Upload
others
View
1
Download
0
Embed Size (px)
Citation preview
�سالمة
الق�سرواية تاريخية
علي اأحمد باكثري
ر�سوم: خالد خ�سري
اأ�سدرته منظمة اليون�سكو عام 1996
عدد 146 – الأربعاء 6 ت�رشين 1 )اأوكتوبر( 2010
ال�رشيك الثقايفاملوؤ�س�سة الراعية
2
معايل ال�سيدة اإيرينا بوكوفا Irina Bokova، املديرة العامة ملنظمة الأمم املتحدة للرتبية والعلم والثقافة -اليون�سكو- ومعايل ال�سيخ حممد بن عي�سى اجلابر MBI Al Jaber املبعوث اخلا�س ملنظمة اليون�سكو للت�سامح والدميقراطية وال�سالم.
www.kitabfijarida.com ال�سفحة الرئي�سية للموقع اللكرتوين ل"كتاب يف جريدة" الأربعاء الأول من كل �سهر على
�إميانا منه� ب�أهمية ن�رش املعرفة وت�شجيع القراءة ودعم الفن الت�شكيلي
ملواجهة الأزمة الثق�فية اخل�نقة يف الع�مل العربي، و�إ�سهاما يف اإعداد
احلديثة احل�ش�رة بن�ء يف امل�ش�همة على ق�در عربي ع�رشي جيل
والتو�شل عرب الرتبية والعلم والثق�فة اإىل اإدراك الدميقراطية وال�شالم
مت�شي� مع مب�دئ امليث�ق الت�أ�شي�شي لليون�شكو، ت�شدر م�ؤ�س�سة حممد
مع ب�لتع�ون MBI Al Jaber Foundation �جلابر عي�سى بن
ال�شحف كربي�ت مع وب�ل�شرتاك UNESCO / اليون�شكو منظمة
اليومية العربية توؤازره� نخبة من كب�ر الأدب�ء والكت�ب ومن ورائهم
املاليني من الق�رئني،
كتاب يف جريدة
اء يف اإىل اأكرب فئة من القر �شهري� وب�شكل جم�ين ومنتظم هدية منه�
جميع العوا�شم العربية والعرب يف الع�مل.
عدد 1446 ت�رشين 1 32010
خالد خ�سري
العراق. الب�رشة، 1956 حزيران مواليد من ت�شكيلي ون�قد ور�ش�م ك�تب
ح�ئز على بك�لوريو�س ر�شم من كلية الفنون اجلميلة يف ج�معة الب�رشة و دبلوم
ع�يل - اإت�ش�لت - من املعهد الع�يل لالإت�ش�لت 1978.
ع�شو الت�شكيليني، جمعية ع�شو العراقيني، والكت�ب الأدب�ء احت�د ع�شو
نق�بة الفن�نني، ع�شو احت�د الت�شكيليني الرواد، مدرب دويل ب�ل�شطرجن.
الأديب يف عم�ن دار اإ�شدار ال�شيئية« الواقعة .. األف كت�ب »ه��شم حنون
اللوحة طوبولوجي� يف مق�لت العراقي - »الر�شم بعنوان وكت�ب� 2009
و�شيئيته�«.
كتب العديد من املق�لت الثق�فية والنقدية يف العديد من ال�شحف واملجالت
العربية ور�شم العديد من اأغلفة الكتب.
جملة مثل فنه عن خ��شة ملف�ت واملجالت ال�شحف من العديد �شت كر
»األواح – اأ�شب�ني�« و»الطليعة الأدبية« و »الأقالم«.
له مدونت�ن الكرتونيت�ن :
http://khalidkhkh.maktoobblog.com http://khalidkhkh.blogspot.com
وروائي، م�رشحي، ك�تب ب�كثري، اأحمد علي
و�ش�عر، ومرتجم من اليمن.
ولد ع�م 1910، يف اندوني�شي� لأبوين عربيني من
ح�رشموت، حيث ك�ن اأبوه يعمل يف التج�رة هن�ك.
اإىل والده به ع�د عمره، من الع��رشة ويف
ح�رشموت لين�ش�أ فيه� ن�ش�أة عربية، حيث تلقى تعليمه
فبداأ مبكر، وقت يف الأدبية مواهبه وظهرت يل الأو
عمل بنظم ال�شعر وهو يف الث�لثة ع�رشة من عمره، ثم
�ش� بعد تخرجه. مدر
عدن اإىل ه وتوج ،1931 ع�م ح�رشموت غ�در
زمن� يف احلج�ز. ومنه� اإىل ال�شوم�ل واحلب�شة وا�شتقر
الإ�شالمية ب�لأفك�ر ت�أثره بدا الفرتة هذه وخالل
اجلديدة، خ��شة طروح�ت ال�شيد حممد ر�شيد ر�ش� يف
جملة )املن�ر( كم� كتب فيه� م�رشحيته الأوىل: »هم�م
ت�أثره مب�رشحي�ت فيه� التي ظهر الأحق�ف« يف بالد
�شوقي.
انتقل اإىل م�رش 1934، يف مرحلة مثلت انعط�فة
مهمة يف حي�ته الثق�فية، والتحق بج�معة فوؤاد الأول
لي�ش�ن�س على ح�شل حيث ح�لي�« الق�هرة »ج�معة
وخالل ،1939 ع�م يف النكليزية اللغة ق�شم الآداب
درا�شته يف اجل�معة ترجم م�رشحية »روميو وجولييت«
م�رشحيته كتب كم� ، �شل املر ب�ل�شعر ل�شك�شبري
جتربة فك�نت ،احلر ب�ل�شعر ونفرتيتي« »اأخن�تون
رائدة يف هذا املج�ل.
�ش�فر اإىل فرن�ش� ع�م 1954 يف بعثة درا�شية.
انتقل ثم ع�م� ع�رش خم�شة ب�لتدري�س ا�شتغل
للعمل يف وزارة الثق�فة والإر�ش�د القومي مب�رش وظل
يعمل فيه�.
وح�شل م�رشية، �شيدة من ع�م م�رش يف تزوج
على اجلن�شية امل�رشية مبوجب مر�شوم ملكي يف ع�م
.1951
ك�ن يجيد اللغ�ت: الإجنليزية والفرن�شية واملالوية
ب�لإ�ش�فة اإىل لغته الأم: العربية.
الت�ريخية - الرواية بني الأدبي اإنت�جه تنوع
ومن والنرثية، ال�شعرية وامل�رشحية - خ��س ب�شكل
الأحمر« و»الث�ئر اإ�شالم�ه« »وا الروائية اأعم�له اأ�شهر
« اأم� اأ�شهر اأعم�له امل�رشحية فهي »�رش
و» �شالمة الق�س
اإىل ترجمت التي زاد« �شهر و»�رش اللـه« ب�أمر احل�كم
»اأدويب من امل�شتوح�ة اأوديب« و»م�أ�ش�ة الفرن�شية
�شوفوكلي�س« وقد ترجمت اإىل الإنكليزية.
مل ين�رش »ب�كثري« اأي ديوان �شعري يف حي�ته لكنه
ق�ت يف ال�شحف واملجالت.ن�رش ق�ش�ئد متفر
ون�رش له بعد وف�ته ديوان »اأزه�ر الربى يف اأ�شع�ر
ال�شب�« الذي �شم ق�ش�ئد من اأ�شع�ره التي كتبه� عندم�
ك�ن يعي�س يف ح�رشموت، قبل انتق�له اإىل الق�هرة .
/نوفمرب الث�ين ت�رشين 10 يف م�رش يف تويف
1969، ودفن مبدافن الإم�م ال�ش�فعي يف مقربة ع�ئلة
زوجته امل�رشية.
اإ�شه�م�ته اأحمد ب�كثري اإذا ك�ن معروف� عن علي
الوا�شحة يف امل�رشح العربي يف اجليل الث�ين من اأجي�ل
النه�شة العربية، ف�إنن� نقدمه اليوم رائدا يف جم�ل اآخر
مالمح ت�شتعيد التي الت�ريخية« »الرواية جم�ل هو
مطمو�شة من الت�ريخ العربي الإ�شالمي لإع�دة اإحي�ئه�
يف �شورة مدنية من خالل عمل روائي ر�شني.
الرواي�ت تلك من واحدة »
الق�س و»�شالمة
ج�نب لنعك��س عميقة مراآة دت ج�ش التي الت�ريخية
من تلك املالمح املطمو�شة.
يف الت�ريخية الرواية على يوؤخذ � م ك�ن واإذا
الأدب العربي، خ��شة يف منوذجه� البدئي الذي مثله
اأكرث الت�ريخ يف روم�ن�شي تيه ب�أنه� زيدان، جرجي
ت�شتكمل مل وبكونه� تنويري�، فني� ك�شف� كونه� من
ال�رشوط الفنية للرواية، ول تعدو �شوى نوع من العبث
بعد ذات متخيلة بوق�ئع �شحنه� واإع�دة ن�ت ب�ملدو
املج�ل، هذا يف »ب�كثري«، رواي�ت ف�إن اأيديولوجي،
الأ�شلي ن�شقه ب�عتم�د للت�ريخ، حذرة مق�ربة لت مث
والتف��شيل احلرة امل�ش�ح�ت يف التدخل وحم�ولة
الجتم�عية خللق تراجيدي� يقت�شيه� الن�س.
فني نزوع �شي�ق يف الرواية هذه كتبت لقد
من حمفوظ جنيب بداأ فقد املرحلة، تلك به ات�شمت
الأوىل: الثالث براوي�ته الفنية مع�جلته يف الت�ريخ،
وبينم� طيبة« و»كف�ح و»رادوبي�س« الأقدار« »عبث
كت يف طبق�ت ك�نت رواي�ت جنيب حمفوظ تلك قد حتر
الت�ريخ الفرعوين البعيد، ف�إن »ب�كثري« اجته اإىل ف�ش�ء
الإ�شالمي. وك�ن يجد نزوعه العربي الف�ش�ء اآخر، هو
نحو هذا التوجه �رشوري� بفعل �شيوع ظ�هرة الدعوات
الإقليمية. لهذا ف�إن »اإحي�ء روح الأمة ظلت رائدي يف
م� كتبت من م�رشحي�ت وق�ش�س« كم� يقول.
الت�ريخ ن�ت مدو تخلقه م� اأن �شنجد هن� ومن
الروائي العمل ال�رشدية يف من قلق فني يف امل�ش�حة
بني احلك�ئية بنيته متدد اإىل توؤدي قد الت�ريخي،
اإىل م� دفع جنيب حمفوظ ولعل هذا والواقع، التخيل
اأم� »ب�كثري« ف�إنن� جنده مغ�درة هذه املنطقة مت�م�.
يف اجل�نب املق�بل قد ظل حم�فظ� على خي�راته، وداأب
على اإغن�ء ع�مله الروائي بخي�رات جديدة، م�شتفيدا من
»لأن الوقت، وكذلك العروبية يف ذلك الثق�فة تي�رات
اأحداث الت�ريخ التي تبلورت وتخل�شت من التف��شيل«
الفني العمل اأف�شل يف كم� يقول، تتيح للك�تب حرية
حيث والإيح�ءات، الرموز ا�شتيع�ب من له تتحم مب�
ملق�ربته� وحرا حيوي� جم�ل الكربى الدللت تبقى
من قبل الك�تب.
ل رواية من�شورة لب�كثري، اأو الق�س« تعد » �شالمة
يف وذلك للج�معيني« الن�رش »جلنة عن �شدرت حيث
من��شفة الأوىل ب�ملرتبة ف�زت بعدم� ،1944 الع�م
مع رواية جنيب حمفوظ »رادوبي�س« يف اجل�ئزة التي
ك�نت متنحه� ال�شيدة »قوت القلوب الدمردا�شية« وهي
عبد الت�شوف يف الدمردا�شية الطريقة موؤ�ش�س ابنة
الرحيم الدمردا�س، وك�نت تكتب الرواية ب�لفرن�شية. ثم
« اإىل فيلم �شينم�ئي غن�ئي
حتولت رواية » �شالمة الق�س
ل�شيدة الغن�ء العربي: اأم كلثوم.
اأوائل واملدينة يف مكة الرواية بني اأحداث تدور
ل حتو ع�ثر حب ف�شول وت�رشد للهجرة، الث�ين القرن
م�شتحيل يف ظروف اجتم�عية و�شي��شية جعلت اإىل حب
. العذري� �رشيح� للحب منه منوذج� تراجيدي
احلب هذا ق�شة »ب�كثري« ا�شتقى اأين من لكن
ة؟ الع�ثر بني �ش�ب ع�بد زاهد، ومغنية �ش�ب
»ذكر ف�شل يف الأ�شفه�ين الفرج اأبو يقول
كت�ب من الث�من اجلزء يف وخربه�« الق�س �شالمة
الأغ�ين]ك�نت �شالمة مولدة من مولدات املدينة وبه�
العرب، بني املولودة اجل�رية هي واملولدة - ن�ش�أت
والتي تن�ش�أ مع اأولدهم، ويعلمونه� من الأدب مثل م�
يعلمون اأولدهم- اأخذت الغن�ء عن معبد وابن ع�ئ�شة
واإمن� ال�شمح وذويهم فمهرت. اأبي بن وجميلة وم�لك
لأن رجال يعرف بعبد الرحمن بن
�شميت �شالمة الق�س
ب ب�لق�س اء اأهل مكة، وك�ن يلقاأبي عم�ر اجل�شمي من قر
لعب�دته، �شغف به� و�شهر، فغلب عليه� لقبه. وا�شرتاه�
يزيد بن عبد امللك يف خالفة �شليم�ن، وع��شت بعده.[
هذه اأبط�ل اأن جند هذه، الأ�شفه�ين رواية من
كتب من نعرفهم حقيقيون، اأ�شخ��س هم الرواية
هذا اأهمية وتكمن العربي، الأدب وم�ش�در الت�ريخ
ه جعل العديد من �شخ�شي�ت ذلك الع�رش، اأن العمل يف
بينه� ك�نت واإن حتى ف�شوله، يف تلتقي واأعالمه
م�ش�فة م� يف تلك احلقبة الت�ريخية التي ع��شوا به�.
مع التث�قف رواية هي »
الق�س »�شالمة ورواية
الت�ريخ، ويف الوقت عينه،
معطي�ت من ت�شتفيد
فقد احل��رش، مع التجربة
بعدم� »ب�كثري« كتبه�
يف عميق� اإبح�را اأبحر
امل�ش�در الت�ريخية، وتتبع
احلك�ية هذه م�ش�در
الرتاث يف وتف��شيله�
الأغ�ين وخ��شة العربي
الأ�شفه�ين الفرج لأبي
لل�رشاج الع�ش�ق وم�ش�رع
لبن الن�ش�ء واأخب�ر
اأن وبعد و�شواه�، اجلوزي
به يف ب�أ�س ل زمن� ع��س
ع��س التي الأوىل البيئة
الرواية، تلك اأبط�ل فيه�
على ينطوي العمل فج�ء
على وقدرة فني مت��شك
الإم�ش�ك ب�حلدث واإدارته، والربط بني اأحداثه.
طبيعة من ج�نب على �شوءا الرواية هذه ت�شلط
احلي�ة الجتم�عية م� بني مكة واملدينة، وتعيد تقدمي
تخرج فنية بنكهة الإ�شالم، من احل�ش�ري اجل�نب
حراكه نحو التدوينية، وث�ئقيته �رشامة من الت�ريخ
للحب منوذج� مق�ربته� خالل من احلي، اليومي
الر�شني يف دولة بداأت تتجه نحو املدنية.
املراأة يف املجتمع الراوية �شورة م هذه تقد كم�
الإ�شالمي خالل الع�رش الأموي، بطريقة اأخرى متلفة،
وبعيدة عن منطيته� املعهودة، اإذ ل يعيد الك�تب تقدمي
اجل�رية رمزا م�شخ�شن� للمتعة اجل�شدية، واإمن� يقدمه�
جل�نب تخ�شع ظلت واإن متف�عال، � اجتم�عي منوذج�
اأث�رت وقد الع�رش. لذلك الجتم�عية التق�ليد من
هذه حول املتب�ينة الأفع�ل ردود حينه� يف الرواية
املع�جلة ب�لذات.
الراوية بالغة متينة، »ب�كثري« يف هذه ي�شتخدم
ولغة ذات نكهة اإعرابية، ولذلك ف�إن مفردات ق�مو�شية
الهوام�س، يف ب�رشحه� قمن� الرواية، �شي�ق يف ترد
ت�شهيال ملهمة الق�رئ، كم� يورد الك�تب بع�س الأ�شع�ر
�شعراء من لعدد تعود التي الق�ش�ئد من واملجتزاآت
الغزل العرب يف تلك احلقبة، وهو م� قمن� بن�شبته اإىل
اأ�شح�به اعتم�دا على تخريجه� من امل�ش�در الرتاثية.
جميع اإن اإىل التنبيه املهم من ف�إن هن� ومن
يف يرد مل م� هي الكت�ب هذا يف الواردة الهوام�س
« يف عن� و�ش من هو واإمن� للرواية، املن�شور الأ�شل
كت�ب يف جريدة«
حممد مظل�م
»�سالمة الق�س« والرواية التاريخية..
4
ال�صحف ال�رشيكة
الأحداث - اخلرطوم
الأيام - رام اللـه
الأيام - املنامة
ت�رشين - دم�شق
الثورة - �شنعاء
اخلليج - الإمارات
الد�ستور - عمان
الراأي - عمان
الراية - الدوحة
الريا�ض- الريا�ض
ال�سعب- اجلزائر
ال�سعب- نواك�شوط
ال�سباح- بغداد
العرب- تون�ض، طرابل�ض الغرب ولندن
جملة العربي - الكويت
القاهرة - القاهرة
القد�ض العربي - لندن
النهار - بريوت
الوطن - م�شقط
اأدوني�ض
اأحمد ال�سياد
اأحمد بن عثمان التويجري
اأحمد ولد عبد القادر
جابر ع�سفور
جودت فخر الدين
�سيد يا�سني
عبد اللـه الغذامي
عبد اللـه يتيم
عبد العزيز املقالح
عبد الغفار ح�سني
عبد الوهاب بو حديبة
فريال غزول
حممد ربيع
مهدي احلافظ
نا�رش الظاهري
نا�رش العثمان
نهاد ابراهيم با�سا
ه�سام ن�سابة
مينى العيد
الهيئة الإ�صت�صارية
خ�سع ترتيب اأ�سماء الهيئة الإ�ست�سارية وال�سحف للت�سل�سل الألفبائي ح�سب ال�سم الأول. عدد رقم 146
)6 ت�رشين اأول 2010(
الراعي
حممد بن عي�سى اجلابر
MBI AL JABER FOUNDATION
امل�ؤ�ص�س
�سوقي عبد الأمري
املدير التنفيذي
ندى دلل دوغان
�صكرتاريا وطباعة
هناء عيد
املحرر الأدبي
حممد مظلوم
ر املق
بريوت، لبنان
ي�سدر بالتعاون مع وزارة الثقافة
ت�صميم و اإخراج
Mind the gap, Beirut
الإ�صت�صارات الفنية
�سالح بركات
غالريي اأجيال، بريوت.
املطبعة
پول نا�سيميان
الإ�صت�صارات القان�نية
"القوتلي وم�ساركوه - حمامون"
املتابعة والتن�صيق
حممد ق�سمر
كتاب يف جريدة
�شنرت دلفن، الطابق ال�شاد�ض
�شارع �شوران، الرو�شة
بريوت، لبنان
تلفون/ فاك�ض 835 868 1)0( 961+
[email protected]@hotmail.com
عدد 1446 ت�رشين 1 52010
ب�سم �هلل �لرحمن �لرحيم »ولقد همت به وهم
ه« - �لقر�آن �لكرمي بها ل�ال �أن ر�أى برهان رب
�لف�سل �الأول
اأبي بن عبداللـه بن الرحمن عبد ا�شتيقظ
�شوت على الليل من الأخري الهزيع يف عم�ر
الآذان الأول ل�شالة ال�شبح، فنه�س عن فرا�شه،
على منه� ف�أطل غرفته، كوى من ة كو وفتح
اأق��شيه ا�شتملت وقد اأم�مه املنب�شط الف�ش�ء
ب�لظالم ال�ش�بغ، وبقيت تختلج يف اأدانيه، وعلى
وعلى الآخر، اجل�نب من البعيدة التالل روؤو�س
و�شم�له ميينه عن البي�ش�ء مكة ق�شور اأع�يل
اأطي�ف من �شي�ء القمر الغ�رب يف الأفق.
ال�شت�ء ريح من �ر بتي الرحمن عبد و�شعر
البليلة يت�رشب اإىل الغرفة، ف�أ�شلح جيب قمي�شه،
طرفيه واأرخى عنقه، حول ه فلف رداءه وتن�ول
ب�لعودة اأغراه لذيذ بدفء
ف�أح�س �شدره، على
مل ولكنه الأول، الفجر يطلع ريثم� فرا�شه اإىل
يداعب ب�لنع��س
اأح�س حتى ذلك يفعل يكد
عميق �شب�ت اإىل به �شينتهي اأنه واأيقن جفنيه
ر قد يفوت عليه �شالة اجلم�عة يف امل�شجد، وتذك
،1اأنه مل يكمل تلك الليلة حزبه من القراآن اأي�ش�
ف��شتع�ذ ب�للـه من ال�شيط�ن، ورمى حل�فه عنه
ورجع �أ وتو�ش ر فتطه املي�ش�أة اإىل وق�م بقوة،
اإىل الغرفة ينتف�س من الربد، ف�أم�ط فرا�شه عن
الو�شوء. ركعتي و�شلى عليه فوقف احل�شري
اأن عليه هجم خ�طر اأول ك�ن �شالته اأمت فلم�
ب�أمر تعنى ك�نت التي الربة العجوز ه اأم ر تذك
مطمئن� ي�ش�ء كم� ين�م فك�ن وقي�مه، �شالته
اإىل اإيق�ظه� اإي�ه يف الوقت املطلوب.
ته رب �ش�حلة امراأة الرحمن عبد اأم وك�نت
يف وزرعت والعب�دة، التقوى على �شغره منذ
هموم تكفيه وك�نت الدين. يف الفقه حب قلبه
اأبوه تركه الذي امل�ل بتدبري وتقوم عي�شه
الث�نية الرحمن عبد ي�شلخ ومل� م�ت اإذ لهم�
و�شلمته تربيته فتولت عمره، من
القراآن عنه فحفظ اأق�ربه� لأحد
قبل الع��رشة، وحببت اإليه امل�شجد
اأغلب فيه يعتكف فك�ن احلرام،
احلديث علم�ئه عن يروى الأي�م،
اإىل ويتلقى عنهم الفقه، ول يرجع
بيته يف اأطراف مكة اإل اآخر النه�ر،
القراآن يدار�شه� اأمه اإىل فيجل�س
ويذاكره� احلديث.
زوجه� توفى منذ همه� ك�ن
اأن ين�ش�أ ابنه� الوحيد ع�مل� فقيه�
بن كعط�ء اأو امل�شيب ابن ك�شعيد
اأن �شالته� يف اللـه تدعو وك�نت رب�ح، اأبي
ق له� هذا الأمل، ف��شتج�ب اللـه دعوته� فلم يحق
ت حتى راأت ابنه� ال�ش�ب م�رشب املثل مبكة مت
به اأهل مكة: »الق�س« يف فقهه وعب�دته، حتى لق
وغلب عليه هذا اللقب حتى ك�د ل يعرف اإل به.
لل�ش�ب عنوان� الق�س الرحمن عبد ا�شم وك�ن
العفيف الن��شئ يف عب�دة اللـه، املالزم للم�شجد،
الفقيه يف الدين. وك�ن ال�شيوخ والكهول يروون
ا�شتفت�ئه يف حرج� يجدون ول احلديث عنه
ي العلم عنه. وا�شتهر اأمره فلم يكن من بيت وتلق
مبكة مل ي�شمع به. ك�نت املراأة من ن�ش�ئه� تعلل
، وك�ن الرجل
ابنه� الر�شيع ب�أن ين�ش�أ ن�ش�أة الق�س
يتمنى على اللـه لو رزقه ولدا مثله.
ر عبد الرحمن اأمه ال�ش�حلة وتذكر ح�شن تذك
هموم اإي�ه وكف�يته� عليه وقي�مه� له تربيته�
احلنني فع�وده والعلم، للعب�دة ليتفرغ العي�س
اإليه� وا�شتد به احلزن عليه�، وك�ن قد خف عنه
ذلك بعدم� ان�رشم على وف�ته� ع�م ق�ش�ه عبد
حتى الذكرى، واأم�س احلزن اأ�شد يف الرحمن
اعتلت �شحته و�ش�ء ح�له ولكنه ك�ن ي�أخذ نف�شه
ب�ل�شرب والر�ش� بق�ش�ء اللـه، ويلج�أ اإىل ال�شالة
، والعب�دة كلم� ط�ف به ط�ئف من اللوعة والبث
يف وك�ن عليه�. م والرتح له� ب�لدع�ء مكتفي�
اإذ ذلك يعمل جهده بو�شيته� له وهي حتت�رش،
ي� اللـه »اأ�شتودعك املوت: �شكرات يف له ق�لت
عبد الرحمن. ل اأراك جتزع ملوتي وتن�شى الأن�س
ب�للـه«.
دقيق القلب، رقيق ك�ن الرحمن عبد ولكن
اأمه من احل�س، فلم يفلح يف اقتالع احلزن على
اأنه على الفينة، بعد الفينة يع�وده فظل قلبه،
بو�شية العمل على نف�شه يج�هد يفت�أ ل ك�ن
على له عون اأكرب العب�دة يف يجد وك�ن اأمه؛
كثريا ك�نت العب�دة هذه اأن لول اآلمه، تن��شي
اأمه اأ�شب�به� بذكري�ت م� تثري �شجونه، لقرتان
التي ك�نت توقظه يف ال�ش�عة املطلوبة من الليل،
دن� اإذا حتى معه، د وتتهج الو�شوء، له وتقرب
وقت ال�شالة نبهته للخروج اإىل امل�شجد، و�شيعته
دته ب�شيء من التمر والقديد اإىل الب�ب بعد اأن زو
به يف امل�شجد اإذا هو نوى العتك�ف فيه، 2يتبلغ
اأو يفطر عليه اإذا ك�ن �ش�ئم�.
ذكري�ت يف كذلك الرحمن عبد ا�شرت�شل
الليلة من اأمه، ولكنه ذكر مرة م� مل يكمله تلك
، وك�ن عليه اأن يكمله قبل خروجه حزبه القراآين
الذكري�ت تلك من نف�شه ف�قتلع امل�شجد، اإىل
م عليه�، وم�شح الع�ر�شة بعد اأن دع� لأمه وترح
طفق ثم عينيه، يف ترتقرق ك�نت عربة بردائه
يقراأ القراآن ب�شوته احلنون احلزين. وك�ن اإذا قراأ
اإنه حتى حوله، م� ون�شي فيه ا�شتغرق القراآن
ك�ن ل ينتبه ملرور الوقت اإل مب� ي�أتي عليه من
اأو يتمه من �شوره، فيعرف الوقت القراآن، اأجزاء
بذلك. ولكن ا�شرت�ش�له يف ذكري�ته تلك الليلة قد
اأخذ جزءا غري قليل من وقته، ف�أخط�أ يف تقديره
ال�ش�رع، يف النع�ل خفق اإل ذلك اإىل نبهه فم�
قد املحلة تلك يف جريانه اأن ذلك من فعرف
�شالة ل�شهود امل�شجد اإىل يتوجهون اأخذوا
هوؤلء؛ قبل يخرج اأن ع�دته من وك�ن ال�شبح.
ة فنه�س قبل اأن يتم حزبه من القراآن وفتح الكو
مرة اأخرى فراأى نور الفجر قد انت�رش يف الأفق،
كتفيه على واألقى يه، خف ولب�س ثي�به ف�رتدى
الكت�ن من رداءه وتن�ول البي�ش�ء، عب�ءته
وخرج راأ�شه، على ره كو ثم ف�أداره الأبي�س
اإىل انتهى حتى يه بخف رج الد يقرع م�رشع�
من 3الب�ب ففتحه فخرج ثم اأغلقه، وانتزع اأقليده
فغرزه الب�ب ج�نب على التي ال�شغرية الفتحة
يف و�شطه، وم�شى منطلق� يف طريقه اإىل امل�شجد
وهو يقراأ م� بقي عليه من حزبه.
بخطواته الأر�س ينهب الرحمن عبد �ش�ر
ف�شبق �شيء؛ على يلوي ل ال�رشيعة الوا�شعة
كثريا من الرج�ل الذاهبني اإىل ال�شالة من �شب�ب
ون يخط ز عج و�شيوخ بقوة، مي�شون وكهول
ك�ن فقد وراءه. جميع� فخلفهم ،� خط الأر�س
– واعتالل اأمه اأمل به من احلزن لوف�ة على م�
ن�شيط الأ�رش �شديد البنية قوي – لذلك �شحته
احلركة. فلم� دن� من امل�شجد راأى الن��س يدخلون
من هو فدخل املختلفة، اأبوابه من اأفواج� اإليه
اأحده�. وبين� هو يف طريقه ق��شدا جهة الكعبة
ق�رب قد هرم� �شيخ� منه مقربة على ملح اإذ
الكعبة اإىل جهة الثم�نني من عمره، يدب دبيب�
وقد تقو�س ظهره وتهدل جفن�ه على عينيه، فدن�
منه عبد الرحمن وحي�ه ق�ئال: »ال�شالم عليك ي�
اأب� الوف�ء«.
�شيء يف راأ�شه ورفع ال�شالم العجوز فرد
التج�عيد، ذو وجهه وا�شح� فظهر اجلهد، من
ال�ش�ربة البي�ش�ء الأبي�ش�ن، وحليته وح�جب�ه
اأذنيه، اإىل �شحمتي املر�شلة 4ته يف �شدره، وجم
ك�أنه� اأطرافه� من حتت عم�مته اخل�رشاء تطل
عين�ه ملعت الرحمن عبد راأى فلم� ؛ 5الف�غية
بربيق الفرح، حتى ك�أن �شب�به امل��شي كله قد
ع� يف عينيه وق�ل: »مرحب� ي� بن ع�د اإليه متجم
. اأين كنت اأم�س فقد اأبي عم�ر... اأهال بك ي� بني
بحثت عنك فلم اأجدك؟ اإين اأريدك يف اأمر جلل!«.
ف�أج�به عبد الرحمن ق�ئال: »خريا ي� عم«.
فال ال�شالة بعد به »�ش�أحدثك ال�شيخ: ق�ل
تن�رشف حتى اأراك«.
الوف�ء«. اأب� ي� »�شمع� الرحمن: عبد فق�ل
ونظر اإىل وجه ال�شيخ كمن يح�ول اأن يعرف م�
ذلك الأمر اجللل الذي يريد ال�شيخ اأن يتحدث اإليه
فيه، ولكن ال�شيخ مل ميهله اأن ق�ل: »انتظرين عند
حلقة الدر�س«، وم�شى اإىل �شبيله اإىل حيث ي�أخذ
مك�نه يف ال�شالة، وكذلك فعل عبد الرحمن.
�لف�سل �لثاين
يف �شمط�ء عجوز ك�نت احلني ذلك يف
يف مت�شي عمره� من واخلم�شني ال�ش�د�شة نحو
الواقع يف طرف دهليز �شيق يف بيته� ال�شغري
ون. وك�نت حتمل من اأطراف مكة م� يلي احلج
الدهليز حتى وقفت له� �شمعة ت�شيء يده� يف
وت�شيح تقرعه ف�أخذت �شغرية غرفة ب�ب عند
ي� قومي �شالمة! �شالمة! »�شالمة! من�دية:
واأنت ال�شم�س طلعت قد ج�رية ي� اإ�شحي بنت!
ن�ئمة!«.
فلم الأول من اأ�شد قرع� الب�ب وقرعت
ظهر قد �شيقة غرفة ف�إذا ففتحته اأحد، يجبه�
رث �رشير ال�شمعة �شوء على منه� ج�نب يف
اقرتبت قدمي. بلح�ف مدثرة فت�ة عليه تن�م
ال�رشير وهي تقول: »�شالمة.. قومي العجوز من
ف�أخذت الفت�ة عن اللح�ف و�شحبت �شقية«. ي�
جنب اإىل جنب من وتتقلب وتتث�ءب ى تتمط
وهي تقول: »اآه.. دعيني ي� مولتي ن�ئمة – م�
اللح�ف واأع�دت الوقت مبكرا«. ق�لت ذلك يزال
على ج�شمه�. لكن العجوز ع�ودت �شحب اللح�ف
د الكلم�ت ذاته� » قومي ي� عن الفت�ة وهي ترد
�شقية. الوقت مت�أخر، ولي�س مبكرا، لقد ح�ن وقت
نومه� من الفت�ة نه�شت ن�ئمة« واأنت ال�شالة
وهي تقول »اآه ب� مولتي ليلة الب�رحة مل اأمن اإل
اأبن ج�رن� دار ك�نت الليل، منت�شف بعد قليال
ك�ن وقد واملرح، الغن�ء ب�أ�شوات ت�شج �شهيل
�شوت غن�ء جميل ي�أتي من تلك الدار واأن� ا�شتمع
العذب هو �شوت ال�شوت الليل، ك�ن اإليه طوال
�سالمة
الق�س*
علي اأحمد باكثري
* اعتمدنا في نشر الرواية طبعة مكتبة مصر - القاهرة 1977
6
جميلة مطربة املدينة امل�شهورة«
ي�شوبه� لهجة يف وق�لت العجوز فتنهدت
ال�شتنك�ر وال�شم�تة: »نعم.. اأي �شيء ي�أتين� من
اه من ف�ش�د الزم�ن!!«. اأهل املدينة اإل هذا؟ اأو
واأجمل �شوته� اأعذب م� مولتي ي� »اآه
غن�ءه�!«.
»هل كنت تت�شمعني اإليه�؟ ويل لك، مل�ذا مل
ت�شدي اأذنيك وتن�مي؟«
انفجرت اجل�رية �ش�حكة �شحك�ت متقطعة،
وق�لت: �شيدته� من القول هذا ت�شتغرب ك�أنه�
»اأ�شد اأذين واأن�م؟ هئ هئ هئ هئ.. وهل ك�ن يف
اإىل اإن �شوته� ي� مولتي ليت�رشب و�شعي ذلك؟
الن�شيم اأذين كم� يت�رشب الأمل احللو – كم� يهب
العذب – كم� يداعب النع��س الأجف�ن!«.
مينة راأ�شه� ومتيل تتثنى اجل�رية واأخذت
ثم وي�رشة،
ن�شوة وهي ترتمن: »تن نه�شت عن �رشيره� يف
تن تن تن تن تن تن! تن تن تن تن تن تن تن!«.
و�شط ح�لة يف وهي العجوز فق�طعته�
ي� ا�شكتي »�شه، ق�ئلة: وال�شحك الغ�شب بني
ف�علة!«
ملولته� ت�شمع اأن ت�ش�أ مل اجل�رية ولكن
تن!« تن تن تن تن »تن مرتمنة: وا�شتمرت
وطفقت ترق�س يف انت�ش�ء وغنج وهي تغني:
اأنف�شن� و�شفت م� تعد زتن� »ليت هندا اأجن
د � جت م
6ة واحدة.. ..«
وا�شتبدت مر
وراأت اأم الوف�ء اأنه� قد �شربت ل�شالمة اأكرث
م� ينبغي له� اأن ت�شرب عليه�، فنهرته� وو�شعت
يده� على فمه� ق�ئلة: »�شه ا�شكتي! مل يبق اإل اأن
� اذهبي ف�شلي واحلبي ترق�شي وتغني هن�. هي
ثم اللنب
اخرجي
قبل اإلين� لتعودي املرعى اإىل ب�لغنيم�ت
الظهر«.
وعرفت �شالمة اجلد يف مولته� فم� و�شعه�
مولتي، ي� »�شمع� ق�ئلة: اأمره� تطيع اأن اإل
على ف�ألقته� عب�ءته� واأخذت ن�زلة«. ه�اأنذا
اأن ل عز عليه� للخروج، ولكنه� كتفه� مت�أهبة
تتمكن من اإمت�م رق�شته� واأغنيته� فخرجت من
الع�جز من ل »اإمن� الب�ب وهي ترق�س وتغني:
ي�شتبد«.
وهي تتبعه� وراءه� الوف�ء اأم وم�شت
علين� �شتف�شدين جميلة! ي� اللـه »ح�شبك تقول:
جوارين�«.
�لف�سل �لثالث
قد الن��س فرنى احلرام امل�شجد اإىل ونعود
اإىل رجع من فمنهم ال�شبح، �شالة من فرغوا
بقي من ومنهم عمله، اإىل ان�رشف اأو بيته،
ويطوف القراآن، يتلو اأو اللـه، يذكر امل�شجد يف
حلق�ت من حلقة اإىل ي�شتمع اأو ب�لكعبة،
الدر�س، حتى تطلع ال�شم�س وترتفع قدر رمح
اإل من نوى الن�فلة ثم ين�رشفون، في�شلون
العتك�ف ب�مل�شجد فيبقى فيه ول يرجع اإىل
بيته اإل بعد �شالة الع�ش�ء.
ا�شتدارت قد امل�شجد من ج�نب وهذا
فيه� الن��س ي�شتمع حلقة فيه
يقول: وهو العلم�ء اأحد اإىل
اللـه �شلى النبي عن ...«
)خري ق�ل: اأنه و�شلم عليه
ثم يلونهم، الذين ثم قرين، القرون
الذين يلونهم(.. ف�أب�رشوا اأيه� الن��س
اللـه احمدوا القرون، خري من اإنكم
تع�ىل مل يجعلكم من خري القرون
بط�عته، القي�م لتقوموا خري اإل
وتكونوا بذلك اأهال لب�ش�رة نبيه.
اللـه األ فمن خ�لف منكم كت�ب
يح��شبه ف�شوف ر�شوله و�شنة
على ع�شريين ح�ش�بني اللـه
من اأ�ش�ع م� وعلى ذنبه،
نعمته...«.
طلعت قد ال�شم�س وك�نت
بحيث حتل ال�شالة، واأخذ الن��س
الوف�ء اأبو ال�شيخ وهذا يتنفلون،
ويدعو: فل الن �شالة من ي�شلم
ويف ح�شنة الدني� يف اآتن� »ربن�
الن�ر«. عذاب وقن� ح�شنة الآخرة
من كهالن رجالن ج�نبه واإىل
من اأي�ش� فرغ� قد اأ�شح�به
الثالثة انتظر وم� يدعوان. واأخذا �شالته�،
اأبي ابن الرحمن عبد عليهم اأقبل حتى طويال
ونه�شوا ال�شالم، عليه فردوا عليهم ف�شلم عم�ر
الوف�ء؟ اأب� ي� اأنت »كيف وق�ل: ف�ش�فحهم له
؟«. كيف اأنتم� ي� اأخوي
اأبي ف�أج�ب اأحد الكهلني: »اإنن� بخري ي� بن
فلم التم�شن�ك لقد اأم�س؟ كنت اأين ولكن عم�ر..
جندك ل يف امل�شجد ول يف البيت«.
عقب �شالة »لقد خرجت الرحمن: عبد ق�ل
ال�شبح اإىل �شيعتن� ب�لوادي اأنظر يف �ش�أنه�، ومل
اأعد اإل ليال«.
والتفت الكهل اإىل ال�شيخ ق�ئال: »األ تخربه ي�
اأب� الوف�ء ب�لأمر؟«.
الرحمن عبد اإىل ونظر الوف�ء اأبو فتنحنح
اأن نريد »اإن� ق�ئال: والعطف احلب ملوؤه� نظرة
ي� �شمعك ف�أعرين خطري، اأمر يف اإليك نتحدث
.»بني
فق�ل عبد الرحمن: »خريا ي� عم«.
لك م� تعلم »اإنك ق�ئال: الوف�ء اأبو وا�شتمر
وفقهك وتقواك ل�شالحك الن��س يف مك�نة من
بك اأهل مكة يف الدين على حداثة �شنك، حتى لق
، واعتربوك بحق خليفة عط�ء بن اأبي رب�ح،
الق�س
واأن جميلة املغنية قد وردت اإىل هذا البلد الأمني
�شغلتني عن �شهيل، وقد اآل ونزلت عند جريانن�
بغن�ئه� قبله� التي والليلة الب�رحة �شالتي
وب�طله�، فهل لك اأن تكلم الوايل يف �ش�أنه� ع�شى
فتي�نن� علين� تف�شد اأن قبل ب�إخراجه� ي�أمر اأن
وفتي�تن�«.
ق�ئال: جبينه على يده الرحمن عبد ف�أمر
»اأجل ي� عم قد بلغني ذلك ف�غتممت لأمره ول
يئ�س قد ال�شيط�ن اإن ب�للـه. اإل قوة ول حول
طريق من اأهله� فج�ء الط�هرة البلدة هذه من
الغن�ء«.
الوايل، اإىل الغداة »ف�ذهب ال�شيخ: ق�ل
فكلمتكم اإن �ش�ء اللـه م�شموعة«.
ف�عرت�س عبد الرحمن ق�ئال: »ولكني نويت
اأبو ف�أج�به اليوم«. هذا امل�شجد يف العتك�ف
الوف�ء: »اإن العتك�ف �شنة وهذا فر�س عليك ي�
م الفر�س على ال�شنة«. بني، فال عليك اأن تقد
�شكت عبد الرحمن هنيهة ثم ق�ل: »�شمع� ي�
لذلك ف�ئدة كبرية، اأجد واإن كنت ل الوف�ء.. اأب�
ال�ش�عر اأمر اأكلمه يف الوايل اإىل دت ترد فط�مل�
�س للمح�شن�ت الف�جر عمر بن اأبي ربيعة اإذ يتعر
في�شبب بهن ويفرتي عليهن...«.
اأن اأن �ش�ح قبل اأبو الوف�ء نف�شه ومل ميلك
يتم عبد الرحمن جملته ق�ئال: »اأجل وهل تغنت
الف�جرة الب�رحة اإل ب�شعر هذا الف�جر؟«.
عدد 1446 ت�رشين 1 72010
وده�س ال�شيخ اإذ �شمع اأحد الكهلني ي�ش�أله يف
اهتم�م وا�شح: »ب�أي �شعره تغنت؟« وك�ن الكهل
وجهه فعال النبو من هذا �شوؤاله يف م� اأدرك
اخلجل. ولكن اأب� الوف�ء مل ير ب�أ�ش� يف اأن يجيبه
فق�ل وقد األن من لهجته: »بقوله – حل�ه اللـه –
الرحمن فتب�شم عبد تعد«. اأجنزتن� م� ليت هندا
حدثني من �شمعت »ولكني الآخر: الكهل وق�ل
ال�شعر يف هذا بع�س ين�شد عب��س ابن �شمع اأنه
امل�شجد«.
»مع�ذ وق�ل: الوف�ء اأب� ة احلد فع�ودت
اأمل للن��س! اللـه لقد كذب عليه من حدثك. اللـه،
يكذبوا على �ش�حبن� عط�ء بن اأبي رب�ح ويجروؤ
�ش�عرهم اأن يقول:
كي هل يف تز�ور فتي �ل �سل�� �ل
ة م�ستاق �لف�ؤ�د جناح؟ و�سم
فقال معاذ �للـه �أن يذهب �لتقي
ق �أكباد بهن جر�ح تال�س
كالهم� وطفق يجيب� ومل الكهالن ف�شكت
ينظر اإىل الآخر.
لأبي فق�ل حريتهم� الرحمن عبد وحلظ
يكذب مل عم ي� »كال ن�عمة: لهجة يف الوف�ء
ابن �شمع اأنه اأي�ش� الثقة حدثني لقد حمدثه،
عب��س ين�شد بع�س هذه الأبي�ت«.
يقول: وا�شتمر م�شتغرب� ال�شيخ اإليه فنظر
قلوب يغزو الذي الغن�ء غري الإن�ش�د »ولكن
الن��س ب�لإثم ويلهيهم عن ذكر اللـه«.
ف�رشي عن الكهلني وخف�س اأبو الوف�ء راأ�شه
اللـه اأن�شدك اأي ح�ل »على رقيق: ب�شوت وق�ل
ي� بني اإل م� ذهبت الغداة اإىل الوايل لعله ي�شمع
هذه املرة، فيطرد عن� هذه الف�جرة؟«.7ق�لتك
فق�ل: »ط�عة ي� اأب� الوف�ء.. �ش�أفعل«.
»ب�رك اللـه فيك ي� بني ووفقك للخري«. ق�ل
هذا اأبو الوف�ء واجته �شوب الب�ب ليخرج وتبعه
الثالثة �ش�متني.
�لف�سل �لر�بع
بعد املرعى اإىل ب�شويه�ته� �شالمة خرجت
اأن �شلت ال�شبح وحلبت اللنب ملولته� العجوز،
غداة وك�نت ال�شم�س، �رشوق قبل ذلك وك�ن
على ال�ش�ئر حتمل ال�شت�ء غدوات من ب�ردة
البهجة النفو�س يف وتبعث واحلركة، الن�ش�ط
والن�رشاح، وال�شت�ء مبكة ك�لربيع يف غريه� من
البلدان املعتدلة، ولذلك ك�ن �رشواة اأهل احلج�ز
هذا وك�ن ب�لط�ئف، وي�شيفون مبكة ي�شتون
عنوان ال�رشاوة والرتف عندهم.
املدينة، مولدات من ج�رية �شالمة ك�نت
الث�منة تتج�وز مل �شغرية الوف�ء اأبو ابت�عه�
لت�ش�عد زوجه اأم الوف�ء يف القي�م ب�شوؤون بيته�،
ال�ش�لح، البيت فرتعرعت اجل�رية يف كنف هذا
وعلمته� تربيته�، ف�أح�شنت الوف�ء اأم واأحبته�
به� الرب يف جهدا ت�أل ومل القراآن، من �شورا
اجل�رية يف حب� زاده� وم� عليه�، والعطف
وتعلق� به� اأن اأولده� مل ي�شلموا له�، وقد يئ�شت
من الولد حني كربت وكرب زوجه� فك�نت تعترب
كم� ب�لتدليل عليه� ت�شن ومل ك�بنته�، �شالمة
تفعل الأم مع ابنته�، فن�ش�أت �شالمة لذلك متدللة
اأ�شبه واأنه� �شلط�ن� على مولته�، له� اأن ت�شعر
ب�بنة البيت منه� بج�ريته.
ويرفق اأي�ش� عليه� يحنو الوف�ء اأبو وك�ن
تكن مل اأنه� اإل وجتله، حترتمه وك�نت به�،
يك�شو مل� وذلك الوف�ء، لأم تطلقه� له تتطلق
طلعته من امله�بة والوف�ر ولقلة ع�رشته� له، اإذ
ك�ن يق�شي جل نه�ره يف امل�شجد، فك�نت ل تراه
اإل ن�درا يف وقت الظهرية حني يرجع للغداء، اأو
يف طرف الليل حني ي�أوي للمبيت.
الوجه، وك�نت �شالمة من �شغره� �شبيحة
الذهن، متوقدة احلديث، حلوة الل�ش�ن، ف�شيحة
جميلة وك�نت والنكة. الدع�بة اإىل متيل لعوب�
ن�ش�أت ولو وحن�ن. رخ�مة �شوته� يف ال�شوت
اأم بني ال�ش�لح البيت هذا غري اآخر بيت يف
ج�وزت وقد – بقيت مل� الوف�ء واأبي الوف�ء
الرابعة ع�رشة من �شنه� – تخدم املنزل وترعى
الغنم. ك�نت على حبه� ملولته� وموله� ت�شعر
تخلق مل ب�أنه� مبهم� �شعورا نف�شه� قرارة يف
تعرفه ل اآخر ل�شيء خلقت واأنه� البيت، لهذا
اإح�ش��ش� عميق�. به
مت�م املعرفة، ولكنه� حت�س
ك�نت متيل اإىل الغن�ء فال تك�د ت�شمع حلن� حتى
اإىل ال�شبيل اأنه� ك�نت قليال م� جتد اإل حتفظه،
اأبو الذي ي�شكن فيه الغن�ء يف ذلك احلي �شم�ع
الدارجة الأحل�ن ت�شمعه من م� اإل األلهم الوف�ء
تتغنى به� اجلواري والغلم�ن يف �شوارع مكة، اأو
تلك التي ترتمن به� الراعي�ت والرع�ة يف مواقع
بغنم اإليه� تخرج ك�نت حني خ�رجه� الكالإ
مواليه�.
– ا�شرتى مكة اأهل 8اة �رش من � �رشي ولكن
بجوار كبرية حديقة – احلني ذلك م�شى لع�م
وابتنى به� الوف�ء يف طرف من مكة، اأبي بيت
البن�ء، وعنى ب�حلديقة حتى دارا فخمة �ش�مقة
جعله� بهجة للن�ظرين، فتغري ذلك احلي ال�ش�كن
فيه و�ش�عت ال�رشي هذا به نزل منذ املتوا�شع
العظمة من ثوب� واكت�شى والبهجة، احلركة
والبذخ. وك�ن ابن �شهيل قد ورث م�ل كثريا عن
حمب� وك�ن والي�ش�ر. النعمة ن�ش�أة ون�ش�أ اأبيه
ال�شعراء واملغنني للغن�ء واللـهو مولع� مبن�دمة
الأموال. عليهم ويغدق الآف�ق من ي�شتقدمهم
فقلم� ا�شتهر �ش�عر يف ذلك الع�رش اأو نبه �شيت
مغن اأو مغنية اإل ك�نت لبن �شهيل �شلة به.
الكف املنخرق ال�رشي هذا حللول وك�ن
اأحي�ء من احلي هذا يف وال�شعر ب�لغن�ء املولع
ك�ن وك�أمن� �شالمة. حي�ة يف الكبري اأثره مكة
يف ليطلع الق�ش�ء من مق�شودا تدبريا ذلك
امل�شتقبل من تلك اجل�رية املجهولة يف بيت اأبي
اأنواره� الغن�ء، ت�رشق الوف�ء �شم�ش� �ش�طعة يف
على اأو�ش�ط النعمة يف احلج�ز وق�شور اخلالفة
يف ال�ش�م.
قدمت جميلة كبرية مغني�ت املدينة قدمته�
تلك اإىل مكة فنزلت عند ابن �شهيل يف هذه الدار
اجلديدة، ولقيت عنده م� يليق مبق�مه� و�شهرته�
للغن�ء لي�يل به� واأحيت والإكرام، احلف�وة من
�شطع فيه� فنه� الرفيع و�شهده� كثري من حمبي
الغن�ء مبكة وذاع بع�س اأحل�نه� حتى تغنى به
الن��س يف ال�شوارع. واأحدث مقدمه� �شجة كبرية
واأ�شفق الفقه�ء ورج�ل ال�شالح والتقوى من اأن
والفتي�ت، الفتي�ن ول�شيم� الن��س، به� يفتنت
ف�شعوا يف اإخراجه� من مكة، وك�ن من اآث�ر ذلك
اأبي عم�ر لي�شكو الوف�ء لدى ابن اأبو م� ق�م به
اأمره� اإىل وايل البلد.
اأحيته� التي الق�ش�ر اللي�يل تلك ك�نت
جميلة يف دار ابن �شهيل نعمة كبرية على �شالمة
اإذ ا�شتط�عت – وهي م�شتلقية على فرا�شه� – اأن
يف ترتجع ك�نت التي اأحل�نه� ب�شم�ع ت�شتمتع
ق�شور يف احلور نغم�ت وك�أنه� الليل �شكون
اجلن�ن.
بعد قليال اإل تلك ليلته� �شالمة تنم مل
الأغ�ين حتى بتلك الليل. وك�نت حتلم منت�شف
كع�دته� توقظه� مولته� تكد ومل نومه�. يف
اأن خ�شية ببع�شه� ترمنت حتى الفجر مطلع
تدع مل الوف�ء اأم ولكن منه�، حفظت م� تن�شى
له� ذلك فوجدت �شالمة يف خروجه� لرعي الغنم
ذلك اليوم فر�شة كبرية لتتغنى يف ذلك املرعى
الف�شيح كم� ت�ش�ء، دومن� رقيب.
اإذ الع�شب قليل الف�شيح املرعى هذا ك�ن
ذاك، فك�ن الرع�ة يتنقلون لذلك من مو�شع اإىل
وهي منه ن�حية يف �شالمة وظهرت مو�شع،
ت�شوق غنمه� وتغني:
زتنا ما تعد ليت هند� �أن
د ا ت و�سفت �أنف�سنا م
و��ستبدت مرة و�حدة
ا �لعاجز من ال ي�ستبد �إن
غالم منه� بعد على وراءه� ي�شري وك�ن
�شالمة �شوت �شمع الغنم من قطيع� يرعى
ف�أخذ يتن�شت له من حيث ل تراه. وق�ل لنف�شه:
الراعية »عجب� هذا �شوت جميلة! ترى من هذه
اأك�د الإج�دة حتى ال�شوت هذه هذا التي جتيد
اأح�شبه� جميلة نف�شه�؟«.
وا�شتمرت �شالمة يف غن�ئه�:
ار�ت لها ولقد قالت جل
ذ�ت ي�م وتعرت تبتد:
نني �أكما ينعتني تب�ص
د؟ عمركن �للـه �أم ال يقت�س
احكن وقد قلن لها: فت�س
ح�سن يف كل عي من ت�د
لنه من �أجلها ح�سد� حم
�سد وقدميا كان يف �لنا�س �ل
واقرتب الغالم من مو�شع �شالمة وهو يك�د
تتغنى راعية قبله� ير فلم الطرب، من يطري
من النحو هذا وعلى الرفيع، الغن�ء هذا مبثل
الإج�دة، وق�ل يف نف�شه: »ي� اللـه! اإن يف �شوت
عذبة ل توجد حتى يف �شوت 9هذه اجل�رية لغنة
جميلة«.
وقد مهل، على �ش�ئرة �شالمة وك�نت
الراعي للغالم تنتبه فلم غن�ئه� يف ا�شتغرقت
الذي ك�ن ي�شري وراءه� على مقربة منه�. وك�نت
كلم� تذكرت بيت� من الق�شيدة طربت له، ورددته
اإذا حتى عليه، �شمعته الذي اللحن مث�ل على
غنت قوله:
»قلت ي� هند متى ميع�دن�«
»�شحكت مكمال: غنى اأن حكيم يتم�لك مل
هند وق�لت بعد غد«.
املف�جئ، ال�شوت لهذا �شالمة ريعت
والتفتت وراءه� فراأت الغالم فعجبت كيف يجيد
هذا اللحن راع مثله، على اأنه� �رشع�ن م� �شعرت
له ابت�شمت حتى له� ابت�شم اأن فم� اإليه، ب�أن�س
ك�أمن� قد تع�رف� من قبل.
ق�ل حكيم: »للـه �شوتك ي� ج�رية.. هذا غن�ء
جميلة، من اأين اأخذته؟«.
فق�لت: »واأنت ك�أين بك تعرف هذا اللحن«.
اأ�شوات اأعرف كثريا من اإين ق�ل له�: »اأجل
جميلة«.
تهلل حتى هذا له� يقول الغالم ك�د وم�
ثمني كنز على عرثت ك�أنه� �رشورا وجهه�
وق�لت: »اأحق م� تقول؟ األ ت�شمعني منه� �شيئ�«.
فق�ل له� اإنه �شيفعل ذلك، ولكنه يريد اأول اأن
يعرف من هي وم� ا�شمه�؟
ف�أخربته اأنه� ج�رية ال�شيخ اأبي الوف�ء، واأن
واأخذ حكيم، ا�شمه اإن له� فق�ل �شالمة ا�شمه�
يحدثه� عن نف�شه، وك�ن م� ق�ل له� اإن مواليه
ب�شعة مكة اإىل ف�نتقلوا املدينة اأهل من ك�نوا
8
عدد 1446 ت�رشين 1 92010
جم�ل�س ي�شهد فك�ن ب�لعقيق، ن�ش�أ واأنه اأ�شهر،
الغن�ء فيه.
وقوي حكيم حديث ل�شم�ع �شالمة طربت
ع�ه من معرفة كثري من اد اعتق�ده� ب�شحة م�
اإليه، واإقب�له� عليه، اأ�شوات جميلة، فزاد ميله�
اأحل�ن من �شيئ� حكيم ي� »اأ�شمعني له: وق�لت
جميلة«.
اأترعني اأول خربيني ولكن لف�عل »اإين
�شويه�تك هن� كل يوم؟«.
»نعم ي� حكيم«.
»واأن� اأي�ش� �ش�أرعى غنمي هن� كل يوم«.
حكيم من املط�ولة بهذه �شالمة وبرمت
فق�لت يف �شيء من احلدة: »ب�للـه م� لن� ولهذا،
اأ�شمعني من اأ�شوات جميلة اأقول لك«.
وق�ل ير�شيه� اأن ف�آثر برمه� حكيم راأى
�شعر يف جميلة �شنعته حلن� »�ش�أ�شمعك له�:
بن� نقعد ، فهلمي 10
الرقي�ت اللـه بن قي�س عبيد
واأ�ش�ر اأ�شفله«. التل ونر�شل غنمن� يف على ذلك
اإىل تل �شغري اإىل ي�ش�رهم� على اأ�شفله قليل من
وم�شي� اقرتح م� على �شالمة فوافقته الع�شب،
يه�ش�ن غنمهم�، واأ�شعدا يف التل حتى قعدا على
اأ�شفله يف يرعى الغنم وانت�رش ال�شفح، منت�شف
واختلط بع�شه ببع�س.
�شوته زال وم� ب�لغن�ء يغمغم حكيم بداأ
ذلك يف �شداه رن حتى ف�شيئ� �شيئ� يرتفع
اخلالء:
»بنف�سي من ل� مر برد بنانه
على كبدي كانت �سفاء �أنامله
ومن هابني يف كل �سيء وهبته
11
فال ه� معطيني وال �أنا �سائله«
اأن منعه� وم� �شديدا طرب� �شالمة فطربت
حفظ حم�ولة يف اجته�ده� اإل فرتق�س تقوم
م� اإل بربك حكيم.. ي� »اأح�شنت وق�لت: اللحن،
.»اأعدته علي
ف�أع�د عليه� اللحن مرة بعد مرة حتى ق�لت
اللحن �ش�أعيد ا�شمعني حكيم.. ي� »ح�شبك له:
اخلط�أ اإن اأخط�أت«.عليك ف�أردد علي
ق�ل له�: »افعلي ونعيم عني«.
برد بن�نه من لو مر
فغنت �شالمة: » بنف�شي
على كبدي ك�نت �شف�ء اأن�مله «.
مل يل! »تب� وق�لت: الغن�ء عن وقفت ثم
اأح�شن اللحن«.
ف�أع�د حكيم ال�شطر الث�ين وطفق يكرره وهي
اأجدته ذي اأنت »ه� له�: ق�ل حتى معه تكرره
الآن«. فك�ن جذله� عظيم�.
غنمهم� يتفقدان ال�شفح من فنزل ونه�ش�
ويعيدان م� ند منه وابتعد عن تلك البقعة، ثم ع�دا
ي�شتبق�ن اإىل مك�نهم� يف ال�شفح ف�رمتت �شالمة
على مقعده�، وارمتى حكيم قريب� منه�، واأر�شال
�شحك�ت تخ�لطه اجلري تعب من طويال دا تنه
– وب�شم�ت الرباءة من ج�نب �شالمة بريئة كل
من قبل حكيم ل تخلو من مع�ين الغزل.
طفقت حتى يهداأ �شالمة نف�س ك�د وم�
التقليد، حم�ولة عنه� ارتفعت وقد اللحن تعيد
واأر�شلت نف�شه� على �شجيته�، ومدت من �شوته�
له� ط�ب م� فيه� ورجعت متد، اأن �ش�ءت م�
ي�شدق �شديدا، ومل الرتجيع، فطرب حكيم طرب�
اأنه ي�شمع اللحن الذي لقنه� اإي�ه منذ �ش�عة، ونظر
اإىل ال�شي�ه ال�ش�ئمة يف اأ�شفل التل فخيل له اأنه�
قد كفت عن الرعي وا�رشاأبت ب�أعن�قه� اإىل م�شدر
ذلك اللحن العلوي البديع، فم� لبث اأن �ش�ح يف
ده�س: »ويل لك م� هذا؟!«.
وانتبهت �شالمة لختالف حلنه� عن الأ�شل
فق�لت: »تب� يل! عدت اإىل خطئي«.
ق�ل له�: »كال واللـه م� هذا بخط�أ.. لقد زدت
لقد واللـه الأ�شل.. يف لي�س عذوبة بهذا اللحن
�ش�أن فيه لك وليكونن �شالمة، ي� للغن�ء خلقت
– واإمن� اأنت يف ح�جة اإىل معلم ت�أخذين الغن�ء عنه«.
الب�رد على قلب الكلم�ت ك�لطل نزلت هذه
لديه� عم� وا�شح� تعبريا عربت لأنه� �شالمة،
به� حت�س ك�نت التي الغن�ئية املوهبة من
يف حينئذ �شك لديه� يبق فلم مبهم�، اإح�ش��ش�
اإذا وجدت من ي�أخذ اأنه� �شت�شري مغنية عظيمة
نظرة حكيم اإىل ونظرت ال�شبيل، هذا يف بيده�
ملوؤه� ال�شكر وق�لت: »لكن من يل بذاك املعلم ي�
حكيم؟«.
اأطرق حكيم حلظة ثم ق�ل له� يف �شيء من
اأحل�ن من �شيئ� اأعرف اإنني لك »قلت الرتدد:
اأحل�ن من جملة اأعرف اأنني واأزيدك جميلة،
غريه�. فهل لك اأن ت�أخذيه� عني؟«.
د �شالمة اأن ق�لت: »اأفعل ي� حكيم، فلم ترتد
ولك املنة والف�شل«.
جزائي »م� ق�ئال: اإليه� ب�رشه حكيم رفع
عندك اإن علمتك اإي�ه� ي� �شالمة؟«.
»جزاوؤك.. ق�ئلة: واأج�بته �شالمة ف�شحكت
اأملك �شيئ� ي� حكيم«. فق�ل له�: اإين ل اأدري. ل
»بل متلكني كل �شيء ي� �شالمة«.
وق�لت يريد م� لبع�س �شالمة وفطنت
متج�هلة: »واللـه رب هذا البيت ل اأملك �شيئ�«.
الفم هذا وعندك هذا تقويل »ل له�: ق�ل
الأرجواين والثن�ي� اللوؤلوؤية!«.
يف وق�لت اخلجل بحمرة خده� ف��شطبغ
اأتريد«.. فب�دره� حكيم الع�تب: »تب� لك.. لهجة
ق�ئال:
»قبلة ي� �شالمة.. اأو قبلتني«.
بت وجهه�: »ويل لك.. بئ�س م� ق�لت وقد قط
ربتك اأمك ي� حكيم!«.
تني اأمي.. ف�أج�به� مبت�شم�: »اأجل بئ�س م� رب
ك�نت – يرحمه� اللـه – كثريا م� تقبلني!«.
عنه كفت ثم ال�شحك يف �شالمة ف�أغرقت
ي� تعلمني األ هذا.. من »دعن� وق�لت: فج�أة
حكيم؟«.
ق�ل له�: »ومتنحيني القبلة ي� �شالمة؟«.
وق�لت: �ش�حكة اإليه نظرت ثم ف�شكتت..
»اأمنحك اإي�ه�«.
ف�قرتب منه� حكيم ق�ئال: »ه�تي فواللـه اإن
املك�ن خل�ل«.
ف�رتدت �شالمة قليال اإىل الوراء ق�ئلة: »ل..
لي�س الآن.. حتى تعلمني«.
ق�ل حكيم وقد ع�د اإىل مك�نه الأول: »ح�شن�
�ش�أعلمك كل يوم حلن� اأو حلنني على اأن تعطيني
قبلة على كل حلن«.
ف�أج�بته �ش�حكة: »قبلت �رشطك ي� م�كر«.
»اإذن وق�ل: الظ�فر ابت�ش�مة حكيم ف�بت�شم
ب�للحن عندك ا�شتحققته� التي القبلة فه�تي
الذي علمتك اإي�ه الآن«.
ق�لت: اإذ املقنع الرد تعدم مل �شالمة ولكن
التف�ق، هذا بينن� نربم اأن قبل علمتنيه »اإنك
فلي�س لك اأن تط�لبني ب�شيء بعد«.
ق�ل له� وقد �شعر ب�أنه املغلوب: »ويل لك م�
اأذك�ك! غدا اأ�شتحق لديك قبال كثرية!«. ف�بت�شمت
واأج�بته ق�ئلة: »غدا ي�أتي اللـه ب�لفرج!«.
�لف�سل �خلام�س
ت الأي�م ترتى على حكيم و�شالمة وهم� مر
حلن� عنه فت�أخذ املرعى، يف يوم كل يلتقي�ن
ا�شتنفدت حتى يعرفه�، ك�ن التي الأحل�ن من
م� عنده منه�، وظال بعد ذلك يتط�رح�ن الأغ�ين
ال�شم�س يف ا�شتقلت اإذا ال�ش�لفة ويعيدانه� حتى
كبد ال�شم�ء، رجعت �شالمة اإىل البيت فق�مت مب�
عليه� من �شوؤونه.
عن تت�أخر م� كثريا ذلك خالل يف وك�نت
مولته�، فتع�تبه� البيت اإىل جميئه� موعد
تختلقه الأعذار من بعذر تبعته� من ل فتتن�ش
اختالق�؛ وك�نت اأم الوف�ء تت�ش�مح معه� يف ذلك
ل�شدة حبه� له� وتعلقه� به�.
ل ك�نت حتى ب�لغن�ء �شالمة ولوع وزاد
تكن�س اأو الطع�م تطبخ وهي عنه تكف تك�د
عن ب�لكف الوف�ء اأم ن�شحته� وط�مل� املنزل،
لتنت�شح. تكن فلم فيه عليه� و�شددت ذلك،
تغني، وهي مرة غري الوف�ء اأبو وف�ج�أه�
اأ�شد الزجر، وتوعده� ب�ل�رشب، فك�نت فزجره�
تكف عن الغن�ء يوم� اأو يومني، ولكنه� ل تلبث
اء ذلك اأنه قلم� ك�ن اأن تعود اإليه. وك�ن من جر
مي�شي يوم ل ي�شتد فيه التالحي بني اأبي الوف�ء
والت�ش�مح ب�لهوادة يتهمه� ك�ن اإذ الوف�ء، واأم
مع اجل�رية، واأنه� لو ق�شت عليه� واأخذت بج�نب
احلزم يف ت�أديبه� لكفت عن هذا الب�طل.
يف عنه� تدافع ك�نت الوف�ء اأم اأن واحلق
اأول الأمر وتنتحل له� الأعذار، وتعد زوجه� ب�أن
نف�شه� ب�طله�، حتى �ش�قت �شتكف عن �شالمة
�شالمة، ف�ئدة من ن�شح راأت ل الأمر حني اآخر
ت�أديبه� عن عجزت ب�أنه� زوجه� ف�أعلمت
اأمره� يت�رشف يف اأن احلق يف له ترتك واأنه�
بيعه� اأمر يف الوف�ء اأبو ف�ش�وره� ي�ش�ء، كم�
للتخل�س منه�، وك�ن ذلك �شديدا على اأم الوف�ء
حلبه� ل�شالمة، ولكنه� مل جتد عذرا تعرت�س به
على هذا الراأي فر�شيت به على كره.
رجعت �شالمة من املرعى ذات يوم وبيده�
ت ف�أف�ش البيت ت�شوق به� غنمه�، ودخلت ع�ش�
فيه مطبخ ميينه على يقع متو�شط �شحن اإىل
احل�ئط على معلقة وترى احلج�رة، من اأث�يف
12
اخل�شبية واجلف�ن النح��شية القدور بع�س
من الآخر اجل�نب ويف الأواين. من وغريه�
فيه� تطحن التي املنزل رحى تقع املطبخ
احلبوب، وعلى ي�ش�ر ال�شحن مرب�س ت�أوي اإليه
الغنم له ب�ب �شغري.
يف الغنم تدخل وهي الغن�ء �شالمة ذكرت
اأظنني »ويلي لنف�شه�: تقول ف�أن�ش�أت املرب�س
ن�شيت حلن اليوم«. ثم طفقت تزمزم ب�لغن�ء:
رقي بعي�سكم ال تهجرينا
13نى ثم �مطلينا ومنينا �ل
الط�بق من الوف�ء اأم حينئذ اإليه� ونزلت
له�: ق�لت عليه� ب�رشه� وقع فلم� الأعلى،
»اأ�شبحت تت�أخرين كل يوم ي� �شالمة«.
ف�أج�بته� �شالمة ق�ئلة: »ذلك لأين اأذهب اإىل
املرعى البعيد«.
املراعي تخت�رين ل »مل العجوز: له� ق�لت
القريبة؟«.
»لأن املراعي القريبة مل يعد فيه� كالأ«.
»هي� اأدخلي الغنم واأ�رشعي بطبخ الغداء«.
ف�رشي عن �شالمة اإذ وقف عت�ب العجوز عند
هذا وق�لت: »�شمع� ي� مولتي«. وك�أمن� رق قلب
العجوز له� اإذ �شمعت هذا اجلواب الن�عم فق�لت:
»هداك اللـه ي� بنية. اأوقدي الن�ر و�ش�آتيك بقطعة
اللحم. اإن اأب� الوف�ء ا�شرتى لن� حلم� هذا اليوم«.
10
»ولي�س عندن� �شيف ي� مولتي؟«.
»ل لي�س عندن� �شيف«.
مل ف�إين اللحم من ن�شيبي يل ري وف »اإذن
اأذقه يف املرة ال�ش�بقة«.
ف�شحكت العجوز وق�لت: »ول اأن� ي� �شالمة..
اإن ال�شيف مل يرتك لن� �شيئ�«. ق�لت ذلك وخرجت
من ب�ب ال�شحن لت�شعد اإىل الط�بق الأعلى.
بيده� املرب�س ح�ملة �شالمة من وخرجت
فمالأته م�ء من زير كبري يف ال�شحن، ثم 14
مركن�
اأع�دته اإىل املرب�س لي�رشب منه الغنم واأو�شدت
الب�ب عليه. وذهبت نحو املطبخ ف�أخذت ت�شعل
الن�ر بقدح الزن�د على رقيق �شعف النخل الي�ب�س
وهي ترتمن:
رقي بعي�سكم ال تهجرينا
نى ثم �مطلينا ومنينا �ل
ا عدينا يف غد ما �سئت �إن
15
. و�إن مطلت �ل��عدينا! نحب
اللحظة هذه يف ع�دت قد العجوز وك�نت
ال�شحن ب�ب على فوقفت اللحم ة قف وبيده�
تن�شت للغن�ء معجبة به، ولكنه� كتمت اإعج�به�
وظهرت يف �شورة الغ��شبة ودخلت وهي تقول:
»جميل واللـه ي� �شالمة! هذا غن�ء جديد اأتيت به
الذي اليوم. بودي واللـه اأن اأعرف من هذا ال�شقي
يعلمك كل يوم حلن� جديدا«.
فب�درته� �شالمة ق�ئلة: »ل اأحد.. اإمن� �شمعته
يف طريقي اإىل املرعى فحفظته«.
عن تنتهني »اأم� مغ�شبة: العجوز ق�لت
ع�قبك م� يكفك اأمل – هذه ال�شيط�ن مزامري
عليه مولك؟«. ف�أج�بته� �شالمة ق�ئلة: »اإنني ل
اأ�شتطيع اأن اأقوم بعملي �ش�متة ك�حل�ئط!«.
القراآن من �شورا »اأم� علمتك العجوز: ق�لت
الب�طل؟.. الغن�ء هذا من بدل تقرئينه� ل فلم
اقرئي م� تي�رش منه� حتى اإذا �شمعك مولك �رش
و�شمعك ة غر على مولك ج�ء لو اللـه فو منك،
وليغ�شنب �شديدا �رشب� لي�رشبنك بعد تغنني
لأين ل اأكفك عن هذا اللغو«.علي
القدر ت�شع وهي هنيهة �شالمة �شمتت
»خريا ق�لت: ثم اللحم فيه� وترمي الن�ر على
�ش�أقراأ – القراآن من �شيئ� �ش�أقراأ مولتي ي�
وال�شحى«.
ف�رشت العجوز لقوله� وق�لت: »افعلي ب�رك
اللـه فيك« وقعدت على دكة املطبخ تق�رش ثوم�
بيده� ت�ش�عد بذلك �شالمة.
و�رشعت �شالمة تقراأ وهي ترمي احلطب على
الن�ر: »اأعوذ ب�للـه من ال�شيط�ن الرجيم. ب�شم اللـه
ا�شتح�ل �شوته� م� الرحيم«. و�رشع�ن الرحمن
اإذا والليل حى »وال�ش تتلو: ترجيع� وغن�ء وهي
خري ولالآخرة • قلى وم� ربك عك ود م� • �شج�
لك من الأوىل«..
فق�طعته� العجوز ق�ئلة: »قد قلت لك مرارا
فغ�شبت النغمة«. هذه على القراآن تقراأي ل اأن
ت �شالمة وق�لت: »كيف اأقروؤه اإذا؟ واللـه لقد حر
يف اأمركم ل اأدري كيف اأر�شيكم!«.
اأن موقفه� من هذه الوف�ء �شعرت اأم وك�أن
اجل�رية ل يخلو من التعنت فق�لت له� يف رفق:
»اقرئيه كم� اأقراأتك اإي�ه ي� �شالمة.. اقرئي هكذا:
وم� ك رب عك ود م� • �شج� اإذا والليل حى وال�ش
اأفهمت؟« الأوىل.. من لك خري ولالآخرة • قلى
وتكلفت �شالمة اجلواب ق�ئلة: »نعم فهمت«.
اجل�رية ب�أمر 16
بعلت قد اأن الوف�ء اأم راأت
ت�ش�ء كم� تقراأ وحده� ترتكه� اأن اخلري واأن
انتهت قد وك�نت القراآن، تقراأ اأنه� فح�شبه�
�شالمة، اأم�م طبق الثوم، فو�شعته يف ق�رش من
املرقة من اأن ل تكرث يف اأو�شته� ب�أن واكتفت
ال�شيخ ملوله� جيدا اللحم تن�شج واأن امللح
وان�رشفت دون اأن تقول له� �شيئ� اآخر.
وع�دت �شالمة فقراأت كم� حتب مولته� اأن
عك ود م� • �شج� اإذا والليل حى »وال�ش « تقراأ:
ربك وم� قلى • ولالآخرة خري لك من الأوىل«..
وم� اأمتت هذه الآي�ت الأوىل من ال�شورة حتى
الغن�ئية نغمته� اإىل تق�شد ل حيث من ع�دت
الأوىل، وذلك حني اأخذت تقراأ: »ول�شوف يعطيك
ى • اأمل يجدك يتيم� ف�آوى • ووجدك ك فرت�ش رب
�ل فهدى • ووجدك ع�ئال ف�أغنى«. �ش
وطفقت تكرر هذه الآي�ت على نحو م� ت�شنع
ب�ل�شعر وتذهب به� مذهبه، واتفق يف خالل ذلك
اأن ج�ء اأبو الوف�ء من اخل�رج ف�شمع غن�ء ثم م�
اأنه قراآن يتلى، فق�ل يف نف�شه: اأن تبني له لبث
»�شبح�ن اللـه م� هذا؟ اأتالوة اأم غن�ء؟«.
اإىل ي�شتمع ال�شحن ب�ب عتبة على ووقف
� • واأم� اليتيم فال تقهر �شالمة وهي تتلو: ]ف�أم
ك فحدث[. � بنعمة رب • واأم�ئل فال تنهر
ال�ش
ودخل بع�ش�ه، الأر�س ث�ئره و�رشب فث�ر
ف�علة! ي� لك »ويل ق�ئال: مغ�شب� ال�شحن
علمن�ك القراآن لتنتهي عن الغن�ء، فذهبت تتغنني
ب�لقراآن.. اأين اأم الوف�ء؟«.
ارت�عت اجل�رية فجمدت يف مك�نه� ل تنب�س
ببنت �شفة.
»اأم وين�دي: ال�شيخ ي�شيح مزجمرا وا�شتمر
الوف�ء.. ي� اأم الوف�ء!«.
واأج�بت اأم الوف�ء من اأعلى »نعم«، وهبطت
»م� تقول: فرائ�شه� وهي ترعد واأقبلت ب�رشعة
ب�لك؟«.
تقراأ اخلبيثة هذه ت�شمعي اأمل ب�يل؟ »م�
هي هذه ال�شعر؟ ب�أبي�ت تتغنى ك�أنه� القراآن
القراءة التي تعلمته� منك؟«.
من الق��شية اللـهجة بهذه العجوز فوجئت
زوجه� ف��شت�ش�ظت غ�شب� وق�لت: »اأو اأعرف اأن�
يف رجل ي� ى ترتو اأم� اإي�ه؟ ف�أعلمه� ب�لغن�ء
كالمك فتقول خريا اأو ت�شمت؟«.
و�شعر ال�شيخ ال�ش�لح اأن قد غلبت عليه احلدة،
تزجريه� عن »وفيم مل ق�ئال: لهجته ف�ألن من
هذا العبث؟«.
»وم�ذا ع�ش�ي اأن اأ�شنع؟ لقد نهيته� عن هذا
مرارا فلم تنته، اإن �شيط�ن الغن�ء يتالعب براأ�شه�
ولي�س يف و�شعي اأن اأطرد ال�شيط�ن«.
ال�شيط�ن هذا اأطرد اأن ا�شتط�عي يف »لكن
من راأ�شه� اأو اأرمي هذا الراأ�س خ�رج البيت«.
ق�ل ال�شيخ هذا ونظر اإىل وجه اجل�رية ك�أنه
اخلوف من �شالمة وا�شطربت بي�ش�ء، �شفحة
فت�ش�غلت ب�لطبخ، واقرتب منه� ق�ئال: »ي� بنية
بكالم فغني تغني اأن اإل �شيط�نك لك اأبى اإن
الغ�وين من ال�شعراء.. ولكن حذار اأن ت�شنعي ذلك
بكالم رب الع�ملني، اأت�شمعني؟«.
ي� »نعم خ�ف�س: ب�شوت �شالمة ف�أج�بته
مولي«. وانفجرت ب�كية.
الوف�ء اأم وبقيت ف�شعد، الوف�ء اأبو وخرج
البك�ء يف 17
ت�شتخرط راأته� فلم� �شالمة عند
دمعت عين�ه�، وانحنت عليه� توا�شيه�، ف�أن�شت
اإليه� اجل�رية وم�لت براأ�شه� على حجره�، وم�
راأ�شه� على ومت�شح ت�شليه� به� العجوز زالت
وظهره� حتى �رشي عنه� فق�مت اإىل عمله�.
ق�ئلة وتداعبه� تالطفه� العجوز ولبثت
له�: »ل تبتئ�شي ي� بنية، ل �شيف عندن� اليوم،
�شحكت حتى اللحم«. من ن�شيبك لك ف�ش�أوفر
�شالمة وم� تزال يف م�آقيه� اآث�ر الدمع.
�شعدت اأم الوف�ء اإىل زوجه� بعد اأن اطم�أن
اأقبلت عليه حتى ق�ل قلبه� على ج�ريته�، فم�
لأبيعنه� واللـه اجل�رية، هذه اأتعبتن� »لقد له�:
ولو بدرهم!«.
فلم جتبه اأم الوف�ء ب�شيء ف��شتمر ق�ئال: »لقد
ويعطي �رشائه� يف يرغب �شهيل ابن اإيل بعث
به� ثمن� كبريا، ولول معرفتي اأنه اإمن� رغب يف
ابتي�عه� ليتخذه� مغنية لبعته� له«.
»وم�ذا ق�لت: ثم هنيهة الوف�ء اأم �شمتت
عليك منه؟ اإن مل يكن لك بد من بيعه� فبعه� له
ولي�شنع به� م� ي�ش�ء«.
اأكون معين� اأن اإن فعلت »اأخ�شى فق�ل له�:
على هذه املع�شية«.
ق�لت: »ل يح��شب الإن�ش�ن اإل على م� نوى.
مغنية خلقت اإنه� هذا؟ غري تفعل ع�ش�ك وم�ذا
و�شتن�ش�أ مغنية �شئت اأم اأبيت«.
�لف�سل �ل�ساد�س
ت ثالثة اأعوام على هذه احلوادث توفيت مر
يف اأثن�ئه� اأم الوف�ء من مر�س ط�ل به� على اأثر
فراقه� ل�شالمة التي ب�عه� زوجه� جل�ره ال�رشي
ابن �شهيل.
وانت�بته الوف�ء اأبي ال�شيخ قوة ووهنت
م� كثريا فك�نت الع�لية ال�شيخوخة اأمرا�س
تقعده عن �شهود اجلم�عة يف امل�شجد، اإل اأنه ك�ن
�ش�برا حمت�شب� للـه ل ي�شكو ول يت�أمل، وك�ن يجد
الذين ك�نوا اأ�شدق�ئه ال�شلح�ء الأن�س يف روؤية
يختلفون اإليه، ويعودونه اإذا مر�س، وي�شحبونه
امل�شجد. اإىل للخروج ن�ش�ط� نف�شه يف وجد اإذا
واأكرثهم ترددا ات�ش�ل به اأ�شد هوؤلء وك�ن من
عبد ال�ش�ب و�شديقه الكهالن �ش�حب�ه عليه
الرحمن بن اأبي عم�ر.
مل يطراأ على عبد الرحمن من �شيء جديد يف
على متر حي�ته فك�نت الثالثة، الأعوام خالل
فمن و�شفه، تقدم م� نحو على واحدة وترية
ل البيت، اإىل امل�شجد ومن امل�شجد اإىل البيت
يعرف غريهم� اإل اأن يذهب اإىل بيت اأبي الوف�ء
يف �شيعته اإىل يخرج اأن اأو يزوره، اأو يعوده
�ش�حية مكة يتعهده�.
اأم� �شالمة فقد تبدلت حي�ته�، وتغريت عم�
ا�شرتاه� منذ ال�ش�بق الف�شل يف عليه تركن�ه�
لنمو ال�ش�حلة البيئة عنده فوجدت �شهيل، ابن
عنى فقد احلي�ة، يف وظيفته� واأداء مواهبه�
من جم�عة به� ووكل كبرية، عن�ية بتعليمه�
الكت�بة فتعلمت والع�زفني، واملغنني ال�شعراء
العود على العزف وحذقت ال�شعر، فنون ولقنت
موله� عند وحظيت الطرب.. اآلت من وغريه
حتى عظيم� �شغف� به� و�شغف الطروب ال�رشي
ك�ن ل ي�شرب عنه� �ش�عة. وك�ن يعقد له� جم�ل�س
الغن�ء يف داره فت�شهده� الطبق�ت املتخلفة من
ال�شعراء واملغنني وحمبي ال�شعر والغن�ء.
يوم ذات عم�ر اأبي بن الرحمن عبد خرج
فلم� كع�دته، ال�شبح ل�شهود �شالة امل�شجد اإىل
احللم ر تذك الدع�ء يف واأخذ ال�شالة من انتهى
قلبه ف�متالأ الب�رحة الليلة راآه يف من�مه الذي
رعب�، وق�ل: »اللـهم اإين اأعوذ بك اأن ت�شلني بعد
الهدى«. وتال املعوذتني ثم ق�ل: »اللـهم اجعله�
اأ�شغ�ث اأحالم«.
والتم�س اأب� الوف�ء يف املو�شع الذي ي�شلي
فيه فلم يجده، ووجد �ش�حبيه الكهلني فحي�هم�
ثم �ش�ألهم� عنه فعلم منهم� اأنه مري�س، واأنه مل
ي�شهد اجلم�عة منذ يومني، ف�عتزم عبد الرحمن
عدد 1446 ت�رشين 1 112010
اأن يعوده ذلك اليوم.
فلم� ع�ده وجده م�شطجع� على فرا�س على
ف�شلم بخدمته يقوم اأ�شود عبد وعنده الأر�س
ب به، واأراد اأن يجل�س عليه فرد عليه ال�شالم ورح
الرحمن يفعل ذلك، وقعد على يدعه عبد له فلم
احل�شري اإىل ج�نبه وهو يقول: »ل ب�أ�س عليك اأب�
الوف�ء، �شف�ك اللـه وع�ف�ك!«.
»ل ق�ئال: منخف�س ب�شوت ال�شيخ ف�أج�به
اآ�شف عن اأراك اللـه ب�أ�ش� ي� عبد الرحمن، اإين ل
�شيء ي� بني اإل على �شهود اجلم�عة«.
»كيف جتدك اليوم ي� عم؟«.
اإن ج�شم اللـه ي� بني.. »اأجدين ب�رئ� بنعمة
اأن الكربى الط�مة واإمن� في�شفى، ليعتل املرء
متر�س الروح«.
عند خ��س وقع هذه ال�شيخ لكلمة وك�ن
لقد ي� عم، اأبي عم�ر ف��شطرب وق�ل: »�شدقت
مالأ الب�رحة راأيته حلم� هذه كلمتك ذكرتني
قلبي رعب�، و�شغلني همه طوال وقتي«.
»م�ذا راأيت ي� بني؟«.
»راأيت ك�أين كنت يف اجلنة اإذا ب�شوت جميل
لأ�شتمع ف�نطلقت اجلنة، ب�ب خ�رج من اآت
اإذا اقرتبت من اإليه وخرجت اإىل الأعراف، حتى
اجل�نب الآخر م� يلي الن�ر ب�رشت على �شفريه�
ب�مراأة ك�أجمل م� راأيت من الن�ش�ء، حملولة ال�شعر،
الي�رشى يده� ويف و�شطه�، ي�شرت م� اإل ع�رية
مزم�ر، فلم� راأتني فزعت اإيل ك�أمن� تعرفني من
بعنقي وت�شبثت اليمنى بيده� وطوقتني قبل،
اأنقذين! عبد الرحمن الرحمن وهي ت�شيح: »عبد
اأغثني!«. و�شدى م� ح�ولت الإفالت من قب�شته�
ف�أخذت اأجذبه� اإىل جهة اجلنة وهي تنجذب اإىل
جهة الن�ر، حتى وقفن� مع� على �شفري اله�وية،
�شوت على ف�نتبهت منظره�، لهول ف�رتعت
املوؤذن ب�شالة الفجر!«.
هب حتى حديثه يتم الرحمن عبد يكد ومل
ج�ل�ش�، ف��شتوى اأع�نته قوة ك�أن الوف�ء اأبو
هذه ذهنه يف يدير ك�أنه �ش�مت� هنيهة ولبث
الروؤي� الغريبة ثم ق�ل: »م� اأرى هذا احللم اإل من
على تق�ش�شه ول عنه ب�للـه ف��شتعذ ال�شيط�ن
اأحد، فقد بلغن� عن النبي �شلى اللـه عليه و�شلم
اأنه ق�ل:
ول ب�للـه فليتعوذ ه ت�رش ل روؤية راأى »من
يق�ش�شه� على اأحد ف�إنه� ل ت�رشه«.
فق�ل عبد الرحمن: »اأعوذ ب�للـه من ال�شيط�ن
الرجيم«.
وع�د ال�شيخ للحديث فق�ل: »ل تخف ي� بني
فلن يجد ال�شيط�ن اإليك �شبيال، اإنك ل�ش�ب مب�رك
اإل فيك الن��س عرف م� اللـه ط�عة يف جمتهد
لك يف �شورة ل متثبني ي� ال�شيط�ن اإنه اخلري.
�رة ليفتنك عن دينك«. امراأة زم
من وخرجت غن�ئه اإىل �شبوت يل! »ويل
عبد هذا ق�ل هلكت!«. لقد اللـه واأمي اجلنة..
الوف�ء اأبو يقول اأن ع�شى م�ذا وانتظر الرحمن
يف ت�أويله هذا.
وفكر ال�شيخ قليال ثم ق�ل: »ل تخ�س �شوءا ي�
ق�س.. اأمل تقل يل اإنك كنت يف اجلنة؟ واإنه ي� بني
من دخل اجلنة ل يخرج منه�«.
لقد الوف�ء، اأب� ي� �ش�حلة اللـه »جزاك
اللـه ب�رشك تني وب�رش روعي اأت هد
ب�خلري«.
راأ�شه الوف�ء اأبو ك فحر
وجهه جللت وقد وق�ل
ي� »اإنك الهم: من غ��شية
روؤي� من فزعت بني
يف قولك فم� الن�ر،
اأن��س ي�شهدون اأن ل اإله
اإل اللـه واأن حممدا ر�شول
اإىل فيه� يغرقون اللـه
اآذانهم وهم م�شتب�رشون؟
– �شهيل ابن هذا ج�رن�
عليه وت�ب له اللـه غفر
ونه�ره ليله يق�شي –ال�شيط�ن، مزامري يف
من اأعوانه وم�ش�مرة
والقي�ن الغ�وين، ال�شعراء
ينفق عليهم من واملغنني،
م� وال�رشاب الطع�م األوان
فقراء على بع�شه اأنفق لو
واأيت�مه� واأرامله� مكة
لدخل اجلنة من اأي اأبوابه�
�ش�ء«.
تتح�در الدموع وطفقت
»غفرانك يقول: وهو عينيه من
ي� اإلهي غفرانك!«.
بك�ء من الرحمن عبد فتعجب
ال�شيخ ف�ش�أله: »م� يبكيك ي� اأب� الوف�ء!!«.
من الدمع مي�شح وهو الوف�ء اأبو ق�ل
مع�شية على اأعنته اأكون اأن »اأخ�شى عينيه:
اللـه ي� بني«.
»مع�ذ له: وق�ل الرحمن عبد عجب ف�زداد
اللـه.. كيف ذلك ي� اأب� الوف�ء؟«.
فق�س عليه ال�شيخ حديث ج�ريته �شالمة،
فق�ل له عبد الرحمن:
م�شوؤول عن اإنك غري عم.. ي� عليك »خف�س
عمله«.
»لكني كنت اأعلم اأنه �شيفعل ذلك«.
»يغفر اللـه لك ي� اأب� الوف�ء، اإن اللـه لأرحم
من اأن يوؤاخذك على جريرة �شواك«.
خري وهو بني ي� ب�للـه الظن »ذلك
الغ�فرين«.
عه وا�شت�أذن عبد الرحمن يف الن�رشاف فود
زي�رته 18
اأن ل يغب واأو�ش�ه �ش�كرا، الوف�ء اأبو
بذلك الرحمن عبد فوعده بقربه، ي�أن�س لأنه
وان�رشف.
خرج عبد الرحمن من بيت اأبي الوف�ء وم�شى
لل�شيخ، وم� الطريق يفكر فيم� ق�له ال يف متمه
ق�له ال�شيخ له، وذكر كلمته عن ج�ره ابن �شهيل،
ف�شوب نظره اإىل حيث يقيم هذا اجل�ر الذي �شقى
على فخمة دارا فراأى وجواره، بقربه �ش�حبه
ثالث طبق�ت، يحيط به� ب�شت�ن وا�شع عليه �شور
در، اأ�شج�ر النخيل وال�ش ق�شري تظهر منه روؤو�س
19
وراأى يف اجل�نب الأق�شى من الب�شت�ن امل�رشبة
التي ي�شتقبل فيه� ابن �شهيل �شيوفه،
ل�س يج� و
12
ندم�ءه من املغنني وال�شعراء.
ف�شمع ال�شور بج�نب الرحمن عبد م�شى
�شوت� ك�لغن�ء اآتي� من قبل امل�رشبة الواقعة يف
اأق�شى ال�شور، وكلم� اقرتب منه� ومن ب�ب ال�شور
وو�شوح�، ارتف�ع� ال�شوت زاد عليه� املف�شي
واإذا به يغني:
�إذ� وجدت �أو�ر �لب يف كبدي
د! ذهبت نح� �سقاء �لاء �أبت
اء ظاهره د �ل هبني بردت بب
20
فمن لنار على �الأح�ساء تتقد؟
واإذا برعدة ت�رشي يف مف��شل عبد الرحمن،
يث�قل يف م�شيته وهو يقول: »عجب� م� به واإذا
اأ�شبه هذا ال�شوت ب�شوت املراأة التي راأيته� يف
احللم.. للـه م� اأعذبه.. اإن له حلالوة يف قلبي«.
الإ�رشاع فتكلف موقفه اإىل فج�أة وانتبه
فتنة من ب�للـه »اأعوذ يقول: وهو امل�شي يف
ابن برز ال�شور ب�ب ح�ذى اإذا حتى ال�شيط�ن«.
�شيوفه ليتفقد ق�م وك�ن الب�ب، من �شهيل
وال�شعراء، املغنني اليوم من اإليه ذلك الق�دمني
فعرفه م�شيه، يف يحدر الرحمن عبد ف�أب�رش
ف��شتوقفه ق�ئال: »مهال ي� بن اأبي عم�ر، األ ت�شلم
علين�؟«.
الرحمن، وك�ن يعرف ابن اإليه عبد ف�لتفت
�شهيل من قبل وكثريا م� راآه يف امل�شجد، فق�ل:
»ال�شالم عليك ي� بن �شهيل«.
ف�أج�به ابن �شهيل ووجهه يتهلل من الب�رش:
»وعليك ال�شالم ورحمة اللـه، اأهال بك ي� بن اأبي
عم�ر«. واأقبل اإليه ي�ش�فحه ق�ئال: »كيف اأنت ي�
؟«.
ق�س
»بنعمة اللـه ي� بن �شهيل«.
»من اأين ي� بن اأبي عم�ر؟«.
»من عند اأبي الوف�ء اأعوده«.
وغ��شت �شهيل ابن وجه على الت�أثر فظهر
ابت�ش�مته قليال وق�ل: »عجل اللـه ب�ل�شف�ء لأبي
اأن خ�شيتي ولول ، اعتل اأنه بلغني لقد الوف�ء،
هذا لأحب اإين اللـه فو لعدته، مبقدمي ي�شيق
الرجل ال�ش�لح قدر م� يبغ�شني هو«.
ال�شدفة بهذه �رشه يف الرحمن عبد ففرح
الفر�شة هذه ينتهز اأن وراأى يتوقعه�، مل التي
ال�ش�نحة ليكلم ابن �شهيل يف �ش�لح اأبي الوف�ء،
الغن�ء ب�أ�شوات اإزع�جه عن ب�لكف وين�شحه
ورن�ت العيدان، فق�ل له: »اأم� اإنه لعلى حق يف
بغ�شك. لقد �شك� اإيل اأنك تزعجه بغن�ئك وق�شفك
وت�شغله عن تالوته و�شالته«.
ب�لعطف: يندى ب�شوت �شهيل ابن فق�ل
يت�أذى اأن علي لي�شق عم�ر اأبي بن ي� »واللـه
هذه بنيت واللـه ولقد ال�ش�لح، اجل�ر هذا مني
اجل�نب هذا يف تراه� التي اجلديدة امل�رشبة
الق�شي من احلديقة لأبتعد به� عن داره فال ت�شل
اإليه اأ�شوات الغن�ء«.
»لقد اأح�شنت بهذا ي� بن �شهيل �شنع�، وحبذا
اللـهو عن فتقلع نف�شك اإىل حت�شن لو
والغن�ء جملة فت�شرتيح وتريح«.
»ي� وق�ل: �شهيل ابن فتب�شم
ابي بن ي� ا�شتط�عي ذلك يف ليت
عم�ر، ولكني امروؤ ابتلى بهذا اللـهو
فم� ي�شتطيع اأن يعي�س بدونه. اآه ي�
ق�س اأح�شبني قد اأ�شتغني عن الغذاء
ول اأ�شتغني عن الغن�ء«.
راأ�شه الرحمن عبد فحرك
ق�ئال: »م� اأ�شد جنونكم اأرب�ب اللـهو،..
اأ�ش�أل اللـه لك الهداية والتوبة ي� بن
�شهيل«.
ب�شوت �شهيل ابن فق�ل
خ��شع: »اللـهم اآمني«.
وتهي�أ عبد الرحمن للم�شي
فق�ل له ابن �شهيل: »اإىل
اأين ي� بن اأبي عم�ر؟«.
ق�ل عبد الرحمن:
»اإىل امل�شجد«.
�شهيل: ابن ق�ل
اأبي »لي�س الآن ي� بن
اإىل معي هلم بعد.. الظهر وقت يحن مل عم�ر..
بب�ب منزيل ول اأن متر فلي�س من احلق املنزل
ج عليه.. اأ�شهد جمل�شن� اليوم ف�شيجتمع عندي تعر
و�شت�شمع يت�ش�جلون، ال�شعراء ط�ئفة من فحول
اإن �شئت من ج�ريتي �شالمة غن�ء مل ت�شمعه يف
حي�تك«.
»ولن ب�مل�شي: يهم الرحمن وهو عبد فق�ل
اأ�شمعه اإن �ش�ء اللـه«.
فجذب ابن �شهيل رداء �ش�حبه برفق وق�ل:
»كال ي� ق�س ل تربح مك�نك حتى تدخل منزيل«.
الرحمن وق�ل ب�شوت فيه حدة: فحرج عبد
»اأتدعوين اإىل اللـهو والغن�ء ي� بن �شهيل؟«.
يرتفع ل اأن علي لك عم�ر. اأبي بن ي� »ل
�شوت ب�لغن�ء م� بقيت عندي يف املنزل«.
اأكره اأين تعلم اإنك �شهيل، بن ي� لك »�شكرا
واملغنني، ال�شعراء �ن جم من اجلم�عة هذه
واأ�شيق بروؤية وجوههم التي عليه� غربة الف�شوق
والع�شي�ن«.
ابن فعلم ال�شور خلف من جلبة و�شمعت
�شهيل اأن �شيوفه قد قدموا، فق�ل لعبد الرحمن:
»ه� قد اأقبل القوم فهلم ي� بن اأبي عم�ر«.
بن ي� اأن�رشف »دعني الرحمن: عبد فق�ل
�شهيل«.
ظهر حتى كلمته يتم الرحمن عبد يكد ومل
»هذا عمر يبت�شم: �شهيل وهو ابن فق�ل اأحدهم،
بن اأبي ربيعة �ش�عر قري�س«.
الرحمن عبد وجه يف الكراهية فظهرت
وق�ل: »تب� له من ف�جر«.
»ال�شالم اأن دن� منهم� فق�ل: لبث عمر وم�
عليكم«.
�: »وعليك ال�شالم ي� ف�أج�به ابن �شهيل ب��ش
عمر.. اأين بقية القوم؟«.
فنظر عمر خلفه ق�ئال: »هم اأولء اآتون على
اأثري«.. ثم ابت�شم ابت�ش�مة م�جنة وق�ل: »وعجلت
اإليك لتكون يل النظرة الأوىل يف وجه �شالمة!«.
�شهيل ابن اأم�م الواقف ال�ش�ب اإىل والتفت
ف�شحك وق�ل: »هذا عبد الرحمن بن اأبي عم�ر –
م� ج�ء بك هن�؟ اأتريد اأن ت�شكون� اإىل الوايل كم�
فعلت من قبل؟«.
تزال »م� وق�ل: �شدرا الرحمن عبد ف�ش�ق
وت�شبيبك وفجورك اإثمك يف �ش�درا عمر ي�
من بق�رعة اللـه ي�شيبك حتى ب�ملح�شن�ت
عنده«.
مل يكن من عمر اإل اأن رفع راأ�شه مقهقه�، ثم
ق�س، ي� »اآه ق�ئال: الرحمن عبد اإىل ونظر تنهد
العذاب؟ غفر اللـه لبن�ت 21
وهل اأن� اإل يف قوارع
حواء لقد تركن قلبي اأ�شالء؟«.
ال�ش�عران، جي
وظهر عند ذلك الأحو�س والعر
عمر: فق�ل املغني�ن، ومعبد الغري�س وخلفهم�
»ه� هم القوم قد اأقبلوا ي� بن �شهيل!«.
يقول يتغ�مزان، والعرجي الأحو�س وطفق
اأحدهم� ل�ش�حبه: »اأنظر هذا عبد الرحمن الق�س،
هلم نتندر عليه ونغ�شبه«. ف�شحك الآخر وق�ل:
»هلم!«.
ال�شالم. عليهم فرد ف�شلموا، الأربعة واأقبل
ي� ال�رشاب اإىل بن� »هي� ق�ئال: العرجي و�ش�ح
بن �شهيل.. م� اأنتم والوقوف هن�؟«.
يعلم مل ك�أنه الرحمن عبد اإىل والتفت
اأبي بن ي� »اأهال فق�ل: قبل من هن�ك بوجوده
عم�ر. م� هذا؟ هل اأ�شبحت اليوم من مذهبن�؟«.
فنظر ابن �شهيل اإليه نظرة الع�تب ف�أم�شك.
اأم� الرحمن: »ويل لك ي� عرجي، وق�ل عبد
تكف عن جمونك؟ لبئ�س م� خلفت جدك عثم�ن
بن عف�ن«.
فق�ل العرجي بلهجة يخ�لطه� اجلد: »وم�ذا
بني اإن الرحمن؟ عبد ي� اأفعل اأن مني تنتظر
ن� ا�شت�أثروا ب�لأمر من دونن� ونحن اأوىل به، عم
واأق�شون� عن الولي�ت فال اأقل ملثلي من اأن يلهو
كم� يلهو ال�شب�ب«. ثم طفق يرتمن ق�ئال:
اع�� �س ي فتى �أاع�ين و�أ �أ�س
لي�م كريهة و�سد�د ثغر
ب�خلالفة »مط�لب ق�ئال: راأ�شه عمر فهز
جديد ورب الكعبة!«.
يوم يف »اأنحن ف�ش�ح: الأحو�س ف وت�أف
بن ي� دعوتن� األهذا مواعظ؟ يوم يف اأم �رشاب
�شهيل؟«.
ف�لتفت اإليه عبد الرحمن ق�ئال: »ويل لك ي�
اأحو�س.. م� ك�ن اأجدر بك اأن تتبع �شنة �شلفك من
�ش�حلي الأن�ش�ر«.
الأن�ش�ر »تذكرون وق�ل: الأحو�س د فتنه
اإذا �رشب العرجي اإن يل وقد ظلمتموهم مرتني.
فيه� اأغرق ك�أ�شني اأ�رشب اأن واحدة ك�أ�ش�
اآلمي«.
لكع! ي� اأي�ش� »واأنت ق�ئال: عمر فق�طعه
ويله� مهزولة ي�شومه� اأمث�ل هوؤلء!«.
»رحم ق�ئال: حديثه يف الأحو�س وا�شتمر
اللـه �شعد بن عب�دة.. قتلته قري�س وق�لت قتلته
اجلن!!«. ثم اأخذ يقهقه وهو يقول: »دعني ي� بن
.»! اأبي عم�ر اأ�رشب ف�آخذ بث�أري من اجلن
فنظر اإليه عبد الرحمن �ش�خط� وق�ل: »اأمثلك
يف هجوتهم الذي األ�شت هذا؟ ي� لالأن�ش�ر يث�أر
�شعرك؟«.
ذلوا لأنهم هجوتهم »بلى.. الأحو�س: ق�ل
عدد 1446 ت�رشين 1 132010
لقري�س. وم� ك�ن لهم اأن يذلوا«.
فق�ل عمر: »اإذا م�ت الأكف�ء كرث الأدعي�ء«.
ي�شرتك ل اأن الغري�س على عز وك�أمن�
فق�ل اإليه، معبد ي�شبقه اأن وخ�شي احلديث يف
يخ�طب عبد الرحمن: »اإذا كنت ل حتب الغن�ء ي�
ق�س، ف�ن�رشف عن� ودعن� و�ش�أنن�«.
فث�ر ث�ئر عبد الرحمن وق�ل له: »قطع اللـه
فت�أمرين منث ي� اأ�شت�شيفك جئت هل ل�ش�نك!
ب�لن�رشاف؟«.
اللـه ذهب »اذهب ق�ئال: الغري�س ف�أج�به
بك!«.
ي� »مه وق�ل: ع�تب� �شهيل ابن اإليه فنظر
غري�س.. اإن ابن اأبي عم�ر ل يريد بن� اإل اخلري«.
بن ي� اللـه »�ش�حمك الرحمن: عبد فق�ل
رتني عن امل�شجد و�شغلتني بجم�عتك �شهيل.. اأخ
هوؤلء«. وان�رشف م�رشع� ومل يزد.
ال�ش�ب اإىل ينظرون �ش�متني القوم ووقف
معبد ذلك وهو ي�رشع اخلطى مولي�، حتى ف�س
ال�شمت بقوله:
واللـه اإنه الرجل. اأغ�شبتم لقد اللـه! »�شب�ك
خلري من�«.
هي� من�.. خلري اإنه واللـه »اأجل عمر: فق�ل
بن� ي� بن �شهيل«.
و�شمت ابن �شهيل حلظة ثم ق�ل: »هي� بن�«
وتقدم اإىل ب�ب ال�شور وتبعه القوم فدخل ودخلوا
معه.
�لف�سل �ل�سابع
د ا�شم عبد الرحمن بن اأبي عم�ر. وتكرر ترد
ك�ن بعدم� �شهيل ابن جمل�س يف عنه احلديث
بينه جرى وم� ال�شور، خ�رج اليوم ذلك منه
خربه �ش�ق وك�أمن� احلوار. من ندم�ئه وبني
يق�ل مل� ت�شغي فك�نت خ��س بوجه �شالمة
مبوله� ل�شلته ولعل ب�هتم�م. وتتبعه عنه،
ب�أمره، اهتم�مه� �شبب� يف له ال�ش�بق و�شداقته
ذكرى من األوان� نف�شه� يف يثري ذلك ك�ن اإذ
ال�ش�لح البيت ذلك يف ق�شته� التي طفولته�
بني حدب مولته� العجوز وعطفه� عليه�، وبني
ج�رية منه� يجعل ب�أن ال�شيخ موله� عن�ية
�ش�حلة على رغم م� ك�ن ي�شطرب يف �شدره�
من نزع�ت الفتون وو�ش�و�س الهوى.
ومل تن�س م� لقيت يف ذلك البيت من العنت
اء حبه� للغن�ء وميله� اإليه، حتى ال�شديد من جر
– هذا اجلديد اإىل كنف موله� منه اللـه نقله�
بحب متمتعة ومترح فيه ت�رشح الذي الكنف
ت�شبو ك�نت م� له� ق حق الذي ي ال�رش موله�
اإليه من النبوغ يف الغن�ء حتى عال كعبه� فيه.
ولكنه� مع ذلك ك�نت ل تذكر ذلك العهد ال�ش�لف
التي الوف�ء اأم على م ترتح فك�نت ب�خلري، اإل
على وت�شفق له�، فراقه� اأثر على نحبه� ق�شت
اأمرا�س وانت�بته وحيدا اأ�شبح وقد الوف�ء اأبي
عى ال�شيخوخة، وحتن اإىل اأي�مه� اجلميلة يف املر
الأحل�ن له� فيغني حكيم� تلقى ك�نت حيث
فت�أخذه� عنه. ول تزال تذكر تلك الأحل�ن ومتيل
على خ��شة لذة لذلك وجتد به�، التغني اإىل
ب�ش�طته� وقلته� ب�لن�شبة مل� حذقته بعد ذلك من
فنون الغن�ء و�رشوب التوقيع.
ومل تعرف من اأمر حكيم بعد ذلك �شيئ� ك�أمن�
ك�ن طيف� ع�برا اأراه� فردو�س الغن�ء، وو�شع يف
يده� القب�س ثم اختفى!
ابن عن يتحدث يفت�أ ل �شهيل ابن وك�ن
اإىل اأخرى فيدعوه لو يراه مرة اأبي عم�ر، ويود
داره، ويتحدث اإليه ويعتذر له عم� بدر منه ومن
اأ�شح�به يف حقه؛ فك�ن يرتقب مروره حتت داره
�شالمة واأو�شى الوف�ء، اأبي اإىل بيت يف طريقه
اأن ترتقبه اأي�ش� حتى اإذا ملحته اأنب�أته به.
الرابع اليوم �شب�ح يف الرحمن عبد واأقبل
ليعود �ش�حبه ال�شيخ، فم� ملح دار ابن �شهيل من
الذي اليوم ذلك ذكري�ت اإليه ع�دت حتى بعد
لقي فيه وجوه اأولئك اخللع�ء امل�جنني، فخ�شي
اأن يلق�هم مرة اأخرى ف�أراد اأن ي�شلك طريق� اآخر
امل�رشبة بب�ب فيه مير ل الوف�ء اأبي بيت اإىل
اجلميل ال�شوت ذلك وتذكر دونه. لقيهم الذي
الذي �شمعه ذلك اليوم فبقي ع�لق� بقلبه، ف�شعر
ولكنه اأخرى، مرة ي�شمعه اأن يف خفية برغبة
قمعه� ب�شدة ودار حول ال�شور من اجل�نب الآخر
ابن دار ولكن امل�رشبة، بب�ب املرور ليتجنب
ه� لعلو ك�نت فقد عينيه، من تختف مل �شهيل
ت�رشف على اجلوانب كله�، ومل يكد يقرتب منه�
حتى �شمع ال�شوت عينه فعرفه وارت�حت نف�شه
املرة ع�لي� كم� ال�شوت يف هذه اإليه، ومل يكن
ك�ن يف املرة ال�ش�بقة، اإل اأنه ك�ن من الو�شوح
بحيث تبني له اأن يقول:
تنيل نزر� قليال وهي م�سفقة
كما يخاف م�سي�س �لية �لفرق
بابتكم ي من �س ال �أعتق �للـه رق
22ما �صين �أنني �سب بكم قلق
فلم ي�شع عبد الرحمن اإل اأن يتمهل يف خطوه
وهو يقول: »�شبح�ن اللـه م� اأعجب!«.
ومل يعلم عبد الرحمن اأن ابن �شهيل ك�ن قد
حلظه من الدار على بعد، وراآه مل� دار حول ال�شور
لي�شلك الطريق الآخر، ف�أوعز اإىل �شالمة اأن تغني
هذه الأبي�ت حني اقرتب عبد الرحمن من الدار،
م� لريى الغرفة �شب�ك من يرت�شده هو واأخذ
يكون من اأمره عندم� ي�شمع الغن�ء، ف��شتد عجبه
ل يف خطوه ويت�شنت اإذ راأى ال�ش�ب الن��شك يتمه
له�: وق�ل �ش�حك� �شالمة اإىل ف�لتفت للغن�ء،
اإليك.. ي�شتمع الق�س هذا غن�ئك.. يف »ا�شتمري
وق�مت م�رشع�، ونزل ذلك ق�ل له..«. �ش�أخرج
والعود تنظر منه ال�شب�ك �شالمة حتى دنت من
يف يده� وهي تغني:
يت�ق قلبي �إليكم كي يالقيكم
كما يت�ق �إل منجاته �لغرق!
ف�أخذ عبد الرحمن ب�ل�شوت ووقف من حيث
ل ي�شعر يف حم�ذاة الدار، فخرج اإليه ابن �شهيل
الرحمن فف�ج�أه على ح�له هذا، ف��شطرب عبد
اإليه انطلق �شهيل ابن ولكن ب�ل�شري، وتظ�هر
ق�ئال: »رويدا ي� بن اأبي عم�ر، لقد راأيتك ت�شتمع
اإىل غن�ء �شالمة، فهل لك اأن تدخل فت�شمع؟«.
اإخف�ء يح�ول وهو الرحمن عبد ف�أج�به
ذاهب اإين »كال. ق�ئال: عليه الب�دي ال�شطراب
لأعود اأب� الوف�ء«.
اأدخل »اأدخل، ق�ئال: بيده �شهيل ابن ف�أخذ
� بن�«. اأول ف��شمع ثم اذهب اإىل اأبي الوف�ء.. هي
»ل.. يقول: وهو يده الرحمن عبد فجذب
اأعفني ي� بن �شهيل«.
فق�ل له ابن �شهيل: »ل اأعفيك.. واللـه لتدخلن
فت�شمع«.
اإىل اأجل�س اأن اللـه مع�ذ �شهيل.. بن ي� »ل
مغنية«.
مو�شع يف »�ش�أقعده�
ت�شمع غن�ءه� ول تراه�«.
بن ي� هذا »ول
بن ي� خلني �شهيل..
�شهيل ل�شبيلي«.
ابن ف�أ�رش
دخول على �شهيل
وق�ل الرحمن، عبد
»ل احل�زم: بلهجة له
واللـه لتدخلن ف�شتمع،
فتخرج لأدعونه� اأو
اإليك«.
وراأى عبد الرحمن
من ف�ئدة ل اأن
وخ�شي املق�ومة،
اأبى الدخول اإن هو
ابن يدعوه� اأن
فتخرج �شهيل
ت اإليه، فطفق يتلف
وي�رشة مينة
– اأحد وق�ل: »ل.. ل تفعل اأن يراه ك�أنه يخ�شى
�ش�أدخل«.
اإىل املف�شي ال�شور ب�ب من الرجالن دخل
احلديقة واخرتق� الوا�شع بفن�ئه� ا ومر الدار،
الليمون، واأ�شج�ر در وال�ش النخل بني مي�شي�ن
امل�ء فيه� يجري ال�شغرية اجلداول ويجوزان
اإذا اإليه� من البئر، حتى من ج�بية كبرية ينزح
ق امل�ء يف اجلداول امتالأت اأر�شل �شم�مه� فتدف
اإىل حيث يروي الزرع والبقل اأو ي�شقي النخل.
اإىل الدار �شب�ك من تنظر �شالمة وك�نت
بفن�ء مر حني الكرمي ال�شيد اأو الغ�يل ال�شيف
دقيق� ال ت�أم تت�أمله وجهه يف وحتدق الدار،
وتدير طرفه� فيه من راأ�شه اإىل قدمه، ف�إذا �ش�ب
الق�مة معتدل والع�رشين، اخل�م�شة نحو يف
الأطراف، دقيق اللحم خفيف الأكت�ف، عري�س
حلية وتزينه ت�شوبه، �شمرة يف الوجه اأبي�س
�شوداء لي�شت ب�لكثيفة ول ب�خلفيفة، يت�شل به�
اأحفى منتظمة، غري �شعرات عليهم� ع�ر�ش�ن
ال�شعر، اأ�شول خ�رشة اإل منه يبدو فال �ش�ربه
اأهداب طويلة �شوداء مر�شلة 23
وتظلل اأنفه الأقنى
من عينني �شهالوين عليهم� اآث�ر ال�شهر، وفوقهم�
ح�جب�ن كثيف�ن لو زحف� قليال لقرتن�، وتلوح
على جبهته الوا�شعة �شجدة خفيفة يف مثل لون
الر�ش��س. ل ي�شك الن�ظر اإليه� اأنه� جبهة ع�بد!
– ذهنه� يف �شالمة واأدارت
14
م� – الع�برة اللحظة تلك يف اإليه تنظر وهي
ت ف�أح�ش ون�شكه، تقواه من عنه ت�شمع ك�نت
بعطف غريب عليه، و�شعرت برث�ء له ك�أنه� تقول
ينبغي ملثله الرجل! ل نف�شه�: »م�شكني هذا يف
اأن يدخل اإىل هن�«.
جهة اإىل الرحمن بعبد �شهيل ابن وتوجه
الأر�س عن مرتفع ع مرب بن�ء ف�إذا امل�رشبة،
اأبواب من اجله�ت الأربع تك�د اأربعة قليال، له�
ل�شعته� ت�شغل الن�شف من م�ش�حة جدرانه�، وهي
جوانبه� وعلى الثمينة، 24
ب�لطن�ف�س مفرو�شة
مبطنة ب�ملخمل الوثري الزاهي الألوان.25
زرابى
وتردد عبد الرحمن يف الدخول مل� راأى من
مظ�هر الرتف التي مل يره� يف حي�ته، ول تطمئن
اإليه� نف�شه الزاهدة يف زبرج احلي�ة ونعيم الدني�
ده اإذ الف�نية، ولكن �ش�حب الدار ق�شى على ترد
ب�لغ، ترحيب يف امل�رشبة به ودخل بيده اأخذ
وب�رش ط�فح، ف�أجل�شه يف �شدره� املخمل الن�عم
بني الو�ش�ئد
الع�لية
لتي ا
تف�شل
املق�عد بع�شه� عن بع�س.
وغ�ب ابن �شهيل حلظة �شعر يف خالله� عبد
من توؤخذ ال�شمكة ك�أنه �شديد ب�شيق الرحمن
امل�ء لتتقلب على الأر�س، ول�شيم� حني نظر يف
اجلدران فراأى اأنواع العيدان واملزاهر معلقة على
جوانبه�.
اأ�شود غالم معه فدخل الدار �ش�حب وع�د
له موله فو�شعه ف�أ�ش�ر �شغريا 26
يحمل خوان�
اأم�م عبد الرحمن، واأقبلت ج�رية كهلة ب�أطب�ق
والع�شل والعنب واحللوى ب�ل�شواء ملوءة
بج�نب �شهيل ابن وقعد اخلوان، على ف�شفته�
عبد الرحمن فطفق يالطفه ويعزم عليه يف الأكل،
ف�أ�ش�ب عبد الرحمن ال�شواء واحللوى ولعق قليال
من الع�شل وق�ل: »احلمد للـه الذي اأطعمن� هذا«.
ف�أخذ العنب من عنقودا �شهيل ابن له وقدم
عبد الرحمن ي�أكل منه حبة حبة وقد زالت عنه
�ش�حبه اإىل واأن�س يجده�، ك�ن التي الوح�شة
املهذب الظريف.
ابن وتركه
�شهيل كذلك
وق�م اإىل
ج�نب احلديقة خلف امل�رشبة، ف�إذا �شالمة واقفة
والعود يف يده� تغ�لب نف�شه� من ال�شحك، ودن�
منه� ابن �شهيل فق�ل له�: »اجتهدي ي� حبيبتي
ين�رشف من هن� اإل
يف �شنعتك. اإن� ل نريد الق�س
وهو متبول القلب«.
وق�لت: مبت�شمة عينيه� �شالمة وغمزت
»�ش�أفعل ي� مولي.. ل تخف«.
امل�رشبة بحيث �شهيل على ب�ب ابن ووقف
خ�رجه� و�شالمة داخله� الرحمن عبد يرى
اإىل �شالمة واأ�ش�ر الرحمن »ا�شمع ي� عبد وق�ل:
فطفقت حترك عوده� وتغني:
تنيل نزر� قليال وهي م�سفقة
كما يخاف م�سي�س �لية �لفرق
بابتكم ي من �س ال �أعتق �للـه رق
ما �صين �أنني �سب بكم قلق
يت�ق قلبي �إليكم كي يالقيكم
كما يت�ق �إل منجاته �لغرق!
فطرب ابن �شهيل طرب� �شديدا، ونظر اإىل عبد
الب�رش �ش�خ�س الأطراف �ش�كن ف�ألف�ه الرحمن
تختلج�ن، و�شفتني وينخف�س يرتفع �شدر غري
من يرفعه� ل العنب طبق يف اليمنى ويده
الذهول.
وفق ب�لغن�ء ت�رشفه 27
طبة �شالمة وك�نت
م� ت�شتلهمه من مع�ين ال�شعر الذي تغنيه، جتعل
وحرك�ت �شوته� نربات بني تط�بق اأن وكده�
تف�رش ك�أنه� ال�شعر من القطعة فتخرج املعنى،
الألف�ظ، دللة فوق وال�شوت الرتجيع بدللة
ك�أمن� ال�ش�مع نف�س اإىل �شبيله� لت�أخذ مع�نيه�
قبل من نف�شه يف ت�شطرب املع�ين هذه ك�نت
ومل ت�أت اإليه� من اخل�رج.
قوة ين��شبه� من م� كلمة ك�نت تعطي كل
ال�شوت اأو �شعفه، ورفعه اأو خف�شه، واطراده اأو
التوائه. اأو وا�شتوائه بطئه، اأو و�رشعته تقطعه،
من به ي�شعر م� فوق ال�ش�مع اإىل ل يخي حتى
نف�شه اإىل القطعة من ت�رشي التي املع�ين
يرى اأنه – القطعة على نف�شه من تفي�س اأو
اأج�ش�م ك�أنه� احلي�ة فيه� �ش�عت وقد الكلم�ت
وتلني وتقعد، وتقوم وتذهب جتيء ب�رشية
وتق�شو، وت�شل وت�شد، وتذهب مذاهب احلي�ة
املختلفة.
واأ�ش�ر ابن �شهيل اإىل �شالمة اأن ح�شبك،
والتفت اإىل عبد الرحمن ق�ئال: »هل اأعجبك
الغن�ء ي� بن اأبي عم�ر؟«.
�شهيل ابن ل�شوت الرحمن عبد وذعر
»اأجل ق�ئال: ومتتم حلم، من اأف�ق ك�أمن�
واللـه لقد هز م�ش�عري«.
ت ق�ل ابن �شهيل: »�شيكون اأف�شل لو غن
بني يديك، األ اأدخله� اإليك؟«. فق�ل عبد الرحمن
ب�شوت خ�فت »ل ي� بن �شهيل. ح�شبي هذا«.
اأعجبك وقد ج�ريتي »اإنه� �شهيل: ابن ق�ل
غن�وؤه�، فم� مينعنك اأن تغني بني يديك!«.
واأع�د عبد الرحمن قوله: »ل ي� بن �شهيل«.
اإىل التفت اأن ميهله مل الدار �ش�حب ولكن
ج�ريته وق�ل له�: »تع�يل ي� �شالمة.. اأدخلي«.
ب��شمة ك�أنه� رو�شة ت�رشق �شالمة ودخلت
ب�لزهر وتنفح ب�لعطر.
اإليه� ينظر وجعل الرحمن عبد ف�نبهر
اآخر �شيء اإىل ينظر ك�أنه الب�رش زائغ مذهوب�
اإذ متثلت له �شورة املراأة التي راآه� يف غريه�،
�شوته� ي�شمع اأنه اإليه وخيل املزعج، من�مه
عبد ي� اأنقذين.. الرحمن عبد »ي� تقول: وهي
الرحمن اأغثني!«.
ح�ش�ب يف هي حلظة يف كله ذلك ك�ن
الزمن ث�نية اأو بع�س ث�نية، ويف ح�ش�ب الواقع
لعبد الرحمن ظرف و�شع �شم�ع �شوت جميل اآت
حيث ل�شم�عه وانطالقه اجلنة، ب�ب خ�رج من
انتهى اإىل الأعراف فراأى املراأة اجلميلة الع�رية
يف يده� املزم�ر ففزعت اإليه مل� راأته، وت�شبثت
بعنقه وهي ت�شيح م�شتغيثة اإىل اآخر الق�شة.
تقول: وهي �شالمة �شوت اإل راعه م�
من ف�أف�ق عم�ر!«. اأبي بن ي� اخلري »�شب�ح
يخيفك »م�ذا ق�ئلة: �شالمة وا�شتمرت ذهوله
مني.. هل يف من �شيء يخيف؟«.
فتمتم عبد الرحمن ق�ئال: ».. نعم.. ل.. ل..«.
ق�لت �شالمة: »األ اأقعد ف�أغني لك؟«.
ف�شكت عبد الرحمن ومل يجب.
وه�تي فت�تي ي� »اقعدي �شهيل: ابن ق�ل
اإىل مقعد يف اجل�نب املق�بل واأ�ش�ر م� عندك«.
اإليه وخطت ذيله�، اأطراف من ت فلم لل�شدر
الدقيق و�شطه يف�شل خ�شب قوام ف�إذا مدبرة
جنتني وا�شعتني، ثم انثنت مقبلة وتهي�أت لتقعد
حيث اأ�شري عليه� قب�لة عبد الرحمن، ف�إذا ج�رية
ال�شب�ب، يف وجه كع�ب يحري يف وجنتيه� م�ء
�شورة ي�أخذ اأن دون طويال فيه الطرف يرتدد
يف املوؤتلفة املختلفة تق�طعيه من وا�شحة
وقت واحد، واأ�رشار تكوينه الإلهي البديع امل�ئج
ب�شور �شتى وظالل متلفة واأطي�ف عجب.
والتقت عين� عبد الرحمن بعينيه�، ف�إذا هم�
اأن يف اإليه� غزلت�ن غ�شي�شت�ن ل ي�شك الن�ظر
داع، لذلك دع�هم� اإذا بعد تت�شع� اأن و�شعهم�
وعلى خديه� نونت�ن تغوران كلم� ابت�شمت، ك�أن
الذي ال�شحر نبع فيهم� ليجتمع خلقهم� اللـه
اأرجوانيت�ن �شفت�ن وله� عينيه�! من يتدفق
مهم� �شمتت ف�إنهم� تقولن �شيئ�.
عدد 1446 ت�رشين 1 152010
وقد ارتدت حلة حمراء، وجعلت على راأ�شه�
�شعره� من الأعلى الن�شف ت�شرت بي�ش�ء غاللة
الأ�شود املن�شدل على كتفيه� من اخللف.
واأ�ش�ر له� �شيده� ف�حت�شنت عوده� ح�نية
عليه، وجعلت حتركه وتغني:
وما هي �إال �أن �أر�ها فجاءة
جيب فاأبهت حتى ما �أكاد �أ
رتئي ف عن ر�أيي �لذي كنت �أ و�أ�ص
و�أن�سى �لذي �أعددت حي تغيب
ويظهر قلبي عذرها ويعينها
28يب ، فما ل يف �لف�ؤ�د ن�س علي
الت�أثر، من بكى اأن الرحمن عبد ين�شب ومل
يقول: وهو دامعتني عينني �شالمة اإىل ورفع
»اأح�شنت ي� ج�رية الإح�ش�ن كله«.
وحترك للقي�م فق�ل له ابن �شهيل: »اإىل اأين
�شت�شمعك اأي�ش�.. قليال امكث الرحمن؟ عبد ي�
�شوت� غريه«.
اإليه ق�ئلة: »نعم �ش�أغني لك ونظرت �شالمة
حلن� اآخر«.
�ش�أذهب لكم�، »�شكرا الرحمن: عبد فق�ل
الآن اإىل اأبي الوف�ء حتى اأدرك �شالة الظهر يف
امل�شجد.. اإئذن يل ي� بن �شهيل«.
حتى لك اآذن »ل ب��شم�: �شهيل ابن ق�ل
اإىل حني من اإلين� تختلف اأن موؤثق� تعطيني
حني«.
ق�ئال: ونه�س ذلك الرحمن عبد فوعده
»�شكرا لك ي� �شالمة«.
ووقعت هذه الكلمة ال�شغرية من عبد الرحمن
�رشت اأنه� تذكر فلم �شالمة، نف�س يف موقعه�
لكلمة قيلت له� من كلم�ت الإطراء وال�شتح�ش�ن
�رشوره� بهذه الكلمة، ونه�شت اإىل ب�ب امل�رشبة
وهي تقول: »اإىل اللق�ء«.
اإىل العزيز �شيفه ع يود �شهيل ابن وخرج
ب�ب ال�شور.
�لف�سل �لثامن
عبد ف��شال يف حي�ة يوم� اليوم ذلك ك�ن
الرحمن، اأ�شبح بعده ل يفكر اإل يف �شالمة، ول
يجد الأن�س اإل يف جمل�شه�، وكرث اختالفه اإىل ابن
�شهيل، واأحبه هذا فن�ش�أت بينهم� �شداقة متينة
تزداد قوة يوم� فيوم�.
و�شغف عبد الرحمن ب�شالمة، فك�ن يحلم به�
ليله ونه�ره، ويت�شلل طيفه� اإليه حتى يف �شالته
وقي�مه، وق�مت بني نف�شه الزاهدة الن��شكة وبني
�شلي 29
عوان حرب للحي�ة املتفتحة نف�شه
بن�ره�، وك�ن وقوده� من روحه وج�شمه، و�شقي
به� �شق�ء مل ي�شق قبله مثله، كم� �شعد به� �شع�دة
مل يجد له� من قبل مثيال.
له� يجد واأ�شبح عينه، يف احلي�ة وحليت
وتغريت ب�ل، على قبل من له تخطر مل مع�ين
نظرته اإىل الأ�شي�ء ف�أ�شبح يراه� بعني غري العني
واأعم�لهم، الن��س واإىل به�، يراه� ك�ن التي
ف�أ�شبح كثري العطف عليهم والعذر لهم.
يزدريه ك�ن م� بعد لل�شعر قلبه وتفتح
ب�ملتقني، يليق ل الذي اللـهو من ويعتربه
ينف�س املرة بعد املرة ويقوله له يهتز ف�أ�شبح
به عن الكرب الذي يجده يف �شدره، اأو ي�شف به
ال�شع�دة التي يجده� يف قرب �شالمة.
فكرثت و�شالمة الق�س حديث مبكة وا�شتهر
لهم �ش�ء م� فيه� دوا وتزي الأق�ويل، فيهم�
الف�شول واخرتاع الرواي�ت.
اء ذلك اأن ا�شتوح�س عبد الرحمن وك�ن من جر
والعزلة، الوحدة اإىل وم�ل الن��س، جم�ل�س من
فك�ن ي�شلي يف ركن ق�شي من امل�شجد، ويخرج
منه منفتال حتى ل يثري ف�شولهم، فيعتكف يف
بيته اأو يذهب لزي�رة ابن �شهيل.
ال�شيخ �شديقه زي�رة عن برهة وانقطع
كيف يدري ل ك�ن ك�أنه الوف�ء اأبي ال�ش�لح
ال�شوق به ا�شتد حتى يق�بله، وجه وب�أي يلق�ه
لعله اأمره، ذات له ويك�شف يلق�ه اأن فعزم اإليه
يجد عنده راأي� يهديه يف حريته، ومل�ش� ينقذه
من ورطته.
وك�ن اأبو الوف�ء قد ا�شت�ق اإىل عبد الرحمن
اإليه و�شل وقد زي�رته، عن لنقط�عه وعجب
بع�س م� قيل عنه من الأح�ديث ولكنه مل ي�شدق،
اأو مل ي�ش�أ اأن ي�شدق �شيئ� منه.
واأ�شبح ذات يوم ق�عدا على فرا�شه، متدثرا
بلح�فه، وعنده �ش�حب�ه الكهالن يعودانه فق�ل
له اأحدهم�:
»اإنك اليوم اأح�شن ح�ل ي� اأب� الوف�ء«. فق�ل
راأى هل احلمد.. هلل ولدي ي� »اأجل الوف�ء: اأبو
اأحدكم� عبد الرحمن بن اأبي عم�ر؟«.
ف�أج�به اأحدهم� ق�ئال: »اإنن� نراه كل يوم يف
امل�شجد كع�دته – اأم� يزورك ي� اأب� الوف�ء؟«.
دائم� يزورين ك�ن »لقد الوف�ء: اأبو فق�ل
ولكنه انقطع عني منذ ثالثة اأ�ش�بيع، وم� اأدري
م� الذي قطعه عني«.
�شالمة »لعل وق�ل: الكهلني اأحد اأ فتجر
ج�رية ابن �شهيل هي التي قطعته عنك«.
وذعر اأبو الوف�ء لهذه الكلمة ك�أمن� مل يتوقع
اأن يقوله� اأحد اأ�شح�به اأم�مه، وق�ل وقد بدا الأمل
اأي�ش�؟ اأنتم� هذا اأتقولن »�شالمة؟ وجهه: يف
الن��س �شمعت اأنه� ع�لية اأختي حدثتني لقد
اأنه ع�شق ج�رية ابن �شهيل، واأنه يتحدثون عنه
القول، اأ�شدق هذا ل�شم�عه�، فلم يذهب كل يوم
ورجوت األ يكون �شحيح�«.
بل الوف�ء اأب� ي� »ل ق�ئال: الكهل ف�أج�به
هو �شحيح وااأ�شف�ه! لقد جن عبد الرحمن بحبه�
وتدله حتى ا�شتهر اأمره يف الن��س، فلم يبق مبكة
بيت مل ي�شمع بحديث الق�س و�شالمة«.
واأيد الكهل الآخر حديث �ش�حبه ق�ئال: »بل
لقد �شمعت اجلواري والغلم�ن يغنون ب�أبي�ت يف
�ش�أنهم� يف الطرق�ت«.
اإل قوة ول حول »ل ق�ئال: ال�شيخ د فتنه
العظيم. من ك�ن ي�شدق قط اأن عبد ب�للـه العلي
الرحمن بن اأبي عم�ر يجل�س اإىل مغنية، وي�شمع
مزم�ر ال�شيط�ن؟«.
وح�نت من اأحد الكهلني التف�تة اإىل الن�فذة
عبد يرى به ف�إذا الطريق، ج�نب على املطلة
الرحمن مقبال يف ال�ش�رع، فق�ل: »�شبح�ن اللـه.
اآتي� اإل اأح�شبه م� مقبال.. عم�ر اأبي ابن هذا
لزي�رتك ي� اأب� الوف�ء«.
فتهلل وجه ال�شيخ وبرقت اأ�ش�ريره من الفرح
وق�ل: »احلمد هلل. اإين لفي �شوق اإليه«.
اأب� الوف�ء اأن تن�شحه ي� ق�ل الكهل: »اأرجو
اأبو فق�ل فيه«. نف�شه ط ور عم� يعدل ع�ش�ه
الوف�ء: »اإين لأ�شتحي اأن اأكلمه يف هذا الأمر«.
»اأت�شتحي من احلق ي� اأب� الوف�ء؟«.
مثله يف يقع اأن نف�شي من له اأ�شتحي »بل
اأمر كهذا«.
ونظر الكهل الآخر اإىل ب�ب الغرفة، فلمح عبد
الرحمن مقبال، ف�لتفت اإىل اأبي الوف�ء ق�ئال: »ه�
هو ذا اأقبل«.
وا�شت�أذن عبد الرحمن يف الدخول، ف�أذن له
ب به وا عليه ال�شالم، ورح ال�شيخ فدخل م�شلم� فرد
اأبو الوف�ء ق�ئال: »اأهال بك ي� بن اأبي عم�ر..«.
اأب� ي� اأنت »كيف الرحمن: عبد فق�ل
الوف�ء؟«.
انقطعت عن لقد اأنت؟ واأين ..بني ي� »بخري
زي�رتي منذ زمن!«.
»معذرة ي� اأب� الوف�ء.. لقد كنت م�شغول«.
»اأرجو اأن يكون قد انتهى �شغلك الآن«.
د عبد الرحمن ق�ئال: »اأرجو ذلك ي� اأب� فتنه
الوف�ء«.
هذا »م� فق�ل: ال�شوؤال اإىل الوف�ء اأبو وع�د
ال�شغل الذي �رشفك عن� ي� بني؟«.
اأن الوف�ء اأبي نغمة من الرحمن عبد ففهم
اإىل والتفت اأمره، من ك�ن مب� علم قد ال�شيخ
�ش�حبيه الكهلني فك�رشا طرفهم� ك�أمن� اأ�شفق� اأن
ينظرا اإىل وجهه، ف�شكت عبد الرحمن ومل يجب.
فق�ل اأبو الوف�ء: »قل يل ي� عبد الرحمن فو
اللـه م� كنت تخفي عني �شيئ�«.
فح�ول عبد الرحمن اأن يجيب ال�شيخ، فثقل
عليه ذلك ف�أطرق راأ�شه ومل يجب.
اإذ �شمع �شوت ج�رية اإطراقه مل يطل ولكن
الأحل�ن من بلحن وتغني ال�ش�رع يف مت�شي
الدارجة الب�شيطة التي يكرث وروده� يف احلج�ز،
الأل�شنة، على فت�شيع واأخرى فرتة بني وتردد
ب�حلداء �شيء اأ�شبه وهي الركب�ن. به� وت�شري
تلك من خلوه� لول و�شهولته� ب�ش�طته� يف
الروح البدوية الفحلة، ولول اأن فيه� من الط�بع
كثري يف يخلو ل الذي الن�عم الرقيق احل�رشي
من الأحي�ن من روح املج�نة وال�شتهت�ر. كثريا
م� تت�شمن هذه الأغ�ين الدارجة خرب ح�دث من
احلوادث الع�مة التي تقع يف احلج�ز اأو غريه من
البلدان الإ�شالمية الأخرى، اأو نقدا لعمل وال من
اأو خلقية، اجتم�عية بف�شيحة ت�شهريا اأو الولة
الوقت ذلك يف تقوم ك�نت الأغ�ين تلك فك�أن
مق�م ال�شحف يف اأي�من� هذه.
اجل�رية واأ�شح�به �شوت الوف�ء اأبو و�شمع
وهي منطلقة حل�جته� يف ال�ش�رع، ك�أمن� تتوىل
الرحمن م� ثقل عليه من اجلواب وهي عن عبد
تقول:
من �ساء تهيامه �الآن فلــيـــعلـن
يف حب �سالمة! ـ�س قد وقـــع �لق
يــامه �لد�ئـم �س ـحمه �لبا ي
ل
وليـــله �لقائــم ـــا وخــ�فه �لرب
ار يا بن �أبي عم ــاد�تــك �أيـن عبـ
ار! م حدوثة �ل�س�أ �أم�ست �سباباتك
ليـــهنك �لقـــ�س ! �ســـالمة �لقـ�س
�أنــت له نفـــ�س! يــا منية �لنف�س
لبنة »ويل وق�ل: غ�شب� الوف�ء اأبو فحمى
الف�علة«. والتفت اإىل اأحد الكهلني ق�ئال: »اخرج
ي� عبد اللـه فكم فمه�«.
»بل وق�ل: قوته الرحمن عبد ف��شتجمع
اأفواه يف �ش�ئرة اأبي�ت فهي اللـه عبد ي� دعه�
مكة اأزقة يف والغلم�ن اجلواري من الع�رشات
و�شوارعه�«.
الغ�شب من يرجف وهو الوف�ء اأبو فق�ل
�ش�حبة عن قيل م� �شمع قد م� ن�شي ك�أنه
الوايل.. اإىل �شكواهن من بد »ل الن��شك: ال�ش�ب
كيف ن�شكت عن هذا البهت�ن؟«.
فق�ل عبد الرحمن بهدوء: »اإنه لي�س ببهت�ن
ي� اأب� الوف�ء«.
فنظر اإليه ال�شيخ ك�أنه ينكر عليه قوله وق�ل:
»مع�ذ اللـه اأن يقع منك هذا ي� بن اأبي عم�ر«.
ب�شوت وق�ل البك�ء الرحمن عبد فغلب
تخنقه العربة: »اإنه واللـه قد وقع ي� اأب� الوف�ء..
ول حيلة يل فيه«.
16
جتول عربة يغ�لب وهو الوف�ء اأبو ف�شكت
يف عينيه ثم ق�ل: »اإن تك قد وقعت يف �شيء من
ذلك ف�أنب اإىل اللـه ف�إن املوؤمن اإذا ت�ب ن�ب اللـه
.»30
عليه
»لقد متقطع: ب�شوت الرحمن عبد فق�ل
اجل�رية هذه روؤية عن نف�شي لأ�رشف ج�هدت
و�شم�عه�، فلم اأجد اإىل ذلك �شبيال«.
ق�ل اأبو الوف�ء: »يف و�شعك لو �شئت اأن تنقطع
عن دار ابن �شهيل وتفرغ اإىل �شالتك«.
ف�أج�به عبد الرحمن وقد ع�دت اإليه رب�طة
اأن�شط ج�أ�شه ق�ئال: »لقد فعلت ذلك فوجدتني ل
اإىل �شالتي يف اليوم الذي ل اأرى �شالمة فيه«.
فحوقل اأبو الوف�ء وق�ل بلهجة فيه� �رشامة
ال�شيط�ن منك هذا املبلغ ي� »اأو قد بلغ وق�شوة:
حتى ا�شتط�ع اأن يريك الب�طل حق�؟«.
ق�س
اأب� ي� هذا من »اأبعد الرحمن: عبد فق�ل
ال�شيط�ن، عمل من هذا اأن لأ�شك حتى الوف�ء،
فقد وجدتني بعد اأن بليت بحب هذه اجل�رية اأكرث
ي، واأغزر دمعة يف �شالتي، ن�ش�ط� يف عب�دة رب
واإذا قراأت القراآن رق قلبي وذاب، و�شعرت بفي�س
.»!من املع�ين ينث�ل علي
ثم �شمع م� ك�ملتعب هنيهة ال�شيخ �شكت
ق�ل: »ل يغرنك هذا ي� عبد الرحمن، ف�إن لل�شيط�ن
ال�شعرة، وقد اأدق من املوؤمن مل�ش�رب اإىل نف�س
اأمر اللـه نبيه عليه ال�شالة وال�شالم اأن يعوذ به
يف يو�شو�س الذي اخلن��س، الو�شوا�س �رش من
ة والن��س«. �شدور الن��س، من اجلن
فق�ل عبد الرحمن وقد ع�دت رقته اإليه: »اإن
يكن م� تقول حق� في� طول �شق�ئي؟«.
وك�أن ال�شيخ ك�ن م�شغول ب�أفك�ره عن مق�ل
حديثه وا�شت�أنف اإليه ي�شغ فلم الرحمن، عبد
اأكون �رشيك� اأن اأبي عم�ر ق�ئال: »اأخ�شى ي� بن
يف هذا الذنب، ف�أن� الذي بعت �شالمة لبن �شهيل
اللـه ولعل الغن�ء.. �شيعلمه� ب�أنه علمي مع
اأحب على فتنته� �شلط ب�أن ذلك على ع�قبني
.» الن��س اإيل
اأ�شد »م� وق�ل: الكهلني اأحد وابتدره
يقول: اللـه اإن الوف�ء! اأب� ي� لنف�شك حم��شبتك
«ول تزر وازرة وزر اأخرى«.
اأخرى، كلمة ليقول فر�شة ال�شيخ يجد ومل
اإذ رن �شوت غالم على حم�ره يف الطريق وهو
يغني:
من �ساء تهيامـه �الآن فـــليعــلن
يف حب �سالمــة! قد وقع �لقـــ�س
يـــامه �لد�ئــم �س ل يحمه �لبا
وليـــله �لقائــــم ـا وخ�فــه �لربــ
ــار يا بن �أبي عم ـاد�تــــك �أين عبـ
ار! �أحدوثـة �ل�ســم �أم�ست �سباباتك
ـك �لقـــ�س ـيهن لـــ ! �سـالمة �لقــــ�س
�أنــت له نفـــــ�س! يا منية �لنفــ�س
�لف�سل �لتا�سع
لزي�رة عم�ر اأبي بن الرحمن عبد ع�د
مرتني، ذلك بعد الوف�ء اأبي ال�شيخ �ش�حبه
به ابتلي فيم� بعذره يقنعه اأن فيهم� ح�ول
من ذلك احلب الذي ل قبل له بدفعه، لعله يظفر
و�شالم� على �شدره لينة، تنزل بردا منه بكلمة
املت�أجج ب�حلب، وقلبه الط�فح ب�حلرية، وت�شع
الأوىل نف�شه بني الق�ئمة امل�شتعرة للحرب ا حد
ونف�شه الث�نية، فلي�س من احلق عنده اأن ل يكون
احلي�ة، �شميم يف املوجودة احل�لة هذه ملثل
ويف فطرة اللـه التي فطر الن��س عليهم� جميع�،
من عالج غري البرت لو ك�ن يف ا�شتط�عته البرت،
فكيف ومل يكن له بهذا البرت يدان.
يف �ش�رم� �شديدا ك�ن الوف�ء اأب� ولكن
موقفه من عبد الرحمن فلم ت�أخذه يف ذلك هوادة
اأو لني، ومت�شك ب�أن م� وقع فيه عبد الرحمن من
الفتنة بهذه القينة وال�شم�ع لأحل�نه� اإثم �رشيح
ل ت�أويل فيه، ول يغفره اللـه له حتى يقلع عنه
ي�شتد على عبد األبتة. وك�ن عنه الإقالع ويكف
الة عليه، ويجتهد الرحمن يف ذلك مب� له من الد
�شريته اإىل الرجوع على يحمله اأن و�شيلة بكل
ال�ش�ب من الأوىل، ون�شي م� بينه وبني �شديقه
ال�شيوخ من واأمث�له هو يراه فم� ، ال�شن ف�رق
املرحلة يف ال�ش�ئرين ال�شن، يف الط�عنني
قد النته�ج، �شهل مكن� احلي�ة، من الأخرية
الرحمن م�شتحيال يكون يف نظر �ش�ب مثل عبد
اأو ك�مل�شتحيل.
الرحمن، الوف�ء يف ع�رش عبد اأبو ن�ش�أ وقد
�شغره. من وال�رشامة ب�ل�شدة نف�شه واأخذ
حي�ته �شني من والك�شب ب�لتج�رة وا�شتغل
الأوىل، ومل يعن له من الظروف الق�هرة م� م�ل
به عن النهج الذي اختطه لنف�شه يف احلي�ة، فك�ن
كيف راأين� وقد اأهله، وعلى نف�شه على �ش�رم�
�ه� من ا�شتد يف مع�ملة ج�ريته �شالمة التي رب
الوف�ء اأم زوجه وحتبه� يحبه� وك�ن �شغره�.
� يقرب من حب الولد. فلم� راأى ميله� للغن�ء حب
وح�ول �رشفه� عنه فلم يفلح، ب�عه� غري ن�دم
اأن م�تت زوجه على اء ذلك عليه� فك�ن من جر
اآث�ره� حزن�.
وراأين� كذلك �شدته على اأرب�ب اللـهو والغن�ء،
الولة لدى و�شعيه عليهم، الق��شية وحملته
فتي�نه�، يف�شدوا ل حتى مكة من لإخراجهم
ال�ش�ب ب�شديقه ذلك يف ي�شتعني كيف وراأين�
الفقيه الن��شك ملك�نته يف نفو�س اأهل مكة، حتى
ك�ن ي�رشب به املثل يف ن�شكه وعب�دته.
اإذ عنيفة �شدمته تكون اأن بعجيب فلي�س
الق�س �شديقه يف يخيب اأمله راأى حتى ع��س
الذي ط�مل� اعتز به. واعتربه املثل الذي ينبغي
اأن يكون عليه �شب�ب الإ�شالم يف هذا العهد الذي
حب واأو�شك اجلد، على يطغى اللـهو فيه اأخذ
احلي�ة مبلذات ال�شتمت�ع اإىل وامليل ف الرت
الف�نية يق�شي على م� بقي يف قلوب الن��س من
روح التقوى والورع والزهد.
ومل يكن ا�شتجداء عبد الرحمن فتي� �ش�حبه
اأبي الوف�ء مب� ينقع من غلته، وي�شد من عزميته،
من فيه وقع م� بني التوفيق بع�س ويوفق
الديني مثله يتطلبه وم� واملحنة، ال�رشورة
الأعلى – مل يكن ذلك عن جهل منه ب�لدين، فقد
ك�ن عبد الرحمن فقيه�، وك�ن ال�شيوخ والكهول
ل يجدون حرج� يف الأخذ عنه، وا�شتفت�ئه فيم�
اأن ي�شتربئ اأراد اأمور دينهم، ولكنه ينوبهم من
لنف�شه ولدينه، وطمع يف �شديقه ال�شيخ اأن يكون
عون� له على اخلال�س بوجه من الوجوه املعقولة
من ذلك امل�أزق الذي وقع فيه، وظهريا له ي�ش�عده
ل التي الكربى النف�شية املحنة تلك اجتي�ز يف
ى به يوؤمن فيه� على مثل �شب�به الع�رم اأن يرتد
يف مه�وي الهالك الأكرب.
�شالبة اإل الوف�ء اأبي من يجد مل ولكنه
يراه� يف غري حمله�، ول مطمع له معه� يف اأن
يرباأ من العلة التي ي�شكو منه�، فراأى اأن ينقطع
م� اأمره من بنف�شه ي�شلح ريثم� زي�رته عن
�شديدا وك�ن معه. ب�لتع�ون اإ�شالحه عن عجز
اأن يقطع بيده عرى ال�شداقة املتينة على نف�شه
التي ربطت بينه وبني ال�شيخ ال�ش�لح برهة من
فيه� وتع�ون� اللـه، تقوى يف ق�شي�ه� الزم�ن
والإح�ش�ن، ولكن ق�شي الأمر ومل يكن على الرب
بد من ذلك اإبق�ء على حرمة ال�شيخ وتف�دي� من
اإيذائه يف تلك ال�شن الع�لية ب�أكرث م� اأوذي به
من املج�دلة واحلج�ج.
وك�ن كرور الأي�م قد خفف كثريا من احلرية
ذلك اأمر يف الرحمن عبد يجده� ك�ن التي
بع�س واطم�أن عليه، طراأ الذي اخلطري احل�دث
قد فك�أنه ربه، اأم�م منه موقفه اإىل الطمئن�ن
وجد من نف�شه الفتي� التي ط�مل� طمع اأن ين�له�
من �ش�حبه ال�شيخ فلم يقدر له ذلك.
وهداأت تلك احلرب اجلب�رة التي ك�نت ت�شتعر
يف راأ�شه بني نف�شه التقية الزاهدة ونف�شه املقبلة
على احلب واحلي�ة، فك�أمن� ت�ش�حلت� على م� فيه
العراك طول من �شعفت� اأو ل�ش�حبهم�، اخلري
ى. فتوادعت� اإىل اأجل غري م�شم
الق�ئمة يف اإن هداأت هذه احلرب ولكن
راأ�شه، فقد ق�مت حرب اأخرى ل تقل هول عن
ورغبته ب�شالمة �شغفه تلك يف �شدره، بني
�شعوره وبني عليه�، احل�شول يف الظ�مئة
ب�لعقب�ت التي تقوم يف طريقه دونه�. فهو
ويوؤثره� ج�ريته يحب �شهيل ابن اأن يعلم
ل ويف�ش احلي�ة، يف ميلك م� كل على
متع من متعة وكل نعيم كل على �شم�عه�
العي�س؛ فال يعقل اأن يبيعه� لأحد ولو اأعطى
به� اأ�شع�ف اأ�شع�ف ثمنه�. وهب اأن ير�شى
ببيعه� ف�أي م�ل يف الدني� يقوم بثمن تلك
الدني� يف يكن مل لو التي الغ�لية اجلوهرة
غريه� مل� نق�شه� ذلك من مت�عه� وزينته�
من الرحمن عبد ميلك فم�ذا وبعد �شيئ�.
امل�ل غري تلك ال�شيعة التي ورثه� عن اأبيه
والتي ل ت�ش�وي يف نظره نظرة ينظره� يف
غن�ءه� فيه� ي�شمع حلظة اأو �شالمة، وجه
العذب.
لقد علم عبد الرحمن اأن �شالمة ت�شمر له
مثل م� ي�شمر له� من احلب، عرف ذلك من
وخفوفه� حديثه�، وفلت�ت عينيه�، نظرات
ح�شوره عند ون�ش�طه� اأقبل، كلم� للق�ئه
كلم� ح�رش، ووجومه� عند ان�رشافه من دار
عبد ي�شتطيع ل كربى نعمة وتلك موله�.
الرحمن القي�م ب�شكره�، ولكن م� قيمة هذه
عنده وغن�ءه� له، وهو ل ينوي ريبة يريبه�
معه� ول يريده� اإل حالل؟
وهل تدور الريبة قط بخلد عبد الرحمن
تقواه وورعه وفقهه ودينه وهو م� هو يف
لنف�شه؟ حم��شبته و�شدة اللـه من وخوفه
ال�شم�ء من يخر اأن ذلك من عليه لأهون
اأو تهوي به الريح يف مك�ن فتخطفه الطري
�شحيق.
ومبن يقرتف الريبة؟ اأبتلك التي وهبه�
اأجله� وعرف جم�ل واأحب احلي�ة من قلبه
الكون مل� عرفه�؟
اأذلك ال�شديق الكرمي ومن يخون فيه�؟
واأحله من له كنفه واأعزه ووط�أ اأحبه الذي
حرمته على وائتمنه كرمي�، حمال نف�شه
ووثق بع�شمته ودينه؟
ذلك ال�شديق الكرمي الذي تغ��شى زمن�
وبني بينه ينمو اأخذ الذي الوليد احلب عن
حتى الأي�م، مر على عنده الأثرية ج�ريته
اأن يوؤثر به� اأ�شده مل يبخل اإذا ترعرع وبلغ
خ�ل�شة هبة عليه فيعر�شه� نف�شه، على
ونف��شته� به� تعلقه �شدة على عنده من
عنده، فم� ح�ل بينه وبني تخليه عنه� لعبد
عدد 1446 ت�رشين 1 172010
18
الرحمن اإل اإب�ء عبد الرحمن.
ابن قبل من الكرمي �س العر هذا اأن على
اأن كراهية قبوله الرحمن عبد اأبى الذي �شهيل
انتهى بعدم� – ول�شيم� م�له يرزاأ �شديقه يف
اإليه �رشا من وقوع ابن �شهيل يف ال�شيق وكرثة
الديون عليه من جراء جوده واإ�رشافه – قد قوى
�شالمة على احل�شول يف الرحمن عبد اأمل من
ف�عتزم يف نف�شه اأمرا.
ي�شتغل ذلك بعد الرحمن عبد وروؤى
فلم الك�شب، يف ويجتهد ال�شوق يف ب�ل�شم�رشة
ك�ن؛ م� منه ك�ن بعدم� لأمره الن��س يعجب
واإذا عليه. عزمه طوى م�ذا يعلم مل اأحدا ولكن
خرج الأخرية الع�ش�ء �شالة وق�شى الليل اأظله
اإىل العراء خ�رج مكة وارتقى �شعب� من �شع�به�
ال�شم�ء يف ينظر هن�ك ليله من �شطرا فق�شى
ويت�أمل يف النجوم.
ابن اإىل �شب�ح ذات الرحمن عبد ر وبك
�شهيل فتلق�ه ب�لب�رش والرتحيب كع�دته، وجل�س
»لقد ق�ل: فيم� له فق�ل امل�رشبة يف يح�دثه
اأعجبتني اأبي�تك ي� بن اأبي عم�ر، اإنك ل�ش�عر«.
من �شيء اأدركه وقد الرحمن عبد فق�ل
اخلجل: »اأي اأبي�ت تعني ي� بن �شهيل؟«. ف�أج�به
يف قلته� التي »الأبي�ت ق�ئال: �شهيل ابن
�شالمة«.
خده تورد حتى الرحمن عبد خجل ف�زداد
ومتتم ق�ئال: »ولكنني..«.
»ل يبت�شم: وهو ق�ئال �ش�حبه فق�طعه
يل �شالمة اأن�شدته� لقد عني، اإخف�ءه� حت�ول
ف�أعجبت به�، وقد و�شعت له� حلن�«.
ب��شمة ودخلت ذلك عند �شالمة واأقبلت
وق�لت: »اأنعم �شب�ح� ي� عبد الرحمن«.
ف�أج�به� عبد الرحمن ق�ئال: »عمي �شب�ح�
ي� �شالمة.. اإين �ش�خط عليك«.
ق�لت متدللة: »عالم ي� بن اأبي عم�ر؟«.
ق�ل له�: »اأمل تعديني ب�أن ل تن�شدي الأبي�ت
ملولك؟«.
هذا.. عنك »دع وق�لت: له طرفه� فك�رشت
لقد �رش مولي ب�أبي�تك وو�شعت له� حلن�«.
فق�ل ابن �شهيل: »اإن عبد الرحمن يخ�شى اأن
اأغ�ر منه عليك ي� �شالمة..«.
ف�شحكت �شالمة وق�لت: »ليطمئن ب�لك.. اإن
ن ي�شبب بج�ريته بل ي�رشه اأن مولي ل يغ�ر م
ي�شمع �شعرا رائع� ك�شعرك«.
فق�ل ابن �شهيل: »اأجل واللـه اإنه ل�شعر رائع
اأ�شمعين� ي� �شالمة«. – ه�تي ف�أخذته، احل�ئط يف معلق عود اإىل فق�مت
حلن »اإنه ق�ئلة: الرحمن عبد اإىل والتفتت
الو�ش�ئد على متكئة بجنبه� وم�لت �شيعجبك«.
اأوت�ره، وت�شد عوده� ب جتر واأخذت الع�لية
العود وطفق اجلديد، حلنه� على ت�شبطه ك�أمن�
يرتمن يف حجره� وهي تغني:
؟ �سالم هل ل منكم نا�ص
وهل لقلبي عنكم ز�جر؟
قد �سمع �لنا�س بحبي لكم
!31
فمنهم �لالئم و�لعاذر
الطرب من نف�شه �شهيل ابن ميلك ومل
الرحمن عبد اإىل ق�م اأن
اأبي بن ي� »ثق ق�ئال: ظهره على بيده ف�رشب
عم�ر اأين لك ملن الع�ذرين!!«.
يف �شالمة وا�شتمرت مقعده اإىل وع�د
غن�ئه�:
قال�� �أحب �لق�س �سالمة
اهر وه� �لتقي �لنا�سك �لط
ا ل يدر قبلي �له�ى كاأن
�إال �لغ�ي �لفاتك �لفاجر
وم� الرحمن، عبد على ال�شديد الت�أثر فظهر
بلغت �شالمة اإىل قوله�:
ب�ص مثلكم يا ق�م �إين
كم �لفاطر وفاطري رب
ل كبد تهف� كاأكبادكم
ول ف�ؤ�د مثلكم �ساعر!
ابن فق�ل يبكي، الرحمن عبد طفق حتى
�شهيل: »اأعيدي ي� �شالمة: ي� قوم..«.
وهو الرحمن عبد فق�ل البيتني ف�أع�دت
لك�أين ح�شبك. �شالمة ي� »ح�شبك دموعه: مي�شح
واللـه مل اأقل هذه الأبي�ت، لقد ك�شوته� بتلحينك
روح� مل تكن يل«.
فق�لت �شالمة: »اإمن� اأعجبني �شعرك ف�ألهمني
هذا التلحني«.
وبينم� هم يف ذلك اإذ دخل غالم ابن �شهيل،
فدن� من موله واأخربه اأن ب�لب�ب ر�شول الق��شي
يريد اأن يراه؛ فبدت على وجهه م�شحة من الكدر
وق�ل للغالم: »ائذن له ب�لدخول«.
ف�نطلق الغالم وخرج ابن �شهيل يف اأثره من
الر�شول ال�شور وجد ب�ب بلغ اإذا امل�رشبة، حتى
الق��شي »اأجب مولن� الر�شول: له وق�ل فحي�ه
ي� بن �شهيل«. فق�ل ابن �شهيل: »�ش�أحلق بك«.
ق�ل الر�شول: »ل ي� بن �شهيل، اإنه كلفني اأن
اآتي بك الآن لأن دائنيك قد ح�رشوا هن�ك«.
فق�ل ابن �شهيل: »ل حول ول قوة اإل ب�للـه..
خريا.. انتظرين حلظة �ش�أرتدي عب�ءتي«.
وانطلق ابن �شهيل ن�حية الدار ف�رتدى
عب�ءته، ثم عرج على امل�رشبة فوجد عبد
الرحمن و�شالمة ج�ل�شني كم� ك�ن�، فق�ل
اأمر ه�م، الق��شي يف »لقد دع�ين لهم�:
ف�بقي� مك�نكم� حتى اأعود اإليكم�«.
ق�ئال: ب�لقي�م الرحمن عبد فهم
»اإئذن يل ب�لن�رشاف ي� بن �شهيل«.
عبد ي� »كال ق�ئال: �شهيل ابن ف�أجل�شه
مك�نك بقيت م� اإل عليك بحي�تي الرحمن،
حتى اأعود«.
يف »ا�شتمري له�: فق�ل �شالمة اإىل والتفت
غن�ئك ول تدعي ابن اأبي عم�ر يخرج حتى اأعود
اإليكم�«.
فق�لت �شالمة: »�شمع� وط�عة ي� مولي«.
وخرج ابن �شهيل، فلقى الر�شول على الب�ب
ف�ش�ر معه.
وخال املجل�س بعبد الرحمن و�شالمة، و�ش�د
خالله� يف �شعر الزمن من برهة ال�شمت فيه
عبد الرحمن ب�شعور غريب، فيه رهبة وفيه �شيق
ال�شعور هذا به ومت�دى الفرح، من �شيء وفيه
مبن يكون م� اأ�شبه اأنه اإليه خيل حتى الغريب
اأ�شقط يف يده، اأو وقع يف فخ ن�شب له، فندم على
على ابن �شهيل يف طلب الن�رشاف، اأن مل ي�رش
وخطر له اأن يرتك �شالمة وين�رشف لول اأن راأى
ذلك قد يثري يف قلب �شديقه ظنة ل داعي اإليه�،
ف�طم�أن لواجبه ومعرفته بنف�شه ثقته وذكر
اإليهم�، وعجب كيف �ش�وره ذلك ال�شطراب.
اإذ �ش�حبه� من اأهداأ فك�نت �شالمة اأم�
وجوم من ذلك مع تخلو ل ك�نت ولكنه� ذاك،
وارتب�ك، وك�ن اللـه وحده يعلم م�ذا ك�ن يجول
يف خ�طره�.
على اأنه� مل ت�شرب على ال�شمت طويال، ولعله�
املواقف هذه مثل يف الأنثى بب�شرية اأدركت
بع�س م� دار يف خلد جلي�شه�، فت�ش�غلت ب�لعود
وجعلت ت�رشب عليه حلن� �ش�مت� لعله لو حفظ
هذه عن واأ�شدقه مو�شيقي تعبري اأجمل لك�ن
احل�لة املعقدة من ح�لت النف�س الإن�ش�نية!
عبد اإىل ونظرت يده� من العود وو�شعت
اآخر ي� عبد الرحمن ق�ئلة: »اأمل ت�شنع يف �شعرا
الرحمن؟«.
�شيء يف اإليه� ب�رشه الرحمن عبد فرفع
�شالمة«. ف�بت�شمت ي� ال�شطراب وق�ل: »ل من
ق�ئلة: »ل اأ�شدقك ي� عبد الرحمن. ل بد اأنك قلت
�شيئ� جديدا«.
بتبدد �شعر وقد – الرحمن عبد فق�ل
»وم�ذا املجل�س: ي�شود ك�ن الذي النقب��س
اأبي ابن عندك ب�ش�عر. ل�شت ب�شعري؟ ت�شنعني
قي�س وابن الأحو�س وعندك والعرجي، ربيعة
الرقي�ت واأولئك الفحول، ف�لتم�شي �شعرهم«.
»ل اجلد: يخ�لطه� بلهجة �شالمة فق�لت
عبد ي� �شعرك اأحب اإين هوؤلء. �شعر يعجبني
التلحني ويلهمني مني يبلغ واأجده الرحمن،
اأبي�تك غنيت »لقد وق�لت: ثم �شحكت الب�رع«.
اأول اأم�س للغري�س ومعبد فلم ي�شدق� اأن التلحني
من عملي، وظن كالهم� اأنه من عمل �ش�حبه«.
ق�ل عبد الرحمن: »م�ذا جتدين ي� �شالمة يف
�شعري؟«.
ف�شمتت �شالمة حلظة ثم ق�لت: »ل اأدري ي�
وت�شتجيب يحركني اأجده ولكنني الرحمن، عبد
اأمل تقل الرحمن له نف�شي.. فب�للـه عليك ي� عبد
عدد 1446 ت�رشين 1 192010
�شيئ� جديدا؟«.
ولكني �شالمة، ي� »بلى الرحمن: عبد فق�ل
لن اأطلعك عليه«.
»ومل ي� عبد الرحمن؟«.
»لأنك نق�شت ميث�قي«.
»نق�شت ميث�قك؟ مع�ذ اللـه ي� بن اأبي عم�ر..
اإن ميث�قك مكتوب يف قلبي ولن اأنق�شه اأبدا«.
»اأمل تن�شدي �شعري ملولك؟«.
»اأم� زلت تعد هذا ذنب� ي� عبد الرحمن؟ ملن
اأن�شده اإن مل اأن�شده ملولي ابن �شهيل؟«.
»واأن�شدتيه اأي�ش� للغري�س وملعبد«.
اللحن يف راأيهم� لأعرف ذلك فعلت »اإمن�
الذي عملته«.
لأحد ول ملولك تن�شديه األ »اأتعدينني
غريه؟«.
متري�س: �شيغة يف ق�ئلة �شالمة ف�أج�بته
»لك عندي م� ت�ش�ء، فه�ت ي� عبد الرحمن«.
قرط��ش� جيبه من الرحمن عبد ف�أخرج
اإليه ردته ثم فيه فنظرت �شالمة، اإىل فدفعه
وق�لت: »اقراأه ي� عبد الرحمن«. فقراأه.
فت�أثرت �شالمة ت�أثرا �شديدا، ولكنه� ح�ولت
الرحمن، عبد يد من القرط��س فجذبت اإخف�ءه
وو�شعته اأم�مه� وطفقت ت�رشب على عوده� –
وهي ن�ظرة يف القرط��س – حلن� �ش�مت� �شجي�
تع�جله بعوده� زالت وم� م�شتقر، غري غ�م�ش�
ف�ملتعت ال�شتقرار، بع�س اللحن ا�شتقر حتى
الرحمن عبد اإىل ونظرت عين�ه�،
�شمة ب�
واأخذت تغني:
عالم �سلبت يا �سالم قلبي؟
الال فعاف �لر�سد و��ستحلى �ل�س
»م�ذا، وق�ل: فرح� الرحمن عبد ف�هتز
اأوجدت اللحن؟«.
ت وا�شتمر نعم، اأن براأ�شه� �شالمة ف�أ�ش�رت
تغني:
التي وقبلك ما عرفت �س�ى �س
ول ينل �له�ى من�سي مناال
ف عقلي �سمعتك فاجت��ين ن�س
اال ل �رت ت ل �رت ا ل فلم
واأخذ ف�شيئ�، �شيئ� ي�شتقر اللحن واأخذ
�شوته� يعلو وهي تقول:
يري �للـه من ب�صي و�سمعي! عذ
فقد كانا على قلبي وباال
دعيني �أ�ستقيلك بع�س لبي
ولب �لرء �أف�سل ما ��ستقاال
وارتفع �شوته� اإىل الأوج عندم� غنت:
ق�ل بذلت نف�سي �أهابك �أن �أ
ول� �أين �أطعت �لقلب قاال
ثم خف�شت �شوته� حتى ا�شمحل يف القرار
وهي تقول:
حياء منك حتى ذ�ب ج�سمي
!32
و�سق علي كتماين وطاال
حجره�، يف يده� من العود وو�شعت
ت�ئهة نظرة الرحمن عبد اإىل وجه ونظرت
فيه� كل مع�ين ال�شت�شالم والغزل، وقد
د خداه� ورب� ج�شمه� ك�أمن� نفخ تور
فيه فزيد ب�شطة. فنظر اإليه� عبد
طرفه�، فخف�شت الرحمن
العود يف واأخذت تقلب
تقول: وهي يده�
اإين عم�ر بن »ي�
اأحبك«.
الرحمن عبد فق�ل
وهو ي�شطرب: »واأن� واللـه ي�
�شالمة اأحبك؟«.
الراأ�س: م�ئلة اإليه تنظر وهي فق�لت
»واأحب اأن اأ�شع فمي على فمك«.
»واأن� الأر�س: اإىل وب�رشه له� فق�ل
واللـه اأحب ذلك«.
منه ودنت �شالمة فق�مت
فم� »اإذن ق�ئلة: بيده واأخذت
املو�شع اإن فواللـه مينعك؟
خل�ل«.
وخيل الرحمن، عبد فذهل
اأنه يرى طيف� يف حلم، وبقي �ش�مت� يدير اإليه
»لي�س �شالمة: فق�لت امل�رشبة اأنح�ء يف طرفه
عندن� من اأحد غريي وغريك!«.
اإليه� ونظر فج�أة، الرحمن عبد ف�نتف�س
نظرة ه�ئلة وق�ل: »اأن�شيت اللـه ي� �شالمة؟«.
يده، عن يده� ورفعت �شالمة ف��شطربت
وك�أن ن�را لذعته�، فرتاجعت اإىل الوراء وعين�ه�
هول اأم�مه� ترى ك�أمن� تف�رق�نه ل الزائغت�ن
تتقيه.
عبد الرحمن يقول: »ل ي� حبيبتي ل، وا�شتمر
وجل عز اللـه �شمعت واإين �شالمة، ي� اأحبك اإين
اإل عدو لبع�س بع�شهم يومئذ الأخالء يقول:
بينن� التي اخللة ت�شري اأن اأكره واأن� املتقني«.
عداوة يوم القي�مة!«.
�شالمة وع�دت ب�لدموع، عين�ه وغ�مت
اإىل مقعده� وم�لت بوجهه� على املتك�أ وطفقت
تبكي؛ ثم رفعت راأ�شه� وق�لت والدموع تت�ش�قط
على خديه�: »معذرة ي� عبد الرحمن. ع�شى اأن ل
.»تكون �ش�خط� علي
البك�ء: يخنقه ب�شوت الرحمن عبد فق�ل
ولكن عنك.. را�س اأن� حبيبتي، ي� واللـه »كال
ا�شربي حتى يجعل اللـه لن� مرج�«.
»وكيف ق�لت: ثم هنيهة �شالمة ف�شمتت
املخرج ي� عبد الرحمن؟«.
فق�ل له�: »ل اأدري واللـه ي� �شالمة«.
فع�دت اإىل �شمته� ثم ق�لت: »ولكنني اأدري
ابن مولي من ت�شتوهبني األ الرحمن.. عبد ي�
�شهيل، ف�إنه واللـه ليحبك، واإنه لكرمي وم� اأح�شبه
بي عليك«.33
ي�شن
لقد �شالمة، ي� »�شدقت الرحمن: عبد ق�ل
منذ اأي�م اأن فعل ابن �شهيل ذلك.. قد عر�س علي
يهبك يل«.
ي� ذلك فعل � »اأحق ق�ئلة: �شالمة ف�بتدرته
بن اأبي عم�ر؟«.
مل ولكنني فعل.. لقد واللـه :اإي له�: فق�ل
اأقبل«.
�ذا مل تقبل؟«. فق�لت بلهجة الع�تب: »ومل
الكرمي يف الرجل اأرزء هذا اأن اأ�ش�أ »لأين مل
ركبته قد واأن �شيق يف اأنه بلغني فقد م�له،
ديون كبرية«.
»وكيف علمت ذلك ي� عبد الرحمن؟«.
»�شمعت الن��س يتحدثون بذلك ي� �شالمة«.
.. حق هذا »اأجل وق�لت: �شالمة فتنهدت
م�شكني مولي! لقد جنى جوده واإ�رشافه عليه«.
اأنه جلواد كرمي.. »اأ�شهد الرحمن: عبد فق�ل
اأن يفتح اإل اأي�مه هذه احلرجة مل ي�ش�أ حتى يف
اره«. ب�به ل�شيوفه وزو
الع�بثني، ال�شعراء »ولإخوانه �شالمة: ق�لت
واملغنني امل�جنني ينفق عليهم بغري ح�ش�ب«.
ف�شكت عبد الرحمن ملي� ثم ق�ل: »اأجل كنت
حتى بق�شوة، عليهم واأحمل القوم هوؤلء األوم
قريب� اأو مثلهم فجعلني مني لهم اللـه انتقم
منهم«.
ل اأنت عم�ر. اأبي بن ي� مثلهم ل�شت »كال
تعبث عبثهم ول ت�أخذ اأخذهم«.
اأح�شن لعلهم بل �شالمة.. ي� اللـه »اأ�شتغفر
ح�ل مني، اإنهم مل يج�ل�شوا عط�ء بن اأبي رب�ح،
ومل يتفقهوا يف الدين مثلي، لعلهم لو فعلوا مل�
وقعوا فيم� وقعت فيه«. ثم اأخذ يقول:
فاهة �أهلها قد كنت �أعذل يف �ل�س
ا تاأتي به �الأيام فاعجب ل
ا علم �إن فالي�م �أعذرهم و�أ
�سبل �لغ��ية و�لهدى �أق�سام
و�شكتت �شالمة برهة ك�أنه� جتيل فكره� يف
الرحمن اأمور �شتى، ثم ق�لت: »قد علمت ي� عبد
حم�لة ل واأنه ال�شيق، من مولي فيه وقع م�
ب�ئعي، واأخ�شى اأن ل اأراك بعد ذلك ول تراين«.
اأن نف�شي حدثتني »لقد الرحمن: عبد فق�ل
اأبي، ف�أ�شرتيك اأبيع م�ل يل ب�لوادي ورثته عن
ي� بهذا اأتر�شني ف�أتزوجك.. ف�أعتقك بثمنه
�شالمة؟«.
ف�أج�بت ق�ئلة: »كيف ل اأر�شى بهذا ي� عبد
الرحمن واأن� را�شية مب� دونه؟ بح�شبي اأن اأكون
راحتك.. على واأعمل بخدمتك، اأقوم ج�ريتك،
ولكن اإذا بعت م�لك فمن اأين تعي�س؟«.
اإىل »�ش�أخرج وق�ل: الرحمن عبد ف�بت�شم
ي� ذلك جربت وقد �شم�ش�را، واأ�شتغل ال�شوق
�شالمة فنجحت فيه«.
عبد ي� »وامل�شجد وق�لت: �شالمة ف�شحكت
الرحمن؟«.
ق�ل له�: »للم�شجد وقت، ولل�شوق وقت، ولك
اأنت ي� �شالمة وقت.. ول�شت ب�أف�شل من اأبي بكر
اأولهم� ك�ن وقد اخلط�ب، بن وعمر ال�شديق
اأبي من لأف�شل واإنهم� دلل.. وث�نيهم� ت�جرا
امل�شجد لزموا الذين ة ف ال�ش اأهل و�ش�ئر هريرة
احلرام ومل ي�شتغلوا ب�لك�شب«.
وك�أمن� القول، لهذا �شالمة نف�س ارت�حت
عبد ي� »عجب� فق�لت: منه ت�شتزيد اأن اأرادت
�شمعت اأم� الراأي؟ هذا ج�ءك اأين من الرحمن،
بهذا من قبل؟«
قبل، من به �شمعت قد »بلى له�: فق�ل
ولكنني مل اأفقهه فلم اأعمل به، واإمن� فقهته بعد
اإذ عرفتك ي� �شالمة وفكرت فيك«.
هو: الز ملكه� وقد دلل يف �شالمة فق�لت
20
عن �رشفتك ب�أين تلمني اأن حق فال »اإذن
اخلري!«.
اإليه� عبد الرحمن يف وداعة و�شف�ء، فنظر
لأح�ر.. واللـه »اإين وهدوء: توؤدة يف له� وق�ل
عن �شالمة ي� اأ�شغلتني اأدري ل واللـه واإين
هو اإرادة وفيك يف وهلل اإليه! هديتني اأم اخلري
عرفتك حتى الزواج يف كنت م� اإين ب�لغه�..
اللـه �شلى اللـه ر�شول تزوج وقد فيه، ففكرت
عليه و�شلم وق�ل: »النك�ح �شنتي، فمن رغب عن
واأقراأ القراآن اأتلو كنت واإين فلي�س مني«. �شنتي
فيه اآي�ت ال�شم�وات والأر�س والنجوم فم� اأهتز
له� كم� اأهتز لآي�ت الوعد والوعيد، حتى عرفتك
يف واأ�شلي ال�شحر يف اأخرج ف�رشت �شالمة ي�
ملكوت يف واأنظر النجوم بجم�ل ع لأمتت العراء
واأق�شو ف�أبغ�شهم �ن ج امل اأرى كنت واإين اللـه.
هوؤلء؟ اللـه يرتك كيف لنف�شي: واأقول عليهم
حتى عرفتك ف�رشت اأرثي لهم واأعلم اأن هلل حكمة
لهدى اللـه �ش�ء »ولو كت�به: يف ق�ل كم� فيهم
الن��س جميع�«.
وك�نت �شالمة �ش�كنة ت�شتمع اإليه يف خ�شوع
و�شكت اللـه. اآي�ت يرتل لق�رئ ت�شغي ك�أنه�
د وق�ل: »ولكن الن��س عبد الرحمن قليال ثم تنه
�شهيل ابن ج�رية و�شغفته
الق�س ف�شق يقولون
.»� حب
ي�ش�وؤون، فق�لت �شالمة: »دعهم يقولون م�
فواللـه ي� بن اأبي عم�ر اإنك لط�هر �شديد املخ�فة
من اللـه«.
ي� »اأجل حزين: ب�شوت الرحمن عبد فق�ل
�شالمة، وهذا �رش �شق�ئي«.
اأخذ ثم طويلة برهة الرحمن عبد و�شمت
يحرك �شفتيه ك�أنه يعد حديث�، فق�لت له �شالمة:
ي� عبد الرحمن؟«.34
»م�ذا جتمجم
ق�ل: »اإنه� اأبي�ت هجمت على خ�طري«.
ق�لت: »اأ�شمعنيه�«.
فو�شع يده على جبينه ك�أنه ي�شتعني بذلك
على ا�شرتج�ع �شيء ن�شيه، واأن�ش�أ يقول:
ه��ك يقارع �لتق�ى بقلبي
فاأ�سهد فيه حربهما �سجاال
ب وهل يف �الأر�س �أ�سقى من حم
يذوب ه�ى وال يرج� ن��ال؟
�أال يا ليت ربي �إذ هد�ين
الال! �إل تق��ه جنبني �ل�س
الحي حني من �س و�إال فلي
قد لقيت به �لنكاال فاإين
نية حي تاأتي �ستاأتيني �ل
وت�سلمني �إل ربي تعال
وما يف �لقلب يا �سالم رج�ى
�س��ك و�أن تك�ين ل حالال
فطربت �شالمة وهبت ق�ئلة: »قيده�.. �ش�آتيك
يده� يف الذي العود ون�ولته والقلم«. ب�لدواة
ق�ئلة: »اأم�شك هذا«. وخرجت من امل�رشبة منطلقة
بب�رشه الرحمن عبد ف�شيعه� الغزال، خفة يف
وهو يقول: »تب�رك اللـه اأح�شن اخل�لقني!«.
واأخذ ينظر اإىل العود ويقلبه يف يده ويقول:
اإىل تهدى � لرمب ال�شيط�ن، مزم�ر ي� لك »ويل
عب�دة الرحمن!.
�لف�سل �لعا�ص
فقد ذاك، يومه بقية الرحمن عبد يهداأ مل
ف�شلى امل�شجد فق�شد �شهيل، ابن دار من خرج
كع�دته القيلولة لين�م بيته اإىل ورجع الظهر،
د، وللتعب لل�شالة ليال القي�م على به� ي�شتعني
ف��شطجع على فرا�شه وتقلب من جنب اإىل جنب،
عينيه عن يحجب ردائه بطرف وجهه و�شرت
حيتني ظلت� ولكنهم� تغفوان، لعلهم� ال�شوء
قلقتني م� تك�دان تفلت�ن من �شيطرة الإغم��س
حتى يرتفع جفن�هم� ف�إذا هم� مفتوحت�ن، فك�أن
ا بخيوط وثيقة اإىل قلبه اخل�فق جفنيهم� قد �شد
امل�شطرب، وفكره اله�ئم يف اأودية الأحالم.
فكر عبد الرحمن فيم� حدث له �شبيحة يومه
اأن جن� ويف موقفه من �شالمة، فحمد اللـه على
له اللـه ال�شيط�ن وكيده، ولول ع�شمة من فتنة
ولطفه به لوقع يف الإثم، فم� ك�ن بينه وبني اأن
يزل اإل اأن يلني قلبه قليال فتطغى عليه �شهوته،
ف�إذا هو من اله�لكني.
احمر وقد تقول وهي �شالمة له ومتثلت
اإين الرحمن عبد »ي� عين�ه�: وفرتت وجهه�
�شالمة ي� واللـه »واأن� هو: له� فيقول اأحبك«.
اأ�شع فمي على اأن »واأ�شتهي له: اأحبك«. فتقول
فمك«. فيقول له� هو: »واأن� اأي�ش� اأ�شتهي ذلك«.
يكرر وجعل نف�شه اإىل الرحمن عبد فث�ب
هذه الكلمة، واأن� اأي�ش� اأ�شتهي ذلك، ويقول: »ويل
اأاإ�شتهيت اأن اأ�شع فمي على فمه�؟ اأاإ�شتهيت يل!
ي� اأنت اأهذا والإثم، الف�شوق اأاإ�شتهيت احلرام؟
عبد الرحمن؟ اأو قد بلغ ال�شيط�ن منك هذا املبلغ
ت�شتهي اإنك فيه� لك حق ل تقول جل�رية حتى
لل�شيط�ن تركت م�ذا فمه�؟ على فمك ت�شع اأن
بعد هذا؟ وم�ذا تخ�شى من الإثم والف�شوق بعده؟
ينفطر ومل منه هذا وقع كيف اللـه، �شبح�ن
اللـه، ومل تبك ط يف جنب قلبه ندم� على م� فر
اأن مير م� دون هذا عين�ه دم�؟ لقد ك�ن ح�شبه
ج�شمه من خوف اللـه، ويخجل بخ�طره ليق�شعر
به وقد نطق لل�شالة، فكيف اأم�مه الوقوف من
اإىل امل�شجد احلرام به بل�ش�نه، وذهب عقب ذلك
ي�أت ك�أن مل م، املحر بيته عند ربه اأم�م ليمثل
اأمرا اإذا؟
ورجع عبد الرحمن اإىل م��شيه، يحن اإىل تلك
الأي�م ال�ش�فية اإذ ك�ن فيه� خ�يل الب�ل را�شي
من ويقوم � مطمئن ين�م الفكر، م�شرتيح النف�س
يذكر امل�شجد نه�ره يف ويق�شي نومه مطمئن�،
العلم، جم�ل�س ي�شهد اأو القراآن يتلو اأو اللـه
معر�ش� عن الدني�، �ش�دق� عن ب�طله� وغروره�،
�ش�لي� همومه�، مبتعدا عن مدارج الفنت وم�ش�لك
الطيب�ت من له يحل م� بع�س ت�رك� الغواية،
العلم�ء له، يج�ل�س يحل فيم� ل يقع اأن خ�شية
وال�ش�حلني، ل يعرف اأرب�ب النعمة والرثاء، ول
حمبي اللـهو والغن�ء، وم� ك�ن يعرف من العود
لهو ي�شغل عن ذكر اأنه اإل اإل ا�شمه، ومن الغن�ء
يليق ل القول من لغو اأنه اإل ال�شعر ومن اللـه،
تقني. ب�مل
اليوم يقعد على � بدا؟ وم� ب�له م فم� عدا
الثمينة، الطن�ف�س على ويط�أ الوثرية، الزرابي
ويجل�س وال�شعر، الغن�ء على �شهيل ابن وين�دم
حم��شنه�، يرى ف�تنة جميلة قينة اإىل عنده
وي�شتمع حلديثه�، وي�شتمتع بغن�ئه� وتطريبه�؟
ب�أن�شه ف�أبدلته ،� حب و�شغفته لبه �شلبت حتى
�، وبفراغه �شغال، وب�ل�شالمة خطرا وفتنة. ي� هم
ليته ك�ن ا�شتمع لن�شح �ش�حبه ال�شيخ اأبي الوف�ء
وعمل براأيه، فقد ك�ن اأعرف منه مبك�من اخلطر
اإذ وم�رجه، ال�شيط�ن ومداخل الغي ومراتع
�س تقواه للتج�رب متكال على ن�شحه اأن ل يعر
�شموده� لهجم�ت الهوى، وثب�ته� يف مع�ر�س
الفتون لعلمه اأن النف�س اأم�رة ب�ل�شوء، واأن مالك
من والفرار ال�رش مواطن عن البتع�د التقوى
يو�شك واأن من ح�م حول احلمى الريبة، اأم�كن
اأن يقع فيه.
الذي ال�ش�لح ال�شيخ هذا خ�لف ولكنه
عن ي�رشفه اأن قوة من اأوتي م� بكل اجتهد
بذلك يبتغي ل ب�خلطر، املحفوف ال�شبيل هذا
الهوى ج�نب واآثر اإليه، ي�شغ فلم له، اخلري اإل
دينه من يجد ب�أنه متعلال التقوى ج�نب على
الزلة، وين�أى به ارتك�ب وفقهه م� يع�شمه عن
راأيه وح�شن ت�رشفه م� ي�شلح الريبة. ومن عن
من اأمره ويخرج به من ورطته، ويجعل من ذلك
ك�أن الث�بت، الزواج اإىل �شبب� الع�ر�س احلب
، اأو ك�أن القين�ت 35
الزواج ل يح�شن اإل ب�لقين�ت
اأ�شلح لذلك من احلرائر، اأو ك�أن الزوجة ل تكمل
فنون وحذقت الرج�ل من�دمة اأح�شنت اإذا اإل
اأجل لقد الغن�ء واأج�دت ال�رشب على املع�زف.
ظلم هو اأب� الوف�ء اإذ جزاه على ن�شحه القطيعة
والهجران وهو يعلم حبه له، واأن�شه به، وافتق�ره
واملر�س، والكرب العجز من تلك ح�له يف اإليه
مهم� انتحل لنف�شه يف ذلك من املع�ذير، وتكلف
تربير موقفه منه ب�أنه اإمن� فعل لرييح ال�شيخ من
عليه الإحل�ح م�شقة ويكفيه فيه، غن�ء ل جدال
ب�لكف عم� ل ي�شتطيع الكف عنه.
وانتقل فكر عبد الرحمن اإىل �شالمة، ومتثله�
مرة اأخرى وهي تدنو منه وتراوده عن نف�شه يف
اأول خلوة جمعتهم� يف غيبة موله� الكرمي الذي
حب امل منزلة نف�شه من واأنزله� اإليه�، اأح�شن
نف�شه: ي�ش�ئل واأخذ عليه�، ث�ئره فث�ر م، املكر
الذي موله� تخون كهذه ج�رية ت�شلح هل
اأح�شن اإليه� هذا الإح�ش�ن كله، اأن تكون زوجة له
ي�أمتنه� على �رشفه يف م�شهده ومغيبه؟ نعم اإنه مل
يزل به� ومل يجبه� اإىل م� دعته اإليه، ف�شلم بذلك
ه�، وجنت من الإثم الكبري، ولكن م� ف�شله� عر�ش
لزلت، فك�أنه� اأج�به� لو اإنه� قد دعته يف هذا؟
بهذا قد زلت. اأم يغفر له� هذا لأنه� ارتكبته معه
ومل ت�أته مع غريه، وهو من دينه وتقواه يف منعة
من الإثم وع�شمة من املنكر. كال اإن هذا ل يغري
من �شلوكه� �شيئ�، ول يجعل من منكره� معروف�.
فح�شبه اأنه اأجنبي عنه� واأنه� دعت هذا الأجنبي
اأنه� اإليه، وح�شبه تدعوه اأن له� يحل اإىل م� ل
له: ويل الرجل. ذلك خ�نت واأنه� لرجل ج�رية
�شبيل هذه اجل�رية ب�ع راحته وطم�أنينته، اأيف
اأ�شب�ب وقطع والأق�ويل، للتهم نف�شه �س وعر
ال�شلة بينه وبني اأ�شح�به ال�شلح�ء؟
ل التحو هذا يت�أمل الرحمن عبد وقف
ال�ش��شع بني م��شيه العظيم يف حي�ته، والفرق
ل اإىل ذلك اليوم وح��رشه، ف�نتهى به هذا الت�أم
الذي فيه ليعود اأب� الوف�ء ف�شمع يف طريقه ذلك
ال�شوت اجلميل من دار ابن �شهيل فملك لبه، فك�ن
ل م� ج�ء بعده من البالء. ثم ع�د ذلك الغن�ء اأ�ش
عبد الرحمن ف�ش�أل نف�شه: »م� ذنبه فيم� حدث؟
�شديق لزي�رة ذهب اأن على يالم اأن احلق اأيف
له ف�شمع يف طريقه �شوت� فتنه ف��شتوقفه على
36
غرة الدار �ش�حب ف�هتبله� منه، ق�شد غري
وا�شطره عليه مذهبه به� وملك اإليه منه� نفذ
اأك�ن يف ك�ن. م� فك�ن منزله اإىل دخول بذلك
و�شعه اأن يهرب من هذا الق�ش�ء الذي حم عليه؟
يع�شم اأمل ك�ن. لقد اإمك�نه ك�ن يف ذلك اأن لو
نف�شه ب�لتقوى مل� راودته �شالمة عن نف�شه؟ اأمل
الهالك على به اأ�رشف حني الهوى فيه� يع�س
الأكرب؟ اأمل يد�س على ال�شهوة التي ك�نت تت�أجج
لأن ذلك فعل اإنه بلى ربه؟ م�فة �شدره يف
� افتت�نه بجم�ل �شوته� ذلك ك�ن فيم� ميلك. اأم
وغرامه به� فك�ن� فيم� ل ميلك، فحر األ يوؤاخذه
اللـه به واأن يتج�وز له عنه.
اأريد اأ�رش بلي به�؟ التي ثم م� هذه املحنة
عدد 1446 ت�رشين 1 212010
خري م��شيه اأن اأحق ر�شدا؟ ربه به اأراد اأم به
من ح��رشه؟ األي�س من اجل�ئز اأن يكون ح��رشه
خريا من م��شيه؟ ليوازن بينهم� يف �شيء لريى
اأيه� الراجح. ك�ن يف م��شيه خ�يل الب�ل را�شي
النف�س م�شرتيح الفكر. فم� خلو الب�ل؟ األي�س معنى
النف�س؟ ر�شى وم� والتعطل؟ اخلواء مع�ين من
هي م� اإىل اإخالدهم� مظ�هر من مظهرا األي�س
فيه من النق�س ووقوفه� عن احلركة الدائبة اإىل
األي�س ق�شوره وعجزه الكم�ل؟ وم� راحة الفكر؟
بح يف عج�ئب اخللق عن اأداء م� خلق له من ال�ش
واآي�ت اخل�لق؟
ك�ن يف م��شيه يخ�شى اللـه ويتقيه، ويبكي
خ�شية عنه ذهبت فهل وقي�مه، �شالته يف
اليوم وقد حفت به األي�شت خ�شيته اللـه وتقواه؟
خ�شيته من اأعظم الدني� له وتربجت ال�شهوات
يخ�شى م� عي�شه متقلب يف يكن مل حني اأم�س
ه الليل وق�م دمعه اإذا اأجن37
اللـه فيه؟ وهل رق�أ
يف �شكونه ين�جي اللـه؟ األي�س بك�وؤه اليوم اأغزر
وحنينه اأرق قلبه ي�رش اأمل اأم�س؟ بك�ئه من
اأ�شدق و�شعوره اأعمق؟
ب�طله� عن � معر�ش الدني� يف زاهدا وك�ن
زهد اأين زهد؟ من زهد اأين ولكن وغروره�،
زهد من ب�آف�ته�، املتمر�س ب�لدني� اخلبري
اجل�هل به� البعيد عنه�؟ هو اليوم يغ�شى ال�شوق
ى وي�شتغل ب�لتج�رة ويتقي اللـه يف ذلك كله، ف�أن
يكون له ف�شل الأم�نة وال�شدق يف املع�ملة لو
مل يقع فيم� وقع فيه؟
فلم والغن�ء اللـهو لأ�شح�ب جم�ل�شته اأم�
رجل �شهيل وابن �شهيل. ب�بن اإل منهم يت�شل
ع�مر ف متعف طربه على ولكنه طروب، �رشي
يتخلف يك�د ل ب�ل�شالة ام قو ب�لإمي�ن، القلب
يوم� عن �شهود اجلم�عة يف امل�شجد. واإذا م� هل
للعب�دة غ وتفر اللـهو عن انقطع رم�ش�ن �شهر
منه الأواخر الع�رش ك�ن اإذا حتى وال�شدقة،
واأحي� نه�ره، بي��س فيه واعتكف امل�شجد لزم
على عطوف بعد وهو وقراآن�. �شالة لي�ليه�
فقراء مكة وذوي احل�جة من اأهله� ينفق عليهم
يف ال�رش اأكرث م� ينفق عليهم عالنية.
هو م� الرحمن عبد به اأغرم الذي والغن�ء
وم� اأثره فيه؟ اأمل يفد منه ترقيق� لقلبه وتلطيف�
يقوم التي اللوعة تلك منه يقتب�س اأمل حل�شه؟
عتقت قد ي�شعر ك�أنه روح به ف�إذا لل�شالة، به�
من رق اجل�شد، وارتفعت عن الأر�س فه�مت يف
عنه ي�أخذ اأمل الأعلى؟ ب�ملالأ وات�شلت ال�شم�ء
تلك الروعة التي يقراأ به� القراآن ف�إذا عوامل من
املعرفة من اأبواب واإذا لقلبه، تتك�شف املع�ين
واإذا الفكر، من واأطي�ف ال�شعور من واألوان
الذي تقوم عليه النظ�م يتلى، واإذا الكون كت�ب
ال�شم�وات والأر�شون حلن اأزيل خ�لد؟
يوازن النحو الرحمن على هذا عبد وا�شتمر
بني ح��رشه وم��شيه فيجد الرجح�ن حل��رشه،
اأو مييل قلبه اإىل ترجيحه في�شدقه عقله، ف�أح�س
ك�أن و�شعر قلبه، يف تنزل بطم�أنينة ذلك عند
ه، وع�د �شيئ� نفي�ش� اأو�شك اأن ي�شيع منه ف��شرتد
لأول راآه� ب��شمة متطلقة كم� �شالمة له خي�ل
وطفقت اأم�نيه، وا�شتيقظت اإليه�، فحن مرة،
اأحالمه ترتاق�س يف عينه!
ر ذنبه� غداة اليوم ف��شم�أز منه� ولكنه تذك
واأ�ش�ح بوجهه عن خي�له�. ولكن خ�طرا يف قلبه
انتدب للدف�ع عنه� دونه من حيث ل ي�شعر هو،
عبد »ي� له: تقول وهي �شورته� عليه فعر�س
قوله�، مبثل هو فيجيبه� اأحبك« اإين الرحمن
فمك« على فمي اأ�شع اأن »واأ�شتهي له: فتقول
فيقول له� مثل م� ق�لت، فتقول له: »م� مينعك
ب�شهود هو فيذكره� خل�ل؟«. املك�ن اإن فواللـه
يف فم�ذا وا�شتغف�را. ندم� وتبكي فتكف اللـه،
من اأعظم فيه ذنبه� يكون اأن احلق اأيف هذا؟
اإذ اإىل هذا املوقف الذي دفعه� األي�س هو ذنبه؟
األهب �شعوره� ب�شعره، واأث�ر ك�من وجده� برقيق
غزله، وفتنه� مب� اأودع يف اأبي�ته من روحه؟
به، له ف�عرتفت اأحبته، ك�نت وقد
ذكره� فلم� له�، وق�ل له وق�لت
رت وندمت على م� ك�ن اللـه تذك
يط�لبه� اأن له اأفيحق منه�.
�شنعته؟ الذي هذا من ب�أكرث
اإنه� كغريه� لي�شت مع�شومة من
ف��شتغفرت. اأذنبت وقد الذنب
غفر اللـه لعل يدري ومن
اإليه دعته فيم� ذنبه� له�
من الإثم، ومل يغفر له ذنبه
وحمله� فتنه� فيم�
�شنعت. م� على
اإذا لنف�شه اأفيغفر
اللـه يغفر مل م�
ذنبه من
مب� ويوؤاخذه�
من اللـه غفر
هذا اإن ذنبه�؟
اإذا لظلم عظيم.
عبد واأف�ق
الرحمن من اأحالمه
�شالة ذكر حني هذه
اأن وقته� الع�رش؛ فنه�س ونظر يف الظل فعرف
قد ح�ن اأو ك�د، فق�م فتو�ش�أ واأخذ زينته وخرج
من بيته يق�شد امل�شجد، وقد اعتزم يف نف�شه اأمرا،
ب�لوادي بيع �شيعته ي�شعى يف اأن م على و�شم
فيقدم ثمنه� لبن �شهيل ليبيع �شالمة، وي�شت�أنيه
اأق�ش�ط� له ليق�شيه الثمن من عليه يبقى فيم�
التج�رة، يف عمله من عليه يعود م� يجمعه�
وابن �شهيل قد عر�س عليه �شالمة ليهبه� له فلن
منه ويقبل الطلب، هذا اإىل يجيبه اأن عليه يعز
هذه الت�شوية على عالته�.
عن اأي�م ب�شعة الرحمن عبد انقطع
�شهيل ك�ن ابن زي�رة
خالله� يف
ا جمتهد
يف
ال�شعي لبيع �شيعته، حتى ذهب اإليه ذات ع�شية،
وك�نت ال�شم�س قد م�لت للغروب، واكت�شت الدني�
حلة ذهبية من الأ�شيل ك�أنه� تقول لعبد الرحمن
وهو يرى لون الذهب يف كل �شيء تقع عينه عليه:
»م� اأقل م� حتمل من هذا يف �رشتك!«.
ا�شتوؤذن مل� فرح� وانطلق �شهيل ابن خف
اأطول راآه� اأي�م غيبة بعد عليه الرحمن لعبد
اأمور كبرية من حقيقته�، مل� حدث له فيه� من
راأى اإن فم� عهدا، وي�شتقبل عهدا يودع جعلته
له عجب ح�را عن�ق� ع�نقه حتى الرحمن عبد
هذا مثل �شديقه من ي�ألف مل اإذ الرحمن عبد
غ�به� التي املدة تكن ومل قبل، من
مثل تقت�شي بحيث الطول من
عند الب�لغة التحية هذه
ي�شعه مل ولكنه اللق�ء،
�شديقه ج�مل اأن اإل
بعن�ق عن�قه فق�بل
22
مثله. ولو اأن ابن �شهيل نظر يف عيني عبد الرحمن
والت�ش�وؤل، ال�شتغراب دلئل فيه� لراأى ذاك اإذ
ولكنه ك�ن من ال�شوق واللـهفة للق�ء عبد الرحمن
م� ملالحظة فر�شة معهم� له تكن مل بحيث
ترتكه حتيته من الأثر يف �شديقه، فقد اندفع يف
�شقيقه بعد غيبة حلت لقي ال�شقيق اندف�ع ذلك
ف�عتنق� عليهم�، يعز ب�أحد ك�رثة اأثن�ئه� يف
انقط�عه ابن �شهيل عن �شبب متوا�شيني! و�ش�أله
عن زي�رته؟
م�شغول »كنت ق�ئال: الرحمن عبد ف�أج�به
الع�تب: �شوؤال �شهيل ابن ف�ش�أله �شهيل«. بن ي�
»اأي �شغل ي� عبد الرحمن؟«. فق�ل له: »بعت م�يل
الذي ورثته عن اأبي ب�لوادي«. فعجب ابن �شهيل
�شيعته بيع على �شديقه حمل م�ذا يفهم ومل
الده�شة: اأخذته وقد فق�ل منه�، يعي�س التي
»بعته؟« فق�ل عبد الرحمن واخلجل يعقد ل�ش�نه:
�رشة اإىل واأ�ش�ر به«. اأتيتك ثمنه وهذا »نعم..
و�شعه� اأم�مه: »فهل لك اأن تبيعني �شالمة ي� بن
�شهيل؟«.
ف�شعر ابن �شهيل ك�أن خنجرا �شك يف �شدره،
تلك يف �شعر فقد الأمل، من نف�شه على فتح�مل
احلجر من به نزلت التي املحنة بعظم اللحظة
على اأمواله، حني راأى عبد الرحمن وقد ب�ع م�له
على اأن يحقق واأت�ه ي�شتعني يف �شالمة فلم يقدر
وق�ل: الهدوء وا�شطنع جتلد ولكنه اأمله؛ له
اإنه� الرحمن؟.. عبد ي� كيف �شالمة؟ »اأبيعك
�نة رم اآل من املدينة من لرجل اأم�س بيعت قد
الرحمن عبد ف�نتف�س غد« ع�شية و�شيت�شلمه�
وق�ل غ��شب� – وك�أنه مل ي�شدق م� �شمع: »اأو قد
فعلته� ي� بن �شهيل؟«.
ف�أج�به ابن �شهيل بلهجة ت�شيل حن�ن� ورقة:
واإمن� عم�ر، اأبي بن ي� بعته� الذي اأن� »ل�شت
ب�عه� عني الق��شي.. لعلك مل تعلم اأنهم حجروا
موا كل م� اأملك، حتى هذا حجر تفلي�س، وقوعلي
ف «. وتوقالق�رش الذي اأ�شكنه، ليق�شم على دائني
لت اإليهم اأن يرتكوا يل هنيهة ثم ق�ل: »ولقد تو�ش
�شالمة، فلم يفعلوا«.
فكره فيه� ذهب حلظة الرحمن عبد فوجم
اأن حتمل و�شعك »األي�س يف ق�ل: ثم كل مذهب.
الق��شي على اأن يبيعه� يل؟«.
فق�ل ابن �شهيل: »ل اأح�شب الرجل املدين ي�
عبد الرحمن يتن�زل عن �شفقته، فهو من ع�ش�ق
ثمنه� ف�أغلى جتيده، ب�أنه� �شمع وقد الغن�ء،
فكم عندك من دين�ر، ت�شعم�ئة فيه� دفع حتى
امل�ل؟«.
خ�ف�س: ب�شوت الرحمن عبد ف�أج�به
»م�ئت�ن وخم�شون دين�را«.
الرحمن عبد ي� ليتك »ي� �شهيل: ابن ق�ل
قبلته� هبة مني حني عر�شته� عليك!«.
ك�ن. ذلك »ليت ق�ئال: الرحمن عبد د فتنه
واللـه م� منعني من قبول ذلك اإل اأنك كرمي، وقد
بلغني اأنك قد وقعت يف �شيق، فلم اأ�ش�أ اأن اأرزاأك
� ف�لق� كبدي، وم� يف م�لك، واللـه اإين لأحبه� حب
منعني اأن اأ�شكو بثي اإليك اإل حي�ئي منك«.
وق�ل: ب�لدمع �شهيل ابن عين� ف�غرورقت
»اإن لهذه اجل�رية نف��شة عندي، وقد راأيت كلفك
على به� اأوؤثرك اأن ف�أحببت بك وكلفه� به�
اأين الرحمن عبد ي� اأكتمك ول نف�شي؛
�شيحجرون اأنه اأ�شعر كنت قد
كنت م� ولكني م�، يوم� علي
�شيم�شي احلجر اأن اأظن
بهذه ال�رشعة، ولو قد علي
علمت ذلك لأعتقت رقبته�
فال يجدون اإليه� �شبيال.«
فبكى عبد الرحمن وق�ل
»م� العربة: تخنقه ب�شوت
اأدري واللـه ي� بن �شهيل اأاأبكي
مل�ش�بي اأم اأبكي مل�ش�بك«.
وقد م�شح �شهيل ابن فق�ل
على تدحرجت كبرية دمعة
وال�شدة: ب�جللد وتظ�هر خده،
الرحمن، عبد ي� عليك »خف�س
ي�رشا. الع�رش من لك اللـه ف�شيعجل
� منك وقد بلوت من هذا �شن اأكرب اإين
�شيء لكل اأن فوجدت بلوت، م� الأمر
نه�ية.. حتى هذا احلب الذي يفلق الكبد،
ويحرق حج�ب القلب، نه�يته ال�شلوان«.
فق�ل عبد الرحمن وقد ظهرت عليه دلئل
حييت، م� اأ�شلوه� لن اأين علمت »لقد العزم:
ولكني �ش�أعت�شم ب�ل�شرب حتى يق�شي اللـه
اأن جتيبني لك ك�ن مفعول. فهل اأمرا
�ش�ء اإن عليك يثقل ل رج�ء اإىل
اللـه؟«.
م� »اطلب �شهيل: ابن ق�ل
�شئت فو اللـه ل اأمنعك �شيئ� اأقدر
عليه!«. فتن�ول عبد الرحمن
ال�رشة فقدمه� ق�ئال: »اقبل
على به� ت�شتعني مني هذه
بع�س �شوؤونك، حتى يجعل اللـه
لك من �شيقك مرج�«.
�شهيل ابن ق�ل
اأم� ح�زمة: بلهجة
الرحمن عبد ي� هذا
فال، اإنك اأحوج اإليه�
مني«.
عنه�، غنى يف اإين �شهيل بن ي� »كال
على يزيد م� ال�شوق يف عملي من اأك�شب ف�إين
ح�جتي«.
»منذ كم عملت يف ال�شوق ي� عبد الرحمن؟«.
»منذ عرفتكم ي� اآل �شهيل«.
ف�بت�شم ابن �شهيل ابت�ش�مة يخلطه� الأ�شى،
عر�شت الرحمن. عبد ي� مني لأكرم اإنك وق�ل
اأن� وقد اأمتنع اأفال عليك بع�س م�يل ف�متنعت،
كل م�لك؟عر�شت علي
فتنهد عبد الرحمن ق�ئال: »اإن الدني� كله� ل
ت�ش�وي �شالمة يف عيني«.
ق�ل ابن �شهيل: »فم� الذي منعك من قبوله�
اإذ عر�شت عليك؟«.
فق�ل عبد الرحمن وك�أمن� اقتطعه� من قلبه:
.»»ال�شقوة التي غلبت علي
فيم� ر يفك ك�أنه حلظة �شهيل ابن �شكت
بن ي� »ل ق�ل: ثم الرحمن عبد عليه عر�شه
منك قب�شته فلو م�لك، عليك اأم�شك عم�ر، اأبي
اأ�شكرك واأعرف ل�شتحقه الدائنون.. وبعد ف�إين
لك ف�شلك«.
وق�ل: الرحمن عبد فت�أوه
»وارحمت�ه لك ي� بن �شهيل!«.
عند وقعه� الكلمة لهذه ك�ن
وغلب رقته له فع�دت �شهيل، ابن
عليه البك�ء وهو يقول: »اللـه يل ولك
اآ�شف م� واللـه اإين الرحمن! عبد ي�
على �شيء ف�تني من هذه الدني� اإل
اأن يف مكة بيوت� لأرامل ويت�مى ل
فم� عليهم، اأنفق كنت لهم ع�ئل
يكون م�ذا واللـه اأدري
ح�لهم بعدي!«.
فق�ل عبد الرحمن:
بن ي� اأكرمك »م�
ينبغي م� �شهيل!
لكرمي مثلك اأن ل
يكون عنده م�ل ينفق
منه!«.
ابن واأحب
اأن �شهيل
عدد 1446 ت�رشين 1 232010
ر وقد �شالمة وتذكر نف�شه، عن الكالم ي�رشف
يف نف�شه اأن عبد الرحمن ك�ن يريد ال�شوؤال عنه�
قبل �شالمة ترى اأن حتب »األ احلي�ء: فمنعه
رحيله� ي� عبد الرحمن؟«.
فخفق قلب عبد الرحمن وق�ل واحلي�ء يعقد
ل�ش�نه: »بلى ي� بن �شهيل«.
مع� لنتغدى ال�شب�ح يف غدا ف�أتن� »اإذا
ونق�شي يوم� �شعيدا«.
وك�أن عبد الرحمن ا�شتبعد هذا املوعد، فهو
اأن يراه� يف تلك ال�ش�عة، ولي�س يف و�شعه يريد
جد بعيد، اأن غدا اإليه الغد، وخيل اإىل اأن ينتظر
اأمور فتحول دون روؤيته� فق�ل: اأن جتد وخ�شي
»�شكرا �شك ي� بن �شهيل، �ش�آتي غدا اإن �ش�ء اللـه،
ولكن اأين �شالمة الآن؟«.
ع لتود ذهبت »اأح�شبه� �شهيل: ابن ف�أج�به
حتى تنتظره� اأن اأحتب ومع�رفه�.. �شواحبه�
تعود؟«.
– نعم له يقول اأن الرحمن عبد ف��شتحي�
فق�ل: املغرب – وتذكر �شالة ذلك بوده وك�ن
»ل ي� بن �شهيل، بل ت�أذن يل ب�لن�رشاف«.
ق�ل ابن �شهيل: »على اأن ت�أتين� غدا«.
ق�ل عبد الرحمن: »اإن �ش�ء اللـه«.
�لف�سل �لادي ع�ص
خرج عبد الرحمن من عند ابن �شهيل فق�شد
ا اإىل امل�شجد ف�شلى املغرب، ثم ط�ف ب�لكعبة تو
م� �ش�ء اللـه اأن يطوف، وهو يف ذلك �ش�رد اللب
ك�أمن� وتذهب، اخلواطر به جتيء احل�س ذاهل
عب�به، يتالطم 38
ي جل بحر يف منه� األقي قد
ترفعه كبد، يف منه� فهو اأمواجه، وت�شطخب
يقومون الن��س ويرى اأخرى، به وتهبط موجة
ويقعدون ويطوفون وي�شلون وك�أنه يرى اأخيلة
حوله، من ت�شطرب واأ�شب�ح� اأم�مه، ترتاق�س
يعرف يك�د ول فينكره� وجوههم ويت�شفح
ج�شمه �س فيتلم نف�شه اإىل ويعود وجه�. فيه�
اأحي اأن يتبني ك�أنه ي�شك يف موقفه ذاك ويريد
مع بعث قد ميت اأم الأحي�ء، بني ي�شطرب هو
الأموات يف يوم احل�ش�ب!.
ن�شي عبد الرحمن يف ذلك املوقف كل �شيء،
و�شك يف كل �شيء، و�شعر ب�خلوف وال�شتيح��س
اإىل الع�مل هذا من خرج � فك�أمن �شيء، كل من
ع�مل جديد ل �شلة له به، ول عهد له به من قبل.
اأهذا هو امل�شجد احلرام الذي ك�ن يغ�ش�ه �شب�ح
التي الكعبة هي اأهذه نف�شه؟ عقل منذ م�ش�ء
ي�شلي اإليه� ويطوف به� ويدعو اأم�مه� مرارا كل
به لق الذي عم�ر اأبي بن الرحمن عبد اأهو يوم؟
؟ اأيف يقظة هو اأم ن�ئم تتالعب
اأهل مكة ب�لق�س
التي يحمله� اإىل ال�رشة براأ�شه الأحالم؟ وينظر
ويحتفظ يحمله� ومل�ذا هي م� يدري فال معه
به�؛ وي�شمع اأذان الع�ش�ء فال يعي منه اإل م� يعيه
املجهد من حديث القوم قد غلبه النع��س بينهم!
و�شلى الق�ئمني مع فق�م ال�شالة واأقيمت
مع امل�شلني، ثم خرج من امل�شجد مع اخل�رجني،
وحملته قدم�ه من حيث ل ي�شعر اإىل حيث انتهى
اإىل ب�ب داره، ففتح الب�ب ثم اأغلقه عليه، و�شعد
اإىل غرفته ورمى بنف�شه على فرا�شه فوقع جنبه
ف�أح�س يده، يف يحمله� ك�ن التي ال�رشة على
عن يبحث فجعل غمرته، من اأيقظه �شديد ب�أمل
اإليه� ونظر فرفعه� ال�رشة فوجد الأمل م�شدر
� فتذكر! ملي
ب�عه�، ومل ب�عه� وكيف ال�شيعة تذكر
منه� ويئ�س عليه عزت وكيف �شالمة وتذكر
وك�ن يراه� اإىل اأم�س القريب اأمال �شهل التحقيق
وعطفه �شهيل ابن بكرم لوثوقه املبتغى داين
عليه وحبه مل�ش�عدته. ولكن ويح ابن �شهيل! لقد
حجر عليه ب�لتفلي�س وبيعت اأمالكه واأمواله ومل
يبقوا حتى على ق�رشه الذي يقيم فيه وج�ريته
الوا�شع الرثاء ذلك بعد ف�أ�شبح يوؤثره�، التي
لل�شيوف املن�شوبة واملوائد ال�ش�بغة، والنعمة
واملج�ل�س الع�مرة ب�لأن�س والغن�ء والندم�ء من
املغنني وال�شعراء، فقريا ل ميلك اأن ي�شعد �شديق�
عزيزا عليه. اأو ينفق على اأهل بيت اأخنى الزم�ن
39عليهم!
ر عبد الرحمن �شديقه ابن �شهيل وخفوفه تذك
�شفر من ي�شتقبله ك�أنه فرح� للق�ئه الع�شية
طويل، فعرف الآن مل�ذا ع�نقه ذلك العن�ق احل�ر
يفهم هو م� التي مل الب�لغة التحية تلك وحي�ه
دع�ه اإليه�، فلم يزد على اأن ا�شطنع حتية مثله�
وتكلفه� جم�ملة له. ولو قد علم مب� ك�ن يعتلج
يف �شدره عند لق�ئه ذاك، واأنه ك�ن يعلن بذلك
الإ�شع�د واملوا�ش�ة، مل� وقف �شكواه وي�شتجديه
يع�نقه ولندفع د؛ والرتد ب التعج موقف منه
بكل قوة وحرارة.
تلك يذرف وهو �شديقه �شورة وا�شتع�د
، اليوم قط التي مل يجد به� قبل الغ�لية الدموع
ال�شديق هذا اأن ذكر اإذ �شدره، يف الأ�شى فحز
املرة يف بكى واإمن� نف�شه مل�ش�ب يبك مل
الأوىل مل�ش�ب عبد الرحمن حني �شك� اإليه كلفه
الث�نية لأولئك الأرامل ب�شالمة، وبكى يف املرة
فال عليهم وينفق يعولهم ك�ن الذين واليت�مى
يدري م�ذا يكون ح�لهم بعده. فعجب من �شرب
ف�شعر واأثرته، هو جزعه ومن واإيث�ره، �شديقه
ب�شديقه اإعج�ب� وازداد لنف�شه، �شديد ب�حتق�ر
واإكب�را ملك�نه.
والتفت ذهنه اإىل موعد الغد فخفق قلبه لذكر
للق�ئه�، يتهي�أ ك�أنه فرا�شه ونه�س عن �شالمة،
وذه�ب� جيئة الغرفة اأرك�ن بني يخطر وطفق
ك�أنه ي�شتبطئ الغد ويريد اأن يقطع الزمن احل�ئل
غدا يراه� لن اإنه �شالمة. روؤية وبني بينه بعد
ل رمب� روؤية اآخر فهذه قبل، يراه� ك�ن كم�
اآخر الغد اأيكون قلبه! ي� ويح اأبدا. يراه� بعده�
هذا ر يت�شو اأن اأعظم م� ي�للـه؟ ب�شالمة؟ عهد
ي�شلو وجهه� اجلميل؟ وكيف واأ�شده عليه! كيف
العذب؟ �شم�ع �شوته� احلرم�ن من ي�شرب على
اأيق�شي بقية حي�ته ل ينعم فيه� بنظر ول يحظى
منه� ب�شم�ع؟
بعد، غدا �شرياه� ب�أنه نف�شه في�شلي ويعود
ويجل�س اإليه� وي�شمع �شوته�، وهذه نعمة ل تقدر
بثمن ول يقوم به� �شكر. اأمل يكن ج�ئزا اأن يغيب
يومه ذاك ويوم� اآخر عن ابن �شهيل فال ي�أتي اإليه
اإل بعد رحيل �شالمة فال يودعه� ول يراه� اأبدا؟
اأنه بخري بعد، واأن ر هذا ليوقن اأن يت�شو ح�شبه
اإىل نه�يته�. ومن يدري م�ذا م�شيبته مل ت�شل
�ش�، فرمب� ي�أتي به الغد، واإن يف يوم واحد ملتنف
الي�ئ�س اإىل الأمل يرد م� ال�شوؤون من فيه تعن
والفرج اإىل املكروب؛ ثم م�ذا يحمله على الي�أ�س
من �شالمة، حتى بعد رحيله� اإىل املدينة؟ األي�س
اللـه ق�درا على اأن يحقق اأمله فيه� يف يوم من
اللـه يفتح عليه الأي�م ب�شبب من الأ�شب�ب؟ لعل
اأبواب رزقه، ويي�رش له الغنى من ك�شبه، فيبت�عه�
من موله� اجلديد مب� ير�شيه من امل�ل.
الأمل يف نف�س الب�شي�س من وم� ملع هذه
عبد الرحمن حتى احتفل له وعني به، وم� زال به
يغذوه ويف�شح له حتى من� فمالأ ب�ل�شي�ء جوانب
ة يف التنفي�س نف�شه. واأح�س عند ذلك برغبة ملح
عن ذات �شدره، وارت�ح لقول ال�شعر فق�شى حين�
م� منه وير�شى ده، ويت�شي يع�جله الليل من
خالل يف وهو يحذف، م� منه ويحذف ير�شى
والنقب��س والرج�ء، الي�أ�س بني ي�شطرب ذلك
امل��شي، اإىل احل��رش من وينتقل والرتي�ح،
بينهم� وبني د اإىل احل��رش، يرتد ومن امل��شي
يف وحين� نف�شه يف حين� ويفكر امل�شتقبل،
�شالمة وحين� يف �شديقه ابن �شهيل، ولكن خي�ل
�شالمة ك�ن ي�شيطر على فكره يف ذلك كله..
مل ينم عبد الرحمن ليلته هذه بل و�شل �شهده
ده، وبكى يف قي�مه لل�شالة م� �ش�ء اللـه اأن بتهج
يبكي؛ ودع� اللـه م� ط�ب له من الدع�ء، ومكث
كذلك حتى �ش�ح املوؤذن ب�لفجر.
عبد ك�ن حتى النه�ر ي�شحى يكد ومل
�شهيل، ابن دار يف اخلوان اإىل ج�ل�ش� الرحمن
الطع�م اأ�شن�ف فيه� امل�ئدة عليه ب�شطت وقد
�شهيل عن ميينه و�شالمة ابن والف�كهة. وجل�س
عبد عيني يف ب�دي� ال�شهر اأثر وك�ن اأم�مهم�.
لب�شت وقد متعب. اأنه عليه يبد مل واإن الرحمن
�شحوب� وجهه� يف ولكن ثي�به� اأح�شن �شالمة
فتورا حرك�ته� ويف �شقم، من 40
نقهت ك�أمن�
ل وهي به، الن�شيط املرح اجل�شم لذلك عهد ل
ل ك�أنه� م�ش�رقة اإل الرحمن عبد لوجه تنظر
اآي�ت الأ�شى الب�دية عليه. ومل تقوى على قراءة
يعد لبت�ش�مته� اإذا هي ابت�شمت – ذلك الإ�رشاق
الف�ئ�س ك�أنه ذوب من النور يتفجر! حتى احلي
واء، فك�أنهم� الرونق والر نونت�ه� ف�رقهم� ذلك
ال�شيف حر لفحهم� اجلبل اأعلى يف نقرت�ن
�شهيل ابن اأم� ال�شم! ال�ش�يف م�وؤهم� فجف
ب�لب�رش، وجه� واأطفحهم الثالثة، اأمرح فك�ن
ك�أن الأي�م مل تغري له ح�ل، ومل تنل منه من�ل،
وك�أنه م� زال يف غن�ه ونعمته، فهو يقبل على
ويب��شطه، ل�شيفه ويقدمه طيبة، بنف�س الطع�م
وي�ش�حك ج�ريته ومي�زحه�، وهو يف ذلك كله
ير�شل نف�شه على �شجيته� بحيث ل ي�شعر جلي�ش�ه
اأنه ي�شطنع ذلك اأو يتكلفه، ولول م� ي�ش�ورهم�
� لظن الأمل، من �شدرهم� يف ويحز احلزن من
اأي�مه من يوم يف �شهيل ابن مبجل�س اأنف�شهم�
ال�ش�لفة.
�شهيل ابن فق�ل الطع�م من وانتهوا
تكون اأن »اأخ�شى يبت�شم: وهو ترفع وال�شح�ف
امل�ئدة دون م� يقت�شيه توديع �شالمة و�شي�فة
عبد الرحمن!«.
بن ي� اللـه »يرحمك الرحمن: عبد فق�ل
اأن تتكلف كل هذا، ف�أقل من �شهيل، م� ك�ن لك
هذا ك�ن يغني«.
الرحمن، عبد ي� ب�أ�س »ل �شهيل: ابن فق�ل
اإين األب�س لكل ح�لة لبو�شه�، ولل�رشورة اأحك�م«.
وق�لت: م�شفقة نظرة �شالمة اإليه فنظرت
ك�نت لقد مولي. ي� ب�خلري يديك اللـه »مالأ
موائدك م�رشب املثل يف مكة!«.
والبت�ش�مة ق�ئال �شهيل ابن ف�أج�به�
ب�قية يف ثغره: »نعم ك�نت كذلك ي� �شالمة. اأم�
اليوم ف�إين مل اأ�شتطع اأن اأعد م�ئدة تليق بتوديع
.»ج�ريتي الأثرية عندي، الكرمية علي
ن عليك ي� مولي. �شتعود ق�لت �شالمة: »هو
اأي�مك كم� ك�نت اإن �ش�ء اللـه«.
»اأجل رمب� تعود. ولكنك لن تعودي اإلين� ي�
�شالمة!«.
»ل تقل هذا ي� مولي. فمن يدري لعل اللـه
اأن يعيدين اإليك«.
وق�ل: هذا �شم�ع عند الرحمن عبد فتحرك
»واللـه لأجتهدن يف الك�شب حتى ن�شتعيدك اإلين�
24
من ي�شتهون م� �نة رم اآل ونعطي �شالمة، ي�
امل�ل!«.
فق�ل ابن �شهيل: »اإن هذا اآخر جمل�س لن� معك
، والتح�رش ب�لأ�شى �شفوه ر نكد فال �شالمة، ي�
فه�ت عودك واأطربين� ب�رك اللـه فيك«.
من الدموع مت�شح وهي �شالمة فق�مت
عينيه�، وذهبت حت�رش عوده�، فلم� ع�دت غنت
لهم� اأغ�ين �شتى معظمه� من �شعر عبد الرحمن،
فك�ن� رمب� �ش�ح� من الطرب، ورمب� بكي�، ورمب�
لن اأنهم� ل�شعورهم� الأبي�ت بع�س ا�شتع�داه�
ي�شمع�ه� بعد ذلك اليوم من فم �شالمة!.
ويف خالل ذلك اأخرج عبد الرحمن �شحيفة
ي� �شهيل فق�ل: »م� هذا ابن من جيبه. فلمحه�
عبد الرحمن؟ لعلك قلت �شعرا جديدا«.
ق�ل: »نعم. �شنعته الب�رحة«.
»اأرنيه�«. ق�ئال: يده �شهيل ابن اإليه فمد
فن�وله عبد الرحمن ال�شحيفة فنظر فيه� ف�بت�شم
ق�ئال: »هذا جميل واللـه«.
م� يف ت�شتطلعه ك�أنه� �شالمة اإليه ونظرت
عبد ق�له جديد �شعر »اأهذا وق�لت: ال�شحيفة
الرحمن؟«.
وفيك »نعم. �ش�حك�: �شهيل ابن ف�أج�به�
اأي�ش� ي� �شالمة«.
يل تقراأه »األ وق�لت: �رشورا وجهه� فتهلل
ي� مولي؟«.
عبد ي� اأنت تقراأه »بل �شهيل: ابن ق�ل
الرحمن«.
فلم ميتنع عبد الرحمن واأخذ ال�شحيفة فقراأ.
؟ �أال قل لهذ� �لقلب هل �أنت مب�ص
؟ وهل �أنت عن �سالمة �لي�م مق�ص
ارت بها �لن�ى �أال ليت �أين حي �س
جلي�س ل�سلمى كلما رن مزهر!
ا بلغت لطيبة فيا ر�كبا �إم
ن�ر ك و�ديها �الأغر �ل م و�س
ية عا�سق فخذ رب�ة و�قر�أ ت
له يف مغانيها من �الأن�س ج�ؤذر
�أق�ل لقلبي كلما ز�د خفقه
ر؟ �إالم يعنيك �الأ�سى و�لتذك
اح �لقلب هبني �حتملته ! ف�س ب ت�س
؟ ب ب فما يجدي علي �لت�س ب�س
خذ� �لز�د يا عيني من ن�ر وجهها
فما لكما فيه �س�ى �لي�م منظر!
يد ط�ل تلفت غد� تتعبان �جل
ر تفج دمع �ل فيعيى ويطغى �ل
بيبة نظرة تريد�ن يف وجه �ل
41�د و�أغ�ر! ومن دون مث��ها ن
ومل يكد عبد الرحمن يتم الأبي�ت حتى �ش�ل
�شهيل، ابن لبك�ئه فبكى ن�شيجه، وعال دمعه
ورمت �شالمة عوده� وجل�شت تنتحب.
وك�أمن� ه، واأحر البك�ء اأ�شدق الثالثة وبكى
البك�ء هذا اإىل بح�جة الأمر اأول من ك�نوا
جون به عن كربهم احلبي�س ولوعتهم الدفينة، يفر
م� ويك�مته بع�ش� بع�شهم يداري ظلوا ولكنهم
اإ�شف�ق� على يف �شدره، وي�شطنع اجللد وال�شرب
احلق 42
بهم�، حتى ح�شح�س �ش�حبيه ورحمة
�رشائرهم اإىل ال�شعر نفذ حني املكتوم، وظهر
بع�شه� الغط�ء، واأرى ال�شرت وك�شف فهتك عنه�
حقيقة بع�س وق�ل له�:
جمعه� التي املكلومة النفو�س »اأيته�
امل�ش�ب، هذا اأوان بك�ئك ف�جتمعي عليه!«.
ابن – الثالثة اأجلد يكون اأن عجب� وك�ن
رق�أ من واآخر بك�ء، حينئذ اأ�شدهم – �شهيل
وهو اأجزعهم يكون واأن ن�شيجه، وانقطع دمعه
يوا�شي واأن�ش�أ دمعه نهنه من اأول الرحمن عبد
عن وانقطع� تعزي� حتى وي�شليهم� �ش�حبيه
البك�ء.
»ال ل�شالمة: ق�ل فيم� الرحمن عبد ق�ل
�شالمة ف�أج�بته حلن�؟«. الأبي�ت لهذه تعملني
وهي تكفكف دمعه� ق�ئلة: »�ش�أعمل له� ي� عبد
الرحمن، �ش�أعمل له�«.
ي� ن�شمعه لن »ولكن� �شهيل: ابن فق�ل
من الق�دمني اأحد به علين� يرد اأن اإل �شالمة..
قبل املدينة«.
يقدمون املدينة اأهل »اأترى �شالمة: ق�لت
ب�أغ�ين وعندهم اأغ�ين جميلة؟«.
فق�ل ابن �شهيل: »وم� يدريك ي� �شالمة؟ لعلك
حني تلقني جميلة وت�أخذين عنه� فنه�، تفوقني
عليه� فتكونني كبرية مغني�ت املدينة!«.
ذكرت حني �شالمة وجه يف ال�رشور فبدا
عنه� فت�أخذ قريب عم� جميلة �شتلقى اأنه�
الغن�ء، ولكنه� ع�دت فتذكرت اأن ل حق له� يف
�شهيل ابن يبعده� عن موله� ب�شيء تبتهج اأن
هذا اأن تخفي الرحمن، ف�جتهدت وحبيبه� عبد
منذ فيه ك�نت م� وت�شطنع الط�رئ ال�رشور
ال�ش�عة من الأ�شى.
اجل�رية بخلد دار م� �شهيل ابن يفت ومل
ي ي� �شالمة من اأمل الفراق فق�ل له�: »اإنك لن حت�ش
التي ط�مل� اإىل طيبة لأنك �شرتحلني ه. م� نح�ش
اإليه�، و�شرتين العقيق اجلميل وت�شهدين ا�شتقت
تلقي اأن وح�شبك املمتع، الغن�ء جم�ل�س به
ون�زعتك بغن�ئه�، اأعجبت ط�مل� التي جميلة
ي� كذلك األي�س عنه�. والأخذ روؤيته� اإىل نف�شك
�شالمة؟«.
لو وود الرحمن عبد القول هذا يرق ومل
ا�شتط�ع تكذيبه، ك�أنه ينكر على �شالمة اأن جتد
مل ولكنه املدينة، يف عنهم� به تت�شلى م� له�
يجد م� يقوله يف ذلك فلزم ال�شمت.
اأم� �شالمة فقد �شعرت بخطئه� فيم� بدا منه�
من ال�رشور يف موقف ل يجدر به� ذلك فيه؛ فم�
للغن�ء وكلفه� توؤثر حمبته� اأن له� ك�ن ينبغي
الكرمي. موله� عند البق�ء حب على ب�إج�دته
ل التي 43
نحيزته� عن �ش�درا ذلك ك�ن ولئن
اأن جتتهد يف كتم�نه الأقل تق�وم، فعليه� على
فال ينم وجهه� عنه يف مثل هذا املوقف. ولهذا
اأن مولي ي� اللـه »مع�ذ ق�ئلة: موله� اأج�بت
يكون فيم� ذكرت م� يخفف عني اأمل فراقكم. اإمن�
كنت اأحب اأن اأرى املدينة واأهله� واأن� يف ميينك
ي� مولي!«.
فيم� ال�شدق كل �ش�دقة �شالمة تكن ومل
عليه� ط�غية الفنية الرغبة ك�نت فقد ق�لت،
طغي�ن� قد ت�شفق منه على بع�س م� يعز عليه�
من اآم�ل قلبه�، وتخ�شى اأن ين�شيه� اأعز م� ت�شونه
من عواطف احلب نحو عبد الرحمن ولالأي�م التي
ق�شته� يف املدينة بني دار اأبي الوف�ء ودار ابن
واإن وهي للغن�ء، خلقت اأنه� ت�شعر فهي �شهل،
اأحبت عبد الرحمن، وهذا م� ل ريب فيه، ولكن
اأك�نت توؤثر حبه على فنه�، اأم توؤثر فنه� عليه؟
يف اليوم الت�يل ج�ء ابن رم�نة، لي�شطحب
�شالمة اإىل املدينة، اأم� ابن �شهيل وابن اأبن عم�ر
ع� �شالمة على الطريق املوؤدي اإىل املدينة فقد ود
فقد قلب�هم� � اأم بج�شميهم�، مكة اإىل ورجع�
رحال مع الركب.
�لف�سل �لثاين ع�ص
ق�رش واحتواه� املدينة �شالمة قدمت
منزل عنده فنزلت رم�نة، ابن اجلديد موله�
ك�ن اأنه ذلك وعن�ية. بر كل منه ولقيت كرمي�
عدد 1446 ت�رشين 1 252010
فلم� فيه، ونبوغه� الغن�ء �شمع مبك�نه� يف قد
فرح� به� ففرح �شمع، م� فوق وجده� باله�
عظيم� واأجله� وعرف له� قدره�، واأعلى منزلته�
بني غريه� من جواريه الكرث. وعلق عليه� الآم�ل
الكب�ر.
ال�شب�ب. �شن ج�وز رجل هذا �نة رم وابن
املدينة بني د يرتد ت�جرا الأوىل �شنيه ق�شى
وال�ش�م حتى جمع له من ذلك ثروة ل ب�أ�س به�.
وك�ن يف خالل ذلك مولع� ب�لغن�ء والعزف، وقد
ا�شتغل بهم� حتى برع فيهم�. وك�ن م� �ش�عده
على ذلك ح�شن �شوته، وخفة يده، وقوة عزمه،
ه حبه للك�شب اإىل اأن وجلده على العمل. وقد جر
يتخذ من ب�رشه ب�لغن�ء �شبب� من اأ�شب�ب التج�رة،
ف�أخذ يبت�ع اجلواري ب�أثم�ن رخي�شة فيعلمهن
الغن�ء، حتى اإذا برعن فيه ب�عهن ب�أثم�ن كبرية،
فربح من عمله هذا مبلغ� كبريا من امل�ل اأغراه
جت�رته لذلك فهجر له، والتفرغ فيه ب�لتو�شع
اأك�شبه طول املران خربة ب�جلواري الأوىل. وقد
مهن فيعرف اأيهن اأ�شلح للغن�ء واأرجى اأن يتو�ش
يتقدمن فيه، فك�نت له نظرة �ش�ئبة قلم� تخونه
جواريه ببع�س ي�شتعني وك�ن ال�ش�أن. هذا يف
الالئي قد تقدمن يف الغن�ء وبرعن فيه فيعلمن
بعد فك�ن عمله، تقدم حتى اجلدد اجلواري
املغنني ببع�س تعليمهن يف ا�شتع�ن رمب� ذلك
كبرية، اأجورا ذلك على لهم وجعل واملغني�ت
ول�شيم� حني يتو�شم يف بع�س جواريه ا�شتعدادا
كبريا للنبوغ.
املدينة يف الأوىل اأي�مه� �شالمة ق�شت
ابن الكرمي موله� عند خلفته مبكة، وقلبه�
�شهيل، وحبيبه� عبد الرحمن بن اأبي عم�ر: فقد
ظلت تذكرهم� ليل نه�ر، وتت�شور ابن �شهيل وقد
ل معدم� فقريا واأ�شبح ثروته، وفقد ح�له، رق
الوا�شع الغنى ذلك بعد ي�شكنه� دارا حتى ميلك
والنعيم الكبري، وتتمثل عبد الرحمن وقد برح به
الوجد، واأ�شن�ه ال�شقم، ومل يجد اإىل العزاء �شبيال.
تذكر هذا كله ف�إذا قلبه� ينفطر من احلزن، واإذا
د يف ال�شم�ء، فال �شدره� �شيق حرج ك�أمن� ي�شع
جتد اأم�مه� ملج�أ اإليه اإل الدموع.
فيه هي م� اجلديد �شيده� على يخف ومل
ال�شدة، وك�ن قد علم من الكرب وم� تع�نيه من
ا�شتف��شت اإذ به، وغرامه�
الق�س مع بحديثه�
املدينة، اإىل بع�شه� انتهى حتى مبكة اأخب�ره
اأن يع�مله� ب�لرفق، وي�أخذه� فراأى من احلكمة
ذلك من منه� يبدو عم� ويتغ��شى ب�حل�شنى،
حتى ت�شلوه من ذات نف�شه� مبرور الأي�م.
الثمرة احلكيمة ال�شي��شة هذه اأثمرت وقد
كم� ال�شلوان، على �شالمة �ش�عدت اإذ املطلوبة،
القدمي حبه� من ا�شتيقظ م� ذلك على �ش�عده�
مغ�ين راأت فقد فيه، 44
ب�لتربيز وكلفه� للغن�ء،
العقيق التي ط�مل� هف� قلبه� اإليه�، وع��شت يف
جو يختلف عن جو مكة بح�شنه واعتداله، وبني
ودم�ثتهم برقتهم مكة اأهل عن يختلفون قوم
وتقديرهم به، وولعهم ب�لغن�ء، واحتف�ئهم
لأقط�به ونوابغه.
يف وك�أن للغن�ء، خلقت قد �شالمة وك�أمن�
اأعم�ق نف�شه� �شوت� يحدوه� دائم� للنبوغ فيه،
وي�شوقه� اإىل بلوغ اأعلى درج�ته من الكم�ل. وقد
تنزل به� اأحداث الدهر، وتلم به� �شواغل احلي�ة،
فتخفت هذا ال�شوت يف �شمريه� حين� من الزمن
� كم� ك�ن، ل يلبث بعد انق�ش�ع الغمة اأن يعود حي
الظروف هذه من تبلغ وقد ك�ن، م� اأقوى اأو
– اأنه� واملحن، واتخذ لنف�شه منه� زادا ووقودا
ولكن فيه، ريب الرحمن، هذا حق ل عبد اأحبت
اأك�نت توؤثر حبه على فنه�، اأم توؤثر فنه� عليه؟
�ش�نت م� لعله� يدري ومن لل�شك، مو�شع هذا
عبد الرحمن واأعزته، واأولته ج�نب الرع�ية، حب
فيه لأنه� وجدت اإل واأحالمه�، ب�آم�له� وغذته
اأح�ش�ئه�.. يف ال�رشه اجلنني لهذا � �شهي غذاء
! جنني الفن
فم� بقدره�، الن��س اأعرف �شالمة وك�نت
ك�ن الغرور ليجد �شبيال اإىل نف�شه� فيعميه� عن
لت�شده�، كم� النق�س تبني م� فيه� من موا�شع
يف الطمع عن لي�رشفه� يكن مل توا�شعه� اأن
مق�م يوؤهله� له ا�شتعداده� العظيم. من اأجل هذا
م� ك�دت ت�شكن اإىل موله� اجلديد حتى اقرتحت
ب عليه اأن يبعثه� اإىل جميلة لت�أخذ عنه�، وتتدر
على يديه�، ف�ش�دف هذا القرتاح هوى يف نف�شه.
بفنه�، ويعجب جميلة يعرف �نة رم ابن وك�ن
بغن�ئه� ي�شتمتع جمل�شه� اإىل اختلف وط�مل�
كرثة ذلك وبني بينه فح�لت عمله، ات�شع حتى
العهد، به� ليجدد �شنحت فر�شة وهذه اأ�شغ�له.
ويزوره� يف منزله� مع �شالمة ج�ريته.
به فرحت حتى �شحى عليه� ا�شت�أذن وم�
من عدد يديه� وبني ج�ل�شة وك�نت له، واأذنت
اجلواري ب�أعوادهن تدربهن على الغن�ء، فنه�شت
له وا�شتقبلته ا�شتقب�ل ح�شن�.
ق�ل له� ابن رم�نة: »كيف اأنت ي� جميلة؟«.
فق�لت: »بنعمة اللـه ي� بن رم�نة.. واأين اأنت
فلم نرك منذ زم�ن؟«.
ق�ل له�: »م�ش�غل الأي�م ي� جميلة �رشفتن�
عن جم�ل�شك املمتعة«.
ونظرت اإىل �شالمة فق�لت لبن رم�نة: »اأهال
بك ومبن معك.. من هذه التي جئت به�؟«.
التي �شالمة ق�ئال: »هذه ج�ريتي ف�أج�به�
ا�شرتيته� حديث� من مكة.. جئت به� اإليك لت�أخذ
عنك فنون الغن�ء«.
ثم �شالمة وجه يف تت�أمل جميلة فجعلت
؟«.
ق�لت: »اأهذه �شالمة الق�س
ف��شطربت �شالمة وبدا الت�أثر على وجهه�،
�شالمة هي »اأجل ق�ئال: رم�نة ابن وابت�شم
الق�س«.
ظفرت لقد عليك.. »مب�ركة جميلة: فق�لت
بجوهرة!«.
ف�ش�أله� ابن رم�نة: »هل كنت عرفته�؟«.
اأحل�نه� بع�س �شمعت »لقد ق�ئلة: ف�أج�بته
.» ف�أعجبتني، وم� اأح�شبه� بح�جة بعد اإيل
فق�لت �شالمة وقد ت�رشج خداه� خجال: »كال
ي� مولتي اإين بعد بح�جة اإليك، ومن ذا ي�شتغني
عنك وم� تعلمت الغن�ء اإل من اأحل�نك«.
ق�ل ابن رم�نة: »اإنه� تلميذتك وهي �شديدة
الإعج�ب بك، وم� ي�رشه� �شيء يف املدينة كم�
ي�رشه� اأن تراك وتتلقى عنك«.
اإنه� »اأجل الزهو: ملكه� وقد فق�لت جميلة
�شيئ� اإليه� ت�شيف ولكنه� طريقتي، على ت�شري
م�شتقبال له� ع اأتوق اأين على غريي. مذهب من
عظيم� يف هذه ال�شنعة«.
فيه�، راأيه� ح�شن على �شالمة ف�شكرته�
فق�لت جميلة وهي ت�شحك: »اإنك لن تقيمي عندن�
طويال حتى تتخطفك ق�شور اأمية ب�ل�ش�م«.
�شالمة، عند �شديد وقع الكلمة لهذه وك�ن
دفنته� قدمية اأمنية منه� غرة على اأث�رت اإذ
رت وتذك بهزة طرب، ف�شعرت نف�شه�، الأي�م يف
يف نف�س الوقت حبه� لعبد الرحمن، واأن ق�شور
اأمية �شتحول بينه وبينه� اإىل الأبد، فريعت لهذا
بجوار اأريد ل مولتي، ي� »ل فق�لت: اخل�طر
ر�شول اللـه بدل«.
ف�بت�شم ابن رم�نة ق�ئال: »اإنه� توؤثر البق�ء
عندي. األي�س كذلك ي� �شالمة؟«.
ق�لت �شالمة: »بلى ي� مولي«.
فق�لت جميلة: »م� اأرى يزيد بن عبد امللك اإل
ك اإىل قي�نه يف ق�رشه«. �ش�م
ل واللـه »ل ق�ئال: �نة رم ابن ف�بتدره�
اأبيعه� له اأبدا«.
ف�شحكت جميلة �شحكة ذات معنى، ونظرت
م� رم�نة! ابن ي� »هيه ق�ئلة: رم�نة ابن اإىل
اأح�شبك زاهدا يف ذهب اآل مروان!«.
جميلة اإىل تختلف ذلك بعد �شالمة اأخذت
ت�أخذ عنه� اأ�شول الغن�ء يف مدر�شته�، ف�أحبته�
جميلة واأكربته� مل� راأت فيه� من املوهبة الفنية
العظيمة، واآثرته� ب�لعن�ية على تلميذاته� الأخر؛
بقدرته�، وثقت حتى طويل زمن مي�س ومل
التي الأحل�ن بع�س بتعليمهن اإليه� وعهدت
اأج�دته�، فك�نت �شالمة تقوم بذلك خري القي�م.
ولكن ظهوره� عليهن يف هذه املدة الوجيزة،
يف اأث�را لهن رئي�شة اإي�ه� جميلة واختي�ر
اأنف�شهن ح�شدا له� وغرية منه�، ف�أخذن يوؤذينه�
ب�أح�ديث بينهن ويتندرن عليه�، ويتغ�مزن
تعر�س حبه� للق�س وغرامه� به. فك�نت �شالمة
وجدا ذلك فيزيدهن عليهن، ع وترتف عنهن
عليه�.
كثرية اجلم�ل رائعة ج�رية فيهن وك�نت
الدل �شليطة الل�ش�ن تدعى حب�بة، ك�نت ترتاأ�شهن
�شق زع�مته� فقدت فلم� �شالمة، جميء قبل
كرب وتولت من�ه�شته� يف فجدت عليه�، ذلك
بدم�مة �شالمة حين� تعري به�، فك�نت الئتم�ر
مبخ�لفته� وت�رة ال�شوت، بقبح وحين� الوجه،
لأ�شول الغن�ء، وكثريا م� ت�شمع من �شالمة ميال
اأ�شله فت�أخذ يف حلن من الأحل�ن وخروج� عن
وت�شت�شهد جميلة، اإىل اأمره وترفع ذلك، عليه�
زميالته� على ذلك في�شهدن له� فبوؤن من جميلة
بخيبة امل�شعى و�شوء الرد، اإذ تقول لهن: اإن ذلك
دليل على تفوق �شالمة ونزعته� اإىل البتك�ر.
وجل�شت جميلة ذات يوم تلقنهن حلن� جديدا
فق�لت ذلك، على كداأبه� قبلهن �شالمة فحذقت
لتلميذاته�: »لكن الآن اأن ت�أخذن هذا ال�شوت عن
�شالمة«.
�شيدتي فقد ي� اليوم اإحداهن: »لي�س فق�لت
تعبن�«.
ف�ش�قت جميلة ذرع� بهن وق�لت: »اآه منكن!
العمل! على ت�شربن ول مغني�ت تكن اأن تردن
كله الليل اأقطع رمب� فكنت �شنكن يف كنت لقد
ب على حلن واحد لأحذقه«.اأتدر
فق�لت ج�رية اأخرى: »غدا ن�أخذه عنه�«.
»م� وق�لت: مغ�شبة جميلة اإليه� فنظرت
. فيكن مواليكن رج�ء اأخيب وم� ! بكن اأ�شق�ين
ان�رشفن اإذا �شئنت!«.
�شن وخف مق�عدهن يف اجلواري ثبتت
ثم جميلة، غ�شب من اأ�شفقن ك�أمن� روؤو�شهن
طفقن ينظر بع�شهن اإىل بع�س، تنظر كل واحدة
منهن اأخته� لتقوم قبله�.
ونظرت جميلة اإىل �شالمة وق�لت وقد �شكت
التدريب، واأبينت ك�شلنت اإذ »اأم� الغ�شب: عنه�
ف�جل�شن قليال لن�شمع اإىل �شالمة«.
�شالمة ي� »غنين� ق�ئلة: ل�شالمة وابت�شمت
ف�إنه� القلب(، لهذا )األ قل اأبي عم�ر ابن اأبي�ت
تعجبني ومل اأ�شمعه� منك منذ زمن«.
فق�لت �شالمة: »اأعفيني ي� �شيدتي«.
»بحي�تي ق�ئلة: جميلة عليه� ت ف�أحل
26
عليك اإل م� غنيته� يل« فلم جتد �شالمة بدا من
متث�قلة ف�أخذت عوده� �ش�ألت، م� اإىل اإج�بته�
ك�أمن� تدفع لذلك دفع�، وظلت برهة واجمة تنظر
عنه�، غ�ب �شيئ� ت�شرتجع ك�أنه� عوده� اإىل
اأ�شفقت حتى جبينه� من 45
يرف�س العرق واأخذ
عليه� جميلة وك�دت تعفيه� م� �ش�ألت، لول اأن
رفعت �شالمة راأ�شه� وقد ا�شتن�ر وجهه� وبرقت
عين�ه�، وطفقت تداعب عوده� وتغني:
�أال قل لهذ� �لقلب هل �أنت مب�ص؟
وهل �أنت عن �سالمة �لي�م مق�ص
حتى اإذا بلغت قوله:
خذ� �لز�د يا عيني من ن�ر وجهها
فما لكما فيه �س�ى �لي�م منظر
خنقه� الن�شيج فلم ت�شتطع اإمت�م ال�شوت.
فعز ذلك على جميلة، وك�نت قد ا�شتد طربه�
وط�رت روحه� يف �شم�ء الأحالم، فق�لت: »م�لك
ي يف غن�ئك، فو اللـه اإنه لغن�ء ي� �شالمة؟ ا�شتمر
م� �شمعت مثله«.
فق�لت �شالمة: »ل اأ�شتطيع ي� خ�لة«. وظلت
تغ�لب عربته� ك�أنه� تتقي �شم�تة حوا�شده� به�
حتى اأعجزه� ذلك، ف�نفجرت ب�كية.
ف�شكتت جميلة م�شفقة، واأخذ بع�س اجلواري
اأخذن ك�أمن� بع�شهن ووجم ، بينهن يتغ�مزن
بروعة املوقف ف��شتح�ل ح�شدهن ل�شالمة عطف�
عليه�.
اقرتبت وقد جميلة ق�لت ثم ثوان ت ومر
»اأاإىل هذا احلد حتبينه ي� الب�كية: من تلميذته�
اأن تقتلي اإن الرج�ل لأهون من �شالمة؟ ويحك!
من لأوهى عهدهم واإن اأ�شف� اآث�رهم يف نف�شك
بيت العنكبوت«.
طرفه� اإليه� رفعت وقد �شالمة فق�لت
الغ�رق يف الدمع: »اإل ابن اأبي عم�ر، فو اللـه ي�
د اأنف��شه من حرقة الوجد فك�أمن� خ�لة اإنه لي�شع
ي�شك قلبي ك�أن
ف�أح�س فلذة، فلذة كبده يلفظ
ب�خلن�جر!«.
ق�لت جميلة: »اإنك م� تعرفني ي� بنية خداع
الرج�ل ومكرهم«.
فق�لت �شالمة وقد كفكفت دمعه�: »لي�س ابن
ك�لطفل، بريء اإنه خداع. ول مب�كر عم�ر اأبي
لك!«. ك�لعذراء، ط�هر ك�ملحيي
احلنو يخ�لطه� ابت�ش�مة جميلة ف�بت�شمت
ف�شت�شلينه هذا، عنك »دعي ق�ئلة: وال�شفقة
ق�رش ك ي�شم عندم� به يت�شل م� كل وتن�شني
ر�شله يف يبعث اأنه بلغني فقد بدم�شق، اخلليفة
�رشائك من مولك«.
فريعت �شالمة لذكر اخلليفة وق�لت: »�شيكون
ذلك اأ�شقى حل�يل، واأتع�س حلظي، اإذ يزيد �شقة م�
بينن� بعدا. ولن يقدر عبد الرحمن بن اأبي عم�ر اأن
ي�شرتيني بعد ذلك. م�شكني عبد الرحمن! اإنه يقتل
ا يف ك�شب امل�ل ليقدر على �رشائي«. نف�شه كد
فق�لت جميلة يف لهجة فيه� �شيء من ال�شدة:
ويحك ي� جمنونة، اأتف�شلني اأن تقيمي عند رجل
فقري يقربك يف ك�رش بيت يف مكة، على اأن تعي�شي
عند اخلليفة يف ق�رش عظيم وملك كبري؟«.
للقول، ز تتحف ذلك اأثن�ء يف حب�بة وك�نت
يف ثغرة تنتظر م�ش�س على �شكتت واإمن�
اإليه� انتهى قد وك�ن اإليه�، منه� تنفذ احلديث
ر�شله فبعث وغن�ئه� بجم�له� �شمع اخلليفة اأن
يف طلبه� وكثريا م� ذكرت ذلك ل�شواحبه� مدلة
تعلن زهده� يف �شالمة �شمعت اإن فم� معجبة،
هذا الأمر الكبري لديه� حتى راأت الفر�شة �ش�نحة
واللـه »هذا تخ�طبه�: فق�لت عليه�. لالعرتا�س
ني الذي ي�شم اليوم اأن� فيكون اأم� جنون منك..
فيه ق�رش اخلليفة بدم�شق اأ�شعد اأي�م حي�تي، واإين
اأن ت�شمع هذا �شالمة الأي�م«. وعز على له لأعد
القول من حب�بة يف مثل هذا املوقف، فق�لت له�
ب�زدراء: »ذلك اأ�شبه بك ي� حب�بة!«.
ف��شت�ش�ظت حب�بة غ�شب� وق�لت: »م� تعنني
بهذا! اأتريدينني اأن اأكون متكلفة مثلك، ت�شدعني
�ر هذا ك�أن لي�س يف الدني� الروؤو�س ب�بن اأبي عم
رجل مثله!«.
فق�لت �شالمة وقد تهي�أت ملن�واأته� ومق�بلة
حتى هذا تقويل اأن لك »لي�س مبثله: عدوانه�
يحبك رجل ك�بن اأبي عم�ر«.
»اأف لك. فو اللـه اإن وجهي لأجمل من وجهك
�شوتك من لأعذب �شوتي واإن ال�ش�حب، هذا
املبحوح«.
»اأت�شكتني �شربه�: نفد وقد �شالمة فق�لت
اأو...«.
�شالمة ي� م�ذا »اأو ق�ئلة: حب�بة فب�درته�
الق�س؟«.
ق�لت �شالمة: »اأو األطمك!«.
تتحداه�: وق�لت خده� حب�بة له� ف�أدارت
اأبي ابن واأخزى اللـه اأخزاك األطمي، »هي�
عم�رك!«.
ح�لت جميلة ولكن بلطمه�، �شالمة ت فهم
بينه� وبني ذلك وق�لت: »ل ي� �شالمة ل تفعلي«.
تقول: وهي مغ�شبة حب�بة اإىل والتفتت
اأحت�شبني حب�بة؟ ي� �شالمة تزعجني »اأهكذا
طول الغن�ء تعلمت لو واللـه منه�؟ خريا نف�شك
عمرك م� بلغت مبلغه�«.
فق�لت حب�بة: »اإنه� هي التي �شبتني«.
الب�دئة.. كنت »ولكنك جميلة: له� ق�لت
اأي�ش�؟ طلبك يف بعث اخلليفة اأن هذه ي� ك اأغر
واللـه لن تفلحي هن�ك اإل اإذا ك�نت �شالمة بقربك
تر�شدك يف �شن�عتك«.
فق�لت �شالمة: »واللـه ل اأعلمه� ول اأر�شده�
بعد اليوم«.
له�: وتقول ترت�ش�ه� جميلة ف�أخذت
اأن�«. اأجلي من �شالمة ي� اأختك عن تعفني »بل
اأنت«. اإليه� »اعتذري ق�ئلة: ب�بة حل واأ�ش�رت
فلم ي�شع حب�بة اإل اأن ق�لت ل�شالمة: »معذرة ي�
اأختي. واللـه ل اأ�شمعك م� تكرهني اأبدا«.
�لف�سل �لثالث ع�ص
ب�بن الأي�م اإىل مكة لرنى م�ذا فعلت لنعد
ع� �شالمة ورجع� �ر بعد اإذ ود �شهيل وابن اأبي عم
قلب�هم� فقد رحال مع اأم� اإىل مكة بج�شميهم�،
الركب.
رجع� اإىل مكة لي�شتقبل اأحدهم� حي�ة الفقر
بعد الغنى، وال�شدة بعد الرخ�ء، وال�شق�ء بعد ذاك
وي�أ�س، كله� وجد اأي�م� الآخر وليق�شي النعيم،
ولي�يل كله� �شهد ودمع! لقد جمعهم� يف ظ�هر
الأمر م�ش�ب واحد وهو فراق تلك املخلوقة التي
اأ�شد اختالف اأن�شهم� يف احلي�ة، ولكن م� ك�نت
اأثر هذا امل�ش�ب يف هذين القلبني، اأم� ابن �شهيل
46
فقد �شغله هم غريه عن هم نف�شه، فجعل وكده
وتعليله وت�شليته الرحمن عبد �ش�حبه تعزية
اإىل اطم�أن م� و�رشع�ن والأحالم، ب�لأم�ين
مريره ك�أمن� مل تنزل 47
حي�ته اجلديدة وا�شتمراأ
به نكبة فقد فيه� كل م� ملكت يده، ولول م� يقلق
ب�له م� يرى من اأثره� يف �شديقه عبد الرحمن
قه اأحي�ن� الذي يبكي بني يديه ك�لطفل، وم� يوؤر
يف هداأة الليل حني يذكر اأرامل ويت�مى و�شيوخ�
عجزة ك�ن ينفق عليهم مبكة فال يدري م� ح�لهم
حتت �شت�ر ذاك الظالم، لك�ن موقفه من م�شيبته
موقف احل�مل يرى يف نومه ك�أن م�شيبة عظيمة
نزلت به، في�شتيقظ مرعوب� فال يرى �شيئ� فيحمد
اللـه على اأنه� مل تكن اإل يف املن�م!
ف�شله ه هم ا�شتغرقه فقد الرحمن عبد واأم�
يف وانح�رش حوله، عم� واأذهله �شواه، عم�
انطالق ل �شيق �شجن يف منه� فع��س نف�شه،
له منه، ف�شعر ك�أنه يعي�س غريب� يف هذه الدني�
الدني� عنده رحلت عنه، وكذلك �شالمة هي لأن
املراأة عن حب اخللق، اأحدهم� �شيق يختلف حب
متلوؤه الأثرة، والآخر وا�شع يعمره الإيث�ر.
الزمن من فرتة بعد ال�شديق�ن تعزى
واندملت جراحهم� الدامية، ف�إن لالأي�م يدا مت�شح
اإىل قلب عبد اأن له� يدا جترح، وع�د الأمل كم�
اإىل الف�شل يف هذا يرجع الرحمن، وك�ن معظم
ابن �شهيل فقد ا�شتط�ع اأن يفي�س من عزائه على
�شلبي� عزاء الأمر اأول يف وك�ن �شديقه، قلب
املحب ال�ش�ب قلب يف �ش�ر اأن لبث م� ولكنه
عزاء اإيج�بي�، ثم �ش�ر اأمال ثم حتول الأمل عزم�،
ل العزم اإىل عمل. ثم حتو
قبل من ال�شوق الرحمن عبد عرف لقد
اإىل يعود ل فلم فربح، فيه ب�ل�شم�رشة وا�شتغل
م� امل�ل من يجمع حتى فيه ويجتهد عمله
�شالمة؟ له فيبيع رم�نة ابن يغوي اأن ي�شتطيع
ي�شتغل ل فلم ب�عه� التي ال�شيعة ثمن عنده
ي�شرتك ل ومل وب�لك�شب؟ وي�شتثمره� ب�لتج�رة
مع ابن �شهيل يف هذا العمل؟
ومل يعرف ابن �شهيل ال�شفق يف الأ�شواق من
ب�لتج�رة عهد؛ فقد ولد ويف له ي�شبق قبل. ومل
فك�أمن� الي�ش�ر، بحبوحة يف ون�ش�أ النعمة مهد
خلق يف الدني� لينفق ل ليك�شب. ومل يكن ن�دم�
على م� اأ�ش�ع من الدني� فقد ك�ن يراه� عر�ش�
فلم مقبلة، ك�نت اإذ منه� لب�نته فق�شى زائال،
ب�بة اأدبرت. وقد بقيت له �ش ي�أ�شف عليه� حني
بقية ق�نع� به� يعي�س اأن ي�شتطيع امل�ل من
حي�ته، فعالم يكدح ويتعب يف الأ�شواق ويتكلف
ر �شديقه ال�ش�ب من ذلك م� ل يح�شنه؟ ولكنه تذك
ه ل�شالمة واأمله يف قربه�، فعز عليه ال�ش�لح وحب
فال اأمله اإىل الو�شول يف مل�ش�عدته يدعوه اأن
يعينه بكل م� يقدر عليه.
عم�ر اأبي وابن �شهيل ابن الن��س وراأى
مر فرمب� فيه، وي�شطرب�ن ال�شوق يف يعمالن
بهم� من ك�ن يعرفهم� منهم ف�شبح اللـه وعجب
من تقلب الأي�م.
اجل�د العمل يف ق�شي�ه ون�شف ع�م ومر
لهم� يب�شم واحد اأمل فيه يحدوهم� املتوا�شل
يف وجه �شالمة! وك�ن� كثريا م� جل�ش� من الليل
امل��شية الأي�م ذكري�ت وي�شتعيدان يت�ش�مران
ويفرتق�ن حين�، وي�أ�شي�ن حين�، في�شحك�ن
على العزم مل�ش�عفة اجله�د وموا�شلة العمل.
وك�ن� يف خالل ذلك يت�شقط�ن اأنب�ء �شالمة
م� ويتلقي�ن املدينة، من عليهم� الواردين من
يوم� ين�شي� ومل اأغ�نيه�. من الركب�ن به ت�شري
حمبي من وك�ن املدينة من واردا فيه لقي�
الغن�ء، ف�أن�شدهم� اللحن الذي �شنعته �شالمة يف
اأبي عم�ر »األ قل لهذا القلب«، فك�ذا اأبي�ت ابن
من طرب يذوب�ن!
وب�رك اللـه يف جت�رتهم� فجمع� من امل�ل
م� ح�شب�ه ك�في� لإر�ش�ء ابن رم�نة، فعقدا العزم
على ال�شفر اإىل املدينة؛ وم� هي اإل اأي�م حتى روؤي�
يف ركب جمد ي�رشب يف 48
يخفق�ن على ذلولني
مير ل الرحمن عبد وك�ن طيبة! نحو ال�شحراء
عدد 1446 ت�رشين 1 272010
برابية اأو م�ء اأو حلة من احللل اأو علم من اأعالم
الطريق اإل خفق قلبه، وق�ل يف نف�شه: »لقد راأت
هذا عين� �شالمة!«.
واإذ مل يبق دون املدينة اإل يوم واحد اعتزل
الركب وانفردا عنه بذلوليهم� ي�شتعجالن الطريق.
دمعهم� ميلك� فلم املدينة مع�مل لهم� ولحت
عليه الر�شول ذكري�ت فيهم� وا�شتيقظت فرح�.
ال�شالة وال�شالم واأ�شح�به، وجه�دهم يف �شبيل
اللـه حتى ظهر دينه على الدين كله.
واأقبل اأحد يتهلل! فتهلل قلب�هم� له؛ وروى
وال�شالم ال�شالة عليه قوله ل�شديقه �شهيل ابن
ه!«. ن� ونحب يف اأحد: »هذا جبل يحب
ف�أخذت عبد الرحمن �شورة من الطرب ك�أنه مل
ي�شمع هذا احلديث اإل تلك ال�ش�عة من ابن �شهيل،
وم� ك�ن الأمر كذلك، واإمن� اأث�ر احلديث �ش�عتئذ
يف نف�س عبد الرحمن �شيئ� مل يكن يثريه من قبل
عبد �شعر فقد بجديد. ولي�س عليه جديدا فخ�له
ك�أن ال�ش�عة تلك يف اأحدا لي�س الرحمن
يتنف�س ، ولكنه ملوق حي جبال من �شخر اأ�شم
وي�شعر... ويحب!.
ونظر �شالمة، فذكر احلب الرحمن عبد ذكر
ف�حت�شنه! ا�شتط�ع لو فود احلبيب اجلبل اإىل
قلبه وع�ه� املع�ين من ب�شور نف�شه وج��شت
ول�ش�نه. هذا جبل يحنو على عنه� عقله وق�رش
املدينة ويرع�ه� ك�أن اللـه اأق�مه ليحر�شه�، ويف
املدينة حممد حبيب اللـه وحبيب امل�شلمني، ويف
املدينة �شخ�س اآخر يحب عبد الرحمن ويحبه عبد
الرحمن... »في� اأيه� اجلبل احل�ين على املدينة م�
اأحن�ك علين�! وم� اأحبن� اإليك واأحبك اإلين�!!«.
النخيل بني مهل على ي�شريان واأخذا
على ك�مل�شفقني املدينة، �ش�حية يف والزروع
يق�رش اأن والظل امل�ء بني الوادع الطريق ذلك
اأمده، اأو ك�ملتهيبني داخل مدينة الر�شول.
قلب�هم� خفق الدي�ر على اأ�رشف� اإذا حتى
ونظر كالهم� اإىل الآخر ك�أنه يقول له: »ه� نحن
اأولء قد و�شلن�«.
املدينة! اأجمل »م� �شهيل: ابن ق�ل
له� ب�ش��شة
اإن الق�دم اإليه� ليح�س
واأن�ش�«.
عم�ر: اأبي ابن فق�ل
»�شدقت ي� بن �شهيل، ولكني
ل اأدري مل�ذا اأراه� اليوم اآن�س
م� كنت اأراه� من قبل«.
ف�بت�شم ابن �شهيل وق�ل
له: »األأن فيه� �شالمة؟«.
الرحمن عبد ف�شكت
هنيهة ثم اأ�ش�ر اإىل اجل�نب
وق�ل: املدينة من الغربي
هذا من نف�شه� اأجد »اإين
اجل�نب!«.
�شهيل: ابن ق�ل
»اأب�رش ي� عبد الرحمن
ف�شرناه� قريب�«.
يقول: الرحمن عبد ف�ندفع
اإلين� اأتعود �شعري ليت »وافرحت�ه!
يبيعه� اأن موله� اأير�شى �شالمة؟
لن�؟«.
فق�ل ابن �شهيل:
مل ل؟ نحن ع�ر�شون
الذي امل�ل �شعف عليه
بلغني وقد به؟ من� ا�شرتاه�
اأن ي�شرتي اأن من داأب هذا الرجل
اإذا الغن�ء حتى اجلواري فيعلمهن
برعن فيه ب�عهن ب�أثم�ن كبرية«.
ودخال ب�ب املدينة واأخذا يجولن
يف �شوارعه� حتى وقف� على دار ابن اأبي عتيق،
فنزل عن ذلوليهم� وا�شت�أذن� عليه، فخرج لهم�
�شهيل ابن راأى اإن الهيئة، فم� رجل كهل ح�شن
بن ي� »اأهال ق�ئال: يع�نقه اإليه اندفع حتى
�ش�فح ثم الكرمي!«. ب�ل�شديق مرحب� �شهيل،
عبد الرحمن وق�ل لبن �شهيل: »من هذا ال�رشيف
الذي معك؟«. فق�ل ابن �شهيل: »هذا �شديقي عبد
�ر«. الرحمن بن اأبي عم
اأهال بك وبه.. ؟..
اأبي عتيق: »الق�س ق�ل ابن
هي� بن� اإىل املنزل«.
فق�ل ابن �شهيل: »م� نريد اأن نثقل عليك ي�
بن اأبي عتيق«.
اإل تنزلن ل واللـه »ل اأبي عتيق: ابن ق�ل
عندي«.
ق�ل ابن �شهيل: »�شكرا ي� بن اأبي عتيق.. األ
تدلن� على دار ابن رم�نة«.
تري� اأن تريدان »لعلكم� عتيق: ابن ق�ل
�شالمة؟«.
ق�ل ابن �شهيل: »هو ذاك«.
مع� نذهب »اإذن عتيق: اأبي ابن فق�ل
ل�شم�عه� يف جمل�شه� بعد الع�رش«.
ندع مل »ولكن� ق�ئال: �شهيل ابن ف�عرت�س
اإىل هذا املجل�س فلن نح�رشه«.
يح�رشه جمل�س »اإنه عتيق: اأبي ابن فق�ل
من �ش�ء من اأهل املدينة بغري دعوة«.
ق�ل ابن �شهيل: »كيف ذاك؟«.
ف�أج�به ابن اأبي عتيق ق�ئال: »اإن ابن رم�نة
رجل ت�جر يحب امل�ل، فهو يعقد جل�ريته جمل�ش�
اأمره�، لي�شتهر ي�ش�ء من يح�رشه اأ�شبوع كل
فيبيعه� ملن يغلي له الثمن«.
هذا، �شم�ع عند الرحمن عبد قلب فخفق
اأن ق�ل: »اإذن اأ�ش�رير وجهه ومل يتم�لك وبرقت
فهو يريد بيعه�؟«.
.. وهذا اأ�شلوبه يف ق�ل ابن اأبي عتيق: »ل �شك
التج�رة..«.
�شهيل ق�ئال: »ك�أين بك جئت ابن اإىل ونظر
ت�شرتجعه� ي� بن �شهيل«.
ق�ل ابن �شهيل: »ذلك م� جئن� من اأجله«.
فعز هذا على ابن اأبي عتيق، اإذ ك�ن قد �شمع
اأن ل اآثر مب� بعث اخلليفة ل�رشاء �شالمة، ولكنه
يف�جئ �شديقه بهذا النب�أ، واأن يرتكه حتى يعلم
ذلك بنف�شه من ابن رم�نة؛ فق�ل: »اأم� واللـه اإنه�
جلوهرة ل ت�شلح اإل لك«.
اإليه الآن لنكلمه ق�ل ابن �شهيل: »ال نذهب
يف �ش�أنه�؟«.
حتى الآن.. »لي�س عتيق: اأبي ابن ق�ل
ك�ن ف�إذا ال�شفر، غب�ر عنكم� وتزيال ت�شرتيح�
الع�رش �شهدمت� جمل�شه� فق�بلتم� ابن رم�نة«.
ق�ل ابن �شهيل: »ولكن ل نريد اأن يعرفن� اأحد
يف املجل�س«.
ذلك ف�عتمدا ق�ل ابن اأبي عتيق: »لكم� علي
.»علي
ب�إدخ�ل غلم�نه عتيق اأبي ابن واأمر
بهم� ودخل براحلتيهم�، والعن�ية خرجيهم�
وا�شرتاح�، الظهر و�شلي� عنده، فتغدي� املنزل،
حتى اإذا ك�ن الع�رش اغت�شال وخرج� مع ابن اأبي
ثم خرجوا ف�شهدوا اجلم�عة، امل�شجد، اإىل عتيق
يق�شدون دار ابن رم�نة.
به� حتيط كبرية دار ف�إذا عليه� واأ�رشفوا
�ء، واإذا فن�ء وا�شع حتت الدار قد ن�شب حديقة غن
منه ج�نب يف يجل�س كثيف حج�ب و�شطه يف
ج�ل، ويف اجل�نب الآخر الن�ش�ء ي�أتني اإليه من الر
. ب�ب خ��س بهن
ك�نت �شالمة ق�عدة على كر�شي مو�شوع بني
وعليه� والن�ش�ء، الرج�ل يراه� بحيث اجل�نبني
عليه� ت�شع من�شدة واأم�مه� لزوردية، حلة
اأفواج� دخلوا قد الن��س وك�ن وال�رشاب. العود
فقعدوا على الأر�س املفرو�شة ب�لطن�ف�س، وغ�س
املك�ن ب�حل��رشين ول�شيم� ج�نب الرج�ل.
وبداأت �شالمة تع�لج عوده� وت�شد م� ارتخى
من اأوت�ره.
وجل�شت ج�ءت لأخرى تقول امراأة وك�نت
بج�نبه�: »اأهال بك ي� ع�فية. م� ج�ء بك؟ اإين مل
اأرك هن� قبل اليوم«.
»ل �ش�كية: بلهجة �ش�حبته� ف�أج�بته�
ت�شليني ي� خديجة.. ج�ء بي هن� م� ج�ء بك.. لقد
اأت�شلى اأخرى وهجرين، فجئت امراأة بعلي ج تزو
بغن�ء �شالمة!«.
فق�لت املراأة الأوىل: »اأيهجرك بعد ذلك احلب
كله؟«.
دت �ش�حبته� وق�لت: »هذه ق�شمتي ي� فتنه
خديجة«.
�ش�حبه يكلم احل��رشين من رجل وك�ن
ويقول له: »حق� واللـه اإن �شالمة لنعمة من اللـه
على اأهل طيبة.. اإنه� ت�شلي همومهم واأحزانهم«.
لن�.. لقد فق�ل له �ش�حبه: »لكنه� لن تدوم
ج�وؤوا قد امللك عبد بن يزيد ر�شل اأن بلغني
ل�رشائه� من ابن رم�نة«.
ق اللـه م� تقول«. فق�ل الرجل: »ل حق
بع�س من ذلك �شمعت »اإين �ش�حبه: ق�ل
الرج�ل الذين لهم �شلة وثيقة ب�بن رم�نة«.
وك�نت �شالمة قد بداأت تغني، ف�شكت الن��س
ك�أمن� على روؤو�شهم الطري ي�شتمعون اإليه� وهي
تقول:
28
�أال قل لهذ� �لقلب هل �أنت مب�ص
وهل �أنت عن �سالمة �لي�م مق�ص
ارت بها �لن�ى �أال ليت �أين حي �س
جلي�س ل�سلمى كلما عج مزهر
ودخل ابن عتيق و�ش�حب�ه يف تلك اللحظة
الن��س، وذلك عندم� ك�نت اأخري�ت فجل�شوا يف
�شالمة تقول:
ا بلغت لطيبة فيا ر�كبا �إم
ن�ر ك و�ديها �الأغر �ل م و�س
ية عا�سق فخذ رب�ة و�قر�أ ت
له يف مغانيها من �الأن�س ج�ؤذر
فهم�س ابن �شهيل لعبد الرحمن ق�ئال: »اإنه�
.»
اأبي�ته� ي� ق�س
فق�ل عبد الرحمن: »ب�أبي هي واأمي!«.
»اإنه� ق�ئال: عتيق اأبي ابن اإليهم� ف�أ�رش
اأحب وهي دائم�، تغنيه� الأبي�ت بهذه مولعة
اأغ�نيه� اإىل اأهل املدينة«.
ت �شالمة وقد خ�لط �شوته� البك�ء: وغن
�أق�ل لقلبي كلما ز�د خفقه
ر؟ �إالم يعنيك �الأ�سى و�لتذك
اح �لقلب هبني �حتملته ! ف�س ب ت�س
؟ ب ب فما يجدي علي �لت�س ب�س
من النحيب وتع�ىل يبكني الن�ش�ء فطفق
ج�نبهن.
يغ�شى ك�د حتى الوجد الرحمن عبد وغلب
عليه، ف�أخذ ابن �شهيل ي�شنده اأن يقع على الأر�س
الرحمن ول د ي� عبد وهو يقول له هم�ش�: »ت�شد
تف�شحن� يف الن��س، اإنهم بدوؤوا ينظرون اإلين�«.
فك�د جى ال�ش براه قد ب�شوت �شالمة وغنت
يبيد:
خذ� �لز�د يا عيني من ن�ر وجهها
فما لكما فيه �س�ى �لي�م منظر
يد ط�ل تلفت غد� تتعبان �جل
ر تفج دمع �ل فيعيى ويطغى �ل
بيبة نظرة تريد�ن يف وجه �ل
�د و�أغ�ر ومن دون مث��ها ن
به، م� احتم�ل على الرحمن عبد يقو ومل
ف�شهق �شهقة لفتت اأب�ش�ر الن��س اإليه وهو يبكي
ح، وقد ثقل على �ش�عد ابن �شهيل حتى ك�د ويرتن
واأخذت� عين�ه، وجحظت وجهه، واحمر ه، ير�ش
متيالن اإىل م�شدر ال�شوت. فم� اإن اأع�دت �شالمة
قوله:
خذ� �لز�د يا عيني من ن�ر وجهها
فما لكما فيه �س�ى �لي�م منظر
وجعل متط�ول ركبتيه على ا�شتوى حتى
يحدق يف وجه �شالمة وعين�ه زائغت�ن، فلحظته
اإىل �شهيل ابن وعرفت وجهه، فعرفت �شالمة
ج�نبه، والتقت عين�ه بعينيه� فوقع عبد الرحمن
على الأر�س مغ�شي� عليه.
عتيق اأبي بن ي� »اأعني �شهيل: ابن فق�ل
لنحمله اإىل املنزل«.
فنه�س ابن اأبي عتيق مع ابن �شهيل فحمال
ينظرون والن��س به وخرج� ال�ش�ب �شديقهم�
اإليهم�.
اأطرافه�، وارتع�شت �شالمة وجه وتغري
ت ك�أن الأر�س تدور به�، ف�أ�شفقت اأن يراه� واأح�ش
، فق�مت 49
الن��س كذلك اأو يغ�شى عليه� يف الندي
عن كر�شيه� ودخلت ب�ب الدار م�رشعة.
بع�شهم الن��س و�ش�أل املجل�س وا�شطرب
بع�ش� عن احل�دث حتى ارتفع اللغط.
اأثر يف منطلق� يجري الدار �ش�حب وروؤى
عند اأدركهم� حتى �شهيل وابن عتيق اأبي ابن
� به ب�ب احلديقة، ف��شتوقفهم� وق�ل لهم�: »هلم
اإىل الدار لنع�جله«.
ف�أج�به ابن اأبي عتيق ق�ئال: »�شنع�جله يف
دارن�«.
واللـه »ل ق�ئال: رم�نة ابن بهم� فت�شبث
يف فيق�شي هن� من به تخرج�ن اأدعكم� ل
الطريق«.
راأيه، على نزل اأن اإل منهم� ك�ن فم�
فق�دهم� اإىل الدار من طريق اآخر.
الرج�ل واأخذ من�رشفني، الن��س وانف�س
وهم ب�بهن من والن�ش�ء ب�بهم من يخرجون
لبع�س بع�شهم ويروي احل�دث، عن يت�ش�ءلون
م� راآه اأو �شمعه.
ع��شق �شالمة«.
»اإنه الق�س
يت �شالمة به«. الذي �شم
»الق�س
»نعم هو«.
»ويحه م� اأتع�س ح�له!«.
مل� ا�شطربت كيف �شالمة راأيت »اأم�
راأته؟«.
»نعم اإنه� هي الأخرى حتبه!«.
حجرة اإىل عم�ر اأبي بن الرحمن عبد اأخذ
ع على �رشير اأعد وا�شعة يف دار ابن رم�نة فو�ش
له، وق�مت على راأ�شه �شالمة تع�جله وتر�س م�ء
الورد على وجهه.
ووقف ابن رم�نة وابن اأبي عتيق وابن �شهيل
خ�ف�س، ب�شوت يتحدثون الغرفة من ركن يف
ه، ثم الدار كرمه وبر في�شكر ابن �شهيل ل�ش�حب
يذكر له م� قدم املدينة من اأجله، فيعلن اإليه ابن
رم�نة اأ�شفه ويخربه ب�أن �شالمة قد اأ�شبحت يف
�شيحملونه� ر�شله واأن امللك، عبد بن يزيد ملك
ليعينوا انتظ�رهم يف �شالمة واأن اإليه، و�شيك�
موعد ال�شفر.
وك�ن ابن �شهيل ي�شمع حديث �ش�حب الدار
ول والأ�شف، اجلزع من يتم��شك يك�د ل وهو
عبد نف�س يف النب�إ هذا وقع يكون كيف يدري
الرحمن.
وك�نت �شالمة يف خالل ذلك ت�شمع م� يدور
من يت�ش�قط الدمع فك�ن احلديث؛ من بينهم
مك�ن اإل ب�لبك�ء تعول اأن منعه� وم� عينيه�،
جتتهد وهي الفرا�س على وعيه الف�قد حبيبه�
امل�ء من قربتني واأفرغت واإنع��شه. تنبيهه يف
الب�رد على راأ�شه فتحرك وفتح عينيه، ف�ش�حت
�شالمة: »احلمد هلل لقد اأف�ق من غ�شيته«.
فدن� الثالثة من ال�رشير وقد بدا على وجوههم
ال�رشور يحمدون اللـه على جن�ة �ش�حبهم.
فلم� وقع نظر عبد الرحمن عليه� ق�ل ب�شوت
مرتع�س: »�شالمة!«.
اأن� الرحمن.. ي� عبد »نعم �شالمة: ف�أج�بته
هي اأم�مك«.
القعود، ف�أراد بخفة الرحمن عبد
واأح�س
ق�ل: ق�عدا ا�شتوى اإذا حتى �شهيل ابن ف�أع�نه
»هي� ي� �شالمة نرجع اإىل مكة!«.
كلمت »هل ق�ئال: �شهيل ابن اإىل والتفت
موله� يف اأمره� ي� بن �شهيل؟«.
عبد والتفت ب�شيء؛ �شهيل ابن يجبه فلم
»م� ف�ش�أله�: تبكي فراآه� �شالمة اإىل الرحمن
يبكيك ي� �شالمة؟«. فلم جتبه بغري البك�ء، ف�ش�ح
عبد الرحمن ق�ئال:
م�ذا �شهيل ي�بن حدث.. م�ذا »اأخربوين
حدث؟«.
الرحمن عبد جواب عتيق اأبي ابن فتوىل
فق�ل: »جتلد ي� بن اأبي عم�ر.. اإن �شالمة قد بيعت
ليزيد بن عبد امللك«.
فنظر اإليه عبد الرحمن ذاهال: وق�ل: »بيعت
ليزيد بن عبد امللك!«.
للخليفة، »نعم عتيق: اأبي ابن ف�أج�به
ف��شرب ي� بني وفو�س اأمرك اإىل اللـه«.
ق�ل عبد الرحمن: »اأين ابن رم�نة، اأين موىل
�شالمة؟«.
اأبي بن ي� هو ذا اأن� »ه� رم�نة: ابن فق�ل
عم�ر«.
ل رم�نة بن ي� »ل الرحمن: عبد له فق�ل
تبعه� ليزيد.. بعه� لن�، نحن اأوىل به� منه«.
اأبي عتيق: »اإن اخلليفة دفع فيه� فق�ل ابن
ع�رشين األف دين�ر ي� ابن اأبي عم�ر«.
فق�ل عبد الرحمن: »ع�رشين األف دين�ر؟«.
دين�ر، األف ع�رشين »نعم �شهيل: ابن ق�ل
ولي�س معن� اإل األف وثم�من�ئة دين�ر«.
ذلك.. اأغلى من »�شالمة الرحمن: عبد فق�ل
بن ي� اأمهلن� له�. ثمن� تكفي ل كله� الدني� اإن
دين�ر. األف ع�رشين من ب�أكرث �شن�أتيك رم�نة
�شن�أتيك مب� تريد«.
ف�أج�به ابن رم�نة: »اإنه� خرجت من ملكي
اإىل ملك اخلليفة، ولو اأنكم جئتم قبل ذلك لآثرتكم
به� وقبلت منكم م� عندكم«.
يجد فلم اخلطب الرحمن عبد على فكرب
�شيئ� يقوله، وبقي �ش�مت� برهة من الزمن ك�أنه
يح�ور نف�شه ويقول له�: »اإلم تطمعني يف �شيء
مل ي�ش�أ اللـه اأن يكون«.
وراأى ابن �شهيل اأن قد ح�ن وقت ان�رشافهم
الرحمن عبد ا�شتف�ق فقد رم�نة، ابن بيت من
اأبي عتيق بذلك، ف�أوم�أ لبن ال�شوء، وذهب عنه
ي� »ن�شكرك وق�ل: اأراد م� عتيق اأبي ابن ففهم
ك ومعروفك، واإن� نرى اأن ت�أذن بن رم�نة على بر
لن� فنن�رشف«.
فق�ل ابن رم�نة: »اإنكم مل تذوقوا عندن� �شيئ�
بعد، فال تن�رشفوا حتى ن�شنع لكم طع�م�«.
نف�س الليلة بن� »لي�س �شهيل: ابن فق�ل
لطع�م، وح�شبن� م� لقين� من ف�شلك وتكرمتك«.
�شالمة �ء اأحب »اإنكم رم�نة: ابن فق�ل
ومواليه�، واإن ل�شالمة ملك�نة عندي. ولن اأدعكم
�شي�فتي تقبلوا ب�أن تعدوين حتى تن�رشفون
غدا«.
فق�ل ابن �شهيل – وقد فهم من عيني �شالمة
اأنه� ترتج�ه اأن ل يرف�س دعوة موله�: »اإذا اأذن
ابن اأبي عتيق ف�إنن� نقبل«.
فق�ل ابن اأبي عتيق: »لي�س يل اأن اأ�شت�أثر بكم
دون ابن رم�نة«.
الرحمن عبد فنه�س لالن�رشاف، وتهيئوا
على خفيفة ابت�ش�مة فراأى �شالمة اإىل ونظر
ثغره� ك�أمن� تقول له: »غدا �ش�أراك«.
عدد 1446 ت�رشين 1 292010
�خلامتة
�شهيل وجدا وابن الرحمن روؤية عبد اأث�رت
قد دفنته الأي�م يف نف�س �شالمة حتى ك�دت اأن
علمت منذ قربهم� يف تطمع ك�نت فقد ت�شلوه،
اأنهم� ي�شتغالن ب�لك�شب ليجمع� م�ل ي�شرتدانه�
به، فع��شت دهرا على هذا الأمل. ومل� علمت ب�أن
موله� واأن �رشائه�، يف ر�شله بعث قد اخلليفة
الذي يعر�شونه عليه فيه�، امل�ل لن يرغب عن
حزنت لذلك واأيقنت اأن ل اأمل له� يف الرجوع اإىل
له� لي�س مب� �شى الر على نف�شه� نت فوط مكة،
منه بد، واأخذت حتيي يف نف�شه� م� ك�نت حتلم
به يف اأي�مه� الأوىل من البلوغ اإىل قمة ال�شهرة
ب�شطوع جنمه� يف ق�شور اخلالفة بدم�شق، تريد
بهذا اأن تخفف عنه� بع�س امل�ش�ب. ولكن �ش�ءت
الأقدار اأن تنك�أ اجلرح املندمل يف قلبه�، اإذ بعثت
اليوم يف اإليهم� اه� لي�شرتد القدميني حبيبيه�
ر�شل مع غده يف للرحيل تت�أهب ك�نت الذي
ا�شرتداده� يف يبق مل حني ال�ش�م، اإىل اخلليفة
مطمع.. ي� ليتهم� ج�ءا قبل ذلك، واإل فليتهم� مل
يجيئ� اأبدا.
راأت مل� املدينة اأهل اإىل اأن�شت قد وك�نت
من حبهم له�، وتقديرهم لفنه�، م� زهده� يف
يف البق�ء توؤثر وجعله� ال�ش�م، وق�شور ال�ش�م
احلج�ز واإن يئ�شت من قرب حبيبه� فيه، فكيف
وقد قدم هذا احلبيب واأو�شك اأن يحوزه� وحتوزه
لول كت�ب �شبق!
يف رغبته� وا�شتدت الفراق، �ش�عة ودنت
فيه� تتملى معدودة اأي�م� ولو ب�ملدينة البق�ء
د من لق�ئه لل�شفر ، وتتزو بروؤية حبيبه� العبقري
الطويل.
اأنه تعرف وك�نت – موله� اإىل فرجت
يف اخلليفة ر�شل يكلم اأن – ويكربه� يعزه�
ت�أجيل �شفره� ثالثة اأي�م اأو يومني.
ون بذلك فق�ل ابن رم�نة: »م� اأح�شبهم ير�ش
ي� �شالمة«.
ق�لت له: »قل لهم اإنك تهيئون يل م� يلزمني
من الثي�ب واحللي«.
ف�أج�به� اإىل م� �ش�ألت، ولكن الر�شل رف�شوا
ت�أجيل ال�شفر. ق�ل لهم: »اإنكم ق�دمون به� على
اخلليفة، ف�أمهلون� ثالثة اأي�م اأو يومني لنجهزه�
مب� ي�شبهه� من الثي�ب واحللي والطيب«.
فال اأعددن�ه، قد معن� كله »هذا له: فق�لوا
ح�جة بن� اإىل �شيء منه«.
ع لتود واحدا يوم� اإذا »اأمهلون� لهم: ق�ل
�شواحبه� ومع�رفه�«.
اأمرن� وقد بذلك، اإذن عندن� »لي�س فق�لوا:
ب�لرحيل غدا، فلن نت�أخر غدا حلظة«.
اأبي عم�ر فقد ق�ش�ه� اأم� عبد الرحمن ابن
ك�أمن� عتيق، اأبي ابن دار يف 50
ن�بغية ليلة
جمعت فيه� اآلم حي�ته كله� م� قرب منه� وم�
بعد، فح�شى به� �شدره جملة واحدة!
انف�س ال�ش�مر يف الدار واأوى كل اإىل مرقده،
من الرحمن عبد ت�شلل اجلفون غفت اإذا حتى
ال�شطح، ف�نتبذ ج�نب �شديقه ابن �شهيل ف�شعد
اإل عين� واحدة ل العيون تراه فيه منه ركن� ل
تن�م!
اإىل الربد فيه� ميرق 51
ةقر ليلة وك�نت
العظم، وك�ن ج�شم عبد الرحمن يرتعد من �شدته،
قمي�س اإل يك�شوه ول عليه، يت�ش�قط والندى
خفيف. ولكنه مل ي�شعر بذلك ك�أمن� ك�ن يف منعة
ر يف �شدره. منه ب�شواظ الن�ر التي تت�شع
وي�شجد، ويركع ويبكي، اللـه ين�جي واأخذ
وي�شكو ويرجوه، اللـه ويدعو ويقعد، ويقوم
ق�شى، فيم� اللطف وي�ش�أله وي�شتغفره، اإليه
الر�شد والهدى، وي�شتعيذ به من غلبة وي�شتلهمه
الهوى وفتنة ال�شيط�ن.
ن�شي عبد الرحمن يف هذا املوقف كل �شيء..
اأن فطمع الدني� يف عليه عزت وقد �شالمة، اإل
له� هف� دعوة اللـه ودع� الآخرة، يف له تكون
بدنه، ونظر اإىل ال�شم�ء فراأى نورا قلبه، واق�شعر
اأ�ش�ءه� حلظة ف�ختفى و�شمع �شوت ك�أنه �شدى
ع يف ال�شع�ب »اآمني!«. يرتج
ف�طم�أن عبد الرحمن و�شعر ك�أن قربة ب�ردة
ق احلمد اأفرغت على الن�ر يف �شدره فخبت! وتدف
ورق�أ ف�نطلق، �شم�م عليه ك�ن ك�أمن� فيه من
�شوء يف تلمع ب�أهدابه ع�لقة بقية اإل دمعه
النجوم!
والبلل ج�شمه يف ب�لربد �شعر اأن يلبث ومل
حيث مك�نه اإىل ورجع ال�شطح فربح ثوبه، يف
وجد ابن �شهيل يغط يف نومه، ف��شتبدل بقمي�شه
حتت حل�فه فن�م.
قمي�ش�، واند�س
�ش�حبيه على عتيق اأبي ابن دخل ثم
و�شهدوا لل�شالة فتطهروا ف�أيقظهم�،
اجلم�عة يف امل�شجد.
الق�س �شديقه راأى اإذ �شهيل ابن وعجب
ن�شط� طيب النف�س على غري م� توقعه منه: وق�ل
لبن اأبي عتيق يف ذلك ف�ش�ركه العجب ون�شحه
اأن ل يقول له �شيئ� فيهيجه.
52
متع حني رم�نة ابن دعوة واأجيبت
ال�شحى فحفلت داره ب�أحب�ب �شالمة �شيوف�
لهم فمد واإين��شهم، اإكرامهم يف بولغ اأعزاء
األوان الطع�م والف�كهة، وحيوا ال�شم�ط، وقدمت
عليهم واأديرت الورد، مب�ء ون�شحوا ب�لريح�ن
جم�مر العود والند.
يقرتح رم�نة ابن اإىل عتيق اأبي ابن واأ�رش
عليه اأن يدعو عبد الرحمن للق�ء �شالمة يف مك�ن
ولعله� �شيئ�، له� يقول اأن يريد لعله منفرد،
ب�شيء قبل رحيله�، فق�ل اإليه اأن تف�شي ترغب
ابن رم�نة: »حب� وكرامة«.
احلبيب�ن ظل عتيق اأبي لبن يدا فك�نت
يذكرانه� م� ع��ش�.
حتية الآخر كالهم� فحي� احلبيب�ن وخال
ت ومر الل�ش�ن، ق�رش حني القلب عنه� اأف�شح
�شمت يف ق�شي�ه� الزمن من غ�لية حلظ�ت
يتكلم!
اأحر�س الأنثى فيه� وك�نت �شالمة بطبيعة
الوقت، فبداأت احلديث من �ش�حبه� على نفي�س
تقول: »م� ب�ل عينيك حمراوين ي� عبد الرحمن؟
اأمل تنم الب�رحة؟«.
وق�ل: عينيه� يف الرحمن عبد فنظر
.. وعين�ك ي� �شالمة؟«.»ت�ش�ألينني عن عيني
اأبي بن ي� ق�شمتن� »هذه �شالمة: فق�لت
عم�ر«.
ي� ق�شمتن� هذه »نعم الرحمن: عبد ق�ل
اإنك جتزعي.. اأن لك ينبغي ل اأنه على �شالمة..
ي�شليك اأمية، وواجدة فيه� م� اإىل ق�شور ذاهبة
البك�ء اأن�..«. وغلبه اأم� وين�شيك م�شكين� مثلي..
دون اإمت�م جملته.
تن�شيني اأمية ق�شور »اأتظن �شالمة: فق�لت
اأح�شن لأنت عم�ر، اأبي بن ي� واللـه ل اإي�ك؟
ح�ل مني. اإنك تلج�أ يف عب�دة ربك بجوار الكعبة
فتجد يف من�ج�ة ربك عزاء عني وعن كل �شيء
وجه يل فلي�س اأن� اأم� الف�نية، الدني� هذه يف
اأق�بل اللـه به«.
»فيم ي� �شالمة؟ األ�شت ت�شومني الفر�س؟«.
»بلى ي� عبد الرحمن«.
»وت�شلني اخلم�س؟«.
»اأ�شلي حين� واأترك حين�«.
حتى اأتركك لن اإين ل.. �شالمة ي� »ل
اليوم.. منذ �شالة ترتكي ل اأن على تع�هديني
األ�شت حتبينني ي� �شالمة؟«.
»بلى ي� عبد الرحمن اإين اأحبك«.
»اأم� حتبني اأن تكوين يل واأكون لك؟«.
كيف ولكن الرحمن. عبد ي� الأمنية »تلك
ال�شبيل اإىل ذلك وقد ا�شرتاين اخلليفة ف�نقطع كل
اأمل يف �شريورتي اإليك؟«.
فق�ل عبد الرحمن والدمع يرتقرق يف عينيه:
اإيل يف هذه »اأجل انقطع كل اأمل يف �شريورتك
احلي�ة الدني�، اأم� يف احلي�ة الأخرى ف�إن الأمل
ب�ق ي� �شالمة، واإنه لأمل كبري!«.
ى لقينة مثلي تنفق فق�لت �شالمة: »ولكن اأن
ت�أمل اأن وال�رشاب الغن�ء جم�ل�س يف �ش�ع�ته�
يف احلي�ة الأخرى؟«.
ففي ال�رشاب »اأم� الرحمن: عبد له� ق�ل
و�شعك اأن تكفي عنه. واأم� الغن�ء ف�أنت حممولة
عليه وهو �شن�عتك، واأرجو اأن ل حرج عليك فيه
اإذا اأنت ح�فظت على �شالتك و�شي�مك، وع�شمت
نف�شك ب�لتقوى، حتى يجعل اللـه لك منه مرج�.
و�ش�أ�شتغفر اللـه لك واأت�شدق عنك بكل م� يف�شل
من ك�شبي، و�ش�أجتهد يف عب�دة ربي ع�شى اأن ل
.»� اأكو بعب�دة ربي �شقي
عبد ي� قلبك اأطيب »م� �شالمة: له ق�لت
الرحمن واأ�شمى روحك! وم� اأجدرك اأن ي�شتجيب
واأح�فظن ال�رشاب عن لأمتنعن واللـه لك. اللـه
على ال�شالة وال�شوم، واأع�شمن نف�شي ب�لتقوى،
دقن بكل م� ت�شل اإليه يدي، واللـه يغفر يل ولأ�ش
م� دون ذلك«.
فق�ل عبد الرحمن وقد ا�شتن�ر وجهه: »اإفعلي
ي� �شالمة، واجعلي ذلك اآية بق�ئك على عهدي«.
ي� »اطمئن �شالمة: له ق�لت
اللـه فو قبلي، من الرحمن عبد
30
اأهون م� اللـه.. األقى حتى عهدك على لأبقني
احلي�ة بدونك ي� بن اأبي عم�ر!!«.
قول تذكرين »لعلك الرحمن: عبد له� ق�ل
لبع�س عدو هم يومئذ بع�ش اللـه تع�ىل »الأخالء
قني«. ت اإل امل
فتغري وجه �شالمة ك�أنه� ذكرت �شيئ� ل حتب
اأن تذكره، وق�لت: »عف� اللـه عنك ي� عبد الرحمن،
اأاأردت اأن تبكيني وتذكرين ب�شيء يوؤملني ويجرح
قلبي؟«.
واأ�شف تق�شد، م� الرحمن عبد فعرف
لإيالمه� من حيث ل يريد فق�ل له�: »ل وربي م�
اأب�رشك اأن اأردت واإمن� �شالمة، ي� تبكيتك اأردت
ف�إنهم املتقني«، وجل»اإل عز قوله واأذكرك
�شيبقون اأخالء يوم القي�مة«.
اإىل الإ�رشاق وع�د �شالمة عن ف�رشى
الرحمن عبد ي� اإذا »ف�ش�أذكره� وق�لت: وجهه�
هم بع�ش يومئذ »الأخالء اأن�ش�ه� م� حييت: ولن
قني«. ت لبع�س عدو اإل امل
قلبي اطم�أن »الآن الرحمن: عبد فق�ل
ف�ذهبي ي� حبيبتي حيث �شئت، ف�إنك يل اإن �ش�ء
اللـه«.
اإن لك اأن� حبيبي.. ي� »نعم �شالمة: فق�لت
�ش�ء اللـه«.
احلبيبني على ت مر �ش�عة من اأق�رشه� م�
خيل اإليهم� اأنه� حلظة مل يق�شي� فيه� �شيئ�، وقد
ق�شي� كل �شيء.
ولكن دامعة بعني �ش�حبه كالهم� ع ود
بنف�س مطمئنة.
وم� هي اإل �ش�عة و�ش�عة حتى اأزف الرحيل
وخرج املعجبون ب�شالمة من اأهل املدينة – وهم
– ي�شيعونه� من رج�ل ون�ش�ء وعلى خلق كثري
وهي خلفه� فم�شوا واحلزن، الك�آبة وجوههم
اإىل و�شلوا حتى ،53
ف�رهة بغله� على راكبة
�شق�ية �شليم�ن بن عبد امللك يف خ�رج املدينة
بجم�لهم ينتظرونه� اخلليفة ر�شل ك�ن حيث
للر�شل: وق�لت بغلته� عن فنزلت وهوادجهم،
يل بد ول علي وي�شلمون يغ�شونني ك�ن »قوم
لهم ت�أذنون فهل عليهم، وال�شالم وداعهم من
اإىل واأ�ش�رت ،54
الرحبة هذه يف مني لي�شمعوا
رحبة وا�شعة لق�رش هن�ك.
اأج�ز من فمنهم يت�ش�ورون، الر�شل ف�أخذ
اأج�زوا ي�شتنزلون الذين ومنهم من منع، وطفق
عن اأترغبون لهم: يقولون راأيهم اإىل رفق�ءهم
ب�أنك غلف املدينة اأهل �شم�عه� فيتحدث عنكم
حتى بهم زالوا وم� الأكب�د؟ غالظ ،55
القلوب
وافقوا ل�شالمة: »افعلي م� �شئت على اأن ل تطيلي
اللبث«.
ف�أ�ش�رت �شالمة اإىل الن��س اأن يدخلوا الرحبة
من يطريون فك�دوا لهم، تغنيه بلحن لتودعهم
ويدعون عليه� ب�لثن�ء يلهجون واأخذوا الفرح،
له�.
بهم، غ�شت حتى الرحبة اإىل وتدفقوا
56
وا�رشاأبت اأعن�قهم اإىل �شالمة وجعلوا يتط�ألون
لريوه� حيث فرح الطوال ب�أنف�شهم وك�أن لهم يدا
يف طولهم، واأ�شف الق�ش�ر لأنهم مل يكونوا طوال،
وقفت وقد �شالمة لريوا �شربا زيدوا لو ومتنوا
على مو�شع مرتفع خ�رج الرحبة وبيده� العود،
و�شوت حزين بلحن وتغني ت�رشبه ف�أخذت
مكلوم:
فارق�ين وقد علمت يقينا
ن ذ�ق فرقة من �إياب. ما ل
اب قد ترك�ين �س �إن �أهل �ل
57اب �س م�لعا خاطري باأهل �ل
فق�ل رجل من امل�شيعني: »وا اأ�شف�ه عليك ي�
�شالمة! اإن� لن ن�شمعك بعد اليوم!«.
وق�ل اآخر: »م� اأ�شعد اأهل ال�ش�م بك!«.
اأي�مك على »�شالم الن�ش�ء: اإحدى و�ش�حت
ي� �شالمة!«.
وا�شتمرت �شالمة يف غن�ئه�:
اب قد ترك�ين �س �إن �أهل �ل
اب �س ـعا خاطري باأهل �ل م�ل
�أهل بيت جار �لزمان عليهم،
ما على �لدهر بعدهم من عتاب.
دق ج�ن من حي �س كم بذ�ك �ل
58
ـباب ة و�ســـــف وكــــه�ل �أعـــــ
بعينه� تدور وهي البيت هذا ر تكر وجعلت
يف اجلمع حتى ملحت عبد الرحمن بن اأبي عم�ر
واقف� يف اأخري�ت الن��س واإىل ج�نبه ابن �شهيل
الدمع من اأبي عتيق وكلهم ينتحب. فطفر وابن
تغني واأخذت مبنديله�، مت�شحه واأخذت عينه�
بنغمة متلفة عم� قبل وقد ارتفع �شوته� وا�شتد
رنينه: »ي� حبيبي! ي� حبيبي! ي� حبيبي!
يا حبيبي ي�م �لفر�ق عذ�ب
للمحبي يا له من عذ�ب!
وعزيز علي �أن لي�س عندي
اب �س يا حبيبي لك�سف هذ� �ل
قاد غي نار يف مهجتي يف �ت
ودم�ع من مقلتي يف �ن�سكاب!
ول� ��سطعت بعت عمري بي�م
حاب! فيه �ألقاك يا �أعز �ل�س
اأهداأ ب�شوت وغنت اأي�ش� نغمته� غريت ثم
واأنعم.
ي� حبيبي! ي� حبيبي! ي� حبيبي!
يا حبيبي �إن جار دهر علينا
�ب و�سقانا بالبي مر �ل�ص
فالليال تفنى وحبك باق
يف ف�ؤ�دي ومثل ما بك ما بي
�سهد �للـه �أن حبك عف
�ساب فيع ي�م �ل �سيك�ن �ل�س
و�شمتت حلظة ثم ق�لت وهي جتفف دمعه�:
»�شكرا ي� اأحب�ئي حل�شن وداعكم.. اأ�شتودعكم اللـه
جرية ي� اللـه اأ�شتودعكم طيبة! اأهل ي� جميع�
الر�شول!«.
وك�نت الدموع تنهمر من عيون القوم، وم�
منعهم من اأن ي�شيحوا ب�لبك�ء وقت غن�ء �شالمة
من انتهت فلم� عليه�، يف�شدوه اأن اإ�شف�قهم اإل
اأطلقوا اللـه وت�شتودعهم ت�شكرهم واأخذت ذلك
اأ�شواتهم و�ش�حوا يبكون ويقولون:
ي� اللـه يحفظك �شالمة! ي� اللـه »ن�شتودعك
�شالمة!«.
تخرتق وم�شت 59
الن�زش عن �شالمة ونزلت
ابن فتلق�ه� هودجه�، اأم�م وقفت حتى اجلمع
عتيق اأبي ابن وتاله ع�، مود ف�ش�فحه� رم�نة
ف�ش�فحه� �شهيل ابن وج�ء �ش�كرة، فودعته
فقبلت يده ب�كية، وتقدم ابن اأبي عم�ر ف�ش�فحه�
ق�ئال: »اأ�شتودعك اللـه ي� �شالمة!«.
اأبي بن ي� اللـه اأ�شتودعك ب�كية: ف�أج�بته
عم�ر«.
ق�ل له�: »ل تن�شي ي� �شالمة اآية الذكرى«.
فق�لت: »لن اأن�ش�ه� ي� عبد الرحمن«.
ق�ل: » الأخالء يومئذ......«.
قني «. ت هم لبع�س عدو اإل امل فق�لت: » بع�ش
وا�شتوت على هودجه� فنه�س اجلمل الب�رك
وطفقت اجلميع، �شي�ح فتع�ىل الركب وحترك
�شالمة ت�شري بيديه� حتييهم، ووقعت عينه� على
عبد الرحمن بن اأبي عم�ر ينظر اإليه� ويفرت ثغره
اإل د: » عن ابت�ش�مة تلمع بني الدموع وهو يرد
قني.«. ت .. اإل امل قني ت امل
عبد يف ل�شالمة نظرة اآخر تلك وك�نت
الرحمن ولعبد الرحمن يف �شالمة.
من �شالمة �شمعته� كلمة اآخر هذه وك�نت
عبد الرحمن...
عدد 1446 ت�رشين 1 312010
جل على نف�شه من قراءة 1- احلزب: م� يجعله الر
اآن، يل حزبي من القر
د. ويف احلديث: طراأ
و�شالة ك�لور
يه. » املحرر« ف�أحببت اأن ل اأخرج حتى اأق�ش
يف واملجفف ملح امل املقدد اللحم القديد: -2
ال�شم�س. والبلغة: الكف�ية » املحرر«
3- القليد: املفت�ح، معرب.. »املحرر«
ة: هي جمتمع �شعر الراأ�س وهي اأكرث من 4- اجلم
الوفرة كم� ج�ء يف ال�شح�ح» املحرر«
فروع الف�غية: -5
�شجر احلن�ء.
6- الأبي�ت من �شعر
اأبي ربيعة، وك�ن عمر بن
يف به� يغنون املغنون
املدينة » املحرر«
7- الق�لة: القول.
وقوم ال�شخ�ء، ال�رشو: -8
�رشاة، اأي كرميون ذوو غنى.
9- الغنة يف ال�شوت: الرتخيم.
الع�رش من قري�شي �ش�عر -10
ب�أكرث تغزل لأنه ب�لرقي�ت، ولقب ، الأموي
من ثالث ن�ش�ء كل واحدة منهن ا�شمه� رقية.
»املحرر«
�ش�حب ي�شري كم� الأبي�ت -11
وهو الطرثية، بن ليزيد الأغ�ين
العهد يف احلب �شعراء اأ�شهر اأحد
الأموي.
الق�ش�ع اجلف�ن: -12
الكبرية.
13- هذه الأبي�ت هي لعبيد اللـه
الت�شويف يف الرقي�ت واملطل: بن قي�س
اأجن�ز الوعد » املحرر«
كبري وع�ء املركن: -14
ك�لط�شت، تغ�شل فيه الثي�ب.
لعبيد هي الأبي�ت هذه -15
اللـه بن قي�س الرقي�ت » املحرر«
16- بعلت: اأكرثت اجلدال، ج�ء يف حديث ال�شورى
ف�قتلوه« اأمركم عليكم بعل »فمن اخلط�ب بن لعمر
»املحرر«
17- ا�شتخرطت ب�لبك�ء: اأي ا�شتد بك�وؤه�.
18- اأي ل يرتك زي�رته بل يع�وده�.
19- امل�رشبة: الغرفة، و�شميت كذلك لأنه� تكون
م�ش�شة لل�رشب.
من وهو اأذينة بن عروة �شعر من البيت�ن -20
�شعراء املدينة يف القرن الث�ين للهجرة.
21- قوارع العذاب: اأي اأعلى مو�شع يف العذاب..
22- الأبي�ت للح�رث املخزومي وهو �ش�عر اأموي
من اأهل مكة.
23- اأنف اأقنى: مرتفع من الأعلى وحمدودب من
و�شطه.
24- الطن�ف�س: الب�شط. .
25- الزرابي: الو�ش�ئد.
26- اخلوان: امل�ئدة.
تنميقه يف دائبة اأي الغن�ء: يف طبة -27
وحت�شينه.
28- الأبي�ت لعروة بن حزام يف حبيبته عفراء.
29- حرب عوان: اأي حرب م�شتمرة ل تنتهي.
30- ن�ب: اأي قبل توبته.
31- البيت�ن من �شعر عبد الرحمن بن عم�ر الق�س.
كم� وردا يف الأغ�ين.» املحرر«
32- البيت�ن من �شعر عبد الرحمن بن عم�ر الق�س.
كم� وردا يف الأغ�ين.» املحرر«
: يبخل. 33- ي�شن
غري بكالم تلفظ اأي بكالمه: الرجل جمجم -34
مفهوم.
35- القين�ت: جمع قينة وهي اجل�رية.
36- اهتبله�: انتهزه�.. وغرة: غفلة.
37- رق�أ دمعه: �شكن.
38- بحر جلي: كثري املوج.
39- اأخنى عليه الزم�ن: م�ل عليه ب�شدائده.
40- نقهت: اأف�قت.
41- النجود: الطرق املرتفعة، والأغور: الأغوار اأي
الأرا�شي املنحف�شة.
�شورة يف ج�ء وظهر، ب�ن ح�شح�س: -42
يو�شف:» الآن ح�شح�س احلق، اأن� راودته عن نف�شه واإنه
ن ال�ش�دقني« مل
43- النحيزة: الطبيعة وقيل النف�س.
44- التربيز: ال�شبق والتفوق، ومنه الربوز.
�س من العينيني. 45- رف�س الدمع: اإذا تر�ش
46- الوكد: اجلهد وال�شعي.
47- ا�شتمراأ: تقبل وا�شت�ش�غ.
الإبل من ركوبه� ي�شهل دابة كل الذلول: -48
واخليول و�شواهم�.
والن�دي الندوة ومنه القوم، جمل�س : الندي -49
واملنتدى.
وق��شية، �شديدة ليلة اأي ن�بغية: ليلة ب�ت -50
وهي م�أخوذة من قول الن�بغة:
ئيلة فبت ك�أين �ش�ورتني �ش
م ن�قع ق�س يف اأني�به� ال�ش
من الر
م�م �شليمه� د من ليل الت ي�شه
�ش�ء يف يديه قع�قع » املحرر« لي الن حل
51- قرة: �شديدة الربد.
52- متع: ارتفع وط�ل.
53- ف�رهة: ن�شطة.
54- الرحبة: الف�شحة.
، م �ش فهي بغالف اأحيطت غلف:اأي قلوب -55
�ة مغط�ة. ويف احلديث: يفتح قلوب� غلف� اأي مغ�ش
من يرفعون اأي يتط�ولون.. يتط�ألون: -56
ق�م�تهم بني اجلموع.
يف مبنى احل�شى رمي مو�شع احل�ش�ب: -57
مكة.
58- احلجون: جبل ب�أعلى مكة فيه مدافن اأهله�
كم� ج�ء يف معجم البلدان» املحرر«
59- الن�زش: املك�ن املرتفع.