18
اعلِ فِ أحبك قصيرة قصة لـ محمد عمار ياسين

قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

أحبِك فِعلا

قصة قصيرة

لـ محمد عمار ياسين

Page 2: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

فِعلا أحبكِ

محمد عمار ياسين// بقلم

((1))

اشتقتلك ، وين هالغيبة؟: هو

.بس اشتقتلي؟ : هي

.اشتقتلك وبحبك كتير كمان -

؟بس -

لم يكن يدري هل يشبعها أكثر بالكلمات المعسولة ، وعبارات الحب ، أم يظل صامتا ليريها حبه

! ..بالفعل ال بالقول

حبيبتي ، هل تريدين مني كالما فقط؟ -

ليه انتا ما بتحبني؟ -

.بحبك وكتير ، بس بدي تشوفي حبي فعل ، ما بحب احكي كتير أنا -

كيف؟ -

ي ع باب داركم جاي اطلبك ، وقتها رح تعرفي اني بحبك ، وحتى كلمة بحبك يعني لما تشوفين -

..قليلة بحقك

صمتت سارحة تفكر ، لم يدر بماذا فكرت ، وال هي اجابته على ما قاله لها ، وهذا ما ازعجه ،

ي فهو ال يريد منها أن تشبعه كالما ، فهو ال يحي كثرة الكالم أصال ، ولكن توقع منها أن تقول أ

ان "شيء يزيده اصرارا على ما قال ، أو يشجعه على ذلك ، أو على األقل توقع منها عبارة

:قطعه عن تفكيره ذاك قولها له " شاء هللا ، هللا كريم

.كيف قضيت يومك اليوم؟ -

Page 3: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

ترى هل يحدثها عن احوالها بعد حديثهم ذاك أم بعده ، أم هل يحدثها عن احواله قبل تغييرها

أم بعده ، ترى هل يقول لها ما ازعجه ، بأنها لم تلق اهتماما ألمر يحلم به أن يجتمع للموضوع

....هو وهي تحت سقف واحد ، أم هو مجرد موقف عابر ال يجب أن يتم الوقوف عليه

:اختصر على نفسه تلك الحيرة واكتفى باإلجابة

.....الحمدهلل كان تمام -

Page 4: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

((2))

ة من مديره تفيده بأنه تم عزله من وظيفته ، في ذات اليوم ، في ذات صباح جاءته مكالمة هاتفي

:أتاه صديقه ليقول له

.ما تحزن يا صاحبي ، عندي خبر الزم أخبرك اياه -

.تراجع مديرنا عن قراره ؟ -

.ال ما تراجع ، شكلو فيه حدا متوصي فيك كتير بتقريره -

معناته شو الخبر؟ -

ا بدي اياك تزعل ، يعني لو مش انا اللي وافقت كان وافق حدا تاني انتا صاحبي من زمان وم -

.

!!اه -

.المدير قرر يعيني بدالك بالشغل -

.مبروك -

كانت هي تعرف بما حل به ، وتعرف بأنه فقد وظيفة أحالمه ، تعرف بأنه يأكل ويشرب ليعيش

الليل عن العشق والوله ، يمّجدها بأرق فقط ، ولكنها كانت تريده دائما كما العادة ، يحدثها طوال

." يحبها"الكلمات وأعظمها ، وكان يفعل ذلك لسبب واحد فقط أنه

بعد أسبوع اكتشف بأنه تمت خيانته على يد صديق عمره وعمله ، ذلك الصديق الذي خانه

عنه مرتين ، األولى عندما طعنه في ظهره عند مديره في العمل ، والثانية عندما أتاه يخفف

.حزنه بنفاق واضح خلفه فرح عارم فاضح

كان يومها في حالة من الموت البطيء وجعاً ، ليس فيه شيء طبيعي ، يقف بعيدا عن الضحك ،

وعلى هاوية البكاء ، ال هو قادُر على الضحك وال هو قادر على البكاء ، كان يريد أن يصرخ ،

، " نكد"كان يعرف بأنها ال تحب ما تسميه أن يكسر كل شيء حوله ، أن يتحدث عما بداخله ،

.لذلك كان يتجنب الحديث عن ألمه عند محادثته لها ، ولكنه قرر أخيراً الحديث معها في وجعه

Page 5: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

كان يريد أن يحدثها عن كل ما يؤلمه كما يحدثها عن كل ما يفرحه ، فالفرح والوجع كالهما سواء

، وهي اإلنسانة الوحيدة " فضفضة"و ما نسميه ، كالهما يجعالن من الشخص محتاجاً للكالم أ

.التي ستحتويه بفرحه وألمه ، ليس لشيء سوى أنه أعطاها قلبه قبل أن يعطيها ثقته

Page 6: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

((3))

كانا يمشيان في إحدى شوارع مدينتهم الواسعة ، تحدثا بكل المواضيع التي تعشق الحديث فيها ،

:حتى تنهد عميقاً وقال لها

.انا تعبان كتير !! .. بتعرفي شغلة -

؟ليه حبيبي من شو -

......خالل أسبوع واحد ، خسرت وظيفتي ، وصديق طفولتي .. مخنوق -

جلسا على أحد المقاعد العامة ، وأسهب في حديثه ، تحدث كثيراً ، وكثيراً ، تحدث حتى شعر

ه وال حتى بأنه يكاد يموت ، يريد أن بأنه سيبكي ، يريد أن يبكي ليس بسبب أوجاعه وال هموم

يبكي ألنه يراها تعلق أنظارها بكل شيء على الطريق ، منشغلة عنه وعن حديثه وعن قلبه الذي

كان في أمّس الحاجة إليها ، كان هو يتكلم ، وهي تفحص السيارات التي تعبر الشارع ، وإشارة

:المرور ، حتى أنها قاطعته لتقول

..ع اشارة المرور وهي حمرا شوف شوف هاد قط -

أكمل حديثه ، ورآها تستكمل جولتها االستطالعية في المكان ، تفحصت بائع مث صمت برهة ،

العطور ، والشرطي الذي يقف عند مفرق الطرق ، وكل المشاة الذين يعبرون الطريق جيئة

:وذهاباً ، وأخيراً قالت بشيء من العجلة

.، كلو عادي وما بستحق تزعل حالك عشانو طيب حبيبي ، ما تزعل حالك -

عرف من كلماتها تلك بأنها تقول له أن الحوار انتهى وأن عليها الذهاب ، نهضا عن ذلك المقعد

، وأوصلها ألول منطقتهم ثم رحل عنها إلى منزله ، إلى غرفته ، ليجلس وحده ، وتمارس آالمه

..فأكثر ساديتها عليه ، وتجعل منه إنساناً يتحطم أكثر

كان يريدها أن تفهم بأن الحب ليس مجرد اثنين يهيمان طوال الليل في حبهما ، وكالمهما الرقيق

الذي ينساب لقلبيهما كما ينساب النسيم الربيعي إلى مسامنا ، ليعطينا مزيداً من الراحة

عن واالسترخاء ، الكالم في الحب رائع ، ولكنه ليس كل شيء ، في الحب قد نتحدث أيضاً

Page 7: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

الهموم ، أي هموم تثقل كاهل أحد األطراف ، ويريد من قلب حبيبه مالذاً له يخفف عنه ألم تلك

.األوجاع

كان يريدها أن تعرف بأنها زادته ألماً بما تقوم به ، فقد كان يتوقع منها اإلحساس به ، ولكنها لم

، كان يريدها أن تعرف بأنه تشعر بوجعه ، وال حتى أعطته آذاناً صاغية لسماع استغاثات روحه

محصوراً في مدة وجودهما معاً أو حديثهما معاً ، بل يريد حبّاً يذهب بروحه -كلماتياً -ال يريد حبّاً

.بعيداً إلى فضاء الراحة ، وتظل جوارحه ثملةً بإحساسها معه ، حتى وإن غابت عنه كلماتها

Page 8: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

((4))

حا ، تناول فطوره ، وذهب للشارع ، كي كان يوما عاديا يقتله بروتينه المعتاد ، استيقظ صبا

يتصيد عمال ، أي عمل بدال من عمله الذي سرق منه ، كان دائما ما يفعل ذلك قبل أن يعمل في

تلك الشركة ، وها هو بعد طرده منها يعود لذلك ، يسافر في الشوارع ، يقف في مركز المدينة

، يقف ساعات وربما يحالفه الحظ مع آخرين ، ينتظرون صاحب عمل يريد عماال للعمل لديه

..ربما ال في ذلك اليوم و

:لمحمود درويش ، يقول في نهايتها " في االنتظار"كان يحب قصيدة اسمها

،فان الموت يعشق فجأة، مثلي

روإن الموت، مثلي، ال يحب االنتظا

رونه على فهو هكذا بطبيعته شخص ال يحب االنتظار ، وها هي الظروف ومن ملكت قلبه يجب

....ذلك مستغلين حاجته لهم

كانت هي األخرى بارعة في جعله ينتظر ، ينتظرها لتأتي ، ينتظرها لتذهب ، ينتظرها لتتكلم ،

ينتظرها لتصمت ، ينتظرها بالساعات واأليام ، وربما هي األخرى كما عمله ، قد تأتي ، وقد ال

.تأتي

يابها ، وحينما تأتي بعد يوم ، يتوقع منها أن تثبت له كان دائماً يضع كل المبررات ليبرر لها غ

.(( غباءه))تلك المبررات ، فتثبت له شيئاً واحداً فقط

:تأتي لتقول له

.مبارح نمت وما قدرت آجي .. آسفة -

وأ

.لقيت برنامج روعة ع التلفزيون ، وتابعته ، وما قدرت آجي .. آسفة -

وأ

.مناسب ، وما قدرت آجي ما كنت بمزاج.. آسفة -

Page 9: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

....أو ... أو ... أو

كان ال يحب األعذار أبدا ، فاألعذار في نظره مجرد مفتاح لتكرار سبب العذر بعد االعتذار ،

.وأكثر .. ليتكرر نفس االعتذار على نفس السبب مرة ، واثنتين ، وثالث

رامج التلفزيونية ، وأصبح رهناً في أعذارها تلك كان يرى نفسه قد وضع على هامش النوم والب

.ألمزجتها المتقلبة ، أو أصبح أمراً ثانوياً يتم اللجوء إليه في وقت الفراغ ال أكثر

ترى هل يقول لها بأنه ليس ساعة يد تنظر إليها فقط لكي تعرف الوقت ، هل يقول لها بأنه ليس

الدفء ، وتتركه على األريكة معطفاً تلبسه عند إحساسها بالبرد وتخلعه عنها فور شعورها ب

.ليموت برداً بعيداً عن أي مصدر للحرارة

:يتبادر إلى عقله دائما كلمات صاغها قلبه ، ويرغب لو يعاتبها بها ، يود لو يقول لها

يالحب يا عزيزت

لليس مجرد كالم ُيقا

ةالحب إحساس ولهف

لالحب عهود وأفعا

هل يعاتبها أم يظل صامتاً ، ويعود للوقوف على قارعة قلبها ، ينتظر حاجتها له ، ليكون إلى

." وقت الطلب"جانبها

كان دائماً ما يعقد العزم على أن يرحل ، ويذيقها طعم االنتظار األبدي ، وما به من مرارة

.علقمية ، ولكنه يتردد وسرعان ما يتراجع عن قراره ذاك

:ويثمر انتظاره عند مجيئها بكلمات يلفظها بأسف ، ويتمنى لو أن تشعر بها

......بسيطة مش مشكلة ، المهم انك بخير -

Page 10: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

((5))

يالي ، أتته هو ورفاقه األوامر ، بأن كونوا على استعداد ألي شيء في أي لحظة ، في ليلة من الل

لم يكن يدري ال هو وال رفاقه سبب تلك األوامر ، كون الوضع هادئ وليس هناك ما ينذر

.لهجوم محتمل للصهاينة ، ومع ذلك فقد تجهز ورفاقه لهجوم محتمل على مدينتهم

وماً ألي شيء ، توشح كوفيته ، وحمل رشاشه الذي لم يستخدمه وككل الفلسطينيين المستعدين د

القضية حالة من سبات المفاوضات المشتتة المبهمة ، منذ أن أصبح منذ سنوات ، منذ أن دخلت

، ذهب وودع أمه وأبيه واخوته ، وتلثم بكوفيته " خاليا نائمة"يطلق عليه هو وأقرانه تنظيمياً

.الصابرة وخرج من المنزل وسط دموع أمه

كان يرغب بالمرور على غاليته يودعها ، فهو ال يعرف ماذا ينتظره ، ولكنه ظل متوجها إلى

ثغور المدينة ليرابط فيها بقية الليل ، فسواء ودعها أو لم يودعها ، فهي لن تلحظ غيابه ، كما ال

.تلحظ حضوره

المضيء ، وكأنها تقيم حفال من كانت ليلة صافية متوسطة البرودة ، نجومها تتألأل حول قمرها

.نوع ما ، ألجل شيء ما

وكعادتها لم تفارق مخيلته للحظة ، رآها في تلك النجوم ، في القمر ، في سواد الليل ، في

.الصخور التي يرابط خلفها ، حتى في بندقيته

انت سترجوه وتخيل لو أنه ذهب ليقول لها بأن وطنه ناداه وهو ذاهب ليلبي النداء ، ترى هل ك

.أال يذهب؟ ، أم ستسلّم من البداية بأنه سيذهب سواء قبلت أو رفضت؟

هل سيأخذ برأيها إذا قالت له أال يذهب خوفاً عليه ، هل كان سيضعف أمام دموعها .. وهو

.ويعدل عن الذهاب للمجهول؟

Page 11: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

اعة تامة بأن لقد كان دائما يحمل فلسطين في قلبه ، ويضعها فوق كل من فيه ، كان على قن

فلسطين التي ُولد على أرضها ، تربى في أحضانها ، لعب في حاراتها ، هي التي تستحق كل

الحب والوفاء ، واذا تعارض حبه ووالئه لوطنه ، مع حبه او حتى عشقه العظيم إلحداهن ، فهو

أقرب سيقدم عشقه الوحشي لوطنه ، وُيسقط غيره من انواع الحب وان كان حبه لوالديه ، وهم

.الناس إليه

.معقول اليوم نستشهد؟ -

لم يفاجئه رفيقه . سؤال تبادر إلى ذهنه فجأة ، ثم إلى لسانه مباشرة ، وطرحه على مسامع رفاقه

:، عندما قال له " مجد"

.ليش يعني خايف؟ -

.أل ، بس مجرد سؤال -

.بيحبونا ويا سيدي ، نستشهد ، فدا هالوطن ، فدا امي وامك وكل اللي -

هكذا هو الفلسطيني ، على استعداد أن يبذل روحه فداءاً لوطنه ، والتي ستكون أيضا فداءاً لكل

شعبه البطل ، فدائما ما يكون الفدائيين هم الحاجز بين حياة شعبهم ومماتهم ، لذلك نراهم يقاتلون

باقون ما بقي هذا الوطن بشراسة ، مستعدين لتفجير أنفسهم دفاعا عن الوطن ، فأهلهم وأحبائهم

.

كانوا في تلك الليلة مرابطين في جهة من جهات المدينة ، كانوا خمسة عشر مقاتل ، خمسة عشر

شخص قد عقدوا اتفاقا مع القدر وقعوه بعزيمتهم وشهدت عليه إرادتهم ، مضمونه موافقتهم على

...........أن يكونوا مشاريع شهداء ، في اشتباك أو توغل أو غارة مفاجئة

Page 12: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

((6))

كانت ليلة يحتفل فيها الصمت مع الظالم بتناغم كئيب ، يجعل من مهمة المرابطين أخطر ،

فالصمت يصّم آذانهم ، ليعطيهم حالة من اليقظة الدائمة اإلجبارية ، في انتظار ما سيخرق هذا

..الهدوء ، والظالم يعمي أبصارهم فيجعل من مهتمهم أصعب

آبة طريقاً لتالمس قلبه ورفاقه أو تحّط قيد أنملة من عزيمتهم ، فقد ومع كل هذا ، لم تجد الك

.ية أهلهم وأحبتهم ، وليس لمجرد تنفيذ أوامر أصبحوا على قناعة تامة بأنهم هناك لحما

..وانتصف الليل

..ذهب لمكان ليس ببعيد عنهم ، وسرح بتفكيره

حوله ، وفي أوقات األزمات هو ال الفلسطيني محكوم بالظروف ، في أوقات الهدوء هو لمن

يملك نفسه ، فهاهم من حوله قد تركوا كل من لهم وأتوا ، تركوا آبائهم ، أمهاتهم ، زوجاتهم ،

.أوالدهم ، كما هو ترك حبيبته وأتى

على ذكرها تذكر بأنه كان أحياناً يتحدث معها عن وضع القضية المستفز ، الذي يمر بمرحلة

كان يرى . لب هذا الشعب الصامد ، بل واستهتار في أرواح شبابه وأطفاله من االستهزاء بمطا

صور األطفال والنساء يستشهدون تحت أنظار كاميرات التلفزة المحلية والعالمية ، لتثير هذه

الصور مشاعر الماليين حول العالم ، أعرابه وأعاجمه ، وال تثير مشاعر حاكم لدولة واحدة ،

ترى هل حكام الدول مخلوقات تختلف عن أفراد الشعب الذي تحكمه؟ ، أم كان دائما يتسائل ،

أن الحاكم يعطي ضميره إبرة مخدرة ، لتخدره طيلة فترة حكمه ، والتي غالباً ما تكون عند

.العرب طيلة فترة حياته؟

ما الذي كان ال يعرف سبب الحديث معها في مثل هذه المواضيع ، ربما لكي يجعلها تعرف

يحدث حولها كونها فلسطينية مثله ، وفلسطين وطنها كما هو وطنه ، أو ربما لكي يهّدئ من

كان يتحدث إليها في تلك األمور مع .. ضجيج روحه التي تضج بكل األحاسيس بعد كل مجزرة

:معرفته المسبقة بما ستقوله ، سواء عندما ينتهي من حديثه ، أو مقاطعة له

؟شو جاييك من هالحكي غير وجع الراس.. ش مقلق حالك انتا؟ لي.. حبيبي -

Page 13: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

كما تقول دائماً ، " هواياتها"بالتأكيد كان هذا الحديث عديم األهمية بالنسبة لها ، كونه ليس من

ولكنها ربما كانت على حق بأنه مؤلم له ، ولكنه ال يسبب له ألماً في الرأس ، إنما ألماً في القلب

وبة التي داسها الصهاينة ، العروبة التي عجزت عن تحرير شبر واحد من أرض ، ألماً في العر

.يتم اغتصابها كل يوم منذ ستون عاماً

كم كان يتمنى أن تفهم بأن الذي استشهد باألمس هو بشر ، من لحم ودم ومشاعر ، له أهل

ربما يكون أخاها أو وأحباب وأصدقاء ، كان يتمنى لو أنها تفهم بأن الذي سيستشهد اليوم أو غداً

...أو حتى هي .. أخاه ، أو يمكن أن يكون هو

::تبادرت إلى لسانه كلمات ربما صاغها له الموقف ، أو ألمه على ما وصل إليه شعبه

ادون جريمة يرتكبه

هتصدر في حقه اإلدان

ممذنب هو دون اهتما

ةلعمره ، لجنسه ، أو الديان

"فلسطيني"يكفي االسم

ةليكون ضحية قذيفة غادر

ةجبان

Page 14: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

((7))

كان الجميع ال يدري ما ينتظره في نهاية هذه الليلة التي ال تريد أن تأتي ، فقد كانت ليلتهم

..طويلة ، قلوبهم معلقة بمن تركوا خلفهم ، وأبصارهم مركزة على حدود المدينة

ان يطرح تساؤل دائماً على كان حائراً وتائهاً في ذلك المكان ، مبعثر المشاعر واألحاسيس ، ك

نفسه ، هل تفكيره فيها طبيعي في هذه األثناء ؟ ، أم أن في تفكيره فيها في مثل ظروفه الحالية

.لجنون؟ ، ولكن ما الفرق بين جنون موقفه وجنونها هي أصال ؟ ضرباً من ا

بعدها تطورت كان جنونها الطفولي في البداية يروق له ، يحبه مع أنه يؤلمه أحياناً ، ولكن

طفولتها تلك إلى شيء من عدم االكتراث ألي أحد ، وهو أولهم ، كانت ترميه بأفعال تخترق

قلبه ، خاصة تلك األفعال التي ال تقتصر فيها على استفزازه فحسب ، بل استفزازه ، وضربه

.في مقتل

ويدخل مرحلة كان جنونها ذاك يتمادى أكثر وأكثر ، ليخرج من مستوى العفوية الطفولية ،

..، حتى وإن كان إصرارها ذلك على حسابه هو -ربما-اإلصرار على الخطأ غير المقصود

تذكر وعودها غير النافذة دائما ، في كل الظروف واالحوال وأحياناً على نفس األمور ، تنقض

نها أخطأت وعده ، يناقشها ، فيتبين له أنها تعرف بأنها نقضت وعدا ، وتعرف ومقتنعة تماماً بأ

، وأنه إذا قام بنفس الفعل سيؤلمها ذلك ، حتى أنها لم تترك له مبرر نسيانها للوعد على االقل ،

:فتقول له

." ...عادي"اه بتذكر مزبوط حكيتلك هيك ووعدتك ، بس مش عارفة خلص -

، ولكن تلك دائما ، في كل مرة تنقض وعداً في اليوم التالي من عمره " عادي"تقول له كلمة

، تعده مرة أخرى على عدم " عادي"عند قيامه بنفس الفعل تنقلب األمور ليصبح األمر غير

المفرغة رجالً أصبح يرى " عادي"، وهكذا ابتلعت دائرة الـ" عادي"تكراره ، وتعود لكلمة الـ

." .عادي"نفسه هو اآلخر أقل من الـ

Page 15: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

بة ، صوت على بعده اخترق كل الهدوء قطعه عن تلك الدوامة المتناقضة ، والمشاعر المتضار

من حوله ، صوت يعرفه جيداً ، صوت لشيء كان يمر منذ سنوات ليست ببعيدة ، بجانبه وهو

على الحواجز العسكرية الصهيونية ، كان صوت دبابة ، وليس دبابة واحدة ، بل قطيع من

............ئعة للموت الدبابات التي يبدو من سرعة دنو صوتها بأنها متخمة بالذخيرة ، وجا

Page 16: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

((8))

كانت تجلس وحيدة تلك الليلة ، تفتقده فيها أو تفتقد فيها كالمه الذي تعشقه من كالم حب وهيام ،

وكان قد رحل وهي تعرف بأنه غير راٍض أبداً عن أساليبها في التعامل معه ، فهي تعرف جيداً

ا عاملها هو بها لن تكون سعيدة أبداً بأنه يموت وجعاً منها ، وتعرف جيداً بأن أساليبها هذه إذا م

تعرفه جيداً ، ولكنها بها ، تعرف جيداً بأنه ال يعاملها بها ألنه ال يريد أن يجرح قلبها ، كل ذلك

ال تدري لماذا تفعل كل هذا ، كانت تسمع من الجميع بأن الحب اهتمام ، وأن االهتمام ال يطلب

ا غير قادرة عليه ، في كل مرة ال تستطيع قول ذلك ، بل يكون بفطرة العاشق والعاشقة ، ولكنه

له ، ولكنها بالفعل غير قادرة على ذلك ، ألسباب ال تعرفها ، ربما هو دالل زائد تحّول إلى

هل يعقل بأنها ال تحبه؟ ، أو أن كل ما تشعره تجاهه هو ربما نوع من ... أنانية جنونية ، أو

.قها؟ حب األخت ألخيها ، أو حب الصديقة لصدي

كانت واعية لكل شيء تفعله ، ولكنها ال تستطيع إيقاف نفسها عن فعله ، حتى عندما تراه في

قمة اختناقه وألمه ، فإنها ال تحيد عن أساليبها التي تراها هي نفسها بأنه من غير المنطق أن

ا حواسه تصدر من حبيبة بحق حبيبها ، وخصوصا بأن ذلك الحبيب أشعل لها قلبه حباً ، وملّكه

.عشقاً

كانت تعرف تماماً بأنه ال يستطيع االستغناء عنها ، وأنه يحبها ربما أكثر من مقدار حبها له ،

بل من المؤكد ذلك ، فكل شيء فيه يفضح ذلك ، كالمه ، اهتمامه ، خوفه وغيرته عليها ، لذلك

اقتراح ذلك االقتراح الذي وكونها تعرف بأنه ال يستطيع فراقها ، فقد كانت دائماً تمنع نفسها من

سينهي ألمه ، وهو أن ينفصال ، وأن يسلك كل واحد منهم السبيل الذي يجعله مرتاحاً ، لك تكن

تدري ما الذي يمنعها من ذلك ، خوفها من خسارة إنسان لن يحبها أي شخص آخر بمقدار حبه

أكبر من جرحه في عليه ، وال تريد برحيلها أن تجرحه جرحاً " تشفق"لها ، أو ربما كانت

.وجودها

رحيلها هو الحل الوحيد لوضع حدا أللمه ، سيتألم بعدها ربما أياماً وربما .. ولكنه الحل الوحيد

أشهر ، ولكن من المؤكد أن يجد اإلنسانة التي تستحق منه كل ذلك الحب ، فهي على يقين بأنها

ك أخذت قرارها بإنهاء العالقة بينهما ، ال تستحقه ، وال تستحق منه كل ذلك الحب والوفاء ، لذل

Page 17: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

غداً صباحاً سنتهي كل شيء ، ليرتاح هو ، وترتاح هي ، لعل إحساسها بالذنب تجاهه سيزول

.ولو بعد فترة

وبدأ صوت الرصاص البعيد يشق مسامعها ، ترى هل هو من هذا االتجاه أم من ذاك؟ ، أطرقت

....تجاهات ، ومن ضمنها االتجاه الذي يرابط فيه هو السمع قليال فعرفت بأنه قادم من جميع اال

كانت المعركة تشتد أكثر وأكثر ، وأهل المدينة ينتظرون مع علمهم المسبق بنتيجة تلك المعركة

، عندما انقطعت االتصاالت بين المجموعات الموزعة حول المدينة ، وسماع صوت رصاص

ك وسط تكبيرات شيوخ المدينة ، واستعداد باقي الحرية ، تقابله قذائف الظلم والقهر ، كل ذل

.شبان المدينة للمواجهة التي ستمدد إلى شوارع مدينتهم

.بدأ صوت رصاص االسلحة الرشاشة الخفيفة يقل ، ويطغى عليه صوت قذائف بني صهيون

نفس وصل أحد المقاتلين إلى المدينة سيراً على األقدام ، وقد اخترقت ذراعه شظيه ، كان على

، جاء إلى أهل المدينة بأنباء تفيدهم ولكنها ستؤلمهم في نفس " هو"الجبهة التي يرابط فيها

دبابات ، وأن آخر اتصال بينهم وبين 3الوقت ، قال لهم بأن االقتحام من جهته يتم بواسطة

ر رفاقهم على المحاور األخرى يفيد بنفس المعلومة ، ونقل لهم معلومات عن الطرق التي ستسي

بها تلك الدبابات ، واألماكن التي يجب أن يتم وضع األلغام فيها ، وكذلك نقل لهم بأن كل من

على جبهته قد استشهدوا عدا اثنان ، اقترحوا عليه أن يرجع للمدينة كونه مصاباً ناقالً ألهل

ن المدينة المدينة المعلومات ، وهم سيقوموا ما بوسعهم لتأخير الدبابات القادمة حتى يتسنى لشبا

." هو"و " مجد"كان من بقي هم .... تجهيز االستقبال المزين باأللغام

توقف صوت الرصاص والقذائف ، وبدأ صوت الدبابات بالدنو أكثر فأكثر ، والجميع متأهب

.داعمة لقضيتهم " دولة"ليرى نتيجة تلك األلغام التي وصلت للمقاتلين حديثاً ممن حولهم من

في صباح اليوم التالي كانت المدينة قد فازت في أولى جوالتها ، واأللغام أجبرت الدبابات التي

تبقت على االنسحاب ، كان بنظر أهل المدينة انتصار بطعم مر ، فقد أجبروا الدبابات على

االنسحاب ولكنهم خسروا أرواحاً لخيرة شباب المدينة ، الذين واروهم ثرى وطنهم في ظهيرة

.، وكذلك كانوا يترقبون الجولة القادمة وما يخبئه لهم محتل غادر " االنتصار"م يو

Page 18: قصة قصيرة (أحبكِ فِعلاً) لـ محمد عمار ياسين

في مساء ذلك اليوم ، حمل الشاب الذي رجع إلى المدينة ورقة إليها ، كانت قصاصة ورق

:معطرة بعبير البارود ، مكتوبة فيها رسالة على عجل ، كانت منه إليها ، مكتوب فيها

، لم -على األقل حتى اآلن-الة فمن المؤكد أن استشهادي كان ذو نتيجة إذا قرأِت هذه الرس"

تغيبي عن بالي للحظة واحدة ، فقد كنت حاضرة حولي ، سامحيني إن فهمتِك يوماً على خطأ ،

"،أحبِك فِعالً ،،،،،،.... وال تبكيني فأنا اآلن ربما أراكي ، وإن بكيِت لن أكون مرتاحاً لذلك أبداً

** تمت**