1

ةـیــبــعــة الشـیـراطـقـمـدیــة الــریــزائــجـة الـوریــھــمــالجيـم العالي والبحث العلمـالتعلیوزارة

- 2- وھران جامعةكلیة العلوم االجتماعیة قسم الفلسفة

أطروحةدكتوراه في العلوم في الفلسفةل شھادة ـــــنیـــــل

وف ف لس ـ الفنی اب ـ طالخ ن ی ب س ف الن يي والص

-أنموذجان - "ابن سینا"و"أرسطو"

:إشراف األستاذ: من إعداد الطالبة .أنور حماده. عیسى خیرةبن

:ةتشكیلة لجنة المناقشمؤسسة االنتماء الصفة الرتبة األستاذو لقب سما

. 2جامعة وھران .رئیسا .ذأستا بوكرلدة زواوي.2جامعة وھران .مشرفا ومقررا - أ-محاضر ذأستا أنور حماده.2جامعة وھران .مناقشا .ةذأستا بوسیف لیلى

.جامعة المسیلة .مناقشا - أ-محاضر ذأستا زروخي دراجي.جامعة مستغانم .مناقشا - أ-محاضر ذأستا حمادي السایح.جامعة معسكر .مناقشا - أ-محاضر ذأستا حمادي ھواري

الموسم الجامعي2015/2016.

2

...إهـــــداء

...ال م الج ب ـح ت ة يل م ج س ف ـن ل ـإلى ك

3

...كلمة شكر

...الشكر أوال هللا

. الشكر لكل من كان عونا لي في إتمام هذا العملثم،

والشكر الجزيل موصول إلى األستاذ المشرف الدكتور "بوكرلدة زواوي"وإلى أستاذي الكريم ،"أنور حمادة"

...على مساعدتهما لي واهتمامهما المستمر

.أشكر لجنة المناقشة اكم

مقدمة

أ

إن بني اخلطاب الفلسفي واخلطاب الصويف تقاطع ال ميكن نفيه ،ألنه قد تكونت بينهما تارخييا راجع عالقات عميقة تراوحت بني التباعد حينا والتآلف أو االتفاق حينا آخر ، والشك أن ذلك

إىل وجود تواصل داخلي بينهما ،وهذا من ناحية التآلف ،أما دعوى اخلصوصية والتمايز فهي من دون شك نابعة من املرجعية املؤسسة لكل واحد منهما ، باعتبار أن اخلطاب الفلسفي عقلي

.تأملي ،يف حني أن اآلخر ذوقي روحي قائم على اإلميان

ل بني اخلطابني على أساس العقل و اإلميان سيكون غري إال أن هذا االعتبار األخري يف الفصمشروع وغري مقبول،إذا نظرنا إليه من زاوية مغايرة ،وهي تلك اليت تنفتح بالنص وخترجه من األحكام التقليدية اليت حصرت اخلطاب الصويف يف كونه جمرد تعبري عن ظاهرة روحية باطنية

.وأبعدت العقل عن جماله

فالفلسفة في فال حتيز فيه، ألنه وإن كان مبدأه العقل فهو ال يرفض اإلميان،أما اخلطاب الفلسوقد تؤسس عليه من ناحية أتنقد الدينقد

والتآلف اليت حصلت بني الفلسفة والدين جتلت يف مظهرها العام يف إشكالية العالقة بني العقل .النقل

طاب الصويف وإن كان ينـزع إىل التفرد من حيث متيزه خبصوصية نصية ونظام داخلي أما اخلوآليات لغوية مكنته من إحداث بنية مجالية مفرطة يف اإلمياءات والرمزية ،فهذا ال حيذف العقل من جماله، وإلقاء نظرة سريعة على تارخيه تكشف عن ذلك ،إذ جتلت املظاهر األوىل والتكوينية

للتصوف إىل طريق للمعرفة الكشفية وإشراق نور احلق يف الذات العاشقة ،والشك أن هذه هي أكرب مرحلة

.روحية ارتبطت بأكرب شطحات الصوفية وأقواهلم يف احللول واالحتاد والفناء وغريها

وف عرب تارخيه وجهة إصالحية ، وهو ما عرف بالتصوف السين الذي نشط كما اختذ التص

مقدمة

ب

يف القرن اخلامس للهجرة وكان حياول الدفاع عن العقيدة اإلسالمية مبرجعية الكتاب .والسنة،وحنن نعرف ما حدث يف هذه الفرتة من فنت وجمادالت كالمية بني الفرق اإلسالمية

باملزج بني مذهب الصوفية ومذاهب الفالسفة ،كتبين بعض ليتوج التصوف يف آخر مراحله

احلق لتحقيق املعرفة به،فلم يكتفي املتوجهون من العارفني بالسلوك بل أضافوا املعرفة به معرفة ال قلبية .ة فقط بل عقلية تأملية ،وهو ما أصطلح عليه بالتصوف النظريذوقي

وهنا تقاطع اخلطاب الصويف مع اخلطاب الفلسفي وحدث ذلك التآلف واالتفاق الذي أشرنا إليه ،فأشرتك الفالسفة والعارفني يف االهتمام بالكثري من املواضيع ،ما ارتبط منها باجلوانب العملية

هذا إىل اخلوض يف املسائل امليتافيزيقية، ونذكر هنا أولئك املتصوفة بل وكذلك النظرية ،وقد قادهمالفالسفة ورمبا كان اسم العارفني أو الفالسفة املتأهلني أقرب إىل التعبري عن حقيقتهم ،وهم الذين حينا برعوا يف النظر والتأمل الفلسفي و اعتمدوا األقيسة والرباهني العقلية،وحينا آخر كانوا سالكني

) هـ638-هـ560"(ابن عريب"بني نظر الفالسفة وذوق الصوفية السالكني،ويكفينا هنا أن نشري إىل .وغريمها)هـ903-هـ828"(وصدر املتأهلني الشريازي"

إن غرضنا من هذا الكالم كله ليس حتليل مضمون اخلطابني بقدر ما هو تأكيد إمكانية النظر من خالهلما يف زاوية واحدة نظرة مشرتكة تسمح لنا باالرتفاع إىل مستوى آخر ،أو باألحرى جماوز،وخترج

اد األخري باخلطاب الصويف من كونه ظاهرة دينية تؤسس فقط لتجربة ذوقية خالصة ،ألن هذا االعتقأي –

على أنه ظاهرة عقلية تقوم على مبادئ سلوكية تأملية،وبدل أن ينفتح اخلطاب الصويف -التصوفعلى مضمون النص وغاياته،احنصر يف أغلب األحيان على الدراسة التارخيية

مقدمة

ج

.بسلوك املتصوف وجتاربه الذوقية ومشاهداته ،أكثر من نصوصه

- هـ370(" ابن سينا"إىل اجلانب اآلخر من اوهذا هو جمال اهتمامنا ألننا سنتوجه بنظرنمذهبه يف التصوف عرب نصوصه اليت اعتربت واحدة من أكرب التنظريات ملذاهب وهو) هـ428

أخرى حمل نقد ورفض ألن منهجها كان عقليا .وغايتها كانت حتقيق املشاهدة العقلية باحلق

الذي أعترب " كتاب الشفاء"الفلسفي فال جدال فيه ويكفينا أن نذكر " ابن سينا"أما خطاب أكرب موسوعة فلسفية قدم فيها عرضا موسعا مشل أهم جوانب الفلسفة من املنطق والرياضيات

طبيعيات و اإلهليات و برع فيه يف استعمال آليات اخلطاب الفلسفي ،وقد أفاض الدارسون إىل الوالباحثون يف الكالم عنه واشتغلوا كثريا على نصوصه شرحا وحتليال وتقييما وكذلك مقارنتها مع

وبني –الفيلسوف " ابن سينا"أي -نصوص أخرى ،وكانت أهم املقارنات وأشدها بينه .لقب برئيس املشائني حىت " أرسطو"

هذا وقد كان ملذهب ابن سينا يف التصوف نصيب هو اآلخر من التحليل والتحقيق والتعليق من قائمة الصوفية " ابن سينا"والنقد، لكنه احنصرت يف أغلب األحيان يف حماولة إدخال أو إخراج

الفلسفة "أحدثه كتاب ،أو البحث عن اجلانب اإلشراقي يف فلسفته ، وال ميكن أن نغفل هنا ما ،ويف أنه "ابن سينا"املفقود من جدال بني املستشرقني والعرب يف القصد منه وملاذا كتبه " املشرقية

".الة إميانية"ختم مذهبه الفلسفي

أما حنن وإن كنا قد استفدنا كثريا من هذه الدراسات وأسسنا من خالهلا الكثري من عناصر وفلسفته،قلت " ابن سينا"طالع على أهم اآلراء فيما خيص صوفية البحث ،وكانت عونا لنا يف اال

اإلشارات "أما حنن ،فإن توجهنا سيأخذ منحى آخر ،فال جدال يف أن كتاباته املتأخرة كـوبعض رسائله وقصصه الرمزية التزمت بآليات اخلطاب الصويف يف اعتمادها على " والتنبيهات

ابن "لغة الصوفية ،واألهم من ذلك حاول من خالهلا الرموز الغامضة ،واتسامها جبماليات ال

مقدمة

د

أن يؤسس ملنهج العارف بتحديد طريق النفس العاشقة لبلوغ أعلى مراتب االتصال ،فنظر "سيناأنه ال يكتبها " ابن سينا"

ويف آخر مقدمة كتابه " اإلشارات والتنبيهات"للعامة بل للخاصة وهو ما صرح به يف آخر كتاب.ويف مواضع أخرى" منطق املشرقيني"

من الروايات والكرامات " ابن سينا"قد يعرتض البعض على قولنا فيقول أنه مل يسمع عن ولد ("السهروردي"و )هـ309-هـ244" (كاحلالج"واملعجزات اليت مسعناها عن كبار الصوفية

) م1191م تويف1155/هـ549سنةومل تستطع نفوسهم الكتمان لشدة الشوق واالحرتاق بنار العشق فشطحت ألسنتهم وأعلنوا

أنه قد حفظ القرآن " ابن سينا"،وكانوا رموزا للتصوف يف أكرب نزعاته الروحية ، وكل ما مسعه عنصت عليه مسألة يرتدد على املسجد و يصلي ويطلب اهللا التيسري يف سن مبكرة ،وكان كلما ع

وأن أباه كان ...فيها،كما كان صديقا لبعض الصوفية ،وأنه باملقابل أسرف يف اللهو وجمالس اخلمر.إخل ...يعد من اإلمساعلني وأخاه كذلك

عبيد أيب "،بل هو أملى أغلبها على تلميذه " ابن سينا"نعم كل هذه األخبار تروى عن فإنه من الصعب اجلمع بني هذه ت،ومع أنه ال ختلو أي شخصية من املتعارضا" اجلوزجاين

.الروايات واالستقرار على رأي فيها

وحنن حىت ال نقع يف هذا اجلدال توجهنا مباشرة إىل خطابه الصويف وتفادينا قدر اإلمكان أن باملتصوف ،وعلى كل حال حنن لن نرتك املسألة هكذا دون حل بل سنحاول " ابن سينا"نلقب

ية والسياسية خاصة اليت نشأ فيها ابن سينا واليت من دون شك ستساعدنا على فهم االجتماعالكثري من املتعارضات ،و قد كانت هذه أكرب عقبة معرفية واجهتنا يف كل البحث ،وقد حاولنا

.نصوص ابن سينا ذات الطابع الصوفيجاهدين جتاوزها بالرجوع مباشرة إىل

مقدمة

ه

نسانية موضوعها الرئيسي ،بل ميكن القول أن غاية مذهب هذه النصوص اليت كانت النفس اإليف التصوف هو حتقيق النفس اإلنسانية االتصال التام باحلق وحتصيل املعرفة به، ومن "ابن سينا"

تكلم عن طبيعتها وعالقتها بالبدن ،وعن العارف ومقاماته وأحواله وأخالقه -أي النفس-خالهلا صلهما النفس،مث تدرج يف ذلك إىل ،وعن العشق والشوق ،وكذلك عن البهجة والسعادة اللتني حت

العلم اللدين وأسرار الغيب و العامل املقدس والنفوس املالئكية والعقول املفارقة وصوال إىل اهللا "امللك"

.لق من احلق إىل اخل

ن املسائل

.الثنائية والوحدة بني النفس واجلسم

أرسطو "ومن أكرب الفالسفة وأشهرهم تنظريا للنفس دون منازع هو الفيلسوف اليوناين يصنف دراسة النفس ضمن احلكمة ،وإن كان ال )م.ق322-م.قAristot:384"(طاليس

اإلهلية ويضعها ضمن مبحث الطبيعيات،فإنه كان له السبق يف البث يف الكثري من املسائل األساسية واملهمة اليت كانت مبثابة مقدمات رئيسية للكثري من النظريات الفلسفية والعلمية،ومل

زقية عن النفس كلية ،ألنه كان من رغم التصنيف السابق أن ينـزع الطبيعة امليتافي" أرسطو"يستطع .حني إىل آخر يتأرجح يف كالمه عنها بني احلكمة الطبيعية واحلكمة اإلهلية

ليس لغرض عرض نظريته يف النفس فقط، ألن ذلك سيكون " ألرسطو"إن إختيارنا ا من

.خالل هذه الدراسة

مقدمة

و

وهي أن اهتمام أرسطو مبسألة النفس كان مبثل اهتمام ابن سينا ،ليس يف كيفية الفهم بل يف

رية املعرفة واألخالق والفلسفة بنا أغلب جوانب فلسفته على أساس نظريته يف النفس ،خاصة نظ.أحد االعتباراتاألوىل،وقد كان هذا

يف النفس " أرسطو"هو أن الباحثني اهتموا كثريا مبحاولة مقارنة فلسفة االعتبار الثانيأما الفن السادس "الفيلسوف ،واعتمدوا يف ذلك على نصوصه الفلسفية كالشفاء مبا فيها " ابن سينا"بـ

يف قوى النفس اإلنسانية و "و رسائله " عيون احلكمة"و" النجاة"كذلك ، و "من الطبيعياتاا اك وغريها ،وكانت تتخلل ذلك إشارات طفيفة إىل رسائل ابن سينا الرمزية كاعتمادات " إدر

ثلة ملذهب ابن سينا يف التصوف .جانبية مدعمة للنص الفلسفي ،وليس يف اعتبارها مـم

أرسطو وابن سينا يف مذهبه يف التصوف ،ومن هنا خنلص إىل أما حنن فستكون دراستنا بني فيه ،مع " ابن سينا"وهو االلتفات إليه خارج اخلطاب الفلسفي الذي ألفنا االعتبار األخير

اإلشارة إىل أن الكالم هنا لن يكون عن جتربة ذوقية أسفرت عن شطحات شوقية ومشاهدات ال ا ية ق صوفية املتذوقني للحق عرب مفاهيم احللول والفناء والغيبة كما فعل كبار ال" ابن سينا"قلب

،بل يف جانب خطاب العقل املؤسس للظاهرة الصوفية سلوكا ومعرفة ؛أي النظر يف اخلطاب ... الصويف املؤسس واملنظر للظاهرة الصوفية يف عمومها ،وهي اليت أضافت إىل السلوك والذوق

ق ،ويف هذا خروج عن الدائرة املغلقة اليت حصرت مستوى آخر وهو املعرفة العقلية باملـ و تذالتصوف يف جمرد جتربة ذوقية حتدث للنفس العاشقة املشتاقة ،فتفيض بلغة رمزية غري معلومة إال

،ومن هنا سيكون ليف التصوف ،خطاب العقل الذي ،يصل إىل احلق عرب العقل وبالعقل غري "ابن سينا"خطاب

:كان عنوان الدراسة

مقدمة

ز

منه تكون مالمح ،و -أرسطو وابن سينا -بين الخطابين الفلسفي والصوفي " النفس"إشكالية البحث قد تكونت ،وهي اليت حتاول أن تكشف عن إمكانية خروج اخلطاب الصويف من مستوى جمرد التعبري عن جتارب روحية غايتها املشاهدة القلبية للحق ،إىل كونه خطاب منظر جعله

.منغلقا على نفسه ضمن حيز اإلميان والدين،وتتحول التجربة الذوقية إىل جتربة عقلية

وعلى أساس هذا كانت النفس هي النقطة اليت من خالهلا نكشف عن تلك اإلمكانية،وبذلك تكون يف مقدمة املشكالت اليت سنعاجلها من حيث حتديد مفهومها داخل اخلطابني من خالل

،والكشف عن طبيعة صوفية ابن سينا ؟ وما هي املرجعيات " ابن سينا"و" أرسطو"نصوص الكربى اليت أسس عليها مذهبه يف التصوف؟ هل اعتمد على مقدمات الفلسفة األرسطية يف

.قية إىل جتربة عقلية بامتياز؟وكيف تتحول التجربة الذو

وألننا مهمنا يف دراستنا هذه إىل االعتماد يف الدرجة األوىل على املصادر األصلية مباشرة،فإن طريقنا إىل ذلك كان بشكل خاص هو التحليل الذي ساعدنا يف فهم نصوص ابن سينا الرمزية

ك رموزها امللغزة، أما نصوص الغامضة واليت تطلبت منا قراءات متكررة لالمساك مبعانيها وفأرسطو فإننا قد اعتدنا على هذا النوع من اخلطاب وألفناه ،هذا إضافة إىل أنه توجد دراسات كثرية وشروحات مهمة كانت عونا لنا ، أما نصوص ابن سينا فالشروحات حوهلا قليلة

ليت أفرط فيها جدا،كرسالة الطري ورسالة سالمان وأبسال وعلى رأسها رسالة حي بن يقضان ،ااإلشارات "يف الرمز ،هذا ناهيك عن صعوبة إشارات ابن سينا ودقتها يف كتابه " ابن سينا"

ص هو اآلخر بشروح مستفيضة ماعدا الشرح الذي كان منقذا لنا من " والتنبيهات الذي مل خيين الطوسي"الوقوع يف الزلل وهو الشرح املشهور شارات اإل"على )هـ672- هـ597"(لنصري الد

".والتنبيهات

مقدمة

ح

تبحث عن جوانب االتفاق وااللتقاء والتداخل ،وكذالك التنافر واالختالف ويف األخري ساعدتنا لكشف عن مدى يف اكتشاف التجاوز احلاصل بني اخلطابني من خالل نظريتهما يف النفس ،وا

.إمكانية منهج العقل يف حتقيق التجربة الصوفية اليت هي يف النهاية حتقيق االتصال باحلق

، ةوككل الدراسات كان من الضروري النظر يف الكثري من جوانب الدراسة من الناحية التارخييف كتيار كالبحث عن مفهوم النفس عرب تاريخ الفكر الفلسفي و الصويف وكذلك التأريخ للتصو

.روحي ،والتأريخ للمرجعيات الكربى املؤسسة لكال اخلطابني

ووفق هذا احتوت املذكرة أربع فصول ،حاولنا من خالهلا قدر اإلمكان خلق ترابط وتراتب بني املعطيات اليت احتواها كل فصل ،واحلرص على التدرج يف عرض األفكار من الناحية التارخيية

ملنهجية ،وعليه بدأنا املذكرة مبقدمة وانتهينا خبامتة مشلت أهم نتائج واملعرفية وكذلك للضرورة ا،وقائمة "ابن سينا"و"أرسطو"البحث، وأتبعنا الفصول مبلحق أوردنا فيه نبذة عن حياة كل من

.ألهم األعالم واملصطلحات الواردة يف الدراسة

فقد خصصنا للكالم عن السياقات التارخيية و املفاهيمية ملشكلة الفصل األولأما النفس،تناولنا فيه ثالث مباحث ،أما املبحث األول تعقبنا فيه حضور هذه املسألة يف الفكر البشري القدمي و الفلسفي بداية من احلضارات الشرقية القدمية والفكر اليوناين،مث انتقلنا يف املبحث

عن إشكالية النفس يف الفلسفة الغربية احلديثة واملعاصرة ،أما املبحث الثالث كان الثاين إىل الكالماصطالحيا حتليليا ملفهوم النفس وبعض املفاهيم األساسية القريبة منها، حبثنا فيه عن مفهوم النفس

الح يف إصطالح اللغوين والعلماء والفالسفة، وقد كان لزاما علينا أن نشري إىل مفهومها يف اصطأهل التصوف ،وكان غرضنا من كل هذا هو بناء مدخل عام حول حضور مشكلة النفس يف

.الفكر البشري

مقدمة

ط

أما الفصل الثاين ،احتوى هو اآلخر على ثالث مباحث ،األول تكلمنا فيه عن امليتافيزيقا تاب النفس األرسطية كمقدمة متهيدية لدراسة نظرية النفس ،أما املبحث الثاين فهو قراء حتليلية لك

الكالم عن انتقال الرتاث األرسطي إىل العرب وأثره على الفلسفة اإلسالمية ،تتبعنا فيه حركة أن نستنتج األثر الرتمجة كمدخل ،وأشرنا لكتب أرسطو املرتمجة احلقيقية منها واملنحولة،مث حاولنا

.العام هلذه الكتب على الفالسفة املسلمني

وهو فصل حاسم "النفس يف اخلطاب الصويف السينوي"لنتقل إىل الفصل الثالث الذي عنوناه بـيف التصوف،مل نتناول فيه " ابن سينا"بالنسبة لنا ،أما مبحثه األول كان يف الكالم عن مذهب

يف مذهبه يف التصوف،أما " ابن سينا"يان ،وتوجهنا إىل نصوص اآلراء املتعارضة إال يف بعض األحاملبحث الثاين فهو دراسة حتليلية لكتاب النفس من الفن السادس من طبيعيات كتاب الشفاء

،فإنه مبحث ضروري " ابن سينا"،وإن كان هذا يعرفنا بنظرية النفس يف اجلانب الفلسفي من لتصوف دون فهمه كفيلسوف أوال،وختمنا هذا الفصل يف ا" ابن سينا"ومهم ،إذ ال ميكن فهم

مببحث ال يقل أمهية عن سابقيه لكنه أكثرهم صعوبة لطبيعة النصوص اليت تعاملنا معها ولقلة .الدراسات والشروحات حوهلا ،وهو النفس يف نصوص ابن سينا الصوفية

ارنة بني كل ما ورد ،وهو ما احتواه وكان البد أن تنتهي الدراسة بعصارة استنتاجيه مقالفصل الرابع و األخري ،ركزنا اهتمامنا يف مبحثه األول يف النظر إىل أهم املسائل الكربى اليت

،أما " إبن سينا"و " أرسطو"إشرتك واختلف فيها كل من اخلطابني الفلسفي والصويف من خالل ابن سينا من كل املبحث الثاين فكان قراء جديدة حناول من خالهلا أن نستخلص حقيقة

فكره األصيل واخلالص،وقد املرجعيات اليت تنسب إليه وخاصة األرسطية ،واخلروج بنتيجة تـعنيكان هلذين املبحثني دور كبري يف إيضاح الرؤية وجالئها ،وانتهينا مببحث أخري وضعنا فيه كل من

.يف ميزان النقد والتقييم " ابن سينا"و"أرسطو"

مقدمة

ي

ىل أنه قد واجهتنا صعوبات كثرية يف هذا البحث ،أمهها قلة الدراسات اليت نود هنا أن نشري إيف التصوف ،أو باألحرى حنن مل جند كتابا يفرد الكالم عن " ابن سينا"تتكلم عن مذهب

ويف األخري خيتمون الدراسة باإلشارة " ابن سينا"ذلك،فكان الدارسون دائما يتكلمون عن فلسفة .وهي مراجع كثرية موجودة ضمن قائمة مراجع حبثنا،وهذا من ناحية إىل مذهبه يف التصوف ،

ابن "و" أرسطو"،يقارن بني حسب ما بحثتأما ناحية ثانية ال توجد دراسة أو حبث أكادي .يف نصوصه الصوفية ،أما يف نصوصه الفلسفية فهي كثرية وعميقة" سينا

بن سينا يف كتاباته الصوفية ،مع قلة أما الصعوبة الكربى اليت واجهتنا هي غموض لغة ورموز االشروحات عليها،وأننا قضينا وقتا طويال للبحث عنها ومقارنتها،لكنها باملقابل خلقت لدينا عزمية

.لمات الغامضة وغري املألوفة بالنسبة لناالعربية الشتمال نصوصه على الكثري من الك

يف األخري حنن نعترب هذه الدراسة مدخال إلعادة قراءة اخلطاب الصويف السينوي خارج القراءات اإلديولوجية املتحيزة للعقل واليت حتذف النص وتصنفه خارج جماهلا ،ومنه جتاوز األحكام

ت املناهج املعاصرة ،وحنن نعلم املستوى الذي التقليدية وإعادة قراءة النصوص الرتاثية وفق آليا.وصلت إليه يف قراءة النص واالنفتاح به

وعميقة على النصوص الصوفية السينوية ،حىت ال نقع يف أزمة قراءة الفكر اإلسالمي ،الذي هو يف .األصل يولد أزمة قراءة ذواتنا

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

2

السياقات التاريخية و المفاهمية :الفصل األوللمشكلة النفس

:المبحث األول

تصورات النفس يف احلضارات الشرقية القدمية والفلسفة اليونانية

:المبحث الثاني

:إشكالية النفس يف الفلسفة الغربية احلديثة واملعاصرة

:المبحث الثالث

حتليليةدراسة اصطالحية

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

3

لقد كان ملشكلة النفس نصيب وافر من االهتمام ،والشك يف أن ذلك يعود إىل طبيعتها،وإىل عالقتها باإلنسان ،فال ختلو االعتقادات القدمية والفلسفات املتنوعة من التأمل فيها والتنظري هلا، كان لعلم النفس و األنرتبولوجيا دور يف صياغتها وفق أنساقها ونظمها املعرفية ،وهي عند علماء الصوفية من أهم ،ووصفت عند كبار الشعراء أوصافا مراتب السالكني ،إذا ترفعت عن اخللق بلغت مبتغاها من احلق

.يهبليغة مجيلة ،وكل هذا يدل على عمقها و جتذرها يف الوجدان البشري ووع

بعض األحيان على االنفصال ويف أحيان أخرى عن الوحدة ،أي وحدة الكائن احلي يف أنه مصنف من نفس وجسد،وأدى ذلك إىل اتساع دائرة التأمل فيها وإىل الكالم عن اخللود

بر اخلالد والبقاء،الط املـد ري ر املس ع املادي ,بيعة اخلرية والشريرة،اآلم املأمور اخلاضاين،التطهري،الرتبية،التزكية وغريها .الف

لوحدها بغض النظر عن اجلسد أشارت إىل معىن الثنائية يف بعض "النفس"هذا إضافة إىل أن اعتربت األوىل مبدأ حياة اجلسد تفىن الفلسفات واالعتقادات بني مفهوم النفس والروح ،ف

بفنائه،أما الثانية فهي خالدة و مبدأ التفكري ،هذا األخري أثار بدوره نظريات حول العقل،تعددت ية،وذا كانت النفس حينا من املسائل امليتافيزيقية ،وحينا آخر املعرف ات توجه ات وال لسف لف عدد ا ت ب

. فيزيقية خالصة

حبثنا يف هذا الفصل متوجها إىل حماولة الكشف عن أهم وفق هذه املنطلقات سيكونالتصورات واالعتقادات اليت صاغها اإلنسان حول مسألة النفس ،وكيف عرفت داخل قواميس اللغويني ،وخاصة عند الفالسفة واملتصوفة ،لنكون بذلك فهما أوليا نعتربه كمقدمات أساسية

نطالق مباشرة يف الكالم عن النفس داخل اخلطابني وضرورية ملوضوع حبثنا ،إذ ال ميكن اال

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

4

سامهة يف بلورة الكثري من الفلسفي والصويف دون الكالم عن املرجعيات الكربى املؤسسة والـم. األفكار والتصورات املهمة و اليت سنحتاجها يف خالل هذه الدراسة

:تصورات النفس في الحضارات الشرقية القديمة:أوال

إىل تصورات احلضارات الشرقية القدمية والبحث يف طريقة تفكريها وفهمها لألشياء إن العودة

الطبيعة ،لكنها ومن ناحية مقابلة مل تبلغ مستوى راق من التفكري والتأمل والتعليل الذي يقبله العقل

.األسطورية اخليالية ،وهو ما يكشف عن بدايات التأمل وحماوالت التجاوز

إذ ليس من السهل اليوم تربير ظاهرة طبيعية بأسطورة خيالية ،وإن كانت يف غاية النسج،لكن ادي جدا من لك ان ذ ،أو باألحرى من الضروري أن جيد اإلنسان لنفسه يف تلك احلضارات ك

.ذلك النوع من التربير

كما أن هذه الرباعة والقدرة على التفسري كانت نابعة يف األصل من طبيعة الشعوب يف حد كان احلافز األول "

الة يف الطبيعة ،وأن الطبيعة ألفع ال اإلنسان القدمي وأفكاره ومشاعره ،اعتقاده اجلازم بأن األلوهية حاتمع ارتباطا صميميا بطة ب .،ويف هذا تعبري عن بداية الوعي اإلنساين ومنوه1"مرت

هذا الوعي الذي حدد املقومات الفكرية األساسية لكل حضارة من حضارات الشرق هم يف نشوء تأمالت جادة وعميقة وحىت معللة يف األزمنة الالحقة ،فهو حلقة أساسية القدمي،وسا

وضرورية جيب العودة إليها لفهم تطور العقل اإلنساين وانتقاله من مرحلة إىل أخرى،خاصة إذا كان البحث يدور حول مسألة ذات طبيعة ميتافيزيقية غيبية ،وحنن نعلم مدى اهتمام تلك احلضارات

إبراهيم جربا،املؤسسة العربية للدراسات ،ترمجة جربا -اإلنسان يف مغامرته الفكرية األوىل-فرانكفورت هنري وآخرون ،ما قبل الفلسفة -1.264،ص1980والنشر،بريوت ،الطبعة الثانية

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

5

ومدى اندهاشها بالظواهر الروحية اليت سعت يف فهمها وتفسريها،خملفة لنا إرثا هائال ا ،.وضخما ال تزال الشعوب البالغة الوعي إىل يومنا هذا تعود إليه وتتأمله وتستنبط منه

إن هذا االهتمام هو الذي دفعنا إىل الكالم عن تصورات النفس يف احلضارات الشرقية القدمية ا أنه من الضروري أن نعود إىل تلك اللحظة التارخيية املهمة واالطالع على طبيعة وطريقة ألننا رأين

.فهم هذه الظاهرة

كما أن هذه األساطري واالعتقادات مل متت ومل تبقى حمصورة يف بالد الشرق ،بل إن بعضها انفتح العرب على كان موجودا عند اليونان مثال وعند أكرب فالسفتها ،وحىت عند املسلمني عندما

بالد الفرس وعلى أصحاب الديانات واالعتقادات املختلفة ،وما عرفته املرحلة اهللينية من امتزاج بني األفكار الشرقية واليونانية ،وهذا على سبيل املثال فقط ،وحىت ال يبقى كالمنا عاما سنتكلم

.عند هذه احلضارات " النفس"عن طبيعة النظر والتأمل يف مسألة

:ثنائية الروح والجسد والتأسيس لحياة ما بعد الموت في الفكر المصري القديم/ أ

تعترب احلضارة املصرية من أعمق احلضارات و أقدمها و أكثرها اشتماال على األفكار الروحية،إذ كان انشغاهلما مبواضيع املوت و الروح و اآلهلة بالغا، و هي كغريها من احلضارات األخرى اليت

كانت،وكذلك سبب انزعاج كبري بالنسبة هلا،األمر الذي دفعها إىل حماولة البحث عن طرق التخفيف أو

مستمدة من أفكار روحية ميتافيزيقية ذات طابع الهويت أسطوري خالص، ورغم أن هذا النوع من التفسري كان متجاوزا حلدود الواقع ،فإنه كان مقنعا جدا إلنسان ذلك الوقت، إذ مل

.يكن لديه البديل

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

6

ود،و إن مشكلة النفس يف هذه احلضارة سرتتبط مبسائل ميتافيزيقية أخرى وهي املوت و واخللالذي تركه املصريون القدماء دليل على عمق ذلك االهتمام الشتماله "كتاب املوتى"الشك أن

على جمموعة من االبتهاالت و الرتانيم اليت كانت تقرأ على اآلهلة و املوتى،ونصوص احملاكمة يف ،و "اجلسد"و" النفس"و بعضها اآلخر إىل " الروح"احلياة األخرى،و رموز بعضها كان يشار به إىل

.هو ما يؤكد االختالف بينها

بداية كان اإلنسان يف اعتقادهم مصنف من روح و جسد ،أما الروح فكانت تنفصل على يف السماء أو اآلخرة السماوية ، و ميكنها ) أوزيريس(أو) رع(اجلسم املادي و هي توضح مع اإلله

فقد كان ) خات(، أما اجلسد ) البا:(بـأن تزور اجلسد يف الوقت الذي حيلو هلا، و كان يرمز هلا ميثل اجلانب املادي الذي يتحلل و الذي جيب احملافظة عليه و ذلك لضمان استمراره،و هو ما يفسر اجتهاد املصريني يف عملية التحنيط ، كما أن هذا اجلسد ال ميكن أن ينتقل من القرب إىل

أن شخصية اإلنسان يف احلقيقة يف " اجلنة حسب اعتقادهم ما مل يكن حمفوظا ، فهم يعتقدون" القلب" احلياة حتتوي على اجلسم املادي الظاهر ، و على الفهم الباطن و مقره يف اعتقادهم هو

و مها التعبريان الرئيسيان عن العقل ،و حتتوي هذه الشخصية أيضا على اجلوهر " اجلوف" أو .1"احليوي احملرك للجسم ،و يقصد به النفس

ات القدمية تؤكد أنه مل يكن هناك فرق بني النفس و العقل الذي يشري إىل إن الكتاب،يف حني أن اليت كانت تصور على شكل طائر) البا(،ومها يرمزان إىل وحدة و هي الروح القلب

تتضمن شهادة على حماولة الروح على احلصول على اخللود ،و هي تشمل حوايل ) قبل امليالد1100-1500(جمموعة نصوص قدمية تعود إىلمليت من األخطار اليت قد تواجهه يف طريقه إىل احلساب على يد أوزوريس يف مقطع من الصيغ السحرية و الصلوات و الرقى اليت حتمي انمائتا

أنظر املعجم العلمي للمعتقدات الدينية، تعريب و حترير سعد الفيشاوي، مراجعة عبد الرمحن الشيخ ، اهليئة املصرية العامة .أراضي الربكة األبدية .24، ص-2007األوىلطبعةالللكتاب القاهرة ،

.65،صتاريخوطبعة صريات ،مكتبة األسرة بدون ري بريستيد ،فجر الضمري ، ترمجة سليم حسن ،سلسلة املمجس هن1و هو كعضو أو كمقر للعقل و التفكري و اخلري و الشر ،أو على وجه اإلمجال احلياة العقلية و ) ايب(أو ) عب(القلب يرمز له يف كتاب املوتى ب

.أنظر كتاب املوتى.، و كان له دور مهم يف فصول احملاكمة اخللقية للفرد،و هو مرادف للضمري

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

7

ثل الروح األثريية اليت ال تفىن ،و هو ما جنده موضحا بشكل مفصل يف ) اخلو(النفس كانت مت، فالنفس ختوض مسرية طويلة حىت تعود إىل اجلسم "كتاب املوتى"الثمانون من الفصل التاسع و

دعين أمتلك :"و تتحد به يف اآلخرة بعد املوت، و يف هذا التضرع لإلله األعظم ما يوضح ذلكدعين أضفر بذلك يف أي موضع حيثما كان،راقب إذا أيا حارس ) اخلو(و نفسي ) البا(روحي

،فالروح تتوق 1"ما تكون إن كانت متلكئة فلتجعلها تنظر إىل جسديالسماء املقدس روحي حيثللعودة إىل اجلسد الذي كانت تستقر فيه ،على عكس ما سوف نشهده مع الفلسفة األفالطونية

فلقد كان اهتمام املصريني كبريا باجلسم فعملوا .مثال اليت ستحتقر اجلسد و تعتربه مقربة للنفسد املوت ، إذ كانوا يهيئون املقابر ويوفرون داخلها كل االحتياجات على عدم فساده و حتلله بع

اخلاصة و جيتهدون يف تقدمي القرابني املتوالية على األموات

االم على ذلك ته لت اب تم اش قد .و

أما النفس ففي اللحظات اليت يكون فيها اجلسم يف القرب تكون ترفرف فوقه و جتوب ،لذلك مل يكن املوت عندهم تعبريا عن النهاية بل هو بداية حلياة السماوات يف رحاب اآلهلة

فهو بعد أن يؤمن :" جديدة خالدة ،و يصور كتاب املوتى هذه االعتقادات يف العبارات التالية قرص ) أتوم(أو) رع(حنو رحاب السماوات تارة متحدا مع )البا(جلسده احتياجاته ينطلق بروحه

2"" أمنت "أوزريس سيدالشمس اخلالد ،و تارة مع

غري " القرين"،و يقال أنه هو ) الكا(كما يوجد يف االعتقاد املصري القدمي رمز آخر يطلق عليه ،الذي يالزم اإلنسان طيلة حياته ،و يعتقد أنه يولد مع اإلنسان لكنه " املالك احلارس"املرئي أو

ثالن معا يف رمز واحد هو طائر له رأس إنسان وذراعاه،وجنده مصورا يف املناظر "جند ذلك ممثال يف جزأين مها العقل والنفس ،إذ كان االثنان ميا بإحدى يديه صورة شراع منشور،وهذا الشراع هو الرمز املصري القدمي للهواء أو اليت على القبور وعلى توابيت املوتى يرفرف على املومية وميد ألنفه

65ص.أنظر مجس هنري بريستيد ،فجر الضمري ، مذكور سابقا..." النفس،وحيمل يف يده األخرى عالمة هريوغليفية ترمز للحياةروغليقية و الس بدج، الرتمجة إىل العربية و التعليق ،فيليب عطية مكتبة كتاب املوتى الفرعوين ،عن بردية آىن باملتحف الربيطاين، الرتمجة عن اهل-1

. 104،الطبعة األوىل ،ص1988مدبويل القاهرة .266املرجع السابق ،ص- 2

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

8

ألنه يأكل و يشرب ،و يقال أيضا أنه -أي الكا- قرابني فهويسبقه قبل موته،وألجله وضعت ال).البا(يسكن متثال املتوىف الذي كان يدفن مع امليت ، و يساعده على التحول إىل

خنلص يف األخري إىل أن اجتهاد املصريني الكبري يف تأكيد اخللود وحتديد وظائف النفس والروح إال تعبري عن حماولة القضاء على هاجس داخلي و وأمهية اجلسد وضرورة احملافظة عليه،ما هو

و أوجد ) البا(خوف قوي كان يقتحم العقل يف تلك الفرتة ،و لتهدئته هيأ املقابر و افرتض الروح .يعيش معه و يسبقه إىل املقربة قبل املوت ، و نسج أساليبا حملاكمة املوتى ) الكا(لإلنسان قرينا

الروحية واألساطري قد تثري شعورا بتفاهة العقل البشري يفإن هذه االعتقادات و األفكار

ت أخرى مشهورة ،و إن اختلفت معها يف طبيعة اإلجابة و يف كيفية التصورات ،بل توجد حضارا

و كانت كذلك تعيش من القلق و اخلوف و الغموض ما دفعها إىل ضرورة إجياد تفسريات و هو .ليت أضافها الفكر البابلي القدمي لإلنسانية يف تارخيها العريق ما سنعرفه من خالل اإلضافات ا

:الميتولوجيا البابلية واليأس من الخلود/ ب

مل يكن يف تصورات البابليني ذلك األمل واليقني يف حياة أخرى بعد املوت ،تنعم فيها األرواح أا إال بشر ، فها عن ال تال اخ وستكون خمتلفة عن آهلة املصرين بل عن كل آهلة الشرق القدمي ،فهي تشبه البشر يف بعض أفعاهلا

.

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

9

إن العقاب يف تصورهم كان قبل املوت وليس بعده عكس ما تقوله امليتولوجيا املصرية ،ألنه ال يوجد خلود بعد املوت،هلذا مل يفكر البابليني يف صياغة وأساطري حول هذه املرحلة،وخري دليل

رى بني على ذلك ملحمة جلجامش الشهرية اليت تؤكد ذلك ،وهذا مقطع من احلوار الذي ج" :جلجامش"و" سابيتو"اجلنية

إن احلياة اليت تبحث عنها ،لن جتدها أبدا "

ألن اآلهلة عندما خلقت اإلنسان ،جعلت

. 1"املوت نصيبه ،وأمسكت بأيديها عنه احلياة

ياة أخرى خالدة تنعم فيها األرواح بالسعادة األبديةوهو ما يؤكد أنه مل يكن هناك تفكري يف ح

.أطول قبل االنتقال إىل اجلحيم ،وذلك ال يتم إال بالوالء لآلهلة وتقدمي القرابني والصالة والطاعة

ء والصالة والسجود يف كل صباح،أنت قدمت التوسل والدعا" إن

.فإنه سيمنحك كل الكنوز

.وسوف تزدهر أيامك بفضل إهلك

:وبعقلك راع اللوحة

اخلوف يولد الرفق أو العاطفة

والتضحية تطيل العمر

1"والصالة ختلص من اإلمث

رقي القدمي وبدايات التأمل الفلسفي ،دار اآلفاق العربية القاهرة - 1 . 201،الطبعة األوىل ،ص2001مجال املرزوقي ، الفكر الش

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

10

،إال بعض هلذا ال جند داخل املعتقدات البابلية القدمية كالما عن الروح أو عن النفس واجلسد اإلشارات القليلة كاعتقادهم يف وجود أرواح شريرة ،هي سبب الشر املوجود يف العامل ،ألن اآلهلة ليست شريرة ،ورغم ما تلحقه باإلنسان عندما تغضب منه على تقصريه يف العبادة واالستقامة من

.

االعتقاد األخري يف أن اآلهلة خرية كان نابعا من شدة الوالء واخلضوع هلا واخلوف إن هذا ومل يكن هناك إله شرير ،بل إن الشر كانت تسببه يف العامل أرواح خبيثة رمبا كانت أمسى من "منها،

م و البشر ولكنها دون اآلهلة،ومل تكن تقام هلذه املسوخ عبادة دينية ،وكان الناس حياولون مقاومته2"اتقاء شرهم عن طريق ممارسة السحر

يف األوقات العديلة يسكن جسد خادمه ،وحني يضطر إلظهار عدم "يعتقدون أن املعبود أي اإلله يف رضائه من أجل إمث فإنه كان ينسحب منه فتأيت األرواح النجسة للتو لتحل حمله وجتر معها

.3"موكبها املصائب

،يولد مع " القرين"يسمونه " مالكا حارسا"وإذا كان املصريون القدماء جيعلون لإلنسان اإلنسان ويسبقه إىل القرب قبل موته ليحرسه ،ويساعده على حتقيق اخللود والبقاء ،فإن البابليني

وت ،متمثال يف اإلله خاصا به يف حياته األرضية قبل أن مي" مالكا حارسا"جيعلون لكل إنسان االم ته يه اب ترو من ما لك يظهر ذ لشخصي،و :ا

،)شخصي(ليس مبقدور اإلنسان بال إله "

أن يكسب خبزه،

،ترمجة حمرم كمال ،مراجعة عبد املنعم أبو بكر،اهليئة املصرية العامة للكتاب -احلضارتان البابلية واألشورية -ل،بالد مابني النهرين .دياليورت-1.163،ص1997القاهرة ،الطبعة الثانية

. 138نفسه ، صاملرجع - 2.168،ص املرجع السابق- 3

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

11

. 1"وال مبقدور الفىت أن حيرك ذراعيه ببطولة يف املعركة

إن االهتمام البالغ الذي أواله البابليون للحياة قبل االنتقال إىل اجلحيم كما يعتقدون،وللوالء

. يطمحون إليها قائمة على حسن الطاعة والوالء لآلهلة ألنه ليس هناك خلود

.197مذكور سابق ،ص-ا قبل الفلسفة ،اإلنسان يف مغامرته الفكرية األوىلم-فرانكفورت هنري، وآخرون - 1

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

12

:ينفي كل شعور بالفردية في الفكر الهندي القديم ) البراهمن(و) األتمان(إتحاد بين / جـ

)األمتان(يف االعتقاد اهلندي بـ "النفس"كان يطلق على

يء واحد أي ومهية ،إال ش) مايا(األشياء " ميكن التأكد من أنه حقيقي و غري ومهي فجميع يز يف هذا الفكر بني ما يسمى بالروح األعلى أي 1)"أمتاين(يستثين منها و هو نفسي أو ،إذ مي

و هي كلية غري حمددة من حيث الزمان و املكان تتميز بالوحدة و غري قابلة ألي نوع ) برمي آمتان(و (من التغيري أو التجزئة ،و بني ما يعرف عندهم بالروح الفردية يـ انج اليت هي جزء من ) آمت

سابقتها وحاملة لنفس أوصافها ،يف حني أن أوصاف الكلية تكون مستورة يف األنا أي يف النفس إن أروحنا ليست جزء من الرب مهن ، بل الرب مهن نفسه ،لذلك مجيع أوصاف الرب مهن " الفردية ،

أخرى كونه مستثىن من املكان و أي بألفاظ(كونه نافذا يف كل مكان و كونه أبديا و كونه قديرا ا (ميكن أن ينسب إىل أصل شهري يف ودانتا ،وهو ) الزمان و قانون السبب و املسبب م برمه أه

2".أي أنا برامهن)آمسى

هنا معناه النفس الكلية ، إذ يوازي هذا الفكر بينه وبني النفس الفردية الشتماهلما " الرب مهن"أن النفس الفردية ختضع لوالدات متكررة ،أما الكلية فال ميسها التناسخ

أا تكون حاضرة خالل كل تلك الوالدات املتوالية .رغم

إىل النفس احلية اليت تكون فيه و اليت متثل احلسي املادي املتمثل يف اجلسم و حواسه ، إضافة، أما عالقة )مايا(الغريزة و اجلهل و اخلطأ، و هي يف حقيقتها جزء من العامل الومهي غري احلقيقي

"معناها نفس ،ترد كثريا يف الكتب الدينية اهلندية و تستعمل للداللة على الروح الفردية مع روح العامل أي اهللا هكلمة سنسكر يتي" أمتان.، ، مطبعة مصر شركة مسامهة مصرية- يةبعض نواحيها مع املقارنة بالفلسفة الغربدراسة -السيد أيب نصر أمحد احلسيين، الفلسفة اهلندية -1

.74دون تاريخ ، ،صالطبعة األوىل.77-76املرجع السابق ،ص ص- 2

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

13

.و تتأثر به

النفس الكلية و النفس الفردية كانت لغاية روحية خالصة ،فاألنا أو إن هذه املساواة بنياإلنسان حسب هذا التصور هو يف كل كائن باعتبار أن كل النفوس الفردية املوجودة املنتشرة يف األجساد هي واحدة و هي من مثة مستورة يف النفس الكلية ، وهو نوع من التماثل الذي خيلق

.اعتبار للفردية أو للذات الفردية ،و رمبا هي نزعة صوفية خالصةشعورا باالحتاد ينكر كل

هذا و تؤكد االعتقادات اهلندية أن إدراك هذا االحتاد و التماثل هو يف احلقيقة نابع من الداخل "إذ

ذلك ما هو : (، أي)تات توام أسي( ه ثالث كلمات سنسكريتية اإلنسانية ،و هذا احلدس تفسر .1"هي احلقيقة النهائية) ذلك(هي النفس البشرية و ) أنت(،و ) أنت ذلك(،أو ) أنت

منيز إذا يف هذا الفكر بني ثالث مراتب و هي النفس الكلية مث النفس الفردية و يف األخري

اهلا باجلسم تفقد بعض صفات األلوهية و ختضع للتناسخ و لوالدات متعددة ،وهو األمر الذي يدعو

الوالدات املتكررة ،و من مثة حتقيق االنفصال عن العامل املادي ،أي عن الوهم الذي كان بالنسبة. هلم مصدرا لألمل و املعاناة و الوصول من ذلك كله إىل النرفانا

.186،ص 1977، ترمجة نقوال زيادة ،األهلية للنشر و التوزيع بريوت، الطبعة الثانية ) اجلزء األول(أرنولد توينيب ،تاريخ البشرية - 1 فانا(مبعىن يطفأ أو خيمد ،و) نـري(فانا تتألف من قسمني النر (

.خالية من كل تعلق بالرغبة فيها يتحقق التحرر و االحتاد

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

14

القلق الميتافيزيقي أمام الظواهر الطبيعية وغموض عالم األرواح عند الصينيين –د : القدماء

قد يبدو للوهلة األوىل أن الكالم عن هذه احلضارة ليس مهما مقارنة مبا أمدتنا به حضارة مصر كذلك اهلند،لكن احلفر يف تارخيها الفكري يكشف عن أمهيتها و يؤكد املستوى القدمية و بابل و

.املعريف الذي وصلت إليه يف جماالت عديدة

و قد كان هلا نصيب مهم من يعود تاريخ هذه احلضارة إىل حوايل األلف الثانية قبل امليالدبهمة بالنسبة هلم كاحلياة و املوت التفكري يف اجلانب الروحي و األخالقي، ويف املسائل الغامضة امل

والنفس والطبيعة و غريها،و ملا كانت الطبيعة تتحرك أمامهم و تتغري وفق قانون غامض بالنسبة هلم، اعتقدوا وجود أرواح خفية أو قوى غيبية تفعل ذلك، فلجئوا إىل ما يسمى بعبادة األرواح

فاف و ثالثة باإلنبات و غري ذلك ، و أن موكلة باملطر و أخرى باجل"اخلفية ،فكانت هذه األخرية.1"هناك أرواحا خاصة حلماية املنازل و رعاية أفراد األسرة

، و أرواح )كوى(أرواح املوتى من آباء و أجداد و غريهم و تسمى عندهم بالـ"إن األرواح نوعنيتندرج ، أما األوىل كانت 2)"مثني(القوى الطبيعية مثل الشمس و القمر و الكواكب و تسمى

ضمن ما يسمى باألرواح الدنيا، إضافة إىل أرواح األراضي و املنابع ،يف حني أن أرواح القوى الطبيعية عالية سامية،و هذا ما يفسر اهتمام الصينيني القدماء باألرض و شدة تقديسهم هلا و

شرورها وجلب اعتقادهم أن تلك األرواح بنوعيها هي اليت حترك العامل ،فاجتهدوا يف إرضائها لدفع

م.ق1400و أحد امللوك يف حوايل انج و ههي حضارة عريقة ، يؤرخ هلا منذ أقدم كتابة وصلت إلينا من أسرة ش..218-217صص، 1935طبعةنالبيت األخضر مصر، دو ةحممد غالب، الفلسفة الشرقية، مطبع- 1.217ص،املرجع نفسه- 2

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

15

كان الفالحون و الصينيون القدامى ينظرون إىل األرض نظرة تقديس ".1"فأسكنوها األرواح اليت متنحهم النجاح

كما احتوى الفكر الصيين القدمي هو اآلخر القول مببدأ الثنائية ،فالعامل يف اعتقادهم قائم على مبدأين أساسني مها املادة و الروح ي

إن السماء و ): لينج-شو"(الثنائية،وألنه الوحيد الذي ميلك روحا ،و هو ما جنده مرويا يف كتاب.2"نسان من بني مجيع الكائنات هو وحده املوهوب روحااألرض مها أبو الكائنات مجيعا،و إن اإل

إن قوهلم بوحدة اإلنسان واشتماله على ثنائية النفس واجلسد مل يكن لغاية ميتافيزيقية بقدر ما آمال إىل احلياة العملية "كان غرضهم يف اعتباره كائن اجتماعي و خاصة أخالقي،فكان توجههم

،و ما وصلنا عن "3تم بالعلم و امليتافيزيقا-ضارة الصينيةأي احل- ،و بدرجة ثانوية فقط كانت يؤكد ذلك،حيث يقال أنه كان يتفادى اإلجابة على األسئلة ذات الطابع " كونفوشيوس"

هل لدى األموات علم شيء؟ أم هل هم بغري علم ؟ أىب:"امليتافيزيقي،و يقال أنه ملا سئل

عن خدمة األرواح أرواح املوتى ، أجابه إذا-لو كي - أن جييب جوابا صرحيا ، و ملا سأله

.4"كنت عاجزا عن خدمة الناس فكيف تستطيع أن ختدم أرواحهم

،مع الطاوية "كونفوشيوس"إن الفكر الصيين سيعرف تطورا فيما بعد و بالتحديد بعد )taoïsme ( إذ سيتوجه حنو اجلانب الروحي امليتافيزيقي نوعا ما، مع " الوتسو"اليت مثلها،القاهرة ،دون طبعة ولرت فريسرقس، أصول احلضارة الشرقية،ترمجة رمزي يسى مراجعة أنور عبد العليم ،دار الكرنك للطبع والنشر والتوزيع -1

.124،ص1960.222حممد غالب، الفلسفة الشرقية، مرجع مذكور سابقا،ص- 2الصيين سوى يقول ويل ديورانت يف كتابه قصة احلضارة يف هذا املعىن أن الصينيني متيزوا بالفلسفة اإلنسانية غري الدينية ،و أنه ال يوجد يف األدب

.يف التنبؤ بالغيبنو قد اعتمد عليه الصينيو ) جنج . يإ(و هو كتابكتاب واحد يتكلم عن هذه املسائل . 279،مذكور سابقا ،ص)اجلزء األول(أرنولد توينيب ،تاريخ البشرية - 3زيع بريوت ) الصني’ الشرق األقصى(ويل ديورانت ،قصة احلضارة -4

.53دون تاريخ ،ص، وطبعة

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

16

تشدد على اإلنسان و " الكنفوشيوسية" احملافظة على املبادئ األخالقية و االجتماعية ،وكانت

.1"مليتافيزيقية للطبيعةا

ميكن القول يف األخري أن هذا الفكر كان طابعه أخالقيا بالدرجة األوىل ،متوجها إىل اإلنسان يف اعتباره كائن أخالقي،وهذا ال ينفي اهتمامهم باجلانب امليتافيزيقي وبالنفس بالتحديد ،بل جيعل

.ميكن أتكون هناء وحدة من الثنائية

:ثنائية الخير والشر ومصير األرواح بعد الموت في الفكر الفارسي القديم- هـ

نظر عميق يف املسائل امليتافيزيقية املرتبطة بالنفس واملوت واخللود،كما لقد كان هلذه احلضارةأسست ملفهوم الثنائية

ه الذي له إمكانية العودة إىل احلياة بعد البعث،أما اجلسم فقد أعترب عندهم ) القالب( د ح وهو وو من هذا نشأت عندهم فكرة وجوب ختليص "مصدرا للشر وألن طبيعته مادية فهو سجن للروح

إاء هذ أو اجلسم، من فس ن ا العامل املادي بإضعاف النوع البشري، و إبادة النسل بواسطة حظر ال.2"الزواج و غري ذلك من وسائل التدمري و التخريب

أوال النفس و اإلهلام و العقل، ثانيا ":فهي عندهم على مخسة أنواع) القالب(أما الصورة أو ور و اإلحساس،و رابعا الروح الدين و الضمري اخللقي و الروحي،و ثالثا الوجدان النفسي و الشع

و هو عبارة عن شبح مساوي و هو يف نفس الوقت ملك ) الفرافاش(بأدق معاين الكلمة و خامسا

. 50،ص2009حممد جديدي، الفلسفة اإلغريقية، الدار العربية للعلوم ناشرون،منشورات االختالف اجلزائر ،الطبعة األوىل - 1 إىل املزدكية نسبة إىل مزدك أوهلا الزرادشنية اليت تعود إىل زرادشت مث املانونية نسبة إىل مايت وصوال: مثل هذه احلضارة ثالث مراحل أساسية)531-587.(. 203حممد غالب، الفلسفة الشرقية، مرجع مذكور سابقا،ص- 2

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

17

يف الديانة الزرادشتية جمموعة من األرواح ) الفرافاشي(وقد مثلت هذه ،1"حارس وروح جوهريةموجودة لدى كل :"دة وهياألخرى املوجودة يف أجساد البشر فهي جمر لكنها خمتلفة عن األرواح

مؤمن و عادل و يوم ميوت تعود هذه الروح اليت هي من ذرات النور اإلهلي إىل مقرها العلوي،و

.2"احلق و الصواب

سألة العقاب واجلزاء ،و مثل ما قال املصريون كما ارتبط مصري الروح عندهم بعد املوت مب

على باب هذا املعبد يوجد ثالثة قضاة :"الرتاث الفارسي الديين ما يعرب عن ذلك،ومنهيه حسنات امليت و يف األخرى سيئاته و هناك ينصب ميزان توضع يف إحدى كفت" ميتهدا"بينهماسب باملرور فوق هذا املعرب أو الصراط ... و على إثر انتهاء الوزن و صدور احلكم يؤمر املح

املمتد فوق اجلحيم الذي يتسع أمام األخيار و يضيق حىت يكون أدق من الشعرة و أحد من توت حسناته و فيثاب اخلري و يعاقب الشرير ،و، 3"الشفرة أمام األشرار هناك مرتبة وسطى ملن اس

.تكلمنا عنه سابقا

ميوت امليت تظل الروح ثالثة أيام و ثالثة ليال معلقة "أما اجلسد فإنه يفسد و يتلف و عندما إىل جانب اجلسم منعمة ب

.4" ضمريه الذي يقوده إىل حيث معرب احلساب و احلكم األخري

.195املرجع نفسه،ص- 1.43،ص1999نوري إمساعيل، الديانة الزرادشتية،مزديسنا،منشورات دار عالء الدين للنشر و التوزيع و الرتمجة دمشق ، ،الطبعة الثالثة- 2.203غالب، الفلسفة الشرقية، مذكور سابقا،صحممد - 3.196املرجع السابق، ص- 4

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

18

حماولة إسقاطها على مجيع مظاهر احلياة الطبيعية اخلارجية

حل حياته و خالل تكرر كل ظاهرة الذي كان يصيب اإلنسان األول ،بل كان يالزمه يف كل مراطبيعية أو نفسية غامضة بالنسبة له،وإذا كان تفكريه حمدودا حبدود الطبيعة و املعرفة اإلنسانية ،فال ميكن القول أن كل ذلك كان جمرد خرافات و أساطري األولني، بل هو تعبري عن فكر راقي أو

ان مبثابة مقدمة لنشوء فكر جديد ،و لبلورة باألحرى هو نوع من أنواع الوعي و التأمل اإلنساين ك.فلسفة مغايرة حاملة يف داخلها معامل الفكر القدمي نفسه

:مشكلة النفس في الفلسفة اليونانية :ثانيا

من تاريخ الفلسفة حلظة بارزة متيزت بثراء مفاهيمها و مبستوى جديد من تعد هذه املرحلةقارنة بطبيعة التفكري السابق عليها سواء احلكمة الشرقية القدمية ،أو الفكر اليوناين قبل الفلسفة و الذي جتسد خاصة يف الفكر األسطوري و الديين

.الالهويت املمتزج بالشعر يف عمومه

هم على أنه إعالء بال فلسفة إن هذا االعتبار الذي نقدمه حول الفلسفة اليونانية ال جيب أن يـفاليونانية و إجحاف بالفلسفات األخرى ،و إمنا هو تأكيد على نضج الفكر و منوه يف مرحلة كان

.فيها اإلنسان ال يزال قابعا حتت سيطرة االعتقادات الغيبية والتصورات الالهوتية واألساطري

ا الالهويت يؤرخ هلذه الفلسفة منذ حوايل القرن السادس قبل امليالد ،و قد سبقتها حبوايل قرنني أي القرن الثامن قبل امليالد مرحلة متيزت بطابعهذلك يف الديانات السرية كاألورفية ، لكن ميالد الفلسفة سيتحقق يف حوايل القرن و هوزيود ،وكسالديين و هو ما نلمسه يف أشعار و هومريو

ذلك مع السادس قبل امليالد أين سيحاول العقل أن يتخلص من هذه األفكار الدينية الالهوتية حبثا عن احلقيقة املوجودة يف الطبيعة و رمبا كان .طاليس املالطي

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

19

اليونان يف

.

عند فالسفتها وفق كما أن مفهوم النفس يف هذه الفلسفة سيتميز خباصية معينة ،ألنه سيفهم ام و أفكارهم األساسية ،وإن صاغها كل من كمبحث أساسي و " أفالطون و أرسطو"نظري

جوع إىل هذه املرحلة سيحقق لنا هدفني أساسني ،األول هو معرفة تصورات اليونانيني األوائل ملشكلة النفس ،والثاين هو أننا سنعتمد على كتاب النفس ألرسطو ،وبذلك نكون قد قدمنا قراءة للجزء

:األول منه ،و سيتضح ذلك من خالل ما يلي

LES:طتصورات النفس في الفلسفة ما قبل سقرا:-1PRÉSOCRATIQUES

اجته اهتمام الفلسفة قبل سقراط يف عمومه حنو البحث عن املبدأ األول و الوحيد الذي منه ،و لكن ورغم ذلك نشأ الكون ،حىت أصبحت تـنعت بالفلسفة الطبيعية أو الكسمولوجية

غال اهلاجسي سيكون إلشكالية النفس حظ وفري يف هذه الفلسفة ،وإن كان ال يتساوى مع االنش.هلم ،فانه سيعترب مبحثا من مباحثه

كما أن العودة إىل هذه املرحلة هو مقدمة أساسية لفهم تصور أرسطو للنفس ،خاصة وأنه سيتكلم عن بعض التصورات الفلسفية اليت صدرت عن فالسفتها وحيللها مث يقوم بنقدها وبناء

و هم )558-524(و انكسمانس) 547- 611(و تلميذه أنكسمندريس ) م.ق550-643(ايلمثل هذه املدرسة كل من طاليس حو،كما مثل و بومنيدس و أنكساغورس وديقريطسو هرياقليطسةاألوائل، مث اجتهت الفلسفة إىل نوع من التجريد مع الفيثاغورسيالفالسفة الطبيعيني

نسان ،و هناك فالسفة آخرون كان هلم دور يف بلورة هذه الفلسفة لكن ليس مبستوى هذه املرحلة أيضا السفطائيون الذين وجهوا التفكري إىل اإل. الفالسفة البارزين املذكورين سابقا

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

20

الذي خصص فيه "يف النفس"شهور نظريته حول النفس ،وهو ما جنده واضحا يف كتابه املمبحثا مهما لعرض آراء السابقني عليه حول هذه املسألة ، هذا إضافة إىل أن الكتاب أعترب من

،وعلى طرف الكثري من الدارسني و املؤرخني لتاريخ الفلسفة أول حماولة جادة للتأريخ للفلسفةكرهم أرسطو يف كتابه هذا ،لكن مع هذا األساس سنركز اهتمامنا على أهم الفالسفة الذين ذ

احرتام تاريخ كل فيلسوف ،ألن طريقة أرسطو يف كتابه هي عرض الفكرة أوال ومن مثة اإلشارة إىل .صاحبها وهو ما كنت تفرضه عليه منهجية البحث يف مشكلة النفس

:طاليس المالطي وقوله في أن النفس قوة محركة"-أ

واضحا بشكل يسمح لنا باجلزم يف تأكيد موقفه، حىت أرسطو مل يكن رأيه يف مسألة النفس ،لذلك سنكون متحفظني كثريا يف عرض آرائه حول 1"إن صح ما يرون عنه"نفسه يستعمل عبارة

النفس ،و ال شك أن الكالم عن هذا الفيلسوف يذكرنا بتلك املقولة املشهورة اليت نسمعها عنه و ،لعله التفسري الوحيد الذي وجده "جتذب احلديد إليهأن يف املغناطيس نفسا هي اليت:"هي

لتعليل هذه الظاهرة ، فاعترب بذلك وجود شيء خفي هو الذي جيذب األشياء إليه ، " طاليس"فيما يرون عنه " طاليس"و يبدو أيضا أن :"ومن مث فإن يف كل شيء نفسا، فأرسطو يقول

نه من أنه زعم بأن يف حجر املغناطيس نفسا ،ذهب إىل أن النفس قوة حمركة و إن صح ما يرون ع.2"ألنه جيذب احلديد

في كل األشياء المتحركة توجد األوىل هي أن :إن هذه املقولة تؤكد فكرتني أساسيتني ، أو هي اليت حترك األجسام ، فهي اليت متنح النفس هي مبدأ الحركة،و الثانية هي أن هذه نفس

ملا كنا ندرس النفس فمن الضروري يف نفس "جزءا لعرض آراء السابقني عليه يف مسألة النفس فهو يقول " يف النفس" خصص أرسطو يف كتابهاملسائل اليت جيب أن حتل فيما بعد ،أن جنمع آراء املتقدمني عنا ،من الذين كان هلم أقاويل يف النفس حىت نفيد مما أصابوه الوقت الذي نضع فيه

. 09أنظر كتاب النفس ألرسطو، ،ص " من حق،ونتجنب ما أخطئوا فيهيونانية األب جورج شحاته قنوايت،منشورات دار إحياء أنظر مقدمة كتاب النفس ألرسطو طاليس ، ترمجة أمحد فؤاد األهواين،مراجعه على ال

).هـ(،ص 1949الكتب العربية ،الطبعة األوىل .14،املصدر السابق،ص- 1.14املصدر نفسه ،ص - 2

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

21

،و إذا رجعنا إىل "املادية احلية " من أصحاب النـزعة " طاليس"ترب احلياة هلا أي للمادة ، لذلك أع للمبدأ األول الذي منه نشأ الكون ،فإنه قال بأن أصل األشياء كلها هو املاء و هذا األخري تفسريه

هو الذي منه نشأ اإلنسان و احليوان و النبات ،وكل األشياء املوجودة يف الكون،و وفق هذا الرأي حامل لقوة حيوية داخلية "طاليس"، فاملاء حسب مانحة الحياة لهذه المادةنفس هي تكون ال

فيه تـنبث يف مجيع أنواع املادة ،فتكون بذلك هي األخرى حية ، و يتضح هذا املعىن األخري أكثر ،و 1"كل شيء مملوء باآلهلة:" كما يلي و هي" أرسطو"اليت أوردها "طاليس"من خالل مقولة

ا بأن النفس ممتزجة بالعامل كله؛ أي أن العامل مملوء باألنفس وهي تنتشر داخل املادة يفسرهيف أن اآلهلة يف " أرسطو"فتحدث احلركة ، و إذا كان هذا التفسري الذي قدمه أو باألحرى رجحه

.تعين األنفس، فهل هذه األخرية هي كذلك؟" طاليس"مقولة

هذه املسألة ،وحىت املقوالت اليت يوردها أرسطو هي أي إجابة مفصلة حول " طاليس"ال يقدم .

:وتصوراتها حول النفس ) LES PYTHAGORICIENS(الفيثاغورية -ب

سيتغري أو باألحرى سيتسع كثريا جمال النظر يف مسألة النفس تدرجييا مع الفلسفات املوالية

، اليت شاركت بدورها الفالسفة الطبيعيني يف حماولة اإلجابة على املبدأ "الفيثاغورية"د خاصة عن

األول و أصل الكون ، و عرفت إضافة إىل ذلك مبسائل أخرى كالتناسخ و التطهري والزهد والعدد

مؤسس املدرسة و آرائه هو وحده ،بل سوف نعرض " فيثاعورس"،و حنن اآلن لن نتكلم عن

النزعة املادية احليةHulocisteأصل الكلمة من اليونانية و هي منHulèو تعين اهليويل أو املادة ،وzoè جع أصول هذه تعين احلياة و ترإىل التفسري البدائي ذي النزعة اإلحيائية لبعض الظواهر الطبيعية مثل النفس و األحالم و الظالل و املوت إىل وقت ظهرت األسطورة " النزعة

ية ،تأليف جمموعة أنظر املعجم العلمي للمعتقدات الدين"املتعلقة بنفس اإلنسان من تلك املفاهيم اليت ترى النفس صورة مصغرة أو ظالل لإلنسان. و ما يليها598،ص2007من األساتذة ، ترمجة و حترير سعد الفيشاوي ، مراجعة عبد الرمحن شيخ اهليئة املصرية العامة للكتاب الطبعة األوىل

.36، ص ترمجة فؤاد األهواينأرسطو ،كتاب النفس ،- 1

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

22

سم اجلماعة،وحىت أرسطو يتكلم يف كثري من األحيان عنهم مجاعة متفاديا اإلشارة إىل لذلك ب

.أرسطو"، وحنن هنا سنحذو حذو 1" بعض الفيثاغوريني:" لوحده ،فيقول" فيثاغورس"

وكان هذا االعتبار واحدة" الفيثاغورية"لقد كانت

رم أكل اللحوم ق التآلف بين جميع الكائنات الحيةتحقييهدف إىل ، ووفقا لذلك كانت حت

العتقاد منها بأنه ميكن أن تكون نفس صديق أو قريب داخل ذلك احليوان،كما امتنعت عن

أا خاضعة لوالدات متعددة خالدةأكل بعض النباتات،أما فيما خيص مصري النفس فهي ورغم

، فقد كان تعود في النهاية إلى مصدرها اإللهي األولأا بتناسخها يف أجساد كثرية إال

: فيثاغورس حسب ما يروي فورفوريوس عنه "

خمتلفة ،و أن األحداث تتعاقب على سبيل الدور،فما من جديد حتت الشمس و أخريا أن مجيع

.2"اءالكائنات احلية جيب أن تعترب أقرب

" الفيثاغورية"إن هذا القول األخري جيمع جممل آراء

خالدة،وقد أكدوا أيضا على هذه الصفة األخرية من خالل قوهلم أن النفس يف حالة حركة دائمة

و مستمرة ال تعرف السكون ،و هذه الصفة هي من خصائص ما هو إهلي أي ما هو خالد، و

هذا :"الذي يقول عنه أرسطو" الكروتوينألكمايون"أثار هذه احلجة أحد الفيثاغورين و هو قد

هو رأي ألكمايون

.10،ص هاملصدر نفس- 1،الطبعة علم للماليني بريوتدار ال) م.ق485(و برقلس)م.ق27(إىل أفالطون)م.ق583(اليونانية من طاليس ماجد فخري،تاريخ الفلسفة -2

.24ص1991األوىل

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

23

عندها من جهة حركتها األبدية ألن مجيع األشياء اإلهلية تتحرك دائما حركة دائمة كالقمر و

.1"الشمس و النجوم كلها

ترب ،ألن من خصائصه أنه ال يعرف النفس من الهواءأن " الفيثاغوريون"كذلك يـع

أن الفيثاغوريون اعتربوا النفس من التنفس و " يف النفس"السكون،حيث يذكر أرسطو يف كتابه

فمنهم من قال بأن النفس هي غبار اهلواء و منهم من قال :" اهلواء فهو يقول

.2"هذا الغبار،و ذكروا أن هذا الغبار يظهر لنا يف حركة مستمرة حىت إذا كان السكون تاما

لتخليصها من الوالدات املتعددة و من تطهير النفسهذا وقد اهتمت الفيثاغورية كثريا مبسألة

من ممارسة انتمائها سجن اجلسد الذي كان مصدرا للرذيلة و رمزا للشر ، ألنه كان مينع النفس

اجلانب املهم يف اإلنسان فالواقع أن النفس هي "احلقيقي اإلهلي األول ، فهي متثل يف تصورهم

.3"اإلنسان احلقيقي و ليست جمرد صورة أو ظل للبدن

.النفس هي مبدأ األشياء كلها: هراقليطس- ج

ن نظريته يف أصل تصور آخر عن النفس يندرج ضم) Logos(سيكون لفيلسوف اللوغس

الوجود و الصريورة، فإذا كان يرى أن أصل املوجودات كلها هو النار ،وأن هذه األخرية هي من

طبيعة كلية و شاملة و أبدية ، وأن األشياء يف حالة حركة و تغيري دائمني فيما ورد يف إحدى

ئنات ،مل يصفه أحد من إن هذا العامل بانتظامه املتماثل مع ذاته بالنسبة جلميع الكا:"شذراته

اآلهلة و ال من الرجال ،و لكنه كان أبدا ،وهو كائن، و سيكون نار حية أبدا تشتعل باعتدال و

.15،صترمجة فؤاد األهواين أرسطو، كتاب النفس، - 1.10،صصدر السابقامل- 2الد األول-3 ية ، يونان لسفة ال لف يخ ا ار لسون، ت ندري كوب ، الطبعة ) اليونان و روما(أ

.68،ص2002األوىل

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

24

، و إن صح التعبري هي من النار اإللهية،فإن النفس حسب هذه االعتبارات 1"تنطفئ باعتدال

اا نها،و صف بس م هي من صفات النار الكلية تتميز مب-أي النفس-هي ق

أ ألا " وسيؤكد هذا املوفق أرسطو الذي يعرض لرأي هرقليطس فيقول بد فس م ن ، عنده البخارال

بعد األشياء عن الجسمية الذي تنشأ منه سائر األشياء، و يضيف إلى ذلك أن هذا المبدأ أ

.2"،وفي جريان دائم

إن األنفس املوجودة يف األجسام اإلنسانية يف تصوره هي يف األصل منحدرة من مصدر ناري

إهلي خالد، فكان عليها أن تصارع عندما تكون داخل اجلسم حىت تتمكن من العودة إىل العامل

أحد عناصره ،أو هو صورته يف العامل احلسي املشرتك إىل عقل العامل ،الذي يعترب العقل اإلنساين

اإلنسان هو حلظة من حلظات هذا العقل الكلي ،أي تقلص و انقباض له ،أو أحد "فعقل

،و حتقيق النظام الكلي والتوازن يعتمد يف أصله على العقل اإلنساين و مدى مشاركته و 3"قنواته

.مسامهته يف جتسيده

فسه، ألا منبعثة منها ،وهي تقوم إن النفس حسب هريقليطس هي حاملة ل ن ية لكل ار ا نظام الن

كما تقوم النار الشاملة بتدبري أحوال العامل ،و هذا االرتباط و التدبري يكون بتنظيم أحوال البدن

قائما على نظام معني هو يف احلقيقة نابع من نظام الكل وفق انسجام و تناسق تامني،فعالقة

فق هذا النظام ،إذ يشبه هريقليطس ذلك االنسجام بينهما بـ النفس بالبدن البد أن تسري و

املؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر و التوزيع .فريدريك نيتشه ،الفلسفة يف العصر املأساوي اإلغريقي،تقدمي مشال فوكو،ترمجة سهيل القش-1.103ص.1983الطبعة الثانية

14انظر التعليقات على كتاب النفس ألرسطو، ترمجة فؤاد األهواين،ص(النار األثرية أو األوىل ،البخار يقصد به.(.14،صالسابقأرسطو، كتاب النفس، املصدر - 2الد األولأندريه كوبلسون، تاريخ ا- 3 لسفة .82-81،صلف

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

25

ع :"و نسجه خليوطه فيقول يف إحدى شذراته)العنكبوت( ط إن العنكبوت وسط خيوطه، حني تـق

ذبابة أحد اخليوط حيس بذلك و يركض حنوها بسرعة،و كأنه مغتنم هلذا القطع ،و كذلك روح

الرجل،حني يصاب جزء من اجلسد جبرح

إن هذا الفيلسوف ال ينفي عالقة النفس باجلسد ،بل .1"اجلسد الذي ترتبط به بقوة و بانسجام

أما من طبيعة خاصة قائمة على لى يها و ع يؤكد عل ،ولكن هذا ال يعين االنسجام و التوافقهو

إىل مصدرها األول،فالنفس وفق مبدأ الصريورة شوق

هي يف جريان دائم ختضع للتغري كجميع األشياء األخرى،وذلك ال يفقدها حقيقتها أو ينهيها،بل

روح اإلنسان هي جزء من ف"هو تغري دائم منه تستمد إمكانية بقائها ورجوعها إىل أصلها األول

النار اخلالدة اليت تتحول لكنها تبقى إىل األبد،ومن خالل التنفس تتغذى النفس على التبخر يف

.2"اجلو اخلارجي،وكذلك على التبخر الداخلي الناتج من الدم

ال يكمن يف إثبات خلود النفس ومجيع األشياء اخلاضعة للتغري، " هريقليطس"إن جوهر فلسفة

يف تأكيد مبدأ الصريورة و أن الواحد يعيش مبوت اآلخر، و هذا اآلخر حيي مبوت األول بل هو

أي االستمرارية يف وجود األشياء ،ورفض القول بالثبات و الفناء ،و هذا يلزم عنه القول باخللود

، جلميع األنواع اليت تتغري باستمرار و تعود باستمرار أيضا إىل مبدئها األول الذي انبثقت منه

فاألشياء كلها تذهب و تعود مبا يف ذلك النفس اليت ختضع للنظام نفسه وهي مبثوثة يف مجيع

و ال شك أن هذه الشذرة اليت سنوردها فيما يلي تؤكد عملية التغيري املستمر و البقاء يف .األشياء

.106،صاوي اإلغريقي فريدريك نيتشه، الفلسفة يف العصر املأس- 1جاك-2

.40،ص1984الوطين للثقافة و الفنون و اآلداب، الكويت دون طبعة

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

26

لماء يعين أن إن املوت بالنسبة لألرواح يعين أن تتحول إىل ماء ،و املوت بالنسبة ل:"النهاية يقول

.1"يتحول إىل تراب ، ومن الرتاب يأيت املاء ومن املاء تأيت الروح

ينفي كل قول بالثبات فال شيء ميكن أن حيافظ على صورته أو " هرقليطس"يتأكد من هذا أن

خصائصه يف اآلن نفسه، فهو يف حالة صريورة،و ما نعتقد أنه ثابت هو يف احلقيقة ناجم عن

حترق نفسها "2"وية من اجلوهرتدفق كميات متسا"

دائما و حتتاج إىل تغذية ،حتصل عليها من خالل احلواس ومن احلياة املشرتكة و عقل العامل،أي

،هذه األخرية هي الروح الكلية اليت ال ميكن أن نعرفها بشكل كامل 3"من النار احمليطة الشاملة

ه ،وهو ينمو بذاته و إن كانت الروح تنتمي إليه أو أ م ن ندرك حقيقتها ،فهي قانون العامل و منظ

أو تشري إليه بشكل من اإلشكال ،فأنه يفوقها و يفوق مجيع األشياء املوجودة يف الطبيعة ،يقول

لن يكون بإمكانك أن تصل إىل حدود الروح ،و ستقطع خطاك مجيع :"يف إحدى شذراته

4".ات دون أن تصل إىل لوغس الروح العميقالطرق

أا كلما كانت جافة كانت أكثر طبيعة النفسيتكلم كذاك هذا الفيلسوف عن قد ت يع فهو ،

على النهاية و املوت ،و هو ما تتضمنه طبيعة أساسية من النار الكلية ،أما الرطوبة فهي تعبري،لكن جيب أن ننتبه هنا " املوت بالنسبة لألرواح يعين أن تتحول إىل ماء"الشذرة املذكورة سابقا

.اء و من هذا األخري تأيت الروح دون توقف وباستمرارموته يأيت الرتاب ،و من الرتاب يأيت امل

.104،صاملأساوي اإلغريقي فريدريك نيتشه، الفلسفة يف العصر- 1الطبعة بريوت ، تاريخ الفلسفة اليونانية ،ترمجة جماهد عبد املنعم جماهد، املؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر و التوزيعوولرت ستيس، -2

.58،ص2005الثانية.61املرجع السابق ، ص- 3.105،صلسفة يف العصر املأساوي اإلغريقيفريديريك نيشه ، الف- 4

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

27

هذه هي أهم األفكار اليت قاهلا هذا الفيلسوف ،وكما سبق و ذكرنا أنه مل يفرد هلا مبحثا بل إنه تكلم -طبعا هذا حسب الشذرات اليت وصلت إلينا-خاصا يتكلم فيه عنها بإسهاب

على أفكاره يف الصريورة و املبدأ األول ،و رغم عن النفس يف جممل فلسفته ،إن مل نقل للربهنةذلك جاءت أفكاره خمتلفة متاما عما ورد عن الفيثاغورية خاصة و عن الفالسفة الطبيعيني السابقني عليه عامة ،و إن اتفق معهم يف إرجاع النفس إىل املبدأ األول الذي انبثقت عنه األشياء

.أيا كانت طبيعته

هناك اهتمام كبري مبسألة النفس إال بعض األفكار التناثرة والشذرات مل يكن " هريقليطس"بعد: ،واليت سنحاول اإلشارة إليها فيما يلي

.النفس هي مبدأ الحركة":أنكساغورس"-د

يؤكد "إن النفس هي اليت حترك اجلسم و حترك نفسها كذلك، و حسب ما يقول أرسطو إنه ،و لنفهم هذه الفكرة األخرية البد أن 1"المحركةالنفس هي العلةأن- أي أنكساغورس-

ع العقل عند هذا الفيلسوف؟ نعرف أوال عالقتها بالعقل ،و ما وض هو م

مجيع األشياء حتتوي على جزء من مجيعها، و لكن :"12يف الفقرة رقم " أنكساغورس"يقول وهو أمجل األشياء و ...العقل ال متناه ،و حاكم لذاته،غري خمتلط بأي شيء بل قائم بذاته

أصفاها، و يدرك كل شيء إدراكا تاما، و يتصف بالقدرة العظمى ، ومجيع األشياء احلية صغريها

.10،صاألهواينأرسطو، كتاب النفس، ترمجة فؤاد - 1

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

28

ي تأخذ األشياء يف و كبريها خاضعة حلكم العقل، وقد توىل العقل احلركة الكلية أصال لك1".التحرك

نتبني من هذه الفقرة خصائص العقل و صفاته و طبيعة اخلالصة ،وألنه هو املسؤول عن احلركة ها الكلية اليت تساهم يف حركة مجيع األشياء األخرى ،فإنه بذلك موافق لطبيعة النفس اليت يعترب

و إن كان هذا املوقف غري يوحد بين النفس و العقلالعلة احملركة ،لذلك هو "أنكساغورس"أما أنكساغورس : "واضح و غري صريح يف فلسفته ، وهو ما يشري إليه أرسطو بقوله

أما من طبيعة واحدة...الذي يظهر أن يـعد النفس شيئا آخر غري العقل يهما ك نظر إل نه ي فإ

،إن هذا القول يؤكد من ناحية أسبقية العقل 2"يؤثر أن يضع العقل مبدأ مجيع الكائناتإال أنهيف أنه خالص غري ممتزج وخالد أو من طبيعة إهليه ، ويؤكد من ناحية أخرى أن النفس حتمل بعض صفاته لكنها ليست هو ،لذلك كانت من طبيعته أو رمبا هي صوته اليت تـبث يف الكائنات احلية

يف أن النفس ليست النار الكلية أو اللوغس " هرقليطس"رمبا كان هذا املوقف يشبه ما قاله ،و.لكنها صورة عنها و من طبيعتها، و ختضع لنفس نظامها و انسجامها

هذه فقط بعض االستنتاجات االفرتاضية حول هذا الفيلسوف ،ألنه ال يوجد ما يؤكد قولنا يف جممل تأرخيه آلراء القدماء حول النفس مل يؤكد ذلك،على ذلك،حىت أرسطو يف كتابه النفس و

الذي وحد بشكل صريح وواضع بني "دميقريطس"خالف ما سيقوله عن أن فيلسوف الذرة العقل و النفس فما هو جممل رأيه؟

النفس غير خالدة في أنها ذرات قابلة للفناء:ديمقريطس -هـ

.47، ص)م.ق485(و برقلس)م.ق27(إىل أفالطون)م.ق583(ماجد فخري ،تاريخ الفلسفة اليونانية من طاليس -1.14،صأرسطو، كتاب النفس، ترمجة فؤاد األهواين-2 دد ال متناه من الذرات غري املتناهية ،و تقوم هذه النظرية على أن الكون يتألف من ع" لوقيبوس"عرف مبا يسمى بالنظرية الذرية ،وكان أستاذه

.تتألف األشياء،و بافرتاقها حيدث فساد هذه األشياء، و بالتايل هو يثبت احلركة و التعددايف الصغر ، باجتماعه

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

29

املبدأين األصلني مها الذرات و "ته الذرية، إذ يرى أنكان تصوره للنفس هو اآلخر موافقا لنظريوالشمس و ... ،و عنهما حيدث كل شيء يف سلسلة من العوامل الالمتناهية) اخلالء(املكان اخلايل

، اليت هي يف احلقيقة تآلف جمموعة من الذرات 1"القمر كذلك من ذرات و كذلك النفس أكمل األشكال و أسرعها " دميقريطس"حسب الكروية الشكل ، ألن هذا الشكل األخري هو

، و خاصيتها منح احلياة ،و النفس أساس الحركة في الحيواننفاذا يف األشياء، ومن مثة تكون يعتقد " دميقريطس"يف هذا أن " أرسطو"هي يف حالة من احلركة دائمة ال تعرف االستقرار، يقول

ألن الذرات اليت من هذا اجلنس أسهل ما كان من هذه الذرات كروي الشكل ، فهو نفس:"أن .2"نفاذا يف مجيع األشياء ، و أقدر على حتريك غريها مادامت هي نفسها متحركة

أا " دميقريطس"لألجسام الطبيعية املوجودة ،و يضيفمبدأ الحياة و الحركةإن النفس هي احملسوس يف اجتاه الذي ينتج عن تصادم جمموعة من الذرات الصادرة من الشيء مبدأ اإلحساس

كلة بذلك صورة معينة، فتكون النفس مسؤولة عن إدراك هذا النوع من اإلحساس احلاس مشاا اعل ذر تف .ب

،يتكون بدوره من جمموعة من الذرات تكون مستقرة يف جزءا عاقالكما يشري إىل أن هلا أويل احلس متصل بنظرته إىل و هذا املنحىن يف ت" مكان معني من اجلسم و غري منتشرة فيه كلية

، وهي مبدأ احلياة و ذرات نارية منتشرة في أنحاء الجسمماهية النفس، فهي ترتكب عنده من احلركة يف اجلسم ، فظال عن مبدأ اإلحساس، أما اجلزء العاقل من النفس كما دعاه فيحل يف قسم

خالدة ،بل خاضعة للتحلل ،و هذه الذرات اليت يتكلم عنها ليست 3"معني من اجلسم هو الصدرو بالتايل تكون النفس املكونة من هذه الذرات خاضعة لنفس مصريها ،و ال شك أن ذلك يكون

.50مرجع مذكور سابقا،ص،ماجد فخري، تاريخ الفلسفة اليونانية - 110،صأرسطو، كتاب النفس، ترمجة فؤاد األهواين- 2.51ماجد فخري، تاريخ الفلسفة اليونانية ، ص- 3

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

30

يؤكد دميقريطس تلميذ ليوقيبوس العظيم فناء الروح ،حيث أن الذرات الدقيقة أو " باملوت حيث.1"اللطيفة اليت تتألف منها الروح تتبدل فيما يقول عند املوت

العقل شيئا فة إىل أن هذا الفيلسوف ومن ناحية أخرى سيجعل من النفس و هذا إضا،ذلك ألن احلقيقة يف تصوره هي ما تؤكده احلواس ،و لقد عرفنا سابقا أن هذا اإلدراك واحدا

احلسي يكون نابعا من تصادم الذرات املنبعثة من الداخل و تلك اليت تأيت من اخلارج و اليت تنفس، و حينها تدرك األشياء أو حتصل املعرفة و يؤكد هذا األمر تدخل اجلسم عن طريق ال

بني النفس و العقل ،ألن عنده أن احلق ما -أي دميقريطس - يوحد متاما :" أرسطو يف قولهألقي هكتور أرضا و العقل : ،و لذلك فإنه يوافق هومروس يف شعره الذي قال فيه] للحواس[يبدو

.2"منه ذاهب

يف احلقيقة إضاءات مقتضبة جدا حول مسألة أو مشكلة النفس عند إن ما سبق عرضه هوالفالسفة اليونان السابقني على سقراط ،و بالتحديد السابقني على السفسطانية ،و ما نلمسه

.ن غري واضح املعامل أو يشوبه نوع من الغموضأخرى خمتلفا، و منها ما كا

كما اكتشفنا أن هذه الفكرة و إن صيغت عند الفالسفة الطبيعيني ضمن النسق الكسمولوجي

لدينا كذلك أن هذه الفكرة هي متجذرة يف الفكر اإلنساين و أن طرحها مل يكن حصرا على ونان،حىت اليونان يف طرحهم هلا كانوا قد تأثروا بالشرق القدمي و الديانات السرية اليت كانت يف الي

اليونان قبل الفلسفة،و انتهينا إىل أنه مل يوجد داخل هذه الفلسفات السابقة على سقراط نظرية

.45،صوت يف الفكر الغريبجاك شورون، امل- 111،صطو، كتاب النفس، ترمجة فؤاد األهواينأرس-2

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

31

ن :سيختلف األمر كثريا يف الفلسفة ما بعد سقراط و هو ما سنوضحه فيما يلي

:تصورات النفس في الفلسفة ما بعد سقراط: 2

يف هذه املرحلة األساسية من تاريخ الفلسفة اليونانية ،سنتكلم عن أفالطون فقط،ال ألنه ،بل ألغراض تفرضها علينا طبيعة الوحيد الذي أثار مشكلة النفس بكثري من التفصيل والتحليل

كتاب "املوضوع ،وهي أن أفالطون سيكون الفيلسوف األكثر اهتماما من طرف أرسطو يف سيعرض لتصوره حول النفس وحيلله مث يقوم بنقده - أي أرسطو–وكما سبق وأشرنا أنه "النفس

.وتقدمي البديل حوله

ابن "النسبة لبحثنا خاصة يف ناحية كما تعترب نظرية أفالطون حول النفس مرجعية مهمة ب"سينا

،وهذا من ناحية ،أما من ناحية أخرى ال )احملل األرفع(كمسألة اخللود والرجوع إىل العامل األعلى

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

32

ذي كانت مرجعيته يف ذالك أفالطون ميكن وحنن نتكلم عن النفس دون الكالم عن أفلوطني الحوهلا يف مذهبه الصويف "ابن سينا"،إذ سيكون لنظريتهما حول النفس دور كبري يف بلورة تصور

.،وهو ما سيظهر بالتدريج خالل مراحل البحث

:نظرية أفالطون في النفس

الرؤية سيختلف هذا الفيلسوف يف فهمه للنفس عن كل الفلسفات السابقة عليه من حيث واملنهج ،و هذا ال يعين أن أفكاره كانت كلها أفالطونية حمضة، ألننا سنجدها حاملة لبعض

.التصورات السابقة عليها،وال خيلو أي فكر من تأثر

كما أن مشكلة النفس معه و مع سقراط ستنحو منحىن جديد جتاوز جمرد اعتبارها ظاهرة أا من البخار أو املاء أو ا لقول ية كا اد لنار أو الذرات أو غريها من التفسريات كما سبق وأشرنا م

،هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية سيسرتسل أفالطون كثريا يف احلديث عنها و عن طبيعتها، و عالقتها باجلسد و مصريها يف كثري من املواضع من حماورته، حيث كانت هذه املشكلة من

للجدل و النقاش،ومن أهم احملاورات اليت تكلم فيها املواضيع األساسية اليت تثار من حني آلخر le(،فيدروس)le Timée(أفالطون عن النفس ،و اليت اشتغلنا عليها حماورة طيماوس

phèdre ( إضافة إىل حماورة اجلمهورية)République (واملأدية)le Banquet( وو بعض الشذرات املتفرقة يف احملاورات األخرى ،هذا إضافة إىل أننا سنعتمد ) les Lois(القوانني

يف "على نصوص أرسطو الذي يشري إىل أفالطون يف فهمه للنفس من حني آلخر يف كتابه.موجه إىل أفالطون1إضافة إىل اشتمال هذا األخري على نقذ مفصل"النفس

رمبا قد يتساءل البعض ملاذا جتاوزنا سقراط يف هذا املبحث؟لقد كان ذلك العتبارات أمهها أن

سقراط كان احملاور الرئيسي و املتكلم عن مسألة النفس يف احملاورات األفالطونية املذكورة،و كذلك

.و ما يليها21املصدر السابق،ص- 1

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

33

يئا مكتوبا ،فهذا األخري مل يرتك لنا ش"سقراط"لصعوبة التمييز بني فكر أفالطون و فكر أستاذه

يؤكد فكره ،فإذا كان أفالطون يعيد كتابة أفكار سقراط و حماوريه ،فإذا هو جمرد كاتب و مؤرخ ،و

إذا كان موظفا لشخصية سقراط لعرض نظرياته فإن سقراط غري موجود،و هو بذلك جمرد

ون ذاته شخصية افرتاضية من إبداع أفالطون ،لذلك ارتأينا أن نعرض ألفالطون وفق ما كتبه أفالط

،كما أن تعدد احملاورات اليت تكلم فيها أفالطون عن النفس صعب علينا األمر كثريا يف البداية ،

لكن ما لبثت أي تبددت لدينا هذه الصعوبة،وسنحاول حتليل موقف أفالطون من النفس وفق ما

.ورد يف احملاورات

يتحدث أفالطون عن الدولة، واليت يف الكتاب الرابع من حماورة اجلمهورية :أجزاء النفس -1

يف التجار و احملاربني و احلكام،و أن الفضائل اليت حتتويها الدولة تكون كاملة بقدر نسبة التفاعل

.كون دولة عاقلة و شجاعة و معتدلةو التعامل بني الطبقات و هذه الفضائل هي أن ت

هكذا الفرد ميكننا االفرتاض :"وفق هذه الرؤية اليت يعطيها أفالطون للدولة تكون النفس يقول

،وتكون النفس حسب ذلك مؤلفة 1"أنه ميلك املبادئ الثالث يف روحه و اليت وجدت يف الدولة

.الشهواينمن ثالثة أجزاء، اجلزء العاقل و اجلزء الشجاع و يف األخري

تلقد كان سقراط احملاور الرئيسي يف أغلب احملاوراكما أنه توجد بعض احملاورات اليت اكتفى فيها سقراط ...فكره و طريقة حتاوره و كيف كان ينظر للعامل،و اإلنسان واملوت و الفضيلة و النفس

دراسات أنه مل يكن حاضرا يف حماورة واحدة فقط هي حماورة القوانني ،وقد كانت إشكالية غياب باإلضفاء دون املشاركة يف احلوار، و تذكر بعض الواملشكل األكثر صعوبة هو أن النقد التارخيي يستوجب ضرورة حضور قول املفكر "الكتابات احلقيقية لسقراط عائقا بالنسبة لبعض الباحثني

leon robin, la pensée grecque et les origines deأنظر..."ن حموهاالذي يصبغ الفلسفة والوعي بصبغة ال ميكن للزمl’esprit scientifique, édition albain Michel , paris 1948.p 179

.215دون طبعة،ص1994- 1

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

34

فهو الذي يتوىل مهمة احلكم و تنظيم أحوال النفس و توجيه األوامر و هو الجزء األولأما

ميثل اجلانب اإلهلي يف اإلنسان،الذي من خالله أعترب عاقال، ويف هذا يقول أفالطون على لسان

حيكم والذي وإننا نسميه عاقال على حساب ذلك اجلزء الصغري الذي"سقراط يف حماورة اجلمهورية

1"ينادي بتلك األوامر،اجلزء الذي تقع فيه معرفة ما هو ملنفعة كل من األجزاء الثالثة منفعة اجلميع

يف الرأس ،و هو حاكم على كل األعضاء )الشكل الكروي(،و يتمركز هذا اجلزء من النفس ذو

ي نصطلح على أعين ذلك الذ:"األخرى وسيدها ،يقول يف حماورة طيماوس موضحا هذه الفكرة

.2"تسميته الرأس كونه اجلزء األكثر ألوهية منا و سيد كل ما فينا

،هو جزء النفس الشجاعةمن النفس الذي يسميه أفالطون الشجاع أو الجزء الثانيأما

مليء باحلماس، و يكون حمله الصدر، و داخله توجد روح فانية معرضة لالنفعاالت الشديدة

و الغضب ،و هو ما يعرب عنه أفالطون يف اجلمهورية على لسان سقراط واألمل و اللذة و اخلوف

و أن اإلنسان الفرد يعترب شجاعا كذلك باإلشارة إىل النفس ألن روحه تضبط يف اللذة كما يف "

كذلك إىل أن خلق " أفالطون"يشري .3"جيباألمل أوامر العقل فيما جيب أن خيافه، و فيما ال

.215نفسه، صرجع امل- 1 فان اهللا العالم "الشكل الكروي بالنسبة ألفالطون هو الشكل األكثر اتساقا و انسجاما من بني كل األشكال األخرى ،يقول يف حماورة طيماوس

دع يشمل داخل نفسه كل صنع العامل كال واحدا، و كل جزء من أجزائه كامل،و غري معرض للهرم،وبعد حبسب ما خلق اهللا احليوان الذي أب،لذلك فإن اهللا املنزه خلق العامل يف شكل كرة ىاحليوانات،فإن الشكل الكروي سيكون شكال مناسبا كي يتضمن بداخله كل األشكال األخر

يشري " األشكال األخرىمستديرا كاستدارة العجلة،أطرافه متساوية البعد من املركز يف كل اجتاه ،العامل األكثر كماال و األكثر شبها بنفسه من كلهذا القول كذلك إىل مسألة مهمة عند أفالطون و هو خلق العامل الذي خلق عن طريق التوالد ،ألن اخلالق أراد أن تكون فيه بعض خصائصه، و

و قد .واحدا بدل عدة عوامل عندما خلق العامل كانت فيه روح وعقل و لرغبة اخلالق يف أن يكون هذا العامل األكثر مجاال و تناسقا فقد خلق عاملا ملتكامل خلقه من عناصر أربعة هي النار و الرتاب يف البداية مث وضع اهلواء و املاء يف الوسط ووفق ذلك خلق جسم العامل يف الشكل املتناسق و ا

وما يليها 384طيماوس ص أنظر حماورة.،لذلك جاء عاملا واحدا و كامال و كل أجزائه كذلك متكاملة وفق شكل كروي، غري قابل للفناء .،املصدر السابق يفصل فيها أفالطون مسألة خلق العامل

ع يروت -2. 388،ص1994،دون طبعة

.215الكاملة ،اجلمهورية ،صأفالطون ،احملاورات- 3

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

35

هذه النفس مت من خالل م

باإلدراك الالعقلي و باحلب اجلسور كله طبقا للقوانني الضرورية ،و هكذا صاغوا اإلنسان :"يقول

.1"و علبوا الروح الفانية يف جزء من القفص الصدري

الذي حيتل هوانيالشالذي سيختلف بالضرورة عن األجزاء السابقة ، هو الجزء الثالثأما

املكان األعظم ،ويتميز بالدوافع الغريزية الشهوانية القوية اليت هي دائما يف حالة طلب للرغبة و

أما اجلزء اآلخر من أجزاء الروح الذي يرغب اللحم و الشراب :"اإلشباع ،وأفالطون يصفها بقوله

بني احلجاب احلاجز و ختم

،أي حمله يف البطن ،و كان هذا اجلزء كذلك فان ال ميلك العقل و ال يستطيع تعقل 2"السرة

.األشياء

هذا هو التقسيم الثالثي للنفس الذي وضعه أفالطون ،و إذا كان اجلزء العاقل حيمل خاصية

املتفاوتني يف القيمة ، ذلك ألن األلوهية فإنه خالد ،على عكس اجلزأين اآلخرين الفانيني و

الشجاع هو أرقى و أقرب إىل العقل منه إىل الشهوة ،و يكون اإلنسان عادال و خريا إذا قامت

هذه األجزاء الثالث بعملها ،و كان العقل حاكما و آمرا ،مع مساعدة اجلزء الشجاع يف السيطرة

.على الرغبات و كبح الشهوات

:عالقة النفس بالجسد-2

عالقة النفس باجلسد الذي يعتربه أفالطون سجنا هلا، تكون عند دخوهلا فيه و عند أما

عندما "خروجها منه أي عندما تـبث فيه و عند املوت ، ففي املرحلة األوىل تكون النفس

.394أفالطون ، احملاورات الكاملة ،طيماوس ،ص- 1.394املرجع السابق ،ص- 2

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

36

ق تكون بدون فهم يف بادئ ...يف جسم فان ) و يف ترمجات أخرى تعلب أو توضع ( تصند

ئها يف البدن و استقرارها فيه و تلقيها للرتبية و التعليم املناسبني ، فإن ،لكن بعد بقا1"األمر

لكن الشيء يصبح سيئا بسبب النـزعة :"غري الصحيحة واجلهل مها مرض للروح فهو يقول

ليم الرديء، وبسب األشياء اليت تكون مكروهة لكل إنسان و املريضة للجسم،و بسب التع

حتدث له ضد إرادته ،و يف منط مماثل و يف حالة األمل فإن الروح تقاسي شرا أكثر مما يقاسيه

. 2"اجلسم

يف داخل اإلنسان بني قوتني الصراع القائمإن يف هذا التصور األخري إشارة إىل

لعقل و تنـزع األخرى إىل الشهوة و الرغبة ، و يف األخري قد متنازعتني،تنصاع إحدامها ألوامر ا

ينتهي ذلك بتحكم العقل يف الوضع ،هذا إذا استطاع اإلنسان التغلب على رغباته و

.شهواته، وهو ما يكشف عن وجود قوة ثالثة

يوضح ذلك " فيدروس"إن العودة إىل التشبيه الشهري الذي وظفه أفالطون يف حماورة

يلزمك أن تعرف بادئ ذي بدئ أن سائق العربة يسوق :"شكل عميق ،يقولالصراع ب

حصانني اثنني، وتاليا، فأن واحدا من هذين احلصانني نبيل و ذو حمتد شريف و احلصان

،فمضمون هذا القول وما يليه يف احملاورة هو أن 3"اآلخر وضيع املولد و ذو نشأة حقرية

دا، ألن احلصان ذو الساللة املنحطة سيحول دون سائق العربة سيجد صعوبة كبرية يف قي ا

.431،صاملرجع السابق- 1.490، صاملرجع نفسه- 2الد اخلامس، فيدرو - 3 لكاملة ، ات ا اور احمل فالطون ، .53،صسأ

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

37

و تفقد أجنحتها التي تصعد بها تهبط إلى األرضذلك ،و هذه احلالة هي حالة الروح اليت

،فاألرواح إلى السماء أي إلى أصلها، و عند هبوطها فإنها تسكن في الجسم المنحط

؛أي بسبب اجلواد السيئ الذي يف تشبيهه هذا فقدت أجنحتها بسبب القيادة السيئة للعربة

مل يدرب جيدا ،وهي إشارة إىل العقل الذي حياول التحكم يف النـزاع و الصراع داخل

،وهو ما )احلصان السيئ( و اجلزء الشهواين) احلصان األصيل( اإلنسان بني اجلزء الشجاع

صحة للنفس إىل التأكيد على ضرورة التدريب و الرتبية احلسنة ألن ذلك هو"أفالطون"دفع

فالفضيلة إذن هي الصحة و اجلمال و " الروح الكلية مركز احلقيقة و املعرفة و الفضيلة

.1"الوجود احلسن للروح ،و الرذيلة هي املرض و الضعف و العاهة

رك نف"-3 رك الجسم أيضاالنفس إذ تح ":سها تح

،و تحرك نفسها و الجسم الذي تتحد بهتتميز باحلركة ، " أفالطون"إن النفس عند

يف الروح تكون خالدة خالل وجودها كله ،ألن ما يكون أبدا:"يعرب أفالطون عن ذلك بقولهحركة

يكون خالدا ، إن املتحرك بذاته فقط ال يتوقف عن احلركة أبدا مادام ال يستطيع أن يغادر

. 218،صلكاملة ،اجلمهورية أفالطون ،احملاورات ا- 1

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

38

.1"نفسه، و يكون مصدر أو أصل و بداية احلركة ، لكل ذلك املتحرك باإلضافة إليه

يربهن أفالطون على ذلك من اعتبار أن اجلسم إذا حترك بفعل مؤثر خارجي فذلك دليل ال من الروح، أما أنه إذا حترك هكذا دون وجود أي مؤثر خارجي ظاهر بالنسبة على أنه خ

ك بفعل حمرك كامن فيه لنا، أي من الداخل فهذا دليل على أن فيه حياة ، و بالتايل هو حمرتفسريا " طيماوس"يفسر أفالطون يف :" هو النفس،و لعل هذا ما أشار إليه أرسطو بقوله

،ألا متداخلة بهطبيعيا يضا اجلسم أ ك فسها حتر ن ك إذ حتر فس ن لجسم، فال فس ل ن يك ال .2"حتر

يف حماورة طيماوس كثريا يف مسألة احلركة ،وتكلم كذالك عن خلق " أفالطون"لقد فصل بعد أن ركب النفس من - أي أفالطون-ألنه:"النفس وتركيبها ،إذ خلص أرسطو ذلك بقوله

طبقا لألعداد املتناسبة ،حىت يكون هلا إحساس غريزي بالتناسب،و أن العناصر و قسمها اخلط املستقيم مث قسم هذه الدائرة دائرتني ]اخلالق[يتحرك العامل حركات متناسبة، فقد حىن

متصلتني يف نقطتني ،مث قسم هاتني الدائرتني سبع دوائر من حيث أن حركات السماء هي 3."نفس حركة النفس

إن خاصية احل

اليت تسكن يف اجلسم ،و بالتحديد األفالطوين تلك اليت مقرها الرأس و هي اجلزء العاقل، و

خلق األشياء المرتبطة بالعقل و الحقيقة كانت سابقة على هو ما يفسر قول أفالطون بأن

.عمومهايفخلق األجسام و المادة

.52،صات الكاملة ،فايدروس أفالطون ، احملاور - 1 و ... " يف اصطالح الفلسفة اليونانية ،كانت كلمة نفس تعين مبدأ احلياة ،يقول أفالطون معرفا النفس

الد السادأنظر أفالطون ،احملاورات "حنن نسمي هذه القوة املتحركة بنفسها حياة لكاملة ، .387،صس حماورة النواميسا.21،صأرسطو ،كتاب النفس ترمجة فؤاد األهواين - 2.21املصدر السابق ،ص- 3

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

39

:الروح العاقلة اإللهية وطبيعتها-4

إن الروح العاقلة اإلهلية تقوم مبهام التنظيم و التنسيق ،وفق مبدأين أساسيني مها العقل و

احلركة يوجدان يف املكان نفسه، و حركتهما تكون وفق نظام واحد و متناسق، و من مهامها

أا يضا مس و القمر و النجوم و ترتب السنني حتمل السموات بشكل دائري و حتمل الش":أ

،و هذه الروح العاقلة تكون على نوعني ،وهو التقسيم الذي جنده 1"و الشهور و الفصول

و هناك روحان إحدامها هي مبدعة اخلري ، وثانيهما مبدعة ": يف حماورة النواميس يف قوله

حسن ،يف حني أن الثانية ،تنظم األوىل حركة العامل وفق نظام متناسق و تقوده إىل األ2"الشر

هي من طبيعة شريرة و متثل ذلك النوع من احلركة اليت يتحرك وفقها العامل يف الفوضى و

الالنظام و اخلالية من أي شكل من أشكال االنسجام و التناسق ،خمالفة متاما للحركة اليت

از ا الروح العاقة، و ها هو أفالطون يصف ذلك مبا يلي لنوع اآلخر ليست أما حركة ا":متت

حركة على غرار الطريقة عينهما و ال يف الشيء عينه، وال حول الشيء عينه، و ال فيما

يتصل بالشيء عينه، وليس يف مكان واحد، وال يف نظام واحد و ال طبقا ألي قاعدة أو

"3.

ف خلقت هذه الروح و ال أين مقرها ، و فيما إذا كانت فانية أو مل يشر أفالطون إىل كي

لق جسم خالدة ،إذ يف مسألة خلق العامل اليت تكلمنا عليها سابقا يذكر أنه يف البداية خ

متناسق و منسجم للعامل مث بـثت فيه الروح الكلية اليت بـثت يف كل األشياء فيما بعد،لكنه

.387،صيس- 1.387نفسه ، صاملرجع -2.388،ص نفسه-3

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

40

لكلية العاقلة اخلالدة ،و مل يقل أنه بثت يف هذا العامل روح كلية تكلم هنا فقط عن النفس ا

على الروح الشريرة " أفالطون"أخرى شريرة،وقد تكون هذه اإلشارات غري الواضحة من

تأكيد على الشر املوجود يف العامل ، ومن مثة هي تعبري عن ذلك اجلزء الشهواين يف النفس

.لع إىل أصلها األول الذي هو الروح الكلية العاقلة الذي يؤثر عليها و مينعها من التط

كما جند يف قصة العربة الشهرية إشارة ضمنية هلذا األمل ،إذ أن فقدان األنفس اجلزئية

أا فقدت بعض خصا لى يل ع يقة ،دل احلق ال و ئصها، كما أن الصراع الذي كان قائما اجلم

بني اجلوادين يف قيادة العربة دليل على الفوضى اليت تسود العامل وفق حركة غري متناسقة ،و

يف ذلك تعبري عن الشر املوجود يف العامل ،ويقاس هذا على الصراع املوجود يف النفس اجلزئية

.الواحدة يف جزأيها الشجاع و الشهواين

العقل مبساعدة اجلزء الشجاع القضاء على اجلزء الشهواين و كبحه ، متكنت فإذا استطاع

تتذكر بعض المعرفة التي النفس حينها من أن حتقق بعض اتصاهلا بعاملها األصلي و أن

سن تدريبها و مل يتمكن العقل من التحكم يف أجزاء النفس عرفتها هناك ، أما أنه إذا مل حي

دها ستبقى تعاين األمل و املرض و التعب دائما و لن تتمكن األخرى خاصة الشهوانية ،فعن

.حىت من التذكر و التطلع إىل األعلى

حول النفس كانت موجودة قبله ،و لكنها مل " أفالطون"بقيت مسألة مهمة يف فلسفة

تأخذ من االهتمام القدر الذي أواله هلا، خاصة و أن هذا الفيلسوف سيدعم موقفه

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

41

مبجموعة من الرباهني

.املوت ما هو إال مرحلة انتقالية بالنسبة هلا

:في إثـبات خلود النفس -5

وقد "فيدون " عن خلود النفس هي حماورة" أفالطون"إن احملاورة األساسية اليت تكلم فيها

، وهي متثل اللحظات األخرية من حياته ،وفيها يعرض لرباهني " سقراط"كانت على لسان

. اخللود

فهي ال تفسد وال تفىن 1" أن النفس تبقى حية إىل األبد بعد موت البدن"يقصد باخللود

ميسها املوت ، ألن هذا األخري هو من نصيب البدن ،واإلنسان ال بد أن يؤمن أي ال

باخللود حىت يتمكن من بلوغ املعرفة اخلالصة ، ذلك الن املعرفة والروح مها من طبيعة واحدة

فالروح ال ميسها املوت ، واملعرفة هي من طبيعتها و ال ميكن حتصيلها إال من خالل املوت "

روح هي تعبري عن الوجود احلقيقي واملعرفة بدون هذا الوجود ال ميكن حتصيلها ،باعتبار أن ال

ما نظر املرء بعمق يف "،فهو يؤكد أن إدراك هذه الطبيعة يساعد على فهم اخللود فإذا 2"

وللربهنة .3"نتائج هذه الطبيعة أي طبيعة املعرفة فإن االعتقاد باخللود يكون أمر معقوال متاما

: جمموعة من الرباهني ميكن تلخيصها فيما يلي" أفالطون"د قدم عن اخللو

1967,,Treizième éditionnouveau vocabulaire philosophique, librairie ArmandArmand Cuviller , -1

P94.2- Romono guardini , la mort de Socrate ,interprétation des dialogues philosophique ,

euthyphron – apologie – griton -Phédon ,traduire de l’allemand par paul Ricœur , éditions duseuil . paris,p172

.24،ص والفلسفي العاملي جيمس ب كارس ، املوت والوجود ، دراسة لتصورات الفناء اإلنساين يف الرتاث الديين-3

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

42

يف هذا الربهان من فكرة التضاد ، حيث يعتربها "أفالطون"ينطلق : برهان التضـــاد-أ

،فكل حتول أو تغري 1"وهو أن من األضداد تتولد ما هي أضداد هلا:املبدأ الكلي لكل كون"

على لسان " أفالطون"ه ، وكربهان على ذلك يذكر هو يف احلقيقة انتقال الشيء إىل ضد

جمموعة من الثنائيات املتضادة كاجلميل القبيح واخلري والشر والضعيف والقوي " سقراط"

،فهذه تأكد أن لكل شيء ضده وأن األضداد تتولد من أضدادها ، وكذلك األمر ...

ياة هي ضد للموت وأن بالنسبة للحياة واملوت فهما ضدين يتولد أحدمها من اآلخر ، فاحل

2"األحياء ينشئون من املوتى كما ينشأ املوتى من األحياء"

إن احلياة اليت يعيشها اإلنسان هي ضد للموت و العامل قائم على فكرة األضداد فكل

شيء إال وله ضد له ، إال أن هذه الفكرة حتتمل النقد كما سبق و ذكرنا يف البداية ، ألن

املوت الذي يتحدث ع

أوهلما هو أن املوت لو كان : تكون احلياة اليت يعيشها اإلنسان ضد املوت، وذلك العتبارين

.ة أخرى، فإن الربهان يسقطللوجود اإلنسان يف حيا

الذي يكون من -إن صح التعبري –اإلنساين وضدها هو انتهاء هذا الوجود أو الالوجود

سقراط ،ترمجة وتعليق وحتقيق علي سامي النشار و عباس الشربيين أفالطون ،األصول األفالطونية ، فيدون وكتاب التفاحة املنسوب ا إىل-145،دار املعارف دون سنة وطبعة ،ص

.47نفسه ،املرجع -2

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

43

يدة، وبذلك ال يعترب املوت وجودا من نوع آخر وفق حياة جد"أفالطون"خالل املوت ، ألن

.يصلح أن يكون ضدا للحياة ،وننتقل اىل الربهان الثاين

:برهان التذكر -ب

اليت ميكن أن " meno–مينون " جند هذه الفكرة جمسدة بشكل رائع يف حماورة

وهكذا ،وباعتبار أن "نقتبس منها هذا النص الذي يقول فيه أفالطون على لسان سقراط

أا لدة و فس خا ن ال

ليس هناك أمر مل تتعلمه ، وعلى هذا فليس مدعاة للدهشة سواء خبصوص الفضيلة أو

1" خبصوص أمر آخر أن يكون يف مكنتها أن تتذكر نفسها مبا سبق هلا وعرفت بالفعل

ية اإلنسان يف معرفة أشياء مل يكن على علم إن هذا التأكيد على اخللود يرجع إىل إمكانيؤكد أنه بواسطة " مينون"الذي أجراه سقراط مع العبد الصغري يف حماروة ا،والتمرين

عمليات رياضية فقط ميكن أن نتذكر املعرفة ،اليت تكون موجودة يف نفس العبد ،لكنه ال ميلكها على حنو واعي ، بل يتذكرها من حني إىل آخر ،ألنه كان قد )اإلنسان(

حتصل على كل املعرفة قبل امليالد رمبا يف هاديسفقدها حلضة امليالد،وهذا يؤكد أن الروح

. وهناك تتعلم كل شيء

: برهان البساطة والتركيب -جـ

والنشر والتوزيع ترمجة عزت قرين ،دار قباء للطباعة-سلسلة حماورات أفالطون مرتمجة عن النص اليوناين-)حماورة مينون(افالطون ،يف الفضيلة -1.106ص2001دون طبعة ،ة القاهر

وما يليها108أنظر املرجع السابق ،ص. هاديس)HADES(هو يف األساطري اليونانية الرومانية األخ الثالث املتهجم احلزين لزيوس،Zeus وبوزيدونPoseidon ومعىن إمسه،

،أنظر ثروة عكاشة ،املعجم املوسوعي للمصطلحات كما يسمى العامل السفلي دار هاديس...،أي اخلفي أو الذي ال يري ADESاليوناين .195،ص لوجنمان ،القاهرة ،دون سنة وطبعة،الشركة املصرية العاملية للنشر ،)إجنليزي عريب فرنسي مع مالحق وصور توضيحية(الثقافية

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

44

ل ص يف هذا الربهان بني اجلواهر املركبة والبسيطة، فالشيء املركب يقبل "أفالطون"يـفاالنقسام واإلضافة وخيضع للتغري، على عكس البسيط الذي يتكون من عنصر واحد ،إذ

أليس من املالئم إذن أن ما كان مركبا : "موجها حديثه لسيبيس"سقراط"يقول على لسان وما هو مركب بطبيعته، يعرض له االحنالل الذي يالئم تركيبه حقا ؟ ولكن إذا حدث أن هناك شيئا ما غري مركب، أليس أكثر مالئمة هلذا فقط منه ألي شيء آخر أن يتفادى هذه

يف حديثه إىل ذكر بعض املفاهيم اليت ال ميكن ملسها أو رؤيتها باحلواس ،مث يتدرج 1"احلالة إن مثل هذه األشياء تكون "...اجلمال والرجال واخليول "وإمنا نذكرها بالفكر فقط مثل

.2" باألحرى غري مرئية وخمفية عن الرؤية

وإذا قسنا إذا يوجد نوعان من احلقائق بعضها منظور حمسوس والبعض اآلخر غري منظور،هذه النتيجة على أنفسنا اتضح لنا أنه يوجد فينا أيضا جزآن ،مها اجلسد والنفس ،أما األول

وحينئذ فإن "فهو ميثل اجلانب املنظور ،يف حني أن النفس متثل اجلزء غري املنظور ،يقول مه النفس من جانبها أي هذا الشيء غري املنظور الذي يذهب إىل عامل آخر ،إىل مكان يالئ

،إىل عامل نبيل طاهر غري منظور حنو هاديس ،لو أردنا أن نقول امسه احلقيقي ،جبوار إله خري .3"وحكيم

إن طبيعة النفس املغايرة لألشياء القابلة للفساد والفناء هي أكرب دليل على خلودها الطاعة

أا وطبيعتها املفارقة لو ش لى ع آخر ع يل ا دل امرها،وهذ اع ألو نصي اال .و

.59األصول األفالطونية ، فيدون ، مذكور سابقا ، ص- 1.60ملرجع نفسه ،ص- 2.63بق ،صاملرجع السا- 3

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

45

تتضح من خالل ما سبق معامل نظرية أفالطون يف النفس ،وقد تعمدنا هذا التوسع حىت أو " الربوبية"نتبني كل جوانبها،أما أفلوطني الذي سنتداوله يف هذه الدراسة من خالل كتاب

الكتاب الذي نسب خطأ إىل أرسطو ،وكان ملضمونه أثر كبري على ،وهو" أثولوجيا أرسطو"يف نظريته حول النفس ليس يف نصوصه " ابن سينا"الفلسفة اإلسالمية ،وبالتايل على

. الفلسفية،بل يف مذهبه يف التصوف، فإننا سنتكلم عنه يف الفصول الالحقة

إشكالية النفس في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة

:في الفلسفة الغـربية الحديثة/1

إن التفكري يف مسألة النفس يف الفلسفة احلديثة لن يكون متميزا و مستقال عن الفلسفات بني السابقة، بل هو يف احلقيقة امتداد هلا ،و ما يؤكد ذلك هو أن الثنائية القدمية اليت كانت قائمة

أنظر الفصل الثاين املبحث الثالث ،والفصل الرابع املبحث األول والثاين من هذه الدراسة.

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

46

النفس و اجلسم ما تزال تتكرر ،و إن صيغت مبفاهيم مغايرة إال أن استمرارها كان واضحا يف .الفلسفة الغربية احلديثة

الذي كان جيزم بوجود " رين ديكارت" إن أهم من مثل هذه احلقبة هو الفيلسوف الفرنسيو مادي ،و هم جوهر روحي خالص هو النفس ، يف مقابل من أنكر ذلك و اعرتف فقط مبا ه

،و على هذا األساس ميكن القول أن فالسفة العصر احلديث انقسموا " االجتاه املادي"أصحاب يف هذه املسالة عموما ،إىل من اعتقد باملبدأ الروحي و أكده و هم أصحاب النظرية الروحية ،و

.من اعتقد باملبدأ املادي و برهن عليه، و هم أصحاب النظرية املادية

اب االجتاه املادي يقولون باآللية ، و أن اإلنسان ال يشتمل على ما يسمى جبوهر أما أصحو " توماس هوبز"و " جون لوك"روحي جمرد، و قد مثل هذا املوقف خاصة الفيلسوف االجنليزي

".على سبيل املثال وليس احلصر"دافيد هيوم"عن سنتكلم

يؤسس هذا الفيلسوف تصوراته حول النفس : وإنكار جوهرية النفس" دافيد هيوم"-أ، فاملعرفة عنده ال تتم إال من خالل احلواس ووفق جمموعة من انطالقا من اإلقرار باملبدأ احلسي

ليس إال كلمة تدل على الظواهر و " أنه العالقات احلسية التجريبية ،لذلك يفهم العقل على احلاالت النفسية و احلوادث العقلية من إحساس بأمل أو بلذة ،أو إحساس بالربودة أو احلرارة ، أو إدراك حسي لألشياء تبدو يف العامل اخلارجي ،أو تذكر أو ختيل أو جتريد أو انفعال أو عاطفة ،

يلخص كل فكرته حول هذه املسألةو قوله الذي سنذكره ،إال عن طريق احلس صلن حتأو ال ميكن ،ن املعرفة يف تصوره هي نتيجة اخلربة إ ،ع علينا أن نتصور أو أن نأنه من املمتفيلزم .ال ميكن أن حيضر من الذهن سوى إدركات "يف القسم الثاين منه " الطبيعة اإلنسانية"يقول يف كتابه

اصي و إىل أقبت خميلتنا إىل السموات أفلنوجه انتباهنا إىل اخلارج ما استطعنا ، و لتـث.نكون معىن شيء خيتلف بالنوع عن املعاين و االنفعاالت.177،صوتاريخنقال عن يوسف كرم،تاريخ الفلسفة احلديثة، دار القلم بريوت ، بدون طبعة" الكون ،فلن خنطو أبدا خطوة إىل أبعد من أنفسنا

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

47

ليست يل فكرة واضحة عن أي شيء وراء هذه لكين لست على وعي مباشر أو غري مباشر ، و .1"احلاالت و احلوادث يسمى اجلوهر

نفهم من هذا القول أن مجيع احلاالت النفسية باختالفها ما هي يف احلقيقة إال إدراكات جزئية

ا األخري هو ما استقل عن غريه ووجد بذاته ،فهي إذا حتمل هذه الصفات،كما جوهرا ،ألن هذنفهم كذلك أنه ال يوجد جوهر، أو أن هذه احلاالت النفسية ليست حباجة إىل جوهر ،ألن

"النفس ما هي يف احلقيقة وعلى ،2"أي على ظاهرة))إىل صميم ما أمسيته أنا أقع دائما على إدراك جزئي حني أنفذ((فإين

النفس فهما حسيا حمضا،انطالقا مما تنقله لنا االنطباعات و ما " دافيد هيوم"هذا األساس يفهم . تؤكده يف الواقع ،ومن أن الظاهرة ال ميكن أن تعترب جوهرا جمردا

املقابل باستحالة فهم أسباب حدوث هذه احلاالت النفسية كما أن هذا الفيلسوف يقر يف وهل هناك شيء أكرب استعصاء على التفسري من النحو الذي قد يؤثر ":واحلوادث العقلية ،يقول

بلمغايرةمن طبيعة جدفيه أنهر مفروضيف جوهصورةحيدثبه جسم يف روح حبيث

.3"معارضة

إىل نفي جوهرية النفس ، ألنه يرى بأن األنا ال " دافيد هيوم"ليت دفعت إن هذه الصعوبة هي ا

اإلحساس بنفسه كحالة النوم مثال ، فال وعي و ال تذكر ،وكتأكيد على ذالك يفقد اإلنسان

.88،صطبعةسنة و اإلسكندرية ، بدون يف الفلسفة املعاصرة ،دار اجلامعات املصريةحبث -يف النفس و اجلسد ،حممود فهمي زيدان -1.178،صوتاريخيوسف كرم ، تاريخ الفلسفة احلديثة ، دار القلم بريوت ، بدون طبعة- 2.178، صكرم ، تاريخ الفلسفة اليونانية دافيد هيوم ، فحص عن الفهم اإلنساين ، نقال عن يوسف - 3

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

48

مثاال يؤكد من خالله أن الوعي باحلوادث النفسية و الذكريات مها الذين " دافيد هيوم"يوظفلو ختيلنا أمريا تقمص جسم اسكايف ،فإننا نتوقع أن هذا العامل :"حيددا معرفتنا بذواتنا يقول

األمري و ومساته ، ومل تعد له صلة البتة حبياته كاسكايف ،و لو دخل قصرا ملا احتوى كل خبـرات.1"أحس بغرابة و ال دهشة يف اجلو امللكي الذي يعيشه

إن هذا الفيلسوف ينتهي إىل أن معرفة الذات تكون باستنباط ما فيها من إدراكات جزئية و عي مباشر مبا يسميه الفالسفة حتصل لنا يف الواقع ،و هو األمر الذي يؤكد أنه ال يوجد

،و إمنا هناك وعي بأحواهلا اليت تشري إليها بشكل من األشكال ،و من مثة ال ميكن " النفس"بـ.اعتبارها جوهرا

خنلص من ذالك إىل أن النفس هي جمموعة من االدراكات اجلزئية النابعة من حاالت نفسية و و ال ميكن فهم كيفية التفاعل و الرتابط فيما بينها،و حوادث عقلية متصلة فيما بينها و متعاقبة ،

رمبا كانت الذاكرة هي اليت حتدد يف مهمتها عملية ربط احلوادث السابقة باحلوادث الالحقة ،وهي فإن النفس " دافيد هيوم"اليت تومهنا بوحدة الذات و جوهريتها ، وألن األمر ليس كذلك حسب

.ستطيع أن تثبت ذلكليست جوهرا ما دامت التجربة ال ت

الذي قام بإحياء " رين ديكارت"إال أن األمر سيختلف متاما مع تصورات الفيلسوف الفرنسي الثنائية القدمية ،واعتبار النفس جوهر روحي خالص ،وهو ما سنفصل فيه فيما يلي انطالقا من

.نصوصه مباشرة

:النفس جوهر خالص منفصل عن الجسم:ديكارت -ب

حول النفس هي حماولة اجلادة و املستمرة يف الفصل بينها " ديكارت"فلسفة إن أول فكرة يف

ذالك أن احلرارة واحلركة هي من :"واحلرارة، يقول يف املقالة الرابعة من كتابه انفعاالت النفس ,177،صجلسد ،حبث يف الفلسفة املعاصرةحممود فهمي زيدان ، يف النفس و ا- 1

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

49

وكذلك، ألنه ال " ،مث يضيف يف املقالة نفسها مؤكدا ذلك 1"هي مصدر التفكرياجلسم ،والنفسميكن تصور أن اجلسم يفكر بأي شكل من األشكال، فنحن حمقني يف االعتقاد بأن كل أنواع

.2"التفكري اخلاصة بنا تنتمي إىل النفس

كيانا مفكرا،فهذه إن اجلسم هو جمرد مادة أو جوهر ممتد ،و ما كان كذلك ال ميكن اعتباره " ديكارت"هي من خاصية بالنفس وحدها،وحنن حسب –أي التفكري –الصفة األخرية

و من مثة هي ،" أنا أفكر إذا أنا موجود"نستنبط هذه احلقيقة من داخلنا،وفيها إثبات لوجودنا ،منهج إنين أساسا لست كائنا ماديا ، ألين إذا طبقت:"خارجة عن جمال األشياء املادية يقول

والصفات الوحيدة اليت ال أستطيع .الشك استطعت أن أشك بالفعل بوجود كل األشياء اخلارجية كذالك عن ما يسميه "ديكارت"كما يتكلم ،3"أن أفكرها يف نفسي هي الصفات العقلية

و ، اليت يعتربها ماحنة للحياة لكل اجلواهر املمتدة ،أما النفس تسكن اجلسم " باألرواح احليوانية"هي يف حالة من التفاعل املستمر و الدائم معه و هي غري منتشرة فيه بل تستقر يف جزء صغري من

فعلى الرغم من أن النفس ترتبط :"املخ ومنه متارس كل وظائفها ، يقول ديكارت موضحا ذلك باجلسم كله، إال أن هناك أجزاء أخرى معينة متارس النفس وظائفها فيها على حنو أكثر حتديدا

ليس القلب و ال املخ ككل و إمنا فحسب اجلزء األكثر باطنية من ...منها يف كل األجزاء األخرى .4"صغرية معينة تقع يف موقع وسط املخ أي غدة

كما أن وظائف النفس ختتلف عن وظائف اجلسم ،و أن معرفة ذلك يساعدنا على فهم طبيعة كبرية يف فهم ذلك إذا نظرنا إىل أن كل ما ميكن أننا لن جند صعوبة:"التفاعل القائم بينهما،إذ

Remé Descartes ,Les Passions De l’âme ,éditions l’odyssée ,Tizi-ouzou ,Alger, p 12. -1

2-Ibide ,p12.49،ص2997جون كوتنفهام ، العقالنية ، ترمجة حممود منقذ اهلامشي ،مركز اإلمناء احلضاري ،دمشق ،الطبعة األوىل- 3ماغهي الغدة الصنوبرية و اليت توجد يف مركز الد.

4 جاك شورون الموت في الفكر الغربي ، ترجمة كامل یوسف حسین ،مراجعة و تقدیم إمام عبد الفتاح إمام،سلسلة عالم -.124،ص1984المعرفة، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و اآلداب، الكویت،دون طبعة

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

50

معرفته بالتجربة ،هو فينا و هو ما ميكن أن يكون أيضا يف أجسام جامدة ،وهذا ال ميكن ربطه إال بأجسامنا ، وعلى العكس إن كل ما هو فينا و ال ننسبه بأي طريقة إىل اجلسم ،فهو ينسب

.1"إىل النفس

هو حسب ديكارت ما ميكن مشاهدته و الشعور به كشيء فاجلسم أيا كان ميتا أو حيا موجود ، أما ما نعرف أنه موجود و لكنه غري مشاهد ضمن كيان أجسامنا ،هو يف احلقيقة ميثل

.النفس ، فليس هناك أي نوع من التشابه بني النفس و اجلسم

اجلسم تنبع من االعتقاد الذي يعترب أن احلركة و احلرارة املوجودة يف"ديكارت"هذا وينفي النفس باعتبار أن األجسام امليتة ختلو من ذلك ، و يؤكد أن حركة اجلسم احلي لست من النفس

من أننا نرى األجسام امليتة تفقد احلرارة و من مثة احلركة فتصورنا أن :"،وأن االعتقاد السابق يأيتخطأ بأن احلرارة الطبيعية و غياب النفس هو سبب انقطاع احلركة و احلرارة ، و هكذا فقد اعتقدنا

كل احلركات اجلسمية تتعلق بالنفس ، يف حني كان جيب أن نفكر على العكس من ذلك ، يف أن النفس ال تغيب ألننا منوت ، و أن ذلك بسبب انقطاع احلرارة وحتلل األعضاء اليت تستخدم يف

:وتفسريه هلذا كان كما يلي،2"حتريك اجلسم

ة تعمل باحلركة اليت تستمدها من األرواح احليوانية،أما النفس فهي إن األجسام آالت دقيقمستبعدة جدا عن ذلك ألن وظائفها هي أعلى بكثري الرتباطها بشيء مهم و هو األفكار ، اليت

ادركات أو إحساسات أو تأثرات النفس اليت ترتبط بشكل "ت جمموع حني يقصد باالنفعاالاص ا ،و صيانتها و تنشيطها يكون من طرف بعض حركة األرواح .3"خ

. René Descartes ,Les Passions De l’âme, p 12. -1

.2 - René Descartes ,Les Passions De l’âme, p13Ibid ,p29-3

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

51

مل يتوقف ديكارت يف مسألة النفس عند حدود متييزها عن اجلسم و حتديد وظائف كل واحد بل سيحاول ت تأكيد الثنائية منهما و تأكيد خاصية الفكر للنفس كخاصية أساسية و جوهرية،

مع اإلقرار بالوحدة، أي أن النفس و اجلسم متميزان يشكالن ثنائية لكنهما يف احلقيقة ميثالن .وحدة

إن النفس حسب ديكارت و حسب ما أشرنا سابقا خمتلفة متام االختالف عن اجلسم و هي ين ،يتمثل األول يف أن اجلسم مرتبطة به و متحدة بكل أجزائه جمتمعة ، و ذلك يكون وفق اعتبار

يشكل وحدة يف ترابط أعضائه و تناسقها فيما بينها ، و أي نقص يف أحد هذه األعضاء يؤثر أما االعتبار الثاين يتمثل يف أن هذه الوحدة يف كليتها جمتمعة هي اليت حتدد .على وحدة اجلسم

تفكري فهي إذا بعيدة يف عالقتها اجلسم عن كوا مادة ممتدة و ذات أبعاد ، و ما يؤكد ذلك هو أن النفس ال تتأثر بتعطل أحد ب

.أعضاء اجلسم ، كالبرت مثال

إذا تكمن حقيقة اإلحتاد أو الوحدة اليت يتكلم عنها ديكارت يف كلية اجلسم أو يف اجتماع معه ،لكنها تكون رغم ذلك بعيدة عن التأثر بكل ما ميكن أن تتأثر به املادة من جتزء أو امتداد ،وكذالك من حتلل أو فناء ،فإذا حتلل اجلسم و فسد، فإن الوحدة ستتوقف لكن ليس بفنائهما معا ،بل بفناء اجلوهر املمتد، أما اجلوهر املفكر فإن ذلك لن حيصل

.له

فهل سيكون الطرح

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

52

:النفس في الفلسفة الغربية المعاصرة -2

إن تعدد التيارات الفلسفة الغربية املعاصرة و ثرائها خلق تنوعا يف فهم مشكلة النفس، و

ينحصر يف جمرد حماولة البحث عن طبيعتها و تأكيد عالقتها باجلسم، و هو التناول التقليدي . ي ظلت الفلسفات السابقة و االعتقادات القدمية حتاول كشفهالذ

كما ستضفي هذه الفلسفة على دراسة النفس طابعا معرفيا جديدا، من بني ذلك أن مشكلة ،فكان يصطلح عليها أحيانا بالعقل و يف أحيان أخرى "العقل"النفس ستطرح ضمن ما يسمى بـ

نتداول موضوع العقل و عالقته باملادة أو اجلسم بالفكر أو الوعي ،فأصبحنا مع هذه الفلسفة.،هذا إضافة إىل ما يسمى بالشعور فاحلاالت النفسية هي احلاالت الشعورية

إال أنه جتدر اإلشارة هنا إىل أن استعمال مصطلح العقل يف مقابل النفس ليس جديدا يف فات السابقة،و كمثال على الفلسفة الغربية املعاصرة أو حصرا عليها ،بل جنده كذلك يف الفلس

.الذي يشري إىل النفس يف كثري من األحيان مبصطلح العقل"جون لوك"ذلك

هذا إضافة إىل علم النفس املعاصر الذي ساهم بشكل كبري يف بلورة و فهم النفس وفق تصورات جديدة من خالل النظرية السلوكية، إذ اعتربها جمرد تغريات فيزيولوجية ميكن مالحظتهاعرب السلوك اإلنساين،و هذا تأكيد واضح على ماديتها ،وهو ما ينـزع عنها الصفة الروحية اليت

.

اليت تعترب أن اإلنسان مركب من ثنائية النفس و اجلسم،و أن النفس هي اجلوهر الذي تصدر " جون لوك"ميكن أن نؤكد ذلك من خالل الثنائية،كما جند هذه التسوية )العقل(عنه العمليات العقلية،ذلك ألن هذه األخرية ال تقو

بني النفس و العقل ،ألن عنده أن احلق ما -أي دميقريطس -يوحد متاما :" حيث يقول أرسطو يف كتاب النفسقل عن دميقريطس ،بني النفس والع.11صرمجة فؤاد االهواين ،تأنظر أرسطو طاليس ،كتاب النفس ،] "للحواس[يبدو

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

53

إن التصور املادي يف علم النفس املعاصر ينفي أن تكون النفس من طبيعية روحية و قد مثل ،اللذان " بافلوفايفان"و الروسي "واطسن"هذا االجتاه بشكل كبري عاملا النفس األمريكي

ينفيان االعتبار القائل بأن هناك عامل داخلي مسئول عن السلوكات اإلنسانية،و يعرتفان فقط "باجلانب املادي ، فهذا العلم توجه إىل

السلوك اخلارجي وحده، و يف النفس،و إمهال املالحظة الشخصية الداخلية،و يدعو إىل دراسةوقد كان هلذا ،1"اعتباره هو موضوع علم النفس،و أحد نتائج هذا املوقف إنكار وجود النفس

.التصور أثر على توجهات الفلسفة املعاصرة خاصة املادية منها

أما الكالم عن النفس يف كل الفلسفة الغربية املعاصرة ليس باألمر السهل،ألنه حيتاج إىل الكثري الدقة والعمق والتفصيل ،وألن املقام هنا ال يسمح لنا بذلك ،فإننا سنكتفي بلمحة موجزة من

يز ا تم امل لي و لفع ال ا نشغ اال .تؤكد

:النفس ما هي إال تركيبات منطقية-أ

،و إن مل يكن ماديا الذي كان له توجه مادي" بتراند راسل"مثل هذا التصور الفيلسوف التحليلي قد عارض املثالية و تبىن الواقعية ،و أكد على قيمة املنهج العلمي يف الفلسفة ، و خالصا إال أنه

.أمهية الرياضيات و املنطق يف ذلك، و هو ما سيساهم بشكل أساسي يف تصوراته حول للنفس

أن النفس ليست جوهرا قائما بذاته،ألن كل شيء " حتليل العقل"يف كتابه "برتاند راسل"يؤكد العقل و املادة كليهما مبثابة تركيبات منطقية مستمدة من العناصر "عطيات احلسية فـيرجع إىل امل

فال ميكن إذا التكلم عما يسمى باملادة لوحدها أو العقل ،2"اليت هي يف أصلها معطيات احلس

165م ،الفلسفة املعاصرة يف أوروبا ، ترمجة عزت قرين،سلسلة كتب عامل املعرفة.إ. بوشنسكي-1. 55ص.دون طبعة 1992،الكويت،

ة الواقعية يف إجنلرتا و أمريكا و يعد راسل و جورج إدوارد مور من االجتاه املادي أو الفلسفة املادية،جتمع بني مدارس متعددة من بينها املدرس.زعمائها و تضم كذلك الوضعية املنطقية و املادية اجلدلية

.29،ص1993فؤاد كامل، أعالم الفكر الفلسفي املعاصر،دار اجليل بريوت، الطبعة األوىل- 2

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

54

لوحده، ألن هذين األخرين مها يف احلقيقة جمموعة من األحداث و املظاهر اليت تتشكل على حنو احلالة :" تلك األحداث هو الذي يكشف عن مصدرها، فإنوفق قوانني خمتلفة ،و حتليلمعني

.1"مادة، و إذا رتبت على حنو آخر كانت عقال

ة راسل ،وهي أنه ال ميكن أن تكون لنا إن هذا الفهم األخري يشري إىل مسألة مهمة يف فلسفمعرفة مباشرة باألنا، أي ال توجد ذوات ثابتة،أو باألحرى ليست هناك ضرورة الفرتاض هذا األنا

وفق ) أي النفس(ككائن، بل إن األحداث املرتبة هي اليت حتدد انتماءها إىل املادة أو إىل العقل وهذا نابع من فكرته حول الكليات اليت ال يرى االستدالل عليهما من خالل عناصرها البسيطة ،

هلا وجودا يف الواقع بل هي ناقصة جتد اكتماهلا عندما تصادف وجودا جزئيا يناسبها،لذلك كانت األحداث املرتبة املتعاقبة هي اليت تعرب عن الرتكيبات الكلية، فال توجد نفس و ال توجد مادة، و

حداث اجلزئية اليت تشري يف تراتبها و ترابطها إىل هذه إمنا كل ما يف األمر هو جمموعة من األالرتكيبات الكلية غري املوجودة يف الواقع احلسي، و بالتايل ال ميكن إدراكها أو باألحرى ال ميكن

مهما يكن ، ليكن "التكلم عنها ،وهذا هو ما يفسر إنكاره للنفس كجوهر قائم بذاته، فاملسمىرها، إن هو إال جمموعة حوادث، إن كانت هلا ذاتية خاصة فبفضل ذرة صغرية أو ليكن األرض بأس

العالقة الرابطة هلذه احلوادث ال بفضل جوهر غييب يكمن داخل الشيء و يكسبه ذاتيته 2"املفروضة

املركبات إىل عناصرها البسيطة و حذف و هو حتليلألن هذه الكشف عن األجزاء و العالقات القائمة بني هذه األجزاء، و ينتج لدينا يف األخري حذف األشياء املركبة الكلية و اإلبقاء على األجزاء

.ركب الذي هو مستدل عليه فقط.199،ص1993زكي جنيب حممود،من زاوية فلسفية، دار الشروق ، بريوت، الطبعة الرابعة - 1.198،صاملرجع السابق- 2

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

55

حول النفس أحد ممثلي االجتاه "برتاند راسل"إن هذا التصور الذي قدمناه هو خمتصر ملا قاله ، اليت كانت تعرتف مبا هو يف حدود الروح، فكان تصورها حول فة املثاليةاملادي ،يف مقابل الفلس

العقل املوضوعي يقوم مباطنا للواقع كله ،و أنه "كمظاهر نابعة من ذات عاقلة ،وهي اليت ترى بأن ر و األشكال اليت تظهر يف الطبيعة و النفس اإلنسانية،أو أنه هو نفس هذه الصور و خيلق الصو .1"األشكال

: الفلسفة المثالية ومفهوم الروح-ب

إذ اعترب أن "بندتو كروتشه"عبـر عن هذا التصور بشكل واضح الفيلسوف املثايل اإليطايل.2"بيعي إال تركيبة من تأليف العقلالوجود احلقيقي الوحيد، و ليس الوجود الط"الروح هي

إن هذه املكانة اليت يوليها هذا الفيلسوف للروح هي تأكيد على أن احلقيقة تكمن فيها ،و أن ما تقدمه لنا الطبيعة من معارف هو من فعل العقل، هذا األخري هو املبدأ األول يف كل

"-أي العقل-األشياء،فهو هذه .اخلالد،الذي يصل إىل درجة و منها إىل درجة أعلى يصعد إليها ،الواحدة بعد األخرى

.3"سر الوجود اخلالص والتحقق الكامل ،سر املطلق احلق من درجات الكل،إنه

أن 19الفلسفات املثالية تيار نشط مع القرن.حضورها و تأثريها ال يزال إىل يومنا هذا مثال مع فلسفة كارل ياسربس

.106الفلسفة املعاصرة ،مذكور سابقا ،ص. يوشنسكي.م.أ- 1 ثر ا ول فيما بعد إىل الفلسفة ،اهتم كثريا بالفلسفة اهليجلية، ومهتما يف البداية بالتاريخ،لكنه حتبندتو كرونشه ولد يف نابويل يف ايطاليا كان تأ

.كما اشتهر و عرف بأفكاره حول علم اجلمال،تأثر كذلك بالوضعية و الفلسفة الربغماتيةجمموعة من املؤلفني ،املوسوعة الفلسفية املختصرة ،نقلها عن االجنليزية فؤاد كامل، جالل العشري، عبد الرشيد الصادق،راجعها و أشرف -2

.340،صوتاريخطبعةبريوت، بدون عليها و أضاف شخصيات إسالمية ، زكي جنيب حممود، دار القلم .118-117،ص صاملعاصرة يف أوروباالفلسفة. يوشنسكي.م.أ-3

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

56

سيعطي للروح فهما جديدا و مغايرا عما ألفناه ، و "كروتشيه "إن هذا التصور الذي يقدمه .، ألنه سريبطها بالتاريخ و بالكلي "هيجل"وكانت مرجعيته يف ذلك فلسفة

عقل اجلماعي،ال العقل الفردي إن الروح اليت يتكلم عنها هذا الفيلسوف اإليطايل متثل اله إىل املطلق و إىل عالقة الروح الكلية بالتاريخ ج و باخلربة اإلنساين، و رمبا كانت هذه الفكرة تـو

البشرية ، و صرف النظر من ناحية أخرى عن تلك احملاوالت اليت كان الفكر و ال يزال منهمكا الروح أو النفس أو العقل و بني اجلسم و أيضا يف حماولة الفصل فيها، و هي مسألة الثنائية بني

.البحث يف جوهرية النفس و عالقتها باملادة

فهناك أوال اخلربة :"و على ذلك فهو يربط الروح مبستويات أربع و ميكن أن نشري إليها فيما يلييها،و

ميدان املنطق، و هناك ثالثا اخلربة العملية فيما يتعلق باألمور العملية،و هذا هو ميدان االهتمامات 1"هو ميدان علم األخالقاالقتصادية، مث هناك رابعا اخلربة العملية اليت تعين مبا هو كلي و هذا

إن كروتشه يرى أن نشاط الروح يتضح من خالل مظهرين أحدمها عملي و اآلخر نظري، و كل واحد من هذين النوعني يتوجه حنو جزئيته أو كليته و يتضمن معرفة عملية و أخرى نظرية،و

سلوك عملي باعتبار أن أي) الروح(أن هذين النشاطني يشكالن عالقة أساسية يف حياة العقل حيتاج إىل معرفة مسبقة علية، هذا إضافة إىل أن املعرفة ال ميكن أن تكون بدون عمل، و هو األمر

جند أنفسنا بإزاء اخلط الدائري ملسار :"الذي جيعلها يف حاجة إىل بعضها البعض ،و هلذا هو يقول

خطوة خبطوة مع احلاضر الذي ينطلق من التكوين الروحي للعصر موضوع الدراسة و يتماشىاحلق هو تاريخ العصرالتاريخ:"يرى كروتشه أن.139يوشنسكي،ص.م.أنظر الفلسفة املعاصرة يف أوروبا أ"خلق العقل و تصوره

.340عة الفلسفية املختصرة ،نقلها عن االجنليزية فؤاد كامل، جالل العشري، عبد الرشيد الصادق ،صجمموعة من املؤلفني ،املوسو - 1

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

57

ذي يضعنا من العقل فاحلدس يتحول إىل حكم و احلكم يتسبب يف إحداث النشاط العملي ال.1"جديد أمام موضوع جديد،مما يوجب قيام حدس جديد ، و هكذا دواليك

باملعرفة الذي تتجلى فيه الروح من خالل مظاهره اليت تبدو يف أمثلة جزئية جمسمة،أما ما اختصميثل نشاط الروح اإلنسانية الفردية و ال تتجلى الروح كما سبق و أشرنا من خالل ما البشرية فهو

.إىل االقتصاد و األخالق

بالتحديد - و االيطاليةتعبريا عن تصور جديد أفرزته املدرسة املثالية عامة" كروتشه"لقد كان حول الروح، و هي ليس الروح و ال النفس اليت اعتدنا سياقتها يف التصورات السابقة، و اليت غالبا ما حصرت نفسها يف جدلية الثنائية ،بل هي فلسفة حول الروح املطلقة،الروح الكلية اليت هي

ا،وعل أساس ذلك كان اختيارنا العقل الكلي يف جتلياته املختلفة و اليت كان الفن أمسى مظاهره.هلذه الشخصية الفلسفية مقصودا هلدف تبيان التوجهات اجلديدة للفلسفة الغربية

:وليم جيمس وموضوع النفس-ج

نقول أن هذه الفلسفة املعاصرة كان هلا مسامهة؟ أو رمبا حتقيق أكرب قدر من املنفعة، فهل ميكن أن كانت مسامهتها يف فهمها ملسألة النفس وفق توجهها؟

بعض النقاط ستقدم لنا فهما جديدا رمبا سيكون متجاوزا لسابقيه ،ألنه يف احلقيقة سينطلق من ، لكنه سيختلف عنهما يف "هيوم"و"جون لوك"اليت توقفت عندها الفلسفة احلديثة خاصة مع

.اية املطاف.138،صاملعاصرة يف أوروباالفلسفة. يوشنسكي.م.أ-1

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

58

لقد سبق و أشرنا أن هيوم رفض أن تكون النفس جوهرا و أن تكون جوهريتها هذه هي تعبري األحداث العقلية تظهر

.البعض

و بالتحديد من رفض طريقة " وليم جيمس"من هنا سينطلق الفيلسوف األمريكي الربغمايت ميزة فيما بينها، مث نبحث عن الوحدة يف داخل الكثرة، أو كما يقول هو بذاته؛ أي وليم جيمس عن هيوم و علماء

"النفس التجريبون الذين تتحدد ثانية يف من التماسك و االلتحام يقام عليها الدليل يف حياتنا الباطنية ، و هي

فيما يتعلق باألفكار و عالقتها العجيبة " الفكة"تيار اخلربة معها و تصرفها إىل عدد كبري من

.1"وارتباطها ببعضها البعض

بداية و قبل اخلوض يف هذه املسألة يؤكد هذا الفيلسوف أن النفس موضوع غري معروف معناها "بالنسبة لنا ، و أنه ال ميكن اإلمساك حبقيق

معرفة النفس و اهللا اجلوهر و 2"على اجتاهها الذي تتجهه و على مدى تأثريها يف سلوكنا و تفكريناغريها هي يف رأيه من التصورات اجلوهرية تتعدى إىل ما وراءها أو باألحرى إىل ما حتدثه يف أذهاننا

.ن تأثري على سلوكنامن أفكار أو ما حتدثه م

إن هذا الفيلسوف سيوجهنا وجهة جديدة ميكن من خالهلا أن نؤكد وحدة النفس من عدمها

.116،ص2008وليم جيمس،الربامجاتية ،ترمجة حممد علي العريان،تقدمي زكي جنيب حممود،املركز القومي للرتمجة ،القاهرة ،دون طبعة - 1وليم جيمس، بعض املشكالت الفلسفة، ترمجة حممد فتحي الشنبطي، مراجعة زكي جنيب حممود، املؤسسة املصرية العامة للتأليف و الرتمجة و- 2

.58،صالطباعة و النشر مصر، دون طبعة و تاريخ

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

59

أنا جوهرا نفسيا "ال تتضمن " أنا أفكر"بعبارة " املباشرة و املألوفة و هي ما يعرب عنه وليم جيمس.1"ديكارتيا، و إمنا تتضمن الشعور الفردي يف جمموعه و ما تعنيه مباشرة

فاحلياة العقلية هي ما يتجسد يف الشعور أو اخلربة و يضيف ،و هذا الشعور يكون تعبريا عن يل أن تغريات نفسية متصلة و هو ما ينتج عنه أن احلاالت النفسية هي يف دميومة متصلة يستح

أا إدراكات جزئية لى نفهمها ع أو قسمها، ذلك ألننا نعلق تصورات على مدركات حسية ... "نو مدركات حسية على تصورات باتصال و استمرار، و العالقة بني االثنني أقرب ما تكون إىل ما

الدهاء جنده يف املناظر االسطوانية حيث البطانة امللونة تواصل صدور الصور احلقيقية بغاية من2"حبيث بقوة املرء اكتشاف الفاصل بينها

. حقيقية و متدفقة

إن هذا الفيلسوف سينتهي بفكرة أنه ال ميكن أن يكون هناك أي اختالف بني العقل و اجلس درك العقلي و املدرك احلسي باعتبار أن األول ما هو يف احلقيقة إال ،و ذلك منبعه مما يقوله عن امل

لذلك كان املدرك العقلي يف حقيقة ما هو ،3"استبدال مستمر باملدركات احلسية مدركات عقلية"حسيا يظهر على صورتني إما أن يكون كلمة و إما أن يكون صورة ذهنية ارتبطت إال مدركا

باخلبـرة اإلنسانيـة

:"فهو يقولمث تربطها مع أجزاء أبعد يف الوجود و تعمل أفكار هذه األجزاء بدورها كأجهزة حتليل الصوت اليت

.121، صيف الفلسفة املعاصرةحممود فهمي زيدان،يف النفس و اجلسد، حبث- 1.96،صالفلسفة ليم جيمس، بعض مشكالت و - 2-177صص جمموعة من املؤلفني ،املوسوعة الفلسفية املختصرة ،نقلها عن االجنليزية فؤاد كامل، جالل العشري، عبد الرشيد الصادق ،- 3

178.

تصورات النفس في الحضارات الشرقیة القدیمة و الفلسفة الیونانیةالفصل األول

60

ى جتديد تلتقط أنغاما جزئية فهي أصوات حركية، و تساعدنا على حتليل إدراكنا إىل أجزاء، و عل.1"عناصرها و عزهلا

لقد كانت هذه بعض اإلشارات املختصرة إىل طبيعة التفكري يف النفس من الفلسفة الغربية احلديثة واملعاصرة ،وهي من دون شك حتتاج إىل التوسع أكثر فيها ألمهيتها ولتنوع اهتمامات

اخلروج ا من اإلش يدة و ات جد اغ لروح صي إعطاء ا يون،و لغرب فالسفة ا ل كاليات التقليدية خاصة ا.الفلسفة املعاصرة،أما ديكارت فقد أصر على تأكيد الثنائية لكنها ثنائية تعرب عن وحدة متكاملة

.96،صشكالت الفلسفة وليم جيمس، بعض م- 1

عند أرسطو من خالل كتابھ في النفس " النفس"مفھوم :الفصل الثاني المبحث الثاني

- 63 -

إن هذه الدراسة االصطالحية التحليلية ملفهوم النفس ،وبعض املفاهيم اجلانبية سيساهم يف حتديد الكثري من اجلوانب املعرفية يف البحث، وإن كنا يف املبحث السابق قد قدمنا أهم التصورات

البحث عن التعريفات االصطالحية يف اليت أنتجها العقل اإلنساين عرب تارخيه ،فإن الغرض هنا هو .معاجم اللغة واملوسوعات العلمية املتخصصة يف علم النفس والفلسفة والتصوف

النـفس :أوال

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

64

يف كالم العرب جيري عل "بقوله أن النفس " لسان العرب"يعرفها ابن منظور يف كتابه : لغة/1ضربني أحدمها قولك خرجت نفس فالن أي روحه، و يف نفس فالن أن يفعل كذا وكذا،و

. 1"و حقيقتهالضرب اآلخر معىن النفس فيه معىن مجلة الشيء

النفس الروح ،و النفس ما يكون به التمييز، و :" على معاين متعددة " النفس"كما يطلق . 2..."النفس الدم، و النفس األخ

س ومجعها النـفوس" س حىت :النـف وح الذي به حياة اجلسد،وكل إنسان نـف هلا معان،النفس الروالنفس التنفس،أي .وكل شيء بعينه نفس،ورجل له نفس.ءآدم عليه السالم ،الذكر واألنثى سوا

. 3"خروج النسيم من اجلوف

:اصطالحا-2

) :في القرآن الكريم(في االصطالح الديني -ب

وردت كلمة النفس يف القرآن الكرمي مرات عديدة و دلت يف كل مرة على معىن معني ،إذ شارة إىل النفس اهللا و هي واردة بشكل واضح يف تشري يف بعض األحيان إىل الذات اإلهلية ،كاإل

ه ﴿: ، نذكر منها قوله تعاىل كثري من اآليات س م الله نـف حيذرك و ءوف بالعباد ◌ الله ر سورة (﴾و).30آل عمران اآلية

ه ﴿)54اآلية (و قوله كذلك يف سورة األنعام س م على نـف تب ربك الرمحة ك ◌﴾.

خالد رشيد القاضي، اجلزء الرابع عشر، دار األحباث،الطبعة األوىلحواشيه على ور ، لسان العرب ، ضبط نصه و علق ابن منظ-1.223ص،2008

.223نفسه ، املرجع - 2دار الكتب )ي-ك(اجلزء الرابعاخلليل بن أمحد الفراهدي ،كتاب العني مرتبا على حروف العجم،ترتيب وحتقيق عبد احلميد هنداوي،-3

.249،ص2003العلمية بريوت الطبعة األوىل من سورة طه41من سورة املائدة ،و اآلية 116اآلية.

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

65

اآلية (للداللة على ذات اإلنسان ،يف قوله تعاىل يف سورة املائدة كما وردت يف آيات أخرىيعا﴿) 32 ا قـتل الناس مج أمن رض فك األ اد يف س أو فس ا بغري نـف س .﴾أنه من قـتل نـف

رمي وردت أنواع ،أو باألحرى أقسام و هي النفس هذا إضافة إىل أن النفس يف القرآن الكاآلية (املطمئنة و النفس األمارة بالسوء و النفس اللوامة، أما األوىل يف قوله تعاىل يف سورة الفجر

ئنة ﴿): 27-28 طم س الم ا النـف ية ) 27(يا أيـتـه ية مرض بك راض ر عي إىل ﴾،ووردت إشارة إىل ارجي ﴿): 53اآلية (النفس األمارة بالسوء يف قوله تعاىل يف سورة يوسف س ا أبـرئ نـف م و إن ◌

يب م ر ا رح ة بالسوء إال م مار س أل النـف يب غفور ر ◌ يم إن ر ﴾،و جاء ذكر النفس اللوامة يف قوله حة ﴿) 02اآلية (تعاىل سورة القيامة س اللوام م بالنـف ال أقس .﴾و

: في اصطالح علماء النفس-ب

إن مصطلح النفس لوحده غري متداول بكثرة يف جمال علم النفس، فدائما يضاف إليه مصطلح كاحلالة النفسية، الشعور النفسي، علم النفس،انفعاالت النفس، آخر حىت يكون له معىن معني ،

.وكذلك احلياة النفسية و غريها

بالنسبة هلذا العلم تعرب عن حالة إنسانية داخلية معينة ال ميكن التكلم عنها " النفس"إن كلمة ي كذا لوحدها ،بل يعرب عن هدوئها و انسجامها مع اجلسم وانفعاهلا، أما أن نقول أن النفس هيكمن فهذا ليس من اختصاصه ،ألن دوره يف هذه املسألة حمدود، فمثال علم النفس الفيزيولوجي

و غريها من اآليات القرآنية111، و النحل اآلية 29، النساء اآلية 71، سورة الزخرف اآلية 233واآلية،48أنظر سورة البقرة اآلية.نفسية من علم النفس الفيزيولوجي هو العلم الذي يعتمد على ردات الفعل الفزيولوجية اجلسدية لفهم احلياة النفسية الداخلية أي دراسة الظواهر ال

. حيث صلتها بوظائف األعضاء و باجلهاز العصيب بوجه خاص، و يكاد يرد هذه الظواهر إىل هذه الوظائف وحدها

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

66

ةالوظائف النفسية ،أما بالنسبالعوامل الوراثية و اهلرمونية و العصبية لفهم" دوره يف التمييز بني السؤال على قاعدة ملعرفة طبيعة العالقات اليت تربط هذه العوامل فيما بينها فيفضل جتنب هذا

.1"املفرتض الضمين

هذا إضافة إىل أن علم النفس يعرتف بعدم إمكانيته على فهم و معرفة النفس ،و خاصة مسألة العالقة بينهما و بني اجلسد، و هي املسألة اليت تكلمت فيها الفلسفة كثريا و حىت الفكر الشرقي

-يف حقيقة األمر ما تزال املسألة"اء النفس القدمي كما بينا سابقا، و يف هذا الصدد يقول علمقائمة على نظرية سيكولوجية، أي حول معرفة األسس اجلوهرية للحياة -مسألة نفس،جسد

.، فمفهوم النفس يرد فقط انطالقا من األحوال الصادرة عن اإلنسان و انفعاالته 2"النفسية

"بالنفس"عما يسمىالكالم اديوتفإن اهتمام علم النفس باحلاالت النفسية والسلوكية ،

يكشف عن توجهه إىل ما ميكن مالحظته ومعاينته فقط ،واألهم من ذالك أن النفس أصبحت معه تدرج ضمن وحدة تكون فيها تابعة للجسم ،على عكس ما سنعرفه مع الفلسفة و التصوف

.ر من اجلوانب املاديةيف القول بالثنائية وتبعية اجلسم هلا،و االهتمام باجلوانب الروحية أكث

:في االصطالح الفلسفي -جـ

،و قد اختذت هذه الكلمة عند الفالسفة أوجه متعددة لكنها Psychèالنفس يف اليونانية ،

املبحث السابق ،و مبا أنه سبق هذا املبحث مبحثني تضمنا مفهوم النفس يف تاريخ الفكر البشري هنا على عرض بعض التعريفات اهلامة املرتبطة باجلانب االشتقاقي و والفلسفي فإننا سنقتصر

.اإلصالحي

، 2003لوحات بيانية ملونة، ترمجة أنطوان اهلاشم ، املكتبة الشرقية بريوت ، الطبعة األوىل 208لم النفس ، مع هلموت بينيش، أطلس ع-1.77ص

.77نفسه ، ص املرجع - 2

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

67

أا "يف كتابه تاريخ االصطالحات الفلسفية العربية" ماسنيون" بالالتينية أما باليونانية Animaبو احلياة متوقفة على النفس ،و النفس كروح ArcheiaأوEntèlechiaأوPshchèفهي

.1"للمادة

مبدأ احلياة و الفكر أو كليهما معا باعتبارها "" الالند"كما يعرفها 2"حقيقة متميزة عن اجلسد الذي تظهر فاعليتها من خالله

.

ميكن مصدرا للحياة أو هي اليت متنحها ،كما ربطها الكثري مبسألة التنفس فهي منه،ومن دونه ال3"مبدأ احلياة والفكر"أن تكون هناك حياة للكائن احلي،فهي

هذا وقد عرفت النفس تقسيما مشهورا تداوله الكثري من الفالسفة ،وهو كما يقول جزء النفس الذي يكون مبدأ التفكري ،والنفس Ame pensanteالنفس الناطقة ":"الالند"

مبدأ اإلحساس أو احلاسية حىت لدى جزء النفس الذي يشكل Ame Sensitiveاحلاسة جزء النفس الذي ينتج Ame Végétativeالنفس النباتية . الكائنات اليت ال متلك عقال

الغذاء النماء اخلصب واالحنالل لدى الكائنات احلية حىت وإن كانت مفتقرة إىل اإلحساس . 4"واحلاسية

د لويس ماسنيون، حماضرات يف تاريخ االصطالحات الفلسفية العربية ،تصدير إبراهيم مذكور حققه و كتب مقدمته و حواشيه زينب حممو -1.69،ص1983القاهرة ،بدون طبعة الشرقية اخلضري، املعهد العلمي الفرنسي لآلثار

الد األول -2 ية، لسف لف ند ا ند، موسوعة الال ندري الال - ،ترمجة أمحد خليل أمحد ،إشراف أمحد عويدات، منشورات عويدات بريوت)A-G(أ.49، ص2001باريس،الطبعة الثانية

3- Armand Cuviller ,nouveau vocabulaire philosophique, librairie Armand ,Treizième editionParis ,1977.p17.

الد األول -- 4 ية، لسف لف ند ا ند، موسوعة الال ندري الال .52- 51،ص ص) A-G(أ

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

68

:في اصطالح أهل التصوف–د

األساسية يف حتقيق التجربة الصوفية ،إذ ال ميكن للعارف أن يشاهد احلق إن النفس من املبادئ إال إذا صفت نفسه وترفعت عن كل شيء سوى اهللا،لذلك أفاض املتصوفة يف الكالم عنها،بل

ور عرب مراحل تطور التصوف اإلسالمي ،وكانت هلا مرادفات كثرية أو باألحرى عرف تغريا وتط

متوجها إىل تربيتها ،وترويضها ومحلها على خمالفة اجلسد وتزكيها،وقد نتذكر يف هذا املقام رواية " تطالبه به ،ى عن احلالج يف مدى قسوته على نفسه وقدرته على السيطرة على ماطريفة ترو

خرجت ليلة إىل الصحراء فرأيت احلالج يقصدين : فعن أمحد بن عطاء بن هاشم الكرخي قالهذا كلب بطنه جائع فائتين حبمل مشوي :فقال. السالم عليك أيها الشيخ : فملت إليه و قلت فربط الكلب بإحدى رجليه .أنا واقف هاهنا ،فمضيت و حصلت ما أحضرته و رغفان حواري و

هذا الذي : وقال يل . ووضع احلمل و الرغفان بني يديه حىت أكله مث خلى الكلب و أرسلهتطالبين به نفسي منذ أيام ، و كنت معنفها حىت أخرجتين الليلة يف طلبه و اهللا تعايل غلبين عليها

: نشأ يقول يف وجده مث طاب وقته ،و أ

. 1كفرت بدين اهللا و الكفر واجب لدي و عند املسلميـن قبـيح

.و الروايات اليت مثلها كثرية يكفينا فقط أن نقرأ سري املتصوفة وأقواهلم وأحواهلم

اجم والقواميس أما تعريف النفس فال ختلو رسائل وكتب الصوفية من اإلشارة إليه ،وكذلك املعاليت اهتمت مبصطلحات التصوف ،وحنن هنا سنختار بعض التعريفات اليت ستكون جامعة لكل

.مذهبهم

، موفق فوزي اجلرب:صوله وعلق عليه ، حقق أ)املخطوطة يف سري احلالج من أندر األصول (علي بن أجنب الساعي البغدادي ،أخبار احلالج - 1.91-90صص ،1997دار الطليعة اجلديدة ،سوريا ،الطبعة الثانية

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

69

س(بفتح الفاء ،و) النفس(بني ":الرسالة القشريية"يف كتابه املشهور " القشريي"مييز ) النفترويح القلوب "فس هوبسكون الفاء ،أما األول فهو مجع األنفاس و مقامها هو املنتهى إذ أن الن

بلطائف الغيوب وصاحب األنفاس أرقى من صاحب األحوال ،فكان صاحب الوقت مبتدئا النـفس "،وأورد ابن عريب مصطلح 1"وصاحب األنفاس منتهيا وصاحب األحوال بينهما

صور [عبارة عن اجلوهر الذي تفتحت فيه صور الوجود بأمجعها،وهو حيتويها"وهو"الرمحاين2"بالقوة،كما حيتو نـفس اإلنسان مجيع ما يصدر عنه من كلمات وحروف]الوجود

س فهي ما كان معلوال من أوصاف العبد ومذموما من أخالقه وأفعاله مث إن املعلوالت "أما النفوالثاين أخالقه الدنيئة .أحدمها يكون كسبا له كمعاصيه وخمالفاته :من أوصاف العبد على ضربني

فهي يف أنف،لذلك استحقت النفس من الصوفية السالكني املعاجلة والتزكية وال تستقيم أخالق العبد 3"العادة

إىل أن أكرب الغلط الذي ميكن تومهه " القشريي"إال بذلك ،فهي حمل األخالق املذمومة ،ويشري 4"من الشرك اخلفي"و أن نعترب أن يف النفس شيئا حسنا ،ونعاملها على إثره ،فهذا يف وصفه ه

.بقهر النفس وتربيتها -كما أسلفنا الذكر -،ومعاجلته تكون

كما كانت النفس عند الصوفية تكىن مبرادفات كثرية ترمز ملعاين خاصة عندهم تداولوها :بينهم،منها قوهلم

.5"ة عن النفس اآلخذة يف السري القاطعة ملنازل السائرين ومراحل السالكنيوهي كناي:"البدنة

م -1.54،ص2003للطباعة والنشر والتوزيع والرتمجة ،القاهرة الطبعة الثانية

.1064،ص1981سعاد احلكيم ،املعجم الصويف احلكمة يف حدود الكلمة ،ندرة للطباعة والنشر لبنان ، الطبعة األوىل -2. 54،صالقشريي ،الرسالة القشريية - 3.54املرجع نفسه ،ص- 41992القاهرة ،الكاشاين عبد الرزاق ،معجم اصطالحات الصوفية حتقيق وتقدمي وتعليق عبد العال شاهني دار املنار للطبع والنشر والتوزيع -5

.63الطبعة األوىل،ص

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

70

كناية عن النفس إذا استعدت للرياضة وبدت فيها صالحية قمع اهلوى الذي هو حياته :"البقرة.1"بعد األخذ يف السلوكبالبدنةقبل ذلك ،وبالكبش"،كما يكىن عنها

،والورقاء هي احل"الورقاء"تكىن كذلك بـ،ونتذكر هنا 2"النفس الكلية اليت هي قلب العامل ،وهي اللوح احملفوظ والكتاب املبني:"كناية عن

:اليت رمز فيها للنفس بالورقاء عندما يقول" البن سينا"القصيدة العينية

بطت إليك من احملل األرفع ن ورقاء ه ز ومت 3ع ـــذات تعز

:كذلك يف الديوان" ابن عريب"ويقول

أنـا ورقاء املثاين مسكين روض املعـاين

فيــناديين يا ثاين وأنا لست بـثـاين

4ينتهي إىل وجودي كل شيء يف الكيان

:في معانى الــــــــــروح واختالفها عن النفس:ثانيا

لن يقلملعىن واحد ،يف حني أن هناك من يفصل بينهما فصال تاما، و آخرون جيعلون الروح يف مرتبة أعلى من النفس،و هناك أيضا من مل يشر إىل هذه املسألة مطلقا فكانت الروح عنده هي النفس و

.العكس كذلك

.64،صنفسهاملرجع - 1.76املرجع نفسه ،ص- 2.10،ص1882،املطبعة الوهيبية الطبعة األوىل ،ابن أيب أصبيعة ،عيون اإلنباء يف طبقات األطباء ، اجلزء الثاين- 3.1208احلكمة يف حدود الكلمة ،صالصويف سعاد احلكيم ،املعجم - 4

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

71

مسي روحا ألنه ريح خيرج من الروح،و الروح ،بالضم يف كالم العرب النفخ:"تعرف:لغة-1وح"،ويقال كذلك 2"و تأويل الروح أنه ما به حياة النفس" ،1"مذكر النفس اليت حيياها البدن :الر

.3"يقال خرجت روحه أي نفسه، واجلميع أرواح والروحاين من اخللق حنو املالئكة

إمنا هو النفس الذي يتنفسه اإلنسان ،و هو جار يف مجيع اجلسد ،فإذا خرج مل و الروح".4"يتنفس بعد خروجه

:معنى كلمة الروح في السياق الديني- 2

لقد تضمنت آيات القرآن الكرمي كلمة الروح يف العديد من املرات، و من ذلك قوله تعاىل يف ألونك ﴿) 85اآلية (سورة اإلسراء يس عن الروح و ا أوتيتم من العلم ◌ م يب و ر ر ن أم قل الروح م

ر الغزايل هذه اآلية الكرمية بقولهإال قليال " ﴾ ،و قد فسابن "كما يقول ،5"فانية، و أن أمر اهللا ليس جبسم و ال عرض و إمنا جوهر ثابت غري قابل للفساد

فمعلوم قطعا أنه ليس املراد ها هنا باألمر الطلب الذي هو أحد :" يف نفس املسألة" القيم اجلوزيةأنواع الكالم ،فيكون املراد أن الروح كالمه الذي بأمره به،و إمنا املراد باألمر هاهنا املأمور و هو

.6" عرف مستعمل يف لغة العرب

القرآن الكرمي، و مبعاين متعددة حسب التعبري عنها ،فمنها ما كما ورد لفظ الروح مذكرا يفرنا﴿) 52اآلية (دل على الوحي كقوله تعاىل يف سورة الشورى ا من أم نا إليك روح يـ لك أوح ذ وك

.346ص،نضور ، لسان العرب، اجلزء الثاينابن م- 1.348نفسه،صاملرجع - 2.160،ص)ص-د(م ،اجلزء الثاين ني مرتبا على حروف العجلفراهدي اخلليل بن أمحد ،كتاب العا- 3.348صاملرجع نفسه،- 4صدر الدين الشريازي الفلسفية ،النفس منوذجا ، دار نينوى للدراسات و النشر و التوزيع،بدون إبداعاتصادق املسلم ، -5

.107،ص2009طبعة.163-162صص ،2004األوىلبريوت ، الطبعة ابن قيم اجلوزية ، الروح، تعليق هيثم مجعة هالل،مؤسسة املعارف للطباعة و النشر- 6

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

72

تبارك و تعاىل تارة يقذف يف روح النيب صلى اهللا عليه و سلم شيئا ال "﴾ ،و هي أن اهللا ◌.1"يتمادى فيه ،إنه من اهللا عز و جل

سول تدل كذلك على السيد املسيح عليه السالم يف قوله تعاىل﴿ رمي ر ى ابن م يح عيس س ا الم إمنر رمي و م ا إىل اه ته ألق لم وح منه الله وك ،و يف التفسري جاءت هذه ) سورة النساء171اآلية (﴾ ◌

اآلية تأكيدا على أن عيسى بن مرمي هو عبد من عباد اهللا و رسوله و أن اهللا منـزه

اجلميع خملوق هللا عز و جل ، و هلذا قيل لعيسى أنه كلمة اهللا و روح" عن أن يكون له ولد و

.2"منه ألنه مل يكن له أب يول

كما أشارت يف آيات أخرى إىل جربيل عليه السالم يف قوله تعاىل يف سورة ني ﴿) 193اآلية(الشعراء م ﴾و هو يف تفسري ابن كثري يقصد به جربيل عليه نـزل به الروح األ. السالم

:الصوفية الــــــــروح عند-3

إا احلياة ومنهم من "يشري القشريي يف خالل كالمه عن الروح أن فيها إختالف بني يقول من ،وهو ما أورده كذلك صاحب كتاب اللمع من خطأ 3"

وقوم .ته فهلكوافقوم قالوا الروح نور من نور اهللا ،فتومهوا أنه نور ذا"طوائف كثرية يف شأن الروح ، والكالم 4..."وقوم قالوا األرواح خملوقة ،وروح القدس من ذات اهللا تعاىل .قالوا حياة من حياة اهللا

ا ألم تفكروا " السراج الطوسي"والكالم طويل يف قول هذه الطوائف ،وكلهم حسب لطو قد غ

آخر سورة الناس، ضبطه و خرج آياته حممود عبد الكرمي الدمشقي،دار ابن كثري، تفسري ابن كثري اجلزء الرابع ، من أول سورة الصافات إىل-1117،ص2004دون طبعة ،العلم العريب دمشق

602ابن كثري ، تفسري ابن كثري ، اجلزء األول ،ص- 2.55،صي ،الرسالة القشريية القشري - 3ع حققه وقدم له وخرج أحاديثه -4 طه عبد الباقي سرور،ملتزم الطبع والنشر،دار الكتب –عبد احلليم حممود :السراج الطوسي أيب نصر ، اللم

.554مصر ،دون طبعة ص1960احلديثة

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

73

هي أمر من أمر اهللا أن األرواح كلها خملوقة،و "فيما منع اهللا من التفكر فيه وهو يقول أن احلق يف

،وال خترج من جسم فتدخل يف غريه،وتذوق املوت كما يذوق البدن،وتنعم بنعم البدن،وتعذب .1"بعذاب البدن،وحتشر يف البدن الذي خترج منه

: الروح عن النفسفي اختالف -4

من اللغويني من سو النفس و الروح وقال مها شيء واحد إال أن النفس :"في اللغة

.2"نائم قبض اهللا نفسه و مل يقبض روحه، و ال يقبض الروح إال عند املوت

يز املتصوفة بني الروح و النفس و كانت هذه األخرية يف تصورهم مصدر اللذة و اهلوى كما ميإن الروح غري النفس و النفس غري الروح و قوام " يف حني أن الروح هي من طبيعة الهوتية حمضة ،

،فارتبطت النفس 3"النفس بالروح،و النفس صورة العبد، و اهلوى و الشهوة و البالء معجون فيها.حب

وعند الصوفية مصطلح آخر إضافة إىل مصطلحي النفس و الروح وهو ما يسمى عندهم روح حضرة القدس الذي يأيت بالفيض و القدس "، أعلى من روح البشر ،وهو "بروح الروح"

األنوار و احلكم و الرقائق و التحف و املواهب اليت ال مشحونا باملعارف و العلوم و األسرار و تدرك و ال تعقل ، و األخالق و األحوال و اليقني و التوحيد و الكشف التام و الشهود األكرب و

.4"املعرفة البالغة الغاية يف مجيع املراتب معرفة عينية ال اعتقاديه

: الجسم-البدن–الجسد : ثالثا

.555املرجع نفسه ،ص- 1224،مذكور سابقا ،صور ، لسان العرب ، اجلزء الرابعابن منظ-2231،ص2004ابن القيم اجلوزية ، الروح ،تعليق هيثم مجعة هالل،مؤسسة املعارف للطباعة والنشر،بريوت،الطبعة األوىل- 364املرجع السابق نفسه ،ص- 4

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

74

جسم اإلنسان و ال يقال لغريه حىت األجسام املتغذية، و ال " على أنه يعرف اجلسد لغة . 1"يقال لغري اإلنسان جسد من خلق األرض

بدن اإلنسان جسده، و البدن من اجلسد و قيل هو العضو و اجلمع :"أما البدن فيقال .2"أبدان

و مها خاصان يشري هذين التعريفني السابقني إىل أن اجلسد و البدن حيمالن نفس املعىناملتغذية ، و أن البدن ميثل األعضاء اليت هي ىباإلنسان وحده دون غريه من الكائنات احلية األخر

يف اجلسد و هو ما يؤكد االختالف بني اجلسم من جهة و البدن و اجلسد من جهة ثانية،باعتبار لى اإلنسان و يضم اآلخرين و يضم كذلك أجسام أخرى متنوعة و متعددة و يصدق علأن األو

فاجلسم هو مجاعة بدن أو أعضاء من الناس واإلبل و الدواب و "على غري اإلنسان من األجسام جسم الشيء حقيقته ،و امسه ليس حبقيقته أال ترى أن العرض ... غريهم من األنواع العظيمة اخللق

.3"ليس بذي جسم و ال جوهر، إمنا ذلك كله استعارة و مثل

حيزا ما ، و هو بالضرورة ذو طبيعة مادية حمضة ، كما أنه ال يطلق على اجلسم هو ما يشغلجسم اإلنسان فقط بل على كل الكيانات املادية املوجودة يف الطبيعة ،أيا كانت طبيعة املادة اليت

و القانون .تحرك بذاته هو خاضع يف احلقيقة لعلة ما ظاهرة أو خفية أحدث احلركة فيهنعتقد أنه يالعلمي هو الذي يهتم بتفسري هذه العلل و الظواهر كذلك تفسريا علما ، أما تفسري حركة جسم

.اإلنسان فقد خضعت هي األخرى لتفسريات العلم يف كونه آلة طبيعية

.348ور ، لسان العرب ، اجلزء الرابع مذكور سابقا ،صابن منظ-1.328، صالسابقاملرجع - 2.263ور ، لسان العرب ، اجلزء الثاين ،ص ظابن من- 3

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

75

ا آخرا مغايرا متاما للعلم ،و هو القائل بوجود مصدر كما فسرت حركة جسم اإلنسان تفسري يف اجلسم ، مع االختالف طبعا يف داخلي روحي ،يتمثل يف النفس فهي إذا فاعلة و علة احلركة

.هذه املسألة

هذا وقد أعترب اجلسم عند الكثري من الديانات و االعتقادات و حىت الفلسفات ،ودون أن الشر و الرذيلة و أنه سجن للنفس ، و من جهة أخرى كان حمل ننسى املتصوفة بأنه مصدر

اهتمام و تقدير ، فمثال يف احلضارة املصرية القدمية كان ميثل اجلسم جانبا مهما ،جيب احملافظة عليه بعد املوت حىت ال يفسد و يتحلل، ألنه إن حدث ذلك فإن وجود الروح البشرية

سد لضمان بقاء الروح، و هو ما تؤكده مقابر املوتى اليت سينتهي،فكان ال بد من احلفاظ على اجل

احلشر باجلسد بعد املوت لذلك " أما الوجه األول فهو اعتقادهم يتوقف على ثالثة أوجه .1"يتوجب حفظ اجلثة ساملة دون أن ينال منها الفناء

مؤلف من أربعة "و كان اجلسم يف االعتقادات ،الفارسية القدمية و بالتحديد ما بعد الزرادشتية .2"أشياء هي اللحم و العظم و القوة احليوية و الصورة أو القالب

الدراسة االصطالحية املوجزة هي مبثابة مقدمة متهيدية نتعرف من خالهلا على إن هذه الصياغات األساسية اليت عرفها مفهوم النفس خاصة ،باعتباره موضوع حبثنا ،وعلى العالقات

.املشرتكة بينها وبني بعض املفاهيم املتداخلة معها كالروح مثال

يف املبحث األول منهلأنظر الفصل األو و هو عبارة عن مثال حي للمتوىف و نظريه يف احلياة و املمات، يقوم بأداء مهمات تتعلق " كا"وجود ما يسمى بـ " أما الوجهني اآلخرين مها

و يعتقد " با"أن حتافظ اجلثة على أصوهلا دون تفسخ أو حتلل ، و ثالثا النفس اليت يسميها املصري تتعلق باحلياة الروحية ، و يتضمن اخللود شريطةءأن بإمكانه الشخوص إىل كل مكان ترغب فيه فهي تارة عند اآلهلة و تارة أخرى تزور موميا

1992،دمشق 346جملة ثقافية شهرية ،عدد ،املعرفة جملةعلى ضفاف النيل يف مصر القدمية ،شبح ،أنظر حممد وحيد خياطة ،احلضارة. .63،ص

26،ص1992، سنة 346حممد وحيد خياطة ، احلضارة على ضفاف النيل يف مصر القدمية ، جملة املعرفة ،جملة ثقافية شهرية ،دمشق العدد- 1.196،ص1935البيت األخضر مصر،دون طبعة ، ،مطبعة حممد غالب ، الفلسفة الشرقية - 2

دراسة إصطالحیة تحلیلیة :المبحث الثالث الفصل األول

76

،فهي من املسائل "النفس"إذ خنلص إىل أنه ال ميكن االستقرار على تعاليت استعصت على العقل اإلنساين ، وكانت من اإلشكاليات الكربى عند الفالسفة،ومن املبادئ األساسية عند املتصوفة ،الذين اصطلحوا عليها بعبارات كثرية ،إذ ال تستقيم جتربة العاشق يف

.حتقيق الوصال من دون استقامتها

إىل أن االختالف يف فهمها من خطاب إىل أخر مل يفقدها خاصيتها األساسية هذا إضافة .كمشكلة ميتافيزيقية بالدرجة األوىل

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

76

في الفلسفة "النفس"نظرية:الفصل الثاني.األرسطية

:المبحث األول

.امليتافيزيقا األرسطية كمدخل لدراسة النفس

:المبحث الثاني

"يف النفس"لكتابهدراسة حتليليةعند أرسطو "النفس"مفهوم

:المبحث الثالث

:انتقال الرتاث األرسطي إىل العامل اإلسالمي

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

77

يصنف أرسطو دراسة النفس ضمن الطبيعيات اليت تبحث يف املوجودات املادية ،وهي تندرج ضمن العلوم النظرية اليت تضم إضافة إليها الرياضيات واإلهليات،غايتها كلها معرفة علل

تبحث عن مبادئ " أرسطو"األشياء،وإذا كانت اإلهليات أو الفلسفة األوىل كما يسميهاوعللها األوىل وموضوعها هو املفارق اخلالص من املادة وغري اخلاضع للحركة،فإن املوجودات

.الطبيعيات تبحث يف علل املوجودات املادية اليت تتصف باحلركة والسكون من داخل

املركب منها ومن اجلسد يتوسط العامل املادي والعامل املفارق،هذا تشكل معه وحدة،لكن اإلنسان عن هذه " يف النفس"األخري الذي ميثل العقل ،وإن كان أرسطو ال يصرح بشكل واضح يف كتابه

.

هو أحد الدوافع األساسية إىل اعتبار امليتافيزيقا مدخال أساسيا إن هذا التوسط بني العاملني

بأن كل وجود ينقسم إىل وجود بالقوة وآخر بالفعل ،أو إىل ااالهتمام باجلزئيات منها،كاعتبارهبدأ العلة ،و حبثها يف املوجودات املفارقة كاحملرك األول واألجرام السماوية املادة والصورة،وخيضع مل

والعقول املفارقة،فكل هذه املسائل سرتتبط بنظرية النفس عند أرسطو،وسيربهن من خالهلا على .طبيعة النفس وعالقتها باجلسد ،وعلى نظريته يف العقل ،و عن احلركة مصدرها وطبيعتها

يكون هذا املبحث عرضا شامال لكل فلسفة أرسطو ألن ذلك سيكون على هذا األساس لنةعمال واسعا و ال ميكن اختصاره هنا ،بل سنركز كل اهتمامنا على املواضيع و املسائل الفلسفي

،فال نكون "يف النفس"األرسطية اليت كانت هلا عالقة بإشكالية النفس،واليت سيثريها داخل كتابه إىل العودة إليها وشرحها ،حىت أرسطو نفسه عندما يتكلم عن مسألة مضطرين خالل حتليلنا له

وعلى سبيل املثال عند نقده "كما بينا أو كما قلنا"

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

78

بدأ ا هي امليتافيزيقا1..."قبل ولقد قلنا من:"يقول لة سن مسأ أول .،و

:تعريف الميتافيزيقا-1

،أو العلم )la philosophie première(تعرف بالفلسفة األوىل)Métaphysique(امليتافيزيقا و )physika(و تعين ما وراء ،و )Meta(اإلهلي و هي كلمة يونانية األصل تتكون من مقطعني

االسم املعطى لكتاب أرسطو الذي ندعوه اليوم ميتافيزيقا،ألنه كان تتمة "الطبيعة،وهيتعين .2)"م.القرن األول ق(جمموعة أعمال أرسطو اليت مجعها أندرونيقوس الرودسي

science de l’être en tant(علم الوجود مبا هو وجود"هي : بقوله" أرسطو"يعرفها

qu’être(اا،مبعىن علم األشياء من حيث ا ذ ته يع ،أي العلم الذي يبحث عن العلل األوىل 3"طبللموجودات ،وهي أكثر مشولية و عمومية من مجيع العلوم األخرى،ألن هذه األخرية إختص كل

.داأكثر املعارف األخرى جتري

إميل "وهو ما جعلها ختتلف عن ميتافيزيقا أفالطون والطبيعيني من قبله،ويف هذا يستنتج مهمة امليتافيزيقا جديدة ،فهي ليست كما عند "من حتليله ملفهوم امليتافيزيقا األرسطية أن" بريهيه

كما عند الطبيعيني الوصول من خالل التفكيك إىل العناصر اليت تتكون منها املوجودات ،وال هيintuition(أفالطون االرتقاء وفق جدل صاعد إىل واقع أمسى هو موضوع حلدس عقلي

intellectuelle( لغرض حتديد السمات املشرتكة لكل وجود عن طريق التعميم،وكذلك امليتافيزيقا،يرتكان ليست هي علم اخلري وال العلة النهائية ،وال كذلك العلة احملركة ،ألن اخلري والعلة احملركة

1- Aristote. De L'âme, traductions et présentation par Richard Bodeus, éditions Flammarion, Paris,1993.p201.الد األول 2 ية، لسف لف ند ا ند،موسوعة الال ندري الال ة، ص الثاني،الطبعة 2001باريس-شورات عويدات بريوت،ترمجة أمحد خليل أمحد ،إشراف أمحد عويدات، من)A-G(أ

790 .3 - La Métaphysique, Textes choisis et présentés par Élie During, éditions Flammarion, Paris 1998p95.( Aristote,la métaphysique, t, 1 et2 trad, Libr , j.tricot, vrin ,1991p109-119).

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

79

األشياء الساكنة خارج نطاقهما كاملوجودات الرياضية ،إذ امليتافيزيقا هي العلم باملاهية واألكثر 1"عمومية والذي ال يرتك أي شيء خارج نطاقه

SUBSTANCE:الجوهر-2

إن اجلوهر من املقوالت األساسية اليت تناوهلا أرسطو بالشرح و التحليل، و عناية امليتافيزيقا به يف املوجودات كلها ،و اليت من كونه ثابت و خالص يشري إىل العلة األوىلبالدرجة األوىلهو

.ميكنها أن حترك دون أن تتحرك،وهذا يف أحد معانيه

احلامل النهائي الذي ) أ(للجوهر معنيني "يعرفه أرسطو يف الكتاب اخلامس من امليتافيزيقا بقوله مل على أي شيء آخ يقال على ما هو فرد و ما ميكن أن ينفصل وما له )ب.(رال ميكن أن حي

2"مثل هذه الطبيعة هو الشكل أو الصورة ألي شيء

ثال وجوده إىل شيء آخر يوجده، و يقابله العرض الذي ال يقوم من دونه، فيكون اجلوهر بذلك مممقابل اهليويل، و سنعرف الحقا أن الصورة عند أرسطو هي لصورة األشياء أي هو الصورة يف

.النفس يف مقابل اجلسد الذي ميثل اهليوىل وهي بذلك كمال أول له

الكلي هو جمرد حممول عام مشرتك يلحق بعديد من أفراد "أما طبيعة اجلوهر فهو ليس كلي ألن قل ف ر ع و الكلي ال ميكن أن يـ ، 3"فئة من الفئات من دوا يكون أو يـع ته ألنه من دون صفا

عبارة عن جزئي مطلق، كما أن هذه الصفات ال ميكنها أن تعرب عن شيء دون اعتمادها على عن صفاته جيعل منه جمرد جزئي غري معروف متاما،وبذلك ) احملمول(حممول ما، و انفصال الكلي

صال و الرتابط يكون اجلوهر ال يكون هناك أي شيء دون وجود حممول تسند إليه، و يف هذا االت

1- Émile Bréhier, Ehistoire de la philosophie, L’Antiquité et le Moyen âge, Tome premier Librairie Félix Alcan,Paris, 1928.p187.

للكتب اخلمسة األوىل ، ترمجة إمام عبد الفتاح إمام، ضمن كتاب مدخل إىل امليتافيزيقا مع ترمجة ] 1020- أ)[الدالتا(امليتافيزيقا، الكتاب اخلامس، مقالة الدالأرسطو طاليس ،-2أرسطو، ضة مصر للطباعة و النشر و التوزيع، القاهرة يقا يز .356،ص، الطبعة األوىل2005من ميثاف

.173،ص2005ة، سنة ولرت ستيس، تاريخ الفلسفة اليونانية ، ترمجة جماهد عبد املنعم جماهد، املؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر و التوزيع، الطبعة الثاني- 3

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

80

مركبا من االثنني، إنه جيب أن يكون الكلي يف اجلزئي، و هذا يعين أن ذلك وحده الذي يكون ".1"بكل صفاته احملمولة عليه- الذهب مثال-جوهرا هو الشيء اجلزئي

ماال يستند و ال يوجد يف "األخري أكثر من خالل قولنا أن اجلوهر هوالتصورهذا يتضحو هو اخلاصية األساسية يف املوجود اليت تتحد فيها كل من الصفة و املوصوف، و هو ،2"موضوع

ليس أي منهما بل هو ما يشري إليهما جمتمعني، و الكلي يف هذه احلالة ال يكون جوهرا بل سابق عليها ، و هي قائمة به الحقة عليه، و هذا ال يعين أن حاالت له، ذلك ألنه قائم بذاته

.وهر منفصل عن مقوالته بل هو يسمى كذلك بارتباطه مبقوالتهاجل

جواهر " كما أن اجلواهر تتعدد بتعدد املوجودات ،و أرسطو يضعنا أمام ثالث تقسيمات هلاعلى أن النوع ،3"حسية و أزليةالمثل اإلجرام السماوية، جواهر حسية و أزلية، حسية فانية

األول هو ما ميثل األجسام الطبيعية القابلة للفساد، أما النوع الثاين كما هو مذكور هي أيضا .حسية لكنها غري فانية و تكون قابلة للحركة املكانية و هي حركة مستديرة

و رك األول احملالعقول املفارقة، إضافة إىل العقل الذي ميثل اجلزء األعلى يف النفس ،وهو يقول يف كتاب ما بعد

.4"ثنان طبيعيان، وواحد غري متحركإ: اجلوهر يقال على ثالث أضرب"الطبيعة

أما اجلوهر الذي سيكون موضوعا للميتافيزيقا هو ذلك الذي يسمح لنا مبعرفة ماهية الشيء اليت جتعل منه موضوعا باديا لنا ،أي هو صورة الشيء املختلفة متاما عن مادته الفانية، و هذه

زء الصورة هي اليت ميكن من خالهلا معرفته أو حتديده، و تتمثل يف اهللا و العقول املفارقة و اجل

.174املرجع السابق، ص- 1.108، ص1991، دارالعلم للماليني بريوت، الطبعة األوىل )م485(و برقلس) م670(إىل أفالطون) م.ق585(ماجد فخري، تاريخ الفلسفة اليونانية من طاليس- 2الس األعلى للثقافة القاهرة،ترمجة إمام ) نروماالو اليونان (- 3 ام، إم اح لفت بد ا .396، ص،الطبعة األوىل2002ع، )دراسات و نصوص غري منشورة(نشر وحتقيق عبد الرمحن بدوي ضمن كتاب أرسطو عند العرب، ] 3ب1071[ أرسطو طاليس، كتاب ما بعد الطبيعة، فصل حرف الالم-4

.68الثانية،ص، الطبعة 1978وكالة املطبوعات، الكويت،

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

81

ن اجلواهر هي حوامل كل الصفات، الشرط األساسي لوجود الكون، أل"العاقل من النفس و هي 1"و هي أطراف كل العالقات

باعتبارها حوامل كل الصفات ،يقودنا بالضرورة إىل مفاهيم أخرى إن الكالم عن اجلواهرقوة والفعل،فهما ميتافيزيقيان أساسية اشرتكت فيها امليتافيزيقا والفيزيقا ،ومها الصورة واهليوىل،ال

،ومها )اهليوىل(، واآلخر بالفعل) الصورة(

عند أفالطون بل هي ثنائية املادة و الصورة عند أرسطو وهي ليست ثنائية النفس و اجلسد كما .متضمنة فيما تتضمنه الوحدة التامة بني النفس واجلسد

ET:و الصورةالهيولى-3 MATIÈREFORME يشري هذين املفهومني جمتمعني إىلمن خالل اجتماع النفس و البدن ، بل كل وجود فقط اإلنساينالوجودوليس ،كل وجود فردي

مها الصورة و املادة،وسنعرفهما يشري إىل وحدة ما فهو مكون من مبدأين غري منفصلني يف الواقع :على النحو التايل

اليوناين،فهي تعين سانأصل الكلمة يف الل و إذا عدنا إىل،أي املادة )hylé(الهيولي -أهي ما كان حامال لقابلية التشكيل و التغري، أي أن يكون فيها ، إذ املادة 2"خشب الشجرة"

عل فيها، و هي على هذا األساس ليست فعال، وغري فاعلة أي خالية من استعداد يسمح بالف

هيوىل :"خالية من أي معىن، أي تكون غري.3"ناحية عالقته بالسرير، ألنه هو الذي يصبح سريرامن -أي اخلشب-إذا نظرنا إليه

.55،ص1992، ترمجة عزت قرين، الطليعة للطباعة و النشر، بريوت، الطبعة األوىلوألفرد إدوارد تايلور، أرسط- 1.57املرجع نفسه،ص- 2.180ولرت ستيس، تاريخ الفلسفة اليونانية ، مرجع مذكور سابقا، ص- 3

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

82

،و الذي )اهليويل(فإذا كان السرير هنا يعرب عن التحول و التشكل الذي خضع له اخلشب أعطى له معىن ما وجعله مدركا ومعروفا، و جعل للمادة صفات متيز السرير عن الكرسي مثال، أي

جعلها بكل بساطة تشري إىل موجود ما،فإن هذه الصفات و هذا التحديد الذي يقع على املادة .بالصورة عرف هو ما ي

ورةفالصميكن أن يعرف على أنه كرسي أو سرير أو ) املادة(إىل املثال السابق ميكن أن نقول أن اخلشب

.، من خالل طبيعة الصفات اليت تدخل على املادة فتكملها...طاولة

سطو إىل مسألة مهمة يف كالمه عن الصورة و املادة ،اختلف فيها مع أستاذه هذا و يشري أر ، و إن كانتا يف الذهن منفصلني عن ارتباط ضروريأفالطون،و تتمثل يف أن االرتباط بينهما هو

ا أمىل آخر التحديدات اليت اكتسبها الشيءمعىن الصورة يشري إ"أخذ مثال حالة كرة من هذه التحديدات النهائية، لنل ب ق تـ س نه سيشري إىل ما ي معىن املادة فإ

النحاس، ففي هذه احلالة يقال أن اهليئة الدائرية هي صورة تلك الكرة النحاسية و أن النحاس هو دا ا .1"م

نابعة من ، هي يف األصل املادة اليت هلا صورة أو اليت حتددت من خالل صفات ماإن هذهيها حددا بقة عل فالسرير هو يف احلقيقة مركب من عناصر ، ما جيعل املادة مركبة من ،صورة سا

ل فيهاالقابلة لل املادة األوىل اليت تكونت منها كل األشياء و ما يشري إىل فكرة هأخرى ، و مادة ع ، فمادة ال ميكن أن تكون حمددة بشكل واضح، بل تظهر فقط يف العناصر األربعة األوىل وهي

.)املاء،اهلواء، الرتاب، النار(للمادة

خنلص مما سبق إىل أن الصورة هي جوهر الشيء أو كماله و متامه ، و هي مرتبطة باهليوىل

.59، مرجع مذكور سابقا، صوألفرد إدوارد تايلور، أرسط- 1

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

83

ارتباطا ضروريا، إذ ال يكون للمادة معىن دون الصورة اليت حتددها، كما أن الصورة ال ميكن أن توجد دون أن تكون هناك مادة تشري إليها، و حدوث هذا االرتباط يكون من خالل خروج املادة

،فما مضمون هذين املفهومني؟الوجود بالفعلإىل حالة الوجود بالقوةمن حالة

PUISSANCE ET ACTE:للفعالقوة و ا-جـ

يف كتابه امليتافيزيقا "القوة"وهو املادة ،ووجود بالفعل و هو الكمال أو الصورة، و يعرف أرسطو ،أو يف الشيء التغري يف شيء آخر احلركة أو مصدر "

و هذا التعريف هو إشارة إىل القوة اليت حتدث احلركة يف األشياء ،1"آخرشيء من خالل نفسهن الشيء لقدرة ما مل تتحول بعد ،أي مل حيدث للشيء تغري املوجودة،أما الوجود بالقوة فهو تضم

أو حركة يف وجوده ، كالبذرة اليت مل ت.

.وجودها يف هذه احلالة هو وجود بالفعل

.366،صمذكور سابقاإمام عبد الفتاح إمام، ترمجة، ] -1020A)[ الدالتا(، مقالة الدالاليس، امليتافيزيقا، الكتاب اخلامسأرسطو ط- 1

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

84

أنتليخيا –Entéléchie(سب ما سبق هو التحقق و الكمال ح"الفعل"فيكون الوجود بـ، )باليونانية

قق و يسمى وجودها يف املرحلة الثانية وجودا بالفعل .تكتمل و تـتح

على الوجود بالفعل،من حيث أن األشياء إن هذا االنتقال قد يشري إىل أن الوجود بالقوة سابق أننا متعنا جيدا هي مادة ما أي قوة،مث تتحدد عندما يطرأ عليها تغري،فتصبح حينها بالفعل،لكن لو

يف الفكرة،سيتضح لنا العكس إذ سيسبق الوجود بالفعل الوجود بالقوة،كيف ذلك؟

لع الف أن تفهم ما مل يكن ما كان هلا القوةيوضح أرسطو هذه املسألة من خالل قوله أن سابقا عليها كماهية موجودة مسبقا هي اليت حتدد طبيعة القوة يف املستقبل، فنقول مثال عن اللون ا ألا ة م ج شجر ـت تـن ا س بذرة أ ل نقول عن ا يقة، و رى حق أن ي ية ن إمكا تضمن ي نه رى أل نه ي أ

نه يتضمن أن ما هي إمكانية ما سيصبح فإن اهليويلفعندما نقول أ"تتضمن طبيعة ذلك النوع ،.1"سيصبح عليه ماثل من قبل فيها مثاليا، و باإلمكان و إن مل يكن فعليا

إن الوجود بالفعل هو صورة املوجود، و الصورة متثل املاهية و اجلوهر، و هذان األخريان مها من حيث احلدوث سابقة ألن األشياء الالحقة :"سابقني على الوجود بالقوة، و هنا يقول أرسطو

.2"من حيث الصورة و اجلوهر

.182ولرت ستيس، تاريخ الفلسفة اليونانية، مذكور سابقا،ص- 1.130الفلسفة اليونانية، مذكور سابقا،ص، نقال عن ماجد فخري تاريخ ]أ-1050[أرسطو، ما بعد الطبيعة، الكتاب التاسع- 2

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

85

كما أن هذه األسبقية تكون واضحة اعتبارا من أن غاية الشيء تكون موجودة قبل وجوده،و لو حدث العكس ال ميكن أن يكون هناك حركة أو تغري، فكل شيء يتحرك باجتاه غاية تكون

أيضا، ألن الغاية هي علة احلركة و العلة من و خارجة عنها "كامنة و متضمنة فيه منذ البداية بلول املطلق يف الناحية املنطقية أسبق من نتيجتها، و هكذا جند أن الغاية أو مبدأ الصورة هو األ

.1" ن تكن أخرية يف الزمنالفكر و الواقع و إ

، و هي هي العلة اليت تنتهي إليها مجيع العلل األخرىإن هذه الغاية هي املبدأ األول املطلق و الكمال الذي يكون سابقا على كل وجود بالقوة، و خاليا كذلك من القوة، و هذا هو الذي

.المحرك الذي ال يتحركو هو يدعوه أرسطو باملبدأ األزيل

يف ذا املب تعر بل ال باعتبارمها أيضا من الحركةو ةالعل دأ األول سنتطرق إىل مفهومي و قيف نظريته حول النفس،فإذا صنف دراسة النفس " أرسطو"عليهما اليت سيعتمداملفاهيم األساسية

"ضمن العلوم الطبيعية ،وعرف الطبيعة أا تبدأ : بب بس نمو نشوء وال ال

يف املعىن األهم هي مصدر حركة األشياء الطبيعية،وهي حاضرة فيها إما بالقوة وإما والطبيعة .منه،فإنه وفق ذلك ال ميكن أن تتم دارسة املادة إال من حيث صلتها بالقوة والفعل ،وصلتها 2"بالفعل

.باجلوهر ،وكذلك باحلركة،باعتبارها احلامل لكل أنواع احلركة،وهو ما سنوضحه فيما يلي

.182ولرت ستيس، تاريخ الفلسفة اليونانية، مذكور سابقا،ص- 1.347،ترمجة إمام عبد الفتاح إمام ،مذكور سابقا،ص] A-1015[،)الدالتا(، مقالة الدالاليس، امليتافيزيقا، الكتاب اخلامسأرسطو ط- 2

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

86

:LA CAUSE:ةالعل-د

،ألن املعرفة ال ميكن أن حتصل إال إذا كنا على معرفة بالعلل، "العلة"يؤكد أرسطو على مبدأ ملاذا : قال على اجلوهر أو واحد من هذه املعاين، أي على املاهية، ألن ت:"وهي على أربعة أوجه

كما تقال مبعىن .و ملاذا النهائية هي السبب و هي املبدأ ) الصورة(تطلق يف النهاية على الصيغة قال مبعىن رابع مضاد هلذا و ت.تقال مبعىن ثالث على مصدر التغريو .آخر على املادة أو احلامل

وجود األشياء يستلزم أربع ف،1")فذلك هو غاية كل تغري ومنو(خريهيهدف إليه الشيء هو ما املعىن،،فإن الغاية النهائية ال ميكن إذا نقصت أي واحدة منهاو علل، تكون ضرورية لوجوده،مراحل أ

أن حتصل أو أن وجود الشيء لن يكون، أو على األقل لن يتحقق بالطريقة اليت جيب أن يكون .عليها

يف هذا النص هي اليت متثل ماهية الشيء و اليت من " أرسطو"ا العلة األوىل اليت يتكلم عنها أماليت يتحقق وجود الشيء المادية، و تليها العلة الصوريةخالهلا تتضح لنا صورته، و هي العلة

و و اليت ة الغائي، و آخر العلل هي العلة الفاعلةالتشكل، و هذا حيدث بفعل العلة الثالثة و هي

متثل الصيغة النهائية اليت يهدف الشيء ألن يكون عليها،و بذلك هي الغاية اليت تصبو إليها املادة الل املثال يف النهاية ،إذ من خالهلا يتحقق وجود الشيء وكماله ،و ميكن أن نوضح ذلك من خ

اخلشب كمادة يشري إىل العلة املادية، و الكرسي الذي سيصنع من هذه املادة هو ماهية :إن :التايلالشيء اليت حتمل شكله و خصائصه، مث هناك النجار و هو الفاعل الذي يصنع الكرسي من مادة

د علة ما يصري اخلشب و هو ميثل العلة الفاعلة، فاخلشب ال ميكنه أن يتحول إىل كرسي دون وجو

العلة"مفهوميستعمل أرسطو كلمتني للداللة على"AitiaوAition أماAition)أما االسم )من تلقى عليه نية وضع معني لألمور ،Aitia 64أنظر ادوارد تابلور، أرسطو، مرجع مذكور سابقا،ص"التبعة أو املسؤولية القضائية على فعل ماأيتعين حرفيا ضمان احلسن أو الشيء.

نص من كتاب امليتافيزيقا ألرسطو ترمجها إىل االجنليزية ديفيد روس، ترمجة إىل العربية إمام عبد الفتاح إمام، ضمن كتاب مدخل ] -983B[طو طاليس،مقالة األلفا الكربىأرس- 1.262إىل امليتافيزيقا مع ترمجته للكتب اخلمسة األوىل من ميتافيزيقا أرسطو، مذكور سابقا،ص

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

87

.من أجلها الكرسي

اإلشارة إليه من أن الوجود بالفعل أسبق من سابقة على كل العلل األخرى ،وذلك وفق ما سبق الغاية أو مبدأ الصورة هو األول "فـ الوجود بالقوة،ألن غاية الشيء تكون موجودة قبل وجوده

.1" ن تكن أخرية يف الزمن،و إاملطلق يف الفكر و الواقع

ود كما أن العلة الغائية ستكون هي العلة الصورية ،ألن املادة هي تعبري عما هو موج

بالقوة،والصورة هي خروج من القوة إىل الفعل، أي كمال و متام الشيء،الذي يعرب عن الغاية

القصوى له، ما جيعل ماهيته و صورته هي ذلك التحقق الذي تتحدد من خالله هذه الصورة،أو

.هذه املاهية

ف ذلك؟ إذا ما هذا من ناحية ، أما من ناحية ثانية ستكون العلة الغائية هي العلة الفاعلة ،كي

نا العلة الفاعلة فهي ببساطة فاعل احلركة أي التغيري و التشكيل الذي ينقل ما هو موجود عرفـ

)كرسي - اخلشب (بالقوة إىل موجود بالفعل

قال،وبذلك هي غاية الشيء، فكانت هذه الغاية هي سبب احلركة و سبب إحداث االنتةمستهدف

الفاعلة "يصح أن نسميها العلة الفاعلة، ألنه لوال مبدأ الغاية ملا كان هناك مبدأ الفعل،فالعلة

للتمثال هي النحات فهو الذي حيرك النحاس، و لكن ما حيرك النحاس، و جيعله يشتغل على

.2"النحاس هو فكرة التمثال املكتمل يف عمله

.182اريخ الفلسفة اليونانية، مذكور سابقا ،صولرت ستيس، ت- 1.179املرجع السابق،ص- 2

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

88

األربعة عند أرسطو إىل علتني أساسيتني تقابل كل منهما املادة و د العلل ر تـ على هذا األساس

جتمع وفق التوضيح السابق بني لة املادية، و العلة الصورية ،هذه األخرية اليتالصورة، و مها الع

. صورة الشيءرة و مبدأ الغاية، و هيمبدأ الفعل و مبدأ الصو

، "أرسطو"ال نقع يف التناقض مع ما يقوله لكن جيب أن ننتبه هنا إىل بعض األمور املهمة حىت

فهو عندما يؤكد على العلة الغائية، و جيعل العلة الفاعلة تنصهر فيها،ال ينفي التمييز بني العلل

األربعة،إذ من الناحية الطبيعية تكون هذه العلل واضحة و مستقلة عن بعضها البعض،ففكرة

عن قدرته على حتديد هذه الصورة، و هي يف هي تعبري -أي صورته-التمثال يف ذهن النحات

.هذه احلالة ستختلف اختالفا كبريا عن العلة الغائية اليت هي اخلامتة النهائية هلذا التحديد الصوري

هذا إضافة إىل أن التحديد الصوري يف ذهن النحات أي العلة الصورة هو خمتلف عن العلة

.

فلسفته، " أرسطو"خنلص مما سبق إىل أن مبدأي املادة و الصورة مها اللذين يبين على أساسهما

نة فيهما،إذ ال ميكن أن حيدث االنتقال من املادة إىل الصورة و حىت مسألة احلركة ستكون متضم

.بدأ للحركةسواء يف الفكر أو يف الواقع دون أن يكون هناك م

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

89

حيزا كبريا " كتاب النفس"يف الكتاب الثالث من " أرسطو"هذه األخرية اليت سيخصص

للحديث عنها من حيث طبيعتها و مصدرها و مبدئها ، لذلك حنن مضطرين اآلن إىل التفصيل

إا ية ف احية ثان من ن أما احية ، من ن ا يها و هذ سرتتبط بأكرب إشـكالية-أي احلركة-ف

.الذي ال يتحركلميتافيزيقية أثارها أرسطو و هي املبدأ األول للحركة احملرك األو

)Kinesis(من الكلمة اليونانية ،LE MOUVEMENT:الحركة- هـ و تشري إىل ما ،

" أرسطو"يسمى بالعلة الفاعلة، و ذلك طبقا ملا قاله

خالهلا تتحول األشياء من وجود بالقوة إىل وجود بالفعل، و هذا بالضبط ما يقوم به الفاعل و

.مبدأ الحركةيسميه أرسطو

التغري و التحول، و األجسام غري احلية ليست هلا إن احلركة يف أصلها تشري إىل ما بإمكانه

فإن اخلشب ال ميكن أن حيرك نفسه، و لكن صناعة "حركة ذاتيه، بل تتحرك بفعل حمرك خارجي

،و يوضح أرسطو هذا املسألة أكثر من خالل قوله أن األجسام غري احلية قد تبدو و 1"النجارة

اخلروج من السكون إىل احلركة، و ميكن أن نعطي

مثاال على ذلك ،سقوط احلجر من األعلى إىل األسفل قد يبدو على أنه حترك حركة طبيعية ذاتية،

إن :"لكنه يف احلقيقة يوجد سبب ما هو الذي دفع باحلجر إىل السقوط، و يف هذا يقول أرسطو

111،مذكور سابقا،صماجد فخري،تاريخ الفلسفة اليونانية أنظر..04نشر وحتقيق عبد الرمحن بدوي، مذكور سابقا، ص] 3/30- ب1071[أرسطو طاليس، من كتاب ما بعد الطبيعة، فصل يف حرف الالم- 1

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

90

جتعلها متحركة، لكنها ال متلك بداية جتعلها تسبب

.1"احلركة

إن احلركة يف شكلها العام تظهر من خالل مبدأين أو باألحرى مظهرين مها البداية و الفساد أو

الوالدة و االحنالل، لكننا إذا ما حاولنا التدقيق يف طبيعة االستحالة و التغري و الفساد اليت تعرفها

و الكميةاحلركة و الكيفيةاحلركة :"يقسم احلركة إىل ثالث أنواع و هي" أرسطو"املوجودات، فإن

.2"المكانيةاحلركة

و التحول الذي تعرفه املوجودات من الناحية الكيفيةيشريان إىل التغري نأما النوعان األوال

،يف اليت تعرفها األشياء، و من الناحية الكمية كالزيادة و النقصان يف حجم الشيء ةكاالستحال

، و هي حركة "النقلة في المكان"، هو "أرسطو"،و هو الذي يركز عليه النوع الثالثحني أن

يف حالة استدارة و متصلة ال ختضع لالنفصال مثل الزمان الذي ال يوجد انفصال بني وحداته، و

ليس كون هو احلركة أو انتقاال هلا، و فالزمان إما أن ي"،هذا ما ي

.3"من احلركات شيء متصل سوى احلركات املكانية، و من مجلة هذه احلركة الدورية

هي التغري يف املكان و هي ال تسري إىل األمام يف خط -الحركة الدوريةأي - هذه األخرية

ون حركة أزلية،لذلك مستقيم؛ أي يف حركه ممتدة مستمرة و غري متصلة اتصاال يسمح هلا بأن تك

مث ) ب(إىل ) أ(

لذلك يقرر أرسطو أن " وهذا االنتقال هو يف احلقيقة جيعل من الشيء ساكنا،) أ(إىل) ب(من

أي السماء اليت حتوي النجوم "املتحرك األول"ينبغي أن تكون دوران ىكة المتصلة األولالحر

الد األول، مذكور سابقا ،ص- 1 ية، يونان لسفة ال لف يخ ا ار تون، ت لس يك كوب يدر .430فر. 430املرجع نفسه ،ص- 2.03نشر وحتقيق عبد الرمحان بدوي، مذكور سابقا، ص] 107130/10[أرسطو طاليس، من كتاب ما بعد الطبيعة، فصل يف حرف الالم، الفصل السادس- 3

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

91

حنو موجود يف نفس ميكن أن تستمر إىل األبد على الثابتة حول حموره، فتلك احلركة الوحيدة اليت

.1"االجتاه

دأ حتريك إن هذه احلركة أزلية و دائمة ، متثلت يف حركة السماء حول حمورها لكنها ليست مب

املبدأ ال بد أن يكون كذلك أزليا، ألن العلة جيب أن ترافق املعلول ،فإذا كان أزليا كانت علته

ه لو حدث العكس لفقد أزلية، و كان جيب على هذه األخرية أن حترك املعلول حركة دائمة، ألن

" صفة األزلية

ه و ذات هو جوهر : بأن يتحرك فيجب أن يوجد شيء حيرك من غري أن يتحركك هنا شيء حير

2"هفعل

وجوده ليس بالقوة، ألنه لو كان ، دون أن يتحرك من جوهر حيرك خنلص من هذا إىل وجود

ادة، و هو جوهر كذلك الحتاج إىل من خيرجه من القوة إىل الفعل، ما يعين أنه خال متاما من امل

خالص و فعل خالص،حركته تقع على األشياء بالكلية، و هي دائمة مستمرة ال تعرف

زم فاعال آخر وهكذا وصوال إىل

أو كما يسميه أرسطو يف كتب ما بعد الفاعل الذي ال ينفعلمبدأ احلركة يف الكون كله ، وهو

".احملرك األول الذي ال يتحرك"الطبيعة

.83تايلور، أرسطو، مذكور سابقا،صدالفرد ادوار - 1.05،ص]25- 20/أ194[أرسطو طاليس، من كتاب ما بعد الطبيعة، فصل يف حرف الالم، الفصل السابع- 2

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

92

:)LE MOTEUR IMMOBILE(الذي ال يتحركاألولالمحرك - و

إن الكالم عن هذا املبدأ يتفق واالعتبار األول الذي أسسننا عليه هذا املبحث يف كون

امليتافيزيقا مقدمة متهيدية ضرورية لفهم نظرية النفس عند أرسطو،وإن كانت املفاهيم السابقة اليت

عيد بتشري إىل الطبيعيات واإلهليات بشكل من األشكال ، فأن احملرك األول مفارق تكلمنا عنها

عن املادة،ال يوصف باحلركة ،فهو عماد الفلسفة اإلهلية كلها ،إذا ملاذا نثريه كموضوع حبث يف

خالل كالمنا عن النفس اليت يدرجها أرسطو كما سبق وأشرنا ضمن الطبيعيات؟

إن احملرك األول خالد ال يتغري، و هو مبدأ كل حركة ،واحد كاف لكل عمليات التغري والتحول

ث للمادة و خترجها من القوة إىل الفعل، فهو مبدأ فاعل ال ينفعل، و هو ضروري ألن اليت حتد

كل متحرك حيتاج بالضرورة إىل من حيركه، ما جيعل يف النهاية ضرورة وجود حمرك أول حيرك كل

املتحركات املوجودة يف العامل، و ملا كانت احلركة أزلية كما سبق وأشرنا، فإن هذا احملرك األول هو

مصدرها، ألن نفي األزلية عن احلركة جيعلها حتتاج بدورها إىل حمرك، و إذا حدث ذلك احتاج

إىل من حيركه، و هذا غري ممكن ألن احملرك األول الذي يقصده أرسطو هو مصدر لاحملرك األو

.احلركة األزلية حيرك دون أن يتحرك

كان على ما يبدو دقيقا، إذ يقول أن احملرك األول ال خيلق " أرسطو"أما كيف حيرك ،فإن

غاية نهائية العامل، فهذا األخري ليس خملوقا، وعلى هذا األساس ستكون عالقة اهللا بالعامل مبثابة

ة كل اليت هي يف األصل العلة الفاعلة و هي عل" أرسطو"، و هذا يذكرنا بالعلة الغائية عند له

. حركة و كل تغري

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

93

و الرغبة، للشوقيقصد أرسطو بأن يكون احملرك األول علة غائية، أي أن يكون موضوعا

و الفلك األقصى هي بأن يكون غاية بالنسبة هلا، و تكون احلركة هنا فتحريكه للسماء األوىل

.كنوع من استثارة العامل حنوه

عقول و هي من طبيعة روحانية، ترغب يف يضيف أرسطو موضحا ذلك بأنه توجد يف األفالك

ثابت ال يعرف احلركة و يثري األشياء احمليطة به و اليت ترغب فيه و تعشقه فتدور حول حموره، متاما

الذي ميثل موضوعا بالنسبة هلا، دون أن يتحرك هذا املوضوع مثل الرغبة اليت تتحرك حنو اخلري

الذي سيكون مبثابة العلة الغائية اليت حتدث احلركة دون أن تتحرك، وعنها أو حنوها يتحرك كل

إمنا هو عن طريق أنه معشوق و معقول، فاألشياء )أي احملرك األول(و حتريكه" شيء ،يقول،

رك ة على هذه اجلهة إمنا حترك من غري أن تـتح رك ل املعشوق و املعقول مها و يف املبادئ األو ،املح

نراه حسنا اخنتاره ألن لاألو ا، و هو حسن نشتهيه و نشتاقه ألننا نراه حسن شيء واحد، و ما

ا و ليس ،نعقلهونشتهيه ألنا 1"نشتهيهانعقله ألن إمن

.05،ص] 30/أ. 194[أرسطو طاليس، من كتاب ما بعد الطبيعة، فصل يف حرف الالم، الفصل السابع ،- 1

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

94

هذا املعشوق يكون معقوال إذ يكون معشوقا بشيء و معقوال بشيء آخر، بل أن ما نعشقه

هو خري و هو غري خمالف ملا هو عليه باحلقيقة، فهو خري و يكون العشق يف احلقيقة تعقل هلذا

املظنون، فكذلك العقل تكون حركته من املبدأ األول، و كما أن الظن تكون حركته من الشيء

فكل ل من العلة األوىل،ق ع العشق إمنا هو ما يـ ءو ابتدا:" الشيء املعقول، أو كما يقول أرسطو

الرتبة يفمثالاملعقول على عقل فحركته من الشيء

.1"و املتخيلنو نمها املضالتخيل فإن ابتداءكالضن و

وفق ما سبق ميكن أن خنلص إىل أن إله أرسطو مل خيلق العامل،و ال حىت هو الصانع كما قال

ليس لفاحملرك األو " عشقه و رغبته،بل هو يف احلقيقة موضوع "حماورة طيماوس"يف " أفالطون"

ل شيء ق ع تـ و اإلله ال ينشغل ب ،2"هو اهللا اخلالق، ألن العامل يوجد منذ األول دون أن يكون خملوقا

و هو نشاط مستمر و دائم، التأمل الذاتيغري ذاته، ألنه ال يهتم بعناية العامل بل ينشغل بنشاط

قوله سيكون خارجا عن ذاته، لالو حدث غري ذلك أي انشغو ع احملرك األول بتـعقل غريه، فإن م

أفضل فكمال ذلك الفعل إذا كان:" و يكون بذلك كماله يف غريه، و هذا غري ممكن ،

ا أفضل املوجودات و أكملها، و أشرف املعقوالت و هذا لكماالت، و جيب أن يكون بذاته، فإا

.3"حس أو رأي أو فكر و هذا ظاهرا جداتعرف أو من دون ،يوجد هكذا دائما

قل مجيع املعقوالت األخرى على ،أي ال يعقلها واحدة الكليةإن املبدأ األول يف عقله لذاته يـع

، كأن يعقل شيئا يف حلظة أو يف زمن ما و يعقل اآلخر يف زمن غريه، بل هو يعقل الكل واحدة

يف حلظة واحدة غري منقسمة غري حمتاج إىل زمان، فإذا عقل ذاته اليت هي اخلري األمسى عقل مجيع

.5،ص]35/أ. 194[املصدر السابق ،- 1.423فريدريك كريلستون، تاريخ الفلسفة اليونانية، مذكور سابقا، ص- 2.10- 9،مذكور سابقا، ص ص]30/ب–1074[أرسطو طاليس، من كتاب ما بعد الطبيعة، فصل يف حرف الالم، - 3

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

95

ذا هو

إال أنه األفضل يف كل " يعقل العامل يف أنه علة مجيع األشياء و مبدأها،لذلك كان مبدأ أوال

له ل ق ع يـ س لي ] إال أنه[شيء ق ا يـع .1"ايء مفرد الش ن م م

يعرف "لذلكومعرفة اهللا لذاته هي فعل خالص أزيل بعيد عن أن يكون خاضعا للتغري و التبدل ،

ر (بأنهاهللا أرسطو ك ر الف .2"فكر يف نفسه على حنو أزيلفهو قائم بذاته ي )فك

لقد كان هذا جممل تصور أرسطو عن احملرك األول الذي ال يتحرك يف فلسفته اإلهلية ،وهو

الذي يصفه يف كتاب النفس

وهذا العقل :"غري ممتزج يأيت إىل اجلسم من اخلارج و يفارقه عند املوت يقولبأنه خالد أزيل خالص

،وسنعود 3"مفارق غري ممتزج وغري منفعل ،ألنه باجلوهر فاعل دائما وهو عندئذ يكون خالدا وأزليا

.للتفصيل يف هذه املسألة فيما بعد

.425فريدريك كريلستون، تاريخ الفلسفة اليونانية، مذكور سابقا، ص- 1.425املرجع نفسه،ص- 2

3 -ARISTOTE. De L'âme ,p p228-229. "Et cette intelligence est séparée, sans mélange et impassible, puis qu'elleest substantiellement activeté … et il n'ya que cela d'immortel et d'eternel"

أنظر الفصل الرابع املبحث األول.

المیتافیزیقیا األرسطیة كمقدمة تمھیدیة لدراسة النفس:المبحث األول الفصل الثاني

96

خنلص يف األخري إىل أن موضوع النفس سيضل من املسائل امليتافيزقية ،وإن كان أرسطو قد

) النفس(الصورة صنفه ضمن مباحث العلم الطبيعي فذلك كما سبق وأشرنا من حيث عالقة

،أما إذ ،ومن حيث وظائفها املتعددة اليت ال تتم إال باالتصال مع الوجود املادي)اجلسم(باملادة

جتاوز اإلنسان مستوى اإلحساس إىل مستوى التعقل والتأمل فإنه سيتشبه يف فعله بفعل العقل

.األول،وهنا تصبح دراسة النفس من ضمن مباحث الفلسفة األوىل

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

97

كامال للكالم عن نظريته يف النفس،وصنفها ضمن مباحث العلم لقد أفرد لنا أرسطو كتابا

كان أكثر مشولية من حيث إملامه بكل "كتاب النفس"تكلم عنها يف كتب أخرى،فإنه يف ضا ألهم التصورات اليت قاهلا القدماء السابقني عليه جوانبها،هذا إضافة إىل أنه قدم لنا فيه عر

".النفس"حول

يتكون هذا الكتاب من ثالث مقاالت،األوىل يتكلم فيها عن مذاهب السابقني عليه يف ،أما املقالة الثانية فهي يف حد "أفالطون"وبعض الفيثاغوريون و" برمنيدس"و" هراقليطس"النفس،كـ

.،و الثالثة يف احلس املشرتك والتفكري واإلدراك والتخيل وأفعال العقلوظائفهاواها و قو النفس

م هذا الكتاب إىل العربية وهي ترمجة قدمية عن النص اليوناين،وهي " إسحاق بن حنني"لقد تـرج،أما الرتمجة "أرسطو طاليس يف النفس"ضمن كتاب" عبد الرمحن بدوي"اليت نشرها وحققها عن النص اليوناين مباشرة ،و قام مبقارنتها مع الرتمجة "فؤاد األهواين "ا الثانية هي اليت قام

وكالمها كانتا عن النص اليوناين "تريكو""هكس""Richard Bodéus" وقد،

.اعتمدنا عليها وعلى ترمجة فؤاد األهواين يف هذه الدراسة

اليت أوردها يف هذا الكتاب "أرسطو"وفق هذا سيكون عملنا منصبا على تلخص كل أفكار ،ألن الغرض هو معرفة جوانب نظريته من حيث تعريف النفس إىل طبيعتها وعالقتها باجلسد

اآلراء الطبيعية املنسوبة إىل فلوطخس،احلاس واحملسوس البن رشد،النبات املنسوب إىل -طاليس ،يف النفسأرسطو :العنوان الكامل للكتاب1980دار القلم بريوت،-راجعها من أصوهلا اليونانية وشرحها وحققها وقدم هلا،عبد الرمحن بدوي،وكالة املطبوعات الكويت-أرسطوطاليس.الطبعة الثانية

و طاليس ،يف النفس، ترمجة أمحد فؤاد األهواين،راجعه على اليونانية األب جورج شحاته قنوايت،منشورات دار إحياء أنظر مقدمة كتاب أرسط.1949الكتب العربية ،الطبعة األوىل

Aristote.De L'âme, traductions et présentation par Richard Bodeus, éditionsFlammarion, Paris,1993.

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

98

، وكذاك طبيعة النفس العاقلة اليت من ايته يف احلواس وأنواعه،وقواها ووظائفها وصوال إىل نظر خالهلا نكتشف نظرية أرسطو يف العقل،حىت نتمكن يف األخري من مقارنتها مع تصورات ابن سينا

.يف مذهبه يف التصوف،وذلك يف الفصل األخري

ب الذي ونعتمد الرتتيسنتعامل مع نص أرسطو مباشرة،أنناكما جتدر اإلشارة هنا إىل وضعه،أما املقالة األوىل منه اليت يتكلم فيها عن آراء السابقني عليه يف النفس، فقد مت إدراجها ضمن الفصل األول يف مبحثه األول الذي خصصناه لتصورات الفالسفة اليونان حول النفس،أما

إضافة إىل أننا املقالتني الثانية والثالثة من الكتاب مها اللتني سنلخصهما يف هذا املبحث ،هذافيه توضيحا و تبسيطا وجدنا" ألرسطو"شرح مهم لكتاب النفس يف بعض األحيان علىسنعتمد. "بن رشدإ"الذي قام به شرحالو هو

:تحديد معنى النفس عند أرسطو:أوال

لتعريف حدها ،وقد كان أسلوبه يف ذلك " يف النفس"خيصص أرسطو الباب الثاين من كتابه الذي الجوهرجمموعة من املقدمات يصل من خالهلا إىل نتائج ،فهو بداية يفكك معىن تقدمي

يعتربه موجودا يشري يف ذاته إىل اهليويل،و يشري كذلك إىل صورة الشيء اليت تظهر من خالهلا متمثال يف األجسام ) اهليويل و الصورة(املادة،كما أنه يطلق على ما هو مركب من عنصرين

..

، و هو مركبا فيه حياةجسما طبيعيإن هذا النوع من األجسام يكون جوهرا إذا كان

نفليس اجلسم هو النفس ، أل" فيحصل لدينا اجلسم مضاف له احلياة ، و هو ليس النفسل.، تلخيص كتاب النفس، حتقيق و تعليق الفردابن رشد.

.بدون طبعة1994القاهرة، ،جسام اليت تتغذى و تنمو و تفسد، و على ذلك تكون األجسام الطبيعية هي مبادئ غريها من األجسام

ية ا حياة، كانت األجسام لذلك يع ا طب كانت تشري عند اليونان إىل " حياة"و جامدة ال حياة فيها، كما جتدر اإلشارة هنا إىل أن لفظة أإما ،أنظر مقدمة كتاب أرسطو طاليس ،يف احلياة أو ما هو مبدأ هلا و كان اليونانيون عندما يتكلمون عن النفس فهم يقصدون psychéالنفس،

.نفس ،ترمجة فؤاد األهواينال

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

99

، و يرتتب عن ذلك أنو هيوىلليس صفة لشخص بل األوىل أنه هو نفسه حامل] احلي[اجلسم

،و هذه الصورة هي 1"،النفس بالضرورة جوهر.Entéléchia]نتليخياأ[جوهر،و طبيعية هذا اجلوهر هو أنه كمال أول

ة كالعلم و ، فهو تار األول يقال على معنينيإن الكمال :"بقولالكمال األول"أرسطو"يعرف و يظهر هاهنا أن النفس كمال أول كالعلم ألن النوم كاليقظة يقتضيان تارة كاستعمال العلم،

و النوم شبيه بوجود العلم دون أن اليقظة شيء شبيه باستعمال العلم،وجود النفس، من حيث استعماله، و لكن العلم يف الفرد متقدم يف النشوء على استعمال العلم، هلذا كانت النفس كماال

.2"أوال

متقدم كمال أوليبني من خالله كيف أن النفس هي "أرسطو"الذي أودهإن هذا التشبيهوحصول الشيء يف ) العلم(أوسابق على النوع الثاين من الكمال الذي يتميز بوجود الشيء

النفس فاستعماله، كالنوم الذي يشبه عدم استعمال العلم مع وجوده، الكائن احلي لكن دون،لكن اليقظة هي اليت تعين استعمال العلم، ففي النوم أو الغفلةموجودة و هي ال تنعدم يف حالة

كلتا احلالتني تكون النفس موجودة،لكن كماهلا األول الذي يقصده أرسطو هو ذلك الذي يكون .يف اليقظة عند استعمال العلم

جبسم نعين أول جلسم ذي حياة بالقوة،كمال"خيلص أرسطو من هذا إىل أن النفس هيفس ذا بأفعالأو يقوم بالحركةو يتميز أعضاءهو الذي له م اآلليالجس،و 3"آيل ن تكون ال ، ف

املعىن جوهرا، و اجلوهر كما سبق و حددنا هو صورة ،و هذه األخرية نعرف من خالهلا ماهية املثال فأوظس،و للتوضيح أكثر الحياةالشيء، و يكون بذلك اجلسم حامال لصفة خاصة هي

هوايت راجعه على اليونانية األب جورج شحاتة قنواين، دار إحياء الكتب العربية الطبعة أرسطو طاليس، كتاب النفس، ترمجة أمحد فؤاد األ-1. 42،ص1949األوىل،

.42املصدرنفسه ،ص- 2.43-42املصدر نفسه ،ص ص-3

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

100

ن آلة كالفأس كانت و لنفرض مثال أ":يقول"الفأس و القطع"و هو تشبيه "أرسطو"الذي يذكره ا فارق الفأس فلن ألن اجلوهر إذجسما طبيعيا فإن ماهية الفأس تكون جوهرا،و تكون نفسها،

ة ماهية أو صور إذا ليست النفس لواقع فأس،لكن الفأس يف ايكون هناك فأس،إال باشرتاك االسم،.1"بل جسم طبيعي ذي صفة معينة، أي فيه بذاته مبدأ احلركة و السكونجسم من هذا النوع،

،ما يعين أن النفس غري مفارقة األجسام الخالية من الحياة ليست لها صورة أي نفسأما

.2"الكمال و صورة لما هو بالقوة، مستعد لقبول طبيعة معينةضرب من "به،أي

،وهي عالقة "أرسطو"إن هذا التصور األخري يقودنا إىل فكرة أساسية يف نظرية النفس عند :النفس بالبدن و طبيعتها ،و هو ما سنوضحه فيما يلي

:طبيعة النفس و عالقتها بالبدن:ثانيا

اليت تفصل بالثنائية،فهو يرفض القول نبالبدعلى عالقة النفسكثريا "أرسطو"يركز مقربة "بينهما،وينقد آراء الفالسفة القدماء يف ذلك،كما أنه سيتجاوز فكرة اعتبار اجلسد

بخلودها ويبرهن ،و أن هذه األخرية ستتحرر من قيوده بعد املوت،بل سينفي القول "للنفس.على أنها تفسد بفساد البدن

بأنه ليس من السهولة بلوغ هذا النوع من املعرفة،ألن " يف النفس"يعرتف أرسطو يف كتابه مسألة عالقة النفس باجلسد و طبيعتها صعبة ، إذ جنده يطرح جمموعة من املشكالت فيما إذا أا جزئية،و هل هي كم أم كيف؟ و هل ميكن أن نصفها بالكلية أم أم ا فس جوهر ن نت ال كا

لقسمة؟ و فيما إذا كانت توجد أجزاء يف النفس الواحدة؟ فهذه أهم األسئلة اليت يطرحها بقبوهلا ا

43املصدر السابق ،ص-1.49نفسه ،صاملصدر -2أنظر الفصل األول من هذه الدراسة.

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

101

و دف حتديد عالقتها بالبدن . أرسطباعتبار "الصورة""المادة"انطالقا من ثنائيته" أرسطو" ة ميكن أن نفهما حسبإن هذه العالق

أن األوىل تكون قابلة للتشكل و التحول،ويتحقق وجودها الفعلي من خالل الصورة،وهذه األخرية هي اليت متنح للمادة كيانا متميزا و تعطيه معىن ما،و تنقل وجوده من وجود بالقوة إىل وجود

.بالفعل

إذ تعترب هذه األخرية صورة له،وإذا كانت " النفس"و " للجسم احلي"ألمر نفسه بالنسبة اكذلك ال ميكن أن تنفصل عنه ،فهي جوهرية فيه و هي متامه و كماله، تنقل وجوده من وجود

ادة ا حياة(إىل وجود بالفعل -جمرد مادة-بالقوة ).م

كون له وجود دون النفس أي دون كما أن هذا اجلسم الذي به حياة ال ميكن أن يصورته،وحىت و إن كان وجوده وجود بالقوة فهو البد أن يكون ذا نفس،و هو ما يستثين األجسام اجلامدة اخلالية من احلياة اليت و إن انتقل وجودها من وجود بالقوة كمادة أولية مثال إىل وجود

إا تبقى أجسام خالية من احلياة ،إ ال ،ف تمث عل كال لف بابالنفس، و أن أحدمها ال يكون يف غياب اآلخر، و اتصالاألجسام احلية و هي يف حالة

.1" الحيوان هو النفس و الجسم معا":اجتماعهما معا هو الذي يسمح لنا بأن نقول أن

وفق ما سبق ال ينفصالن ، ووجودمها معا يؤكد وجود احليوان، النفس و البدنإنن العني ن البصر صورة العني، و لكالعني حيوانا كان البصر نفسه، ألفإذا كانت :" "أرسطو"يقول البصر، فإذا أصيب البصر، فال ع هيوىل عني من حجر، أو : كما لو قلت :سم إال باشرتاك االني

ذلك أن األجزاء على اجلسم احلي بأكمله،نقوله عح نطلق ما ص عني مرسومة، فيجب إذا أنمن بأكمله إىل اجلسم احلاس بأكمله،نسبة جزء النفس إىل جزء اجلسم هي كنسبة اإلحساس

.44املصدر السابق، ص- 1

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

102

كأداة له و جزء منه تقابل أمهية البصر بالنسبة ، فأمهية العني بالنسبة للبصر 1"حيث هو كذلكعل للعني الذي يعد كوسيلة ر به،بهتـف لذلك غايةو بالقياس على ذلك تكون النفس أو تـبصعليه لتتحقق متامها،على أنه ال تتحقق الغاية يف غياب تعمد وسيلةاجلسم الذي هو مبثابة

أحدمها،و إمنا يكون التحقق يف اتصاهلما، و يتأكد هذا األمر أكثر من خالل ما صورة ملا هو بالقوة، مستعد لقبول طبيعية إن النفس هي ضرب من الكمال، و":"أرسطو"يقوله.2"معينة

: قوى النفس ووظائفها- ثالثا

أويل وعام، " أرسطو"فيه حياة بالقوة،و هذا التعريف حسب النفس هي كمال أول جلسم إن بيان :"ألن تعريف احلد بوصف واقعه غري كاف،و هو ما يستوجب البحث يف علته،أو كما يقول

3."ف ر ع م ـة العل

يكفي يف أحد معانيها أن نقول عن الشيء أنه -يف معىن قول أرسطو-هي"الحياة"إن لفظة السكون واإلحساس و التغذي و النمو ،فالنبات فيه حياة التصافه حي، متمثال ذلك يف احلركة

،وهي "أرسطو"كما يسميها "القوة الغاذية"و الغذاء،و من هنا نصل إىلوببعض خصائصها كالنم"العاقلة"وبني القوة ) أي الغاذية(و هي وسط بينها "القوة الحاسة"أوىل القوى و أدناها ،تليها

.و فيما يلي تفصيل يف هذه األنواع الثالث

و النفس النفس الغاذية بعندما يقول "أرسطو"بداية جيب أن نشري إىل مسألة مهمة و هي أنإىل اجلزء العاقل " أفالطون"العاقلة، فهو ال يعين أن للنفس أجزاء ثالث كما قسمها احلاسة و كذا

ميكن أن توجد ) الغاذية(أو وفق تدرج تصاعدي من األدىن إىل األعلى،باعتبار أن الوظيفة النامية .44-43املصدر السابق ،ص ص - 1.49املصدر نفسه،ص- 2.42املصدر نفسه ،ص- 3

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

103

لوحدهاهذا إضافة إىل أن الوظيفة احلاسة ميكن أن تستغين عن الوظيفة العاقلة دون أن تستغين عن

.الوظيفة النامية

:القوة الغاذية -1

هذا اجلزء من النفس الغاذية نعين بالقوة :"،يقول أرسطو"النفس النباتية"ختص ما يسمى بـن القوى كما هو احلال يف النبات،وقد و هي قد توجد منفردة مفارقة لغريها م،1"املوجود يف النبات

، ومن خصائصها ،أو مبدأ أول للحياة" أرسطو"تكون مشرتكة مع القوى األخرى، لذلك اعتربها دتني يف الكائن احلي تلقائيا ،فمن ،باعتبارمها صفتني موجو التغذيةو التوالدباألحرى وظائفها

احليوان يولد احليوان و من النبات يولد النبات أيضا،أما التغذي فمن خالل النقصان و الزيادة أي النمو و االحنالل اللذين تعرفهما األشياء، فهما دليل على أن الشيء يتغذى، فصفة االمتصاص

بالنسبة له، و منه حيدث النمو أو الزيادة،و يف النبات هي صفة تلقائية فيه و متثل قوة التغذيالعكس إذا انعدم االمتصاص حيدث النقصان،و األمر سيان بالنسبة للكائنات احلية األخرى،

فانعدام التغذي هو انعدام احلياة ، ويف هذا حيدد أرسطو ثالث عوامل

ما الكائن، و أهو النفس األوىل ، أما يغذيهعين الكائن الذي يتغذى، و ما به يتغذى ن": للغذاء

.2"الذي يتغذى فهو اجلسم الذي فيه النفس، و أخريا، ما به يتغذى هو الغذاء

نستنتج أن هذه القوة ضرورية لوجود الكائن احلي و استمراره، و هي مشرتكة بني كل األجسام احلاسة و (األخرى

يعود إىل أه يتلقى غذاءه بصورة تلقائية طبيعية على عكس احليوان الذي حيتاج إىل ) العاقلة

مية أو الغاذية و هي بالنفس النباتية أو القوة الغاذية، و يف مؤلفات عديدة لغري أرسطو تسمى بالنفس النا" يف النفس"يسميها أرسطو يف كتابه.كلها مفاهيم يوردها أرسطو من حني إىل آخر لإلشارة إليها

.46أرسطو طاليس ،كتاب النفس ،ترمجة فؤاد األهواين، ص- 1.58املصدر نفسه ،ص- 2

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

104

وظائف أخرى تساعده للتعرف مثال على الغذاء و يكون ذلك بداية من خالل ملكة اإلحساس لغاذية، و هو اليت سيخصص هلا حيزا واسعا مقارنة بالنفس ا"القوة الحاسة"أو ما يسميه أرسطو

. ما سنوضحه

:ةـوة الحاســالق-2

الذي يرى أنه يرتبط يف وجوده باحلركة اليت معنى اإلحساسهنا من حتديد " أرسطو"يبدأ حتصل من خالل اتصال احليوان مبحسوس ما،و رغم أنه ال توجد يف احلواس معطيات ومعاين عن هذه احملسوسات، إال أن اإلحساس موجود فينا بالقوة، أي أنه استعداد داخلي يظهر بفعل فاعل

غري ما يشعله، فإذا ود الذي ال يشتعل بنفسه، بيف الوقو األمر هنا كما هو "هو املوضوع احملسوس،.1"اشتعل بنفسه مل تكن هناك حاجة لوجود النار املشتعلة بالفعل

أن حيس اإلنسان دون أن األول،"أرسطو"حسب يصدق على معنيني)يحس(لفظ أن كماالكائن الذي توجد فيه إن :"بتفعيل حواسه أو كما يقولحواسه و تتحرك،و الثاين أن حيس تنفعل

قول كذلك عن الكائن الذي و ن.ع و يبصر حىت و لو كان نائمايسم،القوة على السمع و البصر.بالفعلوجود إحساس بالقوة و آخر،وهذا بدوره يشري إىل 2"يسمع و يبصر بالفعل

يتوقف على ما يثري اإلحساس من حمسوسات - أي اإلحساس بالفعل-أما هذا األخريخارجية تكون مسؤولة عن حدوثه، لذلك تكون موضوعاته جزئية خارجية على خالف العقل

ل " يكون على ضربنياإلحساس بالقوةالذي ينظر يف الكليات مىت أراد، يف حني أن تارة حيمرة أخرى على املعىن الذي نقوله على على املعىن الذي نـقول فيه أن الطفل بالقوة قائد جيش و تا

.60املصدر السابق ،ص- 1.60صاملصدر نفسه ،- 2

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

105

و االنفعالو مها من خالل لفظني" أرسطو"، لذلك يتحدد هذا اإلحساس حسب 1"البالغ.االستحالة

هو انفعال احلاسة باملوضوع احملسوس، من حيث هي غري شبيهة به، ) االنفعال(أما األولأي -فهي تنفعل:" هي احملسوس و تشبهه أو كما يقولةاحلاسواالستحالة هي عندما تصبح

أا ليست شبيهة -ملكة احلس يث من ح ذن انفعلت أصبحت شبيهة باحملسوس، و حىت إذا،إ."واتصفت بوصفه

موضوعات احلس على ثالث أنواع،منها ما يدرك بالذات و هو " أرسطو"وفق هذا يصنف ،أما بالعرضأما النوع الثالث فهو ما يدرك ،العامو اآلخر اخلاصاحملسوسنوعان أحدمها ميثل

ويتم من طرف حاسة خاصة به، فهو الذي ال ميكن أن يقع فيه خطأالخاصالمحسوسفالسمع حاسة للصوت،و ال شيء غري الصوت،على أن البصر حاسة اللون و ليس الذوق،لذلك

يتوافق بدوره مع مسيت هذه احلواس خاصة،و هي تعرب عن اجلوهر احلقيقي هلا،و الذي.املوضوعات احملسوسة حسب خصوصيتهما دون خطأ أو خلط

فهو الذي تشرتك فيه احلواس مجيعها أو بعضها و هي احلركة و السكون المحسوس العامأما .و العدد و الشكل، و املقدار

هو ما اشرتكت فيه صفة عرضية ، إذ أن المحسوسات بالعرضيف حني أن النوع الثالث أي

و يقال هناك حمسوس بالعرض، :" بقوله" أرسطو"احلاسة تنفعل به عرضا و ليس حقيقة،و يشرحه فنحن ندرك هذا األخري بالعرض ألن املوضوع )ياريسدابن (نه أإذا أدركنا أن األبيض مثال على

.63امصدر الساب ،ص-1 و أما احملسوسات بالعرض مثل أن حنس أن هذا :"كمثال لقولنا فالن أو كما يقول ابن رشد قي شرحهابن ديا ريس هو مثال عن شخص يوظف

لذلك جهة ما عرض لزيد إن كان أبيض، و األبيض زيد، و ذلك أن إحساسنا بالبصر أن هذا زيد مل يكن من جهة ما هو زيد، و إمنا كان من.72أنظر ابن رشد،تلخيص كتاب النفس ألرسطو ،ص" عنه من قبل انفعاله عن لونهصار انفعال البصر عنه بالعرض، إذ كان إمنا انفعل

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

106

اخلاصة وهذه احملسوسات بالعرض على عكس احملسوسات ،1"احملسوس،قد احتد باألبيض عرضا.إلمكانية حدوث اخلطأ فيها

"أرسطو"خيلص حاملة يف انفعاهلا للمحسوس كموضوع جزئي، فالسمع ملعىن الصوت و ليس للصوت يف كليته، و

يقبل طابع اخلامت بدون عالشم" للبصر و اللمس و غريها من احلواس فـكذلك األمر بالنسبة و يف ،2"برونزاحلديد و الذهب، فهو يقبل طابع الذهب أو

.رته فقط دون مادته حيدث اإلحساستقبل فيها احلاسة احملسوس يف صو هذه احلالة اليت

ذلك " درة العضو احلاس،فإن ذلك سيؤثر عليه و سيفسدهقأما إذا كان مقدار احملسوس يفوقأا احلاسةو هي ما ن(ا كانت شديدة جدا على عضو احلس فإن الصورةأن احلركة إذ )قول

ما يؤكد على أن وهو،3"عندما نضرب األوتار بشدةشى كما حيدث يف التناسب و املقام،تتالمبدأ قادر على "ما يساعدها على قبوهلا أوقادرة على قبول احملسوسات دون متوسط غري احلواس

دا ، فمن يفقد حاسة البصر ال ميكن أن ينفعل 4" قبول الصور احملسوسة ا دون م

باأللوان ، و فاقد السمع ال تؤثر فيه األصوات ، فكل حاسة تنفعل بالطبيعة املقابلة هلا ، فحاسة

:هي حسب أرسطو على النحو التايلالسمع تنفعل بالصوت و ليس باللون و هذه احلواس

:واس الخمســــالح-أ

:رالبـصــ1/-أ

.64أرسطو طاليس ،كتاب النفس ،املصدر املذكور سابقا ص- 1.87املصدر السابق،ص - 2.87نفسه،صاملصدر - 3.88نفسه، صاملصدر - 4

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

107

أهم احلواس و أكثرها إمكانية الستقبال أكرب قدر من املعرفة،و موضوعها " أرسطو"يعتربها" أرسطو"بالتحديد هو املرئي،و هي ال تستقبل احملسوس بشكل مباشر بل بفعل متوسط يسميه

ف" يف كل ":يعتمد على الضوء كشرط أساسي يف فعله أو كما يقول،هذا األخري الذي "المشلون القدرة على حتريك اجلسم املشف بالفعل، و هذه القوة هي طبيعته و هذا هو السبب يف أن

باستثناء بعض األجسام اليت ،1"ون ال يرى بدون الضوء، و يف الضوء فقط تدرك ألوان األشياءالل رؤوس األمساك وأصدافها :"خاصية جتعلها تضيء يف الظالم مثلوء،لكنها متلك ال ترى يف الض

يوا 2"وع

حباسة ) ونالل ( يؤكد أرسطو على دور املتوسط يف فعل احلس،فإذا ألصقنا مثال احملسوسهذا و.طل يف هذه احلالةقد ع احلاسة لن تنفعل ألن دور احلاسةالعني مباشرة، فإن

: عــالسم/2-أ

هي احلاسة الثانية حسب الرتتيب الذي وضعه أرسطو، و هي األخرى حتتاج إىل متوسط كي " القرع"، إذا أن الصوت ال ميكن أن حيدث دون وجود الفاعل و املفعول أي الهواءتنفعل، و هو

عن ة الصوت اهلواء أو املاء، بل ما جيب هو حصول قرع فليس عل :" إذ يقول" املقروع"و الذي سيمثل املتوسط الذي ، هذا األخري3"لبة بعضها مع بعضها اآلخر و مع اهلواءاألجسام الص

.من خالله ميكن أن حيدث فعل السمع

ف يته يف ذاته من هو ما ليس له لون، و يكون شفافا ميكن رأيت األشياء من : املش ؤ ورائه و أرسطو يف هذا الصدد يرى أن اللون حيمل علة رخالل قدرته على تفعيل املشف، و هو السبب الذي جيعل من املستحيل رؤية اللون دون الضوء، هذا األخري الذي يعترب شرطا أساسيا لرؤية

عل قوته املشف اليت تفعل بدورها العني، و ي كان نو نعين باملشف ما كان ليس مرئيا بالذات، و إ:"عرف أرسطو هذا املشف بقولهاأللوان، ألنه يـفءكاهلوا] غريب[مرئيا يتوسط لون آخر

ترمجة فؤاد أنظر أرسطو طاليس ،كتاب النفس، " ة توجد أيضا يف اجلسم األزيلحيث وجود طبيعة واحدة يف هذين العنصرين و هذه الطبيع.65،صاألهواين

.65،صترمجة فؤاد األهواينأرسطو طاليس ،كتاب النفس، - 1.65،صاملصدر نفسه - 2.70،صاملصدر السابق - 3

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

108

:الشمحاسة 3/-أ

بالروائح، إال أن هذه احلاسة تنقل لنا غياب املتوسط فيحاسة الشم هو غياب اإلحساسإىل أن " أرسطو"ذلك يعود حسب إحساسات ضعيفة و غري دقيقة مقارنة باحلاستني السابقتني،و.فعلها يتقابل مع ما تكون مصحوبة به الرائحة من لذة أو أمل

ألنه حيمل الهواءأما املتوسط الذي جيعل حاسة الشم تنفعل باحملسوس فهو عند اإلنسان الرائحة اليت تنتقل إليه عن طريق التنفس، فإذا مثال أوقف اإلنسان التنفس فإنه لن يستطيع أن

.شم أي رائحة لذلك كان التنفس ضرورياي

:حاسة الذوق/4-أ

لذلك كان املتوسط فيها على عكس احلواس السابقة جسما غري نوع من أنواع اللمسطعم و الرطب هو الذي حيدث غريب،واالختالط أو االمتزاج بني الشيء الذي يوجد فيه

الذوق،فاللمس على هذا األساس ال حيتاج إىل متوسط خارجي ذلك أن الشيء الذي فيه طعم أا مادته، و لكن الرطب ملموس مايكون يف الرطوبة،"ما .1"و ك

فالذوق هو حاسة الذي له طعم و الذي يكون خاليا من الطعم كذلك ،أي ما ليس له ذوق ألن احلاسة

موجودة يف اإلنسان بالقوة،والذي جيعلها تنفعل أو خيرجها من القوة إىل الفعل هو ذلك الذي "وم ع ط م ـال"يكون فيه ذوق ما أو كما يسميه أرسطو

:مسحاسة الل /5-أ

.87املصدر السابق،ص-1

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

109

موضوعها غري حمدد،وهي غري معروفة فيما إذا كانت حاسة هي أكثر احلواس غموضا ألن واحدة أم عدة حواس،فإذا كانت حاسة السمع هي األذن، و حاسة البصر هي العني، فإن األمر

يتساءل فيما إذا كانت هذه احلاسة هي " أرسطو"غري واضح بالنسبة حلاسة اللمس، لذلك جند .اللحم؟ أم أن هذا األخري هو جمرد متوسط

أن هذه احلاسة ختتلف عن بقية احلواس األخرى اليت تنفعل مبتضاد واحد " أرسطو"بداية يقول 1"ني و ما إىل ذلكاحلار و البارد، اليابس و الرطب، و الصلب و الل "

امله أي أن حندد الصفات اليت تشرتك فيها املوضوعات اليت ندركها حباسة اللمس،كذلك ال ميكن أن

فال بد إذن أن يكون اجلسم املتحد إحتادا طبيعيا "يكون هناك عضو واحد حمدد و مسؤول عنهاإلحساس حيدث بشكل مباشر دون أن نشعر باملتوسط ،ألن2"مسبالكائن هو املتوسط لقوة الل

يكون فينا فيحدث مباشرة،فنعتقد أنه اللحم لعدم لالذي يكون على شكل غشاء، إذ أن االنفعا).أي املتوسط(رأيتنا هلذا الغشاء

ن وظائفها، هو خنلص يف األخري إىل أن غرض أرسطو من تفصيله هلذه احلواس اخلمس و تبيااحلاسة،فهو ال يتكلم عنها إال يف جمال ة رتباطها بالقو الراز ب إ على دورها يف بلوغ املعرفة،و تأكيد

تعريفه هلا،وهي اليت تنتمي إىل النفس كقوة متميزة تعلو القوة الغاذية و أدىن من القوة العاقلة،و هي اخلاصية اليت جعلتها يف احليوان العاقل و غري العاقل على حد السواء، لكن عملها و انفعاهلا

فة العقلية،أما يف احليوان غري العاقل سيكون حمدودا حبدود سيتدرج يف احليوان الناطق حنو املعر .

اإلدراك "إن هذا الكالم يقودنا مباشرة إىل مسألة مهمة تكلم عنها أرسطو ووضحها و هي عة،أي أنه يتدرج يف املعرفة من جمرد الذي يقوم بعملية فهم و حتليل اإلحساسات املتنو " الحسي

.81املصدر نفسه،ص- 1.83،صاملصدر نفسه- 2

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

110

استقبال املوضوع اخلارجي إىل مرحلة فهمه و إدراكه، و هو يتخذ من احلواس و انفعاهلا طريقا يف عمله،فبتفاعل املتوسط و املوضوع اخلارجي ينتقل اإلحساس إىل أعضاء اإلدراك احلسي،فيتولد يف

.النفس إدراك حسي ما

اإلحساس من القوة أين يكون حامال للصفة احلسية إىل فاإلدراك احلسي هو انتقالالفعل،حيث يدرك هذه الصفة وفق انفعال احلاسة مع احملسوس بفعل املتوسط، و هذا االنتقال هو الذي حيدد عملية اإلدراك احلسي، الذي تصبح فيه احلاسة يف حالة الفعل حاملة بشكل فعلي

احملسوس،و يف مقابل ما تقوم به هذه احلواس الظاهرة للصفة احلسية اليت يشتمل عليها املوضوع :يضيف أرسطو ما يسميه باحلواس الباطنة وهي

:الحواس الباطنة- ب

يف تعريف أرسطو هلذا النوع من احلواس الباطنة ينفي متاما أن يكون : الحس المشترك1-بهي :1أولهاهناك ما يسمى باحلاسة السادسة،و هو يؤكد موقفه من خالل ثالث حجج رئيسية،

أن مجيع احملسوسات مهما اختلفت و تنوعت تقابلها بالضرورة مخس حواس،و ليس هناك طاق حاسة البصر و السمع و اللمس و الشم و حمسوسات تدرك خارج نطاقها أي خارج ن

-الذوق، فاألشياء اليت ندركها باللمس تدرك من طرفه حىت و إن كان ذلك بشكل غري مباشر - أي مبالمستها

و إذا تعددت متوسطات خالل عضو حسي واحد، كإدراك البصر للون و احلجم و الشكل،

تلك املتوسطات، و بالتايل يكون بإمكان احليوان القدرة على اإلحساس جبميع املوضوعات .احملسوسة باحلواس اخلمس دون غريها

كانت كل حاسة، إمنا حتس مبتوسط إما قريب، و إما :"... ابن رشد هذا الربهان األول يف نفي أن تكون هناك حاسة سادسة بقولهيشرح -1يص كتاب أنظر ابن رشد تلخ" غريب، و كانت جهات املتوسطات مخسا و كل جهة حتس حباسة، فواجب أن تكون احلواس مخسا

. 102،صالنفس

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

111

من احلاسة "أرسطو"يستنبطهاالثانيةأما احلجة،أي آلة البصر وآلة السمع واللمس والشم والذوق، فهذه ترتكب 1"من اآللةامأخوذ"رشد ويعتربه

ذلك أن احلدقة مكونة من املاء، و " من عناصر بسيطة، و هي املاء و اهلواء،" أرسطو"حسب احلرارة أو النار ال ميكن أن ننسبها إىل عضو ،أما 2"السمع من اهلواء،و الشم من هذا أو ذلك

ال ميكن أن ننسب أي حاسة من احلواس لغري العناصر البسيطة املذكورة و هي املاء و ساألسا،وهو ما يؤكد أنه ال توجد حاسة سادسة اهلواء عند احليوان الكامل غري الناقص من حيث أعضائه

ذلك أنه :"أو جسم بسيط آخر ميكن أن ننسبه إليها، و يوضح أرسطو ذلك بقوله يف هذا املثاليظهر أن احليوان املسمى باخللد له أعني حتت اجللد، و هكذا فإنه إذا مل يوجد جسم بسيط

.3"نا، فلن تنقصنا أي حاسةأو صفة تتعلق باألجسام املوجودة يف عامل] غري معروف[آخر

من تقابل احملسوسات "أرسطو"يف نفي وجود حاسة سادسة ينطلق فيهالثالثأما الربهان احلركة، ( باحلواس اخلمس،وأنه ال توجد حاسة سادسة ميكن أن تدرك احملسوسات املشرتكة

احلركة ندرك املقدار أننا بفعل " ،ألن هذه األخرية كلها تدرك بفعل احلركة إذ...)السكون، املقدارن هناك لكن هذا ال يعين أن نقول أ،4"ندرك الساكن بغياب احلركة،و و بالتايل الشكل مقدار ما

أو بادراك سابق هو خرية تدرك مبتوسط فتكون بالعرض،ن هذه األحاسة سادسة و هي احلركة،ألرك حباسة واحدة،كأن ندرك احللو كر يف حقيقته أد حباستني ،لكن االنطباع الذي تركه جعله يد

حيدث هذا اإلدراك إذ :".5"مها كذلكمعا،و لذلك إذا وجدا معا أدركنا يوجد عندنا اإلحساس مبحسوسني يف وقت

.102النفس،مرجع مذكور سابقا صابن رشد، تلخيص كتاب - 1.94-93أرسطو طاليس، كتاب النفس ،مذكور سابقا ،ص- 2.94املصدر السابق، ص- 3.94املصدرنفسه،ص- 4.95املصدر نفسه، ص- 5

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

112

من خالل إدراك سابق يف أن العسل مثال و ذلكون،أن الشيء حلو بتوسط الل ك در فالبصر أ ه أبلغ " ابن رشد"جيمع بني احلالوة و االصفرار،أو كما يقول ح ر مثال يعرض للبصر :"و قد كان ش

أن يقضي على األصفر أنه حلو من قبل أن عرض له أن أدرك يف العسل األمرين مجيعا، أعين .1"وة حباسة البصر و حاسة الذوقالصفرة و احلال

على أن هذا النوع من اإلدراك قد يكون فيه خطأ أو يكون عمل احلاسة معرضا للخطأ، و من املشرتكة، و يكون من خالل للمحسوسات باإلحساس المشترك"أرسطو"مثة يوجد ما يسميه

املرارة مر و أصفر، ألنه ليس احلال عندما ندرك أن :"اشرتاك حواس خمتلفة يف إدراك حمسوس ما وأما شيء واحد تني لصف تني ا تقول عن ها أن أخرى اسة أي ح أن .2"من ش

ن توجد حاسة سادسة و إمنا يوجد حس مشرتك متاما أ" أرسطو"ينفي على هذا األساسبني جمموعة من التنسيقاخلاصة يف عملها،ووظيفته هي إضافة إىل ما تقوم به احلواس اخلمسة

اليت تكون ممتزجة مع غريها و تظهر على شكل حمسوس واحد،وهذا ما ات املشرتكةاإلحساس. تعجز عنه كل حاسة لوحدها

هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فإن احلس املشرتك يقوم بوظيفة مهمة و أساسية و هي أنه بأنه يبصر نبصر و نسمع، فالضرورة أن احلاس يدرك:"،فهو يقوليدرك بأنه يدركجيعل اإلنسان

وهذا يعين أن اإلنسان املدرك يكون على وعي بأنه يقوم بفعل ،3"إما بالبصر و إما حباسة أخرى،كما ميكن لإلنسان أن أن مييز بني أنواع خمتلفة من اإلدراكات احلسيةدراك و من مثة يستطيع اإل

.وهذه هي وظيفته الثالثة،يدرك بحاسة واحدة محسوسات متعددة

موضوعات احملسوسات بني ما يدرك منها التقسيم الذي يضعه أرسطو حول ذان هخنلص إىل أو نفيه ألن تكون هناك حاسة سادسة غري احلواس اخلمسة بالعرض،بالذات و ما يدرك منها

.107ابن رشد، تلخيص كتاب النفس، مرجع مذكور سابقا،ص- 1.95أرسطو طاليس، كتاب النفس ، ص2.96املصدر السابق،ص- 3

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

113

إىل باحلس املشرتك، و تبيان وظائفه،كل هذا يعرب عن إمكانية احليوان اخلاصة املعروفة، إضافة امللكة ال ميكنها أن تتجاوز مستوى احلس إىل التعقل ،ألن هذا على اإلحساس،إال أن هذه

؟"أرسطو"األخري هو من اختصاص القوة العاقلة ، فكيف يتصورها

.)النفس الناطقة: (القوة الناطقة - 3

يف كالمه عن القوة العاقلة من عرض مواقف الفالسفة السابقني عليه، و الذين " أرسطو"يبدأ عقل ليزيد ال:فهذا أبنا دوقليس يقول":و العقل شيء واحد أو كما يقولكانوا يعتقدون أن احلس

من هنا حيصل عند اإلنسان دائما أفكار و (و يقول يف كتاب آخر، يف اإلنسان مبا يقدم للحواس،هؤالء جسمانيا و بذلك يكون التفكري حسب ،1"،وتدل أقوال هومريوس على نفس الشيء)تتغري

.متاما مثل اإلحساس

تباعتبار أن اإلحساس تشرتك فيه مجيع احليوانا،"أرسطو"األمر ليس كذلك حسبإال أن ق و عكس العقل الذي هو خاص فقط جبزء منها، د أن قوة العقل اليت تدرك الكليات ميكن أن تص

و ميكن أن تقع يف اخلطأ،يف حني أن احلواس تدرك اجلزئيات،و تكون صادقة دائما،ومن خالل إن النفس العاقلة جتمع بني .أكثرتعرفنا على امللكات

كل الوظائف السابقة،الغاذية و احلسية و أمهها العاقلة اليت متثل اخلاصية اجلوهرية لإلنسان،من خالهلا يدرك املوجودات عرب جمموعة من امللكات،تتدرج من اإلدراك احلسي إىل احلس املشرتك مث

.و الذاكرة وصوال إىل أعلى ملكة هي التفكريالتخيل

اليت تشمل القوة المدركةإن خاصية النفس وفق هذه املعطيات السابقة جتمع بني قوتني،هناك صفتان أساسيتان متيزان ما تعرف :" أو كما يقولالقوة المحركة امللكات املذكورة سابقا،و

2"تفكري و احلكم و اإلحساساألوىل احلركة املوضعية و الثانية ال"به النفس

.102املصدر السابق،ص- 1.102املصدر نفسه، ص- 2

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

114

وفق هذا التقسيم األرسطي سنبدأ يف كالمنا هنا عن القوة املدركة و ما تتميز به من ملكات .تتصاعد من األدىن إىل األعلى

: القوة المدركة-أ

لقد سبق و تكلمنا عن موضوع اإلحساس بالتفصيل و ذلك يف سياق كالمنا عن القوة مهم يف بلوغ املعرفة اليت تبدأ منه،بل إن العقل يف ممارسة عمله أي احلاسة، وقد كان له دور

إدراكه للموضوعات وتعلقها يعتمد عليه،من خالل اشرتاك احملسوسات وانسجامهما وهذا عند .اليت هلا عقلتاحليوانا

وضحها اليت التخيلوالقوة املدركة تتميز مبلكات تعلو أن تكون جمرد إحساس،منها ملكة :لى النحو التايل أرسطو ع

حتتل مكانا وسطا بني اإلحساس و العقل،و تقوم بوظيفة نقل :ملكة التخيل/1-أاإلحساسات إىل العقل ليس كانفعال،بل من خالل عملية التخيل،فهي تساعده على تعقل املوضوعات،و هي ملكة ال تنفعل لوحدها إذا مل يكن هناك إحساس يسبقها،كما أن الفهم

.-كما يسميه أرسطو- "االعتقاد"أو

إن التخيل حيدث باختيارنا وحسب قدراتنا على اسرتجاع الصور السابقة،أو بناء تصورات جديدة،هذا إضافة إىل أنه ليس إحساس ألنه خارج عن حدود الزمان احلاضر و حىت عن

اعتربنامها يكون غائبا أحيانا،ولو التخيل قد وإذا كان اإلحساس يالزم اإلنسان دائما،فإن املكان،تتخيل،و هذا مستحيل ألن هذه امللكة خاصة فقط جبزء من تشيء واحد لكانت مجيع احليوانا

لكن و فيجب أن يكون التخيل موجودا يف مجيع احليوانات،:" احليوانات اليت هلا عقل،أو كما يقول

يشار إليه يف اللسان اليوناين بفنطاسيا: اخليالPhantasiaفاوس( ،و يقول أرسطو انه أشتق من النور أي-Phaois( إذ أنه ال ميكن أن يرى ،.بدون أن يكون هناك نور

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

115

كما أن التخيل ميكن أن حيدث ،1"يبدو أن األمر ليس كذلك كاحلال يف النمل و النحل و الدودفاإلحساس إما قوة وإما فعل،مثال ذلك البصر " يف غياب احلواس أو باألحرى من دون انفعاهلا

أي يف غياب اإلحساس بالقوة واإلحساس ،2"واإلبصار،على العكس قد توجد الصورة يف غيبتها.بالفعل

أن هذا األخري يكون متبوعا باعتبار،الظنالتخيل عن اختالفإىل " أرسطو"يشري كذلك قائم ن و ملا كان كل ظ،3"ن يكون مصحوبا باعتقاد قويإن الظ:"بتصديق ما،أو كما يقول أرسطو

ن غري املمكن أن يكون التخيل كان كل اقتناع قائم على عقل،فمعلى تصديق أي إقناع قوي،و ن ليس هو الظلواضح عندئذ أن التخيلفمن ا:" نا،و هو ما خيلص إليه أرسطو إذ يقولظ

.4"املصحوب باإلحساس، وال الظن احلاصل عن اإلحساس و ال املركب من الظن و اإلحساس

،بعبارة أخرى اخليال هو ما 5"احلركة املتولدة عن اإلحساس بالفعل:"خنلص إىل أن التخيل هو يرتكه لنا احلس من أثر،أو هو تلك احلركة اليت تنشأ من حمرك أثارها،و هو اإلحساسات القائمة يف

:فيما يلي"أرسطو"الذهن،ما جيعله يف مرتبة أعلى من اإلحساس وأدىن من العقل الذي يلخصه

: ملكة العقل/2-أ

مه عن النفس الناطقة اليت هي أرقى قوى النفس أو يتكلم أرسطو عن هذه امللكة يف سياق كالوقد كان هذا اجلزء أساسيا يف جعل ،6"جزء النفس الذي به تعرف و تفهم"كما يعرب عنها

.105صترمجة فؤاد األهواين ،أرسطو طاليس ،كتاب النفس،- 1احلس ملا كان ضربني إما حس بالقوة مثل البصر يف الظلمة إذا مل يفعل :"يشرح ابن رشد هذا القول،بقوله كما .104املصدر السابق،ص -2

.116، أنظر ابن رشد، شرح كتاب النفس، مذكور سابقا ،ص"فعله، و إما حس بالفعل مثل البصر يف الضوء.105صهواين ترمجة فؤاد األأرسطو طاليس، كتاب النفس،- 3.105املصدر السابق،ص- 4.107املصدر نفسه، ص- 5.108املصدر نفسه ص - 6

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

116

عليه كثريا و "أرسطو"اإلنسان قادرا على املعرفة واإلدراك أو باألحرى تعقل األشياء،لذلك يركز .عملية التعقليؤكد على ضرورة معرفته و معرفة كيف حتدث

،وهذا العقل يكون موجودا 1"ما به تفكر النفس و تتصور المعاني"فهو بداية و بكل وضوح بالقوة كاستعداد يف الكائن احلي العاقل ويكون موجودا بالفعل عندما يتعقل األشياء ويتصور

تثريه املعاين،وهو ما جيعله خمتلفا عن اإلحساس الذي ال حيدث إال يف حالة وجود حاسة ما عل ا، لذلك كان اإلحساس دائما مرتبطا باجلسم ،أما العقل فال ميكن حسب نف أن " أرسطو"في

.2"ليس له أي عضو"حندد له مكان ما يف اجلسم فهو

هذا إضافة إىل أن عمل العقل و عمل احلواس خمتلف ألن هذه األخرية إذا تعرضت حملسوس مثال ألصوات قوية وشديدة فإن احلاسة لن تتمكن من تأدية وظيفتها،فليس بإمكان احلاسة إدراك ما وراء احملسوس،على عكس العقل الذي كلما تعقل موضوعا قويا كلما كانت قدرته ممكنة لتعقل املوضوعات األقل شدة،أو كما يقول

ا فإنه على":"أرسطو" ل معقوال شديد ق العكس يكون أكثر قدرة على تـعقل العقل عندما يـع.3"املعقوالت الضعيفة

) بالقوة(أما قوله أن العقل قد يكون بالقوة و قد يكون بالفعل،فذلك ألنه يف احلالة األوىلدا،أي متماثال مع امل ا بدون م يها اء و معان األشي لكل صور مال ن عقوالت يف خلوها ميكون حا

عندما يعقل املعقوالت أي عندما ينفعل )بالفعل(كل هيوىل،و يكون العقل يف احلالة الثانية أي

العقل هو بالقوة و بوجه ما املعقوالت نفسها، إال أنه بالفعل ليس أي واحد منها قبل :""أرسطو"

.108،ص ترمجة فؤاد األهواينأرسطو طاليس، كتاب النفس،-1.109نفسه ،صاملصدر-2.109، صاملصدر نفسه- 3

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

117

على هذا األساس تكون النفس احلاملة للجزء العاقل قابلة ألن منيز فيها بني العقل ،1"يعقلأن،وما يؤكد إمكانية هذا التقسيم هو أن كل األشياء املوجودة الفاعلوالعقل )اهليوالين(المنفعلمن ختضع ملبدأين مها املادة وعلتها،فكذلك العقل خيضع لعلة خترج املعقوالت" أرسطو"حسب

.حال القوة إىل حال الفعل

هو استعداد لقبول املعقوالت دون أن يؤثر ذلك يف العاقل و : العقل المنفعل- 2/1أذلك باللوح الذي يكون فيه قـبول للكتابة،و مبعىن أصح إمكانية الكتابة "أرسطو"املعقول،إذ يشبه

ل هيواليت و قوة للنفس فهو عق،2"كاحلال يف اللوح الذي مل يكتب فيه شيء بالفعل"فقط شبيه باهليويل ألنه يصبح "،جتعلها على استعداد لقبول ماهية األشياء كصور خالية من أي مادة

.3"مجيع املعقوالت

:العقل الفعال-2/2-أ

هو املفارق الالمنفعل غري املمتزج من حيث أنه باجلوهر فعل، ألن الفاعل دائما أمسى من "عل و املبدأ ف نـ وهو يف مرتبة أعلى من العقل املنفعل،بل إنه العقل الذي ،4" أمسى من اهليويلالـم

عل ا، نف امل يس يها و ل اعل ف لف ،ألنه هو ا الت املعقو بول ية ق مكان إ عطيه متاما الذي جيعل ءكالضو يتصري بالفعل بعدما كانت بالقوة،على أن العقل املنفعل هو الذي يستحيل إىل معقوالت األلوان

.111نفسه، صاملصدر- 1.111صترمجة فؤاد األهواينأرسطو طاليس، كتاب النفس،- 2.112املصدر نفسه، ص- 3.112، ص املصدر نفسه- 4

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

118

العقل الذي يشبه العلة الفاعلة ألنه حيدثها مجيعا،كأنه حال ":"أرسطو"ويف هذا يقول هيوالنية1"ألنه بوجه ما،الضوء أيضا حييل األلوان بالقوة إىل ألوان بالفعل:شبيه بالضوء

كما أن هذا العقل غري مرتبط بزمان،فال جيوز أن نقول أنه كان أو سيكون أو أن تعقله وال يكون يف زمن الحق،ذلك ألن عالقته ليست بالبدن،وإذا اعتقدنا أنه لألشياء كان يف زمن ما،

.مرتبط به،فإنه سيكون عقال فانيا،وهذا غري ممكن ألنه أزيل خالد ال يتأثر بفساد البدن

القوة المحركة-ب

تتميز النفس العاقلة كما سبق وأشرنا بقوتني أساسيتني تتضمن مجيع ملكات النفس مبدأ الحركة ووظائفها،ومها القوة املدركة و القوة احملركة،هذه األخرية اليت من خالهلا بني أرسطو

:،وملخص رأيه فيما يليفي الكائن الحي

:مبدأ الحركة المكانية/1-ب

بكثري من الدقة والتفصيل و يبدأ كما "يف النفس"م أرسطو يف كتابه عن مسألة احلركة سيتكلأشرنا سابقا من عرض أفكار السابقني عليه و نقدها و االستنتاج على ضوءها،وهو يف ذلك

.112املصدر نفسه، ص- 1

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

119

،أي ما هو مبدأ و علة احلركة يف "1ما الذي يحرك الحيوان الحركة المكانية"يتساءل عنالكائنات احلية؟

جييب أرسطو من خالل وضع جمموعة من االفرتاضات ونفيها للوصول إىل النتيجة اليت حتدث نتيجة رغبة أو -أي احلركة-،ألا القوة الغاذيةيريدها،فهو أوال ينفي أن تكون علة احلركة

نفور من أمر ما،وكل من يتحرك دون وجود هذين الدافعيني فإن حركته تكون ون حمركا من طرف شيء آخر،ولو كانت النفس الغاذية هي املسؤولة عن ،أي يك)بالضرورة(بالقسر

احلركة لكان للنبات رغبة وميال أو نفورا،و هذا أمر غري ممكن،إضافة أن النبات ال ميلك أعضاء م يف عملية احلركة أي كما يقول أرسطو ه اا القيام باحلركة"آلة"تس مك إ من .يكون

ويربهن على ،هي املسؤولة عن احلركة يف املكانالحاسةالقوة كذلك أن تكون" أرسطو"ينفيألن كثريا من احليوانات يوجد فيها اإلحساس و مع ذلك تبقى ساكنة غري "موقفه من خالل قولهاا ال حي تحركة طو وهي نوع احليوانات الذي يكون خاضعا لنظام الطبيعة وقادرا على النمو و ،2"م

.و هو يف حالة سكون من مرحلة التكوين إىل الفسادالوالدة و عاجزا عن احلركة

هي املسئوولة عن هذا النوع من القوة العاقلةهذا و ينفي أرسطو من جانب آخر أن تكون احلركة ،ألن العقل عندما يشري لنا باهلرب و النفور من شيء ما أو قبوله و طلبه،فإن اإلنسان ال يتحرك يف هذه اللحظة أو باألحرى ال يتحرك مع حركة العقل الذي يرغب األشياء أو ينفر منها،

سبق الكالم عن مفهوم احلركة وأنواعها مبا يف ذلك احلركة املكانية ،أنظر املبحث السابق..120، ص، كتاب النفس، ترمجة فؤاد األهواينأرسطو طاليس- 1.122، صاملصدر السابق- 2

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

120

ي ال يستطيع ضبط نفسه أمام الشهوات بل يتحرك اجتاه الشيء اللذيذ، مثال ذالك اإلنسان الذو الرغبات،و الطبيب مثال مع امتالكه للعلم فإنه قد ال يستعمله ما يؤكد أن ما حيرك اإلنسان هو

.شيء آخر غري القوة العاقلة

، فإن فر نـزع أو يـنـ ذلك ال يعين مث إذا كان اإلنسان يتحرك وفق ما يتبدى له من لذة أو أمل فـيـدليل ذلك اللذين ال ينقادون وراء و هي املسئوولة عن احلركة املكانية،"النـزوع"ة أو الشهوة أن الرغب

فما . ؟هي علة الحركة إذا في الكائنات الحية

النـزوع و : قوتين محركتين"فيما يبدوخيوهذا بشرط اعتبار التخيل ضربا من التعقل،ألنه يف كثري من األحيان يعتمد اإلنسان عليه ،1"العقل

مهمال العقل ،كما أن احليوانات غري اإلنسان ال تفكر بل تتخيل فقط، و يف هذا يقول أرسطو أعني العقل الذي يستدل لبلوغ : املكانالعقل و النزوع حمركتان حبسب : القوتاننهاتا:"

الذي يختلف عن العقل النظري بالغاية و كل نزوع العقل العمليىغرض، و بعبارة األخر هو من أجل غاية، ألن موضوع النزوع هو مبدأ العقل العملي، و نهاية التفكير هي بداية

2"العمل

ذلك ،الرغبة تابعة للفكرأي الشوقنفهم من هذا كله أن املسؤول عن احلركة يف املكان هو أن غاية الرغبة هي التحقق، و املوضوع املرغوب هو أساس العقل العملي، هلذا كان النزوع و

.العقل العملي حمركان

بعد التأكيد على هذين املبدأين كما بينا، أن املطلوب أو املوضوع املنزوع إليه " أرسطو"مث يقولاحملرك ومن ناحية ثانية العقل ال يتحرك ما مل نه من ناحية هوو املرغوب فيه هو الذي حيرك،أل

.124،نفسهاملصدر - 1.124، صترمجة فؤاد األهواينأرسطو طاليس، كتاب النفس،- 2

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

121

فإنه و على هذا األساس ال ميكن أن ،-أي املطلوب أو املرغوب فيه-يكن دافعه هو الذي حيركهنعترب العقل و النزوع مبدأين للحركة،بل تقوم هذه األخرية على املبدأ الثاين فقط أي على النزوع

.وحده

هذا االستنتاج األخري من خالل قوله أنه لو كان ما حيرك احليوان مبدأين إثنني و يربهن أرسطو

العقل ال ميكن أن تكون له حركة دون شهوة أو نزوع إىل أمر ما،على أن النزوع يكون عن تفكري ى خالف الشهوة اليت تتحرك عن ختيل فقط،و هو ما جيعل األفعال الناجتة عن العقل و اختيار عل

الشرتاك النزوع يف أن و مستقيمة يف حني أن ما ينتج عن الشهوة يرتاوح بني االستقامة و االحنراف،حركته تكون حنو ما هو خري أو حنو ما نعتقد أنه خري، و اخلري هنا هو اخلري العملي الذي قد ال

فمن الواضح أن ما يحرك هي قوة النفس التي تسمى " مل هذا املعىن يف مجيع األحوالحي1"بالنزوع

قد يبدو فيه نوع من التناقض،ألنه من جهةإن هذا االستنتاج األخري الذي وصل إليه أرسطو

بدأها يقول أن القوة احملركة هي العقل العملي و النزوع معا، ومن جهة ثانية يقول أن احلركة مفيما يبدو هو تبيان مسامهة العقل العملي يف احلركة، ألن حركته " أرسطو"النزوع فقط،لكن غرض

هي نوع من أنواع النزوع،هذا ) أي التفكير و التمهل في القيام بالفعل(تكون عن روية و الروية تعارض األخري قد تتعارض فيه الرغبات فيما بينها ،كما حيدث بني العقل و الشهوة عندما ت

.125املصدر السابق، ص- 1

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

122

رغبات اإلنسان بني ما يريده و بني ما يأمره به عقله، فتكون اللذة مرتبطة باحلاضر فقط، و يكون العقل مستندا يف حركته على املستقبل،و هو ما يؤكد أن حركته األوىل تكون نابعة من املوضوع

يتحرك و لذلك املنزوع إليه مبا هو كذلك،وهو يف هذه احلالة يسبق كل ما حيرك اإلنسان،دون أن .كان مبدأ احلركة

منه خيلص أرسطو إىل النتيجة األخرية اليت يؤكد من خالهلا مبدأ احلركة املكانية يف الكائن و و يترتب على ذلك أن ها هنا المحرك الذي ال يتحرك و هو الخير العملي، و :"احلي فيقول

يـنزع، و النزوع نوع من الن المتحرك يتحرك من حيث أنه (المحرك المتحرك هو المطلوب،و المتحرك هو الحيوان، أما عن اآللة التي يحرك بها النزوع فهي ) الحركة، أو باألولى فعل

.وانات اليت تكون هلا نزوع و ختيلاحليد،فمنبع احلركة هو النزوع و هذا طبعا عن1"شيء جسماني

رى مبا أنه لديها األمل و اللذة ي" أرسطو"أما احليوانات اليت ال متلك سوى حاسة اللمس فإن فإنه بالضرورة يكون عندها نزوع، و هذا األخري بدوره يستدعي وجود التخيل لكنه ختيل خمتلف

يستند إىل أي تفكري أو قدرة على يف حني أن التخيل عند احليوانات الناقصة هو حسي فقط ال وبقي هنا أن نتكلم عن العقل العملي وإن كنا قد .االختيار، بل هو نابع فقط من قوة النزوع

.اشرنا إليه يف كالمنا األخري عن احلركة

:العقل العملي/2-ب

هو مبدأ حتريك اإلنسان حنو العمل ،فكما تستقبل احلواس احملسوسات و حيدث اجتاههما لذة و أمل فتطلبها النفس أو تنفر منها،كذلك النفس يف جزئها العاقل عندما تنتقل املوضوعات من أ

خالل استقبال العقل للصور و تعقله هلا و معرفة حسنها من قبيحها تنـزع إليها أو تبتعد عنها، و مد كما هذا العقل العملي تكون وظيفته متعلقة بالتحديد بالصور املوجودة يف اخلياالت اليت تعت

.125املصدر نفسه، ص-1

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

123

فيحكم على حلس املشرتك حول موضوع معقول ما،سبق و أشرنا على ما تقدمه احلواس أو اهنا ميكن للعقل العملي أن يعرف ما هو لذيذ و ، و )الصور حاضرة(ية بناءا عليها احلوادث املستقبل

.ما هو مؤمل فيطلبه أو ينفر منه

حنو عمل ما أي االختيار و احلكم خالصة القول أن هذا العقل ميلك إمكانية توجيه اإلنسانو هذا يكون يف األمور اليت حتتاج إىل متييز احلسن من القبيح ،ألن هذا التميز خاص بكل شخص

.فما يبدو يل حسنا قد يكون سيئا بالنسبة للغري

أما األمور املرتبطة باخلري و الشر فإن احلكم عليها أو اختيارها هو أمر مشرتك بني اجلميع .باعتبارمها قيمتان مطلقتان عند اجلميع

ومن خالهلا قدم لنا نظرية "يف النفس"أرسطو يف "لقد كانت هذه أهم املسائل اليت أثارهامتكاملة حول النفس مشلت كل جوانبها،بداية من حدها،وعالقتها باجلسم،أقسامها ووظائفا

راء السابقني عليه،كما فصل يف تساءل كذلك عن مبدأ احلركة يف الكائن احلي منتقدا آو وقواها،.احلواس وطريقة عملها،والعقل أقسامه وأفعاله

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

124

إن أرسطو يف هذا الكتاب مل يسر على منوال السابقني عليه،من حيث قوله بالوحدة بني اليت ظلت االعتقادات والفلسفات )جسد-نفس(النفس والبدن فهو بذلك جتاوز القول بالثنائية

عن ذلك نفي اخللود والقول بفسادمها معا،وإن كانت هذه الفكرة األخرية تثري تؤسس هلا،ونتج ،إذ ن ذلك تتوجيا لفلسفته يف النفستناقضا عندما نعود إىل فكرة اعتباره أن العقل الفعال خالد،وكا.اعتربه مبثابة النور الذي يشع على املادة املظلمة فيجعلها مرئية

النفس في"عند أرسطو من خالل كتابھ" النفس"مفھوم :المبحث الثانيالفصل الثاني

125

انتقال الفلسفة األرسطية إىل العامل اإلسالمي هو يف احلقيقة أمر غري سهل كما إن الكالم عن يعتقد البعض،ألن أرسطو مل يصل إىل املسلمني منعزال عن الرتاث اليوناين ،بل تعرفوا على هذا األخري جمتمعا ومتنوعا ،ويف بعض األحيان غري منقح ومنسوب إىل غري أصحابه،وهو ما أثر على

عابه وفهمه ،وقد كان أرسطو من بني الفالسفة اليونان الذين نسبت إليهم كتب مل طبيعة استييكتبوها ،األمر الذي دفع الكثري من الباحثني والدارسني لتاريخ الرتمجة إىل االحرتاس يف التأريخ

.هلذا الرتاث ومسالكه

يف نشأة كما ال خيفى على أحد أثر الفلسفة األرسطية على املسلمني ،ومدى مسامهتها الفلسفة اإلسالمية وصياغة نظريات متعددة على منواهلا ،ويكفي هنا أن نشري إىل املشائية ،أو

ام بناء عليها،وقد لقب نظري ا امو أرسطو وأق لسفة بف ا ثرو ين تأ لذ مني ا ل ملس ا ئني ملشا ا فالسفة ل ابن "اة فإنه ال يعين مطلقا أن برئيس املشائني،وإن كان هذا الكالم يشيد بأمهية الفلسفة األرسطي" سينا

الفالسفة املسلمني كانوا جمرد ناقلني ومكررين،بل إن الفلسفة اإلسالمية ستكون هلا خصوصيتها .،وهذا حبث آخر حيتاج إىل دراسة عميقة لتأكيد هذه اخلصوصية

من عليها ويف ف املسلمني اليونانية إىل العربية ،مركزين كل اهتمامنا على كتب أرسطو ومرتمجيها،وتـعر

.

غنتقال التراث األرسطي إلى العالم االسالمي :الفصل الثاني المبحث الثالث

126

:مسالك الفلسفة األرسطية إلى العرب:أوال

لقد كانت هناك مراكز كثرية انتقل من خالهلا الرتاث اليوناين وباألخص األرسطي إىل العرب ، ،و سامهت يف ترمجة كتب أرسطو من اليونانية إىل السريانية مث نشطت قبل مرحلة الرتمجة الفعلية

إىل الفارسية،ويف أحيان أخرى من اليونانية إىل الفارسية ،وأشهر هذه املراكز مدرسة اإلسكندرية و نصبني والرها وجندسابور وأنطاكية ،ومن خالهلا سنحاول أن نعني انتقال فلسفة أرسطو وترمجتها

،وال ميكن هنا أن نبدأ مباشرة لفارسية ،مث بعد ذلك إىل العربيةالسريانية وامن اللغة األصل إىلألن املسلمني تعرفوا على أرسطو - أي من اليونانية إىل العربية- ة باملرحلة األخرية من الرتمج

بالسريانية والفارسية قبل أن يرتمجوا كتبه إىل العربية،كما أن بعض الرتمجات متت من الفارسية إىل ااال يع است أرسطو و لسفة فهم ف يعة لى طب ا ع ثر كل هذ قد أ بني الحقا،و ،كما سن ية .عرب

:مدرسة اإلسكندرية–1

،باعتبارها ألرسطية وخروجها من بالد اليونانكان هلذه املدرسة دور مهم يف انتقال الفلسفة اسبيل جعلها بؤرة فعل الكثري يف "من أهم املراكز الثقافية والعلمية،إذ يؤرخ أن حاكمها بطليموس

نشأ ا املتحف الذي أصبح بعد قليل جامعة مي وأ ل لع تفوق ا ية وال يق اإلغر ثقافة تنافس هلينيةالعلى العلوم وغري مقتصرة على مذهب أو اجتاهمنفتحة ،لقد كانت 1"املدارس األثينية القدمية

فهي ،وقيون الل أو األفالطونيةا عن األكادميية معروفكانما عكس ،معنيفلسفي إذواألرسطي خاصةواألفالطوينانت حتيي الرتاث اليوناين عامة ،مدرسة ك

هـ215(نشطت يف زمن الدولة العباسية وهو عصرها الذهيب الذي بلغت فيه أوجها،عندما أنشأ اخلليفة املأمون بيت احلكمة عام(اإلغريقية إىل العرب ، ترمجة متام حسان ، ملتزم الطبع والنشر املكتبة األجنلو مصرية ،القاهرة، بدون طيعة وتاريخ، أولريي ،مسالك الثقافة -1

.27ص تعلم فيها أفلوطني أكرب "إىل جانب املدرسة املشائية األرسطية يف اإلسكندرية كانت هناك مدرسة أخرى تسري على منوال الفلسفة األفالطونية

=فالطونية احملدثة وقد تنقل تالميذه من هذه املدرسة إىل أنطاكية ،فحران فبغداد،وكانت لغة هذه املدرسة يونانية يف اإلسكندريةممثل األ

غنتقال التراث األرسطي إلى العالم االسالمي :الفصل الثاني المبحث الثالث

127

"سطراطون"و" دميرتيوس"كان زعماء هذين التيارين األخريين من أهم أساتذة املدرسة ،من بينهم

اللذين كانا من عناصر اللوقيون وسامها يف نشاط مدرسة اإلسكندرية ،وهناك عامل آخر كان له دور كبري يف انتقال الفلسفة األرسطية وخروجها من بالد اليونان ،متثل يف جلوء أساتذة املدرسة

رض له بعد املشائية اليت كانت يف أثينا إثر االضطهاد الذي عرفه املقدونيون من طرف احلزب املعاحيث أنشئوا مدرسة أمنت استمرار التقليد املشائي ،وظلت قائمة حىت "إلسكندر األكرب،اموت

،وبقيت هذه املدرسة مزدهرة حسب التأرخيات إىل أوائل القرن السابع امليالدي 1"فتح العرب ملصراعتمد ،شرح كتاب السماع الطبيعي والكون والفساد ألرسطو،"حيي النحوي"ومن آخر ممثليها

اي"عن املسيحية ،حيث يقول املنطق األرسطي يف الدفاع يف حبثه من اإلسكندرية " رهوفماكس محيي "ألف - أي النصف األول من القرن السادس قبل امليالد–يف حوايل هذا العصر "إىل بغداد

حي شروحه األرسططالية من جهة،ومن جهة أخرى كان له تأثري عظيم يف العامل املسي" النحويالذي يتكلم اليونانية والسريانية بفضل استخدامه ملنطق أرسطو يف الدفاع عن الدين املسيحي

.2"وتأييده

: مدرسة جند سابور–2

لقد كان هلذه املدرسة دور كبري هي األخرى يف إحياء الرتاث اليوناين خاصة الفلسفة ،الذين مسح هلم الرومان يف الفرسوالطب،والعامل األساسي يف ذلك هو استقرار بعض األسرى

ول أنظر يوحنا قمري،أص" .وأنطاكية، وسريانية يف حران ،وعربية يف بغداد،وعلى ممثلي هذه املدرسة يف بغداد تعلم من تعلم أمثال الفارايب وسواه =.129،ص1991الفلسفة العربية،دار املشرق بريوت الطبعة السادسة

"وقد عمال على نشر الفلسفة األرسطية ،حيث يؤرخ أن .هذا األخري كان تلميذا ألرسطو " ثاوفراسطس"مها تلميذين لـ"دميرتيوس"و " إسطراطون.درية بطلب من احلاكم بطليموساألول ترأس اللوقيون خلفا ألستاذه ،أما الثاين أنشأ املكتبة باإلسكن

.46، ص1976أبو نصر،كتاب اجلمع بني رأي احلكيمني ،دار املشرق املطبعة الكاثوليكية ، بريوت ،الطبعة الثالثة الفارايب- 1هوف ،من اإلسكندرية إىل بغداد -2 وناين يف احلضارة حبث يف تاريخ التعليم الفلسفي والطيب عند العرب ،ضمن كتاب الرتاث الي–ماكس مايـر

.52،ص1940،دون طبعةمصر اإلسالمية دراسات لكبار املستشرقني ،ألف بينها وترمجها عبد الرمحان بدوي ،مكتبة النهضة املصرية ازم الرومان على ابنه جاليانوس لغزو فارس ،" فالرييان"يعود تاريخ هذه احلادثة إىل القرن الثالث قبل امليالد ،عندما أرسل اإلمرباطور الروماين ف

بيت (==أولريي أنظر.يف حكم الساسانيني ) م272-241(أو بيت اهلزمية ،وجندسابور عاصمة ملدينة جوزستان ،اليت بناها شابور األول )البات

. ، بتصرف49كتاب اجلمع بني رأي احلكيمني،ص:،أنظر كذلك الفارايب 20،مسالك الثقافة اإلغريقية إىل العرب ،مذكور سابقا،ص

غنتقال التراث األرسطي إلى العالم االسالمي :الفصل الثاني المبحث الثالث

128

املة كرمية ألم "بالعبادة وممارسة طقوسهم وبناء الكنائس فقد" سابور" اء مع لسجن مل هؤالء ا عوكانوا على ثقافة ومقدرة فنية ،وألن سابور كان يعرتف بتفوق الرومان يف هذه النواحي ويأمل أن

،فإثر ذلك 1"طباء واملساحني وغري ذلكئني واأليستخدم السجناء يف أعمال املهندسني والبنانشطت العلوم وأصبحت املدينة مركزا مهما ،وما زادها حيوية هو انضمام أساتذة مدرسة أثينا

غلق املدارس يف " جستنيان"الذين كانوا يف ضيافة امللك كسرى ،بعدما أمر اإلمرباطور الروماين اليوناين وترمجته من اليونانية إىل السريانية ،وهناك عملوا عل نقل الرتاث)م529(أثينا يف حوايل

كتب أرسطو ومنطقه بوجه خاص على رأس الكتب الفلسفية اليت "،وبعضه إىل الفارسية ،وكانت ،وعندما تعلم األسرى اللغة الفارسية راحوا 2"نقلها السريان حلاجتهم إليها يف مباحثهم الدينية

يف طب جالينوس ومنطق أرسطو وبعض الكتب "مههايرتمجون بعض الكتب من السريانية إليها ،وأ. 3"الفلكية والفلسفية

:مدرسة أنطاكية -3

ست ا املدرسة عام " أنطاكية" أس لب ،ت رب ح ع غ ق ت ة ي لرومان ملدن ا ا م أه من هي يف بعض فروعها، وقد كان طابعها الهوتيا ) م392()م270(

.فاع عن الدين باألدلة الفلسفية خالصا،احنصر نشاطها يف الد

أما فيما خيص جمال حبثنا فقد مت نقل بعض مؤلفات أرسطو إىل اللغة السريانية ،حيث يذكر أحد املؤلفني "إن:يف تقدميه لكتاب اجلمع بني رأي احلكيمني للفارايب ما يلي" ألبري نصري نادر"

نقل إىل ) من القرن اخلامس ميالديعاش يف النصف األول ()Probus(السريان يدعى بروبا

.19أولريي ،مسالك الثقافة اإلغريقية إىل العرب ،ص - 1 ول أولريي يف كتابه مسالك الثقافة اإلغريقية إىل العرب يف أثينا ،وقد تفرعت عن مدرسة أفلوطني يق" برقلس"املدرسة هي تلك اليت كان يتزعمها

كان كثري اإلعجاب بالثقافة اإلغريقية الرومية ،ورغب رغبة خصوصية يف أن جيلب علم اإلغريق إىل )أي كسرى األول(خسرو األول "إن 101ص".أثيناممتلكاته ،لقد كان هو الذي أكرم الفالسفة الذين طردو حني أوصد جستنيان أبواب مدارس

.120،ص1965األهواين أمحد فؤاد ،املدارس الفلسفية ،الدار املصرية للتأليف والرتمجة ،مصر ،دون طبعة - 2.121-120املرجع نفسه ،ص ص - 3

غنتقال التراث األرسطي إلى العالم االسالمي :الفصل الثاني المبحث الثالث

129

السريانية كتاب العبارة من منطق أرسطو وكتاب القياس ،ووضع شروحا هلما ،وهذا أول ما نقل إىل .1"السريانية وصلت إلينا خمطوطاته

: مدرسة الرها ونصبين–4

كانت "تها،فلقد دور كبري يف بلورة الفلسفة األرسطية وترمج" نصيبني"و" الرها"باملقابل كان ملدرسة الفارسية مكونة يف معظمها " نصيني"إىل مدرسة " الرها"الثقافة اإلغريقية اليت انتقلت من مدرسة

مسؤوال عن ) هبها(من أعمال أرسطو يف املنطق ،مع كتاب إساغوري لفرفوريوس ،وقد كان ،وقد ترجم أو ةملسيحيني الذين تكلموا السريانيإدخال دراسة املنطق األرسطوطاليسى يف دراسة ا

،ورمبا السؤال 2"حصل على ترمجة الشروح والتحليالت األوىل ألرسطو،وإيساغوري لفورفوريوسهل يف هذه الفرتة ومن خالل هذه الرتمجات عرف العرب :األساسي الذي يطرح نفسه هنا هو

؟كيف عرفوهاالفلسفة األرسطية ؟وإن حدث ذلك فعال ، ف

نشأت قبل الفتوحات اإلسالمية دور كبري يف خروج العلم والفلسفة لقد كان هلذه املدارس اليت اليونانيني إىل خارج بالد اإلغريق ،وقد يعتقد البعض أنه مل يكن هناك داع إىل ذكر تاريخ هذه

،لكن جيب أن إىل العرباملدارس ، ألن اهلدف هو وصول اإلرث اليوناين األرسطي بالتحديد أا صاحبة الفضل األول رف يف نقل اليونان فلسفة وفلكا وطبا وهندسة ورياضيات إىل العرب نع

يف كتابه " أولري"كما يسميها -"املسالك"مبا يف ذلك أرسطو،هذا إضافة إىل أن الكالم عن هذه –مسالك الثقافة اإلغريقية ام خاصة عن العق اع يدة ،ويعرفنا كذلك بأهم الكتب األرسطية املرتمجة ،واللغات اليت ترمجت ودف

.ا

:أرسطو عند العرب مترجما إلى الفارسية والسريانية:ثانيا

48،ص اب اجلمع بني رأي احلكيمني الفارايب ،كت- 1.90أولريي ،مسالك الثقافة اإلغريقية إىل العرب ،ص- 2

غنتقال التراث األرسطي إلى العالم االسالمي :الفصل الثاني المبحث الثالث

130

ثقافات متنوعة،منها اليونانية والفارسية واهلندية كان للبالد اليت سيفتحها اإلسالم،فيما بعد"الثقافات وتعلمها،كما وأن لغات عديدة كانت منتشرة يف وكانت هناك مدارس حتافظ على هذه

هذه البالد،أمهها اليونانية والفارسية والسريانية،وكان قد ترجم من الرتاث اليوناين القدمي قدر كبري وب اليت دخلت حتت احلكم اإلسالمي حافظت على نشاطها وهذه الشع.إىل السريانية والفارسية

اللغة (غاية ما يف األمر أخذوا ينقلون إىل لغة الفاحتني .لعملواستمرت مدارسها يف االفكري فاعتمد عليه مفكرو اإلسالم واستخدموه يف .هذا الرتاث القدمي الغين املتنوع النواحي) العربية

.1"تكوين علومهم وفلسفتهم

قد ،و السريان من خالل التبادل التجاريلقد اختلط العرب بغريهم من النسطوريني واملسيحيني و

،منها غزو العراق وبالد خمتلطة بالثقافة اليونانية ، يتبعه عامل آخر متثل يف الفتوحات اإلسالميةاملدن اليت ،وغريها منم738ليت استوىل عليها العرب عام ا"جندسابور"مبا فيها مدينة فارس

كانت قد تعرفت على الثقافة اليونانية من طب وفلسفة وفلك مرتمجة إىل الفارسية والسريانية،كما أسلفنا الذكر،وظلت هذه املدارس رغم استيالء العرب عليها حمافظة على نشاطها من خالل الثقافة

.،فرتمجوها من مثة إىل العربية

خنلص إىل أن الطابع العام للرتمجة يف البداية مل يكن من اليونانية إىل العربية مباشرة ،بل كان يف

خرية واملتطورة عندما متت الرتمجة من اليونانية إىل العربية مباشرة وستعرف هذه احلركة مرحلتها األ،وهذا يؤكد أن العرب مل يتعرفوا على النصوص األصلية مرتمجة إىل العربية بل حصلوا على نصوص مرتمجة إىل السريانية و الشروح اليت وضعها عليها السريان ،هذا إضافة إىل ما مشلته املرحلة اهللينية

.51،صاب اجلمع بني رأي احلكيمني الفارايب ،كت- 1104أنظر كتابه مسالك الثقافة اإلغريقية إىل العرب ، ص .م 642م، وبالد فارس 638يذكر أولريي أن العرب قاموا بغزو العراق عام.

غنتقال التراث األرسطي إلى العالم االسالمي :الفصل الثاني المبحث الثالث

131

ات وأخطاء مت نقلها إىل العربية ،وهو ما أثر على طبيعة استيعاب الفلسفة اليونانية عامة من تناقضلة السريان اقتصرت جهودهم على نقل مصنفات العصر اهلليين مبا "واألرسطية خاصة،إذ أن النـق

،والشك أن1"تضمنته من تلفيقات وأخطاء ظهر أثرها الشنيع يف احلركة الفلسفية عند املسلمني.

:ترجمة كتب أرسطو إلى العربية :ثالثا

م ،وترمجت جممل كتبة إىل العربية،واستفاد نصيب وافر من االهتماهلذا الفيلسوف اليوناين كانهناك خطأ ،لكن كان هم الفلسفية ،والدفاع عن العقيدةواعتمدوها يف بناء أنساقالعرب منها كثريا

يف صحة نسبة بعض الكتب ألرسطو جعلت من هذا األخري صاحب فلسفة ذات طابع أفلوطيين خالص أثرت وبشكل كبري على فهم الفالسفة املسلني لفلسفته ،فـعرف هؤالء أرسطو احلقيقي

:،وأرسطو املنحول،وميكن أن نشري إىل هذه الكتب فيما يلي

:إلى العربية كتب أرسطو الحقيقية المترجمة –1

تراوحت هذه الكتب بني املنطقيات وكتب الفيزيقا وما بعد الطبيعة ،وحنن اآلن نتكلم عن هو عصرها الذهيب الذي بلغتوالدولة العباسية يف عصر الرتمجة،الكتب اليت ترمجت يف زمن

ا على نقلوكان حريص، ) هـ215(املأمون بيت احلكمة عامفيه أوجها،عندما أنشأ اخلليفة

فكما هو معروف أنما ترجم ،أرسطو هي أول ومل تكن كتبالرتاث اليوناين إىل العربية ،

.العرب اهتموا كذلك بكتب الطب والرياضيات والفلك ، أو باألحرى الكتب العلمية

دار املعرفة -لفلسفة اإلسالميةاملقدمات العامة ،الفرق اإلسالمية وعلم الكالم ،ا-حممد علي أبو ريان ،تاريخ الفكر الفلسفي يف اإلسالم- 1.31ص1992اجلامعية اإلسكندرية ،الطبعة الثانية،

من بني الكتب العلمية اليت ترمجت إىل العربية:.وما يليها49مذكور سابقا ،صفحة أنظر فؤاد األهواين ،الفلسفة اإلسالمية ،مرجع .وجالينوس يف الطب

غنتقال التراث األرسطي إلى العالم االسالمي :الفصل الثاني المبحث الثالث

132

،من كتب أرسطو كان ) التاسع ميالدي/ القرن الثالث اهلجري(إن أول ما ترجم يف هذه الفرتة يف اآلثار العلوية وكتاب احليوان وأجزاء :"الذي ترجم بعض كتبه منها" حيي بن البطريق"طرف من

.1"مأخوذة من كتاب النفس،وترجم كتابه يف العامل

برتمجة العديد من كتب "سيقوم " حنني ابن إسحاق"أن " عبد الرمحن بدوي"كما يذكر لعبارة ،السماع الطبيعي ،يف النفس وبعض الفلسفة إىل العربية والسريانية وخصوصا كتب أرسطو ا

مقاالت ما بعد الطبيعة واألخالق إىل نيقوماخوس ويف النبات املنحول إىل أرسطو كلها إىل ،وهذا "ابن ناعمة احلمصي"،كما ترجم كتاب سوفسطيقا أي السفسطة أو املغالطات 2"العربية

) أثانس(ن عدي من السرياين بنقل له ثالث ترمجات ،وهي ترمجة أيب زكريا حيي ب"الكتاب كانت من اليوناين ) أثانس(من اليوناين ،وترمجه أيب علي عيسى بن إسحاق بن زرعة من السرياين بنقل

، وسوفسطيقا هذا هو 3"،مث جند نقال قدميا منسوبا إىل الناعمي ولست أعلم من أي لغة نقلهتب إضافة إىل املقوالت والعبارة كتاب من الكتب املنطقية ألرسطو اليت كان عددها ستة ك

والقياس والربهان اجلدل ،و جتدر اإلشارة هنا إىل أن العرب األوائل جعلوا الكتب املنطقية يف أربعة ، مث أضافوا عليها املدخل 4"املقوالت والعبارة والقياس والربهان ،من جهلها فقد جهل املنطق"وهي

.واخلطابة والشعر

. 36دون تاريخ،صملتزمة الطبع والنشر القاهرة، ،الطبعة اخلامسةدي بور،تاريخ الفلسفة يف اإلسالم،ترمجة وتعليق حممد عبد اهلادي أبو ريدة،-1،املؤسسة العربية للدراسات والنشر بريوت ) ةالفلسفة والفالسفة يف احلضارة العربي(بدوي عبد الرمحان،موسوعة احلضارة العربية اإلسالمية-2

.08،ص1987،الطبعة األوىل ،ص 1980دار القلم بريوت ،الطبعة األوىل- أرسطو طاليس،منطق أرسطو، حتقيق وتقدمي عبد الرمحان بدوي ،وكالة املطبوعات الكويت-3

27..56،ص1985ة املصرية العامة للكتاب ،مصر دون طبعةالفلسفة اإلسالمية ،مطابع اهليئ-فؤاد األهواين ، قضايا فلسفية - 4" إيساغوري وقاطيقورياس وباري أرمينياس وأنالوطيقا األوىل وأنالوطيقا ألثانية

.56أنظر املرجع السابق ،ص"وطوبيقا وسفطسيقا و ريطوريقا وبويطيقا

غنتقال التراث األرسطي إلى العالم االسالمي :الفصل الثاني المبحث الثالث

133

كذلك كتاب الفيزيقا ألرسطو،أما الشروح اليت كتبت حوله فقد " حلمصيإبن ناعمة ا"وترجم ترجم شروح اإلسكندر األفروديسي ويوحنا فيلوبون على فيزيقا "الذي " قسطا بن لوقا"ترمجها

.1"أرسطو وبعض الشروحات اجلزئية عن الكون والفساد

املعروف عندهم بكتاب أما كتاب أرسطو فيما بعد الطبيعة فقد نقله العرب كذلك ،وهو احلروف ،وسبب هذه التسمية كما هو معروف هو أن الكتاب جاء مرتبا وفق ترتيب حروف

ونقل هذا ]مو[أوله األلف الصغرى،ونقلها إسحاق،واملوجود منه إىل حرف "األجبدية اليونانية واسطاث ها باليونانية ،وهذه احلروف نقل]نو:[احلرف أبو زكريا حيي بن عدي ،وقد يوجد حرف

،وهي احلادية عشر من احلروف ]الالم:[ونقل أبو بشر مىت مقالة .للكندي،وله خرب يف ذلك] الالم[وفسر ثاميسطيوس مقالة .العربية،ونقل حنني بن إسحاق هذه املقالة إىل السريانية

أيضا،ونقلها أبو بشر مىت بتفسري ثاميسطيوس ،ونقلها مشلى ،ونقل إسحاق بن حنني عدة . 2"مقاالت

:الكتب المنحولة ألرسطو-2

،ترجم من اليونانية إىل السريانية مث "أثولوجيا أرسطو"الذي عرف باسم " الربوبية"كتاب -

هذا الكتاب خليط من أفالطون "ففي هلا األثر البالغ على املسلمني ،وعلى صياغة فلسفتهم

كوربان ، تاريخ الفلسفة اإلسالمية منذ الينابيع حىت وفاة ابن رشد،ترمجة نصري مروة وحسن قبيسي ،مراجعة وتقدمي اإلمام موسى الصدر هنري-1.58،ص1998،بريوت الطبعة الثانية و األمري عارف تامر،عويدات للنشر والطباعة

طبعةأة املعارف اإلسكندرية ،دون حممد علي ،تاريخ املذاهب الفلسفية ،منشسانتيال دافيد ،دروس التعاليم الفلسفية ،حتقيق عصام الدين-2.242،صوتاريخ

غنتقال التراث األرسطي إلى العالم االسالمي :الفصل الثاني المبحث الثالث

134

نظرية فيض العامل عن اهللا ،ونظرية اإلشراق وقدرة النفس :.1"البشرية

،يتكلم عن مسألة النفس " سطو طاليسأر "هو اآلخر نسب خطأ إىل "التفاحة"كتاب -يف كتابه تاريخ " هنري كوربان"والسعادة بعد املوت واملعرفة على منوال أفالطون وسقراط ،يشري

الفارسية وهي ألفضل الدين الكاشاين )التفاحة(وقد نالت ترمجة :"الفلسفة اإلسالمية إليه بقولهيظهر فيه أرسطو احملتضر أمام تالميذه بتاوهو ك(تلميذ نصري الدين الطوسي،)من القرن الثالث(

.2"، إقباال كبريا)بدور سقراط يف فيدون

أحد ممثلي "أبرقلس"يشتمل بعض مبادئ فلسفة "اإليضاح يف اخلري احملض "كتاب-مبادئ اإلهليات الذي عرف أوال يف األوساط "األفالطونية احملدثة يف علم الالهوت،وهو كتاب

وقد راج يف األوساط الفلسفية يف العصور الوسطى حتت " يف اخلري احملضاإليضاح "العربية باسم .3"اسم كتاب العلل

:أثر فلسفة أرسطو على الفالسفة المسلمين:ثالثا

فتهم إليهم،وهذا شيء ال جدال فيه،وليس مل تكن للعرب فلسفة قبل دخول علوم اليونان وثقاالعرب الثقافية و قبل اإلسالم يؤكد طبيعة حياة،بل إن الرجوع إىل فرتة ما فيه إجحاف يف حقهم

أن ويكفياجلميعظاهر عند ،وحنن لن نتكلم عن ذلك ألن األمراالجتماعية

.اإلسالميةاليت تؤرخ حلياة العرب قبل اإلسالم وبالتحديد قبل نشأة الفلسفةنعود إىل الكتب

.109،صقمري،أصول الفلسفة العربيةيوحنا - 1.61،صابن رشد - منذ الينابيع حىت وفاةهنري كوربان ،تاريخ الفلسفة اإلسالمية - 2. 169،ص1995مصطفى النشار ،مدرسة اإلسكندرية الفلسفية بني الرتاث الشرقي والفلسفة اليونانية ،دار املعارف ،القاهرة ،الطبعة األوىل - 3وما يليها43لثاين من الكتاب ،ص ميكن الرجوع يف هذه املسألة إىل كتاب تاريخ الفكر الفلسفي يف اإلسالم حملمد علي أبو ريان ،الفصل ا ،

.وما يليها03أنظر كذلك مدخل كتاب تاريخ الفلسفة اإلسالمية لدي بور، ص

غنتقال التراث األرسطي إلى العالم االسالمي :الفصل الثاني المبحث الثالث

135

أما الثقافة اليونانية فقد كان هلا أثر كبري على املسلمني، ساهم يف بلورة ما يسمى بالفلسفة ،ألن لقب ال ميكن إغفالهاإلسالمية ،ويف ظهور أنساق ونظريات خمتلفة ،و أثر أرسطو بالتحديد

ي ظفر الفيلسوف الذ"على أشهر الفالسفة املسلمني،إذ أنهأو الفالسفة املشائني أطلقاملشائية.1"يب األكرب من النقل والذي قدر له البقاء ،والتأثري يف الفكر اإلسالمي أكثر من غريهبالنص

ألثر لتشعب الفلسفة اإلسالمية وعمقها ،وتنوع إنتاجها ،وكثرة فالسفتها الذين مسهم هذا اوكذالك لعمق هذا التأثري،بل سنشري إىل األثر العام للفلسفة األرسطية على كل الفلسفة اإلسالمية،أما أثره على ابن سينا خاصة يف نظرية النفس والعقل ،سنتكلم عنه يف الفصل األخري

. يف جمال إبداء االختالف بينهما والتجاوز

رسطي أثر كبري على علم الكالم وعلم األصول لمنطق األلكانفقد أما أثر أرسطو يف عمومهفتناول املسلمون اللغة بالدراسة العلمية املنهجية ووضعوا هلا قواعد يف النحو "وكذلك علم النحو

والصرف والبالغة ،متأثرين يف ذلك باملنطق اليوناين وال شك أن علم أصول الفقه وعلم الكالم قد ان الدافع إىل ذلك هو أن املسيحيون واليهود يف برعوا يف ،وقد ك2"استفاد كثريا من املنطق أيضا

اجلدل الالهويت للدفاع عن عقائدهم ومللهم معتمدين يف ذلك على احلجاج العقلي واملنطق

هم ،وتعدد أصحاب امللل والديانات ،حىت بني املسلمني عن الدين اإلسالمي ،إذ كثرت الفنت بين،وحرية اإلنسان والقدر والنبوة وغريها ل كبري يف مسائل صفات اهللا وعلمهأنفسهم ظهر جدا

.،فاعتمدوا يف ذلك على املنطق األرسطي

" األرسطية مذهب أرسطو خباصة ال يتعداه إىل مدرسة أو إىل شراحه ،واملشائية مذهب هذه املدرسة اليت أسسها أرسطو ،وظلت تأليفه النرباسابن رشد يف القرن الثالث عشر،ومسيت باملشائية ألن أرسطو فيما يقال كان يدرس الذي يضيء هلا الطريق منذ القرن الرابع قبل امليالد حىت زمان

.53الفلسفة اإلسالمية ،ص -أنظر فؤاد األهواين ،قضايا فلسفية " وهو ميشي وأتباعه ميشون حوله53،صالفلسفة اإلسالمية-ية فؤاد األهواين ،قضايا فلسف- 1. 113،صلسفي يف اإلسالم الفكر الفحممد علي أبو ريان ،تاريخ - 2

غنتقال التراث األرسطي إلى العالم االسالمي :الفصل الثاني المبحث الثالث

136

لقد كان ألرسطو دور كبري يف نشأة الدراسات الطبيعة وقد تعرف العرب عليها ودرسوها فقد تغذت "منها ،وهو ما ساهم يف تطور هذا النوع من الدراسات عند املسلمني ،اواستفادو

ولكنها عولت التعويل كله على أرسطو الذي ...الدراسات الطبيعية يف اإلسالم بغذاء وفري ومتنوع.1"ترمجت كتبه الطبيعية اهلامة إىل العربية

، الذي أثر على طبيعة فهم "أثولوجيا"هذا إضافة إىل أثر الكتب املنحولة ،وخنص بالذكر كتاب ،مع وجود أرسطية يف بعضها أرسطية خالصة،و يف بعضها اآلخر ههذا الفيلسوف واستيعاب

. أفلوطينية

مراجعة وتقدمي إبراهيم مذكور ،حتقيق الدكتور حممود قاسم )السماء والعامل ،الكون والفساد،األفعال واالنفعاالت(ابن سينا ،الشفاء ،الطبيعيات 1.أنظر مقدمة إبراهيم مذكور) ي(،اهليئة املصرية العامة للكتاب القاهرة ،بدون تاريخ وطبعة ،ص

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

138

:الفصــل الثالث

في الخطاب الصوفي السينوي " سـالنف":المبحث األول

"ابن سينا يف التصوف"مذهب

:المبحث الثاني

الفلسفية " ابن سينا"النفس يف كتابات

-الفن السادس من الطبيعيات–

المبحث الثالث

يف نصوص ابن سينا الصوفية املرمازيةالنفس

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

139

يف التصوف خيتلف عن التجربة الذوقية االنفعالية اليت غايتها دائما " ابن سينا"إن مذهب

اخللق، لكن ال ميكن يف املقابل أن ننفي ما كتبه أنه يف حياته كان يعيش حياة زهد و انقطاع عنو الرسائل اليت صنفت ضمن " تاإلشارات و التنبيها"يف التصوف ،خاصة ما جاء يف كتابه

حي بن "و قصة " سالمان و أبسال"،و القصص الرمزية املشهورة، قصة كتاباته يف التصوف. ، هذا إضافة إىل قصيدته العينية"رسالة الطري"و" يقضان

أو قبوهلا ، بل هو التساؤل حول طبيعة "ابن سينا"إن الكالم هنا ليس يف نفي صوفية الذكر ،ومدى تصوفه،اليت سنكشف عنها من خالل االعتماد مباشرة على نصوصه السابقة

اتفاقها مع نصوص كبار الصوفية ،وكذلك إلقاء حملة موجزة على تاريخ التصوف و مراحله ملعرفة .فيما إذا كان تصوفه يصنف ضمن إحدى مراحله

بداية، انقسم التصوف عرب تارخيه إىل الديين أو الذوقي كما يطلق عليه يف بعض األحيان قسم كذلك إىل التصوف الفلسفي، أما األول فقد نشط يف ،و هو يشمل ما يسمى بالسين، و ان

الزاهد يرغب يف ثواب اآلخرة و خياف العقاب،فكان سلوكه يف ذلك العبادة، و هذا ما يؤكده من العلوم الشرعية احلادثة "هو:مراحله األوىل إذا يقوليف تعريفه لعلم التصوف يف" ابن خلدون"

و أصلها العكوف على العبادة و االنقطاع إىل اهللا تعاىل، و اإلعراض عن زخرف الدنيا ...يف امللةوزينتها،و الزهد فيما يقبل عليه اجلمهور من لذة و مال وجاه،و االنفراد عن اخللق يف اخللوة

ما يف الصحابة والسلف،فلما فشا اإلقبال على الدنيا يف القرن الثاين للعبادة، وقد كان ذلك عا

من بينها رسالة يف العشق ،رسالة يف مهية الصالت،يف " مهرن"منشورة ضمن رسائل ابن سينا يف أسرار احلكمة املشرقية ،اليت نشرها أمههااحلزن التصوف ،كلمات الصوفية،العلم اللدين ،يف سر الصالة،اخلوف من املوت ،الدعاء والزيارة ،سر القضاء ،رسالة القدر ،حث الذكر، يف ماهية

مطبعة بريل ن خمائيل بن حيي املهرين، رسائل الرئيس أيب احلسن بن عبد اهللا بن سينا يف أسرار احلكمة املشرفة .رد األعظم الدعاء ،املالئكة ،الو .1899لندن

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

140

وما بعده ،وجنح الناس إىل خمالطة الدنيا ،اختص املقبلون على العبادة باسم الصوفية واملتصوفة.و ميكن حصر هذه البداية التمهيدية يف القرنني األول و الثاين للهجرة1"

يف هذين إذا بدأ التصوف "ع القرنني الثالث و الرابعهذا وسيعرف التصوف تطورا تدرجييا مالقرنني ينتظم علما مكتمال، و قد أصبح يف هذه املرحلة طريقا للمعرفة الكشفية بعد أن كان جمرد

،فهذه الفرتة التارخيية هي املرحلة الروحية الكربى يف تاريخ التصوف، أين ارتبط 2"طريق للعبادةة، و الرغبة يف الفناء يف ذات احلق و االنغماس فيها، وهي اليت بالتوجهات األخالقية اخلالص

.عرفت كذلك أكرب شطحات الصوفية

مث نشط التصوف السين خاصة يف القرن اخلامس هجري ،و كان يف عمومه حماولة للدفاع عن و

االجتاه العام للتصوف السين يف القرن اخلامس اهلجري إمنا هو اجتاه إصالحي واضح، حيث "إىل معرفة ذات احلق و 3"بذلت احملاوالت اجلادة إلرجاع التصوف إىل حضرة الكتاب و السنة

.كشف أسرارهاو

ني بعض توج التصوف يف األخري مبذهب مزج بني طريق الصوفية اخلالص يف الزهد والفناء وباآلراء الفلسفية اليت تعرفوا عليها ،فكان النظر العقلي والتأمل يف ملكوت احلق هو طريقهم إىل

.معرفة ذاته وكشف أسرارها واستبصار نورها،وهو ما يصطلح عليه بالتصوف الفلسفي

إال أن هذه اللمحة املوجزة حول تاريخ التصوف ال تعين مطلقا أنه كان هناك انقطاع يف مسارهفكان زهديا مث سنيا مث فلسفيا ،بل إن كل هذه التوجهات كانت تشرتك يف اخلصائص العامة

.للتصوف ،إذ كانت طريقتهم يف بلوغ احلق و الكشف عن أسراره و إشراق أنواره خمتلفة

.403،ص2010ابن خلدون عبد الرمحان، مقدمة ابن خلدون ،دار ابن اجلوزي للطبع والنشر والتوزيع القاهرة،الطبعة األوىل-1.30، ص2003اإلسكندرية، الطبعة األوىلإبراهيم حممد تركي، فلسفة املوت عند الصوفية، دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر- 2.31املرجع نفسه،ض- 3

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

141

و مذهبه يف التصوف ،فإن فيه حرج بني ما يروى عنه من حياة " ابن سينا"أما الكالم عن ،و بني ما يستوجبه التصوف من عبادة و زهد و هذا يف أعم ليت كان حيياها السهر و اخلمر ا

، إذ أن تتبعنا هلا " ابن سينا"معانيه ،ولرفع هذا احلرج سيكون مسلكنا هنا التوجه إىل نصوص أكد بأنه تكلم عن علوم الصوفية، و نظر هلا و صاغ الكثري من املسائل وفقها، و قد كانت

امات العارفني و العلم اللدين ائل اليت حدد من خالهلا درجات املعرفة و مقالنفس من أهم املسالسعادة احلقيقية ومن خالهلا تكلم كذلك عن الزهد و العبادة و العرفان ، و هو ما سنعتمده و

كحجة للربهنة على مذهب ابن سينا يف التصوف، لذلك قلت يف البداية أن املسألة ليست يف . هاصوفيته بل يف طبيعت

وبالتحديد النمط "اإلشارات و التنبيهات"يقول السراج الطوسي يف شرحه على كتاب وقد ذكر الفاضل الشارح أن يف هذا الباب أجل ما يف هذا الكتاب، فإنه رتب فيه "التاسع منه

وقد كانت هذه شهادة نستهل ،1"علوم الصوفية ترتيبا ما سبقه إليه من قبله و ال حلقه من بعده

،مع االعتماد عند الضرورة على رسائله ،أما قصصه الرمزية والقصيدة "اإلشارات والتنبيهات"سينا يف العينية ،فسنرجئ الكالم عنها إىل حني احلديث عن مفهوم النفس يف نصوص ابن

.التصوف ،تفاديا للتكرار

يف النمط الثامن والتاسع والعاشر مذهبه يف التصوف،أما الثامن تكلم فيه عن " ابن سينا"يبث مقامات العارفني،يف حني تكلم يف النمط األخري عن بهجة والسعادة،وتكلم يف التاسع عنال"

:فيما يليما سنحاول تلخيصهأسرار اآليات،وهو سرية حياة ابن سينا(أنظر امللحق( يف األوىل عن املنطق وأغراضه ،أما الثانية تكلم فيها

،وشرح نصري لفخر الدين الرازيعن الفلسفة الطبيعية واإلهلية والتصوف،وكلها كانت مقسمة إىل إشارات وتنبيهات ،كان هلذا الكتاب شروح أمهها.الدين الطوسي وهذا األخري هو الذي اعتمدنا عليه ،يف هذه الدراسة

تاريخ، و اإلشارات و التنبيهات مع شرح نصري الدين الطرسي، حتقيق سليمان دنيا، القسم الرابع، دار املعارف، القاهرة دون الطبعةابن سينا-1.هو الرازي ،أما الشارح الذي يقصده السراج الطوسي يف قوله 47الثالثة ، ص

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

142

:هجة و السعادة الب/ أوال

كالمه عن البهجة و "اإلشارات والتنبيهات"النمط الثامن من كتاب " ابن سينا"يبدأ العارفني و أحواهلم و أخالقهم ،ليتدرج بعد ذلك إىل احلديث عن العرفان و مقاماتالسعادة

.مراتب العشق و الشوق حبسب مراتب املوجوداتو

لك اليت حتصل لذوي اخلري و الكمال ،و هم أهل إن السعادة و البهجة اليت يقصدها هي تل يف مفهوم ص يـف للوصول إىل اللذةالعرفان، و ملا كانت السعادة شعور بلذة ما، فإن ابن سينا س

ما و وهي املشهورة و املأثورة عند العامة من الناس،حسيةقد تكون -أي اللذة–مقصوده، فهي غري مدركة باحلواس أعلى من سابقتها و باطنيةتعلوها لذات سواها يف نظرهم هو لذات ضعيفة ،و فإن كبري النفس يستصغر :"أمثلة كثرية منها قوله"ابن سينا"أقوى منها ، وكربهان عليها يوظف

و هذه لذات باطنية ال توجد عند اإلنسان فقط ،1"اجلوع و العطش عند احملافظة على ماء الوجه.2"املرضعة من احليوانات تؤثر ما ولدته على نفسها"يقول بل هي كذلك عند احليوان إذ

على أن تقسيمه للذات مل يتوقف عند هذا احلد، بل هناك لذة أخرى تعلوا اللذة الباطنية و ترتأسها ،و هي غري مرتبطة بالقوى احليوانية الشهوانية و الغضبية و الباطنية اليت متثل يف جمملها

.تقابلها و إدراكات متفاوتة حبسيهالذات حيوانية هلا كماالت

ال بجوهر المعقوالتاليت يكون اإلدراك فيها خالصا تاما متعلقا " اللذة العقلية"إا ألهل "بعوارضها ،و غري حمدود أو متناه، وهي السعادة و البهجة اليت حتصل عند إدراك الكمال

.فتكون كماال هلم " اخلري

إن اللذة العقلية هي السعادة اعقل العقلي له، و ذلك حيصل يف أعلى مرتبة عندما رك احلق بقدر استطاعته ،و عندما يـتـ د الـم

.08املصدر السابق، ص- 109املصدر نفسه ،ص- 2

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

143

ل من الكمال و ص يزول كل متايز بينه و بني ما يتعقله ،فيدرك املعقوالت كلها إدراكا يقينيا فيحاه هو الكمال اخلريي و إدراكه من حيث هو من اللذة الع نح قلية ما جيعله يف مرتبة عالية، إذ أن م

هو " ابن سينا"كذلك، فال ميكن أن تتم السعادة دون هذا اإلدراك، و الطريق إىل ذلك يف نص إىل احلق ،لذلك جنده يصف أهل الكمال الشوقالذي من دونه ال ميكن أن حيصل الذوقوجود

.إىل احلقباملشتاقني

أما أوالئك املنغمسون يف احملسوسات فإن نفوسهم ال تتطلع إىل املعقوالت ،و من مثة ينعدم الذوق عندها، فال تشتاق إىل الكمال لغياب االستعداد له، إذ أن البدن هو العائق الذي مينع

كتابه عيون النفس من ذلك، فإذا زال اشتد شوق العاشق ،و يضرب ابن سينا مثال على ذلك يف ،فإذا زال فإنه جائع و ال حيس بأمل اجلوعو كالذي به اجلوع املسمى بوليموس:"...احلكمة بقوله

د د النفس الناطق مبالحظة كماله من مؤملات جوهره ألن فـق العائق يشتد به إحساسه فكذلك فـق"1.

: العارف في مذهب ابن سينا- ثانيا

يتكلم ابن سينا بكثري من التفصيل والعمق وبأسلوب غامض ولغة صوفية رمزية خالصة ال تقل اا يف مجاليتها ار إش عما ألفناه و مسعناه من كبار الصوفية ،عن العارفني وأحواهلم وأخالقهم و

ام ، و مييز بني العارف و الزاهد والعابد،و ما ي ام . لي هو ملخص رأيهومق

:العارف-1

سينا ،عيون احلكمة ، حتقيق عبد الرمحن ناب" وهو اإلنسان الذي خيتل مزاج فم معدته فال حيس باجلوع البتة:"حه لبوليموسقال الرازي يف شر.60بدوي ، أنظر اهلامش ،ص

.60،ص1998دار القلم بريوت،،الطبعة الثانية-ابن سينا، عيون احلكمة، حتقيق و تقدمي عبد الرمحن بدوي،وكالة املطبوعات الكويت- 1

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

144

ضع عنهم دون مقارنة البدن ،و انـفكوا عن الشواغل، :" يقول ابن سينا العارفون املنـزهون إذا و،1"خلصوا إىل عامل القدس و السعادة و انتقشوا بالكمال األعلى و حصلت هلم اللذة العليا

لك البدن، وصل إىل السعادة احلقيقية فالعارف إذا انعزل كلية عن كل ما يشغله عن احلق مبا يف ذاليت هي اللذة العقلية العليا،فاللذات احلسية البدنية و إن كانت تبدو عند البعض من أعظم

أن ينهج " ابن سينا"اللذائذ فهي يف احلقيقة جمرد أوهام، لذلك كان على العارف حسب .عمليو آخر نظريطريقني،واحد

يرتقى فيه العارف عن تصور األشياء اجلزئية إىل املبادئ العليا فهو الذي ) النظري(أما األوليف التنـزه عن العملياملفارقة إىل اجلوهر الكلي وهنا يستكمل قوته النظرية،يف حني يتمثل الطريق

ثل فيه جلية احلق األول :" أن تـتمأن ينال منه ببهائه الذي خيصه، مث يتمثل فيه الوجود كله على ما هو عليه جمردا عن قدر ما ميكنه

الشوب مبتدأ فيه بعد احلق األول باجلواهر العقلية العالية مث الروحانية السماوية و اإلجرام السماوية و ،2"بالفعلالعقلي ز الذات فهذا هو الكمال الذي يصري به اجلوهريام ـمث بعد ذلك متثال ال ي

لاألو احلق إدراك إىل العارف املتنـزههذه هي املرحلة اليت يصل فيها

. الذي من خالله يتعقل الوجود كله لدرجة متاثل الذات العاقلة مع ما تتعقله

بل "وللعارف أن يعاين عامل القدس ونفسه يف البدن ،إذا انصرف إىل التأمل يف ذات احلق،،حضا ذةأمل اجلربوت،املعرضون عن الشواغل،يصيبون وهم يف األبدان،من هذه الل املنغمسون يف ت

ا .3"،قد يتمكن منهم فيشغلهم عن كل شيءوافر

:كما أن هذا العارف خيتلف عن الزاهد و العابد ،و هو ما سنلخصه فيما يلي

.32،صبيهات، اجلزء الرابع ابن سينا ،اإلشارات و التن- 1.23- 22املصدر السابق،ص ص- 2.33نفسه ،صاملصدر - 3

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

145

:الزاهد و العابد-2

من العابد و الزاهد ،و هو الذي يستبصر أما العارف فهو يف املقام األول و األعلى عن غريهعامل احلق و اجلربوت، و يشاهد ما خفي عن العامة اليت ال تعرف ذلك ،فتستنكر ما يعظمه أهل

نصرف بفكره إىل قدس اجلربوت "العلم به ،و هو ره ستدم الـم .1"ميا لشروق نور احلق يف س

العبادةو طبيعة الزهد أما االختالف بينه وبني الزاهد و العابد يكمن يفغري راغب يف ثواب و ال راهب من إلى الحقسيتوجه يف كل أحواله و أخالقه و سلوكاته

الزهد عند غري العارف معاملة ما :" يف هذا املقام أكثر داللة ،إذ يقول " ابن سينا"عقاب، ونص لعارف تنـزه ما عما يشتغل سره عن احلق، و تكرب ،كأنه يشرتي مبتاع الدنيا متاع اآلخرة، و عند ا

على كل شيء غري احلق، و العبادة عند غري العارف معاملة ما، كأنه يعمل يف الدنيا ألجرة ه يأخذها م نفسهو قوىيف اآلخرة هي األجر و الثواب، و عند العارف رياضة ما هلم

ة املتخليةاملتومهة و الم ري مس للسرليجرها بالتعويد على جناب الغرور إىل جناب احلق فـتص

.2"للسر الباطن، حينما يستجلي احلق ال تنازعه

إن زهد الزاهد غري زهد العارف،وعبادة العابد غري عبادة العارف ،ألنه ال يرجو ثوابا ،بل يرجو ا،فكان سلوكه و أحواله من بداية توجهه شروق نور احلق يف سره ،لذالك كان مرغوبه وشوقه خمتلف

إىل احلق إىل مرتبة الوصول إليه كذالك خمتلفا، و هكذا يكون الزهد و العبادة و العرفان أحوال طالب احلق قد جتتمع يف الشخص الواحد ،وقد تنفرد، و يف ذلك متييز ملطلوب العارف ألنه ال

.م عنهيف الكال"ابن سينا"و هو ما يسرتسل.يرجو سوى احلق

:درجات أحوال العارفين-3

.58، صاملصدر نفسه - 1.59،صبيهات، اجلزء الرابع ابن سينا ،اإلشارات و التن- 2

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

146

أول حركة للنفس إىل االستكمال "و هي أوىل درجات السالكني إىل احلق فهي: اإلرادة -أباحلق تصديق و يقين،وهي ليست إرادة عادية ،بل هي مريدا،و من حصلها كان 1"بالفضائل

ر "وله هيبق" ابن سينا"يدفع صاحبه إىل طلبه، و حتقيق االتصال به، إذ يعرفها تبص ما يعرتي املس، أو الساكن النفس إىل العقد اإلمياين، من الرغبة يف اعتالق العروة الوثقى، فيحرك باليقني الربهاين

وح االتصال فما دامت درجته هذه فهو مريد .2"سريه إىل القدس لينال من ر

ا املريد إىل غايته ومرغوبه، ).الرياضة(بـ" ابن سينا"و هي اليت يسميها

يتجه العارف يف هذه الدرجة إىل إزالة كل ما يعيق طريقه يف الوصول إىل : الرياضة -ب.

،وحسب شرح 3"ما دون احلق عن مسنت اإليثارتنحية : "يتمثل يفالغرض األولأما -،و و ذلك يكون بالزهد احلقيقي،4"إزالة الموانع الخارجية"فأن القصد منه هو" السراج الطوسي"

هو زهد العارف الذي يتكرب فيه عن كل ما سوى احلق ،و هو تنـزه و ليس معاملة ترجو الثواب و .األجر و ختاف من العقاب

اليت تعيق حتصيل الكمال، إزالة الموانع الداخلية،يف " ابن سينا"حيدده الغرض الثانيأما -و ذلك بإخضاع النفس األمارة للنفس املطمئنة حىت يتوجه العارف بكليته إىل احلق منصرفا عن كل ما سواه ، و فيها يتجرد من كل ما يفسد عليه اجنذابه ،و هذا الغرض يستلزم عبادة العارف

.بالفكر ،فيقبل العارف على احلق دون غريه اليت تكون مقرتنة

املؤسسة لغة الصوفية يف فلسفة ابن سينا،حسن عاصي ،ضمن كتاب التفسري القرآين والقابن سينا ،رسالة يف كلمات الصوفية ،نشر وحتقي-1.176ص1982اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،الطبعة األوىل

.78، صالرابعابن سينا، اإلشارات و التنبيهات، اجلزء- 2.79،صالرابعابن سينا، اإلشارات و التنبيهات، اجلزء- 3.،أنظر الشرح76نفسه ، صاملصدر- 4

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

147

،أي استعداد العارف لبلوغ 1"تلطيف السر للتنبه:" للرياضة يكمن يف الغرض الثالثأما -مراده، و هي مرتبة احلصول على الكمال الذي يرجوه، و فيها يكون قد أشرف على مرحلة

يف " ابن سينا"عليه أمور جيمعها االرتقاء إىل مقامات أعلى، و هذا الغرض الثالث تعني أما ،2"الفكر اللطيف و العشق العفيف الذي يأمر فيه مشائل املعشوق،ليس سلطان الشهوة:"قوله

" العشق العفيف"فهو انصراف الفكر عن االنشغال بغري احلق، أما - "الفكر اللطيف"أي -األولوهو :"الما بليغا نورده فيما يليك" ابن سينا"يف شرحه على قول " السراج الطوسي"،يقول فيه

جيعل النفس لينة شفيقة ذات وجد ورقة، منقطعة عن الشواغل الدنيوية معرضة عما سوى ا .3"معشوقه، جاعلة مجيع اهلموم مها واحد

ا إن املريد إذا بلغ ه خلسات من إطالع نور احلقلعنت"و الرياضةاإلرادةمنحد

،و هنا يكون قد بلغ أول مرتبة من مراتب 4"عليه،صل مكاشفة غري مكتملة مع اهللا ، و هذه املرتبة هي اليت تسمى بـ ،"الوقت"االتصال اليت فيها حي

ا و كلما زاد استعداد املريد إىل حتصيل الكمال كلما ترقى من مقام إىل آخر أعلى منه، و هو مكما -بالرتتيب ،إذ أن أول مقام أو درجة من درجات االتصال هي الوقت " ابن سينا"يذكره

مث تليها مقامات أخرى ينكشف فيها نور احلق إىل درجة االتصال التام و الكمال -سبق و أشرنا.يف درجات وجدان العارفني" ابن سينا"النهائي ،و هو ما سنحاول إجيازه فيما يلي وفق ما يذكره

:درجات وجدان العارفين -4

:أول االتصال-أ

.80، صنفسه- 1.85-84نفسه ص ص- 2. ، أنظر الشرح55،صنفسه-3.86،صالرابعابن سينا، اإلشارات و التنبيهات، اجلزء- 4

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

148

،و هو الذي حيصل بعد متام درجات حركات "الوقت"بـ" ابن سينا"يتمثل فيما يسميه العارفني و أحواهلم من إرادة و رياضة ، و يزداد بازدياد االستعداد لتحصيل الكمال، و فيه يشرق

وميض الربق ،و يبدأ االتصال مث يزداد اإلنكشاف غري بارز كإشراقا طفيفانور احلق على العارف ،فينتقل به إىل يصبح ملكة عند العارف، هذا األخري عندما يشتد فاإلرتياضكلما زاد العارف يف

، فيصري املخطوف مألوفا، و الوميض سكينةينقلب له وقته :" درجة أعلى يصفها ابن سينا بقوله: نية و سنلخصها فيما يلي،و هذه هي الدرجة الثا1"شهابا بينا

ما كان وميض برق خاطف غري مستقر على العارف يف سره يف درجة :ازدياد االتصال-ب، سيتحول إىل نور ظاهر مألوف ،و بعدما كان العارف يأسف و يبتهج من ظهور " الوقت"

ا ومضات نور احلق ،فأن اتصاله به سيزداد لكن دون أن يكتمل ،وهي الدرجة اليت ينقلب فيه،ليصل إىل درجة التمكن اليت يلتبس فيها األمر على العارف بني حصول االتصال سكينةالوقت

فإذا تغلغل يف هذه املعارفة ،قل ظهوره .ولعله إىل هذا احلد يظهر عليه ما به" من عدمه إذ ا- وهو غائب-عليه،فكان هو ، فاتصاله باحلق يتيسر له 2"مقيما- وهو ظاعن–. حاظر

أحيانا فيبتهج بلقائه، لكنه و بعد تدرجه يف ذلك سيحقق االتصال مىت شاء، و هنا يستقر حال .اتصال العارف باحلق، لريتقي إىل آخر مرتبة و هي مقام االتصال التام

.88،صاملصدر نفسه- 1 خلسة لذيذة تثبت زمانا ،أو خلسات متتالية ال تنقطع حينا من الزمان، و هي :" يف رسالته كلمات الصوفية بقوله"السكينة"يعرف ابن سينا

هو الذي انزل السكينة يف :"حالة شريفة،و من اللوائح ،و السكينة تشتق مجيع األحوال الشريفة، ،و السكينة هي السحاب الثقال، قال تعاىلانظر ابن سينا ، رسالة شريفة للشيخ الرئيس أيب علي ابن سينا يف كلمات الصوفية، ، " كة السكينة سهل األمر،فإذا حصلت مل"قلوب املؤمنني

.178،صحتقيق حسن عاصي أنظر شرح السراج الطوسي على اإلشارات والتنبيهات .أثر االبتهاج ،عند الذهاب:أنه قبل هذا املقام،كان حبيث يظهر عليه:سار،واملعىن: ظعن

. 89،ص.89ابن سينا ،اإلشارات و التنبيهات ، اجلزء الرابع، ،ص- 2

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

149

مع عدم لحصول االتصا"، هي ثالث درجاتيكون هذا املقام على :تمام االتصال-جإذ يرتقي فيه العارف إىل ،1"ئة، و استقراره مع عدم الرياضة، و ثبوته مع عدم مالحظة النفساملشي

عامل احلق دون إعداد أو رياضة ألنه قد نال مرغوبه، و يفقد كل اتصال مع غري احلق ،و ال يشعر بكوا مبتهجة به، إذ إال فسه ن ه إنه ليغيب عن نفسه فيلحظ جناب القدس فقط،وإن حلظ نفس"ب

.االبتهاج التام بالحقوهذا هو 2"، ال من حيث هي بزينتهاالحظةفمن حيث هي

ألحوال حركات العارفني " اإلشارات والتنبيهات"يف " ابن سينا"هذا هو الرتتيب الذي وضعه

الذي صاغه لنا بعبارات بليغة غامضة ، سأخلصها فيما مستعينة يف ذلك العرفانإىل مفهوم ".ابن سينا"على نصوص " السراج الطوسي"بالشرح الذي قام به

أخالق العارفنييف " ابن سينا"لكن قبل التطرق إىل هذه املسألة يشري

رتأينا أن نلخص قوله يف ذلك مث نعود إىل التكلم على أحواهلم ،و مبا أننا يف باب العارف فقد او .و ترتيبها" ابن سينا"أفكار بالعرفان، و غرضنا هو تسهيل استيعا

العارف هش بش،بسام، يبجل الصغري من :""ابن سينا"يقول :أخالق العارف و أحواله-5فهذه من صفات ،3"يهتواضعه، كما يبجل الكبري و ينبسط من اخلامل مثل ما ينبسط من النب

العارف يف أنه بشوش الوجه كثري التبسم، يتساوى يف نظره اخللق فال فرق بينهم عنده ، و قد " السراج الطوسي"شرح

.غاه الذي هو إنكار ملا سوى اهللا و التوجه كليه إليه، ألنه غايته و مبت" الرضا"

.94،صاملصدر نفسه- 1.92املصدر نفسه، ص- 2.101، صالرابعابن سينا، اإلشارات و التنبيهات، اجلزء- 3

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

150

إذ أن العارف يف حال توجهه إىل احلق ال يستطيع حتمل الشواغل اليت تصرفه عن اتصاله كزوال استعداده لذلك، أو أي شاغل آخر كالبدن أو النفس األمارة ،وهو ما جيعله حائرا ،به

واقفا منتظرا على باب احلق غري واصل، سائما كارها لكل تلك الشواغل اليت صرفت نظره عنه، و .قبل الوصولا هذ

احلق ،و ستزول حريته و انتظاره ألن استعداده الإسيغيب عن كل شيءعند الوصوللكنه لذلك يكون قويا ال يسمح معه بأي شاغل، و حينها فقط يكون مبتهجا حبالته اليت يكون فيها

و 1"أهش خلق اهللا ببهجته"على حكمة اهللا و قدرته ، و يأمر باملعروف ناصحا هأفعاهلم، و ال يغضب من منكر إلطالع

.بالليت هي أحسن

ألنههو كذلكو ،2"و نساء لألحقاد...وصفاح للذنوب...و جواد...شجاع":إن العارف

ال يكرتثاليتفكيف تستويل عليه الشواغل ،منصرف عن كل ما سوى اهللا،و متجه بكليته إليه

.

فني ألم رمبا قد ينبهرون مبا يستبصرون و برفع التكليفخيتم ابن سينا هذا الفصل ار لع عن اا عند الصوفية فيقول ل : "يشاهدون، فيزيغون عن الشريعة و هو ما يسمى شطح و العارف رمبا ذه

به إليه، فغفل عن كل شيء، فهو يف حكم من ال يكلف و كيف التكليف ملن يعقل فيما يصار،فمن انكشف له نور احلق 3"التكليف حال ما يعقله، و ملن احرتج خبطيئته إن مل يعقل التكليف

و استبصر غاب كلية عما سوى اهللا، وهو غري آمث ألنه غري عاقل أو واع بالشريعة يف حال انصرافه

.103،صاملصدر نفسه-1106،صالرابعابن سينا، اإلشارات و التنبيهات، اجلزء- 2.109،صنفسه املصدر- 3

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

151

و غافل عنها، ومن مل يطلع على أسرار احلق من غري العارفني فهو متعجب منهم منكر عنها ، فه.هلم

ليس من إمكان عامة الناس ،بل هو خاص بالعارفني املنصرفني " الفن"يقول ابن سينا إن هذا إىل جربوت احلق و املستعدين إىل ذلك استعدادا ليس باالكتساب أو التعلم بل حبسب الفطرة،

و لذلك فإن ما يشتمل عليه هذا الفن ضحكة املغفل، عربة للمحصل، فمن مسعه :"قولأو كما ي.1"فامشأز عنه ،فليتهم نفسه، لعلها ال تناسبه و كل ميسر ملا خلق له

:رفان ــالع: ثالثا

: العرفان مبتدئ من:""ابن سينا"يقول

. تفريق

. و نفض

.و ترك

.و رفض

2"للذات املريدة بالصدق منته إىل الواحد مث وقوفهو مجع صفات احلق،. ممعن يف مجع

أي الفصل بني ذات "التفريق"إن أول مراتب العرفان من خالل تعداد مقامات العارفني، هو أي إزالة مجيع تلك "نفض"العارف و بني ما يشغلها عن ذات احلق، مث تليها مرتبة

فهو "الترك"عن جناب احلق ، أما ، و التخلص من كل ما يشتعل3"عن الثوبكالغبار"الشواغلو املرتبة الرابعة و . االنقطاع عن ما سوى اهللا رغبة يف الكمال ألجل ذاته ال لغاية مرجوة من ورائه

.110،ص، املصدر نقسه- 1..98- 97-96:الصفحات،الرابعابن سينا، اإلشارات و التنبيهات، اجلزء- 2.أنظر الشرح.97املصدر نفسه ص- 3

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

152

هي اليت تغيب فيها ذات العارف بالكلية عنه، و ال يرى سوى " بالرفض"اليت يسميها ابن سينا .ذات احلق

صار احلق حينئذ بصره الذي يبصر به و مسعه " عن نفسهفإذا بلغ العارف هذه املرتبة و غاب

.1"العارف حينئذ متخلقا بأخالق اهللا تعاىل باحلقيقة

قوله أن ،و هو معىن"وقوفال"هذا املعىن " السراج الطوسي"، و يشرح "إلى الواحد"العارف بعد متام الدرجات السابقة ينتهي

و هناك ال يبقى واصف و ال موصوف و ال سالك و ال مسلوك و ال عارف و ال :" بقوله.2"معروف و هو مقام الوقوف

وإن كان يف أعلى مراتب العرفان فهو ليس آخرها،بل هناك مقامات " الوقوف"إن هذا املقام يها، ألا تفوق مستوى اللغة، و " ابن سينا"أخرى آثر ار ف تص االخ األحرى أو ب نها ، لم ع تك عدم ال

من أراد أن يعرف ذلك عليه أن يكون من أهل العرفان املشاهدين املعاينني للحق ،أو كما يقول و من . ،دون املشافهةمن أهل املشاهدة:عرفها، فليتدرج إىل أن يصريو من أحب أن يت:"...

فمن كان من أهل العرفان الواصلني ،يكون غائبا بالكلية ،3"دون السامعني لألثر. الواصلني للعنيعن ما سوى احلق، وال يكون له وجودا ذاتيا إال وجود احلق، و هو يف ذلك ال يستطيع أن يذكر

ره، و ما كان كذلك ال ميكن حاله أو يفهمها لغ ريه، ألنه ال يشاهد احلق باحلواس بل يعانيه يف س.للعبارة أن تعرب عنه

.98،ص املصدر نفسه- 1وعة بالصفات،بل الكل شيء وال ذات موض.فال صفات مغايرة للذات.إذ ال وجودا ذاتيا لغريه:"يشرح السراج الطوسي هذا القول بـما يلي

أنظر ابن سينا "منته إىل الواحد"،فهو ال شيء غريه ،وهذا معىن قوله ) 171سورة النساء اآلية ](إمنا اهللا إله واحد[كما قال عز من قائل:واحد).الشرح(، 99ص،اجلزء الرابع ،،اإلشارات والتنبيهات

.99ابن سينا ،اإلشارات والتنبيهات ،اجلزء الرابع ،ص - 2.100املصدر السابق ،ص- 3

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

153

اليت أردها يف النمط الثامن والتاسع حول " ابن سينا"لقد كان هذا خمتصر إشارات وتنبيهات .ول العرفان

كثريا يف الكالم "ابن سينا"اللذين أفاض الشوق "و "العشق"الرابط اجلامع بني اخللق واحلق ،ومها صص رسالة كاملة يف جنده قد خ" اإلشارات والتنبيهات"عنهما ،وإضافة إىل ما أورده يف كتاب

اا نو ان ع لك ك ، فما عالقة العشق بالشوق ؟ و كيف سيكون العشق أساسا "رسالة يف العشق"ذ.لكل سلوكات العارف الراغب يف احلق

:العشق و الشوق: رابعا

ت اإلهلية و ينفي الثاين بداية يفرق ابن سينا بني العشق و الشوق، إذ يثبت األول للذافالعشق ":خصائص املوجودات املشتاقة إىل احلق، و هو يف هذا يقولألن الشوق منعنها،

هذاإىل تتميماحلركة هو الشوقو ، ماذاتحضرة بتصوراالبتهاجاحلقيقي هو

".التلذذ"هو " السراج الطوسي"االبتهاج هنا كما يشرحه و 1"االبتهاج

والغاية يف الغاية يف اخلريية ،فهو الغاية يف املعشوقية"إن املوجود األول هو الكمال املطلق فهو عاشقيته الغاية يف معشوقيته، أعين بذلك ذاته تعاىل،إذ اخلري يعشق اخلري مبا يتوصل به إليه من نبله

فالعشق احلقيقي هو التلذذ حبضرة الوجود األول ،و لكل املوجودات عشق غريزي ، 2"و إدراكهشوقها، لذلك ال ميكن أن حيدث شوق ما ،دون أن يكون هناك تتشوق و تتوق به إىل مع

معشوق، على أن الشوق ال حيصل من االبتهاج و التلذذ إال بعضا من معشوقه، فهو غري كامل

.41املصدر السابق ،ص- 1ة ابن سينا ، رسالة يف العشق ، نشر وحتقيق حسن عاصي ،ضمن كتاب التفسري القرآين واللغة الصوفية يف فلسفة ابن سينا ، املؤسسة اجلامعي-2

.247،ص1982للدراسات والنشر والتوزيع ،الطبعة األوىل

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

154

فإنه قد نال شيئا ما ،وفاته شيء :فكل مشتاق"البتة ،لذلك يأيت يف املرتبة الثانية بعد العشق ،.1"ما

اليت مراتب العشق و الشوقعلىسيظهر بوضوح عندما نتعرفإن هذا القصد األخري :حبسب مراتب املوجودات ،وهي على النحو التايل" ابن سينا"يصنفها

و هو العاشق لذاته و املعشوق لذاته، و هو "الوجود األول"هي مرتبة المرتبة األولى-الذي تتشوق إليه النفس حبسب استعدادها، و هو ال يتشوق إىل شيء، ما دام الشوق حركة

عاشق لذاته معشوق لذاته، عشق " :ناقصة غري تامة ،فمحال أن يكون من صفات األول ألنه و من .معشوق لذاته من ذاته بل هو . من غريه ،أو مل يعشق، و لكنه ليس ال يعشق من غريه

.2"أشياء كثرية ،غريه

ابن "نفى عنهم و هؤالء ،"الجواهر العقلية القدسية"فهي مرتبة المرتبة الثانيةأما -"سينا

لشوق ألم ام من حيث هم مبتهجون به"ا بذو به و هجون ت أي ابتهاجهم –و تلذذهم ،3"املبليس تتمة لالبتهاج بل هو متام إدراكهم

ا، و عاشقة له ملا تعقله منه أبد ":"ابن سينا"املوجودات ،و هذا قول ا، إذ هي عاقلة له أبداو ا، و متشبهة به ملا يعشقة منه أبد .4"متشبهة به ملا يعقله منه أبد

.41و التنبيهات ، اجلزء الرابع ،صابن سينا ،اإلشارات- 1.42املصدر السابق،ص- 2.43املصدر نفسه ، ص- 3.268،صرسالة يف العشق ابن سينا، - 4

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

155

ابن "،اليت أثبت هلا " الناطقة الفلكيةالنفوس "بعد هاتني املرتبتني السابقتني ،تأيت مرتبة -عاشقةالعشق و الشوق معا ،فهي " سينا

وجودها باخلري املطلق ،لذلك كان العشق مالزما هلا يف حالة كماهلا لالوجود األول و إىل استكما.شرية،فهي متصفة بالكمال يف وجودها ، عكس النفوس الب

أا ة احي من ن ا ، فبحسب األذى الذي يصيب هذه النفوس من معشوقها عند مشتاقةأمذا يف اآلن نفسه، و هذا التلذذ و األذى مها يشبههما عقلياناستشعارها له ،و إن كان ذلك تلذ

،و إن كان هذا األخري حسي فإن ما يصيب املشتاقني هو "بأذى احلكة و الدغدغة" ابن سينا.عقلي خالص يتحد مع اللذة غري متباين أو متعاقب معهاأذى

، اليت يكون هلا شوق غريزي ما دام هناك "النفوس البشرية الناطقة"آخر مرتبة هي مرتبة -عشقا غريزيا يف "استعداد إىل إدراك املعقوالت، و اليت بإدراكها حتقق كماهلا ،و هي كذلك هلا

اا للحق املطلق أوال ، و لسائ ر املعقوالت ثانيا و إال فوجودها على استعدادها اخلاص بكماهلا ذهي هذه النفوسو ،1"معطل ،فإذن املعشوق احلق للنفوس البشرية و املالئكية هو اخلري احملض

بينها نفوس ناقصة غري ملتفتة إىل عاملمن،احلق و عامل احلس بني عامل متوسطة

املنحوسةالطبيعةاملغموسة يف عامل":بقوله"ابن سينا"احلق ،يصفها

.264املصدر السابق،ص- 1

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

156

.1"املنكوسة

اإلشارات و "إن اهتمام ابن سينا مبسألة الشوق والعشق و حتديد درجاته و مراتبه يف كتاب ،و كذلك ختصيص رسالة كاملة له كان لغرض و لغاية أساسية يف مذهب ابن سينا "التنبيهات.لنفس يف كتابات ابن سينا الصوفيةو سيكون لنا عودة إىل هذا الباب يف كالمنا عن االصويف ،

لقد كان هذا املبحث تلخيصا ملذهب ابن سينا يف التصوف، فقد نظر فيه كما سبق و أشرنا لعلوم الصوفية، وأفرد فيه ترتيبا ملقامات العارف وأحواله وأخالقه،وتكلم عن العرفان والشوق

،ولوال شرح السراج الطوسي على املليئة بالرموز واإلشاراتأسلوب ولغة املتصوفة والعشق ،ب". ابن سينا"ملا كان بإمكاننا اإلمساك مبقصود " اإلشارات والتنبيهات"

إن التصوف عند أصحابه هو جتربة ذوقية و انقطاع عن اخللق و عبادة و زهد لتحقيق اهود واألنس باملعبود:قيل و.يارترك االخت"فهواالستبصار ،املكاشفة و وقيل حفظ .بذل

اهللاهو صفاء املعاملة مع:وقيل .اإلعراض عن االعرتاض :وقيل .حواشيك من مراعاة أنفاسك

.2"وقيل الصرب حتت األمر والنهي.تعاىل ،وأصله التفرغ عن الدنيا

.45،صارات و التنبيهات ، اجلزء الرابع ابن سينا اإلش- 1حتقيق و )مقاييس–موازين –مكاييل –تصوف -فلسفة –فقه لغة -علوم قرآن(تعريفات مصطلحات ،اجلرجاين،كتاب التعريفات -2

.123، ص2003وىلالطبعة األ،بريوتزيادة حممد عبد الرمحان املرعشلي، دار التنافس،

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

157

املنغمسون يف تأمل "أما التصوف عند ابن سينا هو منهج عقلي تأملي يسلكه العارفون تستوجب السلوك فتجربة العارف هي عقلية فكرية ،1"اجلربوت املعرضون عن الشواغل

.،لذلك هي تعلو على أن تكون جمرد جتربة ذوقية عملية فقطالعملي

و در عن أحوال العارفني" ابن سينا"إن ما قاله

منهجه بشكل جلي، فإذا كانت الرياضة عند املتصوفة جماهدة النفس بابتعادها عن ما يشغلها عن ان ذيبها متخيطها " اهللا و ، ف ة فسي ن األخالق ال يب عن خلطات الطبع و ) أي ختفيفها(ذاالتصال باهللا دون سواه ، فإن الرياضة و ذلك هو طريق عملي يسلكه املريد لتحقيق،2"نزعاتهتنحية مادون احلق :""ابن سينا"عند

اإليثار، تطويع النفس األمارة للنفس املطمئنة و معىن ذلك ،3"تلطيف السر للتنبيه... عن مسنتفاء حىت تستطيع النفس حتقيق االتصال ،و ذلك أن الغرض من الرياضة هو بلوغ الكمال و الص

لي يف جربوت احلق باألمور البدنية ،و هذا فقط مثال ميكن إىل احلق و ال ينشغل عن التأمل العق.عن منهج الصوفية يف بلوغ مرتبة االتصال و الكمال التام" ابن سينا"أن منيز من خالله منهج

.33و التنبيهات، اجلزء الرابع، صتابن سينا، اإلشارا- 1. 183،صاجلرجاين، كتاب التعريفات - 2

.83صطريقة التفضيل و االختيار،أنظر شرح السراج الطوسي على اإلشارات،: مسنت اإليثار* .80-79صابن سينا اإلشارات و التنبيهات ، اجلزء الرابع ،ص- 3

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

158

صوفية عقالنية خالصة و عرفان نظريتعرب عن "ابن سينا"نقوله هو أن آراءإن ما ميكن أن

العملي،هذا األخري الذي اعتربه املتصوفة أول باب من أبواب منهجه عقلي يستوجب السلوك ولوج حضرة احلق ،ويف هذا يلتقي ابن سينا مع املتصوفة يف الغاية و املبتغى ،و خيتلف عنهم يف

،يف ظريطريقة بلوغ ذلك ،ألن العارف السينوي يصل عن طريق التكامل بني السلوك العملي والنمنتهجا سلوكا عمليان طريق الوجدان و الذوقحني أن املتصوف اخلالص يصل ع

اليتفالسعادة ،احلقسينا يف مشاهدةابنما يقوله خاللمن يتضح أكثرالقول إن هذا

إالال يبلغهااليتوهي حصول اللذة العقلية ،وباملشاهدة العقلية ،تكونيبلغها املشتاقون

،إذا زهونوالعارفون املتنـ:"القوتني العملية والنظرية ،فهو يقول،أي الكامل يف"العارف املتنـزه"وضع عنهم دون مقارنة البدن،وانفكوا عن الشواغل،خلصوا إىل عامل القدس والسعادة، وانتقشوا

.1"بالكمال األعلى وحصلت هلم اللذة العليا

قلبه من غري أن يتخللها تستويل أنوار التجلي على :"أما املتصوفة يعتربون أن صاحب املشاهدة اتصاهلا إذا يلة الظلماء بتوايل الربوق فيها،و سرت و انقطاع كما لو قدر اتصال الربوق، فكما أن الل

"2.

ابن " الكامل حبسب القوة العمليةالكامل حبسب القوة النظرية ،وباملتنزه .أقول يريد بالعارف"زه ج الطوسي يف شرحه على العارف املتنـيقول السرا.،أنظر الشرح33-23سينا،اإلشارات والتنبيهات،اجلزء الرابع ،ص ص

.32املصدر السابق ،ص- 1الطبعة ة،القاهرة، القشريي، أيب القاسم عبد الكرمي بن هوازن بن عبد امللك أيب طلحة، الرسالة القشريية، دار السالم للطباعة و النشر و التوزيع و الرتمج- 2

.49،ص2003الثانية،

ابن سینا في التصوف :المبحث األولالفصل الثالث

159

،أو لنقل تنظريه لعلوم يف التصوف " ابن سينا"إن اهلدف من هذا الكالم هو تأكيد مذهب الصوفية وتأسيسه لتصوف نظري عقلي ،وهذا من ناحية ،أما من ناحية ثانية ال تقل أمهية هي أن كالمه عن النفس و اليت هي أساس حبثنا سيشمل هذا املذهب ،فكل املقامات والدرجات اليت

ية لفهم النفس يف تكلمنا عنها سرتتبط بالنفس ،ما جيعل هذا املبحث مقدمة متهيدية و ضرور كتابات ابن سينا الصوفية ،و هو ما سنفصل فيه يف املبحث الثالث من هذا الفصل، أما املبحث الثاين فإننا سنخصصه للكالم عن النفس يف كتابات ابن سينا الفلسفية و بالتحديد كتاب النفس

.

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

160

من قبل ،و متثل ذلك يف "أرسطو"كتابا خاصا تكلم فيه عن النفس كما فعل " ابن سينا"أفرد ما جعل الكتاب من ، و هو يثري فيه إشكالية النفس بكثري من الدقة و التفصيل،" كتاب النفس"

و من أهم اآلثار الفكرية اليت أورثتها أهم املصادر املعتمدة يف علم النفس يف العصور الوسطى.الفلسفة اإلسالمية للفلسفات الالحقة عليها

هذا الكتاب هو اجلزء السادس من طبيعيات الشفاء،حيتوي على مخسة مقاالت ،وكل مقالة " ابن سينا"على جمموعة من الفصول تكلم فيها

واحدة منها ،ويف نفي فساد النفس وتناسخها،و العقل ومراتب أفعاله ،كما تكلم داخل الفصول . من حني إىل آخر عن آراء القدماء يف مسائل النفس وقام بإبطاهلا

مل يكتفي بالكالم عن النفس يف هذا املصدر السابق " ابن سينا"كما جتدر اإلشارة هنا إىل أن فقط ،بل جنده يتطرق إليها يف مواضع أخرى كثرية من كتبه و رسائله،إال أننا سنشتغل على نص

،ومع الفيلسوف"ابن سينا"نظرا لعمقه وأمهيته يف أنه يقدم لنا نظرية النفس عند " كتاب النفس".ذلك سيكون لنا عودة إىل بعض مصادره األخرى عندما تقتضي احلاجة املعرفية إىل ذالك

بقي أن نشري إىل ضرورة الكالم عن النفس يف كتب ابن سينا الفيلسوف،يف خالل البحث .عنها يف مذهبه يف التصوف،ألنه قد يعتقد البعض أنه ما من داع إىل ذلك

يف نصوصه يف التصوف دون معرفة " ابن سينا"النفس عند نقول،ال ميكن اإلملام مبنهج املقدمات الفلسفية اليت عمل كثريا على الربهنة عليها وشرحها ،وحنن نعلم أنه بدأ بالفلسفة وختم

مقدمة إبراهيم أنظرميالدي و اعترب كمرجعية مهمة يف الدراسات النفسية الوسيطية،12ترجم هذا الكتاب إىل الالتينية يف الربع الثالث من القرنمذكور، حتقيق جورج قنوايت، سعيد زايد، ابن سينا، الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، كتاب النفس، تصدير و مراجعة إبراهيم لكتاب مذكور

.1975اهليئة العامة للكتاب، القاهرة دون طبعة

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

161

من آخر " اإلشارات والتنبيهات"حياته الفكرية بأن وضع مذهبه يف التصوف ،وقد كان كتاب .همراحل البحث وخالصاتكتبه، وستتضح هذه الفكرة أكثر خالل

:حد النفس : أوال

أا " كتاب النفس"يعرف ابن سينا النفس يف الفصل األول من كمال أول لجسم " :بمباشرة بل انتقل من " ابن سينا"مل يقدمه وهذا التعريف،1"طبيعي آلي له أن يفعل أفعال الحياة

:جمموعة من املقدمات و هي اليت سأخلصها فيما يلي

يف األجسام و النمو و التغذية و التوالد و كذلك احلس كلها أفعال ال ميكن ةكة املوجودإن احلر إرجاعها إىل اجلسم ،ألن هذا األخري هو آلة طبيعية قابلة للتغري و النمو و احلركة ،و غري قادر

بذاته، ما يعين أنه يوجد مبدأ آخر مسئوال عن هذه -أي احلركة و النمو–على فعل ذلك مبدأ لصدور أفاعيل ليست على و باجلملة كل ما يكون : "األفعال و هو النفس، أو كما يقول

و هذه األجسام اليت تكون النفس مبدأ هلا هي ،2"وتيرة واحدة عادمة لإلرادة فإنا نسميه نفسا.ها مرتبط بوجود النفس فيها فتكون هذه األخرية أساس وجودهانبات أو حيوان، ووجود

، بالقوةووجود بالفعلأن وجود الشيء كما هو معلوم يكون بني وجود " ابن سينا"يضيف فيظهر وفق ما سبق أن اجلسم هو الوجود بالفعل الذي تتم به األفاعيل من حركة و منو و غريها،

الشيء هو ما هو بالقوة، و على هذا األساس ال ميكن و أن النفس هي اجلزء الذي يكون به يقوم على النفس أو على البدن، بل على كمال آخر هو مبدأ بالفعل ال القول أن وجود الشيء

ابن سينا، الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، كتاب النفس، تصدير و مراجعة إبراهيم مذكور، حتقيق جورج قنوايت، سعيد زايد، اهليئة -1.10، ، ص1975العامة للكتاب، القاهرة دون طبعة

.05املصدر نفسه ، ص- 2

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

162

يكون به النبات و احليوان بالفعل "الذي "بالكمال"لوجود الشيء، و هو ما يسميه ابن سينا .1"نباتا و حيوانا

، و هي ليست جسم بل جزء من قوام احليوان أو النبات، و للجسمصورةكما أن النفس .بانضمامها إىل البدن يكتمل جوهر الشيء وتسمى صورة

" كمال"و " قوة"" ابن سينا"إن كل هذه الدالالت حسب تكمن ألن حقيقتها " كماال"، لكنه يضيف بأن األنسب هلا بأن نطلق عليها "صورة"و كذلك

.

هو الذي يصري به فالكمال األولعلى وجهني كمال أول و كمال ثاين، "فهو " الكمال"أما هو أمر من األمور اليت تتبع نوع الشيء من الكمال الثانيالنوع نوعا بالفعل كالشكل للسيف،و

.2"قطع للسيف، و كالتمييز والروية و اإلحساس و احلركة لإلنسانو انفعاالته كالهأفعال

فالنفس هي الكمال األول الذي به يصري النوع نوعا بالفعل ،إذ أن هذا األخري ال حيتاج إىل الكماالت الثانية من حركة و إحساس حىت يكون كذلك ،بل حيتاج إىل مبدئه الذي به تصري تلك

.الكماالت بالقوة

الذي تكون النفس كماال له، فهو ليس املقصود به اجلسم الطبيعي الصناعي املتمثل أما اجلسمأو اهلواء، بل هو و ريف اهليوىل اجلامدة اليت حنن نتحكم فيها، و ليس أي جسم طبيعي كالنا

جسم طبيعي تصدر عنه كماالته الثانية بآالت يستعين بها في أفعال الحياة التي "بالتحديد.3"و النموأولها التغذي

.06املصدر نفسه ، ص- 1

.10ابن سينا، الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، كتاب النفس ، ص- 2.10املصدر نفسه ، ص-3

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

163

:في كيف أن النفس صورة/ 1

نطرحه ذا الصدد هو بأي صفة تكون النفس صورة ؟ أن ميكن ذي ل ال ا لسؤ إن الصورة .إن االنفس، و هو يعرفها يف رسالة احلدود " ابن سينا"

ماهية لشيء كيف كان، و على النوع و على كل: الصورة اسم مشرتك يقال على معان"بقولهعلى الكمال الذي به يستكمل النوع استكماالته التواين و على احلقيقة اليت تقوم احملل الذي هلا،

.1"و على احلقيقة اليت تقوم النوع

انطالقا من هذا القول و من التعريف السابق للنفس يتضح أن النفس ليست جبسم، بل هي صورة، و هيكمال أوللذلك فهي مبدأ األفاعيلهي ، وجزء من قوام النوع بما هو نوع

، ألن األجسام 2" ا تكمل هويات األشياء "على أن الصورة ليست كماال أوال، بل ،للجسم اجلسم احلي جسم مركب طبيعي ميايز "الطبيعية تكون ناقصة تستكمل ماهيتها بالفعل بالصورة فـ

احليوانية بنفسه ال ببدنه و نفسه فيه و ما هو يف الشيء غري احلي بنفسه ال ببدنه و يفعل األفاعيل .3"و هذه صورته

ألن استكمال اجلنس كمالمبا هو نوع، و هي إذ ا يكون كمال النوعصورةإن النفس هي ،و ملا كان اجلنس غري معروف استوجب الفصل الذي به يتحدد نوعه -أي بالنوع-نوعه يكون به

ل هو كمال النوع، فتكون الصورة بالقياس إىل املركب من مادة و و كانت الصورة فصال، فالفص

اين ابن سينا، تسع رسائل يف احلكمة و الطبيعيات و آخرها قصة سالمان و إسبال، ترمجها من اليوناين حنني بن إسحاق ، دار العرب للبست-1.8283،ص ص2القاهرة بدون سنة،ط

بن ابن سينا، مبحث القوى النفسانية، أو كتاب النفس على سنة االختصار، هدية الرئيس أيب احلسن بن عبد اهللا بن سينا أهداها لألمري نوح -2.25،ص1325مصر، بدون طبعةمنصور الساماين، عين بضبطها و تصحيحها ادوارد ابن كرنيليوس فريدريك األمريكاين، مطبعة املعارف

.25املصدر نفسه، ص- 3ىل يف عيون احلكمة يف جزء املنطقيات يفصل ابن سينا يف معىن اجلنس و النوع و الفصل و غريها من املقوالت املنطقية و قد وددنا أن نشري إ

. الفصل هو املقول على كلي يف جواب أي ما هو. هواجلنس هو املقول على كثريين خمتلفي احلقائق يف جواب ما :"ذلك حىت يتضح املقال يقولطبوعات الكويت، دار أنظر ابن سينا عيون احلكمة ،حتقيق و تقدمي عبد الرمحن بدوي، و كالة امل"خص كليني مقولني يف جواب ما هوأالنوع هو .02، ص1980، الطبعة الثانيةالقلم لبنان

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

164

تقتضي نسبة إىل " صورة كماال، و يكون النوع نوعا بالقياس إىل اجلنس كماال، فينتج أن الصورةشيء يكون به اجلوهر احلاصل هو ما هو بالقوة، شيء بعيد من ذات اجلوهر احلاصل منها، و إىل

،ألا صورة باعتبار وجودها للمادة و إىل ادة امل لشيء هو لك ا يه، و ذ يل إل اع األف سب ن شيء ال تسب اعتباره ذي تصدر عنه األفاعيل ألنه كمال حب،و الكمال يقتضي نسبة إىل الشيء التام ال

.1"للنوع

من هذا القول و من التلخيص السابق الذي قمنا به، هو جواز القول يف" ابن سينا"إن غرض أن النفس صورة، و ذلك يكون فقط من حيث عالقتها باملادة ،و ألن الكمال يتضمن معىن

فتكون ،.كما أشرنا كل صورة كماال

املدينة و الربان ، فإن امللك كمال ليس كل كمال صورة"لكن:يعود ويقول "ابن سينا "إال أن فكمال الشيء أوسع من صورته أو ،2"كمال السفينة، و ليسا بصورتني للمدينة و السفينة

النفس ،ويتضمنها ،و الصورة بذلك هي جوهر من حيث صلة النفس بالبدن الذي قوامه وجودهاهو ما سنفصل فيه يف ، و كذلك هي جوهر لكن ليس من نوع الصورة ،بل جوهر من نوع آخر

.وان الالحقالعن

كيف أن " ابن سينا"يبني " كتاب النفس"يف الفصل الثالث من : في أن النفس جوهر/ 2،عكس العرض الذي "ال موضوع"قائما بذاته موجودا في ، و اجلوهر هو ما كان جوهرالنفس

يرتبط وجوده بوجود املوضوع، إذ أنه يكون الحقا عليه ، و األعراض هي اليت حتمل على كثرين، تكون مقومة ملوضوعها، بل يكون قوامها يف موضوع، و هي بذلك ال تصدق على النفس فال

كمال ملوضوع، "

.07،صت، النفسمن الطبيعياابن سينا الشفاء، الفن السادس - 1.07، صاملصدر نفسه- 2

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

165

يستكمل به كمالفالنفس هي .1"صانعهمكمل النوع و ذلك املوضوع متقوم به، و هو أيضا تغاير به مع األشياء األخرى ،و هي بذلك جوهر، أما القول بالنفس احليوانية و الشيء وجوده و ي

النفس النباتية ال يعين مطلقا أن هناك تعدد يف النفوس، بل بالنفس ختتلف األجسام املركبة القابلة وهي كمال واحدة

لل.الجوهرية و الكمال تخص النفس و ال تخص القوى التابعة لها

إن النفس جوهر قائم بذاته غري حمتاج يف قوامه إىل شيء،عكس اجلسم الذي ال حياة و ال من دوا، و له ال نفع الدليل على ذلك هو أن النفس تعيش أو باألحرى تستمر يف حركة و ال

فال تكون هناك مادة حمفوظة الذات بعد مفارقة النفس،هي "،من أعراضه اليت تزول بزوال املوضوعوضوعة لغريها، فإذن ليس وجود النفس يف اجلسم كوجود كانت موضوعة للنفس، و اآلن هي م

.2"فالنفس إذا جوهر ألنها صورة ال في موضوعالعرض يف املوضوع،

أا ال تفسد بفساد " ابن سينا"،ألن روحانية النفسهذا الكالم يثري مسألة أخرى هي يقول و قدم من الرباهني ،و قد اسرتسل يف ذلك كثريا،و البدن

الدالالت ما يثبت رأيه ،إال أننا سنؤجل الكالم عن ذلك طبقا لرتتيب املقاالت و الفصول يف و .،وسنتكلم فيما يلي عن قوى النفس"كتاب النفس"

.26املصدر نفسه ،ص- 1.23، صمن الطبيعيات، النفسابن سينا الشفاء، الفن السادس - 2

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

166

:قوى النفس: ثانيا

فذلك إن النفس واحدة غري قابلة للقسمة، و أما القول بالنفس النباتية و احليوانية و الناطقة إىل ثالث قوى مثلت النفوس الثالثة املذكورة "ابن سينا"اعتبارا لقواها، و على هذا األساس خيلص

سابقا،و كل واحة منها تشتمل على قوى أخرى قد تشرتك فيما بينها، و قد تكون خاصة يف .إحدى األنواع منعدمة يف األخرى

منها و اليت يشرتك الخاصةاحليوان مث اليت يشرتك فيها النبات والعامةمن " ابن سينا"يرتبها ألخصفيها احليوان و اإلنسان ، مث ا

فكل األجسام املركبة املتنفسة تتميز باحلركة حنو النمو، و علة اشرتاك اإلنسان و ،من جانب احلركة أا حاسة تتميز باإلدراك احلسي ،و علة انفراد النفس الناطقة هو احليوان يف النفس احليوانية هو

فحصلت لنا القوى "أا تتميز باإلدراك العقلي الذي يكون منعدما عند النباتية و احليوانية احلاسةالنفسانية مرتتبة حبسب العموم و اخلصوص على ثالث مراتب أوهلا ما تعرف بالقوة النباتية ألجل

ثالثها تعرف بالقوة النطقية، فإذن ثانيها تعرف بالقوة احليوانية و ن و النبات فيها، واشرتاك احليوا.1"األقسام األول للنفس حبسب اعتبار قواها ثالث

عليا بل هي تتضمنها و أما انعدام الوظائف العليا يف الدنيا فال يعين انعدام هذه األخرية يف ال:فصيل يف كل واحدة من هذه القوى و هي كالتايلضح األمر أكثر من خالل التترتأسها و سيت

.25-24صصابن سينا، مبحث عن القوى النفسانية، أو كتاب النفس على سنة االختصار،-1

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

167

هي الكمال األول لجسم طبيعي آلي من جهة ": يعرفها ابن سينا بقوله: النفس النباتية-1فهي إذا كمال للجسم الطبيعي القابل للحياة من ثالث نواح معينة 1"ما يتولد و ينمى و يتغذى

.

:المولدة-أ

ي فيها فتتحول من وجود بالقوة إىل وجود بالفعل، و من تتولد أجسام شبيهة باألجسام اليت ههي قوة تأخذ من اجلسم الذي :"

هي فيه جزءا هو شبيه بالقوة فتفعل فيه باستمداد أجسام أخرى شبيهة به من التغليف و التمزيج .2"ما يصريه شبيها به بالفعل

:المنمية -ب

يأخذ الكيفية اليت جيب أن يكون عليها دون اقوة تزيد يف اجلسم الذي هي فيه باجلسم املتشبه به زيادة "زيادة أو نقصان، و هي كما يعرفها

.3"متناسبة يف أقطاره طوال و عرضا و عمقا لتبلغ به كمال النشوء

:الغاذية -ج

تقمنها،و هي من القوى اليت ال يستغين عنها اجلسم احلي طيلة مدة بقائه،وعمل الغاذية غري متواز

.32صابن سينا الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، النفس، -1.33املصدر السابق، ص- 2.33املصدر نفسه ، ص- 3

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

168

م الغاذية الغذاء أكثر من حاجة العضو فيختل التناسب بني ما تقدمه و بني ما يتحلل،وإن كانت

.القوة الغاذية هي اليت تتصرف بالغذاء إال أن ذلك يكون حتت تدبري القوة املنمية

:النفس الحيوانية -2

الجزئيات هي الكمال األول لجسم طبيعي آلي من جهة ما يدرك:"يعرفها ابن سينا بقوله ،إن هذا التعريف يشري إىل أن هذه النفس هلا قوتان أساسيتان و مها القوة 1"و يتحرك باإلرادة

احملركة و املدركة، و هو ما سنحاول تلخيصه طبقا ملا ورد يف كتاب النفس البن سينا يف الفصل .اخلامس من املقالة األوىل

،أما األوىل فهي محركة فاعلةو باعثةمحركة تنقسم بدورها إىل قسمني :القوة المحركة-أاليت تدفع إىل احلركة طلبا للذة أو دفعا لألمل القوة النـزوعية الشوقيةباعثة على احلركة و تتمثل يف

القوة و . غضبيةو أخرى شهوانيةإىل قوة طبقا للصور اليت حتدث عن املخيلة ،و هي تنقسم اللذة، يف و األشياء املتخيلة ذات النفع و ركتها حنهي اليت تكون حالنزوعية الشوقية الشهوانية

تكون حركتها حنو رفض و دفع الصور املتخيلة غري النـزوعية الشوقية الغضبيةحني أن القوة .املرغوب فيها ضارة كانت أو فاسدة

فهي القوة اليت تتحرك مبوجبها العضالت و األعصاب حنو المحركة الفاعلةأما الثانية أي.ذي يتجه إليه الشخص و تكون احلركة إما إقباال على املبدأ أو إحجاما عنه املبدأ ال

.32، صمن الطبيعيات، النفسابن سينا الشفاء، الفن السادس 1

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

169

تنقسم هي األخرى إىل مدركة من خارج و أخرى من داخل،وفيما يلي : القوة المدركة-ب. تفصيل ذلك

هي القوة اليت تدرك األشياء اخلارجية و تتم عن طريق :القوى المدركة من خارج1-بو سنفهم هذا التعداد بعد عرضنا 1"احلواس اخلمس أو الثمانية" فيما يقول احلواس الظاهرة و هي

. هلا و هي حسب ترتيبه البصر، السمع، الشم، الذوق، اللمس

:"البصر*و هذه 2"ة بالفعل إىل سطوح األجسام الصقليةاألجسام ذوات اللون املتأدية يف األجسام الشفاف

احلاسة تدرك األلوان اخلارجية من خالل انعكاس أشباحها يف الرطوبة اجللدية و ذلك مبساعدة .املشف

متوج اهلواء املنضغط بني قارع "هو القوة اليت تدرك األصوات املنبعثة من خارج بسبب :السمع*منه صوت فيتأدى متوجه إىل اهلواء احملصور الراكد يف و مقروع مقاوم له انضغاطا بعنف حيدث

.3"جتويف الصماغ و حيركه بشكل حركته و متاس أمواج تلك احلركة العصبية فيسمع

تدرك هذه احلاسة الرائحة عن طريق اهلواء الذي يستنشقه الكائن احلي، و اليت تكون : الشم*.غخمتلطة به و يتم ذلك عرب قوة موجودة يف مقدمة الدما

أي قبول الغذاء أو رفضه ،إلمكانيته على حتديد مذاقه ،وهو يقوم بدور االشتهاء ؛: الذوق*يتشابه مع حاسة اللمس يف كونه يعتمد على املالمسة ،لكن هذه األخرية غري كافية ألنه حيتاج إضافة إىل ذلك إىل آلة تقوم بدور الوسيط ،وهي اللسان ،وقد يتعطل عملها إذا مل يستطع

.عاب إذابة الغذاء وحتويله من جاف إىل سائل بسبب املرض أو التعرض حملسوس قويالل

.34املصدر نفسه ،ص - 1.34، صمن الطبيعيات، النفسابن سينا الشفاء، الفن السادس - 2.34املصدر نفسه ،ص - 3

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

170

عضوها غري حمدد فإذا كان عضو البصر هو العني و عضو السمع هو األذن،فإن :اللمس*كل كل ما يقع عليه من مؤثر خارجي، و حاسة اللمس موجودة يف جلد الكائن احلي و هي تدرك

الذوقفحاسة، احلواس األخرى تعتمد على متوسط يساعدها على استشعار حمسوسها

فيكون بال امللموس" أمااهلواء ،بتوسط السمع و ، الرطوبةبتوسط املطعومتستشعر

.1"وساطة غريبة بل باملالمسة

ابن "يف اجللد كله حيددهاو طبيعة إدراك هذه احلاسة تكون متمثلة على أربع قوى منتشرة وإحدامها حاكمة يف التضاد الذي بني احلار و البارد و الثانية حاكمة يف التضاد :" بقوله" سينا

الذي بني الرطب و اليابس، و الثالثة حاكمة يف التضاد الذي بني الصلب و اللني و الرابعة آلة واحدة يوهم تأحدها يف حاكمة يف التضاد الذي بني اخلشن و األملس،إال أن اجتماعها يف

.2"الذات

.آلتها أي عضوها

:مدركة من داخلالالقوى 2-ب

تدرك صور احملسوسات و بعضها تدرك "دراك الباطين و هي متنوعة حسب طبيعتها متثل اإلمعاين احملسوسات، و من املدركات ما يدرك و يفعل معا و منها ما يدرك و ال يفعل،و منها ما

فهو ما اشرتك فيه احلس الصورإدراكأما 3"يدرك إدراكا أوليا، و منها ما يدرك إدراكا ثانيان معا ،لكن تكون األسبقية للحس الظاهر مث ينقله للباطن فيدرك الكائن احلي الظاهر و الباط

.36، صعبد الرمحان بدوي دميابن سينا ،عيون احلكمة ، حتقيق وتق- 1.34ابن سينا الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، النفس،ص- 2.34نفسه ،صالسابق املصدر - 3

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

171

فقط، و هو ما كان مستغنيا يف إدراك المعنىصور األشياء ،و يقابل إدراك صور احملسوسات ذلك عن القوى الظاهرة بل حيدث اإلحساس باطنيا من خالل حصول معىن اخلوف مثال من

.ركه احلواس اخلارجيةالذئب و اهلرب منه دون أن تد

سوسات فاإلدراك هلا فعالاحملاليت تركب بني فهو القوة الباطنية مع الفعلاإلدراكأما

هو حصوله دون أن يتصرف فيه مطلقا أي قبوله كما هو دون اإلدراك مع عدم الفعلأمافيها،للصور من ذات احلاس،أما يه اإلحساساتهو الذي حتدث فالباطني األولياإلدراك ، و تغيري فيه.فهو حصول صور احملسوسات بتدخل شيء آخر أدى إىل حدوثهاالثانياإلدراك

:و على هذا األساس حيدد ابن سينا احلواس الباطنية اليت تتوضح من خالل القوى التالية

بفنطاسيا وهي احلس املشرتك،وهي قوة مرتبة يف "تسمى: الحس المشترك2/1-ب التجويف األول

احلس املشرتك هو مركز احلواس الظاهرة اليت تساعدنا على إدراك األشياء بقوة واحدة قد و 1"إليهان يف األصل،كادراك احلالوة بالبصر مبجرد رؤية العسل مثال،فنعلم أن الذي س جيتمع فيها ح

لوالها ملا كان إذا أحسسنا بلون العسل إبصارا :"ون هو حلو أو كما يقول ابن سينايكون ذا الل .2"حكمنا بأنه حلو و إن مل حنس يف الوقت حالوته

هي قوة مرتبة أيضا يف آخر التجويف املقدم من الدماغ حتفظ و:"الخيال و المصورة2/2-بأن إذ 3"فيه بعد غيبة تلك احملسوساتما قبله احلس املشرتك من احلواس اجلزئية اخلمس، و يبقى

.مهمة احلفاظ على صور احملسوسات يكون من عملها

. 36ابن سينا الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، النفس ،ص- 1.38صعبد الرمحان بدوي حتقيق وتقدميابن سينا ،عيون احلكمة ،- 2.36الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، النفس، صابن سينا - 3

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

172

إذا كانت عندإذ كانت عند اإلنسان فهي املفكرة و :القوة المتخيلة أو المفكرة2/3-باحليوان تسمى املتخيلة، و تعتمد يف فعلها على االختيار و ذلك برتكيب و حتليل الصور احلاصلة

.يف اخليال

هي خارجة عن ماليس الصور أي املعاين وكبادرافعلها يتم:القوة الوهمية 2/4-ب

عنهمهروبالذئب احلاكمة بأن هذايف الشاةكالقوة املوجودة"تدركه احلواس الظاهرة

.1"أن هذا الولد هو املعطوف عليهو

يدركه الوهم كما أن الصورة خزانة ما خزانة ما "و هي: القوة الحافظة الذاكرة-2/5ب.2"يدركه احلس

: النفس الناطقة / 3

ا كمال أول لجسم طبيعي آلي من جهة ما ينسب إليه أنه يفعل :"هي اإلنسانية وحدهاالستنباط بالرأي،و من جهة ما يدرك األمور األفاعيل الكائنة باالختبار الفكري و

ا يف النفس النباتية واحليوانية القوى السابقة اليت تكلمنا عنهكلعلى حتوزوهذه النفس،3"الكليةو تزيد عليها بقوة العقل، هذا األخري الذي يكون عمليا و نظريا ما مينح للنفس اإلنسانية قوتني ،

: و سنشرع يف شرحها فيما يليوة العالمةالقو القوة العاملةأساسيتني مها

مبدأ التحريك لبدن :"تتمثل يف العقلي العملي و يعرفها ابن سينا بقوله:القوة العاملة-أأا مرتبطة ،4"اإلنسان إىل األفاعيل اجلزئية اخلاصة بالروية على مقتضى آراء ختصها اصطالحية أي

متجهة حنو الفعل املختار، و هي القوة اليت حركة اإلنسانمبقتضاها تكون باجلانب العملي و

.36ابن سينا الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، النفس ،ص- 1.62،صاحلكمة و الطبيعياتابن سينا تسع رسائل يف-2.32ابن سينا ،الشفاء،الفن السادس من الطبيعيات، النفس،ص-3.37نفسه، صقالساباملصدر- 4

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

173

وه أبتساعد على اختيار الفعل بني القيام تساهم يف توجيه بعض القوى األخرى، فهي بالنسبة إىل القوة النـزوعية تشمل ما حيدث لإلنسان

يقوم ا اإلنسان إثر حالة ا ات اد عد است مثل الضحك و البكاء نفعالية ما أو فعل يقوم به،من .اخلجل و غريهاو

لقبيل الذي تنحاز إليه إذا ا"أما اعتبارها حبسب القياس إىل القوة احليوانية املتخيلة و املتومهة هوأما االعتبار األخري الذي تكلم عنه ابن ،1" التدابري يف األمور الكائنة الفاسدةطاشتغلت باستنبا

سينا هو.إن الكذب منبوذ و الصدق حممود و غريها: و أحكام معيارية مثل

: )العالمة(القوة النظرية -ب

فأخذها "هي اليت

تدرك الصور الكلية الخالصة و المجردة عن ، أي أن هذه القوة النظرية 2"عالئق املادة شيءو قد ،و هذا اإلدراك يكون بنسب خمتلفة طبقا لطبيعة قبول الشيء إذ قد يكون بالقوة المادة

. يكون بالفعل

فقد يكون مطلقا أو ممكنا أو كماال و ذلك يكون عند إدراك القوة النظرية القبول بالقوةأما

.37الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، النفس ، صابن سينا - 1.39املصدر نفسه ،ص- 2فيقال قوة لالستعداد املطلق الذي ال يكون خرج منه بالفعل شيء، و ال أيضا حصل ما به خيرج :"القوة حسب ابن سينا تكون على ثالث معان

كقوة وصل إىل اكتساب الفعل بال وساطة،ه أن يتبحيصل للشيء إال ما ميكنه كقوة الطفل على الكتابة، و يقال قوة هلذا االستعداد إذا كان مل مع اآللة أيضا كمال الصيب الذي ترعرع و عرف األدوات و القلم و بسائط احلروف على الكتابة، و يقال قوة هلذا االستعداد إذا مت باآللة و حدث

تكمل للصناعة، إذا كان مل ساب بل يكفيه أن يقصد فقط، كقوة الكاتب املسن يكون له أن يفعل مىت شاء بال حاجة إىل االكتاالستعداد بأ.39نظر ابن سينا ، كتاب الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، النفس،صأ" يكتب

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

174

موجودا عند كل إنسان و ،هذا األخري الذي يكون "العقل الهيوالنـي"بـ بالفطرة،و هو ما يسمى .يسمى كذلك ألنه مبثابة اهليوىل اليت يكون فيها استعداد للفعل لكن بدون تشكل

يت هي للعقل اهليواليت بالفطرةباملقدمات اليقع التصديق عندماالقبول ممكنايكون و قد

تلك ك يف صدقها مثل االعتبار القائل بأن الكل أعظم من اجلزء، فإذا خرجتدون الش و ،وجيوز أن تسمى عقال بالملكةاملقدمات من القوة املطلقة إىل التصديق الذي هو بالفعل مسيت

عقال بالفعلكاهليوىل كذلك نسبة إىل العقل األول الذي هو بالقوة فقط،والذي ليس بإمكانه أن يعقل شيئا،

.دخل فاعل فيهات

استكمال النفس يف صورة "و يعين ،"العقل بالفعل"و هو ما يسمى القبول كماالو قد يكون و هو حصول الصور املعقولة فيه ،1"ما أو صورة معقولة حىت مىت شاء عقلها و احضرها العقل

ون احلاجة إىل الرجوع إليها بالفعل، بل هي موجودة فيه حاضرة حبيث أنه يرجع إليها مىت أراد دأا ال حتتاج االكتساب إذ له اد و كما عد االست ام هي مت اهة و .بد

فيتمثل فيما يسميه ابن القبول بالفعلإن ما سبق هو قبول العقل النظري للصور بالقوة، أما تسخة يف النفس على سبيل أصول من ماهية جمردة عن املادة مر "و هو"العقل المستفاد"سينا بـاردة عن املادة فيه تكون متحققة بالفعل ،2"خارج ية لكل لصور ا .فحضور ا

:طبيعة النفس الناطقة و عالقتها بالبدن/ 4

يف إثبات أن قوام النفس :"يتكلم ابن سينا عن هذه املسألة يف كتاب النفس حتت عنوانأن النفس ليست من طبيعة الجسم و ال ،و فيه يثبت " الناطقة غري منطبع يف مادة جسمانية

.80صحلكمة و الطبيعيات، رسالة احلدودابن سينا تسع رسائل يف ا- 1.80،صنفسهاملصدر السابق - 2

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

175

ليس جبسم و ال قائم جبسم على أنه قوة فيه أو صورة "فيه ،ومن ذلك قوله أن النفس جوهرقائمةيف هذا إثبات كذلك لروحانية النفس و يسوق ابن سينا يف هذا جمموعة من الرباهني و،" له بوجه

:و األدلة سنلخصها فيما يلي

إن إدراك القوة العقلية للصور الكلية جيردها من كل عالئق املادة فال تكون املعقوالت املدركة -املادة،هل وجودها يف

الذي تعقلها؟الجوهر العاقلأم هي موجودة يف الوجود الخارجي

.األخري خال من أن يكون منقسما أو متجزئا أو حنوا من ذلك، فإنه ليس يف جسم

، تصور المعقوالت الكلية المجردة دون آلة جسمانيةالقادرة على النفس هي وحدها -عكس القوى األخرى كاحلس مثال ال يستطيع إدراك حمسوساته بصورة جمردة خالية عن املادة،فكل أفعاله هي أوال مرتبطة بعضو يفعل أو حيس ،فاإلحساس يرتبط مبادية احملسوسات غري خارج

.عنها

ورات كلية جمردة عن املادة ال تقبل االنقسام ال من حيث الكم و إن املعقوالت اليت هي تص-

.وجودها ال بد أن يكون جوهر ليس جبسم

هو ،و من كانت له هذه القدرةتدرك من المعقوالت ما النهايةإن قوة العقل ميكنها أن -ابن "

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

176

و املعقوالت اليت للعقل أن يعقل أيتها شاء كالصور العددية :"يف عيون احلكمة حيث يقول"سينا.1"ن هذه القوة ليس جبسم ألن لكل جسم قوته الفعلية

اردة دون آلة جسم- ة ي لكل الت ا املعقو تصور ة ت ي لعقل ة ا لقو انية أي أن حملها ليس إن اعلى آلة ماالعقل،

.2"" يف اجلسد، لكان

ألن الصور "،إالاملعقولة إذا حلت اجلوهر العاقل جعلته عاقال ملا تلك الصورة صورته أو ملا تلك الصورة مضافة

صور ،3"إليهالشيء املضاف، بل ذات الشيء الذي هو جوهره، فال يكون هناك شيء مضاف على اجلوهر

.ة

هذه األخرية و القوة العقالنية لو كانت تدرك بآلة جسمانية لفسدت هذا إضافة إىل أن ما هو احلال يف احلواس اليت تفسد أو تعجز عن إدراك تعبت لكثرة اإلدراك و التعقل الشاق،ك

قوة العقلية هو تعرضت لصوت قوي رمبا فسدت أو باالحرى تعطل فعلها، لكن األمر بالنسبة لل. عقل ما هو أضعف منهاسهل عليها ت ن تصورها للمعقوالت القوية يعكس ذلك متاما، أل

و هي كذلك ليست جسمانية ألن البدن يتعرض للوهن و التعب و كل أعضائه تضعف يف كانت فلو

.مثلهالنفس إذا جزءا من أجزاء البدن لضعفت

.45ص،عبد الرمحان بدوي ، حتقيق وتقدميابن سينا عيون احلكمة - 1.193-192ابن سينا الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، النفس، ص ص- 2.193املصدر نفسه، ص- 3

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

177

فعل له بالقياس إىل البدن و هو السياسة، و : جوهر النفس له فعالن"قول باطل ألننا نعلم أن .1"فعل له بالقياس إىل ذاته واىل مبادئه و هو اإلدراك بالعقل

وجه هو انشغاهلا بشواغل اجلسدأكملعلىفالسبب إذا يف أن النفس ال تؤدي فعلها

فالنفس إذا انكبت على احملسوس شغلت عن املعقول من غري "مطالبه الذي مينعها عن التعقل و .النفس غير قائمة في البدنما يعين أن 2"أن يكون أصاب آلة العقل أو ذاته آفة بوجه

: سحدوث النف/5

الربهنة عليها،و قد أثارت بدورها تساؤالت "ابن سينا"من املسائل املهمة واملعقدة اليت حاول

.لبدنيف اإلجابة عليها هو النظر يف عالقة النفس با"ابن سينا"حادثة حبدوثه؟،وكان سبيل

إن النفس اإلنسانية مل تكن قائمة مفارقة لألبدان مث :"أما يف برهنته على حدوثها يقولحصلت يف األبدان،ألن األنفس اإلنسانية متفقة يف النوع و املعىن،فإذا فرض أن هلا وجودا ليس

وز ، وال جيالنفس في ذلك متكثرةحادثا مع حدوث األبدان بل هو وجود مفرد،مل جيزأ أن تكون . 3"أن تكون واحدة الذات بالعدد

يثبت خالهلما يبطل القول بقدم النفس و يظهر من هذا القول أن ابن سينا يطرح فرضيتني من يجعل للنفس و جودا مفردا سابقا عن فهو أن االعتبار أو الفرض الذي لحدوثها، أما األو

األشياء ال ختتلف من حيث ، سيجعل منها متكثرة الذوات، و هذا غري ممكن، ألن وجود البدن

.195ابن سينا الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، النفس ، ص- 1.196املصدر نفسه ، ص-2.198-197، ص صاملصدر نفسه-3

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

178

عددها، لذلك ال ميكن للنفس أن تكون متكثرة بالعدد ركماهية، أي من ناحية ماديتها فيتكاث.يقبل اختالفا ذاتيا

فإن ذلكو هو الفرض الثاين الذي يطرحه ابن سينا،واحدة بالذات،أما من ناحية أن تكون

فإما أن تكونا قسمى تلك .إذا حصل بدنان حصل يف البدنني نفسان"غري ممكن كذلك ألنه ظاهر النفس الواحدة فيكون الشيء الواحد الذي ليس له عظم وحجم منقسما بالقوة،وهذا

البطالن باألصول املتقررة يف الطبيعيات وغريها،وإما أن تكون النفس الواحدة بالعدد يف .1"بدنني،وهذا ال حيتاج أيضا إىل كثري تكلف إلبطاله

و عليه يكون الفرضني غري ممكنني، أما األول فباطل ألنه جيعل النفس منقسمة يف كل واحد حدة يف بدنني،وهذا غري ممكن كذلك، ما يؤكد بطالن القول من البدنني، و الثاين جيعل النفس الوا

؟فهل هي حادثة بحدوثه

األنفس تحدث كما تحدث فقد صح إذا أن :"جييب ابن سينا عن هذا السؤال األخري بقولهما يعين أن ،2"امادة بدنية صالحة الستعمالها إياها فيكون البدن الحادث مملكتها و آلته

النفس ليست قدمية سابقة يف وجودها على البدن،و كان تربيره لتعدد األنفس اليت هي يف األبدان .

كما جيب أن ننبه إىل فكرة مهمة و هي أن القول بأن النفس توجد مع البدن ال يعين مطلقا و هو ما يتأكد من خالل قوله أن جوهر غير جسمانيأن حدوثها يكون عن اجلسم،بل عن

.199الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، النفس ، صابن سينا -1.199املصدر نفسه ، ص-2

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

179

،1"جوهر غري خمالط للمادة، برئ عن األجسام منفرد الذات بالقوام و الفعل"النفسهذا؟" ابن سينا"خالدا، فكيف يثبت الطبيعة كان

: في أن األنفس اإلنسانية ال تفسد وال تتناسخ/ 6

:في نفي فساد النفس-أ

الذي أي نوع من أنواع التعلق بين النفس والبدن" ابن سينا"يبطل إلثبات خلود النفس شيء يفسد بفساد أما أن األنفس ال متوت مبوت البدن فألن كل":جيعلهما يفسدان معا، إذ يقول

شيء آخر،فهو متعلق به نوعا من التعلق،وكل متعلق بشيء نوعا من التعلق يكون تعلقه به تعلق املتأخر عنه يف الوجود،أو تعلق املتقدم به يف الوجود الذي هو قبله يف الذات ال يف الزمان،أو تعلق

و النفس غري ممكنة،وهو ما يثبت الثالثة من التعلق بني البدنعفهذه األنوا ،2"املكافئ يف الوجود.

) تعلق المكافئ في الوجود(أما تعلقها يكونان جوهرا واحدا بل جوهران وتكون العالقة بينهما عالقة عرضية ال ذاتية،وكل واحد منهما

فإذا فسد أحدمها بطل اآلخر من اإلضافة،و على هذا األساس و لبطالن هذا يضاف إىل اآلخر.التعلق نكون النفس باقية بعد فساد البدن

.46،صعبد الرمحان بدوي ابن سينا عيون احلكمة ، حتقيق وتقدمي- 1..202-201ابن سينا الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات ،النفس، ص ص- 2

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

180

،و معىن ) تعلق المتأخر عنه في الوجود( أما التعلق الثاين الذي يذكره ابن سينا هو تعلقها بهة له، فإن صح هذا فسدت هذا أن البدن سابق عليها يف الوجود،وهو علتها و بذلك تكون تابع

إذا كان :هذا ينظر إليه من ناحية العلل األربعة على النحو التايل"ابن سينا"بفساده،و حىت يبطلفإما أن يكون البدن علة فاعلة للنفس معطية هلا الوجود،و إما أن يكون علة "البدن علة النفس

كالنحاس للصنم،و إما أن يكون ،أو بسبيل البساطة نقابلية هلا بسبيل الرتكيب كالعناصر لألبداو كل هذا باطل ألنه لو كان البدن علة فاعلية لكان ،1"علة صورية،و إما أن يكون علة كمالية

فعل اجلسم بقوة ما، و هو ال يفعل بذاته شيئا، هذا إضافة إىل أن اجلوهر أو الذات القائمة علة فاعليةذا أن يكون البدن بنفسها ال ميكن أن توجد يف مادة أو أن تصدر عن مادة ،فمحال إ

.للنفس

،و قد مت اإلشارة إىل هذه املسألة يف خالل حديثنا عن علة قابليةو حمال كذلك أن يكون ،إذ ال ميكن ملا هو مادي أن يقبل النفس إثبات أن النفس ليست جبسم أو حالة جبسم

.2"الذي هو حمل املعقوالت ليس جبسم وال قائم جبسماجلوهر"ألن

.202س ،صابن سينا الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات ،النف- 1و ما يليها187انظر املصدر السابق، الفصل الثاين من املقالة اخلامسة،ص.187املصدر نفسه، ص-2

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

181

،بل إن النفس كماليةأو علة صوريةوإذا كان البدن ليس علة قابلية للنفس ،فمحال أن يكون هي صورة البدن و هي كماله و غايته النهائية، فهذه الربهنة تبطل النوع الثاين من التعلق، الذي

.

،أي )تعلق المتقدم به في الموجود(تعلق النفس باجلسم " من التعلق و هو أما القسم الثالث.زمنيا أو ذاتياإما أن يكون " ابن سينا"سابقة عليه يف الوجود، فهذا فيما يقول

تعلقا بوجوده فهذا غري ممكن ألن وجودها يكون م زمنيا،فأما أن تتقدم النفس على البدن ها عليه بالذات و م د اد عنها ذات املتأخر الذي هو اجلسم، فإذا فرض فساد تـق تـف يـلزم أن يس

م بل العكس، فإن د م املـتـق دم يف الوجود و هذا ال يعين وجوب عد املتأخر أي اجلسم مل يوجد املـتـقلسبب فيجب أن يكون ا" املتأخر عدم بعد فرض عدم املتقدم نفسه، و ما دام األمر كذلك

دم يعرض يف جوهر النفس فيفسد معه البدن،و أن ال يكون البدن البتة يفسد بسبب خيصه، ع الـم.1"لكن فساد البدن يكون بسبب خيصه من تغري املزاج أو الرتكيب

.205-204ابن سينا الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات ،النفس ،ص ص-1

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

182

من هذه الربهنة اليت تبطل أي نوع من أنواع التعلق بني النفس والبدن اليت " ابن سينا"خيلص في الوجود ال تعلق للنفس في الوجود بالبدن بل تعلقها":إىل النتيجة التاليةاميكن افرتاضه

.1"بالمبادئ األخرى التي تستحيل و ال تبطل

مت يتوجه إىل برهان آخر يف ناحية إثبات عدم الفساد دائما، وهو أن النفس ال تفسد ال بفساد :البدن و ال بأي سبب آخر، و هو ما سنوضحه فيما يلي

إن النفس جوهر بسيط وما كان كذلك ليست فيه قوة أن يفسد ألنه جوهر غري قابل لالنقسام بل هو جوهر غري جسمي و يف غري حمل،عكس املركب الذي يكون ماديا قابال للقسمة و التغري

ابن "و الزيادة وغري ذلك، فإنه بالضرورة يقبل الفساد مما يلحقه من حتلل أو فناء ،و يف هذا يقول إن األشياء املركبة و األشياء البسيطة اليت هي قائمة يف املركبة جيوز أن جيتمع فيها فعل أن ":"يناس

،ما 2"يبقى و قوة أن يفسد،و يف األشياء البسيطة املفارقة الذات ال جيوز أن جيتمع هذان األمرانغري ممكن يعين أن النفس لو اجتمع فيها الوجود و القوة على الفساد ألصبحت مركبة،و هذا

).اجلوهر البسيط(لطبيعتها ألن صفة الوجود هي صفة ذاتية يف النفس

:في نفي تناسخ األنفس اإلنسانية-ب

يربهن على هذه املسألة كذلك من خالل افرتاضه أنه لو أن نفسا واحدة تناسخت فإنه يه،و هذا غري سيحصل يف البدن الواحد نفسان، واحدة استحقها لكونه بدنا،و الثانية تناسخت ف

ممكن من ناحية أن البدن الواحد يستحق نفسا واحدة ،و من ناحية أن النفس جوهر بسيط ال .يقبل االنقسام

.205املصدر نفسه ، ص- 1.205املصدر نفسه ، ص- 2

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

183

نفس واحدة فمن ناحيتها التدبري مث إن عالقة البدن بالنفس تفرض أن يكون لكل بدن واحد يف داخله هو احلفاظ على نظامه و من ناحيته االنفعال،و منها يشعر اإلنسان بوجود مدبر و

.نفس واحدة

:و في مراتب أفعاله و أعالهافي العقل/7

لقد سبق وأشرنا يف كالمنا عن النفس الناطقة أن هلا قوتني،القوة العملية اليت هي مبدأ التحريك حنو الفعل على حنو من االختيار بني ما ينبغي و ما ال ينبغي،و بني القوة النظرية وهي

منا فيها عن العقل اهليوالين والعقل بامللكة والعقل املستفاد، وهو ما يسرتسل العقل النظري وتكليف الفصلني اخلامس و السادس من املقالة اخلامسة و األخرية من كتاب النفس "ابن سينا"فيه

.للكالم عن العقل الفعال و مراتب أفعال العقل و أعالها

حيدة القادرة على تصور ماهية األشياء الكلية إن النفس اإلنسانية هي الو : العقل الفعال - أ

مث تصبح داد هلا فقط حنو تصور املعقوالت،مراتب التعقل و التجرد،و هي يف النفس بالقوة كاستعاهليوالين، بامللكة بالفعل، (تب العقول النظرية متعقلة للكليات بالفعل، و ذلك بتدرجها يف مرا

إذ هو "،بتدخل علة فاعلة خترجها من القوة إىل الفعل، و هذا هو دور العقل الفعال)املستفادالسبب يف إعطاء الصور العقلية، فليس إال عقال بالفعل عنده مبادئ الصور العقلية جمردة، و

اا بالفعل و يبصر نسبته إىل نفوسنا كنسبة الشمس إىل أبصارنا بذ بصر مس ت لش أن ا ا فكم ،. 1"بنورها بالفعل ما ليس مبصرا بالفعل، كذلك حال هذا العقل عند نفوسنا

81-80-79:والطبيعيات ،يعرف ابن سينا العقل يف رسالة احلدود يف الصفحات التالية أنظر ابن سينا ،تسع رسائل يف احلكمة..208ابن سينا الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات،النفس، ،ص- 1

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

184

إن هذا العقل يشرق على اخلياالت املوجودة يف النفس فيحيلها معقوالت جمردة خالية من أي اهليوالين فتنطبع الصور مادة، فهو ليس عقال إنسانيا بل هو عقل من خارج يشرق على العقل

املستفادة من خارج يف النفس اإلنسانية صورا جمردة،و هنا حيدث استعدادها ألن تصبح تلك .الصور معقوالت بالفعل جمردة عن كل عالئق املادة

: في مراتب أفعال العقل –ب

النفس يعترب ابن سينا أن النفس ليست العقل بل هناك اختالف بينهما، ألن العقل هو آلة

للمعقوالت بآلة العقل، لذلك يفصل ابن سينا يف أمر النفس و أن العاقل و املعقول و العقل املعقول هو جمموع الصور خيتلف كل واحد منهما عن اآلخر، إذ العاقل هو النفس و

األخري من خالل القوللعقل هو اآللة اليت متلكها النفس للتعقل، و رمبا قد يتضح هذا ااملدركة،و التصور الذي يكون يف النفس :"انفعال العقل، إذ أن عمله يتم على ثالث مراتب أوهلااإلشارة إىل

.1"بالفعل منفصال و منظما

على أهم اجلوانب اليت خنلص يف األخري إىل أن نظرية ابن سينا الفيلسوف يف النفس اشتملت حيث طبيعة تلك العالقة اليت جتعل كل واحد منهما متميزا عن اآلخر نختص عالقتها بالبدن، م

.

ألما ،النفس ختتلف عن طبيعة اجلسمأما االنفصال عند ابن سينا هو من حيث أن طبيعة فاجلسم ال ميكن أن ينفعل أو يكتمل دون أن تكون فيه نفس،كما أن يشريان إىل وحدة متكاملة،

الظواهر النفسية والعقلية ال ميكن تالحظ وأن تصدر عن النفس وحدها دون وجود اجلسم،وإذا

.213،صاملصدر السابق- 1

الفن السادس من -الفلسفیة النفس في كتابات ابن سینا :الفصل الثالث المبحث الثانيالطبیعیات

185

إا حتدث حبدوث البدنكانت النفس أرسطو ،ف مع يه فق ف ت ا ي ا م ال تف،وهذ.بالتحديد تكون منفصلة عن البدن متمايزة عنه جوهر خالص غري قابل للفساد وهنا

إن هذا يكشف بشكل صريح على أن النفس جوهر روحي خالد وبراهني ابن سينا دليل على

).تزجعال خالد خالص مفارق غري ممالعقل الف(األعلى من النفس

إن ما سبق هو أهم أفكار ابن سينا حول النفس،وقد قمنا بتلخيصها يف هذا املبحث خمتصرين الكالم مركزين على املعىن الذي يقصده،وفيه من التقصري والتجاوز لبعض التوضيحات والتحليالت

عند ابن اليت وظفها الفيلسوف فرضتها علينا الضرورة املنهجية،لذلك ندعو املهتم مبوضوع النفس سينا الرجوع إىل نصوصه يف ذلك ملا فيها من عمق وتوسع وقدرة على االفرتاض والتفنيد

.والربهان،ناهيك عن دقة لغة ابن سينا الفلسفية وأسلوبه

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

186

ذات الطابع الصويف خاصة "ابن سينا"ليس من السهولة اخلوض يف موضوع النفس يف نصوصومجالية عما ألفناه ةبأسلوب غامض دقيق موغل يف الرمز،ال يقل صعوبو أن كالمه فيها سيكون

من كبار املتصوفة،كما سيخصص عددا هائال من الرسائل و القصص الرمزية اليت يتكلم فيها عن .النفس يف معناها و خلودها و قواها، و ارتقائها إىل عامل احلق و اجلربوت

.متهيدية تزيل الغموض عن املسائل اليت سنثريها

فإنه سيساهم بشكل " ابن سينا"أما املبحث األول الذي تكلمنا فيه عن التصوف النظري عند كبري يف حتديد الكثري من املفاهيم و املصطلحات الصوفية و املعاين العرفانية اليت ستعرتضنا من

تفسريها و هذا ينطلق مباشرة منها دون شرحها أو هنفس" ابن سينا"حني إىل آخر و اليت سنجد من ناحية ،أما من ناحية ثانية فإن التصوف أو مذهب ابن سينا يف التصوف هو يف احلقيقة سرد

ن شوق النفوس البشرية إىل معشوقها، و العارف هو من اتصاهلا، أما الشوق و العشق فهما ميثال

بد منه ألن فكان هذا املبحث العقليا خالصا، أما الكمال فهو كمال النفوس املستعدة لذلك،.النفس ستكون قمة مذهب ابن سينا يف التصوف

ما املبحث الثاين و الذي تكلمنا فيه عن النفس يف نصوص ابن سينا الفلسفية ،فإن ذلك مل أيكن عبثا أو خلطا بني فلسفته وتصوفه،بل لغاية منهجية و معرفية تكمن يف أننا سنحتاج هذا

كما سنعرف الحقا سيحافظ على بعض "ابن سينا"،ألنالتلخيص لنصوصه يف هذا املبحثة لبناء نظريته الصوفية يف النفس،فهو مل يتخلى عن منهجه العقلي يف تصوفه مقدماته يف الفلسف

النظري، وقد رأينا كيف كان عرفانه عرفانا عقليا،و كيف أن رحلة النفس كانت تأملية خالصة

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

187

لبلوغ املعرفة العقلية باحلق ال الذوقية فقط،فكان الكمال التام هو استكمال النفس قوتيها العملية .وعندها تصري النفس جوهرا عقليا معاينا لعامل احلقوالعقلية،

. البحث،كما أننا سنثريها و نتوسع فيها الحقا

اليت يف نصوص ابن سينا الصوفية جنده مبثوثا يف الكثري من رسائله وقصصه النفسأما موضوعرموز هلا فيها،وكانت حتكي من عالقتها بالبدن إىل بداية االتصال رحلة النفسكانت النفس الـم

كذلك و "رسالة الطير"و "ساالمان وأبسال"و "حي بن يقضان"إىل متامه،و قد كانت قصة ا .، من أكرب ما ترك لنا ابن سينا يف مذهبه يف التصوف"القصيدة العينية" صه بأسلوب و قد خ

رمزي غامض سنحاول الكشف عن مقاصده منها ،وذلك بتحليلها على التوايل معتمدين يف ذلك ، كما نشري هنا إىل أنه ال على النصوص األصلية احملققة و بعض الشروحات اليت كانت عونا لنا

.بعضها البعض ،وهو ما يتضح يف هذا التحليل بالتدريج ل

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

188

: رسالة حي بن يقضان:أوال

ذلك المتالئها " حي بن يقضان"ليس من السهولة التكلم عن هذه القصة املرموزة و املشهورةعلى باإلشارة و األلفاظ الغامضة و املعاين املثقلة بالرمز،هذا إضافة إىل أنين حتصلت خالل حبثي

نصيني لرسالة حي بن يقضان، أما األوىل و هي املشهورة نشرت ضمن كتاب جامع البدائع حملي ،وضمن كتاب حي بن يقضان البن سينا و ابن الطفيل و السهروردي الدين صربي الكردي

حتقيق و تعليق أمحد أمني، أما الكتاب الثالث فهو رسائل الشيخ الرئيس يف أسرار احلكمة .اليت نشرها مهرناملشرقية

أما الرسالة الثانية فهي حمققة و منشورة ضمن كتاب التفسري القرآين و اللغة الصوفية يف فلسفة ابن سينا للدكتور حسني عاصي، و هو يشري إىل املخطوطات اليت اعتمد عليها يف حتقيقها، و

ر رسائل أسرا"غري الرسالة املعروفة حبي بن يقضان اليت نشرها مهرن يف :"احلكمة املشرقية، و أمحد أمني مع رساليت ابن طفيل و السهروردي، ختتلف مع الرسالة املذكورة يف

"1.

البداية صعوبة يفخلقت لدينا -أي اليت نشرها حسن عاصي –األخرية إن هذه الرسالة

تمديف أي الرسائل اليت نعكبرية

ينا وهو حمبوس يف قلعة فردجان،أنظر امللحقيذكرها ابن أيب اصبيعة يف سرية الشيخ الرئيس،وهي فيما يقول رمز عن العقل الفعال،صنفها ابن س.،1335الكردي حمي الدين صربي ،جامع البدائع، الطبعة األوىل. ،و هذه خمائيل بن حيي املهرين هو الذي نشر رسائل ابن سينا و مساها رسائل الرئيس أيب احلسن بن عبد اهللا بن سينا يف أسرار احلكمة املشرفة

ي واألمناط الثالثة األخرية من اإلشارات و التنبيهات مع شرح خمتار من كتاب حل مشكالت اإلشارات و التنبيهات لنصر الدين الرسائل املنشورة هرسالة يف حممد بن احلسني الطوسي و تلتها رسالة الطري مع ترمجة فرنسية و هذا هو اجلزء الثاين ، أما اجلزء الثالث اشتمل على رسالة يف العشق و

ر و قد صالة، و كتاب يف معىن الزيارة و كيفية تأثريها، و رسالة يف دفع الغم من املوت مع ترمجة فرنسية، أما اجلزء الرابع فتضمن رسالة القدمهية ال، أما اجلزء الرابع الذي اشتمل على رسالة يف القدر و هي منشورة ضمن هذا الكتاب كما1899طبع الكتاب مبطبعة بريل يف مدينة لندن سنة

سبق و اشرنا و كذلك ضمن كتاب جامع البدائع الكربى، هي رسالة رمزية كان حي بن يقضان هو الشخصية الرئيسية فيها و هي تبني ؟آراء ابنسينا حول القدر و كان ابن سينا أيضا ضمن شخصيات القصة إضافة إىل صديق له كان يناقشه يف مسائل القدر

اللغة الصوفية يف فلسفة ابن سينا، املؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر و التوزيع بريوت، لبنان، ، الطبعة حسن عاصي، التفسري القرآين و -1.321،ص1982األوىل

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

189

عليها،وبعد حبث طويل ومقارنة بني الرسائل األربعة استقر بنا األمر إىل االعتماد على النص فقد ساعدنا كثريا على فهم رسالة حي بن "حسني عاصي"األول، أما النص الثاين ؛أي الذي نشره

يقضان وكان مبثابة شرح هلا،سنعتمد عليه و على التعليقات والشروحات اليت وردت يف الكتبالسابقة الذكر و إن كانت قليلة وغامضة يف بعض األحيان لغموض لغة ابن سينا ورموزه،فإننا

:سنحاول أن نبني غرضه منها وأن نوضح الرموز اخلاصة مبوضوع حبثنا،وسيكون ذلك فيما يلي

يف كتاب عيون األنباء لطبقات األطباء البن أيب اصبيعة، و يف تصنيفه لكتب و رسائل ابن الذي من خالله سيبني ،1"رمز عن العقل الفعال"ري إىل أن رسالة حي بن يقضان هي سينا يش

ابن سينا طبيعة النفس اإلنسانية وقواها ومراتب تدرجها إىل احلق وعالقتها به،مصاغة ضمن قصة عميقة كان العضوان الرئيسيان فيها مها النفس اإلنسانية والعقل الفعال وهو ما سنوضحه فيما

: يلي

: الرموز األساسية في رسالة حي بن يقضان-1

الطاعن يف السن الذي مل يغري الزمان من صفاته "الشيخ"هو يف القصة: رمز العقل الفعال-أ:" و حاله،و هو يصفه بقوله

و يف 2"عليه من املشيب من يشيبو ما له ركن يهن منه عظم و ال تضعضعالعز مل

الفعلإىلالقوة و ال يتحول مناهليويلبعيدا عنذلك إشارة إىل العقل الفعال الذي يكون

.بل هو خالص خال من كل مادة و نقصان

.9،ص1882ابن أيب اصبيعة، عيون األنبياء يف طبقات األطباء،اجلزء الثاين، نقله امرؤ القيس بن الطمعان، املطبعة الوهيبية،الطبعة األوىل- 1سينا، حي بن يقضان، حتقيق و تعليق أمحد أمني ضمن كتاب حي بن يقضان البن سينا و ابن طفيل و السهروردي، ، دار املدى للثقافة ابن-2

و هناك قول يشرح هذا القول موجود يف كتاب اللغة الرمزية يف نصوص ابن سينا الصوفية حلسني عاصي .43، الطبعة األوىل،ص2005و النشرشيخ عليه طراوة الشباب مع إيغاله يف السن و اخناء الدهور بكلكلها عليه، إذ مل تباشر "يقضان املنشورة فيه ،يقول ابن سينا ضمن رسالة حي بن

.323أنظر ص"ظلمة العناصر فيتغري، و مل يكن هيوالنيا فيخرج من القوة إىل الفعل، بل كان عقال صرفا و صفاء حمضا

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

190

يف هذه القصة رمز هلا، عندما " ابن سينا"وكان د الرفقاء هو أح:رمز النفس اإلنسانية-ببرفقائي إىل .حني مقامي ببالدي برزةإنه قد تيسر يل"يظهر ذلك يف قولهكان حيكي حاله و

.أي عند إقامة نفسه بالبدن و انشغاهلا به1"...زهاتـبعض املتن

"الرفقاء"هم :رمز قوى النفس اإلنسانية-ج.املعقوالت

الرسالة،واصفا حسنه ومجاله وجوده ونوره،وهو أعلى :الملك رمز هللا-د.املوجودات كلها وأشرفها

زها وحتليل مضامينها اليت ستكشف عن رحلة النفس و وفيما يلي ملخص القصة وفك رماإلنسانية ،وصراعها مع القوى البدنية وفيض العقل الفعال عليها بعلوم املوجودات ومراتبها،وبلوغ

". الملك"مرتبة احلق

:طبيعة العقل الفعال- 2

عندما تستأنس النفس بالعقل الفعال تستفسره عن ماهيته و كنهه فريد عليها عن امسه و لقبه و أما امسي و نسيب فحي بن يقضان،و أما بلدي فمدينة بيت ":"حي بن يقضان"عمله فيقول

أيب و هو حي، هي إىلهو املصدر الذي تفيض عنه "حي"ومعىن ذلك أن،2."..و قد عطوت منه مفاتيح العلوم كلها

لنسبة مبعىن أن وجوده مرتبط بوجود سابق عليه أعلى منه شأنا، إذ حي با"يقضان"املعقوالت وحني أن احلي قد ض، هذا األخري الذي جيمع بني اليقظة و احلياة،يف ألبيه كنسبة احلي إىل اليق

، و رمبا كانت هذه الرمزية هي أجل ما يف رسالة ، و "ابن سينا"يكون يقضا و قد يكون غري يقضأراد ) ابن يقضان(وقوله :" حملي الدين الكردي يقول فيه" جامع البدائع"هناك شرح مجيل يف كتاب

.43تعليق أمحد أمني ،صابن سينا، حي بن يقضان، حتقيق و - 1.44، ضاملصدر نفسه- 2

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

191

و أن ذلك الغري هو ب بوجه ما عن األبه أن وجوده ليس بذاته بل عن غريه إذ كان وجود االبنأجل حاال منه إذ احلي حيتمل أن يكون نائما و أن يكون يقضانا و حال اليقظة منه أجل من

.1"حال النوم إذ النوم أشبه بالقوة و اليقظة أشبه بالفعل

فهو داللة على أن مكانه هو العامل املقدس الذي يرتفع عن بلده بيت المقدسأما قوله أن العقل الفعال ) الحرفة(ترمز إىل عمل السياحةادة املدنس ألنه عقل مفارق، و عامل احلس و امل

الذي يكمن يف تعقله لذاته و للمبدأ األول و سائر تعقالت املوجودات التابعة له، و أن هذا التعقل ليس من ذاته بل من املبدأ األول الذي استمد منه ذلك، و هو الذي يشري إليه يف

فهداين " ": حي بن يقضان"لذي مينحه معرفة بكل املوجودات أو كما يقول ،هذا ا" بأبي"النص.2"الطريق السالكة إىل نواحي العامل حىت زويت بسياحيت آفاق األقاليم

ال للنفس -3 م تك :علم الفراسة اس

لنا ابن سينا طبيعة العقل الفعال يبني طريق النفس الراغبة يف السياحة ،وأن عليها بعد أن وضحاإلحاطة و ملاله من دور يف التمييز بني احلق و الباطل، 3"بعلم الفراسة"الذي يسميهبعلم المنطق

، فهو استعمالنا لهكون بلوغها مبدى استفادتنا و من الزلل ،والذي به نصل إىل معرفة احلقائق اليت ينقدا فيعلن ما يسره كل من سجيته فيكون تبسطك إليه ا"يقول عنه

و تقلصك عنه حبسبه، و أن الفراسة لتدل منك على عفو من اخلالئق ومنتفش من الطني و موات .4"العار يف سلك الزلة و اخنرطتخرطكمن الطبائع، و إذا مستك يد اإلصالح أتقنتك و إن

:القوى البدنية تمنع النفس من تحقيق االستفاضة-4

.93حمي الدين، صربي الكردي، جامع البدائع، أنظر الشرح ،ص- 1.44ابن سينا، حي بن يقضان، حتقيق و تعليق أمحد أمني ، ص- 2" االستدالل من اخللق على األخالقو الفرض فيه " يتكلم ابن سينا عن علم الفراسة و يصنفه ضمن احلكمة الفرعية الطبيعية و يقول فيه-3

أنظر ابن سينا ،تسع رسائل يف احلكمة و الطبيعيات و آخرها قصة سالمان و إسبال،ترمجها من اليوناين حنني بن إسحاق، دار العرب للبستاين.110،ص 1989القاهرة ،الطبعة الثانية

.44ابن سينا، حي بن يقضان، حتقيق و تعليق أمحد أمني ، ص- 4

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

192

اء سوء ألم سبب "الرفقاء"لقد سبق و أشرنا أن رمز قوى النفس يف القصة هو ،وهم رفقاحلالة اليت جتعل النفس منحطة بعيدة عن مرتبة التعقل،و هو هنا يتكلم عن كل واحد من هؤالء

:إليه ال نكاد نفهمه إال بعد حبث عميق وهمالرفقاء و عن طبيعتهم برمز خاص به يشري

و أما " :بقوله" حي بن يقضان"يصفه ابن سينا على لسان : رمز القوة المتخيلة" الرفيق"-أتالقا و يأتيك بأنـباء م ور اخ ا و خيتلق الز يق ل تـلف ق الباط ار يـلف ذ ه ت م هذا الذي أمامك فـباه ا مل

ذب ا بالك قـه د ا بالباطل و ضرب ص ه ق ه قد درك ح وهي داللة واضحة على أفعال ،1..."تزدالتخيل الذي هو واسع الصور و التشبيه دون الثبات على حقيقة الشيء، و أنه ال يسلم من كذبه

له ما غفل عنه وهو و تلفيقه، و مع ذلك ال ميكن االستغناء عنه ألنه مبثابة الرقيب الذي ينقلا :الذي يرمز له مبا يليالحس المشتركمثل رب م بيله أن يأتيك خب ن س م نك و طليعك و وهو عيـ

ك ام ق عزب عن م نابك و يف " ابن سينا"هو يبدو كالقوة املتخيلة لذلك تكلم عنه و ،2"غرب عن جع كل احملسوسات اليت تأيت إليه و خيرب عن ما حيدث سياق كالمه عنها،فهو يقوم بعملية مج

القوة اليت تتأدي إليها احملسوسات كلها و " : هذه الرمزية بقوله" حمي الدين الكردي"عنها،يشرح شيء واحد، و هذه القوة باحلقيقة عني و جاسوس و ) يقصد املتخيلة(الذي كأنه و هذه القوة

نابك و غرب عن مقامك أعين احملسوسات و أحواهلا إذ طليعة للنفس تأتيها خبرب ما غرب عن ج.3"كانت بعيدة عن مقام القوة العقلية

رمز النفس "ابن سينا"يمينهو الذي كان على :الرفيق الثاني رمز القوة الغضبية-بدة غليانه و سرعة انفعاله، و ضعف متييزه و حكمته يف اإلنسانية، يصفه بلغة بليغة من حيث ش

، و قد جعله على اليمني ألنه أعلى مرتبة من الرفيق الثالث الذي سيكون على اليسار، حالة ثورانه

.44املصدر نفسه، ص- 1.44املصدر السابق،- 2.انظر الشرح95،صلكردي، جامع البدائعحمي الدين، صربي ا- 3

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

193

أنه ": يقول فيه ئه الرفق فك ح و مل يطأط ه النص ع م عج مل يـق وج، إذا انـز ينك أه ا الذي على مي ذ و ه، أو قرم مغ صبب يل يف ، أو س طب ح بع ثائرنار يف 1"تلم أو س

ابن سينا وهو الذي يسارهو الذي كان على :الرفيق الثالث رمز القوة الشهوانية-جاجتمعت فيه كل صور القذارة و الدناءة، وشدة النـزوع إىل اللذائذ و الشهوات، و هو ال يقنع و

ره ق "طلب املزيد،وهذه بعض أوصافهال يشبع منها ودائما هو يف أل بطنه إال قذر ش بق ال مي رم ش2..."التـراب

عالقة النفس اإلنسانية إن هذه الرمزية اليت متثل جزءا من رسالة حي بن يقضان تشري إىل ا ا، دون أن ننسى بالبدن و طبيعة قواها لقه تع دى م الذي ميثل عالقتها بالعقل الفعال، و

.

، و هو كذلك بسبب "المسكين"بـ) النفس"(ابن سينا"يصف )العقل الفعال"(حي بن يقضان"ألنه ما "الغربة"ال يستطيع االنفصال عنها ،و أن مسلكه الوحيد هو ما يسميه تلك الرفقة اليت

م إال غر :""ابن سينا"لـ" حي بن يقضان"الرحيل إىل مكان ال تكون فيه، إذ يقول ه يك عنـ بة ال يـربم ثاهل ا أم ك إىل بالد مل يطأه ذ و الذهاب إىل ، و هو يقصد هنا االنفصال الكلي عن البدن 3"تأخ

حي بن "، و ألن ذلك مل حين بعد فإن )كما يسميه يف اإلشارات والتنبيهات(قدسالعامل الطريقة مرافقة هذه القوى، بأن يغلب سلطان العقل على سيرشده إىل"يقضان

.تسيريها وتسخريها، و تسليط بعضها على بعض إلخضاعها له بدل أن خيضع هو هلا

.45ابن سينا، حي بن يقضان،حتقيق وتعليق أمحد أمني ، ص- 1.45ا ملصدر نفسه، ص- 2.45املصدر السابق، ص- 3

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

194

وجدت نفسها حينا غالبة عليها و حينا مغلوبة " ابن سينا"إال أن النفس بعد احملاولة يقول عان على حسن "،ا

.1"جماوريت هذه الرفقة إىل حني الفرقة

، و ألن اإلنسان ال ميكنه أن تدرج النفس في طريقها إلى بلوغ الكمالإن يف هذا إشارة إىل

ذبة بني عامل احلس و عامل العقل، فإن حي بن يقضان كذلك ال ميكنها السياحة ما دامت متذبينا"يقول البن سينا الء ح ؤ الط ه ينا و تخ يح ح ولة بإقامة تس خ ة مد ياح نع بس .2"فاقـ

:فيض العقل الفعال على النفس اإلنسانية-5

حتصيلها ولتحيط بعلوم تستمد النفس البشرية املعرفة من العقل الفعال لتستكمل ، و قد :"يف بيان ذلك"ابن سينا"املوجودات،إذ يقول ان ه اخلافق د حيد ود األرض ثالثة،ح د إن ح

ان غر ا حيتوي به، و حد ل م ة و الغريبة جي اتر بار اجللية املتـو ه و تـرامت به األخ ه نـ رك ك د يأد بان ح رق د قـبل املش و يف هذه إشارة إىل حدود املوجودات الطبيعية احملسوسة إذ أن احلد ،3"املغرب و ح

هو يضم حدود املوجودات الطبيعية، ا اخلافقان و يسميهمو األرضالسماء و الذي حتدههو األولحد قبل "هي احلد الثالث يقصد به اهليويل،و تقابله الصورة اليت"حدالمغرب"أما احلد الثاين

"المشرقتطهر ا يف عني خرارة يف جوار عني احليوان الراكدة إذا هدي إليها الاالغتسال"ذلك إىل ئح ف سا

اا فر من رب هذه العني و ،4"قطع تلك املهامةو ش،و هو الذي يكون سندا للعقل عاصما له "بعلم الفراسة"الذي مساه سابقا "علم المنطق"هي

.45ابن سينا، حي بن يقضان،حتقيق وتعليق أمحد أمني ، ص- 1.46ا ملصدر نفسه، ص- 2.46املصدر نفسه ،ص-3.46املصدر نفسه ،ص- 4

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

195

حد املغرب وحد (من الوقوع يف اخلطأ مساعدا له على االطالع على احلقيقة فيحيط علما باحلدين.اللذين كان بينه و بينهما حجاب ) قبل املشرق

إن بأقصى املغرب حبرا :" ذين احلدين نستنتجه من كالم حي بن يقضان ،إذ يقولأما تفصيل هيف هذا و 1..."كبريا حامئا قد مسي يف الكتاب اإلهلي عني حامئة و أن الشمس تغرب من تلقائها

إشارة إىل أن اهليويل و هي يف املغرب الذي تغرب فيه الصور،هذه األخرية تشرق من املشرق، واهليويل ظالم ع

.حال الكائنات الفاسدة

عند هذا احلد ،بل يعلمه علوم "ابن سينا"عن إفاضة العلم على "حي بن يقضان"مل يتوقف هي و ،2..".و بني هذا اإلقليم و إقليمكم أقاليم أخرى:"املوجودات الفاسدة وغري الفاسدة، فيقول

هو اإلنسان الذي يندرج " إقليمكم"عامل الكائنات الفاسدة و غري الفاسدة، فاملقصود بـإشارة إىلضمن إقليم الكائنات الفاسدة و معه النبات و احليوان و املعادن،و هي تقع ما دون فلك القمر

تمده مباشرة من إىل اجلرم التاسع و هذه هي األجرام العلوية و هي أقرب إىل نور املبدأ األول، تسالعقل الفعال،على عكس الكائنات الفاسدة اليت تستمد نورها بشكل غري مباشر و بتوسط

إقليم شبيه به يف أمور منها أنه صفصف غري آهل :"...اإلجرام السماوية و هو يصف ذلك بقولهالنور من إال من غرباء واغلني، و منها أنه يسرتق النور من شعب غريب، و إن كان اقرب إىل كوة

لكن العمارة يف هذا اإلقليم مستقرة ال ... املذكور قبله، و من ذلك أنه مرسى قواعد السماوات .3..."مغاضبة بني واردها للمحاط

بلغ درجته يف علم املنطق إىل أن يهيم حبيث يطلع على احلقائق من غري تعب يلحقه و ال نصب يرده عن أي:"يتكلم الكردي يف هذا فيقولحمي الدين :أنظر"ويل و الصورة اللذين مسامها احلدين احملجوب عنهماأي ينظر يف احلقائق و كنه املوجودان فيلحظ منها أول شيء من اهلي.وجهه

.99صربي الكردي، جامع البدائع،ص.47أمني، صابن سينا، حي بن يقضان، حتقيق وتعليق أمحد- 1.47املصدر نفسه ،ص- 2.48-47،ص صاملصدر نفسه- 3

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

196

و يبدأ بفلك القمر مث عطارد فلكا بفلك" حي بن يقضان"و هذه األفالك السماوية يعددها ينتهي بفلك املستقيم الذي عنده تنتهي و الزهرة والشمس وفلك املريخ و املشرتي و زحل مث

األجسام و فيه تسكن النفوس املالئكية ،و هو يصفه بأنه ال خالء و ال مأل بعده، و أنه سطح

علوم - ابن سينا- قضان يلقن النفسحي بن يما يزالالعقل اإلنساين بإشراقه عليه، و .الموجودات و يسيح بها في تعقلها مادامت هي مستعدة و راغبة في ذلك

رمز العقل الفعال ويفصل يف اإلقليم الثاين الذي قلنا أنه ما حتت فلك "الشيخ البهي"مث يعود شيطان، فإن فإذا قطعت مست املشرق وجدت الشمس تطلع بني قرين ال:"القمر، يرمز إليه بقوله

للشيطان قرنني قرن يطري و قرن يسري و األمة السيارة منها قبيلتان يف خلق السباع و قبيلة يف خلق ن نواحيها اليسار من املشرق أما الشياطني فإالبهائم،و بينهما شجار دائم قائم و مها مجيعا ذات

اليت للنفس اإلنسانيةرمز يف هذا النص املقتطف هي "الشمس"،فـ1"ذات اليمني من املشرقجمردة عن املادة قائمة بنفسها صاحلة للبقاء، متميزة عن سائر القوى "

إدراك عن اإلنسانابن سينا إىل ابتعادبهفقد رمز "الشيطان"أما ،2"

يطيرقرن ،ا الشيطان قرنني، و هلذيف الرتوي و حسن االختيارملكاتهالعقل، و عن اعتماد

.وقرن يسير

هنا أن ريا يف احلديث عنها، و حنن مل نشأسلوب غامض و عميق، و يسرتسل كثيرمز ابن سينا يف رسالته حي بن يقضان إىل هذه األفالك بأوما يليها، 48ص الة حي بن يقضان ضمن كتاب أمحد أمني للتوسع يف ذلك ،رسنعرض النص كامال، حىت ال يطول الكالم، و ميكن الرجوع إىل

.105صاىل100و كذلك رسالة حي بن يقضان يف جامع البدائع للكردي من ص.50ابن سينا، حي بن يقضان، حتقيق وتعليق أمحد أمني ، ص- 1و قد .(331ابن سينا، حي بن يقضان، حتقيق ونشر حسني عاصي ضمن كتاب التفسري القرآين و اللغة الصوفية يف فلسفة ابن سينا،ص-2

و قد أشرنا إىل أن هذه الرسالة على بيان آخر من الرسالة اليت نعتمد عليها و اليت نشرها أمحد أمني و مهرن والكردي و لكنها على نفس املعىن) ساعدتنا

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

197

اليت من خصائصها إدراك األشياء بسرعة،لذلك القوة المدركةأما القرن األول فريمز به إىل الغضبية اليت تظم القوة القوة المحركةو يرمز إىل جعله يطري،عكس القرن الثاين

قصد ا قبيلة(،ويظهر ذلك جبالء من خالل دالالت النص و إشاراتهالشهوانيةو ي اع لسب لق ا خقصد ا الشهوانيةئالغضبية و قبيلة يف خلق البها ي ،و هو يشري كذلك إىل النـزاع الدائم القائم )م

فهي داللة على دنو مرتبتها من مرتبة القوة ) اليسار(بينهما، أما القوة اليت وجدت يف ناحية .1املدركة اليت هي على اليمني

و الذي يغلب على :" الرمز من خالل قوله على لسان حي بن يقضانمث يطيل ابن سينا يف يف أن )اإلقليم(و يف هذا إشارة إىل النفس اإلنسانية،2"سككا خمسة للبريدأمر اإلقليم قد رتب

و هي السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و هم مبثابة من يشغلون خمس حواسهلا اء املوجودة يف العامل اخلارجي تهم على التقاط صور األشيمواضع السالح يف اململكة، إلمكاني

جتريدها عن صورها املادية،مث تصل تلك اإلدراكات احلسية إىل احلس املشرتك الذي يرمز له يف و هذا األخري الذي "الخازن"دراكات إىل ما يسميه بـيكمن دوره يف نقل تلك اإلو "القيم"النص بـ

لف ا القوة "،"بالملك"اليت يرمز هلايعرض ذلك على النفس اإلنسانية تك احملسوسة ت لصور فااحلافظة و هي اليت تسمى اخليالية،أي أن املعاين املقرتنة بالصور تسلم إىل خازن آخر أي القوة

.3..."الومهية مث الذاكرة

أي إذا نظرت من هذا اإلقليم :"إذ يقول"حمي الدين صربي الكردي"يف شرح هذا اجلزء من ما أورده صاحب كتاب جامع البدائع لقد اعتمدنا-1يف صورته،وملت يف اعتبار أمره إىل هذا اجلزء منه وجدت الصو

وجعل القرنني مجيعا من الشيطان لبعده عما وصف به العقل اإلنساين من التجريد والبقاء،والشيطان ...بنفسها صاحلة لذلك البقاء بعد فساد البدنة من اإلنسان وبالقرن الذي يسري القوى احملركة منه،وشبه اإلدراك بالطريان،وشبه التحريك بالسري أراد بالقرن الذي يطري القوى املدرك"."هو البعد

أنظر الكردي حمي الدين صربي ، كتاب ".105ص1335جامع البدائع،

.50ينا، حي بن يقضان،حتقيق وتعليق أمحد أمني ، صابن س- 2.107ص,،أنظر الشرح لكردي، جامع البدائعحمي الدين، صربي ا- 3

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

198

عن القوي البدنية برموز غري اليت أشرنا إليها سابقا،وكان غرضه يف " الشيخ البهي"مث يتكلم استحسان الفعل هلا ذه املرة تبيني أثرها على النفس ودفعها إىل ارتكاب األخطاء واملعاصي و هيصفها المتخيلةأماالغضبية و الشهوانية،استحباب املنكر و الفحشاء،وهذا ما تفعله القوتني و

أا ر يساود سيسول له التكذيب مبا ال يرى ويصور لديه حسن العبادة للمطبوع و املصنوع و" بهذه إال أن،1"ى و احلسىن وال قيوم على امللكوتأن ال نشأة أخرى وال عاقبة للسوآاإلنسان

اا اع نز من لصت .اسرتشدت بالعقلو

رمزيته البشرية بقوتني،أو كما يقول يف سياقالنفوسكما تتميز املالئكة األرضية؛أيهي و طبقة حتاذيها ذات امليسرة و عالمة أمارةإذ هم طبقيات طبقة ذات امليمنة و هي ":السابقة

القوة العملية و القوة العلمية ،والثانية أشرف من األوىل وهلا األمر ،أما ؛أي2"مؤتمرة عمالةة بأمرها و هي أدىن منها لذلك جعلها على ناحية ا ؤمتر .ليسارالعملية فهي الـم

طريق تحقيق اإلستفاضة،بل ومشاهدة احلق، فاملالئكة األرضية إذا ختلصت من عامل املادة و البدن وصلت واالستكمال

ومن وجد له إىل عبور هذا اإلقليم سبيل خلص إىل ما وراء:"إىل عامل القدس أو اطلعت عليه،السماء خلوصا فلمح ذرية اخللق األقدم،و هلم ملك واحد مطاع فأول حدوده معمور خبدم

وعندها تصل النفس إىل املبدأ ،3"مللكهم األعظم عاكفني على العمل املقرب إليه زلفىمراتب يف الكالم عنه وبني " الشيخ البهي"،الذي اسرتسل ابن سينا على لسان األول

،وهي غري النفوس البشرية،جمردة عن املادة غري النفوس الفلكيةم ،فاألقرب إليه هالموجودات.

.50ابن سينا، حي بن يقضان، حتقيق وتعليق أمحد أمني، ص- 1.52صاملصدر نفسه ،- 2.املصدر نفسه ،ص نفسها- 3

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

199

أمة أشد اختالطا مبلكهم مصرون على خدمة :"بقولهمث تليهم مرتبة ثانية ميثلها من يصفهماردة عن املادة العقول الفعالةو هم 1..."لعتماالس باملثول و قد ضئنوا فلم يتبدلوا باال

واملختصة بالتعقل،وهي متصلة مباشرة باملبدأ األول إذ ال واسطة بينها و بينه،ومن أخص أوصافها

العقول مقام حمدود و درجة ال يشاركه فيها غريه يف مرتبة قربه ،و لكل واحد من هذه لاملبدأ األو .تلك

و أدناهم منـزلة من امللك :"الذي يرمز له بقولهالعقل الفعال األول،و هو يرمز له باألب ألن وجود ما سواه كان يتوسطه، و 2"واحد هو أبوهم و هم أوالده وحفدته

هو كذلك بتوسطه،وهو عقل ال يتأثر بالزمن وال يصيبه نقص لاملبدأ األو أن ما يفيض عليهم من .علة ذاتهو هو رغم هذه الصفات ال يشبه املبدأ األول، ألنه ال ميلك

العلة األوىل اليت ال علة قبلها،والذي يصفه المبدأ األول؛من هنا يصل ابن سينا إىل إىل عرق فقد زل و من ضمن الوفاء مبدحه فقد وامللك أبعدهم يف ذلك مذهبا و من عزاه :"بقوله

كرم و بتبيان أعضاء بل كله حلسنه وجه وجلوده يد خيفي حسنه كل حسن و حيقر كرمه نفاسه كل ريا يكاد خيتطف قبل النظر ني بساطة عض الدهش طرفه خاب حسمىت هم يتأمله أحد من احلاف

.3"إليه و كان حسنه حجاب حسنه

أن املبدأ األول ال ميكن لواصف وصفه فال شبيه له،وكل ما ينعت به هو حمدود "ابن سينا"يقولحبدود الطاقة البشرية اليت تصفه،ألنه هو الذي منح هذه القدرة لإلنسان وهو الكامل الذي ال

وكان جتليه بسبب خفائه كالشمس لو انتقبت كثريا ":دراك كنههيشوبه نقص وتأمله ال يوصل إىل إ

.املصدر السابق، ص نفسها- 1.53بن يقضان، حتقيق وتعليق أمحد أمني ، صابن سينا، حي - 2.املصدر نفسه ،ص نفسها- 3

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

200

يصف سعة اهللا مث،1"الستعلنت كثريا فلما أمعنت يف التجلي احتجبت و كان نورها حجاب نورهاو عطائه و نوره و كماله و مجاله،ويقول أن من شاهد آثار ذلك ما نظر إىل غريه و أنه ال شك

ربه و اندهش بكماله و استبصر نور احلق يف سره، و ما أن هناك ممن هاجر إليه فعرف مقام. انصرف عن ذلك إال بعائق أو مانع مكرها ال رغبة منه

لوال تقريب إليه مبخاطبتك منبها إياك لكان "خيتم ابن سينا رسالته هذه بقول حي بن يقضان لهيفض به العقل و يف هذا إشارة إىل ما،2"عنك و إن شئت اتبعين إليه و السالملغشابهيل

الفعال على النفس البشرية من علم احلق،وأنه مبخاطبته هذه يتقرب منه ويكون يف حضرته ويف .قمة تعقالته،وإال لكان قد انصرف عنه

إىل إتباعه هي داللة على قدرة النفس اإلنسانية على " ابن سينا" "الشيخ البهي"أما دعوة .الفعال يف تعقالتهمشاهدة احلق و استبصاره و مشاركتها العقل

البن " حي بن يقضان"لقد كان هذا جممل الشرح و التلخيص الذي تقدمنا به حول رسالةاا،إذ كان العقل الفعال ار إش أهم رموزها و فك عد شرحها و ب اضحا نها و رضه م ان غ قد ك ا،و سين

ل فيوضات العقل والنفس اإلنسانية مها الرمزان األساسيان يف كل الرسالة،وأراد ابن سينا من خالالفعال على النفس اإلنسانية أن يبني طبيعة كل واحد منهما ومن مثة اإلشارة إىل طبيعة القوى

.البدنية وأثرها على حتقيق النفس االستفاضة وبلوغها مراتب الكمال واالتصال باحلق

حيتاج إىل إن هذه الرسالة جتسد ارتقاء النفس إىل عامل احلق و بلوغ الكمال، و هو طريق طويلعزمية و قوة ملواجهة القوى اإلنسانية اليت تعيقه،والتغلب عليها و االنسياق حتت إمرة العقل الفعال الذي يشرق بنوره على النفس و يفيض عليها بعلمه و معرفته،و الذي يكون واسطة بينها و بني

اإلشارات "يف كتابه"ابن سينا"عامل القدس،وما من شك أن هذه هي الطريق اليت صاغها

.نفسهااملصدر السابق ،ص- 1.53ابن سينا، حي بن يقضان، حتقيق وتعليق أمحد أمني ،ص- 2

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

201

اليت يتكلم عنها " الغربة""والتنبيهاتتتخلص نفسه كلية من البدن عن طريق أن " السياحة املدخولة"و

.غريهاملوت،لعل ذلك هو تأكيد على حلظة املشاهدة و االتصال اليت حتصل للعارف دون

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

202

:رسالة سالمان و أبسال :ثانيا

إىل هذه القصة دون أن يسردها لنا،ويطلب "ابن سينا"يشري "اإلشارات و التنبيهات"يف كتابو إذا قرع مسعك فيما يقرعه،وسرد عليك فيما تسمعه قصة ":حل رموزها وفك مقاهلا فيقول

لك،وأن أبسال مثل ضرب لدرجتك يف العرفان لسالمان و أبسال،فاعلم أن سالمان مثل ضرب .1"مث حل الرمز إن أطقت

منه هو القصة اليت "ابن سينا"هذا القول ويشكك يف أن يكون قصد"السراج الطوسي"يشرح تسع رسائل يف "عن اليونانية،وهي اليت جندها مطبوعة ضمن كتاب"حنني ابن إسحاق"ترمجها

،ويورد يف مقابل "احلكمة و الطبيعياتأبا عبيد اجلوزجاين أوردها يف فهرست تصانيف الشيخ ذكر قصة سالمان "يذكرها تلميذ ابن سينا

:وفيما يلي ملخص القصتني،2"و أبسال له

:التي ترجمها حنين بن إسحاق"أبسال"و"سالمان"ملخص رسالة -1

لك ومل يكن له ولد و كان يكره معاشرة النساء، فرغب يف أن كان هناك ملك واسع العلم و امليكون له وارث مللكه وعلمه دون أن يعاشرهن،وكان هذا امللك يصاحب حكيما فأبدى له رغبته،فدبر له ذلك وكان له ولد مساه سالمان ،مث جيء له مبرضعة كانت امرأة مجيلة تدعى

ها عشقا أهلاه عن كل شيء،فحذره امللك من اشتد تعلق الصيب سالمان مبرضعته و عشق.أبسالأمره هذا و من خطورة النساء، إال أن سالمان الصيب مل يصرفه ذلك عن عشقه،و ملا علم امللك

.بذلك طلب منه أن يقسم وقته بني طلب العلم و التعلم من احلكماء و بني معاشرة عشيقته

بع ،دار املعارف ،القسم الرا22ابن سينا اإلشارات و التنبيهات مع شرح نصري الدين الطوسي،حتقيق سليمان دنيا،سلسلة ذخائر العرب-1.50-49-48:فحات صال،1994القاهرة،الطبعة الثالثة

ابن سينا ،تسع رسائل يف احلكمة و الطبيعيات و آخرها قصة سالمان و إسبال،ترمجها من اليوناين حنني بن إسحاق، ، دار العرب للبستاين.1989القاهرة ،الطبعة الثانية

.أنظر الشرح 54-53،اجلزء الرابع ،ص صابن سينا ،اإلشارات والتنبيهات - 2

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

203

تل أبسال،إال أن أحد الوزراء نصحه لكن الصيب أفرط يف اللهو معها فغضب امللك وعزم على ق

معه،ألن امللك أبطل كل اتصال بينهما بعلوم كان يعرفها،وبعد معانات الغربة و الشوق عاد وضح له أن امللك ال جيتمع مع سالمان إىل امللك و طلب منه السماح واملغفرة فقبل منه ذلك وأ

مصاحبة النساء،ألقى سالمان و أبسال بأنفسهما يف البحر و أمر امللك بأن ينجو إبنه و هلكت .أبسال

وما حىت تعود له معشوقته،وكان سالمان له ،وأخذ سالمان معه إىل مغارته للدعاء معه أربعني يخالل التسع و الثالثني يوما ترتدد عليه أبسال وتالطفه وجتالسه ويف اليوم األربعني ظهرت له

فعشق سالمان 1"صورة عجيبة و شكل غريب وفائق على كل حسن ومجال وهذه صورة الزهرة".و احلكمة

:التي يرجحها السراج الطوسي"أبسال"و"سالمان"رسالة -2

تبعد كما -السراج الطوسي أن تكون هذه القصة السابقة هي اليت قصدها ابن سينا يس- ذكرنا

.166، صمة و الطبيعياتابن سينا، تسع رسائل يف احلك- 1 أغلب الدراسات تعتمد على شرح السراج الطوسي و بالتحديد على القصة الثانية اليت سيجري عرضها ، إذ أن القصة اليت كتبها ابن سينا مل

ات والتنبيهات ،بل هو يذكر فقط ملخصها ،ويقول أنه حصل عليها يف تصانيف أيب عبيد يذكرها السراج الطوسي يف شرحه على اإلشار ، و من بني من يعتمد على القصة الثانية )منشورة ضمن أسرار احلكمة املشرقية ملهرن(احلوزجاين، وأن ابن سينا أشار إليها يف رسالة القضاء و القدر

، أنظر كذلك هنري 266و التنبيهات جند دي بور يف كتابه تاريخ الفلسفة يف اإلسالم،صاليت يلخصها السراج الطوسي يف شرحه لإلشارات Henry Corbin: Avicenna and the visionary recital “the Avicenna version of Selman andكوربان

absal”و هذا 251-250،ص1994لطبعة األوىل نقال عن مرفت عزت بايل، االجتاه أإلشراقي يف فلسفة ابن سينا ، دار اجليل بريوت ا،إذ يرى فيه أن الطوسي قد وقع يف خطا يف فك رمزية .على خالف ما أورده عبد الرمحن بدوي يف كتابه الفلسفة و الفالسفة يف احلضارة اإلسالمية

و هو يف املقابل يرى بأن القصة هي ) يقصد السراج الطوسي"(تدل على قصور فهم واضعها عن الوصول إىل فهم غرضه منها" أنظر بدوي عبد الرمحان، ..." النفس الناطقة الكاملة و بني النفس الشهوانية، و سالمان ميثل األوىل و أبسال ميثل الثانية أدق متثيل"رمز للصراع بني

، 1987لعربية للدراسات والنشر بريوت ،الطبعة األوىل املؤسسة ا،)الفلسفة والفالسفة يف احلضارة العربية(موسوعة احلضارة العربية اإلسالمية .67ص

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

204

هو النفس اإلنسانية،فإنه و حسب ما ورد يف القصة ال ميكن أن العارفني،فإذا سلمنا بأن سالمانيكون أبسال درجة لتلك النفس يف العرفان بل هي يف احلقيقة تعيقه على بلوغ مراتب العرفان ،إذ

و سالمان مطابق ملا عين الشيخ، و أما أبسال فغري مطابق ألنه أراد به درجة العارف يف :" يقولو أنه مل يتمكن من بلوغ مراتب العرفان و ،1"مثل ملا يعوقه عن العرفان و الكمالاالعرفان، فهاهن

.

:ما يليفهي اليت سنلخصها فيتالتنبيها

، سالمان و أبسال مها أخوين شقيقني،وكان سالمان هو األخ األكرب والذي اهتم برتبية أخيهعشقت أبسال و طلبت من زوجها أن " امرأة"و كان لسالمان الذي كان حسن اخللق و اخللق،

يه يظم أخاه إىل أهله و أوالده فرفض أبسال ذلك،لكن أخاه أصر عليه فقبل،فأظهرت له زوجة أخعشقها ورغبتها فرفضها،وعندها طلبت من أخيه بأن تزوجه من أختها لكي تظفر به،و ملا دخل

فارتاب من أمرها فالح برق و –) أي زوجة سالمان( أا زوجة أخيه ففارقها لم اعها و ع .أدرك خد

لبالد فطلب منه و انصرف إىل ذلك، وعاد وقد كان سبيله يف االبتعاد هو أن يفتح ألخيه او كان دائما يف مواجهة سال،بعد أن جنح، لكن زوجة أخيه كانت ما تزال على عشقها،فأىب أب

لكن زوجة أخيه تآمرت عليه مع اجليش فرتكوه و ظفر به العدو حينها و العدو الذي يواجه أخيه.ظنوا أنه مات فأرضعته إحدى احليوانات فشفي

بعد أن هزموه و ذلوه و رغم ذلك ملألخيهامللكو أرجعمن العدوانتقم والفعاد أبس،واعتزلترتكه زوجة أخيه بل تآمرت عليه من جديد،فسقته مسا فمات و حزن عليه أخوه كثريا

. ملكه و ناجى ربه ،و انتقم ألخيه و سقى زوجته و الطابخ و الطاعم مثل ما سقوا أخاه

.نظر الشرحأ53رابع، صابن سينا، اإلشارات و التنبيهات، اجلزء ال- 1

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

205

:ملخص القصة اليت أوردها السراج الطوسي، و فك رموزها على النحو التايللقد كان هدا

:شرح السراج الطوسي لقصة سالمان وأبسال-3

إن سالمان هو النفس الناطقة أما أبسال هو درجتها يف العرفان، و تأويل زوجة سالمان هو بية، أما عشقها ألبسال هو القوة البدنية املنساقة وراء اللذة و هي متثل القوة الشهوانية والغض

رغبتها يف إخضاع العقل،ورفض أبسال لزوجة أخيه هو رمز مليل العقل إىل عامله،و تأويل أخت ها مكان ة العقل النظري،وأخذ ر أبسال هو رمز القوة العملية اليت متثل العقل العملي الذي يأمتر بإم

أختها هو مطالب النفس األمارة بالسوء و إيهامها جذبة من "ليكشف عنها هو اللحظة اليت تتفطن فيها النفس حني انشغاهلا باللذات،وهو مبثابة

1"جذبات احلق

هلا يرمز البتعاد العقل عن الرذائل بعد انكشاف "إزعاجه"أما رفض أبسال لزوجة أخيه والبدن وتسخري العقل العملي ألمور التدبري،وحسن احلقيقة،من خالل انصراف أبسال عن مطالب

التسيري وانقياده للعقل النظري الذي تتطلع به النفس إىل عامل القدس،أما تآمر زوجة سالمان مع الذي يرمز للقوة الشهوانية يدل على طغيان النفس "الطاعم"الذي ميثل القوة الغضبية و" الطابخ"

هذه القوة تقوى من جديد و تضعف النفس األمارة بقضاء سالمان على زوجته و على الطابخ و الطاعم اللذين مسموا أخاه،أما اعتزال امللك يف األخري هو رمز النصراف النفس عن البدن و

يف فكه لرموز قصة ساالمان و " السراج الطوسي"ده هذا ملخص التأويل الذي أور .تدبريه ،لكن ال ميكن أن نعتقد جازمني أن هذا هو القصد الوحيد الذي قصده ابن سينا،و حنن "أبسال

نعلم أن الرمز حيمل يف ذاته مضامينا مضمرة يف داخله تقبل التأويالت املتعددة و التفسريات .املختلفة

.56،صرابع، ابن سينا، اإلشارات و التنبيهات، اجلزء ال- 1

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

206

ألساسية واألوىل اليت قصدها ابن سينا من توظيفه للرمز،حىت و رمبا كان هذا من بني األهداف ا .

:فك رموز الرسالة في سياق النص الواردة فيه-4

اإلشارات "أما أننا إذا نظرنا إىل هذه القصة ضمن النص الواردة فيه،وهو النمط التاسع من يتكلم فيه عن مقامات العارفني،فالعارف وهو يف البدن يتدرج يف " ابن سينا"جند" والتنبيهات

مراتب أهل الكمال و البهجة،و يتجرد من عامل احلس لريتقى إىل عامل القدس،وهو يف ذلك احلق و يستبصر نوه،وهي أمور خفية،وهلم كذلك أمور ظاهرة ال يفهمها و ال يعرفها إال يشاهد

.من وقف عليها من أهل العرفان

على أن األول هو النفس الناطقة و الثاين هو درجتها يف " سالمان وأبسال"مث يشري إىل قصةالناطقة املتدرجة يف ،ما يعين أن هذه القصة هي رمز على النفس "أهله"العرفان، إذا كنت من

مراتب ومقامات العرفان،وإن الكشف عن ذلك يكون بالسماع لقصة ساالمان و أبسال ففيها علم أهل احلق و مراتب بلوغ درجة الوصال و هي رمز ملقامات العارفني وأخالقهم و أحواهلم و

.

واغل و اللذات الدنيوية اليت تأتيها أما الصراع الذي تعيشه النفس مع البدن و ترقيها عن الش، أما أبسال و حسب ما يظهر من رمزية القصة هو "زوجة سالمان"من النفس األمارة فهو ميثل

القوة اليت تستطيع النفس من خالهلا النظر يف األمور و حتسن تدبريها،وهو ما ميثل العقل النظري ودا إىل املاهيات و الكليات،لذلك هو رمز الذي يرتفع عن كل ما هو مادي، ويتجرد منه متاما صع

.

كما أن يف القصة إشارة إىل تفطن العقل يف حلظة وقوعه يف أوهام النفس األمارة و هو ما يرمز هي من و "جذبات احلقجذبة من "الذي يشرحه السراج الطوسي، بأنه " البرق"بـ" ابن سينا"له

االرتياب، اإلبتعاد، (

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

207

كل هذه دالالت واضحة على ابتعاد العقل عن اللذة ...)إزعاج املرأة، املفارقة، فتح البالد ألخيه. و الشهوة و االجتاه إىل احلقيقة و الكمال

ي ظهر لسالمان و استنجاده بأخيه أبسال هو رمز للصراع الذي تعيشه النفس أما العدو الذالناطقة بني القوى الشهوانية والغضبية والقوة العاقلة،وزوجة سالمان اليت متارس عليه كل طرقها هي رمز للنفس األمارة، أما رفض اجليش لسالمان هو رمز لضعف قوة التدبري اليت متثل العقل

ثانية " العقل"سالالعدو هو سقوط العقل حتت سيطرة اهلوى،لكن سيتفطن أبالعملي،وسيطرة الوحش، و هذه مرتبة من مراتب تدرج النفس إىل تتعود له احلياة من جديد مما أرضعته حيواناو

.احلق، و هي من النفخات اإلهلية اليت يفيضها احلق على أهل الكمال

األمارة على القضاء على العقل و االنتصار أما موت أبسال هو إشارة إىل إصرار النفس ملطالبها بقوتيها الغضبية و الشهوانبية،واعتزال سالمان امللك و إهالك زوجته و املتآمرين معها هو

االجتاه ية و رمز العتزال النفس اإلنسانية العامل احلسي و التغلب على كل مطالب البدن و شهواتإن للعارفني :"إىل عامل احلق، وهذه من أحوال الع

"...1

العارفنيإشارة إىلهي " اإلشارات و التنبيهات"إن هذه الرمزية اليت يثريها ابن سينا يف كتابه

.بالرموز اليت ال يقف على معناها و ال يفهمها إال من كان من أهلها،و هذا من ناحية

احلق يف طريقها أما من ناحية ثانية فهي ترمز للصراع الذي تعيشه النفس الناطقة املتشوقة إىلنفس البدنية الشهوانية إليه وتدرجها يف مراتب العرفان و مقاماته،هذا إذا تغلبت على قوى ال

.و هو ما سنكتشفه كذلك مع رسالة الطري اليت سنشرع يف الكالم عنها فيما يلي.تعالت عليهاو .48، صاملصدر السابق 1

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

208

:رسالة الطـــــــــــــــير:ثالثا

هي و ،"عيون األنبياء يف طبقات األطباء"يف كتابه " ابن أيب اصبيعة"يصنفها هي رسالة مرموزة أا سرد حلياة النفس بني يث من ح بقة، لسا له ا ا رسائ بن سين به ا اغ ذي ص ل فسه ا ن اق لسي لى ا ع

اازية،و مز و لغة ات و ال ار اإلش.سبق و أشرنا ال تقل براعة و عمقا و رمزا عما كتبه أشهر املتصوفة هي كما

19ص،اينابن أيب اصبيعة،عيون األنباء يف طبقات األطباء،اجلزء الث

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

209

نثرا،وذلك تصوفة يف نصوصهم شعرا أو هو من الرموز املشهورة اليت اعتمدها امل"الطير"كما أن القفص،فهل ستكون و رمبا ألنه يعرب عن احلرية أو لعلوه يف السماء،أو أنه يشري إىل السفر والرحيل

لى هذا النحو؟رموز ابن سينا ع

سالمان "و " حي بن يقضان"يبدأ ابن سينا هذه الرسالة على خالف ما فعل يف رسالةببث أشجانه عله يلقى من يسمعه و حيكي له بعض خواطره و هو يأسف لفقدان " وأبسال

قائق "الصديق إال بعضهم الذين1"درن الشك عن السريرة فإن جيمعهم إال منادي اهللابعني البصرية و جلو

لغاية لغرض أو إن هؤالء اإلخوان هم الذين كان اهللا مسعهم و بصرهم ،وهم الذين ال جيتمعونغري احلق،وهو يتوجه إليهم بدعواهم إىل احملبة و اإلخالص و أن يكمل بعضهم بعضا، وهم الذين

خياطبهم بكالأرجع إىل رأس و "يف مقصوده وغايته و يف اعتماد الرمز واإلشارة ويظهر ذلك من قوله" ابن سينا"

:وملخص ذلك فيما يلي2..."احلديث فأقول

اختفوا و ملا مر جمموعة من الصيادين نصبوا فخا و كان هناك:ملخص رسالة الطير-1

القفص و ل و تعلقا باحلبال،فاستسلمت يف آخر األمر و ألفت حالتها اجلديدة و استأنست للحبائ

"إىل اهلباء -و من عامل الطري رمزت بالعنقاء و هي كما نعلم طائر خرايفبالغراب من ، و ةاالصور املسو الذي فتح اهللا فيه أجسام العامل، و باحلمامة الورقاء اليت كثريا ما توصف بالطوق، إىل النفس الكلية و الروح املنفوخ يف

ة العقل حيث بعده و سواده إىل اجلسم الكلي الذي هو يف غاية البعد عن عامل القدس ،وبالعقاب إىل القلم الذي يناظر يف لغة الفلسفة األفالطونيلطبعة األوىل انظر عاطف جودة نصر ،الرمز الشعري عند الصوفية ، دار األندلس، دار الكندي للطباعة و النشر و التوزيع، بريوت ا" األول

. ،و يف هذا الكتاب دراسة مستفيضة عن رمز الطري و رموز املتصوفة بشكل عام ميكن الرجوع إليه298ص1987ابن سينا، رسالة الطري، منشورة ضمن كتاب مقاالت فلسفية ملشاهري فالسفة العرب مسلمني و نصارى، بقلم لويس شيخو و آخرين دار -1

. 65،ص1955،الطبعة الثالثة العرب للبستاين القاهرة .66املصدر نفسه ،ص- 2

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

210

نسيت حالتها السابقة،و ذات يوم رأى أحد الطيور سربا حيلق يف السماء ختلص من األقفاص و قد زالت احلبائل عنه، لكن بقيت بعضها على أرجلها وإن مل تعقها عن احلركة فقد كدرت عليها تأسف ألمره

رت ألا اخلالصو اشتد شوقه و تلهفه إىل العودة،فناشد تلك الطيور احلرة أن تدله على حيلة ،فففزال خوفها "الصداقة والصحبة القدمية والعهد احملفوظ"تذكرت مكر الصيادين لكنه ناشدها حبق

ب منهم تلخيص وأقبلت عليه،مث أرشدته إىل سبيل اخلالص،فأزال احلبال عن رقبته وجناحيه،وطللو كان لنا ذلك خللصنا أرجلنا،وطلبت منه أن يتبعها حىت يصل إىل بر : رجليه،قالت الطيور

.األمان

الذي سيفك ما " امللك"مث طارت الطيور و معها ذلك الطائر جمتازة أماكن كثرية متجهة إىل ،وبلغوا قمة اجلبل يف رحلتهم هذه بني جانيب جبل حماذيان حىت جاوزوهابقي من قيودها، فطارو

إىل اجلبل السابع الذي تعبوا فيه فوقفوا للراحة،و قد كان فيه من اجلنان املخضرة واألشجار املثمرة نبه بعضهم بعضا خلطر العدو الذي يقتفي آثارهم،فهجروا ذلك املقام باجتاه اجلبل الثامن الشاهق املمتد يف السماء،وكانت

اا و تسكن يف جوانبه طيور مل يشهد حسنها و مجاهل أحل بة عذو ل بل و ال من ق صورها و حسن ا لك ودلتهم عليه فسارت إليه بعد

ارم،و عندما وصلوا استقبلهم امللك و رأو نت إلش اطمأ نوره و مجاله فدهشوا من حسنه و اأن

ذلك هو من عقدها يساعدهم على فك ما بقي من قيود يف أرجلهم، فقال هلم أن الذي يفعللكم،فبعث معهم رسوال يدعوهم إىل ذلك،فبهجت الطيور خلالصها و انصرفت مع الرسول، و يف

.مسع قوله مل يصدقه و اعتربه جمنونا

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

211

:رمز النفس في رسالة الطير-2

هو جممل ما ورد يف القصة سردا دون التوغل يف مضمون الرموز اليت يوظفها ابن إن ما سبقأا ال تقل غموضا عن الرسالتني السابقتني، إذ لغزة، امل ته ارا ته و عب ارا إش فك سنحاول و سينا و دون

فيما يلي فهم رمزية النفس داخلها ،و جتدر اإلشارة هنا إىل أننا مل جند شرحا وافيا شافيا هلا إالاليت مرت عليها بشكل سريع دون الوقوف على عمق رمزيتها،إال أن بعض الدراسات القصرية.وحي بن يقضان ساعدنا كثريا على فهمهاو أبسالاناطالعنا على رسالة سالم

واحدا من تلك "ابن سينا"وقد كانالنفس اإلنسانيةاليت علقت يف الشباك هي "الطيور"شارة إىل اتصال النفس بالبدن و ارتباطها به، و هي و إن حاولت الطيور اليت علقت،ويف هذا إ

واستأنسنا بالشرك واطمأننا إىل "التخلص منه مل تستطع فاستسلمت واستأنست للبدنوكانت هلذه النفس حلظات حملت فيها نفوس أخرى،لكنها انفصلت عن البدن ،1"األقفاص

ابن "شك أن هؤالء هم الذين يتحدث عنهمانفصاال جزئيا لبقاء بعض احلبال يف أرجلها،وال"تاإلشارات والتنبيها"يف"سينا

من "الكاملة،وهي تنتمي إىل النفوس البشريةحيث هم مشتاقون فقد يكون ألصناف حيث هم عشاق قد نالوا نيال ما فهم متلذذون، ومن

2..."منهم أذى ما

ذلك لكنها مل تنفصل كليا عن البدن،وكانت الطيور احلرة ترشدها إىل الطريق،و يف هذا إشارة إىل

66،ص1،ط1982النشر و التوزيع،عاصي،املؤسسة اجلامعية للدراسات و اللغة الصوفية يف فلسفة ابن سينا حلسن أنظركتابالتفسري القرآين و -د انظر كذلك ابن سينا و مذهبه يف النفس، دراسة القصيدة العينية لفتح اهللا خليف، دار األ.67 . 155ص1974، بريوت،،دون طبعة، ح

.و ما يليها289كتاب دي بور، تاريخ الفلسفة اإلسالمية، مذكور سابقا، صو .67، صلويس شيخو وآخرونابن سينا، رسالة الطري، -1.44، صات و التنبيهات، اجلزء الرابعابن سينا، اإلشار -2

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

212

إن أمامك بقاعا لن :"اية أول مقام ألن الطيور كانت تقولالتدرج يف مراتب الكمال،وكان هذا بددك سواء السبيل .1"تؤمن احملذور إال أن تأيت عليها قطعا فاقتفي آثارنا نـنج بك و نـه

املتتالية هو دليل 2الجبال الشاهقةوالذي سلكته الطيور من "ابن سينا"أما الطريق الذي يصفه فيها العارف للوصول إىل احلق ألن وراء آخر جبل سيكون اليت يتدرجعلى املقامات

عوائق الرحلة إىل األصل ،حيث أنه ليس من اهلني على النفس اليت استأنست "فهو ميثل ،"الملك"القيد والركود والتمتع بالذات احلسية أن تتحرر بسهولة من عامل الشهوة واملادة،فالتطهر يتطلب

وأكلت و شربت فهو رمز للسعادة الذي اسرتاحت فيه الطيور الجبل السابعأما 3"املكابدةها بصور تكاد ..:".البهجة اليت تبلغها النفس يف طريقها إىل احلق فهو يقولو يروي بصرك نعيم

.4"...تبهت األلباب، و تسمعك أحلانا شجية وأحلانا مطربةس لبهائها تدهش العقول و ت

إال أنه كان ) اجلبل(شق للمزيد رغم ما ذاقه يف هذا املقامو يف القصة رمز لشوق العارف العا.مارة و قوى النفس األحىت ال يرتبص به األعداء، الذين يرمزون للبدن"الرحلة"يتوق دائما إىل

و ما تزال النفس تتطلع إىل احلق و تستبصر نوره و ينكشف عنها احلجاب و هي مل تصل بعد ).أي امللك(عامل القدس و اجلربوت النهائي باحلق إىل مرحلة االتصال التام و الوصال

مع سرب )أحد الطيور(أما الطيور اليت كانت على اجلبل الثامن و اليت شاهدها ابن سينا أطرف لوانا و طيور مل ألق أعذب أحلانا و أحسن أ :"الطيور اهلارب من العدو و اليت يصفها بقوله

.67، صابن سينا، رسالة الطري-1:"عن هذه الرسالة بقوله" دي بور"يعلق -2

و أما الطيور اليت تسكن جوانب اجلبل الثامن فرمبا كانت رمز... و أما فرتة الراحة و اجلمام فهي اليت ال بد منها للسالك... بني اإلنسان و اهللاو أما بلوغ حجرة امللك و ارتفاع احلجاب فلعله الوصول إىل اهللا، و أما ...لألرواح اليت ختلصت من كدر الدنيا و استقرت يف حببوحة القرب اإلهلي

م، دي بور ، تاريخ الفلسفة و اإلسال.ج.أنظر ف..."الرسول الذي سيفك القيود فلعله الرسول الذي سيفصل بني الروح و اجلسد الفصل األخري.292دون تاريخ،ص05ترمجة و تعليق حممد عبد اهلادي أبو ريدة ملتزمة الطبع و النشر، مكتبة النهضة املصرية، ،ط

سامي امللويل،رمزية رسالة الطري البن سينا وعالقتها بفكره الصويف ومقارنتها برسالة الطري للغزايل ،جملة دراسات فلسفية -396ص.2014،نوفمرب03،العدد

.68، صابن سينا، رسالة الطري- 4

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

213

صورا و أطيب عشرة منها، و ملا حللنا يف إشارة إىل فهي ،1"

، و اليت متثل املرتبة الثانية تاجلواهر القدسية العقلية اليت يذكرها ابن سينا يف اإلشارات و التنبيها) أي املبدأ األول(و يتلوه ":اليت يسبقها املبدأ األول و فيها يقولمن مراتب املوجودات و

ام من حيث هم مبتهجون به وهم اجلواهر العقلية القدسية بذو به و هجون ت و ما يؤكد ،2"املب

إىل مدينة امللك و االنتظار و دخول القصر و االنتقال من حجرة إىل )النفس البشرية(الطيور أخرى و رفع احلجاب األول هو رمز للمراتب اليت يتدرج فيها املريد قبل بلوغ مرحلة االتصال

،و يرمز رفع احلجاب الذي بينهم و بني امللك إىل املكاشفة و حتقيق أعلى )مشاهدة احلق(التامنا تلق فلما رفع احلجاب و حلظ امللك يف مجاله م "عني رأت وال أذن مسعتمراتب االتصال أين ال

. 3" علقت به أفئدتنا و دهشنا عاقنا عن الشكوى

أن بعث الرسول مع الطيور من طرف امللك لفك ما بقي من قيود و حبال يف أرجلهم اكميرمز لالنفصال النهائي عن البدن و ذلك باملوت، الذي به فقط تستطيع النفوس البشرية التخلص

"من كل عالئق البدن ألنه يقول.4"وال يسومهم إرضاءكم و إماطة السوء عنكمإليهم رس

و خيتم ابن سينا رسالة الطري كما فعل يف رسالة حي بن حسنه ألصدقائه، و أن الناس الذين مسعوا قصته مل يصدقوه و قالوا أنه جمنون ، و هذه إشارة إىل و

ن كان من أهل اخلري والعرفان، أما البقية ممن مل حال العاشق املستبصر للحق الذي ال يفهمه إال مإم ينكرون ذلك و يقولون ا ف نو أراك مس عقلك مس أو ألـم بك ملـم وما واهللا ما طرت و "يعاي

.69بن سينا، رسالة الطري ، ص- 1.43، صارات و التنبيهات، اجلزء الرابع ابن سينا، اإلش-2.69ابن سينا، رسالة الطري، ص- 3.69املصدر نفسه ،ص- 4

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

214

لكن طار عقلك و ما اقتنصت بل اقتنص لبك أىن يطري البشر أو ينطق الطري،كأن املرار قد غلب يبني رمبا ك.1..."يف مزاجك

بيعة األوىل للنفس و هي مل تتعلق بعد بالبدن و حاهلا و هي عالقة به متأثرة بطبائعه، أوال الطمتآلفة معه، مث رغبتها يف اخلالص منه و التحرر من قيوده، فهربت لكن بقيت بعض عوالقه إىل أن

ريق من أهل العرفان و تدرجت يف مراتب و مقامات اإلرادة و الرياضة حىت بلغت اسرتشدت الطو استبصرت و رفع عنها احلجاب، لكن هذا مل يكن خالصها النهائي منه، بل حىت تنفك كل القيود اليت تربطها بالبدن، و ذلك سيكون باملوت وحده فتعود إىل أصلها األول عامل القدس و

.اجلربوت

:صيدة العينيةالق: رابعا

سنتوجه مع هذه القصيدة وجهة جديدة مع ابن سينا ألنه سيضعنا أمام لغة شعرية ختتلف عما ألفناه منه و تبتعد عن لغته يف كتاب الشفاء و يف كل كتبه الفلسفية األخرى، و إن كانت

املقصود تتفق مع رسائله الرمزية يف اعتمادها اإلشارات و اللغة الغامضة، و كذلك يف الغرضتابة الشعرية، و ال ننسى

كرب الصوفية و أشهرهم عربوا عن خواجلهم و خواطرهم شعرا،كما أن البن سينا قصائد هنا أن أأخرى يف الشيب و احلكمة و الزهد و العلم

.70،صاملصدر نفسه- 1 بيعة ، عيون األنباء يف طبقات األطباء ، اجلزء أنظر كذلك ابن سينا، منطق املشرقني، و القصيدة املزدوجة يف املنطق، .10الثاين صانظر أيب اص

.،الطبعة الثانية دون تاريخ، أنظر مقدمة الناشرنالنجفي، مطبعة الوالية إيرايمنشورات مكتبة آية اهللا العظمى املر عش

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

215

و جتدر اإلشارة إىل أن هذه القصيدة املليئة بالرموز واإلشارات ال ختتلف عن مقاصد أهل

عودا و هذه احلالة من خالل عرضه لرحلة النفس من األصل الذي جاءت منه و ارتباطها بالبدن :، و حىت ال نطيل الكالم نقدم فيما يلي نص القصيدة "األرفع"األخري إىل حملها يف

:نـص القصيدة العينية-1

ب ن طت إليك من احملل األرفع ـه ز ومت ع ـــورقاء ذات تعز

فرت ومل تتربق ارف ـحمجوبة عن كل مقلة ع ــع وهي اليت س

ص ره إليك ورمبالت علىـو ت فراقك وهي ذات ك ع كره ج تف

رة اخلراب البلقألفت أنفت وما أنست فلما واصلت او ع ـجم

ن وىـوأظنها نسيت عهودا باحلم نازال بفراقها مل تـق ع ـــم

رع مركيف ميم هاـ ا بذات األج زه

ا ثاء الثقيل فأصبحت قت ع ـالطلول اخلض املعامل وبني عل

ميمبدامع تبكي إذا ذكرت ديارا باحلمى ع ــوملا تـقط

من اليت تظل ساجعة على الد بع درست و بتكرار الرياح األر

رك الها ق إذ عا هاالكثيف ش ص عن األوج الفسيح املربع وصد قـف

ىت إذا قرب املسي ع ر إىل احلمىـح ودنا الرحيل إىل الفضاء األوس

عت ج ع ـما ليس يدرك بالعيون اهلج قدكشف الغطاء فأبصرت و س

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

216

ت مف غد ب غف ـارقة لكل خملـو ليف الرت ع شيري م عنها ح

ن مل يـرفق ـت تـغرد فوق ذروة شاهبدو ع ـوالعلم يرفع كل م

احلضيض األوضع رت سام إىل قـع خ ـفألي شيء أهبطت من شام

طن اللبيب األروع مة ــكحلإن كان أرسلها اإلله طويت عن الف

مة ـلتكون سامع ربة الزب ـفهبوطها إن كان ض عـمبا مل تس

وتعـود عالـمة بكل حقيقـة يف العاملني فخرقها مل يرقــع

د اـوهي اليت قطع الزمان طريقه ىت لق ع ــغربت بغري املطلح

أا برق تألف ىــق باحلمـك 1ع ـــنطوى فكأنه مل يـلم إمث

أي احلمامة "بالورقاء"إن هذه القصيدة تتكلم عن رحلة النفس اإلنسانية ،اليت يرمز هلا ،وكالمها "رسالة الطري"الرمادية، و قد تكلمنا قبل هذا عن رمز الطري الذي وظفه ابن سينا يف

:اشرتك يف معان كثرية،وحاصل ذلك فيما يلي

.11-10ابن أيب أصبيعة ،عيون اإلنباء يف طبقات األطباء ، اجلزء الثاين،ص- 1 أنظر عبد الرزاق الكاشاين ،معجم إصطلحات "هي النفس الكلية اليت هي قلب العامل ،وهي اللوح احملفوظ والكتاب املبني "يعرفها الكاشهين

.76،ص1992الصوفية حتقيق وتقدمي وتعليق عبد العال شاهني ،دار املنار للطبع والنشر والتوزيع القاهرة الطبعة األوىل

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

217

استسهل ابن سينا كالمه باإلشارة إىل املكان الذي جاءت منه النفس و الذي هبطت إليه ،و احملل اجلديد سيكون غري مرغوب فيه يف البداية )هبطت إليك من احملل األرفع(سكنت فيهو

. لكن النفس البشرية ستألفه و تستأنس به و ستنسى حالتها األوىل و ما كانت عليه من كمال

ن ىـنسيت عهودا باحلموأظنها نازال بفراقها مل تـق ع ـــوم

طبيعته الفانية الذي يرمز له مبجموعة من الصفات حتددالجسديشري مكان اهلبوط إىل ،و النفس يف هذه احللة ال ميكنها ...) احلزاب، البلقع، الشرك، احلضيض األوضع، قفص(الرتابية و

لها،و لن تستطيع كذلك العودة إىل حملها األول، و يف هذا إشارة إىل أن حتقق كماهلا الذي هو أصيضع النفس بإزاء اجلسم ويعتربها جوهرا روحيا قائما بذاته غنيا "اختالف طبيعتها عن طبيعته،فهو

.1"عن هذا اجلسم املادي الذي حلت فيه

غري -أي النفس-الورقاءيؤكد ابن سينا هذا االختالف يف الطبيعة من خالل إشارته إىل أن لعله و

.

د ، بريوت،،دون طبعة، -دراسة القصيدة يف العينية -اهللا خليف ابن سينا و مذهبه يف النفسفتح - 1 .139، ص1974دار األح

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

218

فرت ومل تتحمجوبة عن كل مقلة عارف ربقع ـ وهي اليت س

و كرهها له مث تآلفها معه،البدنيف شراكالنفس اليت وقعتإىل حالةاإلشارةوبعد هذه نفس إىل أصلها و تتذكر عهودها،وهوينتقل ابن سينا إىل الكالم عن اللحظات اليت تتوق فيها ال

.احلق التائقة إىلنسانية العاشقةما يعرب عن النفحات الروحية اليت تفيض على النفس اإل

مي وملا تـقط باحلمىتبكي إذا ذكرت ديارا مع ا ع ـــمبد

إال و حيني موعد رحيلها،أين تعود ) البدن(مهما بقيت متعلقة باحلبائل ) النفس"(الورقاء"إن يف رسالة " ابن سينا"إىل أصلها و ينكشف عنها احلجاب و تستبصر احلق،وهذا يذكرنا مبا قاله

: حي بن يقضان و سالمان و أيسال و رسالة الطري عن الرحيل ،ويقول يف القصيدة

عت ج ع ـاهلج يدرك بالعيون ما ليسدكشف الغطاء فأبصرت قوس

بني معنيني خمتلفني مها النوم واليقظة الذي يعرب عنها باهلجوع "فهذا البيت جيمع فيه ابن سينا والنوم أو اهلجوع هو السكون واهلمود واالستقرار وتعطل احلواس،وهو هنا مبعىن .وكشف الغطاء

التغريد يف و ،و هنا تفارق النفس البدن و تبلغ السعادة،1"نوم شبه كبرياملوت ،وبني املوت والالقصيدة هو رمز هلا و للبهجة اليت حتصل للنفس عندما تنتقش بالعلم اإلهلي، و فقط حينها تعلم

.و تعرف و حتقق كماهلا و رفعتها

.161املرجع السابق،ص- 1

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

219

ن مل ق ـت تـغرد فوق ذروة شاهبدو ع ـيـرفوالعلم يرفع كل م

كما أن هذه الرحلة اليت تنفصل فيها النفس عن أصلها و كماهلا و توضع يف البدن املخالف مطلعة علىلطبيعتها و املعيق التصاهلا هي حلكمة إهلية،حىت تبلغ العلم وتكون عاملة بكل شيء و

.ما يف عاملها و عامل احلس

مة ـلتكون سامع ربة الزب ـفهبوطها إن كان ض عـمبا مل تس

وتعـود عالـمة بكل حقيقـة يف العاملني فخرقها مل يرقــع

كان،فنـزوهلا يف البدن و إن"البرق الخاطف" ـ خيتم ابن سينا قصيدته هذه بتشبيه النفس ب

.يبدو أنه طويل هو يف احلقيقة ومضات خاطفة ما تكاد تنكشف حىت تغيب

أا برق تألف ىــباحلمق ـك ع ـــنطوى فكأنه مل يـلم امث

إن رموز ابن سينا و إشاراته يف هذه القصيدة هي كالم عن النفس اإلنسانية ،و إن كان مل يسرتسل يف احلديث فيها كما فعل يف رسالة حي بن يقضان خاصة، و الرسائل األخرى عامة،عن

املعرفة وعن املبدأ األول ،بل خص كل كالمه عن قوى النفس ومل يتكلم عن العقل و مراتبكما يسميه يف القصيدة "احملل األرفع"طبيعتها وطبيعة اجلسد الذي تسكن فيه وعن هبوطها من

.وعودا إليه

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

220

الباحثني الكثري بنيأثارت تساؤالت"الهبوط"هذه النقطة األخرية ؛أي تلك اليت ارتبطت بـند ابن سينا ،فهي تشري إىل حدوث النفس،وقد أسلفنا الذكر بأن ابن والدارسني لنظرية النفس ع

سينا يقول بذلك وقد أكد موقفه مبجموعة من الرباهيني اليت أوردناها يف املبحث الثاين من الفصل ،دفع البعض إىل القول بأنه ) هبطت إليك من احملل األرفع(الثالث،لكن مارد يف القصيدة يف قوله

،ويف هذا )حادثة حبدوث البدن(والقول باحلدوث )اهلبوط(بني القول بالقدم وقع يف التناقض احلق أننا ال نستطيع تفسري موقف ابن "يتساءل حممد علي أبو ريان وبعد حتليله للمسألة يقول

موقف :نفس عند وجود البدن املستعد لقبوهلا ،وموقف أفالطوين ال يكاد يتضح مشائي يفرتض وجود ال

إال يف نصوص ابن سينا املتأخرة ،وخصوصا يف رسائله الصوفية ،فإنه يذهب فيها إىل القول بوجود النفس مفارقة قبل وجود البدن ،مع احلرص التام على عدم االنزالق إىل التصريح بقدمها وذلك

.1"الدين خمافة من نقض دعاوي

لقد كان هذا جممل ما ورد يف الرسائل و القصص الرمزية اليت تناولناها بالشرح و التحليل، و إا امتألت باجلمالية و اللغة العميقة، ما مضة ف ا لغ ات ا ار اإلش لرمز و نت مفعمة با إن كا هي و

.جعلها متثل جانبا خاصا و مغايرا عما ألفناه من خطاب ابن سينا الفيلسوف

دراسة -النفسيثري هذه النقطة بكثري من التفصيل ويشري إىل أهم اآلراء والقراءات اليت أثرية حوهلا،فتح اهللا خليف يف كتابه ابن سينا و مذهبه يف.وما يليها136يف القصيدة العينية،أنظر ص

دار املعرفة )الفلسفة اإلسالمية-الفرق اإلسالمية وعلم الكالم–املقدمات العامة (حممد علي أبو ريان ،تاريخ الفكر الفلسفي يف اإلسالم-1.295ص1992اجلامعية اإلسكندرية الطبعة الثانية

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

221

يف رسالته املشهورة " السهروردي"ان فإين ملا رأيت قصة حي بن يقض:" واصفا رسالة حي بن يقضان البن سينا قائال" الغربة الغريبة"

صادفتها مع ما فيها من عجائب الكلمات الروحانية و اإلشارات العميقة معرتية من تلوحيات تشري إىل الطور األعظم الذي هو الطامة الكربى املخزون يف الكتب اإلهلية املستودعة يف رموز

، وهو اليت رتبها صاحب قصة حي بن يقضان "أبسال"و"ساالمان"احلكماء املخفية يف قصة .1..".السر الذي ترتب عليه مقامات الصوفية و أصحاب املكاشفات

ومل تكن هذه النصوص وحدها هي اليت مثلت اجلانب الصويف عند ابن سينا، بل هناك رسائل أخرى كثرية كرسالته يف العشق، و رسالة يف مهية الصالة، و رسالة يف دفع الغم من املوت، ورسالة

أن اعتمادنا على النصوص األربعة اعتبارا لرموزها اليت كانت يف جمملها حول يف القدر و غريها إال

حلظات دهشتها عند اليت حتصلها النفس عند اتصاهلا و وفيضيه عليها، و إىل السعادة و البهجة ام و و ما إىل ذلكمكاشفتها احلق فني و درج ار لع ات ا ام .أحواهلممن مق

ألخري بإعطاء تعريف للنفس يف هذه النصوص األربعة مشرتكة و جمتمعة مع خنتم كالمنا يف ا.

قصة الغربة الغريبة –رسالة يف اعتقاد احلكماء - ،جمموعة مصنفات شيخ اإلشراق ،كتاب حكمة اإلشراقسهروردي شهاب الدين حيي-1. 275هـ ،ص 1373،تصحيح وتقدمي هنري كوربان ،طهران

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

222

للبدن،و هي تتصل أما املشرتك بينهما يكمن يف أن النفس عند ابن سينا هي من طبيعة مغاربة ؤثر عليها و جيعلها خاضعة منغمسة يف سه،و هلا من القوى ما ي ن لفه و تأ أ به و تتفاعل معه و ت

و يأيت عليها زمن و تنفصل عن البدن اللذات،كما هلا حلظات تتفطن فيها إىل حالتها األوىل

صل "اللذة العقلية"كتاب النفس حت

يعين االختالف بل نقصد أنه يف نصوصه األربعة هذه منها ما اسرتسل فيها أما التفاوت فال كثريا يف الكالم ؛كقصة حي بن يقضان اليت يتكلم فيها عن للعقل الفعال الذي يفيض على النفس اإلنسانية باملعرفة و يعلمها علوم األقاليم وطريق الوصول إىل احلق،ويفصل فيها يف قوى

املسائل اليت مل يتكلم عنها يف القصيدة العينية و رسالة الطري سوى كإشارة النفس اإلنسانية ،وهي تظهر من خالل كالمه عن البدن، أما سالمان و أبسال ،فإنه أشار إليها فقط وترك لنا حل الرمز

. وفكه

ازیة الفصل الثالث النفس في نصوص ابن سینا الصوفیة المرم

223

كما أن هذه الرموز تكشف عن املنهج العقلي الذي صاغه ابن سينا يف التدرج عرب مراتب جودات لتحقيق االستفاضة ،واالتصال باحلق اتصاال ال تتمايز فيه الذات،وهي ليست جتربة املو

ذوقية تقتصر على مواجهة القوى البدنية بل ترتقي إىل حتقيق املكاشفة العقلية والعلوم السر الذي ترتب عليه مقامات الصوفية و أصحاب "النظرية،والشك يف أن هذا هو

.1"المكاشفات

لغريبة ، قصة الغربة ا–رسالة يف اعتقاد احلكماء -سهروردي شهاب الدين حيي ،جمموعة مصنفات شيخ اإلشراق ،كتاب حكمة اإلشراق-1. 275،ص

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

223

الخطابين الفلسفي مع تقاطع: الفصل الرابع."ابن سينا"و الصوفي مع "أرسطو"

:المبحث األول

حول النفسكربىيف مسائل

:المبحث الثاني

حماولة يف قراءة إبن سينا خالصا

:المبحث الثالث

يف ميزان النقد والتقييم" ابن سينا"و" أرسطو"

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

224

ابن "و "أرسطو"انشغل الباحثون يف حماولة البحث عن نقاط التشابه و االختالف بني لطاملا جمرد ناقل ملا قاله "ابن سينا"يف مسألة النفس، و قد أفاضوا كثريا يف ذلك، فمنهم من اعترب "سينا

. ، يف حني منهم من حاول إبداء التجاوز و اجلدة يف فكره"أرسطو"

لكن ال توجد دراسات كثرية حاولت أن تفعل ذلك بني أرسطو الفيلسوف و ال نقول ابن سينا ال يوجد شك يف انتماء نصوصه إىل يف مذهبه يف التصوف، ألنه املتصوف ،بل و بني ابن سينا

اخلطاب الصويف، بقدر ما هناك شك يف صحة صوفيته كسالك زاهد منقطع عن اخللق رغبة يف البهجة و ملفارقة، لكن نصوصه يف العرفان و احلق ، و قد يبدو يف قولنا هذا نوع من التناقض أو ا

.تؤكد ذلكات الكمال و املقامات و غريها السعادة و الزهد و العبادة و درج

ة ضمن اخلطابني، و هي يف على أساس هذا ستكون املسائل الكربى اليت سنخوض فيها مبثوثاألغلب

:وىلحول النفس و حىت ال نطيل يف الكالم نبدأ باملسالة األ

:في حـد النفس: المسألة األولى/1

لكتاب "لقد سبق وأن أشرنا إىل حد النفس عند أرسطو من خالل قراءتنا و حتليلنا السابقني " النفس

.1"طبيعي، ذي حياة بالقوةكمال أول جلسم :"النفس، و للتذكري فقط ،هو يقول

يشري أرسطو يف هذا املعىن بالتحديد إىل طبيعة العالقة بني النفس و البدن، إذ ستكون األوىل صورة للثاين و مها متحدان وفقا إلحتاد اهليوىل و الصورة، كما يبني أرسطو ذلك يف نظريته حوهلما،

أرسطو يشبه ذلك قة اتصال و تالزم، و ذ بينهما عالو هو ما جيعل النفس و البدن جوهرا واحدا، إ

ة أرسطو كتاب النفس ،ترمجة أمحد فؤاد األهواين،راجعه على اليونانية األب جورج شحاته قنوايت،منشورات دار إحياء الكتب العربية ،الطبع-1.43-42، ص ص.1949األوىل

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

225

، ما 1"كما أن العني تقال على احلدقة و البصر فكذلك احليوان هو النفس و اجلسم معا": بقوله أن الكمال الذي يطلقه عليها أن يكون هلا وجود خارج البدن، و يعين كذلك أن النفس ال ميكن

، فهي كذلك يف حالة اتصال، فهل سيتقاطع خطاب ابن -أي إىل البدن –هو بنسبتها إليه سينا مع هذه التحديدات األرسطية ؟

يشري ابن سينا من جهته يف كل نصوصه الصوفية ذات الطابع الرمزي إىل البدن و إىل عالقة .النفس به و طبيعة هذه العالقة، لكنه سيختلف مع أرسطو يف جوانب و يتفق معه يف أخرى

نة - أي النفس- ألا" أرسطو"هي ليست باملستوى نفسه الذي يقره ، متضملكماهلا التام قبل اتصاهلا بالبدن، و تفقد ذلك الكمال يف اللحظة اليت تسكن فيه، و عالقتها به

و ىل عاملها،حينها إىل كماهلا و إهي عالقة اتصال ظريف ،ألنه سيأيت موعد و تنفصل عنه و تعود: يتكلم ابن سينا عن هذه اإلقامة أي االتصال بالبدن و االنفصال يف القصيدة العينية عندما يقول

ىــم احل ب ق ـل أ ا برق ت ه نـ أ ك ف 2ع ـــيـلم مل ه ن أ ك ف انطوىمث

عندما يتكلم عن حالة " حي بن يقضان"كما توجد إشارة بليغة أخرى إىل هذا املعىن يف رسالة و اهللا املستعان على حسن جماورة "

اية املطاف 3"هذه الرفقة إىل حني الفرقة.بني النفس و البدن

على أن هذا ال يعين أن النفس هي كمال للبدن يف خالل اتصاهلا به ، و قد عرب ابن سينا يف أي –اليت حتدث بينهما ) األلفة(و ) االستئناس(كل نصوصه الرمزية من خالل إشاراته إىل حالة

االستسالم مث االستئناس باحلبال و يظهر ذلك من خالل " رسالة الطري"ففي -بني النفس والبدن

.44، صالسابقاملصدر - 1.11،ص1882ابن أيب اصبيعة ،عيون األنباء يف طبقات األطباء ، اجلزء الثاين ،املطبعة الوهيبية الطبعة األوىل - 2.97، صن كتاب جامع البدائعابن سينا ؛حي بن يقضان ،نشرها الكردي حمي الدين صربي ضم- 3

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

226

يبدو ذلك من خالل العشق الكبري الذي كان بينهما " سالمان و أبسال"القفص، و يف رسالة

كن أحدهم من السياحة ،دون يرمز ابن سينا لذلك يف صحبة الرفقاء و عدم مت" حي بن يقضان":أن ننسى ما ورد يف القصيدة العينية حيث يقول

رة اخلراب البلقأنفت وما أنست فلما واصلت او 1ع ـألفت جم

مله ألنه م ل يف البدن تك ت،فاالنفعاالن دوا ال ميكنه أن يفعل أي شيءفالنفس عندما حتو الوظائف اإلنسانية املختلفة ال ميكن أن تظهر دون هذا االتصال، و لعل هذا املعىن يتضح من

يف القصيدة العينية على أن النفس ال ميكن أن تدرك باحلواس فهي جوهر " ابن سينا"خالل تأكيد ، و سرها غري معروف ،بل نعرفها فقط من خالل انفعاالت اإلنسان اليت تصدر عن وب ه،وهذا حمج

:قوله

فرت ومل تتحمجوبة عن كل مقلة عارف 2ربقع ـ وهي اليت س

جوبة "فكلمة رت "هي رمز لطبيعتها اجلوهرية، و تقابلها كلمة " حم ف اليت تدل على جالء " س.هذه النفس و انكشاف حقيقتها للعقل

الذي تكون النفس كماال أوال له، بأنه عندما يتكلم أرسطو عن النفس فهو يشري إىل اجلسم " كتاب النفس"جسم طبيعي قابل للحياة بالقوة، و هو التعريف نفسه الذي يوليه ابن سينا يف

للجسم، لكنه يف نصوصه الصوفية سيوظف جمموعة من اإلشارات والرموز اليت جتعل منه معيقا .لالنغماس يف امللذات البدنية

إبراز طبيعة البدن من خالل تعدادهكثريا يف"ابن سينا"ففي رسالة حي بن يقضان يسرتسل

.11، صعيون اإلنباء يف طبقات األطباء ابن أيب اصبيعة، - 1.10نفسه ،صاملرجع - 2

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

227

: "للقوى البدنية، و جاءت رمزيته فيما يلي، و لن تكاد تسلم عنهم، و سيفت وء ، وعلى غرار ما ورد يف 1"وافرةونك أو تكتنفك عصمةن س

اخلراب، البلقع، ( يرمز للبدن برموز كثرية ،كقوله يف القصيدة العينية " حي بن يقضان"رسالة ، و ال شك يف أن رمز اجلسد يف رسالة الطري كان )الثقيل،الشرك الكثيف، نقص ،حليف الرتب

.الطيورواضحا جليا إذ رمز له بالقفص و احلبال اليت التفت على

إن هذه املعاين والرموز السابقة تقودنا إىل نتيجة مهمة بني اخلطابني، و هي أن أرسطو يؤسس .ملبدأ الوحدة بني النفس و البدن، يف حني يؤسس ابن سينا ملبدأ الثنائية

كماال ) الصورة(بني البدن و النفس هي عالقة الصورة باملادة ،و اليت بدورها جتعل من لألوىلاليتاليت هلا حياة بالقوة، و قد كان كالمه يف هذه املسألة صرحيا وواضحا إذ ) املادة(أوال للثانية

ننا ال و هلذا مل نكن يف حاجة إىل البحث عما إذا النفس و اجلسم شيئا واحدا، كما أ:"يقولفهذا التشبيه يدل على طبيعة الوحدة اليت بني النفس و ،2"نسأل هل الشمع و طابعه شيء واحد

.البدن

ألنه ينفي القول بالوحدة، أما االتصال فهو ليس " أرسطو"باملقابل خيتلف عن " ابن سينا"أما الوقوع يف (و)اهلبوط(وحدة و إمنا هو سكن أو حلول ظريف للنفس يف البدن، و رمبا كان رمز

تأكيدا على الثنائية، فالنفس هلا طبيعتها اجلوهرية اخلاصة، و هي تأيت إىل اجلسم من ) الشركن تشكل و اجلسد و تعود إليه بعد املوت،فطبيعتها هي اليت متنعها من أ) احملل األرفع(

يرا له ،و هي تألفه و تستأنسه فقط ، و موحدة، .كماهلاو ن حني إىل أخر تشتاق إىل أصلهاملغا

.65-64،ص صلدين صربي ابن سينا ؛حي بن يقضان ،نشرها الكردي حمي ا- 1.43ص،ترمجة أمحد فؤاد األهواين،أرسطو، كتاب النفس،- 2

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

228

مي وملا تـقط د مب ىم ارا باحل ي ت د ر ك ا ذ ي إذ ك ب تـ مع .1ع ـــا

يت هذا الشيخ سبيل السياحة استهداء "حي ابن يقضان"أو كما يقول يف رسالة د تـه مث أين إس" الشوق"فـ2"حريص عليها مشوق إليها، فقال إنك و من هو بسبيلك عن مثل سياحيت مصدود

قد قصد حي بن يقضان على عامل احلق الذي هو عاملها، و هنا هو رمز لرغبة النفس يف االطالع اإلحاطة بكل العلوم و معرفة املوجودات، و هذه ليست من نصيب النفس و هي يف " بسياحته"

.البدن، بل قبل أن تسكن فيه و بعد أن ترحل منه

برمزية غامضة و إشارات يف غاية التعقيد، بغرض أن إىل هذه الثنائية" ابن سينا"كما يشري و جدت الشمس تطلع بني قرين "الطبيعة اخلاصة املفارقة حيث يقولىيبني االختالف أو باألحر

.3"...الشيطان، فان للشيطان قرنني قرن يطري و قرن يسري

لرمزية يف هي رمز للنفس اإلنسانية اليت يكون العقل أرقى صورها، و هي يف ا" الشمس"فـ هذه " جامع البدائع"يف كتابه " الكردي"مكان جيعلها بعيدة عن املادة غري خمالطة هلا ،و يشرح

أي إذا نظرت من هذا اإلقليم و ملت يف اعتبار أمره إىل هذا اجلزء منه وجدت :"اإلشارات بقولها قائمة بنفسها صاحلة الصورة اإلنسانية اليت هي العقل اإلنساين طالعة جمردة من املادة، بقوام ذا

.4"لذلك البقاء بعد فساد البدن

رسالة "هذا إضافة إىل أن النفس عندما حتل بالبدن تكون كارهة له غري راغبة فيه ، و يف فإذا احللق .و سقطنا يف خالل احلبائل أمجعني."..ما يرمز ذلك عندما يقول أحد األخوان" الطري

و شغل كل واحد منا... ففزعنا إىل احلركة...بأجنحتناتشبثك تالشر ينظم على أعناقنا ، و

.10صعيون األنباء يف طبقات األطباء،،ابن أيب اصبيعة- 1.98للكردي صان، نشر حمي الدين صربيابن سينا، حي بن يقض- 2.105نفسه، صاملصدر - 3.105نفسه ، أنظر الشرح صاملصدر - 4

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

229

.1"ما خصه من الكرب عن االهتمام بأخيه

ليسرتسل ابن سينا يف الرمز ليبني أن هذا االتصاإىل عاملها و ستحقق كماهلا، ففي القصيدة العينية يتكلم عن قرب موعد الرحيل و انكشاف احلجاب و االستبصار، و حتصيل النفس املعرفة بالعاملني؟، كذلك يف رسالة سالمان كان جلوس

.كماهلاالنفس اإلنسانيةغهذا األخري على سرير امللك رمز لبلو

إن هذه الثنائية ستقود ابن سينا إىل القول بأن النفس باقية خالدة بعد فساد البدن، عكس .أرسطو الذي ينتج عن قوله يف الوحدة التامة فسادمها معا،أي ال خلود للنفس

ابن سينا ، رسالة الطري، ابن سينا، رسالة الطري، منشورة بقلم لويس شيخو و آخرين ضمن كتاب مقاالت فلسفية ملشاهري فالسفة العرب -1.67،،ص3،ط1955مسلمني و نصارى، دار العرب للبستاين القاهرة

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

230

:العقل الفعــال: المسألة الثانية /2

يف خالل كالمنا عن امليتافيزيقا األرسطية، لقد أشرنا سابقا إىل العقل الفعال بنوع من التحفظكتاب "من " الكتاب الثالث"و أثرنا جمموعة من األسئلة حول طبيعته اليت يتكلم عنها أرسطو يف

مل يكن ى، وأشرنا كذلك إىل االضطراب احلاصل يف حتديد تلك الطبيعة، أو باألحر "النفسة و خمتلفة ، وباملقابل ال ختلو الدراسات أرسطو صرحيا وواضحا يف ذلك، ما جعل الشروحات كثري

أن هذا األخري قد او البحوث من الكالم عن مسألة العقل الفعال بني أرسطو و ابن سينا، السيمأثاره كثريا يف كتبه الفلسفية خاصة كتاب الشفاء، النجاة، عيون احلكمة، و كذلك يف رسالة

نا ذات الطابع الصويف فإننا ال جند هذه احلدود، لكن إذا توجهنا بنظرنا إىل نصوص ابن سي.الدراسات وفرية

رمزية اإلطالق و أكثرها غموضا و عمقا و وقد خصص ابن سينا أضخم رسائله و أمهها على . ،فكان هذا األخري رمزا له" حي بن يقضان"للكالم عن العقل الفعال و هي رسالة

مفهوم العقل الفعال االعتبارات هل سيحمل:رمبا السؤال األساسي الذي يواجهنا هنا هو نفسها بني اخلطابني الفلسفي األرسطي و الصويف السينوي؟ و هل عالقته بالنفس اإلنسانية

.ستكون بنفس املستوى؟ أم أن هذا العقل سيتخذ مناحي خمتلفة و متغايرة؟

حييل ألنه بوجه ما الضوء أيضا : ءكأنه حال شبيه بالضو :"عرف أرسطو العقل الفعال بقولهو :" مث يضيف،1"األلوان بالقوة إىل ألوان بالفعل، و هذا العقل هو املفارق الالمنعقل غري املمتزج

ال نستطيع أن نقول أن هذا العقل يعقل تارة و ال يعقل تارة أخرى، و عندما يفارق فقط يصبح .2"...خمتلفا عما كان باجلوهر، عند إذ فقط يكون خالدا أزليا

، و طبقا لنظريةو نتعقلهاا ندرك صور األشياءاليتللنفسالعلياوظيفةإن العقل هو ال

.112،ص،ترمجة أمحد فؤاد األهوانالنفس،أرسطو، أرسطو، كتاب- 1.112،صاملصدر السابق- 2

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

231

القوة و الفعل سيكون العقل عند أرسطو على وجهني أحدمها منفعل و األخر فعال، أما األول

بالنسبة إىل املعقوالت كنسبة قوة احلس إىل " موجود بالقوة فقط، و هو الذي يكون ، 1"تاحملسوسا

ن فإاإلحساس الذي ال ميتزج باألشياء احملسوسة، لكن إذا كانت احملسوسات حتس حباسة ما ،ذلك أن قوة احلس ال توجد مستقلة عن البدن على :"الصور و املعاين ال تعقل بعضو يف اجلسم،

و قد تقودنا هذه الفكرة إىل إعادة النظر يف مسألة وحدة النفس مع ، 2"مفارق لهحني أن العقلالبدن اليت تكلم عنها أرسطو، باعتبار أن أحد وظائفها و هو العقل ،هو غري حمتاج إىل عضو

.داء وظائفه خبالف الوظائف النفسية األخرى آل

الصور عال الذي خيرج تلك املعاين و الفإن هذا االستنتاج يتأكد أكثر عندما نتكلم عن العقل.املوجودة يف العقل اهليوالين من القوة إىل الفعل، كما يفعل الضوء باأللوان عندما يظهرها

عندما : كما أن هذا العقل هو اآلخر جزء من النفس حسب ما يظهر يف نصوص أرسطوييز من جهة العقل الذي فمن الواجب يف النفس أيضا أن حندد هذا التمييز، و ذلك أنه مت": يقول

يشبه اهليويل ألنه يصبح مجيع املعقوالت، و من جهة أخرى العقل الذي يشبه العلة الفاعلة ألنه 3"حيدثها مجيعا، كان حال شبيهة بالضوء

لكنه من جهة أخرى يصفه بصفات جتعله مفارقا و خالصا، حبيث أنه بعيد عن أن تكون له إىل ) الصور اخليالية(لصلة باحملسوس ألنه خمتص بالصور

.صور عقلية

.108ص،،ترمجة أمحد فؤاد األهوانأرسطو، أرسطو، كتاب النفس،- 1.109نفسه، صاملصدر - 2.112،صاملصدر نفسه - 3

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

232

إن العقل الفعال حسب كتابات أرسطو يزاوج بني كونه جزء من النفس اإلنسانية من ناحية، و بني كونه مفارقا و خالدا و حامال لصفات األلوهية من ناحية ثانية، و هو ما يطرح إشكالية

طبيعة االتصال بني اجلسم و العقل الفعال ؟ مع العلم أن أرسطو قد أقر مسبقا مهمة، و هي ماهو يف الوقت ، و )أي النفس(و ضمن اجلزء األول بالوحدة التامة بني النفس و اجلسم ،و العقل ه

من العقل الفعال مفارقا للجسم متعاليا عن كل مادة خالصا و -أي أرسطو –نفسه جيعل .خالدا

بالنسبة للجسم اآليل فيكون اجلزء العاقل من النفس هو األكمل و األشر و يف كل هذا األكيد هو املكانة اخلاصة اليت "الذي فيه حياة بالقوة،وداخل كل هذه التناقضات يبقى األمر

.1"ين أنه ال حيتاج إىل أي عضو جسماين نفسه بدون مادة يع

فانه كان أكثر وضوحا ،من أرسطو يف شأن العقل الفعال، " ابن سينا"أما أننا إذا توجهنا إىل بل سيخصص له رسالة رمزية كاملة كما سبق و أشرنا ،إذ العقل الفعال عنده خالد مفارق و ال

يضه عليها،فهو عقل غري خمالط للمادة و شك يف ذلك، و هو الذي تستمد منه النفس املعرفة بفال خيضع للتحول من القوة إىل الفعل ،بل هو خالص غري ناقص ،ونستشف هذه املعاين يف رسالة

:"من قوله" حي بن يقضان"و يف 2"ملشيب االرواء من يشيبمل يهن منه عظم و ال تضعضع له ركن، و ما عليه من ا. العز

،بريء عن ثابت ال يعرف التغري.خمالطة املادة

أما امسي و نسيب":فيقولابن سينا يف كالمه هذا ليبني طبيعة العقل الفعاللكما سيسرتس

1- Émile Bréhier, Ehistoire de la philosophie, L’Antiquité et le Moyen âge,tome premieLibrairie Félix Alcan, Paris, 1928,p238.

.92سينا، رسالة حي بن يقضان، نشرة الكردي ، صابن - 2

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

233

و أما حرفيت فالسياحة يف أقطار العوامل حىت . املقدسو أما بلدي فمدينة بيت . فحي بن يقضان، و معناه 1"

فيعين أن وجوده ) ابن يقضان(رمز للعقل الفعال وعنه تفيض املعقوالت، أما قوله ) حي (هو أن ل و أكمل منه، فـأوجدته، و هيليس بذاته بل ناتج عن علة ألنه ) احلي (أجل من ) اليقض (أج

بيت (يستبعد عن النوم، فكان العقل الفعال بذلك نابعا من علة أكمل و أشرف منه، أما قوله هو إشارة صرحية إىل مكان العقل الفعال و انفصاله عن املادة، فبلده العامل املقدس ) املقدس

عمل العقل الفعال الذي يكمن يف التعقل اخلالص يف النص ترمز إىل) احلرفة(العقلي، و، و هذا العقل الفعال حميط بعلمه مجيع لللموجودات التابعة له من تعقل ذاته و تعقل املبدأ األو

.املوجودات قد فاضت عليه من املبدأ األول

و لكن هذا الفيض يتوقف على مدى استعداد النفس لقبول تلك الصور، فالرغبة و الشوق يعززان ذلك،

حي ابن يقضان خماطبا أحد الرفقاء رمز النفس "و يف هذا يقول ابن سينا على لسان فمىت جتردت للسياحة بكنه نشاطك وافقتين و قطعتهم و إذا حننت حنوهم انقلبت "اإلنسانية2"طعتين، حىت يأيت لك أن تتوىل براءتك منهمإليهم و ق

إن هذا الكالم يؤكد أن االتصال احلقيقي للنفس بالعقل الفعال ال يكون متاحا لكل نفس

.94- 93،ص صاملصدر السابق - 1اد ا ما جبل عليه من :" لقد استعنت يف هذا التحليل بالشرح الذي أورده الكردي على رسالة حي بن يقضان ،ومنه قوله أر له حي العقلية فقو

ود ما بعدها هو أجل حاال منه أراد به أن وجوده ليس بذاته بل عن غريه إذ كان وجود االبن بوجه ما عن األب ، و أن ذلك الغري) ابن يقضان(عنه ،و قوله

أنظر ..." إذ احلي حيتمل أن يكون نائما و أن يكون يقضانا و حال اليقظة منه أجل من حال النوم إذ النوم أشبه بالقوة و اليقظة أشبه بالفعل.93الكردي حمي الدين، صربي ،جامع البدائع ، ،ص

.98ابن سينا، رسالة حي بن يقضان، نشرة الكردي ،ص- 2

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

234

إىل طريق بلوغ احلقائق و هو الطريق آخر على أن العقل الفعال هو عقل مفارق ،و إشارة واضحة.العرفاين الذي هو غاية ابن سينا يف كالمه هذا

لفعال بالصور و املعاين إذ من شروط حتقيق االتصال و بلوغ املعرفة و فيض العقل اكما ) املالئكة األرضية(التخلص من عوائق البدن و االسرتشاد بالعقل، و هذا من نصيب العقلية،

نا، أي النفوس البشرية اليت إذا ترفعت عن عامل املادة واحلواس املدنس ،اطلعت يسميهم ابن سيو من وجد له عبور :" على العامل املقدس ،وكان هلا يف ذلك عبور إىل عامل احلق و املعرفة ،إذ يقول

هلم ملك واحد فلمح ذرية اخللق األقدم و هذا اإلقليم سبيل خلص إىل ما وراء السماء خلوصا فقمة املعرفة و حدودها يف الطريق السنوي هي يف بلوغ النفس املعرفة بعامل امللكوت ، 1"...مطاع

.املقدس

إن مرتبة العقل الفعال عند ابن سينا تأيت مباشرة بعد املبدأ األول ال واسطة بينهما ،فمرتبته هي ـيته التعقل و هو ال ميلك علة اص ذاته ألن وجوده كان بعلة األعلى و األرقى ممن هم دونه، و خ

.أوىل ال علة قبلها، وال يتقدم عليها أي وجود

خنلص مما سبق إىل أن النفس اإلنسانية ال تتحد بالعقل الفعال يف خالل اتصاهلا به ،و ال تفىن آالت احلواس، و يف رسالة فيه، بل يفيض عليها فتدرك األشياء إدراكا مباشرا دون احلاجة إىل

فـنـزعت إىل خماطبته وانـبعث من ذات نفسي متقاض ": ما يرمز إىل ذلك ،كقوله" حي بن يقضان"فهذه عالقة اتصال و فيها تدرك النفس اإلنسانية ذات احلق و ،2"...يل مبداخلته و جماورته

ا دوا من العقول املفارقة و األ تدرك م ا و له هو ما و ،فالك السماوية و حتيط باملوجوداتتعقالنفس الناطقة من علوم األقاليم اليت فاضت عليها من العقل الفعال، و هذه هي املرحلة استفادته

.احلقيقية للمعرفة

. 110-109، رسالة حي بن يقضان، نشرة الكردي ،ص صابن سينا-1.92،صاملصدر نفسه- 2

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

235

إن طبيعة العقل الفعال هي تعقل املبدأ األول و تعقل ذاته من تعقل املوجودات، أما النفس س، و ميكن أن

" حي بن يقضان"نلمس ذلك من احلوار الذي جرى بني النفس الناطقة و العقل الفعال يف رمزية ق إليها، فقال إنك :" مث إين استهديت هذا الشيخ سبيل السياحة استهداء حريص عليها و مشو

التفرد و و من هو بسبيلك عن مثل سياحيت ملصدور و سبيله عليك و عليه ملسدود ،أو يسعدكله لذلك موعد مضروب لن تسبقه ،فاقنع بسياحة مدخولة بإقامة تسيح حينا و ختالط هؤالء

،1"حينامن أخص عن املادة دائما و دون استعداد و إفاضة ،عكس العقل الفعال الذي يكون ذلك

.خصائصه

حول العقل الفعال الذي ميثل نقطة " ابن سينا"و " أرسطو"لقد كان هذا جممل ما قاله كل من مهمة يف كالمنا عن النفس اإلنسانية، و حلقة أساسية يف بلوغ املعرفة، و رغم االختالف بينهما

سيكون مبثابة -عالأي لعقل الف–يف حتديد طبيعته و عدم الوضوح يف مزاياه و جوانبه إال أنه املبدأ األساسي و الضروري حلصول النفس على املعرفة و بلوغها مرتبة اإلدراك املباشر للصور و

يكمن دور هذا العقل يف إخراج ما هو بالقوة إىل ما هو " ألرسطو"يظهر األلوان بانقشاعه كالضوء الذي ،بالفعل، إذ بفضله تدرك النفس املوجودات و تتعقلها

العقل (عليها، ما يعين أن األلوان كانت موجودة لكنها مل تكن ظاهرة ،و احتاجت إىل الضوء دون وجود علة نسانية أن تدرك و تتعقل املعقوالتالذي أظهرها، إذ ال ميكن للنفس اإل) الفعال

2"بدون العقل الفعال ال نعقل"فاعلة لذلك، فـ

تبلغ أعلى مستواها يف آخر مراتب التفكري اليت يصل إليها العقل، و اليت فاملعرفة عند أرسطو فيها يتمكن من إدراك املاهيات و الصور املعقولة، و ذلك بإشراق العقل الفعال على الصور اليت

98ابن سينا، رسالة حي بن يقضان، نشرة الكردي ،ص-1.113،صترمجة فؤاد األهواينأرسطو طاليس، كتاب النفس، -2

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

236

هي يف املتخيلة فيحيلها أفكارا معقولة خالية من طبيعتها احلسية، و يسبق هذه املرحلة مرحلة .بالعامل اخلارجي، لكنها مبدئية ال ميكنها حتصيل املعرفة اتصال احلواس

و هذا ما يوضح التدرج الذي يقصده أرسطو فيما خيص العقل، فالوجود كله يتدرج إىل مبدأ أمسى هو العقل األول،إذ أن النفس الناطقة يف جزئها العاقل تتدرج من القوة إىل الفعل عرب نور

ومن وجد له إىل عبور هذا اإلقليم سبيل خلص "أعلى مستوىإىل ما وراء السماء خلوصا فلمح ذرية اخللق األقدم،و هلم ملك واحد مطاع فأول حدوده معمور

تنتهي سلسلة "امللك"و عند،1"خبدم مللكهم األعظم عاكفني على العمل املقرب إليه زلفىاملوجودات كلها العاشقة املتشوقة له وهو احملرك األول ،الذي تكون النفس الناطقة يف أعلى

.أقسامها متثال له

من السياحة، أي معرفة علوم " حي بن يقضان"و مل تستطع النفس اإلنسانية يف رمزية لعقل الفعال عليها ون فيض ااملوجودات و األفالك السماوية ،و التطلع إىل عامل احلق د

فمىت كان استعدادها لذلك كبريا كان فيضه عليها مبثل ذلك االستعداد، ففي كل اتصال بذلك،.حتدث املعرفة

هي دة و استبصار عقلي لعامل القدس و الصويف هي مشاههإال أن املعرفة عند ابن سينا يف مذهبليست للعامة من الناس بل للعارفني وحدهم الذين بلغوا بتعقال

.اإلنساين

كما أن الكالم عن املوجود األول و عن األفالك السماوية و العقول املفارقة، و كذلك املالئكة اجلبال، " (رسالة الطري"خاصة و " حي بن يقضان"يف رسالة ) أي النفوس اإلنسانية(األرضية

يوحي يف -قلت إن الكالم عن هذا - ، )الثاينالشواهق، و الطيور اليت كانت على قمة اجلبل

.املصدر نفسه ،ص نفسها- 1

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

237

مذهب ابن سينا بوجود مراتب يف الوجود يلزم أحدها عن اآلخر، و يرتأس بعضها بعضا، و ال بد .يصلمن الذي يريد أن يتدرج يف املعرفة إىل أشرفها و أجلها أن يتدرج يف هذه املراتب حىت

و ال خيفيو القراءات ،ثار الكثري من التأويالتالفعال أإال أنه جتدر اإلشارة إىل أن العقل

على أحد الشروحات اليت وضعت حوله من تالمذة أرسطو، و كذلك شروحات ابن رشد، دون أن ننسى التعليقات اليت كتبها ابن سينا و جتاوزه هلا إىل مستوى نقد أرسطو نفسه، وورد ذلك يف

أي (غلط اإلسكندر و من كان على رأيه يف هذا :" تعليقاته على كتاب النفس ألرسطو إذ يقولففهموا منه أنه إذا فارق صار كما كان قبل اتصاله بالبدن، ) فيما قاله أرسطو حول العقل الفعال

و ليس املراد هذا بل يعين إذا فارق بقي كما هو على قدر ما اقتناه من السعادة حبسب املعقوالت .1"مل ميتمل يزد و مل ينقص، بل بقي أبدي كما هو

جاء لغرض إبراز موقفه و ليس للدفاع عن " ابن سينا"ال شك أن هذا الكالم الذي قاله أرسطو و توضيح رأيه، و إن كان هذا النص يف احلقيقة مقتطف من نصوص ابن سينا ذات الطابع الفلسفي، إال انه ال خيتلف عما أورده يف نصوصه الرمزية، فالعقل الفعال خالد باق غري

ري، و النفس إذا اجتهت إىل احملسوسات فارقها ، و يفيض عليها إذا اجتهت إليه دون أن يتأثر متغ.

دراسات و ضمن كتاب أرسطو عند العرب،طاليس، نشر وحتقيق عبد الرمحن بدويابن سينا، التعليقات على حواشي كتاب النفس ألرسطو -1.106، ص1978نصوص غري منشورة، وكالة املطبوعات، الكويت، الطبعة الثانية

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

238

ابن "و " أرسطو"أن العقل الفعال هو من املقوالت امليتافيزيقية عند كل من هذا إضافة إىل" سينا

، و "أرسطو"عند ) باحملرك األول(املعاين الكلية و املعرفة النهائية اليت تبلغ بالنفس مرتبة التشبيه و هو ما سنحاول التفصيل فيه من خالل كالمنا يف املسألة الثالثة " ابن سينا"عند ) حلق أوامللكا(.

المعـــــــرفة: المسألة الثالثة / 3

إن ة ،بل بلوغ أقصى ما ميكن منها، و ال شك يف أن غاية كل خطاب هي الوصول إىل املعرفذلك ،إذ قد يبدو للوهلة األوىل األمر اختلفت التوجهات و املقاصد، و حىت الناهج و الطرق يف

متباعدا بني اخلطاب الفلسفي و الصويف لتمايزمها و الستقالل كل واحد منهما عن اآلخر،وفقا

.خطاب واللغة واملنهج

لكن داخل هذا التمايز نفسه و.

" أرسطو"إن الكشف عن مواضع االلتقاء واالختالف بني خطاب الفيلسوف ممثال يف " ابن سينا"،وخطاب الصويف ممثال يف

حدد و ها و مبادئهاس،ألن هذا األخري نظر هلا ووضع أس" أرسطو"يكن صعبا وعسريا يف ناحية .

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

239

لكن هل ميكن أن نتكلم عن نظرية املعرفة يف اخلطاب الصويف؟ رمبا قد يعرتض البعض على هذا النوع من التحديد، و ألنه إضافة إىل ذلك هو خطاب ذوقي قليب، و إن هذا البتعاده عن

مرحلة مشاهدة احلق و استبصاره ،فتحصل املعرفة القلبية باهللا اليت هي املعرفة املرجوة عند .املتصوفة

وبثها يف " ابن سينا"لكن رغم هذا ،هناك مسالك وهي اليت أشرنا إليها سابقا ،وقد أتاحها لنا نصوصه الرمزية اليت أدرجت ضمن اخلطاب الصويف، لكنه هل استطاع أن يؤسس و ينظر للمعرفة

باملستوى نفسه الذي صاغه لنا أرسطو؟

طابني يف التنظري للمعرفة و التأسيس هلا إن الدافع إىل هذا التناول هو حماولة تأكيد تالقي اخلبنفس اآلليات ؟ أو نفي ذلك كله؟ فهل سيتفق ابن سينا يف نصوصه الصوفية حول مسالة املعرفة مع أرسطو؟ و بذلك يكون مشائيا خالصا؟ أم أنه سيتفق معه يف القصد و الغاية القصوى منها؟

النفس؟

بأسلوب رمزي غامض غري واضح يف كثري من األحيان ،مليء باإلشارة " ابن سينا"لقد حاول والرمز ،كما عودنا كبار الصوفية يف نصوصهم، أن يبني الطريق الذي جيب على النفس الناطقة أن

نتقاش إللتام و اتسلكه لتحقق املعرفة، و تبلغ أجلها و أقصاها، و الذي متثل يف مرحلة االتصال ا.

امللكة " ابن سينا"و "أرسطو"بداية سيكون أول مسلك لنا هو العقل الذي اعتربه كل من ة للنفس ،والذي ال تتم املعرفة من دونه، و خاصة املعرفة احلدسية للكليات و املاهيات عند يـز املم

،و دون أن نعود إىل التقسيمات اليت وضعها كل منهما "ابن سينا"عند " اهللا"فة ،و معر " أرسطو"

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

240

العقل هو أرفع األمور قيمة يف جمال النفس، و من :"للعقل، الذي يؤكد أرسطو على قيمته بقوله1"يكون كل شيء آخر) دهوح(أجله

أي النفوس –ورمز ابن سينا من جانبه يف غري موضع ألمهية العقل الذي يرفع املالئكة األرضية من مرتبة احليوان احلسية اخلاضعة للرغبات و الغرائز البدنية ،و ال شك أن مناجاة أحد -اإلنسانية

غ تلميحا و أعمق إشارة ،كان أبلرمز النفس اإلنسانية " رسالة الطري"اإلخوان يف

يغ على استئثارها:"إذ يقول صورته أوبل العجب من البشر إذا استعصى على الشهوات وقد ص

ر بالعقل جلبته و لعمر اهللا بذ املالك بشر عند زيال الشهوة فلم تزل بذل هلا الطاعة وقد نو

رء شهوة تستدعيهن موطئه فيه و قصر عن البهيمية إنسي مل تف قدمه ع .2"قواه بد

" حي بن يقضان"يف رسالة ) الشمس(كذلك للنفس اإلنسانية بـ " ابن سينا"هذا و يرمز فإذا قطعت مست املشرق وجدت الشمس تطلع بني قرين الشيطان، فان للشيطان :" عندما يقول

ة فان ابن سينا يقصد بـ و إذا حاولنا أن نفهم هذه الرمزي،3"...قرنني، قرن يطري و قرن يسري" الشمس"

حي "فهما رمز لقوى النفس اإلنسانية ،وإذا رجعنا إىل الدراسة التحليليةان غرضه من وراء تلك الرمزية هو تبيان جند ابن سينا يعدد كل قوى النفس ، و ك" بن يقضان

.أثرها على حصول املعرفة

النشر و أرسطو طاليس، دعوة للفلسفة، كتاب مفقود ألرسطو، قدمه للعربة مع تعليقات و شروح عبد الغفار مكاوي، دار التنوير للطباعة و- 1.40،صوتاريخالتوزيع، بريوت، بدون طبعة

.66ص،وآخرونابن سينا، رسالة الطري، منشورة بقلم لويس شيخو- 2.105للكردي ، ،صنشرةابن سينا، حي بن يقضان ،- 3أنظر الفصل الثالث من هذه الدراسة يف مبحثه الثالث.

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

241

فقد تكلم هو اآلخر عن قوى النفس و قد فصلنا يف ذلك من خالل قراءتنا " أرسطو"أما لكتاب النفس ألرسطو يف الفصل الثاين، و كان من نصيب القوة املدركة أن تساهم بشكل فعلي

.يها أوىل مراتب اإلدراك العقلييف بلوغ املعرفة اليت ميثل اإلحساس ف

إذ أنه يعترب أن احلواس اخلمس تستقبل الصور احملسوسة من مؤثر خارجي، و بعد زواله يبقى تأثري احملسوسات يف أعضاء احلس، و هذا هو شرط حدوث اإلحساس الباطين ، الذي يعترب مرتبة

ال الذي يقوم بوظيفة االحتفاظ أعلى من سابقتها يف حتصيل املعرفة باملوجودات، مث يتدخل اخليبالصور،لكننا يف هذه املرحلة نكون غري حاصلني على املعرفة حبسب أرسطو، ألن كل ذلك هو جمرد انطباع جمموعة من الصور احلسية اخلارجية اليت متثل مرحلة الوجود بالقوة، و البد هلا من

جود وجودان وجود بالقوة و وجود اخلروج إىل الفعل حسب القاعدة األرسطية اليت جتعل من كل و .بالفعل

اخلروج حيدث حسب أرسطو بتدخل عامل أساسي هو العقل الفعال، و إذا متكنتإن هذا

النفس من ذلك استطاعت أن خترج من مستوى املعرفة احلسية إىل مستوى إدراك الصور العقلية، .يت ينشدها أرسطو يف نظرية املعرفةأي إدراك الكليات و الصور اخلالصة، و هي املعرفة النهائية ال

كما كان للمنطق دور كبري وأمهية بالغة يف حتصيل املعرفة ،أما بالنسبة ألرسطو فما من شك يف أنه اعتربه عاصما للعقل من الوقوع يف الزلل فهو مبثابة مبدأ لكل العلوم، و به نستطيع حتقيق ما

كثريا لدرجة أنه وظفه حىت يف رسائله الرمزية" ابن سينا"نريده من معرفة خالصة، و اهتم به : "فيقول" العني اخلرارة"،وبـ"بعلم الفراسة"فوصفه

فهو يساعد ،1."..تلك الشواهق غري منصبم ق م ق حف على املاء ،فلم يرجحن إىل الغرق، و تـ

.99، صنشرة الكرديابن سينا، حي بن يقضان، - 1

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

242

العقل الفعال و بلوغ املعرفة باحلق اليت هي متام املعرفة ،ذلك لنفس على حتقيق االستفاضة من ا"أن

العني (أن االغتسال يف هذه "فابن سينا يدعو إىل املنطق إذ،1"...إليه و تقلصك عنه حبسيةيزود اإلنسان بقوة خالقة ،تساعده -)حي بن يقضان(حكايته الرمزية كما يقول يف–اخلرارة

2"م ذرى املعرفة البشرةن س على جتاوز العقبات واملخاطر على طريقه حنو ت

حيزا كبريا " ابن سينا"كما ميكن العودة إىل كتاب اإلشارات و التنبيهات الذي خيصص فيه للكالم عن هذا العلم، ويصنفه يف بداية الكتاب الذي قسمه إىل املنطق مث احلكمة الطبيعية و يف

يف األخري احلكمة اإلهلية، و يعتربه أول طريق املعرفة و هو آلة العلم و مبدأه، و قد خصص له املراد :"

نمن املنطق أن يكون عند اإلنساة أوعن أمور حاضرة يف ذهنه متصور أن ينتقل اإلنسان عند إمجاعيكون مااهاهنبالفكر

دق ا 3"مص

أن تقرتب من اإلله، ) العقل(و من هنا يظهر لنا كيف ميكن للنفس اإلنسانية يف أعلى مراتبها و كيف ميكنها أن حتقق كماهلا و ماهيتها احلقيقية ،و كيف ميكن أن نتحول من الكالم عن

.املسائل احلسية إىل املسائل امليتافيزيقية

يكمن يف التأمل ، ليس تأمل املوجودات بل تأمل ذاته إن فعل احملرك األول حسب أرسطو،وهذا الفعل هو الفضية األمسى و العليا لإلنسان، و من خالهلا فقط يستطيع أن حيقق ماهيته

بني العقل اإلنساين و العقل ىاخلاصة، و أن متحي كل احلواجز بينه و بني اإلله، أو باألحر

.94، صاملصدر نفسه- 1.102،ص2001اجلزائر،، الطبعة الثانية أرثور سعدييف، ابن سينا، دراسات يف الفكر العريب اإلسالمي، ترمجة توفيق سلوم، دار الفارايب-2،القسم األول ،دار املعارف 22مع شرح نصري الدين الطوسي،حتقيق سليمان دنيا،سلسلة ذخائر العربابن سينا، اإلشارات و التنبيهات-3

.119-118-117:الصفحات.1983القاهرة،الطبعة الثالثة

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

243

اإلهلي، و ما إعالء أرسطو لفضية التأمالعقل ميكن أن حيدث بني عقل اإلنسان و متثيلها بفعل اإلله، إال تأكيدا على ذلك التواصل الذي

.األول

فالعقل اإلنساين ميكنه أن يتجاوز مستوى إدراك األشياء احملسوسة إىل إدراك املاهيات إىل أعلى و ذلك عندما يتجه هذا التفكري إىل "تعقلها اإلنسان بتأمالته و هي املبدأ األول ماهية ميكن أن ي

إذا كان ،و1"املبدأ السائد يف الكون، أن يكون قريبا من احلكمة و أن يكون حكمة باملعىن احلقيقيالعقل اإلنساين أدىن من العقل اإلهلي ،فإنه يشرتك معه أو باألحرى يشبهه يف أخص ميزة و هي

، فاإلنسان إذا اعتمد على احلس دون العقل كان شبيها باحليوان ، و ال يكون )التأمل(قلالتعحترر من غري معقول، و متسك بالعقل فقط صار شبيها باإلله، "حينها أي معىن حلياته لكنه إذا

ذلك أن العقل الذي يتميز به عن سائر الكائنات احلية ال يتحقق بصورة

ال مبا هوو،و الصدفةمن أشكال احلياة الذي ال يعرتف باالتفاقكاملة إال يف ذلك الشكل

.2"عدمي القيمة

إن هذا التصور األخري يبني بوضوح كيف حتدث املعرفة و إىل أين تتجه، و إذا كان أرسطو أي ما حيصل عن طريق -يشيد بدور احلواس يف بلوغ املعرفة، فان هذه األخرية ليست هنا

يتفرغ العقل بكليته للتأمل يف ماهيات األشياء متجها حنو املبدأ األول، حينها بل عندما -احلواس" أن حيصل املعرفة النظرية اليتفقط يستطيع اإلنسان

.3"للعقل اإلنساين

.42،صأرسطو طاليس، دعوة إىل الفلسفة - 1.42،صأرسطو طاليس، دعوة إىل الفلسفة - 2.43،صاملصدر نفسه- 3

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

244

يد عندما إن هذا العقل يف مرحلة من مراحل فعله ميكن له أن يكون شبيها باإلله، و بالتحدينصرف إىل التأمل متخلصا من كل روابط بدنية حسية، وميكن أن نؤكد هذا االستنتاج من خالل

ذلك أن هذا و فما ذاته عقل، هو أفضل جدا ،:"اإلشارة إىل قول أرسطو الذي ورد يف مقالة الالميصري يف العقل يعقل ذاته، و يصري عاقال ،إذ ما شانه ذاته فيكون هو العقل و هو العاقل، و

نفس جوهره عاقال، فإن ذلك العقل يعقل يف نفسه، و هلذا ما يكون العقل اإلهلي أفضل من هذا .1"الذي لنا

إن العقل إذا عقل املعقول عقل ذاته، وفهمها، و هذه األخرية ما هي إال املعقول الذي عقله عقل اإلنساين مع العقل بالفعل، و يكون حينها العقل و املعقول شيئا واحدا، و يف هذا يشرتك ال

و هلذا ما يكون العقل اإلهلي :"يف نفسه جوهرا عاقال، لذلك يقول أرسطواإلهلي عندما يصري، إال أن العقل اإلهلي ال يعقل يف حلظة ما أوحينا من الزمن ،بل هو "أفصل من هذا الذي لنا

قل اإلنساين الذي يكون يعقل ذاته بدون انقطاع تعقال أزليا، فهو موجود دائما فعال ،عكس العحياة فاضلة أزلية " تارة قوة و تارة فعال، و إن املبدأ األول يعقل ذاته بعقله و علمه هو ذاته، فهو

2".ال تنقطع

أما العقل اإلنساين يعقل بعقله غريه، فهو يف حالة انقطاع، و إن عقله لذاته يكون يف حلظات و هنا .ينها فقط يشرتك مع املبدأ األول يف طبيعتهفقط عندما يالمس املعقول و يفهمه بالفعل و ح

ميكن أن نفهم قول أرسطو حول العقل الفعال ،إذ على األرجح أن قصده هو أن ذلك العقل عندما يشرق على العقل اهليوالين كالضوء الذي يظهر األلوان، فإنه يف تلك اللحظة فقط ميكن أن

كون خالدا و خالصا غري ممتزج، رمبا هنا بالتحديد نصفه بصفات املبدأ األول، و أنه حينها فقط ييشرح ، و 06صضمن كتاب أرسطو عند العرب ، حتقيق ونشر عبد الرمحان بدوي "ما بعد الطبيعة "مقالة الالم، من كتاب أرسطو طاليس،-1

:" ابن رشد هذا القول املقتبس يف املنت بقولهس املعقول و يتصور بالفعل، ال حني ما هو بالقوة قبل أن يتصور املعقول، إذا تصوره صار هو و املعقول شيئا ته حني يالميعقل العقل منا ذا

أنظر ابن رشد، تفسري املقالة املوسوم عليها حرف الالم ألرسطو طاليس، ترمجة " و هلذا صار العقل هنا إمنا يعقل ذاته يف وقت ما ال دائما...واحدا.166ص،2007حسني، تقدمي و ضبط و تعليق علي حممد ايسو،التكوين للتأليف و الرتمجة و النشر ، بدون طبعةإسحاق بن

.06،صحتقيق ونشر عبد الرمحان بدوي "ما بعد الطبيعة "من كتاب أرسطو طاليس، مقالة الالم ،- 2

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

245

نتحول من الفلسفة الطبيعية إىل امليتافيزيقا األرسطية، اليت يصبح من خالهلا العقل اإلنساين شبيها .بالعقل اإلهلي أو رمبا مشاركا له يف خاصية التأمل

،عن وجود إن هذا التصور األرسطي حول العقل الفعال يعلن و إن كان بشكل غري صريحعامل عقلي مفارق خمتلف على العامل املادي احلسي رغم أنه أنكر ذلك سابقا عندما أكد يف نظرية املعرفة أن كل ما حتصله النفس من معرفة عن طريق احلواس هو احلقيقة و ليس جمرد أوهام أو

".أفالطون"ظالل كما قال أستاذه

يف إبرازه هلذه املرحلة من مراحل املعرفة، " أرسطو"أقل حرصا من " ابن سينا"هذا ومل يكن فالنفس يف أعلى مراتبها من التأمل تستطيع أن تتطلع على عامل احلق ،و تبلغ أعلى مراتب اتصاهلا

اا :" يقول،و عرفو مل يتكلم ابن ،1"و جتردوا عنها إىل عامل القدساقد نضوه

سينا عن هذا املستوى الذي تبلغه النفس اإلنسانية يف اإلشارات والتنبيهات فقط، بل يف كل

ش :ف عنها الغطاء و تعرف ،يقول إىل حملها األرفع، فيك

عت ج 2عـما ليس يدرك بالعيون اهلج الغطاء فأبصرت ف ش قدك و س

حي "كما رمز كذلك حلدود املعرفة اليت تبلغها النفس اإلنسانية املسرتشدة بنور العقل يف رسالة من "فيقولقشت بنوره،بالفئة اليت بلغت أعلى مراتب االتصال و شاهدت احلق و انت" بن يقضان

هاجر إليه أفراد من الناس اشاهد أثرا من مجاله وقف عليه حلظة و ال يلفته عنه غمرة، و لرمب

اليت ال حتدث إال عندما ينقطع االتصال فاملعرفة عنده هي معرفة احلق، أو املعرفة،3"هم مكرهون

.47، صو التنبيهات، اجلزء الرابع ابن سينا، اإلشارات - 1.10،ص نباء يف طبقات األطباء األعيون يعة ،ابن أيب اصب-2.113ابن سينا، حي بن يقضان، نشرة الكردي ، ص- 3

في المسائل الكبرى حول النفس: المبحث األول الفصل الرابع

246

عامل القدس، و هنا حيصل الكمال العقلي بأن تصري كلية إىل بعامل املادة و احلس، و االجتاه.

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

247

إن ما دفعين إىل هذه القراءة هو تلك الدراسات اليت جتعل من ابن سينا مشائيا خالصا، أو أنه و كان كذلك أفالطونيا يف كالمه عن انتقى أكثر مبادئ فلسفته من نظرية الفيض األفلوطينية،

يف فهم و توظيف الفلسفة اليونانية، روحانية النفس و خلودها، و قبل ذلك كله اقتفى أثر الفارايبو أنه مل يضف عليه شيئا بل قام فقط بعملية الرتتيب و التوظيف، و أنه كذلك صاحب فلسفة

علني الذين استمد منهم مبادئه األوىل،وهذا مشرقية انتقت معاملها من مصادر خمتلفة أو من اإلمساوابن سينا لـما عرف شيئا من دين املسلمني وكان قد تلقى ما تلقاه "بعض ما قيل يف هذا الصدد

أراد أن جيمع بني ما عرفه بعقله من -وعن من هو خري منهم من املعتزلة والرافضةةعن املالحدلفلسفة بكالم مركب من كالم سلفه ومما أحدثه ،مثل هؤالء وبني ما أخذه من سلفه ،فتكلم يف ا

،بل وكالمه يف بعض الطبيعيات واملنطقيات وكالمه واملناماتكالمه يف النبوات ،وأسرار اآليات 1"يف واجب الوجود وحنو ذلك

أشتهر بأنه فيلسوف وطبيب عريب ،لقب:"وتعرفه املوسوعات العاملية على النحو التايل،هذا ،وهو الرجل األكثر شهرة يف الشرق ) م1037-980(ان بأمري األطب

لشساعة معارفه ونشاطه الفكري ،مؤلفاته الرئيسية القانون يف الطب والشفاء وهي موسوعة يف .2"وفلسفته هي مزيج من األرسطو طاليسية والنظريات الشرقيةالعلوم الفلسفية،

"وان كان إمنا أخذ عن املالحدة املنتسبني "184-183الذين يقصدهم هم اإلمساعليني ،يقول ابن تيمية يف الرد على املنطقيني ص " املالحدةأهل دعوم من أتباع احلاكم العبـيدي الذي كان هو وأهل بيته معروفني باإلحلاد ،ما يظهرونه دين إىل املسلمني كاإلمساعيلية ،وكان أهل من ته بي

"الرفض ،وهم يف الباطن يبطنون الكفر احملض ق عبد الصمد شرف ابن تيمية ، الرد على املنطقيني املسمى نصيحة أهل اإلميان يف الرد على منطق اليونان ،تقدمي سليمان النروي ،حتقي-1

.186،ص2005الدين الكبيت ،مراجعة حممد طلحة بالل منيار، مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع بريوت الطبعة األوىل 2 - Larousse universel en deux volumes , nouveau dictionnaire encyclopédique , librairielarousse , Paris 1922 ,p177.

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

248

يف النفس ليست أصيلة ،بل هو فقط " ابن سينا"كما يعتقد الكثري من الدارسني أن نظرية

ابن سينا هو يف األساس مشائي ،على الرغم من أنه أدخل بعض العناصر األجنبية على مذهب "منك (كما فعل بعض الفالسفة العرب اآلخرين،فهو بالضبط أعاد النسخ وكما أعلن أرسطو،

Munk( أن االختالف بني قوى النفس البشرية ونظرية العقل الفعال واملنفعل وضعها،أرسطو،وحىت ال يتعارض ابن سينا مع العقيدة ،قام بتعديل بعض أفكار أرسطو ووضع بعض

أا أصيلةالتعليقات واإلضافات اليت يف بعض بدو وك ان ت .1"األحي

و قد كانت هذه األحكام مبثوثة يف الكثري من الدراسات، و ليس مثة حاجة إىل اإلشارة إىل .

؟ و أين ميكن أن نصنفه داخل أين ابن سينا من كل هذه املرجعيات: لذلك حنن نتساءل الرتاث الفلسفي و الفكري وكذلك الصويف؟،و ماذا أنتج لنا؟

ابن "من البحث ،بل سيكون حاضرا خالل كالمنا عن " أرسطو"إن هذه القراءة ال تقصي ،ألن هذا األخري سيظل متمسكا مبنهج الفيلسوف حىت يف مذهبه يف التصوف، لكنه من "سينا

ي مكونات فلسفة أرسطو و يتخلى عنها و ينقدها و يقدم كذلك بديال حني إىل آخر سيقص.

لكن ال جيب أن يفهم كالمنا هذا على أنه نفي للمرجعيات الكربى املؤسسة ملذهب ابن سينا ينا منهج النفس يف التصوف، بل إن الغرض هو حتديد املرتكزات النظرية اليت يؤسس عليها ابن س

ونا بذلك منظومة متكاملة و إن مل تكن واضحة املعامل، اإلنسانية يف بلوغ احلكمة اإلهلية، مك1- Ghassan Finianos, De l'existence à la nécessaire existence chez Avicenne, Pressesuniversitaires de Bordeaux ,france2007,p176 .

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

249

وحىت يتأكد هذا االدعاء فإننا نقول أن تركيز ابن سينا على النفس اإلنسانية يف كل رسائله الرمزية أا األساس الذي به نصل لى يد ع أك احلكمة اإلهلية، و ذلك بأن إىل- كما قلنا سابقا-هو ت

تصري النفس جوهرا عقليا عارفا بعامل احلق، و يف ذلك استكمال لقوتيها النظرية و العلمية، و ال .شك أن يف هذا الكالم إشارة إىل اجلمع بني منهج الذوق و منهج العقل

:في أن الحكمة المتعالية ليست الحكمة المشائية: أوال

ملتعالية نصيب وافر من البحث و الشرح، و من اهتمام الكثري من لقد كان ملسألة احلكمة االفالسفة و املتصوفة، وكانت فوق ذلك كله غاية العارف السالك طريق احلق ،و مل تسلم هي

كلها؟اباشرتاكهأم تستمد أصوهلا من القرآن، أم

، الذي "بصدر املتأهلني"،امللقب"يصدر الدين الشرياز "كانت احلكمة املتعالية ترتبط بـإذاو منهج أهل الذوق من السالكني ومطالب فة و أسس هلا كمنظومة متكاملة مجعت بني منهج الفالس

فإن ،فإن كانت كذلك،"األسفار العقليةاحلكمة املتعالية يف"يشهد على ذلك كتابه املشهورشرع،و اليف النمط العاشر من أسرار اآليات "يهاتاإلشارات و التنب"ن سينا أشار إليها قبله يف كتابهاب

مث إن كان ما يلوحه ضرب من النظر مستورا إال على الراسخني يف احلكمة ":،حيث يقولفإن د فيه والذي لن يفهم من دونه،وار هذا القول املقتبس وإن كان حمذوفا من النص ال،1"املتعالية

.ابن سينايف نصوص الحكمة المتعاليةغرضنا هو اإلشارة مبدئيا إىل ورود

صاحب كتاب األسفار العقلية يف احلكمة املتعالية ) م1572-م1640(.)هـ1050هـ980(مال صدرا حممد بن إبراهيم القوامي الشريازيهو،سر من واألولياء أسفارا أربعة،أحدها القأن للسالك من العرفاء :واعلم "،ويلخص مضمونه يف املقدمة اليت وضعها للكتاب ، سنقتطف منها قوله

،والسفر الثالث يقابل األول ألنه من احلق إىل اخللق باحلق ،والرابع يقابل الثاين من و اخللق إ جه ألنه باحلق ىل احلق ،وثانيها السفر باحلق إىل احلقوبية،فها أنا أفيض يف املقصود .يف اخللق

الد األول ،تصحيح وتعليق حسن زادة آملي مؤسسة أنظر احلكمة املتعالية يف األسفار" ،مستعينا باحلق املعبود الصمد املوجود بعة ، األر ية لعقل ا.19هـ ، ص1386الطباعة والنشر طهران الطبعة الرابعة

،القسم الرابع ،دار املعارف 22ح نصري الدين الطوسي،حتقيق سليمان دنيا،سلسلة ذخائر العربمع شر ابن سينا، اإلشارات و التنبيهات، -1.122، ص1994القاهرة،الطبعة الثالثة

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

250

هي ابن سينا ذات الطابع التلوحيي، و من هذه املقدمات سنحاول إثارة مسألة مهمة يف كتابات وغ النفس أعلى موجودة بشكل غري صريح بالرمز و اإلشارة فيها مجيعا، متثلت يف إمكانية بل

.مراتب االتصال اليت يكون فيها كماهلا ،و اليت فيها تعاين احلق و تتطلع على عامل امللكوت

إىل أنه لكن كيف ميكن للنفس أن حتقق ذلك؟ لإلجابة على هذا السؤال جيب أن نشري أوالية، و يظهر إذا كانت النفس من ضمن العلوم الطبيعية أو كما يسميها ابن سينا احلكمة الطبيع

ذلك بشكل واضح يف تصنيف العلوم إذ تأيت يف املرتبة الثانية بعد الرياضيات و املنطق و قبل

، و كأن استشراف -أي إىل احلكمة اإلهلية–إليها –أي احلكمة الطبيعية –ندخل من خالهلا عامل احلق يبدأ مبعرفة عامل الطبيعة و بالتحديد مبعرفة النفس اإلنسانية ،و من هنا سنعود إىل كتاب اإلشارات و التنبيهات يف منطه العاشر الذي خصصه ابن سينا للكالم عن أسرار اآليات، و منه

.ميكن أن خنلص إىل طبيعة احلكمة املتعالية

هو إثبات أن للعارفني أحواال غريبة و أشياء خارقة -أي يف النمط العاشر-لقد كان غرضه فيه

أمسك إذا بلغك أن عارفا ": هي إضافة إىل ذلك ممكنة غري خمالفة لقانون الطبيعية أو كما يقولبالتصديق، و اعترب ذلك من مذاهب الطبيعية حعن القوت املرزوء له مدة غري معتادة، فاسج

1"املشهورة

من اإلعراض عن األكل و إثبات جواز حدوث هذه األحوال للعارفينيفصل ابن سينا يف و هذه االكتفاء بالقليل منه، و القدرة على األفعال الشاقة، إىل معرفة الغيب و اإلخبار به،مها اثنيناألخرية أشرف و أعلى من األحوال السابقة،و قد أثبتها ابن سينا من خالل اعتبارين

.111، صاملصدر السابق-1

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

251

التجربةو القياسصل منه يف اليقظة .تستطيع أن حت

ذلك، ألننا مسعنا ذلك منهم أي ممن حيدثون من ناحيتها تنفي استحالة حصول التجربةأما بالغيب، أو قد تكون معرفتنا له مباشرة من خالل حصوله لنا فنعرفه و نصدق به ،و ذلك إذا مل

أما التجربة فالتسامع و التعارف، يشهدان به، و ليس :"يكن هناك مانع مينع حدوثه، فهو يقولأهلمته التصديق، اللهم إال أن يكون أحد من الناس إال و قد جرب ذلك يف نفسه، جتارب

.فالتجربة إذا تؤكد حصول املعرفة بالغيب،1"أحدهم فاسد املزاج، نائم قوى التخيل و التذكر

الذي يثبت به ابن سينا حصول املعرفة بالغيب أو االطالع عليه سواء يف حال القياسأماأن اجلزئيات منقوشة يف العامل " : هياليقظة أو النوم قائم على مقدمتني، أما املقدمة األوىل ف

2".العقلي ،نقشا على وجه كلي

بالتفصيل، و أثبت أن اهللا له وقد تكلم ابن سينا عن هذه املسألة األخرية يف النمط السادسعلى حنو كلي، علم كلي ثابت بكل الكائنات، و العامل العقلي حتصل عنده مجيع اجلزئيات

مساوية موجودة عندها مجيع تلك الصور و هي تتعقلها، و يف ذلك لإلجرام السماوية نفوسا و تكون حركتها، فتلك اإلدراكات اجلزئية للنفوس السماوية تنبعث عنها إرادات جزئية هي اليت حترك جرم الفلك، فكل احلوادث األرضية يف عامل العناصر معقولة عند النفوس السماوية بنحو كلي

.ضية معلوالت وجود النفوس السماوية ثابت، ما جيعل احلوادث األر

.120ص،القسم الرابع ،ابن سينا، اإلشارات و التنبيهات -1.121املصدر نفسه ، ص-2 القسم الثالث ،دار املعارف 22التنبيهات مع شرح نصري الدين الطوسي،حتقيق سليمان دنيا،سلسلة ذخائر العربأنظر ابن سينا، اإلشارات و،

.،يفصل ابن سينا يف منطه السادس هذه املسألة1985القاهرة،الطبعة الثالثة

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

252

الذين اعتربوا أن النفوس المشائينو هذه هي المسألة التي اختلف فيها ابن سينا عن رأيو هو ما جيعل الكليات مرتسمة يف ،1"صاحب إرادات جزئية منطبعة يف جسمها"السماوية

شيء و اجلزئيات يف شيء آخر، و أن النفوس السماوية منطبعة يف جسو العج:" بقولهو يرد ابن سينا على هذا الرأي،و أن هلا تصورات عقليةحركتها،

2".جلسم و ال لقوة جسم:ضرهم أن التصور العقلي غري ممكنمل حيتصورات عقلية،و

واجلزئياتو منه خيتلف ابن سينا مع هذا الرأي العتبار أن هذه النفوس الناطقة تعقل الكلياتو أما نفس السماء فهي إما صاحب إرادة جزئية أو صاحب إرادة :" معا، و هو يصف هذا بقوله

لق ا، لينال ضربا من االستكمال إن كان و فيه سر تع ية م و يشرح السراج الطوسي معىن 3"كلهو ما يوجب القطع بوجود هذه النفس، و هو أن صاحب :"...السر يف قول ابن سينا بقوله

.4"إلرادة الكلية و اجلزئية جيب أن يكون شيئا واحدا حىت يتحصل االرتباط، و تتم احلركة املتصلةا

حكم مستور، إال على فقوله أن لألفالك السماوية نفوسا ناطقة بعد العقول املفارقة هو ، ليس من مذهبهم، و هو غري معروف عند غريهم أو باألحرى الراسخين في الحكمة المتعالية

ه من املشائني يف هذه املسألة، ما يؤكد من ناحية اختالف ابن سينا عن أرسطو وأتباعو هو.ينفي من ناحية ثانية القول بأنه كان مشائيا خالصا أعاد فقط صياغة فلسفة أرسطوو

الحكمة المتعالية ليست الحكمة ومن هذا االختالف الذي أثاره ابن سينا نستنتج أن كانت ال تتخلى عنها، بل تضيف عليها و هو ما يؤكده الطوسي يف األرسطية، و إن المشائية

و إمنا جعل هذه املسألة من احلكمة ":شرحه على قول ابن سينا يف احلكمة املتعالية ،فيقول

.،أنظر الشرحقسم الثالث ،الاملصدر السابق ،- 1 الثالث من كتاب اإلشارات و التنبيهات فيه بعرض ابن سينا ألراء أرسطو و املشائني و كذلك يقدم ميكن الرجوع إىل النمط السادس يف القسم

.الرباهني اليت اعتمد عليها يف الرد عليهم.181-180املصدر السابق ، ص ص - 2.137املصدر نفسه، ص- 3.137ظر الشرح،صنفسه، أناملصدر - 4

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

253

املتعالية، ألن حكمة املشائني حبثية صرفة، و هذه و أمثاهلا إمنا تتم بعد البحث و النظر بالكشف .1"و الذوق

بني منهج جتمع تلك اليتيتكلم عنها ابن سينا هنا هي اليت متعاليةالحكمة الإنالفالسفة

. منهج السالكني من املتصوفة أصحاب الكشف و الذوقو

إن ابن سينا وإن كان يصنف من ضمن أتباع املدرسة املشائية ،فإنه مل يكن رافضا ملبادئ ة أساسا على تصفية القلب والسلوك إذ االجتاه القائم على الكشف واملشاهدة القلبية القائم

كما يف اإلشارات والتنبيهات حيث عقد (يظهر من الشيخ الرئيس نفسه يف بعض كتبه ومؤلفاته "،أنه آمن أن الطريق ملعرفة احلقائق ) منطا مستقال و هو النمط التاسع لبيان مقامات العارفني

الربهان واالستدالل العقلي احملض ،وإمنا يف-يف املقام األول من البحث-الوجودية ال ينحصر .2"ميكن أيضا الوصول إىل تلك املعارف من خالل املكاشفات العرفانية

يف حكمته املتعالية أن تنتقش بعامل احلق و "ابن سينا"فالنفس اإلنسانية ميكنها حسب امللكوت إذا اتصلت بالنفوس املنتقشة بصور الكائنات اجلزئية بنحو كلي ثابت ،فإذا اتصلت النفس اطلعت على الغيب و هذه هي مقدمة القياس اليت انطلق منها ابن سينا يف إثبات ذلك

إبن سينا يف إثبات إمكانية إطالع ، و يفصل3"ولنفسك أن تنتقش بنقش ذلك العامل"فيقول النفس على الغيب،واالطالع هنا مبين على مقدمات خيتلفت فيها مع الفلسفة املشائية كما بينا،

.و هي مصوغة ضمن احلكمة املتعالية

.123القسم الرابع ، مذكور سابقا، صابن سينا، اإلشارات و التنبيهات، -1بقلم الشيخ خليل رزق ،دار فراقد للطباعة والنشر –قراءة يف مرتكزات احلكمة املتعالية –كمال احليدري حماضرات ،فلسفة صدر املتأهلني - 2

.32،ص2007قم ،بدون طبعة–،إيران .124ابن سينا، اإلشارات و التنبيهات، القسم الرابع ، ص- 3

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

254

األمر سيطول كثريا و حنن هنا ال ميكن أن نشري إىل براهني ابن سينا على هذه املسالة ألن املقام ال يسعنا هو

املشائية و يؤكد اختالفه عنها يف بعض املسائل و اعتماده على مقدمات أخرى لبناء نسق جديد .يكون مستورا أي غري معلوم عند املشائني و معروفا فقط عند أصحاب احلكمة املتعالية

كثري من كتبه خاصة املتأخرة منها،نا اختالفه عن مذهب املشائية يف الهذا و قد أعلن ابن سي

و بعد فقد نزعت اهلمة بنا إىل :"...إذ يقوله" منطق املشرقني" ومن ذلك ما ورد يف مقدمة كتابه أن جنمع كالما فيما اختلف أهل البحث فيه، ال نلتفت فيه لفت عصبية أو هوى أو عادة أو

مفارقة تظهر منا ملا ألفهم متعلموا كتب اليونانيون إلفا عن غفلة، و قلة فهم ألف، و ال نبايل من و ملا مسع منا يف كتب ألفناها للعاميني من املتفلسفة املشغوفني باملشائيني الظانني أن اهللا مل يهد إال إياهم، و مل ينل رمحة سواهم، مع اعرتاف منا بفضل أفضل سلفهم يف تنبيه ما نام عند ذووه و

إن فكر ابن :"يف كتابه الفكر الديين عند ابن سينا"لويس غارديه"ويف هذا يقول ،1."..أستاذوه

.2"فكره احلقيقي و اليت كانت مستورة داخل كتبه األخرى

باختالف ابن سينا عن أرسطو وأتباعه من املشائني سنتوجه إىل جانب آخر وحىت يتأكد القول كان له تأثري كبري على الفلسفة اإلسالمية كلها و ليس على ابن سينا فقط، وساهم يف صياغة و

الذي هو يف احلقيقة بعض " أثولوجيا أرسطو" بلورة فلسفة خبصوصيات متميزة،و هو كتاب

، و مل يكن هذا الكتاب الوحيد 02،ص1910ابن سينا، منطق املشرقني و القصيدة املزدوجة يف املنطق،املكتبة السلفية القاهرة بدون طبعة-1أرسطو، أيضا كتاب االذي صرح فيه ابن سينا ثورته على أرسطو و الفلسفة املشائية ، ميكن الرجوع كذلك إىل شروحه على كتاب أثولوجي

.على كتاب النفس، شرح حرف الالم، و يف الفصل األول من منطق الشفاءالتعليقات2- GardeT Louis, La pensée Religieuse D'Avicenne, librairie philosophique J. Vrin,paris,1951,p24 .

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

255

األثر الذي تركه هذا الكتاب يف ابن سينا يف كالمه حول النفس؟أو تاسوعات أفلوطون، فما مدى إىل أي مدى كان ابن سينا أفلوطينيا؟

:أثولوجيا أرسطو ومنهج ابن سينا في النفس:ثانيا

لقد سبق و أشرنا إىل أن غاية النفس القصوى يف مذهب ابن سينا يف التصوف، و اليت أسس عرفة باهللا معرفة عقلية خالصة،و أشرنا كذلك إىل أنه اختلف عليها منظومة متكاملة هي بلوغ امل

عن أرسطو يف بعض املسائل،و أسس لنا منهجا متميزا للنفس الناطقة، فكانت حكمته يف ذلك .مقارنة باحلكمة املشائية اليت تزيد عليها بالذوق و الكشف-كما بينا-متعالية

على ابن سينا سيكون متشعبا ومعقدا ،ألنه يف وتأثريه " أثولوجيا أرسطو"أما الكالم عن كتاب األصل حيمل فكرا مغايرا متاما للفكر األرسطي ،وتأثر ابن سينا به كان خاصة من جانب نظرية ه مع الفيض،لكن هل وظفها كما هي؟ أم أنه تعرف عليها و انتقى منها ما خيدم منهجه و كيـف

مضمون حكمته يف النفس؟

ة عليه بغرض الكشف عن املرجعية األفالطونية يف مسألة الفيض، و هذا ما سنحاول اإلجاب.

بداية و حىت نكون أكثر منهجية سنتطرق إىل نظرية الفيض عند صاحبها أفلوطني مع اإلشارة أ و ذلك من خالل كتاب

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

256

، و حنن سنعتمد يف استشهاداتنا عليه و هو منشور ضمن كتاب "أثولوجيا أرسطو"الربوبية.أفلوطني عند العرب لعبد الرمحن بدوي

كانت فلسفة أفلوطني يف عمومها تنظر يف ثالث معامل كربى الواحد أي اهللا و العقل و النفس تكاملة حول الكون، و القراءة املتعمقة لتاسوعات أفلوطني و من خالهلا حاولت أن تصيغ نظرية م

ما نظرية الفيض أو صدور املوجودات عن الواحد إال واحدة من املسائل اليت وظفها أفلوطني .لتأكيد ذلك القصد

أفلوطني عن النفس يذكرنا ببعض أفكار أفالطون و اليت تتطابق باملقابل مع ما قاله أما كالم ابن سينا، و من أهم ما اشرتك فيه ثالثتهم هو أن النفس غري البدن و طبيعتها من غري طبيعته،و و

النفس تفارق البدن من غري أن تفسد أو تتحلل بتحلل البدن، و :" يقول أفلوطني يف امليمر الثالث1"ليست النفس يف البدن كاجلزء يف الكل ألن النفس ليست جبزء البدن

هذا إضافة إىل أن البدن هو سجن للنفس مينعها من التطلع إىل عاملها و ببقائها فيه تفقد حريتها، و هي من طبي

يف آخر املطاف، و قد اشرنا إىل رأي ابن سينا يف هذا، و يكفي أن نستحضر يف أذهاننا قصيدته .املشهورة يف النفس ناهيك عما ورد يف رسالة الطري

قله إىل العربية عبد املسيح بن ناعمة احلمصي، أرسطو هي التسمية اليونانية و فيه قول على الربوبية فسره فورفوريوس الصوري، و نأثولوجياهـ، و هذا الكتاب ليس ألرسطو طاليس بل 335-325أصلحه ألمحد بن املعتصم باهللا يعقوب بن إسحاق الكندي و تاريخ نقله يكون بني

ادس من إهليات أفلوطني، و هو مقسم إىل ظهر فيما بعد على أنه للشيخ اليوناين أفلوطني و هو مجلة من منتخبات الكتاب الرابع و اخلامس و الس.ميامري و امليمر هو كلمة سريانية يعين املقالة

-وي ضمن كتاب أفلوطني عند العرب رمحان بدالأرسطو، ترمجه إىل العربية عبد املسيح بن عبد اهللا بن ناعمة احلمصي، نشره عبد أثولوجيا -1.44،ص1955النهضة املصرية ، القاهرة ،بدون طبعةملتزمة النشر و الطبع، مكتبة -دراسات إسالمية

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

257

صدور ي حتاول أن جتيب عن كيفية و كان للنفس حيز كبري يف نظرية الفيض عند أفلوطني، فه، مبعىن كيف فاضت املوجودات عن املبدأ األول الذي هو علتها و مبدؤها فهو الكثرة عن الواحد

إن اهللا علة الكون ،و العقل علة للنفس، و النفس :"يقول مبينا هذا التدرج من أعلى إىل أسفلنه و إن كانت األشياء بعضها علة بعض، كلها اجلزئية، غري أنعلة الطبيعة، و الطبيعة علة لألكوا

اليت تكون الفيض،و عملية 1"فإن اهللا تعاىل علة جلميعها كلها، غري أنه علة لبعضها بغري توسطاملعلول، فتحقق الثاين ملبدأ العلة و -أي الفيض- نه خاضع، ألالضرورةعن الواحد تكون عن طريق

خارج الزمان، يكون بالضرورة، كما أن هذا حيدث- العلة- عن األول

وأول ما يصدر عن الواحد العقل الكلي مث النفس الكلية و هذه األخرية تفيض عنها النفوس .البشرية، و حتت هذه األخرية يكون عامل املادة

الذي يتدرج يف الظلمة كلما ابتعد يتالشى متاما بإشعاع النورإن أفلوطني يشبه هذا الفيض كلما اجتهنا إىل أعلى فنحن نتطلع إىل النور و كلما اجتهنا إىل أسفل يف املادة اليت متثل الظالم، ف

فنحن ننغمس يف عامل احلس و املادة و الظلمات، كما أن هذا الفيض ال ينقص و ال يغري من 2".كالشمس اليت يشيع نورها دون أن ينقص منها هي نفسها شيئا"طبيعة الواحد

ينا على نظرية الفيض ننظر يف مدى اعتماد ابن سوفق هذا التلخيص املوجز سنحاول أن لكن السؤال األساسي الذي املنحول،"كتاب الربوبية"أو لنقل على أرسطو من خالل،األفلوطينية

إذ يف كتابات ابن سينا ،وألي غرض اعتمدها؟،رمبا يوجهنا يف حبثنا هذا هو كيف وظفها؟.ضمنها داخل فلسفته اإلهليةو الفلسفية ال مشكلة فهي واضحة و قد عرضها بشكل مفصل

.50نفسه، ص-1الد األول-2 ية ، يونان لسفة ال لف يخ ا ار لسون، ت دي كوب ن ) اليونان و الروما(أ

.621،ص، 2002األوىلمن املبدأ األول يفيض عقل أول و هو واحد بالعدد ليست فيه : وصه الفلسفية و هو يصوغه على النحو التايليقول ابن سينا مببدأ الفيض يف نص

ه كثرة و هو صورة غري موجودة يف مادة، و عندما يعقل هذا العقل األول مبدأه يفيض عنه عقل ثان، و مبا يعقل ذاته بأنه واجب الوجود بغري ما يعقل ذاته بأنه ممكن الوجود يلزم عنه جرم ذلك الفلك و حيصل من ذلك أن يفيض من العقل الكلي تفيض عنه نفس الفلك األقصى، و عند

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

258

أما يف نصوص ابن سينا ذات الطابع الصويف فإن األمر صعب جدا ،ألنه ليس من السهولة استنباط مفاهيم الفيض ،خاصة و أننا سنكتشف أنه سيوظفها ليس كنظرية كومسولوجية تبني

عرض شبه"إقامةإىل ذلك، بل سيحاول إضافةالواحد فقطعن عملية صدور املوجودات

إن تسلسل املوجودات اليت تفيض عن واجب: يف تعرفهم على احلقأنطولوجي ملسرية الصوفية

.1"الوجود هو مبثابة اجتاه معاكس ملسرية املتصوفة يف طريقهم إىل معرفة احلق واجب الوجود

بن حي "أما كالم ابن سينا عن ذلك جنده مبسوطا يف رسائله الرمزية و قد تضمنت رسالة إشارات إىل مراتب املوجودات وفيض املبدأ األول على العقل الفعال ،مث هذا األخري على " يقضان

عن مجيع لالنفس البشرية بعلوم املوجودات،و قد كان غرضه من ذلك تأكيد تعايل املبدأ األو .املوجودات وتبيني مراتب العقول املفارقة و النفوس املالئكية

مه هذا ال تكمن يف صياغة نظرية صدور املوجودات عن املبدأ األول إن غاية أبن سينا يف كال

الناطقة لبلوغ مرحلة االتصال باحلق، و قد كان ذلك بتدرجها يف املعرفة و مصارعة البدن و العقل الفعال و حىت ينكشف عنها احلجاب فتشاهد احلق شواغله حىت تستفيض العلوم من

و من وجد له إىل عبور هذا اإلقليم سبيل خلص إىل ما وراء السماء خلوصا "ويشرق نوره عليها فلمح ذرية اخللق األعظم، و هلم ملك واحد مطاع فأول حدوده معمور خبدم مللكهم عاكفني

ء أمة أشد اختالطا مبلكهم مصرون على خدمة و بعد هؤال... على العمل املقرب إليه زلفىو متعوا بالنظر إىل وجه امللك وصاال النفصال ...نوا فلم يتبدلوا باالعتمالئ الس باملثول و قد ض

عقل ونفس و جرم و على هذا النحو تستمر سلسلة الفيوضات إىل العقل األخري و الذي يسمى بالعقل الفعال عقل فلك القمر، و هو الفلك ى هذا األساس تقوم نظرية الفيض على مبادئ أوهلا أن الوجود ينقسم إىل واجب و ممكن، العاشر و ما حتته هو عامل الكون و الفساد، و عل

ال ذا (والواجب الوجود بذاته هو اهللا، أما العامل فهو املمكن بذاته الواجب بغريه، أما املبدأ الثاين هو أن الواحد ال يصدر عنه إال واحد قاألول لعقله ذاته ، صدور معلول أول هو العقل عن املبدأ )أفلوطني

.11ص2001اجلزائر، الطبعة الثانيةأرثور سعدييف، ابن سينا، دراسات يف الفكر العريب اإلسالمي، ترمجة توفيق سلوم، دار الفارايب- 1

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

259

و أدناهم منـزلة من ... فيه، و ضرب لكل واحد منهم حد حمدود و مقام معلوم و درجة مفروضة.1"...ذته، و عنه يصدر إليهم خطاب امللك و مرسومهامللك واحد هو أبوهم و هم أوالده و حف

من هذا النص املقتبس يتبني لنا بشكل جلي االجتاه املعاكس الذي اشرنا إليه و الذي ميثل اإلشارات"كما يسميه يف " اجلربوت"و " القدس"املراتب املتدرجة من عامل العناصر إىل عامل

العقل تتطلع على هذا العامل و أن تبلغ االستفاضة منو كيف أن النفس ميكنها أن ،"والتنيبهات

.الفعال و من مثة تصل إىل الغاية القصوى

فمن استطاعت من النفوس األرضية أن تسرتشد بالعقل و تتخلص من الشواغل البدنية، و القدسي، تتجه بقوتيها العملية و النظرية اجتاها صحيحا متكنت من اجتياز العامل احلسي إىل العامل

".امللك املطاع" فاتصلت بعامل الغيب، و انتهت إىل املبدأ األول

هذا االجتياز يظهر من خالل إشارات ابن سينا إىل حدود عامل احلق إذ يتدرج فيه من أدىن أم بررة إذ هي " الخدم"و يرمز هلا بـبالنفوس الفلكيةمرتبة إىل أعالها، و يبدأ يصفهم ب و

أا صور األفالك السماوية، و هو ،2"القوى األرضية و الغضبية و الشهوانيةمنـزهة من "نفوس و .السماوية نفوسا مساوية مبعث حركتهاكما قد سبق و أشرنا إليه من أن لألفال

م ما عليه هذه العقول من "و قصد بقولهالعقول الفعالةمث تعلوها مرتبة لكه أشد اختالطا بـم، و هذه 3"دون غريها من التحريكات، كما عليه النفوس املتقدم ذكرهااالختصاص بالتعقالت

العقول أعلى من النفوس الفلكية النصرافها إىل التعقل و صفائها من املادة، و هم أقرب إىل احلق العقل أراد به "

.111-110-109:الصفحاتي الدين صربي الكردي ،جامع البدائع، نشر حمابن سينا، حي بن يقضان، - 1.،انظر الشرح110ي الدين صربي الكردي ،جامع البدائع ،صنشر حم، ابن سينا، حي بن يقضان- 2.انظر الشرح111املصدر نفسه، ص- 3

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

260

الذي هو املبدأ األول باحلقيقة ،و مساه أبا هلم إذ كان وجود ما سواه عن األول ل الفعال األو . 1"يتوسطه

، و ذكر أوصافه اليت نود أن نقتبس "الملك"مث يصل ابن سينا إىل ما فوق هذه العقول و هو بل كله حلسنه وجه وجلوده يد خيفي حسنه آثار كل حسن، و حيقر كرمه :"...بعضا منها،يقول

ة كل كرم، و مىت هم بتأمله أحد من احلافني حول بساطته غض الدهش طرفه فآب حسريا نفاسيكاد بصره خيتطف قبل النظر إليه، و كان حسنه حجاب حسنه و كان ظهوره بسبب بطونه و كان جتليه بسبب خفائه كالشمس لو انتقبت يسريا ال ستعلنت كثريا، فلما أمعنت يف التجلي

2".رها حجاب نورهااحتجت و كان نو

من هنا يبدو لنا بوضوح كيف أن نظرية الفيض األفلوطونية مل توظف للغرض نفسه الذي ال تكمن تبيان عملية صدور املوجودات عن الواحد كما " ابن سينا"قصده أفلوطني، ألن غاية

الشيخ "فعل يف كتاباته الفلسفية،بل يف معرفة احلق و الوصول إليه عن طريق علوم و فيوضات .رمز العقل الفعال الذي به تستطيع النفس البشرية العاقلة أن تطلع على عامل احلق " البهي

يكن يف قصده هذا متوجها وجهة ذوقية سلوكية خالصة هذا إضافة إىل أن ابن سينال ملل يف عليها االستكمابفقط،ألن العلم اإلهلي الذي حتصله النفس عرب هذه االستفاضة يستوج

األوىل فبتغلب النفس على مجيع الشواغل أما ،)النظرية(والعملية)السلوكية(العمليةالقوة.بهحتصيل العلمالعامل اإلهلي و البدنية،فالسلوك املسرتشد بإمرة العقل يقتضي يف ذاته التوجه إىل

تصبحو كمال اجلوهر العاقل، أن تتمثل فيه جلية ":عاملا ا أو كما يقولوءجوهرا عقليا عارفا باألشيا

، قدر ما ميكنه أن ينال منه ببهائه الذي خيصه، مث يتمثل فيه الوجود كله على ما هو لاحلق األو

.انظر الشرح111املصدر نفسه ، ص-1.113ي الدين صربي الكردي ،جامع البدائع ، صنشر حمابن سينا، حي بن يقضان، -2

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

261

الروحانية السماوية، عليه، جمردا عن الشوب، مبتدأ فيه بعد احلق األول باجلواهر العقلية العالية، مثو األجرام السماوية مث ما بعد ذلك متثال ال ميايز الذات، فهذا هو الكمال الذي يصري فيه اجلوهر

درجة وهي اليت يغيب فيها العارف إىل آخرالنفسوذا تصل،1"العقلي بالفعل

حيثال منة، و إن حلظ نفسه فمن حيث هي الحظنفسه فيلحظ جناب القدس فقطعن"

.2"هي بزينتها

أفلوطينيا يف نظرية ىمل يكن مشائيا خالصا أو باألحر " ابن سينا"خنلص يف األخري إىل أن الفيض، و إن كان قد اعتمد على بعض مبادئها، فإنه يف احلقيقة كيفها وفق نظريته يف النفس،فمنهج هذه األخرية عنده جيمع بني سلوك الصوفية و بني نظر و تأمل الفالسفة، فإذا

رفة ذوقية قلبية كانت النفس عند الفريق األول عندما تصل إىل أعلى مراتب االتصال تعرف اهللا مع

اإلشارات و "يف " ابن سينا"ا قول الربهان فقط بل تزيد عليها بالسلوك و الذوق ،و نتذكر هناملتنـزهون إذا وضح عنهم دون مقارنة البدن، و انفكوا عن نو العارفو :" عندما يقول" التنبيهات

حصلت هلم اللذة ادة و انتقشوا بالكمال األعلى، و الشواغل خلصوا إىل عامل القدس و السعقصد بالعارفني هم الكاملني يف القوة يشرح السراج الطوسي هذا القول بأن ابن سينا يو3"العليا

.النظرية ،أما املتنـزهون هم الكاملون يف القوة العملية

.23، صشارات و تنبيهات، اجلزء الرابع ابن سينا، اإل- 1.92ي الدين صربي الكردي ،جامع البدائع ، صنشر حمابن سينا، حي بن يقضان، - 2.32املصدر نفسه، ص- 3

محاولة في قراءة ابن سینا خالصا: المبحث الثالث الفصل الرابع

262

مل "إن هذا التحليل لنصوص ابن سينا يبني كيف أنه استطاع أن ينشأ مذهبا خاصا به ،فهويقلد أرسطو حذو النعل بالنعل كما فعل ابن رشد،ومل يقيد نفسه مبذهب واحد بعينه،بل كان

خذ من كل املذاهب ما يرضيه،وجيمع مادة حبثه من كل حذب وصوب وميزج علم اليونان يأحبكمة الشرق، فساقته هذه القدرة على اجلمع والتوفيق واملزج والتأليف إىل إقامة صرح فلسفي

.1"عظيم ميثل املذاهب القدمية أحسن متثيل،ويعرب عن روح عصره أصدق تعبري

.217،ص1973مجيل صليبا ،تاريخ الفلسفة العربية ،دار الكتاب اللبناين بريوت ،دون طبعة-1

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

263

ومل يكتب ألي فلسفة أن ختلد كما ،من النقد ت طبيعته وقيمته مل يسلم أي فكر مهما كانهذا من خصائص تطور الفكر كانو كذالك التجاوز ،لتأييد و لرفض أو اهي دون أن ختضع ل

"سيناابن"لنا نسقا معرفيا متكامال ،وكان،وأنتجقد لقب باملعلم األول" أرسطو"كان وبقائه، وإذاموسوعة يف العلوم ،وترك لنا إرثا علميا وفلسفيا وفكريا هائال ،ال ميكن اإلحاطة به يف كليته إال

نشأة على"أرسطو"حد األثر الذي لعبه والتعمق ،إذ ال خيفى على أثري من البحت والقراءة بعد كالذي امتدت شهرته حىت إىل يف ذلكال يقل شأن ابن سينا خاصة ،و اإلسالمية عامة و الفلسفة

.وكان له دوره يف تطور التيار الصويف الغرب يف أوربا الوسيطية ،

ريخ الفكر كله الكثري من االعرتاضات من هذه االعتبارات األخرية سنحاول أن ننظر يف أرسطو وابن والتأييد ،و انطالقا تواالنتقادا

،وقيمة قع وأمهية النظر يف النفس عندمها،إحدامها نتناول من خالهلا مو سينا من زاويتني أساسيتنيالفلسفي أمهية املذهبني بارز يف التأسيس لعلم النفس ،و الاملسائل اليت أثاراها واليت كان هلا دورها

.والصويف يف والدة مذاهب ونظريات جديدة

أما الزاوية الثانية فهي اليت سنحال من خالهلا إثارة أهم االنتقادات اليت وجهت إليهما يف .مسألة النفس

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

264

:أهمية دراسة النفس :أوال

حلكمة الطبيعية ااأرسطو يف النظر إىل مسائل الفلسفة السيمبداية ال ميكن إغفال دقة أسلوب اليت تشمل النفس،هذه األخرية اليت خصها أرسطو باهتمام كبري واعتربها من املسائل املهمة،فهو

،وإن املعرفة باألشياء ذوات السناء والشرف"يقول يف كتاب النفس الذي ترمجه إسحاق بن حنني وإما جلليل فضل بعضها .ستقصاء النظر و لطافة املذهب الإما ا قد يفضل بعضها بعض

.وأعجوبتها.1..."و ،،السيما العلم بالفرعتوافق كل حق

ة أرسطو إذ هي من األشياء الشريفة يف فلسف"النفس"من هنا تبدو األمهية الكربى اليت حتتلها

أن النظر يف أي علم البد أن يبدأ من معرفة األشرف واألفضل ىالعلوم األخرى ،أو باألحر أا امل ار اعتب فس ب ن جب وهو ال ع األ .الكائنات احليةبدأ احليوي يفو

كانت مبثوثة فإننا جند أن نظرية النفس "أرسطو"نا فلسفة تفحصأكثر إذاهذا املوقفتأكديوكتاب النفس "،ونظرية املعرفة ورا مهما يف الكالم عن األخالق ،فكانت حميف أغلب جوانبها

.2"برمته يعد حبثا يف املعرفة اإلنسانية ،إىل جانب كونه حبثا يف قوى النفس

تبحث إذا كانت مدخال مهما إىل املسائل امليتافيزيقية ، هذه األخرية دراسة النفس كانت كماهو املفروض منطقيا يف أي علم -أي علم امليتافيزيقا –مبعىن أنه "يف الوجود مبا هو موجود

ي إليه ن دارس العلوم ال يبدأ به بل ينتهو العلم األخري بالنسبة للدارس أللكنه كذلك ه...آخر

،راجعها من ) نسوب إىل أرسطو طاليساآلراء الطبيعية املنسوبة إىل فلوطخس،احلاس واحملسوس البن رشد،النبات امل(ترمجة إسحاق بن حنني أرسطو طاليس ،يف النفس،-1.03،ص1980الطبعة الثانية1980دار القلم بريوت،محن بدوي،وكالة املطبوعات الكويت،عبد الر يونانية وشرحها وحققها وقدم هلا أصوهلا ال

10،ص1995ى النشار ، نظرية املعرفة عند أرسطو ،دار املعارف القاهرة ،الطبعة الثالثة مصطف- 2

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

265

مبثابة هيلنفسفا،1"وبذلك سيكون هو الغاية األخرية اليت يتجه حنوها الدارس يف رحلته الدراسية

له أن تدرك خالملكة مميزة خاصة باإلنسان فقط وهي العقل الذي تستطيع من ، وهلااحلواسيؤكد ذلك التواصل بني عامل "أرسطو"املاهيات وتتعقلها،وال شك أن العقل الفعال الذي قال به

أقرب إىل د وأزيل وهو مفارق وخالالطبيعة والعامل املعقول ،يف أنه جزء من النفس ،وأنه باملقابل .هلي وقد يتشبه به يف فعل التعقلالعقل اإل

ويف قمتها املعرفة اخلالصة والنهائية هاغو لتكمن يف مدى ب" رسطوأ"عند النفسغاية دراسةإناليت ستمثل العصب احليوي "النفس"همة احلقيقية للمعرفة الفلسفية تقوم على املالعلم اإلهلي،ف

أا اجلزء امل واألساسي يف بلوغ الغاية األ ار اعتب رف ،ب واحلاكم يف مقابل البدن اخلاضع ري س شمن القيام بدوره على أكمل وجه ان هلا ذلك المتالكها للعقل ،هذا األخري إذا متكنور ،وكم واملأ

ويسود النظام الكامل قبل كل شيء عندما يتمكن أفضل جزئي النفس " حقق الفضيلة،فإنه ستت،فاإلنسان يتجه حنو األعلى حبسب طبيعته 2..."وأكثرمها وأجدرمها بالشرف من حتقيق فضيلته

ن خالهلا يتمكن من حتقيق املهمة األساسية اليت تتالءم وتلك الطبيعة ويف ذلك العاقلة اليت م.بلوغ أقصى الدرجات اليت تتمثل يف املعرفة الفلسفية

يف التفكري كأهم فعل تقوم به "النفس"ة هي تلك اليت يستخدم فيها اإلنسان يقياحلياة احلقفذلك أن فاعلية أصدق أفكارنا اليت تتغذى على أمسى مبادئ " ومن مثة حيقق السعادة والفرح

املوجود وتصر دائما على االحتفاظ بالكمال املالزم هلا ،هذه الفاعلية هي اليت تتفوق على كل ما نبغي على العقالء أن يتفلسفوا لكي عداها من أنواع الفاعلية يف خلق الفرح باحلياة ،وهلذا ي

.3"يستمتعوا باألفراح احلقيقية الطيبة

.107،ص2005يع ، الطبعة األوىل - 1

.56،ص.وت ،بدون طبعة وتاريخ،دعوة إىل الفلسفة ، كتاب مفقود ألرسطو قدمه للعربية مع تعليقات وشروح عبد الغفار مكاوي ،دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع بري أرسطو طاليس-2

.66املصدر نفسه ،ص -3

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

266

، بلكثريا أفاض فيه" أرسطو " إضافة إىل هذا ارتبط موضوع النفس جبانب مهم من فلسفة

:خصها باهتمام بالغ وهو ما ارتبط مببحث األخالق،وجممل ذلك فيما يلي

ئها العاقل وظيفتها على أكمل وجه،إذ ة النفس يف جز يف تأديتكمن"أرسطو"عندالفضيلة إن الذي ،أو على األقل فعل النفسللعقلالوظيفة اخلاصة باإلنسان تكون يف فعل النفس مطابقا "أن

إىل عقلية وأخرى سم األرسطية تنقاألخالق ،والفضائل يف نظرية1"ال ميكن أن يتم بدون العقللكن هذه احلياة ال يبلغها إال خنبة خمتارة من يعقل ذاته ،حياة عقل يفكر و "فهي ،أما األوىلخلقية

على يف حني تقوم الفضائل اخللقية،2"بالعقل وضبط الرغبات السرتشادطريقها إىل ذلك يكون باعتدال بني اإلفراط والتفريط ،ومبدأ اال

في بالغذاء والنمو فيكون ياة احليوان فيكون كاحليوانات ،وال يكتوتسيريها فال يعيش اإلنسان حا احلياة الفاضلة يبلغ وهي حياة العقل اليت ،بل البد أن حييا وفق طبيعته اخلاصةكالنبات

.ومثة فقط يبلغ اخلري احملضويعيش على وفاق مع طبيعته

إضافة إىل اجلانب النظري الذي ،باجلانب العمليإن هذا التصور األخري يؤكد اهتمام أرسطوصل من خالهليهتم باحليات التأملية اليت وتتشبه باإلله،ففي جمال األخالق ال ا النفس املعرفةحت

ففيما " :ها وحتقيقها ،فهو يقوليكفي العلم باملبادئ األخالقية بل البد أن ترتاض النفس لتحصيلازا علم ما هي ،بل يلزميتعلق بالفضيلة ال يكفي أن ي فس حلي ن ة ال اض لك ري لى ذ ة ع اد زي

.3"واستعماهلا

واألوىل،باعتبارها مبدئية يف كل العلوم اليت يسعى اإلنسان إىل بلوغها ،ومن خالهلا يدرك طبيعته .اخلاصة اليت جيب أن يعيش على وفاق معها

.194،ص 1924جلزء األول مطبعة دار الكتب املصرية القاهرة،بدون طبعة أرسطو طاليس ، علم األخالق إىل نيقوماخوس ،نقله إىل العربية أمحد لطفي السيد ،ا- 1.95،ص1993دار اجليل بريوت الطبعة الثالثة )الفلسفة اإلسالمية (خليل اجلر ،تاريخ الفلسفة العربية ،اجلزء األول مقدمات عامة–حنا الفاخوري - 2.367املرجع السابق ،اجلزء الثاين ،- 3

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

267

:مآخذ على نظرية النفس عند أرسطو :نيا ثا

رغم األمهية البالغة اليت احتلتها فلسفة أرسطو بصفة عامة ومباحث الطبيعيات بصفة خاصة نب اليت أثارت نوعا من التناقض واكتنفها الغموض ،ألن أرسطو لو يكن ا،إال أنه هناء بعض اجلو

أا ما فتح باب النقد والتعليق،وهو ما سن بش اضحا :حاول إجيازه فيما يليو

واضحا مل يكن أرسطو،فبطبيعة المادةأا ووفق مقوليت الصورة واملادة ال يكون أي ،ألنهبش،فما طبيعة اجلسد الذي هو مبثابة املادة بالنسبة للصورة وال ميكن أن يتحقق إال يف الصورةوجود

؟) النفس(

وجودا متقدما بالقوة ال يتحقق وال يكتمل إال يف للجسم حنن نعلم أن أرسطو جيعل بداية فظهر أن "الصورة ،هذا إضافة إىل أن املادة تنـزع إىل حتقيق استكماهلا ،فهي تشتاق إىل مبدئها

قي هو شوق املوجودات قاطبة إىل االلتحاق بالعقل احملض وهو املشوق الباعث املوجب هلذا الرت ، وهذا يتناقض مع ما قاله أرسطو يف أنه ال 1"األول ،واملبدأ األول للحركات مع أنه غري متحرك

.وجود إال في الصورة

وحدة ثنائية النفس والبدن وتأكيده على ال" أرسطو"أما النقطة الثانية فهي اليت تتعلق بنفيالنفس نظريته يف كما أشرنا أعاله،وجعليف حتديد طبيعة املادة اتناقضهو ما ولدالتامة بينهما و

يفصل أرسطو يف شأنه ، عندما .وغري املمتزجاخلالد واإلهلي بوصفه

يلزم أن تكون جزء من النفس فألنه إذا كان العقل الفعال فهذا القول يشري إىل وجود ثنائية ما،ال يتفق ،وهذا وخلودهاعنهااهلانفصاللمادة و ويرتتب عن ذلك خمالفتهاهذه األخرية من طبيعته ،

.144، منشأة املعارف اإلسكندرية بدون طبعة وتاريخ،ص)تاريخ املذاهب الفلسفية( فيد ،دروس التعاليم الفلسفية ،حتقيق عصام الدين حممد عليسانتيالنا دا- 1

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

268

وهو األمر الذي دفع الكثري من الباحثني إىل و يف أن النفس تفسد بفساد البدن،أرسطمع قولتساق ما بني حتيز معارض ألفالطون يف البداية وانقالب يف اال"إىل كم على مذهبه بأنه يفتقر احل

فهل عجز أرسطو ،1"حقيقة عن اخلروج من هذا املأزق بني الوحدة التامة والثنائية ؟

لكنه يف ،هو أنه أقر بالوحدة وأصر عليهاما يبدو من خالل كالمه عن املادة والصورةإن أاالصورة باعتبارات جتعلها خمتلفة عن البدن املقابل خص يث صورة عقلية متصلة باملادة من ح

طبيعة مل يتمكن من توضيح يف األخري الوجود العيين لألفراد ال يتحقق إال من خالهلا ،لكنه وأن احلاصل أن أرسطو وضع "والطبيعة املفارقة للنفسومل يعلن بشكل صريح وواضح ذلك االتصال

عاملني متمايزين ،عامل الصورة وعامل املادة مث عجز عن بيان االتصال بينهما وكيفية تأثري أحدمها يف فهل سيسلم ابن سينا من النقد،وهل استطاع أن يتجاوز ما وقع فيه أرسطو من تناقض؟.2"األخر

:ميزان النقد والتقييمينا في ابن سـ:ثالثا

.75،ص1993ألفرد ادوارد تايلور ،أرسطو ترمجة عزت قرين ،الطليعة للطباعة والنشر بريوت، الطبعة األوىل -1.146روس التعاليم الفلسفية ، حتقيق عصام الدين حممد علي ،صسانتيالنا دافيد ،د- 2

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

269

يف كتابه امللل والنحل يف مستهل كالمه عن ابن سينا وبعد أن أشار إىل "الشهرستاين"يذكر وإمنا عالمة القوم أبو علي احلسني بن عبد "...بعض متأخري فالسفة اإلسالم وطريقتهم ،يقول

شهادة من فقد تكون هذه،1"طريقته أدق عند اجلماعة ونظره يف احلقائق أغوص...اهللا بن سينا ة بأنه كر يف املوسوعات العامليقد ذ و،وبنباهة فكره وحدة ذكائه "سيناابن "بني غريها اليت تشيد بـ

.2"الرجل األكثر شهرة يف الشرق لشساعة معارفه ونشاطه الفكري"

ديد الذي أمام اهلجوم الشمن السهولة تقييم هذا الفكر ووضعه يف ميزان النقد إال أنه ليسعرفه ابن سينا من طرف بعض املتأخرين عليه بتكفريه واعتباره من الباطنية اإلمساعيلية و

" افت الفالسفة"،وصاحب كتاب " إبن تيمية"و" إبن سبعني"املالحدة،ويكفينا هنا أن نشري إىل . أبو حامد الغزايل

س "قال يف ابن سينا أنه" ابن سبعني"أما األول؛أي ف ،كثري الطنطنة ،قليل الفائدة،وماله مموه مس طا من التآليف ال يصلح لشيء،ويـزعم أنه أدرك الفلسفة املشرقية،ولو أدركها لتضوع رحيه

" ابن سينا"،فهذا احلكم أفقد3"عليهام الرئيسية ،إذ أوربا الوسيطية ،وقد كانت كتبه العلمية بني مرجعي من ة ي لسف لف كان "وا

،تأثريها املباشر على تطور العلم األورويب ،أما ) القانون يف الطب(لألعمال العلمية ،والسيما الفلسفة السينوية فقد اجتذبت األنظار مبناحيها األفالطونية احملدثة يف املقام األول ،وعلى هذا

،والذي أرست بداياته رسالة يوحنا )األغسطينية السينوية(يانا بـ النحو ظهر التيار الذي يدعى أحالقرن الثاين عشر،ويف القرن الثالث عشر ميكن تتبع تأثري فكر ابن سينا )يف النفس(أسقف توليدو

عند فيلهم االوقرين ،وعند األساتذة الفرانسيسكان جبامعة باريس،وعند ألكسندر اهلايل وجان دي را ،وكذالك لدى الفرانسيسكان االجنليز ،عند روبرت جروسيت وجون الروشيل،وبونافينتو

.150،ص2005املكتبة العصرية للطباعة والنشر بريوت،دون طبعة ) القسم الثاين(الشهرستاين ،امللل والنحل ،حتقيق حممد عبد القادر الفاضلي - 12 - Larousse universel en deux volumes , nouveau dictionnaire encyclopédique , librairie larousse , paris 1992,

p 177.األنباء والنشر ،القاهرة دون طبعة ابن سبعني أيب حممد عبد احلق املرسي األندلسي ،رسائل ابن سبعني ،حتقيق وتقدمي عبد الرمحان بدوي ،املؤسسة املصرية العامة للتأليف و - 3

.13وتاريخ،ص

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

270

ونظرية النبوة ،وتوما اإلكويين،ويف )تعريف النفس(جند آثاره واضحة على ألبري الكبري ...بيكام. 1"أعمال دونس سكوت

لكنه ،بالكفر واجلهل"ابن سينا"م ،واهو اآلخر بنقده الالذعقد توجه ف"ابن تيمية"أمااالامد ا يف كتابه الرد على فقد قال،أشاد برجاحة فكره دون أن يدرك أعلى من شئنه و اخل هذ

إن ابن سينا تكلم يف أشياء من اإلهليات،والنبوات ،واملعاد،والشرائع ،مل يتكلم فيها " املنطقيني ،وان 2..."من املسلمني افإنه قد استفاده.سلفه ،وال وصلت إليها عقوهلم،وال بلغتها علومهم

الذين ) املالحدة(لذين يصفهم بـنون الكفر احملض " . 3"هم يف الباطن يـبط

يف الكثري من املسائل ورد عليه" اابن سين""ابن تيمية"وقد آخذ هذا النفوس الناطقة "سنعرض لبعضها واليت ترتبط بالنفس موضوع حبثنا ،ومنها قول ابن سينا إن

ا العادة وإما ما خمتلفة،فاختلفت الختالف األوعية ،وأسباب صفات النفس عندهم إما املزاج وإمن ذلك يلزم غري كاف إلثبات اختالف النفوس،ألفيورد ابن تيمية أن هذا السبب ،4"يتبع ذلك

نفوس أخس الناس مشاركة يف احلقيقة لنفس إبراهيم و موسى وعيسى "عنه القول بأن ال يكون هناك اختالف بينها ورمبا كانت أفضل منها ،ولزم عنه كذلك حصول ما ،ف5"وحممد

وهو يعتقد أن الذي قاد ابن سينا إىل هذا هو إثبات ،علوم ومعرفة هلاو صل لألنبياء من وحي ح"اإلشارات والتنبيهات"وقد أورد ابن سينا هذا الرأي يف النمط العاشر من ،معرفة النفس باملغيبات

.240أرثور سعدييف ،ابن سينا ،ص- 1روان كجك ،إدارة الطباعة املنريية أنظر ابن تيمية ،رسالة يف علم الباطن والظاهر ،ضمن جمموع الرسائل املنريية اجلزء األول ،حتقيق حممد منري الدمشقي مراجعة وتصحيح م

اطية يف مسائل كثرية وهو فيها يكفرهم ويصنف ابن سينا منهم ومن القرامطة الباطنية ،أنظر يرد ابن تيمية يف هذه الرسالة على الب.140هـ ،ص1343،القاهرة .440-188-83:الصفحات،كذلك تكلم ابن تيمة عن ابن سينا بشكل مباشر يف كتاب الرد على املنطقيني أنظر 230صطق اليونان، تقدمي سليمان النروي ،حتقيق عبد الصمد شرف الدين الكبيت مراجعة حممد طلحة ابن تيمية ،الرد على املنطقيني املسمى نصيحة أهل اإلميان يف الرد على من-2

183،ص2005بالل منيار، مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع بريوت الطبعة األوىل .184ص ،نفسهاملرجع - 3.527املرجع نفسه ،ص- 4527املرجع نفسه ، ص- 5

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

271

عرفة الغيب أنه مادام اإلنسان ميكنه موأثبت أنه ممكن بالتجربة والقياس ،وهييف أسرار اآليات التجربة والقياس متطابقان على أن ":أو كما يقول،ل منه يف اليقظة ص يف النوم فيمكنه كذلك أن حي

،يف حالة املنام فال مانع من أن يقع مثل ذلك النيل يف يب نيال ماللنفس اإلنسانية أن تنال من الغ.1"حال اليقظة

يف املنام بل عرض لكثري من اآليات القرآنية يعارض ابن تيمية حصول هذه املعرفة بالغيبيات الفال ريب أن ما جيعله اهللا يف النفوس وغريها جيعله ":واألحاديث النبوية اليت تؤيد ذلك ،فهو يقول

فهذا وحنوه حق يقول به السلف ومجهور دها لذلك وتسويتها مل يلقى فيها،بعد إعدالنبأن نثبت الكنه باملقابل يعارض.2..."املسلمني

بطال ادعاء من هذا إوحى هلم ،وكان غرض ابن تيمية هي وحي من اهللا ي ءنبيامرتبة وألن رؤيا األ." اابن سين"

خاصة من خالل "أبو حامد الغزالي"أما الذي وضع ابن سينا يف ميزان النقد دون منازع هو الذي تكلم فيه " مقاصد الفالسفة"،ويقابل هذا األخري كتاب آخر هو " افت الفالسفة"كتابه

وله يف ،وهذا نص قيهاعن املسائل اليت نظروا فيها ونظروا هلا دون أن يشري إىل األخطاء اليت وقعوا فان افتهم كالما وجيزا مشتمال على حكاية مقاصدهم "مقدمة الكتاب لى بي قدم ع أن أ يت فرأ

من علومهم املنطقية والطبيعية واإلهلية من غري متييز بني احلق منها والباطل ،بل ال أقصد إال تفهيم قاصد وأورده على غاية كالمهم من غري تطويل بذكر ما جيري جمرى احلشو والزوائد اخلارجة عن امل

سبيل االقتصاص واحلكاية مقرونا مبا اعتقدوه أدلة هلم ومقصود الكتاب حكاية مقاصد .إىل نقدها " افت الفالسفة"ه الالحقتوجه يف كتابهذا ،وبعد3)"الفالسفة(

111التنبيهات ،اجلزء الرابع ، النمط العاشر ، صابن سينا اإلشارات و..120- 119املصدر السابق ،ص- 1.529،مذكور سابقا ،صاملسمى نصيحة أهل اإلميان يف الرد على منطق اليونانابن تيمية، الرد على املنطقيني - 2.3-2الغزايل ،مقاصد الفالسفة ،مطبعة السعادة مصر الطبعة األوىل دون تاريخ ،ص ص- 3

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

272

أو كما "أرسطو طاليس"إىل تناقض األولني يف علومهم اإلهلية و يف مقدمتهم إذ يبدأ باإلشارة"الفيلسوف املطلق"ه يلقب

مث املرتمجون لكالم رسطاليس:"يف مقدمتهم ،فيقول "ابن سينا"رب ت ع عليه يف صياغة فلسفتهم ، ويـ ،م وتأويل،حىت أثار ذلك نزاعا بينهمل ينفك كالمهم عن حتريف وتبديل حموج إىل تفسري ،فنقتصر على ارايب أبو نصر وابن سيناوأقدمهم بالنقل والتحقيق من املتفلسفة يف اإلسالم ،الف

،ومن هنا يتبني لنا أن الغزايل 1"إبطال ما اختاروه ورأياه الصحيح من مذهب رؤسائهما يف الضالل س عل أرسطو من خالل ما فهمه الفالسفة املسلمني ، وهو هنا ال يكفرهم يف كل علومهم بل د ري

يف بعضها ويبدعهم يف البعض حيصي عشرين مسألة يصنفها مرتبة يف كتابه ،مث يكفرهم .يات،مستثنيا الرياضيات واملنطق ،وهي مرتبطة بالالهيات والطبيعاآلخر

مسألة قدم العامل،وقوهلم إن اجلواهر كلها :إحداها"فيها فهي أي املسائل اليت كفرهم أما األوىل؛والثالثة إنكارهم .إن اهللا تعاىل،ال حييط علما باجلزئيات احلادثة من األشخاص:والثانية قوهلم .قدمية

م يف صفات اهللا ارتبطت بقوهلائل الباقية فهو يبدعهم فيها واملس،و 2"بعث األجساد وحشرها .ووجوده ووحدانيته

نقصر حبثنا على جانب الطبيعيات منها ،وإن كنا سلن خنوض يف كل هذه املسائل بل إال أننا"سيناابن "ألن لكالم عن بعض مسائل اإلهليات،سنجد أنفسنا من حني إىل آخر مضطرين ل

مها يف كثري من األحيان إىل املسائل الطبيعية ،وقد سبق لنا أن أشرنا إىل ذلك يف خالل يض يف مقدمته "سليما دنيا"كالمنا عن

وجدنا بعض الفالسفة ":تالف بني العلمني بقولهإىل هذا االئ" افت الفالسفة"لكتاب الغزايل من .

1 -77،78..308-307املرجع نفسه ،ص ص- 2

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

273

فيلسوف ابن سينا ،فلقد سلك العلمني يف أمناط عشرة ،آخذا بعضها برقاب بعض،حىت هؤالء ال.1"ما يكاد القارئ يستبني نقطة الفصل بينهما،ضمنها كتاب اإلشارات والتنبيهات

همستهل كالمأما الغزايل يفيف مواضع منها وحددها بأربع مسائل إىل أن نقده سيكونيشريحيث أصوهلا وفروعها ،و

.سنلخص قوله فيها مسألة مبسألة

،اقرتان يف الوجود بني األسباب واملسبباتحكمهم بأن هذا االقرتان املشاهد :"المسألة األولىدون تالزم بالضرورة،فليس يف املقدور وال يف اإلمكان،إجياد السبب دون املسبب،وال وجود املسبب

هو إثبات بعض املعجزات اخلارقة اليت أنكرها القول وغرض الغزايل من هذا ، 2"السببثعبانا،وإحياء قلب العصا "الفالسفة،حبث أن هؤالء أقروا بثالث معجزات فقط وأنكروا

".املوتى،وشق القمر

لى احلس واطلعت عإذا استعلت عن شواغلالقوة المتخيلةأما ما أقروا به فهو قوهلم بأن وأن ء ويف حال النوم للعامة من الناس،يف اليقظة لألنبيات فيها صور اجلزئيات انتقشعامل الغيبيات وسائط قوالت وتدركها بدون احلاجة إىل ميكنها بواسطة قوة احلدس أن تتعقل املعالقوة النظرية

عليه الصالة ،أما النيبآخروهذا متفاوت من شخص إىللول الدليل مثال تنبه للمدف ر فإذا ع ،ت ،وهذه معجزة يف القوة والسالم ال حيتاج إىل معلم أو إىل وقت ألنه حيدس مجيع املعقوال

.من منطه العاشر" اإلشارات والتنبيهات"النظرية،وهذا ما ذكره ابن سينا يف كتابه

حد تتأثر يف القوة النفسية العملية،فقد تنتهي إىل"أما املعجزة الثالثة اليت أقرها الفالسفة فهي يستبعد هنا ،والا قواها البدنيةه تـ م د ،أي أن النفوس إذا صفت وقويت خ 3" ا الطبيعيات وتتسخر

سبب ،أي من أن ختدمها القوى الطبيعية ،وهذه املعجزة لألنبياء وحدهم حتدث من غري ظهور

1 -7 -8..236-235املرجع نفسه ،ص ص- 2.237املرجع نفسه ،ص- 3

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

274

على الفالسفة،بل أنكر املعجزات مل ينكر هذه غري االرتباط مببدأ اقرتان السبب باملسبب ،والغزايلكقلب العصا حية،وإحياء "قتصارهم عليها فقط ،ذلك أنه ميكن أن حتدث معجزات أخرى ا

،واستدل يف ذلك مبجموعة من الرباهني اليت تنفي التالزم الضروري بني السبب " املوتى وغريهليس ضروريا سببا م د ق تـ ع يف العادة سببا،وبني ما يـ د ق تـ ع االقرتان بني ما يـ :"واملسبب إذ يصرح قائال

عندنا،بل كل شيئني ،ليس هذا ذاك،وال ذاك هذا،وال إثبات أحدمها متضمنا إلثبات األخر،وال نفيه متضمنا لنفي األخر،فليس من ضرورة وجود أحدمها وجود اآلخر،وال من ضرورة عدم أحدمها

:فيما يليمثاال يربهن به على قوله هذا نلخصه،ويسوق الغزايل1"عدم اآلخر

،وهو ك القطن للنار وال حيدث االحرتاقإن احرتاق القطن قد حيدث بفعل النار وقد يتعرض ذلما يرفضه الفالسفة العتقادهم أن سبب االحرتاق هو النار،غري أن الفاعل عند الغزايل هو اهللا

ة ال تكشف إال ،فمالحظة الظاهر ينفي القول بوجود سببية طبيعية،وأن اجلماد ال فعل له،فالغزايلعن ظاهرها ،أما كيف حتصل النتيجة بالسبب فهو غري معروف ،لذلك ال ميكن لالستقراء أن

واآلخر ) النار(،بل هو فقط جيعل أحدمها سببا مبدأ الضرورة بني السبب واملسببيكشف عن) االحرتاق(نتيجة

فسها،ليست منطبعة يف إن النفوس اإلنسانية جواهر قائمة بأن:قوهلم"وهي :المسألة الثانيةاجلسم،وإن معىن املوت انقطاع عالقتها بالبدن،بانقطاع التدبري ،وإال فهو قائم بنفسه،يف حال

2"أن ذلك عرف بالربهان العقلي:املوت ،وزعموا

يستهل الغزايل هذه املسألة بعرض مذهبهم يف النفس والتفصيل يف القوى احليوانية قرار الشرع به ،إال يف اعتبارهم أنه ميكن الربهنة على يف ذلك إلنية،وهو ال يعرتض عليهم واإلنسا

أن النفس جوهر قائم بنفسه باألدلة العقلية دون الداللة الشرعية ،وهذا هو غرض الغزايل من هذه .املسألة

1 -240..236املرجع نفسه ،ص- 2

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

275

يذكر الغزايل األدلة العقلية اليت وضعها الفالسفة للربهنة على روحانية النفس بكثري من التفصيل على روحانية النفس اليت سبق وأن أشرنا إليها يف خالل "ابن سينا"والتحليل ،وهي يف األصل أدلة

بدأ التعميم فما ،عليها ،مث بعد يرد1حتليلنا لكتابه يف النفسإذ احلكم "كانوا حيكمون به على الكلي حكموا به على اجلزئي ،وهذا غري ممكن برأي الغزايل،

2"يثبت للكلنالثابت لبعض األشياء،ليس يلزم أ

أا :يف إبطال قوهلم:"المسالة الثالثة عد وجودها و ب عدم ل ا ا يه يل عل تح يس ية، نسان اإل وس نف إن ال.3"سرمدية ال يتصور فناؤها

خالدة وال متوت مبوت البدن،وأن فساد هذا "ابن سينا"ويف مقدمتهم 4النفس عند الفالسفة

،أما الفعل والغزايل يقر أن هذا األمر وارد يف الشرع وال ميكن خمالفته كة البدن يفسد بفساده ،الذي هلا مبشار

،بل إن الربهان عليه باألدلة العقلية غري ممكن ،ألنه ليس هناك برهان عقلي يثبت ذلك، فقد تفىن الفالسفة يف القول بأن النفس النفس بقدرة اهللا تعاىل باعتباره الفاعل يف كل شيء، مث إن موافقة

.تبقى خالدة والبدن يفسد ويفىن ،يقودنا إىل إنكار قول الشرع يف بعث األجساد

ووجود النار،ورد األرواح إىل األبدان،يف إبطال إنكارهم لبعث األجساد:"المسألة الرابعة

كل ذلك أمثلة ضربت إن :وقوهلم.اجلسمانية،ووجود اجلنة واحلور العني،وسائر ما وعد به الناس،وهذه من املسائل اليت 5"لتفهيم ثواب وعقاب روحانيني،مها أعلى رتبة من اجلسمانيني.لعوام اخللق

.فسحول براهني خلود الن)الفن السادس من الطبيعيات(قارن بني ما ورد يف كتاب التهافت للغزايل يف املسألة الثامنة عشر،وبني ما قوله ابن سينا يف كتاب النفس - 12 -267..274املرجع نفسه،ص- 3اب النفس ألرسطو طاليس يقول أرسطو أن النفس ليست خالدة بل هي تفسد بفساد البدن ،ويشري إىل ذلك يف خالل كالمه عن الوحدة التامة بينها وبني البدن ،أنظر كت-4

.وما يليها44، ترمجة فؤاد األهواين ،ص5 -282.

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

276

لغزايل إمكان البعث اجلسماين اجلسمانية ،وإنكار للجنة والنار،وهذا خمالف ملا أورده الشرع ،ويرى ا.برد النفس إىل أي بدن كان ويف ذلك مجع للسعادة الروحانية واجلسمانية يف اآلخرة

نا ابن سيطابن سينا"كلها يف أنلقد كانت هذه أهم املسائل اليت انتقد ها الغزايل ،واشرتكتقر ا والالشرعي ،ألن هذا األخري قعتمد فيها على الربهان العقلي مهمال الدليلا حاجة إىل د أ

.الدليل العقلي فيها

وكذلك " ابن تيمية"و" ابن سبعني"الذي تركه هذا األخري على تيار االنتقادات اليت وجهها الغزايل البن سينا،أن مهل األثر اإلجيايب

.ا طبعا يف جانب مذهبه يف التصوفالصوفية ،وهذ

:أثر ابن سينا على تطور تيار الصوفية :رابعا

شراقي يف مجلته مذهبا أفالطونيا محل يف جوانبه ما اشتملت عليه التيارات اإليعترب املذهب "الفلسفية اإلسالمية السابقة عليه ،فتأثر بنظرية الفيض املشائية ومواقف ابن سينا وعلى األخص يف

1"اراتاإلش

،ألنه وإن كان مرفوضا يشري هذا القول إىل الدور الذي لعبه ابن سينا على تيار الصوفيةمؤسسا أو باألحرى ممهدا باملقابل كالغزيل مثال ،كان و صاحب بدع من طرف بعضهم مكفرا

هذا ،ويف "شهاب الدين السهروردي"لظهور مذهب كبري يف التصوف مثله شيخ اإلشراق كما يلقب نستطيع اجلزم دون مغالطة أن خلف ابن سينا كان :"يقول هنري كوربان يف كالمه عن أثر ابن سينا

السهروردي ال مبعىن أنه أدخل يف كتبه اخلاصة بعض العناصر واملالمح من ماورائيات ابن سينا،ولكن .2"ألنه أخذ على عاتقه متابعة الغاية اليت قصدها ابن سينا من احلكمة املشرقية

.410، ص)الفلسفة اإلسالمية-الفرق اإلسالمية وعلم الكالم–املقدمات العامة (حممد علي أبو ريان ،تاريخ الفكر الفلسفي يف اإلسالم- 1ابن رشد،ترمجة نصري مروة وحسن قبيسي ،مراجعة وتقدمي اإلمام موسى الصدر و األمري عارف هنري كوربان ،تاريخ الفلسفة اإلسالمية منذ الينابيع حىت وفاة - 2

.264،ص1998تامر،عويدات للنشر والطباعة ،بريوت الطبعة الثانية

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

277

ملا محلته " الغربة الغريبة"يف رسالته " بن يقضان"كما أن السهروردي يف حد ذاته يذكر رسالة حي :"من إشارات إىل أهل احلق والكمال يف بلوغهم مرتبة إشراق نور احلق يف سرهم ،ومن ذلك قوله

و اإلشارات تها مع ما فيها من عجائب الكلمات الروحانية فإين ملا رأيت قصة حي بن يقضان صادفالعميقة معرتية من تلوحيات تشري إىل الطور األعظم الذي هو الطامة الكربى املخزون يف الكتب

اليت رتبها صاحب قصة حي "ساالمان وأبسال"اإلهلية املستودعة يف رموز احلكماء املخفية يف قصة .1..".اشفاتبن يقضان ، وهو السر الذي ترتب عليه مقامات الصوفية و أصحاب املك

سبق وأشرنا إىل هذه ا،وكم"يصدر الدين الشرياز "البن سينا أثر آخر على هذا وقد كاناألخرية هي عند ابن سينا ليست هذهنأالشخصية يف خالل كالمنا عن احلكمة املتعالية ،وقلنا

،ودعمنا قولنا مبا شائية القائمة على النظر والذوق،بل تزيد عليها بالكشف واملشاهدةاحلكمة املك أنه إذا كان وقلنا كذل"اإلشارات والتنبيهات"يف شرحه على "السراج الطوسي"أورده

األسفار العقلية يف احلكمة "درسة احلكمة املتعالية اليت عرض هلا يف كتابه قد أسس م" الشريازي"ال ا ،لكنن ابن سينا سبقه إليها ،فإ"املتعالية م عنها وأشار إليها فقط مل يسرتسل يف الكالهوق

.لدارسني إىل نسبها إىل الشريازيالكثري من الباحثني وا،األمر الذي دفع

كمنظومة متكاملة وحنن هنا ال ننفي دور صدر الدين الشريازي يف التأسيس للحكمة املتعاليةالذي فعله بل الغرض هو القول أنه إذا كان ابن سينا مل يبني احلكمة املتعالية بالقدر وكمدرسة

إذ أن املنهج الذي اعتمدته مدرسة "،أي –احلكمة املتعالية ،ال ميكن اعتباره منهجا جديدا ، بل هو نفس منهج املنطق األرسطي

غريبة ،تصحيح وتقدمي هنري كوربان قصة الغربة ال–رسالة يف اعتقاد احلكماء -سهروردي شهاب الدين حيي ،جمموعة مصنفات شيخ اإلشراق ،كتاب حكمة اإلشراق- 1.275هـ ،ص 1373طهران ،

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

278

ل على يد الشيخ الرئيس ،فنفس هذا املنهج هو -الذي وضع مبادئه وأصوله أرسطو م املستعمل وك.1"يف االستدالل على املعارف ،ويف توليد املعرفة

عندما كان يدعو كل "اإلشارات والتنبيهات"كما ال جيب أن ننسى وصية ابن سينا يف أخر أيها األخ :"هو من غري أهلها أو كما يقولمن يقرأ الكتاب أن حيفظ معانيه ويسرتها على من

.يف لطائف الكلمبدة احلق وألقمتك قفي احلكم ،ز يف هذه اإلشارات عنلكإين قد خمضت :رزق الفطنة الوقادة ،والدربة والعادة ،وكان صغاه مع الغاغة ومن مل ي واملبتذلني ،فصنه عن اجلاهلني

2..."أو كان من مالحدة هؤالء الفالسفة ،ومن مهجهم

لم ا لع اب ا ألصح يها ارة إل اإلش فى ب ت اك الشريازي الذي صرح يف ،وهو يف هذا على خالف فأنه سيكشف عما عرفه من أنوار احلكمة اإلهلية ،ملا فيها من نفع ملن " احلكمة املتعالية"بداية كتابه

فاقتضت رمحة اهللا أن ال "له االستعداد إىل ذلك ،وأن اهللا ال مينع النفع لعباده ،وهذا نص قوله من مفيض عامل األسرار،وال تبقى يف الكتمان ختتفي يف البطون واالستتار هذه املعاين املنكشفة يل

واالحتجاب، األنوار الفائضة عليا من نور األنوار فأهلمين اهللا اإلفاضة مما شربنا جرعة للعطاش فرأيت إخراجه من الفعل إىل القوة والتكميل،وإبرازه من اخلفاء إىل الوجود والتحصيل ...الطالبني

"...3

قم ،بدون طبعة–،إيران ل رزق ،دار فراقد للطباعة والنشربقلم الشيخ خلي–قراءة يف مرتكزات احلكمة املتعالية –كمال احليدري حماضرات ،فلسفة صدر املتأهلني -1.138،ص2007

.162- 161لقسم الرابع ،ص صابن سينا ،اإلشارات والتنبيهات ،ا- 2الد األول ،تصحيح وتعليق حسن زادة آملي احلكمة املتعالية يف األسفارالشريازي صدر الدين ،- 3 بعة ، األر ية لعقل هـ 1386مؤسسة الطباعة والنشر طهران الطبعة الرابعة ،ا

.15ص

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

279

املدرسة املشائية عامة وباخلصوص ابن سينا مل تستطع على خالفويرجح بعض الباحثني أن

أصول عقلية هلا القدرة الكافية على تبيني املعطيات الدينية "مدرسة احلكمة املتعالية تأسيس اا من خالل القواعد العقلية املتقنة إن هذه اخليبة ميكن أن ترجع لعدة إشكاالت يرتبط ...وإثب

أمهها باملقوالت والقو يفيفكرون اخلطأ وقضايا عقلية ضرورية ال تقبل النقد والتمحيص ،ومن خالل ذلك أخذوا

املعطيات الدينية حماولني تطبيقها على قواعدهم الفلسفية اليت انتهوا إليها،ووقعوا يف ورطة تأويل .1"مبا ينسجم مع النتائج العقلية النصوص الدينية

خنلص إىل أن األقوال تضاربت فيما بينها بني من يعتقد بأن مدرسة احلكمة املتعالية هي صاحبة منهج جديد مل يستطع أصحاب الفلسفة املشائية وال العارفني و ال ممثلي مدرسة احلكمة

جتمع بني الربهان والعرفان والقرآن ،إذ املشرقية ممثلة بزعيمها السهروردي ، من الوصول إىل منظومة اكتفت األوىل مبنهج البحث والنظر واقتصر العارفون على مبدأ الكشف واملشاهدة،يف حني ركزت املدرسة اإلشراقية على منهج العرفاء والفالسفة واحلكماء ومطالب الشرع،لكنها مل تستطع التوفيق

.ة املتعالية هي املوفق وبنجاح ،وكانت مدرسة احلكمبني هذه املطالب الثالث

صدر الدين مل يكن منشئ فلسفة جديدة،بل "ويف مقابل هذا يقول أحد املستشرقني الفرنسيني .2"هو أعاد إىل فلسفة ابن سينا ضرامها وأضاءها يف مصباح جديد

.34قراءة يف مرتكزات احلكمة املتعالية ، ص–كمال احليدري حماضرات ،فلسفة صدر املتأهلني -1والكون واإلنسان ،ويؤكد أن يتكلم كمال حيدي عن هذه املدارس بالتفصيل ،وحياول أن يبني منهج كل واحدة منها لتأكيد إخفاقها يف الوصول إىل منهج بلوغ املعرفة باهللا

لسابقة بل كانت صاحبة منهج جديد وطريقة فلسفية جامعة وموحدة بني منهج الفالسفة و العرفاء والنص مدرسة احلكمة املتعالية مل تقم بعملية التلفيق بني املدارس ا).ور سابقامذك(قراءة يف مرتكزات احلكمة املتعالية –فلسفة صدر املتأهلني ،للتوسع أكثر أنظر كتاب ...الشرعي

.37ص2009،دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع دمشق،بدون طبعة )وذجاالنفس من(صادق املسلم ،إبداعات صدر الدين الشريازي الفلسفية-2

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

280

ى من دون شك كان له األثر الكبري على الفلسفة الالحقة عليه،وعل"ابن سينا"ختاما نقول أن كما يلقبه إبراهيم " فيلسوف اإلسالم"التيارات الفكرية والصوفية املختلفة ،فهو يستحق إسم

فلسفة ابن سينا ،هي فلسفة العامل العريب بداية من القرن اخلامس إىل القرن الرابع :"مذكور يف قوله

دفعهم،وعالوة على ذلك كل الدراسات العلمية اعتمدت عليه خالل كل ذلك الزمن،سواء الطب أو البيولوجيا،علم الفلك أو الرياضيات،ومنه ميكن القول بأن ابن سينا هو فيلسوف اإلسالم دون

. 1" منازع

1- Ibrahim Madkour, Le Shifaa l'univers dons un livre, Le Courrier de l'unesco Avicenne Unefenêtre ouverte sur le monde, publié par l'UNESCO, OCTOBRE ,1980 ,p22.

أرسطو و ابن سینا في میزان النقد و التقییم: المبحث الثالث الفصل الرابع

281

إليها التصوف " سيناابن"

. ممارسة عقلية غايتها معاينة احلق عقليا ،وهو ما سنوضحه بتوسع يف اخلامتة

،ورغم "أرسطو"و" ابن سينا"يف األخري نقول أنه مهما تكن األقوال واالنتقادات اليت وجهت إىل

. يف تطور الفكر الفلسفي والعلمي والصويف الالحق عليهما ويف بلورة الكثري من النظريات

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

288

مةــــــاتخـ

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

289

.واملتصوفة وحىت العلماء فهي مثار جدل ونقاش دائمواملعقدة ،ورغم ما وصل إليه الفالسفة

أما أرسطو فقد أدرجها ضمن مبحث الطبيعيات رغم طبيعتها امليتافيزيقية ،وكان ذلك من مل -أي أرسطو-حيث عالقتها باجلسم املادي القابل للحياة،واعتبارا ملبدأ اهليوىل والصورة ،ولكنه

عه ألنه انزلق يف األخري يف مثالية متعالية عندما يستطع أن حيافظ على هذا التصنيف الذي وضوصف جزء النفس العاقل ؛أي العقل الفعال بأنه خالد مفارق وغري ممتزج،ومل يوضح قصده،بل ترك كالمه مفتوحا على تأويالت وتعليقات كثرية مسحت بوصف نظريته بالتناقض والغموض

.هاوالعودة إىل مثالية أفالطون اليت طاملا نقدها ورفض

الفيلسوف يف جوانب " ابن سينا"يف النفس عن نظرية " أرسطو"هذا وختتلف نظرية أقر بالثنائية بني النفس والبدن من حيث طبيعة كل واحد منهما " ابن سينا"خمتلفة،أشهرها أن

واليت ال تسمح هلما بأن يكونا وحدة تامة ،وإن كانا يبدوان يف وحدة من حيث الوظائف عندما اقر بالوحدة التامة بني النفس "أرسطو"اإلنسانية ،على عكس ما قاله واالنفعاالت

والبدن،وهذا ظاهر يف رأيه ال حيتاج إىل برهان ،وأدى به هذا القول إىل اعتبارمها يفسدان معا،فال توجد نفس بفساد اجلسم اآليل القابل للحياة،أي أن أرسطو ينفي كل قول باخللود والبقاء للنفس

.إىل عاملها األول أو االهليوالرجوع

أما ابن سينا من ناحيته فقد أصر على مسألة اخللود ،فالنفس خالدة باقية ال متوت ،وبرهن .على ذلك مبجموعة من احلجج اليت كان له السبق فيها

هذا وقد توسع ابن سينا كثريا يف حتليله لقوى النفس مقارنة بأرسطو ويف احلواس اخلمس .وجتاوزه يف بعض املسائل اخلاصة بالعقل الفعال واملبدأ األول،وكان أكثر وضوحاواإلدراك احلسي ،

أما يف خطابه الصويف فإن األمر .لكن هذا يف جانب نظريته يف النفس يف نصوصه الفلسفيةسيختلف ألن ابن سينا سيتكلم عنها داخل احلكمة اإلهلية،وستكون احلكمة الطبيعية مدخال

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

290

استفاضتها،كما أن غايته لن تكون التعريف حبد النفس والقوى البدنية الستطالع علوم احلق و والعقل اإلنسان ،بل وضع منهج النفس البشرية الستشراف عامل احلق ،وفق التنظري ملقامات

.العارفني وأحواهلم وأخالقهم تدرجا يف املراتب وصوال إىل احلق

،ألنه ال يرجو ثوابا وال خياف وكان هذا للعارف املختلف يف سلوكه عن الزاهد والعابدعقابا،بل أن يصري جوهرا عقليا معاينا لعامل احلق،فكان خطاب ابن سينا الصويف متوجها إىل

لينكشف احلق يف سره،انكشافا ال يبقى فيه -كما يقول - " عامل القدس واجلربوت "التأمل يف .مع احلق شيء

كن النفس من معاينة احلق،وهذه لذة عقلية وهنا يبدو كيف أن االستكمال يف القوة النظرية مي،لكن هذا ال يعين مطلقا أن أبن سينا أمهل االستكمال يف القوة "الكمال واخلري"وجة ألهل

والقوة العملية ) العارفون(هو إشارة إىل الكاملني يف القوة النظرية"العارفون املتنـزهون"العملية ، فقوله .خالل حبثنا،وقد بينا هذا يف)املتنزهون(

كما جتدر اإلشارة إىل أن إن سينا مل يتخلى يف مذهبه يف التصوف عن بعض أفكاره ومبادئه الفلسفية يف النفس واليت صاغها ضمن الفن السادس من الطبيعيات ،بل حافظ عليها لبناء منهج

مه هنا مل يكن النفس الناطقة املستعدة للكمال املشتاقة ملشاهدة للحق املتأملة فيه،إال أن كال).املتوجهون إىل احلق بعني الرضا والصدق(للعامة من الناس بل كان للخاصة

أما القول أنه مل يتخلى عن مبادئه الفلسفية فهذا ال يعين أنه مل يكن له مذهب يف التصوف،بل إنه صاغ لنا مذهبا متكامال نظر فيه لعلوم الصوفية مبنهج جديد جيمع بني نظر

لوك املتصوف،فال ميكن للزاهد السالك الدائم العبادة أن يستبصر احلق وأن يشرق الفيلسوف وسنوره يف سره بشكل تام ،ما مل يكن كامال يف القوة النظرية؛أي أن يتوجه إىل احلق متأمال فيه ،

اليت يكون اإلدراك فيها خالصا تاما متعلقا جبوهر املعقوالت ال " اللذة العقلية"وهنا يبلغ العارف

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

291

فتكون كماال هلم " ألهل اخلري"بعوارضها ، وهي السعادة و البهجة اليت حتصل عند إدراك الكمال .

كما أن إن سينا يف نصوصه الفلسفية صاغ لنا نظرية النفس ضمن مبحث الطبيعيات ؛أي من حيث عالقتها بالبدن ،وقواها وطبيعتها ومصريها ،أما يف نصوص التصوف نظر هلا من حيث

،ومن حيث عالقتها بعامل احلق ،مث بني الطريق الذي جيب أن تسلكه )البدن(تها بعامل املادة عالقوهنا يظهر بوضوح كيف أن ابن سينا خرج من احلكمة الطبيعية إىل احلكمة .لبلوع املعرفة

اإلهلية،متجاوزا أن تكون حقيقة النفس يف إرتباطها بعامل املادة،فهذا اتصال عرضي ال تكتمل به و

.

أما الكالم عن تقاطع اخلطابني الفلسفي والصويف فإنه حاصل ،وميكن أن نستنتجه من خالل كانت تتجه إىل بلوغ املعرفة باحلق معرفة غاية النظر يف النفس عند كل من أرسطو وابن سينا ،اليت

عقلية خالصة، وهذه هي املرحلة اليت يكون فيها اجلوهر اإلنساين قريبا يف فعله من احلق فيتشبه به :وبيان ذلك فيما يلي

مل تكن غاية أرسطو يف كل كالمه عن النفس وبالتحديد يف اجلزء اخلاص بالعقل الفعال،سوى البحث عن طريق وصوهلا

مراتب جيب أن جتتازها النفس لتحصل املعرفة، فالوجود كله حسب أرسطو يتدرج إىل مبدأ أمسى هو العقل األول ،فالعقل اإلنساين خيرج من القوة إىل الفعل عرب نور العقل الفعال الذي يشرق

على النفس فتتع

.النفس الناطقة يف أعلى أقسامها متثال للعقل األول

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

292

لفعال يف رسالة حي بن يقضان خاصة، وكانت غاية ابن سينا يف كالمه عن النفس و العقل اتبيني طريق العارف لبلوغ احلقائق، و هو الطريق العرفاين الذي صاغه لنا بأسلوب رمزي واغل يف

اليت إذا ترفعت عن العامل املدنس ،اطلعت ) املالئكة األرضية(اإلمياء واإلشارة ،وهو من نصيب ىل عامل احلق،وهو ما يوحي يف مذهب ابن سينا ،وكان هلا يف ذلك عبور إ" القدس"على العامل

بوجود مراتب يف الوجود يلزم أحدها عن اآلخر، و يرتأس بعضها بعضا، و ال بد من الذي يريد .يصلأن يتدرج يف املعرفة إىل أشرفها و أجلها أن يتدرج يف هذه املراتب حىت

يق النفس الناطقة فكانت غاية اخلطابني الفلسفي األرسطي والصويف السينوي هي حتقاستكماهلا يف قوتيها النظرية والعملية ،وإن كان أرسطو يؤكد على االستكمال األول باعتباره املرحلة اليت تدرك فيها النفس ماهيات األشياء وصورها خالية من كل مادة ،فإنه دعا باملقابل إىل

كنها أن تتشبه باملبدأ األول ضرورة ابتعاد النفس عن احملسوس ،وانشغاهلا بالتأمل ،حينها فقط مي.

حيصل االستكمال بأن تصري النفس جوهرا عقليا عاملا بعامل احلق، " ابن سينا"أما يف جانب ويف هذا استكمال النفس لقوتيها العملية والنظرية،أما األوىل فقد حدد طريق العارف وسلوكه

عن تصور األشياء اجلزئية إىل املبادئ العليا املفارقة إىل اجلوهر يرتقى العارفليكتمل فيها ،وعندما الذي من خالله لوعندها يدرك العارف املتنزه احلق األو .الكلي فإنه قد استكمل قوته النظرية

اثل الذات العاقلة مع ما تتعقله . يتعقل الوجود كله لدرجة مت

العامة للتصوف اليت حصرته يف جتربة إن اخلطاب الصويف مع ابن سينا سيخرج عن الصورةالعاشق اليت يعاين فيها املريد احلق معاينة ذوقية قلبية خالصة،إىل كونه جتربة عقلية تؤسس

ت انفعالية وجدانية تغيب فيها الذات املريدة االتصال الذي ينشده الصوفية دائما تعبريا عن حاال

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

293

اإلحتاد مع احلق وذلك يف أعلى ما ميكن أن يصل إليه السالك الزاهد،وتكون هذه مرتبة ال تعلوها .نه قد شاهد واستبصر احلق بقلبه وانكشف يف سرهمرتبة ومن وصل إليها حسب الصوفية فإ

أما اخلطاب الصويف السينوي فهو يؤسس لبهجة عقلية يبلغها العارف تكون يف أعلى مراتبها حدى مراحله ل يؤكد توجه التصوف اإلسالمي يف إبأن يصري جوهرا عقليا، والشك أن هذا القو

توجه مقبول مادامت غايته ال ختتلف عن غاية حنو العقل أو رمبا ميكن تسميتها صوفية عقلية،وهو عني رأت وال أذن مسعت ،وأين تعجز الصوفية السالكني يف إشراق نور احلق يف سرهم ،أين ال

.هدينويستنكرها من مل يقف عليها من غري الواصلني املشا

إنه عرفان نظري يرتفع بالتصوف الذوقي إىل قمة العقالنية ،يعتمد االستدالل العقلي الذي به .حيقق اجلوهر العقلي كماله املوافق لطبيعته

لكن هل ميكن ألهل الذوق من الصوفية السالكني أن يقبلوا هذا النوع من اخلطاب العقلي .رغم أنه ال خيتلف عن غايتهم؟

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

294

الـــملحــق

."ابن سينا"و"أرسطو"*

.المـة بأهم األعـقائم*

.قائمة بأهم املصطلحات*

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

295

:ARISTOTEترجمة لحياة أرسطو ومؤلفاته :أوال

قبل امليالد، أبوه )384(يف مشال اليونان حوايل سنةSTAGIRAاولد أرسطو طاليس يف إستغري .للملك املقدوين إمينتاس الثاين جد اإلسكندر املقدوينهو نيقوماخوس، كان طبيبا

و سن السابع عشر انتقل أرسطو إىل أثينا الستكمال ن مبكر تويف أبوه نيقوماحوس،يف ساليت أسسها أفالطون و كان ذلك عشر يقال أنه ألتحق باألكادميية ةتعليمه، و يف سن الثامن

م و الشك أن هذه الفرتة هي املرحلة األخرية من صياغة أفالطون لفكره، .ق368حوايل سنة م و .ق347عرف أرسطو يف هذه الفرتة برجافة فكره و شدة حبه للعلم،وبعد وفاة أفالطون سنة

، انسحب أرسطو من speusippeانتقال رئاسة األكادميية إىل ابن أخت أفالطون أسبوسيبوس

و ،xémocrate، و رحل إىل أنارنيوس يف آسيا الصغرى مع أحد زمالءه و هو ألذينو قراطس ةاألكادمييTroad"1في طروادAssousفرعا لألكاديمية في أسوس " يقال أنه أسس

و مكث هناك ثالث سنوات فيها تزوج Hermiasجلأ أرسطو بعدها إىل بالط هرمياس،توفيت زوجته فتزوج Pythiasبثبياس إبنة أخ امللك هرمياس و أجنب منها إبنة مساها بثياس

.Nicomacheaللمرة الثانية هربليس أجنبت له ابنا مساه نيقوماخوس

كان و بعد سقوط امللك هرمياس توجه أرسطو إىل متيليين و هناك التقى بثاوفراسطس، الذيتلميذا ألرسطو، و كانت له شهرة كبرية فيما بعد و مكث هناك سنوات عديدة، فيها دعاه ملك مقدونيا فيليب، و طلب منه أن يكون معلما لألسكندر الذي كان عمره آنذاك ثالثة عشر سنة،

.فقام أرسطو بتعليمه ملدة مخس سنوات

م و انتهى تعليمه، حينها عاد .ق336بعد وفاة امللك فيليب توىل ابنه االسكندر امللك م و قد كانت أثينا حينها تسري على الفلسفة .ق334/335أرسطو اىل أثينا حوايل سنة

.366،ص2002)اليونان و الرومان(تاريخ الفلسفة فردريك كوبلستون، - 1

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

296

ذهب بعض "األفالطونية بازدهار األكادميية،اليت كان يرتأسها آنذاك اكرينوقراط،و يرجح أن أرسطو1"يرد إىل معلمه دينهالوقت إىل مسقط رأسه يف اشاجيدا اليت أعاد االسكندر بناءها لكي

و يف عودته إىل أثينا أسس أرسطو اللوقيون يف مشال شرق أثينا و مسي كذلك نسبة إىل احلديقة أي واهب النور، و كان أرسطو يلقي " أبولون لوقيوس"اليت أنشأ فيها، و قد كانت خاصة باإلله

.دروسه فيه و هو ميشي ذهابا و إيابا و لذلك مسي أتباعه باملشائني

و قد أقام هاته املرة يف أثينا ثالث عشرة سنة اهتم فيها بالتعليم و إدارة املدرسة و اإلنتاج الفكري، و كانت هذه الفرتة هي األكثر إنتاجا و نضجا يف فكره، و هي اليت ألف فيها أهم

.مؤلفاته كما سنرى الحقا

غما فقد عرفت أثينا بعد إال أن أرسطو سيخرج مرة أخرى من أثينا لكنه يف هذه املرة كان مر و اإلطاحة حبزب املقدونيني، و ظهور حزب معاد هلم ) م.ق323(موت االسكندر األكرب

هرب إىل خالكيس يف " اضطرابات كثري و قد كان أرسطو راعيا للبالط املقدوين، و يقال أنهحق الفلسفة فرصة أخرى للخطيئة يف ثينينيحىت ال تكون أمام األأيوبياي و ذلك على حد قوله

شخص سقراط، و رمبا كان عازما على العودة إىل أثينا مبجرد هدوء يف كما فعلوا من قبل .2"العاصفة

و قد أقام أرسطو حوايل سنة واحدة يف خالكيس، و قد كانت موطن أمه، و فيها أصيب .م عن عمر يناهز الثالث و ستون سنة.ق322/321عام مبرض و مات

:مؤلفاتهاتصاله بأفالطون و اخنراطه يف مرحلة من الكتابات اليت كان يكتبها هذا الفيلسوف، فقد متيزت

.367املرجع السابق،ص- 1.166،ص2005وزيع ، بريوت، الطبعة الثانية سنة ولرت ستيس، تاريخ الفلسفة اليونانية ، ترمجة جماهد عبد املنعم جماهد ، جمد املؤسسة اجلامعية للدراسة و النشر و الت- 2

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

297

األكادميية إىل مرحلة اليت كانت تتوسط موت أفالطون و تأسيسه للوقيون،و يف األخري الكتابات .كتبها و هو يرتأس هذه املدرسة يف أثينااليت

هذا من ناحية و من ناحية أخرى كان فكره جامعا لنواحي كثرية فلم جند له مثيال يف تاريخ الفلسفة، فقد مجع بني املنطق و امليتافيزيقا، و بني الساسة و األخالق، و األدب متمثال يف الشعر

.و اخلطابة

وب أرسطو يف الكتابة كان متميزا و خمتلفا عن األسلوب األديب و جتدر اإلشارة هنا إىل أن أسلاجلميل الذي ألفناه مع أفالطون، فقد ابتعد أرسطو عن الزخرفة األدبية و متيز باجلفاف و الوضوح

.و الدقة القائمة على القياسات املنطقية و االستداللية

ا أرسطو يف املرحلة املتقدمة و تؤكد من ناحية أخرى بعض الدراسات أن الكتابات اليت كتبهلك منها سوى و اليت ال من"من حياته عندما كان متأثرا بأفالطون امتازت باألسلوب األديب اجلميل

بعض األساطري، و هي على كل حال متثل مؤلفات أرسطو املبكرة عندما يفيها على حنو عرضكان خاضعا على حنو مباشر للتأثري األفالطوين، أو عندما كان يشق طريقه حنو مكانة مستقلة

:و ميكن أن ترتب مؤلفات أرسطو املتنوعة على النحو التايل.1"خاصة

املتقدمة من فكره، امتازت كما ذكرنا و هي اليت كتبها أرسطو يف املرحلة : المحاورات-أو قد 2"كتب منشورة و يقصد بها إلى عامة الجمهور"

:مل يبقى منها سوى بعض الشذرات أو أمساء احملاورات و هيفقدت و

هذه يف اخلطابة، يف العدالة، يف اللذة، يف الفلسفة،كما جتدر اإلشارة هنا إىل أن أرسطو يف.و هي حماورة عن النفس" حماورة إيدميوس"املرحلة كتب حماورة مهمة و هي

.369- 368فردريك كوبلستون، تاريخ الفلسفة اليونانية ، ،ص- 1.368املرجع نفسه، ص- 2

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

298

و ORGANONةو هي اليت مجعت حتت اسم األغانون أو اآلل: المؤلفات المنطقية-ب:تشمل ما يلي

Les Catégoriesقاطيغورياس : كتاب املقوالت*

.ب يف الفضائل و األحكاموهو كتاباري هوميناس:De l’interpretationالعبارةكتاب*

Premiersاألنالوطيقا األوىل: كتاب التحليالت األوىل* Analytiques حول االستدالل

Secondsاألنالوطيقا الثانية:كتاب التحليالت الثانية* Analytiques وهو كتاب،.اشتمل على مقاالت حول الربهان و مبادئ املنطق

Topiquaطوبيقا:كتاب اجلدل* Les Topiques استعمل على مقاالت عن اجلدل و.الربهان

و هو كتاب حول األغاليط السفسطانية La Réfutation des sophismesاملغالطات *

.يف الفيزيقا:المؤلفات الطبيعية-جـ

.و هو كتاب حيتوي على مثان مقاالتphysicaكتاب الطبيعة أو الفيزيقا *

.ر العلوية، كتاب يف الكون و الفساد، كتاب علم النفسكتاب يف السماء،كتاب اآلثا*

:مؤلفات أرسطو حول النفس

DEكتاب النفس * ÂNIMA و هو ميثل علم النفس األرسطي و اشتمل على ثالث.مقاالت

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

299

و هو عبارة عن جمموعة من املقاالت القصرية تناولت مواضيع :كتاب الطبيعيات الصغرى*احملسوس، يف الذاكرة و التذكر، يف النوم، يف األحالم ، يف طول العمر يف احلس و : متنوعة و هي

.و قصره، يف احلياة و املوت، وأخريا يف التنفس

):البيولوجيا(كتب علوم الحياة-د

احليويان،كتاب يف مشي كتاب يف التوالد كتاب يف تاريخ احليوان،كتاب يف حركة احليوان،*.احليوان

:الكتب الميتافيزيقية -هـ

هي و دون تسمية كذلك وصنيف و هي املؤلفات اليت كتبها أرسطو يف حياته و تركها دون تتضم أربعة عشر مقاال مرتبة حسب احلروف األجبدية اليونانية و تبدأ من حرف األلف و تنتهي

.حبرف الكاف و هناك مقالة مضافة يف بداية الكتاب تسمى باأللف الصغرى

:كتب األخالق و السياسة- و

Eudemiaاألخالق إىل يودميوس*Ethica Nicomacheaاألخالق إىل نيقوماس*

Ethica

Magna Moralia.كتاب األخالق الكبري*

La Politique.كتاب السياسة*

:مؤلفات علم الجمال و األدب-ز

La Rhétorique.فن اخلطابة*

La Poétique.فن الشعر*

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

300

"ابن سينا"سيرة حياة

علي احلسني ابن عبد اهللا ابن احلسني ابن علي ابن سينا من أن يذكر الشيخ الرئيس هو أبويغين غريه عن وفضائله أظهر من أن تسطر،فانه قد ذكر من أحواله،ووصف من سريته ما

وصفه،ولذلك إننا نقتصر من ذلك على ما قد ذكره هو نفسه،وهذا مجلة ما ذكره الشيخ الرئيس مجلة عنه يذكر فيها تاريخ ،وهذا نص –،وهو إن كان أشهرعن نفسه ،نقله عنه أبو عبد اجلزجاين

إن أيب كان من أهل بلخ وانتقل منها إىل خبارى يف أيام :"،قال الشيخ الرئيسكالم الشيخ الرئيسنوح بن منصور واشتغل بالتصرف وتوىل العمل يف أثناء أيامه بقرية يقال له خرميثن من ضياع

.ا قرية يقال هلل أفشنةمث انتقلنا إىل خبارى،وأحضرت معلم القرآن ومعلم .

األدب،وأكملت العشرة من العمر وقد أتيت على القرآن وعلى كثري من األدب،حىت كان يقضي .مين العجب

،ويعد من اإلمساعيلية،وقد مسع منهم ذكر النفس والعقل وكان أيب ممن أجاب داعي املصرينيعلى الوجه الذي يقولونه ويعرفونه،وكذلك أخي،وكان رمبا تذاكرا بينهما وأنا أمسعهما وأدرك ما

،وجيران على وابتدآ يدعواين أيضا إليه،يقوالنه وال تقبله نفسي،ويقوم حبساب اهلند حىت أتعلم بوجهي إىل رجل كان يبيع البقلاب اهلند ،وأخذ والدي وحس.منه

وكان يدعى املتفلسف ،وأنزله أيب دارنا رجاء تعليمي "أبو عبد اهللا النائلي"مث جاء إىل خبارى، وكنت من أجود " إمساعيل الزاهد"منه ،وقبل قدومه كنت أشتغل بالفقه والرتدد فيه إىل

السالكني،وقد ألفت طرق امل.القوم به

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

301

هو املقول على "النائليط وملا ذكر يل حد اجلنس أنه "مث ابتدأت بكتاب أيساغوجي على فأخذت يف حتقيق هذا احلد مبا مل يسمع مبثله،وتعجب "كثريين خمتلفني بالنوع يف جواب ما هو

أي مسألة قاهلا يل أتصورها خريا وكان.شغلي بغري العلممين كل العجب،وحذر والدي من.منه،حىت قرأت ظواهر املنطق عليه،وأما دقائقه فلم يكن عنده منها خربة

مث أخذت أقرأ الكتب على نفسي،وأطالع الشروح حىت أحكمت علم املنطق وكذالك كتاب .بقية الكتاب بأسرهإقليدس،فقرأت من أوله مخسة أشكال أو ستة عليه مث توليت بنفسي حل

وما كان الرجل ":"النائليرضته يقوم بالكتاب،وأخذت أجل ذلك الكتاب،فكم من شكل مشكل ما عرفه إىل وقت ما ع

واشتغلت أنا بتحصيل الكتب من الفصوص )كركانج(مث فارقين النائلي متوجها .عليه وفهمته إياهمث رغبت يف علم الطب،وصرت أقرأ .من الطبيعي واإلهلي،وصارت أبواب العلم تنفتح عليا:والشروح

حىت بأ وعلم الطب ليس من العلوم الصعبة،فال جرم أين برزت فيه يف أقل مدة.الكتب املصنفة فيهفضالء الطب يقرؤون عليا علم الطب،وتعهدت املرضى ،فانفتح عليا من أبواب املعاجلات املقتبسة من التجربة ما ال يوصف،وأنا مع ذلك أختلف إىل الفقه وأناظر فيه،وأنا يف هذا الوقت من أبناء

أجزاء مث توفرت على العلم والقراءة سنة ونصفا فأعدت قراءة املنطق ومجيع.ست عشر سنةالفلسفة،ويف هذه املدة ما منت ليلة واحدة بطوهلا،وال اشتغلت يف النهار بغريه،ومجعت بني يدي ظهورا،فكل حجة كنت أنظر فيها اثبت مقدمات قياسية ورتبتها يف تلك الظهور،مث نظرت فيما

يف عساها تنتج،وراعيت شروط مقدماته،حىت حتققت يل حقيقة تلك املسألة ،وكلما كنت أحتري مسألة ،أو مل أكن أضفر باحلد األوسط يف قياس ترددت إىل اجلامع ،وصليت وابتهلت إىل مبدع الكل حىت فتح يل املنغلق وتيسر املتعسر،وكنت أرجع بالليل إىل داري وأضع السراج بني يدي،وأشتغل بالقراءة والكتابة ،فمهما غلبين أو شعرت بضعف عدلت إىل شرب قدح من

تعود إىل قويت مث أرجع إىل القراءة،ومىت أخذين أدىن نوم أحلم بتلك املسائل الشراب ،ريثما

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

302

مجيع العلوم،ووقفت عليها حبسب اإلمكان اإلنساين،وكل ما علمته يف ذلك الوقت مل أزد فيه إىل مث عدلت إىل اإلهلي،وقرأت كتاب ما بعد .أحكمت علم املنطق والطبيعي والرياضياتاليوم حىت

الطبيعة،فما كنت أفهم ما فيه،والتبس علي غرض واضعه حىت أعدت قراءته أربعني مرة ،وصار يل حمفوظا،وأنا مع ذلك ال أفهمه وال املقصود به،وأيست من نفسي،وقلت هذا كتاب ال سبيل إىل

يف يوم من األيام،حضرت وقت العصر يف الوراقني،وبيد دالل جملد ينادي وإذا أنا .فهمهعليه،فعرضه علي فرددته رد متربم معتقد أن ال فائدة يف هذا العلم،فقال يل اشرتي مين هذا فإنه

فاشرتيته فإذا هو كتاب أبو نصر الفارايب يف .رخيص أبيعكه بثالث دراهم وصاحبه حمتاج إىل مثنهورجعت إىل بييت،وأسرعت قراءته فانفتح عليا يف الوقت أغراض ذلك .لطبيعةأغراض ما بعد ا

الكتاب،بسبب أنه كان حمفوظا يل على ظهر قلب،وفرحت بذلك وتصدقت يف ثاين يوم بشيء .كثري على الفقراء شكرا هللا تعاىل

وكان سلطان خبارى يف ذلك الوقت نوح بن منصور، واتفق له مرض حار األطباء فيه،وكان مسي اشتهر بينهم بالتوفر على القراءة،فأجروا ذكري بني يديه وسألوه إحضاري،فحضرت ا

وشاركتهم يف مداواته،وتومست خبدمته فسألته يوما اإلذن يل دخول دار كتبهم ومطالعتها وقراءة ما فيها من كتب الطب،فأذن يل ،فدخلت دارا ذات بيوت كثرية يف كل بيت صناديق كتب منضدة

بعض،يف بيت منها كتب العربية والشعر ويف آخر الفقه،وكذلك يف كل بيت كتب بعضها على علم مفرد،فطالعت فهرست كتب األوائل،وطلبت ما احتجت إليه منها ورأيت من الكتب ما مل

فقرأت تلك .يقع امسه إىل كثري من الناس قط،وما كنت رأيته من قبل وال رأيته أيضا من بعدفت مرتبة كل رجل يف علمه،فلما بلغت مثان عشرة سنة من عمري الكتب وظفرت بفوائدها وعر

فرغت من هذه العلوم كلها،وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ،ولكنه اليوم معي أنضج ،وإال فالعلم واحد ،فسألين أن أصنف " أبو احلسن العروضي"وكان يف جواري رجل يقال له .مل يتجدد يل بعده شيء

له كتابا جامعا يف هذا العلم ،فص

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

303

أبو "وكان يف جواري أيضا رجل يقال له .الرياضي،ويل إذ ذاك إحدى وعشرون سنة من عمريخوارزمي املولد فقيه النفس متوحد يف الفقه والتفسري والزهد مائل إىل هذه " بكر الربقي

احلاصل واحملصول يف قريب من عشرين العلوم،فسألين شرح الكتب له ،فصنفت له كتابجملدة،وصنفت له كتابا يف األخالق مسيته كتاب الرب واإلمث،وهذان الكتابان ال يوجدان إال عنده

مث مات والدي وتصرفت يب األحوال،وتقلدت شيئا من أعمال .فلم يعرفهما أحد ينسخ منهماأبو احلسني "،وكان "كركانج"تقال إىل و االن" خبارى"السلطان،ودعتين الضرورة إىل االرحتال عن

،وكنت على زي " علي بن املأمون"." السهليمث دعت الضرورة .الفقهاء إذ ذاك بطيلسان وحتت احلنك،وأثبتوا يل مشاهرة دارة تقوم بكفاية مثلي

ومنها "مسنيقان"ومنها إىل"شقان"ومنها إىل "طوس"ا إىل ،ومنه"باورد"ومنها إىل " نسا"االنتقال إىل ،فاتفق يف أثناء "قابوس"وكان قصدي األمري ".جرجان"رأس حد خرسان،ومنها إىل "جاجرم"إىل

رضت ا "دهستان"مث مضيت إىل .وحبسه يف بعض القالع وموته هناك"قابوس"هذا أخذ وميب وانشأت يف حايل قصيدة فيها "جياينأبو عبيد اجلوز "فاتصل "جرجان"وعدت إىل .مرضا صعباملا عظمت فليس مصر واسعي ملا غلى مثين عدمت املشرتى: بيت القائل

صاحب الشيخ الرئيس،فهذا ما حكي الشيخ الرئيس من لفظه،ومن ها اينجقال أبو عبيد اجلوز علم،وقد اشرتى حيب لل" أبو حممد الشريازي"هنا شاهدت أنا من أحواله جبرجان رجل يقال له

كتاب املبدأ واملعاد وكتاب " اليب حممد الشريازي"عليا املختصر األوسط يف املنطق وصنف ريا من الرسائل،مث األرصاد الكلية،وصنف هناك كتبا كثرية كأول القانون وخمتصر املاجسطي وكث

.صنف يف أرض اجلبل بقية كتبه

جملدة،الرب واإلمث جملدتان،الشفاء مثان عشرة جملدة،القانون أربع عشرة جملدة،األرصاد الكلية رات جملدة،كتاب املختصر األوسط جملدة،كتاب النجاة ثالث جملدات،اهلداية جملدة ،اإلشا

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

304

جملدة،العالئي جملدة،القولنج جملدة ،لسان العرب عشر جملدات ،األدوية القلبية جملدة،املوجز جملدة ،بعض احلكمة املشرقية جملدة،بيان ذوات اجلهة جملدة،كتاب املعاد جملدة ،كتاب املبدأ

آلة الرصدية،غرض قاطيقورس،املنطق واملعاد،كتاب املباحثات جملدة،ومن رسائله القضاء والقدربالشعر،القصائد يف العظمة واحلكمة،يف احلروف ،تعقب املواضيع اجلدلية،خمتصر إقليدس،خمتصر يف النبض بالعجمية،احلدود،األجرام السماوية،اإلشارة إىل علم املنطق،أقسام احلكمة يف النهاية اجلسم غري ذاتية،له خطب يف الكالم،يف اهلندبا،،يف أنه ال جيوز أن يكون شيء واحد جوهريا وعرضيا،يف أن علم زيد غري علم عمر،ورسائل له إخوانية وسلطانية،مسائل جرت بينه وبني بعض الفضالء،كتاب احلواشي على

.القانون،كتاب عيون احلكمة ،كتاب الشبكة والطري

ي واتصل خبدمة السيدة وابنها جمد الدولة،وعرفوه بسبب كتب وصلت معه مث انتقل إىل الر تتضمن تعريف قدره،وكان مبجد الدولة إذ ذاك غلبة السوداء،فاشتغل مبداواته،وصنف هناك كتاب

وهزمية عسكر " هالل بن بدر بن حسنوية"بت الضرورة هلا خروجه إىل قزوين ،ومنها إىل مهدان واتصاله مث اتفقت أسباب أوج.بغداد.)كذبانويه(خبدمة

مث اتفق معرفة مشس الدولة،وإحضاره جملسه بسبب قولنج،كان أصابه،وعاجله حىت شفاه من

وخرج الشيخ يف خدمته،مث توجه حنو )عناز(.ندماء األمريمث اتفق تشويش العسكر عليه،واشفاقهم منه .مث سألوه تقلد الوزارة فتقلدها.مهدان ،منهزما راجعا

لوا األمري على أنفسهم فكسبوا داره وأخذوه إىل احلبس،وأغاروا على أسبابه وما كان يكسبه،وسأأيب سعد بن (

أربعني يوما ،فعاود األمري مشس الدولة القولنج،وطلب الشيخ فحضر جملسه،فاعتذر إليه )دخدوكمث سألته .إليه ثانيةوأعيدت الوزارة .األمري بكل االعتذار،فاشتغل مبعاجلته،وأقام عنده مكرما مبجال

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

305

أنا شرح كتاب أرسطو طاليس،فذكر أنه الفراغ له إىل ذلك،يف ذلك الوقت،ولكن إن رضيت مين بتصنيف كتاب أورد فيه ما صح عندي من هذه العلوم بال مناظرة مع املخالفني،وال اشتغال بالرد

ء،وكان قد صنف فابتدأ بالطبيعيات من كتاب مساه كتاب الشفا.فعلت ذلك ،فرضيت به- عليهموكان جيتمع كل ليلة يف داره طلبة العلم،وكنت أقرأ من الشفاء،وكان يقرأ .الكتاب األول من القانون

ألمري،فقضينا على ذلك الفراغ بالنهار،خدمة لموكان التدريس بالليل النعدا.بآالته،وكنا نشتغل به)طارم(مث توجه مشس الدولة إىل .زمنا

عليه،ونضاف إىل ذلك أمراض أخرى جلبها سوء تدبريه وقلة القبول من الشيخ،فخاف العسكر .وفاته،فرجعوا به طالبني مهدان يف املهد،فتويف يف الطريق يف املهد

ع بن مشس الدولة،وطلبوا استيزار الشيخ،فأىب عليهم وكاتب عالء الدولة سرا يطلب مث بويمتواريا،وطلب منه إمتام " أيب غالب العطار"وأقام يف دار .خدمته واملصري إليه واالنضمام إىل جوانبه

كتاب الشفاء،فاستحضر أبا غالب،وطلب الكاغد واحملربة فأحضرمها،وكتب الشيخ يف قريب من جزءا عل الثمن خبطه رؤوس املسائل،وبقي فيه يومني،حىت كتب رؤوس املسائل كلها بال عشرين

كتاب حيضره وال أصل يرجع إليه،بل من حفظه وعن ظهر قلبه،مث ترك الشيخ تلك األجزاء بني يديه،وأخذ الكاغد،فكان ينظر يف مسالة ويكتب شرحها،فكان يكتب كل يوم مخسني ورقة،حىت

.يعيات واإلهليات ،ما خلى كتايب احليوان والنباتأتى على مجيع الطب

،وانشأ هناك قصيدة )فدرجان(يف طلبه،فدل عليه بعض أعدائه،فأخذوه وأدوه إىل قلعة يقال هلاوكل الشك يف أمر اخلروجدخويل باليقني كما تراه : منها

القلعة بعينها،مث رجع عالء الدولة عن مهذان،وعاد تاج امللك وابن مشس الدولة إىل مهدان،ومحلوا

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

306

نيف املنطق من كتاب الشفاء،وكان قد ،واشتغل هناك بتص)العلوي(معهم الشيخ إليها ونزل يف دار صنف بالقلعة كتاب اهلدايات،ورسالة حي بن يقضان،وكتاب القولنج وأما األدوية القلبية فإمنا

وكان قد تقضى على هذا زمان،وتاج امللك يف أثناء هذا مينيه مبواعيد .صنفها أول وروده إىل مهدانرا وأنا وأخوه وغالمان معه يف زي الصوفية اىل مجيلة،مث عين الشيخ التوجه إىل أصفهان فخرج متنك

أن وصلنا إىل طربان على باب أصفهان بعد أن قاصينا شدائدا يف الطريق، فاستقبلنا أصدقاء الشيخ وندماء األمري عالء الدولة وخواصه ،ومحل إليه الثياب واملواكب اخلاصة،وأنزل يف حملة يقال

.،وفيها من اآلالت والفرش ما حيتاج إليه"عبد اهللا بن بايب"يف دار ) كونكنبد(هلا

وحضر جملس عالء الدولة فصادف يف جملسه اإلكرام واإلعزاز الذي يستحقه مثله،مث رسم األمري عالء الدولة ليايل اجلمعات جملس النظر بني يديه حبضرة سائر العلماء عل اختالف

اشتغل يف أصفهان بتتميم كتاب و .الشفاء،ففرغ من املنطق واملاجسطي،وكان قد اختصر إقليدس واألرمثاطيقي واملوسيقى،وأورد يف كل

أما يف املاجسطي فأورد عشرة أشكال .كتاب من الرياضيات زيادات رأى أن احلاجة إليها داعيةء مل يسبق إليها،وأورد يف أوقليدس شبها،ويف األرمثاطيقي خواص حسنة،ويف املوسيقى مسائل غفل عنها األولون،ومث الكتاب املعروف بالشفاء،ما خال كتايب النبات واحليوان ،فإنه صنفهما يف السنة اليت توجه فيها عالء الدولة إىل

النجاة،واختص بعالء الدولة وصار من يف الطريق،وصنف أيضا يف الطريق كتاب)سابور خواست(ندمائه ،إىل أن عزم عالء الدولة على قصد مهدان،وخرج الشيخ يف الصحبة،فجرى ليلة بني يدي عالء الدولة ذكر اخللل احلاصل يف التقاومي املعمولة حبسب األرصاد القدمية،فأمر األمري الشيخ

حيتاج إليه،وابتدأ الشيخ به،و والين اختاذ االشتغال برصد هذه الكواكب،وأطلق له من األموال ما

.وصنف الشيخ بأصبهان الكتاب العالئي.وعوائقها

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

307

وكان من عجائب الشيخ أين صحبته وخدمته مخسة وعشرين سنة فما رأيته إذا وقع له كتاب دد ينظر فيه على الوالء،بل كان يقصد املواضع الصعبة منه،واملسائل املشكلة فينظر ما قاله جم

وكان الشيخ جالسا يوما من األيام بني يدي .مصنفه فيها،فيتبني مرتبته يف العلم ودرجته يف الفهمتفت حاضر،فجرى يف اللغة مسألة تكلم الشيخ فيها مبا حضره،فال" أبو منصور اجلبائي"األمري،و

إنك فيلسوف وحكيم،ولكن مل تقرأ من اللغة ما يرضى كالمك :"أبو منصور إىل الشيخ يقولفاستنكف الشيخ من هذا الكالم،وتوفر على درس كتب اللغة ثالث سنني،واستهدى كتاب "فيها

،فبلغ الشيخ يف اللغة طبقة قلما يتفق "أيب منصور األزهري"ذيب اللغة من خرسان،من تصنيف نشأ ثالث قصائد ضمنها ألفاض غريبة من اللغة،وكتب ثالث كتب أحدها على مثلها،وأ

وأمر بتجليده واخالق جلده،مث أوعز إىل "الصايب"واآلخر على طريقة " ابن العميد"طريقة"أيب منصور اجلبائي"

وأشكل عليه كثري مما " أبو منصور"ا وتقول لنا ما فيها،فنظر فيها الصيد فيجب أن تتفقدهفيها،فقال له الشيخ،إن ما جتهله من هذا الكتاب فهو مذكور يف املوضع الفالين من كتب

أبو "اللغة،وذكر له كثريا من الكتب املعروفة يف اللغة وكان الشيخ حفظ تلك األلفاظ منها،وكان أن تلك الرسائل من تصنيف " أبو منصور" ففطن.ن اللغة غري ثقة فيهاجمزفا فيما يورده م" منصور

مث صنف الشيخ كتابا .الشيخ ،وأن الذي محله عليه ما جبهه به يف ذلك اليوم،فتنصل واعتذر إليهيف اللغة مساه لسان العرب،مل يصنف يف اللغة مثله،ومل ينقله يف البياض حىت تويف،فبقي عل

وكان قد حصل للشيخ جتارب كثرية فيما باشره من .ترتيبهمسودته ال يهتدي أحد إىلاملعاجلات،عزم على تدوينها يف كتاب القانون،وكان قد علقها على أجزاء فضاعت قبل متام كتاب

وكان الشيخ قد صنف جبرجان املختصر األصغر يف املنطق،وهو الذي وضعه بعد ذلك يف .القانون.فوصنف الشيخ كتاب اإلنصا...أول النجاة

وبقي على هذا حىت انتقل إىل جوار ...إىل أن أخذ الشيخ القولنج...يشتغل به فأثر يف ميزاجه

اتھماالمالحق ترجمة لحیاة أرسطو و ابن سینا و مؤلف

308

سن مخس وكان موته يف سنة مثان وعشرين وأربعمائة،ووالدته يف.ربه،وكان عمره ثالثا ومخسني سنة.وسبعني ومثان مئة

1.هذا آخر ما ذكره أبو عبيد من أحوال الشيخ الرئيس

،املطبعة الوهيبية الطبعة ابن أيب اصبيعة ،عيون األنباء يف طبقات األطباء،اجلزء الثاين،نقله امرؤ القيس بن الطمعانأنظر-1..09اىل غاية ص1من ص :الصفحات.1882،األوىل

ئمة بأھم األعالمالمالحق قا

309

:1ألعالماة بأهم ـــقائم

)- م894/هـ364- ه 280(أيب زكريا حيي بن عدي *

)م1185/هـ580- م1100/هـ494(بن طفيل أبوبكرا*

)م835- هـ220تويف"(بن ناعمة احلمصيا*

)م1270/هـ669-م1217/هـ614(بن سبعني حممد بن عبد احلق ا*

)م1240/هـ638-م1165/هـ560(بن عريبا*

)1198-هـ595- م1126/هـ520(بن رشد ا*

)م1328/هـ728- م1263/هـ661(تقي الدين بن أمحد .ابن تيمية *

)م1406-م1332(ابن خلدون *

)م485- مProclus)412أبرقلس *

)1939-1849(يفان بافلوف إ*

)حوايل القرن السادس قبل امليالد(Alcméon de crotone"الكروتوينألكمايون*

Andronicos deأندرونيقوس الرودسي * Rhodes)م.ق1ق(

)م.ق428- 500حوايل )Anaxagores(أنكساغورس *

)- م910/هـ298(إسحاق بن حنني تويف *

)عاش بني القرنني الثاين والثالث للميالد(Alexandre D’Aphrodislasاإلسكندر األفروديسي *

)م.ق348- م.ق428(عاش حوايلPlatonأفالطون *

جورج طرابيشي ،دار :لصاحبه ) املتصوفون-الالهوتيون -املتكلمون–املناطقة -الفالسفة(اعتمدت يف وضع هذه القائمة على معجم الفالسفة- 1.2006الطليعة بريوت لبنان ،الطبعة الثالثة

ئمة بأھم األعالمالمالحق قا

310

)م270أو269- مPlotin)203أفلوطني *

)من القرن الثالث(أفضل الدين الكاشاين *

)م.ق322-م.قAristote)384أرسطو طاليس*

Benedetto Croce)1866-1952"بندتو كروتشه*"

)عاش يف النصف األول من القرن اخلامس ميالدي()Probus(بروبا*

)م874- هـ261(البسطامي أبو يزيد طيفور تفي حوايل*

Bertrand"برتاند راسل*" Russel)18721970-م(

)م1980-مJean-Paul Sartre)1905سارترجون بول*

)م1952- مJohn Dewey)1859جون دوي*

)John locke) "1632 -1704جون لوك*

) David Hume)1711-1776" دافيد هيوم*

)م.ق460ولد حنو (Démocriteدميقريطس *

)Hegel Friedrich)1770 -1831هيجل فريدرتش*

)475-540حوايل) (Héraclite: (هراقليطس*

)William James)1842 -1910" وليم جيمس*

)م.ق583-660حنو (Zarathoustraزرادشت*

)م922/هـ309- م857/هـ244(أبوعبد اهللا احلسني بن منصوراحلالج*

)م873/هـ260- م809/هـ194" (حنني ابن إسحاق*

ئمة بأھم األعالمالمالحق قا

311

)م1274/هـ672-م1201/هـ597(الطوسي،نصري الدين*

)"هـ200- م815(حيي بن البطريق*

)م.ق479- م.قConfucius)551كونفشيوس *

).م1978- مCorbin Henry)1903كوربان هنري *

)م873/هـ260- م796/هـ185(الكندي،أبو يوسف يعقوب بن إسحاق*

)1963مLalande André)1867أندريالالند*

)م1191م تويف 1155/هـ549ولد سنة(السهروردي،شهاب الدين بن حيي*

Socrate)م.ق399-م.ق470(سقراط*

)م950/هـ339تويف(الفارايب،أبو نصر حممد *

)م.ق570- 580:(ولد بني Fythagoreفيثاغورس *

)1074/هـ467أو1072/تويف هـ465(القشريي،أبو القاسم عبد الكرمي بن هوازن *

)م1209هـ606-م1149/هـ543(الرازي،فخر الدين*

Reméرين ديكارت * Descartes)1650-1569(

)م1153/هـ548تويف(الشهرستاين،حممد بن عبد الكرمي *

)م1497هـ903- م1424/هـ828(الشريازي ،أمري صدر الدين *

)1679- 1588" (توماس هوبز*

)م.ق288/285-م.ق372/368)(امسه احلقيقي طريطامس(ثاوفراسطس*

)م1111/هـ501-م1059/هـ450(الغزايل،أبو حامد حممد*

حات الواردةالمالحق قائمة بأھم المصطل

312

:الواردةقائمة بأهم المصطلحات

)أ(حرف ....................االئتالف Harmonie

........................... أبدي éternelراك .... ..........إد .......perception

......................إحساس sensation.........آلة احلس L’organe sensoriel

................إميان . .................foi...........اإليثـار Altruisme………

.............ألـم Douleur………........اإلهلام ..................Inspiration

.........................األلوهية Divinité........................... انفعال passion

.......................... أسطورة mythe.................إستكمال Achèvement

....................إستعداد Disposition..داالعتقا Croyance……..………

....................أفلوطينية plotinisme..........................إرادة Volonté

..................أرسطية Aristotélismeم ).........إنـتـقش (إرتس S’imprimer….

.............................إحتاد union........................إثارة Excitation

...اإلشراق ..............Illumination)ح(حرف

.........................حدس Intuition

.......................... أزيل Perennit)ب(حرف

.........................اء Splendeur)...................غبطة(جة Béatitude

........................باطن Immanent...........................بالفعل en acte

....................بالقوة en puissance.................بالقسر Par contrainte

.......................بقاء Survivance)ج(حرف........................جوهر Substance

...جسم ...........................Corps.............جسم طبيعي Corps naturel

…جسم مساوي ........ .Corps céleste..........اجلذب traction…...…...…

)و(حرف....وجد ...........................Extase.....وحدة ..............Communauté.....الوظيفة ....................Fonction

)ز(حرف..............................زاهد Ascéte..............................زهد Ascése

)م(حرف.......................... مبدأ Principe

رك ......................... مد Percept

حات الواردةالمالحق قائمة بأھم المصطل

313

.......حدس عقلي intuitionintellectuelle

................................حس Sens...........حس مشرتك Sens commun

........حركة Mouvement………............ةحركة دوري Mouvement

circulaire............................ احلقيقة vérité

........................حضور Présence)ط(حرف

...........................طبيعة Nature...الطعم ...................... la saveur

)ي(حرف.........................يقني Certitude

)ك(حرف...................... كمال perfection

.....كمال أول Entéléchie………..)ل(حرف

incorporel....………………الجسماين..........المتحرك immobile………….

.......................اللون La coulour........................ميل penchant

...............................لذة Plaisir

)ن(حرفالنفس األمارة âme qui commande .

)..احلاسة(النفس احليوانية âme sensitive

رك ..................... مد percipient.........................املاهية Quiddité

......................املوجود ...... L’être................... احملجوب esotérique

......احملسوس Le sensible…………حمرك ...................... دافع– motifاحملرك األول الذي ال يتحرك LE MOTEURIMMOBILE

.…امليتافيزيقا …............ LaMétaphysique

............................امللكة Faculté............امللموس Tangible………..

......إليهاملنـزوع Le désirable …….............................مستور Abstrus

.........املعبود Adorable…………........................املعقوالت Concepts

...................املعرفة Connaissance..........................مفارق Séparé

..............................مقدس Sacré..................مشائية peripatétisme...................مشاهدة Observation

.................متعال Transcendantal

)ف(حرف..............................فكر Pensée

......الفلسفة األوىل la philosophiepremière

حات الواردةالمالحق قائمة بأھم المصطل

314

...النفس اللوامة .....Qui blâme âme....النفس نباتية ........ âme végétativ…النفس الناطقة ..... âme raisonnabl

)س(حرف..........سينوية ...Avicennisme…............السمع .................. L'ouïe..........سعادة ......Bonheur…….

mystère..........................…سر )ع(حرف

.......العلة األوىل ... Cause première......... العلة املادية Cause matérielle

....العلة الفاعلة Cause efficiente…...العلة الصورية Cause formelle…….

...............الغائيةالعلة Cause finale..عقالنية Rationalité ………...العقل املنفعل Intellect Passif……....(العقل الفعال agent( Intellect Actif

.العقل النظري Théorique. Intellect.العقل العملي Intellect Pratique….

.......عرفان Gnose…………….....عضو organe……..………….

)ش(حرف...........................شهوة Appétit

..............................الشم odorat.............................الشمس Soleil

)ت(حرف

.................................فعل ACTE)ص(حرف

....صداقة ........................Amitié-صدور ...............فيض Emanation

...........................الصوت Le son.........................صويف mystique

........................الصورة La forme)ق(حرف

........قوة حاسة Puissance sensitive......قوة مولدة - génératrice......قوة نزوعية - appétitive

.....قوة نظرية - spéculative.........قوة عملية - pratique.........قوة ذوقية gustative -.........قوة غاذية - nutritive.........قوة غضبية irascible -

)ر(حرف ...........روح ....................Esprit

.....................روية Déliberation........................... رمز symbole

.....................رمزية Symbolisme.........................رضا Quiétisme........................ ذاكرة mémoire

...........الذات اإلهلية Essence divine)ض(حرف

...........................ضوء Lumière...............الضرورة Nécessité……

حات الواردةالمالحق قائمة بأھم المصطل

315

.......... تأمل Contemplative…….....التجلي Théophanique……….

.....................جتربة Experience......................جتريد Abstraction

).................تشايه(متاثل Similitude..................تعال Transcendance

.....تعقل .. ............entendement.....................تصوف mysticisme

.................تصور Appréhension......................ختيل Imagination

..................تذكر Reminiscence)ث(حرف

..........................ثنائية Dualisme)خ(حرف

. خلود النفس Immortalité de L'âme

............................... خالص pur)ذ(حرف......................ذهول Distraction

.........................الذوق Le gout

)ظ(حرف.......................ظاهر Apparence

...........................الظن Opinion)غ(حرف

..........................غياب Absence.......................غيبية Occultisme

................ غري ممتزج sans mélange

قائمة المصادر و المراجع

316

قائمـة املصادر واملراجع

قائمة المصادر و المراجع

317

:المصادر والمراجعقائمة

:المصادر /1

القرآن الكرمي ابن سينا:

اإلشارات والتنبيهات مع شرح نصري الدين الطوسي،حتقيق سليمان -،القسم األول ،دار املعارف القاهرة،الطبعة الثالثة 22دنيا،سلسلة ذخائر العرب

1983.اإلشارات و التنبيهات مع شرح نصري الدين الطوسي،حتقيق سليمان -

،القسم الثالث ،دار املعارف القاهرة،الطبعة 22دنيا،سلسلة ذخائر العرب.1985الثالثة

اإلشارات و التنبيهات مع شرح نصري الدين الطوسي،حتقيق سليمان -،القسم الرابع ،دار املعارف القاهرة،الطبعة الثالثة 22دنيا،سلسلة ذخائر العرب

1994.لى سنة االختصار، هدية الرئيس مبحث القوى النفسانية، أو كتاب النفس ع-

أيب احلسن بن عبد اهللا بن سينا أهداها لألمري نوح بن منصور الساماين، عين بضبطها و تصحيحها ادوارد ابن كرنيليوس فريدريك األمريكاين، مطبعة

.م1325املعارف مصر، بدون طبعة

بدون ،اهرة منطق املشرقني و القصيدة املزدوجة يف املنطق،املكتبة السلفية الق-.1910طبعة

-عيون احلكمة، حتقيق و تقدمي عبد الرمحن البدوي،وكالة املطبوعات الكويت-دار

.1980القلم بريوت، الطبعة الثانية-

قائمة المصادر و المراجع

318

رسالة حي بن يقضان ،حتقيق وتعليق أمحد أمني ضمن كتاب حي بن يقضان -األوىل البن سينا وابن طفيل والسهروردي ، دار املدى للثقافة والنشر الطبعة

1947.رسالة حي بن يقضان، نشرها الكردي حمي الدين صربي ضمن كتاب جامع -

.1335البدائع، الطبعة األوىل

رسالة الطري، منشورة بقلم لويس شيخو و آخرين ضمن كتاب مقاالت -فلسفية ملشاهري فالسفة العرب مسلمني و نصارى، دار العرب للبستاين

.1955القاهرة ،الطبعة الثالثةرسالة يف كلمات الصوفية ،نشر وحتقيق حسن عاصي ،ضمن كتاب التفسري -

القرآين واللغة الصوفية يف فلسفة ابن سينا ، املؤسسة اجلامعية للدراسات .1982والنشر والتوزيع ،الطبعة األوىل

رسالة يف العشق نشرها حسن عاصي ،ضمن كتاب التفسري القرآين واللغة -، املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع الصوفية يف فلسفة ابن سينا

.1982الطبعة األوىلالتعليقات على حواشي كتاب النفس ألرسطو طاليس، نشر وحتقيق عبد -

الرمحن بدوي ضمن كتاب أرسطو عند العرب، دراسات و نصوص غري .1978منشورة، وكالة املطبوعات، الكويت، الطبعة الثانية

لطبيعيات، كتاب النفس، تصدير و مراجعة إبراهيم الشفاء، الفن السادس من ا-مذكور، حتقيق جورج قنوايت، سعيد زايد، اهليئة العامة للكتاب، القاهرة دون

.1975طبعة

قائمة المصادر و المراجع

319

)واالنفعاالتالسماء والعامل،الكون والفساد،األفعال (الشفاء،الطبيعيات -املصرية مراجعة وتقدمي إبراهيم مذكور ،حتقيق الدكتور حممود قاسم ،اهليئة

.وتاريخوطبعةعامة للكتاب القاهرة ،بدون الرمجها تسع رسائل يف احلكمة و الطبيعيات و آخرها قصة سالمان و إسبال،ت-

،الطبعة من اليوناين حنني بن إسحاق،دار العرب للبستاين القاهرة .1989الثانية

التعليقات على حواشي كتاب النفس ألرسطو ، نشر وحتقيق عبد الرمحن -ي،ضمن كتاب أرسطو عند العرب دراسات و نصوص غري منشورة، وكالة بدو

.1978املطبوعات، الكويت، الطبعة الثانيةأرسطو طاليس:

دعوة إىل الفلسفة ،كتاب مفقود ألرسطو قدمه للعربية مع تعليقات وشروح -نشر والتوزيع بريوت ،بدون طبعة عبد الغفار مكاوي ،دار التنوير للطباعة وال

.وتاريخ

كتاب النفس ،ترمجة أمحد فؤاد األهواين،راجعه على اليونانية األب جورج -.1949شحاته قنوايت،منشورات دار إحياء الكتب العربية ،الطبعة األوىل

[ ، فصل حرف الالم"ما بعد الطبيعة "امليتافيزيقا مقالة الالم، من كتاب -عند ، نشر وحتقيق عبد الرمحن بدوي ،ضمن كتاب أرسطو ]3ب1071

العرب دراسات و نصوص غري منشورة، وكالة املطبوعات، الكويت، الطبعة .1978الثانية

، نص من ] 1020-أ)[الدالتا(امليتافيزيقا، الكتاب اخلامس، مقالة الدال-لرتمجة إىل العربية ،اكتاب امليتافيزيقا ألرسطو ترمجه إىل االجنليزية ديفيد روس

دخل إىل امليتافيزيقا مع ترمجة للكتب إمام عبد الفتاح إمام، ضمن كتاب م

قائمة المصادر و المراجع

320

.2005، الطبعة األولالقاهرة نص من كتاب امليتافيزيقا ألرسطو ترمجها إىل ] 25أ983[مقالة األلفا الكربى-

لفتاح إمام، مدخل إىل االجنليزية ديفيد روس،الرتمجة إىل العربية إمام عبد ا

.2005للطباعة و النشر و التوزيع، القاهرة، الطبعة األوىلنص من كتاب امليتافيزيقا ألرسطو ترمجها إىل ] 25أ983[مقالة األلفا الكربى-

ية إمام عبد الفتاح إمام، مدخل إىل االجنليزية ديفيد روس،الرتمجة إىل العربامليتافيزيقا مع ترمجته للكتب اخلمسة األوىل من ميتافيزيقا أرسطو

محد لطفي السيد ،اجلزء األول أعلم األخالق إىل نيقوماخوس ،نقله إىل العربية -.1964مطبعة دار الكتب املصرية ،القاهرة ،بدون طبعة

الطبيعية املنسوبة إىل اآلراء(يف النفس، ترمجة إسحاق بن حنني -فلوطخس،احلاس واحملسوس البن رشد،النبات املنسوب إىل أرسطو

،راجعها من أصوهلا اليونانية وشرحها وحققها وقدم هلا ،عبد الرمحن )طاليس.1980دار القلم بريوت،الطبعة الثانية-بدوي،وكالة املطبوعات الكويت

:المراجــــــــــــــــــــع/ 2

1965،دون طبعةأمحد فؤاد،املدارس الفلسفية،الدار املصرية للتأليف والرتمجة مصراألهواين. دون بع اهليئة املصرية العامة للكتاب،مصر،مطاأمحد فؤاد،الفلسفة اإلسالميةاألهواين،

.1985طبعةاجلزء الثاين،نقله امرؤ القيس بن نباء يف طبقات األطباء،إبن أيب اصبيعة ،عيون األ

.1882بعة الوهيبية الطبعة األوىل ،الطمعان،املط ابن طفيل، حي بن يقضان ،حتقيق وتعليق أمحد أمني ضمن كتاب حي بن يقضان البن سينا

.1947وابن طفيل والسهروردي ، دار املدى للثقافة والنشر ،الطبعة األوىل

قائمة المصادر و المراجع

321

اس،ضبطه و آخر سورة النابن كثري، تفسري ابن كثري اجلزء الرابع ، من أول سورة الصافات إىل.2004خرج آياته حممود عبد الكرمي الدمشقي،دار العلم العريب دمشق دون طبعة

ابن سبعني أيب حممد عبد احلق املرسي األندلسي ،رسائل ابن سبعني ،حتقيق وتقدمي عبد الرمحان.وتاريخبدوي ،املؤسسة املصرية العامة للتأليف واألنباء والنشر ،القاهرة دون وطبعة

بريوت،الطبعة الروح،تعليق هيثم مجعة هالل،مؤسسة املعارف للطباعة والنشر،يم اجلوزية،ابن الق.2004األوىل

اجعة حمسن مهدي، تصدير عربي، مر .ل.ابن رشد، تلخيص كتاب النفس، حتقيق و تعليق الفردالس األعلى للثقافة القاهرة، بدون طبعةإبراهيم مذ .1994كور،

املوسوم عليها حرف الالم ألرسطو طاليس، ترمجة إسحاق بن ابن رشد، تفسري املقالةتقدمي و ضبط و تعليق علي حممد ايسو،التكوين للتأليف و الرتمجة و النشر ، بدون ني،حن

.2007طبعة إبن تيمية ، الرد على املنطقيني املسمى نصيحة أهل اإلميان يف الرد على منطق اليونان ،تقدمي

مؤسسة مراجعة حممد طلحة بالل منيار،سليمان النروي ،حتقيق عبد الصمد شرف الدين الكبيت .2005الريان للطباعة والنشر والتوزيع بريوت الطبعة األوىل

طن والظاهر ،ضمن جمموع الرسائل املنريية اجلزء األول ،حتقيق إبن تيمية ،رسالة يف علم الباحممد منري الدمشقي مراجعة وتصحيح مروان كجك ،إدارة الطباعة املنريية ،القاهرة ،دون

.هـ1343طبعة ابن خلدون عبد الرمحان، مقدمة ابن خلدون ،دار ابن اجلوزي للطبع والنشر

.2010والتوزيع،القاهرة،الطبعة األوىل،و النشر،اإلسكندريةإبراهيم حممد تركي، فلسفة املوت عند الصوفية،دار الوفاء لدنيا الطباعة

.2003الطبعة األوىل

قائمة المصادر و المراجع

322

ألفرد إدوارد تايلور ،أرسطو ،ترمجة عزت قرين ،دار الطليعة للطباعة والنشر،بريوت ،الطبعة األوىل1992.

ة للكتب اخلمسة األوىل من ميتافيزيقا إمام عبد الفتاح إمام ،مدخل إىل امليتافيزيقا مع ترمج2005 .

الد األول ية ، يونان لسفة ال لف يخ ا ار لسون، ت دي كوب ن ،ترمجة إمام عبد الفتاح ) اليونان و الروما(أ2002.

سقراط ،ترمجة وتعليق إىلاملنسوب ،األصول األفالطونية ، فيدون وكتاب التفاحة أفالطون.وحتقيق علي سامي النشار و عباس الشربيين ،دار املعارف دون طبعة وتاريخ

.1994بعةالتوزيع بريوت دون ط، المحاورات أفالطون

.1994ترمجة شوقي داود متراز،األهلية للنشر و التوزيع بريوت دون طبعة

.1994التوزيع بريوت دون طبعة للنشر و ترمجة نقوال زيادة ،األهلية للنشر و التوزيع ، الطبعة ) اجلزء األول(أرنولد توينيب،تاريخ البشرية ،

.1977الثانية بريوتأرثور سعدييف، إبن سينا، دراسات يف الفكر العريب اإلسالمي، ترمجة توفيق سلوم، دار الفارايب

.2001ةاجلزائر، الطبعة الثاني 165م،الفلسفة املعاصرة يف أوروبا ، ترمجة عزت قرين،سلسلة كتب عامل املعرفة.إ.بوشنسكي

1992.

قائمة المصادر و المراجع

323

جاك شورون، املوت يف الفكر الغريب، ترمجة كامل يوسف حسني ،مراجعة و تقدمي إمام عبد،دون طبعة ، الكويتالفتاح إمام،سلسلة عامل

1984.الطبعة امشي ،مركز اإلمناء احلضاري دمشقجون كوتنفهام ، العقالنية ، ترمجة حممود منقذ اهل،

. 2997األوىلرقي القدمي وبدايات التأمل الفل سفي ،دار اآلفاق العربية مجال املرزوقي ، الفكر الش

.2001،الطبعة األوىل رةالقاه1995مجيل صليبا ،تاريخ الفلسفة العربية ،الشركة العاملية للكتاب بريوت،الطبعة الثالثة.والفلسفي كارس ، املوت والوجود ، دراسة لتصورات الفناء اإلنساين يف الرتاث الديين.ب.سمج

1998.هنري بريستيد ،فجر الضمري ، ترمجة سليم حسن ،سلسلة املصريات ،مكتبة األسرة بدون مجس

.طبعة و تاريخ،موازين-مكاييل- تصوف-فلسفة-فقه لغة- علوم قرآن(اجلرجاين،كتاب التعريفات -

.2003وىلالطبعة األ،بريوتحتقيق وزيادة حممد عبد الرمحان املرعشلي،دار التنافس)مقاييس،تاريخ الفلسفة يف اإلسالم، ترمجة وتعليق حممد عبد اهلادي أبو ريدة ،ملتزمة الطبع دي بور

.والنشر ،القاهرة ،الطبعة اخلامسة دون تاريخل ،بالد مابني النهرين ،احلضارتان البابلية واألشورية ،ترمجة حمرم كمال ،مراجعة عبد .دياليورت

.1997،الطبعة الثانية املنعم أبو بكر،اهليئة املصرية العامة للكتاب

هنري كوربان ،تاريخ الفلسفة اإلسالمية منذ الينابيع حىت وفاة ابن رشد،ترمجة نصري مروة وحسنقبيسي ،مراجعة وتقدمي اإلمام موسى الصدر و األمري عارف تامر،عويدات للنشر والطباعة

.1998بريوت، الطبعة الثانية

قائمة المصادر و المراجع

324

، ترمجة حممد بدران اجلزء الرابع من )-الصني- الشرق األقصى (ويل ديورانت ،قصة احلضارة،.

وليم جيمس،الربامجاتية ،ترمجة حممد علي العريان ،تقدمي زكي جنيب حممود،املركز القومي للرتمجة.2008طبعة ،القاهرة ،دون

وليم جيمس، بعض املشكالت الفلسفة، ترمجة حممد فتحي الشنبطي، مراجعة زكي جنيب.وتاريخدون طبعة،حممود، املؤسسة املصرية العامة للتأليف و الرتمجة و الطباعة و النشر مصر

ولرت ستيس، تاريخ الفلسفة اليونانية ،ترمجة جماهد عبد املنعم جماهد، املؤسسة اجلامعية.2005لدراسات و النشر و التوزيع بريوت،الطبعة الثانية ل ولرت فريسرقس، أصول احلضارة الشرقية،ترمجة رمزي يسى مراجعة أنور عبد العليم دار الكرنك

.1960للطبع والنشر والتوزيع ،القاهرة ،دون طبعة 1991الطبعة السادسة،دار املشرق بريوتقمري،أصول الفلسفة العربية،يوحنا.يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة احلديثة ، دار القلم بريوت ، بدون طبعة وتاريخ.1993زكي جنيب حممود،من زاوية فلسفية، دار الشروق بريوت ،الطبعة الرابعة. الفلسفة - خليل اجلر ،تاريخ الفلسفة العربية ،اجلزء األول مقدمات عامة–حنا الفاخوري

.1993عة الثالثةاإلسالمية ،دار اجليل ،بريوت الطب بقلم اءة يف مرتكزات احلكمة املتعاليةقر –فلسفة صدر املتأهلني كمال احليدري حماضرات يف،

.2007،بدون طبعةرزق ،دار فراقد للطباعة والنشر إيرانالشيخ خليل 1335كردي حمي الدين صربي ،جامع البدائع، الطبعة األوىل.ملتحف الربيطاين، الرتمجة عن اهلروغليقية و الس بدج، كتاب املوتى الفرعوين ،عن بردية آىن با

.1988طية مكتبة مدبويل القاهرة،الطبعة األوىلالرتمجة إىل العربية و التعليق ،فيليب ع الفلسفية العربية،تصدير إبراهيم مذكور حققه صطالحات االون حماضرات يف تاريخ نيماسلويس

املعهد العلمي الفرنسي لآلثار الشرقية بالقاهرة و كتب مقدمته و حواشيه زينب حممود اخلضري،.1983،بدون طبعة

قائمة المصادر و المراجع

325

إىل ) م.ق583(ليس ماجد فخري،تاريخ الفلسفة اليونانية من طا.1991دار العلم للماليني بريوت ،الطبعة األوىل) م.ق485(برقلسو )م.ق27(أفالطون

الفلسفي والطيب عند حبث يف تاريخ التعليم–هوف ،من اإلسكندرية إىل بغداد ر ماكس مايـالرتاث اليوناين يف احلضارة اإلسالمية دراسات لكبار املستشرقني ،ألف العرب ،ضمن كتاب

.،دون طبعة1940بينها وترمجها عبد الرمحان بدوي ،مكتبة النهضة املصرية مصر ،حممد جديدي، الفلسفة اإلغريقية، الدار العربية للعلوم ناشرون،منشورات االختالف

.2009اجلزائر،الطبعة األوىل املقدمات العامة ،الفرق اإلسالمية وعلم -حممد علي أبو ريان ،تاريخ الفكر الفلسفي يف اإلسالم

.1992دار املعرفة اجلامعية اإلسكندرية ،الطبعة الثانية-الكالم ،الفلسفة اإلسالمية، 1935حممد غالب، الفلسفة الشرقية،مطبعة البيت األخضر مصر،دون طبعة.يف الفلسفة املعاصرة ،دار اجلامعات املصريةحبث ،حممود فهمي زيدان يف النفس و اجلسد

.وتاريخطبعة اإلسكندرية ، بدون الطبعة األوىل ،مرفت عزت بايل، االجتاه أإلشراقي يف فلسفة ابن سينا ، دار اجليل بريوت

1994.

الرتاث الشرقي والفلسفة اليونانية ،دار مصطفى النشار ،مدرسة اإلسكندرية الفلسفية بني.1995املعارف ،القاهرة ،الطبعة األوىل

1995مصطفى النشار ، نظرية املعرفة عند أرسطو ،دار املعارف القاهرة ،الطبعة الثالثة.ار عالء الدين للنشر و التوزيع والرتمجةمزديسنا،منشورات د- نوري إمساعيل، الديانة الزرادشتية

.1999دمشق ،الطبعة الثالثة السيد أيب نصر أمحد احلسيين، الفلسفة اهلندية ،دراسة بعض نواحيها مع املقارنة بالفلسفة

.دون تاريخالغربية، مطبعة مصر، شركة مسامهة مصرية ، الطبعة األوىل

قائمة المصادر و المراجع

326

سيد حسني نصر ،ثالث حكماء مسلمني ،نقله عن االجنليزية صالح الصاوي،مراجعة ماجد.1986ي ،دار النهار للنشر بريوت الطبعة األوىلفخر

هروردي شهاب الدين حيي ،جمموعة مصنفات شيخ اإلشراق ،كتاب حكمة اإلشراقالس-قصة الغربة الغريبة ،تصحيح وتقدمي هنري كوربان ، طهران –رسالة يف اعتقاد احلكماء

.هـ1373كتاب حي بن يقضان البن سينا وابن السهروردي، الغربة الغريبة حتقيق وتعليق أمحد أمني ضمن

.1947طفيل والسهروردي ،دار املدى للثقافة والنشر ،الطبعة األوىل حققه وقدم له وخرج أحاديثه نالسراج الطوسي أيب نصر، ع طه عبد –عبد احلليم حممود :اللم

.1960الباقي سرور،ملتزم الطبع والنشر،دار الكتب احلديثة مصر ،دون طبعةلرمحن بدوي ضمن كتاب أرسطو عند العرب، دراسات و نصوص غري منشورة، وكالة عبد ا

.1978املطبوعات، الكويت، الطبعة الثانيةملتزمة النشر والطبع، مكتبة -دراسات إسالمية -عند العربأفلوطني،عبد الرمحن بدوي

.1955النهضة املصرية، القاهرة بدون طبعة اإلمكان والوجوب بني ابن سينا وصدر الدين الشريازي ،دراسة عادل حممود بدر ،برهان

.2006نقدية مقارنة ، السلسلة الصوفية ،دار احلوار للنشر والتوزيع سورية ،الطبعة األول عاطف جودة نصر ،الرمز الشعري عند الصوفية ، دار األندلس، دار الكندي للطباعة و النشر

.1987و التوزيع، بريوت ، الطبعة األوىل ر األصول املخطوطة يف سري احلالجمن أند(علي بن أجنب الساعي البغدادي ،أخبار احلالج( ،

.1997الطبعة الثانية موفق فوزي اجلرب ، دار الطليعة اجلديدة سوريا ،:حقق أصوله وعلق عليه ، الطبعة األوىل1993فؤاد كامل، أعالم الفكر الفلسفي املعاصر،دار اجليل بريوت،.أبو نصر،كتاب اجلمع بني رأي احلكيمني ،دار املشرق املطبعة الكاثوليكية ، بريوت فارايبال

.1976،الطبعة الثالثة

قائمة المصادر و المراجع

327

سليم سامل ،مطبعة دار الكتب مصر حتقيق حممد -العبارة-فارايب ،أبو نصر كتاب يف املنطق ال.1976،دون طبعة

الد ا ية ، يونان لسفة ال لف يخ ا ار تون، ت لس يك كوب يدر ،ترمجة إمام عبد ) اليونان و الرومان(ألول فر2002.

فريدريك نيتشه ،الفلسفة يف العصر املأساوي اإلغريقي،تقدمي مشال فوكو،ترمجة سهيل.1983املؤسسة اجلامعية للدراسات و النشر و التوزيع الطبعة الثانية،.القش

فورت هنري، وآخرون ،ما قبل الفلسفة ،اإلنسان يف مغامرته الفكرية األوىل،ترمجة جربا فرانك.1980إبراهيم جربا،املؤسسة العربية للدراسات والنشر،بريوت ،الطبعة الثانية

، صدر الدين الشريازي الفلسفية ،النفس منوذجا ، دار نينوى إبداعاتصادق املسلم.2009بدون طبعةللدراسات و النشر و التوزيع،

منتخبات من شرح شيخ اإلسالم أيب حيي زكرياء األنصاري الشافعي ، دار السالم للطباعة

.2003والنشر والتوزيع والرتمجة ،القاهرة ،الطبعة الثانيةالنفس ، ترمجة و تقدمي وتعليق جورج زينايت ، دار املنتخب العريب ت،انفعاالرنيه ديكارت

.1993للدراسات و النشر و التوزيع بريوت ، الطبعة األوىل الشهرستاين أبو الفتح حممد بن عبد الكرمي،امللل والنحل ،حتقيق حممد عبد القادر الفاضلي

راء وآراء العرب يف اجلاهلية وآالقسم الثاين أهل األهواء والنحل من الصابئة والفالسفة.2005،املكتبة العصرية للطباعة والنشر بريوتدون طبعة اهلند

.هـ1386مؤسسة الطباعة والنشر طهران الطبعة الرابعة،حسن زادة آملي الطبعة 1993ألفرد ادوارد ،أرسطو ترمجة عزت قرين ،الطليعة للطباعة والنشر بريوت،تايلور

.األوىل

قائمة المصادر و المراجع

328

التفتازاين أبو الوفا الغنيمي ،مدخل إىل التصوف اإلسالمي ،دار الثقافة للنشر والتوزيع.1979القاهرة،الطبعة الثالثة

عارف الطبعة السادسة بدون امل،حتقيق سليمان دنيا ،دارافت الفالسفة دالغزايل أبو حام.تاريخ

لسعادة مصر الطبعة األوىل دون تاريخمقاصد الفالسفة مطبعة ا،دالغزايل أبو حام.

:قائمة الموسوعات والمعاجم /3

،ابن منظور ، لسان العرب ، ضبط نصه و علق حواشيه خالد رشيد القاضي، اجلزء الرابع عشر.2008دار األحباث،الطبعة األوىل

أمين محدي ، قاموس املصطلحات الصوفية ، دراسة قرآنية مع شرح اصطالحات أهل الصفاء.وتاريخطبعةلطباعة و النشر و التوزيع ، بدون من كالم خامت األولياء ، دار الوفاء ل

الد األول ية، لسف لف ند ا ند،موسوعة الال ندري الال ،إشراف أمحد خليل أمحد،ترمجة )A-G(أ. 2001باريس،الطبعة الثانية-نشورات عويدات بريوتأمحد عويدات، م

الفلسفة والفالسفة يف احلضارة العربية(بدوي عبد الرمحان، موسوعة احلضارة العربية اإلسالمية (.1987،املؤسسة العربية للدراسات والنشر بريوت ،الطبعة األوىل

1982ون طبعة مجيل صليبا، املعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناين بريوت ، د. ية ملونة، ترمجة أنطوان لوحات بيان208هلموت بينيش، أطلس علم النفس ، مع

.2003بريوت ، الطبعة األوىل املكتبة الشرقيةاهلاشم، الكاشاين عبد الرزاق ،معجم اصطالحات الصوفية حتقيق وتقدمي وتعليق عبد العال شاهني دار

.1992الطبعة األوىلاملنار للطبع والنشر والتوزيع القاهرة سعاد احلكيم ،املعجم الصويف ،احلكمة يف حدود الكلمة ،ندرة للطباعة والنشر لبنان الطبعة

.1981األوىل

قائمة المصادر و المراجع

329

جمموعة من املؤلفني، املوسوعة الفلسفية املختصرة ،نقلها عن االجنليزية فؤاد كامل، جاللالعشري، عبد الرشيد الصادق،راجعها و أشرف عليها و أضاف شخصيات إسالمية ، زكي

.،بدون طبعة و تاريخ،بريوتحممود، دار القلم جنيب فرنسي مع مالحق -عريب- ليزيإجن(ثروة عكاشة،املعجم املوسوعي للمصطلحات الثقافية

.وتاريخطبعةجمان ،القاهرة ،دون ،الشركة املصرية العاملية للنشر لونـ)وصور توضيحية اخلليل بن أمحد الفراهدي ،كتاب العني مرتبا على حروف العجم،ترتيب وحتقيق عبد احلميد

.2003دار الكتب العلمية ،بريوت الطبعة األوىل )ي-ك(هنداوي، اجلزء الرابع تأليف جمموعة من األساتذة ،املعجم العلمي للمعتقدات الدينية، تعريب و حترير سعد

.األوىل2007الفيشاوي، مراجعة عبد الرمحن الشيخ ، اهليئة املصرية العامة للكتاب ،طبعة

:المصادر والمراجع باللغة األجنبية/4

La Métaphysique,Textes choisis et présentés par ÉlieDuring, éditions Flammarion, Paris 1998.

Aristote.De L'âme, traductions et présentatin par RichardBodeus, éditions Flammarion, Paris,1993.

Émile Bréhier,Ehistoire de la philosophie, L’Antiquité etle Moyen âge, Tome premier, Librairie Félix Alcan,

Paris, 1928.

قائمة المصادر و المراجع

330

Leon Robin, la pensée grecque et les origines de l’espritscientifique, edition albain Michel , paris 1948.

René Descartes ,Les Passions De l’âme ,éditionsl’odyssée,Tizi-ouzou ,Alger.

Romono guardini , la mort de Socrate ,interprétation desdialogues philosophique , euthyphron – apologie , griton,Phédon ,traduire de l’allemand par paul Ricœur ,

éditions du seuil . paris,p172GardeTLouis, La pensée Religieuse D'Avicenne,

librairie philosophique J. Vrin,paris ,1951.Ghassan Finianos, De l'existence à la nécessaire

existence chez Avicenne,Presses universitaires deBordeaux ,france2007 .

قائمة المصادر و المراجع

331

:الموسوعات والمعاجم باللغة األجنبية/5

Larousse universel en deux volumes , nouveaudictionnaire encyclopédique , librairie larousse , Paris

1922.Armand Cuviller ,nouveau vocabulaire philosophique,

librairie Armand,Treizième edition Paris ,1977.

Ibrahim Madkour, Le Shifaa l'univers dons un livre, LeCourrier de l'unesco Avicenne Une fenêtre ouverte sur

le monde publié par l'UNESCO, OCTOBRE 1980

قائمة المصادر و المراجع

332

:قائمة المجـالت/6

، جملة ثقافية ،املعرفةجملة حممد وحيد خياطة ،احلضارة على ضفاف النيل يف مصر القدمية.1992،دمشق 346شهرية ،عدد

للغزايل سامي امللويل،رمزية رسالة الطري البن سينا وعالقتها بفكره الصويف ومقارنتها برسالة الطري.2014،نوفمرب03،جملة دراسات فلسفية ،العدد

الفھرس

333

.إهداء

.شكر كلمة

أ................................................................................مقدمة

03...............................السياقات التارخيية واملفاهيمية ملشكلة النفس:الفصل األول

03............تصورات النفس يف احلضارات الشرقية القدمية والفلسفة اليونانية:املبحث األول

04....................................تصورات النفس يف احلضارات الشرقية القدمية: أوال

05....... .......تأسيس حلياة ما بعد املوتوالثنائية الروح واجلسد : يف احلضارة املصريــة -أ

09..........................امليتولوجيا البابلية واليأس من اخللود: يف احلضارة البابلية- ب

12.......ينفي كل شعور بالفردية يف الفكر اهلندي القدمي) امهنالرب (و) األمتان(إحتاد بني - ج

14.....عند الصينيني القدماءر الطبيعية وغموض عامل األرواحالقلق امليتافيزيقي أمام الظواه-د

16................يف الفكر الفارسي القدميثنائية اخلري والشر ومصري األرواح بعد املوت- هـ

29................................................مشكلة النفس يف الفلسفة اليونانية:ثانيا

20..........................:..............الفلسفة ما قبل سقراطتصورات النفس يف -1

21....................................وقوله يف أن النفس قوة حمركة"طاليس املالطي"- أ

اا حول النفسالفيثاغورية -ب تصور 22.............................................و

24.......................................مبدأ األشياء كلهاالنفس هي:هراقليطس -جـ

28............................................. النفس هي مبدأ احلركةأنكساغورس–د

الفھرس

334

29.............................:هـ دميقريطس

32.......................................ا بعد سقراطت النفس يف الفلسفة متصورا-2

32...........................................................نظرية أفالطون يف النفس

34...................................................................أجزاء النفس-1

36...........................................................عالقة النفس باجلسد-2

3- 37......................................"رك نفسها حترك اجلسم أيضاالنفس إذ حت

40...................................................العاقلة اإلهلية وطبيعتهاالروح -4

41.........................................................يف إثبات خلود النفس -5

46.....................فلسفة الغربية احلديثة واملعاصرةإشكالية النفس يف ال: املبحث الثاين

46................................................النفس يف الفلسفة الغربية احلديثة-1

47.....................................................................دافيد هيوم-أ

49...............................النفس جوهر خالص منفصل عن اجلسم:ديكارت - ب

53...............................................النفس يف الفلسفة الغربية املعاصرة -2

54.................................................يةتركيبات منطقالنفس ما هي إال-أ

56..................................................الفلسفة املثالية ومفهوم الروح- ب

59....................................................وليم مجس وموضوع النفس- ج

62.............................................دراسة اصطالحية حتليلية :املبحث الثالث

الفھرس

335

63..................................................................مفهوم النفس:أوال

63.............................................................................لغة/1

64......................................................................اصطالحا-2

64..........................................)..يف القرآن الكرمي(يف االصطالح الديين -أ

65.............................................. ........يف اصطالح علماء النفس- ب

66.......................................................يف االصطالح الفلسفي- جـ

67........................................................يف اصطالح أهل التصوف-د

70.....................عن النفسيف معاين الــــــــــروح واختالفها :ثانيا

70............................................................................لغة-1

71...............................................معىن كلمة الروح يف السياق الديين-2

72.............................................................يةصوفالروح عند ال-3

73.... ...............................................يف اختالف الروح عن النفس-4

74.........................................................اجلسم ،اجلسد ،البدن:ثالثا

79......................................نظرية النفس يف الفلسفة األرسطية: الفصل الثاين

79............................امليتافيزيقا األرسطية كمدخل لدراسة النفس: املبحث األول

80...............................................................تعريف امليتافيزيقا-1

81.........................................................................اجلوهر-2

الفھرس

336

83...............................................................اهليوىل و الصورة-3

85.................................................................القوة و الفعل-4

87...........................................................................العلة-5

90.........................................................................احلركة-6

.92.........................................................احملرك الذي ال يتحرك-7

97..............."يف النفس"دراسة حتليلية لكتابهمفهوم النفس عند أرسطو :املبحث الثاين

98.................................................حتديد معىن النفس عند أرسطو:أوال

100.................................................طبيعة النفس و عالقتها بالبدن:ثانيا

102.......................................................قوى النفس ووظائفها-ثالثا

103.................................................................القوة الغاذية-1

104..................................................................القوة احلاسة-2

107...............................................................احلواس اخلمس- أ

107...............................................................البصــر1-أ

107........................................................السمــعحاسة 2-أ

108.............................................................حاسة الشم3-أ

108.............................................................حاسة الذوق4-أ

109.............................................................حاسة اللمس5-أ

الفھرس

337

110..............................................................احلواس الباطنة -ب

110..............................................................احلس املشرتك1- ب

113...............................................)النفس الناطقة: (القوة الناطقة -3

114..................................................................القوة املدركة-أ

114................................................................ملكة التخيل1-أ

116.................................................................ملكة العقل2-أ

117..............................................................العقل املنفعل2/1-أ

118............................................................ العقل الفعال2/2-أ

118................................................................احملركةالقوة -ب

118.........................................................مبدأ احلركة املكانية1/ب

122...............................................................العقل العملي2/ب

125...........................إىل العامل اإلسالمينتقال الرتاث األرسطي ا:املبحث الثالث

126.........................................سالك الفلسفة األرسطية إىل العربم:أوال

126.........................................................مدرسة اإلسكندرية–1

127..........................................................مدرسة جند سابور–2

128..............................................................مدرسة أنطاكية-3

129..........................................................مدرسة الرها ونصبني-4

الفھرس

338

130..............................الفارسية والسريانيةأرسطو عند العرب مرتمجا إىل:ثانيا

131..............................................ترمجة كتب أرسطو إىل العربية :ا ثالث

131.......................................و احلقيقية املرتمجة إىل العربيةكتب أرسط-1

133......................................................ألرسطوالكتب املنحولة –2

134......................................أثر فلسفة أرسطو على الفالسفة املسلمني:ثالثا

139..................................النفس يف اخلطاب الصويف السينوي:الفصل الثالث

139........................................نا يف التصوفمذهب ابن سي:ملبحث األول ا

142..........................................................البهجة و السعادة: أوال

144..................................................يف مذهب ابن سيناالعارف : ثانيا

144....................................................................العارف: -1

145..............................................................الزاهد و العابد -2

146.......................................................درجات أحوال العارفني-3

146........................................................................اإلرادة-أ

146......................................................................الرياضة- ب

148.....................................................درجات وجدان العارفني -4

أول - أ148.........................................................................االتصال

الفھرس

339

ازدياد -ب148.........................................................................االتصال

149...............................................................متام االتصال-ج

150......................................................أخالق العارف و أحواله-5

151....................................................................العرفان: ثالثا

153............................................................العشق و الشوق: رابعا

160.......الفن السادس من الطبيعيات-يف كتابات ابن سينا الفلسفيةالنفس:ث الثاين املبح

161................................................................حد النفس : أوال

162.....................................................يف كيف أن النفس صورة: 1

164...........................................................النفس جوهريف أن : 2

166.................................................................قوى النفس: ثانيا

166.................................................................النفس النباتية-1

190.........................................................................املولدة-أ

- ب167...........................................................................املنمية

- ج167...........................................................................الغاذية

168...............................................................احليوانيةالنفس-2

الفھرس

340

168...................................................................القوة احملركة-أ

168................................................................القوة املدركة- ب

168...................................................مدركة من خارجالقوى1- ب

170...................................................القوى مدركة من داخل2- ب

171.........................................................احلس املشرتك1/ 2-ب

171........................................................اخليال و املصورة2/2- ب

171..................................................القوة املتخيلة أو املفكرة2/3- ب

171....................................................القوة احلافظة الذاكرة- 2/5ب

172................................................................النفس الناطقة/ 3

172..........................................................)العاملة(القوة العملية -أ

173.............................................................)العاملة(القوة النظرية

174..........................................س الناطقة و عالقتها بالبدنطبيعة النف/ 4

177................................................................حدوث النفس/5

179.....................................أن األنفس اإلنسانية ال تفسد والتتناسخيف/ 6

179............................................................النفسفساديف نفي -أ

881........................................................يف نفي تناسخ األنفس- ب

182............................................يف العقل و يف مراتب أفعاله و أعالها/7

الفھرس

341

182.................................................................العقل الفعال-أ

183......................................................يف مراتب أفعال العقل–ب

186........................املرمازيةالنفس يف نصوص ابن سينا الصوفية:املبحث الثالث

188.......................................................رسالة حي بن يقضان:أوال

189.......................................الرموز األساسية يف رسالة حي بن يقضان-1

190............................................................طبيعة العقل الفعال-2

191..................................................علم الفراسة استكمال للنفس-3

192...................................القوى البدنية متنع النفس من حتقيق اإلستفاضة-4

194.........................................فيض العقل الفعال على النفس اإلنسانية-5

202......................................................رسالة سالمان و أبسال:ثانيا

202....................اليت ترمجها حنني بن اسحاق"ساالمان وأبسال"ملخص رسالة -1

203............................رسالة ساالمان وأبسال اليت يرجحها السراج الطوسي-2

205...................................شرح السراج الطوسي لقصة ساالمان وأبسال-3

206....................................فك رموز الرسالة يف سياق النص الواردة فيه-5

209................................................................رسالة الطـيـر:ثالثا

210...........................................................الطريملخص رسالة -1

21......................................................رمز النفس يف رسالة الطري-2

الفھرس

342

215.............................................................القصيدة العينية: رابعا

224...............ع اخلطابني الفلسفي مع أرسطو والصويف مع ابن سيناتقاط:الفصل الرابع

224......................................حول النفسمسائل كربى يف :املبحث األول

224....................................................يف حد النفس: املسالة األوىل/1

230....................................................الفعالالعقل: املسألة الثانية /2

238.........................................................املعرفة: املسألة الثالثة / 3

247.....................................حماولة يف قراءة ابن سينا خالصا: املبحث الثاين

249.................................. املتعالية ليست احلكمة املشائيةاحلكمةيف أن : أوال

255.....................................ا أرسطو ومنهج ابن سينا يف النفسأثولوجي:ثانيا

263.............................أرسطو وابن سينا يف ميزان النقد والتقييم :ملبـحث الثالثا

264..........................................................ية دراسة النفس أمه:أوال

267.........................................مآخذ على نظرية النفس عند أرسطو :ثانيا

169............................................... ـينا يف ميزان النقد والتقييمابن س:ثالثا

276..............................................أثر ابن سينا تطور تيار الصوفية:ارابع

282........................................................................خاتـــــــمة

288........................................................................املالحـق

288.....................................وفلسفتهما"ابن سينا"و"أرسطو"ترمجة حلياة -1

الفھرس

343

302............................................................قائمة بأهم األعالم-2

305......................................قائمة بأهم املصطلحات الواردة يف الدراسة-3

310............................................................املصادر واملراجعقائمة

335-325.................................................................الفهرست

344

:ملخصوفي من كونه ظاهرة دينية روحية تقوم الص إن توجهنا في هذه الدراسة سيكون نحو الخطاب

في مذهبه " ابن سينا"ه على تجربة ذوقية خالصة،إلى كونه ظاهرة عقلية تأملية،وهو ما ينظر لفيحوله من حالة ذوقية وجدية سلوكية غايتها القصوى تحقيق االتحاد بالحق في التصوف

االتصال التام بالحق ومعرفته معرفة ومشاهدته مشاهدة قلبية ،إلى حالة عقلية تأملية غايتها لكن في غير .عقلية بالتأمل في ملكوته ،فتصير النفس عندها جوهرا عقليا معاينا لعالم الحق

مناهج الصوفية السالكين وطرقهم ،وفي ذلك تبلغ النفس مرتبة الكمال،وهو الكمال نفسه لعقل والتأمل،وقد أكد الذي ينشده الفيلسوف للوصول إلى منتهى غاياته،ومنهجه في ذلك ا

على ذلك وبرهن عليه وكانت النفس هي السبيل الوحيد لتحقيق الكمال لتميزها " أرسطو"بملكة العقل الذي به تتعقل ماهيات األشياء وصورها خالية من طبيعتها المادية ،ثم تتدرج بعد

ول ألنه ماثله في ذلك في مراتب المعرفة لتصل إلى أرقاها وهي التي يتشبه فيها العاقل بالمعق. أخص فعله وهو فعل التأمل،وهنا يحدث التقاطع بين الخطابين

البحث ال يهدف إلى تحليل مضمون الخطابين الفلسفي والصوفي بقدر ما هو هذا إن ظر من خاللهما في زاوية واحدة نظرة مشتركة تسمح لنا باالرتفاع إلى تأكيد على إمكانية الن وفي من كونه ظاهرة دينية تؤسس حرى مجاوز،وتخرج بالخطاب الص مستوى آخر ،أو باأل

فقط لتجربة ذوقية خالصة،ألن هذا االعتقاد األخير قد يحذف الكثير من النصوص المشهورة على أنه ظاهرة -صوفأي الت –صوف،فقط ألنها كانت تؤسس له ويخرجها من دائرة الت

وفي على مضمون النص ح الخطاب الص عقلية تقوم على مبادئ تأملية،وبدل أن ينفتالدراسة التاريخية التي تهتم بسلوك المتصوف وغاياته،انحصر في أغلب األحيان على.وتجاربه الذوقية وأحواله أكثر من نصوصه