100
ﺍﻷﻣﺔ ﻛﺘﺐ ﺳﻠﺴﻠﺔ« ﺍﻟﺸﻮﻛﺎ ﳕﻮﺫﺝ ﺍﻟﻔﻘﻬﻲ ﺍﳌﻨﻬﺞ ﲡﺪﻳﺪ ﻣﻌﺎﱂ« ﻣﻘﺪﻣﺔ» ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻭﺑﻌﺪ؛ ﺃﲨﻌﲔ، ﻭﺻﺤﺒﻪ ﺁﻟﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﻠﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﳏﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺍﻟﺼﻼﺓ ﺍﳊﻤﺪ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻳً ﻓﻘﻬﺎ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎﻥ ﻭﺍﺯﺩﻫﺎﺭ ﳕﻮ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻋﺮﻑ ﻟﻘﺪ ﺃﺻﻮﳍﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻮﻡً ﺣﻴﺎً ﻭﺍﻗﻌﻴﺎً) ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ( ﺑﻌ ﻭﺳﻠﺒﺘﻪ ﺍﻟﻔﻘﻬﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰﺮﺕّ ﺃﺛ ﻛﺜﲑﺓ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻇﻬﺮﺕ ﻭﻟﻜﻦﻮﺍﺯﻟﻪ، ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﳎﺮﻳﺎﺕ ﻳﻌﺎﰿ ﲟﺎ ﻭﺻﻴﺎﻏﺘﻬﺎ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﻟﻠﻤﺘﻐﻴﹼﺮﺍﺕ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﺗﺸﺮﻳﻌﻲﻈﺎﻡ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺗﺎﺭﳜﻪ. ﻋﻠﻰ ﻭﺍﳌﻌﺎﻣﻼﺕ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﻓﻘﻪ ﺇﺛﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰّ ﺗﻀﺨ ﻭﻋﻠﻤﻴﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﳜﻴﺔ ﺃﺩﻭﺍﺭﻩ ﺑﻌﺾ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﺎﻟﻔﻘﻪ ﺃﺣﺎﻃﺖ ﻓﻘﺪ ﺴﺎﺏ ﻭﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻓﺄﺻﺒﺢ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ، ﺍﳌﻨﻈﻮﻣﺔ ﺗﺮﻛﻴﺒﺔ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺗﻠﻚ ﺑﻔﻌﻞ ﺗﻐﻴﹼﺮﺕ ﻛﻤﺎ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻓﻘﻪ ﺳﺘ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻷﻣﺮ ﺜﻨﺎﺀ،ﺘﺎﺝ ﻭﺍﻹ ﺍﳌﻨﻬﺞ ﻣﺴـﺘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻘﻬﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﺒﻴﺔً ﺁﺛﺎﺭﺍ ﺗﺮﻙ. ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺑﻨﺼﻮﺹﺒﺪﻟﺖُ ﺍﺳﺘ ﻓﻘﺪ ﺍﳌﻨﻬﺞ ﺃﻣﺎ- ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ- ﺑﺘﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﺍﻋﺘﻨﻰ ﻛﻤﺎ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﲔ، ﻭﺍﻻﺳﺘﺪﻻﻝ ﺍﻻﺳﺘﻨﺒﺎﻁﺘﻬﺪﻳﻦ ﺍﻷﺋﻤﺔﺼﻮﺹ ﺗﻨ ﺑﻘﻮﺍﻋﺪ ﻋﻨﺎﻳﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮﺮﺩﺓ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺎﳊﻴﺎﺓ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺻﻠﺔ ﻣﺎ ﺣﺪ ﺇﱃ ﻓﻀﻤﺮﺕ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ، ﻋﻠﻰ ـﺰﻳﻠﻬﺎ. ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﻮﻗﻒ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻔﻘﻬﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﺷﺘﻐﻞ ﻓﻘﺪﺘﺎﺝ، ﺍﻹ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺎ- ﺍﻷﻋﻢ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ- ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺇﱃ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﻭﻻ ﺍﳌﺘﻮﻥ، ﻣﻊ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﺗﻌﻠﻴﻤﻲﺘﺎﺝ ﺑﺈ ﺍﳊﻀﺎﺭﻱ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻭﻣﺘﻄﻠﺒﺎﺕ ﺃﺑﻨﺎﺋﻬﺎ، ﻭﺣﺎﺟﺎﺕ ﺍﻷﻣﺔ،. ﻟﻜﻦ ﻭﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﳉﻤﻮﺩ ﻋﺼﺮ ﺍﻣﺘﺪﺍﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻠﻰ- ﺍﳊﺪﻳﺜﺔ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﻋﺼﺮ ﺇﱃ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﻣﻦ- ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﺍﳌﺪﺓ ﻫﺬﻩ ﻓـﻲ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻓﺈﻥ ﻋﺎﻳ ﻛﻤﺎ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤـﺎﻋﻲ، ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﳔﺮﻁ ﺍﻟﺬﻱﻲ، ﺍﻟﺸﻮﻛﺎ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﳏﻤﺪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﺮﺯﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﳋﻂ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺜﻨﺎﺓ ﳕﺎﺫﺝ ﻳﻌﺪﻡ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻛﺜﺐ ﻋﻦ ﺍﳌﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺘﺒﻪً ﺟﻠﻴﺎ ﻇﻬﺮً ﺛﺮﻳﺎً ﻓﻘﻬﻴﺎً ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍ ﻛﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﻭﺃﲦﺮ ﺩﺭﺳﻪ، ﻓـﻲ ﻭﺗﻌﻤﻖ ﻭﺍﻟﻌﻘﺪﻱ، ﺍﻟﺜﻘﺎﰲ. ﺍﻟﱵ ﻭﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ ﺍﳌﻌﺮﻓﻴﺔ ﻟﻠﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﲡﺎﻭﺯﻩ ﻭﻣﺪﻯ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ، ﺭﺻﻴﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﺮﻑ ﺣﺎﻭﻟﻮﺍ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﲔ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺜﲑ ﺍﻟﺸﻮﻛﺎ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺟﻠﺒﺖ ﻭﻟﻘﺪ ﻛﺎ ﻋﺼ ﺳﺎﺋﺪﺓ ﺮﻩ. ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﲔ، ﻗﺒﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻼﺯﻡ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﻳﻠﻖ ﻭﺍﻷﺻﻮﻝ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺟﺎ ﻟﻜﻦ ﻓﻜﺮﻩ، ﻣﻦ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﳎﺎﻻﺕ ﲤﺤﻮﺭﺕ ﳚﺪﻫﺎ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﻭﺍﳌﺘﺄﻣﻞ ﻳﻼﺣﻆ ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ، ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪﻱ ﻭﻣﻨﻬﺠﻪ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ ﺍﻟﺸﻮﻛﺎ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﺳﺘﺨﺮﺍﺝ ﺇﱃ ﺍﳍﺎﺩﻓﺔ ﺍﻻﺳﺘﺠﻼﺋﻴﺔ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﳌﻨﻬﺞ ﲡﺪﻳﺪ ﺃﻥ ﻹﺣﺪﺍﺛﻬﺎ ﺳﻌﻰ ﺍﻟﱵ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻗﺎﺩﻫﺎ ﺍﻟﱵ ﺍﻹﺻﻼﺣﻴﺔ ﺍﳊﺮﻛﺔ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﻘﻬﻲ.

سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

  • Upload
    dody

  • View
    39

  • Download
    5

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

« مقدمة» معامل جتديد املنهج الفقهي منوذج الشوكا�ي » سلسلة كتب األمة

مقدمة

احلمد هلل والصالة والسالم على حممد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وعلى آله وصحبه أمجعني، وبعد؛

القرآن (ا واقعيا حيا يقوم على استنباط األحكام من أصوهلا لقد عرف تاريخ الفقه اإلسالمي مراحل منو وازدهار كان فيها الفقه اإلسالمي فقها اجتهاديض مراحل وصياغتها مبا يعاجل جمريات الواقع و�وازله، ولكن ظهرت يف تاريخ التشريع اإلسالمي عوامل كثرية أثرت على العقل الفقهي وسلبته يف بع) والسنة

. تارخيه القدرة على تقديم �ظام تشريعي يستجيب للمتغيرات

ساب فقد أحاطت بالفقه اإلسالمي يف بعض أدواره التارخيية عوامل سياسية واجتماعية وعلمية تضخم على إثرها فقه العبادات واملعامالت على حثناء، األمر الذي ستفقه السياسة واالقتصاد والعالقات الدولية، كما تغيرت بفعل تلك العوامل تركيبة املنظومة الفقهية، فأصبح التقليد قاعدة واالجتهاد ا

. ترك آثارا سلبية على العقل الفقهي على مسـتوى املنهج واإل�تاج

�صوص األئمة اجملتهدين يف االستنباط واالستدالل الفقهيني، كما اعتنى الفقهاء بتقرير - الكتاب والسنة-أما املنهج فقد استبدلت بنصوص الشريعة . ـزيلها على الواقع، فضمرت إىل حد ما صلة الفقه باحلياة العامةاألحكام اجملردة أكثر من عنايتهم بقواعد تن

بإ�تاج تعليمي يتعامل مع املتون، وال يلتفت إىل قضايا - يف الغالب األعم-أما على مستوى اإل�تاج، فقد اشتغل العقل الفقهي بعد توقف حركة االجتهاد . األمة، وحاجات أبنائها، ومتطلبات وجودها احلضاري

فإن تاريخ الفقه فـي هذه املدة الطويلة مل -من منتصف القرن الرابع إىل عصر النهضة الفقهية احلديثة- لى الرغم من امتداد عصر اجلمود والتقليد لكن عن عن كثب الواقع يعدم مناذج مستثناة من اخلط العام من أبرزها اإلمام حممد بن علي الشوكا�ي، الذي اخنرط يف الواقع السياسي واالجتمـاعي، كما عاي

. الثقايف والعقدي، وتعمق فـي درسه، وأمثر ذلك كله اجتهادا فقهيا ثريا ظهر جليا يف كتبه املختلفة

كا�ت ولقد جلبت شخصية الشوكا�ي الكثري من الباحثني الذين حاولوا التعرف على رصيده العلمي، ومدى جتاوزه للمنظومة املعرفية والفقهية اليت . رهسائدة يف عص

إذ يالحظ واملتأمل يف هذه الدراسات جيدها متحورت يف جماالت عديدة من فكره، لكن جا�ب الفقه واألصول مل يلق االهتمام الالزم من قبل الباحثني،أن جتديد املنهج غياب الدراسة االستجالئية اهلادفة إىل استخراج منظومة الشوكا�ي الفقهية ومنهجه التجديدي يف الفقه اإلسالمي، على الرغم من

. الفقهي كان منطلق احلركة اإلصالحية اليت قادها والثورة الفقهية اليت سعى إلحداثها

Page 2: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

نهج وما دامت أزمة املنهج يف الدراسات الفقهية حاضرة، والدعوة إىل جتاوزها قائمة، فإن هذا البحث سيحدد مدى جناح الشوكا�ي يف جتديد املدة العقل الفقهي احلديث من هذا النموذج التجديدي، إلحداث �قلة �وعية يف الدراسات الفقهية احلديثة، من حيث الفقهي، وسيناقش إمكا�ية استفا

. املنهج واملوضوع أو على األقل من أبعاد التجربة الشوكا�ية

: وعليه، يقرتح البحث احملددات املنهجية للتجديد الفقهي املعاصر، اليت هتدف يف عمومها إىل ما يلي

. إعادة بعث وإحياء الفقه اإلسالمي ليكون أحد ركائز البناء احلضاري اإلسالمي املنشود -

مع بني إبراز منهج جتديد الفقه اإلسالمي عند أحد علماء القرن الثالث عشر اهلجري، اإلمام حممد بن علي الشوكا�ي، باعتباره ميثل حلقة مهمة جت - . عصر املتقدمني واملعاصرين

. ج اإلمام الشوكا�ي التجديدي من خالل إطاره التارخيي وواقع الفقه اإلسالمي املعاصرتقويم منه -

. دراسة إشكالية جتديد الفقه اإلسالمي دراسة حتاول تقصي أهم عناصر املنظومة الفقهية التجديدية -

منهج التعامل مع الرتاث الفقهي، جتديد املنهج : ه اإلسالمي مثلدراسة وحتليل بعض اإلشكاليات العلمية واملنهجية اليت تثريها الدعوة إىل جتديد الفق - . األصويل

املنهج التارخيي لتحديد اإلطار الذي حكم منهج الشوكا�ي ولبيان اخللفية التارخيية لواقع الفقه اإلسالمي : وللوصول إىل هذه األهداف فإ�ه سيتم اعتماداملتعلقة بإشكالية البحث؛ واملنهج التحليلي لشرح أهم معامل املنهج الفقهي عند الشوكا�ي وتفصيل املعاصر؛ واملنهج االستقرائي جلمع وتقصي املادة

لفقهية باإلطار مكو�ات املنظومة الفقهية التجديدية املعاصرة؛ واملنهج املقارن ملقار�ة اإلطار التارخيي واملعريف الذي ظهرت فيه منظومة الشوكا�ي ا . ر، مما يثري تصورا موضوعيا وواقعيا ملنهج فقهي معاصرالتارخيي واملعريف املعاص

: وقد حظيت إشكالية البحث الرئيسة بدراسات عدة ميكن حصرها إمجاال يف �وعني رئيسني

يتعلق بتجديد الفقه اإلسالمي عموما، وقد عد اإلمام الشوكا�ي يف بعضها أحد أمثلة هذا التجديد؛ : النوع األول

. تعلق بشخص اإلمام الشوكا�يي: النوع الثا�ي

: دراسات حول جتديد الفقه اإلسالمي: أوالعرضية عند أما الدراسات اليت تناولت جتديد الفقه اإلسالمي، فقد اتسمت إمجاال بالعموم واجلزئية، فمعظمها يتعرض لتجديد الفقه اإلسالمي بصورة

أصول الفقه، وضرورة تطوير العلوم الشرعية على وجه اخلصوص، والقليل الذي قدم دراسة احلديث عن جتـديد الفكر اإلسـالمي عموما، أو عن جتديد : ومن هذه الدراسات. مستقلة يف املوضوع ركز يف الغالب على الدراسة الوصفية التحليلية لواقع الفقه اإلسالمي أكثر من تركيزه على معامل جتديده

Page 3: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

للدكتور حممد كمال إمام، قدم فيه عرضا تارخييا حتليليا ألزمة املنهج يف الفقه اإلسالمي ]) ١"([\ة املعاصرةأزمة املنهج يف الدراسات الفقهي"\: حبث - : املعاصر اليت من مظاهرها

. استبعاد التشريع اإلسالمي عن التطبيق - أ

. ابتعاد الفقه اإلسالمي عن احلياة - ب

. تقنني أحكام الشريعة: فتح باب االجتهاد؛ ثا�يا: أوال: ه األزمة مقرتحا خمرجنيوقد حاول بعد عرض هذه املظاهر بيان سبل اجتياز هذ

، تناول فيه إشكالية جتديد ])٢"([\حنو منهج أصويل: قضايا التجديد"\: يف كتابه" \التجديد الفقهي"\حبث الدكتور حسن الرتابي حول موضوع -مد يف االستنباط الفقهي، فقد استخلص الدكتور املربرات التارخيية والعلمية والواقعية لتجديد املنهج أصول الفقه، وملا كان علم األصول هو املنهج املعت

. األصويل من خالل قراءة حتليلية �قدية يف الرتاث الفقهي

ه موضوعات ذات صلة الذي تناول في]) ٣"([\شريعة اإلسالم، خلودها وصالحها للتطبيق يف كل زمان ومكان"\كتاب الدكتور يوسف القرضاوي -، حيث أكد على ضرورة االجتهاد، وبين أن املقـصود باالجـتهاد "\الشريعة اخلالدة وأوضاعها املتجددة"\مباشرة بالفقه اإلسالمي، السيما يف فصل

: هو

دكتور بعض القواعد اليت توظف يف النظر إىل وهنا حدد ال.. النظر يف تراثنا الفقهي الختيار أرجح األقوال فيها وأليقها بتحقيق مقاصد الشريعة: أوال . الرتاث الفقهي

وهنا أيضا بين بعض قواعد النظر يف النصوص، وحتريرها .. العودة إىل النصوص الثابتة، والتفقه فيها، يف ضوء املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية: ثا�يا . من التفسريات الزمنية واملوضعية

. د يف القضايا املستجدةضرورة االجتها: ثالثا

، وقد بسط فيه آفاق الفقه اإلسالمي من حيث املصدر واملوضوع، مبينا ])٤"([\الفقه اإلسالمي آفاقه وتطوره"\: كتاب الدكتور عباس حسين حممد -االجتماعية، : ورة لنظم احلياة املختلفةأن امتالك الشريعة اإلسالمية ملبادئ عامة يف شتى جوا�ب احلياة ميكن الفقه اإلسالمي من صياغة أشكال متط

. اخل…السياسية، االقتصادية

. كما أكد الكاتب يف موضوع تطور الفقه اإلسالمي وجوب تنظيم وتقنني أحكام الفقه، واستخراج النظريات الفقهية

للدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو " \اإلسالميمنهـج البحث فـي الفقه "\: ومن الكتب اليت تناولت بعض أجزاء إشكالية التجديد الفقهـي كتاب -وقد استهدف يف خطوط عريضة وبصفة موجزة إبراز خصائص البحث الفقهي و �قائصه الناشئة عن األساليب التقليدية املوروثة فـي ]) ٥([سليمان

. الدرس، والعرض، والتأليف، كاالعتمـاد على املختصرات، والنقل من غري املصادر األصلية

Page 4: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

. ناول الكتاب بإجياز منهجية كتابة البحث الفقهي من خالل بيان طريقة إعداد خطة البحث ومجع املادة العلمية والعرض املنهجي هلاكما ت

. وهذه الكتب والدراسات ستعني على فهم عمق إشكالية التجديد الفقهي ومن ثم بيان معامله وحمدداته املنهجية

: دراسات حول اإلمام الشوكا�ي: ثا�يا : لقد �الت شخصية اإلمام الشوكا�ي العلمية الكثري من الدراسات القيمة متحورت حول مخسة موضوعات رئيسة هي

. التفسري؛ احلديث؛ الرتبية؛ الفلسفة وعلم الكالم ؛ الفكر والفقه

وهي دراسة حتليلية ]). ٦"([\الشوكا�ي مفسرا اإلمام"\: م رسالة دكتوراه بعنوان١٩٨٠ففي التفسري قدم األستاذ حممد بن حسن أمحد الغماري عام ، وتعترب الرسالة حماولة جادة للكشف عن منهج الشوكا�ي يف التفسري، "\فتح القدير اجلامع بني فين الرواية والدراية من علم التفسري"\لكتاب الشوكا�ي

. وجتلية مدى التزامه بأصوله

، أبرز فيها جهود الشوكا�ي ])٧"([\الشوكا�ي وجهوده يف احلديث"\: املعاطي رسالة دكتوراه بعنوان ويف احلديث، قدم األستاذ عبد السالم مصطفى أبو . ، وعددا من رسائله"\الفوائد اجملموعة"\، "\إحتاف األكابر"\، "\�يل األوطار"\: يف علم احلديث من خالل الدراسة والتحليل لكتبه

اإلمام : م، �شرت بعنوان١٩٨٥سنة " \اآلراء الرتبوية عند اإلمام الشوكا�ي"\: لشرجي رسالة دكتوراه بعنوانويف الرتبية، قدم األستاذ عبد الغين قاسم ا، وقد أكد يف هذه الرسالة أمهية النظرية الرتبوية عند الشوكا�ي ، وبين األصول الدينية اليت استمدت منها، ووسائلها، ])٨([الشوكا�ي، حياته وفكره

. وأساليبها

تناول فيه مصادر املعرفة عند ]) ٩"([\سريته وفكره.. اإلمام الشوكا�ي"\: الفلسفة وعلم الكالم، فقد ألف الدكتور عادل حممد علي كتابهأما يف ءه الشوكا�ي، وموضوعاهتا، ومناهج البحث فيها، وأهدافها، رام من خالله اكتشاف �ظرية املعرفة عند الشوكا�ي، كما تناولت هذه الدراسة آرا

. المية والفلسفيةالك

: وهو يتكون من مقدمة وستة أقسام]).١٠"([\دراسة يف فقهه وفكره: اإلمام الشوكا�ي رائد عصره"\: كما ألف الدكتور حسن عبد اهلل العمري كتابيف علم أصول الفقه، وكتابه " \لإرشاد الفحو"\تناول يف القسم األول سرية الشوكا�ي، ويف القسم الثا�ي الشوكا�ي جمتهدا وفقيها، عرف فيه بكتابه

أما القسم الثالث فقد تناول فيه الشوكا�ي حمدثا، من خالل التعريف . يف الفقه، كما �اقش بعض القضايا اليت احتواها هذان الكتابان" \السـيل اجلرار"\وخصص القسم الرابع للكالم عن . رسائل أخرى، و"\در السحابة يف مناقب القرابة والصحابة"\، "\�يل األوطار"\: بأهم كتبه يف احلديث مثل

ويف القسم اخلامس تناول الشوكا�ي مؤرخا، حيث اهتم ". \فتح القدير"\الشوكا�ي مفسرا، حيث سلط الضوء على منهجه يف التفسري من خالل كتابه أما القسم السادس واألخري فقد تناول فيه الشوكا�ي ". \عالبدر الطالع مبحاسن من بعد القرن الساب"\ببيان منهجه يف كتابة التاريخ من خالل كتابه

". \أسالك اجلوهر"\: شاعرا وأديبا من خالل قراءة يف ديوا�ه

Page 5: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ل هذا البحث لقد تناولت هذه الكتب والرسائل جماالت عدة من فكر اإلمام الشوكا�ي، لكن جا�ب الفقه واألصول مل يلق منها االهتمام الالزم؛ لذا حياو . الثغرة بتسليط الضوء على منظومة الشوكا�ي الفقهية، ومنهجه التجديدي يف الفقه اإلسالميسد هذه

نهج وستساعد الكتب والرسائل سالفة الذكر يف الكشف عن شخصية الشوكا�ي العلمية املتكاملة، ويف اكتشاف دور معرفته املوسوعية يف جتديد امل .على مؤلفات اإلمام الشوكا�ي يف الفقه واألصول والتفسري واحلديث والرتبية والتعليملكن االعتماد سيكون بالدرجة األوىل . الفقهي

التعريف بالشوكا�ي وعصره : ث األولاملبح

: تعريف عام باإلمام الشوكا�ي: املطلب األول، فعرف �سبه ومولده ووطنه، كما خلص "\\\\\\\البدر الطالع مبحاسن من بعد القرن السابع"\\\\\\\لقد ترجم اإلمام الشوكا�ي لنفسه يف كتابه

. مية ودعوته اإلصالحيةاألحداث البارزة اليت ميزت حياته التعليمية والعل

هـ، ثالث وسبعني ومائة ١١٧٣ولد يف يوم اإلثنني من شهر ذي القعدة سنة ]). ١([فاإلمام الشوكا�ي هو حممد بن علي بن حممد بن عبد اهلل الشوكا�ي ]). ٣([، إحدى قبائل خوالن، بينها وبني صنعاء دون مسافة يوم])٢([وألف للهجرة، هبجرة شوكان

طور النشأة والطلب، وطور اإلفتاء والدرس، وطور القضاء : مجة اإلمام الشوكا�ي لنفسه يلحظ أن حياته قد اشتملت على أطوار ثالثةوالدارس لرت . واإل�تاج الفكري، وسيتم توضيح هذه األطوار وإبرازها من خالل املبحث الثا�ي

: اإلطار العام لعصر الشوكا�ي: املطلب الثا�يهـ، وقد امتاز عصره خبصائص وأحداث بارزة تفاعل معها الشوكا�ي، فأثر فيها وتأثر هبا، وعملت ١٢٥٠ـ١١٧٣فرتة املمتدة ما بني عاش الشوكا�ي يف ال

وقد تكو�ت على تكوين شخصيته العلمية اليت استطاعت أن تفيد، بل وتتجاوز بروحها التجديدية كثريا من جوا�ب املنظومة املعرفية والفقهية لزما�ه، : الشخصية من خالل تفاعلها مع اجلوا�ب اآلتية هذه

: احلياة السياسية - . والعاملي) اليمن(احمللي : اتسمت احلياة السياسية يف عصر اإلمام الشوكا�ي بعدم االستقرار، وكثرة الصراعات وذلك على املستويني

وقد ]). ٥)([م١٦٢٠ -هـ١٠٢٩ت])(٤([مثليـن يف أسـرة آل القاسم بن حممدلألئمة الزيديني امل) هـ١٠٤٥(ففي اليمن آل احلكم بعد اال�سحاب العثما�ي ، وابنه املنصور علي، حكم مـن )م١٧٧٥/هـ١١٨٩(إلـى ) م١٧٤٨/هـ١١٦١(املهدي عباس، حكم من : عاصر الشوكا�ي أربعة من األئمة وهم

، وابنه املهدي عبد اهلل الذي )م١٨١٦/هـ١٢٣١(إىل ) م١٨٠٩/هـ١٢٢٤(، وابنه املتوكل أمحد، حـكم مـن )م١٨٠٩/هـ١٢٢٣(إىل ) م١٧٧٥/هـ١١٨٩( ]). ٦)([م١٨٣٥/هـ١٢٥١(إىل ) م١٨١٦/ هـ١٢٣١(حكم من

. الداخلي واخلارجي: وقد شهدت احلياة السياسية يف حكم هؤالء األربعة صراعات حادة على املستويني

Page 6: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

كما خلد ]). ٧([لون بتدعيم سلطاهنم ملقاومة الطامعني يف اإلمامة من أقاربـهمفعلى املستوى الداخلي ظهر صراع أسري على اإلمامة جعل األئمة يشتغبتولية الوزراء ثم عزهلم -مثل املهدي عبد اهلل -واشتغل بعضهم اآلخر ]). ٨([بعضهم، مثل منصور علي، إىل الدعة، وإيكال أمـور الدولة إىل الوزراء

إذ أصبح هم الوزراء األول حتقيق مصلحتهم الشخصية، وعزل من دوهنم من العمال، وتدرجت ومصادرة أمواهلم، فاختلت أمور الدولة واحلكم، ]). ٩([الطريقة حتى وصل السلب والنهب إىل القاعدة الشعبية بطرق رمسية متعارفة

كا�ت مشكلة القبائل اليمنية إحدى «: رييقول حسني العم.. ومما ميز احلياة السياسية يف اليمن أيضا صراع النظام اإلمامي مع احلركات اإل�فصاليةو املناطق أعوص وأقدم املشاكل اليت كا�ت تواجهها أية حكومة مركزية يف صنعاء، وذلك مبا تثريه من عصيان ضـدها، أو اهلجوم على بعـض املـدن، أ

]). ١٠([»القريبة أو البعيدة عن العاصـمة اليت مل تسلم هي �فسها من احلصار أو النهب أو القتل

ض هذا إضافة إىل فساد مؤسسة القضاء السيما خارج العاصمة صنعاء بسبب تويل عدميي الكفاءة العلمية ملنصب القضاء، فا�تشرت الرشوة، وتعر ]). ١١([املنصب للبيع والشـراء، وأصبح أداة من أدوات تنفيذ املظامل والعون عليها

" \\\\\\\ميون"\\\\\\\غري كاملة على أجزائها، إذ استوىل اإلجنليز يف عهد املنصور على جزيرة أما على املستوى اخلارجي، فقد كا�ت سيادة اليمن ]). ١٢...([على مضيق باب املندب إثر احتالل �ابليون بو�ابرت ملصر" \\\\\\\بريم"\\\\\\\و

فالدولة العثما�ية كا�ت متر بأيامها . األقطار اإلسالمية والعامليةواجلدير باملالحظة، أن األحوال السياسية يف بالد اليمن مل تكن مبعزل عما جيري حوهلا يف منطقة األخرية بسبب وجود دول إسالمية مستقلة عنها، واستفحال الصراعات املذهبية، وتدخل الدول األوروبية، مثل هولندا وفر�سا وبريطا�يا، يف

. د اإلسالمية، والسيطرة على الطريق التجاري املؤدي إىل اهلند عرب املياه العربيةاخلليج العربي والبحر األبيض املتوسط هبدف هنب خريات البال

الشيخ حممد بن عبد أتباعواخلالصة أن العامل اإلسالمي يف هذا العصر شهد صراعات خمتلفة، داخلية كالصراع العثما�ي الصفوي، والصراع العثما�ي مع ومجيع هذه الصراعات مهدت . �ي املصري؛ وخارجية كالصراع اإلجنليزي املصري، والصراع العثما�ي الفر�سيالوهاب يف اجلزيرة العربية، والصراع العثما

]). ١٣([للغزو الصليبـي العسكري واالقتصادي الذي استهدف اقتسام البالد اإلسالمية

فقد . إلمام مل يكن بعيدا عن تلك األحداث، السيما احمللية منهاواجلدير بالذكر بعد هذا التلخيص املركز للحياة السياسية يف عصر اإلمام الشوكا�ي، أن اهـ منصب القضاء األكرب، واستمر فيه بقية حكم املنصور، ومن بعده ابنه املتوكل أمحد، وحفيده املهدي ١٢٠٩توىل يف عهد اإلمام منصور علي سنة

الذي " \\\\\\\كاتب اإلمام"\\\\\\\كما توىل يف ذات الوقت منصب ]). ١٤([م قبل وفاة املهدي بنحو عام١٨٣٤/هـ١٢٥٠عبد اهلل، حتى تويف عام ]). ١٥([يتوىل كل املراسالت الداخلية واخلارجية باسم اإلمام

. ولطول فرتة تويل اإلمام الشوكا�ي هلذين املنصبني، فقد كان له دور علمي وسياسي ذو أثر واضح يف جمريات األحداث املعاصرة له

: ريةاحلياة الفك -تؤكد متيز لقد واكب اجلمود الفكري والعلمي االضطراب السياسي يف مجيع أحناء البالد العربية واإلسالمية، لكن الدراسة التارخيية للمذهب الزيدي

.اليمن عن سائر البالد حبركة فكرية وفقهية

Page 7: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

عن احلروب الناشئة عن الصراعات السياسية والقبلية يف اليمن، فعلى الرغم من االضطرابات السياسية واألزمات االقتصادية واالجتماعية النامجة ]). ١٦([صروعلى الرغم من طغيان عنصري التعصب والتقليد على البيئة العلمية اليمنية، فإن حركة التأليف واإل�تاج الفكري كا�ت مزدهرة يف هذا الع

التعصب املذهيب، وتواطؤ بعض الفقهاء مع العامة لتحقيق بعض املصاحل، عمال : والباحث عن األسباب املوضوعية هلذه احلركة العلمية جيد أن عامليصبني وهؤالء على حتريك احلياة الفكرية والثقافية يف اليمن، إذ ظهر علماء أجالء تصدوا لتيار الفساد والبدع، فسامهت اخلصومة اليت كا�ت بني املتع

. ])١٧([العلماء اجملتهدين يف إثراء اإل�تاج العلمي

جماال حيويا - بصفته املدرسة األوىل للقضاء والعلماء واألدباء -�شاط املسجد «وعامل آخر ساهم يف إ�عاش احلياة الفكرية يف اليمن هو استمرار اء كبار يف اليمن يف حقبة ومؤثرا يف املناظرات الفقهية واالجتهادية، بل األدبية واللغوية، وسائر شعب املعارف اإل�سا�ية، ومن ثم فقد �بغ علماء وأدب

]). ١٨([» تد�ى فيها الفكر العربي اإلسالمي

ة والرياضية والطبيعية، لكن املالحظ يف هذا املقام أن اليمن وإن متيز عن سائر البالد اإلسالمية حبركة فكرية فقهية، إال أ�ه شاركها يف توقف العلوم العقليعصر ازدهار احلضارة اإلسالمية، إذ اعتزل العامل اإلسالمي النهضة األوروبية احلديثة، فبعدت الشقة اليت كا�ت تدرس يف جامعات بغداد وقرطبة يف

]). ١٩([بينه وبني التقدم العلمي احلديث

احلياة الدينية -ي عرف بتفتحه يف العقائد ، ولكن املذهب الذي ساد يف عصر الشوكا�ي هو املذهب الزيدي الذ])٢٠([لقد استقر يف اليمن املذهب الزيدي والشافعي

ومتيز املذهب الزيدي عن باقي املذاهب خباصية جوهرية وهي فتح باب االجتهاد، ]). ٢١([على مذهب املعتزلة، ويف الفروع على مذاهب أهل السنة ]).٢٢([وعدم املناداة بغلقه، بل جعل االجتهاد شرطا ملن يؤهل �فسه ملنصب اإلمامة الزيدية

أمرين بعيدين عن جوهر الفكر الزيدي وقواعده العقلية اليت ا�فتحت على « - كما أكد حسني العمري-من كون التعصب والتزمت ولكن على الرغم، فقد شاع يف عصر اإلمام الشوكا�ي ])٢٣([»الفكر االعتزايل من �احية، وعلى مدرسة أهل السنة من �احية أخرى يف خمتلف مراحل تطور الفكر اليمين

وقد ساعد هذا اجلو على منو طبقة طفيلية من املتفقهيـن جتاري العامة يف . مة املذهب، والتعصب آلرائهم، والتزام التخريج على أقواهلمالتقليد ألئ ]). ٢٤([معتقداهتم كسبا لودهم، أو متلقا لصاحب سلطان

بالغ على واقع احلياة الدينية يف اليمن، إذ أصبح املذهب الزيدي، ولقد كان هلذا التغري اجلذري الذي مس منهج التفكري الفقهي يف املذهب الزيدي أثريقرأ ... يفرض على الطلبة رغبة ورهبة، ويفرض كحكم، فلم يستطع أي قاض أن حيكم بغريه، وكان كل طالب«: كما قال الدكتور قاسم غالب

]). ٢٥([»رسه حيارب يف رزقه وأهله، ويطرد من الدراسةاملذهب الزيـدي، يشجع باملال صغريا، وباحلـكم كبريا، وكل طالب ال يد

.. أصول تبيح االجتهاد وتقره، وواقع يفرض التقليد والتعصب املذهيب: ومن هنا يتبني أن البيئة الدينية اليت عاش فيها الشوكا�ي كا�ت بيئة املتناقضاتالعوام لتحريض بعض العلماء من خصوم أهل االجتهاد، فيقومون بثورات مجاعية أصول تقوم على العلم، وواقع يبنى على األهواء، إذ كثريا ما ا�ساق

]). ٢٧([والشوكا�ي]) ٢٦([ضدهم، مثلما حدث مع حممد بن إمساعيل الصنعا�ي

Page 8: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: صارعة منهاولعل أهم أسباب سيطرة التعصب املذهيب على املنطق الفكري والديين اليمين يف هذا العصر هو ظهور فرق وطوائف دينية خمتلفة ومتولقد سجل اإلمام الشوكا�ي مواقفه الواضحة من كل فرقة يف كتب ورسائل علمية أبرز فيها جوا�ب الصواب . املعتزلة، واإلمساعيلية، والصوفية، وغريها

]). ٢٨([واخلطأ يف فكرها ومعتقداهتا

: احلياة االجتماعية واالقتصادية -�شر اخلوف «للحياة االجتماعية، فقد كان للثورات الداخلية القبلية، كما بني اإلمام الشوكا�ي، دور كبري يف شهدت اليمن يف هذا العصر تدهورا رهيبا

كما عرف ]). ٢٩([»والرعب يف أوساط اجملتمع اليمين عن طريق الغزوات املتالحقة اليت كا�ت هتدف إىل احلصول على املقررات املالية وهنب املواطنني ]). ٣٠([ا العصر ظلما اجتماعيا سببه تعفن اجلهاز اإلداري، وإسناد منصب القضاء لغري أهلهاجملتمع اليمين يف هذ

على الضرائب، أما احلياة االقتصادية فلقد كان لتدهور األحوال السياسية بشكل عام أثره البالغ على الوضع االقتصادي للدولة، اليت اقتصرت إيراداهتاكما أدت الفنت اليت �زلت بالبالد إىل ضيق املعاش وتقطع كثري من أسباب الرزق وعسر ]). ٣١([هبا أفراد الشعب والتجارةإلـى جا�ب الزراعة اليت يـقوم

كما خنقت منافذ التجارة اليمنية اخلارجية بسبب ]). ٣٢([املكاسب حتى ضعفت جتارة الناس ومكاسبهم، وأفضى ذلك إىل ذهاب كثري من األمالكوعلى رأسها بريطا�يا، إىل السيطرة على كل موا�ئ البحر األمحر يف اليمن، وفقد بذلك اليمن مصدر دخل هام، إذ سيطر سعي الدول األوروبية،

]). ٣٣([على جتارة النب اليمين العاملي -الثا�ي عشر اهلجري -األمريكان واألوروبيون منذ القرن التاسع عشر امليالدي

بعض األئمة ملواجهة األزمات االقتصادية اليت تفاقمت بسبب فساد اإلدارة، وضغط االضطرابات الداخلية ومما زاد الوضع االقتصادي تأزما جلوء . واألحداث اخلارجية إىل زيادة الضرائب، وإحداث ضرائب جديدة، والتغيري املستمر للعملة، والتالعب بقيمتها

وكثيـرا ما خيرج ]). ٣٤([وخيسر الناس الكثري من األموال النقدية اليت كا�ت يف أيديهم ومبثل هذا اإلجراء ترتفع األسعار، وتضعف قيمة العملة الشرائية، ]). ٣٥([حتت هذا الضغط االقتصادي اجلنود الذين مل يتسلموا مرتباهتم خارج العاصمة صنعاء لقطع الطرق، وسلب املسافرين، وهنبهم

" \\\\\\\الدواء العاجل يف دفع العدو الصائل"\\\\\\\، ويف كتابه ])٣٦([ائده الشعريةولقد ا�تقد الشوكا�ي هذه السياسة االقتصادية يف بعض قص . الذي درس فيه أسباب تدهور احلياة االقتصادية واالجتـماعية يف اليمن، كما حاول رسم سياسة اقتصادية حمكمة يتحقق هبا العدل االجتماعي

------------------------------------------------------

. ١/٤٧٨)دار الكتاب اإلسالمي: القاهرة(محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ]) ١([ . ٢/٢١٥المرجع نفسه،]) ٢([ . ١/٤٨٠المرجع نفسه،]) ٣([ . ٤/٨٩) ١٩٨٦دار التنوير، : بيروت(١محمد يحيى الحداد، التاريخ العام لليمن، ط]) ٤([ . ٤/٧٤مرجع نفسه، ال]) ٥([ . ١/١٥عادل محمد علي، اإلمام الشوآاني سيرته وفكره،]) ٦([ . ١٣٩؛ عبد الغني الشراجي، اإلمام الشوآاني حياته وفكره، ص١/٤٦نقال عن عادل محمد علي، المرجع نفسه، . ٤٣ص) م١٩٦٩طبعة (عبد الحميد البطريق، من تاريخ اليمن الحديث ]) ٧([ . ٤/١٢٢حيى الحداد، التاريخ العام لليمن، محمد ي: انظر]) ٨([ ). بتصرف( ١/٥٦، نقال عن عادل محمد علي، المرجع نفسه، ٣٢قاسم غالب وآخرون، من أعالم اليمن، ص]) ٩([ . ٩٣ص) ١٩٨٨دار الفكر، : دمشق( ٢حسين عبد اهللا العمري، مئة عام من تاريخ اليمن الحديث، ط]) ١٠([ ). بتصرف( ٨٣-٨١ي، المرجع نفسه، صحسين عبد اهللا العمر]) ١١([ . ٤/١٢٣انظر محمد يحيى الحداد، التاريخ العام لليمن، ]) ١٢([ . وما بعدها ١٣٧عبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآاني حياته وفكره، ص: انظر]) ١٣([ . ٦٤حسين عبد اهللا العمري، المرجع نفسه، ص: انظر]) ١٤([ ). بتصرف( ١/٥٣سيرته وفكره، : م الشوآانيعادل محمد علي، اإلما]) ١٥([ . ١٤٥عبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآاني حياته وفكره، ص]) ١٦([ . ١٤٥؛ عبد الغني قاسم الشراجي، المرجع نفسه، ص١/٧٠عادل محمد علي، المرجع نفسه، : انظر]) ١٧([ . ١٦، صحسين عبد اهللا العمري، مئة عام من تاريخ اليمن الحديث]) ١٨([ . ١٥-١٤المرجع نفسه، ص: انظر]) ١٩([ . ١/٦٣سيرته وفكره،: ، نقال عن عادل محمد علي، اإلمام الشوآاني٢٩٢ص) هـ١٣٤٦المطبعة السلفية، : القاهرة(عبد الواسع بن يحي الواسعي، تاريخ اليمن فرجة الهموم ]) ٢٠([ . ٢/٤٩٥) دار الفكر العربي، د ت: بيروت(محمد أبو زهرة، تاريخ المذاهب اإلسالمية ]) ٢١([ . ٥٠٠-٢/٤٩٦، محمد أبو زهرة، المرجع نفسه، ١٧حسين عبد اهللا العمري، مئة عام من تاريخ اليمن الحديث، ص])٢٢([

Page 9: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

. ١٩ص) ١٩٨٦دار الفكر، : دمشق( ٢أسالك الجوهر، ط: ديوان الشوآاني: حسين عبد اهللا العمري، مقدمة آتاب]) ٢٣([ . ٤٨-٤٧ص)١٩٨٣دار القلم، : الكويت(٣؛ القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، تحقيق عبد الرحمن عبد الخالق، ط١/٢٣٤ي الشوآاني، البدر الطالع،محمد بن عل]) ٢٤([ . ١/٦٨، نقال عن عادل محمد علي، اإلمام الشوآاني سيرته وفكره، ١٠٩قاسم غالب وآخرون، من أعالم اليمن، ص]) ٢٥([ . ٢/١٣٤ن علي الشوآاني، البدر الطالع، محمد ب]) ٢٦([ . ١/٢٣٣المرجع نفسه، ]) ٢٧([ . ١٤٠حياته وفكره، ص: عبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآاني]) ٢٨([ . ٢/١٧٨محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، ]) ٢٩([ . ١٤٣عبد الغني قاسم الشراجي، المرجع نفسه، ص]) ٣٠([ ٥١١ص) ١٩٨٠مكتبة النهضة المصرية،:القاهرة(وعة التاريخ اإلسالمي أحمد شلبي، موس])٣١([ . ٢٨ص) م١٩٣٠دار الكتب العلمية، : بيروت( r، ضمن الرسائل السلفية في إحياء سنة خير البرية ٢٨محمد بن علي الشوآاني، الدواء العاجل في دفع العدو الصائل، ص]) ٣٢([ . ٢٦٨عام من تاريخ اليمن الحديث، ص حسين عبد اهللا العمري، مئة: انظر]) ٣٣([ . ٢٠٨، ١٥١-١٥٠المرجع نفسه، ص: انظر]) ٣٤([ . ١٥٢المرجع نفسه، ص]) ٣٥([ .٢٣٤-٢٣٣محمد بن علي الشوآاني، أسالك الجوهر، ص]) ٣٦([

Page 10: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

العوامل احملددة لظاهرة التجديد عند الشوكا�ي : املبحث الثا�ي : ضوعية وذاتيةمثة عوامل كثرية سامهت متضافرة يف حتديد ظاهرة التجديد عند اإلمام الشوكا�ي، وميكن تصنيف هذه العوامل إىل مو

: العوامل املوضوعية: املطلب األول : العامل األسري: أوال

فهي تعد من بني األسر اليمنية العريقة اليت تصل جذورها إىل . �شأ اإلمام الشوكا�ي يف كنف أسرة عريقة يف النسب واملكا�ة االجتماعية والعلم والقضاءولقد حظيت هذه األسرة مبكا�ة سياسية مرموقة يف عهد األئمة الزيديني ملناصرهتا هلم ]). ٣٧([لك ابن زيدجد القبائل اليمنية القحطا�ية همدان بن ما

مسقط رأس اإلمام ]) ٣٩([، كما ا�تظمت فروعها يف سلك القضاء، وبرز منها علماء كا�وا مفخرة هلجرة شوكان])٣٨([يف حروهبم ضد األتراكوعلى ]). ٤٠"([\\\ورة بأهل الفضل والصالح والدين من قديم األزمان، ال خيلو وجود عامل منهم يف كل زمانمعم"\\\: الشوكا�ي الذي وصفها بأهنا

الذي �شأ هبجرة شوكان ثم ارحتل إىل صنعاء وتتلمذ على ) م١٢١١/هـ١١٣٠(رأس علماء هذه األسرة الكرمية والده العالمة علي بن حممد الشوكا�ي النقلية والعقلية، وبلغ مكا�ة علمية مرموقة مكنته من التدريس يف مساجد صنعاء املشهورة، كما تصدر لإلفتاء، وتوىل كبار علمائها، فربع يف العلوم

]). ٤١([القضاء خبوالن ثم بصنعاء مدة أربعني سنة

العاطفية، والروحية، -ه بأبعادها املختلفة لقد كان ا�تساب الشوكا�ي هلجرة شوكان عامال مهما يف بناء ميوله العلمية وتنميتها، كما كا�ت شخصية والدإ�ه تربى يف حجر أبيه «: مصدر االستقرار النفسي والتوافق العائلي والتطلع العلمي عنده، حيث قال يف وصف هذا اجلو األسري املتجا�س -والعلمية

إىل حد الرب والشفقة واإلعا�ة على طلب العلم والقيام مبا حيتاج إليه الذي رعاه وأعطاه كل العناية، فكان أبا بارا رحيما حنو�ا عطوفا، وبلغ مع ولده كما كا�ت شخصية والده االجتماعية عامال أساسيا يف تنشئته وتطبيعه االجتماعي، ]). ٤٢([»مبلغا عظيما حيث مل يكن لولده شغلة بغري طلب العلم

. هارات هذه املهن اليت مارسها مجيعا يف جمتمعه بعد ا�تهاء مرحلة الطلبإذ أن اشتغال والده بالتدريس واإلفتاء والقضاء منى فيه م

ذ ميالده حتى وإذا تبنينا ما أقره علم النفس الرتبوي احلديث من أن الفرد يتأثر إىل حد كبري بالبيئة اليت يشب فيها، ومن ثم جيب تفسري خرباته منم الشوكا�ي قد حظي ببيئة أسرية صحية وفرت له االستقرار النفسي والتوافق العائلي واجلو إن اإلما: ، �ستطيع القول])٤٣([شيخوخته بناء عليها

. العلمي، فشاركت بذلك يف صياغة شخصيته العلمية التجديدية

: طبيعة املذهب الزيدي: ثا�يا

املهمة يف تكوين العقلية االستقاللية واحلـس اإلبداعي لقد قام منهج التفكري الفقهي االجتهادي يف املذهب الزيدي على أساسني مهمني كا�ا من العوامل . االجتهاد الفقهي، واال�فتاح على الرصيد املعريف للمدارس اإلسالمية األخرى: التجديدي لدى اإلمام الشوكا�ـي، أال ومها

د هلم من مشكالت شرعية واجتماعية، ورفض فمما ميز املذهب الزيدي عن بقية املذاهب اإلسالمية األخرى حض العلماء على االجتهاد فيما جيومما أكسب مبدأ االجتهاد صفة احملورية يف املنظومة الفكرية والفقهية الزيدية، عده شرطا من شروط اإلمامة يف ]). ٤٤([تبين دعوى غلق باب االجتهاد

]).٤٥([املذهب الزيدي

Page 11: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

عريف اإلسالمي يف شتى فروع املعارف اإلسالمية، ا�فتاح املذهب الزيدي على املذاهب كما ساهم يف دفع عجلة االجتهاد الفقهي واستظهار الرصيد املاألمر الذي جعل علماءه أكثر حتررا واستفادة، ومن ثم أكثر األخرى، وخباصة املذهب الشافعي واحلنفي، واحلرية فـي األخـذ أو االتفاق مع أيهما،

]). ٤٦([�ظرا إ�تاجا وأعمق

فاعترب االجتهاد فريضة شرعية -فرتة تتلمذه على املذهب الزيدي -قناعات الفكرية املعرفية تكو�ت عقلية اإلمام الشوكا�ي التجديدية ويف ظل هذه الإبطاال ]) ٤٨([-من غيـر حجة» الغيـر«وهو العمل بقول -، وعد التقليد ])٤٧([وضرورة حياتية وسنة كو�ية، بناء على أن املعارف تزداد وتتطور

]). ٤٩([ملنفعة العـقل، و�سخا للشريعة اإلسـالمية ال�ـقطاع السـبيل إىل معرفة الكتاب والسنة

ي، ولقد من هنا كان تشبعه بالنهج االجتهادي للمذهب الزيدي سببا يف بلوغه درجة االجتهاد املطلق، فلم يقيد �فسه بأي مذهب حتى املذهب الزيـدورد عليهم بأ�ه يقف موقفا واحدا من ...زيف ما مل يقم عليه دليل فثار عليه أهل مذهبه من الزيدية«: قائالوصـف الدكتور الصعيدي اسـتقالليته

]). ٥٠([»مجيع املذاهب، وال خيص مذهب الزيدية بتحريم التقلـيد فيه

: بيئة صنعاء العلمية: ثالثاة، فقد زخرت مدينة صنعاء يف عصر اإلمام الشوكا�ي جبماعة من العلماء شذوا عن رغم طغيان التقليد والتعصب املذهيب على البيئة العلمية اليمني

وال يرفعون إىل ...يتقيدون بالعمل بنصوص األدلة، ويعتمدون على ما صح يف األمهات احلديثية«، وميزهم الشوكا�ي بأهنم ])٥١([النسق الفكري السائدتلمذ والتلقي عن هـذا النمط من العلماء أمثال الشيخ علي عرهب ولقد حرص اإلمام على الت]). ٥٢([»...التقليد رأسا

، اللذين منيا فيه النـزعة االجتهادية بتفتيق طاقاته الفكرية ])٥٤)([هـ١٢٠٧/هـ١١٣٥(والشيخ عبد القادر ابن أمحد ]). ٥٣)([هـ١٢٣٦/هـ١١٦٤( . ة على حتقيق املباحث الدقيقة، وعدم التقليد، واإلحاطة بعلوم االجتهادوالعلمية الضرورية للتفكري االجتهادي، كالفهم، وسرعة اإلدراك، والقدر

: جمددو اليمن األربعة: رابعامن حلقات إن الدراسة املزاوجة بني تاريخ اليمن احلديث وحياة اإلمام الشوكا�ي، تكشف أن جهده التجديدي مل يكن طفرة ال جذور هلا، بل كان حلقة

، اليت كان منطلقها األساس دحض دعوى غلق باب االجتهاد؛ ])٥٥([صالح والتجديد اليت شهدها اليمن يف العصر احلديثالتجديد يف إطار حركة اإل. سالميةاليت كا�ت �ذير شؤم ليس على الفقه وعلوم الشريعة فحسب، بل على خمتلف أوجه النشاط واحلياة الفكرية والعلمية واألدبية والسياسية اإل

ركة التجديدية شخصيات أربع عمالقة كان هلا أكرب األثر يف تشكيل األفق املعريف، وبلورة معامل التجديد الفكري عامة والفقهي خاصة ولقد مثل هذه احل . لدى اإلمام الشوكا�ي

تاله يف القرن احلادي ]). ٥٦([أئمة املذاهب األربعة -حسب رأي الشوكا�ي -الذي زاحم ) هـ٨٤٠ت ( حممد بن إبراهيم الوزيرأوهلا اجملتهد املطلق ثم تسلم مشعل ]). ٥٨)([هـ١١٠٨/هـ١٠٤٠( وصالح بن مهدي املقبلي، ])٥٧)([هـ١٠٨٤/هـ١٠١٤( احلسن بن أحـمد اجلـاللعشر اهلجري اجملـتهد

]). ٥٩"([\\\عامل الدينمن األئمة اجملددين مل"\\\الذي وصفه الشوكا�ي بأ�ه حممد بن إمساعيل األمريهذه احلركة يف القرن الثا�ي عشر اهلجري

عصب ولقد مجعت هذه الشخصيات األربع قواسم مشرتكة متثلت بشكل أساس يف الدعوة إىل االجتهاد وبلوغ أرقى درجاته، والنفور من التقليد والتإذ ألف الوزير . كل إ�تاج فقهي يظهر ذلك يف مؤلفاهتم اليت كا�ت مبثابة ثورة علمية على التقليد، الذي أصبح قاعدة أصولية حتكم]). ٦٠([املذهيب

Page 12: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

العلم الشامخ يف إيثار احلق " \\\، وألف املقبلي"\\\العواصـم والقواصـم يف الذب عن سنن أبي القاسم"\\\، و"\\\إيثار احلق على اخلـلق"\\\: كتابه ". \\\على اآلباء واملشايخ

اهلادوي الزيدي على وجه اخلصوص، دراسة �قد ومتحيص، قوامها االحتكام كما اشرتكت هذه الشخصيات األربع يف دراسة الرتاث الفقهي عموما، ويظهر ذلك يف مؤلفاهتم الفقهية واألصولية اليت مل تكن جمرد حواش أو شروح على الشروح يف املذهب، كما هو حال . إىل الدليل، واال�تصار للحق

]). ٦١([ال ختضع ألي قوالب مذهبية ا�تقاديههادات معاصريهم يف اليمن وخارجه، بل كا�ت مؤلفاهتم يف هذا اجملال اجت

ملؤلفه العالمـة أحـمد بن حيي املرتضى " \\\األزهار"\\\وأبرز مثال على ذلك سلسلة الدراسات النقدية اليت أجنزها اجلالل واملقبلي واألمري لكتاب ، "\\\ضوء النهار"\\\: وهي على التوايل]). ٦٢([هتمامللقب باملهدي، الذي صار عمدة اهلادوية يف عباداهتم ومعامال) هـ٨٤٠/هـ٧٧٥( ". \\\منحة الغفار على ضوء النهار"\\\، و"\\\املنار"\\\و

وأشهر من مثل هذه النصرة كتاب الوزير . ومن القضايا اجلوهرية اليت احتلت الصدارة يف املشروع اإلصالحي للمجددين األربعة �صرة السنة النبويةومرجع هذا التحرك الدفاعي عن السنة النبوية إ�كار اهلادوية الزيدية يف اليمن للسنة ". \\\eصم يف الذب عن سـنة أبي القاسم العواصم والقوا"\\\

]). ٦٣([الواردة يف الصحيحني والسنن األربع، وما يلحق بـها من اجملـاميع، ألن رواتـها مل يكو�وا من آل البيت

غرافية السياسية للدولة اليمنية، ومعرفته ألجنحة الصراع يف اجملتمع اليمين، جعـله يدرك أن إ�كار السـنة لـم يكن لكن إحاطة هذا التيار التجديدي باجلبل إن ]). ٦٤"([\\\يصححون ما يصـح من كتب السـنة وحيتجـون مبا فيها"\\\صادرا عن قناعة علمـية، أو حتى مذهبـية بدليل أن الزيدية يف األصـل

. هلادوية على السنة هي دوافع سياسية ومصلحية حمضةدوافع ا�غالق ا

إذ كا�ت . فقد كا�ت دعوى �صرة مذهب آل البيت حجة تسترت هبا الزعامة السياسية والعلمية والقبلية للحفـاظ على مشـروعيتها، واستمرار بقـائهاتمكني �فوذها، واستمرار احنصار اإلمامة يف �طاق العائلة خشية الزعامة السياسية ترضى وتتغاضى عن استمرار الدمهاء يف دائرة املذهبية الضيقة ل

. حكم أهل السنة، وقوهلم جبوازها يف غريهم

بتأجيج �ار كما لـم جتـد الزعامة العلمية ذات البضاعة املزجاة فـي علم السـنة ما تسرت به قصورها العلمي يف مواجهة علماء السـنة وأ�صـارها إالكما استعملت الزعـامة القبلية دعـوى �صرة مذهب آل البيت بطاقـة ضغط علـى السلطة احلاكمة لتحقيق مصاحلها . لعواماملذهبية فـي �فوس ا

]). ٦٥([املادية

. إن �بذ هذا التيار التجديدي للتقليد، و�صرته للسنة، فرض على رواده االصطدام بأهل عصرهم، حكاما، وعلماء، وعامة

حبجة كراهية أهل البيت أو خمالفة (*) ية اليت كان من السهل على بعض رجاهلا قتل أو سجن أي داعية لإلصالحفقد عاصروا الدولة القامسفاستغل علماء التقليد، ومن اتبعهم من العامة هذا املوقف السياسي يف الثورة على الرواد األربعة، واهتامهم مبحاولة هـدم مذهب آل ]). ٦٦([مذهبهم

كما خرج بعض زعماء القبائل ]). ٦٧([هات احلـديثية، والتزامهم مبا فيها من أحكام، وا�تقادهم املذهب اهلادوي مذهب الدولةالبيت الشتغاهلم باألم

Page 13: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

هلم على بعض األئمة يف جيوش عظيمة بدعـوى أن هـؤالء العلماء كادوا أن يهدموا مذهب آل البيت، وال يرجعون يف الغالب إىل ديارهم حتى جيعل ]). ٦٨([يف مقرراهتم املالية اإلمام زيادة

فقد بعث . ورغم هذا احلصار السياسي والعلمي، فقد اشتهر اجملددون األربعة مبقارعتهم ألئمة عصرهم بنقد وتصويب سياساهتم املالية والعسكريةفسادا عند دخوهلا يف بعض املناطق عندما بلغه أن قوات جيشه عاثت" \\\براءة الذمة يف �صيحة األئمة"\\\اجلالل رسالة إىل املتوكل عنواهنا

]). ٧٠([كما أرسـل األمري رسالة إىل املنصور احلسني بن القاسم ا�تقد فيها السياسة املالية والقضائية للدولة]). ٦٩([اجلـنوبية

، واجلالل رضي باملقام منعزال هبجرته باجلراف، إال أن شدة احملن واخلطوب اضطرت الثالثة األوائل إىل املنفى االختياري، فالوزير ا�قطع إىل ربه يف القفار ]). ٧١([واملقـبلي �زح إىل احلرمني واستقر هبا

ة التجديد أما األمري الصنعا�ي فإن �فسيته، وتفاصيل أوضاعه، ومكا�ته العلمية، جعلته يستمر يف املقام بصنعاء، ومكنته من فتح آفاق جديدة حلركالتجديدي يف املناقشات النظرية للخالفات الفقهية، كمامل يقصر �شاطه اإلصالحي على حماربة املمارسـات االبتداعية واإلصالح، إذ أ�ه مل حيصر �شاطه

الصادرة عن للعـوام، والسياسات غري الشرعية للحكام، بل إن الرجل اقتحم ميدان الوظائف العامة، فتوىل األوقاف، وساهم يف إمخاد الفنت الداخلية ]). ٧٢([ي حول اإلمامةالصراع األسر

الزكاة، كيفية أخذها : كما صاغ بعقليته الفقهية بر�اجما إلصالح األوضاع املالية واالجتماعية يف الرسالة اليت بعثها إىل املنصور، واليت كا�ت أهم حماورهالقضاء، �شر التعليم الديين على �فقة الدولة، وغريها وصرفها بطريقة شرعية، تنظيم العملة وصوهنا من العبث والتبديل، إلغاء الضرائب، إصالح جهاز ا

]). ٧٣([من املوضوعات ذات الصلة املباشرة حبياة الناس

ورية يف فكره أما اإلمام الشوكا�ي فقد ورث مدرسة األمري، وكان آخر السلسلة الذهبية ألولئك اجملددين، تبنى الدعوة إىل االجتهاد، فكا�ت القضية احمل ]). ٧٤([ل الدفاع عن السنة وخدمة علومها، حتى لقب بإمام أهل السنة يف عصرهوفقهه، كما واص

إذ مكنه النفوذ السياسي الذي حظي به من أن يوسع ويعمق اآلفاق . لكن رغم تأثره هبؤالء الرواد، فقد متيز عنهم بعطائه العلمي، وأساليبه اإلصالحيةالجتماعي والسياسي واالقتصادي أحد املوضوعات الفقهية واإلصالحية اهلامة اليت عاجلها وأشرف اليت فتحها األمري، حيث جعل برامج اإلصالح ا

. سوس احلياةعلى تطبيقها، وهبذا استطاع اإلمام الشوكا�ي أن خيرج الفقه اإلسالمي من دائرة املدارسة النظرية إىل حيز الربامج امليدا�ية اليت ت

:العوامل الذاتية: املطلب الثا�ييف تفتيق إن تفاعل العوامل األربعة السابقة يف ظل األوضاع السياسية االجتماعية والدينية الفكرية اليت عايشها الشوكا�ي، واحتك بظروفها سامهت

أمل ترتبط ظاهرة التجديد عند اإلمام الشوكا�ي خبصائص ذاتية؟ : لكن السؤال املثار. عقليته االستقاللية التجديدية

شوكا�ية السابقة اليت اهتمت بفهم ظاهرة متيز الشوكا�ي مينيا وعربيا يف حقول املعرفة املختلفة كا�ت متيل يف معظمها إىل تفسري الظاهرة الإن الدراسات هرة اإلبداع بعوامل اجتماعية موضوعية، ومن ثم سجل اإلمهال شبه الكامل للخصائص الذاتية لشخصية الشوكا�ي، األمر الذي أ�تج قصورا يف فهم ظا . والتجديد يف فكر اإلمام الشوكا�ي وفقهه، ذلك أن الفكر اإلبداعي التجديدي ال خيضع لنواميس احلتمية االجتماعية وقوا�ينها بصفة كاملة

Page 14: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

جلهد أي عامل أن يتوج فظاهرة التجديد ظاهرة معقدة ال يتحكم فيها �وع واحد من احملددات، بل هي �تاج جملموعة من العوامل ينبغي توافرها حتى ميكن فاألسرة واحمليط االجتماعي والبيئة العلمية ما هي إال عوامل حمدودة من بني عوامل كثرية تصقل موهبة الفرد، وتساعده . بالتميز يف د�يا العلم واملعرفة

جتماعية، والظروف السياسية وحدها يطرح ثم إن تفسري ظاهرة التجديد يف إطار البنى اال. على كسب رهان اإلبداع والتجديد يف ميدا�ه العلمي ملاذا مل جند لتلك الظروف ذات التأثري املؤدي إىل التجديد عند معاصريه؟ : إشكالية هامة وهي

م كان له إن اجلا�ب الذاتي لإلما: وال �كون مبالغني إذا قلنا. من هنا يتبين أن ريادة الشوكا�ي كا�ت حصيلة تفاعل جا�به الذاتي، وحميطه االجتماعي : والذي يؤكد هذه القناعة العوامل اآلتية. الدور احلاسم يف ميالد عقليته التجديدية

: صفاته النفسية: أوال

لته حلمل متيز اإلمام الشوكا�ي بصفات �فسية جعلته ذا أفق معريف رحب، واهتمامات علمية واسعة حررته من اال�غالق الفكري واالهتمام اجلزئي، وأه . ه الفكرية واالجتماعية، والثبات يف ميدان الصراع والتحدي لفرض �ـموذج جتـديدي إصالحي إلعادة تكوين عقلية املسلم وحياتهقضايا أمت

ن يف شخصية فإذا كان التفوق يف أي جمال من جماالت احلياة، السيما اجملال العلمي مرتبطا باهلمة العالية والثقة بالنفس، فلقد ظهر هذان العنصراحال صغره يلعب مع الصبيان، وكان مير به مجاعة قد صاروا يف السن فوقه، وقد صاروا "\\\وكا�ي يف سن الطفولة، فقد كان كما حكى عن �فسه الش

أطلب أ�ا إن شاء اهلل"\\\: أ�ت ابن القاضي فالن، حنن �طلب العلم وأ�ت تلعـب مـع الصبيان، فيقول هلم: فيعدلون إليه ويقولون له... يطلبون العلموهذا عنصر هام يف �سقه . ويالحظ من هذه اإلجابة بروز عنصر التقويم الذاتي لقدراته واستعداداته وهو بعد طفال]). ٧٥"([\\\العلم طـلبا مل تطلبوه

. التعليمي أفرز عناصر أخرى هامة كاجلد فـي طلب العلم، وطـول النفس فـي الدفاع عن قناعاته العلمية

ده �ي بقدرة ذكائية تفوق احلد املتصور لعامة األطفال يف سن الشروع يف طلب العلم، يربز ذلك يف طبيعة األسئلة اليت كان يطرحها على والكما متيز الشوكاعبد : لدهفقد سأله وهو طفل صغري حيفظ القرآن يف الكتاب عن أعلم شخص بالديار اليمنية إذ ذاك، فأجـابه وا. القدوة العلمية األوىل اليت تأثر هبا

ولقد تتلمذ عليه اإلمام الشوكا�ي فيما بعد، وكان هذا العامل حلقة وصل بني . تلميذ العالمة حممد بن إمساعيل األمري]) ٧٦([القادر بن أمحد الكوكبا�ي . األمري والشوكا�ي، وعنصر توريث للخط اإلصالحي التجديدي

يمة إىل التفكري يف أسباب اختالف الفقهاء يف مسائل الفقه، ومن هو األجدر من أئمة كما وجد الشوكا�ي �فسه يف سن مبكر منساقا بفطرته السلإ�ـي ملا أردت الشروع يف طلب العلم، ومل أكن إذ ذاك قد عرفت شيئا منه، حـتى «: املذاهب باتباع أقواله من غريه كما حكى ذلك عن �فسه حيث قال

الصغري من تعليم الكبري لكيفية الصالة والطهارة وحنومها، فكان أول حبث طالعته حبث كون الفرجني من ما يتعلق بالطهارة والصالة إال جمرد ما يتلقاهفلما طالعت هذا البحث قبل احلضور عند الشيخ رأيت اختالف األقـوال فيه، فسـألت والدي رمحه . وشرحه" \\\األزهار"\\\أعضاء الوضوء يف

ال، : صاحب األزهار أكثر علما من هؤالء؟ قال: ، فقلت"\\\األزهار"\\\يكون العمل على ما يف : عليه؟ فقال اهلل عن تلك األقوال أيها يكون العملاصنع كما يصنع الناس، فإذا فتح اهلل عليك فستعرف ما يؤخذ به وما يرتك، فسألت اهلل عند : فكيف كان اتباع قوله دون أقواهلم الزما؟ فقال: قلت

]). ٧٧([»ارفه ما يتميز يل به الراجح من املرجوحذلك أن يفتح علي من مع

Page 15: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

. من هنا كان السؤال الذكي واملناقشة املنطقية للجواب غري املقنع مؤشرا هاما يدل على استعداد الشوكا�ي الذاتي لالجتهاد والتجديد

: منهجه يف طلب العلم: ثا�يا

للمنهج التعليمي السائد يف جمتمعه، فقد عمد بعد التزامه مبا هو معروف يف التقليد التعليمي مل يخضع اإلمام الشوكا�ي حياته التعليمية خضوعا تامايف سن اإلسالمي من حفظ القرآن الكريم وخمتصرات علوم اللغة والفقه، إىل صياغة منهجية علمية دقيقة يف طلب العلم جعلته ينبغ يف فنون عديدة

. هل بلده ولألمصار اجملاورة، بل بلغت به مرتبة االجتهاد املطلق يف األصول والفروع وهو دون الثالثنيمبكرة، كما جعلت منه مفتيا وقاضيا أل

: وقد متثلت معامل هذه املنهجية يف العناصر اآلتية

: حفظ القرآن الكريم -١ه خطوة بالغة األمهية يف مسرية طالب العلم وهذ]). ٧٨([حفظ الشوكا�ي القرآن الكريم يف سن مبكرة، وجوده على مشايخ القراءات يف صنعاء

ومن ثم الشرعي، ألن القرآن الكريم قاعدة ومصدر كل العلوم الشرعية، فحفظه يسهل على الطالب استيعاب الفن املدروس، وربط املسائل بأدلتها، . استحضار جزئيات املسألة وفروعها

: حفظ املختصرات يف خمتلف العلوم -٢وحفظه هلذه املادة العلمية املتنوعة ساعده على سرعة ]). ٧٩([بل الشروع يف طلب العلم على حفظ املختصرات يف خمتلف العلومعكف الشوكا�ي ق

كما سهلت عليه أمر التعلم الذاتي يف مراحل عمره التالية بعد أن امتدت جذور حمفوظاته يف . فهمها، واستيعاب جزئياهتا يف مرحلة القراءة على الشيوخ . ماق تربة ذاكرته، كما زودته برصيد معريف خام استثمره الحقا يف الدرس والتدريس والشرح والتأليفأع

: مطالعة كتب التواريخ وجمامع األدب -٣رحالت وما ولقد عوضته هذه املطالعة املكثفة ولو بشكل جزئي عن ال]). ٨٠([كان الشوكا�ي قبل مباشرته لطلب العلم كثري املطالعة لكتب التواريخ

. تفرزه من ا�فتاح فكري واجتماعي لدى طالب العلم، إذ أ�ه مل يرحل عن اليمن لطلب العلم لعدم إذن أبويه له

لقضايا اجملتمع، ولقد مكنته هذه املطالعة التارخيية من الوقوف على سنن اهلل تعاىل يف قيام األمم والدول واحلضارات، فا�عكس ذلك على معاجلته الفقهيةلبالد اتبع منهج استقراء سنن اهلل االجتماعية وارتباطها بشكل حتمي بتطبيق شريعة اهلل واالحنراف عنها، كما أهلته سعة اطالعه على أخبار اإذ

البدر الطالع "\\\ه واألحداث التارخيية أن يكون علما بارزا يف مدرسة كتابة التاريخ اليت أجنبتها حركة التجديد واإلصالح يف اليمن، وذلك من خالل كتابالذي برز فيه حسه التارخيي، وقدرته على مجع املعلومات وترتيبها وحتليلها ومناقشتها، واخلروج عن ظاهرة القطرية " \\\مبحاسن من بعد القرن السابع

. يف كتابة التاريخ، واالهتمام بتسجيل ومتابعة ما يدور من أحداث يف الوطن العربي والعامل اإلسالمي

اليت منحته القدرة على فهم واستعمال أساليب اللغة العربية املختلفة، ]) ٨١([مطالعات الشوكا�ي أيضا، قبل شروعه يف طلب العلم، جمامع األدبومن . كما أورثته ملكة التحرير والتأليف

Page 16: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: دراسة الكتاب الواحد على أكثر من شيخ -٤فقد قرأ على سبيل املثال شرح الناظري ملختصر . احد يف فن من الفنون على أكثر من شـيخإن من منهج الشوكا�ي يف طلب العلم دراسة املنت الو

، كما قرأ شرح األزهار لإلمام املهدي على والده، وعلى أحـمد )هـ١٢٢٧/هـ١١٥٨(العصيفري يف الفرائض على والده، وعلى أحـمد بن حممد احلرازي ، كما )هـ١٢٠٩/هـ١١٦٢(، والقاسـم ابن حيي اخلـوال�ي )هـ١٢١١/ هـ١١٢١(ـن بن قاسـم املدا�ي ، وعبد الرمح)هـ١١٩٧/ هـ١١٢٧(بن عامر احلدائي

الدفعتني األوليني اقتصر�ا "\\\: وعلق الشوكا�ي على هذه القراءة قائال. قرأ كتاب األزهار �فسه وحواشيه على أمحد بن حممد احلرازي ثالث مرات ]). ٨٢"([\\\ثالثة استكملنا الدقيق واجلليل من ذلك مع حبث وحتقيقعلى ما تدعو إليه احلاجة، والدفعة ال

كتاب « إن هذه القراءات املتكررة على عدة شيوخ جعلت الشوكا�ي فقيها، واعيا مستوعبا ألهم مرجع يف الفقه اهلادوي الزيدي يف القطر اليمين . ة الدراسات اليت أقامها رواد تيار التجديد واإلصالح يف اليمن، األمر الذي أهله لتصنيف آخر دراسة �قدية له بعد سلسل»األزهار

اإلمام الشوكا�ي مساوئ التلقي عن أستاذ واحد، واليت أخطرها ذوبان شخصيته يف شخصية -تعدد الشيوخ -لقد جنبت هذه السياسة التعليمية لطالب العقلية التحليلية النقدية بفضل املقار�ة بني دروسهم يف منهجي اإللقاء ذلك أن تعدد الشيوخ يكسب ا. الشيخ، فيصري له مقلدا، وآلرائه متعصبا

. والتحليل

على سؤاله واحلاصل أن كثرة الشيوخ يوجد حوارا مستورا يف عقل الطالب ابتداء، ثم حوارا مكشوفا بينه وبني شيوخه، فيتلقى من كل شيخ جوابا . خمتلفا عن غريه

فيتسع عقل . النقاش يفتق ذهن الطالب، ويوسع أفقه، ويثري معرفته، ويكشف عن زوايا النقص عند هذا ، و�قاط القوة عند ذاكومثل هذا احلوار و . الطالب وقـلبه التفاق الناس واختالفهم فال حيجر واسعا، وال يضيق صدره مبخالفيه ما دام رأيه يرتكز على دليل �اهض تقوم به احلجة

: لذاتيممارسة التعليم ا -٥واإلهلي، وكعلم اهليئة، تعلم اإلمام الشوكا�ي علوما دقيقة ذاتيا من غري معلم، وعلمها تالميذه فيما بعد، كعلم احلكمة الذي منه العلم الرياضي والطبيعي

كادمييا، �قرر أن اإلمام الشوكا�ي حرص على وإذا حاولنا تفسري هذا االختيار التعليمي تفسريا تربويا أ]). ٨٣([وعلم املناظرة، وعلم الوضع، وغري ذلككا�ت تدرس لدرسها استيفاء الفنون اليت ال يغطيها املنهج الدراسي املقرر يف املؤسسات العلمية يف جمتمعه، فالراجح أن هذه العلوم مل تكن تدرس، إذ لو

يف علم احلكمة اإلهلية، وأ�ه كان -وقد كان طبيبا ماهرا -هلنود ويؤكد هذا االستنتاج حديث الشوكا�ي عن تدريسه ألحد تالميذه ا. على املشايخحبيث كان حيضر مجاعة من أعيان العلماء العارفني بعدة فنون فال يفهمون غالب "\\\يفهم ذلك فهما جيدا مع أن املوضوع يف غاية الدقة واخلفاء

]). ٨٤"([\\\ذلك

جـعل رحلته التعليـمية ال تقتصر على اإلعداد العلمي األكادميي وحده، بل متتد إىل اجلوا�ب الثقافية املختلفة، إن ممارسة الشوكا�ي ملبدأ التعلم الذاتـي . األمر الذي وسع أفقه املعريف، ومـكنه من مالحـقة اجلـديد فيما يدرس من علوم

Page 17: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: التدريس لرفقاء التعلم -٦وهذا أسلوب من أساليب مراجعة املادة املدروسة، ]). ٨٥([يدرس ما تلقى من دروس لرفقاء التعلمكان الشوكا�ـي يف فرتة قراءته �فسها على الشيوخ

كما أ�ه وسيلة من وسائل تقييم الطالب لنفسه والوقوف على درجة استيعابه . وطريقة مثلى يف تثبيت املعلومات عن طريق إعادة عرضها وشرحها لغريه . يفها وتوصيلها ومناقشة اإلشكاليات املطروحة حوهلاوفهمه للمادة، ومدى قدرته على توص

فقد اكتسب مهارات مهنية أهلته ملمارسة مهنة . أسلوبا من أساليب اإلعداد املهين للشوكا�ي مدرسا" \\\التدريس للرفقاء"\\\كما مثل هذا املعلم ومن دالئل جناح . خذون عنه يف كل يوم زيادة على عشرة دروس يف فنون متعددةالتدريـس، بل والتفرغ هلا بعد ا�تهاء مرحـلة الطلب، إذ كان الطلبة يأ

سياسي، وجنح يف مهمته التعليمية أ�ه خلف عددا كبريا من التالميذ أسندت إليهم مناصب راقية يف جمال القضاء واإلفتاء والتدريس واإلدارة والعمل ال . ذ التقليدأن يكون منهم تيارا يدعو إىل االجتهاد، وينب

: مالزمة بعض األساتذة يف ختصص معين -٧فقد الزم أمحـد ابن حممد احلرازي . من منهج الشوكا�ي يف طلب العلم مالزمته لشيخ من الشيوخ يف ختصص معين مدة طويلة حتى يستويف ما عنده

وهنا تربز مراعاة الشوكا�ي لعنصر الكفاءة يف ]). ٨٦([ج عليه فيهاالذي كان شيخا يف الفروع، وحمققا هلا ثالث عشرة سنة وختر) هـ١٢٢٧/هـ١١٥٨(كما تكشف مالزمته ملثل هذا األستاذ سنوات طويلة عن . اختيار شيوخه، وحرصه على أخذ كل فن من الفنون عن املتخصصني والبارعني فيه

. يف هذا التخصص، ومرجعا معتربا فيهحرصه على إتقان الفن وعلى استيفاء كل ما عند شيخه من علم، ليصبح بعدها عمدة

: اعتماد أسلوب املناظرة مع كبار العلماء -٨، وقد وصف شيخه بأ�ه احملدث احلافظ املسند اجملتهد املطلق )هـ١٢٠٧/هـ١١٣٥(جلس الشوكا�ي للدراسة علـى الشـيخ عـبد القـادر بن أحـمد

وكان اإلمام الشوكا�ي حني جلوسه . بالتفرد يف مجيع أ�واع العلوم بعد موت العالمة حممد بن إمساعيل األمرياملتبحر يف مجيع املعارف العلمية، ولقد أقر له فقد امتلك أدوات العلم، وبنى قاعدة صلبة يف شتى العلوم، لذا اختار أن ]). ٨٧([للتلقي عن هذا الشيخ قد بلغ مكا�ة علمية مرموقة أهلته لتويل اإلفتاء

هذا العامل يف شكل مناظرات ومطارحات ال شكل إلقاء وتلقني، وقد منى هذا األسلوب التعليمي عند الشوكا�ي قدرة فائقة على تكون دراسته علىولقد وصف . التحليل والنقد، كما شجعه على خوض غمار البحث العلمي واإل�تاج الفكري، إذ توجت جل تلك املناظرات برسائل علمية قيمة

: ج قائالالشوكا�ي هذا املنه

إىل حترير وكا�ت القراءات مجيعها جيري فيها من املباحث اجلارية على منط االجتهاد يف اإلصدار واإليراد ما تشد إليه الرحال، ورمبا اجنر البحث «يف تلك املسألة قرظه تارة رسائل مطـولة، ووقع من هذا كثري، وكنت أحرر ما يظهر يل يف بعض املسائل وأعرضه عليه، فإن وافق ما لديه من اجتهاده

ة حال القراءة بالنظم الفائق وتارة بالنثر الرائق، وإن مل يوافق كتب عليه، ثم أكتب على ما كتبه ثم كذلك، فإن بعض املسائل اليت وقعت فيها املباحث ]). ٨٨([»اجتمع ما حررته وحرره فيها إىل سبع رسائل

�يل األوطار شرح منتقى "\\\، الذي مساه ])٨٩"([\\\املنتقى"\\\وكا�ي يف تأليف شرح على وكان هذا العامل الفاضل من مجلة من رغب الش ". \\\األخبار

Page 18: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

. البعد العلمي األكادميي، البعد الثقايف، البعد املهين: أن منهج الشوكا�ي يف طلب العلم قد استجمع األبعاد الثالثة للعملية التعليمية النموذجية: واخلالصة . املـالزمة، واملناظرة، والتعلم الذاتـي، اليت أسهمت يف تفتيق عوامل التفوق واإلبداع يف شخصيته العلمية: نوع أسـاليب التعلمكما متيز بت

: تذوق العمل اإلبداعي: ثالثاأفذاذ مثلوا منعطفات هامة يف لقد كا�ت من أوىل خطوات الشوكا�ي الذاتية يف طريق االجتهاد والتجديد تذوقه للعمل االجتهادي والتجديدي لعلماء

قال ]). ٩٠([تاريخ الفكر اإلسالمي، فقد أشار إىل إعجابه الشديد بقدرات املناظرة والتصنيف للمؤلفات لدى اإلمام الشافعي، وابن حزم، وابن تيمية ]). ٩١"([\\\ن مبن شاهبهما، أو يقارهبماأ�ا ال أعلم بعد ابن حزم مثله، وما أظنه مسح الزمان ما بيـن الرجليـ"\\\: يف ترمجته البن تيمية

. ذلكإن القدرة اإلدراكية للعمل اإلبداعي عند الشوكا�ي تؤكد أن لديه استعدادات تسمح له بالتمييز بني العمل اإلبداعي، وما ال يرتقي إىل

: املعرفة املوسوعية: رابعا، والكتب اليت تلقاها عن طريق "\\\البدر الطالع"\\\علم فيها على يد مشاخيه يف كتابه إن املطلع على ما أورده الشوكا�ي من أمساء الكتب اليت طلب ال

يف خمتلف العلوم والفنون، يدرك ]) ٩٢([اليت قاربت ثالثة وسبعني وثالمثائة مؤلف" \\\إحتاف األكابر بإسناد الدفاتر"\\\اإلجازة اليت مجعها يف مصنفه يف الثقافة واتساع فـي فنون املعرفة، كما يدرك أثر هـذه املعرفة املوسـوعية يف حتريره من التقليد وتفعيل �زعته مـدى ما كان عليه هذا الرجل من تنوع

. االجتهادية

. اعفالشوكا�ي رمحه اهلل مل يسجن �فسه يف علم واحد من علوم الشريعة، بل متكن من كل التخصـصات الشرعية وبلغ فيها مبلغ االجتهاد واإلبد

إما االقتـصار على جمرد الرواية، وإما االقتصار على ما : التفسري مل يتنب الشوكا�ي مناهج املفسرين قبله، اليت احنصرت يف الغالب فـي مسلكني ففي فنملقار�ة بني التفاسري اليت ، بل صمم منهجا خاصا مجع فيه بني الرواية والدراية، واعتمد فيه أسلوب ا])٩٣([تقتضيه اللغة العربية وما تفيده العلوم اآللية

فتح القدير اجلامع بني فين الرواية والدراية من علم "\\\: ، وجعل عنوان تفسريه داال على منهجـه إذ مساه])٩٤([سبقته والرتجيح بيـن آرائها ". \\\التفسري

، مبؤلفات ])٩٥([يسهم يف فن من فنون الشريعة بإ�تاج علميكما ساهم يف علم احلديث، الذي اعترب التضلع فيه شرطا للعامل اجملتهد، ولكل من أراد أن الذي كان باكورة إ�تاجه " \\\�يل األوطار شرح منتقى األخبار"\\\كا�ت برها�ا ساطعا على غزارة علمه وعلو كعبه يف خصوص هذا الفن، أمهها كتابه

. العلمي

ربعة والفقه الزيدي، وأمل مبسائل اخلالف بني العلماء ومناهج االستدالل، وتعامل مع مصادرهم أما يف الفقه فقد اطلع اطالعا واسعا على فقه األئمة األالسيل اجلرار املتدفق "\\\ه الفقهية تعامال ا�تقاديا، بل جنده ينصب �فسه حكما بينه وبني خمالفيه، بل وبينهم أ�فسهم إذا اختلفوا، يظهر ذلك جليا يف كتاب

]). ٩٦"([\\\رعلى حدائق األزها

، تناول املادة األصولية على حنو جديد قوامه التحقيق والتمحيص، إذ التزم "\\\إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول"\\\ويف كتابه األصويل ]). ٩٧([ه للتعويل عليهفيه توضيح الراجح من املرجوح من اآلراء، والسقيم من الصحيح، وما يصلح من هذا العلم للرد إليه، وما ال يصلح من

Page 19: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

عقائد كما استوعب يف علم الكالم الرصيد املعريف للمدارس الكالمية اليت عرفها التاريخ اإلسالمي، و�اقش مناهج علمائها يف إثبات األصول وال ]). ٩٨([والصفات، وسجل موقفه العلمي من مناهج االستدالل يف العقيدة

الروض الوسيع يف الدليل املنيع "\\\، و"\\\�زهة األحداق يف علم االشتقاق"\\\وساهم يف علومها مبؤلفات أمهها كما أوىل عناية بالغة باللغة العربية، ]). ٩٩"([\\\على عدم احنصار علم البديع

يتطور بإضافة مفردات جديدة والسر يف بلوغ الشوكا�ي مبلغ االجتهاد واإلبداع يف خمتلف العلوم الشرعية �ظرته املعرفية للعلم، إذ يرى أن العلم يتسع و . السابق ذكره" \\\الروض الوسيع"\\\تندرج حتت كلياته، وهذا يفسر إضافته إىل علم البديع صورا جديدة مل يعرفها الرتاث األدبي العربي يف كتابه

م الشرعية، وعدوله عن اإلفراط يف التخصص املتقوقع إن عقلية الشوكا�ي الفقهية التجديدية ا�بثقت أساسا عن تالقح خمتلف العلو: ومما سبق ميكن القولال تنتج على املستوى العلمي واملعريف إبداعات -مهـما كان االجتهاد فيها -يف فرع من فروعها، ذلك أن التخصصات الفرعية يف أي �وع من أ�واع العلوم

فرعية األخرى اليت تندرج ضمن �وع واحد من أ�واع العلوم، والتالقح لكن التجاوز اجلزئي للتخصص الفرعي، والتمكن من سائر التخصصات ال. كثرية . املعريف بينها، هو الذي يفتح آفاق االجتهاد والتجديد

اجتماعية، عقلية،(واجلدير بالذكر أن التالقح املعريف يف فكر اإلمام الشوكا�ي مل ينحصر يف دائرة العلوم الشرعية، بل تعداها إىل دوائر معرفية أخرى تماعية ، فالشوكا�ي طلب خمتلف العلوم والفنون، ومل حيصر �فسه يف دائرة العلوم ذات الصلة املباشرة بالنص الشرعي، بل تفتح على العلوم االج)فلسفية

. إخل])...١٠٠([كالتاريخ والرتبية، والعلوم العقلية كالعلم الرياضي واإلهلي والطبيعي

يف طليعة اهتمامات الرتبية املعاصرة اليت تنادي باإلعداد الثقايف الذي خيرج الدارس من "\\\: قاسم الشراجيوهذا ما جنده يف احلقيقة، كما يقول ]). ١٠١"([\\\يف وقت واحد) الثقايف(واألفقي ) التخصصي(سجن مادة التخصص، وتطالب باإلعداد الرأسي

احلواس، العقل، القلب أوالوجدان، : ية يف املعرفة ضبط فيها مصادر املعرفة وهيوكا�ت �تيجة هذا التفتح على العلوم املختلفة أن صاغ الشوكا�ي �ظر . املعرفة العقلية واحلسية والنقلية: واخلرب؛ وأ�واعها وهي

ة، موضوعات عامل الغيب وهي تدرك بالسمع، وغاية ما ميلكه العقل هو إثباهتا؛ وموضوعات عامل الشهاد: كما صنف موضوعات املعرفة إىل صنفني . ويتعرف عليها من خالل احلس والعقل

الغيب، والعلوم : وهي يف �ظره ثالثة -كما أكدت �ظريته يف املعرفة أن مناهج البحث ختتلف باختالف موضوعات املعرفة، وأن لكل �وع من املوضوعات . منهجه يف البحث الذي يتالءم مع طبيعته - الشرعية، والعلوم العقلية

وهي ختتلف يف �ظره باختالف . األوليات أي البدهيات، والنقليات، والعقليات، والكرامات، واملشاهدات، واحلسيات: ني ستاكما عد درجات اليقالشهادة أما يف عامل. فاملعرفة يف عامل الغيب إمنا يكون مصدرها اخلرب املنزل، ويكون اليقني يف األمور الغيبية يقينا مطلقا ال جمال للعقل فيه. طبيعة املعرفة

]). ١٠٢([فالعقل قادر على إدراك األمور املشاهدة لكن إدراكه قاصر وحمدود، وهلذا خيتفي اليقني املطلق، وال تبقى إال النسبية واالحتمالية

Page 20: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ن الدقيقة كعلم املنطق، إذ ، وكذا تأليفه يف بعض الفنو])١٠٣([كما أمثر تفتحه على العلوم العقلية والفلسفية حتليله ومناقشته لبعض االجتاهات الفلسفيةاليت اشتملت علىجواب مائة " \\\فتح اخلالق"\\\و قد �اقش فيها آراء أهل املنطق، ورسالة " \\\احلد التام واحلد الناقص"\\\صنف رسالته

]). ١٠٤([ومخسني سؤاال فـي علم املنطق

فيدرسها ويدرسها ويؤلف فيها، يف �ظرته إىل العلوم �ظرة مشولية تتسع لكل أ�واع ومتثلت خلفية الشوكا�ي املعرفية اليت جعلته ينفتح على خمتلف العلوم ) علم الفلك(لذا جنده حيث على تعلم العلوم العقلية والفلسفية، اليت منها العلم الرياضي، والطبيعي، واإلهلي، واهلندسي، واهليئة . املعرفةوباجلملة فالعلم بكل فن خري من اجلهل به بكثري، وال سيما من رشح �فسه للطبقة العلية «: م فقالكما أكد �ظرته الشاملة لسائر العلو]). ١٠٥([والطب

فهذه النظرة الشاملة للعلوم مكنته من اإلملام مبختلف الفنون، ومسحت بالتالقح املعريف بني ختصصه .. ، أي طبقة اجملتهدين])١٠٦([»واملنزلة الرفيعة . التخـصصات األخرىو -العلوم الشرعية–الدقيق

واحتكاكه بتخصصات أخرى كان من أهم عوامل تكوين عقليته التجديدية -العلوم الشرعية -أن جتاوز الشوكا�ي حدود ختصصه األصلي : واخلالصة . وتفتيق مواهبه اإلبداعية

----------------------------------------------- . ١/٤٧٩الطالع، محمد بن علي الشوآاني، البدر ]) ٣٧([ . ٤٨٢-١/٤٨١المرجع نفسه، ]) ٣٨([ . المرجع نفسه، الصفحة نفسها]) ٣٩([ . المرجع نفسه، الصفحة نفسها]) ٤٠([ . ٤٨٣-١/٤٨٠المرجع نفسه، ]) ٤١([ . ١/٤٨٤المرجع نفسه، ]) ٤٢([])٤٣ ([Schultz. D. and Schultz E.S: Theories of Personality, publishing ompany pacific, Gnave ،California, 5th edition, 1994, p26 . . ١٧حسين عبد اهللا العمري، مئة عام من تاريخ اليمن الحديث، ص. ٤٩٩-٢/٤٩٦محمد أبو زهرة، تاريخ المذاهب اإلسالمية، : انظر]) ٤٤([ . حسين عبد اهللا العمري، المرجع نفسه، الصفحة نفسها]) ٤٥([ . ٥٠٠، ٤٩٩، ٤٩٣زهرة، المرجع نفسه، صمحمد أبو : انظر]) ٤٦([ . ٢٥٤ص) ت.دار الفكر، د: بيروت(، وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول ٢/٨٥محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، ]) ٤٧([ . ٢٦٥محمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول، ص]) ٤٨([ . ٦٥-٦٣في أدلة االجتهاد والتقليد، ص محمد بن علي الشوآاني، القول المفيد: انظر]) ٤٩([ . ٦٧، نقال عن عادل محمد علي، اإلمام الشوآاني سيرته وفكره، ص ٤٧٤الصعيدي، المجددون في اإلسالم، ص]) ٥٠([ . ١٥٨؛ عبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآاني حياته وفكره، ص١٩ديوان الشوآاني أسالك الجوهر، المقدمة، ص: انظر]) ٥١([ . ٢/٨٧محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، ]) ٥٢([ . ٥٠٠-١/٤٩٩المرجع نفسه، ]) ٥٣([ . ١/٣٦٠المرجع نفسه، ]) ٥٤([ . ١٨٥م، ص١٩٩٠، مجلة االجتهاد، العدد التاسع، السنة الثالثة، "\حرآة التجديد واإلصالح في اليمن في العصر الحديث"\حسين عبد اهللا العمري، ]) ٥٥([ . ٩٠-٢/٨٢محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، ]) ٥٦([ . ١٩٤-١/١٩١المرجع نفسه، ]) ٥٧([ ٢/١٩٤المرجع نفسه ، ]) ٥٨([ . ٢/١٣٨المرجع نفسه، ]) ٥٩([ . ١٨٨حسين عبد اهللا العمري، المرجع نفسه، ص: انظر]) ٦٠([ ). بتصرف(المرجع نفسه، الصفحه نفسها ]) ٦١([ . ١٢٦-١/١٢٢اني، البدر الطالع، محمد بن علي الشوآ]) ٦٢([ . ٤٩ص) مكتبة القرآن،د ت:القاهرة(محمد بن علي الشوآاني،أدب الطلب ومنتهى األرب]) ٦٣([ . ٢/٤٩٣محمد أبو زهرة، تاريخ المذاهب اإلسالمية، ]) ٦٤([ . ٦٤ص) دار الروائع، د ت: دمشق مكتبة أسامة،: تعز(عبد الرحمن طيب بعكر، مصلح اليمن محمد بن إسماعيل األمير : انظر]) ٦٥([

. سجن محمد بن إسماعيل األمير شهران، وحرم الخطابة، ألنه نسي أن يدعو لإلمام القاسم في خطبة الجمعة الثانية(*) . ١٦المرجع نفسه، ص]) ٦٦([ . ١٣٥-٢/١٣٤محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، ]) ٦٧([ . ١٣٦المرجع نفسه، ص]) ٦٨([ . ١٨حسين عبد اهللا العمري، مئة عام من تاريخ اليمن الحديث، ص]) ٦٩([ . ١١٩-١١٨عبد الرحمن طيب بعكر، مصلح اليمن محمد بن إسماعيل األمير، ص]) ٧٠([ . ١٥٤انظر المرجع نفسه، ص]) ٧١([ . ٩٤المرجع نفسه، ص]) ٧٢([ . ١٢٤ - ١١٩انظر المرجع نفسه، ]) ٧٣([ . ٤/٢٢٥١) ١٩٩٥دار الفكر ، : دار الفكر المعاصر، سوريا: لبنان(ع، هجر العلم ومعاقله في اليمن، الطبعة األولى إسماعيل بن علي األآو]) ٧٤([ . ١٥٧-١٥٦، نقال عن عبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآاني حياته وفكره، ص ٨٥-٨٤ص) مخطوط(محمد بن حسن الشجني، التقصار ]) ٧٥([ . ١/٣٦١اني، البدر الطالع، محمد بن علي الشوآ]) ٧٦([ . ٣٥محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب ومنتهى األرب، ص]) ٧٧([ . ٢/٢١٥محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، ]) ٧٨([ . المرجع نفسه، الصفحة نفسها]) ٧٩([ . المرجع نفسه، الصفحة نفسها]) ٨٠([ . المرجع نفسه، الصفحة نفسها]) ٨١([ . ١/٩٧نفسه، المرجع ]) ٨٢([ . ٢/٢١٩المرجع نفسه، ]) ٨٣([ . ٢/٢٢٧المرجع نفسه، ]) ٨٤([ . ٢/٢١٨المرجع نفسه، ]) ٨٥([ . ١/٩٧المرجع نفسه، ]) ٨٦([

Page 21: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

. ٣٦٣-١/٣٦٠المرجع نفسه، ]) ٨٧([ . ١/٣٦٣المرجع نفسه، ]) ٨٨([ . ١/٣٦٥المرجع نفسه، ]) ٨٩([ . ١٦٠ني حياته وفكره، صعبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآا]) ٩٠([ . ١/٦٤محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، ]) ٩١([ . ١٦٣عبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآاني حياته وفكره، ص]) ٩٢([ . ١/٥٧) م١٩٩٤دار الوفاء، ( ١انظر محمد بن علي الشوآاني، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، ط]) ٩٣([ . ١/٥٨المرجع نفسه،: انظر]) ٩٤([ . ٧٥، ٧٤محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب ومنتهى األرب، ص]) ٩٥([ . ٣، مقدمة المؤلف، ص١ج) ١٩٨٥دار الكتب العلمية، : بيروت( ١انظر محمد بن علي الشوآاني، السيل الجرار المتفق على حدائق األزهار، ط]) ٩٦([ . ٢وآاني، إرشاد الفحول، صمحمد بن علي الش]) ٩٧([ . ٥٧-٥٠، ص٤٨- ٣٩ص) مكتبة ابن الجوزي: السـعودية(التحف في مذاهـب السـلف : انظر محمد بن علي الشـوآاني]) ٩٨([ . ٣٢محمد بن علي الشوآاني، فتح القدير، مقدمة المحقق، ص]) ٩٩([ . ٢/٢١٩محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، ]) ١٠٠([ . ١٧٧الغني قاسم الشراجي، المرجع نفسه، صعبد ]) ١٠١([ . ٣٣٨ـ٣٣٣؛ عبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآاني حياته وفكره، ص٢٢٧، ١/١٦١عـادل محـمد علي، اإلمام الشـوآاني سـيرته وفـكره، : انظر]) ١٠٢([ . ٣٣٨عبد الغني قاسم الشراجي، المرجع نفسه، ص]) ١٠٣([ . ١٤٤-١٤٣مرجع نفسه، صعادل محمد علي، ال]) ١٠٤([ . ١٥٦محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب ومنتهى األرب، ص]) ١٠٥([ المرجع نفسه، الصفحة نفسها ]) ١٠٦([ . ٢/٢١٩محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، ]) ١٠٧([ . ٢/٢٢٣المرجع نفسه، ]) ١٠٨([ . ٣٣٧، ٢/٣٣٣محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، ]) ١٠٩([ . ١/٤٦٥المرجع نفسه، ]) ١١٠([ . المرجع نفسه، الصفحة نفسها ]) ١١١([ . المرجع نفسه، الصفحة نفسها]) ١١٢([ . ٨٩؛ اإلمام الشوآاني رائد عصره، ص٨١حسين عبد اهللا العمري، مئة عام من تاريخ اليمن الحديث، ص: انظر]) ١١٣([ . ٣٣، ٣٠ع العدو الصائل، صمحمد بن علي الشوآاني، الدواء العاجل في دف]) ١١٤([ . ٢٠لإلمام الشوآاني، عبد الرحمن عميرة، ص" \فتح القدير"\؛ مقدمة محقق آتاب ٧٠ص) ١٩٨٨دار الشروق، : بيروت( ١محمد حسين الغماري، اإلمام الشوآاني مفسرا، ط]) ١١٥([ . ٨١حسين عبد اهللا العمري، مئة عام من تاريخ اليمن الحديث، ص]) ١١٦([ . ١/٥٧، نقال عن عادل محمد علي، اإلمام الشوآاني سيرته وفكره، ٦٢الواسعي، تاريخ اليمن، ص) ]١١٧([ . ١٣٨حسين عبد اهللا العمري، اإلمام الشوآاني رائد عصره، ص: انظر]) ١١٨([

Page 22: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

:ممارسته العمل السياسي: املطلب الثالثفي، األول واجبه الوظي: وكا�ت ممارسته للعمل السياسي صادرة عن دافعني أساسيني. اشتغل اإلمام الشوكا�ي إضافة إىل اإلفتاء والقضاء بالسياسة

. قناعته الفكرية: والثا�ي

م وسائر آل قاسم أما واجبه الوظيفي، فمن خالل عمله قاضيا ومفتيا للديار اليمنية كان يأخذ البيعة ألئمة عصره عند توليهم احلكم من إخواهنم وأعمامه ]). ١٢٠"([\احلقيقية) أي اخلليفة(قـوة اإلمام من هذه البيعة تكون "\وهذه املهمة أكسبته �فوذا سياسيا، ذلك أن ]). ١١٩([ومجيع األعيان

يف حماولة إصالح الواقع السياسي، وذلك مبسا�دة املتوكل -قاضي القضاة -ولقد وظف الشوكا�ي هذا احلق السياسي الذي ضمنته له وظيفته الدينية رة الدولة إىل وزرائه فاضطربت أمور احلكم، وخرجت بعض أمحد يف إحداث اإل�قالب األبيض على أبيه اإلمام املنصور علي، الذي أوكل شؤون إدا

احلة القبائل عليه، فكثر النهب والقتل، وحوصرت صنعاء فثار ابنه املتوكل أمحد على هذه األوضاع، وساءت عالقته بأبيه، فتدخل الشوكا�ي للمص ]). ١٢١([على أن حيكم باسم أبيه -املتوكل أمحد -ن وكا�ت �تيجة هذه املساعي أن سلمت السلطة إىل االب. بينهما بصفته قاضي القضاة

مراكز التغيري أما قناعته الفكرية فتمثلت يف رفضه مبدأ اعتزال العلماء الوظائف العامة يف أجهزة احلكم والدولة، معتقدا أن زهد أهل العلم يف شغل ]). ١٢٢([م، وإىل ا�تشار الظلم، ومن ثم التدهور العام للمجتمع اإلسالميواإلصالح يف اجملتمع يفضي إىل ابتعاد اجملتمع والدولة عن شريعة اإلسال

فلقد تولـى املراسـالت اخلارجية اليت جرت بني صاحب . املكلف بتحرير مراسالت اخلليفة" \كاتب احلاكم"\وهذا املوقف الفكري جعله يقبل منصب كما توىل الرد على رسـالة أمري مـكة لإلمام املنصور حول احلملة الفر�سية على ]).١٢٣([جنـد عبد العزيز بن سعود، وبني اإلمام منصور عـلي

]). ١٢٤([مصر

اليت جرت بني كما أهله هذا املنصب لقيادة املفاوضات اليت جرت بني املتوكل أمحد وابـنه املهـدي عبد اهلل من بعـده وبني آل سعود، وكذلك املفاوضاتكما كان املفاوض الرئيسي بيـن النظام اليمين احلـاكم وزعماء القبائـل املتمردة على ]). ١٢٥([اكم مصراملتوكل أمحد وحممد علي باشا ح

]). ١٢٦([سلطته

تفقدية ملناطق ومن خالل عمله كاتبا للحكام مارس الشوكا�ي مهنة املستشار السياسي للنظام احلاكم، فكان يرافق أئمة زما�ه يف زياراهتم امليدا�ية ال ]). ١٢٧([فينصح هلـم، وينتقد قراراهتم اليت ليس هلا أي مسـوغ شرعي يربرها اليمن،

جنودهم من كما كان يصطحبهم يف رحالهتم العسكرية اهلادفة إىل إمخاد الفنت الداخلـية، فيشيـر عليهم يف ختطيطهم العسكري، كما ينتقد ما يصدر عن ]). ١٢٨([جتاوزات شرعية

، فقد جعل من اهتماماته السياسية �قد وتصويب السياسية ])١٢٩([ادية العادلة يف �ظره أحد عوامل استقرار الدولةوملا كا�ت السياسة االقتصإذ ا�تقد يف قصيدة له جلوء املنصور علي إىل التغيري املستمر للعملة والزيادة يف الضرائب، وإحداث ضرائب جديدة ملواجهة . االقتصادية واملالية للدولة

]). ١٣٠([تصادية اليت عرفها اجملتمع اليمين يف عهدهاألزمة االق

Page 23: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ه وجنح يف إقناع املنصور علي بإصدار مرسوم حرره الشوكا�ي بيده يقضي برفع املظامل عن الرعية، واالقتصار يف املأخوذ منهم على ما ورد ب ]). ١٣١([الشرع

]). ١٣٢([أمناء يعلمون الناس معامل دينهم وبصفته رئيس القضاء أمر حكام األقاليم بتنفيذ املرسوم وبتكليف رجال

ومع ذلك مل ييأس الشوكا�ي من اإلصالح، فألف بعد ذلك مباشرة ]) ١٣٣([لكن العهد مل يطل بتطبيق هذا املرسوم حتت ضغط املقلدة وبطا�ة السوءين اليت متثلت له يف اجلهل العام بالشريعة وأحكامها، وفساد يشخص أدواء اجملتمع اليم"\، حاول فيها أن "\الدواء العاجل يف دفع العدو الصائل"\رسالته

]). ١٣٤"([\اإلدارة مع ضعف مركزية الدولة وسلطاهنا، فكان لذلك أسوأ األثر يف معيشة الناس واقتصاد البالد

اقفه اال�تقادية لسياسات الدولة تارة، ولبعض واملالحظ يف �شاطه السياسي أ�ه عد الشعر مبثابة املنشورات السياسية، إذ اختذه وسيلة لذيوع آرائه ومو . فحول الشعر بذلك من ترف ذهين وتالعب بديعي إىل �فري لإلصالح ومنرب للتوجيه. رجاالهتا تارة أخرى

مزق املعرفة، أن شخصية الشوكا�ي التجديدية كا�ت �تيجة حياة علمية مغايرة لألمناط الفكرية السائدة يف عصره، املتسمة بت: وخالصة هذا الفصل . وعزلة العلماء عن احلياة والواقع

أصيال فالرجل كان صاحب معرفة موسوعية، وممارسة حياتية وسياسية واسعة كو�ت لديه معرفة متكاملة جعلت علمه يتفاعل مع عمله، فيثمر تعامال . مع واقع احلياة وتطوراته

--------------------------------------------------- - . ١/٣٧٧،٤٦٧محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، ]) ١١٩([ . ١/٥٦، نقال عن عادل محمد علي، اإلمام الشوآاني سيرته وفكره، ٦٥محمد الخضري، تاريخ األمة اإلسالمية، المكتبة التجارية الكبرى، ص]) ١٢٠([ . ١٦٢د اهللا العمري، مئة عام من تاريخ اليمن الحديث، صحسين عب. ١/٤٦٢محمد بن علي الشوآاني، المرجع نفسه، : انظر]) ١٢١([ . ٢٩، ص)مخ(، نقال عن محمد ابن علي الشوآاني، رفع األساطين في حكم االتصال بالسالطين ٣٦٣عبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآاني حياته وفكره، ص]) ١٢٢([ . ٢/٨محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، ]) ١٢٣([ . ٢٣-٢/٨المرجع نفسه، ]) ١٢٤([ . ٢١٧حسين عبد اهللا العمري، اإلمام الشوآاني، مرجع سابق، ص: انظر]) ١٢٥([ . ٢٢٠ـ ٢١٩المرجع نفسه، ص: انظر]) ١٢٦([ . ٢٣٦ـ٢٣٥ص ، نقال عن عبد الغني قاسم الشراجي، المرجع نفسه،٦٢ـ٥٠محمد بن حسن أحمد الشجني الذماري، التقصار في علماء األمصار، ص]) ١٢٧([ . ٢٣٢-٢٣١، ١٧٤، ١٧١انظر حسين عبد اهللا العمري، مئة عام من تاريخ اليمن الحديث، ص]) ١٢٨([ . ١٩٤أسالك الجوهر، ص: انظر، محمد علي الشوآاني، ديوان الشوآاني]) ١٢٩([ . ٢٣٤ -٢٣٣المرجع نفسه، ص]) ١٣٠([ . ٢٣٥ -٢٣٤المرجع نفسه، ص]) ١٣١([ . ٤٦٦ -٤٦٥اإلمام الشوآاني رائد عصره، ص: وم الذي أثبته حسين عبد اهللا العمري بين ملحقات آتابهانظر نص المرس]) ١٣٢([ . ١٢٧حسين عبد اهللا العمري، اإلمام الشوآاني رائد عصره، ص]) ١٣٣([ . ١٢٨المرجع السابق، ص]) ١٣٤([

Page 24: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

املبحث - الشوكا�ي عند اإلمام - أسس جتديد املنهج الفقهي - الثالث الفصل »منوذج الشوكا�ي معامل جتديد املنهج الفقهي» سلسلة كتب األمة « دوالدعوة إىل االجتها.. حتريم التقليد: األول

والدعوة إىل االجتهاد.. حتريم التقليد: املبحث األول

: ضبط مفهوم التقليد: املطلب األول

: شوكا�ي فـي حبث هذا املوضـوع، وتكمن دقة هذه اخلطوة يف اعتبارات أربعةلقد كان ضبط مفهوم التقليد أول خطوة منهجية خطاها اإلمام ال

. أن التعاريف االصطالحية للتقليد قد تعددت وتنوعت: أوال

. أ�ه ترتب على هذا التعدد والتنوع اختالف بني العلماء يف األحكام املستنبطة والتصورات املصوغة يف موضوع التقليد: ثا�يا

eهل قبول قول الرسول : م حتقيق وضبط مفهوم التقليد وتعدد تعريفاته االصطالحية أفرز إشكاليات منهجية بني علماء األصول، من بينهاأن عد: ثالثا، وقد اختلفت اإلجابة عن مثل هذه التساؤالت بسبب ])١([يسمى تقليدا أم ال؟ وهل قبول قول غريه من الصحابة والتابعني يسمى تقليدا أم ال؟

. ختالف يف حتديد حقيقة التقليداال

من هنا جنب اإلمام الشوكا�ـي بضبطه . أن املفهوم الذي حدده الشوكا�ي ملصطلح التقليد اختذه ضابطا منهجيا يف دراسته لكل مباحث التقليد: رابعا . ملفهوم مفردة التقليد �فسه الكثيـر من االختالفات املنهجية

قبول القول من غري حجة تظهر على "\\\، و"\\\العمل بقول الغري من غري حجة"\\\: االصطالحية املختلفة للتقليد مثل فبعدما ذكر الشوكا�ي التعاريفهـو قبول رأي من ال تقوم به احلجـة بال «: ، ا�تقدها وعلق عليها، ثـم حرر تعريفه االصطـالحي للتقليد بقولـه])٢([، وغريها من التعريفات"\\\قولـه . ])٣([»حجة

: وقد استخرج من قيود هذا التعريف فوائد عديدة أمهها

. ، ألن قـوله وفعلـه هـو �فسه حجةeإخراج العمل بقول الرسـول -

]). ٤([قبول رواية الراوي إن روى عمن تقوم به احلجة -

االقتداء، : حات اليت تستعمل على أهنا مرتادفات له مثلواستحضر هاتني الفائدتني، واستثمرمها يف بيان حقيقة التقليد، والتفريق بينه وبني بعض املصطل . االتباع، االستصواب، املوافقة

Page 25: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: دراسة ظاهرة التقليد: املطلب الثا�يالمية اليت ملا كان منطلق الشوكا�ي يف اإلصالح والتجديد مراجعة املنظومة املعرفية اليت سادت عصور االحنطاط، ومن ثم إعادة صياغة العقلية اإلسويف اآلتي . ستتوىل مسؤولية جتديد منهج وحمتوى العملية االجتهادية يف شتى فروع املعرفة، درس ظاهرة التقليد دراسة متكاملة مشلت أبعادا خمتلفة

: تفاصيل هذه األبعاد

: البعد الفقهي -

وألمهية هذا اجلا�ب من الدراسة وحموريته، مل ير . املكلف لقد درس اإلمام الشوكا�ي التقليد بوصفه ظاهرة فقهية حتتاج إىل حكم شرعي واضح يلتزم به : اإلمام الشوكا�ي بدا من حبث هذا املوضوع حبثا مستفيضا معتمدا على منهجية واضحة ودقيقة متثلت يف اخلطوات اآلتية

: حتديد اآلراء املستقرة يف املسألة -١

مذهب اجلمهور وهو املنع من التقليد؛ ومذهب بعض ]): ٥([يف الشرعي للتقليد يف مذاهب ثالثةلقد حصر اإلمام الشوكا�ي اختالف العلماء يف التكيووافق .. احلشوية وهو وجوب التقليد مطلقا وحرمة النظر؛ ومذهب كثري من أتباع األئمة األربعة وهو وجوبه على العامي وحرمته على اجملتهد

إجياب للجهل على الناس، واملذهب الثالث أول أصحابه كالم أئمتهم األربعـة باملنع بالتفريق بني العامي الشوكا�ي مذهب اجلمهور ألن املذهب الثا�ي فيه . واجملتهد

: مناقشة أدلة اجملوزين للتقليد -٢

الشوكا�ي على مدعي اجلواز، من هنا قدم يف ملا كان القائل بعدم التقليد قائما يف مقام املنع، وكان القائل باجلواز قائما يف مقام اإلثبات، كان الدليل يف �ظر ، كما حرص على حصر أدلة اجملوزين ومناقشتها بإسهاب، وتبيني أهنا يف اجلملة ])٦([دراسته الفقهية للتقليد حجج اجملوزين له على األدلة املثبتة للمنع

: ومن أبرز هذه األدلة. عيفة ال تثبت هبا احلجةإما خارجة عن حمل النـزاع، وإما أهنا دليل علـى املـقلدة ال هلم، وإما أهنا ض

على أن اهلل تعاىل أمر من ال علم له بسؤال من له ) ٧: األ�بياء)) (فاسئلوا أهل ٱلذكر إن كنتم ال تعلمون: ((احتجاجهم من القرآن الكريم بقوله تعاىل -وما أرسلنا قبلك إال رجاال : ((ة واردة يف سؤال خاص خارج عن حمل النـزاع كما يفيده سياقهاوقد رد الشوكا�ي على هذا االستدالل بأن اآلي. علم

. بشرا e، فأكثر املفسرين على أن اآلية �زلت ردا على املشركني ملا أ�كروا كون الرسول )) �وحى إليهم فاسئلوا أهل ٱلذكر إن كنتم ال تعلمون

من .. ، فالسؤال إذن يكون عما فيهماeوعلى فرض أن املراد هو السؤال العام، فاملأمور بسؤاهلم هم أهل الذكر، والذكر هو كتاب اهلل وسنة رسول اهلل قوال الرجال من دون سؤال هنا، كا�ت هذه اآلية حجة على املقلدة وليست هلم، ألن مفادها السؤال عن الدليل، وهم استدلوا هبا على جواز األخذ بأ

]). ٧([عن الدليل، وهذا هو التقليد

أيها ٱلذين ءامنوا أطيعوا ٱلله وأطيعوا ٱلرسول وأولى ٱالمر منكم : ((واحتجاجهم أيضا بقوله تعاىل - على أن أويل األمر هم العلماء، ) ٥٩:النساء)) (يـومل ير اإلمام الشوكا�ي هلذه اآلية أية داللة على مـراد املقلدين؛ أل�ه ال طاعة للعلماء إال إذا أمروا بطاعة اهلل، وإال ]). ٨([ا يفتون بهوطاعتهم تكون فيم

Page 26: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ترك تقليدهم، وأن العلماء وعلى رأسهم األئمة األربعة أرشدوا غريهم إىل]) ٩([»ال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق« : أ�ه قال eفقد ثبت عن الرسول ب وأمور املعاش، أل�ه فطاعتهم ترك تقليدهم، وأ�ه ال يبعد أن تكون الطاعة املرادة ألويل األمر يف اآلية هي يف األمور اليت ليست من الشريعة، كتدبري احلرو

كما ال يبعد أن تكون الطاعة هلم يف األمور . لو كان املراد طاعتهم يف األمور اليت شرعها اهلل ورسوله لكان ذلك داخال حتت طاعة اهلل وطاعة الرسول . الشرعية يف مثل الواجبات املخيرة وواجبات الكفاية

أصحابي كالنجوم بأيهم «: تلك اآلمرة باالقتداء بالصحابة رضي اهلل عنهم كحديث: كما استدلوا على جواز التقليد من السنة بأحاديث كثرية أمهها -: ، وحديث])١١([�فى الشوكا�ي قيام احلجة به، أل�ه روي مـن طرق صرح أئمة اجلـرح والتعديل أ�ه مل يصح شيء منها الذي]) ١٠([»اقتديتم اهتديتم

على مراد املقلدة، وهو تقليد إمام من األئمة -يف �ظر الشوكا�ي - الذي ال داللة فيه ]) ١٢([»...عليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين من بـعدي«بذلك، وهو يف املقابل مل يأمر�ا باالستنان بسنة عامل من eذلك أن األخـذ مبا سنه اخللفاء الراشدون ليس إال امتثاال ألمر الرسول . دليلدون املطالبة بال

علماء األمة، فكيف يسوغ االستدالل هبذا الذي ورد فيه �ص على ما مل يرد فيه �ص؟

جعل سنتهم كسـنته فـي اتباعها ألمر خيتص بـهم وال يتعداهم إىل eشـدين ال يصح، ألن الرسول وأمر آخر، أن قياس أئمة املذاهب على اخللفاء الراثم إن . املزايا غريهم، ولو كان اإلحلاق باخللفاء الراشدين سائغا لكان إحلاق املشاركني هلم يف الصحبة والعلم مقدما على من مل يشاركهم يف مزية من

. م مل يقلدوا اخللفاء الراشدين هلذا الدليل، بل يردون ما جاء عنهم إذا خالف أراء أئمتهمسلوك املقلدين العملي يثبت أهن

نت واملقتدي مبثل ما ومل يربح اإلمام الشوكا�ي مقام الكالم عن أحاديث االقتداء بالصحابة، حتى بين أن املراد باالستنان واالقتداء هبم، هو أن يأتي املس، وإمنا أرشد الناس إىل ذلك ألهنم املبلغون عنه، eوقوله، فاالقتداء هبم هو اقتداء بالرسول eفعل، وال بقول، إال وفق فعل الرسول أتوا به، وهـم ال يأتون ب

]). e([13الناقلون شريعته إىل من بعده من أمته، فالفعل وإن كان هلم، فهو على طريقة الرواية لفعل الرسول

بأقوال بعض الصحـابة رضي اهلل عنهم وأفعاهلم، مثل ما ثبت عن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه أ�ه قال يف موضوع كما استدلوا على جواز التقليد -فقد رد اإلمام الشوكا�ي ]). ١٤([»رأينا تبع لرأيك«، وقـوله ألبي بكر رضي اهلل عنه يف موضع آخر »إ�ي ألستحي من اهلل أن أخالف أبا بكر«الكاللة

إخل، فإن قالوا خالفه يف ... مبا وقع من خمالفة عمر ألبي بكر يف غري مسألة، كمخالفته له يف سيب أهل الردة، ويف األرض املغنومةعلى هذا االستدالل د ووافقه يف املسألة ألن اجتهاده كان موافقا الجتهاده ،وليس هذا من التقلي: هذه املسائل ألن اجتهاده كان على خالف اجتهاد أبي بكر، فيجاب عنهم

. يف شيء

، بأن هذه املقالة واردة يف قصة طويلة، وأن املقلدة قد اجتزؤوا منها اجلزء الذي يسند »رأينا تبع لرأيك«: ورد على استدالهلم بقول عمر ألبي بكرأبو بكر ورد بعضه اآلخر، دعـواهم، ولو �ظروا يف القصة كلها لكا�ت حجة عليهم ال هلم، ألن وقائعها تثبت أن عمر رضي اهلل عنه قرر بعض ما رآه

]). ١٥([وأن متابعته يف بعض ما رآه ليس من التقليد، بل هو من االستصواب ملا جاء به من اآلراء

كا�وا يفتون «أهنم : وجييب الشوكا�ي. بني أظهرهم وهذا تقليدهم eومن مجلة ما استدلوا به أيضا أن الصحابة رضي اهلل عنهم كا�وا يفتون والرسول - صوص من الكتاب والسنة وذلك رواية منهم، وال شك أن قبول الرواية ليس بتقليد، بل هو قبول للحجة، والتقليد إمنا هو قبول للرأي من دونبالن

]). ١٦([»حجة

Page 27: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

بعض املتأخرين ممن كما استدلوا على جواز التقليد بدعوى اإلمجاع على عدم اإل�كار على املقلدين، ولقد أبطل الشوكا�ي هذه الدعوى اليت أثارها -وإن . أهنم إن أرادوا إمجاع خري القرون، فتلك دعوى باطلة، ألن التقليد مل حيدث إال بعد ا�قراض هذه القرون: صنف يف األصول العرتاضات منها

ن بعدهم، فوجود املنكرين لذلك من ذلك وإن أرادوا إمجاع م. أرادوا إمجاع األئمة األربعة، فقد قالوا باملنع من التقليد، ومل يزل يف عصرهم من ينكر ذلكوإن أرادوا إمجاع املقلدين لألئمة األربعة خاصة فقد تقرر يف األصول أن املعترب يف اإلمجاع . الوقت إىل هذه الغاية معلوم لكل من يعرف أقوال أهل العلم

]). ١٧([إمنا هم اجملتهدون دون غريهم

]). ١٨([كر للتقليد، وساكت عنه سكوت تقية، خمافة ضرر، أو فوات �فعبل إن الشوكا�ي أكد أن كبار العلماء بني من

لك من خالل التفريق ومما سبق يتضح أن اإلمام الشوكا�ي يف مناقشته ألدلة اجملوزين للتقليد بذل جهدا علميا فائقا يف حتديد حقيقة التقليد واملقلد، وذ . تشرتك معه يف املعنى، كاالتباع، وقبول الرواية، واالقتداء، واالستصواب، واملوافقة بينه وبني بعض املصطلحات واملفاهيم اليت يظن أهنا

أي (هو أن تتبع القائل على ما بان لك من فضل قـوله، وصحة مذهبه، أما التقليد فهو أن تقول بقوله وأ�ت ال تعرفه "\\\: فاالتباع كما قال ]). ٢٠([دليل على االتباع ال التقليد) ٧: األ�بياء)) (سئلوا أهل ٱلذكر إن كنتم ال تعلمونفا: (( ، وهلذا عد قوله تعاىل])١٩"([\\\)القول

. وقبول الرواية هو قبول للحجة، والتقليد هو قبول الرأي اجملرد عن احلجة

. أن التقليد هـو قبول قول من ال تقوم به حجة دون مطالبته بدليل ؛ أل�ـهم املبلغون عنه، يف حنيeواالقتداء بالصحابة رضي اهلل عنهم هو اقتداء بالنيب

. واالستصواب هو أن يظهر لك صواب قول فتوافق صاحبه فيه، والتقليد هو أن تأخذ القول دون علم بصحته أو بطال�ه

ومن هذه الشبه . هم بالتقليد، وعزوفهم عن االجتهادومما تصدى له اإلمام الشوكا�ي يف مناقشته لدعاة التقليد، الشبهات اليت أثاروها تربيرا لتمسكاألول أن الطباع البشرية متفاوتة، : لو أن التقليد غري جائز، لكان االجتهاد واجبا على كل فرد من أفراد العباد، وهو تكليف مبا ال يطاق لسببني: قوهلم

أ�ه على فرض أهنا قابلة له مجيعها، فوجوب حتصيله على : الثا�ي. غالب الطباعفمنها ما هو قابل للعلوم االجتهادية، ومنها ما هو قاصر عن ذلك، وهو ذلك إلـى اخنرام كل فرد يؤدي إىل تعطيل املعـايش اليت ال يتم بقاء النوع اال�سـا�ي بدوهنا، فإذا ما اشتغل أصحاب احلرف بالعلم تعطلت حرفهم، وأفضـى

]). ٢١([د الشارع�ظام احلياة، ويف هذا ضرر ومشقة خمالفة ملقصو

أ�ه ليس املطلوب من كل إ�سان أن يبلغ رتبة االجتهاد، بل املطلوب أن يكون القاصرون إدراكا وفهما كما كان عليه : وأجاب الشوكا�ي عن هذه الشبهةان اجلاهل منهم يسأل العامل عن احلكم الشرعي أمثالـهم فـي أيام الصحابة والتابعني وتابعيهم، إذ أهنم مل يكو�وا مقلدين وال منتسبني إىل فرد بعينه، بل ك

]). ٢٢([الثابت يف الكتاب والسنة، فيفتيه به، ويرويه له، لفظا أو معنى، فيعمل بذلك من باب العمل بالرواية ال بالرأي

وقد �قض الشوكا�ي هذه . هم املتأخرةومن شبههم أيضا أن العلم كان ميسرا ملن كان قبلهم، ولكنه اآلن أصبح حتصيله صعبا عليهم، وعلى أهل عصورتصنيف العلماء يف علوم كل الشبهة مبينا أن االجتهاد قد يسره اهلل تعاىل للمتأخرين تيسريا مل يكن للسابقني لتوفر تفاسري القرآن، وجمامع السنة املطهرة، ول

]). ٢٣([منهما

Page 28: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: االستدالل على منع التقليد بأدلة إضافية -٣

وهو عدم جواز -�ي يف دراسته الفقهية ملوضوع التقليد مبناقشة أدلة وشبه اجملوزين له، بل عمـد إلـى التدليل على رأيه الذي تبناه، مل يكتف الشوكا : بأدلة مستقلة أمهها -التقليد على غري اجملتهد، وأ�ه البد أن يسأل أهل الذكر عن األحكام، وأدلتها

فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى ٱلله : (( eرائع اهلل سبحا�ه إلـى آراء الرجال، بل إىل كتاب اهلل وسنة رسول أن اخلطاب القرآ�ي مل يأمر�ا برد ش -١ ]). ٢٤)([٥٩النساء )) (وٱلرسول

بلك فى قرية من �ذير إال قال مترفوها إ�ا وجد�ا ءاباء�ا على أمة وكذلك ما أرسلنا من ق: ((أن اآليات القرآ�ية الواردة فـي ذم تقـليد اآلباء، مـثل قولـه -٢، وإن كان )٢٤-٢٣:الزخرف)) (به كـفرون قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه ءاباءكم قالوا إ�ا بما أرسلتم) ٢٣(وإ�ا على ءاثـرهم مقتدون

من هنا صح تأويلها فـي املقلدين الحتاد العلة، وألن العربة بعـموم .. موردها يف الكفار، فاملراد هبا ذم من أعرض عما أ�زله اهلل تعالـى، وأخـذ بقول سلفه ]). ٢٥([اللفظ ال خبصوص السبب

تقليد األموات، وعلى أن عمل اجملتهد برأيه إمنا هو رخصة له عند عدم الدليل، وال جيوز لغريه أن يعمل به، أ�ه قد ا�عقد اإلمجاع على عدم جواز -٣ ]). ٢٦([فهذان اإلمجاعان جيتثان التقليد من أصله

]). ٢٧([أن وقوع االجتهاد يف املذاهب األربعة، وكذا املذهب الزيدي، واهلادوي، حجة على املقلدة -٤

إىل مسلم قادر على فهم الكتاب والسنة، ومالك ألدوات : تفادة من دراسة الشوكا�ي للتقليد بوصفه ظاهرة فقهية، هي تصنيفه للمسلمواخلالصة املسوجيب عليه االجتهاد، فهذا جيب يف حقه االجتهاد وحيرم عليه التقليد، ومسلم غري قادر على الفهم ومفتقد ألدواته، فهذا حيرم عليه التقليد أيضا،

. لسؤال ملن يثق به ليصل إىل الدليلا

: البعد العقدي -

اإلميان من األبعاد اليت وظفها الشوكا�ي كذلك يف دراسة موضوع التقليد، البعد العقدي، فقد أقام الدليل واحلجة على أن التقليد ينايف مقتضيات : والعبودية هلل تعاىل العتبارات منها

وجعل ذلك من موجبات )) فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى ٱلله وٱلرسول : ((مور املتنازع فيها إىل اهلل ورسوله فقالأن اهلل تعاىل أمر املسلمني برد األ . انفإذا ا�تفى الرد ا�تفى اإلمي) ٥٩:النساء)) (إن كنتم تؤمنون بٱلله وٱليوم ٱالخر: ((اإلميان به إذ قال تعاىل

ة مطلقة أربابا من ومنها أن احلامل للمقلدة على التقليد هو الغلو يف تعظيم أئمتهم، وامتثال آرائهم، فصاروا هبذا التعظيم املبالغ، وما استوجبه من طاعنهم أربابا من دون : ((دون اهلل تعالـى، فصدق فيهم قوله تعالـى رهم ورهبـ ). ٣١:التوبة)) (ٱلله ٱتخذوا أحبـ

Page 29: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

هلل سبحا�ه يف كتابه، ومنها أن اهلل تعاىل إمنا بعث إىل عباده رسوال واحدا، وأ�زل إليهم كتابا واحدا، ومجيع األمم أوهلا وآخرها متعبدون مبا شرعه ا . عني الذين هم أفراد من العامل؟، فكيف باألئمة املتبe، ومن مجلة من هو متعبد هبذه الشريعة رسول اهلل eوعلى لسان رسوله

]). ٢٨([وعليه فال مسوغ للمقلدة يف تقليد أحد العلماء يف مجيع أقواله، وإيثارها على قول غريه، بل على الكتاب والسنة

: البعد املعريف -

ن العلم واملعرفة، وهـو ما جعله حيرص يف من مقتضيات الدراسة الشمولية لظاهرة التقليد عند الشوكا�ي حتديد موقع هذا السلوك الفكري فـي ميزاوالشك أن حماولة مجع وترتيب هذه املتفرقات ترتيبا . مواضع متفرقة، وبأساليب ومضامني خمتلفة، على بيان ماهية التقليد يف �ظر العلم واملعرفة . منهجيا سيعطي صورة متكاملة عن التقليد كظاهرة معرفية، كما رمسها اإلمام الشوكا�ي

التبين وإدراك املعلوم على : هو - عند أهل العلم والنظر -فبين أن حد العلم . د كا�ت أوىل خطواته يف هذا النوع من البحث هو حتديد مفهوم العلموقبينته، وكل من استيقن ما استيقنته وت«: هو -كما قال ابن عبد الرب-وحده عند العلماء واملتكلمني ]).. ٢٩([ما هو به، فمن بان له الشيء فقد علمه

. »شيئا وتبينه فقد علمه

أن الرأي الذي ال : ثا�يتهما. أن العلم هو معرفة احلق بدليله: أوالمها: وهذا التحديد الدقيق ملفهوم العلم جعل اإلمام الشوكا�ي خيلص إىل قاعدتني اثنتنيوال أعلم بني متقدمي علماء هذه األمة وسلفها خالفا أن الرأي ليس بعلم «: وقد استأ�س فـي ذلك بقول ابن عبد الرب. يستند إىل دليل ليس من العلم

]). ٣٠([أي الدليل» حقـيقة، وأما أصول العلم فالكتاب والسـنة

لتقليد ليس هل التقليد علم؟ وهل املقلد عامل؟ فأثبت أن ا: فعلى هاتني املقدمتني أسس اإلمام الشوكا�ي إجابته عن السؤال احملوري يف املوضوع، وهوومنها ). ٣٦:اإلسراء)) (وال تقف ما ليس لك به علم: ((قوله تعاىل: بعلم، وأن املقلد ليس معدودا من أهل العلم، وأكد صحة هذه النتيجة بأدلة منها

]). ٣١([»أمجع الناس على أن املقلد ليس معدودا من أهل العلم«: اإلمجاع الذي �قله ابن عبد الرب حني قال

هم، وقوة اإلدراك، ومنها أن التقليد قائم على فكرة توقف العلم، إذ ادعى املقلدة أن اهلل تعاىل قد رفع ما تفضل به عن من قبلهم من األئمة من كمال الفكما يؤكد ليست كبدايته، بل هو واالستعداد للمعارف، وهي دعوى يف �ظر الشوكا�ي من أبطل الباطالت، بل هي جهالة من اجلهاالت، ألن هناية العلم

وهي قناعة ألف على أساسها اإلمام الشوكا�ي كتابه ]). ٣٢([سائر يف طريق التطور والكمال والنضج العقلي عن طريق ازدياد املعارف وتطورهاي على أن باب االجتهادمل ينسد، وأن ، حيث ذكر فيه أصنافا من اجملتهدين كدليل عملـي وواقـع"\\\البدر الطالع مبحاسن من بعد القرن السابع"\\\

]). ٣٣([األمة لن تعدم أبدا من يقوم فيها باحلجة

إن مل يكن التقليد علما فما هو؟ فكان جوابه أن املقلد إذا تكلم فيما ال : إن إجابة الشوكا�ي عن السؤال السابق بالنفي، وضعته أمام سؤال آخر وهو ]). ٣٤([ف ذلك الشيء، وكو�ه تكلم فيما ال يعرفهكو�ه ال يعر: يعرفه فهو جاهل من جهتني

Page 30: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

)) وأن تقولوا على ٱلله ما ال تعلمون: ((... وإذا كان التقليد جهال، فهو بالضرورة يف مسائل الشرع تقول على اهلل عز وجل مبا مل يقل، بصريح قوله تعاىل ]). ٣٥)([٣٣:األعراف(

: ليد كظاهرة معرفية، مل يقف عند حد إثبات أن التقليد جهل وليس بعلم، بل تعداه إىل التأكيد على مبدأين هامني مهاوالشوكا�ي يف حبثه عن التق

: أمهية وحمورية الدليل يف املنظومة املعرفية اإلسالمية: أوال

ه العقلية اليت أصبحت يف عصور التقليد واجلمود وهذه �قطة جوهرية يف إعادة صياغة العقلية اإلسالمية عموما، والفقهية على وجه اخلصوص، هذمن هنا أكد اإلمام الشوكا�ي ارتباط العلم بالدليل، وأن الرجوع إىل الكتاب والسنة يف . تتعامل مع أقوال العلماء خترجيا وقياسا دون النص الشرعي

]). ٣٦([مسائل الدين من مقتضيات املنهج العلمي السليم

: ملقلدةاختالل منهج ا: ثا�يا

وكثريا ما كشفت هذه . وقد اعتمد يف بيان ذلك طريقة احلوار املنطقي، متدرجا معهم مبا يسلمون به للوصول إىل �قطة اخلالف، فال يسعهم إال التسليم : احلوارات أن تفكري املقلد ال يقوم على منهج سليم تتفق مقدماته مع �تائجه، بل يقوم عل التناقض، من جا�بني

أل�ه ال يعقل احلجة، ولكن إذا سئل عن سبب -أخذ رأي الغري دون دليل -يتجلى يف اعرتاف املقلد أ�ه التزم التقليد : ض يف منهج تفكريهم ذاتهتناق -علم، وهو مقر على �فسه من أين له معرفة العامل واأل: والسؤال املثار. أل�ه أعـلم من غريه: تقليده لعامل بعينه من مجلة علماء األمة يف كل أمور دينه أجاب

. فهو يشهد جبوابه هذا على بطالن دعواه األوىل.أ�ه ال يطالب باحلجة، وال يعقلها إذا جاءته

إىل أن التقليد » البعض«وأمر آخر، أن املقلد يعرتف يف كل مسألة من مسائل الفروع الذي هو مقلد فيها أ�ه ال يدري ما هو احلق فيها، لكن إذا أرشده يف هذه املسألة األصولية املتشعبة تلك املـنزلة -كما قال الشوكا�ي -يف دين اهلل أخذ يف املخاصمة واالستدالل جبواز التقليد، فهال أ�زل �فسه غري جائز

]). ٣٧([اليت كان ينـزهلا يف مسائل الفروع

هم الرتجيح بني روايتني إلمامهم، وإن كان ذلك املرجح مقلدا يتجلى ذلك يف قبوهلم ممن ينتسب إىل مذهب: تناقض قناعتهم الفكرية مع سلوكهم العملي -. اديث املتواترةغري جمتهد وال قريب مـن رتبة االجتهاد، وال يقبلون ممن هو يف رتبة إمامهم، أو أكثر مثل ذلك، ولو عضد ترجيحه باآليات احملكمة واألح

والقياس على ما ذهب إليه وجيعلو�ه دينا، وحيـلون به وحيرمون، وال يقبلون من خمالفهم بل إهنم يقبلون من موافقيهم جمرد التخريج على مذهب إمامهم ]). ٣٨([جمرد الرتجيح بني روايتني إلمامهم

ة قد صار كل واحد منها كالشريع«: وخالصة حتليل الشوكا�ي لشخصـية املقلد العلمـية أ�ه ال منهج له وال منطق، وأن هذه املذاهب الفقهية كما قال ]). ٣٩([»عند أهله، يذودون عنه كتاب اهلل وسنة رسوله وجيعلو�ه جسرا يدفعون به كل ما خيالفه كائنا ما كان

: البعد االجتماعي -

Page 31: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

تمع متى وكيف �شأ؟ ما أسباب ا�تشاره يف اجمل: درس اإلمام الشوكا�ي التقليد كظاهرة اجتماعية، وحاول من خالهلا اإلجابة عن مجلة من األسئلة مثلاألمة اإلسالمي عموما، ويف أوساط املشتغلني بالعلم على وجه اخلصوص؟ وما هي آثاره على بنية اجملتمع النفسية واالجتماعية والعلمية، وكيان

عموما؟

ذاهب األئمة األربعة إمنا كان وقد أكدت أجوبة الشوكا�ي وحتقيقاته أن التقليد مل حيدث إال بعد ا�قراض القرون الثالثة اخليرة، وأن حدوث التمذهب مب، وهذا يدل على أن ظاهرة التقليد مستحدثة، ومل تنشأ مع �شأة التفكري الفقهي، بل وال حتى مع �شأة املدارس ])٤٠([من بعد ا�قراض األئمة األربعة

. الفقهية، وإمنا ظهرت بعد استقرار املذاهب، فهي إذن دخيلة على النسق املعريف اإلسالمي األصيل

الفقهي، فكان من بناء على هذه املقدمات، سعى اإلمام الشوكا�ي إىل بيان األسباب احلقيقية ال�تشار التقليد يف اجملتمع اإلسالمي وطغيا�ه على التفكري و ]): ٤١([مجلة األسباب اليت حررها

الم من جيا�سهم يف اجلهل أكثر قبوال من كالم من خيالفهم يف ذلك إن طبائع اجلاهلني بعلم الشريعة من مقلدة وعامة وسلطان وأعوا�ه متقاربة، وهم لك: أوال . من أهل العلم، وهلذا طبقت هذه البدعة مجيع البالد اإلسالمية، وصارت شاملة لكل فرد من أفراد املسلمني

ن بطبعهم ما خالف مذاهبهم، العتقادهم أهنا جتعل املنتمني إليها يستنكرو - وهو حال سائر أمة اإلسالم -إن النشأة على آراء مذاهب معينة : ثا�يا . هي الشريعة، وأن من خرج عنها خارج عن الدين

. إن إمهال املنهج العلمي يف دراسة آراء العلماء، وتقديسهم وخشية تصويبهم، كان سببا آخر يف ا�تشار التقليد: ثالثا

علماء التقليد، العامة، امللوك، وكثري من : وهم -ألطراف املكو�ة للمجتمع اإلسالميوإضافة إىل هذه األسباب اليت ساقها الشوكا�ي، فقد شاركت أهم ا . يف ترسيخ بدعة التقليد حتى أصبحت هي األصل احلاكم، واملبدأ املهيمن على التفكري والسلوك -علماء االجتهاد

تمع اإلسالمي من خالل إصرارهم على بدعة التقليد، وحتسينهم هلا يف عيون أما علماء التقليد، فقد كان هلم الدور األكرب يف جتذير التقليد يف عقلية اجملومما قوى �فوذهم توليهم جلميع املناصب الدينية يف اجملتمع، . أهل اجلهل، وا�تقاصهم من شأن العلماء اجملتهدين، و�سبتهم إىل االبتداع وخمالفة األئمة املتبعني

منابر لنصرة التقليد، وإشاعة روح التعصب، ومقاطعتهم لكبار العلماء الشتغاهلم بعلوم االجتهاد، وهي عند كالتدريس واإلفتاء والقضاء، واختاذها األئمة هؤالء املقلدة ليست من العلوم النافعة، لعدم عدها من شروط التأهل ملمارسة الوظائف الدينية، وتنصيبهم أل�فسهم محاة للدين، وملذاهب

علماء احملققني املخالفة ملا استقر يف املذهب، فنالوا بذلك املصداقية من العامة، واملشروعية يف متثيل الزعامة العلمية من املتبوعني ضد اجتهادات ال ]). ٤٢([السلطة، فأصبحوا بذلك من صناع الرأي العام

واستدالهلم على العلم باملناصب والقرب من السلطان أما العامة فقد شاركوا يف ترسيخ التقليد بسبب افتقادهم القدرة على التمييز بني العامل وغريه،والسبب يف ذلك أهنم ضموا إىل فقدان العلم فقدان العقل السيما يف أمور الدين، وهلذا . وكثرة األتباع، إضافة إىل أن طباعهم جمبولة على سرعة اال�قياد

إن فقدان العامة هلذه املؤهالت والقدرات . لزم االحنراف عن إمام املذهب املتبعمل يكتشفوا بطالن دعوى املقلدة أن العمل بنص مـن الكتاب أو السنة يست

Page 32: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

لعلمية جعلت منهم أداة ضغط يف يد علماء التقليد، يصنعون هبم الرأي العام بعد أن صريوهم حكاما على العلماء، فا�قلبت بذلك موازين احلياة ا ]). ٤٣([واالجتماعية يف اجملتمع اإلسالمي

قليد م فقد شارك أغلبهم يف ا�تشار التقليد، الشرتاكهم مع العامة يف استدالهلم على العلم بكثرة األتباع، فإذا �ظروا إىل حلقات علماء التأما احلكاكام أن وفـي املقابل يلحظ احل. ووجدوها كثرية العدد، مل يبق عندهم شك أن شيوخ تلك احللقات أعلم الناس فيقبلون قوهلم يف كل أمر يتعلق بالدين

أعواهنم أقل من مقام العلماء اجملتهدين إذا درسوا فـي علم من علوم االجتـهاد ال جيتمع عليهم إال النفر القليل، فيكون مقام هؤالء العلماء عند احلكام و ]). ٤٤([ذلك املقلد، الذي اجتمع عليه املقلدون

ستحكام بدعة التقليد بسبب زهدهم يف إ�كار هذه البدعة، ومداهنة ومداراة العامة أما علماء االجتهاد فقد ساهم كثري منهم بطريق غري مباشر يف ا ]). ٤٥([هوعلماء املقلدة اتقاء لشـرهم وخوفا من تعرضـهم للتبديع والتجهيل والتضليل، وهذه السياسة زادت أ�صار التقليد جترؤا على ما هم في

ظاهرة التقليد عند حد بيان تاريخ ظهورها وأسباب ا�تشارها، بل أضاف إىل ذلك حلقة دراسية ومل يقف اإلمام الشوكا�ي يف دراسته االجتماعية لدون حجة، ثم تدرجت إىل االقتصار على » الغري«أخرى، وهي تتبع اآلثار املرتتبة على التقليد، فبين أن هذه البدعة بدأت باعتقاد جواز أخذ رأي

اعتقاد الصواب يف كل آرائه، واخلطأ يف آراء غريه، ثم إىل تربير عدم عمله بدليل من األدلة بأ�ه تركه ملا هو تقليد واحد من العلماء دون غريه، ثم إىلل أرجح منه عنده، ثم تدرجت ببعضهم إلـى وصف بعض األحـاديث اليت مل يعمل هبا إمامهم بالكذب والبطالن، ثم إىل �شوب عداوة ضارية بني أه

. أ�صار كل مذهب أن إمامهم هو األعلم املذاهب املختلفة، العتقاد

، وملا كا�ت مآالت األفعال معتربة يف استنباط ])٤٦([من هنا، اختذ التقليد كظاهرة اجتماعية أبعادا كثرية شكلت خطرا على كيان األمة ووحدهتاد هذه الفرقة بني أهل اإلسالم مع كوهنم أهل ملة واحدة، لو مل يكن من شؤم هذه التقليدات واملذاهب املبتدعات إال جمر«األحكام، صرح الشوكا�ي أ�ه

]). ٤٧([»و�يب واحد، وكتاب واحد، لكان ذلك كافيا يف كوهنا غري جائزة

: خلفية وتداعيات القول بسد باب االجتهاد: املطلب الثالث

من مقتضى حتريم الشوكا�ي للتقليد ودعوته لالجتهاد، دراسة كان من �تائج شيوع التقليد كمبدأ يف املنظومة الفقهية دعوى سد باب االجتهاد، وقد كان . وحتليل جذور وتداعيات هذه الدعوى

وإذا أمعنت النظر وجدت هؤالء املنكرين إمنا أتوا «أما اجلذور فقد أرجع الشوكا�ي القول بسد باب االجتهاد إىل أسباب ذاتية يف علماء التقليد، فقال فوا على التقليد واشتغلوا بغري علم الكتاب والسنة، حكموا على غريهم مبا وقعوا فيه، واستصعبوا ما سهله اهلل على من من قبل أ�فسهم، فإهنم ملا عك

]). ٤٨([»رزقه العلم والفهم، وأفاض على قلبه أ�واع علوم الكتاب والسنة

ن املشتغلني بطلب علم التقليد، ألن ا�كباهبم على حفظه وفصل كالمه هذا يف موضع آخر بين فيه أن مصدر هذه الدعوى قصور علمي عند املقلديا�بهارهم بعظيم قدر إمامهم، وامتالء قلوبـهم هيبة ممن : وفهمه، وعدم االلتفات إىل غريه أورثهم فـتورا أو مجودا فكريا اختذ صورا وأشكاال كثرية أمهها

Page 33: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

د خمالف إلمامهم يف مسألة خمالف لشيء قطعي، وإن استدل على رأيه باآليات القرآ�ية وكذا عدهم أي جمته. تقرر عندهم أ�ه فـي درجة مل يبلغها أحد ]). ٤٩([ملشهورةواألحاديث املتواترة، وال يزالون منتقصني له بـهذه املخالـفة ا�تقاصا شـديدا على وجه ال يستحلو�ه من الفسـقة وال من أهل البدع ا

مبـررات شرعـية، وال علمية، وال اجتماعية لدعوى سد باب االجتهاد، كما فعل غريه عندما برر هذه الدعوى واملالحظ أن الشوكا�ـي لـم حياول إجياد ]). ٥٠([بعبث عديـمي األهلية يف أحكام الشريعة باسم االجتهاد، وأن اجلوا�ب النظرية يف اإلسالم قد توسعت حتى مل تعد تضيق بالعصور مجيعا

صاره على السبب الذاتي أن املربرات املقدمة لغلق باب االجتهاد كا�ت يف �ظره غري منطقية ومتناقضة، ذلك أن سد باب ولعل السبب يف إصراره واقتجتهد؟ االجتهاد إذا كان سببه قطع طريق العبث بالشريعة اإلسالمية على فاقدي أهلية االجتهاد، فلماذا تشن حرب على من هو أهل لالجتهاد إذا ا

، وقالوا باب االجتهاد مفتوح، والتمسك بالتقليد غري حتمي هلم، )أي بسد باب االجتهاد(وإن أ�كروا القول بذلك «: لشوكا�ي بقولـهوهو ما عبر عنه ا ]). ٥١([»فما بالكم ترمون كل من عمل بالكتاب والسنة، وأخذ دينه منهما بكل حجر ومدر

اب االجتهاد هو ممارسة عدميي األهلية لالجتهاد، أفال ميكن ضبط هذه املسألة بتحديد إذا كان الدافع لسد ب: ومعنى هذا الكالم عند الشوكا�ي أ�ه علمي لشروط اجملتهد دون اللجوء إلـى السـد املطلق أمام القادر والعاجز؟

إن العلم كان ميسرا «: الومبا أن املقلدة صرحوا بأن استحالة االجتهاد سببه استحالة حتقيق شروطه، وهـو ما حكاه الشوكا�ي على لساهنم حيث ق، فهذا معـناه أن باب االجتهاد سـواء فتح أو سد، فقد ])٥٢([»ملن كان قبلهم، ولكنه اآلن أصبح حتصيله صعبا عليهم، وعلى أهل عصورهم املتأخرة

. عدم داخلوه

متوافقا و�ظرته العامة لقضية التقليد واالجتهاد؛ ذلك أل�ه أكد ، تبني أن اإلمام الشوكا�ي كان )ذاتية دعوى سد باب االجتهاد(إن حماولة تقييم هذا الرأي ب االجتهاد عند حتديده لآلراء املستقرة يف مسألة التقليد أن كبار العلماء ومجهورهم يقولون بعدم جواز التقليد، فلم يضع احتمال صدور دعوى سد با

أن أ�صار التقليد أصدروا هذه الدعوى لسبب خاص هبم، وهو عجزهم عن استيفاء منهم، ألن مثل هذا االحتمال يستحيل عقال وشرعا، فلم يبق إال . شروط االجتهاد

: أما تداعيات سد باب االجتهاد، فقد أكد الشوكا�ي أن هذه املقالة تستلزم أربع �تائج خطرية ال يتقبلها العقل اإلسالمي وهي

ألن العلماء العارفيـن هبما مل يبق هلم سبيل على eب معرفة الشريعة من كتاب اهلل وسنة رسوله تسلتزم سد با - سد باب االجتهاد -هذه املقالة : أوالمن أهل امللة اإلسالمية وإذا مل يبق ) ١٨٧:آل عمران)) (وإذ أخذ ٱلله ميثـق ٱلذين أوتوا ٱلكتـب لتبيننه للناس وال تكتمو�ه: ((البيان الذي أمرهم اهلل به

ذهب أو خالفه، من يفهم الكتاب والسنة، مل يبق سبيل إليهما، وإذا ا�قطع السبيل إليهما، فكم حكم منهما ال عمل عليه، وال التفات إليه، سواء وافق امل ]). ٥٣([أل�ه مل يبق من يفهمه ويعرف معناه إىل آخر الدهر

أل�ه مل -فقد ا�قطعت أحكام الكتاب والسنة «: وقد علل الشوكا�ي هذا املضمون بقوله. ، وبقاء جمرد امسهاتستلزم �سخ الشريعة وذهاب رمسها: ثا�يا ]). ٥٤([»وارتفعت من بني العباد، ومل يبق إال جمرد تالوة القرآن ودرس كتب السنة، وال سبيل إىل التعبد بشيء منها -يبق من يفهمهما

Page 34: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ما ابتدعوه من التقليد يف دين اهلل فال يعمل الناس بشيء مما يف الكتاب والسنة، بل ال شـريعة إال ما قد تقرر «: ما قالوالناسخ هلا يف �ظر الشوكا�ي هو ك، وإن خيالفها أحـدمها أو كالمها فال عمل عليه وال حيل التمسك به، )الكتاب والسنة(والعمل على املذاهب ال على ما وافقها منهما ... يف املذاهب ]). ٥٥([»قوهلم ومفاده هذا حاصل

مل يبق يف أهل اإلسالم من يفهم : تستلزم دعوى غلق باب االجتهاد أن شريعة اهلل مقيدة بزمن حمدود وليست مطلقة، وهذه �تيجة حتمية لقوهلم: ثالثا : وعبر الشوكا�ي عن هذا بقوله. الكتاب والسنة

أن خيلق خلقا يفهمون ما شرعه هلم، وتعبدهم به، حتى كان ما شرعه هلم من كتابه وعلى فكذبوا على اهلل وادعوا عليه سبحا�ه أ�ه ال يتمكن من «ليس بشرع مطلق، بل شرع مقيد مؤقت إىل غاية، هي قيام هذه املذاهب، وبعد ظهورها ال كتاب وال سنة، وهذا وإن أ�كروه eلسان رسوله

]). ٥٦([»قد ا�سد باب االجتهاد ومل يبق إال خمرج التقليد: فأي معنى لقوهلمبألسـنتهم، فهو الزم هلم ال حميص هلم عنه، وال مهرب، وإال

يبعث اهلل هلذه األمة يف رأس كل «: ، وقوله])٥٧([»ال تزال طائفة من هذه األمة على احلق ظاهرة« : كقوله eوهذا يستلزم رد ما صح عن الرسول ]). ٥٨([»مائة سنة من جيدد هلا دينها

. ألربع يستلزمها يف �ظر الشوكا�ي القول بسد باب االجتهاد ضرورة، فإذا ما أصر املقـلدة على هذه الدعوى لزمهم اإلقرار هبذه املسائلفهذه املسائل ا

هذه إن«: وبناء على هذه التداعيات اليت اقتضاها القول بسد باب االجتهاد، اعترب الشوكا�ي هذه املقالة من أسوأ مفاسد التقليد و�تائجه حيث قالعة بأسرها، املقالة خبصوصها أعين ا�سداد باب االجتهاد، لو مل حيدث من مفاسد التقليد إال هي، لكان فيها كفاية وهناية، فإ�ـها حادثة رفعت الشري

]). ٥٩([»واستلزمت �سخ كالم اهلل ورسوله، وتقديم غريمها واستبدال غريمها هبما

: لدعوة إىل االجتهادوا.. مقتضيات حرمة التقليد: املطلب الرابع

ويف . لعمليلقد ترتب على �ظرية الشوكا�ي يف التقليد واالجتهاد اليت كشفت املطالب السابقة عن معاملها، قضايا أساسية تناولت املستوى املنهجي وا : ما يأتي تفاصيل ما ترتب على �ظريته يف هذين املستويني

�ظرية الشوكا�ي يف التقليد، فيما خيص اجلا�ب النظري، هو إحداث صنف ثالث بني اجملتهد واملقلد، إن أول ما ترتب على: على املستوى النظري: أوالوسط بني اجملتهد ذلك أن الشوكا�ي مل يفرض على مجيع أفراد العباد بلوغ مرتبة االجتهاد، لكنه يف املقابل مل يبح لغري اجملتهد التقليد، بل أحدث مرتبة

. دليل بواسطة اجملتهد، أو السائل للمجتهد عن األحكام الشرعية وأدلتهاواملقلد، وهو العامل بال

: الذين لـم يروا فـي األمر إال أحد وجهني -وعلى رأسهم الغزايل -وقد كان اقرتاحه هلذا الصنف اجلديد على خالف ما استقر عند كثري من األصوليني . إىل درجة االجتهاد إما اجتهاد للقادر، وإما تقليد للعامي، أو الذي مل يصل

صر واملالحظ أن إحداث الشوكا�ي هلذا الصنف كان أكثر اتساقا وروح الدين اإلسالمي، الذي خياطب يف اإل�سان عقله وفكره، من الرأي الذي ح . إما جمتهد أو مقلد: املكلفني يف صنفني

Page 35: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ي أيضا، وجوب التمسك بالدليل على العامل وغري العامل، فال فرق بني العامل ومن مقتضيات �ظرية التقليد واالجتهاد عند الشوكا�ي، على املستوى النظرعلى الدليل من وغريه يف �ظر الشوكا�ي يف وجوب التمسك بالدليل، واألخذ مبا جاء عن الشارع، وإمنا الفارق الوحيد بينهما هو أن العامل ميكنه الوقوف

أما اجلاهل فيمكنه الوقوف على الدليل بسؤال العلماء عنه، فيفيدو�ه . استـجمع من معارف االجـتهاددون أن يرجع إىل غريه، أل�ه قد استعد لذلك مبا ]). ٦٠([النص إن كان ممن يعقل احلجة، أو يفيدو�ه مضمون النص بالتعبري عنه بعبارة يفهمها، فيكون بذلك عامال بالرواية ال بالرأي

ن العامل الذي قلده غريه إذا كان قد أجهد �فسه يف طلب الدليل، ومل جيده ثم اجتهد رأيه فهو معذور، ولقد استدل الشوكا�ي على صحة هذا املبدأ بأأما املقلد، أو اجلاهل، أو غري العامل فال عذر له إذا قلد يف دين اهلل من هو خمطئ، ألن عدم . وكذا إذا أخطأ فـي اجتهاده فـهو معذور، بل مأجور

]). ٦١([ يستلزم عدم مؤاخذة من قلده يف ذلك اخلطأ، ال عقال وال شرعا وال عادةمؤاخذة اجملتهد على خطئه ال

إذ محلهم مسؤولية النهي . أما على املستوى العملي فقد رأى الشوكا�ي ضرورة بيان واجب العلماء وأويل األمر حنو املقلدين: على املستوى العملي: ثا�ياوواجب على كل من له والية يأمر «: اعترب هذا اإل�كار من أولويات األمر باملعروف والنهي عن املنكر فقالعن التقليد وما ترتب عليه من مفاسد، و

: وذلك العتبارين]) ٦٢([»عنوان كل هني ينهى به عن منكر) املقلدة(فيها مبعروف أو ينهى عن منكر أن جيعل هني املنكر الذي عليه هؤالء

]). ٦٣([باملعـروف والنهي عن املنكر إذا مل تتناول مثل هذا مل تتناول غريهأن أدلـة األمـر : االعتبار األول

أن النيل من عرض فرد من أفراد املسلميـن مـنكر ال خيالف فيه مسلم فكيف مبا جاء مبا هو من أعظم البهتان، وأقبح الشتيمة للشريعة : االعتبار الثا�ي ]). ٦٤([احملمدية والدين اإلسالمي ولعلماء املسلمني

ة اليت تكون وملا كان من أهم شروط جناح عملية اإلرشاد واإلصالح فهم املصلح لطبيعة املدعو، وإدراكه لبنى اجملتمع النفسية واالجتماعية والتارخييوصفه مصلحا، بتحميل املناخ الذي يعيش فيه املدعو، ودراسته ألبعاد شخصيته ومداخلها، وحتديده لنوع اخلطاب املؤثر فيها، مل يكتف الشوكا�ي، ب

وجه لكل فئة العلماء واألمراء مسؤولية النهي عن املنكر، بل سعى إىل تعيني الفئات املكو�ة للمجتمع اإلسالمي، وحتديد مواصفات ومضامني اخلطاب امل . حسب قدراهتا اإلدراكية واستعداداهتا العلمية

]): ٦٥([من هنا صنف أعضاء اجملتمع اإلسالمي إىل أربعة أصناف

أهل العلم الذين يفهمون احلجة، وإمنا حال بينهم وبني الرجوع إليها اعتقادهم أحقية التقليد واستقصار أ�فسهم عن معرفة احلق بنص : الصنف األولفهمها السلف دون اخللف، فهؤالء يعتمد معهم تسهيل ما تعاظموه من احلق ببيان أن اهلل تعبد مجيع األمة مبا يف الكتاب والسنة، وأ�ه مل خيص ب. الدليل

. وأن الكتاب والسنة ومجيع العلوم اليت يستعان هبا على فهمهما مدو�ة وميسرة للمتأخرين أكثر مما كا�ت للمتقدمني

ا هو الوصول إىل ما الذين ال يفهمون احلجة ويتبنون التقليد، وهؤالء أ�فع ما يلقنهم هو ترغيبهم يف علوم االجتهاد، وتعريفهم أن املقصود هب: الصنف الثا�ي . وصل إليه علماء اإلسالم، فإذا ما استعدوا لفهم احلجة اتبع معهم املسلك األول

Page 36: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

العامي املتعصب والذي ال يهتدي إىل طلب علوم االجتهاد بوجه من الوجوه، فأقرب ما يسلكه العامل معه هو أن ينظر إىل أقوال اإلمام : الصنف الثالثلة �اهضة، فيبين له رجحان قوله، ثم يصنع معه هذا الصنيع يف املسائل اليت يعتقدها تقليدا أو جيمد عليها قصورا، فإن ا�تفع الذي يقلده القائمة على أد

. بذلك فهو املطلوب، وإن مل ينتفع فأقل األحوال السالمة من شره

. ي والثالث إىل حد جيعل األوىل إدراجهما ضمن قسم واحدواملالحظة على هذا التصنيف الذي اعتمده الشوكا�ي تشابه وتداخل بني الصنف الثا�

. تعصبونالعامـي الصرف، الذي ال يعرف التقليد وال غريه، فهذا أسرع الناس ا�قيادا وأقـرب إلـى القبول إن سلم من باليا ما يلقيه إليه امل: الصنف الرابع

. يل املقلد القضاء واإلفتاءومما رآه الشوكا�ي على املستوى العملي تأكيده على عدم تو

]): ٦٦([أما القضاء فألن املقلد مل يندب إليه شرعا لعلتني

ال يدري هل أن اهلل تعالـى أمر حـكام العباد أن حيكموا بينهـم مبا أ�زل، واملقلد ال يعرف ما أ�زله اهلل، بل يقر بأ�ه حكم بقول أحد العلماء، و: العلة األوىل . سائل اليت استدل عليها بالدليل أم ال، كما أ�ه ال يدري أهو مصيب يف االستدالل أم خمطئحكم هذا العامل من امل

فالقاضي الذي يف اجلنة هو الذي قضى باحلـق وهو يعلم أ�ه احلـق، . قاضيان يف النار وقاض يف اجلنة: صنف القضاة إىل ثالثة eأن النيب : العلة الثا�ية . ال يعرف احلق من الباطل يف كالم إمامه وهـذا ال ينطبق على املقلد أل�ه

والصورتان تنطبقان على القاضي املقـلد أل�ه إذا قضى . قاض قضى بغري احلق، وقاض قضى باحلق وهو ال يعلم أ�ه احلق: أما القاضيان اللذان يف الناريعلم بأ�ه احلق، أو قضى بغري احلق، وعلى كال التقديرين فهو من إما قضى باحلق وهو ال : مبا قاله إمامه وهو ال يدري أحق هو أم باطل فهو أحد الرجلني

. قضاة النار بنص احلديث

أن يفيت من يسأله عن ) أي املقلد(ال حيل له «: أما اإلفتاء فقد حرمه الشوكا�ي على املقلد أل�ه ال يعرف أحكام الشريعة اإلسالمية على التحقيق فقالق، أو عن الثابت يف الشريعة، أو عما حيل له وحيرم عليه، ألن املقلد ال يدري بواحد من هذه األمور على حكم اهلل أو حكم رسوله، أو عن احل

]). ٦٧([»التحقيق، بل ال يعرفها إال اجملتهد

كان ال يصح ملن كان مقتصرا وإضافة إىل هذه األسباب والتعليالت، فإن الدافع اجلوهري لتحريم الشوكا�ـي القضاء واإلفتاء على املقلد هو أن التقليد إذا ضاء بني يف التقليد على ما تدعو إليه حاجته مما يتعلق بأمور عبادته، ومعاملته، فهو من باب أوىل ممتنع على من رشح �فسه لفتيا السائلني والق

وكا�ـي أن يتوىل القضـاء واإلفتاء إال من كان من هذا املنطلق رفض اإلمام الش]). ٦٨([املتخاصمني، ألن جهـله مل يعد مقصورا عليه بل تعداه إىل غريه . جمتهدا

--------------------------------------------------------------------------------

. ٢٦٥محمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول، ص]) ١([ . المرجع السابق، الصفحة نفسها]) ٢([ . نفسه ])٣([ . نفسه]) ٤([ ). باختصار( ٢٦٨ـ٢٦٧المرجع السابق، ص]) ٥([

Page 37: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

. ١٨محمد بن علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص]) ٦([ ). باختصار( ١٩ـ١٨المرجع السابق، ص]) ٧([ . ٣٤المرجع السابق، ص]) ٨([رجال أحمد رجال الصحيح، : وقال الهيثمي" \ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق"\، وفي بعض طرقه "\..ال طاعة في معصية اهللا"\أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والطبراني بلفظ ]) ٩([

مكتب التربية العربي : رياضال( ١ناصر الدين األلباني، صحيح سنن أبي داود، ط: ؛ وانظر٣/٢٢٦، )دار الكتاب العربي، غ م: بيروت(الهيثمي أبو بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : انظر . ٢٢٨٥، حديث رقم ٢/٤٩٨) م١٩٨٩لدول الخليج،

وهذه رواية "\: ؛ أخرجه ابن حزم في اإلحكام من طريق سالم بن سليم وقال"\هذا إسناد ال تقوم به حـجة ألن الحارث ابن غصين مجهول"\: أخرجه ابن عبد البر في جامع العلم وقال]) ١٠([ . ١/٧٨) م١٩٨٥المكتب اإلسالمي، : بيروت( ٥اني، ناصر الدين، سلسلة األحاديث الضعيفة، طاأللب: انظر". \ساقطة

. ٣٠ـ٢٩محمد بن علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص]) ١١([ . ٤٢، رقم١/٥؛ وابن حبان في صحيحه، ٢٦٧٧رقم، ٥/٤٤؛ والترمذي في السنن، ٤٦٠٧، رقم٥/١٣؛ أبو داود في السنن، ٤/١٢٦أخرجه أحمد في المسند، ]) ١٢([ ). بتصرف( ٣٢محمد بن علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص]) ١٣([ ٢٢المرجع السابق، ص]) ١٤([ ). باختصار( ٢٨ـ٢٢المرجع السابق، ص]) ١٥([ . ٣٦المرجع السابق، ص]) ١٦([ ). باختصار( ٢٦٨الفحول، صمحمد بن علي الشوآاني، إرشاد ]) ١٧([ . ٤٦-٤٥محمد علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص]) ١٨([ . ١٥٨المرجع السابق، ص]) ١٩([ . ٨٩المرجع السابق، ص]) ٢٠([ ). بتصرف( ٣٨المرجع السابق، ص]) ٢١([ ). باختصار( ٣٩-٣٨المرجع السابق، ص]) ٢٢([ ٢٥٤وآاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول، صمحمد بن علي الش]) ٢٣([ ٢٦٨المرجع السابق، ص]) ٢٤([ . ٧٢محمد بن علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص: انظر]) ٢٥([ . ٢٦٧محمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول، ص]) ٢٦([ . ١٤٣ـ١٣٦الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص :انظر]) ٢٧([ . ٧٠؛ القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص٣٣٣، ٢١ص) م١٩٧٦دار إحياء التراث العربي، : بيروت(محمد بن علي الشوآاني، قطر الولي على حديث الولي : انظر]) ٢٨([ . ٨١، ٨٠ل المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص؛ القو٣٢٥المرجع السابق، ص: انظر]) ٢٩([ . ٨٠؛ القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص٣٢٢ـ٣١٣محمد بن علي الشوآاني، قطر الولي على حديث الولي، ص]) ٣٠([ . ٦٣المرجع السابق، ص]) ٣١([ . ٢٥٤محمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول، ص: انظر]) ٣٢([ . ١/٢١٧علي الشوآاني، البدر الطالع، محمد بن ]) ٣٣([ . ٣٥٧محمد بن علي الشوآاني، قطر الولي على حديث الولي، ص]) ٣٤([ . ٣٢٦المرجع السابق، ص: انظر]) ٣٥([ . ٣١٧المرجع السابق، ص]) ٣٦([ ). بتصرف( ٩٦ـ٩٥، والقول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص)بتصرف( ٣٣٠ـ٣٢٩المرجع السابق، ص: انظر]) ٣٧([ ). بتصرف( ٣٤٤محمد علي الشوآاني، قطر الولي على حديث الولي، ص]) ٣٨([ . ٣٤٥المرجع السابق، ص]) ٣٩([ . ٤٥- ٤٤محمد بن علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص]) ٤٠([ . ٨٥، ٥٦تهاد والتقليد، ص؛ القول المفيد في أدلة االج٥٩، ٤١، ٤٠الشوآاني، أدب الطلب، ص: انظر]) ٤١([ . ٤٩-٤٦محمد علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص: انظر]) ٤٢([ . ٦٨-٦٧المرجع السابق، ص]) ٤٣([ . ٤٨المرجع السابق، ص]) ٤٤([ . ٣٥٩ـ٣٥٨؛ قطر الولي، ص٤٧المرجع السابق، ص: انظر]) ٤٥([ . ٧١ـ٧٠؛ أدب الطلب، ص٣٩لمفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، صمحمد بن علي الشوآاني، القول ا]) ٤٦([ . ٤٠المرجع السابق، ص]) ٤٧([ . ٢٥٤محمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول، ص]) ٤٨([ . ٥٣ـ٥٢محمد بن علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص]) ٤٩([ . ، وما بعدها١/٥٦٢) م١٩٩٢دار سوزلر، : اسطنبول( ١بديع الزمان سعيد النورسي، آليات رسائل النور، الكلمة السابعة والعشرون، ط: مثالانظر آ]) ٥٠([ . ٦٥محمد علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص]) ٥١([ . ٢٥٤ن علم األصول، صمحمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق م]) ٥٢([ . ٦٤؛ والقول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص٣٤٥محمد بن علي الشوآاني، قطر الولي على حديث الولي، ص]) ٥٣([ . ٣٤٥محمد بن علي الشوآاني، قطر الولي على حديث الولي، ص]) ٥٤([ . ٦٤- ٦٣يد، صمحمد بن علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقل]) ٥٥([ . ٦٥-٦٤المرجع السابق، ص] ) ٥٦([محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه : انظر" \ال يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر اهللا وهم ظاهرون"\متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة بلفظ ]) ٥٧([

. ١٢٤٩حديث رقم ) م.دار المعرفة، غ: بيروت(الشيخان ، حديث ٣/٨٠٩صحيح سنن أبي داود، : ، ورمز له الشيخ ناصر الدين األلباني بالصحة؛ انظر٤٢٧٠أخرجه أبو داود في السنن، آتاب المالحم، باب ما يذآر في القرن المائة، برقم ]) ٥٨([

. ١٨٧٤رقم ؛ وصحيح الجامع الصغير، حديث٥٩٩األلباني، سلسلة األحاديث الصحيحة، رقم : ؛ وانظر٣٦٠٦رقم . ٦٦- ٦٥محمد بن علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص]) ٥٩([ ). بتصرف( ٨٦المرجع السابق، ص]) ٦٠([ ). بتصرف( ٨٧انظر، المرجع السابق، ص]) ٦١([ . ٣٥٨ـ٣٥٧محمد بن علي الشوآاني، قطر الولي على حديث الولي، ص]) ٦٢([ . ٨٧آاني، أدب الطلب ومنتهى األرب، صمحمد بن علي الشو]) ٦٣([ . ٣٥٨محمد بن علي الشوآاني، قطر الولي على حديث الولي، ص]) ٦٤([ ). باختصار( ١١٢ـ١١٠محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب ومنتهى األرب، ص]) ٦٥([ . ١٠٠- ٩٨محمد بن علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص]) ٦٦([ . ١٠٨المرجع السابق، ص) ]٦٧([ . ٩٩-٩٧المرجع السابق، ص]) ٦٨([ . ٢محمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول، ص]) ٦٩([ . ٣المرجع السابق، ص]) ٧٠([ . ٢المرجع السابق، ص] ) ٧١([ . المرجع السابق، الصفحة نفسها]) ٧٢([ . ٢٥٠المرجع السابق، ص]) ٧٣([ . المرجع السابق، الصفحة نفسها]) ٧٤([ . نفسه]) ٧٥([ . نفسه]) ٧٦([ ). بتصرف( ٨٣ص) م١٩٨٥مؤسسة الرسالة، : بيروت( ٣نادية شريف العمري، االجتهاد في اإلسـالم، ط]) ٧٧([ ). بتصرف( ١٩٠المرجع السابق، ص]) ٧٨([ . ٥١١-٥٠٩ص) م١٩٧٩مكتبة دار التراث، : القاهرة( ٢طأحمد محمد شاآر، : محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق]) ٧٩([ . ٢٥٠محمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول،ص]) ٨٠([ . نفسه]) ٨١([ . ٢٥١المرجع السابق، ص]) ٨٢([ . نفسه]) ٨٣([ . المرجع السابق، الصفحة نفسها]) ٨٤([ . نفسه]) ٨٥([ . نفسه]) ٨٦([

Page 38: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: املبحث الثا�ي-الشوكا�ي عند اإلمام -أسس جتديد املنهج الفقهي -الفصل الثالث » منوذج الشوكا�ي معامل جتديد املنهج الفقهي» كتب األمة سلسلة « حتقيق احلق من علم أصول الفقه

حتقيق احلق من علم أصول الفقه: املبحث الثا�ي

: وكا�يمربرات جتديد علم األصول عند الش: املطلب األول

ومتثلت مربرات هذا العمل . لقد كان األساس الثا�ي الذي أقام عليه الشوكا�ي جتديد املنهج الفقهي هو جتديد علم أصول الفقه بتحقيق احلق منه : املنهجي يف أمرين

. أن أصول الفقه هو منهج استنباط األحكام الفقهية، وأي جتديد يف الفقه يقتضي جتديدا يف أصوله: األول

أن الرتاث األصويل صار يؤخذ مسلمات ال جمال لنقاشها، وبالتحقيق والتمحيص يتبين أن منه ما ال مستند له من الشرع، وقد عبر عن ذلك : الثا�يغالب األحكام، وكا�ت علم أصول الفقه ملا كان هو العلم الذي يأوي إليه األعالم، وامللجأ الذي يلجأ إليه عند حترير املسائل وتقرير الدالئل يف «: بقوله

تشهد ملا قاله مسائله املقررة وقواعده احملررة تؤخذ مسلمة عند كثري من الناظرين، كما تراه يف مباحث الباحثني وتصا�يف املصنفني، فإن أحدهم إذا اسد مؤسسة على احلق احلقيق بالقبول، مربوطة بكلمة من كالم أهل األصول، أذعن له املنازعون وإن كا�وا من الفحول، العتقادهم أن مسائل هذا الفن قواع

]). ٦٩([»بأدلة علمية من املعقول واملنقول، تقصر عن القدح يف شيء منه أيدي الفحول وإن تبالغت يف الطول

�ظر الشوكا�ي حيل وقد �تج عن هذا التصور الذي استقر يف العقل الفقهي واألصويل عن علم أصول الفقه تكريس التقليد، وهو ما جعل الرأي البحت يف هذا الفن الذي رجع كثري من اجملتهـدين بالرجـوع إليه إىل التقليد من حيث ال يشعرون، ووقع ....«: حمل الدليل يف التفكري األصويل والفقهي حيث قال

]). ٧٠([»غالب املتمسكيـن باألدلة بسببه يف الرأي البحت وهم ال يعلمون

، والذي التزم فيه منهجا خاصا قوامه عدم ذكر "\إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول"\صنيف كتابه فهذه املربرات محلت الشوكا�ي على ت ]). ٧١([»املبادئ اليت يذكرها املصنفون فـي هذا الفن، إال ما كان لذكره مزيد فائدة يتعلق هبا تعلقا تاما وينتفع هبا فيه ا�تفاعا زائدا«

: ت جتديد علم األصول عند الشوكا�يجماال: املطلب الثا�ي

محلين «: للقد أفصح اإلمام الشوكا�ي يف مقدمة كتابه إرشاد الفحول عن املقصد الذي توخاه من حتقيق علم أصول الفقه، وعن جماالت هذا التحقيق فقاراجحه من مرجوحه، وبيان سقيمه من صحيحه، ذلك بعد سؤال مجاعة يل من أهل العلم على هذا التصنيف يف هذا العلم الشريف قاصدا به إيضاح

درك احلق احلقيق موضحا ملا يصلح منه للرد إليه وما ال يصلح للتعويل عليه، ليكون العامل على بصرية يف علمه، يتضح له هبا الصواب، وال يبقى بينه وبني ]). ٧٢([»بالقبول حجاب

: قيقه ومتحيصه، وأ�ه يكون من خالل جمالني اثننيوهذه املقالة تبني أن جتديد علم أصول الفقه عنده هو حت

Page 39: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

. بيان الراجح من املرجوح والسقيم من الصحيح: اجملال األول

. بيان ما يصلح للرد إىل علم أصول الفقه وما ال يصلح: واجملال الثا�ي

: ويف اآلتي تفصيل اجملالني

: بيان الراجح من املرجوح والسقيم من الصحيح: اجملال األول

ملفردات اليت تساعد أهم ما قام به الشوكا�ي يف هذا اجملال حتقيق بعض املفردات األصولية �ظرا ألمهيتها، وميكن االكتفاء يف هذا املقام بالتمثيل ألهم او . على تصور فكره األصويل

: �ظرية االجتهاد: املفردة األوىل

: وتناوهلا من زوايا متعددة أمهها

: هاد واجملتهدضبط مفهوم االجت: أوال

، ])٧٣([»استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن حبكم شرعي: لقد أورد الشوكا�ي يف حتديده ملفهوم االجتهاد تعريفات عديدة، منها تعريف ابن احلاجبوغريها من ]) ٧٤([»استفراغ الوسع يف طلب الظن بشيء من األحكام الشرعية على وجه حيس من النفس العجز عن املزيد عليه«: وتعريف اآلمدي

. التعريفات اليت اشتملت على قيود ما�عة من دخول أفراد غري املعرف فيها

]). ٧٥([»بذل الوسع يف سبيل حكم شرعي عملي بطريق االستنباط«: لكن التعريف الذي ارتضاه اإلمام الشوكا�ي وتوىل شرح قيوده قيدا قيدا هواملستثمر : التعريف الذي تبناه أن األوىل ليست شاملة جلميع أفراد املعرف، إذ أهنا ركزت على عنصرينوالفارق بني التعريفات اليت ساقها وبني هذا

وقد استثمر الشوكا�ي . للحكم، أي اجملتهد، ومثرة االجتهاد، ومل تتضمن طرق استثمار األحكام أي االستنباط، وهو ما اشتمل عليه التعريف الذي تبناهوخيرج بطريق االستنباط �يل األحكام من النصوص ظـاهرا، أو حفظ املسـائل، أو استعالمها من املفيت، «: جملـتهد حيث قالهذا القيد يف ضبط مفهوم ا

]). ٧٦([»أو بالكشف عنها يف كتب العلم، فإن ذلك وإن كان يصدق عليه االجتهاد اللغوي، فإ�ه ال يصدق عليه االجتهاد االصطالحي

هو الذي يستطيع �يل احلكم الشرعي بطريق االستنباط من الكتاب والسنة، وأن جمرد حفظ فروع الفقه ومسائله يف وفحوى كالمه هذا أن اجملتهدمبجتهدي -بعد استقرار املذاهب وشيوع التقليد -من هذا املنطلق مل يعد الشوكا�ي ما اصطلح على تسميته . مذهب ما، ال جيعل من صاحبه جمتهدا

. من أهل االجتهاد) دو التخريج وجمتهدو الفتياجمته: وهم �وعان(املذهب

د يف مسائل والسبب يف ذلك أن النوع األول يقتصر عمله على تطبيق العلل الفقهية اليت استخرجها إمامه فيما مل يعرض له من مسائل، وليس له أن جيتهمبنيا على اعتبارات ال وجود هلا يف عرف قد �ص عليها يف املذهب إال يف دائرة معينة، وهي أن يكون استنباط اإلمام فيها

Page 40: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

أما النوع الثا�ي أي جمتهدو الفتيا فعملهم . فاالستنباط عند هذا النوع من العلماء ال يكون من الكتاب والسنة، بل من أقوال اإلمام املتبع]).٧٧([املتأخرين ]). ٧٨([تنباطا أصاليقتصر على ترجيح بعض األقوال على بعض بقوة الدليل أو بغريه مما ال يعد اس

: ضبط شروط االجتهاد: ثا�يا

، ثم توسع األصوليون بعده يف تفصيل هذه الشروط، ويعد عمل ])٧٩([إىل شروط االجتهاد بشكل إمجايل" \الرسالة"\تعرض اإلمام الشافعي يف كتابه كما أصبح قدوة ملن بعده يف اعتماد منهج التخفيف يف الشروط اإلمام الغزايل خالصة ما ا�تهى إليه العلماء السابقون يف ضبط شروط االجتهاد،

وبعد استقرار املذاهب وشيوع التقليد توسعت كتب املتأخرين يف احلديث عن شروط االجتهاد، وسبب ذلك أن العلماء قسموا االجتهاد . األساسية . إىل مراتب، األمر الذي اقتضى منهم بيان شروط كل مرتبة اجتهاد مطلق، واجتهاد مقيد، وقسموا هذا األخري: بالنسبة إىل اجملتهد إىل

.. لفقه وأصولهأما الشوكا�ي فقد اعتمد منهجا خاصا يف بيان شروط االجتهاد يتوافق و�ظريته العامة يف التقليد واالجتهاد، وخيدم دعوته التجديدية ل : وميكن حتديد معامل هذه املنهجية يف النقاط اآلتية

. فـي شـروط االجـتهاد على اجملتهد املطلق، أل�ه ال يدرج باقي األقسام واملراتب ضمن دائرة االجتهادحصر حديثه -

العلم بنصوص الكتاب : تأكيده الشروط التأهيلية األساسية اليت جيب حتققها يف اجملتهد، حبيث إذا ختلف أحدها مل يكن أهال هلذا املنصب، وهي -ملن يقول حبجيته؛ العلم باللغة العربية؛ العلم بأصول الفقه؛ العلم بالناسخ واملنسوخ؛ وأعرض عن الشروط اليت ال يتوقف والسنة؛ معرفة مسائل اإلمجاع

وهي شروط أدى التمسك هبا عند املتأخرين إىل احلكم . عليها وجود ملكة االجتهاد، وبلوغ درجة اجملتهد، وإمنا تسمو بصاحبها إلـى درجة الكمال . يق مجيعها يف عامل واحد، ومن ثم اإلعالن عن شغور منصب االجتهادباستحالة حتق

. عدم اإلطناب يف شرح الشروط غري املكتسبة، كالبلوغ، والعقل، واالكتفاء بذكرها فقط ألهنا شروط التكليف فهي بدهية -

. العلماء يف تفاصيل هذه الشروط النظر االجتهادي يف مناقشة الشروط األساسية، وحتـقيق ما يراه احلق بعد مناقشة آراء -

وال يشرتط معرفته جبميع الكتاب والسنة بل «: ففي الشرط األول، وهو العلـم بنصوص الكتاب والسنة، وافـق ما استقر عليه العلماء من ختفيف فقال، اعرتض على الغزايل وابن العربي تقديرمها آيات ففي العلم بالكتاب. ، ولكن كا�ت له بعض االعرتاضات يف التفاصيل])٨٠([»مبا يتعلق منهما باألحكام

ودعوى االحنصار يف هذا املقدار إمنا هي باعتبار الظاهر للقطع بأن يف الكتاب العزيز من اآليات اليت تستخرج منها «: األحكام خبمسمائة آية فقال ]). ٨١([»ام من اآليات الواردة جملرد القصص واألمثالاألحكام الشرعية أضعاف أضعاف ذلك، بل من له فهم صحيح، وتدبر كامل يستخرج األحك

وال «: ك، فقالويف العلم بالسنة، علق على اختالف العلماء يف القدر الذي يكفي اجملتهد من السنة، إذ قيل مخسمائة، وقيل ألف ومائتني، وقيل غري ذلواحلق الذي ال شـك فيه، وال شبهة أن اجملتهد البد أن يكون عاملا . ل التفريطخيفاك أن كالم أهل العلم يف هذا الباب من قبيل اإلفراط، وبعضه من قبي

، والكتب مبا اشتملت عليه جماميع السنة اليت صنفها أهل الفن، كاألمهات الست وما يلحق هبا، مشرفا على ما اشتملت عليه املسا�يد، واملستخرجات

Page 41: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ون حمفوظة له مستحضرة يف ذهنه، بل يكون ممن يتمكن من استخراجها من مواضعها بالبحث اليت التزم مصنفوها الصحة، وال يشرتط يف هذا أن تك ]). ٨٢([»عنها عند احلاجة إىل ذلك

ألحكام وقد رد الشوكا�ي بكالمه هذا على ما ذهب إليه الغزايل، ومجاعة من األصوليني، من أن اجملتهد يكفيه أن يكون عنده أصل جيمع أحاديث اوأن يكون ممن له متييز بني الصحيح منها واحلسن «: كما عد الشوكا�ي من مستلزمات العلم بالسنة، العلم مبصطلح احلديث فقال]).٨٣([دكسنن أبي داو

: ، وذكر ختفيفا يف هذا الشرط فقال»والضعيف، حبيث يعرف حال رجال اإلسناد معرفة يتمكن هبا من احلكم على احلديث بأحد األوصاف املذكورة

س من شرط ذلك أن يكون حافظا حلال الرجال عن ظهر قلب، بل املعترب أن يتمكن بالبحث يف كتب اجلرح والتعديل من معرفة حال الرجال مع ولي«و غري كو�ه ممن له معرفة تامة مبا يوجب اجلـرح وما ال يوجبه من األسباب، وما هو مقبول منها، وما هـو مردود، وما هو قادح من العلل، وما ه

]). ٨٤([»ادحق

أن يكون عاملا بلسان العرب، حبيث ميكنه تفسري ما ورد يف الكتاب والسنة من «ويف الشرط الثالث وهو العلم باللغة العربية، أكد أ�ه على اجملتهد جها من مؤلفات األئمة املشتغلني أن يكون حافظا هلا عن ظهر قلب، بل املعترب أن يكون متمكنا من استخرا«، وال يشرتط يف �ظره ])٨٥([»الغريب وحنوه

، ولكنه رفض التخفيف الذي هو حمل اتفاق مجيع األصوليني، وهو أ�ه يكفي اجملتهد أن يعلم من اللغة والنحو القدر الذي يفهم به خطاب ])٨٦([»بذلكاجملتهد يف األحكام أن يبلغ درجة االجتهاد يف وإمنا اشرتط على]). ٨٧([العرب، وعاداهتم يف االستعمال، وال يشرتط أن يبلغ درجة اخلليل واملربد

: العربية وعلومها إذ قال

يان، حـتى وإمنا يتمكن من معرفة معا�يها، وخواص تراكيبها، وما اشتملت عليه من لطائف املزايا، من كان عاملا بعلم النحو والصرف واملعا�ي والب«اج إليه عند وروده عليه، فإ�ه عند ذلك ينظر يف الدليل �ظرا صحيحا، ويستخرج منه يثبت له يف كل فن من هذه ملكة يسـتحضر هبا كل ما حيت

]). ٨٨([»األحكام استخراجا قويا

وإذا حاولنا فهم خلفية هذا املوقف من ]).٨٩([ومما جتدر اإلشارة إليه أن هذا الرأي مل يذهب إليه من األصوليني غري اإلمام الشوكا�ي واإلمام الشاطيبذلك . قليدكالمه السابق يتبين أن الشوكا�ي اشرتط االجتهاد يف علم اللغة للمجتهد، ألن ذلك ميكنه من النظر املستقل يف األدلة، ويعصمه من التخالل

سوغ له أن يعمل أل�ه إذا وقع �زاع، أو خالف يف معنى، أو حكم توقف عليه فهم �ص شرعي، تعين عليه بذل الوسع يف معرفة احلق بني املختلفني، وال يفالتقليد يف اللغة يف �ظر الشوكا�ي خيل حبقيقة . على أحد املذاهب النحوية، أو البيا�ية يف تقرير حكم إال أن يستبني له رجحا�ه بدليل، وإال كان مقلدا

. االجتهاد

جواز اكتفاء اجملتهد بقراءة خمتصر يف اللغة العربية، من])٩٠([ومما ترتب على موقفه هذا، رفض ما ذهب إليه بعض األصوليني، كابن عرفة وابن الوزيرهو معرفة خمتصراهتا أو كتاب متوسط من املؤلفات املوضوعة فيها -النحو والصرف والبيان - ومن جعل املقدار احملتاج إليه من هذه الفنون «: فقال

ا مما يزيد اجملتهد قوة يف البحث، وبصرا يف االستخراج، وبصرية يف حصول فقد أبعد، بل االستكثار من املمارسة هلا والتوسع يف اإلطالع على مطوالهت . »واحلاصل أ�ه البد أن تثبت له امللكة القوية فـي هـذه العلوم، وإمنا تثبت هذه امللكة بطول املمارسة وكثرة املالزمة لشيوخ هذا الفن. مطلوبه

Page 42: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ضرورة اإلحاطة به لفهم كتاب اهلل تعاىل، ألهنا ليست الزمة الستخراج األحكام، وإمنا هي ملعرفة واستثنى الشوكا�ي من علوم اللغة علم البالغة، فلم ير ]). ٩١([بالغة القرآن الكريم وما عليه من إعجاز

الجتهاد، وأساسه الذي أن يكون عاملا بعلم أصول الفقه؛ أل�ه عماد ا«أما يف الشرط الرابع وهو العلم بأصول الفقه، فقد أكد الشوكا�ي أ�ه على اجملتهد وعليه أن ينظر يف كل مسألة من مسائله «: ومقصوده بالعلم هنا هو النظر املستقل وعدم التقليد، وهو ما جعله يقول]).. ٩٢([»تقوم عليه أركان بنائه

فـي هذا الفن صعب عليه الرد وخـبط فيه �ظرا يوصل إلـى ما هو احلق فيها، فإ�ه إذا فعل ذاك متـكن من رد الفروع إىل أصوهلا بأيسر عمل، وإذا قصر ]). ٩٣([»وخلط

املقدمات، فمن مل يكن وفحوى كالم الشوكا�ي أ�ه من كان مقـلدا يف القضايا األصولية، لن يكون مستقال يف استنباطه للفروع الفقهية، ذلك ألن النتائج تتبع . جمتهدا يف إحدى مقدمات االجتهاد، فليس مبجتهد

ريها التحليلية لشروط االجتهاد عند الشوكا�ي تبين أن العلوم اليت ضمنها تلك الشروط هي املطلوبة لبلوغ رتبة االجتهاد، وأن التبحر يف غإن الدراسة الشوكا�ي رليس مرادا للقدرة على االجتهاد، وال ما�ع منه عند اإلمكان، فإن به فقط يظهر التفاوت بني اجملتهدين، وهذا يؤكد قناعة أساسية يف فكاب االجتهاد التجديدي، وهي أن االجتهاد يسره اهلل تعاىل لعباده وشروطه مقتدر على حتصيلها، فال رخصة يف التزام التقليد، وال مربر للحكم بغلق ب

: بدعوى عدم وجود من هو أهل ملمارسته، وهو ما خلصه بقوله

يفهم به كتاب اهلل، بعد أن يقيم لسا�ه بشيء من علم النحو والصرف، وشطر من مهمات ال رخصة ملن علم لغة العرب، ما: والذي أدين اهلل به أ�ه«ئله واحدا أو مجاعة كليات أصول الفقه يف العمل مبا يفهمه من آيات الكتاب العزيـز، أو السنة املطهرة، وال حيل التمسك مبا خيالفه من الرأي، سواء كان قا

]). ٩٤([» أو اجلمهور

: ب االجتهادمرات: ثالثا

علوم مطلوبة لبلوغ رتبة االجتهاد، وهي اليت ضمها شروط االجتهاد اخلمسة، وعـلوم : فرق الشوكا�ي يف حديثه عن شروط االجتهاد بني �وعني من العلوم : مرتبتنيمن هذا املنطلق جعل مراتب االجتهاد . ليست شـرطا لبلوغ رتبة االجـتهاد، ولكن يظـهر هبا التفاوت بني اجملتهدين

هو اجملتهد الذي كملت له مجيع أ�واع علوم الدين، وصار قادرا على استخراج األحكام من األدلة متى شاء، وكيف شاء، فيصري ببلوغه : املرتبة األوىل ]). ٩٥([الية من طبقات اجملتهدينهذه املرتبة من العلم إماما مرجوعا إليه، مستفادا منه مأخوذا بقوله، مدرسا ومفتيا ومصنفا، وهذه الطبقة الع

د من إدراك وعلو هذه املرتبة تقتضي يف �ظر الشوكا�ي اإلحاطة بعلوم أخرى غري تلك اليت حوهتا شروط االجتهاد، منها علم املنطق الذي ميكن اجملتها علم الكالم ملعرفة حقيقة االعتقادات وإ�صاف كل فرقة ومنه]).٩٦([احلجج العقلية واستيعاب املباحث املنطقية اليت يوردها املؤلفون يف علوم االجتهاد

ومنها علم التاريخ، عده من العلوم . ،كما يفيد يف حسن فهم علوم أخرى كعلم التفسري وعلم تفسري احلديث])٩٧([بالرتجيح أو التجريح على بصريةلم يف حتقيق بعض املسائل الفقهية أو األصولية، كما فعل فـي مسألة خلو وكثريا ما يوظف الشوكا�ي هذا الع]).٩٨([املطلوبة هلذه الطبقة من اجملتهدين

Page 43: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ومنها العلوم الفلسفية كالعلم الرياضي والطبيعي واهلندسة ]).٩٩([العصر عن اجملتهد، إذ أثبت بالدليل التارخيي عدم وقوع اخللو، كما سيأتي بيا�ه . واهليئة والطب

ودع عنك ما تسمعه من التشنيعات، فإهنا كما « : بعض أهل العلم من هذه العلوم عن االشتغال هبا قائالهذا، وقد حذر اجملتهد من أن يثنيه تنفريخيشى على قدمنا لك من التقليد، وأ�ت بعد العلم بأي علم من العلوم حاكم عليه مبا لديك من العلم، غري حمكوم عليك، واخرت لنفسك ما حيلو، وليس

]). ١٠٠([»رع من شيءمن قد ثبت قدمه يف علم الش

ولقد وجد�ا لكثري من العلوم اليت ليست من « : كما رفض أن حيصر جمتهد هذه املرتبة �فسه يف دائرة العلوم الشرعية دون التفتح على باقي العلوم، فقالالعلم بكل فن « وقرر يف األخري أن . »له بالدليلعلم الشرع �فعا عظيما وفائدة جليلة يف دفع املبطلني، واملتعصبني، وأهل الرأي البحت، ومن ال اشتغال

]). ١٠١([»خري من اجلهل به بكثري، وال سيما من رشح �فسه للطبقة العلية واملنـزلة الرفيعة

غريه، ودون أن اجملتهد الذي بإمكا�ه معرفة ما طلبه منه الشارع من أحكام التكليف والوضع على وجه يستقل فيه بنفسه، وال حيتاج إىل: املرتبة الثا�يةوشروط هذا الصنف من اجملتهدين هي شروط االجتهاد اخلمسة اليت ]). ١٠٢([تتعدى فوائد معارفه إىل غريه كما هو احلال عند جمتهد املرتبة األوىل

: حددها الشوكا�ي، إذ قال

مستغنيا عن غريه، ممنوعا من العمل بغري دليل، وعليه أن فمن علم هبذه العلوم علما متوسطا يوجب ثبوت مطلق امللكة يف كل واحد منها صار جمتهدا«ينتفع بذلك ا�تفاعا يبحث عند كل حادثة حيتاج إليها يف دينه عن أقوال أهل العلم وكيفية اسـتدالهلم يف تلك احلادثـة، وما قالوه، وما رد عليهم به، فإ�ه

ن قصر عن أهل الطبقة األوىل فليس مبحتاج فيما يتعلق به من أمر الدين إىل زيادة على هذا كامال، ويضم إىل علمه علوما، وإىل فهمه فهوما، وهو وإ . »])١٠٣([املقدار

: إشكالية جواز خلو العصر عن اجملتهد: رابعا

: لقد أخذت إشكالية جواز خلو العصر عن اجملتهد حيزا كبريا يف �ظرية االجتهاد عند الشوكا�ي، وذلك العتبارات ثالثة

فقد ادعى من قال خبلو العصر عن اجملتهد جبواز ذلك شرعا . أهنا كا�ت املقدمة النظرية اليت أسست عليها دعوى غلق باب االجتهاد: االعتبار األول . من هنا أقام الشوكا�ي استدالله ببطالن هذه الدعوى على عدم جوازها شرعا وعقال]). ١٠٤([وعقال

حلكم الشرعي لالجتهاد، وهو أ�ه فرض كفاية إذا مل يوجد من يقوم به أثم اجلميع، فهو إذن واجب على األمة اإلسالمية، وقد أما األول فقد استفاده من اوال تزال «: من قولـه eال خيفاك أن القول بكون االجتهاد فرضا يستلزم عدم خلو الزمان عن جمتهد، ويدل على ذلك ما صح عنه «: خلص هذا يف قوله

وأما عدم اجلواز العقلي فاحتج له بأن من طبيعة العلوم واملعارف أن تزداد وتتطور، فقال . »ميت على احلق ظاهرين حتى تقوم الساعةطائفة من أ : معرتضا على من ادعوا جواز خلو العصر من جمتهد

Page 44: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

مال الفهم، وقوة اإلدراك، واالستعداد للمعارف، فهذه إن قالوا ذلك باعتبار أن اهلل عز وجل رفع ما تفضل به على من قبل هؤالء من هذه األئمة من ك«عصورهم، دعوى من أبطل الباطالت، بل هي جهالة من اجلهاالت، وإن كان ذلك باعتبار تيسر العلم ملن قبل هؤالء املنكرين وصعوبته عليهم، وعلى أهل

ره اهلل للمتأخرين تيسريا مل يكن للسابقني، ألن التفاسري للكتاب العزيز قد فهذه أيضا دعوى باطلة، فإ�ه ال خيفى على من له أد�ى فهم أن االجتهاد قد يسهو زيادة دو�ت، وصارت يف الكثرة إىل حد ال ميكن حصره، والسنة املطهرة قد دو�ت، وتكلم األئمة على التفسري والتخريج والتصحيح والرتجيح مبا

فاالجتهاد على املتأخرين أيسر . ن قبل هؤالء املنكرين، يرحل للحديث الواحد من قطر إىل قطرعلى ما حيتاج إليه اجملتهد، وقد كان السلف الصاحل م ]). ١٠٥([» وأسهل من االجتهاد على املتقدمني، وال خيالف يف هذا من له فهم صحيح وعقل سوي

ذلك ألن الذين قالوا جبواز خلو العصر عن جمتهد مل . دمهتغير مضمون اإلشكالية من جواز اخللو وعدمه إىل جواز وجود اجملتهد وع: االعتبار الثا�ياخللق كاملتفقني على أ�ه «: يكتفوا به، بل جتاوزوا ذلك يف الواقع إىل عدم جواز وجود جمتهد يف عصرهم، وما بعده، فقد �قل الشوكا�ي عن الرافعي قوله

]). ١٠٧([قد خال العصر عن اجملتهد ، كما �قل عن القفال والغزايل والرازي أ�ه])١٠٦([»ال جمتهد اليوم

وع الفعلي، مل جيد واملالحظ هنا أن اإلشكالية قد أخذت بعدا آخر، إضافة إىل اإلمكان الشرعي والعقلي، وهو الوقوع التارخيي، وما دام األمر تعلق بالوقباعتبار املعاصرين هلم فقد عاصر القفال والغزايل والرازي والرافعي إن قالوا ذلك«: الشوكا�ي بدا من االستناد إىل علم التاريخ إلبطال هذه الدعوى فقالومن كان له إملام بعلم التاريخ واإلطالع على أحوال علماء اإلسالم يف كل عصر ال . من األئمة القائمني بعلوم االجتهاد على الوفاء والكمال مجاعة منهم

]). ١٠٨([»مجع اهلل له من العلوم فوق ما اعتده أهل العلم يف االجتهاد خيفى عليه مثل هذا، بل قد جاء بعدهم من أهل العلم من

أن العلماء الذين وزيادة يف البيان والتأكيد، مل يقف الشوكا�ي عند حد استقراء التاريخ اإلسالمي عموما، بل ا�تقل إىل تاريخ املذهب الشافعي، باعتبار : صرحوا بعدم وجود جمتهد شافعية، فقال

ن هؤالء الذين صرحوا بعدم وجود اجملتهدين شافعية فها حنن �صرح لك من وجد من الشافعية بعد عصرهم ممن ال خيالف خمالف يف أ�ه مجع وملا كا«ابن حجر تلميذه أضعاف علوم االجتهاد، فمنهم ابن عبد السالم، وتلميذه ابن دقيق العيد، ثم تلميذه ابن سـيد الناس، ثـم تلميذه زين الدين العراقي، ثم

فهؤالء ستة أعالم، كل واحد منهم تلميذ من قبله، قد بلغوا من املعارف العلمية ما يعرفه من يعرف مصنفاهتم حق . العسقال�ي، ثم تلميذه السيوطي املعاصرين هلؤالء كثري من ثم يف. معرفتها، وكل واحد منهم إمام كبري يف الكتاب والسنة، حميط بعلوم االجتهاد إحاطة متضاعفة، عامل بعلوم خارجة عنها

]). ١٠٩([»املماثلني هلم، وجاء بعدهم من ال يقصر عن بلوغ مراتبهم، والتعداد لبعضهم فضال عن كلهم حيتاج إىل بسط طويل

يف أن ابن عبد ومل خيتلف اثنان«: كما حاول الشوكا�ي أن يفند دعوى عدم وجود جمتهد من داخل املذهب الشافعي ذاته، إذ �قل عن الزركشي قولهوهذا اإلمجاع من هذا الشافعي يكفي يف مقابلة حكاية االتفاق من ذلك الشافعي «: ، ثم علق قائال»السالم بلغ رتبة االجتهاد، وكذلك ابن دقيق العيد

. »اخللق كاملتفقيـن علـى أ�ه ال جمتهد اليوم«: يقصـد قول الرافعي]). ١١٠([»الرافعي

قول بعدم جواز وجود جمتهد اقتضى القول بوجوب تقليد املذاهب املبتدعة وحصر احلق فيها وحدها واستقر يف العقل الفقهي، إن ال: االعتبار الثالث . فأصبح التقليد أمرا واجبا، واالجتهاد أمرا منكرا]).١١١([» أ�ه ال اجتهاد بعد استقرار املذاهب وا�قراض أئمتها«: كما قال الشوكا�ي

Page 45: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

فقالت طائفة منهم ليس ألحـد أن جيتهد بعد أبي حنيفة، وأبي يوسف، وزفر، «: ه الشوكا�ي على لسان أ�صار املذاهب إذ قاليؤكد هذا ما �قلليس "\: ملالكيواهلذيل، وحممد بن احلسن الشيبا�ي، واحلسن ابن زياد اللؤلؤي، وإىل هذا ذهب غالب املقلدة من احلنفية، وقال بكر بن العالء القشريي ا

ليس ألحد أن جيتهد بعد األوزاعي، وسفيان الثوري، ووكيع بن اجلراح، وعبد اهلل بن املبارك، : ، وقال آخرون"\ن جيتهد بعد املائتني من اهلجرةألحد أ ]). ١١٢([»وقال آخرون ليس ألحد أن جيتهد بعد الشافعي

ملطلق املستقل، أل�ه ال يعترب غريه من جمتهدي املذاهب من أهل واملالحظ يف هذا االستشهاد أن الشوكا�ي ركز على مدعي خلو العصر عن اجملتهد افواتح "\قال صاحب . ولكن يف احلقيقة، األمر تعدى احلكم با�عدام اجملتهد املطلق إىل احلكم با�عدام جمتهد املذهب أيضا. االجتهاد كما سبق بيا�ه

. من بعد العالمة النسفي، واختتم االجـتهاد به، وعنوا االجتـهاد فـي املذهـب ثم إن من الناس من حكم بوجوب اخللو«": \الرمحوت شرح مسلم الثبوت ]). ١١٣([»وأما االجتهاد املطلق، فقالوا اختتم باألئمة األربعة، حتى أوجبوا تقليد واحد من هؤالء األربعة

ئط يعز وجودها فـي زما�نا فـي شخص من العلماء، بل ال هذه الشرا«: وقال عامل األقطار الشامية ابن أبي الدم، بعد سرده شروط االجتهاد املطلق ]). ١١٤([»بل وال جمتهد يف مذهب إمام تعترب أقواله وجوها خمرجة على مذهب إمامه... يوجد يف البسيطة اليوم جمتهد مطلق

خلص إىل أن وقوع اخللو ممنوع شرعا وعقال واحلاصل أن الشوكا�ي بعد دراسته التحليلية ألبعاد ومرتكزات إشكالية جواز خلو العصر عن اجملتهد، : وواقعا، و أهنا دعوى باطلة ال يلزم هبا أحد فقال

ملن فـتح اهلل وباجلملة فتطويل البحث يف مثل هذا ال يأتي بكثري فائدة، فإن أمره أوضح من كل واضح، وليس ما يقوله من كان من أسراء التقليد بالزم «ومن حصر فضل اهلل على بعض خلقه، وقصر فهم هذه الشريعة املطهرة على من .. ه من العلم ما خيرج به عن تقليد الرجالعليه أبواب املعارف، ورزقـ

]). ١١٥([»تقدم عصره، فقد جترأ على اهلل عز وجل، ثم على شريعته املوضوعة لكل عباده، ثم على عباده الذين تعبدهم اهلل بالكتاب وبالسنة

: هادجتزؤ االجت: خامسا

واملقصود بتجزؤ االجتهاد أن جيتهد العامل . من املسائل اليت ميزت �ظرية االجتهاد عند الشوكا�ي وجعلتها أساس التجديد الفقهي، قضية جتزؤ االجتهادوتبعه يف ذلك ]) ١١٧[(وأول من أثار هذه اإلشكالية وحكم جبوازها اإلمام الغزايل يف كتابه املستصفى]).١١٦([يف استنباط بعض األحكام دون بعض

حجتهم يف ذلك أ�ه قد ]).١١٨([مجهور األصوليني كاآلمدي، والقرايف، وابن القيم، وابن اهلمام، وابن دقيق العيد، وابن السبكي، وابن قدامة، وغريهم ]). ١١٩([االجتهاد متكن العناية بباب من األبواب الفقهية حتى حتصل املعرفة مبأخذ أحكامه، وإذا حصلت املعرفة باملآخذ أمكن

أن ثبوت ملكة االجتهاد : وثا�يهما.. تعلق علوم االجتهاد بعضها ببعض: أوهلما: أما اإلمام الشوكا�ي فقد ذهب إىل عدم جواز جتزئة االجتهاد لسببني : وهو ما سطره يف قوله. جتعل العامل قادرا على االجتهاد يف مجيع أبواب ومسائل الفقه

االجتهاد يف بعض املسائل ال يقتدر عليه يف البعض اآلخر، وأكثر علوم االجتهاد يتعلق بعضها ببعض، ويأخذ بعضها حبجزة بعض، إن من ال يقتدر على«ريد حبث، وإن وال سيما ما كان من علومه مرجعه إىل ثبوت امللكة، فإهنا إذا متت كان مقتدرا على االجتهاد يف مجيع املسائل، وإن احتاج بعضها إىل ف

Page 46: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

لذلك فإن ادعى بعض املقصرين بأ�ه قد اجتهد يف مسألة، فتلك . صت مل يقتدر على شيء من ذلك، وال يثق من �فسه لتقصريه، وال يثق به الغري�ق ]). ١٢٠([»الدعوى تبني بطالهنا بأن يبحث معه من هو جمتهد اجتهادا مطلقا، فإ�ه يورد عليه من املسالك واملآخذ ما ال يتعقله

متسك الشوكا�ي مبنع جتزء االجتهاد جعلته يرفض التفريق بني معرفة باب من أبـواب الفقه، وبيـن معرفة مسـألة من مسـائله، إذ أجاز بعضثم إن شدة : وقد سجل هذا الرفض بقوله. العلماء االجتهاد يف األول ومنعوا من الثا�ي

ا على أن اجملتهد ال جيوز له احلكم بالدليل حتى حيصل له غلبة الظن حبصول املقتضى وال فرق عند التحقيق يف امتناع جتزؤ االجتهاد، فإهنم قد اتفقو«حيصل له وعدم املا�ـع، وإمنا حيصل ذلك للمجتهد املطلق، وأما من ادعى اإلحاطة مبا حيتاج إليه فـي باب دون باب، أو فـي مسألة دون مسألة، فال

غري ما قد بلغ إليه علمه، فإن قال قد غلب ظنه بذلك فهو جمازف، وتتضح جمازفته بالبحث شيء من غلبة الظن بذلك، أل�ه ال يزال جيوز ال ]). ١٢١([»معه

د، يؤكد أن إن حماولة فهم موقف الشوكا�ي هذا فهما حيقق االرتباط العضوي واال�سجام الداخلي بني هذا العنصر والعناصر السابقة يف �ظرية االجتهاإزالة فكرة صعوبة االجتهاد وتعذره، وتأكيد يسر شروطه، وحتصيل ملكته، فإذا ثبتت : أوهلما: جتزؤ االجتهاد سببه أمرين رفض اإلمام الشوكا�ي ملبدأ

. أن االجتهاد اجلزئي كان هو املنفذ الذي يتنفس منه العلماء بعد غلق باب االجتهاد: ثا�يهما. ملكة االجتهاد، متكن العامل من االجتهاد يف كل األحكامهو النافذة اليت استطاع هبا العلماء ختفيف غلو أو سد باب االجتهاد، �زوال حتت عامل الضرورة أو -االجتهاد اجلزئي -كان .... «: الزحيليقال

]). ١٢٢([»احلاجة اليت تصادف العلماء يف كل زمن لإلفتاء يف حكم احلوادث املتجددة

القول -مرتكزها الشرعي، وهو جواز خلو العصر عن اجملتهد، فما الداعي إىل فتح هذا املنفذ وحيث إن اإلمام الشوكا�ي قد أبطل هذه الدعوى وفند خاصة وأ�ـه ال يرى قـيام فرض االجـتهاد إال باجملتهد املطلق، وغريه ليس معدودا من أهل االجتهاد؟ - بتجزؤ االجتهاد

: اإلمجاع والقياس: املفردة الثا�ية والثالثة

أما اإلمجاع، فلم يعده دليال شرعيا، لعدم ورود دليل على حجيته، . اإلمجاع والقياس: ألصولية اليت راجعها الشوكا�ي وحقق مباحثهامن املفردات اوهذا املوقف جعله يركز يف دراسته التحقيقية ]). ١٢٣([»إ�ه ليس بدليل شرعي على فرض إمكا�ه، لعدم ورود دليل يدل على حجيته«: حيث قال . على موضوع احلجية أكثر من تركيزه على إمكا�ية اإلمجاع يف �فسه، وإمكان العلم به، وإمكان �قلهلإلمجاع

لني هبا، وهو ومرتكزه يف �في حجية اإلمجاع أ�ه مل يرد دليل على حجيته، وأن أدلة القائلني حبجيته خارجة عن حمل النـزاع وال تدل على مطلوب املستدكم أمة وسطا : (( إذ علق على استدالهلم بقوله تعالـى. عية تصري دينا ثابتا على كل األمة إىل يوم القيامةاعتبار قول اجملمعني حجة شر وكذلك جعلنـ

: بقوله) ١٤٣:البقرة)) (لتكو�وا شهداء على ٱلناس

ال يستلزم أن يكون قوهلم حجة شرعية تعم هبا البلوى، فإن مجاع مبجموعهم عدوالليس يف اآلية داللة على حمل النـزاع أصال، فإن ثبوت كون أهل اإل«مر ديين يصري دينا ذلك أمر إىل الشارع ال إىل غريه، وغاية ما يف اآلية أن يكون قوهلم مقبوال إذا أخربو�ا عن شيء من األشياء، وأما كون اتفاقهم على أ

Page 47: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

لقيامة فليس يف اآلية ما يدل عـلى هذا، وال هي مسوقة هلذا املعنى، وال تقتضيه مبطابقة وال تضمن وال ثابتا عليهم وعلى من بعدهم إىل يوم ا ]). ١٢٤([»التزام

eإن غاية ما فيه أ�ه «: بقوله» ال تزال طائفة من أميت ظاهرين على احلق حتى يأتيهم أمر اهلل وهم ظاهرون«: eكما علق على استدالهلم حبديث النيب ]). ١٢٥([»عن طائفة من أمته بأ�ـهم يتمسكون مبا هو احلق، ويظهرون على غريهم، فأين هذا من حمل النـزاع؟ أخبـر

اتساع البالد اإلسالمية، : وقد استند الشوكا�ي يف موقفه الرافض لعد اإلمجاع مصدرا من مصادر التشريع اإلسالمي بعدم إمكان وقوعه، لعدة موا�ع أمههاال تتسع لذلك فضال عن األعمار -كما قال - للعلم، وتعذر االسـتقراء التام ملا عـند كل واحـد منهم، فإن األعمار الطويلة وكثرة احلاملني

]). ١٢٦([القصرية

الشريعة يستدل به أصال من أصول -خالفا ملا ذهب إليه اجلمهور من الصحابة والتابعني والفقهاء واملتكلمني -فلم يعده اإلمام الشوكا�ي : وأما القياسفالقياس الذي يذكره أهل األصول ليس بدليل شرعي تقوم به احلجة على أحد من عباد اهلل، وال جاء «: على األحكام اليت يرد هبا السمع، حيث قال

]). ١٢٧([»دليل شـرعي يدل على حجيته، وإن زعـم ذلك من ال خربة له باألدلة الشرعية وال بكيفية االستدالل هبا

ب، أو حلن إلمام الشوكا�ي مل ينف كل ما يسـمى قياسا، بل استثنى ما كان منصوصا على علته، أو مقطوعا فيه بنفي الفارق، أو كان من فحوى اخلطاواو حلن فاعلم أن القياس املأخوذ به هو ما وقع النص على علته، وما قطع فيه بنفي الفارق، وما كان من باب فحوى اخلطاب، أ«: اخلطاب، فقال

]). ١٢٨([»اخلطاب، على اصطالح من يسمى ذلك قياسا، وقد قدمنا أ�ه من مفهوم املوافقة

رفضه كدليل شرعي، أي بوصفه مصدرا : أوال. إن الدراسة املستفيضة لنظرية القياس عند اإلمام الشوكا�ي تبين أ�ه رفض القياس على مستويني . حلكم الشرعيرفضه كمنهج للبحث عن ا: ثا�يا.. لألحكام

: أما رفضه للقياس كدليل شرعي مستقل فيعود إىل سببني

فٱعتبروا : ((منها قوله تعاىل]) ١٢٩([أن املثبتني للقياس قد استدلوا بآيات ال تدل يف �ظره على حجيته، ال مبطابقة، وال تضمن، وال التزام: السبب األولر ولو ردوه إلى ٱلرسول وإلى أولى ٱالمر منهم : ((، وقوله عز وجل)٩٥: املائدة)) (فجزاء مثل ما قتل من ٱلنعم: ((تعاىل، وقوله )٢:احلشر)) (يأولى ٱالبصـ

ملعاذ بن جبل عندما بعثه إىل eحديث النيب : اع؛ مثل، كما استدلوا بأحاديث خارجة عن حمل النـز) ٨٣: النساء)) (لعلمه ٱلذين يستنبطو�ه منهمدليل على حجية القياس، لكن الشوكا�ي فسر االجتهاد بالرأي بأ�ه استفراغ اجلهد يف الطلب للحكم من » أجتهد رأيي وال آلوا«اليمن، إذ اعتربوا قوله

: النصوص اخلفية؛ وعلى التسليم بأ�ه يدل على القياس فإ�ه كما قال

عد أيام النبوة اللة للحديث إال على العمل بالقياس يف أيام النبوة، ألن الشريعة إذ ذاك مل تكمل، فيمكن عدم وجدان الدليل يف الكتاب والسنة، وأما بال د«مبا حيتاج إليه أهل الشـرع، إما بالنص عـلى ، وال معنى لإلكمال إال وفاء النصوص)٣:املائدة)) (ٱليوم أكملت لكم دينكم: (( فقد كمل الشرع لقوله تعاىل

]). ١٣٠([») ٣٨:األ�عام)) (ما فرطنا فى ٱلكتـب من شىء: ((كـل فرد، أو با�دراج ما حيتاج إليه حتت العمومات الشاملة، ومما يؤيد ذلك قوله تعاىل

Page 48: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

هذه األقيسة صادرة عن الشارع املعصوم، الذي يقول اهلل سبحا�ه فيما «: قائال من قياسات eكما رد اإلمام الشوكا�ي استدالهلم مبا ثبت عن النيب كم عنه فٱ�تهوا : ((، ويقول يف وجوب اتباعه)٤:النجم)) (إن هو إال وحى يوحى: ((جاء�ا به عنه ، )٧:احلشر)) (وما ءاتـكم ٱلرسول فخذوه وما �هـعن حمل النـزاع، فإن القياس الذي كالمنا فيه إمنا هو قياس من مل تثبت له العصمة، وال وجب اتباعه، وال كان كالمه وحيا، بل من جهة وذلك خارج

]). e»([131وقد قدمنا أ�ه وقع االتفاق على قيام احلجة بالقياسات الصادرة عنه . �فسه األمارة وبعقله املغلوب باخلطأ

لكان ذلك إمنا هو على القياسات اليت وقـع «ع الصحابة على حجية القياس، فقد �فى اإلمام الشوكا�ي حصوله، وأكد أ�ه لوحدث أما استدالهلم بإمجافيها توه مبسالك تتغلغلالنص على علتها، واليت قطـع فيها بنفي الفارق، فما الدليل على أهنم قالوا جبميع أ�واع القياس الذي اعتربه كثري من األصولييـن وأثب

]). ١٣٢([»العقول حتى تأتي مبا ليس من الشرع يف ورد وال صدر؟

أن األقيسة الثالثة اليت استثناها من النفي العام، وقال حبجيتها، مدلول عليها بدليل األصل، مشمولة به، مندرجة حتته، حيث قال يف : السبب الثا�ي : بيان ذلك

ذلك النص على العلـة، ألن الشارع كأ�ه صرح باعتبارها إذا وجدت يف شيء من املسائل من غري فرق وأما ما كا�ت العلة فيه منصوصة، فالدليل هو «وهكذا ما وقع القطع فيه بنفي الفارق، فـإ�ه هبذا القدر قد صار األمران اللذان ال فارق بينهما شيئا واحـدا، ما دل على . بني كو�ه أصال أو فرعا

وأما فحوى اخلطاب وحلنه، فهذان راجعان إىل املفهوم واملنطوق، وإن مسامها . ن تعـدية، وال اعتمـاد أصلية وال فرعيةأحدمها دل على اآلخر مـن دو ]). ١٣٣([»بعض أهل العلم بقياس الفحوى

لفارق، أو كان بثبوت الفرق مع القطع بنفي ا -القياس -وإن كان «: من هنا استنتج الشوكا�ي أن تسمية هذا النوع بالقياس إمنا هو جمرد اصطالح فقاله قياسا بفحوى اخلطاب أو كا�ت العلة منصوصة، فهذا وإن أطلق عليه اسم القياس فهـو داخل داللة األصل، مشمول مبا دل عليه، مأخوذ منه، وتسميت

ح يف موضع آخر بأ�ه من مفهوم وهبذا االعتبار مل يعد الشوكا�ي القياس دليال شرعيا مستقال، بل صر]).. ١٣٤([»إمنا هو جمرد اصطالح ]). ١٣٥([املوافقة

: أما رفضه للقياس كمنهج للبحث عن احلكم الشرعي، فريجع كذلك إىل سببني

ا أن املسـائل األصولية تستفاد من لغة العرب، أو من دليل شرعي، أو من علم من العـلوم املعتربة فـي الرتجيح، وما ال يرجع من مسائل هذ: السبب األول ]). ١٣٦([لفن إىل هذه األصول الثالثة فهو من علم الرأي املذموما

كان يف معارضة أدلة الكتاب والسنة، أو كان باخلرص والظن مع التقصري عن معرفة النصوص، أو «ومدلول مصطلح الرأي املذموم عند الشوكا�ي هو ما وما دام العلم هو معرفـة احلق بدليله، وكل ما ]). ١٣٧([»حدثت به البدع وغيـرت به السننكان متضـمنا تعطيل أمساء اهلل تعالـى وصفـاته، أو كان مما أ

إال ما كان راجعا منها إىل العلة -، فإن مسـالك العـلة الـيت أثبت بـها األصوليون القـياس ])١٣٨([ال يبنى على دليل فهو من علم الرأي املذمومشعبة من شعب الرأي، و�وع من أ�واع الظنون الزائفة، وخصلة من خصال «فهي يف �ظر الشوكا�ي -اخلطاب املنصوصة، والقطع بنفي الفارق، وفحوى

]). ١٣٩([»مل يدل عليها دليل من الشرع"\أل�ه " \اخلياالت املختلفة

Page 49: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

هبذا املنحى الذي اختذه منهجا سليما يف أن القياس قد اتخذ ذريعة عند كثري من أهل الرأي للتالعب بنصوص الكتاب والسنة، فلم يعد: السبب الثا�ي : قال الشوكا�ي. استنباط األحكام الشرعية

ا هو منه أوهن ولقد تالعب كثري من أهل الرأي بالكتاب والسـنة تالعبا ال خيفى إال على من ال يعرف اإل�صاف هبذه الذريعة القياسية، وعولوا على م«ومن أ�كر هذا، فلينظر املصنفات يف الفقه، ويتتبع مسائلها املبنية على جمرد (...) آ�ية وأحاديث �بوية من بيت العنكبوت، وقدموه على آيات قر

تة يف كتاب القياس، املبين على غري أساس، مع وجود أدلة �رية، وبراهني مرضية، ومن هذا الباب دخل أهل الرأي، وإليه خرجوا من أبواب األدلة الثاب . ])١٤٠([»اهلل وسنة رسوله

جل مما سبق، يتبين أن اإلمام الشوكا�ي رفض القياس من منطلقني، منطلق �قلي، أل�ه مل يثبت دليل شرعي يدل على حجيته، ومنطلق منهجي ألن . جمرد خيال ليس على ثبوهتا إشارة من علم -يف �ظر الشوكا�ي -مسالك العلة اليت أثبت هبا األصوليون القـياس هي

: تعليق

: شوكا�ي األصولية التحقيقية ملفردة القياس كشفت عن التزامه بثالثة مبادئ يف االجتهاد األصويل التجديديإن دراسة ال

فقد �ظر الشوكا�ي فـي معا�ي مفردة القياس وحققـها، وأثبت ما رآه . عدم االعتداد مبجرد االسم دون النظر يف معا�ي املسميات وحقائقها: املبدأ األول . وهذا املبدأ يعصم األصويل احملقق من التسليم املسبق بكل مسائل هذا الفن، ويساعده على النظر املستقل فيها. د ما مل يكن كذلكصوابا منها، وفن

ني فقد حاول الشوكا�ي تضييق اهلوة ب. دفع النـزاع بإجياد خمرج من اخلالف، ومن ثم تصحيح بعض املفاهيم اليت أ�تجتها حدة اخلالف: املبدأ الثا�ي : النافني للقياس، واملثبتني له، فقال

النوع من ثم اعلم أن �فاة القياس مل يقولوا بإهدار كل ما يسمى قياسا، وإن كان منصوصا على علته، أو مقطوعا فيه بنفي الفارق، بل جعلوا هذا«، ويصغر عندك ما استعظموه، ويقرب لديك ما بعدوه، ألن القياس مدلوال عليه بدليل األصل، مشموال به، مندرجا حتته، وهبذا يهون عليك اخلطب

املعنوي، اخلالف يف هذا النوع اخلاص صار لفظيا، وهو من حيث املعنى متفق على األخذ به والعمل عليه، واختالف طريقة العمل ال يستلزم االختالف ]). ١٤١([»ال عقال وال شرعا وال عرفا

، هون الشوكا�ي من بعض املواقف األصولية اليت أفرزها اخلالف احلاد بني �فاة القياس ومثبتيه، اليت منها عدم االعتداد وبناء على هذا املوقف التقريبـيحـجتهم يف ذلك . خبالف من أ�كر القياس؛ وقد �سب هذا القول إىل القاضي أبي بكر، والغزايل، واألستاذ أبي إسحاق الذي �سبه بدوره إلـى اجلمهور

إن منكري «: ، وكذلك قول اجلويين])١٤٢([القياس ال يعرف طرق االجتهاد، وإمنا هو متمسك بالظواهر، فهو كالعامي الذي ال معرفة له أن من أ�كر ]). ١٤٣([»القياس ليسوا من علماء األمة وال من محلة الشريعة، ألن معظم الشريعة صادرة عن االجتهاد، وال تفي النصوص بعشر معشارها

Page 50: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

وال خيفاك أن هذا التعليل يفيد خروج من أ�كر القياس وأ�كر العمل به كما كان من كثري من «: إلمام الشوكا�ي هذا الرأي وتعليالته قائالولقد ا�تقد اص ، ثم أكد أن دعوى �صوص الشريعة ال تفي بعشر معشارها ال تصدر إال عمن مل يعرف �صو])١٤٤([»األئمة، فإهنم أ�كروه عن علم به ال عن جهل له

]). ١٤٥([»الشريعة حق معرفتها

إن املعرفة احلقة ملفردات األصول هي السبيل السـليم الختاذ موقف علمي جتاهها، وأن رفض أي دليل من األدلة ال يعين حبال من األحوال : املبدأ الثالثعن العمل هبذا القياس، فال أحـذره عن العلم -ب العلم أي طال -وإ�ي وإن حذرته «: الزهد أو التزهيد يف العلم به، هذا ما أكده الشوكا�ي يف قـوله

به، وتطويل الباع يف معرفته، واإلحاطة مبا جاء به املصنفون من أهل األصول يف مباحثه، فإ�ه ال يعرف صحة ما قلته إال من عرفه حق ]). ١٤٦([»معرفته

) . (بيان ما يصلح للرد إىل علم أصول الفقه وما ال يصلح: اجملال الثا�ي

إليها وحتكيمـها لقد بين الشوكا�ي أن فرز القضايا األصولية األصيلة عن القضايا الدخيلة على هذا العلم، تفيد يف معرفة املسائل اليت يصلح رد الفروع : عند تعارض األدلة، فقال عند حـديثه عن التباس ما هو من الرأي البحت بشيء من العلوم اليت هي مواد االجتهاد

على مسائل ا ما يقع ذلك يف أصول الفقه، فإ�ه قد اختلط فيها املعروف باملنكر، والصحيح بالفاسد، واجليد بالردئ، فرمبا يتكلم أهل هذا العلم وكثري«أهنا منه، فريد إليها من مسائل الرأي وحيرروهنا ويقرروهنا وليست منه يف شيء، وال تعلق هلا به بوجه، فيأتي الطالب هلذا العلم إىل تلك املسائل فيعتقدم املسائل الفروعية، ويرجع إليها عند تعارض األدلة، ويعمل هبا يف كثري من املباحث، زاعما أهنا من أصول الفقه ذاهال عن كوهنا من عل

]). ١٤٧([»الرأي

فيتمثل يف رد مسائل هذا الفن إىل املصادر أما الضابط املنهجي الذي تعرف به املسائل اليت هي من علم األصول، واملسائل اليت هي عارية عليه،الرتجيح، املستفادة منها، ذلك أن مسائل األصول تستفاد يف �ظر الشوكا�ي من لغة العرب، أو من دليل شرعي، أو من علم من العلوم اليت هلا دخل يف

. يهفريد املسألة إىل األصل املستفادة منه فيتبين هل هي من علم أصول الفقه أم دخيلة عل

ما هو راجع لقد حاول الشوكا�ي تطبيق هذا الضابط املنهجي على املباحث األسـاسية يف علم األصول، مبتدئا مببحث الدالالت، مبينا أن من مسائله : إىل لغة العرب رجوعا ظاهرا، ومثل لذلك بقوله

بين، وما يقتضيه األمر والنهي، وحنو هذه األمور، فالواجب على اجملتهد أن كبناء العام على اخلاص، ومحل املطلق على املقيد، ورد اجململ إىل امل« هذا على ... فما وافقه فهو األحق بالقبول واألوىل بالرجوع إليه. يبحث عن مواقع األلفاظ العربية، وموارد كالم أهلها، وما كا�وا عليه يف مثل ذلك

]). ١٤٨([»املقدم على كل شيءفرض عدم وجود دليل شرعي يدل على ذلك، فإن وجد فهو

هل يبنى العـام على اخلاص مطلقا، أم مشروطا بشرط أن يكون اخلاص متأخرا؟ وهل حيمل املطلق على املقيد مع : ومنها ما هو خمـتلف فيه مثل ]) ١٤٩([ريم أم غريه؟اخـتالف السبب أم ال؟ ومعنى األمـر احلقيقي، هل هو الوجـوب أم غريه؟ ومعنى النهي احلقيقي، هل هو التح

Page 51: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

فإذا أردت الوقوف على احلق يف حبث من هذه األحباث فا�ظر فـي اللغة العربية، واعمل على ما هو موافق هلا، مطابق ملا « : يف مثل هذه القضايا قالمن كون األمر يفيد الوجوب، -رعية كان عليه أهلها، واجتنب ما خالفها، فإن وجدت ما يدل على ذلك من أدلة الشرع، كما تقف عليه يف األدلة الش

. »فاملسـالة أصولية، لكوهنا قاعدة كلية شرعية لكون دليلها شرعيا، كما أن ما يستفاد من اللغة من القواعد الكلية أصولية لغوية -والنهي يفيد التحريم

جعة إىل لغة العرب، املستفادة منها على وجه يكون قاعدة فهذه املباحث، وما شاهبها من مسائل النسخ ومسائل املفهوم واملنطوق، الرا« : ثم أضافكلية، هي مسائل األصول، واملرجع هلا، الذي يعرف به راجحها من مرجوحها، هو العلم الذي هي مستفادة منه، مأخوذة من موارده

]). ١٥٠([»ومصادره

وأما «: و ما كان راجعا إىل الشرع، أو معلوما من لغة العرب فقالكما طبق الشوكا�ي الضابط �فسه على مباحث القياس واستخلص أن املعترب منه هوبيان ذلك أ�ـهم جعلوا للعلة مسـالك عشرة ال تقوم احلجة بشيء .. مباحث القياس فغالبها من حبت الرأي، الذي ال يرجع إىل شيء مما تقوم به احلجة

ما كان معلوما من لغة العرب كاإلحلاق مبسلك إلغاء الفارق، وكذلك قياس األوىل املسمى منها إال ما كان راجعا إىل الشرع، كمسلك النص على العلة، أو ]). ١٥١([»عند البعض بفحوى اخلطاب

فما كان من تلك املباحث الكلية مستفادا من أدلة الشرع، فهو أصويل شرعي، وما كان مستفادا من « : وعن مباحث الكتاب والسنة واإلمجاع قالكما اعترب من حمض الرأي، االستحسان، ]). ١٥٢([»ة فهو أصويل لغوي، وما كان مستفادا من غري هذين، فهو من علم الرأيمباحث اللغ

]). ١٥٣([واالستصحاب، والتالزم

لشرع منها فهو حق، شرعية، فما ا�تهض عليه دليل ا... «وأما املباحث املتعلقة باالجتهاد والتقليد، وشرع من قبلنا، وقول الصحابي، فهي يف �ظره إن كان املرجح مستفادا من علم من العلوم املدو�ة، فاالعتبار بذلك العلم، « : وأما املباحث املتعلقة بالرتجيح فريى أ�ه]).. ١٥٤([» وما خالفه فباطل

]). ١٥٥([»ي فإ�ه مردودفإن كان له مدخل يف الرتجيح، كعلم اللغة، فإ�ه مقبول، وإن كان ال مدخل له إال جملرد الدعوى كعلم الرأ

تنبيهه إىل أن : األوىل: إن استيعاب هذا الضابط املنهجي، وحسن تطبيقه على مباحث علم أصول الفقه، ميكن الباحث يف �ظر الشوكا�ي من فائدتنيمنها املسائل املدو�ة يف األصول، لريجع إرشاده إىل العلوم اليت تستمد : بعض ما دو�ه أهل األصول يف الكتب األصولية ليس من األصول يف شيء، الثا�ية ]). ١٥٦([إليها عند النظر فـي تلك املسائل، حتى يكون على بصرية ويصفـو له هذا العلم

-----------------------------------------------

. ٢/٣٥٢)م١٩٨٣دار الكتب العلمية،: لبنان( ٢أبو حامد الغزالي، المستصفى، ط]) ٨٧([ . ٢٥٢ـ٢٥١مد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول، صمح]) ٨٨([ . ١١٧ -٤/١١٤أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات، ]) ٨٩([ . ٤٣١ص) م١٩٨٤دار الثقافة،:المغرب( ١الوافي المهدي، االجتهاد في الشريعة اإلسالمية، ط])٩٠([ . ٥٤ص) م١٩٧٩دار النهضة العربية، : القاهرة(لقول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد إبراهيم إبراهيم هالل، اإلمام الشوآاني واالجتهاد والتقليد، تحقيق ا]) ٩١([ . ٥٢محمد بن علي الشوآاني، المرجع السابق، ص]) ٩٢([ . المرجع السابق، الصفحة نفسها]) ٩٣([ . ،وما بعدها٢/٨٤محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع،]) ٩٤([ . ١٥٢ـ١٢٦محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب ومنتهى األرب، ص]) ٩٥([ . ١٤٣المرجع السابق، ص]) ٩٦([ . ١٤٥المرجع السابق، ص]) ٩٧([ . ١٥١المرجع السابق، ص]) ٩٨([ . ٢٥٤ـ٢٥٣محمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول، ص]) ٩٩([ . المرجع السابق، الصفحة نفسها]) ١٠٠([ . ١٥٦السابق، صالمرجع ]) ١٠١([ . ١٧٠المرجع السابق، ص]) ١٠٢([ . ١٧٣المرجع السابق، ص]) ١٠٣([ . ٢٢٤ـ٢٢٣نادية شريف العمري، االجتهاد في اإلسالم، ص]) ١٠٤([ . ٢٥٤المرجع السابق، ص]) ١٠٥([

Page 52: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

. ٢٥٣المرجع السابق، ص]) ١٠٦([ . نفسه]) ١٠٧([ . نفسه]) ١٠٨([ . ٢٥٤المرجع السابق، ص]) ١٠٩([ . نفسه]) ١١٠([ . ٦٣محمد بن علي الشوآاني، القول المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد، ص]) ١١١([ . ٣٤٦محمد بن علي الشوآاني، قطر الولي على حديث الولي، ص]) ١١٢([ . ٢/٣٩٩) م١٩٨٣دار الكتب العلمية، : لبنان(محمد بن نظام الدين األنصاري، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت ]) ١١٣([ . ٩٤ص) م١٩٨٩دارالقلم،: الكويت( ٢يوسف القرضاوي، االجتهاد في الشريعة اإلسالمية، ط]) ١١٤([ . ٢٥٤محمد بن علي الشوآاني،إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول، ص]) ١١٥([ . ١٦٤نادية شريف العمري، االجتهاد في اإلسالم، ص]) ١١٦([ . ٢/٣٥٣ستصفى، أبو حامد الغزالي، الم]) ١١٧([ . ١٦٦نادية شريف العمري، االجتهاد في اإلسالم، ص]) ١١٨([ . ٢٥٥محمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول، ص]) ١١٩([ . المرجع السابق، الصفحة نفسها]) ١٢٠([ . المرجع السابق، الصفحة نفسها]) ١٢١([ . ٥٢٧ص) م١٩٦٩المطبعة العلمية،:دمشق(٢ي أصول الفقه، طوهبة الزحيلي، الوسيط ف]) ١٢٢([ . ٢٠٤محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب، ص]) ١٢٣([ . ٧٧محمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول، ص]) ١٢٤([ . ٧٨المرجع السابق، ص]) ١٢٥([ . ٢٠٤محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب، ص]) ١٢٦([ . ٢٠٨أدب الطلب، صمحمد بن علي الشوآاني،]) ١٢٧([ . ٢٠٤-٢٠٣محمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول، ص]) ١٢٨([ . ٢٠١المرجع السابق، ص]) ١٢٩([ . ٢٠٣ـ٢٠٢المرجع السابق، ص]) ١٣٠([ . ٢٠٣المرجع السابق، ص]) ١٣١([ . المرجع السابق، الصفحة نفسها]) ١٣٢([ . ٢٠٩ـ٢٠٨محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب، ص]) ١٣٣([ . ٣٢٠محمد بن علي الشوآاني، قطر الولي على حديث الولي، ص]) ١٣٤([ . ٢٠٤محمد بن علي الشوآاني،إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول، ص]) ١٣٥([ . ١٢٠ـ١١٩محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب، ص: انظر]) ١٣٦([ . ٣٢٠ص محمد بن علي الشوآاني، قطر الولي على حديث الولي،]) ١٣٧([ . ٣٢١المرجع السابق ص]) ١٣٨([ . ٢٠٢ـ٢٠١محمد بن على الشوآاني، إرشاد الفحول، ص]) ١٣٩([ . ٢٠٩محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب، ص]) ١٤٠([ . ٢٠٤محمد بن علي الشوآاني، إرشاد الفحول، ص]) ١٤١([ . ٨٠المرجع السابق، ص])١٤٢([ . ٢١٠المرجع السابق، ص]) ١٤٣([ . ٨١المرجع السابق، ص ])١٤٤([ . ٢١٠المرجع السابق، ص]) ١٤٥([ . ٢١٠محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب، ص]) ١٤٦([الضابط المنهجي بين أهمية هذا النوع من التحقيق، ووضع " \أدب الطلب ومنتهى األرب"\لقد التزم الشوآاني مبدأ بيان ما ليس من علم األصول، في آتابه إرشاد الفحول، لكن في آتابه ) (

. لمعرفة ما يصلح للرد إلى علم األصول وما ال يصلح، وحاول تطبيقه على المباحث األساسية في علم أصول الفقه . ١٢٠-١١٩المرجع السابق، ص]) ١٤٧([ . ١٢٠المرجع السابق، ص]) ١٤٨([ . ١٢١-١٢٠المرجع السابق، ص]) ١٤٩([ . ١٢١المرجع السابق، ص]) ١٥٠([ . رجع السابق، الصفحة نفسهاالم]) ١٥١([ . ١٢٢ـ١٢١المرجع السابق، ص]) ١٥٢([ . ١٢٢المرجع السابق، ص]) ١٥٣([ . نفسه]) ١٥٤([ . نفسه]) ١٥٥([ . نفسه]) ١٥٦([

Page 53: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

املبحث -كا�ي الشو عند اإلمام -أسس جتديد املنهج الفقهي -الفصل الثالث » منوذج الشوكا�ي معامل جتديد املنهج الفقهي» سلسلة كتب األمة « جتديد منهج الدراسات الفقهية: الثالث

جتديد منهج الدراسات الفقهية : املبحث الثالث

أما على مستوى التطبيق فقد . لقد مثلت دعوة الشوكا�ي لالجتهاد، وحتقيقه لعلم أصول الفقه أسس إصالح منهج التفكري الفقهي على مستوى التنظري : وقد أقام هذه املراجعة على مجلة من املبادئ وهي.. منهج الدراسات الفقهية الذي تأثر تأثرا واضحا بفلسفة التقليد تركز عمل اإلمام يف مراجعة

: االحتكام إىل الدليل: املطلب األول

دأ االحتكام إىل الدليل يف دراساته لقد أخذ الدليل مركز الثقل يف منظومة الشوكا�ي الفقهية، وكان من مقتضيات هذا املوقف املنهجي، التزام الشوكا�ي مبوعليه عد الفقهية، حيث أقام مذهبه الفقهي على األخذ بالكتاب والسنة الثابتة، واالجتهاد مبا ال يتنافى والنصوص، وضمن مقاصد الشريعة وروحها،

والدارس . ينصره إال إذا دلت عليه األدلة الناهضةاإلمام الشوكا�ي الدليل األصل يف كل اجتهاد، والفيصل فـي كل خالف فقهي، فال يرجح رأيا وال . لكتابات الشوكا�ي الفقهية يالحظ هذا املوقف بوضوح

ذكر الشوكا�ي ذهاب القامسية، واسحاق بن راهويه، وأمحد بن حنبل إىل الوجوب، " \�يل األوطار"\يف كتاب " \حكم األذ�ني يف الوضوء"\ففي باب ، وأن ])١٥٧([مسح داخلهما بالسبابتني، وخالف بإهباميه إىل ظاهرمها فمسح ظاهرمها وباطنهما eاده أن النيب حمتجني حبديث ابن عباس الذي مف

. األحاديث اليت �صت على أن األذ�ني من الرأس تفيد أن األمر مبسح الرأس أمر مبسحهما، فثبت وجوب املسح بالدليل القرآ�ي

ال يصار إىل الوجوب إال بدليل (دة يف ذلك، ورجح استحباب مسح األذ�ني على الوجـوب أل�ه كما قـال لكن الشوكا�ي رد بعدم ا�تهاض األحاديث الوار ]). ١٥٨) ([�اهض وإال كان من التقول على اهلل مبا مل يقل

. ومن مظاهر احتكام الشوكا�ي إىل الدليل، االستقاللية يف االجتهاد، واألخذ بظاهر النص، واجلمع بني األدلة ما أمكن

: أ ـ االستقاللية يف االجتهاد

و قـوال من األقوال إن األرضية األصولية القوية اليت ارتكز عليها الشوكا�ي جعلت آراءه الفقهية تتميز باالستقاللية، فهـو ال جيعل مذهبا من املذاهب، أ . ـره يف النتيجة فهي موافـقة اجـتهاد ال موافقة تقليدمصدره يف فهم النصوص واستنباط األحكام، بل يبحث املسائل حبثا مستقال، فإن وافق غي

ما ذكره يف معرض : ومن مظاهر استقالليته، عدم ميله لطرف معني يف مجيع اجتهاداته، بل غالبا ما يوافق عاملا يف مسائل، وخيالفه يف أخرى، مثال ذلكيف الصالة، هل هي واجبة eفقد �اقش مسألة الصالة على النيب ) ٥٦:األحزاب)) (ليه وسلموا تسليمايأيها ٱلذين ءامنوا صلوا ع: (( تفسريه لقوله تعاىل

يف األخري أم ال؟ فذكر رأي اجلمهور بأهنا سنة مؤكدة وليست واجبة، ثم ذكر رأي الشافعي القائل بوجوهبا مع اإلعادة عند تركها عمدا، لكنه اختار ]). ١٥٩([عدم اإلعادة على تاركها، فوافق بذلك الشافعي يف القول بوجوهبا وخالفه يف اإلعادة عند تركها عمداالقول بوجوهبا مع

Page 54: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ا، ويرد ومن مظاهر استقالليته أيضا عدم تبنيه ملوقف أي طرف من املخالفني مجلة وتفصيال، بل يذكر أدلة كل فريق، ويناقشها، فيثبت صحـة بعضهإلـى التوفيق بينهما، أو اخلروج برأي جديد يرفع به اخلالف ويدفع النـزاع، يظهر هذا جليا يف مناقشته ملسألة عدة املطلقة فـي بعضها اآلخر، ثم يسعى

يني ما هو املراد بالقروء املذكورة يف ، إذ ذكر اختالف أهل العلم يف تع)٢٢٨: البقرة)) (وٱلمطلقـت يتربصن بأ�فسهن ثلـثة قروء: ((تفسريه لقوله تعاىلهي الطهر، حسب املعنيني اللغويني للقرء، ثم عرض أدلة كل فريق، فرد بعضها، وأقر بعضها اآلخر، ثم حاول : هي احليض، وقال آخر: اآلية، فقال فريق

ن يقـال إهنا تنقضي العدة بثالثة أطهار، أو بثالث حيض، وال وميكن أ«: التوفيق بن الرأيني اعتمادا على األدلة الصحيحة اليت استدل هبا الطرفان فقال ]). ١٦٠([» ما�ع من ذلك، فقد جوز مجع من أهل العلم محل املشرتك على معنييه، وبذلك جيمع بني األدلة، ويرتفع اخلالف ويندفع النـزاع

دليال يف ذاته، بل يز�ه مبيزان القرآن والسنة، فإن وافقهما أخذ به على ومن دالئل استقالليته أيضا، وقوفه من رأي اجلمهور موقف احلكم، وعدم اعتباره، حيث �قل عن "\�يل األوطار"\يف " \باب ما جاء يف آ�ية الذهب والفضة"\ومن الشـواهد على ذلك ما ورد يف . سبيل االستئناس، وإال طـرحه

الت يف إ�اء الذهب، أو الفضـة، إال رواية عن داوود يف حتريم الشرب فقط، وقول قديم النووي ا�عقاد اإلمجاع على حتريم األكل والشـرب وسائر االستعما، فوافق الشوكا�ي ])١٦١([للشافعي والعراقيني، فقال بالكراهة دون التحريم، وقد رجع عنه، وتأوله أيضا صاحب التقريب، ومل حيمله على ظاهره

وعلل ذلك بأن قياس سائر االستعماالت على األكل والشرب قياس مع الفارق، وعلق . االستعمالاجلمهور يف حتريم األكل والشرب فيهما، وخالفهم يفاألخري إىل على حكاية النووي لإلمجاع على حتريم االستعمال، بأ�ه غري منعقد، ملخالفة داوود وآخرين، وملا يف حجية اإلمجاع من النـزاع، وخلص يف

واحلاصل أن األصل احلـل، فال تثبت احلرمة إال بدليل يسلمه اخلصوم، وال دليل يف املقام «: االستعماالت، فقال جواز اختاذ آ�ية الذهب والفضة لسائر ]). ١٦٢([»هبذه الصفة، فالوقوف على ذلك األصل املعتضد بالرباءة األصلية هو وظيفة املنصف الذي مل خيبط بسوط هيبة اجلمهور

: دلة ما أمكنب ـ األخذ بظاهر النص واجلمع بني األ

ى عمومه من تداعيات احتكام الشوكا�ي إىل الدليل، أخذه بظاهر النص يف الغالب، فهو ال حيمل النص فوق معناه الظاهر، بل حيرص على فهم مقصده علمن القضايا اليت يربز و. دون ختصيص بغري خمصص، فمنهجه االستنباطي يدور حول مضمون النص ومعناه، وال يغـادر ظاهره إال مبسوغ أصويل معتبـر

، فقد أورد آراء عدة لبعض الفقهاء، غري أ�ه رجح منها ])١٦٣([فيها هذا املسـلك ما جاء يف زكاة الفطر، والقدر الذي يعترب ملكه ملن تلزمه الفطرةللصائم وال فرق بني الغين والفقري يف ذلك، وألن الرأي الذي يذهب إىل أ�ه يعترب أن يكون خمرج الفطرة مالكا لقوت يوم وليلة، ويعلل هذا بأن الزكاة طهرة

زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة eفرض رسول اهلل : فقد روي عن ابن عباس أ�ه قال. النصوص أطلقت، ومل خيص غنيا وال فقريا ]). ١٦٤"([\من الصدقات للمساكني، فمن أداها قبل الصالة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصالة، فهي صدقة

نهج الذي استقر يف أما اجلمع بيـن األدلة ما أمكن، فاإلمام الشوكا�ي ال يلجأ إىل النسخ، أو الرتجيح بني النصوص إال إذا تعذر اجلمع، خمالفا بذلك امل . عصور التقليد

يف غري موطن، ووقع منه الرد ملن أراد إعا�ته eفار، فقد وقع ذلك منه وأما االستعا�ة بالكفار على الك«: ففي مسألة االستعا�ة بالكفار على الكفار قال، وميكن اجلمع بأن اجلواز مع احلاجة ورجاء النفع، والرد مع عدمها، أو ])١٦٥"([\إ�ه ال يستعني مبشرك"\: من املشركني على قتال املشركني، وقال لعمر

]). ١٦٦([»ألحدمها، فيكون ذلك مفوضا إىل اإلمام

Page 55: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: ، على من قال من أهل العـلم إهنا �اسخة لقوله تعالـى)٣٥:حممد)) (فال تهنوا وتدعوا إلى ٱلسلم وأ�تم ٱالعلون: ((اعرتض يف أثناء تفسريه لقوله تعاىلكما ضى للقول بالنسخ فإن اهلل سبحا�ه هنى املسلمني فـي هذه اآلية عن أن وال خيفاك أ�ه ال مقت«: ، فقال)٦١:األ�فال)) (وإن جنحوا للسلم فٱجنح لها((

ىل دعوى النسخ أو يدعوا إىل السلم ابتـداء، ومل ينه عن قبول السلم إذا جنح إليه املشركون، فاآليتان حمكمتان، ومل يتواردا على حمل واحد حتى حيتاج إ ]). ١٦٧([»التخصيص

: غة العربية يف استنباط األحكاماالعتماد على الل: املطلب الثا�ي

نباط أحكام ملا كا�ت اللغة العربية هي اللغة اليت محلت اخلطاب اإلهلي، عدها الشوكا�ي شرطا أوليا يف فهم خطاب الشارع، وأساسا مقدما يف استا اللغوي، مستشهدا علـى ذلك مبا يؤيده من حتديد معناه: من هـنا كان منهجه يف حبث كل جـملة أو لفظة لغوية يتوقف عليها حكم شرعي. الشرع

وقد أفاده هذا املنهج كثريا يف الرتجيح بني الروايات . فإذا حترر لديه معنى النص على أساس اللغة، استنبط احلكم الشرعي. أشعار، أو كالم أهل اللغة . واألقوال

ثم حرر ]). ١٦٨([»قد اضطربت فيها األقوال واضطربت فيها مذاهب الرجالهذه املسألة «: ففي موضوع قصر الصالة يف السفر قال اإلمام الشوكا�يفالواجب الرجوع إىل ما يصدق عليه أ�ه سفر، وأن القاصد إليه مسافر، وال ريب أن أهل اللغة «: رأيه فيها بناء على املعنى اللغوي ملصطلح السفر فقال

ه إىل مكان آخر، فهذا يصدق عليه أ�ه مسافر، وأ�ه ضارب فـي األرض، وال يطلقون يطلقون اسم املسافر على من شد رحله وقصد اخلروج من وطناسم املسافر على من خرج مثال إىل األمكنة القريبة من بلده لغرض من األغراض، فمن قصد السفر قصر إذا حضرته الصالة ولو كان يف ميل

]). ١٦٩([»بلده

ل على وجوهبا مبا ورد من ذكر الزكاة يف الورق والرقة يف األحاديث، أل�ه قد ثبت يف كتب اللـغة كما رفض يف موضوع زكاة احللي استدالل من استد ]). ١٧٠([كالصحاح والقامـوس وغريمها، أن الورق والرقة اسم للدراهم املضروبة، فال يصح االسـتدالل هبذين اللفظني على وجوب الزكاة يف احللية

: بالقواعد األصولية ربط الفروع الفقهية: املطلب الثالث

اللذين أقام " \السيل اجلرار"\و" \�يل األوطار"\من اخلصائص الواضحة يف فقه الشوكا�ي، التالزم بني الفقه وأصول الفقه، وال أدل على ذلك من كتابيه ال يكشف عن حقيقة معناها، ثم يستعني أخريا يف فيهما جسورا قوية ومتماسكة بني العلمني، فنجده فيهما يذكر األدلة من الكتاب والسنة، ثم حيللها حتلي

وهو ما جعل مؤلفاته الفقهية �شرا مرتبا لألدلة الشرعية، جيمع أمرها عقد منتظم من القواعد . استنباط احلكم الشرعي بالقواعد األصولية املناسبةط قوة، كما يبين للقارئ الطريقة اليت سلكها اإلمام يف استنباط ومن ميزات هذا املنهج يف الدراسات الفقهية أ�ه يكسب احلكم املستنب. األصولية

. األحكام، األمر الذي ينمي لديه ملكة التحليل واالستدالل

هل هي من �واقض الوضوء، أم ال؟ : ومن أمثلة ذلك دراسة الشوكا�ي ملسألة الوضوء من حلوم اإلبل، حيث تطرق إىل اختالف العلماء يف حلوم اإلبلوذهب ]). ١٧١"([\عدم الوضوء مما مست النار eأ�ه كان آخر األمرين منه "\كثرون إىل أهنا غري �اقضة، حلديث جـابر رضي اهلل عنه فذهب األ

Page 56: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

إن : أ�توضأ من حلوم الغنم؟ قال«: eحديث جابر بن مسرة أن رجال سأل رسول اهلل : آخرون إىل ا�تقاض الوضوء بلحوم اإلبل حمتجني بأحاديث منها ]). ١٧٢([»�عم، توضأ من حلوم اإلبل: أ�توضأ من حلوم اإلبل؟ قال: توضأ، وإن شئت فال تتوضأ قالشئت

ثم �اقش . ويف أثناء املناقشة، وافق الشوكا�ي النووي على أن حديث جابر عام وحديث الوضوء من حلوم اإلبل خاص، واخلاص مقدم على العاموهو حديث ترك الوضوء مما مست النار �اسخ ألحاديث الوضوء من حلوم اإلبل، وأوضح أن أحاديث األمر الشوكا�ي مذهب املعتربين أن العام املتأخر

ال يعارض eوعليه فال يعترب تركه للوضوء مما مست النار �اسخا؛ أل�ه كما تقرر يف األصول أن فعل النيب eبالوضوء من حلوم اإلبل مل تشمل ومل ختص النيب . نسخهالقول اخلاص بنا وال ي

وهذه مسألة مدو�ة يف األصول مشهورة، وقل من يتنبه هلا «: ثم �به الشوكا�ي يف األخري إىل أمهية هذه القضية األصولية يف الدراسات الرتجيحية، فقال ]). ١٧٣([»املضايقمن املصنفني فـي مواطـن الرتجـيح، أو اعتبارها أمرا ال بد منه، وبه يزول اإلشكال يف كثري من األحكام اليت تعد من

: ربط البحث الفقهي باحلديث وعلومه: املطلب الرابع

بضاعتهم يف احلديث مزجاة، ال -كما يذكر الشوكا�ي -كان من �قائص البحث الفقهي يف عصور التقليد ضعف الصلة بني الفقه واحلديث، فأهل الفقه رعون عليها مسائل ليست من الشريعة، فيأتون من األقوال والرتجيحات مبا هو يف مييزون صحيحه من سقيمه، بل يذكرون يف مؤلفاهتم املوضوعات ويف

]). ١٧٥([»هو السبب األعظم يف اختالط املعروف باملنكر يف كتب الفقه«، وكان هذا الوضع ])١٧٤([أبعد درجات اإلتقان

قهي باحلديث و علومه، ألن السنة النبوية مصدر رئيس يف استنباط من هنا رأى اإلمام الشوكا�ي أن من متطلبات جتديد الفقه اإلسالمي ربط البحث الففمعرفة درجة احلديث من حيث الصحة وحكم األئمة املختصني فيه، هو أساس االستنباط . األحكام، واالستدالل عليها، وهي مراتب وأقسام

: اإلمام الشوكا�ي بذلك يف قوله وقد صرح. الصحيح لألحكام الشرعية، والتقييم العلمي الستدالالت الفقهاء وآرائهم

م يتقن علم فإن املتصدر للتصنيف فـي كتب الفقه، وإن بلغ يف إتقا�ه، وإتقان علم األصول وسـائر الفنون اآللية إىل حد يتقاصر عنه الوصـف، إذا لـ« غري أساس، ألن علم الفقه هو مأخوذ من علم السنة، ويعرف صحيحه من سقيمه، ويعول على أهله يف إصداره وإيراده، كا�ت مصنفاته مبنية على

]). ١٧٦([»السنة، إال القليل منه، وهـو ما قد صرح حبكمه القرآن الكريم

أورد حديث عمار بن ياسر رضي اهلل عنه الذي يدل " \�يل األوطار"\وقد جسد اإلمام الشوكا�ي هذه القناعة فعليا يف كتبه، ففي باب صفة التيمم يف : ضربة واحدة للوجه والكفني، وهو قول مجـهور العلماء، وعامة أهل احلديث، لكنه ذكر أن بعض الفقهاء ذهبوا إىل أن الواجب ضربتان على أن التيمم

ضربة للوجه وأخرى لليدين، كما ذهب ابن املسيب، وابن سريين إىل أن الواجب ثالث ضربات، ضربة للوجه، وضربة للكفني، وضربة ]). ١٧٧([للذراع

ل به الشوكا�ي إىل أن أصح اآلثار املرفوعة عن عمار هي ضربة واحدة، وما روي عن ضربتني فكلها طرق مضطربة، كما ذكر ما عل به العلماء كوقد �ختلو وهبذا يتبني لك أن أحاديث الضربتني ال «: طريق، ورجح بعد هذا رواية ضربة واحدة لعدم صحة الزيادة الواردة يف الطرق األخرى للحديث، فقال

Page 57: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

القتصار مجيع طرقها من مقال، ولو صحت لكان األخذ هبا متعينا ملا فيها من الزيادة، فاحلق الوقوف على ما ثبت يف الصحيحني من حديث عمار من ا ]). ١٧٨([»على ضربة واحدة حتى تصح الزيادة على ذلك املقدار

: االستدالل باملعقول: املطلب اخلامس

النص مل مينعه من االستدالل باملعقول يف الفهم واالستدالل ومناقشة املخالف، إذ جنده يعمل عقله إىل أبعد احلدود يف استثمار إن متسك اإلمام الشوكا�ي بولقد ساعده علمه الواسع وتأمله العميق يف األدلة الشرعية على كشف الكثري من . معا�ي النص، وتقوية استدالالته، ومناقشة استدالالت املخالف

. املعقولة اليت ال ميلك العقل السليم رفضها املعا�ي

الصحابة، ففي مسألة استقبال القبلتني والقمرين واستدبارمها عند قضاء احلاجة، بين أن النهي عن استقبال القبلة واستدبارها ثابت عن مجاعة من وأما البيت املقدس فلم يرد فيه .لصحيحيـن وبعضها فـي غريمها، وبعض هذه األحاديث فـي اeرووا النهي عن استقباهلا واستدبارها مرفوعا إىل النيب

وأما ما قيل من أن بيت . إال حديث معقل بن أبي معقل، أخرجه أبو داود، وفـي إسناده أبو زيد الراوي له عن معقل، وهو جمهول فال تقوم به احلجـةإن كان اجلامع الشرف، لزم ذلك يف كل حمل شريف، وإن «: باطل، أل�ه كما قالاملقدس يكـون له حكم الكعبة بالقياس، فهذا القياس فـي �ظر الشوكا�ي

وإن كان جبامع أن بيت املقدس قد كان قبلة قبل استقبال الكعبة، . ، ومسجد قباء، وحنومهاeتفاوت الشرف، ويدخل يف ذلك دخوال أوليا مسجده ]). ١٧٩([» الشريعة األمر مبخالفتهمفقد �سخ ذلك، وإن كان ذلك لكو�ه تستقبله اليهود فقد تقرر يف

: وأما النهي عن استقبال القمرين واستدبارمها عند قضاء احلاجة فقال عنه

خلرق فهذا من غرائب أهل الفـروع، فإ�ه لـم يدل علـى ذلك دليل، ال صحيح، وال حسن، وال ضعيف، وإن كان ذلك بالقياس على القبلة، فقد اتسع ا« ن هذا إحلاق النجوم النيرات بالقمرين، فإن األصل باطل، فكيف بالفرع؟ وكان ينبغي هلذا القائس أن يلحق السماء، فإن هلا وأعجب م. على الراقع

قاضي شرفا عظيما لكوهنا مستقر املالئكة، ثم يلحق األرض؛ ألهنا مكان العبادات والطاعات، ومستقر عباد اهلل الصاحلني، فحيـنئذ يضيـق على ]). ١٨٠([»رض مبا رحبت، وحيتاج أن خيرج عن هذا العامل عند قضاء احلاجةاحلاجـة األ

: ومما ا�تقده الشوكا�ي، استنادا إىل املعقول، ترخيص صاحب األزهار للرجال لبس احللي بقصد إرهاب العدو، فقال

وأعدوا لهم ما ٱستطعتم من قوة ومن رباط : ((ول اهلل عز وجلاإلرهاب للعدو إمنا يكون بالعدد واملدد والعدة والشدة والسالح املعد للكفاح، وهلذا يق«، وأي إرهاب حيصل يف صدر العـدو ملن تظاهر له فـي احللي واحلـلل؟ فإن هذا الالبس إمنا تشـبه )٦٠:األ�فال)) (ٱلخيل ترهبون به عدو ٱلله وعدوكم

. »وخرج من عديد الرجال، وهل يقول عاقل إن مـالبس النساء تثري شيئا من املهابة يف صدر أحد من بين آدم؟ بربات احلجال،

واحلاصل أن الرتهيب على العدو هو مقصد من مقاصد الشرع، ولكنه ال يكون إال مبا عرفناك، ال مبا أراده املصنف، فإن هذا ال « : وختم ا�تقاده بقوله ]). ١٨١([»ـرف، وال روايـة، وال درايـة، وإمنا هو صنيع النساء ومن يشاهبهن من املرتفنيجيري على شرع وال ع

: ربط احلكم الفقهي بالبعد االجتماعي: املطلب السادس

Page 58: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

اجتهاداته الفقهية لقد كان الواقع االجتماعي معطى أساسيا بالنسبة لإلمام الشوكا�ي يف حتليل النصوص الشرعية، واستنباط األحكام منها، إذ قدر يف عض التصرفات اخلاصة بقضايا اجملتمع ما ينبغي أن يكون ا�طالقا مما هو كائن يف حياة الناس من أوضاع وأعراف وعادات، يظهر ذلك جليا يف إبطاله لب

. البنات من املرياثاملالية اجلائزة أصال، كاهلبة والنذر والوقف والوصية اليت اختذها سكان بعض املناطق اليمنية وسيلة حلرمة

ما وقع من بعض من �زعة عرق إىل ما كا�ت عليه اجلاهلية، من عدم توريث اإل�اث، فإهنم «: فقد وصف الشوكا�ي هذه الظاهرة االجتماعية قائالمحلهم التحايل على مرياث املرأة بل ]).. ١٨٢([» خيرجون أمواهلم أو أكثرها أو أحسنها إىل الذكور من أوالدهم بصورة اهلبة والنذر والوصية أو الوقف

ومن جـملة ما تلطف به من له أوالد، ذكور وإ�اث، أن « : إخراج أمواهلم وفق الصور السابقة إىل أوالد أوالدهم، وهذا ما أوضحه الشوكا�ي يف قولهارث، ولـم يفعـلوا ذلك إال لقصد تقليل �صيب بناهتم ، ويوصون هلم، ويقولون أهنم فعلوا ذلك لغري و]عليهم[يعمدوا إىل أوالد أوالدهم الذكور، فينذرون

]). ١٨٣([»وتوفري �صيب الذكور

« : قالوقد الحظ الشوكا�ي من خالل ممارسته لوظيفة القضاء واإلفتاء أن هذا التصرف املتناقض مع أحكام الشريعة صار سلوكا اجتماعيا عاما ف، مبينا أن الذي ساعد على ا�تشارها هو إ�فاذ طائفة من العلماء ملثل ])١٨٤([»هل الباديةوهذه الذريعة الشيطا�ية قد عمت و طمت، خصوصا أ

سميات تلك التصرفات، واحلكم بصحتها، حبجة أن الشارع سوغ للناس اهلبة والنذر والوصية، مغرتين يف ذلك مبجرد االسم، دون النظر يف معا�ي املرفات الباطلة، وبني التصرفات املالية الشرعية، وال فامهني للمغايرة الكلية بينهما، وال متأملني لألسباب اليت وحقائقها، غري متعقلني للفرق بني هذه التص

ان احلكم يدور على تصدر عنها تلك األمور، وال مدركني أن العربة باملسميات ال باألسـماء، وأن جمرد االسـم ال حيلل احلرام، وال حيرم احلالل، وأ�ه لو ك . لكان اخلمر املسمى ماء حالال، وكان املاء املسمى مخرا حراما التسمية،

ت هذه وإدراكا منه ملآالت هذا السلوك وخلفيته، أقر الشوكا�ي أ�ه من خصص بعض ورثته هببة، أو �ذر، أو وصيـة بقصد املفاضلة بني الورثة بطل ]). ١٨٥([لقصد منها قطع مرياث وارث، وهذا من أعظم احليف واإلثمالتصرفات، ومل تكن شرعية، ألهنا مشتملة على ضرار، وألهنا حيل، ا

: قال ولتأكيد صدق هذه العلل اليت بنى عليها احلكم، قام الشوكا�ي مبسح اجتماعي، تبني من خالله عدم شرعية مآالت تلك التصرفات املالية حيث، إال ومعه بنات، أو لـه ميل إلـى بعض األوالد دون بعـض، وال يفعلون ذلك وقد تتبعت هذا فما وجـدت أحدا يوصي ألوالد أوالده، أو ينذر عليهم«

]). ١٨٦([»ملقصد صاحل إال يف أ�در احلاالت وأقلها

: مراعاة مقاصد الشريعة: املطلب السابع

. صوص، وتطبيقها على اجلزئيات والوقائعمن عناصر منهج الدراسات الفقهية عند االمام الشوكا�ي، مراعاة أسـرار الشريعة ومقاصدها العامة يف فهم الن

، بأ�ه بعيد ومن هذا املنطلق أخذ على كثري من الفقهاء قوهلم خبروج املاء املستعمل عن الطهورية، واصفا اجتهادهم هذا وما ترتب عليه من تفريعـاتستعمل ليس عليها أثارة من علم، وتفصيالت وتفريعات عن وللحنفية والشافعية وغريهم مقاالت يف امل«: عن روح الشريعة اإلسالمية السهـلة حيث قال

]). ١٨٧([» الشـريعة السمحة السـهلة مبعزل

Page 59: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

واحلاصل أن السكران الذي ال «: كما رفض قول من حـكم بوقوع طالق السكران عقوبة له، أل�ـه مل يربط بني احلكم ومناط التكليف، وهو العقل، فقاليقع طالقه عقوبة له ، : ط الذي تدور عليه األحكام، وقد عني الشارع عقوبته ، فليس لنا أن جناوزها برأينا، و�قوليعقل، ال حكم لطالقه لعدم املنا

]). ١٨٨([»فيجمع له بني غرمني

لى جلب املصاحل ومن مظاهر اعتبار الشوكا�ي ملقاصد الشريعة يف االجتهاد الفقهي تأكيده ضرورة علم الفقيه أن هذه الشريعة املطهرة السمحة مبنية ع : ، مـع مالحظته أن هذا اجللب والدفـع ال يكو�ان مطلقني، ولكن يف حاالت خلصها يف قوله])١٨٩([ودفع املفاسـد

وأما مواقع النصوص، وموارد أدلة الكتاب والسنة، ومواطن قيام احلجج، ... ما مل يرد فيه �ص خيصه، وال اشتمل عليه عموم، وال تناوله إطالق...«بعض لب �فع، وال دفع ضرر أوىل من ذلك، وأقرب منه إىل اخلري، وأوىل منه بالربكة، فهو يف احلقيقة مصاحل جملوبة ومفاسد مدفوعة، وإن قصرت فال ج

]). ١٩٠([»العقول عن إدراك ذلك، واإلحاطة بكنهه، والوقوف على حقيقته

-----------------------------------------------

. حديث حسن صحيح: ، وقال) ٣٦(جه الترمذي رقم أخر]) ١٥٧([ . ١/١٦١)ت.دار الحديث، د: القاهرة(محمد بن علي الشوآاني، نيل األوطار من أحاديث سيد األخيار ]) ١٥٨([ . ٤/٢٩٢محمد بن علي الشوآاني، فتح القدير، ]) ١٥٩([ . ١/٣٠٧المرجع نفسه، ]) ١٦٠([ . ١/٦٧األوطار، محمد بن علي الشوآاني، نيل ]) ١٦١([ . المرجع نفسه، والصفحة نفسها]) ١٦٢([ . ٤/١٨٦نيل األوطار، : انظر]) ١٦٣([ ). ١٦٠٩(أبو داود، السنن، حديث رقم]) ١٦٤([ . ٥/١٠٦؛ وأحمد بن حنبل، )١٨١٧(، حديث رقم١/٩٧أخرجه مسلم،]) ١٦٥([ . ٤/٥٢٠محمد بن علي الشوآاني، السيل الجرار، ]) ١٦٦([ . ١/٣٠٧مد بن علي الشوآاني، السيل الجرار، مح]) ١٦٧([ . ١/٣٠٧المرجع نفسه، ]) ١٦٨([ . ١/٣٠٨المرجع نفسه، ]) ١٦٩([ . ٢/٢١المرجع نفسه، ]) ١٧٠([ . ١/١٠٨، النسائي، )١٩٢(أبو داود، السنن، حديث رقم]) ١٧١([ . ٥/١٠٦، وأحمد بن حنبل، )٣٦٠(مسلم، حديث رقم ]) ١٧٢([ . ٢٠٣-١/٢٠٢بن علي الشوآاني، نيل األوطار، انظر محمد ]) ١٧٣([ . ٧٤،٧٥،٧٦محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب، ص]) ١٧٤([ . ٨٠المرجع نفسه، ص]) ١٧٥([ . ٨٠محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب، ص]) ١٧٦([ . ١/٢٦٥محمد بن علي الشوآاني، نيل األوطار، ]) ١٧٧([ . ٢٦٦المرجع نفسه، ص]) ١٧٨([ . ٧٠-١/٦٩محمد بن علي الشوآاني، السبيل الجرار، ]) ١٧٩([ . ١/٧٠المرجع نفسه، ]) ١٨٠([ . ٤/١٢٤المرجع نفسه، ]) ١٨١([ . ١٩٨محمد علي الشوآاني، أدب الطلب، ص]) ١٨٢([ . ٢٠٣المرجع السابق، ص]) ١٨٣([ . ٢٠١المرجع السابق، ص]) ١٨٤([ . ٢٠٢ـ٢٠٠المرجع السابق، ص: انظر]) ١٨٥([ . ٢٠٣المرجع السابق، ص) ]١٨٦([ . ١/٢٥محمد بن علي الشوآاني، نيل األوطار، ]) ١٨٧([ . ٨/٢٣٨المرجع نفسه، ]) ١٨٨([ . ١٨٦محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب ومنتهى األرب، ص]) ١٨٩([ . ١٨٩المرجع نفسه، ص]) ١٩٠([

Page 60: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: احملدد األول -الفقهي حمددات منهجية للبحث يف جتديد املنهج -لفصل اخلامس ا» منوذج الشوكا�ي معامل جتديد املنهج الفقهي» سلسلة كتب األمة « بيان مفهوم جتديد املنهج األصويل

: بيان مفهوم جتديد املنهج األصويل: احملدد األول

ومبا أن قضية . ة التالزمية بني العلمنيال شك أن أهم إشكالية أثارهتا قضية جتديد الفقه اإلسالمي هي جتديد علم أصول الفقه، والسبب يف ذلك العالقوقد أفرزت هذه . جتديد أصول الفقه تعد عند الكثريين اخلطوة األولية للكالم عن جتديد الفقه، فقد تناوهلا كثري من الباحثني بالدراسة والتحليل

لكن أهم خطوة منهجية . نهج التجديد وتطبيقاتهالدراسة وذلك التحليل إشكاليات فرعية، بعضها ميس مبدأ التجديد يف حد ذاته، وبعضها ميس م. وضوعجيب على الباحثني الفصل فيها هي املشروعية التارخيية لتجديد علم أصول الفقه، ألن هذه القضية متثل املقدمة املنهجية األوىل لبحث امل

اخلارجة عن حمل النـزاع، والذي يكون فيها مورد اإلثبات وذلك؛ ألن حصول أي اتفاق على مسـتواها سيجنب الباحثني الكثيـر من االختالفات اللفظيةكما سـتمكن هذه اخلطوة الباحث يف املوضوع أن ينظر إليه �ظرة موضوعية جمردة عن ردود األفعال اليت تفرزها األطروحات املختلفة يف .غري مورد النفي

. املوضوع

مبراحل تارخيية خمتلفة، عاجل يف كل مرحلة منها إشكاليات وأبعادا جديدة اختلفت عن تلك اليت واحلقيقة أن الدراسة لتاريخ علم أصول الفقه تبني أ�ه مر والذي يؤكد هذه احلقيقة .. عاجلها يف املرحلة السابقة هلا، وذلك بغية حتقيق االستجابة املطلوبة للتحديات الفكرية والواقعية اليت واجهته يف كل مرحلة

متثل يف ضبط مسرية " \الرسالة"\فإذا اعترب�ا اإلمام الشافعي احملطة األوىل، جند أن جهده يف كتابه . ركية الفكر األصويلالتارخيية حمطات بارزة يف حالشافعي االجتهاد جبمع أشتات مناهج االستنباط اليت كا�ت يف عصره، وعرضها يف صورة منظمة، وجعلها علما متناسق األجزاء، إال أن تدوين اإلمام

واملضمون، ول الفقه ال يعنى اكتمال هـذا العلم حبيث مل يبق جماال ملن بعده، بل إن الفكر األصـويل شهـد بعد اإلمام الشافعي تطورا يف الشكللعلم أصـلتصنيف، وكذلك بسبب دخول فن ا -حمـدثون، ولغويـون، وعلماء كالم، وغريهم –بسبب تـنوع مدارك وختصصات العلماء الذين حبثوا يف هذا العلم

. والرتتيب على كل العلوم، مبا فيها علم أصول الفقه

، الذي تضمن ])١"([\الفصول فـي األصول"\فـي كتابه ) هـ٣٧٠م(ولعل أهم حمطة يف التجديد األصويل بعد اإلمام الشافعي هو اإلمام الرازي اجلصاص اللغوية، ومدلوالت األلفاظ، واملوضوعات املشرتكة بني الكتاب والسنة، فعلى مستوى املضمون أكمل املباحث . إضافات على مستوى املضمون والشكل

أما على مستوى الشـكل . واملباحث اليت تستقل هبا السنة عن الكتاب، كما طور البحث يف دليل اإلمجاع، والقياس، واالستحسان، ومبحث االجتهادللشافعي، وذلك برتتيبه لألبواب والفصول ترتيبا منطقيا، وعرضه " \الرسالة"\اب والصياغة، فقد جتاوز العرض املتفرق ملباحث األصول الذي شهده كت

. ملباحث الكتاب عرضا علميا منظما

حمطة مهمة يف جتديد علم أصول الفقه، إذ تضمن إضافة �وعية على مستوى املضمون ) هـ٥٠٥م (ألبى حامد الغزايل " \املستصفى"\كما مثل كتاب واعترب اإلمام الغزايل هذه املقدمة مدخال ضروريا جلميع . مدارك العقول، واحتوت مباحث كالمية ولغوية هي من صميم علم املنطق متثلت يف مقدمة يف

أما . اكما حبث مبنهجية جديدة موضوع القياس، وباقي األدلة املختلف فيه. العلوم بـما فيها علم أصول الفقه، وأن من مل يحط هبا فال ثقة بعلومه أصالاملادة األصولية يف إطار هيكلة مل يسبق إليها، حيث قسم املوضوعات األصولية على " \املستصفى"\على مستوى الصياغة، فقد رتب الغزايل يف كتابه

. حكم املستثمر: كيفية استثمار األحكام، والرابع: أدلة األحكام، والثالث: احلكم، والثا�ي: أربعة حماور، احملور األول

Page 61: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

�قطة االستقرار لكل من املضمون والشكل يف جمال أصول " \املستصفى"\تبنى األصوليون بعد اإلمام الغزايل هذه اهليكلة، األمر الذي جعل كتاب وقدصويل بعد القرن وذلك ألن الفكر األ. لإلمام الشاطيب �قلة �وعية يف علم أصول الفقه" \املوافقات"\الفقه إىل غاية القرن الثامن اهلجري، حيث مثل كتاب

: اخلامس وجد �فسه أمام معضلتني

هي تركيز التأليف األصويل على الركن األول من ركين هذا العلم، أي علوم اللسان العربي، وإمهال الركن الثا�ي، أال وهو علم أسرار : املعضلة األوىل : ب املوافقات حيث قالوقد سجل الدكتور عبد اهلل دراز هذه احلقيقة يف مقدمة كتا. التشريع ومقاصده

وقد وقف الفن منذ القرن اخلامس عند حدود ما تكون منه يف مباحث الشطر األول، وما جتدد من الكتب بعد ذلك دائر بني تلخيص، وشرح، «ى هيأ اهلل سبحا�ه ووضع له يف قوالب خمتلفة، وهكذا بقي علم أصول الفقه فاقدا قسما عظيما، وهو شطر هذا العلم الباحث عن أحد ركنيه، حت

�واحي هذا وتعاىل أبا إسحاق الشاطيب يف القرن الثامن اهلجري لتدارك هذا النقص وإ�شاء هذه العمارة الكربى يف هذا الفراغ املرتامي األطراف يف ]). ٢([»العلم اجلليل

ك فيه بسبب تبعية أصول الفقه ملقتضيات املذاهب الفقهية متيز واقع االستدالل الفقهي يف معظم أصوله بالظن، وعدم تقارب املدار: املعضلة الثا�ية املختلفة، فاقتضى هذا الوضع الذي استقر عليه علم أصول الفقه، أن ميس جهد الشاطيب التجديدي صلب املنهج األصويل، لينعكس بعد ذلك على

. موضوعاته وهيكله

: فقد بنى الشاطيب املنهج األصويل على ركيزتني

. استجالء مقاصد الشريعة لعظيم أمهيتها يف عملية استنباط األحكام: الركيزة األوىل

بناء علم أصول الفقه على منهج االستقراء، أي استقراء الفروع الفقهية الستخالص قواعد االستنباط، وذلك عن طريق البحث يف مجلة : الركيزة الثا�ية . مدارك الفقهاء، وتوحيد منطلقاهتم النظرية من األصول املقاصدية التشريعية اليت من شأهنا التقريب بني

صحيح مما سبق يتبني أن جهد الشاطيب األصويل التجديدي جاء إلكمال الشطر الثا�ي من علم األصول، وهو العلم مبقاصد الشرع، كما جاء أيضا لت . دفعة جديدة تـجعله منهجا فعاال منتجا، جامعا ال مفرقااملنهج األصويل، بتقريب هوة االختالف النظري فيه، ويف ذلك إحياء هلذا املنهج، وإعطاؤه

اس النظر إن هذا اهلدف الذي وجه اإلمام الشاطيب جهده إليه أ�تج إضافات �وعية كا�ت فتحا لعلم أصول الفقه، ذلك أن اعتبار الشاطيب املقاصد أسوهبذا العمل اجلبار . ل، هذا اجلا�ب الذي كان ميثل البعد الغائب يف الفكر األصويلاألصويل، وسعيه لتقعيدها كعلم قائم بذاته، جعلته يؤسس لفقه التنزي

حث يف بعض األدلة، ا�تقل الشاطيب بعلم أصول الفقه من دائرة التنظري للفهم إىل دائرة التنظري للتنـزيل، وقد مكنه هذا املنحى الذي اختذه من تطوير البإذ خرج هبا من دائرة املناقشة النظرية حول املفهوم واحلجية إىل استثمارها كمناهج وآليات لفهم الواقع، كاالستحسان، واملصلحة، وسد الذرائع، . واعتبارها عند تنـزيل األحكام الشرعية

Page 62: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

أن يثبت احلكم «: ـهكما راجع �ظرية االجتهاد، ففرق بني االجتهاد النظري واالجتهاد التطبيقي الذي عرب عنه باالجتهاد يف حتقيق املناط، وعرفه بقولواقتضى التأصيل هلذا النوع من االجتهاد من اإلمام الشاطيب ضبط أصوله، وهي يف ]). ٣([»الشرعي مبدركه الشرعي، لكن يبقى النظر يف تعيني حمله

. حتقيق املناط، واعتبار مآالت األفعال، واعتبار املقاصد: �ظره ثالثة

اقع أساس االجتهاد التطبيقي، وهذا شرط مل يذكره األصوليون يف شروط االجتهاد بالتنصيص عليه صراحة كما راجع شروط اجملتهد، إذ عد معرفة الو ). (وإن كان متضمنا يف اجتهاداهتم

يف تلك الفرتة، ذلك مي لكن اجلدير بالذكر يف هذا املقام أن جهد اإلمام الشاطيب مل يكن له أي أثر يف التطبيق، �ظرا للوضعية اليت كان يعيشها الفقه اإلسالأللفاظ، مع أ�ه بسبب استفحال دعوى غلق باب االجتهاد يف عصور التقليد املتأخرة، مل يبق متداوال من علم أصول الفقه إال القسم املتعلق بداللة ا

. طغيان اجملادالت اللفظية عليه

صويل عموما، فقد الزم النظر التجديدي بعض املوضوعات احلساسة لعلم وإضافة إىل هذه احملطات الرئيسة اليت تؤكد مالزمة حركة التجديد للفكر األفالقول باإلمجاع ا�تقل من القول حبجيته بإطالق، إىل القول حبجيته عند الصحابة فقط، واستحالة . أصول الفقه، كان أمهها مصدر اإلمجاع، والقياس

فهو . والقياس اختلف يف مفهومه، ثـم فـي حجيته. د بن حنبل، والشوكا�ي، وغريهمحتققه بعدهم، كما هو القول عند ابن حزم األ�دلسي، واإلمام أمحعند الشافعي رديف االجتهاد، وهو عند غيـره ليس كذلك، وهو عند بعضهم حجة، وهو عند بعضهم اآلخر ليس حبجة، كابن حزم، وداود

الذي يفهم منه بقوة عدم اعتباره القياس دليال " \أساس القياس"\وضوح يف كتابه الظـاهري، والشوكا�ي، كما تردد فيه آخرون كالغزايل، وقد ظهر تردده ب ]). ٤([مستقال، أل�ه فـي احلقيقة مدلول الـنص، أو عموم النص

، واقرتاح آراء متباينة واجملال يف هذا البحث ليس جماال للرتجيح بني هذه اآلراء أكثر منه لبيان استساغة فقهائنا األجالء االختالف يف مفردات هذا العلما�ا يف شأهنا، ألهنا ليست مفردات معصومة، بل هي اجتهادات بشر مستقاة من �صوص الكتاب والسنة، واجتهادات البشر قد تزل أحيا�ا وتصيب أحي

. أخرى، فال ضري من التعليق عليها، وخمالفتها، شريطة أن تكون املخالفة مؤسسة على حجج علمية، ال على هوى

ة أخرى، وهي ا تأكد أن التحقيق، والتجديد، والتطوير، قد الزم الفكر األصويل، ومفرداته منذ �شأته، احتاج املقام بعد ذلك إىل تأكيد حقيقة تارخييوإذأي إضافة، أو أن توقف حركة االجتهاد أثرت سلبا يف منو علم أصول الفقه، إذ اقتصر الباحثون فيه يف عصر التقليد على شرح الكتب السابقة دون

تستثنى من - من هنا مل يشهد علم أصول الفقه يف عصور التقليد، السيما املتأخرة منها منوا �وعيا ]). ٥([اخـتصارها اختصارا خمال أحاهلا إىل ألغازقفل، فلم تعد مثة حاجة إىل بذل جمهود بل فقد وظيفته؛ ألن باب االجتهاد قد أ -هذا مناذج معينة كابن تيمية، والشاطيب، والشوكا�ي رمحهم اهلل تعاىل

. يف تنظري قواعد االستنباط أو التنـزيل

إن هذا األمر يؤكد أن فتح باب االجتهاد من جديد، والسعي إىل جتديد الفقه اإلسالمي، يقتضيان بالضرورة جتديد علم أصول الفقه ليستوعبوالواقعية، والتشريعية اليت تواجه املشروع اإلسالمي، وهو ما جعل دعوة جتديد علم أصول املستجدات، وحيقق االستجابة املطلوبة للتحديات الفكرية،

. الفقه تربز بقوة يف الساحة الفقهية، والفكرية املعاصرة

Page 63: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

يـن داخل احلركة غري أن املتأمل يف األطروحات النقدية للمنهجية األصولية جيدها تفتقر إىل إشكالية واضحة وموحدة، األمر الذي أفرز تيارين رئيس . النقديـة، لكل منها تصـور خاص لإلشـكالية، وملنـهج معاجلتها

]). ٦([ميثله يف الغالب األعم املتخصصون يف الفقه وأصوله، أطروحتهم متثل �قدا للمنهجية األصـولية من داخل املنظومة األصولية: التيار األول

إن متت قراءته قراءة إسالمية -كز يف مفرداته، وهيكلة مادته، وهذا ال مينع من أن يقدم هذا العلم و إشكالية علم أصول الفقه يف �ظر هذا التيار ترت : مؤشرات هامة على طريق معاجلة إشكالية املنهج، وذلك من خالل االلتزام مبا يأتي - واعية

وير مفردة اإلمجاع بالتنازل عن بعض شـروطه حتى ال يبقى مثاال تط: تطوير مفهوم هذه املفردات، وضبطها، وجعلها أقرب إىل الواقع العملي، ومثاله - . �ظريا؛ والقياس باعتماد قياس املصلحة، والعدول عن القياس اجلزئي؛ واالجتهاد مبراجعة شروطه وأدواته

ألدوات األصول، مما سيؤدي يف النهاية إعادة هيكلة املادة األصولية، أي حبثها حتت تقسيمات جديدة، ليتولد عنها مفاهيم أعمق، واستعمال أفضل - . إىل فقه متجدد خادم للموضوعات املثارة يف عصر�ا احلاضر

لى وضع ومن مقتضيات إعادة هيكلة املادة األصولية، إلغاء ما ليس من علم األصول، وإعطاء األولوية ملقاصد الشريعة، وتنمية دراستها، والعمل ع . قواعد وضوابط هلا

. تيار على استخدام علم أصول الفقه ألدوات املنهج التجرييب، واالستفادة منها يف معرفة العرف، والعادة، واملصلحة، والضرر، واحلاجةكما أكد هذا ال ). ]٧([ييبفكل هذه القضايا قواعد أصولية، وجزء من قضايا هذا املنهج، وال ميكن أن يستغنى فيها عن الوسائل واألدوات املستعملة يف املنهج التجر

دة هيكلة وما يالحظ على هذا التيار، اتفاق كبري بني ممثليه على موضوع تطوير املفردات األصولية، يف حني يالحظ اختالف واضح بينهم يف منهج إعا . علم أصول الفقه، كما يالحظ غموض بعض عناصر منهج جتديد املنهجية األصولية عند بعضهم

ن املهتمني بإشكالية إصالح مناهج الفكر، وهم يف الغالب من خارج دائرة التخصص الشرعي، وأطروحتهم متثل �قدا ميثله كثري من املفكري: التيار الثا�ي؛ واعتربوا أن إشكالية املنهج األصويل يف بنيته ومفرداته، فقدموا تصورا ملفهوم التجديد مغايرا لتصور التيار األول، ])٨([للمنهجية األصولية من اخلارج

: ا التصور يف إعادة بناء منهجية اجتهادية جديدة، تقوم على مستوينيمتثل هذ

. جتاوز املفردات األصولية اليت هي عبارة عن مفاهيم �ظرية ال تنتج علما وال تواكب واقعا مثل القياس واإلمجاع، ومبدأ الضرورة: املستوى األول

. ي الستلهام األدوات املعرفية الكفيلة بصياغة منهجية تساعد على فهم قضايا�ا، وتطوير معارفناالعودة مباشرة إىل النظر يف النص القرآ�: املستوى الثا�ي

-املنهجية األصولية -ولعل أهم مالحظة ميكن تقدميها على هذا التصور لتجديد علم أصول الفقه، هي أن الدعوة إلـى اجتياز احملـك املنهجي التقليدي الذي " \الفراغ التشريعي"\دد ومضبوط هو عالج ألزمـة بإثارة أزمة أخرى، ذلك أن مثل هذه الدعوة حتاول معاجلة دون إعطاء بديل منهجي واضح حم

Page 64: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

عن طريق الدعوة إىل البحث يف النص القرآ�ي " \فراغ منهجي"\عجز املنهج األصويل عن االستجابة للمستجدات، بـ -كما يقرر هذا التيار -سببه . ستحداث منهج حبث كامل متكاملوالواقع اإل�سا�ي دون ا

جيدها تفتقر إىل إشكالية واضحة وموحدة، وهذا األمر -اليت مثلها بصفة إمجالية تياران -إن الناظر يف املناهج املقرتحة يف جتديد املنهجية األصولية ختوف بعضهم اآلخر من أن تفتح هذه الدعوة بابا لكثري من أثر سلبا يف مبدأ جتديد علم األصول، إذ شكك بعضهم يف مشروعية الدعوة وعلميتها، بينما

تجديد االحنرافات املنهجية والفكرية، وإن كان اإل�صاف العلمي يقتضي اإلقرار بأن عدم اهتمام بعضهم هبذه الدعوة سببه افتقاد القدرة على الللدراسة التطبيقية اليت تؤهل املتخصصني يف هذا العلم الستعمال معايريه وذلك ألن دراسات أصول الفقه احلالية دراسات �ظرية ال جمال فيها. واملراجعة

إل�عاش وقواعده، واختبارها يف معاجلة الوقائع املستجدة، األمر الذي جعل هذه األدوات عبارة عن معرفة موروثة، وليس منهج حبث ميكن استخدامه . احلياة التشريعية يف العصر احلاضر

اه دعوة جتديد أصول الفقه، تفرض التأكيد على قضية هامة، وهي ضرورة اهتمام ذوي التخصصات الشرعية مبراجعة املنهجية وردود األفعال هذه جت . األصولية، حتى ال ينتهي األمر إىل قطيعة بيـن الفكر الديين الذي ال يتأسـس على األصول، والفكر األصويل الذي ال يتعايش مع الواقع

التيارين املمثلني لدعوة جتديد أصول الفقه، عدم تطبيق أطروحاهتما النظرية على قضايا الواقع، واختبار مدى صحة �تائجها، ومما يالحظ أيضا على إطار األمر الذي جعل هذه الدعوة ال تتجاوز اجلدل النظري، حبيث ما قدم إىل اآلن أفكار، ومبادئ، وخطط، مل يتم اختبارها بشكل دقيق كامل يف

وهذه املرحلة يفرتض أن تتجاوز؛ ألن العلم فـي احلقـيقة ال ينتج باالكتفاء .. ألمر الذي أوجد صراعا �ظريا يتعلق كثريا باأللفاظ واملصطلحاتأكادميي، ا . باحلوار حول كيفية إ�تاج معرفة

ومما يساعد . ة، ووضـع بديل منهجي حمـدد ومنضبطصياغة إشكالية �اظمة موحد: مما سبق يتبين أن املطلوب يف موضوع جتديد املنهجية األصولية هو : على ذلك

أي دراسة املنهج يف ذاته، وليس موضوعاته، وحماولة التعرف على مكو�اته وعناصره من خالل بيان األسس واملبادئ : دراسة أصول الفقه، منهجا -١تدالل إىل آخره، والشروط اليت ينبغي حتقيقها ليمكن الوفاء مبقتضيات هذا املنهج اليت يقوم عليها، واملراحل واخلطوات اليت مير هبا األصويل من بداية االس

. ومتطلباته

، وسيفيد يف إعطاء )إخل..التارخيي، واالستقرائي(فهذا النوع من الدراسة سيكون على النحو الذي يقوم به علماء املناهج يف دراستهم ملختلف املناهج . شكالت اليت ميكن أن تواجه الباحث فيهتصور دقيق لعلم أصول الفقه، وللم

وهذا . صياغة املادة األصولية يف شكل �ظريات، على غرار النظريات الفقهية، يتم من خالهلا معاجلة املوضوعات األصولية يف إطار كلي مشويل -٢ا يبني فائدة بعض األدلة اليت يثار حوهلا �قاش النوع من التصنيف ميكن من فهم أعمق وأمشل للقضايا األصولية، ويظهر مبنى اخلالف، وسببه، كم

]). ٩([كبري ---------------------------------------------

). م١٩٨٥وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية، : الكويت(الجصاص أحمد بن علي، الفصول في األصول ]) ١([ . ١/٦عبد اهللا دراز، مقدمة آتاب الموافقات للشاطبي،]) ٢([

Page 65: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

. ٩٠- ٤/٨٩الشاطبي، الموافقات، ]) ٣([ . ٢٠٥-٤/٢٠٤) م١٩٧٧دار الفكر،: لبنان( ٢إعالم الموقعين عن رب العالمين، ط: أآد ابن القيم أهمية معرفة عادات الناس للمفتي والحاآم، انظر آتابه) (

. ١٠٩-١٠٨ص) م١٩٩٣العبيكان، مكتبة: الرياض(الغزالي أبو حامد، أساس القياس، تحقيق فهد محمد السرحان : انظر]) ٤([ . ١١- ١٠محمد الخضري، أصول الفقه، ص: انظر]) ٥([؛ طه جابر العلواني، أصول الفقه، منهج بحث ١٤٨-١١١م، ص١٩٩٦، مجلة إسالمية المعرفة، العدد الثالث، "\نحو منهج جديد لدراسة علم أصول الفقه"\محمد الدسوقي، : انظر]) ٦([

م؛ جمال الدين عطية، النظرية العامة ١٩٩٧، السنة ١٦٤، المستقلة، العدد"\قواعد في منهجية تجديد علم أصول الفقه"\و) ١٩٩٥لمعهد العالمي للفكر اإلسالمي، ا: فرجينيا( ٢ومعرفة، ط-١٥، طبع المعهد العالمي للفكر اإلسالمي، ص١٩٨٨ر، محاضرة قدمها في آلية الشريعة، جامعة قط" \علم أصول الفقه والعلوم االجتماعية"\، ١٨٩م، ص١٩٩١، ١للشريعة اإلسالمية، ط

١٦ . . ١٦-١٤؛ وجمال الدين عطية، علم أصول الفقه والعلوم االجتماعية، ص٨طه جابر العلواني، قـواعد في منهجية تجـديد علم أصول الفقه، ص: انظر]) ٧([ ". \النظرية اإلسالمية للعالقات الدولية"\و" \أزمة العقل المسلم"\: من رموز هذا التيار الدآتور عبد الحميد أبو سليمان، في آتابيه]) ٨([ . ٣١-٢٧ص) م١٩٩٦المعهد العالمي للذآر اإلسالمي، : فرجينيا( ١علي جمعة محمد، علم أصول الفقه وعالقته بالفلسفة اإلسالمية، ط: انظر في ذلك]) ٩([

Page 66: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ضبط : املبحث األول - مظاهر التجديد الفقهي عند الشوكا�ي -الفصل الرابع » شوكا�ي منوذج ال معامل جتديد املنهج الفقهي» سلسلة كتب األمة « مقومات البحث الفقهي

ضبط مقومات البحث الفقهي: املبحث األول

الفقهي القدرة على لقد أثر التقليد على بنية البحث الفقهي، حيث أصبح اال�تماء املذهيب حيكم مقدمات البحث، و�تائجه، األمر الذي أفقد البحث : وقد وصف الشوكا�ي هذا الوضع فقال. اجتهاد جديد أو مستقل، وحصره يف دائرة تقرير املوروث والدفاع عنه

ته، ومعاملته، فإن يف علماء املذاهب األربعة من هو أوسع علما، أو أعال قدرا من إمامه الذي ينتمي إليه، ويقف عند رأيه، ويقتدي مبا قاله يف عباد«، بل جمرد ويف فتاواه وفضائله، ويسري ذلك إىل مصنفاته، فيـرجح فيها ما يرجحه إمامه، وإن كان دليله ضعـيفا، أو موضوعا، أو ال دليل بيده أصال

]). ١([»حمض الرأي، ويدفع من األدلة املخالفة له ما هو أوضح من مشس النهار؛ تارة بالتأويل املتعسف، وحينا بالزور امللفق

لتعصب ن هنا اقتضت النهضة الفقهية يف �ظر الشوكا�ي حترير العقل الفقهي من القيود اليت ضربت عليه، وتزويده بآليات جديدة للبحث تعصمه من ام . وتقيمه على مبدأ اإل�صاف واملوضوعية

ية واملنهجية والرتبوية، فبين أن من مقتضيات البحث وعلى هذا األساس جاء كالم الشوكا�ي يف هذا احملور تأكيدا على مظاهر اإل�صاف، و�تائجه العلم : الفقهي اليت حتقق اإل�صاف ما يأتي

: االحتكام إىل الدليل: املطلب األول

، وإ�زال أقوال أئمة املذهب منـزلة النص الشرعي جعل البحث )الكتاب والسنة(إن ا�قطاع العقل الفقهي يف عصور التقليد عن مصادر التشريع األصلية وهذا األمر جعل اإلمام الشوكا�ي يعد من مقومات البحث العلمي، قيامه على مقدمات .. الفقهي يقوم على مقدمات جاهزة دون متحيص هلا وال حتقيق

يه عنه شيء، وال فاملعيار الذي ال يزيغ، أن يـكون طالب العـلم مع الدليل يف مجيع موارده ومصادره، ال يثن«: حيث قال. و�تائج يسندها الدليل الصحـيح ]). ٢([»...حيول بينه وبينه حائل

: ضبط منهج التعامل مع الرتاث الفقهي: املطلب الثا�ي

: لقد سعى الشوكا�ي، أثناء ضبطه ملقومات البحث الفقهي، إىل حتديد معامل منهج التعامل مع الرتاث الفقهي، فلخصه يف مبادئ ثالثة

ذلك أن حتيز املذاهب داخل أطرها اخلاصة أفرز اعتقادا معينا، وهـو أن ما صدر عن . علماء حجة شرعيةعدم اختاذ اجتهادات ال: املبدأ األولوهذا االعتقاد صير . رجال املذهب السابقني صحيح مطلق الصحة وصاحل عرب الزمـان واملكان، وال ميكن إخضاعه ألي تطوير، أو تعديل، أو إضافة

ا، وأكسبها موقع الدليل الشرعي يف البحث الفقهي، واعتربت حماولة إخضاعها لالختبار والتحقيق طعنا يف شخصية آراء أئمة املذاهب حجة يف ذاهت

Page 67: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

وقد سعى الشوكا�ي إىل تفنيد هذه القناعات، وإثبات خمالفتها ألسس التدين، . األئمة العلمية، وخدشا يف مسعة الباحث، وتشكيكا يف ا�تمائه املذهيب : هذه األسس وتلك القوا�ني اليت تقتضي كما قال. العلميوقوا�ني البحث

جة عليك، أن تكون منصفا ال متعصبا يف شيء من هذه الشريعة لعامل من علماء اإلسالم، بأن جتعل ما يصدر عنه من الرأي، ويروى له من االجتهاد ح«فإ�ه وإن فضلك بنوع من أ�واع ... مكلفا ال مكلفا، ومتعبدا ال متعبدا وعلى سـائر العباد، فإ�ك إن فعلت ذلك كنت قـد جعلته شارعا ال مشرعا،

الدرجة إىل العلم، وفاق عليك مبدرك من مدارك الفهم، فهو مل خيرج بذلك عن كو�ه حمكوما عليه متعبدا مبا أ�ت متعبد، فضال عن أن يرتفع عن هذه هاده الزما هلم، بل الواجب عليك أن تعرتف له بالسبق، وتقر له بعلو الدرجة الالئقة به يف العلم، معتقدا درجة يكون رأيه فيها حجة على العباد، واجت

إذا اجتهد احلاكم «: من طرق أ�ه قال eهو الذي ال جيب عليه غيـره، وال يلزمه سواه، ملا ثبت يف الصحيح عنه .. أن ذلك االجتهاد الذي اجتهده ]). ٣([»هد فأخطأ فله أجرفأصاب فله أجران، وإن اجت

: لعلمية فقالكما رفض يف ذات السياق اعتقاد أن األئمة باجتهادهم قد كفوا من جاء بعدهم مؤو�ة االجتهاد، بل األصل اجلد واالجتهاد لبلوغ مكا�تهم ااد، والبحـث مبا يدخل حتت طوقك، وليس لك أن تعتقد أن صوابه صواب لك، أو خطأه خطأ عليك، بل عليك أن توطـن �فسـك على اجلد واالجته«

. خر العملوحتيط به قدرتك، حتى تبلغ إىل ما بلغ إليه من أخذ األحكام الشرعية من ذلك املعدن الذي ال معدن سواه، واملوطن الذي هو أول الفكر وآرت عند �فسك، وأثبت فـي تصورك أ�ه ال حجة فإن ظفرت به فقد تدرجت من هذه البداية إىل تلك النهاية، وإن قصرت عنه مل تكن ملوما بعد أن قر

اه إىل إال هلل، وال حكم إال منه، وال شـرع إال ما شرعه، وأن اجتهادات اجملتهدين ليست حبجـة على أحد، بل هي خمتصة مبن صدرت عنه ال تتعدجيعلها حجة عليه يدين اهلل هبا، فإن هذا شيء مل يأذن اهلل به، وال حيل لغريه أن يقبلها عنه، أو. غريه، وال جيوز له أن حيمل عليها أحدا من عباد اللـه

]). ٤([»وأمر مل يسوغه ألحد من عباده

إعمال النظر املستقل يف دراسة الرتاث الفقهي، وهذا يعين عـدم رفض أو قبول ما اسـتقر فيه من آراء، ال لصحتها أو عدم سالمتها يف : املبدأ الثا�يومن حق اإل�صاف والزم االجتهاد أن ال حيسن الظن، أو يسيئه بفرد من أفراد أهل العلم، على «: لني هبا، وهو ما خلصه يف قولهذاهتا، بل ملكا�ة القائ

بأ�ه وجه يوجب قبول ما جاء به، أورده من غري إعمال فكر، وإمعان �ظر، وكشف وحبث، فإن هذا شأن املقلدين، وصنيع املتعصبني، وإن غرته �فسه ]). ٥([»من املنصفني

: وفيه قال. عدم اعتبار الكثرة مقياسا للصحة: املبدأ الثالث

اخلروج عن قول وأن ال يغرت بالكثرة، فإن اجملتهد هو الذي ال ينظر إىل من قال، بل إىل ما قال، فإن وجد �فسه تنازعه إىل الدخول يف قول األكثرين، و«ذكر، وسعة دائرة علم، ال ألمر سوى ذلك، فليعلم أ�ه قد بقي فيه عرق من عروق العصبية، وشعبة من األقلني، أو إىل متابعة من له جاللة قدر، و�بالة

]). ٦([»شعب التقليد، وأ�ه مل يوف االجتهاد حقه

: أخذ كل فن من الفنون عن أهله: املطلب الثالث

Page 68: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

لك أن أخذ العلوم عن غري أهلها خمالف ملقتضيات اإل�صاف، أخذ كل فن من الفنون عن أهله، ذ: من مقتضيات البحث الفقهي السليم عند الشوكا�يألن إ�صاف الرجال ال يتم حتى يؤخذ كل فن عن أهله، كائنا من كان، فإ�ه لو ذهب العامل الذي قد تأهل لالجتهاد يأخذ مثال «: وهو ما أوضحه بقوله

ن خمطئا يف أخذ املدلول اللغوي عنهم، وهكذا أخذ املعنى اإلعرابي عنهم، فإ�ه احلديث عن أهله، ثم يريد أن يأخذ ما يتعلق بتفسريه يف اللغة عنهم، كالكتب خطأ، بل يأخذ احلديث عن أئمته بعد أن يكشف عن سنده، وحال رواته، ثم إذا احتاج إىل معرفة ما يتعلق بذلك احلديث من الغريب رجع إىل ا

وإذا احتاج إىل معرفة بنية كلماته رجع إىل علم الصرف، وإذا احتاج إىل . يف الغريب وغريهاملدو�ة يف غريب احلديث، وكذا سائر كتب اللغة املدو�ة وإذا . لبيانمعرفة إعراب أواخر كلمة رجع إىل علم النحو، وإذا أراد اإلطالع على ما يف احلديث من دقائق العربية وأسرارها رجع إىل علم املعا�ي وا

فالعامل إذا صنع ظفر باحلق من أبوابه، ودخل إىل اإل�صاف بأقوى . ينه وبني غريه رجع إىل علم أصول الفقهأراد أن يسلك طريقة اجلمع والرتجيح ببط وخيلط، أسبابه، وأما من أخذ العلم عن غري أهله، ورجح ما جيده من الكالم ألهل العلم يف فنون ليسوا من أهلها، وأعرض عن كالم أهلها، فإ�ه خي

]). ٧([»يحات مبا هو يف أبعد درجات اإل�صافويأتي من األقوال والرتج

: التحقيق يف بعض القواعد املقررة يف الفقه وأصوله: املطلب الرابع

إىل درجة لقد تضمن الرتاث اإلسـالمي فـي �ظر اإلمام الشـوكا�ي قواعـد ال مستند هلا من اللغة أو الشرع، ولكن شيوعها بني العلماء جعلها ترتقيومن مجلـة أسباب التعصب اليت ال يشعر هبا كثري من املشتغلني «: ويف بيان ذلك قال. قا�و�ا تعرض عليه �صوص الكتاب والسنةالقطعية، وتصبح

ني فإن من ال عناية له بالبحث يسمع هذه املقالة ويرى ما صنعه كثري من املصنف. بالعلوم، ما ذكره كثري من املصنفني من أ�ه يرد ما خالف القواعد املقررةفإذا كشفها وجدها فـي الغالب كلمة تكلم هبا بعض من يعتقده . من رد األدلة من الكتاب والسنة إذا خالفت تلك القاعدة، فيظن أهنا يف اللوح احملفوظ

). ]٨([»الناس مـن أهل العلم الذين قـد صاروا حتت أطـباق الثرى، ال مستند هلا إال حمض الرأي وحبت ما يدعى من داللة العقل

ك من هنا عد الشوكا�ي من مقومات البحث الفقهي املوضوعي الكشف عن مثل هذه القواعد يف علم الفقه وأصوله، وبيان ضعفها، وعدم صحة التمس : هبا يف إ�شاء األحكام، حيث قال

ها القناطر، وجعلوها إماما ألدلة الكتاب وهكذا جند يف علم أصول الفقه قاعدة قد أخذها اآلخر عن األول، وتلقنها اخللف عن السلف، وبنوا علي«املختل، والظن والسنة، جييزون ما أجازته ويردون ما ردته، وليست من قواعـد اللغـة الكلية، وال من القوا�يـن الشرعية، بل ال مستند هلا إال اخليال

فاملغرور من يرقى هبا ".. \حنن حنكم بالظاهر"\: ومبثل ،"\حكمي على الواحد حكمي على اجلماعة"\: كاستدالهلم مبثل... الفاسد والرأي البحتمن ذكر قواعد يطردوهنا ... من كوهنا موضوعة إىل كوهنا صحيحة، ثم من كوهنا صحيحة إىل كوهنا قطعية، وهكذا ما وقع يف كثري من أبواب الفقه

ف عن ذلك وجد أكثرها مبنيا على حمض الرأي الذي ليس عليه يف مجيع املسائل، ويظنون أهنا من قواعد الشرع الثابتة بقطعيات الشريعة، ومن كش ]). ٩([»أثارة من علم، وال يرجع إىل شيء من الشرع

فعلى من «: وبعد هذا الوصف قرر الشوكا�ي وجوب التحقيق يف مثل هذه القواعد وعدم اختاذها مسلمات تنبين عليها مقدمات البحث و�تائجه، فقال ]). ١٠([»مل حيل بينه وبني احلق ما ليس من احلق.. لتمسك بشعار اإل�صاف أن يكشف عن هذه األمور، فإ�ه إذا فعل ذلكأراد الوصول إىل احلق، وا

: مراجعة قواعد اجلرح والتعديل: املطلب اخلامس

Page 69: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

التعديل ملن فيه عصبية من املصنفني التقليد يف علم اجلرح و«يرى اإلمام الشوكا�ي أن من األسباب املا�عة من التزام اإل�صاف يف الدراسات الفقهية بعض املصابني بالتقليد كان العدل عنده من يوافقه يف مذهبه الذي ) أي للجرح والتعديل(إذا تصدى لذلك «: والسبب يف ذلك أ�ه كما قال]) ١١([»فيه

ن ينظر يف مصنفات احلفاظ بعد ا�تشار املذاهب، وقد دعا الشوكا�ي من خفي عليه هذا األمر أ]). ١٢([»يعتقده، واجملروح من خالفه كائنا من كاناملوافقة يف املذهب حاملة على ترك التعرض ملوجبات اجلرح، وكتم األسباب املقتضية «وتقيد الناس هبا، وكذا يف كتب املؤرخني فيالحظ بوضوح أن

وإن كان الكالم على أحوال املخالفات كان . اجلارح خارجا فإن وقع التعرض لشيء منها �ادرا أكثر املصنف من التأويالت املوجبة لدفع ذلك. لذلك ]). ١٣([»األمر بالعكس من ذلك

العلوم واملعارف، وأوضح الشوكا�ي أن كالمه هذا ال جيب أن يفهم منه أ�ه يتهم علماء اجلرح والتعديل بالكذب املتعمد، وإمنا هو أثر من آثار التقليد علىالكذب ويكتمون احلـق، فهم أعـلى قدرا وأشد تورعا من ذلك، ولكن رسخ يف قلوهبم حب مذاهبهم فأحسنوا الظن وال أقول إهنم يتعمدون «: فقال

احملقني، بأهلها، فتسبب عن ذلك ما ذكر�ا، ومل يشعروا بأن هذا الصنيع من أشد التعصب، وأقبح الظلم، بل ظنوا أن ذلك من �صرة الدين، ورفع منار ]). ١٤([»ة منهم وتقليداووضع أمر املبطلني، غفل

لك بالتزام من هنا اعترب الشوكا�ي من مقتضيات اإل�صاف يف البحث الفقهي، مراجعة قواعد اجلرح والتعديل بعد ا�تشار املذاهب واستفحال التقليد، وذ : على -كما قال-قواعد جديدة يف عملييت اجلرح والتعديل تضمن موضوعية احلكم، قواعد ينبغي التعويل فيها

آخر فال أن القادح إن كان يرجع إىل أثر يتعلق بالرواية كالكذب فيها، وضعف احلفظ، واجملازفة، فهذا هو القادح املعترب، وإن كان يرجع إىل شيء«املخالفني لـه، وأما ما وإن كان املتكلم متلبسا بشيء من هذه املذاهب، فهو مقبول يف جرح من جيرحه من املوافقني له، وتزكية من يزكيه من . اعتداد به

]). ١٥([»جاء بـما يقتضي تعديل املوافق وجرح املخالف، فهذا مما ينبغي التوقف فيه، حتى يعرف من طريـق غريه أو يشتهر اشتهارا يقبله سامعه

: مراعاة الدالئل والكليات العامة: املطلب السادسالئل والكليات العامة، كوهنا ضوابط تضمن االستنباط املوضوعي لألحكام، وتعصم الباحث من مقومات البحث الفقهي عند اإلمام الشوكا�ي مراعاة الد

مدى توافقها من النظر اجلزئي، وتزوده مبقاييس دقيقة لتقييم اآلراء املطروحة يف املوضوع، واختبار مدى صحتها من خالل وضعها يف إطار كلي، وبيان ]). ١٦([معه

: لشرعية من مواطنهاأخذ األدلة ا: املطلب السابعسيوجـه ال يرى اإلمام الشوكا�ي أن أخذ أدلة املوضوع حمل البحث من كتب الفقه املذهيب �قيصة من �قائص البحث الفقهي، ذلك أن اال�تماء املذهيب

من «: ا خيل باإل�صاف أل�ه، كما قالحمالة عرض مؤلفي هذه الكتب، ومناقشتهم، وترجيحهم ألدلة املوضوع، وهذه النقيصة فـي �ظر اإلمام الشوكا�ي ممذلك يبالغ يف أسباب الوقوع يف غري اإل�صاف أن يأخذ طالب احلق أدلة املسائل من جماميع الفقه اليت يعزى مؤلفها إىل مذهب من املذاهب، فإن من كان ك

تارة بأهنا صحيحة، ثم يطفف خلصمه املخالف فيورد أدلته إيراد أدلة مذهبه، ويطيل ذيل الكالم عليها، ويصرح تارة بأهنا أدلة، وتارة بأهنا حجج، و ]). ١٧([»بصيغة التمريض، ويعنوهنا بلفظ الشبه، وما يؤدي هذا املعنى

Page 70: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

إذا اقتصر طالب احلق على النظر يف مثل هذه املؤلفات وقع يف الباطل «: واإل�صاف يف �ظر الشوكا�ي يقتضي استقاء األدلة من مظاهنا، أل�ه كما أضافن يظنه احلق، وخالف احلق وهو يظنه الباطل، والذي أوقعه يف ذلك اقتصاره يف البحث والنظر على ذلك الكتاب الذي ألفه ذلك املتعصب، وإحسا وهو

]). ١٨([»...الظن به

دقيق ومنضبط ملنهج إ�ه سعى من خالل تلك املقومات السبعة إىل تأطري: وخالصة القول فيما خيص ضبط اإلمام الشوكا�ي ملقومات البحث الفقهي . البحث الفقهي ليعصم البحث والباحث من الزلل

: قالولقد خلص اإلمام الشوكا�ي هذه املقومات يف كلمات موجزة، عبرت بدقة عن منهج التجديد الفقهي عنده وعن مواصفات الشخصية التجديدية، ف

مواطنها، على الوجه الذي قدمناه، ويفرض �فسه موجودا يف زمن النبوة، وعـند �زول وباجلملة، فاجملتهد على التحقيق، هو من يأخذ األدلة الشرعية من«فإن اخلطابات الشرعية تتناوله كما تناولت الصحابة، من غري فرق، وحينئذ . الوحي، وإن كان يف آخر الزمان، وكأ�ه مل يسبقه عامل، وال تقدمه جمتهد

]). ١٩([»من اجلمهور، وتزول اهليـبة اليت تداخل قلوب املقصرينيهون اخلطب، وتذهب الروعة اليت �زلت بقلبه -----------------------------------------

-------------------------------------------------------------------------------- . ١٠٤محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب ومنتهى األرب، ص]) ١([ . ٩١نفسه، ص المرجع]) ٢([: انظر" \إذا حكم الحاآم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم الحاآم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد"\، والحديث متفق عليه من حديث عمر بن العاص بلفظ ٣٣-٣٢المرجع نفسه، ص]) ٣([

. ١١١٨، رقم١٩٥محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، ص . ٣٤-٣٣محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب و منتهى األرب ، ص]) ٤([ . ١٥٤المرجع نفسه، ص]) ٥([ . نفسه]) ٦([ . ٧٦المرجع نفسه، ص]) ٧([ . ١١٢المرجع نفسه، ص]) ٨([ . ١١٣المرجع نفسه، ص]) ٩([ . ١١٣المرجع نفسه، ص]) ١٠([ . ١١٦المرجع نفسه، ص]) ١١([ . نفسه]) ١٢([ . نفسه]) ١٣([ . المرجع نفسه، الصفحة نفسها]) ١٤([ . ١١٧المرجع نفسه، ص]) ١٥([ . ١٩٢ـ١٨٩المرجع نفسه، ص]) ١٦([ . ١١٤المرجع نفسه، ص]) ١٧([ . ١١٥ -١١٤المرجع نفسه، ص]) ١٨([ . ١٥٥ -١٥٤المرجع نفسه، ص]) ١٩([

Page 71: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

التجديد يف : املبحث الثا�ي - مظاهر التجديد الفقهي عند الشوكا�ي -لرابع الفصل ا» منوذج الشوكا�ي معامل جتديد املنهج الفقهي» سلسلة كتب األمة « املوضوع الفقهي

التجديد يف املوضوع الفقهي : املبحث الثا�ي

ت باختالف لقد كان الستحكام التقليد، وظهور دعوى غلق باب االجتهاد األثر البالغ يف حركة منو الفقه اإلسالمي عموما، لكن درجة التأثري اختلفعلى ما أصابه من مجود ضمن املمارسة اليومية للمسلمني، واستمر الوعي به، -عبادات، معامالت -فقد استمر فقـه الفرد . املوضوعات الفقهية

ناهج ضعف وعي املسلمني به، وكان له شبه اختفاء يف امل) إخل... اقتصاد، وسياسة، وإدارة(وتدريسه للمتعلمني، يف حني أن فقه الدولة . تربير الواقع واخلضوع له، أو رفضه واعتزاله: ، وأصبحت تصورات كثري من العلماء يف عصر اإلمام الشوكا�ي حيكمها إما])٢٠([الدراسية

سياسية، لأما اإلمام الشوكا�ي، فإن ممارسته للعمل السياسي، وتوليه ملنصب القضاء العام، منحاه فرصة املشاركة يف ختطيط وتنفيذ برامج الدولة اقهي الذي مل يتوقف واالقتصادية، واإلدارية، واالجتماعية، األمر الذي جعل فكره الفقهي يتفتح على قضايا اجملتمع العامة، ومن ثم ينعكس على إ�تاجه الف

سها شؤون الدولة عند حد حفظ وشرح الرتاث السياسي واالقتصادي املوروث، بل تعداه إىل صياغة برامج ميدا�ية إصالحية تسري على أسا . وهذا البعد اجلديد الذي أعطاه الشوكا�ي لفقهه جعله ينتقل من فقه الكتب إىل فقه الربامج واملؤسسات.. العامة

: الفقه السياسي: املطلب األول

البالد اإلسالمـية، وما ترتب عليه ففي الفقه السياسي، تعرض الشوكا�ي فـي رسائل خمتلفـة لقضايا سياسية هامة أفرزهتا طبيعة �ظام احلكم السائد فـي . مبدأ فصل الدين عن الدولة، مبدأ الصلة باحلكام، عوامل االستقرار السياسي: من قناعات ومواقف سياسية ميزت الفكر السياسي يف عصره مثل

فيها سـيساهم إىل حد كبري يف تصحيح هذه املوضوعات وغريها، مثلت منطلق اإلصالح السياسي عند الشوكا�ي، ذلك ألن الوصول إىل تصور شرعي م، وأ�ه �ـظام حياة ال املفاهيم اخلاطـئة اليت أ�ـتجتها النـظرة اجلزئية للدين اإلسالمي، والتدين به يف عصور االحنطاط، والتأكيد على البعد الشمويل لإلسال

. ينحصر يف عـالقة اإل�سان بربه فقط

الشوكا�ي ببيان جذوره التارخيية، و�تائج تطبيقه يف اجملتمع اإلسالمي؛ أل�ه صار العقيدة السياسية لكثري من أما مبدأ فصل الدين عن الدولة، فقد اهتمملك التتار الذي شرع جمموعة من القوا�يـن الوضعية اخلاصة مبراسيم ) هـ٦٢٤ - ٥٤٨(فأعـاد جذوره إىل جينكزخان . أ�ظمة احلكم يف العامل اإلسالمي

وملا أسلم بعض حفدته، وبقي فيهم امللك يف أرض اإلسالم، . فرضـها على رعاياه من املسلمني، وسار على هذا النهج أوالده من بعدهامللوك والرعية، ومربرا ـذها احلكامالتزموا العمل هبذه القوا�ني يف األمور املتعلقة بامللك مع إسالمهم، فرسخ هذا املبدأ يف البالد اإلسالمية، وبلور مفاهيم خـاطئة اخت

]). ٢١([أن امللك ال يصلح بالتدبريات الشرعية، وال يقوم بغري تلك القوا�ني الوضعية: للتمسك هبذا املبدأ، مثل

Page 72: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ة ابتعادها عن وأما مبدأ الصلة باحلكام، فقد رفض الشوكا�ي اعتزال العلماء للمناصب، ألن زهدهم يف مراكز التغيري يف اجملتمع والدولة يؤدي إىل زيادومما . مهميم اإلسالم، ورأى يف املقابل أن اشتغال رجال العلم يف أجهزة احلكم والدولة يعد وسيلة هامة لتحقيق العدل، وترشيد احلكام، وختفيف ظلتعال

: قاله يف هذا الشأن

عدم وجود من يقوم هبا، وتبدلت اململكة وال خيفى على ذي عقل أ�ه لو امتنع أهل العلم والفضل والدين عن مداخلة امللوك، لتعطلت الشريعة املطهرة، ل«من امللك اإلسالمية باململكة اجلاهلية يف األحكام الشرعية، من ديا�ة ومعاملة، وعم اجلهل وطم، وخولفت أحكام الكتاب والسنة جهارا، وال سيما

]). ٢٢([»وخاصته وأتباعه

تزال مراكز التغيري يف اجملتمع والدولة، ورد استدالهلم القائم على سد الذرائع وخالف الشوكا�ي أولئك الذين جيعلون من شيوع املنكرات ذريعة العواقرتح ]).٢٣([باستدالل منطقي عقلي فحواه أن وجود املنكرات أمر مالزم لكل دولة مسلمة تلت فرتة اخلالفة الرائدة، حيث أصبح �ظام احلكم ملكيا

: ة، وقواعدها العامة، كقاعدة دفع الضرر األعلى بالضرر األد�ى،حيث قالدراسة إشكالية الصلة باحلكام يف ضوء مقاصد الشريع

وال فاملتصل هبم من أهل املناصب الدينية قد يغضي يف بعض األحوال عن شيء من املنكرات ال لرضى، بل لكو�ه قد ا�دفع بسعيه ما هو أعظم منه،« ]). ٢٤([»تشدد يف ذلك الدون، لوقع هو وذلك الذي هو أشد منه وأشنع وأفظعيتم له ذلك إال بعدم التشدد فيما هو دو�ه، وهو يعلم أ�ه لو

: كما وضع الشوكا�ي ضابطا هاما يف االتصال باحلكام، وهو عدم تربير ظلمهم وعدم املشاركة يف تنفيذه فقال

، فإن كان األمر هكذا، فلو كان امللك قد بلغ من الظلم لكن هذا املتصل هبم مل يتصل هبم ليعينهم على ظلمهم وجورهم، بل ليفيت بني الناس حبكم اهلل«ن إىل أعلى درجاته مل يكن على هؤالء من ظلمه شيء، إذا كان ألحدهم مدخل يف ختفيف الظلم، ولو أقل قليل وأحقر حقري، كان مع ما هو فيه م

ل، ويسعى بـما تبلغ إليه طاقته يف دفعه، ومل يعنه على ظلمه، املنصب مأجور أبلغ أجر، أل�ه قد صار مع منصبه يف حـكم من يطلب احلق، ويكره الباط ]). ٢٥([»وال سعى فـي تقرير ما هو عليه أو حتسينه، أو إيراد الشبه يف جتويزه، فإن أدخل �فسه يف شيء من هذه األمور فهو يف عداد الظلمة

لكن إدراكا منه أن مبدأ . ملواز�ات، القائم على معرفة الضرر األكرب واألخففالعالقة بني احلاكم واحملكوم يف �ظر الشوكا�ي يضبطها فقه األولويات، وادم تأثرهم عزلة املناصب واحلكام صار قناعة فقهية عامة يف اجملتمع اإلسالمي بأسره، أكد اإلمام الشوكا�ي ضرورة حترر العلماء من ضغط الواقع، وع

جراء اتصاهلم باحلكام، اليت مرجعها يف األساس إىل اجلهل بقواعد الضرر واملصلحة يف الشريعة باألحكام الظاملة اليت قد يصدرها اجملتمع عليهم من ]). ٢٦([اإلسالمية

الصراع ومن املوضوعات اليت تضمنها فقه الشوكا�ي السياسي موضوع االستقرار السياسي، ولعل اهتمامه هبذه اإلشكالية كان �تيجة معايشته استفحالالقوة العسكرية، والقوة : اإلسالمية عامة، واليمن خاصة، فحدد الشوكا�ي عوامل ثالثة أساسية لالستقرار السياسي وهيالسياسي يف البالد

. ، باعتبارها مصدر املشروعية للنظام احلاكم، واملنفذ األساس ألهل العلم يف إصالح الراعي والرعية])٢٧([االقتصادية واملناصب الدينية

: االقتصادي الفقه: املطلب الثا�ي

Page 73: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

حدثت بسبب فساد أما يف الفقه االقتصادي، فقد عاجل الشوكا�ي السياسة املالية اليت قام عليها اقتصاد اليمن، السيما يف فرتة األزمات االقتصادية اليتالدولة ال « بعض العلماء، حبجـة أن اإلدارة والفنت الداخلية واحلروب مع الدول اجملاورة، وهي فرض ضرائب كثرية وخمتلفة، مبباركة وفتوى شرعية من

. ، األمر الذي أثر سلبا على مستوى الشعب املعيشي])٢٨([»تقـوم إال بذلك، وال تتم إال مبا جرت به العادة من اجلبايات، وحنوها

اتب اخلليفة وقاضي القضاة، ينصح اإلمام وما فتئ، باعتباره ك -غري الزكاة وما أوجبه الشرع احلنيف -وقد رفض الشوكا�ي هـذه الضرائب، واجلبايـات كان أن قبل منصور علي بن العباس الذي تبنى سياسة التعسف يف الضرائب بأن العدل يف الرعية يقتضي عـدم مطالبتهم إال مبا أوجبه اهلل تعاىل، وقد

�ص فيه ]) ٣٠([فكتب اإلمام الشوكا�ي مرسوما]). ٢٩([ةاملنصور �صيحة الشوكا�ي، وكلفه بكتابة مرسوم إىل مجيع الرعايا يتضمن إصالحات اقتصادييف مجيع األقطار، وكل ما مشلته دولته املباركة يف األجناد واألغوار ليس عليهـم من املطلب، إال ما أثبته الشرع ) رعايا اخلليفة(أن مجيع رعاياه «على

]). ٣١([»وجل، ال خياطبون بغري ذلك الشريف يف مجيع ما ميلكو�ه، كائنا ما كان، مما فيه حـق هلل عز

فمن طلب �قريا أو قطمريا زائدا على ما أوجبه اهلل تعاىل فال «: ومل يقف الشوكا�ي عند حد ضمان امللكية اخلاصة، بل أثبت حق الدفاع عنها فقالاضي أن ينهي ذلك إىل احلضرة اإلمامية حتى يناله من العقوبة طاعة له، وعلى املسلمني أن يأخذوا على يده، وينعوا أمره إىل القاضي يف اجلهة، وعلى الق

]). ٣٢([»ما يزجر به من رام أن يفعل كفعله

وإذا داهن القاضي ظاملا أو حابى رجال رام غري ما فرضه اهلل، فقد «: وأكثر من ذلك فقد هدد القضاة بالعزل إذا هتاو�وا يف تطبيق هذا املرسوم، فقال: كما أمر بتعميم هذا املنشور و�شره يف سائر البالد، فقال]).. ٣٣([»هـذه الوظيفة الدينية، فليس مبستحق هلا وال مأمون عليهااستحق أن يعزل عن

ن به ظلم وعلى كل حاكم أن يقرأ هذا على رعية القطر الذي هو فيه وجيمعهم، وينقل ألهل كل قرية صورة خبطه وعالمته ليبقى بأيديهم مستمرا يدفعو« ]). ٣٤([»ظامل وجور كل جائركل

]). ٣٥([معامل دينهموإدراكا منه للعالقة اجلدلية بني تفشي اجلهل ومزاولة الظلم على الرعية، أمر الشوكا�ـي حكام اجلهات بتعيني معلمني يعلمون الناس

جزئيا لظاهرة التعسف يف الضرائب، بل كان اجتهادا فقهيا واجلدير بالذكر يف هذا املقام، أن موقف الشوكا�ي الذي تضمنه هذا املرسوم مل يكن عالجاواجلهاد أصيال هدفه تصويب السياسية االقتصادية اجلائرة، وما ختلفه من ظلم اجتماعي لقيامها على هنب واستنـزاف املواطنني، حبجة مصلحة الوطن

، كما �اقش اإلشكالية ذاهتا يف "\ال على عدم وجوب االستعا�ة من خالص املالتنبيه األمث"\يف سبيل اهلل، وهو ما جعله يؤلف يف هذا املوضوع رسالة . ، حيث وافق صاحب األزهار على جواز االستعا�ة بأموال املواطنني بشرط خشية استئصال الكفار لقطر من أقطار املسلمني"\السيل اجلرار"\كتابه

ألن دفع ما ينوب املسلمني من النوائب يتعين إخراجه من «: قرتاض، واحتج لذلك بقولهلكنه اشرتط شرطا آخر وهو أن تكون االستعا�ة على جهة االال يف بيت ماهلم، وهو مقدم على أخذ فاضل أموال الناس، ألن أمواهلم خاصة هبم، وبيت املال مشرتك بينهم، فإن كان ال ميكن القضاء من بيت امل

]). ٣٦([»املستقبل، فقد حق الوجوب على املسلمني

وإذا تقرر «: وقد جعل من شرط خشية استئصال قطر من أقطار املسلمني، ضابطا للتفريق بني ما يباح من االستعا�ة خبالص األموال، وما ال يباح فقالما�ك من أخذ أموال لك هذا، فاعلم أن هذه االستعا�ة املقيدة هبذه القيود املشروطة باستئصال قطر من أقطار املسلمني، هي غري ما يفعله امللوك يف ز

Page 74: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

بو�ه منه من الرعايا زاعمني أن ذلك معو�ة جلهاد مؤلف، قد منعوه ما هو مؤلف به من بيت مال املسلمني، أو جهاد من أبـى من الرعايا أن يسلم ما يطله املسألة قد صارت ذريعة لعلماء الظلم البحت الذي مل يوجبه الشرع، أو جهاد من يعارضهم يف اإلمامة وينازعهم يف الزعامة، فاعرف هذا، فإن هذ

]). ٣٧([»السوء يفتون هبا من قرهبم من امللوك، وأعطاهم �صيبهم من احلطام

لة كما سعى الشوكا�ي يف بعض رسائله إىل ترشيد السياسة االقتصادية لبالده من خالل تناوله لبعض القضايا املهمة كدور الدولة يف عالج مشك، أن للدولة صالحية واسعة "\بلوغ السائل أما�يه بالتكلم يف املصارف الثما�ية"\الدولة يف توزيع الدخل، إذ بين يف رسالته ، ومدى تدخل ])٣٨([البطالة

]). ٣٩([يف صرف أموال الزكاة حبسب األولويات اليت تقتضيها مصلحة اإلسالم وأهله

ا ألوجه التوزيع عليه، إذ جعله يشمل كل طريق يوصل إىل اهلل تعاىل وحيقق تفسريا واسع" \يف سبيل اهلل"\ويف موضوع توزيع الزكاة أعطى ملصرف سبيل اهلل، طريق اهلل املراد هنا الطريق إىل اهلل عز وجل، لكن ال دليل على اختصاص : أقول«: مصلحة اإلسـالم واملسـلمني وليس فقط اجلهاد، فقال

كان طريقا إىل اهلل عز وجل، وهذا معنى اآلية لغة، والواجب الوقوف على املعا�ي اللغوية ، بل يصح صرف ذلك يف كل ما )أي اجملاهد(هذا السهم به ]). ٤٠([»حيث مل يصح النقل عنها شرعا

يف ومن مجلة سبيل اهلل الصرف على العلماء الذين يقومون مبصاحل املسلمني الدينية، فإن هلم«: ومن الفئات اليت أدرجها يف هذا املصرف العلماء، فقالم حتفظ بيضة اإلسالم مال اهلل �صيبا، سواء كا�وا أغنياء، أو فقراء، بل الصرف يف هذه اجلهة من هذه األمور، ألن العلماء ورثة األ�بياء ومحلة الدين، وهب

]). ٤١([»وشريعة سيد األ�ام

: الفقه اإلداري واالجتماعي: املطلب الثالث

، شخص من خالهلا أدواء اجملتمع اليمين اليت "\الدواء العاجل يف دفع العدو الصائل"\ألف الشوكا�ي رسالة أما يف اجملال اإلداري واالجتماعي، فقد وقد قسم اجملتمع . متثلت يف استفحال األمية الدينية يف اجملتمع، وفساد األجهزة اإلدارية ملؤسسات الدولة وهياكلها، وما اجنر عنه من تدهور اجتماعي

: ذه إىل ثالثة أقساماليمين يف دراسته ه

وتشرتك هذه الفئات الثالث يف اجلهل العام بالشريعة اإلسالمية على .. رعايا يأمترون بأمر الدولة، ورعايا خارجون عن سلطان الدولة، وسكان املدن ]). ٤٢([مينتفاوت بينها، األمر الذي أدى إىل ضعف االلتزام الديين، واستفحال اآلفات االجتماعية يف أوساط اجملتمع الي

ن حفظ كما �اقش يف هذه الرسالة �فسها سبب الفساد اإلداري ومظاهره، فأكد أن مصدر اخللل هو عدول أويل األمر عن القيام بوظائفهم األساسية مفإن األمور الشرعية «: شرع اهلل، وإقامته بني الناس، واستغالل مناصبهم اإلدارية يف خدمة أغراضهم الشخصية، وحتسني وضعيتهم املالية حيث قال

صادرة الرعايا يف والفرائض الدينية هي اليت شرع اهلل �صب األئمـة والسالطني والقضاة إلقامـتها، ومل يشرع �صب هؤالء جلمع املال من غري وجهه، ومعامل : ل والية قد احنصرت يف ثالثة أشخاصوبين أن مسؤولية األمر باملعروف والنهي عن املنكر يف ك]) ٤٣([»أمواهلم بإضفاء ما أوجبه اهلل عليهم

. وكاتب وقاض

Page 75: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

نهي عن املنكرات أما العامل فال عمل له إال استخراج األموال من أيدي الرعايا باحلق والباطل، عازف عن واجبه الوظيفي يف إقامة الواجبات الدينية، والأما الكاتب فهو شريك العامل، إذ ليس . مل، أل�ه يفتح له ذلك باب أخـذ األمـوالالشرعية، بل إن وقوع الرعايا يف هذه املعاصي أحب األشياء إىل العا

أما القاضي فهو جاهل بالشرع، وبأحكام القضاء، تارك ملستلزمات وظيفته . له من أمر إال مجع ديوان يكتب فيه املظامل اليت يأخذها العامل من الرعايا ]). ٤٤([ظلم عن الرعية، واألخذ على يد الظامل، مهه مجع األموال من اخلصوم والدفاع عن منصبه ببعضهامن األمر باملعروف والنهي عن املنكر، ودفع ال

إزهاق ولقد أدى ا�تشار األمية الدينية واستفحال الفساد اإلداري يف مؤسسات الدولة وأجهزهتا،كما أكد الشوكا�ي، إىل صراعات داخلية أدت إىل ملدن، كما تسببت يف أزمات اقتصادية حادة أدت إىل ضيق املعاش، وتقطع كثري من أسباب الرزق، وعقر املكاسب النفوس، وهتك احملارم، وإطاحة ا

]). ٤٥([حتى ضعفت أموال الناس، وجتاراهتم، ومكاسبهم، وأفضى إىل ذهاب كثري من األمالك

ية واقتصادية وسياسية، هو ربط كل ذلك بسنن اهلل االجتماعية يف وما مييز دراسة اإلمام الشوكا�ي للوضع اإلداري، وما ترتب عليه من آثار اجتماععن املنكر حيث إ�زال العقوبات العامة على األفراد واجملتمعات من جراء شيوع املعاصي، واملخالفات، وتضييع أويل األمر لشعرية األمر باملعروف والنهي

بوية أن العقوبة العامة ال تكون إال بأسباب أعظمها التهاون بالواجبات وعدم اجتناب فإهنا قد دلت األدلة القرآ�ية واألحاديث الصحيحة الن«: قالق، ودفع الباطل، املقبحات، فإن ا�ضم إىل ذلك ترك األمر باملعروف والنهي عن املنكر من املكلفني به ال سيما أهل العلم واألمر القادرين على إ�فاذ احل

ل أ�ه ال فرق بني من فعل املعصية، وبني من رضي هبا ومل يفعلها، وبني من مل يرض هبا، لكن ترك النهي عنها مع واحلاص... كا�ت العقوبة قريبة احلدوث ]). ٤٦([»عدم املسقط لذلك عنهم، ومن كان أقدر على األمر باملعروف والنهي عن املنكر، كان ذ�به أشد، وعقوبته أعظم، ومعصيته أفظع

: هذا، هو إعطاء تصور لعـالج هذه األمراض اليت أصابت أ�ظمة الدولة واجملتمع، وقد أقام تصوره هذا على مبدأين ومما حاولـه اإلمام الشوكا�ي بعد

بذل املال يف إصالح الرعايا، وتعليمهم فرائض اإلسالم، وإلزامهم هبا، واألخذ على الوالة يف األقطار « حيث �ادى بضرورة : إلزامية التعليم: املبدأ األول، كما اعترب من مهمة ])٤٧([»معظم سعيهم، وغاية مههم هو دعاء من يتولون عليه من الرعايا إىل ما أوجبه اهلل عليهم، وهنيهم عما هناهم عنه أن يكون

]). ٤٨([القضاة تعيني معلم يف كل قرية يعلم أهلها فرائض اإلسالم، والعلوم على الوجه الشرعي

وا�تخاب القضاة يف كل قطر أوال ممن مجع اهلل هلم بني العلم والعمل، «: لعامة السيما منصب القضاء فقالضبط شروط تويل املناصب ا: املبدأ الثا�يوجب اهلل عليهم، فإن والزهد والورع، ويكو�ون ثا�يا من الباذلني �فوسهم إلصالح الرعايا وتعليمهم فرائض اهلل، ودفع املظامل الواردة عليهم، ويقبضون ما أ

]). ٤٩([»أ�فع من األشياء اليت تؤخذ على وجه الظلميف ذلك ما هو

وهي إشكالية . يكتشف أن اإلمام الشوكا�ي عاجل من خالهلا إشكالية متقدمة على زما�ه" \الدواء العاجل يف دفع العدو الصائل"\إن الدارس لرسالة السياسية، االقتصادية، (بداد، شرط يف بناء أ�ظمة الدولة املختلفة أسس التقدم وأسباب التخلف، إذ عد مبدأ االلتزام الديين، والعدالة، وعدم االست

األفغا�ي، حممد عبده، الكواكيب، وغريهم، لتكون : وهذه املبادئ ذاهتا هي اليت تبلورت فيما بعد عند رجاالت اإلصالح).. االجتماعية، واإلدارية . أسس النهضة اإلسالمية احلديثة

Page 76: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

االجتهاد، وممارسته للوظائف العامة، جعلته حيرص على معاجلة مشاكل واقعه االجتماعي، كالظلم اإلداري الناتج عن إن تبين اإلمام الشوكا�ي ملبدأالنذور وغريها، عبث رجال اجلهاز احلاكم، والظلم املايل املتمثل يف التعسف يف الضرائب، والظلم االجتماعي كالتحايل على مرياث املرأة باسم الوصايا و

. ضايا جعلت من عنصر الواقع معطى أساسيا يف صياغته لألحكامكل هذه الق

-------------------------------------

. ١٥٥ -١٥٤المرجع نفسه، ص]) ١٩([العالمية ماليزيا، السنة الثانية، العدد الثالث، فبراير ، بحث مقدم ضمن مجلة التجديد التي تصدرها الجامعة اإلسالمية "\قراءة أصولية في الفقه اإلسالمي السياسي"\حسن الترابي، : انظر]) ٢٠([

. ٧٦، ص١٩٩٨ . ٣٦٠-٣٥٨، نقال بتصرف عن عبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآاني حياته وفكره، ص ١٥٢-١٥١، ص)مخطوط(محمد بن علي الشوآاني، عقد الجمان في شأن حدود البلدان ]) ٢١([ . ٣٦٣، نقال عن عبد الغني قاسم الشراجي، ص٢٩ص) مخطوط(فع األساطين في حكم االتصال بالسالطين محمد بن علي الشـوآاني، ر]) ٢٢([ . ٣٦٤المرجع نفسه، ص]) ٢٣([ . ٣٦٢-٣٦١المرجع نفسه، ص]) ٢٤([ . ٣٦١المرجع نفسه، ص]) ٢٥([ . ٣٦٢المرجع نفسه، ص]) ٢٦([ . ١٨٨ـ ١٨٧وهر، ص أسالك الج: محمد بن علي الشوآاني، ديوان الشوآاني]) ٢٧([ . ٣٧محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب و منتهى األرب ، ص]) ٢٨([ . ١٢٠حسن عبد اهللا العمري، اإلمام الشوآاني رائد عصره، ص]) ٢٩([ . ٤٦٦ـ٤٦٣نشر حسن عبد اهللا العمري الوثيقة التي تضمنت نص المرسوم في آتابه سالف الذآر ألول مرة في قسم الملحقات، ص]) ٣٠([ . ٤٦٤المرجع نفسه، ص]) ٣١([ . نفسه]) ٣٢([ . ٤٦٥-٤٦٤المرجع نفسه، ص]) ٣٣([ . ٤٦٥المرجع نفسه، ص]) ٣٤([ . ٤٦٦انظر المرجع نفسه، ص]) ٣٥([ . ٤/٥٢٠محمد بن علي الشوآاني، السيل الجرار المتدفق على حدائق األزهار، ]) ٣٦([ . نفسه]) ٣٧([ . ٣٧٥نقال عن عبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآاني حياته وفكره، ص. ٢٠٧مناء الشريعة، صمحمد بن علي الشوآاني، أ]) ٣٨([ . ٣٨٠عبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآاني حياته وفكره، ص]) ٣٩([ . ٨-٧ص) مخطوط(نفسه؛ نقال محمد ابن علي الشوآاني، بلوغ السائل أمانيه بالتكلم في المصارف الثمانية ]) ٤٠([ . ٣٨١المرجع نفسه، ص: نقال عن. ١٣٠ص) مخطوط(محمد بن علي الشوآاني، وبل الغمام ]) ٤١([ . ٣٧-٢٩محمد بن علي الشوآاني، الدواء العاجل في دفع العدو الصائل، ص ]) ٤٢([ . ٣٦المرجع نفسه، ص]) ٤٣([ . بتصرف ٣٣-٣٠المرجع نفسه، ص]) ٤٤([ . ٢٨انظر المرجع نفسه، ص]) ٤٥([ . ٢٨ـ٢٧المرجع نفسه، ص]) ٤٦([ . ٣٥المرجع نفسه، ص]) ٤٧([ . نفسه]) ٤٨([ نفسه ]) ٤٩([

Page 77: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

الشوكا�ي فقيهاجتديد : املبحث الثالث - مظاهر التجديد الفقهي عند الشوكا�ي -الفصل الرابع » معامل جتديد املنهج الفقهي منوذج الشوكا�ي » سلسلة كتب األمة

»الفكر الرتبوي الفقهي

جتديد الفكر الرتبوي الفقهي: املبحث الثالث

يف عصـور التقليد مبا أ�تجه مؤسسو املذاهب، وتالمذهتم، يف ميادين العلوم وطرائق التعليم، وصار -جبميع مذاهبها -لقد اكتفت املدرسة الفقهية

إىل تقوقع الفكر الفقهي داخل اإلطار املذهيب، وظهور أخالقيات غري االجتهاد فيما ا�تشر واستقر ابتداعا وخروجا عن تعاليم املذهب، األمر الذي أدى إ�كار املذاهب التفاعل مع بعضها بعضا، وهني : إسالمية حكمت احلركة العلمية والعالقات الفكرية واالجتماعية يف إطار املدرسة الفقهية كان أمهها

مية جبميع مكو�اهتا جمندة خلدمة املذهب املتبع، وصارت الدروس تلقى، واملؤلفات األتباع عن اإلطالع على ما عند اآلخرين، فأصبحت احلركة العلوا�عكس هذا الوضع الرتبوي الذي أ�تجه مبدأ التقليد والتعصب املذهيب على الرتبية الفقهية . تكتب �صرة للمذاهب املتبعة وتفنيدا للمخالفة

]).٥٠([يات التعليم اليت بنيت عليها العلوم يف القرون األوىلومناهجها، وأدى إىل جتاوز كثري من مبادئ التعلم و�ظر

يف جمال الرتبية والتعليم، هبدف " \أدب الطلب ومنتهى األدب"\وقد دفع هذا الواقع الذي آل إليه الفكر الرتبوي الفقهي اإلمام الشوكا�ي إىل تأليف كتابه ، والفقهي على وجـه اخلصوص، إدراكا منه أن عقلية التقلـيد، وما أ�تجته من تعصب معاجلة مضاعفات التقليد والتعصب يف الفكر الرتبوي عموما

قه يتعامل مع مذهيب، قد أثرت بل حتكمت يف منطق البحث، والتعليم الفقهي، وأن جمرد الدعوة إىل االجتهاد وحتقيق املنهجية األصولـية ال يكفي لبعث ف .جتديد الفكر الرتبوي الفقهي: األمر يقتضي إضافة حلقة جديدة حللقات التجديد السابقـة، أال وهي �صوص الشرع، ويتفاعل مع حاجات اجملتمع، بل

: جتديد مناهج التدريس الفقهي، الثا�ية: األوىل: وكا�ت معاجلة اإلمام الشوكا�ي ملضاعفات التقليد والتعصب املذهيب يف الفكر الرتبوي الفقهي من زاويتني

.لفقهيجتديد منهج التأليف ا

:جتديد مناهج التدريس الفقهي: املطلب األول

ي الفقهي يقوم عل لقد أثر املفهوم املذهيب للرتبية، الذي �شأ يف عصور التقليد، على املناهج الرتبوية ومؤسسات التعليم، األمر الذي جعل الفكر الرتبو :اخلصائص اآلتية

وهو ما جعل كل مذهب . ع، تلتزم بتعليم مذهب معين، رافضة أي تفاعل مـع املذاهب األخـرىابتناء مؤسسات التعليم على مناهج مذهبية الطاب -

.حيدد تصورا جزئيا للرتبية الفقهية ال يتعدى حدود اإلطار املذهيب الذي حصر �فسه فيه

Page 78: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

رز التعامل مع القضايا املطروحة بتصور جزئي أوقع ضعف صلة الفقه بالعلوم الشرعية األخرى، كأصول الفقه، واحلديث، وعلم الكالم، وغريها، مما أف -

.الفكر الرتبوي اإلسالمي عموما يف إشكالية التمزق املعريف الذي كان أحد أسباب مجوده العلوم الدينية والعلوم قطع الصلة بني الفقه والعلوم العقلية، بسبب رد الفعل السليب جتاه طغيان التيارات الفلسفية والعقدية، مما أفرز فقدان التوازن بني -

ولقد تبنى هذا املفهوم . الطبيعية، إذ اقتصرت املدارس القائمة على علوم الدين واللغة، و�ظرت بارتياب إىل العلوم الطبيعية والدراسات االجتماعيةتذكرة السامع "\، وعلى رأسهم اإلمام ابن مجاعة يف كتابه الضيق ملنهاج التعليم الفقهي الكثري من ممثلي النظرية الرتبوية الفقهية بعد اإلمام أبي حامد الغزايل

]).٥١([، إذ حصر التكوين الفقهي يف طلب العلوم الشرعية دون غريها"\واملتكلم لطلب عدم تصنيف طلبة العلم إىل طبقات، وحتديد بر�امج كل طبقة، وهو ما تسبب يف غياب التحديد العلمي ألهداف العملية التعليمية يف مراحل ا -

ا�بية اليت تصرف املختلفة، واالقتصار على بيان اهلدف العام للتعلم، وهو إرادة اخلري للنفس، والناس، والتعلم من أجل العمل، والتحذير من املقاصد اجل .كجمع املال، والرغبة يف الرياسة: طالب العلم عن غايته األساسية

بعد أبـي حامد الغزايل يتناول اإل�سان الفقيه الذي ينحصر دوره يف �شر املذهب، ويف االحنصار إن هذه اخلصائص جمتمعة جعلت الفكر الرتبوي الفقهي

]).٥٢([داخل بعض العلوم والتفقه فيها

حيث ناهج ولقد أحسن اإلمام الشوكا�ي التعبري عن هذه النقائص اليت أصابت مناهج الرتبية الفقهية يف عصور التقليد من خالل وصفه خلرجيي هذه املعاطل عن كل معقول ومنقول، مل حتظ من علم الفقه الذي ألفه أهل مذهبك إال مبختصر من املختصرات، فضال عن مؤلفات غري أهل ... «: قال

]).٥٣([»مذهبك يف الفقه، فضال عن املؤلفات يف سائر العلوم، فأ�ت من عالمة القيامة، ومن دالئل رفع العلم

التصنيف الطبقي للطلبة مع ضبط بر�امج لكل طبقة، ومشولية املنهج : يد مناهج التدريس الذي أقامه على أساسني مهمنيوقد سعى اإلمام جهده يف جتد .الدراسي

:التصنيف الطبقي للطلبة وضبط بر�امج لكل طبقة: األساس األول

ات حبسب تفاوت مهمهم، وتباين مقاصدهم، ثم حدد األهـداف لقد أقام اإلمام الشوكا�ي العملية الرتبوية على أساس تصنيف طلبة العلم إىل أربع طبق

:وهي) -(العلمية لكل طبقة، وخص الطبقات الثالث األوىل لدراسة العلم الشرعي فتيا، البلوغ إىل مرتبة يف الطلب لعلم الشرع، يكون عند حتصيلها إماما مرجوعا إليه، مستفادا منه، مأخوذا بقوله، مدرسا، م«من قصد : أوال

]).٥٤([»مصنفا

Page 79: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ما طلبه منه الشارع من أحكام التكليف، والوضع على وجه يستقل فيه بنفسه، وال حيتاج إىل غريه، من دون أن يتصور البلوغ «من قصد معرفة : ثا�يا

.])٥٥([»إىل ما تصوره أهل الطبقة األوىل من تعدي فوائد معارفهم إىل غريهم، والقيام يف مقام أكابر األئمة

من دون قصد منهم إىل ... يرغبون إىل إصالح ألسنتهم، وتقويم أفهامهم مبا يقتدرون به على فهم معا�ي ما حيتاجون إليه من الشرع «من : ثالثا ]).٥٦([»االستقالل، بل يعزمون على التعويل على السؤال عند عروض التعارض، واالحتياج إىل الرتجيح

ي لطلبة العلم الشرعي، حدد اإلمام الشوكا�ي الرب�امج الدراسي لكل طبقة، ووسائل تنفيذه، فرتب العلوم حسب التدرج وبناء على هذا التقسيم الثالث

كما أوضح األساليب . يف الطلب، كما عين مراجع كل علم، ورتبها حسب مراحل الطلب، مبينا القيمة العلمية لكل مرجع، وما يتميز به عن غريهينبغي لطالب العلم بعد أن يقيم لسا�ه مبا حيتاج «: ة يف تلقي كل علم من العلوم، فقال فيما خيص تلقي علم احلديث ومستويات األخذ بهالتعليمية املتبع

ملنتقى مال، واإليه من النحو أن يقبل على مساع الكتب اليت مجع فيها أهل العلم متون األحاديث مقطوعة األسا�يد، كجامع األصول، واملشارق، وكنـز العثم يسمع الكتب اليت فيها األسا�يد، كاألمهات الست، ومسند أمحد، وصحيح ابن خزمية، وابن حبان، . البن تيمية، وبلوغ املرام البن حجر، والعمدةع منها ما تيسر له فإذا قضى وطره من مساع كتب املنت واإلسناد، اشتغل بشروح هذه املؤلفات، فيسـم.. وابن اجلارود، وسنن الدارقطين، والبيهقي

: ما ينتفع به مثل مساعه، ويطالع ما مل يتيسر له مساعه، ويستكثر من النظر يف املؤلفات يف علم اجلرح والتعديل، بل يتوسع يف هذا العلم بكل ممكن وأ�فعرتجم له، وذكر أسـباب اجلرح والتعـديل ما ال جيده يف النبالء، وتاريخ اإلسالم، وتذكرة احلفاظ، وامليزان، فإ�ه جيد يف هذه املؤلفات من االخـتالف يف امل

]).٥٧([»غريها كتهذيب الكمال وفروعه

:مشولية املنهج الدراسي: األساس الثا�يفقهية، رفة اللقد حصر التقليد حركة العقل الفقهي يف أقوال أئمة املذهب املتبع، األمر الذي أفضى إىل تضييق مساحة املعطيات اليت تتأسس عليها املع، والعلوم فأصيب العقل الفقهي بالنظرة اجلزئية، إلقصائه من جمال البحث والنظر، املعطيات النصية من الكتاب والسنة، وآراء أئمة املذاهب األخرى

ي يف حرية اإلطالع وقد ا�عكس هذا على املنهج الدراسي الذي قام على �وع من احلجر ضرب على عقول طلبة العلم، فحرموا من حقهم الطبيع. العقلية .على خمتلف املعطيات املعرفية املفيدة يف تكوينهم العلمي

ل منهج من هنا كان من أهداف اإلمام الشوكا�ي يف جتديد مناهج التدريس الفقهي تربية العقل الفقهي على مبدأ الشمولية يف سعيه املعريف، من خال

.، وعلى العلوم العقلية واألدبيةدراسي يضمن ا�فتاح الطالب على الرتاث الفقهي بأكمله

:أما اال�فتاح على الرتاث الفقهي، فقد أكد فيه اإلمام الشوكا�ي على العناصر اآلتية ]).٥٨([اإلطالع على فقه املذاهب كلها، ذلك أن التفقه على مذهب واحد يثبت للطالب الفقاهة الصورية دون الفقاهة احلقيقية -

Page 80: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

، فإن ])٥٩([ني اجلامعة آلراء وأدلة املذاهب، كمؤلفات ابن املنذر، وابن قدامة، وابن حزم، وابن تيمية، ومن سلك مسالكهماإلطالع على كتب احملقق - .مثل هذه املؤلفات توسع أفق الطالب العلمي، وتقوي ملكة االستدالل عنده

ن إال تقرير احلـق، أل�ـها تنمي ملكة النقد، والقدرة على املقار�ة دراسة مؤلفات أهل اإل�صاف، الذين ال يتعصـبون ملذهب من املذاهب، وال يقصـدو -

ينتفع هبا، ويستعني بأهلها، فينظر فيما قد حرروه من األدلة، وقدروه من املباحث، ويعمل ... «: أكد الشوكا�ي هذا املعنى يف قولـه.. لدى الطالبه، ووصلت إليه ملكته، غري تارك البحث عن تصحيح ما قد صححوه، وتضعيف ما فكره يف ذلك، فيأخذ ما يرتضيه ويزيد عليه ما بلغت إليه قدرت

]).٦٠([»قد ضعفوه على الوجه املعترب

ى العلوم العقلية أما اال�فتاح على العلوم العقلية واألدبية، فقد أكد اإلمام الشوكا�ي ضرورة إطالع أهل الطبقة األوىل من الطلبة، على وجه اخلصوص، علفإذا قدمت العلم مبا قدمنا لك من العلوم الشرعية، «: إذ املتصور منهم اإلملام مبختلف العلوم العامة بعد رسوخهم يف علوم الشريعة، فقالواألدبية،

ل ومل حيصر هذه العلوم يف عدد معني أو أ�واع معينة، ب]). ٦١([»فاشتغل مبا شئت، واستكثر من الفنون ما أردت، وتبحر يف الدقائق ما استطعت ]).٦٢"([\العلم بكل فن خري من اجلهل به بكثري، وال سيما من رشح �فسه للطبقة العلية واملنزلة الرفيعة"\اعترب أن

:ومن العلوم العقلية اليت أرشد إىل تعلمها

ند ورود احلجج العقلية العلم هبذا الفن على الوجه الذي ينبغي، يستفيد بـه الطالب مزيد إدراك، وكمال استعداد ع«علم املنطق؛ ألن -

]).٦٣([»عليه من أعظم ما يصقل األفكار، ويصفي القرائح، ويزيد القلب سرورا، والنفس ا�شراحا، كالعلم الرياضي «العلوم التطبيقية؛ ألهنا يف �ظر الشوكا�ي -

]).٦٤([»والطبيعي واهلندسة واهليئة والطب

اهرة أفرزها تقوقع املنهج الرتبوي الفقهي على العلوم الشرعية دون غريها، وهي التشنيع على بعض العلوم ويف إطار دعوته إىل دراسة هذه العلوم، ا�تقد ظوإ�ي ألعجب من رجل يدعي اإل�صاف «: العقلية دون معرفة حقيقتها، معتربا هذا السلوك خمالفا ملبدأ اإل�صاف، وحطا من قدر العلم واملعرفة، فقال

لى لسا�ه الطعن يف علم من العلوم ال يدري به، وال يعرفه، وال يعـرف موضوعه، وال غايته، وال فائدته، وال يتصوره بوجه من واحملبة للعلم، وجيري عليت ال وقد رأينا كثريا ممن عاصر�ا، ورأيناه يشتغل بالعلم، ويصنف يف مسائل الشرع، ويقتدي به بالدليل، فإذا مسع مسألة من فن من الفنون ا. الوجوه

ا كعلم املنطق، والكالم، واهليئة، وحنو ذلك، �فر منه طبعه، و�فر عنه غريه، وهو ال يدري ما تلك املسألة وال يعقلها قط، وال يفهم شيئ: عرفهاي ]).٦٥([»منها

فما أحق ... «: ه، قـائالوأكد الشوكا�ي أن السلوك العلمي يقتضي السكوت، أو الكف عن ذم أو مدح أي علم من العلوم حتى يتم الوقوف على حقيقتال أدري، فإن كان وال بد : من كان هكذا، بالسكوت، واالعرتاف بالقصور، والوقوف حيث أوقفه اهلل، والتمسك يف اجلواب إذا سئل عن ذلك بقوله

Page 81: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ال بذلك الفن حتى يعرفه حق املعرفة، ثم يقول متكلما، ومادحا أو قادحا، فال يكون متكلما باجلهل، وعائبا ملا ال يفهمه، بل يقدم بني يدي ذلك، االشتغ ]).٦٦([»بعد ذلك ما شاء

ولقد وجد�ا لكثري من العلوم اليت ليست من علم الشرع �فعا «: ولقد اعترب الشوكا�ي هذه العلوم أدوات مفيدة للدفاع عن احلق وإليصاله لآلخرين فقال

وضرب على ذلك مثاال بعلم املنطق، وكيف ]). ٦٧([»ل الرأي البحت ومن ال اشتغال له بالدليلعظيما، وفائدة جليلة يف دفع املبطلني واملتعصبني وأهفإ�ه إذا «: أ�ه يسهل إمكا�ية الدخول يف حوار علمي مع أصحاب التخصصات العقلية، وميكن من مناقشتهم وإقناعهم مبقتضى منطق تفكريهم فقال

لني بعلم املنطق، جعلوا كالمهم ومذكراهتم يف قواعد فنهم، ويعتقدون لعدم اشتغاهلم بغريه أن من ال اشتغل من يشتغل منهم بفن من الفنون، كاملشتغليه ما ال يدري ما جياريهم يف مباحثه ليس من أهل العلم وال هو معدود منهم، وإن كان باحملل العايل من علوم الشرع، فحينئذ ال يبالون مبقاله، ويوردون ع

وأما إذا كان العامل املتشرع املتصدر للهداية إىل املسالك الشرعية . ون فـي ذلك من املها�ة على علماء الشريعة ما ال يقدر قدرههو، ويسخرون منه، فيكيت ملسـالك الواملناهج اإل�صافية عاملا بذلك، فإ�ه جيري معهم يف فنهم فيكرب يف عيوهنم، ثم يعطف عليهم، فيبني هلم بطالن ما يعتقدو�ه مبسلك من ا

]).٦٨([»ثم بعد ذلك يوضح هلم أدلة الشرع، فيقبلون منه أحسن قبول، ويقتدون به أمت قدوة. يعرفو�ـها، فإن ذلك ال يصعب على مثله

لعلم ع على اوبين الشوكا�ي أن اجلهل هبذه العلوم يقطع طريق الصلة بني عامل الشريـعة وعلماء التخصصات األخرى، كما يفوت على هؤالء فرص اإلطالوأما العالـم الذي ال يعرف ما يقولون، فغاية ما جيري بينه وبينهم خصام وسباب ومشامتة، فهو يرميهم باالشتغال «: الشرعي، وهـو ما خلصه يف قولـه

]).٦٩([»من علم الشرع بالعلـوم الكفرية، وال يدري ما هي تلك العلوم، وهم يرمو�ه بالبالدة وعـدم الفهم، واجلهل بعلم العقـل، وال يدرون ما لديه

منها، فإ�ه وإضافة إىل العلوم العقلية، فقد أكد الشوكا�ي ضرورة إطالع أهل الطبقة األوىل خاصة على أشعار فحول الشعراء، واستخراج لطائف املعا�يالنظم كان ذلك خدشة يف وجه حماسنه و�قصا يف يقتدر بذلك على النظم والتصرف يف فنو�ه، ألن من كان هبذه املنـزلة الرفيعة من العلم، وال يقتدر على

]).٧٠([كماله

�شاء، كما حث الشوكا�ي أصحاب هذه الطبقة على النظر يف بالغات أهل اإل�شاء املشهورين بالبيان، وفصاحة اللسان الكتساب القدرة على حسن اإلى قدر علمه، وهو إذا مل ميارس جيد النظم والنثر كان كالمه ساقطا عن عل -أي اجملتهد -أ�ه ينبغي أن يكون كالمه .. «: والسبب يف ذلك كما قال

كما أن عدم متكنه من حسن اإل�شاء والتعبري جيعله يف �ظر الشوكا�ي ضحية ]). ٧١([»درجة االعتبار عند أهل البالغة، والعلم شجرة مثرتـها األلفاظوما أقبح بالعامل املتبحر يف كل فن أن يتالعب به فـي النظم والنثر من ال جياريه يف «: قائالمن يتقنون التالعب باأللفاظ واملصطلحات، وهذا ما عرب عنه

]).٧٢([»علم من علومه، ويتضاحك منه من له أد�ى إملام مبستحسن الكالم ورائق النظام

فقيه من اقتحام الساحة الثقافية، والعلمية العامة، وإيصال إن املستفاد من دعوة الشوكا�ي إىل التفتح على العلوم العقلية واألدبية أهنا أدوات متكن ال .اخلطاب اإلسالمي إىل مجيع فئات اجملتمع، واخلروج من دائرة احلديث مع الذات

:التجديد يف التأليف الفقهي: املطلب الثا�ي

Page 82: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

صنيف املختصرات اليت حتتاج إىل شروح وحواشي، وهو عمل حنو كتابة املتون، وت -بعد سقوط بغداد -اجته الفقهاء يف الفرتة املتأخرة لعصر التقليد

يا الفرعية افتقد يف جممله عنصر اإلبداع والتجديد، أل�ه احنصر يف إطار املذهبية الضيقة، واهتم باملباحث الشكلية، واملسائل االفرتاضية، والقضاة التأليف الفقهي اعترب اخلروج عن �ص املنت، أو الشرح، أو احلاشية ويف خضم هذا اجلو الذي حكم حرك]).٧٣([اجلدلية على حساب القضايا اجلوهرية

.سلوكا يطعن يف اال�تماء املذهيب، بل وحتى العقدي أحيا�ا

ب، فهو يد والتعصلكن اإلمام الشوكا�ي شذ عن هذا النسق برفضه ملبدأ التقليد، وخلعه لرداء املذهبية، فجاءت مؤلفاته الفقهية مبثابة الثورة على التقلوقد . أداه إليه الدليل ينطلق يف دراساته الفقهية من مبدأ الرجوع املباشر إىل النص الشرعي، والنظر املستقل يف األدلة، فال يقول يف مسألة من الفقه إال مبا

�يل "\لشوكا�ي عن هذا املبدأ يف مقدمة كتابه التزم مبدأ االستقاللية، وعدم التقليد يف كل مؤلفاته الفقهية، حتى أصبحت منوذجا لفقه الدليل، وقد عرب افدو�ك يا من لـم تذهب ببصر بصيـرته أقوال الرجـال، وال «: الذي يعد عمال علميا موسوعيا يف الدراسات الفقهية واحلديثية حيث قال" \األوطار

الف اجلمهور، وإ�ـي معـرتف بأن اخلـطأ والزلل مها الغالبان تد�ست فطرة عرفا�ه بالقيل والقال، شرحا يشرح الصدور، وميشي على سنن الدليل، وإن خعلى من خلقه اهلل من عجل، ولكين قد �صرت ما أظنه احلق مبقدار ما بلغت إليه امللكة، ورضت النفس حتى صفت عن قذر التعصب الذي هو بال

]).٧٤([»ريب اهللكة

.الذي دون فيه فقهه يف مجيع األبواب واألدلة اليت بنـي عليها" \ضيئةالدراري امل"\كما ظهر تطبيقه اجللي لذات املبدأ يف كتابه

يما املتأخرة إن رفض الشوكا�ي ملبدأ التقليد وتبنيه ملبدأ االجتهاد جعل مؤلفاته الفقهية تتميز خبصائص ا�عدمت يف أغلب مؤلفات عصور التقليد، السستقصية ملختلف اآلراء الفقهية، إذ أ�ه مل يتقيد فـي كتبه باملذهـب الزيـدي، وال بـمذاهب أهل ولعل أهم تلك اخلصائص، هي دراسته الشاملة وامل. منها

من تراث مجيع مذاهب املسلمني بستا�ا، أخذ يستأصل منه كل عشب «السنة األربعة املشهورة، بل اختذ كما قال الدكتور عبد الغين قاسم الشراجي ، فيذكر آراء وأدلة كل فريق يف موضوع البحث ثم يناقشها مناقشة مسهبة تقوم على أساس الفهم الدقيق ])٧٥([»ضار، ويقطف منه كل ما طاب مثره

.ألبعاد تلك اآلراء واستدالالهتا، لينتهي يف األخري بأسلوب منطقي ومناقشة علمية دقيقة، إىل حترير الرأي الذي يراه احلق

املقار�ة منطا مميزا ملؤلفاته اليت عدت فيما بعد من أهم املصادر املوسوعية اليت يعـول عليها يف وهبذا املنهج الذي سلكه أصبحت الدراسات الفقهية .دراسة الفقه املقارن

ى الشروح يف واخلاصية األخرى اليت امتازت هبا مؤلفات الشوكا�ي هـي النقد العلمي للموروث الفقهي، فلم تكن كتبه الفقهية جمـرد حواش، أو شروح عل

وأحسن مذهب من املذاهب، كما هو حال معاصريه يف اليمن وخارجه، بل كا�ت كتبه يف هذا اجملال اجتهادات ا�تقادية ال ختضع ألية قوالب مذهبية، لذي ألفه أمحد املشهور ا" \األزهار"\الذي هو عبارة عن دراسة �قـدية لكتاب " \السيل اجلرار املتدفق على حدائق األزهار"\ما ميثل هذه امليزة كتابه

مجع فيه الفقه اهلادوي، واختذه علماء املذهب، وأتباعه من بعده، أساسا لفقه املذهب، فالتفوا ) هـ٨٤٠-٧٧٥(بن حييى املرتضى امللقب باملهدي

Page 83: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

التاريخ السياسي ملؤلفه يضاف إىل ذلك أن]).٧٦([حولـه باالستظهار والشرح والتعليق، حتى أصبح عمدة اهلادوية يف عباداهتم ومعامالهتم يف اليمن ]).٧٧([جعله يكتسب �وعا من القداسة، كما أن تويل أحفاد املؤلف اإلمامة جعل الكتاب ميثل مذهب الدولة

.فلم متنع كل هذه املعطيات الشوكا�ي أن يؤلف كتابه السيل اجلرار، وينقد الكتاب �قدا الذعا يف بعض جوا�به، سيما اجلا�ب السياسي

تناوله لبعد الديين والسياسي هلذا الكتاب يف اجملتمع اليمين جيعلنا �درك مدى الشجاعة األدبية اليت اتصف هبا الشوكا�ي، ومكا�ة الكتاب الذيإن فهم ا

اقش املذهب فن. فقد ا�تقد اإلمام الشوكا�ي من خالل دراسته لكتاب األزهار الفقه السياسي الذي يقوم عليه �ظام األئمة يف اليمن. بالشرح والنقدواحلاصل أن إجياب اخلمس يف هذه «: اهلادوي يف إجيابه اخلمس على صيد الرب والبحر، وما يغنم يف احلرب واخلراج، وما يؤخذ من أهل الذمة، فقال

، ويف الركاز، وما عدا ذلك وإذا تقرر لك هذا، عرفت أ�ه ال جيب اخلمس إال فـي الغنيمة يف الكفار. األ�واع الثالثة، مل يكن لدليل وال لرأي مستقيم ]).٧٨([»فليس إال جمرد دعاوى ال برهان عليها من معقول وال منقول

على للهٱما أفاء : ((كما فند ما زعمه اهلادوية من أن األرض اليت فتحت بدون قتال ملك لإلمام وتورث عنه، واعتبـر هذا القول خمالف لآلية الكرمية

كنيٱو ليتامىٱو لقربىٱفلله وللرسول ولذى لقرىٱل رسوله من أه أل�ه قصر اآلية على مصرف من املصارف اليت ذكرها ) ٧:احلشر)) (لسبيلٱ بنٱو لمسـ ]).٧٩([اهلل عز وجل

: اختذها العامة واخلاصة مقياسا لتمييز األتباع عن غريهم، ومثال ذلكا�تقد الشوكا�ي يف هذا الكتاب شعارات املذهب اهلادوي وأحكامه اليت كما

عند دينيف األذان، واجلمع بني صالتي الظهر والعصر وصالتي املغرب والعشاء بدون عذر، وصيام يوم الشك، وعدم رفع الي" \حي على خري العمل"\ .ل آمني خلف اإلمام بعد قراءة الفاحتة، إىل غري ذلك من املسائلتكبرية اإلحرام، واعتبار الرفع عمال مفسدا للصالة، وحتريم قو

بشكل صريح كيف أن التقليد يكرس استبداد السلطة السياسية، بل ويعطيها " \السيل اجلرار"\أن اإلمام الشوكا�ي قد بين يف كتابه واحلقيقة

للنظام احلاكم، ةستقالليتها وفعاليتها يف احلياة الدينية، والعلمية، وجيعلها خادما) أي للتقليد(املشروعية، وكيف أ�ه يفقد السلطة العلمية املتبنية له .ومنافحة عن مشروعيته

الدواء العاجل يف دفع "\: إىل اخلاصيتني السابقتني، فقد متيز إ�تاج الشوكا�ي الفقهي مبعاجلة قضايا اجملتمع، من خالل رسائل مستقلة مثل رسالة وإضافة

" \االتصال بالسالطني"\اليت حلل فيها أدواء اجملتمع اليمين االقتصادية، واالجتماعية، واإلدارية، كما أعطى تصورا ملعاجلتها؛ ورسالة " \العدو الصائلاملرأة اليت �اقش فيها شروط �فاذ تصرفات]) ٨٠"([\إ�شاءات النساء"\اليت عاجل فيها إشكالية عزوف أهل العلم عن تويل املناصب العامة؛ ورسالة

وعدم علمهن باأللفاظ املوجبة ال�تقال ملكهن إىل ليك،املالية يف اجملتمع اليمين، ذلك أن جهل النساء اليمنيات، السيما الساكنات بالبوادي، ملوجبات التملنفاذ تصرفاهتن، وذلك هبدف ، كثريا ما عرضهن للتغرير، من هنا دعا الشوكا�ي يف هذه الرسالة إىل ضرورة مراعاة عنصر الرضا احلقيقي»الغري«

.احلفاظ على ممتلكاهتن، فال يستحوذ عليها اآلخرون بناء على جهلهن بصيغ التمليك

Page 84: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

------------------------------------------- ؛ محمد فاضل الجمالي، نحو البناء التربوي في ٢١٧ـ٢١٦ص) م١٩٨٦ مكتبة دار التراث،: المدينة المنورة( ٢ماجد عرسان الكيالني، الفكر التربوي عند ابن تيمية، ط: انظر للتوسع]) ٥٠([

.١٤١ص) ت.الدار التونسية للنشر، د: تونس(العالم اإلسالمي .٤٦ص) م١٩٨٤دار القلم،:بيروت(١؛ وعبد األمير شمس الدين، المذهب التربوي عند ابن جماعة، ط٤٢،٥٦ماجد عرسان الكيالني،الفكر التربوي عند ابن تيمية، ص]) ٥١([ .٤٢-٤١المرجع نفسه، ص]) ٥٢([ .٨١محمد بن علي الشوآاني، أدب الطلب و منتهى األرب، ص]) ٥٣([ .إلخ...خصص الشوآاني الطبقة الرابعة لمن يقصد التخصص في علم من العلوم غير الشرعية آالمحاسبة والفلسفة والطب) -( .١٢٦المرجع نفسه، ص]) ٥٤([ .لصفحة نفسهاالمرجع نفسه، ا]) ٥٥([ .١٧٤-١٧٣المرجع نفسه، ص]) ٥٦([ .١٥٠-١٤٩المرجع نفسه، ص] ) ٥٧([ .١٨٣المرجع نفسه، ص]) ٥٨([ .١٥٣المرجع نفسه، ص]) ٥٩([ .١٥٤المرجع نفسه، ص]) ٦٠([ .١٥٧المرجع نفسه، ص]) ٦١([ .١٥٦المرجع نفسه، ص]) ٦٢([ .١٤٣المرجع نفسه، ص]) ٦٣([ .١٥٦ه، صالمرجع نفس]) ٦٤([ .١٥٧المرجع نفسه، ص]) ٦٥([ .المرجع نفسه، الصفحة نفسها]) ٦٦([ .١٥٧المرجع نفسه، ص]) ٦٧([ .١٥٨المرجع نفسه، ص]) ٦٨([ .نفسه]) ٦٩([ .١٥٥المرجع نفسه، ص]) ٧٠([ .نفسه]) ٧١([ .نفسه]) ٧٢([ .١١٧محمد علي السايس، تاريخ الفقه اإلسالمي، ص: انظر]) ٧٣([ .١/٣محمد بن علي الشوآاني، نيل األوطار من أحاديث سيد األخيار، ]) ٧٤([ .٢٠٩عبد الغني قاسم الشراجي، اإلمام الشوآاني حياته وفكره، ص])٧٥([ .١٢٦-١/١٢٢محمد بن علي الشوآاني، البدر الطالع، : انظر]) ٧٦([ .١١-١/١٥، مقدمة المحقق، محمود إبراهيم زايد، الشوآاني، السيل الجرار المتدفق على حدائق األزهار: انظر]) ٧٧([ .٢/٩٤محمد بن علي الشوآاني، السيل الجرار المتدفق على حدائق األزهار،]) ٧٨([ .١٠٨ـ١٠٦المرجع نفسه، ص]) ٧٩([ .٣٥٥-٣٥٤حياته وفكره، ص اإلمام الشوآاني: نقل بعض نصوص هذه الرسالة، التي ما تزال مخطوطا، عبد الغني قاسم الشراجي في آتابه]) ٨٠([

Page 85: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: احملدد الثا�ي -الفقهي حمددات منهجية للبحث يف جتديد املنهج -الفصل اخلامس » منوذج الشوكا�ي معامل جتديد املنهج الفقهي» سلسلة كتب األمة « ضبط إشكالية تعليل األحكام

: ضبط إشكالية تعليل األحكام: احملدد الثا�ي

تلك اليت اإل�تاج العلمي للنهضة الفقهية املعاصرة، يلحظ أن مبدأ تعليل األحكام قد مثل املقدمة املنهجية جلل االجتهادات املعاصرة، السيما إن املتدبر يف . اختذت من مبدأ اعتبار املصلحة واملقاصد الشرعية منهجا فـي استنباط األحـكام اليت تستجيب حلاجات العصر ومتغرياته

األمر الذي أفرز اختالفا -أي مبدأ تعليل األحكام -ال�تباه أي باحث يف تلك االجتهادات، هو االختالف يف منهجية التعامل مع هذا املبدأ لكن امللفتتجـديد الفقه كبريا، وصل أحيا�ا إىل حد التناقض يف تطبيقات هذا املبدأ على الوقائع اجلزئية، ومن ثم يف طبيعة املنهجية االجتـهادية الكفيلة ب

. اإلسالمي

اجتاهات عديدة، بعضها متسك باإلطار املنهجي الذي استقر يف علم أصول » االختالف يف منهجية التعامل مع مبدأ تعليل األحكام«وقد مثلت إشكالية . ار إىل إطار جديدالفقه جتاه هذه القضية، وبعضها ا�طلق من اإلطار �فسه، لكنه اجتهد فيه وحوره، وبعض آخر جتاوز هذا اإلط

: ويف ما يلي عرض موجز لألطر املنهجية هلذه االجتاهات

ال اجتهاد مع «مثلت لديه املبادئ املستقرة يف علم أصول الفقه حول أقسام النص الشرعي، من حيث الظن والقطع، ومعنى قاعدة : االجتاه األول . تطبيقهما، اإلطار املنهجي الذي حكم تصوراته ملبدأ تعليل األحكام ، وجمال»احلكم يدور مع علته وجودا وعدما«، وقاعدة »النص

�صوص ظنية الثبوت والداللة معا؛ �صوص ظنية الثبوت قطعية الداللة؛ : إىل أربعة أقسام -وفق التقسيم العقلي والواقعي -فالنصوص الشرعية تنقسم . ة معا�صوص قطعية الثبوت ظنية الداللة؛ �صوص قطعية الثبوت والدالل

ال اجتهاد مع النص القطعي : إمنا وضعت لضبط طبيعة االجتهاد وجماالته يف القسم األخري من النصوص، ومعناها أ�ه» ال اجتهاد مع النص«وقاعدة . مقابلته ومعارضتهالثبوت والداللة، وأن هذا النوع من النصوص يكون االجتهاد فيه، أي يف فهمه واالستنباط منه، وال يكون االجتهاد معه، أي يف

أن معنى قطعـية الداللة يف النص أ�ه ال حيتمل التأويل وال النسخ، بل له معنى : وهذا املعنى حمل إمجاع الفكر األصويل جبميع مذاهبه، العتبارات أمههاان واحلال، وهي اليت متثل الوحدة الفكرية واحد ال يتسع لغريه، وأن األحكام القطعية هي اليت متثل الثوابت اليت ال ختتلف باختالف الزمان واملك

وأمر آخر، أن القطعيات اليقينية يف الثبوت والداللة هي اليت حيتكم إليها عند النـزاع، ويرجع إليها عند االختالف . والشعورية والعملية لألمة اإلسالمية . يبق ما حيتكم إليهفـي تعييـن إحدى دالالت النص الظـين أو ترجيحها، فإذا كا�ت هي مـوضع خالف مل

Page 86: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

، »احلكم يدور مع علته وجودا وعدما«حتديد اجملال التطبيقي لقاعدة » ال اجتهاد مع النص«وقد ترتب على هذا الضبط االصطالحي ملدلول قاعدة ]). ١٠([إذ اختص تطبيقها بالنصوص الظنية الداللة فقط

على القضايا االجتهادية من اإلطار املنهجي الذي استقر يف علم أصول الفقه، لكنه اجتهد فيه ا�طلق يف تطبيقه ملبدأ تعليل األحكام : االجتاه الثا�ي ]). ١١([وحوره

تقسيم : مل ينطلق هذا الطرف يف اجتهاداته املبنية على مبدأ تعليل األحكام من اإلطار املنهجي الذي استقر عليه علم أصول الفقه وهو: االجتاه الثالثىل �صوص ظنية الثبوت والداللة، و�صوص قطعية الثبوت ظنية الداللة، و�صوص ظنية الثبوت قطعية الداللة، و�صوص قطعية الثبوت النصوص الشرعية إ

ر على مبدأ اعتباوالداللة معا، واعتبار القسم األخري من الثوابت اليت ال يلحقها تغيري أو تبديل، بل استبدل هذا اإلطار بإطار منهجي آخر يقوم أساسا ]). ١٢([أبعاد الزمان واملكان يف النصوص التشريعية

دعوة تطبيقية والدراسة التحليلية النقدية ألطروحة هذا االجتاه يف التعامل مع مبدأ تعليل األحكام تكشف عن �وع من الثورة على املنهجية األصولية وي؛ إعطاء مفهوم جديد لوظيفة السنة النبوية؛ إعطاء مفهوم جديد ملصطلح بيان وظيفة النص التشريع: لبناء منهجية اجتهادية جديدة من أهم مبادئها

. الثوابت

األحكام، بل ا�طلق ومما يؤخذ على هذا االجتاه أ�ه مل ينطلق يف بناء منهجه البديل من �قد األسس املنهجية اليت يقوم عليها الفكر األصويل يف قضية تعليل . ت إىل حل، واملوقف املتخذ منها عممه على اجلزئيات األخرى ليستخرج منها �ظرية جامعةيف التنظري من أمثلة جزئية ملحة احتاج

ومن ثم كان األصل يف التنظري املنهجي اال�طالق من القضايا اجملردة ثم . واحلقيقة أن من طبيعة اجلزئيات أهنا ال تتشابه، وال تنضبط بضابط واحد . عد عامة واستثناءات هلذه القواعدتطبيقها على اجلزئيات فيتحصل على قوا

والعرض السابق لالجتاهات املعاصرة الرئيسة يف . إن مبدأ مراعاة علل النصوص وظروفها لبنة هامة يف بناء منهج أصيل يف جتديد الفقه اإلسالميحباجة إىل حتقيق وتنضيج، كما ظهرت أطروحات التعامل مع مبدأ تعليل األحكام يبين أ�ه قد استقرت حول هذا املبدأ �ظريات يف الفكر األصويل هي

. جديدة هي حباجة إىل متحيص وتقييم

الفقهية من هنا اقتضى البحث يف إشكالية جتديد الفقه اإلسالمي، تعميق البحث يف موضوع تعليل األحكام، وجتاوز جمرد الرتجيح بني آراء املذاهب . رية يف التعليل تستوعب �ظرية املتقدمني وأطروحات املعاصرين وتأتي مبا يفيد املنهجية اإلسالميةوالتقييم العام لألطروحات املعاصرة، إىل صياغة �ظ

: ولعل مما يساعد على بناء �ظرية يف التعليل، االهتمام بالقضايا اآلتية

فهم األحكام وتنـزيلها، واملالحظ يف إن مبدأ تعليل األحكام قائم يف األصل على استنباط العلل ومراعاهتا يف: ضبط منهج يف استخراج العلل -ففي موضوع التصوير مثال، جند أن بعضهم قد أباح بعض . االجتهادات املعاصرة، املبنية على هذا املبدأ، اختالفها يف حتديد علل النصوص واألحكام

، يف حني ])١٣([ن العلة يف حتريم التصوير هي مضاهاة خلق اهللأ�واع التصوير، كالفوتوغرايف والسينمائي والتلفزيو�ي، وحرم اجملسم منه، أي التماثيل؛ أل

Page 87: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ثنية وما كان فيها من أباح آخرون كل أ�واع التصوير حتى اجملسم منه؛ ألن علة حتريم التصوير يف �ظرهم هي مشاهبة الوثنية، فالتصوير حرم لقرب العهد بالو ]). ١٤([صور تعبد من دون اللـه تعاىل

عض االجتهادات أيضا ترسيم فرضيات حتتاج إىل إثبات، واعتبارها علال، وبناء احلكم عليها، مثل موضوع تنصيف شهادة املرأة كما يالحظ على بن من ٱلشهداء أن تضل إحداهما فتذكر وٱستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكو�ا رجلين فرجل وٱمرأتان ممن ترضو: (( الوارد يف قوله تعاىلفقد اعترب بعض الباحثني أن علة تنصيف شهادة املرأة، ومرجعه أن املرأة مل تكن وقت �زول اآلية الكرمية ذات ). ٢٨٢:البقرة)) (إحداهما ٱالخرى

الية والتجارية، مما جعلها جتهل هذا امليدان، فإذا أدركت املرأة قضايا التجارة أصبح احلكم مشاركة فعالة يف احلياة العامة، السيما ما يتعلق بالقضايا امل ]). ١٥([األصلي املساواة بينها وبني الرجل يف الشهادة

سة تارخيية استقصائية، السيما وقد إن اجلزم بعدم دراية املرأة بقضايا املعامالت املالية والتجارية يف اجلاهلية وبداية اإلسالم، افرتاض حيتاج إثباته إىل دراثم إن اآلية . سجل التاريخ وجود مناذج لنساء تاجرات قبل البعثة كخدجية بنت خويلد رضي اللـه عنها، وبعد البعثة السيما يف سوق املدينة املنورة

.. عامالت التجارية، بل كل ما يتطلبه معرفة القراءة والكتابةالكرمية �زلت فـي املداينة، والشـهادة إمنا هي على دين مكتوب، وهذا ال يتطلب خربة يف املاليت وعلى فرض أن األمر يتطلب دراية ختصصية بشؤون التجارة، فهل كل امرأة مثقفة يف العصر احلاضر على دراية كافية باملعامـالت االقتصادية

أصـبحت أكثر تعقـيدا مما كا�ت عليه أيام �زول آية املداينة؟

ا مبنع فع ضبط منهج يف استخراج العلل، ابتناء بعض االجتهادات على علل قاصرة، كتعليل حتريم الربا باستغالل حاجة الفقري، وتعليل حتريم الز�ومن دوا . اختالط األ�ساب

املتغريات، ومنهج التعامل إن اختالف الدراسات املعاصرة يف حتديد داللة الثوابت و: ضبط مدلول مصطلح الثوابت واملتغريات يف تعليل األحكام - . معهما، يقتضي حبثا منهجيا حيدد ضوابط التفريق بني الثابت واملتغري، ويضبط عالقتهما باألحكام العقدية والتعبدية والتشريعية

يف حبث تطبيقات مبدأ تعليل - املنطلقني من اإلطار املنهجي األصويل -ركز جل العلماء املعاصرين : تطبيقات مبدأ تعليل األحكام على السنة النبوية -إىل ما صدر عنه eفأقـروا ابتداء تقسيم اإلمام القرايف لتصرفات النيب . األحكام على السنة النبوية؛ ألهنا متثل اجلا�ب التطبيقي والعملي للقرآن الكريـم

ة إىل تشريعية وغري تشريعية، وسعوا من هذا املنطلق إىل بوصف اإلمامة وما صدر عنه بوصف التبليغ والفتوى، وبناء على ذلك قسموا السنة النبوي . التنظري لتطبيقات مبدأ تعليل األحكام على السنة

تبعة يف لكن املالحظ يف اجلهود املبذولة يف هذا املضمار اختالفها يف طبيعة املوضوعات اليت تندرج حتت كل قسم، وذلك بسبب اختالف املنهجية امل ]). ١٦([ضمن ما هو تشريعي وما ليس بتشريعي eتصنيف تصرفات النيب

مازال حباجة إىل حبث وتؤكد الرؤى املتقاربة أحيا�ا واملتباعدة أحيا�ا أخرى يف تطبيق مبدأ تعليل األحكام على السنة النبوية، أن هذا اجلزء من النظرية . القسم التشريعي وغري التشريعي من تصرفاته وضوابط التفريق بني eوحتقيق، تضبط من خالهلما منهجية تصنيف تصرفات النيب

---------------------------------------------- اد، حولية آلية الشريعة ، حوار حول العالقة بين النص واالجته١٧٩- ١٧٨، ص"\االجتهاد في الشريعة اإلسالمية"\يوسف القرضاوي، : يوسف القرضاوي أحسن من مثل هذا التيار من المعاصرين؛ انظر.يعتبر د]) ١٠([

. ١٦-١٤ص) م١٩٩٢-هـ ١٤١٣العدد العاشر، : الدوحة(والقانون والدراسات اإلسالمية

Page 88: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

واقعي للنص الشرعي الذي استقر في الفكر ، حيث تبنى فيه التقسيم العقلي وال"\النص واالجتهاد"\، في محور "\معالم المنهج اإلسالمي"\أبرز من مثل هذا الطرف من المعاصرين الدآتور محمد عمارة في آتابه ]) ١١([ . على النصوص القطعية الثبوت والداللة، فرق بين الثوابت الدينية والمتغيرات الدنيوية» ال اجتهاد مع النص«األصولي، إال أنه في تطبيق قاعدة

و سليمان، إذ أقام تصوره التنظيري على أساس التفريق بين نصوص القرآن الكريم ذاتها من جهة، والتفريق بينها وبين نصوص السنة وممن حاول التنظير لالستعـمال المـنهجي لهـذا المـبدأ الـدآتـور عبد الحميد أب]) ١٢([فكلها في نظره نسبية ال تعلو عن الزمان والمكان؛ انظر عبد الحميد أبو فأقر ابتداء أن نصوص القرآن الكريم في الغالب األعم تمثل قواعد آلية تعلو عن الزمان والمكان، أما نصوص السنة التشريعية . النبوية من جهة أخرى

). م١٩٨٩مؤسسة آل البيت، بالتنسيق مع المعهد العالمي للفكر اإلسالمي،: عمان(سليمان، النظرية اإلسالمية للعالقات الدولية؛ السنة النبوية ومنهجها في بناء المعرفة والحضارة

. ١٥٥و ١٤٣وي، االجتهاد في الشريعة اإلسالمية، صيوسف القرضا: انظر]) ١٣([

. ١٦، ص)م١٩٩٦المعهد العالمي للفكر اإلسالمي، : القاهرة( ١طه جابر العلواني، إسالمية المعرفة بين األمس واليوم، ط: انظر]) ١٤([

])١٥([Taha Jabar Al-Alwani, “The Testimony of Women”, American Journal of Islamic Social Sciences, Summer 1996. pp. 173-197 .

؛ يوسف القرضاوي، آيف نتعامل )م١٩٩٧دار الشروق، : القاهرة( ١؛ يوسف القرضاوي، السنة مصدر للمعرفة والحضارة، ط)م١٩٩٧دار الشروق،: القاهرة(١٧محمود شلتوت، اإلسـالم عقيدة وشـريعة، ط: انظر]) ١٦([ ). م١٩٩١المعهد العالمي للفكر اإلسالمي، : كتبة المؤيد، فرجينيام: الرياض( ٣مع السنة النبوية، ط

Page 89: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: احملدد الثالث -الفقهي حمددات منهجية للبحث يف جتديد املنهج -الفصل اخلامس » منوذج الشوكا�ي معامل جتديد املنهج الفقهي» سلسلة كتب األمة « استحداث أطر جديدة للتصنيف الفقهي

: حداث أطر جديدة للتصنيف الفقهياست: احملدد الثالث

الساحة الفقهية متخذا من » املتطرف«لقد كان من مظاهر النهضة الفقهية املعاصرة ا�تعاش حركة التأليف، اليت كان من أسباهبا اقتحام االجتاه العقلي يف رسم منهج التعامل مع �صوص الشريعة، ويف عرض �ظم فظهرت، كنوع من رد الفعل هلذا التيار، مؤلفات جادة . �قد النص الديين سبيال إىل التجديد

هم من التأليف اإلسالم ومبادئه، وقد أدى هذا النوع من التأليف دوره يف تثبيت ثقة املسلمني بدينهم وتراثهم، لكن ملا كان التأليف التنظريي أوىل وأ ل التصنيف الفقهي يف اجتاه التنظري؟ إىل أين وص: الدفاعي يف حقول املعرفة املختلفة، وجب إثارة السؤال اآلتي

يف وسيكون جوابه الصحيح أن حركة التأليف يف الفقه اإلسالمي يف املرحلة املعاصرة مل تتوقف عند مجع املسائل الفرعية، بل خطت خطوات جادةمن املسائل الفرعية أمثلة تطبيقية، فاجته البحث طريق بناء �ظريات فقهية متكاملة تضبط التعريفات، والشرائط، واألركان، واآلثار، وغري ذلك، وتتخذ

لنظم القا�و�ية الفقهي حنو دراسة موضوعات فقهية موروثة، أو موضوعات من واقع احلياة املعاصرة، دراسة مقار�ة بني املدارس الفقهية اإلسالمية، وبني ا . الوضعية األخرى

-من املنهج الدفاعي القائم على التعصب ملذهب فقهي معين، لكنه تسبب يف أحيان كثرية وعلى الرغم من أن املنهج املقارن قد حرر البحث الفقهي يف التقيد بالنظرية حمل املقار�ة، وأحيا�ا يكون الفرق بينها وبني اإلسالم كبريا -يف أثناء املقار�ة بني الفقه اإلسالمي، والنظريات الوضعية األخرى

من هنا كان األوىل يف التنظري الفقهي بناء النظرية اإلسالمية بناء أصيال متميزا دون التقيد بالنظريات . ةوجذريا، فتصبح املقار�ة متكلف ]). ١٧([األخرى

. تطوير علوم املناهج، وترتيب املوضوعات الفقهية: إن تطوير الصناعة الفقهية باجتاه التنظري حباجة إىل مداخل أمهها

الفروق، والقواعد الفقهية، وعلم اخلالف، وحنوها، فهذه العلوم �شأت بفعل تطور الفقه اإلسالمي وأصبحت فروعا مستقلة، علم : أما علوم املناهج فمثل . وهي مهمة جدا يف مجع مادة النظريات اإلسالمية األساسية والفرعية، ويف بناء أركان النظرية وفروعها

هبذه العلوم كثريا عما فعله املتقدمون، وأبرز مثال على ذلك القواعد الفقهية، فرغم الدور الذي ورغم هذه األمهية، فإن الكتابات املعاصرة مل تتقدمية، ومل حظي به هذا العلم يف حركة التقنني يف العصر احلديث، فإن جهود املعاصرين اقتصرت على شرح القواعد اليت �صت عليها جملة األحكام العدل

القواعد إال أفرادا معدودين كاألستاذ أمحد الزرقا الذي صنف القواعد الفقهية إىل أساسية، وفرعية، كما أضاف يقتحم جمال احلصر والتصنيف هلذه ]). ١٨([قواعد جديدة

، حبيث يذكر املوضوع ])١٩([أما ترتيب املوضوعات الفقهية؛ فألن من أسباب صعوبة البحث يف مصادر الفقه ومدو�اته تداخل املوضوعات الفقهية، اعتمادا على ي، أو املسألة الفقهية فـي غري بابـها املناسب هلا، وإمنا تذكر استطرادا يف باب من األبواب، ثم يغفل ذكرها يف موضعها املناسب هلاالفقه

Page 90: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ط، وعند آخرين يف مثال ذلك بيع الوفاء، يذكر عند بعضهم يف البيوع الفاسدة، وعند بعضهم اآلخر يف خيار الشر. ذكرها سابقا دون اإلحالة عليها . من هنا استلزم التنظري الفقهي ترتيب املوضوعات الفقهية حبسب مناسبات ذكرها يف مصادر املذاهب الفقهية]). ٢٠([اإلكراه

ة وشكلها، اليت إن اعتبار التنظري من أولويات التصنيف الفقهي، ال يعين حبال من األحوال إمهال إجراءات أخرى فنية ومنهجية متس مضمون املادة الفقهي : ومن تلك اإلجراءات]).. ٢١([اهتم ببياهنا جل من كتب يف سبل تيسري الفقه اإلسالمي، وتطوير مناهج البحث فيه

ت اجملتمعاصياغة املادة الفقهية بلغة بسيطة وأسلوب سهل، وتفادي شرح املسائل باألمثلة الفقهية الغريبة، اليت فقدت وجودها االجتماعي والعملي يف - . املعاصرة

. وحنوها ترمجة املقادير الشرعية إىل مقادير العصر، كالصاع، والوسق، والذراع، والدينار، والدرهم، وغريها، يف �صاب الزكاة، والسرقة، والدية، -

. مثل أحكام الرق والرقيق: حذف املسائل اليت مل تعد قائمة فـي زما�نا -

مثل ما كتبه األطباء يف بيان أضرار اخلمر، وما كتبه االقتصاديون عن اآلثار : صصة يف بيان احلكمة من التشريعاالستفادة من الكتابات العصرية املتخ - . املدمرة للربا

. كالرسوم التوضيحية، اخلطوط البيا�ية، اجلداول، اخلرائط وغريها، يف بيان األحكام الفقهية: االستعا�ة بوسائل اإليضاح -

يف بيان احلكم الشرعي، أويف ترجيح بعض اآلراء الفقهية، أو مراجعة أحكام مأخذها معرفة بشرية أثبت تطـور املعارف استخدام معارف العصر -توافر هلا من وسائل اإل�سا�ية، والعلوم الكو�ية خطأها؛ أل�ـها بنيت أصال على اسـتقراء �اقص، أو عـلى ثقة بأقوال بعض الناس، أو مبعلومـات معـينة مل ي

. وهذا اجلا�ب خيتص أكثر ما خيتص بالعلوم الطبية، والكو�ية. يص العلمي ما توفر فـي عصر�ا هلذا النوع من العـلومالتمح

. وضوعاهتاتزويد الكتب الفقهية بالفهارس التحليلية التفصيلية، اليت هتتم بتصنيف جزئيات املسائل واملوضوعات أقساما وأ�واعا، حسب طبيعتها وم -

. لبحث الفقهي عالمات الرتقيم اإلمالئيةالتزام ا -

: �قاشا، خالفا إلجراءات أخرى مقرتحة، جمال األخذ والرد فيها أوسع، أمهها -فيما أرى -وهذه اإلجراءات، ال حتتمل

كون الدراسات الفقهية املعاصرة حتى ت]) ٢٢([االستفادة من العلوم االجتماعية ومناهجها، لصياغة منهجية تكاملية بني هذه العلوم وعلم الفقه وأصوله : وقد حدد جمال االستفادة من هذه العلوم يف أمرين. صادقة، وشاملة، واألحكام أكثر توافقا وتطابقا مع الواقع

: تنـزيل احلكم الشرعي؛ ذلك ألن االجتهاد التطبيقي مير مبرحلتني: األول

الواقعة قد أصبحت عبارة عن ظواهر معقدة، البد أن يستعان مبختلف املناهج للتعرف مرحلة التعرف على الواقعة حمل االجتهاد، وما دامت -أ . عليها

Page 91: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

مرحلة تطبيق احلكم على الواقعة، وهذا التطبيق يدخل فيه، إىل جا�ب الناحية الشرعية، جوا�ب �فسية، واجتماعية، واقتصادية، جيب أن -ب . للعدالةتراعى حتى يكون احلكم مصيبا للحقيقة، وحمققا

، اليت هي يف احلقيقة عبارة عن مناهج يف )العرف، االستحسان، املصلحة املرسلة(جتديد أدوات االستنباط الفقهي، فإن جل املصادر التبعية : الثا�يإن التعرف عليه من صميم ف. البحث يقوم بتوظيفها العقل البشري، اجملال فيها واسع لتدخل مناهج العلوم االجتماعـية، وأبرز مثال على ذلك العرف

. عمليات البحث االجتماعي الذي يتم التوصل إليه مبناهج علم االجتماع

لسليم ألحكام واحلقيقة أن مبدأ إجياد منهجية تكاملية بني علم الفقه والعلوم االجتماعية مبدأ سليم، يقتضيه الفهم الصحيح لواقع الناس، والتطبيق ا : ل الذي ميكن أن يطرح حول هذا اإلجراء املنهجي هوإال أن اإلشكا. اإلسالم و�ظمه

ناهجها معايري ما املقصود بالتكامل املنهجي بيـن هذين النوعيـن من العـلوم؟ وما ضوابط هذا التكامل املنشود؟ هل معناه اختاذ العلوم االجتماعية وم مية هذه املعايري اليت ستنبين عليها األحكام الشرعية؟ جيدد على أساسها الفقه اإلسالمي؟ وإذا كان األمر كذلك، فما مدى دقة وعل

ات، وعدم إن الدافع إلقرار مبدأ صياغة منهجية تكاملية بني علم الفقه وأصوله، والعلوم االجتماعية، والتحفظ يف تطبيقاته هو اضطراب هذه النظري : ومصدر هذا االضطراب األمور اآلتية.. تبنى عليها األحكام الشرعيةاستقرارها العلمي، وهو ما سيؤدي بطبيعة احلال إىل اضطراب �تائجها اليت س

فقد صيغت مناهج هذه العلوم يف إطار الفكر الغربي، الذي اعترب العقل واحلواس املصدرين الوحيدين : اإلطار املرجعي العام للعلوم االجتماعية -ما اختزل احلقيقة اإل�سا�ية يف جوا�بها املادية، ومن هذا املنطلق فصل بني العلوم اإل�سا�ية للمعرفة، فاختزل املنهج العلمي يف عناصره التجريبية احلسية، ك

]). ٢٣([، وحاول تطبيق املنهج التجرييب عليها، ودراستها دراسة كلية، فأمهل ثنائية الروح واملادة»الالهوتية«والعناصر

وم، وإصالح مناهج الفكر، لكن املراد بيا�ه يف موضوع اإلشكالية هو حضور هذا اإلطار وهذه احلقيقة معروفة، وعلى أساسها تقوم مشاريع أسلمة العليؤثر بطريق مباشر وغري مباشر يف عملية البحث العلمي سواء فيما يتعلق بتوجيه األ�ظار إىل «املرجعي يف كل مراحل البحث يف العلوم االجتماعية، فهو

ل املفاهيم إلـى متغيرات، أو بالنسبة جلمع املادة الالزمة للبحث بالتأثري على �قط االهتـمام، وعلى موضوعات دون أخرى، ويف فرض الفروض، وحتوي ]). ٢٤([»من �تائجاملالحظات اليت حياول ربطها مع غريها من الواقع، مبا يؤثر يف تنظيم احلقائق الناجتة عن عملية البحث، أو تفسري ما مت احلصول عليه

. ن خصائص هذه العلوم وهي التوظيف األيديولوجي ألدوات و�تائج البحثوهذا يؤكد خاصية م

فهذه العلوم تفتقر فروعها إىل �ظرية عامة قادرة على تفسري الواقع االجتماعي واإل�سا�ي من جوا�به املختلفة : تناقض النظريات يف العلوم االجتماعية - ]). ٢٥([هذه النظريات للذاتية، والتوجيهات املذهبية مما حيول دون بلوغ األهداف العلميةتفسريا موضوعيا متفقا عليه، وهذا يبين مدى خضوع

ترتب على تعدد النظريات يف هذه العلوم وتناقضها، اختالف يف أدوات حبث وحتليل وتفسري الظواهر االجتماعية : االختالف يف أدوات البحث -على الصراع الدائر بيـن املشتغلني بعلم -وال شك -صفح لكتب مناهج البحث االجتماعي، يطلع فاملت. والنفسية، ومن ثم اختالف �تائج الدراسات

واختالفهم كذلك يف أسلوب حتليل املضمون، فرغم إقرارهم . االجتماع حـول تأكيد أولـوية األسـلوب الـكمـي أو األسلوب الكيفي يف حبوث هذا العلم

Page 92: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ي، إذ أ�ه يساعد يف الوصف العلمي لظاهرة الدراسة، إال أن هذا مل مينع بعض الكتابات املنهجية اليت عنيت بأمهية هذا األسلوب يف البحث االجتماعهل حتليل املضمون منهج، أم أسلوب، أم أداة؟ وهل دوره يقتـصر عـلى وصـف املادة : هبذا األسلوب من تسجيل بعض مشكالته املنهجية، وأمهها

ا؟ وهل مهمته قاصرة على ملس املسـتوى الظاهر فـي املادة، أم سرب غورها، لتبني بعض ما هو كامن فيها؟ احملللة، أو حتليـلها أو تفسريه

نهم يعتربه كما اختلف املشتغلون بالعلوم االجتماعية يف ماهية وجوهر املسح االجتماعي الذي يعد من أهم طرق البحث يف علم االجتماع، فنجد بعضا م . وبعضا آخر يراه منطا من أمناط البحث االجتماعي، وبعضا ثالثا يراه طريقة من طرق الدراسة ومجع البيا�اتمنهجا من مناهج البحث،

أ�ه يركز على األبعاد الكمية املستعرضة أكثر من تركيزه على : كما ا�تقدت كتب مناهج البحث االجتماعي املسح االجتماعي من عدة وجوه أمهها ]). ٢٦([ايا املدروسة بسب تركيزه على اجملال، أكثر من العمقالتعمق يف الظواهر والقض

تفرض عدم أخذها و�تائج الدراسات املعتمدة عليها -وباعرتاف علمائها -إن هذه املشكالت املنهجية اليت تعا�ي منها العلوم االجتماعية ومناهجها ة، بل الوضع يقتضي استيعاب هذه املناهج �ظريا، والقدرة على توظيفها بوصفها مسلمات أو أدلة علمية قطعية، تبنى على أساسها أحكام شرعي

. اإلجيابي ميدا�يا، وعدم تبين الدراسات اجلاهزة اليت يجهل مدى دقة األدوات واملناهج اليت استعملت فيها __________________________________________

. ١٩٢ص) م١٩٨٩:مطبعة المدينة:سعوديةال( ١جمال الدين عطية،التنظير الفقهي،ط]) ١٧([

). ١٩٩٣دار القلم، : دمشق(أحمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية ]) ١٨([

لبحث العلمي والتراث اإلسالمي بجامعة أم ، نشره مرآز ا"\ترتيب الموضوعات الفقهية ومناسباتها في المذاهب األربعة"\: تناول الدآتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان هذا الموضوع في بحث مستقل، عنوانه]) ١٩([ . م١٩٨٨هـ، ١٤٠٨القرى، سنة

). م١٩٩٦-هـ١٤١٦دار ابن حزم، :المكتبة المكية، لبنان: السعودية( ١عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، منهج البحث في الفقه اإلسالمي، ط]) ٢٠([

؛ عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، منهج ١٢٧-١٢٣، وشـريعة اإلسـالم، ص١٠٥-١٠١، ص١٩٩٦إسالمية المعرفة، السنة الثانية، العدد الخامـس، يوليو، مجلة "\نحو فقه ميسر معاصر"\يوسف القرضاوي، : انظر]) ٢١([ . ٢٥٤، ٢٥١، ٩٨البحث في الفقه اإلسالمي، ص

، المعهد العالمي للفكر اإلسالمي، ١٩٨٨لم أصول الفقه والعلوم االجتماعية، محاضرة في آلية الشريعة، جامعة قطر، ؛ جمال الدين عطية، ع٩٩-٩٨عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، المرجع نفسه، ص: انظر]) ٢٢([ . ١٦-١٥ص

. ٩دين عطية، علم أصول الفقه والعلوم االجتماعية، ص؛ جمال ال٦١-٥٠ص) م١٩٩١المعهد العالمي للفكر اإلسالمي،: فرجينيا( ١محمد محمد أمزيان، منهج البحث االجتماعي بين الوضعية والمعيارية، ط: انظر]) ٢٣([

. ٥٦ص) م١٩٧٨مكتبة عين شمس،:القاهرة(فاروق يوسف أحمد،مناهج البحث العلمي]) ٢٤([

. ١٠٥؛ ومحمد محمد أمزيان، منهج البحث االجتماعي بين الوضعية والمعيارية، ص٥٨المرجع نفسه، ص: انظر]) ٢٥([

. ٣١٦، ٣٠٢، ٢٩١، ١٤٢، ١٤٠ص) م١٩٩٠دار المعرفة الجامعية،:مصر(المعطي، البحث االجتماعي محاولة نحو رؤية نقدية لمنهجه وأبعاده عبد الباسط، محمد عبد]) ٢٦([

Page 93: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: ابعاحملدد الر -الفقهي حمددات منهجية للبحث يف جتديد املنهج -الفصل اخلامس » منوذج الشوكا�ي معامل جتديد املنهج الفقهي» سلسلة كتب األمة « املوضوع الفقهي

املوضوع الفقهي : احملدد الرابعالعبادات : من املالحظات اليت أثارها الباحثون املعاصرون يف الرتاث الفقهي اإلسالمي، تطور البحث الفقهي يف املوضوعات املتعلقة بفقه األفراد

. اخل...االقتصاد، السياسة، اإلدارة، العالقات: معواملعامالت، أكثر من تطوره يف املوضوعات املتعلقة بفقه الدولة واجملت

، فإن القراءة املتأ�ية للرتاث الفقهي تؤكد وجود ])٢٧([»اإلسالم وأصول احلكم«هذه الدعوى وإن بالغ فيها بعضهم كالشيخ علي عبد الرازق يف كتابه فارق ما يربره آ�ذاك مما ينقله من النقيصة إىل الواقعية ومراعاة متطلبات وقد يكون هلذا ال -فقه الفرد وفقه الدولة -فارق كمي و�وعي بني الفقهني

. الظرف، لكن ليس له ما يربره اليوم؛ ألن الواقع والظروف يتطلبان غري ذلك

اجلا�ب من الفقه وتطوير البحث يف هذا. من هنا كان من أولويات تـجديد الفقه اإلسالمي تنمية البحث فـي املوضوعات املتصلة باجملتمع والدولة : ومن ذلك. اإلسـالمي، جيب أن ال يكون تلقائيا عفـويا، وإمنا يتطلب تتبع خطـوات منهجية دقيقة تضمن صحـة املقدمات وسـالمة النتائج

. تبين اخللفية التارخيية هلذا النوع من الفقه، لتحديد الثغرات املراد سدها واآلثار املرتتبة عليها: أوال

. حتديد مواضع ومنهجية االجتهاد فيه: ثا�يا

]). ٢٨([ولتوضيح ماهية وأمهية هذه اخلطوات ال بأس من التمثيل بأحد موضوعات فقه الدولة أال وهو الفقه السياسي

ظرية وطهارة وسائلها فعلى الرغم من أن التجربة السياسية اإلسالمية يف عهد النبوة واخلالفة الراشدة كا�ت وستظل أغنى جتربة، يف متا�ة أطرها النكر السياسي باملقار�ة مع أي جتربة بشرية أخرى، إال أن الصراع العقدي والسياسي الذي ظهر مبكرا يف اجملتمع اإلسالمي حدد بنسبة معينة وجهة الف

. اإلسالمي

الف و�قاش كبريين بني الفرق اإلسالمية، أدرج ملا كان موضع خ -وهو من املباحث األساسية يف الفقه السياسي اإلسالمي -فموضوع اإلمامة مثال ضمن مباحث علم الكالم بوصفه موضوعا من موضوعات العقيدة، األمر الذي جعل كتب الفقه تنصرف عن دراسته دراسة موسعة ومعمقة، باعتباره

. جزءا من فقه الفروع

ي، وما ترتب عليه من امتداد سلطة الدولة إىل جل ميادين التنظيم كما أن تغري �ظام احلكم بعد اخلالفة الراشدة من حكم شوري إىل حكم ملكفمثال حني �راجع بواكري الرتاث السياسي جند بداية . االجتماعي، جعل الفكر السياسي اإلسالمي ال يواصل تنمية البحث يف موضوعات أساسية

ري شؤون امللك والسياسة، وتنظيم املنابع املالية للدولة، لكن هذين احملورين مل حركة التصنيف فيه تتمحور حول مسألة اإلمامة واخلراج، أي ما يتعلق بتدب

Page 94: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

وإن كان الدكتور عبد الرزاق السنهوري قد استثنى من هذا التعميم اإلمام . يشهدا تطورا ينقل البحث فيهما من التأليف الفروعي إىل التنظري الشمويلأي -بشيء من التوسع، فإ�ه سرعان ما استدرك، مبينا أ�ه - كما قال - إذ عاجل مسائل اخلالفة ،"\األحـكام السلطا�ية"\املاوردي فـي كتابه

]). ٢٩([اهتم بالناحية اإلدارية يف أحكام اخلالفة أكثر من �احيتها الدستورية -املاوردي

تلك املتعلقة بشؤون املواطنة، وحقوق الرعية، واألمن ولألسباب السياسية ذاهتا مل يطرق الفكر السياسي اإلسالمي جبدية أبواب عدة موضوعات، ك . ، فمثل هذه القضايا ال يعثر عليها إال يف مساحات حمدودة ضمن تراثنا السياسي])٣٠([السياسي واالجتماعي، وأحكام املعارضة السياسية

وض بتوسع وعمق يف أحكام اخلالفة خشية االصطدام ولعل السبب يف هذا املنحى الذي حناه الفقه السياسي اإلسالمي، هو عزوف الفقهاء عن اخل . بنظم احلكم غري الشورية، أو خشية التسبب يف فتنة تكسر شوكة الدولة اإلسالمية أمام أعدائها

عد اخلالفة الراشدة ولقد كان هلذا االختيار يف الواقع مربرات موضوعية، جعلته يعكس مراعاة الفقهاء لفقه األولويات واملواز�ات، ذلك أن أ�ظمة احلكم بضع اعترب الفقهاء أن مل تنكر أن اإلسالم يوجب قيام �ظام احلكم على البيعـة، إال أن أكثرها مل حيرتم مبدأ حرية البيعة الذي توجبه الشورى، وأمام هذا الو

فتغير . ني الوحدتني، ألن الواقع أكد صحة هذا املبدأوما كان هلم يف احلقيقة أن يفرقوا ب. وحدة األمة اإلسالمية مرتبطة ارتباطا وثيقا بوحدة الدولة . طبيعة �ظام احلكم من شورى إىل ملكي مل يوقف الفتوحات اإلسالمية اليت تولت مهمة �شر اإلسالم ومد دعوته إىل أقصى بالد العامل

أو التشكيك يف قيمته العلمية، لكن لتأكيد أن تراثنا السياسي إن بيان اخللفية التارخيية لواقع الفقه السياسي اإلسالمي، ليس دعوة لتجاوز هذا الرتاث، . حباجة إىل قراءة جادة تكشف األبعاد الغائبة فيه لبعثها من جديد

: وإن مما يساعد على حتديد هذه األبعـاد الغائبة فـي تراثنا الفقهي السياسي، جتنب �وعني من القراءة

. لغربي، بإسقاط املفاهيم السياسية الغربية عليه أثناء التحليل والتفسريقراءته من منظور الفكر السياسي ا: األوىل

. قراءته قراءة مثالية تنـزيهية تعمد إىل جتاهل مشكالته التارخيية، وما جنم عنها من مفاهيم وتصورات: الثا�ية

أن الدراسات املعاصرة يف الفقه -ياسي اإلسالمي بعد حتديدها لألبعاد الغائبة يف الفقه الس -وال شك أن هذه القراءة املوضوعية ستكتشف السياسي، مازالت تركز على كليات النظام السياسي اإلسالمي وكيفية بنائه، ومل ختطو خطوات هامة حنو تقديم صيغ تنظيمية للقيم السياسية

األحكام السلطا�ية من جهة، ومن جهة أخرى فإن التجربة ولعل السبب يف ذلك أن الفقه السياسي املعاصر قد اكتفى مبا مت إجنازه يف فقه. اإلسالمية . السياسية اإلسالمية املعاصرة مل تنضج بعد، ومازال خطاهبا يركز على املبادئ، ومل تنتقل بعد إىل صياغة الربامج

ألخذ بآليات العمل السياسي يف املشاركة إال أن قيام الدولة احلديثة على غرار النموذج الغربي، فرض على التجربة السياسية اإلسالمية املعاصرة اي اإلسالمي السياسية، واالهتمام مبوضوع احلريات العامة، وتدعيم وجود اجملتمع املد�ي، إىل غريها من املواقف، األمر الذي يوجب على الفكر السياس

. اإلسالمية املعاصر تطوير البحث النظري يف مثل هذه املوضوعات، وتقديم صيغ تنظيمية للقيم السياسية

Page 95: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

الفقه لكن ما جيب تأكيده هو أن تقديم صيغ تنظيمية هي مرحلة متأخرة يف التنظري السياسي، يسبقها التحديد الدقيق ملواضع ومنهجية االجتهاد يف . إشكالية املنهج واملفاهيم: ويف هذا اإلطار يركز البحث على إشكاليات كثرية أمهها.. السياسي

الكتاب : النظرية السياسية اإلسالمية تقتضي بناء منهج لفقه التنظري السياسي؛ منهج ينطلق أساسا من األصول الشرعية أما املنهج، فإن صياغة . والسنة، ويستوعب التجربة السياسية اإلسالمية؛ منهج جيمع بني الشق التنظريي القيمي والشق التغيريي الواقعي

منهجية التعامل مع األدوات املنهجية املتبعة يف الدراسات السياسية الغربية، وكذا تأسيس مناهج كما تقتضي الدراسة على مستوى املنهج، حتديد . للبحث يف موضوعات الفكر السياسي والنظم السياسية وفروع العلوم السياسية من منظور إسالمي

ية اإلسالمية، وحتديد املوقف العلمي من املفاهيم أما املفاهيم، فإن من مقتضيات التنظري السياسي اإلسالمي ضبط وتأصيل املفاهيم الشرع . واملصطلحات العلما�ية الغربية

----------------------------------------------

). م١٩٨٨المؤسسة العربية للدراسات والنشر،: بيروت(٢علي عبد الرازق، اإلسالم وأصول الحكم، ط]) ٢٧([

الكليات إلى البحث في التفاصيل وذلك نتيجة إنشاء البنوك اإلسالمية وظهور مشاآل في التطبيق، األمر الذي وجه البحث في االقتصاد اإلسالمي من الحديث في العموميات و. لبحث فيه لم يتطور آتطور البحث في مجال االقتصادتم اختيار هذا الموضوع ألن ا]) ٢٨([ . والتطبيقات

. ٤٩ص) م١٩٩٣الهيئة المصرية العامة للكتاب، : مصر( ٢الفة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، طعبد الرزاق أحمد السنهوري، فقه الخ]) ٢٩([

. ١٨٧ص) ١٩٩٣مرآز دراسات الوحدة العربية، : بيروت( ١راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة اإلسالمية، ط: للتوسع انظر]) ٣٠([

Page 96: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: احملدد اخلامس -الفقهي حمددات منهجية للبحث يف جتديد املنهج -الفصل اخلامس » وذج الشوكا�ي من معامل جتديد املنهج الفقهي» سلسلة كتب األمة « التشريع يف الدولة احلديثة دراسة إشكالية ا�فصال مؤسسة االجتهاد عن سلطة

دراسة إشكالية ا�فصال مؤسسة االجتهاد عن سلطة التشريع يف الدولة احلديثة : احملدد اخلامس

ه راسة الواقعية واملوضوعية ملوضوع جتديد الفقه اإلسالمي تقتضي عدم قصر البحث على اجلا�ب التنظريي الذي يتناول منهج التجديد وجماالتإن الدة ا�فصال مؤسس: ولعل أهم عائق فـي طريق جتـديد علم الفقه هو. وضوابطه، دون القضايا اليت متس اجلا�ب التطبيقي امليدا�ي، كمعوقات التجديد

. االجتهاد عن سلطة التشريع يف الدولة احلديثة

لدولة فبعد قيام الدولة احلديثة، ا�فصلت مؤسسة االجتهاد عن سلطة الدولة، فاختص االجتهاد الفقهي بصورة عامة، بشؤون الفرد، واختص اجتهاد اطبيق القا�ون الوضعي، وما بقي خاضعا لالجتهاد الفقهي كاألحوال باملرافق العامة، فامتد �فوذ الدولة التشريعي إىل كل ميادين التنظيم االجتماعي بت

وما مل تقننه الشخصية، وبعض جوا�ب امللكية العقارية، وبعض اجلرائم يف بعض الدول اإلسالمية، عمدت فيه الدولة إىل تقنني األحكام اليت تطبق عليه، . مل يعد ملؤسسة العلماء أو االجتهاد أي دور يف وضع القاعدة القا�و�ية امللزمة ألزمت القضاء بالرجوع للحكم فيه إىل مذهب فقهي معين، وهبذا

اإلسالمي، إن غياب الوضع الدستوري املالئم لصياغة األحكام الفقهية االجتهادية يف شكل قاعدة قا�و�ية ملزمة، هو أهم عقبة يف طريق جتديد الفقه . وذلك العتبارات منهجية وأخرى واقعية

ع التشريعي يف عتبارات املنهجية، فأمهها أن التحليل التارخيي ألزمة املنهج يف الدراسات الفقهية يبين أن من أسباب إقصاء الفقه اإلسالمي عن الواقأما االني، احلاكم والفقيه، فال العصر احلديث، القطيعة احلقيقية اليت حدثت بني السلطة السياسية والسلطة العلمية، وهذه اإلشكالية كما هو باد تتكون من طرف . ميكن حبال من األحوال تصور احلل من طرف واحد، وحتميل الفقيه وحده مسؤولية إعادة الفقه اإلسالمي إىل ميادين احلياة العامة

: أما االعتبارات الواقعية فأمهها

تبناة، فإذا مل جتد مناهج التجديد الفقهي سبيال للممارسة والتطبيق أن املمارسة امليدا�ية متثل مددا للفقه، ووسيلة لنمو وتطور النظم االجتماعية امل - . بقيت جمرد أفكار وخطط �ظرية

ريعية مستقلة إن االقرتاحات امليدا�ية اليت يقدمها بعض الباحثني لعالج إشكالية ا�فصال مؤسسة االجتهاد عن سلطة التشريع، كتكوين العلماء هليئة تش - . حية التطبيقية؛ ألن النظام الدستوري يف الدولة احلديثة يرفض تسليم مهمة التشريع إىل غري مؤسسات الدولةوغريها، متعذر من النا

. إن الفصل الذي تقوم عليه الدولة احلديثة بني ما هو مد�ـي وما هو شرعي يبقي الفقه اإلسالمي بعيدا عن التطبيق -

لتجديد الفقهي التفكري يف السبيل الكفيل بتحقيق وحدة مؤسسة التشريع، والقضاء على الفصل بني إن هذه االعتبارات جمتمعة، تفرض على الباحث يف ا، وسبل ما هو مد�ي يدخل يف اجتهاد الدولة وبني ما هو شرعي خيتص بالعلماء، كما تفرض عليه التفكري يف سبل احتكاك العلماء مع اجملتمع من جهة

. العامة يف تنظيم العالقات االجتماعية من جهة أخرى تفتح اجملتمع على مفهوم الدين ومبادئه

Page 97: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

مواقع يف إن هذه القضايا ومثيالهتا تعد من أولويات البحث يف جتديد الفقه اإلسالمي، ذلك أن اجلدل النظري حول التجديد ال يكسب الفقه اإلسالمي . ظيمات الدستورية القائمةالتنفيذ وإدارة شؤون احلياة، ما دام وضع القاعدة القا�و�ية حمكوما بالتن

Page 98: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

اخلامتة

ية اليت على إن الدراسة لنموذج التجديد الفقهي عند اإلمام الشوكا�ي، اليت ركزت أساسا على العوامل احملددة لظاهرة التجديد عنده، واألسس املنهج�ظر هلذا التجديد، واملظاهر اليت عكست هذا التنظري، وكذا العرض التحليلي لبعض احملددات املنهجية الضرورية يف حبث موضوع جتديد أساسها

: املنهج الفقهي يف العصر الراهن، كل هذه احملاور األساسية اليت تناوهلا موضوع البحث ا�تهت إىل �تائج كثرية، أمهها ما يأتي

: تحليلية لتاريخ الفقه اإلسالمي بينت أن أزمة املنهج يف الدراسات الفقهية تتكون من ثالثة فروعإن الدراسة ال -١

. ا�كماش الفقه من �احية املوضوع -أ

. اختالل منهج االستنباط واالستدالل يف عصور التقليد - ب

. إقصاء التشريع اإلسالمي من احلياة يف العصر احلديث -ج

صطلح التجديد يف الرتاث اإلسالمي، وشيوعه يف مرحلة تنامي الظاهرة العلما�ية، وتعبئته مبضامني منحرفة، ال ينبغي أن يكون إن عدم اشتهار م -٢ . وعليه فاملطلوب ضبط معناه يف إطار التصور اإلسالمي. سببا يف رفضه، ألن املصطلح ذو أصل يف اللغة، ويف الشرع

�ه ميثل يف أغلبه ـ ما عدا األحكام القطعية املعلومة من الدين بالضرورة ـ اجتهادات الفقهاء يف فهم النصوص قابلية الفقه اإلسالمي للتجدد؛ أل -٣ . الشرعية ويف إطار حمددات زما�ية ومكا�ية معينة

وهذا يستدعي أن يشمل إن املنظومة الفقهية عبارة عن حـلقات مرتابطة، فأي خـلل ميس حلقة من حلقاته سيتعدى أثره إىل احللقات األخرى، -٤ . التنظري والتنـزيل، البحث والصياغة، التصنيف والتدريس: مشروع جتديد الفقه اإلسالمي جـميع مكو�ات العملية الفقهية

. هاأمهية دراسة النماذج الفقهية التجديدية يف تراثنا الفقهي، وتقييمها ضمن إطارها التارخيي، وحتديد منهجية االستفادة منها وتطوير -٥

ات أمهية منوذج الشوكا�ي يف التجديد الفقهي، لوجوده يف عصر استحكم فيه التقليد على التفكري الفقهي من جهة، ولألثر الذي تركه يف احلرك -٦ . اإلصالحية احلديثة يف املشرق واملغرب

يف عصره، املتسمة بالتمزق املعريف، وعزلة جل العلماء عن إن شخصية الشوكا�ي التجديدية كا�ت �تاج حياة علمية مغايرة لألمناط الفكرية السائدة -٧فمعرفته املوسوعية، وممارسته للسياسة والقضاء، كو�ت لديه معرفة متكاملة جعلت علمه يتفاعل مع عمله، فيثمر تعامال أصيال مع واقع . احلياة والواقع

. احلياة، وتطوراته

حتريم التقليد والدعوة إىل االجتهاد، حتقيق علم أصول الفقه، وجتديد منهجية : ثالثة أسس منهجية هي إن �ظرية التجديد عند الشوكا�ي قائمة على -٨ . الدراسات الفقهية

Page 99: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

: يف ثالثة مظاهر أساسية هي) رمحه اهلل(جتلى التجديد الفقهي عند اإلمام الشوكا�ي -٩

. ه العلمية واملنهجية والرتبويةضبط مقومات البحث الفقهي، بالتأكيد على مبدأ اإل�صاف، و�تائج - أ

سياسي، التجديد يف املوضوع الفقهي، إذ أن ممارسة الشوكا�ي للسياسة، وتوليه للقضاء جعله ينفتح على قضايا اجملتمع العامة، فألف يف الفقه ال - ب . واالقتصادي، واالجتماعي واإلداري

. والتعصب يف الفكر الرتبوي الفقهي من خالل جتديد مناهج التدريس والتأليف الفقهيجتديد الفكر الرتبوي الفقهي، إذ عاجل مضاعفات التقليد -ج

مبدأ إن التقليد يف �ظر الشوكا�ي هو سبب أزمة األمة احلضارية، وإن البعث احلضاري حيتاج إىل إعادة تشكيل بنية العقل املسلم، بإقامته على - ١٠ . االجتهاد

املوضوعية، : للوحدة الفقهية بني املسلمني؛ أل�ه يزود الفقهاء مببادئ منهجية مشرتكة يف التفكري الفقهي، وهي إن االجتهاد هو العامل املؤسس - ١١ . اال�فتاح على الرتاث الفقهي كله، والروح النقدية

التمسك بظاهر النص، واملطالبة يف املنظومة الفقهية، جعله يفرط أحيا�ا يف -النص الشرعي -إن حرص الشوكا�ي على اسرتجاع مكا�ة الدليل -١٢ . بالدليل على حساب مقاصد الشريعة

. إن جتديد املنهج الفقهي مازال حباجة إىل مزيد دراسة تضبط املفهوم واملنهج، وموضوع الضوابط واجملاالت - ١٣

ل اإلشكاليات النظرية، والتطبيقية اليت تعرتض إن التنظري للتجديد الفقهي حيتاج إىل حبث بعض احملددات املنهجية اليت تساهم يف تفكيك وحتلي - ١٤ : وأهم هذه اإلشكاليات. حبث املوضوع

. بيان مفهوم جتديد املنهجية األصولية بصياغة إشكالية �اظمة، ووضع بديل منهجي حمدد ومنضبط - أ

. ضبط إشكالية تعليل األحكام بصياغة منهج منضبط جيمع بني التنظري والتطبيق - ب

طر جديدة للتصنيف الفقهي، تتمثل أساسا يف تطوير الصناعة الفقهية باجتاه التنظري عن طريق تطوير علوم املناهج، وترتيب املوضوعات استحداث أ -جإلسالمي، الفقه ا الفقهية، واعتماد اإلجراءات الفنية يف تنظيم املادة الفقهية، وكذلك حتديد ضوابط االستفادة من العلوم االجتماعية ومناهجها يف جتديد

. وصياغة منهجية تكاملية بني هذه العلوم

. إثراء البحث يف املوضوع الفقهي، بتعميق الدراسة يف املوضوعات املتصلة باجملتمع والدولة، وحتديد منهجية االجتهاد فيها -د

لسبل الكفيلة بتحقيق وحدة مؤسسة التشريع دراسة إشكالية ا�فصال مؤسسة االجتهاد عن سلطة التشريع يف الدولة احلديثة، وحماولة إجياد ا -هـ . لضمان صياغة األحكام الفقهية االجتهادية يف شكل قواعد قا�و�ية منضبطة

Page 100: سلسلة كتب الأمة الامام الشوكاني

ؤكد جناحه يف جتديد ويبقى أخريا أن تقييم منوذج الشوكا�ي الفقهي التجديدي ضمن إطاره التارخيي، ويف إطار احملددات الزما�ية واملكا�ية اليت عايشها، تهو إدراكه لطبيعة األزمة اليت عاشها التفكري الفقهي يف عصره، وأثرها البالغ يف املنظومة املعرفية -يف رأيي -والسر يف هذا النجاح . هج الفقهياملن

. العقدية، والتشريعية، واالجتماعية، والسياسية: اإلسالمية، وعلى جوا�ب احلياة املختلفة

لشوكا�ي له كل جهوده، هو إعادة تشكيل العقلية الفقهية بإقامتها على مبدأ االجتهاد، وحتريرها من تبعية فكان اهلدف األساس الذي سخر اإلمام اهذه الوحدة اليت متثل يف �ظر الشوكا�ي . التقليد، سعيا منه إىل بناء وحدة فقهية بني املسلمني تواجه التمزق االجتماعي والفكري الذي أفرزه التقليد

. ة لألزمة احلضارية اليت عاشتها األمة اإلسالمية يف عصرهأحد احللول الضروري

واستشعار أمهية ولعل أهم مثرة ميكن أن يقطفها العقل الفقهي من منوذج اإلمام الشوكا�ي التجديدي، هي إدراك حمورية مبدأ االجتهاد يف الفقه اإلسالمي، . ثل جهد اإلمام الشوكا�ي منوذجا رائعا هلذه الشمولية، وتلك احملوريةوقد م. الرتكيز على الشمولية عند اقرتاح مناهج التجديد الفقهي

وملا كا�ت مناهج التجديد الفقهي ختضع لظروف وحاجات الناس ، ولنوع ومستوى املعارف يف كل عصر، فقد تضمن البحث اقرتاحا بدراسة ستة . نظرية و التطبيقية اليت تعرتض عملية التنظري للتجديد الفقهي يف العصر الراهنحمددات منهجية ميكن أن يستفاد منها يف دراسة وحتليل اإلشكاليات ال

وبعد، فقد بذلت جهدي ما استطعت، وحاولت الكشف عن شخصية اإلمام الشوكا�ي العلمية الفذة، من خالل الكشف عن أهم مكو�اهتا، أال وهي -كما حاولت استصحاب هذه النـزعة وهذا الرتاث ألقرتح .. ا على مجيع تراثه الفقهيالنـزعة االجتهادية التجديدية؛ هذه النـزعة اليت ألقت بظالهل

. فحسبها أهنا حماولة، أرجو أن تكون جادة. معامل �اظمة لتجديد املنهج الفقهي املعاصر -بناء على ذلك

.واهلل من وراء القصد وهو يهدي السبيل