69
ل رمضان وصيامه ظ مدحت القصراوي

Fezilal ramadan

  • Upload
    -

  • View
    176

  • Download
    3

Embed Size (px)

Citation preview

يف ظالل رمضان وصيامه

القصراوي مدحت

املقدمة

2

المقدمة

احلمد هلل والصالة والسالم عىل رسول اهلل، وعىل آله وصحبه ومن وااله، وبعد..

حا فمالقيه ىل ربنا تعاىل حتى نلقاه إفام زلنا سائرين نسان إنك كادح إىل ربك كدإ ا الإ ، وما زلنا سائرين ياأيه

ببالغ حقيقته وإقامة حكمه ونظامه ومنهجه.. ،لقامة هذا الدين وبالغه

ىل ربنا تعاىل يرسل اهلل تعاىل مواسم اخلري؛ ويف تعاقب الليل والنهار آيات وعرب وفرص، فإهنا مراحل إويف الطريق

، وقد جعل اهلل يف الليل «فإذا مىض بعضك مىض كلكابن آدم إنام أنت أيام، »ىل اهلل تعاىل، قال احلسن البرصي إنقطعها

ىل نعم ربه شكر، وأنت بني نعمة من إىل معاصيه تذكر، ومن نظر إة ملن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، فإذا نظر يوالنهار آ

ربك ومعصية من نفسك..

، ومنها برشائعهقا فأعاننا عليها وقد أوىص اهلل تعاىل بالتقوى فهي غاية نبتغيها، وقد جعل اهلل تعاىل حلصوهلا طر

.. فلله احلمد «الصوم يل وأنا أجزي به»عىل رجاء العباد التقوى بامتثاله، وخبأ تعاىل أجره الصيام، الذي نص تعاىل

عىل ما تفضل به من الرشائع وله احلمد عىل ما وعد من األجر.

فأردنا بيان موقع كل منهام وكيف يتلقامها ويف الصيام مشقات يقف عندها البعض ومصالح جاءت هبا الرشيعة،

املؤمن.

ستغفار ورجاء التقوى، وارتباط صوم والصالة والذكر والقرآن، واالويف الصيام تقلب بني ألوان من العبادة بني ال

ا هذا بمنهج األمة وهويتها وحركتها هبذا الدين علامء وجمتمعات.. إن هذا الدين حزمة واحدة ال يقبل التفريق، هكذ

تذوق املؤمن هلا.. وكيفية النظر يف موقع هذه التعبدات أنزله اهلل وهكذا أوجب أن نقوم به؛ فأردنا

ىل بقية الشعائر والرشائع والتعبدات اخلاصة واحلراك العام إعندما نمتثل أمر اهلل يف شعرية فال بد من النظر الكيل

تعاىل، وال نقدم صورة من التناقض ندد هبا أنفسنا أننا هبذا الدين؛ فال ننفصل يف صيامنا عن بقية ما أوجب اهلل

ونشمت عدونا بالتالعب هبذا الدين، وندد أجياال تنشأ عىل ما تظن أهنا قد ،نمتثل، ونغضب ربنا يف ترك ما أمر

ب إقامة . ومل تعلم أن واجورسالةومرشبا حضاريا ،استوفت ما أمر اهلل، وإنام مل تذق السالم شامال، منهجا وغاية

سالمهم..إ ومتكني وحتكيم هذا الدين وقيادته لألمة هو يف رقبتهم مجيعا بمقتىض

املقدمة

3

عن اهلل من هنا كانت تلك الرسائل، خطابا ألرواحنا وقلوبنا لتشفى من سقمها وعللها، وخطابا لعقولنا لنعي

تعاىل أمره..

وأحيي به األمة.. واكتب له القبول الصدور به القلوب وارشح له أحيودعناك ما أمرتنا ببالغه، فاللهم اللهم أ

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

وصىل اهلل وسلم وبارك عىل أكرم اخللق حممد وعىل آله وصحبه وسلم

اخلالق الرحيم هو املرشع الرحيم ـ1

4

الرحمة في تناول الطيبات حيث أمرت، وتركها حيث أمرت

وخلق حاجته للطعام والرشاب، وخلق له األطعمة واألرشبة، أمره أن يأكل مما الذي خلق النسان اهلل تعاىل إن

ىل اهلل تعاىل برتك الطيباتإم عليه أن حيرم عىل نفسه من تلقاء نفسه، وحرم عليه أن يتقرب خلق له من الطيبات، وحر

بعض أصحاب رسول اهلل صىل اهلل عليه وعدها رهبانية غري مقبولة.. وملا هم التي مل حيرمها اهلل تعاىل ومل يأمر برتكها،

ذين ف للتقوى وسلم برتك اللحم والطيبات وترك النساء والتبتل، هناهم عن هذا، وأخربهم أن هذا خمال ا ال ياأيه

به املإ تدواإ إن اهلل ال حي مواإ طيبات ما أحل اهلل لكمإ وال تعإ ر قواإ اهلل آمنواإ ال حت تدين، وكلواإ مما رزقكم اهلل حالال طيبا وات عإ

منون ذي أنتم به مؤإ .. ال

ه ال واهلل تعاىل رحيم وكريم فواإ إن بواإ وال تسإ جد وكلواإ وارشإ فني، يا بني آدم خذواإ زينتكمإ عند كل مسإ به املإسإحي

ق؟ زإ يبات من الر ط رج لعباده والإ تي أخإ م زينة اهلل ال فإين أصوم وأفطر آلية، وقال صىل اهلل عليه وسلم: ا ..قلإ منإ حر

.وأقوم وأنام وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني

ك ما أحل اهلل تعاىل ليس ق فقبول التحليل والتحريم عبادة متصلة بالتوحيد وأصل الدين، وترك ما بة بإطالق،رفرتإ

أحل اهلل تعاىل إن كان عىل وجه الترشيع بتحريم ما أحل فهو رشك، وإن ترك عىل وجه القربة هلل تعاىل بال دليل يدل

عىل استحباب الرتك فهو بدعة مردودة يف وجه صاحبها.

ض حالال طيبا جريمة اهلل تعاىلتحريم ما أحل ف ا الناس كلواإ مما يف األرإ يإطان إنه ، يا أيه وال تتبعواإ خطوات الش

بني ليه، إوبإمجا املفسين، فدطوات الشيطان هنا هي أمره بتحريم ما أحل اهلل تعاىل عىل وجه القربة لكمإ عدو مه

شا : من األنعام عاىل بعد ذكره ملا خلق من الزرو أخرب تعاىل أنه أنشأوكذا قوله ت ، يعني العالية الظهر حولة وفرإ

كلواإ مما ثم قال تعاىل آمرا وناهيا: حلمل الناس واملتا كالبل، والقريبة من األرض كأهنا فرش، كالضأن واملعز،

بني رزقكم اهلل، وال تتبع ه لكمإ عدو مه يإطان إن . واإ خطوات الش

متنا ، هوسبحانه من أمرنا برتك الطعام والرشاب والشهوة هنار أمرنا أن نأكل منه وحرم علينا االإن الذي خلق هذا و

،ى عنه وقت ما هنى عنهفكذلك االمتنا عام هن ..عبادةما أحل اهلل تعاىل وقبول إباحته، حتريم فكام أن عدم رمضان،

تتناول حيث أمرك، هكذا عبد اهلل.عبادة، فيعبد اهلل تعاىل هبذا وهذا، متتنع حيث أمرك و

وكام أن النعام بالنعم، من املنن العظام، فاعلم أن الرحيم الذي خلق لك ما تقتات وهناك أن تشق عىل نفسك أو

تلواإ ام والرشاب حتى هتلكـتنعت عن الطعو امـل ار،ـنون سببا لدخول الـ، بل قد يكمـمتتنع، حتى أنك تأث وال تقإ

اخلالق الرحيم هو املرشع الرحيم ـ1

5

ليه نارا، وكان ذلك عىل اهلل يسريا، أنفسكمإ إن اهلل كان بكمإ رحيام ف نصإ ام فسوإ وانا وظلإ علإ ذلك عدإ .. هذا ومن يفإ

ة، متتنع أياما معدودات يف رمضان، فاعلم أنه كام أن خلإق الطيبات وإباحتها من هو الذي أمرك أن الرحيم سبحانه

ة أيضا..ن فاعلم أن تركها والنهي عنها يف وقت حمدد، ألمره تعاىل، م

بأمره تعاىل فاعلم أن المتنا ور به من املرش الرحيم،ـمن اخلالق الرحيم، والتناول مأم بأمر وكام أن اخللق جاء

متناعك رحة.. ثق يف هذا وتعامل مع اهلل علم أن االرحيم سبحانه وتعاىل، فكام أن تناولك رحة فا املرش ن أيضا م

تعاىل عىل هذا..

ـ افتقار اخللق لترشيع رهبم وطاعته2

6

الخلق لتشريع ربهم تعالى وطاعتهافتقار

لى إطعامه إياهم وربوبيتهإكما هم مفتقرون

ن فقر أو يتعزز من ذلة، حاشا هلل..من قلة أو يغتني مبك ر اعلم أن اهلل تعاىل ال يرش لك ليتكث

وال يقصد تعاىل إعناهتم، بل إن اهلل ما يرش لك إال ملصلحتك، فإنه تعاىل لعباده ليشق عليهمواهلل تعاىل ال يرش

يرش لك ليجمع لك اخلري يف الدارين وحيصل لك مصاحلك..

ه ويشفي ،يطعمه ويسقيه ،يغذوه ؛ىل ربه تعاىلإليه من جهة الربوبية، فيحتاج إىل اهلل تعاىل، فقري إوالعبد فقري

ويعافيه..

وطلبه ،ليهإوالسعي واحلفد ،وطاعته ،ىل عبادتهإمفتقر فهو، اىل اهلل تعاىل من جهة ألوهيته، ا وأشد وثمة فقر آخر، كهذ

حبة وهذا العمل.ال هبذا القصد وهذه املإفال رسور للقلب وال نعيم وال صالح وال اطمئنان وقصده وإيثاره وحمبته..

يريد يرش له ويبني له ىل اهلل تعاىل، لإن، حمتاج وحتصيل العبد ملصاحله ال يستقل هبا أبدا، فالعبد من حيث هو إنسا

ذين من قبإلكمإ ويتوب عليإكمإ لكمإ ويإديكمإ سنن ال هان مبينا ، وهلذا سمى تعاىل ما أنزل نورا اهلل ليبني قدإ جاءكم برإ

بينا نا إليإكمإ نورا مه كمإ وأنزلإ ب ن ر ثله يف وقال م ش به يف الناس كمن م نا له نورا يمإ ييإناه وجعلإ أو من كان ميإتا فأحإ

نإها لامت ليإس بدارج م عاملني الرسالة رحة ، وسمى مجلة ؟ الظه لإ ة ل ناك إال رحإ سلإ . وما أرإ

رتباطات والعالقات الفردية يف العبادات واملعامالت وسائر اال، وسائر ترشيعاته، امـومن هنا رش تعاىل الصي

وما تقرتحه هو ل مصاحلك، فاهلل أعلم بك منك، وأعلم بام يصلحك،ال لعنات وال ملشقة، بل لتحص واجلامعية،

ر نام ما رشعه لك هو حتقيق لرحته الذي يشق عليك بي مإ ن األإ يعكمإ يف كثري ملموا أن فيكمإ رسول اهلل، لوإ يط واعإ

يعني لو يطيعكم يف اقرتاحاتكم لكانت مشقة عليكم. لعنتهمإ

بة إىل مر أن رأإ بني تعاىل م ثيقول ابن كثري ) همإ فقال: يمإ سديف بالنسإر لوإ يطيعكمإ يف ك اعاة مصاحل ثري من األمإ

تارونه ألدى ذلك إىل عنتكمإ وحرجكم لعنتهمإ : لوإ أطاعكمإ يف مجيع ما تإ .(ا.هـأيإ

ة، ورأيكم ألنفسكم أحق يف مقابل ما رش تعاىل..فرش اهلل تعاىل لكم هو الرح

.. فبهذا املأخذ يتناول العبد تكليف الصيام ويتقبله ويتلقاه من ، بل وسائر الرشائعفمن هذا املأخذ رش لك الصيام

واحلمد هلل. ..، وهبذا املأخذ يتلقى من ربه تعاىل سائر التكاليفربه تعاىل

ـ املصالح هي املقصودة واملشقات تابعة3

7

تابعة وجارية على قوانين دارنا المصالح هي المقصودة والمشقات

هه، ووسع نا رزق وسعنا تكاليف

ة حة اهلل تعاىل مضمنة فيام رش ، رش اهلل تعاىل لك لتحقيق مصلحتك، ورشعه رحة لك، فر ناك إال رحإ سلإ وما أرإ

عاملني لإ ورش سبحانه عىل لسان رسوله الكريم صىل نة يف الرسالة، والرسالة هي مجلة ما أخربلم أن الرحة مضم ، فع ل

اهلل عليه وسلم.

لة يف أحكامه تعاىل ورشائعه، فام فال تقرتح وجه الرحة عىل اهلل تعاىل وتناقض به ما رش لك، ولكن الرحة مفص

بدا لك غري ذلك فاهتم نفسك بيقني.

مقصود يف الرشائع، وإنام هو تبع لتحقيق ل من املشقات فهو ليس بـاملصلحة هي املقصودة يف الترشيع، وما حص

)يراجع املوافقات للشاطبي(. املصالح، وما حصل منها معمول حسابه يف ميزانك فتجازى عليه..

ورغم أنه ليس مقصودا لكنه معمول حسابه يف الثواب واألجر.

.دـجلهنو من اب يف حتقيق مصاحلنا أن تتحققالدار يف هذهلقد جرت أحوالنا

واملساكن والولد والعلم وغريه، وعىل عادة دارنا وعىل قوانني هذا العامل جاءت ام والرشابعحتصيل الطهكذا

نوعا من املشقة املعتادة يف دارنا، ومن طلب مصلحة بال نو ،لتحقيق مصاحلها املقصودة ،الرشائع، قد يستلزم حتقيقها

ذا نزلت ـــ عىل نو من املشقات املحتملة، وهكالعامل من املشقة فليطلب عاملا غري هذا العامل.. لكن جرى هذا

قيل لشيخ السالم: ماذا لو جرت املصالح واملنافع بال عوارض أو مشقات؟ فقال: الرشائع، فجاءت عىل اعتيادنا..

.]يراجع املوافقات للشاطبي، خمترص الصواعق املرسلة البن القيم[ يكون عامل غري هذا العامل.

نع به لكن ما جيب القط ، ومعنى أهنا يف وسعنا، أننا نطيقها وأكثر منها، ولذا ألهنا يف وسعنا ا تكاليفه تعاىلأننا وسعإ

عهايينة لآلية، قال سفيان بن عيينة أثنى شيخ السالم عىل تفسري سفيان بن ع سا إال وسإ قال: ال يكلف اهلل نفإ

جاءت باليس، يعني بأقل مما نطيق.يسها، فلم تأت الرشائع بغاية الوسع بل

هلمإ وال ضيق وال حرج؛ بدالف » ..يقول رحه اهلل عسإ دور هلمإ منإ غريإ فهمإ به مقإ ية أن ما كل تضتإ اآلإ در فاقإ ما يقإ

دورا له ولكنإ ه قدإ يكون مقإ ص فإن دإ ذي هو منإه يف سعة فهو دون مدى عليإه الش عه ال ا وسإ فيه ضيق وحرج عليإه وأم

رج يق واحلإ سه فيه جمال ومتسع وذلك مناف للض هود؛ بلإ لنفإ اقة واملإجإ ين منإ حرج الط بلإ وما جعل عليإكمإ يف الد

ـ املصالح هي املقصودة واملشقات تابعة3

8

وال يريد بكم الإعسإ له يريد اهلل بكم الإيسإ ن عييإنة يف قوإ يان بإ عها: قال سفإ ها إال وسإ فإ إ يكل ها ومل ها ال عسإ إال يسإ

هود فها طاقتها لبلغ املإجإ الم ،فهذاطاقتها ولوإ كل سإ ة الإ مم أئ ](138/ 14جممو الفتاوى )[ .«فهإ

نا التكاليف و فالرزق ، لنستعني به عىل التكاليف والقيام هبا قد وسعنا الرزقيف نفس الوقت وعىل هذا فقد وسعإ

يسعنا ونحن نسع الرشائع فلله احلمد.

زاقهمإ « ..اهلليقول رحه وهذا ما قرره شيخ السالم ابن تيمية رحه اهلل حيث اهلل تعاىل أمرهمإ بعبادته وضمن أرإ

يفهمإ يسعونه وأرإ ل ق ما يسعهمإ فتكإ زإ طاهمإ منإ الر امل ما يسعونه وأعإ عإ فهمإ منإ األإ ع يف فكل وسإ زاقهمإ تسعهمإ فهمإ يف الإ

قه عبإد وهذا هو رزإ عبإد وما يسعه الإ ما يسع الإ ق بنيإ قه ففرإ ره ووسعهمإ رزإ ره: وسعوا أمإ ه وإحإ وأمإ ته وبر ئق برحإ سانه الال

مته وغناه .](137/ 14جممو الفتاوى )[ »وحكإ

ا فعلوه كمه وقال تعاىل فيمن رغب عن رشعه وح رجواإ من دياركم م تلواإ أنفسكمإ أو اخإ ولوإ أنا كتبإنا عليإهمإ أن اقإ

نإهمإ يل م، يعني أنا مل نكتب عليهم هذا بل كتبنا عليهم ما يف يسهم ووسعهم، فكيف يرغبون عام رش وحكم إال قل

من ربنا سبحانه فلله احلمد.وسائر الرشائع كذا نتلقى الصيام سبحانه وقد رش هلم اليس؟! ه

نا فيها لغوب منغص وعاملا آخر بقوانني أخرى.. فإذا لقي العبد ربه كان نعيام بال نا فيها نصب وال يمسه ال يمسه

هكذا اقتضت حكمة اهلل تعاىل.

ني دارنا وعاملنا، وأهنا ىل قوانحة مقصودة وأن املشقة تابعة، وأهنا جرت عنتلقى اليوم رشائعه تعاىل، عاملني أن املصل

ىل حيث ال نغص وال تعب وال كدر.. فاللهم بلغنا رضاك واجلنة إيف وسعنا ويسنا، وأن هذا لفرتة قليلة، ثم ننقلب

وقنا سدطك والنار.

ـ األعامل ونتائجها مكتوبة للعبد4

9

للعبدكتوبة تها العارضة ونتائجها المتولدة، مااألعمال ومنافعها ومشق

لعبد..ملنفعة اللمصالح املقصودة ةتابع اما حصل من املشقات يف الترشيع الرباين ليس بمقصود بالقصد األول، ولكنه

لكن كل مشقة حدثت مكتوب أجرها، حتى ما طرأ، وكل مصلحة حتققت من أي عبادة هلا أجرها ولو حتققت

ليه، وما اكتنفه من مشقة مكتوب عند اهلل تعاىل..عرضا من العبد، فالعمل، وأثره، وما تولد منه، وما طرأ ع

ما طرأ عليه من مشقة د كل ما يقوم به، وأنه يكتب له يف هذا باجلهاد، فإن اهلل تعاىل ذكر أنه يكتب للعبواعترب

قبل د من عمله من مصالح وإن مل يعلم هبا أو حصلت بال قصد، غري أنه امتثل ما أمر هبا منعارضة، ويكتب له ما تول

ربه تعاىل.. ذكر تعاىل يف سورة التوبة هذا ، وكان املتوقع يف اآلية أن يذكر تعاىل جزاء األعامل، ثم يذكر تعاىل ما طرأ

.. لكن نظم اآليات غاير هذا فذكر تعاىل ويذكر ما نتج من مصلحة تولدت من العمل عليها من مشقة أو عرض للعبد،

رغم أهنا ليست أعامال، بل »أعامال صاحلة«وأنه تعاىل يكتب به للعبد أوال، اتما تولد من األفعال وما عرض من املشق

، فلام جاء ذكر العمل بعدها ذكر تعاىل أنه يكتبه »أعامال«هي مشقات عارضة ونتائج متولدة، ومع ذلك تكتب للعبد

بجزاء األعامل نفسها؟.. وانظر للعبد، فعلم أنه تعاىل إن جازى عىل اآلثار واملشقات العارضة جزاء األعامل، فكيف

ىل نظم اآليات..إ

غبوا راب أنإ يتدلفوا عنإ رسول اهلل وال يرإ عإ هلمإ من األإ ل املإدينة ومنإ حوإ مإ ما كان ألهإ سه ذلك بأهن فسهمإ عنإ نفإ بأنإ

ار وال ينالون منإ عدو نيإال إال ال يصيبهمإ ظمأ وال نصب كف ئا يغيظ الإط كتب وال خمإمصة يف سبيل اهلل وال يطئون موإ

سنني، وال ينإفقون نفقة صغرية وال ك ر املإحإ طعون واديا إال كتب هلمإ هلمإ به عمل صالح إن اهلل ال يضيع أجإ برية وال يقإ

سن ما كانو زيم اهلل أحإ ملون ليجإ ..ا يعإ

اخليل »ىل أجور مل ترد ببال صاحبها، قال صىل اهلل عليه وسلم: إىل من ربط خيل واحتبسها يف سبيل اهلل، انظر إوانظر

ىل رجل وزر، فأما الذي له أجر فرجل ربطها يف سبيل اهلل، فأطال هلا يف مرج أو لثالثة : لرجل أجر، ولرجل سرت، وع

روضة، فام أصابت من طيلها ذلك من املرج والروضة كان له حسنات، ولو أهنا قطعت طيلها فاستنت رشفا أو رشفني،

احلديث. ..« كان ذلك حسنات له كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أهنا مرت بنهر فرشبت منه، ومل يرد أن يسقي به،

، واجلهاد ومشقاته ومنافعه، والصلة ومشقاهتا ومنافعها، والعفة والعدل وعىل هذا املجرى الصيام ومشقاته

وعىل هذا سائر التكاليف.. ،والصدق كذلك

وكل ما فثق يف رحة وحكمة وعظم جزاء من رش لك الصيام، وهبذا املأخذ وهبذه اليد تناول تكليفه تعاىل،

... فلله احلمديكتنف هذا التكليف وما ينتج عنه وما يعرتضه

ـ العبادة والتوكل قرينان، فاعمل بحول اهلل ال بحولك5

10

العبادة والتوكل قرينان

قوتك، تكن محموال ومعانابقوته ال حولك، وبفاعمل بحوله ال

قد جتد يف الصيام أو الصالة أو اجلهاد أو العلم أو البالغ، أو احلياة عموما مشقات، وال بد..

واجهة الظلم والطغيان واالستبداد والفساد، نوعا من املشقة، وال بد من ذلك، فعىل هذا قد جتد يف دحر الباطل وم

جرى هذا العامل.. وهبذا جرت سنة اهلل تعاىل وحكمته.

ك ال بمعونته تعاىل وحوله، وهلذا قرن تعاىل عبوديته بالتوكل عليه، فإن توكلت عليه أعانإال قوة لك عىل هذا

ة، جهاد أو علم، مواجهة الظلم أو الباطل أو الطغيان.صال فقمت بام أمر من صيام أو

ال بتوكل.إال تتم توبة وال استقامة وال هدى وال علم

يف حركة احلياة ومواجهة الباطل تصري بالتوكل ستارا للقدرة، فيصبح األثر ال لعملك أنت بل يصبح عملك سببا،

ويصبح األثر لقدرة اهلل تعاىل الطليقة.

ذا بإلقائه صىل اهلل عليه وسلم كفا من حىص يوم بدر، فقد ألقى صىل اهلل عليه وسلم كفا من حصباء، واعترب يف ه

كان متثال بعبودية التوكل، فبتوكله ه قرن عبودية االفكان جهده وتعبده صىل اهلل عليه وسلم أن يرمي به، لكن

ه ومندريه.ال وأصابت عينيإوصول احلصباء بقدرة اهلل تعاىل؛ فام تركت مرشكا

وقف املسلمون يوم بدر يتعبدون بالثبات والتضحية، وبالتوكل قتلوا صناديد الرشك، حتى قال سلمة بن سالمة

قد هناه صىل ال باهلل تعاىل، وإقدروا عىل هذا ، ومل ي»وجدنا عجائز صلعا بدنا فنحرناها«بن وقش ريض اهلل عنه بعدها

فإنك «: ولئك املأل، وروي أنه ما زال متغريا عليه حتى سأله سلمة فقال لهاهلل عليه وسلم وقال له: يا ابن أخي أ

.»مدت إىل نعم من نعم اهلل تزهدهاع

أقل بكثري من عدوها، وغالب النسبة كانت كل رجل يقابل ستة أو سبعة من ا غالبثم فتحوا الدنيا، بجيوش كانت

السالم واهتدى اخللق هبم وأقاموا حضارة ألكثر من ألف الكفار، فانترصوا، وفتحوا القلوب قبل البالد، وتوطن

حضارة يف التاريخ. ، وأرحم وأهدىسنة، أعظم وأقوى

تعس وانتكس، وإذا »ىل نفسك وخذلك، فكنت كام قال النبي صىل اهلل عليه وسلم إوإن مل تتوكل عليه وكلك

، وينتكس فينقلب عىل وجهه، وهذا غاية يتعس ويقع فال حيصل مطلوباإن أراد حتصيل مصلحة ف «شيك فال انتقش

ـ العبادة والتوكل قرينان، فاعمل بحول اهلل ال بحولك5

11

فهو عاجز «وإذا شيك فال انتقش»السوء وخيبة السعي، وإذا أصابه مكروه ولو شوكة عجز عن استدراجها باملنقاش

عن حتصيل مطلوب له، وهو عاجز عن اهلروب من مكروه ضار له..

تعاىل ال قوة نفسه، وهذا رسيع اخلطو فمن توكل أفلح حيث عمل بحول ربه تعاىل ال حول نفسه، وعمل بقوة ربه

بقوة ربه وقدرته وحوله تعاىل. لمف ال وهو عاىل اهلل تعاىل، يقوى عىل ما ال يقوى عليه غريه، كيإ

تعني وهلذا قال تعاىل اك نسإ بد وإي اك نعإ لإ عليإه ، وقال إي ه وتوك بدإ لإت ، وقال فاعإ ، وإليإه متاب عليإه توك

لإت وإليإه متاب وقال: لإت وإليإه أنيب ، وقال عليإه توك .عليإه توك

ىل رب العاملني.إل حممول ومعان، ويكفي هذا لعبد يريد ذلك السفر العظيم املتوك

ىل آخر حلظة.. إء اهلل تعاىل، وحتى استيفاء التعبد ىل لقاإو ىل إقامة الدين،إاليوم وغدا التوكل وبعد غد التوكل..

. فنسأل اهلل تعاىل والية أمرنا يف الدارين وحلنا بحوله وقوته .«ال باهلل كنز من كنوز اجلنةإال حول وال قوة »وهلذا كانت

ىل دار السالم..إ

الرمحة فيام أمر ال فيام تظنـ 6

12

الرحمة فيما أمر ال فيما تظن

كمة ومصلحة وخري، فال تفرتض أنت طريقة هذه الرحة وتفصيالهتا إذا علمت أن رشيعة اهلل تعاىل كلها رحة وح

ىل إوتعارض هبا رشيعة اهلل تعاىل، بل العلم بأوجه وتفصيل تلك الرحة يعلمها اهلل تعاىل ال أنت، وإال ملا احتاج الناس

اصة اجلاهلية العاملية ـ خ الرشائع إذا استغنوا بعقوهلم، لكن تقرر بالعربة من استقراء حياة الناس يف كل جاهلية

لمون كام تقرر من كتاب اهلل تعاىل أن املعارصة ـ لم وأنتمإ ال تعإ .واهلل يعإ

أن الرحة يف الصيام وإن ظمأ صاحبه وجا وتعب، ويقرر تعاىل أن الرحة يف اجلهاد وإن أصيب إن اهلل تعاىل يقرر

ما رش .. الرحة ثم.. الرحة هناك. صاحبه أو استشهد أو حتمل مشقات.. وهكذا كل

كمإ بل نزل قوله تعاىل ل رهواإ شيإئا وهو خريإ كمإ ، وعسى أن تكإ بهواإ شيإئا وهو رش للم وأنتمإ ال ، وعسى أن حت واهلل يعإ

لمون وتبعاته، وأعلم املسلمون حينئذ أن الرحة يف اجلهاد نزلت يف شأن اجلهاد ومشقاته، ملا كره البعض القتال تعإ

وإال استعىل الباطل وفسدت الدنيا وأسنت احلياة واستبيح املسلمون دينا ،مهام كانت مشقاته، إذ هو رحة للحياة

وأعراضا ودماء ومقدرات.. وقد كان.

أراد اهلدى عن احلق.، وصد من ين الباطل وفتن املسلم عن دينهوه احلق وز ولوال اجلهاد لش

لبوا واستقروا واطمأنت هبم احلياة..بل ولوال اجلهاد لظن أهل الباطل أهنم عىل حق، وأهنم لوال أهنم كذلك ملا غ

وامره من املصالح والرحة واحلكمة.أبل هي بعض مما ضمن تعاىل أحكامه وأو ليست هذه كلها رحات؟

عفو والصفح، والكف عن الشهوات املحرمة.. هكذا كل ما رش تعاىل.وهكذا مشقات احلج، والنفقة، والصلة، وال

فاقرتاح وجه الرحة عىل اهلل تعاىل سوء أدب من جاهل ال يعلم، وتقديم بني يدي اهلل ورسوله، وهذا منهي عنه..

كذا تتلقى أمر اهلل بالصيام فمن أراد معرفة الرحة فليتتبع أحكام اهلل تعاىل وأوامره، فهناك الرحة يقينا ال فيام تظنه.. ه

.، وهكذا سائر التكاليفوهكذا تتناوله بيد العبودية

وما يستتبعه من أمل البذل أو أمل الفقد أو اجلرح أو هاداجلجميء رمضان صيفا أو شتاء.. إن إن حرا أو طول هنار،

تعاىل ، واهلل يعلمه، وليس يشء من كل هذا معمول حسابه عند اهلل وكذلك النفاق، وغريه مما أمر تعاىل، الشهادة..

طمئنان والثقة يف حكمه تعاىل..عاملني، فكن واثقا متلقيا بيد االذلك يغيب عن رب ال

ذلك، فإهنام من رت فإنك كام ترى الرحة واحلكمة يف خلقه، فهكذا الرحة واحلكمة يف رشعه تعاىل، فكام ترى هذا فلإ

له احلمد عىل ما خلق وعىل ما أمر.نفس املشكاة، هذا خلقه وذاك أمره.. فل

ـ من خلق ورزق له األمر والرشع7

13

ومن له األمر والشرع ،له األمر والشرع ،من خلق ورزق

هو الذي يملك القدر.. فكيف يطاع غيره؟

إن الذي خلق النسان وحاجته للطعام والرشاب، وخلق له الطعام والرشاب، وخلق الوجود كله، وخلق قوانني

ثم هداه لطريقة ،م واألفالك، وبث من كل دابة، وأعطى لكل خملوق خلإقهاحلياة، وسري الشمس والقمر وأجرى النجو

حياته وسننها..

لنهي للعبد، فله وحده حق الترشيع، وليس ملن مل خيلق إن الذي خلق هذا اخللق وأبدعه هو الذي له حق األمر وا

ومل يرزق أن يعتدي عىل حق اهلل تعاىل فيرش بغري إذنه، معه أو من دونه.

يليق بطاعته أو معصيته.ب له من األقدار، وخيلق له ما يرش للعبد هو الذي يملك له قدره، فريت والذي

ه منإ حيإث ال حيإتسب رشعه بطاعة أمره واجتناب هنيه.. هذا ومن يتق اهلل : قال تعاىل زقإ ه خمإرجا ويرإ جيإعل ل

هذا قدره وخلقه يف الدنيا.

ومن يتق اهلل هذا رشعها ره يسإ ه منإ أمإ .املطلق يف الدارين رهقه وقد هذا خلإ جيإعل ل

ومن يتق اهلل هذا رشعهرا ظمإ له أجإ رإ عنإه سيئاته ويعإ هذا خلقه وقدره يف اآلخرة. يكف

لك غري اخلالق املرش ترتيب القدر واخللق املرتتب عىل طاعة العبد وامتثاله ألمر ليس لغري اخلالق أن يرش ، وال يم

اهلل تعاىل أو معصيته له.

قواإ وقال تعاىل قرى آمنواإ وات ل الإ ض فهذا رشعه وأمره ولوإ أن أهإ امء واألرإ ن الس نا عليإهم بركات م لفتحإ

بواإ رتتب عىل الطاعة، امل رهفهذا خلقه وقد ناهم بام ، بتكذيب خربه،فهذا معصية ألمره ورشعه ولكن كذ فأخذإ

سبون فهذا خلقه وقدره املرتتب عىل املعصية. كانواإ يكإ

اىل، وهلذا قال اهلل تع ال يف رشعة اهلل تعاىل.. لذا فاألمن كل األمن يف طاعةإلن جتد هذا يف أي قانون، لن جتده

لمون براهيم إ ن إن كنتمإ تعإ أحقه باألمإفريقنيإ لئك ثم أجاب ببداهة ؟فأيه الإ بسواإ إيامهنم بظلإم أوإ إ يلإ ذين آمنواإ ومل ال

تدون هإ ن وهم مه ، وقال للمرشكني هلم األمإ تموكيإف أخاف ما أرشإ كإ تمإ وال تافون أنكمإ أرشإ فإن آهلتكم ال، كإ

متلك قدرا ألحد فكيف أخافها؟

ـ من خلق ورزق له األمر والرشع7

14

انبي صىل اهلل عليه وسلم أن يقول وأمر ال عا وال ض س نفإ لك لنفإ ؟ أليإس اهلل بكاف عبإده ، وقال لهقل ال أمإ

ذين فونك بال عون من دون اهلل إنإ أرادين اهلل بض هلإ هن كاشفات ، وأمر أن يقول !من دونه وخيو ا تدإ تم م قلإ أفرأيإ

ه ته ، ض ة هلإ هن ممإسكات رحإ ل املإ ؟ أوإ أرادين برحإ بي اهلل عليإه يتوك لون قلإ حسإ .توك

لعبيده، ألن أحدا مل خيلق معه. يرش ال حيق ألحد أن يتعدى عىل حق اخلالق يف أن

الخلقا عىل أفعاهلم سواه.. سبحانه يف عليائه.يد، ألن أحدا ال يملك هلم قدرا وكام ال حيق ألحد أن يرش للعب

ـ رشائع اهلل لتحصيل مصالح الدارين8

15

شرائع هللا لتحصيل مصالح الدارين

العموم واإلطراد على وجه

عندما يرش اهلل تعاىل لك، لتحصيل مصاحلك، فاعلم أن هذه املصالح ليست هي مصالح الدنيا فقط، بل كذلك

مصالح اآلخرة، فاملقصود جريان األمور عىل استقامة وتوازن يف الدارين..

تعاىل املنزل، تزم العبد بمنهجهومل جتعل أحد الدارين عىل خماصمة مع األخرى، بل جعل تعاىل طريقهام واحدا ما ال

ره زينهمإ أجإ يينه حياة طيبة ولنجإ من فلنحإ ن ذكر أوإ أنثى وهو مؤإ ملون منإ عمل صاحلا م سن ما كانواإ يعإ ، م بأحإ

قى بع هداي فال يضله وال يشإ رض عن ذ ، فمن ات مىومنإ أعإ قيامة أعإ م الإ ه يوإ رش ري فإن له معيشة ضنكا ونحإ . كإ

فمقصود الرشائع جريان مصالح العبد يف الدنيا عىل أكمل الوجوه وخريها وأمجعها، وأن جتري هذه املصالح عىل

توازن واطراد فردا ومجاعة وأمة، وأن جتري عىل وجه تطرد به وتستمر.

ائع كذلك حتصيل مصالح العبد يف اآلخرة، فالذي يملك الدار اآلخرة والذي وضع طرقها ومقصود الرش

ال إذا أخذها من حتت إذن الشار سبحانه، عىل وجه إومسالكها هو اهلل تعاىل، وال وصول للعبد ألي من مصاحله

ما أمر من حجاب للمرأة أو حتريم ، كذلك سائر الصيام من ربك العبودية واالفتقار، والثقة واالطمئنان، عىل هذا تلق

واعلم أن مرامي احلكمة من تكليفات رب العاملني أوسع مدى وأعمق تأثريا ربا أو مخر أو زنا، وكذا سائر التكاليف..

وأبقى أثرا مما تقف عليه عقولنا القارصة..

هدون ومنإ عمل لنا لنمهد ألنفسنا منزال هناك، ثمة دار غري دارنا يرش اهلل تعاىل ؛ فامذا صاحلا فألنفسهمإ يمإ

عليك لو أرسلت فراشا يكون لك مهادا هناك؟.

كل حلظة يف الدنيا أن إن اآلخرة هي مقصود الرب تعاىل، والدنيا طريقها وجمال العمل هلا، يقول ابن القيم رحه اهلل

.بلها آالف آالف السنني يف اآلخرة.تقا

ي وأ » :يقول رحه اهلل ه، وما يلإحقه فيها من الز تي تصه امه ال تمل أنإ يريد به أي ام فيحإ ي رفة األإ ا معإ صان، م ادة والنهقإ

مة، كله نفس منإها يقابله آالف دودة منإرص فاس معإ ا أنإ ها، وأهن لم قرص ، فليإس هلذه ويعإبقاء نني يف دار الإ آالف من الس

عمر إ ة الإ عبإد منإساق زمنه، ويف مد ، والإبقاء ام الإ بة إىل أي الية قطه نسإ ام اخلإ ي ة املإنام مل األإ حيم، وهي كمد نإ ىل النعيم أوإ إىل اجلإ

مور إىل اهلل سا إال يف أحب األإ ف منإها نفإ اله أنإ ال يرصإ ل حي وقلإب وا ، فام أوإ حب له عقإ بهه وترك األإفه فيام حي ، فلوإ رص

ـ رشائع اهلل لتحصيل مصالح الدارين8

16

فه فيام ال ينإفعه؟ ف طا، فكيإف إذا رص ة إال به لكان مفر تعان وال قو ه؟ فاهلل املإسإ قته عليإه ربه فه فيام يمإ .«كيإف إذا رص

](447/ 1مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني )[

ولغريه من إخوانه ، لهىل حتقيق مصالح الدنيا، فليعلم أن مقصود الرب تعاىل حتصيلها عىل اطراد وعمومإفمن نظر

اطراد واستمرار..عىلو، من اخللق

حتصيل للعبد آخرته، فمصاحلها مضمنة يف نفس وجه رشائعه وليعلم أيضا أن مقصود الرب تعاىل أن تصلح

يا واآلخرة مصالح الدنيا، قال تعاىل نإ يا فعند اهلل ثواب الده نإ ن كان يريد ثواب الده ة هنا ذ ــإن صادمت الرشيعة ل، فم

فاعلم أهنا لعوض هناك، وإن أجهدت هنا فاعلم أنه لصالحك هنا ولراحتك هناك..

ثمة يوم قريب.. قريب قريب.. يطلع برصك عىل عامل آخر وخلق آخر وموازين أخرى، وستجد عدتك هناك

خلري ثم..يا عبد اهلل واستمسك، فإن ا وجنتك وسبب رقيك يف مدارجها هي نفس هذه الرشيعة املباركة، فاسعد هبا

ـ االنكسار بني يدي اهلل تعاىل9

17

نكسار بين يدي هللا تعالىاال

نكسار له مة عموما.. فإن قلوبنا مفتقرة لالكام أننا فقراء لترشيع اهلل تعاىل لنا، يف العبادات والعادات، وللفرد ولأل

.وبني يديه تعاىل

نكسار القلب له، والقلب املنكس هلل تعاىل يقرتب اهو ليه عز وجل إىل اهلل تعاىل، وأقرب طريق إإننا نريد الوصول

من اهلل ويقرتب اهلل تعاىل منه.

ليهم إجيل، أقرتب أين أجدك؟ قال: يا موسى عند املنكسة قلوهبم من أ فقال رب ؛سأل موسى ربه تعاىل ويف األثر

غني عنإد املإنإك يا رب أيإ »ولوال ذلك الحرتقت قلوهبم، ويف بعض األلفاظ كل يوم شربا، غيك؟ قال: ابإ ة قلوهبمإ ـن أبإ س

موا ال ذلك لتهد ما باعا لوإ نو منإهمإ كل يوإ ](177/ 6حلية األولياء وطبقات األصفياء )[ «فإين أدإ

عبإد وبنيإ الإ ن عبإد اهلل التسرتي: ليإس بنيإ ل بإ رب منإ وقال سهإ وى، وال طريق إليإه أقإ عإ لظ منإ الد اهلل حجاب أغإ

ف منإ اهلل. وإ خرة اخلإ يا واآلإ نإ يف الده ل كل خريإ تقار، وأصإ ](20/ 7جممو الفتاوى )[ االفإ

لرادة ربه الدينية الرشعية، فينكس هواه ألمر ،اتهوالقلب املنكس هلل تعاىل هو من يكس إرادته الطبعية ومقتىض شهو

تنكس مراداته ملرادات اهلل تعاىل الرشعية التي تتضمن حمابه تعاىل ورضاه.ملحاب ربه ومساخطه ملساخط ربه، فربه، وحمابه

ال بالعمل عىل وهبذا النكسار لرادات القلب، خيرج العبد من مشيمة الطبع فيولد ميالدا جديدا، بالتزامه أمر ربه

مقتىض هواه وطبعه..

يا بني ارسائيل إنكم لن تلجوا ملكوت الساموات ـ يعني اجلنة ـ حتى »ويف هذا جاء األثر عن املسيح عليه السالم

. «تولدوا مرتني

كر ذل »ول ابن القيم رحه اهلل يق ن تيإمية رحه اهلل يذإ الم ابإ سإ ت شيإخ الإ ه سمعإ عان ك. ويفس والدة نوإ : بأن الإ

س، و وح وخروجهام منإ مشيمة النفإ قلإب والره روفة، والثانية: والدة الإ ا: هذه املإعإ بإع، قال: وهذه أحدمه مة الط ظلإ

س والدة ملا كانتإ بسبب الر منني الإ ب للإمؤإ ](70/ 3مدارج السالكني )[ .«ول كان كاألإ

واملقصود أن القلوب ىف هذه الوالدة ثالثة: قلب مل يولد ومل يأإن له بل هو جنني ىف بطن »قيم أيضا: ويقول ابن ال

الشهوات والغى واجلهل والضالل.

ـ االنكسار بني يدي اهلل تعاىل9

18

التوحيد واملعرفة وتلص من مشيمة الطبا وظلامت النفس واهلوى، فقرت عينه وقلب قد ولد وخرج إىل فضاء

باهلل وقرت عيون به وقلوب، وأنست بقربه األرواح، وذكرت رؤيته باهلل، فاطمأن باهلل، وسكن إليه، وعكف هبمته

ه، عليه، وسافرت مهمه وعزائمه إىل الرفيق األعىل، ال يقر بشء غري اهلل، وال يسكن إىل يشء سواه، وال يطمئن بغري

ره حياة قلبه ورضاه غاية مطلبه، وحمبته قوته، كإ جيد من كل يشء سوى اهلل عوضا، ال جيد من اهلل عوضا أبدا، فذ

وإن كان القريب "ومعرفته أنيسه، ورضاه غاية مطلبه، وحمبته قوته، ومعرفته أنيسه، عدوه من جذب قلبه عن اهلل:

. فهذان قلبان متباينان غاية التباين."وإن كان البعيد املناويا"قلبه عليه . ووليه من رده إىل اهلل ومجع "املصافيا

التجريد، وآنس من خالل الديار أشعة وقلب ثالث ىف الربزخ ينتظر الوالدة صباحا ومساء، قد أصبح عىل فضاء

ل احلظ ىف طاعته وحبه، وتأإبى واحلظ ك، التوحيد، تأإبى غلبات احلب والشوق إال تقربا إىل من السعادة كلها بقربه

غلبات الطبا إال جذبه وإيقافه وتعويقه، فهو بني الداعني تارة وتارة قد قطع عقبات وآفات، وبقى عليه مفاوز

](16طريق اهلجرتني وباب السعادتني )ص: [ .«وفلوات

أو من كان وت.. قال تعاىلومن هنا يولد الشدص من جديد فكأنام حيا بعد موت، بل هو فعال هبذا قد حيا بعد م

لامت ليإس بدارج م ثله يف الظه ش به يف الناس كمن م نا له نورا يمإ ييإناه وجعلإ .نإهاميإتا فأحإ

ترج عن »أن عندما تتلقى التكليف من ربك تعاىل فليكن هذا هدفك، فهذا غاية الرتبية عىل هذا املنهج الرباين،

، وأن ترج من مشيمة الطبع ]املوافقات للشاطبي[ «راداعية هواك حتى تكون عبدا هلل تعاىل اختيارا كام أنت عبد له اضطرا

ق ىل مقتىض ما يريد تعاىل، فاحلياة أغىل من أن تنف إىل أمر الرب تعاىل، وأن تضن بالعمل واحلياة عىل مقتىض ما تريد إ

عىل هوى شدص فان..

واخلسارة كل اخلسارة أن تعرض عليك حياة ال تنفعل فيها وال تشعر، وال تتكلم وال تعمل وال ترتك وال تتدذ

موقفا، إال هلل تعاىل، فتتكاسل عنها أو ترتدد يف القدام عليها واألخذ هبا، كيف وهبذا يسمو العمل من عمل شدص

و تفضيل أعظم من هذا؟ىل عمل متصل باهلل تعاىل، وهل هناك اصطفاء أإفان

بينك وبني الفائزين جبل اهلوى، نزلوا بني يديه »أخربين ماذا حيول بينك وبينه؟ إنه جبل اهلوى، يقول ابن القيم

.ياك اللحاق هبم. بلغنا اهلل وإ.«ونزلت خلفه.. فاطإو فضل منزل تلحق بالقوم

والتناول بأمراهلل أعىل وأفضللرتك ـ ا10

19

للترك والتناول بأمر هللا طعم أعلى من

لى مقتضى الطبعالترك والتناول ع

، أن ترشب فترشب.. كم مرة أردت ففعلت؟كم مرة تريد أن تأكل فتأكل

لكن أن تأكل ألمره، وترتك ألمره، وتعجل طعامك ألمره يف وقت، وتؤخره ألمره يف وقت آخر، فتجري عىل

. وبمقدار اقتيات مقتيض العبودية والطاعة.. فعىل هذا يقتات قلبك وبه يصلح، فبهذا حياة القلب ونعميه ورسوره.

القلب عىل أمر ربه تعاىل ومرضاته حييا ويصلح.

ة وشهوة وهوى، وأما من اصطفاه اهلل ترتك ألجله؛ فالغالب يعمل لرغبإن من أعظم النعم واملنن أن تفعل ألجله و

ة وقصرية به تعاىل أن يرتكه لنفسه وأن يقيض عمره لرغبات فانية ومصالح حمدودة مضطربة ومتناقض «فيضن »تعاىل

األمد ومريرة املذاق وسيئة العاقبة..

وخري األمور أن تكون حياة «إياك أريد بام تريد»فيصطفيه اهلل تعاىل ليحيا بأمر ربه ويعمل له وبه، كام قال البعض

العبد هلل تعاىل، وبه، وبام يريد تعاىل.

عاىل، إهنا مران عىل التجرد والعبودية ىل مقتىض أمر الرب تإإن الصيام دربة عىل الندال من مقتىض النفوس

لتتضاءل الشهوة ويتقزم سلطان النفس، لتكون مطواعة هلل تعاىل، مندلعة من احلظوظ، منكسة هلل تعاىل، فتزكو..

وعند انكسار النفوس هلل تعاىل تأتيها اخللع والعطايا من رب العاملني، وتأيت وفود اخلري.. فهنيئا ملن امتثل أمر ربه

. هلل نفسه.. فاحلمد هللهواه وطو روأخ

النعم يف الرشائع داللتها عىل رضا اهلل أعظمـ 11

20

هللا تعالى ومحبته ضائع داللتها على رأعظم النعم في الشرا

ليس الشأن يف أن تتعب أو تنصب، أو جتو أو تظمأ، لكن أعظم النعم، والشأن كل الشأن، أن ينال عملك رشف

وى منإكمإ ولك ، وهو الرشف املتضمن يف قوله تعاىل تعاىل ىل اهللإالوصول .نإ يناله التقإ

،فرهبان النصارى، والبوذيون، واهلنادكة، وأتبا كونفوشيوس، والداليالما يف التبت، والوثنيون يف افريقيا

مون أنفسهم من متع الدنيا ر وغريهم كثري، يتعبون وينصبون أكثر منك، وهم يظمؤون وجيوعون أكثر منك، وحيإ

حرمة، بكثري.ر مما ترتك أنت من اخلبائث امل أنفسهم أكثموهنا عىلوطيباهتا وحير

م وخيرتعون تعبدات، وبميض الزمن يقد س واضعوها وخمرتعوها، ثم يأيت ماليني ممن هم يعيشون عىل وهإ

، يتلقون بال عقل، فيتتابعون كالفراش يف النار.يعقلون به وال برص وال أفئدة تعيكاألنعام ال سمع

اهلل تعاىل علينا أننا مل ندرت رشيعة وال عبادة، بل علمنا أدلة صحة الرسالة، وهي متواترة إن من أعظم نعم

متكاثرة، تتزاحم عىل النفس كثرهتا، فاستيقنا صحة الرسالة وعلمنا أهنا متضمنة ملا يريض اهلل تعاىل..

ليه تعاىل إن استوفينا إهلا وأفعاهلا فأفعال الصالة وأقواهلا أنزهلا اهلل تعاىل وضمنها رضاه، فاستيقنا وصول أقوا

رشوطها الرشعية.

وترك الطعام والرشاب هنار رمضان أمر بوحي استيقنا رضا اهلل تعاىل عنه وعلمنا وصول العمل هلل.. وهكذا

مناسك احلج تعلمها رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم بوحي فعلم أن أفعاله وأقواله وزمنه ومكانه هو حمل رضوان اهلل

ليه تعاىل، وكذا اجلهاد والنفاق..إقينا، واستيقنا وصوله عاىل يت

يف القلوب. معان وكذا كل الرشائع وأحكامها، عبادة كانت أو معاملة، قوال أو فعال أو اعتقادا أو

وهلذا حرمت البد ملا تتضمن من املفاسد الكثرية، وأعظمها أهنا ضالل عظيم حيث يدعي خمرتعها رضا اهلل تعاىل

من مفرت، فمن تلقاها منه مل رت عليه، ولن يقبل عملعنها من قول أو عمل أو اعتقاد، وهذا املدعي كاذب عىل اهلل مف

جيد شيئا عند لقاء اهلل تعاىل بعد تعبه وكده وفناء عمره فيام ال ينفع..

صيام ببيان أن تفصيل الرشائع من هلذا كانت الرشائع والتكاليف من اهلل تعاىل أعظم النعم.. وهلذا ختم تعاىل آية ال

وا اهلل عىل ما التي تستوجب الشكر.. أجل النعم ة ولتكرب عد ملوا الإ ولتكإ وال يريد بكم الإعسإ يريد اهلل بكم الإيسإ

كرون عل عليإكمإ منإ تعاىل يف خامتتها قالذكر شكره عىل رشعة الوضوء، ف، وهداكمإ ولعلكمإ تشإ ما يريد اهلل ليجإ

النعم يف الرشائع داللتها عىل رضا اهلل أعظمـ 11

21

كرون مته عليإكمإ لعلكمإ تشإ ركمإ وليتم نعإ ، وقال يف خامتة آية كفارة حنث اليمني حرج ولكنإ يريد ليطه كذلك يبني

كرون اهلل لكمإ آياته لعلكمإ مة وقال يف سياق آيات أحكام الطالق والعدة تشإ كروا نعإ وال تتدذوا آيات اهلل هزوا واذإ

مة يعظكمإ به كإكتاب واحلإ ..اهلل عليإكمإ وما أنإزل عليإكمإ من الإ

زل إليإك رشائعه وهلذا فرح مؤمنوا أهل الكتاب بام أنزل تعاىل وب رحون بام أنإ كتاب يفإ ذين آتيإناهم الإ وأمر وال

مما جيإمعون أنزل تعاىل بالفرح بام رحوا هو خريإ يفإ ته فبذلك فلإ ل اهلل وبرحإ ، يعني اليامن والقرآن.. وقال قلإ بفضإ

يهمإ ويعل لقدإ من اهلل تعاىل منني إذإ بعث فيهمإ رسوال منإ أنإفسهمإ يتإلو عليإهمإ آياته ويزك مة عىل املإؤإ كإ مهم الإكتاب واحلإ

فاحلمد هلل عىل نعمه.. وإنإ كانوا منإ قبإل لفي ضالل مبني

قطعا عىل ما يريض رب العاملني تعاىل من قول وعمل واعتقاد وموقف، وتصل العبيد إن عظمة الرشائع أهنا تدل

باهلل تعاىل، فتمنع العبد أن يقيض عمره ضاال يظن نفسه مهتديا، ومتنعه من ثم من حياة عابثة أو عمل ضائع جيعله اهلل

يوم القيامة هباء منثورا..

نعمة ما بعدها نعمة، وهذه خاصة رشائع الرسل.. فقبل أن تتعب؛ ليه، إإن تلك الوصلة باهلل تعاىل، ويقني الطريق

هل فيام تقدم عليه رضوان اهلل يقينا أم ال؟ ..انظر

لينا إفمن حلنا عىل رشيعة غري رشيعة اهلل تعاىل فقد أجرم، ومن ابتد بدعا لنعمل عليها فقد خدعنا، ومن أوصل

سلني فقد نصح، وهلذا قال تعاىل ليها وأقامنا عليها إرشائع اهلل تعاىل ودعانا وذلك لسالمة وصحة وسالم عىل املإرإ

غوه عن رهبم.. فسالم اهلل عليهم..ما بل

فاللهم اجعلنا ممن طلب رضاك فأدركه، وال جتعلنا ممن تعب وكد ومل يرضك.

ـ االستغفار والتوبة خري صاحب12

22

االستغفار والتوبة خير صاحب ومستصحب

في أول الطريق وخالله وآخره

ع ما يستصحبه املسلم يف بداية رمضان وخالله وهنايته، وما يستصحبه يف أول عمره وخالله وآخره، ومن أعظم من أنف

ىل اهلل تعاىل..إىل ربه تعاىل، ويبدأ بالتوبة، ويكرر التوبة ويصبح أوابا منيبا رجاعا إنعم اهلل تعاىل عىل العبد أن يتوب

وس، وقبح الفعال، والتقصري يف احلقوق، وتعدي احلدود، والتفريط ال خيلو العبد من الذنوب، وال من عيوب النف

إكامل وإمتام ما وجب عليه، ونسيان، وغفلة، وحظ نفس حصاء ما جيب أن يقوم به، وعدم يف الواجبات، وعدم إ

ووسوسة شيطان، وغضب لنفس، وسدط وأحقاد، وعيوب وشهوة تعمي، وقلق يف غري حمله، وحتقري كبري وتعظيم

. إهنا النفس.حقري.

دي »وقد علم النبي صىل اهلل عليه وسلم بعض أصحابه أن يدعو بكلمتني ينفعانه فأمره أن يقول اللهم أهلمني رشإ

أن يدعو إذا أصبح وإذا ،، وعلم النبي صىل اهلل عليه وسلم الصديق األكرب، أبا بكر ريض اهلل عنه«وقني رش نفس

هادة، فاطر السموات واألرض، رب كل يشء ومليكه، » أمسى وإذا أخذ مضجعه هبذا الدعاء اللهم عامل الغيب والش

ره إىل ـوءا أو أج ـىل نفس سـأعوذ بك من رش نفس ومن رش الشيطان ورشكه وأن أقرتف ع ،أشهد أن ال إله إال أنت

قول شيخ السالم ابن تيمية: ، ي «وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان»، وكان أبو بكر يقول ]ابوداوود والرتمذي[ «مسلم

.«ما يلقيه فيها من الوسوسة وذلك ألن الشيطان يوسوس والنفس تقبل»

ا أصابك منإ حسنة فمن اهلل،وقد قال تعاىل سك م يعني بسببك، أما اخلري فاهلل وما أصابك من سيئة فمن نفإ

ه تعاىل.تعاىل سببه ومبدؤه ومتم

ىل نفسه كان الرش، وكانت الذنوب.إفمن خذله اهلل تعاىل ووكله

، ومبدأ الذنوب هي النفوس، فمن وقي رش نفسه «والذنوب هي أصل الرشور يف العامل»يقول ابن تيمية رحه اهلل

األمم، فقر، بل وهالك فإن الذنوب هتلك ومتنع الرزق واخلري واهلدى، وتوجب اخلذالن واهلزيمة وال، وقي الرش كله

ن قال تعاىل سلإ نإ لكمإ وأرإ إ نمك ض ما مل رإ ناهمإ يف األإ ن مك نا منإ قبإلهمإ منإ قرإ لكإ ا كمإ أهإ إ يروإ رارا أمل امء عليإهمإ مدإ ا الس

ناهمإ بذنوهب لكإ تهمإ فأهإ ار جتإري منإ حتإ هنإ نا األإ نا آخر وجعلإ دهمإ قرإ شأإنا منإ بعإ .ين مإ وأنإ

كام أن الذنوب هي التي حتول بني القلب وربه.

ـ االستغفار والتوبة خري صاحب12

23

د له أصحابه يف كان صىل اهلل عليه وسلم يع فىل لقاء اهلل تعاىل.. إولذا كانت التوبة خري صاحب وخري مستصحب

، وكان جزاء أصحاب حممد «، إنك أنت التواب الغفورتب عيل رب اغفر يل و»س الواحد أكثر من مائة مرة يقول املجل

بعوه يف ساعة مع نبيهم صىل اهلل عليه وسلم بعد غزوة العسة ذين ات لقد تاب اهلل عىل النبي واملإهاجرين واألنصار ال

ة الل اء ـإذا ج اآلية، وكانت خامتة حياة رسول اهلل ..الإعسإ ت الناس ي ـنرصإ فتإح، ورأيإ خلون يف دين اهلل ـه والإ دإ

ابا ه كان تو ه إن فرإ تغإ د ربك واسإ واجا، فسبحإ بحمإ مانة بل وكانت خامتة اخللق وغاية املؤمنني التوبة أفإ نا األإ إنا عرضإ

اموات و ه كان ظلوما جه عىل الس سان إن نإ ن منإها وحلها الإ فقإ ملإنها وأشإ أنإ حيإ بال فأبنيإ ض واجلإ رإ ب اهلل األإ وال، ليعذ

منني كات ويتوب اهلل عىل املإؤإ كني واملإرشإ منات وكان اهلل غفورا رحيام املإنافقني واملإنافقات واملإرشإ . واملإؤإ

.. تال إن شاء اهلل الذنوب توجب خلال يف العلم واليقني، وتوجب خلال يف الرادة، وهلذا بيان

لطلب املغفرة طريقـ 13

24

لطلب المغفرة طريق

ة يف طبيعة هذا ، وليستصحبها جيب أن يعرف سياق هذه املغفروالتوبة املغفرة ىل ربه ـإـ والسائر ليطلب الصائم

الدين الرباين..

ليه ليس سياق تعبد يف حمراب منعزال! إنه سياق مواجهة وحركة ضد إإن سياق طلب املغفرة من اهلل تعاىل والتوبة

الباطل لقرار احلق وإعالئه وحتمل الصعاب واملشاق يف سبيل ذلك.

نا ال تؤاخ يطلب املؤمنون املغفرة يف مثل هذا السياق نا إنإ نسينا أوإ أخإ رب ا كام حلإته عىل ذإ نا وال حتإملإ عليإنا إرصإ طأإنا رب

حإنا أ فرإ لنا وارإ ف عنا واغإ لإنا ما ال طاقة لنا به واعإ نا وال حتم ناالذين منإ قبإلنا رب النا فانإرصإ كافرين نإت موإ م الإ قوإ .عىل الإ

ىل اهلل تعاىل بواليتهم له، وختموا دعاءهم بطلب النرص عىل الكافرين، مع أنه مل إفمع طلب الرحة واملغفرة، تضعوا

يذكر يف السياق كفار وال جهاد يف موقف معني، لكن مع طلب املغفرة والرحة والعفو كان إعالن حمبتهم له تعاىل فطلبوا

، وهذا من لوازم واليتهم له و مسدوطات املحبوب وإقرار حمابه تعاىلرص إعالنا أهنم يف جهاد مستمر ال ينقطع يف حمإ الن

النا البالرحة إىل النرص، وهو ال يتحقق إوهم حيتاجون فيه ولوازمه، ، هذا اجلهاد هو من طبيعة هذا الدينأنإت موإ

وهزيمة فيكون منبعها وسببها الذنوب املانعة من النرص .. هذا سياق دعاء أمة حممد واملغفرة والعفو، فإنه لو وقع خذالن

صىل اهلل عليه وسلم، فمن تصور حمرابا بال مواجهة للباطل فليس هذا هو شأن دين حممد صىل اهلل عليه وسلم.

ذين آ ويف موطن آخر يبني تعاىل كيف ترجى رحته ومغفرته؛ فيقول تعاىل ذين هاجروا وجاهدوا يف إن ال منوا وال

ة اهلل واهلل غفور ر جون رحإ ن ياملهاجر، فحدد تعاىل سبيل رجاء رحته، وأخرب أن أولئك حيم سبيل اهلل أولئك يرإ

امتة اآلية، فمن سلك غري هذا كام يف خ ،ليها، وأخرب أن الرحة تنتظرهمإهم الذين ينتظروهنا ويسعون ن يجاهدوامل

، بل هلل تعاىل.عىل ربه أو حيدد الطريق أن يشرتطللعبد ليس ؟ما أراد إسالما آخر وطبيعة أخرى فهل جيدالسبيل وأراد

ألسنة رسله وعىل يف موطن ثالث يطلب املؤمنون من رهبم تعاىل املغفرة وتكفري السيئات وإنجاز ما وعدهم عىل

فرإ لنا ذنوب رب متابعتهم هلم: نا فاغإ كمإ فآمنا رب يامن أنإ آمنوا برب نا مناديا ينادي للإ نا سمعإ نا نا إن رإ عنا سيئاتنا وتوف نا وكف

تنا عىل رسلك وال تإز نا وآتنا ما وعدإ رار، رب بإ قيامة إ مع األإ م الإ ..نك ال تإلف املإيعاد نا يوإ

ي حيدده هلم رهبم سبحانه..ذهذا دعاؤهم، فانظر سياق املغفرة ال

لطلب املغفرة طريقـ 13

25

ض فال ضكمإ منإ بعإ مإ أين ال أضيع عمل عامل منإكمإ منإ ذكر أوإ أنإثى بعإ تجاب هلمإ رهبه رجوا ذين ه فاسإ اجروا وأخإ

خلنهمإ جن رن عنإهمإ سيئاهتمإ وألدإ ار ثوابا منإ منإ ديارهمإ وأوذوا يف سبييل وقاتلوا وقتلوا ألكف هنإ تها األإ ري منإ حتإ ات جتإ

ن الثواب عنإد اهلل واهلل . عنإده حسإ

ىل اهلل تعاىل باستجابتهم لداعي اهلل تعاىل، وتضعوا لرهبم تعاىل أن يغفر هلم الذنوب ويكفر عنهم إفإهنم ملا تقربوا

.«اجلهاد، واهلجرة، والقتال يف سبيله، والصرب عىل ما يصيبهم يف هذا السبيل»السيئات، اشرتط اهلل تعاىل الستجابة دعائهم

طبيعة هذا الدين وطبيعة حركته يف األرض ليحمل يأو مالبسات خاصة بل هظرفا آنيا تليس إن هذه الرشوط

منعهم من رؤية اخلري.املدجج واملترتس واملحتمي بقوة مادية ليويزيح الرش ،اخلري للناس

وعندما طلب السحرة الذين آمنوا مع موسى املغفرة طلبوها بالصرب عىل القتل والصلب، ورأوا أن هذا أمام ما

ر غفران جرائمهم قليل!! وهذا هو موقفهم: طلبوا من حإ ذي علمكم الس ه لكبريكم ال قال آمنإتمإ له قبإل أنإ آذن لكمإ إن

عني، قال بنكمإ أمجإ جلكمإ منإ خالف وألصل ديكمإ وأرإ لمون ألقطعن أيإ ف تعإ نا منإقلبون، إنا فلسوإ إنا إىل رب وا ال ضريإ

منني ل املإؤإ نا خطايانا أنإ كنا أو فر لنا ربه مع أنإ يغإ .نطإ

هل تريد املزيد؟ اقرأ كتاب اهلل تعاىل.. سرتى هذا املعنى مطردا ومتواترا.

طبيعة دين، وطبيعة ل وجماهدته ومغالبته ليس ظرفا آنيا.. إنه إن التضحية من أجل هذا الدين ورصا الباط

نيل ما عند اهلل تعاىل. الطريق، وسبيل

،فمن تصور دينا ال ينرصه وال يضحي من أجله، فليس هو هذا الدين، ومن تصور طريقا ليس فيه أن يبذل هلل تعاىل

ستيقان فليقرأ القرآن مرة ا ما جاء به القرآن.. ومن أراد االفليس هذ وإيثارا له وملرضاته وملا عنده، ثقة فيه وتوكال عليه

ما خاطبه ربه.. بل ليفقه ما جاء به وليعي .. ليس تراتيل وال أماين ثانية

ىل هو الذي حيددها إن للمغفرة والرحة وسكنى الغرف العالية يف جنات عدن عند رب العاملني، هلذا سبيل، اهلل تعا

عبيد.، وليس الوحيدد معاملها

فاللهم انرص املجاهدين، والصامدين، واملرابطني، واملرتبصني، ورشفاء امليادين، ومقاومي الباطل، ورافيض الظلم،

والساعني لنرصة دينك يف كل مكان، واجعلنا منهم.

االستغفار والتوبة متنع الذنوب من تبديل الفطرةـ 14

26

ستغفار والتوبة تمنع الذنوب مناال

تبديل الفطرة وتحويرها وطمس نورها

إين خلقت »بديل والتغيري والتحوير، وذلك أن اهلل تعاىل فطر عباده عىل احلنيفية إن نكتة التوبة هي أهنا متنع الت

، فهذا «معرفة اهلل تعاىل وحمبته وتوحيده»، يقول شيخ السالم ابن تيمية: ومعنى احلنيفية هي «عبادي كلهم حنفاء

موجود يف كل فطرة.

فأتتهم الشياطني فاجتالتهم عن » اهلل عليه وسلم:، قال صىل وأما التغيري والتبديل والتحوير فجاء من الشياطني

هذا خطؤها وضعفها ونقصها النابع من ظلم والنفس تقبل هذا من الشياطني و، «دينهم وحرمت عليهم ما أحللت هلم

النفوس وجهلها.

واحلنيفية تشمل جانبني:

األول: املعرفة والتصديق باهلل تعاىل والقرار به.

ىل وقصده وحمبته وتوحيده.إرادة اهلل تعاالثاين:

والذنوب واالنحرافات البرشية هي التي تطمس نور الفطرة ومعرفتها، كام تنحرف بإرادهتا لرتيد غري اهلل تعاىل

ىل سواه.إوتسعى

ىل الشك والتكذيب إولو تتابع هذا فقد يضعف التصديق أو تضعف الرادة واملحبة، ولو تتابع أكثر لوصل

.وإرادة التعلق بغري اهلل تعاىل حمبة ىلإواجلحود، أو وصل

أول اخلطر هو الذنب وتتابعه إذا مل يعد منه صاحبه رسيعا.

، وجيد العبد يف نفسه وفطرته من أما التوبة فتزيل عوائق وغوايش الذنوب عن القلب، فتعمل الفطرة عملها وتصح

هلل وتطلبه يف يس ودون كلفة، وما كان يظنه من العمل املعرفة ومن إرادة اهلل تعاىل ما كان غافال عنه، ووجدها تعرف ا

ليه ترتاح نفسه.إالصالح عىل غري هواه، إذا به جيده مشتهى قلبه ونعيم روحه، وبه تقر عينه، و

معرفتها وطلبها هلل تعاىل، وعملت بانطالق بعد حجب الذنوب وإزالة عوائقها، ثم مقتىض بالفطرة فإذا عملت

ارك، صدقته، ألهنا جتد يف نفسها تصديقه جممال، وجتد الوحي جاء بام تصدق به وتعرفه، لكن وجدت نور الوحي املب

مثل نور »، يقول ابن كثري نهور عىل نور ىل نور الفطرة، وهلذا قال تعاىل جاء عىل وجه مفصل، فيأيت نور الوحي ع

االستغفار والتوبة متنع الذنوب من تبديل الفطرةـ 14

27

هو ليه من اهلدى، وما يتلقاه من القرآن املطابق ملا املؤمن الذي يف قلبه، كمشكاة، فشبه قلب املؤمن وما هو مفطور ع

، فشبه قلب املؤمن يف صفائه يف نفسه ه ويتإلوه شاهد منإه فمنإ كان عىل بينة منإ رب مفطور عليه، كام قال تعاىل:

ق املعتدل، الذي ايف املرش ـد الصبالقنديل من الزجاج الشفاف اجلوهري، وما يستهديه من القرآن والرش بالزيت اجلي

.]تفسري ابن كثري، سورة النور[ «ال كدر فيه وال انحراف

قا ودافعا وهاديا، وهبذا يتم هداها، فالرسل جاءت لتكميل الفطرة وتقريرها.وعندما تعمل الفطرة، جتد الوحي مصد

ات والنجاسات من الذنوب فقد فإذا وجدت يف نفسك ضعفا يف تصديق أو خلال يف إرادة فامنع تلك القاذور

ىل رهبا تعاىل ال تشبع من كالمه، فإذا سمعت كالمه عرفته إأمرضتها، فإذا رفعت عنها العلل واألمراض انطلقت

.«لو صفت قلوبنا ما شبعت من كالم اهلل» وتلقته، قال عثامن

ال إال به، ولن تسعى إه، ولن تقر عينها وإذا صحت فلن ترىض بغري اهلل تعاىل مرادا لذاته، ولن تعطي حمبتها لسوا

ليه..إال بالوصول إليه ولن ترتاح إ

عىل حمل معرفة اهلل وإرادته، وحمل نظر الرب ملاذا نستحمق فنضع غوايش ونجاسات الذنوب وقاذورات املعايص

؟ا فيها من الرادة..غوايش فتنسى ما فيها من املعرفة ونضعف أو نفسد معىل فطرتنا ملاذا نغش تعاىل، وهو القلب؟

جسدك، وبالتوبة يصح قلبك ىل التوبة من الطعام والرشاب، فبالطعام والرشاب يصح إأرأيت؟ أنت أحوج

أال هلم. ىل اهلل..إوتستقيم فطرتك وتعمل أجهزتك املعطلة فتنطلق

ترك الذنوب لطلب اليقنيـ 15

28

ترك الذنوب لطلب اليقين

ا، واملبنية عىل امليثاق قلوب من املعرفة املفطورة عليهخطر الذنوب أهنا تضع غوايش عىل املعرفة، فإذا ما يف ال

كمإ العظيم ت برب هدهمإ عىل أنفسهمإ ألسإ تهمإ وأشإ ي نا؟ وإذإ أخذ ربهك من بني آدم من ظهورهمإ ذر ، قالواإ: بىل شهدإ

إذا هبا تغيب عن العبد.

لوازم للنفس البرشية، ومن هنا فقد يأيت عىل القلب غني، وهو ما يصيب املقربني، وهلذا والغفلة والنسيان هي

ة »كرم اخللق صىل اهلل عليه وسلم: يستغفرون، وقال أ م مائة مر يوإ فر اهلل، يف الإ تغإ ه ليغان عىل قلإبي، وإين ألسإ صحيح [« إن

.](2075/ 4مسلم )

القلب غيم، وهو ما يصيب أصحاب اليمني املقتصدين.وقد يصيب

«الذنوب جراحات، ورب جرح وقع يف مقتل»وعندئذ فاعلم أن وقد يقدح يف القلب سهم الذنوب وجراحاته،

.]، الفوائدابن القيم رحه اهلل[

ه أنه أليام غلب.ه، وحكم ، كام قال حذيفة ريض اهلل عنباملعصية د القلب مادة اليامن بالطاعة ومادة النفاقوقد مت

وتوايل الذنوب عىل القلب يضعف علم القلب، سواء املعرفة املفطور عليها، أو العلم املكتسب بالوحي، فيعود كام

إين ألجد العبد ينسى العلم بالذنب »، قال ابن مسعود: «منكرا ملا كان به عارفا، وجاهال بام كان به عاملا»قال ابن تيمية

رواإ به يصيبه، ثم تال ا ذك «. ونسواإ حظا مم

ه استدعاء لشء غائب وبعيد، يتذكره ــم وجوده، كأنـد من الضعف ما يصبح اليامن بالغيب، رغـوقد جيد العب

كام يقول «التصور التام»ىل الواجب وهو إصاحبه بصعوبة وضعف، فال يتحقق للعبد من اليامن بالغيب ما يصل به

ملا أخرب به تعاىل يصبح به الغيب الذي وعد اهلل تعاىل حاضا للعبد فيعطي موجبه من «التصور التام»الم، وشيخ الس

العمل عىل وفقه طلبا وهربا، ورغبا ورهبا.

ر اهلل قلبه فأصبح وكأن عرش ربه بارز له، وكأنه يرى أهل اجلنة يتنعمون ما الفارق بينك وبني حارثة الذي نو

إنه اليقني حيا ليله.. ىل الرصاط، ومن ثم أظمأ هناره وأا يتضاغون، وكأن املوت يطلبه وكأنه واقف عوأهل اجلنة فيه

والتصور التام واملعايشة.

هنا ال تعني التديل، بل هي حقائق أكثر صحة ووجودا وحقيقة مما نعيشه يف دنيانا.. «كأن»وكلمة

ترك الذنوب لطلب اليقنيـ 15

29

زمإنك امرؤ نور اهلل قلب»قال له صىل اهلل عليه وسلم ، ثم مل يلبث أن استشهد، ثم سألت أمه عنه يف «ه، عرفت فالإ

اجلنة فتصرب أم يف النار فتبكي؟ فقال هلا صىل اهلل عليه وسلم: وحيك يا أم حارثة، أوجنة هي؟! إهنا جنان، وإن ابنك

أصاب الفردوس األعىل!.

لفطرة عام فيها من املعرفة والتصديق، ثم ما الفارق بيننا وبني حارثة إال أن حارثة أزال عوائق الذنوب فتجلت ا

صدق هذا نور الوحي املبارك، فبلغ للصديقية فعاش أياما مباركة ومات ميتة كريمة ونال املنازل العال.

تسمع فالنا يقرأ اآلية طوال الليل، وآخر ال يفارق ذكر املوت قلبه ساعة، وآخر ال يصل به طول األمل أن يصيل

وصحايب يشهق شهقة ترج ،وآخر يموت هلول آية ،خر يمرض يف بيته لسامعه آية، وآخر يغشى عليهالصالة التالية، وآ

فيها روحه ملا سمع وصف اجلنة يف سورة النسان.. ما الفارق؟ وملاذا عايشوا الغيب أكثر من احلاض؟ إهنم امتنعوا عام

نإه أف ق هذا نور الوحي ى عليها، وصد رها ويغش يفسد الفطرة وحيو ه ويتإلوه شاهد م ب ن ر فكان من كان عىل بينة م

ته ووقايتنا رشور أنفسنا.لتصديق واملعايشة للحقائق الكربى، وهي نعمة ما بعدها نعمة؛ فنسأل اهلل من اليقني وا

قيمة ودور أصحاب اليقنيـ 16

30

قيمة ودور أصحاب اليقين في األمم

ولحظات مفصلية في التاريخ

ثبت اآلالف واملاليني، ويظهر احلق ياليقني عىل األمة، هم عيون األمة وملح الناس، هبم ثمة أشداص يوزعون

وتظهر أدلته، ال يرتابون وال تزيغ عيوهنم رغم عظم الفتن والشبه واضطراب املوازين..

كام يقول أحدهم ال تعصف هبم رغبة وال رهبة وال يرتابون يف قيم هذا الدين وتصوراته، بل تزيدهم املحن رؤية وشفافية،

ددإت فيك إال بصرية »وهو يواجه الدجال لم البارز واملعإ ليهم كالظالل يف اهلجريإالناس ، يفيء](2256/ 4صحيح مسلم )[ «ما ازإ

ىل مواقفهم.. إنه اليقني.إعند التيه وضالل الطريق، ترمق أفعاهلم وتسمع أقواهلم وتقتفى آثارهم وينحاز الناس

يد مثاال هلم ولدورهم؟ إهنم عىل مدار التاريخ..تر

م بجالوت وجنوده عندما خاف البعض من القدام وقالوا: يوإ قال أصحاب اليقني اخلاص املبني ال طاقة لنا الإ

القو اهلل ي املوصوفون بوصف عىل نور الفطرة ونور الوح م مه ذين يظنهون أهن ن فلام تردد البعض قالوا قال ال كم م

ابرين ن اهلل واهلل مع الص ا وثبتإ ، فئة قليلة غلبتإ فئة كثرية بإذإ رغإ عليإنا صربإ نا أفإ وملا برزواإ جلالوت وجنوده قالواإ رب

نا عىل ا دامنا وانرصإ كافرين أقإ م الإ قوإ ن اهلل ، لإ .اآلية..فهزموهم بإذإ

ىل بقاء هذا أو زواله، إرغب البعض يف الدنيا، خفة وعجلة، ملا رأوا قارون يف زينته، وخدعوا بمظاهره، ومل يلتفتوا

لكمإ ندها مل تزغ أبصار وال يقني قوم وع م ويإ علإ ذين أوتوا الإ ملنإ آمن وعمل صاحلاث ، وقال ال أدركوا واب اهلل خريإ

در ال بعد هالك قارون فقالوا إركوا هذا مبكرا، وأما الباقون فلم يد ن يشاء منإ عباده ويقإق مل زإ كأن اهلل يبإسط الر ، ويإ

ن اهلل عليإنا خلسف بنا ال أن م كافرون ، لوإ لح الإ ه ال يفإ كأن أدركوا بتعجب بعد اهلالك، ولو طال بأهل الدنيا النعيم ويإ

فقد يفتن أمثال هؤالء، لكن اليقني يف نفوس قوم رأوا به األمور من مباديا فعرفوا مراميها، قال عامر بن عبد قيس:

.«لو رفع الغطاء ما ازددت يقينا»

وا جمرى التاريخ، مل يزيغوا أمام شبهة عرضت بل اهلل صىل اهلل عليه وسلم وهاجروا وغري إهنم من آمنوا مع رسول

هم أزالوا الغشاوة عن العيون والقلوب بإذن رهبم تعاىل.. كان يسري أحدهم ويثبت ويتحرك هبذا الدين، فلام آمن

إ يا خالد د »نوا بعد، كدالد بن الوليد، الناس بعدهم، بسببهم وعىل درهبم، قال عليه الصالة والسالم للكرام الذين آم

.« ما أدركت غدوة أحدهم وال روحتهفواهلل لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته يف سبيل اهلل تعاىل ،عنك أصحايب

قيمة ودور أصحاب اليقنيـ 16

31

كيف تكتسب هذا اليقني؟ إهنا نفس اخلطة ونفس املأخذ..

ىل قلبك نور الوحي فتجد يف إجاساهتا ليصل ب الذنوب وتلص من قذاراهتا وتطهر من نج تب واستغفر وارفع ح

ق نفسك من املعرفة اليقني، وجتد من الوحي يقينا مصدقا حتى تتزاحم عىل قلبك أدلة احلق ويقينه، فتعيش ما تصد

وحتيا بام تؤمن وتذوق الغيب وأنت حي..

وعندها ما أفلحك.

ويف فتن اليوم مثال واختبار..

وقد تذهب بأصل اليقني نجاساتالذنوب ـ 17

32

ذهب بأصل اليقينوقد ت ..الذنوب نجاسات

تاف من الذنوب أن تضعف اليقني؟ بل اخش منها ما هو أشد وأعظم وهو زوال اليقني وانتفاء التصديق..

هنا فكم ممن يشك أو يكذب، ال الفتقاد الدليل بل لكثرة الذنوب، فهذا الذي تليت عليه آيات اهلل تعاىل فقال يف شأهنا أ

لني أساطري اخرتاعاهتموخرافات القدماء و فقال اهلل تعاىل له، وهلذا النمط البرشي، قال له: ليس األمر كام تزعم األإ

ت عىل قلبك الذنوب فحجبت عنك اخلري وأفسدت ت عن رؤيته؛ فقد تراكمجبإ فليس القرآن أساطري األولني، بل ح

ما فيك من الفطرة فكذبت باحلق وخست..

، لكن اخللل يف قلبك..جيده من طلبه يف مكانه، فاحلق انتفاءهوتكذيبك له ال يعني

سبون قال تعاىل ا كانوا يكإ ، بلإ ران عىل قلوهبم م لني، كال و ، يقول ابن كثري إذا تتإىل عليإه آياتنا قال أساطري األإ

األولني، بل هو كالم اهلل ووحيه وتنزيله عىل رسوله أي: ليس األمر كام زعموا وال كام قالوا أن هذا القرآن أساطري»

يإن الذي قد لبس قلوهبم من كثرة الذنوب صىل اهلل عليه وسلم، وإنام حجب قلوهبم عن اليامن به ما عليها من الر

سبون واخلطايا؛ وهلذا قال تعاىل: قلوب الكافرين، والغيم والرين يعرتي كال بلإ ران عىل قلوهبمإ ما كانوا يكإ

.]تفسري ابن كثري، سورة املطففي[ «لألبرار، والغني للمقربني

إن املؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء »وروى المام أحد عن أيب هريرة قال: قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم:

كال وذاك الران الذي ذكر اهلل يف القرآن: يف قلبه، فإن تاب ونز واستغفر صقل قلبه، فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه،

سبون «.بلإ ران عىل قلوهبمإ ما كانوا يكإ

ال املطهرون، إأن كتاب اهلل تعاىل ال يمسه يف السامء ، وحكاه عن شيخ السالم،ىل ما قاله ابن القيم رحه اهللإوانظر

كتاب نفسه، وجعل تعاىل حكم مس املؤمن للكتاب عىل طهارة، إما وهم املالئكة، فال يناله شيطان، وهذا يف مس ال

ىل، فيقول رحه اهلل فإن كان هذا يف مس األيدي للمصاحف، فمن وجوبا وإما ندبا، من باب الشارة أو قياس األوإ

طيعون من كالم طاهر من دنس الذنوب ونجاساهتا.. وهلذا ال يشبع املالال القلب إباب أوىل أنه ال متس معانيه الرشيفة

اهلل، وال يشبع منه العلامء، فتتفتح هلم معانيه، ويقرأ اآلية فيفهمها كام لو أنه مل يسمعها من قبل، ويفهم منها ما مل يكن

يعلم، رغم أنه يقرؤها مئات املرات..

وقد تذهب بأصل اليقني نجاساتالذنوب ـ 17

33

لتصبح وحدها بل ويبارش القلب من اليقني ورؤية احلق، فرياه حقائق بني يديه ويذوق هذه احلقائق ويراها بقلبه،

دليال ال يستطيع دفعه عن قلبه، فال يطلب الدليل من خارج، بل جيد الدليل يف قلبه حقائق يعيشها ويذوقها وجيد

علمها يف نفسه ضوريا واضطراريا، وهو من أعىل أنوا العلوم واليقني..

سارة من خيس هذا اخلري بعوائق الذنوب وأدراهنا..خلفيا

، فورا وبال مهل، ودوما وكل يوم، ال تد من الذنوب ما يعلق بقلبك، فإنه حمل رشيف، خلق أرأيت؟ إهنا التوبة

ىل ربه..إألرشف معرفة وعلم وأرشف قصد وحمبة، فال تنجسه بل طهره ليستقبل اهلدى، وال تضعفه عن السري

العام والتقصري يف خدمة يف الشأن اخلاص فقط، بل الذنوب املتعلقة بالشأن ليست الذنوب كام جيب أن حتذر أن

ة أو موقف أو ـم الغري سوءا، واألثر السء لكلمـاألمة، والتأثري السلبي عىل الغري، وخذالن احلق يف أي موطن وتعلي

عمل، إجيابا أو سلبا..

دفيت به أو جتادل يف شأنه أو تنكره، جادا أو هازال، عاملا أو جاهال، است توبة من ذنب تذكره أو تنساه، تقر جتب ال

به أو أعلنته..

قد يكون ذنبا يف املسجد يف تنافس لغري اهلل، أو جمادلة ظاملة أو استعالء أو رياء أو جحدا حلق، دق أو جل..

قد يكون وأنت هتتف لنرصة احلق فيدخل يف القلب أن يكون لنفسك نصيب، فردا أو طائفة أو مجاعة أو شيدا أو الفتة!

ملأمور أو فعال ملحظور.. وقد يكون مبالغة يف أمر مل تؤمر به عىل هذا الوجه.. قد يكون الذنب تقصريا أو تركا

ر عن أمر..ـوتنشغل بأم ـرات فتقص ـوق والواجبـأو سوء ترتيب اهتامم، قد تتزاحم احلق اقد يكون غفلة أو نسيان

!.أحوجكأحوجني وما أرأيت.. ما

ر عىل وجه املقابلة، فالتقصري ـهلل تعاىل أعظم أن يستوفيه بشفحق ا ؛الثم لو استوفيت ـ وهذا ال يكون ـ لكن تنز

الزم والتوبة الزمة..

اليقني أساس العمل، وإن استقر التصور التام انطلق العمل بال مشقة بل انطلق الزما للتصور التام الذي يمأل

سيد قطب رحه اهلل أن ميزة يقول األستاذالقلب فيعيش الغيب الذي يفرض نفسه عىل القلب، وهذه عالمة الصالح..

أهنم كانوا يعيشون يف اآلخرة بمشاعرهم ويقينهم وحتركهم أكثر مما يعيشون يف الدنيا.. أصحاب حممد

أتم اهلل علينا وعليك هداه الكريم..

االستغفار والتوبة متنع الغواية كام متنع الضاللـ 18

34

ستغفار والتوبة تمنع الغواية كما تمنع الضاللاال

ت القلب وحمبته هلل تعاىل أو تنفيها، فالقلب اتضعف إراد كام تضعف الذنوب العلم والتصديق أو تنفيه، فإهنا قد

خلق مفطورا عىل حمبة اهلل وطلبه وعبادته، وإنام أيضا تغشى غوايش الذنوب عىل هذه الرادة فتضعف، أو تنتفي

ىل غريه تعاىل..إفينحرف هبا العبد

هه ويأباه ويدفعه، ال الفتقاد دليل بلكم من قلب ال يتم رشده بل يغوى عن علم وبينة، يعرض عليه احلق فيكر

ذين نحرفة، قال تعاىل يف شأن هؤالء له عن نيل شهواته ومطالبه املألنه خيالف هواه ويراه مانعا ف عنإ آيايت ال سأرصإ

ق احلإ ض بغريإ ون يف األرإ منواإ هبا، يتكرب اإ كل آية ال يؤإ د ال يتدذوه سبيال ،وإن يروإ شإ اإ سبيل الره اإ سبيل ، وإن يروإ وإن يروإ

غي يتدذوه سبيال يامن اهلل تعاىل هلم رشدهم وقال يف شأهنم ، وهؤالء بدالف من أتم الإ ولكن اهلل حبب إليإكم الإ

نه يف قلوبكمإ وك يان وزي عصإ فسوق والإ ر والإ كفإ ه إليإكم الإ اشدون ، ر لئك هم الر مة ، أوإ ن اهلل ونعإ ال م . فضإ

ال بحبه وإرادته.. إه ال يتم ال باتباعه، واتباع إأن ترى احلق حقا خري، لكن ال تتم النعمة

فر منه وتكرهه.نال بأن تإنعمة إال باجتنابه، وال يتم اجتنابه وكذلك أن ترى الباطل باطال خري، لكن ال تتم ال

وقد تسبب الذنوب خلال آخر وهو تعطل الرادة بالعراض وعدم الحتفال بأمر الدين ابتداء، وال شغل نفسه بصحة

م بلإ ه الرسالة أو بطالهنا، فتعطل الرادة عن الهتامم بطلب احلق هو جريمة كانحراف الرادة سواء. ر رهب مإ عن ذكإ

رضون عإ رضون مه ذين كفروا عام أنذروا معإ رضون ، قلإ هو نبأ عظيم وال وكأينإ منإ آية يف أنتمإ عنإه معإ

رضون ون عليإها وهمإ عنإها معإ ض يمره رإ اموات واألإ رضون بلإ الس رهمإ معإ رهمإ فهمإ عنإ ذكإ .. وغري أتيإناهمإ بذكإ

قد يفتقده لعراضه وعدم االحتفال بشأنه..قد يفتقد العبد احلق لنفرته منه كام ف ذلك من اآليات.

، كام إن إفساد الذنوب لرادات القلوب قد يكون مضعفا، كام حيدث لغالب العصاة واملذنبني، وقد يكون مهلكا

والنفرة منه ملدالفة اهلوى، أو إعراضه عنه للحق ، واهللكة إما برفض القلب «املعايص بريد الكفر»قال السلف

عموما فال حيفل بصدق الرسول وال بام معه من احلق. «الدين»وانشغاله بغريه فيعظم ما فيه من أمر الدنيا وحيتقر أمر

، فإذا رفعت تلك احلجب والغوايش واألدران املانعة وجد العبد يف نفسه ىل فطرتهإفالتوبة واالستغفار تعيد القلب

من حب ربه تعاىل وإرادته وإيثاره عىل ما سواه ما مل يكن يشعر به، رغم أنه مفطور عليه..

االستغفار والتوبة متنع الغواية كام متنع الضاللـ 18

35

ال، ثم يأيت نور الوحي مؤكدا لتلك الرادة ومفصال هلا، كام أكد املعرفة وفصلها، فيكون يف القلب البينة، علام وعم

نإه را، وهذا معنى قوله تعاىل ال ومقر دا ومفص ثم يأيت شاهد الوحي مؤك ه ويتإلوه شاهد م ب ـ أفمن كان عىل بينة من ر

فتتم للعبد نعمة ربه تعاىل.. يعني يتبعه ـ «يتإلوه »ومعنى

ل، وإذا انحرفت إرادته عن احلق غوى، والعلم النافع أو نسيه فكذب باحلق أو شك فيه ض للعلمإذا افتقد العبد

. ما ضل صاحبكمإ وما غوىيمنع الضالل، والعمل الصالح وإرادته يمنع الغواية.. وقد قال تعاىل

ىل االندال من املعايص والتطهر منها وأن يغسل قلبه بتوبة ماحية، فتعمل فطرتهإىل يشء حاجته إفام احتاج العبد

ويستقبل الوحي مصدقا، ويتلقاه كاملاء البارد عىل الظمأ..

ومن متت له إرادته للحق كام تم له العلم والتصديق والتصور التام، فقد أوثر بدري كثري.. ومن كان أتم إرادة وأتم

سنة اخللفاء عليكم بسنتي و»علام، كان أتم هداية.. وهلذا وصف النبي صىل اهلل عليه وسلم خلفاءه الراشدين بقوله

فالرشد يف الرادة واهلداية يف العلم.. «الراشدين املهديني من بعدي

ومثل هذا يقطع يف حلظات وأيام ما يقطعه غريه يف سنوات، ويأخذ يف سرية األولني ويصحبهم، وقد يسبق مع

لني ابقني الس و ن األإ ة م خرين ، ثل ن اآلإ يل مني عىل إخوانه وأمته، قد يثبت ويثبت اهلل به أمة.. ال ، وقد يوز اليقوقل

دقإك.. تدري، فقط اصدق اهلل يصإ

الدينالصيام .. و احلراك هبذا ـ 19

36

الصيام.. والحراك بهذا الدين

فريضة الصيام شعرية من شعائر السالم، والسالم حركة حتريرية للنسان، كل من يؤمن هبذا الدين هو مكلف

لك منإ أنإ يكون لك »لكة باحلركة به وإبالغه للناس واستنقاذهم من اهل فواهلل ألنإ يإدي اهلل بك رجال واحدا، خريإ

.](18/ 5صحيح البداري )[ «حإر النعم

يسأل رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم عن أفضل األعامل فيقول الصالة عىل وقتها ثم يرتب بعدها بر الوالدين ثم

يل اهلل.اجلهاد يف سب

م: أيه العمل أحبه إىل اهلل؟ قال: بن مسعود اهلل يقول عبد ت النبي صىل اهلل عليإه وسل الة عىل »: سألإ الص

تها ؟ قال: «وقإ ؟ قال: « ثم بره الوالديإن »، قال: ثم أي ته « اد يف سبيل اهللاجله »قال: ثم أي تزدإ ، ولو اسإ ثني هبن قال: حد

.](112/ 1صحيح البداري )[ .لزادين

اب اهلل تعاىل يربط التدلف عنه بالنفاق، وجيعل اليامن هو ذروة سنام السالم، ويف كت يف حديث آخر جيعل اجلهاد

إىل لتفاتمة عىل املحبة ويثني عىل عدم االارتد من ارتد، وجيعل اجلهاد عالويأمر بالنرصة للدين ولو واجلهاد قرينني،

لوم الالئم يف التضحية والنرصة هلذا الدين..

املسلم حيمل للناس اخلري وأثمن ما يف ىل عبادة رب العباد.إالسالم حركة حتررية وحتريرية للناس من عبادة العباد

ىل اهلل تعاىل.الوجود وأعزه، وهو الداللة ع

الرهبنة واالنسحاب بالسالم من حركة احلياة هو أمر غريب عىل طبيعة دين اهلل تعاىل ، وعىل الصائمني.

واحلركة هبذا الدين، حركة الصوام القوام، عىل حماور..

ن يقولوا أوهلا حركة العلامء ببيان احلق.. وال بد أن يكون ببيان احلق بأصوله وفروعه وتفصيالته، فال يكفي أ

للناس صلوا أو البس احلجاب أو غضوا أبصاركم، فهذا مطلوب نعم لكنه يأيت ثانيا بعد معنى التوحيد بتحقيق

العبودية هلل تعاىل بقبول رشعه ورفض ما سواه، وإفراد اهلل بحقه اخلالص يف الترشيع ويف العبادة.

يوجه نحو املؤسسات التي ترسخ الباحية والحلاد فيجب أن يطال العلم والتوجيه والدعوة األفراد، كام جيب أن

ىل األنظمة العلامنية التي تفصل الدين عن الدولة وتنحيه إوالعلمنة للمجتمعات،كام جيب أن يوجه العلم والدعوة

جانبا.

الدينالصيام .. و احلراك هبذا ـ 19

37

فيجب أن تكون الدعوة وتوجيه العلامء ـ يف عرصنا خاصة ـ عىل ثالثة حماور: .. فإنهوللتوضيح

أن قبول رش اهلل ورفض ما سواه، برفض تبديل الرشائع، ورفض الترشيع والتقنني من دونه وبغري األول: ببيان

إذنه وبغري أمره، أن هذا ركن من أركان التوحيد، ال يتم إسالم املرء بدونه؛ فيواجهون العلامنية والباحية يف أصوهلا

ويواجهون أمر تبديل الرشائع، كام يواجهون حركة الحلاد.

يواجهون أمر والء الكافرين، ومظاهرهتم عىل املسلمني أو التآمر معهم عىل املسلمني أو مواقف اخلذالن كام

للمسلمني، أو الدخول حتت والء العدو ورايته أو االنتظام يف سلكه.

ا كام يواجهون به االنحراف يف باب العبودية والنسك؛ فيواجهون مظاهر عبادة األضحة واملشاهد وما يرتبط هب

من عقائد فاسدة وخزعبالت وفساد، وتواكل وسلبية، وأموال حرام وفواحش، وتواطؤ مع العدو.. اىل غري ذلك من

أوجه الفساد.

عة ـ ـات ـ حتى لو كانت يف دول تزعم إقامتها للرشيسالثاين: مواجهة انحراف املؤسسات فيواجهون تلك املؤس

أو تغري قيم املجتمع وتقوم بتغريبه وتربيته عىل غري تظلم الناس وتقهرهم تلك التي تنرش الباحية أو تقوم عىل الربا أو

؛ فال بد من إصالح األمر ومواجهتها، والتوجيه لقامة منهج اهلل حتى يترشب الناس قيام وأخالقا مناقضة هلذا الدين

ينا ودنيا.املؤسسات التي تقيم أمر اهلل وتقوم عىل وفقه وحكمه وقيمه، وتشارك يف بناء األمة، د

الثالث: التوجيه الفردي والبناء القيمي وبيان األحكام للفرد، افعل وال تفعل، أخالقا وسلوكا فرديا وأرسيا

واجتامعيا، وبناء الشدصية الجيابية والفاعلة، حتمل العقيدة الصحيحة وترتمجها يف املواقف ومتتثل مقتضياهتا

، كام أو الفتة وال يكتفون بالنتامء لشيخ أو مدرسة أو إطار أو مجاعة .خالقها وسلوكها.وأحكامها، وامتثال قيمها وأ

ال يركزون عىل قضايا من الدين دون قضايا.

، ثم يرتكون املؤسسات التي نداف منها عىل أبنائنا وعىل واترك س وافعلأما إذا رأيتهم يقولون للناس غضوا والب

ويرتكون جتريم والء يخ حق التحليل والتحريم القانوين لغري اهلل تعاىل، أجيالنا، ثم يرتكون جريمة تبديل الرشائع وترس

و الغفلة.. غفلة تشتبه كثريا باخليانة.أاألجرة قبض فاعلم أهنم دخلوا يف الكافرين والتحذير منه،

مرار واستواستمرار حشوده وتكتالته، حركة املجتمع املحور اآلخر، وهو ومع حركة العلامء والدعاة فال بد من

حراكه وتنو أطروحاته وخياراته لرفض الظلم واحلفاظ عىل اهلوية وإقامة الدين.

الدينالصيام .. و احلراك هبذا ـ 19

38

ا دينه وحريته ويمنع الفساد حركة املجتمع، حركة يمتلك فيها من القوة والبدائل ما حيمي هبال بد من إجيابية و

ستبداد والعلامنية والتبعية، وحيمي نفسه من تزييف احلقائق..واال

رمضان، وجعل تعاىل صوم الشهر معلال بنزول القرآن فيه، وانترص السالم يوم بدر يوم الفرقان، نزل القرآن يف

الذي نحن اليوم مسلمون بسببه، وهذا يف رمضان، فالفرقان البياين والفرقان امليداين كالمها يف هذا الشهر الكريم..

تغاء احلق ومنازلة الباطل ومطاردته.. ةفليع الصائم عن ربه كالمه وبيناته، وليع عن ربه أمره بإقام وال هتنواإ يف ابإ

جون جون من اهلل ما ال يرإ ملون كام تأإملون وترإ مإ يأإ ملون فإهن م، إن تكونواإ تأإ قوإ اهلل ابتعثنا لندرج من شاء من عبادة » الإ

..«ىل عدل السالمإىل سعة اآلخرة، ومن جور األديان إق الدنيا ىل عبادة رب العباد، ومن ضيإالعباد

، العقائد مع الشعائر مع الرشائع.. القلب مع العمل مع الجيابية، اجلانب الفردي مع «إن هذا الدين حزمة واحدة»

زمة هذا الدين ومجلته، عن حسيكون اجلانب اجلامعي واحلراك العام، وإال أثم العبد عند لقاء اهلل تعاىل.. فسؤاله تعاىل

.. كنتم خري أمة أخرجت وأمة خرية صاحبة رسالة حيث جاء السالم ليدرج النسان نسيجا خمتلفا وخلقا جديدا

م العبد «أنتم خري الناس للناس»للناس، قال أبو هريرة م هذا الدين..ونعم األمة، .. فنعإ م الخراج ونعإ ونعإ

ـ األعامل بمتعلقها20

39

األعمال بمتعلقها

عن أعظم شهوات النفوس وما به لقها.. والصائم يقصد اهلل تعاىل، وأعظم ما يف الصوم الكف األعامل بمتع

متثال مع حتقيق ولو شاء ألفطر رسا، لكن اال ال اهلل تعاىل،إقوام احلياة إخالصا هلل تعاىل، بحيث ال مراد للعبد

الخالص مناط خلري كثري..

علق بمن هو تراب، أصال ومآال، والعمل يتبع غايته، فال بد أن والعمل بمتعلقه؛ فمن عمل ألمر دنيوي فهو مت

ىل الرتاب ويفنى بفناء من تعلق به..إينتهي

ومن عمل هلل تعاىل فقد تعلق عمله بمن هو األول بال ابتداء واآلخر بال انتهاء.. اهلل تعاىل هو األول يف األزل وال

ىل حده، إفاهلل تعاىل قبل ذلك، وهكذا أبدا، بام ال يصل عقل ليهاإبداية ألوليته، وكل بداية تصورها عقلك ووصل

وال يقف عنده.

وكل هناية يتصورها عقلك فاهلل تعاىل بعد ذلك، بال هناية وال حد يقف عنده عقلك..

وكل عمل علقته باهلل تعاىل وأردت به رضاه وحمبته، فقد تعلق عملك هبذا اخللود، فهو إذن عمل آمن وقد

.ا ءوأعظمها بقاأمنا اخلزائن كثرأوضعته يف

يتمتع أهل اجلنة خلودا بال هناية رغم أن عملهم الصالح قد يستغرق موقفا واحدا أو حلظات قليلة كسحرة

فرعون الذين آمنوا ثم استشهدوا يف حينها، وكهذا الصحايب الذي سأل رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أقاتل أم

ه وسلم: أسلم ثم قاتل، فأسلم ثم قاتل فقتل فدخل اجلنة، قال أبوهريرة: دخل اجلنة ومل أ سلم؟ فقال صىل اهلل علي

جركثريا.أ يسجد هلل سجدة، عمل قليال و

وهناك من يعمل سنوات مهام طالت فلن تقابل ما يقضيه يف قربه أو يف موقفه يوم القيامة.

ه اهلل كل حلظة يف الدنيا تقابلها آالف آالف السنني يف ثم جيازى كل منهم خلدا يف اجلنة، كام قال ابن القيم رح

اآلخرة..

ذلك أن العمل تعلق باهلل تعاىل فبقي ببقائه سبحانه وتعاىل، فدلد العمل وبقي أثره أبدا.

الخالص مرتبط ومبني عىل اليقني، وانرصاف القلب هلل تعاىل وإيثاره عىل ما سواه واحتقار ما دونه تعاىل.

ـ األعامل بمتعلقها20

40

ز باملوضوعية وعدم البهرجة، يف كل جمال جتده موضوعيا جادا، مؤخرا هواه وشدصه واعتبار املدلص يتمي

ذاته ونفسه، متجردا هلل ولعبادته، ولقضاياه التي حيملها.. ال يبيع دينه لكربإ أو هوى أو اعتبار شدص أو حزب أو

نصيب دنيوي..

و الفتات ال مضمون هلا، ال تستطيع أن حترف املدلص ال يدجل وال يقبل الدجل، ال يعيش بشعارات فارغة أ

بوصلته ليرتك قضاياه أو خيذل دينه وإخوته أو يعادي أهله وأمته..

املدلص ال يستعمل آلة الدين للدنيا وال يلوي اآليات وينتقي من النصوص ما خيدم الباطل.

وتعاىل.. املدلص عني قلبه متعلقة برب العرش العظيم، وقصده وإرادته معلقة به سبحانه

طوبى للمدلصني ، أولئك مصابيح الدجى، تنجيل عنهم كل فتنة »قليل هم املدلصون وعملة عزيزة لكن

](177/ 9شعب اليامن )[ «تتجىل»، ويف لفظ «ظلامء

ه ترتب من األقدار بربكة أعامهلم الصاحة ما مل يكن يف احلسبان وال يف مقدورهم.. إن تعليق العمل باهلل تعاىل يبارك ب

]املستدرك للحاكم، وشعب اليامن للبيهقي[.. «أخلص دينك يكفك العمل القليل«العمل ويبارك به أثره، قال صىل اهلل عليه وسلم

ىل يوم القيامة إفتح املدلصون من أصحاب حممد صىل اهلل عليه وسلم الدنيا وفتحوا القلوب وبقي أثر عملهم

مم، تنظر القلوب أعامهلم لتقتفي أثرهم فكم من شهيد نال الشهادة تأسيا تتوارثه األجيال وتقوم عىل وفقه ممالك وأ

ىل سريهتم إهبم، ألهنم استشهدوا، وكم من عامل ينهل من علومهم يتحرى كلامهتم ومجلهم، هبا يستدل ويعي، و

يدعو اخللق ويقتدي..

يام نسيا منسيا.. علق عملك باهلل فعملك أغىل من أن تعلقه بفان فييضيع يف الرتاب وتطويه األ

القــرب طلب الصديقني وغاية العباد -21

41

ــــــــــــــــــــربالق

طلب الصديقين وغاية العباد

ه لسانه..، يسبق قلب واللسان الصائم ذاكر.. دائم الذكر، ذاكر القلب

ده من الطعام والرشاب، كاف طاعام ا حيث أمر، كيف يفرت وقد انرصف قلبه ومهه عن شهوات الدنيا بل وعن ما يقيم أوإ

ن مطلب روحه، تائبا مستغفرا، انطلقت فطرته بنور الوحي املبارك تطلب اهلل تعاىل..مر، أخر مطلب جسده عحيث أ

سان يلهج وقلب خيشع ويقوم ويف الطريق.. فزاد روحه واقتياهتا وحياهتا ونعيمها بذكر ربه تعاىل، مشغول به؛ ل

اآلخرون بحشوش الدنيا ومزابلها.. ين هذا الذكر، مشغول بالعرش، تطوف روحه، به بينام ينشغلبمعا

الذكر، قال صىل اهلل عليه وسلم ىل السامء، تقرتب من اهلل تعاىل حالإإن الروح، وهي مرتبطة باجلسد، هلا رحلتها

، ف » فقال أصواهتم بالتسبيح والتهليل يف سفرهم.. عندما رفع بعض أصحابه بعوا عىل أنإفسكمإ ا الناس أرإ إنكمإ ال أيه

رب إىل أحدكمإ م عون أقإ عون سميعا بصريا، إن الذي تدإ ، وال غائبا، إنام تدإ عون أصام السنن الكربى [ «نإ عنق راحلته تدإ

.](، وأحد132/ 7للنسائي )

].مسلم وأبو داود والرتمذي[ ..«وهو ساجدأقرب ما يكون العبد من ربه »وللروح قرب آخر حال السجود

ا إذا دعان وقرب آخر حال الدعاء وة الد .. ولذا فالوجه األقوى يف اآلية هو عدم الوقف فإين قريب أجيب دعإ

ل القراءة أقوى ألن فيه دال قريب عىل قوله لة عىل وإن كان وجها صحيحا ألنه يدل عىل قرب عام، ولكن وصإ

.]5شيخ السالم ابن تيمية، جممو الفتاوى ج[ القرب اخلاص بحال الداعي وهو املقصود يف اآلية.

.‟اهلل تعاىل يقرب من خلقه كيف يشاء نإ”وهذا القرب يقابله قرب من اهلل تعاىل للعبد، والقاعدة عند أهل السنة

قطع من األرض، واهلل تعاىل يقرب ألهل كل ناحية يظللها فاهلل تعاىل يتنزل يف ثلث الليل األخري، وثلث الليل ال ين

، يقرب من خلقه كيف يشاء.. واهلل تعاىل أكرب من كل يشء.، واهلل تعاىل عىل عرشهالثلث األخري كيف يشاء

يقرب تعاىل عشية عرفة ألهل املوقف دون غريهم، يقول شيخ السالم: فيجدوا من الرقة واخلشو ما مل جيدوه من

ىل عشية عرفة، بعد العرص.إ الفجر

ويقرب تعاىل من الساجد والذاكر والداعي قربا خاصا به، فتقرتب روح العبد من رهبا تعاىل، ويقرتب اهلل تعاىل

فهذا «الباطن»وم اخللق الذي هو معنى ومقتىض اسمه ـمنها كيف يشاء.. وهو قرب خاص غري القرب العام من عم

القــرب طلب الصديقني وغاية العباد -21

42

األزمان كثلث الليل، وبعض األمكنة يف بعض األزمان كعشية عرفة وهو قرب عام، لكن هناك قرب آخر يف بعض

خاص بأهل املوقف، ثم ثمة قرب آخر لبعض األشداص؛ للعابد والداعي والذاكر..

ب رون، واشتاقت قلوب املحبني وكادت أوصاهلم أن تبحث؟ حق لك، فعن هذا بحث األولون واآلخ عن القرإ

من شدة الشوق والوجد.. أترى عبارة حتيط هبذا املشهد؟! يا واهم كيف يوصف تتقطع من أجله، ومات بعضهم

قرب كهذا؟ وأي كلمة تعرب عن حب وشوق ما له مثيل، يا واهم.. هذا يشء جيرب ويذاق، هذا يبحث عنه وينفق

من حمض الفضل، فضل فوق الإ، ومل ينله عبد يقابله العمركله مهرا صغريا صغريا، وقليال قليال، ثمنا ملا ليس له ثمن

ال يصدق العبد نفسه أن ذاقه وفتحت له فيه روزنة وكوة.. ،العبارة

هذا القرب وهاتيك املحبة، أترى أن تذكر غريه؟ أو تفرت «ذاقت»فضال عن أن تكون «ملحت»أترى قلبا وروحا

خ فيك رـواه؟ لو سألته هذا لصمع قصده ومهه عىل غريه؟ أو يؤثر سعن ذكره؟ أو يثوى يف قلبه غري حبه؟ أو جي

به؟رإ ال بق إال بذكره وهل طابت اجلنة إ؟ يقول لك: وهل طابت الدنيا وعاتب: كيف تسأل هذا

لكنه وصف لتلك املحبة وذلك القرب، لكن الشأن كل الشأن أن تذوق، ومن ذاق لزم، ..!أصف لك وتصف يل

قال بعضهم:

القلب يعمره .. لست أنساه فأذكره ساكن يف

ال يكف عن الذكر واللهج الدائم والبحث والقصد ومجع اهلم، كلام تعطل حلظة رصخ: واخساريت تعطلت عن املسري،

فيم أنفقت تلك اللحظات وذلك العمر؟ ألغريه؟ أملن دونه؟ فواحسيت ويا ظلمي لنفس ويا هلفي عىل مقصودي وحمبويب..

فلريجع أهل الدنيا القرب؟ حق لك.. وهل أثمن منه؟ وهل أغىل وأعىل من ذلك القرب؟ يا صائم.. أتطلب

أخذوا الدون ورضوا باحلقري، أما أنت ففي سفر ما هلم به علم ومل خيطر هلم ببال ومل ؛بدنياهم، وقد خال وفاضهم

يذوقوا طعمه..

..والتوقي واخلوف زاد حتى الوصوللتض لكن السفر طويل ندشى فيه من القواطع والشواغل، ولذا فالتوكل وا

اخلري وبشارات الرضا ليه وفودإسفر طويل لكن ما أحاله وما أعاله، يؤنس فيه احلبيب تعاىل من يطلبه ويرسل

يدعوك ملواصلة املسري، يناديك من قرب تفرت فطمئنان.. تنسى فيذكرك، تعيص فيغفر لك ويسرتك، وعالمات اال

د وحي ملك بقوته..ويتلقاك من بعإ

يا مسافرا بلغنا اهلل وإياك الوصول..

ـ ذكـر اهلل يف كل حال بحسب ذلك احلال22

43

ذكر هللا في كل حال بحسب ذلك الحال

اكرين .. لصياما فالذكر مقرون مع ذاكر؛الصائم افظات والذ ني فروجهمإ واحلإافظ ائامت واحلإ ائمني والص والص

اكرات أعد را عظيام اهلل كثريا والذ فرة وأجإ غإ .. اهلل هلم م

قلوب وعندما تقرأ قول اهلل تعاىل ر اهلل تطإمئنه الإ بحسب ذلك فاعلم أن ذكر اهلل تعاىل يكون يف كل حال أال بذكإ

..احلال، وبام جيب يف ذلك احلال

لصباح واملساء.ذا يف وظائف اليوم والليلة، واوك فذكره تعاىل عقب الصلوات بالتسبيح هو ذكر ذلك احلال،

وذكره تعاىل يف مناحي احلياة يتحقق بذكر حكمه تعاىل الواجب يف ذلك احلال لطاعته والقيام بام أمر تعاىل، فهذا

كمإ مام الطربي وغريه قوله تعاىل ذكر ذلك احلال، وعىل هذا فس ال كرإ كروين أذإ بالطاعة فاذكروين »يعني فاذإ

، ثم ذكر أن ذكره تعاىل بالتسبيح عموما هو القول الثاين لآلية..«أذكركم بالثواب

ذكره تعاىل يف ذلك عدو وتاذل الصديق وشدة األمر.. فذكره تعاىل وقت الضيق والكرب ووقت الشدة وتكالب ال

را، وأنه حكيم وأنه حي د؛ حممود عىل ما يفعل، وأنه قد الوقت هو بذكر حكمته وقدرته وأنه قد جعل لكل شئ قدإ

جعل مع العس يسا، وبعد العس يسا، وأنه رفع عن األمة الرص واألغالل وما ال طاقة هلا به رشعا وقدرا ما قامت

ـ يعني الغاضبـ كر قربه ومعيته ألوليائه ودفعه عن املؤمنني، وأنه يثأر ألوليائه كام يثأر الليث احلرب بأمره تعاىل، وذ

ني قنط (1)ىل عباده وهم أزلنيليصلحهم ال ليعنتهم، وأنه يضحك إ وأنه خيترب عباده ويمحصهم «كن فيكون»أمره وأن

.. إن للسامء خطوها غري األرض، وإن املقادير ليست بيد العبيد..وقد قرب فرجهم.. فام أدرانا؟

ال الدنيا فان، فيزهد وهو يملك، ويشتاق عند النعم يذكر تعاىل بذكر حقه وذكر الدار اآلخرة وأهنا أبقى وأن ح

لآلخرة والدنيا بني يديه، ويلتزم حكم اهلل تعاىل فيام آتاه اهلل من أمر الدنيا..

قال يوسف عليه السالم عند جتمع األهل وامللك والدنيا كلها بني يديه، مع النبوة والرسالة، فيشتاق لآلخرة

تني من تأإويل األحاديث رب قدإ آتيإتني من املإ ويدعو نيا ، لإك وعلمإ ض أنت وليي يف الده اموات واألرإ ر السفاط

ني ، واآلخرة احل ني بالص قإ لام وأحلإ ني مسإ ، عليهام ، وقال شيخ السالم ابن تيمية وابن القيم أن داوود وسليامنتوف

].15، صـ 2مدارج الساكني، جـ[ ياء األغنياء امللوك ومع ذلك فهام أزهد أهل زماهنام..من األنب السالم،

عن اقرتاف ما يشتهي ملدالفته أمر مذكوره وحمبوبه تعاىل. العبدعند املعصية يذكر هنيه ووعيده وقدرته وسلطانه، فريتد

.أي صائرين إلى الضيق والشدة -كذا ضبط -قوله: "آزلين"، بالمد: اسم فاعل، جاء في حاشية السندي: تضبط أزلين، أو آزلين (1)

ـ ذكـر اهلل يف كل حال بحسب ذلك احلال22

44

وباجلهاد وبالثبات واالعتصام باهلل وطلب واوال هتن عند مواجهة السالم مع عدوه يذكر أمر اهلل باملواجهة

الشهادة والبحث عن الدور املطلوب منه يف موقعه والنصح للمسلمني وسد الثغرات وحفظ األعراض والكف عن

املعصية املسببة للهزيمة، وغري ذلك مما أمر تعاىل.

واملدالف واملؤمن والكافر.. هلل تعاىل وهكذا يف أمر الوالدين، والزوجة والولد واجلار والقريب والعدو واملوافق

كم يف كل حال ال تغني عنه طقطقة املسابح وحتريك الشفاه، بل الذكر هنا بذكر احلكم وامتثاله، ولو ذكر أمر وح

، وإنام ذكره ىل االستدفافإبالشفاه ومل يقم بأمره ما أغنى عنه، كمن يستغفر بلسانه وهو مقيم عىل املعصية فهذا أقرب

حينها برتك ما هنى عنه.تعاىل

ويف كل حال يذكر اهلل تعاىل فيذكر من صفاته وأسامئه، ويذكر من حكمه وأمره، ويذكر من أمر اآلخرة، ما يرى

األمر كام وضعه اهلل تعاىل ويتناوله كام أمر اهلل تعاىل، راغبا فيام عنده، رضاه واجلنة..

هنا روضة ونعيم يرافق املؤمن من الدنيا ويستمر معه يف اجلنة فال وأما الذكر باللسان ومعاين التسبيح والتحميد فإ

، ولنبني بعض معانيها إن شاء اهلل..طعينق

ـ معاين بعض الذكر وأثره23

45

معاني بعض الذكر

على اليقين وكمال اإلرادة وأثره

التسبيح والتحميد والتهليل باللسان املواطئ للقلب هو نعيم روح املؤمن، وهو من العبوديات املستصحبة من

ىل نعيم خالص جيري بال كلفة ألنه أعىل إىل اجلنة، وهي تدوم يف اجلنة لكنها تنقلب من تكليف فيه نعيم الروح إدنيا ال

من التنعم باملدلوق يف اجلنة من مأكل ومرشب ومسكن ومنكح وملبس وغريها.

ما تقتضيه صفات اجلامل ىلإال القلب مع ربه تعاىل، ما بني النظر حل بيانالذكر باللسان من التسبيح والتحميد و

..«احلمد هلل»والكرام والعطاء مما يوجب ويقتيض احلمد واللهج به، فيقول

ىل البهاء والعظمة واجلالل مما يقتيض التنزيه عن كل سوء ينسبه كافر أو شيطان وما يراه العبد من إوما بني النظر

.«سبحان اهلل»عاىل عن السوء، فيقول صفات نقص نفسه وجهلها وظلمها، فيوجب الكامل هلل وتنزيه ت

سبحان اهلل وبحمده سبحان اهلل»أو «سبحان اهلل وبحمده»أو «سبحان اهلل واحلمد هلل»قرتان بـ بينهام باال وجيمع

، واجلمع بني مقتضياهتام فاألول يوجب احلب والثاين يوجب قرتان بني احلالني، مقصود من ذلك هذا اال«العظيم

.والعبادة هي غاية احلب مع غاية الذل هلل تعاىل؛ فعليهام مدار حتقيق العبوديةالتعظيم والذل،

ال منه وكل رجاء إال له وكل خوف إتعاىل وإفراده باأللوهية ما ينفي كل حب يف القلب هلل والعبد يذكر من تأليهه

ها عن غريه تعاىل؛ فيسلم قلبه لربه ال ألمره الرشعي، وينفي مفردات العبودية كلإال له وكل طاعة إال فيه وكل تعظيم إ

ال اله »خاليا من مزاحة اهلوى ومن طاعة الغري ومن التعلق بسواه أو احلب لغريه أو التعظيم ملن دونه، وعىل هذا يقول

لتحقيق ذلك املعنى املحقق لكامل التوحيد، وهو حيرق الذنوب بحسب قوة ما قام بقلب صاحبه من هذا «اال اهلل

.ىل تكميل الطاعةإلتجريد، وهو يدفع العبد كذلك التحقيق وا

..«اهلل أكرب»وهبذا يقول العبد نظرا وتعظيام، والتكبري هلل تعاىل يصغر به ما سواه،

واحلول والقوة هلل يقتيض التربي من حول غريه وحول النفس وقوهتا، وهذا معنى االفتقار وهو يوجب عبوديات

، وهي كنز من اجلنة..«ال باهللإال حول وال قوة »ول بقوة ربه تعاىل، فيلهج عظيمة منها التوكل، واملتوكل حمم

وهكذا أمر اهلل تعاىل يف الذكر.

ـ معاين بعض الذكر وأثره23

46

قلوب اقرأ ر اهلل تطإمئنه الإ ىل صفات ربك وأفعاله وحكمته ورحته وقدرته وامتالكه أمر إوانظر أال بذكإ

ىل يف كل حال هو بحسب ذلك احلال.ره تعاالدارين.. ستجد الكثري فيطمئن قلبك.. فذك

له: واس وبدوام الذكر ولزومه تتنزل املالئكة عىل قلب العبد وتلزمه وتبتعد الشياطني، فعن ابإن عباس يف قوإ الإوسإ

ناس يإطان جاثم عىل قلإب ابإن آدم، فإذا سها وغفل وسإ »، قال: اخلإ .](135/ 7مصنف ابن أيب شيبة )[« وس، وإذا ذكر اهلل خنس الش

وأما عند لزوم الذكر فإن املالئكة تتنزل عىل قلب العبد، واملالئكة تتنزل بالتصديق وتقويته وزيادته، وبإرادة اخلري

عو ن مسإ ة وتقويته، وهبذا يزداد اليقني وتزداد إرادة اخلري، فعن عبإد اهلل بإ يإطان ملة، فلم د أنه قال: إن للإملك ملة، وإن للش

يإطان إيعاد مد اهلل، وملة الش يحإ ، فمنإ وجدها فلإ ق ديق باحلإ وتصإ ريإ ، فمنإ وجده املإلك إيعاد باخلإ ق ذيب باحلإ ، وتكإ ا بالرش

تعذإ باهلل. يسإ ](164الزهد أليب داود )ص: [ فلإ

فاملالئكة كام تنزل باملطر الذي هو قوت األجساد، تتنزل مالئكة أخرى بقوت القلوب واألرواح وهو التصديق بل

ح القلب وتتنزل بإرادة اخلري والرغبة فيه وحتبيبه للقلب )إيعاد باخلري(، فيصل )تصديق باحلق(، (2)والعلوم والفهوم

بزيادة تصديقه وفهمه وعلمه، وزيادة إرادته وحبه للدري، ومها قوتا القلب وهبام قوامه وصالحه..

وما تتنزل به املالئكة هو مطابق ملا يف الفطرة من معرفة اهلل وحبه وتوحيده، فيكون مطابقا ملا فيها، وهبذا صالح

العبد وسعادته..

نرصاف عن السوء، بينام الغافل تأتيه الريب والشكوك، وكل الرادة اخلري واوعىل هذا فالذكر سبب لليقني ولكامل إ

قادح منافق يف زماننا يقدح يف قلبه شيئا يمرضه أو حيريه، واملعصوم من عصمه اهلل واستمسك به والذ بجنابه فذكره

نك بذكره تعاىل، فتتنزل ومل يغفل عنه حتى لقائه تعاىل.. فاحذر فإن قطا الطريق كثري فالإزم سالحك وجنتك وحص

ن نقيضإ له شيإطانا فهو له املالئكة بدال من لزوم الشياطني؛ فإن يف مقابل تنزل املالئكة حإ ر الر ش عن ذكإ ومن يعإ

تدون هإ م مه بيل وحيإسبون أهن وهنمإ عن الس مإ ليصده تلزم الشياطني قلب العبد بالتكذيب باحلق ، وعندها قرين، وإهن

والتشكيك فيه، كام تلزمه باليعاد بالرش وتقوية إرادة الباطل.

لك شكارين.. ،اللهم لك ذكاريناجعلنا و عندك مذكورين،و اكرينذلك فاللهم اجعلنا

.راجع تفسير اإلمام البيضاوي، سورة فصلت، قوله تعالى )تتنزل عليهم المالئكة( (2)

ـ العفة من أخالق الصوام24

47

وام أهل هذا الدينالعفــــة من أخالق الص

افظات ج قرن اهلل تعاىل بني الصوم وحفظ الفرو ني فروجهمإ واحلإافظ ائامت واحلإ ائمني والص ر ، وذك والص

ب الذي ال جيد قدرة مادية عىل النكاح، وقال شيخ قاطع للشهوة للعز «الصوم وجاء»النبي صىل اهلل عليه وسلم أن

هو جمرى الشيطان من ابن آدم، فإذا قل السالم وغريه من أهل العلم أن الصوم يقلل جمرى الدم يف العروق، و

املجرى بالصوم قلت وسوسته..

ره ده وقر اسام ومعنى، الفطرة تعرف هذا، والوحي أك ناها، جبلت النفوس عىل حمبتها، العفة اسمها حسن كمع

د يف أمره.وشد

ك لتعاظم قبحها ش سوؤها وقبحها يف الفطرة والعقول املستقيمة والوحي الرباين، وذلضدها الفاحشة، فح

حتى إذا أطلق اسم الفاحشة دل عىل الزنا أو ما هو أخس من الشذوذ وغريه.

الفاحشة اليوم تعيش حتت الفتة الباحية، الباحية اليوم تلتف بالفتة احلرية، والباحية والفاحشة تستند

ها..بدورها للعلامنية التي تعادي رشيعة رب العاملني وترفضها ومتنع قيامها وحتكيم

األمنية والعالمية الساقطة.. ةجهزاألاليوم جيوشنا العلامنية وتدافع عنه اوالعلامنية والباحية والحلاد حتميه

األوىل بالظلم والقتل والتعذيب واملطاردة، والثانية بالكذب والفجور..

ى سيطرته عىل احلياة ويرام الدين ويريد هؤالء ترسيخ الباحية كقيم وثقافة يف حياة األمة، بنشء يرفض أحك

..«ال اهللإله إال »ي اخلروج من قيود ما متليه عليه احلرية ه

يراد أن تستقر من خالل التعليم والعالم الذي خيطو خطوات مرتبة ومقصودة، يفلسفها بجرأة ال تنقصها

يدوس، ثم أجهزة أمنية للعلامنية والباحية، وجييزها شيوخ مأجورون مطأطئي الرأس نعال لكل من الوقاحة رموز

سالمي يرفض هذا، وسالح حيمي هذا الجرام..إتتعقب وترصد أي حراك

وأمال أن يديم فرحا هبذاالقبول هلذه الباحية حتى فركوا أثمة دياثة بدأت تدب يف جمتمعاتنا وبدأ نو من

..يستقر ويدوم ويرسخ

الفطر مع هذا الدين أعمق من أن س للعفة وتوافقلكن ما ال يعلمونه هو أن هذا الدين عميق وأن حب النفو

هوات أن متيلواإ ميإال عظيام ..لغيه كالب الهثةت ذين يتبعون الش .. بل إن املفاجأة أن الغرب املرت ويريد ال

ـ العفة من أخالق الصوام24

48

وتعليمها للمجتمعات هناك د برتسيخ تلك الباحية وحايتها وبالباحية ما زالت تقوم اآللة الصهيونية يف هوليو

ولألجيال جيال بعد جيل حتى ال خيرج الناس عام قرروه بجهد من أمر هذه الباحية، ذلك أهنا طارئة عىل الفطرة،

ىل العفة..إولو تركت الفطرة بدون إحلاح عىل الباحية ملالت النفوس

راسدة، حتارب الباحية يف عقر دارها وهنا يبقى هذا الدين وتبقى الفطرة التي يقررها ويؤكدها باقية ثابتة

وتستنقذ الكثري من حتت وطأهتا يف الغرب نفسه، وهنا كذلك يبقى اخلطاب الرباين راسدا وتبقى الفطرة كذلك

رغم تلك الفقاعات، ويبقى السالم يعمل عمله..

ليه من علامنية إام تستند وهنا يرفع الصائمون شعار هذا الدين، صائمني وأعفة، ويبقى دورهم يف رفض الباحية ب

هم وحديدهم، وإحلاد واستدفاف بالدين، ورفض تلك األنظمة القائمة عىل فصل الدين عن احلياة بجيوشهم وحد

ىل قاعدة إون عىل طريقه.. مستندين ون عىل اهلل ويدل يعتصم الصائمون برهبم ويتفون باسمه ويبقون عىل العهد يدل

بمعنى إفراد اهلل تعاىل بحقه اخلالص يف الترشيع. ،اهلل ورفض ما سواهالعبودية والتوحيد بقبول رش

وترك اخللوة املحرمة واليامءة املحرمة والفعل املحرم.. العفة مجيلة اسام ومعنى، عفة الكلمة وعفة النظرة،

اىل تدل عليه وتبقى الصائمة العفيفة ترفض ارتكاس النجاسة والوحل املنتن وتبقى مضيئة بقيامها بأمر اهلل تع

ة ـ ولو بني الغنم املستعرض بجسده الرخيص يف الشوار ـ مضيئة ربها، وسلوكها وقيمها، تبقى در بمظهرها وخم

وسط الظالم..

وتعم العفة العفة عن املال احلرام، واملطعم احلرام، واملرشب احلرام، وغصب الناس أمواهلم، ورسقة إرثهم، وجحد

الغافل والصغري والضعيف واليتيم واألرملة والعامل الفقراء واملساكني والبسطاء..حقوقهم، وأكل مال الرشيك و

روى ة من مسك بني الناس خلقا وأمانة وعفة وأمانا.... إهنم الصائمون.. رص عفة الفرج وعفة البطن متالزمان

يام، فإن مثل ذلك كمثل رجل معه ..وآمركمإ ب »أحد رحه اهلل يف حديث حييى بن زكريا عليهام السالم أنه قال: الص

ك.. ك يف عصابة كلههمإ جيد ريح املإسإ ة منإ مسإ ](405/ 28مسند أحد ط الرسالة )[« احلديثرص

.م الفطر إذا عإ ..فن يقول ابن القيم ومن صام عن الشهوات يف الدنيا أفطر عند لقاء اهلل تعاىل

القرآن رسائل اهلل إليكـ 25

49

ليكإالقرآن رسائل هللا

لناس ئا لألمر بصيامه ذكر تعاىل نزول القرآن العظيم يف رمضان موط آن هدى ل قرإ ذي أنزل فيه الإ ر رمضان ال شهإ

قان فرإ دى والإ ن اهلإ ه ، وبينات م ر فلإيصمإ هإ عيل يف اللوح ها وأعالها.. ، أمجع الكتب وخريفمن شهد منكم الش

نا لعيل حكيم املحفوظ كتاب لديإ ه يف أم الإ رون ، ويف السامء وإن ه إال املإطه ، ويف األرض حمفوظ من ال يمسه

ر وإنا له حل م يبدل منه حرف، التبديل والتحريف، فل كإ نا الذ لإ ن نز ا ... وذكر تعاىل ليلة نزوله افظون إنا نحإ إن

باركة ناه يف ليإلة مه ر حكيم،، نا كنا منذرين إ، أنزلإ رق كله أمإ نإ عندنا فيها يفإ را م فذكر تعاىل أن فيها نزول القرآن أمإ

.فرق األمور وتقديرهاوفيها

ضدم وأمر جلل يف ىل العبيد، وهذا نبأ عظيم وحدث إىل األرض، خطاب اهلل تعاىل إالقرآن هو رسائل السامء

رضون التاريخ البرشي يم أنتمإ عنإه معإىل إذإ خيإتصمون ، قلإ هو نبأ عظ عإ .. ما كان يل منإ علإم باملإل األإ

صفاته وأفعاله وحقوقه، عن رضاه وسدطه، وعن بعض ما حيدث حدثنا اهلل تعاىل فيها عن نفسه وعن أسامئه و

كمإ يف املأل األعىل عن قلوهبمإ قالوا ماذا قال ربه كبري ؟ حتى إذا فز عيله الإ ق وهو الإ .. قالوا احلإ

يه وتعامله معه، وعن مكانة هذا املدلوق حدثنا اهلل فيها عن مبدأ النسان ومصريه وما يراد منه، وعن قدر اهلل ف

ووظيفته..

ليه يف شأنه الفردي والعام وكافة عالقاته، بربه ونفسه إتفضل اهلل تعاىل فتناول تفصيل حياة العبد وذكر أحكامه

اة حيوحكمه وتكليفه للعبد لتستقيم حياته تعاىل وخلق اهلل، مؤمنني وكافرين، أولياء وأعداء، أرحام وأباعد، فذكر

..، ويصلح شأنهأمته

هلذا الرتتيل، لثقل هذا الكتاب يف ، وتنصب قليال، ترتله بني يدي ربكتقرؤه نائام ويقظانا ،ال يغسله املاءكتابا

ية اهلل الساموات واألرض، فلو نزل عىل جبل نإ خشإ عا م تصد ته خاشعا مه رأيإ ..ل

تطئه بصرية وال فطرة نظيفة تسمعه تقول: أعرفه.. إنه كالم ريب، خياطبك تعرف فطرتك خطاب اهلل تعاىل، ال

ىل املعايل، يشغلك إىل أعامقك ويكشفك أمام نفسك وحينو عليك ويأخذ بيديك، يأخذك برفق ويدعوك إفينفذ

مغاءها حكمة ورحة ونصفة احلق ودبقضايا السامء ويعرفك خطوها وكيف تسري األحداث عىل األرض، وأن ور

الباطل..

القرآن رسائل اهلل إليكـ 25

50

ويعيد ترتيب حياتك وفقا ،ويعيد صياغة نفسك ،وخيرجك إخراجا جديدا ،ويسمو بشدصيتك ،يرفع اهتاممك

ملنهج رب العاملني..

حيدثك عن السابقني ويلحقك بالصاحلني وتعايش املتقني وتصحب األنبياء..

منني ىل عاقبتهم هنا إخريون، فانظر تأمن يف كنفه؛ فعىل الطريق سار قبلك املإؤإ ا عليإنا نرصإ ىل إوانظر وكان حق

رمني عاقبتهم هناك لمون، بام غفر يل ريب وجعلني من املإكإ مي يعإ .. قال يا ليإت قوإ

كمه مج ، وهناك إن الإباطل كان زهوقاكام تعرف عاقبة الباطل هنا ون فريإ ارس لئك هم اخلإ عله يف جهنم، أوإ .يعا فيجإ

، تعرف عن همشغلون، تعرف ما يقولون وما يتعرف ماذا يقول املقربون من املالئكة، حلة العرش والكروبي

ومسء.. الغابرين، وعن مصري احلياة واألحياء وعن الدار املنتظرة لكل، حمسن

قلإ وأنت عىل يقني بأن ما رش لك فيه حقا يريض ربك، فتقرب من ربك عىل بينة يأخذ بك للقرب من ربك،

يب ن ر ىل حياة خاصة جدا إ، وإذا بك تشعر بالقرب وتذوقه وتراه، فيأخذ من ذلك العامل الفاين إين عىل بينة م

هتتم برصاعاته وقضاياه..وغايات سامية وقضايا كبرية وأهداف رائعة، فتسعد وأنت توض معاركه و

يرسم لك حياة من جديد ويوضح لك معاملها..

ع ـجاء القرآن ونزل ليعيد إخراجك وإخراج األمة.. يبني خطابه عىل حق اهلل اخلالص بالتوحيد وتلقي الرشائ

ارشتك وقبول املنهج، ثم يرش يبني لك تفاصيل املنهج، حتى استئذان الصبيان يف البيوت يف دخوهلم عليك، ومع

النظرة وأداء ألهلك وإنفاقك املال وقسمة إرثك وطريقة مشيتك ودرجة ارتفا صوتك وانتقاءك للكلمة وعفة

اهلل لكمإ أن تضلهواإ ذا تفاصيل من باب الرحة واملنة .. وهكاحلقوق وإقامة العدل وحفظ الغيب يعني لئال يبني

نإ اهلل رسالته يف إطار املنةولذا ذكر تضلوا، أو كراهة أن تضلوا، لقدإ من اهلل عىل املإؤمنني إذإ بعث فيهمإ رسوال م

.. أنفسهمإ يتإلو عليإهمإ آياته

كام نظم حياة املجتمع والدولة يف أدق جماالهتا، بأحكام مفصلة أو قواعد عامة ومقاصد وحدود وتصورات

وقيم..

القرآن رسائل اهلل إليكـ 25

51

أ العظيم واحلدث الضدم واألمر الفارق واجللل.. أخربين، بل أخرب نفسك وأخرب ربك.. كيف استقبلت إنه النب

هذا النبأ العظيم وتلك الرحة السابغة وتلك املنة الفريدة؟ فرحت هبا أم ضاقت هبا نفس ظاملة؟

.قل هو نبأ عظيم.. صدق اهلل العظيم

ـ إىل الصالة تأوي ومنها تنطلق26

52

ومنها تنطلق يلى الصالة تأوإ

ام بالنهار، ورش القيام بالليل، فيقرن العبد بني أن يكون صواما وأن يبيت قواما..رش اهلل الصي

والصالة هي التيان بكينونتك لتقف هبا بني يدي ربك تعاىل.. وهل من صائم ال يذوق طعم الصالة؟

يف ركوعه تعرف معنى الصالة ومعنى أن تأيت ربك بكينونتك تعرفه من حديث رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم

الذي يبني كيف كان يركع صىل اهلل عليه وسلم، وعىل منواله كيف يسجد أو يقوم أو حيمد أو يستغفر..

ت ولك »روي الشافعي يف مسنده أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم كان يقول يف ركوعه اللهم لك ركعإ

، خشع س ت وبك آمنإت وأنإت ريب لمإ تقلتإ به قدمي هلل رب أسإ ي وما اسإ ي وعظامي وشعري وبرش عي وبرص مإ

عاملني ت، خشع لك »أنه كان يقول: ، ويف روايته، ورواه مسلم«الإ لمإ ت، وبك آمنإت، ولك أسإ اللهم لك ركعإ

ي، و عي، وبرص .«ي، وعصبيخمي، وعظإم سمإ

ر، يركع املخ ـفكان يف ركوعه صىل اهلل عليه وسلم يشعر هبذا الركو شعورا عميقا، فريكع السمع ويركع البص

ويركع العظم ويركع العصب ويركع ما حلته قدمه..

بني يدي ربه حال وقوفه، يقنت وخيشع وخيضع بكينونته؛ فيقنت السمع يقنتففكذا يكون الوقوف قنوتا،

ت البرص ويقنت املخ ويقنت العظم ويقنت العصب وتقنت مجلة ما حلته قدمه من حلم وعظم ودم وعصب ويقن

ق، وكل خلية يف جسده وكل قطرة دم يف عروقه. وعرإ

وكذا سجوده صىل اهلل عليه وسلم يسجد السمع ويسجد البرص ويسجد املخ وتسجد العظام.. تسجد كل قطرة دم

رب العاملني؛ فقد روي نفس دعاء الركو ـ السابق ذكره ـ حال السجود عن بعض الصحابة. وكل خلية يف كينونته.. هلل

وكذا حال حده بعد ركوعه.. يقف ليحمد معه السمع وحيمد البرص وحيمد املخ وحيمد العظم وحيمد العصب

وحتمد مجلة ما حلته قدمه هلل رب العاملني..

ر ويستغفر املخ ـسانه فحسب، بل يستغفر السمع ويستغفر البصوبني السجدتني يقعد ليستغفر، ال يستغفر ل

ويستغفر العظم ويستغفر العصب.. تستغفر كل جارحة.. يده ورجله ولسانه وبطنه وفرجه وجلده..تستغفر كل

خلية يف جسده، كل مزعة حلم.. يستغفر قلبه من كل وساوس وخواطر، ومن أي معنى حمرم أو ال يليق..

ينونتك ال يصيل، ما بني قنوت وركو وحد وتذلل لربك واستغفار له..ال ترتك شيئا من ك

ـ إىل الصالة تأوي ومنها تنطلق26

53

كل هذا عىل وجه املشاهدة واليقني واحلضور..

ثم تدبر كتاب ربك وكالمه تعاىل وتلق منه خطابا عىل وجه املشاهدة واحلضور، خطاب لك أنت، أنت أنت،

خاطبك به، مقصود به شدصك وواقعك.. ليك وماإ؛ ذلك أن اهلل تعاىل سيسألك عام أنزل أنت ولواقعك

ثم تدبر ذكرك له حتميدا وهتليال، تسبيحا وتكبريا، وتوكال وخشوعا..

ىل صفات اجلالل والعظمة والبهاء..إالتسبيح وما يشتمل عليه من أمر التعظيم، والنظر

ىل صفات اجلامل والكرام والعطاء..إالتحميد وما فيه من النظر

وما فيه من جتريد العبودية طاعة وتعيظام وحمبة وخشوعا واستعانة ورغبة ورهبة «اله اال اهللقول ال »التهليل

ورجاء، وسائر مفردات العبادة..

التكبري وما فيه من تعظيم الرب واستصغار ما دونه، وجودا وحياة وقيومية، وغاية وقصدا.

لك وما فيها من توكل وتربي من احل «ال باهللإال حول وال قوة » ل والقوة واخلروج من قوتك وحوإ ىل قوة ربك إوإ

له.. تعاىل وحوإ

الدعاء واللهج به وإظهار الذل واالفتقار وإنزال احلوائج باهلل تعاىل وحده.. تطلب منه حوائج الدنيا واآلخرة..

ك بقوتك فلله ما أحىل قوله يف هذه احلال: أسألك بعزك وذيل إال رحتني. أسأل»يقول ابن القيم رحه اهلل

وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة اخلاطئة بني يديك، عبيدك سواى كثيـر، وليس يل سيد

سواك، ال ملجأ وال منجى منك إال إليك، أسألك مسألة املسكيـــن، وأبتهل إليك ابتهال اخلاضع الذليل، وأدعوك

.«ك أنفه، وفاضت لك عينـــــاه، وذل لك قلبهدعاء اخلائف الضير، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم ل

ا أحـاذرهـه ممـومن أعـــوذ ب.... ... وذ به فيام أؤمله امن ألــيـ

ضون عظام أنت جابره أنت كارسه ... وال ييال جيربالناس عظام

كو ، فتشعر بمعنى الوقوف والقنوت، وتشعر بمعنى الروعىل منوال هذه العبودية تكون الصالة بكينونتك

ستغفار والتوبة والندم..والذل، وبمعنى احلمد والثناء واالمتنان، وبمعنى االواخلضو ، وبمعنى السجود

ليك..إوتتلقاه، رسائل ربك تدبر كالم ربككام ت

ـ إىل الصالة تأوي ومنها تنطلق26

54

فتقار لربك والذل بني يديه..، والدعاء والتض واالبمعاين ما تقول وتتدبر ذكره قائام قلبك

..«كأنك تراه» واملشاهدة والنظر بقلبك وكل هذا عىل وجه اليقني

ليها، ومنها تنطلق..إفتأوي إن لك يف النهار سبإحا طويال ىل الصالة من انشغال طويل إتلوذ

أخي إنه من ال حيسن صالته فام أحسن، ومن ال حيسن صالته فامذا سيحسن؟ ومن ال حيسن صالته أو ضيعها

..فهو ملا سواهاه مضيع

ـ التقوى غـاية27

55

ةـايـوى غـالتق

ذين من قبإلكمإ ـ لعلكمإ تتقون اهلل تعاىل غاية الصيام التقوى فقال جعل يام ـ كام كتب عىل ال كتب عليإكم الص

ن هذا مقرب الرتك من أجله، جوعا وظمأ وتركا للشهوة من أجله، مع الذكر وقراءة القرآن، أ يعلم اهلل تعاىل أن

ذي الصيام كام ذكرت يف غاية اخللق لتحقيق التقوى.. تلكم الغاية التي ذكرت يف كم ال بدواإ رب ا الناس اعإ ياأيه

ذين من قبإلكمإ لعلكمإ تتقون علكمإ ل .. خلقكمإ لق ، والتقوى يف اآلية إما أن تكون متعلقة باخل خلقكمإ وال

بدواإ من أجل الوصول للتقوى ،بالعبادة فيكون اجلهد املبذول بالتوحيد ثم امتثال األمرمتعلقة ، أو تتقون .. اعإ

. لعلكمإ تتقون

ليها، حيث جعلها القرآن جائزة يستحقها صاحبها بعد إىل جهد للوصول إالتقوى حالة برشية فريدة، حتتاج

ة منك تعرض أو تتكاسل عن حتقيقها ه ومواقف، ليثبت نجاحا يستأهل به التقوى، فالتقوى ليست من امتحان لقلب

يف حق ربك! حاشا وكال؛ بل هي منة من اهلل تعاىل أن تصل لتلك احلالة البرشية الفريدة والسامية..

تحن اهلل قلوهبمإ متحان واال ىل اجلهدإانظر ذين امإ لئك ال وى أوإ ىل تدبر عميق.إحتتاج للتقإ

ىل قوله تعاىل عن موقف أصحاب حممد صىل اهلل عليه وسلم يف أحرج املواقف بني اجلهاد والبيعة عىل إوانظر

الثبات ثم البيعة عىل املوت ثم صلحا خيالف ظاهره ما خرجوا من أجله، وما بني التمسك بالسالم والصرب عىل

ل أ مية من العبادة خمتلفة، يقول تعاىل لواناختالف األحداث وبذإ ذين كفروا يف قلوهبم احلإ حية ـ إذإ جعل ال

ية اهل وى وكانوا أحق هب ـ اجلإ زمهمإ كلمة التقإ منني وألإ لهاا و فأنزل اهلل سكينته عىل رسوله وعىل املإؤإ وكان اهلل بكل ، أهإ

عليام ء . يشإ

قواإ اهلل قوى وصية اهلل لألولني واآلخرين الت اكمإ أن ات كتاب من قبإلكمإ وإي ذين أوتواإ الإ يإنا ال .ولقدإ وص

هو حالة فريدة، حالة الشدص الناس يعيشون ويتكلمون ويفعلون ويشعرون، كام يشاؤون، لكن ذلك التقي

الرباين؛ شعوره عبادة وتقرب، وأفعاله عبادة وتقرب، وأقواله عبادة وتقرب، وآثاره خري وداللة عىل اهلل تعاىل..

قه قربان، حساسيته ودوافعه قربان، غايته من كل حركة يف احلياة ف حبه كدوفه كرجائه قربان، أمله وطموحه وأ

ام يكون قربانا، غري ب عليه، يراها ويشعر هبا ويشغلهاحياء واألحداث قربان، كل حلظة متر قربان، رؤيته للحياة واأل

ما يفعل اآلخرون ويقتلون أوقاهتم! الفارغة! ألن قلوهبم فارغة.

ـ التقوى غـاية27

56

التقوى غاية عمر، وغاية جهد..

حس.. كلم التقوى حالة تعاش، وطعم يذاق، وملبس يسرت ويزين.. التقوى حساسية يف ضمري وإرهاف يف

طيب وفعل حسن وأثر خري.. التقوى أمان لألعراض وأمان للدماء وأمان لألموال.. يأمن معه كل عرض وتسترت

به كل عورة.

التقوى أمان عىل املشاعر، حيث هناك الرقيب.

وراحته.. التقوى إقدام يف موطنه ولو تأخر جبان أو بديل أو اله أو شحيح، إقدام ولو بذل ماله ودمه، وعمره

وإحجام ولو سال لعاب اآلخرين واستسهلوا احلرام أو برروه أو تقاتلوا عليه..

التقوى تقف أمام اجليوش الظاملة والعروش املهابة والشهوات املرتعة واحلرام املزين والشبه الزائفة ولو

تزخرفت والرموز الباطلة ولو طنطنت..

زيني والغواء، والتوجيه لألهواء واالستدفاف..التقي يستعيص عىل التضليل والضالل، والت

باطن كظاهر بل خري منه، ورس كعالنية بل خري منها، مدخل كمدرج بل خري منه، فعل كقول بل خري منه..

سم العظيم اجلنة يف مواطن كثرية من كتابه، يأمنون إذا فز اآلخرون ويفوزون عندما لذا علق تعاىل هبذا اال

وا الفوز ليوم احلساب ففازوا يف الدارين.. فسبحان من خيتار ويصطفي.يتحس الكثري، أجل

مإ جنات النعيم متقني عند رهب إن املإتقني إن املإتقني يف جنات وعيون إن املإتقني يف جنات ونعيم إن للإ

قوا بمفازهتمإ ر يف جنات وهن ذين ات ي اهلل ال وء وال همإ حيإزنون ، وينج هم السه لئك هم املإتقون ال يمسه ا ، أوإ هلم م

مإ سنني ، يشاءون عند رهب ذ ، ذلك جزاء املإحإ وأ ال ر اهلل عنإهمإ أسإ ذي كانوا ليكف سن ال رهم بأحإ زيمإ أجإ ي عملوا وجيإ

ملون .. إن للإمتقني مفازا يعإ

.. اللهم العملة النادرة وخري نتاج برشي.. فاللهم.. اللهمإهنم ابحث عنهم يف كتاب اهلل وسري األولني..

متقني إماما نا للإ علإ . اجإ

جماالت التقوى وآفـاقهـاـ 28

57

من باطن الصدور اـجاالت التقوى وآفاقهم

لى قيادة األمةإ ،لى واقع الناسإ ،لى محراب العبادةإ

عندما تكون التقوى غاية عمر، وغاية جهد..

وعندما تكون التقوى حالة تعاش، وطعم يذاق، وملبس يسرت ويزين.. وعندما تكون حساسية يف ضمري

ثر خري..وإرهافا يف حس.. كلم طيب وفعل حسن وأ

ىل صدره إوأشار «أال إن التقوى هاهنا، أال إن التقوى هاهنا، أال إن التقوى هاهنا»فاعلم أهنا تبدأ من القلب

صىل اهلل عليه وسلم.. فتقوى القلوب هي أصل التقوى ويلزم منها تقوى اجلوارح..

تنظرإ نظور، شاغله غدا يقدم له اض املشهادة، يعيشه بكينونته، أكثر مما يعيش احل التقي الغيب يف القلب ولإ

متإ لغد ا قد س م .. يذكر املوت والبىل، واملصري يف القبور وصمتها وظلمتها، وطول يوم القيامة وضحه نفإ

.وهجريه وظمأه ونصبه، وخوفه وفزعه، وميزانه الدقيق الذي ال يغفل مثاقيل الذر

نإ هو قانت آناء ، لعله ينجو لرقاد للمناجاة واألنني، وإصالح احلالمن ا يزعجه ويقلقه أمر اآلخرة فيهب أم

ه ة رب جو رحإ خرة ويرإ ذر اآلإ يإل ساجدا وقائام حيإ .. الل

نزل نفسه يف أهل القبور، ال حزنا وال رصاخا وال عبسا يف وجه أحد، بل بحثا عن بضاعة إذا نزل هبا هذا امل يعد

نه يوم املوقف كان ونسيانه.. وإذا خرج موضيقه، وينجو مع دوده وباله كان سعيدا ناجيا، ينجو من كروبه وظلمته

قيامة آمنا وسعيدا، م الإ ن يأإيت آمنا يوإ أم م ..؟أفمن يلإقى يف النار خريإ

م يق شدص مشغول بالوقوف بني يدي ربه، التقي عاملني يوإ خياف من حرية اليوم وفزعه .. وم الناس لرب الإ

راط، لقلبه وجيب ووجيف ـء.. مشغول بامليزان قلق من الصوتقطع األنساب واألوارص وفقدان احلميم واألخال

من تلقي الصحائف ومن حلظة سام حكم اهلل تعاىل بالنجاة أو اخلسان.. هذا شغله وهذا إحساسه..

حالة للكلمة الصادرة، بني السوء واخلري فيأت اخلري، كلمة وأثرا للكلمة، وما بني حسن وأحسن فيقول التقوى

التي هي أحسن.

بة ويف األفعال.. التقوى يف معرفة الواجب والشعور به، وهيبته، وفعله، وترك املحرم والشعور بقبحه وهي

إتيانه..

جماالت التقوى وآفـاقهـاـ 28

58

نة للتقي حواجز وحدود لفت اجلإ بعيد، هذا ما توعدون لك وأزإ ن ـللإمتقني غريإ حإ اب حفيظ، منإ خش الر ل أو

نيب غيإب وجاء بقلإب مه .. بالإ

التقوى ليه.إى به فيها، أو ترشئب األعناق قتد التقوى يف األخذ والعطاء، واملوقف.. التقوى يف مواقف الشهاد التي ي

ليه والداللة عليه.إليه طلب اخلري والتوجيه إيف حال الصمت أن يصمت قاصدا ترك األذى، ويف الكالم أن يدفعه

ىل أثر أفعاله وأقواله ومواقفه وآثارها، خيشى من عمل ينتهي منه وال تنتهي منه إالتقوى ينظر هبا صاحبها

اء عمله.. بل يبحث الستمرار زال يكتب له سوء من جر املالئكة كتابة ألثر يسء، كام خيشى أن يغادر الدنيا وما

األثر احلسن بعد انتهاء العمل بل انتهاء احلياة.

التقوى حساسية وخلق، ومراعاة للشأن العام، وحق الناس، فال يغتاب وال جيرح صاحب أمل أو آفة، ال حيرج

عج جارا وال يؤذي طريقا، ال يضيق طريقا عاما ضيفا وال يعيب مضيفا، ال يكيد وال يستعيل وال حيتقر مسلام، ال يز

الصاحب يف والصاحب، رفيق ب ا للرحم واجلار.. وفي ل، فللطريق حرمة وللمسلمني حقوقبسيارة أو أغراض حم

الطريق وزميل العمل والرشيك، ال يؤذي بصوته وال نظرته وال كلمته.. نظيف مجيل ال يضع األذى بل يزيله،

ضارة اليامن.. حذلك، إهنا وأرقاها، ليست احلضارة النسانية فقط بل ما هو أعىل من أخالقه يف قمة احلضارة

احلضارة الربانية..

عىل مقدرات بلده فريعاها وحيفظها أمينا يؤمتنوذلك العنرص الذي تقوم عليه النهضة وتتقدم األمم ..إنه التقي

.بأمته أعىل من شعوره بشدصه ، فشعورهوفيا يقدم الشأن العام عىل شأنه الفردي الشديص

،ودحر الباطل ،ووالء املؤمننيوإقامة أحكامه، ونرصة الدين وإقامته ،التقوى يف املواقف العامة وإصالح األمة

،ورعاية الفقري والضعيف ،ر الدعوة واخلريـونش ،وإصالح املجتمع ،وإقامة املؤسسات لقامة الدين ورعايته

وكف الدمعة وسرت العورة وكفاية احلاجات وسد اخلالت، وتقدم األمة وامتالكها موتفريج الكروب وتنفيث اهلمو

القوة وتوطني العلم واجتياز الفجوة احلضارية مع الغرب، والقيام بأمر الرسالة ونرشها وبالغها، وتربية األمة وفق

منهج اهلل إعالما وتعليام وتوجيها وثقافة..

، التقوى يظهر أثرها عىل وجه صاحبها ويف ثقل عمله وأثره، التقوى التقوى سمت وهدي وصالح، حال وملبس

تصنع شدصية جديدة وفريدة.. ترجو خريه وتأمن رشه، وتأمن عىل غيبتك لو فارقته، مطمئنا لقلبه وصدره، آمنا عىل

ليك! ال موقفه، تأمن عىل عرضك ومالك وعورتك.. يسرتك ويتأمل ملعصيتك وحيب استقامتك وال يرى لنفسه فضال ع

جماالت التقوى وآفـاقهـاـ 28

59

وشعور حسن صدر فسيح ويد جوادة نة متسع للتنافس واخلري..يف اجل ليك؛ إذإسيق ينافس يف دنيا، وال يضيق بدري

ليه، لكن املالئكة مشغولة أن إقد ال تفطن وظن بدري.. يدلك عىل اخلري بحضوره وغيبته، بواقعه وذكراه، بحياته ومماته..

اهاته، وحزنه وفرحه، ومهه وقصده..تكتب عمله وقوله وأثره ومشاعره واجت

أمانيه ليست يف األرض بل يف السامء، وللسامء شغلها هبذا التقي..

أرأيت كم ندس ونحن ننرصف عن الغاية التي أرادها اهلل لنا؟

يف ..فإذا أنا بريب عز وجل » فيم خيتصمون!! قال صىل اهلل عليه وسلمإن للسامء أمرها وللمالئكة انشغاهلا.. انظر

أحسن صورة، فقال: يا حممد! فيم خيتصم املأل األعىل؟. قلت: ال أدري رب. قال: يا حممد! فيم خيتصم املأل

األعىل؟. قلت: ال أدري رب. قال: يا حممد! فيم خيتصم املأل األعىل؟. قلت: ال أدري رب. فرأيته وضع كفه بني

وعرفت، فقال: يا حممد! فيم خيتصم املأل األعىل؟. كتفي حتى وجدت برد أنامله يف صدري، وجتىل يل كل يشء

قلت: يف الكفارات والدرجات. قال: وما الكفارات؟. قلت: نقل األقدام إىل اجلمعات، واجللوس يف املساجد بعد

الصلوات، وإسباغ الوضوء عىل الكريات. فقال: وما الدرجات؟. قلت: إطعام الطعام، ولني الكالم، والصالة

]رواه الرتمذي[..«والناس نيام

أرأيت فيم انشغال املالئكة؟ شغلهم باألتقياء.. فأقول لنفس، ولك، ولكل خملوق.. اتق اهلل.

ال يتم الصيام إال بقبول املنهج كله الصيام جزء من منهج -29

60

لصيام جزء من منهجا

ال بقبول المنهج كلهإال يتم الصيام

نطاق المن شعائر السالم، وحكمه الوجوب، والوجوب يف السالم ليس وجوبا فرديا يف ةشعريالصيام

اخلاص، بل الوجوب يف هذا الدين وجوب فردي ومجاعي يقوم به الفرد يف خاصة نفسه وتقوم به اجلامعة يدالفر

يف دولة وسلطة قائمة عىل إقامة الدين وفرائضه وحفظ املحرمات واحلدود ممثلة يف تعاون الفرد مع إخوانه وممثال

ر أفرادا ـعالقات واألموال وسائر ارتباطات البشوإقامة املجتمع عىل أساس التصور الرباين للحياة واألحياء وال

وأرسا وجمتمعات وسلطة وعالقات متبادلة.. وإعالم وتعليم وثقافة وهوية..

مه إىل اهلل ذلكم اهلل قول للناس كلها، عىل لسان نبيه، الصيام فر عن أصل كبري ي فحكإء تمإ فيه من يشإ تلفإ وما اخإ

فراده ـ عىل احلياة كلها..ة الترشيع الرباين ـ والصوم أحد أىل اهلل بالطاعة يظهر يف هيمنإ، فحق الربوبية والتوجه ريب

الترشيع الرباين الذي يغري احلياة تغيريا عميقا.. تصورا، وقانونا، وحدودا، وأخالقا، وتوجيها.. يغري الفرد

ليم والعالم..واملؤسسات والشار واملجتمع واجليوش ونظم التع

قيم وأخالق، فنون وآداب، السالم السالم أحكام قانونية؛ مدنية وجنائية واجتامعية ودولية، وقوانني أرسة،

ة النبوة للة لسلسىل العامل، وصإ إمؤسسة حاكمة وتوجيه إعالمي وتربية تعليمية، تصور عن احلياة، ورسالة أمة

اجلامع ملا قبله واملهيمن والشاهد عليه. ـ صىل اهلل عليه وسلمـ بإرث حممد املباركة لألنبياء جيال بعد جيل، بالقيام

الترشيع الرباين منحة ليقوم الناس بالقسط، فقد نزلت الرساالت من أجل إقامة هذا املجتمع وهذه احلياة عىل

بي زل وإقامة العالقات عىل أساسها، وفق القسط املن نا رسلنا بالإ سلإ كتاب واملإيزان ليقوم لقدإ أرإ نا معهم الإ نات وأنزلإ

ط قسإ والقسط هو ما أنزل اهلل ال ما يظنه البرش. ، الناس بالإ

ليها، إللعاملني الحتياجهم رساالت، لكنه تعاىل أنزهلا رحة ىل الإال يستقل اخللق بالترشيع وإال ملا احتاج الناس

فقراء إىل اهلل يارب العاملني يف قوله تعاىل ترشيعىلإولدخول احتياجهم ا الناس أنتم الإ ؛ فمن مل ير احتياج أيه

ال فام أجهله.أو معاند أو كاره ألمر ربه تعاىل.. ومن مل ير ترشيع ربه رحة بل ح ،ر لترشيع رهبم فإما جاهلـالبش

ال يتم الصيام إال بقبول املنهج كله الصيام جزء من منهج -29

61

واءهمإ وأن للهوى هي احلق املقابلالرشيعة كم بيإنهم بمآ أنزل اهلل وال تتبعإ أهإ ، فإما هذا وإما ذاك، احإ

واءهمإ لفسدت العبودية أو اهلوى، واهلوى مفسد للحياة، ليس فقط، بل لألرض، ليس فقط، بل قه أهإ بع احلإ ولو ات

ض ومن فيهن رإ اموات واألإ .الس

ملصالح أو أعراق أو أجناس أو أحزاب ال وأصحاب قصور وأهواء وصفقات وانحيازه عون من البرش ج املرش

يتالعبون أو يوجهون من خالل أجهزة خبيثة أو أرباب أموال أو رؤوس فساد.. ،يديولوجياتأأو طوائف أو

بحياة ومشاعر ومصري أغىل خملوق وأسامه، وهو النسان.

باهنمإ ولكنهم يغتصبون حق من خلق ورزق خيلقوا ومل يرزقوا، نازعوا اهلل يف حقه.. مل بارهمإ ورهإ ذواإ أحإ ات

ن دون اهلل بابا م إ يأإذن به اهلل أرإ ين ما مل ن الد عوا هلم م كاء رش . أمإ هلمإ رش

يانة وجهة نظر.. خيالفون الفطرة ويقتلوهنا، يشقون وتشقى الباحية عندهم والفاحشة حرية، والربا نامء، واخل

هبم األمم.

ورش اآلداب لتحقيق لعلكمإ تتقون وفرض القصاص لعلكمإ تتقون السالم منهج اهلل، فرض الصيام

ا الن التقوى، ورش مجيع الرشائع عىل نفس منوال الصيام لتحقيق التقوى ذي خلقكمإ يا أيه كم ال بدواإ رب اس اعإ

ذين من قبإلكمإ لعلكمإ تتقون ؤ يرفض بعض أحكامه أو يرفض تدخل الدين يف حياته، بل ال ، فال حيققها امر وال

.، فإن أصل التقوى اتقاء الرشك ثم اتقاء املحرمات.يكون مسلام ابتداء

له إال »ستسالم دينونة هلل تعاىل بقبول حكمه واالستسالم له تعاىل، عنوان االو والالصيام فر عىل حتقيق اخلض

وحقيقته حتقيقها بإفراد اهلل تعاىل بالعبادة والطاعة يف الترشيع، فردا وجمتمعا، فيقرر إقامة احلياة عىل وفق «ال اهللإ

ال اهلل، فتقوم الرشيعة ويقوم الدين..إله إمقتىض إعالنه أنه ال

أجل حتقيقه، حيكم السياسة واالقتصاد أحكامه، وتقوم منو قوم املؤسسات بناء عىل عقيدته وتصوراته وقيمهت

ى عن هذه املجاالت، فللسالم حكمه يف كل هذا جتام واألخالق والفنون واآلداب، ال يقبل السالم أن ينح واال

األفراد واملؤسسات. وقيمه وأهدافه وغاياته التي تتحقق يف هذه املجاالت ومن خالل

عند وجود أمة حتمل هذا املفهوم وتلك العقيدة فلن متاحك يف أحكامه وسيادته راقصة وال يعرتض ديوث وال

جيادل جاهل وال حيارب علامين إال واجهته األمة، بدال من أن يصبحوا رموزا!!..

ال يتم الصيام إال بقبول املنهج كله الصيام جزء من منهج -29

62

ها من جديد وإخراجها الثاين نأمل إن املفهوم؟ عن هذا نبحث، ويف ميالد هذا التي حتمل وتتبنى لكن أين األمة

واهلل غالب عىل أمره ولكن أكثر الناس ال يعلمون.. ..شاء اهلل، ونرى األمر عن قريب بإذن اهلل

ظاهرة وهو جزء من هوية أمة الصيام شعرية -30

63

الصيام شعيرة ظاهرة وهو جزء من هوية أمة

فمن متام الصوم شعرية.. وهو شعرية ظاهرة، والشعائر الظاهرة هي شعار أمة هلا ترشيعها وهلا عقيدهتا، ومن ثم

ريعة..ـرشيعتها ومن لوازم عقيدهتا أن تكون هلا هويتها، املنبثقة من هذه العقيدة ومن لوازم تلك الش

نحن أمة تصوم، ليست هي الفراعني، وال األمازيغ وال البابليني وال الفينيقيني.. ليسوا العرب أو الرتك األفارقة أو

صهر تلك االنتامءات فيها وتعمل من خالهلا كفصائل عمل هلوية واحدة.الفرس أو الرببر.. إهنا أمة السالم.. ثم تن

فالسالم عقيدة ورشيعة وهوية.. الصوم أحد تلك الرشائع، وهو فر من رشائع حتكم احلياة؛ فهو جزء من رشيعة

وداللة عىل هوية..

وية بديلة، بل أخذت األوطان قد يعيش املسلمون يف أوطان هلا سيادهتا، لكن هذه األوطان ال متثل حواجز وال ه

متثل بيضة السالم وحوزته وأرضه التارخيية. «أوطان اسالمية»قدسيتها من السالم وأخذت قيمتها من أهنا

، يئن املغريب «ال إله إال اهلل»ال جتتمع أمتنا عىل توم األرض وال نعرات اجلنس وال تعصب العنرص، بل جتتمع عىل

زائري ألهل غزة، وتنتفض الباكستان من أجل القدس، وتبكي ماليزيا من أجل أمتها.. نعم ألخيه يف مرص، ويتأمل اجل

هذا حيدث، إال من خونة األمة..

أمة جيب أن تكون الرشيعة الواحدة هي احلاكمة، واهلوية الواحدة هي اجلامعة، توجب بينها التعاون والتكامل

مواالة العدو أو منارصته رسا بالتآمر أو علنا بالتظاهر.ووجوب الوحدة ونرصة القضايا وحيرم عىل جزء منها

ال تض فئة من املسلمني بأخرى، مع وجوب السعي لوحدة اجلميع لتحقيق منهج اهلل..

يأخذ املسلم جنسيته من عقيدته، وشعوره بإسالمه أعىل من أي شعور بانتامء آخر، أال إن احلدود تراب، ال تفصل

مل نفس العقيدة..حيقلب قلبا حيمل عقيدة عن

.«كن مسلام أوال، ثم كن ما شئت بعد ذلك»يقول بعض األفاضل من العلامء املعارصين

عقيدة مجعت بيننا وين نوح ومل نره، وفرقت بني نوح وابنه وكانا يف بيت واحد.. جعلت ابراهيم أبانا بمجرد

فتدعو لنا حلة العرش واملقربون، ومل نرهم ومل إسالمنا وفرقت بني إبراهيم وأبيه .. مجعت بيننا وبني املأل األعىل

نعرفهم إال من إخبار اهلل باهتاممهم بأمرنا.. أمة واحدة ولو تباعدت األقطار أو اختلفت األجناس أو األلسنة أو

ظاهرة وهو جزء من هوية أمة الصيام شعرية -30

64

ننا ة بيت األخو فأثب «..فإنه زاد إخوانكم من اجلن»األلوان، ولو بني إنس وجن ومالئكة.. قال صىل اهلل عليه وسلم

وبني جنس آخر ال نراهم.. إنه السالم.

أرشف ما يف العبد عقيدته، وفيها يلتقي املؤمن مع غريه أو يفارق.. أخوة عرب الزمان مع مجيع املؤمنني من نوح إىل

ابراهيم إىل أصحاب موسى الكليم إىل عيسى املسيح، من سحرة فرعون ملا آمنوا إىل أصحاب األخدود.. من هود

صالح ومن معه، إىل لوط وأهله، إىل شعيب واملؤمنني، حتى حممد صىل اهلل عليه وسلم.. يقول الالحق وصحبه، إىل

لذين آللسابق علإ يف قلوبنا غال ل يامن وال جتإ ذين سبقونا بالإ واننا ال خإ فرإ لنا ول نا اغإ .. منوارب

رأ القرآن ولينظر يف حكم من عبد غري اهلل، أو حتاكم إىل من سواه، أو واىل غري املسلمني، لريى من مل يدرك هذا فليق

أن حكمهم واحد، فنفى اهلل اليامن والسالم والتوحيد عمن عبد غريه، وعمن حتاكم إىل ما سواه ورغب عن رشيعته،

من قبل. أو حكم بغري رشعه، أو واىل الكفار عىل املسلمني.. كذلكم قال اهلل

إنه السالم عقيدة وجنسية، رشيعة وهوية.. فمن ابتغاه غري هذا فليس هذا عندئذ دين اهلل تعاىل، بل أمر مزيف..

أما السالم فال ينز منه عقيدته، كام ال تنز عنه رشيعته قانونا حاكام لشتى مناحي احلياة، كام ال تنز عنه هويته، وال

عند اهلل السالم.عن أصحابه جنسيته.. إن الدين

فإذا اجتمع املسلمون عىل رؤية هالل دخول رمضان فصاموا مجيعا، بال فروق وطنية أو قومية.. ثم إذا اجتمعوا

فرأوا هالل شوال فأفطروا مجيعا، وإذا خرجوا مجاعات يف مشارق األرض ومغارهبا لقامة شعرية من شعائر السالم،

م، وهو أهنم أمة واحدة..فليتذكروا أن هذا كله فر عن أصل ضد

وجيعة غزة تدمي قلوبنا وأفراح املقاومة أفراحنا، واجلندي املسلم الذي يذل الصهاينة هو خري وأكرم وأرشف

وأطهر من جندي يقنص النساء ويغتصب البنات ويقتل إخوانه ويتآمر عىل إرادة شعبه وحيارب دينه وهويته..

صالح و األقرب.. املسلم أينام كان، وبحسب ما يقوم به، ه لك، إنه عمل غريإ ه ليإس منإ أهإ .. يا نوح إن

احلديث يطول ولكن يف هذا تنبيه ملن كان له قلب أو ألقى السمع أو به بقية من ضمري أو بعض من دين.

خامتة الصيام واألعامل ... وأفراح املؤمن

65

وأفراح المؤمن خاتمة الصيام واألعمال..

نعم يفرح املؤمن.. لكن بم؟

رحون بام أنزل ، فهذه أفضل وأكمل حاالت القلب الكتاب.. نعم يفرح يفرح بإنزال ذين آتيإناهم الإكتاب يفإ وال

، يعني من آمن به منهم من اخلاشعني.إليإك

ىل ما يفرح به.. يفرح باليامن وإنزال القرآن، وقبوله وال ل اهلل قلإ يامن به.. هبذا أمر اهلل تعاىل وجعله أوإ بفضإ

ا جيإمعون مم رحواإ هو خريإ يفإ ته فبذلك فلإ يعني باليامن والقرآن. وبرحإ

ي ـيفرح بامتثاله األمر؛ بقيامه باحلسنة وتركه السيئة، كام أن حزنه أو خوفه إنام هو حزن أو خوف يف حال أن يعص

إذا رستك حسنتك، وساءتك سيئتك، »أو سدطه، قال صىل اهلل عليه وسلم ربه، ففرحه وحزنه يف إرضاء الرب تعاىل

.«فأنت مؤمن

كرون أمر ومتام معونة اهلل تعاىل له يفرح بإمتامه ما واإ اهلل عىل ما هداكمإ ولعلكمإ تشإ ة ولتكرب عد ملواإ الإ ولتكإ

يامن إن كنتمإ صادقني بقيامه باملنهج واستقامته عليه يفرح . بل اهلل يمنه عليإكمإ أنإ هداكمإ للإ

مئذ اخللق هبذا الدين وتلك املنة.. يفرح بتحقيق املنهج عىل األرض ونرصته ومتكينه وتوجيهه للحياة لينعم ويوإ

اهلل منون، بنرصإ رح املإؤإ عبد فيه نصيب إال أنه يفرح بتمكني منهج ربه وإيصال النعمة لخوانه .. وهو نرص ليس لليفإ

من العباد.

وعبوديات خمتلفة.. ففي سورة النرص ثالث آيات هبا ثالث حقائق،

األوىل بشارة بالنرص املرتتب عىل اجلهاد، واملقصود به حتطيم قوى البغي واألوضا املادية التي تقيم الكفر وحتميه

اهلل فهو نرص مؤسس، وسامه ؛ وتفتن الناس ال بد له من «سبب»ليه تعاىل، ألن العمل واجلهاد إ، فهو منسوب نرصإ

مكمل وال بد من إزالة العوائق، وهذا هلل تعاىل، فام من سبب إال وهو يف احلقيقة جزء سبب.

اهللوسامه نا وكلمته عالية ورايته خفاقة. ألنه من أجله ال حظ فيه للنفوس، إال أن ترى دين اهلل نرصإ ممك

ويف اآلية الثانية نتيجة النرص املنشود، وهي املنشودة من ورائه، وهي دخول الناس أفواجا يف دين اهلل، ببيان احلق

«دين اهلل»ىل إوهو منترص وعدم تشويه وعدم فتنة الناس عنه، فهذا هو املطلوب.. جهاد وجترد، بغرض دخول الناس

خامتة الصيام واألعامل ... وأفراح املؤمن

66

طاعة البرش، فهذه هي فرحة املؤمن أن يذوق الناس طعم هذا الدين وتلك النعمة العظيمة، بأن تصل األمانة وليس يف

ىل عبيد اهلل تعاىل.إالتي حيملها

اخللق هبذه العقيدة بصورة تامعي السالمي، والثانية لينعمفاألوىل انتصار لكلمة اهلل وإعالء النظام السيايس واالج

.حقيقي ورؤية للحق مطبقا يف شكل نظام سيايس واجتامعيعن خيار حر فردية

العفو واملغفرة عىل ضام للنفس، وتواريا لدورها، طالباستغفار التزاما بالعبودية وهويف اآلية الثالثة التسبيح واال

التقصري..

وبيان الغاية املرجوة ، سيا وفرديا، مؤس رـفالسورة دائرة عىل حتقيق اجلهاد وإكامل اهلل نتيجته للمجاهدين بالنص

را واألجر الدنيوي طلبا للعفو ـستطالة، وهضم النفس وإخراجها من الصاية اخللق ال البغي عليهم وال االهبد

حتقيقا للعبودية وإمتاما هلا. غفرة وجرب النقص ومغفرة التقصري،وامل

فهذه هي فرحة املؤمن بالنرص عندما يأيت، هبذا يفرح وهلذا يفرح.

لقاء ربه، وفوزه، حيث لقاء حبيب حلبيبه، ويرى قدر كرامة اهلل للمؤمن وقيمته عند ربه تعاىل.. وراجع يفرح عند

ا إنه إشارة البيضاوي يف التفسري آلية يونس ومثلها يف سبأ، ففي يونس يقول تعاىل د اهلل حق جعكمإ مجيعا وعإ إليإه مرإ

لإق ثم يع نإ حيم يبإدأ اخلإ اب م ذين كفرواإ هلمإ رش ط وال قسإ احلات بالإ ذين آمنواإ وعملواإ الص زي ال وعذاب أليم بام يده ليجإ

فرون يامة بإثابة م بني إثابة املؤمنني وعقاب الكافرين والنص عىل تعليل إعادة اخللق يوم القظإ بتغيري الن » كانواإ يكإ

كأن البدء والعادة مقصود هبام إثابة املؤمنني ـ يبدأ اخللق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصاحلاتـ املؤمنني

.]راجع تفسري البيضاوي يف املوضعني[« ليهم لسوء أفعاهلمإبالذات، وأما العقوبة فبالعرض كأنه داء ساقه

ذين ومثلها يف سبأ زب عنإه مثإقال ذر وقال ال غيإب ال يعإ تينكمإ عامل الإ اعة قلإ بىل وريب لتأإ تينا الس ة يف كفروا ال تأإ

ذين زي ال رب إال يف كتاب مبني، ليجإ غر منإ ذلك وال أكإ ض وال أصإ رإ اموات وال يف األإ احلات الس آمنوا وعملوا الص

ق كريم أولئك هل فرة ورزإ .مإ مغإ

ففي اآليتني أن القيامة تقوم لثابة املؤمن، فهو املقصود، وقيمته يف احلياة والكون ودورة الوجود هي هذه القيمة

ليها اآليات..إالتي تلفت

خامتة الصيام واألعامل ... وأفراح املؤمن

67

ذين صطفاء من بني اخللق بالتوحيد االىل اهلدى وإنعم هبذا تفرح، كام يفرح املؤمن بالداللة كتاب ال نا الإ رثإ ثم أوإ

طفيإنا منإ عبادنا ىل التوحيد أمر إويدخل يف املصطفني الظامل لنفسه باملعصية واملقتصد والسابق املقرب، فاهلداية اصإ

س بيده، إين ألطإمع أنإ تكونوا »يه وسلم قال عظيم، روى البداري عن أيب سعيد أن رسول اهلل صىل اهلل عل ذي نفإ وال

ل اجلنة نا، ثم قال: « ثلث أهإ إ نا اهلل وكرب ل اجلنة، إن »قال: فحمدإ ر أهإ مع أنإ تكونوا شطإ س بيده، إين ألطإ والذي نفإ

ود.. مثلكمإ ر األسإ يف جلإد الثوإعرة البيإضاء .«يف األمم كمثل الش

كتب قبل خلقك أنك من أهل باهلداية، والعناية بك قبل أن توجد، وأن ت عنايته بك واختصاصه لك تفرح بسبق

زل أن خيلقك وأن يديك..ليته قبل ذلك، بأن كتب يف األهذا الدين.. فإنك مهام عملت من جهد للدري فبسبق أو

ب، ويتلقاك من الب عد، ويطبب لك جرحك لنفسك باملعصية؛ فيبتليك أو يتوب عليك أو تفرح ألنه يناديك من قرإ

ف عن كثري ل الذنوب بل ببعضها، بل بالقليل كالمها، وإن ابتالك فليس بك . ويعإ

ائم أطيب عنإد اهلل » رى أحد، والبيهقي يف الشعبها اهلل تعاىل كل يوم، وتفرح أن اجلنة تعد، ويزين ..خلوف فم الص

م جنته ن اهلل كل يوإ طروا، ويزي فر له املإالئكة حتى يفإ تغإ ك، وتسإ احلون أنإ »ثم قال: "منإ ريح املإسإ يوشك عبادي الص

قوا ذى، ويصريون إليإك..يلإ نة واألإ ](، وأحد يف مسنده220/ 5شعب اليامن )[ «عنإهم املإؤإ

زن منتظرا أن تتم له الفرحة هناك.. يفرح املؤمن هنا بام أمر اهلل، هب عنا احلإ ذي أذإ د هلل ال مإ نا ؛ وقالوا احلإ إن رب

نا فيها لغوب ، لغفور شكور نا فيها نصب وال يمسه ه ال يمسهل نا دار املإقامة من فضإ ذي أحل . ال

ر صورة أهل اجلنة وألبس لباسهم وحيل حالهم وعن بعض السلف قال: ذكر لنا أن الرجل إذا دخل اجلنة فصو

وار فرح، لو كان ينبغي أن يموت ملات فرحا، فيقال له: أرأيت سوار ورأى أزواجه وخدمه ومساكنه يف اجلنة يأخذه س

.]ثابت البناين ىلع موقوفاأليب نعيم عن عبد بن حيد، حلية األولياء[ فإهنا قائمة لك أبدا. ?فرحتك هذه

نة خالدين فيهاولذا قال تعاىل ذين سعدواإ ففي اجلإ ا ال ظيم.صدق اهلل الع ..وأم

.. فاللهم بلغنا املنزل.واىل بالد األفراح نرحل عن هذه السعادة نبحث

وصىل اهلل وسلم وبارك عىل أكرم خلقه حممد، وعىل آله وصحبه وسلم.

الفهرس

68

الفهرس

2 ......................................................................................................... املقدمة

4 ....................................................... أمرت حيث وتركها أمرت، حيث الطيبات تناول يف الرحة

6 .......................................................................... وطاعته تعاىل رهبم لترشيع اخللق افتقار

7 ................................................... دارنا قوانني عىل وجارية تابعة واملشقات املقصودة هي املصالح

9 ............................................. للعبد مكتوبة املتولدة، ونتائجها العارضة ومشقاهتا ومنافعها األعامل

10 ........................................................................................ قرينان والتوكل العبادة

12 ..................................................................................... تظن فيام ال أمر فيام الرحة

13 ....................................................... والرش األمر له ومن والرش ، األمر له ورزق، خلق من

15 ........................................................................... الدارين مصالح لتحصيل اهلل رشائع

17 ................................................................................... تعاىل اهلل يدي بني االنكسار

19 ......................................... الطبع مقتىض عىل والتناول الرتك من أعىل طعم اهلل بأمر والتناول للرتك

20 ........................................................ وحمبته تعاىل اهلل رضا عىل داللتها الرشائع يف النعم أعظم

22 .....................................وآخره وخالله الطريق أول يف ومستصحب صاحب خري والتوبة االستغفار

24 ........................................................................................... طريق املغفرة لطلب

26 ....................................... نورها وطمس وحتويرها الفطرة تبديل من الذنوب متنع والتوبة االستغفار

28 .................................................................................... اليقني لطلب الذنوب ترك

30 ............................................... التاريخ يف مفصلية وحلظات األمم يف اليقني أصحاب ودور قيمة

32 .................................................................. اليقني بأصل تذهب وقد.. نجاسات الذنوب

34 ................................................................. الضالل متنع كام الغواية متنع والتوبة االستغفار

الفهرس

69

36 .................................................................................. الدين هبذا واحلراك.. الصيام

39 ............................................................................................. بمتعلقها األعامل

41 ........................................................ العباد وغاية الصديقني طلب ــربالقــــــــــــــــــ

43 ........................................................................ احلال ذلك بحسب حال كل يف اهلل ذكر

45 .............................................................. الرادة وكامل اليقني عىل وأثره الذكر بعض معاين

47 ................................................................... الدين هذا أهل الصوام أخالق من العفــــة

49 ........................................................................................إليك اهلل رسائل القرآن

52 ................................................................................. تنطلق ومنها تأوي الصالة إىل

57 .................................................................... الصدور باطن من وآفاقهـا التقوى جماالت

60 ......................................................................................... منهج من جزء الصيام

63 ................................................................... أمة هوية من جزء وهو ظاهرة شعرية الصيام

65 ........................................................................ املؤمن وأفراح.. واألعامل الصيام خامتة