1

احلريةة الديني في اإلسالمالمرتد وعقوبة

ھــانــي طــاھــر

الجماعة اإلسالمية األحمدية في الديار المقدسة: الناشر

.م2004 .هـ1425: الطبعة األولى

فلسطين، طولكرم، كفرصور: عنوان المؤلف

0097292683775: هاتفE.mail: islamhani@hotmail.com

2

قصة هذا الكتابالدراسات (بربنامج ) اإلسالم واتمع املعاصر(قدم هذا الكتاب كبحث يف مساق

.يف جامعة القدس) اإلسالمية املعاصرةوملا . وكنت قد قدمت خطة البحث إىل الدكتور املشرف على املساق فوافق عليها

فما كان مين إال أن . ا طويالرق ذلك وقتكانت مادة البحث يف ذهين واضحة بينة، مل يستغكامريا (سلمته، وأنا على يقني تام من أنين سأقدم يف مادته حماضرة شيقة، فأحضرت

كلية "لكن إطالق النار من مستوطنة مقابلة لـ . لتصوير هذه احملاضرة املرتقبة) تلفزيونيةالدكتور يف تلك املرة، فأجلت حال دون حضور ) ةالبري(يف مدينة " الدعوة وأصول الدينيف املرة التالية لصعوبة املواصالت بني مدن الضفة خالل " الكامريا"احملاضرة ومل أحضر

.االنتفاضة الثانيةبيد أنين فوجئت عندما حضر الدكتور يف املرة التالية من ردة فعله عندما سألته عن

:البحث، حيث قال". ؤوسا تنهال على أصول اإلسالم لتهدمه من جذوره معاول وف-يف طياته-إنه حيمل "

إن البحث خمالف لألصول االعتقادية، حبيث ال حيتاج إىل جمموعة من العلماء : "وتابع قائالللنظر فيه، بل إن أي طالب يف الثانوية أو اإلعدادية يستطيع أن يثبت أنه خمالف ألصول

ية الشرعية والعقائدية، وال ميكن ألي إنسان البحث مردود من الناح: "وقال أيضا". اإلسالم .1"يغار على دينه أن يقبل هذا البحث يف ظل بلد إسالمي وجامعة إسالمية وكلية إسالمية

إن اليوم الذي يتعجـب .. لة مع الزمنأء املسلمني سيغريون نظرم إىل هذه املس نقلت هذه اجلمل حبروفها ليقيين أن الفقها 1

هـذه القامتة املنغلقـة هوعندها تنهض أمتنا ستعلم أن أفكار.. فيه املسلمون من كالم هذا الدكتور ليس بعيدا بإذن اهللا تعاىل .كانت أهم أركان التأخر واهلزمية

3

وقد استمعت إىل استفاضته يف تكرار هذه املعاين، منتظرا إياه أن يأيت بدليل يبين صحة بعد طول - من هذا مل حيدث، فسألتهدعواه يف إطالق تلك اجلمل الكبرية، بيد أن شيئا

إنه باطل كله وليس حباجة إىل نص : أن يأيت بنص قرآين أو حديثي ناقضته، فقال-انتظار .إلثبات بطالنه

.إىل اجلامعة إن مل يعجبك أشكين: وقال.. وطالبين بالقيام بإعداد حبث آخر بدال منهاملهم أن توضح يل وللطلبة .. قيمةسأشتكيك إىل اجلامعة، لكن هذا ليس ذا: فقلت له

فأخذ يقرأ باستهجان يف أواخر اآليات القرآنية أو األحاديث النبوية الصحيحة اليت ناقضتها،، فقاطعته "ة عن قتل املرتد غري احملاربمجاألضرار الكبرية النا"البحث ما كتبته حتت عنوان

فلم يأت به، رغم أين طلبت منه ذلك مرارا طالبا منه أن يوضح مناقضة ذلك آلية قرآنية، .مرات عدة

وقد استغرقت قراءته للمادة املندرجة حتت العنوان السابق معظم احملاضرة، وكان يقف عند بعض اجلمل ويطيل يف آخرها حىت ليكاد يتغنا مستعجب ا اجلمل التاليةىا، وخصوص:

فيها يف سبيلها يدبإن التضحية يف سبيل فكرة تقويها، وإن بذل الدماء -وإن املسلمني إذا مارسوا عملية قتل من يغري عقيدته فإم يعملون . احليــــــــاة

على نشـــــــــــر هذه العقيدة الباطلة، وعلى دعمها بأفضل .أسلـــــــوب، وبأحسن طريــــــــــقة

الناس تتعاطف مع املضطهد واملظلوم، وبعملية قتل املرتد ننشئ - .2اطفا مع الكفـــــرةـــعــــــــــالما متع

لذا . إىل جانب احلرية الفكرية؛جلامعة ستقف املوقف املتوقع منهاوقد كان ظني أن ا طلب مثلماراسلت رئيس القسم وأخربته مبا حصل، بيد أنه نصحين بكتابة حبث آخر

.املشرف نفسه

ا متغنيا مستعجبا الكلمات املمطوطة هي اليت كان ميط 2

4

ليفتوا يف " إنترنت" الشبكة العاملية وراسلت عددا من ذوي املواقع اإلسالمية علىا منهم مل يردذلك، بيد أن أحد.

حنن على : مث حتدثت إىل حماضري كلية الشريعة يف جامعة النجاح، فقال بعضهم .استعداد ألن نشهد على أن مسألة قتل املرتد خالفية أمام أية جلنة يتم تشكيلها ذا الصدد

.اضرين يف كلية الشريعة يف جامعة النجاحوذه املناسبة كتبت سؤالني للمح

السؤاالن

2001-6-17 بسم اهللا الرمحن الرحيم :حضرة األستاذ الدكتور الفاضل

لقد حصل نقاش حاد يف مسألتني أدى يف النهاية إىل أن كفر أحد املتحاورين حماوره :لذا أرجو أن تفيدونا يف اإلجابة على املسألتني. اآلخر

:األوىلاملسألة ال إكراه يف ﴿إن اإلسالم مينح احلرية الدينية كاملة بدليل قوله تعاىل : قال احملاور األول

، وبالتايل ال يكره املرتد على العودة إىل اإلسالم، بل يكتفى مبحاورته وحماولة إقناعه، )الدينظة احلسنة، وإن وال يكون هذا إال باحلجة واحلكمة واملوع.. وإزالة ما علق بذهنه من شوائب

أصراملرتد ته فإنه يترك من غري عقوبة ما دام غري حمارب للمسلمني وغري معاون على على رد .حرم

:فهل صاحب هذا القولافر، ألنه خالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة من وجوب قتل املرتد إن مل ك-1 يتب؟

ية وقابلة للخالف، وفيها أكثر من اجتهاده خاطئ، لكنه ليس كافرا، واملسألة ظن -2 قول؟

5

اجتهاده صحيح، فاآلية على عمومها، وال يقوى على ختصيصها حديث آحاد؟ -3 .أرجو أن يكتب إن وجد. غري ذلك -4

:املسألة الثانيةإن من حق أصحاب األديان املخالفة لإلسالم الدعوة إىل أديام يف الدولة : قال األول

وجيب على املسلمني الدعوة إىل اإلسالم . ل أحزاب غري إسالميةاإلسالمية، ومن تشكيادع إىل ﴿واستدل بقوله تعاىل . والعمل على هدم العقائد غري اإلسالمية باحلجة والربهان

إن جمادلتهم : ، وقال﴾سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احلسنة وجادهلم باليت هي أحسن .حماسن معتقدامباحلسىن حتمل يف طياا السماح هلم بإظهار

:هل صاحب هذا القول كافر، ألنه جييز املنكر ونشره؟ -1 خاطئ، ألنه فهم اآلية بطريقة خمالفة ملا عليه السلف؟هاجتهاد -2 صحيح، ألن اآلية على عمومها ومل خيصصها أي دليل؟هاجتهاد -3 .أرجو أن يكتب إن وجد. غري ذلك -4

انتهى السؤاالنوها هي نتائج . هذين السؤالين سوى مخسة حماضرين ممن عرضت عليهمجيب عن مل :إجابام

ومل يضع ). 4(حماضر حول و، )3(حماضران حول و، )2(حماضران وضعا دائرة حول ).1(أي منهم دائرة حول

بل إن أحد احملاضرين من كلية الشريعة يف جامعة النجاح حني سألته عن السبب ألنه ال يستطيع أن يكتب مثله، : الدكتور املشرف للبحث قالاحلقيقي من وراء رفض

.فاحلسد هو السبب

6

ونصحين حماضر آخر بأن أغير البحث رغم أنه مقتنع مبا جاء فيه، وذكر يل أن هذا ما ن تغيري ما عليه ألكنه أضاف . يقول به عدد من كبار الفقهاء املعاصرين، حيث مسى بعضهم

اس ال ميكن أن يتمج يف ذلكالنمن التدر ذه الطريقة، بل ال بد. إىل عميد الكلية أخربه مبا حصل، فأظهر أنه مستشيط غضب ا من مساس وقد كتبت

بيد أنه ظهر أنين كنت أمسع من . احلرية الفكرية يف كليته، وشدد على أنه سيتابع املوضوعفقد . ر أنه ال يتذكر املوضوعهذا العميد جعجعة وال أرى طحنا، وكلما كنت أسأله تظاه

وظللت أراجعه بني الفينة والفينة حىت . م2001كتبت له عن املوضوع يف شهر حزيران .م من دون جدوى2002حزيران

وكنت أتوقع من رئيس اجلامعة أن . م2002مث كتبت إىل رئيس اجلامعة يف حزيران قد تدخل يف شأن قبويل يف حيل القضية وينتصف يل يف غضون أسبوعني، ذلك أنه كان

اجلامعة، الذي رفض يف سنتني متتاليتني بسبب انتمائي الفكري املخالف ملا عليه القائمون شباط 24مث كتبت له يف . لكن ظني خاب ،"الدراسات اإلسالمية املعاصرة"على ختصص

يت ال حتترم أخربه انسحايب من اجلامعة ال-أي بعد مثانية شهور على الرسالة األوىل-م 2003 .احلرية الفكرية

:وهذا نص الرسالة 24/2/2003 بسم اهللا الرمحن الرحيم

حضرة رئيس جامعة القدس األستاذ الدكتور سري نسيبة احملترم حتية طيبة وبعد،

يف خصوص اعتراض على قرار جلنة . م2002 حزيران 24قد تقدمت إليكم يوم اإلسالم (ضة، يف شأن رفض حبث يف مساق شكلت لبحث قرار الدكتور إمساعيل نواه

).الدراسات اإلسالمية املعاصرة(يف ختصص ) واتمع املعاصر) احلرية الدينية وعقوبة املرتد يف اإلسالم(قد أصلت يف حبثي الذي كان عنوانه

تهما وثاني. أوالمها أن اإلسالم مينح احلرية الدينية كاملة وال يعاقب على جمرد الردة: مسألتين

7

يقبل -أي اإلسالم-أن اإلسالم ال مينع غري املسلمني من الدعوة إىل مبادئهم، ما يعين أنه ا متليه الضرورةبالتعددية احلزبية وبتداول السلطة، وأن هذا من صميم نصوصه وليس أمر.

طلبت من حضرتكم قراءة هذا البحث، طلبت من حضرتكم أن تراجعوا ما قد ت -مع مزيد األسف-ن يستغرق هذا الوقت كله، غري أنه ا أن ذلك لحصل، ظانقد مر

.أشهر مثانية على تلكم الرسالة خيبت أملي يف تلقي جوابي عن مبادئ ا، يعين تنازالإن قبويل باألمر الواقع، أو مبا أرفض أن يكون واقعمن

ضحية باحلرية الفكرية أصيلة؛ فما تقبله اجلامعة على نفسها، بالتنازل عن مبادئ سامية وبالتا منها على مشاعر بعض احملاضرين، ال أقبله أنا على نفسيحرص .ا على ذلك فإني واحتجاج . املساقات املطلوبة مجيعها-حبول اهللا- بعد أن أمتمت انسحايب من اجلامعة أعلن

أبالغ ال حيزنين هذا االنسحاب اهلادئ، بل تسرين التضحية يف سبيل ما أراه حقا، ولن إنه ليسوءين أن أحوز شهادة جامعية من جامعة أو من مؤسسة تعليمية تضطهد : إن قلت

.طالا فكريا أيما اضطهاد انتهت الرسالة

؟ اإلجيايب التدخلغريهملاذا مل يستطع رئيس اجلامعة وال لفتهامعلوم لدى طلبة اجلامعة وأساتذا أن رئيسها ال يقبل أن يرفض حبث رد خم

األمور الدينية اليت قلما جيرؤ ألستاذ املساق، بيد أن هذه القاعدة تنكسر إن تعلق األمر بفكريا .أحد على النقاش فيها؛ بله خمالفة املألوف

بأن ال أبوح مبا أؤمن به -من الذين يؤمنون باحلرية الفكرية-نصحين كثري من الناسولطاملا رفضت هذه . ون تغيري ما وجدوا عليه آباءهمدفعة واحدة، معتربين أن الناس ال حيتمل

.النصيحةيعلم كثري من املثقفني أن ختلف أمتنا يعود إىل غياب احلريات الفكرية، ويعلمون أن اإلميان بقتل املرتد رد ردته هو أساس يف استمرارية هذا الوضع، ومع هذا فإم ال جيرؤون

.على مواجهة ذلك

8

، وغيور على يت مفتوحا لكل مثقف حريص على احلرية الفكريةسأبقي باب قضيدعو لالنتصار هلذا البحث، حبيث تجهدك قصارى عليك أن تبذل : وهذا نداء له.. أمته

.تصحيح موقفها السليبل ولالعتذاراجلامعة

:ملاذا رفض الدكتور البحثإن . بب يف ذلكال يصعب استنباط ذلك، إن قوة األدلة يف البحث ونصاعتها مها الس

عجز هذا املشرف عن الرد عليها علميا مل يبق أمامه سوى خيار رد البحث؛ وذا يصيد ا جادا، وسيستريح من عناء أنه لن يناقش يف أدلة البحث نقاش: عصفورين حبجر، أوهلما

ة ة الفكريريأنه يسجل نقطة سبق أمام أقرانه ممن يكرهون احل: اإلحراج أمام الطلبة، وثانيهما .ويرفضوا

، وقد قرأه خالل هذه 3 ونصف السنةلقد مر على كتابة هذا البحث ثالث سنواتاملدة عدد كبري ممن حيمل شهادات جامعية يف الشريعة، ومل أجد من أحدهم ردا ملا جاء فيه،

ج اليت جاءت فيه وما فهم بني مؤيد متاما، وحمتار يف األمر، ال يدري كيف يوفق بني قوة احلج. أما أن يأيت أحدهم ليناقش وحياول تفنيد األدلة فلم حيصل إىل اآلن! مسعه يف آبائه األولني

علما أين سأستقبل بكل رحابة صدر من يأيت من أجل ذلك بعد نشر الكتاب مطبوعا، .فاألبواب مشرعة

ا، ففي ذلك اخلري ورآن األوان أن نعود إىل القرآن الكرمي مباشرة، وأال نتخذه مهج ..كله

ما مربرات سرد هذه القصة الطويلة؟لقد ذكرت هذه القصة كاملة الرتباطها مبوضوع احلرية الفكرية أوال، وألبين خوف

حقبة االنغالق والتحجر ثالثا، لتكون شاهدا تارخييا علىاملسؤولني من املشايخ ثانيا، وا ، ولتكون امتحان علموا باملوضوع ومل حيركوا ساكنا رابعاولتظهر سلبية مئات املثقفني الذين

.لبقية املثقفني الذين سيقرءون القصة والكتاب بعد نشره خامسا

2001 مت االنتهاء منه يف أوائل أيار من عام 3

9

10

المقدمةاحلمد هللا رب العاملني، والصالة والسالم على حممد رسول اهللا خامت النبيني، وعلى آله

.ومن سلك سبيله واتبعه بإحسان إىل يوم الدين بعد،أما

تقول فليس صعبا على املطلع على كتب الفقهاء القدامى أن يلحظ أن الغالبية العظمى فالفقهاء يف املذاهب األربعة قالوا بذلك، بيد أن األهم من ؛بقتل كل مرتد من غري تفصيل

رتد من لوا ذلك مبا يتأتى من املل القتل، فاحلنفية عةلهذه احلقيقة هو مالحظة االختالف يف ع .حرابة، ومن مث قالوا بعدم قتل املرتدة، حيث ال يتأتى منها احلرابة

). مدى احلياة(لكن الفقهاء اختلفوا كثريا يف حتديد مدة االستتابة، فهي بني حلظة ووبني هذين . فبينما يقول ابن حزم بقتل املرتد فور ردته، ينادي النخعي باستتابة املرتد أبدا

.فقهاء آخرون املدة بيوم وثالثة أيام وشهر وأربعني يوما وشهرينالفقيهني حدد واحلقيقة األخرى املالحظة يف الكتب القدمية اعتمادها يف هذا احلكم حديث آحاد

من احلدود ومتعلق بالعقيدة؛ ألن املرتد مداره على عكرمة موىل ابن عباس، رغم أن هذا حد . أم مل يستدلوا بآية قرآنية واحدة على وجوب قتل املرتدبيد. ى عن العقيدة اإلسالميةختل

وال شك أن عقوبة قتل املرتد مرتبطة بأمور فقهية أخرى، مثل الباعث على اجلهاد يف فإن املرتد هم، كفر جيب قتال الكافرين لسبباإلسالم؛ أهو الكفر أم احلرابة، ألنه إذا كان

احلرابة، فإن املرتد احملارب على اجلهاد الباعثكانإذا اأمة القتل متوفرة فيه، ويقتل ألن عل .هو الذي يقتل فقط

ا يف هذا العصر الذي شاعت فيه ، وخصوصمن األمهية الغايةهذا املوضوع لقد بلغ احلريات، وتغيتمعات، فكان على الفقهاء املسلمني أن يطبر واقع اة قوا أحكام القرآن األبديال أن يسقطوا اجتهادات فقهاء يف عصور سابقة على عصرنا . .لواقع املتغرياملطلقة على ا

.املختلف جذريا عن عصرهم

11

:تساؤالت يفصلها هذا البحث هل يكره اإلسالم أحدا على اعتناقه؟-1 هل جيرب اإلسالم أحدا على عدم تغيري دينه؟-2 هل يفرق اإلسالم بني كفر وكفر؟-3 ل املرتد؟ة قتل ما ع-4 ملاذا اختلف الفقهاء يف شأن قتل املرتدة؟-5 ؟)ال إكراه يف الدين( هل يتفق إجبار املرتد على العودة إىل دينه بالقوة مع اآلية -6 من ناحية احلكم الدنيوي أو األخروي؟، هل هناك فرق بني الكافر األصلي واملرتد-7 رتد؟ هل هناك دليل يف القرآن الكرمي على قتل كل م-89-هل هناك دليل يف القرآن الكرمي ينص تغيري الدين؟ة حري

هل هناك أدلة يف القرآن الكرمي تبني أن عقوبة املرتد مقصورة على العقوبة يف -10 اآلخرة؟

باملرتد احملارب؟، الذي يقتل، هل هناك أحاديث تقيد املرتد-1112-لمسولن أن الر هل هناك حوادث يف السرية تبيصلى اهللا عليه وس قتل مل ي

مرتدا؟ اليت تنص ، على شروط صلح احلديبية صلى اهللا عليه وسلم هل وافق الرسول-13

السماح للمرتد بترك املدينة؟ على قتل كل مرتد؟، قدميا أو حديثا، هل أمجع الفقهاء-14ركهم العقيدة هل حارب الصديق اخلارجني على الدولة اإلسالمية لسبب ت-15 اإلسالمية؟ هل هناك فائدة من احلكم بالقتل على كل مرتد؟-16

12

17-لردته؟ هل هناك حكمة يف قتل املرتد

األبحاث والكتب السابقةتناول الفقهاء السابقون مسألة قتل املرتد بطريقة واحدة مكررة، فقد حتدثوا عن

قال الكافر من دينه إىل غري اإلسالم، وعن وعن انت تعريف الردة، وعن عقوبة املرتد واملرتدة،وحتدثوا عن ردة الزنديق، . استتابة املرتد، وعن ماله وعن مرياثه، وعن حلوقه بدار احلرب

. وعن ردة الصيب، وحكمه إذا بلغ مرتدا، وعن ردة السكران، وقبول شهادته، وكيفية توبته . إال رأيته يفرد بابا للردةومل أقرأ كتابا يف الفقه على أي مذهب من املذاهب

بيد أنين مل أقرأ لفقيه سابق حتدث عن اجلمع بني وجوب قتل كل مرتد ونص القرآن بينما كثرت . املرتد القرآن قتلالكرمي أن ال إكراه يف الدين، أو حاول أن يعلق على عدم نص

.هذه األحباث عند املفكرين املسلمني يف القرون املتأخرةن فيه أن ، بي)احلرية الدينية يف اإلسالم(بد املتعال الصعيدي كتابا بعنوان فقد كتب ع

وقد كان الصعيدي حمسا . لكنين مل أقرأ كتابا غريه ذا العنوان. املرتد غري احملارب ال يقتلاإلسالم عقيدة "كما شكك حممود شلتوت يف كتابه . يف إقرار احلرية الدينية يف اإلسالم

حبكم قتل املرتد، وأجاب القرضاوي إجابات عديدة عرب القنوات الفضائية مقسما "وشريعةأن املرتد غري احملارب ال يقتل، وإن مل يصرح إىل-من خالل ذلك-الردة إىل نوعني، ليصل

وتبقى مشكلة الغموض قائمة يف العلماء املشهورين الذين ال جييبون بصراحة .ذا بوضوح .واضيع اليت يروا تثري موجة من االحتجاجات ضدهمووضوح على امل

ستبانة قمت بتوزيعها على أساتذة يف كليات الشريعة تبين أن بعضهم اومن خالل على حرمة دم املرتد غري احملارب، والبعض ﴾ال إكراه يف الدين﴿حمس يف االستدالل بـ

.اآلخر متوقف يف ذلك، حىت يتم حبث املوضوع بعمق

13

الباب األول

مقدمات توضيحية

تعريف الردة، لغة واصطالحا مىت يصبح املسلم مرتدا؟ أقوال العلماء يف قتل املرتد

هل أمجع العلماء على حكم املرتد؟

14

لباب األولا

تعريف الردة، لغة واصطالحا :تعريف الردة . مثل االرتدادهي الرجوع يف الطريق الذي جاء منه، وهي: الردة، لغة

رجوع املسلم العاقل البالغ عن اإلسالم إىل الكفر باختياره، ومن : الردة، اصطالحا .فخرج من التعريف انون واملكره والصيب. دون إكراه من أحد

ومن يرتدد منكم عن ﴿املرتد هو الراجع عن دين اإلسالم إىل الكفر، قال اهللا تعاىل "ةدينه فياآلخرا وينفي الد مالهمأع بطتح لئكفأو كافر وهو ت5"4﴾م

متى يصبح المسلم مرتدا؟اختلف املسلمون يف هذا املوضوع اختالفا كبريا، فبينما حيكم اخلوارج على املسلم

بذنب من غري بالردة رد ارتكابه كبرية من الكبائر، نرى مجهور املسلمني ال يكفروبينما نرى فرقا تكفر باجلهل بأصول الدين، نرى بعض الفقهاء يرفض تقسيم . استحالل

وبينما نرى بعض اجلماعات متتحن . الدين إىل أصول وفروع، ومن مث ال يكفر مسلما جبهل يعد من يف السماء، فقد جنا، وإن أجاب بغري ذلك ال: أين اهللا؟ فإن أجاب: املسلمني بسؤاهلم

وقدميا كفر أبو حامد الغزايل . املسلمني، نرى غالبية العلماء ال ترى هذه األمور من املكفرات .الفالسفة على االنتساب إىل اإلسالم رصيالفالسفة لثالثة مقاالت قالوها، بينما

دة، وقد قال بعض العلماء بضرورة انشراح الصدر بالكفر حىت يحكم على املسلم بالربينما مل يشترط آخرون هذا الشرط، إمنا اعتربوه مقصورا على املسلم املكره على الردة، أما

217: البقرة4: ابن منظور، لسان العرب، بـريوت : وانظر. 72ص10، ج 1994دار الفكر، : ابن قدامة، موفق الدين، املغين، بريوت 5

.185-184ص5، ج1م، ط1995هـ1416دار إحياء التراث العريب،

15

من مارس الكفر من دون انشراح صدر؛ إمنا من أجل متاع دنيوي، فهو خارج عن دائرة .اإلسالم، حسب فهمهم

املرتد؟ وإذا من هو : ومن هنا فإن اخلالف ليس حمصورا يف حكم املرتد، إمنا يتعداه إىلحكم السين على بعض الشيعة بالكفر لسبهم بعض الصحابة، وحكم الشيعة على بعض أهل

م بوالية عليولتكذيبهم رواية الغدير وأمثاهلا، عرفنا رضي اهللا عنه السنة بالكفر لعدم إميا ، تفريق كم ستكون العالقة بني املسلمني مأساوية إذا طبقوا حكم الردة على كل مرتد من غري

.بني حمارب وغري حماربرغم اختالف املسلمني يف حتديد من هو املرتد، جند قول اجلمهور من أهل السنة على

ال يعترب املسلم خارجا عن اإلسالم، وال يحكم عليه بالردة إال إذا انشرح صدره بالكفر، "أنه 6"﴾ بالكفر صدراحرولكن من ش﴿واطمأن قلبه به، ودخل فيه بالفعل، لقوله تعاىل

وحيث إن انشراح الصدر ال يعلمه إال اهللا تعاىل، كان ال بد من صدور ما يدل داللة املرتد، كإنكار وجود اهللا تعاىل، أو إنكار آية قرآنية، أو اام اهللا تعاىل قطعية على كفر

.بالظلم، أو حتليل ما حرم اهللا

أقوال العلماء في قتل المرتداملذاهب األربعة على أن املرتد يقتل، بيد أم اختلفوا يف عقوبة املرأة اتفق العلماء يف

.. جيب يف القتل بالردة أن يكون لدفع شر حرابة: "املرتدة، أتقتل أم ال؟ فبينما قال األحناففيختص مبن يتأتى منـه . ال جزاء على فعل الكفر، ألن جزاءه أعظم من ذلك عند الله تعاىل

عن قتل النساء، وعلله صلى اهللا عليه وسلمولـهذا نـهى النيب. الرجلاحلراب، وهوإن عقوبة املرأة املرتدة كعقوبة الرجل املرتد، : ال مجهور الفقهاءق. 7"بأنـها مل تكن تقاتل

.سواء بسواء، ألن آثار الردة وأضرارها من املرأة كآثارها وأضرارها من الرجل

406ص2م، ج1987، 8دار الكتاب العريب، ط: بريوت سابق، سيد، فقه السنة،6، 1ابن اهلمام، اإلمام كمال الدين، شرح فتح القدير، شركة البايب احلليب، كتاب السري، باب أحكـام املرتـدين، ط : انظر 7

73ص4م، ج1970

16

ف عليها بني اجلمهور واألحناف اختالفا بينا، تل املرتد خمتل قعلةوهذا يوضح أن هي احلرابة عند األحناف، نرى أا عند اجلمهور الكفر، ومن هنا حصل علةفبينما ال

وهو السبب ذاته الذي جعل الفقهاء املعاصرين . االختالف يف احلكم على املرأة بالقتل؛ فاملتأثرون باملذهب "يتأتى منـه احلراب"ذي ال خيتلفون يف احلكم على الرجل املرتد ال

القتل غري متحققة فيه، بينما قال بقتله املتأثرون مبذهب علةاحلنفي قالوا بعدم قتله؛ ألن . القتل هي الكفرعلةاجلمهور يف هذه املسألة، والذين يرون

يسبق له إسالم، ال فرق يف الدعوة بني املرتد ومن مل: "يقول عبد املتعال الصعيدي .8"فكل منهما يدعى إىل اإلسالم باليت هي أحسن

التقليد الذي ساد زمن الرسول حيكم بأن يترك : "أما الدكتور حسن الترايب فقد قالويتابع . 9"وشأنه، إال إذا انقلب على عقبيه واحناز إىل أعداء املسلمني يف احلرب) املرتد(=رسيخ االرتداد عن الدين كجرمية عقوبتها املوت؟ لقد حلت هل جيب ت: قد تسألونين: "قائال

هذه املسألة يف السودان بطريقة خمتلفة جدا؛ فلكي تعترب جرمية يعاقب عليها، جيب أن تكون يض على الفتنة، بل أكثر من جمرد ارتداد فكري، بل جيب أن تترجم ليس فقط بالتحر

.10"مع اتا يف عصيان مسلح ضديباالخنراط فعل

هل أجمع العلماء على حكم المرتد؟أن العلماء اختلفوا يف كثري من األمور املتعلقة حبكم -مما نقلناه ومما سننقله–ضح يت .املرتد

قتل املرتد خمتلف فيها بني األحناف وبقية املذاهب، ومدة استتابة املرتد خمتلف علةف. 11ايستتاب أبد: اب املرتد، ومنهم من قالال يستت: فيها على أقوال كثرية، فمنهم من قال

158 الصعيدي، عبد املتعال، احلرية الدينية يف اإلسالم، ص8 73، ص1995، 1دار اجلديد، ط: م، الدميقراطية، الدولة، الغرب، بريوت الترايب، حسن، حوارات يف اإلسال9

73 الترايب، 10مث ذكر أن هذا " وهذا يفضي إىل أن ال يقتل أبدا : "أورد ابن قدامة قول النخعي أن املرتد يستتاب أبدا، وعلق عليه بقوله "11

75ص10ابن قدامة، املغين، ج: انظر. خمالف للسنة واإلمجاع

17

االستتابة خمتلف فيها كذلك، فعند الكثريين إلزالة الشبهة، وعند ابن حزم ال لزوم هلا؛ علةوا أية احلديثحيث مل ينصستحب استحبابفليس مثة إمجاع يف قتل . استتابة، وعند أمحد ت

.املرتد: فقال الثوري" ، عندما كان دون سن البلوغ،كما اختلفوا يف من أسلم أحد والديه

، وقد علق ابن قدامة على 12"إذا بلغ خير بني دين أبيه ودين أمه، فأيهما اختار كان على دينه فخيره ،لمس أمه أن تتب حيتج حبديث الغالم الذي أسلم أبوه وأهلعول: "قول الثوري بقوله

. منهمابينما قال احلنابلة بوجوب أن يتبع املسلم". أبيه وأمه بني صلى اهللا عليه وسلمالنيب .﴾ال إكراه يف الدين﴿ولعل الثوري احتج بآية . 13وقد دل على ذلك بأدلة عقلية

91ص10قدامة، املغين، ج ابن 12 91ص10 ابن قدامة، ج13

18

الباب الثاني أدلة القائلين بقتل كل مرتد، ومناقشتها

:سبعة أدلة ويشتمل الباب على

من بدل دينه فاقتلوه: الدليل األول

التارك لدينه المفارق للجماعة: الدليل الثاني

فعل الصحابة الذي ليس له مخالف: الدليل الثالث

حروب الردة: الدليل الرابع

اإلجماع على قتل المرتد: الدليل الخامس

اإلجماع على االستتابة: الدليل السادس

الدليل العقلي: الدليل السابع

19

الباب الثاني تل كل مرتد، ومناقشتهاأدلة القائلين بق

الدليل األول فبلغ ابن ،ما رواه البخاري يف صحيحه عن عكرمة أن عليا رضي الله عنه حرق قوما

ال تعذبوا بعذاب : لو كنت أنا لم أحرقهم، ألن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عباس فقاللمسه وليلى الله عص بيا قال الن؛ كممهلتلقتالله، و :لوهفاقت هل ديندب ن14م.

:وجه االستداللهذا احلديث من أمهات األدلة يف هذا الباب، فهو بقدر : "يقول الدكتور حممد مزروعة

هو واضح بين ال يقبل تأويال وال تعليال، كأنه ضربة سيف يف جبهة التشكيك إجيازه بقدر ما .15"والشغب

صحيح أنه قد يوجد من املسلمني من : "ويقول عبد امللك الرباك يف رده على البوطييرتد وحيارب اإلسالم قوال وفعال، وصنف آخر يرتد من دون صدور فعل منه يدل على

هذا أمر مشاهد وملموس، ولكن ال عالقة له بتغري احلكم، …سلمني حماربته لإلسالم وامل .16"الذي هو القتل ملن بدل دينه؛ ألن احلديث عام

:مناقشة هذا االستدالل

وسنن الترمذي، كتاب احلدود، . 6411ويف كتاب استتابة املرتدين، . 2794 صحيح البخاري، كتاب اجلهاد والسري، 14وأبو داود، . 3997، 3996، 3995، 3994، 3993، 3992، 3991وسنن النسائي، كتاب حترمي الدم، . 1378

، 2421، 2420ومسند أمحد، مسند بـين هاشـم، . 2526ن ابن ماجة، كتاب احلدود، وسن. 3787كتاب احلدود، وغريهم. 2813

164، ص1، ط1994هـ1414 مزروعة، حممد، أحكام الردة واملرتدين، املطبعة الفنية، 15ـ 1418 الرباك، عبد امللك، ردود على أباطيل وشبهات حول اجلهاد، النور لإلعالم اإلسـالمي، 16 ، 1م، ط 1997هـ 318ص

20

، ففيه نظر، فهذه الرواية غريبة، انفرد ا عكرمة موىل ابن عباس الذي ضعفه أما سنده ال ،اتق اهللا، وحيك يا نافع: ابن عمر لنافعقال "غري واحد من أئمة اجلرح والتعديل، فقد

وكان سعيد بن املسيب يقول لغالمه )…(تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس وكان مالك ال يرى عكرمة )…(ب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس ذكال ت: برد طاووس لو أن وقال)…(كان قليل العقل : وقال عنه أيوب… ويأمر أن ال يؤخذ عنه،ثقة

موىل ابن عباس اتقيل إن جنازته اتفقت )…( من حديثه لشدت إليه املطايا قى اهللا وكف ،وقال عنه ابن أيب ) …(وجنازة كثير عزة بباب املسجد يف يوم واحد، فما قام إليها أحد

يعين أنه األئمة قد وثقوه، غري أن هذا الوعدد منمع أن البخاري . 17" كان غري ثقة: ذئب .18ثقة، بل هو إىل الضعف أقرب، ومن هنا أعرض عنه مالك ومسلم فلم يرويا له، إال متابعة

، بله 19"كثريا من العلماء يرى أن احلدود ال تثبت حبديث آحاد"ومن باب آخر فإن .حديث آحاد غريب مداره على شخص متكلم فيه كثريا

العام الذي أريد به اخلاص، فال يقول مسلم فال خيتلف مسلمان يف أنه من:أما متنه. بأن احلديث يشمل من بدل دينه من املسيحية إىل اإلسالم، مع أن ظاهر احلديث يشمل هذا

لكن التخصيص حباجة إىل دليل، وقد الحظنا أن . إذا، ال بد من ختصيص احلديث باتفاقسلمني فاقتلوه، بينما خصص اجلمهور قد خصص احلديث باملسلمني؛ أي من بدل دينه من امل

وقد . أي من بدل دينه من رجال املسلمني فاقتلوه األحناف احلديث بالرجال من املسلمني،ومن هنا، أي . املستنبطة من قتل املرتد وهي احلرابةعلةاعتمد األحناف يف هذا التخصيص ال

ديث باحملارب، بدال من أال ميكن ختصيص احل احلرابة اليت قال ا األحناف،علةمن خالل الرجال؟ فاحلرابة تتأتى من النساء كما تتأتى من الرجال، ويف عصرنا تقاتل املرأة كما يقاتل

7، ج 1هـ، ط 1326العسقالين، ابن حجر، ذيب التهذيب، حيدر آباد الدكن، جملس دائرة املعارف النظامية، : انظر 17: انظـر " م فيه بأنـه على رأي اخلوارج، ومن مث أعرض عنـه مالك اإلمام ومسلم لكتوقد : "قال الذهيب . 271-267ص

. 96ص1الذهيب، تذكرة احلفاظ، جأما مالك يف املوطأ . 2104، 2103صحيح مسلم، كتاب احلج، : انظر. مسلم عن عكرمة سوى حديثني متابعة مل يرو 18

مع العلـم أن اجلـرح . وهذا يؤكد أما يضعفانه. 765موطأ مالك، كتاب احلج، : انظر. فلم يرو إال حديثا واحدا متابعة .املفسر يقدم على التعديل

301، ص1968، 4دار الشروق، ط: الم عقيدة وشريعة، القاهرة شلتوت، حممود، اإلس19

21

الرجل أحيانا، فيصبح معىن احلديث بعد هذا التخصيص من بدل دينه من املسلمني وحارب منها قوله تعاىل.. سابقاويؤيد هذا التقييد عدد من اآليات القرآنية اليت ذكرناها. 20فاقتلوه

﴿يالغ من دشالر نيبت ين قدفي الد اهى ﴿: ، وقوله سبحانه21﴾ال إكرتح اسالن كرهت تأفأن مننيؤوا مكون22﴾ي

للزنادقة، فهل جيهل علي رضي اهللا عنه ويف منت احلديث إشكال يرد حول حتريق علي لتحريق؟ وأيهما أقرب إىل العقل أن نعتقد جهل اإلمام علي ذا احلكم املعلوم لدى حرمة ا

؟رضي اهللا عنه عوام املسلمني، أم أن نرى خطأ عكرمة فيما نسبه إىل علي ، وإذا كانت احلدود ال 24، وإذا ناقض عموم آيات قرآنية23فإذا ضعف احلديث سندا

احتماالت فهم احلديث، أفال يسقط االستدالل به تؤخذ من أحاديث آحاد، وإذا تعددت على قتل عموم املرتدين؟

الدليل الثاني قال رسول الله صلى الله عليه :روى مسلم يف صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال

لمسإال ال: و أن ال إله دهشلم يسرئ مام محل دى ثالثال يدول الله إال بإحسي رأنو له : 25.النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة

:وجه االستدالل

كيـف ..البوطي، حممد، اجلهـاد : انظر" احلكم بقتل املرتد هي احلرابة ال الكفرعلةإن :" قال حممد سعيد رمضان البوطي 20 211، ص2م، ط1997هـ1418نفهمه وكيف منارسه، دار الفكر،

256: البقرة21 99: يونس22تابعات، وال جيدر أن يستدل بتلك الرواية املنقطعة اليت رواها مالك يف موطئه عن زيد بن أسلم أن رسول ليس للحديث م 23

1219موطأ مالك، كتاب األقضية، : انظر. الله صلى الله عليه وسلم قال من غير دينه فاضربواا كان صحيحا على ختصيص عموم القرآن عند األحناف، فكيف حبديث غريب مداره على ال يقوى حديث اآلحاد مهم 24

رجل متكلم فيه كثريا؟وسنن الترمذي، . 3175وصحيح مسلم، كتاب القسامة واحملاربني، . 6370صحيح البخاري، كتاب الديات، : انظر 25

مسند أمحد، . 2525ماجة، كتاب احلدود، وسنن ابن . 3788وسنن أبو داود، كتاب احلدود، . 1322كتاب الديات، 2339، 2196وسنن الدارمي، كتاب احلدود، . 4024، 3859، 3438مسند املكثرين من الصحابة،

22

ددعمن جيوز قتله يف هذا احلديث مرجع عظيم، ويف هذا الباب ركن ركني، فهو ي . عن اإلسالم أحد هؤالء احملكوم بقتلهم يف الدنياح أن املرتدضتاإلسالم، وي

:مناقشة هذا االستداللإن هذا احلديث يأمر بقتل فئة معينة من املرتدين، وقد قيدوا بتركهم اجلماعة، وهو

فاحلديث دليل على صحة ما ذهبنا إليه من أن املرتد احملارب هو الذي . كناية عن احلرابةلكن هذا على فرض صحة احلديث سندا، فكيف ومداره على األعمش املعروف . يقتل

ومل أرد أن أورده يف أدلة عدم . بتدليسه؟ فاحلديث ضعيف اإلسناد بسبب تدليس األعمشقتل املرتد، ألين ال أراه صحيحا، أما من يرى صحته فهو حجة عليه يف أن املرتد احملارب

.ملرتد غري احملارب ال يقتل ضمنافقط هو الذي يقتل، أي أن ا

فعل الصحابة الذي ليس له مخالف: الدليل الثالث قال صلى اهللا عليه وسلمالنيب روى البخاري يف صحيحه عن أيب موسى األشعري أن

فلما .ه معاذ بن جبل ثم اتبع.ذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمنإ(: له كان يهوديا : قال؟ ما هذا: قال. وإذا رجل عنده موثق،نزلإ : قال،قدم عليه ألقى له وسادة

لمفأس،دوهت إ : قال. ثملسل: قال.جقتى يتح لساء ا؛ ال أجوله قضسرات،لله ورثالث م . .26)فأمر به فقتل

:وجه االستداللهذا الذي وقع من قتل للمرتد كان قد مت على رؤوس األشهاد من مجاعة املسلمني يف

وهؤالء مجيعا شهدوا تنفيذ . اليمن، سواء منهم حديث العهد باإلسالم، ومن كان ذا سبق فيهإقامة احلد على املرتد، وكلهم آمنوا وسلموا، فكان إمجاعا من مسلمي قضاء اهللا ورسوله، و .اليمن على ذلك احلكم

. 3403صحيح مسلم، كتاب اإلمارة، . 3966وكتاب املغازي، . 6412 صحيح البخاري، كتاب استتابة املرتدين، 26

ابـن حـزم، . 18835مسند أمحد، مسند الكوفيني، . 3790دود، ، وكتاب احل 2312سنن أيب داود، كتاب اجلهاد، 189ص11دار اجليل، حتقيق جلنة التراث العريب، ج: احمللى، بريوت

23

:مناقشة االستدالل :من ناحية سنده

. مدار هذه الرواية على أيب بردة، عامر بن عبد اهللا بن قيس بن أيب موسى األشعري، ومجيعهم متساهلون 27وهذا الرجل مل يوثقه غري ابن سعد والعجلي وابن خراش وابن حبان

.وقد اختلف يف امسه فقيل عامر، وقيل احلارث. يف التوثيق :أما متنه

:فهو مثري من أبواب عدة؛ وتطرح تساؤالت عدة تشككك يف صحته؛ مثل هل ميكن أن جيهل أبو موسى حكم الردة لو كان هناك حكم هلا؟ -1تعجل يف قتل هذا اليهودي أهلذا احلد يتسرع صحايب جليل كمعاذ بن جبل، وي -2

من دون مساع أية كلمة منه، ويرفض اجللوس حىت يقتل؟إذا كان قتل املرتد واجبا بأقصى سرعة، فلماذا تأخر أبو موسى األشعري يف تنفيذ -3

هذا الواجب؟مث إن هذا احلديث ال يستنبط منه أي حكم حىت لو كان صحيحا، ألن فعل الصحايب

.ليس حبجةمن ذلك كله أن هذه الرواية ال تذكر شيئا عن هذا اليهودي؛ فقد يكون واألهم

من هنا . حارب املسلمني وخدعهم، وقد يكون عمل على اختراقهم من خالل ادعائه اإلسالمال ميكننا استنباط حكم شرعي من خالل قصة مبتورة، مهما كانت صحيحة، فكيف لو

متساهلون؟كانت رواية مدارها على راو مل يوثقه إال

حروب الردة: الدليل الرابعلما توفي رسول الله صلى : روى البخاري وغريه عن أيب هريرة رضي الله عنه، قال

مر رضي فقال ع.فر من كفر من العربالله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنهم، وك

18 ص12العسقالين، ابن حجر، ذيب التهذيب، ج: انظر27

24

كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس : الله عنهإال الله قولوا ال إلهى يتح،مصع ا فقدقاله نإال فم هفسنو الهي مق منلى الله؟ بحع هابحسه و

والله لو منعوني . والله ألقاتلن من فرق بين الصالة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال: فقالقال عمر رضي . قاتلتهم على منعهاعناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ل

.28فوالله ما هو إال أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق: الله عنه

:وجه االستدالليفا، ومل يظهر منهم نية إن الثابت أن املرتدين مل يرفعوا يف وجه الدولة املسلمة س"هم الذين مجعوا اجلموع، -رضي اهللا عنهم أمجعني–لكن اخلليفة احلازم وأصحابه . ذلك

وزحفوا على املرتدين يف ديارهم ليقاتلوهم بسبب ردم، وليس بسبب ديدهم أمن الدولة .29"املسلمة الوليدة

:مناقشة هذا االستداللعن اإلسالم، بل إنه خاص خيتص بأولئك الذين رفضوا ال عالقة هلذا احلديث باملرتدين ، ومتردوا على القائد اجلديد أيب صلى اهللا عليه وسلمدفع الزكاة أليب بكر بعد وفاة الرسول

وال يقول أحد بأن ترك دفع الزكاة مخرج من . هلذا فإن االستدالل يف غري حمل. بكر الصديقهو إنكار الزكاة، أو أي حكم قطعي الثبوت قطعي الداللة، امللة، إمنا الذي يخرج من امللة

.30أما التكاسل عن القيام بالواجب الشرعي، فهو معصية

. 6741، وكتاب االعتصـام بالكتـاب، 6413، وكتاب استتابة املرتدين، 1312 صحيح البخاري، كتاب الزكاة، 28

سـنن . 2532سنن الترمذي، كتاب اإلميان، . 1331سنن أيب داود، كتاب الزكاة، . 29صحيح مسلم، كتاب اإلميان، ، 112مسند أمحد، مسند العشرة املبشرين باجلنـة، . 3041، 3040، وكتاب اجلهاد، 2400النسائي، كتاب الزكاة،

317 184 مزروعة، أحكام الردة واملرتدين، ص29فهؤالء حربيون؛ مل يسلموا قط، . قسما مل يؤمن قط، كأصحاب مسليمة وسجاح : أهل الردة كانوا قسمني "زم قال ابن ح 30

قوم أسلموا ومل يكفروا بعد إسالمهم، لكن منعوا الزكاة : والقسم الثاين . ال خيتلف أحد يف أنـهم تقبل توبتـهم وإسالمهم وال خيتلف احلنفيون وال الشافعيون يف أن هـؤالء لـيس . ا قوتلوا فعلى هذ . من أن يدفعوها إىل أيب بكر رضي اللـه عنـه

: ودليل ما قلنا شعر احلطيئة املشهور. وهم قد خالفوا فعل أيب بكر فيهم، وال يسميهم أهل ردة. لـهم حكم املرتد أصال 193ص11ى، جابن حزم، احملل: انظر" أطعنا رسول اللـه ما كان بيننا فيا لـهفنا ما بال دين أيب بكر

25

، لكن هذا احلديث نعارضه حرب الردة تشمل مرتدين عن اإلسالم، فهذا ما ال أما أن .ليس دليله، إمنا أدلته مبسوطة بشكل واضح يف كتب التاريخ املختلفة

هؤالء املرتدين، أو مانعي الزكاة مل يرفعوا يف وجه الدولة املسلمة سيفا، فهذا وأما أنوأما قول مزروعة إنه مل يظهر من املرتدين نية لرفع . ال دليل عليه، بل األدلة التارخيية تنقضه

ين السيف على املسلمني، فهو كالم ال قيمة له، فالنوايا ال يعلمها إال اهللا، مث إن هؤالء املرتدرفعوا سيوفا كثرية خطرية يف وجه الدولة املسلمة الفتية كادت تقوضها، لوال رمحة اهللا الذي

.31 ضد هؤالء املرتدين احملاربني اخلائنني،هيأ للمسلمني خليفة حازما يدافع عن الدولةوا يتجاهل املستدلون مبا عرف حبروب الردة جرائم املرتدين العديدة، وكأم مل يقرء

. بيب بن زيد، وقطع أوصاله طرفا طرفا، مث أحرق بقاياهحرمية مسيلمة عندما قبض على ج

.لذا ال جيدر أن تسمى هذه احلروب بـهذا االسم، أما وقد حصل، فال جيوز أن نفهم منـها أنـها حرب على من ارتد

على أنين أرى أن هناك قسما ثالثا من الذين حاربـهم أبو بكر؛ وهم مرتدون حماربون، أو مرتدون وقفوا مع حمـاربني، أو املهم أن التاريخ مل يذكر مطلقا مرتدين غري حماربني ذهب أبو بكر حلربـهم رد . حملاربنيمشركون أصال ساعدوا املرتدين ا

واملعىن أن حرب املرتدين كانت حربا على املسلمني الذين متردوا على دولة اإلسالم، فمنعوا الزكاة، وحربا علـى . ردتـهم .، حيث مل يكن هناك مرتد مساملاملعتدين من مرتدين ومشركني، ومل تكن حربا على مرتد مسامل

.بن زيد وقطعه إربا إربا، وأحرقهحبيب أما مسيلمة الكذاب فقد ألقى القبض على الصحايب . كما حشد أربعني ألف مقاتل من بين حنيفة ملالقاة خالد بن الوليد، وابتدأ بالعدوان

. أما طليحة األسدي فقد قتل عكاشة بن حمصن وثابت بن األكرم األنصاري .وقتل األسود العنسي الوايل املسلم على اليمن

.وهكذا لو تتبعنا أعمال املرتدين تلك األيام لرأيناها ردة سياسية حافلة باالعتداءات والقتلومل يكن أدعياء النبوة وقتـها إال طالب ملك وجاه، بدليل أن قومهم آمنوا بـهم مجيعا، ما يؤكد أنـها ليست نبوة بقدر

بينما جند الناس عرب التاريخ يرفضون دعوة النيب الصادق، فكيف باملتنبئ الكذاب؟ . ة قبلية ضد املدينة ومكةما هي نزعالطربي، حممـد بـن جريـر، تـاريخ : انظر. لالطالع على شواهد تؤكد مترد املرتدين، ميكن قراءة أي كتاب تارخيي 31

ابن خلدون، عبـد : وانظر. 281-185، ص 11، سنة 3 ج م،1962دار املعارف، : ، مصر ) وامللوك تاريخ األمم (الطربي، القسم الرابع، اخلرب عـن اخلالفـة 2م، ج1981دار الكتاب اللبناين، : ، بريوت..)كتاب العرب(الرمحن، تاريخ ابن خلدون

دار الكتـاب العـريب، : ابن األثري، أبو احلسن، الكامل يف التـاريخ، بـريوت : وانظر. 859-857اإلسالمية والردة، ص 260-231ص2، ج2م، ط1967هـ1378، كتاب استتابة 19، ج 1972مطبعة البايب احلليب، : العيين، بدر الدين، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، مصر : وانظر

.املرتدين واملعاندين وقتاهلم، باب قتل من أىب قبول الفرائض

26

أمر بقتل مسيلمة عندما أعلن صلى اهللا عليه وسلموليس هنالك أي دليل على أن الرسول .هذا ردته عن اإلسالم

عدة ) دتارت( وعند وفاته صلى اهللا عليه وسلمقبيل وفاة الرسول: "يقول حممد عمارةقبائل عربية عن اإلسالم، فأعلنت رفض سلطة الدولة اإلسالمية اليت توحت حتت حكم د

.. بعد فتوحات شبه اجلزيرة، وأعلنت االستقالل عن دولة املدينة صلى اهللا عليه وسلمالرسولإذا ) …(لقد كانت ردة ضد دولة حيكمها نيب(...) وكان هذا جانبا سياسيا وليس دينيا

.32"فنحن أمام متردات قبلية

اإلجماع: الدليل الخامس :وجه االستدالل

لقد أمجع أصحاب املذاهب األربعة على قتل املرتد، ورغم اخلالف مع األحناف على قتل املرتدة، بيد أم أمجعوا على قتل املرتد، ومل يقل أحد من

إال حديثا أمام الغزو وهذه بدعة مل تظهر. قتل املرتد احلرابةعلةالسابقني بأن .األجنيب الذي نادى باحلريات الدينية

:مناقشة هذا االستدالل :إن ادعاء اإلمجاع على قتل كل مرتد منقوض باألدلة التالية

، 33 من إنكاره قتل أحد املرتدينرضي اهللا عنهما روي عن عمر بن اخلطاب -1 .34"وا وإال استودعتهم السجن م لعرضت عليهم اإلسالم، فإن تابتيتلو أ: "وقوله

25-24م، ص1996ديدة، دار الثقافة اجل: عمارة، حممد، اإلسالم واحلروب الدينية، القاهرة32 روى اإلمام مالك يف موطئه عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبيه أنه قال قدم على عمر بـن 33

الناس فأخبره ثم قال له عمر هل كان فيكم من مغربة خبر فقال نعم الخطاب رجل من قبل أبي موسى الأشعري فسأله عن طعمتموه كل يـوم رغيفـا رجل كفر بعد إسلامه قال فما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه فقال عمر أفلا حبستموه ثلاثا وأ

موطـأ مالـك، : انظر. واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله ثم قال عمر اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني وقـد . .مد مل يلق عمر وال أحدا من الصحابة، ومن مث فالرواية ضعيفة لكن أبا عبد الرمحن بن حم . 1220كتاب األقضية،

.أتيت ا ألستدل ا من باب إقامة احلجة على اخلصم الذي يؤمن بصحتها، ويدعي اإلمجاع على عكس ما فيها

27

قول طائفة منهم بأن املرتد يستتاب أبدا وال "اختالف العلماء يف مدة االستتابة، و -2وقد ذكر ابن حزم يف كتابه . وال شك يف أن االستتابة املفتوحة تتضمن عدم القتل. 35"يقتل

وسفيان بن اخلطاب عمر :القائلني باالستتابة األبدية وعدم قتل املرتد، وهم) مراتب اإلمجاع( .36وإبراهيم النخعي

اخلالف يف قتل املرتدة وتعليل عدم قتلها عند األحناف يؤكد أن املسألة خالفية، -3 قتل املرتد هي الكفر، علةفقد قال اجلمهور إن . وأنه ليس مثة أي إمجاع يف هذا املوضوع

قتل املرتد هي احلرابة، لذا علةإن : وافيقتل كل مرتد؛ رجال كان أم امرأة، أما األحناف فقالولو كانت ذات رأي وتبع تقتل، ال . "يقتل املرتد، حيث يتأتى منه احلرابة، وال تقتل املرتدة

.37"لردا، بل ألا، حينئذ، تسعى يف األرض بالفساد

اإلجماع على استتابة المرتد: الدليل السادس :وجه االستدالل

وا عليها من ناحية مبدئية، وهذا لفوا يف مدة االستتابة، بيد أم اتفقرغم أن العلماء اختدل على أن املرتد غري احملارب ال يترك وشأنه، بل له عقوبة، ومع أم اختلفوا يف القتل أو يف ي

قتل املرأة، فاالتفاق على وجوب االستتابة دليل آخر قائم بذاته على وجوب إكراه املرتد، .من أشكال اإلكراهفاالستتابة شكل

:مناقشة هذا االستدالل

191ص11 ابن حزم، ج34 189ص11 ابن حزم، ج35 101، ص2ر الفكر العريب، ط الصعيدي، عبد املتعال، احلرية الدينية يف اإلسالم، دا36 73ص4 ابن اهلمام، شرح فتح القدير، ج37

28

ومن 38مل يتفق العلماء على وجوب االستتابة؛ بل إن ابن حزم قال بقتل املرتد مباشرة: أوالعي ما يد: ، حني قال أمحد بن حنبل وهللا در اإلمام.لذا ليس يف املسألة أي إمجاع. غري استتابة 39.لعل الناس قد اختلفوا.. فهو كذاب اإلمجاععىمن ادو. هو الكذب اإلمجاعفيه الرجلليس هنالك أي دليل على وجوب االستتابة من القرآن أو من السنة سوى عموم : ثانيا

األدلة اآلمرة بالدعوة باحلكمة واملوعظة احلسنة، وهذه ال عالقة هلا باالستتابة املتعارف عليها خيتلف اثنان يف أن ختيري إنسان بني القتل اليت هي نوع من أنواع اإلكراه واالضطهاد، وال

واعتناق عقيدة إكراه. وال يقال إن هنالك حدا أدىن التفاق العلماء ميكن تلخيصه باتفاقهم على إكراه املرتد بطريقة من الطرق، ذلك أن القائلني بالقتل املباشر أو القائلني باالستتابة األبدية يستدل كل

بعموم األدلة اآلمرة ) االستتابة(فعندما يستدل أصحاب . اآلخرمنهم بأدلة تنقض الطرفبالدعوة باحلكمة ال ميكننا أن نضعف استدالهلم، ويف الوقت ذاته ال ميكننا أن نضعف رد ابن

وإذا اتبعنا . حزم عليهم يف أن قوهلم بتحديد عدد معني ملرات االستتابة هو حتديد ال دليل عليه، واليت يفضل أن نسميها )االستتابة األبدية(ل طرف خرجنا بنتيجة الدليل الصحيح من ك

ما مل يكن اعتداء من قبل املرتد أو خيانة أو ) الدعوة املستمرة باحلكمة واملوعظة احلسنة( .ختطيط إليذاء املسلمني

ومن باب آخر فإن التوبة على اهللا، وليس من حق أحد أن يستتيب أحدا، أو يتوب هللا هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عنهم، والعقيدة واإلميان والكفر حملها القلب عليه، فا

ألم ﴿ عز وجلويقول . 40﴾إنما التوبة على الله﴿يقول اهللا تعاىل .الذي ال يعلمه إال اهللا

يقتل املرتد تاب أو مل : ال يستتاب املرتد، مث اختلف هؤالء، فقالت طائفة منهم : ذكر ابن حزم أن طائفة من العلماء قالوا 38

القتل، وإن مل تظهر توبته أنفـذ إن بادر فتاب قبلت منه توبته وسقط عنه : وقالت طائفة . يتب، راجع اإلسالم أو مل يراجع 188ص11ابن حزم، احمللى، ج: انظر. عليه القتل

573ص4 ج يف أصول األحكام، ابن حزم، اإلحكام39 17: النساء40

29

وهو الذي يقبل ﴿تعاىل سبحانه وقول اهللا وي. 41﴾يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده .42﴾التوبة عن عباده

الدليل العقلي: الدليل السابعلعوبة، حبيث ن جعله أن االستهتار بالدين، وم إن قتل املرتد مينع اآلخرين م-1

.يؤمنون يف الصباح ويكفرون يف املساءثري الشك يف نفوس الضعفاء والبسطاء إن خروج الناس املتكرر من اإلسالم ي-2والعوام.

إن خروج املسلم من دينه هو خروج على دستور الدولة، وهو خيانة عظمى -3 .يف دول العامل كله عقوبتها اإلعدام كما

إن دين اإلسالم يتفق مع الفطرة ومع العقل، وإن الردة عنه تستوجب قتل -4 . يستحق احلياةصاحبها الذي قتل فطرته وعقله، فأصبح ال

إن الدين اإلسالمي هو آخر دين للبشرية، وهو مهيمن على األديان األخرى، لذا -5 .فال ميكن أن يتساوى التعامل معه ومع غريه

6-ا ملن أراد أن يدخل يف الدين كي يتفكر أكثر، ويقرأ إن يف هذه العقوبة دافع .إميانه قويا ال يتزعزعكثريا، ويبحث يف احلجج واألدلة، حىت إذا آمن، كان

إن عدم قتل املرتد يعين التهاون يف شأن اإلسالم، واعتباره دينا عاديا قابال للصحة -7 .واخلطأ، ويف هذا إساءة بالغة إىل اإلسالم

:مناقشة هذا االستداللوها هي دول الكفر . هذه األدلة العقلية ال ترقى ألن تكون دليال تراق من أجله دماء

كمة يف العامل كله، وال جتد دولة حتكم بقتل املرتد عن اإلسالم، ومع هذا ال جتد سلبية من حا

104: التوبة41 25: الشورى42

30

هذه السلبيات، فال اإلسالم اتخذ ألعوبة، وال خروج القلة القليلة جدا من الدين أثار ريبة عند .العوام، وال حط من شأن اإلسالم

تفكر كثريا قبل دخول اإلسالم، فهذه أما القول بأن هذه العقوبة جترب اآلخرين على المن سلبيات قتل املرتد، حيث إن غري املسلمني خيافون كثريا من دخول اإلسالم إذا علموا

ولقد رأينا القرآن الكرمي يعطي . هذه العقوبة، بل يرفض كثري منهم جمرد التفكري يف ذلكطأة عدائهم هلذا الدين، أما أن يضع املؤلفة قلوم أمواال حىت يدخلوا اإلسالم، أو خيففوا من و .يف وجوههم العوائق، فليس هذا من شأن اإلسالم العظيم

31

الباب الثالث أدلة القائلين بعدم قتل المرتد المسالم، ومناقشتها

منطوق العديد من آيات القرآن الكريم: الدليل األول مفهوم العديد من آيات القرآن الكريم: الدليل الثاني

سكوت اآليات التي تحدثت عن المرتدين عن حكم : ل الثالثالدلي دنيوي

عدم قتل المنافقين: الدليل الرابعاآليات التي تنتقد قمع الكافرين لجماعة المؤمنين لسبب : الدليل الخامس

عقيدتهم لم يقتل أي إنسان لمجرد صلى اهللا عليه وسلمالرسول :الدليل السادس

ردته مناقشة شبهة

قتل المرتد هي الحرابةعلةاستدالل األحناف على أن : السابعالدليل الدليل العقلي: الدليل الثامن األضرار الكثيرة الناجمة عن قتل المرتد غير المحارب: الدليل التاسع

32

الباب الثالث أدلة القائلين بعدم قتل المرتد المسالم، ومناقشتها

ن الكريممنطوق بعض آيات القرآ: الدليل األول . 43﴾ال إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴿ قوله تعاىل: اآلية األوىل

ومعلوم أن النفي إذا دخل على النكرة أفاد . نكرة يف سياق النفي) إكراه(وقعت كلمة اإلسالم؛ ألن لذا جيب نفي كل إكراه يف الدين، وال جيوز أن يستثىن منـه املرتد عن . العموم

.ومنطوق اآلية ال يجيز ذلك. يف إجباره على الرجوع إىل اإلسالم إكراها بال شكومل . وال يقوى االجتـهاد على ختصيص هذا النص لو فرضنا أنـه قابل للتخصيص

وإذا أخذنا برأي األحناف يف أن احلديث الظين الثبوت ال . يأت ما خيصصه يف القرآن قطأما بالنسبة إىل من خيصص القرآن . عام القرآن، قلنا بعمومية اآليةيقوى على ختصيص

ص لعموم من هنا ال خمص. ال يوجد خمصص سوى حديث عكرمة الضعيف: باحلديث فنقوللذا، خنرج بنتيجة واحدة، هي أن القرآن الكرمي ال ينص قتل املرتد رد ردتـه، . هذه اآلية

أنـه ال يقتل، بل لـه حرية مطلقة يف هذا ما -ه اآليةكما يف هذ-إنما ينص بشكل قاطع .مل يعتد

.إن نص هذه اآلية وسياقها يبينان أا حتمل مبدأ عاما غري قابل للتخصيص أو االستثناءحيث روى أبو داود يف . وقد ورد يف األحاديث روايات عديدة تظهر هذا املعىن

عباس قال كانت المرأة تكون مقالتا فتجعل على نفسها إن مناسبة نزول هذه اآلية عن ابن عدار فقالوا ال نصاء األننأب من ضري كان فيهمو الننب تليا أجفلم هدوهأن ت لدا وله اشع

زع ل اللهزا فأناءننل أبجو ﴿يالغ من دشالر نيبت ين قدفي الد اهاود. ﴾ال إكرقال أبو د : لدا وله عيشالتي ال ي 44المقالت.

256: البقرة43 2307 سنن أيي داود، كتاب اجلهاد، رقم احلديث 44

33

.45تسع روايات يف هذا املعىن" الدر املنثور"كما أورد السيوطي يف ن من في األرض كلـهم جميعا أفأنت ولو شاء ربك آلم﴿قوله تعاىل : اآلية الثانية

مننيؤوا مكونى يتح اسالن كره46 ﴾ت. .47﴾لست عليهم بمسيطر* فذكر إنما أنت مذكر ﴿قوله تعاىل : اآلية الثالثة

ويتفق القائلون بقتل هذه اآليات واضحة، وهي تشرح ذاا بأنه ال جيوز إكراه أحد، وقد . معنا يف تفسري هذه اآليات، بيد أم خيصصوا حبديث عكرمة-رد ردته-املرتد

.فندنا ذلك .48﴾وما على الرسول إال البالغ المبني﴿قوله تعاىل : اآلية الرابعة

:وهناك العديد من اآليات اليت حتمل هذا املعىن، مثل .49﴾غ المبنيالفإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا الب﴿قوله تعاىل 50.﴾غ المبنيال البالكذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إ﴿قوله تعاىل 51.﴾نيغ المبالفإن تولوا فإنما عليك الب﴿قوله تعاىل 52.﴾غ المبنيال البالى الرسول إلوما ع﴿قوله تعاىل 53.﴾غ المبنيال فإن توليتم فإنما على رسولنا الب﴿قوله تعاىل

21-20ص2هـ، ج1414م 1993ملنثور يف التفسري باملأثور، دار الفكر، السيوطي، عبد الرمحن جالل الدين، الدر ا45 55: النور46 23-22: الغاشية47 19: العنكبوت48 92: املائدة49 35: النحل50 82: النحل51 54: النور52 12: التغابن53

34

مفهوم بعض آيات القرآن الكريم: الدليل الثانيأهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على وقالت طائفة من ﴿قولـه تعاىل : اآلية األوىل

54﴾الذين ءامنوا وجه النـهار واكفروا ءاخره لعلـهم يرجعونلو كان هناك عقوبة للمرتد ملا خطر ببال هؤالء اليهود األبالسة أن يقترحوا هذا

نح حرية اعتقاد كاملة، ظنوا أن بإمكانـهم لكن ملا علموا أن هذا الدين العظيم مي. االقتراحوأنى لـهم ذلك؟ فإن حجج . أن يشككوا الناس يف عقائدهم من خالل هذه احليلة املكشوفة

.هذا الدين أقوى مئات املرات من أالعيبـهم حسنة ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة ال﴿ قول اهللا تعاىل: اآلية الثانية

نسأح بالتي هي مادلهج55﴾و. ال ميكن أن تسمى حكمة أو موعظة حسنة، ذلك أن عملية قتل إنسان غير دينه إن

قتله سيسرع به إىل جهنم، فأين احلكمة وأين املوعظة احلسنة يف دعوتنا إياه؟ وأين اجلدال باليت هي أحسن؟

أن يدعو غري املسلمني إىل اإلسالم بأسلوب هادئ وبأن إن هذه اآلية تأمر املسلم بوهذا يشمل الكافر األصلي واملرتد، فإن الضمري يف . يناقشهم باحلجة وباألسلوب احلسن

.عام يشمل الصنفني) جادهلم(وال يقال إن اآلية تشمل الكافر احملارب أو املرتد احملارب، ذلك أن هؤالء أمرنا بقتاهلم؛

وقاتلوا في سبيل اللـه الذين يقاتلونكم وال تعتدوا إن اللـه ال يحب ﴿قال تعاىل دينتعا كانوا أم مرتدين، وال باليت هي أحسن فاجلدال 56.﴾الميشمل غري احملاربني، كفار

.يشمل املعتدين حبال

72: آل عمران54 126: النحل55 191: البقرة56

35

حتديدها بني الفقهاء، وهذه إن املرتد يستتاب مهلة معينة على اختالف يف: وقد يقال .دعوة باحلكمة وباملوعظة احلسنة

نا عإن االستتابة باملفهوم الفقهي املعروف هي ديد، فعندما نقول للمرتد د: أقول؛ أيام، وإذا مل تعد عنها قتلناكش شبهاتك، وعليك أن تعود عنها خالل مدة أقصاها ثالثة نناق

.لغة جدال باحلسىنفهذه لغة ديد ووعيد، وليست .إن اآلية ال تشمل املرتد، ألن احلديث نص وجوب قتله: وقد يقال

ال يقوى حديث عكرمة على ختصيص هذه اآلية كما ال يقوى على ختصيص : أقولالنسخ ( فلنجعل القرآن العظيم يف منأى عن النسخ الكلي أو التخصيص .غريها من اآليات

بأحاديث آحاد ظنية) اجلزئي. ليست -كأسلوب دعوة-إن اآليات العديدة اليت تدعو إىل احلوار مع الكافرين

.مشروطة، بل مطلقة عامة، كالقيم األخالقية املطلقة مثل العدل والكرم والشجاعةال ينـهاكم اللـه عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم ﴿قولـه تعاىل : اآلية الثالثة

57﴾جوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن اللـه يحب المقسطنييخرإن بعض املرتدين ال يقاتلوننا يف الدين، وهم املرتدون غري احملاربني، لذا فإن اآلية تشملهم، وواجبنا حنوهم هو أن نربهم ونقسط إليهم وأن نعمل على إزالة ما علق

. إلعادم إىل ديننا العظيم-وباحلسىن–بأذهام من شوائب، وأن نعمل جاهدين وال نظننه سيكون هنالك مرتدون عن الدين يف الدولة املسلمة، اللهم إال أولئك أن

املنتفعني املوجودين يف كل أوان ويف كل مكان، فليخرج هؤالء من صفوفنا، وليظهروا .حىت ال يفسدوا دوء

املهم هو أن نبين حقيقة ديننا، وأنه ال إكراه فيه، وأنه بريء مما نسب إليه من .اضطهاد

9: املمتحنة57

36

الدليل الثالثسكوت اآليات، اليت حتدثت عن املرتدين يف القرآن الكرمي، عن ذكر أي عقوبة دنيوية

:وها هي بعض هذه اآليات. خاصة رد ردتـهم

ومن لونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا وال يزالون يقات﴿ قولـه تعاىل -1ددترة يالآخرا وينفي الد الـهممأع بطتح فأولئك كافر وهو تمدينـه في نع كممن

.58﴾ هم فيها خالدونوأولئك أصحاب الناروقالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا ﴿تعاىل قولـه -2

.59﴾ لعلـهم يرجعونءاخره واكفرواوجه النـهار مات أو قتل وما محمد إال رسول قد خلت من قبلـه الرسل أفإن﴿ قولـه تعاىل -3

قابكملى أعع متقلبئاانياللـه ش رضي ه فلنيقبلى عع قلبني نمزي اللـه وجيسو اكرين60﴾الش.

فرا لم ثم ءامنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كثم كفرواإن الذين ءامنوا ﴿ قوله تعاىل -4 .61﴾يكن اللـه ليغفر لـهم وال ليهديهم سبيال

عن دينـه فسوف يأتي اللـه من يرتد منكميا أيها الذين آمنوا ﴿ قولـه تعاىل -5 الكافرين يجاهدون في سبيل اللـه بقوم يحبـهم ويحبونـه أذلة على المؤمنني أعزة على

ليمع اسعاللـه واء وشي نتيه مؤل اللـه يفض ة الئم ذلكمافون لوخال ي62﴾و.

من بعد إميانـه إال من أكره وقلبـه مطمئن كفر باللـه من ﴿قولـه تعاىل -6ا بالإميردبالكفر ص حرش نم لكنان وظيمع ذابع لـهماللـه و من بغض هملي63﴾فع.

217: البقرة58 73: آل عمران59 145: آل عمران 60 138: النساء61 55: املائدة62 107: النحل63

37

على أدبارهم من بعد ما تبين لـهم الـهدى ارتدوا إن الذين ﴿ قولـه تعاىل -7لى لـهمأمو ل لـهموطان سي64﴾الش.

كل ما يف . ة دنيويةه سبع آيات قرآنية تتحدث عن املرتد، ومل تتطرق إىل أية عقوبهذغضب من عليه عذاب شديد يف جهنم، وله يف الدنيا واآلخرة، واملرتد عمل األمر حبوط

. ولن يضر اللـه شيئا،اللـه. وهناك قاعدة شرعية معروفة، مفادها أن السكوت يف معرض احلاجة إىل بيان بيان

وحيث إن هذه اآليات تتحدث عن املرتد، وسكتت عن حتديد عقوبة دنيوية لـه، فهذا بيان ة اليت ال يصاحبـها حرابرد الرد أن ال عقوبة دنيوية.

عدم قتل المنافقين: الدليل الرابعظل املنافقون موجودين يف املدينة، مل يحكم عليهم باإلعدام، مع أنـهم وصفوا

:ين أربع مرات يف القرآن الكرمي، وهاكم اآلياتباملرتدإن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لـهم ﴿قولـه تعاىل .1

لى لـهمأمو ل لـهموطان سيى الش65﴾الـهد ك لرسول اللـه واللـه إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إن﴿قولـه تعاىل .2

اتخذوا أيمانـهم جنة * يعلم إنك لرسولـه واللـه يشهد إن المنافقني لكاذبون آمنوا ثم كفرواذلك بأنـهم * فصدوا عن سبيل اللـه إنـهم ساء ما كانوا يعملون

ون فطبعفقهال ي مفه لى قلوبـهمقولوا * عإن يو مهامسأج كجبعت تـهمأيإذا رو مهذرفاح ودالع مه هملية عحيون كل صبسحة يدنسم بشخ كأنـهم لـهملقو عمست

وإذا قيل لـهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللـه لووا * ون قاتلـهم اللـه أنى يؤفك

26: حممد64 26: حممد65

38

سواء عليهم أستغفرت لـهم أم لم * رءوسهم ورأيتـهم يصدون وهم مستكبرون اللـه لـهم فرغي لن لـهم فرغتس66﴾ت

إن نعف عن طائفة منكم كفرتم بعد إميانكمعتذروا قد ال ت﴿قولـه تعاىل .3رمنيجوا مكان طائفة بأنـهم ذبع67﴾ن

وكفروا بعد يحلفون باللـه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر ﴿قولـه تعاىل .4المهموإسمهلـه فإن وفض ولـه منسراللـه و ماهوا إال أن أغنقما نمالوا وني ا لما بم

يتوبوا يك خيرا لـهم وإن يتولوا يعذبـهم اللـه عذابا أليما في الدنيا واآلخرة وما 68﴾ريلـهم في األرض من ولي وال نص

وليعلم القائلون بالنسخ أن هاتني اآليتني من سورة التوبة، وهي من آخر ما نـزل الذين كفروا بعد إسالمهم، من دون ،يف القرآن ايد، وقد حتدثت عن هؤالء املنافقني

.ذكر أية عقوبة دنيوية

اآليات القرآنية التي تنتقد قمع الكافرين للمؤمنين : الدليل الخامس تهملسبب عقيد

من سنة اللـه يف األقوام أنـه كلما بعث نبيا عاداه قومه، وحكموا بكفره، وكفر من وما كان . ويتضمن هذا القتل أو الطرد أو املقاطعة أو غري ذلك من أنواع االضطهاد. يتبعه

عبثا انتقاد القرآن الكرمي هذه األساليب اليت يتبعها الكافرون، بل يفهم منـه منع االضطهاد .لفكري مهما كان شكلـه، وبالتايل فهو مينح حرية التدين املطلقةا

وقد حفل القرآن الكرمي مبهامجة صناديد الكفار، الذين مل حيتملوا مساع كلمة احلق، :فراحوا يطاردون املؤمنني، وهاكم بعض هذه اآليات

6-2: املنافقون66 67: التوبة67 75: التوبة68

39

راهيم لئن لم تنتـه قال أراغب أنت عن آلـهتي يا إب﴿ على لسان والد إبراهيم -1 69.﴾ألرجمنك واهجرني مليا

فهذا والد إبراهيم ال يطيق مساع كلمة احلق، ويراها ز كيانه املهترئ، لذا فإنه يهدد فهل . فلم يهدد أباه امللحد بالرجم، بل يتمىن له اهلدايةعليه السالمأما إبراهيم . ابنه بالرجم

راهيم أولئك املنادون بقتل املرتد املسامل ومبنع حرية االعتقاد؟يقتدي بوالد إبقال آمنتم لـه قبل أن آذن لكم إنـه لكبريكم الذي ﴿ على لسان فرعون -2

في ج كمنلبألصخالف و من لكمجأرو كمديأي نفالقطع رحالس كملمع نلمعلتل وخذوع النقالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت * أينا أشد عذابا وأبقى

فر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من إنا آمنا بربنا ليغ *قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا .70﴾السحر واللـه خير وأبقى

فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين ﴿ على لسان فرعون وقومه-3دا كيمو ماءهوا نسيحتاسو هعوا منالل آمإال في ض ل * الكافرينوني أقتن ذروعقال فر

ادض الفسفي األر ظهرأن ي أو كمل ديندبأن ي افي أخبـه إنر عدليى ووس71﴾م. 72﴾المرجومنينوح لتكونن من ياهقالوا لئن لم تنت﴿ على لسان قوم نوح-4

فهل املنادون مبنع حرية االعتقاد هم تالمذة . ال يعرفون مقابلة احلجة باحلجة.. هكذا قوم نوح؟قالوا يا شعيب ما نفقه كثريا مما تقول وإنا لنراك فينا ﴿ على لسان قوم شعيب-5

اكنمجلر طكهال رلوعيفا وزيزضا بعنليع تا أنم73﴾و.

47: مرمي69 74: طه70 27-26: غافر71 117: الشعراء72 92: هود73

40

إنـهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو ﴿ على لسان قوم أصحاب الكهف -6 .74﴾يعيدوكم في ملتـهم ولن تفلحوا إذا أبدا

-وا فتأمل. عقيدة بني العودة إليها والقتلةهذه اآلية تصف حال من خيير تارك أي هل يقتفي املنادون بقتل املرتد أثر أعداء التوحيد عرب التاريخ؟-رمحكم اللـه

وإن لم * وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ﴿ عليه السالم على لسان موسى-7 .75﴾ أن هؤالء قوم مجرمونهفدعا رب* تؤمنوا لي فاعتزلون

هل يطالب نيبه باعتزالـه إذا مل يؤمنوا، وبتركه ومجاعتـه ليتمتعوا حبرية قوم االعتقاد، حىت إذا انتصر منعهم هذه احلرية؟

وهذا ليس إال غيضا من فيض آيات تتحدث حول اضطهاد الكفار للمسلمني لسبب .إميام، وهنالك الكثري الكثري من اآليات اليت متقت هذا التصرف

صلى اهللا األحاديث العديدة التي تبين أن الرسول: الدليل السادس . لم يقتل أي إنسان لمجرد ردتهعليه وسلم

:الحدیث األولما رواه البخاري وغريه يف صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن أعرابيا

. أقلني بيعتي: فقال. ه عليه وسلم على اإلسالم فأصابه وعكبايع رسول الله صلى الل: فخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبى. أقلني بيعتي: ثم جاءه فقال. فأبى

76. ها وينصع طيبهاالمدينة كالكري تنفي خبثرابيا مل ينل أي هذا احلديث يذكر حادثة عملية يتضح من خالهلا أن مرتدا أع

.عقاب على ردته

21: الكهف74 22-20: الدخان75صـحيح مسـلم، كتـاب احلـج، . 6777م بالكتاب، ، وكتاب االعتصا6669 صحيح البخاري، كتاب األحكام، 76

موطأ مالـك، كتـاب اجلـامع، . 4114سنن النسائي، كتاب البيعة، . 3855سنن الترمذي، كتاب املناقب، . 24531377

41

:اعتراض على هذا االستدالل ومناقشتهإن هذه احلادثة حصلت قبل نزول األمر اإلهلي بقتل كل مرتد، وبالتايل : قد يقال .فهو منسوخ

مث إن . ر القرآن مع هذا احلديث، وليس مع حديث عكرمةويرد على هذا بأن ظاهأما . ال يلجأ إليه إال عند التعارض، وليس مثة تعارض مع القرآن-عند القائلني به-النسخ

التعارض مع حديث عكرمة فقد ذكرنا ضعف االستدالل به، وبالتايل ال يقوى على نسخ .هذا احلديث

:الحدیث الثانيعلى أنه من أتى " مع املشركني يوم احلديبية، عليه وسلم صلى اهللاتصاحل النيب

حممدا من قريش بغري إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشا ممن مع حممد مل يردوه 77"عليه

إذا كان قتل املرتد فرضا من فروض الدين، وحدا من حدود اهللا، فهل كان ؟ وهل يقبل بشرط خمالف حلكم شرعي؟ يتهاون يف تطبيقه صلى اهللا عليه وسلمالرسول

وقد احتج بعض الصحابة على بعض بنود صلح احلديبية كالبند املقابل هلذا البند، والذي ينص أن من جاء حممدا من طرف املشركني مسلما، فعلى املسلمني أن يردوه إىل

يتركوا لكن أحدا من الصحابة مل حيتج على البند الذي يفرض على املسلمني أن . قريش ممن تربوا على يدي قتل املرتد مل يكن خيطر ببال أحدوهذا يؤكد أن . املرتد منهم وشأنه

.صلى اهللا عليه وسلمرسول اهللا

:اعتراضات على هذا االستدالل، ومناقشتهاقد يقال إن هذا الشرط ال يقاس عليه، حيث كان املسلمون يف حالة ضعف شديد،

.والضرورات تبيح احملظورات

ـ 1397دار البحوث العلميـة، : هارون، عبد السالم، ذيب سرية ابن هشام، الكويت 77 . 277، ص 5، ط 1977هـ

355، ص1م، ط1987هـ1407دار الريان للتراث، : ، القاهرةالغزايل، حممد، فقه السرية

42

ويرد على هذا بأن املسلمني كانوا أقوى من قريش يف تلك السنة، لكن الرسول أراد أن يدخل مكة سلما، ولو أراد أن يفتحها عنوة يف تلك السنة ملا صلى اهللا عليه وسلم

.عجز عن ذلك .إن هذا احلكم منسوخ: وقد يقال

ويرد على ذلك بأن ال دليل على النسخ عند القائلني بالنسخ، مث إن هذه احلادثة مث ما الذي مينع أن يكون هذا . متأخرة، فصلح احلديبية حصل يف السنة السادسة للهجرة

إن صح؟ وإذا مل يعرف احلديث السابق من ) من بدل دينه(احلكم هو الناسخ حلديث املطلقة العامة ﴾ال إكراه يف الدين﴿ خارجي، فسنجد آية رحنا إىل مرجح78الالحق

.تؤكد ما قلناه :الحدیث الثالث

موا كان يه قال لمنضي الله عروى البخاري يف صحيحه عن عبد اهللا بن مسعود ر من ائةى األقرع بن حابس مأعطحنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة ف

وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في ، اإلبل: فقلت. هبها وجه اللما أريد والله إن هذه القسمة ما عدل فيها و: قال رجل. القسمة

لمسه وليلى الله عص بين النبرالله ألخو .هتربفأخ هتيدل :فقال. فأتعي دل إذا لمعي نفم بذا فصه من بأكثر أوذي ى قدوسم الله حم؟ رولهسرو الله79.ر

ـهام النيب بعدم العدل وبعدم ابتغاء رضوان اهللا كفر صلى اهللا عليه وسلمإن اتملمج من امللة، ومع هذا مل يزد الرسولرخعلى أن يتذكر صرب األنبياء صلى اهللا عليه وس

ولو كان القتل هو عقوبة املرتد، وكان هذا حكما شرعيا . السابقني له أمام كفر أقوامهم . صلى اهللا عليه وسلما تواىن عنه نبينا حممدمل التنفيذ واجب

هذا كله عند القائلني بالنسخ، فكيف وقد ثبت أن ال نسخ يف الشريعة اإلسالمية، وأا هي اليت نسخت ما قبلـها مـن 78

شرائع وكتب مساوية؟ 2917 البخاري، كتاب فرض اخلمس، 79

43

:اعتراض على هذا االستدالل .إن هذا الرجل تاب، أو أن هذه الكلمة خرجت منه من دون قصد: قد يقال

ولكن هذه جمرد دعاوى ال دليل عليها، بل إن هذا الرجل مل يعتذر عن قولته .النكراءالقبيحة

. أن يتنازل عن حقه الشخصيلى اهللا عليه وسلم صمن حق النيب: وقد يقاللكن هذا الرد ال يراد منه إال التوفيق بني عدم تطبيق حكم الردة املتوهم وهذا

.احلديث، وهو توفيق اجتهادي ال داعي له إن مل يكن هنالك تعارض أصال كما ظهر :الحدیث الرابع

بن الزبير رضي الله عنه أن رجال من عن عبد الله ما رواه البخاري يف صحيحهاألنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها

فاختصما عند النبي صلى الله عليه . هسرح الماء يمر فأبى علي: فقال األنصاري.النخللمسر.ويبللز لمسه وليلى الله عول الله صساء إلى : فقال رسل المأر ثم ريبا زق يأساركفقال.ج اريصاألن ضبت: فغمع نأن كان ابلى الله كول الله صسر هجن ولوفت

لمسه وليقال،ع ر: ثمدإلى الج جعرى يتاء حبس الماح ثم ريبا زق ياس .ريبفقال الز : في ذلك لتزة نذه اآليه سبي ألحالله إنو﴿برا فال وفيم وككمحى يتون حمنؤال ي ك

مهنيب رج80﴾ش وبالظلم وبعدم املساواة باحملاباة صلى اهللا عليه وسلم يتهم النيب، أيضا،هذا الرجل

وتوجيه هذه التهمة إىل . يف تطبيق األحكام، وبتفضيل ابن عمته على غريه من املسلمنيصلى ومع هذا مل يعاقبه الرسول. بينةةد، ورواح بملعصوم كفر ا صلى اهللا عليه وسلمالنيب

.، ومل خيطر ببال أحد من املسلمني أن يدعو إىل حماكمتهاهللا عليه وسلم :الحدیث الخامس

2187 صحيح البخاري، كتاب املساقاة، 80

44

بينا نحن عند رسول الله : عن أبي سعيد الخدري قال ما رواه مسلم يف صحيحه: الله عليه وسلم وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقالصلى

ويلك ومن يعدل إن لم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. يا رسول الله اعدل دل؟ قددلأعأع إن لم تسرخو ته. خبنضي الله عطاب رالخ نب رمول : فقال عسا ري

قهنع ربالله ائذن لي فيه أض .لمسه وليلى الله عول الله صسقال ر :هع81…د بعدم العدل، وهذه ردة وسلمصلى اهللا عليه وهذا ذو اخلويصرة يتهم املعصوم

.جمردة، ومع هذا مل حيكم بقتله :الروایة السادسة

لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد : ما رواه أبو داود عن مصعب بن سعد عن سعد قال، فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان

لمسه ولي82… ع ملا اختبأ هذا املرتد هذا يؤكد أن الصحابة مل يكن لديهم أي علم عن قتل املرتد، وإال

.، كما يظهر من الروايات صلى اهللا عليه وسلم، وملا عفا عنه الرسولعند عثمان لوجدنا حوادث أكثر مما سردنا، صلى اهللا عليه وسلم حياة النيب ولو رحنا نتتبع

ليخرجن األعز منها ﴿ املنافقني هي مثال حي على ذلك؛ أمل يقل زعيم املنافقني صصفقفهل خطر ببال أحد أن يقتله . صلى اهللا عليه وسلم اهللا رسولليخرجن هو : ؟ ويقصد﴾األذل

على كفره هذا؟

:مناقشة شبھة

أحدا من املرتدين؟ صلى اهللا عليه وسلمل قتل النيبه

1765سلم، كتاب الزكاة، صحيح م81 3793 سنن أيب داود، كتب احلدود، 82

45

. مل يقتل مرتدين صلى اهللا عليه وسلمقد ثبت فيما مضى من أحاديث أن النيب :ويستدل القائلون بذلك بروايتني، مها. إنه قتل غري هؤالء: لكن قد يقال

ضي اللـه عا رسة أن أنادقت نما رواه البخاري وغريه ع ا مناسأن ن مثهدنـه حيا : عكل وعرينة قدموا المدينة على النبي صلى اللـه عليه وسلم وتكلموا باإلسالم فقالوا

فأمر لـهم رسول . مدينةواستوخموا ال. نبي اللـه إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريفوأمرهم أن يخرجوا فيه؛ فيشربوا من ألبانـها . اللـه صلى اللـه عليه وسلم بذود وراع

وقتلوا راعي النبي فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسالمهم. وأبوالـهاداقوا الذوتاسو ،لمسه وليلى اللـه عفي . ص ث الطلبعفب ،لمسه وليلى اللـه عص بيلغ النفب

بـهم رفأم ،آثارهم،ركوا في نتو مهديوا أيقطعو نـهميوا أعرموا فساتى متة حرة الحاحيالـهملى ح83.ع

وبسبب هذا القتل . يتضح من النص أن هؤالء مل يرتدوا فحسب، بل قتلوا راعي اإلبل .استحقوا أن يقتلوا

لما كان يوم فتح : وما رواه النسائي يف سننـه عن مصعب بن سعد عن أبيه، قالاقتلوهم : وقال. أمن رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم الناس إال أربعة نفر وامرأتينمكة

عكرمة بن أبي جهل وعبد اللـه بن خطل ومقيس :وإن وجدتموهم متعلقني بأستار الكعبةحبرن أبي السد بعس ناللـه ب دبعة واببص ن . لقعتم وهو ركطل فأدخ ناللـه ب دبا عفأم

شب فسبق سعيد عمارا وكان أ.بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسروأما عكرمة فركب . وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه. الرجلين فقتلـه

يئا أخلصوا فإن آلـهتكم ال تغني عنكم ش: البحر فأصابتـهم عاصف فقال أصحاب السفينة. واللـه لئن لم ينجني من البحر إال اإلخالص ال ينجيني في البر غيره: فقال عكرمة. هاهنا

يه وسلم اللـهم إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا صلى اللـه علوأما عبد اللـه بن سعد بن . فجاء فأسلم. حتى أضع يدي في يده فألجدنـه عفوا كرمياسلم فلما دعا رسول اللـه صلى اللـه عليه و،أبي السرح فإنـه اختبأ عند عثمان بن عفان

3871 البخاري، كتاب املغازي، 83

46

لمسه وليلى اللـه عص بيلى النع قفهى أوتاء بـه حة جعيإلى الب اسول : قال،النسا ري 84.ثفرفع رأسه فنظر إليه ثالثا؛ كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثال: قال. اللـه بايع عبد اللـه

أما ابن . ا من هؤالء األربعة سوى عبد اللـه بن أيب السرح، وابن خطلمرتدمل يكن جلمع الزكاة وبعث معه رجال من األنصار خيدمه، صلى اهللا عليه وسلمبعثه النيب" خطل فقد

فنـزل منـزال وأمر اخلادم أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما، فنام اخلادم واستيقظ ومل يصنع وسبب احلكم بإعدام 85".ئا، فعدا عليه ابن خطل وقتله، مث ارتد مشركا ورجع إىل مكةشي

أن هذا الرجل كان من عبد اللـه بن أيب السرح هو شيء آخر غري ردتـه، وجيب أال ننسىهما وما يؤكد أنـهما نفذا عمال غري ردتي 86".فأزله الشيطان، فلحق بالكفار"، كتبة الوحي

م باإلعدام عليهما، مع وجود غريمها من املرتدين، وعدم حتديد الباعث على هو قصر احلك صلى اهللا قتلـهما بأنـه الردة، بل مت دجمهما مع اثنني آخرين مل يسلما أصال، مث إن النيب

. قد عفا عن عبد اهللا بن أيب السرحعليه وسلم صلى اهللا عليه وسلملنيبوباختصار، ال ميكن أن جتد يف السرية كلها حادثا يفيد أن ا

.أمر بقتل إنسان رد ردته

قتل المرتد هي علةاستدالل األحناف على أن : الدليل السابع الحرابة، وبالتالي أفتوا بعدم قتل المرتدة . ملا قتلنا إال املرتد احملارب، اليوم،وها هي أقوال بعض علمائهم، إذ لو طبقناها

مربرا فتواه وأصحابه بعدم قتل .هـ593ى سنة املتوفيقول العالمة املرغيناين :املرتدة

3999 النسائي، كتاب حترمي الدم، 84 71، ص1، ط1990أمحد، طاهر، القتل باسم الدين، الشركة اإلسالمية، 8586 ،4358سنن أيب داود، كتاب احلدود، باب احلكم فيمن ارتد

47

وإمنا . وألن األصل تأخري األجزية إىل دار اآلخرة، إذ تعجيلها يخل مبعىن االبتالء"وال يتوجه ذلك من النساء لعدم صالحية البنية .. عدل عنه دفعا لشر ناجز وهو احلراب

87".خبالف الرجالهـ مربرا فتواه وأصحابه بعدم قتل املرتدة، 681ى سنة توفام املويقول ابن اهلم

:أيضا ألن جزاءه ؛ال جزاء على فعل الكفر.. جيب يف القتل بالردة أن يكون لدفع شر حرابة"

ولـهذا . فيختص مبن يتأتى منـه احلراب، وهو الرجل. أعظم من ذلك عند الله تعاىللو كانت املرتدة ذات رأي : وهلذا قلنا) …( عن قتل النساءلم صلى اهللا عليه وسنـهى النيب

88". ال لردا، بل ألا حينئذ تسعى يف األرض بالفساد، تقتلوتبع :يقول العالمة السرخسي من علماء القرن اخلامس اهلجري

تلن، القتال، وأن النساء ال يقتلن ألن ال يقاعلةففي هذا بيان أن استحقاق القتل ب" يقصد حديث [ويف هذا ال فرق بني الكفر األصلي والكفر الطارئ، وما روي من احلديث

غري جمري على ظاهره؛ فالتبديل يتحقق من الكافر إذا أسلم، فعرفنا أنه عام ] عكرمة السابق 89".حلقه خصوص، فنخصه وحنمله على الرجال

كرمة بعموم األدلة اليت وقد استدل السرخسي على استثناء املرأة من عموم حديث ع بيازي النغض معفي ب تجدأة ورتنهى عن قتل النساء، كاحلديث الذي رواه البخاري أن ام

بالصاء وسل النقت لمسه وليلى الله عول الله صسر كرولة فأنقتم لمسه وليلى الله عانص90ي قتل مرتدة يقال هلا أم مروان، صلى اهللا عليه وسلمالرسول"ولكن اعترض عليه بأن

."ةقرفوعن أيب بكر أنه قتل مرتدة يقال هلا أم

165ص2مطبعة البايب احلليب، كتاب السري، باب أحكام املرتدين، ج: ، اهلداية شرح بداية املبتدي، مصر املرغيناين، علي87، 1مطبعة البايب احلليب، كتاب السري، باب أحكام املرتـدين، ط : ابن اهلمام، اإلمام كمال الدين، شرح فتح القدير، مصر 88

73ص4م، ج1970 110ص10، ج3م، ط1978هـ1398دار املعرفة، : السرخسي، مشس الدين، املبسوط، بريوت89 2791 صحيح البخاري، كتاب اجلهاد والسري، 90

48

فإن أم . واملرتدة اليت قتلت كانت مقاتلة: "فرد السرخسي على هذا االعتراض بقوله كان هلا ثالثون ابنا، قرفة فيهم، وأم مروان كانت تقاتل وحترض على القتال، وكانت مطاعة

.91"وكانت حترضهم على قتال املسلمني، ففي قتلها كسر شوكتهمراب، وبالتايل ال يستثىن عموم النساء من قتل املرتد هي احلعلة إن :وهذا عني ما قلناه

.احلديث، بل يستثىن عموم غري احملاربني، رجاال كانوا أم نساء

الدليل العقلي :الدليل الثامنلقد أمجع الفقهاء على اشتراط االختيار يف صحة اإلسالم، وهذا يعين أن االختيار "

شرط يف صحة إسالم كل شخص، سواء أكان ممن مل يسبق منه إسالم، أم كان ممن سبق وحينئذ ال يصح أخذ املرتد إىل اإلسالم باإلكراه، كما مل يصح فيما . منه إسالم وارتد عنه

ه من مل يسبق منه إسالم على اإلسالم، ألنه يكون إسالما باطال ال فائدة منه، سبق إكراوال ينجي صاحبه من عقاب اهللا يف اآلخرة، وحينئذ يكون من العبث إكراهه عليه، واإلسالم أكرم من أن يأمر ذا العبث أو يرضى به، ولو كان اإلسالم يكفي فيه نطق

اه عليه، لكن ال بد من إقرار القلب فيه، وهذا ما ال اللسان ألمكن عقال القول باإلكرسبيل لنا إىل الوصول إىل معرفته، فال يصح لنا عقال اإلكراه عليه، ألنه ال يصح لنا أن

92"نكره على جمهول لنا ال نعرفه، وإمنا هي الدعوة إىل اإلسالم باإلقناعإمنا يستفيد من الذي إن اإلسالم ال يستفيد من إسالم مغشوش نكره الناس عليه،

.خيلص جلماعة املسلمني، خبالف اإلسالم املغشوش الذي ال خيلص به صاحبه جلماعتهم

األضرار الكثيرة الناجمة عن قتل المرتد غير المحارب: الدليل التاسعلنفرض أن املسألة اجتهادية، وأنه ال نص فيها، مع أنه تبين أن النصوص كثرية يف منع

، وهاكم غري احملارب، لكن ال بد من التأكيد على أن لقتل كل مرتد سلبيات كثريةقتل املرتد :بعضا منها

110ص10 السرخسي، املبسوط، ج91 159-158 الصعيدي، احلرية الدينية يف اإلسالم، 92

49

إن فتح اال ملن يشك يف عقائد هذا الدين للتعبري عنـها حبرية، جيعلنا نناقشه -1فيها، ونساعده على فهمها، وإزالة ما علق بذهنـه من وساوس، وهذا فيه خري عظيم لـه،

.ل على التزامـه بتوفيق الله تعاىلإذ يقب إن الضغط على الناس وتضييق حرياتـهم الفكرية يولد ردة فعل عكسية لديهم، -2

وحيث إننا متيقنون من صحة ديننا، ومن قوة حجتـه، ووضوحها، فعالم اخلوف؟ فلنفتح تستطيع أن تقف فأي فكر، وأية عقيدة .اال للنقاش يف كليات هذا الدين، ويف جزئياتـه

األبد؟يف وجه هذا الدين الذي أنـزلـه الله تعاىل، وحفظه إىل3-كفر لـه من املسلمني، ولو قرال خيلو القائل بقتل املرتد من م لكان رنا قتل املرتد

ديان األخرى فال على العامل اإلسالمي أن حيصد نفسه، وأن جيتث بعضه البعض، أما أهل األوال ينبغي أن ننسى قصة ذلك املسلم الذي . ؛ ألنـهم، أصال، أهل كتابـهم أحديتعرض ل

فقد كان هذا املسلم ال . سألـه اخلوارج عن دينـه، فأخربهم أنـه نصراين، حىت ال يقتلوهيكفر عليا، وهم يكفرون من ال يكفر عليا ويستبيحون دمه، بينما ال يستبيحون دم أهل

.ما كان من هذا املسلم إال أن ادعى النصرانية لينجو بنفسهالكتاب، ف إن احلرية الفكرية كفيلة بالقضاء على العقائد املنحرفة، اليت ال تنمو إال يف الظالم، -4

ا لوجودها إال بتقوقعها على ذاتـها، ويوم يفتح باب املناظرة وال جتد مربر وحتت األرض،الناس فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع ﴿ تنـهار، والنقاش على مصراعيه، فسرعان ما

93﴾فيمكث في األرض إن قتل املرتد غري احملارب يعطي صورة سلبية عن اإلسالم أمام العامل، ذلك أن -5

حتافظ إجبار أتباع الدين على عدم تركه يفهم منه أن هذا الدين ال ميلك مقومات داخلية .عليه

. العقيدة مكانـها القلب، وال ميكن أن يجرب إنسان على اعتناق عقيدة أو تركها-6وهذا يعين أننا ال نريد طابورا خامسا بيننا، فليظهر أعداء هذا الدين، وال فائدة يف بقائهم

.مستترين، بل إن يف ذلك ضررا واضحا

18: الرعد93

50

ري املسلمني يبتعدون كليا عن الدين، وقد خيطر إن قتل املرتد غري احملارب جيعل غ-7ببال أحد الكفار أن يدخل اإلسالم لتعرفه بعض جوانبه العظيمة، لكن سرعان ما يترك التعمق

القرآن العظيم بينما نص. يف دراسته رد مساعه بالعقوبة القاسية اليت تنتظره إن رأى غري ذلكم يف أموالحقم واعتناق اإلسالم، املؤلفة قلوالصدقات؛ من أجل تشجيعهم على ترك أديا

لذا فإن . ذلك أن تغيري الدين ليس عملية سهلة، وهي حباجة إىل تشجيع وحث وحكمة وصربالقول بقتل املرتد يعين معارضة النص القرآين الذي يأمر بالرفق بالداخلني اجلدد يف الدين

.اإلسالمي من املؤلفة قلوماجلمع بني قتل املرتد عن اإلسالم ووجوب دعوة غري املسلمني إىل االرتداد عن إن -8

يعترب خمالفا للعدالة اليت نادى ا القرآن الكرمي بإطالق، ذلك أنه –أديام واعتناق اإلسالم ما دمنا نطلب من اآلخرين أن يدخلوا ديننا؛ العتقادنا أنه احلق وأنه من عند اهللا تعاىل، علينا أن نسمح لآلخرين بالدعوة إىل دينهم، وأن ال مننع بالقوة املسلم منا من أن يغري دينه إن اقتنع

94.مبا عند اآلخرين إن بعض غري املسلمني مينعون أبناءهم من السماع للحجج اإلسالمية الدامغة -9رك دينكم، إن املسلمني مينعون أبناءهم من ترك دينهم، وحنن كذلك مننعكم من ت: قائلني هلم

.بل من جمرد السماع للمسلمني، وعلى كل شخص أن يبقى حمافظا على دينهوال شك أن يف هذا خسارة لإلسالم؛ ألنه الدين احلق املتفق مع الفطرة والعقل، حيث

ويف هذا انتصار لغري . يعتنقه كل من يدرسه بإنصاف وموضوعية وإخالص ونية صافية . اليت جتد يف هذا الطرح مالذا للحفاظ على أفرادهالية،بااملسلمني من أصحاب العقائد ال

أما لو فتحنا األبواب على مصاريعها للنقاش واجلدال املستمرين مع العقائد املنحرفة، .فلن تستطيع مواجهتنا، وبالتايل سيتركها أبناؤها بعد حني

.اخلروج منـهقد يقال إن عدم قتل املرتد يفتح الباب ملن أراد أن خيرج من هذا الدين، وسيسارع بعض الناس يف 94

وال شك أن هذا القول ليس دقيقا؛ فقد كانت الغلبة للكفار واضحة يف القرنني األخريين، ومل نشهد هذه الردة املزعومة، بل لـهشهدنا صحوة إسالمية على مستوى العامل، ورأينا كيف يعود الدارسون من جامعات الغرب متمسكني بسنن دينـهم ب

. لذا فإن عدم قتل املرتد يؤدي إىل قوة اإلسالم ال ضعفه ون الغلبة لإلسالم؟فكيف عندما تك. فرائضه

51

. ب فيها احلياةقويها، وإن بذل الدماء يف سبيلها يدت فكرة من أجل إن التضحية -10وإن املسلمني إذا مارسوا عملية قتل من يغري عقيدته فإم يعملون على نشر هذه العقيدة

.الباطلة، وعلى دعمها بأفضل أسلوب، وبأحسن طريقةالناس مع املضطهد واملظلوم، وبعملية قتل املرتد ننشئ عالما متعاطفا يتعاطف -11 .مع الكفرة هذا احلكم لقتل أي إنسان أبدى معارضة للنظام احلاكم، باامه ميكن استغالل-12

.وهذا باب شر كبري! وما أسهل االتهام. ا من الدين لتربير قتلهقض قطعيأنه ناوف الناس من التعبري عن آرائهم وشكوكهم، وبالتايل لن خب قتل املرتد يتسبب -13

شبهات، وقد تتراكم هذه الشبهات، وتعمل يتسىن للعلماء إزالة ما علق بأذهان املسلمني من .عملها يف النفوس الضعيفة حىت تؤدي ا إىل الكفر

فقد يطلب بعض الناس يف العامل؛ إن هذا احلكم سيسبب للمسلمني حرجا كبريا-14اللجوء السياسي يف الدول الدميقراطية متذرعا بأن دولته اإلسالمية تريد قتله، ألنه يريد التعبري

وستستغل وسائل اإلعالم هذا املوضوع، وتظهر للعامل قمع املسلمني . بعض آرائهعن كراهية بوليس صعبا أن نعلم بعدها كم سيتسبب هذا . واضطهادهم ومنعهم احلرية الفكرية

.العامل لديننا، من خالل هذا التطبيق اخلاطئ، فنكون قد صددنا عن سبيل اهللا الدولة اإلسالمية وقررت هذه الدولة قتل إذا وجدت تعددية مذهبية داخل-15

املرتد، فإا ستفتح على نفسها بابا من اخلالفات سببه عدم االتفاق يف تعريف املرتد، فبينما يقصر بعض العلماء التكفري على االعتقاد، يضيف آخرون بعض األعمال، مث خيتلف هؤالء يف

أمورا خالفية يظنها البعض قطعية، وقد كما أن هنالك .حتديد األعمال اليت خترج من امللة، فبينما كان يعترب هذا عليه السالمكموت عيسى تكون قطعية لكن بعكس ما يعتقد، وذلك

االعتقاد خمرجا من امللة عند الغالبية العظمى من العلماء قبل مائة سنة، صرت اليوم جتد أنصارا كما أم خمتلفون يف حتديد ما . و قطعياملسلمني خمتلفون يف حدود ما ه مث إن. 95له كثريين

، علما أن 1942 سنة عليه السالم قامت ضجة يف العامل اإلسالمي حني أفىت شيخ األزهر، حممود شلتوت، مبوت عيسى 95

.القول مبوته أصبح ينظر إليه، اليوم، على أنه مسألة خالفية

52

فلماذا نفتح على أنفسنا بابا لزهق أرواح األبرياء؟ وهل حنكم بقتل . يخرج من الدين بالضبطلقد أخطأنا يف قتله، فقد كانت : إنسان العتقاد معني خالفنا فيه مث نعود بعد مائة سنة لنقول

.املسألة خالفيةالك بعض املسائل اليت ال زالت مثار خالف وعداوة بني وال بد من التأكيد على أن هن

والقدر بني القدرية . صفات اهللا تعاىل بني املشبهة واملعطلة: فرق املسلمني، وذلك مثل والصراع بني الفقه والتصوف، وتعريف الصحايب ،والتوسل بالصاحلني وحدوده. واجلربية

عرف بعصمة اإلمام عند اإلمامية وحكم شتم معاوية أو غريه منهم، مع ربط ذلك مبا ي. وهناك اخلالف حول دور العقل وحدوده ودور النقل وحدوده. وغريهم من فرق الشيعة

هذه املسائل . وهناك اخلالف حول حتديد ما يخرج من الدين، وما هي األعمال املكفرة، فالشيعة موجودون وغريها أنتجت لنا عرب التاريخ فرقا إسالمية، وال جيدر االدعاء باندثارها

والطرق الصوفية منتشرة، وال يقل عنها .ن، وهم اليوم يف خندق واحد معنايف كل مكا .وال داعي لذكر مجاعات التكفري فهي معروفة. خصومها السلفيون

ا ال تعترف بوجود اآلخر، فالوهال يظن أن املشكلة يف اجلماعات اإلسالمية أ ايبا واحدا يف العامل، وال يعترف بالشيعة كمسلمني، ويف اليوم الذي استبدل فيه هنالك صوفي

وجاء دور ( اإليرانيون السفارة اإلسرائيلية بسفارة فلسطينية كتب أحدهم كتابا بعنوانوكم مسعت من الوهابيني هجوما على ! اللبناين جموس جدد)حزب اهللا(، وكأن )اوس

وقد أبدع الشيخ حممد الغزايل يف كتبه الكثرية )! السنةأهل (األشاعرة، رغم أن كليهما من .مهامجا ظاهرة التمزق واالختالف داخل الصف اإلسالمي

. إن ما يزيد هذا التمزق هو تأصيله شرعيا من خالل الدعوة إىل قتل املخالف، كمرتد .مث املعركة التالية يف حتديد من هو املرتد

53

الباب الرابع استتابة المرتد وفي الحكمة في قتلهأقوال العلماء في

أقوال الفقهاء في أحكام قتل المرتد واستتابته ومدتها

أقوال العلماء في تحديد مدة االستتابة تفريق العلماء بين المسر والمعلن في الردة

أقوال العلماء في شأن االنتقال من كفر إلى كفر أدلة القائلين باالستتابة مرة واحدة

على استدالل القائلين باالستتابة مرة واحدةرد ابن حزم مناقشة ابن حزم في ما ذهب إليه

هل في قتل المرتد حكمة؟ المرتد مناقشة الحكمة في قتل

هل استفاد اإلسالم والمسلمون من تطبيق حكم قتل المرتد؟

54

الباب الرابع

أقوال الفقهاء يف أحكام قتل املرتد واستتابته ومدابيد أن هذا ليس صحيحا، ولننظر .. أن قتل املرتد حكم أمجع عليه الفقهاءيظن البعض

:نذكرها بتفصيلـها، كما أسهب يف ذلك ابن حزم. أقوال العلماء املختلفة يف هذا الشأن يف . مل يتبم تاب أ،يقتل املرتد: القول األول .إن بادر فتاب قبلت توبتـه، وإال قتل: القول الثاين

:واختلف هؤالء يف عدد مرات االستتابة، على النحو التايل: يستتاب: ثالقول الثال .هذا قول احلسن بن حي. يستتاب مرة، فإن تاب، وإال قتلناه: القول األول .يستتاب ثالث مرات: القول الثاين .يستتاب مائة مرة: القول الثالث

:أقوال العلماء يف حتديد مدة االستتابةهذا قول مالك وأحد قويل . لت وإال ق،ثة أيام، فإن تابيستتاب ثال: القول األول

.الشافعي .رواية عن علي رضي اللـه عنـه. تل يستتاب شهرا، وإال ق: القول الثاين .يستتاب أربعني يوما: القول الثالثيستتاب شهرين، هذا القول مروي عن أيب موسى األشعري، ومعاذ بن : القول الرابع

.جبل: هذا قول النخعي، ورواية عن عمر يقول. وال يقتل.يستتاب أبدا: مسالقول اخلا

96"الستودعتـهم السجن

188ص11ن حزم، احمللى، ج اب96

55

:تفريق العلماء بني املسر واملعلن يف الردةدون استتابة، ومل نقبل توبتـه، ومن من ،من أسر ردتـه قتلناه: القول األول .أعلنـها قبلنا توبتـه .ة قبلنا توبتـه، وإن مل يقر وال صدق النية قتلناهإن أقر املسر وصدق الني: القول الثاين .97يف شيء من ذلك ال فرق بني املسر واملعلن: القول الثالث

:أقوال العلماء يف شأن االنتقال من كفر إىل كفر .مثال ذلك أن يتهود نصراين، أو يتنصر يهودي

.لك، وأيب ثورهذا قول أيب حنيفة، وما. يترك وال مينع، ويقر على ذلك: القول األول

:واختلف هؤالء إىل قولنيال يترك، بل مينع، : القول الثاين .هذا أحد قويل الشافعي. إن رجع الذمي إىل دينـه ترك، وإال قتل: القول األولأي ال يستطيع أن . ال يقبل منـه شيء غري اإلسالم وحده، وإال قتل: القول الثاين

هذا قول ابن حزم، وأحد قويل . الذي اختارهيعود إىل دينـه األصلي، وال إىل الدين 98.الشافعي

:أدلة القائلني باالستتابة مرة واحدة : على وجوب االستتابة،استدلوا باآليات القرآنية التالية

ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلـهم بالتي ﴿ قوله تعاىل-1أح هيدينتهبالم لمأع وهبيلـه وس نل عض نبم لمأع وه كبإن ر ن99﴾س.

.100﴾وافعلوا الخير لعلكم تفلحون﴿ قوله تعاىل-2

ابن حزم، املرجع السابق97 ابن حزم، املرجع السابق98 من سورة النحل126 اآلية 99

من سورة احلج78 اآلية 100

56

.101﴾وفولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعر﴿ قوله تعاىل-3

:وجه االستداللاالستتابة فعل خري، ودعاء إىل سبيل ربنا باحلكمة واملوعظة احلسنة، ودعاء إىل : "قالوا

."اخلري، وأمر باملعروف ونـهي عن املنكر، فكان ذلك واجبا، وكان فاعلـه مصلحا :كما استدلوا باحلديث وبفعل الصحابة

ن يهدي اللـه أل(: أنـه قال لعلي صلى اهللا عليه وسلمصح عن رسول اللـه"-4 .102)بك رجال خير لك من أن يكون لك حمر النعم

.هذا ال ينبغي أن يزهد فيه: قالوا 103." فعل هذا علي وعثمان وابن مسعود، وروي عن أيب بكر، وعمر-5

رد ابن حزم على استدالل القائلني باالستتابة مرة واحدةإن الدعاء إىل سبيل اللـه تعاىل ال خيلو من أن جيب مرة أو عددا حمدودا أو : "الق

فإن : وال سبيل إىل قسم رابع، قال. أكثر من مرة، أو أبدا ما امتد العمر، بال نـهايةإنـه جيب أبدا ما امتد العمر، بال نـهاية تركتم قولكم، وصرمت إىل قول من رأى : قلتم

ولو . ولو كان لكنا قد أبطلناه آنفا. أبدا، وال يقتل، وليس هو قولكمأن يستتاب املرتداية، وهذا قول ال لدعاء كان يلزم أبدا مكررا بالألن ا. كان هذا أيضا لبطل اجلهاد مجلة

وليس دعاء املرتد، وهو أحد الكفار، بأوجب من دعاء غريه من . 104يقولـه مسلم أصالإنـه جيب : وإن قلتم .وباللـه تعاىل التوفيق. ط هذا القولفسق. أهل الكفر احلربيني

ا أكثر من مرة، كنتم قائلني بال دليلعددقل ﴿وهذا باطل؛ لقول اللـه تعاىل . ا حمدودادقنيص متإن كن كمانهروا باتيستتاب مرتني، بأوىل ممن : وليس قول من قال. 105﴾ه

من سورة آل عمران105 اآلية 101 صحيح البخاري، كتاب اجلهاد والسري102 189ص11 ابن حزم، احمللى، ج103

57

وكل هذه األقوال . أربعا، أو مخسا، أو أكثر من ذلك: قالوال ممن. يستتاب ثالثا: قال 106"بال برهان

مناقشة ابن حزم يف ما ذهب إليهوهذا . ستتابة قول بال برهان أن حتديد مدة لال-بطريقة رائعة مفحمة-أثبت ابن حزم

.ألبتة إذ ال دليل على ذلك ؛صحيح بوجوب استتابة املرتد وإمهاله مدة بيد أن ابن حزم رفض األدلة اليت أوردها القائلون

لبطل ،ا أيض،ولو كان هذا(ومل يأت بدليل ينقض هذه األدلة القطعية سوى قولـه. معينة .ةقطعيبينة ، رغم أن أدلتهم )اجلهاد مجلة

. إذا، يفهم ابن حزم اجلهاد على أنـه حتديد حلرية اآلخرين، بل منع لـهذه احلرية أتى بـهذا الفهم للجهاد؟من أين: وحنن نتساءل لو أخذنا بأدلة اجلمهور يف وجوب االستتابة، وعدم جواز القتل املباشر للمرتد، ،لذا

وأخذنا بأدلة ابن حزم يف أن حتديد االستتابة مبدة معينة باطل ال دليل عليه، خرجنا بنتيجة املرتد إىل الرجوع إىل تؤكدها األدلة أنـه ال بد من االستتابة أبدا، واملعىن ال بد من دعوة

.اإلسالم أبدا، وال جيوز قتلـه ما مل يكن حماربا للمسلمنيوللرد على ما قاله ابن حزم من أن االستتابة أبدا تؤدي إىل إبطال اجلهاد، ال بد من

الذي يقوم على منع اآلخرين من ممارسة عقائدهم، أما ) اجلهاد(التأكيد أن ذلك ال يلغي إال إلسالمي الذي فرضه اهللا تعاىل للدفاع عن كيان املسلمني، وحرية الدعوة، والدفاع اجلهاد ا

.فلن تلغيه استتابة املرتد أبدا-عن املستضعفني: عندما نقول إن الباعث على اجلهاد يف اإلسالم هو احلراب وليس الكفر، يقول البعض

احلراب ملا كان هناك مربر هذا قول باطل بدليل وجوب قتل املرتد، إذ لو كان الباعث هو .لقتل املرتد غري احملارب

هذه اجلملة من مبالغات ابن حزم املعروفة104 من سورة البقرة112 من سورة النمل، واآلية 65اآلية 105 193ص11 ابن حزم، احمللى، ج106

58

هذا : وعندما نقول إن اإلسالم ال جييز قتل املرتد غري احملارب، يقول هؤالء أنفسهمويلزم من هذا .يؤول إىل إبطال اجلهاد الذي فرض لقتال الكافرين، وليس لقتال احملاربني فقط

. اآلخر ال يصحلذا فإن االستدالل بأحد األمرين على. الدور

خالصة القول في استتابة المرتدنستخلص مما مضى أن القرآن الكرمي مل ينص وجوب استتابة املرتد، وال تعريف هذه

ـها وال امسها احلديث النبوي الشريف أي شيء كما مل ينص. االستتابة وال طريقتها وال مدترمن ذلك، ومل يلم صلى اهللا عليه و عن الرسولدأنه قام باستتابة أحد من املرتدينس .

ووجوب ) من بدل دينه فاقتلوه(لقد حاول القائلون باالستتابة أن جيمعوا بني حديث الدعوة إىل اإلسالم واألمر باملعروف والنهي عن املنكر، فخرجوا بنتيجة االستتابة اليت اختلفوا

.كثريا يف مدا، ويف عدد مراا، )من بدل دينه(املرتد من دون استتابة، فقد أخذوا بعموم حديث أما القائلون بقتل

وخصصوا وجوب الدعوة إىل اإلسالم واألمر باملعروف والنهي عن املنكر بغري املرتد، أي أم إن الدعوة إىل اإلسالم واجبة لكل الناس عدا املرتد الذي جيب قتله فورا لنص حديث : قالوا

.عكرمةل املرتد احملارب فقط، فقد اتفقوا مع القول األول بأن الدعاء إىل وأما القائلون بقت

د، وخصصوا اإلسالم واألمر باملعروف والنهي عن املنكر عام يشمل الكافر األصلي واملرتفهذا القول هو الوحيد الذي أخذ باألدلة كلها، . باملرتد احملارب-إن صح–حديث عكرمة

إىل اإلسالم بعدد معني وبزمن معني، وهذا ال دليل عليه، ألن القول األول قصر مدة الدعوةوالقول الثاين ألغى دعوة املرتد إىل العودة إىل اإلسالم من أساسها، أما القول الثالث فقد عمم

.سبقت اإلشارة إليها، صيصه حلديث عكرمة فأدلته مبسوطةاألمر بالدعوة إىل اإلسالم، أما ختوجد حكم امسه استتابة املرتد، إنما هو حماولة توفيقية بني والنتيجة النهائية أنه ال ي

فاإلسالم يأمرنا بدعوة املرتدين والكافرين إىل دخول اإلسالم وجمادلتهم باحلسىن . النصوص

59

مرتدين كانوا أم كافرين ،إلزالة ما شاب فكرهم من شوائب، كما يأمرنا مبحاربة املعتدين .أصال

لى الجهادعالقة قتل المرتد بالباعث عسبق أن ذكرنا احتجاج ابن حزم بوجوب قتل املرتد مباشرة ومن دون استتابة، من

ذات خالل قوله إن االستتابة الدائمة تتضمن إلغاء اجلهاد، لذا ال بد من ذكر بعض القواعد :، لكن من دون التفصيل فيها، وهيمبوضوع قتل املرتدالصلة املباشرة

ن احلرب حالة طارئة سببها ردإلمني بغريهم السلم، و عالقة املس إن األصل يف-1 .عدوان املعتدين، والدفاع عن املستضعفني

اجلهاد يف اإلسالم هي احلراب، وليس الكفر، واملعىن أننا نقاتل الكافرين علة إن -2 .ألم يقاتلوننا، ال ألم كافرون

ارسي والرومي، وضد إن الفتوحات اإلسالمية كانت دفاعية ضد العدوان الف-3ولو كانت دولتا الروم والفرس تقومان " ختطيط تلك الدول الستئصال الدولة املسلمة الوليدة

107"على مبادئ احلرية والعدالة وضمان احلقوق اإلنسانية ما قامت بيننا وبينهما حروب

هل يف قتل املرتد حكمة؟م منهج حياة اإلسال: "يقول سيد سابق حماوال أن يبني حكمة قتل املرتد

ومن دخل فيه ) …(وهو مبين على العقل واملنطق، وقائم على الدليل والربهان)…(متكاملعرف حقيقته، وذاق حالوته؛ فإذا خرج منه وارتد عنه بعد دخوله فيه وإدراكه له؛ كان يف

لفطرة الواقع خارجا عن احلق واملنطق، ومتنكرا للدليل والربهان، وحائدا عن العقل السليم، وا .املستقيمة

واإلنسان حني يصل إىل هذا املستوى يكون قد ارتد إىل أقصى دركات االحنطاط، ومثل هذا اإلنسان ال ينبغي احملافظة على حياته، وال . ووصل إىل الغاية من االحندار واهلبوط

."احلرص على بقائه؛ ألن حياته ليست هلا غاية كرمية، وال مقصد نبيل

19-18، ص2م، ط1999هـ1420دار القلم، : الغزايل، حممد، جهاد الدعوة، دمشق107

60

:حكمة أخرى أو مربرا آخر، فيقولمث يضيف سيد سابق ومن جانب آخر، فإن اإلسالم كمنهج عام للحياة ونظام شامل للسلوك اإلنسان ال "

غىن له من سياج حيميه ودرع يقيه؛ فإن أي نظام ال قيام له إال باحلماية والوقاية واحلفاظ عليه النظام ووقايته من منع من كل ما يهز أركانه، ويزعزع بنيانه، وال شيء أقوى يف محاية

.اخلارجني عليه، ألن اخلروج عليه يهدد كيانه ويعرضه للسقوط والتداعيوالثورة عليه ليس هلا من . إن اخلروج على اإلسالم واالرتداد عنه إمنا هو ثورة عليه

ي اتفقت عليه القوانني الوضعية فيمن خرج على نظام الدولة وأوضاعها ذجزاء إال اجلزاء ال .رةاملقر

إن أي إنسان سواء كان يف الدولة الشيوعية أو الدولة الرأمسالية إذا خرج على نظام "فاإلسالم يف تقرير . الدولة فإنه يتهم باخليانة العظمى لبالده، واخليانة العظمى جزاؤها اإلعدام

108"عقوبة اإلعدام منطقي مع نفسه ومتالق مع غريه من النظمتعاقب الشريعة على الردة بالقتل؛ ألا تقع ضد الدين : "ويقول عبد القادر عودة

اإلسالمي، وعليه يقوم النظام االجتماعي للجماعة، فالتساهل يف هذه اجلرمية يؤدي إىل زعزعة هذا النظام، ومن مث عوقب عليها بأشد العقوبات استئصاال للمجرم من اتمع،

) …(ى للجرمية وزجرا عنها من ناحية أخرومحاية للنظام االجتماعي من ناحية، ومنعا وأكثر دول اليوم حتمي نظامها االجتماعي بأشد العقوبات تفرضها على من خيرج على هذا

فالقوانني الوضعية اليوم تعاقب على اإلخالل بالنظام ) …(النظام، أو حياول هدمه أو إضعافه 109.نظام االجتماعي اإلسالمياالجتماعي بنفس العقوبة اليت و ضعتها الشريعة حلماية ال

املرتد مناقشة احلكمة يف قتل هل الردة جرمية خملة بالنظام االجتماعي ودد سالمة اتمع وأمنه واستقراره؟

410-409ص2 سابق، فقه السنة، ج108 662ص1، ج14م، ط1997هـ1418مؤسسة الرسالة، : عودة، عبد القادر، التشريع اجلنائي اإلسالمي، بريوت109

61

إذا كان هذا صحيحا فما هو حكم مواطين الدولة اإلسالمية من غري املسلمني؟ وما نصراين أو يهودي األصل؟الفرق بني أن يتنصر مسلم أو يتهود وبني أن يكون هناك

.باستثناء احملارب منهما. فإما أما خائنان خيانة عظمى معا، أو ال أحد منهمااخلارج (وبالنسبة إىل ما قاله سيد سابق، فإنه ال ميكننا أن جند دليال شرعيا يبيح قتل

، )طرة املستقيمةعن احلق واملنطق، واملتنكر للدليل والربهان، واحلائد عن العقل السليم، والف .ولو حصل لوجب قتل غري املسلمني من أهل الذمة وغريهم

ذلك أنه جيب التفريق بني ، فهذا ليس دقيقاأما أن اخلروج عن اإلسالم هو ثورة عليه،الم تعين التمرد على أحكامه ى اإلسفالثورة عل. اخلروج من اإلسالم، واخلروج على اإلسالم

إن اخلروج . فهو شيء آخرأما اخلروج من اإلسالم . هذه الدنياوهذا عليه عقاب يفالعامة، جيب -أي دولة-ففي الدولة.. تلف عن الثورة على نظام الدولة و أوضاعها املقررةمن دين خي

منع أي شخص من التمرد على أنظمتها، وإال عوقب على ذلك، أما من ال يطيع أوامر دين ولو كانت عدم طاعة . باحلكمة واملوعظة احلسنة لذلك معين، فهذا ينصح بطاعتها ويدعى

ا، وحيث إن الفقهاء حيتجون بقوله تعاىل دين توجب القتل لوجب قتل غري املسلمني مجيع. وا باآلية ذاا يف املرتد غري احملارب يف منع قتلهم واضطهادهم، فليحتج﴾ال إكراه يف الدين﴿

فإن هذا ليس على إطالقه، فهناك من النظام، وأما إن قصد سيد سابق بالثورة الثورة على أما .هو ما نسميه املرتد غري احملاربيرتد ويبقى حمافظا على حبه لبلده وأهله وإخالصه هلم، و

.املرتد املتمرد على النظام فيعاقب على مترده وليس على جمرد ردتهيتالقى أو أن خيالف القوانني أما بالنسبة إىل النقطة الثانية، فإن اإلسالم ال يهمه أن

الوضعية، فاحلكم الوضعي من وضع البشر القاصرين، أما حكم اهللا ففيه العدل كله، مث إنه أخطأ حني ادعى أن اإلسالم اتفق مع القوانني الوضعية يف هذا احلكم؛ فالقانون الوضعي ميز

تعد خطرا على األمن واجلرائم اليت-اليت تتضمن حرية تغيري الدين–بني حرية االعتقاد .االجتماعي واستقرار اتمع، كالسرقة والقتل والقذف والتجسس لصاحل العدو

62

وحيث إن وجود أديان أخرى داخل الدولة املسلمة ال يشكل خطرا على اتمع املسلم، فإن وجود مرتدين إىل هذه األديان أو غريها لن خيتلف، بل إن يف منعهم أضرارا

.يناهاعديدة بأشد مبئات املرات من فتنة ) بغاة(إن الفتنة اليت يسببها احملاربون حىت لو كانوا مسلمني

الردة حىت يف أضعف أحواله؛ وها إن اتمع اإلسالمي مل يعان مرض. رجل ارتد هنا أو هناكلعامل تنطلق وسط القهر واالحتالل والفقر والتخلف الذي يعيشه ا)الصحوة اإلسالمية(هي

وها هم نصارى أوروبا يدخلون يف دين اإلسالم أفواجا، وال جند مقابلهم إال . اإلسالمي .بعض املنتفعني من املسلمني يرتدون إىل النصرانية

والشريعة اإلسالمية هي أول : "والعجيب أن عبد القادر عودة قال يف الكتاب ذاتهحلرية ومحايتها إىل آخر احلدود، فلكل شريعة أباحت حرية االعتقاد وعملت على صيانة هذه ا

إنسان طبقا للشريعة اإلسالمية أن يعتنق من العقائد ما شاء، وليس ألحد أن حيمله على ترك 110"عقيدته أو اعتناق غريها أو منعه من إظهار عقيدته

ال ﴿واقرأ إن شئت هذه املعاين صرحية واضحة يف قوله تعاىل : "مث استدل بالقرآن قائالينإكرفي الد وقوله تعاىل .﴾اه ﴿ تا أفأنميعج ض كلـهمفي األر نم نآلم كباء رش لوو

مننيؤوا مكونى يتح اسالن كرهوقوله تعاىل 111.﴾ت ﴿ ذكرم تا أنمإن فذكر * همليع تلس .113﴾ا على الرسول إال البالغ المبنيوم﴿وقوله تعاىل 112.﴾بمسيطر

على عدم اإلكراه وعلى صرحية واضحةفهل هذه اآليات اليت وصفها بأن فيها معاينم فيه؟ مث إذا كان املرتد يكره على لكت خمصصة حبديث مداره على شخص م،حرية االعتقاد

عتقاد، فمحك حرية االعتقاد هو السماح ملن الدين فال داعي للقول إن اإلسالم أباح حرية االشاء أن يترك الدين بتركه من دون عقوبة على جمرد الترك، وحيث إن عبد القادر عودة ال

.يقول بذلك، فإن قوله إن الشريعة اإلسالمية أباحت حرية االعتقاد قول ليس يف حمله

31 املرجع السابق، ص110 55: النور111 23-22: الغاشية112 19: العنكبوت113

63

هل استفاد اإلسالم واملسلمون من تطبيق حكم قتل املرتد؟ جيهل أحد أن تارخينا اإلسالمي حيوي بعض النقاط املظلمة، وال يعود هذا إال إىل ال

أما الدين ذاته فال يشك مسلم يف أنه صاحل لكل زمان . التطبيق اخلاطئ أو إىل فهم باطل .ومكان وإنسان، بل أصبح يعرف هذه احلقيقة بعض دارسيه من غري املسلمني

ومع . عارك الداخلية اليت كانت تنشب بني الفينة والفينةومن النقاط غري املضيئة تلك امل لعب يدق السياسة والتنازع على احلكم، بيد أن اخلالف العأن الدافع األكرب وراءها كان

كان أثرا ال يحمد للمفهوم غري الدقيق لقتل املرتد، فمحنة ذلكوال شك أن. دورا ال ينكرعتزيل، واضطهاد املتوكل للمعتزلة، واملعارك بني السنة والشيعة اإلمام أمحد على يد اخلليفة امل

يف بغداد، وبني مذاهب أهل السنة، واحلكم بالسجن على ابن تيمية وموته داخل سجنه، .ة عن القمع الفكريمجوغري ذلك من القصص، تعطي صورة بارزة حلجم اخلسارة النا

يه على مجيع املسلمني أن أمرا يفرض ف) هـ217(م832أصدر املأمون يف عام "يعتقدوا بأن القرآن قد خلق يف وقت بعينه، وأتبع هذا بأمر آخر يقضي بأال يعين قاضيا يف

وصدرت بعد هذين . احملاكم من ال يعلن قبوله هلذه العقيدة اجلديدة، أو أن تقبل فيها شهادته النفس البشرية عن رؤية اهللا القرارين قرارات أخرى تحتم قبول عقيدة حرية اإلرادة، وعجز

رأي العني، وانتهى األمر بأن جعل رفض هذه العقائد من اجلرائم اليت يعاقب مرتكبها .114"باإلعدام

وكانت حمنة عامة للصوفية قتل : "كتب أمحد أمني عن حمنة الصوفية يف بغداد، فقالغالم (وقد حرك ) …(عليهم فيها عدد كبري منهم، اتهم فيها الصوفية بالزندقة وثارت العامة

، وسيق كثري منهم إىل السجون ا صوفيونف وسبعالعامة على الصوفية، وقتل منهم ني) اخلليل .115"كاجلنيد وسحنون

2000-199ص13، ج2، ط1964جامعة الدول العربية، : ديورانت، ول، قصة احلضارة، القاهرة114 69-68ص2، ج5، ط1969دار الكتاب العريب، : أمني، أمحد، ظهر اإلسالم، بريوت115

64

ويف سنة مثان وأربعمائة وقعت فتنة عظيمة بني أهل السنة والروافض ببغداد، قتل فيها " 116"خلق كثري من الفريقني

لة واضطهادهم ألهل السنة، فما لبث أن انقلب السحر على ومل تطل سيطرة املعتزواستتاب القادر باهللا اخلليفة فقهاء :"كتب ابن كثري. الساحر وذاقوا األمرين من اخللفاء اجلدد

."املعتزلة، فأظهروا الرجوع وتربئوا من االعتزال"نبس نته يف قتل املعتزلة وامتثل حممود بن سبكتكني أمر أمري املؤمنني يف ذلك، واست

."والرافضة والقرامطة واجلهمية واملشبهة وصلبهمويف سنة تسع وأربعمائة قرئ بدار اخلالفة يف املوكب كتاب يف مذهب أهل السنة، " .117"إن من قال القرآن خملوق فهو كافر حالل الدم: وفيه

ين يسبون أوال يستحق املعتزلة القتل؟ أوال يستحق الروافض الذ: لكن قد يقال الصحابة ليل ار القتل؟ وقل مثل ذلك بالنسبة إىل املشبهة واجلهمية؟

إن يف هذا التفكري مصيبة املصائب؛ فإن هذه املسميات فضفاضة جدا، وما : أقولولن أحتدث اآلن عن العباسيني، بل ال . أسهل أن يتهم إنسان بأنه معتزيل أو رافضي أو مشبه

الغزايل بأنه معتزيل، ااقعنا املعاصر، فالسلفيون يتهمون الشيخ حممدبد من ضرب أمثلة من و. أو عارضت العقل-فهمهحسب - األحاديث اليت عارضت القرآن سبب إنكاره بعضل

وقد اتفق . حزب التحرير التهمة ذاا من قبل السلفيني، ألنه قال حبرية اإلرادةويتهمعبد اهللا احلبشي التحرير لقوله بذلك، حيث ألف أبو السلفيون واألحباش على مهامجة حزب

التحرير ينسى حزبقلماو. "الرد على مفاسد التحريريةالغارة اإلميانية يف ": كتابا بعنوان القرضاوي يف أي عدد من جملة الوعي، واموه بأنه أباح الربا، ومعلوم أن إباحة مهامجة

فحدث وال حرج، فإم يكفروننا ) التكفري واهلجرة(ت أما مجاعا. الربا كفر ناقل عن امللة .مجيعا، وإذا أجاز بعضهم قتل املرتد من دون حماكمة ومن دون سلطان، فعلى دنيانا السالم

6ص12، ج2، ط1977مكتبة املعارف، : البداية والنهاية، بريوت ابن كثري، أبو الفداء،116 7ص12 ابن كثري، البداية والنهاية، ج117

65

، الى النقاط املشتركة وهي كثرية جدإن املطلوب من اجلماعات اإلسالمية أن تتالقى ع .الكنهم اعتادوا على توسيع اخلالفات وإبرازه

إقصاء القرآن، تشتد د العامل ضد اإلسالم واملسلمني، يريدحويف الوقت الذي يت وما -ويف الوقت الذي يبحث فيه الكافرون عن نقاط اتفاق بينهم. للمسلمنيمهامجة املسلمني

.ننا عن نقاط اختالف بييبحث كثري منا-أقلها بالكفر، وبأنه ال جيوز قتل املرتد إذا استطعنا أن نثبت أنه ال جيوز التكفري إال بالتصريح

غري احملارب حىت لو صرح بكفره، فإننا خنطو خطوات هامة حنو التقدم واالتفاق والوحدة، وننهض بأمتنا اإلسالمية اليت عانت األمرين من إغالق باب االجتهاد، والتقوقع على أقوال

.علماء اجتهدوا يف واقع خيتلف عن واقعنا

66

الخالصة .األئمة األربعة على قتل كل مرتد من الرجالاتفق -1 .قال األحناف بعدم جواز قتل املرتدة -2 . قتل املرتد عند اجلمهور هي الكفرعلة -3 . قتل املرتد عند األحناف هي احلرابةعلة -4 .مل يتفق العلماء على االستتابة من حيث الوجوب أو اجلواز أو املنع -5 .ل مدة االستتابةمل يتفق العلماء حو -6 عقوبة دنيوية للمرتد رغم ذكره للمرتدين وعقوبتهم يف ةمل يذكر القرآن الكرمي أي -7 .اآلخرة

. واحدامرتدا قتل صلى اهللا عليه وسلممل يرد يف السرية أن الرسول -8 . حديث يوجب قتل كل مرتد صلى اهللا عليه وسلممل يصح عن الرسول -9

. ترك قتل عدد من املرتدينلى اهللا عليه وسلم صثبت أن الرسول -1011- ه ال إكراه يف الدين يف آيات عديدةينص القرآن بوضوح أن. .لقتل املرتد سلبيات وأضرار كثرية على اإلسالم واملسلمني -12 . السائد للردة وأحكامها هذا الفهمعاىن تارخينا اإلسالمي وال زال -13ن احلرية الدينية، بل إن اخلوف هو على األديان ال خوف على اإلسالم م -14

.واألفكار الباطلة

67

المراجع

1، ط1990أمحد، طاهر، القتل باسم الدين، الشركة اإلسالمية، .1 5، ط1969دار الكتاب العريب، : أمني، أمحد، ظهر اإلسالم، بريوت .2، دار الكتاب العريب: ابن األثري، أبو احلسن، الكامل يف التاريخ، بريوت .3 2م، ط1967هـ1378ابن اهلمام، اإلمام كمال الدين، شرح فتح القدير، شركة البايب احلليب، .4 1م، ط1970 ط.ت، د.دار اجليل، حتقيق جلنة التراث العريب، د: ابن حزم، احمللى، بريوت .5

، 2دار احلديث، ط: القاهرةابن حزم، اإلحكام يف أصول األحكام، .6 .م1992.هـ1413دار : ، بريوت..)كتاب العرب(رمحن، تاريخ ابن خلدونابن خلدون، عبد ال .7

ط.م، د1981الكتاب اللبناين، ط.، د1994دار الفكر، : ابن قدامة، موفق الدين، املغين، بريوت .8، 1977مكتبة املعارف، : ابن كثري، أبو الفداء، البداية والنهاية، بريوت .9

2طريب، دار إحياء التراث الع: ابن منظور، لسان العرب، بريوت .10 1م، ط1995هـ1416الرباك، عبد امللك، ردود على أباطيل وشبهات حول اجلهاد، النور لإلعالم .11

1م، ط1997هـ1418اإلسالمي، كيف نفهمه وكيف منارسه، دار الفكر، ..البوطي، حممد، اجلهاد .12 2م، ط1997هـ1418

68

ت، .عامل الكتب، د: الدارقطين، علي بن عمر، سنن الدارقطين، بريوت .13 ط.د

هـ، 1374ذهيب، مشس الدين، تذكرة احلفاظ، دار إحياء التراث العريب، ال .14 ط.د

دار املعرفة، : السرخسي، مشس الدين، املبسوط، بريوت .15 3م، ط1978هـ1398السيوطي، عبد الرمحن جالل الدين، الدر املنثور يف التفسري باملأثور، دار .16 ط.هـ، د1414م 1993الفكر، ت، . الدينية يف اإلسالم، دار الفكر العريب، دالصعيدي، عبد املتعال، احلرية .17

2طدار : ، مصر)تاريخ امللوك واألمم(الطربي، حممد بن جرير، تاريخ الطربي .18

ط.ت، د.املعارف، دالعسقالين، ابن حجر، ذيب التهذيب، حيدر آباد الدكن، جملس دائرة .19

1هـ، ط1326املعارف النظامية، مطبعة : ح صحيح البخاري، مصرالعيين، بدر الدين، عمدة القاري شر .20

ط.، د1972البايب احلليب، 2م، ط1999هـ1420دار القلم، : الغزايل، حممد، جهاد الدعوة، دمشق .21دار الريان للتراث، : الغزايل، حممد، فقه السرية، القاهرة .22 1م، ط1987هـ1407مطبعة البايب احلليب، : املرغيناين، علي، اهلداية شرح بداية املبتدي، مصر .23

ط.ت، د.د

69

، 1964جامعة الدول العربية، : ديورانت، ول، قصة احلضارة، القاهرة .24 2ط

8م، ط1987دار الكتاب العريب، : سابق، سيد، فقه السنة، بريوت .25، 1968دار الشروق، : شلتوت، حممود، اإلسالم عقيدة وشريعة، القاهرة .26

4طجلديدة، دار الثقافة ا: عمارة، حممد، اإلسالم واحلروب الدينية، القاهرة .27 ط.م، د1996مؤسسة الرسالة، : عودة، عبد القادر، التشريع اجلنائي اإلسالمي، بريوت .28 ط.، د1997هـ1418، 1994هـ1414مزروعة، حممد، أحكام الردة واملرتدين، املطبعة الفنية، .29

1طموسوعة احلديث الشريف، شركة صخر لربامج احلاسب، اإلصدار األول، .30صحيح البخاري وصحيح مسلم : وعة الكتب التسعة، وتضم هذه املوس1991-1996

وسنن الترمذي وسنن النسائي وسنن أيب داود وسنن ابن ماجة ومسند أمحد وموطأ مالك .وسنن الدارمي

دار البحوث : هارون، عبد السالم، ذيب سرية ابن هشام، الكويت .31 5،ط1977هـ1397العلمية،