28

شهدت مصر بعد جالء احلملة الفرنسية تنازع السلطة بني ثالث قوى خمتلفة املصاحل اتفقت على االحتاد ضد الفرنسيني حتى متكنوا من القضاء عليهم ومن ثم بدأت أطماعها حتقيق على تعمل قوة كل اخلاصة فى وادى النيل، وقد متثلت تلك القوى فى اإلمرباطورية العثمانية أو الدولة السنية: وكانت حجتها أن مصر الزالت احدى الواليات العثمانية التى فتحت مصر من قبل حبد السيف، واجنلرتا: التى ظهرت أطماعها فى بسط نفوذها على وادى النيل باحتالل املواقع اهلامة على شواطْى مصر فى البحرين األمحر واملتوسط لضمان السيادة

فى طريقها إىل مستعمراتها اهلندية .

أسرة حممد على .. مؤسس مصر احلديثة

"احللقة اخلامسة عشر"

أما القوة الثالثة فتمثلت فى املماليك، الذين كان هلم حكم مصر رمسيا قبل الفتح العثمانى هلا وبعد هذا الفتح الرئيسية فى القوة أصبح هلم مركز متميز وكانوا مبثابة إدارة احلكم، وكانت أطماعهم تتجه حلكم مصر رمسيا وقد جتاهلت هذه القوى فى تنازعها على السلطة العامل القومى، إال أن رجال واحدا أدرك مدى تأثري هذا العامل ملن يستعني

به ذلك وهو "حممد على" .

نشأة حممد على اخنرط حممد على فى سلك اجلندية فى سن الشباب، وسبق له العمل فى جتارة الدخان فربح منها ثم عاد اىل احلياة العسكرية عندما أغار نابليون على مصر، وبدأت حكومة الباب العاىل العثمانى فى تعبئة اجليوش حملاربة الفرنسيني، فوصل إىل مصر عام 1801كمعاون لرئيس كتيبة قولة املؤلفة من ثالمثائة جندى، أظهر خالهلا كفاءة فى احلرب فتمت

ترقيته حتى أصبح قائدا ألحد الفرق بعد جالء الفرنسيني، وأصبح من الرجال املقربني لواىل مصر"خسرو باشا ".

وفى مايو 1802 كانت القوات الفرنسية تتأهب ملغادرة مصر بعد توقيع صلح إميان، بينما كانت قوة الفرقة األلبانية بقيادة حممد على فى ازدياد، وفى الوقت الذى انشغلت فيه بالتنازع على السلطة، اختذ حممد على الباقيتان القوتان ّاخر منتظرا وللمماليك حينا موقفا مواليا لألتراك حينا الفرصة الساحنة للقضاء عليهما والفوز بالسلطة ومن أهم

سياسات حممد على التقرب اىل القوة الوطنية الشعبية .وفى مايو 1805 اتفق املشايخ والعلماء والكتاب وغريهم البالد، السائدة فى الفوضى على ضرورة وضع حد هلذه فأعلنوا خلع خسرو باشا من منصب "الواىل" ومتت عملية تنصيب حممد على واليًا على مصر، فلم جيد الباب العاىل بتولية للقوى الشعبية، فأرسل فرمان أمامه سوى الرضوخ

حممد على حكم مصر فى يوليو 1805 .

)37(29

وهكذا وض��ع حممد على أس��س احلكم ألس��رة جديدة تشمل أوالده وأحفاده، واستمرت فى حكم مصر حواىل قرن

ونصف من الزمن .حكم حممد على

عندما توىل حممد على احلكم كان هدفه القضاء على املماليك متاما فحاربهم فى جهات خمتلفة من جنوب مصر، ثم قضى عليهم نهائيا فى مذحبة القلعة فى مارس1811، الدخول بفرتة استقرار وبالقضاء عليهم بدأت مصر فى داخلى، أتاحت حملمد على توجيه طموحه اىل اخلارج، فأرسل جيشه اىل احلجاز إلخضاعها تنفيذا ألوامر الباب العاىل، ثم استوىل على السودان وجزيرة كريت ثم فلسطني والشام، وظلت سيادة مصر على تلك االقطار مبوافقة الباب العاىل فى أول االمر إال أن السلطان العثمانى واالجنليز شعرا بأن هذه السيادة املصرية تشكل تهديدا لالمرباطورية العثمانية

وللمصاحل االوربية فتغري الوضع .- على الصعيد الداخلى

وضع حممد على خطة لتحديث مصر وجعلها تلحق بركب احلضارة واملدنية والتقدم التى ختلفت عنه قرابة ثالثة قرون

هى فرتة احلكم العثمانى .وقد تضمنت خطة حممد على وضع نظم جديدة ومتطورة للتعليم والزراعة والصناعة، بناء جيش قوى وحديث، بناء أسطول حيسب حسابه فى املنطقة مما جعل اجليش املصرى

هو درع وسيف الدولة العثماني.ومع تعاظم قوة مصر فى فرتة حكم حممد على شعرت الدولة العثمانية بالقلق جتاه هذا التفوق العسكرى خاصة مع طموحات حممد على لتحقيق انتصارات أخرى فاعتربت ذلك تهديدا لبقائها، كما أن بعض الدول االوربية رأت فى حممد على تهديدا ملصاحلها فى املنطقة فرأوا ضرورة وضع حد لطموحاته فاجتمع ممثلو هذه الدول وهى الدولة العثمانية واجنلرتا وروسيا والنمسا وبروسيا فى لندن 1840 وأبرموا معاهدة لندن التى وافق عليها الباب العاىل، وتنفيذا لبنودها

أصدر ثالثة فرمانات سنة 1841 ومن أهم شروطها :منح حممد على رتبة نائب امللك على مصر . •

إقرار مبدأ وراثة احلكم ملصر حبدودها القدمية فى •أسرة حممد على لألكرب سنا من أوالده وأحفاده

الذكورتسرى العثمانية الدولة من جزءًا مصر تكون أن •

فيها قوانني تلك الدولة واملعاهدات التى تربمها .أن جيرى كل شْى فيها باسم السلطان . •

أن تدفع اجلزية سنويا للسلطان . •

من أهم القيود التى أقرتها االتفاقية "أال يزيد جيش •مصر على 18000 جندى فقط فى زمن السلم".

عدم السماح ملصر ببناء سفن حربية دون احلصول •على إذن من الباب العاىل .

وقد رفض حممد على هذه الشروط فى بداية االمر ثم عاد فقبلها حتت الضغط والتهديد وهذه الشروط حققت له احلكم الوراثى بضمان الدول االوروبية، كما أصبح ملصر وضع سياسي تتمتع به باستقالل داخلى حتت مظلة السيادة

العثمانية .حكم ابراهيم وعباس

نظرا ملرض حممد على صدر فى مارس 1848 فرمان بتعيني إبراهيم باشا ابن حممد على واليا على مصر، إال أن مدة حكم إبراهيم مل تزد عن سبعة شهور ونصف حيث توفى فى نوفمرب 1848، وتوىل األمري عباس األول حفيد حممد على وظل فى احلكم قرابة مخس سنوات، إىل أن مت اغتياله فى يوليو 1854 وخلفه فى حكم مصر سعيد ابن حممد على

وتوفى سعيد 1863 . وخالل فرتة حكم عباس وسعيد تعرضت مصر حلقبة تردت فيها األوضاع، خاصة مع انصراف الواليني إىل ملذاتهما الشخصية وانساقا وراءالدسائس ومل يلتفتا ملصلحة البالد التى استحدثت فى النظم فانهارت فى عهدهما كثري من

النصف األول من هذا القرن .النظم واملؤسسات املستحدثة

عهد حممد على كانت احلكومة فى عهد حممد على حكومة مطلقة يسود فيها حكم الفرد فكان الواىل جيمع فى يده كل السلطات من تشريعية وتنفيذية وقضائية إال أن االختالف عما سبق يتمثل فى أن حممد على وضع نظاما الدارتها قاصدا القضاء على الفوضى التى كانت سائدة قبله فأنشأ بعض اجملالس والدواوين

ليتشاور مع أعضائها قبل إبرام األمور.العاىل •الديوان

ألف حممد على جملسا للحكومة حتت مسمى الديوان الدواوين الديوان فى عضويته رؤس��اء العاىل ويضم هذا الرئيسية فى احلكومة ويرأسه "الكتخدا" وهو مبثابة وكيل الباشا أو نائبه وحيظى بسلطة واسعة فى شئون حكم البالد، ويعتربه البعض مبثابة رئيس الوزراء فى الوقت احلاىل ثم تطورت احلكومة فيما بعد حيث وجدت دواوين لكل فرع من فروع احلكومة ولكل ديوان رئيس يطلق عليه ناظر أى وزير التالية )ديوان اجلهادية الدواوين وفى بداية االمر وجدت

30

احلربية فيما بعد – ديوان البحرية – ديوان التجارة – ديوان االبنية – ديوان ااْلشغال( .

ال��دواوي��ن يوجد جملس لكل منها يضم وداخ���ل ه��ذه أو اجلهادية، للحرب االخصائيني، فتم استحداث جملس للبحرية، وجملس لاْلشغال وهكذا، وكان أعضاء وجملس املتعلقة بعمل كل جملس يتداولون فيما بينهم فى ااْلعمال

اجمللس قبل البت فى أى أمر .ومع تقدم احلكومة ألف حممد على جملسا أمساه "اجمللس العاىل" يضم فى عضويته نظار الدواوين ورؤساء املصاحل، واثنني من العلماء خيتارهما شيخ جامع ااْلزهر واثنني من التجار خيتارهما كبري جتار العاصمة، واثنني من ذوى املعرفة القطر ااْلعيان من كل مديرية من باحلسابات،واثنني من املصرى ينتخبهما ااْلهاىل وتناقش داخل هذا اجمللس األمور

العامة قبل إبرامها. ااْلساسى •القانون

وضع حممد على باشا فى 1837 قانونا أساسيا ُعرف بقانون "السياستنامه" لتوضيح عمل احلكومة ونظام وطريقة دواوي��ن ومصاحل لعملها وحتديد أجهزتها من ممارستها عامة واختصاصات كل منها وقد نص قانون السياستنامه على أن رئيس أو ناظر كل ديوان مكلف بأن يقدم للواىل أو الباشا تقريرًا أسبوعيا عن أحواله وكشفا شهريا باحلسابات وميزانية عن اإليرادات واملصروفات، وقد حصر السلطة فى

سبعة دواوين وهى :

- الديوان اخلديوى: خيتص بالنظر فى شئون وله سلطة قضائية العامة الداخلية احلكومة وكان يفصل فى بعض الدعاوى اجلنائية وقد خمتصًا يكون ان الداخلية الئحته ف��ى ورد بالضبط والربط فى مدينة القاهرة والفصل فى اخلصومات والشكاوى التى ترفع إليه، أما الدعاوى الشرعية فكان يتم إحالتها إىل احملاكم الشرعية التى كانت ختتص باحلكم فى جرائم القتل والسرقات إىل أن أنشئت عام 1842 مجعية احلقانية التى تولت االختصاصات القضائية، وك���ان هل��ذا ال��دي��وان أي��ض��ا سلطة االش���راف والرئاسة لبعض املصاحل اهلامة منها مصلحة األبنية وفروعها، املخبز امللكى، والكيالر العامر املنوط بها ادارة املخصصات الغذائية للباشا القوافل واملواشى، ترسانة بوالق، والسلخانة، املستشفيات امللكية، الروزنامة وهى إدارة األموال ااْلمريية، وبيت املال واألوقاف املصرية والبوستة.

- ديوان اإليرادات: يضم قسمني، وخيتص األول حبسابات املديريات وجزيرة كريت ومنطقة احلجاز والسودان، أما الثانى فكان خيتص بإيرادات مدينتى القاهرة واإلسكندرية واجلمارك واملقاطعات والزمامات ويعمل فى هذا الديوان مفتشون للتأكد

من حتصيل ايرادات الدولة وصرفها فى مصارفها - ديوان اجلهادية: خيتص بالنظر فى نظام اجلنود الربية، التعليمات بشأنها وتزويدها ضبط وربط حركاتها، إصدار العسكرية، مواضع بالثكنات باملهمات واألسلحة، االهتمام ال��ورش وخمازن العسكرية، املستشفيات والقالع، اخليام املهمات احلربية، معامل البارود وكافة املصاحل العسكرية .

- ديوان البحر: وخيتص بتنظيم االسطول )الدونامنة( وض��ب��ط ورب���ط ح��رك��ات��ه وال��رتس��ان��ة واخل���زائ���ن البحرية

واملستشفيات البحرية .- ديوان املدارس خيتص جبميع أمور املدارس االبتدائية "الكتبخانة" واملكتبات "العالية" والتجهيزية واخلصوصية

ومطبعة بوالق وجريدة الوقائع املصرية .خيتص - ديوان ااْلمور االفرجنية والتجارة املصرية: بالعالقات اخلارجية ومعاملة ااْلجانب واملبيعات واملشرتيات

احلكومية .- ديوان الفابريقات خيتص باإلشراف على مجيع الفابريقات التى أنشئت فى مصر وعلى ااْلخص فابريقة الطرابيش، وفى سنة 1847 أنشئ جملس امسه اجمللس اخلصوصى خيتص

محمد على باشا

)37(31

اللوائح والقوانني، إصدار بالنظر فى شئون احلكومة، سن التعليمات جلميع املصاحل حيث رأس هذا اجمللس ابراهيم باشا، وضم اىل عضويته كتخدا باشا وهو عباس باشا حفيد

حممد على . وفى عهد عباس األول أعيد تأليف هذا اجمللس وتوىل رئاسته الكتخدا وهو أكرب موظفى الدولة وكان أعضاؤه من كبار الذوات والعلماء. وخيتص بالنظر فى املسائل العامة، سن اللوائح والقوانني، ترتيب النظم العمومية، تنصيب املصاحل الكربى، وقد استمر هذا اجمللس إىل أن خلفه جملس النظار

فى عهد امساعيل .

تطورات عهدى عباس وسعيد استمرت األنظمة التى انشأها حممد على سائدة فى عهد خلفائه إبراهيم وعباس وسعيد، ولكن طرأت بعض التغيريات من الناحية العملية نتيجة لضعف احلاكم فعلى سبيل املثال ساءت أحوال املدارس وألغى معظمها، ولكن من جهة أخرى متكن عباس من ضبط األمن والضرب على األشقياء وقطاع الطرق، كما بدأ فى تنفيذ مشروع انشاء السكة احلديد للربط

بني االسكندرية والسويس عن طريق القاهرة .أما سعيد باشا فقد أعاد تنظيم الدواوين فى 1857، ومنها نظارتا الداخلية واملالية، نظارة احلربية، نظارة اخلارجية، فتقلصت احلكومة فى عهده ولكن من جهة أخرى كانت له السعيدية الالئحة إصالحات تشريعيةهامة منها اص��دار وهى عبارة عن قانون خاص بإصالح حال الفالح وختويله حق امللكية العقارية لاْلرض الزراعية بعد أن كان حمروما الالئحة وتعد هذه التملك فى عهد حممد على، من حق أساسا لتشريعات ملكية ااْلطيان فى مصر، كما ألغى سعيد نظام احتكار احلاصالت الزراعية الذى كان مأخوذا به فى

عهد حممد على .

االستشارية •اهليئات متيزت هذه احلقبة بفرتات اضطراب فى اجملالس املنظمة فلم يوجد جملس وزراء، ولكن وجدت جمالس مستخدمة أدخلت بعض ااْلفكار التى تطورت فيما بعد وكانت نواة ملا ظهر فى عهد امساعيل حيث استقرت واستخدمت أساليب أحدث فى عهد فؤاد، وما طبق على السلطة التنفيذية طبق

على السلطة التشريعية . ففى سنة 1829 ألف حممد على "جملس املشورة"على شكل هيئة شعبية متثل طبقات ااْلمة وهو جملس شبه نيابى وااْلع��ي��ان رأسه والعلماء تألف من كبار موظفى احلكومة إبراهيم باشا وبلغ عدد أعضائه 156 عضوا منهم 33 من

ااْلقاليم و99 من كبار املوظفني والعلماء و24 من مأمورى كبار أعيان القطر املصرى وان كان جملسا اشبه باجملالس وكانت مشورته استشارية، كانت أن سلطاته اال النيابية مقصورة على مسائل اإلدارة والتعليم وااْلشغال العمومية، وما يقرتحه ااْلعضاء فى هذا اإلطار، وكان ينعقد مرة واحدة فى السنة، وقد يستمر انعقاده عدة جلسات، وقد أهمل عباس وسعيد جملس املشورة، ومل يظهر له أى أثر فى عهديهما .

االدارية •النظم قسمت مصر اىل 19 إقليما طبقا للتقسيم الذى كان العثمانى إىل أن أدخل حممد أواخر احلكم معموال به فى على تعديال حيث جعل مصر مقسمة إىل 5 حمافظات وسبع مديريات هلا حكام أمساهم املديرين وهى حمافظات القاهرة واإلسكندرية ورشيد ودمياط والسويس، أما املديريات ففى الوجه البحرى 4 وهم : األوىل تشمل: البحرية والقليوبية البحرية مديرية قائمة بذاتها وكذلك واجليزة ثم صارت اجليزة . الثانية تشمل : املنوفية والغربية ثم انفصلت كل منهما وصارت مديرية قائمة بذاتها . الثالثة وتشمل : املنصورة. الرابعة وتشمل : الشرقية وفى مصر الوسطى مديرية واحدة

من جنوبى املنيا جلنوبى اجليزة ثم مسيت مديرية ااْلقاليم الوسطى وتشمل بنى سويف والفيوم واملنيا .

ااْلوىل مش��اىل قنا اىل القبلى مديريتان الوجه وف��ى وادى حلفا إىل قنا، ثم مسيت والثانية من املنيا جنوبى أسيوط وجرجا مديرية نصف أول قبلى، ومسيت قنا واسنا

مديرية نصف ثانى وجه قبلى .املديريات إىل مراكز، وقسمت كل مديرية من هذه واملراكز اىل أقسام أو أخطاط ومسى رؤساء املراكز املأمورين ورؤساء ااْلقسام النظار،ويشمل القسم فى دائرته مجلة نواحى "قرى" لكل ناحية رئيس يسمى شيخ البلد الذى حل حمله اآلن العمدة، ومن الوظائف املعاونة له اخلوىل الذى يتوىل مسح ااْلطيان وكذلك الصراف جلمع أموال املريى، والشاهد ويقابل املأذون حاليا، ومل يتغري النظام كثريا فى عهد خلفاء

حممد على .القادم نستكمل معكم قراءنا اجململ فى العدد وف��ى

تاريخ مصر.إعداد / زينب مجال