162

1521

Embed Size (px)

DESCRIPTION

 

Citation preview

Page 1: 1521
Page 2: 1521

رائحة البرتقال

يمحمود الوردان

Page 3: 1521

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

Page 4: 1521

عباد الشمس

Page 5: 1521

نحو ما، على شعرت لكنني قد ولدت بعد، زوجتيلم تكن فراشه الصغير المصنوع من في، ييسار على أن هذا الطفل الراقد

القماش المشغول بزهور عباد الشمس الصفراء، والمنصوب بـين جلسـت الذيمن السرير الكبير األعمدة الخشبية األربعة، بالقرب

.طفلين هذا الطفل هو أ إذن شعرت-طرفهعلى

، مـواجهتي في، ونظرت عبر النافذة المفتوحة عينيفتحت الليل قد حل، وها هو الهواء البـارد يتـدفق ويمـأل وعرفت أن

كانت السماء داكنة، غير أن النجوم البعيدة كانت . الحجرة الصغيرة البحـث فيأن أنهض، وبدأت على أن فيوفكرت . تومض هناك

. الحائطفي كنت أعرف أنه الذيعن مفتاح النور

، رحت أتحسسه ألؤكـد يدي اصطدمت به يثمة جسم معدن بعد قليل، أيقنت . مفتاح الحياة القديم بجناحيه العريضين أنه نفسيل

لـن أتعـود أنني لي مفتاح النور، والح إلى االهتداء في فشليمن ا وانتظـار أن من المكوث هادئ يمكنني الذي الحد إلى الم،ظ ال ىلع

المقعد المجاور للسـرير، إلى، وأنا أعود نفسيثم قلت ل . هي تأتي. منـي مكان ما قريبـة فيالنداء عليها، فالبد أنها على قادر أنني

ـ أ يجعلني سبب فيفكرت ، ا مستسـلم ينتبذ هـذا المكـان القصخاليا إال كان الشارع . لنافذة ا إلى، واالتجاه يلترك مقعد وتحمست

Page 6: 1521

إلـى وانتبهـت . لحقول معتمـة نهائيمن كالب قليلة، وامتداد ال ـ وقلت أن . ري فراشه الصغ فيالطفل لما أحسست به يهتز أن ي عل

ء لنـا يتض: نهاية األمر في تأتيأتجمل بالصبر ألن أمه البد أن دما كعادتها عن أي شيء، النور، وتنشب بيننا معركة صغيرة حول

.جتعود من الخار

ـ ين، ألن الشك ساور فيلم يطل وقو ا، حين لمحت أشخاص ابتعدت عن . الراحة على البيت، لكن هيئتهم ال تبعث أمام يتناثرون

أنإال أمـامي إذن لـيس . وشـفتهم عينيالنافذة، وأطللت بطرف أولئـك يسـمعني أن تـرددت خشـية أن ما لبثت عليها، و أنادي

حملته ثم تقدمت نحو الطفل، وانحنيت عليه، . الشارع فيالواقفون علني عنها، باحثا، وفتحت باب الحجرة، وأخذت أتلفت فيكتعلى

، وأعاود يدي أن أمد في رغبة عنيفة يلحظتئذ؟ واتتن . ألمحها فجأة . مرة أخرىالمختفي معدني الحياة المفتاحتلمس

الضـوء، تلك الدرجات الحلزونية القليلة إال أماميلم يكن

االسـتناد عليـه، يمكنني، فلم يكن هناك سور حذرا أن أقطعها في .ي الخارجيدي الباب الحدإلىالسلم بي حتى أفضى

Page 7: 1521

بجـوار طريقـي بنظرة سريعة مسحت المكان، واتخذت رسيم القوية مختلطـة بريـاح ب رائحة ال يهاجمتن. لحقول المعتمة ا

بعد . أنا والطفل مني تسللت الكالب تتشم ليومن حو . محملة بأتربة ، وها أنـا لي قد تسرعت بنزو أكون ربما أنني نفسيلحظات، قلت ل

، وقد يكون األمر بكاملـه محـض أوهـام، ييتتبعن أحدا ال أرى أنني على . رجوعها ا منتظر ي فرصة ألعود أدراج أماميومازالت

مـا التـي بالكالب ا الطفل ومحاط مضيت بالرغم من ذلك، حامال من كل الشـوارع، حتـى ي تقبل نحو هيكاثر عددها، و لبثت أن ت عندئـذ . ا أول شارع، فراحت الكالب تغـادر رويـد فيانحرفت . بأكملهيالح قد غادرتأننيعرفت

قطعت بضع خطوات، حتى أحسست أن هناك مـن ما إن

إلـى تقود التي للشوارع ا، مستسلم قليال، فأخذت أسرع ورائيهو هـا أنـا أسـرع . ألزقة منيشوارع، تسل إلى بي تخرج، يحوار

تلـك إلـى أن انحرفـت إلى، مفاجئ حماس يوأسرع وقد اعتران بتقاطعها مع أزقة تفاجئني التيالشبكة المحكمة من األزقة القصيرة

.االختيار على بينها غير قادرأتطوحأخرى، وأنا

ـ . وضيق مضيء شارع طويل إلى انتهيت ا كـان مزدحم، فالتقت عينيرفعت . عاليةصراخ واألصوات ال يضج بالحركة وال

Page 8: 1521

بشرفات ونوافذ البيوت القصيرة المتجـاورة، والنسـوة يتـزاحمن كـن يتصـايحن . طونيهجات وحولهن األطفال يتنططون ويز مبتحن بسواعد مكشوفة، وحن لبعضهن، فتختلط أصواتهن وهن يل وويل

يـة الممتلئـة بالقلـل تعلوهـا األغط يوقد انحنين بجوار الصوان قـد حـدث شيء أن ثمة فيفكرت . الضوء فيالنحاسية الالمعة

سرعان ما واجهت صفوف الدكاكين المتجاورة، أننيوالشك، غير لمـن بـدوا وكـأنهم إال ةخاليوالمكدسة بصناديق كرتونية، لكنها

الـدكاكين وال أمـام مقاعدهم صـامتين على أصحابها، يجلسون .لييلتفتون

من قليالفخففت . يذراع على أ يثقل أن جسم الطفل بد ىلع

إلى ىل اطمئنان يسير، لما اختطفت نظرة عج يحين داخلن ،يسرعت علـى يبعث أعاود النظر بتمهل، دون أن أجد ما يالوراء، جعلتن

إلـى ، واحتضنته ألتمكن من نقله يذراع على الطفل درتأ. الريبة، مفـاجئ ل تململه ا إليه ي األخرى، وأنا أتأمله بحرص دفعن يذراع

ـ ومحاولته دفع أعضائه ع ر البطانيـة ذات المربعـات الكحليـة ب الوضاء، بينما كـان يا بلونه الخمر كان وجهه مستدير . والبيضاء

جبهته قبـل أن يعـود السـتغراقه، على اشعره الفاحم يبدو ناعم . مالمحه البالغة الضآلةيوتسترخ

Page 9: 1521

د حدث أوان العودة، وأن ما حدث ق ت أنه قد فا فيوفكرت منذ البداية، أو كنت لي نزو فيا وسواء كنت مخطئ . األمر ىهوانت

قـد أننيكد هو ؤن األمر الم إخر، ف آل لسبب أو اقد تسرعت متعمد ن هذا يضاعف مـن أشك وال. مكانية أن أعود مرة أخرى إفقدت العودة، فالبـد أن أتنبـه لهـذه على فما دمت غير قادر . يحذر

.كدة مع ذلكؤ، لكنها منتظمة وم بدت بعيدةالتيالخطوات

، قلـيال سترجع مالمح الطفل، وأنا أغـذ السـير أ يوجدتن، مستشـفى ال فـي باب العنبـر على كنت قد توقفت أننيوتذكرت

النظر، بل يواستدرت ألراه للمرة األخيرة، وهو يبدو وكأنه يبادلن حضانته الزجاجية، وسط صفوف في قليال ضئيالوربما كان يبتسم

قلق وانقباض يعتراناتها ظلح. ة والمشغولة خاليانات ال نمن الحض لم أجسـر أنني لم أتبين لون عينيه، غير أننيمباغت، لما اكتشفت

ـ . الرجوع مرة أخرى على ا كان مشهد األطفال المبتسـرين مرعباناتهمفيا، وهم يتحركون حركة يسيرة غير مؤكدة وجنونيحض .

، وعدت لنقل الطفل مرة يسرىال ذراعيت لوسرعان ما ك

ا بالهمود والضيق، ثم فقدان القدرة رهاق مختلط وقد حل اإل أخرى، التـي وبالرغم من لسعة البرودة . مةظ منت ياالحتفاظ بخطوات على

ـ إال الطفل، على هامنكنت أخشى ، وأنـا يأن العرق كـان يبللن

Page 10: 1521

ق، الشـاه يـدي الباب الحد إلىأنعطف مع الحارة المقابلة، وأتطلع دفعـت . تحت نصف دائرة تتقاطع داخلها قضبان الحديد المضفور

إلـى ، وأنا ألتفت بسرعة للمرة األخيرة، قبل أن أدلف فيالباب بكت العتمة، وثمة رائحـة ثقيلـة فيا ، متقدم فيالداخل، وأرد الباب خل

.عطنة

الردهة الدافئة، حتـى فيراح الضوء يتكشف كلما خطوت كانت هناك حجرات اليمنى ناحيته في: المكشوفالفناء إلى انتهيت

أمـا . والثالثة من بينها بابها نصف مغلق ومضيئة أربع متجاورة، ورفعت . ألحد البيوت عالي ال في فيشغلها الجدار الخل اليسرىالناحية صافية بنجومها المرتعشـة، وأنـا لي بدت التي السماء إلى عيني

عياء، حين كففت عـن واإل ب النص ي، وقد تملكن طفليواقف أحمل .لي منذ نزوىلالسير، بل الركض، للمرة األو

الردهة الدافئة، فيمن خل . هدأة الليل فيلم يكن ثمة صوت

فكرت . عاليجدار آخر يتوسط صف الحجرات والجدار ال يامدوقـ قليالستريح أ أن األمر الملح اآلن، هو أن في ، ي حتى ألتقط أنفاس ي عل يتعين بقة قدر الطاقة، قبل أن أقرر ما سترجع التفاصيل السا أو

.القيام به

Page 11: 1521

علـى أن أخفـف ثقلـه ضممت الطفل، محاوال أنني ىلع، ثم خطوت تجاه الحجرة المضـيئة ذات البـاب نصـف ذراعيـ . المغلق ا كانت الحجرة باهرة الضوء، وكان الرجل العجوز مختفي

عاليةمرأة ال الضيق، وأمامه ال معدني داخل الطست ال لينصفه السف تمسك الكوز بيد، هيالسجادة البنية النظيفة، و على ترتكز بركبتيها

عملها باسـتغراق يدؤكانت ت . خرى تدلك ظهره باللوفة األد يلاوبوحـين . عـالي جسمها المشدود ال على وتأن، وثوبها األسود مبتل

العجوز الصامتتين الصاحيتين داخـل عيني ب ، التقيت عينيرفعت كـذلك، هيثم توقفت . عمق الحجرة في الح الذيالب مرآة الدو

من عينيا ألنتزع بعد أن انتقلت بعينيها الواسعتين، وبذلت أنا جهد .يستدار بنصفه العلوا الذيالعجوز

فـي لجسمها المرتفع الضـارب يكان هذا الوضع الجانب

وتلك المسافة الضيقة بـين الحـائط مـن خلفهـا فضاء الحجرة، لكن . ليا، سوف يمنعها، كما توهمت، من االلتفات والطست أمامه

جسمها استدار، ورأيت ثدييها الصغيرين عبر جلبابها األسود الناعم يـف خفمتالء ال المبلول، ثم استدارة الخصر، قبل أن يتدفق هذا اال

.الوثير حتى الركبتين المرتكزتين

Page 12: 1521

ف رائحة الصابون الخفيفة الممتزجة بالماء والبخار كانت تل الواقف بالسترة الصوفية السوداء، حامال ي وجسم هيالمكان، ووج

لكم . أمامي المرآة في، كنت أشاهده ذراعي على الطفل المستغرق فقـدت الذي، والتخلص من هذا الثقل ذراعي فرد فيأرغب اآلن

المتأللـئ الفـراش في فكرت ننيإبل . احتماله بالفعل على القدرةية األربعة، تلتف حولها الستارة الناصـعة افته وعواميده النحاس ظبن

. ة رفيعةيلاالمزدانة من أعالها بشرائط حمراء وزرقاء وبرتق

تلوح بجواره نافذة صغيرة مرتفعـة، ثـم اعالي اكان فراش ا مباشرة كان العجوز قاعـد أماميالدوالب يسد الحائط المواجه، و

اسـتدار وعنـدما فعلـت ذلـك، . إليه طسته، ينتظر أن ألتفت فيوكان رأسه . ب الضامر و المحد ي ظهره العار ليا ، معطي يوفارقننـاعم يحتفظا ببقايا شعر فض افوديه اللذين إال من الشعر اعاري .شـباك السـرير علـى يده واختطف الفوطة الزرقاء المعلقـة دم

.، ومضى يجفف الصابون ببطء بالغيالنحاس

ا عـال وأن سـمه حين وقفت، اكتشفت أن ثوبها قصير وج فيرقان تحت ثوبها األسود، بالخلخال الصغير بساقيها الخمريتين ت

كـل ينرة، وأنا يغـادر يطو خطوات قص خ ت هيها. اليسرىساقها .ذراعي للتخلص من ثقل اهيئم، يئعياإ

Page 13: 1521

كحالوان تبسمان بسمة مدهوشـة : ننياهاتان العينان تعرف

ـ ، عندما الحظت قليال ترددت أنني غير. فرحة يأن وجهها الحقيقـ يوكانت ترتد . تحت ألوان ثقيلة فييخت ي منديل رأس أبيض تغط

ـ على به شعرها األسود النافر ا بحـواف جبهتها الواسعة، مختلط .فيالمنديل المطرزة بكل ألوان الط

ت ذراعيها المبلولتين تقطران ماء، لمحـت ثـدييها دلما م

. بت أناولها الطفل يرتعشان مرة أخرى، والمست ساعديها لما اقتر اللفـائف يد األخرى راحـت تسـو يلا صدرها بيد، وب إلىضمته

وتبينت العقـد . حول جسمه جيداوتعدل من وضع البطانية وتلفها من حبات كبيرة ترقد ساكنة تحـت ا يحيط بعنقها، مكون يالبنفسج

: من االبتسـام نفسيفتحت فمها، فلم أتمالك . عالي ال يعنقها الخمر ـ تين الشفتين الحمراوين، وهذا الثغر حـين يف أعرف ها ر عـن ت

ثال نها الضيقة ي تابتسامة واسعة حميمة، فتبدو األسنان العلوية بفرج .منها الضوء

فقـدت ننـي الخـوف أل مني، حتى داه قليال إال وما لبثت

:ا هامسيدي د أميوجدتن. ، وتخليت عن الطفليرذح .. ".هات الطفل"

Page 14: 1521

:فعت حاجبيها هامسةابتسمت بعيونها ور

..تأخرتما؟إذا لم.. ألم تكن تعرف؟ .. نه طفلة إ.. )معقولة(" .. ". تعبت من انتطاركماأيضاوأنا .. يبدو عليك التعب

من جـراء هـذه الفرجـة ؤها هو فمك ال يكف عن التألل

يجعلنـي ا ا ومـذاق تمنح وجهك بكامله طعم التيو الضيقة الحلوة، طرف مفتاح الحيـاة إلى انتبهت فجأة ينغير أ . يشفت على تقبضأ

جزء يسـير خلـف إال يبدو منه الحائط من خلفها، ال على المعلق سـاقها فـي ، بينما الخلخال الصغير يلمـع عاليجسمها الواقف ال

. اليسرى

Page 15: 1521

رائحة البرتقال

Page 16: 1521

كانـت . أول السور إلى عندما وصلت سرعتيخففت من والريـاح شديدارد البوكان . يلفها الظالم ة وسيعة خالي أماميالدنيا

ال-حملت الطفـل . االختناق على يمأل الحلق ويبعث اتحمل تراب ..، ي صـدر فـي ، وجعلت وجهها ي حضن في -نعم الطفلة .. الطفلة الـدوار ي، أصـابن يولما رفعت رأس . األيسر يسند رأسها فيوك

قضـيت يالت من ورائه تلك المدرسة ؛ أن هذا السور فيوشككت أن أحدد أشـياء ي، ألمكنن ا حق هيلو كانت . ا من الزمان فيها ردح

التية لتالي الخطوة ا إلىا ا، مهتدي األقل أن أصير مطمئن على :كثيرة .اتخاذها على يأن أحزم أمرعلى

الواسع، والمدخل تحـف بـه يديأجل هذا هو الباب الحد

. العتمـة فيتصب الورد، ثم األدوار الثالثة تن ياألشجار وقصار عالية السماء البعيدة ال ك أنصت لهذا السكون الشامل، وتل قليالوقفت ـ أنه ليس من الفطنة، فيوفكرت . ةخاليتبدو حـال، أن ة على أي

ـ يكان هناك من يتعقبن إذا هذا الخالء، و في يأستسلم لوجود ن إ، ف للوصـول ي رضيت باالستسالم له، هو مكان نموذج الذيالمكان

.لي : ، وحسمت األمر ي ومراد يا جعلته قبلت بعيد احت ضوء لم يبتعادا معرفة المدرسة، لن تحول دون إلى للتوصل يإن محاولت

Page 17: 1521

كنت أجلـس فيـه الذيوأخذت أتذكر الفصل . عن المكان بأكمله خرجن يتن أشاهد البنات الال أ يإمكان فيبجوار النافذة، حين كان

ـ )الشورتات( ـفي حصة األلعاب ب ـ والف دين ؤانالت الخفيفـة، ي علقـت التـي المعلمة أمام صفين فيتمارينهن بأعضائهن الطليقة

صدرها، وأنا أدقق النظر حتى أتعرف عليها، وقـد على صفارتها .ىللمت شعرها وعقصته ذيل حصان يتد

الصغير ي الجسر الخشب إلىمشيت ومشيت، حتى انحرفت

عرجت . ورائحتها كريهة ترعة ضيقة ممتلئة بالحشائش على المقام أن واجهت الميدان تحـيط بـه إلى طريقيتخذت امين، ثم الي إلى

المدى، بجوار الجامع البعيد، ميزت بصعوبة هـذا فيو. العمارات يكان يرتـد . فوق نصب صغير ا تسنم حصانه، واقف الذيالرجل علـى رأسه، وأثوابه السابغة تتهدل ثنياتهـا الغليظـة على عمامة اا بسيف ضخم، وقد توجه بناظريه أمامه مشـرف له، متمنطق سراوي .الميدانعلى

ي، وسـرن ي أول شارع صادفن فيرت الميدان، ودخلت بع

صدر المبنى ي ملونة تغط ا أول ما تصافح عقود يأن تصافح عينا بذراع واحدة، والـذراع ياحتضنت طفلت . نهاية الشارع في يالنائ

، لكن ي وحد ي أن أغن فيرغبت . ح بها وأطوها زاألخرى رحت أه

Page 18: 1521

علـى ة ناس قليلون يتنـاثرون م بالعربات، وث ان ممتلئ كاالشارع ..الرصيفين، بجوار الدكاكين المغلقة

، وعدت قليالت الطفلة، وخفت أن تستيقظ، فأسرعت لملتم ارتكبـت خطـأ ال أنني في ثانية ت االثنتين، وفكر ذراعيلحملها ب

.. دون أن انتظرهـا يلقد نزلت وحـد . هجيمكن التخفيف من نتائ . نفس المكان إلى ا ال أستطيع أن أنقلب عائد نينأما ك. س كذلك؟ ألي. ا البكاء، فلن أجد مخرج فيت البنت جائعة، وشرعت ظاستيقإذا و

ـ التيررات ب كل الم يلن تجد ف أسـوقها أمامهـا وأعيـدها و س األمـر هـي للبيت، وسوف ينت يكررها، حول مالبسات مغادرت أو

. آخر لتجديدهام علينا حتى نجد سببيبعراك حاد وغم يخ

: نة، وتبينت أنهـا سـينما وكنت قد اقتربت من العقود المل تعشى العين، حيث يلمع التيصدرها بكل هذه األنوار على تنازي

اعم الغزير ينسدل الن -ا تقريب لي الكح -وجه الرجل األزرق بشعره يشـفت علـى مر الواسع، قبل أن يهوى فمه األح اجبهته فاتح على

ا األحمر بـين راحتيـه، وهـو هالمرأة المفتوحتين، بينما نام وجه ومن خلفهما بدا البحر واألشجار والشـمس . يلتهمها بعيونه الزائغة

كاكية سفل، رأيت الرجلين يرتديان بدال األ فيو. والنسوة العاريات إلى يتبينت مادعان وسرعان ما . ويصوبان بندقيتيهما نحو الجميع

Page 19: 1521

الرجـل، فيا وحده بين ك كان وجه المرأة مرسوم . التوقف طويال المنظور جعل العالقة بين رأس المرأة ووجـه فيوكان ثمة خطأ

.تماماة لالرجل مخت

الناحية األخرى، وما لبثت أن خلفـت السـينما إلىعبرت . وجـه الطفلـة فـي ق د، وتوقفت تحت مصباح الشارع أح ئيورا

. منهـا هـي ، فابتسمت لها وقربت وج يديأحسست بها مبلولة بين . كانت مستغرقة وتقاطيعها الصغيرة حلوة وبشرتها خمرية رائقـة

.أما أذناها فمثقوبتان وثمة خيط صغير معقود داخل كل ثقب

أنني أيضا أنها بنت، وتذكرت يتول، ت عرف أننيوتذكرت ينب بأن يجن عليها كفيال في كان تعر التيتلك المدرسة على مررت

كانـت كـل إذا وكيف أتذكرها . خاطرم الوقوف المحفوف بال اهذ، وأبنية أخرى بـدون علمأبنية تحيط بالفناء وال : المدارس متشابهة

أقصدها كانت التيلكن المدرسة . مكان ما في فيها يخت لمعفناء و وأنـت حـين . النهر وتمتد أمامها حقول مبللة بـالمطر على تطل

ا فناء المدرسة المجاورة، متوقع إلىتحولت عن الحقول، واستدرت بعـد أن توقـف أخيـرا خروجهن على أن المعلمة البد قد وافقت

لها وسـترتها وا وسط البنـات بسـر أخيراها أنت تراها .. المطر

Page 20: 1521

سـوف يحمـر . ا خلف ظهرهـا معقوص يالكحليين، وشعرها البن .ما داخلها تحس أنت به شيءوجهها الرائق لما تراك، ويرتعش

التـي ، نعم، تلك أيضاهر نال على مة مدرسة أخرى تطل ثو

أعقاب فيبعد تسريحك من الجيش وقبل القبض عليك عملت فيها ..المدرستين إذن؟ أي .بزهمبخمظاهرات المطالبين

الشـارع، دون أن أنتبـه فـي كيف توقفت كل هذا الوقت

. شارة المرور؟ إ أمام القلقة ه صفوف السيارات ببتس الذيللضجيج ، وقـد عالية العمارات الزجاجية ال إلى لي حو ا متلفت يواصلت سير

ا لهـذا وقلت، مادمت ال أعـرف اسـم . الشارع تسحقه إلىمالت الشارع، فألسمه شارع العمارات الزجاجية، أو شارع العمـارات

به ب ما أصطدم وأرق يتدبر أمر أالمهم أن ... ، أو عاليةالزجاجية ال .ييز بينهالتممن شوارع وأحاول ا

غيـر . شارة المرور، وانعطفت مع الشارع القادم إعبرت

الرصيف اآلخر، بعد أن على يسير الذي للرجل سريعا تنبهت أننيالناحيـة علـى حثثت السير، فأسرع . عيني بطرف يلمحته يتابعن

التـي اللحظـة في، حتى غاب اا ثم شارع عبرت شارع . المقابلة فجأة، فاندفعت أقفز السـاللم، وأقطـع مضيء ال السلمجهت فيها وا

Page 21: 1521

أن إلـى ، قـدمي أطراف أصابع على المضيئة الدهاليزالممرات و كانت األضواء تحيل الدنيا . فناء واسع نظيف مسقوف إلى انتهيتالزجاجية القصيرة يا، غير أن األرض والجدران والمبان ا باهت نهار ووجدت نسـاء ورجـاال قليالتمشيت . لبهاءت بالغة النظافة وا تبا علـى للحصـول يون المكان، وبعضهم يتقدم من مبنى زجاج ئيمل

قلـت . رات صـامتين ظ يزهون بها وهم يتبادلون الن التيالتذاكر لهجـت الـذي هذا مترو األنفـاق . أخيرالقد تعرفت عليه : نفسيل

ند افتتاحه، شاركتنا ا ع مهيب األلسنة بذكره، وعملت له األمة احتفاال إال لم أزره من قبل، أنني يعتقاداوبالرغم من . فيه حكومات الدنيا

شاهدته يمأل صـفحات الذينفاق ا هو مترو األ ذ أقطع بأن ه أنني .الجرائد وشاشات التليفزيون

للحـرص، يبـد أن يـدفعن إال أن ما حدث منذ قليـل ال

كـد أنـه ؤن الم ومادمت داخل النفق، فألجرب ركوب القطار، وم .ي عمن يالحقوننيسوف يبعدن

، وكـان ثمـة صـناديق أيضاا فظيكان رصيف القطار ن أسـود لقـط يضم األول تمثـاال . ية بجوار الحائط الرخام يزجاج

أننـي قدميه الخلفيتين وينظر بشراسـة، حتـى على يضخم يقع انتصـب بداخلـه الذي يلا الصندوق الت إلى ت البنت، منتقال مضم

Page 22: 1521

ضخم، وبجانبه امرأة قصـيرة ذات خمـر ج صغير له تا فرعون. تاجها وتقـف ملتصـقة بـالفرعون ينحيل ونهدين نافرين، ترتد

وتحتهما اصطف عشرات الجنـود الصـغار الحـاملين أقواسـهم للغاية، يشبهون لعب األطفالاودروعهم، لكنهم كانوا صغار .

ضجيج المترو من بعيد، وتقدمت مـع النـاس لي ىهوتنا

. أفلت الفرصة، وقفزت داخل العربة بمجرد توقفها ال أ على ازمعا وصـامت، واآلخـرون الـذين هـادئ ا، لكنه كان المترو مزدحم

جسـاد انـدفع المتـرو واأل . أيضـا صعدت معهم كانوا صامتين ا أتمكن فيه مـن مضيت أحاول أن أجد وضع . يالمتصلبة تحيط ب

والقبضات والسـواعد االحتفاظ بالطفلة دون أن أعرضها لألكواع ألبحـث عـن يرفعت رأس . تضغط من كل اتجاه التيواألجسام

بغتة عيونهـا الواسـعة، دتنية، فش خالي ال يديمكان أقبض عليه ب . بيديهاليح و المقعد القريب تلفيوشفتها جالسة

على ا قادر ي، ووجدتن يبنص و ي إعيائ يبتسمت لها، وفارقن ا

ب، بينما البنت قد فتحت عينيهـا قترأ و يأدفع بجسم . التقدم نحوها هـي وكانت . البكاء في تجول بهما حولها، قبل أن تشرع تومض القريب من النافذة الزجاجية المقفولة، وأمامها يالكرس على قاعدة

" ا أبيض فوقه أزرق وقميص واالسر يمقعدان وحولها الناس، ترتد

Page 23: 1521

فـي أن لمت شعرها وكانت جبهتها عريضة، بعد . ليكح" جاكت هللت ألن وجههـا كـان تو. صدرها على ضفيرة غليظة استقرت

هذا الكحل الثقيـل حـول عينيهـا إال ،ا ال يحمل ألوان ا خمري ارائق يقلت، ها أنا قد عرفتك بـالرغم مـن الـز . تينذالواسعتين الناف

تتنكرين فيه، غير أنك جميلة تتأللئين وأنت ترفعين الذي يسالمدر ليت صدرك، نظر إلىوحين ضممتها . البنت منييديك، تتناولين

. لفائفهاتبلوم وتأنيب، لما تحسس

كتفهـا، وأخرجـت على التقطت حقيبتها المدرسية المعلقة رة والبيضـاء كبيـرة، يمنها بطانية نظيفة، مربعاتها الحمراء صغ

حجرهـا، على ثم عدلت البنت . وكذلك الغيارات البيضاء النظيفة ر لهـا، مائلـة عليهـا، ي سريعة، مضت تغ وبأصابع مدربة حميمة

ومـا لبثـت أن . الناس أمام البنت يهر عر ظتال أ على وحريصةعينيها على أن أقبلها في عيونها بعد أن انتهت، فرغبت ليرفعت

.اسمتينباالثنتين ال

ذراعيها، تتبـادل معهـا على كانت البنت صاحية مستكينة .الضفيرة على نرتين تقبضاييها الصغفك االبتسام وترفع

Page 24: 1521

ـ لـي ، وأنا قد وجـدت ييمضأوالمترو ي وذراعـا ا مكان، ثم أنتقل لليسرى، وأشاهد قليال اليمنى قدمي على أرتكز. تانخالي

. ر النافذة الزجاجيةبالظالم ع

هيا اللتين انتقلتا بسرعة، استدرت بوج يهوعندما تبينت عين المحـروق أن ألمح الوجـه األسـمر أمكنني حيث اتجهت، ف إلى

والشارب الكث، وقد بدا الخدان متمترسـين يصـنعان هضـبتين . العينين واألنف األفطس على تميالن

:اقتربت منها حين أومأت، وانحنيت ألسمعها تهمس

ال تتحرك قبل أن يفتح المتـرو .. جرجس مار فيننزل " .. ".أبوابه فعال

أتـابع رتقال، بينمـا ب رائحة ال يفهمت ما تقصده، وفارقتن ون عليـه، ئ التقدم نحونا، والناس كأنهم يتكأك فييجهد الرجل وهو

يتقـدم التي الناحية إلى -ستداروا بالفعل ا -وقد استداروا بأجسامهم .اا هادئمنها، فيما كان يدفع بيديه ورأسه صامت

الباب وأنا خلفها، إلىانتظرت حتى توقف المترو، فطارت

.ب خلفنا بسرعةقبل أن يغلق البا ثم هبطنا

Page 25: 1521

والحقيبـة يامد تحمل الطفلة قهينزلنا الساللم راكضين، و

. ا خلف المحطة وتوقفنـا الهثـين رند. من كتفها ىلتتد المدرسيةكتفهـا على يديلم يهبط وراءنا، وضعت أحدا أن ليوحين تبين ، واتجهنا لنعبر الطريق، حيث كانت أمامنا الكنيسـة ليوضممتها

، وقد بانت قبتها الضـخمة مضـاءة عاليةها المقفلة ال الشاهقة ببوابت . مكان مافيختفية مبمصابيح ، يصـدر علـى ار، وجسمها أحسه حـار صحت الب روس

أشعر بالدوار تجعلنيرائحة البرتقال الحريفة تتضوع و شعرها له وكان ثمة درجات رخامية عريضـة تصـعد نحـو بوابـة . العذب يحيط بمجموعـة الكنـائس الذير كان السو اليمين إلىو. الكنيسة

ـ طالل حصن أ ب هيتن ي الذيو. الظالم فيتفية لمخا ابليون القليلـة بـ ضوء الكشـافات في المستدير الطالع جالبر: المتهدمة . ةالمختفي

ـ . السور والبئر والحوائط الحجرية ت صـاحية وظاللهـا دكلها ب افيف كنت أسمع ح ننيوأنصت هنيهة، أل . تتقاطع وتمتد عبر الشارع

ألشجار لم أستطع رؤيتهااقوي .

األرض، وتـرن ق، وسمعت صوت أقدامنا تد قليالتمشينا ذراعها بطريقة مريحة على كانت تحمل البنت . خالي الفضاء ال في

Page 26: 1521

حساسـية علـى تعتمد. طريقة ال يمكن وصفها . الها وللطفلة معن جوارنا، كـا إلىو. متزنة مستقيمة مالكة ألمرها : بة خاصة درو

بوابة أخرى بالقرب من نهاية السور، على ثمة الفتة رخامية معلقة الكاثوليك مدافن: توب عليها ككان م . يسارنا اآلن على أصبح الذي

مـن يت حفيف األشجار يـأت والبد أن ص : نفسيوقلت ل . الملكيين .خلف هذا السور

أنا أعرف اسمه، بل . نعم. كنا قد اقتربنا من حصن بابليون

ن هنـاك إثم . هذه المنطقة بكاملها اسمها مار جرجس أن وأعرفالكنيسة المعلقة بنخيلها : من خلف المدافن لىاا من الكنائس تتت عدد

مريم العذراء، ةتمر على أفطرت الذي و خالي الفضاء ال فيالسامق ناووسـها في سرجة حيث استراحت العائلة المقدسة يثم كنيسة أب .. ست برباره صـاحبة الكرامـات مصر، وكنيسة ال إلىحين أتت

أننـي كانت المنطقة الواقعة خلف السور يلفها الظالم والليل، غير شارع ضيق، تطل في. النهار من قبل، ومشيت في قد جئتها تكن

جانبيه، وعبرها، رأيت صور العشاء على أبواب الكنائس واألديرة ، عـذراء ل الجدران بكاملها، وصـور القديسـين، وا ياألخير تغط

ـ .. يرفع يده اذراع أمه وشاب على والمسيح طفال القد كنـت محيط أعرف هذا المكان دون عالقتـه ببقيـة أنني أي ذاته، فيبالمكان ة على أي .نحو أيسر على اقتربت من فهم األمر أننيأظن . األماكن

Page 27: 1521

سـبيل علـى ي قريب من حلوان أو المعاد أننيحال، أغلب الظن قليال يأن أجهد ذهن ي عل نية، فإنه من المتع هذه الحال فيو. المثال

.أكثر تحديد إلىللوصول ن نتوقف ثالثتنا هكـذا أ شيء، في أنه ليس من الحذر ىلع

ذكـاء كبيـر، إلـى األمر جيحتا ، وال خالي مثل هذا المكان ال في، التالية المحطة في أعقابنا بمقدورهم أن يهبطوا فين مدراك أن إل

.اثم نراهم فجأة أمامن

إلـى أن وصلنا إلىها وقفلنا عائدين بجوار السور، تاحتضنذراعهـا علـى رأيت البنت تتملمـل . الكنيسة الشاهقة مرة ثانية

الضـوء فيا الواسعتين الالمعتين ه عيني ليرفعت . وتحرك رأسها أن أقبل شفتيها الداكنتين المتهيئتـين، حـين فيالخفيف، ورغبت

العلـويتين لفرجة الضيقة للسـنتين ال الضوء من ا نثفتحت فمها لي :أشرت لها نحو الكنيسة البعيدة قائال. األماميتين .. ".)أبو سرجة(كنيسة "

Page 28: 1521

رأيتهـا التيكنت أريد أن أخبرها عما أعرفه عن الكنيسة فوجئـت لكننـي من قبل، وبدأت أستعيد تفاصيلها مرة أخـرى،

:مس تههي ومنيهرب ت وعيونها يبصوتها الحي .. ".نت جائعةالب"

فياستدارت، وارتقت درجتين من السلم، ثم جلست والبنت ولحظـة . تفتح أزرار قميصها األبـيض هي و ليأومأت . حجرها

نطـر كـل منـا . صوت األقدام البعيدة إلىاقتربت منها، انتبهت لآلخر، وانطلقنا بجوار السور، وأنا أكاد أطير من خلفهـا، حتـى

كان ثمة أشجار وأشجار تدور مع سـور . خر شارع آ إلىانحرفنا . مهـل علـى صوات من خلفنا تقتـرب واأل يرحنا نجر . الكنيسة

زنقة ضيقة أفضت إلىوانفتح أمامنا شارع آخر، دخلناه، وانحرفنا ضـيق منـي داه. سكة أخرى دون أن تنقطع األصـوات إلىبنا

ـ ي، وكرهت أن أقض مفاجئ ـ ي وقت الشـوارع منيتسـل : ا راكض للسكك الضيقة، دون أن أتمكن من الركـون ي والحوار للشوارع، أقـدر الـذي الفراش في، و ئي تركتها ورا التي الحجرة فيللهدوء

ي أفقـد قـوا تولما بدأ . ءيش أي فياالستلقاء عليه ال أفكر على :سمعتها تقول

.. ". أنا من هذه الناحيةيوسأجر.. خذ البنت"

Page 29: 1521

ذراعـي علـى فلـة جابة، فلقد تلقفت الط لم أتمكن من اإل .يتقو وانطلقت بأقصى

Page 30: 1521

دقات

Page 31: 1521

كان الفضاء قدامى . ال وواسع طريق خ إلى أخيراخرجت ا، أشـاهد ا مكدود كنت أسير مرهق . كل مكان في و لي وحو ورائيو

، وتومض حرائقهـا الصـغيرة يساري على دوائر الدخان تتصاعد كانـت البنـت قـد . دي البع في تالل القمامة المتناثرة فيالمنتشرة

كان فيما يبـدو الذي، يتوقفت عن البكاء منذ أن كففت عن الجر هـي ـدأت ه، تأهدوعندما . احتماله على ا ال تقوى يسبب لها ألم

التـي من البطانية، ومالبسـها جغير أن جسمها كان يخر . كذلك . ماجرى لهاي، ال أدرجيداكانت مرتبة وملفوفة

العربـة تقرقـع : ة والجواد معت صوت العرب سبعد قليل،

بية، أما صوت دقات أقدام الجـواد، فيـدق دقـات ش الخ ابعجالتهليس من المعقول أن يكونـوا : أجفلت قائال . سريعة خفيفة متتابعة

بعربة تجرها الجياد، بعـد أن ي لهم أن يطاردون ىتأتهم، وكيف ي فارقتها، بضفيرتها الغليطة حتى الخصر، ورائحة البرتقال العذبـة

ـ إ يهـا أنـا وحـد . دفقات فيء يتروح وتج البنـت يذن، ومع .الصغيرة

واختبأت اليسار على ا نحو شجرة جرداء وخطوت مسرع ، علـى تظهـر هيما كنت أتابع العربة و نما أستطيع، بي خلفها قدر

Page 32: 1521

ا، ثـم هيئـة الولـد تبينت الجواد يخب صـاعد . الطريق فيمهل .يحون تهتز الحافة وحده والعربة على الصغير القاعد

ـ ا طريقه مـتهلال ، وجريت معترض منيغادرت مك ا فرح

ر، وكان يضحك ضـحكة سما أ ا صغير كان ولد . الوشيك يلخالص كانـت اليمنـى ساقه . رأسه بطاقية بيضاء ي، ويغط ىلواسعة جذ

من طرف العربة الخشبية الصغيرة اليسرىما تدلت نمثنية تحته، بي يهـز متمهال ية، فتوقف الجواد البن شد اللجام بقو . بال أسوار التي

ت، فقفز ك وجهه الضاح ليرفع . غضب فيرقبته الطويلة الالمعة الءخا الريح والبجواره، وأرخى اللجام لينطلق جواده مجتاح.

فرح طـاغ حـين منيوهاج. لقد أدركت من بعيد أنه هو

المسـاجد ومطلـع مام إ كنه هو بال شل إ. إليه ياستطعت أن أهتد ا، ومـن هذا هو الصحن يبدو غائم . الجامع العتيق . ر اللوامع األنوا

هـو .. نعم. الليل فية الممتدة خالي ال األروقةخلفه غابة من أشباح . هدوء عجيـب ي وغمرن نفسياستراحت . جامع عمرو بن العاص

على في تعر فيما الفائدة : أهتف ي، حتى وجدتن قليال إال ولم ألبث علـى د بالضبط، أو دال أستطيع أن أح هذا المكان أو ذاك، مادمت

.يبدو أنه ها هنا تكمن المشكلة. نحو، عالقته ببقية األماكنأي

Page 33: 1521

أسرعت بمغـادرة نني القديم بالذنب أل ي إحساس يثم عاودن علـى عدلت من وضـع البنـت أنني إال مبدأ األمر، فيالحجرة ، وأخذت أحاول إعادة ترتيب مالبسها ثم بطانيتها، ونحـن يحجر مضـيء ميدان واسـع على أشرفت التيتز بعنف فوق العربة نه

. بالناس والبيوت تحتها الدكاكينئلوممت

، المهم يلا الوقت الح في المشكلة هي ذلك، ليست هذه ومعاآلن أن أتشبث بالعربة، وأرقب الطريق هذه المرة بحـذر، حتـى

المكان على فيأغادرها بمجرد أن أتجاوز النقطة الفاصلة بين تعر . من عالقة هذا المكان باألماكن األخرىيوبين تأكد

شوارع وشوارع قطعتها العربة، كلها مضيئة ومزدحمـة، . عاليأطالل السور القديم ال على ميدان آخر يطل إلىحتى انتهينا

كانـت . الناصية على وتوقفنا لنلتقط امرأتين أشارتا وهما واقفتان ، وطلعتـا أسـود طـويال ا مالية لف والثانية جلباب ي ترتد ىلاألو

، وأنا قاعد بالقرب من الطـرف المواجـه يكلتاهما ومرتا بجوار . يجلس عليه الولدالذيللطرف

يصل حتـى أطـالل الذيعاودنا سيرنا، عابرين الشارع

. ا للشارع كان ثمة فتحة تخترق السور، وتشكل امتداد .السور القديم

Page 34: 1521

ـ ال فـي اك ، كان السور يمتد هن اليسار و اليمين ىلوع ـ الم ظ ا عالين قد غادرنا مدينة نح ، ها نفسيوقلت ل . الصفراء الكالحة بأحجاره

نا مدينـة أخـرى خلا، وربما نكون د كاملة، مادام هذا السور قائم . . ماعني كل األحوال يجب أن يكون لهذا السور مفيو

بسرعة، غير عيني أغمض ي دوار ثقيل جعلن منيوبغتة لط

علـى حماية الطفلة، ونحن نجلـس على يدرتأن أفقد ق خفت أننيكانت الرائحة تندفع ملتاثـة لـدم . ثانية عيني، ففتحت بةحافة العر

ولحم وعجيج وطنين ولغط وصبية ورجـال يتمنطقـون بأحزمـة ى، وينتعلون أحذية طويلة دجلدية تبرز منها أطراف السكاكين والم

.تصل بالقرب من الركبتين

ا مـن الجمـال تخـب مهتـزة ان قطع ود متمهال قالبعض ي من الغنم، والقـوم جمـيعهم ااآلخر يقود قطعان بأسنامها، والبعض

. الضوء البـاهر فيمنشغلون بسلخ وتشفية األجساد المعلقة أمامهم قدم وسـاق، والنـاس على اكان الذبح والسلخ والتقطع والدم قائم

مـن قدر على منصرفون بكليتهم يعملون جاهدين نشطين، ويبدون .الحماس والحرارة

Page 35: 1521

قلـيال تجاوزناهم حتى تنفست الصعداء، وتراجعت ما إن وـ الشوارع ال فيالهواء أشم يبظهر ـ خالي ا ة ونحـن نعبـر مزلقان

العربة ويستقيم سيرها متخلصة من االهتزازات يللقطارات، لتستو اآلن فقط، ذلك البيت القـديم تلقد تذكر . أجل. ات المفاجئة بوالمطالخليج، تجلـس شارعفي، عند عمها األولىيتها فيه للمرة رأ الذي

ـ ي يغن الذي الحفل فينائية عن الناس ي فيه الشيخ الضرير المنحن المبحـوح، والحاضـرون ي بصـوته الشـج هعود على بحميمية

هم دون ت أصوا ىعاليشاركونه متحمسين، ينشزون ويضوضئون وتت ورموشـها الثقيلـة طفلي متأللئة وحدها بوجهها الهيمبرر، بينما

أن أبدأ يهذا مكان بوسع . وكتفيها الخمريتين تلمعان بضوء مكتوم والبيت المميز بشـرفاته . شارع الخليج أعرفه . حال ة على أي منه أي وحتى أتجنـب . ينعكس عليها لون السماء التي ونوافذه عاليةال

حدث، وسوف أحـاول ما على سبب للعراك بيننا، فلن أقول لعمها ، ي طفلت ، حامال اا عادي أمر عليهم مرور أنني وجهه وك فيام االبتس

وهل كنت أمر علـيهم .. هنا أننيوأسأله إن كانت عنده فليخبرها مرورل . ا من قبل؟ا عاديي أن هذا أمر ممكن وطبيعلييخي.

الذي شارع الخليج، هذا في األولىومادمت قد رأيتها للمرة

أن أمر عليها هناك مهمـا كانـت يننأستطيع التعرف عليه، فيمك .النتائج

Page 36: 1521

الذيال ؤهذا هو الس . ال؟ وهل تريد أن تراها مرة أخرى أ

عليك مواجهته مباشرة، بعد أن تجنبته طوال شـهور وسـنوات، نـك إف واجهتهإذا دون أن تواجهه، و كيووتركت كل هذا العمر يط

تقـدت اف التية، مثل كل األمور المعلقة، و مجابة حاس إتتركه دون .وكيف حدث ما حدث؟. مواجهتهافيقين القديم يلا

منكمـا ، وكأن كال تماماما التقيتما، غرقتما ن حي هيوأنت و

يبحث عن اآلخر، ولم تفارقها ولم تفارقك حتى تزوجتما بعـد كانوتعجب كـل أسلمت لها نفسك، وأسلمت لك نفسها، . شهور قالئل

يرويـه . كل يوم ما تتذكرانه كنت الذي كمنكما من لقائه باآلخر، ذل شـيئا حتى أضـحى تفاصيل جديدة، إليهأحدكما، فيضيف اآلخر

ممتع يا يغتن ا مبهج مثل عـرس عملتمـاه ا بكل ما يعن لكما، دومأحببت شـعرها األثيـث . ا، ثم تخفيتما بين الناس تتفرجان عليه مع

أنها ما وقلت لها . ورموشها الثقيلة وتقاطيع وجهها المستقيمة القوية ها أصـبحت ال أن و األولىحلمت به، وقالت لك أنها اطمأنت للمرة

ياب عـن الـدنيا غ ال في كل رغبة تماما لنومها، وفقدت عنيتجد م نك أا، و يمكن أن يكون حقيقي ن كل ذلك ال أوكنت تقول لها . بالنوم تلتقطـا أنفاسـكما نأما ن عليك أ، و ييجر تستطيع أن تصدق ما ال

.كانت حقيقة أم الإذا ولكما وما حالدنيا من على وتتعرفا

Page 37: 1521

ـ حارة مسقوفة تمهلت العربة، وع في الجـانبين كـان ىل

أبواب الدكاكين يصنعون من قماش الخيـام أمام الصنايعية قاعدين اأعالم فرعونيـة وزخـارف موشـاة بالقصـب ا ورايات وصور

.ةالملون، تحت أضواء المصابيح المعلقة بجوار الالفتات الباهت، فوجدتهما وقد مالـت كـل في المرأتين من خل إلىوالتفت

والنصـف يدي حديث شاركت فيه األ فيمنهما برأسها، واستغرقتا طريـق ل، أرقب ا حذرا كنت مع ذلك أننيغير . من الجسم يالعلو

لملمة مالبس البنت ولفائفها، وتمكنت من فيبانتباه، بعد أن نجحت حتى أنها استسلمت للنـوم، بطريقة مريحة، حجري. ىلوضعها ع

.جبهتها على كانت معقودةالتيمتخلية عن تلك العبسة الخفيفة

حين شاهدت البوابة الضخمة المفتوحة، عرفت أننا وصلنا الثقة والطمأنينة، بعد أن توقف يسترحت وداخلتن ا. باب زويلة إلى

الفنـاء فـي و. طالئـع لحالولد بعربته بجوار صور جامع الصـا صـغير يقدام الجامع، وعبر السور، كان ثمة كشك خشب حجريال

مدهون باللون األسود، وأمامه الفتة معلقة بين عمـودين مكتـوب .ي الديمقراطيعليها، الحزب الوطن

Page 38: 1521

ـ سريعا ي ذهن فيوومض إلـى ي أن باب زويلة هذا يفض إلـى كتشف الطريق أ أن يمكننيومن هناك . س كذلك؟ ألي. الغورية

مادمت قد تبينت باب زويلة وجامع الصالح طالئع و. شارع الخليج إلـى ن اكتشـاف الطريـق أيد القريب، فال شك ؤوسور جامع الم

شارع الخليج بالقرب من سجن االستئناف، نعم، ومديريـة األمـن المرأتـان . ومحكمة مصر، كلها أمـور سـهلة وقريبـة المنـال

. تتحدثانأماميرع، ثم توقفتا شا الإلى، وقفزتا يانتجاوز

ان قميص نومها األخضـر فبل ماليتها، د تع األولىراحت ا، وجسمها النحيل الملفوف، أما الثانية، فقد اسـتقامت الداكن قصير

تفـاجئني نظرة طويلة قبل أن ليبجسمها الثقيل الراسخ، وأرسلت :قائلة

.. ".ضع يدك تحت ظهره.. ل بيدكيأسند الع"

. ر نحـو بـاب زويلـة ثم استدارتا، وعبرتا الميدان الصغي المـرأة على تستند هيا، و ا خفيف كانت المرأة الصغيرة تعرج عرج

الولـد الصـغير بوجهـه إلىا متطلع ي جيوب فيبحثت . األخرىجيوب السترة والسروال والقميص، رحت أجـوس . األسمر الباسم

Page 39: 1521

هـز لكن الولـد .. ومنديال اريتب وعلبة سجائر وك افيها فأجد أوراق . اح مبتعدون يديه وانطلق بالعربة، وهو يلاللجام بي

Page 40: 1521

صوت كل الطيور

Page 41: 1521

ـ . عبرت باب زويلة وهاجت رياح الغورية وعنبـر كمس. توابل، وسكر نبـات . هانبندل وزعفران وقرنفل وح وكافور وص

مهل، والدكاكين المضيئة حولهـا على يرائحة فاغمة ثقيلة تأخذن ط باألحجـار الصـفراء للمـب ارع ا لشالناس يشترون ويبيعون، وا

ملـون ح الخلـق ي لي ومن حـو ي، وأنا أمش ايفظالمتراصة يبدو ن العربة في يحوائجهم ويمضون، ثم لمحت المرأتين اللتين كانتا مع

.تسيران بعيدتين

يقع فيـه الذيفرحت ألن هذا الشارع بالذات، هو الشارع ية األندلس، أحذ: الالفتة بالخشب البارز ". يآدم البروج " دكان عم

الحجـرة، منـي ضـاعت . لي جم فيط كو بخ األسفل في مهثم اس أعرفهـا التـي الغورية فيوالمدرسة، ومار جرجس، وها أنا ذا

ـ بعد حارة الروم بأمتار قليلة، سوف أنعطف مـع ال . جيدا ارع، شـ أوعم آدم قريب لنا من بعيد، مـن . ي يمين إلىألجد الدكان كولئ

لكن عم . المقابر صباح يوم العيد في إال اهمكن أر أالقليلين الذين لم ـ يآدم بالذات، كنت أراه منذ صغر ، حـين ي يوم الوقفة مـع عم

في، ألقى عم آدم يلاوم الت ي ال فيو. حذاء العيد ي لنشتر ينبيصطحجسـمه . بعينه الحوالء ووجهه األسمر السمين ليالقرافة، يضحك

هـي ذات اللـون الزا ا، وتبدو الكرافتة الضخم تلفه بدلة كاملة دوم

Page 42: 1521

عـن ياقـة اكأنها سوف تخنقه، وهو يحرك رقبته السمينة بعيـد .القميص المقفول

ياستوقفن. بلته وأنا هارب أبحث عن مكان اك السنة، ق تل في

. الفـور على لم أتعرف عليه نني الدرب األحمر، وأخذ يقهقه أل في، ي وزوجاتهم وأوالدهم وأم ي وأزواجهن وأعمام تيام عن ع يسألن

:ا عن أحداث وأحداث قبل أن يصيح غاضبينوأخبر هـر ظوي.. الميتـين على لم يعد أحد يطلع .. حتى القرافة "

.. ". ترب أخرىإلىبمن يموت أنهم يذهبون

ي الطريـق سـألن فيو. بيته إلى معا أن نروح على أصر :من البوليس، فهتف هاربأننيفأجبته

ـ .. كفـاك .. يكفاك يا ابن .. السياسة مرة ثانية " كدع المل ".مه وحده ظ ينكللمال

حضنها، في يأخذتن. امرأته البيضاء على بيته تعرفت في

، لكنهـا قلـيال ت لذب. لم تكن تفعل ذلك وأنا صغير بالرغم من أنها أما ابنته الناحلـة . ئلكانت ماتزال محتفظة بجسمها القصير الممت

طوال شهور ا ا صوت له عسمقة ولم أ ل، فكانت مط "مريم " البيضاء

Page 43: 1521

ي الشقة بقميص نومها الكستور ذ فيتتحرك . خمسة قضيتها معهم . يرها أدنى صوت سنحيلة صامتة ال تتلفت وال يصدر عن : الكمين

البيوت من ب آخر الشقة، أرق في الحجرة البعيدة فيقضيت الوقت ـ . ه واألجسام تلوح عبر النوافذ جو الو بعوأتت " ليحو قت تلـك عش

وأبوابهـا عالية بيوت قديمة درجاتها في السقوف عاليةالحجرات منهـا ريـاح تأتيوحجراتها واسعة ونوافذها شاهقة، ولها مناور

.متجددة باردة

ا كثيرة لنسوة صـغيرات كنـت أشـاهدهن أحببت وجوه يهن، حتى أدركن ب أرق أننييمارسن أمور معيشتهن دون أن يعلمن

ارع، لكن عم آدم كان يرفض وأنزل الش جالسأم، وحاولت أن أخر سبقت التي الليلة فيو. تهدأ األمور حتى ا بأن أظل مختفي يويطالبن ومريم نطيـل يورأيتن. لهم، جلست معهم لنتناول العشاء يمغادرت عينيهـا خـوف واسـترابة فـي . األولى بعضنا للمرة إلىالنظر

تسـتقر . مـع ذلـك منيهرب تر أنها لم تكن غيومايشبه الغرق، وعنـدما . ، دون أن تفـارق خوفهـا عيني في اونها القلقة رويد عي

، غير أن ا موارب ي آخر الليل، كنت قد تركت باب حجرت فيجاءت . حركة جسمها العنيفـة تحـت الغطـاء إلى، وتنبهت ينبالنوم غل

نهداها حران وجسمها بالغ النحول لكن حركتها السـريعة كانـت رفيع وحار وجـارح : يور، وصوتها يشبه صوت كل الط تفاجئني

Page 44: 1521

. ورقيق يترقرق من داخلها ثم ينتقل من شفتيها وأطرافها ومسامها الفجر ارتدت مالبسها ومضت واختفت حين غلبتهـا دموعهـا في

اإلثـم نوع غائر من يلحظتها داخلن . باب الشقة على وأنا أودعهم .يب لم أبرأ منه بالرغم من كل مامرالذي

أننـي ع شارع المعـز، وقلـت م ر، وأنا أدو ليتلفت حو

هذه الحالة هـل أتراجـع فيو. آدم أغلب الظن دكان عم تتجاوزا أن استيقاظها بـات أن أرعى البنت مدرك ي عل عنه، أم أن باحثاال . جائعة؟ ذراعيهي على ا، بعد أن مضى كل هذا الوقت و وشيك

علـى بسبب إعيائها وعدم قدرتها إال شك أن استسالمها للنوم ليس كانت قد غيرت مالبسها المتسـخة، وارتـدت إذا و. مقاومة الجوع

ن ذلك ال يمكـن أن يغنيهـا عـن إمالبس نظيفة وبطانية نظيفة، ف ال أ على حال، فأنا قد عقدت العزم هذه المرة ة أي ىلوع. الرضاعة

أعرفها وأحب بيوتها القصيرة القديمة ذات التيأفلت الغورية، تلك ذن، وتـدور إوريـة غأعرف ال. يرة المرتفعة واألس عاليةالسقوف ال

دكاكين العطارة القريبة، ولـن من هكذا كلما مررت بالقرب رأسي .شيء منييه

يتضـح ي ناصية الحارة المقبلة، كان الصوت النسـو ليعالحـارة، على أطللت. ي حضن في يقترب وطفلت أ رحت. بصعوبة

Page 45: 1521

ثوابهن حيث كن جالسات محلوالت الشعور مشقوقات الصدور بـأ ويلوحن وهن قاعدات يتمـايلن السوداء السابغة، يعددن ويصرخن

وسرعان . الناصية على وقفت بجوار الناس الذين تجمعوا . باكياتناس كثيرون، يمدون أعناقهم يتفرجون، بينما النسـوة بي ما أحاط

يغطين أرض الحارة الضيقة، ويتناثرون هنا وهناك حتى الجـدار كانـت . أجسامهن جزيرة سوداء تسد الحارة المواجه، فيصنعن من

صدورهن مشقوقة وأثداء النسوة والفتيات والبنات الصغيرات تبدو وهن يعددن خلف الصوت المبحـوح في تتأرجح وتطل وتخت هيو

:الجارح

مين يخدم الستات ر البدالتضيلف الشعور ويح

اديرنمين يخدم الغ يرنانيلف الشعور ويحضر الت

يضةبمين يخدم ال يلف الشعور ويحضر الموضة

وزهع دلناشاود وال عحنا اللكس عنها، باحثاتلفت أنا أصمتت المرأة برهة قصيرة، وأخذت

:ن اندلع ثانيةألكن الصوت ما لبث

Page 46: 1521

وألفلك شعرك رك ها ضر الضفيرة ويوارخ ضرك نن م تقول يابخت عيني

عدمك على يهاوالعين بك كاسرلفلك أو

فكاكتاوارخى الضفيرة ورا ا بخت من شافك ي تقول عيني

غيابك على والعين بكايهالفور، غيـر على وحين توقفت هذه المرة، اكتشفت مكانها

وسـرعان مـا عـادت . الناحية األخرى فيا كان بعيد أن وجهها :للصياح بهلع مبحوح

دبوسلكوأحط شحرير منقو على الضفيرةيوارخ شت بشوق الفرح ما شفتيرح

ىندوألفلك ع ورديحرير على وارخى الضفيرة

يترحت بشوق الفرح ما شف يوألفلك ببيت

يحرير زيت على ارخى الضفيرةو يتيررحت بشوق الفرح ما

Page 47: 1521

نـدلع الصـراخ ا كفت المرأة عن عديدها الطويـل، ينح

هن يتقافزن بنصفهن العلوي نب، وانطلقت النسوة كأ حيوالنشيج والن ورائـي فلقد أحسسـت بهـم كوبالرغم من ذل . ويلوحن ممايالت

يتحينون الفرصة، يتقدمون ليحكموا حصـارهم خلسـة، بعـد أن لـيس . ن بالهضـبتين هيصاحب الخدين الشبي على التعرف أمكنني

د أشم كاأ في خل من النسوة يمألن الحارة، وهم كهاتيإال أمامي إذن التـي نفس اللحظـة فيالركض، إال ي وسع فيلم يكن . رائحتهم

نهاية الصـفوف، بـالقرب مـن الجـدار في ليا تثير ا فيه تهلمحـ ولشد مـا أده . يسد مدخل الحارة الذيالمواجه أن النسـوة ينش

نحوها، بينما ي، وأنا أنطلق بأقصى قوت ليا سرعان ما أفسحن مكان . مرة أخرىفيالصفوف تعود لاللتئام من خل

، وطارت بثوبهـا األسـود السـابغ يديتلقفت الطفلة من زقاق صغير كأن الحارة انشـقت فيالمحلول، وأنا خلفها وشعرها

. عنه

Page 48: 1521

ام للبنتمحم

Page 49: 1521

األحمـر الكبيـر : الطستين البالستيكيين أمام عدلت نفسها تجلس هيفخذيها و على .، وأراحت البنت قليالواألزرق األصغر

القرفصاء، ثم انحنت تنضو عنها مالبسها، بينمـا دفعـت البنـت إلـى مت رائحة الصابون وتطلعت شم. راحت تتحرر بأعضائها و

، بجسـمها هيالبخار القليل يتصاعد من الطست األزرق الفاتح، و . خصرهاسة تلمظ ظهرها بضفيرتها الغلييالوثير، تعطين

، يا بكوع يف، مرتكز ظ الن عاليالسرير ال على قها أنا مستل

النافـذة أمـام الحـائط، على ة نمرة عشرة معلقة باللم ي يمين إلىو كـان يزجاجها مقفول، لكن شبح البناء الرمـاد : عاليةالمواجهة ال جا عبر الزجايبدو قريب. ح، بينما تمـد سـاعديها العـاريين بى بصوت خفيض أ نتغتخشى بين يديها ال - الطست األحمر الكبير، والبنت فيالخمريين جالكفين تحرك أعضـاءها وتخـر على لة، محمو شيئامن أمرها

الوجه الباسـم إلىا رفيعة غامضة، وعيونها كأنها مشدودة تأصوا . لهاي يغنالذي

النهاية، وقد خلعـت في أن أستريح لي أنه آن نفسيقلت ل

قدر مـا ي وأسترخ يأمدد جسم . ي وجورب ي السوداء وحذائ يسترت

Page 50: 1521

وكان ثمة هواء خفيـف، واللمبـة ضـوؤها يتـراقص، . أستطيع. تنبعث منها رائحة حميمة عةوالفراش النظيف مغطى بمالءة ناص

أحس بكسل لكنني التدخين، في، وأرغب تماما ا مفكوك يكان جسم .ي من البحث عن علبة سجائريبهيج يمنعن

، والفـراش عـالي وحين سرحت البصر، فرحت بالسقف ال العمدان األربعة، تمتد عبرها الستارة البيضاء المزدانـة ي ذ عاليال

" كلـيم : "الحجرة الرحبة وبأشيائها القليلة فرحت ب . بالنقوش الملونة وقد تدفقت غمغمتها ومناغاتها، .. عليه تحمم البنت هي تجلس نيبثمـة . بجانب الجدار األيسر عاليةصغيرة تحت النافذة ال " كنبة " و

لم أسـتطع أن أنني، ومن خلفه، غير شأشياء أخرى بجوار الفرا . الضوء األصفر المتراقصفيأتبينها

في مشاهدة وجهها والغياب يأبغو النوم، ينب أن يغل أخشى

عينيها الواسعتين المحتضنتين، بينما صـوتها الـرخيم المبحـوح .ا بغمغمات البنت مثل طائر صغير مختلطييصلن

قد وصـلت بالفعـل، أنني إال ي وال يشغلن مني شيء، ال يه انتهـت مـن أمـامي فراش نظيف، والبنـت على مستلق وها أنا

ف الجسم القليل بالفوطة وتضحك بصـوت ل ت هيفمضت حمامها، قتـيال يتسلمت لعيونها وقد أردتن س، فا يالتفتت نحو . عال وتكلمها

Page 51: 1521

ـ . بضحكتها العذبة والفرجة الضيقة بين أسنانها العلوية كثمـة ذل تسـبل هـي بالفعل و ي واألسرار والمنح والوعود، وصلتن ؤالتواط

.رموشها الطويلة الغزيرة

ييـف ذ ظ الطفلة بفستانها األبيض الن ين ناولتن وما لبثت أ به، ثم تعود وتشيل اآلخـر جالكمين، لتحمل الطست األحمر وتخر

عرها الفاحم القصـير شكانت البنت تضحك، وبدت ب . ج الخار إلى أكثـر ، بدت مالمحها هي وج إلى تحدق حين أقربها هيالمبلول، و

طنها، صدرها وب فيرحت أدغدغها . صفاء وحالوة حين ضحكت ولما رأيت الطيور الزرقـاء . لمها وأالعبها كأ وأنا يفانطلقت تناغ طيورها على الفستان األبيض، أخذت أدغدغها على فاردة أجنحتها

.أن الطيور طارت.. ها أن الطيور طارتبوأصيح :نفلتت من باب الحجرة ضاحكة، وخطت نحونا صائحةا .. ".الضحك والهزار على يدي يا سيديس"

ظهرهـا، وخلعـت ياقتربت من شباك السرير، ثم أعطتن يا، يضـو ا وثير ا خمري عاليقميص نومها المبلول، فرأيت جسمها

لحظة، كانت قد اختطفت فيغير أنها . النور األصفر المرتعش في

Page 52: 1521

وتلتقط البنـت يا آخر ارتدته بلهوجة، قبل أن تستدير نحو قميص ، .ذراعيمن بين

أخرجـت ثـديها . ثالثتنا. نعم. الصقين مت - ثالثتنا -جلسنا

ـ . اإليهالصغير وضمت البنت ا كان قميص نومهـا أبـيض مغبشا حـول صـدرها وكان مطـرز . بزهرات ضئيلة حمراء وزرقاء

.وكتفيها العاريتين بشرائط دانتيل باهتة

ـ ي العذب، تسر يحرارة جسمها السخ عبـر ركبتهـا يإلالحلمة البنية المحترقة، لى ع ، والبنت قابضة بفمها يالملتصقة بساق

بأظافرها وتمتص مجنونة تشهق بـين الفينـة واألخـرى مشتخـ علـى كتفها ومضت تربت إلىرفعتها . وتسعل يظهرهـا وتغن

، عادت تضمها وتلقمهـا قليالولما استكانت البنت . بصوت خفيض غير أن البنت كلما داخلتهـا الطمأنينـة، انطلقـت تمـتص . ثديهالقمتها ثديها األيسر، بدا أنها تقترب من الشبع، إذ وعندما أ . بجنون

تغمض عينيها وتفتحهما وأصابعها كفت عن . أبطأت وانتظم تنفسها . الحلمةق، قبل أن تترك كفيها يسقطان وتفارمشالخ

Page 53: 1521

رهة، ثـم بظهرها ل على كتفها وتربت على عادت تحملها اعهـا الكنبة، وخطت نحو اللمبة، رافعـة ذر على نهضت لترقدها

. محببينؤنتظرها باطمئنان وتواطأليخفت الضوء وأنا قربـت بـي واستلقت ملتصـقة ي جوار إلىولما صعدت

لشعرك رائحة البرتقال ينتشر . شفتيها على منها وانقضضت هيوجا تسلمت لدوار عذب مسـتغرق س وا عيني أغمضت أننيريجه حتى أ

يتنـاب وصـوتك المبحـوح الم . بهجة ملمس جسمك الحـار في وأصـناف يموعش و يأجهز أزهار . وأعضائك المستجيبة الطيعة

اسـمين والـورد والسوسـن يلاالرياحين العطرة من الخزامـى و مـع أهـل جوالريحان والنسرين واألقحوان وشـقائق النعمـان وأ

لـي المالعب والفنون وأذبح الذبائح وأعمل األطعمـة وأضـمك الجفـال وخريـر بأبراجك وعاجك وقبابك ونارك ورائحة شعرك

مساك بك االندفاع نحوك واإل فيكابد أ ا موجك وها أن شمائك ووشي تبـين شـفتيك على مناداتك والهتاف باسمك غير قادر فيا راغب

مساك بعينيك اإل محاوال رأسي فأرفع ننيابيجالمفتوحتين الشهيتين ت أهفو الذي بكل هذا الحنو يالواسعتين تلمعان بفرح وجسمك يحيطن

ـ منيمك يه سهذه المرة نعم ا ي عل يبد أن تجيب ال و يهإل أن ي ويقينكتفـك علـى في وضغطت بك ي وحد يحنو هذا الجسم أمر يخصن

نهـداك ي وقد روعن قليالك المتألمة وابتعدت حت لب تالعذب وأنص الضوء فيالصاحيان األسمران الخمريان فاستدرت ورأيت ظهرك

Page 54: 1521

علـى الداكنة تنتشـر األصفر الخفيف بالكدمات والسحجات البنية ساطعة الهابط بتلك النعومة ال يهر الخمر ظال على الكتفين وتتوزع

يزال وعيناك الواسـعتان رتقال ما بعم يحتفظ برائحة ال اوشعرك ن باسمك ما اسـمك ليوتبوحين إذن ي عل لم ال تردين منيهربان ت

وأنت جميلة هكذا هذا الفم الحلو وتلكما الشفتان اللتـان تسـمحان قات الضوء المنثال من الفرجة العلوية الضيقة ورائحة أنفاسـك بدفحتضنك فتحل برودة أل يدي وأمد ي ذلك أعرفه والدوار يالحقن لك

تبـين محـاوال ليوأتلفت حـو قارسة وصوت ارتطام قاس وعال التحقق مـن وجـود البنـت ي يحجب عن يالمكان جسمها بجوار

ز نقوش عباد الشـمس سريرها واستطعت بالكاد أن أمي فيالراقدة ا مرة إليه ينتستدارت بوجهها وجسمها وأخذ ا امالصفراء الباهتة ول

على القدرة ين العارمة إحساس طاغ بفقدا يل رغبت أخرى حل مح ولما بدأت مني من أين تهاج ي ال أدر التيمقاومة موجات البرودة

وأدركت أن الماء لن يلبث ي السقوط خارت قوا فيقطرات المطر .يرنأن يغم

Page 55: 1521

ح و د ب

Page 56: 1521

فـي ، وحين أصـبح الخارج فيكان ثمة جلبة وضوضاء . الفراش، ابتعدت األصوات مرة أخرىفي أن أتقلبيوسع

قبضـت نامـا الخوف، وسـرعان داخلني و عينيفتحت

التفاتة مني، عندما حانت يصدر على ثمحسست بثقل غريب يج أواستطعت . الحائط على المعلقة الضوء األصفر المتراقص للمبة إلى

. نحو الكنبة المجاورة ي الفراش، وأنا أمد بصر في قليالأن أستقيم علـى السيطرة ، محاوال نفسيخطوت نحو البنت، فيما كنت أقول ل

أمـا . ي وسـاقا رأسي و ي ورقبت يكتفا. ها هما يذراعا: يعضائأ . مرة أخرىني، فقد غادرتهي

ا الصـغيرتين، يه دفع ذراع فيكانت الطفلة صاحية، تجهد

ما شيء التقت عيوننا، وتحرك . مضمومتان اها دقيقتان تبينما قبض ، مفاجئ جسمها نشاط فيوسرى . يال شك أنها عرفتن . وجهها في ، فـارتكزت مني لكن الدوار داه يديمددت . ح بقبضتيها و تل هيو

طيورهـا علـى أنادي أضحك لها وأالعبها وياألرض بركبتعلى .الفستان األبيض على فردت أجنحتهاتيالالزرقاء

تخـتلط . دمدمة تتصاعد وتخفت . عادت الجلبة مرة أخرى

ر بأصوات قطار وطلقات نار وصيحات مكتومـة شب فيها أصوات

Page 57: 1521

وتتبقى فقط .. قليلة ن، لينقطع بعد ثوا سريعاكل ذلك ينهال . مختنقة .الغامضة تلك الدمدمات المدغومة

انعقـد جبينهـا، التـي البنت محمال على الحظت أثر ذلك

من فراشها برفـق لتهاالتلويح بقبضتيها، فانحنيت وحم وكفت عن فيكانت مبلولة، بالرغم من أنها استكانت . ي صدر إلىها توضمم فـي بهـا رقمت أدو . وتينلحل صامتة وقد فتحت عينيها ا يحضن

ي نهاية الحجرة كان الباب الخشـب فيو. عن الحقيبة تشالحجرة، أف ، ألن األصوات تـرددت مـرة يت أدراج عدوسرعان ما . امغلق

.أخرى، قريبة من الباب هذه المرة

الحائط نحو اللمبـة إلى يدي أن أمد فيليست هناك مشكلة حركت الفتيل، فشعرت بقدر من الراحـة، حـين سـطع . المعلقة

كانت متدلية مـن كتـف التي عن الحقيبة يالضوء، فاستأنفت بحث فقدتها، مثلما فقدت الغورية منذ قليل، بل ومن قبل لما تيالالجميلة وها أنا مطالب باالختيار مثلما واجهت من . مار جرجس فيفقدتها أن إلـى ، الخـارج إلىعندما قررت أن أهبط من الحجرة : البداية

ونوافـذها عـالي بسقفها ال ي هذه الحجرة التي سحرتن إلىوصلت .الشاهقة ورائحتها الفواحة

Page 58: 1521

ج يشـعرك المضـمخ بـأر . الفراش فيتزال رائحتك ما، قبـل أن لـي ت، لما سكنت لك وسكن يالبرتقال وجسمك الخمر

الصمود لهذا التيه، وهذه الفخاخ المنصوبة على تيأفقدك وأفقد قدر اآلخـر، إليك الفرار من أحدها، حتى يتسلل في تنجح ما إن : ادوم

.طريق يسلك أي منيال تدر ثمة أمـاكن اهتـديت . ا واضح ن األمر سهال البداية، كا في

ع أن ي أستط التيا، والمفترض أن أنطلق منها نحو أحد األماكن إليه شـبرا في، أو شقتنا ة بيت عم عز مثال يلد. أنجو فيها أنا والبنت

ال أستطيع أن أجزم بأننـا مازلنـا نقـيم فيهـا أو التيالخيمة، و . عقب والدته بأيام قالئل وفقدنا الطفل ةغادرناها بعد أن حملت عز

أسوق كل هذا اللغـو أنني نفسي أن أعترف ل ليا كان األمر، فع وأي هيقاط اسمها و ت ال في فشلت التي هذه الطالعة فينب الخوض تجأل

. وأعضائها المبهجةةجسمها الفار على يتحملن

لي مثلما كان يحدث -ا؟ هذا غريب أليس - يدق يها هو قلب ثـل م المجنـون المنفلـت والمت يالحميمس حساهذا اإل . وأنا صبى

الوضاء، ي يدق وأنا أخسر جلدها الخمر يها هو قلب . لرؤيتها فقط إال ال أعرف . عة والصفاء د ال ي يمنحن - شعرها فيوأريح البرتقال

وأنـا أسـألها عنيا غمرت فجأة بماء بارد، رحت أدفعه بعيد أنني

Page 59: 1521

سـقف قطـرات وكنت أعرف أن الماء يتدفق مـن ال . عن اسمها تعرف أسك بأن لتم باحتضانها بقوة، وا عني سيل أدفعه إلىولت تح

ال أريد أن أفقـدها مـرة أننيقلت لها . باسمها لي رعليها وأن تس .ع أن أحتمل فراقهاي ال أستطننيإأخرى، بل

ينتفض، قبـل أن يت، ها هو قلب ل و التيمثل األيام البعيدة أنسى هذا االجتياح كدت. للضجركل هذا الهرم واالمتثال في بيد

د أعجـز كـا أ. العنيف المسيطر، وتلك اللهفة واأللم اللذيذ والترقب مـا . ة البداية حين عرفت عز في ليعن تصديق أن هذا ما جرى

، حتـى يشـتعل ستـوبي محطة األ على ألمحها من بعيد، واقفة إنـ ي عيوننـا، فتنـدفع نحـو يوجهها الصريح المباشر لمـا تلتق

حينئذ أضـطر . للناس الذين يبحلقون باالي، دون أن تلق ينالحتضاـ . الخريـف فـي تزوجنـا . بنفسـها يالختطاف يدها قبل أن تلق

شقة المأذون عند إلىصطحبتها مع أحمد وفيق وأسامة، وصعدنا ا أجره قبل كتابـة ليا وهو يذكر كان الرجل متعجب . سوق الخضار

لـه الكثيـرين ونسـاءه عجوز كليل البصر، يدفع عنه أطفا . العقديقة بصعوبة، ويحـدق حجرة الجلوس الض فيوبناته، وهو يتحرك

معاملته بجفاء كنت في واجهته بضجر، وبدأت التي ة وجه عز فيأخشى أن يتطور، بعد أن كادت تنهار مجهدة عقـب يـوم كامـل

كملت له ما طلبه من جيب أسـامة أ. بيت أسامة وحدنا فيقضيناه

Page 60: 1521

على شاهدين - أحمد وفيق وأسامة - ويتخذهما قبل أن يكتب العقد، ـ أ مذهب ىلورسوله وع سنة اهللا على ة من عز يزواج حنيفـة يب

يهبطنا، وأنا أبحث عن صوت . الصداق المسمى بيننا ىلالنعمان وع كازينو الحمام وشربنا بيرة إلى - وأنا عزة -دون أن أجده، وذهبنا

ـ " شارع في باب بيتها إلىمثلجة، قبل أن أوصلها أجـل ". رة مس األولى المرة هيكانت تلك . تلقد تذكر . شبرا في" مسرة " شارع قالـت، . باب بيتها بالضـبط أمام قفوحتى نت معا نسير فيها التيكان وجههـا . تزوجتك أنني يوأنا أقول ألم معا ندخل. ي مع عالت

لم أكـن ننيالمدخل، وقمت بالدخول أل أمام النور القليل في امتأللئأنت نحو باب الشقةتفراقك، ثم تراجعت بعد أن تقدم على اقادر .

اآلن أماكن ثالثة أستطيع أن أبـدأ ي كل األحوال، لد فيو

:منها أي من

شـارع مسـرة في عزة شارع الخليج، وبيت في عزةعم وهل أنـت (ا من هذه األخيرة، لست واثق . شبرا الخيمة فيوشقتنا

كآبة من مكان بـال أكثرلم يكن ثمة )واثق من بيت شارع مسرة؟ فجأة وسط تنهض التيعشرات البيوت القصيرة والطويلة : مالمح

في النهار والناموس في من الذباب ش وجيو يبحيرات من المجار ا مـن وسـط الليل، وناس يأتون من كل األماكن ليختطفوا مسـكن

Page 61: 1521

لك هيتقول . تمأل السماء بدخانها التيرة يالورش والمصانع الصغ أن الكهرباء مقطوعة وليس لدينا ماء، فتختطف الجردلين تمألهمـا

ال التـي تستقران حتى تجدا األسباب ما إن و. ماء من أول الشارع دون نوم، وتسـتأنفانه التالي اليوم لعراك يستمر حتى صباح هيتنتـ خصائيأ تعمل فيها التيا من المدرسة ال عودتك ظهر ح ا ا اجتماعي

ومة لحل مشاكل طالب مدرسة التجارة الثانوية، الـذين عينته الحك األزهر وخـان فييعمل أغلبهم مع معلمين مخدرات وتجار عملة

خرجتما لزيـارة أصـدقائكما، فالبـد أن إذا و. والوسعاية ليالخليـ الب م مخأربعة . الطريق فييحدث عراك الـدوام، علـى رعةس

الـذروة إلىالجرح والضغط والوصول على تتعوداه شفوأربعة طفلتنـا فـي الحال حتى أجهضت عزة ه هذ تكيف استمر . سريعاذلـك ا بعد ولد مبتسر الذي ي بعد سبعة شهور، وطفلنا الثان األولى

بعامين، فأودعناه الحضانة الزجاجية ولم أتمكن من رؤيـة لـون ـ ا مع ذلك للح ثم كيف كنا نجد وقت . عينيه؟ ات حـب مشـبوب، ظ

ليلة نسهر فيها حتى الفجـر، حيـث نـرى بعد انختطفها اختطاف بل وكيف وجدت أنت . حقولهم مع حيواناتهم إلىالفالحين خارجين

الذي التنظيم الصغير في للكتابة والقراءة، والعمل مع زمالئك اوقت .شيء كلكان خط دفاعك األخير، لو فقدته، فسوف ينهار

Page 62: 1521

شقة شـبرا على بالرغم من كل ذلك، فلن نستطيع التعرف كل هذا االزدحام والطرق المتقاطعة غيـر المعبـدة لخيمة وسط ا

برائحتها وترابها وقمامتهـا حواريختلفة عن كل ال م ال حواريوال العرق، حامال في ا غارق اها مكدود توبحيرات مجاريها، طالما قطع

.الخضار والخبز والكتب

ا؟إليهحتى أصل إذن من أين أبدأ قلـت لهـا . ذراعيولة بين صوت الطفلة المبل إلىت بهتن

:صغير الحلولا هز وجههات هيو

أكثرا، لكنه لن يكون ا صعب ها نحن مرة أخرى نواجه مأزق ـ فـي يك. سبق لنا أن نجونا منهـا التيكل الفخاخ من اإحكام ك أن .اءالعش لنا بطعام تأتيها فارقتنا لنأما منذ قليل، وربعترض

علـى علبة السجائرهيها . التدخين اآلن إلى أحتاج لكنني

. اللمبة هكـذا من أن أشعل السيجارة يالكنبة، أما الكبريت، فبوسع الـذي فراشك الصغير فيمرة أخرى " وضعتك أنني كهل يضايق

ال أستطيع أن أحمـل . ضارية؟لاد الشمس ا بت منه زهرات ع لأط .ذراعي على وأنتييجارتس أشعل من فوهتها التيمبة للا

Page 63: 1521

ة ظ لح في -المسمار مرة أخرى، وحدست على مبةللقت ا لع. أن هذه العين المعدنية الزرقاء، كانت موجودة من قبـل - خاطفة

ي وتضـمينن ي، وكابدت لمالقاتك وأنت تحتضنين ثت بك طويال شبتر قادر، ورحت ي غ يتها وجدتن ظلح. وأعضاؤك طليقة مرنة حنونة

لن أحتمل أنني ك ل همس وأنا أسألك وأسألك وأ يأشعر بالماء يغمرن لمحت هـذه العـين الزرقـاء أيضاولحظتها .. اختفاءك مرة ثانية

مسمار يعلو الكنبة، وكحلها مرسـوم بلـون على الوسيعة المعلقة نسان العين فـراغ، وثمـة إمكان . أتذكرها. نعم. دكنة أكثرأزرق

فـراغ فينكسر نصفه ا وأسفل العين، وقد ىلسهم يبدو طرفاه أع .واسعةالعين الفرعونية ال

بإجرام مستبد، تنتظرين أن أعود لحملـك، نحويتحدقين

ليتنا . ا خالله منذ أن نزلنا مع ك حملت الذي هذا الوقت فك لم يك ككأن، قلـيال لكننا لو انتظرنـا . لست مسئولة كأعرف أن . نعم. لم ننزل

.فربما وجدناها تفتح الباب فجأة

تعـرف ال فيعندئذ سوف أمسكها ولن أرخيها حتى أنجح لظهـر، االكتفـين و على ا بكدمات داكنة كان جسمها ممتلئ . عليها

هل تشمين هـذه الرائحـة . وكانت تجهش بالبكاء وأنا أتشبث بها

Page 64: 1521

يمكننـا أن نتعـرف . نها رائحتها ورائحة حدائق البرتقال إالعبقة؟ فـي ما رأيك لو ظللنـا سـائرين . رائحتها، حتى لو لم تأت على

. عليها؟الشوارع نتشمم حتى نعثر ، إذ عـادت الدمدمـة ي صـدر فينعقد جبينها وانكمشت ا الناس والقطارات وطلقات الرصاص المتداخلة، تأصوا: الغامضة

لتقطها وأحـاول أ تعلو فجأة وتكاد تتضح، لكنها تخفت قبل أن هيو .تفسيرها .؟كما رأي: البنت قائالإلىستدرت ا

ة ثانية، ونبادر الخطأ مر س نف فيأظن أننا ال يجب أن نقع ـ وع. يحتمل التأجيل ال متعجلين كأن وراءنا عمال النزول إلى ىل

. شكلي بأك لفائفكر ليالعموم، سوف أغ

بة، وفكرت بأن عدم وجود الحقيبة، ي عن الحق يثبحعاودت ما أنها أخذتها معها قبل أن تهبط، ك عنيي عليها، ال يأو عدم عثور

هاؤها وطزاجتها وسطوعها الناعم كان ب . أنها لن تعود عنيه ال ي نأ ـ ا، بضفيرتها الغليظة حتى الخ غير محتمل حق ـ ر، ح ص هـي ى و ت

.كتفها على ق الحقيبةل وتعلي الكحيها المدرسي زيترتد

Page 65: 1521

فـي وارهـا ج سـرت ب التي المدرسة تذكرت كنت قد لواألقل، ما على سمتحبل لو كنت قد . أشياء كثيرة البداية، لتغيرت

في من الخدمة حي عملت فيها بعد تسري لتيالمدرسة ا هيكانت إذا وانتهاء الحرب؟ أو أنها مدرسـة أخـرى عرفتهـا وأنـا لجيشا

.صغير؟ ـ أشعر براحـة خف أننيب أن أعترف جحال، ي ة أي ىلع ة ي

. الصـباح في لي عم إلىاق سأن أ ي عل ايعد متعين ومريبة ألنه لم ضـتاها سوف أستمتع بصحبة البنت بـالرغم مـن كـل ذلـك قب

، ثـم نهـبط هـي تأتيلو . الصغيرتان ووجهها الرائق المستجيب فـي نجلـس . النيـل إلى الصباح المبكر ونتخذ طريقنا فيثالثتنا

ونلعب مع البنت-هي أنا و-االشمس مع .

علـى يبة غير موجودة، وثمة قميص نوم معلق قإذن، فالح لة أوضح قلي يعندما تعودين، لن يستغرق األمر ثوان .شباك السرير

لقميص نومك، وسوف تضـحكين وأنـت يلك فيها سبب استخدام مرقت القميص بصعوبة، غيـر . شبر ماء في أغرق أننيترددين

إلـى حملتهـا . ا نهاية األمر، واتجهت نحوها الهث في مزقته أننيانـت بنزعت عنها اللفـائف المبلولـة، ف . هاالكنبة وجلست بجوار

عندئـذ، . فع بساقيها الصـغيرتين وجهها، وراحت تد على الفرحة

Page 66: 1521

تـان، يا العينان الصـغيرتان البن متلك: بالفعل يالحظت أنها تشبهن وعميق مشـترك فيخ شيء بلون البن الغامق، وثمة وهذا الشعر

يأخذت أتذكر كيف، أعيد ربط اللفـائف؟ كانـت، ووجـدتن . بيننا لفة " ا من قميص النوم كافولة، والجزء اآلخر أستعمله أستخدم جزء

. ما رأيك؟... هيه: ، وهتفت" ت ومضت تدفع بذراعيها وأصابعها الدقيقة مضمومة مبتسا

اك بش على أمسكت باللفة والكافولة، وخطوت ألنشرهما . كفيهاعلى ، فجريـت نحـو ج الخار في تدب ا أن ثمة أقدام ليل وخي السرير،

. السرير االختباء خلف شباك البنت واختطفتها، ثم تراجعت محاوال ـ هي إال وما . ؟أخيراهل يكونوا قد اقتنصونا ابتعـدت ىبرهة حت

ال أدرى لم تهيأت لعودة الدمدمة الغامضـة لكننيأصوات األقدام، وبالفعل ترددت أصوات طلقات رصـاص . ؟الخارج من تأتي التي

ا احتضنت البنـت . ابعيدة، ثم انقطعت مخلفة صدى مكتومجيـد ،اوتنفست بقوة هامس:

.. ".ا مرة أخرىنجونيبدو أننا قد "

. سريرها، وقرصت خدها قرصة خفيفـة إلىأعدتها برفق كان ثمة . محشورة بين السرير والكنبة األولىللمرة يلمحت سترت

Page 67: 1521

أخرجتها من بين بقايـا لـب . جيب السترة فيأوراق أحسست بها كيـف لـم . ودخان وكبريت وتراب وزرارين بيضاويين صغيرين

ه هـذ لـي األقل، قد تكشف على .؟ي جيوب فيفتش أألن إذن نتبهأمـدام . هذه أرقام تليفونات .. قة صغيرة من النور راألوراق عن با

عبلة - األهرام -ادؤ ف -يلاجريدة األه . سيد سعيد . ياألبنود. رجاء الهرم، في وعنوان أيضاالورقة الثانية بها أرقام تليفونات . )منزل(

: أقرأيتها كثم ورقة أخرى فرد

بسم اهللا الرحمن الرحيم : ورقة على ر اآلتىم تكتب بالحبر األح-١

ووضـعنا عنـك ة بنت فالن ةألم نشرح لك صدرك يا فالن ـ ة أنقض ظهرك يا فالن الذي ةبنت فالن ةوزرك يا فالن ة بنت فالن

ـ ن مع العسر يسر إ ف ة بنت فالن ةورفعنا لك ذكرك يا فالن ةا يا فالنـ ةا يا فالن ن مع العسر يسر إ ةبنت فالن ـ ة بنت فالن فرغـت إذا ف

تبخـر . فارغـب ة فالن بن فالن إلى و ة بنت فالن ةفانصب يا فالن مسار دخان البخـار وأثنـاء فير وتوضع خوالورقة بلبان دكر وب

توكلوا : مرة وكل عشر مرات تدعو ٧٠التبخير تقرأ سورة الشرح

Page 68: 1521

قلـب فـي ةن بن فالن ريفة بإلقاء محبة فال شام هذه اآليات ال ديا خ .ة بنت فالنةفالن

. جيبك وتقابلهافيوتحتفظ بهذه الورقة

فـي ذان العصر يـوم االثنـين أ عمل هذه األشياء بعد تمي

.يبالنصف األول من الشهر العر تحضر عدد سبعون فلفلة سوداء وتأخذ فلفلـة واحـدة -٢

نار الفحـم وتقـرأ آيـة في مرة بلسانك وتضعها ٧٠سوداء كل، : كل مرة ثم تدعويالكرس

ريفة بإحراق قلب فالن بـن شتوكلوا يا خدام هذه اآليات ال

.ة بنت فالنةقلب فالن في ةفالن

. ذلك حتى آخر فلفلةفيوتستمر .ياء بعد صالة العشاءش عمل هذه األتمي

.ناءإ كيس أو فيد ويوضع يلا بلةعدم لمس الفلف: ملحوظة

Page 69: 1521

هبدوح ثم تعطي : وتقولر كوب ماء وتشرب منه ض تح -٣ـ على للمحبوبة وتقرأ أو تكتب كلمة ب د وح ثـم ةبمبونه أو لبان

بإلقاء محبة فالن سمتوكلوا يا خدام هذا اال : تعطيها للمحبوبة وتقول .ة بنت فالنة قلب فالنفي ة فالنبن

ـ . ما قرأته ليتأملت الخط، وراق ا هذا الخط لـيس غريب

تنبهت بسرعة، وفردت .. ؟ زةع؟ أم خط إذن يخط هل هو . ليع غبـت لكننـي رقام التليفونات، أورقة من األوراق المدونة عليها

يمكننياؤهم بجوار األرقام، مسأأحاول تذكر هؤالء الناس المكتوبة ن إالتليفـون، و على الفور عن طريق طلب أحدهم على أن أتثبت

ا كاهي، بل وف ا مستحيال تليفون تبدو أمر على كانت مسألة الحصول أخـذت . ألرقـام التليفونـات صيلقد نسيت سبب تفح . نعم. أيضا

قلق ي نفضت األمر برمته، واجتاحن أننيأحاول مقارنة الخط، غير ربما . ؟ أصال ي أن هذه الورقة ورقت يثم قلت، وما أدران . وانقباض قد التقطتها بعد أن سقطت من تحت مخدة السـرير، مثلمـا أكون

.رير والكنبةسلقة بين الالتقطت السترة مع

السرير، وسرعان على ، واستلقيت يديأمسكت بالورقة بين .ما فردت الورقة ثانية ألعيد قراءتها

Page 70: 1521

قردة

Page 71: 1521

. يجلـد على صوتها تنهال مني ده التين فرقعة السوط أك على تحدث رنينها الجارح، قبل أن تخبط موجعة غائرة، فيما أجز

وعندما أفعل ذلك، . الصراخ بأقصى ما أستطيع فيا ، راغب يأسنان لـم فجأة بلسعة خفيفة جعلـت األ يلتهبت عينا ا. ا صوت ليال أتبين تلـك المسـافة فـي بين اللسعة واللسـعة، . ل نار حامية ثيتدفق م اللسـعة يختلط باللهب المجنون، فتباغتن م الخدر ال عمة، أدف ظالمنت

النهمار يمن استسالم ، وأستشعر المهانة والضعة، يممسكة بروح .الضربات

اللمبة نمرة عشرة يتـراقص فتحتهما، وتبينت ضوء يعيناالفـراش، علـى ، وأنا مسـتلق يدي في هيالورقة ف ما يزال، أما

جيـب فـي أطبقت الورقة ووضـعتها . الكنبة نائمة على والبنتـ ، غير أن الـدوار واإل يالسروال، ونهضت بجذع يعيـاء جعالن

تي أن أحـدد خطـو لي لم تأت، وع هي ها ، وقلت، عينيأغمض ـ جسمها الط ي، وغادرن نيم غابت منذ فارقت كال أعرف . التالية ع ي

وأدركت بوضوح . ذراعاها وساقاها لي لما يلتف حو االودود، رحيب يفأنـا ال أدر . تعـود ال أ إمكانيـة ي اعتبار فيأن أضع ي عل أن

ط مـرة ثم فرقعـة السـو .. ثم.. أحاطت خروجها التيالمالبسات .ثانية

Page 72: 1521

ها فرقعة سوط حقيقيـة أسـمعها، ا إن مذن، فأنا لم أكن نائ إاقتربـت . به الهمس والصرخات القصيرة المكتومـة شي ويعقبها ما

.باب الحجرة أمام األصوات، وشعرت بها

تت الصرخات الحيوانية وتقطع لعوحين دنوت من الباب، حت سـم اهية الضآلة، لتصقت بالباب، وفتحته فتحة متن ا. رتثوانت بمشاهدة القردة الخمسة الصغيرة المسلسلة جميعها بسالسـل -لي

صعود درجات السلم عمـال فيحديدية، جعلت حركتها ومجاهدتها كان ثمة . ا، تصحبه صرخات تشتعل إذ تحس بفرقعة السوط جنونيخفيف يكشف الدهليز وجانب من السلم والدرابزين المعمول ضوء

.المتشابكمن الحديد

. بكرباجه إذن؟ا يتقدم ممسكالذيمن ذا

ـ في، وألصقت كت .دفعت الباب بسرعة أمـن : ا بـه هامسأنا ال أنسى عيونه، ونظرته المنذرة الثقيلة، . يكون هو؟ الممكن أن

. من الشعرخالييه األشيبين ورأسه الدووجهه الفاتح وفو كان الذيز ، وشفت العجو حذرا أكثر أفتح الباب وأنا تعد

نظرته الصامتة الثقيلـة، شـفته لي، ينظر ا طسته قاعد في يستحم

Page 73: 1521

لة بالسالسل تتدافع مجنونة با بكرباجه، والقرود المك إذن، يتقدم وئيد يكـان يرتـد . السلم والدرابزين وفوق بعضها البعض على أمامهالبـاب، أمام رأيته وهو يعبر . ا له ياقة وأزراره مفتوحة ا داكن جلباب

نفسـي قلـت ل لكنني. ومن خلفه كانت المرأتان اللتان ظهرتا فجأة وسرعان ما تعرفت . منذ وقت طويل - وال شك -ناأنهما موجودت

معي يجرها الحصان، وهبطتا التي العربة في يعليهما، فقد رافقتان المرأة الصغيرة وقد خلعت ماليتها هيهذه .. نعم. عند باب زويلة

ا ض، فبان قميص نومها األخضر كاشـف اللف ومنديل رأسها األبي المرأة القصيرة الراسـخة على تميل هيا، و هعن ساعديها وذراعي

القليـل عنـد بسـطة السـلم الضوء فيها هما تتهامسان . الجسم جوعندما تحركتا، تيقنت منهما، فقد كانت الصغيرة تعـر . القريبة

. تصعد درجات السلمهيبساقها و

الكنبة، حملت البنت واختطفت إلى أغلقت الباب، وتراجعت . البـاب إلى يهرظ ب ت الحذاء واستند في قدمي عتلفائفها، ثم وض

ابتعدت الصرخات وبدأت أصوات الدبيب تحل مكانها، وحركـات .األقدام القلقة الملولة

Page 74: 1521

مضيت أمسح الحجرة بنظرة أخيرة، وأنا مسـتند للبـاب، الحـائط، علـى زرقاء المعلقة عند العين المعدنية ال قليالوتوقفت

.جورجوت البنت أن تبقى ناعسة حتى نخر ال أ ي عل كمد وقهر، غير أنه كان يبتعدت األصوات ومألن ا وضع المستعد، قبل نفسي ل تنقباض الوشيك، واتخذ لهذا اال أستسلم

.رأسيحة ضيقة، وأطل بتأن أفتح الباب ف

طولـه ين الدهليز، وقد أدهش ت، وعبر فيأغلقت الباب خل : درجات السـلم الواسـعة المريحـة إلى بي أفضى الذي المفرط،

.شيئا فشيئا ظالم يتكاثف فيوصان غ، وتننيا تسبقيعينا

به الرائحـة الالسـعة شكان ثمة رائحة خانقة، أحسستها ت الكاوية للقنابل المسيلة للدموع، وأنا أهبط وأهبط، وقد توقفت عـن

ذلك الخوف اأهبط خائف . ظالم الكثيف ال في شيء مايمحاولة تمييز أ أنا لم . به حتى أحاول درأه ا متلبس نفسي أواجه ما إن أمقته، و الذي

أين أهـبط إلىكد، ف ؤكم أمر م لأصعد كل هذه الدرجات من قبل، ذ ـ لي البنت أضمها إلى أخيرالجأت . إذن؟ أستشـعر حـرارة ي، ك

من العجـوز هربت . الخفيف لشهيقها وزفيرها ججسمها واالختال هربت -طه، والمرأتان تسعيان من خلفه وبعيونه المنذرة الثقيلة وس

Page 75: 1521

ربما نفسيوأهبط وأهبط وأقول ل . اكم لم أتوقعه مطلق شرك مح إلى الـذي كرر نفس الخطأ أ كان من األفضل أن أمكث بالحجرة، وأال

.ه من قبلتارتكب فـي عيني أغمضت نني قد مضى، أل ا طويال ت أن وقت لخ

لـدرجات نفسيليحدث ما يحدث، وتركت .. نفسيل ية، وقلت نهالا ..السلم

علـى هبطته من قبل العصابة الذي ذلك ا طويال كان سلم

ا عن أنفاسـه بعيد هينا أشيح بوج أحكام و إ ب ي ربطها العسكر عينيبعد أن تأكد من إحكامها الضابط السمين الخائف ال يهدأ وال يستقر

كتفه ويـدفعنا بكوعيـه على اش القصير قط يعدل من وضع الرش وكيـل إال أمام قيد واحد لم يفكونا في معا ونحن مقيدون كل اثنين

لي وعم ي وعنوان ين وس يسما عن ي سألن الذي النظارات يالنيابة ذ ـ على جابة من اإل هينت قبل أن أ يوأمر بحبس يأسئلته وأنا أفتح فم

برأسه أسفل ليهز يته المفرطة وحديثه المقتضب ي دا من ج مشدوه ه وسنه وعنوانـه فيزعـق سم عن ا يله بدور أصورة السادات فأس

ـ يا أنه السيد النيابة بنفسه وينقض العسكر كدؤم ي بعصابته يغمين يديق على ء الضابط تسبقه قفزاته أحسها تلطم الهواء ليطمئن يويج

الضـربات يمع ولد ال أعرفه ويدفعوننا بدباشك البنادق وتبـاغتن

Page 76: 1521

هـي ساللم ال تنت على س والظهر والجنبين وأهبط وأهبط الرأعلى أتعرف لكنني وأهبط وأهبط و في وأوالد خل أماميوأصطدم بأوالد

رأيتـه الـذي معيأصوات بعضهم وأعرف الولد المربوط على ـ حجز قسم السيدة زينـب حينمـا قبضـوا في األولىللمرة ي عل

كـن ألم أنني هناك مع أوالد كنت أعرف بعضهم غير يوأودعون قبضوا عليه بدالالذي و معيد ي المق هادئأعرف هذا الولد األسمر ال

العربة إلى كيف صعدت يمن أخيه الهارب وأهبط وأهبط وال أدر وكان قد قطـع سـاحة العـرض ج سجن المر إلى ا عائد ياللور

ختالة حتى موزة ال بصحبة قادة كبار يتراقصون برشاقة وبمشية اإل عصـا علـى منصته وقـبض إلىعاد المجهول و يصب الجند ن

وهو جالس يعدل مـن قائد طابور العرض إلى اة مشير يلاالماريشصـدره ونياشـين المهيـب ورتـب علـى وضع وشاح القضاء

الفيلدمارشال الموشاة بالقصب قبل أن يتلقى دفعات تلو دفعات مـن م الصـغيرة هرشاشات العساكر الذين توقفوا أمامه فجـأة بعـربت

قـين ل واعتلوا المنصة ومضوا يطلقون ويطلقون متح وتدفقوا نحوه إلىحوله يحاصرونه وحده وأهبط وأهبط وال أعرف كيف صعدت

العصـابة عني حيث خلعوا ج سجن المر إلىا عائد يالعربة اللور الزنزانة وقد إلىمع زميل بي زنازين عنبر التجربة ثم دفعوا أمام

داخل سـجنهم فيهم و عن ضباط اا بعيد رهدوءثأصبح العساكر أك عنبر التجربة خالل الشهور األربعـة إال لم نكن قد رأينا فيه الذي

Page 77: 1521

عيوننـا وشـاهدنا علـى قبل أن ينقلونا بالعربات ودون عصابات األشجار والناس والبيوت والنيل والنساء والشـوارع والسـيارات والبائعين والدكاكين عبر الفتحة الصغيرة المغطاة باألسالك داخـل

مواجهـة فـي حتى عنابر التأديب بسجن القناطر للرجال يوراللا هقمني التي تصلنا منه أصوات األفراح الصاخبة الذيسجن النساء

لنـا كامال ا عنبر ك عن إحداهن وأهبط وأهبط ونمتل جفراعشية اإل ضراب لتفتح علينا الزنازين والفيلدمارشال األسود وحدنا ونهدد باإل

بين آالف الجنـود والطـائرات والمـدافع خترقته مئات الطلقات اوالدبابات والمجنزرات وسفراء الدول الحليفة والصـديقة والـدول

التي بعد أن أودع اآلالف المعتقالت طةالكبرى والصغرى والمتوس ا بآخر ألقابه باعتباره سادس عجل قبل أن يصدر قرار على أقامها

التيزنازين الضيقة الخلفاء الراشدين رضوان اهللا عليهم وكرهنا ال مرة إليه أعادونا الذي ج سجن المر فيال تفتح طوال الليل والنهار

الـذي لي زمي معي حيرة أين يذهبون بنا و فيأخرى وكأنهم وقعوا وكرهـت ا ومساء ال يغيرونه صباح نخء كل يوم من حساء ز ييق

يقة ضالزنزانة ال على دورة مياه ضيقة مفتوحة في آلخر يمشاركت إال ا عن الزنازين الضيقة المواجهة ممر ضيق ال أرى عبره يفصله

:انيغنيمثالن لنا كل ليلة ويزنزانة الولدين اآلتيين من بورسعيد تنى وال صيغوال

ولو انى بسيط

Page 78: 1521

مرايهمسومعايا الش واألرض سرايه واغنى وأقول مهما اتأخر

الفجر ها يطلع يتمختر راكب مهره والبس أخضر

هيوالرا البيرق فيومع نى وال صيتغوآل .. وآل.. وآل

رقفق وال نحزن غير لو يتلتخنوال قو وانا بتشيمس اكاسم

ايادو ويبنى آدم جرح نى وال صيتغوال .. وال.. وال انهالود بتضحك مسوالش.. فتنهاليع ال ه غيطانهاضر بلي تمليوال ش الرايحه من الجايهفمعر وال غنى وال صيت.. وال.. وال ي يغنلين م الطير الهوأ.. يتنف ليع ال

يومن الغزالن المتأن قنايه.. هيان قيدلما يع

Page 79: 1521

تيقظ دون أن أقدر س والبنت أحسست بها ت اكان صوتى حلو صـوت إلـى رأسها وتتلفت، سـاعية زهت العتمة، في تبينهاعلى ـ . عني اكتشفت أنه يصدر الذي ينالمغ ديرفعتهـا وألصـقت خ اختطافها في نجحت التيأن تسقط اللفائف ا ها خائف تها، وضمم دبخيمـة لتموحين تذكرت ا . يبطإة األخيرة ودسستها تحت ظ اللح في راح ا بعيد ا غامض ا أن ثمة ضوء ليل الحجرة، خي في قرأتها التي . ، وخرجتأخيرا، فيما أخذت أركض نحوه حتى بلغت الباب ىيقو

معيندفعت و ا. وأحسست بالبرودة قارسة شديداكان الهواء لكننـي ، ي نسيت سـترت أنني عليها، واكتشفت االبنت أضمها خائف

الناصية في، قبل أن تنحرف يرأيتها تغذ السير هناك بثوب بنفسج .التالية

أبوابهـا أشـم بـي عتمة خفيفة تمأل الطريق، وبيوت تمر

بين لحظة وأخرى، وأنصـت ي عل رائحتها الدبقة المكتومة، تهب كان مـا إذا ، نفسي وبين يوات الغامضة، وأتساءل بين ألتبين األص حرفـت، حتـى نامـا خلفها وأنحرف مثل يا، ثم أجر أسمعه حقيقي

غمرهـا الـذي لمحتها هناك وقد بان شعرها األثيث تحت الضوء .اليهاواقفة تتلفت حو

Page 80: 1521

سـيارة أجـرة، -يا، كانت قد اسـتوقفتن إليهلما وصلت قبـل أن تغلـق البـاب، وركبـت غتها ل حتى ب يقوت فجريت بكل ي أن أمد ساعد لي، وخطر ي ومددت ساق نفسيابتسمت ل . بجوارها وأشم رائحة شعرها وأحكي لها عما جرى نحويها بجذأ: هاقوأطو

مـا يل ما كان لك أن تفع -اا مهتاج فرح -أقول لها . لنا منذ فارقتنا جانب ييغطكان شعرها . اآلن معا - ثالثتنا -فعلت، لكن المهم أننا

كـان . الخارجنا من يإل باألضواء المتسللة اوجهها، يرتعش مغمورجسمها مرتعش على ا يتهدل ا كثيف فاحم ـ اا مستسلم دفقات الهـواء، ل

.مفاجئ صوت السائق الإلىوانتبهت .. عن طريقك ليصبرت عليك لتقول .. الحكاية يا بك ما"

."

ها هـو . األولىلمرة وجهها ل تا، فالتفتت ورأي إليهنظرت . هيلم تكن . وها أنا قد هويت بالفعل . جيداتم إحكامه الشرك وقد

حـين سـريعا كنت قد تعرفت عليهـا إذا و. هيولكن ربما كانت الـذي الم ظ بنات المدارس فمن الممكن أن يكون ال ي ز فيتنكرت

فـي ح أصـي يوجـدتن . عليها بسرعة في عدم تعر فيا يكتنفنا سبب :السائق

"اسننزل مع." ..

Page 81: 1521

ا هترق الشوارع بـدكاكين تخ انطلقت التيواستسلمت للعربة

. الصاحية وعرباتها وناسها السائرين، وكأنهم خرجـوا جمـيعهم كانت األضواء تتسـلل . كثيرون يصطدمون ويعبرون بين العربات

علـى جعل استلقاء البنـت أن أنا بين الحين واآلخر، واستطعت يإلن وجه إ، ف لكوبالرغم من ذ . ها برفق دة وأنا أهده ر راح بكأ حجري

يكانت ترتـد . اا، وربما ال يحمل شر فيلأ يبدو يتلك الجالسة بجانب اثوب صـدرها على ا بزهور بيضاء بالغة الصغر، محبوك ا بنفسجي

وجسمها المفرود، وشعرها الكثيف يتطاير فأرى جانـب وجههـا .األبيض

ألغلق النافذة، يدييل، ومددت الن إلى أخيراخرجت العربة

علـى عبرتا الجسر، واستوت العربـة . ا الهواء بارد فعاند بعد أن . الممشى المواجهيالضفة األخرى، ثم انحرفت لترتق

الباب وأهبط، عفرأ: أن أتصرف بثقة ليها أنا مستسلم وع

تذكرت غياراتها، . اليسرى يدي وأسندها ب فيكت على البنت ثم أرفع ـ التي نفس اللحظة فيرت بسرعة، وانحنيت، فاستد ا كانت تهم فيه لم تكن تشـبه التيممت رائحتها ش بعنف، و انااصطدم رأس . مبالقيا

رجعت للخلف وتمتمت، وعيونها بلون البن الفاتح، . رائحة البرتقال

Page 82: 1521

لمـا تمرت عليهما مسحة خفيفة من األلم واالرتباك، ثم ابتسـم بالغيارات الملفوفـة يديها لي تمد هيوا عن الكالم عاجز يوجدتن . بعضهافي

السائق، دارت بجسـمها وتقـدمت خفيفـة تبعد أن حاسب

ـ واكتشـفت . الكاوتشوك من يعة بحذاء أحمر رس بالغـة هـي م ك ليضية الرخامية بلون النبيذ المح ر األ ي البهو ذ فيالنحول، تمرق

شـكل قبـة على حاسيةلنبنقط بيضاء متجاورة، بجوار النافورة ا ا أنصاف دوائـر تعلـو مثقوبة هنا وهناك، يتدفق منها الماء صانع

، ووجدت األعمدة المتجـاورة عينيورفعت . فوق بعضها البعض الناحيتين، وخلفها البناء القصير بلون على ةيلا أقواسها المتت نعتص

ـ اليسار و اليمين ىلالنبيذ الفاتح، وع مبنيـان متجهمـان ب، انتص أن هـذا فيت أضواء نوافذهما وشرفاتهما، وفكرت ان، تناثر عالي

ا طهما يبدو قصـير س يتو الذي أن البناء فيهو السبب، فيما يبدو، .هكذا

ا هنـا وهنـاك، الخلف متلفت إلى، وأنا أستدير أيضافكرت

غطى الدنيا، وثمة نخالت قليلـة الذي بلون الليل ابعيد والنيل يبدو وار المسلة القصـيرة، وقـد بجخرى، الضفة األ على مائلة تتباعد

الناحيـة فـي و. النصب القصير المقامة فوقه على وءضانعكس ال

Page 83: 1521

ز الجسر، ومن خلفه مبنى مجلس قيـادة ي أن أم أمكننيالمواجهة، أن أصـدق ي عل نأ إذن تفكر.. الفضاء الرحيب ثم الثورة القديم،

ده يقود قرو الذي نجوت من العجوز النحيل أنني -أية حال على - االمكبلة بالسالسل، مفرقع ا عبر الدرجات، من خلفه بسوطه، متقدم

كيف عرف . ا وراءه تبئمخ كنت الذيجوار الباب بالمرأتان تعبران تأستطيع أن أقرر باطمئنان أن المـرأتين فقـد . ؟يالعجوز مكان

شـارة اإل علـى أثرهما بعد أن عبرت الغورية، ولكن كيف أجرؤ - حتى - لم أهتد أننيا، وهل نسيت ر أيض طمئنان، بل وأن أقر لال .ي دكان عم آدم البروجإلى

ن ينتشرون وراء خواجات وعرب، يركضون يلامتبينت ح

كانت تتهادى نحوه المرأة ذات الذي والباب يبين الطريق الخارج .يالفستان البنفسج

كانوا يرتدون قفاطين حمراء قصيرة موشاة برسوم زخرفية

وسـهم ء، وفـوق ر أيضا تحت سراويل حمراء معمولة بالقصب، ا، لـم أقـدر عمامات ضخمة حمراء يتوسطها ما بدا أنه شعار مع

.ا لمعبد أو نجمةفرنجية أو رسمأا ربما كان حروف. تفسيرهعلى

Page 84: 1521

انفتح الذي، يتقدمة بثقة نحو الباب الزجاج م المرأة ال يهالتنثقة، أغلق البـاب ولما دخلت، بنفس الخطوات الوا . من تلقاء نفسه .من خلفها ثانية

Page 85: 1521

)١(" ديفلييه " اءضالدليلة البي

Page 86: 1521

للحظات قليلة، ثم حسمت كل ذلك، وانـدفعت اوقفت حائر ـ ي العريض، وباغتن يالباب الزجاج نحو ، ي انفتاحه بمجرد اقتراب

- وحده -نغالقألراه يعود لال . بسرعة تتدرس الداخل وا إلىفدلفت . بنعومة قاسية

للـرجلين الضـخمين اللـذين يشـبهان يشخصت ببصر

الخارج وهيئتهما تكاد فين الذين يلاحائطين، ويرتديان مالبس الحم هذه القفـاطين الحمـراء والسـراويل الحمـراء : للضحك عنيتدف

. يتوسطها ما بدا أنه شعار مـا التيالمنفوشة والعمامات الضخمة سـترق السـمع أ البهو الرحيب النظيـف، وأنـا في يتابعت سير

الجـانبين علـى رعان مـا تبينـتهم سو. لغمغمات متداخلة غريبة ضوء خفيف، فييجلسون ويقفون بين المقاعد والمناضد المتناثرة

رجـال .. خواجات بيض بشعور شقراء : ا ويدخنون يحتسون شراباء ونساء عجائز وآسيويون بمالمح دقيقة وأفارقة ببشـرات سـود

ينكانوا يتهامسون ويتنادون يتضاحكون ويتصايحون صانع . المعة .ضجة خفيفة لكنها منتشرة

البسـاط فـي تغوصان يا بصعوبة وقدم يمش أ يووجدتن

كاد المشرب يتوسـط . الضوء لليلقبهو ا ال فيالممتد متاألحمر القا ، وبيـنهم س وقوف وجلو بين تناثر حوله الغرباء وهم ما الذيالبهو

Page 87: 1521

. ورتات قصيرة وصدور عارية شعن رائحات غاديات ب صيتقسوة لناـ أشعر ب ي وحد أنني من ا، كنت مندهش نفسي ين وب يبين ل هـذه ك .برودةلا

علـى البهو بسلم فنزلت، وطالعت الغرباء واقفـين ىهتان

، يأن آخذ حذر ي عل كان. البسطة حتى جاء المصعد فهجموا عليه أنـا لـم . والناس يهبطون أهبط اآلن، والخواجات أنني إلىوأنتبه وها أنـا أهـبط .. كذلك؟ أليسدرجات، ة أي - حين دخلت -أصعد نجـوت أنني، لما تذكرت نفسيمت ل سابت. باطن األرض إلىاآلن

ـ للعجلـة، يمنذ لحظات قليلة من خطر محقق، وقلت أنـه ال داع أن إلـى كمـل السـلم، أمضيت . ا حقيقة األمر وسوف أتبين رويد

ولما واجهـت . ا كاد أن يكون مظلم الذي التاليبق الطا إلى انتهيتييرسنحرفت معه مرة، ثم مرة، حتى استقام اا، دهليز.

ا، وكنت ألمـح أخطو فوق سجادته ضيق الذيلم يكن الممر

أبوابها الخشبية المدهونة نصـف مفتوحـة، اليمين على حجرات تشـبه التي صدر الحجرات فيمقاعد على وأشباح ناس يصطفون

ا ، وواجهت بهـو اليسار إلى الممر، عرجت ىهوحين انت . لقاعاتاا يمتد دون أن أدرك نهايتهفسيح.

Page 88: 1521

الء األغراب ما هم ؤهذا فندق وال شك، وكل ه : نفسيقلت ل ا عمـن تفيمخ أن أظل لي بينهم يضمن يولعل وجود . سائحونإال

كـاد أ. السوط ي من العجوز ذ ت قد نجو أنني، ال سيما و نييتعقبون .أشعر بلسعاته الواخزة القاسية، وعيونه المنذرة الثقيلة

ـ - البيضاء يكنت قد فقدت دليلت إذا و ـ م أجل ألس يها دليلتا حتى اختفت، إليه اختفت مثل نسمة لم أكد آنس التيتلك البيضاء،

، المتأللـئ مثلما اختفت الخمرية ذات الشفتين السـاحرتين والفـم تفت لناك عندما غادرتها بحماقة، ثم ا ه األولى يومثلما فقدت حجرت

. قبل أن تفتح عيونها مفاجئ بدا استيقاظها وتلفتها ال التي البنت إلى ندفع ثمنهـا - أنا وأنت -ا، نعم بحماقة مازلنا له، قلت يست نعم يا . اآلنإلى

أنني ا عارف فيكت على واحتضنتها. أنا السبب .. ينعم يا ست

قت سوف ؤ الم ياء، فإن مجرد تخفي البيض يتيلقد فقدت دل كنتإذا فرصـة . بالفعـل إليـه ج هو ما أحتا لكذ. تفكيرلل فرصة ييمنحن

أن أقـوم ي عل يندبير فيما يتع لتقل وا الععمال إ و يللتفكير والترو زداد ا البنـت أن ي، كمـا ابتعـاد : ي وجنوح يطتخبلقد طال . به

ز االهتـزا علـى سابقةلشحوبها وباتت أقل حيوية وفقدت قدرتها ا .فرتةعبوالتلفت ودفع األعضاء

Page 89: 1521

هن يتقـدمن وراء ت ابتعدت عن طريقهن، لما وجد ير أن يغ

عاليـة ، كانـت نوافـذ اليمين إلى. بعضهن، حقائب ثقيلة متشابهة مـن الـدوائر الجدران، وزجاجها اتخذ أشكاال طيتغ واسعة مقفلة

تهـا تح. جوم المتداخلـة الملونـة والنوأنصاف الدوائر والمثلثات انها بـين لو ومقاعد عتيقة فخمة، تختلف طرزها وأ كصطفت أرائ ا

لتـي ، كان ثمة قاعات أخرى مثل تلك ا اليسار إلىو. نافذة وأخرى . الممرفيخلفتها

علـى كانت هيئتهن تبعث يت أتابع النسوة الال نفسيتركت

ـ نقوام اللدن الشفيف يتث لا هذا. الجنون كى تحت ثقل الحقائب، وتلسـمراوات وبيضـاوات : قاطيع الحـادة الشـاحبة الوجوه ذات الت

متوثب داخـل فسـتان ي زنجية جسمها فت هيوخمريات، بل وها طـول لا: مء ضيق، بجوارها من تشبهها كأنهمـا تـو يأصفر نار ها . والجسم الملموم بصعوبة ونعومة داخل الفستان يثنتوالقوام وال

ا ويرفعن وجـوههن وتهتـز طرن مقتحمات، يصدرن حفيف يخهن . شعورهنفيمهل بالزهور المشبوكة على منوسهن وهن يتقدءر

فتقدمت، وقد . هن خلف أحد األبواب تن، فقد غبوسرعان ما

تي أن أنسى ستر لي أنه ما كان تعندئذ تذكر . البرد فجأة منيهاج

Page 90: 1521

ـ منتصف الب إلىولما وصلت . مثل هذا الجو في ـ ه ا، لـم و تقريبء واقفة مثل وردة بين جمع البيضا ي وأنا أشاهد دليلت نفسي قأصد

ضخم من الرجال والنساء الذين ارتفع عجيجهم، وهـم يحتسـون المنضدة المستطيلة على كانوا متكأكئين . من فناجين بأيديهم يالشاكانـا . وكن بالبـابيون سمقف أمامها رجالن يرتديان بدلتين ي التي

يناوالن الناس قطع الكيك والجـاتوه ومختلـف أنـواع الحلـوى . أطباق ضخمة تمأل المنضدةفيصوصة المر

البيضاء الواقفة مع جمع من النسـوة ي أمسكتا بدليلت يعينا

هز يـديها االثنتـين وتـدفع ت حديث جعلها فيوالرجال، مستغرقة يوجـدتن . ، فابتسمت، وابتسـمت يبرأسها هنا وهناك، حتى التقتن

ـ صافية بوجهها األ : أتقدم نحوها ف وجسـمها البـالغ النحـول، لي . بصبر وأنا أشق الجموع نحوهايرنظتنت

ء بين من يقفون مـع يوأروح وأج . يرصمضيت أجول بب

بدوار خفيف، وأنا أتعرف ت، حتى شعر قليال إال ما لبثت و. يدليلت، جيداهذا الولد وهذه البنت الواقفة بجواره أعرفهما . بعضهمعلى

، قليالمتلئة أما هذه المرأة الم . هي طر سجن ف فيبل وزاملت الولد كنا نقوم بتأمينها لالجتماعـات، التي الشقة فيا شهور معيفقضت

. ا لتخزين منشوراتناونستخدمها مؤقت

Page 91: 1521

. نحـو مـا على فة مرهقة تعرفت عليها أليوجوه ووجوه

حاولت أن أتذكر أسماءهم، بينما رحت أبتسم لهم، وأنا ال أصـدق فجأة، وحين ي ذهن إلىفز ماء تق جعلت األس . االبتسام يأنهم يبادلونن

وأنطق ي فأعاود الكرة، بل وأرفع صوت يم باإلمساك بها تراوغن هأ .اءسم من األيلاب على طرما يخ

.. تي محاوال في أبذله الذيهد لجكان الضجر والمراوغة وا

مـرة ثانيـة لتلـك ينحو االستسالم لعودت بي يجنح كان كل ذلك هـا هـم أصـدقاء قائال نفسيوهتفت ل . الدائرة المحكمة القابضة

علـى أعرف األسـماء نأا مهموليس . أخيرا يوزمالء يعرفونن داخلني ذلك فقد ىل منا يعرف اآلخر، وع فقط أن كال فيويك. الفور

. قد نجوت أنا والبنتأننيقين بيلانوع من

ـ يمكننـي داع للقلق والخوف، إذ أي ليس هناك ي أن أنتح وأترك له أن يتصرف كما يحلـو له ماجرى يوأحك ابأحدهم جانب ،

، وأمسكت مني ي بعد أن تسلل جسم ني ع يله، بل وأن يحمل طفلت أحـد هـذه المقاعـد الـوثيرة على الجلوس فيرغبة عنيفة بي

الحظت أنهم قد تجمعوا وحـدهم، أنني على . النوم فيواالستغراق ويتناولون الحلوى، وصنعوا ألنفسهم ما ي عمن يشربون الشا ابعيد

Page 92: 1521

الملموم، بوجوههم المرهقة المتشابهة، وبتلك الطريقـة نكلرشبه ا يأما اآلخـرون، فسـرعان مـا . والتدخين يدي دفع األ فية رالمتوف

شرقيون بأجسامهم السمينة المدكوكـة : اكتشفت أنهم من أم مختلفة . سمر وسـود وبـيض وحمـر . وغربيون فارعون عيونهم ملونة

بعضهم وهم يبتسمون إلىصبيان وشيوخ ورجال ونساء يتحدثون .ابتسامات واسعة حميمة

، ورائـي عات خلفتهـا اهذا فندق، وتلك ق . ذن؟إما األمر

.ولئك قوم أعرفهمأ، ومأعرفه الء قومؤوه مـن قبـل، ي قادتن التي البيضاء ي أن أسأل دليلت لي طرخ

علت أهدهـدها، غيـر أن جاستيقظت باكية، ف التي وفوجئت بالبنت علـى ا، وجسمها يتشنج متصـلب لكبالرغم من ذ بكاءها كان يعلو

فـي تمامـا ينرقغم، لكنهم كانوا مسـت إليه عينيرفعت . ذراعيـ ف كا نكـا . ، وعليهم سيماء الجدية البالغة يدي األ هز و شالنقا أن اي

بمجرد ي الحام ش النقا فيالفور على سوف أنخرط ولاقترب منهم، يودن

Page 93: 1521

دليلتـك علـى صـر تذا المو. ؟هي ينأ.. يضاءلب ا يتيلدلو مالنفـراد بأحـده ا من نعمادمت تعرف بعضهم، فال ما . البيضاء؟

. وتسر له بما تريد

صراخ الجـائع المبلـول . عللف صراخ با إلىاء ل البك تحوـ هزا من انعقد جبينها، أنا أضاعف وواحمر وجهها . المجنون ، يت

ا وهناك، نسير ه لل تاضطرر. يجدي أن ذلك لن ي من يقين مغلرباطويلـة ل، فيما وراء المنضدة ا ي يشربون الشا من ين عنها ب ثأبح

في البهو، و في هنا. ي الحلوى وأدوات الشا قالمصفوفة عليها أطبا هرعـت . الدهليز، حتى طلعت فجأة خفيفة تكاد تغيب مع الهـواء

:قلت. ر بالصراخأا، والبنت تجإليه .. ".ولن تسكت مهما عملت.. البنت جائعة"

انقلب صراخ البنت . ومدت يديها تأخذ البنت ،نحويأومأت بعثرت بطانيتها وبانـت أطـراف قـدميها مـن بـين . ج هيا إلىـائف، والبيضاء تحوطها وتربت عليها دون فائـدة، فهمسـت فالل

:متلجلجة .. ".لي بالنسبة عنيي.. أنا.. ألن.. رضعهتنشوف واحدة "

Page 94: 1521

هـي هـا و نامت رموشها الثقيلة لثوان قليلة، واحمر وجه : ثم تابعتمني تتلفت هاربة

..معـي تعال .. سمعا.. يل رضيع عأظن سناء عندها ..آه"

.. ".تعال

ا، وكنت أريـد لها أنها بنت وليست ولد ل كنت أريد أن أقو اسـم، حتـى أي ، أوهي، أو اسمها عن اسم سناء كامال أن أسألها

ـ خلفها، يرحت أجر . أستطيع مواجهة هذا الدوار الغريب ا حريص تمرق منسابة هنا وهناك، حتى توقفـت هي، و عنيتغيب ال أعلى ، يامرأة قصيرة ذات شعر قصير مثل شعر وتسـريحة صـب أمام

ركبتيها إلىا من التويد األزرق يصل ا ضيق فستان يغير أنها ترتد أذنها، وتقـدمت نحوهمـا، فمـدت على انحنت البيضاء . بصعوبة

أما . أيضا ي يشبه وجه صب الذي وجهها باستدارة يعيونها وواجهتن وخال مـن تماما ينسانإجسم . بالفعل جسمها الصغير فكان جميال

بال مساحيق، ويدان تمتدان تأخذان البنـت يالمشاكل، ووجه صب خطوت نحوها قبل أن تستدير، وناولتها لفائف . بحنو ضاحك رقيق

ولت االبتسام ، وحا يا بها تحت إبط كنت ما أزال محتفظ التيالبنت :قائال

Page 95: 1521

.. ".ةلأصلها مبلو" :بها وجهها وتالعفي تبص هيت ضاحكة ولقا الصـوت .. عيـب .. وصوتك عال .. وغجرية.. ةوبنوت"

.. ما اسـمها؟ .. ب..... ـعي.. ب.... ـيع.. بنات عيب لل عاليال .. ".ك؟مما اس.. حشه وانت يا

الـذي صـوت من هذا ال ا، متيقن لي حو اا متلفت حائر تسك

ة الصـبيانية ن الر كصوت أعرفه وال شك، وتل الهذا .جيداأعرفه :رعت أنا قائالسأ. ا تستخدم صيغة المذكر دومالتيالمدللة

.. ".ذن؟إ ترضعينها نأي"

تضحك، ثم مضت، وأنا خلفها وبعـد هيأشارت برأسها و بـاب مبنـى أمام ةفدها واق جحرفت، فانحرفت أل نات قليلة ا وطخ. يئة امرأة بال وجـه هن األسود ل للوير با صغ رسم غلق فوقه علق م :ت رأسها مرة ثانية حين اقتربت قائلةزه

.. ".ةت مع البنوتيلاسأدخل التو.. هنايانتظرن"

Page 96: 1521

نحو طاقم صغير يتكون من ستة تتراجعت للخلف، وعبر واحدة ضخمة من القطيفة البنيـة الداكنـة، ةوكنب" فوتيه " مقاعد، أرى القاعات متتابعـة يساري و ين يمي عن. اهقةالشفل النوافذ أس

ـ استعادة األ فيكابد أضيئة، وأنا بمداخلها الم ـ .. اآلن. ماءس ييقينـ . لـي الء الذين كان بعضهم زمـالء ؤاألخير الثابت هو ه ييقين

فك كل هذه األلغاز والمتاهـات على القادرون: األخير الثابت هم .نا والبنتأ يت خلفت حجر ما تنفك تتكاثف منذالتي

الجمـع علـى - من بعيد -ومن مكانى ذاك، كنت أشرف

البيضاء واقفـة وظهرهـا يالحديث والنقاش، ودليلت فيالمنخرط جعد والبشرة المحروقة بلون القهوة، ، أما الولد ذو الشعر األ يناحيت

ا ضاحك ي، ألنه أول من استقبلن ا أن أخطئه مطلق ليا فلم يكن ممكن . سجن طرةفيحدى زنازين عنبر التأديب إفي

ـ التي تلك الحبسة في استمرت عام ا قبـل ا واحـد

، فسوف عزةن أنت و حياغتيال السادات، حين حملوكما فر ا اضـطررتم الذي البعيد، ىف من ذلك المن أخيراتستريحان

ضـخم ي لور فيوران مخف. نتفاضة الخبز ا أعقاب في إليه، كلهـم قابضـون بنـادق ا من أربعـين جنـدي أكثريضم

ويحب يساريومتعلمون الحرب، يرأسهم رائد قال لنا أنه

Page 97: 1521

امتدت أربـع التيجمال عبد الناصر، وظل طوال الرحلة عشرة ساعة متواصلة يحاول استدراجكما للكالم، بعـد أن

يس، ئ المركز الر فيفشل عقيد وضباط مباحث أمن الدولة لكما منذ بداية ىاألول سويف، المحطة ي بن فيحتى قلت له

الكازينو في الشايين من ب حالمين بكو طتماالرحيل، وقد هب قلت له ويـداك . برد يناير القارس فيالنيل على المفتوح

اسمع يا : وهو يقيدك به قبل نزولكما كمقيدتان بقيد اعتذر ل أنا ال أظن أنك من المباحث، مادمت تحب .. حضرة الرائد

أجلس فيه مـع الذي ىه المق فيو. اجمال عبد الناصر جد ين، ويبدو أنه تعـب لمخبر القاهرة، جاء أحد ا في يأصدقائ

من الجلوس كل يوم بجوارنا يستمع لنا دون فائدة، فانتحى فـي سيادتك .. أستاذ يالو سمحت : ا وهمس له بأحدنا جانب

نظر له محـاوال أنا أ الضحك و فيانفجرت .. ؟يسريم ظتننتمـا أ و -عزةنت و أ -ام لك ان ينظر كلكنه . جره للضحك

ـ ال مؤاخذة : عدت تقول له . اتقهقهان مندهش .. ا كـابتن ي الواحات عقب إلى القاهرة فيننا نقلنا من وظائفنا أالحكاية

مظاهرات الطعـام، ويبـدو أن فيعلينا فالتنا من القبض إ عنيي.. اا، ألن ثمة كشوف معدة سلف المسألة ال تعدو انتقام

ا سألة لست طرف م فينا، فال تتعب نفسك تصفية حسابات بين ـ . فيها يهل تصدق أن ما أفكر فيه بشدة اآلن، هـو ترك

Page 98: 1521

رة كتاكيـت شا من ع نا، بعد أن تبقى ل ير وحيد غللديك الص اشتريناها بعد وصولنا الواحات، مع أرنب واحـد، كنـت

تتسـبب عـن التـي يعة ظالجلبة الف على ستيقظ كل ليلة أـ معاركهما، فأجد الديك مج ا مـن جـراء مشاكسـته روح

ا عن األرنب الصالة بعيد إلىفتح الباب، وأخرجه أ. لألرنب جديـة فـي تلتفت له عزة ب -نتأ -فوجئت. الظالم الغشيم

األمر فيا يا حضرة الضابط بالتدخل نريد منك وعد : قائلةولم يكـف الرجـل . والفصل بينهما بعد عودتك بالسالمة

قناعك بالبوح إمحاولة عن ةطوال الطريق وحتى سجن طر ، ومضيت تبحث عن تماماله باألسرار، حتى سئمت اللعبة

وكان الرائد قـد فاجأكمـا . عند وداعكما عزةكالم تقوله ل ، بأنه سوف يسـلمك للسـجن ة يدخل منطقة طر يواللور

. مكان آخر رفض أن يحدده لكما إلى عزةوحدك، ويذهب ب تهبة، وتعجل لك الخوف والر لتها شعرت بالبرد وتسل ظلح

مرة واحدة وبسرعة مـن ص، والتخل جن الس إلىالوصول .شيءكل

، يمقعـد على نا مستلق أ مباشرة، و أمامي بوقوفها يتتنغبا

ستطيع تحديدها، بشـعرها القصـير وجيـدها أدون أن اإليهأرنو ال يهدأ واليسـتقر، يصبلطفلة، وجسمها ا الذراعها على .يالعار

Page 99: 1521

وجهها العارى يا، وقد فتن ها مبتسم عن يحتى نهضت وحملت طفلت ية وقبضـت ل الخا ذراعيرفعت . األلوان تحت شعرها القصير من

ـ يط بأصابع غكتفها القريب، وجعلت أض على مـن نفسـي ا مانع ، ئ المتـواط هـادئ الحنو ال من ا نوع لينظرتها تحمل . احتضانها

ن ومضة قصيرة لم تلبث أ فيلتذكرها بي عيونها البنية دفعت بينما. ؟هـي يتعرفنال أ من الغريب أليسكان ذلك كذلك، إذا و. اختفت

تقتـرب هـي قائلة و يفكرت أن أشرح لها األمر، غير أنها بادرتن :مني

" قـد هـي وها .. كانت جائعة مثل فيل .. االبنت شقية جد

.. ". البيتفي ي ينتظرنالذيكلت نصيب العفريت سيف أ

رفعـت . خلفها ابتسمت مرة أخرى، ومضت مسرعة وأنا : وأنا أحاول اللحاق بهايصوت

.. ".سناء يا.. سناء "

ـ نناديها باسمها، لك أ أننيا من توقفت عن الصياح مبهوت ين . البيضاءياسمها التقطته منذ قليل من دليلت تذكرت أن

Page 100: 1521

، ثـم أومـأت نحوي ت، والتفت خالياالقاعة أمام كان البهو لبابف الا، قبل أن تدلف خضاحكة تقريب.

ئـة بالمقاعـد لدخلت وراءها، ورأيت القاعة الكبيـرة ممت

شالجانبين، وبينهما مكـان خـال مفـرو على الجلدية المصفوفة ومرتفع مضيء الصدر كان ثمة مسرح صغير فيو. بسجادة داكنة

ا الناس، وقد ظهـرت مـن إليهعن األرض، عليه منضدة يجلس وقلـت . واألفرنجيـة خلفهم الفتة ضخمة مكتوبة باللغات العربية

غاية السهولة اآلن، فلـيس هنـاك في أن المسألة كلها باتت نفسيل .ستريحأو شيء من قراءة هذه الالفتة ألعرف كلأكثر

عـن عينـي نا أبحث ب أ، و ي حضن فيكانت البنت مستكينة

ـ من امتالء القاعة، والضوء الخفيـف المنت سناء، وبالرغم إال ر،ش الذين قـابلتهم منـذ يئضبط مكان زمال ستطع أن أحدد بال أ لم أنني

أحسـه الذيحساس المسيطر اإل ذلك يوتلبسن. لحظات عند الباب ـ األماكن الواسعة الممتلئـة با يا، عندما أدخل وحد دوم ذ إاس، لن

أعامل اآلخرين بخشونة واسـتهتار يجعلني ارتباك وتوتر ييعترين .ينمتعمد

Page 101: 1521

عـد القريـب، تقدمت نحو المق . ةخاليهذه الصفوف الخلفية صـف آخـر، في مقعد آخر إلىانتقلت . غريبة لةفوقه آ فوجدت

ن أ، فاكتشـفت عينيأن درت ب مني إال فما كان . فوجدت نفس اآللة . ذراعاها حتى آذانهم ىلوسهم ويتد ءر على أغلب الناس يضعونها

وابتسمت ي أول صف صادفن فيأعطيت الطفلة لرجل أسود يجلس ـ رأسي على له، ثم ثبت هذه اآللة ي كيفما اتفـق، وتناولـت طفلت

.وجلست

وسـهم ءر علـى يرتـدون آالتهـم لي حو منكان الناس فـي ومشغولين، حيث كان ثمة رجل ينويتطلعون للمسرح منصت

فمـه مـن ا الميكروفون صدر المنضدة فوق المسرح يتكلم مقرب . وعدلت رأسي على عان ما ثبت اآللة ر، وس ي ذهن فيولمع خاطر

. ، ومضيت أغير من وضع تلك اآللـة وأقلبهـا ريحج على البنتنجليزية إلم تكن . زهايلم بلغة أوروبية أستطع أن أم ك يت لجلر ا نكا

. أن أحددهمايوال فرنسية، وهما اللغتان اللتان بوسع

على ا وصوت الرجل ا خفيف تصدر وشيش رأسي على اآللةالقاعـة إلى أتطلع نفسيتركت . شيئادون أن أفهم ىعالالمسرح يت

ـ أمكنني يوالناس الجالسين، وبعد أل يتجمعـون ي أن أرى زمالئأما الرجال والمرأتـان الـذين يحتلـون . الطرف اآلخر فيهناك

Page 102: 1521

فـي المسرح، فقد تبينت مالمحهم بشكل أفضل، بعد أن استرحت كـان الـبعض مـنهم . ، وأقلعت عن محاولة استخدام اآللة يجلست

ـ له مالمح أوربية، وقد تخ ما البعض اآلخر نمالمحه عربية، بي ىلالمنضـدة، وارتـدى على عن آلته ووضعها قدامه ىلمنهم من تخ

وكانت الالفتة البعيدة خلفهم مكتوبة . وسهمءر على اآلخرون آالتهم رحـت أدقـق . وخطوط متغايرة من لغة، وبألوان مختلفة، أكثرب

انتفاضـة : وأدقق، حتى فككت طالسم كلمات مكتوبـة بالعربيـة علـى البهجة وامتألت وأخذت أتحرك يغمرتن. ينيالفلسطالشعب يتكلم وأصـفق الذيحتضن البنت وأتطلع للرجل أ وأتلفت و يمقعد

ـ نه من ال نفسيمع الناس وأمنع يـدق وألهـث يوض وأشعر بقلب الناحية في يئ زمال إلى رحت أستعد لالنتقال أننيثم . وأعود للتلفت

معـا وسوف نتصرف ،أمامي يبينهم سوف أفهم مايجر . األخرىا، مادام األمر يتعلـق بهـذا الجمـع ا نتفق عليه جميع ونتخذ موقف

م، الذين جاءوا تحـت الفتـة انتفاضـة الشـعب مالضخم من األ .يالفلسطين

المنضـدة يتبـادلون علـى ا، والنـاس يئمضى الوقت بط

ي كانـت ترتـد التيات، حتى تكلمت المرأة الفلسطينية ونالميكروفاألسـود واألحمـر : الثالثـة يلوان العلـم الفلسـطين ، بأ )كوفية(

الذراعين المتدليين اكانت تتكلم بالعربية، فأصغيت منحي . واألخضر

Page 103: 1521

يتحدثت عن انتفاضة للصبية الفلسطينيين تجر . يمن اآللة عن أذن ن االنتفاضـة تـدخل أقالت . وكيف؟. متى؟. األرض المحتلة في

سـرائيلية آلة الحـرب اإل شهرها العاشر، وأن األطفال يواجهون .بحجارتهم

بـالوجوه العابسـة ئا غير عاب ا هاتف انطلق مصفق يوجدتن مـن أعـرفهم مـن إلىثم رحت أتطلع . نحويكلها التفتت التي نحو ما، -ىل، لكن الجميع كانوا فيما يبدو يأخذون األمر ع يزمالئ

ثل م في أنه علىليس من السهل أن أكتشفه، وربما كان هناك اتفاق آخر، كان ثمة نظـام يسـير اهذه الحاالت، ال يقاطع واحد، واحد

. أوالد العرب والخواجات واألفريقيون واآلسـيويون : الجميع وفقه خـتلط بالخجـل، م ال ي سرعان ما أحسست بما يشبه الخز ننيإبل

حين تخيلت عشرات بـل مئـات وآالف مـن يبالرغم من فرحت يحملون حجـارتهم وأعالمهـم األوالد والبنات الفلسطينيين الذين

.وعصيانهم

الصباح في. ة سجن طر في أيضاسرائيل أنت إحرقت علم العصـافير الملتاثـة شالمبكر تفتح زنازين العنبر، وتشاهد جيـو

تخشى هـذه . حتى الذباب شيء تنقض لتلتهم كل هيالمتوحشة، و تـنقض . تصرخ وال تزقزق : اكتسبت طبائع جديدة التيالعصافير

Page 104: 1521

لـم تكـن تتـيح لـك . طريقها فيتلتهم كل ماتصادفه . تطيروال جماعـات فـي الفرصة لترى جسومها السوداء الصغيرة المنقضة

يضمها المبنى، حيث تتابع التيعبر المنور، وعبر األدوار الثالثة غبشـة الصـبح مـن فـي جماعات المساجين الجنائيين الهابطين

فالحون وصـعايدة . بة المزرعة القري فيالدورين العلويين للعمل سـتراتهم نيحزمون سراويلهم الواسعة القصيرة بحبال، ويضـمو

م العسـاكر قبـل يه الصقيع، ثم يصطفون حتى يتمم عل فيالممزقة فـي قد تم تصنيعهما يل واالسرائي يهر، كان العلمان الفلسطين ظال فـي حدى الزنازين، وقررت لجنة الحياة العامة عقـد االحتفـال إ

دارة المساجين الجنائيين من الخـروج وأغلقـت ت اإل الفناء، فمنع على مر عام . م تسلقوا النوافذ يتفرجون علينا لكنهم الزنازين، هيعل

سفارة الصهيونية تحتل األدوار العليا مـن لمعاهدة كامب ديفيد، وا تـزوره الـذي السجن في ت، وأن لالني على ناية الشاهقة المطلة الب

وبالقرب مـن الجـدار، حيـث .شتاء كل عام منذ بضعة سنوات يلرائيسحراق العلم اإل إ البقعة المشمسة، بدأ احتفالكم ب في تمتالصق

نة الحياة ج وصرفت ل تمألقيت البيانات وغني . يورفع العلم الفلسطين عض يهتـف لـب ضـافية ووقـف ا إا وسـجائر افيإضا ة شاي مالعا

ك لتتماهم، ولم نوترددون، ولما ازداد الهتاف رحت تجول بعينيك بي سـور ال وهذا هو لعلف السجن با ل داخ ت االبتسام فقد كن مننفسك األخرى، بجواره بوابة مغلقة، ينباالم يفصل هذا المبنى عن الذي

Page 105: 1521

حتى بوابة السـجن وبعده بوابة بر وبوابة للزنزانة نوقبله بوابة للع . الرئيسةالشاهقة

، يرحت أصفق وأصفق، واستيقظت البنت مـن اهتـزاز

ـ ي التصفيق وجسم في تواستمرر وكيـف . عنـي ا يرتجف رغمـ عنياستطاعوا أن يحجبوا ا أن طوال هذه الشهور ما كـان كافي

إلىتوجه أ أن أنهض، و فيفكرت . كل هذا الفرح واألمان ييمنحن. اتباعهـا فـي وا ءب جديدة بد يلاالمنصة، ألشرح لهذا الجمع، أس

ا من كـل مـا يها وتشو تخريب أكثرب بسيطة ومبتكرة، لكنها يلاأس. يكفيهم فقط أن يحجبوا عنا مـايتراءى لهـم . اتبعوه معنا من قبل

يذاعاتهم وتليفزيوناتهم، ويتركوننا نجر إيقفلون أفواههم وصحفهم و .و قطعان نسعى باحثين متزاحمين متدافعين دون جدوىلا تعانطق

، ومضيت أربت عليهـا ي حضن فيتململت البنت فأخذتها . ، فعرفت أنه آن أوان الرحيـل ليناس من حونهض ال برفق، حتى

هذه إلى ضولم توافدتم من كل بقاع األر . ذن؟إ تجتمعون تموفيم كن مسـك أركض نحـو المنصـة أل : يهل أترك مقعد . ذن؟إالقاعة

ئيثم أيـن أصـدقا . بالميكرفون ألهتف وأكشف وأجأر بالصراخ؟ ا لتأمين ور رافقتها شه التي البيضاء وسناء والبنت ي ودليلت يوزمالئ

سجن طـرة، فيا أخرى زاملته شهور الذيحدى اللجان، والولد إ أين تتوجهون، وكيف تتركون القاعـة إلى.. والولد اآلخر واآلخر

Page 106: 1521

حاولت، غير أن الـدوار . وضنه ال فيوجدت صعوبة . وتمضون؟ـ ا يم الرؤية وأسمع صفير غت: الفور على ينبكان يغل ا يخـتلط عالي

يد وصـراخ قـردة وصلصـلة، فأسـارع لسوط بع شبأزيز خاد .بالجلوس

بعد برهة، تمكنت مـن الوقـوف بصـعوبة، وأحسسـت ممر مظلم، لكن في يوجدتن. ج الخار إلى ثقيلة وأنا أخطو فيبأطرا

ثمة ضوء هليز عن د على عت حتى عثرت سركاد أتبينه، فأ أا ا بعيد أن أمكننـي ا، و ظالمإ لأق كان هذا الدهليز . ، فانحرفت نحوه ييمين

، وربما كان طريقي قد ضللت أننيا بعيدة، وقلت البد أميز أصوات إلـى بي أفضى الذي هذا الدهليز إلى ي قادن إليههناك باب لم أنتبه

ـ . اا نافذ ممر آخر يشبه النفق، وأحسست بالبرد السع يهـواء ثلجثلـج أبـيض . بيض بالفعل أ جنه ثل إ.. هيلإقل يا لثا موجع باهظ

.ء النفقييض

Page 107: 1521

)٢(" ديفيليه " يفاواتلهجيش ا

Page 108: 1521

، وأنا أحـاول االبتعـاد ي الرائحة ودمعت عينا يحاصرتن تلك الحجرة المزدحمة الضاجة بنا إلىهل عدت مرة ثانية . هيبوج

حين جـاءوا . وبعشرات الجنائيين الذين تم اعتقالهم عقب االغتيال البيـوت على م داروا بالعربةث - وأناعزة -قبل الفجر، اصطحبونا

برجال وسيدات وأوالد وبنـات، ييعتقلون ويعبئون السيارة اللور قسم السـيدة زينـب، ومضـوا فيوأفرغوا حمولتهم من الرجال

الليل كان الجنائيون يتبادلون الحديث مع امرأة وحيدة فيبالعربة و مـن يفصلنا عنه نافذة صـغيرة بـالقرب الذي حجز النساء، في

تشـترط علـيهم أن هـي ، و ين منها أن تغن السقف، وكانوا يطلبو عندئذ، كان أحدهم يقفز فـوق آخـر، . السجائر أوال على تحصل

لسـقف ويناولهـا يق قـرب ا الض يديويمد يده عبر الشريط الحد أول مرة تحب : ي بعدها بصوت مبحوح شج يتغن. سيجارة واحدة

كـان صـوتها . عـالي احنا بنينا السد ال ي وآد يقلنا حانبن .. يياقلب بدأت بها، ليسـت التي نيوبدا كأن هذه األغا .. ا رخيم ا مثقال ممتلئبل أن تنطلق موجوعة مرضوضة مبتهجة بمواويلها قتدريبات، إال

وانهالت السجائر عليهـا، . تماما سيطرت بها علينا التيالصعيدية :، وقد تسلق زميله يناولها يصيح فيها قائالالذيوالولد

..فلك ليلت.. افرنساييابنت تحية من السياسيين

Page 109: 1521

هجامون ونشالون ولصوص صغار ومتسولون وسـريحة، ، ئقف بعد اغتيال السادات ألنهم اعتقلوا طوار اأخبرونا أن حالهم و

وأصبح واجب الصـباح فـي الحجز، و فيا ا عليهم أن يناموا يومي فـي ، ليعودوا جيكنسون ويمسحون القسم قبل أن يسمح لهم بالخرو

التـي تلـك هـي طوال الوقت كان ثمة رائحة، نعـم، . لأول اللي ـ . يوتمأل األرجاء وتدمع عينـا تنتشر . اآلن يتحاصرن أن لوقب

أعـدوه " توتو " على ايحين موعد خروجهم، كانوا قد صنعوا شاي دار علينا، حتـى الذي من الكوز الشايحتسينا معهم ا. لعجعلى

عندئـذ، . ز النساء حج عن يفصلنا الذي وفتح الباب يجاء العسكر يمكـن احتمالهـا، تدفقت الرائحة الملتاثة وانداحت عنيفة نافذة ال . عنـات القديمـة الطوخرجت فرنسا عوراء بوجه ممزق بعشرات

، تحمل بطانيـة أيضاا أسود ومنديل رأس أسود جلباب يسمينة ترتد صاحبنا الذيستعيد صوتها أ فخذها، ورحت أنا إلىمطبقة تضمها

، فقد لوحت لنا قبـل أن هيأما . مواويلها البعيدة يل تغن طوال اللي لفها، وخلف الجنـائيين الخـارجين خ باب الحجز يسكرلعيغلق ا ا

ولما قرب : المبحوح يمعها، وصاحت، مرة أخرى، بصوتها الشج خطوت " و ي أستطع مقاومة رغبت لمو.. ورحت أقابله .. يميعاد حبيب

يلتهـا ل قضت فيها فرنسـا التيكانت الحجرة . اب المفتوح البعبر ـ ظـر ه الن على برتنينة أج لمجنوئحة ا ا، غير أن الر تماماة يلخا ا ن

Page 110: 1521

يرات صـغيرة بح فينها رائحة بول تجمع أوهناك، حتى اكتشفت .عينيا ا ومغلقت هاربلي ووابيأعق على درت. األركانمنرب لقبا

مفارقة هـذا على ا، وانطلقت عازمفيكت على ألقيت بالبنت

، وقـد ي، والرائحة تكاد تقتلن ي وأجر يرحت أجر . يهليز الثلج الدمهل من قوام على اضم البنت بقوة، متخلص أ، وأنا عينيأغمضت

في ي جهد ولزوجة الرائحة المحبوسة بالقرب من الجدران، وباذال ا ، ومـدرك ي حركتفيالتحكم على من قدرة لي ياالستمساك بما بق : كل الذين تعرفت عليهم -ة أخرى مر - أن أفقد عنيأن هذا سوف ي

الشقة الضيقة فيا شاركتها شهور التي البيضاء وتلك يسناء ودليلت وبعد كـل . السجون فيالرطبة، واآلخرون الذين زاملنى بعضهم

أن أقتـنص الفرصـة ي عل اماجرى، لم أتعلم بعد، أنه كان متعين ينيحوطـون . الفور، بل أن أندس وسطهم، وأجعلهم على وأخبرهم

، وقبـل عيني لما عاودت فتح أماميوغامت الدنيا . من كل جانب ا، دفئ أكثرا وربما دهليز أقل ضوء إلى أنحرف ي، وجدتن ئفأن أنك

.االختفاء على بعد أن شارفت الرائحة المحبوسة

ا كان لحن . اللحن الخفيف السريع ي عندما فاجأن قليالتوقفت اسطحي ن أتذكره، لكنه رائق وصـاف، حاولت أ يا لفيلم فرنس شائع

Page 111: 1521

، ثم أسير الهـوينى، ذراعي، وأنزل البنت بين يوأنا أستعيد أنفاس . الباب المواربإلىحتى وصلت

فوقـه النسـوة، مضيءمددت بصرى، فرأيت المسرح ال

والقاعة ممتلئة بالمناضد المفروشة، حولها جلس جمع جلهـم مـن . المسرحإلىالنساء يتطلعون

لو لم تكن تلكما المرأتـان . اخل لما رمقتهما الد إلىخطوت

أن أمكننـي ل الخيزران، لما ثالزنجيتان بقوامهما النحيل المشدود م ئالت من ثقل الحقائـب، ذوات الوجـوه الماأتذكر جيش الهيفاوات

شـعرهن، فيالرائقة الشاحبة من غير طالء، والزهور المشبوكة .لين حال دخوته صادفيالالئ

ان تحت ضوء يتابعهما وهما تخطـران مـن تأودت المرأت

عـن ايته، وتلقيان بالبسمة الواسعة الكاشـفة نه بداية المسرح حتى ـ ين طويل ينأسنان شديدة البياض، مرتديتان فستان همـا ن، لك ين المع

ـ و. لـي أع منحور ويحيطان بالنهود البازعة نكاشفان عن ال لقب يا يضو صغير انسحابهما المباغت، خلعت كل منهما ما يشبه شاال

يقاع واحد، قبـل أن ترسـال بالبسـمة إ فينجبات الترتر الملونة .اا غامضنة بما يشبه وعدواألخيرة مقر

Page 112: 1521

خريين ضاحكتين أ امرأتين عن وانشقت األرض للحنتغير ا

واآلخر أخضـر يحدهما أصفر نار أ بهين متشا ينبثوب تين،جمبته .كشكشاتوزاعق، محليان بشرائط

رات باسـمة صـريحة، ظران، ترميان بن ان، تستدي تخطروما تلبثان أن تتقصعا رافعـات أذرعـتهن . ينبوغصبوجهيهما الم

هذه الرقة الناعمـة م رغ ح تتأرج -هن شعر فيوالزهور المشبوكة االرشيقة لالستدارة واللفتة والبسمة المرسرمة المضبوطة لهما مع.

علـى قلـيال ضـاءة هدأ اللحن، وخفتت اإل ن انصرف ينح

علـى لي من حـو سوشفت النا . يناعدلقط ا لغ عال لمسرح، بينما ا تحسسـتها يجيـوب . أكواب طويلة منالمناضد يدخنون ويشربون

الباب الموارب، حيث اصـطدمت إلى عن سجائر، واستندت باحثاـ ت قد عثرت عليها قبل أن نن كن التييمة لتم با يأصابع أنـا -وجيـدعو ه ليس ثمة ما أن فيوفكرت . العجوز والقردة من -والبنت

أن أجد ليوع. نفس الفندق في مازلت - أغلب الظن -فأنا. تعجبللمخرج قبل أن تزداد األمـور يا، أتسلل منه أللحق بزمالئ ا مناسب ،أن البنت مستكينة، بعـد من األسباب وبالرغم من سبب يا أل سوء

Page 113: 1521

يمكن الركون لهدوئها أنه ال إال يرت هدومها، وغأن سكن جوعها . ذاكياهرالظ

وعندما رأيت الناس يتجهون بعيونهم نحـو ذلـك الجمـع

هناك، ورحت أدقق إلى هي المقدمة، يممت وج فيالصغير الجالس أن لي سبق يعدد من الممثالت الالئ كان ثمة . وأدقق حتى تذكرت

ي أن أراهن رأ ليا وكان مدهش . السينما والتليفزيون فيهن تشاهدشعور مصففة ووجوه تبـدو كأقنعـة فساتين و فيتجسدن : العين

يـتكلمن ويتلفـتن عارفـات أن الجميـع يـدخن و . بألوان نارية .نهالحظوني

ـ ي استوقفتن اتراجعت للخلف، لكن الموسيق ا ، فقد كـان لحن

سطحيا آخر، شائعا وموزعاا حديثا توزيع. النسوة يقطعن المكان بأعضـائهن تخرجء المسرح، ل يأض

ـ على ات المنطوية القوية، وتلك الحرك د ينفلـت، اعنف مكتوم يكوهن يواجهن الجمع بوجوه مصـبوغة، ويرسـمن الضـحكات،

عرض أجسامهن الشفيفة الضامرة بالفساتين القصيرة فيويجتهدن نسوة خلف نسوة، يطلعن ويطلعـن، .. والطويلة والداكنة والملونة

الدوار قاتالت حين يلتفتن فجأة مستديرات بخصـورهن على يبعثن

Page 114: 1521

لتفاتته، فيعـدن مـرة إ الجسم يونهودهن وحدها، قبل أن يكمل باق مضبوطات مـع : مشيهن، ويمنحن الناس المزيد فيثانية، يخطرن

.ا كأنها لحن واحد تتغير دومالتياأللحان

واستسلمت للقطعان المتدفقـة، كـأنهن كـن محبوسـات يطرن خفيفات هضيمات ال يكـدن . بأقراطهن وأساورهن الملونة

مسن أرضية المسرح، مشدودات مرفوعـات الـرؤوس داخـل يلولمـا عـادت . تتابعهن حتى يختفين ي ما تن التيالدوائر المضيئة

إلـى الزنجيتان مرة أخرى، وقد غيرت كل منهما فستانها، اهتديت .هيسبب ورودهن الالمتنا

، ي حضـن في، فسارعت بضمها ذراعيتململت البنت بين

بوجهها ي صحت بالفعل، فألصقت خد نهاأا، وأدركت إليه ورنوت للحـن ي، لكنها كانت تبتسم كأنها تصغ مفاجئا من صراخها ال خائف

الخفيف المنتشر، وتكاد تحرك ذراعيها الصـغيرتين المرفـوعتين تتفـرج يا وأدرت وجهها ك تهوقبل عندئذ، ضممتها . بجوار أذنيها

. الهيفاواتشجي على معي

ـ ل، ذلـك األر جأ. البرتقالنها رائحة إ: ثم انتبهنا كالنا ج ي، يلارحـت أتلفـت حـو . ليال يمكنه أن يختلط ع الفاغم المميز

Page 115: 1521

أن الباب عني، ورو في المسرح، وعدت ثانية أبص خل إلىوتطلعت جا اآلن من خلف، بينما أري ا، بات مغلق ستند عليه موارب أ كنت الذي

يزال يتضوع بالرغم من الضجيج ودخـان السـجائر البرتقال ما غـالق إن أ نفسيقلت ل . ي وجيش الهيفاوات المتدفق قدام الموسيقوا

منذ شيء هماله، مثلما أهملت كل إ يالباب ليس مصادفة، وال ينبغ أول األمر، وما أعقبه من أحداث جسام مـا في المتعجل يخروج

.اا وقهر كمدين وتمأليروح على تزال تطبق ـ لع لما لمحت ا شيء، كل أماميف ش انك - لحظة فيو وز ج

و أقصى القاعة من الخلف، وحوله جلست المرأتان مائدة إلىا قاعد اآلن بدلـة يكان يرتد إذا و. اللتان كانتا تالزمانه وهو يقود القردة

كانت المرأتان تدخنان وقـد إذا ا، و سود المع أسوداء، بل وبابيون ـ ا علـى تعرفت عليه أنني إال لبستا فساتين سهرة طويلة، .. ورلف

ـ ا الباب أمـر غالقإوبات ـ ا، وأضـحى التضـييق مفهوم ي عل عنـد ينمن تعقبو على الدائم غير مقصور ي ثم هروب يومطاردت، ال أيضـا رين خآ ىل وع لالخالء، ب على الحجرة المطلة يمغادرت .يناألولبالضبط عالقتهم ب. أعرف

وهروبى اآلن لم يعد مـن الممكـن للي تس ن، فإ لك ذ ليعو

ـ و. احدةوة ظتأخيرهما لح العجـوز -م اسـتغراقه عني يخـد نل

Page 116: 1521

إلـى هيفاوات، وسارعت ل ا جيش التحديق ومشاهدة في -والمرأتينانيـة، ثمرة . لقغ الحنية الصغيرة المالصقة للباب الم فياالختفاء بنـت، ل ا ضـن واحت ليوجعلت أبص حو . برتقالل رائحة ا يهاجمتن

ة المنورة هناك، ثـم الرقبـة بهسيعة والج لويون ا لع ا يحتى جذبتن أن التقت إلىتخطر متباطئة متأودة، إذن هيها . ويلةلطلخمرية ا ا

ا يلف كـل الجسـم كأنـه ا مريح ا سابغ فستان يترتد كانت. عيونناشعرها مرفوع وكحلهـا . يالنوبلون السماء وله كمان ط : جلباب مـن ىل جيدها وقرط أزرق يتد ليقالدة بلون أزرق ثقيل تح . ثقيل

مـس تكـاد تل سهامها، وتلك المشية ال يأذنيها، ونظرة جانبية ترم نهاية سـاقها، فياألرض، بينما الخلخال الدقيق بلون الفضة يلوح

، وأعدل البنـت حتـى ينا، وأنا أفتح عيو دووجسمها النحيل مشد دلتنـا عليـك . عو رائحة البرتقال تتض هي. اهيكون المسرح قبالت

.أخيرا

وأبهج ىل أح ن رائحة البرتقال أ نفسيهززت البنت، وقلت ل م منذ إليه طريقي أو ضللت عني غابوا يكان زمالئ إذا و .الروائح، تمامـا كنت قد فقـدت األمـل الذينا أ عليك، ين عثور إقليل، ف ـ أصيح وأزيط بأن رائحة البرتقـال أح يجعلني الـروائح، وأن ىل

تلـك اللهفـة لـي جسمها الطائر داخل فستانها السابغ يبعـث داخ .حساس المقترن برائحة البرتقالذلك اإل بالخوف، وةختلطمال

Page 117: 1521

شيت أن يضيئوا األنوار، ونظـرت خحين انفض المسرح،

ساق، يـدخن بمبسـم على ا كان قد وضع ساق الذيناحية العجوز هيئتهما تبـدو منفـرة . المائدة على طويل، بين المرأتين المائلتين

وذراعاهـا العاريتـان -يل الكح -فستان راسخة الجسم . ومستعارةوصدرها المكشوف وأساورها الذهبية وطالء وجهها، بل وجلستها

التـي أما الصغيرة . يكل هذا ضاعف من ريبت .. ساقينلالمفتوحة ا ئج لهـا شـعرها ا إال أن ألمح يكانت تعرج بساقها، فلم يكن بوسع

علـى حول وجهها المصبوغ وكتفيها العاريتين، بسبب جلوسـها .ئدةالماالناحية البعيدة من

كيـف . عادت، وأقبلت النسوة مرة ثانية ار أن الموسيق غي

جيش الهيفاوات حامالت إلىلم أتعرف عليك لما وقفت أتطلع إذن ؟ كيف أتصرف اآلن؟ هل أبقى تحت رحمـة ليالحقائب حال دخو

.؟فيالعجوز والباب المغلق من خل ا الخلف، يبدو موارب فيب الرئيس البا أية حال، هناك ىلع العجـوز، وهـو مـن رب لق أن أمـر بـا ضيذاك يقت لكن أمامي

ضـيقة لدهـة ا لر هذه ا أيضااك نه. لمواجهته مباشرة يمايعرضنظهور، حتـى ال على مجبر أيضا لكننيالمطلة المالصقة للمسرح،

Page 118: 1521

الضـوء الخفيـف ، وسرت بـبطء مسـتغال صقت بالحائط الت لو .افاوات والموسيقلهي اجضجيو

، يـدي البـاب بكلتـا ح ورحت أجرب فت يهرظتراجعت ب

أن ي عل ثمة مقبض أشد منه، وكان لم يكن .فيكت على البنت امسند. ق وأحاول الجذب الش في ي أظافر من، لهدخاإأدخل ما أتمكن من

ومضيت أخمـش يجسمب واستندت ل من أسف يئأدخلت طرف حذا ، ذراعـي فتحـت . أماميا ته وجد أخيرا، حتى فتح الباب يبأظافر هـي فمها و في وقبلتها تهااحتضن. قبل أن تسقط البنت هيفتلقفت ـ دهليز الموا ال في، وانطلقت وراءها ج الخار إلى معها يتجرن . هج

جعلت أرتشف رائحتها ونحن نقطع الردهات المتتابعـة، ننحـرف البسـطة المقابلـة إلـى أخيـرا ز طويلة، حتى خرجنا يلاداخل ده ار المصعد، حامل بجو على كان ثمة الفتة صغيرة معلقة . عدللمص

ـ " قاعة عايدة في: " منها أن أميز أمكننيو ا آخـر بلغـة ثم كالم تزاحموا فجـأة وانفـتح بـاب ساالنالها لكن ؤت بس سهم. التينية .المصعد

نفس يكانت ترتد . حلوة. مبتسمة وعيونها ليعندئذ التفتت

، لكنها غيرت قالدتها بقالدة معمولـة مـن يحسابغ المر لا الفستان، يفصل بين كل حبة وحبة شريط صـغير جسلبنفة من ا ات كبير بح

Page 119: 1521

الخيـام شواكتشفت الحقيبة المصنوعة من قما . من الخرز األسود : السلم صعدن نحنهمست و. كتفها على معلقة

تركتذا الم.. )معقولة(قلت .. نفسيلما شفتكما لم أصدق " .."البيت ؟

سـريعة، اللحاق بخطواتها المتتابعة ال أكاد أركض محاوال

هـي رأيته و الذيوعيناها ما تزاالن مكحولتان بذلك الكحل الثقيل ذراعـي ي أن ألق في يوقاومت رغبة تحرقن . المسرح على تخطر

، ونحن نصعد السلم، ونشاهد الخواجات ي حضن فيحولها، وأدخلها علـى تصدر القاعة الذيالجالسين حول الموائد وبالقرب من البار

:ئالملت عليها قا. يميننا جاء العجوز ورأيته يقود القـردة المكبلـين ويسـوطهم " .. ". بكرباجه

:ضاقت جبهتها لما رفعت حاجبيها هامسة

.. ".العجوز؟"

Page 120: 1521

هاتان المرأتان .. أنا لم أحك لك . وكان معه المرأتان .. هآ" .. ". العربة حتى باب زويلةمعي وركبتا يقابلتان

ار الـرجلين جونا، وعبرنا ب لما اقترب يانفتح الباب الزجاج ، وثمة أضـواء الخارج فيكان الليل . المرتديين القفاطين الحمراء

من بعيد مبنى مجلس ليوتراءى . تلوح بعيدة عبر النيل الصامت تعرفت عليه مرة ثانية، عبر الجسـر، وخلـف . قيادة الثورة القديم

ال وقضينا فيه ساعات وسـاعات عزة اخترناه أنا و الذيالكازينو ، رحت أحـاول في انقباض خ نحويوتسلل . نمل من الكالم والبوح

، ي نسيت سـترت أننيأحسست بالبرد وتذكرت . تفاديه دون جدوى قرأتهـا التـي يمة، أو الرسالة لتمنسيت أن أسألها عن الورقة، أو ا

، وقد يبكفها تمتد مالمسة خد إال ء العجوز، ولم أشعر ييجقبل أن :امى ضاحكةدوقفت ق

.. ". قطعته وعملته غياراتيى قميص نومحت"

، نحـوي قربتهـا . يخـد على ت بكفها وأمسك يديمددت شعرها ورقبتها وشـفتيها السـاخنتين فيرائحة البرتقال ممتشو

نفسـي ا، وأنا أحس بالبرد وأدفع دافئ خباذلكان جسمها ا . العذبتين : همستيوحين جذبت شفتيها من فم. اإليه

Page 121: 1521

.. ".فيكت علىالبنت.. حاسب"

Page 122: 1521

األشجار الحجرية

Page 123: 1521

بـال انقطـاع، وأنـا يا يهم خفيفا ذاكان المطر يتساقط رذ القالدة البنفسجية إلى، ثم أرنو في العربة الخل جأرقب الدنيا من زجا

صدرها، وقد مالت محتضنة البنت، ورائحة البرتقال محبوسة على .تنداح داخل العربة

بين الدنيا المارقة ببطء مغبشة بـالمطر يآمنا، تتردد عينا

وبين شعرها المعقوص ذيل حصان، يرتعش حـين والليل والنيل، فوجدتها ممتدة يدي إلىرت ظن. جئنا ضوء السيارات من حولنا ايف

فـي ها البعيد، وقد لممتهـا فكت على قابض في المقعد، وك ىلمن أع دفقة مـن ا لدغدغات المطر والرائحة الخفية المت ، مستسلم يصدر

ـ . بلـول لم ا ئرائحة البرد والمطر والنيل والشاط : جارخال أننيك علـى المدرسية ش القما ي حقيبت الصباح المبكر، حامال فينطلق أ مـن أيضـا ، والدنيا تبدو مغبشة في أطرا عنيرتجف وتوج أ، فيكت

.ي بعد أن تهن مقاومتعنيا تنفلت رغمالتيخلف دموع الصقيع

هذا الفـيض . ل كل منا لآلخر سبب ما البد أن يكون المتثا إلـى ها واالطمئنان ؤسكينة وهدوء السر وخفة الروح وامتال لمن ا

هل حكيت لك عن كـل . البد أن يكون له سبب ما .. ااستغراقنا مع الذي أعقاب تسلل العجوز في؟ منذ اضطررت للخروج ليماجرى

أنه وكيف عرفت .. يقود قطيعه من القردة، وبعد أن قرأت خطابك

Page 124: 1521

فـي ورحت أبحث . ؟خطابك، بل وكيف عرفت أنه خطاب أصال .ي تسببه حركتالذيا من القلق ضائقيبجيو

.شـيء أي و ما، أو ورقة، أو تميمة، أ ابطاخ -ليكنذن، إ

ـ لـي ك ماجرى لأحك لم نعم . لك؟ول قكنت أ ذا ام ي منـذ خروج لقبالفندق، أمام الهيفاوات، ثم وقوفنا جيشوحتى طلوعك من بين

ـ لتت قد أنزلـت ن كا التي للسيارة األجرة، يأن تشير ينوهـا كهلمـا هحيتول: ريـب غ صغيرة شـكلها ي سوداء وطواق يرتديان بدال

ما نهعيوبأخذنا نحدق فيهما، وهما يجوالن . صدريهما على انليتتدـ ال يمألتن. تمة الخفيفة لع ا في ذ اقتربـا منهـا، إف ودهشـة والخ

ح زاعقا بصـوت لو رفع أحدهما يده و برد، ثم م وال ظاللمسكونين با :رفيع جارح

.. ".شالوم"

-هـي أنا و- أن أحدنام من أنهما يبتسمان، بالرغ ليوخيل ت أنه قال شالوم بالفعل، انفجرت ن تبي كننني حين لو. قط لم يتحرك

غاضب ا مقهور ؟األولـى كيف لم أتبينهما منـذ الوهلـة . اا مكروب .ـ البيبة و سلال بالد من ال اءاحاخمان ج نعـم - يكسـرون ثعيدة، حيون عشرات اآلالف منهم معتقالت كن األطفال، ويس يدي أ -يكسرون

Page 125: 1521

وقبـل . يةين الفلسط قالتا كمأنصار واحد واثنين وثالثة وثالثمائة، الريبة، وبعد أن تكلمـوا على ن يترك الجميع المكان باتفاق يبعث أ

ـ عنيحاولت أن أدفع . بكل اللغات ون سـبب ما حدست أنه قد يكا، هل يتعلق األمر بما شاهدته منذ قليل واستدرت حـائر . مجيئهما

. ما، غير أنهما كانـا قـد غابـا تهثم عدت لمتابع . وكنحونظرت :كنك ناديت قائلةل، لبابتقدمت نحو ا

.. ".تعال.. البنت على الدنيا برد" كنت سـتفعله لـو الذيوقف؟ وما تتأن على وافقتذا الم . خلفهما ؟مضيت

كـان . للعربة ش المغب جوعدت أسرح البصر، عبر الزجا

، البـد أن نفسـي وقلت ل . ا رغم الليل والمطر رويد الطريق يتضح معا أن نستسلم في يورغبت. يكون المتثال كل منا لآلخر سبب ما

ننام ونصحو ونعاود النوم مرة أخـرى بعـد أن قنستغر. للفراشكل ذلك .. أخيراض علينا والسكينة تفي المتأللئ ثغرك منأرتشف

.البد أن يكون له سبب

Page 126: 1521

ع أن أميـز وشيشـه يستطأ أننيا، غير خفيف يوالمطر يهم وسرعان ما . داخل العربة، حيث كنت أرقب الطريق ورائحته من

، بعـد أن س عز ظهـر أغسـط في قطعته من قبل أننياكتشفت مـن تسلمت الحقيبتين الكبيرتين البالستيكيتين المحشوتين بـتالل

الشقة الضـيقة، فيالتخلص منهما، ي عل ا كان متعين التياألوراق ا من صاحبها الرقيب أسامة، بعد أن استأجرها خصيص يحيث أوان

النيـل، عقـب على توبيس المزدحم ركبت األ . افقر شرطة الم في الشوارع لنتأكد في قليال، ودرنا يقيبتين من ماجدة فكر ح ال يتسلم الموعد ووراءه مراقبة، ثم افترقنـا إلىد جاء كان أحدنا ق إذا مما

يحيـى يحدى حجراته صاحب إ في يسكن الذيبالقرب من المنزل خنوقـة، م الحـارات الرطبـة ال في ألف يومضيت وحد . الطاهرالعـرق حتـى عبـرت قضـبان في الحقيبتين مبلوال على اقابض ه يتوسـط الذيا الميدان الصغير ، مخترق أخيراوخرجت .. المترو

.يضريح سليمان باشا الفرنساو

ال ستـوبي قد مر، وأنا أشيل الحقيبتين داخل األ اكأن دهر ،ا مـن ستسلم للسحق المتواصل والعرق والكتمة، خائف أأن إال أقدر

أن إلـى الزحـام، فيحدى الحقيبتين وتبعثر محتوياتهما إانفالت يلا حو الجانبين منتصبة ميتة ممتدة على شاهدت األشجار الحجرية

أشجار وأشجار امتدت ممتصة عادم مصنع األسمنت : كيلو مترين

Page 127: 1521

ا بطبقات من التراب األسـمر يومي يالقريب لسنوات طويلة، يرم ، وأنا محبوس ي وفراش هيبالغ النعومة، أنفضه كل صباح عن وج

عبر أم بكر العجـوز إال ال يصلها الماء التيداخل الشقة الضيقة . الزير كل صباحفيتدلقهما صفيحتين لي تحمل التي

ـ ي محطت إلىبل أن أصل قو ا، كان األتوبيس قد خال تقريب .المقاعد، ثـم على ذلك النفر القليل المتناثر في عينيأدور ب وأخذت

نهضت، مترنحا نحو السلم المجاور للسائقا متقدم.

قضيت ليلة كاملة أحرق فيها تالل األوراق المكتوب أغلبها اص، والبقية الباقية منها أعداد مـن مجلتنـا السـرية بالقلم الرص أن أتخلص من جميع األوراق ي عل كان. ستنسلاإل على المطبوعة

تسـاؤل فـي مهل، وحتى اليتسبب الدخان الناتج من الحريق على الؤهـا إخوكانت هناك أماكن تم . تحدث مشاكل هناالجيران، ومن

نتقـل الـزمالء بـين أن ي قبل أن يدهمها البوليس، وليس معقوال تم تدبيرها لهم، وهـم التيخالؤها، وبين تلك إ جرى التياألماكن

يحملون حقائب ممتلئة بهذه العبوات الناسـفة مـن األوراق، كمـا . ي ماجدة فكريأخبرتن

Page 128: 1521

لمـا جـاء أسـامة التـالي اليوما حتى عصر ظللت نائم ،بيرة، يطلب زجاجت . النيل على الظليلة )صبةالن (إلى يواصطحبن

كثيفة عبر الناحية غابات النخيل المثمر . النيل مباشرة على وقعدنا هـدوء، فـي سابة نر، تقطعها أشرعة المراكب الم نهاألخرى من ال

قصيدته الجديـدة، عنيأسم. خلفها تبدو الشمس بلون البرتقال منوسوسنة األودية، كما كنت أدعوهـا آنـذاك، .. عزة عنه لوحكيت

.يولتا بعد أن تعرفت عليه وأشربه مع اليومت ال يكل طوال سمن األ نعان مص خكان د

كل يش وفرا ينمحروقتل ا عيني عن وأنفضه مطعاالمع الماء وآكله األشـجار فيص أمام ى،تصباح، وأعبر كلما خرجت، وحال عود

ابسة ميتة يلانها وصغ، تتلوى قالحجرية الممتدة فروعها دون أورا .سقوطلوشك ا على كأنها

وأنـا نفسيسألت . هناك إذن؟ إلىسيارة ال بنا يضهل تم

وشـعرت بهـا . يتهاوال على ةكار الموش ج األش فيص إلىأحدق :لها همست . كتفها على ا القماشية المعلقةته حقيبستتحس

.. ".العموم معه مفتاح على ..هل قابلت أسامة؟"

Page 129: 1521

الليل، حين تكون النقود والطعام، بل فيا أحيان يكان يفاجئن ا وب غاز لملء الكل معا ينمض. ا والسجائر، قد نفدت تقريب الشايو

علـى مشرفين )النصبة( على جم نعر ثالناصية، على من السباك النشـون وجـبن . البيرة، قبل أن نعود لتناول عشائنا يسالنيل نحت

.لل جاء بهم أسامة من نص البلدمخ وبيض ويروم

ئها، والسائق يهد ا ورقية ال أعرف عدد نقود يدي فيدست .جانب الطريق على أخيرامن سرعة العربة، ثم يتوقف

رذاذ خفيـف لكنـه ال . بال انقطـاع يما يزال المطر يهم

هـي وكانت . ا، ونحن ننطلق عابرين الشارع كان الجو بارد . يكفوما لبثنا أن . رأس البنت وقد ابتل فستانها ييبتها تغط ققد رفعت ح

تضحك بوجهها تكان. المبلولة الزلقة األرض فيانحدرنا نخوض :وشعرها المبتلين هامسة

..".كتخليص على درقلو وقعت لن أ.. بالكليخل"

حذرا لم أضحك وأخذت األمر مأخذ الجد، ومضيت لكننيعثـرات على التل ىلوأشرفت من أع . الوحل والعتمة في امتوجس

Page 130: 1521

فـي ربة تناثرة أسفل مداخن مصانع األسـمنت الضـا لمالبيوت ا .السماء

. كان ثمة مصابيح قليلة، مبعثرة هنا وهناك كالنجوم الباهتة

بها تكدر، وأنا أحـاول يالمطر لم تنقطع، غير أن فرح دغدغاتا ي ذهن في الحذر، وقلبت يا استعادتها، وقد تلبسن جاهدعـن سريع

ا لو حاولت مرة أخرى أن تكرر ماقالته، وأحسست رد أعده جاهز يب، وكلما أحدقت كثيرا يلقد أنقذتن . األولىخوف للمرة بما يشبه ال

ذلـك، فـإن من م كنجمة الصباح وبالرغ لي هيالكارثة، بزغت . رده طيعأست هذه المرة من حيث ال ي ويدخلن ليالخوف بدأ يتسلل

وبعد كل مـا مـر . اير مما يستوجب أن نتحدث فيه مع الكثاك نه -اوليس يسـير . لي ع يد وتر عينيب أن تسم ج ي - أنت وأنا -انعلي

علـى ذا الكدر المقبض، وهو يزحف له ستسلمأ أن -ال أية ح على .ي حتى يتملكنجز، متسلاللع، أشبه بالمهانة المصحوبة بايروح

مادامت تعرف هذه الشقة، فربمـا .. ا مكروب ف أهت نيجدتو

وهل . ربة األمنية األخيرة لضا، بعد ا شهور تها زامل التي هيكانت هذا الفم وتلك الفرجـة لكن. ا أخرى؟ بنتمى أكرا ماجدة فزاملت أن

ـ ننياوية يذكر علالضيقة بين األسنان ال ي بامرأة أخرى جـرى بين .ا ما ال أستطيع التوصل لهنهوبي

Page 131: 1521

تواجه األرض الزلقة، هيتابعت جسمها الطليق الملفوف، و

البـاب لج، لتعـا عالية، صاعدة درجات ثالث اليمين إلى وانفلتت .اليسرى ذراعها إلىنت البية، بعد أن نقلت منحن

الداخل، إلىمنت المكتومة هبت علينا حين ولجنا سخنقة األ

الخوف وأنـا ال ينعاود. خلفنا منلما أغلقت الباب الظالم ثموج .مةلعت افي، وأتقدم شيئاأكاد أرى

الـذي جانب من الرف الصـغير فيأعرف مكان الشمعة وأنـا قدميدفعت ب . ن والمشط فوق الزير أضع عليه فرشاة األسنا

أتحسس بهما حتـى وجـدت يديمة، ورفعت ظأسمع أنفاسها المنت ة واحـدة، ظ لح فيوما لبث المكان أن بان . الشمعة وعلبة الكبريت

كانت المنضـدة . يسارلا على األولى الحجرة إلىفأمكننا أن نتجه الكتـب أقصى الركن وبجوارها المقعدان المكسـوران، و فيهناك

اختطفت الكلـوب مـن . متناثرة ومكومة، ثم أطباق بها بقايا طعام وانـداح " الرتينـة " ركن الحجرة، وأخذت أعالجه، حتى أضيئت

.شى العينع بياض يإلى شيء ضوء باهر عنيف أحال كل

Page 132: 1521

حضنها، وفتحت فمها في النور والبنت في سابحة يواجهتن :قائلةر اآلس

.. ".ثلجهنا .. تعال نروح هناك"

إلـى تفرك يديها، فحملت الكلوب، وعبرنـا هيوقرقفت و السرير، ومددت البنت متنهدة بصوت على جلست. التاليةالحجرة :مرتفع

... ".يا.... هـ هـ يا ابو.... آه"

عيونها الواسـعة في كتفيها وأحدق ساندفعت نحوها أتحس .السوداء

.. ".كل هذا الثلج كيف نتحمله"

ي االطمئنـان السـخ ينتها ونحن جالسان، وعاود واحتضنا، والطفلة، وربما هبط علينا أسامة ها نحن مع . مرة أخرى هادئال

أن أحسـم علـى يت يقين غامض بقدر يلد. ومعه العشاء بعد قليل

Page 133: 1521

كل هذا الثلج، وخنقة غبـار على فقط لو تغلبت . األمر، وأواجهها .وء الباهر الضفياألسمنت، واستمسكت بعيونها الواسعة

فـي و. اا باذخ الفراش، واسترخى جسمها وثير فيتربعت

ـ . ا تكدرت فجأة ة خاطفة، عجبت ألنه ظلح ن انعقد جبينهـا وتغض، وأعرف ما سوف يعقبه من افتعـال تمامانحو أعرفه على وجهها

أن إلـى ، األولـى سوف نتبادل التحرشات . سبب يمشاجرة ما أل اضطر مجروح أستطيع أن أمنع مـا يجـرى ال ننيا، أل ا مهزوم

أننيا ستطيع استدعاءه من سباب، مدرك أ، للرد عليها بكل ما أماميام األخيرة، حطمت التليفزيـون ي األ في. لي كل سيطرة سأفقد حاال

تموال عزة، وصرخت رأسي نافذة الحجرة ب جبالمقعد، وهشمت زجا مـا لىإكيف وصلنا . النجاة على يا أمر الجيران، فغادرتها حازم

هل نتذكر ما كنا عليه عنـدما -ظللنا نصعد ونصعد . ؟إليهوصلنا عت ط مثل كل الصاعدين الذين تق - الواحات فيجاءوا للقبض علينا

ذبـول وضـجر . ويتضـاءل ي يذو شيءكان ثمة . بينهم الحبال ـ ـ ا دقيق وانكسار يزحف حتى وضعت الجنين قبل أوانه، مرعب ا ص

وعندما أصبحنا . ته الزجاجية حضان فيبالغ الضآلة وهو مستغرق فوق قمة المنحدر، بات من الصعب أن تمنع نفسك من االنحـدار

أرزح تحت ثقلها الكئيـب . كرههاأساعات الصباح . بمجرد البدء نـاظر المدرسـة، عينيوحـين يسـتد . النوم ي أن يغلبن من اخائف

Page 134: 1521

طلبة من المكوث ال األدوار العليا، ألمنع إلىختطف العصا وأصعد أ وتشـجيع مباريـات الكـرة مـن جتهريلناء الفسحة للتدخين وا أث

ذاعـة، اإل في يالثانج مم أنصرف أللحق بالبرنا ث. الممرات العليا رائـد جأحد الكتاب بال على قصة أو حديث، أو أمر إذن عنألسأل

أحـد المكاتـب إلـى مقابلة صحفية، أدفع بها يوالمحالت ألجر ـ المق علـى عرجار أ نه آخر ال فيو. سويقلتالخاصة با ملـوال ىه

ثم ما ألبث أن أعود ألحدها صاحية متحفزة، فـال يكـون . امرهقتنحـدر . اليوم التـالي عراك يستمر حتى فيأن ننخرط إال أمامنا

حدر اآلخرون، وتتبدل مالمحهم ومالمحـك ن، وي هيأنت، وتنحدر زمـالء قـدامى : ماء عليك س ما تكتشف اختالط األ كثيراحتى أنك صحف ومجالت لوقصاصون ونقاد وروائيون ومراسلون وشعراء

.دنولن يسالخليج و بار

تفقده قبل -الذي مرتب ال :شتباكاتلال هينتت هناك أسباب ال التيالموضوعات عن ام المتأخرة دائ الجيب الفلوس فين يستقر أ

ن أشهرين وعليك فرغت منذ التيبوتاجاز لأنبوبة ا . سلمتها بالفعل نابيب المختفي طول النهار ورائحة الجاز عن بائع األ باحثاتحملها

مالبسها وتقول لك نخرج يترتد. ضاقت وضاقت التي الشقة في النجاة من كـل في منتصف الليل هل نجحت فين حتى لو كنا اآل

لـن . كـذلك؟ أليس.. عزةلست نت أ: ذلك ؟ سأقول لك بوضوح

Page 135: 1521

د ومد وتس صداع وك فيأضطر لتدخين عشرات السجائر، والغرق . آخر العمرإلى ك فييالدنيا وأفقد كل رغبت

فقط، ألستطلع األمر، أن أعاود سؤالها عن اسـمها، فييك

إذا ، أمـا عـزة هذا كاف ألعرف أنها فإن بالعراك، يبادرتنإذا فإذا و. ، وأسألها عـن أسـامة قليالاختلف رد فعلها، فسوف أتروى

أنني إال ،هين تكون أل ي، بالرغم من استبعاد يكركانت ماجدة ف تتـرى التيمن األمور أي معها حسم يمكنني حال ال فيأصبحت

.بهذه السرعة ، فربما أمضـينا ي ماجدة فكر هيكانت إذا حال، ة أي ىلعـ التيذكرها باأليام الطويلة أا، وسوف مع الليل كله ا، قضيناها مع التـي ة أعقاب الضربة األمني في تدبير مكان آخر لها، تمقبل أن ي

ء، المـا تحفر لنا التي موعد أم بكر في. ا من األماكن أصابت عددنختنق داخل الشقة الرطبـة الضـيقة . ماجدة تحت السرير ئتختب

علـى صدرينا، دون أن نجسر على بغبار األسمنت الغامق الجاثم أغلب األحيان فير، و دالقليل النا على ياقتصر خروج . فتح النافذة

الشـاي ه كميات وفيرة من الجبن والخبـز و كان أسامة يحضر مع يألقى وجهك كل صباح، وتصـافحن . والسكر والسجائر، واألخبار

كل مرة، كـان أسـامة فيو. الشايعيناك العسليتان ونحن نتناول

Page 136: 1521

، ا كـامال وبعد أن تأخر أسـبوع . سجننافييدركنا قبل أن نضعف طعام ن دو ثم مضى يومان . كاد ما لدينا من طعام وسجائر أن ينفد

جوارك وأنا أغـرق إلى يمددت جسم . بدون سكر الشايوشربنا ة عنوة، فيما كنت أبحث عـن أزرار البلـوز عنير ثقيل يدف ا دو في

.بين ثدييكجهي ألغيب بو

حضنها، وجعلت تطوح بأعضائها داخـل فيتململت البنت ثم تنظر لهـا، حتـى ليم فتحت عينيها وراحت تنظر ثالبطانية، جبهتهـا تضـيء . لقد تعرفت علينا . وجهها فيبتسامة بزغت اال

ـ أن تمد يـدها وشعرها الفاحم بسمة مطمئنة مستريحة، قبل و نح .يها عليصدر المنحنال

:فخذيها صائحة على وأراحت البنتعنيانفصلت

..". يا عيون ماماكلألا.. يا ماماالنوم منصحونا" ـ سجهها وتالم و تمد هيو تفحص وجه البنـت، توقفـت ت

:رقبتها بأطراف أصابعها قائلة ".يعين نار يا.. ةتهبا ملتهرقب.. يحبيبت اي يبنت يا"

Page 137: 1521

:ليفتت لتثم ا ـ ا.. الزم تستحم اآلن .. جسمها ملتهب لالبد أن ك " .. معس

.. ". عند الجيرانمنذ الجردل وتشطفه وتمأله ختأ.. ال ماء عندنا

التـي المقاطعـة ا، تلك ته ناحي عيني فعقاطعتها دون أن أر :قبوللل ي اضطرار- ا دائم– ابهيعق

".الناس اآلن؟ على كيف أخبط.. ومطرليل ادنيال"

:شيء كل سمةهمست حاقل لهم لوال المطر لكنت مألته من .. المطر لم ينقطع بعد "

.. ".يموملعا) الحنفية( .. ".مألته؟"

:ا بتابعت مبتسمة تقري ".لبنت جسمها ملهلب والبد تستحم ا.. عنيالجردل ي.. آه"

Page 138: 1521

ـ أحسست بـه الذي ي فردت جسم ، عنـي ا ا بعيـد درمخ

ـ . منذ لحظـات يحرقنت كانت التيفيها ي رغبت يوغادرتن هيأتششفتيها الساخنتين، ووجها المذنب المـرتعش على المفاجئة يتظيق

مستسلم بيـت فـي تي حجر في قبل زواجنا يا، لما باغتتن ا مطواع انفصلنا فيها وقد أنهينا معركتنا التي نفس الليلة هين تنت ، قبل أ يأم

االبتعـاد على ا البيت عازم إلىا الشارع، وانقلبت عائد في األولى يالشفتين والوجه المذنب السـاع على تستيقظ. يريثما أتدبر أمر

مرضاتك واالمتتال لك، فتشعر بامتدادها وانصياعها الحنـون، إلىا ما سـوف يتفتـق رظ منت هي الش الخمريا لونه إلىوتروح تتطلع

.عنه إحساسكما بوجوب اختراع لعبة جديدة سوف تبدآنها اآلن

هنا إلىا عبرت الحمام، حيث كان ضوء الكلوب ينفذ صافي بالغبـار اكان مغبر . األحمر يوهناك، واختطفت الجردل البالستيك

ر يتساقط األسمر مثل البالط والكوز والزير والجدران، بينما المط الحجـرة فـي ، بعد أن ابتعدت عن وشـيش الكلـوب الخارج في

ة، ثم فتحت الباب ورددته مـن خالي ال يدي فيجعلت أنفخ . األخرى . الباب المجاورإلى وأنا أخطو رأسي على ي، والمطر يهمفيخل

Page 139: 1521

ـ جكان ثمة ضوء خافت يلوح من خلف الزجا ـ المغبش لعانيه، وأنـا أ سوف يالذ ج مدى الحر فيالباب وفكرت ) شراعة(

خبطت وخبطت، ثم . مضطر لشطف الجردل قبل ملئه من الجيران . اتقاء المطر، فانفتح الباب محاوالفياستندت بكت

، لكن البـاب ظـل يت، وحاولت أن أرفع صو قليالابتعدت شـبح الصـالة والسـجادة ين أميز بعـد أل أا، واستطعت مفتوح

المـدخل، فـي يص مفروشة والقصاق سا المالب يالمصنوعة من بقا شـرطة المرافـق، فياة صاحب البيت، الرقيب أول قوتهيأت لمال

شفا االختناق، على ا يبدو دائم الذيبجسمه السمين ووجهه األحمر أو أمه الصعيدية الضامرة المشدودة، رغم أعوامهـا الالمحـدودة،

. مولهجتها الخشنة الحميمة، كأنها لم تغادر قريتها القريبة من أخمي . ج عن ابنها الـرافض للـزوا لي ي تحك ي استوقفتن يكلما صادفتن

:تياضطررت للدخول ورفعت صو ..".جماعة ايمساء الخير .. سالم عليكم.. مساء الخير"

إال علـم أسـم أننـي ير غ أتلفت، قليال الصالة فيتمهلت كانت الكنبة المفروشة بسجادة من نفس . جارلخا فيطر لمصوت ا مبة نمرة خمسة معلقة للوكانت ا . المفروشة به الصالة يدويلاالنوع

فيو. قة برائحة محترقة حريفة الش، وتمأل ئففوقها تكاد ذبالتها تنط

Page 140: 1521

ا بنفرة سكرية مكبوس الع مالبسه فيل والمواجهة، صورة الرقيب أ ـ الردهة فييت حن، وان اليسار إلىنحرفت ا. ضائقة علـى يقةالض

فعت الغطـاء وبـدأت أشـطف ر. باب الحمام على الزير الواقف .ظالمل افي لالجرد

، فاسـتدرت فـي خل منامضة غركة حست س أح أنني ىلع

ف نص ي وقفت فيتصلبت . ، هناك لة الص ا ل أو في ولمحت العجوز . ديفيليـه ل افـي كان يرتـديها التيدلته الداكنة ب فيالمنحنية أرقبه

ال وحدك بال سـوط و ويبدو أنك لر المطاف، ب خ آ في ليتوصلت ها أنـت تسـد . فراقك على ناتين التقدر اللردة، وبدون امرأتيك ق

: رك بعد أن اسـتدرجتنى ش وقد أحكمت ال ا ثقيال باب واثق ال لمدخ الظـالم من لرغم أن ألمحهما با ي المنذرتان بوسع نمعتاالالعيناك تمسـك بغطـاء الزيـر يديفت أن شكتا. اكنةالد لتك يلف بد الذي

حلة أو طبـق اءط ربما كان غ نونر مس ها هو ثقيل مستدي . ردلباالرغم بـا ي تنـالن نله لقلت . متكل، ت يترفعت صو . كبير معدنيصادفته ما ل بعد ك شيئاشى خ لم أعد أ أننيه لوقلت . كل كل ذ -من

، قبضـت جيخـر ال يتكتشفت أن صو الما .: ين هات عينيورأيته ب أعطيه فرصة الأ ي عل ت بسرعة أن وفكر: يرلذغطاء ا على جيدا

ربما تركت باب أنني تذكرت -ين ح ذعرال ينوانتاب. موجلبدء اله كان اصطحب معه امرأتيـه إذا يوما يدرين . امفتوح رخقة اآل الش

Page 141: 1521

حسـمت أننيوبالرغم من . هذه اللحظة هناك فيان ناللتين قد تكو هـي أن المشـكلة اآلن إال أعطية فرصة البدء بالهجوم، ال أ مسألة

نفسي ل ئهل أتقدم ألهي . وبينه يالقليلة بين كيف أقطع هذه الخطوات أم . لحظة خاطفة؟ في بها ي قد يباغتن التيته أفرصة مواجهة مفاج

نتظـر أ؟ هل مواجهتيأقفز عليه قفزة واحدة دون أن أمنحه فرصة ـ على اسوف ينتفخ باعث . الرقيب أول؟ يأن يساعدن ا الضحك زاعق

أمـه القصـيرة غيابه، وسوف تندفع فيالدخول على كيف جرؤنا .تتفقد ممتلكاتها

تجنب االلتقاء بعينيـه، ثـم إلىا أقفز فجأة، منتبه يوجدتن

ـ وجهه بغطاء الزير مرة ومرة ومرة ومرات، بأق على هويت ى ص ذراعـي علـى فقدت السيطرة أنني من السرعة، حتى يمكننيما ويلـف تي البداية يتجنب ضربا فيلمحته . القابضة المتصلبة فيوك

. كنت قد فاجأتـه بالفعـل لكنني. لي الوصول سه محاوال حول نف تصـطدم بلحـم الوجـه والرقبـة . جيدا مصوبة يتكانت ضربا

أن إلىا تصويبها هنا وهنا وهنا، ا بعنف معاود بهوتغوص، ثم أسح نفسه ويسقط وقد تقرفص نصـفه على اختل توازنه، قبل أن يتكوم

ـ ووجهه يمتد مفت ي، بينما نصفه العلو ليالسف كـان . ا األرض رش كاد أتبين صوت أنفاسه، لكـن رائحـة الـدم أا وأنا ال وجهه غائب

Page 142: 1521

ويعبـث جارلخقت مختلطة برائحة المطر، والهواء يندفع من ا لانط .ا نباحها ضعيفأتي الصالة، وثمة كالب بعيدة يفيبالضوء القليل

أن أخطو اآلن، وسـوف لي، وع يلو لم أعاجلك لما رحمتن

ثمة مشكلة أخـرى . الصالة إلى ج بك حتى أخر أضطر لالحتكاك فـي لكنني العبور، ء، وأحمله محاوال لماهل أمأل الجردل با : اآلن

أن لـي احدقت فيه، حين بد. هذه الحالة سوف أصطدم به بالتأكيد؟ علـى يحكام قبضت إثمة رجفة خفيفة تنبعث من جسمه، وعاودت

همود مرة للاد جسمه ع غطاء الزير، وهاجت رائحة الدم، غير أن .أخرى

األلـم المكتـوم على غلبالتت عال، وأحاول و بص سأتنف

. الممدود الملقى يوالعلصفه ن من ا أخطو مقترب ثم، يبل حل بق الذي ي عل سيرالع منئة، وبات جافقة هواء م فثر د إش ضوء اللمبة عارت

حـو ن ي دفعتن التيجلة، لوأن أمنع احتكاكنا والقشعريرة المشمئزة ا ، توقفـت ج الخـار في، حتى شاهدت المطر ا أقطعها عدو لةصالا

، هيجوو رأسي على سماء والرذاذ بارد ل ا يفوق: الخالء في، قليال يعبر المسام ويغزو ياء النق و اله قاح األلم واستنشا يء كأنه انز يشو .لمه على مسجال

Page 143: 1521

. الداخلفيقة وطالعت الضوء الباهر لشدفعت باب ا

اقفـة وثـديها نتفضت كالملسوعة و لها، ا ينولما رفعت عي ث جا خار األيمن متدلي أننـي واكتشـفت . النور فيا يلمع وبها وحيد

للمـرة منـي ، وداه نفسـي إلىفت والتمازلت أحمل غطاء الزير، .طاءلغا على ابضةلق اي بين أصابعج ملمس الدم اللزاألولى

كيف لمت نفسـها بسـرعة، وال كيـف ارتـدت يال أدر

تحشـو هـي و ش الفرا منيت أحمل البنت نحن ا ننيأ إال مالبسها، خلمـد أمـام ا المنحدر الضيق نغادرنا راكضين، وهبط . الحقيبة

.البيت تحت المطر : الطريق، التفت لها قائالإلىخرج نن أقبل

"...يالبد من رجوع.. دون أن نطفئها الكلوبنترك" .. ".المهم نجاتنا.. هل الوقت وقت كلوب"

قمعه على قدرت أنني أحسسته، غير فييم خ ودهشت لتصم بقع الماء واألرض إلى الربوة الصغيرة، ونظرت إلىانحرفنا حتى

يديا، ورفعت الزلقة، ثم استدرت عائد ألحمـى يا بجسـم منحني

Page 144: 1521

لم لكننيسمعت صوتها، . ورائيلبنت من المطر، دون أن ألتفت ا .ز ما قالتهيأم

علـى ان غطاء الزير ك. الحجرة إلىدفعت الباب ودخلت

. الخـارج الفراش، فاختطفته وأطفأت الكلوب، وعدت أركض نحو يأسلمت جسـم ثم ى ما أستطيع، ص الفضاء بأق فيألقيت بالغطاء

، حتى واجهت الطريـق مـرة ي حضن في يللهواء والمطر، وطفلت نـاس . االزدحـام والضـجيج والنـور والـروائح يأخرى فهالن

مبهرين ممتلئـين حـرارة اميأميتالغطون ويضوضئون ينجلون حينئذ، خففت . اا ممتد ا ظالله ساطع ا، وضوء يتدفق صانع وأصوات

، لكنها بـالقطع قدمي، وتبينت أن األرض رطبة تحت سرعتيمن ، ني حض في، ودسستها ذراعي على نزلت الطفلة من أ. ليست زلقة

عنيف، والحت بوادر الدوار، فأخذت أضـغط مفاجئرهاق إوحل ـ أن أتوقف ي عل كان. مفتوحتين لتظال عينيعلى حـال، ة على أي

. بسرعةإليهأستند عن جدارباحثاوأخذت أتطلع

Page 145: 1521

فردوس

Page 146: 1521

لكم تمنيـت . الراحلة يوفاء لذكرى أم " فردوس " ميتها سأ طفلنا في عزةوحين أجهضت . بنت وأسميها فردوس ليأن تكون

أمـا الطفـل . ام بنت ا أ دكان ول إذا األول، لم أستطع أن أعرف ما . ميه أسامة سصرار أن أ اإل على وكنت قد انتويت ا، فكان ولد ينالثاـ ا ألن المرأة نصف ا كل األحوال، وطبق فيو عـزة ن إلمجتمع، ف

م عن أن اس البنت، أو حتى الولد، فضال يمسعارضت بحزم أن أ .ال يروق لها" بعضه على "فردوس

إلـى حتى اهتـدينا معا لقنا، وانط يوحد" وسفرد"أسميتها ـ على أي تطل: حجرة لنا وحدنا ال شـمس و لبحر وأشجار ونخي

نـا ب ل ي وأشتر ي أن أتدبر أمر يمكنني من ناحية الرضاعة، و يتقلق كـل ليلـة، فـي تكبرين : أرقبك طوال الوقت ". ةبزاز" ا و مجفف. ضحكال و األولىلمات لك بنطق ا يوتفاجئينن. المناغاة، فيين ئوتبدسـتطيع أن أ، كثـر األ علـى أينما أتوجه، وبعد عام معيبك أصحـ لناحية مـن ا على كل ساق ىل، بحيث يتد فيكت على أحملك فكت على طمئنأ بعد عام آخر، . سك كل منهما بذراع لك لتم يديوأرفع

أيضا يمكنني. أيضاالبحر على لةطحدى دور الحضانة الم إيداعك إر، حيث ألمحه بسـهولة بحلقرب من ا لعمل با على أي أن أحصل

ا بعيـد نأن يكو على كلما نظرت، وسوف أحتاط لألمر، وأحرص عن الخدمة االجتماعية والمقـابالت والتحقيقـات والموضـوعات

Page 147: 1521

شيكوالته وأصـحبك كل ي أشتر لي عم من يتوعند عود . صحفيةلا، ثم أحملك عندما تضـربين األرض قليالتمشين : البحر إلى معي

بتلك النظـرة نحوي عيونك الصغيرة الحلوة نت ترفعين أبقدميك و ساقيك على ينحيفة بتصميمها وعنادها، وبعد قليل تعاودين المش لا

ا ال سوف يحب كل منا اآلخر، وسوف نتبادل كالم . غير المتزنتين ةواخد. يا فردوس معياس. فيتخاال أ وسوف أعلمك . يعقبه شجار

.دوسافري فيال تخا. ا يافردوسيمعا. افردوسيبالك

كل ما جرى تحملتـه . ا مطلق يتح لك أن تمو سم لن أ لكنني حد إلى، أو أطمئن تماما أن أطمئن يننويمك. فردوس ايجلك أمن

في عصفت بنا التيكبير، بعد كل تلك المحن والخطوب والنوازل تركوه لنا، هو الذي لنا، أو ي أن الحل الوحيد الباق إلىنهاية األمر،

أريد أن ننيليس فقط أل . ي وتتركين تيتموال أ ةا، شريط هروبنا مع أين إلىأفعل بدونك؟، و ذا ام: يا، ولكن لسبب آخر يخصن نكون مع

فيهأذهب؟ وهل من المعقول أن أعود مرة أخرى لما كنت

ا أن أظـل أسـعى ، ولم يعد مجدي يدي باردة بين كغير أن أننـي ظننت منـذ زمـن طويـل التيلدفع الرائحة طوال الوقت عبر فيها العساكر القناة، التي الحرب البعيدة، فيو. تخلصت منها

مشية األوزة الحامل عصا شيقبل أن يغدر بهم الفيلد مارشال الما

Page 148: 1521

ية ووشاح القضاء وعمامة الخليفة السادس وسحنة الناز يلاالمارشل العساكر قأن أن ي عل اذن، كان متعين إ الحرب ك تل في -المتصلبة

التيم ته رائح ي مقابر الشهداء، وتملكتن إلىات يشفمستالشهداء من ال هـذه . ن الملتصقة بها يلاأستطيع تمييزها بالرغم من رائحة الفورم

طاوعـك التـي افردوس ي رائحتك هيا، و الرائحة ال أخطئها مطلق .ا وحيدي وتركيخيانت على قلبك

علـى يئا لدقات حذا الشارع المواجه، منصت إلىانحدرت

لكننـي نامت فردوس خفيفة واهنة، ذراعي بين. ةالجامد األرضوتذكرت . س البرد القار في أحسها تدق ي، عظام تماماا كنت منهك

التـي قـة الصـغيرة لور قبل وا من يت فقدت ستر أننيرى خمرة أ اهر، البضوء األصفر ال الح أماميو. الحجرة األخيرة فيا تهصادف

جوار ب مررت نيأنوقلت . ي لقبة الغور ي الجدار البحر عنيكشف أن يولن يضـيرن . ا وقت مضى، غير أن ذلك لم يعد مهم فيبة الق

. يسكن بالقرب من هنا عزة مرية، وأن ع و الغ في ي أن لنفسيأقول شبرا الخيمة، في شقتنا إلى أن أحاول تذكر الطريق ىعنكذلك فما م

أن أهـبط ل، قب ورائي مبدأ األمر في تها خلف التيأو أتذكر الحجرة حتى ين عينيه المبللت من ا مرعوب إليها دودشى العجوز وأظل م وألق

ـ ع، يق أمامي مكان ما فيو. اارجخقتلته وهرولت آدم م دكـان عـ وبـالقرب م . إليـه االهتداء في أوفق لم الذي يبروجال فـي ه، ن

Page 149: 1521

مكـان فـي و. عاليةوافذ اللن الشاهق وا فسقل، شقته ذات ا ينيحككال يا فـردوس، األولىحمين للمرة ث، وحجرة أخرى شاهدتك تست لثا

نفـس فيو. يطست البالستيك ل بأعضائك الصغيرة داخل ا ينوتدفعظهر ذات الثغر المفتـر على ، شاهدت آثار الكدمات أيضاالحجرة

رجة الضـيقة بـين السـنتين والفجوم، الن تشبه التيعن االبتسامة ، قبل ا الضوء، وأنا أضم الجسم الوثير الطيع ماألماميتين ينثال منه

. البرودة المفاجئة، وأتبين رحيلهانيأن تلطم

الضوء األصفر السـاقط في، يمتد ي علو يكان ثمة كوبر يقسـم عـالي ال يـدي وكان الحاجز الحد . اقفةو ال النور من عواميد

القريـب، ومضـيت أصـعد م السـل إلىالشارع قسمين، فاتجهت تـد الشـارع المم . سـاطع ال الضوء في تطلع هيألكتشف الدنيا و

مـة مـن دقاال يحزهر والر والعربات القليلة وجانب من الجامع األ . دفعة واحدةمنيكل ذلك لط.. الشمال

حتى عمود النور الواقف يولما نزلت السلم، استأنفت سير

كان ثمة جروح ورديـة . ، وأخذت أتفحصها يورالغقبة ظهر فيذا اوم. ايه كتفيها وذراع وبينا، هفاتحة نتجت عن تسلخ ثنيات رقبت

البـد . الطيور الزرقاء الفاردة أجنحتها؟ لو خلعت عنها فستانها ذا ، وتلك الرائحة الملتصقة تماماأن الجروح الوردية المتسلخة تغطيها

Page 150: 1521

.. برائحة العساكر الذين صحبتهم حتى مقابر الشهداء قبل سـنوات نها تهب وأنا أشعر بحرارتها، إ. أن أخطئها يمكنني تلك الرائحة ال

زرقة خفيفة، والجبهـة إلىذ حال لونه إ الوجه الصغير إلىو وأرنها أنا أتيقن من موتـك . قد انطفأت، وبانت كأنها انكمشت وضاقت . وهمييافردوس، وال مجال بعد اآلن لالستسالم أل

ـ الميدان الصغير، ورأيـت ا إلىيل، وصلت لبعد ق اجز لح

أمـام وقفـت . ا يقسم الشارع ا ضاري يزال ممتد ما عالي ال يديالحد الناحيـة األخـرى، إلى ك يعبر ب الذي النفق إلى تقود التيالساللم

.حيث بدت واجهة جامع سيدنا الحسين، والمئذنة النحيلة السامقة

الذيذن، رائحتها، وتهيأت للدوار المباغت إغى تط هيها من عشر أكثر. لم أنقطع عنه كل هذه السنوات أننيهمر فجأة، ك نا

ر خاللها ميـاه نه ال فيا، جرت بل خمسة عشر عام .. ال. سنوات. مقدماته ئلكن الدوار لم أخط . ليكثيرة وتغيرت الدنيا كلها من حو

التي من فردوس مثلما كان يحدث بالضبط، وبدال عيني توأغمض البارد القصـير، وربمـا متروكـات شأحملها، كنت أحمل الرشا

تـه ظ رقمـه وحاف تحمل التيأقراصه المعدنية : الشهيد يالعسكر يوربما دفاتر . مستشفى تسلمتها من ال التيونقوده وساعته ورائحته

. ا أعددتها سلف التيختومة موخطابات االعتماد والتسليم واالستالم ال

Page 151: 1521

فـي ا ا اجتماعي خصائيأكن قد عملت أ لم أكن قد عرفتها، ولم عزة فـي يلاتقا لهم كلما أرادوا اع ا مكشوف كانت هدف التيتلك المدرسة

ثم كل هذا الضـجر والغضـب واالنفـراط .. الحمالت الموسمية إال غفوة ثقيلة مثل كابوس لم تفق منه، هي. ربرواالنكسار غير الم

عينيك بين المدرسـة ومكاتـب على ا والعصابة راكض كلتجد نفس إلـى المجالت والجرائد، والعودة آخر النهـار يالصحف ومندوب

ييفـارقن . قضت نهارهـا وحيـدة التية نهاية الدنيا، تنتطرك عز الـذي الشارع إلىانحرفت قد ي ألجدن عينيا، وأفتح الدوار رويد

إلـى ، وأعـرج ي الباطنية بجوار األزهر، فأعود أدراج إلىيقود ـ في يجوار األزهر، قبل أن أستو نحـو هـي ا وج الشارع، مولي

.الشمال ـ في بي ا الشارع قطعته ذه رات الليل العربة العسـكرية م

يرقد فيها الشـهداء، وبـين مقـابر التيات يمستشفومرات، بين ال الشهداء بالخفير، تلك القابعة بـين أشـجار الصفصـاف واللـبخ

شارع صـالح يفوالجازورين، بعد أن تعبر العربة النفق وتستقيم البوابـة أمـام ، وتتوقـف اليسار إلى ثم اليمين إلىم، لتنحرف لساا عساكر من األوراق، وأعود مصطحب بيرة، وأهبط أنا ألخلص الك

.، لنحمل الشهداء وندخل بهمنالقوة المكلفة بالدف

Page 152: 1521

حين فجأة، فرفعت على تب ه التي رائحة البرتقال يدهمتنت منه الشوارع ع، وقد تفر مضيء، ورأيت الميدان الصاعد ال عيني

. الناحية األخرى فيوحديقة الخالدين وتالل األشجار القصيرة تبدو .الهواء ورحت أتلفت، غير أن الرائحة غابت ثانيةمت شم

ريح ل ا في يأنا أنهج وأشد جسم وحو الميدان، نق درحت أح

لن أستطيع أنني، وبدا يئبعد قليل، ارتخت أعضا . صعبة ال القارسةر ا وتميل، واقتعدت الطـو يبر ودنيا تد المة و و المقا فياالستمرار

فالت، فاحتضنتها ن اال من ايه أحم فا وفردوس ال أعرف كي مسرعـ على قبلتها. أخيرا حجري على ت من وضعها نبقوة، وتمك ها دخ

. تماما يارد، وانداحت رائحتها ومألتنلبا يب جسـمها الصـغير نوتجس فردو ن اآلن دف اجبي و من

وقبل أن يطلع النهار . نعم. ؟ل يالل هذا لمث فيو. لالنحال وا التفسختضـم . سافردوياألخير مثواك في قد استقررت ييجب أن تكون

عـن أنقطع لنرد والخوص، و لوطيه با غ أ األرض جسمك بعد أن بعد كل هـذا، سـوف أفقـدك يـا . األعياد والمواسم فيزيارتك كرمـت أ قـد أكـون بد أن الليل، ال ي ينقض ن أ ل وقب ل، ب سفردو تستقيم ي، ك يظهر على وحدهما، واستندت ذراعيدفعت ب . جسمك .شرق شطر الهي وجلي وأوئيأعضا

Page 153: 1521

. أول الطريـق إلـى انتهيتئل، حتى المااندفعت مع النفق

على وعقدت العزم . أية حال على األخير، ليهو عم ن هذا أوقلت أرض أي ا بعد ذلك ليس مهم . ، قبل أن أستريح ياالنتهاء من واجب

بالبحث نفسيأشغل ال أ قررت. نني أل فيثمة ارتياح خ . اإليهأتوجه استعدت ملمس غطـاء الزيـر ننيإبل ليس هذا فقط، . عزةعن

التـدبير، في شارك الذيالمسنون وهو يغوص داخل لحم العجوز يكن هناك مفـر مـن قتلـه، بعـد أن لم هنا وهناك، و ليوكمن يمكـن احتمالـه يـا شيء كل. يالظفر ب على ك وأوش يحاصرن تشبه رائحة الشهداء، وقد اختلطت برائحة التيرائحتك إال فردوس

.ورديةجروحك ال يحتل ركنها التي، وبجوار هذه الناصية الضيقة، ي يمين ىلع

حدى زوجات الناصر بن قالوون بقبته المائلة، كنـا إالقريب مدفن نسوة يرتدين السواد ورجال يرتدون : ننحرف مع مواكب الداخلين

ضباب الصباح في وأوالد وبنات بمالبس العيد، يزحفون ببطء بدال األعيـاد في وأنا، ىمن يأمى وشقيقت : يبر أب ق إلىنذهب . المبكر

المتـرب أقـرأ الفاتحـة حجـري والمواسم، أقف بجوار الشاهد ال الغائبـة دون ي استحضار مالمح أب أحفظها، محاوال التيوالسور

التـي صـورته في - لساعات طويلة -يجدوى، بالرغم من تحديق

Page 154: 1521

، وقد كن الدا ي بروازها الخشب فيالتقطت له عقب مرضه مباشرة، . قبالة البابيعلقتها أم

حسـان وأفكـار إ: يمـات وعيدت وجيد وجي وأميبين أب ممـدوح وفـؤاد : ي وأعمـام يم ابنة ع ة فايز ةوأبل وفتنات وتحية

ـ عصمت، بينهم جميع ة وعبد الحميد وابن يوفهم ا ا سأجد لك مكان .المهم أن أصل فقط. سيرحبون بك ويؤنسون وحدتك. يافردوس

علـى األصفر المطـل : يالترب " يوطن" أعرف بيت عم عليـه أنـادي أسـتطيع أن . ا جميع نها نمأل م التي لحنفية الوحيدة ا

إلـى ضـي ضـيق المف البالغ ال الزقاق إلى، قبل أن أدلف يليلحقن ح سـف بينما المدى، في رفضاء الواسع، وقد تناثرت شواهد القبو ال

ـ ي من مهمت هينتأا هناك، وبعد أن الجبل يبدو بعيد ، سـيكون كتل .ا خلته دهرمن بعد زاألولىرة للم يحسترأ أن يمكانإب

هذه البيوت الصغيرة من، واستربت داخلني لشك أن ا ليع هيأدب عليها ليست التي ضن األر إ ل، ب ينالجانب على المنتشرة

الحفـر مـن ة خاليأيسر، و و اتماسكو صالبة أكثر. نفس األرض ت نافـذة مفتوحـة تحركونة ثم لمحت سيارة صغيرة م . اتوالمطب، ولم لطريق قد أخطأت ا أكونالبد أن . الشارع إلى ضوءها لترس

Page 155: 1521

إلى الشارع يوقادن. شارع المواجه ل ا فيف ارحنا من هناك بد كني التي نفس الرائحة هيست لي أيضارائحة لوهذه ا . ا ضيق أكثر قزقا

علـى تتدفق نها، لك أيضاكانت رائحة موت . ي الماض فيعرفتها كان ال يحـده الذي الخالء إلىا لها يعود لنمهل، وربما كان احتما

ه مـع صـعود لوانأا تتغير صر، قبل أن يتضح سفح الجبل بعيد الب . السماءإلى لشمسا

ـ قرحت أحد . البداية، لم أصدق أنه الجبل في ا مـن خائف، ذراعي على أغير وضع فردوس . منيعياء اإل مكنت الدوار، وقد

كـان ثمـة . راحة أكثر وضع إلى االهتداء اوال مح يجسم يوأثنلـم . أن أكتشف أنها بيوت بالفعل يأضواء قليلة، استطعت بعد أل

أنه قد تم هدم أجزاء من الجبل وبنـى مكانهـا فييكن هناك شك ا، بـل ته أخرى قد تم تسوي هناك أجزاء نأما السفح، ك على بيوت

.وهناك تمتد هنا حواريا و مايشبه طرقأخيراولمحت

الذيهذا . ز البيوت من المقابر؟ يكيف أم . ذن؟إأين المقابر . والثالـث والرابـع . مقبـرة؟ وذاك؟ وهل هو بيت أ : مثال أمامي

ا، فالبد أن أجنبك التفسخ بين شارع آخر قطعته ركض إلىوخرجت يليـه، الذيوالشارع اآلخر، و . وأجد مقبرة العائلة يافردوس، يدي

.أخيرا، ثم توقفت وهذه الحارة، وتلك

Page 156: 1521

لن أنني من كل ذلك، وأيقنت يديعندئذ، قررت أن أنفض

كنا نـدلف هي ينت ن، وقبل أ ا طويال ا ضيق كان شارع . طريقيأتبين ، ألن المقبرة قليال، ثم نسرع ي بالقرب من بيت عم وطن اليسار إلى

. الفـور على القديم ي البن يقد اقتربت، وسوف نرى الكشك الخشب عنـي هذه الشوارع والبيوت القصيرة والشواهد القليلة فال ت أما كل

. آخرمخرج فيأن أفكر إال أمامي، وليس شيئا لي

على اا صغير ، كان يشبه بيت يراثمة بناء صغير يقبع بجو عينيواقتربت منه أفتش ب . تكعيبة عنب قليلة األوراق يديبابه الحد

أن هنـاك عنيذلك ي وربما كان . ما يشبه الشاهد على حتى عثرت ا حول مدفنه، وأن من لم يبن هذا السور، تحول مدفنه من بنى سور

بيوت هنا وبيـوت : كل األماكن في عينيمضيت أجول ب . بيت إلى أنه ال مفر من مواصلة السير، وانحرفت مـرة نفسيوقلت ل . هناك

بداية الطريق، إلىالعودة على ا الشارع المواجه، عازم فيأخرى ا حول األسوار والشـواهد إليه توصلت التيمئن للنتيجة وغير مط .والبيوت

من ي ربوة مكنتن إلى لي بعد قليل أحسست بوصو أنني ىلعفكرت بسرعة، . شبح المئذنة البعيدة السامقة بصعوبة بالغة مشاهدة

Page 157: 1521

أجل : مثلما حدث من قبل منيواقتنصت ذلك المشهد قبل أن يهرب وعساكر آخـرين ينبنا قد اصطح وكان قائد مكتب . كان صباح عيد

مـن واقـع يستكمل بعض دفاتر أ يمقابر الشهداء، ك على رلنمدفاتر وسجالت المقابر، بعد أن انتهت الحـرب وتنـاقص عملنـا

كـان البـرد . ختصةمدارة ال يداع سجالتنا لدى اإل إ على وأوشكناا، يمر بجـوار هـذه تلفمخا ا، وكان السائق قد سلك بنا طريق قارسكانت المئذنة النحيلة يمكن . شيء كل أمامي ىلانج. ذنة بالذات المئ

كان ثمة شارع واحـد . نعم. مقابر الشهداء أمام رؤيتها حين أقف يلتصـق الذيام جامع السلطان برقوق، دا من ق يمتد ويمتد صاعد

ـ كان . بسور مقابر الشهداء يسوره البحر ن أ إذن ن الميسـور م ال حل نه أ فيوفكرت . المئذنة هدف ا من ا أنحدر عبر الربوة، متخذ

يفصاح عنه حتى بين ا من اإل كنت خائف الذي سوى هذا الحل أماميفالت من اإل في المتكرر يوقلت أنه بالرغم من نجاح . نفسيوبين

، بل وبـالرغم مـن لي نصبت حو التيالكمائن والتدابير والشباك ا كهذا الهم هم لم أحمل أنني إال نهاية األمر، فيالعجوز أمام يثبات تصرف مع قوة مقابر الشهداء، ليوافقـوا أكيف : أحمله اآلن الذي على ي الشارع ثم أمض في لن ألقيها ننيإ. دفن فردوس لديهم؟ على

.يدي لن أظل أدور بها حتى تتحلل بين أننيكد ؤحال، ومن الم ةأي

Page 158: 1521

الركض، وزرقـة على القدرة نفسي فيوها أنا قد وجدت مهـل، وأنـا على ولون السحاب األبيض يتضحان ةالسماء الخفيف

يوم عيد بعد اليومكان . نعم. ستسلم لدفقات الهواء القارسة الالسعة أالء القـادة ؤكلنا فوجئنا به .. الحرب، وكان المقدم، وعساكر مكتبنا

فالت مـن وجودنـا الكبار، وأصابنا ارتباك فظيع ونحن نحاول اإل وال يعجبه م أن يتطلع لك أحده فقط فيذ يك إ مكان واحد، فيمعهم

الحظت كف المقدم وقـد رفـع يـده ننيإملبسك أو مظهرك، بل بيضـاء ال بقفازاتـه ي يعزفها البروج التيبالتحية أثناء نوبة الشهيد

المغطى بباقات الزهور الضخمة العديمـة يبجوار النصب الرخام ا بدا مر الحظت كفه تلك ترتعش، بينما كان وجهه متقبض -الرائحة

شواءات األربعة الذين يمثلون أسلحة الجي لل ا ينوهو يجول بعينيه ب خلفهـم حـرس منصب، و لنا أمام كانوا يقفون وحدهم . ختلفةمال

دون ببنادقهم ؤ، ي ينيلا صفين متت فيالشرف يرتدون قفازات بيضاء صـب، لنعبـر ا . يضاء المشرعة سـالم الشـهيد لبذات األسلحة ا

الضـباب فـي شـواهد، لرة بين ا ثلمتناارفة ا لوجوار األشجار ا بوسـواد، وكـان ين ال يرات يرتـد لصغنسوة ا لالخفيف، كنت ألمح ا ا يتعثـرون، ويـدورون بـين صغار أطفاال بعضهن يسحب معه ليا كان مسموح التي ساحة الحرب هيتلك . نالشواهد حتى يختفو فـي ات ومقابر الشهداء، أحمل العساكر يمستشفبخوضها، ما بين ال

سالم الشهيد، لم ىهبعد أن انت . مقابر الشهداء إلىل وأهرع بهم اللي

Page 159: 1521

طريقة للهرب من مواجهـة كـل فيأن يفكر إال المقدم أمام يعدالء القادة، وتسللنا دون أن نتبادل كلمة واحدة مع القوة المكلفـة ؤه

حد مـنهم أ ذهول ولم ينتبه في كانت غارقة بدورها التيبالدفن، و د األخرى كنـت أحمـل يلا بيد، وب يدفاتر. حملت. حتى لوجودنا

: الصغير، وتوجهت للعربة، حيث صاح المقدم للسائقيرشاش .. وابتعد عن الطريق الرئيس .. طريقة يخرح من هنا بأ ا"

."

أقطعـه اآلن الـذي نفس الشارع فيوهكذا انطلق السائق هو قد انحـرف بجـوار نكا. االتجاه المعاكس في ا، ولكن ركض

نا أ هيتنأما ، بين ييتباقا جامع إلىا متجه ليبر الشهداء القب سور مقا . أول سور مقابر الشهداء إلىاآلن من جامع برقوق، قبل أن أصل

.ا باالختناق، وجعلت أنهج شاعرقليالتمهلت ا، فلن تكون هناك ن عم فارس شاويش المقابر موجود كاإذا

.مشكلة

إلـى أهتـد لم س اعم فار ي فردوس ي ابنت معيأقول له أن . أحد سـوانا يلن يدر . مقبرة العائلة، وأنا أخاف عليها من التحلل

، بجوار أحد ي تكفيها حفرة صغيرة، سوف أقوم بحفرها وحد هيو

Page 160: 1521

أن يمكننـي بل . رتهاا لزي يء حتى أتعرف عليها عندما أج الشواهد أن هيلكن المشكلة الحقيقية . وأتفاهم معه ي عسكر يأقول هذا أل

ا كاملة، وربما كان عم فارس عليها خمسة عشر عام الحرب مضى . قد مات، والقوة المكلفة بالدفن قد عاد أفرادها ألسلحتهم السابقة

ز صوت أذان ي أن أم أمكنني، و لمه على كان الظالم يتبدد

. مـن كـل االتجاهـات المـآذن بعيد، تردده عشرات الفجر من داكن ي جواد بن ت العربة الحنطور السوداء، يجرها ق مر يوبجوار

خـار لب، ودفقـات ا قاألزر الفجـر ء ضو فييلمع جسمه المشدود دون أن يكانت قد انسلت من شارع جـانب . أنفه وفمه من تتصاعد

ـ لح فـي ، ثم تمـرق يساري ض من جئت بها تنق وف. الهأنتبه ة ظ . الشرقإلىهة ج، متلواسع اعارلش افياطفة، خ

. لحظة مروقهـا أحدا ين أتب ولم ،خاليا ماميكان المقعد األ

ا البـد نه أ لي الزرقة الفاتحة، حتى بدا فية خالي تهتز هيا و هتتابع م البوابة الرئيسة لمقابر الشهداء، حيث أتقد منأن تكون قريبة اآلن

ودة عـا ا مـن م ، خائف ذراعي ين فردوس ب وها، حامال نح أيضاأنا . جسمهافيردية المفتوحة لوروح الج تلك امنتفحصها، و

Page 161: 1521

١٩٨٨الوراق أبريل ١٩٨٩ج أبريل فرساحل روض ال

Page 162: 1521

للكاتب صدر

مجموعة قصص– الحديقة ليالفيالسير • . مجموعة قصصية مختارات فصول – عاليةالنجوم ال • .رواية –نوبة رجوع • . رواية –مدينة السور • . رواية – حة البرتقالرائ •