37

ﺪــﹶﻟ ﻮﻟﺍ - site.iugaza.edu.pssite.iugaza.edu.ps/aelholy/files/2010/02/أيها_الولد.pdf · ﻡﻴﺤﺭﻟﺍ ﻥﻤﺤﺭﻟﺍ ﷲﺍ ﻡﺴﺒ ﺓﻼﺼﻟﺍﻭ

  • Upload
    others

  • View
    1

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

ـها الولــد أي :للحرب اإلمام ، حجة اإلسالم ، وقدوة األنام أيب حامـد حممـد بن حممـد بن الغـزايل

قدس اهللا روحه ، ونور ضرحيه هـ٥٠٥املتوىف سنة

بسم اهللا الرحمن الرحيمالحمد هللا رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصالة

.السالم على نبيه محمد وآله أجمعينو

اعلم أن واحدا من الطلبة المتقـدمين ، الزم خدمـة الشيخ اإلمام زين الدين حجة اإلسالم أبي حامد محمـد بـن محمد الغزالي رحمه اهللا ، واشتغل بالتحصيل وقراءة العلـم عليه ، حتى جمع دقائق العلوم ، واستمكل فضائل النفس ، ثم

إنـي : ي حال نفسه ، وخطر على باله فقـال إنه تفكر يوما ف قرأت أنواعا من العلوم ، وصرفت في ريعان عمري علـى تعلمها وجمعها ، واآلن ينبغي أن أعلم أي نوعها ينفعني غدا

.ويؤنسني في اآلخرة؟ وأيها ال ينفع حتى أتركه؟

اللهم إنـي : (وقد قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم .(عأعوذ بك من علم ال ينف

فاستمرت له هذه الفكرة حتى كتب إلى حضرة الشيخ حجة اإلسالم محمد الغزالي رحمه اهللا تعالى استفتاء ، وسأل

.عنه مسائل ، والتمس منه نصيحة ودعاء

وإن كانت مصنفات الشيخ كاإلحيـاء وغيـره : قاليشتمل على جواب مسائلي ، لكن مقصودي أن يكتب الشـيخ

مدة حياتي وأعمل بهـا مـدة حاجتي في ورقات تكون معي .عمري إن شاء اهللا تعالى

..فكتب الشيخ هذه الرسالة إليه في جوابه

بســم اهللا الرحمـن الرحيـم

اعلم أيها الولد المحب العزيز ـ أطـال اهللا تعـالى بقاءك بطاعته ، وسلك بـك سـبيل أحبائـه ـ أن منشـور

الم ، إن النصيحة يكتب من معدن الرسالة عليه الصالة والس كان قد بلغك منه نصيحة فأي حاجة لك في نصيحتي؟ وإن لم

!!!ماذا حصلت في هذه السنين الماضية: يبلغك فقل لي

:أيهـا الولــد

من جملة ما نصح به رسول اهللا صـلى اهللا عليـه عالمة إعـراض اهللا : (وسلم أمته صلى اهللا عليه وسلم قوله

ه ، وإن امرأ ذهبت ساعة تعالى عن العبد اشتغاله بما ال يعني من عمره في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليه حسرته ،

) ومن جاوز األربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار من حسن إسـالم المـرء : (، قال النبي صلى اهللا عليه وسلم

.(ترك ما ال يعنيه

.وفي هذه النصيحة كفاية ألهل العلم

:أيهـا الولــد

سهلة ، والمشكل قبولها ، ألنها في مـذاق النصيحة

متبعي الهوى مرة ، إذ المناهي محبوبة فـي قلـوبهم علـى الخصوص لمن كان طالب علم مشتغال فـي فضـل الـنفس ومناقب الدنيا ، فإنه يحسب أن العلم المجرد له سيكون نجاته وخالصه فيه ، وأنه مستغن عـن العمـل ، وهـذا اعتقـاد

.الفالسفة

ال يعلم هذا القـدر أنـه حـين !! هللا العظيم سبحان ا حصل العلم إذا لم يعمل به تكون الحجة عليه آكد ، كما قـال

أشد الناس عذابا يوم القياة : (رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم .(عالمال ينفعه اهللا بعلمه

: وروي أن الجنيد رئي في المنام بعد موته ، فقيل له طاحـت العبـارات ، وفنيـت : ما الخبر يا أبا القاسم؟ قـال

.اإلشارات ، وما نفعنا إال ركعات ركعناها في جوف الليل

:أيهـا الولــد

ال تكن من األعمال مفلسا ، وال من األحوال خاليا ، .وتيقن أن العلم المجرد ال يأخذ باليد

لو كان على رجل في برية عشـرة أسـياف : مثالهاعا وأهل حرب ، هندية مع أسلحة أخرى ، وكان الرجل شج

فحمل عليه أسد عظيم مهيب ، فما ظنك؟ هل تدفع األسـلحة

!شره عنه بال استعمالها وضربها؟

ومن المعلوم أنها ال تدفع إال بالتحريك والضـرب ، فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وتعلمها ، ولم يعمل

.ال تفيده إال بالعمل: بها

ارة ومـرض لو كـان لرجـل حـر : ومثاله أيضا صفراوي يكون عالجه بالسكنجين والكشكاب فـال يحصـل

.البرء إال باستعمالهما

تـامى نخـوري ..... كرمى دو هزار بار بييماي نباشدت شيدابي

:أيهـا الولــد

ولو قرأت العلم مائة سنة ، وجمعت ألف كتاب ، ال وأن {:تكون مستعدا لرحمة اهللا تعالى إال بالعمل لقوله تعـالى

فمن كان يرجـو {: ، وقوله تعالى } إلنسان إال ما سعى ليس ل جـزاء بمـا {: ، وقوله تعالى } لقاء ربه فليعمل عمال صالحا

إن الـذين آمنـوا وعملـوا {: ، وقوله تعالى } كانوا يكسبون الصالحات كانت لهم جنات الفرعون نزال ، خالدين فيهـا ال

عمل إال من تاب وآمن و {: ، وقوله تعالى } يبغون عنها حوال .{عمال صالحا

: بني اإلسالم على خمـس (وما تقول في األحاديث؟ شهادة أن ال إله إال اهللا ، وأن محمـدا رسـول اهللا ، وإقـام الصالة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت مـن

.(استطاع إليه سبيال

قول باللسان ، وتصديق بالجنان ، وعمـل : واإليمان .باألركان

مال أكثر من أن يحصى ، وإن كان العبد ودليل األع يبلغ الجنة بفضل اهللا تعالى وكرمه ، لكـن بعـد أن يسـتعد

.بطاعته وعبادته ، ألن رحمة اهللا قريب من المحسنين

.يبلغ بمجرد اإليمان: ولو قيل أيضا

نعم لكن متى يبلغ؟ وكم من عقبة كئود تسـتقبله : قلنا .إلى أن يصل؟

أنه هل يسلم مـن : اإليمانعقبة : وأول تلك العقبات .وإذا وصل يكون خائبا مفلسا، .السلب أم ال

يقول اهللا تعـالى : (وقال الحسن البصري رحمه اهللا ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي واقتسموها : لعباده يوم القيامة

.(بقدر أعمالكم

:أيهـا الولــد

.ما لم تعمل لم تجد األجر

عبـد اهللا تعـالى حكي أن رجال من بني إسـرائيل سبعين عاما ، فأراد اهللا تعالى أن يجلوه على المالئكة فأرسل اهللا إليه ملكا يخبره أنه مع تلك العبادة ال يليق به دخول الجنة

نحن خلقنا للعبادة ، فينبغـي لنـا أن : (، فلما بلغه قال العابد ) ماذا قـال عبـدي؟ : (فلما رجع الملك قال اهللا تعالى ). نعبدهإذا هو لم : (، فقال اهللا تعالى ) إلهي ، أنت أعلم بما قال : (قال

يعرض عن عبادتنا ، فنحن ـ مع الكرم ـ ال نعرض عنه ، .(أشهدوا يا مالئكتي أني قد غفرت له

حاسـبوا : (قال رسول اهللا صلى اهللا عليـه وسـلم .(أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا

من ظن أنه بدون الجهد : (عنهوقال علي رضي اهللا يصل فهو متمن ، ومن ظن أنه ببذل الجهـد يصـل فهـو

.(مستغن

طلب الجنة بال عمل : (وقال الحسن رحمه اهللا تعالى عالمة الحقيقة ترك مالحظة العمل : (وقال). ذنب من الذنوب .(ال ترك الهمل

الكيس مـن : (وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ، وعمل لما بعد الموت ، واألحمق من أتبع نفسـه دان نفسه

.(هواها وتمنى على اهللا األماني

:أيهـا الولــد

كم من ليال أحييتها بتكرار العلم ومطالعة الكتـب ، وحرمت على نفسك النوم؛ ال أعلم ما كان الباعث فيه؟

إن كانت نيتك عرض الـدنيا ، وجـذب حطامهـا على األقران واألمثال ، فويل وتحصيل مناصبها ، والمباهاة

.لك ثم ويل لك

وإن كان قصدك فيه إحياء شريعة النبي صـلى اهللا عليه وسلم وتهذيب أخالقك ، وكسر النفس األمارة بالسوء ،

:فطوبى لك ثم طوبى لك ، ولقد صدق من قال شعرا

وبكاؤهن لغيـر .... سهر العيون لغير وجهك ضائع فقدك باطل

:أيهـا الولــد

عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنـك .مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به

جـاء : عن سهل بن محمد رضي اهللا عنهمـا قـال : يا محمد : (جبريل إلى النبي محمد صلى اهللا عليه وسلم فقال

عش ما شئت فإنك ميت ، واعمل ماشئت ، فإنك مجزي به ، شرف المؤمن قيام وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعلم أن

.(الليل ، وعزه استغناؤه عن الناس

:أيهـا الولــد

أي شيء حاصل لك مـن تحصـيل علـم الكـالم والخالف والطب والدواوين واألشعار والنجوم والعـروض

.غير تضييع العمر بخالف ذي الجالل: والنحو والتصريف

: إني رأيت في اإلنجيل أن عيسى عليه السالم قـال ا يوضع الميت على الجنازة إلى أن يوضع على من ساعة م (

:" شفير القبر يسأل اهللا بعظمته منه أربعين سؤاال ، أوله يقول طهرت منظر الخلق سنين وما طهـرت منظـري .. عبديما تصنع :" ، وكل يوم ينظر في قلبك يقول اهللا تعالى " ساعة

(!!أما أنت أصم ال تسمع؟"!!! لغيري وأنت محفوف بخيري

:ـا الولــدأيه

.العلم بال عمل جنون ، والعمل بغير علم ال يكون

واعلم أن علما ال يبعدك اليوم عن المعاصـي ، وال

يحملك على الطاعة لن يبعدك غدا عن نار جهنم ، وإذا لـم : تعمل اليوم ، ولم تدارك األيام الماضية تقول غدا يوم القيامة

أنـت مـن هنـاك يا أحمق : ، فيقال} فارجعنا نعمل صالحا {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسـهم {:قال تعالى . تجيء

.{عند ربهم ربنا سمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون

:أيهـا الولــد

اجعل الهمة في الروح ، والهزيمـة فـي الـنفس ، والموت في البدن ، ألن منزلـك القبـر ، وأهـل المقـابر

، إيـاك إيـاك أن ينتظرونك في كل لحظة متى تصل إليهم .تصل إليهم بال زاد

هذه األجساد : (وقال أبو بكر الصديق رضي اهللا عنه فتفكر في نفسـك مـن ) .. قفص الطيور ، وإصطبل الدواب

أيهما أنت؟

إن كنت من الطيور العلوية ، فحين تسـمع طنـين تطير صاعدا إلى أن تقعد في أعالي } إرجعي إلى ربك {طبل

: ل رسول اهللا صلى اهللا عليـه وسـلم بروح الجنان ، كما قا .(اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ(

والعياذ باهللا إن كنت من الدواب كمـا قـال تعـالى

فال تأمن انتقالك مـن زاويـة } أولئك كاألنعام بل هم أضل { .الدار إلى هاوية النار

وروي أن الحسن البصري رحمه اهللا تعالى أعطـي ذ القدح غشي عليه وسقط من يده ، شربة ماء بارد ، فلما اخ

ذكرت أمنية أهـل : مالك يا أبا سعيد؟ قال : فلما أفاق قيل له أن أفيضوا علينا من الماء أو {:النار حين يقولون ألهل الجنة

.{مما رزقكم اهللا

:أيهـا الولــد

لو كان العلم المجرد كافيا لك ، وال تحتاج إلى عمل هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ : (سواه ، لكان نداء اهللا تعالى

.(هل من تائب؟

وروي أن جماعة من الصحابة رضـي اهللا علـيهم أجمعين ذكروا عبد اهللا بن عمر عند رسـول اهللا صـلى اهللا

.(نعم الرجل هو لو كان يصلي بالليل: (عليه وسلم فقال

يـا : (وقال عليه الصالة والسالم لرجل من أصحابه لليل فإن كثرة النوم بالليل تدع صاحبه ال تكثر النوم با .. فالن

.(فقيرا يوم القيامة

:أيهـا الولــد

وباألسـحار هـم {أمـر؛ } ومن الليل فتهجد بـه } .ذكر} والمستغفرين باألسحار{شكر؛ } يستغفرون

ثالثة أصوات يحبها اهللا : (قال عليه الصالة والسالم صوت الديك ، وصوت الذي يقرأ القرآن ، وصـوت : تعالى

.(لمستغفرين باألسحارا

إن هللا تعالى ريحـا : (قال سفيان الثوري رحمه اهللا .(تهب باألسحار تحمل األذكار واالستغفار إلى الملك الجبار

إذا كان أول الليل ينادي مناد من تحت : (وقال أيضا أال ليقم العابدون ، فيقومون ويصلون ما شاء اهللا؛ ثم : العرش

أال لـيقم القـانتون ، فيقومـون : ينادي مناد في شـطر اهللا أال لـيقم : ويصلون إلى السحر؛ فإذا كان السحر ينادي مناد

المستغفرون ، فيقومون ويستغفرون؛ فإذا طلع الفجر ينـادي أال ليقم الغافلون ، فيقومون مـن فروشـهم كـالموتى : مناد

.(نشروا من قبورهم

:أيهـا الولــد

: أنه قـال روي في لعض وصايا لقمان الحكيم البنه ال يكونن الديك أكيس منك ، ينادي باألسحار وأنت .. يا بني (

.(نائم

:ولقد أحسن من قال شعرا

على فنن وهنـا .... لقد هتفت في جنح الليل حمامة وإني لنائم

لمـا سـبقتني .... كذبت وبيت اهللا لو كنت عاشـقا بالبكاء الحمائم

ـ ..... وأزعم أني هائم ذو صبابة ي لربي فـال أبك !وتبكي البهائم؟

:أيهـا الولــد

أن تعلم أن الطاعة والعبادة ما هي؟: خالصة العلم

اعلم أن الطاعة والعبادة متابعة الشارع في األوامر كل ما تقول وتفعل ، وتترك : والنواهي بالقول والفعل ، يعني

قوله وفعله يكون بإقتداء الشرع ، كما لو صمت في يوم العيد تكون عاصيا ، أو صليت في ثوب مغصـوب وأيام التشريق

.ـ وإن كانت صورة عبادة ـ تأثم

:أيهـا الولــد

ينبغي لك أن يكون قولك وفعلك موافقا للشـرع؛ إذ العلم والعمل بال اقتداء الشرع ضاللة ، وينبغي لك أال تغتـر

بشطح الصوفية وطاماتهم ؛ ألن سلوك هذا الطريـق يكـون فس وقتل هواها بسيف الرياضـة ، بالمجاهدة وقطع شهوة الن .ال بالطامات والترهات

واعلم أن اللسان المطلق والقلب المطبـق المملـوء بالغفلة والشهوة عالمة الشقاوة ، حتى ال تقتل النفس بصـدق

.المجاهدة لن يحيى قلبك بأنوار المعرفة

واعلم أن بعض مسائلك التي سألتني عنها ال يستقيم ! لقول ، إن تبلغ تلك الحالة تعرف ما هـي جوابها بالكتابة وا

وإال فعلمها من المستحيالت؛ ألنها ذوقية ، وكل مـا يكـون ذوقيا ، ال يستقيم وصفه بالقول ، كحالوة الحلو ومرارة المر ، ال تعرف إال بالذوق ، كما حكي أن عنينا كتب إلى صاحب

.أن عرفني لذة المجامعة كيف تكون؟: له

إني كنـت حسـبتك .. يا فالن : هفكتب له في جواب عنينا فقط ، اآلن عرفت أنك عنين وأحمق؛ ألن هـذه اللـذة ذوقية ، إن تصل إليها ، وإال ال يسـتقيم وصـفها بـالقول

.والكتابة

:أيهـا الولــد

بعض مسائلك من هذا القبيل ، وأما البعض الـذي

وغيـره ، " إحياء العلـوم "يستقيم له الجواب فقد ذكرناه في قد وجب على السالك : نذكر ههنا نبذا منه ونشير إليه فنقول و

:أربعة أمور

.اعتقاد صحيح ال يكون فيه بدعة: أول األمر

.توبة نصوح ال يرجع بعده إلى الذلة: والثاني

استرضاء الخصوم حتى ال يبقى ألحد عليك : والثالث .حق

تحصيل علم الشريعة قدر مـا تـؤدي بـه : والرابع .الىأوامر اهللا تع

.ثم من العلوم اآلخرة ما يكون به النجاة

حكي أن الشبلي رحمه اهللا خدم أربعمائـة أسـتاذ ، وقال قرأت أربعة آالف حديث ، ثم اخترت منها حديثا واحدا ، وعملت به ، وخليت ما سواه؛ ألني تأملته فوجدت خالصي ونجاتي فيه ، وكان علم األولين ، واآلخرين كله مندرجا فيه

تفيت به ، وذلك أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قـال فاكاعمل لدنياك بقدر مقامك فيهـا ، واعمـل : (لبعض أصحابه

آلخرتك بقدر بقائك فيها ، واعمل هللا بقدر حاجتـك إليـه ، .(واعمل للنار بقدر صبرك عليها

:أيهـا الولــد

.إذا علمت هذا الحديث ال حاجة إلى العلم الكثير

أن حاتم األصم كان : حكاية أخرى ، وهي وتأمل في من أصحاب شقيق البلخي رحمة اهللا تعالى عليهما ، فسـأله

صاحبتني منذ ثالثين سنة ما حصلت؟: يوما قال

حصلت ثماني فوائد من العلم ، وهي تكفينـي : قال .منه ألني أرجو خالصي ونجاتي فيها

ما هي؟: فقال شفيق

:قال حاتم

ني نظرت إلى الخلق فرأيـت لكـل إ: الفائدة األولى منهم محبوبا ومعشوقا يحبه ويعشقه ، وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلى مرض الموت وبعضه يصاحبه إلى شفير القبر ، ثم يرجع كله ، ويتركه فريدا وحيدا ، وال يدخل معه فـي

.قبره منهم أحد

أفضل محبوب المرء ما يدخل معـه : فتفكرت وقلت فيه ، فما وجدته غير األعمال الصالحة ، في قبره ، ويؤنسه

فأخذتها محبوبة لي؛ لتكون لي سراجا في قبري ، وتؤنسـني

.فيه ، وال تتركني فريدا

أني رأيت الخلق يقتـدون أهـواءهم ، : الفائدة الثانية وأما من {:ويبادرون إلى مرادات أنفسهم ، فتأملت قوله تعالى

ن الجنـة هـي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فـإ وتيقنت أن القرآن حق صادق فبادرت إلى خـالف . }المأوى

نفسي وتشمرت بمجاهدتها ، وما متعتهـا بهواهـا ، حتـى .ارتاضت بطاعة اهللا تعالى وانقادت

أني رأيت كل واحد من الناس يسـعى : الفائدة الثالثة في جميع حطام الدنيا ، ثم يمسكه قابضا يده عليه فتأملت في

فبذلت محصولي } ما عندكم ينفد وما عند اهللا باق {:قوله تعلى من الدنيا لوجه اهللا تعالى ففرقته بين المساكين ليكون ذخـرا

.لي عند اهللا تعالى

أني رأيت بعـض الخلـق يظـن أن : الفائدة الرابعة .شرفه وعزه في كثرة األقوام والعشائر فأعتز بهم

د ، وزعم آخرون أنه في ثروة األموال وكثرة األوال .فافتخروا بها

وحسب بعضهم أن العز والشرف في غصب أمـوال .الناس وظلمهم وسفك دمائهم

واعتقدت طائفة أنه في إتـالف المـال وإسـرافه ، } إن أكرمكم عند اهللا أتقاكم {:وتبذيره ، فتأملت في قوله تعالى

، فاخترت التقوى ، واعتقدت أن القرآن حق صادق ، وظنهم . زائلوحسبانهم كلها باطل

إني رأيت الناس يذم بعضهم بعضا ، : الفائدة الخامسة ويغتاب بعضهم بعضا ، فوجدت أصل ذلك من الحسـد فـي

نحـن قسـمنا {:المال والجاه والعلم ، فتأملت في قوله تعالى فعلمت أن القسمة كانت مـن } بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا

سـمة اهللا اهللا تعالى في األزل ، فما حسدت أحدا ورضيت بق .تعالى

أني رأيت الناس يعـادي بعضـهم : الفائدة السادسة إن الشـيطان {:بعضا لغرض وسبب ، فتأملت في قوله تعالى

فعلمت أنه ال يجوز عداوة أحد غير } لكم عدو فاتخذوه عدوا .الشيطان

أني رأيت كل أحـد يسـعى بجـد ، : الفائدة السابعة يث يقع بـه فـي ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش ، بح

سبهة وحرام وبذل نفسه وينقص قدره ، فتأملت فـي قولـه فعلمـت } وما من دابة في األرض إال على اهللا رزقها {:تعالى

أن رزقي على اهللا تعالى وقد ضمنه ، فاشـتغلت بعبادتـه ، .وقطعت طمعي عمن سواه

أني رأيت كل واحد معتمدا على شيء : الفائدة الثامنة الدينار والدرهم ، وبعضهم على المال مخلوق ، بعضهم على

والملك ، وبعضهم على الحرفة والصناعة ، وبعضهم علـى مخلوق

ومن يتوكل علـى اهللا {:مثله ، فتأملت في قوله تعالى } فهو حسبه ، إن اهللا بالغ أمره ، قد جعل اهللا لكل شيء قدرا

.فتوكلت على اهللا تعالى فهو حسبي ونعم الوكيل

اهللا تعالى إني قد نظرت التـوراة وفقك: فقال شفيق واإلنجيل والزبور والفرقان ، فوجدت الكتب األربعة تـدور على هذه الفوائد الثماني ، فمن عمل بها كان عـامال بهـذه

.الكتب األربعة

:أيهـا الولــد

قد علمت من هاتين الحكايتين أنك ال تحتـاج إلـى : سبيل الحقتكثير العلم ، واآلن أبين لك ما يجب على سالك

فاعلم أنه ينبغي للسالك شيخ مرشد مرب ، ليخـرج .األخالق السيئة منه بتربيته ، ويجعل مكانها خلقا حسنا

ويخرج . ومعنى التربية يشبه الفالح الي يقلع الشوك ويكمل ريعه ، . النباتات األجنبية من بين الزرع لحيسن نباته

يل اهللا تعـالى وال بد للسالك من شيخ يربيه ويرشده إلى سـب ألن اهللا أرسل للعباد رسوال لإلرشاد إلى سبيله فإذا ارتحـل صلى اهللا عليه وسلم فقد خلف الخلفاء فـي مكانـه ، حتـى

.يرشدوا إلى اهللا تعالى

وشرط االشيخ الذي يصلح أن يكون نائبا لرسول اهللا أن يكون عالما إال أن كل عالم ال : صلوات اهللا وسالمه عليه

.فةيصلح للخال

وإني أبين لك بعض عالماته على سبيل اإلجمـال؛ من يعرض عن حب : حتى ال يدعي كل أحد أنه مرشد فنقول

الدنيا وحب الجاه ، وكان قد تابع شـيخا بصـيرا تتسلسـل متابعته إلى سيد المرسلين صلى اهللا عليـه وسـلم ، وكـان محسنا رياضة نفسه من قلة األكل والقـول والنـوم وكثـرة

ات والصدقة والصوم ، وكان بمتابعة الشيخ البصـير الصلوكالصبر والصالة والشـكر : جاعال محاسن األخالق له سيرة

والتوكل واليقين والسخاء والقناعة وطمأنينة الـنفس والحلـم والتواضع والعلم والصدق والحياء والوفاء والوقار والسكون

اهللا عليه والتأني وأمثالها ، فهو إذا نور من أنوار النبي صلى وسلم يصلح لإلقتداء به ، ولكن وجود مثله نادر أعـز مـن

.الكبريت األحمر

ومن ساعدته السعادة فوجد شيخا كما ذكرنا ، وقبله :الشيخ ، ينبغي أن يحترمه ظاهرا وباطنا

أما احترام الظاهر فهو أن ال يجادله ، وال يشـتغل يلقي بين باالحتجاج معه في كل مسألة وإن علم خطأه ، وال

يديه سجادته إال وقت أداء الصالة ، فإذا فرغ مـن الصـالة يرفعها ، وال يكثر نوافل الصالة بحضرته ، ويعمل ما يأمره

الشيخ من العمل بقدر وسعه وطاقته

فهو أن كل ما يسمع ويقبل منه : وأما احترام الباطن سـم في الظاهر ال ينكره في الباطن ال فعال وال قوال؛ لئال يت

بالنفاق ، وإن لم يستطع يترك صحبته إلى أن يوافق ياطنـه .ظاهره

ويحترز عن مجالسة صاحب السوء؛ ليقصر واليـة شياطين اإلنس والجن من صحن قلبه ، فيصفي عـن لـوث

.الشيطنة ، وعلى كل حال يختار الفقر على الغنى

االسـتقامة ، : ثم اعلم أن التصوف لـه خصـلتان

فمن استقام وأحسـن خلقـه بالنـاس والسكون عن الخلق ، ."صوفي"وعاملهم بالحلم فهو

.واالستقامة أن يفدي حظ نفسه لنفسه

أال تحمل الناس على مراد : وحسن الخلق مع الناس .نفسك ، بل تحمل نفسك على مرادهم ما لم يخالفوا الشرع

:ثم إنك سألتني عن العبودية وهي ثالثة أشياء -

.رعمحافظة أمر الش: أحدها

.الرضاء بالقضاء والقدر وقسمة اهللا تعالى: وثانيها

ترك رضاء نفسك فـي طلـب رضـاء اهللا : وثالثها .تعالى

وسألتني عن التوكل؟ -

وهو أن تستحكم اعتقادك باهللا تعالى فيما وعـد ، يعني تعتقد أن ما قدر لك سيصل إليك ال محالة وإن اجتهـد

لم يكتب لـك لـن كل من في العالم على صرفه عنك ، وما .يصل إليك ، وإن ساعدك جميع العالم

وسألتني عن اإلخالص؟ -

وهو أن تكون أعمالك كلها هللا تعـالى ، وال يرتـاح

.قلبك بمحامد الناس ، وال تبالي بمذمتهم

.واعلم أن الرياء يتولد من تعظيم الخلق

وعالجه أن تراهم مسخرين تحت القدرة ، وتحسبهم قدرة إيصال الراحة والمشقة لتخلص من كالجمادات في عدم

ومتى تحسبهم ذوي قدرة وإرادة لن يبعـد عنـك . مراياتهم .الرياء

:أيهـا الولــد

والباقي من مسائلك بعضها مسطور في مصنفاتي ، وكتابة بعضها حرام ، اعمل أنت بمـا تعلـم ، : فاطلبه ثمة

: ه وسلم لينكشف لك ما لم تعلم ، قال رسول اهللا صلى اهللا علي .(من عمل بما علم ورثه اهللا علم ما لم يعلم(

:أيهـا الولــد

بعد اليوم ال تسألني ما أشكل عليك إال بلسان الجنان ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيـرا {:، قال تعالى

{لهم

فـال {:واقبل نصيحة الخضر عليه السالم حين قـال {تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا

ــه يكشــف لــك ــغ أوان وال تســتعجل حتــى تبل .{سأوريكم آياتي فال تستعجلون{:وتره

فال تسألني قبل الوقت وتيقن أنك ال تصل إال بالسير .{أولم يسيروا في األرض فينظروا{:لقوله تعالى

:أيهـا الولــد

باهللا إن تسر تر العجائب في كل منـزل ، وابـذل ح ، كما قال ذو النون روحك ، فإن رأس هذا األمر بذل الرو

إن قدرت على : (المصري رحمه اهللا تعالى ألحد من تالمذته .(بذل الروح فتعال ، وإال فال تسشتغل بالترهات الصوفية

:أيهـا الولــد

إني أنصحك بثمانية أشياء ، اقبلها مني لئال يكـون علمك خصمك يوم القيامة ، تعمل منها أربعة ، وتدع منهـا

:أربعة

:لواتي تدعأما ال

أال تناظر أحدا في مسألة ما اسـتطعت ألن : فأحدها فيها آفات كثيرة ، فإثمها أكبر من نفعها ، إذ هي منبع كـل خلق ذميم كالرياء والحسد والكبر والحقد والعداوة والمباهـاة

.وغيرها

نعم ، لو وقع مسألة بينك وبين شخص أو أقـوام ، يضيع ، جاز البحث ، وكانت إرادتك فيها أن تظهر الحق وال

:لكن لتلك اإلرادة عالمتان

أال تفرق بين أن ينكشف الحق على لسانك : إحداهما .أو على لسان غيرك

أن يكون البحث في الخالء أحب إليك مـن : والثانية .أن يكون في المأل

واسمع أني أذكر ههنا فائدة ، واعلم أن السؤال عن طبيب ، والجواب لـه المشكالت عرض مرض القلب إلى ال

.سعي إلصالح مرضه

: المرضى قلوبهم ، والعلمـاء : واعلم أن الجاهليين .األطباء

والعالم الناقص ال يحسن المعالجة ، والعالم الكامـل ال يعالج كل مريض ، بل يعالج من يرجو فيه قبول المعالجة والصالح ، فإذا كانت العلة مزمنة أو عقيما ال تقبل العالج ،

هذا ال يقبل العالج ، فال تشغل : اقة الطبيب فيه أن يقول فحذ .فيه بمداواته ألن فيه تضييع العمر

أحدها : ثم اعلم أن مرض الجهل على أربعة أنواع .يقبل العالج ، والباقي ال يقبل

:أما الذي ال يقبل -

من كان سؤاله واعتراضـه عـن حسـد : فأحدهما وأفصحه ، فال يزيد له وبغض ، فكلما تجيبه بأحسن الجواب

ذلك إال بغضا عداوة وحسدا ، فالطريق أال تشتغل بجوابـه ، :فقد قيل

إال عداوة من عاداك ... كل العداوة قد ترجى أزالتها عن حسد

فينبغي أن تعرض عنه ، وتتركه مع مرضه؛ قـال فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولـم يـرد إال {:اهللا تعالى

.{الحياة الدنيا

د بكل ما يقول ويفعل يوقد النار فـي زرع والحسو .(الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب: (علمه

أن تكون علته من الحماقة ، وهو أيضا ال : والثاني إني ما عجزت عن : يقبل العالج كما قال عيسى عليه السالم

.إحياء الموتى ، وقد عجزت عن معالجة األحمق

زمنا قلـيال ويـتعلم وذلك رجل يشتغل بطلب العلم شيئا قليال من علوم العقل والشرع ، فيسأل ، ويعترض مـن

: حماقته على العالم الكبير ، الذي أمضى عمره فـي العلـوم العقلي والشرعي ، وهذا األحمق ال يعلم ، ويظن أن ما أشكل عليه هو أيضا مشكل للعالم الكبير ، فإذا لم يعلم هذا القـدر

.ة ، فينبغي أال يشتغل بجوابهيكون سؤاله من الحماق

أن يكون مسترشدا ، وكل ما ال يفهم مـن : والثالث كالم األكابر يحمل على قصور فهمه ، وكان سؤاله لالستفادة ، لكن لكونه بليدا ال يدرك الحقائق ، فال ينبغـي االشـتغال

: بجوابه أيضا ، كما قال رسول اهللا صلى اهللا عليـه وسـلم .( أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهنحن معاشر األنبياء(

وأما المرض الذي يقبل العالج ، فهـو أن يكـون مسترشدا عاقال فهما ال يكون مغلوب الحسد والغضب وحب

ويكون طالب طريق المستقيم ، ولـم . الشهوة والجاه والمال يكن سؤاله واعتراضه عن حسد ، وتعنت وامتحان ، وهـذا

تشتغل بجواب سؤاله بل يجب عليك يقبل العالج ، فيجوز أن .إجابته

وهو أن تحذر وتحتـرز مـن أن : والثاني مما تدع

تكون واعظا ومذكرا؛ ألن آفته كثيرة إال أن تعمل بما تقـول : أوال ، ثم تعظ به الناس ، فتفكر فيما قيل لعيسى عليه السالم

يا ابن مريم عظ نفسك ، فإن اتعظت فعـظ النـاس ، وإال ( .(كفاستح من رب

:وإن ابتليت بهذا العمل فاحترز عن خصلتين

عـن التكلـف فـي الكـالم بالعبـارات : األولى واإلشارات والطامات واألبيات واألشـعار؛ ألن اهللا تعـالى يبغض المتكلفين ، والمتكلف المتجاوز عن الحد ، يدل علـى

.خراب الباطن وغفلة القلب

، أن يـذكر العبـد نـار اآلخـرة : ومعنى التذكير وتقصير نفسه في خدمة الخالق ويتفكر في عمره الماضـي الذي أفناه فيما ال يعنيه ويتفكر فيما بين يديه من العقبات من عدم سالمة اإليمان في الخاتمة ، وكيفية حاله في قبض ملك

الموت ، وهل يقدر على جواب منكر ونكير؟

ويهتم بحاله في القيامة ومواقفها ، وهل يعبال عـن اط سالما أم يقع في الهاوية؟الصر

ويستمر ذكر هذه األشياء في قلبه ، فيزعجـه عـن قراره ، فغليان هذه النيران ، وتوجه هذه المصـائب يسـمى

تذكيرا ، وإعالم الخلق واطالعهـم علـى هـذه األشـياء ، وتنبيههم على تقصيرهم وتفـريطهم ، وتبصـيرهم بعيـوب

المجلس ، وتجـزعهم أنفسهم لتمس حرارة هذه النيران أهل تلك المصائب ليتداركوا العمـر الماضـي بقـدر الطاقـة ،

.ويتحسروا على األيام الخالية في غير طاعة هللا تعالى

هذه الجملة على هذا الطريق تسمى وعظا ، كما لو رأيت أن السيل قد هجم على دار أحد ، وكان هو وأهله فيها

يشتهي قلبك في وهل!! الحذر الحذر فروا من السيل : فتقولهذه الحالة أن تخبر صاحب الدار خبرك بتكلف العبـارات ، والنكت واإلشارات؟ فال يشتهي البتة؛ فكذلك حـال الـواعظ

.فينبغي أن يجتنبها

أال تكون همتك في وعظك أن ينفر : الخصلة الثانية : الخلق في مجلسك ويظهروا الوجد ، ويشقوا الثياب ، ليقـال

ألن كله ميل للدنيا والرياء ، وهو يتولد من نعم المجلس هذا؛ الغفلة ، بل ينبغي أن يكون عزمك وهمتك أن تدعو النـاس من الدنيا إلى اآلخرة ، ومن المعصية إلى الطاعـة ، ومـن الحرص إلى الزهد ، ومن البخل إلى السخاء ، ومن الغرور إلى التقوى ، وتحبب إليهم اآلخرة ، وتبغض إليهم الـدنيا ،

علمهم علم العبادة والزهد؛ ألن الغالب على طباعهم الزيـغ وتعن نهج الشرع ، والسعي فيما ال يرضى اهللا تعـالى بـه ، واالشتغال باألخالق الردية ، فألق فـي قلـوبهم الرعـب ، وروعهم ، وحذرهم عما يستقبلون من المخاوف؛ لعل صفات

حرص باطنهم تتغير ، ومعاملة ظاهرهم تتبدل ، ويظهروا ال والرغبة في الطاعة والرجوع عن المعصية ، وهذا طريـق الوعظ والنصيحة ، وكل وعظ ال يكون هكذا فهو وبال على

إنه غول وشيطان ، يذهب بالخلق : من قال ويسمع ، بل قيل عن الطريق ويهلكهم ، فيجب عليهم أن يفروا منه؛ ألن مـا

ان ، ومن يفسد هذا القائل من دينهم ، ال يستطيع بمثله الشيط كان له يد وقدرة يجب عليه أن ينزله عن منـابر المسـلمين ويمنعه عما باشر ، فإنه من جملة األمر بالمعروف والنهـي

.عن المنكر

أنه ال تخالط األمراء والسـالطين : والثالث مما تدع وال ترهم ، ألن رؤيتهم ومجالستهم ومخالطتهم آفة عظيمة ،

وثنـاءهم ، ألن اهللا تعـالى ولو ابتليت بها دع عنك مدحهم يغضب إذا مدح الفاسق والظالم ، ومن دعا لطول بقائهم فقد

.حب أن يعصى اهللا في أرضهأ

أال تقبل شيئا من عطاء األمـراء : والرابع مما تدع وهداياهم وإن علمت أنها من الحالل ، ألن الطمع منهم يفسد

والموافقـة الدين ، ألنه يتولد من المداهنة ، ومراعاة جانبهم في ظلمهم ، وهذا كله فساد في الدين ، وأقل مضرته أنك إذا قبلت عطاياهم ، وانتفعت من دنياهم أحببتهم ، ومـن أحـبأحدا يحب طول عمره ، وبقاءه بالضرورة ، وفي محبة بقاء الظالم إرادة في الظلم على عباد اهللا تعالى ، وإرادة خـراب

. هذا على الدين والعاقبةالعالم ، فأي شيء يكون أضر من

وإياك وإياك أن تخدع باستهواء الشياطين أو قـول بأن األفضل واألولى أن تأخذ منهم الـدينار : بعض الناس لك

والدهم ، وتفرقها بين الفقراء والمساكين؛ فإنهم ينفقون علـى الفسق والمعصية ، وإنفاقك على ضعفاء النـاس خيـر مـن

ع أعناق كثير مـن النـاس بهـذه إنفاقهم؛ فإن اللعين قد قط .الوسوسة وآفته كثيرة ، ذكرناها في إحياء العلوم فاطلبه منها

:وأما األربعة التي ينبغي لك أن تفعلها

أن تجعل معاملتك مع اهللا تعالى ، بحيث لـو : األول عامل بها عبدك معك ترضى بها منه ، وال يضيق خـاطرك

فسك مـن عبـدك عليه وال تغضب ، والذي ال ترضى به لن

.المجازي فال ترضى أيضا هللا تعالى وهو سيدك الحقيقي

كلما عملت بالناس اجعلـه كمـا ترضـى : والثاني لنفسك منهم؛ ألنه ال يكمل إيمان عبد حتى يحب لسائر الناس

.ما يحب لنفسه

إذا قرأت العلم أو طالعته ، ينبغي أن يكون : والثالث سك ، كما لـو علمـت أن علمك علما يصلح قلبك ويزكي نف

عمرك ما يبقى غير أسبوع ، فبالضرورة ال تشتغل فيها بعلم الفقه والخالف واألصول والكالم وأمثالها؛ ألنك تعلم أن هذه العلوم ال تغنيك ، بل تشتغل بمراقبة القلب ، ومعرفة صفات النفس ، واإلعراض عن عالئق الدنيا ، وتزكي نفسك عـن

ل بمحبـة اهللا تعـالى وعبادتـه ، األخالق الذميمة وتشـتغ واالتصاف باألوصاف الحسنة ، وال يمر على عبد يوم وليلة

.إال ويمكن أن يكون موته فيه

:أيهـا الولــد

اسمع مني كالما آخر ، وتفكر فيه حتى تجـد فيـه . لو أنك أخبرت أن السلطان بعد أسبوع يجيئك زائرا : خالصا

ال بإصالح ما علمـت أن أعلم أنك في تلك المدة ال تشتغل إ نظر السلطان سيقع عليه من الثياب والبدن ، والدار والفرش

.وغيرها

واآلن تفكر إلى ما أشرت به فإنك فهـم ، والكـالم إن : (الفرد يكفي الكيس ، قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

اهللا ال ينظر إلى صوركم وال إلى أعمالكم ولكن ينظر إلـى .(قلوبكم ونياتكم

وإن أردت علم أحوال القلب فانظر إلـى اإلحيـاء وغيره من مصنفاتي وهذا العلم فرض عين ، وغيره فرض كفاية إال بمقدار ما يؤدي به إلى فرائض اهللا تعالى ، وهـو

.يوفقك حتى تحصله

أال تجمع من الدنيا أكثر من كفاية سـنة ، : والرابع د ذلـك لـبعض كما كان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يع

، ولم يكن ) اللهم اجعل قوت آل محمد كفافا : (حجراته ، وقال يعد بعد ذلك لكل حجراته بل كان يعده لمن علم أن في قلبها ضعفا ، وأما من كانت صاحبة يقين فما كان يعد لها أكثر من

.قوت يوم ونصف

:أيهـا الولــد

إني كتبت في هذا الفصل ملتمساتك ، فينبغي لك أن .تعمل بها وال تنساني فيه أن تذكرني في صالح دعائك

وأما الدعاء الذي سألت مني فاطلبه مـن دعـوات الصحاح ، واقرأ هذا الدعاء في أوقاتـك ، خصوصـا فـي

:أعقاب صلواتك

اللهم إني أسألك من النعمة تمامها ، ومن العصـمة دوامها ، ومن الرحمة شمولها ، ومن العافية حصولها ، ومن

لعيش أرغده ، ومن العمر أسعده ومن اإلحسان أتمه ، ومن ا .اإلنعام أعمه ، ومن الفضل أعذبه ، ومن اللطف أقربه

اللهم كن لنا وال تكن علينا ، اللهم اخـتم بالسـعادة آجالنا ، وحقق بالزيادة آمالنا ، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا

جال عفوك ، واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومآلنا ، واصبب س على ذنوبنا ، ومن علينا بإصالح عيوبنا ، واجعـل التقـوى

.زادنا ، وفي دينك اجتهادنا ، وعليك توكلنا واعتمادنا

اللهم ثبتنا على نهج االستقامة ، وأعذنا في الدنيا من موجبات الندامة يوم القيامة ، وخفـف عنـا ثقـل األوزار ،

نا شر األشرار ، وارزقنا عيشة األبرار ، واكفنا واصرف ع واتق رقابنا ، ورقاب آبائنا ، وأمهاتنا ومشايخنا من النـار ، برحمتك يا عزيز يا غفار ، يا كريم يا ستار ، يا حلـيم يـا

يا رحيم ، يا رحـيم ، .. يا اهللا .. يا اهللا .. يا اهللا .. جبار يا اهللا

يا أرحم الراحمين ويا أول األولين ، ويا آخر اآلخرين ، ويا القوة المتين ، ويا راحم المساكين ، ويا أرحم الراحمين ، ذا

..ال إله إال أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

..وصلى اهللا على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين

.والحمد هللا رب العالمين