- ٢ -

א א א א

אא

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

- ٣ -

إهداء إهداء

أحمد السعدني. د.ـ إلى أ . الحضور البهي

: ـ إلى الصديق الشاعر مشهور فواز

الذي فجر في نفسي القضية اعترافا وحبا

عبد الناصر

- ٤ -

- ٣ -..........................................................................إهداء

- ٤ -........................................................................فهرس

- ٥ -.........................................................................مقدمة

- ١١ -.................................................الجذور: الفصل األول

- ٥١ -...................................................الكلمة : الفصل الثاني

- ١٤١ -...............................................السيف : الفصل الثالث

- ١٩٥ -....................الصراع بين الكلمة والسيف : الفصل الرابع

- ٢٢٨ -..............................االنتظار والخالص: الفصل الخامس

- ٢٧٧ -..................................................................الخاتمة

- ٢٨٢ -...................................................المصادر والمراجع

- ٥ -

ر الفنون األدبيـة قـدرة المسرح الشعري الحديث من أكث

على تجسيد وعي الشعراء وطرح رؤاهم الفكرية الجديـدة، حيث يجمع بين الفكر الواعي وآليات التعبير عنه في آن، من خالل أدوات فنية وتكنيك جمالي رحب، فقد جسد المسـرح الشعري قضايا عصرية ملحة، عاشها الشـعراء وكابـدوها،

نهزام، واالنتظار، واإلدانة، القهر، والسقوط، واال : مثل قضايا . والكلمة والسيف، والخالص

وتأتي قضية الكلمة والسيف في طليعة هذه القضايا؛ لما لها من أهمية قصوى، حيث تكشف العالقة الثنائية الجدليـة

وقد أشار بعض الدارسـين . بين المثقفين والسلطة ومعطياتها د الصبور خصوصا عند عب -والنقاد إلى مالمح هذه العالقة

إشارة سريعة، ولم تلق هذه الظاهرة عناية كاملة، فلم تحظ -بدراسة مستفيضة، حتى تتبلور مالمحها من جميع الجوانب، لكن معظم الكتابات اتسمت بالعمومية واالقتضاب، وهذا هو

" الكلمة والسيف "السبب الرئيس الذي حدا بنا لنتناول الظاهرة رئ تجليات الكلمة والسيف من كل جوانبها، حتى نكشف للقا

- ٦ -

في صور عدة، ثم صراعات الشخصيات المسـرحية حـول . اختيار أيهما ليكون حال دراميا، وحال لمشكالت الواقع

عبد : وقد اقتصرت هذه الدراسة على ثالثة شعراء، هم فعبـد . الرحمن الشرقاوي، صالح عبد الصبور، أنـس داود

اعـد البنـاء الرحمن الشرقاوي قد بدأ الـدائرة، وسـن قو دخوله ساحة المسرح الشعري يبشر "خصوصا بعدما أصبح

بانتقالة أرقى تستوعب منجزات الفكر التقدمي فـي قضـايا العدالة والحرية، ومنجزات ثورة الشـعر العربـي الجديـد

) ١(معاوصالح عبد الصبور يمثل مرحلة النضج الفنـي فـي

عد أن ب"المسرح الشعري الحديث، خصوصا أن في مسرحيته مشكال تتويجا لمرحلـة "يكتمل بناء العالم عنده " يموت الملك

المسرح الشعري العربي علـى وجـه -زاهرة من المسرح ودفعة حارة له، فاتحة الطريـق رحبـا أمـام -الخصوص

إمكانية تأكيد اإلنجازات والتخطي التي تقـع علـى كاهـل أشواق األجيال التالية من أجل تعميق ارتباط المسرح بهموم و

اإلنسان العربي لمجتمـع متحـرر مـن القهـر والتسـلط . )٢("واالستقالل

- ٧ -

ــدها ــي أك ــجة الت ــة الناض ــة العميق ــذه التجرب هعبد الصبور جعلت أمر إنجازها مهمة شاقة، بل إنها وضعت

فـي مـأزق - من كتاب المسرح الشعري -من أتى بعده صعب، واختبار شاق، لكن المحاوالت كانت معبـأة بنسـيم

حلم وشهوة الحضور، على الرغم من وقوعها تحت ضغط ال . التأثير والنهل من تجربة الرائدين خصوصا عبد الصبور

وقـد . وأهم هذه التجارب تجربة أنس داود المسـرحية اخترناه ليمثل مرحلة االمتداد فـي شـيء مـن الشـمولية واالكتمال، والنضـج، فقـد خلـف وراءه مجموعـة مـن

بلغت عشـرا، كانـت قضـية الكلمـة المسرحيات الشعرية . والسيف من أهم القضايا التي شكلت عالمها

: وقد جاءت هذه الدراسة في خمسة فصول ومقدمةتناولنا فيه مفهـوم الكلمـة " الجذور" بعنوان :الفصل األول

والسيف وأهمية كل منهما ودوره ومكانتـه في الديانات والتاريخ القديم، ثم في الشـعر

تلف عصوره في شيء مـن العربي في مخ اإليجاز، ثم تناولنا المزاوجة بـين السـيف

. والقلم في الشعر العربي القديم ثم الحـديث

- ٨ -

وفي الفصل نفسه قدمنا الشاعر الجديد بـين الكلمة والسيف، وتناولنا العالقة بين المسرح

- تاريخيا وفي إيجاز -والشعر، وعرضنا . لمسيرة المسرح الشعري

وفيه تعرضت الدراسة للكلمة مـن " الكلمة " :الفصل الثاني الكلمـة السـلبية : أوال: خالل صورتين لها

الكلمة المضـللة، والكلمـة : وأنواعها مثل المداهنة أو المتذللة، والكلمـة الالجـدوى،

الكلمـة اإليجابيـة بكـل أبعادهـا : وثانيا . ودالالتها

مـن ، وتناولت الدراسة فيه السيف "السيف ":الفصل الثالث السـيف األهـوج : األولى: خالل صورتين . السيف المبصر الواعي: المتهور، والثانية

تناول الصراع بـين الكلمـة :الفصل الرابع والسيف مـن خـالل تحـاور الشـخوص المسرحية المتناقضة في الموقف واالختيار، حيث ينحـاز بعـض الشـخوص للسـيف

. وبعضها ينحاز للكلمة

- ٩ -

النتظار والخالص، وفيه عرضـنا وتناول ا :الفصل الخامس انتظار الشـعراء وخالصـهم مـن خـالل

. شخوصهم المسرحيةوفيها عرضنا ألهم النتائج التـي توصـلت إليهـا :الخاتمة

. الدراسةهذه إطالله على أهم قضايا المسرح الحديث، نأمـل أن

لقت الضوء في شيء من الموضـوعية، وفتحـت قد أ تكون .ي حاجة ملحة للدراسةالطريق أمام قضايا أخرى ف

- ١٠ -

هوامشهوامش: المسرح الشعري العربي، القـاهرة : رفعت سالم ) ١(

١٩٨٦الهيئة المصرية العامة للكتـاب، المكتبـة الثقافيـة، .٧٧ص

.١٢٢السابق، ص) ٢(

- ١١ -

אא

- ١٢ -

: : الكلمةالكلمة: : أوالأوال

الكلمة في مفهومها اللغوي تقع على لفظة مؤلفة من روف ذات معنى، وتقع على قصيدة بأكملها وخطبة جماعة ح قـال . قال الشاعر في كلمته أي في قصـيدته : يقال. بأسرها

: والكالم. ناطقه: وكالمه. القصيدة بطولها : الكلمة: الجوهريفي قولـه عـز " مسح " وفي التهذيب في ترجمة ... الجراحـ ﴾ بكلمة منه اسمه المسيح ﴿: وجل : و منصـور ، قال أب

سمى اهللا ابتداء أمره كلمة ألنه ألقى إليها الكلمـة ثـم كـون الولد، والمعنى يبشـرك بولـد : الكلمة بشرا، ومعنى الكلمة

وعيسى عليه السالم كلمة اهللا : اسمه المسيح، وقال الجوهري .)١(ألنه لما انتفع به في الدين كما انتفع بكالمه سمي به

بشر وقدسيتها وقدرتها علـى وألهمية الكلمة في حياة ال السـيف بوصـفها أكثـر / التأثير والتغيير قدمت على القوة

تأثيرا وأسرع فاعلية وإقناعا، فهي تعتمد على مبدأ االختيـار السهل ال اإلجبار، فكانت أداة الرسل في تبليغ رساالتهم إلى

فكانت الكلمة في القرآن الكـريم . الناس، ودعوتهم إلى النجاة

- ١٣ -

عدة فجاءت أول آية في القـرآن تشـير إليهـا، في مواضع ، ثـم )٢( ﴾ اقرأ باسم ربك الذي خلق ﴿: وتكشف عن أثرها

الكلمة لما له من أهميـة كبـرى، / أقسم اهللا عز وجل بالقلم ، ثم )٣( ﴾ والقلم وما يسطرون ن ﴿: وجعل له سورة باسمه

حداهما طيبة إيجابيـة مثمـرة، إ: بين أن هناك نوعين للكلمة ألم تر كيف ضـرب اهللا ﴿:وأخرى خبيثة، مدمرة، قال تعالى

مثال كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابـت وفرعهـا فـي ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من ﴿، )٤(﴾ السماء

، ويؤكد الرسـول عليـه )٥( ﴾ فوق األرض ما لها من قرار : الصالة والسالم على قيمة الكلمة وأثرها في حياة الفرد بقوله

.)٦( "الكلمة الطيبة صدقة" والكلمة عند علي بن أبي طالب وسيلة للكشف عن عالم

المرء مخبوء تحت لسـانه " اإلنسان وبيان مالمحه فيؤكد أن .)٧(" تكلم ظهر فإذا

وقد وردت الكلمة في الكتاب المقدس مرادفة للمسـيح، فـي البـدء كـان " حيث جاءت في افتتاح إنجيـل يوحنـا

، والكلمة في اإلصحاحات الخمـس األولـى مـن )٨("الكلمة إنجيل يوحنا ذي الطبيعة األفالطونية، مقرونة بالنور بشـكل

- ١٤ -

ن تماثل النور ، لك )٩("النور الذي يضيء في الظلمة " صريح إذ " والكلمة أقدم وأشمل بكثير من أفالطونية القديس يوحنـا

أن نصوص األدبانيشاد تقرن باستمرار النور وأحيانا النـار . )١٠("بالكلمة

وفي المالحم المصرية كما عند اليهود القـدماء تسـبق ": سـفر التكـوين "الكلمة خلق الكون، فأولى كلمات يهوه في

، ويبـرهن يونـغ أن )١١(" نور فكـان نـور وقال اهللا ليكن "ـ أوربيـين -هو نفسه الهنـد " ما يلمع " االشتقاق اللغوي ل

الذي ينتج عبارة تكلم، وأن نفس االشتقاق المزدوج موجـود عند المصريين، كما أن يونغ يذهب أبعد مـن ذلـك عنـدما

و " لغـط، تمـتم "يتوصل إلى إيجاد قرابة بين جذري كلمتي شمس، فيرى في تلك إبرازا أسطوريا للتماثـل ال" طائر التم "

االشتقاقي بين النور والكلمة، ذلك أن الكلمة كـالنور، هـي .)١٢(األقنوم الرمزي للقدرة المطلقة

أما الكلمة في اليونانية فقد جـاءت بمعنـى أن العقـل أقول، : بمعنى) logo(بالالتينية من فعل ) Logos(اللغوس

ت بحـوث عـدة ترجـع فكـرة وقام. فهي الكلمة أو القول إلى - التي وردت في افتتاح اإلنجيل -) Logos(اللوغوس

- ١٥ -

تأثير فيلون اليهودي، وترد الكلمـة إلـى األصـل العبـري Dabhar في العهد القديم، واتسعت فكـرة اللوغـوس فـي

الفلسفة الرواقية لتصبح العقـل البـذري أو المبـدأ الخـالق .)١٣(لألشياء

يصل إلى درجات السمو والقداسـة وللكلمة مقامها الذي ومن أجل ذلك كثيرا مما ذكره العرب مـن "في حياة العرب

التحفي باألقالم عند انتقائها مما لو قيل مثله في زماننا لكـان فقد جعلوه كائنا من ... أحجية من األحاجي ولغزا من األلغاز

الكائنات العلوية تساعدت عليه السعود في فلك البروج حوال تؤلفه بمختلف أركانهـا وطباعهـا وبتبـاين أنوائهـا كامال

الكلمة مـن حيـث / ، ومن أجل هذا يأتي القلم )١٤(" وأنحائهامن قبيل اإلعجاز الذي تلتئم فيـه األضـداد، فهـو "الفاعلية

يشرب ظلمة ويلفظ نورا، ويطلق اآلجال واألرزاق وينفـث كاته، السم والترياق، تدق اإلدراك حركاته وتحلى بالنفائس فت

طورا يرى إماما يلقي درسا، وطورا يرى ماشـطة تجلـو والعجب أنه ال يزهو إال . عرسا، وطورا يرى أفعوانا مطرقا

عند الطرق، ولطالما نفث سحرا، وجلب عطرا، وأدار فـي . )١٥(" القرطاس خمرا

- ١٦ -

القلم / التفتت العرب في صدر اإلسالم إلى دور الكلمة دامه بجانب السـيف، حيـث بوصفها سالحا قويا يمكن استخ

بادر شعراء قريش باستخدام الكلمة وبـدءوا أول المعـارك الكالمية، وكان من أشهر شعراء هذا االتجاه عبـد اهللا ابـن الزبعرى وأبو سفيان بن الحارث، وتصدى بعـض شـعراء المسلمين للوقوف في وجه الكفر والطغيان مثل حسان بـن

لكلمة ساعدا قويا مساندا ثابت وكعب بن مالك، من هنا كانت ا . للسيف في غزوات الرسول ـ صلى اهللا عليه وسلم

وقد حظي تراثنا الفكري واألدبي باإلشـارة إلـى دور الكلمة، واهتم بها من خالل حياة القلـم ـ بوصـفه األداة ـ الذي يمتلك قدرة خارقة على التجلي في صور عـدة، فـأبو

الهائلة على الفعل الذي الكلمة وقدرته / تمام يكشف دور القلم :يصل إلى درجة السحر فيقول

لك القلم األعلى الذي بشباته تصاب من األمر الكلى والمفاصل

له الخلوات الالء لوال نجيها لما احتفلت للملك تلك المحافل

هلعاب األفاعي القاتالت لعاب

- ١٧ -

أي تهنى اشتارالج ياسلوأرود ع له ريقة طل ولكن وقعها

بآثاره في الشرق والغرب وابل اكبر وهو إذا استنطقته حفصي

وأعجم إن خاطبته وهو راجل إذا امتطى الخمس اللطاف وأفرغت

)١٦(عليه شعاب الفكر وهي حوافل إن الكلمـة أو : من خالل ما تقدم ذكره نستطيع القـول

بوصفهما األداة الكاشفة عن رؤية اإلنسان ووجدانـه -القلم كان البد أن تحظى بهذه -وإنسانيته، والقوة المعنوية الفاعلة

. المكانة السامية التي تصل إلى درجة القداسة

: : السيفالسيف: : ثانياثانيا إليـه المغـزى الصالح النبيل الذي يتجه " السيف هو

العميق لسائر األسلحة على ما تدل عليه اآلثار والتقاليد فـي .)١٧(" العصور القديمة والوسطى عند العرب وغيرهم

وفي أساطير االنتروبولوجيا يأتي السيف الذي يحمله البطل رمزا للقوي وللنقاء في آن واحد، فهـو رمـز القـوة

- ١٨ -

حاز البعض إلى اعتناقه ، ولهذا ين )١٨(... الروحانية والعالئية في -" فهوغو " رغبة في إكمال نقص في البنية البيولوجية

يعترف بأنه ينحـاز إلـى -محاولة منه للتعويض الجسدي كنت أشعر بحاجة ألن أكـون قويـا : " سيف لكي يكون قويا

بالسيف مثل أبي ونابليون، لو لم أكتشف البديل الرائع في أن . )١٩(" توبريانأكون قويا بالفكر مثل مثا

ويأخذ السيف في األساطير منحى أبولونيا، ولذا كان من المؤكد أن السيف سالح الزعماء والمحاربين األشداء، يترافق

، ويبقى البطل الصرف، البطل )٢٠(دائما بالترس أو بدر أثينا المثالي، هو الذي يشق التنين، وبالرغم من هذا التفاهم بـين

األخير، حتى ولو اقتصر على استعارة السيف والقيد فإن هذا ، ويبقى )٢١(قضائية، يبقى في األساس أداة آلهة الموت والزمن

. السيف داللة على الشعوب المنتصرةونظرا الرتباط السـيف بالعفـة واإلقـدام والشـجاعة والبطولة، وحرص العرب على استخدامه في كـرهم، فقـد

عليها فـي وردت في العربية أوصاف ومسميات عدة يغلب األكثر واألعم، تلك المشتقة من صـفات البطـل، فالسـيف لحامله هو الصاحب والخليل، لـه مثـل عزمـه ومضـائه

- ١٩ -

ويتضرج مثله بالدم، وال يفارقه إال بالموت أو بمـأثرة مـن ، وقد بلغت أسماء السيوف ما أنشده ابـن أحمـر )٢٢(:المآثر : فقال

تقلدت إبريقا وعلقت جعبة ٢٤( ا ذا زهاء وجامللتهلك حي(

وال ينبغي أن "ويوجد ارتباط وثيق بين السيف والعقيدة خالد ابـن - صلى اهللا عليه وسلم -يكون لتسمية رسول اهللا

الوليد سيف اهللا المسلول معنى إال من جهة المالزمـة بـين صلى اهللا عليه -، ولهذا حرص الرسول )٢٥("السيف والعقيدة

ة السيف ودوره الفاعل، الفارق بين على إبراز مكان -وسلم الحق والباطل، وبه يرد كيد الكافرين، ويؤكد ذلك الرسـول

-، وكان للرسـول )٢٦("الجنة تحت ظالل السيوف : " قائالمفقـر، : أي" ذا الفقار " سيف يسمى -صلى اهللا عليه وسلم

. ويذكر أنه صنع من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبةلسيف أحيانا يحمل صفات الذكورة، وأحيانـا وقد ورد ا

مالمح األنوثة، وأحيانا يجمعها معا، فإذا كانت شفرته حديدا ومتنه أنيثا فهو مذكر، وقد أحسن ابن الرومي في الجمع بين

:التذكير والتأنيث حيث قال

- ٢٠ -

بض عف الكه ب ما استعصمتريخ

)٢٧( زه المثين أهد حركذ : ويذهب أبو الشيعي إلى الوجهين في قوله

كالسيف إن الينته الن متنه )٢٨(وحداه إن خاشنته خشنان

أما الفرزدق فيكشف عن مالمح السيف األنثوية، حيـث : يكني به عن جارية له حبلى كرفيق، فيقول

حنوجفن سالح قد رزئت فلم أ يه البواكيا عليه ولم أبعث عل

وفي جوفه من صارم ذي حفيظة )٢٩( لو أن المنايا آنسته لياليا

ويقدم بشار بن برد الوجه الذكري للسيف حيث ضرجوه بالدم ورشحوه مسكا، وهو من أدوات الطيب التي يستخدمها

: الرجال دون النساء ويبقى بها مسك للمس أكفهم )٣٠(على أنها ريح الدماء تضوع

- ٢١ -

/ السف في أشعار العـرب مرادفـا للمحبوبـة ويأتييشـتهي الحيـاة فـي " لألنوثة، كقول عنترة بن شداد، الذي

الموت، ويرى في الموت الحياة، ويحلم للحظـة الوصـول الكامل التي ال تتحقق إال بالدماء ويبسط حضوره فـي ثنايـا حلمه، على األشياء والكائنات التي يحيلها إلى مرايا له ومرآة

. )٣١("يحبلمن ولقد ذكرتك والرماح نواهل

مني وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف ألنها )٣٢( لمعت كبارق ثغرك المتبسم

لطفي عبد البديع اقتران الـذكورة واألنوثـة . ويفسر د وقد يقال إن الوجه في ذهورة السيف ظاهرة : "بالسيف فيقول

هامة ومضاء في األمور، أما أنوثته فما لما تعترف به من ش أن الوجه فيها تجام السيف، وهو من : الوجه فيها؟ والجواب

تمام عمله، والذكورة واألنوثة مقولتان تستوعبان في العرب والسيف إذا كان يحمل الجهتين جميعا فألنـه ... أشياء كثيرة

.)٣٢(" تفسير للحياة التي تجمع بين الضدين

- ٢٢ -

السيف يحدد أبـو محمـد بـن مالـك وفي رسالته في القرطبي مالمح السيف وأوصافه، حيث اهتمت بـه العـرب ورأت فيه المنعة، والعزة، والفصـل، والتحقـق ومواجهـة الموت لخلق الحياة الفضلى والخلود، فهـو يسـجد للحظـة

فكأنمـا باضـت علـى : "الفارقة بين الموت والحياة فيقول بوارق الجو، ولكنها إذا وبقت في أكفهم . رؤوسهم نعائم الدو

ما هزت فبوارق، وإذا صبت فصواعق، من كل ذي شـطب كأنما قرى نمل، علون منه قرى نصل، فإذا أصـاب فكـل شيء مقتل، وإذا حز فكل عضو مفصل، أمضى في اإلشباع من األجل المتاح، عضب المتن، صقيل يكاد إذا انتضى يسيل

الغمد، ما لـم ويكاد مبصره يغني عن الورد، إذا اخترط من يخله ريعان سراب في صحصـان يبـاب، الشـتباه فرنـده بحجاب في شراب، أو حباب في سراب، فلما رأيت جفنه قد

انطوى على جمر الفضى وماء األضى، وانتظم على خصره الجنح ورونق الصبح، قلت سبحان مكـور الليـل والنهـار

. )ب٥(" والجامع بين الماء والنار -اكتسابه لميزات رمزية جديـدة مع -ويبقى السيف

مرتبطا بأنموذجات السلطان، ويبقـى علـى ارتبـاط دائـم

- ٢٣ -

بالصولجان، منشطا له بالحرب والنزال، إنه القـوة الماديـة . الملموسة

المزاوجة بين السيف والقلـم المزاوجة بين السيف والقلـم / / المقابلة المقابلة : : ثالثاثالثا : : الكلمةالكلمة//

أن كـال منهمـا يسـتدعي اآلخـر : ونقصد بالمزاوجة قلما يتساويان "جنان والقلم رسول البنان و ويالزمه، رسول ال

في النفس الواحدة، فمن الناس من تنزع به نظرته إلى الفكر يبرق في الكلمة المجنحة يسيل بها القلم، ومنهم من تستبد به دواعي الغلبة يجلبها في البطولة الشامخة يصنعها السـيف،

من ولكن هذا وذاك أداة من أدوات المغامرة الروحية، ومعقل معاقل الفعل المتعالي الذي ينم عما في الثقافة مـن شـباب،

وترتبط عملية االنحيـاز . )٣٥(" ويدل على ما فيها من إيجاب سواء أكان ألحدهما أم كليهما معا بظروف المجتمع السياسية

وهذه الثقافة العربية في عنفوانها، فكان للسيف فيها "والثقافية إذا كان قد جرى بينهما تفاضل سلطان، وللقلم سلطان مثله، و

فإن هذا التفاضل لم يكن ليفضي إلى انتفاء قيمة أحـدهما إذ كان ذلك إيذانا بأفول الثقافة يتبلد فيها القلم فيجـف ويسـقط،

- ٢٤ -

ويكل فيها السيف فيصبح سيفا من خشب تسخر منه حقيقتـه . )٣٦(" الخشبية

في والمزاوجة بين الكلمة أو القلم والسيف ظاهرة شائعة شعرنا العربي القديم، فقد وردت عند كثير مـن الشـعراء، خصوصا في العصر العباسي عند أبي تمام، والمتنبي، وابن الرومي، فأبو تمام في بائيته يزاوج بين الكلمة والسيف فـي

الكلمة حيث رأى / جدلية تعتمد على تقديم السيف على الكتب ن الكلمات أو أن في السيف حال لقضايا عصره، وال جدوى م

العلم، فالفعل اإليجابي يتجسد في السيف بوصفه أداة قاطعـة وسريعة في إحداث التغيير، وهو أكثر صدقا، يحمـل فـي

وإذا "نصله الفصل بين الجد واللعب، بين الزيف والحقيقـة، / ، ولكـن الكتـب )٣٧(" استعمل فقد برئ األمر من الهـزل

: الكلمات ال تحمل هذه المعطيات الفاعلة السيف أصدق أنباء من الكتب )٣٨( في حده الحد بين الجد واللعب

ثم يزاوج بين الرأي والسيف موضحا قيمـة الكلمـة : القوية الفاعلة

وجرد من آرائه حين أضرمت

- ٢٥ -

به الحرب حدا مثل حد المناضلومع مطالع العصر الحديث تالزمت العالقـة بـين

فالبـارودي يـرى أن الكلمـة والسـيف الكلمة والسـيف، ضرورتان من ضرورات الملك، فهما مقترنان متالزمان، بل إنهما ممتزجان، منصهران، ال يقوم الملك إال بهمـا، يقـول

: البارودي فالسيف ال يمضي بدون روية )٤٠( والرأي ال يمضي بغير مهند

ويشير البارودي إلى خطورة استخدام أحـدهما دون حيث السلبية والشطط، فالكلمة الضعيفة قد ال تغيـر، اآلخر،

: والسيف بدون عقل يحكمه ويقوده يؤدي إلى نتائج وخيمة إذا لم يكن للمرء عقل يقودههقد٤١( فيوشك أن يلقى حساما ي(

وتتضح العالقة المزاوجة أو المقابلة بـين السـيف ي، الكلمة أو ما كان في معناهما فـي شـعر شـوق / والقلم

خصوصا في الشوقيات، حيث لجأ إلى المقابلة بـين القـوة الكلمـة، / المادية والقوة المعنوية، فينحاز أحيانا إلى القلـم

- ٢٦ -

ويأمل أن تسود بوصفها أكثر فاعلية أحيانا، وأن تتحول القوة : المادية المسيطرة على واقعه إلى قوة معنوية إيجابية

هذا الزمان تناديكم حوادثه )٤٢( لة السيف كوني دولة القلميا دو

: ثم يقول يمضي وينسى العالمون وإنما

٤٣(تبقى السيوف وتخلد األقالم( ويؤكد شوقي انحيازه بصورة أكبر للكلمة والـرأي،

أنه شاعر يعي قدسيتها وموقفها، فيقول مخاطبـا ، خصوصا :الغازي مصطفى باشا كمال يف ما كذبت يا حسن أمنية في الس

)٤٤(وطيب أمنية في الرأي لم تخب / وترددت في شعر شوقي مسميات كثيـرة للسـيف

وللقلم . القوة المادية مثل الصارع، اليراع، الصمصام، المهند األقالم، الكتب، الرأي الفكر، الكلمـة، : القوة المعنوية مثل /

: يقول شوقي بت موالي غنتك السيوف فأطر

طرباعي أن يغني فير٤٥(فهل لي(.

- ٢٧ -

وهذه المقابلة بين السيف والقلم إنما تكشف مالمـح واقعه وحياته التي كان يعيشها، فالسيف يرمز استخدامه إلى عالم القصر الذي كان يحيا ويتحرك بين أركانه، والقلم رمز لعالمه وملكته بوصفه شاعرا أداته الكلمة، ويلحظ القارئ أن

إن - مـن خـالل السـياق -في مقابلته بين السيف والقلم السيف يذكر أوال والقلم ثانيا، وهذا يرجـع إلـى اسـتخدام

. )٤٦(المقابلة في سياقات سياسية

: : الشاعر الجديد بين الكلمة والسيفالشاعر الجديد بين الكلمة والسيفالشاعر الجديد طرح طبيعي للعصـر الـذي أنجبـه،

طيـات وللموروث الفكري والثقافي والفني، ولما كانـت مع العصر الحديث تختلف اختالفا واضحا عن معطيات أية حقبة مضت فإن اآلليات الثقافية والفنيـة السياسـية قـد تعـددت وتشابكت أمامه، بل إن الحياة قد تغيـرت فـي مضـمونها

. وإطارهاوأمام حركية العصر الجامحـة، وتغيـر المواقـف

ن له والرؤى أدرك الشاعر المعاصر أنه ينبغي عليه أن يكو دور في بناء مجتمعه وتنمية وعيه، إنه يحمل بين جوانحـه

، ولذا يـرتبط )٤٧( شهوة إصالح مجتمعه - كما قال شلي -

- ٢٨ -

الشاعر المعاصر بمعطيات عصره وقضاياه، ارتباطا وثيقـا علـى مـا -وفاعال، ال ارتباط السلبي المتفرج، الذي يقف

مع ما من الخارج فيكتفي بالوصف والرصد منفعال -يشاهد يصف، ولكن الشاعر المعاصر يدخل في غمـار مجتمعـه،

صاحب - في نهاية المطاف -ويختلط بتلك األصوات، وهو المجتمع قد أودع الفنان كل ثقته، والفنـان "هذه القضايا، ألن

قد استقر في نفسه الشعور بضرورة - في مقابل هذا -نفسه لفنان إلى حـد ولقد بلغت ثقة المجتمع با . اإلخالص للمجتمع

. )٤٨(" كان ينظر إليه أنه نبي قومه بوصفه شاعرا مهمومـا -ويبرر صالح عبد الصبور

سبب ترسيخ هـذه النظـرة التـي -بدور الوعي واإلبداع إن الفالسـفة واألنبيـاء : "يوجهها المجتمع إلى الفنان فيقول

إذا (والشعراء ينظرون إلى الحياة في وجهها ال فـي قفاهـا وينظرون إليها ككل ال كشذرات متفرقة ) تعبير كامي استعرنا

في أيام وساعات، ومن هنـا فـإن همـومهم يخـتلط فيهـا الميتافيزيقا والواقع والموت والحياة، والفكر والحلم، وكثيـرا ما تثقل وطأة هذه النظرة الكاشفة الثاقبـة علـى نفوسـهم،

اعر وينتابهم الشك في إمكان اإلصالح، ولذلك فإن حياة كل ش

- ٢٩ -

أو نبي أو فيلسوف لحظات من اليأس المرير أو االستشـباع . )٤٩(" الشامل للواقع والطبيعة

ولهذه المسئولية التي يفرضها المفكر أو الفنـان علـى نفسه إنما هي انحياز طبيعـي لاللتـزام، وقيمتـه، فهـؤالء

معذبون بقضـية - في كل المجتمعات الحديثة -المفكرون وحيرتهم في اختيار األداة المثلى لدفع دورهم في مجتمعاتهم،

بعد أن يرفضـوا أن يكـون خالصـهم "المجتمع إلى األمام ، )٥٠(الشخصي باطراح مشكالت الكون واإلنسان عن كواهلهم

الشاعر المعاصر يدرك في وضوح أن مجتمعـه يحـارب "ومعركة مصيرية، وأنه يملك سالحا من أخطر األسلحة فـي

، ومن خالل شـعور )٥١(" هو الكلمة هذه المعركة هو الشعر، الكلمة يدخل في جدل عميـق / المبدع الشاعر بقيمة سالحه

أن الشاعر الذي يرى للشـعر دورا "مع واقعه السياسي ذلك إيجابيا بوصفه واحدا من منتجي الوعي اإلنسـاني وحامليـه وبوصفه سلطة مناقضة لسلطة القهر، والثبات، يضعه الشعر

. )٥٢(" ات الحاكمةفي مواجهة المؤسس تتم بـاألداتين - خصوصا السياسي -ومواجهة الواقع

كل حسب إمكانياته وإيمانه التام باألداة التي يعتنقها في تغيير

- ٣٠ -

ولئن كان الفارس القديم يحارب معركته بالسيف فقد "واقعه، كان يكسب نصف المعركة بالكلمة، وبالشـعر علـى وجـه

تتآزر الكلمة الشاعرة والسـيف، التحديد، ولم يكن غريبا أن وكالهما يستمد حرارته من موقف الفـارس الموحـد، مـن

. )٥٣(" عقيدته التي آمن بها وبكل مبادئهافاإليمان بجدوى الكلمة وقيمتها هو الذي جعـل الشـعر العربي منذ زمن بعيد يقف في منطقة الصراع بينـه وبـين

اط الموت، وفي السلطة الحاكمة، فالكلمة من أجلها واجه سقر سبيلها دفع الحسين حياته حفاظا على شرف الكلمة والمبـدأ، وبها صلب الحالج وقتل؛ ألنه كان يمشي بها بـين النـاس

حياة الفكر هي حياة "هذه إشارة على أن . يدلهم على الحقيقة إنسان يقول كلمته، وال يهمه بعد ذلك إن هم علقوه في هـده

فهو مؤمن بالكلمة، . دمنها الشفاه الكلمة، أو تعاطتها العقول لت ومؤمن بعد هذا كله .. ومؤمن بضرورة توزيعها على الناس

فإن قبلتها الدنيا فقد أتم الرسـالة، .. بضرورة إيمان الدنيا بها وإن لم تقبلها فسيان عنده أن يحيا أو يموت، بل ربمـا كـان

.)٥٤(" الموت في عينيه أشهى من الحياة

- ٣١ -

بكل صورها هي حلـم الشـاعر ولم تكن الكلمة مطلقا المعاصر الذي يخلع عن جسده ثوب التبعية للسلطة الحاكمة، فيقف في وجهها ويعريها، ولكن حلمه يتجسـد فـي الكلمـة

التي تجعـل مـن "اإليجابية، الكلمة القيمة أو القيمة المطلقة الحياة معنى، والحياة نفسها ليس لها معنى سوى أنها سـعي

. )٥٥(" كادح نحو هذه القيمةوفي إطار اعتناق الكلمة واإليمان بها يتبلور نموذجـان

يحدثوننا عن معاناتهم في "من الشعراء المعاصرين، بعضهم البحث عن الكلمة وعن محاولتهم إقامة بناء كامل من القـيم عن طريق الكلمة، وعن رغبتهم في أن تصبح الكلمة التجسيم

جهون ضرباتهم إلى يو"، وبعضهم )٥٦(" الحي لجوهر وجودنا المواقف المناوئة للعقيدة المجتمعية متمثلة في الكلمة المزيفة والكلمة األجيرة المسـتعبدة، والكلمـة السـاقطة، والكلمـة

. )٥٧(" الصفراء المزيفةويتجلى االهتمام بالكلمة واالنشغال بها وبـدورها فـي معظم قصائد الشعراء المعاصرين، فصالح عبـد الصـبور

ش حياته مؤرقا بالكلمة معذبا بها رغبة منه في خلق الذي عا إلى الضربة بسهم فـي بنـاء - أحيانا -وعي جديد يصل

- ٣٢ -

قد امتألت قصائده بالحديث عن الكلمة وقدسيتها "مجتمع جديد فقد خصص قصـيدة . )٥٨(" ومدى قدرتها على اإليحاء والقتل

منها، كشف فيها رؤيته للكلمة وموقفه ) األلفاظ(كاملة بعنوان : يقول صالح

لفظ حالم قد يولد في ليل ناعم

في حضن النيل الباسم لفظ مصمت

صمت ا: وأكاد أصيح بقائله فالجرح تدغدغه األلفاظ

لفظ قاتل ا ذو ألف لسان تنفث سم

ال قطرة دم .. دنييأو لفظ ير والسكين األلفاظ تشق اللحم

. )٥٩( ماذا تعني في خاطرك األلفاظ؟: وأظل أسائلنلحظ فيها " الكلمات"كما خصص قصيدة أخرى أسماها

هذا الصراع، الكلمة بوصفها أداة المفكـر والمبـدع وبـين : السيف بوصفه أداة السلطة

- ٣٣ -

ها حديثي محض ألفاظ وال أملك إال..................................

ولأللفاظ سلطان على اإلنسان .. بدء كانألم يرووا لكم في السفر أن ال

الكلمة - جل جاللها - ألم يرووا لكم في السفر أن الحق قوال

: ولكني أقول لكم . )٦٠(بأن الفعل والقول جناحان عليان

وتأخذ الكلمة مساحة كبيرة في فكـر وإبـداع فـوزي رحلة في أعمـاق (العنتيل، حتى أنه سمى بها ديوانا كامال،

/ يستشرف بهـا القـادم رؤيا - عنده -، فالكلمة )الكلمات : المستقبل، بل إنها تحمل طاقة حلمية تتسم باالخضرار

كانت كلماتي أغنيات رؤيا يتجسد فيها ما هو آت

ينبوعا يحلم بالجنات يشمس في وديان الفل

. )٦١(ويقمر في الفلوات

- ٣٤ -

وعفيفي مطر بالكلمة يدخل المدن بعد أن يجالد القبائـل اع والجدل حين يواجه السـلطة بها، ويدخل في بؤرة الصر

وجبروتها وبطشها بوصفه مثقفا يملك أن يطيل النظـر فـي عالمه، ويتخلص من الرهبة والخوف ويقابل النصل بصدره

: العاري، فهو يؤكد والشاعر يستجلي حمأ الصرخة المضيئة ومقام

القصيدة بين الماء والطين يحدق في أعالم ملكوته وانتماءات دمه

إلخ .. عوتمه الرهبوت والطيخلع عن ويشاكس جبروت السيف بصدره العاري

ويجالد القبائل بالقصيدة . )٦٢(ويدخل المدن

ليست الكلمة مطلقـا هـي مـا يـؤمن بـه الشـعراء المعاصرون بل ينحازون إلـى وجههـا الفاعـل الخـالق، ويرفضون الكلمة السلبية بكل صورها، فملك عبـد العزيـز

الجدوى، التي تجـري علـى األلسـنة ترفض الكلمة عديمة الفارغة، وال تقدم فعال إيجابيا يسـهم فـي تغييـر الثبـات والسلبية، وتؤكد الشاعرة بأن الكلمة تحدد صورتها من خالل

- ٣٥ -

معتنقيها، فإذا فقدت المفكر أو المبدع القوي، صاحب القيمـة الخالقة، تتحول إلى جثة هامـدة علـى صـفحات الكتـب

بعـد أن كانـت -ي تنعي الكلمة وترثيها الصفراء، ولهذا فه مرثيـة " في قصيدة بعنوان -نبراسا هاديا ومشعال للثورات

:فتقول" الكلمة عفوا أيتها الكلمة

النبراس الهادي كنت الرائد والحادي

الملهم، كنت والمشعل للثورات

القائد للفعل وكنت القلب وكنت العقل كنت

رغة الجوفاءفاغتصبتك األلسنة الفا الكت عزتك األشداق

. )٦٣(طرحتك على صفر األوراق أما السيف بوصفه الوجه المقابل للكلمـة فيشـترط لـه الشعراء خاصية الوعي للذي يقـوده حتـى يصـبح حـال لمشكالت الواقع المعيش، فال يترك لـه العنـان، فيمـارس

- ٣٦ -

تهوره، وتصبح غايته إراقة الدماء، وفرض البطش والقهـر رحلة في أعماق (ففي قصيدة .. رقاب الشعوب الكادحة على

/ يقدم فوزي العنتيل مزاوجة بين الفعـل والقـول ) الكلمات : السيف والكلمة في إطار الوعي

: يا عنترة العبسي، هتفت حزين النبرات كلماتك عانقها سيفك

في عرس الدم . )٦٤( فتألأل حسامك في فجر الكلمات

ك جوانب ال تصلح فيها الكلمة، ويرى أمل دنقل أن هنا - في هـذا المقـام -وال تستطيع التغيير، ولكن اليد العليا

تكون للسيف، خصوصا في مواجهة العـدو الـذي ال يلـين بالكلمة، ويحاول أن يفرض سطوته وقهره، ويغتصب حـق

يطرح أمل دنقل الخـالص " ال تصالح "الشعوب، ففي قصيدة نخوة، واإلقدام، ورد االعتبار، بالسيف، ويشترط له القوة، وال

: فيقول ال تصالح،

ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ والرجال التي مألتها الشروخ،

- ٣٧ -

هؤالء الذي يحبون طعم الثريد، . )٦٥(وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ

فـي كثيـر مـن قصـائد الشـعراء -ويتجسد أحيانا مة والسيف، وتتضح ملمح الصراع ما بين الكل -المعاصرين

حالة الحيرة في اختيار األداة المثلى، فالقضايا السياسية عنـد أمل دنقل يصبح فيها السيف هو المنتظر والمخلص، حتى إنه

، "في انتظار السيف "يصرح بهذا في عنوان قصيدة انتظارية ويتساءل في حالة من الشك والحيرة من يكون المخلص، وما

الوطن، الواقعة تحت / أن ينقذ األميرة أداته التي يستطيع بها لم يزل راقدا على بحيرة ) خمارويه(نير القهر خصوصا وأن

). الحداد يليق بقطر الندى(الزئبق، فيقول أمل في قصيدة راقدا على بحيرة الزئبق ) خمارويه(كان

... في نومة القيلولة فمن ترى ينقذ هذه األميرة المغلولة؟

من يا ترى ينقذها؟ من يا ترى ينقذها؟

.. بالسيف ) ٦٦(! أو بالحيلة؟

- ٣٨ -

ويبدو الصراع بـين الكلمـة والسـيف عنـد أحمـد التي تطرح عالم ) جرنيكا(عبد المعطي حجازي في قصيدته

الديكتاتور الجنرال بيونشيه الذي أطاح بالجمهورية في شيلي بمعاونة المخابرات األمريكيـة، وقـد اسـتخدم ١٩٧٥عام

وهو خطيب سياسي إغريقـي -) لوسياس(ية حجازي شخص : ليفتح للصراع أفقا جديدا، يقول حجازي-

كان لوسياس على سجادة البهو قتيال هذه خطيئته

التي توج فيها بامتشاق السيف أغنياته للحق لكن بعد أن فات األوان

،سقط السيف من الكف التي كم رفرفت .)٦٧(! فوق رؤوس الناس بالحكمة

*** المسرح والشعر المسرح والشعر

لقد ارتبط الشعر بالمسرح منذ نشأته، وظل لغته الوحيدة أو الغالبة حتى أوائل القرن الثامن عشر، حين بدأت الـدعوة الجديدة الستبدال النثر به، بوصفه أقرب للغة الحياة الواقعية

- ٣٩ -

وأمـا الشـعر فـيالئم "، )٦٨(التي يحاول المسرح تصويرها لين، الذين يرتدون أحذية عالية ويتحدثون مـن خـالل الممث

أقنعة ضخمة والشخصيات التي تعـيش وتتحـدث وتفكـر ، وكثيرا ما يدور الجدل )٦٩(" بأسلوب أرفع وأسمى من الحياة

حول صالحية الشعر للمسرح بما يستلزمه مـن لغـة حيـة ألناس من صلب الواقع لهم لغتهم وطرائقهم في الحياة، وفي

عن أنفسهم بالشكل الذي قد يتنافى مع ما للغة الشعر التعبير لـو أننـي سـمحت " من سمو وارتفاع، ولذلك فإبسن يقرر

للشخصيات غير المهمة العديدة التي تعمـدت تقـديمها فـي كمـا -" اإلمبراطور والجليلي " يقصد مسرحة -المسرحية

قال أحد النقاد إال محاولة االقتراب من الشعر فـي تركيـزه . )٧١(" يقاهوموس

::المسرح الشعري قبل صالح عبد الصبورالمسرح الشعري قبل صالح عبد الصبورقبل مسرح شوقي الشعري كانت هناك محـاوالت فـي كتابة المسرحيات الشعرية، منذ الربع األخيـر مـن القـرن التاسع عشر أمثال محمد عبد المطلب، اليازجي، وعبـد اهللا النديم، وبالرغم مما في هذه المسرحيات مـن هنـات علـى

د المسرحية الفنية فإنها قد أسهمت في ظهـور مستوى التقالي

- ٤٠ -

مسرحيات شوقي الشعرية، وبالرغم مـن هـذه المحـاوالت األولى للمسرح الشعري فإن مؤرخي األدب يتفقون على أن

أحمد شوقي رائد المسرح الشعري في األدب العربي الحديث "حيث ثبت دعائم الفن الجديد في الشعر العربـي ألول مـرة

بما لديه من موهبة شعرية وثقافية "، وذلك )٧٢(" داربقوة واقت .)٧٣(" واسعة وبما في مسرحياته من نضوج واكتمال

وبعد شوقي توالت تجارب عزيز أباظة، وأحمد زكـي وكـل "أبو شادي، ومحمود غنيم، وعلي محمود طه وغيرهم

هذه التجارب كانت تسير على درب أحمد شوقي دون إضافة . )٧٤( شوقي من حيث الكـم والتكنيـك، حقيقية على ما قدمه

ويعد شوقي ومن كتب بعده مسرحا شعريا حركة واحدة فـي / المسرح الشعري، حيث إنهم التزمـوا القالـب التقليـدي

العمودي للقصيدة كقالب فني يصبون فيه تجاربهم المسرحية - يقصد مسرحياتهم الشـعرية -لم يقدر ألي منها " ومن ثم

المسرح، وأصبح من الصعب العثور علـى أن تعتلي خشبة .)٧٥(" نضوجها، ومن ثم قل تأثيرها في تيار المسرح الشعري

ثم جاءت النقلة الكبرى في ترجمة علي أحمـد بـاكثير لمسرحية روميو وجولييت لشكسبير مستخدما فيها ما أسـماه

- ٤١ -

ثم جاءت مسرحيته - الشعر الحر فيما بعد -الشعر المرسل ونفرتيتي، إضافة خطيرة للمسرح الشعري الشعرية إخناتون

بمقدمـة رائعـة ١٩٤٠التي ظهرت في طبعتها األولى سنة للكاتب الكبير إبراهيم عبد القادر المازني بشر بكوكب كبيـر

إخناتون ونفرتيتـي ومضـة " في عالم الشعر ومع ذلك فإن خاطفة تشير لكنها ال تضيء الطريق، فقد افتقدت المسـرحية

وإن -ظهورها المناخ الذي يحولها من عمل منفرد في زمن إلى بداية لحركة جديدة، وافتقد كاتبها القدرة -يكون خطيرا

والطموح واإلصرار على تحويل العمل المنفرد إلى تجربـة .)٧٦(" كاملة

ثم جاءت تجارب عبد الرحمن الشرقاوي إضافة للمسـرح، نانين الذين ولـدوا جيل الكتاب والف "فقد كان الشرقاوي واحدا من

في االنتفاضة الوطنية في األربعينيات، فهو الذي تحمل عـبء تقديم الوجه المشرق لألدب العربي في مصر، وقد خاض فـي ذلك معارك شرسة من أجل ترسيخ الرؤى الجديدة لألدب والفن

، )٧٧(في مواجهة أقطاب المحافظين التقليديين وتالميذهم الجـدد ت لم تخل من هنات على مستوى البنـاء ورغم أن هذه المحاوال

الفني للمسرح الشعري فقد ظلت الغنائية والخطابية أساسـا مـن . أسس المسرح الشعري تهدد بنيانه

- ٤٢ -

الناس فـي "أما صالح عبد الصبور فمنذ ديوانه األول والدراما واحدة من أهم األسس التـي يعتمـدها فـي " بالدي

متابع نتاج الشـاعر أن قصائده، حتى أنه لم يكن من العسير ل يتنبأ بأن خطاه سوف تقوده إلى المسرح الشعري ال محالـة

فقد لعبت إنجازاته الشعرية على مستوى القصيدة دور قاعدة " تحمل روحا درامية ال تخطئها - لديه -فالقصيدة . االنطالق

بمذكرات (ومرورا ) رحلة في الليل (العين العابرة ابتداء من مـذكرات الملـك العجيـب بـن (و) يبشر الصوفي الحـاف

وتخلصت القصيدة رويـدا مـن زوائـد الجملـة ) الخصيبالشعرية وتكراريتها، ودفعت بالروح الغنائيـة إلـى حـدها

. )٧٨(" األدنى، وبالروح الدرامية إلى التصاعد في رسوخويطرح الشعراء في مسرحهم الشعري وفي قضية دور

صراع الدرامي فـي الكلمة مجموعة من األسئلة من خالل ال هل للكلمة دور؟ هل تكفي الكلمة وحدها للقيـام : العمل مثل

بدور إيجابي في تنوير الوعي العام ومحاربة الظلم والقهـر؟ وإذا كانت ال تصلح هل يعني ذلك أن السـيف إذ ذاك هـو البديل األوحد؟ وهل إذا احتكمنا للسيف نضمن أال يتجـاوز

؟ أليس هناك سـيف متهـور الحدود التي نعلق عليها اآلمال . أهوج؟ هذا ما تكشفه الصفحات القادمة من الدراسة

- ٤٣ -

هوامش الفصل األولهوامش الفصل األولدار : ، بيـروت "كلم"لسان العرب، مادة : ابن مظور )١(

. ، المجلد الثاني عشر٦، ط١٩٩٧الفكر

). ١(سورة العلق آية )٢(

). ١(سورة القلم آية )٣(

). ٢٦(سورة إبراهيم )٤(

). ٢٦(سورة إبراهيم آية )٥(

صحيح البخاري، كتاب الجهـاد والسـير : لبخاريا )٦(فـن اإللقـاء : أسـعد . ، نقال عن د٧٤٤ ـ ٢٦٠٧

١، ط ١٩٨٧دار الكتاب اللبنـاني، : العربي، بيروت . ٥ص

إنجيل يوحنا، اإلصـحاح األول، آيـة : العهد الجديد )٧()١ .(

). ٥(السابق، آية )٨(

األنتروبولوجيا، رموزها، أساطيرها، : جيلبير دوران )٩(: مصـباح الصـمد، بيـروت . ، ترجمـة د أنساقها

- ٤٤ -

المؤسسة الجماعية للدراسـات والنشـر والتوزيـع . ١٣١، ص١، ط١٩٩١

) ٣(سفر التكوين، آية : العهد القديم )١٠(

. ١٣١األنتروبولوجيا، ص: جليبير دوران: راجع )١١(

المعجـم الفلسـفي، : عبد المـنعم حفنـي . د: انظر )١٢( . ٢٩٤، ص١، ط٩٩٠الدار الشرقية : بيروت

الهيئة : ميتافيزيقا اللغة، القاهرة : عبد البديع لطفي . د )١٣(، ١٩٩٧المصرية العامة للكتاب، دراسـات أدبيـة،

. ٧٧ - ٧٦ص

. السابق )١٤(

بشرح الخطيب التبريزي، تحقيـق : ديوان أبو تمام )١٥(ت، .دار المعـارف، د : محمد عبده عزام، القـاهرة

. ١٢٣ - ٣/١٢٢، ٣ط

. ٤٠السابق، ص )١٦(

. ٧٨ا اللغة، صلطفي عبد البديع ميتافيزيق. د )١٧(

. ١٣٨ميتافيزيقا اللغة، ص: جليبير دوران: انظر )١٨(

. ١٣٩ ـ ١٣٨السابق ص )١٩(

. ١٤٦السابق، ص )٢٠(

- ٤٥ -

. ١٤٥السابق، ص )٢١(

. ٧٩ميتافيزيقا اللغة، ص: لطفي عبد البديع. د )٢٢(

. ٢٦٥ ـ ٢٦٤فقه اللغة، ص: الثعالبي: راجع )٢٣(

. ٢٦٥السابق، ص )٢٤(

. ٧٩ميتافيزيقا اللغة، ص: لطفي عبد البديع. د )٢٥(

صحيح البخاري كتاب الجهـاد والسـير، : خاريالب )٢٦( . ٢٧٤٤ ـ ٢٦٦٠٧حديث رقم

. ٢٦٥فقه اللغة، ص: الثعالبي )٢٧(

. السابق )٢٨(

: شرح علـى خـريس، بيـروت : ديوان الفرزدق )٢٩( . ٥٩٤، ص١٩٩٦، ١األعلمي للمطبوعات، ط

، ٢، ط ١٩٨٩دار األنـدلس، : ديوان بشار بن برد )٣٠( . ٩٨ص

مجلـة عالم الشاعر الجـاهلي، : جابر عصفور . د )٣١( . ٧٣، ص١٩٩٤العربية، الكويت، أغسطس

بيروت، دار الكتـب العلميـة، : شرح ديوان عنترة )٣٢( . ١٢٣، ص١٩٨٥

. ٨٤ميتافيزيقا اللغة، ص: لطفي عبد البديع. د )٣٣(

- ٤٦ -

: بيروت: كشف الظنون عن أسامي الكاتب والفنون )٣٤( . ٣/١٢٧، ١، ط١٩٩٠المكتبة العلمية،

ــديع . د )٣٥( ــد الب ــي عب ــة، : لطف ــا اللغ ميتافيزيق . ٧٦ ـ ٧٥ص

. ٧٦السابق، ص )٣٦(

. ٣/٤٠ديوان أبو تمام بشرح الخطيب التبريزي )٣٧(

. ٨٧السابق، ص )٣٨(

، ١٩٧١القـاهرة، دار المعـارف : ديوان البارودي )٣٩(١/١٣٣ .

. ١٩٠السابق، ص )٤٠(

. ٥٩، ص١جـ: الشوقيات )٤١(

. ٣/٣: الشوقيات )٤٢(

. ١/١١: الشوقيات )٤٣(

الشوقيات ؟؟؟ )٤٤(

. ١/١٦: الشوقيات )٤٥(

خصائص األسلوب : ابلسيمحمد الهادي الطر : انظر )٤٦(منشورات الجامعة التونسـية، : في الشوقيات، تونس

. ١١٨، ص١٩٨١

- ٤٧ -

، )حياتي في الشـعر (نقال عن صالح عبد الصبور )٤٧(الهيئة المصـرية العامـة : األعمال الكاملة، القاهرة

. ١٥٢، ص١٩٩٣للكتاب،

الشعر العربـي المعاصـر : عز الدين إسماعيل . د )٤٨(المكتبـة : لمعنوية، القاهرة قضاياه وظواهره الفنية وا

. ٣٢٦، ص٥، ط١٩٩٤األكاديمية

. ١٠٦حياتي في الشعر، األعمال الكاملة، ص )٤٩(

. ١٦٨ ـ ١٦٧السابق ص )٥٠(

عز الدين إسماعيل، الشعر العربـي المعاصـر، . د )٥١( . ٣٤٩ص

الجحيم األرضي، قـراءة فـي شـعر : محمد بدوي )٥٢(الهيئة المصرية العامة : صالح عبد الصبور، القاهرة

. ١٦٠، ص١٩٨٦ب، للكتا

الشعر العربـي المعاصـر، : عز الدين إسماعيل . د )٥٣( . ٣٤٩ص

ثقافتنا بين األصـالة والمعاصـرة، : جالل العشري )٥٤(الهيئة المصرية العامـة للتـأليف والنشـر : القاهرة . ١٧٧، ص١٩٧١

- ٤٨ -

. ١٨٧ ـ ١٧٧السابق ص )٥٥(

الشعر العربـي المعاصـر، : عز الدين إسماعيل . د )٥٦( . ٣٤٩ص

. السابق نفسه )٥٧(

.ابق نفسهالس )٥٨(

عبد الصبور مـن مسرح صالح : مدحت الجيار . د )٥٩(القصيدة إلى المأساة، مجلـة القـاهرة، أغسـطس

. ١٣، ص١٩٨٦

. ٣٤١السابق ص )٦٠(

رحلة في أعماق الكلمات، القـاهرة، : فوزي العنتيل )٦١( . ١٩، ص١٩٨٠دار المعارف

أنت واحدها وهـي أعضـاؤك : محمد عفيفي مطر )٦٢(افيـة العامـة وزارة دار الشئون الثق : بغداد: انتثرت

. ٦٦، ص١، ط٩٨٦الثقافة واإلعالم،

مكتبـة : األعمال الكاملة، القاهرة : ملك عبد العزيز )٦٣( . ٦٣٩، ص١٩٩٠مدبولي

. ٢٣رحلة في أعماق الكلمات، ص: فوزي العنتيل )٦٤(

- ٤٩ -

دار العـودة : بيـروت : األعمال الكاملة : أمل دنقل )٦٥( . ٣٣٦ ـ ٣٣٥، ص٢، ط١٩٨٥

. ٢٠٤ ـ ٢٠٣السابق ص )٦٦(

كائنات مملكـة الليـل، : بد المعطي حجازي أحمد ع )٦٧( . ٧١، ص١٩٧٨دار األدب : بيروت

صالح عبد الصبور والمسرح الشعري، : فؤاد دوارة )٦٨(الهيئة المصرية العامـة للكتـاب، سلسـلة : القاهرة

. ٤المكتبة الثقافية، ص

. ٤أرنولد هنشلف عن كتاب فؤاد دوارة السابق، ص )٦٩(

. ٥السابق ص )٧٠(

: ة الحـالج، بيـروت مأسـا : صالح عبد الصبور )٧١( . ١١٨ت، ص.منشورات اقرأ، د

الشـعر العربـي المعاصـر : طه وادي . د: انظر )٧٢( . ٣٣وقضايا المسرح الشعري، مجلة الشعر، ص

األسطورة في الشعر العربي الحديث، : أنس داود . د )٧٣( . ٤٦٨ص

طه وادي الشعر العربـي المعاصـر وقضـايا . د )٧٤( . ٢٣المسرح الشعري مجلة الشعر، ص

- ٥٠ -

صالح عبد الصبور والمسرح الشعري، : فؤاد دوارة )٧٥( . ٦ص

: المسرح الشعري العربـي، القـاهرة : رفعت سالم )٧٦(الهيئة المصرية العامة للكتـاب، المكتبـة الثقافيـة

.٧٦ ـ ٧٥، ص١٩٨٦

. ٧٦السابق ص )٧٧(

. ٩٣السابق ص )٧٨(

- ٥١ -

אא

- ٥٢ -

إذا كان الشعر تجسيدا حيا لوعي الشعراء المعاصـرين وبـدورهم التنـويري، -عالقتهم بواقعهم المعـيش في -

الفكـر فـي / بوصفهم حملة المشعل، وقادة سلطة متحركة الحكم، فإن المسرح الشعري يعد / مقابل سلطة ساكنة قاهرة

" وسيلة أرحب وأكثر فاعلية في وعي المتلقي ووجدانـه ألن الشعر في المسرحية يحمل مهمة مزدوجة من حيـث البنـاء

. )١(" من ناحية والقيمة الجمالية من ناحية أخرى الدرامي والمطالع للمسرح الشعري يستطيع أن يتبـين اهتمـام الشعراء المعاصرين بقضية الكلمة ووظيفتها وقدراتها علـى

يؤمنون بها وبطاقاتها - بوصفهم شعراء -التغيير، ذلك أنهم ي وبدورها قيمة تخلق الحياة، فيحاربون من أجلها ويموتون ف

.)٢(" الكلمة الحرة الهادفة البناءة"سبيلها، ونعني بالكلمة

- ٥٣ -

وهذا اإليمان المتسق مع نسيج الشعراء وأدواتهم لم يبق كأناس عاشوا هـذا الواقـع وكابـدوه -على رسوخه، فهم

تبدو بشاعة الواقع في سيطرة قـوى "وقاسوا مرارته وقهره تـى البطش والظلم على مصير اإلنسان ومحاصرتها لـه ح

يتشككون في قدرة الكلمة على التغيير، ومن - )٣(" الموتهنا ينشأ الصراع في المسرح الشعري ما بين الكلمة وبـين

. السيف/ القوة / الفعل وربما كان مثل هذا التشكك في قيمة الكلمـة ال يعـود كثيرا إلى أشياء خارجها، وإنما يعود إلـى الكلمـة نفسـها

على استغاللها استغالال رديئا سيئا، وقدرتها وقدرة أصحابها ولهذا يسهل على مطالع الكلمة فـي المسـرح الشـعري أن يكتشف لها أنواعا عدة، فهناك الكلمـة المضـللة، والكلمـة

.... المزيفة، والكلمة المتذللة، والخادعة والقاتلة أن - رغـم كـونهم شـعراء -ومن هنا كان طبيعيا

أداء وظيفتها، وتتجلى الكلمة يتشككوا في إمكانية الكلمة على : في المسرح الشعري الحديث في صورتين أساسيتين هما

- ٥٤ -

: : أوال الكلمة السلبيةأوال الكلمة السلبيةفي المسرح الشعري تأخذ الكلمة بعدا يقف حـائال فـي مسيرة تقدم المجتمع ورؤيته، وخروجه مـن أسـر القهـر والبطش والتدهور والتخلف، وهو البعد السلبي الذي تفتقد فيه

مة قدرها على دفع المجتمع لألمام، كما ال نقصد بالكلمـة الكلالسلبية عدم قدرتها على الفعل، فقط، بل إنها قد تكون قادرة على الفعل لكنه فعل سلبي، ال يسـهم فـي دفـع المجتمـع والنهضة، بل يسهم في جذبه للوراء ومن هنا يتسـم الفعـل

. بالسلبيةديث أنواع عدة، وللكلمة السلبية في المسرح الشعري الح

:سوف نتناول كال منها مستقال في المواضع التالية

: : الكلمة المضللةالكلمة المضللةالحيـاة، / لما كانت الكلمة رمزا إنسانيا يتم خالله الفعل

وبمعنى آخر أن الكلمة هـي وسـيلتنا للتعـارف والتعامـل الالزمين للحياة، فلما كانت كذلك لم يعد لهـا وجـه واحـد

وإنما تعددت أوجه الكلمة بتعدد أوجـه يستريح إليه اإلنسان، بالكالم "اإلنسان الذي يعبر عنها، فلكل إنسان ما يمكن تسميته

- ٥٥ -

، وهي هذه الرموز التي تعبر عـن أفكـاره ورؤاه "الخاصوأحاسيسه ومشاعره، وأخالقياته، ومن هنا يمتـزج الشـعر

لغة ذات وظيفة مزدوجة، ألن الشاعر "والفكر وتصبح اللغة اللها أن ينشر شراعين معا، فهو يعبـر عمـا يضطر من خ

والفكـر . يفكر فيه ويصور ما يشعر به أو يحسـه فـي آن . )٤(" والشعور هنا محوران ال ينفصالن بحال

ولما كانت الحياة تزخر بنماذج أتاح لها تكوينها طرقـا ملتوية في التعامل، فقد كان ضروريا أن تلجأ هذه النمـاذج

لمة يتميز بالتضليل والخداع، وفـي البشرية إلى نوع من الك دراستنا للكلمة المضللة في المسرح الشعري تجدر اإلشـارة إلى العالقة الحميمية ما بين الكلمة المضللة وبين شـخوص المسرحيات، فنجد اتساقا ما بين الشخصية وبـين اتخاذهـا للكلمة وسيلة تضليل، فغالبا يعتنق هذه الكلمة شخوص تعيش

، هم حاشيتها يلجئون إلى التضـليل حتـى في كنف السلطة يحافظوا على أماكنهم فـي الـبالط السـلطوي ويضـمنوا االستمرار في رحاب أولي األمر ورغد العـيش، فيضـللوا

وأصـحابها يؤكـدون أنهـم . السلطة خوفا من بطشها بهـم يقف الشعراء من هـذه . مجبرون على اعتناقها رغما عنهم

- ٥٦ -

يسـت األداة المثلـى فـي الكلمة موقف مجتمعاتهم، فهـي ل في مسرحية -نرى مهران . المواجهة وحل مشكالت واقعهم

يواجه بجير منتقـدا -لعبد الرحمن الشرقاوي " الفتى مهران "اعتناقه الكلمة المضللة، حيث يصدر بجيـر فتـاوى تتفـق وميول السلطة، فتتمادى في جبروتها ويسدل الظالم سـتائره

جبر علـى اعتنـاق الكلمـة على كل األرجاء، ويؤكد أنه م المضللة، في الوقت الذي ينبغي فيه اعتناق موقـف جديـد،

: والخروج من أسر الخوف إن ضميرك استيقظ فال تخمده : مهران ولكنك ال تعرف: بجير

سأصدر هذه الفتوى فما لي حيلة أخرى، فعارضها لتحشد ضدها الناس، وقل فيها كما شئت

نه ضده فهذا األمر ضد الدين أقسم أ .)٥(وأشهد بارئي وحده أني أصدر الفتوى على رغمي

ومن معطيات الكلمـة المضـللة أن تتناسـب ورغبـة السلطة، فهي مأجورة يقدمها أصحابها في الوقت المناسـب، الذي ترتضيه هذه السلطة لتحقيق مأربها دون النظـر إلـى مصالح العامة أو قضايا المجتمع، المهـم أن تمـارس هـذه

- ٥٧ -

دورها السلبي تجاه العامة واإليجابي تجاه السلطة حتى الكلمة فبجير يكشف عـن بعـد الكلمـة المـأجورة . تجني ثمارها

المضللة أمام األمير، يؤكد أنها مرسومة على قدر رغبتـه، : ومعدة إلرضائه

هي ذي الفتوى أعدت يا أمير ) مهروال: (بجير إنها مرسومة في الرأس مني بحروف من لهب

طك كي يكتبها في لحظة واحدة ادع خطا .)٦(إن في رأس بجير دائما فتوى معدة دائما تحت الطلب

تتضـح الكلمـة " الحسين ثائرا "وفي المنظر األول من المضللة حيث يرى عبد الرحمن الشرقاوي أن هـذه الكلمـة تحجب الرؤية الصحيحة، وتبدد الحق، وفي الوقـت نفسـه

لمـا لهـا مـن -طعة تنشر الظلمة حتى مدار الشمس السا وتزرع النقمة في النفوس الطيبة، فهي تضع -ظالمية قاتمة

المجتمع على حافة الهاوية، وتعرضه للتدهور والهدم، ولـذا يسخر من معتنقيها الـذي - أحد أتباع الحسين -نجد سعيدا

يروج لبيعة يزيد، وفي هذا تصبح الكلمة موقفا وجوديـا لـه : أبعاده ومغزاه فحش قاله الفقيه يا شيخ ولم ترد عليهم ؟ أي : سعيد

- ٥٨ -

أنت واهللا الذي لم يرع للقبر والدين حرمة : أنت من راح هنا الساعة يهذي ويقول

) يقلده( فيزيد أيها الناس أمير المؤمنين

كلمات تنشر في الظلمة حتى في مدار الشمس والنقمة حتى في النفوس الطيبة

مؤمنين ؟ال ... أيزيد ذا .)٧(! ؟ال يوجع أذنيك الرنين أو

نجـد أن صـالح " مأسـاة الحـالج "وفي مسـرحية عبد الصبور يمنح الكلمة المضللة بعدا آخـر مـن خـالل مجموعة نماذج بشرية اسـتطاعت السـلطة أن تسـتأجرها، فشهدت تضليال ضد الحالج وبالتالي أودت بحياته، ومن هنا

ـ ول الشـيخ أصبحت كلمة مأجورة، فالمجموعـة تلتـف ح : وتصيح معا في صوت واحد" الحالج"المصلوب

.)٨(نحن القتلة : المجموعة .)٩(بل الكلمات

: وتوضح المجموعة ذلك تفصيال، فتقول صفا .. صفونا صفا: المجموعة

- ٥٩ -

األجهر صوتا واألطول وضعوه في الصف األول ذا الصوت الخافت والمتواني

وضعوه في الصف الثاني ال منا دينارا من ذهب قاني اعطوا ك

براقا لم تلمسه كف من قبل زنديق كافر .. صيحوا: قالوا .)١٠( زنديق كافر :صحنا

الحذف عن مالمح الوسـيلة / ويكشف اإليجاز اللغوي الوحيدة التي اعتنقتها المجموعة في قتـل الحـالج، فحـين

حتى ينصب اهتمام القارئ " بالكلمات"يسألون يؤكدون بقولهم على الوسيلة وخطورتها ودورها الفعال، ثم يستثمر الشـاعر تقنية التكرار والفراغ الطباعي المتمثل فـي النقطتـين بـين

يؤكد االنتشار والكثـرة المضـللة المـأجورة ) صفا.. صفا(داللـة الضـغط ) صـيحوا (وتتجلى في استخدام فعل األمر

يكشـف ) صـحنا (والتزييف وتشويه مالمح الحقيقة، والفعل االستجابة القوية السريعة المأجورة من جانـب المجموعـة

. المهيأة للقيام بهذا الدور

- ٦٠ -

سـمير -" أبـو عمـر "وفي المسرحية نفسها يستعمل " الحالج"الخلفاء وجليس الوزراء وأكبر القضاة الذين حاكموا

الكلمــة المضــللة فــي تضــليل المحاكمــة، وصــالح - : د رفضه لهذه الكلمةعبد الصبور من خالل هذا الموقف يؤك

ما حاجتنا أن نسمع في هذا المجلس: أبو عمر .)١١( فيضا من لغو القول المبهم

اسـتخدام الكلمـة ) أحد القضـاة (ويحاول ابن سليمان المضللة في تضليل الرأي العام حتى يصـدر حكمـه علـى

: الحالج مستخدما التضليل الماثل بين يدينا أنا ال يعنيني ما اسم المتهم: ابن سليمان

والحالج لدينا حال ال شخص ماثل وكان الوالي يسألنا

ما حكم الشرع العادل فيمن يبغي في األرض فسادا يبذر

.)١٢( فيها الفتنة الـذي يعتمـد -يكشف ذلك الموقف " سريج"ولكن ابن

فيقرر رفضه القاطع -على الكلمة المضللة، وحجب الحقيقة

- ٦١ -

ا التضليل فيلجأ إلى تكرار النفي الذي يسوقه قناعة ابـن لهذ : سريج بالمواجهة والرفض

ال، ال يا بن سليمان : ابن سريج .)١٣( ما تنسجه من محبوك القول أحبولة شيطان

ويستخدم صالح عبد الصبور ترادفا يكشـف مالمـح الكلمة المضللة ويمنحها بعدا آخر من خالل األلفاظ المشتبهة،

. هذي األلفاظ التي تؤدي إلى نتيجة التضليل ماذا يعني هذا الشيخ ؟ : أبو عمر

؟ .. هل هذا أيضا من أحوال الصوفية أم يستخفي خلق األلفاظ المشتبهة

.)١٤(؟ كي يخفي وجه جريمته الشنعاء تمارس الكلمة المضللة انتشارها عبر صفحات مسرحية

ا نطالعها ممتدة إلى آخرها خصوصا مأساة الحالج، حتى أنن الرؤية على التضليل وتزييف / وأنها تعتمد في بنيتها الفكرية

في سجنه يلتقي بأحـد المسـجونين الـذي " فالحالج"الواقع، يسترجع بعض ذكرياته ويكشف مالمـح الكلمـة المضـللة

: فيقول

- ٦٢ -

فلقد كنت أحب الحكمة : السجين الثاني لم أقضي صبحي في دور الع أو بين دكاكين الوراقين

.)١٥( وأعود ألفجأها باأللفاظ البراقة كالفخار المدهونفي هذا المقام يمنح عبد الصبور الكلمـة بعـد البريـق والتغرير، ويكشف عن عالقة الكلمة المضللة وعالم معتنقيها،

حيث كان صـغيرا -فحين يشير إلى مالمح السجين الثاني م وكالهما يتميز بالسذاجة، وعلى ذلـك وإلى األ -وقت ذلك

فإنهم يقعان فريسة الكلمة المضللة، والسجين الثـاني نفسـه يمنح الكلمة المضللة بعدا آخر في الموقف ذاته وهـو بعـد

إخفاء الحقيقة، ذلك أن الكلمة المضـللة تسـتطيع أن تفعـل : ذلك

هذا تبسيط ساذج .. ال. هل ماتت جوعا: السجين الثاني به الشعراء الحمقى والوعاظ األوغاد يلتذ

حتى يخفوا بمبالغة ممقوتة .)١٦( وجه الصدق القاسي

فكلها تـدور حـول الكلمـة " مسافر ليل "أما مسرحية المضللة، تلك التي يتبناها عامل التذاكر وينخدع بها الراكب

- ٦٣ -

الـذي -حينا، ويعتمل تصديقها حينا آخر، وعامل التذاكر هو رمز السلطة الدكتاتورية الغاشمة، التي ال -بنى الكلمة يت

تؤمن بالكلمة، وإن آمنت بها إنما تؤمن بها حالة تضـليلها، لتحقيق مآرب سلطوية، ولتحقق لنفسها القدرة على الـبطش

وكان طبيعيا أن تنتهي هذه المسـرحية بمقتـل . حينما تريد ، )ضـلل الم(وبانتصار عامـل التـذاكر ) المضلل(الراكب

، وإذا )الـراوي (واستعداده ليلقي بحباله حول فريسة جديـدة حاولنا رصد مواقف الكلمة المضللة في المسـرحية فسـوف

أساسا في بنيتها -نكون مضطرين لكتابتها كلها، ألنها تعتمد على التضليل، ولذا سوف نكتفي بنموذجين يبرزان -الكلية

التذاكر البطاقـة ففي عربة القطار يطلب عامل . هذا الملمح : الشخصية من الراكب ويمسكها بين يديه ويقلبها

ا شكر: عامل التذاكر خضراء مربعة تقريبا

! جافة لكن ال بأس

هل تدري أني صليت المغرب ثم غفوت بكامـل ثـوبي ا للنوم استعداد

- ٦٤ -

حتى دق الجرس برأسي فتركت سريري

شكرا هللا خضراءلم آكل لقمة .)١٧(ا ال بأس به

"العامل يمد الورقة إلى فمه فينتفض الراكب مذعورا" أرجوك : الراكب

ال تأكلها أرجوك ! آكلها: عامل التذاكر

كنت أظنك رجال تتمتع ببقية عقل يا اهللا ! آكلها هل يأكل أحد ورقة ؟ ! آكلها

.)١٨( ثم يلتهم البطاقةابها الكلمة المضللة التي يستأجر أصح / والموقف نفسه

حين يؤكد عامل التذاكر بأنه دفع ثمن " مسافر ليل "نجدها في الكلمة لوزيره خبزا ونبيذا، حتى تالئم طموحاته ورغبته التي

: يصبو إليها، ويعتمد أساسا على التضليلكلماتي في معناها صارت من مـذخور : عامل التذاكر

التاريخ األدبي

- ٦٥ -

لم أكتبها، لكني شاهدت وزيري يكتبها ا، حتى أنهاها ذرفت له خبزا ونبيوص

. )١٩( حتى علمني أن ألقيها إلقاء مأساويا" ليلى والمجنون "وفي حوار المنظر األول من مسرحية

نجد أن صالح عبد الصبور يدير حوارا رائعا حـول هـذه الكلمة المضللة من خالل قصيدة نشـرتها إحـدى صـحف

أن هذه الكلمة القصر في مدح الملك، ويكاد يتفق الجميع على : ما هي إال نوع من التضليل المحض على هذا النحو

"يصف الجريدة: "سعيد سلوب كالطرقات المعرجة الوحلة أ

يتسكع فيه فكر مخمور متعثر هم يجتذبون عيون القراء

٢٠( اقةبإشارات الكلمات البر(. وتجدر اإلشارة إلى أنه يمكن أن نضع الكلمـة مكـان

لها من قدرة عالية على التضليل، تستطيع األسلوب، فهي لما أن تخطف أبصار القراء خصوصا ذوي القدرات المحـدودة من حيث الوعي، فصالح عبد الصبور يضيف إلـى الكلمـة هذا البعد التضليلي الذي يتجسد في قـدرتها علـى اجتـذاب

- ٦٦ -

عيون القراء، ومن هنا يرى أن للكلمة تأثيرها الخطير علـى أن زيادا يؤكد أن ليس لها هذه النتـائج، الجمهور، على حين

: فهو يصرخ في شراك اإلغواء يوالقارئ قد يقرؤهم، قد يهو: زياد

.)٢١( بد وأن يلعنهم إذ يطوي الصفحات لكن الوإذا كان زياد يرتاح إلى وعي المتلقي الذي يتـيح لـه اكتشاف ما لهذه الكلمة من تضليل، فإن حسانا في المسرحية

ألنه يتطلب وعيـا خاصـا، وهـو يـرى أن ال يرى ذلك، قراءنا لم يصبحوا بعد بمثل هذا الـوعي، الـذي / جماهيرنا

: يتيح لهم التفريق بين الكلمة المضللة والكلمة المزيفة سطح من أفكار رخوة .. انظر: حسان

كالطحلب فوق شطوط البحر والقراء يحبون االسترخاء عليها

. يلتذون بشم العطن المتخثر ال ا من كف طبيب دجردمريض يتشمم خك

.)٢٢( بهمو في غابة صباريويضيقون بنا إذ نلق

- ٦٧ -

وربما ذهبت حنان إلى ما ذهب إليـه حسـان مـن أن للكلمة المضللة بريقها األخاذ الذي يعجب حتى الواعين؛ بما

: لها من تضليل؛ وبما ألصحابها من كذب فأنا في الحق : حنان

يمأل قلبي اإلعجاب .)٢٣( برقاعة شاعرها الكذاب

وفي بعد آخر للكلمة المضللة، بعيدا عن بعدها السياسي في الفقرات السابقة، نجد أن صالح عبد الصبور يمنح بعـدا آخر، أو مغزى آخر للكلمة المضللة، ففي المنظر الثاني من

نجـد سـعيدا " ليلى والمجنـون "الفصل الثاني في مسرحية رخيصة بينما امرأة عاهرة تتجـول وحسانا وزيادا في حانة

بين الموائد، فيستدعي ذلك الموقف بيتا من الشعر للشـاعر : اإلنجليزي إليوت

.)٢٤(النسوة يتحدثن يرحن يجئن يذكرن مايكل أنجلو : وحين يسأله حسان عن معنى البيت يصرح سعيد

.)٢٥(كي تعلي من قيمة نصف الجسم األسفل : سعيدأن للكلمة نوعا من التضليل، مـن ففي هذا التفسير نجد

خالل منح األشياء صفات وقيما ليست لها، حتى أن العاهرة

- ٦٨ -

تتناولها من أجل تحقيق مكاسب ذاتية، نالحظ أن صالح عبد الصبور في هذين النموذجين قد منح الكلمة المضللة مبـررا يتمثل في المنفعة الخاصة، فكل من الشـاعر الـذي يمتـدح

تي تحشو رأسها بالكلمات البراقة، إنما يفعل الملك، والمرأة ال ذلك من أجل تحقيق مصلحة شخصية، وهو األمر الذي يؤكد ما ذهبنا إليه من أن الكلمة تتالءم مع شخصية الشاعر الكذاب

. والمرأة العاهرةبعـد أن "المضللة نجدها فـي / ونفس الكلمة المأجورة

تب له بعضا من فالملك يستأجر أحد الشعراء ليك " يموت الملك : الكلمات، حتى يسلي نفسه بها

إني ألقي في بطنك أحماال من خمر وطعام : الملكطفح بطنـك شـعرا يسـتأهل مـا أبذلـه مـن يحتى

.)٢٦( إنعامالكاتب الحر الذي يتبنى قضايا مجتمعة، ال بد أن يقـف في وجه اإلغراءات أيا كان نوعها، وأيا كان المقابل الـذي

في محاربة السلبية والتدمير، يصرخ في وجه السلطة، يدفعه عندما تقدم له العطاء كي يتخلى عن مبادئه وقيمه وقضـايا مجتمعه، يحارب كل عوامـل القهـر والـبطش والسـقوط

- ٦٩ -

والشعراء المعاصرون فـي مسـرحهم . واالنهزام والتردي . الكلمة/ يرفضون شراء الموقف

د األول من القسم في المشه " بنت السلطان "وفي مسرحية الثاني يقدم أنس داود على لسان الجوقة بعدا للكلمة المضـللة

: فهي مأجورة تشوه مالمح الواقعفي خاتمة الليلة سوف نوافيك باألحداث كمـا : الجوقة

كانت في الواقع حتى يسقط في أعينكم ما دونه المأجورون الكتبة

نقال عما روجه األفاكون الكذبة "نت السلطانب"عن

فلنسمع ولنبصر حتى نتبصر

.)٢٧( في أمر العالم واإلنسانيقف أنس داود من الكلمة المضـللة موقـف الـرفض والمواجهة، ويدعو إلى اتخاذ طريق الكشف والتعريـة عـن طريق الوعي والتأمل في مصير اإلنسان والعامل ومحاولـة

ـ -التخلص من ربق التضليل، واألفعال فلنسـمع ر ولنبص . مقدمة الفعل اإليجابي، لتكون النتيجة نتبصر

- ٧٠ -

وتلجأ السلطة إلى الكلمة المضـللة، وتتخـذها وسـيلة لتبرير بطشها، وممارسة دكتاتوريتها، فكما لجأت السلطة في إلصاق التهمة بالحالج وتأليب العامة عليـه، حتـى تختلـق مبررا للتخلص منه، فإنها تسلك المسلك نفسه عند أنس داود،

يستخدم كافور الكلمة المضللة " محاكمة المتنبي "ي مسرحية ففلتحقيق مآربه، فيتخلص باسم العامة والشرع من المتنبي من

: خالل أسلوب التضليل أسلوب معروف : األميرة

في جنح الليل تباغته بالختل، وعند الصبح تعزي فيه األهل، وتنشر حزنك بين الناس

حتى هذا يا طفلة، : كافور لوب همجي، أو سطحي ال أرضاه أس

لكن أن تقتله الدولة، أن يقتله العدل، المحكمة، الشرع، وأن يقتله كل الناس

ذلك أسلوب األستاذية .)٢٨( وممارسة الحكم على نهج متحضر

يلحظ القارئ ممارسة الكلمة المضللة في هـذا السـياق تمت بالنهج نفسه، في محاكمـة الحـالج، حتـى مفـردات

- ٧١ -

الدولـة، : رين في هذا اإلطار واحدة حيـث مفـردات الشاعويقـدم أنـس داود .. العدل، المحكمة، الشرع، الناس، الحكم

مالمح السلطة المعاصرة، حيث تمارس الحكم علـى نهـج متحضر يعتمد على التضليل وإلصاق التهم الباطلة وتحويـل الصراع الشخصي بينه وبين المتنبي إلى صراع بين المتنبي

. ةوالعامالفكر الفاعـل / واألميرة تنحاز في هذا السياق للمتنبي

في مقابل الرعية المضللة الكذابة التي تغير مالمح الحقيقـة عند ذوي األمر، ومن هنا ينشأ صراع محتدم بـين الحـب

قضـايا "وبين التضليل والقهر وهذه . والحلم بالحرية والعدل ع المصـري حميدة في المسرح االجتماعي والسياسي للمجتم

مرورا باالنفتاح السياسي واالنكسـار والتقوقـع ومحاولـة التوازن، كمراحل مر بها الفكر السياسي المصري وأثر هذه

والقضية لم تزل . المراحل على الحياة بكل أبعادها وأشكالها .)٢٩(" ممتدة فينا

:: المتذللة المتذللة / /ةةننالكلمة المداهالكلمة المداهلفكـري الكلمة تمثيل حي لشخصية صاحبها ولتكوينه ا

واألخالقي والوجداني، ومن ثم فإن أصحاب الكلمة المداهنـة

- ٧٢ -

هم بطبيعتهم شخوص مداهنة متذللة، تؤثر السالمة واألمـان بأي شكل من األشكال، وفي سبيل ذلك ال تتراجع في اتخـاذ الكلمة مطية لتذللها ووصوال إلى مقصـدها، ففـي المنظـر

بين األميـر يدور حوار " الفتى مهران "السادس من مسرحية وبجير قاضي ديوانه ومفتيه، الذي يعتنق الكلمـة المداهنـة المتذللة حفاظا على مكانه بجوار األمير، ومكانته في الـبالط السلطوي، فحين يعاقبه األميـر علـى رؤيتـه الصـحيحة، ويحاول تضليله، يوافق ويعلن الوالء له، بل يتمسـح فيـه،

ك تشريفا لـه وحبـا ويطلب عقابا أكثر على قفاه، ويعتبر ذل : متبادال

لم آمره أن يقتل أو يسرق عنزا في البرية: األمير أو يخطف سلمى الغجرية

ألم أسمعك إذا لم أخطئ تأمره أن يخطفها : بجير.. اسـكت .. بجير) يصفعه في ضيق على قفاه : (األمير

. ال تفتح فمك بما تسمعه ليكذب قلبك ما تبصره عينكب كفك يا موالي على أقفية ذوي ما أعذ ) محنيا: (بجير الخطوة

.)٣٠( )ما زال يحني رقبته(أتمنى تشريفا آخر

- ٧٣ -

وفي المنظر الرابع يتخذ الراعي الكلمة المتذللة وسـيلة للنجاة، فحين يطلب قائد جيش األمير أن يخبره عـن مكـان

البطل، يتعلل الراعي بعدم معرفة المكـان، ولكـن " مهران"ويأمر بجلده حتـى يجبـره علـى القائد مارس قهره ضده

االعتراف، يلجأ الراعي إلى التذلل والمداهنة بـالقول حتـى : يؤثر السالمةيمسـك (اجلـدوا الراعـي عشـرين .. اجلدوه: القائد

). الفارس بالراعي اجلدوا الراعي عشرين؟عشرين؟أنا مثل العصا : الراعي

اعف عني .. ليس لي لحم لكي احتمل الجلديا أخي انتش عنزة أو ) الذي أمسك به يهمس للفارس (

عنزتين وتدعني في سالم لعيالي ) يمسك به بقية الجند(اجلدوه : القائد

أيها الجند الكرام ) للجنود األربعة: (الراعي انتشوا أربع عنزات إذا شئتم وخلوني أعد لعيالي

للجندي عنزة .. اسحبوا أربع عنزات وخلوني في حال .. ائد المغوار عنزة اجعلوهـا خمسـا فالق.. اجعلوها خمسة

فالقائد المغوار عنزة

- ٧٤ -

ولتكن أسـمن عنـزة ودعـوني لعيـالي وعلـى اهللا .)٣١( العوض

عفوا، مثلك ال يبغي من مثلي شيئا غنمه في سبيل النجاة من / الراعي يقدم أغلى ما يملك

بطش السلطة ويلجأ إلى التذلل والمداهنة حتى يفوز بـالهرب لجند، ولكن الشـرقاوي ال يتعـاطف مـع هـذا من قبضة ا

المسلك، الذي يتنافى مع حق اإلنسان الطبيعي فـي عالقتـه السلطة حين يعبر عن رأيه أو يطلب في شهادة أو / باآلخر

اعتراف، ولكن اإلنسان إذا التزم بالمداهنة أو التذلل في القول .فإن ذلك يفضي به إلى تعذيبه وربما حتفه

لصبور تلجأ الشخصيات الضعيفة إلى وعند صالح عبد ا الكلمة المتذللة أو المداهنة، التي تـؤثر السـالمة واألمـن، وتهرب من المواجهة، ألنها شخصيات مقهورة، ال تسـتطيع

نجـد أن " مسـافر ليـل "المقاومة والمواجهة، ففي مسرحية السلطة آثـر أن ينجـو / الراكب وقد فوجئ بعامل التذاكر

عامل قدم نفسه في هيئة مختلفـة فـي بنفسه وخصوصا أن ال : زي الدكتاتوريين

- ٧٥ -

قال الراكب في نفسه ما يدريني فلعل الرجـل : الراوي هو اإلسكندر ولعل الموتى العظماء ما زالوا أحياء

وعلى كل فاأليام غريبة واألوفق أن نلتزم الحيطة

ولعلي إن لنت له أن يتركني في حالي قال الراكب .)٣٢(فألتذلل له

فاتخاذ الكلمة وسيلة للتذلل إنما تم بقصـد النجـاة مـن الموقف وتحقيق السالمة، وموقف كهذا تتبناه عادة شـخوص ليس لها طبيعة صدامية، تؤثر دائما المرور بسالم وعلى ذلك فإن الراكب يصل إلى أقصى درجة التـذلل، فهـو يصـرح

: مخاطبا عامل التذاكر ماذا تبغي مني يا موالي : الراكب بم يشملني عطفك؟ .. أعني

بم تكرمني؟ هل ستجعلني سرجا لجوادك؟

: ثم يضيف الراكب هل تجعلني فرشة نعليك؟

- ٧٦ -

: ثم يتمادى في التذلل فلتجعلني فحاما في حمامك اعهد لي بمناشفك الوردية

اجعلني حامل خفيك الذهبيين .)٣٣( لكن ال تقتلني أرجوك

كب قد أقدم على مثل هذه واضح من هذا السياق أن الرا السلوك جبنا منه، أو حبا للحياة، أو رغبة في السـالمة، أو

، وربما كـان )ال تقتلني (لكل هذه األهداف معا، فالمهم عنده أن تكون نهاية هذا الرجل المتـذلل - أيضا -من الطبيعي

. المداهن طالب السالمة القتلتحوالتهـا وتتضافر بنية األسلوب التكراري وتولداتها و

في خلق حدث مواز، ولننظر إلـى التخيـر عـن طريـق الذي يكشف حالة الراكب العميقة في ) هل تجعلني (االستفهام

التذلل واالرتياح لها بوصفه صيغة ليست صدامية، وهي في . األساس صياغة جديدة لوجوده المنسحب المهزوم

وكأن صالح عبد الصبور يريد أن يقـول إن المداهنـة الجبانة ال تنجي من الموت، ولـذلك فـإن الـراوي الخائفة

يمثل الجمهور المتفرج الذي يـتقن المالحظـة (السلبي الذي

- ٧٧ -

والوصف والسرد والتعليق، دون أن يكون طرفا فيما يجري، .)٣٤(" رغم أن كل ما يجري يخصه أشد الخصوص

: يصرح في النهاية ال أملك إال أن أتكلم : الراوي

.)٣٥( زموا مثلي بالصمت المحكموأنا أنصحكم أن تلتوكأن الراوي قد اكتشف النتيجة الحتمية للكلمة المداهنة من خالل ما حدث للراكب، حيث لقي حتفه، كما أن الراوي في الموقف نفسه يفتقد إمكانيات المواجهة والتصادم، ويعلـن عدم قدرته على الفعل؛ فهو مثل سائر الجمهـور أعـزل ال

. ةيملك أداة المواجهيمـنح صـالح الكلمـة " ليلى والمجنون "وفي مسرحية

المداهنة بعدا آخر، فهي تسعى للتخلص بالمنطق وتقدم الحجة حتى تبرر لنفسها وجوده، فحين يكتشف حسـان أن صـديقه القديم حسان قد سقط وقت إقامته فـي السـجن فـي شـرك المباحث، وأصبح عميال للبوليس السري، قـرر أن يقتلـه،

ه في منزله بالمسدس، فحاول حسام أن يقدم المنطق واتجه إلي : الذي يبرر سلوكه المداهن ويمنح تذهللا بعدا جديدا

- ٧٨ -

حسان أرجوك : حسام إنك ال تعرف ما السجن ؟

ال تعرف معنى أن ينغرس القفل الصلب بأعصابك حتى تتحطم رأسك

سم أن تلقيك األيام الفاقدة المعنى واال سم واالفي أيام فاقدة المعنى

.)٣٦(حتى تخشى أن تصحو يوما ال تعرف من أنت : وحين يقول له حسان في شهرين سقطت .)٣٧(يا لإلنسان الورقة

يسعى حسام ليقدم تبريرا لهذه السقطة رغبة في التـذلل : والمداهنة طلبا للنجاة

ما كنت سجينا يحسب أيامه : حسان يسقط يوم فيعد

على الموعد ؟ يكم بق ق عيناه في حبل الغد تتعل

ويتوقع يوما أن يأتي السجان وفي عينيه نظرة إنسان " معتقال"في عيني إنسان، بال

- ٧٩ -

عاما أو أعواما أو أجيااليال يدري هل ينعفلت األسود، سـيان لديـه اليـوم سحتى يتحلل في األ

الواحد .)٣٨( واألبد الممتد

السـالمة وهكذا فإن حساما يقدم تبريرا لموقفه طالبـا والرغبة في الحياة

والكلمة المداهنة ال يكون الغرض منها إيثار السـالمة وطلب النجاة فحسب، بل قد يضاف إلى ذلك التقرب من ذوي السلطة والحكام، من أجـل المحافظـة علـى مكسـب، أو

بعـد أن يمـوت "الحصول على مكسب جديد، ففي مسرحية لهذا النوع مـن نجد صالح عبد الصبور يقدم نماذج " الملك

البشر، فالقاضي حين يذكر الملك بقانون كان قـد أصـدره يقضي أال ينعقد عقد زواج سوى فـي بيـت ) الملك(اآلخر

: العدل يصرخ فيه الملك ما هذا يا قاضي السوء : الملك

ما زلت أنا صاحب هذي الدولة فأنا الدولة أنا من فيها . أنا ما فيها

- ٨٠ -

أنا بيت العدل ال، وبيت الحكم وبيت الم

بل إني المعبد والمستشفى والجبانة والحبس ما أنتم إال أعراض زائلة تبدو في صور منبهمة

وأنا جوهرها األقدس " مشيرا لنفسه"

.)٣٩(بيت العدل ... فلينعقد العقد وهو ينبغي أن يكون أكثر النـاس -وهنا نجد القاضي

مداهنـة يسـارع بال -حرصا على العدل وعلى قول الحـق : والتملق

ما أروع هذي الفتوى يا موالنا األعظم : القاضي ال أدري كيف تولت عن ذهني المعتم

إنك تغذونا دوما بلطائف فطنتك الفقهية سأسجل هذي الفتوى في أوراقي

.)٤٠( وسأكتب عنها بحثا في موسوعتي التشريعيةوربما كان صاحب السلطة يعـرف مـا تحويـه هـذه

نفاق وخداع ومداهنة، غير أنه يبدو دائما محتاجا الكلمات من

- ٨١ -

إلى أولئك الذين يداهنون وينافقون وينفذون دون اعتراض أو : مناقشة، والملك يصرح للقاضي أنه يعرف خباياه

يا قاضي السوء : الملك يقبل الملق الشفاف كبصقة سوق

فعل ما قلت، وخل التسجيل لما بعد ا .)٤١( يا موالي... أمرك: القاضي

نموذج آخـر لمـن - في المسرحية نفسها -والخياط المنافقة؛ فحين يقف الخياط بين يدي / يتبنون الكلمة المداهنة

: الملك يتساءل دلوني يا سادتي نجوم المجد : الخياط

هل أنا في حلم أو في يقظة هل أنا حقا في حضرة موالنا البدر المتجسد تنهل عيني

من رائق أنواره ا أقرص نفسي كي أتأكد هأنذ

لكن النور يغشي عيني الذاهلتين " مبتسما: "الملك

عندئذ فلتصفع نفسك فلعلك تتأكد

- ٨٢ -

أو دعني أصفعك أنا :" مقربا وجهه: "الخياط موالي

هذا الخد ٤٢(أكرم(. وموقف الخياط في هذا السياق يتماثل تماما مع موقـف

للشـرقاوي، " فتى مهران ال"بجير قاضي األمير في مسرحية فكل منهما يكشف عن رغبته في إذالل نفسه، إظهارا للحـب الزائف للسلطة من أجل الحفاظ على القـرب والبقـاء فـي البالط، ويطلب كل منهما أن يصفع على قفاه، ويستعذب ذلك

. الخياط/ بجير، أو على خده / والملك أيضا يعرف خبايا هذا المداهن المتملـق ولهـذا

: يخاطب الخياط قائالفهو ال يغريني وجهك : الملك

بل وجهاك لك وجه تبديه ووجه تخفيه وكال الوجهين دميم متجعد

ى لي خلقي أن أصفع وجها مرنت ناحيتاه على ضال ير .)٤٠( الصفع

- ٨٣ -

وفي المشهد الثاني من الفصل الثـاني مـن مسـرحية لكلمـة نرى بهلوال يقدم وجها ل " األميرة التي عشقت الشاعر "

المتذللة يتشابه مع موقف الراكب وتذهللا لعامل التـذاكر فـي لعبد الصبور، حيث يقدم صورة لبهلول تصـل " مسافر الليل "

إلى درجة المسخ، مستخدما التراكيـب اللغويـة والصـور .)٤٤(والتشبيهات التي استخدمها صالح

ستمرين أمامه .. هذا األضحوكة.. يوما ما: بهلول ) هيخر على ركبت(

موالي البهلول عفوك أكبر من ذنبي

خذني .. ارحم قلبي منديال في كفيك

ا في قدميك فخ .)٤٥(ممسحة في ديوان جواريك

السلطة تدرك أبعاد التزييف والمداهنة خصوصا إذا كان هنالك صراع بينه وبين الفكر على اعتبار أنه الوجه المقابل

لك بوصفه معـادال لحـل لها، فتلجأ إلى استخدام السيف إذ ذ

- ٨٤ -

يزيف الواقع ويداهن " الزمار"الصراع، فالوزير في مسرحية : السلطان بالكلمة، فعندما يتساءل السلطان

هل من مظلمة عند رعيتنا : السلطان : يداهن الوزير متملقا مزيفا الحقيقة

ــوزير ــارة : ال ــت من ــم وأن ــون الظل ــف يك كي .)٤٦(...و... عدل

ورة الموقف، ويعرف أن هناك لكن السلطان يشعر بخط تزييفا في القول ومداهنة، فال يطيق سماع كلمـات وزيـره،

: ويأمره بالصمت ألنه كاذب ومداهن ) في غضب مفتعل: (السلطان

اسكت أنت، تدثر بالصمت، وإال دثرتك بالسوط وبالنار، يا شيخ التجار

لو خالجنا الريب أنك تغمس دلوك في آبار الكذب

ـ جرحدولك من نسج الزيف فلسوف ي أو تغزل ق ك رأس مزهوا

.)٤٧( هذا السيف***

- ٨٥ -

:الكلمة الالجدوى

في النوعية السابقة رأينا للكلمة السلبية بعدا فعـاال، وإن كان هذا الفعل يتميز بجذب المجتمع للوراء، وخلق أفق مـن

وفـي هـذا غياب الوعي والتضليل بـالتزييف والمداهنـة، الموضع سوف نرصد بعدا آخر للكلمة السـلبية، هـو بعـد الكلمة الالجدوى، وهي الكلمة التي ال تقوى على أي فعل من

في حوار بين مهـران " الفتى مهران "أي نوع، ففي مسرحية وسلمى يؤكد فيه مهران لسلمى أن الكلمـات لـم تعـد ذات

لفاعلة، والفظ جدوى أو فاعلية، فقد هجرت معانيها ودالالتها ا : لم يعد يثير في ملتقيه أية داللة

فإن .. اذهبي اآلن إلى دارك يا سلمى ) لسلمى: (مهران الكلمات لم تعد تحمل بعد نفس معناها األصيل

.)٤٨( لم يعد للفظ معناه القديموحين يواجه الحسين عمرا أحد أتباع يزيد في مسرحية

، يكشف فـي المقابـل بالكلمة الفاعلة القوية " الحسين شهيدا "ملمحا من مالمح الكلمة السلبية التي ال تقدم فعال إيجابيا، وال

- ٨٦ -

تسهم في خلق نتاج المجتمع إلى األمـام، أو أنهـا تحمـي : المجتمع من الوقوع في براثن القهر والزيف

:...............الحسين انقذ نفسك

حطم سجنك قل كلمة حق مرة

ال تجعل صدرك قبر الكلمة الكلمات تموت هنا في صدرك هذا يا ويلك

٤٩(ا يتحرك لتصبح قبر(. فالكلمة هنا ال تقوى على أي فعل حيث أصبحت جثـة هامدة في قبر استسلم صـاحبه لفاعليتـه السـلبية، ويـرى الشرقاوي أن الكلمات إذا أصبحت عاجزة عن المواجهـة أو

. التحلي بسمت الخروج أصبحت قبرا يتحركمأساة "ر األول من الجزء الثاني من مسرحية وفي المنظ

يلتقي الحالج في سجنه بسـجينين، يلتفـان حولـه، " الحالجويحاوالن أن ينهال من فيض معارفه، وحيث يتحدث إليهمـا

: الحالج يصرح السجين الثاني أقوال طيبة، لكن ال تصنع شيئا: السجين الثاني

- ٨٧ -

أقوال تحفز نفسي، توقظ تذكارات شبابي ني في مطلع أيامي األول ألرا

هل تدري يا شيخي الطيب .)٥٠(كنت أحب الكلمات .. إني يوما ما

فالسجين يرى أن الكلمات غير قادرة على صنع شـيء قط على الرغم من كونها طيبة، وفي الوقت نفسه يؤكد أنـه

" يومـا مـا كنـت : "كان يحب الكلمة ولكن في مطلع عمره التـي " كنـت "زمن الماضي فالتعاطف مع الكلمة كان في ال

تعطي إحساسا بأن السجين لم يعد يحب الكلمة اآلن، ألنه لـم يعد يرى لها دورا، أو قيمة، ولعل المساحة المنقوطة تسـهم في بلورة رؤية الشاعر حيث تشير دالليا إلى بعد اليوم الذي

. كانت فيه ذات جدوى وفيه أحبها وآمن بها نــرى صــالح " ليلــى والمجنــون"وفــي مســرحية

عبد الصبور يدير حوارا في المنظر األول من الفصل األول بين سعيد الشاعر وحسان، فاألول يؤمن بالكلمة بوصفها أداته التي يواجه بها واقعه وعالمه، والثـاني ال يـؤمن بجـدواها

: ويرى البحث عن بديل، فحين يصرخ حسان لنجرب شيئا غير الكلمات : حسان

- ٨٨ -

نملك إال الكلمات ماذا : يجيبه سعيد .)٥١(؟ فضلأهل نملك شيئا

فسعيد كشاعر، وهم جميعا كصحفيين ال يملكون سـوى - كـأداة للتغييـر -الكلمة، وعلى ذلك فال بد من استعمالها

: وهنا يصرخ حسان ما تملكه يا موالي الشاعر : حسان

ال يطعم طفال كسرة خبز ال يسقي عشطانا قطرة ماء

وة ريـح س تلتف على قامتها المك ال يكسو عري عجوز .)٥٢(الليل

) عري عجوز (، و )قطرة ماء (، و )كسرة خبز (فمفردات تؤكد أن المجال الذي يراه حسان أن الكلمة فيها ال جدوى لها إنما هو المجال االقتصادي، وربما كان ذلك انحيـازا مـن حسان إلى جانب أولئك الذين يرون أن الحل ينبغي أن يكون

ية االقتصادية، وربما كان حسان قد تطـرف بـين أوال للقض هؤالء إذ سلب الكلمة أية مقدرة على الفعل، أيا كـان هـذا

. الفعل، وبالتالي لم يعد للكلمة جدوى في هذا المضمار

- ٨٩ -

ويمضي صالح عبد الصبور في مسرحيته ليعمق هـذا ، الشخصية التـي ال تـرى للكلمـة "حسان"البعد من خالل

": وهي تجلس" ليلى وتقول فاعلية، فحين تدخل .. أهال: ليلى

كيف الحال، أيا فرسان المستقبل : يصرخ حسان في قوة ووضوح

...ال: حسان .)٥٣( بل هم فرسان المتحف

ففرسان المتحف هم أولئك الذين يفتقدون القـدرة علـى أو وسيلتهم هـي / الفعل، ولما كان فرسان الصحافة سيفهم

يسلب الكلمة كـل ) رسان المتحف ف(الكلمة، فإن هذا الوصف جدواها، وحسان يمضي في المسرحية ليؤكد هذا الفهم، هـذا

رئـيس "اإليمان بالالجدوى للكلمة، فحـين يقـرر األسـتاذ ": التحرير

مــا أحوجنــا أن نســمع كلمــات بريخــت : األســتاذ .)٥٤(الطيب

: يصرح حسان في وضوح مجموعة أشعار بريخت ورفاقه : حسان

- ٩٠ -

وته حتى آخر ثرثار عرفت اللغة األلمانية من ج لم يمنع شرذمة النازية

.)٥٥( من أن تتربع فوق كرسي السلطة : وحين يؤكد األستاذ

.)٥٦( لكن النازية سقطت يا ولدي: األستاذ : يؤكد حسان في حسم قاطع

.)٥٧( لم تسقط بالكلمات: حسانالكلمة وهنا تجدر اإلشارة إلى أن هذا اإليمان بال جدوى

في التغيير، وعدم تعليق اآلمال على أي دور تقوم به، يسعى صالح عبد الصبور إلى تعميقه بشتى الطرق، ففي المقطـع السابق يعتمد حسان على منهج التـاريخ اإلنسـاني عامـة واستقراء األحداث التاريخية، للخروج بنتائج محددة فالتاريخ

شعار األلمانية يؤكد أن كل األ - على حسب فهم حسان له -لم تمنع النازية من االستعباد والسيطرة، أو أنها حين سقطت لم تسقط بالكلمات، وربما كانت هذه الرؤى هي التي تمـنح هذا الموقف عمقه وأبعاده التي تجعله قادرا على المحـاورة،

. وعلى أن يتحول إلى موقف درامي حي داخل المسرحية

- ٩١ -

" ليلى والمجنـون "وفي تطورهم الدرامي داخل مسرحية نجد أن معظم شخوص المسرحية يتجهون إلى أعمال أخرى

فالوحيـد الـذي .. غير الصحافة، إليمانهم بال جدوى الكلمة الذي يتساءل " يبقى مؤمنا بدورها هو األستاذ رئيس التحرير

: في مرارة لماذا هذا يا أبنائي؟ : األستاذ

ال تدعوني وحدي في شيخوختي الصدئة .)٥٨(ء الكلمة أحمل عب

ففي هذا المنظر من المسرحية، وبعد حريـق القـاهرة الذي كان حدثا قادرا على تغيير رؤى األبطال وتفكيرهم، بل وربما كان وراء تغيير مجرى حياتهم تماما؛ فسلوى تقـرر

: اللجوء إلى الدير والرهبنة به يا أستاذ .. ال: سلوى

لن أتزوج حسان بل أتزوج مصلوبا مثلي

كي تفنى أحزانه في أحزاني عالم حسان قد مات -عالمنا، عالمكم

.)٥٩( ولهذا فأنا أذهب للدير

- ٩٢ -

: وتغير المسار كله في الحياة يحدث أيضا لزياد أنا أيضا أحمل أخبارا يا أستاذ : زياد

قد غيرت طريقي حدثني أحد صحابي عن روضة أطفال في بلدتهم

تطلب من يتعهدها .)٦٠( ي اليوم وأرحل في الغدوسأجمع أمتعت

وحنان تغير طريقها أيضا ولكن مع زيـاد، وكالهمـا : الطفل/ مؤمن بالمستقبل ويتطلع إليه

هل تأخذني معك زياد ؟ : حنان بل إني أرجو : زياد أنا مغرمة باألطفال : حنان .)٦١( أنا أؤمن باألطفال: زياد

ـ دور وحتى األستاذ أكثر شخصيات المسرحية إيمانـا ب يفقد اإليمـان - في تطور درامي للشخصية -الكلمة، نجده

بأن " عامل المطبعة "بجدواها، ذلك بعد أن أخبره الحاج علي : رجال الشرطة في المطبعة يلمون األعداد ويقولون

: الرخصة قد سحبت، نجده ينادي :.................األستاذ

- ٩٣ -

يا حاج علي ال تنسى أن تغلق باب المكتب

تغلق باب الشقة أن أن تغلق باب المبنى

هذا زمن ال يصلح أن نكتب فيه أو نتأمل نوجد .... أو نتغنى أو حتى

يا حاج علي أغلق كل األبواب .)٦٢(أغلق، أغلق، أغلق

وتؤكد بنية السياق اإليمان التام بعـدم جـدوى الكلمـة والتراجع عنها، فاستخدام الفعل تغلق ثـالث مـرات وفعـل

أربع مرات يكشف عن التوتر النفسي والصراع " أغلق "األمرالداخلي المحتدم في نفس األستاذ إذ تحول في إيمانـه إلـى

الكتابة، يؤكد التكـرار هـذا / النقيض، فالقرار ال رجعة فيه . النزوع التام لفقد فاعلية الكلمة وجدواها

نجد الملك، يتوقـف " بعد أن يموت الملك "وفي مسرحية ا المرأة بين ذراعيه تؤدي مشهدا تمثيليا تتقمص فيه فجأة بينم

: دور العاشقة الولهانة، ويصرخ

- ٩٤ -

أف، ما هذا الضجر الموحش كالصحراء : الملك قلنا هذا من قبل

نفس الكلمات الباردة الملساء .)٦٣(قلنا أمس، وأمس األمس

فالكلمة هنا فقدت قدرتها على التأثير والفعل، والذي أدى لى فقدها للمقدرة في هذا المشهد هو التكرارية، التي بالكلمة إ وفي نفس المسرحية نجـد الشـاعر " ملساء... باردة"جعلتها

يصرح للملكة بعجز الكلمة عن التعبير عما يبغـي الشـاعر :ولذلك فهو يصفها بأنها بلهاء

:.............الشاعر آه معذرة

الموسيقى كفت عن نجواها إذ وجدتني غرا أبله أبغي أن أحصر ما ال تحصره الكلمـات، فـي كلمـات

.)٦٤(بلهاءفعجز الكلمة عن القدرة على الحصر واحد من وجـوه السلبية في الكلمة وفي حوار ما بين الشاعر والملكة، يصرح الشاعر للملكة بأنه ال يرى قيمة للكلمة ذلك أنها أهون من أن

: ن يقتلتغدو سيفا أو ترسا وال تملك أن تقتل أو تحمي م

- ٩٥ -

ال ينتج شيء من ال شيء : الملكة أو لم تسأل نفسك أحيانا

ما الغاية من كلماتك؟ ال شيء : الشاعر بد لكلماتك من غاية ال: الملكة

من شيء تفعله كبقية ما خلق اإلنسان أو ما خلق اهللا وأعطاه لإلنسان

...............

............... ... هذا حق: الشاعر ذا تصنع كلماتي لكن ما

هي أهون من أن تغدو سيفا أو ترسا .)٦٥( كي تقتل أو تحمي من يقتل

والشاعر نفسه يذهب في نفس المسـرحية إلـى عـدم : اإليمان بدور الكلمة

فلتعبرني عينك يا موالتي : الشاعر أنا مثلك ال يرضيني هذا المشهد

كلماتي .. لكني ال أملك إال أشعاري

- ٩٦ -

.)٦٦( ال تصنع طفال-تي يا موال-كلماتي بالمستقبل أو الخصـوبة، " طفل"وهنا يمكن تفسير كلمة

فكان صالح عبد الصبور يسلب الكلمة قدرتها على الخصوبة . ومقدرتها على صنع المستقبل الذي تحلم به الملكة

ويقدم أنس داود الكلمة الالجدوى من خـالل شخصـية يث يـرى أنـه ال ح" الشاعر"صالح الشرنوبي في مسرحية ينتشر فيه - على حد تعبيره -فائدة للشعر في مجتمع متعفن

الجهل، ويسيطر على أرجائه األوغاد وتجار الكلمـة، بـل أصبح كل شيء في هذا المجتمع عـديم الجـدوى، فصـالح

: بالصحيفة ويصرخ- في ضجر -الشرنوبي يلقي ما فائدة الشعر بمجتمع متعفن .. يكفي: صالح

الجهلة واألوغاد، وتجار الكلمة يتصدره ألمح خطو عناكب اليأس .. وا حزني: سعيد

تنعب حول كيانك يوم الالجدوى .)٦٧( تطلق آبار الظلمة في أعماقك

" الثـورة "وتؤكد الجوقة في الفصل الثاني من مسرحية وجها للكلمة الالجدوى يتمثل في األسلوب اليومي المـألوف،

وكثرته أفقدت الكلمة بريقها وتأثيرها حيث اعتيادية االستخدام

- ٩٧ -

وقدرتها على تبني موقف يتسم بالجدة والقوة والفاعلية، فـي الصـراع "ظروف يخوضها المجتمع ضد اآلخر القاهر فخط

الرئيسي في العمل هو الصراع بين المصـريين واإلنجليـز المستعمرين، ويدور على أكثر من مستوى، الصراع المسلح

ا، والذي يتمثل في قتل الفـدائيين لجنـود وهو أعنفها جميع االحتالل، وقتل جنود االحتالل للمصريين، ثم بعد قيام الثورة

وهناك الصراع السياسي، -المواجهة الجماعية بين الفريقين .)٦٨(" وهو شكل من شكول الصراع في المسرحية

) في تردي حزين: (الجوقة شيخ في الستين

ل معتل الصحة، ماذا بعد يقو هل يقبل أخطار المجهول

.)٦٩( البيت الوداع، واألسلوب اليومي المألوف***

:الكلمة اإليجابية: ثانياإذا كنا قدمنا في الصفحات السابقة مالمح الكلمة السلبية

عـن طريـق -بكل صورها، حيث وقف منهـا الشـعراء ثلـى موقف الرفض، فهي ليسـت الوسـيلة الم -شخوصهم

- ٩٨ -

لمواجهة متطلبات العصر وحل مشكالت الواقع، الذي يتسـم بالعنف والصالبة والغموض، فإننا في هذا السياق نشير إلـى الوجه المقابل لسلبية الكلمة، وهو إيجابيتها وقـدرتها علـى الفعل والتجاوز والتغيير، وهو الوجه الذي يرتاح إليـه كـل

موقراطيـة، مثقف ومبدع يطمع في الحريـة والعـدل والدي ويؤمن بدوره الفاعل تجاه مجتمعه، فالشعراء المعاصـرون

فـي مسـرحهم -بلغ إيمانهم بالكلمة اإليجابية مبلغا كبيـرا فقدموا صورتها المشرقة، وهيئوا لهـا شخوصـا -الشعري

مسرحية تؤمن بها وبطاقاتها، وتكشف عن عالمها، وتتمسـك عـل المنـتج بها تمسكا يفضي إلى الموت، فهي تتميـز بالف

الخالق، الذي يسير بالمجتمع في خطى واسعة نحو مسـيرته فالكلمة اإليجابية عند عبـد الـرحمن . إلى التقدم والنهوض

الشرقاوي تحملها الريح عبر الصحارى، وعبر الصـخور، وفوق السحاب، بل إنها تجتاز كل الحصـون وكـل القـالع

ـ ي وتزلزل قصر األمير وأركانه، هذا ما تؤكـده سـلمى ففي حوارها مع هاشم زوجها، فتقول " الفتى مهران "مسرحية

: في المنظر األول :..............سلمى

- ٩٩ -

ستجتاز أغنيتي كل حصن وكل القالع ركانه كلها أستجتاز أسوار قصر األمير تزلزل

وتعبر فوق حدود الزمان معطرة األسى مشعة .)٧٠(بضياء األمل

منا بجدوى الكلمـة ويذهب مهران في االتجاه نفسه مؤ وقدرتها على الفعل والتأثير، فيشترط لها الحرية لكي تمارس حركتها وفاعليتها، فيطلب من سـلمى أن تنشـد للحقـول، والمساء، والسنابل، وعلى مقدم كل فجر جديد، وال تحبسـها في القصور خلف سور أو جدار، فتصـبح جثـة هامـدة ال

: حراك ليها وال حياة اسمعي كلمات األغنية .. أن تمشيسلمى قبل: مهران

احذري أن تحبسيها في القصور خلف سور أو جدار انشديها للحقول، للمساء، للسنابل، وعلى مقدم

الفجر الجديد وسأروي لهم مـا ... سأغنيها لمن عشت لهم : سلمى

.)٧١( ..كانفمهران يعي دور الكلمة وعالقاتها بمعطيـات الحيـاة

تنشدها للحقول وللمساء، وللسنابل، فحين يطلب من سلمى أن

- ١٠٠ -

وعلى مقدم الفجر الجديد؛ يكشف حرصه الشديد على التغيير والتحول من حياة القحط في ظل المستعمر إلى حياة النمـاء واالخضرار، فهي لها قدرة اإلخصاب وتبديد الظالم ونشـر

. وقود الحياة، وخلق مستقبل مشرق جميلكلمة شخصية أسـتاذ ومن الشخصيات المؤمنة بدور ال

فهو يقوم بدور تنـويري " تمثال الحرية "الجامعة في مسرحية من أجل خلق جيل يؤمن بالمبدأ، يحدد موقعه، ويعزي نفسه، ولذا يرى أن اإلنسان ال بد أن يقـول كلمتـه مهمـا كانـت التضحيات، خصوصا إذا كانت في مواجهة الباطل، فبالكلمة

: شر والقهرالقوية يستطيع أن يدحض ظلمات الأنا أستاذ في الجامعة، ولـي : الرجل األمريكي المحطم

وعي بالمسئولية مسئولية أستاذ متحرر

.. كنت أدرب طالبي ليقولوا الحق وأعلمهم أن الصدق في هذا العصر

وأن مثقف هذا العصر عليه ضريبة أال يسـكت عـن باطل

وأن يتحدى بالكلمات وبالموقف

- ١٠١ -

.)٧٢( ظلمات الشرؤكد الرجل األمريكي إيمانه بالكلمة اإليجابية واعتناقه وي

لها، فهي وسيلته المثلى لمواجهة هذا العالم القاسي، فيكشـف عن تأثيرها وفاعليتها ووجها المشرق، وفي الوقـت نفسـه

الصمت حيث ال ينتج الصـمت /يرفض الوجه الساكن للكلمة : سوى تمزق وانهزام وتخلف ونشر القهر فهو يصرح بقوله

ولم .. وظللت أقول كما علمت تالميذي : الرجل المحطم أتوقف

ألقيت سعير الكلمات في وجه ركام الظلمات

أخذت أصوغ الوجدانات بما أكتب وطبعت كالمي في صفحات

وأدنت به العصر المذنب وشعرت بنفسي رغم الفاقة كالعمالق

أجل عمالق .. في وجه صغار النهازين عن والمتآمر في شتى اآلفاق ت المذمأدين الص

حر .. أنا رجل حر أطلقت كالمي في جرأة

- ١٠٢ -

.)٧٣( !نت العصردوأرغم النثرية والخطابية في صياغة الرؤية فإن حـرص الشرقاوي على كشف مالمح الكلمة اإليجابية كان قويا لما لها من تأثير وفاعلية وقدرة على مواجهة الظلمات وتبديدها، كما

لصياغة أنبل ما في اإلنسان ووجدانه، في الوقت أنها وسيلة الذي يشهرها صاحبها في وجه العصر المذنب حتى يتراجع

. القاهرون والنهازون عن بطشهم وقهرهمالحسـين ثـائرا والحسـين : ثائر اهللا "وتأتي مسرحية

المبـدأ، فتقـدم /تجسيدا حيا وعميقا لإليمان بالكلمـة " شهيدا بالكلمة حامال كلمته القوية الفاعلـة شخصية الحسين مناضال

معتصـما بـالقيم األخالقيـة "ضد السيف والذهب األمويين الفاضلة ضد قوة القهر والزيف والباطل، ومعتصـما بكلمـة

.)٧٤(" الحق ضد الفساد الذي يخرب النفوسوإذا تأملنا الحسين في المسرحية فإننا نجد انسجاما تاما

مــة قاطعــة كالنصــل، بــين الشخصــية وموقفهــا، فالكل ال تعرف المواربة أو التزييف، لها وجـه واحـد، ال تلـين وال تستجيب للمناورة أو الخداع، والحسين فـي المسـرحية ال يعرف إال طريقا واحدا، ال يخضع للتهديـد أو المنـاورة

- ١٠٣ -

أو اإلغراءات وقد كان بوسـع الحسـين أن ينجـو بنفسـه التـزم بالصـمت لكـن وأصحابه، إذا ما نطق بالمبايعة، أو

المبايعة موقف، وأيضا الصمت موقف، ومن هنا كان التزامه بكلمته من أجل كشف األوضاع القهرية التي تـردى فيهـا

.)٧٥(" األمويون والغشاوة التي تعمي المخدوعينالحسين حين انحاز للكلمة اإليجابية كان يدرك النتيجـة

للتضحية، يعتنقه الحتمية لهذا االنحياز، فهو يعرف أنه رمز كل صاحب مبدأ، كل قوي يريد لنفسـه ولمجتمعـه العـزة، يحارب القهر، ويقف في وجه الطغيان، وإذا لم يكـن هنـاك

المبدأ فسـوف / حسين في كل عصر يعتنق الكلمة اإليجابية يصير القهر والقتل والتنكيل سمة له، وتسيطر علـى مقاليـد

فعل مـا تريـد فـي األمور سلطة يزيد المزيفة الباطشة، وت : رعيتها، وعليها ترغم آالف األنوف في المذلة

فإذا سكتم بعد ذاك على الخديعـة وارتضـى : الحسين اإلنسان ذله

فأنا سأذبح من جديد وأظل أقتل من جديد

لةتوأظل أقتل كل يوم ألف ق

- ١٠٤ -

الصبور ىسأظل أقتل كلما سكت الغيور وكلما أغف ي المذلةسأظل أقف كلما رغمت أنوف ف

.)٧٧(ويفعل ما يريد.. ويظل يحكمكم يزيد ماويلحظ القارئ أن نبرة الخطابية العالية تتبدى في ثنايـا المقطع، من خالل بنيته األسلوبية واستخدام مفردات الـوعظ

لجـوء "والحث والنصيحة والتقرير، الذي هيأ هذا الملمح هو مخاطبة غير المحدودة، أي " الجماعة"الشخصية إلى مخاطبة

المطلق في نبرة خطابية عالية النبرة، وبعيـدة تمامـا عـن .)٧٧(" الموقف الدرامي، وعن قدرات الشخصية

من خالل هذه النمذجة التي تحملها شخصـية الحسـين / الموقـف / يقدم الشرقاوي صورة ناصعة مشرقة للكلمـة

الفعل، التي يمكن أن تغير مالمح واقـع بأكملـه، أو تنقـل ن حالة إلى أخرى، فهي قوية جادة كالسيف تقـف المجتمع م

في وجه السلطة القاهرة، التي ترغب فـي تأكيـد شـريعتها بالكلمة، فعليها يتوقف قبول العامة أو رفضهم لهذه السـلطة، فالحسين في المنظر الثاني في حواره مع ابن مروان صاحب بيت المال، والوليد أمير المدينة يكشف عن معنـى الكلمـة

اتها وقدرتها على التغيير؛ فحين يؤكد له الوليد بأنهم ال وطاق

- ١٠٥ -

يطلبون إال كلمة، يذهب الحسين إلى الكلمة، ليبين قدسـيتها وما تتمتع به ويكشف عالمها وهويتها، وبعدد مقامها، ألنـه مؤمن بها وبجدواها، في مقابل اآلخر الذي يرى أنها يسيرة،

هذا فـي حـواره إن هي إال كلمة، ال يعرف قيمتها، يتضح : الطويل

نحن ال نطلب إال كلمة : الوليد واذهب بسالم بجموع الفقراء " بايعت! "فلتقل

ا للدماءبن رسول اهللا حقن فلتقلها وانصرف يا إن هي إال كلمة .. يسرهاأآه ما .. اهفلتقل

! كلمةتكبر) منتفضا: (الحسين وهل البيعة إال كلمة

ما دين المرء سوى كلمة شرف الرجل سوى كلمة ما

ما شرف اهللا سوى كلمة فقل الكلمة واذهب عنا ) بغلظة: (ابن مروان ؟ ..أتعرف ما معنى الكلمة: الحسين

مفتاح الجنة في كلمة دخول النار على كلمة

- ١٠٦ -

وقضاء اهللا هو الكلمة الكلمة لو تعرف حرمة

زاد مذخور الكلمة نور

وبعض الكلمات قبور ع شامخة يعتصم بها النبل بعض الكلمات قال

يالبشر الكلمة فرقان ما بين نبي وبغي

بالكلمة تنكشف الغمة الكلمة نور

ودليل تتبعه األمة عيسى ما كان سوى كلمة

أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين ! فساروا يهدون العالم الكلمة زلزلت الظالم الكلمة حصن الحرية إن الكلمة مسئولية

إن الرجل هو الكلمة

- ١٠٧ -

شرف الرجل هو الكلمة .)٧٨( شرف اهللا هو الكلمة

وحين يصر ابن الحكم ويلح على الحسين ليعلن موقفـه من المبايعة، يرفض الحسين تكملة الحـوار معـه، ويـؤثر الصمت اإليجابي؛ ألن ابن الحكم ال يعرف معنـى شـرف

عنيه الكلمة، خصوصا وأن الحسين قد أطنب في توضيح ما ت : الكلمة، فحين يسأل ابن الحكم

وإذن؟ : ابن الحكم : يؤكد الحسين

.)٧٩( لدي لمن ال يعرف شرف الكلمةال رد: الحسيننلحظ في النص السابق أن الشرقاوي استخدم الكلمة في بنيتها التركيبية في جمل اسمية أو متعلق بها كشبه الجملـة،

بوصفها قيمة ثابتة تعادلها ومن هنا تأخذ الكلمة طابع الثبات القيمة المبعثرة في المسند أو العكس حيث تكون هي المسـند

وقد تـرددت ثمـان . والقيمة المبعثرة تكمن في المسند إليه وعشرين مرة في ثالثين سطرا مما يشير دالليا باسـتحواذها

. على فكر الشاعر ورؤيته، ومدى إيمان الشخصية بجدواها

- ١٠٨ -

ال تجدي نفعا "م يرى أن هذه الكلمة وإذا كان رفعت سال في المواجهة المحتدمة وتصبح سالحا ال يتكافـأ وضـراوة

، فإننا نؤكـد أن )٨٠(" الصراع، بل إنها تصبح كلماته الطيبة إصراره على مواصلة الرفض هو الذي جعل مـن الكلمـة نموذجا ينبغي أن يكون في البـدء وفـي الختـام، فالنهايـة

الذات "جلها هو الذي يمنحها القيمة؛ ألن الموت من أ /الحتميةالحرة األصيلة، أو اإلنسان األصـل ال اإلنسـان الصـورة، حينما تطبق الضرورة على حريته وتشل الحاجـة إرادتـه،

" كيركيجـارد "وتختنق في فمه الكلمات، فإن الموت كما قال . )٨١(" البد وأن يجيء ليفتح له النافذة

ط بصورة قويـة علـى وعلى الرغم من ممارسة الضغ فـي وجـه -الموقف فإنـه /الحسين لكي يتخلى عن الكلمة

السلطة، ويصر على رفضـه / ال يذعن ألمر يزيد -الموت البيعة له، والعطش قد استبد به وبأهله وأصبح الموت يحـيط به من كل جانب خصوصا بعدما تساقط أصحابه أمامه واحدا

مـوت، والكلمـة تلو اآلخر، ولكن الحسين يعرف أن الكلمة حياة، فال قيمة لحياته إن هو تخلى عن إيمانه بها، وبالمبـدأ الذي وهب له حياته منذ اللحظة األولى، وفي تصاعد درامي

- ١٠٩ -

فـي أعلـى درجـات -بلغ ذروته يقدم الشرقاوي الحسين المبدأ، فعندما يطلب منه عمر / معلنا إيمانه بالكلمة -إصراره

طق بكلمة واحدة وهي البيعة بن سعد أمير جيش الكوفة أن ين إنقاذا لحياته وحياة من حوله من أهله، يرفض الحسين رفضا صارما وكأنه يعرف طريقه إلى الجنة ومعه أتباعـه، وفـي الوقت نفسه يقدم الشرقاوي آل البيت وهـم علـى مـوقفهم المماثل لموقف الحسين رفض البيعة، يتضح هذا في حـوار

الخطابية ويقتـرب مـن النمـو يبتعد عن الغنائية والترهل و : الدرامي المكثف

.. وجدك ليموتن جميعا من ظمأ إن لم تستسلم: عمر ! فاستسلم ..!! ستسلم؟ يا للكلمةأأنا : الحسين أبدا ال تستسلم .. أبدا) صارخة في فزع: (زينت

ما يبغي القوم سوى رأسي : الحسين عني فامضوا.. أنا ذا الميت.. أنا الميت.. وأنا الميت

فأنا سأحاربهم وحدي أنتم انجواو

ال تستسلم : زينب

- ١١٠ -

ال تستسلم .. ستحلفك بجديأإني : سكينة بشرف الكلمة ال تستسلم : زينب

بعمك حمزة ال تستسلم بعزة دينك ال تستسلم .)٨٢( بذكرى جدك ال تستسلم

وإذا كان عبد الرحمن الشرقاوي قد وجد في شخصـية ن إيمانـا تامـا بالكلمـة وجـدواها الحسين نموذجا لمن يؤم

وقدرتها على التغيير، يموت في سبيلها، وقد رفض أن يبقى بمكة هو وشيعته، وأن يعلن البيعة صاغرا ليزيـد، وأعلـن كلمته القاطعة كالنصل إيمانا منه بأن الموت قيمة فوق كـل شيء، وهذا ما يعتقده الشرقاوي نفسه ويؤمن بـه، بوصـفه

درسة قادرة على فرز األصالة من الزيف، م"مثقفا ينتمي إلى والحق من الظلم، والكلمة المقاتلة من ركام الكـالم المـائع

فإن صالح عبد الصـبور قـد وجـد فـي . )٨٣(" واألخرسشخصية الحالج الحل األمثل لكثير من معتقداته ومشاكله هو

كنت أعاني حيرة مـدمرة إزاء : "شخصيا، ولذا فهو يصرح وكانت األسئلة تزدحم في خاطري . رناكثير من ظواهر عص

ازدحاما مضطربا، وكنت أسأل نفسي السؤال الـذي سـأله

- ١١١ -

وكانـت : "ثم يضيف بقولـه . )٨٤(" ماذا أفعل؟ : الحالج لنفسه معبرة عن اإليمان العظيم الـذي ) مأساة الحالج (مسرحيتي

.)٨٥(" بقي لي نقيا ال تشوبه شائبة، وهو اإليمان بالكلمةين بن منصور الصوفي المعروف الذي والحالج هو حس

هـ، وعاش حياة قلقة، مليئة بالجهاد الروحي، ٢٤٤ولد سنة ونزل السوق يدعو الناس إلى الزهد والفناء، حتى ألصقت به تهمة الكفر والزندقة، وأحرقت جثته وألقي رمادها في نهـر

.)٨٦(دجلة نزول الحالج إلـى الحيـاة "استغل صالح عبد الصبور

لقضية العدل وسعيه للقتل والقبض عليه، كما صـور وتبنيه سجنه ومحاكمته وإدانته، واختار األحداث اختيـارا دقيقـا،

، فـالحالج )٨٧(" ستهم في تصوير الحالج كقادم لقهر السلطة يختار طريق التزامه بـدنيا اهللا وخلقـه، "يعرف غايته ولهذا

ـ ار وطريق مواجهته للسلطان، وطريق عالقته بـاهللا، االختيالحر الذي يحتم اصطدامه بما مأل الدنيا من الشـر، ويحـتم نهايته معلقا على الشجرة سـفوحا، ولكـن هـذا المصـير

ال يتحقق بحكم قدر أعمى مسـبق بـل يحـدث " التراجيدي" .)٨٨(" بإرادة الحالج الواعية

- ١١٢ -

" مأساة الحـالج "يقدم صالح عبد الصبور في مسرحية الخالقة، حيث نرى مجموعة وجها من وجوه الكلمة اإليجابية

الصوفية تؤكد إيمانها المطلق بدور الكلمة التي كان الحـالج : يروي بها ظمأهم ويسد بها جوعهم

كنا نلقاه بظهر السـوق عطاشـا : مجموعة الصوفية فيروينا

من ماء الكلمات جوعي، فيطعمنا من أثمار الحكمة

.)٨٩( وينادينا بكؤوس الشوق إلى العرس النورانيونفس المجموعة تذهب لتعمق هـذا الـدور اإليجـابي

حتـى -للكلمة وقدرتها على التغيير ولكنها تشترط للكلمـة أن تنتشر بين الناس في جميع المجاالت، ذلك -تقوم بدورها

: أن الوعي بالكلمة هو المؤهل لها أن تؤتي ثمارها وفرحنا حين ذكرناه أنا علقناه في كلماته: المجموعة

اه بها فوق الشجرة ورفعن وسنذهب كي نلقى ما استبقينا منها : أفراد المجموعة

في شق محاريث الفالحين ها بين بضاعات التجار ئونخب

- ١١٣ -

ونحملها للريح السواحة فوق الموج وسنخفيها في أفواه حداة اإلبل

الهائمة على وجه الصحراء وندونها في األوراق المحفوظة بين

طوايا الثوب عل منها شعرا وقصائد وسنج

ماذا كانت تصبح كلماته .. قل لي: المجموعة .)٩٠( لو لم يستشهد؟

السطران األخيران يمنحان الكلمة اإليجابية بعدا جديدا، فلكي تكـون الكلمـة مؤهلـة للقيـام بـدورها اإليجـابي، ال بد أن يكون من يعتنقها مستعدا لالستشهاد فـي سـبيلها،

يمنحهـا قيمتهـا وقـدرات فـوق واستشهاد صاحب الكلمة وقد استخدم صالح عبد الصبور في بوح المجموعة . قدراتها

مشـبعة فـي . لغة شعرية مثقلة بعناصر اإليحاء الصـوفي "الوقت ذاته بنبض شعبي يوحي إيحاء طيب الداللة على مـا تحسه الجماهير بمشاعرها ووجـدانها وجوانيتهـا، قبـل أن

.)٩١(" تدركه بوعيها وفكرها وبصرها

- ١١٤ -

والحالج في المسرحية يـرى أن للكلمـة دورا كبيـرا معقودا عليها، ولكنه يشرط للكلمـة حتـى تقـوم بـدورها

: فهو يصرح للشبلي" الرعاية" ال يعنيني أن يرعوا ودي أو ينسوه : الحالج

.)٩٢( يعنيني أن يرعوا كلماتيويعمق صالح عبد الصبور هـذه الفكـرة فـي نفـس

وذلك باشتراطه لنجاح كلماتـه " ر الثاني المنظ"المسرحية في اآلذان التي تسمع وتعي، والقلوب : في دورها عدة أشياء منها

الجسورة التي تعتنق الكلمة، وتضحي من أجلها، فتخلق عالما : يتسم بالقوة قد خبت إذن : الحالج

لكن كلماتي ما خابت فستأتي آذان تتأمل إذ تسمع تتحدر منها كلماتي في القلب

وقلوب تصنع من ألفاظي قدرة وتشد بها عصب األذرع وال ترجع . ومواكب تمشي نحو النور

إال أن تسقى بلعاب الشمس .)٩٣( روح اإلنسان المقهور الموجع

- ١١٥ -

والحالج يضيف للكلمة بعدا جديدا حتى تكون إيجابيـة قادرة على الفعل، هذا البعد يتمثل في نشرها بـين النـاس،

ه، ويطوف في النـاس، يعـايش العامـة، فهاهو يخلع خرقت ويتصل ببعض وجوه األمة، رغبة منه في إصالح واقعـه،

: ويدور حوار مع صاحبه ليكشف له مراده ولدت كلمات اهللا هناك بقلبي المثقل : الحالج

رض الناس أفأتيت بها، طوفت ب عن فتنة طلعتها أنضو أطراف ثيابي

فشيئا .. شيئا سأخوض في طرق اهللا

ا حتى أفنى فيه بانير فيمد يديه يأخذني من نفسي

هل تسألني ماذا أنوي؟ أنوي أن أنزل للناس

وأحدثهم عن رغبة ربي اهللا قوي، يا أبناء اهللا

كونوا مثله اهللا فعول يا أبناء اهللا

- ١١٦ -

كونوا مثله .)٩٤( اهللا عزيز يا أبناء اهللا

السوي، وهنا تأخذ الكلمة بعد التحريض ورسم الطريق فهي تدعو إلى القوة والفعل والعزة، وهي األشياء التي يرى الحالج أنها ضرورية، حتى تكون الكلمة إيجابية قادرة على

دور الكلمة عند الصوفي تفوق "وهذا ما يدل على أن . الفعلدورها عند غيره، ألنها عنده أداة لتأدية رسـالة، والرسـالة

ها، ولو تخلى الناس عـن مرتبطة ببقاء الكلمة حية في معنا وفكرة العـزة شـرط للكلمـة . )٩٥(" الحالج، ستبقى كلماته

: اإليجابية ولذلك فالحالج يصرخ :.............الحالج

حتى ال يسمع أحبابي كلماتي يا شيخ .. فأنا أجفوها أخلعها

.)٩٦( إن كانت شارة ذل ومهانةب وألن الحالج يذهب في إيمانه بالكلمة ودورها مـذه

: الشطط، فإنه حين يلقي الشرطي القبض عليه يقول لهم ال، يا أصحابي : الحالج

ال تلقوا باال لي

- ١١٧ -

أستودعكم كلماتي .)٩٧( عودوا.. عودوا

وتكشف خاصية التكرار في هـذا الموضـع إصـرار الحالج على تنمية قدرات مريديه، حتـى ينشـغلوا بالكلمـة

من أن يتبعوه ويسيروا ودورها وأثرها في حياة العامة، بدال خلفه فيكون مصيرهم السجن، وفي هذا تموت رغبة الشـيخ

. في التبليغ والتحريض وحرصه على االستمراروالكلمة اإليجابية لها فعل السحر، كما يـرى الحـالج، فهي قادرة على إحياء الروح كما كان المسيح قـادرا علـى

: إحياء األجساد لم تفهم عني يا ولدي : الحالج

فلكي تحيي جسدا، حز رتبة عيسى أو معجزته

أما كي تحيي الروح .)٩٨(فيكفي أن تملك كلماته : وحين يسأله السجين

وبماذا تحيي األرواح؟ : السجين الثاني .)٩٩(.. بالكلمات: الحالج

- ١١٨ -

" تقوم اللغة في بنيتها بدورها الداللي، فكما يقول النفري فإن الرؤية عنـد . )١٠٠( " كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة

الحالج اتسعت إلـى درجـة مكثفـة، / صالح عبد الصبور أصبحت فيها اللغة تومئ وتحدد عالم الرؤية، فهي السـالح الوحيد الذي يمنح الحياة معنى وال شيء غير الكلمات، لـذا جاءت إجابة الحالج للسجين الثاني الذي يسأله بمـا يحيـي

شير إلى أهمية المثبت ومكانتـه األرواح بالكلمات، فالحذف ي . وفعاليته في نفس قائلهنجد أن سعيدا ورئـيس " ليلى والمجنون "وفي مسرحية

التحرير يذهبان إلى أن للكلمة دورا كبيرا، فهي قادرة علـى التغيير، لذلك نجد في المنظر األول من الفصل األول األستاذ

: يصرخ) رئيس التحرير( من بضعة أشهر : األستاذ

ومجلتنا تتألق كالوشم الناري على ساعد هذا البلد الممتد

ا ال يحمل سيفا أسد بل يحمل بوقا يصرخ في صحراء الزمن اليابس كي يحيي المرضى المتكئين على سرر البلوى

- ١١٩ -

.)١٠١( والخوف المقعدفرئيس التحرير من خالل هذا المقطع، يـذهب إيمانـه

يرى أن الكلمة قادرة على بدور الكلمة إلى أبعد حد، حتى أنه . إحياء الموتى

وفي قصيدته الطويلة التي تتخلل المنظر الثـاني مـن الفصل الثاني من المسرحية، يمنح سعيد الكلمة اإليجابية بعدا آخر يجعلها قادرة على التحريض واإلثارة حتى يتحرك أهل

: مدينته على حد قوله يا أهل مدينتنا : سعيد

هذا قولي ا أو موتوا انفجرو

من هذا سوف يجيء رعب أكبر لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعالي جبل الصمت

............... .)١٠٢( انفجروا أو موتوا

في هذا المقطع تكتب الكلمة قيمة إيجابية مـن خـالل . مقدرتها على التحريض الذي يولد الثورة ويستطيع التغييـر

ذات الداللـة الثوريـة وقد استخدم عبد الصبور أفعال األمر

- ١٢٠ -

مرتين حرصا منه على كسر جمود الواقع " انفجروا وموتوا "ورغبة ملحة في الخروج من أسره وهيمنته إلى فعل إيجابي،

، والموت هنا لـم "انفجروا أو موتوا "وفي الوقت نفسه بين يكن موتا سلبيا ساكنا، بل إنه يحقق قيمة إيجابية ألنه يخلـق

. الحياة من جديد المنظر الثالث مـن الفصـل الثالـث مـن نفـس وفي

: المسرحية نجد زيادا يمنح الكلمة اإليجابية دالالت أخرى أستاذ الطيب : زياد

هل نرحل للمستقبل .)١٠٣( ق الصحف األصفررفي سفن من و

كأن صالح عبد الصبور يريد أن يقول من خالل زيـاد بد لها مـن أن الكلمة كي تصبح قادرة على التأثير والفعل ال

أن تجدد نفسها، وتصبح غير بالية، وربما يمكن لنا بسـهولة ، )ورق الصـحف األصـفر (أن نكشف ذلك من خالل قوله

فداللة القدم واضحة على الورق األصفر، وعلى ذلـك فـإن الفكرة السلفية أمر يفقد الكلمة قدرتها على الفعل أو بمعنـى

-في المقام نفسـه -آخر يفقدها إيجابيتها، ويأتي االستفهام

- ١٢١ -

ليطرح داللة الشك في جدوى الكلمة القديمة، ومحاولة البحث . عن بديل

تؤمن بـدور " بعد أن يموت الملك "والملكة في مسرحية الكلمة وقدرتها على الفعل، والطريف أنها تـرى ذلـك فـي

الذي ال يؤمن بدور الكلمة، ولـذلك فهـي " الشاعر"مواجهة : تقول له

خس كلماتك ما تستأهله من قدر ال تب: الملكة فالكلمة قد تفعل

ال تدري ماذا فعلت في مطلع عمـري كلمـات تشـبه كلماتك

ا حساسا ملتمع العينين سمعت أذناي صبي ينفخ في مزمار ويغني أني أجمل ما رأت العين

.)١٠٤( فغدوت جميلةوتذهب الملكة في إيمانها بدور الكلمة مذهبا كبيـرا إذ

رة على منح الخصوبة والنماء، ولهذا تؤكد إمكانيـة أنها قاد الحصول عليها من الشاعر فتتساءل معه في حرقة ورغبـة

: جارفة هل تقسم أن تعطيني كلماتك : الملكة

- ١٢٢ -

تتغنى لي حتى يتمايل عطفاي من الخيالءعندئذ ي١٠٥( مني ثمر يشبع جوع البسطاءطاقس(.

ة لفعل الكلمـة القـادرة تشير الملكة إلى النتائج اإليجابي - بعد أن تنالها من الشاعر -على المنح والخصوبة، وخلق

المستقبل األجمل، فيسقط منها ثمر يشـبع جـوع البسـطاء، . ويخلصهم من الفقر

من خالل ما سبق نستطيع القول أن شـخوص صـالح عبد الصبور المؤمنين بالكلمة ودروها الفاعل، القادر علـى

ى انحياز صالح عبد الصبور نفسه لهـا، التغيير يكشفون مد وإيمانه بطاقاتها مشترطا لهـا عوامـل نجاحهـا وتأثيرهـا وتحويلها من حيزها القولي السالب إلى حيز الفعل اإليجابي،

انتشارها بين العامة، أن تثبت على المبدأ مهما كانـت : مثلالتضحيات، أال تكون سلفية مستهلكة ممـا يجعلهـا عديمـة

تكون قادرة على التحريض واإلثارة، بل إنهـا الجدوى، أن . قادرة على إحياء الموتى

أما أنس داود في مسرحه فيؤكد إيمانه القـوي بالكلمـة بوصفها أداته في إيقـاظ وعـي . اإليجابية وانحيازه التام لها

المتلقي، وقيادته قيادة تنويرية في مرحلة تعـد مـن أخطـر

- ١٢٣ -

ماعيا واقتصاديا، فكـان مراحل مجتمعه ثقافيا وسياسيا واجت طبيعيا أن ترد شخوص المسرحية مؤمنة بهذا الدور، ملتزمة

: به، حتى أن هناك مسرحيات بأكملها تطرح هذه القضية مثل األميرة التي عشقت "و" بهلول المخبول "، و "محاكمة المتنبي "

محاكمـة "، ففـي مسـرحية "الصياد"، و "الزمار"، و "الشاعرد وجها من وجوه الكلمة التـي يرتـاح يقدم أنس داو " المتنبي

إليها، وهي الكلمة الفاعلة القادرة على إحداث التغيير حـين أن كلمات المتنبي تسبب له قلقا، - أحد أبطاله -يعلن كافور

فهي كالسوط الذي يلدغ جسده، بل إنها كالنار التـي تشـوي جلده وتكويه، ويشترط أنس داود لنجاح مهمـة الكلمـات أن

بين العامة، فهم في حاجة إلـى كلمـة قويـة فاعلـة تنتشر يستقبلونها لتروي ظمأهم، وتخلصهم من حالة العطش، كمـا تتلقف أرض عطشى ماء األمطار الذي يعيـد لهـا الحيـاة،

قـدرتها / واالخضرار، فالذي يعطي الكلمة بعدها اإليجابي . على الخروج من حيزها الشخصي إلى انتشارها بين العامة

الشعر ال تستطيع أيـة / ن أنس داود أن الكلمة القوية كما يعل ال - مـثال -سلطة أن تقضي على أثره وفاعليته، فكـافور

- ١٢٤ -

يستطيع أن يخفي قلقه وتوتره عندما يرى المتنبي خصوصـا : وأن األميرة تنحاز إليه، وتؤمن به وبكلماته

محتقبـا بعـض - هذي المرة -بل يأتون به : كافور خطاياه

تشويني أو .. قصائده.. مصارفي كل األ تكويني

تتساقط مأخذ طعن أو ظنه عار يا لألشعار

تسري بين العامة كالريح، تتلقفها أنفسهم كما تتلقف أرض عطشى بعض

.)١٠٦( األمطارتلحظ في هذا البعد للكلمة اإليجابية أن أنس داود ذهـب

عـن -إلى ما ذهب إليه عبد الصبور من قبل حين اشترط احتضان العامـة للكلمـة حتـى تمـارس -ريق الحالج ط

، وقد توالت )١٠٧(فاعليتها، حتى أنه استخدم تعبيراته وصوره بعض الجمل بدون ترابط، كاالستغناء عن حروف العطـف مما يشير في هذا السياق إلى توالي الحركة، وانتشار الكلمـة

- ١٢٥ -

في وأثرها اإليجابي، انتشارا سريعا وصل إلى درجة التداخل . الفعل في آن واحد

فـي " األميرة التي عشـقت الشـاعر " وفي مسرحيته وهو شـاعر -المشهد الثاني من الفصل الثاني، يبدو وضاح

مؤمنا بدور الكلمة، معتنقا وجهها اإليجابي، فيلقـي علـى -الشاعر عبء تحمل مسئوليتها، فهـو يقـود / عاتق المثقف

م، ال يقبـل المهانـة مجتمعه إلى األمام، ويقف في وجه الظل واالنكسار فالشاعر الحقيقي عنوان الرفض وصوت الغضب، وفي الوقت نفسه صوت الوعد اآلتي، والكلمة لديه رصاصة تخترق الصمت القاتل، والرعب، والخـوف المعشـش فـي أركان مجتمعه، الشاعر يفضح السلطة ويعريها، ويصرح في

اح في حـواره وجهها إذا لزم األمر، كل هذا يذهب إليه وض : مع األمير فيؤكد

لكني يا موالتي : وضاح عنوان الرفض، وصوت الغضب الغائب صوت الوعد اآلتي من شرفات الغيب وضعتني األقدار على هذا المشروع

أرتاد الدرب، لهذا الشعب، ولن أرجع

- ١٢٦ -

.. حتى يتعلم يه ويبصر نيعأن يفتح

أن يرهف أذنيه ويسمع لم أ، أن يتأن يستيقظ، أن يصرخ

أن يعري جالديه وسراقيه في ثوب الوزراء

والخطباء والتجار

والشطار وجباة المال

وقضاة األهواء التموا في خيط محكم

باسم الدين والقانون

.)١٠٨( والعادة والعرفعندما يكون الشاعر موجودا في وجه السلطة الباطشـة

يه وترى فيه الخـالص الوطن تنحاز إل / القاهرة، فإن األمير

- ١٢٧ -

البطش، االستعباد، : بوصفه إنسانا واعيا، يدرك أبعاد المأساة . والحرمان، يتخلق مع كل لحظة عدل أو حرية، يحلم بالغد

دور الشاعر فـي "ويلحظ القارئ لمسرح أنس داود أن أعماله منذ السقوط إلى الثورة في الخماسية، وفي مسـرحيته

هو نفس دور الشـاعر عنـد "األميرة التي عشقت الشاعر "، وعلى الرغم من اختالف طبيعة المجتمع )١٠٩(" عبد الصبور

. وقضاياه واختالف السياق التاريخي ومعطياتهويشترط أنس داود لنجاح الكلمة في أداء مهمتها لكـي

عدم الفصل بينها وبين من يعتنقها، - في ظل القهر -تفعل في حوارها مع وضاح حتى تؤتي ثمارها المرجوة، فاألميرة

الشاعر، في المشهد الثاني من جدوى الكلمة في حياتها، فهي عطشى لإلنسان الشاعر الذي يستطيع أن يعطيهـا معنـى

: األشياء، ويعري في عينيها الدهشة فهي تصرخ ما أمتعني بالتجوال وبالرحلة في صحبة شاعر : األميرة !؟شاعر وكفى: وضاح ال تغضب : األميرة

و أني أهوى الشعر أكثر مما أهوى الشعراء يبد هكذا : وضاح

- ١٢٨ -

حتى ال تأخذك الخيالء : األميرةحسنا، في جولتك القادمة خذي ديوانـا مـن : وضاح

شعري .. لن أصحب غيرك: األميرة

هذا قدري، أو قدرك كانت تحلم نفسي أن يهواني شاعر ... طيلة عمري

أن يهمس في أذني بالشعر الحلو ع في أعماقي بضع قصائد أن يزر

أن يعطيني معنى األشياء كما أعرفها صور األشياء كما لم أبصرها أن يغرس في عيني الدهشة

يفتح في جسدي نهرا للفجر الطالع والشمس .)١١٠( المغتربة

الشاعر نبي أمته، ولذا يرى أنـس داود فـي الشـاعر بكلمتـه القدرة على المواجهة، والثورة والفعل والتجـاوز، و

فإذا كان الشعر يمثل شكال مـن "يعطل نمو القهر السلطوي، أشكال وعي اإلنسان بذاته وبجماعته وصيرورة واقعه، فإنه يضع منتجه في مواجهة أشكال القهر ومؤسسـاته، أي أنـه

- ١٢٩ -

وبخاصـة فـي . يعرض الشاعر ألذى الطبقـات الحاكمـة ض المنظومات االجتماعية المتخلفة التي تعمم القهـر وتـدح

وألنـس داود . )١١١(" صناع الوعي أو تحولهم إلى أبواق لها يكشف من خالل شخوصـها دور " الشاعر"مسرحية بعنوان

الشاعر وأهمية الكلمة الفاعلة، حيث يراها أكثر تـأثيرا مـن أن الشاعر على الـرغم ) فتاة(القوة المادية، فتؤكد شخصية

اإليمـان من وعيه إذا تخلى عن إيمانه بكلمته، وتحول إلـى بنقيضه، فإن العالم يفقد معنى الجمـال، والحـق، والعـدل، والخير، والحرية، فالشاعر يجب أن يدين القوة، بل يقف في

): السلطة واألداة(وجهيهما الشاعر ال يملك إال الحرف .. عجبا: فتاة

يفتح بالحرف عيونا صما وقلوبا

يفتح آذان الكون در الحرف إلى قدر السيف حين يفر الشاعر من ق: فتاة

يفقد هذا العالم معنى كلمات الجمال، الحق، العدل، الخير، الحرية : الفتيات حين يجيء الشاعر : فتاة

- ١٣٠ -

يعرف كيف يكون باألحرف تلك الكلمات ويدين السيف

.)١١٢( ويدين السلطة: فتاةالشاعر هي الوقود األسمى وال شيء / لذا تصبح الكلمة

د أنس داود، وحين يعلن الشاعر أحد أبطالـه فـي سواه عن مسرحية الشاعر أن تجاربه التي تسعى إلى تجميـل وجـه العالم القبيح لم تعد تريح فيؤكد له سيد عن إمكانية التغييـر ووسيلته فهو ضمير الكلمة وصوت اإلنسان ويملك أن يبتكر

: العالم بهذه الوسيلة تمتلك التغيير : سيد

: يتساءل الشاعر .)١١٢( بالشعر؟: الشاعر

يطرح الصياد بعدا مـن أبعـاد " الصياد"وفي مسرحية الكلمة اإليجابية، وهو قدرتها على المواجهة والرفض، فهـي

: كلمة غضبى ترتفع في وجه السلطة بحثا عن العدل وبماذا أصرخ : السلطان بالكلمات الغضبى حتى يرتج الوطن المعتل : الصياد

.)١١٤( ى حلم العدلويفيء الحكام إل

- ١٣١ -

ومما سبق نستطيع القول أن الشعراء الثالثة قد وقفـوا من الكلمة السلبية موقف الرفض خصوصا وأنها تجلت فـي

الكلمـة : مسرحهم من خالل شخوصهم في صور عدة منهـا المضللة، والمداهنة، أو المتذللة، والكلمة الالجدوى، ويـرى

جتمع إلى الـوراء الشعراء أن هذه الكلمة سبب في جذب الم ووقوعه فريسـة للقهـر والـبطش واالسـتبداد والتـدهور

وقد هيأ الشعراء لهذه الكلمة . واالنحالل وفناء الحرية والعدل شخوصا تتسم بالسلبية، فتتبع طرقا ملتوية بغية الوصول إلى مآربها، أو تتميز بالتذلل والمداهنة إيثارا للسـالمة وطلـب

. فال يرون فيها جدوىاألمان، أو ال يؤمنون بها ولكن الشعراء الثالثة قد انحازوا عن طريق شخوصهم إلى الكلمة اإليجابية الفاعلة، وآمنوا بها وبطاقاتهـا القـادرة على التغيير، فهي قد وصلت إلى حد السحر، وهـي مفتـاح الجنة، وهي نور يكشف الظلمة، وهي شرف الرجـل، وزاد

الحسين عند الشـرقاوي، مذخور، دليل تتبعه األمة كما يؤكد وهي تحيي الموتى، وتفتح قلبا مقفوال برتاج ذهبي، وتهيـئ الثورة، وتروي ظمأ الطامعين في الحقيقة، كما يرى الحالج عند عبد الصبور، وهي كالريح تسري بين العامـة تتلقفهـا

- ١٣٢ -

األنفس كما تتلقف أرض عطشى بعض األمطار كما يؤكـد الكلمة اإليجابية بقيـت فـي لكن هذه . الشاعر عند أنس داود

مسرحهم في حيز الحلم، لذلك يتبلور الوجه اآلخر المقابل لها السيف أو القوة المادية، وسوف تكشف الصفحات التالية عن

..تجليات السيف في مسرحهم وصورته وموقفهم منه

- ١٣٣ -

هوامش الفصل الثانيهوامش الفصل الثاني المسرح الشعري عند صالح عبـد : ثريا العسيلي . د) ١(

الهيئة المصرية العامـة للكتـاب : الصبور، القاهرة .٧، ص١٩٩٥

الشـعر العربـي المعاصـر، : عز الدين إسماعيل . د) ٢( . ٣٤٩، ص٢، ط١٩٩٤المكتبة األكاديمية : القاهرة

. ٩٥المسرح الشعري العربي، ص: رفعت سالم) ٣(جدلية اللغة والحدث، الهيئة المصـرية : وليد منير . د) ٤(

. ١٩، ص١٩٩٧اب العامة للكت .١٣٩المسرحية، ص) ٥( . السابق ) ٦( . ١١الحسين ثائرا، ص) ٧( .١٠ص. صالح عبد الصبور، مأساة الحالج ) ٨( . السابق ) ٩( . السابق ) ١٠( . ٩٠السابق، ص) ١١( . ٩٢السابق، ص) ١٢(

- ١٣٤ -

. السابق) ١٣( .١٠٣ – ١٠٢السابق، ص) ١٤( .٧٠السابق، ص) ١٥( .٧١السابق، ص) ١٦(، ٤، ط ١٩٨٦دار الشـروق : القـاهرة : مسافر ليل ) ١٧(

.٢٥ص .١٦السابق، ص) ١٨( .١٢السابق، ص) ١٩(، ٣، ط ١٩٨٦دار الشروق : ليلى والمجنون، القاهرة ) ٢٠(

.٩ص . السابق) ٢١( .١٠٠السابق، ص) ٢٢( . ١٤السابق، ص) ٢٣( .٦٩السابق، ص) ٢٤( . السابق) ٢٥( .١٥بعد أن يموت الملك، ص) ٢٦(هجـر : األعمال الكاملة، مسرح أنس داود، القاهرة ) ٢٧(

٦٣، ص ١٩٨٩للطباعة والنشر والتوزيع واإلعالم

- ١٣٥ -

- ٦٤ . .١٤٢السابق، ص) ٢٨(المسـرح الشـعري المعاصـر، : أحمد السعدني . د) ٢٩(

.١٠٤ص .٩٨المسرحية، ص) ٣٠( .٦٠السابق، ص) ٣١( . ١٤ – ١٣المسرحية، ص) ٣٢( .١٥ – ١٤السابق، ص) ٣٣(أحمـد . مسافر ليل، نقال عـن د : لويس عوض . د) ٣٤(

.٤٢المسرح الشعري المعاصر، ص: السعدني . ٤٩مسافر ليل، ص) ٣٥( .٩٤ليلى والمجنون، ص) ٣٦( . السابق) ٣٧( . السابق) ٣٨( .٢٤بعد أن يموت الملك، ص) ٣٩( . ٢٥ - ٢٤السابق، ص) ٤٠( .٢٥السابق، ص) ٤١( .٢٧السابق، ص) ٤٢(

- ١٣٦ -

. ٢٨، صالسابق) ٤٣( .١٥ - ١٤ص: مسرحية مسافر ليل: راجع) ٤٤( . ٣٤مسرح أنس داود، ص) ٤٥( .٥٠٢ - ٥٠١السابق، ص) ٤٦( . السابق) ٤٧( .١٦٤الفتى مهران، ص) ٤٨( .٨٠الحسين شهيدا، ص) ٤٩( . ٨٠مأساة الحالج، ص) ٥٠( .١٠ليلى والمجنون، ص) ٥١( .١١ - ١٠السابق، ص) ٥٢( .١٢السابق، ص) ٥٣( .٣١السابق، ص) ٥٤( . ٣١السابق، ص) ٥٥( . السابق) ٥٦( . السابق) ٥٧( .١١٧السابق، ص) ٥٨( .١٦٦السابق، ص) ٥٩( . ١١٧السابق، ص) ٦٠(

- ١٣٧ -

. السابق) ٦١( . ١١٩ - ١١٨السابق، ص) ٦٢( .١١٤بعد أن يموت الملك، ص) ٦٣( .٧٨السابق، ص) ٦٤( .٩٢ - ٩١السابق ص) ٦٥( .٧٦السابق، ص) ٦٦( .٥٨١أنس داود، صمسرح ) ٦٧(المسـرح الشـعري المعاصـر : أحمد السعدني . د) ٦٨(

.١٣٣ - ١٣٢ص .٢٧١مسرح أنس داود، ص) ٦٩( .١٦الفتى مهران، ص) ٧٠( . ٢٠٩السابق، ص) ٧١(الهيئـة : تمثال الحرية وقصـائد منسـية، القـاهرة ) ٧٢(

.٢٣ - ٢٢المصرية العامة للكتاب، ص .السابق )٧٣( .٨٤رح الشعري العربي، صالمس: رفعت سالم) ٧٤( . السابق) ٧٥( . ١٨٩الحسين شهيدا، ص) ٧٦(

- ١٣٨ -

داللــة المقاومــة فــي مســرح : ســامية حبيــب) ٧٧(عبد الرحمن الشرقاوي، الهيئـة المصـرية العامـة

. ٥٢، ص١٩٩٧للكتاب .٣٩ - ٣٨الحسين ثائرا، ص) ٧٨( .٣٩السابق، ص) ٧٩( .٨٠المسرح الشعري الحديث، ص: رفعت سالم) ٨٠(ثقافتنا بين األصـالة والمعاصـرة، : جالل العشري ) ٨١(

.١٧٨ص .٩٩الحسين شهيدا، ص) ٨٢(أجمل سنوات عمرنا الصحفي، مجلة : رءوف توفيق ) ٨٣(

.١٩٧٨نوفمبر ): المصرية(صباح الخير حياتي في الشـعر، األعمـال : صالح عبد الصبور ) ٨٤(

.١٦٧الكاملة ص .١٦٨السابق، ص) ٨٥(دار الكتـب : لرسالة القشيرية، القـاهرة ا: القشيري) ٨٦(

.١٤، ص١الحديثة، طالمسرح الشعري عند صالح عبـد : ثريا العسيلي . د) ٨٧(

.٦٣الصبور، ص

- ١٣٩ -

الرمزيــة فــي مســرح صــالح : ســامي خشــبة) ٨٨(عبد الصبور، مجلة فصول، المجلد الثـاني، العـدد

.١٣٢، ص١٩٨١األول، أكتوبر .١٢ج، صمأساة الحال: صالح عبد الصبور) ٨٩( .١٥ - ١٤السابق، ص) ٩٠(المسـرح الشـعري المعاصـر، : أحمد السعدني . د) ٩١(

. ٩ص . ٣٤ - ٣٣السابق، ص) ٩٢( . ٣٤ - ٣٣السابق، ص) ٩٣( .٣٤ – ٣٣السابق، ص) ٩٤(المسـرح الشـعري المعاصـر، : أحمد السعدني . د) ٩٥(

. ١٠ص .٣٥مأساة الحالج، ص) ٩٦( . ٤٨السابق، ص) ٩٧( . ٦٨بق، صالسا) ٩٨( . السابق) ٩٩(. المواقـف والمخاطبـات : محمد عبد الجبار النفـري ) ١٠٠(

. ١٣، ص١٩٨٥الهيئة المصرية العامة للكتاب : القاهرة

- ١٤٠ -

. ١٥ليلى والمجنون، ص) ١٠١( . ٧٦ - ٧٥السابق، ص) ١٠٢( . ٧٦السابق، ص) ١٠٣( .٩٣ - ٩٢بعد أن يموت الملك، ص) ١٠٤( .١٤١السابق، ص) ١٠٥( .١٣٠ مسرح أنس داود، ص)١٠٦(مأسـاة الحـالج، : النص السابق وراجـع : انظر) ١٠٧(

.١٤ص .٣٨٩ - ٣٨٨مسرح أنس داود، ص) ١٠٨(المسرح الشـعري المعاصـر، : أحمد السعدني . د) ١٠٩(

.١٦٩ص . ٤٢٤ - ٤٢٣مسرح أنس داود، ص) ١١٠(الجحيم األرضي، قراءة فـي شـعر : محمد بدوي ) ١١١(

اهرة الهيئة المصرية العامة صالح عبد الصبور، الق . ١٦٠، ص١٩٨٦للكتاب

.٥٥٧مسرح أنس داود، ص) ١١٢( .٦١٢السابق، ص) ١١٣( .٦٥٧السابق، ص) ١١٤(

- ١٤١ -

אא

- ١٤٢ -

في الوقت الذي طرح فيه الشعراء شخوصـا دراميـة تؤمن بالكلمة بجميع أبعادها ودالالتها وتجلياتهـا، طرحـوا

السـيف، وهـي / درامية لها عالقة بالقوة المادية شخوصا تنتمي للبالط السلطوي، ومن خالل - في الغالب -شخوص

الكلمة والسيف تمكن الشعراء مـن أن يمنحـوا مسـرحهم الشعري بعدا دراميا رائعا، ونستطيع أن نلحظ أن السيف في : المسرح الشعري الحديث يتجلى في صورتين أساسيتين هما

:: األهوج األهوج / /لسيف المتهورلسيف المتهور ا ا::أوالأوالالسيف المتهور وجه يرفضـه الشـعراء المعاصـرون بوصفه قوة مغيرة وفاعلة، وأداة مثلى لقيادة المجتمعات، فهو مصحوب بإراقة الدماء، يفتقد للقيادة الواعية واإلبصار الذي يمنحه شرعية الوجود اإليجـابي، ويحركـه فـي اتجاهـه

- ١٤٣ -

بالبطش، والعنف، والقهر، يتسم - غالبا -الصحيح، فالتهور . واإلرهاب، والذعر، والسيف المتهور موت أعمى

يؤكـد " الفتى مهـران "ففي المنظر األول من مسرحية الشرقاوي رفضه للسيف األهوج على لسان بطلـه مهـران، ألن السيف األهوج أداة للقتل وحمامات الدم، خراب ونـدم،

ـ دت ألعيـاد وفي الوقت نفسه يؤكد مهران أن المناجـل أع : حصاد السنابل والخير، ال لهامات البشر: الحصاد

) منفجرا بقوله لهاشم: (مهران قل له يا أيها السلطان ما الحرب سوى ساحات دم

ليس في هذه الساحات مغلوب وغالب ليس فيها منتصر وال مهزوم

كل شيء يتساوى بعدما تنتهي الحرب بخير أو بشر الضحايا والخراب والندم

قل له ال تضع السكين في يد أعدت للفئوس إن سيفا واحدا يشحذ للحرب الضروس ربما خلف األلف المحاريث بحد منثلم

قل له إن المناجل للسنابل وألعياد الحصاد ال لهامات البشر ) فما بقي راشد(قل له أيها السلطان اترك عزلتك

- ١٤٤ -

.)١( كاختلط بالشعب يصبح قلعتنبرة الخطابية والنثرية في هذا المقطع قللت من حركـة النمو الدرامي، فالصراع أحادي من جانـب مهـران الـذي يتحرك في مساحة خالية من التوتر الدرامي، ويماثـل هـذا

في غيـاب المقصـود ) قل له (التوتر استخدام تكرار األمر الشـرقاوي علـى / وقد اتضح حرص مهـران . بالخطاب

السيف الذي ال يتناسب مع مشـكالت المجتمـع، وال تعرية . يناسب أيادي أعدت للخير ال إلراقة الدماء

وفي المنظر الثاني تتجلى صورة السيف األهوج، الذي يقوده التهور، وفقدان االتزان، حتى أنه يقتل كل ما يقابله في وجهه، خصوصا إذا قبضت على مقبضه كف تحمل بـذور

لتآمر، إنها الشخصية االنتهازية، التي تستبيح الخيانة، يملؤها ا القيـادة / كل ما هو جميل في سبيل الوصول إلـى هـدفها

- في نفسها -والسلطة أو الزعامة، فعوض شخصية تضمر عداء كبيرا لمهران البطل، فيقلل من دوره في الفتوة، ويشك في زعامته، ويعلن أنه يملك سيفا باترا أقطع من كل سيوف

التي تتسم بالوعي، وتسعى للخالص، واستنشاق هواء مهران الحرية والعدل، ال من أجل سفك الدماء وشهوة القتل، فعندما

- ١٤٥ -

إدانته؛ ألنـه بـدأ – صديقه في جماعة الفتوة -يعلن أسامة يتمرد على مهران الذي وقف بجواره كثيرا، وقدم له العـون

: فإنهران إنني أكتب شعرا مثل م ) يقاطعه منفجرا : (عوض

إنني أقرأ أكداسا من الكتب ومهران زعيمك ،وأفضل إنما يقرأ من فضل الذي أعطيته له

. )٢( إنني أحمل سيفا باترا أقطع من كل سيوفهالقوة العمياء مهما بلغ حجمها فإنها ال تصلح أن تكـون حال أمثل لمشاكل الواقع، وتغييره إلى صورة أفضل، بل إنها

س، تصـطدم بالمصـابيح المضـيئة تتحرك في الظالم الدام . فتحطمها، ويصبح المدى عتمة مخيفة

أحيانا يعرى أفراد السلطة بعضـهم بعضـا، ويصـبح السيف األهوج هو أداة الفصل فيما بينهم، كل فريق يرى أن األمر يحسمه السيف، لكي يطيح باآلخر الذي يهـدد كيانـه،

يسـتهزئ عندما " الفتى مهران "فبجير في المنظر الثامن من بحسام الذي يطمح في أن يصبح قائدا لجيش األميـر، يلجـأ األخير إلى السيف األهوج ليحسم األمر لصالحه، المهـم إذن

: الوصول للسلطة بوصفها غاية بغض النظر عن الوسيلة

- ١٤٦ -

أيطمع مثلك في أن يصبح ) لحسام: (األمير افي يوم ما قائد

ا كـان إال دالال لوال موالي م . قد ينفع ديكا في حلب : بجير في مذبح أو حامل نعش، أو سمسارا أو ساقية في حانة

في حقل بائر اأو ناطور ) بجير يقول هذا وهو يأتي بحركات إلضحاك األمير(

) يشهر السيف(بإذنك يا موالي ) غاضبا: (حسامسيدي ال تعطه اإلذن فقد ) يجري ليختبئ (يا نهار أسود

.)٣(يقطع رأسي ات النص مالمح السيف األهوج المتهور، تتجلى في كلم

شخصية تصـلح أن ) فحسام(وصفات من يؤمن به ويعتنقه، يصبح دالال في مذبح، وفي هذا إشارة واضحة إلـى حبـه الدموي، في الوقت الذي يخلع عليه بجير صفات أخرى تفقده عنصر اإليجابية؛ كوصفه بأنه ناطور في حقل بائر، ثم يقدم

أبعاد السيف األهوج وهو فقدان الصواب، الشرقاوي بعدا من حيث أشار إلى عالم حسام النفسي، فهو يقبض على السـيف ويستحوذ عليه وهو غاضب، والغضب صفة تفقد صـاحبها

وربما أراد الشرقاوي أن . الصواب واليقين ووضوح الرؤية

- ١٤٧ -

يضع في خضم الصراع لغة التلقائية في توترها واسـتخدام رغبة منـه فـي ) يا نهار أسود (صرية تعبيرات باللهجة الم

. تجسيد موقف بجير النفسي في شيء من الدهشة وفي المنظر الثالث يقدم الشرقاوي بعدا من أبعاد السيف األهوج على لسان وائل، وهو أن السيف األهوج إذا أشهر ال يستطيع أن يفرق بـين رأس الظـالم ورأس المظلـوم، وال

: من ظهور األصحابيستطيع أن يتبين وجه األعداء يا للضياع يا للهوان: أسامة أجل نحن نضرب وسط الضباب : وائل

.)٤( فال تستبين وجوه العدا من ظهور الصحابالحسين ثائرا والحسـين : ثأر اهللا (يرفض الشرقاوي في

مبدأ البيعة بـالقهر واإلكـراه، / القوة المادية القاهرة ) شهيدا، بوصـفه أداة لممارسـة واستخدام السلطة للسيف األهـوج

ديكتاتوريتها وفرض سطوتها، وإجبار الرعية على أن تقول يدير ) الحسين ثائرا (نعم رغما عنها، ففي المنظر األول من

الشرقاوي حوارا بين الشخصيات المتصارعة حـول أحقيـة يزيد بن معاوية في السلطة، وقـد تمـت البيعـة بـاإلكراه

: والضغط، واستخدام السيف

- ١٤٨ -

نحن بايعنا فمن ينكص عن البيعة آثم : أسد لم تكن تلك بيعة : ٣رجل إنها بيعة إكراه وخوف وطمع : بشر .)٥( إنها أخذت بالسيف من مستضعفينا: سعيد

ويواصل الشرقاوي رفضه لذاك الوجه المظلم القـاهر للسيف في ممارسة دوره، فالرعية ال تنصاع لسلطة قـاهرة،

فـرض سـطوتها بالسـيف ولن تستطيع هذه السـلطة أن ت من خالل . المتهور، فكل ما قام على الكذب أو القهر سيسقط

تصبح حركة القوى الثورية في مواجهة القهـر "هذه الرؤية " الحكـم "والتسلط في المحور المسيطر الذي يتقاطع وقضية

ودور المثقف الثوري في مقاومة القهر االجتماعي في ظـل سعيدا والجميع معه يؤكدون لذا نرى . )٦(" األوضاع العربية

: رفضهم لمبدأ البيعة بالقهر ال صار يزيد بن معاوية ولي األمر : سعيد

ال بيعة في ظل القهر ال بيعة إال لحسين : الجميع ار األمر ال تولوا الجب: النساء

ال بيعة في ظل القهر

- ١٤٩ -

ار لن يحكمنا جب: الجميع .)٧( ضربا بالسيف البتار

ـ يف األهـوج الـذي يطرحـه مسـرح ومن أبعاد السالشرقاوي، أنه مأجور في أيد تعتنقه لفرض نظام رغما منها، فهو منحاز إليه من يهاب السلطة، فيعتنقه بدافع الخوف مـن بطش السلطة أو خوفا على مكانـه فـي الـبالط، فيصـبح موصوفا بالعمى والتهور، ألنه يتحرك طبقا لرغبة السـلطة

رقاب الرعية إلجبارها على فعل وتحقيق مآربها، يسلط على في الوقت الذي ينبغي أن تمـارس حقهـا فـي . ما ال تريد

. الحياة والحرية فالشرقاوي يدير حوارا بين الحسين وزهيـر وحبيـب، حيث يسأل الحسين عن حال أهل الكوفة، الذين طلبوا قدومه

خصوصـا -إليهم ليخلصهم من الظلم والقهر، ولكن هؤالء يزيـد، / قد باعوا مـوقفهم للسـلطة -والكلمة أهل الرأي

- في ذلك -وأصبحوا مساندين لها ضد الحسين مستخدمين : سيفهم المأجور كيف حال الناس في الكوفة؟ قل لي يا زهير؟ : الحسين حال غدر .. حال ذل : زهير

- ١٥٠ -

عظمت رشوة أهل الرأي في الكوفـة فانفضـوا عـن البيعة لك

أي لمن ال حول له وسواد الناس مقهور فال ر غير أن السيف في أيديهم أشهر ضدك : حبيب

فقلوب الناس لك : ابن عوسجة .)٨( وحراب الناس واهللا عليك

يكشف الشرقاوي من خـالل البنيـة اللغويـة تطـور الشخصية النفسي، فالحسين تنتابه حاالت المد والخوف على

ي قوله ف -الرعية والرغبة الجارفة في المعرفة، يؤدي األمر يـا (ثم التخصيص بنداء القريب والبعيـد فـي آن ) قل لي (

إلـى كشـف -) كيف حال (بعد االستفهام عن الحال ) زهير . داللة التشوق وسرعة الرغبة في اليقين والوقف على الحال

السيف األهوج عند الشرقاوي تقبض عليه قـوة تتسـم دماء بالعصبية وفقدان التوازن والصواب، وبالبطش وإراقة ال

يتحرك في عصبية، يضرب في كل اتجاه من غير - دائما -هدى أو بصيرة، حتى أنه ال يتوقف أمام الطفولـة البريئـة، لكنه يأتي عليها ويطعنها في قلبها، ويقدم الشرقاوي صـورة

: الرجل وحاله، الذي يحرك سيفه في كل اتجاه

- ١٥١ -

الرجل يحدث نفسه دائما ويتحرك في عصبية ويصيح ( ) نا وهناك في الهواء وفي الرمالبسيفه ه

بكى الطفـل ولكنـي غرسـت السـيف فـي : الرجل .)٩( قلبه

يتجسد الصراع في الحسين ثائرا والحسين شهيدا مـن خالل تنازع رغبتين متناقضتين، رغبة يزيد في إقرار بيعته بالقوة ورغبة الحسين القائمة على رفض البيعة، وفي الوقت

من خالل صراعه مع الحسين أن يحصـل نفسه يسعى يزيد على مبايعة وتدعيم من الحسين مهما كلفه ذلك طاقات كبيرة

يزيد يحاول أن يعطي لشخصيته ولحكمه بهذه المبايعـة "ألن شرعية دينية، يؤسس عليها حكمه السياسي في األساس، وهو

، ويمكن القول إن الرغبتين المتناقضتين )١٠(" الخالص بالقتل الحسين تناقض رغبة يزيد، ورغبة يزيد تناقض حيث رغبة

هي آلية البنية التي يسير عليهـا "رغبة الحسين وتعارضها، النص، ويالحظ أن الجزء الثاني لم تتغير به مالمح البنيـة، مما يجعلنا نعده نصا واحدا امتد كثيرا بين يدي المؤلف، فلم تكن هناك مبررات درامية واضـحة تجعـل مـن معالجـة

.)١١(" موضوع تمتد في جزأينال

- ١٥٢ -

نــرى صــالح " مأســاة الحــالج"وفــي مســرحيته عبد الصبور يطرح بعدا آخر للسيف األهـوج مـن خـالل

الذي يؤكد أن السلطة ال تعرف إال القـوة العميـاء " الحالج"الغاشمة، تسوق بها الناس في امتهان، وكأن عبـد الصـبور

: لقوة العمياءيؤكد على الربط بين السلطة الغاشمة وبين ا أما ما يمأل قلبي خوفا، يفني روحي : الحالج

فزعا وندامة فهي العين

فوق استفهام جارح والمسجونون المصفدون يسوقهم شرطي

مذهوب اللب قد أشرع في يده سوطا

.)١٢( من فوق ظهور المسجونين الصرعى قد رفعهشـرطي "وإذا كان الحالج يربط بين السلطة الغاشـمة

وبين القوة العمياء أو السيف األهـوج، فـإن " هوب اللب مذ : الشبلي يضيف صفة أخرى وهي الظلم

صمتا، وإليك جوابك كي ترتد إلى نفسك : الشبلي... ... ... ... ...

- ١٥٣ -

... ... ... ... ... هل تسألني من ذا صنع القيد الملعون

وأنبت سوطا في كف شرطي؟ وإليك جواب سؤالك

الظلم عباد تألني من ذا صنع االسهل تس .)١٣(... ...الظلم

وإذا كان السيف األهوج وسيلة تلجأ إليها السلطة لفرض سيطرتها على الشعب، فإن صالح عبد الصبور يمنح األهوج بعدا آخر إذ يجعل من يعتنقه راغبا في االنتقام مـدعاة ألن تصبح القوة عمياء، ففي السجن يلتقـي الحـالج بسـجينين

: الثاني بأن أمه ماتت جوعايصرح فليرحمها اهللا : الحالج

بل فليلعن اهللا من قتلوها : السجين الثاني قتلوها : الحالج

من أعطوا أمي ما يكفي : السجين الثاني أن يطعمها أو يطعمني

من جعلوني آكل لحم األم ألحيا وأشب

- ١٥٤ -

هل تصلحهم كلماتك؟ .. قل لي هل يصلحهم غضبك؟ : الحالج

غضبي ال يبغـي أن يصـلح بـل أن : سجين الثاني ال .)١٤( يستأصل

فالسيف األهوج ال يريد اإلصالح، وإنما االستئصـال، ألن من يعتنقه راغب في االنتقام مدفوع إليه بفعـل القسـوة

والتغيير هنا تغيير جذري قاطع كمـا يؤكـد . والظلم والفقر الذي يشير دالليـا إلـى العنـف والقـوة ) يستأصل(الفعل

. الشمولية نجد من البدايـة أن " مسافر ليل "وفي كوميديته السوداء وفي السلطة -" السلطة الغاشمة "صالح عبد الصبور ال يمنح

معطيات العنف واإلرهاب، فالراكب في القطـار، -المطلقة يسلي نفسه، فيتذكر بعض األسماء، ومنها اإلسكندر، فيجيء

: ويعترف في وضوحعامل التذاكر مدعيا أنه اإلسكندر، أنا اإلسكندر : عامل التذاكر

في صغري روضت المهر الجامح رسطاليس أفي ميعة عمري روضت

.)١٥( حين بلغت شبابي روضت العالم

- ١٥٥ -

الجوهرية لإلسـكندر، / فالترويض هو الصفة األساسية وصالح عبد الصبور ال يسـتخدم عامـل التـذاكر كرمـز

السـلطات / لكل القـوى لإلسكندر فقط، بل يستخدمه كرمز ال تؤمن إال بالعنف كوسيلة للسـيطرة علـى . الغاشمة التي

العامل وترويض الشعوب، وحين يسخر الراكب من عامـل التذاكر متهما إياه باإلكثار مـن الشـرب، يصـرخ عامـل

: التذاكر ال تعرف قدري يا جاهل: عامل التذاكر

قسما، سأروضك كما روضت المهر الجامح تمتد يد اإلسكندر في الجيب األيسر : الراوي "خنجر"يخرج

تمتد يد اإلسكندر في ثنية سرواله يستخرج غدارة

تمتد يد اإلسكندر في حلقه يستخرج أنبوب سم

تمتد يد اإلسكندر في جيب خلفي .)١٦( يخرج حبال

- ١٥٦ -

فالسوط، والخنجر، والغدارة، وأنبوبة السم، والحبل، هي ة والثـورة العميـاء للتـرويض، بـل وسائل السلطة الغاشم

وسيلتها لالستيالء على ما يملك اآلخـرون، فكـأن صـالح عبد الصبور يريد أن يقول إن السيف األهوج هـو وسـيلة الراغبين في االستيالء على ما ليس لهـم، فعامـل التـذاكر يصارح الراكب بأنه ليس زهران، وإنمـا زهـران زميلـه

: اتستر/ األرقى منه بأربع درجات ... ... : ...عامل التذاكر

أحيانا أن أقتله وأحل محله مأحل زوجته ناصعة الوجه، ورابية الفخذين

وامرأتي عجفاء ممصوصة في غرب الضاحية الوردية سيسكن في الجزء المشم

سكني ال باس به لكني أحيانا أتململ أحيانا من صيحات المارة وعـواء

.)١٧( السياراتطلق بالعنف يذهب بأنصاره إلى مواجهة أي واإليمان الم

: شيء بالقوة حتى ولو كانت الثقافة إني أحفظ هذي الكلمات : الراوي

- ١٥٧ -

فيما أحفظة من درر القول :مثل... ... ... ... ...

: ومثل... ... ... ... ...

عندما أسمع كلمة الثقافة أتحسس ..." .... ... ... ... .)١٨(" مسدسي

في المنظر األول مـن " ليلى والمجنون "وفي مسرحيته الفصل األول نرى حسانا شخصية مسرحية ال تؤمن بالكلمة وال بجدواها، وإنما تؤمن فقط بالقوة وبالسيف كقـوة قـادرة

: على التغيير، ولذلك فهو يصرح ال بد من الطلقة والطعنة والتفجير : حسان

" ايخرج قلم"إني أحمل هذا في جيب كم بين رياض الكلمات إلـى أن يـأتي حتى أتسكع مع

الوقت لكني أحمل هذا في جيب آخر

.)٢٠( "يخرج مسدسا"

- ١٥٨ -

تمنح الشخصية بعدا واضحا وهو عـدم " أتسكع"فكلمة اإليمان بالكلمة كقيمة إيجابية، وهو يوضح ذلك مـن خـالل

، ومن خـالل المسـدس "ال بد من الطلقة والطعنة والتفجير "لوقت فالعنف هو الطريق الوحيد الذي الذي يحمله حين يأتي ا

يراه حسان للتغيير، وعلى ذلك فهو يصـرح تعليقـا علـى : قصيدة مدح للملك كتبها أحد الشعراء

أنا ال يشفي نفسي إال أن أقرأ هذا الشاعر : حسان .)٢١( ال يكتب حين تطير ذراعهأبل يشفي نفسي

وربما يكون التهور فقط هو الذي يملي على حسان هذا الموقف؛ إذ أن العنف واإلرهاب هما السبيل الوحيـد لمنـع الكلمة المضللة، صحيح أن الكلمة هنا مزيفة ومضللة، ولكن .وسيلة مقاومتها ال تكمن إال في بتر الذراع كما يرى حسان

والشطط في اإليمان بدور العنف والسيف هـو الـذي ة يدعو حسان إلى رفض فكرة القيام بعمل درامي تخفيفا لحد

:العمل في الصحيفة، ولذلك فهو يصرح في وضوح ال يعجبني الموضوع جميعه : حسان

ضحك أو نمرح نا ال نحتاج إلى أن فأنا أتخيل أن ي المدن المتبلدة الحس ذضحكت ه

- ١٥٩ -

خمسة آالف سنة فاتحة فاها كالجرح ،قت ميتةلضحكت حتى است

ظنت وخز األيام النحس دغدغة حنان

.)٢٣( أن نغضبنا نحتاج إلى إوحسان يستقرئ التاريخ، وربما كان ذلك ما يمنح موقفه عمقا أكبر، وهذا الشطط يدعو حسان ال إلى رفض الكلمـة فقط، بل يدعوه أيضا إلى رفض الحب، ولذلك فهو يخاطـب

: قائال" رئيس التحرير"األستاذ يا أستاذ : حسان

ال تكتب في الحب اكتب في النقمة والبغضاء

عصر البغضاء هذا .)٢٤(اكتب في البغضاء .. ال تنس

ويؤكد حسان وجهة نظره في اإليمان المطلق بـالعنف كوسيلة للتغيير، بل إنه يرى أن المسـتقبل ال ينبغـي إال أن

: يصنع من خالل العنف الملتهب هيه يا أستاذ : حسان

- ١٦٠ -

الحب ... الحب لن يصنع مستقبل هذا البلد الحب المتأوه

ه العنف الملتهب بل يصنع مجموعة أشعار بريخت ورفاقه

من جوته حتى آخر ثرثار عرفته اللغة األلمانية لم تمنع شرذمة النازية

.)٢٤( من أن تتربع فوق كراسي السلطةومرة ثانية يلجأ حسان إلى التاريخ يستقرئه، ويسـتنتج

، "أشعار بريخت ورفاقه "منه، ويؤكد به وجهة نظره، فالكلمة منع النازية، وينبغي اإلشارة إلى ما تمثله النازيـة مـن لم ت

من التربع فوق كراسـي السـلطة، -عنف وإرهاب دوليين وربما كان عبد الصبور يريد أن يؤكد أن السلطة تتمثل دائما في اإلرهاب والبطش، ولذلك فال بد حين نقاومها من اللجوء

هـة إلى العنف ألن الكلمة والحب غير قـادرين علـى مواج ".ال يفل الحديد إال الحديد: "العنف، فقديما قالوا

وألن حسان ال يؤمن إال بالعنف والقوة فـي مواجهـة - في النمو الدرامي للشخصية -الواقع المضاد، كان طبيعيا

- ١٦١ -

أن يلجأ إلى محاولة القتل حين اكتشف أن صـديقه حسـان : جاسوس يعمل لدى البوليس السياسي وحسان يسأل زياد

ماذا قال لمندوب السلطة :حسان سمي؟ الما ذكر

إنك إرهابي : زياد لم يخطئ فيما قال : حسان .)٢٥( وطأة إرهابي بهأوسأبد

وحين ينكر حسام أنه أخبر المباحث أن حسانا إرهـابي : وأنه قال لرجل البوليس إنه مأمون ومسالم، صاح فيه حسان

من ذيلك عضتك المصيدة المفتوحة : حسان البالوعات العطنة يا فأر

نفسية جاسوس نك ترضيني حين تعريني من ثوبي الزاهيأتتوهم

كي تخلع في أكتافي هذه المزق الباهتة اللون استغفر ربك اهي

األنفاس النتنة شإن كانت تصعد للعر .)٢٦( "يخرج مسدسه"

- ١٦٢ -

وحسام نفسه كان شخصية مسرحية ال تؤمن إال بالعنف ، ولقد انتهت هذه الشخصية بالسـقوط والقوة كوسيلة للتغيير

في شرك الجاسوسية والعمل لحساب البوليس السياسي، ولقد : قال عنه سعيد لم يسعدني حظي بلقاء حسام : سعيد

لكني كنت قرأت له موضوعا أو موضوعين لم يك يستهويني أسلوبه

كانت فيه نفس الرنة رنة أسلوبك يا حسان

.)٢٧( بذراأسلوب يستأصل، لكن ال يلقيفحسام وحسان إذن يتفقان في األسلوب الذي يستأصـل وال يلقي بذرا، فهما ال يؤمنان إال بالسيف فقط كقوة قـادرة على التغيير، وربما كان صالح يريد أن يؤكـد أن السـيف المتهور األهوج، أو القوة العمياء ال بد أن تفشل في الوصول

سقط جاسوسا لحساب " محسا"إلى أهدافها، فأحد هذين االثنين ألقي القبض عليـه بتهمـة " حسان"البوليس السري، والثاني

. محاولة القتل

- ١٦٣ -

عقيم؛ فالملك ال يملك " بعد أن يموت الملك "والسلطة في أن يمنح زوجته طفال، وهو حين يسترجع تاريخـه يصـرح

: بأنه استولى على الملكة بالسيف : ... ... ... ... الملك

في تلك الليلة .)٢٨( بالسيف استحوذت على مهرك

وكأن صالح عبد الصبور يريد أن يقيم عالقة ما بـين وبين االنقالبـات ... الملك الذي استولى على الملك بالسيف

العسكرية التي تستولي علـى السـلطة، فكالهمـا ال يملـك إمكانيات الخصوبة، وحين تطلب الملكة من الملك أن يتركها

: ها، يصرخ الملكتتخذ عشيقا يمأل بطن يمألها اآلن : الملك

ويمأل بطن األرض غدا ماذا تعني؟ : الملكة .)٢٩(أقتله حين يتم مهمته الملعونة : الملك

فالمؤمنون بالعنف والسيف المطلق ال يتخلصـون مـن إيمانهم به حتى مع أولئك الـذين يمنحـون الخصـوبة، أو

- ١٦٤ -

يريـد أن يملكون المقدرة عليها، فكأن صالح عبد الصـبور . يمنح السيف األهوج بعدا آخر وهو الخيانة والغدر

نلحظ أن تكتيك السيف عند صالح عبد الصبور يعتمـد على النمو الدرامي، والتكثيف من خالل الحـوار التبـادلي

الحوار الشخصيات المتحـاورة، فـي / الجدلي بين أطراف إطار لغوي موجز، كما أن بناء شخصيات السيف يعتمد على رؤية عبد الصبور نفسه طبقا لعالقتها بـالواقع ومعطياتـه،

. وقدرته على قراءة السياق السياسي والتاريخي وأنس داود يمنح السيف األهوج بعد الغـدر، فالسـلطة

" ال"ترفعه في وجه من يرفض إرادتها، في وجه من يقـول الذي يعلق -ويعتنق المبدأ حتى ال يتسبب في انهيار مجتمعه

آماال كثيرة، طبقا لوعيه وإدراكه للواقع، أن يقف فـي عليه " بنـت السـلطان "وجه الظلم والقهر، فاألميرة في مسرحية

: الغدر/ تخاطب كافورا، الذي يعتنق السيف األهوج اق وأتيت في كفيك هدايا من ذهب بر: األميرة

أموال ال تحصى من بيت المال، وأغلقت األبواب األعناق ورفعت سيوف الغدر على

من قال نعم يا موالي السلطان

- ١٦٥ -

يمأل كفيه بما يهوى ويجوز الباب يرجع لألهل وللصحب ولألحباب

هل يأمن من قال بغير نعم أن ينجو من سيف الغدر يا .)٣٠( كافور

هل (تطرح األميرة من خالل صيغة االستفهام مع الفعل داللة النفي، في ظل مجتمع ال يرضـى بغيـر نعـم، ) يأمن

وإعالن الرفض موت، ألنه يتنافى مـع السـلطة الباطشـة يقدم أنـس داود " محاكمة المتنبي "وفي مسرحية . ومعطياتها

السيف األهوج مرادفا للسلطان أو السلطة الجائرة، ويشـير إلى أن إحدى معطيات التهور تفقد السيف مشروعيته التـي

ه يفقـد يعلق عليها الفعل، فكافور عندما يحتكم إلى السيف فإن الوعي الالزم، والهدوء، وتسيطر عليه حالة الهياج العصبية،

: وهي حالة تسلبه اتزانه، فال يصلح أن يكون قوة مغيرة ) في هياج: (كافور

) يكرر مسرور عائدا(يا سياف .. يا سياف لبيك : مسرور قتل هذا المأفون ا: كافور

) يبحث عنه(

- ١٦٦ -

أين يكون؟؟ ! أين يكون؟ كل مكانابحث عنه في مزق جسده

باسم السلطان باسم السلطان

) يرفع السيف عاليا: (مسرور .)٣١( باسم السلطان

ويستخدم أنس داود السيف األهوج مرادفـا لإلرهـاب، بوصـفه -والذعر، والخيانة، ألن من ينحاز إليه ويؤمن به

يثير في نفس العامة الذعر، ويفقد اإلبصار الالزم -إرهابيا يرفض العمل ) هو(ه، وأنس داود على لسان شخصية المتشاق

كأداة للتغيير أو قوة تصلح لدفع المجتمع إلـى -بهذا السيف تكمـن فـي - بوصفه مثقفا - ألن قضيته -الرقي والتقدم

الوقوف في وجه الغدر واإلرهاب، وترويـع اآلمنـين مـن العامة، يدفع عنهم القهر ويحارب الظلم، ويقـدم أنـس داود

الشخصية التي تذهب إلى استخدام السـيف ) هي( بين حواراالمؤمن بعدم استخدام السيف وذلك في مسـرحيته ) هو(وبين

":الثورة"

- ١٦٧ -

حسنا : هي ماذا ال ترفع في وجهي قبضة كفيك؟ لف

؟ولماذا ال تطعن ظهري بالخنجر عبثا يا جوزفين : هو

.. ولسنا إرهابيين . من رأسكئأقتلع الظن السي رهابيين لسنا إ

نحن أصحاب قضية وضعتنا األقدار المحتومة في وجه الخندق حتى ندفع

عن شعب مقهور، شعب علم هذا العالم أن .)٣٢( ...يعشق معنى الحرية

ويحمل أنس داود صور السيف األهوج بكل أبعادهـا، موضحا مالمح معتنقيه من خالل اعترافات حاشية السلطان،

يكشـف حـراس ) الصـياد (سرحية ففي المشهد الثاني من م : السلطان الثالثة هوية السيف األهوج

الحراس .. نحن الحراس : الثالثة نلعب بالسيف وبالبرجاس

السيف بأيدينا نسر مرهوب في عين الناس

- ١٦٨ -

إن شئنا مزقنا األعضاء .)٣٣( أو شئنا طيرنا الرأس

: ثم يعري الحراس الثالثة مالمحهم فيؤكدون لطان لكنا جنب الس

.)٣٤(يغلبنا طول اليوم نعاس وللسيف األهوج صور ثالث، كل صورة تتبلـور مـع

حـين " معشوق"الشخصية، الصورة األولى يكشف مالمحها : يصرخ

سيفي مشهور كالشجعان : معشوق أرفعه ليال ونهارا

لكني جنب السلطان .)٣٥( ال أقتل حتى صرصارا

ـ -والصورة الثانية يكشف عن هويتها و شخصـية وه : فيؤكد-فكاهية

سيف يأكله الصدأ، كما : حماد تأكل عمري األحزان

منكسر الرأس على عتبات القصر .)٣٦( كأني أحد الخصيان

- ١٦٩ -

أما الصورة الثالثة للسيف األهوج فيقدمها ظافر خـالل : المماثلة بين حاله ومالمح السيف

سيفي كالبيت الوقف : ظافر حيات كالبيت الوقف

ضني السلطان طوال اليوم يستعر .)٣٧( أمام الضيف

ثم يتفق الجميع على سلبية السيف األهوج ويؤكدون عدم جدواه، بوصفه أداة أو قوة تصلح للتغيير، فقد أصـبح فـي أيدي الحراس ال قيمة له وال فاعلية، بل إنه أصـبح مرادفـا لرسم الطفل وعبثه فـي أوراقـه، فهـم يسـخرون منـه،

: ه التي أصبح عليها، فالجميع يؤكدونويستهزئون بمكانت نحن الحراس الحراس : الجميع

أشباه الناس وال ناس السيف بأيدينا رسم

.)٣٨( طه طفل في قرطاسخطمن خالل ما سبق نستطيع أن نتبين أن الشعراء الثالثـة

القوة المادية العميـاء موقـف / قد وقفوا من السيف األهوج ه شخوصا تؤمن به وتنحاز إليـه، الرفض والنفور، وهيئوا ل

- ١٧٠ -

وهي في حقيقة األمر أداة للسلطة يتكشف من خاللها التهور، وفقدان التوازن والعصبية والبطش وحـب الـدماء، وكلهـا صفات تتنافى مع الوعي، واإلبصار، وإدراك مشكالت الواقع وحلها في إطار الحضارية والوعي، فالمثقفون والمبدعون ال

هم ألنه نقيض حلمهم ورؤيتهم الواعية، ومن يعلقون عليه آمال القوة، / هنا كان طبيعيا أن تكون هناك صورة مشرفة للسيف

القوة التي يقودها الوعي / تتمثل في السيف المبصر الواعي والبصيرة، ولهذا يهيئون له شخوصا واعية تؤمن به وتنحاز

. إليه

:: الواعي الواعي / / السيف السيف::ثانياثانيالقوة الواعية حلما فـي نفـس يمثل السيف المبصر أو ا

الشعراء المعاصرين خصوصا كتـاب المسـرح الشـعري الحديث، فهو وسيلة لنقل المجتمع إلـى التغييـر اإليجـابي، بوصفه وسيلة أسرع وأقوى تأثيرا، وعليه تعلق اآلمال، فإذا كانت القوة اإليجابية هي الوجه األمثل لمواجهة الواقع، فـإن

كل اآلمال، ولكنه فـي المسـرح السيف المبصر تعلق عليه تذهب - خصوصا عند شعرائنا المعنيين بالدراسة -الشعري

- ١٧١ -

إليه شخصياتهم المسرحية في إطار حلمي لـم يأخـذ حيـز . التحقق بعد، ولم يزل في حالة انتظار

فعبد الرحمن الشرقاوي يشترط في اسـتخدام السـيف ال إذا وعي من يقوده، فهو يؤتي ثماره، وال تؤمن عواقبـه إ

أحسن استغالله في إطار الوعي واإلبصار، حتى يصبح قوة إيجابية، فاإلرادة والعقل وسيلتان لتحقيق النفع به، فحين يشك صابر في جدوى السيف وفاعليته عندما يهدي مهران سيفه،

" الفتى مهران "فإن مهران يؤكد في المنظر الحادي عشر من جوة إذا تمـت قيادتـه أن السيف ينتفع به ويؤتي ثماره المر

: الواعية أين سيفي : مهران

صار يذهب ويعود بالسيف الذي كان قد وقع خـارج ( ) المسرح في أثناء المبارزة

هو ذا صابر قد عاد بسيفك ) لمهران: (وائل ) يسلمه فأسه(أعطني فأسك يا صابر : مهران

لق السيف أمسك الفأس وايا أسامة عيمي إنني أحيا بسيفي يا ز: أسامة إننا نحيا على الفأس وبالسيف نموت : مهران

- ١٧٢ -

ليتكم عشتم على الفأس : طهبمزيد .. ليتنا كنا حمينا الفأس يا طه كما نود : مهران

من سيوف ودروع وزيا صابر لك ي فليكن سيف،در هو ال ينفعني : صابر .)٣٩( إنه ينفع بك: مهران

مـة ويأخذ السيف المبصـر داللـة المواجهـة والمقاو للمغتصب، فمهران من الشخوص المؤمنـة بـدور السـف المبصر، فهو سيف الوطنية، الذي يتخذه الفرسان أداة لتغيير واقعهم المسلوب، واسترداد حريتهم ووطنهم، ففـي المنظـر

يدور حوار بـين مهـران " الفتى مهران "األول من مسرحية أنه ووائل، حيث يسأل األول عن ثمن النبيذ، فيؤكد له وائل ب

أنفق منها سبعا، اشترى بها سيوفا، استعدادا لمواجهة العـدو : القاهر المغتصب

بعت النبيذ بعشرة أكياس ونصف أنفقـت منهـا : وائل سبعا في القاهرة

يا صديقي؟ لم : مهران نزلت في سوق السالح وشريت من هذا مائة: وائل

) يخرج سيفا من تحت العباءة(

- ١٧٣ -

..أي سـيف .. بديع ) جابيتأمل السيف بإع : (مهران .)٤٠(حسنا فعلت وزع على الفتيان هاتيك السيوف

- التي يطرحها الشرقاوي -ومن أبعاد السيف المبصر العدل، حيث يشهر في وجه كل ظـالم، يريـد أن يغتصـب قداسة الوطن وشرفه، فسلمى تؤكد أن هاشم زوجهـا يقـود

دائـم بسيفه مسيرة العدل في اتجاهها الصحيح، فهو نضـال : ضد الظلمتدفع الجدار حيث علق دف وتفتح بابا سـريا : (سلمى

واطئا، هو ذا السراب .. آه .. آه لو كان هنا هاشم

.)٤١( ليس في العالم سيف في نضال ضد الظالم/ الشرقاوي أن القوة الواعية الحكيمـة / ويرى مهران

السيف المبصر هي التي تحدث تغييرا مثمرا فـي جنبـات مع، فتنقله من حالة ركوده وسـكونيته، إلـى الحركـة المجت

الفاعلية اإليجابية، يؤكد مهران من المنظر العاشر أن السيف المبصر هو الوجه المماثل للثورة الكبرى، وهي التي تحدث تغييرا تاما، دون إراقة دماء، حيث ال يقتل في سبيلها فـرد

- ١٧٤ -

وي واحد على حد تعبير مهران وهي ما يحلـم بـه الشـرقا : نفسه

إن أوصال الوطن هو مـا سـوف ) مستمرا: (مهران يمزق

ال و ،إنما الثورة الكبرى التي تجتاحهم مـن جـذورهم ؛ وهـي مـا نعمـل لـه ، هي ما نحلم بـه ،يقتل فرد واحد

.)٤٣(فاستعديأخـذ " الحسين ثائرا "وفي المنظر السابع من مسرحية

مة، الحـق السيف المبصر داللة النور والهداية والقوة الحكي صـلى اهللا -والنجاة، فهو سيف النبوة الذي يقوده الرسـول

ليفرق به بين الحق والباطل، ويقف في وجـه -عليه وسلم الزيف، وجه عدوه القاهر، الذي يريـد أن يطمـس النـور الجديد، الذي يهدي الناس إلى صالح أمـورهم فـي الـدنيا

حابه أن واآلخرة، فزينب تؤكد للحسين ومعها سعيدا أحد أص الحلم للحرية والعدل والخالص يتحقق بهذا السيف المبصر، الذي يبدد ظالم الليالي إذا أشهر وجرد من غمده، ويزحـزح

: الجبال من مكانها حين تسأل زينب ! وكم ألف سيف وراء الرسول؟: زينب

- ١٧٥ -

: يؤكد سعيد هنالك واهللا خمسون ألفا : سعيد

ن يضئن لعمري ظالم الليل إذا ما استلل .)٤٤( يزخرفن شم الجبال الرواسي ويفلقن هاماتها إن وقعن

هل كان النبي : وحين يسأل زين العابدين والده الحسين يحمي رسالته بسيفه، يؤكد الحسين - صلى اهللا عليه وسلم -

يصـنع عصـر - بوصفه سيفا مبصرا -أن سيف الرسول : العدل، ويزلزل أركان الباطل ويقضي عليه

) ا شاهرا سيفهود منفجريع: (الحسين هذا سيف رسول اهللا تقلدته

سيف زلزل ركن الباطل .)٤٥( سيف فجر عصر العدل

: وفي حوار الشيخ مراد وسعيد يأخذ السيف خصوصيته الوعي، حين يشترط له الشيخ مراد عينـين يبصـر بهمـا فيعرف الناس من أتباعه، ويؤكد أنه حين يستطيع الحصـول

الواعي، الذي ال يريق دما بريئا، فإنه ال على السيف المبصر يتراجع عن مقاومة القهر والظلم المتمثل في سلطة يزيد بـن

: معاوية

- ١٧٦ -

اعطني سيفا بعينين يـرى الفاسـق مـن : شيخ مراد أتباعه

هذا السيف ذا العينين لن أرجع عن حرب كعندما أمل .)٤٦( يزيد

اع والسيف المبصر، أو القوة الواعية تمثل حال للصـر في مسرح صالح عبد الصبور، من خالل تأرجح شـخوص مسرحياته ما بين اإليمان المطلق بالسيف، حينـا، واإليمـان المطلق بالكلمة حينا آخر، وظهور فكرة السيف المبصر كحل درامي في مسرح عبد الصبور الشـعري ال تكـاد تتجـاوز الحلم، في مسرحه ال تعدو أن تكون نوعا مـن االنتظـار أو

مني، وعلى ذلك نستطيع أن نؤكـد أن شخصـية تتحلـى التبالكلمة القوية أو السيف الواعي ال توجد في مسرحه، وإنمـا توجد شخوص تجهر بحلمها في هذا السيف المبصر وتصرح بانتظارها للمخلص الذي سوف يتمنطـق بالكلمـة ويغنـي

": ليلى والمجنون"بالسيف على حد تعبير سعيد في يمكن أن نؤكد أن صالح عبـد - وضمنا -وعلى ذلك

الصبور يرفض من خالل مسرحه الشعري كال من الكلمـة الضعيفة، السيف األعمى، فإذا كانت األولى تفتقد قدرتها على

- ١٧٧ -

التغيير والفعل إذ تفتقد القوة التي تحولها من مجرد أصـوات - السيف األعمـى -إلى واقع يسعى في مراميه، فإن الثاني

ادي الذي يوضح له الطريق فال يخطـئ؛ ألن يفتقد النور اله السيف إذا افتقد الرؤية والهداية فسوف تكون طريقـه غيـر

. مضمونه النتائج مأساة "وفي المنظر األول من الجزء الثاني من مسرحية

يعمق هذه الفكرة، فكرة إيمانه بالسيف ) الحالج(نراه " الحالج : المبصر فهو يصيح مخاطبا السجين الثاني

المظلومون : لحالجا أين المظلومون وأين الظلمة؟ أو لم يظلم أحد المظلومين جارا أو طفالا أو زوج

ا أو عبدأو جارية ؟م يظلم أحد منهم ربهلأو

من لي بالسيف المبصر .)٤٧( من لي بالسيف المبصر

عبد الصبور بحثـا عـن / الحيرة والقلق تمأل الحالج ثلى لحل مشكالت الواقع، خصوصا أن األداة الم : تحقيق حلمه

الظلم والقهر قد انتشرا في كل جنبات المجتمع، والكلمـة إذ

- ١٧٨ -

ومن هنا يأتي السيف المبصر حال دراميـا . ذاك ال تصلح يحول الرغبة إلى فعل، ونلحظ توتر الشخصية من خالل بنية

أين المظلومـون (االستفهام في المقطع حيث اختالط األمور ، ثم يأتي تكرار االستفهام تحقيقا لرغبة جارفـة )وأين الظلمة

من لـي بالسـيف (ملحة، وهي الحاجة إلى السيف المبصر ) . المبصر

وإحدى دالالت السيف المبصر في مسرح صالح عبـد ففـي المنظـر " ليلى والمجنون "الصبور نجدها في مسرحية

: األول نجد حوارا بين ليلى وحسان وزياد " وهي تجلس: "ليلى كيف الحال، أيا فرسان المستقبل .. هالأ

بل هم فرسان المتحف .. ال: حسان رفقا حسان : زياد

ما تذكره ليس هو الثورة .)٤٨( الثورة تتحرك بالشعب

دالالت السـيف / فالتحرك بالشعب واحد مـن أبعـاد المبصر، وهو أن تتحد الرؤية بين الفرد والمجموع، فالتحرك

قوة، فالقوة الواعية تـأتي باتحـاد هو الوعي، والشعب هو ال

- ١٧٩ -

آراء الدعاة مع الشعب الذي يمنح الرأي قوتـه كمـا يمـنح . أبصارها) القوة(الدعاة الشعب

وإليمان سعيد بأن المخلص ال بد أن يتمثل في السـيف : الواعي، فإنه يؤكد في قصيدته الطويلة في المسرحية

هذي يوميته األولى : سعيد ي األلفاظ معانيها يأتي من بعدي من يعط

يأتي من بعدي من ال يتحدث باألمثال إذ تتأبى أجنحة األقوال

أن تسكن في تابوت الرمز الميت يأتي من بعدي من يغمس مدات األحرف في النار

ي لي نفسي عيأتي من بعدي من ين يأتي من بعدي من يضع الفأس برأسي

يأتي من بعدي من يتمنطق بالكلمة .)٤٩( يفويغني بالس

فصالح عبد الصبور يؤكد خالل سعيد أن الكلمة إن لم تستند إلى قوة تؤمن بها وتحققها فسوف تصبح ألفاظـا بـال

وهي كلمة " يأتي من بعدي "معنى، وينبغي أن نشير إلى كلمة تضفي على الموقف فقدان الثقة في الذات، وكشـف عـري

- ١٨٠ -

فإذا كان الواقع، ذلك أن الواقع هو نقيض واضح لكل مأمول، سوف يمنح األلفاظ معانيها، ) يأتي من بعدي (المخلص الذي

فذلك يعني أن هذا الواقع تفقد فيه األلفاظ معانيها، ويحسن أن . نشير إلى دالالت التمنطق بالكلمة والغناء وبالسيف

وفي األميرة تنتظر نجد القرنـدل يـدخل فـي بدايـة ثالثـة للملكـة، المسرحية فيدور حديث بينه وبين الوصيفة ال

نفهم من خالله أن القرندل شاعر ولكن ما زال ينتظر حتـى : يتم أغنيته على هذا النحو

. هل لك في لقمة خبز : الوصيفة الثالثة خبزي لم ينضج بعد : القرندل

ومتى ينضج خبزك؟ : الوصيفة الثالثة : حين أغني: القرندل

ومتى تفرغ أغنيتك؟ : الوصيفة الثالثة ما زالت شذرات لم تتالءم بعد :القرندل

.)٥٠( ويحيرني آخر سطر فيها حتى اآلنوحينما يأتي السمندل يواجه القرنـدل يقـف القرنـدل

: مواجها له وقد بان عليه غضب وحشي وا أسفاه : القرندل

- ١٨١ -

.)٥١( أغنيتييلقأبد وأن اليندفع القرندل نحو السمندل، ويحيط رقبته بأصابعه، ثم "

: يهيحدث في عين هذا ظلي في عينيك

.)٥٢( يا سمندليستل القرندل سكينا من ثيابه، ويـدفعها فـي صـدر " "السمندل .)٥٣( هذا آخر مقطع: خذ

تمت أغنيتي " .)٥٤( استودعكن اهللا

نجد الشاعر يؤكـد المعنـى " بعد أن يموت الملك "وفي نفسه إذ يصرح بشقائه وتعاسته؛ إذ تفتقد كلماته القدرة علـى

: ققالتحمن بعثرت األيـام المنحـدرة ..لكن ما أتعسه : الشاعر سلة جسمه

من أصبح ال يسمع فوق وسادته دقة قلبه بل دقة قلب الخوف

من فقد براءة كلماته

- ١٨٢ -

.)٥٥(بينما عجزت يده عن حمل السيف فهو هنا يؤكد سر شقائه وتعاسته، إن كلماته تفتقد القوة

يؤكد يقينـه بـأن -منا ض -التي تجعلها تتحقق وهو بذلك السيف المبصر هو الحل، ويؤكد أيضا مـا أكـدناه مـن أن السيف المبصر ال يعدو في مسرح صـالح عبـد الصـبور

. مجرد حلم والملكة تخاطب الشاعر بعد أن يتمكن الشاعر من طعن الجالد بمزماره في عينيه فنزفت عيناه، تخاطبه الملكة فـي

: فرح الد أنت صرعت الج: الملكة

.)٥٦(عزف المزمار نشيد الدم - وسـيلة الشـاعر -فمن الممكن أن يكون المزمـار

معادال للكلمة فإنه إذ يتوحد والقدرة على الفعل يستطيع

التغلب على الجالد والتغلب على الخوف، وعلى ذلـك : كان طبيعيا أن تصيح الملكة في فرح

... ... ... : ...الملكة .)٥٧(م مرحى بالجرح المبتس

... ... : ...ثم تضيف

- ١٨٣ -

اكي يعطي اللحظة معناها الباهر زدع دمك ال في ظلمات الالمعنى السوداء

الشاهد .. التاريخ .. دعه يتقطر فوق األرض نظر تتجاوز دائرتان من الدم فوق التراب الجامد ا

نزف مسموم من دم جالد مجنون بالدم ونثار نوراني من دم شاعر

ا التقيا هذا يكتب في سفر التاريخ الخالد ما أغرب م .)٥٨( صفحته السوداء وهذا يكتب صفحته البيضاء

:والملكة تأكيدا لفهمها الموقف تصيحدعني ألمس جرحك ما أجمـل هـذا الجـرح : الملكة

الوضاء الفجر الغسقي، عيون النرجس، عباد الشمس، دمـاء

العذراء )٥٩(ضية الحكمة والمعنى، الكأس الضائعة الف

ولقد آثرنا أن ننقل هذه المقاطع الطويلـة مـن حيـث الملكة، لنؤكد أن الكلمة هنا، حينما وجدت اليد القويـة التـي تمنحها القدرة على الوجود، اسـتطاعت أن تنتصـر علـى

- ١٨٤ -

العنف، متمثال في الجالد، وعلى الخوف كحاجز نفسي يحول . بين الكلمة وبين قدرتها على التحقيق

غي أن نشير إلى أن هذا الموقف يعد الموقف الوحيد وينبالذي يتحقق فيه تواجد السيف المبصر وعدم افتقاده على أن يكون حلما أو انتظارا، ونشير أيضا إلى ما تقيمه الملكة مـن مقارنة واعية بين السيف المبصر الواعي متمثال في الشاعر،

فالملكـة وبين السيف األهوج متمثال في الجالد، وعلى ذلك -تسمي بعض قطرات الدم التي تتناثر على وجه الشاعر ب

نثـار - المعنى البـاهر - دمك الزاكي -الجرح المبتسم ( ) . الصفحة البيضاء-نوراني

تقـدم مالمـح للسـيف - على الطرف اآلخر -بينما الجنون - نزف مسموم -ظلمات الالمعنى السوداء (األهوج

وينبغي اإلشارة إلى أن صالح عبد ) الصفحة السوداء -بالدم الصبور لم يقدم هذه المقارنة على لسـان الملكـة كجـزأين منفصلين، وإنما نجح في أن يقدم هذه المقارنة مـن خـالل نسيج فني ضفره بشكل فني بارع وكأنه يريد أن يقـدم مـن خالل ذلك فكرة اتحاد الوجهين المتصارعين أو المتناقضـين

. كوجهي عملة واحدة

- ١٨٥ -

والمعنى نفسه التمنطق بالكلمـة والتغنـي بالسـيف أو السيف الواعي تؤكده الملكة في المسرحية نفسها إذ أنها تضع صفات محدودة لمحبوبها الذي سيمنحها طفال، وكأنها تقـدم

: وصفا للشاعر نفسه حين تصرح في وضوحيعطيني طفلي من يعرف كيف يقاتل بالمزمـار : الملكة

بالسيف ينويغ : لكة تصف طفلها المنتظر بأنهوالم

ككتاب قدسي .)٦٠( والسيف الناطق كالوحي

وعند أنس داود يتحرك السيف المبصر فـي مسـاحة تعلن األميرة عن حلـم " بنت السلطان "حلمية، ففي مسرحية

القوة ومن يقوده في / حياتها، الذي يتجسد في السيف الواعي : القهراتجاهه الصحيح ضد السلطة ويقف به في وجه

هل يتجسد حلم حياتي : األميرة ظمأ الروح إلى الري، وتوق الفطرة للينبوع األبدي

.)٦١(الحسن وقهر في من رفع السيف على السلطان،

- ١٨٦ -

هي التي تأخـذ - كما يرى أنس داود -والقوة الواعية صاحبها من عالم السلبية واالنهـزام إلـى عـالم الفاعليـة

ابية، وبها يصل اإلنسان إلى أسمى ما فيه وأنبـل مـا واإليجالقوة الواعية يأخـذ / يشكله وهو اإلنسان، فالسيف المبصر

بعد النور والهداية التي تحطم التخلف والحـزن واالنهـزام، الملكـة "فـي مسـرحية ) هي(وهذا البعد تطرحه الشخصية

": والمجنون صدقني : هي

أنا إذا شئت تمتلك العالم

عالم ملء إرادتنا ال خرج من نفسك ا خرج من هذا الخذالن المكبوت بأعماق الحرمان ا خرج من كل تراث القهر ا

.. تحرر واغرس في قلب الظلمة سيف النور

.)٦٢( )اإلنسان(ت، بكامل عظمته، نكن أ

- ١٨٧ -

يرتاح أنس داود إلى السـيف المبصـر، ويـؤمن بـه التي تنبثق من خـالل بقدراته، ويطمئن إلى نتائجه اإليجابية،

وعي من يقبض عليه، فيعرف متى يشهره ومتى يغمده، وفي الوعي إذا سنحت لـه فرصـة / أي اتجاه يحركه، فالشاعر

ممارسة القوة، فإنما يمارسها طبقا لوعيه وثقافته، فهي تصبح إذ ذاك قوة متزنة عاقلة، تخلق كونا متناسقا، ينعم باالطمئنان

ر والقسوة والبطش، بل إن هذه القوة والعدل، ويبتعد عن القه ستسلط على رقاب الظلمة والظلم، وتسدد قبضتها في وجـه الطغيان، وأنس داود يرى أن الكلمة في حاجة إلى دعـم أو

قوة تحولها إلى فعل، ولكن هذه القوة الواعيـة لـم / مساندة تزل في نطاق الحلم يتطلع إلى تحقيقها، فيكشف هذه الهـوة

" األميرة التي عشـقت الشـاعر "في مسرحية وضاح الشاعر حيث يؤكد في حواره مع زهراء التي ترى أن األمر قد تـم

: يؤكد وضاح بل بدأ األمر : وضاح

يثب على سيف في الحـائط، وينزعـه فـي سـرعة ( ) خاطفة، ويقف متأهبا للقتال، شاهرا السيف

بدأ الحلم أن أصنع قافية من دم

- ١٨٨ -

ال تدرون لميدان بدأ الشاعر في ا

عاصفة من ألحان يزهو بوسام الجرح

يلعب بالسيف وبالرمح ويسدد حربته في وجه الطغيان

ال تدرون الشاعر فنان مفتون

بل مجنون ون عيهزأ بالعاصفة وبالبركان المل

ال تدرون وضاح شاعر

وضاح يعرف أن الشعر فنون أن السيف يقد الصخر

ينحت أبيانا في قلب العصر العصر مريض وجبان إن

ال يعرف أسرار الحرف ال يبصر ألوان الطيف

- ١٨٩ -

.)٦٣( ام السيفدال يتسخذي إال قيعلق أنس داود أمال كبيرا علـى " البحر"وفي مسرحية

السيف المبصر، خصوصا إذا توافر لـه الشـاعر الـواعي بمشاكل الواقع وطرق حلولها، يدور حوار بين وعد الشاعر

وبين مارية راهبة الـدير، حيـث تتجسـد وصديق السلطان صورة السيف الواعي الذي توافرت له قدرة اإلبصار التـي تقوده، وتحدد هدفه األسمى، فالشاعر يبتكـر مـدنا كاملـة وحدائق، ليس عسيرا عليه أن يتعامل مع القوة يقودها قيـادة صحيحة مبصرة، فحين يعلن وعد أنه سوف يشهر سيفه في

ا وهمية عن حبيبة قلبه، تتساءل ماريـة وجه من يختلق حكاي : السيف/ عن أداة القتل ) في لين: (مارية

أين السيف .. حسنا .. تقتلني يبتكر الشاعر مدنا كاملة وحدائق : وعد

مزهرة، في زورق حرف ٦٤( ا أن يبتكر السيفليس بعيد(.

إن السيف المبصر في المسرح : مما سبق نستطيع القول عند شعرائنا المعنيين بالدراسة لم يتجـاوز الشعري الحديث

- ١٩٠ -

فكانت مالمحه في مسرح الشرقاوي تتبدى في -حدود الحلم ومواجهة الظلم كما يؤكد كل مـن مهـران -النور والعدل

والحسين، أما عند صالح عبد الصبور فاستخدمه داللة على الثورة والمستقبل، وظل طوال مسرحه ال يخرج عن إطـار

دت مالمحه عند أنس داود فـي مقاومـة الظلـم الحلم، ثم تب . والقهر، وفي الوقت نفسه جاء مقرونا بالنور والهداية

ومن خالل هذه العالقة الجدلية بين الحلم والواقع، كـان طبيعيا أن تنشأ فكرة الصراع ما بين الكلمة بوصـفها قـوة

والسيف بوصـفه قـوة -معنوية، وأداة المثقفين والمفكرين تتجسد في السلطة، والصـراع ينمـو فـي المسـرح مادية

.الشعري من خالل حوار طرفي النقيض

- ١٩١ -

هوامش الفصل الثالثهوامش الفصل الثالث . ٣٠الفتى مهران، ص )١( . ٣٩السابق، ص )٢(

.١٢٧السابق، ص )٣(

.١٤٩السابق، ص )٤(

.١١الحسين ثائرا، ص )٥(

.٧٧المسرح الشعري العربي، ص: رفعت سالم )٦(

.١١الحسين ثائرا، ص )٧(

.٣٠السابق، ص )٨(

.١٢٩ين شهيدا، صالحس )٩(

داللـة المقاومـة فـي مسـرح : سامية حبيب )١٠( .٨١عبد الرحمن الشرقاوي، ص

. نفسه )١١(

.٢٣مأساة الحالج، ص )١٢(

. ٢٤نفسه، ص )١٣(

. ٧٢نفسه، ص )١٤(

.١٠ - ٩مسافر ليل، ص )١٥(

- ١٩٢ -

. ١١نفسه، ص )١٦(

.٢٣نفسه، ص )١٧(

.٢٨نفسه، ص )١٨(

. السابق )١٩(

.١١ليلى والمجنون، ص )٢٠(

. السابق )٢١(

.٢١نفسه، ص )٢٢(

.٢٦نفسه، ص )٢٣(

.٣١نفسه، ص )٢٤(

.٨٥سه، صنف )٢٥(

.٩٤نفسه، ص )٢٦(

.١٣نفسه، ص )٢٧(

.٢٦بعد أن يموت الملك، ص )٢٨(

.٥٧ - ٥٦نفسه، ص )٢٩(

.٩٩مسرح أنس داود، ص )٣٠(

.١٥٨نفسه، ص )٣١(

.٢٣٣نفسه، ص )٣٢(

.٦٦١نفسه، ص )٣٣(

- ١٩٣ -

. السابق )٣٤(

.٦٦٢نفسه، ص )٣٥(

.السابق )٣٦(

.السابق )٣٧(

.٦٦٣ - ٦٦٢نفسه، ص )٣٨(

.٢٠٧الفتى مهران، ص )٣٩(

.١٩نفسه، ص )٤٠(

.٦٤نفسه، ص )٤١(

.٧٧نفسه، ص )٤٢(

.١٧٠نفسه، ص )٤٣(

.١٠٤را، صالحسين ثائ )٤٤(

. ١٠١نفسه، ص )٤٥(

. ٢٢٢ - ٢٢١نفسه، ص )٤٦(

.٧٥مأساة الحالج، ص )٤٧(

.١٢ليلى والمجنون، ص )٤٨(

.٧٣ - ٧٢نفسه، ص )٤٩(

.٢٦ - ٢٥األميرة تنتظر، ص )٥٠(

.٥٠نفسه، ص )٥١(

- ١٩٤ -

.السابق )٥٢(

.السابق )٥٣(

.السابق )٥٤(

.٩٦بعد أن يموت الملك، ص )٥٥(

.١١٠نفسه، ص )٥٦(

.السابق )٥٧(

.١١١نفسه، ص )٥٨(

.السابق )٥٩(

.١٤٧نفسه، ص )٦٠(

.٣٤مسرح أنس داود، ص )٦١(

.١٦٦ - ١٦٥ه، صنفس )٦٢(

. ٣٦٨ - ٣٦٧نفسه، ص )٦٣(

. ٨٧٣نفسه، ص )٦٤(

- ١٩٥ -

א א א אא א א א

- ١٩٦ -

قد الحظنا أن بعض الشـخوص - فيما سبق -إذا كنا المسرحية تنحاز حينا إلى الكلمة، وحينا آخر إلـى السـيف، بعضها يؤمن بالكلمة، وبعضها ال يؤمن بها، وهناك شخوص

السيف مع إطالق العنان له، وهناك شخوص مسرحية تؤمن ب تؤمن بالسيف مشترطة له الـوعي واإلبصـار، وإذا كـان

فـي أن - إلى حد بعيـد -الشعراء المعاصرون قد نجحوا يديروا بين هذه الشخوص المسرحية حوارا دراميـا أثـرى المسرح الشعري وكشف عن عمق القضية وأبعاد الصـراع،

قد طرحـوا - خصوصا عبد الصبور -ثة فإن الشعراء الثال . شخوصا يؤرقها الصراع ما بين الكلمة والسيف

وينبغي أن نشير إلى أن الشخصيات التي تتصارع مـا أي ال -بين الكلمة والسيف ال تقدم وجها دراميـا فحسـب

يكون الصراع قائما بين شخصيتين أو أكثر في تحاور حول

- ١٩٧ -

السيف، وكل شخصية تقدم إيمانها إمكانية التعبير بالكلمة أم ب وإنما نجح الشعراء في أن يقدموا الصراع مـن -بمعتقدها

، الـذي يعكـس "المنولوج"خالل الحوار الداخلي للشخصية القضية، بوصفها واحدة من صراعات اإلنسان مـع نفسـه، إضافة إلى صراعه كشخصية مع اآلخـرين أولئـك الـذين

القاعدة األساسـية "السيف و يؤمنون بالكلمة أو ينحازون إلى الصراع اإلنساني بين وجهتي نظر : في أي عمل درامي هي

.)١(" أو فكرتين أو قيمتين أو أسلوبين في صياغة الحياةاختلط الشعراء الثالثة في معترك البحث عـن مخـرج ألزمة العالقة بين الفكر والسلطة، وقد تنبهوا منـذ الوهلـة

وجه االنطالق، وتقهر أنبـل األولى إلى القوى التي تقف في ضمن "إنسانيته، حريته، كرامته، فهم عاشوا : ما في اإلنسان

جيل عانى الكثير، وتكون فكره في فترة ما قبل الثورة، تلـك الفترة التاريخية المليئة بالتيارات المتناقضـة، والصـراعات بين القوى المختلفة، مما فرض على الشعب المعاناة من واقع

الوطأة، واختزن في ذاكرته الكثير من الـرؤى القاتمـة ثقيلالتي استدعاها بعد ذلك في مرحلة إبداعـه، ومعـروف أن أزمنة القهر تفرز من الشعراء واألدباء من يحاولون التعبيـر

- ١٩٨ -

عن أشواق األمة للتغيير، ولذا كان من الطبيعي أن تتشـابه والشعراء الرؤى التي طرحتها األعمال األدبية لمعظم األدباء

الذين عاشوا هذه الظـروف السياسـية واالجتماعيـة فـي .)٢(" اإلحساس بالمعاناة والقهر

يطرح عبد الرحمن الشرقاوي مـن خـالل مسـرحيته صراعا يـدور بـين أطـراف متصـارعة ) الفتى مهران (

بين االنتهـازيين والمنتهـزين، وبـين القـاهرين : متناقضةته من أجل إخضـاعه والمقهورين، فالقهر قد وصل إلى ذرو

المقهورين؛ كالزحف على البطن وسحق العظـم والـرأس، وعض األرض، بل إن االنكسار والذل والمهانة قـد شـكل مالمح العالقة بين الرعية التي ال تملك إال طأطـأة الظهـر،

. تعيش أبد الدهر راكعة مستسلمة لكل صنوف الذل والهوان المسرحية في -والصراع في ظل هذا التشكل الضدي

يجري على مستويين، فهو على مستوى السـلطة -جميعها صراع في الدوائر العليا بين القادة والحكام، وعلى المستوى

: الثاني صراع بين السلطة والشعب تحت معاول االنتهازيـة السلطان تقتله مؤامرات األمير وأعوانه وتطلعاتهم، ومهران

ه، ويقتلـه سـيف ينخر السل في رئتيه، والعجز في أوصـال

- ١٩٩ -

حسام، والسل الذي يدمر حياة مهران ويبدد قوته، ويقضـي عليها إن هو إال الوردة التي تكمن في البرعم لتهلكه قبل أن يتفتح، هو العطب الذي يكمن في صراع محكـوم عليـه أن يندحر وسط الظروف التي يجري فيها حيث القوة الغاشـمة

فـي الشـعب إال متمركزة في يد حاكم قاهر متسلط ال يرى وقودا يغذي به آتون أطماعه، خصوصا وأن الشعب لم يبلغ من النضج مرحلة تمكنه من أن يهب في ثورة عارمة ليقضي

ففي المسرحية فـي الفصـل . )٣(على ذلك الشركسي الغاشم الثامن يتذكر بجير الماضي بمأسـاويته وانكسـاره وقهـره،

خـالل صـراعه وجدليته بين الكلمة والسيف فيصرح مـن : الداخلي

بوضـاءته وبعزتـه ! أيام كنا نحلم بالمستقبل : بجير !. وببهجته

فيها بالكلمة يأيام كنا نلق في وجه القدر الغاشم نفسه

وكنا نقمع فيها الخوف أمام السيف بما يمتلك من القوة على اآلالم أو الحاجة

وقضينا سبعة أعوام

- ٢٠٠ -

هنالك كاألبد واليوم . سبعة أعوام بلياليها وفي ذاك األبد الوحشي نسينا الريح وضوء الشمس

وعرفنا الزحف على البطن وسحق العظم وحتى الرأس وعـض األرض وهـوان

اليأس وعرفنـا الـذقن إذا هـي مـا ،وعرفنا طأطأة الظهر

التصقت بالصدر وكيف يراد إلنسان أن يقضي أيام العمل

ثم يعود ليركع من بعد .. ليركع .)٤(ثم ليركع أبد الدهر .. عيش ليركع وي

" الحسين ثائرا والحسين شهيدا : ثأر اهللا "وتأتي مسرحية تجسيدا حيا للصراع القوي بين القوة المعنوية والقوة المادية،

يعلن مـن - بشكل حاد -ففي المنظر التاسع ينمو الصراع الذي يقع فريسة الصـراع الـداخلي " الرجل"خالل شخصية

م، نتيجة تغيير موقفه في طرحه لألداة المثلى للتعامل المحتومع الواقع فهو قد جرب السيف األهوج ومارس التعامل بـه، فوجده يأتي على كل حياة مورقة ونابضة باألمن والطمأنينة،

أنه يطفئ نور النهار بـه - مع نفسه -لدرجة أنه كان يعتقد

- ٢٠١ -

رجل فقـد ويشرعه ليحطم به مصابيح السموات، ولكن هذا ال يقينه بهذا السيف الخشبي، ويبدو في حالة صراع وندم أفقده توازنه، حتى تغير موقفه إلى النقيض، ودعا إلـى تحطـيم

سـالم، فهـو / نـور / الكلمة / السيف، والبحث عن بديل : يصرح أوال ؟ ما لوجه األرض قد ضاق علي: الرجل

يلم أعد ألقى سوى رؤوس يتدحرجن إل ظ األموات في وجهي واألشباح كأمواج تلفروقبو

أطبقن علي ! أصرع من يقبل نحوي .. أنا ذا أصرعها

) يضرب بسيفه في الفضاء( ها هنا من تحت الرمل قد هب عدوي

أطفئوا نور النهار )يشرع سيفه نحو الشمس(

.. أنا ذا أحطم مصباح السموات العال بسيفي سيفي الخشبي

يبقى سوى سيفي وغدا تنطفئ الشمس وال يبرق

- ٢٠٢ -

اطمسوا ضوء النجوم .)٥( وا األرض ظالمائامل

ثم يكشف عن موقفه السابق بموقـف مضـاد، حيـث يرفض السيف، وينحاز إلى نقيضه في شـيء مـن األسـى

: والحزن !اصبغوا الدنيا بلون مختلف) يكاد يبكي: (الرجل

احطموا السيف لكي تلقوا مكان السيف نورا أو سالما

لوا نبضة هذا الكون في خفقة قلب اجع .)٦( عامر بالحب، ال ضربة سيف

إذا كان ما أوردناه يجسد حالة صراع في الموقف بـين الشخصية ونفسها، فإن الشرقاوي يكشف عن حالة الصـراع

الحوار الذي / وهي في ذروتها من خالل الصراع الخارجي من يدور بين شخصية وأخرى، كل منهما تؤمن بنقيض ما تؤ

به األخرى، بل إن القوة المعنوية والقوة المادية فـي حالـة جدل عميق، فالشرقاوي يرى أن أخطر ما يهدد أمن السلطة

الفكر، في الوقت الذي يرى فيه / ويقلقها هم أصحاب الكلمة -أنه في ظل اإلرهاب السلطوي والقهر ال يوجد فكر، فهـو

- ٢٠٣ -

ن الفكـر يجسد حالة الصراع بـي -من خالل حوار درامي والسلطة التي تتجسد في هذا النص، الذي آثرنا أن ننقله على طوله، حتى نستطيع أن نقف على معطيات كل طرف مـن خالل تحاوره مع الطرف اآلخـر، وصـوال إلـى مرحلـة

الشـرقاوي / االختيار، فزيد بن أرقم رمز المثقف المعاصر الذي يوجه كلمته القوية في وجه ابن زياد، في الوقت -نفسه

يقلل فيه أسد من دور الكلمة وفاعليتها، ويـؤمن بالسـيف، : وينحاز إلى السلطة، ويصبح أداة من أدواتها

هذا رجل ذو فقه وكل عشيرته فكره : أسد أهذا رجل ذو فكر ؟ : ابن زياد

؟ ... أأنت مفكر ) لزيد( ! للرجل فما من شيء يخضعه

وهو فقيه ومفكر .. حارب يوما في بدر هذا رجل رفض عطاءك يا ابن زياد :سدأ المال فوزعه لب قدد هاملف

أنت إذن من أهل الفكر وأهل الفقه وأهل الزهد : ابن زياد أو فكر .. في ظل اإلرهاب الدامي لن يوجد فقه : سدأ

فلكي يعتبر ذوو األفكار : ابن زياد

- ٢٠٤ -

فليصلب هذا الشيخ إذن في حانة أفسق خمار

) همسات االستنكارتغمر ضحكاته ( فكر العالم يجعله أغنى ملك في العالم : زيد

وملك األرض بما فيها ال يغني ملكا عن عالم قل ألغازك للخمار وأنت لديه مصلوب ) ضاحكا: (ابن زياد

أأنت تفكر ؟؟ ويلك ويلك فلم يتجه والؤك ويحك؟

ما جعل اهللا لرجل فينا من قلبين وال عقلين ) سد يهمس لهأ! (ثنين الالخادم ال يخلص

.. أنا ذا أرحمك ) بعد صمت( فأمنحك الفرصة لنجاتك فلتختر أحد السادة

.)٧( إما الفكر وإما السلطانيتجلى الصراع وينمو من خالل تحاور طرفي النقيض، حيث تذهب كل شخصية إلى تأكيد إيمانها باألداة التي تراهـا

/ ال يتنازل عن كلمته تحقق مآربها، فتحقق وجودها، فالمفكر فكره، وموقفه الذي ينطلق من وعي تـام لمصـلحة الفـرد والمجتمع معا، كما يرى أن السلطة قاهرة، تجهض كل أحالم

- ٢٠٥ -

الرعية، واالنحياز لها خيانة لإلنسان واإلنسانية، أما السـلطة فإنها تحاول إخضاع الرعيـة تحـت قبضـتها خصوصـا

نهم يحملـون قيمـا، المفكرين والكتاب وأصحاب الرأي، أل ويحلمون بغد مشرق، وحياة تتميز بالحركة والتجاوز، هـذه الرغبة تتعارض مع رغبة السلطة، فتحاول إخضاع الجميع،

. حتى تستمر على وضعها، الذي يضمن لها البقاء عدم جدوى الكلمـات، " الحسين ثائرا "وتعلن زينت في

الرغم مـن القوة على / وعليه فال بد من البحث عن البديل إيمانها بجدوى الكلمة، لكنها في لحظة ما أحست أنها عديمة الجدوى في ظل اإلرهاب الدامي، الذي يهدد كيان آل البيـت التي تفوق فاعلية السيف، يتضح هذا الصراع مـن خـالل

: حوارهما حول إمكانية أداة ما يؤمن به كل منهماـ : زينب ر إننا وا أسفا ال نشهر السيف وال نملـك غي ليتنا كنا تعلمنا أفانين الطعان ،الكلمات

بشيء .. بالرمح .. فلجاهدنا إذن بالسيف يا أخي غير اللسان

ال تبالي فلبعض الكلمات : الحسين .)٨( مثل وقع الطعنات

- ٢٠٦ -

في صراعها بين -ترك الشرقاوي شخوصه المسرحية تسير وفقـا لمواقفهـا،، فتركهـا لمنطـق -الكلمة والسيف

- أحيانا -تنمو وتتحرك في اتجاه القضية، وتثبت األحداث وتلزم بنية واحدة كما في شخصية الحسـين، التـي بـدأت وانتهت وهي على مستوى واحد وموقف واحد، على الـرغم من تغير منطق األحداث ومجريات األمور، فظل مؤمنا بدور الكلمة وشرفها وفاعليتها وتأثيرها، حتى استشهد من أجلهـا،

ي رحم الحياة أنبل مواقف اإلنسان في عالقته مـع ليزرع ف . السلطة / اآلخر القاهر

والصراع مـا بـين الكلمـة والسـيف عنـد صـالح يتجسد من خالل الحوار الداخلي للشخصـية -عبد الصبور

) المنولـوج (أو حوار شخصين متناقضين؛ فالحوار الداخلي ـ -يدور بين الشخصية وذاتها، ليعمق -اعر من خاللها الش

الدور الدرامي للشخصية، ويمنح لها دالالت أقوى وأعمـق، ، حيث الحالج في المسرحية "مأساة الحالج "كما في مسرحية

يدور في داخله صراع محتدم ما بـين اإليمـان بالكلمـة أو بالسيف، فهو في هذا ال يرتاح إلى أي الطرفين كحل أمثـل،

ـ ي للصـراع وإنما نراه ال يؤمن بالكلمة وحدها كحل درام

- ٢٠٧ -

داخله، بل الكلمة تحتاج إلى قوة تساندها،، حتى تحولها مـن : آليتها إلى الفعل واإلنتاج، فهو يصرح

قد خبت إذن : الحالج لكن كلماتي ما خابت

فستأتي آذان إذ تسمع تتحدر منها كلماتي في القلب

وقلوب تصنع من ألفاظي قدرة وتشد بها عصب األذرع لنور ومواكب تمشي نحو ا

وال ترجع بلعاب الشمس روح اإلنسـان المقهـور ىقسإال أن ت

.)٩(الموجع فهو هنا ال يؤمن بالكلمة وحـدها كقـوة قـادرة علـى التغيير، وإنما يشترط لها أناسا يتحمسون لها ويؤمنون بهـا،

ويستطيعون أن يمنحوها قدرة على التحقق من خالل قوتهم، . فالكلمة وحدها ال تغير

لحالج يكشف عن عمق صراعه الـداخلي مـا بـين واالكلمة والسيف كقوتين قادرتين على التغيير من خالل حديثه

- ٢٠٨ -

إلى السجين الثاني، والذي يتكشف من خالله صراع مع نفسه : حول الكلمة والسيف- والسجين -

من أعطوا أمي ما يكفي : السجين الثاني أن يطعمها أو يطعمني شب أألم ألحيا ومن جعلوني آكل لحم ا

قل لي هل تصلحه كلماتك هل يصلحهم غضبك: الحالج

غضبي ال يبغي أن يصلح بل أن يستأصل : السجين الثاني من تبغي أن تستأصل : الحالج

األشرار : السجين الثاني األشرار : السجين الثاني

بما تعرفهم : الحالج بتصرفهم : السجين الثاني

يا ولدي : الحالج ن مطمور تحت الثوب الشر دفي

ال يعرفه إال من يبصر ما في القلب نحن هنا بضعة مخلوقات في ركن من أركان الدنيا

أنت، أنا، هذا، حارسنا ذو السوط المتدلي من خاصرته

- ٢٠٩ -

من فينا الشرير من فينا الخير

من فينا يستأصله سيفك أو يقصيه أو يستبقيه

وهب السيف بغير يمينه يمين الحارس بيميني أو ب

.)١٠( فمتى نرفعه أو نضعهواضح من هذا المقطع أن الحالج يعاني صراعا حـادا ما بين الكلمة والسيف، ويشتط في رفض السيف، ألنه إذ ذاك سوف يصبح خاضعا لمزاج ورغبة مالكـه، وحـين يسـأله

: السجين الثاني : ... ... ... ... ... ... السجين الثاني

ال تهرب ؟ مل لم أهرب ؟ : لحالجا

كي تحمل سيفك من أجل الناس : السجين الثاني مثلي ال يحمل سيفا : الحالج

هل تخشى حمل السيف : السجين الثاني ال أخشى حمل السيف : الحالج

- ٢١٠ -

ولكني أخشى أن أمشي به فالسيف إذا حملت مقبضه كف عمياء

.)١١( أصبح موتا أعمىالج يرفض السيف نرى من خالل المقطع السابق أن الح

وال يؤمن به كقوة قادرة على التغيير، ولكن صـالح عبـد الصبور يمنح هذا السيف الذي يرفضه الحالج دالالت السيف

وعلى ذلك فإن ) حملت مقبضه كف عمياء (األهوج، المتهور السيف الذي يرفضه الحالج هو السيف األعمى المتهور وال

إنـه يـرفض أن يرفض الحالج السيف المتهور فحسب، بل : يسير السيف في طريق كلماته مستهديا بنورها

فلماذا لم تجعل من كلماتك نور طريقه : السجين الثاني هب كلماتي غنت للسيف

فوقع ضرباته أصداء مقاطعها أو رجع فواصلها وقوافيها

ما بين الحرف الساكن والحرف الساكن رأس كانت تتحرك يتهو

يه تشبةعويتمزق قلب في ر ع تقطع في موسيقى سجعه اوذر

- ٢١١ -

ما أشقاني عندئذ ما أشقاني

كلماتي قد قتلت سم المظلومين اقتلت ب: السجين الثاني

المظلومين ... : الحالج ن وأين الظلمة وأين المظلوم

أو لم يظلم أحد المظلومين جارا أو طفالا أو زوج

ا أو عبدأو جارية أو لم يظلم أحد منهم ربه

ن لي بالسيف المبصر م من لي بالسيف المبصر

)تدمع عيناه( هل تبكي يا سيد : السجين األول

ال تحزن قد تنفرج الحال ال أبكي حزنا يا ولدي : الحالج .)١٢( بل حيرة

- ٢١٢ -

وقلد آثرنا أن ننقل هذا المقطع الطويل من المسـرحية لنؤكد الصراع الداخلي العنيف الذي يعانيـه الحـالج فـي

حه ما بين اإليمان بالكلمة وبين اإليمان بالسـيف هـذا تأرجالتأرجح الذي يجعله يطمئن إلى واحد منهما كقوة قادرة على الفعل والتغيير، ويصل الصراع ما بين الكلمة والسيف داخل

: الحالج أوجه، فيصرح في حيرة وألم : ... ... ... ...الحالج

أم يدعوني أن أختار لنفسي لنفسي هبني اخترت ماذا أختار

هل أرفع صوتي؟ هل أرفع سيفي

ماذا أختار؟ .)١٣( ماذا أختار؟

وقد نجح صالح عبد الصبور في أن يقدم النمو الدرامي / الذي بلغ ذروته من خالل صراع الحـالج مـع اآلخـر

- في حواره -السجين ومع نفسه، واستخدام بنية االستفهام قودة حين يقابـل بـين كـل رغبة في الوصول إلى يقينية مف

- ٢١٣ -

وبين الواقع، - الكلمة والسيف -طرف من أطراف القضية لذا يشتط في استخدام االستفهام القائم على اإليجاز والتكثيف في بنيته، وهذا يؤكد حجم المعاناة والقلق والحيرة والشـك، وعدم القدرة على االطمئنان، وعدم المقدرة علـى االختيـار

ص مفتوحا لتبقى القضية في صراع دائـم األمثل، ويبقى الن . من خالل صراع طرفيها

وألنها قضية عبد الصبور نفسه فإن شخوصـه تطـرح ملمحا أسلوبيا واحدا، يؤكد صراع القضية في داخلـه فمـا

" مسافر ليل " تلحظه في مسرحية - آنفا -" الحالج"ذهب إليه اوي حيث يتجسد الصراع ما بين الكلمة والسيف في نفس الر

الذي يستخدم بنية االستفهام التي استخدمها الحالج وتطرح - الذي يعلق على األحداث، فعندما -عدم قدرته على االختيار

يقتل عامل التذاكر الراكب، ويطلب من الراوي مساعدته في حمل جثته بعيدا، يتجه الراوي إلى الجمهور، وهو في حالـة

كانية االختيـار، حيرة وقلق وصراع داخلي محتدم، حول إم السلطة القاهرة / حيث يتقابل الضدان في آن، فعامل التذاكر

القوة المادية، أما الراوي فال يملك / السيف / في يده خنجر

- ٢١٤ -

الـنص - أيضا -إال الكلمة، تعليقاته، ويترك عبد الصبور : مفتوحا، ليشارك القارئ في إنتاج االنتظار

" متجها إلى الجمهور: "الراوي ؟ا أفعلماذ

ماذا أفعل؟ في يده خنجر

وأنا مثلكم أعزل ال أملك إال تعليقاتي

ماذا أفعل؟ .)١٤( ماذا أفعل؟

ويعلق صالح عبد الصبور على حالة الصراع ما بـين إن : " وعلى موقف الراوي فيقول - السابقة -الكلمة والسيف

المسرح جالد وضحية، ولكن هناك آخرين ليسـوا جالديـن فما موقف ) ربما.. لوقت ما (في الوقت ذاته ضحايا وليسوا

هؤالء؟ إنهم يضحكون ويمرحون بالكلمات، وينثرون ذكاءهم الرخيص، وال يستنكفون أن يساعدوا الجالد على حمل جثـة

.)١٥(" الضحية، إنهم ظرفاء العصر وأوباشه

- ٢١٥ -

والصراع بين الكلمة والسـيف يبـدو واضـحا بـين فصل األول في مسرحية ليلـى شخصيتي المنظر األول في ال

بـدور ) سـعيد (سعيد وحسان حيث يؤمن األول " والمجنونبدور السيف، والصراع هنا مـا ) حسان(الكلمة بينما يؤمن

بين الكلمة والسيف أو بين سعيد وحسان يدور حول إمكانيـة : في القدرة على التغيير- الكلمة والسيف -كل منهما ؟ماذا نملك إال الكلمات: سعيد

؟هل نملك شيئا أفضل ما تملكه يا موالي الشاعر : حسان

ال يطعم طفال كسرة خبز ا قطرة ماء ال يسقي عطشان

ال يكسو عري عجوز تلتف على قامتها المكسوة ريـح .)١٦( الليل

ونشير إلى أن الصراع هنا صراع خارجي، يدور بـين شخصيتين منفصلتين، تذهب إحداهما إلـى اإليمـان بـدور

كلمة، بينما تشتط األخرى في االعتداد بالسيف، وإذا كـان السعيد قد تبنى اإليمان بالكلمة كطرف مناقض لحسان، ذلـك

حسان يمتـد ليحـاور / الذي ال يؤمن بالسيف، فإن األخير

- ٢١٦ -

أو يؤكد الجدوى الشعر والجـدوى ) رئيس التحرير (األستاذ الحب في مواجهة العنف، وإنما السيف وحده القـادر علـى

: مواجهة العنف ... ... ... : ...األستاذ

ما أحوجنا أن نسمع كلمات بريخت الطيب .. .... ... ... ...

... ... ... : ...حسان لم يصنع مستقبل هذا البلد الحب المتأوه

بل يصنعه العنف الملتهب مجموعة أشعار بريخت ورفاقه من جوته

حتى آخر ثرثار عرفته اللغة األلمانية لم تمنع شرذمة النازية

من أن تتربع فوق كراسي السلطة لكن النازية سقطت يا ولدي : األستاذ لم تسقط بالكلمات : حسان يا ولدي : األستاذ

تاريخ اإلنسان صدى خفقات القلب الملهم .)١٧( ال تاريخ القفازات السوداء وحمامات الدم

- ٢١٧ -

بـين فنحن نرى في هذا المقطع الذي ينقل الصراع ما حسان كشخصية مؤمنة بالسيف واألستاذ كشخصية مؤمنـة بالكلمة، ونرى أن كال الشخصيتين تذهب إلى تأكيـد وجهـة نظرها باللجوء للتاريخ واستقراء أحداثه، وربما كان صـالح عبد الصبور ال يؤمن بالسيف في صراعه مع الكلمة كقـوة

ـ ة قادرة على التغيير وحدها، والذي يدلل على ذلك من وجهتاريخ اإلنسان صدى (نظرنا هو نهاية الحوار بحديث األستاذ

خفقات القلب الملهم، ال تاريخ القفازات السـوداء وحمامـات ونفس الصراع يدور بين زياد واألستاذ، فزياد يتسـاءل ) الدم

في استنكار عن جدوى وكنه المستقبل حينما يأتي أو حينمـا . ر يرحل إليه الجيل في سفن من الورق األخض

ومن الواضح أن الصراع ما بين الكلمة والسـيف فـي للشاعر صالح عبد الصبور إنمـا " ليلى والمجنون "مسرحية

يأخذ شكال واحدا، وهو الصراع الخارجي الذي يـدور بـين شخصيتين تؤمن كل منهما بنقيض ما تؤمن بـه األخـرى، وبذلك يتجلى الصراع واضحا وجليا في الجدل القـائم بـين

والسيف وأيهما الذي تعلق عليه اآلمال، ويكون بـذلك الكلمة هو االختيار األمثل واألجدى تجاه هذا الواقع الذي صـوره

- ٢١٨ -

صالح عبد الصبور بكامل بطشه وقسـوته وبشـاعته أمـام المثقف بصفة عامة والشاعر بصفة خاصـة ويجعـل لديـه

. الفرصة سانحة لالختيار ود الصـراع يقدم أنس دا " بنيت السلطان "وفي مسرحية

ما بين الكلمة والسيف من خالل حوار الفيلسـوف المـؤمن بالكلمة ودورها، بوصفها أداة للتغيير، والضـيزن المـؤمن

فـي نفـاق -الذي يجسد ) أ(السلطة، وشخصية / بالسيف وجه الصراع بينهما، حيـث يـرى أن أصـحاب -للسلطة لحركـة يمثلون الوجه المقابل، الذي يتسم با - دائما -الكلمة

في وجه السلطة الذي يركن إلى الثبـات وفـرض سياسـة الواقع، فيؤكد أن هؤالء المثقفين دائما أعداء السلطة، علـى الرغم من أنهم يحاولون جاهدين أن يرتقوا الهوة بين الشعب

: السلطة الباطشة/ وبين القوة الهوة يهذق تر: الفيلسوف

بين الشعب وبين القوة ) يتمتم كأنه ال يرى.. يبدو مهموما (:الضيزن

انصرفوا .. انصرفوا ال تلقوا بي في هوة

- ٢١٩ -

ال تلقوا بي في بئر األحزان في مجلس حرب نحن اآلن

) اعابينصرفوا ت( :)في نفاق ( ) أ(

ليس لديهم غير الكلمات

.)١٨(أعداء تقليديون لكل السلطات دة للكلمة أن السيا - في السياق نفسه -ثم تؤكد األميرة

: في مقام الظلم والقهر يرتفع جناحها أعلى من السيف حين تكون السلطة ضد الظلمة : األميرة

.)١٩( يرتفع جناح الكلمةواألميرة تؤمن إيمانا مطلقا بدور الكلمة، ففي مسـرحية

الشـاعر / تطرح عالقة جدلية بين الكلمة " محاكمة المتنبي "ة إذا اسـتطاعت أن السلطة، وتؤكـد أن السـلط / والسيف

تمارس جبروتها ضد صاحب الكلمة، بل ربما تقضي عليـه، على أن تقضي على كلمته وأثرهـا، - تماما -فإنها تعجز

فهي تنتشر كما تنتشر الريح السواحة على الرغم من مـوت صاحبها، ولذا تلتصق بوجدانات األمة، فـاألميرة المنحـازة

: ر والبطش السلطويللكلمة، تخاطب كافورا الذي يجسد القه

- ٢٢٠ -

)في انهيارها ومن بين دموعها: (األميرة لكنك تنسى يا كافور إن أنت قتلت الشاعر

" الشعر"نك أعجز عن قتل أ " الشعر"مأساة الطاغية .)٢٠( وليس الشعراء

وفي حوار بين سعد ممثل الشعب المصـري والسـير "ريجنالد معتمد الحماية البريطانيـة فـي مسـرحية الثـورة

ويتنامى الصراع ما بين الكلمة أداة الشـعب وحلمـه فـي الخالص، وبين السيف الذي يدمر كل فرصة تهيـئ المنـاخ الزدهار الفكر، ويبدو الصراع خارجيا بـين سـعد وهمـام والجوقة، حيث يؤكد أنس داود من خالل شخوصه أن القـوة

:وسطوتها وتهورها، يؤكد سعد في خطابه السير ريجنالد - كما تعرف -فالحق .. ا كنتم القوة فإذ: سعد

فوق القوة الحق فوق القوة : همام

الحق فوق القوة : الجوقة سقوط حمايتكم، وجالء ... وإرادة مصر اليوم

- ٢٢١ -

... قواعدكم ترفض كل وجود للغاصب والمحتل وتريد الحرية، والحق، ونشر العدل

وتريد سقوط اإلجراءات االستثنائية وإتاحة كل . )٢١( رص ليزدهر الفكرالف

بين -ويكشف جون من خالل حواره مع همام صراعا حيث يذهب جون إلى " الثورة" في مسرحية -الكلمة والسيف

أقصى درجة في إيمانه بالكلمة على الرغم من أنه ينحاز إلى السيف، فهو جزار الشعب على حد تعبير همام، ومـع ذلـك

من السيف، بعدما اكتشف يرى أن الكلمة أكثر فاعلية وتأثيرا عدم جدواه، وفي الوقت نفسه يرى أن دربه طويـل جـدا ال يعرف أحد أبعاده، فهو غير مأمون العواقب، أما همام فإنـه يشتط في إيمانه بالسيف حيث يرى أن الكلمـة أصـبحت ال تفعل في ظل القهر، والسيف هو البديل األوحد، الذي يملـك

الليل، وبه تشرق شمس الحريـة، تغيير الواقع، ويبدد ظلمة يصرح جون في حديث طويل لهمام، يتبـدى مـن خاللـه

: الصراع، ويكشف فيه مالمح كل طرف تحمل ريشتك اآلن .. إني أعجب منك كثيرا : جون

- ٢٢٢ -

وترسم حتى تغمد .. كيف تكون جسورا حتى هذا الحد منه قهزوت.. خنجرك الغاضب في قلب اإلنسان

ته والفكر، اإلبداع، طمأنينالفن.. الروح أبعد من كل األشياء عن .. وتبتل روح ... قلب

بل حتى عن إحداث الفعل، وإبرام .. العنف .. مساحة ما بين الرغبة والفعل : الفن.. الرغبة

هل يقتل أو ال " هاملت.. "هذا القلق المحموم هل يؤمن بوجود الشيخ يقينا أو ال يؤمن .. يقتل

تغنيك . تردده .. قلق الفنان .. "هاملت" أنت بهذي الريشة .. الريشة يا همام عن الخنجر

لوحتك الميدان وجندك .. تفعل، بل تبدع فإذا .. حارب ما شئت بألوانك .. لوانك أ

تركت روحك هذا الميدان تقلص في وجدانك ..حس الفن، وتاهت روحك عن درب العودة

تعرف ذاتك .. وليست ينابيع اإلبداع بذاتك .. لكن الخنجر ليس أداتك للتعبير .. بالريشة

درب صعب، وطويل.. الخنجر درب آخر

- ٢٢٣ -

.)٢٢( ال يعرف أحد ما آخر أبعاده.. جدا ثم يرد همام على هذه الرؤيـة للعالقـة بـين السـيف

فـي ظـل - كأداة للتغيير -والكلمة، مؤكدا إيمانه بالسيف الشعب، حتى أصـبح الشـعب مجتمع يمارس فيه القهر ضد

فالكلمـة وسـيلة . مستعبدا، فقيرا، ال يملك من أمره شـيئا الكتشاف الذات وأداة فاعلة في مجتمع راق، متقدم، يعـيش

لندن أو باريس، يصرح : فيه الشعب حياة كريمة مترفة مثل : همام ردا على جون

دن أو باريس نهذا لو كنت أعيش بل: همام يا في شعب مستعبد وأنا أح.. أما اآلن

مفروض أن يقهر مفروض أن يسحقه الفقر،

فأنا أختار الخنجر .)٢٣( الحريةليل الوادي شمسفي حتى تسطع

وهناك صراع خارجي بين شخصيتي وضاح الشـاعر وبين السلطان حيث يدور حوار درامي مكثف، يكشف عـن

مة رغبة أنس داود في تعرية الواقع، فالسلطة تتآمر على الكل الموت، في الوقت الـذي / المثقف، وتعلن إيمانها بالسيف /

- ٢٢٤ -

يزداد فيه اإليمان بجدوى الكلمة، فوضاح يتحدى السيف مهما أكثـر قـوة وفعـال - في يقينه -كان قهره وقوته، فالكلمة : خصوصا الكلمة المواجهة

ويقف في مواجهة السلطان .. يخرج وضاح مندفعا ( لك يا موالي لن يحدث ذ.. كال : وضاح الشاعر؟ .. من أنت؟ : السلطان

صوت اإلغواء؟ ! صوت النزوة واألهواء؟

بل صوت الحكمة والعقل : الشاعر صوت الشهوة : السلطان صوت الحب : الشاعر صوت الغضب المجنون : السلطان بل صوت الحق : الشاعر ) ضاحكا في سخرية: (السلطان

األرض ا فخما في باطن هذيأعددنا لك قبر تمرق للغيب على أجنحة اللهب المضرم

موالي : وضاح .. حان لمثلك أن يصمت

- ٢٢٥ -

ثرثرت كثيرا فاستمع اآلن حتى يتعلم

أن الحق طويل يمضي مغتصب .. من يأتي بعدك الصوت

يحيا كاألبكم .)٢٤( يتكلم-ا أخير-لكن الحق

وي مما سبق نستطيع أن نتبين أن الشعراء الثالثة الشرقا وعبد الصبور وداود، يؤرقهم الصراع ما بين الكلمة والسيف وفقا لمعطيات الواقع المعيش والمنحى القاسـي ومعطياتـه، فتركوا حالة الصراع تشتد وتنمو بين أطراف الحوار، وبين شخصيات تؤمن كل منها بعكس ما تـؤمن بـه األخـرى، وأحيانا بين الشخصية وذاتها، وتذهب كل شخصـية مؤمنـة

أداة إلى تأكيد إيمانها، تقدم مبـررات انحيازهـا وإيمانهـا، بفالشعراء يؤرقهم االختيار األمثل، المناسب لحـل مشـكالت واقعهم، ولذا انتشرت صيغة االستفهام في بنية الصراع بـين الكلمة والسيف مما يشير دالليا إلى الحيرة والقلـق والشـك،

نتظار والخالص ومن هنا تتبلور في نفوس الشعراء حالة اال . حال للقضية

- ٢٢٦ -

هوامش الفصل الرابعهوامش الفصل الرابعالشعر العربي المعاصر وقضـايا : طه وادي . د )١(

ينـاير ٢٥) القاهرية(المسرح الشعري، مجلة الشعر . ٣٤، ص١٩٨٢

المسرح الشعري عند صـالح : ثريا العسيلي . د )٢( .٣١عبد الصبور، ص

٢٥أمين العيوطي، مجلة المسرح، عدد : انظر )٣(خطرات نقديـة : نقال عن مجلة القاهرة ، ١٩٦٦يناير

، ١٩٨٨ ينـاير ١٥، ٧٩في مسرح الشرقاوي، العدد . ٣٠ص

. ١٣١الفتى مهران، ص )٤(

. ١٣٠الحسين ثائرا، ص )٥(

.١٣١ - ١٣٠نفسه، ص )٦(

.١٧١ - ١٧٠نفسه، ص )٧(

.٢٢٥ - ٢٢٤نفسه، ص )٨(

.٣٠ - ٢٩مأساة الحالج، ص )٩(

.٧٣ - ٧٢نفسه، ص )١٠(

- ٢٢٧ -

. ٧٤نفسه، ص )١١(

. ٧٥ - ٧٤نفسه، ص )١٢(

. ٧٦نفسه، ص )١٣(

. ٥١ - ٥٠مسافر ليل، ص )١٤(

. ٥٩ - ٥٨تذييل المسرحية، ص )١٥(

. ١١ - ١٠ليلى والمجنون، ص )١٦(

. ٣٢ - ٣١نفسه، ص )١٧(

. ٧٤ - ٧٣مسرح أنس داود، ص )١٨(

. السابق )١٩(

. ١٣٧نفسه، ص )٢٠(

.٢٥٩نفسه، ص )٢١(

.٣١٣نفسه، ص )٢٢(

.٣١٤نفسه، ص )٢٣(

.٤٦٨نفسه، ص )٢٤(

- ٢٢٨ -

א אא א

- ٢٢٩ -

أن ينتظر اإلنسان أمرا "يمه هو االنتظار في أبسط مفاه ما يتمنى حدوثه في المستقبل القريب أو البعيد، هذا األمر قد يحدث أو ال يحدث حسب الظروف المحيطة، وحسـب مـا

ولهذا يمكن القـول . )١(" يستجد من أحداث في هذا المستقبل االنتظار بهذه الصورة يعد سمة مشتركة بـين جميـع : "بأن

درجة إيمان كل مجتمع بشري به حسب البشر، ولكن تتفاوت . )٢(" المكونات الفكرية لعقل ووجدان أفراد هذا المجتمع

تكتسب ظاهرة االنتظار درجة مـن "ومن هذا المنطلق الخصوصية تجعلها تختلف من مجتمـع إلـى آخـر شـكال ومضمونا، فمثال يختلف االنتظار الغربـي عـن االنتظـار

اهرة واضـحة فـي األدب واالنتظار ظ . )٣(" العربي وهكذا المسرحي المعاصر في مصر، وهـي ملمـح واضـح فـي

أننـا " لعل من أسـبابها -التكوين النفسي لإلنسان المصري

- ٢٣٠ -

مجتمع زراعي، نبذر البذرة في األرض، وننتظر حتى يسقط المطر ليرويها، ثم ننتظر حتى نتوسط العالم، وهذا الموقـع

د مـرتبط يجعلنا نتـردد قبـل أن نحسـم أمـرا، والتـرد لما كان األدباء والمفكرون بالدرجة األولـى "و. )٤("باالنتظار

أفرادا ينتمون إلى هذا المجتمع أو ذاك فـإن االنتظـار قـد انعكس في إبداعاتهم وأفكارهم أيضا بدرجات متفاوتة تتمتـع

.)٥(" بنفس القدر من الخصوصيةوتتجلى صورة االنتظار والخالص في المسرح الشعري

صورة عالية، لما يعانيه الشعراء المعاصرون مـن الحديث ب اشتداد صورة القهر واالستبداد، وإحساسهم بـالعجز وعـدم قدرتهم على التصدي والمواجهة، دفعهم هذا إلى تعليق آمالهم وأحالمهم على القادم أو اآلتي، الذي يحمل بشـارة جديـدة وطاقة خالقة تسهم في حل الصراع الذي يعانيه كل شـاعر

. ب في تغيير مجتمعه وبناء حضارته يرغ في مسرحهم الشعري -نلحظ أن الشعراء المعاصرين

قد طرحوا قضية الكلمة والسيف والصراع بينهما لمنطـق -األحداث، فبعض شخوصهم آمن بالكلمـة وانحـاز إليهـا، بوصفها أداة قادرة على التغيير، وبعضهم انحاز إلى السـيف

- ٢٣١ -

يعلقـون عليـه أمـاال كبيـرة، كقوة أكثر سرعة وفاعلية، ف وبعضهم يتأرجح بين هذا وذاك، ويقع في منطقـة صـراع

خصوصا عنـد -االختيار، لهذا نشأت في المسرح الشعري انتظـار : ظـاهرة االنتظـار -شعرائنا المعنيين بالدراسة

الحركة اإليجابية، وعادة ما يأتي المخلـص المنتظـر فـي أو الكلمـة القويـة صورة حلمية، تتجسد في القوة الواعيـة

. الفاعلة ويصـل -يدور الصراع " الفتى مهران "ففي مسرحية بين أطراف الحـوار، الـذي تتنـاقض -إلى درجة التأزم

رغباتهم وردود أفعالهم، وفي ظل الصـراع تـأتي رغبـة الشخوص في البحث عن الخالص، ويأتي االنتظـار طاقـة

يانـا تغلف رؤى الشخصيات المتحـاورة والمتصـارعة أح يسهم بدرجة عالية في خلـق الصـراع - فنيا -واالنتظار

والتوتر، والقارئ يستطيع أن يلمح ظاهرة االنتظار في معظم مسرح الشرقاوي المشغول بقضية العدل االجتماعي الحـائر

. السيف / الكلمة والسلطة / بين الفكر " مـي "الوعد وبين / ففي الحوار الذي يدور بين مهران

نتظار واضحا في تعلق االنتظار والخـالص علـى يبدو اال

- ٢٣٢ -

مهران، ويتكاثف الصراع من خالل الحوار االنتظاري، حيث : رغبتهما القوية في االنتظار" مي"يؤكد مهران و

..أنا في انتظارك والصغار) تتحول نحو الباب: (ميال تهبطي بجالل ما قدمته من تضحية ) مكمال: (مهران

روحي .. لنعد لبيتك والصغار وزوجتك .. نا أنتظر أ) بحسم: (مي

جبل جديد من هموم فوق آالف الهموم : مهران أنا أنتظر : مي

تتعبين الصدر يا أم البنين بذلك األلم العقيم مل: مهران أنا أنتظر : مي

.)٦( أنا أنتظر: مهرانومهما تكاثفت الظلمة، واشتد البطش والقهر في الواقع،

يعلـن أن األمـل -ن خالل شخوصـه م -فإن الشرقاوي االنتظار ما زال قائما، بل إنه سيظل يقاوم ويسطع / الجارف

في الحطام، فسلمى عندما تعلن لمهران أنه عليـل، ويحتـاج إلى عيش رضي هادئ بعيدا عن المغامرة والمواجهة، يؤكد

أن القدر المحتوم قد سطر له - في أسى وانكسار -مهران

- ٢٣٣ -

الشخصية اإليجابية ما زالـت تعلـن / مى أن ينهزم، لكن سل : انتظارها وتعلق عليه الخالص

سيدي أنت عليل أنت تحتاج إلى عيش رضي : سلمى ! أتقولين مثل هذا أنت أيضا؟) امأخوذ: (مهران

باطل في وإذن هل ضاع عمري كله ؟وإذن هل راحت األحالم يا سلمى هباء م نهزأوإذن فالقدر المحتوم قد سطر لي أن

فهذا ليس فتاي مهران .. ال تقل هذا .. ال) منتفضة: (سلمى الجسور وأنت الذي علمتني أن التفاؤل قوتنا وعزاؤنا

وطريقنا كي نبني العصر الجديد يا سيدي مهما تكن كسف الظالم

.)٧( مهما تداهمنا الحوادث فاألمل سيظل يسطع في الحطاملمنتظرة، كل ينمو الصراع بين الشخصيات المتحاورة ا

شخصية محكومة بأيديولوجية وطموح يختلف عن األخرى، الذي -ولكنهم مشدودون إلى المخلص، ففي الحوار الطويل

حتى نتبين مالمح الصراع وصـور االنتظـار -آثرنا نقله التي تعلق االنتظـار - الذي يدور بين أم صابر -المتعددة

نها صابر؛ الذي على المهدي المنتظر في فكر الشيعة وبين اب

- ٢٣٤ -

/ يؤمن بجدوى الكلمة القوية الفاعلة، ويرفض الكلمة السلبية الصمت، فهي ال تؤتي ثمارا، وتأخذ المجتمع إلى ما هو أسوأ

- وبين مجموعة مـن الفالحـين -في ظل القسوة والتردي واالنتظار في . الذين يفقدون الثقة في كل أدوات التغيير كلها

الحلم أو النبوءة على الرغم من أنه لم يتعد - هذا الموضع - : انتظار جماعي يتسم باإليجابية مثل انتظار صابر

ال تغضب على صابر) للعمدة: (أم صابر المسكين ال يعرف ) ثم تهمس له(

جائع .. بل أعرف وأنا أعرف حين أجوع أني جائع : صابر وأعرف لقمة الفقر وأعرف وطأة الفقر

دي إلى الموت وأنا أعرف أيامي التي تؤ وأعرف قسوة الصمت من المهد إلى اللحد

لقد ضقت .. لقد ضقت بهذا كله اآلن فلنعمل لكي يظهر.. غدا يأتي لنا المهدي : أم صابر ولنصبر

ولكننا انتظرناه فما جاء سوى الدجال : ٢فالح !! نبي العصر دجال : فالح

ومن نحسبه موسى غدا فرعون : ٤فالح

- ٢٣٥ -

منتظر في كل عصر فاصطبر نهإ: أم صابر قد طال انتظار مخلص.. ومتى عساه يجيء : ٣فالح

الدنيا في مثل هذه الظلمة العشواء يأتي األنبيـاء : أم صابر

الدنيا من الظلم المخيم والهوان ومـن االصادقون كي ينقذو فساد الحاكمين

هو ذا يمشي إلينا ) ملكالحا: (صابر ته ويسير إنه ينفض تاج الشوق من جبه ثم يسير .. إنه ينزع المسمار من أطرافه

إنني أسمع أصداء خطاه الهائلة في دبيب الدم في أعماق نفسي الفاصلة

إنك تقرأ .. صاحبي قل لنا يا: ١فالح قل لنا من أي أطباق السموات سيأتي ومتى؟

..بل من األرض سيأتي إن أتى من هنا: صابر إنه يبعث من أعماقنا

الذين قد صلبنا من قرون وقرون نحن .)٨(فوق صلبان الضنى واالنتظار

- ٢٣٦ -

من خالل هذا الحوار الطويل الـذي يفـيض -يتكشف انتظار الشخصيات المتحاورة لألنبياء -بجو مفعم بالصراع

الصادقين أصحاب الكلمة الصادقة الفاعلة، فهـم يجسـدون لم المخـيم، القدرة المرجوة المبصرة، التي تنقذ الدنيا من الظ

والهوان الذي يمأل اآلفاق، ويستطيعون بكلمتهم أن يقفوا فـي . وجه السلطات الفاسدة المتردية

ويظل االنتظار عند الشرقاوي للكلمة القويـة انتظـارا إلـى هيئتـه - من خالل انتظار صابر -حلميا، فهو يشير

واصفا إياه بالحلم عند حديثه عن المخلص، فيصف صـابر ، أي أن الخالص لدى الشخصـية لـم )كالحالم(ين بين قوس

. ينتقل إلى طور الواقع ويزداد الصراع عنفا فـي مواجهـة بجيـر القاضـي واألمير، الشخصية االنتهازية، التي تمثل الوجـه المتـردي، القاهر للسلطة، فبجير عاش حياته مأجورا، يسكنه الخـوف

بعيدا عن على زوجته وأوالده الذين يقطنون الضفة األخرى األمير، فيلجأ بجير إلـى / القصر، ولكنهم أصيبوا بيد الغدر

بعدما اكتشف زيف حياته، وعـدم جـدوى -الكلمة القوية الكلمة المضللة الواهنة، بل إن التضليل والمداهنـة والتـذلل

- ٢٣٧ -

ليعـري -طريق يقضي على صاحبه مهما طـال الوقـت ، لـص، أمير عناكب هذا العصر على حد تعبيـره : األمير

فاسق، ال يشبع من قتل الناس، وال من نهـش األعـراض، حيوان أسطوري، يقتات أعصاب الخيـر، رايتـه الخنجـر

وفي ظل هذا الحوار والتعري والموجهة والصـراع . والسم : والتوتر، يتهم األمير بجير بالجنون

أيها الحراس قد جن خذوه ) ايصفق مستنجد: (األميرين للمجانأدخلوه في مصح

يــدخل بعــض الحــراس وعلــى رأســهم حســان ( .)٩( وفارس

وينمو الصراع حتى يبلغ ذروته في موقـف المواجهـة واالنتظار، فنجد أن بجيرا يقترب من لحظة االختيار حـين

: القوة/ يتساءل عن أداة المواجهة ؟أين الخنجر أين الخنجر: بجير

وجـه ينتزع الخنجر من منطقه مهران ويلوح به في ( ) األمير بينما الحراس يحيطون به من بعيد

هو ذا قاضيك وجالدك ..هو ذا سيدك وقانونك ) قففارس يحاول أن يأخذ منه الخنجر بر(

- ٢٣٨ -

هات الخنجر : فارس الخنجر مسوم فاحذر : بجير

.)١٠(خنجر محظية القصر يشرعه المفتي القاضيلمة الك/ وينتج عن هذا الجو المفعم بالصراع بين القوة

األمير االنتظار والخالص، فالخالص في / بجير والسيف / هذه المواجهة يتمثل في السيف، فبجير قد جرب الكلمة زمنا

حتـى - وانحاز إليها لكنها الكلمة المضـللة المـأجورة -استشرى الكذب والتضليل واشتد البطش والقهر والظلم، بـل

ـ نوف في ظل هذه الكلمة المأجورة مارست السلطة كـل صالقسوة والهوان، وانعكس أثرها على بجير نفسه، ولهذا كـان

: الخنجر/ الخالص بالسيف / طبيعيا أن يعلن اختياره يا حسام انزع منه الخنجر وليحاكم ) اصارخ: (األميريطعن نفسه وقد وجد نفسه محاصـرا بحـراب : (بجير ) الحراس

لن تسجنني بعد اليوم يب لن تشفي صدرك حتى بالتعذ

للملك الن أصبح عبد .)١١( أنا ذا حر، أختار الموت

- ٢٣٩ -

بوصـفه -وحين يطلب منه مهران إال يختار المـوت خالصا له من السجن والتعذيب، وفي الوقت نفسه ال يمثـل حال إيجابيا، بل إنه انتظار سلبي وخالص عقيم، وفي الحياة

يؤكد بجيـر أنـه لـم -ومواجهتها الجواب على كل شيء أن يساير الحياة التي لم تجبه علـى حياتـه، التـي يستطع

كمـا -أصبحت عدما، إنه ال يستحق الحياة، فهو شخصـية لم تعد قادرة على الفعل واإلخصاب، أو تمثل انتظارا -يرى

: الموت/ إيجابيا، وفي نهاية األمر يتحقق الخالص بالسيف ال فلتعش .. ال يا بجير ) في فزع: (مهران

في العمر ما قد يجدد فيك األمر فما زال ال تختر الموت ما الموت حال كل شيء نولكنما في الحياة الجواب ع

الحياة ؟ يبماذا أجابت عل: بجير فوجودي عدم اعش أما أن.. عش أنت بجير : مهرانلتعش أنت يا مهران لألطفال والحـق والخيـر : بجير

لتصنع مع كل البسطاء الشرفاء فجر الجديد روعة ال

- ٢٤٠ -

.)١٢( )يسقط بجير(وفي نهاية المسرحية يؤكد الشرقاوي أن الخـالص لـم يتحقق بالسيف فهو ضمن شريحة كبيرة من المجتمع تـؤمن

: باألمل، وتسعى إلى المستقبل الخصب وسننطلق : صابر

سنخوض معركة المصير بال دروع أو خوذ ضد اللصوص والدارعين

حيا اآلخرون بال دموع يموت أفضلنا ليننحن الذي نحن الذي صدروهم كظهور مكشوفة للطاعنين

لم ينعكس وهج على جبهاتنا جههـا لهيـب الشـوق ووعروقنا بالرغم من هـذا ي

للمستقبل .)١٣( وسننطلق

أما الخالص في مسرحية الحسين ثـائرا فيتمثـل فـي الحسين "الكلمة القوية الفاعلة، الكلمة الموقف، التي أكدت أن

س نموذجا رائعا للبطولة أو مثاال باهرا يحتذي به أصحاب ليالتضحية ذاتها التـي .. المبادئ فحسب، بل هو قبل هذا كله

دفعت حياتها ثمنا، والتي تطالب اآلخرين المتعايشين معهـا

- ٢٤١ -

.. بأن يأخـذوا بثأرهـا .. المتألمين لنهايتها، المعجبين بها .)١٤(" يودمقاومة للطغاة وكفاحا ضد االستغالل والق

يؤكد الحسين على المواجهة والخالص بالقول اإليجابي الفاعل القوي، حتى ال تتكرر مأساته كل يوم، وتنتهك حرمة اإلنسان، وحريته في التعبير عن رأيه، وقد وجـد الحسـين

السلطة؛ فيطلب من / خالصه في الكلمة المناضلة ضد يزيد حتى ينقذوا الدنيا شرفاء كل أمة أن يقفوا في وجه المغتصبين

من الفوضى والخراب، وأال يسيروا في ركـاب الفاسـدين، : ويستخلص اإلنسان من عار العذاب، فيصرح الحسين بقوله

يا أيها الشرفاء ال تهنوا إذا طغت الذئاب سيروا نعد للعصر رونقه القديم

وننصر الحق الهضيم ن خلت من عابريها إال ترهبوا طريق الهداية

ن تزاحم سالكوها إمنوا طرق النساء وال تأ سيروا على اسم اهللا ال تهنوا فنحن بنو أبيها .)١٥( سيروا بنا نستخلص اإلنسان من عار العذاب

أما االنتظار عند صالح عبد الصبور فإنه يمثل بـؤرة اهتمامه في عمله المسرحي، فهو يعلق آماال كبيـرة علـى

- ٢٤٢ -

ديهم القـدرة علـى نقـل المثقفين بوصفهم أنبياء أقوامهم، ول مجتمعاتهم إلى صورة أرقى مما عليه، يقفـون فـي وجـه السلطات الباطشة، يقاومون القهر، ويحاربون كل ما يتنـافى مع إنسانية اإلنسان، ولهذا كان صالح عبد الصبور في حالة انتظار دائم، تتنازعه الحيرة والقلـق، ويتفـاقم فـي داخلـه

دائمـا مـن "في مسرحه الصراع، وتأتي شخصيات الشاعر حالة تردد وانتظار، واستالب، لذلك كان االنتظـار والحلـم سمة رئيسية في توجهاتهم نحو المستقبل، ولم تحل هذه الثغرة

.)١٦(" في فكر الشعراءيبدو االنتظار واضحا عند الحالج، المـؤرق بالكلمـة

اآلمال علـى / ودورها في حياة العامة، فهو يعلق االنتظار ه وأحبابه، ومريديه، الذين يؤمنون به، بوصفه مدركا خلصائ

نجوى الليل، : ألبعاد واقعهم على الرغم من حاالته الصوفية وبكاء الخوف من الدنيا، أناشيد الوجد المشبوب وآهات الذل، ونسج المحبوب بنور الوصل، والحالج في حواره مع الشبلي

الذي يكشف عن وجه من وجوه الصراع من خالل االنتظار : يعلقه على فاعلية الكلمة وقدرها

ال يعنيني أن يرعوا ودي أو ينسوه : الحالج

- ٢٤٣ -

أن يرعوا كلماتي نييعنيبل ما يدريك بأنهم إن ولوا لم تسكرهم خمـر : الشبلي

السلطة وبأنهم ما التفوا حولك

إال لكراهتهم من دبر لك قد خبت إذن، لكن كلماتي ما خابت : الحالج

ن تتأمل إذ تسمع فستأتي آذا ي في القلب تتحدر منها كلما

ةوقلوب تصنع من ألفاظي قدر وتشد بها عصب األذرع

ومواكب تمشي نحو النور وال ترجع إال أن تسقي بلعاب الشمس

.)١٧(روح اإلنسان المقهور الموجع وينتقل االنتظار إلى طوره اإليجـابي، ليتـوازى مـع

خروج الحـالج ، الخروج الخالص في مراحله األولى، حيث الذي تخلص من الصمت والسكون إلى الخروج إلى النـاس ليتحدث فيهم، ويبث موقفه وفكره ويزداد الصراع مع تساؤل

: الحالج وقلقه

- ٢٤٤ -

هل تسألني ماذا أنوي ؟ : الحالج أنوي أن أنزل للناس

وأحدثهم عن رغبة ربي بناء أاهللا قوي، يا كونوا مثله

ناء اهللا اهللا فعول يا أب كونوا مثله

.)١٨( اهللا عزيز يا أبناء اهللا : ثم يخلع الحالج خرقته ويدخل مرحلة الخالص

رب اشهد يا: الحالج هذا ثوبك

وشعار عبوديتنا لك وأنا أجفوه، أخلعه في مرضاتك

يا رب اشهد يا رب اشهد

.)١٩( "يخلع الخرقة"ـ وال ويؤكد الحالج صراعه الداخلي، الذي يؤرقـه ط

حياته، المتمثل في االختيار والخالص، فإذا كانـت الكلمـة

- ٢٤٥ -

وحدها ال تستطيع أن تفعل في واقع يمور بالقهر، والـبطش والتضليل، وكذلك السيف، فإن االنتظار يمأل عـالم الحـالج بالصراع واالحتدام، يتكشف ذلك من خـالل حـواره مـع

ل فـي السجين الثاني، حيث يعلن انتظاره للخالص الذي يتمث السيف المبصر الواعي، بعد أن يؤكد رفضه للسيف األهوج

: وللكلمة التي تسانده ...المظلومين : السجين الثاني

أين المظلومون، وأين الظلمة ؟ أو لم يظلم أحد المظلومين

جارا ا أو عبد أو لم يظلم أحد منهم ربه ؟

من لي بالسيف المبصر .)٢٠( من لي بالسيف المبصر

حالج هنا يصرح في وضوح بحاجته للسيف المبصر فالكحل للواقع واألزمة، وينبغي أن نشير هنا أن فكرة السـيف المبصر ال تعدو في مسرح صالح عبد الصـبور أن تكـون نوعا من الحلم، أو األمنية التي ال وجود لها في عالم الواقـع

بعد الحسرة واأللم، الذي يشعر ) من لي (وربما أضافت كلمة

- ٢٤٦ -

الحالج؛ الفتقاده، أو الفتقاد دوافعه لهذا السيف المبصـر، بهوهذه الحسرة الفتقاده تسحب أيضـا علـى المشـهد فكـرة االنتظار، وتلك التي أكدناها ورأينا أنها ترتبط دائما بفكـرة السيف المبصر، ذلك أنها في جميع المشاهد وعنـد جميـع الشخصيات تفتقد وجودها، ويكتفي، شـخوص المسـرحيات بانتظار المخلص الذي يتمنطق بالكلمة ويغني بالسـيف فـي

وفكرة " مأساة الحالج "أو السيف المبصر في " ليلى والمجنون "الجمع بين الكلمة لما تمثله من أبعاد الوعي واإلبصار والقوة والسيف الالزمين لتحقيقها هي الفكرة التي كلما مضـى بنـا

نجد أن صالح " جمأساة الحال "الصراع الدرامي في مسرحيته : عبد الصبور يؤكد على لسان الحالج

... ... ... : ...الحالج لكن هل تفتح كلمة

قلبا مقفوال برتاج ذهبي ؟ ماذا أصنع ؟

ال أملك إال أن أتحدث ولتنقل كلماتي الريح السواحة

وألثبتها في األوراق شهادة إنسان

- ٢٤٧ -

من أهل الرؤية وجوه األمة فلعل فؤادا ظمآنا من أفئدة

يستعذب هذي الكلمات فيخوض بها في الطرقات

ن ولي األمر إيرعاها ويوفق بين القدرة والفكرة

.)٢١( وج بين الحكمة والفعلاويزتمـنح ) الحكمـة - الفكرة -من أهل الرؤية (فكلمات

- األمـة –وجوه (دالالت الوعي واإلبصار للسيف وكلمات الـوعي / تضفي على الكلمة ) الفعل - القدرة -ولي األمر

دالالت القوة الالزمة لتحقيق هذا الوعي من التمني والرجاء، أو لسـيف / وهو ما أكدناه، قبل ذلك من أن السيف المبصر

الواعي ال يعدو أن يكون في مسرح صالح عبـد الصـبور الحالج لو تتحقق، كما ينبغـي / حلما أو أمنية يتمنى صالح

إن - يرعاهـا - يخوض -يستعذب (اإلشارة إلى الكلمات وما تمنحه هذه الكلمات مـن ) يزاوج - يوفق -ولي األمر

. دالالت المستقبلية وما تمنحه للموقف من بعد االنتظار

- ٢٤٨ -

يشكل االنتظـار عـالم " ليلى والمجنون "وفي مسرحية / شخوصها، وحياتهم فحين تسأل ليلى سعيدا عن المسـتقبل

نتظار عالمه، يؤمن به إيمانا مطلقا، االنتظار فإنه يؤكد أن اال إلى درجة الرؤية المجردة بالعين، وفي ظل - أحيانا -يصل

: االنتظار يزداد الصراع عنفا من خالل حوار سعيد وليلى لم ال تؤمن بالمستقبل : ليلى بل إني أخشاه ألني أؤمن به : سعيد

بد لكل زمان من المستقبل أؤمن أن ال لخطة لحظ العين أوشك أحيانا إن ا

.)٢٢( ولهذا فأنا أبصره في غيم أسودويؤكد سعيد على االنتظار بوصفه حال دراميا للصراع المحتدم في نفسه، فهو يؤمن بالكلمة وقدسيتها وقدرتها علـى التغيير، فهو كشاعر ال يملك إالها، ولكنه يعلل أن االنتظـار

مارس فيـه والخالص لم يتحققا بالكلمة في ظل واقعه الذي ي القهر بكل صنوفه، ولكن االنتظار اإليجابي يتمثل في السيف

القوة المبصرة بوصفه خالصا في ظـل اإلحبـاط / الواعي واالنهزام والتردي، وانتشار الكلمة السلبية، يقول سعيد فـي

: قصيدته

- ٢٤٩ -

هذي آخر أشعاري : سعيد العنوان طويل

"يحمل سيفا ا يوميات نبي مهزوم يحمل قلما، ينتظر نبي هذي يوميته األولى

يأتي من بعدي من يعطي األلفاظ معانيها يأتي من بعدي من ال يتحدث باألمثال

إذا تتأبى أجنحة األقوال أن تسكن في تابوت الرمز الميت

يأتي من بعدي من يبري فاصلة الجملة ات األحرف في النار يأتي من بعدي من يغمس مد

عي لي نفسي يأتي من بعدي من ين سي أيأتي من بعدي من يضع الفأس بر

يأتي من بعدي من يتمنطق بالكلمة .)٢٣( ويغني بالسيف

تبدو رغبة سعيد الجارفة فـي الخـالص واضـحة إذ الواقع لذاته، فهـي شخصـية : األول: يكشف عن مستويين

: منكسرة منهزمة، ال تستطيع أن تقدم فعال إيجابيا، والثـاني ص، وهـذا المسـتوى يشـير إلـى حلـم االنتظار والخال

- ٢٥٠ -

عبد الصبور في الخروج من أزمة واقعـة، وقـد اسـتخدم سبع مرات " يأتي من بعدي "صالح عبد الصبور بنية التكرار

ليؤكد تعلقه التام بالمخلص المنتظـر القـادم، وتسـتطيع أن مالمح المنتظر، الذي يحلم به - من خالل السياق -تتكشف

المفكر صاحب الكلمـة / المبدع / ثقف عبد الصبور، فهو الم القوية الفاعلة، فهو الذي يعطي األلفـاظ معانيهـا، ويبـري فاصلة بالدور الذي فشل في القيام به عبد الصبور، وأخيـرا يجسد حالته في من يتمنطق بالكلمة، ويغنـي بالسـيف، إذن السيف الواعي أو الكلمة القوية هي االنتظار والخالص عنـد

. الصبور عبد/ سعيد وفي نهاية المسرحية يؤكد سعيد انتظاره للقـادم بعـده الذي يحمل الفعل اإليجابي، وينقل مجتمعـه إلـى األمـام، ويعترف سعيد أنه إنسان مهدم، ال يقوى على فعـل شـيء،

: فعندما يسأله األستاذ سعيد : األستاذ

.)٢٤(هل تبغي شيئا : يؤكد سعيد لألستاذ

أبغي أن أبعث برسالة

- ٢٥١ -

.)٢٥(للقادم من بعدي : ثم يخاطب المنتظر القادم قائال

يا سيدنا القادم من بعدي .)٢٦( أنا أصغر من ينتظرونك في شوق محموم

وحين يواجه ليلى التي تحبه وتؤكد له أنها فـي حاجـة إليه، فإنه يقرر أن ال جدوى من هذا الحب أو غيـره، بـل

نـا أنـه كشـاعر يذهب إلى أنه هو نفسه ال شيء وإذا راعي وسيلته الكلمة، كان ذهابنا إلى عدم إيمانه بها مبررا قويا في ظل واقع مترد، يحتاج إلى مخلص أكثر قوة وفاعليـة مـن

الـذي -سعيد المهزوم المتهدم، يتجسد الخالص في القـادم الذي يحمل سيفا واعيا أو كلمة قويـة، -ذهبنا إليه من قبل

م قدرته على الفعل ولـم يـزل فسعيد يخاطب ليلى معلنا عد : ينتظر القادم يوما ما ستحبين سواه : سعيد

ليلى سمكارجال يعرف أن سمك اويناديك ب

.. ال .. أنا أنا وقت مفقود بين الوقتين

- ٢٥٢ -

.)٢٧( أنا، أنتظر القادميبدو من الوهلة " األميرة تنتظر "واالنتظار في مسرحية

أما أحداثها فكلها تدور " راألميرة تنتظ "األولى حيث عنوانها حول االنتظار، انتظار المخلص، الذي يغير عالم األميـرة،

في -ويخلصها من عجزها إلى إيجابية الخروج، فالوصيفات . يزين كل األشياء انتظارا لقدوم األميرة -بداية المسرحية

: الوصيفة األولى تخاطب الوصيفة الثالثة تهـوى وتعـد فلتنتظري حتى تضـع المائـدة كمـا

.)٢٨(األقدام الوصيفات الثالثة في حالة االنتظار، فهن يعشـن فـي انتظار رجل، قادم، يغير عالم الكوخ، يعلمن أنه سيجيء في يوم ما، فيقررون أنهن ينتظرنه منذ خسمة عشر خريفا فـي

: حرقة وترقب أنا منتظرة : الوصيفة األولى جيء ؟ واثقة أنه سي: الوصيفة الثانية هذا ما نحيا له : الوصيفة األولى ؟ ..وإذا لم يأت: الوصيفة الثانية ؟ ....م يأت ل: الوصيفة األولى

- ٢٥٣ -

.)٢٩( بد وأن يأتي ال.. ال .. ال واألميرة تكشف عن انتظارها اإليجابي، الذي يسعى إلى التحقق واإلخصاب، فهي تتساءل في جو مفعـم بالصـراع

: تنتظر من يخلصهاالداخلي، والترقب، فهي .)٣٠( أتراه يأتي الليلة

وتقدم مالمح انتظارها اإليجابي، حيث تؤكـد أن مـن : تنتظر سيصنع لها المستقبل، فهي تؤكد

. قسم أن ينبت في بطني أطفاال أبل : األميرة .)٣١( طفال في كل خريف

وعندما يموت والدها وتنهار األميرة في بكاء جـارف ت، بينما تخلـع الوصـيفتان قناعهمـا على سرير الملك المي

وتقفان وراء األميرة، وتبكيان ويتردد البكاء في إيقاع واحد، السـمندل وتصـف ... وفي أثناء ذلك يدخل من ينتظرنـه

األميرة حال انتظارها للسمندل، الذي تشك في إيجابية قدومه : فتؤكد

انتظرت كل خاليا جسمي لمسة هذي اللحظة عشتها النارية من أزمان انتفض دمي يشتهي ر ربل في غيب الليل سدار حولي مقدمها المت

- ٢٥٤ -

نومي ومقامي أكلت هذي اللحظة من أرقى، شربت من عطشي،

لبست أيامي علقت بذورتها الموعودة عنقي ). ٣٢ (وتدليت ألنتظر القادم ذات مساء

ثم تعلن األميرة أن انتظارها انتظار سـلبي، فتؤكـد أن رجلها جاء مخيبا لترقبها وآمالهـا / م المحب انتظارها للقاد

: وأحالمها، فقد أتى متشحا بالكذب وتلك عادته كنت أقول لنفسي

ا أو مكتئبا أو منكسرا أو ندمانا هل يأتي منتقما أو فردي ... أو مجروحا أو محتضرا

لكن وا أسفاه .)٣٣( ها هو ذا يأتي متشحا بالكذب كما اعتاد

يرة الخروج إلـى القصـر بعـد أن وحين تحاول األم اكتشف زيف انتظارها، يتجسد أمام عينيها الخالص، الـذي يبدد الظلمة والكذب والخداع، وتصبح الكلمة القوية أو القـوة

السيف المبصر حال لواقع األميرة، إنه الخـالص / الواعية

- ٢٥٥ -

الذي يدفع المجتمع، إلى األمام، فالقرندل يسعى إلى تحقيـق : انتظاره .)٣٤(ال بد وأن ألقي أغنيتي .. أسفاه وا

ثم يندفع السمندل، ويحيط رقبته بأصابعه، ثم يحدق في : عينيه ويقول له

هذا ظلي في عينيك .)٣٥( يا سمندل

ويتحقق االنتظار اإليجابي ويصح خالصا، وهـو مـا حيث - من خالل مسرحه -يسعى إليه صالح عبد الصبور

ه، ويدفعها في صـدر السـمندل يستل القرندل سكينا من ثياب : ويهتف

هذا آخر مقطع .. خذ تمت أغنيتي

.)٣٦( اهللانأستودعكيقدم عبد الصـبور " بعد أن يموت الملك "وفي مسرحية

، حيث يرى أن الكلمة ال ١٩٧٣رؤيته للواقع المصري آنذاك تستطيع أن تخلق واقعا جديدا، يتسم باإليجابيـة فالكلمـة ال

تقبال، ولهـذا يتحـرك االنتظـار طيلـة تملك أن تصنع مس

- ٢٥٦ -

/ المسرحية بحثا عن الخالص، فالملكة تتمرد على المستقبل الطفل، الذي نسجه الملك من كلمات باردة الحـس، / الوهم

وتواجه الملك العقيم الضعيف الذي ال يسـتطيع أن يمألهـا الوعد، فقط يملك الوهم، والخداع فحين / الطفل / بالمستقبل ك من الملكة أن تخفض صوتها، حتى ال ينـزعج يطلب المل

: طفلها الوهمي، تعترض وتنفي أن تسايره في وهمه وتضليله : الملكة ...!الطفل

ا ال نملك طفال إنك تدري أن .. ال تتحرك فيه إال أطراف الوهمهذا فرشي خال..نظرا

عا الوهم اذر ..ساقا الوهم هذا طفل من كلمات

حتى هذا الحد أفضت بكل اللعبة ما أغرب ما صنعته السنوات بنا، نمت الكلمات إلى أن

صارت أشباحا وظالال لكن ما أصعب أن تصبح هذي الكلمات الثلجية

مخلوقا من لحم دافئ ليس لنا طفل

- ٢٥٧ -

.)٣٧( ليس لنا طفلومن هنا كان طبيعيا أن تخرج الملكة على هذا الـوهم،

لعجز والعقم، وتطـرح الزيف والتضليل، وأن تتخلص من ا اإلخصـاب، وتؤكـد / اإلشراق / االنتظار الجديد، المستقبل

رغبتها في طفل حقيقي يغير مالمح الواقع المعتم، ويخلـص القصر من خيوط العنكبوت، لذا تواجـه الكلمـة الضـعيفة المضللة، المزيفة، التي ال تستطيع أن تقـدم فعـال إيجابيـا،

: فتخاطب الملك بقولها لكنك لم تقدر أن تعطيني طفال : كةالمل

.)٣٨( تعطيني الماضي، لكن ال تعطيني المستقبلوأمام إصرار الملكة ينصاع الملك العـاجز لرغبتهـا،

: ويتوعد من لديه القدرة على المنح واإلخصاب .)٤٠( أتأمل في األمر: الملك

وحين ينظر الملك محدقا في الفراغ، يكشف عن انتظاره : انتظار طائر الموت األسودالسلبي، إنه هل جئت اآلن ؟ : الملك

.)٤١( !كم أريدك

- ٢٥٨ -

الطفـل / آنذاك ال تخفي الملكة لهفتها وتحرقها للوعـد المنتظر، فيتجلى االنتظار في صراعها الداخلي، حين تتساءل

: عن انتظار الملك .)٤٢( من الطفل: الملكة

يحقق وينتهي الفصل األول بموت الملك العقيم، دون أن / المسـتقبل / الوعـد / وعد الملكة لكنها تؤكد انتظارهـا

: اإلخصاب ...سأنال الطفل ...سأنال الطفل . )٤٣( ...سأنال الطفل

/ وفي الفصل الثاني تعري الملكـة الواقـع السياسـي السلطة من خالل حوارها مع أفراد الحاشية الملكية المضللة

وتسألهما في استنكار المزيفة، حيث تواجه المؤرخ والقاضي، هل يملك كل منهما أن يحقق لها هذا االنتظار ويجعله : شديد

: انتظارا إيجابيا ويحوله إلى خالص، فتسأل المؤرخ هل تكتب سطرا من تاريخك في جسمي يا سيد

. )٤٥( حتى أصنع من أحرفه طفال

- ٢٥٩ -

ويدخل االنتظار مرحلة إيجابية من خالل حوار الملكة، اعر يعلن رفضه لهذا الواقـع العقـيم، وهـذا والشاعر، فالش

الجدب الموحش، لهذا فهو مليء بالصـراع، يعـيش علـى الكلمـة / االنتظار، وفي الوقت نفسه يفقد يقينه بجدوى أداته الطفـل، / في تحقيق هذا االنتظار، فهي ال تصنع المستقبل

: يصرح الشاعر يا موالتي .. تعبرني عينك لف: الشاعر

يرضيني هذا المشهد أنا مثلك ال كلماتي .. لكني ال أملك إال أشعاري

.)٤٦( ال تصنع طفال.. كلماتي يا موالتي من خـالل الواقـع التـاريخي -صالح عبد الصبور

يـرى أن "- ١٩٧٣المتأزم الذي كانت تحياه مصـر سـنة ولكن ال بد للكلمة من . المستقبل في مصر ال تصنعه الكلمات

ن مصير أية أمة إذا تـردى فـي حـس غاية، أن تقوم به أل الكلمة فحاضرها مظلم ومستقبلها أكثر إظالما، والشاعر في

.)٤٧(" المسرحية يدرك أن المستقبل ال تصنعه الكلمات وحدهاوتنتقل الملكة بالشاعر إلى منطقة انتظار أكثر فاعلية، وفي الوقت نفسه يتنامى الصراع من خالل تحـاور الملكـة

- ٢٦٠ -

صراع حلمي قائم على االنتظـار، فالملكـة والشاعر، وهو : تؤكد

أحسست بأنك ستكون صديقي : الملكة .)٤٨( هل نجلس بعض الوقت : يستجيب الشاعر المنتظر

.)٤٩( أمرك يا موالتي: الشاعرثم يجلسان في ركن، بينما ينشغل اآلخـرون بمحاولـة

لكن الملكـة . إيقاظ الملك، حتى يغلبهم النوم فينامون وقوفا تفتح شهوة الشاعر وتهيئ الرغبة الجارفـة للتحقـق، حتـى

: يصبو ولهانا للطفل الخالص، فالملكة حين تسأل الشاعر .)٥٠( ؟هل لك طفل: الملكة

: يؤكد الشاعر في حواره معها أحمله في صرة أحالمي يا موالتي : الشاعر

أفك الخيط .. حين أريد هب إنك تحمله بين ذراعيك : الملكة لن أحمل طفلي بين ذراعي : اعرالش

بل أطلقه في شمس الغابات وأنسام النهر

- ٢٦١ -

حتى يتفجر بـالمعجزة الخضـراء كمـا تتفجـر آالف .)٥١( األشجار

وتربط الملكة بين الحلم والواقـع مـن خـالل عالقـة االنتظار بالكلمة فترى أن لها قدسيتها التي تؤمن بها، وترى

الوعـد، / على عالم السـيف فيها عالما فاعال، إيجابيا يعلو : الكلمة الحية القوية/ الحكمة والشعر

. )٥٢( هل ستعلمه الحكمة والشعر: الملكةيؤكد الشاعر إيمانه بدور الكلمة وهو انتظـاره المعبـأ

: بالحكمة والفن ه الحكمة أسراب الطير مستعل: الشاعر

.)٥٣( يعلمه النهر فنون اإليقاعخذ الشاعر إلى واقع جديـد ال وحين تحاول الملكة أن تأ

يسقط فيه ظل الموت على أثواب األحياء، وبعيدا عن العتمة التي تغطي كل أركان القصر، وهـو مـا يمكـن تسـميته

باالنتظار السلبي، يعلن الشاعر عجزه وعدم قدرتـه علـى : ذلك

ال أقدر يا موالتي، فلقد فات الوقت : الشاعر يه النور طليقا إني أخشى أن أنزل في كون يمضي ف

- ٢٦٢ -

ال يتكسر فوق الجدران الصماء فلقد عشت زمانا بين مرايا القصر العمياء

قدر أن أتنفس خارج هذي األركان الجهمة أال أنفاس يكتمها ما في العالم من عطر ونقاء بينا من جوفي األنفاس النتنة في هذا القبر

.)٥٤( ناشطة متلوية كالديدان النهمة دورها اإليجابي، حتـى تغيـر انتظـار تمارس الملكة

الشاعر من السلبية إلى اإليجابية، فتفجر فيه رغبة الخـروج / وأهميتها، فتطلب منه أن يخرجا معا فـي ظلمـة القصـر

: السلطة إلى أجواء النور ا في كف هيا نخرج كف.. هيا : الملكة

وستألف أجواء النور المتألب بوع داكن وسينزف من تحت الحجر الجامد ين

يتدفق بالحقد وبالخوف حتى تتشقق قشرته السوداء الصلبة

فيفيض النبع صفاء ومحبة .)٥٥(ماذا لك في هذا السجن ؟

- ٢٦٣ -

يستجيب الشاعر المنتظر لنداء، الملكة، حيـث يتوافـق / انتظارهما، خصوصا وأن انتظار الشاعر مـرتبط بأداتـه

: وسيلته القادرة على الفعل ي جيبي مالي ف: الشاعر مزمار

. )٥٦( وكتاب فيه بضعة أشعارتقرر الملكة الخروج ومعها الشاعر، أصـبح كالهمـا يسعى إلى تحقيق انتظاره، فقد استطاعت الملكـة أن تحـرر الشاعر وتخلصه من تفاهته ومسخه، وانتظاره السلبي، الذي

أداته في التعبيـر، فحـين يؤكـد / فقد يقينه بجدوى كلماته : الشاعر لكن ماذا تصنع كلماتي .. هذا حق : شاعرال

هو أهون من أن تطمح للفعل أهون من أن تغدو سيفا أو ترسا

.)٥٧( كي تقتل أو تحمي من يقتلتؤكد الملكة المعبأة باإلخصاب، القادرة على خلق واقع

في فقدان الثقة فـي -أجمل وأفضل، أن ما يزعمه الشاعر تنقل المجتمع من حالـة إلـى أداته الفاعلة، التي تستطيع أن

- ٢٦٤ -

ال ينبغي أن يكـون، فـالخالص -أخرى، تتميز باإليجابية يمكن أن يتحقق بها، فلقد استطاعت من قبل أن تفعل في حياة

:الملكة ال تبخس كلماتك ما تستأهله من قدر : الملكة

فالكلمة قد تفعل ال تدري ماذا فعلت في مطلع عمري كلمات تشبه كلماتك

ناي صبيا حساسا ملتمع العينين سمعت أذ ينفخ في مزمار ويغني أني أجمل ما رأت العين

.)٥٨( فغدوت جميلةويتحرك االنتظار اإليجابي نحو الخالص، حيث استطاع

-الكلمة / الذي ردت إليه الملكة الثقة في انتظاره -الشاعر السـلطة، وأن يحقـق / أن يدخل في صراع مـع الجـالد

ويسقط من يده السيف، ونجد الملكة تهتـف االنتصار عليه، إشارة إلـى انتصـار الكلمـة -للشاعر بعد أن قتل الجالد

: فتقترب منه رافعة يدها، وتعلن-وتحقيق الخالص بها أنت صرعت الجالد وصرعت الخوف : الملكة

عزف المزمار نشيد الدم بينما أصبح سيف الجالد الغاشم

- ٢٦٥ -

أقدم .. أعمى ال يجد طريقه .)٥٩( خذ منه السيف بين أثـر - المنحازة للخالص بالكلمة -وتفرق الملكة

الشاعر والسيف، ولذا تؤكد في اطمئنـان أن دوره / الكلمة كبير وأثره فعال، لذا تطلب منه أن يجالد، فهو الذي يعطـي للحياة معناها الباهر الجميل فـي ظـل كلمـات الالمعنـى

لخالد صـفحته البيضـاء، السوداء، ويكتب في سفر التاريخ ا بينما يكتب الجالد في سفر التاريخ الخالد صـفحته السـوداء ضدان يتصارعان، فحين يسمع الجالد صوت الملكة وأنفاس الشاعر يتجه إليهما بسيفه، ويخرج الشاعر ممسكا في ذراعه

: الملكة، نرى الملكة تهتف صدق حلمك بالطفل أما .. حبي : الشاعر

المستقبل وكأنك كنت ترين هل دار بخلدك يوما ما

.)٦٠( ؟ الشاعرأن يعطيك الطفل/ وتؤكد الملكة على ثنائية العالقة الواعية بين السـيف

القوة والكلمة، فالخالص ال يكون إال بالقول القوي أو السيف

- ٢٦٦ -

القوة الواعية، وخلق المستقبل اإليجـابي يكـون / المبصر : بامتزاج الوسيلتين معا

يعطيني طفلي من يعرف كيف يقاتل بالمزمـار : الملكة .)٦١( ويغني بالسيف

ويشير صالح عبد الصبور إلى العالقة التبادلية الجدلية أن : "بين الشاعر بوصفه مفكرا وبين واقعه وقضاياه، فيؤكـد

عالقة الشاعر بالفكر ال تنبع من إدراكـه لـبعض القضـايا تيا من هذه القضايا، الفكرية، بل من اتخاذه موقفا سلوكيا وحيا

بحيث يتمثل هذا الموقف بشكل عفوي فيما يكتـب، فممـا ال شك فيه أن الشاعر إنسان أوال وهو بهذه الصفة األولى يعيش وينفعل ويفكر ويعمل وتتكون له من خالل هذه المسـتويات المختلفة من الحياة بنية بشرية تختلف عن غيرها، وهو فـي

ر في ذاتـه مـن خاللهـا الكـون مرحلة اإلبداع الفني، ينظ والكائنات فال بد عندئذ أن تتحول التأثيرات الفكرية المختلفة إلى دم يجري في أوعية نفسه، وهذه التأثيرات ساخنة باطنية كالدم، ال يراها اإلنسان إال إذا سالت على األوراق، وينبغـي أن يتمثل الشاعر أفكاره للتحول في نفسه إلى رؤى وصـور

ل النبات في ضوء الشمس ليتحـول إلـى خضـرة كما يتمث

- ٢٦٧ -

مضللة زاهية، فالشاعر ال يعـرض آراء ولكنـه يعـرض .)٦٢("رؤية

وهكذا نجد أن االنتظار والخالص في مسـرح صـالح عبد الصبور يتمثل في الكلمـة القويـة القـادرة أو السـيف

إن الفعـل : المبصر، أو كما قال صالح عبد الصبور نفسـه .)٦٣(ن والقول جناحان عليا

واالنتظار ثم الخالص عند أنس داود يتمثل فـي أدوات الخالص بالثورة، والخالص بالكلمة القويـة، أو : عدة، أهمها

القوة المبصرة، والخالص بالثورة هو أكثر / السيف الواعي أدواته انتظارا، فهي التغيير الطبيعي في مجتمع يهيمن علـى

محاكمـة "ية آفاق التخلق والقهر والتـردي، ففـي مسـرح يصرح أنس داود على لسان المتنبـي أن الثـورة ": المتنبي

قادمة، وعلى الوطن أن ينتظر، وفي اعتراف المتنبـي هـذا : يوجه السلطة بالكلمة القوية

: فليسمعني شعبي: المتنبي أعطيت له قلبي

فيضا من وهج الشعر، ومن نبض الحب ويسمع صوتي الفقراء، ويسمعني األطفال

- ٢٦٨ -

ال المسحوقين التعساء وأجي وليسمعني السادة والقادة واألوغاد

" المتنبي"إني صوت الثورة - قادمة -سمع ا

زحف الثورة - قادمة -أبصر في ظل الشعب الطيب، وارتقبي ئيختباف

. )٦٤( ارتقبي ارتقبيوالخالص بالثورة وانتظاره اإليجابي يلح علـى أنـس

لدرجة أنه كتب مسـرحية داود، ويؤكد في أكثر من موضع، على اعتبار أن الثورة هـي التغييـر " الثورة"كاملة عنوانها

الجذري الذي يطيح بكل ثوابت السلطة وسكونيتها، فنرى أن يؤكدون الخالص بـالثورة، ) الثورة(شخوصه في المسرحية

: فهي تحقيق لرغباتهم جميعا هل لك أمنية أخرى ): ج(

" تحيا مصر"أن أهتف : همام تحيا مصر : الشعب

يشير إلى المشانق إشارة التنفيذ وهـو يهتـف ): (ج( ) قليال.. قليال لوالجمهور يرد عليه والستارة تنز

- ٢٦٩ -

تحيا الثورة ) ج( تحيا الثورة : الشعب

تحيا الثورة ) ج( .)٦٥( تحيا الثورة: الشعبيؤكد وضاح الشاعر " األميرة التي عشقت الشاعر "وفي

لغد المشرق، الذي يتطلع إليـه، ويـرى أن لألميرة انتظاره ل ذلك ال يتحقق إال بالثورة القادرة على تغيير مالمـح العـالم

: كله، فهي الخالص اإليجابي د غأنتظر ال.. من أجلك يا موالتي : وضاح

حين أرى شعبي يزحف في كتل غاضبة نحو الغد هذا وعد : األميرة " القرد"نسان بل إني يا موالتي حين أردي هذا اإل: وضاح

أخسر حلمي .. أخسر معركتي .)٦٦( أن يتغير بالثورة هذا العالم

وفي حوار مارية راهبة الدير ووعد الشاعر يؤكد أنس ـ فقد الثقة فـي " وعد"داود أن العنف ليس وسيلة للخالص، ف

السيف بوصفه مخلصا، بل يرفضه رفضا تاما، وينحاز إلـى

- ٢٧٠ -

فهي الحـل األمثـل لهـذا الخالص بالكلمة القوية المشتعلة : الواقع

ال أكتمك اآلن : وعد وأنا أنفر من هذا العنف

أمج طريق السيف إن النار المشتعلة بين الغوغائية واإلنسان

الحرف لن يفصل فيها إال الحرف المشتعل بنور الشعر : مارية .)٦٧( المزدهر بأحالم الحب: وعد

مـن خـالل -يقدم أنس داود " الصياد"وفي مسرحية رؤيته للخالص اإليجابي، الـذي -حوار الصياد والسلطان

يتمثل في القوة الواعية أو الكلمة القوية، ولكن هذا الخـالص لم يزل حلما، يتحرك في مسافة الرغبـة والتطلـع، يطمـح

: الشعراء جميعا إلى تحقيقه هل تبغي أن تفهم : الصياد حلم العدل : السلطان

حقا أبغي أن أفهم ارا يا موالي أن تصبح زم: لصيادا

- ٢٧١ -

ارا ال مزمارا زم صـوت شـيخ .. السلطان يستمع إلى الصوت القديم (

) الصيادينأيضا يا موالي والسلطان العادل زمار

حين يوائم بين القدرة والحكمة بين القدرة والحق .)٦٨( بين الحرية والعدل

نتظـار أن نتبين أن اال - من خالل ما سبق -نستطيع وهو ما يتمثل في السيف الواعي -والخالص عند أنس داود

يعد امتـدادا لرؤيـة صـالح -أو الكلمة القوية، أو الثورة / عبد الصبور لالنتظار والخالص، حتـى أن دور الشـاعر

المبدع هو نفسه عند صالح، وهو الشـاعر الـذي / المفكر ذي يفقد الثقة في يؤمن إيمانا تاما بدوره وبأداته، أو الشاعر ال

. أداته ودوره ويقع فريسة الصراع، صراع االنتظار

- ٢٧٢ -

هوامش الفصل الخامسهوامش الفصل الخامسظـاهرة االنتظـار فـي : محمد عبد اهللا حسين . د )١(

المسرح النثري، القاهرة، الهيئة المصرية العامـة .٧، ص١٩٩٨للكتاب،

. السابق )٢(

. السابق )٣(

المسرح الشعري المعاصـر، : أحمد السعدني . د )٤( .٤٨ص

ظاهرة االنتظار فـي المسـرح : محمد عبد اهللا . د )٥( . ٧النثري، ص

. ٨٦الفتى مهران، ص )٦(

. ١٩١السابق، ص )٧(

. ٩٨ - ٩٧السابق، ص )٨(

. ١٧٩ - ١٧٨السابق، ص )٩(

.١٧٩السابق، ص )١٠(

.١٨٩السابق، ص )١١(

.٢١٠السابق، ص )١٢(

- ٢٧٣ -

مأسـاة الحسـين، المصـور : عالء الدين وحيـد )١٣(٤/٢/١٩٩٧ .

. ٢٣١الفتى مهران، ص )١٤(

مسرح صالح عبد الصبور من : مدحت الجيار . د )١٥( ٦٥، ٦٢القصيدة إلى المأساة، مجلة القاهرة، العدد

.١٦، ص١٩٨٧أغسطس

. ٣٠ - ٢٩مأساة الحالج، ص )١٦(

. ٣٤السابق، ص )١٧(

.٣٥السابق، ص )١٨(

.٧٥السابق، ص )١٩(

.١٠٦ - ١٠٥السابق، ص )٢٠(

.٦٣ - ٦٢ليلى والمجنون، ص )٢١(

.٧٣ - ٧٢السابق، ص )٢٢(

.١٢٤السابق، ص )٢٣(

.السابق )٢٤(

. السابق )٢٥(

.١٢٧، صالسابق )٢٦(

.١١األميرة تنتظر، ص )٢٧(

- ٢٧٤ -

. السابق )٢٨(

. ١٦السابق ص )٢٩(

.١٧السابق، ص )٣٠(

.٣٦السابق، ص )٣١(

. السابق )٣٢(

.٥٠السابق، ص )٣٣(

. السابق )٣٤(

. ٥١ - ٥٠السابق، ص )٣٥(

.٥٣ - ٥٢بعد أن يموت الملك، ص )٣٦(

.٥٦السابق، ص )٣٧(

. السابق )٣٨(

. السابق )٣٩(

.٥٨السابق، ص )٤٠(

.السابق )٤١(

.٦١السابق، ص )٤٢(

.٧٥السابق، ص )٤٣(

. السابق )٤٤(

.٧٦السابق، ص )٤٥(

- ٢٧٥ -

المسرح الشـعري المعاصـر، : أحمد السعدني . د )٤٦( .١٦ص

.٧٨بعد أن يموت الملك، ص )٤٧(

. السابق )٤٨(

. السابق )٤٩(

.٧٩ - ٧٨السابق، ص )٥٠(

.٧٩السابق، ص )٥١(

. السابق )٥٢(

. ٨٠السابق، ص )٥٣(

. ٨١ - ٨٠السابق، ص )٥٤(

. ٨١السابق، ص )٥٥(

. ٩٢السابق، ص )٥٦(

. ٩٣ - ٩٢السابق، ص )٥٧(

. ١١٠السابق، ص )٥٨(

.١١٤السابق، ص )٥٩(

.السابق )٦٠(

تجربتي في الشعر، بيروت، : ورصالح عبد الصب )٦١( .٦٢، ص١٩٧٧دار العودة

- ٢٧٦ -

. ٣٤١األعمال الكاملة، ص: صالح عبد الصبور )٦٢(

.١٥٥ - ١٥٤مسرح أنس داود، ص )٦٣(

. ٣١٩ - ٣١٨السابق، ص )٦٤(

. ٨٣٧السابق، ص )٦٥(

. ٨٣٧السابق، ص )٦٦(

. ٦٥٨السابق، ص )٦٧(

- ٢٧٧ -

الخاتمةالخاتمة" / الحضور، والحضـور المضـاد "من خالل دراستنا

يف في المسرح الشعري الحـديث، اسـتطعنا أن الكلمة والس : نصل إلى مجموعة من النتائج يمكن رصدها فيما يلي

أن االهتمام بالكلمة لما لها من مكانة ترجع إلى مرحلـة موغلة في القدم، حيث كانت الكلمة وسيلة الرسل واألنبيـاء في تبليغ رساالتهم إلى الناس، وقد حرص اإلسالم على هذه

قسم بها اهللا في كتابه، وبمكانتها ودورها الفاعـل، المكانة فأ كما وردت في الكتاب المقدس مقرونة بالنور، ولهذا نجد أن الكلمة في المالحم المصرية كما عند اليهود القـدماء تسـبق

. خلق الكون، والكلمة اليونانية تعني العقل أما في الفكر العربي فقد شغلت الكلمة مساحة كبيـرة،

مكانة وصلت إلى درجة السمو والقداسة، فمجـدوا وتمتعت ب الكلمة والقلم، فرفعوا من مكانتها؛ ففي صدر اإلسالم كانـت الكلمة سالحا قويا بجوار السـيف، وكانـت عنـد شـعراء العصور التالية أداء فصل في األمور، وبهـا تشـكل فكـر

. اإلنسان وواجه بها السلطة

- ٢٧٨ -

، وقد ارتـبط عنـد أما السيف فهو الوجه المقابل للكلمة العرف بالعفة واإلقدام والشجاعة والبطولة، ولهـذا تعـددت نعوته وأوصافه حتى بلغت ستة وعشرين اسما، وقد تردد في كثير من أشعار العرب بوصفه القوة المادية التي تعتمد عليها

. السلطات كما تبين لنا أن الشعراء على امتداد العصور يقـابلون

الكلمة بوصفهما قوتين متناقضتين كما فـي بينه وبين القلم و أشعار أبي تمام والمتنبي، وفي العصر الحـديث كمـا عنـد البارودي وشوقي، أما في الشعر الجديد فقد ازداد االهتمـام بقضية الكلمة والسيف، لدرجة أن هناك قصائد كاملة تـدور

. حول عالم األداتين كما عند صالح عبد الصبور للكلمة في المسـرح تبـين لنـا أن ومن خالل دراستنا

الشعراء يرفضون الكلمة السلبية ويؤمنون بالكلمة اإليجابيـة وبقدرتها على التغيير، ولهذا دارت دراستنا لها فـي إطـار هاتين الصورتين، حيث صور الكلمة السلبية وأبعادها فكانت

الكلمة المضـللة، والكلمـة : للكلمة السلبية صور عدة أهمها المتذللة، والكلمة الالجدوى، أما الكلمـة اإليجابيـة المداهنة

الكلمـة الموقـف، أو المواجهـة، أو : فكانت ذات أبعاد مثل

- ٢٧٩ -

المبدأ، وهناك الكلمة المقاتلة، والكلمة التي تحيـي المـوتى، . وتروي الظمأ، وتفعل فعل السحر، والكلمة الثورة

: أما السيف في المسرح الشعري فقد تبلور في صورتين سيف األهوج المتهور، الذي تقوده كف عميـاء، فيصـبح ال

موتا أعمى، وهو أداة السلطة القاهرة، تلجـأ إليـه لفـرض سطوتها على الواقـع، وهـذا السـيف يرفضـه الشـعراء المعاصرون رفضا تاما بوصفه وسيلة غيـر مالئمـة لحـل

والصورة الثانية صورة السـيف المبصـر . مشكالت الواقع الشعراء في مسرحهم إليه بوصفه حـال الواعي، وقد انحاز

وخالصا لهذا الواقع المتردي، لكن هذا السيف لم يخرج عن . إطار الحلم

لقد تبين من خالل دراسة الكلمة ثم السـيف أن هنـاك بعض الشخوص المسرحية تنحاز إلى الكلمـة وآخـر إلـى السيف وبعضها يؤمن بالكلمة، وبعضها ال يؤمن بها، وهناك

بالسيف مع إطالق العنان له، وهناك بعضـها شخوص تؤمن يؤمن بالسيف مشترطا له الوعي واإلبصـار، وقـد نجـح

في أن يديروا ما بين - إلى حد بعيد -الشعراء المعاصرون هذه الشخصيات المتناقضة حوارا دراميـا أثـرى المسـرح

- ٢٨٠ -

الشعري، وكشف عن أبعاد الصراع، وطرحـوا شخوصـا . لمة والسيف يؤرقها الصراع ما بين الك

ومن خالل الصراع ما بين الكلمة والسيف الذي نشأ في نتيجة إليمان كل فريق بما يناقض إيمان الفريـق -المسرح

كانت قضـية -اآلخر، وبحثا عن خروج من أسر الصراع الصراع ظاهرة واضحة؛ حيث علق الشعراء انتظارهم على

وأشـكاله، القادم وامتألت تعبيراتهم باالنتظار بكل صـوره فكان هناك االنتظار السلبي، ثم االنتظار اإليجابي، ثم انتقـل االنتظار إلى حيز الخالص الذي تجسد في الكلمـة القويـة الفاعلة، أو السيف المبصر الواعي، وقد اتفق الشعراء الثالث على هذه الوسيلة بوصفها حال دراميا وخالصا مـن أسـر

. الواقع وعمقه أن هناك تأثيرا واضحا في الرؤية والسياق كما تبين لنا

بين عبد الصبور باعتباره رائدا وطاقة مانحة قـادرة علـى التأثير في مسيرة المسرح الشعري، وبين أنس داود، فلحظنا أن هناك أنساقا وتراكيب هي بعينها أنساق وتراكيـب عبـد الصبور، في الوقت الذي تشابه فيه موقف الشـاعرين مـن

ة والسيف، على الرغم من اخـتالف معطيـات قضية الكلم

- ٢٨١ -

- خالل الدراسة -الواقع الذي عاشه كل منهما، وقد أشرنا . إلى مواضع التأثير

التي تناولت قضية مـن -نأمل أن تكون هذه الدراسة أهم قضايا المسرح الشعري الحديث، بوصفها قضية تـؤرق كل مبدع ومفكر في كل زمان ومكان، وعالقتـه بالسـلطة

لحاكمة من حيث حرية الرأي، واستخدام األداة المثلى فـي ا قد أسهمت بنصيب في مجال الدراسـات -معالجة األمور

. النقدية الحديثة في المسرح الشعري الحديث

- ٢٨٢ -

المصادر والمراجعالمصادر والمراجع

:: المصادر المصادر::أوالأوال ::عبد الرحمن الشرقاويعبد الرحمن الشرقاوي --١١

مؤسسـة روز اليوسـف، : الفتى مهران، القاهرة -أ . ١٩٨٦ب الذهبي، يناير الكتا

الهيئة المصـرية العامـة : تمثال الحرية، القاهرة -ب . ١٩٨٨للكتاب،

: الحسين ثائرا والحسين شهيدا، القـاهرة : ثائر اهللا -ج . ت.د. دار الكتاب العربي للطباعة والنشر

::صالح عبد الصبورصالح عبد الصبور --٢٢ .ت.منشورات اقرأ د: مأساة الحالج، بيروت -د . ١٩٨٦، ٤لشروق، طدار ا: مسافر ليل، بيروت -ه

، ٣دار الشـروق، ط : ليلى والمجنـون، بيـروت -و ١٩٨٦ .

، ٤دار الشـروق، ط : األميرة تنتظـر، بيـروت -ز ١٩٨٦ .

- ٢٨٣ -

، ٢دار الشـروق، ط : بعد أن يموت الملك، بيروت -ح ١٩٨٣ .

::أنس داودأنس داود --٣٣: مسرح أنـس داود، القـاهرة : األعمال الكاملة -

. ١٩٨٩هجر، للطباعة والنشر والتوزيع،

: : المراجعالمراجع: : ثانياثانيا

القرآن الكريم القرآن الكريم

لسان العرب، بيـروت، دار الفكـر، : ابن منظور -١ . ، المجلد الثاني عشر ٦، ط١٩٩٧

ديـوان أبـو تمـام، بشـرح الخطيـب : أبو تمام -٢دار : محمد عبده عزام، القاهرة : التبريزي، تحقيق

. ٣، ج٣ط. ت.المعارف، د

المسـرح الشـعري ): دكتـور (أحمد السـعدني -٣ . ١٩٨٦مطبعة الوفاء، : المعاصر، القاهرة

. ١،٣ت، ج.د: الشوقيات، بيروت: أحمد شوقي -٤

- ٢٨٤ -

كائنات مملكة الليـل، : أحمد عبد المعطي حجازي -٥ . ١٩٧٨دار اآلداب، : بيروت

دار العـودة، : األعمال الكاملة، بيروت : أمل دنقل -٦ . ٢، ط١٩٨٥

األسطورة في الشعر العربـي ): دكتور(أنس داود -٧ . ت. الشباب، دالحديث، القاهرة مكتبة

دار األندلس، : ديوان بشار بن برد، بيروت : بشار -٨ . ٢، ط١٩٨٩

المسـرح الشـعري عنـد ): دكتور(ثريا العسيلي -٩الهيئـة المصـرية : صالح عبد الصبور، القاهرة

. ١٩٩٥العامة للكتاب،

. ت.فقه اللغة، د: الثعالبي -١٠

ثقافتنا بين األصالة والمعاصـرة، : جالل العشري -١١هيئة المصرية العامة للتأليف والنشـر، ال: القاهرة١٩٧١ .

ــر دوران -١٢ ــا : جلي ــا -االنتروبولوجي رموزهمصباح الصـمد، . وأساطيرها، أنساقها، ترجمة د

- ٢٨٥ -

المؤسسة الجامعيـة للدراسـات والنشـر : بيروت . ١، ط١٩٩١والتوزيع،

: المسرح الشعري العربي، القـاهرة : رفعت سالم -١٣مكتبـة الثقافيـة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ال

١٩٨٦ .

داللـة المقاومـة فـي مسـرح : سامية حبيـب -١٤الهيئة المصـرية : عبد الرحمن الشرقاوي، القاهرة

. ١٩٩٧العامة للكتاب،

: األعمال الكاملـة، القـاهرة : صالح عبد الصبور -١٥ . ١٩٩٣الهيئة المصرية العامة للكتاب

المعجـم الفلسـفي، ): دكتـور (عبد المنعم حفني -١٦ . ١، ط١٩٩٠ الشرقية، دار: بيروت

الشـعر العربـي ): دكتـور (عز الدين إسماعيل -١٧المعاصر، قضاياه وظواهره الفنيـة والمعنويـة،

.٥، ط١٩٩٤المكتبة األكاديمية، : القاهرة

دار : شرح ديوان عنترة، بيروت : عنترة بن شداد -١٨ . ١٩٨٥الكتب العلمية،

- ٢٨٦ -

: فن اإللقاء العربي، بيروت ): دكتور(فاروق أسعد -١٩ . ١، ط١٩٨٧الكتاب اللبناني، دار

ديوان الفرزدق، شرح علـي خـريس، : الفرزدق -٢٠ . ١٩٩٦، ١األعلمي للمطبوعات، ط: بيروت

صـالح عبـد الصـبور والمسـرح : فؤاد دوارة -٢١الهيئة المصرية العامة للكتـاب، : الشعري، القاهرة . ١٩٨٢المكتبة الثقافية،

:رحلة في أعماق الكلمات، القاهرة : فوزي العنتيل -٢٢ . ١٩٨٠دار المعارف،

دار الكتـب : الرسالة القشيرية، القاهرة : القشيري -٢٣ . ١ط. ت.الحديثة، د

ميتافيزيقـا اللغـة، ): دكتـور (لطفي عبد البـديع -٢٤ . ١٩٩٧الهيئة المصرية العامة للكتاب : القاهرة

المواقف والمخاطبـات، : محمد عبد الجبار النفري -٢٥ . ١٩٨٥ الهيئة المصرية العامة للكتاب،: القاهرة

ظاهرة االنتظار في ): دكتور(محمد عبد اهللا حسين -٢٦المسرح الشعري الحديث، القاهرة الهيئة المصرية

.١٩٩٨العامة للكتاب

- ٢٨٧ -

أنت واحدها وهي أعضـاؤك : محمد عفيفي مطر -٢٧دار الشئون الثقافية العامـة وزارة : انتثرت، بغداد

. ١، ط١٩٨٦الثقافة واإلعالم،

خصـائص ): دكتـور (محمد الهادي الطرابلسـي -٢٨األسلوب في الشوقيات، تونس منشورات الجامعـة

. ١٩٨١التونسية،

: ديوان البارودي، القاهرة : محمود سامي البارودي -٢٩ . ١، ج١٩٧١دار المعارف،

األعمال الكاملة، القاهرة مكتبـة : ملك عبد العزيز -٣٠ . ١٩٩٠مدبولي،

: جدلية اللغة والحدث، القاهرة ): دكتور(وليد منير -٣١ .١٩٩٧لهيئة المصرية العامة للكتاب، ا

:: الدوريات الدوريات::ثالثاثالثا . ١٩٧٨ نوفمبر ١٧صباح الخير -١ . ١٩٩٤ الكويت، أغسطس -العربي -٢

أكتـوبر - العدد األول - المجلد الثاني -فصول -٣١٩٨١ .

- ٢٨٨ -

. ١٩٨٢ يناير ٢٥: القاهرة -٤

. ١٩٨٨ يناير ١٥، ٧٩العدد : القاهرة -٥

. ١٩٨٦أغسطس : القاهرة -٦