17
* Azmi Bishara | عزمي بشارةّ حلءمتها لافقية وممقراطية التوفهوم الدي ر مّ في تطوان إيرلندا ولبن نموذجالطائفية:ت اعا الصراOn the Development of the Concept of Consociational Democracy and its Adequacy for Resolving Sectarian Conflicts: Northern Ireland and Lebanon as Case Studies 7 ياسات.ة السث ودراس بحا لمركز العرللعام لدير ا، ا مفكر عر* Arab Public Intellectual, General Director of the Arab Center for Research and Policy Studies. ياتافقية"، وتبدأ من البدامقراطية التو رف بـ "الديَ عُ ا يً ا" إشكاليً ا نظريً قش الدراسة "نموذج تنارية عاملمه التفســي بنضوج معااًورســاوية، مرركســية النملماصطلح، مع اولى لنشــأة الم ايلفات غابري تصني ليبهارتكي آرنتميرسة الهولندي السيالم ا نقاش عا سياق في1969 ظريــة" يمكــن بلورتــه بوصفــه "نيــة، قبــلمقراطيــة الغربة الديياســينظمــة الس ألمونــد لته،ستعمالمصطلح وا ا لً وي ا بنيً ة. تقدم الدراسة نقدت المنقسملمجتمعا على ا تطبيقهاورة قبل أن الضرلية أملتهاقية" بدأت بوصفها سياسات عممقراطية التوافج بأن "الدي فتحاج عملية اســتقراء كونهاــدو عــن تع حقــةرت ال ــا، وأن إســهامات ليبهــاً ــا نظريً تصبــح نموذجســلطة"رك العنــي مصطلــح "تشــا ي ،ــن ثــم "نظريــة"، ومن أن تكــونيــة مــن دو لتجــارب عينحظاتة. في ضوء ذلك، تصوغ الدراســة ممقراطيق الديورة، تحقي، بالضرPower Sharing مقراطيةــة والدي بيــن التوافقيٍ تمييــز على نحو كافعد في الها أن تســا شــأن عــدة من نظريــة حالتيــن، أوروبية" فيا "النمــوذج النظــريءمــة هذرن الدراســة مدى م، تقــا اً افقيــة. وأخيــر التو.)انلبن( ، وعربية)إيرلندا( متبادل،طة، الفيتو السلرك ال، تشا ليبهارتوافقية، آرنتمقراطية الت الدي: مفتاحية كلماتلمتجانسة.ت غير المجتمعا اis paper addresses a theoretical model for the concept of "consociational democracy", beginning with the concept's roots in the Austrian Marxist tradition before describing its elaboration in 1969 by the Dutch-American political scientist Arend Lijphart. Lijphart's work was part of his wider critique of Gabriel Almond's categorization of Western political systems. is study presents a structural criticism of the term "consociational democracy" and its usage, arguing that the practice of "consociational democracy" was born of pragmatic policies before maturing into a theoretical model. It argues that the subsequent contributions of Lijphart were merely an extrapolation from a set of examples without "theory" to underpin it and that "power sharing" does not necessarily lead to democratization. e study thus draws up several theoretical observations that help distinguish "consociationalism" from "consociational democracy". Finally, the paper contrasts the suitability of this theoretical model for both Northern Ireland and Lebanon. Keywords: Consociational Democracy, Arend Lijphart, Power Sharing, Mutual Veto, Heterogeneous Societies.

Northern Ireland and Lebanon as Case Studies · Democracy and its Adequacy for Resolving Sectarian ... the suitability of this theoretical model for both Northern Ireland ... 3 David

Embed Size (px)

Citation preview

7

*Azmi Bishara | عزمي بشارة

في تطور مفهوم الديمقراطية التوافقية ومالءمتها لحل الصراعات الطائفية: نموذجا إيرلندا ولبنان

On the Development of the Concept of Consociational Democracy and its Adequacy for Resolving Sectarian Conflicts:Northern Ireland and Lebanon as Case Studies

77

* مفكر عريب، املدير العام للمركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات.Arab Public Intellectual, General Director of the Arab Center for Research and Policy Studies.

تناقش الدراسة "نموذجا نظريا" إشكاليا يعرف بـ "الديمقراطية التوافقية"، وتبدأ من البدايات األولى لنشــأة المصطلح، مع الماركســية النمســاوية، مرورا بنضوج معالمه التفســيرية عام 1969 في سياق نقاش عالم السياسة الهولندي األميركي آرنت ليبهارت تصنيفات غابرييل ألمونــد لألنظمــة السياســية الديمقراطيــة الغربيــة، قبــل بلورتــه بوصفــه "نظريــة" يمكــن تطبيقها على المجتمعات المنقسمة. تقدم الدراسة نقدا بنيويا للمصطلح واستعماالته، فتحاجج بأن "الديمقراطية التوافقية" بدأت بوصفها سياسات عملية أملتها الضرورة قبل أن تصبــح نموذجــا نظريــا، وأن إســهامات ليبهــارت الالحقــة ال تعــدو عــن كونها عملية اســتقراء لتجــارب عينيــة مــن دون أن تكــون "نظريــة"، ومــن ثــم، ال يعنــي مصطلــح "تشــارك الســلطة" Power Sharing، بالضرورة، تحقيق الديمقراطية. في ضوء ذلك، تصوغ الدراســة مالحظات نظريــة عــدة من شــأنها أن تســاعد في التمييــز على نحو كاف بيــن التوافقيــة والديمقراطية التوافقيــة. وأخيــرا، تقــارن الدراســة مدى مالءمــة هذا "النمــوذج النظــري" في حالتيــن، أوروبية

)إيرلندا(، وعربية )لبنان(.

كلمات مفتاحية: الديمقراطية التوافقية، آرنت ليبهارت، تشارك السلطة، الفيتو المتبادل، المجتمعات غير المتجانسة.

This paper addresses a theoretical model for the concept of "consociational democracy", beginning with the concept's roots in the Austrian Marxist tradition before describing its elaboration in 1969 by the Dutch-American political scientist Arend Lijphart. Lijphart's work was part of his wider critique of Gabriel Almond's categorization of Western political systems. This study presents a structural criticism of the term "consociational democracy" and its usage, arguing that the practice of "consociational democracy" was born of pragmatic policies before maturing into a theoretical model. It argues that the subsequent contributions of Lijphart were merely an extrapolation from a set of examples without "theory" to underpin it and that "power sharing" does not necessarily lead to democratization. The study thus draws up several theoretical observations that help distinguish "consociationalism" from "consociational democracy". Finally, the paper contrasts the suitability of this theoretical model for both Northern Ireland and Lebanon.

Keywords: Consociational Democracy, Arend Lijphart, Power Sharing, Mutual Veto, Heterogeneous Societies.

العدد 30

كانون الثاني / يناير 2018 8

من الفرد إلى الجماعة)))متثل فكرة التوافقية نقطة تقاطع الحلول السياسية التي تأخذ متثيل

االنتخابات، طريقة مستوى عىل الحسبان يف الجامعية الهويات

السيايس مبجمله من أجل النظام واالئتالفات، وأحيانا عىل مستوى

تحقيق االستقرار وتجنب الرصاع والحرب األهلية.

وقد ظهرت مناذج التوافقية عمليا يف نهاية القرن التاسع عرش، ومع

هولندا يف بداية غربية، أوروبية بلدان يف العرشين القرن بداية

املتعددة الدول بعض يف تحديدا أي والنمسا، وسويرسا وبلجيكا

القوميات واللغات، سعيا لتحقيق االستقرار يف إطار سيايس ال يحرص

ش فيها األقليات اإلثنية. نفسه يف "دميقراطية األغلبية" التي قد تهم

العينية وتطورها، بنى مفكرون سياسيون منذ التجارب وعىل هذه

التوافقية الدميقراطية فكرة وستينياته املايض القرن خمسينيات

ليمربوخ غريهارد أبرزهم ومن ،Consociational Democracy

،Gabriel A. Almond أملوند Gerhard Lehmbruch وغابرييل

هذا يف ليبهارت تخصص وقد .Arend Lijphart ليبهارت وآرنت

النموذج، ونظر له، وتابع نشوء مناذج جديدة إلدخال تعديالت عىل

ما عد نظرية.

يعني هذا أن التوافقية بدأت بوصفها سياسات عملية أملتها الرضورة

ودساتري متناسبة مع الحاجة والتجربة التاريخية والثقافة، وتوطنت

حتى يف األعراف يف دول معنية، وذلك قبل أن تصبح منوذجا نظريا.

وهذه حقيقة يفرتض أن توضع نصب أعيننا قبل التعامل مع هذه

الفكرة كأنها نظرية قامئة بذاتها، إذ يقاربها بعضهم كأنها النموذج

الحالة أنه يف هذه من الرغم يطبق، عىل أن يفرتض الذي األوحد

منوذج تطبيق يجر مل ثم ومن تاريخيا؛ النظرية املامرسة سبقت

حرصي أصال. فأمناطها املختلفة ارتبطت بالبنية االجتامعية والسياسية

والظروف واملعطيات والثقافة السياسية السائدة يف أوساط الفاعلني

السياسيني يف كل دولة. وبعضها مل ينتج أنظمة توافقية دميقراطية،

بل "توافقيات"، أو توافقات، هي مبنزلة "كارتيالت" بني نخب طائفية

الرصاع عىل قضايا لحل األعم النموذج زال وما أو غريها. إثنية أو

أساس القامئة عىل الدميقراطية الدولة عادل هو نحو السلطة عىل

املواطنة املتساوية وسيادة القانون، وقد يتضمن ذلك أشكاال مختلفة

من اإلدارات الذاتية املحلية والجهوية والثقافية.

ألتوسيوس يوهان األملاين الفيلسوف كتابات إىل املصطلح ويعود

املصطلح استخدم الذي Johannes Althusius (1638-1557)

1 ميثل هذا النص جزءا من الفصل الذي يحمل العنوان نفسه، من كتاب املؤلف الطائفة، الطائفية، الطوائف املتخيلة، الذي يصدر قريبا عن املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات.

قد املصطلح هذا أن ليبهارت ويبني .(() Consociation الالتيني

من النمساويني؛ املاركسيني السياسيني كتابات يف أيضا استخدم

بداية Karl Renner يف ريرن وكارل Otto Bauer باور أوتو أمثال

القرن العرشين، ويف دراسة ديفيد أبرت يف عام 1961 حول أوغندا(3)،

أفريقيا"()) "السياسة يف غرب بعنوان لويس آرثر دراسة وكذلك يف

ليمربوخ غريهارد األملاين الباحث أن إىل يشري كام .1965 عام يف

استخدم املصطلح ذاته يف عام 1967 يف دراسته "دميقراطية التمثيل

املتناسب"(5) التي تتشابه مع نظريته "الدميقراطية التوافقية"(6).

وتتمثل مساهمة املاركسية النمساوية املهمة يف بداية القرن املايض عند

أوتو باور(7) وكارل ريرن، عىل نحو خاص، برضورة االعرتاف بالقوميات يف

إطار الدول املتعددة القوميات، ومنحها إدارة ذاتية ثقافية عىل أساس

2 من الصعب يف هذا املقام مراجعة أفكار هذا املفكر السيايس، فذكره هنا يرد من باب التأريخ للمصطلح. أما بخصوص الفكرة ذاتها، فثمة نقاش بني الباحثني حول مكانة التوسيوس يف وضعها. فبعضهم يعده أبا الفيدرالية الحديثة، وبعضهم اآلخر يعد فكره محاولة يف إحياء كوربراتية العرص الوسيط. وعىل كل حال، ال بد هنا من تأكيد أن التوسيوس انطلق من أولوية خالفا فهو ونظرية؛ تاريخية مقولة وهذه الفرد. من وليس السيايس، التنظري يف الجامعة

ملنظري العقد االجتامعي، رفض فكرة الفرد من دون جامعة يف الحالة الطبيعية.

3 David E. Apter, The Political Kingdom in Uganda: A Study in Bureaurcratic Nationalism (Princeton: Princeton University Press, 1961).

4 Arthur W. Lewis, Politics in West Africa (London: Allen and Unwin, 1965).

5 Gerhard Lehmbruch, Proporzdemokratie: Politisches System und politische Kultur in der Schweiz und in Österreich (Tübingen: Mohr, 1967).لتمييز و"تناسبي"، و"متناسب" "تناسب" إىل Proportionalو Proportion ترجمنا واملجالس. الربملان يف نسبي القامئة متثيل النسبية، حيث االنتخابات من طريقة املصطلح ولكن التمثيل املتناسب هو الذي يتناسب مع العدد أو النسبة إىل "الجامعة" من السكان،

سواء أكانت إثنية أم مذهبية أم غريها.

6 Arend Lijphart, Thinking about Democracy: Power Sharing and Majority Rule in Theory and Practice (London and New York: Routledge, (008), pp. 3 - (.

7 أصدر باور كتابه مسألة القوميات واالشرتاكية الدميقراطية يف فيينا عام 1907 (الطبعة الثانية عام ))19)، وأثار نقاشا واسعا ومعارضة حادة من جانب الشيوعيني الروس. وقد رد عليه ستالني بتشجيع من لينني نفسه. وشكل الكتاب تغيريا جذريا يف املوقف املاركيس السائد الطبقي، بل عدها إطارا ثقافيا جامعا القومية، وذلك بعدم اختزالها يف مسألة الرصاع من للطبقات. لقد كان كتاب أوتو باور وكارل ريرن يف ظروف اإلمرباطورية النمساوية الهنغارية بحثا عن حلول ملسألة القوميات، من دون أوهام متعلقة بإمكانية دمج القوميات يف قومية واحدة، ومع تجنب تفتيت الكيانات القامئة وانفصاالت تؤدي إىل تطهري إثني كام حصل يف البلقان يف نهاية القرن العرشين. لهذا، صاغا فكرة الحكم الذايت الثقايف للقوميات غري املرتبط

بأرض محددة. انظر:Otto Bauer, The Question of Nationalities and Social Democracy, Joseph O'Donnell (trans.), (Minneapolis and London: University of Minnesota Press, (000).وانظر، خاصة، الفصلني األول والثاين حول القومية، وكذلك الفصل الرابع عن الحكم الذايت؛

وانظر أيضا مقالة كارل ريرن عام 1899 التي مل أجد ترجمة إنكليزية لها:Karl Renner, "Staat und Nation," in: Karl Renner, Schriften (Wien: Residenz Verlag, 199(); Karl Renner, Der Kampf der österreichischen Nationen um den Staat (Published under the pseudonym Rudolf Spring), (Leipzig und Wien: Deuticke, 190(); Karl Renner, Das Selbstbestimmungsrecht der Nationen in besonderer Anwendung auf Österreich (Leipzig und Wien: Deuticke, 1918).

9دراسات

في تطور مفهوم الديمقراطية التوافقية ومالءمتها لحل الصراعات الطائفية:نموذجا إيرلندا ولبنان

انتامء أساس أي عىل أو جهوي، إقليمي أساس شخيص، وليس عىل

األفراد إىل القومية، وهي بالنسبة إليهام جامعة ثقافية. وتقوم اإلدارة

الذاتية يف الدول التي تتداخل فيها القوميات، حيثام وجد األشخاص

املنتمون إىل هذه الثقافة، وليس بناء عىل أرض أو إقليم معني؛ وبذلك

اعرتضا عىل املاركسية األرثوذكسية التقليدية التي ترى يف نهاية الرصاع

الطبقي حال لجميع املشكالت، مبا فيها الرصاعات القومية، كام خالفا

النظرية الليربالية التي ال تعرتف بأي كيان قانوين بني الفرد والدولة.

متعلقة بتعريفها هي الكالسيكية الليربالية النظرية يف فالحقوق

باملواطن الفرد، وال مكان فيها لحقوق متنح للجامعات داخل الدولة.

Corporative لقد أضاف باور وريرن القومية بوصفها جسام تعاضديا

وحدة عىل للحفاظ به االعرتاف من ال بد والدولة، الفرد بني قامئا

ينطبق أن منوذجهام هذا يريان ال القوميات. وهام املتعددة الدول

عىل الطوائف الدينية، ما عدا يف الحقوق الدينية ذاتها، مبا فيها إدارة

فتمنح الثقافية، الذاتية اإلدارة أما والعبادات. الدينية املؤسسات

للقوميات يف حالة تعددها داخل الدولة. ولذلك اعرتض باور عىل منح

الحكم الذايت الثقايف لليهود وعده عودة إىل الخلف، مقارنة باالندماج

الذي بدأ يتحقق يف املجتمع الحديث، فاليهود يندمجون يف قوميات

مختلفة(8). ومن هنا نرى أن برنامج اإلدارة الذاتية لجامعات داخل الدولة

العبادية وأعرافها الدينية. فهذه تدير شؤونها مل يعد أصال للطوائف

بنفسها، وهذه مفصولة عن الدولة يف حالة املجتمعات املعلمنة، إنها

إدارة ذاتية يف الشؤون الدينية. لهذا، فال حديث عن فيدراليات طوائف،

أو إدارة ذاتية ثقافية مأمسسة دستوريا للطوائف كأنها قوميات(9).

أساس عىل الجامعية الحقوق منوذج يأخذ لبنانيا باحثا ونجد

يف ما تنشئ إثنيات كأنها اللبنانية الطوائف لتطبيقها عىل شخيص

بينها فيدرالية جامعات (وليس واليات أو محافظات مثال). فيكتب

أن اللبناين الدستوري النظام يف العامة النظرية يف مرسة أنطوان

الدستور وامليثاق يف لبنان فيدراليان، ولكن ذلك عىل أسس شخصية

عىل بناء الطوائف متثيل من خالل أي إقليمية، أسس عىل وليس

انتامء املواطن إىل طائفة، ومن خالل استقاللية الطوائف يف مسائل

مثل األحوال الشخصية والتعليم(10). ويستند يف ذلك إىل التمييز بني

التخصيص أو "الكوتا" قاعدة أوال، هي: للطائفية، تعريفات ثالثة

تصنيف إىل رأيه، يف مغلق، نحو عىل تطبيقها ويؤدي للطوائف؛

8 بخصوص موقف باور السلبي من مسألة الحكم الذايت لليهود وتأكيده لالندماج، انظر:Bauer, pp. (91-308.

9 وهذا أيضا رأينا الذي عربنا عنه يف كتاب آخر. انظر: عزمي بشارة، يف املسألة العربية: مقدمة لبيان دميقراطي عريب (بريوت: مركز دراسات الوحدة العربية، 007))، ص 160-)16،

.189-183

10 أنطوان مرسة، النظرية العامة يف النظام الدستوري اللبناين: أبحاث مقارنة يف أنظمة املشاركة (بريوت: املكتبة الرشقية، 005))، ص 89.

املواطنني واإلساءة إىل مبدأ تكافؤ الفرص، إضافة إىل إرهاق اإلدارة

مبراكز لتحقيق التوازن، ومنع اتخاذ القرارات، ألن األكرثية البسيطة

النمسا يف رأيه، بحسب قائم، (الكوتا) والتخصيص بها. تسمح ال

قبل وقربص، وكولومبيا وماليزيا وكندا وبلجيكا وهولندا وسويرسا

االستقاللية ثانيا، البلدان. من ذلك وغري وفيتنام، والهند االنقسام،

ذلك ويعني التعليم وغريها؛ ورمبا للطوائف الشخصية األحوال يف

بني التقاء يكون ال حيث شخيص أساس عىل الفيدرالية من نوعا

الحدود الطائفية والحدود الجغرافية. ثالثا، املعنى السلبي للطائفية؛

أي تطييف الدين إلذكاء النزاعات(11)، أو استغالل الدين يف التنافس

السيايس من جانب رجال السياسة ورجال الدين، وهذه األمور من

تعالج هذه األخرى. وال العربية اللبناين واألنظمة النظام معضالت

املسألة بإلغاء الطائفية باملعنيني السابقني. فهي إشكالية مختلفة.

املؤلف كتابه امتداد عىل الطائفية التعريفات هذه مرسة ويكرر

اللبنانية امليثاقية من عدة مقاالت ومحارضات، مثلام يكرر تعريف

يف يستند يقول، كام وهو، الكتاب. لهذا ناظم كخيط وتحديدها

إىل ترشيعية" "فيدرالية أو مندمجة"، "فيدرالية مصطلح استعامل

منوذجا النواب مجلس "ميثل :19(7 سنة كتب الذي شيحا ميشيل

خاصا من الفيدرالية. كام أنه يوجد يف سويرسا كنتونات يوجد يف لبنان

طوائف. أساس الكنتونات مناطق، وأساس الطوائف ترشيع فقط، أي

االنتامء إىل أحوال شخصية"()1). ولو كان هذا صحيحا النتهى النظام

الطائفي اللبناين مبجرد علمنة قوانني األحوال الشخصية، فهل ستكفي

خطوة كهذه إلنهاء نظام الطوائف بعد أن ترسخت الطائفية السياسية؟

وهل ظل أمر هذا النظام مختزال يف األحوال الشخصية ومتوقفا عليها؟

نظرية ليبهارت في التوافقية ،1968 عام التوافقية الدميقراطية ملفهوم التنظري يف ليبهارت بدأ

وذلك يف كتابه سياسات االستيعاب(13) الذي درس الحالة الهولندية.

االنقسامات أولهام متغريين: عىل اعتمد الــدراســة، هذه ويف

والدولة الدين وقضايا طبقية قضايا حول والسياسية االجتامعية

(مبا يف ذلك االنقسام بني كالفينيني وكاثوليك) يف املجتمع الهولندي،

وثانيهام طبيعة النخب السياسية، ومدى توافقها يف تحقيق االستقرار

أن هولندا حققت نتيجة مفادها ليبهارت إىل الدميقراطي. وخلص

11 املرجع نفسه.

12 املرجع نفسه، ص 199.

13 Arend Lijphart, The Politics of Accommodation: Pluralism and Democracy in the Netherlands (Berkeley: University of California Press, 1968).

العدد 30

كانون الثاني / يناير 2018 10

يف النهاية دميقراطية مستقرة، وأن النموذج التوافقي الهولندي ميكن

توافر لكن برشط الحادة، االنقسامات ذات املجتمعات تطبيقه يف

قيادات قادرة عىل التفاهم مع املجموعات التي متثلها، ويف ما بينها

الدميقراطية لنظرية األساسية النواة النتيجة هذه ومثلت أيضا()1).

تقود التي النخب دور عىل فيها الرتكيز جرى التي التوافقية

الجامعات، من دون تحديد دقيق آللية التفاهم يف ما بينها والعنارص

األساسية لتحقيقها وضامن استمراريتها.

بعنوان العاملية السياسة مجلة يف مقالة نرش ،1969 عام ويف

هذا يف الكالسيكية مقالته تعد وهي التوافقية"(15)، "الدميقراطية

املوضوع. وفيها، قدم تصنيفا آخر لألنظمة السياسية الدميقراطية يف

الدول الغربية؛ من خالل نقده للتصنيف الذي قدمه غابرييل أملوند

األنظمة أملوند صنف إذ املقارنة"(16)، السياسية "النظم مقالته يف

دول فيها (مبا أمريكية األنجلو أوال، هي: فئات، أربع يف السياسية

الكومونويلث). ثانيا، القارية األوروبية (باستثناء الدول اإلسكندنافية

األنكلو أمريكية السياسية األنظمة من عنارص تضم التي وهولندا

خارج جزئيا الصناعية أو الصناعية قبل ثالثا، األوروبية). والقارية

أوروبا وأمريكا. رابعا، األنظمة السياسية التوتاليتارية(17). واعتمد هذا

التصنيف معايري "الثقافة السياسية" Political culture و"بنية األدوار

النظام السيايس(18). السياسية" Political role structure ملكونات

وربط ترتيب الدولة مبوجب هذين املعيارين باالستقرار السيايس(19).

تصنيفه الصلة يف ذات واملفاهيم النظريات أملوند عديد كام دمج

Overlapping املتطابقة وتلك أفقيا، العابرة العضوية ومنها هذا،

Party الحزبية واألنساق ،and cross-cutting membership

systems، والفصل بني السلطات Separation of powers، والتنمية

أيضا ليبهارت يعدها التي Political development السياسية(0))

عوامل ذات أهمية يف تحليل الدميقراطية التوافقية.

الدميقراطية بالفئتني األوىل والثانية، وهي األنظمة أما يف ما يتعلق

النظام هو األول منــاذج: ثالثة يف أملوند صنفها فقد الغربية،

14 M.P.C.M. Van Schendelen, "Consociational Democracy: The Views of Arend Lijphart and Collected Criticisms," Political Science Review, vol. 1( (1985), p. 1(8.

15 Arend Lijphart, "Consociational Democracy," World Politics, vol. (1 (January 1969), pp. (07 - ((5.

16 Gabriel A. Almond, "Comparative Political Systems," Journal of Politics, vol. 18, no. 3 (August 1956), pp. 391 - (09.

17 Ibid., pp. 39( - 393.

18 Ibid., p. 393.

19 Ibid., pp. 393, 396; Lijphart, "Consociational Democracy," p. (07.

20 Arend Lijphart, Democracy in Plural Societies: A Comparative Exploration (New Haven and London: Yale University Press, 1977), p. 6.

املتحدة الواليات يف الدميقراطي النظام يضم (وهو األنكلو أمرييك

األمريكية وبريطانيا)، أما الثاين، فهو القاري األورويب (يف فرنسا، وأملانيا،

وإيطاليا)، ويضم الثالث كال من الدول اإلسكندنافية وهولندا، وصنفه

أملوند ما بني النموذجني األول والثاين، ألنه يجمع بعض الخصائص من

النظام السيايس يف هذين النموذجني(1)).

بثقافة األنكلو أمريكية الدميقراطية النظم تتميز أملوند، إىل وبالنسبة

سياسية علامنية متجانسة، وتتسم هيكلية أدوار/ بنية وظائف وحدات

أو مكونات النظم السياسية هذه، التي تتمثل يف الهيئات الحكومية

واألحزاب وجامعات املصالح واملؤسسات اإلعالمية، وأيضا الشعب من

مختلف أطيافه/ فئاته، بالسامت التالية: أوال، متايزها إىل حد بعيد. ثانيا،

ثالثا، ذات درجة عالية من وضوحها وتنظيمها عىل نحو بريوقراطي.

االستقرار. رابعا، انتشارها ونفاذها يف النظام السيايس كله())). يف حني

أن الثقافة السياسية يف النظم القارية األوروبية غري متجانسة ومتفاوتة

يف درجة تطورها، عىل الرغم من أن لها جذورا وتراثا مشرتكا. وتنقسم

هذه الثقافات املجزأة أيضا إىل ثقافات سياسية فرعية منفصلة، إذ ترتكز

هيكلية أدوار (أو بنية وظائف) الوحدات، أو مكونات النظام، يف إطار

هذه الثقافات الفرعية، ومن ثم متيل إىل تشكيل نظام فرعي منفصل؛

والجمعيات ومدارسها كنيستها الفرعية الكاثوليكية للثقافة فمثال،

الخاصة بها؛ كاالتحادات العاملية التابعة للكنيسة الكاثوليكية واألحزاب

السياسية واملؤسسات اإلعالمية. وهي حال الثقافة الفرعية بالنسبة إىل

الشيوعيني والليرباليني واالشرتاكيني، ما يخلق مكونات نظام لكل ثقافة

السيايس النتيجة حالة من االنسداد الدولة. وقد تكون فرعية داخل

املؤدي إىل عدم االستقرار(3)). فاالستقطاب يعطل دينامية التطور ويؤدي،

يف الوقت ذاته، إىل عدم استقرار. ونحن ال نتفق بالرضورة مع هذه

التقسيامت، وال سيام ما يتعلق بالتجانس يف الواليات املتحدة وبريطانيا.

فهذه الدول تتعرض حاليا لرصاعات سياسية تشبه إىل حد بعيد رصاعات

الهوية الثقافية، وتنقسم بحسب جامعات الهوية إىل حد بعيد، وال سيام

21 Almond, pp. 398, (05.

22 Ibid., pp. 398 - 399.

23 Ibid., pp. (05 - (08.

11دراسات

في تطور مفهوم الديمقراطية التوافقية ومالءمتها لحل الصراعات الطائفية:نموذجا إيرلندا ولبنان

إذا أخذنا يف الحسبان الفرق بني الساحلني الرشقي والغريب من جهة،

وما يسمى "الغرب األوسط" من جهة أخرى، وقد تجىل ذلك عىل نحو

واضح يف االنتخابات، وخصوصا االنتخابات الرئاسية عام 017).

أما الفئة الثالثة، فهي ذات خصائص مشرتكة بني النظامني السابقني

بحسب الفئتني، هاتني من فئة أي تحت تصنيفها يصعب بحيث

وجهة نظر أملوند، وهي الفئة التي يسميها "ما بني الفئتني". إذ يرى

األنكلو أمريكية النظم مع تتشارك اإلسكندنافية الدول أن أملوند

بدرجة تتميز والتي فيها، النظام مكونات أدوار وظائف" "بنية يف

عالية من االستقاللية، يف حني أن هولندا وسويرسا والنمسا، تتشارك

مكونات استقاللية مبحدودية األوروبية القارية الدول أنظمة مع

النظام. وعىل مستوى "الثقافة السياسية"، يشري أملوند إىل أن الثقافة

تتشابه الدول اإلسكندنافية وهولندا بالنسبة إىل كل من السياسية

أكرث فهي األنكلو أمريكية؛ األنظمة القامئة يف السياسية الثقافة مع

تجانسا واندماجا وعلامنية، ومتيزا يف العنارص التقليدية الخاصة بها،

مقارنة بتلك الثقافة بالنسبة إىل األنظمة القارية األوروبية())).

ويعارض ليبهارت أملوند يف هذه النقطة. فباستثناء الدول اإلسكندنافية،

يرى ليبهارت أن الدول األخرى منقسمة إىل ثقافات فرعية كام هي الحال

بلجيكا ولوكسمبورغ كلتيهام أن األوروبية؛ ذلك القارية األنظمة يف

والليرباليني؛ واالشرتاكيني الكاثوليك من روحية عائالت إىل تنقسامن

واشرتاكيني وكالفينيني كاثوليك بني عمودية انقسامات هولندا ويف

الكاثوليك واالشرتاكيني النمسا معسكرات Lager من وليرباليني؛ ويف

الدميقراطيات ليبهارت قسم ذلك، عىل وبناء الوطنيني. والليرباليني

الغربية إىل نوعني؛ أحدهام الدميقراطيات املتجانسة واملستقرة (والتي

عن الطاردة الدميقراطيات والثاين األنكلو أمريكية)(5))، أملوند سامها

املركز، وهي الدميقراطيات غري املتجانسة(6)).

بنى ليبهارت نظريته "الدميقراطية التوافقية" وتحليله لها عىل أساس

الفئة تتضمن هذه إذ آنفا، املذكور الدميقراطيات الثاين من النوع

دوال غري متجانسة، يحظى بعضها بدرجة عالية من االستقرار، وأخرى

أقل استقرارا. ورأى أن االستقرار السيايس يف الدول غري املتجانسة ال

24 Lijphart, "Consociational Democracy," pp. (07, (08, (10, (11.

عضوية توسع فمع أفريقيا؛ وجنوب وكندا ونيوزيلندا وأسرتاليا بريطانيا 25 وهي Old القديم" الكومونولث "دول اسم أصبح ،1960 عام منذ الكومونولث لرابطة الدول Commonwealth يستخدم للداللة عىل هذه الدول التي ضمتها هذه الرابطة يف فرتة ما عىل للداللة New Commonwealth اسم استخدم حني يف الثانية. العاملية الحرب قبل

الدول التي تضمها الرابطة بعد توسع عضويتها. انظر:Camilla Schofield, Enoch Powell and the Making of Postcolonial Britain (London: Cambridge University Press, (013), pp. 1(7 - 1(8.

26 Lijphart, "Consociational Democracy," pp. (10, (11, (((.

اللذين اعتمد عليهام أملوند؛ املتغريين التنبؤ به اعتامدا عىل ميكن

النمسا إن إذ النظام؛ مكونات دور" و"بنية السياسية" "الثقافة

وسويرسا ودول البلدان املنخفضة تحظى باستقرار سيايس، عىل الرغم

من تعدد الثقافات الفرعية فيها واالنقسامات العمودية يف ما بينها،

للجامعات العابرة األفقية االنقسامات نظرية ما تتبناه عىل عكس

الجامعات(7))، هذه تداخل حالة يف Cross-cutting cleavages

يف العمودية االنقسامات ذات الدول هذه تكون أن تتوقع والتي

حالة جمود وعدم استقرار سيايس.

ومن هذا الواقع، استنتج ليبهارت منوذجا آخر من األنظمة السياسية

أدبيات من وغريه أملوند، تصنيف يف املدرجة غري "الدميقراطية"

الدميقراطية الليربالية التي عجزت عن تفسري هذه الحاالت التي نشأت،

مجتمعاتها. انقسام من الرغم عىل واستمرارها استقرارها وسبب

وهذه الحاالت "الشاذة"، سامها ليبهارت "الدميقراطيات التوافقية"،

مضيفا متغريا ثالثا متمثال مبدى تعاون "النخب السياسية"(8)). وهو

بداية، كام أرشنا إىل ذلك الهولندية، للحالة استنتجه يف دراسته ما

سابقا، إال أنه قدم آلية لهذا التعاون، وهو تشكيل حكومة ائتالفية

واسعة تضم جميع ممثيل النخب السياسية، عىل نحو يضمن درجة

من االستقرار السيايس ومنع البالد من االنزالق إىل حرب أهلية(9))؛

وهذا هو العنرص األول األسايس يف تحقيق الدميقراطيات التوافقية.

ووسع ليبهارت، الحقا، قامئة هذه العنارص.

االئتالفية؛ الحكومة غري أخرى أشكاال التوافقات تأخذ أن وميكن

األخرى؛ الحكومية والهيئات الجهات يف نخبوية تحالفات منها

كاملجالس واللجان االستشارية، وحتى املنتخبة. ففي لبنان، مثال، مل

يطبق اقتسام منصب الرئاسة بني نخب الطوائف الكربى. وبناء عىل

ذلك، وبحسب امليثاق الوطني اللبناين عام 3)19، اتفق عىل اقتسام

السلطة؛ بحيث يكون رئيس الدولة مارونيا ورئيس الوزراء سنيا، ومن

ثم ضامن متثيل الجامعتني الدينيتني الرئيستني يف البالد. ويف كولومبيا،

نص االتفاق بني األحزاب الليربالية واملحافظة، يف عام 1958، عىل أن

السيايس واالستقرار الدميقراطية فإن ،Cross-cutting cleavages لنظرية 27 وفقا يعتمدان، عىل نحو أسايس، عىل مدى التداخل بني املجموعات باختالف انتامءاتها السياسية واالجتامعية واإلثنية واللغوية والدينية؛ أي التداخل بني املجموعات باختالف طوائفها الدينية الطبقي). لذا، فإن املصالح مثال يف تجمعات مبنية عىل بعد آخر (االقتصادي - االجتامعي املرتبطة يف ما بني هذه املجموعات عىل املستوى الثاين قد تقوض الوالء الطائفي عىل املستوى التداخل فإن ثم األساسية، ومن االنقسامات تحالفات أخرى خارج بناء يعزز الذي األول،

يف ما بينها ميكنه أن يخفف من الرصاعات السياسية املبنية عىل االنتامء األسايس. انظر:Seymour Martin Lipset, Political Man: The Social Basis of Modern Politics (New York: Doubleday, 1960); Seymour Martin Lipset and Stein Rokkan, Party Systems and Voter Alignments (New York: Free Press, 1967).

28 Lijphart, Democracy in Plural Societies, pp. 1( - 16.

29 Ibid., pp. (11 - (1(.

العدد 30

كانون الثاني / يناير 2018 12

الحزبني ملدة ستة عرش أربع سنوات بني الرئاسة كل تناوب يكون

الوزارية املناصب جميع يف متساو متثيل هنالك يكون وأن عاما،

البريوقراطية. وجرى والوظائف العليا املحكمة العسكرية، ويف غري

البالد (مجلس الشيوخ، ومجلس الترشيعية يف تقسيم كل املجالس

النواب، واملجالس اإلدارية، واملجالس البلدية) بالتساوي بني األحزاب

الهولندية، الربملانية االنتخابات ويف فقط. والليربالية املحافظة

املقاعد بعض يف التنافس عدم بشأن التوافق جرى ،1917 عام يف

التي تشغلها شخصيات معينة، من أجل ضامن مرور مجموعة من

التعديالت الدستورية الحاسمة. بل إن هذا الحل التوافقي استخدم،

أيضا، يف بريطانيا التي تعد بلدا متجانسا إىل حد بعيد؛ إذ لجأت إىل

تشكيل مجالس ائتالفية موسعة خالل الحرب العاملية الثانية(30).

مل يقترص التوافق يف الحاالت املذكورة آنفا عىل جامعات الهوية، بل

طبقته أحزاب سياسية يف ما بينها قبل أن تستقر الدميقراطية، أو حني

مل يتمكن أي منها من حسم الرصاع ملصلحته؛ بحيث يرىض الحزب

اآلخر بالحسم األكرثي، وكان ال بد من مراحل انتقالية توافقية، قبل

تعود الحسم الدميقراطي، وهو ما توصل إليه قادة حركتي النهضة

ونداء تونس لتمرير املرحلة االنتقالية عندما شارفت تونس أوضاعا

من االستقطاب وعدم االستقرار هددت تجربة االنتقال الدميقراطي.

وهو ما مل تتمكن من فعله القيادات السياسية الحزبية املرصية قبل

انقالب 3 متوز/ يوليو 013) الذي أطاح تجربة االنتقال الدميقراطي؛

ما يؤكد أهمية مسألة توافق النخب السياسية، وتوافر ثقافة سياسية

تقبل التسويات والتوافقات لديها.

جرى التوافق يف لبنان بني قيادات طوائف تقليدية، من خالل أحزاب

سياسية ومن دونها، ويف ظل االنتداب الفرنيس. وقد أرجع كثري من

إىل األهلية الحرب عشية لبنان يف التوافقي النظام أزمة الباحثني

ظل وقت يف العددي، السكاين التوازن وتغري الدميوغرايف التغيري

فيه تقسيم السلطة بني الطوائف الدينية حتى اتفاق الطائف قامئا

من الدميوغرافية التغريات وأدت .19(3 عام ميثاق أساس عىل

وطائفية ويسارية قومية مختلفة سياسية قوى ونشوء جهة(31)،

معرتضة عىل القيادات التقليدية للطوائف، واحتجاج فئات واسعة

من السكان ضد هيمنة املارونية السياسية واحتكارها صنع القرار،

تجاه السياسية القوى وانقسمت التوافق، هذا استقرار عدم إىل

الضغط إزاء لبنان املسلح يف الفلسطيني الوجود مثل قضايا عدة

الباحث ويشري توافق. تحقيق عىل قدرة دون من اإلرسائييل،

30 Lijphart, "Consociational Democracy," pp. (13 - (1(.

31 من أمثلة ذلك تفسري األزمة والحرب األهلية يف لبنان وانتهاء النموذج التوافقي. انظر:Richard Hrair Dekmejian, "Consociational Democracy in Crisis: The Case of Lebanon," Comparative Politics, vol. 10, no. ( (January 1978), pp. (51 - (65.

ريتشارد دكمجيان إىل أن األزمة التي شهدها لبنان يف السبعينيات،

يف جزئيا متأصلة كانت األهلية، الحرب اندالع إىل أدت والتي

تفاوت التمثيل النسبي بني املسلمني واملسيحيني يف النخب العليا؛

منذ املسلمني السكان أعداد يف امللحوظة الزيادة بسبب وذلك

من باستمرار املسلمني واحتجاج ،193( عام يف السكاين التعداد

أن كام املستوى، الرفيعة اإلدارية املناصب عىل املسيحية الغلبة

املسلمني الشيعة كانوا األقل متثيال يف الجهاز البريوقراطي يف لبنان،

ويتضح ذلك يف الجدول.

بعد الطائف، انقلبت مطالب املسلمني الناجمة عن الفجوة االقتصادية

بنسب قيست إذا تزداد والتي السكانية، املجموعات بني والثقافية

الطوائف املختلفة من السكان، إىل مخاوف مسيحية من تناقص نسبة

قوى تسلح عن فضال الرئاسة، منصب وتراجع صالحيات املسيحيني

األرض عىل الشيعي الدميوغرايف التوسع مبوازاة الشيعية الطائفية

اإلرسائييل، االحتالل تحريره من بعد الجنوب املسيحية يف القرى يف

القيادات مع نفسها املخاوف يتشاركون حيث بريوت يف وكذلك

الطائفية السنية()3).

أنها حرب أسباب حرب 1975 داخلية، ورأى أنطوان مرسة يعد ال

قوى خارجية، ولكنه يرى أن الفشل يف لبنان فعيل، تتحمل مسؤوليته

قوى أرادت تغيري النظام جذريا فجعلته بدال من ذلك أكرث طائفية

التقليدي الطائفي بالفكر متمثل آخر فشل وأنه وجمودا، وتخلفا

الذي ال يريد أي تطوير ملبدأ املشاركة. ويرفض مرسة فكرة وضع مهل

الهجرة وتزايد الدميوغرافية والفجوة املخاوف عن للتعبريات مكثفا عرضا 32 نجد املسيحية منذ اتفاق الطائف، يف فصل "الدميوغرافيا الطوائفية وقوانني التجنيس وهواجس بيع األرض". انظر: عبد الرؤوف سنو، لبنان الطوائف يف دولة ما بعد الطائف: إشكاليات ص ،((01( الرشقية، لألبحاث األملاين املعهد (بريوت: الخارج وأدوار والسيادة التعايش

.111 - 107

13دراسات

في تطور مفهوم الديمقراطية التوافقية ومالءمتها لحل الصراعات الطائفية:نموذجا إيرلندا ولبنان

زمنية شكلية إللغاء الطائفية(33) كام تطالب بعض القوى العلامنية

واليسارية والطائفية غري املسيحية. فهو يرى أن فكرة إلغاء الطائفية

الطائفية زيادة إىل غالبا تفيض مغامرة أيديولوجية فكرة لبنان يف

باستنفار قواعدها االجتامعية()3).

وبحسب ليبهارت، يتطلب التوافق يف حكومة ائتالفية قادرة عىل تحقيق

التوافق واالستقرار توافر الرشوط التالية: أوال، قدرة النخب عىل استيعاب

املصالح واملطالب املختلفة للجامعات الفرعية التي متثلها. ويشرتط ذلك،

ثانيا، القدرة عىل تجاوز االنقسامات واالنضامم إىل جهود مشرتكة مع

قيادات الجامعات الفرعية املنافسة. ويعتمد هذا، ثالثا، عىل التزامهم

إبقاء النظام القائم ومتاسكه واستقراره. وأخريا، تقوم العوامل املذكورة

عىل افرتاض أن النخب تدرك مخاطر االنقسام السيايس(35). والحقيقة أن

هذه النقاط األربع املفصلة هي قضية واحدة متعلقة بواقعية النخب

السياسية وانفتاحها. وميكن أن تنسب هذه العوامل جميعها إىل قناعات

33 مرسة، ص 131.

34 املرجع نفسه، ص 131–)13.

35 Lijphart, "Consociational Democracy," p. (16.

النخبة السياسية، والعالقات بني نخب الثقافات الفرعية، والعالقات بني

الثقافات الفرعية املختلفة عىل مستوى الجمهور، والعالقات بني النخبة

والجمهور يف كل ثقافة فرعية عىل حدة(36).

عىل املستوى األول، أي العالقات بني نخب الثقافات الفرعية، ميكن

تفصيل ظروف تعزز التعاون بني النخب، أو الحفاظ عليه، يف نظام

متعدد الثقافات:

جاء فقد بالبالد. محدقة خارجية تهديدات وجود وأهمها، أولها

التوافقية الدميقراطيات معظم يف النخب بني التحالفات تشكيل

خالل الحربني العامليتني األوىل والثانية. وال بد من اإلشارة هنا - يف

للحدود، العابرة الكبرية الطوائف أن إىل - العريب املرشق ظروف

والتي عدت يف هذا الكتاب طوائف متخيلة، غالبا ما تتبع قياداتها

البلد. الهيمنة عىل ذاتها خطرا؛ من جهة تشكل هي أجنبية دولة

ومن ثم، فإن الخطر الخارجي، يف هذه الحاالت، يزيد الرشخ الداخيل

حدة بدال من تعزيز النزعة إىل التوافق.

36 Ibid.

جدول التمثيل الطائفي يف مجلس الوزراء والربملان يف لبنان

الطائفةاملناصب الوزاريةالتمثيل يف مجلس الوزراء*التمثيل النيايب

%العدد%العدد%العدد

5.5)5.9105)3030.3886املوارنة

7.)))3.710)806).0)0)السنة

15513.3.)801)).1919الشيعة

6.)1)35.)11))1111.1األرثوذكس

611.1)66.137611.0الكاثوليك

811.6)0811.9)66.1الدروز

0.96)0.9)03.))األرمن األرثوذكس

).10).11.070األرمن الكاثوليك

--------11.0الربوتستانت

--------11.0األقليات األخرى

* يحدد التمثيل يف مجلس الوزراء من خالل العدد اإلجاميل لألشهر التي شغل فيها ممثلو كل طائفة مناصب وزارية.

املصدر:Richard Hrair Dekmejian, "Consociational Democracy in Crisis: The Case of Lebanon," Comparative Politics, vol. 10, no. ( (January 1978), pp. (5( - (55.

العدد 30

كانون الثاني / يناير 2018 14

ثانيها، توازن القوى بني جامعات متعددة، بدال من أن يكون توازن

القوى بني طرفني فقط (أنظمة الحزبني مثال)، أو هيمنة ثقافة فرعية

واحدة تحصل عىل األغلبية، ومن ثم تقوم بالهيمنة عىل السلطة بدال

من التعاون مع األقلية املتنافسة. وبناء عىل ذلك، فإن التوافق أكرث

احتامال يف نظام متعدد األحزاب أو الجامعات، خصوصا يف املجتمعات

التي ال توجد فيها جامعة أغلبية، وتتشكل ثقافاتها الفرعية جميعا

من أقليات، مثل هولندا وسويرسا ولبنان، وسيكون من الصعب عىل

أي منها الحصول عىل األغلبية يف النظام الدميقراطي الكالسييك.

ثالثها، الضغط املعتدل عىل صانعي القرار؛ فليس الهدف من تحقيق

بل فحسب، السياسية النخب بني التعاون هو توافقية دميقراطية

ففي البالد. تواجهها التي األساسية القضايا وحل النتائج تحقيق

من حالة تسيطر أن من خطر دامئا هناك املنقسمة، املجتمعات

يجنب حدوث الضغط القليل من فإن ثم، السيايس. ومن الجمود

ذلك ويزيد من فاعلية النظام(37).

ونحن نرى أن هذه الظروف مبنزلة بيئة مساعدة، وأنه رمبا ال يفيد

أي ظرف من الظروف املذكورة آنفا يف حاالت عينية ال تتوافر فيها

لدى قيادات الجامعات الثقافة السياسية الالزمة للمساومة والتوافق

املرتبطة بالوالء الوطني املحيل.

املنتمني األفراد بني العالقات مستوى وهو الثاين، املستوى وعىل

عىل املساعد األسايس العامل فإن املختلفة، الفرعية الثقافات إىل

واضحة حدود وجود هو مستقر توافقي دميقراطي نظام تحقيق

الفرعية الثقافات بأن ذلك ليبهارت ويفرس الفرعية. الثقافات بني

التداخل غياب عند التعايش ميكنها ما مجتمع يف املنقسمة

يف ما بينها؛ بحيث تكون لكل ثقافة مصالحها وتوقعاتها الخاصة بها.

أما التداخل وكرثة التقاطعات، فقد يؤديان إىل نزاع وعدم استقرار(38).

تتجاوز ال بذاتها قامئة مجتمعات إىل الهوية جامعات تحول وإن

عوامل من هو أخرى، مشرتكات أو مشرتكة، مؤسسات حدودها

تتحدث التي الجامعة ألن وذلك النموذج؛ هذا مبوجب التوافق

باسمها القيادات محددة، والنقاط واملصالح التي يفرتض أن تتوصل

حولها إىل توافق واضحة من منظورها. ولكننا نلفت نظر القارئ إىل

37 Ibid., pp. (17 - (18.

38 Ibid., p. (19.يستند ليبهارت هنا إىل كتابات كل من كوينيس رايت وسيدين فريبا وديفيد إيستون، ذلك أن إيستون يقرتح إنشاء سياسة فصل عنرصي طوعية كحل أمثل لتجنب التوترات يف املجتمعات

املنقسمة. انظر:Quincy Wright, "The Nature of Conflict," Western Political Quarterly, vol. IV (June 1951), p. 196; Sidney Verba, "Some Dilemmas in Comparative Research," World Politics, vol. (0 (October 1967), p. 1(6; David Easton, A Systems Analysis of Political Life (New York: John Wiley, 1965), pp. (50 - (51.

أن هذا الرشط نفسه قد ال يؤدي إىل التوافق، ورمبا يتحول إىل بيئة

مساعدة عىل صعود مطالب االنفصال عن الدولة واالستقالل. وهذا

ما ال يراه ليبهارت.

أما عىل املستوى الثالث، وهو املستوى األخري، أي العالقات بني النخبة

إىل ليبهارت فيشري حدة، عىل ثقافة كل يف متثلها التي والجامعة

أن وجود حدود فاصلة بني الثقافات الفرعية يؤدي أيضا إىل وحدة

سياسية داخل كل مجموعة ثقافية فرعية. فيرتتب عىل متاسك هذه

عملية يسهل ما للقيادات، داعم موحد موقف الفرعية الثقافات

التوافق مع نخب الثقافات الفرعية األخرى. كام أن غياب التقاطع

واألحزاب الضاغطة الجامعات اقتصار يعني الفرعية الثقافات بني

السياسية عىل متثيل كل جامعة عىل حدة. أما العامل األخري املوايت

فكرة قبول فهو املستوى، هذا التوافقية عىل الدميقراطية لتحقيق

نتفق ال ونحن .(39) Elite cartel كارتيل يف املؤتلفة النخب حكم

الجامعة متاسك تساهم يف التي النزعات أن ذلك الطرح، مع هذا

(كالطائفية السياسية مثال) هي نفسها التي تهدد فكرة ائتالف نخب

حاالت يف متثل بينا كام السياسية فالطائفية مختلفة. طوائف من

عديدة عملية إرشاك عامة الناس يف السياسة، ومثة مراحل تشكل فيها

الحاكمة واألرس النخب ملهاجمة قاطرة تحديدا السياسية الطائفية

للطوائف املؤتلفة يف كارتيالت. وال تلبث الحقا أن تستقر عىل نخب

طائفية جديدة قد تكون أصولها عامية. ويف خضم األزمة نفسها ميكن

إطاحة التوافق القائم.

أصبح ليبهارت يف كتاباته ما بعد عام 1969 يستخدم مصطلح "اقتسام

ملصطلح مرادفا Power Sharing السلطة" "تشارك أو السلطة"

"الدميقراطية التوافقية". ويفرس ذلك بأنه كان من األسهل التواصل

مع صانعي القرار باستخدام مصطلح "تشارك السلطة" وتقبلهم له،

يف حني أن مصطلح "التوافقية" Consociational كان مفهوما لدى

إليهم(0)). ويصح بالنسبة لفظه إضافة إىل صعوبة قليلة فقط، فئة

هنا تأكيد أن تشارك السلطة ال يعني الدميقراطية يف أي حال، وأن

الدميقراطية، من متييزها رضورة فعال، يؤكد، عليها التوافقية قرص

وذلك يف املصطلح املضلل املستخدم أحيانا كثرية يف غري مكانه، وهو

ليبهارت جهد مشكالت أهم من وهذا التوافقية". "الدميقراطية

النظري املحدود، فجهده الرئيس استقرايئ لتجارب عينية.

وعىل مدى سنوات، عمل ليبهارت عىل تطوير نظريته واستنتاجاته

التجربة منشأ بدراسة بدأ فقد أخرى. دول لحاالت دراسته مع

إىل 1969 عام مقالته يف وأشار ،1968 عام كتابه يف الهولندية

39 Lijphart, "Consociational Democracy," pp. ((1 - (((.

40 Lijphart, Thinking about Democracy, p. 6.

15دراسات

في تطور مفهوم الديمقراطية التوافقية ومالءمتها لحل الصراعات الطائفية:نموذجا إيرلندا ولبنان

وسويرسا، والنمسا، ولوكسمبورغ، بلجيكا، هي: أخرى، حاالت

قام عام 1977، ويف واألوروغــواي. وكولومبيا، ونيجرييا، ولبنان،

الدميقراطية كتابه يف الدول هذه يف الدميقراطي النظام بتحليل

يتطرق مل أخرى حاالت وأضــاف التعددية(1))، املجتمعات يف

وجزر سورينام، وجمهورية وقربص، ماليزيا، مثل قبل؛ من إليها

الشاملية، وإيرلندا بوروندي، وجمهورية الهولندية، األنتيل

تشكيل مسألة فيها تجاوز أخرى()))، لحاالت دراسات ذلك وتال

دميقراطية إلنشاء األسايس العنرص ذلك بوصف ائتالفية حكومة

تحالفات تشكيل هي: عنارص، أربعة تضم فأصبحت توافقية؛

Minority لألقليات املتبادل الفيتو حق يليها موسعة، ائتالفية

The principle التناسبي التمثيل مبدأ واعتامد ،mutual veto

جميع لتمثيل الحكومية التعيينات يف of proportionality

يشء" كل عىل يستحوذ "الفائز مبدأ عكس عىل املجتمع، فئات

والفيدرالية(3)) القطاعي الذايت الحكم ومبدأ ،Winner-take-all

.Segmental autonomy and federalism

الهند()))، يف الدميقراطي النظام حول مقالة نرش ،1996 عام ويف

عنارص جميع عليها تنطبق منوذجيا مثاال بوصفها إليها مشريا

االنقسامات من الرغم عىل فنجح التوافقية"، "الدميقراطية

الهندية الحالة وتقدم فيها(5)). الحادة واللغوية والدينية اإلثنية

فالهند، النموذج. النجاح عنده يف خدمة أداتية مفهوم دليال عىل

تتفجر، ومذهبية ودينية إثنية تصدعات تعاين ومجتمعا، دولة

ذلك إىل يضاف دموية، رصاعات شكل عىل آخر، إىل حني من

41 Lijphart, Democracy in Plural Societies.

42 Lijphart, Thinking about Democracy, p. 5.

43 Lijphart, Democracy in Plural Societies, pp. (5 - ((.

44 Arend Lijphart, "The Puzzle of Indian Democracy: A Consociational interpretation," The American Political Science Review, vol. 90, no. ( (June 1996), pp. (58 - (68.

45 Ibid., pp. (58, (66.

من وانطالقا الهندوسية. األكرثية داخل املغلقة الطوائف تراتبية

أكرث مفهوم عىل املقالة هذه يف ليبهارت استقر النموذج هذا

خالل من يعرفها أصبح بحيث التوافقية"، "للدميقراطية تحديدا

أربعة عنارص أساسية وثانوية، هي: أوال، تشكيل حكومة ائتالفية/

ممثيل تضم Grand coalition governments واسعة تحالفية

حكم إنشاء ثانيا، املجتمع. يف واللغوية الدينية الجامعات جميع

.Cultural autonomy ذايت أو إدارة ذاتية لشؤون هذه الجامعات

التمثيل املتناسب Proportionality يف ثالثا، رضورة اعتامد مبدأ

لألقليات الفيتو حق منح رابعا، الحكومية. والوظائف املناصب

Minority veto، إال أنه عد العنرصين األخريين سمتني ثانويتني يف

التوافقي(6)). الدميقراطي النظام

ويف حني أن تشكيل حكومة ائتالفية واسعة باملعنى الدقيق هو أن

الدينية الجامعات لجميع املمثلة األحزاب جميع الحكومة تضم

وماليزيا النمسا يف الحال هي كام املجتمع، يف واللغوية واإلثنية

وجنوب أفريقيا، فإنه ميكن تطبيق املبدأ ذاته عىل مستويات أخرى

يف الدولة، كام أرشنا إىل ذلك سابقا؛ مثل تشكيل مجالس أو لجان

وتتجاوز املجتمع، يف الفرعية الفئات متثل جميع خاصة أو دامئة

هولندا. يف الحال هي كام املعتاد، االستشاري دورها صالحياتها

لفئات محدد مستوى يف متساو متثيل األقل ضامن عىل ميكن أو

املجتمع املنقسمة، عىل أساس لغوي مثال، من دون رضورة تحقيق

بلجيكا يف الحكومة تشكيل يف الحال هي كام ائتالفية، حكومة

التي تشرتط أن يكون فيها عدد أعضاء الحكومة الفلمنكيني مساويا

جميع متثل ال أنها من الرغم عىل بالفرنسية، الناطقني للفالون

عىل املبدأ هذا يطبق مل لبنان، ويف البالد. يف الرئيسة األحزاب

تقسيم يف التوافق جرى بل األحزاب، متثيل أو الحكومة تشكيل

يف الطائفية التقسيامت أسس عىل العليا الحكومية املناصب

العمومية، الوظائف تطاول طائفية مثة محاصصة ولكن البالد(7)).

بـ ميس ما وغريها، والجامعات القضاء مثل املهنية فيها مبا

التوافقية يتجاوز نحو عىل وغريها، والكفاءة املهنية" "االعتبارات

إىل تعميق الرشوخ االجتامعية.

الفرعية، الثقافية للجامعات الذايت الحكم وهو الثاين، العنرص أما

هو األول ثالثة: أشكاال يأخذ أن ميكن أنه إىل ليبهارت فيشري

التقسيامت مع املتطابقة الجغرافية الحدود ذو الفيدرايل االتحاد

اللغوية أو اإلثنية يف املجتمع؛ كام هي الحال يف سويرسا، وبلجيكا،

الثقافية، لألقليات يكون أن هو والثاين السابقة. وتشيكوسلوفاكيا

46 Ibid., p. (58.

47 Ibid., p. (59.

العدد 30

كانون الثاني / يناير 2018 16

برامجها يف مستقلة مدارس إنشاء يف الحق اللغوية، أو الدينية

أما بلجيكا وهولندا. الحكومة، مثل وإدارتها، بدعم مايل كامل من

الشكل الثالث، فهو سن قوانني لألحوال الشخصية تأخذ يف الحسبان

وجود الطوائف الدينية يف املجتمع، مثل لبنان وقربص(8)). وكام هو

كيانا وشكلت قربص يف املسلمة الرتكية األقلية انفصلت معلوم،

سياسيا خاصا بها.

يف ما يتعلق مببدأ التمثيل النسبي، فإن النظام االنتخايب األفضل يف

ميكن ولكن املتناسب، التمثيل نظام هو التوافقية الدميقراطيات

نظام إطار يف نسبتهم بحسب لألقليات مقاعد تخصيص أيضا

الدميقراطيات يف لألقليات الفيتو حق فإن وأخريا، أكرثي. برملاين

يكون بأن رسمي؛ غري تفاهم عىل مبنيا يكون ما عادة التوافقية

لهذه األقليات الحق يف حامية استقالليتها، إال أنه يف بعض الحاالت

يجري إرساء هذا الحق رسميا يف الدستور، كام هي الحال يف بلجيكا،

م هذه وقربص، وجمهورية تشيكوسلوفاكيا قبل انقسامها(9)). وتقد

"دميقراطية توجد ال أنه عىل اآلخر تلو الدليل كلها االنقسامات

تنجح، وقد تخفق) يف النهاية وسيلة (قد ثابتة"، وأنها يف توافقية

لوضع أيضا وسيلة يكون قد االنفصال ولكن األهلية. الحرب منع

حد للحرب األهلية واحتامالتها الكامنة يف الرصاع بني جامعات عىل

السلطة، وهو ما تنطلق منه التوافقية لتسويته، من دون أن تقدم

له حلوال دميقراطية.

التوافقية الدميقراطية مقالته حول يف قد عرض ليبهارت كان وإذا

1969 تحليال أوليا بشأن الرشوط املالمئة لتحقيق النظام "الدميقراطي

لت آنفا، فإنه استقر يف عام 1996 عىل التوافقي" واستمراره، كام فص

مجموعة من تسعة رشوط مالمئة للدميقراطية التوافقية، هي(50):

ستفضل . 1 وجودها، حال ففي املجتمع. يف راسخة أغلبية غياب

حكم األغلبية عىل النظام التوافقي. ويف قربص أدى هذا العامل،

عىل نحو أسايس، إىل فشل النظام التوافقي يف عام 1963.

املجموعات . 2 بني كبرية واقتصادية اجتامعية فروق وجود عدم

املنقسمة يف املجتمع.

وجود . 3 حال ففي املجتمع. يف املنقسمة الجامعات عدد قلة

ستكون بينها يف ما املفاوضات عملية فإن عديدة، مجموعات

صعبة جدا ومعقدة.

48 Ibid., p. (60.

49 Ibid., p. (61.

50 Ibid., pp. (6( - (63.

التقارب يف حجم املجموعات؛ أي أن يكون عددها نفسه تقريبا، . 4

ما يساهم يف وجود توازن للقوى يف ما بينها.

أن يكون عدد السكان قليال نسبيا؛ إذ تصبح عملية صنع القرار . 5

أقل تعقيدا.

وجود تهديدات خارجية، ما يساهم يف تعزيز الوحدة الداخلية.. 6

وجود انتامء جامع "وطني" موحد للجامعات املنقسمة يفوق قوة . 7

الوالءات الفرعية.

إذا كانت الجامعات مرتكزة يف مناطق جغرافية محددة، فيمكن . 8

تطبيق النظام الفيدرايل لتعزيز استقاللية هذه الجامعات.

تبني مبادئ التسوية والحلول الوسطية لتعزيز التوافقية.. 9

تغري وبعضها استجد قد العوامل هذه بعض أن إذا الواضح من

جذريا، بناء عىل التوسع يف دراسة الحاالت العينية. وعىل الرغم من

أن ليبهارت أصبح يركز عىل الرشطني األول والثاين، بوصفهام األهم

من بني الرشوط التسعة، فإنه وصل إىل نتيجة مفادها أنه ليس من

الرضوري يف حالة توافر جميع هذه الرشوط أن تتحقق الدميقراطية

هذه جميع غياب حال يف إنه أي صحيح؛ والعكس التوافقية،

الرشوط، فإنه ليس من املستحيل تحقيق دميقراطية توافقية. فهي

Favorable or facilitating conditions يف النهاية رشوط مساعدة

عىل تحقيق الدميقراطية التوافقية. والحقيقة الساطعة هي أننا نبقى

يف النهاية بال نظرية.

ليست لدينا نظرية هنا، بل تفصيل لظروف مساعدة، ال هي رضورية،

وال هي كافية لتحقيق التوافق. فامذا تبقى من العنارص املكونة ألي

نظرية؟ ال يشء. إنها مبنزلة تعميامت من حاالت عينية، ال تلبث أن

ل كل مرة من جديد، بناء عىل حاالت عينية أخرى. وهي غالبا تعد

الثقافة النخب والجمهور، فعوامل مثل التنبؤ بسلوك ما تخفق يف

"املساعدة"، الرشوط كانت إن النهاية يف تحدد السياسية واإلرادة

مساعدة فعال، أو مل تكن كذلك. فضال عن أن هذه العوامل ليست

رشوط تأسيس نظام دميقراطي، بل هي - كام أرشنا إىل ذلك سابقا -

الحؤول أجل السلطة؛ من اقتسام يقوم عىل توافقي لنظام رشوط

دون انزالق املجتمع إىل حالة احرتاب داخيل. وهو ليس دميقراطيا

بالرضورة. ويصبح النظام التوافقي دميقراطيا كلام أصبح أكرث ارتكازا

عىل املواطنة، مع أخذ جامعات الهوية يف الحسبان. فاالرتكاز عليها

وحدها ال يقيم دميقراطية، كام أنه يعرض التوافق إىل أخطار دامئة

بالتحول إىل رصاعات أهلية، أو حتى حركات انفصالية.

17دراسات

في تطور مفهوم الديمقراطية التوافقية ومالءمتها لحل الصراعات الطائفية:نموذجا إيرلندا ولبنان

الديمقراطية التوافقيةوحل الصراع في إيرلندا الشمالية

استمرت املوجة األخرية من العنف يف إيرلندا الشاملية بني الجمهوريني

هذا وأدى .1968 عام منذ للندن املوالني واالتحاديني الكاثوليك

بني انقسام طائفي حاد إىل ،The Troubles بـ عرف الذي الرصاع،

القوى السياسية يف إيرلندا الشاملية، فضال عن تورط حكومتي اململكة

املتحدة وإيرلندا يف هذا الرصاع. ويف العارش من نيسان/ أبريل 1998،

شامل يف السياسية األحــزاب أي املتنازعة، األطــراف ممثلو توصل

إيرلندا وحكومتي بريطانيا والجمهورية اإليرلندية، إىل "اتفاقية السالم

الجمعة "اتفاق باسم عرفت التي 1998 عام الشاملية" إيرلندا يف

العظيمة" The Good Friday Agreement أو "اتفاقية بلفاست".

مجتمع يف لجامعات املمثلة السياسية النخب توصل عد وميكن

منقسم إىل توافق يف إطار دميقراطي ممثل لجميع األطراف - وذلك

فكرة - يف صلب عسكريا الرصاع عن حسم بالعجز االعرتاف بعد

يف الباحثني أغلب فيه يتفق الرأي وهذا التوافقية". "الدميقراطية

هذا املجال(51). وبحسب ليبهارت، فإن الركيزة األساسية للدميقراطية

آليات دميقراطية السياسية عىل النخب التعاون بني التوافقية هي

وتجنيب السيايس االستقرار من درجة يضمن نحو عىل للتوافق،

البالد الحرب األهلية()5).

ويف "اتفاقية السالم يف إيرلندا الشاملية"، أعلن ممثلو النخبة السياسية

بريطانيا وحكومتي الشاملية إيرلندا يف الرصاع أطراف جميع من

الستخدام ومعارضتهم لالتفاق، تأييدهم عن إيرلندا، وجمهورية

العنف، والتزامهم التعاون، واستخدام الوسائل السلمية والدميقراطية

يف حل جميع الخالفات يف القضايا السياسية، وذلك من خالل الثقة

عنارص تحليل إىل واستنادا اآلخرين(53). حقوق واحــرتام املتبادلة

"الدميقراطية التوافقية"، كام رشحت آنفا عند ليبهارت، فإن حل الرصاع

يف إيرلندا الشاملية قد تضمن جميع هذه العنارص، وهي: أوال، تشكيل

حكومة ائتالفية واسعة تضم ممثيل جميع أطراف االنقسام االجتامعي

51 يشري روبرت تايلور، املتخصص يف قضايا التحول الدميقراطي يف جنوب أفريقيا وإيرلندا الشاملية، واملعروف مبواقفه النقدية تجاه تبني "الدميقراطية التوافقية" آلية لحل النزاعات، إىل أن "عددا قليال من الباحثني شكك، جديا، يف أن التسوية الحالية يف إيرلندا الشاملية هي

تسوية توافقية، إذ أدت التوافقية دورا مؤثرا وإيجابيا يف صياغة اتفاقية بلفاست". انظر:Rupert Taylor (ed.), Consociational Theory: McGarry and O'Leary and the Northern Ireland Conflict (London and New York: Routledge, (009), pp. 7-8.

52 Lijphart, "Consociational Democracy," pp. (11-(1(; Lijphart, Democracy in Plural Societies, pp. 1(-16.

53 "The Northern Ireland Peace Agreement," UN Peacemaker, p. (, accessed on 1(/(/(017, at: http://bit.ly/J9JYPn

الجامعات()5). ثقافية لشؤون هذه ذاتية إدارة نظام ثانيا، السيايس.

ثالثا، اعتامد مبدأ التمثيل املتناسب يف املناصب والوظائف الحكومية.

ليسا األخريين العنرصين أن مع لألقليات، الفيتو حق إعطاء رابعا،

رضوريني دامئا يف تكوين الدميقراطية التوافقية(55).

جرى التوافق يف تشكيل حكومة ائتالفية يف إيرلندا الشاملية تضمن

متثيل جميع األطراف، وجرى تشكيل "السلطة التنفيذية" من خالل

انتخاب السلطة الترشيعية الوزير األول ونائبه؛ مبوافقة أغلبية الطرفني

من القوميني Nationalists واالتحاديني Unionists، بحسب نظام

،Cross-community vote الطائفية للتقسيامت العابر التصويت

عىل لألحزاب النسبي التمثيل مبدأ بحسب الوزراء يعني ثم ومن

أساس نظام "دونت" D'Hondt (56)، وبالرجوع إىل عدد املقاعد التي

فاز فيها كل حزب يف املجلس الترشيعي(57). وبهذا، يضمن الطرفان

متثيلهام يف الحكومة عىل نحو يتناسب مع قوتها.

االئتالفية التحالفات تشكيل أن إىل إشارة ليبهارت منوذج تضمن

ميكن أن ينطبق أيضا عىل مستويات أخرى يف الدولة، مثل املجالس

أو اللجان املتخصصة ذات الصالحيات التي تتجاوز الدور االستشاري

املعتاد(58). ويف هذا السياق، اتفق عىل تشكيل لجان برملانية مسؤولة

عن متابعة املهامت التنفيذية الرئيسة للحكومة يف إيرلندا الشاملية.

إضافة الترشيعات، واقرتاح السياسات بتطوير اللجان هذه وتقوم

بها. املتخصصة الحكومية والدوائر للوزارات االستشاري دورها إىل

النسبي، من التمثيل ونوابهم بحسب اللجان تعيني رؤساء ويجري

خالل استخدام نظام "دونت". وتستند عضوية هذه اللجان إىل مبدأ

التمثيل املتناسب بحسب نسبة متثيل األحزاب يف الربملان(59).

اعتمدت اتفاقية السالم مبدأ الحكم الذايت لسكان إيرلندا الشاملية؛

بحق إيرلندا وجمهورية بريطانيا حكومتي اعرتاف عىل نصت إذ

سكان إيرلندا الشاملية يف تقرير مصريهم بحرية، وذلك يف ما يتعلق

بوضعها السيايس يف االختيار بني بقائها تحت السيادة الربيطانية أو

انضاممها إىل الجمهورية اإليرلندية. وبهذا تصبح السيادة الربيطانية

54 يذكر ذلك مبساهامت املاركسية النمساوية متمثلة بأفكار باور وريرن.

55 Lijphart, "Consociational Democracy," p. (16; Lijphart, Democracy in Plural Societies, pp. (5-((; Lijphart, "The Puzzle of Indian Democracy," p. (58.

56 نظام توزيع املقاعد النسبي هذا سمي يف الواليات املتحدة عىل اسم توماس جيفرسون دونت فكتور الرياضيات وأستاذ البلجييك القانوين اسم عىل أوروبــا ويف اقرتحه الذي

.(1901-18(1) Victor D'Hondt

57 "The Northern Ireland Peace Agreement," (15), (16), pp. 8 - 9.

58 Lijphart, "The Puzzle of Indian Democracy," p. (59.

59 "The Northern Ireland Peace Agreement," (8), (9), pp. 8 - 9.

العدد 30

كانون الثاني / يناير 2018 18

قانونيا غري مفروضة. كام نصت االتفاقية عىل تأييد حق جميع سكان

إيرلندا الشاملية يف اختيار الجنسية اإليرلندية أو الربيطانية، أو كلتيهام،

واالتفاق عىل أن هذا لن يتأثر مهام تغري وضع إيرلندا الشاملية السيايس

مستقبال(60). ويف ما يتعلق بالقضايا االقتصادية واالجتامعية والثقافية

لألطراف املتنازعة، اتفق عىل اتخاذ اإلجراءات الالزمة لتعزيز "اللغة

اإليرلندية" يف مؤسسات الدولة واملدارس والتلفزيون وغريها، إضافة إىل

االتفاق عىل انتهاج سياسات اقتصادية تنموية مستدامة تعزز االستقرار

واالندماج االجتامعي يف إيرلندا الشاملية، يف املناطق الحرضية والريفية

والحدودية، واعتامد مبدأ املساواة يف التوظيف، واتخاذ التدابري الهادفة

إىل مكافحة البطالة والقضاء عليها تدريجيا يف سبيل تقليص الفرق يف

التمييز، ملكافحة الترشيعات وتعزيز الطرفني، بني البطالة معدالت

وتأكيد أهمية االحرتام والتفاهم والتسامح يف ما يتعلق بالتنوع اللغوي

وتوسيع املواطنة، مبدأ عىل االعتامد هنا جرى وقد إيرلندا(61). يف

حقوقها لتشمل الحقوق االجتامعية.

كام تضمنت االتفاقية إنشاء مؤسسات دميقراطية يف إيرلندا الشاملية

ممثلة لفئات املجتمع املنقسمة عىل نحو تناسبي؛ إذ نصت عىل انتخاب

مجلس ترشيعي يسمى "الجمعية" The Assembly، وهو برملان منتخب

مكون من 108 أعضاء ممثلني لجميع فئات املجتمع، ينتخبون من خالل

نظام الصوت الواحد املتحول الذي يعتمد مبدأ التمثيل املتناسب()6). يف

حني ينتخب رئيس الجمعية ونائبه مبوافقة أغلبية الطرفني من القوميني

واالتحاديني بحسب نظام التصويت العابر للجامعات(63).

أما يف ما يتعلق بحق الفيتو (أو التعطيل) القائم عىل حق األقليات

يف حامية استقالليتها، فقد نصت االتفاقية عىل رضورة أخذ الرتتيبات

الالزمة لضامن اتخاذ القرارات األساسية استنادا إىل موافقة الطرفني،

Parallel املتوازية املوافقة عرب إما وذلك واالتحاديني، القوميني

القوميني واالتحاديني، أغلبية أعضاء كل من Consent، أي موافقة

األعضاء من املئة يف 60 بنسبة املرجحة األغلبية موافقة عرب وإما

الحارضين واملصوتني، مبا يف ذلك موافقة 0) يف املئة عىل األقل من

كل من القوميني واالتحاديني()6).

ميكن بكل تأكيد تصنيف االتفاق الذي توصلت إليه األطراف املتنازعة

لحل الرصاع يف إيرلندا الشاملية كحل دميقراطي توافقي يقوم عىل

الدميقراطية من جهة، واالعرتاف دستوريا بوجود الجامعات املختلفة

60 Ibid., (1), p. 3.

61 Ibid., pp. (0 - (1.

62 Ibid., (1), p. 7.

63 Ibid., (7), p. 8.

64 Ibid., (5), p. 7.

(الكاثوليك والربوتستانت يف هذه الحالة)، وبرضورة إرشاكها يف صنع

القرار وعدم استفراد األكرثية الدميوغرافية بالحكم من جهة أخرى(65).

وبالنسبة إىل الرشوط التاريخية التي قد توصل إىل خيار الدميقراطية

التوافقية، فقد فصلها ليبهارت كام ييل:

غياب أغلبية راسخة يف املجتمع: توافر هذا الرشط يف حالة إيرلندا . 1

كانت املتنازعني الطرفني نسبة إن إذ األخري؛ العقد يف الشاملية

متقاربة إىل حد ما. فبحسب اإلحصاءات الرسمية عام 1991، بلغت

الربوتستانت املئة، يف حني كانت نسبة الكاثوليك ).38 يف نسبة

8.)) يف املئة(66). وذلك بعد ازدياد نسبة من ال يعرفون أنفسهم

نسبة كانت املايض، ويف أيضا. الكاثوليك نسبة وازدياد طائفيا،

الكاثوليك إىل الربوتستانت عموما تقارب الثلث إىل الثلثني، ما قلل

من رغبة األغلبية الربوتستانتية يف التوصل إىل توافق.

املجموعات . 2 بني كبرية واقتصادية اجتامعية فروق وجود عدم

املنقسمة يف املجتمع: ميكن القول إن هذا الرشط مل يتوافر يف حالة

إيرلندا الشاملية. فمثال، وصلت معدالت البطالة بني الكاثوليك يف

العمل، العاطلني عن املئة من مجموع عام 1991 إىل )).50 يف

مقارنة بـ 30.18 يف املئة بني الربوتستانت(67).

إيرلندا . 3 انقسمت املجتمع: يف املنقسمة الجامعات عدد قلة

والجمهوريني جهة، من الربوتستانت االتحاديني بني الشاملية

الكاثوليك من جهة أخرى.

من . 4 املتنازعة الفئات نسب كانت املجموعات: التقارب يف حجم

السكان متقاربة يف عام 1991، كام أرشنا إىل ذلك، يف النقطة (1) آنفا.

قلة عدد السكان نسبيا: بحسب اإلحصاءات السكانية يف إيرلندا . 5

ونصف مليون نحو عام 1991 فيها السكان عدد بلغ الشاملية،

املليون نسمة ()8)1573)(68).

الوحدة . 6 تعزيز يف األمر هذا يساهم خارجية: تهديدات وجود

عىل بل إيرلندا، حالة يف الرشط هذا مثل يتوافر ومل الداخلية.

العكس ساهمت حكومتا بريطانيا وإيرلندا يف التوصل إىل االتفاق.

65 Lijphart, "The Puzzle of Indian Democracy," pp. (6( - (63.

66 Department of Health and Social Services, The Northern Ireland Census 1991: Religion Report (Belfast: NISRA, 1993), p. (, accessed on 16/(/(017, at:http://bit.ly/(eLD3BI

67 Department of Health and Social Services, The Northern Ireland

Census 1991: Summary Report (Belfast: NISRA, 199(), Table 18: Population

economically active aged 16 - 6( by occupation, religion and sex,

p. 1(7, accessed on 16/(/(017, at: http://bit.ly/(eLlTnL

68 Ibid., p. 1.

19دراسات

في تطور مفهوم الديمقراطية التوافقية ومالءمتها لحل الصراعات الطائفية:نموذجا إيرلندا ولبنان

املنقسمة، . 7 للجامعات موحد "وطني" جامع انتامء وجــود

الفرعية، وهذا الرشط مل يكن قامئا يف حالة الوالءات قوة يفوق

إيرلندا الشاملية.

الجامعات . 8 فيها تكون التي الحال يف الفيدرايل النظام تطبيق

مرتكزة يف مناطق جغرافية محددة، ما يساهم يف تعزيز استقاللية

هذه الجامعات، وميكن القول إن هذا الرشط قد توافر يف حالة

إيرلندا الشاملية؛ إذ تركز معظم الربوتستانت يف املناطق الرشقية

الجنوب إىل األقرب املناطق كانت حني يف بينا، كام والشاملية

يدفع مل الرشط هذا توافر أن إال الكاثوليك. أغلبية فيها ترتكز

األحزاب املشاركة يف هذا االتفاق إىل تبني خيار النظام الفيدرايل

االنتامء أساس عىل الذاتية اإلدارات عىل واتفق اإلقليمي(69).

الشخيص للجامعات.

تبني مبادئ التسوية والحلول الوسطية لتعزيز التوافقية: تحقق . 9

هذا الرشط من خالل تبني معظم أطراف النزاع مسار السالم منذ

بداية التسعينيات وإعالن وقف إطالق النار، عىل الرغم من تعرثه

يف عدة مراحل، إىل أن تم التوصل إىل االتفاق النهايئ يف عام 1998.

وسبق أن بينا أنه ليس من الرضوري توافر جميع الرشوط املذكورة

التوافق، فال هي رضورية وال هي كافية. ويبقى املهم آنفا لتحقيق

يف رأينا هو: أوال، قناعة القوى السياسية املمثلة لألطراف التي متثل

التالية: الخيارات من خيار أي تحقيق باستحالة الهوية" "جامعات

الحسم العسكري، أو االنفصال، أو الحكم باألغلبية الدميوغرافية. ثانيا،

استعداد هذه القوى ذهنيا وثقافيا للتوافق من خالل نظام دميقراطي

ال يحقق فيه كل طرف جميع مطالبه، وال يخرج منه أي طرف من

دون تحقيق بعض مطالبه، واستعدادها لتفهم مواقف األطراف األخرى

ومطالبها وتقدير تنازالتها. وهذه رشوط ذاتية يلزم توافرها عند النخب

السياسية، وميكن االختالف يف تقييم الرشوط التاريخية التي تدفعها

إىل هذه القناعات وترتيب أهميتها. لكن حجر األساس يف نجاح تجربة

69 Ibid., p. (.

إيرلندا الشاملية هو التوافق يف إطار نظام دميقراطي، إذ مل يكن ممكنا

عىل اإلطالق أن تتوافق األطراف املتنازعة يف اقتسام/ تشارك السلطة،

أو تتوافق يف ذلك القوى الراعية لالتفاق (بريطانيا وجمهورية إيرلندا)،

والقوى الدولية املساندة (الواليات املتحدة، واالتحاد األورويب)، خارج

اإلطار الدميقراطي (كام يف حاالت توافق أرس سياسية حاكمة للطوائف

يف لبنان مثال). ويف حالة إيرلندا الشاملية، كانت البيئة السياسية املحيطة

والفاعلة يف التوصل إىل توافق بيئة دميقراطية منحازة إىل تحقيق توافق

ضمن نظام دميقراطي. فربيطانيا وإيرلندا ليستا "س – س" (أي اختصار

السعودية وسورية)، الدولتني اللتني كانتا مدعوتني إىل التدخل من أجل

فرض الوفاق يف حاالت األزمات يف لبنان بني اتفاق الطائف وعام 011).

جهد دون من عينية تجارب من جمعه قد ليبهارت فصله ما إن

ولبنان وسورية العراق تجارب تضيف أن وميكن كبري. نظري

أخرى. تاريخية ظروف من مستمدة رشوطا واليمن، والبحرين

ففي العراق مثال، مل تتوصل النخب السياسية العراقية إىل التوافق،

بل فرض التوافق الطائفي من االحتالل األمرييك عىل أساس افرتاض

االنقسام الطائفي، وحكم طائفة ألخرى؛ ما استنفر رفضا له، كام لو

يرىس التوافق دستوريا.

الدميقراطية تحقيق إمكانية عدم رجح قد نفسه ليبهارت كان

نخب ألن ــام 1975 (70)، ع له مقالة يف وذلك إيرلندا، يف التوافقية

الطرفني غري مستعدة لتقبل مثل هذا الحل، ولذلك اقرتح التقسيم(71).

دولة، م يقس مل الشاملية إيرلندا يف الرصاع أن إضافة من وال بد

للحاالت خالفا وذلك دولــة)، داخل إقليم (يف مجتمعا م قس بل

انخراط الرصاع إذ شمل املختلفة، ليبهارت يف دراساته قدمها التي

إىل إضافة الشاملية، إيرلندا مقاطعات داخل املنقسمة األحزاب

70 Arend Lijphart, "The Northern Ireland Problem; Cases, Theories, and Solutions," British Journal of Political Science, vol. 5, no. 1 (January 1975), pp. 83 - 106.

71 Ibid., pp. 10( - 105.كام هو معتاد، يطرح باحثون معروفون يف الجامعات الغربية، من أمثال ليبهارت، أفكارا عىل غرار هذه األفكار يف دوريات يف العلوم االجتامعية واإلنسانية، أو يف شكل تقارير منظامت هذه وتنرش املاضيني. العقدين يف الشأن هو كام تفكري مجموعات أو دولية أو إقليمية الحقيقة عن وجهات تعرب يف أنها الرغم من أكادميية، عىل والتقارير يف دوريات املقاالت قدراتهم لهم تتيح وما معلومات، من لهم يتوافر مبا محكومة أنها إىل إضافة نظرهم، أو املثارة القضية من واألخالقي الوجداين قربهم مدى وكذلك استنتاجات، من التحليلية م كأنها تجسيد للعلم ذاته. وبدال بعدهم عنها. وتكمن الخطورة يف أن مثل هذه املقاالت تقدمن مقاربتها بوصفها أطروحات معرضة للنقد والتفكيك، يجري التعامل معها كأنها نصوص ذات "قدسية" بسبب "الهالة العلمية" (هذا التعبري هو بطبيعة الحال Oxymoron)، لكونها إنها تصبح، يف أحيان كثرية، مرجعية نرشت يف دورية، أو صدرت عن مجموعة تفكري. بل تشتق منها حلول وخطط تنفيذية. وإن نرش مقاالت حلول التوافقية املتناقضة يؤكد وجاهة هواجسنا حول "قدسية" هذه الدوريات "املعبودة" يف األكادميية الغربية. ونحن هنا ال ننتقد النرش يف حد ذاته، بل التعامل مع الدوريات األكادميية كأنها تجسيد العلم، يف حني أنها أحد

مكونات املؤسسة األكادميية، وليس العلم بالرضورة.

العدد 30

كانون الثاني / يناير 2018 20

تألفت لهذا، الجنوب. يف إيرلندا وجمهورية بريطانيا حكومتي

نحو عىل السلطة بتشارك يتعلق األول أقسام: ثالثة من االتفاقية

دميقراطي توافقي يف إيرلندا الشاملية (وهو ما فصلناه آنفا)، والثاين

العالقات لتنظيم إيرلندا وجنوبها تشكيل مجلس وزاري بني شامل

يف ما بينهام يف تسوية ملصلحة الجمهوريني، والثالث لتنظيم العالقات

الربيطانية - اإليرلندية، وهي تسوية ملصلحة االتحاديني.

ويف ما يتعلق بتنظيم العالقة بني إيرلندا الشاملية وجمهورية إيرلندا يف

الجنوب، نصت بنود القسم الثاين عىل تشكيل مجلس وزاري لشؤون

السلطتني بني والتعاون للتشاور إيرلندا الشاملية وجمهورية إيرلندا

التنفيذيتني، والبت يف القضايا املشرتكة بني الشامل والجنوب. ويشمل

مجال التعاون يف قضايا التعليم، وتبادل الخربات، والضامن االجتامعي،

والتنمية الحرضية والريفية، والصحة يف ما يتعلق بالحوادث وخدمات

وتربية األسامك، وصيد املائية، واملامر والبيئة، والزراعة، الطوارئ،

االتحاد وبرامج والسياحة، والنقل، البحرية، واملسائل املائية األحياء

األورويب ذات العالقة بأمور إيرلندا كلها()7).

وتضمن القسم الثالث بنودا تنظم العالقة بني شامل إيرلندا وحكومتي

بريطانيا وجمهورية إيرلندا. ويف هذا اإلطار، اتفق عىل إنشاء مجلس

بريطانيا وجمهورية يضم ممثلني عن حكومتي إيرلندي - بريطاين

إيرلندا، إضافة إىل ممثلني عن املؤسسات التي تتشارك السلطة مع

الحكومة الربيطانية يف كل من إيرلندا الشاملية، وإسكتلندا، وويلز،

وإنكلرتا، وجزر القنال اإلنكليزية؛ وذلك لتبادل املعلومات، والتشاور

جميع بني اتفاق إىل الوصول سبيل يف املشرتكة القضايا ومناقشة

األعضاء عىل سبل التعاون يف ما بينهم وآليات تنفيذها(73).

بنظام التسليم إطار الشاملية جرى يف إيرلندا التوافق يف أن نكرر

التجربة أساس عىل ليس وذلك املواطنة، عىل يقوم دميقراطي

فيها القائم السيايس والنظام ذاتها، الشاملية إليرلندا التاريخية

االتفاق وضع يف املشاركة الدولية القوى لكون أيضا بل فحسب،

الطائفية وإما إما بالهوية إليها سكان إيرلندا الشاملية التي ينتمي

باملواطنة - وهي اململكة املتحدة وجمهورية إيرلندا - دوال دميقراطية.

التوافقية في لبنانميكن، من زاوية النظريات املذكورة آنفا()7)، توصيف النظام السيايس

يف لبنان منذ استقالله يف عام 3)19 إىل بداية الحرب األهلية اللبنانية

72 "The Northern Ireland Peace Agreement," pp. 13 - 15.

73 Ibid., pp. 16 - 17.

74 Lijphart, Democracy in Plural Societies, pp. 1(7 - 150.

يف منتصف السبعينيات بالنظام التوافقي. فالطوائف الخمس عرشة

املعرتف بها قانونيا التي يناقش القانون تنظيمها هي "مبثابة األشخاص

مجتمعة تشكل العامة، وهي الحقوق نظر يف الحقيقيني املعنويني

االتفاق أنه جرى اعتقاد ويسود اللبنانية"(75). للدولة التحتية البنية

بعد االستقالل عىل تشكيل نظام شبه رئايس، يف إطار تحالف موسع

يضم معظم الطوائف يف لبنان. فبناء عىل هذا االتفاق غري الرسمي

أن عام 3)19، يجب الوطني" "امليثاق يسمى ما أو املكتوب، وغري

يكون رئيس الدولة مارونيا، ورئيس الوزراء سنيا، ورئيس الربملان شيعيا

امليثاق كام ســرنى)(76)، وأن يكون (وهذا غري صحيح ومل يتضمن يف

نائب رئيس الربملان ونائب رئيس الوزراء من الروم األرثوذكس. وجرى

تصميم هذا االتفاق بحسب القوة العددية للطوائف يف ذلك الوقت.

ففي منتصف خمسينيات القرن املايض، كان املجتمع اللبناين موزعا ما

بني 30 يف املئة موارنة، و0) يف املئة مسلمني سنة، و18 يف املئة مسلمني

شيعة، و11 يف املئة من الروم األرثوذكس، إضافة إىل طوائف أخرى من

مسلمني ومسيحيني ذات نسب أقل يف املجتمع اللبناين.

ومل تكن اآلليات املستخدمة يف انتخاب رئيس الدولة وأعضاء الربملان

الدولة من اختيار رئيس التناسبي، وجرى التمثيل مبنية عىل مبدأ

الربملان باألغلبية. ومبا أنه كان محسوما أنه يجب أن يكون مارونيا،

فإن هذه اآللية (تصويت األغلبية) ال تتيح ملمثيل الطوائف األخرى

التنافس يف هذا املنصب، ولكنهم يساهمون يف اختياره، ورمبا تكون

عادة تجري الربملانية االنتخابات أن كام أيضا. مقررة أصواتهم

اعتامدا عىل نظام الدوائر االنتخابية. ويف كل دائرة انتخابية، يجري

الطائفية الرتكيبة قامئة كل متثل بحيث املرشحني؛ قوائم ترشيح

نسبة أن إال االنتخابية، الدوائر عدد اختلف وقد الدائرة. تلك يف

."5-6" عامة، بصفة كانت، واملسلمني املسيحيني بني الربملان نواب

ويعرف ليبهارت هذا النظام بأنه "متثيل تناسبي مصمم مسبقا عىل

أساس طائفي". كام أن مبدأ التمثيل املتناسب قد طبق يف تعيينات

الوظائف الحكومية يف الدولة.

Segmental Autonomy ويف ما يتعلق بعنرص الحكم الذايت القطاعي

النظام مكونات أحد فإنه املنقسم، املجتمع يف املختلفة للجامعات

يف لبنان، إذ إن لكل طائفة مدارسها ومؤسساتها االجتامعية والخريية

الخاصة بها. كام أن قانون األحوال املدنية يف لبنان يختلف من طائفة

منشورات (بريوت: والدستوري السيايس للبنان التاريخي التكوين رباط، 75 إدمون الجامعة اللبنانية، )00))، ص 15).

اتفاق بني رياض الصلح وبشارة الخوري عام 3)19، عرب عنه يف عدة 76 امليثاق مبنزلة خطب ومواقف، وهو يرمي إىل استقالل لبنان عن الدول العربية وفرنسا، عىل أساس أن هذا أو غريها بحيث يحافظ عىل طابعه. نهايئ وليس مرحلة نحو وحدة مع سورية االستقالل ورأى إدمون رباط أن امليثاق قد قام عىل أساس لبننة املسلمني وتعريب املسيحيني. املرجع

نفسه، ص 830 - 1)8.

21دراسات

في تطور مفهوم الديمقراطية التوافقية ومالءمتها لحل الصراعات الطائفية:نموذجا إيرلندا ولبنان

إىل أخرى، وكل طائفة تدير األحوال الشخصية يف محاكمها. وال ميكن

طائفية محكمة أمام التقايض عدم عىل االتفاق متقاضيني فريقني

والتوجه إىل محكمة مدنية. فالطائفية ملزمة. وقد أحسن سليامن تقي

الدين وصف النظام السيايس اللبناين بعد الدستور الذي أعد يف عهد

االنتداب، إذ قال: "وبناء عليه مل تكن الطائفية قرشة يف البناء القومي

العالقات يوطد شامل نظام إنها بل السيايس، التمثيل عىل تقترص

االجتامعية يف البناء التحتي أيضا؛ بحيث ينتظم هرم من الحلقات من

أسفل إىل أعىل يواجه به املواطن يف حياته اليومية"(77)، مع اختالفنا يف

تسمية التمثيل السيايس قرشة، فهو قادر عىل التأثري يف املجتمع كله،

وهو بذاته األداة األهم يف ترسيخ نظام الطائفية الشامل.

يف أساسيا رشطا كان Mutual veto املتبادل الفيتو حق أن كام

النظام السيايس اللبناين، عىل الرغم من أنه غري مكتوب. وبحسب

طوال فعالة ظلت لبنان يف التوافقية الدميقراطية فإن ليبهارت،

نتيجة جاء ضعفها سبب أن إال األهلية؛ الحرب حتى 30 عاما

"املأسسة غري املرنة ملبادئ الدميقراطية التوافقية"، وهو ما أدى إىل

جمود سيايس يف نهاية املطاف. ال يرى ليبهارت وغريه من املحللني

الغربيني املتعاطفني مع النموذج اللبناين أنه مثة زاوية نظر أخرى

لرؤيته بوصفه حكم سالالت وأرس مارونية متتلك امتيازات، مقارنة

نظام املعنى بهذا وهو وبرجوازيتها، األخرى الطوائف بسالالت

لسالالت سياسية امتيازات عىل مغلق أنه ونقصد مغلق، توافق

حاكمة من طائفة بعينها.

وكتب فواز طرابليس أنه عشية الحرب األهلية برز "تناقض بني النظام

السيايس وبني الوقائع االقتصادية واالجتامعية التي عرفها البلد"(78)،

)مقدمات 1970 - 1920 اللبنانية للمشكلة التاريخي التطور الدين، تقي 77 سليامن الحرب األهلية(، (بريوت: دار ابن خلدون، 1977)، ص 38.

طبعة منقحة الطائف، اتفاق تاريخ لبنان الحديث: من اإلمارة إىل 78 فواز طرابليس، (بريوت: دار الريس، 008))، ص 303.

مثل تضخم الطبقة الوسطى ونشوء الحركات االجتامعية والطالبية،

مجلس عىل و"طغت واالحتكارات. الحر االقتصاد بني والتناقض

النواب سالالت سياسية فعلية"(79). ويف رأينا، هذه كلها عنارص شكلت

رأينا الرئيسة يف النظام االنفجار. ولكن مشكلة لوقوع بيئة مواتية

كمنت يف الطائفية السياسية غري امللتزمة بسيادة الدولة.

التوافقية بني كاف نحو عىل مييز مل أنه ليبهارت منوذج ومشكلة

اللبنانية الطوائف قيادات توافقت التوافقية. فمثال، والدميقراطية

عدة مرات بعد حروب أهلية، أو رصاعات، يف نوع من التوافق، أو

وعملت الحريات، بعض فيه حميت نحو عىل ذلك، إىل توصلت

كان كلام الدستور الحرتام نتيجة دميقراطية شبه مؤسسات فيه

التوازن بني الطوائف قامئا، ولكن التوافق مل يكن دميقراطيا. "هذا

التفوق هو قامئا موضوعيا واقعا بداية يعكس السيايس النظام

بخاصة. واملارونية عامة املسيحية للربجوازية واألسبقية والغلبة

امليزان النظام ليست فقط أن تعكس هذا إمنا كانت وظيفة هذا

بل أن متنعه من االختالل ]...[ لقد بني ]...[ ليمكن أقلية طائفية

مرتبطة اقتصاديا وسياسيا بالغرب من أن تظل متثل الوزن الراجح

توافقية دميقراطية تقم ومل السياسية"(80). والخيارات القرارات يف

دميقراطية، ثقافة تعضدها ومل املتساوية، املواطنة أساس عىل

مع طائفة، كل داخل حاكمة" "أرس جهة من التوافق أدير بل

امتيازات لنخب طائفة بعينها. ويف الفرتة األخرية، استبدلت ببعض

الدميقراطية بقيم تؤمن ال طائفية، أحزاب الطائفية السالالت

واألحزاب القيادات بني العالقة حالة تكرست كام وال تلتزمها.

ملوازين خاضعا التوافق أصبح بحيث اإلقليمية، والدول الطائفية

قوى دولية وإقليمية يف حاالت كثرية؛ كام أن السالح الطائفي، بقي

قامئا عىل نحو أحل الردع بدال من التوافق؛ ما جعل التعايش يبدو

مثل حرب باردة يخىش الجميع أن تتحول إىل حرب أهلية حقيقية

التغريات هو السبب أن آخرون رأى آنفا، بينا وكام وقت. أي يف

الدميوغرافية التي خلخلت التوازن القائم.

ويف حاالت الوفاق عموما، يفرتض أن تكون القدرة الذاتية عىل صيانة

الوفاق أهم من االتفاقيات واملواثيق. ولكن القدرة عىل الحفاظ عىل

لبنان، ذلك ألنه يصعب فحص هذه الوفاق مل تتضح منذ استقالل

القدرة الذاتية يف ظل عوامل خارجية تعزز الوفاق وتسهم يف الحفاظ

عليه، أو تسهم يف تقويضه. وما زالت االنتامءات الطائفية والوالءات

ألرس داخل الطوائف أكرث قوة من األيديولوجيا بوصفها جامعا حزبيا،

وأكرث قوة حتى من مؤسسات الدولة.

79 املرجع نفسه، ص 79) - 303.

80 تقي الدين، ص ))1.

العدد 30

كانون الثاني / يناير 2018 22

وأخريا، ويف ظل وجود نظام سيايس طائفي، وثقافة سياسية طائفية،

ليتخذ طبقي أو سيايس أو اجتامعي رصاع كل تحويل يسهل

مسارات طائفية. ومل تجعل هذه العوامل جميعها النظام الطائفي

إلعادة قابال بل فحسب، آخر إىل حني من لالنفجار قابال اللبناين

صياغة التوافق بعد كل انفجار أيضا؛ عىل نحو يعمق من طائفيته

يف كل مرة.

استخدم كربى أزمات خالل من عادة لبنان يف التغيري جرى لهذا،

فيها العنف، الذي يتلوه صيغة توافقية جديدة غالبا بتدخل خارجي.

األهلية الحرب وبعد .1975 عام األهلية الحرب أعنفها وكان

فرضت تعديالت دستورية يف اتفاق الطائف، نحت أغلبيتها منحى

التمثيل تحويل ومنها السياسية. املارونية امتيازات من التقليل

املسيحيني بني مناصفة إىل املسيحيني ملصلحة "5-6" من الربملاين

واملسلمني عىل اختالف مذاهبهم وطوائفهم، ونقل القسم األكرب من

مؤسسة وتأسيس الوزراء، مجلس إىل الجمهورية رئيس صالحيات

رئيس الحكومة عمليا. وإن أهم تعديل يف دستور 1990 هو إنشاء

مؤسسة مجلس الوزراء التي مل تكن سابقا قامئة عىل نحو مستقل.

فقط، ومل الجمهورية رئيس برئاسة يعقد الوزراء كان مجلس فقد

أصبح الوزراء رئيس مجلس ولكن لرئيسه صالحيات محددة، يكن

عىل الطائف يف تعدلت لقد التعديل. بعد حكومة رئيس عمليا

نحو جوهري املادتان (17) و(53) من الدستور، املتعلقتان مبامرسة

السلطة التنفيذية، إذ نقلت أغلبية صالحيات رئيس الجمهورية إىل

مجلس الوزراء(81).

المراجع

العربيةعريب. دميقراطي لبيان مقدمة العربية: املسألة يف عزمي. بشارة،

بريوت: مركز دراسات الوحدة العربية، 007).

اللبنانية للمشكلة التاريخي التطور سليامن. الــديــن، تقي

ابن دار ــريوت: ب األهلية(. الحرب )مقدمات 1970 - 1920

خلدون، 1977.

والدستوري. السيايس للبنان التاريخي التكوين إدمــون. ربــاط،

بريوت: منشورات الجامعة اللبنانية، )00).

81 املرجع نفسه، ص 78؛ قبل اتفاق الطائف كانت مثة محادثات سورية - لبنانية نسقتها السفرية األمريكية أبريل غالسبي عىل ثالث جلسات، عام 1987، يف سعي ملساواة الرئاسات

الثالث. انظر: مرسة، ص 91.

الطائف: بعد ما دولة يف الطوائف لبنان ــرؤوف. ال عبد سنو،

إشكاليات التعايش والسيادة وأدوار الخارج. بريوت: املعهد األملاين

لألبحاث الرشقية، )01).

طرابليس، فواز. تاريخ لبنان الحديث: من اإلمارة إىل اتفاق الطائف.

طبعة منقحة. بريوت: دار الريس، 008).

مرسة، أنطوان. النظرية العامة يف النظام الدستوري اللبناين: أبحاث

مقارنة يف أنظمة املشاركة. بريوت: املكتبة الرشقية، 005).

األجنبيةAlmond, Gabriel A. "Comparative Political Systems."

Journal of Politics. vol. 18, no. 3 (August 1956).

Apter, David E. The Political Kingdom in Uganda: A

Study in Bureaurcratic Nationalism. Princeton: Princeton

University Press, 1961.

Bauer, Otto. The Question of Nationalities and Social

Democracy. Joseph O'Donnell (trans.). Minneapolis and

London: University of Minnesota Press, (000.

Dekmejian, Richard Hrair. "Consociational Democracy

in Crisis: The Case of Lebanon." Comparative Politics.

vol. 10, no. ( (January 1978).

Department of Health and Social Services. The Northern

Ireland Census 1991: Religion Report. Belfast: NISRA,

1993, at: http://bit.ly/(eLD3BI

Department of Health and Social Services. The Northern

Ireland Census 1991: Summary Report. Belfast: NISRA,

199(, at: http://bit.ly/(eLlTnL

Easton, David. A Systems Analysis of Political Life. New

York: John Wiley, 1965.

Lehmbruch, Gerhard. Proporzdemokratie: Politisches

System und politische Kultur in der Schweiz und in

Österreich. Tübingen: Mohr, 1967.

Lewis, Arthur W. Politics in West Africa. London: Allen

and Unwin, 1965.

Lijphart, Arend. "Consociational Democracy." World

Politics. vol. (1 (January 1969).

23دراسات

في تطور مفهوم الديمقراطية التوافقية ومالءمتها لحل الصراعات الطائفية:نموذجا إيرلندا ولبنان

________. "The Northern Ireland Problem; Cases,

Theories, and Solutions." British Journal of Political

Science. vol. 5, no. 1 (January 1975).

________. "The Puzzle of Indian Democracy: A

Consociational Interpretation." The American Political

Science Review. vol. 90, no. ( (June 1996).

________. Democracy in Plural Societies: A Comparative

Exploration. New Haven and London: Yale University

Press, 1977.

________. The Politics of Accommodation: Pluralism and

Democracy in the Netherlands. Berkeley: University of

California Press, 1968.

________. Thinking about Democracy: Power Sharing

and Majority Rule in Theory and Practice. London and

New York: Routledge, (008.

Lipset Seymour Martin and Stein Rokkan. Party Systems

and Voter Alignments. New York: Free Press, 1967.

Lipset, Seymour Martin. Political Man: The Social Basis

of Modern Politics. New York: Doubleday, 1960.

Renner, Karl. Das Selbstbestimmungsrecht der Nationen

in besonderer Anwendung auf Österreich. Leipzig und

Wien: Deuticke, 1918.

________. Der Kampf der österreichischen Nationen

um den Staat. Published under the pseudonym Rudolf

Spring. Leipzig und Wien: Deuticke, 190(.

________. Schriften. Wien: Residenz Verlag, 199(.

Schendelen, M.P.C.M. Van. "Consociational Democracy:

The Views of Arend Lijphart and Collected Criticisms."

Political Science Review. vol. 1( (1985).

Schofield, Camilla. Enoch Powell and the Making of

Postcolonial Britain. London: Cambridge University

Press, (013.

Taylor, Rupert (ed.). Consociational Theory: McGarry

and O'Leary and the Northern Ireland Conflict. London

and New York: Routledge, (009.

"The Northern Ireland Peace Agreement." UN

Peacemaker, at: http://bit.ly/J9JYPn

Verba, Sidney. "Some Dilemmas in Comparative

Research." World Politics. vol. (0 (October 1967).

Wright, Quincy. "The Nature of Conflict." Western

Political Quarterly. vol. IV (June 1951).