التمام

تعال نذهب سويا .. صدأت من الركنة أنكيبدو .. عشرات

.المشكلة مائة فى المائة يعالج هذه طبيب إلى

: لها همس " سمارة " بـ " سيد" اختلى وحين

ــى جاءت فرصتك لتضربى ضربتك لقد - وتتربع

مرمرية التى أوجع ابنتهوتتخلصى أيضا من .. على العرش

تصبحىوهكذا .. ومن تعلقه بها عنها حديثهآذاننا من كثرة

. لكل أمالكه الوحيدةالوريثة

" :سمارة " ألتهس

!!. سبق له اإلنجاب ؟وقدوالرجل سليم .. كيف-

: لبث ثوب الشيطان وقد " سيد " قال

. عمل الرجال فدعى األمر لى هذا -

:ثم رفع صوته قائال لها ..

هى.. ال تقلقى على مستكفى بك .. نواعم هانم يا -

وبعـدها .. مخـتص فحوص قليلة سوف يجريها له طبيب

.ن مائة بالمائة سوف يكو

- ١٢ - مطأطئ الرأس وكأن العمر قد تقدم "مستكفى" دخل

" نـواعم " ، شـهقت "سيد" دخلبه عشرات السنين، وخلفه

: صدرها بقبضتها قائلة فى لهفة وضربت

..حبيبى؟ ماذا أصابك يا -

عينيه عن األرض، وحـين ذاك "مستكفى" يرفع ولم

:"سيد"سألت

.. د ما ذا هناك يا سي-

: متصنعا التردد "سيد" قال

..الحاج .. زوجك -

: "نواعم " تساءلت

.انطق.. أتلفتم أعصابى .. ما به -

:متلعثما " سيد " قال

. أثبتت أنه عقيم ال ينجب التحاليل -

: تلطم خديها وهى " نواعم "صرخت

يا خـراب .. هذا معقول هل ..مصيبة .. وابنته -

.بيتك يا نواعم

: يخطو إلى داخل الشقة وهو " مستكفى " قال

وسـوف .. أجمع مالبسى وأعود إلى البلد سوف -

أحرمك من حقـك حتىفما ذنبك .. أرسل إليك ورقة طالقك

.فى اإلنجاب

: سيد به قائال تعلق

والمـرأة هل العالقة بين الرجل .. رجل تعقل يا -

الذى تسير فوقه ترابالإن نواعم تتمنى .. هى اإلنجاب فقط

.. يعشقن المال النساء " هامسا ثم.. " وكل شىء باالتفاق ..

يـا رأيك ما" صوته ورافعا.. " البيت مصروفزد لها فى

. بك ؟مستكفىنواعم هل تحبين أن يطلقك

: نائحة قالت

.. دنياىهو أغلى شىء فى .. وال يطلقنى أموت -

.ابنته عنهاولكن المصيبة فى تلك التى يقال

: فجأة وصاح قائال "مستكفى" وثار

أذهـب سوف .. أن تكون ابنتى وأن ترثنى محال -

تبرئى من أبوتى كلهاإلى القرية بنتيجة التحاليل وأعلن للدنيا

. لها

..خارجا " مستكفى " وانتفض

الشيطان وتلميذتـه طـويال فـى نشـوة وضحك

:قالت.. بعد أن هدأثموانتصار،

. من آخر ساللة مستكفى انتهيناذا قد ها نحن -

" :سيد " قال

. نحن الوريثان لكل أمواله وأصبحنا -

: دالل من تعرف مغزى الكلماتفى " نواعم " قالت

غيـر هل لك عندى .. وما دخلك أنت .. أصبحنا -

!.عمولتك ؟

" :سيد" الرد كما توقعت، قال وجاءها

مـوت ستتزوجين مـن غيـرى بعـد أن ي وهل -

.؟مستكفى

- ١٣ - أن تبرأ منها األب، بعد " مرمرية" شاعت قصة ..

الناس لها فهى قد أصبحت لقيطة، ثم أصـبح نظرةوتغيرت

يتخلص منها، فال ميراث أن " مراد" األمر مأساة، فلقد قرر

لها، وال خير سوف يجىء من وراء إبقائه عليها، فهى لـن

نفسها "مرمرية" ووجدت إال تحقير المجتمع له ، عليهتجر

وال رجل يحميها، بعد أن طلقها بيت يوم وليلة طريدة بال بين

عصـبى، بانهيـار وفى بداية األمر كادت تصاب ، "مراد"

ولكنها حين نظرت إلى وليدها تماسكت، فاستأجرت حجـرة

بالمدينة، وعكفت على تربية ابنها من الشعبيةفى أحد األحياء

ثمن ما حملته أنفقت المقتدرين بعد أن عملها خادمة فى بيوت

معها من ذهبها، وهى واثقة تمام الثقة فـى أن مـا حـدث

تلك المرأة التى علمت أنه قد تزوج منها فـى دبرتهامؤامرة

وهذا ما كانت تراه فـى ،يضيعهاالقاهرة، وأن اهللا تعالى لن

الرحيمأحالمها كلما فرغت من صلواتها ودعائها هللا الرحمن

. العدل الحق

- ١٤ - " زوجتـه بـبطن " مسـتكفى " وذات يوم يفاجأ ..

األمام منتفخة، وتفصح عن إلى تكورت وبرزت وقد " نواعم

حمل تحاول بكل الطرق أن تخفيه، ولكنه قـال لنفسـه فـى

ولكن حين وضـعت .. لعلها السمنة فعلت بها هذا؟ : البداية

كائها وقولها ويطردها رغم ب يطلقهاطفلها، لم يستطع إال أن

تنجـب، أنه ابنه وأنها كذبت عليه ألنها هى التى كانـت ال

ولشدة غيظه وكرهه لضعفه أمام جمالها أخذ الطفل وغـادر

: يردد لنفسه وهوالقاهرة إلى القرية،

ذنبهـا أعود لخطئى فى حق مرمرية، فما هو لن -

. أفعل بها ما فعلت ؟حتى

- ١٥ - مستشفى قرية طبيب" شلبى يسرى" الدكتور كتب

: مذكراته الخاصة جدافى " مستكفى" الشيخ

يوم دخل عيادتى رجل مهيب الطلعة وإن كان ذات

فى عينيه حزن عميق، جلس على الذقن،مهمل الملبس طويل

سـابق مقعد بجوار مكتبى، ولقد عجبت من أنه يزورنى بال

معرفة أو موعد، وكان التردد باد على وجهه، وبعـد فتـرة

:لت من الصمت قال طا

عـن سمعت يا دكتور الكثير من أهل القريـة لقد -

وأبنـاء ، األصـل ةيقرعوعن كونك من أسرة .. طيبة قلبك

لك قد عرف سأرويهاألصول ال يعرفون غير األصول، وما

.. كله يعرفوهالناس بعضه، ولكنهم لم

الشيخ فقص على تجربتـه مـع زوجتـه واستطرد

ال يستطيع أن يكرر ما فعله أنهوكيف الثانية، وكيف حملت،

مع طفل صـغير عـاجز ال و ،مع ابنته مرمرية مرة أخرى

: وأضاف له،ذنب

.. دكتور كل شكى فى انتساب الطفل لى يا رغم -

قطعة مـن لحمـى بأنهوأشعر .. فإننى أشعر بميل شديد إليه

.ودمى

من جيب جلبابه مجموعة من األوراق لوح وأخرج

:قائال أمامى بها ثم وضعها

تحمل هذه التحاليل الموثقة والمختومة والتى ولكن -

وتؤكـد عـدم .. دىعنؤكد موت الحيوانات المنوية تاسمى

تصـل بـى إلـى وتكـاد تدمر عقلى ،قدرتى على اإلنجاب

مع المسكينة التى جنيـت أتصالحوتمنعنى من أن .. الجنون

، جـرى لها فى كل ما جرى أيا كان ما ذنب وهى ال ،عليها

أحـدا أحب لموأحببتها كما .. وكبرت فى حضنى شبتفلقد

.مساء أبكيها كل أننىكما .. فى هذه الدنيا

األوراق وفحصتها فوجدت سالمة ما قـال، تناولت

:ولكنى قلت له

يحسـم ولكى .. حاج مستكفى إن الطب قد تقدم يا -

أنه من كما .. وتحليلهاال نحتاج إال ألخذ عينة منك .. األمر

. والمقارنة بينكما ودمك دم الطفل تحليلالممكن

: الشيخ فى انزعاج وقد هب واقفا قال

.أنا لتأخذ عينة منى ،ال دعوا الطفل وشأنه .. ال -

" مسـتكفى " كان وأخذت عينة من سائل الحـاج وقد

بنفسى فوجدت أنه رغم كبـر سـنه إال أنـه بتحليلها وقمت

.ناث أن يخصب عشرات اإليستطيع

جاءنى فى اليوم التـالى وسـاقاه ال تكـادان وحين

: قلت له ثمتحمالنه، تركته قليال

وأنـت ،إن هذا الطفل ابنـك .. حاج مستكفى يا -

مـن فتـاة الزواج إنجاب عشرات األطفال لو أردت تستطيع

وزوجتك كانت صـادقة .. هذاولقد أثبتت التحاليل .. سليمة

صاحبك عليك من أجـل سـلب هى و تآمرهافيما قالته عن

. وقطيعتك البنتك أموالك

وجه الرجـل واغرورقـت عينـاه بالـدموع تهلل

:وتساءل فى شك

. تقول يا دكتور ؟ماذا -

: له قلت

كلفأنت سليم معافى وأمامك .. سمعت منى كما -

. الدنيا ستقول لك ما قلته ملامع

: والشك يمزقه قال

!. دكتور القاهرة ؟وتحليل -

: له قلت

العينـات أو تداخل بين .. أنه خطأ فى التحليل إما -

تبلغ البوليس بكل أنوتستطيع .. عن عمد أو عن غير عمد

. المتسبب عقابه ويأخذ فيهاهذه الوقائع ليحقق

سـتخرج روحه الرجل تنهيدة عظيمة خلت أن نهدت

من جسده مع خروجها، ثم انهار على األرض، وخلتـه قـد

:يتهجدى سمعت صوته مات، ولكن

الحمد هللا فاطر السماوات واألرض، يهب لمـن -

، ويجعل من يشاء عقيما يشاء الذكور ويهب لمن يشاء اإلناث

: نهض يحتضننى وهو يقول ثم

فـإن .. شكا يا بنى فإنه فعـل الشـيطان كفانى -

.. وأطهـرهم زوجتى كانت من أخلـص النـاس المرحومة

ويقـدرنى علـى أن .. ظنـى فليغفر لى ربى مظنتى وسوء

بسبب ضـيق عقلـى وسـوء القياهأعوض ابنتى وابنى ما

نـزل يأما من تآمروا فإن اهللا قادر على أن .. تصرفى معهما

. فعلوا فى أبرياء لم يسيئوا لهم ما جزاء بهم ما يشاء

إذا كالمطر، سلم على مودعا ودموعه تنساب وحين

.كيت لبكائه بى أفاجأ به يقبل يدى، فاستغفرت اهللا وب

صـديقى "مسـتكفى " لك اليوم أصبح الحـاج ومنذ

: فاجأنى ذات يوم وقال لىولقدالصدوق، وتغير حاله تماما،

لقـد .. صححت مجموعة أخطائى يا دكتـور لقد -

شـيء، كـل فى أحضرت ابنتى للبيت وتركت لها التصرف

وأكثر قلـيال، بل البنها محبتهاومنه تربية أخيها الذى تحبه

.خطيآتى اهللافر لى وليغ

:قلت مؤكدا

. اهللا تعالى غفور رحيمإن.. يا حاج مستكفى -

- ١ - هو من أريـد أن أكـون " عبد الرحمن " كان عمى

مثله، هو شقيق أبى، مات جدى وتركه صبيا، ليتـولى أبـى

مسئولية تربيته، فكان له األخ واألب، سـاعده علـى ذلـك

السن بينهما، فلقد كان أبى حين مات جدى في الفارق الكبير

فـي ألربعين من عمره، بينما كان عمى عبد الـرحمن افي

.العاشرة في الخامسة عشرة، بينما كنت أنا

كنت أرى حب أبى الشديد لعمـى، وحدبـه عليـه،

وتعلقه به، حتى لقد كنت أتصور أنه يحجبنى عن أبـى فـال

" حسـن " يكاد أبى يشعر بوجودى وال بوجود أخى الصغير

وأصبحت أغار من عمى، وال حتى بوجود أخواتى األربعة،

!.وكثيرا ما تمنيت لو كان هو أنا وكنت أنا هو - ٢ -

شهادة الثانويـة في " عبد الرحمن " حين نجح عمى

العامة مختتما دراسته، نجح بتفوق جعله مؤهال ألن يختـار

الكلية التى يريدها، ولذلك فاجأه أبى بمكافأة ما كانت تخطـر

أن يلحقه بالجامعة األمريكيـة، له وال لنا على بال، فلقد قرر

:وحين بدت الدهشة على أمى، وتساءلت هامسة

إن مصروفات هـذه الجامعـة باهظـة جـدا، -

فـي وجامعاتنا الحكومية ال بأس بها، وهى ال تقـل عنهـا

!.المستوى العلمى ؟

: قال لها أبى

إنها نقوده، فلقد ترك له أبى الكثير، كمـا وأنـه -

.نفسه أمامى قبل وفاته وعد قطعه أبى على

عبد " قراراته، وألن عمى في وألن أبى كان حاسما

كان مسالما ال يثير الضغائن أو حفيظـة أى منـا، " الرحمن

حتى كنا ال نستطيع إال أن نحبه ونتعاطف معه؛ سكتت أمـى

التشـبه فـي رغبتـى في ولم تعقب، ولكنى لم أستطع أن أخ

:تردد في بعمى، فهمست

فـي ى لو حققت نفس درجاته، وتفوقت وهل يا أب -

.دراستى، تدخلنى مثل عمى الجامعة األمريكية ؟

عطف، وألول مرة شـعرت مـن في نظر أبى لى

:صدق وحماس في نظراته أنه يحبنى كل الحب، قال

بالقطع سوف ألحقك يا ولـدى مثلـه بالجامعـة -

األمريكية، فقط عليك أن تزيد من فترات مذاكرتك لدروسك،

.ذن اهللا سيكون لك ما تريد وبإ

خرجت من الحجرة إلى الصالة مسرعا حتى أنفذ ما

سـعادة فـي لم أكن ألستطيع عمله أمام أبى، ورحت أقفـز

السماوات العال، وأهمس من شغاف في غامرة وكأننى أحلق

:قلبى

.لكم أحبك يا أبى - - ٣ -

رحت أسابق األيام، وأجتاز السنين، حتى أصـبحت

الموعودة، ويوم أعلنت النتيجة ذهبت بـاكرا إلـى السنةفي

المدرسة، وانتظرت ساعات حتى أبلغوا بأرقـام النـاجحين

ودرجاتهم، ورحت أزاحم حتى عرفت أن ترتيبى هو الثـانى

على مستوى الجمهورية، أى أننى قد حققت ما لـم يسـتطع

.لقد تفوقت عليه .. أن يحققه " عبد الرحمن " عمى

البيت مسرعا رغم تحلق زمالئى أخذت طريقى إلى

أن نحتفل معا بهذه النتيجة التى تفخـر في حولى، ورغبتهم

بها مدرستى كلها، ولكنى لم أهتم، فكل ما كـان يهمنـى أن

يعرف أبى بما حققه ابنه، وأن أرى الفرحة تمأل عينيه، وهو

بوعده، ويعلن أنه يلحقنى بنفس الجامعة التى ألحق بهـا في ي

، ولماذا ال يحدث هذا وسوف يقبلونى " رحمن عبد ال " عمى

حسب نظـامهم مـن مصـروفات في مرحبين، بل سوف أع

! .السنة األولى ؟في الدراسة

وألنى وجدت خطواتى أبطأ من فرحتى، ناديت أول

سيارة مرت بجانبى، وطلبت من السائق أن يوصلنى لمحـل

تجارة أبى، وطوال الطريق كنت أرى مـا سـيحدث، أبـى

كاتـب " عم رشـاد " ى، يقبل جبهتى كعادته، ينادى يحتضنن

المحل ويطلب منه أن يسقى الشربات لكـل عمـال المحـل

والزبائن، بل وكل من يمر أمام المحل ، وبالقطع هو سيأمر

بذبح خروف يوزع لحمه على الفقراء شكرا هللا على ما أنعم

به على. - ٤-

:انتبهت على تساؤل سائق التاكسى

!. أليس هذا هو عنوان الوصول ؟..يا سيد -

ناولته األجر مضاعفا، وأسرعت إلى باب المحـل،

ولكنى فوجئت بأنه ال يوجد مدخل، فلقد كان المحل مغلقـا،

انتابنى العجب فاليوم يوم عمل، وأبى لم يتخلف يومـا عـن

!.عمله، ترى ماذا حدث ؟

امتأل قلبى بحزن غريب، جمدت مكـانى حـائرا ال

ف، وال ماذا أفعل، توقف عقلـى تمامـا، أدرى كيف أتصر

!!.وضاقت الدنيا من حولى فما عدت أدرى بشىء

أفقت على يدان تحتضنانى بشدة وبدمع ينثال علـى

:ينوح " عم رشاد " شعرى، وصوت

البقاء هللا يا ولدى، لقد قالت أمك أنك بالقطع سوف -

.تخرج من المدرسة إلى هنا

أسرتى، ومن مات ليس أمى، في إذا هنالك حالة وفاة

ياسمين أم سـعاد أم : فهل تراها واحدة من أخواتى األربعة

!. نشوى أم سهى ؟

!!.؟" عبد الرحمن " أم تراه عمى ..

..آه يا عمى :

عم " لم أعد أقدر على شىء، وال أفهم شيئا، سحبنى

من يدى وأدخلنى تاكسى، فانسحبت معه، ثم جرنـى " رشاد

من التاكسى، فانجررت معه، وسندنى يسير من يدى وأنزلنى

.بى إلى مدخل البيت، فتساندت عليه

كل شىء كان من حولى غريبا، السرادق الذى يغلق

الشارع أمام بيتنا، الناس الذين يتجاذبونى ويحتضنونى بحب

أذنى كلمات مواساة غريبة مبهمة بـال في ولهفة، ويصبون

في ن السواد ويصرخن وضوح وال تحديد، النسوة الالئى يلفه

وجهى كلما تخطيت إحداهن، العيون كل العيون التى امتألت

" بالدموع وهى تتأملنى فترخ منها المياه طوفانا، حتى عمى

فـي أسرع إلى يحتضننى، ثم انهار فـوق كت "عبد الرحمن

.منتحبا، فانهرت ساقطا على األرض، ولم أعد أدرى بشىء - ٥ -

فراشى، وكل شىء من في حين أفقت وجدتنى وحيدا

حولى ظالم، اللهم دفقات من نور قوى تخترق شيش الشباك،

وترسم على سقف الغرفة أشكاال سـريالية مبهمـة، تمامـا

كاألفكار التى كانت تتضارب داخل عقلـى، أفكـار كثيـرة

المجانية .. الجامعة األمريكية .. التفوق .. النتيجة : مشوشة

" .. عبـد الـرحمن " عمى " .. عم رشاد .. " التاكسى ..

مترادفات وأفكار كثيرة كثيرة، إال ما حدث، لم يكن له وجود

!!.وهل حقا حدث شىء ؟!.. فكرى، ترى ماذا حدث ؟في

تحاملت على ساقى حتى أنهض، كنت مرهق تماما،

استندت على الحائط وخطوت حتى وصـلت إلـى النافـذة،

كاد يثقب عينـاى، حذر، فلقد كان الضوء حادا ي في واربتها

مواجهتى، كل من أعرفهم من أهلى في كان مدخل السرادق

لم يكن موجودا، ترى هـل " هو " وجيرانى موجودين، لكنه

..هو من ؟

:صرخت من أعماقى

قلبـى، في ال يا أبى ال تمت ال تقتل الفرحة .. ال -

.ال أريد الجامعة األمريكية، ال أريد النجاح، ال أريد إال أنت

هرت أبكى بشدة وقد سيطر على شعور كاليقين بأن ان

عبـد " أبى قد مات، وارتفع صوت نحيبى، ووجدت يد عمى

:حنان، وصوته يقول متألما في تمسح على رأسى "الرحمن

إنه ليس أباك وحدك، لكنه أبى أيضا، إنها مشـيئة -

.اهللا، وعلينا أن نتماسك حتى يكون فخورا بنا

:نهض، وهو يقول جذبنى برفق من يدى أل

.تعال معى لتتقبل عزاء أبيك -- ٦ -

لم أستطع تحقيق ما أريده ووعدنى به أبى، فلقد كان

عبـد " على أن أواصل مشوار والدى بعد أن سافر عمـى

بعثة مدتها ثالث سنوات، وأصبح في خارج البالد " الرحمن

لزاما على أن أتوقف عن الدراسة ألدير المتجر، وأواصـل

" البنات األربعـة، وأربـى أخـى أبى فأزوج أخواتى دور

".حسن

مع مرور األيـام وتتـابع السـنوات، تتـابع زواج

اخواتى، واكتشفت أننى لم أتخل عما أريده، فلقـد واصـلت

، وكنت حين أعود من المحل، أسـهر "حسن " الدراسة مع

مذاكرا معه، فتفوق، وألحقته بالجامعة األمريكيـة، فسـطع

ل نجاحه، وجاءنى والفرحـة تجعـل أنفاسـه نجمه، وتواص

. تتقطع، ودعانى ألحضر حفل تخرجه - ٧ -

كانت صالة االحتفال تموج باألصوات واألضـواء،

وبالشخصيات العلمية الهامة، وحين أعلن المذيع عـن بـدء

االحتفال، ساد كل شىء صمت قدسى ، ثم سـمعت المـذيع

نادى علـى يذكر اسمى لحصولى على المركز األول، بعدها

يتقدم إلـى " بحسن " طالبا منى أن أصعد إلى المنصة، وإذ

المنصة يرد بكلتا يديه تحية الجمهور، ولكنه توقف فجأة عن

السير، بالقطع هو قد انتبه إلى أنه قد صعد بدال منى، فها هو

يتجه إلى، يأخذ بيدى، يصعد بى إلى المنصة، ينحنى يقبلنى،

هو يرفع معهـا يـدى ألعلـى شموخ، و في ثم يرفع رأسه

:اعتزاز، يقول في صائحا

هذا هو النابغة، هذا هو األول، هذا أخـى الـذى -

.أعطانى كل شىء

، أو يثم راح يحتضننى بشدة وكأنه يريد أن يذوب ف

يذيبنى فيه، تساقطت دموعى على وجنتى، وأيقنت لحظتهـا

.أنه قد تحقق لى كل ما أريده تمت

ـ ١ ـحين انتهيا من صالة الظهر تقابلت نظراتهمـا ثـم

:سالم حار في التقت أيديهما

.يتقبل اهللا ـ

.منك ومنا ومن المؤمنين ـ

:قبل أن يترك يده سأله

.ـ ألم نلتق من قبل، اسمى جاد السوهاجى ؟

:رد عليه وهو يفلت يده ببطء

ـ يراودنى نفس اإلحساس، ولكن اسمك هـو مـا

طريق سؤالى، فلم يكن لى صديق قط يحمل اسـم في وقف

.حامد شاكر : جاد، على كل اسمى

عادا يتصافحان تأكيدا لتعارفهما، ثـم خرجـا مـن

طريق واحـد، في المسجد وقد توحدت خطواتهما، متجهين

:ولهذا تساءل جاد دهشا

.شربينى ؟هل تعمل مع المعلم ـ

!.عملى نقاش، وأنت هل تعمل معه أيضا ؟ ـ

إنه أول يوم عمل لى مع هذا المقاول، ورغم أن ـ

عملى بناء، وقد انتهوا من بناء الحوائط، ولكنهم يقولون أنهم

سيجرون تعديالت على نظام بعض الشقق، فيهدمون جدران

.ويقيمون أخرى مكانها

.ى ـ سبحان اهللا، أراد لنا أن نلتق

وأراد لى أن أعمل وأطعم عيالى، فلى أكثر مـن ـ

.أسبوع عاطل بال عمل

. أال ما أعظمها حكمتك يا رب ـ

رزقكم : وما أشملها رحمة، أليس اهللا هو القائل ـ

.السماء وما توعدون في

سميا اسم اهللا، ودخال من باب المبنى متالصـقين،

في صالة وال في ومنذ ذلك اليوم وجاد وشاكر ال يفترقان

قد عرف كل منهما كـل شـىء عـن اجتماع على طعام، و

. اآلخر

ـ ٢ ـعن بعد كان مالحظ العمال يرقـب شـاكر وجـاد

وعيناه تفيضان بالكراهية، فهما يقفان ضد مخططاته، فكلمـا

زين للعمال سرقة الخامات التى يوردها المعلم شربينى، بعد

كثيـر أو في ا سيأخذون أن يقسم لهم أن شربينى ال يهمه م

قليل، فشربينى يربح من عملهم معه الكثير، كانوا يحضونهم

على عدم طاعته، ويخوفونهم من غضب اهللا، بل كانا يهددان

من ال يستمع لنصحهم بإبالغ الحاج شربينى، ولقـد تسـلل

غفلة منهما مقتربا يتسمع إليهمـا وهمـا في لمرات عديدة

ر وحمد هللا، فيسرع مبتعـدا وقـد يتناجيان، فلم يسمع إال ذك

ازداد كرهه لهما ولنفسه التى أمرته بـأن يقتـرب، ولكنـه

سرعان ما كان يعاود المحاولة، فلقد كان يأمل أن يعرف من

أسرارهما شىء ييسر له النفوذ إليهما، ويمكنـه مـن كسـر

حاجز النفور الذى كانا يبديانه تجاهه كلما حـاول التقـرب

!.إليهما

ـ ٣ ـات يوم دلفت إلى المبنى فتـاة جميلـة، ملفوفـة وذ

القوام، جعلت عيون العمال تزيغ عما بين أيـديهم وتتشـبث

بوجهها المليح، فأسرع ليكون أسبقهم إليها؛ سـألته مبتسـمة

وقد لحظت عيونه

:المتوهجة

.هل يعمل جاد معكم ؟ ـ

:قال ينافقها

هو عمنا وتاج رؤوسنا، هل من خدمة أقضـيها ـ

.ك، فأنا مالحظ كل أولئك العمال ؟ل

وأشار بيده على من حوله متفاخرا، فأخـذ العمـال

يهزون رؤوسهم مصدقين على كالمه، قالت وعيناها تدوران

:تتبع ليده بحثا عن جاد في

!.ـ لكننى ال أراه بين من يعملون معك ؟

:قال وهو يتحشرج من الغيظ

قريب، ليؤديا لقد ذهب مع صاحبه إلى المسجد ال ـ

.صالة العصر

:قالت متعجبة

.وهل يترك عمله ليصلى ؟ ـ

:مرارة في قال

وحياتك أنا نصحته، فلم ينتصح، ولهذا فأنا أخصم ـ

منه كل يوم ربع األجر، وهو ال يهـتم ويصـر علـى أداء

ميقاتها، مع أنه من الممكـن أن يؤديهـا بعـد في الصالة

كـل العمـال يسـتمعون رجوعه إلى البيت، وهاك تـرين

المال والمتعـة، إال في ويطيعون ما أقوله أنا لهم، فأغرقهم

.هو وصاحبه

:قالت غاضبة

ومن أجل إصراره على رأيه، ورأسه العنيـد، ال ـ

. طبتنا منذ أكثر من عاميننستطيع الزواج حتى اآلن، رغم خ

:مصمصت شفتيها آسفة، ثم قالت آملة فيه خيرا

.مشكلتنا حال ؟أال تجد ل ـ

سرور، وقال يدعوها إلى في توهج وابتهج فتمايل

:لهفة في مكتبه

.أنا عندى ألف حل، ولكن تفضلى لتستريحى ـ

ركن في زهو إلى حجرة تنزوى في وسبقها مشيرا

بعيد، واكتشفت بعد أن دخلتها أنها مكان

مرحاض لم تكتمل، ورغم هذا الحظـت متأففـة أن

لكنها تحملت راجية أن تجد عنده حال يقرب رائحته كريهة،

موعد زواجها من جاد الذى تحبه كل الحب، قالـت وهـى

:تخوف على طرف المقعد في تجلس

الخارج وبـين في ـ أليس من األفضل أن نتحدث

.العمال حتى ال يظنون بنا سوءا

:ابتلع ما رآه مقاومة لسلطانه وقال

يصح أن يصـدر كر متخلف ال نفس تفكير جاد، ف ـ

.مثل جمالك ي من فتاة

.يا أستاذ الناس ال ترحم

إقناعها بالتسليم برأيـه، وقـال ي تراجع عن خطته

هى سبيله لجاد، ثم هى مع تكرار الهمـس سـتكون : لنفسه

أسهل انقيادا من جاد بكثير، فرك كفيه وألصق فمه بأذنهـا،

:فشعرت بأن فمه قد شمل جسدها كله، وراح يقول لها

استمعى إلى جيدا، إذا أردت أن تحققى مـرادك، ـ

أننى قد رأيتك وبهـرت عليك أن تثيرى غيرة جاد، قولى له

بجمالك وعرضت عليك كل ما أملك من مال كثيـر وذهـب

..فياض، ثم دعى على أنا الباقى، وسوف ترين ما يسرك

فجأة انتفض وسكت عن الكالم، ثـم زفـر بشـدة

كان، وهز الفتاة يدفعها خارجـا، فهاجت ريح خبيثة تخنق الم

:حتى ال تدرك حقيقة قبحه، وهو يئز

أسرعى بالخروج، هاهو جاد قد أقبل، ابدئى معه ـ

.فورا

ـ ٤ ـانتفضت خارجة، وقد شعرت بأنها فتاة غير الفتـاة،

فـي تقدمت ناحية جاد غير هيابة وال خافقة القلب، قالـت

:لهجة هازئة

.ليس خطيبى أهال بخطيبى الذى هو ـ

أذهلت طريقة حديثها جاد، شعر بأن وراء الظـاهر

:خفايا، تساءل دهشا

!!.ما هذه اللهجة الغريبة عنك ؟ ـ

اتجهت متمايلة القد إلى شاكر، فأسرع يتراجع خجال

:من جرأتها، لكنها صعقته قائلة

ال تخف، فلن أأكلك، ولكنى أريـدك أن تحكـم ـ

ن منذ عامين، وال يريد أن ينهى بيننا، أنا وسى جاد مخطوبي

الخطبة بالزواج، ثم هناك اآلن من يريدنى، لقد رآنـى اآلن

.الزواج منى في فقط، وراح يطاردنى برغبته

:تساءل جاد مستنكرا

ومن هذا الذى يريد أن يغضب اهللا بالخطبة على ـ

!.خطبة أخيه ؟

.مالحظكم وسيدكم، وسيد كل هؤالء العمال ـ

:كر غاضبا، وقد اشتد احمرار وجهه قال شا

لعنة اهللا عليه، ال يحب لنا الخير أبدا، يا ابنتـى ـ

.اصبرى، وسوف يأتى اهللا بالفرج

:جرأة في قالت

هو أسبوع واحد يا جاد، وكل منا يبحـث عـن ـ

.طريق خالصه

وانتفضت تسير مبتعدة وقد تركت كل قطعـة مـن

فـي ن العمال تالحقهـا جسدها تتمايل بحرية، فراحت عيو

قد سقط من فـوق الحامـل وكسـرت نهم، حتى أن أحدهم

!!.ساقه

ـ ٥ ـذهب جاد إليه غاضبا، وكان هو ينتظره واثقـا مـن

حتمية قدومه إليه، ولذلك سبقه بالكلمات التى نمقها، قبـل أن

:يحرك جاد لسانه بكلمة واحدة

اجلس يا أسطى جاد، أعرف أنك غاضـب مـن ـ

ولكن لو أنك تأملت األمر بحكمة، لوجدت أن معها خطيبتك،

أمـر اإلسـراع فـي لومك على تقصـيرك في كل الحق

بالزواج منها، تعرف أنه كلما طالت فتـرة الخطبـة زادت

المشاكل بين الخطيبين، خاصة وأنك ال تخرج بها إلى الخالء

.وال تغازلها، وإذا ما كان األمر كذلك، فأسرع بزواجها

:وقد أخذ بمنطقه قال جاد

!!.أتزوجها، من أين لى بالمال ؟ ـ

:قال بجدية كاملة

أنت من يقول هذا، األسطى جاد الذى يوزن عمله ـ

بالذهب، وعقله بالمجوهرات، يا رجل ال تقـل هـذا فأنـت

.تستطيع أن تكسب الماليين ولكنك ال تفعال

!!.أنا ؟ ـ

:قال وهو يدفعه إلى الخارج

.لى عملك وعد إلى عند وفود الظالمإاذهب اآلن ـ

:قال جاد مندهشا

!!.وهل سأجدك هنا ؟ ـ

.أنا ال أغادر مكانى إال للضرورة فقط ـ

ـ ٦ ـبعد أن صلى العشاء، شق طريقه إلى موقع البنـاء،

وكان كلما اقترب كلما اشتد الظالم، حتى لم يعد يرى كـف

:يفح رعب، لكن صوته جاء من قرب في يده، توقف

.اتبع صوتى وسوف تصل ـ

أراد أن يستعيذ باهللا من الشيطان، لكن الصوت كان

:يمأل عليه المكان، قائال

..تقدم، تقدم، ال تخف ـ

حين ولج إلى المرحاض، كانت الريح النتنـة قـد

اشتدت وسيطرت على جو البناء، حاول أن يستدير عائـدا،

:لكن يده أمسكت به، وجاءه صوته رخيما يقول

!!.أال تريد أن تمتلك الدنيا ؟ ـ

:قال رغم إرادته

.أرشدنى : يا ليت ـ

إذن قل أننى مرشدك، قل بثقة وبال تردد، قـل، ـ

..قل

:قال كالمنوم

..أنت مرشدى ـ

بل قل األفضل مما قلت، قل أننى شريكك، نادنى ـ

.يا شريكى

:همس

. يا شريكى ـ

بل أصرخ بها أريد للدنيا كلهـا أن تعـرف أننـا ـ

.أصبحنا شريكين

البدايـة ثـم فـي راح جاد يصرخ بالكلمة مترددا

ه إلى عطـر أنف في منتعشا وسعيدا، وقد تحولت الريح النتنة

:خالب، حين إذ قال له

.اركع واستمع إلى ـ

:أرعدت السماء، استيقظ النائم صارخا يقول

.أنا ال أركع أو أسجد إال هللا ـ

رعب، فح معتذرا وقد أخـذ يمسـح في انتفض هو

على جسد جاد ليهدئه، وقد استشعر الخطر، وأن كل شـىء

:يوشك على أن يضيع

نى التعبير، لم أكن أعنـى أسف يا ولدى، لقد خان ـ

غير أن تجلس أمامى مسترخيا ألشرح لك ما سوف تفعلـه،

أال تدرك أن المال سوف يتساقط من حولك، وسوف تكـون

أحضانك طيعة لينة، فالمرأة ال يرضيها غيـر في خطيبتك

..الذهب والحرير، اهدأ واستمع إلى

ـ ٧ ـر، تردد جاد كثيرا قبل أن يفتح باب الحديث مع شاك

فلقد كان يخاف أن يخذله أو يفضح سره، لذلك قرر أن يلتف

حول الهدف، أليست النتيجة هى الوصول إلى المراد، هكـذا

:علمه مالحظ العمال

فـي ـ اسمع يا صديق عمرى الوحيـد، وسـندى

دنياى، لقد قررت أن احسم األمر مع أهل خطيبتى، وسـوف

أخ شـرير، وقـد أذهب إليهم الليلة، ولكنى أخاف منهم فلها

يحيك لى أمرا ينتهى بى إلى السجن، ولذلك أريد أن أحتاط،

فأعطيك إثبات شخصيتى لتضـع عليـه صـورتك مكـان

العاشرة مساء إلى الشـرطة لتحـرر في صورتى، ولتذهب

محضرا بسرقة حافظتك حتى إذا ما أراد أخوها أن يكيد لـى

.حتى يضيعنى، استطعت أن أبرئ نفسى

:وعا، وقال مستنكرا انتفض شاكر مر

. ـ أعوذ باهللا، إنها لفكرة شيطانية

:قال جاد مهونا عليه األمر

. ؟س إال بفكر مثل فكرهوكيف لك أن تواجه إبلي ـ

:حماس في قال شاكر

بدال من المخاطر وااللتفاف وعدم المواجهة، لماذا ـ

ال أصحبك إليهم، وأقرب بينكم، فالزواج نسـب ومصـاهرة

.تراحم، وليس حربا وتواد و

:قال جاد متصنعا األسى

ـ إننى ال أريد أن أجعلك تواجه الشر، ولو كانـت

هناك جدوى من الوساطة والتحكيم، لكنت أنت الوحيد الـذى

وساطته، ولكنهم كما قلت لك نـاس أشـرار، في أثق فيه و

وعلى كل حال يا صديقى الوحيد إن لم تكن تريد أن تحـافظ

م إليه هذه الخدمة البسيطة، فقل لن أفعل، على صديقك، وتقد

.وهو خيارك، وهى إرادتك

وسحت دمعة من عين جاد، وتأثر شـاكر فسـاحت

نفسه الطيبة بالشفقة على صديقه، واستجاب لطلبه، وهو يتمتم

. مستغفرا اهللا لذنبه الذى سيرتكبه

ـ ٨ ـ ..تمام العاشرة في

سـكنه، شق شاكر طريقه إلى مقر للشرطة بعيد عن

. كما أوصاه جاد، حتى ال يتعرف عليه أحد

خفة نافـذة بـأعلى جـدار محـل في وتسلق جاد

المجوهرات، لينفذ كل ما لقنه له مالحظ العمال، ليجد نفسـه

داخال وليس بالمحل غير وميض كشاف صغير ثبت بـأعلى

الجدار، ولقد نصح باالبتعاد عن ضوئه حتى ال تدق أجراس

الفاترينات من حوله، في ذت الماسات تبرق اإلنذار، بينما أخ

فأطفأ نوره بقطعة سميكة مـن القمـاش، ثـم راح يجـرد

الفاترينات مما بها من ذهب ومجوهرات، وخرج سريعا من

دقائق معـدودة؛ في حيث دخل، منتشيا من تحقق الثراء له

بينما خرج شاكر مكتئبا من مقر الشرطة، وهو يستغفر ربه،

.كبه من إثم بسبب صديقه غير راض عما ارت

ـ ٩ ـ الصباح في

وقف جاد بين يدى مالحظ العمال يقص عليه ما تم،

:وحين سأله عن مكان المجوهرات، قال له ماخرا

.طارد مياه المرحاض في وراءك ـ

انتفض هلعا، ودون أن يشعر لطمه علـى وجهـه،

:وهو يفح

!!.يا غبى أتريد أن توجه إلى االتهام ؟ ـ

لست أنت من خطط، ألست أنت من قـال أنـك أ ـ

دبرت لكل ما يحدث من سرقات وجرائم محكمة تحدث كـل

ذا تخاف من الحفـاظ علـى نتـاج يوم بل وكل لحظة، فلما

!!.؟فكرك

ألم أقل لك منذ البداية، انك فقير ألنـك غبـى، ـ

بعد انصراف العمال عليك أن تأخذ ما سرقت بيديك .. اسمع

ادى اآلن على أى واحد من عمالى ليأخذها بعيدا عنى، أو سأن

.لنفسه

:جزع، وقال في انتفض جاد

.كال أرجوك إنها ملكى أنا، وسأنفذ أوامرك ـ

الغرفـة في كان شاكر يرقب تهامسهما من موقعه

التى يبنى حوائطها، وكان يعجب من هذا التقارب المفـاجئ

نـذ أمـس بينهما، ولكنه انتبه إلى أن جاد لم يعد يصـحبه م

المسجد، بل لقد تحدث إليه حين تقابال وأخذ منه في للصالة

العمـل، وال فـي إثبات الشخصية، طالبا منه أن يسـتمرا

يتركانه للصالة حفاظا على األجر الذى يخصم منهما، وهنـا

أدرك شاكر أنه ليس مستغربا أن يكون جاد قد تحـول عـن

.صداقته، وأصبح شريكا لمالحظ العمال

ـ ١٠ ـاليوم التالى تفقد الحاج شربينى المبنـى، وحـين في

انتهى من تفقد المكان، طلب مـن شـاكر أن يفـتح نافـذة

بالمرحاض، حتى يمكن تجديد هوائه، وحين ذهب لينفذ مـا

أمر به الحاج شربينى، فوجئ بجاد يخرج لفافة كبيـرة مـن

طارد المياه، وحين انتبه إلى كونه قد رآه، ارتبـك وانـدفع

قاع طارد المياه الفـارغ بهـر في ا، ولما نظر شاكر خارج

في القاع، فالتقطها ووضعها في بصره بريق ماسة استقرت

فتح النافذة، وتعديل البناء، وبعد لحظات في جيبه، واستغرق

سمع العمال المجاورين يلغطون بالحديث عن اللص البـارع

الذى كتبت الصحف عن تسلله مساء أمس إلى أكبر متجـر

للمجوهرات بالمدينة، وسرقته ذهب وحلى تزيد قيمتها عـن

المليون جنيه، وتوهج فكر شاكر وراح يربط بين ما سقط من

جاد، وبين ما طلبه منه باألمس، والتوقيت الـذى تـم فيـه،

:مـرارة في وكيف انه نفس توقيت السرقة، وهمس لنفسه

.لقد ضيع صديقى جاد نفسه، واختار أسوء قرين

ـ ١١ ـ

حين انتهى شاكر من العمل، لم يتوجه إلى بيته، بـل

مساء األمس، ثـم في اتجه إلى مقر الشرطة، وأبلغ عما تم

قدم الماسة وتحدث عن مخاوفه من أن يكون صديقه جاد هو

.السارق

مع انبثاق النور، تحركت قوات من الشرطة ومعهـم

شاكر يرشدهم إلى موقع العمل، وبدأت عملية التفتيش عـن

مكان المجوهرات، وحين ظهر مالحظ العمال، قال لشـاكر،

:من صوته في نبرة التش في وهو ال يستطيع أن يخ

.هل كشفت الشرطة أنك سارق أيها المصلى ـ

:قال له

.بل لقد أبلغتهم بما حدث ـ

فـي انتفض مالحظ العمال من الغيظ، وراح يفـح

:أذن شاكر كالمجنون

وف أفلتك، بل إن دورك آت هل تتصور أننى س ـ

.ال محالة

ثم صرخ حين رأى الجنود مقبلين وهـم يسـوقون

:جاد، وقد تعلقت خطيبته بثيابه وهى تصك خديها

في المسروقات في هذا هو اللص، لقد رأيته يخ ـ

.حجرة بالدور العلوى

:وصرخ فيه جاد

.ـ إنك تعرف ألننا شريكان

:رد وهو يصفعه على وجهه

بل أنت اللص، فأنا لم أرك من قبل، وليس لـى ـ

.من سلطان عليك

فـي أطل العمال من كل أدوار البنـاء، وأخـذوا

:التهليل مؤكدين

..جاد هو اللص، المالحظ ال يعرفه ـ

نعومة، تقدم مالحظ العمال من خطيبة جـاد في و

:يجذبها إليه قائال

ا سجينا، دعك منه، فأمامه سنوات طوال سيقضيه ـ

انتظار فاشل مثله، تعالى معى في وحرام أن تضيعى شبابك

وسوف أمتعك وأعوضك وأسعد دنياك، وثقـى مـن أننـى

.الدنيا في سأجعلك أشهر راقصة

نشوة وهى تسحب أصابعها مـن في تمايلت الفتاة

على ثياب جاد، وابتعدت عنه، وهنا رأى جاد مالحظ العمال

:شاكر محذرا في مجردا من زينته، فصرخ

انتبه يا صديقى، إنه هو، فال تكن مثلـى نسـيا، ـ

.فتتخذه وليا

تصاعد صوت المؤذن يعلم عن إقامـة صـالة ..

:الفجر، وقال شاكر لجاد

اللهم إنى أعوذ بك مـن : ألنك نسيت أن تقول ـ

.همزات الشياطين، وأعوذ بك ربى أن يحضرون

بينما سارت الفتاة ثم انسحب متجها إلى المسجد، ..

متمايلة بين يدى مالحظ العمال، وسـار جـاد إلـى عربـة

.الشرطة لتحمله إلى السجن

تمت بحمد اهللا تعالى

..

"إلى الناقد الدآتور مدحت الجيار " أمه، ..البيت نيام في كان الوقت عصرا، وجميع من

.. أبوه، وأخته الكبيرة، فاليوم يوم الجمعة وهو راحة الجميع

على المعدة أن تستريح من دسـم : فأمه ال تطبخ لهم وتقول

عامهم وجبات خفيفة، وأختـه تنـام حتـى الطعام، وتقوم بإط

بـأن فـي شروق الشمس وال تستيقظ مع آذان الفجر وتكت

وقتها، وتتعلل بـأن في تستغفر اهللا عن فوات صالة الصبح

مصـنع في اهللا رؤوف رحيم يعرف شقائها طوال األسبوع

المالبس الذى تعمل به منذ شروق الشمس وحتى غروبهـا،

هذا اليـوم ويـالزم البيـت وال في حتى أبوه يغلق المحل

. المسجد في يغادره إال لصالة الجمعة

فتح باب الخروج بحذر حتى ال يصـدر صـوتا ..

فتحته مترددا وقـد أخـذه في يوقظ أى من النائمين، ووقف

الشوق لرؤية جدته كل مأخذ، كان يود أن يقول ألمـه فهـو

لتوافـق يعرف كم تحبه وتقلق لغيابه، ولكنها بالقطع لم تكن

:على خروجه وحيدا ليسير من الجمالية إلى السبتية

.مشوار طويل عليك يا ولدى، والشر محيط بحينا -

فحى الجمالية يموج منذ أيام باألحاديث عن ذلـك ..

المجرم الذى فاجأهم بسرقة ما ينشرونه من مالبـس علـى

قلـوب الرجـال فـي حبال شرفات بيوتهم، ويوقع الرعب

م من مكامنه بالمناطق المظلمة ليأمرهم بصوته بخروجه عليه

الخشن بتسليمه ما معهم من مال أو مشتريات، ثـم يتـركهم

مهزومين يسبون ويلعنون ويتوعدونه بالويل إن هـو عـاود

فعلته مرة أخرى، فهو مجهول لهم، وكل ما يعرفونـه عنـه

قامته الفارعة وبنيانه القوى، والسكين الكبيرة التى يهـددهم

أما مالمح وجهه فهى مختفية خلف قماش داكن يلف به بها،

رقبته ورأسه، حتى أبوه قد خرج عن هدوءه المعهود، وهـو

يصف اللص ألمه، ويطلب منها أن تأتيه بالزقلة التى كـان

:فتوات الحى، وقال هازا رأسه يضرب بها جده

حقيقة أنه ليس لنا أعداء والحمد هللا، ولكن لماذا ال -

جيبى عند عودتى آخـر في يراد الدكان يكون وإ.. أحتاط ؟

.الليل وحيدا

:حين إذ قالت له أمه

فـي ولماذا ال تغلق الدكان قبل الغروب وتعـود -

نور اهللا، فكثيرا ما ينقطع التيار الكهربائى عن أعمدة اإلنارة

.وهو ما يسهل لهذا اللص مهاجمة البيوت والمارة

:قال أبوه ألمه محتدا

الشرفاء ويعلمنا متى في رك لصا ليتحكم وهل نت -

ثم إننى أحب أن أتأخر لموعـد .. نعمل ومتى نلجأ لدورنا ؟

المسـجد ألنـال ثـواب في صالة العشاء فألحق بالمصلين

.الجماعة

:إلحاح في قالت أمه

يا حاج ليس لنا غيرك، والحذر واجب، وصـالة -

ال تغضـب مثل هذه الظروف الطارئة في البيت في واحدة

.اهللا، فاهللا يغفر لمن يكون مضطرا

:حسم في قال

ناولينى الزقلة وأوكلى أمرك هللا، ومـن يتـق اهللا -

.يجعل له مخرجا

حجرة الخزين، وهو يترقـب في غابت أمه طويال

عودتها ليرى هذه الزقلة التى يطلبها أبيه، وحين جاءت بهـا

يه يحتضـن أمه وجدها عصى قصيرة سميكة، فاندفع إلى أب

:رجاء في ساقيه قائال

هل تسمح لى بأن أمسك بها يا أبى، فأنا أريـد أن -

.أضرب بها اللص اللعين

إعجاب، ثـم في ضحك أبوه طويال وهو ينظر إليه

:ناوله العصى وهو يقول

حقا ما قيل من أن من أنجب لم يمت، رجل بحـق -

.يا ولدى، فأنت حفيد الحاج البردينى

فل مقبض العصى الخشن، فوجده مزركشا تأمل الط

برسومات بارزة، بينما غلفت نهايتها بجراب من حديد، وبعد

:لحظة شعر بثقلها، فناولها ألبوه قائال

.إنها ثقيلة جدا يا أبى -

سـرعة، في وحركها يمنة ويسرة تناولها أبوه منه،

فـي حب، وقد عقد ما بين حاجبيه في ثم مسح عليها بكفه

: ثم وضعها تحت إبطه األيسر وخرج قائال عزم،

.أراكم على خير -

سـكون، في تسلل خارجا من البيت حسم أمره، ..

ولقد تمنى من كل قلبه لو قال ألسرته قبل أن يغلق الباب من

:خلفه

.أراكم على خير -

ولكن كيف له أن يرفع صـوته فيسـتيقظ الجميـع،

ضة الذى تعطيه لـه ويحرم من رؤية جدته، ومن الريال الف

!.كلما زارها ؟

أسرع يقفز درجات السلم مثنى وثالث، ثم انطلـق

خمول، فهو عـازم في يجرى على رصيف الشارع السكن

على أن يعود مبكرا حتى ال يدركه خطر اللص والليل الذى

.ال يحبه، بل ال يحبهما

:عندما قال لجدته

ى شيئا ؟؟أنا راجع لبيتنا يا حبيبة، هل تريدين من ـ

دعت له جدته بالسالمة، ثم قبلـت جبهتـه بعمـق

:يده قطعة النقود الفضية، وقالت في ودست

اشترى ما تريد وأنت ماشى، ولكن أسرع حتى ال ـ

.يدركك الظالم

كان بوده أن يبقى مع جدته وقتا أطول، فحديثها ..

ال ينقطع وال يشبع منه، وهو يحبها حبا جما، ولكن الشـمس

الغروب، منسحبة من شرفة المنزل، والظالم البد في ت بدأ

وان يطوله قبل أن يصل إلى بيتهم، فالمسافة بـين السـبتية

والجمالية ليست بالقصيرة، وحين يحل الظالم سوف يجـىء

اللص العمالق ليمارس سرقاته، وبالقطع سيسـلبه القطعـة

ية حتى لو خبأها كما علمته أمه عندما ترسله ليشـترى الفض

ثنية السروال ثم يثنيهـا في لها لوازم للبيت، أن يضع النقود

أمرها عـن اللـص وهـو في مرات، ولكن كيف له أن يخ

بالقطع سوف يضربه، أو يضع السكين ليثقب بها عنقـه إذا

شعر بأنه يكذب، حين إذ فكر أن يبيت عند جدته، ولكن كيف

كمـا وأن كتبـه !.. يتخلف عندها وأمه ال تعرف مكانـه ؟

بيتهم، وغدا سيذهب للمدرسة ليقص في وكراساته المدرسية

على أصحابه مغامرته هذه، تنهد وحسم أمره، اتجه إلى الباب

:وقال

.أراك على خير يا جدتى ـ

وأسرع يغلق الباب خلفه، واتجـه كعادتـه ليرتقـى

في ثوان ليقع في ينزلق نازال حاجز السلم، ثم يترك جسده

عروقه، في مدخل البيت، وهو يشعر بالخدر يجرى بالسعادة

نفض عن مالبسه ما علق بها من تراب، وخرج يتقافز إلـى

.الحارة الضيقة، ومنها أسرع إلى الشارع الكبير

ورقهـا فـي حين رأى الحلوى التى يحبها تتـألق

بـالقطع : ل لنفسه المفضض، داخل فاترينة أحد المحالت، قا

لن يأخذ اللص منى حلوى ال يأكلها إال األطفال، فلماذا إذا ال

أشترى رصيد األسبوع كله، وهكذا لن يجـد معـى نقـودا

.ليستولى عليها

أسرع يدخل المحل ويقدم للبائع قطعة النقود الفضية

فناولها البائع قطعة حلوى واحدة، ثم بدأ يحصى لـه بـاقى

: إليه قائال النقود، لكنه ردها

. أريد حلوى بكل النقود .. ال يا عمى ـ

ناوله البائع كيس ممتلئ عن آخره، فأسـرع يفـض

فـي فمه، وراح يلوك الحلوى في غالف إحداها ويضعها

فمه مستمتعا بطعمها الذى يحبه، ومع حركـة فمـه تسـرع

أن فـي رشاقة، أمال في خطواته متجنبا السيارات والمارة

تهم قبل حلول الظالم، وإن بدأت أعمـدة النـور يصل إلى بي

تضىء من حوله، فأوسع من خطواته، فهاهى بشائر شارعهم

تكاد تلوح مع االنثناءة القادمة، ولكنه ما أن وصل إليها حتى

خوف، وساد ظالم كئيب كاد في انقطع شالل النور، فصرخ

يوجع قلبه ويوقف نبضاته، توقف يلهث متلفتا حوله للحظات،

م اندفع يجرى الهثا، وقد قفزت إلى مخيلته صور ما سـمع ث

من قصص مخيفة عن اللص، فأخذ جسـده يرتعـد بشـده،

وتمنى لو أنه لم يذهب إلى جدته، ولكن قبضة قوية أطبقـت

فزع، فوجد في على كتفه فشلت تفكيره، استدار ملتفتا وراءه

رجال مفرط الطول كأنه مارد الذى تحكى عنه جدته ويتنقـل

خطوة واحدة، يقف وقد وضـع بـين سـاقيه في ين البالد ب

دراجة، أسرع يعطى كيس الحلوى للرجل، لكنه لم يهتم بـه،

:فقال مرتعدا

ليست معى نقود، أنظر حتى لثنيـة .. واهللا يا عم -

سروالى مفكوكة وليست بها قطعة نقود واحدة، فلقد اشتريت

. خذها يا عمى .. بها جميعا هذه الحلوى

يدفع بكيس الحلوى للرجل، ولكنـه رده إليـه، عاد

:وقال له يهدئه

ابن .. قل لى .. احتفظ بحلواك .. ال تخف يا بنى -

.من أنت ؟

:مشقة في قال وهو يبتلع لعابه

.البردينى .. الحاج محمد .. ابن -

الدراجة ألوصـلك في كريم ابن كرام، اركب خل -

.ملبيتك

ين، فساعده علـى الجلـوس لم تسعفه ساقيه المرتعدت

على المعدة الحديدية، وقبل أن يتحرك شعر براحة شـديدة،

فاحتضن الرجل بقوة وقد شعر بدفء األمان، فلقد جاء أخيرا

تعلقه بالرجل حتى ال يسـقط في من ينقذه من خوفه، وأشتد

سرعة، وما هى إال في من على الدراجة التى شقت الظالم

أمام باب بيتهم، طالبا منه أن يبلغ لحظات حتى توقفت وأنزله

سالمه ألبيه ، وأسرع الرجل تاركا المكان، فأسرع الطفـل

ثبات وكأنه يراها وسـط الظـالم في صاعدا درجات السلم

الدامس، وقد هدأ خوفه، كان يعلم أن لكل ثانية قيمـة، فهـو

يريد أن يصل إلى فراشه قبل أن يعـود أبـوه مـن صـالة

، فال يلومه وال يعاتبـه أو يضـربه، دق العشاء، فيجده نائما

على الباب بطرقات لها إيقاع تعرفه أمه وتميزه بـه، فـتح

الباب بسرعة وكأن أمه كانت تقف خلفه منتظـرة عودتـه،

أحضانه، وقد فـاض في ولكنه فوجئ بأن أباه هو من تلقفه

:حنان شديد في صوته، يسأله في الشوق والقلق

لقد بحثنا عنك عنـد كـل .. أين كنت يا ولدى ـ

!.أصحابك ؟

تالحقت أنفاسه، راح يلهث بشدة، لم يستطع أن يرد

من هول المفاجأة، ولم ينتظم تنفسه إال بعد أن تركـه أبـوه

لتتلقفه أمه، بعد لحظات أخذ يحكى لهم ما حدث، وحين انتهى

إذا بالنور يتدفق من اللمبة المعلقة بسقف الصالة، ورأى أبوه

:حب، وهو يقول في مبتسما ينظر إليه

إنـه .. هل تعلم يا ولدى أن من أوصلك للبيـت؟ -

.اللص الذى كنت تتخوف من مجيئه

قد اقسم بأنـه سـوف " المعالوى"أبلغه أصدقاءه أن

يعمل جاهدا على أن يجعله يخسر االنتخابات حين علم بأنـه

تمـام " المعـالوى "وهو يعـرف " عبدا لحق " يؤيد قائمة

المدرسة ثم اكمل هو دراسـته في المعرفة فلقد كانا زميلى

بما في أن يكت " المعالوى"حين فضل في بالجامعة، التعليمية

. حظى به من التعليم ، وتفرغ إلدارة تجارة المعالوى الكبير

كراهيتـه كـل في إذا كره عنيف " المعالوى"هو يعرف أن

ال يعرف العفو أو المغفرة، وكانت له عقيدة اشتهر بها العنف

، من ال يطع أوامرى، هـو عـدو لـى : بين زمالئه تقول

وكان ال يستطيع أحد من التالميذ -وعدوى البد أن اسحقه،

، أو خوفا من بطشه، " المعالوى" في أن يعاديه ، ليس حبا

الحلوى والمأكوالت إلتى كانت حقيبته المدرسية في لكن حبا

ال تخلوا منها ، وخوفا من الحرمان من هباته ، فمصـروف

علـيهم مـن لشراء قطعة مما يوزعـه في أى منهم ال يك

وأن أحيان كثيرة اسـما لهـا في مأكوالت كانوا ال يعرفون

كانت لذيذة الطعم ، ولقد كان المعالوى يسر سرورا عظيمـا

يأكلون ما يعطيه لهم ألول مرة حين يكتشف انهم يجهلون ما

. حياتهم في

الى السعاة والمدرسـين ، " المعالوى"ولقد امتد نفوذ

فـي المساء كاتبا في درسة يعمل بل لقد قالوا أن ناظر الم

لهذا لم يجعل وعيد المعالوى وتهديده ، . محالت جده الكبير

نفسه أمال أن يكون ضمن قائمة الناجحين وجعل كل همه في

وبهذا يتحقـق هدفـه " عبد الحق " إنجاح قائمة في يتركز

وهو إضعاف المجموعة القديمـة التـى أفسـدت األساسي

وطغيان المعـالوى لكثـرة مـا ور المجلس وزادت من غر

، حتى لقد وصل به الحال أن أصبح يقول بال حياء أنه نافقته

المخطـط " المعـالوى " يملك مصائر الجميع وحين اكتشف

الذى كان يدبره له ، أقسم بأنه سوف ينال أعلى األصـوات

رغم انف صاحبنا، وأن قائمته سوف تنجح فردا فردا ، وأن

، لمجلس ، ولن يدخله أال على جثته ا صاحبنا لن يرى كرسى

حاول زمالء الدراسة أن يصلحوا بينهما، لكن المقابل الـذى

طلبه المعالوى منه كان من الصعب قبوله ، فلقد أصر على

إذا تنازل صاحبنا عن ترشيح أنه لن تكون هناك مصالحة اال

، وان يعلن معاداته الصريحة لقائمة عبد الحق ، ولقـد نفسه

لسهل على صاحبنا أن يتنازل عن الترشيح منسحبا، كان من ا

فهو لن يخسر شيئا أن تنازل ، النه سوف يسقط ال محالـة،

ولكن أن يأخذ خطا ال يتفق مع عقيدته ، ويقف ضد بدئـه ،

التزم الصمت ، فلم يبد رأيا فيمـا قـال . فانه المحال بعينة

ولم يعقب على ما حمل إليه مـن كـالم بكلمـة المعالوى،

حدة، النه يعرف أن المعالوى يستطيع أن يحقق ما يقـول وا

ولكنه أيضا ال يستطيع أن يقبل ما أعلنه ألسباب كثيرة أولها

أن تراجعه وانهزامه المعلن سوف يكون سقطة تحطم آمـال

موقفه بارقة تبشر بغد آت بالخالص ، كمـا في الذين يرون

ـ ط وانه مقتنع بضرورة إسقاط مجموعة المعالوى لـيس فق

النهم فاسدون ، ولكن النهم هم من افسدوا المعالوى وزادوا

إبعـادهم عنـه إصـالح لحالـه ، في من طغيانه ، ولعل

أعماق أعماقه صديق ، وعلى في فالمعالوى مهما فعل هو

.الصديق أن ينصر صديقه القديم حتى وان أعلنه العدواة

ولم يعجب صاحبنا حين أعلنت نتيجة االنتخابـات ،

ين أصـواتا كان اكثر الناجح وتحقق للمغالوى ما أراد لنفسه

، وهو ثانى الناجحين ولكن ما أسعده " عبد الحق " متفوقا على

حق قد نجحوا وهون عليه رسوبه ، أن أكثر المؤيدين لعبد ال

فلقـد ، كما أن سقوطه لم يكن مدويا، نجاحا لم يكن يتصوره

كان الفاصل بينه وبين أخر الناجحين صوتا واحـدا ، ولقـد

استعدته النتيجة، فلقد اعتبر نفسه قد نجـح نجاحـا عظيمـا

يزكيهم عند الناخبين ، فهو ال يملك غيـر , وبنجاح من كان

" رصيد الحب ، وحسن التعامل مع أهل المنطقة أما المعالوى

ن يلجأ إليه ، ويملـك فيملك التيسيرات المالية التى يقدمها لم

نسبة الخصم التى يعطيها لمن يريد الشراء من سلسلة محالته

ذهـب . كل مكان ، وتبيع كل متطلبات الحياة في المنتشرة

مهنئا ، فقابلة شـامتا " المعالوى " بروح الزمالة القديمة الى

يبدو انك قد نسيت أن المغلوى يفعل ما يريد -: وهو يقول

انك لن تدخل المجلس اال فوق جثتى، وهذا ما دائما، لقد قلت

كان ، وسيظل يحدث ما بقيت حيا، وأظنك تعلم أننى لسـت

كما أننى أصغر في سقيما كثير المرض مثلك ، فأنا سليم معا

منك سنا باختصار، وبحسبة بسيطة، نجد أنـك لـن تـدخل

المجلس طوال عمرك وهذا ما سوف احرص عليه

ألنه اكتشف انتصاره وضحك المعالوى طويال . .

معك كـل -. هدوء قائال في األبدي على غريمة، ورد هو

فأنت تستطيع هذا، حقا تستطيعه ولكنـك ' الحق يا معالوى

.نسيت أن هناك اله هو انفعال لما يريد، ولست أنت

.ومرت األيام سراعا

واقتربت لحظة افتتاح المجلس ، وكان هـو يجلـس

قل مراسم حفل االفتتاح ، فلقد أعلنـت أمام التلفاز انتظارا لن

المذيعة أن الحفل سوف ينقل على الهـواء مباشـرة تقـديرا

مشروعات الخير في لمساهمات المغالوى

وتحقق الوعد وتتابعت المراسم ورأى المغلوى يتقدم

، شله من المنافقين يباركون ويحيون خيالء وحوله في داخال

تواضع يحيى كـل في ورأى عبد الحق يدخل رزينا رصينا

من يقابله ، ليقدم بصفته أكبر األعضاء سنا، رئيس المجلـس

وفجأة اهتزت الصورة، وسمع هرجا شديدا ، ثم قطع . الجديد

نقل وقـائع في اإلرسال وظهر المذيع يعتذر عن االستمرار

انتابه قلق شـديد ، تـوجس . جلسة االفتتاح ألسباب طارئة

ت ورن جـرس المسـرة، حدوث مكروه ، وماهى اال لحظا

وحين جاءه صوت عبد الحق شعر بالطمأنينه، ولكـن حـين

تدفقت كلمات عبد الحق متهدجة باآلسي تروى مـا حـدث

استبان األمر، أدرك سر القلق الذى انتابه فلقـد علـم بـأن

المعلى سقط فجأة وهو يستعد للصعود على الـدرج وحـين

ث بشدة وقد أسرع إليه الموجودون وجدوه محمر الوجه ، يله

تقطعت أنفاسه ، ولما وصل اليه األطباء يفحصونه ويقيسون

أسف في ضغطه ويعدون نبضة، سرعان ما اعتدلوا معلنين

أسرع يرتدى مالبس الخروج كما طلـب مـن ! انه قد مات

حتى يلحق بجلسة االفتتاح فهو العضـو الـذى ) عبد الحق (

ـ " المغالوى " سوف يخلف ن حسب ترتيـب الراسـبين ولك

صاحبنا لم يملك مقاومة دمعة أسى انفلتت صادقة من عينيه ،

وهو يستعد للخروج متمتما؟ رحمه اهللا يا صديقى ، فلقد شاء

اهللا أن يتحقق لك ما قلت ، فلم ادخل المجلس الى بعد أن مت

.وكلنا ميتون

١٩٩٨مجلة أكتوبر أبريل

قصيرةقصة

فايدفخرى أترضاه

حباه اهللا منذ صغره بوجه جميل، حتى أن النسوة من

جيرانهم كانوا يتقربون إليه ويسعون إلى تدليله وهدهدته علهم

مثل جماله، ولما شب تحول اإلعجاب إلى في يوعدون بأوالد

الجسد والمشاعر، في عشق ومواعدة ومطاردة، وتسليم كامل

ه وحصل على وظيفة يحلم بها أى شاب فلما انتهى من دراست

فـي جاءته عن طريق ابنة أحد المسئولين كانت زميلة لـه

الجامعة، وهامت به عشقا، ولكن أباها رفض أن يزوجها لـه

فلقد كان رجال ينظر لما هو أكبر مما هو فيـه ويتمنـى أن

يوم ما أحد الوزراء، فزوجها من ابـن شخصـية في يصبح

فـي دركه سن الزواج أصبح ال يثق تملك مداخل السياسة، أ

امرأة فكلهن ميسرات لرغباته ونزواته، فلماذا ال يفعلن مـع

.غيره ما يفعلن معه

التقى بها، بهر بجمالها، راودها طويال عن نفسـها،

استخدم معها كل األساليب التى نفذها مع غيرها ونجح ونال

لـى ما أراد، لكنه بعد كل محاولة، وحين يظن أنه قد وصل إ

هل انتهت : دالل وتقول في نقطة التسليم يفاجأ بها تنظر إليه

..اللعبة ؟

ذات مرة قرر أن يستدرجها إلى شقته، بل وحتى الر

مشروبها، ونفذ نخططـه في تقاومه قرر أن يضع لها مخدر

غاية المرض وأنها قدمت من قريتهم ليذهب في ادعى أن أمه

عرف عليهـا كزوجـة بها إلى طبيب كبير وأنه يريدها أن تت

المستقبل البنها ووحيدها ،

صدقته كانت حروفه منتقاه، وكان يتحـدث بصـدق

شديد، اقتنعت، رافقته إلى حيث يسكن بأحد االحياء الراقيـة،

حين فتح باب الشقة لم تجد أحدا، قال ان أمه تالزم الفـراش

السوء، صدقته، قال انه سـيدخل الحجـرة في فحالتها غاية

خلف الباب للحظات ثم عاد ليخبرها أنهـا في ختليوقظها، وا

نوم عميق، واقترخ أن في خال كالغيبوبة وأنها مستغرقة في

مقعد في يعد لها كوبا من العصير، ووافقت وجلست متحفزة

.قريب من الباب

دخل المطبخ، أخرج كوب العصير المعد من قبـل،

فـي أسقط داخل العصير حبة مخدرة، ثم عاد محاوال أن يخ

:تحفذه وسروره، ناولها الكوب فتناولته شاكرة، قال

.وسوف أحاول ثانية أن أوقظ أمى .. اشربى -

تركها وتقافزت خطواته إلى الحجرة المغلقـة ففـتح

:الباب ثم خرج صوته هامسا

.استيقظى يا غاليه .. أمى .. أمى -

:خرج بعد لحظة وجذب الباب خلفه، وقال

..يق نوم عمفي انها مازالت -

إلى كوب العصير، لم تكـن في ثم نظر من طرف خ

:قد تناولت منه سوى قطرات، تساءل مندهشا

. انه عصير البرتقال الذى تحبينه -

:قالت له وهى تضع الكوب على المنضدة

مذاقه، لعلك أعددته مـن فتـرة في أحس بغرابة -

.فتغير طعمه

:قال محبطا

.. أنت تحبين الشاى .. هل اعد لك كوبا من الشاى -

هه ؟

:قالت

. إذا اعده أنا -

:نهضت إلى المطبخ، دخل خلفها قائال

. سأريك مكان الشاى والسكر -

التصق بها عامدا وان تظاهر بعدم القصد، انتفضـت

:وقالت غاضبه

.سأترك الشقة فورا .. وبعد -

اجمهـا بشـدة، انتابه حال من اليأس وقـرر أن يه

قاومته، ولكنه كان األقوى، وحين جذبها إلى خارج المطـبخ

ودفع بها إلى األريكة، أدركت كذبه والخطر الذى يحيق بهـا

:فانسابت دموعها، وسألته عاتبة وكلماتها ترتعد

!. أترضى هذا ألختك أو ألمك ؟-

وجد نفسه يعتدل وقد ماتت كـل مشـاعر الرغبـة،

حال من الالوعى، ووجد نفسه في اح وارتمى بجوارها وقد ر

كتاب أهداه له صديق، في يقف بين يدى كلمات قرأها أخيرا

فـي يجلـس أحد فصول الكتـاب رأى رسـول اهللا في ف

:غير بين يديه يسأله مرتجفا، يقولالمسجد، وقد وقف فتى ص

.أأذن لى بأن أزنى يا رسول اهللا -

وغضب الصحابة مـن صـفاقة الفتـى وزمجـروا

أشار إليهم افروا من حوله يريدون أن يفتكوا به، ولكنه وتن

:ليتركوه، ثم قربه منه ورد على طلبه بسؤال، قال

.أترضاه ألمك ؟ -

:انتفض الفتى قائال

.كال -

دائرة مـن في يسأله عن مدى قبوله للزنى وظل

يعزون عليه، والفتى يزداد رفضا حتى كره الكلمة والفكـرة

.هللا، ومعتذرا عن طلبه وبكى مستغفرا ا

:اعتذر لها، قال وقد امتأل خجال من تصرفه

.هيا ألرافقك إلى بيت أسرتك -

جففت دمعها، وتهندمت ثم لحقت به، وحـين نـزال

سيارته، بل صـحبها في إلى الطريق فاجأه بعدم اصطحابها

إلى محطة المترو، وركبا سويا، وحين وصال إلـى حيـث

بتعدت عنه وقلبها ينزف ألما، وهـى تسكن تراجع قليال ثم ا

.تشعر أنها لن تراه ثانية

ألقت بالتحية على من صادفت من اخوتها واتجهـت

خطوات متعثرة إلى حجرة نومها، وما أن أغلقت خلفهـا في

.باب حجرتها حتى ارتمت على الفراش وقد أجهشت بالبكاء

ال تدرى كم من الوقت مر بها وعليها، ولكنها وجدت

.ها تلمس كتفها وتخبرها بأن أباها يريد أن تذهب إليه يد أم

مسحت بقايا الدمع من عينيها بخفة حتـى ال تراهـا

:أمها باكية، وقالت لتطيل من الوقت

.سأخلع مالبسى وألحق بك يا أمى -

:قالت األم

ـ بل ان أباك يريدك بمالبس خروجك هذه ألن معه

.ضيوف أغراب

المرآة وعدلت مـن في اعتدلت ، ثم نهضت فنظرت

هيأتها وخرجت متوجسة تسير وراء أمها مطرقـة الـرأس

اللحظات القاتمة التى مرت بها، ولكنها حين قال في مستغرقة

:لها أبوها

.سلمى على ضيفنا يا هند ـ

رفعت رأسها فوجدته أمامها مبتسما وقد مد إليها يده

.مودة ورحمة في لتتلقف يدها