طاهر البهي:المؤلف

حالق الرؤساء

محمود لبيب

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

داءـــاإله

إلى كل ناجح في أي موقع

يثبت أن النجاح ليس حكرا على فئة بعينها

..ل من يعمل على رفع شأن مهنته كإلى

إلى كل قصة صعود محترمة تمنح األمل ألجيال جديدة

..بهين ناال.. إلى

.أهدي هذا الكتاب

طاهر البهي

سيرة ذاتية

.طاهر البهي إبراهيم عمر : االسم بالكامل

.طاهر البهي : اسم الشهرة

.كاتب وصحفي : الوظيفة

١٩٦٣ / ١٢ / ١٤ : تاريخ الميالد

مصر/ القاهرة / الظاهر

. قسم الدراسات الفلسفية –ليسانس اآلداب : المؤهل

. ١٩٨٥ مايو –جامعة عين شمس

: الخبرات

.قائد عشيرة الجوالة بجامعة عين شمس -

.أمين لجنة باتجاه طالب كلية اآلداب -

.عضو الفريق الرياضي بكلية اآلداب -

.عضو جماعة الصحافة -

.شارك في تأسيس الجمعية الفلسفية بجامعة عين شمس -

حاصل على تكريم وشهادة تقدير باعتباره الطالب المثالي -

.يد كلية اآلدابفي النشاط من عم

عمل بالصحافة عقب التخرج والتحـق للعمـل بمجلـة -

.معقل كبار الكتاب والفنانين التشكيليين ) صباح الخير(

عمل مساعدا لسكرتير تحرير صباح الخير فـي فتـرة -

.مبكرة من عمله الصحفي

فاز بنشر مذكرات عدد من ألمع نجوم الفـن والرياضـة -

.واألدب

. وال يزال ١٩٩٠منذ العام يكتب المقال الصحفي -

انتقل للعمل بالصحافة المتخصصة حيث عمـل بمجلـة -

:حواء النسائية الرائدة وتولى بها عدة مناصب منها

o إعادة الصياغة ( رئيس قسم الديسك. (

o مؤسس ورئيس قسم الفن بالمجلة.

o ناقد فني.

o سكرتير التحرير.

د أفعال لصحيفة التي حققت ردو اقاد العديد من الحمالت -

.واسعة النطاق في مصر

نشر مذكرات العديد من النماذج النسـائية الرائـدة فـي -

) .مجلة حواء( مصر

.نشر مذكرات بعض نجوم الفن في مجلة الكواكب -

:كتب وراسل أهم الصحف العربية ومنها -

o جريدة الشرق األوسط السعودية.

o مجلة الشرق األوسط.

o النسائية السعودية ) هي ( مجلة.

o المجلة ( مجلة(

o ةيجريدة الرياض

o مجلة سيدتي

o للستااليت ( مجلة تي في دش(

o مجلة سيداتي سادتي

o ساعة٢٤مجلة

o جريدة المصري اليوم

o مجلة أسرتي الكويتية

o السينمائية المتخصصة( مجلة الفن السابع(

السـعودية " سـتااليت " عمل سكرتيرا لتحرير مجلـة -

، كما عمل بهـا زيونية المتخصصة في الفضائيات التليف

.رئيسا لقسمي األخبار والموسيقى

السـياحية " أخبـار الـبالد " عمل مديرا لتحير مجلـة -

.المتخصصة

اإلعالنيــة " كــالس " عمــل رئيســا لتحريــر مجلــة -

.المتخصصة

يقوم بإعداد وكتابة المادة العلميـة لعـدد مـن البـرامج -

.التليفزيونية

:المؤلفات

) .المؤلف ( نساء وألحان .. الوهاب محمد عبد – ١

) . دار الخيال ( قصة سعود عمرو دياب .. المغني – ٢

دار ( قصـص قصـيرة لألطفـال .. ألعاب مصـرية – ٣

) . الهالل

. الفنانون والمخابرات – ٤

. البسمة كمال.. جورج سيدهم – ٥

. عاما من الضحك ٤٠.. الثالثي أضواء المسرح – ٦

.وعة ألعاب الطفل العربي موس– ٧

موسوعة المشروبات . ( موسوعة مشروبات لها تاريخ – ٨

)العربية

) .من األدب الساخر ( اضحك يا عمو – ٩

) .جمال ودالل ( ليلى فوزي - ١٠

) .محمود لبيب ( حالق الرؤساء – ١١

. موسوعة األغنية الوطنية – ١٢

.ةما المصري موسوعة المشاهد الضاحكة في السين- ١٣

. نساء من مصر موسوعة– ١٤

: النشاط

.عضو نقابة الصحفيين بمصر -

مدارس ليسيه الحرية باب اللـوق -عضو مجلس إدارة -

. مصر –

. القاهرة للنفانيين والكتاب هعضو جماعة أتيليي -

.عضو الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما -

: الجوائز

لعـام ( ة الصـحفيين المصـريين جائزة التفوق من نقاي -

٢٠٠٠. (

) .٢٠٠٤لعام ( ة أ جائزة التميز في تناول قضايا المر-

: المراسالت

قبل أن تقرأ

محمود لبيب

لقرن العشرين والدة جيـل مـن شهدت مصر خالل ا

العمالقة الكبار في كافة المجـاالت السياسـية واالقتصـادية

وغيرها، حتى والطبية والعسكرية والفنية والثقافية واإلبداعية

لقد شملت العملقة جميع مستويات العمل المهني، وصـاحب

هذه الشخصية التي نتعرف على قدر يسـير مـن أسـرار

بالذخائر الرائعة، يعد واحدا من جيل وتفاصيل حياتها المليئة

العمالقة هؤالء فقد تربى بينهم وتعلم منهم وعمل معهم بـل

وشاركهم في الكثير من أفراحهم وأتراحهم، كان يطور مـن

أدائه المهني كما يطورون في أدائهم، كـان يقظـا ومـدركا

لموقعة بين هؤالء ، إنه واحدا منهم متفرد ونادر التكرار في

ته ، وعلى الرغم من شهرته الممتدة على مدار ما يزيـد مهن

عن نصف قرن إال أنه ظل وال يزال حريصا على التطـوير

والتجويد في مهنته، إنه محمود لبيب حالق القـادة والكبـار

والمشاهير، تمثل حياته كنزا لمـن أراد أن يتعـرف علـى

لصدق الحكمة والقدرة والتضحية والنزاهة واألنفة واإلباء وا

واألمانة واإلخالص، عرف طريقة إلى المهنة صغيرا جـدا

ودخلها في أعلى مستوياتها ليتتلمذ على يد فنانيهـا الـرواد،

لكنه لم يتخذ واحدا بعينه منهم معلما أو استنادا له بل جعـل

من حواسه أستاذا ومعلما، حواسه تراقب وتتابع وتقرأ كـل

كل همسـة ولمسـة فـي شاردة وواردة كل صغيرة وكبيرة

مفردات مهنته، حتى اجتمعت في يديه في النهاية عبقرية كل

هؤالء الفنانين من أشهر وأرقى حالقي مصر سـواء كـانوا

مصريين أو أجانب، ليخلق منها شخصيته التي جعلت منـه

عالمة، عرف عن قرب رموز الفن والصـحافة واإلعـالم

ش معهم وسـمع والسياسة كان أخا وصديقا وكاتم أسرار عا

منهم وعرف عنهم، وهم من الكثرة حتى ليصـعب حصـر

أسمائهم، لكنهم يمثلون جيل الريادة والعطاء، جيل االزدهـار

.والزمن الجميل

شخصية الحالق في التراث

تعرض التراث العربي لشخصية الحالق ، وكانت أبرز

التي جاءت في هذا السياق ما جاء في ألـف ليلـة اتالكتاب

اعتمادنا على طبعـة دار -"مزين بغداد " تحت عنوان وليلة

والتي أرجو أن يلتفت القـارئ إلـى -المنقحة. ممر.الهالل

التفاصيل والمالمح الدقيقة التي شكلت مالمح الحـالق منـذ

الحالق التي " مهام " ئات السنين ، ولعل أوضحها هنا هو م

ها علـى تنوعت ، وثانيها هو هذه الصفة التي أعتدنا أن نطلق

أو كثرة الكالم بهدف " الثرثرة " أصحاب هذه المهنة ، وهي

تسلية الزبون ، ويبدو أن تلك الدعابة التي انطلقت أول مـا

انطلقت من مدفعية ألف ليلة هي التي كانت سببا في ترسـيخ

الحالق التي الزالت تالزمه حتـى هذا المفهوم عن شخصية

ماما عن هذا الوصف اليوم ، وإن كان محمود لبيب يختلف ت

.الفكاهي

مزين بغداد

أعلم يا ملك الزمان أن : فعند ذلك تقدم الخياط ، وقال

الذي جرى لي أعجب مما جرى للجميع ألني كنت قبـل أن

اجتمع باألحداب أو النهار في وليمة بعض أرباب الصنائع ،

من خياطين وبزازين ونجارين وغير ذلـك ، فلمـا طلعـت

لطعام لنأكل ، وإذا بصاحب الدار قـد دخـل الشمس حضر ا

علينا ومعه شاب غريب مليح من أهل بغـداد ، وهـو فـي

أحسن ما يكون من الثياب ، وأحسن ما يكون من الجمـال ،

فلمـا أراد .. فدخل علينا وسـلن ، فقمنـا . غير أنه أعرج

الجلوس ورأى فيما إنسانا مزينا ، فامتنع عـن الجلـوس ،

ن عندنا ، فمنعناه نحن وصاحب المنزل ، وأراد أن يخرج م

مـا : وشددنا علية ، وحلف عليه صاحب المنزل وقال لـه

واهللا يا مـوالي أن سـبب : سبب دخولك وخروجك ؟ فقال

فلما سمع منه صاحب الدعوة هذا . خروجي هو هذا المزين

:الكالم تعجب غاية العجب وقال

ثـم كيف تكون من بغداد وتنزعج من هذا المـزين ؟

احك لنا ما سـبب غيظـك مـن هـذا : التفتا عليه وقلنا له

يا جماعة أنه جرى لـي مـع هـذا : فقال الشاب : المزين

المزين أمر عجيب في بغداد بلدي ، وكان هو سبب عرجـي

وكسر رجلي ، وحلفت إني ما بقيت أقاعده في مكـان ، وال

أسكن في بلد هو ساكن بها ، وقد سافرت من بغداد ورحلت

ا وسكنت في هذه المدينـة ، وأنـا الليلـة ال أبيـت إال منه

باهللا عليك أن تحكي لنا حكايتك معه فأصفر : فقلنا : مسافرا

اعلموا يـا جماعـة الخيـر إن : لون المزين ثم قال الشاب

والدي من أكابر تجارة بغداد ، ولم يرزقه اهللا تعـالى بولـد

ـ دي إلـى غيري ، فلما كبرت وبلغت مبلغ الرجال توفي وال

رحمة اهللا تعالى ، وخلف لي ماال وخدما وحشما ، فصـرت

وكـان اهللا . ألبس أحسن المالبس ، وأكل أحسـن المآكـل

سبحانه وتعالى قد بغضني في النساء ، إلى أن كانت ماشـيا

يوما من األيام في أزقة بغداد وإذا بجماعة تعرضوا لي فـي

وارتكنت في أخره الطريق ، فهربت ودخلت زقاقا ال ينفذ ،

على مصطبة ، فلم أقعد غير ساعة وإذا بطاقة قبالة المكـان

الذي أنا فيه فتحت وأطلت منها صبية كالبدر في تمامه لم أر

في عمري منها ، ولها زرع تسقيه تحت الطاقـة ، فالتفتـت

يمينا وشماال ثم أقفلت الطاقة وغابت عني ، فأيقدت في قلبي

بها ، وانقلب بعضي للنساء محبة ، النار ، وأشتغل خاطري

فما زلت جالسا في ذلك المكان إلى المغرب وأنا غائب عـن

بقاضي المدينة راكب وقدامه بيد الدنيا من شدة الغرام ، وإذا

، ووراءه خدام ، فنزل ودخل البيت الذي أطلت منه الصبية

ثم أني جئت منزلي وأنا مكروب ووقعت . ، فعرفت أنه أبوها

راش مغموما ، فدخل على الجواري وقعدن حـولي على الف

ولم يعرفن ما بي ، وأنا لم أبد لهن أمرا ، ولم أرد لخطابهن

وعظم مرضي فصارت الناس تعودني ودخلت على . جوابا

عجوز فلم يخف عليها حالي ، وقعدت عند رأسي وال طفتني

:وقالت لي

: فقالت . فحكيت لها حكايتي . يا ولدي قل لي خبرك

يا ولدي أن هذه بنت قاضي بغداد ، وعليها حجر ، والموضع

الذي رأيتها فيه هو طاقتها ، وأبوها له قاعة كبيـرة أسـفل

الدار ، وهي وحدها وأنا كثيرا ما أدخل عندهم فـال تعـرف

فتجلدت وقويت نفسي حين سمعت حديثها ، . وصالها إال مني

عضـاء وفرح أهلي في ذلك اليوم ، وأصبحت متماسـك األ

.مترجيا تمام الصحة

***

: يم مضت العجوز ورجعت ووجهها متغير ، وقالـت

يا ولدي ال تسأل عما جرى منها لما قلت لها ذلـك ، فإنهـا

أن لم تسكتي يا عجوز النحس عن هـذا الكـالم : قالت لي

الفعلن بك ما تستحقينه ، والبد أن أرجع إليها مـرة أخـرى

رضا على مرضي ، فلما كان فلما سمعت ذلك منها ازدادت م

. يا ولدي أريد منك البشارة : عبد أيام ، أتت العجوز وقالت

لك : فلما سمعت ذلك منها ردت روحي إلى جسمي وقلت لها

إني ذهبت باألمس إلى تلك الصبية : فقالت . عندي كل خير

يـا : الخاطر باكية العين قالـت ، فلما نظرتني وأنا منكسرة

ضيقة الصدر ؟ فلما قالت ذلـك ، بكيـت خالتي مالي أراك

يا بنتي وسيدتي إني أتيتك باألمس من عند فتـى : وقلت لها

يهواك ، وهو مشرف على الموت من أجلك ، فقالت لي وقد

هـو : من يكون هذا الفتي الذي تذكرينه ؟ قلت : ورق قلبها

ولدي وثمرة فؤادي ، رآك في الطاقة من أيام مضت وأنـت

فهام بك ولما أعلمته بما جرى ما معك أول تسقين زرعك ،

مرة زاد مرضه ولزم الوساد وما هو إال ميـت ال محالـة ،

أي : هل هذا كله من أجلي ؟ قلـت : فقالت وقد أصفر لونها

اذهبي غليـه واقرئيـه منـي : واهللا ، فماذا تأمرين ؟ قالت

السالم ، وأخبريه أن عندي أضعاف ما عنده ، فإذا كان يوم

قبل الصالة يجئ إلى الدار ، وأنا أقول افتحـوا لـه الجمعة

الباب ، وأطلعه عندي واجتمع وإياه ساعة ويرجع قبل مجيء

يجئ إلى الدار ، وأنا أقول افتحوا له الباب أبي من الصالة ،

، وأطلعه عند واجتمع وإياه ساعة ويرجع قبل مجيء أبي من

ـ ده مـن الصالة ، فلما سمعت كالم العجوز زال ما كنت أج

لم يبقى في شـيء مـن : األلم ، واستراح قلبي ، وقلت لها

األلم ، واستبشر أهل بيتي وأصحابي بعـافيتي ، ولـم أزل

كذلك إلى يوم الجمعة وإذا بالعجوز دخلت علي وسألتني عن

حالي ، فأخبرتها أني بخير وعافيـة ، ثـم لبسـت ثيـابي

فية ، وتعطرت وسألتني عن حالي ، فأخبرتها أني بخير وعا

ثم لبست ثيابي وتعطرت ومكثت أنتظر ذهاب النـاس إلـى

إن معـك فـي : الصالة حتى أمضي إليها ، فقالت العجوز

الوقت اتساعا زائدا فلو مضيت إلى الحمام وأزلـت شـعرك

أن : فقلت . والسيما من أثر المرض لكانف ي ذلك صالحك

هذا هو الرأي الصواب ، لكن احلق راسي أوال ثـم أدخـل

وأرسلت إلى المزين ليحلق لـي رأسـي ، وقلـت . لحمام ا

أمضي إلى السوق وائتني بمزين يكون عاقال قليـل : الغالم

.الفضول ال يصدع رأسي بكثرة كالمه

فمضي الغالم وأتى بهذا الشيخ ، فلما دخل سلم علـي

أذهـب اهللا غمـك وهمـك ، : فقال . فرددت عليه السالم

: فقـال . تقبل اهللا منـك : فقلت . والبؤس واألحزان عنك

ابشر يا سيدي فقد جاءتك العافية ، أتريد تقصير شعرك ، أو

من قص شعره : أخرج دم فنه روي عن ابن عباس أنه قال

وروي عنه أيضـا . يوم الجمعة صرف اهللا عنه سبعين داء

من احتجم يوم الجمعة ال يأمن ذهاب البصر وكثرة : أنه قال

عنك هذا الهذيان ، وقم فـي هـذه دع : فقلت له . المرض

.الساعة ، فأخلق لي رأسي فإني رجل ضعيف

فقام ومد يـده وأخـرج منـديال وفتحـه ، وإذا فيـه

اصطرالب ، وهو سبع صفائح ، فأخذه ومضي إلـى وسـط

: الدار ورفع رأسه إلى شعاع الشمس ونظر مليار وقال لـي

ث أعلم أن يومنا هذا هو يوم الجمعة عاشر صفر سـنة ثـال

وستين وسبعمائة من الهجرة النبوية ، على صاحبها أفضـل

الصالة والسالم ، وطالعه بمقتضى ما أوجبه علم الحسـاب

وأتفق أنه قارنه عطارد ، . المريخ سبع درجات وست دقائق

ويدل عنـدي . وذلك يدل على أن حلق الشعر فيه جيد جدا

بعده وهو مسعود ، لكن . على أنك تريد اإلقبال على شخص

لقـد أضـجرتني : فقلت له . كالم يقع وشيء ال أذكره لك

وأزهقت روحي ، وما طلبتك إال لتحلق رأسي فقـم وأحلـق

واهللا لو علمت حقيقـة : فقال . راسي وال تطل على الكالم

وأنا أشير عليـك أن تعمـل . األمر لطلبت مني زيادة البيان

بيلك أن وكان س . ما آمرك به بمقتضى حساب الكواكب اليوم

تحمد اهللا وال تخالفني فألني ناصح وشفيق عليـك ، وأود أن

أكون في خدمتك سنة كاملة وال أريد منك أجرة على ذلـك ،

إنك قاتلي في هـذا اليـوم ال : فلما سمعت ذلك منه قلت له

.محالة

وأدرك شهر زاد الصباح ، فسكتت عن الكالم المباح

الليلة التاسعة والخمسون

: ت الليلة التاسعة والخمسون ، قالت شهرزاد فلما كان

أنك قاتلي : بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما قال للمزين

يا سيدي أنا الـذي تسـميني : في هذا اليوم ، قال له المزين

الناي الصامت ، لقلة كالمي دون أخوتي ، ألن أخي الكبيـر

، والرابع اسمه اسمه البقبوق ، والثاني الهدار ، والثالث بقبق

الكوز األصواني ، والخامس اسمه العشار ، والسادس اسـمه

فلما زاد على هذا . شفالق ، والسابع اسمه الصامت وهو أنا

: المزين بالكالم ، رأيت أن مرارتي انفطرت وقلت للغـالم

طيه ربع دينار وخله ينصرف عني لوجه اهللا ، فال حاجـة ‘أ

لمزين حين سمع كالمي مع فقال هذا ا . لي في حالقة رأسي

أي شيء هذا المقال يا موالي ؟ واهللا ال أخذ منـك : الغالم

أجرة حتى أخدمك ، والبد من خدمتك فإنـه واجـب علـى

خدمتك وقضاء حاجتك ، وال أبالي إذا لم آخذ منك دراهـم ،

فإن كنت ال تعرف قدري فأنا أعرف قدرك، وكـان والـدك

واهللا . ن ، ألنه كان كريمـا ينا اإلحسا رحمه اهللا تعالى له عل

لقد أرسل والدك خلفي يوما مثل هذا اليوم المبارك ، فدخلت

أخرج لـي : عليه وكان عنده جماعة من أصحابه ، فقال لي

فأخذت االصطرالب وأخذت له االرتفـاع ، فوجـدت . دما

طالع الساعة نحسا وإخراج الدم فيها صعبا فأعلمته بـذلك ،

أن أتت الساعة الحميدة وأخرجت له فيهـا فامتثل وصبر إلى

وكذلك شـكرني الجماعـة . ولم يخالفني بل شكرني . الدم

الحاضرون ، وأعطاني والدك مائة دينار في نظير إخـراج

.ال رحم اهللا أبي الذي عرف مثلك : الدم ، فقلت له

***

ال اله إال اهللا محمد رسول : فضحك هذا المزين وقال

غير وال يتغير ، ما كنت أظنك إال عـاقال اهللا ، سبحان من ي

: وقد قال اهللا في كتابـه العزيـز . لكنك خرقت من المرض

وأنت معذور على كل حال " . والكاظمين الغيظ عن الناس "

، وما أدري ما سبب عجلتك ، وأنت تعلم أن والـدك كـان

أن المستشار مـؤمن ، : وقد قيل . يفعل شيئا إال بمشورتي

ا أعرف مني األمور ، فأنا واقف علـى قـدمي وما تجد أحد

أخدمك وما ضجرت منك ، فكيف ضجرت أنت مني ؟ وأنـا

: فقلـت لـه . أصبر عليك ال جل ما ألبيك علي من الفضل

واهللا لقد أطلت على الخطاب وزدت في المقال ، وأنا قصدي

.أن تحلق لي رأسي وتنصرف عني

ـ د بـل ثم أظهرت الغضب وأردت أن أقوم وأن كان ق

قد علمت أنه قد غلب عليك الضجر منـي ، : رأسي ، فقال

ولكن ال أواخذاك ألن عقلك ضعيف ، وأنت صـبي ، مـن

. زمن قريب كنت أحملك على كتفي وأمضي بك إلى المكتب

يا أخي بحق اهللا عليك انصرف عني حتى أقضـي : فقلت له

ثم مزقت أثوابي ، فلما رآني فعلت ذلك أخذ الموس . شغلي

ازال يسنه حتى كادت روحي أن تفارق جسمي، ثم تقـدم وم

يـا مـوالي : ثم رفع يده وقـال . إلى رأسي وحلق بعضه

العجلة من الشيطان ، وما أظنك تعرف منزلتي ، فإن يـدي

تقع على رأس الملـوك واألمـراء والـوزراء والحكمـاء

:والفضالء ، وفي مثلي قال الشاعر جميــع الصــنائع مثــل العقــود

ــو ع ــةفيعل ــل ذي حكم ــى ك ل

ــلوك ــزين در الس ــذا الم وه

وتحت يديـه رؤوس الملـوك

فلقد ضيقت صدري وشـغلت دع ما ال يعنيك : فقلت

نعم نعم نعم ، : أظنك مستعجال ، فقلت له : خاطري ، فقال

تمهل فإن العجلة من الشيطان ، وهي تورث الندامـة : فقال

بر األمور ما خ: والحرمان ، وقد قال عليه الصالة والسالم

وأنا واهللا رابني أمرك فاشتهى أن تعرفني مـا . كان فيه تأن

الذي أنت مستعجل من أجله ، ولعله خير ، فإني أخشـى أن

يكون شيئا غير ذلك، وقد بقي من الوقت ثالث ساعات ، ثم

غضب ورمى الموس من يده وأخذ االصطراب ومضي إلى

الصالة ثـالث قد بقي لوقت : الشمس ووقف مدة وعاد وقال

باهللا عليـك أسـكت : فقلت له . ساعات ال تزيد وال تنقص

.عني فقد فتت كبدي

***

فأخذ الموس وسنه كما فعل أوال ، وحلق بعض رأسي

أنا مهموم من عجلتك ، فلو أطلعتني على سببها لكان : وقال

خيرا لك ، ألنك تعلم أن والدك مـا كـان يفعـل شـيئا إال

مت أن ما لي منه خـالص قلـت فـي فلما عل . بمشورتي

أريد أن أمضي قبل أن تخرج ,قد جاء وقت الصالة : نفسي

منها وأن تأخرت ساعة ال أدري أيـن السـبيل إلـى الناس

أوجز ودع عنك هـذا الكـالم : الدخول إليها ، فقلت للمزين

والفضول ، فإني أريد أن أمضي إلى دعوة عند أصـحابي ،

يومك يوم مبارك علي ، لقـد : فلما سمع ذكر الدعوة ، قال

حلقت البارحة أن أغدى جماعة من أصـدقائي ونسـيت أن

.أجهز لهم شيئا يأكلونه ، وفي هذه الساعة تذكرت ذلك

ال تهتم بهذا األمـر بعـد : فقلت له ! وأفضيحتاه منهم

تعريفك إنني اليوم في دعوة ، فكل ما في داري منن طعـام

: فقال : ت حالقة رأسي وشراب لك أن أنجزت أمري وعجل

جزاك اهللا خيرا ، صف لي ما عندك الضيافي حتى أعرفه ،

عندي خمس أوان من الطعان ، وعشـر دجاجـات : فقلت

أحضرها لـي حتـى : فقال . محمرات ، وخروف مشوي

بقـي : فأحضرت له جميع ذلك فلما عاينـه قـال . أنظرها

ـ : فقال . عندي : فقلت له . الشراب رته أحضـره ، فأحض

هللا درك ، ما أكرم نفسك ، لكن بقـي البخـور :: فلقال . له

والطيب ، فأحضرت له درجا فيه ند وعود وعنبـر ومسـك

يساوي خمسين دينارا ، وكان الوقت قد ضاق حتـى صـار

خذ هذا وأحلق جميع رأسي بحيـاة : فقلت له . مثل صدري

ه واهللا مـا آخـذ : فقال المزين . محمد صلي اهللا عليه وسلم

فأمرت الغالم ففتح لـه الـدرج ، . حتى أرى جميع ما فيه

فرمي المزين االصطراب من يده ، وجلـس علـى األرض

يقلب الطيب والبخور والعود الذي في الدرج ، حتى كـادت

ثم تقدم وأخذ الموس وحلق مـن . أن تفارق جسمي روحي

واهللا يا ولدي ما أدري أأشكرك أم : رأسي شيئا يسيرا وقال

كر والدك ؟ ألن دعوتي اليوم كلها مـن بعـض فضـلك أش

وإحسانك ، وليس عندي من يستحق ذلـك ، وإنمـا عنـدي

زيتون الحمامي وضليع الفسخاني وعوكل الفوال وعكرشـة

و الكـل مـن هـؤالء "البقال وحميد الزبال وعكارش اللبان

رقصة يرقصها وأبيات ينشدها ، وأحسن ما فيهم أنهم مثـل

أنا ال أعرف كثرة كالم وال فضول ، أمـا الملوك ، وعبدك

وأمـا . إن لم أذهب إليها تجئني بيتـي : الحمامي فإنه يقول

الخبز عند : الزبال فإنه ظريق خليع كثيرا ما يرقص ويقول

وكل واحد من أصحابي لـه . زوجتي ما صار في صندوق

وليس الخبـر كالعيـان ، فـإن . لطائف ال توجد في اآلخر

عندنا كان ذلك أحب إليك وإلينا ، وأترك اخترت أن تحضر

رواحك إلى أصدقائك الذين قلت لي أنك تريد الذهاب إليهم ،

فإن عليك أثر المرض ، وربما تقضي إلـى أقـوام كثيـري

الكالم ستكلمون فيما ال يعنيهم ، وربما يكـون فـيهم واحـد

فقلت إن شاء اهللا . فضولي وأنت أقلقت روحك من المرض

األنسـب أن تقـدم : غير هذا اليوم ، فقال لي يكون ذلك في

حضورك عند أصحابي فتغتنم مؤانستهم وتفـوز بملحهـم ،

: وتعمل بقول الشاعر

ال تؤخر لـذة أن أمكنـت

إنما الدهر سريع العطب

اقـض : فضحكت عن قلب مشحون بالغيظ ، وقلت له

شغلي وأسير أنافي أمان اهللا تعالى ، وتمضـي أنـت إلـى

ما طلبـت إال أن : فقال . فإنهم منتظرون قدومك أصحابك

أعرفك بهؤالء األقوام فإنهم من األوالد الناس الذين ما فـيهم

فضولي ، ولو رأيتهم مرة واحدة لتركت جميع أصـحابك ،

أنعم اهللا سرورك بهم ، وال بد أن أحضرهم عندي : فقلت له

ا إذا أردت ذلك وقدمت دعوى أصحابك في هذ : فقال . يوما

اإلكرام الذي أكرمتني به ، اليوم ، فأصبر حتى أمضي بهذا

وأدعه عند أصحابي ليأكلوا ويشربوا ثم أعود إليك وأمضـي

معك إلى أصدقائك، فليس بين وبين أصدقائي كلفة تمنعنـي

من تركهم والعود إليـك عـاجال ال مضـي معـك أينمـا

...توجهت

ـ : فقلت ... يم ال حول وال قوة إال بـاهللا العلـي العظ

ودعني ألمضـي . أمضي أنت إلى أصدقائك وأنشرح معهم

فقـال . إلى أصدقائي في هذا اليوم فإنهم ينتظرون قـدومي

أن الموضـع : ال أدعك تمضي وحدك ، فقلت له : المزين

: الذي أمضي إليه ال يقدر أحد أن يدخل فيه غيري ، فقـال

عـك ، أظنك اليوم في ميعاد مع واحدة ، وإال كنت تأخذني م

وأنا أحق من جميع الناس ، وأساعدك على ما تريد ، فـإني

أخاف أن تدخل على امرأة أجنبية فتذهب روحك ، فإن مدينة

بغداد ال يقدر أحد فيها أن يعمل فيها شيئا من هذه األشـياء ،

. ووالي بغداد رجـل صـارم .. والسيما في مثل هذا اليوم

الكالم الذي تقابلني ويلك يا شيخ الشر ، أي شيء هذا : فقلت

.به ؟ فسكت سكوتا طويال

وأدركنا وقت الصالة ، وقد فرغم من حلق رأسي فقلت

أمضي إلى أصحابك بهذا الطعـان والشـراب ، وأنـا : له

ولم أزل أخادعـه لعلـه . أنتظرك حتى تعود وتمضي معي

أنك تخادمني لكي تمضي وحدك وترمـي : يمضي فقال لي

لك منها ، فباهللا ال تبـرح حتـى نفسك في مصيبة ال خالق

: فقلت له . أعود إليك وأمضي معك ، فأعلم ما يتم من أمرك

فأخذ ما أعطيته من الطعـام والشـراب . نعم ال تبطئ علي

وغيره ، وخرج من عندي فسلمه إلى الحمال ليوصله إلـى

ثم قمت من ساعتي . منزله ، وأخفي نفسه في بعض األزقة

فلبسـت ثيـابي . ات سالم الجمعـة وقد أعلنوا على المنار

وخرجت وحدي وأتيت إلى الزقاق ووقفت على البيت الـذي

رأيت فيه تلك الصبية ، وإذا بالمزين خلفي وأنا ال أعلم به ،

فوجدت الباب مفتوحا فدخلت وإذا بصاحب الدار عـاد إلـى

مـن : فقلت . منزله من الصالة ودخل القاعة وأغلق الباب

ان بي في هذه الساعة ؟ كأنه جاء ألمـر أين علم هذا الشيط

فاتفق أن صاحب الدار أذنبت جارية . يريده اهللا لهتك ستري

عنده فضربها فصاحت ، فدخل عنده عبد ليخلصها ، فضربه

فصاح اآلخر

***

فاعتقد المزين أنه يضربني فصاح ومزق أثوابه وحثـا

والنـاس ... التراب على رأسه وصار يصـرخ ويسـتغيث

ثـم . قتل سيدي في بيت القاضي : حوله وهو يقول يلتفون

مضي إلى داري وهو يصيح والناس خلفه ، وأعلم أهل بيتي

كل هذا والمـزين ! .. واسيداه : وغلماني فأقبلوا يصيحون

قدامهم وهو ممزق الثياب ، والنـاس معهـم ولـم يزالـوا

يصرخون وهو في مقدمتهم يصرخ ، حتى أقبلوا نحو الـدار

فلما سمع القاضي ذلك ، عظم عليه األمـر ، . يها التي أنا ف

يا قوم : وقام وفتح الباب ، فرأى جمعا عظيما ، فبهت وقال

يا قوم : فقال . إنك قتلت سيدنا : ما القصة ؟ فقال له الغلمان

، ما الذي فعله سيدكم حتى أقتله ؟ وأدرك شهرزاد الصباح ،

فسكتت عن الكالم المباح

الليلة الستون

بلغني أيهـا : فلما كانت الليلة الستون ، قالت شهرزاد

ما الذي فعله سـيدكم : الملك السعيد أن القاضي قال للغلمان

حتى أقتله ؟ وما لي أرى هذا المزين بين أيديكم ؟ فقال لـه

أنت ضربته في هذه الساعة بالمقارع وأنا سـمعت : المزين

لـه ، ومـن ما الذي فعله حتى أقت : فقال القاضي . صياحه

أدخل داري ؟ ومن أين داء وإلى أيـن يقصـد ؟ فقـال لـه

نحسا ، فأنا أعلم الحكاية وسبب دخوله ال تكن شيخا : المزين

دارك وحقيقة األمر كله ، فبنتك تعشقه وهو يعشقها ، فعلمت

واهللا ما بيننا وبينك . أنه دخل دارك وأمرت غلمانك فضربوه

نا ليأخذه أهله وال تحوجني إلى إال الخليفة ، أو تخرج لنا سيد

فالتجم . أن أدخل وأخرجه من عندكم ، وعجل أنت بإخراجه

القاضي عن الكالم ، وصار في غاية الخجل مـن النـاس ،

أن كنت صادقا فأدخل أنت وأخرجه ، فنهض : وقال للمزين

فلما رأيت المـزين دخـل ، أردت أن . المزين ودخل الدار

ا ، غير إني رأيت في الطبقة التي أهرب ، فلم أجد لي مهرب

أنا فيها صندوقا كبيرا دخلت فيـه ورددت الغطـاء علـى ،

وقطعت النفس ، فدخل القاعة بسرعة ولم يلتفت إلـى غيـر

الجهة التي أنا فيها ، وقصد الموضع الذي أنا فيه وهو يلتفت

فحملـه . فلم يجد إال الصندوق الذي أنا فيـه . يمينا وشماال

. فلما فعل ذلك غاب رشدي ، ثم مر مسـرعا . سه على رأ

فلما علمت أنه لن يتركني فتحت الصندوق وخرجـت منـه

.بسرعة ورميت نفسي على األرض فانكسرت رجلي

فلما توجهت إلى الباب وجدت خلقا كثيرا لـم أر فـي

عمري مثل زحامهم فجعلت أنثر الذهب على الناس ليشتغلوا

ت أجري في أزقة بغداد وهـذا به ، فاشتغل الناس به وصر

المزين خلفي ، وأي مكان دخلت فيه يـدخل خلفـي وهـو

الحمد هللا الذي نصرني ! ارادوا أن يفجعوني في سيد : يقول

لكنك يا سيدي ماال زلـت . عليهم وخلص سيدي من أيديهم

مولعا بالعجلة لسوء تدبيرك حتى فعلت بنفسك هذه األفعال ،

ما كنت خلصت من هذه المصيبة التي فلوال أن وفقك اهللا إلى

وقعت فيها ، وربما كانوا يرمونك في مصيبة ال تخلص منها

واهللا لقـد . فأطلب من اهللا أن أعيش حتـى أخلصـك . أبدا

أهلكتني بسوء تدبيرك ، وكنت تريد أن تروج وحدك ولكن ال

أما : فقلت له . نؤاخذك على جهلك ، ألنك قليل العقل عجول

منك حتى تجري ورائي في األسواق ؟كفاك ما جرى

***

وصرت أتمنى الموت ألجل خالصي منه ، فـال أجـد

فمن شدة الغيظ فررت منه ودخلت دكانـا . موتا ينقذني منه

في وسط السوق ، واستجرت بصاحبها فمنعه عني ، وجلست

ما بقيت أقدر أن أفترق عن هذا : في مخزن وقلت في نفسي

ولم تبق لي قدرة علـى . ليال ونهار المزين ، بل يقيم عندي

النظر إلى وجهه ، فأرسلت في الوقت وأحضـرت الشـهود

وكتبت وصية ألهلي ، وفرقت مالي ، وجعلت إنسانا نـاظرا

عليهم ، وأمرته أن يبيع الدار والعقارات ، وأوصيته بالكبار

والصغار ، وخرجت مسافرا من ذلك الوقت حتى أتخلـص

.من ذلك الثقيل

ثم جئت إلى بالدكم فسكنتها ، ولي فيها مـدة ، فلمـا

عزمت على وجئت إليكم رأيت هذا القبيح عندكم في صـدر

المكان ، فكيف يستريح قلبي ويطيب مقامي عندكم مع هذا ؟

وقد فعل معي هذه الفعال وانكسرت رجلي بسـببه ؟ ثـم أن

فلما سمعنا حكايته مع المزين قلنا . الشاب امتنع عن الجلوس

واهللا أنـا : أحق ما قاله هذا الشاب عنـك ؟ فقـال : للمزين

فعلت ذلك لمصلحته، ولوالي لهلك ، فما سـبب نجاتـه إال

ومن فضل اهللا عليه أنه أصيب برجلـه ولـم يصـب .. أنه

بروحه ، ولو كنت كثير الكالم ما فعلت معه ذلك الجميـل ،

وها أنا أقول لكم حديثا جرى لي حتى تصـدقوا إنـي قليـل

الكالم وما عندي فضول من دون أخواني ، وذلك أني كنـت

ببغداد في أيام خالفة أمير المؤمنين المنتصر بـاهللا ، وكـان

فاتق ... يحب الفقراء والمساكين ويجالس العلماء والصالحين

يوما أنه غضب على عشرة أشخاص ، فأمر المتولي ببغـداد

ا اجتمع هؤالء م:أن يأتيه بهم في زروق ، فنظرتهم أنا فقلت

إال لعزومة ، وأظنهم يقطعون يومهم في هذا الزورق في أكل

فقمت ونزلـت معهـم . وشرب ، وما يكون نديمهم غيري

واختلطت بهم ، فقعدوا في الجانب اآلخر ، فجاء لهم أعـوان

الوالي باإلغالل ووضعوها في رقابهم ، ووضعوا في رقبتي

روءتي وقلة كالمـي غال مثلهم ، فهذا يا جماعة الخبر من م

ألني ما رضيت أن أتكلم ، فأخذونا جميعـا فـي األغـالل

وقدمونا بين يدي المنتصر باهللا أمير المؤمنين ، فأمر بضرب

. رقاب العشرة فضرب السياف رقاب العشرة وقد بقيت أنـا

ما بالك ال تضرب رقاب : فالتفت الخليفة فرآني فقال للسياف

. رقاب العشرة كلهم ضرب: الجمعي العشرة ؟ فقال

***

ما ظنك ضربت رقاب غيـر تسـعة : فقال له الخليفة

وحق نعمتك : فقال السياف : وهذا الذي بين يديك هو العاشر

فإذا هم عشرة ، فنظر الخليفة .. عدوهم : قال . أنهم عشرة

ما حملك على السكوت في هذا الوقت ، وكيـف : إلى وقال

ت خطاب أمير المؤمنين صرت مع أصحاب الدم ؟ فلما سمع

أعلم يا أمير المؤمنين أني أنا الشـيخ الصـامت ، : قلت له

وعندي من الحكمة كثير ، وإن رزانة عقلي وجـودة فهمـي

وقلة كالمي ال نهاية لها ، وصنعتي مزين فلما كان أمـس

نظرت إلى هؤالء العشرة وهم يقصدون الزورق ، فاختلطت

زومة ، فما كـان غيـر بهم ونزلت معهم وظننت أنهم في ع

ساعة وإذا هم أصحاب جرائم فحضر إليهم األعوان ووضعوا

في رقابهم األغالل ووضعوا في رقبتي غال معهم ، فـأمرت

بضرب رقاب العشرة ، وبقيت أنا بين يدي السـياف ، ولـم

ألست هذه مروءة عظيمة قد أحوجتني إلـى . أعرفكم بنفسي

هـري هكـذا أفعـل أن أشاركهم في القتل ؟ ولكني طول د

فلما سمع الخليفة كالمي ، وعلم أني كثير المروءة ! الجميل

قليل الكالم ما عندي فضول ، كما يزعم هذا الشـاب الـذي

وأخوتك الستة مثلك فيهم : خلصته من األهوال ، قال الخليفة

ال عاشوا وال بقوا أن كانوا : الكالم؟ قلت الحكمة والعلم وقلة

يا أمير المؤمنين وال ينبغـي لـك أن ولكني دممتني . مثلي

تقرن أخوتي بي ألنهم من كثرة الكالم وقلة مـروءتهم كـل

فمنهم واحد أعـرج ، وواحـد أعـور ، . واحد منهم بعاهة

وواحد أفلج ، وواحد أعمى ، وواحـد مقطـوع األذنـين ،

. واألنف ، وواحد مقطوع الشفتين ، وواحد أحول العينـين

نين أن األول هوة األعـرج كانـت وال تحسب يا أمير المؤم

صنعته الخياطة ببغداد ، فكان يخيط في دكان أستأجرها مـن

رجل كثير المال ، وكان ذلك الرجل ساكنا أعلـى الـدكان ،

وفي أسفل دابر الرجال طاحون ، فبينما كان أخي األعـرج

جالسا في الدكان في بعض األيام إذا رفع رأسه فـرأى فـي

البدر الطالع ، وهي تنظر إلى النـاس ، روشن الدار امرأة ك

فلما رآها أخي تعلق قلبه بحبها ، وصار طول يومه ينظـر

إليها ، وترك اشتغاله بالخياطة إلى وقت المساء ، فلما كـان

وقت الصباح فتح دكانه وقعد يخيط ، وهو كلما غرز غرزة

ينظر إلى الروشن ، فمكث على ذلك مـدة ال يخـيط شـيئا

فأتفق أن صاحب الدار جاء إلى أخي يومـا . يساوي درهما

ة ، صفصل لي هذا وأجعله أقم : وقال شمن األيام ومعه قما

سمعا وطاعة ، ولم يزل يفصـل حتـى فصـل : فقال أخي

عشرين قميصا إلى وقت العشاء ، وهو لم يذق طعاما ، ثـم

كم أجرة ذلك ؟: قال له

***

أال يأخـذ ينها فأشارت إليه الصبية بع . فلم يتكلم أخي

واستمر ثالثـة أيـام ال . محتاجا إلى فلس وكان . منه شيئا

فلما فرغ من . يأكل إال القليل بسبب اجتهاده في تلك الخياطة

الخياطة التي لهم ، ذهب إليهم باألقمصة ، وكانت الصبية قد

عرفت زوجها بحال أخي ، وأخي ال يعلم ذلك، واتفقت هـي

ي في الخياطة بال أجرة ليضـحكا وزوجها على استعمال أخ

عليه ، فلما فرغ أخي من جميع أشغالهما ، عمال عليه حيلـة

بت : وزوجاه بجاريتهما ، وليلة أراد أن يدخل عليها قاال له

الليلة في الطاحونة ، وراح زوج الصبية فغمز الطحان عليه

ليدوره في الطاحون ، فدخل عليه الطحان في نصف الليل ،

أن هذا الثور بطال مع أن القمح كثير وأصحاب وجعل يقول

الطحين يطلبونه فأنا أعلقه في الطاحون حتى يخلص طحـين

.القمح ، فعلقه في الطاحونة إلى قرب الصبح

فجاء صاحب الدار فرأى أخي معلقـا فـي الطـاحون

والطحان يضربه بالسوط ، فتركه ومضي وبعد ذلك جـاءت

مجيئها في بكـرة النهـار ، الجارية التي عقد عليها ، وكان

قد شق علي وعلي سـيدتي مـا : فخلته من الطاحون وقالت

فلم يكن له لسان يرد جوابا مـن . جرى لك وقد حملنا همك

وإذا بالشيخ الذي شدة الضرب ، ثم أن أخي رجع إلى منزله

حياك اهللا ، زواجك : كتب الكتاب قد جاء وسلم عليه وقال له

في النعيم والدالل من العشـاء إلـى مبارك ، أنت بت الليلة

ال سلم اهللا الكاذب ، واهللا ما جئـت : فقال له أخي . الصباح

حـدثني : فقال له . إال ألطحن في موضع الثور إلى الصباح

بحديثك ، فحدثه أخي بما وقع له ، فقال له ما وافق نجمـك

نجمها ، ولكن إذا شئت غيرت بأحسن منه ألجل أن يوافـق

ثم أن . أنظر أنبقي لك حيلة أخرى : ، فقال له نجمك نجمها

أخي تركه وأتى إلى دكانه ينتظر أحدا يأتي إليه بشغل يتقوت

بالجارية قد أتت إليه ، وكانت قد اتفقت مع وإذا .. من أجرته

أن سيدتي مشتاقة إليك ، : سيدتها على تلك الحيلة ، فقالت له

لم يشعر أخي وقد طلعت السطح لترى وجهك من الروشن ، ف

لي : إال وهي قد أطلت له من الروشن وصارت تبكي وتقول

. شيء قطعت المعاملة بيننا وبينك ؟ فلم يرد عليهـا جوابـا

فحلفت له أن جميع ما وقع له في الطاحون لم يكن باختيارها

، فلما نظر أخي إلى حسنها وجمالها ، ذهب عنه ما حصـل

تحدث معها وجلس فـي له ، وقبل عذرها فرحا برؤيتها ثم

: خياطته مدة ، وبعد ذلك ذهبت إليه الجاريـة وقالـت لـه

عليك وتقول كل أن زوجها قد عـزم علـى أن سيدتي تسلم

يبيت عند بعض أصدقائه في هذه الليلة ، فإذا مضي عنـدهم

تكون أنت عندنا وتبيت مع سيدتي فـي الـذ عـيش إلـى

فـي مجيئـه ما العمل : وكان زوجها قد قال لها . الصباح

احتال عليـه : ؟ فقالت له إلى الوالي عندك حتى أخذه وأجره

وأخي ال . حيلة وأفضحه فضحية يشتهر بها في هذه المدينة

فلما أقبل المساء جاءت الجاريـة . يعلم شيئا من كيد النساء

يا سيدي إني مشتاقة : إلى أخي وأخذته إلى سيدتها فقالت له

.إليك كثيرا

***

هللا عجلي بقبلة قبل كل شيء ، فلم يتم كالمـه با: فقال

إال وقد حضر زوج الصبية من بيت جاره ، فقـبض علـى

. واهللا ال أفارقك إال عنـد صـاحب الشـرطة : أخي وقال

فتضرع إليه أخي ، فلم يسمع له بل حمله إلى دار الـوالي ،

فضربه بالسياط ، وأركبه جمال ، طاف بـه فـي شـوارع

هذا جزاء من يهجم على حريم : دون عليه المدينة والناس ينا

ووقع من فوق الجمل فانكسـرت رجلـه ، فصـار ! الناس

ثم نفاه الوالي من المدينة فخرج ال يدري أين يقصد : أعرج

، فاغتظت أنا فلحقته وأتيت به والتزمت بأكله وشـربه إلـى

.اآلن

: فقلـت . أحسنت : وقال فضحك الخليفة من كالمي ،

لتعظيم منك دون أن تصغى إلى حتى أحكي لك ال أقبل هذا ا

فقـال . ما وقع لبقية أخوتي ، وال تحسب إني كثير الكـالم

حدثني بما وقع لجميع أخوتك وشنف مسامعي بهذه : الخليفة

: الرقائق ، وأسلك سبيل األطناب في ذكر هذه اللطائف فقلت

ق أعلم يا أمير المؤمنين أن أخي الثاني كان اسه بقبق وقد اتف

يوما مكن األيام متوجها إلى حاجة له ، وإذا له أنه كان ماشيا

أيها الرجل قف قلـيال حتـى : بعجوز قد استقبلته وقالت له

أعرض عليك أمرا ، فإن أعجبك فاقضه لي ، فوقف أخـي

أدلك على شيء وأرشدك إليه بشرط أال يكـون : فقالت له

ما قولك في : لت له قا. هاتي كالمك : كالمك كثيرا فقال لها

دار حسنة فيها ماء يجري وفاكهة ومدام ووجه مليح ؟ فـإن

فلما سمع أخي كالمها . فعلت ما اشترطه عليك رأيت الخير

يا سيدتي كيف قصدتني بهذا األمر مـن دون الخلـق : قال

قلت لك : أجمعين ، ورأي شيء أعجبك مني ؟ فقالت ألخي

ثـم مضـت . معـي ال تكن كثير الكالم ، وأسكت وأمضي

العجوز وسار أخي تابعا لها طمعا فيما وصفته لـه ، حتـى

دخال دارا فسيحة ، وصعدت به من أنى إلى أعلى ، فـرأى

قصرا ظريفا ، فيه أربع بنات ال يوجد أحسن منهن ، وهـن

يغنين بأصوات تطرب الحجر األصم ، ثـم أن بنتـا مـنهن

عافية ، وقام ليخدمها بالصحة وال : شربت قدحا فقال لها أخي

فمنعته من الخدمة ، ثم سبقته وصفعته ، فلما رأى أخي ذلك

منها ، خرج مغضبا فتبعته العجوز وجعلت تغمـزه بعينهـا

فأعادت البنت صفعة على قفاه . يعني أرجع ، فرجع وجلس

: ثم قام فلحقته العجوز وقالـت لـه . ، إلى أن أغمي عليه

إلـى متـى : ريد ، فقال لها أخي أصبر قليال حتى تبلغ ما ت

إذا سكرت بلغته مرادك ، فرجع : أصبر ؟ فقالت له العجوز

أخي إلى مكانه وجلس ، فقامت البنـات كلهـن وأمـرتهن

العجوز أن يرششن وجهه بماء ورد ، ففعلن ذلك ، وقالت له

أعزك اهللا ، قد دخلت منزلي : الصبية البارعة الجمال منهن

يـا : فقال لها أخي . لغت مرادك فإن صبرت على شرطي ب

أعلـم أن اهللا : فقالت له . سيدتي أنا عبدك وفي قبضة يدك

ثم أمرت . شفعني بحب الطرب ، فمن أطاعني نال ما يريد

الجواري أن يغنيني ، فغنين حتى طرب المجلس ، ثم قالـت

فأخذت الجارية . خذي سيدك وائتيني به في الحال : للجارية

: ما يصنه به ، فلحقته العجوز وقالت لـه أخي وهوال يدري

أصبر فقد بلغت ما تريد ، وإنما بقي شيء واحـد وهـو أن

كيف أعمل في فضـيحتي بـين : تحلق ذقنك فقال لها أخي

أنها ما أرادت أن تفعل ذلـك إال : الناس ؟ فقالت له العجوز

ألجل أن تصير أمر بال ذقن ، وال يبقى في وجهـك شـيء

فصبر أخـي . في قلبها لك محبة عظيمة يشكلها ، فقد صار

وحلق ذقنه ، وجاءت به إلى الصبية وإذا هو وطاول الجارية

محلوق الحاجبين والشاربين والذقن محمر الوجه ، ففرغـت

يا سيدي : منه ، ثم ضحكت حتى استلقت على قفاها ، وقالت

اآلن : وقالت له العجـوز . لقد ملكتني بهذه األخالق الحسنة

ادك ، وأعلم أنه ما بقي عليك من الـدرب شـيء ، بلغت مر

وما بقي إال شيء واحد وذلك أن من عادتها أنها إذا سـكرت

يسرها أن تجري وراءها وهي تجري كأنها هاربة منـك ال

.تزال تتبعها من مكان إلى مكان حتى تدركها

وأدرك شهرزاد الصباح ، فسكتت عن الكالم المباح

الليلة الحادية والستون

: فلما كانت الليلة الحادية والستون ، قالـت شـهرزاد

ثم جرت الصـبية : بلغني أيها الملك السعيد أن المزين قال

قدام أخي فتتبعها ، وجعلت تدخل من محل إلى محل وتخرج

ولم تـزل . من محل إلى أخر ، وأخي وراءها كأنه مجنون

. تجري قدامه وهو يجري وراءها حتى يسمع صوتا رقيقـا

: بينما هو ذلك إذ رأي نفسه وسط زقاق في وسط الجالدين ف

وهم ينادون على الجلود ، فرآه الناس على تلك الحالة وهـو

عريان محلوق الذقن والحواجب والشوارب محمر الوجـه ،

فصاحوا عليه وصاروا يضحكون وقهقهون ، وصار بعضهم

يصفعه بالجلود وهو عريان ، حتى غشي عليه وحملوه على

هذا وقع : ما هذا ؟ قالوا : فقال . وأوصلوه إلى الوالي حمار

فضـربه الـوالي . لنا من بيت الوزير وهو على هذه الحالة

مائة سوط ، وخرجت أنا خلفه وجئت به وأدخلته المدينة سرا

، ثم رتبت له ما يقتات به ، فلوال مروءتي ما كنت أحتمـل

!مثله

لقضاء والقدر إلى وأما أخي الثالث فاسمه قفه ، ساقه ا

دار كبيرة فدق الباب طمعا أن يكلمه صاحبها فيسـأله شـيئا

من بالباب ؟ فلم يكلمه أحـدا ، فسـمعه : فقال صاحب الدار

من هذا ؟ فلم يكلمه وسمع مشـيه : أخي يقول بصوت عال

ما تريد ؟ فقال لـه : حتى وصلوا إلى الباب وفتحه وقال له

أنت ضـرير ؟ قـال : فقال له . أريد شيئا هللا تعالى : أخي

فناوله يده فأدخله الدار . ناولني يدك : فقال له . نعم : أخي

ولم يزل يصعد به من سلم إلى سلم حتى وصل إلـى أعلـى

السطوح وأخي يظن أنه سيطعمه شيئا أو يعطيه شيئا ، فلمـا

: ما تريد يا ضرير ؟ قال : انتهى إلى أعلى مكان قال ألخي

: فقال أخي . يفتح اهللا عليك : فلقال له . تعالى أريد شيئا هللا

يا أسـفل : يا هذا ما كنت تقول لي ذلك وأنا تحت ؟ فقال له

السفلة لم تسألني شيئا هللا حين سمعت كالمي أول مرة وأنت

ما : وماذا تريد أن تصنع ؟ فقال له : تدق الباب ؟ فقال أخي

ل بـي إلـى أنـز : فقال له . عندي شيء حتى أعطيك إياه

.الطريق بين يديك: فقال له .. الساللم

فقام أخي واستقبل الساللم ، ومازال نازال حتـى بقـي

بينه وبين الباب عشرون درجة فزلقت رجله فوقع ، ولم يزل

واقعا منحدرا في الساللم حتى شج رأسه ، فخـرج وهـو ال

أي: يدري أين يذهب ، فلحقه بعض رفقائه العميان فقالوا له

يا أخواني : شيء حصل في هذا اليوم ؟ فحدثهم بما وقع لهم

وأنفق منـه . أريد أن أخذ شيئا من الدراهم التي بقيت معنا

وكان صاحب الدار يمشي خلفه ليعرف حاله ، . نفسي على

فسمع كالمه وأخي ال يدري أن الرجل يسعى خلفه ، إلى أن

بـه ، دخل أخي مكانه ودخل الرجل خلفه ، وهو ال يشـعر

أغلقـوا . وقعد أخي ينتظر رفقاءه فلما دخلوا عليه قال لهـم

الباب وفتشوا البيت كيال يكون أحد غريب تبعنا ، فلما سـمع

الرجل كالم أخي ، قام وتعلق بمحل كان في السقف فطـافوا

البيت جميعه فلم يجدوا أحدا ، ثم رجعوا وجلسوا إلى جانـب

وها فإذا هي عشـرة أخي وأخرجوا الدراهم التي معهم وعد

آالف درهم ، فتركوها في زاوية البيت وأخذ كل واحـد مـا

يحتاج إليه وقعدوا يأكلون فأحس أخي بصوت غريـب فـي

هل معنا غريب ؟ ثم مد يده فتعلقت : وجهته فقال لألصحاب

.بيد الرجل صاحب الدار

***

فوقعـوا فيـه . هذا غريب : فصاح على رفاقه قوال

دخـل ! يا مسـلمين : عليهم ذلك صاحوا ضربا ، فلما طال

علينا لص يريد أن يأخذ مالنا ، فاجتمع عليهم خلق كثيـر ،

فتعامى الرجل الغريب صاحب الدار الذي أدعوا عليـه أنـه

لص وأغمض عينيه وأظهر أنه أعمى مثلهم بحيث ال يشـك

باهللا والسلطان ، أنـا بـاهللا ! يا مسلمين : وصاح . فيه أحد

باهللا واألمير ، فإن عندي نصيحة لألمير ، فلـم والوالي ، أنا

يشعروا إال وقد أحاط بهم جماعة الوالي فأخذوهم وأخي معهم

ما خبركم ؟ فقال ذلـك : فقال الوالي . وأحضروهم بين يديه

اسمع كالمي أيها الوالي ، ال يظهر لـك الحقيقيـة : الرجل

. قـائي حالنا إال بالعقوبة ، وإن شئت فأبدأ بعقوبتي قبـل رف

أطرحوا هذا الرجل وأضربوه بالسياط فطرحوه : فقال الوالي

وضربوه ، فلما أوجعه الضرب فتح إحدى عينيه ، فلمـا زاد

ما هـذه : عليه الضرب فتح عينيه األخرى ، فقال له الوالي

الفعال يا فاجر ؟ فقال ، أعطني األمان وإذا أخبرك فأعطاه

فسنا عميانا ونمر علـى نحن أربعة نجعل أن : فقال . األمان

الناس وندخل البيوت وننظر النساء ونحتـال فـي فسـادهن

وقد حصلنا من ذلك مكسـبا واكتساب األموال في طرقهن ،

أعطـوني : فقلت لرفقـائي . عظيما هو عشرة آالف درهم

حقي ألفين وخمسمائة درهم فقاموا وضربوني وأخذوا مالي ،

ن رفقائي ، وأن شـئت وأنا باهللا وبك وأنت أحق بحصتي من

أن تعرف صدق قولي ، فاضرب كـل واحـد أكثـر ممـا

ضربتين فإنه يفتح عينيه ، فعند ذلك أمر الـوالي بعقـوبتهم

.وأول ما بدأ بأخي ومازالوا يضربونه حتى كاد أن يموت

تجحدون نعمـة اهللا وأن ! يا فسقة : ثم قال لهم الوالي

اهللا ، ما فينا بصير اهللا اهللا : تدعون إنكم عميان ؟ فقال أخي

، فطرحوه إلى الضرب ثانية ، ولم يزالوا يضـربونه حتـى

وأعيـد إليـه . دعوى حتى يفيق : فقال الوالي . غشي عليه

الضرب ثالث مرة ثم أمر بضرب أصحابه كل واحد أكثـر

افتحوا عيـونكم وإال : من ثالثمائة عصا والبصير يقول لهم

أبعث معي من يأتيك : لي ثم قال للوا : جددوا عليكم الضرب

بالمال ، فإن هؤالء ما يفتحـون أعينـتهم ويخـافون مـن

، بين الناس ، فبعث الوالي معه من آتـاه بالمـال فضيحتهم

فأخذوه وأعطى الرجل منه ألفين وخمسمائة درهم على قدرة

الثالثة خارج المدينـة حصته رغما عنهم ، ونفي أخي وباقي

ين ولحقت بأخي وسـألته عـن ، فخرجت أنا يا أمير المؤمن

حالة فأخبرني ، بما ذكرته لك فأدخلته المدينة سرا ورتبت له

.ما يأكل وما يشرب طول عمره

صـلوه بجـائرزة : فضحك الخليفة من حكايتي وقال

واهللا ما أخذ شيئا حتـى أبـين : فقلت له . ودعوه ينصرف

يل ألمير المؤمنين ما جرى لبقية أخوتي ، وأوضح لك إني قل

صدع آذاننا بخرافة خبرك ، وزدنا من : الكالم فقال الخليفة

أما أخي الرابع يا أمير المؤمنين ، : فقلت . عجرك وبجرك

وهو األعور ، فإنه كان جزارا ببغداد يبيـع اللحـم ويربـي

الخرفان ، وكان الكبار وأصحاب األموال يقصدونه ويشترون

ا واقتنـى الـدواب منه اللحم ، فاكتسب من ذلك ماال كثيـر

ثم أقام على ذلك زمنا طويال ، فبينما هو في دكانه . والدور

يوما من األيام ، إذ وقف عليه شيخ كبير اللحية ، ودفع لـه

فأخذ منه الدراهم وأعطـاه . أعطني بها لحما : دراهم وقال

قم تأمل أخي في قضية الشيخ بعد انصـرافه فـرأى . اللحم

فعزلها وحدها ناحية ، وأقـام الشـيخ بياض دراهمها ساطعا

أشهر ، وأخي يطرح دراهمه في صندوق يتردد عليه خمسة

ثم أراد أن يخرجها ويشـتري غنمـا فلمـا فـتح . وحدها

.الصندوق رأى جميع ما فيه ورقا أبيض مقصوصا

***

فلطم وصاح حتى اجتمع الناس عليه ، فحدثهم بحديثـه

لدكان على عادته ، فـذبح فتعجبوا منه ، ثم رجع أخي إلى ا

كبشا وعلقه داخل الدكان ، وقطع لحما وقطعه خارج الدكان

لعل ذلك الشيخ يجيء فأقبض عليه : وصار يقول في نفسه ،

فقام أخـي . فما كان إال ساعة حتى أقبل الشيخ ومعه الفضة

يا ناس ألحقوني وأسمعوا قصتي : وتعلق به ، وصار يصيح

أي شـيء : سمع الشيخ كالمه قال له مع هذا التاجر ، فلما

أن تعرض عن فضيحتي أو أفضحك بين الناس : أحب إليك

بأي شيء تفضحني أو أفضحك بين الناس ؟ : ؟ فقال له أخي

بأنك تبيـع لحـم : بأي شيء تفضحني ؟ قال : فقال له أخي

يـا كـذبت : الناس في صورة لحم الغنم ، فقال لـه أخـي

معلون إال الذي عنده رجل معلـق ما : فلقال الشيخ . معلون

أن كان األمر كذلك فمالي ودمي : فقال له أخي . في الدكان

يا معاشر الناس ، إن هذا الجـزار : فقال الشيخ . حالل لك

وإن أردتم . يذبح اآلدميين ويبيع لحمهم في صورة لحم غنم

فهجم الناس على دكان . أن تعلموا صدق قولي فأدخلوا دكانه

وا ذلك الكبس وقد صار إنسانا معلقا ، فلمـا رأوا أخي ، فرأ

.يا كافر يا فاجر : ذلك تعلقوا بأخي وصاحوا به

وصار أقرب الناس إليه يضربه ، ولطمه الشيخ علـى

ذلك اإلنسان المذبوح إلى صاحب عينه فقلعها ، وحمل الناس

أيها األمير إن هذا الرجل يـذبح : فقال له الشيخ . الشرطة

يبيع لحمهم على أنه لحم غنم ، وقد أتيناك بـه فقـم الناس و

فدافع أخي عن نفسه ، فلم يسمع . وأقضي حق اهللا عز وجل

منه صاحب الشرطة ، بل أمر بضربة خمسـمائة عصـا ،

وأخذوا ماله ، ولوال كثرة ماله لقتلوه ، ثم نفوا أخي خـارج

المدينة فخرج هائما ال يدري أين يتوجه حتى دخـل مدينـة

ة ، واستحسن أن يعمل اسكافيا فيها ، ففتح دكانا وقعـد كبير

فخرج ذات يوم في حاجة ، فسـمع . يعمل شيئا يتقوت منه

أن الملك خارج : صهيل خيل ، فبحث عن سبب ذلك فقيل له

إلى الصيد والقنص ، فخرج أخي ليتفرج على الموكب وهو

يتعجب من خسة رأيه حيث انتقل من صنعة الجـزارة إلـى

الملك فوقعت عينـاه علـى عـين ة اإلسكافية ، فالتقت صنع

أعود باهللا من شر هذا اليـوم ، : فأطرق الملك وقال . أخي

.وثني عنان فرسه وأنصرف راجعا

***

فرجع جميع العساكر وأمر الملك غلمانـه أن يلحقـوا

بأخي ويضربوه ضربا موجعا ، فضربوه حتى كاد يمـوت ،

وهو في حالة العدم ع إلى موضعه ولم يدر ما السبب ، ثم رج

من حاشية الملك وقص عليه ما وقع له ، ثم مضي إلى إنسان

يا أخي أعلـم أن : ، فضحك حتى استلقى على قفاه وقال له

، والسيما أن كان العور الملك ال يطيق أن ينظر إلى أعور ،

شماال فإنه ال يرجع عن قتله ، فلما سمع أخر ذلك الكـالم ،

لهرب من تلك المدينة ثم ارتحل منها وتحول إلى عزم على ا

مدينة أخرى لم يكن فيها ملك ، وأقام بها زمنا طويال ثم بعد

ذلك تفكر في أمره وخرج يوما ليتفرج فسمع صـهيل خيـل

جاء أمر اهللا ، وفر يطلب موضعا ليستتر فيـه ، : خلفه فقال

اب فوقـع ثم نظر فرأى بابا منصوبا فدفع ذلك الب : فلم يجد

ودخل فرأى دهليزا طويال ، فاستمر فرأى بابا منصوبا فدفع

ذلك الباب فوقع ودخل فرأى دهليزا طويال ، فاستمر داخـال

الحمـد هللا : فيه ، فلم يشعر إال ورجالن قد تعلقا به وقاال له

الذي مكنا منك يا عدو اهللا هذه ثالث ليـال مـا أرحتنـا وال

يا قـوم مـا : لنا مضجع فقال أخي تركتنا ننام وال يستقر

أنت تراقبنا وتريد أن تفضحنا وتفضح : فقالوا أمركز باهللا ؟

أنك أفقرته وأفقـرت أصـحابك ؟ صاحب البيت ، أما يكفيك

وفتشـوه . لنا السكين التي تهددنا بها كل ليلـة ولكن أخرج

يا قوم : فوجدوا في وسطه السكين التي يقطع بها النعال فقال

: اهللا في أمري ، وأعلموا أن حديثي عجيـب ، فقـالوا اتقوا

فلـم . وما حديثك ؟ فحدثهم بحديثه طمعا فـي أن يطلقـوه

يسمعوا منه ما قاله ، ولم يلتفتوا إليه ، بل ضربوه ومزقـوا

أثوابه ، فلما أنكشف بدنه وجدوا أثر الضرب بالمقارع علـى

د علـى يا معلون ، هذا أثر الضرب يشـه : جنبيه فقالوا له

: ثم أحضروا أخي بين يدي الوالي فقال في نفسـه . جرمك

ثم قال لـه . قد وقعت بذنوبي ، وما يخلصني إال اهللا تعالى

يا فاجر ما حملك على أن ضربت بالمقارع إال جرم : الوالي

وأمر بضربه مائة سوط ثم حملوه على جمل ونادوا . أعظم

فلما سـمعت . هذا جزاء من يهجم على بيوت الناس : عليه

به أنا خرجت إليه ومازلت دائرا معه وهم ينادون عليه حتى

تركوه ، فأتيت إليه وأخذته وأدخلته المدينة سرا ، ورتبت له

.ما يأكل وما يشرب

وأما أخي الخامس ، فإنه كان مقطوع األذنين ، وكـان

رجال فقيرا يسأل الناس ليال ، وينفق ما يحصـله بالسـؤال

وكان والدنا شيخا كبيرا طاعنا في السن ، فخلف لنا . نهارا

ولما أخـذ . سبعمائة درهم ، فأخذ كل واحد منا مائة درهم

أخي الخامس هذا حصته ، تخير ولم يدر ما يصـنع بهـا ،

فبينما هو كذلك إذا وقع في خاطره أنه يأخذ بها زجاجا مـن

جـا كل نوع ليتجر فيه ويربح ، فاشترى بالمائة درهـم زجا

وجعله في قفص كبير ، وقعد في موضع ليبيع ذلك الزجـاج

إن رأس : وقـال لنفسـه . وبجانبه حائط فاسند ظهره غليه

مالي في هذا الزجاج مائة درهم ، وأنا أبيعه بمائتي درهـم ،

وأبيعه بأربعمائة درهم ، وال ثم اشترى بالمائتي درهم زجاجا

ثير فاشتري بـه زال أبيع وأشتري إلى أن يبقى معي مال ك

وبعـد . جميع المتاجر والعطريات حتى أربح ربحا عظيمـا

اشترى دارا حسنة وأشتري المماليك والخيل والسـروج ذلك

المذهبة ، وآكل واشرب ، وال أخلي مغنية في المدينة حتـى

هذا كله وقفص الزجـاج . أجيء بها في بيتي وأسمع أغانيها

ميع الخاطبات في خطبة وبعد ذلك أرسل ج : ثم قال . قدامه

.بنات الملوك والوزراء ، وأخطب بنت الوزير

***

فقد بلغني أنها كاملة الحسن بديعة الجمال ، وأمهرهـا

بألف دينار ، فإن رضي أبوها حصل المراد ، وإن لم يرض

أخذتها قهرا رغم أنفه ومتى جاءت إلى داري اشتري عشرة

والسـالطين ، غلمان صغار ، ثم أشتري لي كسوة الملـوك

وأصنع سرجا من الذهب مرصعا بـالجواهر ، ثـم أركـب

ومعي الممالك يمشون حولي وقدامي وخلفي ، حتى إذا رآني

الوزير قام إجالال لي وأقعدني مكانه ويقعد هو دوني ألنـي

صهره ، ويكون معي خادمان بكيسيين في كل كـيس ألـف

ليـه داري ، دينار ، فأعطيه ألف دينار مهر بنته ، وأهدي إ

فإذا جاء أحد من جهة امرأتي وهبت له دراهـم ، وخلعـت

عليه خلعة ، وإذا أرسل إلى الوزير هدية ردتتها عليه ولـو

كانت نفيسة ولم أقبلها منه ، حتى يعلم إني عزيز النفس فـي

ثم أعمد إلى إصالح شأني كما أصلح داري ، . أعلى مكانة

وقعدت على مرتبـة فإذا جاء وقت الزفاف لبست أفخر ثيابي

من الديباج ال التفت يمينا وال شماال لكبر عقلي ورزانة فهمي

، وتجيء امرأتي وهي كالبدر في حليها وحللهـا ، وأنـا ال

يا سيدي : أنظر إليها عجبا وتيها حتى يقول جميع من حضر

يـا . امرأتك وجاريتك قائمة بين يدين ، فأنعم عليها بالنظر

يتك قائمة بـين يـديك ، فـأنعم عليهـا سيدي امرأتك وجار

ثم يقبلون األرض قدامي مرارا فعند ذلـك أرفـع . بالنظر

وأنظر إليها نظرة واحدة ثم أطرق برأسي ، فيمضون رأسي

فـإذا . بها وأقوم وأنا أغير ثيابي وألبس أحسن مما كان علي

جاءوا بالعروسة ال أنظر إليها حتى يسألوني مرارا فـأنظر

.رق إلى األرض وال أزال كذلك حتى يتم جالؤها إليها ثم أط

كتت عن الكالم المباح سوأدرك شهر زاد الصباح ، ف

الليلة الثانية والستون

:فلما كانت الليلة الثانية والستون ، قال شهر زاد

بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين الخامس قال ثم

أدخلني عليها ال إني آمرهن أن يدخلنني على العروسة ، فإذا

أنظر إليها وال أكلمها احتقارا لها ال جل أن يقال أني عزيـز

أنظر : النفس ، حتى تجئ أمها وتقبل رأسي ويدي وتقول لي

إلى جاريتك فإنها تشتهى قربك ، فأجبر خاطرها بكلمـة وال

تزال تستعطفني حتى تقوم وتقبل يدي ورجلـي مـرارا ثـم

ة مليحة ما رأت رجـال فـإذا يا سيدي إن بنتي صبي : تقول

. رأت منك هذا االنقباض أنكسر خاطرها فمل إليها وكلمهـا

ثم أنها تقوم وتحضر لي قدحا فيه شراب ، وتأخذ بنتها القدح

لتعطيني إياه ، فإذا جاءتني تركتها قائمة بين يدي وأنا متكئ

على مخدة مزركشة بالذهب ال أنظر غليها من كبـر نفسـي

تى تظن فلي نفسها إني سلطان عظيم الشأن وحاللة قدري ح

يا سيدي بحق اهللا عليك ال ترد القـدح مـن يـد : ، فتقول

البد مـن شـربه : جاريتك ، فال أكلمها ، فتلح علي وتقول

وتقدمه إلى فمي ، فانفض يدي في وجهها وأرفسها وأعمـل

وكان ثم رفس أخي برجله فجاءت في قفص الزجاج . هكذا

ثم . نزل على األرض ، فتكسر كل ما فيه في مكان مرتفع ف

ولو كان أمره إلـى يـا . هذا كله من كبر نفسي : قال أخي

ثم بعد . أمير المؤمنين لضربته ألف سوط وشهرته في البلد

ذلك صار يلطم على وجهه ويمزق ثيابه ويبكـي ، والنـاس

ينظرون إليه وهم رائحون إلى صالة الجمعة ، فمـنهم مـن

. لم يفكر فيه يرمقه ومنهم من

***

وراح منه رأس المال والربح ، ولم يزل جالسا يبكي ،

وإذا بامرأة مقبلة إلى صالة الجمعة وهي بديعة الجمال تفوح

منها رائحة المسك ، وتحتها بغلة بردعتهـا مـن الـديباج ،

مزركشة بالذهب ، ومعها عدد من الخدم ، فلما نظرت إلـى

ا الشفقة عليه ، ورق قلبها له الزجاج وحال أخي وبكائه أخذته

أنه كان معه طبـق زجـاج : ، وسألت عن حاله ، فقيل لها

فنـادت أحـد . يتعيش منه فانكسر منه فأصابه ما تنظرينه

فدفع له . أدفع الذي معك إلى هذا المسكين : الخدم وقالت له

صرة ، فأخذها وفتحها فوجد فيها خمسمائة دينار ، فكـاد أن

ثم عاد إلى . رح ، وأقبل أخي بالدعاء لها يموت من شدة الف

منزله غنيا وقعد متفكرا وإذا يدق الباب ، فقـام وفـتح وإذا

يا ولدي أعلم أن الصالة قـرب : بعجوز ال يعرفها فقالت له

وقتها ، وأنا بغير وضوء وأطلب منك أن تدخلني منزلك حتى

ـ : سمعا وطاعة : فقال لها . أتوضأ ا ثم دخل أخي وأذن له

فلما فرغت أقبلـت . بالدخول وهو طائر من الفرح بالدنانير

إلى الموضع الذي هو جالس فيه وصلت هناك ركعتين ، ثـم

دعت ألخي دعاء حسنا ، فشـكرها علـى ذلـك وأعطاهـا

سبحان اهللا أني ألعجب ممن : فلما رأت ذلك قالت . دينارين

أحبك وأنت بسمة الصعاليك ، فخذ مالك عني وأن كنت غير

محتاج إليه فازدده إلى التي أعطتك إياه لـم أنكـر الزجـاج

يا أمي كيف الحيلة في الوصول إليها : فقال لها أخي . منك

يا ولدي أنها تميل إليك ، لكنها زوجة رجل موسر : ؟ قالت

، فخذ جميع مالك معك فإذا اجتمعت بها فال تترك شيئا مـن

، فإنك تنـال مـن المالطفة والكالم الحسن إال وتفعله معها

.جمالها ومن مالها جميع ما تريد

فأخذ أخي جميع الذهب وقام ومشى مع العجوز ، ولـم

تزل تمشي وأخي يمشي وراءها ، حتى وصال إلى باب كبير

رومية فتحت الباب فدخلت العجـوز فدقته ، فخرجت جارية

وأمرت أخي بالدخول ، فدخل دارا كبيرة رأى فيها مجلسـا

فجلس أخي ووضع الـذهب . وشا ، وستائر مسبلة كبيرا مفر

بين يديه ، ووضع عمامته علـى ركبتـه ، فلـم يشـعر إال

وجارية أقبلت ، ما رأى مثلها الراءون ، وهي البسة أفخـر

فقام أخي إجالال لها فلما رأته ضحكت ورحبت به . القماش

، ثم ذهبت إلى الباب وأغلقته ، ثم أقبلت على أخي وأخـذت

ضيا جميعا إلى أن أتيا إلى حجرة منفردة فـدخالها ، يده وم

وإذا هي مفروشة بأنواع الديباج ، فجلـس أخـي وجلسـت

ال تبـرح حتـى أجـئ : بجانبه ساعة ، ثم قامت وقالت له

وغابت عن أخي ساعة ، فبينما هو كذلك إذ دخل عليه . إليك

عبد اسود عظيم الخلقة ومعه سيف مجرد يأخذ لمعانه البصر

من جاء بك إلى هذا المكان يـا أخـس ! .. ويلك : له وقال

األنس ؟ فلم يقدر أخي أن يرد عليه جوابا ، بل أنعقد لسـانه

فأخذه العبد وعراه ، ولم يزل يضربه حتى . في تلك الساعة

سقط على األرض ، فرجع العبد عنه وأعتقـد أنـه مـات ،

وصاح صيحة عظيمة ارتجت لها األرض ودوي المكـان ،

إليه جارية في يدها طبق ملـيح فأقبلت أين المليحة ؟ : ل وقا

فيه ملح أبيض ، فصارت الجارية تأخذ مـن ذلـك الملـح

وتحشو الجراحات التي في جلد أخي وهو ال يتحرك خيفة أن

ثم مضت الجارية ، وصـاح العبـد . يعملوا أنه حي فيقتلوه

صيحة مثل األولى ، فجاءت العجوز إلى أخي وجرته مـن

إلى سرداب طويل مظلم ورمته فيـه علـى جماعـة رجله

.مقتولين

***

استقر في مكانه يومين كاملين ، وكـان اهللا سـبحانه

وتعالى جعل الملح سببا لحياته ألنه قطع سيالن عروق الدم ،

فلما رأى أخي في نفسه القوة على الحركة ، قام وفتح طاقـة

ـ ز وجـل في الحائط وخرج من مكان القتلى وأعطاه اهللا ع

الستر فمشى في الظالم واختفى فـي هـذا الـدهليز حتـى

فلما كان وقت الصبح خرجت العجوز فـي طلـب . الصبح

صيد أخر فخرج أخي في أثرها وهي ال تعلم به حتى أتـى

ولم يزل يتعهد . إلى منزله ، ولم يزل يعالج نفسه حتى برئ

بعـد بالعجوز وينظر إليها كل وقت وهي تأخذ الناس واحدا

واحد وتوصلهم إلى تلك الدار ، وأخي ال ينطق بشيء ، ثـم

لما رجعت إليه صحته وكملت قوته عمد إلى خرقه وعمـل

منها كيسا ومأله زجاجا وشده في وسـطه وتنكـر حتـى ال

أحد ، ولبس ثياب العجم ، وأخذ سيفا وجعلـه تحـت يعرفه

هـل عنـدك : ثيابه ، فلما رأى العجوز قال لها بكالم العجم

لي ولد صـغير : يزان يسع تسعمائة دينار ؟ فقالت العجوز م

صيرفي عنده سائر الموازين ، فأمض معي إليـه قبـل أن

أمشي : فقال لها أخي . يخرج من مكانه حتى يزن لك ذهبك

فسارت وسار أخي خلفها ، حتى أتت الباب ودقته ، . قدامي

: فقالـت العجـوز . كت في وجهه ارية وضح فخرجت الج

بحلمة سمينة ، فأخذت الجارية بيد أخي وأدخلته الدار أتيتكم

ال : التي دخلها سابقا وقعدت عنده ساعة وقامت وقالت لـه

ثم أقبل العبد ومعه السيف المجـرد . تبرح حتى أرجع غليك

قم يا مشئوم ، فقام أخي وتقدم أمامـه وأخـي : فقال ألخي

العبـد وراءه ومد يده إلى سيفه الذي تحت ثيابه وضرب به

أين : فرمي رأسه ، وسحبه من رجله إلى السرداب ، ونادى

المليحة ؟ فجاءت الجارية وبيدها الطبق الذي فيه الملح فلمـا

رأت أخي والسيف بيده ولت هاربة ، فتبعها أخي وضـربها

: أين العجوز ؟ فجاءت ، فقال لها : فرمي رأسها ، ثم نادي

فقـال . مـوالي يا ال: أتعرفينني يا عجوز النحس ؟ فقالت

أنا صحاب الدنانير الذي جئت وتوضأت عندك وصليت : لها

أتفـق اهللا فـي : فقالت . قعتني هنا وحتى أ ثم اختلت على

ثم . فالتفت إليها وضربها بالسيف فصيرها قطعتين . أمري

خرج في طلب الجارية فلما رأته طار عقلها وطلبـت منـه

لذي أوقعك عند هذا األسـود ما ا : األمان ، فأمنها ثم قال لها

إني كنت جارية لبعض التجـار ، وكانـت هـذه : ؟ فقالت

أن عنـدي : العجوز تتردد على فقالت لي يوما من األيـام

: فقلت لهـا . مثله وأحب أن تنظري إليه فرحا ما رأى أحد

ثم قمت وليست أحسن ثيابي وأخـذت معـي . سمعا وطاعة

عها حتى أدخلتنـي هـذه صرة فيها مائة دينار ، ومضيت م

الدار ، فلما دخلت جاء ذلك األسود وأخذني ، ولم أزل عنده

: فقالـت . على هذه الحال ثالثة سنين بحيلة العجوز الكاهنة

.فإن كنت تقدر على نقله فانقله . عنده شيء كثير

***

فقام أخي ومشى معها ، ففتحت له صناديق كثيرة فيها

أمضي اآلن : فقالت له الجارية أكياس ، فبقي أخي متحيزا ،

ودعني هناك وهات من ينقل المال ، فخرج وأكترى عشـرة

فلما وصل إلى الباب وجده مفتوحا ، ولـم .. رجال ، وجاء

ير الجارية وال األكياس ، وإنما رأى شيئا يسيرا من المال ،

فعلم أنها خدعته ، فعند ذلك أخذ المال الـذي بقـي وفـتح

ميع ما فيها من القماش ولم يترك في الـدار الخزائن وأخذ ج

شيئا ، وبات تلك الليلة مسرورا فلما أصبح الصـباح وجـد

: بالباب عشرين جنديا ، فلما خرج إليهم تعلقوا به وقالوا له

رأى فأخذوه وراحو إلى الـوالي ، فلمـا . أن الوالي يطلبك

ـ : من أين لك هذا القماش ؟ فقال أخي : أخي قال له ي أعطن

فحدثـه . األمان ، فأعطاه األمان ، فأعطاه منـديل األمـان

بجميع ما وقع له مع العجوز من األول إلى اآلخر ، وكيـف

والذي أخذته خذ منـه مـا : هربت الجارية ، ثم قال للوالي

شئت ودع لي ما أتقوت به ، فطلب الـوالي جميـع المـال

طـى والقماش ، وخاف أن يعلم به السلطان فأخذ البعض وأع

أخرج من هذه المدينة وإال أشنقك ، : أخي البعض ، وقال له

وخرج إلى بعض البلدان ، فخرجت . السمع والطاعة : فقال

عليه اللصوص فعوره وضربوه وقطعوا أذنيـه ، فسـمعت

وجئت به إلى المدينة .. بخبره فخرجت غليه وأخذت له ثيابا

.ورتبت له ما يأكله وما يشربه

، وهو مقطوع الشفتين ، فإنه كـان وما أخي السادس

فقيرا جدا ال يملك شيئا ، فخرج يوما من األيام بطلب شـيئا

يسد به رمقه ، فبينما هو فـي بعـض الطـرق إذ رأى دارا

حسنة لها دهليز واسع مرتفع ، وعلى الباب خـدم ، فسـأل

. ألحد أوالد الملوك : بعض الواقفين هناك لمن هي ؟ فقالوا

أدخـل بـاب : فقالوا . ي إلى البوابين وسألهم شيئا فتقدم أخ

الدار تجد ما تحب مت صاحبها ، فدخل الدهليز ومشى فيـه

ساعة حتى وصل إلى دار في غاية ما يكون مـن المالحـة

والظروف ، وفي وسطها بستان ما رأى الراءون أحسن منه

فصـار . ، وأرضها مفروشة بالرخام ، وستورها مسـبولة

أين يقصد ، ثم مضي نحو صدر المكان فرأى أخي ال يعرف

إنسانا حسن الوجه واللجية ، فلما رأى أخي قام إليه ورحب

به وسأله عن حاله ، فأخبره بأنه محتاج ، فلما سـمع كـالم

هـل : أخي أظهر غما شديدا ومد يده إلى ثيابه ومزقها وقال

ووعـده . أكون أنا ببلد وأنت بها جائع ؟ ال صبر على ذلك

يا سيدي لـيس : فقال . ال بد أن تمالحني : بكل خير ثم قال

يـا غـالم ، هـات : فصاح . لي صبر وإني شديد الجوع

. يا ضيفي تقدم وأغسل يدك : الطشت واإلبريق ، ثم قال له

ثم صاح علـى أتباعـه أن قـدموا . ثم أومأ كأنه يغسل يده

.المائدة فجعلت أتباعه تغدو وتروح كأنها تهيئ السفرة

***

ثم أخذ أخي وجلس معه على تلك السفرة الموهومـة ،

وصار صاحب المنزل يومئ ويحرك شفتيه كأنه يأكل ويقول

كل وال تستحي ، فإنك جائع ، وأنا أعلم ما أنت فيـه : ألخي

فجعل أخي يؤمئ كأنه يأكل ، والشاي يقول . من شدة الجوع

خي قـال ثم أن أ ! كل وأنظر هذا الخبز وأنظر بياضه : له

يـا : إن هذا رجل يحب أن يهزأ بالناس ، فقال لـه : لنفسه

سيدي ، أنني ما رأيت أحسن من بياض هذا الخبز وال ألـذ

هذا خبزته جارية لي اشـتريها بخمسـمائة : من طعمه فقال

قدم لنـا الكبـاج ! يا غالم : ثم صاح صاحب الدار . دينار

كل يـا : ألخي الذي ال يوجد مثله في طعام الملوك ، ثم قال

فصار أخـي . ضيفي فإنك شديد الجوع ومحتاج إلى األكل

وأقبل الرجل يستدعي لونـا . يدور حنكه ويمضغ كأنه يأكل

بعد لون من الطعان ، وال يحضر شـيء ، ويـأمر أخـي

قدم لنا الفـراريج المحشـوة ! يا غالم : ثم صاح . باألكل

.بالفستق

يا سيدي ، أن : فقال .كل ما لم تأكل مثله قط : ثم قال

وجعل يومئ بيده إلـى فـم . هذا األكل ال نظير له في اللذة

أخي كأنه يلقمه بيده وكان يعدد هذه األلوان ويصفها ألخـي

بهذه األوصاف وهو جائع ، فاشتد جوعه وصـار يشـتهي

هل رأيت أطيـب : ار ثم قال صاحب الد . رغيفا من شعير

: فقال . ال يا سيدي : أخي من مذاق هذه األطعمة ؟ فقال له

. قد اكتفيت من الطعـام : فقال أخي . أكثر األكل وال تستح

فصاح الرجل على أتباعه أن قدموا الحلويات فحركوا أيديهم

ثم قال صـاحب المنـزل . في الهواء كأنهم قدموا الحلويات

كل من هذا النوع فإنه جيد ، وكل من هذه القطايف : ألخي

هذه القطيفة قبل أن ينزل منها الجـالب ، بحياتي ، وخذ من

ال عدمتك يا سيدي ، وأقبل أخي يسأله عـن : فقال له أخي

أن هذه عادتي في : كثرة المسك الذي في القطايف ، فقال له

بيتي ، فدائما يضعون لي في كل قطيفة مثقاال من المسـك ،

.ونصف مثقال من العنبر

***

كأنه يتلـذذ بأكـل هذا كله وأخي يحرك رأسه وشدقيه

ثم صاح صاحب الدار على أتباعه أن أحضـروا . الحلويات

النقل ، فحركوا أيديهم في الهواء كأنهم أحضـروه ، وقـال

. كل من هذا اللوز ، ومن هذا الجوز، ومن الزبيـب : ألخي

كـل وال : وصار يعدد له أنواع النقل ويقول له . ونحو ذلك

اكتفيت ولم يبق لي قـدرة يا سيدي قد : فقال له أخي . تستح

يا ضيفي أن أردت أن تأكل وتتفرج : فقال . على أكل شيء

ثـم فكـر . على غرائب المأكوالت فاهللا اهللا ال تكن جائعـا

واهللا ألعملن فيه : أخري في استهزاء ذلك الرجل به ، وقال

ثم قـال الرجـل . عمال يثوب بسببه إلى اهللا عن هذه الفعال

نا الشراب ، فحركوا أيديهم في الهواء كأنهم قدموا ل : ألتباعه

ثم أومأ صاحب المنزل كأنه ناول أخي قدحا . قدموا الشراب

يا سيدي هـذا : فقال له . خذ هذا القدح فإنه يعجبك : وقال

هـل : فقال له . وأومأ أخي بيده كأنه يشربه . من إحسانك

يا سيدي ما رأيت ألذ من هـذا الشـراب : فقال له . أعجبك

ثم أن صاحب البيت أومـأ . اشرب هنيئا وصحة : فقال له

كأنه شرب وناول أخي قدحا ثانيا ، فأومأ كأنه شربه وأظهر

ثم أن أخي غافله ورفع يده حتى بأن بياض أبطه . أنه سكران

ثم ثني عليه بصفعة . وصفعه صفعة رن صداها في المكان

يـا : مين ؟ فقال ما هذا يا أسفل العال : فقال له الرجل . ثانية

سيدي أنا عبدك الذي أنعمت عليه وأدخلته منزلك ، وأطعمته

ومقامـك . الزاد وسقيته الخمر العتيق ، فسكر وعربد عليم

منزلك ، وأطعمته الزاد وسقيته الخمر العتيق ، فسكر وعربد

.ومقامك أعلى من أن تؤاخذه بجهله . عليك

كا فلما سمع صاحب المنزل كالم أخي ، ضحك ضـح

أن لي زمانا طويال أسخر بالناس ، وأهـزأ : عاليا ثم قال له

بجميع أصحاب المزاح والمجون ، وما رأيت منهم مـن لـه

طاقة على أن أفعل به هذه السخرية ، وال من له فطنة يدخل

واآلن عفوت عنـك ، فكـن . بها في جميع أموري غيرك

ج عدة مـن ثم أمر بإخرا . نديمي على الحقيقة وال تفارقني

أنواع الطعام المذكورة أوال ، فأكل هو وأخي حتى اكتفيا ، ثم

انتقال إلى مجلس الشراب فإذا فيه جواز كـأنهن األقمـار ،

بجميع المالهي ، ثم شـربا فغنين بجميع األلحان ، واشتغلن

حتى غلب عليهما السكر ، وأنس الرجل بأخي كأنه أخـوه ،

لعة سنية ، فلما أصـبح وأحبه محبة عظيمة ، وخلع عليه خ

الصباح عادا لما كان عليه من األكل والشراب ، ولم يـزاال

ثم أن الرجل مات وقبض السلطان . كذلك مدة عشرين سنة

على ماله ، فخرج أخي من البلد هاربا ، فلما وصـل إلـى

نصف الطريق خرج عليه العرب فأسروه ، وصـار الـذي

باألموال وإال قتلك اشتر روحك منى : أسره يعذبه ويقول له

أنا واهللا ال أملك شيئا يـا شـيخ : ، فجعل أخر يبكي ويقول

العرب ، وال أعرف طريق شيء في المال ، وأنـا أسـيرك

فأخرج البدوي الجبـار . وصرت في يدك فأفعل بي ما شئت

من حزامه سكينا لو نزلت على رقبة جمـل لقطعتهـا مـن

يمنى وتقدم إلى أخـي الوريد إلى الوريد ، وأخذها في يده ال

.بها شفتيه ، وشدد عليه في المطالبة المسكين وقطع

وكان إذا خرج تتعـرض وكان للبدوي زوجة حسناء ،

ألخي وتراوده عن نفسه ، وهو يمتنع حياء من اهللا تعـالى ،

فاتفق راودت أخي يوما من األيام فقام والعبها ، فبينما همـا

: ظر إلى أخي قـال لـه كذلك وإذا بزوجها عليهما ، فلما ن

يا خبيث ، أتريد أن تفسد على زوجتي ؟ وأخرج سكينا ويلك

من فوق جبـل ، وقطع بها لسانه وحمله على جمل وطرحه

وتركه وسار إلى سبيله ، فمر عليه المسـافرون فـأطعموه

وسقوه ، وأعلموني بخبره فذهبت إليه وحملته ، ودخلت بـه

ا أنا جئت عندك يا أميـر ما يكفيه ، وه المدينة ، ورتبت له

المؤمنين وخفت أن أرجع إلى بيتي قبل إخبارك فيكون ذلـك

.وورائي ستة أخوة وأنا أقوم باإلنفاق عليهم غلطا

***

فلما سمع أمير المؤمنين قصتي وما أخبرته بـه عـن

ما نت قليل الكالم أصدقت يا صامت ، : أخوتي ضحك وقال

ه المدينـة وأسـكن ولكن اآلن أخرج من هذ . عندك فضول

ثم نفاني من بغداد ، فلم أزل سائرا في البالد حتـى . غيرها

طفت األقاليم ، إلى أن سمعت بموته وخالفة غيره ، فرجعت

إلى المدينة ووقعت عند هذا الشاب وفعلت معه أحسن الفعال

وقد اتهمني بشيء ما هو في ، وجميع مـا . ، ولوالي لقتل

الكالم وكثافـة الطبـع وعـدم نقله عني من الفضول وكثرة

.الذوق باطل يا جماعة

فلما سمعنا قصـة المـزين : قال الخياط لملك الصين

وتحققنا فضوله وكثرة كالمه وأن الشاب مظلوم معه ، أخذنا

ثم أكلنا . المزين وقبضنا عليه وحبسناه ، وجلسنا حوله آمنين

ولم نزل جالسـين . وشربنا وتمت الوليمة على أحسن حال

إلى أن أذن العصر فخرجت وجئت منزلي وعشيت زوجتـي

أنت طول النهار في حظك وأنا قاعدة فـي البيـت : فقالت

حزينة ، فإن لم تخرج بي وتفرجني بقية النهار كـان ذلـك

فأخذتها وخرجت بها وتفرجنا إلى العشاء . سبب فراقي منك

، ثم رجعنا فلقينا هذا األحدب والسكر طافح منه وهو ينشـد

:ين البيتين هذرق الزجاج وراقت الخمر

ــدح ــر وال ق ــا خم فكأنم

فتشابها وتشـاكل األمـر

وكأنما قـدح وال خمـر

فعزمت عليه أن يجيء معنا فقبل ، وخرجت فاشتريت

سمكا مقليا ورجعت ثم جلسنا نأكل فأخـذت زوجتـي لقمـة

وقطعة سمك وأدخلتهما فمه وسدته فمات ، فحملته ورميتـه

لطبيب ، واحتال الطبيب حتى رماه فـي بيـت في بيت هذا ا

المباشر ، ثم رماه المباشر في طريق السمسار ، وهذه قصة

أليست أعجب من قصة األحدب ؟. ما رأيته البارحة

***

فلما سمع ملك الصين هذه القصة ، أمر بعض حجابـه

البد : أن يمضوا معا لخياط كي يحضروا المزين ، وقال لهم

المه ، ويكون ذلك سببا في خالصـكم من حضوره ألسمع ك

هذا األحدب ونواريه التراب ، فإنه ميت مـن جميعا ، وندفن

أمسن ، ثم نعمل له ضريحا ألنه كان سببا في إطالعنا على

فما كان أال ساعة حتى جاء الحجـاب . هذه األخبار العجيبة

بالخياط بعد أن مضوا إلى الحبس وأخرجـوا شـيخا كبيـرا

عين ، أسود الوجه ، أبيض اللحيـة والحواجـب ، جاوز التس

فضحك الملك مـن شـكله . مقرطم األذنين ، طويل األنف

فقال . يا صامت أريد أن تحكي لي شيئا من حكايتك : وقال

يا ملك الزمان ما شأن هذا النصراني وهذا اليهودي : المزين

ما : وهذا المسلم وهذا األحدب بينكم ؟ فقاتل له ملك الصين

سؤالي عنهم حتى يعلم الملك أني : سؤالك عن هؤالء ؟ فقال

غير فضولي وال اشتغل إال بما يعنيني وأنـي بـرئ ممـا

اتهموني به من كثرة الكالم وأن لي نصيبا من اسمي حيـث

:لقبوني بالصامت كما قال الشاعر وقلما أبصرت عينـاك ذا لقـب

إال ومعناه أن فتشت في لقبه

شرحوا للمزين حال هذا األحـدب ومـا أ: فقال الملك

جرى له في وقت العشاء ، وكل ما حكي النصـراني ومـا

فلما سمع كل هذه الحكايات . حكي اليهودي وما حكي الخياط

: حرك المزين رأسـه وقـال – وليس في اإلعادة اإلفادة –

واهللا أن هذا لشيء عجاب ، اكشفوا لي عن هذا األحـدب ،

رأسه وأخذ رأسـه علـى حجـره فكشفوا عنه ، فجلس عند

ونظر في وجهه وضحك ضحكا عاليا حتى انقلب على قفـاه

وقال لكل موتة سبب من األسـباب ، ، . من شدة الضحك

يجب أن تؤرخ فـي . وموتة هذا األحدب من عجب العجاب

.السجالت ليعتبر بما مضي من هو آت

يا صامت أحـك لنـا : فتعجب الملك من كالمه وقال

هذاكالمك

يا ملك الزمان ، وحق نعمتك أن األجدب فيـه : فقال

ثم أخرج المزين من وسطه مكحلـة فيهـا دهـن ، . الروح

ودهن رقبة األحدب وغطاها حتى عرفت ، ثم أخرج كلبتين

من جديد ونزل بهما في حلقة فالتقطنا قطعة السمك بعظمها ،

ـ ا فلما أخرجها رآها الناس بعيونهم ، ثم نهض األحدب وافق

على قدميه ، وعطس عطسة قوية ، ومسح بيديه على وجهه

. ال اله إال اهللا محمدا رسول اهللا صلي اهللا عليه وسلم : وقال

فتعجب الحاضرون من الذي رأوه ، وضحك ملـك الصـين

: حتى غشي عليه ، وكذلك الحاضرون ، وقال ملك الصـين

أن وما أظن . واهللا أن هذه قصة عجيبة ما رأيت أغرب منها

أحدا منكم رأى ميتا يبعث حيا كما رأينا اآلن هذا األحـدب ،

. ولوال أن اهللا رزقه بهذا المزين لكان اليوم من أهل اآلخرة

ثم أن ملك الصين . واهللا أن هذا من العجب العجاب : فقالوا

أمر أن تسطر هذه القصة فسطروها وجعلوها فـي خزانـة

والنصراني والمباشـر ثم خلع على كل من اليهودي . الملك

بخلعه سنية ، وجعل الخياط خياطة ، ورتب له الرواتـب ،

وأصلح بينه وبين األحدب ، وخلع على األحدب خلعة مليحة

وجعله نديمه ، وأنهم على المزين وجعل له جامكية ، وجعله

ولم يزالوا في ألذ العيش وأهناه ، إلى . مزين الملكة ونديمه

، ومفرق الجماعـات ، ولـيس هـذا أن أتاهم هادم اللذات

خـالق (بأعجب من قصة على بين بكار مع شمس النهـار

..)والصالة خير من النوم .. الشمس والقمر

في البداية كان إحساس خرافي ممزوج بالنعاس يسيطر

عليه وهو ينصت لهذه التسبيحات المترادفة لخالق هـذاالكون

أو مـرتين ولكنه بعد أن وعي أكثر وتقلب في سريره مـرة

راح يتساءل بشيء من التذمر عن السبب الذي دفعـه إلـى

.االستيقاظ

..)والصالة خير من النوم .. خالق الشمس والقمر (

أخذ جاد الحق يتذكر بعد أن فتح عينيه على سـعتهما

لقد أحكم كعادته إغالق . كيف أوي إلى فراشه مساء البارحة

الخرق ثـم وضـع صنابير الماء في المنزل بعد أن حشاها ب

تحتها أوعية قديمة من األلمنيوم لتجميع الماء المتسرب نقطة

؟ ثم أطفأ فانوس البهـو الكبيـر .مقطة من المقابض الرخوة

واتجه إلى الحمام حيث بال جيدا وغسـل وجهـه وصـلعته

) قميصه(بعد ذلك دخل غرفة نومه فلبس .. بصابون رديء

ي سريره المقعر الطويل ووضع قلنسوته الصوفية ثم غطس ف

ذي الصرير وشد الغطاء إلى ما فوق رأسه بعـد أن رسـم

.إشارة الصليب بملحة وبدأ يشخر سريعا

لكنه حـين يفكـر . إذا ، سار كل شيء طبيعيا كعادته

كيف استيقظ هكذا من نوم عميق فإنه يدرك دون أدنى شـك

أن ثمة خطأ ما ، لطالما كان يطبق شعائر نومه بحـذافيرها

لم يغمض طـوال الليـل ، واآلن ينهض وكأن جفنه كل يوم

وهو غارق بعرقه ومستلقي على ظهره يكرر بينه وبين نفسه

.. تسابيح المآذن

من حالق القرية

إلى

اسةئقصر الر

تطور كثيرا حالق القرية الذي كنت أحب أن أراقبه في

أي كنت أحب، وال أدري . قريتنا أثناء زياراتي المتباعدة لها

أشـد أسباب لتلك الهواية الغريبة التي كنـت أسـتمتع بهـا

ولكن أصارحكم أن مشهد حالق القرية وهو يعمل . االستمتاع

مفترشا األرض، جالس القرفصاء ، ومن أمامه جلس الفالح

المصري الفصيح مستسلما أمام الحالق الطيب، وقـد ربـط

منديال يقترب من حجم الفوطة المتوسطة ، على جبهة الفالح

، عقـدة وقد عقد عقدة عنـد منتصـف الجبهـة " الزبون "

يوسطها مفتاح لباب الدار ، ال يقـل طولـه عـن عشـرين

سنتيمترا ، ثم يلف الحالق الذي تعلم مهنته عن طريق أجداده

، يلف المفتاح بقوة ليعتصر جبهة الزبون حتى يتورد وجـه

الفالح الذي كان شاحبا ، ويتألم الفالح لثواني معدودة ، يفك

ـ ه ، فيبتسـم الفـالح بعدها الحالق الطيب المنديل عن جبهت

ويسحب شهيقا عميقا ، ثم يمد وجهه إلى األمام في استسـالم

تام لموسى الحالق الذي ربط نوع من الجلـود فـي رقبـة

يا سن للموسى ، ثم يبدأ بعد ذلك عمله فـي " هات"الزبون و

.حالقة ذقن الفالح

كنت أحتار وأنا في هذه السن المبكرة ، وأنا أبحث عن

راه أمامي، خاصة أن تلك المشاهد لم أكن أألفهـا تفسير لما أ

ووجودي في مجتمـع المدينـة بسبب بعدي عن حياة القرية

بعيدا عن هذه األجواء، وأن كنت صادفتها بعد ذلك مرارا في

أماكن في قلب القاهرة ، ولكن متوارية أسفل كوبري ، أو في

ها فضاء منطقة شعبية نائية من تلك التي اصطلح على تسميت

!بالعشوائيات

ما يفعله حـالق أن وكانت دهشتي عظيمة أن أعرف

!القرية هو حل شعبي فولكلوري لمرضى الصداع المزمن

وكانت متعتي تتصاعد وأنا أشاهد حالق القرية، الـذي

كنت مبهورا بطريقة أداءه لعمله حتى ضبطني اثنان من كبار

أثناء الفتـرة فناني الكاريكاتير في مجلة صباح الخير العريقة

التي قضيتها فيها محررا شابا، ضبطاني وأنا أرسـم حـالق

حو عشرين عاما من مشاهدتي لـه وأنـا طفـل نالقرية بعد

صغير ، وقد وجدوا في الرسم بخبرتيهما أنني متـأثر بهـذه

رسمتها شامخة تعبر عن األصالة الشخصية الفلكلورية حيث

.يخ المصريينوامتداد عمر الظاهرة وتغلغلها في تار

أعود وأقول أن متعتي كانت تتصـاعد، وأنـا أشـاهد

حالق القرية أثناء حالقته ألطفال صغار من قريتي ، كـان

كمـا " ع الزيرو "يحلق لهم مستعينا بماكينة الحالقة ، يعني

" وكذلك " القفا " دم يترك خط رفيع من الشعر عن ثيقولون ،

أما الباقي فكان يلمع صغيرة في األمام عند الجبهة ، " قصة

" !رائحة الشعرة "تحت أشعة الشمس ، فلم يكن فيه

مرة أخرى كان البد أن أسأل ، وعرفـت أن أطفـال

وأنهم عندما – جمع طاقية –ورجال القرية يرتدون الطواقي

يرتدونها فإن الطاقية تلتحم بالرأس حتى األماكن التي تـرك

و الشعر وكأنه مكتمل فيها الحالق بذكائه بعض الشعر ، فيبد

أما لماذا كان يتم حالقة الشعر على الرغم . من تحت الطاقية

من الحرص على إظهاره كامال ، فأتصـور اآلن أن األمـر

كان يتعلق بمسألة النظافة الشخصية ، والتخلص من حشرات

الرأس التي كانت سائدة في تلك الفترة بسبب نـدرة الميـاه

لحقل وهي حياة قاسية بكل المقاييس النظيفة وحياة العمل في ا

، لم تكن تترك األطفال إال لبعض الوقت لممارسـة بعـض

.ية خاصة من الليالي القمريةعبياأللعاب الش

وكان يكمل هذا المشهد الفلكوري الذي كان يجذبني في

هذا السن المبكر بعيدا حتى عن ألعاب القرية وامتطاء الحمار

الكرة البالون ، كـان يشـدني واللعب ب " النورج " وركوب

حصل عليه الحالق ، يأي المقابل الذي كاني " األجر " منظر

وكان مشاعا لرؤية المارة ، فقد كان على جواره سـلة مـن

بـبعض كيـزان –لى درجة الوفرة ا ليس –الخوص تمتأل

ض البلدي الذي ال يزيد حجم الواحـدة يالذرة األخضر ، والب

طة ، وبعض الغالل فـي مواسـم عن حجم الليمونة المتوس

..الحصاد

أذكر ، واعذروا لي هذا االستطراد ، فالذكريات حميمة

، متدفقة كشالل انطلق من ساقية ، اقل حركة تديره ، وأقـل

دوران له يروي األرض العطشى ، وتنبـت عنـه أفكـارا

وذكريات خضراء بها طعم الخير ، ونقاء األصالة ، وعمـق

ني استسلمت مرة لموسى حالق القريـة ، أذكر أن .. الجذور

" الق الذي يفترش األرض ، بل كـان لـه حولكنه لم يكن ال

النخيـل من خشـب ..له باب عريض جدا ، عتيق " دكانا

، يغلق عن طريق لوح من الخشب يأتي من أعلـى العجوز

هـذا .. بس .. اليمين ليهبط إلى أسفل يسار الضلفة اليسرى

في قرى كانت تتمتع بكامـل األمـن هو كل عوامل األمان

.واألمان

استسلمت لحالق القرية بعد أن شددت عليـه أمـر أال

صر ، وبدأ الرجل محتى ال يضحك على أوالد " زيرو"يحلق

في عمله حتى كاد أن ينتهـي ، وكـان عليـه أن يسـاوي

السوالف ، فأراد أن يسن الموسى ، ورأيته محتارا ، حتـى

ليه أن يمسك الجلدة ويشد ، حتى يسـن اكتشفت أن الزبون ع

الحالق الموسى ، وأمام التوصية الزائدة على الزبون الـذي

هو أنا ، فما كان من الحالق إلى أن استدعى طفل صغير من

" الصبي " أبناء القرية ليساعده ، فلم يكن هناك ما يسمى بـ

العـدة ذالحالق ، فالحالق يفتح المحـل وينظفـه ، ويشـح

لزبون ، ويأخذ اللي فيه النصيب ، ثم يغلق بالضبة بمساعدة ا

أتذكر جيدا أن حالق القرية الذي جلست ! دون مفتاح ويروح

أثناء حالقته لي أكبر كم من المعلومات عن منىأمامه جمع

" مصر وناس مصر ، عن المنطقة التـي أسـكنها ، وعـن

بل وعن مدرستي ومـاذا .. الذين يسكنون معنا " الشراقوة

أشياء كثيرة فسرتها علـى أنهـا .. ترتدي مدرسات مصر

فضول من قروي تجاه زبون متميز جاء من مصر أم الدنيا ،

!بلد الكباب والكفتة على السيخ كما قال لي

الذى يحسدنى ولم أكن حتى هذا التاريخ قد ذقت الكباب

، ولكن يا دوب شممت رائحـة الكفتـة ع السـيخ ، عليه

ـ على ناصية شارعنا وهو يعجنها وي وشاهدت الكبابجي ا لفه

.بالسيخ مبللة بماء البصل والتوابل

أي أن ما حسدني عليه حالق القريـة كـان محـض

!!خيال

تقلبت فيها على عدة حالقين ، ولـم .. ومرت سنوات

يكن لي مالحظة عليهم جميعا سوى أن االتهام الموجه لمـن

، ينطبق على معظم يمتهن مهنة الحالق من كونه كثير الكالم

ذه المهنة ، وإن كنت وجدت لها عائد إيجابي هـي أن هأبناء

متكلمين جيدين ، وعلى درجة مقبولة جدا من معظم الحالقين

اإللمام بمعارف وخبرات كثيرة ، لدرجة أن بعضهم يتكلم في

أمور فنية جدا ، وكثيرا مـا تثبـت األيـام أنهـم يقولـون

!الصواب

الممتدة مع زبائن مـن تهماد إلى حوار وهذا طبعا يعو

أما االكتشاف فهـو أننـي الحظـت أن . أهل العلم والخبرة

غالبية الزبائن يحبون التحدث حتى عن أعمـالهم ومتـاعبهم

!ومشكالتهم مع حالقيهم

وزادت دهشتي عندما كنـت أشـاهد فيلمـا أمريكيـا

ووجدت بطله الذي ال يحضرني اسمه ، وال اسـم العمـل ،

ول حكمة توقفت أمامها كثيرا وهي أنه عندما يضيق الرجل يق

صـديقته : بالمشكالت ، فإنه عليه أن يتوجه إلى أحد اثنين

) وهي كلمة مخففة لما جاءت بالفيلم الذي وصفها بالعشيقة (

!، أو حالقه الخاص

واألمر يحتاج إلى خبير نفسي من الطـراز الممتـاز

الحكمة تجاهلـت الزوجـة ، ليحلل تلك الظاهرة ، فالمثل أو

!واألخوة والزمالء ، وحددت فقط الصديقة والحالق

...

كان ما سبق هو صورة الحالق في ذهني ، وضـعتها

كاملة على الورق حتى أشرككم فيها من ناحية ، ومن ناحية

أخرى حتى تكون مقدمة تاريخية مبسطة لمـا كـان عليـه

. العشرين الحالق في مصر في النصف الثاني من القرن

إلى أن جاء في طريقي فنان تصفيف الشـعر محمـود

..لبيب

.وانقلبت الصورة رأسا على عقب

فقد أعاد محمود لبيب تشكيل صورة الحالق في رأسي

.وعقلي

أصبحت صورة أكثر عصرية ، أكثر حضارية ، أعمق

.أثرا ، وأطغى حضورا

.فمحمود ال يتكلم إال عندما يسأل

مستودع أسرار ومخزن معلومات مـن ومحمود صار

" .سري للغاية " نوعية

وإن –وزبائن محمود لم تقتصر على أطفال المدينـة

بل زبائنه هم قادة السياسة –كان يرحب بهم ترحيبا مضاعفا

.ونجوم الفكر واألدب والمال وعلية القوم

كان وال يزال يجد متعة في أن يسبح ضـد .. محمود

م يقلد أحدا ، بل وضع لنفسه أفكاره وخطوطـه التيار ، فهو ل

، وعندما يصل إلى نجاح ، ال يتوقف عنده ليتشدق ، وينتظر

في نفس اللحظة يفكـر فـي وعبارات المديح والثناء ، بل

.درجة أخرى من النجاح

صفف لم يلهث وراء ماكينة اإلعالم ، رغم إن كل اسم

ان يمكـن أن له محمود شعره ، وضع له قصة وتسريحة ، ك

يكون مادة مثيرة لإلعالم ، ولكنه ويا للغرابة ال يحتفظ ال في

بألبوم صور للمشـاهير الـذي انحنـت محله ، وال في بيته

قاماتهم أمام مقصه الذهبي ، بما فيهم الرؤساء والنجوم وقادة

.الفكر والصحافة وصفوة المجتمع

بعض ما ال يتكلم إال نادرا ، وإذا تكلم فإنه ال يقول إال

يعرف فقط ، وإذا استدرج للحديث عن نجم شهير أو مفكـر

ارتبط معه بصداقه ، فإنه ال يقول إال ما يعرفه النـاس مـن

ك في النجم أو السياسي ، فمحمود يشعر بأنه جزء حببأشياء ت

، ويجد سعادة فائقـة وهـو " النجاح " من كيان ضخم اسمه

علـى –وافـدون ويت –يذكر محاسن النجوم الذين توافـدوا

صالونه ، سواء صالونه القديم في شارع الشواربي بوسـط

المدينة والذي شهد بدايات معظم نجوم الفن الكبـار حاليـا ،

" والذين كانوا يذهبون إلى صالون محمود ليجلسـوا علـى

هم فرصـة حانتظارا لمشاهدة مخرج أو منـتج يمـن " السلم

ـ حـى أو صالونه الحالي فـي للصعود جنـوب ين المهندس

.القاهرة

صار محمود ضد التيار في كل شيء ، حتى أنه عندما

أحمد ذكي فـي الراحل صنع قصة الشعر الشهيرة جدا للفنان

والتي عرفها شباب مصر كلهم بعـد ذلـك " كابوريا " فيلم

بنفس االسم ، لم يكن محمود يعرف أن هذه القصة تحديـدا

شرحناها سـابقا ، التي " حالق القرية " هي ثورة ضد قصة

على الرغم من أن محمود يرى إنه امتدادا لمن سـبقوه ، إال

.أنني شخصيا أراه مختلفا عن كل من سبقوه

فمحمود الذي كان يجبر صاحب المحل الذي يعمل بـه

وهو ال يزال صبيا ، يجبره على أن يفصل الكهربـاء عـن

خـذ المحل ، ليكف محمود عن العمل ويذهب إلى منزلـه ليأ

قسطا من الراحة قبل أن يكون أول من يأتي إلى محله فـي

صباح اليوم التالي ، الزال وهو محمود لبيب نجـم حالقـة

الشعر أول من يأتي إلى محله ، وآخر من يغـادره وكأنـه

.عامل وليس صاحب محل وشهرة

الرؤسـاء ، شـعر محمود لبيب الذي وقف ليصـفف

دة الرئيس محمد حسني الرئيس الراحل أنور السادات ، وسيا

مبارك ، هو نفسه محمود لبيب الذي تمتد يده لتصفيف شعر

.طفل صغير يعطيه كل اهتمامه

وفي صالون محمود رأيت المشاهير ، بـل وتوطـدت

صداقتي بكثير منهم بمعاونة محمود نفسه ، فهو يفرح كثيرا

إذا ما تعارف اثنان في صالونه ، فكان يفاجئ كثيـرا بـأن

نت ماسلمتش على فالن ؟أ: ي قائال ينادين

وما يفعله محمود معي ، فعله ويفعله مع كثيرين ، بـل

ات كثيرة تـتم فـي صـالون قأن أقول أن صف إنني أستطيع

فعل لو محمود دون أن يحقق هو من ورائها أي استفادة ، و

. مليونيرا نلكان األ

فقـد .. ولكنه فعل شيئا أخر وأصبح بفضله مليـونيرا

رف كيف يحب الناس ، وكيف يهـتم بزبائنـه ، ولـذلك ع

وهـو .. أتصور أن محبي محمود لبيب يقدرون بـالماليين

.بذلك مليونير

لبيب جيل كامل من الرواد العمالقـة ، عاصر محمود

في مجاالت شتى ، خاصة فـي األدب والفـن والسياسـة ،

ـ القواقترب منهم ، وعاملهم بندية ، فهو لم يكن مجـرد ح

وظيفة ، ولكنه كان أيضا نجم مجتمع ، أحبهم وأحبوه يؤدي

، صادقهم وصادقوه ، أسروا له بأدق أسرارهم ، فكان عنـد

حسن ثقتهم به ، وكان لهم بئر األسرار العميق ، وال يـزال

صحابهامحمود لبيب يحمل كنوزا من األسرار رغم رحيل أ

ات بسنوات طويلة ، رافضا الكشف عنها أو البوح بالـذكري

.الخاصة التي كان شاهد عيان عليها

من أهم الشخصيات التي تعامل معها محمـود لبيـب

سيادة الرئيس حسني مبارك ونجليه السيدين عالء وجمـال ،

والرئيس الراحل أنور السادات وابنه السيد جمال السـادات ،

وكذلك أوالد الرئيس الراحل جمال عبد الناصـر ، الشـيخ

فتحي سرور رئـيس . س غالي ، د الشعرواي الدكتور بطر

مجلس الشعب ، ومن األدباء يوسف السباعي ، إحسان عبـد

القدوس ، أنيس منصور ، ومن الكتاب الصـحفيين موسـى

صبري ، مفيد فوزي ، سعيد سنبل ، عادل حموده ، ومعظم

وزراء مصر ، ومن الفنانين عادل إمام ، أحمد ذكي ، نـور

مود ياسـين ، يوسـف الشريف ، محمود عبد العزيز ، مح

شعبان ، محمد فاضل ، أشرف عبد الغفور ، عمرو ديـاب

وحتى الفنانات تعامل مع النجمات سعاد حسـني ، ميرفـت

أمين ، نجالء فتحي ونجوى إبراهيم حينمـا شـاعت قصـة

إلى جانب عدد ضخم . الشعر القصيرة على رؤوس النجمات

محمـود من مشاهير كرة القدم يتقدمهم نجم الكرة المعتـزل

الخطيب ، والنجم حسن حمدي ، ومن الزمالك يكن حسـين

وحمادة إمام ومن الترسانة كابتن الشاذلي وحسـن شـحاته

وفاروق جعفر ومعظم العبي الجيل الحالي ، ونجوم الغنـاء

الكبار أمثال النجم الفنان هاني شـاكر ومـن قبلـه الفنـان

ـ ن المطرب محمد قنديل ، ووصوال إلى نجوم جيل الوسط م

الفنان الكبير صالح السعدني إلى فنان الجيل التـالي الفنـان

وآخرين ممن يضيق المجـال بـذكرهم أو هشام عبد الحميد

.حصرهم

فكان محمود لبيب بذلك هو أفضل نموذج يعبـر عـن

تطور حالق القرية ، الذي كانوا يطلقون عليه حالق الصحة

ألوالد مثـل ختـان ا ) طيبة ( ، لما كان يقوم به من أعمال

وعالج بعض التهابات الرأس ، والقضـاء علـى الصـداع

.وضربات الشمس

ومن يرى محمود لبيب في صالونه يظن أنه قادم مـن

بيته للقاء المحبوب ، ولما ال فالعمل عنده هو مرادف للحب ،

ومشواره مع النجاح هو مشوار حب وإخالص وتفاني لمهنة

الشهرة وجب الناس أحبها ، وأعطاها كل اهتمامه ، فأعطته

والنجومية والتفرد ، حتى أنه يدهشك أن محمود لبيـب قـد

... !محمود : وضع على الفتة صالونه كلمة واحدة هي

دون تعريف أو رسم أو صورة ، فزبونه يعرفـه وال

.يضل أبدا الطريق إليه

.وكفى .. محمود .. إنه حقا

وصعود من الصـفر إلـى .. لقصة حب .. وأنها حقا

قمـة التكريمـات ، وقمـة .. القمة في كل شـيء .. القمة

" محمـود "األصدقاء ، وقمة الزبائن وصفة الصفوة ، هذا هو

الذي عرفته في نهايات السبعينات ، وانبهرت به وهو يسابق

الريح في شوارع حي المهندسين الذي كان يضـم النخبـة ،

بابيهـا ، ي الزلت أذكرها جيدا ب تبسيارته الحمراء اإلسبور ال

وعجالتها العريضة جدا ، ومستوى ارتفاعها المنخفض جـدا

عن األرض ، كان ينافس صديقه العندليب عبد الحليم حافظ ،

عندليب الطرب ، وهو عندليب قص الشعر ذو األنامل فهو

الذهبية ، كان محمود يعرف أنه نجم مجتمع ، فكان يبدو في

غيـر المبـالغ فيـه غاية األناقة ، وال يزال عند اهتمامـه

.بمظهره

كنت أرقبه دون أن يعرفني أو أعرفـه عـن قـرب ،

الذي بدأ من الطبقـة ولكني لم أكن أخفي انبهاري بهذا الفنان

الوسطى ووصل إلى مصافحة رئيس الدولة مرة كل أسـبوع

أو عشرة أيام على األكثر ، ويحتل مقعدا دائما فـي طـائرة

يلعب الكوتشينة مع عبد الحليم اء فهو مسأما في ال الرئاسة ،

.. ورفاقه من األمراء ونجوم المجتمعحافظ

ترى أن نجاح هذا ؟

محمود " بل ما يدعو للمزيد من االحترام هو أن يحافظ

" ٥٣"على نجاحه وتميزه ويزداد اسمه بريقا ولمعانا طوال "

أن بدأ صبيا ذ فمن – أكثر من نصف قرن ما شاء اهللا –عاما

ريعا في لفت أنظار بكـوات ومشـاهير المجتمـع ونجح س

.فتمسكوا به حتى اليوم

ونستطيع القول دون مبالغة أو افتعال، أن محمود هـو

واحد من أبناء جيل الثورة المصرية ، فليس غريبا أن تكون

أول بداية حقيقية لمحمود في مهنته هي إبان حريق القـاهرة

الضـباط األحـرار ، وما أعقبها من قيـام ١٩٥٢في يناير

بثورة يوليو المجيدة ، وما كان من اهتمامها بالعامل والفالح

، وإتاحة الفرص للموهوبين لتحقيق ذاتهم ، والتدرج صعودا

.في سلم الطموح

أن يكـون أصـدق – في رأينا –ولذلك لم يكن غريبا

أصدقاء محمود لبيب فترة غير قصـيرة مـن الـزمن هـو

افظ ، فقد اشتركا سويا في نفس البداية العندليب عبد الحليم ح

التاريخية ، وفي حمل نفـس الهمـوم واألحـالم واآلمـال

.المشتركة

هـل : فارقة فحواها إنك إذا سألت محمود مهذا رغم

تحب السياسة ؟

ال أعرف فيهـا حرفـا سـوى : يقول لك على الفور

مصلحة بلدي ، أما التحليالت السياسية فهي ال تشـغلني وال

اطاها بل أفضل عليها دخان الشيشة التـي تـزيح عنـي أتع

.متاعب يومي

وهنا يجدر اإلشارة إلى جانب واضح وضوح الشـمس

في شخصية محمود لبيب ، هو نظرته السـاخرة للحيـاة ،

في موهوب وسخريته المعجونة بروح المرح والقفشات فإنه

الذكاء والحضور ، حتى أنني أعتبره واحدا من أبرع ظرفاء

عصره الذين كنت أظنهم قد انقرضـوا منـذ زمـن كامـل

الشناوي ورفاقه ، وحتى يكون األمر واضح ، فإنني ال أقصد

، ولكنه شخصية هذا الساخر ابن " ابن نكتة " بهذا أن محمود

البلد ، وأقصد به أن محمود ال يحب حكي النكـات ، ولكـن

ت هوايته المفضلة هي أن يسمع النكتة جيدا ، ووسط ضحكا

المشاركين يفاجئك هو بإطالق قذائف صاروخية من العيـار

، وينجح فـي " قافلة النكتة " الثقيل تعليقا ساخرا بالطبع على

صنع سلسلة من الضحكات ، تنسيك عادة النكتـة األصـلية

!وتتذكر تعليقاته هو

، منـذ عـن قـرب هذا هو محمود لبيب الذي عرفته

رين ، ومنذ هذا التـاريخ منتصف الثمانينات من القرن العش

وأنا حريص كل الحرص على المواظبة على زيارة صالون

محمود ، الذي اتفقت مع صديقنا المشـترك الـنجم الكبيـر

محمود عبد العزيز ، على أن نستخدم صالون محمود كمقهى

ثقافي ، فني ، أدبي ، من طراز فريد ، نعرف أخبار مصـر

ان أحمد ذكي قال لي ذات كلها من خالله ، حتى أن النجم الفن

ال تكتب كلمة عن لساني أقولها في صالون محمـود ، : مرة

فأنا عنده أكون على راحتي وأشعر أنني في بيتـي ، وأكلـم

!ال تكتب .. تعالى اسمع وناقشني ولكن نفسي في مرآته

وقد رأيت كل نجوم مصر الكبار منهم ، والشباب فـي

ألولى عنـده ، امرة صالون محمود ، تعرفت على بعضهم لل

لبعض األخر بمعاونته ، وأشـهد أننـي لوتوطدت صداقتي

عاصرت أحداثا غاية في األهمية كان من الممكن أن يرفـع

أو –بعضها أسهم اسمي كصحفي يخضـع لقواعـد لعبـة

األسماء صعودا أو هبوطا ، كان يمكن أن يرتفع –بورصة

ما سـمعت أسهمي كثيرا بالصعود المبكر ، لو نشرت بعض

..من أصحاب هذه األحداث

الصـمت .. و صـاحب الصـالون حذوت حذولكنني

..والكتمان

.ليس كل ما يعرف يقال : ولتكن حكمتك الخالدة

وكانت المفاجأة أنني على المدى البعيد كنت قد حققـت

هـو .. ربما ، ولكنه مؤكد .. بطئ .. صعودا من نوع أخر

واحترام صاحب المكان ثانيـا ، الفوز باحترام النفس أوال ،

..فعرفت أكثر وتكلمت أقل

..وبقي محمود هو النموذج األكثر اكتماال

الموهوب الذي تمرد علـى جمـع .. الفنان .. الحالق

الغالل ، وانكفأ يجمع األصدقاء من النجوم والمشاهير مـن

.حوله

والمصري البسيط الذي يتردد على قصور القـادة ثـم

عه ليقص شعر طفل صغير يقول عنه أنه زبون يعود بتواض

.المستقبل

وصديق المشاهير الذي يحمل أسـراهم داخـل بئـر

ولذلك فإنه علـى الـرغم مـن أن .. يستحيل الوصول إليه

محمود ال يحب الخوض في السياسة ؛ إال أن قصة صـعوده

اختلطت فيها أوراق الفن واألدب ، ببعض المال وقليل مـن

ت أن أقدم سيرة محمود على لسـانه وكمـا السياسة وقد رأي

.رواها لي

يـــاتــحي

أنا حياتي قدرية ، فعلى مدار هذه الحياة لم أختر شيئا ،

لم يكن لدي اختيار ، واالختيار الوحيد كان بعـد أن بـدأت

العمل في المهنة وأصبحت أحد أبنائها ، من هنا جاءت عملية

التطوير والتجويد والتطلع إلى أداء االختيار ، واالختيار كان

راق ، منذ البداية كنت حريصا على اإلطالع على أصـول

المهنة من أرقى الصنايعية وفي أرقى المحالت ، كنت أذهب

للعمل في محالت وسط القاهرة الشهيرة ، وكـان معظمهـا

لخواجات ، وكان يصعب دخولها ، لكني كنت أرتدي أشـيك

لعمل لديهم ، فيقولون لـي سـوف المالبس وأعرض عليهم ا

أقوم بأعمال النظافة وغيرها ، فأوافق على ذلك ، وبمجـرد

أن أدخل المحل وأبدأ العمل استمر ليوم أو يومين ثم أتركـه

لمحل أخر ، كنت أرغب في اإلطـالع علـى كـل شـيء

بتفاصيله ، بل أحيانا كنت أدخل هـذه المحـالت بغـرض

في مقابلة الدراسة واإلطـالع الحالقة وأدفع جنيه ثمنا لذلك

على األساليب والطرق المتبعة في هذه المحالت الكبـرى ،

قرشـا ، كنـت ٢٠ و ١٠وأيامها كان ثمن الحالقة ما بين

أجلس في هذه المحالت مستجمعا حواسي كلها ، أتابع كـل

كبيرة وصغيرة في أداء هذه المهنة لتطوير أدائي ومعرفة ما

وما يريحه ، ربما كنت أردك هـذه يمكن أن يضايق الزبون

األشياء ، ولكن عندما أضع نفسي مكان الزبون كنت أستشعر

...األمر أكثر

أسطوات ذلك الزمان كانوا مصريين وخواجات ، وكان

المهرة منهم يتمركزون في محالت وسط القاهرة ، محـالت

الدرجة األولى التي انتميت إليها منذ البدايـة دون المـرور

ة الثانية نهائيا ، وبعد أن مـررت بمحـالت وسـط بالدرج

القاهرة ، اقتطعت عاما ونصف العام للعمل في محل بحـي

، وكان ذلـك فـي أوائـل ) رضي اهللا عنه (سيدنا الحسين

الخمسينات ، ألني بدأت العمل في هذه المهنة منـذ حريـق

حيث كنت أعمل وقتها فـي محـل ١٩٥٢القاهرة في يناير

بشارع عبد الخالق ثروت علـى ناصـية ) صالون الفرسان (

شارع عدلي ، وأذكر أن الكاتب أنيس منصور كان زبونا في

هذا المحل ، وال أعرف إذا كان المحل موجود حتى اآلن أم

ال ؟ كنت أعمل في المحل صبي ، وكـان أصـحابه ثالثـة

مصريين هم الحاج أحمد وجمعه وعدلي وقد انفصـلوا بعـد

...ذلك

انالكوافير زم

كانت محالت الكوافير زمان كلها رجالي لكـن تضـم

كرسيين للسيدات حيث كانت السيدات من الطبقـات الراقيـة

تأتي إلى هذه المحالت للحالقة والزينة ، وقليل جدا من كان

يذهب لمحالت في الظاهر وشبرا ، اآلن الحريمـي فـرض

..نفسه وأصبحت له استقالليته

حاول أن التعرف علـى كـل لقد انتميت للمهنة فكنت أ

جوانبها لذا كانت عملية االستطالع هذه التي لم تكن مقصودة

، ألن ذلك كان جزء من طبيعتي ، وقد تأكد لدي اآلن أن ما

قمت به كان له فوائد كثيرة بالنسبة لي ، بمعنى أنني كنـت

أعرف على كير مميزات الصنايعية بالفرجة واإلطالع ، فهذا

هذا متميز في جزئية أخرى وهكذا ، وقد متميز في جزئية و

كنت أجمع كل هذه المميزات وأستوعبها وأهضـمها ، كـان

يعجبني صنايعي يدرج الشعر بشكل متميز وأخـر يمسـك

الشعر من فوق ، وهكذا ، ومثال مسك الشعر من فوق كـان

قليال ونادرا ، ألن زمان كان الشعر يترك طـويال وتسـوى

أحد يجرأ على قص الشعر من فوق ، السوالف ، لكن لم يكن

فقط كانت تتم تسوية أطرافه ويترك كما هو ، وأذكر أننـي

عندما بدأت العمل كان أصحاب المحالت يخافون مني ألني

كنت أفتح في الشعر ، كان صاحب المحل يشاور لي محذرا

هذا األسلوب كان جديدا وكان يعجـب لكني كانت أتجاهله ،

لوا على وأخذوا يحكون عن طرقتـي فـي الزبائن الذين أقب

الحالقة شعرة شعرة ، أسلوب جديدة امتلكته وتفـردت فيـه

دون قصد ، فقد كان المقصود هو الدخول في أسلوب قـص

الشعر ، ألني كنت عرفت أن التاج الحقيقـي الـذي يـزين

..اإلنسان هو الشعر

) جمينة(زمان كانت المستويات العليا بعضها يضع الـ

به الجيل اآلن وتمسك الشعر وتجعله ثابتا ال يتحرك وهي تش

، أمـا ) اليـارجي (، وبعضها اآلخر كان يستعمل البرينتين

المستويات األدنى فكانت تستعمل الفوزلين والزيـت ، أمـا

المستويات الفقيرة فكانت تستخدم الصابون أي ترغي الشعر

يتماسك ويصبح كأن عليه حةنصف ترغية وتتركه بعد تسري

..جيل

أود معرفة كل شيء حيث كانت أغلبية الناس وأنا كنت

إما تلبس الطربوش أو الطاقية وتلف شعرها تحته أو تحتها ،

لكن الصفوة التي تسرح شعرها فكانت تسـتخدم الجـوارب

لتثبيت الشعر بعد تسريحه ، كما كانت هناك شبكة تباع لهذا

، يشـد الغرض يربط بها الشعر بعد تسريحه حتى يتماسـك

الشعر جيدا ثم يربطه بالجورب أو الشـبكة فيحـافظ علـى

الفورمة ، ففكرت لماذا ال أسرح الشعر وأتركه منتعشا حتى

عندما يتم نكشه يظل شكله جميل ، هذه واحدة والثانية بدأت

أقص وأجفف الشعر باالستشوار بدال من ربطه واالنتظـار

جديدة ، في حتى يجف ، أيضا بدأت أدخل تسريحات رجالي

إلـى هذه الفترة كان معظم الكـوافيرات الرجـالي تتحـول

كوافيرات حريمي ألن الدخل كان أكبر ، وكنت أعمل فـي

كوافيرات مزدوجة حرمي ورجالي وكنت أمارس المهنتـين

..الحريمي والرجالي

أشهر الكوافيراتمن أشهر الكوافيرات وقتئذ جاء عبد العزيـز وكـان

د ، وكـان زبائنـه مـن الشخصـيات محله في شارع فؤا

المشهورة والقيادية مثل مصطفى النحاس باشا ، أيضا مـن

فـي شـارع )سقراط ( مشاهير الكوافيرات في ذلك الوقت

في شارع قصر النيل وغيرهم ، ) جورج ( سليمان باشا ، و

وقد كان كبار رجال البلد عندهم ، وكان عددهم ال يزيد عن

تتوزع عليهم الشخصيات الشـهيرة أربع أو خمس كوافيرات

في الدولة ، وقد عملت لدى هؤالء ، حيث لم أترك أحدا من

مشاهير الكـوافيرات إال وعملـت عنـده ، عملـت لـدى

الذي كان يخصص غرفة فـي الـدور الثـاني ) سقراط (

للموظفين ، ويأتي الزبون بموعد سابق ، وينزل الصـنايعي

يوضع في حصالة واحدة الذي سيحلق له بالدور ، والبقشيش

ويتم توزيعه على الصنايعية بالتساوي ، وسقراط مثله مثـل

جورج يونان ، وكانت األغلبية يونانيين وطليان ويوغسالف

، فبعد ثورة تيتو قدم كثير من اليوغسـالف إلـى القـاهرة

..وفتحوا صالونات

فـي المنـاطق المصريون كانت محالتهم في أغلبهـا

اد عبد العزيز في شارع فؤاد بوسط البلد ، الشعبية باستثناء ج

وكان يضم أمهر الصنايعية في البلد ، وكان الحالق الرجالي

زمان تحس أنه دكتور في شياكته ونظافته ، أنا مثال عنـدما

بدأت قالت لي جدتي أيامها يا ابني هذه مهنة حلوة اشـتغلها

نيكا ، كنت غاوي الميكا ) ذي وساخة إيدين المزين كولونيا (

، وكنت في المرحلة االبتدائية ولسبب أو ألخر لم اسـتكمل

فكان أن اتجهت لهذه المهنة بفضل من اهللا ، مسألة دراستي ،

قدرية ، وهكذا كانت كل أمور حياتي قدرية ال خيـار لـي

..فيها

عيناي ترى كل شيءحتى وقتنا هذا أنا أقف على الكرسي وفقط ، صـنايعي

لي ، أحب عمل كل حاجة بـإدراك عيناي ترى كل شيء حو

كامل لكل الجوانب ، مثلي مثل من يقرأ جريـدة أو كتـاب

ويقف ليتأمل كل مفردة ولفظ ، ال تفوتني شـاردة وال واردة

كما يقولون أرى كل شيء حـولي ، )عينيا وسط دماغي (

ففجأة تجدني وسط العمل أعمل مشكلة من األمـاكن حيـث

ي ينبغي أن أضعها نصب عيني عرفت أن الحقيقة الوحيدة الت

هي وقفتي على الكرسي وأن أكون يقظا لعملي ، في نفـس

الوقت الذي أتابع فيه كل من حولي من الصـنايعية ، أتـابع

الجيد الذي يقص بشكل متميز وكذلك الذي يقص بشكل سيء

، وذلك لمعرفة المزيد من الخبرات ، وهذا ما جعلني ألـف

ة ألعرف المتميز وما يميـزه ، على كل محالت البلد الشهير

بل كنت أذهب مخصوص للحالقـة فـي أمـاكن وأراقـب

الصنايعي كيف يضع الفوطة لي كيف يسرح شعري وأتـابع

تصرفاته ما أستحسنه منها وما يضايقني ، فأبدأ التعرف على

التي تحيط بالزبون من لحظة جلوسـه علـى كافة الجوانب

ق التي تضايق أو توتر الكرسي للحالقة ، وأتجنب تلك المناط

الزبون ، وحتى هذه اللحظة الزلت أراقب الصنايعية وأتـابع

ردود فعل الزبون ، كنت أرى زبون جالس على الكرسي في

حالة توتر وأخر في حالة غضب وأخر هـادئ ومسـترخ ،

يعني أنا أرى من ينظف بالماكينة يضـرب بهـا فـي رأس

اكينة بسهولة ويسر الزبون فيصيبه بالتوتر ، لكن أن أضع الم

ودون أن تلمس جلد الرأس أو يشعر الزبون بوجودهـا فـي

، كان ) حالوة ( أعمل له رأسه ، ألني أنا أنظف الشعر وال

فأقول لهم ) أنا عايز هذه المرة ال تكلفتني (البعض يقول لي

باسما الفرق بيني وبين الحالقين اآلخرين إني أكلفت الزبائن

الزائد مثله مثل اإلهمـال أن االهتمام ، ألن أنا لدي إحساس

الزائد ، ألنك عندما تهتم جدا بالعمل الذي بين يديك ممكـن

يفسد ، فالمطلوب أن تعطي العمل حقه ، وفي هـذه الحالـة

أيضا ال تعطي اهتماما ألحد دون غيره بل الجميع يصبحون

سواسية ، المهم أنك تتعامل مع الشعر بالقدر الذي يحتاجـه

، لذا األمور ال تفرق معي ، يعني مـثال تـدويرة األذن فقط

آخذها على األطراف ، حتى إن الزبون ال يشهر أنه حلـق ،

بمعنى أنني ال أحب الزبون يقال له نعيما ، هو يظهر بشكل

حلو وجميل ، وهذا األمر كان داخلي من زمان ، ألن شعري

ـ ت كان طويل وكان عندما أقصره أصاب بالضيق ، لـذا كن

أحاول حتى مع الشعر القصير أن تكـون حالقتـه تعطـي

انطباعا أن شكله طويل ، أي أحلـق لـك وعنـدما يـراك

اآلخرون ال يشعرون أنك حالق اليوم ، وكنت أحلق للزبـون

!!وأقول له لو حد عرف إنك حلقت أبقى تعالى كلمني

وفي مرحلة من المراحل كان البعض يقول لي أننـي

به بعض ، فأتساءل كيف ؟ فيقال لي كل جعلت الناس كلها ش

واحد نراه نعرف أنك الذي حلقت له ، وآخـرون يفـاجئون

عندما يقول لهم البعض أنه يحلقون عند محمـود ، ويـأتون

لسؤالي كيف هؤالء يعرفون أنك صاحب هذه الحلقة أو تلك ،

حيث أنني أقوم باإلمضاء ) أصلي أنا بأمضى تحت ( فأقول

.. لحالقة يعرفون إمضائي وهم بمجرد رؤيتهم

أذكر مرة أن رمسيس رسم كاريكاتير في صباح الخير

أنـا ( رسم فيه مفيد فلوزي من قفاه ورسمك وهناك تعليـق

) !!نسيت أمضي على الحالقة

.وهنا هز محمود رأسه مبتسما في تواضع

قصتي مع الخواجةعن بدايات تفكيره في أن يكون له صالون خاص يحمل

قول لم أفكر ، كنت أعمل في محـل أعتبـره محلـي اسمه ي

وكياني وبيتي ومطرحي ، وكان هناك كوافير فـي شـارع

عدلي في مكان شركة مصر للطيران أمام الكونتينيتال ، كان

وكان يتحدث بسـبع لغـات ، ) شارل ( صاحبه يوغسالفي

وكان المحل دورين وله باب صغير على جانب وفترينة على

ى الرغم من كبر مساحته ، وال يـرى مـا الجانب األخر عل

بداخله ، وقد عملت في هذا المحل صبيا ، وكنـت أمـارس

المهنة بحب واستمتاع ، كان المحل يغلق من الساعة الواحدة

حتى الثالثة ظهرا ويغلق تماما الساعة الثامنة مساء ، ويـوم

األحد يعمل نصف يوم ، ويوم االثنين يغلق اليوم بأكملـه ،

ما عملت وأقبلت الزبائن على كان أن ألغيت فترة الغلق وعند

وتأخير الغلق مـن من الساعة الواحدة حتى الساعة الثالثة ،

الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة ثم العاشرة ثـم الحاديـة

عشرة حتى كان يضطر صاحب المحل إلـى شـد سـكينة

الكهرباء إلطفاء النور وتوقيفي عن العمل ، كل ذلك ألنـي

كنت أنتمي للمكان واعتبره بيتي ، بعـض الصـنايعية اآلن

عندما يرونني أعمل بهذا األسلوب يفكرون أنني أفعل ذلـك

ألنني صاحب المحل ، فأقول لهم أن هذا هو أسلوبي طـوال

عمري ، كان شارل يطفئ النور علي أثناء عملي ، والحكاية

مل كان أنني عندما أعمل أكون في حالة استمتاع كامل ، فالع

متعتي التي استمتع بها ، وحتى اآلن هذا األمر موجود فـي

..داخلي وهي نعمة من اهللا نرجو أن يديمها

ولعملي مع الخواجة شارل قصة فقد سمع عنـي مـن

زبائني في محل شارع قصر النيل الذين أثنوا علي وشكروا

عمر فوزي في أسلوب حالقتي ، فقدم الخواجة ومعه البرنس

ها ال يزال هناك برنسات ، ويومها عرض علـي وكان أيام

جنيهات راتب في حين كنت أحصل علـى ٧الخواجة شارل

جنيهات من المحل الذي أعمل فيـه ، فوافقـت علـى أن ٦

يمهلني بعض الوقت حتى يتسنى لي إخبار صـاحب العمـل

..برحيلي ، ألن زماني كانت هناك أصول يجب مراعاتها

داخل جمعية بمائة جنيه بدأت أعمل لدى شارل وكنت

في شهر أغسطس ، وكانت المائة جنيه في هذه الفترة مبلـغ

جنيهات فـي الشـهر ، وكنـت ٧ضخم جدا ، وكان راتبي

يوما كل عام أسـافر خاللهـا إلـى ١٥أحصل على إجازة

اإلسكندرية ، وخالل فترة إجازتي كان صاحب المحل يستقدم

ي اليوم التالي لعودتي صنايعي ليحل محلي في هذه المدة ، وف

من اإلجازة كان هذا الصنايعي يغادر المحل ، فكنت أسـأله

يومـا لـم ١٥لماذا ال يبقى ، فكان يقول لي أنه خالل الـ

يحلق إال لثالثة زبائن وأن أغلب الزبائن تسأل عنـي وعـن

موعد عودتي ، وكنت أحاول معه أنا وصاحب المحل لكـي

امها الزبائن تأتي لي بمواعيد يبقى لكنه كان يرفض ، كنت أي

، وكان الخواجة ينظم لي المواعيد ويوزعها على مدار اليوم

أو األسبوع أو الشهر حسب عددها ، لذلك كنت تجدني أعمل

على مدار اليوم ، على الرغم أن زمان كان الزبـون يـأتي

دون موعد مسبق ، لذا كنت تجد أمام الصنايعي خمسـة أو

لذي يجعل تفكيره منصبا علـى كيفيـة ستة زبائن ، األمر ا

االنتهاء من كل هذا العدد ، بالنسبة لي هذا العبء لـم يكـن

لدى ، وكان عندما يدخل زبون دون موعد أرفض الحالقـة

...له

وقد كنت دائما أتخيل الزبون وهو خارج وليس وهـو

داخل ، أرسم له صورة متخيلة وهو خارج ولم أكـن أجـد

...نعمة من اهللا صعوبة في ذلك وهذه

موهبتي هبة ربانيةزمان عندما كان يسألني البعض من أسـتاذك ، كنـت

أقول لهم أستاذي هو الزبون ، ألنه هو الذي يعطيني المساحة

التي أتحرك فيها ، واآلن عندما يطرح على نفسـي السـؤال

أنا حد علمني ال أعرفه ، حد زي مـا بنقـول كـان ( أقول

أنا عندما أفكر بيني وبين نفسي أحـس ، يعني ) ماسك إيدي

أني بني آدم ضئيل جدا فيما أقوم به ويقال عني ، وأقول إن

هذا من فضل ربنا ، إنها نعمة وهبة ربانية وأمانـة ينبغـي

الحفاظ عليها ، لذا تجدني حتى اآلن اعتبر نفسي صـنايعي

داخل المحل ولست صاحب المحل والمحل أمانة أنا مـؤتمن

الصبح حتى المساء وأقـف شـغال ، ألن أنـا عليها ، من

نحن جميعا داخل المحل نقـوم بهـا ، حاسس أن هذه مهمة

، ولـو كـل ) بيخش في المحل رغيف عيش يتقسم علينا (

واحد منا فهم هذا واستوعبه سنصبح جميعا في وضع ممتاز

، لكن لألسف كل واحد منا ينظر لألخر في عمله ورزقـه ،

دا لن يحصل على رزق األخـر ولـن على الرغم من أن أج

...يأخذ أحد إال ما قسمه له اهللا

البعض يقول لو علمت كذا كنت أصبحت كذا أو مثـل

كذا ، في حين أنه لو توقف عن ذلك وفكر في العمل الجدي

، لتحقق له ما أراد ، هو مشغول بغيره ، أذكر أننـي كنـت

كـان أعرف شاب خريج معهد الفنون المسرحية والسـينما و

عبقريا ، وكان دفعة محمود ياسين ، محمود ياسين أصـبح

هذا االسم الذي نعرفه وهو ظل كما هو ، ألن كل ما يشـغله

كان هو اآلخرين ومن بينهم زميله محمود ياسين ، هو لـو

كان لم يشغل نفسه بذلك ربما كان حقق مـا حقـق محمـود

علـى ياسين ، ومشكلته أمثال هذا الشخص أن أعينهم دائما

اآلخرين وليس على ما ينبغي عليهم عمله ، لـذلك يقـال إن

الرزق يبحث عن صاحبه فإذا وجـده يتحـدث عـن رزق

يتركه ويهرب ، إن الحظ يأتي لكـل النـاس ، شخص أخر

فعندما تكون واقف متيقظ يمكنك أن تلتقطه ، لكـن إذا مـر

عليك ووجدك مشغول بأرزاق اآلخرين فإنك لن تنتبـه إليـه

قطه ، ألن دماغك مغلقة ومحاصرة في التفكير فـي ولن تلت

األخر الذي أصبح أحسن منك ، وطالما أنت ترى أنك أفضل

..من اآلخرين فلن تكون أفضل من أحد

حكايتي مع أول محلشارل سبع سنوات ، وفي الفتـرة عملت لدى الخواجة

التي كان يشد فيها سكينة الكهرباء كان يستقدم الكثيـر مـن

ة ، وكان هناك صنايعي من الصنايعية المحتـرمين الصنايعي

كان صاحب محل ولسبب أو ألخر أغلقه وجاء للعمل معنـا

بينـي وبـين ) أسافين(كصنايعي ، هذا الصنايعي كان يعمل

الخواجة ، كان مثال يقول له أمين باشا يأتي للحالقة كل يوم

ومحمود له سرفيز ، فيواجهني الخواجة بذلك ، والرجل أمين

باشا كان يدفع حق السرفيز ، وكانت حالقة الذقن وقتها بــ

صاغ في الصالونات الكبيرة ، وكان أمين باشا يأتي يوميا ٥

١٠ قرشا ، كنت أعطـي للمحـل ٢٥للحالقة ويترك بعدها

صاغ ، ٥ صاغ وأعطي الصبي ١٠صاغ وأنا أحصل على

ـ ر إذن أمين باشا يدفع حق السرفيز ، ولم تكن له طلبات أكث

من حالقة الذقن ألنه كان أصلع ، كان يقـوم بعـد الحالقـة

بغسل شعره بالماء ثم يجففه ثم أضع له الكولونيا وأجفف لـه

قرشا ، عندما حدث ذلك عرفت أن ٢١٥ثم يخرج تاركا الـ

هناك أسفين ألن الخواجة لم يسبق له أن كلمني في مثل تلك

أيت أمين باشـا سفين ر األمور ، في اليوم التالي لحدوث األ

قادما لصعد للدور الثاني ، في حين اسـتقبله زميلـي هـذا

بالترحاب ، وعندما سأل عني أمين باشا قيل له أني مشغول

أو غير موجود ، وكنت أنظر من الـدور الثـاني فوجـدت

السالف حتـى الـذقن ، وألن زميلي غير ثالثة أمواس من

اض كنـت بعض الصنايعية كانت تمرر األمواس على األحو

أحمل عدتي في جيبي اسـتعدادا ألي طـارئ أو مسـاعدة

، كما كنـت لزمالئي الذي كنت أزورهم أحيانا في محالتهم

أسن األمواس صباح كل يوم ، باإلضافة إلى العدة التي كانت

في درج العمل بالمحل ، عندما وجدت زميلي هذا في وضع

حرج نزلت ووضعت الموس في يد زميلي لكـي يسـتكمل

حالقة الذقن ، وعملت حركة التخفي على مدار أيام حتى جاء

أمين باشا يوما وسأل عني وكانت نفس اإلجابة فقال إذن أنـا

منتظر على المقهى حتى يأتي ، لم يكن األمر مجرد حالقـة

فقط ، ولكن أيضا تصرفات ، كيف تتعامل مـع الزبـون ،

ـ د كيف تتعامل مع زميلك ، كيف تتصرف مع الصـبي ، لق

٥ قرشا فيدفع للمحـل ٢٥كان يحصل زميلي هذا على الـ

قرشا، في حين أننـي كنـت ٢٠صاغ ويحصل لنفسه على

صـاغ ، ٥ صاغ وللصـبي ١٠ صاغ ولي ١٠أدفع للمحل

وكان لدي إحساس إني حصلت على مبلغ أكثر مـن المبلـغ

الذي يحصل عليه المحل ، عندما يحدث هذا اإلسفين وتكرر

باء لقطع التيار الكهربائي وإجبـاري علـى شد سكينة الكهر

التوقف عن العمل قررت أن أترك العمل ، وقد شجعني على

ذلك رغبة الكثير من الزبائن في استقاللي وفتح محل خاص

بي ، وكان أن أبلغت الخواجة بقراري قبل شهر من الموعد

جنيه وهو مبلـغ ١٠٠المحدد وحصلت على الجمعية وكانت

جنيها السـتكمال الجمعيـة ، ٢٠دت منها ضخم وقتها ، سد

كان هناك محل في شارع الشواربي تابع لشـركة الشـرق

األوسط للتأمين وكان إيجاره خمسة وعشرون جنيها ونصف

الجنيه ، وهو مبلغ كبير جدا وقتها ولكن بتساهيل من ربنـا

حصلت عليه ، دفعت شهرين تأمين وشهر إيجار وحصـلت

ت قد أبلغت الخواجة وطلبه أن يرسل على عقد بالمحل ، وكن

، ألبدأ إجراءات الرخصة والسجل وغيرها ، ٦لي استمارة

جنيه في ظرف وهكذا ١٠٠فوجدت من زبائني من يضع لي

جنيه، ألننـي جعلـت مـن ٤٠٠ وقد كلفني المحل وقتها ،

...ديكوراته سينما وليست ديكورات عادية تقليدية

األسماء الشهيرةهيرة كانت زبائني منذ كنت أعمل صنايعي األسماء الش

مثال اسماعيل مظلوم سكرتير أول السفارة المصـرية فـي

بعملية تغييرات ١٩٥٦فرنسا ، وعندما قام عبد الناصر في

رجع الكثير ممن يعملون في أوروبا والذين أصبح معظمهـم

...من زبائني

حقق اسمي شهرة واسعة في كل األوساط فامتأل محلي

اربي بنجوم الفن واألدب والصحافة والسينما والمجتمع بالشو

، مخرجو السينما الكبار كانوا من بين زبائني ومنهم علـى

سبيل المثال ال الحصر حسين كمال وحسن اإلمام ويوسـف

شاهين وعاطف سالم ، أما الممثلون فكل الممثلـين الشـباب

وقتها عادل إمام وأحمد زكي ، وسعيد صالح ونور الشريف

ومحمد فاضل وصالح السعدني وغيرهم أشرف عبد الغفور و

من شلة القاهرة والناس ، وقبلهم كان رمسيس نجيب ومحمد

الدفراوي، وأنور إسماعيل وأسماء ال حصر لها ، أيضا كان

من زبائني في محل الشواربي الكاتب إحسان عبد القـدوس

ويوسف إدريس ويوسف السباعي ومفيد فوزي ومحمد تبارك

هذا األخير عرفته عن طريق إحسان عبد القدوس الـذي ، و

أرسله لي بسبب موضوع كنت كلمته فيه ، وقـد قـال لـي

تبارك وقتها لو حلقت لديك ماذا أن في شعري فقلت سـوف

تعالى وأقعد : يعني ماذا ستفعل ؟ فقلت له : أحلق لك ، قال

على الكرسي وأنت تعرف ، ومـن يومهـا وهـو زبـون

... عندي

يزدحم المحل بالفنانين فكنت أعمل سهراية ، ألن كان

الوقت في النهار لم يكن يسمح ، للدرجة أني كنت أعمل إلى

أحدهم جـاي ما بعد الواحدة بعد منتصف الليل ، وكنت تجد

ومعه زجاجة عصير لكي نشربها بالليل كنوع من المـودة ،

قرشا ثم ٣٥كانت الحالقة يوم أن فتحت محل الشواربي بـ

قرشا ثم جنيه ، عنـدما تركـت ٧٥ قرشا ثم ٥٠ادت إلى ز

الشواربي كانت األمور قد تغيرت وقفزت األجور ، لكن في

...هذه األيام كنت أكسب أكثر من اآلن

عندما فتحت محل الشواربي ألغيت مسـألة الحصـالة

وجعلت األمر كل صنايعي ومجهوده ، ألني أثنـاء عملـي

ل والكثير من زمالئي ال يعمل كصنايعي كنت أعمل نهار ولي

، لكنه كان يقتسم معه بالتساوي ما تجمعه الحصالة ، وهـذا

يجعل الصنايعي يتكاسل وكان إحساسي أنه يحصـل علـى

مجهود زميل أخر له ، لذا ألغيت الحصـالة لكـي يتحـرك

...الصنايعي ويحسن ويجود من عمله

كلهم أصدقائيكلهـم كـانوا ** وعن النجوم الذين صادفتهم يقـول

أصدقائي ، وهذا كان إحساسا حقيقيا ، كنت أتعامـل معهـم

كأخوة وأصدقاء ، لم تكن تشعر أن هناك تباعدا بيني وبـين

الزبون ، ألن أنا أفكر أنه أثناء عملي كصنايعي عند شـارك

دخل زبون قصير لكن شيك جدا وسأل من سـيحلق لـي ؟

و كان سمع عنـي فقلت له أنا فنظر إلى نظرة فيها قرف ، ه

ولكن يبدو أنه لم يتوقع أني صغير السـن ، هـذا الزبـون

المستفز حاول أن ينرفزني أثناء حالقتي بشكل جيد وأوفر لها

سبل الراحة إلى أقصى حد ، لم تكن تعنيني مسألة البقشيشس

كما كانت تعني الكثيرين من الصنايعية ، حتى كان بعضـهم

بقشـيش ، ألن شـغلي يشعر بالضيق عندما ال يحصل على

الشاغل كان هو عملي ، إحساس هذا الرجل أن عيل سـوف

، مرة أخرى زبون من هذا النوع دخـل ! يحلق له كيف ؟

المحل وقام أحد الصنايعية بالحالقة له، لكنه لـم يسـتطع أن

يكمل الحالقة ، أنا أصبحت متخصصا في هذه النوعية ، ألن

جدير بها يعني عندما الزبون ال يعرفك وعليك أن تثبت أنك

يقول لك زبون جديد إنك ال تعرف كيف تحلق له ، فهو على

.حق ألنه لن يعرف قدراتك إال بعد التعامل معه

اــنمـالسي

أحمد زكي

:وعن مشاهده التي صورها السينما قال

أحمد زكي كان كبر في هذه الفترة ونس أنه كـان **

لتي كانت تأتي للحالقة في محـل واحد من مجامعي الفنانين ا

أنت وجهـك : الشواربي ، وأثناء قيامي بالحالقة له قال لي

فوتوجنيك وتنفع تمثل ، فقلت له لقد عرض على أمر التمثيل

من قبل ورفضت بعد أن قاموا بعمل االختبارات الالزمة لي

فقد في أحد استوديوهات الهرم ، وبعد نجاحي فيها رفضت ،

ة تمثيل الناس المشهورين سواء نجوم كورة كانت هناك موض

أو غيرهم ، وأنا كنت ضمن من تم اختيارهم للتمثيل ، قلـت

له أن ما أقوم بعمله شيء أعرفه ومبسوط به وال أحتاج إلى

زيادة مجموعة القاعدين على السلم واحد، وذلك في إشارة له

أليام كان يأتي للحالقة في محل الشواربي ويجلس على السلم

...منتظرا دوره

وقد ظهرت في فيلمن ) شادر السمك (الترشيح لفيلم **

أو فيلم واحدة بواحدة وفيلم أخر لحسين ) الفنكوش(لعادل إمام

فهمي ، وكمال الشناوي قال مرة إفيه في فيلم كان يقوم فيـه

بدور رجل كبير في السن ثم يصبغ شعره ويسرحه ويقصـه

يا سالم عليك يا واد يا : ولقصة شبابي فيقف أمام المرآة ويق

محمود لبيب رجعتني شباب ، وعندما شاهد النـاس الفـيلم

جاءتني اتصاالت من بلدان عربية كثير تساءل إن كان هذا

إعالن في الفيلم ، ولم يكن عندي فكرة حتى أخبرني كمـال

لقد وجدتني بتلقائية شـديدة وبسـاطة : الشناوي باألمر قائال

لذا كان أن وصلت للناس بنفس التلقائيـة أقول هذه الجملة ،

..والبساطة وأحدثت ردود فعل طيبة عندما شاهدوا الفيلم

كما استعان بي المخرج الراحل الكبيـر شـادي عبـد

السالم لتصميم قصة شعر ذات طابع فرعـوني فـي فـيلم

" .المومياء"

أيام الساداتوأحمد زكي أنا أعتبره أخ وصديق وكلهـم أخـوة **

قاء ، ألن عالقتي بهم جميعا لم تكن عالقـة حالقـة ، وأصد

الحالقة أساس المعرفة لكنها ليست العالقة ، العالقـة هـي

الصداقة واألخوة ، ولم يشغلني أن هذا يحلـق عنـدي أو ال

يحلق ، فتلك لم تكن قضيتي ، لذلك ال تجـد لـي صـورة

تجمعني بأحدهم ، ألن إحساسي كـان أن هـؤالء زبـائني

هم لفترات ، وأرى كيف يتأذون من أولئك الـذين وأعيش مع

يطلبون التصوير معهم ، وكيف أنهم يـؤدون ذلـك ومـع

متضررين ، وأنا لم أكن بحاجة ألثبت ألحد أن هؤالء زبائني

وأصدقائي وأخوتي ألنه بالفعل كذلك ، أنـا عنـدي زمـالء

عندهم صور مع فنانين مصر ، ويمكن عنـدهم بالصـوت

عرفونهم، هناك زميل ربما لم أره في أي والصورة ولكن ال ي

مهرجان إنما عندما تراجع الصورة تجده في كل الصـور ،

هناك أناس كثيرون بهذا الشكل ، وهذا أمر يضايقني كثيـرا

بالنسبة لي ال أحب أن أكون في )الناس إللي بترمي جتتها (

مثل هذا الموقف ، ألن عالقتي وصـداقتي لهـم حقيقيـة ال

...ات تحتاج إلثب

في فيلم أيام السادات ، نشب خالفا بين المخرج محمـد

خان والفنان أحمد ذكي ، بطل الفيلم حول أربعة مشاهد تدور

.بين الرئيس السادات وحالقه الخاص محمود لبيب

ودار رفض محمد خان لتصوير هذه المشاهد إلـى أن

واحدا منها يدور حول القضية الفلسطينية ، ورأى فيه محمد

خان خروجا على جو الفيلم ،

:أما عن هذا المشهد فهو كان كالتالي

:الرئيس جالس يحلق ويدردش مع محمود -

هيه يا محمود: السادات -

أيوه يا ريس: محمود -

إيـه .. في كل حالقة ليك سؤال : السادات -

سؤالك النهاردة ؟

بـس أنـا .. ال سؤال وال حاجـة : محمود -

.مر مينا هاوس زعالن أن العرب ما جوش مؤت

..ما جوبش علشان مش فاهميت : السادات -

إزاي يا ريس ؟: محمود -

أنت عندك محل يا محمود ؟: السادات -

أيوه يا ريس: محمود -

فيه كام كرسي ؟: السادات -

ست كراسي: محمود -

إفـرض أن المحـل ده أتسـرق : السادات -

ولقيت نفسك في الشارع ، تعمل .. ضاع .. .. منك

إيه ؟

.أعمل حاجات كتير قوي : مود مح -

عملت ، اشتكيت ورفعت قراضي : السادات -

ودلوقتي إللى خدوا منك المحل بالضرب ما خـدتش

حاجة ؟

أنا بقى عملت إيه : السادات -

أيوه يا ريس: محمود -

.. جبت لك كرسي جوه المحـل : السادات -

هو صحيح كرسي واحد ، لكن أنت ممكـن تخليـه

عارف يمكن المحل يرجع كلـه مين .. اثنين وتالته

ليك ؟

عايز تقول يا ريـس إن ده إللـي : محمود -

سيادتك بتعمله بالمفاوضات ؟

.. هيـه دي .. برافو يا محمـود : السادات -

همه بقى مـش عـايزين .. أديك فهمت من كلمتين

.يفهموني

) .ينتهي محمود من عمله ( -

نعيما يا ريس: محمود -

.اهللا ينعم عليك : السادات -

هذا هو نص المشـهد الـذي أسـفر الشـد -

والجذب عليه بين المخرج محمد خان ، والنجم أحمد

زكي عن تصويره بكامله وحرفيا ، فـي حـين تـم

االستغناء عن ثالثة مشاهد أخرى كان سيظهر فيهـا

.محمود

شـادر " وقد سبق لمحمود أن ظهر في مشهد من فيلم

وإخـراج المخـرج بطولة النجم أحمد زكي أيضا ، "السمك

المتميز علي عبد الخالق ، وظهر فيه أحمد زكي بعد تحقيقه

للثروة ، وقد استسلم ألنامل محمود ليعبر عن صعوده مـن

.الطبقة الدنيا إلى طبقة نجوم المجتمع

محاوراتي مع الرئيس السادات

ومقابلتي الوحيدة مع عبد الناصر

ية متواضـعة ، الرئيس السادات رحمه اهللا كان شخص

ودودة ، بسيطا كأهل الريف ، لكن هذا ال يمنـع أنـه كـان

شخصية مهابة ، ولم يكن الحوار بيننا مفتوحا بال حـواجز ،

وأنا كنت أفهم ذلك جيدا ، لذلك لم أكن أشرع في حـوار إال

إذا بدأ الرئيس أول خيط في هذا الحوار ، وهو كـان يفعـل

ألني عن رأي الشارع في ذلك معي في وقت آلخر ، فكان يس

بعض القضايا التي تكون محور حديث الناس ، فأنقـل لـه

بأمانة ما يقوله رأي الشارع وكنت أعتبر ذلك مهمة وطنيـة

تخدم الناس وتفيد وال تضر ، وكنـت أالحـظ أن الـرئيس

السادات رحمه اهللا شديد االهتمام بما أقوله ، على الرغم من

وعادي ال يرقى إلى مستوى إنني كنت أرى أن كالمي بسيط

رئيس الدولة ، وكنت أفاجئ بأن الـرئيس حـريص علـى

تصحيح المفاهيم لي وشرح المواقف عن طريق أمثلة تقرب

.صورة إلى ذهني

أما الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، فقد كنت أقابله

أثناء حالقتي شعر ابنه عبد الحكيم وكان يطلب مني االبـن

بل : أن الرئيس عبد الناصر كان يقول لي إطالة سوالفه ، إال

. قصها في مساواة عينيه

وعن المفاتيح أو النصائح التي أسداها ألحمد زكي **

حول الرئيس السادات قبيل بدئه العمل فـي فـيلم السـادات

:يقول

ذكرت له حقائق ووقائع مثال ذكرت لـه وقـائع **

ناهضت هـذه خاصة بكامب ديفيد وردود الفعل العربية التي

الخطوة ووقفت ضده فيهـا ، والمعارضـة الداخليـة ، أي

...مجموع االعتراضات التي واجهت الرئيس السادات

أنا لم أذهب لكامب ديفيد ، لكني سافرت معه أمريكـا

أكثر من ثالث مرات وسافرت معه ألمانيا وفرنسا وغيرهـا

من الدول أكثر من مرة ، وقد سألني عقب كامب ديفيـد إن

كان عملي تأثر بالموقف العربي لالتفاقية ، فقلت له أننـي ال

أتعامل مع العرب ولكن أتعامل مع المصريين ، وهذه حقيقة

فالزبون األساسي لدى طول عمري هو الزبون المصـري ،

أما الزبون األخر فهو مؤقت وطارئ ، حتى لو كان يعطيني

وقـد في الحلقة ألف جنيه فهو بالنسبة لي طارئ ومؤقـت ،

كانت والزالت خدمتي له مثله مثل أي زبون أخـر ، ففـي

عملي ال أعرف الخيار والفقوس ، يعني الغفير مثلـه مثـل

الوزير على الكرسي الذي أقف عليه ، ألن اهتمامي ينصـب

..على شيء واحد وهو العمل

حواراتي مع الرئيس الساداتألم تكن هناك حوارات تدور بينك وبين الـرئيس **

.سادات ال

الرئيس السادات سألني عقب توقيع اتفاقية كامـب **

ديفيد واتخاذ الكثير من الدول العربية موقف من مصـر إن

كنت تأثرت بهذه القطيعة في العالقات ، وكانت إجـابتي أن

بعض المحالت تأثرت بذلك ألن عملها موسميا ويعتمد على

وسميا ولم أكن السياحة العربية ، لكن األمر بالنسبة لي ليس م

اعتمد على الزبائن العرب ، ألنني منذ بدأت العمل في المهنة

على اليـوم وأنا أقوم بتنظيم وتقسيم مواعيد الزبائن وأوزعها

بطوله أو الشهر بطوله حسب عدد الزبائن ، فأن تكون منظما

ال تجد مشكلة في ضبط مواعيدك بما ال يخل بظروف ووقت

..الزبون

يل أن لديك محل وبطريقة أو بأخرى تـم تخ: فقال لي

سلبه منك وطردك ، األمر الذي جعلك خارجـه وال تملـك

دخوله ، وقد حل محلك أناس آخرون في العمـل واإلدارة ،

ولقد لجأت كل الطرق واألساليب بما فيها اللجـوء للقضـاة

السترداده ، ولكن كل محاوالتك باءت بالفشل ، حتى وصل

في الشارع والقيام برمي المحل ومـن بك األمر إلى الوقوف

فيه باألحجار والطوب ، فعرف الناس إنك قليل األدب وانقلب

أمر الناس الذين أصبحوا ضدك ويرونك قليـل األدب وتـم

تفريغ قضيتك من مضمونها ونسيان حقائق تملكك للمحـل ،

وبعد أن أصبحت أمام العالم كله قليل أدب وأنك تتهجم علـى

ه حق ، ألن حقك تم نسيانه وتفريغه مـن اآلخرين دون وج

مضمونه ، قمت أنا حاولت ونجحت في أن أحصل لك علـى

كرسي في هذا المحل لتقف وتعمل داخله ، هل ترفض ذلـك

..أم تقبله

بالطبع أقبلـه وبمجهـودي : فكان ردي على الرئيس

أحاول استرداد محلي وإصالح ما أفسـدته ، اعتمـد علـى

مال المسيرة حتى أحصل على أخـر مجهودي وأبدأ في استك

..شبر من محلي

أنا أخذ : لقد قلت ذلك للرئيس السادات بتلقائية وبساطة

الكرسي ، وأنا عندي الحس الذي يمكنني به استعادة مكاني ،

أدخل المحل وخطوة خطوة وبهدوء أبدأ في تقوية مكاني حتى

استرد حقي ، أضعف اإليمان إن لم أسترد المحـل بالكامـل

..سوف أكون شريكا فاعال

يام بيـع القطـاع أأيضا في فترة من الفترات وتحديدا

العام كان يتردد أن الرئيس السادات سوف يبيع البلد ويبيـع

أنـت يـا : كذا وكذا وكذا ، حتى فوجئت يوما به يقول لي

بقرش صـاغ ، : محمود بكم تشتري رغيف العيش ، فقلت

: ن فيه بكم يشتريه ؟ فقلـت وصاحب البيت الذي تسك : قال

وبواب العمارة التي تقطن بهـا بكـم : بقرش صاغ ، فقال

والسائح القـادم مـن : بقرش صاغ ، قال : يشتريه ؟ فقلت

إذن : بقرش صاغ ، قال لي : الخارج بكم يشتريه ؟ فقلت له

أنا بدعم البلد وإللي خارج البلد ، وبالتالي الدعم ال يصل إلى

لقد كانت قضية وصول .. ر عبء على البلد األم.. مستحقيه

الدعم لمستحقيه قضية تشغله كثيرا ، وأذكر أيضا أنه عنـدما

بدأ االنفتاح االقتصادي هاجم الكثيرون هذا االنفتاح واعتبروه

يا محمود من الـذي : انفتاحا استهالكيا ، وقد قال لي وقتها

ن يحقق يضع فلوسه ورأس المال كما تعرف جبان في مكان ل

فيه أرباح ، البد من أن أجعله يعمل حاجة يكسب منها ، هو

عندما يستورد منتجات ويجد عليها إقباال ويكسب من ورائها

، ويجد أن السوق يمكن العمل فيها بيسر وسـهولة ، وأنهـا

سوق معطاءة ، تلقائيا سوف يقوم بعمل مصانع في البلد تمده

عشرين سنة وليس هناك شيء بهذا اإلنتاج ، والبلد مغلقة منذ

داخل ، من يجرؤ أن يضحي بمالـه دون اختبـار السـوق

واإلحساس بالمكاسب التي يمكن أن يجنيها من وراء العمـل

داخلها ، البد أن يعمل ويكسب ويحسن من تلقاء نفسه بحاجته

..إلقامة مصنع أو أكثر

لقد كان الرئيس السادات صاحب أفكار متميزة وعالية

..لمستوى ، لم يكن ينظر تحت قدميه الرقي وا

كان الرئيس السادات له لغته الخاصة البسيطة التـي ال

تضخم األمور وتعطيها أكبر من حجمها ، يعني فـي تلـك

الفترة التي قاطعنا فيها العرب ، كان يرى أهميـة االعتمـاد

على الذات ، وأن على المتهربين مـن دفـع الضـرائب أن

ما عليهم ، وكان فـي هـذه الفتـرة يبادروا بتسديدها ودفع

يا محمود أنا فيه ناس أعـرفهم : عصبيا جدا ، وقد قال لي

كانوا إيه ودلوقتي عندهم عمارات إيه ، والضـرائب التـي

كانوا يدفعونها زمان هي نفس الضـرائب التـي يـدفعونها

مـل ‘بل أ .. ال أقول ال تصبح صاحب عمارة ، ال !! اآلن

اد حق البلد عليك حتى تستطيع البلـد فقط تم بسد .. وأكسب

.القيام بواجباتها نحوك ونحو البسطاء

الجوانب اإلنسانيةوقد كان الرئيس السادات عندما يعرف أنني مـريض

يبادر باالتصال واالطمئنان على صحتي ، وقد أرسل ابنـه

ذات مرة لزيارتي في المستشفى ، أيضـا الـرئيس مبـارك

ف وكنت نايم سطيحة ، ولكن كلمني عندما أصبت بالغضرو

ما أن عرفت أن الرئيس مبارك سوف يكلمنـي لالطمئنـان

هذه الجوانب اإلنسانية جزء ال يتجـزأ مـن .. على صحتي

طبيعتهم وهم دائما يبادرون بها ، ولذلك أحس معهم أني بين

أهلي ، وأنا لم تكن لي مطالب عند أحد مـنهم ، فـالرئيس

ويسأل فهذا جزء مـن طبعـه السادات عندما أكون مريضا

اإلنساني ، أيضا الرئيس مبارك عندما أتصل بالشاعر عبـد

الرحمن األبنودي لالطمئنان عليه ، وأنا كنت ببقى قاعد ويتم

االتصال به إلبالغه أن سيادة الرئيس يريد االطمئنان عليه ،

هذه طبيعته اإلنسانية وهي سمة عايشتها في هؤالء العظمـاء

..هلون أولئك الذين لهم عطاء في البلد أنهم ال يتجا

في فترة من الفترات تم إعفاء خمسة من ضـباط مـن

العمل في الطقم المصاحب للرئيس السادات فـي الزيـارات

الخارجية بسبب ما كانوا يشترونه ويعبئونه في كراتين ، وتم

منع أي أحد مصاحب للرئيس من حمل شيء معه في العودة

ونحن في ألمانيا وقد وصـلت قبلـه ، ، لكن سيادة الرئيس

يا فوزي لو محمود يحتـاج أي شـيء : وعندما وصل قال

خليه يجيبه ، فقيل لي إن معاك قرار جمهوري بأن تحمل كل

ما تحتاج إليه من مشتروات ، لكني لم اشتر شيئا ، وفي أخر

أنـت : كنا في النمسا ، قال لي فوزي عبد الحفـيظ سفرية

قلت له لم أشتر سوى مقصين وكـان اشتريت حاجات لك ،

هذه األشياء خاصة بـي : بكام ، فقلت له : فرشة ، فقال لي

على الرغم من أني كنت قد اشترتهم مـن أجـل الـرئيس ،

.فالمقصان لشاربه ولم تكون أدوات خاصة بالمحل

ولم يتذكر أيام ما بدأت الدعوة لغزو الصحراء ، كـان

.ب إلى الصحراء يقال وقتها أن أموال البلد ستذه

لو ورثت يـا محمـود : سألني الرئيس السادات وقتها

خمسين فدانا في الصحراء ، فماذا ستفعل بها ؟

.الحقيقة ال أعرف يا ريس: فقلت

:فرد بتلقائية وهو يضغط على حروف كلماته

أعط نصفها مجانا من أجل أن يأتي مـن : أنا أقولك

!يساعدك في تعمير النصف األخر

الرئيس السادات أثنـاء الحالقـة يتـذكر عن طقوس و

محمود أن الرئيس حينما يكون مهموما باالستغراق في قضية

ما ، فإنه كان يضع أغاني عبد الوهاب وأسمهان وليلى مراد

ابنته ، قد أنجبـت ) نهى ( ، ثم في أواخر أيامه كانت السيدة

فإنه وبمجرد أن بدأ الحفيد يخطو أولى خطواته ، ) شريف (

.كان يالزم الرئيس السادات الذي كان يحبه كثيرا

أما أخر مرة شاهد فيها محمود الرئيس الراحل ، فقـد

كان ذلك في صباح يوم العرض العسكري المشئوم الذي لقي

الرئيس مصرعه فيه ، ويتذكر محمود ذلك اليوم جيدا ، فقـد

لم يبـادر و. بدأ الرئيس السادات رحمه اهللا واجما ، مهموما

بنطق كلمة واحدة ولو حتى مـن قبيـل المجاملـة لحالقـه

.الخاص

وبالتالي لزم محمود الصمت ، ولـم يكـن يـدري أن

.صمت الرئيس سيطول إلى األبد

اركـــس مبـالرئي

الرئيس مبارك تميز بأنه استطاع عمل كل هذه األمور

العتبر وحل هذه القضايا بطرق فيها سالسة ونعومة ، حتى

ما أنجزه الرئيس مبارك أشبه بما أنجزه محمد علي ، فمحمد

على بأني مصر الحديثة والـرئيس مبـارك بـأني مصـر

المعاصرة ، لقد كان الرئيس مبارك يـدرك حجـم القضـايا

والمشكالت التي تواجه مصر وشعبها منـذ أن كـان نائبـا

للرئيس السادات وكان هو األقرب إلى فكرة ووجهات نظره

لذا قام الرئيس مبارك فور توليه بتحـديث وبنـاء البنيـة ،

األساسية من اتصاالت وكهرباء وصرف صـحي وطـرق

وخالفه ، وقد كان لمشاركة مصر في حرب الخليج دور في

رفع جزء من مديونيتها ، األمر الذي جعل الرئيس مبـارك

...يتحرك بشكل كبير ومكثف في تحديث وتطوير البلد

مبارك بالصدق والصراحة وأذكر أنـه ويتمتع الرئيس

كمال الجنزوري رئاسة الحكومة بثالثة أشهر . عقب تولي د

خرج يقول في مؤتمر صحفي إنجـازات وزارتـه ، فـإذا

بالرئيس مبارك يؤكد في خطاب له بعد هذه الواقعة مباشرة ،

أن ما تم إنجازه ليس عمل حكومة ولكنه عمـل حكومـات

..كثيرة سابقة

ارك يتميز بأنه ال يهضـم حـق اآلخـرين الرئيس مب

وصاحب فكر حضاري وإنساني أصيل ويملك عالقات طيبة

بأسر الرؤساء السابقين بدليل أنه في احتفالية األلفية الثالثـة

...دعا السيدة جيهان السادات وأبنائها

وسيادة الرئيس مبارك ال يميل إلى كثرة الكالم أثنـاء

ط سيادته في الحديث معي ، حتى العمل ، ولكن كثيرا ما يتبس

أنه شرفني بالسؤال عن صحتي أثناء فتـرة عـالج طويلـة

قضيتها في منزلي ، وجاءني صوته الذي أعرفه ويعرفه كل

مصري ، ولكنه في هذه المكالمة كان يحمل نبضـا إنسـانيا

دافئا وهو يطمئن على صحة مواطن مصري بسيط ، وهـو

ـ مشـاغله ومسـئولياته معلى حد علمي يفعل هذا كثير رغ

.الجسيمة

الوزراء واألمراء

أتذكر موقفا حدث لي مع حراس الدكتور بطرس غالي

–عندما كان يشغل منصب وزير الدولة للشئون الخارجيـة

قبل توليه مسئولية السكرتير العام لألمم المتحدة بفترة طويلة

س بجفـاء ، أنني ذهبت له ألقصى شعره ، فعاملني الحـرا

وطالبوني بتفتيش حقيبتي التي أضع فيهـا أدوات الحالقـة ،

فغضبت وتركت المكان على الفور ، إال أن الدكتور بطرس

بطرس غالي اعتذر عما بدر من حراسـه ، مبـررا ذلـك

بصرامة اإلجراءات األمنية في أعقاب حادث اغتيال الوزير

الفعل واألديب يوسف السباعي خارج مصر ، وهذا الحادث ب

تسبب في أن معظم الوزراء الذين كنت أحلـق لهـم بـدءوا

.يطلبون مني الذهاب إليهم بدال من مجيئهم إلى المحل

ومن الطرائف التي أتندر بها كثيرا أنه كان مـن بـين

زبائني طبيب النفس المعروف دكتور أحمد عكاشة ، وكـان

عـن يراقب بعض زبائن المحل ويعطني تقريرا طبيا شفهيا

حالة القلق التي تسيطر على بعضهم ، أو تململ زبون أخـر

.... !وهكذا

ةــغلطلقد كانت واضحا صريحا ، يعني أنـا كنـت أذهـب

للرئيس لكن الوزراء لما كان حد منهم يطلبني كنت أرسل له

أحد الصنايعية ، مرة غلطت وكان األمر في بدايته ، قـالوا

ض ويرغب في زيارتك لتحلق لي إن سيادة فالن الفالني مري

له ، فأنا كنت أروح زيارة وأحلق له في الوقت نفسه ، لكني

فوجئت أن األمر ثبت على ذلك ، بعد أن اكتشفت هذه الغلطة

كان يقال لي فالن مريض ، أقول أنا مش فاضي لكن ممكن

أرسل أحد الصنايعية ، وقبل وصول الصنايعي يكون هنـاك

..ات بالشفاء العالج بوكيه الورد وبطاقة تمني

راءــاألم

الرئيس السادات أو عبـد الحلـيم هـل قـدماك **

لشخصيات عربية وأجنبية لتحلق لها ؟

أول حلقة للرئيس السادات كانـت فـي مستشـفى **

المعادي ثم في أسوان وبعد ذلك في كوبري القبة ، وأنا كنت

أذهب للحالقة للشخصيات التي تأتي بدون أسـماء أو تحـت

سماء مستعارة ، وكنت أذهب إليهم في قصـر الطـاهرة ، أ

وأكثر األمراء العرب الذين كنت التقيهم كنت ألتقيهم عند عبد

الحليم وكلهم أصبحوا زبائني مثل عبد المجيد طالل وبـدر ،

وكل األمراء المهمين اآلن في بعض الدول العربية الشـقيقة

.كانوا من زبائني

أنا والعندليب

للقاء األول بحليما

ارتبطت بصفة خاصة بالفنان عبد الحليم حافظ ؟**

عبد الحليم حافظ حكاية وشخصية لن تتكرر •

، تعرفت عليه في لبنان وليس في مصر ، كنت في

سهرة بأحد األماكن بلبنان وجاء هو ومعـه محمـد

حمزة وبليغ حمدي ، وتعارفنا ، على الرغم مـن أن

وا في تعريفي به في مصـر هناك الكثيرين الذين سع

وكنت أرفض ذلك ، أصلي أنا ممكن أقول األسـتاذ

ظاهر البهي صحفي أهال وسهال وخلصت الحكاية ،

وهذا لم يكن يعجبني ، البد مـن أن تكـون هنـاك

معرفة حقيقية وتأتي مصادفة دون ترتيبات مليجي ،

وأول هذا اللقاء حكي لي عبد الحليم أنه يحلق عنـد

ي ، وأول حالقة حلقتها لـه كانـت فـي محمد مليج

بيروت حيث كان يصور مشاهد من فيلم أبي فـوق

الشجرة ، وكانت أغنية الهوى هوايا ، قصرت شعره

وسرحته على قدام ، وكانت أحلى حالقة وتسـريحة

عليه ، هذه كانت بدايتي مع عبد الحليم ، بعد ذلـك

توطدت عالقتي به وبدأت أذهب للسهر عنـده فـي

...البيت

لم يكن بخيال من أحيانا كان حليم يمر على في المحل فور مجيئه

السفر ، فأواعداه على اللقاء بالليل ، كان يفـوت علـى

بنفسه ، كانت عالقته جميلة ، وفي فترة أشاع الـبعض

عنه أنه إنسان بخيل وهي الفترة التي زعـل فيهـا مـع

فكانا محمد الموجي وشخص أخر ألنهما كانا قد بدأ معه،

)إحنا إللي عملناك ( يشعرانه أنهما هما من صنعاه

واستنزاف من هذا القبيل ، ووصلني من حلـيم أن

المسألة أصبحت هكذا ، ومن ثم كانت هناك ضغوط عليه

من قبل اتهامه بالبخل وكالم كثير غير صحيح من وجهة

نظري التي تعتمد على معايشة حقيقية لحلـيم ، وأذكـر

اريس في سفرية مع الـرئيس السـادات أنني كنت في ب

والتقيت طبيبة وبليغ حمدي ، وعندما سألتهما عن سـبب

وجودهما في باريس قاال أنهما لالطمئنان علـى حلـيم

وأنهما سوف يزورانه غدا صباحا ، فاتفقنا على الذهاب

معا ، وعندما دخلت عليه وسلمت وقبيل انتهاء الزيـارة

فلـوش : ما هذا ، قال : لته فوجئت به يعطيني ظرفا فسأ

فشكرته ورددته إليه قائال إنني قـادم لالطمئنـان علـى

صحته ورؤيته ، وأن الواجب كان يحتم على أن أحمـل

ابقى ( معي زيارة له ، فأصر على أن أخذ الظرف قائال

١٠وكان الظرف يحتوي على ) أي حاجة عشان شعري

يم إنسـان عشرة آالف فرنك فرنسي ، لقد كان عبد الحل

عطاء ، لقد كان يفتح دوالب الهدايا الخاص به والـذي

كان يضم ساعات قيمة ومجوهرات وخالفه ، كان يفتحه

..لعمي إبراهيم الذي يعطيه الحقن ليأخذ ما يشاء منه

انيــأغ

لقد حضرت ميالد الكثير من أغنيات حليم ، أنـه

كان يقيم البروفات في منزله في الزمالك ، كـان يرفـع

العفش ويضع سجادة كبيرة ، وهذا البيت كـان يسـتقبل

الكثير من الشخصيات الكبيرة واألمراء العـرب ، وقـد

تعرفت على أغلب األمراء العرب في هذا البيت ومـن

خالل حليم الذي كان يقدمني لهم باعتباري أحـد أعـز

بدليل أننا أنا وهو كنا نقعـد بالليـل للعـب .. أصدقائه

رغب أحد زوراه وكانوا كثيرين فـي الكوتشينة ، فإذا

اللعب معه ، وقتها كانت البد أن أترك كرسـيي ، لكـن

: ومحب ، كان يقول مـثال ) الرج ( ألن حليم شخص

٣٥خسـران : أنت خسران كام يا محمود ، فأقول لـه

جنيها ، فيوجه كالمه للشخص الذي يرغب في أن يحـل

ـ ١٠٠تدفع له : محلي !! .. ي جنيه ويترك لـك الكرس

كان البيت موزع بين من يأتون للزيارة ومن يأتون للعب

..معه ومن يأتون للسهر وجميعهم أصدقاء

اءــأصدق

عبد الحليم كان مصاحب كل مصر لكـن عصـام

هما صديقاه الحميمـان ) فرفور ( بصيلة وفؤاد معوض

إنما في قعدة األوضة دي قعـدة النميمـة ( ، ) األنتيم (

) معايا يعرفوا إليه إللي كان يتقال فيهـا إللي هم حاولوا

والذي حاول ذلك مفيد فوزي عندما تولى رئاسة تحرير

لصـحيفة تجـاورني صباح الخير من خـالل إرسـاله

وحاولت أن تستنطقني بأي كالم ، فقلت لها لقد أصـبح

األمر بالنسبة لي كنكتة قديمة ال أستطيع قولها ، فقالـت

جديد بالنسبة للناس ، فأصريت لي لكن القديم بالنسبة لك

على عدم استطاعتي ، ألن هناك كالم يقال أثناء وقوفي

على الكرسي ال أستطيع البوح به ألحد كالم ال يصـرح

أنا وأنت (لي تداوله ، كالم في إطار العالقة الخاصة جدا

قاعدين في مكان وبنهزر ونقول أي كالم فاضي ، هذا ال

ا يمكن قوله هو الكالم الـذي لكن م ) يحتاج األمر لقوله

يفيد وينفع ، إنما الكلمة األخرى فهي ليس من حقك ألن

هذه الكلمة قالها لي وكأنه يكلم نفسه بصوت عال ، وقـد

..حدث لي ذلك مع شخصيات كثيرة

تسريحة حليمعبد الحليم كان يختار قصة شعره ، أم أنـت **

الذي كنت تختارها له ؟

إللي علـى ( اخترت القصة أول مرة أنا الذي **

القصيرة ، وعندما قصرت له شعره كان شـعره ) قدام

خفيف وبدأت أعمل له القصة التي أقصر له شعره بهـا

، وفي فترة ما كان شعره بدأ يخـف ، عنـدما ويطول

تركت شعره يطول وينطلق قال الناس إن عبـد الحلـيم

يلبس باروكة ، لكن هذا كان شعره الحقيقي ، ولم يكـن

يفعل لشعره شيئا سوى تشذيب األطراف وعمـل حمـام

حنة ، كان يداوم على عمل حمام الحنة وأنا قاعد معـي

ماكينة حمام الزيت ، يضع الحنة ويقف تحـت البخـار

..وأقص له القصة وخلصت الحكاية

وعندما بدأ شعره يطول كان عبد الحلـيم سـعيدا

كـان وفرحا به ، وألن سفرياته كان بعضها يطـول ،

حتى ظهـر .. شعره يطول خاللها ، األمر الذي أعجبه

في برنامج تليفزيوني يشد شعره بقوة لثبت للناس أنـه ال

!يرتدي باروكة

حليم والليلعبد الحليم كان يخاف الليـل ويخـاف النـوم **

وحيدا لذلك كان كثير السهر والزيارات الليلية ؟

كـان ينـام الليل بالنسبة لحليم كان حياته ألنه **

معظم النهار ، وفي مقتبل حياته كان يقضي الليـل فـي

زيارة أصدقائه ، لكن بعد أن أصـبح مشـهورا صـار

الجميع يأتي للسهر عنده في منزله سواء شخصيات عامة

أو فنية أو أمراء عرب ، كان بيتـه يضـج بمسـتويات

مختلفة من البشر كما يضج بالضحك والهزار والنميمـة

انت عندما تأتي سيرة فالن أو فالن ال يتكلم والنكات ، وك

ويترك المجال لآلخرين لكي ال يقال عبد الحلـيم قـال ،

فكان هؤالء يقولون ما يحلو لهم وهـو مجـرد مسـتمع

..ومشجع

أيضا في هذه الفترة كنت قريبا من محـرم فـؤاد

والذي حاول أن يدعوني مرة فقلت له أنا ال أخلط بـين

أنا عبد الحليم صديقي وبروح معاه ، العمل والصداقة ،

.. يا سيدي تعالى نشرب شاي وتحلق لي : فرد قائال

هذا ما أراد محمود لبيب أن يقوله عـن صـديق

عمره عبد الحليم حافظ ، أما ما أودعه خزينة أسـراره

..فأتصور أنه أكثر مما صرح به

مــــه

في مرآة محمود

ل معها متي تعا ويصف محمود بعض الشخصيات ال

:على هذا النحو

وجه عبد الحليم مربـع ، : عبد الحليم حافظ •

وأنسب شعر له هو الشعر القصير ، ولكنه كان يحب

الشعر الطويل ألنه يرى فيه عالمة على الصحة التي

كان يفتقدها ، ورغم أن حليم شعره كان من أجمـل

.الشعور ، إال أ، حالته الصحية قد أثرت عليه

حليم أن مواعيده كان مضبوطة جدا ، وهو وأذكر ل

.منظم جدا رغم وحدته

: محمود ياسين •

كان يتبع صيحات الموضة في المالبس فقط ، أما

" الفورمة " شعر رأسه فقد كنت أطالبه دائما بالتخلي عن

الوحيدة التي كان يظهر بها في أفالمه األولى ولم يكـن

أسه من منطقـة يغيرها أبدا ، كنت أنصحه بقص شهر ر

.الوسط بحكم وجهه المستطيل

أما عن طقوسه أثناء الحالقة فكان يتبـع سياسـة

.الصمت التامت

:نور الشريف •

كنت أطلق عليه الزبون المشـاغب ، فهـو كـان

فوضويا في مواعيده ، حتى شهره لم يكـن ينحـو مـن

شقاوته ، ولكن الغريب أن إهمالـه لشـعره وشـقاوته

شعر رأسه ، أنسب تسريحة له هي يضيفان حالوة على

.الشعر المنكوش

:عادل إمام •

خفة الدم من أبرز صفاته من يـوم أن عرفتـه ،

ولكنه حريص جدا على وسامته عكس ما هو معـروف

ويناسبه الشعر القصير وهو يـأتي . عن نجوم الكوميديا

" إلى الصالون بدون موعد سابق ويقول ضـاحكا أنـه

!ا يأتي طائر" طرازان

:حسن يوسف •

مرتبط بشعر رأسه تماما كارتباطه بأحـد أفـراد

.أسرته ، لذلك يحتفظ به ناعما أنيقا

:عماد حمدي •

لم ييأس من فورمة شعره لمدة طالت من ربع قرن

من الزمان ، أثبت أن الوفاء هـو عنـوان الرجولـة ،

وأتوقع أن نرى قريبا فورمة عماد حمدي فـوق رؤوس

ي مصر فرق شعره يجب أن يكون فـي جميع الشبان ف

الوسط ، كما يجب أال يكون في الجنب ليحد منن طـول

.وجهه المستطيل

:حسين فهمي •

ال يغير من فورمة شعر رأسه وإن كنت ال ألومـه

ألنها الئقة عليه ، فشعره جميل ال يحتاج إلـى مصـفف

شعر ، ولكنه في حاجة إلى تقصير شعره فقط ليتناسـب

.اوي مع وجهه البيض

:عزت العاليلي •

يعتمد على جوهره أكثر من اعتماده على مظهره ،

.وكل اهتمامه منصبا على الدور الذي يمثله

:صالح ذو الفقار •

ويترك لي حرية – رحمه اهللا –ال يتدخل في شيء

.التصرف في شعر رأسه

:المخرج حسين كمال •

في الماضي كان يهتم بشعره جدا ، ثم أصبح يهمله

ا ولم أكن أعرف السر وراء هذاجد.

:إحسان عبد القدوس •

كان يأتي في موعده بالثانية ، وإذا كنت مشـغوال

يظل واقفا حتى يخلو الكرسي الذي اعتاد الجلوس عليه ،

وكنت أذهب إليه فلي منزله بالزمالـك نتحـاور دون أن

.أحلق له

:يوسف إدريس •

يقضي كان عصبي المزاج رحمه اهللا ، ولكنه كان

وقته في انتظار دوره في التهام الصـحف والمجـالت ،

وكنت ترى انفعاالت وجهـه تتغيـر وتتلـون حسـب

الموضوع وحسب الكاتب الذي يقرأ له ، وذات يوم عال

صوته بشدة على أحد المسئولين الذي تصادف وجوده في

.. دي مصر يا سـيادة : المحل ، حتى صرخ في وجهه

.ولن أسكت في حقها

:ود الخطيب محم •

هادئ جدا ، قليال ما يبدي مالحظة ، بـل يلـتقط

مجلة ليقرأ فيها حتـى انتهـى مـن عملـي ، فيقبلنـي

وحتى اآلن ورغم اعتزالـه الكـرة مـن .. وينصرف

سنوات طويلة فإنه ال يتناول القهـوة وال الشـاي ، بـل

الينسون وإذا كان ضروريا من فنجان شاي فبعد إضـافة

.هى االنضباط والمحافظة على الصحة منت. الحليب له

:حمادة إمام •

ثعلب المستطيل األخضر الماكر ، من أطيب خلق

اهللا ، وأكثر الناس التزاما وأدبا ، فهو ال ينسـى كونـه

.يحمل روح المرح المهذب . ضابط سابق

:يكن حسين •

نجم كرة القدم في نادي الزمالك في العصر الذهبي

لى عقب بقفشاته الذكية وتعليقاتـه ، يقلب المحل رأسا ع

.المرحة ، ويجعلني أنس متاعب اليوم

:عمرو دياب •

يدرك أن مظهره أحد األسباب القويـة لنجاحـه ،

فتالحظ مدى قلقه وأنت تعمل معه في حالقـة شـعره ،

.وهو دائما لديه مالحظاته وفكرة مسبقة عما يريد عمله

:صالح السعدني •

يفي األصيل ، وخفة دم آل يحمل أخالق العمدة الر

السعدني ، واستمتع بثقافته العميقة فـي تحليـل بعـض

.الظواهر االجتماعية

:محمد قنديل •

ابن بلد حقيقي ، يعطيك حرية أن تعمل ما تشـاء

وفي كل األحوال يشكرك وينصرف دون أن يبدأ أدنـى

.مالحظاته

:يوسف السباعي •

شـيء كان يمضي وقته في المحل يقرأ وال ينعل

سوى القراءة ، وكأنه جاء من شعر ويريد أن يعرف كل

.شيء حدث ويحدث في البلد ، وكان كالمه قليال

:الكاتب الساخر أحمد رجب •

كلمة عني ٢/١جاءني وبعد يومين فوجئت به يكتب

ويقول بأسلوبه الساخر أن زوجته لم تتعرف علـي بعـد

ثيـرا طرق الباب ، وفتحت له فو حدث شخصا مختلفا ك

.عن الذي ودعته في صباح نفس اليوم ) :الكاتب المعروف ( الدكتور مصطفى محمود •

كان يترك لنفسه العنان ليسرح مع تأمالته في كـل

.شيء من حوله

الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي للسيد •

:الرئيس المبارك

نهو نموذج للبساطة والتواضع الذي يمشي على قدمي

الصالون صغارا فى من إدارة حوارات مع كل من ، ال يأنف

.وكبارا

:الفنان محمود عبد العزيز •

يتصرف باعتباره صاحب مكان ، وهذا حقيقي ، فهـو

عشرة عمر ، فضال عن خفة دمه الشـديدة وتبسـطه مـع

.الجميع

:على الحجار •

أثنـاء ) علي ( الصمت والسرحان هما سمة شخصية

.وجوده في الصالون

:ني شاكر ها •

هاني هو جاري وصديقي وزبوني الدائم ، وهو يحـب

.الضحك جدا ، ولعل هذا هو سر شبابه الدائم

:الكاتب أنيس منصور •

يعشق النكتة والتعليقات الساخرة الذكية ، ويجيد فنـون

.الحوار مع كافة المستويات الثقافية والعمرية

:بليغ حمدي •

.هام جديد فوضوي ، ودائما في لحن جديد وال

ات وأذواقـــموض

تسألني عن أحدث موضة في قصات وتسـريحات

الشعر ، وأنا أؤكد لك ولقراءك بأنه لم تعـد هنـاك مـا

يسمى بالموضة التي يجتمع حولها فئات المجتمع في بلد

تتشابه وتختلف " موجات " ما ، بل هناك إن صح التعبير

احد ، وحتى يكـون ، وتتعاقب عدة مرات في اليوم الو

كالمي واضحا فعليك أن تنظر إلى رؤوس الشباب فـي

الشارع المصري ، والشباب هم أول من يتأثر بالموجات

الوافدة ، مـاذا – كما تسميها –الجديدة ، أو الموضات

ستجد ؟

ستجد عشرات التسريحات المختلفـة والمتباينـة ،

هـي وأن تشابهت في شيء ، ولكنها ال تجتمع عليـه ، ف

تلتقي غالبا على القصات العسكرية التـي تتفـق علـى

الشعر القصير ، وربما القصير جدا ، وإذا أردت تحليلي

التي " الالمباالة " لتلك الظاهرة ، فإنني أرجعها إلى حالة

تنتاب بعض الشباب ، فهو قد مل من العناية المبالغ فيها

ـ ى بشعره ، مرة يصففه إلى الجانب األيمـن ومـرة إل

الجانب األيسر ، ومرة إلى الخلف ، أحيانا باستعمال مادة

!!وأحيانا أخرى مستخدما كريمات الشمع " الجيل "

وفي هذه المرة رأى الشباب أنشـهره ال يعنيـه ،

!فحلقه بالموس

أما السبب وراء عدم وجود موضة واحدة يلتف من

حولها الشباب ، فهو أن العالم وهو مشرف على مشارف

لقرن الواحد والعشرين قد أصبح قرية كونيـة واحـدة ا

يشاهد كل موضات أو موجات العالم في يـوم واحـد ،

ويتأثر بها في نفس الوقـت ، يشـاهدها عـن طريـق

الستااليت وأدوات االتصال الحديثة مثل االنترنـت ولـم

يعد خاضعا لرؤية واحدة كانت تحتكرها وسائل اإلعـالم

لشباب خاضعا لتأثيرات متعددة ، بشكلها القديم ، فأصبح ا

ولذلك ) آخر ( وما يتأثر به أحد الشباب ، قد ال يتأثر به

كل حسب ذوقه وكل حسب اختياره .. حدث هذا التنوع

!ودرجة تمرده أيضا

أما النصيحة التي أوجهها إلى كل رجل فهـي أال

يحاول إخفاء عيوب شعره ، وكل رجل لديه عيب ما في

لشعر الذكي هو الذي ينجح في إخفاء شعره ، ومصفف ا

.ذلك العيب ، وتحويله إلى شكل جمالي

) ذيل الحصـان ( عن تقاليع الشباب الغريبة مثل

والضفيرة يرى محمود أنه قديما كانت الموضـة تصـل

إلينا بعد ثالث سنوات ، أما اآلن فتأتي حال ظهروهـا ،

يفعل ما والشباب يتابعها قبل الحالق ، والولد من حقه أن

سنة ، والشاب الذي يطيل ١٢يشاء في شعره حتى سن

شعره ليضع منه ذيل حصان هو شاب لـم يسـتطيع أن

يفعل ما يريد وهو طفل صغير والطريـق أن األطفـال

الصغار هم األكثر دراية باختيار القصة والتسريحة التي

تناسبهم قيما الشباب يقلـدون فقـط مـا يرونـه عبـر

.س نجوم السينما الشباب الفضائيات وعلى رؤو

وعن كيف يختار الشخص حالقه الخاص يقول إن

.أحسن حالق هو الحالق الذي أعتاد عليك وأعتد عليه