276
gA& אf?< א

أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

א א

Page 2: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

2

Page 3: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

3

أزمة العقل المسلم

عبد احلميد أمحد أبو سليمان. د. أ

Page 4: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

4

Page 5: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

5

א

9 ............................................................تصدير 13 .....................................................مقدمة املؤلف

الفصل األول األصالة اإلسالمية املعاصرة هي احلل

25.......................: النهضة من منطلق األصالة: منطق احلل-أوال 29.........................................:احلل األجنيب الدخيل -1

33.............................................مناذج وأمثلة من الواقع 35...............................................األمة واحلل املستورد

36.......................................:احلل التقليدي التارخيي -2 40.............................:منطلق األصالة اإلسالمية املعاصرة -3

45......................................: اجلذور التارخيية لألزمة-ثانيا 45..........................األعراب والفتنة: تغيري القاعدة السياسية -1 48...................... القيادة الفكرية والقيادة السياسيةالفصام بني -2

51........................ فحوى األزمة وجماالت تصحيح املسار-ثالثا 51........................................ أزمة فكر ال أزمة عقيدة-1 55.......................... من أمهات القيم اإلسالمية يف كتاب اهللا-أ

55.....................................يف وحدة الربوبية واأللوهية 57................يف وحدة اإلنسان وغاية وجوده ومسؤولية ضمريه 58............................................يف العدل واإلصالح 60...............................يف عدم الفساد والظلم واإلسراف 61..................................يف الصدق واألمانة واإلحسان

Page 6: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

6

64......................................يف العلم واملعرفة واإلعمار 64...........................................يف النوايا وقصد اخلري 65.................................. لهلقرآن وظهري ل السنة تطبيق-ب

65.............يف القصد والضمري ومناط القيمة واملسؤولية اإلنسانية 67.........................يف الرفق والرمحة والتعاون وحسن اخللق 68...........................يف العدل والفقه والبذل وحسن العمل 70........... التفرقة بني قضية الفكر والوسائل وقضية القيم والغايات-ج 72..................... العزلة الفكرية تربة اجلمود والتقليد والتخلف-2

الفصل الثاين املنهج التقليدي للفكر اإلسالمي

79.........................تقومي ونقد: املنهج التقليدي للفكر اإلسالمي 80......................................يحتعريف وتوض: األصول -1

82.......................................علوم شرعية وغري شرعية 87..........................................وأد العلوم االجتماعية -2

91...............................معترك العقل والنقل وآثاره السلبية 107...................لمستقبللثروة األمس وزاد املسري وعربة : تراثنا -3

الفصل الثالث منهجية الفكر اإلسالمي

117..........................القواعد واألسس: منجية الفكر اإلسالمي 120.........................هإطار منهجية الفكر اإلسالمي ومعارف -1

120.......................................تكامل الغيب والشهادة 127.......الوحي والعقل والكون: مصادر الفكر واملنهجية اإلسالمية -2 140.......املنطلقات األساسية للمنهجية اإلسالمية والفكر اإلسالمي -3

ت ا

Page 7: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

7

140..................................................الوحدانية )أ ( 143....................................................اخلالفة )ب ( 145.........................................املسؤولية األخالقية )ج ( 149..........................املفاهيم األساسية للمنهجية اإلسالمية -4

150......................................الوجودغائية اخللق و) أ( 152......................موضوعية احلقيقة ونسبية املوقع منها) ب( 156....................................حرية القرار واإلدارة) ج( 157...................................... بعد حرية العقيدة-أوال 160....................................... بعد حرية الفكر-ثانيا 163............................ بعد حرية األداء االجتماعي-ثالثا 166............................................كلية التوكل) د( 170.............................السببية يف أداء الفعل اإلنساين) ه(

174.............................الفكر اإلسالميخصائص منهجية -5 الفصل الرابع

املنهج اإلسالمي ومتطلبات بناء علوم احلضارة اإلسالمية 187.............املنهج اإلسالمي ومتطلبات بناء علوم احلضارة اإلسالمية

188...................................تصنيف النصوص اإلسالمية -1 190.......................................مشولية الرؤية احلضارية -2 193...................................مقدمات العلوم االجتماعية -3

198.وحدة كلية وتعدد متكامل: مي أبعاد الوجود اإلنساين اإلسال-أ 204..................... الغاية والقصد يف نظام الكون واحلياة-ب 204.................. موضوعية احلق واحلقيقة يف طبائع النفوس-ج

Page 8: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

8

الفصل اخلامس

يف مقدمات العلوم االجتماعية 211...............................: يف مقدمات العلوم االجتماعية

213........................................اإلسالمية وعلم التربية -1 224......................................اإلسالمية وعلم السياسة -2 239......................................اإلسالمية والعلوم التقنية -3

الفصل السادس اإلسالم واملستقبل

249................................................اإلسالم واملستقبل 249............................................مستقبلة بناء األمة -1 254.................................اإلسالمية واملؤسسات العلمية -2 260......................................مستقبل مسرية اإلنسانية -3

267.................................فاإلسالمية قضية األمة: وبعد

Page 9: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

9

لة صعبة جدا من التمزق يتفق اجلميع على أن األمة املسلمة متر يف مرحوالتفكك، وضياع اهلوية، وايار املؤسسات، والعجز عن اخلروج من حالة التنبه

.اليت تتردى فيها

ويتفقون أيضا على أن التغيري أمر ال بد منه، بعد أن ذاقت األمة األمرين من على مدى أكثر من االستبداد واإلخضاع للتجارب األجنبية، وحماولة تطبيقها قسرا

قرنني، منذ بدأت األمة تشعر أن مثة مشكلة تواجهها عقب لقائها يف كثري من .حواضرها باحلضارة الغربية، وخاصة يف تركيا ومصر

لقد قلدت خالل هذه املدة الطويلة جتارب اآلخرين يف السياسة واحلكم، لكنها مل تصل إىل ما والثقافة واإلدارة، واآلداب واالجتماع، والعلوم والفنون،

لت ورجت، ووجدت نفسها على أحسن الفروض كالذي يدور يف مكانه، إن أم .سع الفجوة على وجه احلقيقة بينه وبني أقرانهمل تت

د املنطق الصحيح يف عملية التغيري ومعىن ذلك أن قيادة األمة مل تستطع أن حتد وتقليب وجوه ،مل الطويل يف األمرولقد بدا لنا من خالل التأ. حنو غاياا املرجوة

النظر، ومراجعة التجارب السابقة اليت بذلتها األمة للخروج من أزمتها، وتقومي هذه التجارب تقوميا دقيقا أمينا موضوعيا، أن النقطة الصحيحة يف عملية التغيري جيب أن

صحيحا كان ،تبدأ بالفكر، ذلك ألن الفكر هو املقدمة الطبيعية لكل عمل ينبع منه .أم خاطئا

الفكر الصحيح هو الذي يوجد النهضة الصحيحة، وهو الذي ومعىن ذلك أن .يأخذ بيد األمة للخروج من أزمتها اخلانقة

اإلسالم هو الذي يشكل لألمة اإلسالمية الفكر األساسي الصحيح، ألنوا، ويستجيش ضمريها، ويوقد فيها ميثل روح األمة، ويصوغ وجدا كانألنهو

كان

هو الذي

Page 10: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

10

الطاقة احملركة القادرة على اإلبداع والتصدي واملقاومة والعطاء، فإن الفكر .»الفكر اإلسالمي«الصحيح هو بالضرورة

من هنا ميكن أن نقول إن عملية التغيري املطلوبة هي قبل كل شيء عملية ديه، وتعمل من خالل عقائده أن تقوم على أساس اإلسالم، تدي ال بدفكرية

.وقيمه وضوابطه وأخالقياته، وتستمد من مصادره

يف فهمه اس النمصطلح عام يتفاوت » الفكر اإلسالمي«على أن مصطلح كثريا، لذلك نرى أنه حباجة إىل حتديد منضبط، يرسم املنهاج، وحيدد القواعد،

ه بفكر يف مجلته واحد، جيعل ويؤصل املفاهيم، على أمل أن خنرج من ذلك كل . تصوراتنا يف النهاية موحدة اآلفاق

ومن هنا جاء هذا الكتاب ليكون مسامهة جادة يف توضيح هذه القضية وبيان .وسائل معاجلتها

يبدأ الكتاب باحلديث عن املنهج التقليدي للفكر اإلسالمي لينقده ويقومه، سالمي من حيث اإلطار واملصادر يتلوه حديث عن قواعد أسس منهجية الفكر اإل

،واملنطلقات األساسية، مث ينتقل احلديث بعد ذلك إىل موضوع أداء هذه املنهجيةمن حيث مشول اال ومشول الوسيلة، مث ينتهي إىل احلديث عن املنهج اإلسالمي

.والعلوم بشكل عام

إلسالمية يتناول املؤلف بعد ذلك قضايا العلوم االجتماعية واإلنسانية وا . من منظور إسالمية املعرفة، واملؤسسات العلمية املطلوبة؛ومقدماا اخلاصة

اإلسالم : ويقف املؤلف يف خامتة الكتاب ليتحدث عن أمرين، أوهلمامستقبل مسرية اإلنسانية، وينهي احلديث بإعالن ميثل خالصة : واملستقبل، وثانيهما

ومصريها، وقدرها وغايتها ووسيلتها إىل وهو أن اإلسالمية هي قضية األمة،قناعته .اخلروج من أزمتها، وسبيلها إىل بناء حضارا، وإقامة ضتها

أن تصحيح مناهج التفكري، والعودة إىل جذور األمور، واالنتقال يفوال ريب

اس

ن

Page 11: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

11

من اجلزئي إىل الكلي، ومن ظاهر املشكلة إىل حقيقتها، وبناء القواعد العامة وتصحيح املنطلقات، وفق هدي اإلسالم، هو الضمان احلقيقي والضوابط الكلية،

الذي جيعل عملية التغيري الفكري عملية صحيحة ناجحة، تضع األمة به أقدامها .على بداية الطريق الصحيح

. الكتاب أن يفعله ويشق طريقه إليهوهذا هو األمر الذي حياول

ى القضية الفكرية أكرب من رمبا يرى بعض القراء أن املؤلف الكرمي، قد أعطحجمها، ولكن الذي ال مراء فيه هو أن القضية الفكرية قضية أساسية شديدة األمهية بإمجاع مفكري األمة، مث إن وضعها يف املقام األول ال يعين إلغاء القضايا

من أجل الوصول إىل ضة صحيحة تقوم على األخرى اليت ال بد من توافرها مجيعا .مأساس اإلسال

لقد صدرت يف قضية األزمة الفكرية، وتكوين العقل العريب، وإعادة تشكيل دراسات عديدة، ولكن دراسة ،العقل املسلم، وقضايا الفكر واملنهج اإلسالمي

.هلا توجه متميزومن نوع آخر هي املؤلف

وجذورها ، وبعدها الفكري واملنهجي،فهو يف عرضه ألزمة األمة اإلسالمية ينفرد بنظرات ثاقبة ال تكاد تعثر عليها يف جل ما قد تطلع عليه من ،ةالتارخيي

فالربط احملكم بني كثري من القضايا اليت قد مير عليها بعض . تناوالت هلذا اجلانبالكاتبني مسرعني، وينظرون يف جانب منها دون آخر، ورصد الدروس والعرب،

رف املؤلف ات الكلية الشاملة اليت عمن مزايا النظر يهومنهج الوصول إىل النتائج، ا، فال تشغله القضايا اجلزئية الفنية املتخصصة أو املدرسية، وال يسمح لذهن القارئ أن ينشغل ا كثريا، بل يأخذ بيده مباشرة حنو الدرس والنتيجة والعربة، ومن هنا جيد أسلوب املؤلف صعوبة يف الولوج إىل عقل وقلب القارئ العادي

يف ضوء الغاية اليت حيدوها والفكرة ،هلة األوىل، ولكنه حني يعيد قراءتهللو . سرعان ما تواتيه القناعة ويصل إىل الرضا واالرتياح،األساسية اليت يعرضها

هذا

Page 12: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

12

إنك وأنت تقرأ هذا الكتاب ال تقرأ إنشاء، وال جتد نفسك يف ثنايا جمموعة د نفسك يف منجم مزدحم باألفكار من احملسنات البديعية واألساليب البيانية، بل جت

فكاتبها . للوصول إىل عقلك ولبك، لعلها تستويل على قناعتكاملتنوعة اليت تتزاحم يافعا وشابا وكهال، ، عاىن مهوم الدعوة، ومشكالت وأعباء الكفاح،جماهد صلب

بل ،ديب وال غرضا من أغراض الفن األ،فليست آالم أمته بالنسبة له موضوع تعبريهي آالم معاناته وزفرات قلبه، ولو كان شاعرا لرمبا أغرق املكتبات ببديع شعره،

فكل فكرة من أفكاره ميكن أن يصنع . ولو كان كاتبا حمترفا لتعددت قوائم كتبهمنها حمترفو الكتابة كتابا أو أكثر، لكنه مفكر متميز ملتزم بغايات أمته، وأهداف

اته أحيانا خشونة ااهد، وصالبة الرائد، مباشر يف وجودها، تلمس يف كلمخطابه، يتوخى أهدافه، ال يدور حوهلا، وال ينحرف حول قارئة يتلمس إىل لبه ،وعقله السبل، أو يتحني منه االلتفات، بل يهزه بعنف ويلفت نظره إىل هدفه بقوة

.ليستبني الرشد يف وقته الذي فات إال أقله

بعض، إىل بعضها منذ ضمت مادة فصوله ،لكتابلقد تأخر صدور هذا اسنني عديدة طلبا للربهة املواتية اليت تكون قيادات األمة الفكرية واالجتماعية مهيأة

يف أحوال األمة، ، على هذا القدر من العمق والشمول،فيها للنظر الصادق الصريحعتمة دروب املآرب السياسية وبعيدا عن احلساسيات واالعتذارات واملصاحل اخلاصة

مما جعل إخراج الكتاب وقضاياه ،العاجلة، وجاءت رحى األحداث اجلسام نرجو أن يأخذ الكتاب وأن .الكربى إىل ساحة الدرس والنظر واحلوار أمرا واجبا

تأخذ قضاياه اهلامة موضعها الصحيح من ساحة اهتمامات األمة وقياداا الفكرية .بابيةواالجتماعية والش

نسأل اهللا أن ينفع ذا الكتاب النفع املأمول إنه على كل شيء قدير، وآخر . أن احلمد هللا رب العاملنيدعوانا

طه جابر العلواين. د. أ

ع بعضها

-

ىل

Page 13: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

13

א

د وعلى آله وصحبه احلمد هللا رب العاملني والصالة والسالم على سيدنا حمم .أمجعني

وهو كتاب من نوع خاص، عمل،يديك هذا الأيها القارئ الكرمي، أضع بني ليس مجعا أو تأليفا، ولكنه دراسة ونظر وحتليل شغلت قضيته القلب والنفس على

الصغري فتح،»األمة« قضية هذا الكتاب هي قضية األمة، بل هي .مدى رحلة العمر عرفت عيناه منذ أن،عقله وقلبه على آالمها ومعاناا، وتوجعات كتاا وشعرائها

. كيف تقرأ الكلمة، وعرف فمه كيف ينطق احلرف، وعرف قلبه كيف يعي املعىن

على و،يف مهبط الوحي ومدارج رسول اإلسالم صلى اهللا عليه وآله وسلمي الفىت صفحات التاريخ تفتحت أمام عين، وبني دفات الكتب،مقاعد الدرس

ى أخيارهم، فمألت املرارة واحلسرة واصطف،حلوها ومرها، وعايش خبياله رجاالاأركان نفسه أحيانا، ومأل اإلحساسه عزمية وإصرارا على التغيري بعمق األزمة قلب.

أمدته رحلة احلياة باخلربة واملعرفة، وأدامت نكبات األمة تأمله يف أحواهلا، ال الذي مل ينشأ ،وايار بنائها، ومل يكن عقلهينفك يسأل نفسه عن أسباب عثرا

. ليقنع بغري جواب مقنع صحيح،على املواربة والتهيب

اليت مجعت بني معارف التراث ومعارف ،كما أمدته دراسته وخربة احلياة ومل يقنع بالندب . وتتبع اجلذور، وطلب الوسائل واحللول مبداومة التأمل،،العصر

وال معاين احلماسة، وأصبح أمر األمة أمام ناظريه ،والنواح، وال بعواطف الغضبف هلا كل طاقاته النفسية وظفقضية معضلة، حتتاج إىل الفهم والدرس والتحليل،

تاب

كبوا

ال قلبه

إمعان النظرة،

Page 14: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

14

، يسوح أيامها ولياليها، يستبطن تارخيها وحتصيلهكل خرباتها والعملية، وربط . العالج يطلب إال احلقيقة وال يبغي إال طلبا للفهم وتتبعا للمسار، ال،وأحداثها

فليس هناك شيء ميكن أن يضن املرء ببذله يف سبيل عافية األمة وخروجها من .حمنتها

إن الكاتب وهو يكتب إمنا ينظر من خالل أعماقه، فالداء .أيها القارئ الكرميداث التاريخ ورواسب يف أعماقه وحنايا قلبه وتالفيف رأسه تصب أح، وداؤه

وال أتعس ، ليس أحد أوىل منه باألمل.املاضي ومعاناة احلاضر وهلفة املستقبل، كل مصاب مصابه. ويتبين أسباب الشفاء، وهو يقف على الداء،باإلحساس

بري عن فهم، وحديث ، إمنا هو تعفليس يف شيء مما يكتب نقد أو جتريح أو تطاول .صادق وصريح، فيه من الصدق حدته، ومن الصراحة مرارا

مل يكن بالكاتب وهو حيدثك ذه اللغة غفلة عما يستقر .أيها القارئ الكرميه جواحنها من طاقة، وما يزين جبينها من حملات وما تضم،رييف أعماق األمة من خ

وال لتلمس ، والبذل واإلخالص، ولكن ما فعله مل يكن لإلشادة بالفضلاإلميانولكن ندب الكاتب نفسه إىل ثغرة . وهو أمر كله خري، وال لتخفيف الرزء،العذر يطلب هلا عونا ودرءا ، ومعاناة املستضعفني، ووصمة الذل، وثلمة التخلف،العجز .وخمرجا

راء لألمة وعطائها ورجاالا وعلمائها إن قصر الكاتب يف وقفة التقدير واإلط أنه إمنا - وقد اشتد البالء وتدافعت الرزايا - فعذره ؛وقادا وشباا وجماهديها

.يسعى لكشف الداء، ويطلب الدواء

، وال ما قدمت فيه من دراسة ونظر،ليس فيما قلت يف هذا الكتاب من قوللو ظهر خطؤه، كل ما أقصده هو أو أخشى تبيان خطئه ،صر على التمسك بهما أ

مشاركة القارئ النظر والتدبر والدرس ملا توصلت إليه من رؤية ومفهوم لألسباب

ب

ما ينطوي عليه جوهرها من فضل،

دراسته

ذه املعضلة

السقم سقمه، ف

كل كارثة رزيته وكل نازلة فجيعته

و إساءة

Page 15: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

15

.ات أمتنا فيه ترديتاليت أدت إىل احلال ال

هذا الكتاب إىل حوار وتداول ومذاكرة إذا أدى لن يكون أحد أسعد مني سواء أكان ذلك مغايرا ، ختطي العقبة وكشف الغمةدي إىل حقيقة األمر، وإىل

. أو كان موافقا لهتابملا توصل إليه هذا الك

ليس أفضل من كلمة احلق يف هذا املقام ما دامت إىل احلق تقصد، وما دامت .يف أصل القضية تتحدث، وما دامت إىل احللول والبدائل دف

الكتاب هو أن يكون مسامهة جادة يف رسم صورة أمة ليهكل ما يسعى إمسلمة عزيزة قادرة، خالية من الفصام ومن العجز والسقم يف أفرادها وشعوا

جتسد احلق واهلداية والقدرة اليت تطمح إليها قوة وعمال، ومثاال ،ومؤسساا .وواقعا، وغاية ووسيلة

ألن املوضوع ، قراءة ميسرة سهلة- عرغم حجمه املتواض -ليس هذا الكتاب ميتد عرب الشعوب واألجيال والقرون، على امتداد ،معقد اجلوانب مترامي األطراف

التاريخ وسعة األمة، وحتتاج متابعة سطوره إىل زاد من معرفة التاريخ، وتلمس الفهم فيما يعرض إليه الكاتب منللطبائع وسنن اهللا يف األمم واحلضارات، ليصح

.إشارات وقضايا واستنتاجاتأرجو أن يعطي القارئ الكرمي من وقته وصربه ومتابعته بعض ما استلزمته

من تأمل وحبث ودرس، حىت يبلغ القارئ ما ، على مر السنوات،قضايا الكتاب القشور أراده الكاتب، فلعل تصفح املتعجل جيعل القارئ ال يرى من الكتاب إال

ونظر، ال على تأمل،مل األلفاظ واملعاين على ما ألف وعرفوصغائر األمور، فيحالتساع -فإن الكتاب . فال تزداد الرؤية إال عتمة وال يزداد الطريق إال ظلمة

ومناقشة اآلراء، بقدر ما عني عن كثريا بالتفاصيل والشواهد واألدلة مل ي-ميدانه .بأمهات القضايا ولب األمور

الدوائر العلمية والثقافية والقيادية واالجتماعية يف ربوع ىتلقإن األمل أن ت

فسيا

ينما يؤدي

تفريج الكرب

أو دعا إليهب

هذا

مر

Page 16: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

16

باالهتمام اجلدير بالقضية اليت يثريها ، وما حيويه من فكر ورؤية،األمة هذا الكتابطرح مع قضية األزمة الفكرية لألمة وفقدان الرؤية الشاملة واملنهجية املتكاملة، -

وقد ،ر جاد صريح يدفع إىل النظر والدرس وأن يكون بداية حوا- البدائل واحللولوالتهيب، حىت نغوص فعال إىل أعماق األزمة اليت وقع أزلنا من أنفسنا اخلوف

العقل املسلم فريسة هلا، ونتوصل إىل األساليب والوسائل الالزمة لعالجها، وبالقدر .املطلوب لتحقيق تلك الغاية

قاص قدر أي فئة من فئات األمة أو ليس يف هذا العمل ما يقصد إىل انتعلمائها، فالكاتب على علم مبا حتويه صدور أبناء األمة وعلمائها وأسالفها من

إن هذا العمل هو حماولة فهم موضوعي ملسرية . اإلميان واإلخالص والبذل واجلهادف فيها بالرجال والدول إىل طرق ضعت، واليت حدتاريخ األمة وأحداث أيامها

فاألمر ليس أمر مالمة أو جتريح، وال . واستعصى البديل،ت الرؤية وغم،الدليلحديث مواساة واعتذار، ولكنه نظر وفهم ودراسة وحتليل، يرجو به الكاتب حتقيق

.أمل كل خملص يف إزالة العوائق، ولو كانت يف حنايا أنفسنا وتالفيف عقولناون والقادة وشباب األمة إىل مهمتهم، إن األمل أن ينهض املفكرون واملثقف

وإىل التعامل الصريح الصادق معها، واألخذ باألسباب الالزمة ملواجهة حتدياا، ولن تكون بالتنكر للهوية والطبع، ولن تكون مبزيد من املوارد أو مبزيد من التضحيات، ولن تكون مبزيد من املناداة بالقيم واملبادئ، ولن تكون مبزيد من

مقدمة وأساسا ،اعظ والعواطف اردة، إا لن تكون إال بإصالح مناهج الفكراملو وإىل إعادة ، وإىل إصالح أنظمة اجتماع األمة،وسبيال إىل إصالح مناهج التربية

. وامتالك ناصية املعرفة والقدرة واألداء،بناء طاقات النفوس

ع هذا الكتاب، تشخيص الداء ومعرفة الدواء ومنطلقات اإلصالح هو موضووفحوى هذا احلوار، وهو مادة لكل مفكر ومثقف خملص، يقصد إىل احلق

مهما كان اختالف الرأي، فبإخالص القصد وموضوعية النقد ينضج ،واحلقيقة

لياليها

لرهبة

Page 17: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

17

.الرأي لتتحد الغاية وتتكامل الرؤية وتتضافر الوسيلة

:حتت أنقاض اجلدار

حماضرات وأحباث هو يف أصله جمموعة ،كما سبق أن ذكرتهذا الكتاب، لعل يف الرجوع وقدمها الكاتب، بدأ مشوارها وهو طالب على مقاعد الدراسة،

يف خطة إمجال القضية اإىل أصوهلا الكاملة ألوانا من التفصيل والتوضيح ال مكان هلكتاب ذا الهلة دوكنت قد بدأت ضم هذه األحباث واحملاضرات يف مسو. يف كتاب

حني انتقلت متفرغا للعمل مديرا عاما للمعهد العاملي للفكر اإلسالمي يف أمريكا ،عامنيب فيه العملأيتوبسبب االنشغال بأعمال املعهد، م، 1984/ه1404عام

كلها ،ا يف قضايا الكتاب يف عدد من البلدان وعلى منابر كثريةمحاضرت خالهلاب أخذ كثري من الكت وأمهيتها، بل أكدت يل صحة فرضيات القضية املطروحة

وقد أخرت نشر . بالتعاون مع املعهد يف طرق جوانب هذه القضية وتعميق جوانبهاجل قضاياه، وتزول العوامل ، من خالل احملاضرة واملدارسة،هضمالكتاب حىت ت

.ف عن لب قضاياهصرنالنفسية اجلانبية فال ت

وطرح قضاياه متكاملة على مثقفي ،واليوم وقد صح العزم على نشر الكتاب وما يتعلق ، للتعاون على تعميق أبعادها واالنطالق إىل تطبيقاا،األمة ومفكريها

ويلحق ا من القضايا واجلهود واإلجنازات العلمية والعملية املطلوبة، كان ال بد . الكتاب منها ومعرفة موقع قضية،مام األحداث القائمةمن وقفة أخرية أ

ال أقصد ذه األحداث أحداث اخلالفات واملعارك واملآسي العربية واإلسالمية، ليس أقلها ،تتواىل لقرون كثرية خلتما فتئت إال تكرارا ألحداث ذلكلن يكون ف

.دس وأرض فلسطني أو جراح األمة يف صحن الق،ضياع األمة يف األندلس

تية يف يإنما األحداث اليت أقصدها هي ايار اإلمرباطورية املاركسية السوفي واستفحال الشروخ يف بنائه السياسي ، وزلزلة كيان النظام السوفيييت،شرق أوروبا

صدر ويهذا الكتاب

ن

لك

سبب االنشغال بأعمال املعهد

يف الكتاب

هذا

يس

Page 18: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

18

.واالقتصادي واالجتماعي

ور بالنسبة لألمة اإلسالمية وقضيتها احلضارية من املنظ،وأمهية هذه األحداث اليار اإلمرباطورية اليت سعت ، ليست أمهية سياسية،املطروح يف هذا الكتاب من براثن السطوة الغربية، ولكن ، دون عظيم جدوى،بعض دوهلم لالحتماء ا .أمهيتها هي فكرية حضارية

أن نذكر أن جوهر احلركة املاركسية هو أا حركة إصالحية غربية من املهم واالجتماع الغريب، وأن ماركس هو أحد كبار فالسفة الغرب وأئمة يف الفكر

فكره احلديث وقادة حركاته اإلصالحية، ال يغري من طبيعة ذلك احلرب اإلعالمية اليت قامت بني دول الغرب وبني دول الثورة املاركسية يف روسيا وشرق أوروبا

اليونان وسواها، واليت يف إيطاليا وفرنسا و،واألحزاب املاركسية يف غرب أوروبااس حبسب احلركة املاركسية حركة دخيلة ومعادية للفكر جعلت كثريا من الن

.واحلضارة األوروبية والغربية

إن جوهر احلركة املاركسية هو تنقية منطلقات الفكر واحلضارة األوروبية .الغربية احلديثة، والبلوغ ا إىل نتائجها املطلقة املنطقية

، اليت قامت استجابة وتأثرا باحلضارة اإلسالمية،األوروبية الغربيةفاحلضارة ، كما كانت عليه يف القرون الوسطى،وجدت يف بدايات انطالقها أن املسيحية

غارقة يف االحنراف والفساد واخلرافة، وليس فيها سند فكري حقيقي للتصحيح ين طقوسه وتقاليده يف واإلصالح، فاختذت العقل مرجعا واملادة غاية، وأبقت للد

وحتركت عجالت . بعيدا عن تصريف احلياة االجتماعية وتوجيهها،حرم الكنائسا مب مبا أمدها العقل من طاقة النظر يف جوانب احلياة ووسائلها، و،احلضارة الغربية

.بقي هلا من طاقة روحية أخالقية متضائلة تنبعث من ردهات الكنائس اإلصالحية فراغا روحيا وخلال اجتماعيا ملموسا، ت من التلفيق ترك احلالهولكن هذ

نعلم و

Page 19: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

19

تتفاقم مبضي الوقت، وكان الفكر احلضاري األورويب يبحث عن اكانت آثارمهن الثورة الفرنسية ورجاالا ومفكريها حاولوا تأليه العقل وبناء معابد إ حىت ،خمرج

.لتقديسهحلركات للتخلص من وجاء الفكر املاركسي ليكون أرقى وأوضح هذه ا

ليس لديهالتلفيق، والبلوغ بأسس احلضارة الغربية إىل غاية مداها، وأصبح الوجودومل . إال مادة، وترك اإلنسان لنفسه ومصريه، وأعلن الكفر واإلحلاد ونبذ األديان

يعد يف خطة ماركس وفكره اإلصالحي مكان للروح أو الوحي يف توجيه اإلنسان . واألخالقية يف احلياةوغايته الروحية

القارات عربوقامت التجربة البلشفية املاركسية على هذه األسس، وامتدت يف أعقاب حرا الالأخالقية اآلمثة -على مدى العديد من العقود، وانتهت التجربة

يف أزمة سياسية واجتماعية وأخالقية واقتصادية حادة، ، بالفشل- يف أفغانستان .ت أا أهل لتحقيقه والتصدي له وسعت وظن،امت من أجلهعكس ما قعلى

االنتصار، وحاول بنحقيقظنالوقرعت طبول اإلعالم الغريب بنشوة الشماتة و حلساب ،هذا االيار والفشل للنظام املاركسيمن كاسب امل أن يدعي هذا اإلعالم

ق هذا ذ ذا العرض ويصدكاد كثري من الناس أن يؤخو. الغرب ونظامه الرأمسايل .االدعاء

حىت ال تز الصورة احلقيقية للواقع العاملي واحلضاري -أن نعلم من املهم أنه يف - على فراغ القبضة وخيبة األمل، أو بعد عقود،نصحو بعد سنني ، مثأمامنا

االقتصادية والروحية ة األزمةوطأ حتت ينهار فيه النظام املاركسي كانالوقت الذير بأزمة اقتصادية وأخالقية حادة كانت دول الغرب، وما تزال، مت ؛واالجتماعية

هدد كيان جمتمعاحىت ليكاد القلق النفسي وفقدان األمن االجتماعي خيلع ات ، .قلوب أبناء هذه اتمعات

اإلنسان الغريب ا تركدوق ، وانعدام هداية الوحي،ن ضعف البعد الروحيكا

حياول

رض

ن نعلم

نهار

نا

ن الغرب ودوله ي

ذي

Page 20: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

20

أصل امه ، احملدود البشري نفسه وعقله وإدراكهبني يديمادة رخيصة مهال مطلقا داء احلضارة الغربية املعاصرة يف الغرب والشرق، وكلما بالغت احلضارة الغربية يف

، دوا إىل العقل واملادة والركون ،إذابة ما بقي هلا من بقايا نفحات الروح والرسالة . حاهلا أسوأ وأزمتها أشدكانت

إن ايار التجربة املاركسية اإلصالحية الفاسدة الفاشلة يترك احلضارة الغربية .ويرتد ا إىل نقطة الصفر وخيبة األمل، وأسسها يف أزمة أشد وإشكال أكرب

يولوجية فكرية إصالحية من املهم أيضا أن نفرق بني املاركسية كحركة أيد وبني مفهوم تدخل الدولة يف إدارة االقتصاد واخلروج ،غربية فشلت يف مهمتها

.رةتسبنتيجة مب

وإن . إن تدخل الدولة واتمع يف كل األحوال واملراحل وااالت أمر خاطئه قوت واحد منهم إالترك األفراد على عنام دون رقيب وال مرشد، ال حيد كل

. أمر خاطئ أيضا، حسب قواعد العرض والطلب،وقدرته

هلذا املفهوم طوال ،ظل السيطرة الغربية، يف لقد خضعت دول آسيا وإفريقيا وأمست ال يقاس عليها ، حاهلا سوءاتازداد، بل ةقرون، فبقيت على حاهلا السيئ

).لتكنولوجيةا(حال روسيا والدول التابعة الحتادها يف قدرا الصناعية و

إذا كان من درس من هذه األزمة فهو ما يدعو إليه اإلسالم من توازن دور اال لألفراد للمبادرة يفسححبيث الفرد ودور اجلماعة يف جوانب احلياة كافة،

إصالحية، أداء حلق احلياة واإلعمار وخالفة األرض، خيرة بغاية،والعمل والبذل وضمان ، ومحاية حق احملروم، على اجلماعة رعاية الضعيفويف الوقت نفسه فإن

.روح اإلخاء والتكافل يف اتمع يف مرحلة التخلف الصناعي الذي ، من خالل تدخل الدولة،لقد جنحت روسيا

كلما كان

ىل

دة رخيصة مهال

ت

حتت

يها

Page 21: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

21

يف أن تبين متطلبات الصناعة والتقنية، ولكن ،كانت تعيشه يف القرن التاسع عشر وأخر ،د إىل أبعد من احلاجة إليه، وجعل الثمن غاليامبفهوم مجاعي مشويل مبالغ فيه امت

االنفالت من القبضة اجلماعية إلعطاء دوافع الفرد ومبادراته علىقدرة تلك البالد .حقها ونصيبها يف العمل والسعي، حىت اار النظام حتت وطأة االستبداد والبريوقراطية

احلضارة احلديثة ما زالت رس احلقيقي يف هذه األحداث هو أن أزمةإن الدأعراضها ما زالت تستشري، وأن احلاجة إىل اإلنقاذ والعالج هي اآلن تتفاقم، و

ق لأشد، وأن علينا أن نضاعف اجلهد لتجلية رسالة اإلسالم بكل توازناا، من منط وتكامل مصادر املعرفة يف الوحي والعقل ، وغاية اخلالفة يف األرض،التوحيد

فظ التوازن يف مكونات اإلنسان الروحية واألخالقية واملادية، ويف والفطرة، وح وحنسن إىل ، ونستنقذ املسلمني،دور الفرد واجلماعة، وذا نؤدي حق اإلسالم .اإلنسانية، ونرسي دعائم احلضارة اإلصالحية اخلرية

ه هو إىل الفكر القادر الصحيح الذي وأصل البداية يف مثل هذا األمر ومرد دون تعارض أو تناقض ،ة الروحية واألخالقية الصحيحةديل مع الرؤية العقيتكام

فكل حضارة وكل إصالح يف التاريخ ال يقوم إال على عقيدة ورؤية . أو اضطراب .حضارية فعالة تستند إىل عقل وفكر حي نير ومنهج متوازن سديد

.»ال وارزقنا اجتنابه، وأرنا الباطل باطاتباعهاللهم أرنا احلق حقا وارزقنا «

والسداد إنه مسيع جميب ننسأله سبحانه وتعاىل اهلداية والرشاد والتوفيق والعو .الدعاء

عبد احلميد أمحد أبو سليمان. د. أ ماليزيا– كواالملبور

م1991/ه1412

Page 22: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

22

Page 23: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

23

الفصل األول

األصالة اإلسالمية المعاصرة هي الحل

Page 24: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

24

األصالة اإلسالمية املعاصرة هي احلل النهضة يف منطلق األصالة : منطق احلل-أوال

Page 25: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

25

ليه من إن الباحث يف أحوال األمة اإلسالمية ال يصعب عليه تبني ما هي عختلف حضاري، وهوان سياسي، ومعاناة إنسانية، رغم كل ما تتمتع به من

.إمكانات بشرية ومادية وما متتلكه من قيم ومبادئ سامية

هذا هو لب األزمة اليت تعيشها األمة اإلسالمية يف خمتلف بقاعها وعلى امتداد ري اإلسالمي ائه الذي ما زال يؤرق الضموجودها، هذا الوجود املتخلف الت

.املعاصر

خلف والضعف ودواعي التهيستلزم فهم أسبابومعاجلة القصور يف كيان األمة وذلك ، إىل ديد وجودها، ألول مرة يف تارخيها،مة اإلسالميةاليت بلغت باأل

بسبب التحدي احلضاري الغريب الذي تواجهه يف صميم حياا، وأمناط فكرها .سااومؤس

ولفهم أسباب القصور وجذور التدهور احلضاري الذي تعاين منه األمة يف هذا يف كيان األمة وخطوط مسارها ال بد لنا من نظرة مشولية حتليلية عميقة؛العصر

.الذي بلغ ا دركا مازالت تتهاوى يف أعماقه حىت اليوم

حىت ،ح وتتدهور قرون طويلة وهي تترن األمة اإلسالميةلقد مضت على حتت - إال مناطق حمدودة قاحلة وعرة نائية يف العمق اإلسالمي -وقعت كلها

أن أمة اإلسالم والدول األوروبية، واألشد من ذلك أملا ومرارةسيطرة االستعمار مازالت حىت اليوم متثل مناطق نفوذ وأسواقا لإلنتاج الصناعي األجنيب، ومصدرا رخيصا للمواد األولية واأليدي العاملة غري الفنية، وأمست كلها ميدان صراع بني

ة إىل القاعدة العلمية ن إطعام نفسها، مفتقرع عاجزة ،القوى العامليةسات الفنية املتطورة وكل ، وإىل الصناعات واخلربات واملؤس)التكنولوجية(و

.مقومات القوة الذاتية

قد ال وإذا أردنا أن نتتبع أسباب هذا الضعف والتدهور وجذوره يف تارخينا ف

ولذلك كان من . ذي ميثل ضمري أمة بناءة رائدةالمية أن تتطلع إىل النهضة واإلصالح والتجديد

حتقيق شروط العالج والنجاح

قصور

أنال شك

د مضت عليها

عوامل الضعف والتدهور وااليار

Page 26: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

26

تدهورها تتراكم كثريا من الدول يف بدايةتبدو ظاهرة للعيان يف بدايتها، بل إن ثرواا ومظاهر رفاهيتها نتيجة لسابق تقدمها وتطورها، وذلك هو حال األمة

ل، حيث نلمس مظاهر الثروة والغىن والعدد اإلسالمية بعد عصر الصدر األوواملباين واألروقة، ولكنا نلمس التدهور وانكماش املد اإلسالمي وتفشي مظاهر

فاع، ويف جناح لفساد واالحنراف، ويف حتول األمة من موقف اهلجوم إىل الدا . واجتياحها يف بغداد والقدس وقرطبة وغريها،التعدي عليها

التفرقة بني األسباب املرضية، لفهم أسباب ضعفنا وتدهورنا،كذلك من املهم ؛دعاءات املنحرفةلفرق واملذهبيات واال فنشوء ا.وبني مضاعفات هذه األسباب

مثل ذلك القرامطة والنصريية والدرزية وسواها يف املاضي، وليس أمرا جديدا، .والبهائية واألمحدية والقاديانية ودعاوى الشعوبية واإلحلاد يف العصر احلديث

- كحقيقة تارخيية -إن هذه كلها مظاهر ألمراض وآفات أساسية نشأت أمام حتديات إمرباطوريات الفرس ، انتهى ا األمرب يف كيان األمة حنيوبدأت تد - اليت كانت حديثة عهد باإلسالم - إىل تسلم جنود قبائل البادية العربية ،والروم

وتولد ، لتضرب بعقليتها القبلية يف أساس كياا،زمام القوة واجليش يف الدولةك على دولة اخلالفة الراشدة يف املدينة املنورة الفتنة الكربى، ولتقضي بعد ذل

ذات نعرات قبلية وعرقية، وخليط دولا من بعدهخلفهاعاصمة الدولة النبوية، ولت مهما بلغ ،من توجهات إسالمية وجاهلية ال جمال ملقارنتها بدولة اخلالفة الراشدة

وقل أن ثبت ،ايات عهدهابنا التسليم اجلديل مبا نسب إىل اخلالفة الراشدة يف .ر العلمي احملقق السليمظمنها شيء أمام الن

أدركنا ؛إذا أدركنا يف اية هذه املسرية عمق اهلوة اليت بلغتها األمة اليوم نفسها من أن تستنقذألمةإذا كان ل، وآنيتهخطورة احلال وجدية اجلهد املطلوب

. تتواىل على أقطارها ورقاب رجاهلاالتدهور واملآسي والكوارث اليت

واملعاناة يف حاضر األمة اإلسالمية أمرا موضوعيا وإذا كان الضعف والتدهور

Formatted: Highlight

عصر

ألساسية للضعف والتدهور

ف

اضطرت

د

ش

ستنقذ ا

العجز

Page 27: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

27

ملموسا، وهو موضع اتفاق املخلصني والعقالء، فال شك أن منطلقات اخلروج من ت على نفس القدر من ليس،هذه األزمة العميقة املستعصية، وما تتطلبه من وسائل

.الوضوح واالتفاق

مضاعفات األزمة واملرض يف جسد األمة تتمثل جند أن بل إن األدهى واألمريف ذيوع املذهبيات الشعوبية والعنصرية والقومية واإلحلادية والفوضوية واإلباحية

هلا بعض أدعياء يشجع عليها ويدعوو يف كل ركن أمساع األمة، صماملعاصرة اليت ت اإلصالح، ويروجون هلا وهلم بكل األسباب واحليل والضغوط واحلبائل، ويقدموا

رغم آثارها الوخيمة على األمة يف ،على أا مظاهر للصحة ومنطلقات للتقدمداء عتعميق جراحاا، ومتكني أسباب املعاناة والضعف فيها، ومتكني الداء واأل

.منها

ما هو املنطلق الصحيح للخروج من األزمة؟ واجلواب : ليوم اوالسؤال امللح إمنا يبدأ من حتديد ومتحيص املنطلقات والبدائل املعروضة - فيما أرى -الصحيح

: هي تنحصر يف توجهات رئيسية ثالثةهيويف مواجهة حركة األمة أوال،

وهو ميثل جمموعة : »باحلل األجنيب«منطلق التقليد األجنيب أو ما نسميه : أوال الفردية :احللول املستوردة جوهريا من التجربة الغربية املادية احلديثة بكل أشكاهلا

).الرأمسالية واملاركسية(والشمولية والعلمانية واإلحلادية

وهو : »حلل التقليدي التارخيي اإلسالميا«منطلق التقليد التارخيي أو : ثانياميثل جمموعة احللول املنقولة جوهريا من بطون التاريخ، مع إلغاء األبعاد الزمانية

.واملكانية وآثارها

وهو : »باحلل اإلسالمي املعاصر«منطلق األصالة اإلسالمية أو ما نسميه : ثالثا .الميق إسلمبواجهة حتديات العصر من منطتم ي

أن تأخذ نفسها ، إذا أرادت استعادة طاقتها وصحتها،وعلى األمة وقياداا

ذه املواقع ومن

ل احلل

ن

دها مما

هذه املنطلقات والبدائل املعاصرة واملعروضة أمام

أساسهايف

Page 28: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

28

:بأربعة أمور .حتديد املنطلق الصحيح للحل: األول .القناعة الكاملة به: الثاين .السري خبطى ثابتة باجتاهه وعلى هدى منه: الثالث . مة عليهتوفري الوسائل العملية الفعالة لتحقيقه وتربية األ: الرابع

كثريا ما يكون بالتوجه املباشر حنو وطلب املفكر أو الكاتب أو القيادي للحلسط جوانبه لكسب القناعة به، دون االلتفات إىل بما يعتقد أنه احلل الصحيح، وب ومثل . لبيان فسادها أو تفنيدها، أو األقل فاعلية،احللول أو البدائل األخرى اخلاطئة

هذا األسلوب قد يبقي بعض مجهور األمة وقطاعاا مشدودا إىل احللول األخرى، وبني احلل املطروح تلك احللول وجيعل إجراء املقارنة الصحيحة بني،ج هلاوما يرو

. صعبة جدا؛على أنه احلل الصحيح

لوب الذي يتعرض أن األسلوب األكثر فاعلية واألوىل باالتباع هو األسويف ظين وبيان األسباب اجلوهرية خلطئها واستبعادها، كما يعرض ،للحلول والبدائل األخرى

.للحل الصحيح واألسباب الداعية لألخذ به والقناعة مبقتضياته

وسأختار يف هذا الكتاب األسلوب األخري ألنين أعتقد أنه األجنع يف حال أمتنا يبلبل خواطرها ويشتت مسريا، ،يف مركز اليت تتعرض لغزو فكري ثقا؛اإلسالمية

فهي يف أشد احلاجة إىل معرفة األسباب اليت جعلت احللول واملنطلقات اخلاطئة ال وبنجاح ، تسري خبطى ثابتة باجتاه احلل الصحيح واملنطلق الصائبحىتتؤيت مثارها، .إن شاء اهللا

: احلل األجنيب الدخيل-1

مازال مسيطرا على مقدرات اإلصالح وإعادة التنظيم االجتماعي هذا املنطلق

واملنطلق الصحيح لألمة

كاتب

من مث

الذيهو املنطلق

Page 29: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

29

وعلى توجهات حركة األمة اإلسالمية منذ أكثر من ،على ساحة العامل اإلسالمياته، وتفوق قو،ت الدولة العثمانية هجمة العامل األورويب الغريبينقرنني، من حني تب

.ام الغريب وإجنازاتهوتراجع طاقتها ونظامها أمام حتديات النظ

، منذ القرن الثامن عشر ميالدي،لذلك أخذت الدولة العثمانية بقوة وعزم واعتربت ذلك التقليد ،وعلى يد السلطان سليم الثالث، بتقليد األجنيب األورويب

.سبيلها الوحيد إىل القوة وإعادة البناءإىل نقل املعرفة وبدأت دورة الفراغ والضياع يف رحى التقليد األجنيب سعيا ل مدرسة للهندسة واخلربة والعلوم الفنية والتقنية األجنبية، وقامت الدولة ببناء أو

والعلوم، وأول مدرسة عسكرية حديثة لتدريب وتكوين قوات على النمط وبلغ من تصميم العثمانيني على إنفاذ خطتهم واستعادة قدرم .األورويب

راق الفرق العسكرية العثمانية التقليدية ومكانتهم أم قاموا بذبح وإحيف ثكناا حينما عارضت خطة التحديث وتكوين الفرق العسكرية » االنكشارية«

.)1(اجلديدة على النمط األورويب أن تلك اخلطة يف التقليد وذلك ، كحقيقة من حقائق التاريخ،ومن املعلوم

ونقل املعرفة هة التحدياألسلوب يف احملاكاة مل يفلحا يف حتقيق القوة ومواجواستنباا يف كيان األمة، إذ استمر تقهقر القوة العثمانية أمام أوروبا واستمر منو

.القوة األوروبية

التقليد ألوروبا، وقامت بإرسال مث كان أن أخذت الدولة العثمانية مبزيد منلقا جديدا يف ف ثقافة غربية ليضيف منطالبعثات الدراسية، وعاد التركي املثق

وهو ضرورة اإلصالحات السياسية واالجتماعية على النمط األورويب،التقليد

: ارجع إىل كتاب؛ بشأن اجلهود واحملاوالت التركية للتغريب والتحديث)1(

Gobb. H.A.R. and Eowen, Harold, Islamic Society and the West (U.K. Oxford University Press, 1975), Vol. One, Part II, P.P. 159 -61

خطة

Page 30: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

30

لتوفري البيئة الفكرية واالجتماعية لإلصالحات العلمية واإلدارية والعسكرية، إذ شاء ومتخض ذلك الفكر ،العثمانيون لتلك األدوات النجاح يف إعادة بناء اإلمرباطورية

جت و ت؛التغيريات واإلصالحات االجتماعية والسياسية الليرباليةعن عدد كبري من .يف النصف األخري من القرن التاسع عشر امليالدي مبا عرف بدستور مدحت باشا

أن ذلك اهود مل يكن أسعد ، كحقيقة من حقائق التاريخ أيضا،ومن املعلومحلميد الثاين على حظا من سابقه من خطوات إصالحية، مما شجع السلطان عبد ا

يف حماولة فاشلة أخرية الستنقاذ ،ر يف إدارة شؤون الدولة بيدهوأخذ مقاليد األم . بتقريب العلماء واملناداة باجلامعة اإلسالمية،النمط التارخيي لنظام الدولة العثمانية

ولكن حركة اإلصالح من منطلق تقليد األجنيب تغلبت وتقدمت لتضيف بعدا ، على غرار احلركات األوروبية،أمهية النعرة والعصبية القومية وهو ،جديدا

.كمحرك لطاقات القوة والبناء يف األمة

ونادى األتراك وقادة اإلصالح والتقليد األورويب يف الدولة العثمانية بأمهية ، أي مفهوم األمة، »الطورانية«القومية، فابتدع األتراك ألنفسهم ما مسوه بالقومية

غرب آسيا التركية اليت تضم الشعوب الناطقة بالتركية كافة على امتداد والقوميةوانفردت باحلكم يف اية القرن ) اإلصالحية التحديثية( وقويت احلركة .ووسطها

من التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسيطرت على الدولة العثمانية سيطرة تامة بالسلطان عبد احلميد الثاين يف النهاية مث أطاحت ،» والترقيحزب االحتاد «خالل .سقط نظام حكمهو

وانتهت تلك احملاولة خبروج األتراك والدولة العثمانية من آخر حروا زمية جنم عنها احتالل قلب أرض ومنكرة مل يسبق هلا مثيل يف تاريخ العثمانيني،

،عدة قرونعلى مدى تابعيهم روم أحقلذين كانوا يعد أولئك اعلى يداألناضول .وهم اليونان

اسم

شعوب التركية يف

احته عن احلكم

ن

ب

Page 31: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

31

استمرت ، بلورغم ذلك فإن حماوالت اإلصالح من منطلق أجنيب مل تتوقف وذلك بالقضاء على اخلالفة العثمانية على يد مؤسس ،إىل آماد أبعد وأمشل

فاقه العسكريني الذين ور) أتاتورك(مصطفى كمال ) اجلنرال(اجلمهورية التركية تبنوا تقليد األجنيب إىل أبعد مدى، وقاموا بالتغيري الكامل الشامل وفقا للنموذج

مفهوم وااألورويب، وأوا دور اإلسالم والثقافة اإلسالمية يف بناء اتمع وتبنت الدين اإلسالمي عن الدولة والنظم والعالقاوافصلف ،العلمانية األورويب املسيحي

وبذلك ألغوا مجيع التشريعات اإلسالمية . االجتماعية كافة، وبشكل عنيف وغاشم وأقاموا مكاا دفعة واحدة قانون دولة من أرقى دول أوروبا ،واألنظمة العثمانيةوا حمله احلرف الالتيين حىت ال يكون كما ألغوا احلرف العريب وأحل. وهي سويسرا

ري على األجيال الناشئة، وألزموا الشعب بارتداء للثقافة اإلسالمية جمال يف التأثحىت األذان وأجربوا النساء على رفع احلجاب وكشف الرؤوس، ،املالبس األوروبية

ألزموا من يصر على أدائها أن يفعل ذلك األخرىوالشعائر التعبدية اإلسالمية . وحدهاباللغة التركية

الدولة كثريا من مفاهيم تدخل الدولة يف إال وقد تبنتومل ينته حكم أتاتورك على املؤسسات املالية استولتتسيري وتوجيه املؤسسات االجتماعية واالقتصادية، و

.واالقتصادية اهلامة كالبنوك وشركات التأمنييت ال كثري من الدول اإلسالمية مثلمثلها – األمة التركية بعد كل ذلك لكنو

رغم أا مرت بل استمرت يف التدهور، مل تتحسن أحواهلا- هاجرت على سنن والتقنية العسكرية وبناء ، يف نقل العلوم الطبيعية:ألجنيبل التقليد بكل مراحل

وترمجة الثقافة ،القوات املسلحة، وحتديث اإلدارة العامة، وتبين املفاهيم الليرباليةالسياسية والدستورية، وتبين مفهوم الوطنية والقومية، ) التغيريات(ل الغربية، وإدخا

واألخذ مبفهوم العلمانية والالدينية، وتبين القوانني واألنظمة األوروبية، وتطوير كل كان.مؤسسة الدولة للسيطرة على املؤسسات االجتماعية واالقتصادية واملالية

لكنها

تتبىنل أن

تستويل

ن املعلوم أن

ن بعد

و

حلول

Page 32: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

32

انتهت حىت د من ضعف تركيا واحنطاطها، زياملما أنتجه هذا التقليد واحملاكاة هو -عصمت إينونو ) اجلنرال(إىل الوقوع يف القبضة الكاملة للنفوذ الغريب، واضطر

،ورفيق مسريته، نتيجة فشل تلك السياسات) أتاتورك(خليفة مصطفى كمال حزب ( أن يلغي قبضة حكم احلزب الواحد - وخضوعا للنفوذ الغريب املتعاظم

سيطرة الدولة واحلزب على مجيع مقدرات تركيا، وأن يعود إىل دورة و) اجلمهوريةجديدة مكررة من الليربالية السياسية، وأن جيري انتخابات جديدة انتهت بفوز

.بقيادة عدنان مندريس) احلزب الدميقراطي(احلزب اجلديد املنافس

ا أو مكانتهومل تنقذ كل تلك احملاوالت تركيا، ومل تة عد إليها قوا، رغم جدي ورغم امتداده ،مأخذها ملنطلق حل التقليد األجنيب على أمشل صورة وأوسع نطاق

مان، حيث انتهى األمر إىل حال من التدهور واالضطراب ألكثر من قرنني من الزيف ) م1961/ه1381عام (وعدم االستقرار، إىل أن علق مندريس على حبل املشنقة

ت اجليش التركي وسيطرته على احلكم تشنجا أول حلقة من مسلسل انقالباشد األ، بل ) الرجل املريض(حباطا، وبقيت تركيا على حاهلا إواستبدادا ويأسا و

.مرضا واملترنح بعيدا عن مؤخرة الركب الغريب دون أمل يف شفاء أو عالج

أوائل مصر النظر يف التجربة العربية املصرية منذ عهد حممد علي يفنعمناولو أ وكل ما تالها من ،، وحىت اليوم)الثالث عشر اهلجري(القرن الثامن عشر امليالدي

جتارب يف البالد العربية واإلسالمية يف آسيا وإفريقيا، ملا وجدنا فيها جديدا يضاف .إىل التجربة التركية وآثارها الوخيمة

مع جتربة التقليد األجنيب -وما يزال العامل اإلسالمي على مر هذه القرون مريضا ممزقا متدهورا يف صورته العامة، وما تزال اهلوة احلضارية بينه - الدخيل

.وبني بالد العامل املتقدمة تزداد عمقا واتساعا لغري مصلحته

وسر فشل منطلق التقليد األجنيب الدخيل ليس أمرا يصعب فهمه أو تبين

عنا

ذ مطلع

Page 33: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

33

إنساين حي هي أشد تكوينلفهم واإلدراك، فاألمم كأسبابه املوضوعية ملن أراد ا والتغلب على ،نهوض ويف صعوبة دفعها وحتريكها لل،هابنائتعقيدا من األفراد يف

. فيهامكامن الداء

وهلا دوافعها ونفسيتها ، يف قيمها وعقائدها ومفاهيمها،فلكل أمة تكوينهاا يف ذلك شأن مكوناا من بين اإلنسان، فإذا مل يتم التعامل معها وتارخيها، شأ

فإن من الصعب ، ومن خالل تلك املكونات والدوافع،بفهم تلك اجلوانب . أو حتريك مكامن القوة والكفاح والبناء فيها،حتريكها

فما حيرك كائنا إنسانيا قد ال حيرك كائنا إنسانيا آخر، وكذلك احلال بالنسبة من البشر قد ال حيرك أمة أخرى، ولكل أمة دوافعها لألمم، فما حيرك أمة

واالندفاع حنو هامن اخلطأ جتاهلاليت وأولوياا اليت تتحرك على أساس منها، والتقليد األعمى يف خطط العمل واإلصالح، دون إدراك واع مبصر خلصوصيتها وملا

وإال فإن مصري األمة اإلسالمية يف من ميزات وفروقات، األخرىبني األممبينها و .مقبل أيامها لن يكون خريا مما مضى على مدى قرون احملاكاة والتقليد

:مناذج وأمثلة من الواقع

ومن األمثلة املبسطة على ما نقوله هو أثر املؤسسة البنكية الغربية حني تبناها حني نشأت يف أرضها ابت استج فهذه املؤسسة الغربية .املسلمون تقليدا وحماكاة

عندما مت ذاا املؤسسة حلاجات ووظائف اقتصادية وجتارية يف بالد الغرب، ولكننقلها إىل األرض اإلسالمية على صورا الغربية فإن آثارها على البيئة اجلديدة

من كانت سلبية، وأثارت- الختالف العقائد والقيم -وعلى بنية األمة اإلسالمية التمزق والصراعات والسلبيات ما كان له أسوأ األثر يف كيان األمة ويف تبديد

ها، وسهلت يف تغلغل السيطرة األجنبية على تطاقتها وكبح دوافعها وإمخاد محاس . أن تكون عونا هلا على البناء والتنمية االقتصادية منمقدراا بدال

ائن

كوين

ء

وافعها وأولوياا

ستجابت

ات

Page 34: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

34

مع خدمة اتمعات اإلسالمية إن سبب فشل املؤسسة البنكية الغربية يف يف اتمعات جاءت جناحها يف اتمعات الغربية يكمن إىل حد كبري يف أا

ملنطلقات تغاير منطلقات اإلسالم وقيمه يف اال االقتصادي، ااإلسالمية تطبيق إما الغىن :نيمرفوض ني صعبينأمام خيارفوضعت اإلنسان املسلم واألمة املسلمة

والقدرة االقتصادية يف الدنيا، ولكن على أسس وقيم غري إسالمية بالتعامل الربوي ، وإما عناء وعجز يف الدار اآلخرةتعاسة وشقاء وعذاب فاملصري من مثمع البنوك، و

يعته برفض التعامل مع املؤسسة وفقر يف الدنيا إذا كان االلتزام بقيم اإلسالم وشر .البنكية الربوية

وأجر ،إن الضمري املسلم إمنا يبحث عن سعي وإعمار وحسنة يف هذه الدنياوفالح ونعيم يف الدار اآلخرة، وال جمال يف بنية هذا الضمري لتقبل االزدواجية

وما هو ، هو خري وصواب وإعمار يف هذه الدنياتعارض بني ماالعتراف بأي وا .خري وصواب وإعمار يف الدار اآلخرة

صيغ بني حماوالتوتأيت مؤسسات البنوك اإلسالمية اليوم كمحاولة جزئية احلل اإلسالمي البديل الذي يعطي األمل يف إمكانية حتقيق احلاجات اإلسالمية

وبصيغة تتجاوب مع نفسية املسلم ،القتصادية ومنها اخلدمات املالية وا،املعاصرة .وفكره وفؤاده

:األمة واحلل املستورد

إن احلل األجنيب الدخيل هو على وجه التشبيه حل مسرحي جيعل األمة يف ، فهو ملهاة ومتثيل ال خشبته ال دور هلما فيما جيري على :مقام النظارة يف املسرح

، وكل ما عليها هو أن تقف منه موقف التفاعل يعكس شيئا حقيقيا يف كيااالسليب بالصراخ واهلتاف كلما دعت احلبكة املسرحية إىل شيء من االنفعال،

نقول

اال االقتصادي

تايل

تعاسة وشقاء وعذابخلالدة

قابل أمل النعيم والفالح يف الدار اآلخرة

سرح

Page 35: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

35

ولكن ذلك ال يعين يف احلقيقة أي دور لألمة فيما جيري على خشبة املسرح بني املمثلني من القيادات السياسية واالجتماعية، ولذلك كلما انتهت مسرحية، وكلما

وتنصرف إىل ما كانت فيه ، وكلما انتهى دور، ينفض مجيع األمة،سقط زعيمكأن مل يعكر صفوها أمر، لتبدأ مسرحية جديدة، وملهاة جديدة، وزعامة جديدة،

.ودورة حلول تقليدية وأجنبية جديدة

؛إن الفرق بني فكر األمم املتقدمة وزعاماا وأنظمتها يف أرضها ويف منابعها أن لألمم املتقدمة فكرا وأنظمة ،ألمم املتخلفة وزعاماا وأنظمتهاوبني فكر ا

وحلوال وزعامات حقيقية تنبع من كيان األمة ونفسيتها وقيمها وحاجاا، ومتثل مواصلة يف و،فكرا وسياسات وتعليمات جتعل من القادة واألمة فرق عمل للبناء

.ياة تلك األممحلمسرية هادفة

فهم اجلذري هو الذي يقدم لنا تفسريا صحيحا ملا نسميه مهزلة إن هذا الالساسة والسياسة يف العامل اإلسالمي خاصة، أو ما يعرف بالعامل املتخلف عامة،

، وما )املتقدمة(واختالفها عن طبيعة السياسة واحلكم واإلدارة عند األمم القادرة وتتعامل ، وحركة تنبع من الواقعتعكسه من عالقة تفاعل وأداء ميثل جمتمعا وعمال

. وتؤثر فيه وتتأثر به،معه

إن املطلوب منا هو فهم البعد الفكري والثقايف يف احللول األجنبية املستوردة جنلب مزيدا من وحىت ال يضيع منا مزيد من الوقت يف التقليد والتبعية واحملاكاة

.املعاناة واألمل واحلسرات ألنفسنا وألمتناليس من اإلنصاف وال من العدل حبق أمتنا استمرار قياداتنا الفكرية

باجتاه الطريق املسدود ،العلمانية املستغربةو القومية واملاركسية ،والسياسيةن لسان إ. بعد مئات السنني اليت ضاعت يف احملاوالت الفاشلة،واحللقات املفرغة

بة ونكسة وكارثة تفوق ما بعد كل فشل وخي،حاهلم وحال فكرهم وأجهزموداوين باليت كانت هي ( هو قول الشاعر الالهي ،سبقها من خيبات وكوارث

كي ال

وأ

Page 36: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

36

،أي أن حال فكر القيادات العلمانية املستغربة يف العامل اإلسالمي بأنواعها) الداء إمنا ميثل فكرا جزئيا ليس له دليل مشويل مستقل والعلمانية،القومية واملاركسية

امن محأة الدوائر املفرغة والطرق املسدودة اليت أوقعهم فيها توجهينتشلها م .الفكرية همومصادر

أن يأخذوا ، والقيادات املسلمة الناضجة اجلادة،إن على املفكرين املسلمني مهما بدا يف بدايته شاقا، ويتيقنوا أن احلل ، أمامهمأنفسهم بالطريق الوحيد املفتوح

طلوب ال بد أن يبدأ من دينهم وأرضهم وتارخيهم ودوافعهم يواجهون ا امل اليت عاىن منها العامل ،حتديات العصر يف أصالة، وإال فإن التجارب الفاشلة املريرة

ما ينتظرون من مشكالت جبنب شيئا لن تساوي ،اإلسالمي خالل القرون املاضيةكل املثقفني املسلمني على اختالف لمة وجديدة، وميكن لكل القيادات املسل

أن حيلموا -ومعهم كل اجلماهري املسلمة وكل العواطف املسلمة -توجهام إذا مل تتغري -باخلالص والتقدم والعزة والقوة، لكن ال يتوقع أن يكون نصيبهم

إال حصادا أمر مما - الوسائل واألساليب ومناهج التفكري وحتدد األهداف بدقة .ذاقت األمة وباله حىت اليوم

عن قسمات احلل األصيل ليبحثواالبد من مفكري األمة وقيادا االجتماعية البديل ومالحمه من غاياا ومصادرها ومبقاييسها الصحيحة، وأن تسعى إىل استنباا

.يف حنايا فكر أبناء األمة وممارستهم ومؤسسام

:احلل التقليدي التارخيي -2

إن احلل التقليدي من املنطلق التقليدي، قد حاولته األمة منذ قرون بعيدة وهو بعشوائية ملفتة للنظر، األبعاد الزمانية واملكانية لكيان األمة ومسريا ،حل يلغي

تراجعا مستمرا أمام حتديات احلياة املعاصرة آخر مراحله، يف ،التارخيية، وهو ميثل ومن الواضح أن هذا . على عقل األمة اإلسالمية وفكرهاة الغامشعتداءاتوقوى اال

نظارهم

كرهم

حقيقة

يال

اه

تبحث

املتأخرةرهصو

دوان

Page 37: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

37

،احلل مل يسفر عن النتيجة املطلوبة يف استنقاذ األمة، وإال ملا تدهورت أوضاعها . وال أمل باألمة ما أمل ا من نكبات،أزمتهاب اإلمساكوال متكن األعداء من

أن يقال عن العقبات اليت حالت دون إحداث وليس عذرا كافيا كل ما ميكن اآلثار املطلوبة لفاعليات حل التقليد للواقع التارخيي، ألن املطلوب من أي حل

ألا يف ذاا ،صحيح هو أن يأخذ يف حسبانه أمر تلك العقبات، وأن يتصدى هلا .جزء ال ينفصم من املشكلة املطلوب حلها

ابتداء بالتأكيد على ،ا يبسط األمور حىت يتصدى هلاوحل التقليد التارخيي إمن أو ال ترغب يف ،سالمة منطلقه وختطئة مجيع األطراف والظروف اليت ال تستجيب

. أو ال تستطيع أن تستجيب ملعطياته وأطروحاته،أن تستجيب

حبيث ،إن أي حل يشترط لنجاحه تعاون أعدائه بإزالة العقبات من طريقه ميثل ذابل إنه ميكن األخذ به، ال ميكن أن ميثل حال،األداء والنجاحيتسىن له

.جزءا من اإلشكال الذي جيب التصدي له والتخلص منه

وحل التقليد التارخيي الذي سيطر على فكر األمة وخميلتها ألمد من الزمان ال للمجتمع اإلسالمي يف يستهان به، هو إصرار على إعادة الصور املادية التارخيية

دالالت الصور التارخيية أو التغريات املادية بعصره الذهيب األول، ولكن دون وعي اليت حدثت، مما يفسر فشل هذا املنطلق يف استنقاذ األمة ويف السيطرة على توجيه

ر ومتتد جذوره يف تارخيها، كما يفس رغم أن األمة تدين باإلسالم،دفة األمور فيهاأيضا احنسار رقعة الفقه املذهيب التقليدي يف السياسات املختلفة واملعامالت

يف دائرة الشعائر التعبدية واألحوال الشخصية يف وينحصر ليتقلص ،املستجدة .خمتلف أحناء العامل اإلسالمي

ولعل من األمثلة اليت جتسد أخطاء هذا املنطلق ما نادى به علم فذ من مشاهري حني أخطأ - هو السيد مجال الدين األفغاين -م اإلصالح اإلسالمي احلديث أعال

فاستخلص ،فهم عالقات النظام االجتماعي السياسي على عهد اخلالفة الراشدية

احلل

ىت

هو

نما

ى

Page 38: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

38

مستبد «الدرس الشهري املعكوس حني أكد أن األمة اإلسالمية ال يصلحها إال .»عادل

الستبداد نقيض العدل وأن ذلك من أول كم أن اة واحلومن الواضح يف السياس أن رآه استغنى نسان ليطغى إن اإلكال: ما نـزل يف كتاب اهللا عز وجل

).7- 6العلق ( . )159:آل عمران (وشاورهم في الأمر: ويف قول اهللا تعاىل .)38: الشورى (وأمرهم شورى بينهم: ويف قوله تعاىل

إن من أهم ما جيدر التنبيه له يف مقام فهم ظاهرة التقليد التارخيي هو أمهية فهم حني حدثت الفرقة بني القيادة فأصل هذه الظاهرة بدأ. جذور نشأا التارخيية

الفكرية والقيادة السياسية لألمة، وذلك يف أعقاب الفتنة اليت اجتاحت عهد اخلالفة ة الصراع بني قيادة دولة اخلالفة الراشدة والعصبيات والتوجهات الراشدة نتيج

القبلية لقبائل البادية العربية، وما تبعها من حركات الردة والعصيان السياسي املتكرر منها، والذي انتهى إىل املواجهة السافرة بني رجال دولة املدينة امللتزمني

ي وعبد اهللا بن الزبري وحممد ذي بسياسات اإلسالم العامة، كأمثال احلسني بن عل رضي اهللا عنهم أمجعني، وبني رجال القيادة ،النفس الزكية وزيد بن علي وسواهم

كم ورئاسات القبائل، مما أدى إىل ظهور منطلقات العصبية السياسية من أسر احل . والقبلية

متمثلني يف ،وقد انتهى عصر املواجهة بينهما إىل هزمية قيادات الفكر وااللتزام عن طريق االعتزالمن السياسة واحلكم وانسحام ،هيئة العلماء والزعامات الدينية

، وطال أمدها لعدة قرون، الوقت تفاقمت هذه العزلة والفرقة ومبضي.املعارضة وأمما ترك آثاره على الفكر اإلسالمي وعلى تفكري رجاالته واهتمامام، وولد

الوقوع يف براثن النظر اجلزئي وأحادية ، ومن مث قاد إىل التقليد واحملاكاةمدرسة

ت

ت

نسحام

عزلة

Page 39: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

39

ولعل اخلوف على الشريعة من عبث .املنهج اللغوي يف فهم الوحي والنصوص . الضعاف واألتباع قد ساهم أيضا يف دعم توجهات التقليد واجلمود

ىل الوقوف بالفكر ومن الطبيعي أن تنتهي هذه املدرسة يف القرون الالحقة إ والغرق االنتقائي ، والعودة إىل الصور التارخيية،اإلسالمي عند عصر الصدر األول

وهكذا جفت اجلذور الفكرية . هيف املتاهات وذكريات التاريخ ومبالغات تقديسللقيادات االجتماعية والسياسية وسلمت هذه القيادات زمامها للعجز الفكري

. واجلهل السياسي

عقل هذا كان ال بد أن ينتهي باألمة إىل الوقوع يف قبضة التقليد ومجود كلالذين مل يعد هلم منابع عملية اجتماعية وسياسية يستقون ) العلماء(القيادة الفكرية

من جانب، وإىل الوقوع يف قبضة االستبداد والقهر والتدهور السياسي ،منهادة السياسية واالجتماعية مل يعد هلا أيضا قاعدة القيافواالجتماعي من جانب آخر،

.فكرية تستند إليها وتستقي فكر احللول والتطور والبدائل منها

وهكذا أصبح التقليد واجلمود الفكري يلف األمة من جانب، كما يلفها القهر واالستبداد السياسي من جانب آخر، مما يصور بدقة تاريخ دول العامل اإلسالمي

إىل - بعد غزو املغول والغزو الصلييب -ة، وأهم األسباب اليت انتهت ا املتأخر . الوقوع يف خمالب االستعمار والتسلط األجنيب املعاصر

وحمدودية تفكريها يف ، وايار مؤسساا،واألمر اهلام هنا هو أن تدهور األمةألمة وقياداا إىل خطرا أكرب هو توجه ات ولد،ظل املنهج التارخيي التقليدي

طوعا وانبهارا أو كرها وخضوعا، إال ،حلل بالتقليد احلضاري األجنيبامنطلقات وأصيبت األمة . أن نتائج هذا التقليد أيضا كانت مزيدا من الضعف والتدهور

االقتصادية - يطلق عليها الدارسون ظاهرة اتساع اهلوة احلضارية ائحةجب أو بني الدول الصناعية املتقدمة ودول ، بني الشمال واجلنوب- )جيةالتكنولو(و

هرة

ت

كر

يث أن

Page 40: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

40

.متثل دول العامل اإلسالمي جل رقعته وأبرز معاملهو ،العامل الثالث املتخلفةستقى من فكر الفرقة والعزلة واالنطواء هو فشل إن من أهم الدروس اليت ت

العيش يف أحالم الصور التارخيية هو أمر املدرسة التقليدية التارخيية، وإن العودة إىلوإن . ضد طبائع األشياء وحركة احلياة يف الزمان واملكان والفكر واإلمكانات

اإلصرار على تلك األساليب من الفكر ومنطلقات التقليد يف اإلصالح أمر ال ميكن تدهور التسليم به دون التسليم بنتائجه اليت انتهينا إليها من التخلف والضعف وال

.واالزام أمام الغزو الفكري الدخيل

وال بد لقادا ومفكريها من حماولة جديدة جادة ،ال بد لألمة من طريق جديد .تتفادى املسالك املسدودة واملناهج العقيمة

ولكن ما هو هذا األسلوب اجلديد؟ وما هي هذه املنطلقات اجلديدة؟ وما الطريقة أو تلك لنعلم أن هذا األسلوب جوهرها؟ وما مواصفاا؟ وكيف خنتربها

وأا سوف حتقق ما مل يتحقق حىت اليوم؟،سوف تكون خريا من سابقتها

كيف بدأت وكيف : أن نفهم هذه الظاهرة ال بد لنا أوالولكي حنقق ذلك بدأ الضعف والتدهور؟ ومىت وملاذا بدأ؟ وكيف تفاقم وتطور؟

يف شأته وآثاره وتتابع مضاعفاته يف اجلسد اإلسالمي، و ومعرفة ن،إن فهم الداءالتاريخ اإلسالمي، كل هذه األمور ضرورية لفهم مواصفات العالج ونوعية اجلهد

.املطلوب لإلصالح يف أولوياته وخطة إجنازه

:منطلق األصالة اإلسالمية املعاصرة -3

مبنيا على أساس إن هذا املنطلق بداللة مسماه ال بد أن يكون منطلقا وحالاإلسالم يف الغاية والعقيدة والقيم والتصورات، ألن األمة املعنية بالنمو واحلركة والبناء هي أمة إسالمية يف عقائدها ويف قيمتها ويف تكوينها النفسي والفكري، وال

هي فهم و ،سبيل إىل حتريكها وال إىل دفع عجلتها بتجاوز هذه احلقيقة األساسية

اليت

هذه

إنه

ف

Page 41: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

41

.مكامن طاقتها ودوافعها مهما اعتورا األمراض والتشوهات واحملنشخصيتها و

ومن الواضح أنه لن يكفي أن يكون جوهر احلل واملنطلق والتوجه إسالميا » احلل التقليدي التارخيي اإلسالمي« بني ة مشتركهو أرضيةبإطالق، ألن اإلسالم

حل «بد من حتديد جوانب ، ولذلك ال »حل األصالة اإلسالمية املعاصرة«وبني اليت متيز هذا احلل عن سواه من احللول، وتوفر له » األصالة اإلسالمية املعاصرة

.شروط الفاعلية، ومتده بأسباب النجاح

يف التأكيد على أصالة وعصرية احلل اإلسالمي يكونوالتحديد املطلوب لنوازع اإلسالمية حنووااملقترح، مبعىن أن يتوجه احلل من منطلق العقائد والقيم

وقضاياها القائمة، وما يستلزم ذلك من إدراك أبعاد الزمان واقع األمة املعاصرواملكان يف فهم التراث والتجربة اإلسالمية للعصر األول من جانب، وإدراك معىن

بكل ما يحتمه حسن الفهم من ،التغريات الكمية والنوعية يف احلياة البشرية من جانب آخر، وذلك خيتلف عن ، والعمق والدقة واخلربة والتحليلالشمول

تأيت احللول والسياسات والتصورات حبيثحلول التقليد ومنطلقات احملاكاة مستجيبة ملا تواجهه و،اإلسالمية املعاصرة معبرة بل مطابقة الحتياجات واقع األمة

. ا وتصوراا وغاياا اإلسالميةعلى أساس من قيمهلكن من حتديات حقيقية، وا يف موضع القيادة، وبقيمها وغاياا حتسن توجيه اوبذلك تصبح األمة وقدر

.مسرية اإلنسانية

فهم يعين أوال الشمول، وهو بالتايل يعين )1(»لألصالة املعاصرة«إن مفهومنا

تعين ن األصالة أل إضافة أي أوصاف إليه، إىللتجريدية فإن مصطلح األصالة ال حيتاجمن الناحية النظرية ا )1(

االنبثاق من الذات والتعامل مع الواقع وبشكل إجيايب، ولكن بسبب مالبسات ثقافة األمة اإلسالمية بالضرورة عين العودة التارخيية واالحنصار املشوهة املزدوجة فإن مصطلح األصالة وحده عند أصحاب املدرسة التقليدية ي

يف قضايا وأحداث العصور السالفة، أما مصطلح املعاصرة عندهم فهو ال يعين التعامل مع قضايا العامل القائم، ويفهم أصحاب الثقافة املدنية والغربية أن مصطلح . ولكنه يعين التغريب واالنسالخ من قيم األمة ومبادئها

صطلح املعاصرة يعين التغريب، ولذلك رأينا اجلمع بني املصطلحني يف هذه املرحلة األصالة يعين الرجعية وأن م

Formatted: Highlight

يث

ين

مل

و

ىت

طابقة

ي

عامل مع الواقع املعاصر من منطلقات األمة

Page 42: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

42

وتفهم ،كلية التطبيقات والسياسات األوىل اإلسالمية بكل أبعادها الزمانية واملكانية مع ، من مث،واستنباط غاياا ومقاصدها وعالقاا الصحيحة، لتكون قاعدة التعامل

.كلية احلياة واتمع املعاصر

تقتضي القدرة واخلربة الفنية وسالمة املنهج، كما تعين » صرةاألصالة املعا«و ومن قاعدة ، الدراسة والتحليل من قاعدة العلم بالفطرة والطبائعانطالقأيضا

اخلربة واملمارسة، وهذه املمارسة تنطلق من الواقع وقضاياه وإشكاالته وإمكانياته ومبنهج الشمولية العلمية العملية . تهباجتاه اإلسالم وكلياته ومقاصده وقيمه وتوجيها من التطبيقات واملمارسات يف ،ميكن إحداث النقلة الفكرية واحلضارية املطلوبة

اتمعات الرعوية الزراعية والتجارية البسيطة إىل عامل االتصال اآليل واحلركة وما يستتبع ذلك من تغري يف صور الطاقات واإلمكانات واملمارسات ،املستمرة

احلاجات تغرييف و، ويف صور الثروة واإلنتاج وإمكاناما ووسائلهما،التطلعاتوواجلماعة واألنظمة السياسية واالجتماعية واالقتصادية لتستجيب والوظائف للفرد . والفرص اليت أصبح العامل يفيد منها ويعاين بسببهاللتحديات واملخاطر

ومتابعة حركات الكتل ،لكلية والشموليةفال بد إذن من التفكري يف املنطلقات اوهذا يعين بالدرجة األوىل الوعي الكامل . البشرية وكثافتها وتعامالا اجلماعية

والتركيز التام على مقاصد الشريعة وكلياا وقيمها ومبادئها األساسية، وجعلها األنظمة وصياغة املؤسسات و،منطلقا للفكر االجتماعي اإلسالمي يف هذا العصر

والضوابط اليت توجهه وتتحكم يف حركته حبيث يبقى لإلسالم جمتمعه املتميز دون ضعف أو ،بالعدل والشورى والتضامن واإلخاء وسائر قيم اإلسالم الكربى

. ودون فساد أو إسراف أو نكران،عجز أو حرماناغة ولتحقيق هذه الغاية يف األصالة اإلسالمية املعاصرة ال بد من إعادة صي

.وهو االنطالق من قيم الذات ومبادئ اإلسالم حنو التعامل مع قضايا العصر: فيكون املعىن املقصود واضحا

حىت تتمكن األمة أن تصبح يف مقعد القيادة

طلق

يف

Page 43: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

43

ينطلق من قاعدة املمارسة واإلدراك واخلربة حنو حبيث ، اإلسالميمنهج البحث توحيداإلسالم ومقاصده وقيمه وضوابطه االجتماعية واحلضارية، وهذا معناه إعادة

والعناية مبنطلقاته ، يف مراحله كافة، بشقيه الروحي القيمي والفين العملي،التعليمالمية وبتعمقه وختصصه العلمي يف كل فروع املعرفة، خاصة جانب وفلسفته اإلس

.العلوم االجتماعية واإلنسانية

كما أن األصالة املعاصرة يف اية املطاف سوف تؤدي إىل إعادة ترتيب وإعادة صياغة املنهج والفكر، حبيث تتوفر وسائل التربية اإلسالمية ،األولويات

مبا ،ات واألنظمة واإلجراءات السياسية واالجتماعيةالسليمة، ويعاد بناء املؤسس .حيقق التكامل والتسلسل الصحيح يف حركة اتمع

إن منطلق األصالة املعاصرة يضم إىل دفتيه أمرين ال بد من مجعهما إذا شئنا ية واحلضارية، فعلى ذلك دلت دروس التاريخ اإلصالح والتمكن والريادة اإلنسان

دفع الرؤية :وهذان األمران مها. تغيري حضاري على مدى القرون واألجياليف كل . والتفوق الفكري الفعال،دية البناءةالعق

،كان ذلك يف صدر اإلسالم بفعل عقيدة اإلسالم الصافية يف منابعها األوىلط صفحاته إجنازات رجال الصدر األول ومبادرام يف والتفوق الفكري الذي تبس

،قطع شرايني جتارة قريش، ويف التدابري العسكرية والدبلوماسية يف غزوة اخلندق ويف فتح مكة، ويف التدابري العبقرية غري املسبوقة يف قطع ،ويف صلح احلديبية

لرومان، ويف صحراء الشام وجندة جيوش املسلمني يف معركة الريموك احلامسة مع اتدوين الدواوين ورسم السياسات وإرساء القواعد والنظم، وبناء املساجد دورا

مما يقوم شاهدا على التفوق الذهين لألمة ،للتربية والتعليم ونشر املعارف والعلوم أو ، على ما أحاط م من جمتمعات حضارية آسنة فاسدة،ورجاهلا يف العصر األول

.ائيةقبلية مهجية بد

دفع الرؤية بني مجعتحني ،كذلك كان احلال يف ضة أوروبا املعاصرة

الدراسة

حدة

و إعادة البناء على أساس قيم اإلسالم ومقاصده

ع و

يت

Page 44: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

44

ست رؤية مسيحية عملية ) الربوتستنيت(دية البناءة يف حركة اإلصالح قالعاليت كردور اإلنسان فيها إصالحا للرؤية الدينية املسيحية يف العصور بني فعالة إىل احلياة، و

إىل جانب إصالح مناهج الفكر األورويب ،شعوذة واخلرافةالوسطى، املغرقة يف الاليت و ،القاصرة املعوجة حبيسة املفاهيم احلرفية النصية لشتات األقاصيص اخلرافية

العقل سخرت إللزاموقد ،حوت كثريا منها األسفار اليهودية واملسيحية املقدسة قبل وسواه من بناء احلضاراتمجع اإلسالم كما ،والبحث العلمي املنظم، فجمعت

.دية البناءة إىل جانب أثر التفوق الفكري الفعال دفع الرؤية العق،ذلك

دي وحده دون إن احلركة اإلسالمية لن ينفعها التأكيد على اجلانب العقمتحيص ألسلوب أدائه، كما أن العلمانيني املستغربني على ألوام لن ينفعهم

وحدها وانبهارهم بإجنازات العصر يف جماالا، بل ال بد تعلقهم بالقضية الفكرية .ني لتحقيق مقومات اخلالفة وبناء احلضارةفمن مجع الطرفني وضم الص

دي والفكري هو يف النهاية إعادة الصلة بني الوحي إن ضم اجلانبني العقالوحي والعقل، أي بإعمال العقل يف إدراك الوحي وقضاياه، وهداية العقل بغايات

، بضم اجلناحني،وعملية اإلصالح هذه. الكلية الكونية وقيمه احلياتية واحلضارية أي أن األزمة اليت تواجهها األمة ،هي يف النهاية عملية فكرية يف املنهج واألسلوب

.يف صميمها هي أزمة فكرية

وبسط جوانبه وحتديد أولوياته ،وبالطبع فإن الدعوة إىل املنطلق الصحيح هي واجب املفكرين والكتاب والقيادات السياسية واالجتماعية ،خططهوطرح

حىت ، وبناء القواعدالواعية اليت عليها أن جتاهد يف توضيح الصورة وتوعية األمة .تستقر البذرة فتنمو الشجرة وتصلح الثمار

كما هو احلال يف كل بداية وعند كل منطلق، وقد ،قد يبدو الطريق وعرا

Formatted: Highlight

زم

Page 45: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

45

، وليساية شاقة، ولكن مىت كان الناس خيتارون السبل لسهولتها فقطتكون البد ؟ أا توصلهم إىل الغايات اليت من أجلها شدوا الرحالهمإلدراك

، بل

Page 46: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

46

: اجلذور التارخيية لألمة-ثانيا

":األعراب والفتنة وسقوط اخلالفة الراشدة"تغري القاعدة السياسية -1

أن احلل اإلسالمي هو أمر حتمي للخروج باألمة عرضهمن الواضح مما سبق من أزمة ضعفها وتفككها وختلفها العمراين وغياا احلضاري، فقد تتبعنا يف الصفحات السابقة باختصار شديد مسرية جهود األمة للخالص والتجديد، منذ أن

قهر على يدها، واجهت حتدي احلضارة الغربية املعاصرة وذاقت اهلزمية والعسف والر من ألوان التحديوجهتوووهو التحدي ، ألول مرة يف تارخيها بلون مدم

حماوالا للخروج من هذه كل نصيبها يف احلضاري، ورأينا كيف كان الفشل .مة، والتصدي للتحدي احلضاري الغريبزاأل

-قع األمة اإلسالمية وما نراه بأعيننا من وا،نتيجة هذا التحليل -وإذا تيقنا طوق وكسر ،حتمية األصالة اإلسالمية سبيال متفردا لتخليص األمة من أزمتها

حول رقبتها، فال بد لنا من فهم ماهية األزمة ومعرفة الضعف والتدهور احملكمتابعة مدونحال جهلنا به وقد ،قطب رحاها، حىت ميكن أن ننفذ إىل جوهر األزمة

. معارج صعودنا طوال قرون من تارخينا عن وجعلنا نتنكب،مسريتنا

بلوغ اجلذور لوال بد لنا يف مثل هذا العمل من الغوص إىل أعمق األعماق وما ،وعدم الرضا بالقشور، مهما كانت املثبطات يف أصول تربيتنا وقصور عقليتنا

حينا والزائفة أحيانا كثرية، املخلصة ،فيها من دواعي اخلوف والتهيب والقداسات كيان مساحةبتأثري الصراعات الشعوبية والفئوية والطائفية والفكرية على مدى

ختتفيغالبا ما و، قلما تسفر عن وجهها احلقيقيهي دواعاألمة وتارخيها الطويل، وعن التفكر والتدبر لتشل النفوس والعقول ،يف مسوح املخاوف واخلشية والقداسة .واألخذ بناصية احلق والعقل والعمل

ومن غري ، حىت اليوم،لذلك علينا النظر يف كياننا وتارخينا على كامل مداه

عرض وحتليلن

جهتها

هو

ائل

طاق حلق

ذي

نا وبني

رض

يت

يف جل احلاالت

ون

Page 47: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

47

ال ،نظر الفاحص املدقق الذي ينشد الفهم واملعرفة الصحيحة الصادقة ،استثناء . وال املالمة والتشهري الفاسد العقيم،القداسة الزائفة

وأول مظاهر بروز األزمة يف كيان األمة وتارخيها كان قيام الفتنة الكربى اليت اندلعت معها سلسلة من احلروب األهلية الطاحنة داخل الدولة واتمع اإلسالمي،

وقام يف موضعها سلطان قهر وملك وعصبية بدءا بدولة ،وسقطت اخلالفة الراشدة .بين أمية

ال اليتفة الراشدة من األحداث املهمة يف تاريخ األمةوقيام الفتنة وسقوط اخلال

وفهم اآلثار ، ومتابعتها،ميكن جتاوزها دون فهمها وفهم األسباب اليت أحدثتها ميكن متابعة مسرية األمة كي وذلك ، واليت ما تزال تؤثر يف مقدراتنااملترتبة عليها

.يت نعيشها ونعاين من سلبياابدقة ودراية حىت نصل إىل املرحلة ال

والسبب الذي أدى إىل الفتنة وسقوط اخلالفة الراشدة هو التغيري الذي حدث دون التفات كاف إليه، أو قدرة على تالفيه، أال وهو تغري القاعدة السياسية اليت ارتكزت إليها القيادة واخلالفة اإلسالمية الراشدة، فبعد أن كان األصحاب وجيش

األصحاب هم قاعدة دولة الرسول صلى اهللا عليه وآله ) كوادر(ب واألصحا من نوعية ونهقامت على أكتافهم دولة اخلالفة الراشدة بكل ما ميثلقد و،وسلم

وما واجهته الدولة ،وتوجه وإعداد ونضج وتربية، ويف زمحة األحداث وتدافعهارة هلا يف فارس وبالد الروم، فإننا اإلسالمية من حتدي اإلمرباطوريات الكربى املعاص

ا كانوا عليه يف ، مبجند أن اال قد أفسح واسعا لتدفق رجال القبائل من األعراب ،من مضارم يف أطراف البواديمحلوها معهم ذلك الوقت من عصبية وجهالة

ن بسبب السوتراجعه مع تقلص دور األصحاب ، إىل جيش الفتحهمانضمامو . واالستشهاد

بكل ما ،جيش الدولةاإلمساك بزمام لقد مكن هذا يف النهاية لألعراب من

ب

النامجة عنها

ىت

األصحاب

على

ل

تضائل

Page 48: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

48

من املفاهيم القبلية ، معامل اإلسالم العامةجنب مع إىل ، جنبا معهمكانوا حيملونه ملا خضع له األصحاب من تربية قد خضعت نفوسهمومل تكنوالعصبيات،

عرب عقود بناء الدولة واتمع ، وتوعية على مدى سنني الدعوة واملعاناةوتدريب .املسلم بقيادة رسول اهللا صلى اهللا عليه وآله وسلم وأوائل اخللفاء الراشدين

وبسيطرة األعراب من رجال القبائل على جيش اخلالفة والفتح تغيرت القاعدة القيم والغايات واملقاصد واملعايري النبوية ومل تعد،السياسية اليت تستند إليها اخلالفة

.ةصاعد اجليش اجلديد والقاعدة السياسية اليستند إليهمما اإلسالمية اخلالصة هي

ولذلك كان ال بد أن تنشب الفتنة وأن تسقط اخلالفة ليقوم يف مقامها سلطان ر واالستبداد، وكان طبيعيا، وقد تغيرت القاعدة السياسية،القبلية والعصبية واالستئثا

، أو احلسن من بعده، يستقر لعثمان أو عليال وأ،أن يستقر األمر لسلطان بين أمية .رضي اهللا عنهم مجيعا

للجماعة ،على مدار أكثر من قرن من الزمانقائمة، وكان طبيعيا أن ال تقوم لتزام اإلسالمي يف مكة واملدينة، وأن تدمر صفوف احلسني بن القليلة من رجال اال

علي وعبد اهللا بن الزبري وحممد ذي النفس الزكية وزيد بن علي وسواهم يف لتزداد متكنا بتقدم ،حروب أهلية طاحنة كانت الغلبة فيها للقاعدة القبلية الواسعة

،د وتركوفرس وروم وهن من ،األزمان مع مجوع األمم الوافدة على اإلسالموسواهم من األمم اليت انضوت حتت لواء اإلسالم دون أن تتاح هلا الفرصة للتربية والتدريب كي يصهروا نفوسهم يف بوتقة اإلسالم اخلالصة اخلالية من شوائب

األمة إىل قيادة ونظام هو خليط وهكذا انتهت،اجلاهليات والعصبيات والباطنيات . معامن إسالم وجاهلية

: الفصام بني القيادة الفكرية والقيادة السياسية-2اخلالفة الراشدية وإقامة وإسقاط ،وإذا كانت غلبة األعراب على جيش الفتح

محلوه

انب

لذين مل ختضع

ك القيم والغايات واملعايري اليت

ديد

ئمة

¶سالم االحنراف والتباعد عن غايات اإل

منهجه السليم هي غلبة األعراب من رجالري القاعدة السياسية لتنتهي

Page 49: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

49

السبب األول للتغيري واالحنراف، فإن ما جنم عن هذا ،ملك بين أمية يف موضعها مثل فصاما بني انقسام يف صفوف القيادة االجتماعيةالتغيري الظاهر امللموس من

كان أساسا هاما ملا جنم بعد ذلك من عوامل القيادة السياسية والقيادة الفكرية الضعف والتدهور والتمزق وتراجع الطاقة اهلائلة اليت فجرها اإلسالم يف نفوس الناس

.واألمم فبعد قيام سلطان العصبية واألثرة والقهر يف نظام اتمع اإلسالمي فإن القيادة

مل ، املتمثلة يف أرض احلجاز وحاضرة اخلالفة الراشدة،الفكرية اإلسالمية امللتزمةتتقبل التغيري اجلديد وفكر التغيري اجلديد وغاياته، وهبت ملقاومته على أساس

.عقائدي وفكري، وليس على أساس قبلي

، ألكثر من قرن من الزمان،وحني أكت الثورات واحلروب األهلية الطاحنة فشلوا يف استقطاب مجاهري األمة اليت ، وقدميأصحاب الفكر وااللتزام اإلسال

سيطر على عقليتها وتربيتها عقلية ومفاهيم القبلية والشعوبية والطائفية، اضطرت القيادة السياسية اجلديدة حماوالت بعيدا عن،صفوفهم إىل التراجع واالنطواء

قل الصالبة يف مقاومتهم، إخضاعهم ملآرا وتضييق اخلناق على معااصرم وحمل اإليذاء والنكال، ، وعلى رأسهم األئمة األربعة،حىت كان نصيب كبار العلماء

دون أن يقبل تويل القضاء ) م767/ ه150تويف (ليموت اإلمام أبو حنيفة يف السجن حىت تشل ) م795/ه179تويف (لسلطة سياسية غري ملتزمة، وليضرب اإلمام مالك

به من فتوى ببطالن طالق املكره، وما كان هلذه الفتوى من داللة يده لما جهر، كما نال اإلمام أمحد )1(لخلة قبضة السلطة السياسية القائمةخلسياسية سلبية

الكثري من العذاب واألذى ملعارضته خمططات السلطة السياسية،) م855/ه241تويف(ب من حاضرة السلطان يف اهلر) م820/ه204تويف(وكان نصيب اإلمام الشافعي

بطالق نسائهم إن كان اخللفاء العباسيون يأخذون على رجاالت األمة أميان والء الطاعة والبيعة معلقة )1(

فكانت فتوى إحالل املكره من ميينه وأثره يف طالق النساء يعين يف حينه داللة يف اإلحالل من . حنثوا .البيعة وما يترتب عليها مما أقسم عليه املبايع

يري معنوي كان أشد خطرا وأبعد أثرا، فقد نتج

ن

ذين

اوالت

ى

Page 50: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

50

بغداد، بعد أن سيق إليها مكبال من اليمن خلوف السلطة من فكره ونشاطاته طلبا - تلك احلاضرة البعيدة عن مركز السلطان -السياسية، حىت جلأ إىل مصر

. للسالمة والنجاة

لقد شكل هذا التمزق والفصام بني القيادة الفكرية اإلسالمية والقيادة وتدهور ، ومتزق النسيج املسلم،ية االجتماعية األساس لتراجع الطاقة املسلمةالسياس

وفتح الباب واسعا أمام قوى التدهور ،الفكر واألنظمة اإلسالمية واحنطاطهما . والفساد واالحنطاط

وأخذت طاقة دفع اإلسالم ختبو تدرجييا وتتضاءل، ومل يبق حلضارة اإلسالم طاقة معامل اإلسالم ونور هدايته يف من املتأخرة إال بقايا وعطاء األمة يف العصور

وغياب البديل احلضاري الذي يكشف ، ختلف األمم من حوهلممعالنفوس، الربابرة واملغول والروم رغم اجتياح أرضهم من،عورم ويتهدد أصل كيام

.والصليبيني

قيادة السياسية التربة اخلصبة لقد مثل هذا الفصام بني القيادة الفكرية وال ، مبهورة األنفاس، فكريا وماديا،اليت جعلتها اليوم تقفألمراض األمة الالحقة

أمام التحدي احلضاري الغريب املعاصر، ،عاجزة ومهددة يف صميم وجودها وكياافصام النكد أوال أدى هذا الو. انتصب يهددها ماديا ومعنويا بالسحق والدماروقد

إىل عزل القيادة الفكرية عن املسؤولية االجتماعية واملمارسة العملية، وهذا بدوره حىت انـزوى يف ،كان العامل األساس واألهم خلف عجز العقل املسلم وضموره

تعين يف جوهرها بأسلوب أروقة املساجد بني طيات الكتب النظرية والتارخيية اليت نصوص الكتاب والسنة وحماولة يف معرفة مرامي وغاياتوصفي ومنهج لغوي

احليلولة بني السلطان واتباعه وبني استعمال هذه النصوص كوسيلة وأداة لتأصيل .احنرافاته

وانتهى األمر ذه املعركة إىل ما عرف بقفل باب االجتهاد ومل يكن يف

Formatted: Highlight

ال

غزو

-

ذي

د

Page 51: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

51

عبريا عما انتهى إليه احلقيقة لالجتهاد باب يقفل وال دار دم، وإمنا كان ذلك ت ،األمر من الضمور الذي أصاب الفكر من آثار عدم االلتزام لدى القيادة السياسية

وما حلق ذلك من حماوالت السلطان السياسي للقهر واالستبداد بتطويع كل شيء تصل إليه يده خلدمة مصاحل السلطة وأعواا وعصبياا، مما جعل العلماء ينكفئون

. بعيدا عن كل حادث وجديد، أيديهم يف صحون املساجدبنيعلى ما

، إىل جهل القيادة السياسية، من ناحية أخرى، النكدموقد أدى هذا الفصا ومتدها بالفكر ،وحرماا من وجود قاعدة فكرية ختدمها وتواكب معها املتغرياتية يف جممل تاريخ والسياسات والبدائل، فال غرابة إذن أن تتحول القيادة السياس

الدول اإلسالمية إىل سلطة مستبدة غشوم تأخذ الناس بالقهر واخلسف وال يكون وطاقة ا جمال وال نصيب يف تسيري شؤون األمة وتوليد قناعاشاركةاملللشورى و

أن ينتهي األمر مبجمل األمة إىل االضمحالل يف وال غرابة أيضا . بذهلا وعطائها .لتراجع احلضاري يف الكيان النفسي والفكري ويف املؤسسات والنظمواالحنسار وا

ليس من الصعب أن يدرك القارئ التمزق والتدهور السياسي الذي أصاب جسد األمة ووحدا منذ سقوط دولة اخلالفة، ولكن املهم أن يدرك القارئ الفرق

الوفرة املادية النامجة عن بني طاقة الدفع احلضاري اليت انبثقت بظهور اإلسالم وبنيالتراكمات واالمتدادات اليت كانت أثرا من آثار الدفع اإلسالمي األول، واليت

عف األمم احمليطة واحنطاطها، وذلك رغم ما حلق األمة اإلسالمية من أفسح هلا ضطاقة فما تزال ،تدهور الكيان وضعف طاقة الدفع، ألن األمر هنا هو أمر نسيب

، ولذلك من املهم أال خيفى على الناظر نسبيا كبريةيف ذلك الوقتإلسالمي الدفع اما ختفي التراكمات واملظاهر خلفها من حال مصادر طاقة األمة وما أصاب هذه

سهل مالحظته تاملصادر من اضمحالل وعطب، فإن هذه التيارات الكلية أمر ال حيث تتضح اآلثار وتتساقط الواجهات ويتآكل ،املدى الطويل على بوضوح إال

التراكم وتتبدى التشوهات الفكرية واالجتماعية جلية واضحة، مما نراه واضحا يف .حال األمة اليوم

انيا

ألمة

طاقة الدفع اإلسالمي نسبيا

Page 52: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

52

:فحوى األزمة وجماالت تصحيح املسار: ثالثا

:أزمة فكر ال أزمة عقيدة -1 الفاشلة للحلول والبدائل التقليدية، تارخيية كانت أم احملاوالتعلى الرغم من

دخيلة أجنبية، فإن الرؤية اإلسالمية ال تزال غري واضحة، حيث يشوب هذه الرؤية الطبيعة املطلقة والقداسة خلط كبري بني العقيدة والفكر، وكأما شيء واحد هلما

ا والطامعون فينا بكل ، وذلك بسبب ما يروجه مناجزونا وأعداؤن ذاااألبدية وما يدعمها من جهود منظمة يف دوائر ،وسائلهم اإلعالمية والثقافية والتعليمية

الدراسات االستشراقية االستعمارية اليت ختتص بدراسة شؤون اإلسالم والعامل كذلك مما ساعد على غبش الرؤية اإلسالمية املعاصرة تلك العوائق . اإلسالمي

نعامعقل املسلم ترويض احليوانات الكاسرة، فال جيرؤ على إالنفسية اليت روضت ال لكي يدرك كنهها ني،النظر التحليلي يف تراثه ومقدساته بالقدر والعمق املطلوب

وموضع اللباب منها، وأن يفرق بني ما هو مطلق وأساسي وما هو حمدود وزمين . ألسلوبما يتعلق باألداء واوولكي يدرك ما يتعلق منها باجلوهر

قد شلما غرسناه يف أنفسنا من معاين اخلوف والرهبة وانعدام الثقة بالنفسإن قدرتنا على النظر يف أحداث املاضي ومالبساته ونقائصه، ولذلك ظل العقل املسلم ،حىت اليوم أسري مفاهيم ومنطلقات أساسية جتعله حبيس أخطاء املاضي واحنرافاته

لفهم والتمييز وتصحيح املسارات والغوص يف أعماق القضايا دون القدرة على االيت يواجهها وحتصيل اللباب من ورائها وبني ثناياها حىت تنطلق املسرية راشدة

. تقعد كفيفة مكبلة يف زوايا املاضي الغابروالواثقة باجتاه املستقبل ل املسلم عاجزا فإذا مل يتغري منهج التفكري وتصحح منطلقاته فسوف يبقى العق

عن النظر الناقد والرؤية النافذة، وسوف يظل يراوح يف حلوله وحماوالته املتكررة الفاشلة على مر القرون واألجيال والدول، بل لعل هذه احملاوالت اخلاطئة لن تزيد

ومما يزيد من أعباء هذا العقل املسلم البائس . األمة إال استنـزافا وتدهورا وإاكا

حللقات املفرغة من

ات

عان

د شل

أن

Page 53: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

53

قد - بقصد أو بغري قصد - مجعاء يف األمة ، الفكرية والسياسية،الفئات القياديةأن إىل إخضاع ، بعد يأسها من الغلبة يف صراعاا لالستئثار بالقيادة والتوجيه،انتهت

ن لكل فئة دورها ومكانتها يف ميكحئاألمة وعقلها إىل إرهاب مادي ونفسي جا . الطرف اآلخرقيادة األمة ويف مواجهة

بغض النظر عن أصل النوايا – القيادة السياسية لنفسهاأفردت وهكذا واستأثرت القيادة الفكرية لنفسها بوسائل ،وسائل اإلرهاب املادي - واملقاصد

أسريين ين وذلك حىت يبقى العقل املسلم والفرد املسلم عاجز،اإلرهاب النفسي وتدابريه الشخصية الفردة حياتسلطها على لسيطرة هذه القيادات و نيخاضع وحركته االجتماعية والتنظيمية، بغض النظر عن أصل النوايا واملقاصد ،املعاشية

ومن املضحك املبكي أن هذا . ات هذا الدورسوغوكيفية فهم كل فئة لدورها وم ، فقدهذه القيادات السياسية والفكرية من آثاره املدمرةاإلرهاب بلغ حدا مل تسلم

، وفقدت استقالليتها، بضعف قاعدا السياسية واحلضارية،أصاا الضعفوأصبحت خاضعة موجهة دون خيار لغايات القوى األجنبية من األعداء

.والطامعني

أن يقبل مامه إال، مل يكن أ ذا الغبش وذه القيود املكبلة لرؤية العقل املسلم بعقده واحنرافاته وما تركته من بصمات على منهجه وفكره ،كل تارخيه وماضيه

أن يرفض كل تراثه وتارخيه وكل مقومات شخصيته أووجمتمعه ومؤسساته، وكيانه، ألن مسريا على مر األجيال والقرون أصاا خلل، وألن معامل شخصيته

وهات وعلل، فكانت حمصلة رؤيته املغبشة املعتمة خلطا بني أصابتها أمراض وتشالفكر والعقائد، وبني الغايات والوسائل، وبني الدين والتاريخ، وبني املبادئ والرجال، وبني القيم واألحداث، وبني املفاهيم والتقاليد، فتوزع العقل املسلم بني

يف دعواه بني الدين فريق يدعوه ألن يأخذ ذلك كله أو يدعه كله، وما فرقأن األمم يذهب إىل فريق و وال ميز يف طلبه بني الغاية والوسيلة، ،والتاريخ

قيادة السياسية لنفسها

عها مج

ف

اسري

ياا يف

ت

ر

حيث

جنده إما

ما

ما نادى

خر ب

Page 54: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

54

أزمة معنوية يف والشعوب اليت أصيبت يف مواردها املادية ال بد أن تكون أزمتهاشعارات . أصل عقائدها وأدياا وقيمها ومقومات شخصيتها ودوافع حركتها

ءات اختلط فيها النظر وتغبشت الرؤية حىت ما عادت األمة اآلن تعلم إىل أين وندا .تسري وكيف املخرج وإىل أين املفر

ال بد لألمة أن تأخذ األمر كله يف اعتبارها، ألن ذلك كياا ومقومات شخصيتها، وليس هلا أن تترك شيئا منه أو تتخلى عن أي جزء فيه، فديننا وقيمنا

تارخينا وتقاليدنا ورجالنا حقيقة، كل هذا أمر واقع ال جمال إلنكاره أساس، ودون االعتراف به والتعامل الصحيح املخلص معه بدونه وبوالتخلي عنه، وال ميكن

.أن تكتمل مكونات شخصيتنا وقوام نفسيتنا

ما : ما الذي نأخذ وما الذي ندع؟ ولكن السؤال: ليست القضية يف حقيقتهافردة من مفردات مقوماتنا وتارخينا من نفوسنا وعقولنا؟ إن علينا هو موضع كل م

أن نأخذ كل ديننا وعقيدتنا ومبادئنا وقيمنا ومفاهيمنا ومنطلقاتنا، وجيب أال من تاريخ وتقاليد وأحداث ورجال وعصبيات صادفيشوب شيء من ذلك

ىت تبقى وجاهليات واحنرافات وكل ما يتعلق ا من حواجز الزمان واملكان، حلعقل املسلم رؤيتهما النافذة الصافية من رسالة اهلداية إىل اإلنسان، أما للألمة و

التاريخ والتقاليد والرجال واألحداث والزمان واملكان فتبقى دروسا وعربا وعونا على حسن التدبر والنظر، فيكون كل ذلك قدوة وشحذا للهمة وبصرا باملثالب

فتزيلها عن أعناقنا ، البشر اليت تشدنا إىل األرضص ونقائواألخطاء واالحنرافات . قيودا وأغالال وأثقاال،وسواعدنا وأقدامنا

وهذا ،إن لنا من اإلمكانات املادية الشيء الكثري، ولنا من املوارد القدر الوفريحق ال ينكره عاقل، تشهد به أرض املسلمني على امتداد القارات والبحار

ال بد أن تكون أزمة األمة ومنبع العجز يف كياا هي يف جانبها واحمليطات، فالنفسي املعنوي، ولكن اإلشكال يف هذا الطرح هو معرفة أي أجزاء اجلانب

Formatted: Highlight

هي

ض

Page 55: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

55

النفسي املعنوي يقصدون ويعنون، هل يقصدون اجلاهليات والعصبيات؟ هل ية؟ هل يقصدون بالي التقاليد؟ هل يقصدون فاسد اخلرافات والشعوذات الشعب

يقصدون السفسطات واملتاهات الفكرية الدخيلة؟ هل يقصدون الباطنيات الروحانية األعجمية الدخيلة؟ كثري هؤالء الذين ينطلقون يف هذا إما من وجهة

من وجهة الكيد والعداء واملناجزة، وكثر من ، وإماغربة الفكر وجهل املعرفة .إلسالمهؤالء إمنا يقصدون عقائد اإلسالم ودين ا

نقول ملن وقع عن حسن قصد يف شراك الغربة الفكرية وجهل املعرفة بعقائد شتان بني اخلرافات والشعوذات واجلاهلية وبني دين اإلسالم وقيمه : األمة وتراثها

وعقائده، ما الذي ينقم عليه أعداؤنا يف ديننا وعقائدنا؟ هل كان لشعوب اإلسالم الم وعقائد اإلسالم وقيمه؟ وهل يف نفوس أبناء األمة من خري من خري إال باإلس

اليوم إال ما بقي يف نفوسهم من اإلسالم وعقائد اإلسالم وقيم اإلسالم؟ ماذا ينقم الناقمون على اإلسالم من عقائد؟

هل ينقمون على اإلسالم مبدأ التوحيد واإلميان باهللا احلق العدل؟ هل ينقمون ري واإلصالح والعدل واإلميان واخلالفة يف األرض؟ هل على اإلسالم قصد اخلملن أساء يف الدار األبدية؟ الغقوبة اجلزاء ملن أحسن وقانونينقمون على اإلسالم

هل ينقمون على اإلسالم مبدأ الشورى ومبدأ اإلخاء وقصد التضامن وقيم الكرامة نقمون على اإلسالم والتطهر واالستقامة وطلب اهلداية والعلم واملعرفة؟ هل ي

مقاومة قوى الشر والفساد والطغيان؟ هل ينقمون على اإلسالم وجوب الصدق واألمانة والقسط واإلتقان وحسن األداء واإلحسان وبذل الرمحة وصلة الرحم؟ هذه هي منطلقات اإلسالم وقيم اإلسالم ولب اإلسالم، وما عدا ذلك جهل

هلا امللتمسون من املنافذ، ولووا أعناق القول شعوذة مهما التمس ووخلط وخرافة .وجندوا سوء الفهم واستلوا خناجر جزئية املنهج واحنرافاته

وإملامة سريعة بأمهات الكتاب وحمكم آياته وجوامع كلمات الرسالة تنبئ بقيم

و

نقول هلؤالء

سط

Page 56: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

56

. كل احنراف يف الفهم والغايةأمام وتقطع باملنهج الصحيح ،اإلسالم وغاياته

:ن أمهات القيم اإلسالمية يف كتاب اهللام -أ

:قال سبحانه وتعاىل يف كتابه العزيز

:يف وحدة الربوبية واأللوهية

إنماهانحبس احدو إله الله)1(. إ ال إله هأن لمالفاعالله )2(. م هعا كان مملد وو من ذ اللهخا اتإلهم ن)3(. صريالب ميعالس وهء ويكمثله ش سلي)5(. فيهن نمو ضاألرو اتاومت السدلفس ماءهوأه قالح عبلو اتو)6(. حير وفؤاس لربالن إن اللهم)7(. إال ال إله احدو إله كمإلهوحيمالر نمحالر وه )8(.

إ ء ال إلهيكل ش القخ كمبر الله الذلكموه )9(.

وةهادهالشب ويالغ المع وإال ه الذي ال إله الله )10(.

170: النساء)1( .19: حممد)2( .19: املؤمنون)3( .11: الشورى)5( .71: املؤمنون)6( .65: احلج)7( .163: البقرة)8( .62: غافر)9( .22: احلشر)10(

طرق على

قالح كمبر الله فذلكم)4(.¶

Page 57: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

57

إله إذا من هعا كان مملد وو من ذ اللهخا اتال ملعو لقا خكل إله بم بلذه .))3بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون

صفونا يمش عرالع بان الله رحبا فستدلفس ة إال اللها آلهكان فيهم لو)4(.

ء قديريلى كل شع هأنى وتويي المحي هأنو قالح وه بأن الله ذلك)6(.

ان وساإلحل ودبالع رأمي اء إن اللهشن الفحى عهنيى وباء ذي القرإيت .))8 والمنكر والبغي

فوافأو كمبر ة مننيب كماءتج قد هرإله غي من ا لكمم وا اللهدبم اعا قوقال ي .))9الكيل والميزان

:وجوده ومسؤولية ضمريهيف وحدة اإلنسان وغاية

اهجوا زهمن لقخة واحدفس ون من لقكمالذي خ كمبقوا راس اتا النها أييوبث منهما رجاال كثريا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به واألرحام إن الله كان

.))10عليكم رقيبا

فواارعائل لتقبوبا وعش اكملنعجثى وأنذكر و من اكملقنا خاس إنا النها أيي .))11إن أكرمكم عند الله أتقاكم

.91: املؤمنون)3( .22: األنبياء)4( .6: احلج)6( 90: النحل)8( .84: هود)9( .1: النساء)10( .13: احلجرات)11(

مكل إن سعو وإال ه الذي ال إله الله كما إله

الله يرزقكم من السماء واألرض ال إله إال

ات واوما السلقنا خما إال ومهنيا بمو ضاألر

¶.))7 ذلكم الله ربكم الحقف

Page 58: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

58

ضاعل في األري جالئكة إنللم كبإذ قال رو نا مل فيهعجليفة قالوا أتخيفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما ال

.))1 وعلم آدم األمساء كلهاتعلمون راشب القي خالئكة إنللم كبإذ قال رونونسأ ممح ال منلصص فإذا من

اجدينس وا لهوحي فقعر فيه من تفخنو هتيوون.سعمأج مالئكة كلهالم دجفس .اجدينالس عكون مى أن يأب ليسإال إب)2(.

لعي وي الذينتسل يون قل هلمعال ي الذينون وم)3(. عرياب السحا في أصا كنقل معن أو عمسا نكن قالوا لوو)4(. رحالبو رفي الب ماهلنمحو مني آدا بنمكر لقدو)5(. م قكمزرو كمروص نسفأح كمروصاتوبالطي ن)6(.

المع نسأح مهأي مهلوبا لنة لهض زينلى األرا عا ملنعا جإن)7(.

المع نسأح كمأي كملوباة لييالحو توالم لقالذي خ)8(.

دشالر نيبت ين قدفي الد اهال إكريالغ من )9(.

اءسالنال وجالر من فنيعضتسالمبيل الله وقاتلون في سال ت ا لكممو

.31- 30: البقرة)1( .31- 28: احلجر)2( .9: الزمر)3( .10: امللك)4( .70: اإلسراء)5( .64: غافر)6( .7: الكهف)7( .2: امللك)8( .256: البقرة)9(

Page 59: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

59

.))1والولدان

اركمدي من وكمرجخي لمين وفي الد قاتلوكمي لم ن الذينع الله اكمهنال يإنما ينهاكم الله عن الذين تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطنيأن

مهلووأن ت اجكمرلى إخوا عرظاهو اركمدي من وكمجرأخين وفي الد لوكمقات .))2ئك هم الظالمونومن يتولهم فأول

:يف العدل واإلصالح

في ادغ الفسبال تو كإلي الله نسا أحكم سنأحا وينالد من كصيبن سنال تو .))3األرض إن الله ال يحب المفسدين

ابالحس ريعس إن الله موالي ال ظلم تبا كسفس بمى كل نزجت موالي)5(.

ونظلمي مهفساس أنالن لكنئا وياس شالن ظلمال ي إن الله)6(.

لدبالع رأمي اء إن اللهشن الفحى عهنيى وباء ذي القرإيتان وساإلحو .))7والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون

نيالدأو الو فسكملى أنع لواء لله ودهط شبالقس امنيوا قوكونبنياألقرو)8(.

. 75: النساء)1( .9-8: املمتحنة)2( .77: القصص)3( 17: غافر)5( .44: يونس)6( .90: النحل)7( .135 النساء )8(

هو تبا كسفس مفى كل نوت ال ثم م

Page 60: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

60

لودوا بالعكمحاس أن تالن نيب متكمإذا ح)1(.

ىقوللت بأقر ودلوا هدلوا اععلى ألا تم عآن قونش كمنرمجال يو)2(.

وا إن اللهدتعال تو كمقاتلوني بيل الله الذينقاتلوا في سو حبال يدينتعالم)3(.

كرنن المن عوهنيوف ورعون بالمرأمير ويون إلى الخعدة يأم كممن كنلتو .))4وأولئك هم المفلحون

لى اإلوا عناوعال تى وقوالتو لى البروا عناوعتإن ثم و قوا اللهاتان وودالعو .))5الله شديد العقاب

حبال ي هلى الله إنع هرفأج لحأصفا وع نا فمئة مثلهيئة سياء سزجوالظالمني)6(.

:يف عدم الفساد والظلم واإلسراف

إن ت متيسل عفهكمامحوا أرقطعتض ووا في األرفسدأن ت متليو)7(.

لكم ريخ ا ذلكمالحهإص دعض بوا في األرفسدال تو)8(.

فسدينض ما في األرثوعال توا آالء الله وفاذكر)9(.

.85: النساء)1( .8: ئدة املا)2( .190: البقرة)3( .104: آل عمران)4( .2: املائدة)5( .40: الشورى)6( .22: حممد)7( .85: األعراف)8( .74: األعراف)9(

Page 61: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

61

األاء وما السلقنا خمل ويوا فوكفر الذين ظن اطال ذلكا بمهنيا بمو ضرأم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في . للذين كفروا من النار

. ))1األرض أم نجعل المتقني كالفجار

اي قال يان إنالميزال ووا المكيقصنال تو هرإله غي من ا لكمم وا اللهدبم اعقوويا قوم أوفوا المكيال . أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط

بقيت . لناس أشياءهم وال تعثوا في األرض مفسدينوالميزان بالقسط وال تبخسوا ا . ))2الله خير لكم إن كنتم مؤمنني وما أنا عليكم بحفيظ

ب الله را أمون مقطعيد ميثاقه وعب الله من دهون عقضني الذينل ووصه أن ي . ))3ويفسدون في األرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار

اوطغال تو كعم ابت نمو تا أمركم قمتفاس)4( .

آبم رلش إن للطاغنيذا وه)5(.

رفنيسالم روا أمطيعال تو)6(.

رفنيسالم لمن هإنض وال في األرن لعوعإن فرو)7(.

م أليموذاب يع وا منظلم ل للذينيفو)9(.

بيل عا السماسإنون النظلمي لى الذين)10(.

.28-27: ص)1( .86- 84: هود)2( .25: الرعد)3( .112: هود)4( .55: ص)5( .151: الشعراء)6( .83: يونس)7( .42: الزخرف)9( .42: الشورى)10(

ابحأص مه رفنيسأن الما إلى الله وندرأن مو

Page 62: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

62

ا جثيامثفيه الظالمني ذرنقوا وات ي الذينجنن )1(.

ونكسبت ما كنتذوقوا م قيل للظالمنيو)2(.

ل ظلمامح نم ابخ قدوم والقي يللح وهجت الونعو)3(.

:يف الصدق واألمانة واإلحسان

اتالقانتو القانتنيات ومنؤالمو مننيؤالمات ولمسالمو لمنيسإن المقنيدصتالمات واشعالخو اشعنيالخات وابرالصو ابرينالصادقات والصو ادقنيالصو

و الذاكرينافظات والحو مهوجفر افظنيالحات وائمالصو ائمنيالصقات ودصتالم .))4الله كثريا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما

صد ادقنيالص فعني موذا يه قال اللهمقه)5( .

اسن النع افنيالعظ ويالغ الكاظمنياء ورالضاء ورفقون في السني الذين)7( .

فيه لفنيختسم لكمعا جفقوا ممأنو)8(.

كنـي الذينو مهرشبيل الله فبا في سهفقوننال ية والفضو بزون الذه .))9 بعذاب أليم

.72: مرمي)1( .24: الزمر)2( .111: طه)3( .35: األحزاب)4( .119: املائدة)5( .134: آل عمران)7( .7: احلديد)8( .34 التوبة )9(

قهمبصد ادقنيالص الله زيجلي)6( .¶

Page 63: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

63

ومرحالمائل وللس قح الهموفي أمو)1( .

مهنيى بورش مهرأمالة ووا الصأقامو همبوا لرابجتاس الذينو ماهقنزا رممو . ))2ينفقون

األذىياو نبالم قاتكمدطلوا صبوا ال تنآم ا الذينهأي )4(.

لوا اللهعجال تاسوالن نيوا بلحصتقوا وتتوا وربأن ت انكممة لأيضرع)5(.

ينبالد كذبالذي ي تأيأر ،تيمالي عدالذي ي ام ،فذلكلى طعع ضحال يو .))6 المسكني

قدبي الصريبا والر الله قحماتي)7(.

ربا بالصواصوتو قا بالحواصوتو)8(.

ةمحرا بالمواصوتر وبا بالصواصوتو)9(.

الهات إلى أهانوا األمدؤأن ت كمرأمي إن الله)10(.

وناعر دهمهعو اتهمانلأم مه الذينو)11(.

.19: الذاريات)1( .38: الشورى)2( .264: البقرة)4( .224: البقرة)5( .3-1: املاعون)6( .276: البقرة)7( .3: العصر)8( .17: البلد)9( .58: النساء)10( .32: املعارج)11(

إن المصدقني والمصدقات وأقرضوا الله قرضا)3( .¶

Page 64: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

64

اناسن إحيالدبالوئا ويركوا به ششأال ت كمليع كمبر مرا حل ما أتالوعقل ت را ظهم احشوا الفوبقرال تو ماهإيو قكمزرن نحالق نإم نكم مالدلوا أوقتال تو

وما بطن وال تقتلوا النفس التي حرم الله إال بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم منهاوال تقربوا مال اليتيم إال بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل . تعقلونالميزى وبكان ذا قر لودلوا وفاع مإذا قلتا وهعسفسا إال ون كلفط ال نان بالقس

.))1وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرونولحلوا فأصتاقت مننيؤالم ان منإن طائفتلى وا عماهدإح تغا فإن بمهنيا ب

األخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما قسطنيالم حبي أقسطوا إن اللهل ودة ف.بالعوون إخمنؤا الممإن نيوا بلحأص

يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم .أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمونعسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا

نفسكم ولا تنابزوا باأللقاب بئس اإلسم الفسوق بعد اإلميان ومن لم يتب تلمزوا أيا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثريا من الظن إن بعض الظن إثم . فأولئك هم الظالمون

وا وسسجلا تتا ويأخيه م مأكل لحأن ي كمدأح حبضا أيعكم بضعب بتغلا ي .))2فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم

م بالتي هيادلهجة ونسعظة الحوالمة وبالحكم كببيل رإلى س عاد نسأح)3(.

:يف العلم واملعرفة واإلعمار

لقالذي خ كبم رأ باسلق. اقرع ان مناإلنس لقخ.ماألكر كبرأ واقر .

.152 -151: األنعام)1( .12-9 احلجرات )2( .125: النحل)3(

Page 65: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

65

. ))1الذي علم بالقلملقأ الخدب فوا كيض فانظروا في األرقل سري)4(. هنميعا مض جا في األرمات واوما في السلكم م رخسو...) 5(. ارهالنل واللي ل لكمعته جمحمن رلهووا من فضغتبلتوا فيه وكنسلت ...) 6(.

:يف النوايا وقصد اخلري

انودالعلى اإلثم ووا عناوعال تى وقوالتو لى الربوا عناوعت)7(.

ونمنؤالمو ولهسرو لكممع ى اللهريلوا فسمقل اعو)8(.

أنثى ن ذكر أونكم مامل مل عمع ي ال أضيعأن مهبر مله ابجتفاس .))9...بعضكم من بعض

لحنيصالم رأج ضيعا ال نإن)10(. جد الي فر اللهغتسي ثم هفسن ظلمي وءا أول سمعن يمحيماوغفورا ر له)11(.

وددو حيمي ربه إن روا إليوبت ثم كمبوا رفرغتاسو)12(. : لهلقرآن وظهريل السنة تطبيقات -ب

.4-1: العلق)1( .20: العنكبوت)4( .13: اجلاثية)5( .73: القصص)6( .2: املائدة)7( .105: التوبة)8( .195: آل عمران)9( .170: األعراف)10( .110: النساء)11( .90: هود)12(

¶.))2امشوا في مناكبها وكلوا من رزقهرينطهتالم حبيو بني)3(.¶

Page 66: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

66

،كان ما سبق هو بعض أمهات معاين القرآن الكرمي وغاياته السامية الشاملةأقوال الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم وهي ما جند صداه وأثره وتطبيقاته يف

وسنورد الشواهد على ذلك من بعض أمهات . وأفعاله وإدارته تمع الصدر األول كيفأقوال الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم وجوامع كلمه حىت يرى القارئ

بشكل أمشل و من قيم، يف الكتاب والسنة كل ما يتطلع إليه البشراإلسالم حوى .وأكمل من أي عقيدة أو دين أو فلسفة عرفتها اإلنسانية

:يف القصد والضمري ومناط القيمة واملسؤولية اإلنسانيةإنما األعمال بالنيات وإمنا لكل «: يقول رسول اهللا صلى اهللا عليه وآله وسلم

.)1(»امرئ ما نوى

ولكن ينظر إىل قلوبكم إن اهللا ال ينظر إىل أجسادكم وال إىل صوركم« .)2(»وأعمالكم

.)3(»ال فضل لعريب على أعجمي إال بالتقوى« .)4(»من أبطأ به عمله مل يسرع به نسبه« .)5(»كرم املرء دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه« .)6(»قل احلق ولو كان مرا« .)7(»الرب حسن اخللق واإلمث ما حاك يف صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس«

. رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن األربع)1( . رواه مسلم وأمحد وابن ماجة)2( . رواه أمحد)3( . رواه أمحد وابن ماجة)4( . رواه البيهقي واحلاكم)5( . احللية رواه البيهقي وأبو نعيم يف )6( . رواه البخاري يف األدب املفرد ورواه مسلم والترمذي)7(

مام ناظريه

ن

سالم قد

Page 67: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

67

.)1(» أفتاك املفتوناستفت قلبك وإن«

اإلمارة أمانة وهي يوم القيامة خزي وندامة إال من أمر حبق وأدى باحلق عليه « .)2(»فيها

.))3هكلكم راع وكلم مسؤول عن رعيت«

.)4(»أفضل اجلهاد كلمة حق عند سلطان جائر«

شة يف قوم قط إال وال ظهرت الفاح،ما نقض العهد قوم إال كان القتل بينهم« .)5(»سلط اهللا عليهم املوت

.)6(»ال جتتمع أميت على ضاللة فإذا رأيتم اختالفا فعليكم بالسواد األعظم«

من رأى منكم منكرا فليغريه بيده فإن مل يستطع فبلسانه فإن مل يستطع فبقلبه « .)7(»وذلك أضعف اإلميان

:يف الرفق والرمحة والتعاون وحسن اخللق

.)8(»اإلمام أن خيطئ يف العفو خري من أن خيطئ يف العقوبةفإن « .)9(»نت واتبع السيئة احلسنة متحها وخالق الناس خبلق حسنما كاتق اهللا حيث« .)10(»ما كان الرفق يف قوم إال نفعهم وما كان اخلرق يف قوم إال ضرهم«

. رواه البخاري يف التاريخ وهو حديث حسن)1( . رواه احلاكم وصححه)2( . رواه البخاري ومسلم)3( . رواه أمحد وأصحاب السنن األربعة وكذا الطرباين يف الكبري والبيهقي يف شعب اإلميان)4( .صحيح على شرط مسلم: رواه احلاكم وقال)5( . ذا اللفظ رواه ابن ماجة وروى أمحد واحلاكم مثله بألفاظ متقاربة)6( . رواه أمحد ومسلم وأصحاب السنن األربع)7( . رواه احلاكم والبيهقي)8( . رواه احلاكم وأمحد والبيهقي والترمذي)9( . رواه البخاري ومسلم)10(

Formatted: Highlight

Page 68: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

68

.)1(»إن اهللا حيب الرفق يف األمر كله«

.)2(»اخلريمن حيرم الرفق حيرم « .)3(»يسروا وال تعسروا وبشروا وال تنفروا« .)4(»ارحم من يف األرض يرمحك من يف السماء« .)5(»يف كل ذات كبد حرى أجر« .)6(»من ال يرحم ال يرحم«

.)7(»اخللق كلهم عيال اهللا فأحبهم إىل اهللا أنفعهم لعياله«

.)8(»يعرف لعاملنا حقهليس منا من مل جيل كبرينا ويرحم صغرينا و«

.)9(»أحب للناس ما حتب لنفسك«

عينه املؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه اشتكى كله وإن اشتكت « .)10(»اشتكى كله

املسلم أخو املسلم ال يظلمه وال يوبقه ومن كان يف حاجة أخيه كان اهللا يف «م القيامة حاجته ومن فرج عن مسلم كربه فرج اهللا ا كربة عنه من كرب يو

.)11(»ومن ستر مسلما ستره اهللا يوم القيامة

. رواه البخاري ومسلم)1( .لم وابن ماجة وأمحد رواه مس)2( . رواه البخاري بنحوه)3( . رواه احلاكم والطرباين يف الكبري)4( . رواه ابن ماجة وأمحد)5( . رواه البخاري بنحوه)6( . رواه أبو يعلي والبزار والطرباين يف الكبري)7( . رواه أمحد واحلاكم باللفظ املذكور وله طرق وألفاظ أخرى)8( .لتاريخ والطرباين يف الكبري وأبو يعلي واحلاكم والبيهقي رواه البخاري يف ا)9( . رواه البخاري يف التاريخ والطرباين يف الكبري وأبو يعلى واحلاكم والبيهقي)10( . رواه البخاري ومسلم)11(

Page 69: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

69

.)1(»الذي ال يأمن جاره بوائقه... واهللا ال يؤمن« :يف العدل والفقه والبذل وحسن العمل

.)2(»حبسب امرئ من الشر أن حيقر أخاه املسلم« .)3(»الظلم ظلمات يوم القيامة« .)4(»مطل الغين ظلم« .)5(»حديثا هو لك به مصدق وأنت له كاذبكربت خيانة أن حتدث أخاك «

.)6(»فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا« .)7(»قوتيع من كفى باملرء إمثا أن يضي« .)8(»املعروف كله صدقة« .)9(»ما نقصت صدقة من مال«ألن يأخذ أحدكم حبلة فيحتطب خري له من أن يسأل الناس أعطوه أم «

.)10(»منعوه .)11(»اليد العليا خري من اليد السفلى« .)1(»ليس الغىن عن كثرة العرض ولكن الغىن غىن النفس«

. رواه البخاري)1( . رواه مسلم وأبو داود والترمذي)2( . رواه البخاري ومسلم)3( .صحاب السنن األربع ومالك وأمحد رواه البخاري ومسلم وأ)4( . رواه أمحد وأبو داود)5( . رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأمحد والدارمي)6( . رواه البخاري ومسلم بنحوه)7( . رواه مسلم والترمذي مبعناه)8( . رواه اإلمام أمحد ومسلم والترمذي)9( .وأمحد رواه البخاري والنسائي وابن ماجة ومالك )10( . رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك وأمحد)11(

Page 70: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

70

.)2(»أطيب ما أكل الرجل من كسب يده« .)3(»لكل داء دواء« .)4(»ال يورد ممرض على مصح« .)5(»فضل العامل على العابد كفضلي على أدناكم« .)6(»ال يلدغ املؤمن من جحر مرتني«»7(» فليس منامن غش(. .)8(»أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة« .)9(»إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه« .)10(»النساء شقائق الرجال« .)11(»خريكم خريكم ألهله« .)12(»أبغض احلالل عند اهللا الطالق« .)13(»إذا قامت القيامة ويف يد أحدكم فسيلة فليغرسها«

: والوسائل وقضية القيم والغايات التفرقة بني قضية الفكر-ج

. رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأمحد)1( . رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وأمحد والدارمي)2( . رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأمحد)3( . رواه ابن ماجة)4( .اه الترمذي رو)5( . رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأمحد)6( . رواه الترمذي وصححه)7( . رواه البيهقي واحلاكم)8( . رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي)9( . رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأمحد والدارمي)10( . رواه الترمذي وابن ماجة والطرباين يف الكبري)11( . رواه أبو داود وابن ماجة واحلاكم)12( . رواه أمحد)13(

Page 71: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

71

مما سبق يتضح دون شك أنه ال جمال ألحد أن يعترض على هذه القيم واملبادئ لكن الكائدين ال يقصدون . واملنطلقات والعقائد، وما ملعترض يف هذه املعاين سامع

ها الصديق وغمطها أبرزهذه املعاين وال عنها يتحدثون، فكثري من هذه املعاين التدريب نقص و،العدو، وحرمت األمة من التحلي ا بسبب اجلهل بوسائل التربية

إن عقائد . تدريب الناشئة على معانيها وممارستهاعدم و،الفعال يف جمال تعليمهااإلسالم عند أعداء اإلسالم واجلاهلني به هو حديث عن ممارسات التواكل

ئح القصور الفكري والنفسي، والطغيان، وعن جرائم االستبداد السياسي وفضاعقائد اإلسالم . وتقاليد امتهان النساء واحلط من شأن،وعن تعديات جتار الرقيق

عند هؤالء حديث عن احنرافات املسلمني وتاريخ أخطائهم وتقصريهم، وحديث عن عادام وتقاليدهم وآثار جهلهم، وجاهليام وعصبيام، وحديث عن ضمور

م، وحديث عن العجز والتقليد يف دراسام ومعاجلام فكرهم وقصور منهجه .وتطبيقام

وقد يكون من املفيد هنا اإلشارة العابرة إىل أن الشعوب اليت دخلت اإلسالم يف عهود احنطاطها، وما حققته هذه الشعوب بعد ذلك إمنا كان بفضل هي دخلته و

رغم قيم ،ذه الشعوب اإلسالميةاإلسالم ومبادئه ومنطلقاته، وإن ما وقعت فيه ه استمدت جل مادته من ؛ من احنرافات واحنطاط،اإلسالم ومبادئه وقوة دفعه

، رواسب ماضيها واملؤثرات األجنبية الدخيلة عليها على غري ما يأمر به اإلسالم املسلمني أشد حظ شعوبولوال بقية من معاين اإلسالم يف نفوس الناس لكان

. جاهليةسوأظلمة وأكثر فسادا وأ

إن املهم هو أن تدرك هنا أن وجوه القصور يف حياة املسلمني ال ترجع إىل قيم إن حديث القصور . اإلسالم ومقاصده وغاياته، وإمنا ترجع إىل فكرهم وعقلهم

وحديث الصالح إمنا هو حديث عن العقل املسلم والفكر املسلم وعن تنـزيلالعقل املسلم والفكر املسلم للمبادئ والقيم والغايات على اتمعات والتنظيمات

عا إيل

كانت

على عكس غاياته وتوجيهه

ال شك

ىن

Page 72: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

72

هناك فرق بني مبدأ التكافل والتضامن وبني إجراءاته وترتيباته. والوقائع واألحداثها ، وهناك فرق بني مقاصد الشريعة وبني سياساا، وبني مبادئ الشريعة وقيم

متتد يف ،وبني إجراءاا وترتيباا، فالقيم واملبادئ واملقاصد هي من كليات الوجودالفطرة السوية عرب املكان والزمان، أما الترتيبات واإلجراءات والسياسات والتطبيقات فتنطلق من الزمان واملكان حنو القيم واملبادئ والغايات يف أصل الفطرة

.وكليات الوجود إنما هي أزمة فكر ال أزمة عقيدة، وهي أزمة منهج ال أزمة يف النهايةاألزمة

.فحوى، وهي قضية وسيلة ال قضية غاية

من هنا جيب أن ينطلق البحث الصحيح والعمل اجلاد، وأن نضع بذلك حدا للحلقات املفرغة من دوران املتابعة الالهثة خلف الدعوات املغرضة والسرابات

.عة وجرعات التقليد الفاسد العقيماخلاد

: العزلة الفكرية تربة اجلمود والتقليد والتخلف-2

وقد ظهرت أزمة الفكر املسلم والعقل املسلم واملنهج املسلم جلية واضحة بتقدم الزمان وتطور األجيال وتبدل التحديات، حىت غدت اهلوة بني املثال والواقع

ت أماين، واإلجنازات والقدرات تارخيا وذكريات، ال ختطئها العني، وأصبحت الغاياوأصبح من الواضح إفالس اتمع وإفالس قيادته السياسية بسقوط األمة يف قبضة أعدائها، كما أصبح من الواضح إفالس قيادته الفكرية حىت مل تعد قادرة على أخذ

ية واحلضارية الوافدة وجتديد طاقة األمة احلضارية ملواجهة اهلجمة الثقافزمام املبادرةالدخيلة، وأصبح لزاما معرفة املسار التارخيي الذي انتهى باألمة وقيادا إىل مواقفها

.املختلفة اليت تقف فيها

إن من الواضح أن اآلفاق احلضارية اليت بلغتها األمة باألمس مل تكن إال من ا بقي من آثاره من آثار الدفعة الكربى اليت أحدثها الصدر األول من اإلسالم، وم

أو القصور يف إجراءاته وترتيباته

ح لنا أن الفرق بني العقيدة واملبادئ ل هذا يوضوالفهم والتطبيقات والتوفيق فيها أو قصورها

ساسية جدية، ال جمال لغبش يف فهمهان نصحح مسريتنا ونصلح أمرنا وننطلق إىل

أن وهذا معناه يف النهاية. عاناتنا

Page 73: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

73

وكان ال بد للجذوة أن ختبو، وللحركة أن تتالشى . مفاهيم وسياسات وتنظيماتويف . كلما تغريت األحوال، وظهرت عوامل املقاومة، وتغريت املعامل والتحديات

وذلك بانفصام ، وتالشت طاقة الدفع والتجديد،قد دليل العملهذه األحوال ف ، وتعارض السالطني والعلماء والتباعد بينهما،دة الفكريةالقيادة السياسية عن القيا

وكان ال بد .مما أدى إىل الركون للحرفية والتقليد وإىل اتباع اجلاهليات واألهواءمن أن تتراخى املسرية وأن تصعب مواجهة العقبات والتحديات، حىت عجزت

وليد اخلطط وعن ت،األمة عن االستمرار يف توليد املعارف وتطوير األنظمةوالوسائل والسياسات لبلوغ آفاق حضارية متنامية تستجيب للظروف واحلاجات

.واإلمكانات املتطورة املتغرية

وعزلة القيادة الفكرية، واألمة ،فمنذ انفصام القيادتني السياسية والفكرية وحركتها االجتماعية واحلضارية ال تعيش إال على بقايا البناء واهلياكل والسياساتاالجتماعية الكربى اليت أرساها الصدر األول لتستمر يف تناقض مع معاول االحنراف السياسي والفكري واحلضاري الذي يسري يف جسد األمة وقيادا

حىت ،السياسية واالجتماعية، إىل جانب تغري األحوال وتبدل اتمعات والتحدياتوهياكله، وال تكاد تستبني له من رسومه مل يبق من البناء اإلسالمي التارخيي إال

اس يف بعض وصف إال فيما تنطوي عليه القلوب من عواطف أو مما ميارسه الن .أحواهلم الشخصية من طقوس وتصرفات

بعيدا عن ممارسات ،أما القيادة الفكرية فإا لعزلتها وللحصار املضروب عليهاصرفت للنصوص الدينية، تدرسها انقداملسؤولية السياسية واالجتماعية لألمة، ف

وتبين علومها وعلوم اللغة العربية الالزمة للحفاظ عليها وصيانتها من الضياع والعدوان، ولذلك أقاموا علوم نصوص القرآن وعلوم نصوص السنة وعلوم نصوص اللغة، وجاءت علوم الفقه لتنحصر يف جمال املمارسات الفردية يف أبواب الشعائر

، يف أبواب املعامالت، وهي يف ذلك أقرب إىل الوصف والشروحأو) العبادات(

ا

Page 74: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

74

. ملا كان عليه أحوال الصدر األول وممارساته يف احلياة اليومية،اليت تفتقد التنظري

انفصل علم الفقه والتطبيقات احلياتية عن علم العقيدة والرؤية الكلية كذلك العقائد دور يذكر يف ترشيد احلياة الكونية واحلضارية، ومل يعد للعقائد وعلم

االجتماعية وتقدمي اهلداية والدليل حلركتها ومبادرا، بل حتول يف جوهره إىل علم املتشاات واملعميات واجلدليات اليت تقذف العقل املسلم يف أمواج متالطمة من

ري من يف كث تشله واليت،الغيبيات اليت ليست من شأنه وال يف طاقة نظره وإدراكه . وتصرفه عن غاياته وجدية أداء مهمته يف احلياة من العمل واالستخالفاألحوال

ه حركته حىت األصول الكربى لإلسالم وللعقل املسلم وقاعدة فكره وموج كانت املرشد احلي الفعال للعقل املسلم وفكره يف الصدر األول، جندها ، وقدوفعله ومسي ، القسم األول منها يتعلق بالنصوص حفاظا وقياسا: قسمني إىلانقسمتقد و

يتعلق بالقواعد واملنطلقات الالزمة للنظر يف الواقع ثاينالقسم الوباألصول األساسية، . أصوال ثانوية هذه اعتربت، وقداحليايت واالجتماعي والتعامل مع الطبائع واألحوال

واملناهج اخلاصة بالنصوص لتصبح علما ومعارف وهكذا طورت األصولمتكاملة، أما األصول واملناهج اخلاصة باألحوال والوقائع والطبائع فإا أمهلت،

ولذلك مل تنشأ علوم اتمع باملعىن . وأمهلت معها حقوق العلم واملعرفة املتعلقة اعلم سياسة إسالمية، وهكذا مل ينشأ . الصحيح وباملدى املمكن ملنطلقات اإلسالم

وال علم تربية إسالمية، وال علم اقتصاد إسالمي، وال علم إعالم إسالمي، وال علم والعلوم املنهجية املنظمة هي غري التأمالت والنظرات التلقائية املبعثرة . إدارة إسالمية

.دون ختطيط وال منهج فقد أصبح ،هاتمع املسلم، وبناء نظمه، ورسم سياسات) كوادر(أما إعداد

أمرا اعتسافيا عشوائيا تتخبط معه مسرية األمة، وتنهار به مؤسساا وتنحط به ).كوادرها(نوعية

يت

يضا

لهش

صبحت تنقسم

ا

ي

إا

Page 75: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

75

إن الفرق بني التأمالت العابرة االجتماعية والدراسات العلمية االجتماعية هو أن ائع والفطرات الكونية إىل الغايات دراسات منظمة تنطلق من الواقع والطبهذه األخرية

كما ،واملبادئ والقيم، وأا تنضبط بنتائج الواقع وحتقيق اآلثار املطلوبة، وال تتستر . خلف األلفاظ واألماين والدعاوى والذكريات،حيدث اليوم كثريا

أزمة العقل املسلم هي أزمة حتقيق الغايات اإلسالمية النبيلة، وجتسيد القيم إنبادئ، وهي أزمة فكرية يف لبها ومنطلقها، هي أزمة املنهجية العلمية اليت وامل .فتقدها يف ميدان الدراسة االجتماعيةن

،إن أزمة الفكر املسلم كما هي اليوم هي أزمة املنهج العلمي االجتماعيو - إىل جانب املعرفة بدالالت النصوص -وبناء العلوم االجتماعية اليت متد األمة

حىت تتمكن األمة ،رفة بالطبائع والفطرات والوقائع واألحوال يف الزمان واملكانباملع همن بناء فكرها ونظمها ومؤسساا وسياساا اليت حتقق غايات اإلسالم وقيم

.هومبادئ فإننا نعين هنا امليادين واحلقول اليت ؛ا نتحدث عن العلوم االجتماعيةنوإذا ك

سوامها أو ه إليها الدراسة املنهجية، وليس بالضرورة الصيغة الغربية أو الشرقية تتوجانطالقا من مصادره املعرفية -يف هذه امليادين واحلقول، فال شك أن العقل املسلم

سوف يضفي خالل مسريته على الدرب صيغته اليت تناسبه-األمشل واألكمل .وحتقق غاياته على الوجه األكمل

ديث عن تفصيالت قضايا العلوم واملعارف االجتماعية اإلسالمية إن احلومسمياا أمر مبكر وسابق ألوانه، وسوف تكشف األيام واجلهود تدرجييا عن معاملها وتفصيالا، فأيا كانت الصيغة اليت نبدأ منها اليوم فإمنا املقصود البدء من

واألمر املهم أن نقطة . إجنازاتنقطة املعلوم لالستفادة مما حققته اإلنسانية مناالنطالق جيب أن تتميز باألصالة والنضج والتفتح حىت ميكن للمسرية أن تنطلق

.بعيدا عن التقليد الذي وقعنا يف حبائله ونبغي الفكاك من إساره

دراسات العلمية االجتماعية

ت

إلسالم

إلسالم

Page 76: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

76

Page 77: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

77

الفصل الثاني

Page 78: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

78

المنهج التقليدي للفكر اإلسالمي

نقد وتقويم

Page 79: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

79

نقد وتقومي : املنهج التقليدي للفكر اإلسالمي

قد ثبت ، التارخيي منها واألجنيب،اتضح لنا مما سبق كيف أن احللول التقليدية

فشلها على مر القرون، وكيف أا ال متثل املنطلق الصحيح لإلصالح مهما طال ألمة ليست أزمة يف اإلمكانات تضح لنا أن أزمة ااالزمن وتكررت التجربة، كما

.واملوارد وإمنا هي أزمة يف اجلوانب املعنوية لألمة

كذلك اتضح لنا أن أزمة األمة املعنوية ليست أزمة عقيدة وقيم ومبادئ وإمنا القاعدة حني تغيرتهي أزمة فكر ومنهج، وأن هذه األزمة قد بدأت منذ أمد بعيد

ها عن املسؤولية االجتماعية، من عزلة القيادة الفكرية وكف ذلكبعالسياسية وما ت من توقف منو احلركة الفكرية والعلمية املنهجية كل هذاوما ترتب على

باألمة إىل العجز عن مواكبة التغريات والتطورات والتحديات مما أدىواالجتماعية، .املتعاظمة املتالحقة

ليت أدت

ود جذوره إىل

ري

ك

Page 80: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

80

أزمة القدرة على مواكبة التغريات -ن الواضح أن األزمة وذا أصبح مسلم، وتصحيح إال بتصحيح مسار العقل املحل لن ت- والتحديات احلضارية

تؤهله للتعامل اليت تمنطلقات الفكر املسلم، وبناء منهجيته العلمية واالجتماعية واألحداث والتحديات كل ما يتعلق ا من الوقائعباملنضبط مع احلياة االجتماعية وأمكنه أن ميد األمة بالطاقة صح املنهج صح الفكراوالعالقات والفطرات، ألنه إذ

على الوجه الذي ترى اإلفادة منه يف جهود البناء ، لنشاطاا وحاجاا كافةالالزمة . ومواجهة التحدياتواإلصالح واإلعمار

أمر منهجية العقل املسلم والفكر هلذا ال بد لنا أن ننطلق لننظر عن كثب يفاملسلم لنتفهمها ونتعرف على وجوه النقص والقصور فيها حىت ميكن لنا رسم

.خطوط مبدئية عامة حنو إصالحها وإرساء قواعدها

:تعريف وتوضيح: األصول -1

باملنهج التارخيي للفكر اإلسالمي ما هو معروف بعلم أصول الفقه، املقصود وميكن ،جزء يف املنهجية األساسية يف دائرة الدراسات اإلسالميةفهو ميثل أهم

يف ، وما يتصل به،تسميته باملنهج التقليدي إذا لوحظ موقف الدارسني هلذا العلم اتصل موقفهم مبوقف إذالعصور الالحقة لعصر الصدر األول وعصر االجتهاد،

.املتابعة والتقليد يف أصلها وعمومها، عكست موقفا أصيال فاألسس والقواعد العامة للمنهج،

وقد متثلت هذه الروح .تلقائيا لطبيعة الفكر اإلسالمي وعالقته بالدين والرسالةأفضل متثيل يف فكر عهد اخلالفة الراشدة والتزامها وتنظيماا واجتهاداا اليت

لوحي للهداية والتوجيه، والعقل واالجتهاد أداة لفهم اااعتمدت الوحي مصدرلتوليد احللول واألنظمة ) الفطرة(لدراسة الطبائع والوقائع أداة وحسن التلقي عنه، و .واألحكام والسياسات

ع

هنا

يث

Page 81: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

81

السياسية والفكرية يف تني واالنضمام بني القياد،ويف عصر االجتهاد الالحق فإن رجال الفكر اإلسالمي كانوا ال يزالون قريبـي عهد بالرسالة واخلالفة ،بداياته

ولكن .املمارسة، ولذلك جتدهم يرتقون ويؤلفون على أساس من هذا املنهجوبسبب تلك العزلة السياسية اليت أخذت تسيطر على دوائرهم بدأوا ينصرفون تدرجييا إىل العمل يف التأليف والبحث والدرس والتأصيل للجوانب اخلاصة

، وما يتعلق بشؤون األفراد بدراسات نصوص القرآن الكرمي والسنة النبوية املطهرةمن عبادات ومعامالت، دون كبري التفات إىل شؤون السياسة واحلكم ومؤسسات

. اتمع وذاتيته اجلماعية والعامة

كما تبلورت على أيدي العلماء يف تلك -وبذلك أدت تلك املنهجية األصولية واليت مل ،ها املقصود منها، واستجابت للظروف اليت نشأت في- العصور السالفة

ولذلك بقيت كلياا صاحلة ملزيد من النمو . يكن للعلماء فيها حينذاك خياروالعطاء، وأصبح هذا النمو املنشود مسؤولية األجيال الالحقة اليت كان عليها متابعة

واالستفادة ،املسرية بروح األصالة ال التقليد، حىت ميكن التعامل مع تلك املنهجيةات وحاجات من ظروف ومتغريات وإمكان لتتابع ما جد،يهامنها، والبناء عل

أثرها وعطاؤها على وحتديات، وتستجيب هلا، فتنمي تلك املنهجية وتطورها ليمتدالوقوف ا أساس من احلاجة املعاصرة إىل خمتلف جماالت احلياة واملعرفة، وليس

احلياة الفردية يف الغالب عند دائرة األحكام واجلوانب القانونية يف جماالت فقط وبذلك حيتفظ الفكر اإلسالمي بشموليته وأصالته واجتهاده وتكامل . األعم

.مصادره وعلومه

ف ا كليات املنهج ومن املفيد لغرض التقومي والنقد أن نبدأ بنبذة سريعة نعرالتقليدي للفكر اإلسالمي كما نعرفه اليوم، مث نقدم بعدها حملات عن أهم وجوه

.تقومي والنقد هلذا املنهج وقضاياه الكربى عرب تاريخ األمةال

ط

Page 82: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

82

فاملنهج اإلسالمي الفكري كما نعرفه اليوم، تتمثل مصادره ومنطلقاته العامة فيما يعرف بعلم أصول الفقه، وهذا العلم أو قواعده العامة إمنا متثل بديهيات العقل

، تلقائيا وفطريا،م، ومارسهااإلسالمي وأسسه وقواعده العامة كما جاء ا اإلسالالفكر والعمل والتنظيم اإلسالمي للصدر األول من اإلسالم، ولكن األصول كعلم مل يتبلور إال على يد طبقة كبار العلماء من التابعني وتابعي التابعني اليت ظهرت بعد

) ه204-150(لإلمام الشافعي » الرسالة«زوال دولة اخلالفة الراشدة، ويعترب كتاب .أول مصنف علمي يف جمال منهجية الفكر اإلسالمي وعلم األصول

أو الوسائل األساسية والقواعد العامة اليت يقوم عليها هذا العلم ،واملصادرجمموعة أساسية وجمموعة فرعية، فاموعة : تتمثل يف جمموعتني،وهذا املنهج

ب الكرمي والسنة النبوية األساسية تتكون جوهريا من املباحث املتعلقة بالكتاأو ما يعرف أحيانا باألصول الثانوية أو -واإلمجاع والقياس، واموعة الفرعية

تتكون من جمموعة القواعد واملنطلقات واملصادر اليت تقوم - األدلة املختلف فيهاه م الواقع احليايت االجتماعي باجتاعلى جمملها عمليات االجتهاد اإلسالمي وتفه ويتفاوت عدد وأمهية كل واحد من .االلتزام واملمارسة احلياتية من منظور إسالمي

ومن أهم هذه . هذه األصول من مدرسة إىل مدرسة أو من مذهب إىل آخر ، وسد الذرائع، واالستصحاب، واملصاحل املرسلة،االستحسان: األصول الفرعية

.نة وغريها وعمل أهل املدي،وأقوال الصحابة، والعرف

:علوم شرعية وغري شرعية

وعلى أساس من هذا التقسيم ملنهجية الفكر اإلسالمي إىل أصول أساسية تتعلق بنصوص الكتاب والسنة، وما يبىن عليها من قضايا القياس واإلمجاع، وإىل أصول فرعية وثانوية تتعلق بشؤون االجتهاد والنظر يف احلياة االجتماعية ووقائعها،

أن العلوم واملعرفة اإلسالمية منذ ذلك الوقت مت بناؤها وتقسيمها إىل علوم جند .شرعية وعلوم غري شرعية

صحيح

Page 83: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

83

هو وهكذا أصبحنا نالحظ منذ ذلك الوقت أن الطابع املميز للعلوم الشرعية ارتكازها إىل دراسات االستنباط الفقهي من الكتاب والسنة، وقد نشأ على أساس

ا،رف مبجموعة العلوم الشرعيةهذا املنطلق ما ععلوم القرآن : هي وتقسيما .الكرمي والسنة النبوية، وعلوم الفقه، وعلوم العقيدة، وعلوم اللغة العربية

التصاق علوم اللغة العربية بالدراسات والعلوم الشرعية وعناية العلماء ا وأساسي لدراسة نصوص الكتاب الدراسة اللغوية العربية عنصر فواضح السبب،

.والسنة واالستنباط منها

هذا التقسيم، وهذا االنفصام يف بنية املنهجية اإلسالمية الفكرية هو الذي يفسر لنا وضع علم العقيدة أو علم الكالم يف ذيل قائمة الدراسات الشرعية، وذلك

إال أن دخوله يف ألن علم الكالم وإن كانت قضيته هي دراسة العقيدة اإلسالميةدائرة الدراسات املقارنة للملل والنحل، وتسلل املنطق والنظر الفلسفي اليوناين إىل دائرته، وبعده عن دائرة النظر االستنباطي يف النصوص، ذلك النظر الذي ركز عليه

يف عزلتهم العلمية بعيدا عن املمارسة واملسؤولية به علماء الشريعة وانشغلوا يف ذيل أولويات العلوم الكالمعلمجعل كل ذلك ية واالجتماعية، السياس

بذلك بقي علم . والدراسات الشرعية وتركه موضعا للجدل واخلالف بني صفوفهاالعقيدة مصدر ضعف وبؤرة استنـزاف يف فكر األمة، حرمت األمة من وضعه

اري املتطور واملتغير، حلركة أنظمتها وبنائها االجتماعي واحلضوجهموضع املوانفصمت بذلك دائرة علوم الفقه احلياتية اجلزئية عن دائرة علوم العقيدة الكلية

الرؤية اإلسالمية، مما أدى إىل قصور كل من عملها لبناءالتوجيهية، ومل تتكامل يف جزمها فيما بعد والتطبيقية العلمية التنظيمية، وع،دية التنظرييةق الكلية الع:الدائرتني

.عن مواكبة دواعي التغيري والتحدي

من املفيد النظر إىل مفردات األمور ومقوماا ؛ ويف مقام التعريف والنقد

يت

ن

ن

الك

يل

ء

Page 84: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

84

حىت ميكننا أن ندرك وجوه القصور يف الفكر ؛األساسية يف إطار الفكر التقليدي .ومسبباته، ومن مث االجتاه إىل معاجلة قضاياه

وأهم ما يالحظ . الكتاب الكرمي والسنة النبوية األساسية األصولرأسعلى وا يف إطار معلى مفهوم هذين األصلني األساسيني أن مؤهالت دراستهما والنظر فيه

ا م تارخيية، جتعل الدراسة العلمية اإلسالمية فيهاملنهج التقليدي هي مؤهالت لغوية من فهم ودراية بالواقع وإمكاناته وحاجاته دراسة ما يتطلبانه و،دراسة نظرية

قضية ثانوية تعتمد على حمض مصادفات تكوين الدارس وأسلوب ممارسته وحتدياته غلبة املنهج والفهم اللغوي اجلامد على الدراسات أسباب ومن هنا ندرك .احلياتية

قدرة فهم سر ن كما،انقطاع االجتهاد أسباب و،اإلسالمية يف العصور املتأخرة على االجتهاد رغم املتأخر، عرب التاريخ اإلسالمي، معدودة من أفذاذ العلماءعصبة

م يف ا وممارس، قبلهم، وذلك ألن أسلوب دراستهم االجتهادانقطاعقرون من ة، أهلتهم ملعرفة علوم عصرية ومعرفة واقع حياة األم،احلياة االجتماعية والسياسية

، وذلك النظر اللفظي البحتوليس جمردكذلك للنظر املوضوعي املتمكن وأهلتهم ما كانت عليه حياة الصحابة رضوان اهللا عليهم وكبار العلماء يف عصر االجتهاد

.األول

، يف إطارها التقليدي،ويالحظ على دراسات الكتاب الكرمي والسنة املطهرةل على موضع كل منهما، والعالقة فيما بينهما، حىت ال يكاد اخللط بينهما، واجلد

. ولعطائه اخلاصايوجد إدراك موضوعي واضح حاسم لدور متميز لكل منهموبذلك سيطر على دراستهما املعاصرة مفهوم التقليد التارخيي وفكرة النسخ، وضاعت حكمة السياسة الشرعية ومقاصد الشريعة وحركية الفقه والفكر

مي، وانعدم يف كثري من هذا الفكر بعدا الزمان واملكان، وموضع النص اإلسالالفطرة اإلنسانية والكونية، وذلك على غري ما من اجلزئي من أصل جممل الوحي و

نراه واضحا يف واقع منهج السنة النبوية املطهرة، وممارسات اخللفاء الراشدين

هي

ى حنو

ل

مها

ظرية

لطهما خيا

بب

م

رذمة

رون من

ن

قط

Page 85: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

85

النبوية املطهرة إىل دراسات معقدة ال حتولت دراسات السنةلقد . والصحابة الكرام رغم مرور العقود والقرون -على أمهيتها -شكليات الرواية والسند ب تعىن ؛تنتهي، ويف الوقت نفسه مل تنل دالالا ومعانيها ومقاصدها السنة املطهرةتدوين على لبحث والعناية خارج اإلطار اللغوي، حظها املنهجي املناسب من ا،وغاياا .والتدقيق

وإذا دققنا يف دليل اإلمجاع وجدنا أن املقصود باإلمجاع األصويل هنا ليس اإلمجاع مبعىن الرأي الغالب أو رأي اجلمهور، ولكن املقصود به اإلمجاع املطلق

ألي -مجاع هذا اللون من اإل و.الذي ال يترك جماال ملعارضة أو اختالف من أحد ال ميكن أن يتحقق يف أمر من أمور الدين والشريعة إال يف - من قطاعات األمة

النصوجود أي أمام -األمور األساسية اليت جاءت ا النصوص، ويف هذه احلالة وهذا اإلمجاع األصويل يف مفهومه التقليدي ال . ال حجية وال حاجة ألي إمجاع-

يف دراسات الكتاب والسنة، مما املتخصصني األكادمييني وء يعتمده إال فئة العلمااس، وال ختاطب قضية نظرية ال تستجيب بالضرورة حلاجات الن- لو حتقق -جيعله

أو حتصل على قناعتهم ودعمهم، فذلك أو تتمثل يف واقعهمتتحرك م وأعقوهلم أبعاده الواقعية واالجتماعية - مييةإىل جانب أبعاده النظرية األكاد -أمر له

واقعا يرتضي ويكرس االنفصام بني القيادة العلمية تكونوالسياسية، وبذلك تمع وينتهي بذلك عمليا فيتدهور ا،الفكرية وبني القيادة السياسية واالجتماعية

.مفهوم األمة واجلماعة املسلمة الذي ينبين على تالحم دور الفئتني وشرعيتهما

فاإلمجاع األصويل هو مفهوم نظري حبت ال ميثل يف احلقيقة مصدرا عمليا وال أسلوبا حقيقيا للعطاء اإلسالمي االجتماعي والسياسي واحلركي، وال ، بهيعتد

شريع يف اتمع اإلسالمي قضايا السياسة واحلكم والتمن أي شيء ذي بال بيتعلق إمجاع يقوم على مفهوم االجتهاد اإلمجاع الذي جيب أن نتطلع إليه هوو. املعاصر

قد وقادة اتمع امللتزمني فهوم أهل احلل والعمبوالشورى، ويأخذ بشكل واسع

Formatted: Highlight

و

تدوينها

ذا حتقق للدارسني أن

يل

ألكادمييني

كما تعني على تكريس واقع االنفصام بنيادة السياسية وممارساته يف حياة األمة،

ب

مجاع من نوع آخر، فهو

Page 86: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

86

وعلى خمتلف مواقعهم السياسية واالجتماعية والعلمية، ومبفهوم ،همإسالميا مجيع، أي مبفهوم االلتزام برأي األغلبية، أغلبية األمة متمثلة يف رأي مجهورهم وقناعته

احلقيقية امللتزمة إذا تعذر اتفاقهم مجيعا على رأي أو مفهوم واحد، وبذلك قياداتال ،ية، أو الرأي اخلاص، أو القناعة الشخصيةنفرق بني الدراسة النظرية األكادمي

خاصة فيما يتعلق باملعامالت واملؤسسات والسياسة العامة، وبني اإللزام السياسي والقانوين التشريعي يف احلياة العامة، وما يترتب عليه من آثار عملية معنوية

.وأخالقية واجتماعية وسياسية

ه النظر يف احلوادث اليت ترد والقياس هو األصل األساسي الرابع، ويقصد ببشأا نصوص من القرآن الكرمي أو السنة النبوية املطهرة، وذلك للبحث عن العلة املشتركة بينها وبني نظائرها اليت وقعت على عهد الرسالة، واليت يتوحد ا احلكم

وأداء هذا األصل بشكل سليم يفترض أساسا ثبات الصورة الكلية. يف احلالتنيللمجتمع، وأن كل متغير إمنا هو متغير جزئي وحادث حمدود، يقتضي التعامل معه

على احلادث يف احلوادث اجلزئية املاضية، والعثور النظروالتوصل إىل حكم بشأنه . نفسه احلكماملشابه الذي يشترك معها يف العلة ليأخذ معها

عوبه يف عهد اخلليفة الثاين عمر شتومنذ اتسعت رقعة أرض اإلسالم، وتعدد وتغير األحوال واإلمكانات ، ومع مضي القرون واحلقب،- رضي اهللا عنه-

بل ا، تغيريا جزئيمل يكنواحلاجات والتحديات، فإن التغيري يف كثري من احلاالت . يف بعض جوانبه ا واسعا شامال تغيريكان

أن ندرك أن القياس اجلزئي مل يعد مناسبا للدراسة والنظر يف كثري إن من املهم أصويل تطورشهد ظهور ن، ومنذ عهد مبكر،وهلذا السبب. من احلوادث والتغريات

الذي نشأ وترعرع يف أرض العراق وما وراءها )االستحسان(، وهو أصل جديديف ضوء ما -ئه يف هذه البالد ونستطيع أن ندرك أن سبب نشو.من بالد فارس

م

إال

قع

فس

س

نما هو

واسع شامل

د

Page 87: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

87

نتيجة ملا جد من تطورات يف تكوين اتمع كان إمنا - سبق ذكره بشأن القياس هذا وامتداد، عهد اخلالفة الراشدة والفتح اإلسالميعما كان عليه يفاإلسالمي إىل أرض العراق وفارس اليت قامت فيها حضارات ودول عديدة، وأصبحت اتمع بعد قاعدة أكرب الدول اإلسالمية، وهي الدولة العباسية، مما أدى إىل قيام ومنو فيما

معروفة على عهد مل تكنتطورات سكانية واجتماعية وسياسية وحضارية كربىاليت توارى دورها السياسي وهي الصدر األول ودولة اإلسالم يف اجلزيرة العربية،

.شدة من أرض احلجازمنذ زوال مقعد اخلالفة الرا على رأس قائمة يأيتواالستحسان هو أصل من األصول الفقهية الالحقة

ونشأة هذا األصل توضح ما أحسه الفقهاء من تطورات تنبئ .األصول الفرعيةوأثر ذلك على يف دول احلواضر الكربى، السيمابإشكاالت اجتماعية وتشريعية، و

على االقتصار على مفهوم القياس اجلزئي وأسلوبه رةاملنهجية الفكرية، وعدم القديف قياس احلادث على احلادث والواقعة على الواقعة، مما قد يوهم الباحث يف شأن

ويصرفه عن اإلدراك الكامل جلوانب القضية موضع النظر، فيقضي بأحكام ،العلل مفهوم ال متثل احلقيقة الكاملة والصورة الشاملة، ومن هنا جاءت احلاجة إىل

من - إذا مل يسعفه القياس وأخطأ التعليل -االستحسان، وذلك حىت يتمكن الفقيه اجلزئي إىل النظر الكلي، واحلكم مبا متليه روح الشريعة ومقاصدها ختطي النظر

ومقاصده اإلسالممنسجما مع روح وأولوياا الصحيحة، فيأيت احلكم يف احلادث .وأولوياته

وحىت نفهم قضية األنظمة اإلسالمية والتغري االجتماعي واحلضاري، جند أن وتوسعوا يف قبوهلا وااللتزام بدالالا احلرفية ما ،الفقهاء الذين التزموا بالنصوص

إال التسليم بأثر هذه التغيرات ،أمام صور التغري والتطوريلة، دوا حأمكن، مل جي اتمع والوسائل واإلمكانات واحلاجات، فكان ال بد هلم أن الكلية النوعية يف

يها، إىل ف منهجهم يف التزام حرفية النصوص والنظرة اجلزئية - مضطرين –يتخطوا

Formatted: Highlight

و

ى

عهودة وال

اصة

هو أوىل ب

روحه

لكوا

سيلة

Page 88: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

88

. روح الشريعة ومقاصدها وأولوياا وكلياا

ومن األمثلة على ذلك موقف هؤالء الفقهاء من قضية التسعري ونصوصها، - يف هذا الشأن صراحة نصوص السنة النبويةمع اإلفتاء بالتسعري فنجدهم يقبلون

- رغم حرصهم على التمسك حبرفية النصوص والقياس اجلزئي على حوادث السنةوالسبب هو ما كان سيترتب يف ذلك الوقت من ظلم إذا مل يفتوا بالتسعري، ولذلك

معاجلة األمر معاجلة كلية تعيد مل جيدوا بدا من اإلفتاء بالتسعري حني مل يستطيعواوتستعيد توازن السوق دون إىل التنظيم االجتماعي واالقتصادي توازنه الكلي،

من قبل السلطات العامة يف حركة األسواق وأسعار السلع فيها، تسعري أو تدخلتمع من الوقوع يف الظلم االقتصادي واستغالل أصحاب السلع ىحموبذلك يا

.اجاتألصحاب احل

:االجتماعية وأد العلوم -2

هذه املالحظات األساسية عن اخلطوط العامة هليكل املنهجية واألصول يف توضح لنا أن األصول الفرعية إمنا متثل ، ونشأا وتطوراا املبكرة،الفكر اإلسالمي

قواعد ومنطلقات النظر العقلي اإلسالمي يف الواقع واحلياة اليت هي حمل توجيه يعة وهدايتها، مبا فيها من وقائع وأحداث وتنظيمات وعالقات، وما حتويه من الشر

اليت متثل ،شؤون الفطرة يف طبائع النفوس والكائنات، وكيف أن هذه األصول إنما متثل الشق األساسي ،الطبائع وجانب االجتهاد والنظر العقلي يف احلياة والواقع

والطبائع والسنن اإلهلية يف النفوس والكائنات أي العقل ،وذلك هو الفطرة -الثاين إىل جانب ، يف منهجية الفكر اإلسالمي ومصادر املعرفة والتوجيه والبناء فيه-

.الوحي

ميثل قاعدة املنطلق والعمل االجتهادي ورغم أن هذا اجلانب من األصولىل حد كبري اخللل ن تصنيفه كجانب فرعي أو ثانوي إمنا يعكس إ؛ فإوالتطبيقي

Formatted: Highlight

غم

ك

منا

إال أ

Page 89: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

89

اليت مثلت سيطرا ،والعقل اإلسالميوالفصام يف جهاز املعرفة واملنهجية اإلسالمية مفترق طريق يف التاريخ على ساحة الفكر واحلياة اإلسالمية واالستسالم هلا

اإلسالمي حنو اخللل والتقهقر التنظيمي واالجتماعي واحلضاري، بعيدا عن نوعية .وي والعطاء الراشد ومستوى أدائهماالعطاء النب

لعزلة القيادة الفكرية اإلسالمية وحمدودية اهتمامها ، أنهوالنتيجة الواضحة مل ميكن هلذه القواعد األصولية الفرعية أن متثل ،ومزاوالا االجتماعية والسياسية

ت منطلق النظر العلمي املنهجي املنظم يف أحوال النفوس والكائنات والتنظيماعلى حنو ما تطورت عليه دراسات أن تتطور ذه الدراسات هلاالجتماعية، وال

النصوص لتكون قاعدة لالجتهاد اإلسالمي، ولتبىن على هذه القاعدة االجتهادية على حنو شبيه مبا يعرف اليوم بالعلوم ،علوم الفطرة اإلنسانية االجتماعية .استهااالجتماعية واإلنسانية وجماالت در

بدءا ،لقد ترتب على تطور األحداث والصراعات السياسية يف البالد اإلسالمية وقيام - رضي اهللا عنه -بالفتنة الكربى ومقتل اخلليفة الراشد عثمان بن عفان

والزعامة ) الرؤساء( ما هو معروف من العزلة بني الزعامة السياسية ،الدولة األموية امللتزمة عن جماالت احلكم فكريةوعزلت الزعامة ال). العلماء(اإلسالمية الفكرية ،لزعامةذه ا مما أدى إىل ضعف القدرة السياسية والتجربة االجتماعية هلواملسؤولية

وأدى هذا بدوره إىل صرف الفكر اإلسالمي األصويل عن تطوير هذه األصول على غرار ما مت يف ،ها يف نسق علوم منهجيةوالقواعد الفرعية والتوسع فيها وتنظيم

جمال الدراسة والنظر يف النصوص اإلسالمية، وما ترتب على ذلك من قيام جمموعة بكل ما متثله من منهجية وقواعد ووسائل حبث ونظر وعطاء ،من العلوم الشرعية

.علمي حمدد يف جماالت علمية حمددة

اإلسالمي ونشأة علومه نستطيع أن ويف ضوء هذه التطورات يف منهجية الفكر نفهم أسباب تدهور عطاء النظر العقلي اإلسالمي، وتدهور االجتهاد واملبادرة

. سالمية امللتزمة

تتطور

سالمية

Page 90: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

90

النظر بقاء يف مرحلة مبكرة من تاريخ األمة، و االجتهاد وقفل أبواب،واالبتكاركر ومصادر عطائهما يف الفالعقلي والواقعي، أي دراسات الفطرة العلمية العقلية

، ما قضية مهملة عشوائية يف ثقافة املفكر والفقيه اإلسالمي ويف عطائه،اإلسالمي من نظر وخربة وممارسة ما على ما يتيسر هلمعتمدة العلمية املنهجية ما براجمهبقاءو

.شخصية

، خربام احلياتيةمصادقات و،وال شك أن جهود العلماء الفردية الشخصية باملناقشة والنظر العقلي يف الواقع والطبائع ،رها يف إثراء الفكر اإلسالميدوكان هلا

اليت تعرض هلا العلماء والفقهاء، ولكن جهودهم مل متثل يف الوقت نفسه ) الفطرة(خطة علمية منهجية منظمة للنظر والدراسة واالستقراء العقلي العلمي يف شؤون

-وهلذا جند الفكر اإلسالمي . إلسالميةالفطرة يف ضوء توجيه النصوص واملقاصد ام ما تتخلله تأمالت اجتماعية إسالمية، ولكنه ال يقد- والفقه اإلسالمي خاصة

العتزاله و،لفصامنتيجة ل لضيق أفقه ، نظراميكن اعتباره علوما اجتماعية إسالميةدرة الفكرية والتنظريية لتوجيه مسرية حياة خذ بزمام املباعن األ التقدم، وعن متابعة

ملواكبة وإمدادها باحللول والبدائل احلضارية الالزمة،األمة ومؤسساا االجتماعية . إمكاناا وحاجاا والتحديات اليت تواجهها

ويف ضوء معرفتنا اليوم بتطورات مسرية الفكر اإلسالمي ومنهجيته نستطيع أن اليت تعاجل بشكل فعال ،راسات الفكرية والفقهية اإلسالميةنفهم أسباب غيبة الد

يف كتب الفقه ،النظام العام واملؤسسات العامة وقضايا احلكم واخلالفة والسياسةاإلسالمي وموسوعاته الكثرية، وجتاهل هذا اجلانب اهلام الذي يرتكز عليه مفهوم

ؤلفات املتخصصة اليت يتسم األمة وجوهر وجودها، وتركه إىل قلة من الكتب وامل .جلها بالوصفية والسطحية، مما جعلها قليلة الغناء ضعيفة األثر

هذا اإلطار الفكري الناتج عن ذلك االنفصام بني القيادة السياسية والقيادة على منهج الفكر اإلسالمي واهتماماته، وعلى العلوم انعكسالفكرية اإلسالمية

Formatted: Highlight

يف بقي

لت

تمد

قيه

ث

سبب ا

عزلة عن أن يوايل

ي

كس نفسه

Page 91: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

91

، مما انتهى ا إىل اإلغراق يف الدراسات الوصفية والنقلية، اإلسالمية وتوجهااواالحتفاء باملنهج اللفظي وكل ما يتعلق به من علوم اللغة واألدب، تلك العلوم

وقد أدى هذا .الضرورية لضبط النص وتوثيقه وتبويبه وشرح ألفاظه ومفرداتهة لألمة إىل قسمني االنفصام وهذا املنهج الفكري إىل توزيع احلياة االجتماعي

. أحدمها جانب شخصي واآلخر جانب عام:ووالئني

اهتم املفكرون والعلماء املسلمون عامة بالقسم الشخصي وقضاياه املختلفة، ولعناية بشؤونه وكل ما يتعلق به من العبادات اكتبهم يف جل وختصصت

قة خاصة بني العلماء واملعامالت، وأصبح هذا القسم يف الشخصية اإلسالمية عالوبني أفراد األمة، ينصرف والؤهم وتصريف شؤوم فيها إىل رأي العلماء وفتوى

بالسلطات واملؤسسات العامة وشؤون السياسة ، ويتعلق أما القسم العام.الفقهاء احلكام وأصحاب احلل فقد استبد به،واحلكم ودورها وجمال حركتها وأدائها

يف يد أصحاب السلطة والقوة والعصبية واملصاحل قد من الرؤساء، وأصبح أمرهوالع موضع إمهال العلماء واملفكرين املسلمني وجتاهلهم، واتسمت اخلاصة، وأصبح

اليت ، إىل احلكام والفئات السياسية- وبالتايل عقلية األمة ونفسيتها - ة هؤالءنظر . بالشك وعدم الثقة وانعدام املشروعية،ك بزمامها وتقوم على شؤوامتس

الذي حوصر - وضع العزلة والفصام -وقد أدى هذا الوضع الفكري النفسي إىل ضعف النظر الفكري والعلمي يف ،فيه العلماء ورجال القيادة الفكرية اإلسالمية

اال السياسي واالجتماعي العام، وإىل تدهور املؤسسات والسياسات العامة، وإىلانعدام القدرة على ترشيد هذه املؤسسات واحلفاظ عليها وتطويرها مبا حيافظ على غاياا ومستوى أدائها ومحايتها من االنغماس يف الفساد ومزاوالت التدمري ،والضعف، وبذلك ضعف يف ضمري األمة مفهوم األمة واجلماعة والدولة واتمع

عيتها، وازمت يف نفسية األمة قوىواحلاجة إىل تلك املؤسسات والثقة مبشرو .لوقوف دون احنرافها وتدهورهال املناعة

ف

لها ل

ملتعلق

ت

م

Page 92: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

92

وضعف االلتزام اإلسالمي لدى القيادة ،نتيجة هلذا االنفصام واالنقسام وما حلقه من ضعف ، وغياب الربنامج العلمي التربوي والثقايف املتكامل،السياسية

ت األمة وضعف كياا، وضعف املؤسسات العامة واحلس االجتماعي العام، ضعفدور السلطة والقانون العام واملؤسسات العامة، وأصبحت األمة فرقا ومزقا وقبائل ودويالت وجمموعات وأفرادا، ورعاعا مستضعفني يصطرع بعضهم ضد بعض دون رادع من دين أو ضمري أو مصلحة، فال يصح هلم عزم، وال جتتمع هلم كلمة، وال

، وال يوقظهم مصاب، فلم يعد لألمة حس وال كيان مجعي ميثل تردعهم خسارةمفهوم اجلماعة واألمة ودورها يف كيان الشعوب املسلمة وضمريها وأدائها، ومل

مؤسسات وال قيادات تأخذ بيدها وتثق ، كأمة وكيان،يعد هلا على وجه احلقيقة . ية واحلضارية ومتنحها والءها لكي تنظم صفوفها وتوجه مسريا االجتماعا

ولهل صفوفها ،وحتت تأثري هذا الواقع وهذا االحنراف يف مسرية األمة حتول جوهر الفكر اإلسالمي والتربية اإلسالمية يف تنشئة ،وتدهور مؤسساا

وتكوين أفراد األمة وناشئتها إىل فكر إرهاب وختويف وإخضاع، ميارسه ويدعو فة، بقصد أو بدون قصد، مجهور قيادات األمة إليه ويشجع عليه يف صور كثرية خمتل

. على السواءالسياسية واالجتماعية والفكرية

:معترك العقل والنقل وآثاره السلبية

االنفصام والصراع واملواجهة بني القيادات السياسية وجوه ومن أهم والقيادات الفكرية اليت جيب التنبيه هلا ورصدها هو قيام معركة ومهية بني الوحي

وبني) الفقهية( جمال العلوم الشرعية وقع بني جنم عنها انفصام خطري آخر ،والعقل، وهذا االنفصام بني علم العقيدة وعلم )علم العقيدة والتوحيد(جمال علم الكالم

الفقه مل يكن جمرد انفصام شكلي ختصصي وأكادميي، ولكنه انفصام فكري خطري وبني احلياة ، من ناحية، الدين ومفاهيمه ومقاصدهترك آثاره على العالقة بني

و انفصام

ن

Page 93: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

93

. من ناحية أخرىاالجتماعية ومؤسساا

يتخصص يف اخلوض الفلسفي ) األيديولوجية(أصبح علم العقيدة وهكذا والعقلي اجلديل النظري يف شؤون عامل الغيب اليت ليست من طبيعة العقل اإلسالمي

اإلسالمي إىل متاهات فكرية استنفدت قوى وال من قضاياه، وانتهى ذلك بالفكر العقل املسلم، وشوهت الرؤية اإلسالمية، وتركت آثارا سلبية يف تكوين النفس اإلسالمية فيما يتصل بقضايا الغيب والشهادة وما يتعلق ما من قضايا الوحي والعقل واإلميان والتوكل والسببية، وكل ما يتصل بذلك مما يعرف بقضايا القضاء والقدر واألمساء والصفات، وما يلحق ا من قائمة طويلة عقيمة من الظنون

خبري على ، يف كثري من احلاالت،والتمويهات والنقاشات والسفسطات اليت مل تعددي، وكانت النتيجة أن حرم الفقه األمة وفكرها وتكوينها النفسي وبنائها العقدية التنظريية اليت متثل أسس العقيدة اإلسالمي والفكر اإلسالمي من قاعدته العق

للعقل املسلم والفكر املسلم والبناء دوا ال ميكن ب واليت ،ومقاصدها وكلياا .االجتماعي املسلم أن يواصل مسريته التطويرية االجتهادية التنظيمية

منهج وعلم جزئي وصفي ي وبذلك أصبح العقل املسلم والفكر املسلم حبيس على النماء ومالحقة الواقع واملتغريات يف أوضاع ، يف كثري من احلاالت، قادرغري

النفوس والكائنات والبيئات املختلفة وتفاعالا وحاجاا وإمكاناا ومتطلباا يف .الزمان واملكان

اليت تعكس ظروف الفكر ، ومن قضايا منهجية الفكر اإلسالمي التقليديةار انفصام القيادة الفكرية عن القيادة السياسية وعزلتها عن اإلسالمي السالفة وآث

م واليت مل حتسم منهجيا بعد وما زالت تعت،واقع املسؤولية والتحديات واملتغريات .املطهرةقضية النسخ يف نصوص القرآن الكرمي والسنة النبوية رؤية الكثريين،

احلكم ، يف كثري من احلاالت،خ يثبت فالرأي السائد الشائع يف مفهوم النس

ف

ميكن

-

ك هي

Page 94: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

94

املفاهيم واألحكام السابقة، وهذا اإللغاء ال يلغيوالتوجيه فقط للنص الالحق و واحلكمة من تشريع األحكام ،يأخذ بالضرورة الظرف الذي يدور حوله احلكم

وإعطاء ذلك األمر االهتمام والتحليل الالئق به، وبذلك يكون مفهوم ،السابقةخ يف الشريعة اإلسالمية هو أقرب إىل مفهوم النسخ يف األحكام الوضعية اليت النس

.حق فيها احلكم السابق مع اختالف احلالتني وتباين الوضعنييلغي احلكم الال

وهذا املفهوم بشكل عام ينتهي بتصور أحكام الشريعة واألنظمة االجتماعية ملدينة املنورة ودولته يف مرحلته واملمارسات اإلسالمية العامة على صورة جمتمع ا

ختام حياة رسول اهللا صلى اهللا عليه وآله وسلم بعد الفتح، حيث معاألخرية توطدت دعائم تلك الدولة وذلك اتمع، وانتظمت واستقرت أنظمتها يف دولة

العهد «قوية سيطرت على كل القبائل العربية وأرض اجلزيرة، وهو ما أطلقت عليه هو عهد هذا األخريبأن » العهد املدين األول«، والذي يتميز عن » الثايناملدين

خوف وضعف وقلة، وبناء لصرح اتمع والدولة، وصراع ضد أعداء كثريين . أقوياء

العهد النبوي وجمتمع الرسالة ينقسم عندي إىل ثالثة أقسام أو إن ذلك جيعل : مراحلثالث

ثل مرحلة النشأة والتكوين، وذلك مت، وهي »املرحلة املكية «هياألوىل منها واملبادرات الفردية ضمن نظام اجتماعي قائم باستخدام أسلوب الدعوة والتبليغ

من خالل النقد والتوعية وعرض التطورات واملنطلقات ؛ إصالحه وتغيريهنبغييدية هو سائد من منطلقات ونظم وممارسات عقالكلية األساسية البديلة ضد ما

.واجتماعية فاسدة يرجى تبديلها والقضاء عليهاة التنـزيل والرسالة معاجلات إن النظر الكلي يستطيع أن يرى يف مسري

وسياسات تتعامل مع أحوال وظروف خمتلفة متباينة وتنطلق من مبادئ وقيم تنبثق

ى

غاء

عهد األول

دى

أو» العهد املكي«

هد ي

لب

دية يو عهد ميثل مرحلة طرح األسس العقات الكلية حنو اإلصالح والتغيري اليت على

. احللول والبدائل

Page 95: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

95

.من مصدر واحد

فالعهد املكي ميثل مرحلة العمل والدعوة واإلصالح حنو غايات ومقاصد فهي تتسم بااللتزام بالدعوة واحلوار وباألهم واألعم . دية وحضارية جديدةعق، فال هوتوجيهكياا وهو أمر سياسي خيتص باجلماعة وإعادة تنظيم . مشلواأل

وال يتم التعامل معه إال باألسلوب السياسي، ،يتجه إال حنو املبدأ والقضية األساسيةولذلك جند الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم يصر دون مواربة أو تردد على عدم

العنف بالعنف مهما نال اتباعه من األذى استخدام العنف أو الرد على ،واإلصالح قضية التغيري واالضطهاد، حىت ال ينصرف النظر عن القضية األساسية،

وهي قضية سياسية عامة يف أساسها، وألن السياسي ال يغير إال بالوسائل السياسية، التركيز والنظر والعطف بعيدا عن مع ،وال مشروعية للقوة والعنف يف معاجلته .املؤثرات واملنفرات والتعقيدات والتفاصيل

حني كون ؛املقصود به فترة ما قبل صلح احلديبيةفالعهد املدين األول أما وواجهتهم مجوع القبائل العربية واليهودية وهجمام وحتالفام ،املسلمون دولتهم

ذ اجلماعة بأقصى صور االنضباط جند مسة هذا العهد أخوأحزام ومكائدهم، وهنا ،والتضحية، وكذلك األخذ بأقصى إجراءات البطش والقسوة يف مواجهة العدو

إرهابا له وختويفا وردعا لعدوانه على اعتداءاته والرد على ،وضرب معاقله .املسلمني

استقر اتمع والدولة حني،هو فترة ما بعد احلديبيةالعهد املدين الثاين و وأصبحت الطرف األقوى يف العالقة مع ، وحتقق هلا النصر والغلبة،اإلسالمية والتأكيد ،باستكمال التنظيمات والترتيبات االجتماعيةهذه الفترة تتسم و .األعداء

من ،ريتهاعلى ضوابط انتظام سري اجلماعة ومحاية شخصيتها وكياا واستمراا باألعداء وااورين بضبط م يف عالقتهياند الدولة واجلماعة تتحلجنكما ناحية،

ذلك يف مقدور الدولة غداإذمن ناحية أخرى، ،النفس والرفق يف املعاملة

ياا

هي

ف بالعنف ود على العنعدم الر

دوانه

ا

ث

ننا جند هذه الفترة

من ناحية أخرى

يث أن

Page 96: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

96

. وهو أقرب إىل تأليف القلوب وتوفري مناخ االستقرار والعمل والتعاون،اإلسالمية

رؤية وغايات ميثالن اناوإن ك - ونوعية التشريع ملا نرى أن أسلوب العوهن معاجلات وسياسات تتعلق بواقع املرحلة انعكسي ا كان- ذات طبيعة واحدة

إىل التأثري فيها وتوجيهها واحلصول يهدفان اوالظروف اليت تتعامل معها، كما كان .هامنطلوبة على الثمرات والنتائج العملية امل

وأي مفعول للعمل والتشريع يف هذه املراحل املختلفة ال يعي طبيعتها العضوية ،ق مسرياووجوه االختالف والقواسم واملنطلقات فإنه جيين على فكر األمة ويعو

وال العوامل املؤثرة ،وحيول اهلداية اإلسالمية إىل قيود حرفية نظرية ال تدرك الواقع .لسياسات واالستراتيجيات احلركية اليت تناسب كل مرحلة من مراحله وال ا،فيه

إلغاء الالحق للسابق على منوال قانوين أكادميي حبت، ال مبفهوم،إن النسخميكن تطبيقه يف هذا العصر إال يف جمال القوانني الصادرة عن املؤسسات الربملانية

يف تسيري اتمعات اليت ختضع هلا، فما لضبط قراراا وذلكواهليئات املماثلة هلا، خيتلف متاما عن حالةصدر الحقا يف أمر يلغي نفاذ ما صدر سابقا فيه، وهذا أمر

توجيه الوحي والرسالة والرجوع إليها مصدرا لترشيد املسرية اإلنسانية على مدى .األرض واألجيال واألزمان

غري حركي يف منهج أساسا إمنا يعكس ،ئد باملفهوم التقليدي السا،النسخو ،الفكر اإلسالمي يعمل يف غيبة عن مالحظة الفرق بني الطبيعة العامة للقرآن الكرمي

اليت متثل يف عمومها جانب التوضيح ، وطبيعة السنة النبوية املطهرة،الكلية اردة الزمان حبقيقة أنعي والتطبيق واملمارسة، كما يعكس هذا املفهوم للنسخ ضعف الو

عند النظر يف النصوص وعالقة بعضها ببعض ،واملكان يف التطبيق واملمارسة أصال يرجع إليه يف فهم النصوص ، يعدان النفوس والكائناتفطرةوعالقتها ب

. وحقيقة املقصود منها

ت

ل

ت

ت

ت

دف

ري قضية

فهوما

ى اعتبار

يف

من التوجيه فيها

Page 97: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

97

ناية بأسباب نـزول آيات هذا األمر يؤكده ما هو ملحوظ من حمدودية العحت الظروف قت ووضث وقلة النصوص اليت و،ف عنها وقلة ما أل،القرآن الكرمي

وظروف ما ، أما ما يتعلق بالسنة النبوية املطهرة.اليت أحاطت بالنـزول وأسبابه فإن ،روي من أقوال الرسول عليه الصالة والسالم وأفعاله وأسباا وترتيبها الزمين

.العناية ا والتأليف فيها أقل وأندرالعلم و

إن املفهوم املنهجي التقليدي السائد للنسخ يف إطار الدراسات األصولية مفهوم يصدم ، مبعىن التعارض واإللغاء على غرار التشريعات الوضعية،املنهجية

يفحس الدارس واملفكر واملشرع والقائد حني ينطلق من موقعه الزماين واملكاين للتوجيه يف معرفة األحكام وتوليد السياسات والتصورات واحللول ملا ؛الرسالةعهد يف تراكيبها وترتيباا وأولوياا من ظروف وحاجات وحتديات ختتلف استجد

، جاتفهذه الظروف واحلا. عما كان عليه احلال يف العهد النبويكثري من األحوال قد ال تنطبق من وجوه كثرية على ،وإن تشات يف وجوه مع جممل عهد النبوة

وضع أو حادث بعينه أو مرحلة بذاا من جممل عهد النبوة ومراحله وظروفه .مالبساتهو

ويالحظ الدارس املسلم اليوم أن مفهوم النسخ بوضعه التقليدي قد تعرض ، وقصر جماالت الرسالة لوحي والرسالة لعدد من مبادئ أساسية يف اباإللغاء

وأبعادها على آخر ما نـزل من النصوص وما اقتضته ممارسات الرسول صلى اهللا . العهد املدين الثاينيفعليه وآله وسلم وحاجة املسلمني

قضية العالقات بني املسلمني ، ذا املفهوم، ومن أمثلة اآلثار السلبية للنسخني، وما يترتب على ذلك من مفاهيم الدعوة والعالقات الدولية وغري املسلم

احلضارية، وكذلك قضية عالقة املرحلة املدنية باملرحلة املكية، وما ميكن أن ينشأ بينهما من عالقة التناسخ، وأثر ذلك على عمل الدعوة والتشريع اإلسالمي

يط به

ىل

طلبا

اكيبها وترتيباا وأولوياا

-

إللغاء

ى

Page 98: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

98

.واستراتيجيات العمل السياسي اإلسالمي يف هذا العصر

وهي -ال العالقات بني املسلمني وغري املسلمني جند أن آية السيف ففي جممتثل منوذجا واضحا . ))1...فاقتلوا المشركني حيث وجدتموهم: قوله تعاىل

لآلثار السلبية السائدة يف منهج النسخ التقليدي، فآية السيف نـزلت يف اية يتمتعون بالقوة والغلبة، وذلك يف مواجهة مشركي العهد املدين الثاين واملسلمون

العرب الذين بالغوا يف عداء املسلمني واالعتداء عليهم ونقض عهودهم رغم انقضاء ما يزيد على عشرين عاما من الدعوة واملساملة والرب والصرب من املسلمني ودولتهم،

ا زالوا يعيشون بدائية القرآن الكرمي بقتال املشركني القساة الكواسر الذين مفأمر حىت خيضعوا لإلسالم، ،هم بالقوة والعنف واإلذالل وأخذ،اجتماعية وحضارية

فيصلح حاهلم وذب نفوسهم وينتهوا عن ،ويدخلوا يف جمتمع حضاري منظمأذاهم وقسوم عن أنفسهم وعن اإلسالم واملسلمني، ،واعدوام، ويكف

. - ية تكوينهم االجتماعيعن بدائأصال النامجة -وعدوانيتهم

الداللة يف اآليةوهنا جند مفهوم النسخ يف املنهجية التقليدية ال يستخلص وهو اإلصالح والتهذيب وأخذ الظامل ،التنظريية املطلوبة من جماهلا الذي تعلقت به

عالقات على و،االت الدعوة كافة جمعممها علىواملعتدي بالقوة الرادعة، ولكنه ي هوماتالتعامل واحلوار مع غري املسلمني مجيعا يف كل األحوال، فينتهي إىل إلغاء مف

املثل، وحسن معاملة املحسن وبره وتأليف قلبه، فيصبح التسامح بعاملة املتوخي هكذا قاعدة، و، ويصبح تضييق مفهوم حرية العقيدة هو ال واستثنائياأمرا خاصا

األمر مع كل من مل يرد بشأن التسامح االعتقادي معه نص صريح، وتصبح داللة أهل الكتاب واوس وممارسات الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم معهم ال على أا مفهوم شامل متعلق بأهل األديان والعقائد الدينية املستنرية املتحضرة كافة،

اليهود والنصارى ( بعينها حمدودة بفئات دينية ثالثولكن على أا نصوص ضيقة . على مر الزماناألخرىدون فئات البشر واألديان ) واوس

.5: التوبة)1(

عن أنفسهم وعن اإلسالم واملسلمني

هي إىل

يمها

سواهم

Page 99: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

99

ملختلف جوانبها بقدر هذه القضية وما انتهت إليه من نتائج عديدة تعرضت توجهات عديدة : نظرية اإلسالم يف العالقات الدولية«وافر من التفصيل يف كتايب

وانتهيت إىل أن جمرد تعارض األحكام والنصوص ،)1(»الفكر واملنهجية اإلسالميةيف أن احلياة يعين الظاهرة ال يعين بالضرورة وال يف الغالب النسخ واإللغاء، ولكن

اإلنسانية يف أوضاعها املختلفة حتتاج إىل مواقف وأحكام خمتلفة، وكلما حتققت كان احلكم ؛ضوعية حلكم أو توجيه بعينهالعالقات والشروط والظروف املو

. هو احلكم والتوجيه امللزم للمسلموالتوجيه املعين

ن حوله من املسلمني وأحسن التعامل املسلم ممن ذلك أنه إذا سامل غريو ويعتدي معهم وجبت معاملته بالرب واحلسىن، أما غري املسلم الذي يعادي اإلسالم

وال جمال للخلط بني . الذي له املواجهة واحلرب والصغارعلى املسلمني فإنه وحده احلالني والزج مبفهوم النسخ يف أمرين خمتلفني، فمىت حتققت مقومات حال لزم التصرف فيه وفق التوجيه اإلسالمي يف ذلك احلال، ومىت تغير احلال إىل حال آخر،

احلكم والتوجيه املتعلق مل يبق معىن لإلصرار على احلال السابق، ولزم التحول إىل وهذا يوضح توهم مفهوم نسخ آية السيف لسواها من آيات . باحلال اجلديد

واحلسىن يف عالقة املسلمني بغريهم ممن يساملهم وال يعتدي التسامح واألمر بالرب .عليهم

أن آخر ما فعل الرسول صلى اهللا عليه وآله على وهلذا فإن مفهوم النسخ ـزل من القرآن قد ألغى ونسخ ما سبق من تشريع وتنـزيل وسلم وآخر ما ن

إمنا هو يف احلقيقة إلغاء معىن ختم الرسالة وأبدية توجهها، بل ودفعها إىل ؛وأحكام .أضيق السبل

(1) The Islamic Theory of International Relations: New Directions for Islamic

Methodology and Thought. Dr. AbuSulayman. International Institute of Islamic Thought, 1987, p.p 73-74.

Formatted: Highlight

غي

ب

Page 100: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

100

وآخر أحوال جمتمعه القوة والغلبة الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم قد تويف ل، وكان كثري مما يناسب دولته يناسب دولة اإلسالم والكلمة العليا يف جزيرة العرب

عصور االجتهاد ووضع األحكام ومدونات الفقه اإلسالمي يف عهود من ،الالحقةدولة بين أمية وبين العباس وصدر من دولة بين عثمان، أما اليوم فحال املسلمني

م أو حاهل،العهد املكيحال ضعف أشبه يف بعض أحواله حبال مجاعة املسلمني يف أو حال دولتهم يف العهد املدين األول إىل ما قبل صلح ، احلبشةحني انتقلوا إىل

ويتهددوم بالدمار م ونيتربصاألعداء باحلديبية وفتح مكة، وهم حماطون .والفناء

لى اهللا وتنظيمات الرسول ص،نا النظر يف تشريعات اإلسالم وأولوياتهنعمولو أ الالحقة لصلح احلديبية وفتح همواقفعليه وآله وسلم وسياساته واستراتيجياته و

الكثري يف أسلوب - كشعوب مضطهدة ضعيفة املنعة قليلة العدة- لتعلمنا ،مكةمواجهة التحديات اليت يفرضها علينا أعداؤنا األقوياء، والتنظيمات والترتيبات

اتباعها وأخذ أنفسنا ا يف اجلوانب السياسية والسياسات واألساليب اليت جيبواالقتصادية والعسكرية ملواجهة تلك الظروف والتحديات رغم ضعف عدتنا وعدة

.أمتنا أمام أعدائنا املتفوقني األقوياء

واملثال الثاين الذي يوضح املفهوم التقليدي للنسخ يف الوقت احلاضر هو ما أن إستراتيجية أعمال الدعوة والتشريع نشأ يف الفكر اإلسالمي املعاصر بش

فقد انقسم الفكر .اإلسالمي، وعالقة ذلك بقضية املرحلة املكية واملرحلة املدنية على مقلوبة فريق يرى تنـزيل املرحلة املكية :اإلسالمي املعاصر بشأا إىل فريقني

العصر احلاضر، ويدعي أن املسلمني يعيشون بشأن الشريعة واألحكام يف املرحلة املكية داعيا إىل االنشغال بأمر العقيدة وحدها دون سواها من أمر العبادات

آخر يقيس فريق واليت كانت حمور عمل املرحلة املدنية، و،واملعامالت والتنظيماتاملسلمون هم الدولة واتمع األقوى يف ف املدين الثاين، العصر احلاضر على العهد

Formatted: Highlight

تويف

ى

كة

يفمجاعته

عداء

ع

فقد انقسم الفكر اإلسالمي وعالقة ذلك واملرحلة املدنية،

Page 101: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

101

يرفضون النظر يف شأن التفاوت بني حال املسلمني لذلك فهم جزيرة العرب، و انطالقا من مفهوم النسخ ،وموقفهم يف ذلك العصر وحاهلم وموقفهم يف هذا العصر

وأحكامه هي أن تشريعات العهد املدين ى ذلكويترتب عل. الذي يلتزمون به من تشريعات يف وأا ناسخة لكل ما يتعارض معها،الواجبة يف االتباع وااللتزام

على آخر ما أمر ،يف كل األحوال ،لديهماالتباع وااللتزام ة املكية، ويقتصر لاملرحبه الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم، وهو يف عمومه ميثل تشريعات وواقع املرحلة

للنصوص اخلاصة باملرحلة املكية أو املرحلة األوىل إال ، ذا،ال يبقىفدنية الثانية، امل . ذهب ا وقضى عليها املفهوم اخلاطئ للنسخ، فقدأجر التالوة

ال نشك أن هناك نصوصا نسخت نصوصا أخرى، كما أننا ال نشك أن وحنن س ويلزمهم اتباعه، ملا فيه الدين والرسالة جسد واحد متكامل قد مت بالغه للنا

فال جمال للقول بأن فردا بعينه أو مجاعة من مثمصلحتهم يف الدنيا واآلخرة، و األخذ مبا جاء من تشريع يف يلزمها مرحلة كاملرحلة املكية فال تعيش اآلنبعينها

.املراحل املدنية الالحقة

تتابع تنـزيلها وتدرج ب، اإلسالمرسالة أن لكنه جيب أيضا أن يكون واضحا مرت مبراحل متمايزة، فال سبيل إىل قياس ،تشريعها على مدى من الزمان واملكان

بشكل جامد على عهد وبيئات الحقة خمتلفة، املتعددةهذه التدرجات واملراحل يف مرحلة ع مفهوم اتباع ما شروال سبيل إىل اعتساف مفهوم التطابق مبا يؤدي إىل

مكية كانت أم مدنية، فال شك أن حال من أتى وقد اكتملت الرسالة ،أو أخرى فال يعلم أو ،ال يقارن مع من كان يعيش مراحل تنـزيل الرسالة ووقوع أحداثها

.يكلف منها إال يف حدود ما نـزل ووقع من أحداثها وتشريعاا

،ي قضية اجلزئية والشمولية، ومنهجية الفكر اإلسالميوالقضية احلقيقية هنا هوضعف الوعي على بعدي الزمان واملكان يف كيان اتمعات، وعالقة الوحي

تكامالن لتوفري تتساندان وتكمصدر للمعرفة بالعقل، والفطرة كمصدر ثان للمعرفة

مما سبق

يهم

حيث

تايل

ي يف

زام هلا يف

الرسالة

ن

تنـزيلها

قط

Page 102: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

102

ال شك أن ف.القدرة واهلداية لإلنسان ليؤدي دوره اإلعماري اخلري يف األرضوإمكانام وحاجام والتحديات اليت يواجهوا على األفراد واتمعات ظروف

. ختتلف وتتباينمدى الزمان واملكان

من واتمعات املعاصرة ال تتطابق حاجاا وال إمكاناا، وفاتمعات القدمية ابقا كامال، بل إن اتمعات يف العصر فال ميكن أن تتطابق سياساا وأنظمتها تطمث

يف متايزها أحيانا ال يقل ، كما نشاهد اليوم على مدى القارات اخلمس،الواحد أحوال اتمعات والسياسات، وحال الفرد غيراملكان عنه يف الزمان، ولذلك فإن ت

تتصل ةإىل معاجلة حمددة متميز حيتاج ، ومن موقع إىل آخر،من جمتمع إىل آخر أغلبية، يفبواقعه، وباتمع والنظام الذي خيضع له، سواء كان عضوا يف أقلية أو

.مسلما كان أو غري مسلم

ونتيجة للنظرة الشمولية فال جمال للقول مبرحلة مكية أو مدنية، ولكن جيب أن ،صد الشريعة وكليااتكون النظرة حية مشولية يف ضوء سنن النظرة ويف ضوء مقا

دون ،توجيه اتمعات واألفراد بفقه حركي وفكر حي يناسب حاجامال بد من وعلى ما يقول به -مجود أو قياس متكلف مصطنع، فيكون لكل فرد ولكل جمتمع

مرحلته اخلاصة به يف ضوء الشريعة -مجهور أهل احلل والعقد امللتزمون باإلسالميهتدي املسلمون يف حيام باملراحل اليت مرت ا فاصدها، وغاياا ومقةوالفطر

الدعوة والدولة، وبذلك يبلغ الفرد واجلماعة أقصى الطاقة اإلسالمية لتحقيق مقاصد .الرسالة واخلالفة وبناء اتمع املسلم

ومن أمثلة القضايا الفكرية اليت تعاين منها األمة بسبب قصور املنهجية أو أسلوب استعماهلا وتعامل املثقفني والدارسني ،ا التقليدياإلسالمية مبفهومه

ومعىن التوجيه ،املسلمني معها يف العصور املتأخرة، قضية الربا ومفهومه ومداه وهذا العجز . ومعىن ممارسات السنة النبوية وإجراءاا بشأنه،القرآين بصدده

تايل

تلف ظروفهم

بعض احلاالت

يزها

يز

Page 103: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

103

وحمدودية العلم واخلربة يرجع إىل جزئية النظر- إذا تدبرنا األمر -والقصور باحلياة االقتصادية واالجتماعية لدى الكثري من رجال القيادة الفكرية اإلسالمية اليوم، وهذا هو الذي أوقع الفكر اإلسالمي يف تفاصيل وسفسطات حجبت عنه مقاصد الشريعة يف احلياة االقتصادية والتشريع الذي خيصها، وانتهى بالفكر

وإىل تعدد وجهات النظر وتضارا ، األصناف واملسمياتاإلسالمي إىل شكليات حىت تطورت هذه الوجهات إىل أكثر من ،بشأن مفهوم الربا ومداه والغاية منه

. عشرين مذهبا

ومما يالحظ يف هذا اال أن بعض هذه املذاهب قد جتاهل حديثا هاما ى فهم بعض السياسات لو تأملناه يف نظرة اقتصادية مشولية لساعدنا عل؛صحيحا

هو حديث أسامة بن واملراحل اليت مرت ا تلك السياسات، والنبوية االقتصاديةزيد يف قصر الربا على ربا النسيئة بعد أن كان رسول اهللا صلى اهللا عليه وآله وسلم قد منع كل تفاضل يف تبادالت السلع األساسية السائدة اليت تعرف باألصناف

.تةالس

البخاري ومسلم عن أسامة أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وآله وسلم يروي ، نفسهاملنوال وعلى ،وبسبب النظرة اجلزئية ذاا. »ال ربا إال يف النسيئة«: قال

انتهى بعض هذه املذاهب إىل طلب احليل وااللتفاف الشكلي حول النصوص فقد ،حديث رافع بن خديج بشأن املزارعة كما يف حالة ، مفهومهم اجلزئيسويغلت

). 1(أباحوا لصاحب األرض شطر الثمرة إن أضاف البذر

وانتهى بعض آخر إىل حل أخري هو إعالن العجز وإضاعة مقاصد التشريع اإلسالمي االقتصادي وحكمته، وذلك بتقرير أن ما جاء بشأن الربا إمنا هو توقيفي

أشهرها أن النيب صلى اهللا عليه وآله وسلم ى عن ، وقد روي بألفاظ خمتلفة،يث رافع بن خديج حد)1(

من كان له أرض فليزرعها وال «املخابرة واحملاقلة، ويف بعض طرقه أنه صلى اهللا عليه وآله وسلم قالرها بثلث أو ربع وال بطعام مسمىكي«.

ف

ك احلديث

س

ير

يث

Page 104: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

104

يتعدى األصناف الستة املنصوص عليها يف وال،ه نصتعبدي ينحصر يف حرف .)1(حديث ربا الفضل

وختلف الفكر اإلسالمي يف جمال السياسات ،وبسبب هذا القصور املنهجي حدث حتول منهجي هام، وذلك حني أخذ ،االقتصادية واحللول والبدائل املطلوبة

دان دراسة رجال اخلربة االقتصادية امللتزمون مواقعهم بنظرة فنية مشولية يف مي مما يبشر بفتح منهجي فكري يرجى من ورائه البدء العملي يف ،االقتصاد اإلسالمي

مبا يعيد للفكر ،إصالح جوانب الفكر واملنهجية اإلسالمية املعاصرة يف هذا اال .اإلسالمي مشوليته وحيويته إن شاء اهللا

نالحظه من إضفاء ما ؛ومن أمثلة وجوه قصور رجال املمارسة املنهجية أيضارد عنهم من فهم والقدسية على أقوال السلف رضوان اهللا عليهم أمجعني فيما

وكأا جزء منهما، رغم علمنا وإحلاقها بالسنة والوحي،وشرح واجتهاداتوإدراكنا للقصور اإلنساين وحمدوديته الزمانية واملكانية، ورغم تأكيدنا النظري أنه

ال ندرسها وال نستأنس ا ننا يف دراساتنا ألقوال السلفال قداسة إال للوحي، لك وإمنالكي ننطلق بنظرة جذرية أصلية إىل معاجلة واقعنا واالستجابة حلاجاتنا،

ندرسها لنقلدها ونتابعها وجنهد أنفسنا لكي ننـزهلا بالقياس على أحوالنا استجابة ئك الرجال وإكبار ما حققوه، ملا غرس يف نفوسنا من فهم خاطئ ملعىن إجالل أول

إىل سوط رهبة وخوف مكن له - دون وعي -حىت انقلب ذلك يف نفوسنا عجزنا واحنراف منهج فكرنا، وانقلب هذا اإلجالل إىل مفهوم قدسية حيول أحيانا

سالم وفلسفته وغاياته وحكمة السياسات النبوية بشأنه، ارجع إىل لشرح أوىف يف قضية مفهوم الربا يف اإل)1(

:مقدمة حبث املؤلف عن النظريات االقتصادية اإلسالمية يف كتابهContemporary Aspects of Economic and Social Thinking in Islam, American Trust Publications. Plainfield, Indiana, 1976.

ديث صحيح رواه أبو سعيد اخلدري وعبادة بن الصامت رضي اهللا عنهما عن النيب وحديث ربا الفضل حالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعري بالشعري، والتمر بالتمر، «:صلى اهللا عليه وسلم

رواه مسلم يف » يدا بيد، فمن زاد واستزاد فقد أرىب، اآلخذ واملعطي فيه سواء،وامللح بامللح، مثال مبثل .صحيحه، وأمحد يف مسنده

كننا

Page 105: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

105

. بيننا وبني اإلصالح والنمو

صر وهلذا جند أن أي فكر أو فهم معاصر مشويل أصيل ينطلق من الواقع املعاباجتاه املقاصد والقيم واألحكام اإلسالمية يصبح لدى كثريين من أصحاب الفكر

ينطلق من يطابق أقوال علماء السلف وملإن ملالتقليدي فكرا مشبوها ومرفوضا، مل تصف الرؤية واملفهوم الفكري لداللة تراث العلماء من مارؤيتهم، وهلذا فإنهوتنحصر مبنهج سليم يف نصوص الكتاب ، القدسيةل عنهارجال السلف، وتز

وصحيح السنة، فال سبيل إىل االستفادة من فكر التراث مبنهجية إجيابية سليمة دف إىل خربة وعلم أوسع ملعاجلة قضايا العصر، وإىل إعادة اإلسالم إىل واقع

.احلياة وممارسات اتمعات ومسرية احلضاراتملنهجية التقليدية اإلسالمية قد استجابت يف جمملها وباختصار، يتضح لنا أن ا

حلاجات عصر تكوينها وظروفها السياسية واحلضارية، وأن كثريا من وجوه ، ومن مث هلاجاءت من العجز عن مكافحة أسباب التخلص والتصديالقصور إمنا

ا أن املباحث النمو مبا يناسب تطور احلياة وتقدم الزمن، كماستمرارتوقف حني استجابت حلاجات البحث يف النصوص واحلفاظ عليها، فإا حوت ،األصولية

بذور املنهجية الالزمة للنظر والبحث يف خمتلف وجوه املعرفة االجتماعية، كما ها أسسا وإرهاصات كان على الالحقني متابعتها والبناء عليها ئحوت مباد .واالنتفاع ا

رفة قصور املنهجية التقليدية كما يتم التعامل معها فعليا يف كذلك من املهم مع إىل بل يتعداها ، إىل طبيعة تلك املنهجية يف ذاا فقطيرجعالوقت احلاضر، فإنه ال

أوجه أخرى من القصور ترجع إىل املمارسة العملية لدوائر الدراسات اإلسالمية بسبب قصور الفهم هلذه ، أخرىاملعاصرة اليت تأخذ من هذه املنهجية جوانب دون

وبسبب اخللط يف فهم بعض عناصر املنهجية ،املنهجية وما حتويه من مدلوالت .وقضاياها وإمكانات منوها وتطبيقاا العملية واحلضارية يف الوقت احلاضر

Formatted: Highlight

Formatted: Highlight

Formatted: Highlight

نه ال

بالتايل

ابعة

Page 106: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

106

ومن املهم هنا أن نشري إىل قضية منهجية تتعلق بنصوص السنة النبوية املطهرة فمن . وتتعلق بأعمال التراث ونشره وتبوبيه،كر اإلسالميكأصل ومصدر للف

النبوة مازالت نصوص السنة مستعصية عصرالعجيب أنه رغم مضي القرون علىعلى عامة أهل العلم واملثقفني املسلمني، ومازالت حىت اليوم تتوزع بشأا اآلراء

حتول دون وتتناثر نصوصها يف كتب وخمطوطات كثرية ،وتكثر املصطلحات بسبب توزع وكثرة املصطلحات ،التعامل الفعال اليسري معها واالستفادة منها

حىت ال يكاد يستشهد أحد بنص إال ارتفعت أصوات كثرية بشىت ،ومتزق العرض القضية ، يف غمرة هذه األصوات، حىت لتضيع،االستدراكات واالعتراضات

حول وليس ، ومصطلحاته تائهة يف اجلدل حول النص وروايته،موضوع البحث ال جمال إىل اإلصالح الفكري املنهجي كاندالالته ووجوه االستفادة منه، ولذلك

رها بأسلوب ميسر تتمكن نش نصوص السنة الصحيحة وحصرالفعال إال إذا مت سر وثقة يف عامة العلماء واملثقفني واملتخصصني لالنتفاع ا يف ي، وفحوىا لب،منها

.جماالت العلوم كافة

ومن مث يستحسن ضبط أعمال السنة النبوية املطهرة ونصوصها مبوبة ميسرة اة من الشوائب والشطحات واإلسرائيليات، ومن كل ما أدخل عليها حبسن مصف

:نية أو بسوء نية، ووضع ذلك يف فئات أربع بينة واضحة املنهج ).املنت(حة السند وصحة املعىن لص،ما كان منها موضع احلجة )1وعدم القدرة على ) املنت( لصحة املعىن ،ما كان منها موضع االستئناس )2

.القطع بصحة السند ملا يشوب ظاهر املنت من معان ال ،ما كان منها موضع التوقف ودقة النظر )3

رغم ما يظن من صحة الرواية ،تتفق وروح الشريعة وأمهات مقاصدها . والسند

.ن منها موضع الرفض لفساد املنت والسندوما كا )4

Formatted: Highlight

ضع

ص

ىل

نه

د

Page 107: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

107

إن خطورة هذه القضية املنهجية ال تتوقف عند حد التقصري يف حق السنة املطهرة، ولكنها تعين يف حاالت كثرية إخضاع العقل املسلم على أساس مناخلوف والورع الومهي لغري ما هو صحيح، وبالتايل تدمري منطلقاته ومنهجيته يف

لصحيح، ألنه حني يتقبل ما هو غري صحيح على أنه أمر صحيح ال بد له أن النظر ايلغي حسه وإدراكاته وبصريته العلمية حىت ميكنه أن يتقبل وأن يتابع غيبية متومهة

، وحينئذ ال يكون لفكر املسلم سليملقوال عصحيح فاسدة مما ال يقبله علم وعلى العمل ،رويضه على غري الصواب بعد أن مت ت،ومنهجه وعقله قدرة أو قيمة

- املنطلقات واملسلمات األساسية اإلسالمية الصحيحة اليت جاء ا يعلى غري هد . قرآنا وسنة وهداية ربانية، الوحي والشريعة- حتقيقهالغرضو

الواعي لكليات الشريعة فهمفاليقظة يف محاية ضوابط الفكر ومنطلقاته، والت مقياس وضابط أساسي حلماية الوحي والرسالة ،ا وقيمها ومقاصدهاومبادئه

ا مه، من األمهية نفسهالقدر وب،والشريعة من الغش والتدليس والتخريب، وكذلكمقياس وضابط حلماية العقل واملنهج املسلم من التدمري والتحطيم من منطلق العجز

.العلمي واإلرهاب النفسي

ومنهجه وسالمة أدائه هي محاية للدين والشريعة إن محاية العقل املسلم، فالرسالة هي الغاية، انفصام بينهما وللعقل واتمع املسلم، ال،واإلنسان املسلم

والعقل واإلدراك مها الوسيلة، وإذا دمرت الوسيلة أو فسدت ضاعت الغاية وغاب .املقصد

أعمال التراث من حيث ضرورة التيسري، وما ينطبق على السنة ينطبق علىومن حيث ضرورة النظر الناقد وعرض املفيد السليم منه بعيدا عن تأثري اهلاالت

حىت يصبح التراث يف فكره وممارساته وتأمالته منوذجا وعونا ،وفكر القداساتا للفكر اإلسالمي احلي األصيل املعاصر، وليس وسيلة لتجديد معارك تارخيية وقضاي

ن أجل

نطلق

حيح

يقظ

س

نفصم بينهم وال تنفك

Page 108: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

108

.سفسطائية تستنـزف طاقتنا وتشغلنا عن أنفسنا وحاجاتنا وما جيانا من حتديات

وسوف يأيت تفصيلها -ومن القضايا اهلامة اليت ال بد من اإلشارة إليها هنا والعقل يف املنهجية ) الوحي( النص كل من ذلك اخللط بشأن دور- فيما بعد

قلة اخلربة وتدافع األحداث وتأثري اإلسالمية، والذي نشأ بسبب ضباب الرؤية و وذلك حني سلك الفالسفة وتالمذة احلضارات واألديان ،األغراض السياسية

ووضعوه ، بالعقل املسلم يف غري مسلكه- بعد عصر الفتح -والفلسفات الدخيلة ، وانـزلق معهم بعض قادة »اإلهليات«وضعه، وهو اخلوض يف قضايا ميف غري

،عتزلة، حيث انساق العقل املسلم إىل جمال الكليات والغيبياتالفكر اإلسالمي كامل - وهي يف شرك احلصار املفروض عليها -مما جعل القيادة الفكرية اإلسالمية

هو رفض ه فكان رد فعلها يف جوهر،تستشعر اخلطر على أسس العقيدة اإلسالميةسالمي العقل وإنكار دوره والتقليل من شأنه، وتأصيل العجز الفكري اإل

باالنكباب على النصوص مبنهج وصفي لغوي جزئي بدت آثاره املدمرة يف مزيد جتاه واستحكام العداء والشك ،من جدب الفكر اإلسالمي يف العصور املتأخرة

.العقل وعالقته باإلسالم

لمستقبللثروة األمس وزاد املسري وعربة : تراثنا-3

ريع لبعض أهم القضايا املنهجية اإلسالمية ويف اية هذا التعريف الناقد الس ال بد لنا من وقفة قصرية لإلجابة عن ؛التقليدية وممارسات الفكر اإلسالمي املعاصر

، للمسلمنية املعاصرة واحلضاريةليها على األذهان احلال الفكريمتبعض األسئلة اليت قفهم يف خارطة واملعاندة املتجددة املتصاعدة اليت يتعرضون هلا بسبب ضعف مو

. وما يناهلم من ظلم وخسف وهوان،عامل اليوم

اللوم عما حنن فيه إليه من جيب أن نوجهكيف نعرف :والسؤال امللح هو

و

عرفة إىل

Page 109: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

109

يف املهم أنه ليس ملثل هذا السؤال موضع، ألن؟ واجلوابةاليوم من حال بائسملشكلة، يف اسان أو عصر بعينه نوجه إليه اللوم أن نبحث عن إناحلقيقة ليس

ويبعدنا عن الرؤية الشاملة ملسرية األمة على مدى أجيال وقرون، ويلهينا عن العمل حيث تركها السلف على قدر جهدهم، ،ة الصواب جادباجتاهلتغيري مسريتنا

.جم التحديات اليت تعرضوا هلاتبعا حلوضمن ضرورات ظروفهم، و

كيف نفهم أبعاد قضيتنا يف إطار اتمع الصحيح؟ : لسؤال البديل هوإن ا هها إىل املسار السليم؟يوكيف نتبني خطوط مساراتنا ونعيد توج

: هوواملطلوبأن نعي ماضينا لنأخذ منه العظة والعربة، وأن جنعله مصدر قوة لنا ال )1

وترك اجلوانب مصدر ضعف، وذلك بالتركيز على اجلوانب اإلجيابية، وتبنيها يف هذا اللون من االجترار للقضايا واملعارك واالهتمامات قروناالسلبية، فقد أمضينا

.الومهيةأن كثريا مما وقع يف املاضي ، أمهيةحىت ميكننا التحرك إىل األمامأن ندرك، )2

ة كثريامن تقصري أو خطأ إمنا يرجع إىل عوامل يتداخل فيها حمع معطيات سن الني الواقع الذي أحاط بأجيال األمة السالفة، مع عوامل بيئية مل يكن ليسهل التنبيه آلثارها البعيدة أمام ظل التحديات واألولويات اآلنية اليت فرضتها الظروف، مما دفع

رق طرق تركت يف كيان إىل مفايف كثري من األحيان، ،باألمة وشعوا وقيادااولذلك فالغاية الصحيحة للنظر يف تاريخ . األمة آثارا ما كان لريغب فيها أحدستخالص الدروس والعرب، وال يكون ال األسالف إمنا تكون للدراسة والبحث

القصد اجترار املرارة والضغائن واألحقاد بشأن عصور مضت وأحداث غربت ما فال خري أن نفعل خريا مما فعلوا،، لو كنا يف موضعهم،انعتكان يف الظن أن باستطا

يف أن ننصرف عن واقعنا والتحديات اليت نواجهها إىل التشاحن باجترار سرية إذنالعظة بقصد الفهم وإال إن دراستنا للماضي جيب أال تكون .أخطائهم وعثرام

ىل

قرون

كثري من األحيان

على مثل هذا التساؤل،

ملهم

و

إن من املهم

ندرك

النظر

ب

لذلك

صد

Page 110: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

110

در قوة واستمرارية ال مصدر ضعف وفرقة مصوالعربة، فتكون هذه الدراسة .وتناحر

إن دروس التاريخ تذكرنا بأن شعوب أمتنا وأمم العامل من حولنا ما كان هلا .أن حتقق ما حققته دون اإلسالم والفكر اإلسالمي واملنهجية اإلسالمية

عصوره يفعلينا أن نذكر أن ما حققه الفكر اإلسالمي واملنهج اإلسالمي وألوىل من إجناز كبري أقام دعائم احلضارة اإلسالمية السالفة هو الذي دفع ا

رغم ما بلغته احلضارة اإلنسانية ،باإلنسانية دفعة حضارية ال جمال إلنكار دورهااملعاصرة من إمكانات مادية، ومن إصالحات علمية ومنهجية وحضارية، وما

ة، وأن من يهمه متابعة هذا حققته شعوا من إصالحات دينية واجتماعية وفكريمادة غزيرة تشبع فضوله، وتثري فيه سيجد ف، وتقدير مداه وخطره وأمهيته،اإلجناز . وتفوق تقديره وتوقعه،إعجابه

ولكن اهلدف من هذه الدراسة اليت بني يدي القارئ هو النظر فيما هو وتبلغ آفاقه جديدة مطلوب ألمر املستقبل لكي تواصل األمة اإلسالمية منوها

على غرار ما ،تتخطى ا واقع العطاء احلضاري املعاصر، وتتصدى له بدفعة جديدة قصوره، وتدرأ مفاسده، وتدفع أخطار احنرافه عليها ه وجوا تصلح ،فعل آباؤنا

ألمة طاقتها وقدرا وريادا املصلحة ل و دوره،وعلى اإلنسانية، وتعيد بذلك للدين .بإذن اهللا

كذلك من املهم أن خنرج من فترة التلفيق، حني انصرفت األمة وعلماؤها ) 3 على خمتلف ومثقفوها، كرد فعل للتفوق الغريب وهجمته االستعمارية واحلضارية

اجلبهات السياسية والعسكرية واالقتصادية والثقافية، إىل تقليد الغرب وحماكاته، خالل االنكباب على النصوص، وطلب وذلك باستخدام املنهج اللفظي النقلي، من

اللفظية فيها، استجابة للحاجة إىل حماكاة الغرب وتقليده، واالحتماالتاملخارج

هذا الفهم

ى

ه ال شك

Page 111: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

111

ولتسهيل مهمة استرياد أدواته وإجنازاته ومؤسساته، ومعها كل ما يتعلق ا من .مفاهيم وقيم وممارسات غريبة على عقائد األمة ونفسيتها وقيمها ومبادئها

إىل األصالة والتجديد وليس ،التحرك من فترة التقليد إىل التلفيقوترتيب حىت ،واملبادرة، هو نتيجة طبيعية للجمود والتقليد وتدهور منهجية الفكر اإلسالمي

أصبحت منهجية لفظية جتريدية نظرية حبتة تدور يف دائرة النظر اللفظي يف هجية املنظمة للطبائع والوقائع بعيدا عن التفهم واملتابعة العلمية املن،النصوص

يت تلت اتمعات اإلسالمية واإلنسانية على مر القرون اليف واملتغريات يف النفوس و .لعصور اإلسالمية األوىلا

إن األصالة الفكرية تنكر التقليد واحملاكاة واختيار منهجية التلفيق السهل لينحصر يف دائرة النصوص من ،ةالعقيم الذي ينعزل عن الواقع وممارساته العلمي

.زاوية نظرية لفظية حبتة

اليت هذه األصالة تستوجب انطالقة إصالحية فكرية تبدأ من املنابع املنهجية وتعكس املفهوم اإلسالمي والغايات والقيم على واقع املمارسة اإلسالمية يف األداء

ة لألداء اإلسالمي ي طبيعاالجتماعي والبناء احلضاري، وجتعل الواقع والفعل نتيجةدي ومصادره الفكرية، وهذا يعين يف النهاية نظرة علمية إسالمية ومنبعه العق

مستقلة، تبلورها علوم اجتماعية إسالمية هلا مصادرها املعرفية املتميزة، وهلا فرضياا ومنطلقاا وغاياا ومنظورها املتميز، مما يعين يف النهاية رؤية علمية

وتنظيمية بديلة أصيلة، وال يضريها ما ميكن أن تفيده من معلومات معرفية وإجنازات توصل إليها غريها، بل إا تسعى إىل ذلك وترحب به، ما دامت تأخذها

.قاييسها ومن منطلق منظورها املتميزتبعا مل

وأدى إىل سقوط ،إن ما أصاب مسرية اإلسالم من نكسة بعد الصدر األول ال يرجع إىل الفكر اإلسالمي، وال إىل أخطاء وجتاوزات للقيادات ،خلالفة الراشدةا

من هائلبشكلاإلسالمية، وإمنا يرجع بالدرجة األوىل إىل تدفق األمم والشعوب

حقة ل

ب

ن اإلسالم

عة

Page 112: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

112

كل أرجاء األرض إىل اإلسالم وجمتمع اإلسالم، بكل ما علق يف نفوسهم من األحداث منسالم، وما جر إليه هذا التدافع ثقافات وجاهليات مل توزن مبيزان اإل

وتطوير الوسائل التربوية الالزمة ، مل تتمكن األمة من مواكبة املوقفإذوالوقائع، إلنضاج تلك األمم والشعوب والقبائل، وإعادة تربية ناشئتها على فكر اإلسالم

ن جاهليات، مما وغاياته ومقاصده وقيمه وموازينه، وختليصها من كل ما علق ا مأدى بدوره إىل خلق قواعد سياسية على غري مستوى التزام الصدر األول، ونضج

. قاعدته السياسية والعسكرية اليت قام عليها

، األمم والشعوب والقبائل الوافدة إىل اإلسالموأدى هذا القصور يف إعداد ، إىل أن تتمكن قيادات سياسية غري ملتزمة، اإلسالم وغاياته الكاملةوإنضاجها بقيم

من اإلمساك بأمر سياسة األمة وتصريف شؤوا، ،تستند إىل تلك القواعد اخلليطة وما ترتب على ،وقد ضعف التزام القاعدة وما أفرزته من قيادات -فال عجب

ال أ- ؤون األمةذلك من عزل رجال الفكر اإلسالمي عن مسؤولية تصريف شصر أثره على ت وأن يق،يستمر عطاء منهج الفكر اإلسالمي على سالف شاكلته

.جوانب التوجيه والتنظيم والتقنية

ورغم ذلك فإن ما حتقق يف العصور السالفة على أساس فكر اإلسالم وتأثريه قد أضاء ظالم ، رغم آفات الفلسفات واجلاهليات،وروحه ومنهجيته املبدعة

قرون، وأشاد صروحا للهداية واملعرفة والعلم واإلجناز ما كان لإلنسانية أن حتققها ال .دونه

ويف ضوء هذه الظروف والتحديات اهلائلة اليت أحاطت برجاالت الصدر نا حاجة إىل باألول لإلسالم وإمكانام وعظيم ما حققوه من إجنازات، هل يبقى

هل لنا نفسه؛ الوقتويف! رت عنه إمكانام؟ قصاملبالغة يف احلديث عمااللوم أو أن نتعجب أو نوجه اللوم حني يتراجع مستوى أداء األمة وصفاء رؤيتها أمام تفاقم

يث

جمتمع اإلسالم األول ودولة خالفته الراشدة

هذه

نلجأ إىل

يف أمر ما نبالغ

فس

Page 113: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

113

حني كان من ،هجمة اجلاهليات والفلسفات واالحنرافات اليت دبت يف كياا إجياد املؤسسات والطاقات الالزمة ،نات يف ظل تلك الظروف واإلمكا،الصعب

ا كان مبلهم أهيذه األفواج واألمواج من القبائل والشعوب، وتهلاألمة الستيعاب لألولني من تربية والتزام؟ ال شك أنه مل يكن بإمكان األمة يف تلك الظروف إال أن

عطاء يف كياا تتراجع وتضعف يصيب رؤيتها الغبش، وأن تبدأ قوى األصالة والتدرجييا حىت تسكن وتذوي وختمد، وأن يتحول فكر األمة يف النهاية إىل أشكال

دون أن تدرك على وجه ، وتراث جتله األجيال وفو إليه وتقدسه،وقوالب وألفاظ . أو أن تستفيد يف واقع احلياة من طاقاته الكامنة،احلقيقة فحواه

على تفاوت ، فكر اإلسالم لألمة واإلنسانيةهر مبا حققإن من الواجب أن نفخ إن كل ما حتقق يف تارخينا وكياننا ال ميكن فهمه .يف ااالت، رغم كل العقبات

وال تفسريه إال بعطاء اإلسالم ومنهجه يف الفكر واإلعمار واإلصالح، وإذا كان فإنه قد ، من مثرطيقان ي ومل يعط كل ما ك،مل يكتمل الفكر اإلسالمي منهج

هو الدليل على ، رغم كل العقبات،أعطى كثريا، ومدى عطائه الشامل اهلائل وأطلقنا ،ا فهمه والتعامل معه وذلك إذا أحسن،طاقاته وقدرته الكامنة واملتجددة .أمامه اال يف النفوس واتمعات

أمم وشعوب وعصور وأحقاب إن علينا أن ندرك أن ما انتهينا إليه هو مسريةكل قدرة وعطاء بلغتها حضارة اإلنسان ل قاعدة كانتحققت آفاقا من العطاء

يقاف املسرية إلاليوم، فإذا تضافرت آفات وجاهليات تلك العصور واألحقاب فإن اجلهد املطلوب هو بلوغ رؤية مشولية صافية حمددة ندرك ا ؛وحجب العطاء

يعود نور اإلسالم وتصح األمة وتواصل مسريا وتزهر الدروس والعرب حىت براعمها ويكتمل عطاؤها وبرها لإلنسان يف دين هداية، وعلم فالح، وحضارة خري

.وأمن وسالم بإذن اهللا

ىت ميكن أن تستوعب

ى

طاء

منهجه

يق

و

Page 114: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

114

ليس يف البحث عمن نلقي عليه احلقيقي السؤالوهنا نستطيع أن نقول إن يف البحث عن أسباب تقصري مسريتنا وتدهور املسؤولية أو نوجه إليه اللوم، ولكن

عطائنا، والوصول إىل أفضل السبل الستعادة رؤيتنا وجتديد طاقتنا وتسديد فغاية البحث تكون عندئذ خطوة لتجديد الرؤية وإصالح املنهجية وتنمية . مسريتنا

ا أجنزت وأعطت، مصادر القدرة والطاقة والعمل، وتصبح حمصلة التقومي هو أن أمتنا ومطلوبا، وأن العمل املطلوب هو البدء بالنظر الناقد مازال مرجوكثريالوأن

حىت نتمكن من إدراك وجوه الضعف واخللل يف نفوسنا وفكرنا ،الفاحص املتدبر . فنعمد إىل اإلصالح ونبلغ مدارك التسديد والعطاء،ومنهجنا

لبحث موضعا مناسبا لكي ننظر إىل ذا نكون قد بلغنا يف هذه النقطة من ا نظرة شاملة تعيننا على ، وإىل تاريخ فكرنا ومنهجيتنا اإلسالمية،قضيتنا الفكرية

معرفة وجهتنا والتحديات احلقيقية اليت جيب أن نتصدى هلا، وأن نعيها، وذلك حىت ا وفكرنا وإىل إثباا يف كيانن،نتمكن من حتقيق األصالة اإلسالمية اليت نتطلع إليها

.وممارستنا االجتماعية واحلضارية بإذن اهللا

فاإلسالم جاء رسالة هداية من اهللا سبحانه وتعاىل إىل اخللق وهم يف مرحلة وأطبق فيها الظلم، ،فت فيها الرساالترجاهلية حالكة من تاريخ اإلنسانية، ح

ه جماالت وعم الفساد، فبدد اإلسالم ظلمات الروح، وفتح أمام اإلنسان وعقلالتدبر واملعرفة والبناء، فبدأت اإلنسانية مسرية حضارية جديدة ما كان هلا أن حتقق

.ما حققته اليوم دون هدى اإلسالم

ومن أهم ما وهبه اإلسالم لإلنسان املعاصر هو تكامل معرفته بتوثيق الوحي م وحترير العقل وإطالق عقاله لكي ميارس دوره البناء يف جمال العل،وحفظه

.واإلصالح واإلعمار

حقيقة

يقة السؤال هيحق

Page 115: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

115

وكانت منهجية العقل املسلم على عهد الصدر األول منهجية تلقائية متكاملة وإدراك ووعي تلقائي ، وسالمة اجتهاد العقل،تستند إىل حكمة توجيه الوحي

فكان عهد النبوة واخلالفة الراشدة ،أحوال الفطرة يف النفوس والكائناتبذكي متأللئة يف زوايا روح اإلنسان ومسرية األجيال، وما من شاهدا وقدوة هادية منقذة

إال وهي بسبب من حىت اليوم من خري يف أرض اإلسالم وشعوب اإلسالم بقية رغم كل دواعي التدهور يف ،وهكذا بقي اإلسالم. لق اإلسالم وغاياتهاإلسالم وخ .لقرون هو حصنها من الضياع واهلالك على مر األيام وا،حس األمة

ىت اليوم

Page 116: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

116

Page 117: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

117

الفصل الثالث

منهجية الفـكــــــر اإلسالمي القواعد واألسس

Page 118: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

118

القواعد واألسس: منهجية الفكر اإلسالمي

Page 119: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

119

ألقينا فيما سبق نظرة تعريف ونقد موجز على اإلطار التقليدي ملنهج الفكر ، واملشاكل متثلهفيها أسسه وقواعده، وأوضحنا اإلطار الذي اإلسالمي، وتناولنا

اليت يعاين منها، وأسباب بروز تلك املشاكل، كما أشرنا إىل أهم اآلثار السلبية .النامجة عن اخللل يف بنية تلك املنهجية

ويف ظل الظروف احلضارية للفترة األوىل من احلضارة اإلسالمية أدت طاقات مضي الزمن مع القصور تعاظميف املنهج األصويل دورمها العقل املسلم وإطار

عن ظروف وممارسات اختالفها و،وتباعد الظروف الزمانية واملكانية لواقع األمة .ممارسات السنة النبوية على عهد الرسالة ونـزول الوحيعن الصدر األول، و

لظروف والعقبات اليت رغم كل ا،وأمكن لذلك العقل وذلك املنهج أن يفجراوضعت اإلنسان اليت جاها اإلسالم واملسلمون، قدرا هائال من الطاقة اإلسالمية

والعقل اإلنساين يف إطار جديد، وفتحت أمام العقل اإلنساين املسلم آفاقا فسيحة ميا من العمل واإلبداع، وقدمت لإلنسانية تراثا وفكرا حضاريا تنظيميا وقانونيا وعل

غري مسبوق، أضاء حلكة األفق اإلنساين الذي خيمت عليه اخلرافة والضالالت .واألوهام واجلور واخلسف واحلرمان من احلقوق واحلريات اإلنسانية كافة

وبتباعد الزمن وتغري األحوال وتعاظم اهلوة بني الغاية اإلسالمية وااللتزام العزلة للفكر ازديادجتماعية، واالوبني القيادات السياسية كذلك و،اإلسالمي

اإلسالمي والعلماء املسلمني، أخذ األثر اإلسالمي يضعف والعطاء اإلسالمي وساعد على التدهور ومكن له انعدام التحدي احلضاري لألمة اإلسالمية .يتضاءل

بقيت لعدة قرون أفضل حاال ، رغم تدهور أوضاعها،واحلضارة اإلسالمية، فهي . من احلضارات املعاصرة هلامن سواهاوأقدر

وبربوز التحدي الغريب األورويب يف القرون األخرية أصبحت األمة اإلسالمية مرغمة على إعادة النظر يف أحواهلا وامتحان قواعدها ومنطلقاا ومناهج فكرها

Formatted: Highlight

ى

يف

ب

دياا

و

زيد من

Page 120: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

120

.وأنظمتها

التحديات اليت األمة وتعدد شعوا، وتعاظم أعدادزايدومبضي الوقت، وأمام تاملخاطر النامجة عن األمراض استفحال تواجه كياا ووجودها ومقدراا، وأمام

احلضارية اليت تفشت يف كيان أمم الغرب وجمتمعاته يف الوقت احلاضر، مما أصبح يهدد بالدمار ليس األمم الغربية وحدها، بل اإلنسانية مجعاء معها، لكل هذا مل يعد

بعد أن ، أن تعيد النظر يف كياا وفكرها وقواعد منطلقاا اإلسالمية إالأمام األمةثبت لكل ذي عقل أن أدوار األمة والتحديات اليت تواجهها مل تعد جتدي معها

العاطفي وأالسياسي وأجمرد التصدي العسكري وأاملعاجلة الفكرية السطحية، ع املر كل أقنعة الكهانات واملصاحل الفاشل، وكان ال بد أن تسقط أمام هذا الواق

وهي على ما هي - مل يعد لدى األمة إذالزائفة والنـزاعات التقليدية احملافظة، . ختاف ضياعهوأ ما ختشى عليه - عليه من الضعف والتخلف واملعاناة

ذات والتاريخ، وأمام مسؤولياا ومسؤولية األمة احلضارية هي مسؤولية أمام ال اإلسالمية السامية اليت أهلتها تنبع من رسالتها، وهياملقدسة يف اخلالفة واإلصالح

.لكي تضع أسس احلضارة اإلنسانية املعاصرةإمنا بنيت على منطلقات رسالة اإلسالم وتراث املعاصرة إن احلضارة الغربية

من عديد يف إصالح ال من إسهاماااليت أعطت الكثري األصيلاحلضارة اإلسالمية منطلقات احلضارة اإلنسانية قبلها، ونرى أثر ذلك واضحا يف اإلصالح الديين واألخالقي واالجتماعي والفكري والعلمي الذي أخذته أوروبا عن األمة اإلسالمية

. واحلضارة اإلسالمية والتراث اإلسالمي ودرسوه وتعلموه يف ،هات جاس الغربيون أرض اإلسالم وفكره وإجنازفقد

يشهد عليه ،اجلامعات اإلسالمية ويف املكتبات اإلسالمية ويف الترمجات اإلسالمية بل إن كثريا من معاناة .فكر عصر النهضة األوروبية وتراثه وإصالحاته احلضارية

يط الصحة النفسية للفرد واألسرة اليت يف حموال سيماالغرب وأمراضه االجتماعية،

ظم

فراد

اظم

يث

. ومعاناا ومتزقها وضعفهاهاال آالم

يت

نطلقاا

ذي ساهم

ثري

اصة

Page 121: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

121

رجع يف رأينا إىل ختلي الغرب عن كثري من منطلقات ييعاين منها اليوم، إمنا .ومفاهيم اإلصالحات االجتماعية واألخالقية اليت استمدها من احلضارة اإلسالمية

الغرور، وظن أنه مل يعد يف حاجة إىل هذلك بعد أن اشتد عوده، وأخذقد حدث وما استمده من حضارة اإلسالم من قيم ومفاهيم وتقاليد، وأن قدرته وطاقته املادية

التراث اخلرايف يف الوثين اليوناين والروماين، وهتراثيف إمنا تنبع عن فضيلة ذاتية اليت أخذ عنها عن احلضارة اإلسالمية وقيمها ومنطلقاافاستقلاملسيحي الوسيط،

. استوحاها يف إصالحاته الفكرية والعلمية واالجتماعيةوونرى أثر ذلك اليوم واضحا يف حميط احلياة االجتماعية واألسرية املتهدمة ، املتفجرة، كما نراه يف انعدام االلتزام األخالقي يف ميدان العلم والتقنية والسياسة

،لغرب من الداخل أصبح واضحا لكل ذي عينني أنه أمر يهدد كيان احبيث .واإلنسانية قاطبة من اخلارج

مل يعد أمام إنسان هذا ،ومع ما عليه الغرب اليوم، ومع ما عليه حال العامل ركب عادة إال اإلسالم ومنطلقاته إل،مل يعد أمام األمة اإلسالميةمثلما العصر،

لتوازن والسالمة إىل عادة اإلاألمة واإلنسانية من جديد إىل الصراط املستقيم، و على أساس منهاج احلق والعدل والغاية األخالقية ،مسرية اإلنسانية واحلضارة

تبين وال دم، وتصلح وال تفسد، وحتقق مشيئة اهللا يف اإلصالح فالقومية، .واإلعمار

ال بد أوال من رسم اإلطار ؛وللحديث عن املنهجية اإلسالمية يف الفكر واحلياة حىت ميكننا بعد ذلك ،ذه املنهجية، ومعرفة مصادرها ومنطلقاا األساسيةالكلي هل

. مواصلة العمل العلمي واحلضاري يف ااالت احلياتية واالجتماعية واحلضارية املختلفة دوره يف إعادة بناء كيان احلضارة اإلنسانية، وإعادة داءوبذلك نؤهل العقل املسلم أل

. واإلصالح واألمن والسالمرياغة عالقاا جمددا باجتاه اخلترتيب أولوياا وصي

ا

ت

جع إىل ال

ىل

ستقال

يوم

يد

ي يؤدي

ب

Page 122: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

122

وهي قضية اإلطار ،ونبدأ بالبحث يف قضية من أهم قضايا املنهجية اإلسالمية .الكلي للمنهجية اليت يدور فيها الفكر اإلسالمي ويتحرك من خالل دائرا

:إطار منهجية الفكر اإلسالمي ومعارفه -1

: ادةتكامل الغيب والشه

من املهم جدا فهم اإلطار اإلسالمي األمشل للحياة والوجود حىت ميكن فهم وحميط حركتهما، وحىت نفهم كذلك واملنهجية اإلسالمية الفكر اإلسالمي

العالقات واملفاهيم واملنطلقات األساسية اليت تنظم الفكر واملنهجية وبناء احلياة .اإلسالمية ومتيزها

ووضوح هذا املفهوم وأبعاده يف العقل ،ادة يف اإلسالمفهوم الغيب والشهملو قصوى إذا أردنا فهم طبيعة الفكر اإلسالمي ومنهجيته، وفهم ة أمهيواملنهج املسلم،

والوجود اإلنساين، والعالقات والغايات اإلنسانية اليت يسعى معىن احلياة اإلسالمية . واإلصالح اإلسالمي إىل حتقيقهااإلسالم

مفهوم الغيب والشهادة يف اإلسالم هو املفهوم الذي حيدد معىن احلياة وما وراء ،، وعالقة ذلك مبا وراء احلياة، وما وراء الوجودتهماوالوجود، وغاي

.املادة

،مفهوم الغيب والشهادة هو اإلطار األمشل الذي حيدد معىن الوجود اإلنسايناين ودوره يف احلياة اإلنسانية، وحدود هذا الدور معىن العقل اإلنسكذلك و

.وجماالته

السؤال األمشل عن نومفهوم الغيب يف اإلسالم ميثل إطار اإلجابة اإلسالمية ع . وحيدد بذلك معىن العالقات األساسية هلماا،أصل احلياة والوجود وغايتهم

ن أمره على من عامل الغيب هو عامل خيتص به علم اهللا وحده يوحي مبا يشاء م

الوجود

احلياة والوجود

ه

Page 123: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

123

عىن وجودهم، مل ايشاء من عباده، ويرسلهم بالرساالت إىل األمم هداية وتبصري .وغاية هذا الوجود، وعالقاته ومآله

هي عالقة خرية بناءة، ،وفق مفهوم اإلسالمبعامل الغيب، وعالقة اإلنسان األرض وصيانة الكائنات وإعمار ،دف إىل إقامة احلق والعدل يف احلياة اإلنسانية

. واألرض من الفساد

لقال الذي خمع نسأح كمأي كملوباة لييالحو توالم)1( ، رأمي إن الله .))2حسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغيبالعدل واإل

:م الغيب ومعطياته لإلنسان فيما يليوميكن تلخيص أهم مبادئ عال

أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا الوجود له غاية خرية أخالقية ومل خيلق عبثا - .))3وأنكم إلينا ال ترجعون

ء طاقة العقل هي فيما ورا، ومنطق هذه العالقات،الوجود الكلية عالقات- .اإلنساين واملنطق اإلنساين واإلدراك اإلنساين

،أهم معطيات عامل الغيب فيما خيص اإلنسان هو وجود اهللا سبحانه وتعاىل -اخلالق الواحد األحد الفرد الصمد احلق العدل األول اآلخر الذي ليس كمثله شيء

.وهو بكل شيء عليم

على ما وعقاب ثوابة حساب الدار اآلخرة والبعث والنشور هي حمصل- .قدمت يد اإلنسان يف هذه الدنيا، إن خريا فخري وإن شرا فشر

خر كل ما فيها من كائنات وإصالح، سر إن الدنيا هي جمال عمل وإعما- إلرادة اإلنسان يف مهمة خالفته يف األرض، والسعي إىل إعمارها وإصالحها

.3: امللك)1( .90: النحل)2( .115: املؤمنون)3(

امل الغيب

Page 124: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

124

إفادة ورعاية واستصالحا وإحسانا، ال غلوا وال ،وتسخري كائناا بإرادته اخلرية .عتوا وال فسادا

اإلرادة اإلنسانية من علم اهللا، ومن أمر اهللا، ومن إعجاز خلق اهللا وعظيم -فها حبرية التوجه، ووهبها قدرته، خلقها كما خلق كل شيء ومبشيئته، ميزها وشر

ح أو إىل اإلفساد، إىل القيام مبهمة حرية القرار إىل اخلري أو إىل الشر، إىل اإلصالاخلالفة والرعاية واإلصالح واإلعمار أو إىل الشر واإلفساد والغلو واإلسراف

.يةس توقيا وتزكية أو فجورا وتد،واالستكبار والطغيان

اهلداية والضاللة يف احلياة اإلنسانية مصري فردي سبق يف علم اهللا حني وهب - وإلنسان، أي النجدين، يسلك طريق اخلري واحلق واهلداية، أاهللا اإلرادة احلرة ل

.طريق الفساد والضاللة والطغيان

، وكرمه مبركز اخلالفة يف األرض، ووهبه العقل والعلم، خلق اهللا اإلنسان- مميزا له ومكرما له على الكائنات ، العلم وحرية اإلرادةةوأعلى منـزلته بقدره احلرة فهو األكمل واألفضل وأحسن اخلالئق تقوميا، وإن كافة، فإن اهتدى بإرادت

.ضل وفسد كان بفساده وضالله واختياره يف أسفل السافلني

وفطرهم على سنن وقوانني ، خلق اهللا الكون والكائنات واحلياة واألحياء-وأسباب، ويف طلب األسباب تكون األفعال واألعمال، وتتحقق الغايات، وتعرب

نسانية عن عزمها وتوجهها، ودون طلب الفعل وطلب األسباب ال اإلرادة اإل .تعبريتكون اإلرادة، وال يكون العزم، وال تتحقق غاية وال

مسؤولية اخلالفة هي ، هذه األرضعلى و، مسؤولية اإلنسان يف هذه احلياة-. سبيلهاواإلعمار، وتسخري الكائنات ورعايتها، وذلك بطلب األسباب والسعي يف

ومسؤولية اإلنسان هي يف طلب السنن واألسباب، ألداء األمانة وإرضاء احلق ئه اإلنسان ألدائها، وإميانا وإنفاذا لقضا إميانا به وبالغاية اليت خلق،سبحانه وتعاىل

ى عنه، وثقة بقد ره سبحانه وما أودعه يف الكائنات من نواميس فيما أمر به وفيما

Formatted: Highlight

القيام ب

هللا

اهللا

Page 125: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

125

وفق بعد أداء مسؤوليته يف طلب األسباب والسعي بكل اجلد،واملؤمن. سننو صاحب ،النواميس والسنن، يؤدي واجبه وأمانته، وهو بعد ذلك يتوكل على اهللا

ر الكون، إميانا وثقة حبكمته، فكل قدلعبد املؤمنلر اهللا األمر وعامل الغيب ومسي، إمنا هو خري له يف الدنيا ،يف طلب األسباببعد أن يؤدي دوره وحيمل مسؤوليته

طلبا و به ثقةواإلنسان ينصرف بقلبه وجواحنه إىل اهللا صاحب األمر، . واآلخرةوعدل احلق سبحانه وتعاىل، وكلياته . ليقبل عمله، وحتقيقا لغايته اخليرةتهملرضا وسعيهم باألسباب يف هي ضمان جناح عمل املؤمنني، وحكمته الكلية،الربانية

خالفة األرض، وهي ضمان ثواب العبد املؤمن يف الدنيا واآلخرة مبا تقضي به .حكمته وعدله ورمحته

اإلنسان املؤمن يقوم حبق اخلالفة ويسعى يف اإلصالح واإلعمار وفق الفطرة -األسباب من والسنن، ويؤدي املسؤولية امللقاة على عاتقه يف العمل واجلهاد وطلب

ل ويتوكل، عق ولذلك فاملؤمن ي.منطلق اإلميان باهللا والثقة حبكمته وعدله ورمحته من قدر اهللا إىل قدر اهللا، بصريا بنفسه وأدائه ومسؤوليته، فإميانه سعي، وسعيه ويفر

ويف السعي باإلصالح، ويف أداء حقوق ،إميان، ولذلك فهو يف أدائه يف طلب احلق يطلب األسباب ويثق باهللا، وال خياف وال خيشى ،صالح واإلعماراخلالفة واإل

.ة بفوز املؤمنني يف الدنيا واآلخرةقب واثقا يف العا،سواه، يتوجه إىل اهللا ويتوكل عليه يكون أشد ، الواعي ملعىن إميانه باهللا وحكمه وقضائه وقدره،ولذلك فاملؤمن احلق

وهو بذلك ال يلتفت إال . يف األرض وخالفتهاالناس حرصا على العمل بسنن اهللاالتفات متحيص وإتقان إىل جزئيات حركة األداء والسعي، ال يبطره الفوز، وال

يصدر عن حكمة هو و. خيذله القرح، ألنه يعلم أن ذلك مناط االمتحان واالبتالءم، ولذلك فما اهللا البالغة وكلياته الربانية يف تسيري الكون ودفع الناس ومتحيصه

ويظل مناط حركة .يصيب املؤمن يف حركته وسعيه كله خري يف الدنيا واآلخرةأن أمر موقنا مسؤولية العمل وجدية السعي وطلب األسباب، هواملؤمن وحياته

املؤمنني العاملني املؤدين ألمانتهم ومسؤوليام إىل خري وإىل جناح وإىل متكني،

اهللا

ب

ل

،كلي

Page 126: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

126

وما أحسنوا اإلميان بالقضاء ،ما وفوا باألمانة واملسؤولية، فوعد اهللا للمؤمنني ناجز وال يكون يف عقيدة . واألداء يف العمل والسعي وطلب األسباب والسنن،والقدر

حبسن إميام احلياة املسلمة غري ذلك، فما نصر املؤمنون اهللاملؤمن وواقع حركة استخلفهم، فذلك عهد اهللا وتلك إال نصرهم ومكن هلم ووحسن أداء مسؤوليام

. ))1إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم سنته، وذلك إميان املؤمن الفطن

للحياة يف هذه األرض وأداء ن العقل اإلنساين واإلدراك اإلنساين مؤهال- أداة اإلنسان اك مهواجبات اخلالفة يف اإلصالح واإلعمار، وهذا العقل وهذا اإلدرا

األساسية وميزته الكربى حلمل مسؤولية املهمة امللقاة على عاتقه يف هذه احلياة، وإذ قال ربك للمالئكة إني . واستخالف الكون وإعماره والسعي فيه باإلصالح

، فكان مؤهل ))2...مائهمقال يا آدم أنبئهم بأس... جاعل في الأرض خليفةاإلنسان للخالفة هو العلم، والعقل أداة العلم ووسيلته يف عامل الشهادة على هذه

.األرضاملعرفة اإلنسانية حباجتها من علم الوحي هو املصدر اإلهلي الذي ميد -

ليات عالقة اإلنسان ذه الككذلك شؤون الغيب وعالقاته وغاياته الكلية، و هيوالعقل هو أداة اإلنسان للعلم واملعرفة واألداء يف هذه األرض، و. والغايات

عامل الشهادة، وذلك حتقيقا ملهمة اخلالفة وغايته يف إقامة عالقات احلق والعدل .واإلحسان

الوحي والعقل ذا املفهوم يتكامالن لتحديد موقع اإلنسان يف عامل الشهادة -فالوحي ميد اإلنسان . يه من حتقيق الغاية منهما يف عامل الشهادةومتكني وجوده وسع

ا هو وراء علمه ملالربانية فيما ال ميلكه من معرفة أو إدراك باملعرفة الكلية والغايات وإدراكه، فيستكمل الرؤية واملعرفة ليهتدي إىل الغايات واملقاصد، وحيقق اليقني،

.7: حممد)1( .33- 30: البقرة)2(

ب

نسان و

و

Page 127: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

127

وذا يكون الوحي . ثنايا بنائه وكيانهويستجيب لدواعي الفطرة وتوجهاا يفالصادق املوثق هو وسيلة اإلنسان إىل الغايات والكليات، والعقل هو وسيلة

شؤون الفطرة من يفاإلنسان يف العلم بعامل الشهادة، وما ينطوي عليه هذا الكون ليسخرها ويقوم على أمرها باإلصالح واإلعمار، على ما ،سنن وطبائع وإمكانات

.يقتضيه التوجيه اإلهلي والغاية اإلهلية اخليرة

البصري بوحدانية اهللا وهداية الوحي، ، من منطلق الفطرة، ومن منطلق اإلميان- فالوحي خيتص بعامل .ال جمال يف الرؤية اإلسالمية لتعارض الوحي والعقل والكونن أمر اهللا، وذلك م،الغيب وكليات الوجود وغاياته ومقاصده يف الكون واحلياةالسعي واإلذعان ملا . والسعي فيه على غري ما أراد الوحي ضالل وظن واستكبار

هذا املقياس . والعلم الفاسدرجاء به الوحي من احلق هو الذي مييز بني العلم اخليهو الذي ميز بني علم املالئكة ومنطقهم الراشد؛ وعلم إبليس ومنطقه الفاسد

كانحباقالوا سنتلما عا إلا ملن ال علم)1( وقال إبليس مستكربا مبا يعلم من تفوق ،أأسجد لمن خلقت : ، وقال))2خلقتني من نار وخلقته من طنيه مادة خلق

.)4(تعلمونإني أعلم ما ال ، وقال اهللا بعلمه الكلي وقدرته الشاملة ))3طينا حنو ا سعيههت إذا وجة راشدةصحيحهي فالعقل واملنطق واإلدراك اإلنساين

يف خالفة عامل الشهادة على اأداء دورهو ا إىل محل مسؤوليتهتعامل الشهادة وسع ئربتحديد الغايات واملعايري باملصاعامل الغيب ب من علماما سدد اهللا به رؤيته

سؤوليته يف تسخريها وإعمارها على تأهيله مل و،والعواقب متكينا لإلنسان يف األرضوذا اإلطار الكامل املتكامل بني علم الغيب وعلم . وجه العدل واإلحسان

الشهادة، وبني الوحي والعقل والكون، مل ينصرف الصدر األول من رجال اإلسالم

.32 البقرة )1( .12: األعراف)2( .61: اإلسراء)3( .30: البقرة)4(

Formatted: Highlight

ت

ن

و عقل

هو عقل

Page 128: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

128

وجدوا حاجتهم كاملة فيما جاء به إىل سفسطات اخلوض يف قضايا الغيب، والوحي بشأن الغايات وحتديد املعايري، تسديدا وهداية وتوجيها لإلنسان وعقل

. علما وسعيا وبناء وتسخريا وإعمارا،اإلنسان يف وجوه عامل الشهادة كافة

يف اإلطار اإلسالمي األمشل، املبين على حقيقة التوحيد والوحدانية، يتكامل -الشهادة، ويتكامل الوحي والعقل والكون، ويتكامل اإلميان والعمل، الغيب و

ويتكامل التوكل والسعي، وتتكامل عقيدة القضاء والقدر والثقة بالكليات الربانية ووسيلة إرادته يف حتقيق غاية السنن واألوامر اإلهلية، مع متام جدية السعي يف فهم

- دائمار اهللا ومشيئته، ولذلك قرن اهللا اإلميان وصدق إمياا وتسليمها ألموجودها) )1الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالصاحل من العمل- وهو مناط قصد النية

بكل ما تعنيه كلمة الصالح من معاين موضوعية الفهم، وجدية السعي والطلب من أن ،الوحي، وأقامه يف النواميس والسنناحلق كما أمر اهللا به يف منعلى أساس

معىن اإلميان باهللا والتوجه يف يتضحذلك و الصالح ال يكفي فيه حسن النية والقصد، السعي املوضوعي يف طلب بل يتبعه ويرتبط به )الذين آمنوا ( اآليةإليه يف صدر

.)وعملوا الصاحلات (األسباب وحسن األداء والعمل

ومن هذا خنلص إىل أن العقل املسلم عقل ينصرف إىل عامل الشهادة وشؤون على ،احلياة والكائنات، يسعى إىل تسخريها وتنظيمها ورعايتها وإصالح شأا

وما أودع اهللا فيها من سنن ووقائعها وطبائعهاأساس من املعرفة املوضوعية بأحواهلا وفق توجيه الوحي وأوامر احلق ومقاصد الشريعة ، حتقيقا ملعىن اخلالفة،ونواميس

سلم إلضاعة الوقت واجلهد فيما ال طائل وال جمال للعقل امل. وأحكامها املنـزلةه، إال مبا جاء به وما يتعلق بذات اهللا، وكليات أمر، شؤون عامل الغيبحولحتته،

الوحي ونـزلت به الرسالة، وما ضعف العقل املسلم إال حني ضعفت رؤيته وتبلبلت، وانصرفت عما يوالسعي يف علم عامل الشهادةاإلحاطة برت له من س

.3: العصر)1(

Formatted: Highlight

ن

علم

يف كل موضع من القرآن الكرمي يف حديثه عن

ف

عىن تكفل به

تعبري والوصف القرآين يف

ه وراء ذلك إىلمنا هو ينصرف في

Page 129: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

129

رت له من سلت ويه يف غري ما أفخاضتالكائنات والطبائع وتدبريها وتسخريها، .كليات واإلهليات وأمور عامل الغيبشؤون ال

عافيته عليه أن يستعيد رؤيته اإلسالمية الكاملة العقل املسلم لكي يسترد واملبنية على التوحيد والوحدانية، واليت يتوجب فيها الغائية، وتتوجب فيها السببية،

العقل (حي والفطرة الوويتوحد فيها الغيب والشهادة ويتكامالن، ويتوحد فيها ، ويتكامالن، وبذلك ترشد مسرية هذا اإلنسان وهذا العقل، وجيد سعيه)والكون

.ويتحقق له وعد اهللا بالقدرة والنصر

وهي قضية ،خرى من قضايا املنهجية اإلسالميةبعد هذا ننتقل إىل قضية هامة أ .اند وتكامل وما بينهما من عالقة تس، الفكرمصادرمصادر هذه املنهجية و

الوحي والعقل والكون: مصادر الفكر واملنهجية اإلسالمية-2

قصد به عموما كلمة الوحي كمصدر للمعرفة والتوجيه يف حياة اإلنسان ي ، والوحي.مر به إىل األممغ ما أ لكي تبلاحلق اليت أوحى اهللا ا إىل األنبياء والرسل

قصد به كلمة اهللا وإرادة احلق اليت أوحى ي،كمصدر للمعرفة والتوجيه اإلسالميا إىل نبيه ورسوله حممد صلى اهللا عليه وآله وسلم ليبلغها للناس كافة، رسالة ،خامتة كاملة شاملة، هداية للناس وإرشادا إىل معىن وجودهم وغاية هذا الوجود

ن يلتزموها لتحقيق غاية أوتبيانا للمقاصد واملبادئ والقيم واألحكام اليت ينبغيوجوهر ما يقدمه الوحي للناس هو . وجودهم وبلوغ مقاصد أعماهلم وعالقام

توضيح طبيعة عالقة اإلنسان باهللا، وغاية وجود اإلنسان يف الكون، ودليل حركة .اإلنسان يف احلياة، ومصري هذا اإلنسان فيما وراء احلياة

زه وكرمه باإلرادة وقدرة التصرف إذ مي عنده،فاإلنسان هو أكرم خلق اهللاوالتسخري للكون واحلياة، ووهبه العقل وما أودعه فيه من فطرة لإلدراك والتدبر

مه من نواميسها وأسباا ومسبباا، والتدبري وتصريف احلياة واملقدرات وفق ما عل

Formatted: Highlight

ذلك لكي ختوض

العقل املسلم

ذا

هلم

Page 130: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

130

.ع اهلوى بالتزام احلق، وينحط ويطغى ويفسد باجتناب احلق واتبا وحيسنفيعلو

عالقة إرادة ؛فعالقة اإلنسان املخلوق باهللا اخلالق واملتصرف يف احلياة والكون فتوجه .وإدراك وخيار هي يف أصلها عالقة تعبيد وتذليل، وعالقة خالفة وكرامة

، اإلنسان إىل اهللا واتباع أوامره واجتناب نواهيه هي عالقة إعالء وكرامة وإعزاز وما هو خري، وما هو حقيقة وما هو طريق قيق ملا هو حقألا استحواذ وبلوغ وحت

قومي، وما هو غاية كرمية عزيزة يسعى إليها اإلنسان القومي ويطلبها ويسمو بطلبها ملعاين املذلة والصغار ،ذه العالقةهل يف الفهم اإلسالمي كان، وال م.وبلوغ آفاقهالع والشوق واالعتزاز والكرامة والقوة، فهي عالقة أصلها احملبة والتط،واالستغالل

وتلمس هذه اآلفاق واألبعاد والقيم يف شخصية الرسول الكرمي وأصحابه الكرام ويف هذا يقول رسول اهللا صلى اهللا عليه وآله وسلم .ققبل أي أحد آخر من اخلل

بده اهللا أشد فرحا بتوبة ع«، )1(»خللوف فم الصائم أطيب عند اهللا من ريح املسك« فالة فانفلتت منه وعليها بأرضحني يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته

فاضطجع يف ظلها وقد أيس من راحلته طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرةوإذ قال : ، ويقول اهللا سبحانه وتعاىل)2(»فبينما هو كذلك إذ هو ا قائمة عنده

ولقد كرمنا بني آدم : ، وقال))3 في األرض خليفةربك للمالئكة إني جاعل .))4وحملناهم في البر والبحر

وجيب أن ال يغيب عن بالنا سبب كرامة اإلنسان بني اخلالئق وموضع اإلنسان ك من اخللق، واحلكمة الربانية العليا يف خلق اإلنسان ومتكينه يف األرض، وهي تل

الصفة العلوية األمسى اليت ميزه ا، وهي صفة اإلرادة احلرة وقدرا على التوجه

. رواه البخاري ومسلم)1( . رواه مسلم)2( .30 البقرة )3( .70: اإلسراء)4(

طواعية

ال

ف

Page 131: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

131

واهلداية باخليار احلر الذايت، وأن ذلك هو الذي جعلها موضع قسم اخلالق جل من أفلح قد * وتقواها فجورها فألهمها * سواها وما ونفس: وعال حني يقول

.))1دساها من خاب وقد * اهازك

واإلنسان بعصيانه وفساده واحنرافه عن احلق هو الذي ينال من نفسه ويظلمها ويغوص ا يف وحل املعصية والفساد والطغيان، ويأخذ ا إىل مكانة الذل والشقاء

خنلط مكانة العزة وهلذا جيب أن ال . يف عالقتها باحلق، يوم يقوم الناس لرب العاملني ثم *لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقومي : والكرامة اليت هي لإلنسان الصاحل

افلنيفل سأس اهنددر* رغي رأج مات فلهالحملوا الصعوا ونآم إلا الذين القساة املستكربين والعتاة مكانة والتكرمي، وبنيل للمثوبةه والذي هو أ))2ممنونالذي أراد اهللا به كسر عناد املتكربين، وكشف ما هم يف اخلطاب اإلهلي رةبواجلبا

زيغ وكفر وضالل، من أمثال جفاة العرب وطغام واملتجربين من و فيه من وهم .رجاالم، كأيب جهل وأيب هلب

ال يبقى يف أذهاننا ف لإلنسان، معاين خطاب التكرمي إذنصح أن ننسىفال ي أصل خطاب اهللا إىل اإلنسان ومناط فنعدهوفهمنا إال خطاب الزجر والتقريع،

.، فنعممه خطابا للدعوة، ومفهوما لعالقة اهللا باإلنسان يف احلياةعالقته به

فذلك موقف ( عزة املؤمنني وكرامتهم واقفكذلك جيب أن ال خنلط بني موبني مواقف تضرعهم وحمبتهم وإنابتهم يف ) عزة احلق والتلبس به والدعوة إليه

حب وشوق إىل الرحيم مواقفصلوام إىل احلق املنعم املكرم العليم الغفور، فهي يف عالقته باهللا، خري وكرامة تليق باملؤمنقف عزة وا مونوعنيفكال ال. الودود

متكن له يف األرض ألداء رسالته، وحتقيق غاية وجوده، خليفة كرميا صاحلا يؤمن و

.10- 7: الشمس)1( .6-4: التني)2(

من

لحياة

ص

خلطاب اإلهلي إىل

و

ن نعتربه

اعر

القة

وقفني

وقف

Page 132: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

132

.باحلق ويستند إليه ويسعى إىل بلوغ مرضاته ،ره بغاية وجودهبص، يفالوحي ذا املضمار مصدر أساسي ملعرفة اإلنسان

ي خلق الموت والحياة الذ: ومصريه بعد هذا الوجود،ومكانه من هذا الوجود بغاية ةي وليس لإلنسان من وسيلة ملعرفة يقين.))1 ليبلوكم أيكم أحسن عمال

إال، وعالقته مبا وراء الوجود وما وراء احلياة، ومكانته يف هذا الوجود،وجوده إىل هذا ا ال سبيل هل،نسان ومنطق اإل، وعلم اإلنسان،فعل اإلنسانإن . الوحي

.اللون اليقيين من معرفة الكليات

وما وهبه من عقل، وما ركب فيه من ،ما فطر اهللا عليه نفس اإلنسانوراه يف اخلالئق والكون من فطرة وسنن، جيعله ال جيد لنفسه مندوحة بإدراك، وما

ته ال دليل هلا حركإال أصبحت ويف طلب معرفة كليات هذا الوجود وموقعه منها، وال غاية تسعى إليها وال معىن حتققه، مما ترفضه فطرة العقل وسنن اهللا يف الكائنات، وهو أمر يورث النفس البلبلة واالضطراب، ويتركها با للحرية

. واخلوف

والوحي املوثق الصحيح هو الوسيلة الوحيدة هلذا النوع من املعرفة، يستكمل يف هذه احلياة، ولذلك فالوحي للعقل واإلدراك سريه للبه اإلنسان وجوده وأدوات

لفكر اإلنساين يف هذه احلياة ضروري ومكمل وال غىن عنه، وال ميكن لإلنسان او واستكمال دليل ،والفكر اإلنساين يف هذه احلياة بلوغ مرحلة اليقني والطمأنينة

ستكمل به معرفة دون اعتماد الوحي الصحيح مصدرا أساسيا يب ،حركة احلياة * قد جاءكم من الله نور وكتاب مبني: العقل وعلمه يف شؤون عامل الشهادة

يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السالم ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه اط مإلى صر ديهمهيقيموتس)2(.

.2: امللك)1( .16-15: املائدة)2(

ت

واسطة

ف

ب

ر

س

Page 133: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

133

لإلنسان هو أداة اإلدراك والفهم والنظر والتلقي والتمييز واملوازنة، والعقلوالعقل . وهو وسيلة اإلنسان ألداء مسؤولية الوجود والفعل يف عامل الشهادة واحلياة

فإنه حيوي يف ذاته ، إىل جانب أنه الوسيلة األساسية لإلدراك،من فطرةفيه مبا أودع ديهيات املعاين والعالقات بني اإلنسان واحلياة والوجود والكائنات، ويبين عليها ب

وال ،دون العقل ال يوجد إنسانب و.منطقه ومفاهيمه األساسية يف هذا الوجود . وال توجد مسؤولية، وال يوجد فهم وال وعي،يوجد إدراك

ايته من احلياة، ه اإلنسان ودافعه ووسيلته إىل إدراك موقعه وغوالعقل هو موجهه ودافعه ووسيلته يف طلب علم الغيب والتلقي عن رساالت موجأيضا وهو .الوحي

والعقل وقدرته على اإلدراك والتمييز والتمحيص هو وسيلة اإلنسان إىل إدراك فحوى الوحي ووضعه موضع اإلرشاد والتوجيه لعمل اإلنسان وبناء احلياة ونظمها

.ية الوحي ومقاصده وتوجيهاته وأحكامهوإجنازاا، مبا حيقق غا

الدجل واخلرافة وبني ر الصحيح املوثق، والعقل هو الذي مييز بني الوحي اخليوالكهانة الكاذبة الفاسدة الضالة، وهو الذي ميكن اإلرادة اإلنسانية من اخليار،

.ويضعها أمام مسؤولية املسلك واملصري

ال للتلقي عن رسالة الوحي كمصدر وال جم،فال جمال لوجود اإلنسان كإنساندون وجود العقل، ب ،للمعرفة والتوجيه والعلم، وال جمال ملسؤولية اخلالفة واإلمارة

يف اإلدراك دون فطرة العقل يف معطياته وقدراته وبديهياتهبدون دور العقل، وبو .والفهم والتمييز، وما تدل عليه وتدعو إليه من مقاصد اخلري والعطاء

وقضى على مصداقيته كمصدر ،وحي األمم قبلنا قد أفسده التحريفألن وز متي- الرسالة الكاملة الصادقةامتالك وقد متيز ب -يقيين للمعرفة، فإن العقل املسلم فالوحي مصدر علم .مني، عامل الغيب وعامل الشهادةبتكامل مصادر معرفته يف العال

إلنساين

كان

Page 134: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

134

مصدر علم الشهادة وإدارة احلياة، يولدها مما أودعه الكليات وعامل الغيب، والعقل وما يتحصل عليه من علم بالكون ،اهللا فيه من معايري وبديهيات ومفاهيم ويؤدي ا دور اخلالفة ، اليت يبين ا احلياةوالكائنات والطبائع والعالقات الكونية

لتمكني ،مع الكون ، الوحي والعقل: وذا يتكامل املصدران.يف الكون والكائنات .اإلنسان من حتقيق مقاصد اخللق وأداء دور االستخالف

بتمحيص صدق الرسل وصحة سند الوحي ،فدور العقل هو علم الشهادة بإدراك مقاصد الوحي من وجود ، ودور العقل هو علم الشهادة.غ وتوثيقهاملبل

امل الشهادة وما حتويه م ع ودور العقل هو تفه.احلياة واإلنسان يف عامل الشهادة بشأن غاية ، يف ضوء معطيات الوحي،فطرة الكون من طبائع وعالقات وإمكانات

ودور العقل املسلم هو بناء عامل الشهادة واخلالفة يف هذا .احلياة ومعايري حركتها تكامال مع ما أودع اهللا يف ،الكون على مقتضى توجهات اإلرادة اإلهلية وغاياا

.الكائنات من فطرة وسنن بلوغا إىل سبل السالم وإىل الصراط القوميالنفوس و

والعقل املسلم يستمد قوته وتوازنه وثبات خطواته واستقامته مبا لديه من علم من علم الغيب بقدر ما لديه من علم الوحي، وهو ، علم اليقني،الوحي، وهو يعلم

رب، وال يترك اليقني إىل عقل مؤمن راشد مطمئن غري مكابر وال جاحد وال مستك اهلداية إىل الضاللة، وهو عقل مؤمن قادر منجز تستغرقه مسؤولية الظن، وال

قواهخالفة الكون واحلياة واإلعمار واإلصالح على علم ونور ويقني، ال يستنفد .سراج منريال يف قضايا الشك والظن والغيب بال علم وال نصري وتائها

الرباين هو يف إمداد العقل املسلم حباجته من علم عامل الغيب، فدور الوحي . اخليرة من خلق اإلنسان يف عامل الشهادة، ودوره يف خالفة األرضالغايةوتوضيح

ودور العقل املسلم هو السعي يف عامل الشهادة وإقامة اخلالفة يف األرض على نور .من توجيه الوحي والرسالة الربانية

ما كان عليه عهد السلف األول، وهذا ما يكون عليه العقل املسلم إذا هذا

ترك

ريال حي

يته

Page 135: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

135

استقام أمره وصلح أداؤه، ال خلط وال تشويش وال عماية وال جهد ضائع وال .طاقة مهدرة وال ختبط وقلق وشك دائم ال يزول وعماية ال ترمي

الرباين اإلهلي إن غياب هذه الرؤية الواضحة احلامسة النرية الشفافة ملعىن الوحيودور الوحي اإلهلي يف حياة البشر وعامل البشر، وكذلك غياب الرؤية الواضحة احلامسة ملعىن العقل اإلنساين، ودوره يف إدراك معاين الوحي ومقاصده، ويف معايري

ته وجمريات احلياة والطبائع اإدارة عامل الشهادة، وإدراك قضاياه وحوادثه وحتديخالل عهود التاريخ الذي أصاب األمة التدهور يف جوالغياب، ووالكائنات، هذا

اإلسالمي الالحق للصدر األول، هو الذي مسح فيما بعد باخللط اخلاطئ يف الفكر اإلسالمي بني مفهومي الوحي والعقل، والعالقة بينهما، وطبيعة كل منهما، وجمال

ن طبيعة اإلنسان وأدائه، وغاية أدائهما، ومدى هذا األداء، والغاية منه، وموضعه م اصرف وياستنفد وهكذا أمكن أن يتهور العقل املسلم والفكر املسلم حىت ي.وجوده

، ففقدت الرؤية اإلسالمية ما اتسمت به من متييز ووضوح مطلقماإىل غري غايته .وضع كل من الوحي والعقل، ودور كل منهمامل

نهجية اإلسالمية الصحيحة ال جمال لالحنراف يف الرؤية اإلسالمية الصحيحة واملباسم العقل، وال لالحنراف باسم الدين، وال جمال لالستبداد باسم العقل جتاهال

لالستبداد ،باسم الدين والقداسات، لغايات الوحي ومقاصده وتوجيهاته، وال جمال ا والءها وحتقق بتصريف شؤون األمة على غري قناعة منها ومشورة هلا متنح

مصاحلها، وال جمال لتخطي األمة وجتاوز مشورا وختطي قناعتها ودعمها من نور العلم، وضعف القدرة ولهل التنظيم منطلق جهل األمة، فاجلهل ال يزيله إال

إال تنمية القدرة وحبك التنظيم، وليس أمام الفكر املسلم والعقل املسلم ماال يزيله يف تبصري األمة بأسباب معاناا وقصورها ما ومسؤوليتها دورمهاإال أن يؤدي

.وتدهورها وختبطها فيما مضى من العصور

فال جمال ؛فإذا شاءت األمة أن تستعيد وضوح هويتها وعطاء فكرها وقدرا

يف

ذا

الستبداد

القرون

Page 136: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

136

للحجز والوصاية الغامشة على العقل املسلم يف جهوده األصلية لالستنباط وإدراك وجه التوجيه واملصلحة يف ، والتدقيق والتجريب والفهمواالستقراء والنظر

وفهم شريعته على شاكلة حية قومية ،النفوس واتمعات يف ضوء توجيهات الوحي .خيرة تطلب حتقيق مقاصد الشريعة وإقامة جمتمع اخلالفة

وإذا شئنا أن نستعيد وضوح رؤيتنا وعطاء فكرنا وقدرة أمتنا فال بد لنا من اية العقل املسلم من اخلوض يف قضايا الغيب على غري ما جاء به الوحي مح

.وأرشدت إليه الرسالة

وال جمال ألن يصبح الوحي يف الرؤية اإلسالمية السوية تعطيال للعقل وتشكيال له يف أمناط وصور تارخيية، وحتويله إىل سياط من التخويف واإلرهاب، وإىل قيود

اس وجمريات حيام وما يواجههم اليت ال تتعلق بأحوال النمن األوامر والتحرميات .من حتديات وما يرقي حيام من إبداعات وإمكانات

وإذا شئنا أن نستعيد وضوح رؤيتنا فال جمال ألن تصبح الرسالة، وأن يصبح قضية أكادميية معقدة هلا كياا وأرباا يصرفوا إىل ما يشاءون، ،الوحي

ها السلطة على مقدرات احلياة والعقول، وفقا ملا متليه عليهم رؤيتهم وميارسون بامس أو مشورة ، ليس هلم يف ذلك شريك يف رأي،وموقعهم اخلاص من احلياة واتمع والتحديات اليت ، بشأن ما تتطلبه حاجة األمةأو قناعة من األمة ورجاهلا وعقوهلا

ليها، وما يتعلق ا من احللول واإلمكانات والطموحات اليت تتطلع إ،تواجههاواصلة املسرية مبوالنظم والتركيبات املبدعة اليت يتوجب توليدها من أجل أن تلتزم

.احلضارية لألمة حتقيقا ملقاصد الشريعة والوحي

عرب التاريخ حني مالقد ضيع املسلمون وضيع العقل املسلم الكثري من طاقا اإلهليات والسفسطات الفلسفية اليت تتعلق وغيبيات مسح هلذا العقل بأن خيوض يف ال

على غري ما تقضي به الرؤية اإلسالمية وإطارها الفكري ،بالكليات الربانية

Page 137: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

137

وبرهنت على كفاءة أدائه مسرية ،قته الفطرة وصد،واملنهجي الذي جاء به الوحي .الصدر األول لإلسالم

صرف وي،لوحي والعقل والكونالرؤية اإلسالمية القومية اليت يتكامل فيها افيها العقل املسلم إىل النظر والتدبر والعمل يف عامل الشهادة وشؤونه كما يوجهه

ناصية اإلبداع، وفتحت أمام من هي الرؤية اليت مكنت للسلف األول ،الوحيالعقل املسلم أبواب التجريب والنظر والتنقيب يف سنن احلياة والكائنات، وفتحت

كانت هي األساس الذي أقامت احلضارة آفاقا جديدة يف جمال احلضارةلإلنسانية وإجنازاا املادية التجريبية اليت مل تعرف هلا ،احلديثة عليه منهجها العلمي التجرييب

.اإلنسانية من قبل سبيال وال مثيال

وبقدر ما تيسر للعقل املسلم خالل ما مضى من عصور من صفاء الرؤية ن من االنصراف إىل بناء احلياة ومحل مسؤولياته يف خالفة عامل متكية؛ اإلسالم

ا تراث املسلمني احلضاري يف خمتلف العلوم والفنون ذيشهد -الشهادة وإعماره وبقدر ما انغمس العقل املسلم يف سريته التارخيية يف - الطبيعية والتقنية والشرعية آخر ال يطاله الذي هو بعد-ا وراء املادة األزيل مل عاملالقضايا الغيب واإلهليات و

ليس كمثله ،لم يلد ولم يولد بشرعقل اإلنسان وليس له ما مياثله يف عامل الع من جهده وطاقته دون أن حيل مشكلة أو يزيل ضيييف الواقع كان؛ -شيء

هام والسفسطات والقضايا اليت خاضها قائمة، ومازال معضلة، بل مازالت األونقص، تزيد وال تا، ومازالت العماوة واخلالف والشقاق فيها مستمراخلوض فيها

، وما ان يزدادما، وال خري فيهوراءمها ال طائل لذان ال،ومازالت الفرقة والتناحر ويضر األمة، وميزقها عاظميزال سوء استغالل هذه القضايا من أصحاب الغايات يت

ويؤجج نار الصراع يف صفوفها، ويصرفها عن حقيقة التحديات اليت تواجهها، مما .ن ملطامعهم وغايام فيهايعني عليها أعداءها، وميك

إن للشريعة اإلسالمية والوحي اإلسالمي تصورات كبرية وغايات ومقاصد

در ما

زيل

سان

ر ما

ئم

ي

ته

Page 138: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

138

أن تتضح يف نسق عقلي ومنهج جيب أساسيةا وأحكاماومفاهيم ومبادئ وقيم وتقام ،ى عليها أبناء األمةعلمي سليم، وأن تصبح مادة تربوية علمية فكرية يرب

.على أساسها كيانام النفسية وغذاؤهم الفكري وأدام العقلية والعلمية

وكلمات النصوص؛ املسلم واملنهج املسلم يف هذا العصرم العقلجيب أن ينظة يف نسق منظوم متكامل تتضح به املقاصد والغايات، وتتجلى الوحي والرسال

على منابع التخبط ان يقضيحبيثاملفاهيم والقيم، وترتب على أساسه األولويات، اليت مسحت وما تزال تسمح للنظر القاصر والفكر النظري ما؛والغبش يف رؤيتهإن وضوح . األمة وثقافتها كلمة ومكان يف فكرما وأن تكون هلاالعقيم أن يسود على الغبش ان سيقضيلذان الا مه، وحسن النسق والعرض،الرؤية واملقاصد

للنظر اجلاهل يف النصوص وعالقتها وأولوياا وغاياا جماال ال يتركانوالتخبط و .وال موضعا يعتد به

دا ال يتجزأ، وأن على العقول اإلسالمية أن تنطلق إىل الوحي كال واح وتنشئ على أساسه حلاجاا احللول ،تستخلص منه التوجيهات والضوابط

.والتنظيمات والتشريعات

على الفكر اإلسالمي وعلى العقول اإلسالمية أن تنطلق إىل احلياة واألحياء وإىل اإلمكانات واحلاجات والوقائع والبيئات والتركيبات ،والسنن والطبائع

وتفيد وتتعلم منها، وجتد ملعضالا ،املواقع احلياتية املختلفة، وتتفهمهاوالظروف و وتضع حلاجاا الضوابط والقواعد والتشريعات ،احللول، وتقيم ألدائها التنظيمات

على أساس من املنظور اإلسالمي، ويف ضوء ما جاء به الوحي من مقاصد .وتوجيهات وضوابط وأحكام

مشتركا مع الوحي ومع الكون ، لدوره احلضاريالعقل املسلم يف مزاولتهكمصادر للمعرفة اإلسالمية، ال خيلط بني دور اخلربة األكادميية الشرعية اإلسالمية

ذلك حىت

ي

و الذي لن جيعل

Page 139: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

139

يف ااالت الشرعية واالجتماعية واإلنسانية القانونية، وبني املهمة السياسية ااالت إمنا متثل فاخلربات والدراسات العلمية واألكادميية يف خمتلف . والتشريعية

مصادر أساسية إلمداد األمة وقيادا ومؤسساا باملعرفة والفكر واخلربة والدراسات اليت تستفيد ا يف فهمها للحياة وجمرياا، وتستفيد ا يف بناء خططها واألحباث

على - وهذه الدراسات واألحباث األكادميية .وتصريف شؤوا وتوفري حاجاا - يتها وموقعها األساسي من فهم الناس وحاجام وتوفري مادة فكرهمعظيم أمه

املهمة السياسية التشريعية، وإن كانت تسهم يف توفري مادة عطاء خمتلفة عنتظل .املهمة السياسية التشريعية وحسن أدائها

صة رؤية األمة فاملهمة السياسية التشريعية يف كيان األمة جيب أن متثل خالوخرباا وقناعتها بشأن إدارة شؤوا، وتصريف أمورها، وتوجيه طاقاا،

وهلذا . من طموحاتتطلع إليه يف مواجهة حتدياا وما توتوظيف مواردها ورؤيتها ،فاملهمة السياسية التشريعية الناجحة جيب أن توظف هلا مشورة أبناء األمة كافة

حبيث تتاح الفرصة لكل فرد ألن يعبر عن رأيه، ،بترتيبات خمتلفةعلى مستويات وولكل ذي خربة واختصاص ألن يديل بدلوه، وبذلك تأيت الرؤية السياسية واقعية

، فال تستغلق على األمة،شاملة مستنرية تستند إىل األمة وحاجاا وخرباا وقناعاا .ا يتطلبه نفاذها وجناحهامبجباا وبل حتظى بتأييدها والبذل هلا وااللتزام مبو

،فاعتماد الرؤية اإلسالمية للوحي مصدرا للفكر املسلم واملعرفة اإلسالمية اخللط بني ان ال يعني،والتزام العقل املسلم يف نظره وعطائه بضوابط الوحي وغاياته

الساحة القضية السياسية التشريعية، وحتويلبينالقضية العلمية الدراسية األكادميية و إثراء التشريع اإلسالمي السياسية التشريعية إىل ساحة مدرسية أكادميية نظرية، بل

والسياسة اإلسالمية يف جمال التوجيه الرباين وإرشادات الرسالة، بإسهامات . عند اختاذ القرارات السياسية والتشريعيةالدراسات العلمية املختصة

ية ومشوليتها ال يتناىف مع وجود القناعات إن منهج مجاعية القرارات السياس

ى الرغم من ذلك غري

تجيب له

عين

Page 140: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

140

رأي بعينه يف قضية، وال مينع قبولالفردية وتعارضها من زوايا خمتلفة يف أي أمر أوأمر بعينه من العودة إىل رأي آخر سواه، إذا نشأ لدى األمة من دواعي القناعة ما

،يف قرارات اجلماعة وإذا كان اخلطأ يقع .أييوجب التغيري والعودة عن ذلك الر فإن قرارات األفراد ومدركام تكون أكثر ،مع كل ما يتوافر هلا من اإلمكانات

فإن قرارات اجلماعة تكون هلا اعتبارات أية حالوعلى . عرضة للوقوع يف اخلطأواهتمامات ومصاحل أمشل، وتتوفر هلا إمكانات املشورة والتمحيص بشكل أكرب،

اجلماعة يف اختاذ قراراا السياسية والتشريعية جتعلها أقرب إىل الفهم وإن مشاركة .والقبول وااللتزام والتنفيذ

؛والرؤية اإلسالمية اليت تعتمد الوحي والفطرة يف العقل والكون مصادر لبنائهاتوجب أن تتم قرارات األمة واجلماعة يف مشورة، وأن املشورة والقناعة العامة

وتقطع دابر ، وحتقق غايات اخلالفة، حتقق مسؤولية اإلدارة اإلنسانيةلألمة هي اليتاالستبداد والطغيان ومحل الناس واتمعات على غري مصاحلهم وعلى غري رؤيتهم

.وقناعام اليت ا حيملون مسؤوليام

حيتم ،خوف اخلطأ يف قرارات األمة، واحلرص على السداد يف هذه القراراتغ النصح هلم، وبناء احملاضن اليت تسهر على يعرفة بني أبناء األمة، وتبلنشر العلم وامل

تربية ناشئتهم وتثقيفها وذيبها وتدريبها على طلب ما يقضي به الوحي الصحيح والعقل السليم يف شؤون حيام، وإقامة قنوات العلم واملعرفة اليت تؤهل مجهور

والرأي واخلربة لكي يوكل إليهم أمر األمة الختيار املؤهلني من أصحاب االلتزام مبا ميثل حاجة األمة ويستند إىل رؤيتها وحيظى ،اختاذ القرارات السياسية والتشريعية

غري ذلك ال يؤدي إال إىل اإلرهاب واالستبداد و. بقبوهلا وتأييدها والتزامهاواالحنطاط، وإىل تلبس اجلهل واملصاحل اخلاصة والفساد لبوس احلق ودعاوى

.املصلحة العامة والرسالة الوحي ،وهكذا ال خيتلط يف الرؤية اإلسالمية وال يف الفكر املسلم

ية

ل األحوال

Page 141: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

141

. ح والتوضيح والرأيراللذان تعهد اهللا حبفظهما، مع الدراسة والفهم والنظر والش

الوحي ودوره، ويبقى ويبقى واضحا يف الرؤية اإلسالمية القومية موضع األكادميي، ودور الرؤى واالجتهادات الفردية يف واضحا دور األداء العلمي

القضايا العلمية، ويبقى واضحا دور التشريع االجتماعي الذي يستمد وجوده من االلتزام بالوحي وتوجيه الوحي، وبإدراك العقل الكلي لألمة ومتييزها واجتهادها

مع قضايا األمة حقاوقناعتها، مما جيعل هذه التشريعات يف زماا ومكاا تتعامل السلطات العامة وحاجاا ومدركاا يف خمتلف شؤون احلياة؛ مبا يف ذلك ما تقر

.تعليمه وتلقينه للنشء من أبناء األمة

تقارع بشأنه الفئات ،لذلك جيب أن يبقى اخلالف السياسي خالفا سياسياتهادات وتصورات ح أمامها من اجراملختلفة والرؤى املختلفة، ومتحص األمة ما يط

قوم ي حىت ؛ وتلزم األطراف السياسية يف األمة مبا تراه مناسبا منهاا،لتأخذ نفسها .يف قناعتها ما يدعوها إىل التحول عنها إىل سواها

خنلط يف دراستنا للمنهجية اإلسالمية هذه بني مصادر الكذلك من املهم أ والسنن والطبائع املودعة يف الكون وهي الوحي والعقل،املعرفة اإلسالمية

وبني وسائل البحث والدراسة العلمية االجتماعية ،)أي الفطرة(والكائنات فكل جمال علمي له وسائله اخلاصة به اليت تناسب طبيعته ،واإلنسانية أو سواهاولكن تظل هذه ااالت العلمية اإلسالمية مجيعها تستند إىل . وتستجيب حلاجاته

ي والفطرة اليت تشمل العقل وسنن اهللا يف اخللق وما أودعه من الطبائع الوحوالنواميس مصدرا للمعرفة والتوجيه، باستخدام الوسائل املتاحة يف كل جمال من

وبتكامل عطاء الوحي والسنن فإن حقول املعرفة اإلسالمية سوف .هذه ااالت .لد علما ومعرفة نافعة لإلنسانتتميز بالشمول واالنفتاح على كل وسيلة سليمة تو

ما أصاب األمة من ختلف وما ناهلا من عناء يوجب على العقل املسلم أن يأخذ إن

ال

لزمها

ت

Page 142: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

142

، متكامال ومتعاونا مع مصدر الوحي والكون،دوره الصحيح مصدرا للفكر اإلسالميم املعاصر للعمل سويا على بناء الرؤية احلضارية من منظور إسالمي، وبناء اتمع املسل

.ومؤسساته ومنشآته اليت تتطلبها حاجة األمة وطموحاا وما تواجهه من حتديات له العقل املسلم يف كمصدر للمعرفة اإلسالمية، مل يتصد،ودور العقل املسلم

هذا العصر بشكل منظم بعد، ألن هذا الدور ال يكتمل إال باعتماد املعرفة املستمدة ببناء العلوم االجتماعية اإلسالمية اليت يف الكائنات، ومن الفطرة اليت أودعها اهللا واليت ستؤهل بأحباثها األمة اإلسالمية وتزودها باملعرفة ،متليها الرؤية اإلسالمية

.الالزمة من ماولكي يقوم العقل املسلم والفكر املسلم ببناء العلوم االجتماعية ال بد هل

واملفاهيم واملبادئ اليت يستند الفكر اإلسالمي الوضوح الكامل لألسس واملنطلقات .منهجيته العامة اليت يهتدي ديها ويسري على مقتضاهاإليها، ومتثل قاعدة

: املنطلقات األساسية للمنهجية اإلسالمية والفكر اإلسالمي-3

بأن هلا منطلقات ، ومن ورائها الفكر اإلسالمي،تتميز املنهجية اإلسالمية هذه .كن دون فهمها التعامل معها أو العمل السليم البناء من خالهلاأساسية ال مي

املنطلقات متثل الركائز والفرضيات األساسية اليت تضيء الطريق أمام العقل املسلم يف حركته الفكرية اإلبداعية حنو فهم ماهية احلياة واألحياء والكائنات والتعامل

.معها وإدارة شؤوا وتوجيه مسريا

وتشكل . الوحدانية، واالستخالف، واملسؤوليةه املنطلقات األساسية هيهذاخلطوط األساسية للعقل املسلم، وأي خارطة ال تنطلق من هذه املنطلقات الثالثة

ا سوغهذه املنطلقات ال جتد يف الضمري املسلم واإلرادة املسلمة طاقة للحركة وال م .لإلجناز

:ةالوحداني) أ (

ال

نطلق

شكل

ر

Page 143: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

143

ال يكون له العقلهذا الوحدانية هي املنطلق األساسي األول للعقل املسلم، ف ختتلط ،هية فطرية عقليةدية بدمة عقوجود إال إذا آمن بالوحدانية على أا مسل

بكل ذرة من كيانه ووعيه وضمريه وفهمه لذاته وحياته والكون من حوله، وأساس ،هللا جل شأنه وإدراكه البين ،فطرية العقلية هو إميانه املطلقهية الهذه العقيدة البد

.اخلالق احلق الواحد األحد الفرد الصمد الذي ليس كمثله شيء

وتنطق به كلمة الشهادة ويوضحه كما يدل عليه مصطلحه،وهذا املنطلقواملنهجية القرآن الكرمي والسنة النبوية املطهرة، يقيم العقل املسلم والفكر املسلم

اإلسالمية على فرضية احلق أساسا ومدارا ومآال لكل الكون والكائنات، وعلى وجودها إىل اهللا اخلالق وحده دون مردأن فرضية وجود الكون والكائنات، و

شريك أو مثيل، وعلى فرضية وحدة املصدر ووحدة احلقيقة اليت ينطلق منها وميثلها ية وحدة اإلنسان الذي خلقه اهللا وكرمه كل الكون والكائنات، وعلى فرض

.باإلرادة واخلالفة ورعاية الكائنات على أسس احلق والعدل واخلري

ولذلك فالعقل املسلم يف حركته احلياتية يستلهم مبدأ الوحدانية يف تصوراته وليس يف منهج هذا العقل جمال أو سبيل إىل الشك أو الظن أو .ويف عالقاته كافة

فهو واثق الوجهة، واثق اخلطو، ال ، التخبط يف طبيعة الوجود وغايته ومآلهاحلرية أوسبيل إىل صرفه عن وجهته، وال سبيل إىل إفساد سعيه، وال سبيل إىل إشغاله عن

مادام ملتزما مببدأ الوحدانية، متمسكا به، مهتديا رة يف احلياة والكونمهمته اخليق العقل املسلم من جناح قمل حيو. يا أو طبيعيا أو تقنيا اجتماع،ديه، أيا كان اال

تجاهله ب وما ضل يف سعي إال ،إال من خالل متسكه مببدئه األساسي يف التوحيد . فكر وعمل وحركة والتزام دليل،مبدأ الوحدانية، أو بغفلته وانشغاله عنه

،الواعية باستقامة مبصرةوهكذا تتميز العقلية اإلسالمية واملنهجية اإلسالمية كان ال جمال فيها للتناقض أو الصراع، وال م،وقاعدة مكينة للنظر يف الكون واحلياة

. اإلفساد وأفيها للتمايز أو االستعالء

ملسلم

ال

Page 144: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

144

منطلق العقلية اإلسالمية واملنهجية اإلسالمية هو قاعدة العالج الصحيح من وفيه اجلواب الصحيح على ما يلقاه أمراض اهلوى والعصبيات واالستكبار واإلفساد،

من عناء وعنت وحرية وفشل يف حتقيق - رغم كل إجنازاته املادية -العقل اإلنساين :السالم واألمن والطمأنينة للنفوس والتجمعات واألمم

لىاألع كبر مح اسبسى، والذي قدر فهدى، الذي خلق فسو)1(.

م ذ اللهخا اتال ملعو لقا خكل إله بم بإله إذا لذه من هعا كان مملد وو ن .))2بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون

القونالخ مه ء أمير شغي لقوا منخ أم)3(.

طى كل شا الذي أعنبىقال رده ثم لقهء خي)4(.

ونهد من الذين لقاذا خوني مالله فأر لقذا خه)5(.

لونفعا تبم بريخ هء إنيكل ش قنالله الذي أت عنص)6(.

فأح كمروصو قبالح ضاألرات واومالس لقه خإليو كمروص نسصريالم)7(. فطور ى منرل ته رصجع البت فارفاوت ن منمحلق الرى في خرا تم)8(.

ونعجرا ال تنإلي كمأنثا وبع اكملقنا خمأن متسبأفح . لكالم الى اللهعفت

.3- 1: األعلى)1( .91: املؤمنون)2( .35: الطور)3( .50: طه)4( .11: لقمان)5( .88: النمل)6( .3: التغابن)7( .3: امللك)8(

Page 145: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

145

.))1حقالة إالا آلهكان فيهم ا لومش عرالع بان الله رحبا فستدلفس الله

.))2يصفون

لصريالب ميعالس وهء ويكمثله ش سي)3(.

ء عيبكل ش اللهو هد قلبهبالله ي منؤي نموليم)4(.

وه أن اللهاطل والب وونه هد ون منعدا يأن مو قالح وه بأن الله ذلكالكبري ليالع)5(.

:اخلالفة) ب(

خالفة اإلنسان يف األرض والكون، وهي خالفة رعاية هو واملقصود باخلالفة وإدارة وتسخري أصبحت ا اخلالئق والكائنات بإمرة اإلنسان، وأصبح وإعمار

اإلنسان قائما ا يف موضع الوصاية والنيابة عن اهللا يف التصرف يف الكون ويف على أساس ،واملسلم بفطرته وعقيدته ومنهج فكره. األرض ويف اخلالئق والكائنات

ال يرى اإلنسان يف هذا ،ة العلمهذا املنطلق ومبا كرمه اهللا به من اإلرادة وقدر .الكون إال من موضع اخلالفة والرعاية واإلصالح واإلعمار

اخلالفة من مفهوم العقل املسلم هي نعمة وتكرمي تضع اإلنسان يف فإن وهكذا وإيكاال ألمر السلطة فيه إليه ، تسخريا حلاجته،موضع القدرة والسيطرة من الكون

وهي مسؤولية مناطها يف اجلوهر . اإلصالح واإلعمارلتسيريه والسري فيه سرية

.116- 115: املؤمنون)1( .22: األنبياء)2( .11: الشورى )3( .11: التغابن)4( .62: احلج)5(

Page 146: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

146

.حرية اإلرادة والقرار، وقدرة اإلدراك وطاقة العلم

إال بالفعل ، وال يقر قرار نفسه وضمريه،فاإلنسان ال يؤدي دوره يف احلياةوالقرار الدائب يف إدارة الكون وتسخريه ورعايته وأداء مطالب الوجود واخلالفة

والقرار مطلب لإلنسان، والعلم ، فالعمل مطلب لإلنسان ولذلك.يف األرضمطلب لإلنسان، ومنطلق اخلالفة لدى العقل املسلم حيدد غاية هذه املطالب الفطرية

.ويرشدها، فتصبح بذلك مطالب سعي إىل اخلري وإىل الرعاية وإىل اإلعمار

إ كمأنثا وبع اكملقنا خمأن متسبونأفحعجرا ال تنلي)1(.

زيزالع وهال ومع نسأح كمأي كملوباة لييالحو توالم لقالذي خفورالغ)2(. ليفةض خاعل في األري جالئكة إنللم كبإذ قال رو)3(.

ما في السم لكم رخسلآيات و إن في ذلك هميعا منض جا في األرمات واو .))4لقوم يتفكرون

هإليقه ورز كلوا منا واكبهنوا في مشذلوال فام ضاألر ل لكمعالذي ج وه .))5النشورواظرض فانوا في األرلققل سريأ الخدب فكي )6(.

فالعقل املسلم مدعو من منطلق اخلالفة إىل تسخري الكون والكائنات ملا فيه نفعه ونفع الكون والكائنات من حوله، ومدعو إىل العمل والسري يف دروب : النفع

.115: املؤمنون)1( .2: امللك)2( .30: البقرة)3( .13: اجلاثية)4( .15: امللك)5( .20: العنكبوت)6(

Page 147: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

147

والعقل . الكون ومناكبه، ومدعو إىل العلم بأسراره وتسخري هذا العلم ملا فيه اخلريب بالسعي ومطال، من منطلق اخلالفة هو صاحب الشأن والكلمة يف الكوناملسلم

وبالعلم واإلعمار والتسخري حيقق اإلنسان مهمته يف هذه .واإلبداع واإلعمار بالعلم األرض ويبلغ غايته، وال سبيل بدافع الفطرة إىل طمأنينة النفس اإلنسانية إال

جمال يف العقل املسلم السوي، وال يف الضمري عي اخلير يف األرض، والوالعمل والس للعجز واجلهل والقعود عن علم اخلري، وعن فعل اخلري، وعن سعي ،املسلم الواعي

اخلري، فذلك غاية وجود اإلنسان، وتلك خالفته يف األرض، وما عاقبته فيما وراء .احلياة إال حمصلة هذا العمل وهذا العلم وهذا السعي

يف العقلية اإلسالمية هو الذي يفسر لنا طاقة الرعيل األول من عد اخلالفةإن ب رجال اإلسالم، تلك الطاقة اليت ال تى لرسول اإلسالم وأصحاب رسول ضاه

متل يف السعي والعمل اإلسالم صلى اهللا عليه وآله وسلم، واليت ما كانت تكل وما واإلصالح واإلعمار أرجاء فأضاءوا باحلق واهلدى. والبذل واإليثار واجلهاد

املعمورة يف سنني قليلة، وجددوا لإلنسانية عهود هداية السماء، وارتفع صوت .حضارة وإصالح مل تترك بقعة يف األرض إال وناهلا أثر ونفع وخري

يف رؤية الصدر األول هي مصدر طاقتهم ا وواجباامنطلق اخلالفة ومدلوهلوال جمال ألي إنسان يعي حقيقة هذا . وعفتهم وقناعتهم وإيثارهموبذهلم وعطائهم

. أن يركن إىل العجز واجلهل واألثرة والتخلف- ومدلولهمنطلق اخلالفة -املنطلق

:املسؤولية األخالقية) ج(واملنطلق الثالث الذي تقوم على أساسه العقلية اإلسالمية واملنهجية اإلسالمية

خالقية، فال ميكن لنا فهم اإلنسان املسلم والعقل املسلم إذا هو منطلق املسؤولية األيف حىت يف عصور التخلف، و. مل نفهم منطلق املسؤولية وبعدها يف هذه العقليةقي عليه ويؤرقه ومينعه أن يندثر وأن أقسى ساعات ضياع اإلنسان املسلم، فإن ما يب

ساسه مبسؤوليته وتقصريه يف أدائه وإح،ق ضمريهيتوارى يف أغوار التاريخ هو أر .

كانت

خلالفة

خلالفة

و

ىت

Page 148: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

148

اآلسن الراكد، فلذلك ظل العقل املسلم وال يزال يتململ وال يقبل بواقعه املتخلعد اإلحساس باملسؤولية األخالقية يف العقل املسلم والضمري املسلم يأىب أن ألن ب

وهلذا كان تاريخ األمة اإلسالمية يف عصورها يترك املسلم يف غفوته ويف تقصريه، وقلق، أرق تاريخ،ها وختلفت مسريا حني أعتمت رؤيتها وضلت سبيل،املتأخرةهلاومل ي بق،وعن تصورها ،تها عن دورها إحساسها مبسؤولي إال، عليهابق ومل ي

الدائب عن خمرج هلا من حاهلا اليائس، مما أورثها البحث وعن تقصريها، ،ورؤيتها .إعمار الكون وإصالحهها عن موقعها اهلادي الراشد يف خالفة األرض وفوختل

الوجه اآلخر ملنطلق اخلالفة ومفهومها يف ن ميثالعدهاومنطلق املسؤولية وب من حرية اإلرادة وقدرة ،فاخلالفة والغاية منها ومؤهالا. يةتكوين العقلية اإلسالم

اإلدراك وطاقة العلم، حتمل معها مسؤولية اإلنسان األخالقية عن هذا الدور، وعما بالسعي أم بالقعود، باإلصالح :تهيترتب عليه من قرارات يف تسخري الكون وإدار .غيانأم باإلفساد، بالعدل واالعتدال أم باإلسراف والط

ومنطلق الوحدانية هو منطلق جدية الوجود وجدية اخلالفة وجدية املسؤولية، من تولذلك فاحلياة يف دين اإلسالم هي أداء وابتالء إلرادة اإلنسان وقدراته فيما خلق

أجله من شؤون خالفة الكون، ما يف اإلصالح واإلعمارن سعا إىل غاية فطر ؛ى ر يف األبدية، ومن سعى بإرادته وبقدراته إىل غري ه اخليمحل مسؤوليته وقرر مصري فقد ختلى عن ، وسعى ا إىل القصور والظلم والفساد،فطرا اليت خلقت هلا

وانتهى مصريه األبدي إىل أسفل ،مسؤوليته، وانتهك حرمة واجباته وغاية وجوده .سافلني

عي املسلم والقرار ومن منطلق املسؤولية يف العقل والضمري املسلم فإن السسعى باحلق والعدل واخلري والبذل تقبل إال أن ت وال تمتاملسلم والعلم املسلم ال

.واإلصالح واإلعمار

أن يترك هلذا كان تاريخ األمة اإلسالمية يأىب تقصريه،

دائم

ضارة اإلنسان يف

هو منطلق وبعد

ت

Page 149: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

149

واجركان ي نفم احدو إله كما إلهمأن ى إليوحي مثلكم رشا با أنمقل إنمعه فليبدالقاء ره أحبة رادبعب ركشال يالحا وال صمل ع)1(.

طانيات الشطووا خبعتال تبا والال طيض حا في األركلوا مم اسا النها أيي .))2إنه لكم عدو مبني

اآلخ ارالد الله اكا آتغ فيمتابا وكم سنأحا وينالد من كصيبن سنال تة ور .))3أحسن الله إليك وال تبغ الفساد في األرض إن الله ال يحب المفسدين

با كسفس مفى كل نوت ون فيه إلى الله ثمعجرما توقوا ياتال و مهو ت .))4يظلمون

اءشن الفحى عهنيى وباء ذي القرإيتان وساإلحل ودبالع رأمي إن الله .))5والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون

اء فعأس نمفسه والحا فلنمل صع نونمعجرت كمبإلى ر ا ثمهلي)6(.

ىرأخ رة وزازرو زرى،ألا تعا سان إال ملإلنس سأن ليو ، فوس هيعأن سو .))7 ثم يجزاه الجزاء األوفى،يرى

أ قالح مالهووا إلى الله مدر ثماسبنيالح عرأس وهو كمالح ال له)8(.

لونمعت فكي ظرنلن دهمعب ض منفي األر الئفخ اكملنعج ثم)1(.

.110: الكهف)1( .168: البقرة)2( .77: القصص)3( .281: البقرة)4( .90: النحل)5( .15: اجلاثية)6( .41- 38: النجم)7( .62: األنعام)8(

Page 150: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

150

هررا يية خل مثقال ذرمعن يفم،هررا ية شل مثقال ذرمعن يمو )2(.

عي املسلم باخلالفة وتسخريه للكون وإدارته للكائنات واخلالئق على أساس وس هو حتقيق وإعالء للذات، وبلوغ للحق، وتلبس باحلقيقة، ولذلك ؛حقيقة الوجدانية

ومسؤولية املسلم ذا املفهوم هي يف . فهو سعي حب إىل احلق وعزة واعتزاز باحلقز به، وكل ما يعتري هذه العاطفة جوهرها عاطفة حرص على احلق ومتسك واعتزا

الصحيحة السامية من مفاهيم اخلشية إمنا هي بالدرجة األوىل خشية احلب واحلرص على اخلري واحلق الذي متليه الفطرة ومتليه الرؤية الواضحة اخليرة يف معىن الوجود

.وجديته وغائيته

يف العقل املسلم ويف باعتباره منطلقا مكمال ملنطلق اخلالفة ،منطلق املسؤولية هو الذي يفسر لنا طاقة احلب وطاقة البذل وطاقة الضمري وطاقة ،الضمري املسلم

اجلد عند الرعيل األول لإلسالم، مبا يضرب به املثل يف تاريخ األمم و اتمعات، يف غيبة الطمع ،كما يفسر لنا النموذج الرائع لرجال الصدر األول لإلسالم

فربغم قدرم . كتناز ويف متيزهم الباهر بالزهد يف اجلمع واال،قوالتظاهر والتشد كتنازاالو الشح عنفهم يرغبون اجلمع، ة علىعلى الكسب، ومتكنهم من املقدر

أسرياتيما ويكينا وه مسبلى حع امون الطعطعميو، لو كمطعما نمه الله ال إنج .))3نريد منكم جزاء وال شكورا

منطلق املسؤولية هو ضمان استقامة الفكر اإلسالمي الصحيح، وهو ضمان اخلري من منطلق و ،املنهج املسلم، ضمن يف منهج العقل اإلسالمي املهتدي، فالعقل املسلم لدوره يف خالفة األرض ورعايتها املسؤولية الكاملة املباشرة أمام اخلالق عن أدائه

ال يقر له قرار وال يستقيم له أمر إال أن يكون ،وإعمارها وتسخري قدراا وطاقاا

.14: يونس)1( .8- 7: الزلزلة)2( .9-8: اإلنسان)3(

ت يف

رغم رغبتهم

فهم

Page 151: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

151

قصد اخلري واإلصالح يف العلم والعمل واألداء هو املقياس األول و، راأداؤه أداء خي .»ا لكل امرئ ما نوىإمنا األعمال بالنيات وإمن«: واألعلى يف األداء املسلم

إذا اتضحت لنا معاين هذه املنطلقات الثالثة؛ الوحدانية واخلالفة واملسؤولية، وإذا اتضحت لنا العالقة بينها يف تكوين العقل املسلم ويف تكوين الضمري املسلم

أمكن للمسلم الفرد ولألمة املسلمة أن تتبني طريقها ،ويف بناء منهجية الفكر املسلمعيد مصدر طاقتها وهداية سبيلها، وأن تنجح يف تنشئة أبنائها على املنهج وأن تست

الفكر املسلم والعقل املسلم لألداء الصحيح، وجيدد ؤهل الذي ياإلسالمي الصحيح ملواصلة سري األمة على مدارج التاريخ واحلضارة، كقوة سباقة هادية رائدة ماطاقته .رة املبصرة والدين القوميرة مبدعة على هدى من الفطخي

إدراك حقيقة الوحدانية يصيب العقل املسلم وجهته وينجح، بأداء اخلالفة وبح، وذا املنهج املتكامل ر ينطلق ويسبق، وحبس املسؤولية الراشدة ينضبط ويصلاخلي

.يكون املسلم جادا، إجيابيا، راشدا، أخالقيا، دائب األداء، دائم العطاء

نطلقات منهج احلق اليت جيب أن يستعيدها العقل املسلم وأن يعض هذه معليها بالنواجذ، وال يدع شوائب الفلسفات والثقافات الدخيلة وغشاوة اجلزئيات

. عن إدراك غاياته وفهم مقاصده والتمسك بأولوياتهنعهاملتوارثة، مت

قل املسلم أن ميكن للع؛وبشمولية فهم اإلسالم وحمكم آيات الكتاب ومقاصدهيستعيد قدرته، وأن يصحح مسريته، ويصلح منهج فكره، ويعود يف جممع األمم

.واحلضارات هاديا رائدا، له قصب السبق يف القدرة والعطاء والنماء إن شاء اهللا

:املفاهيم األساسية للمنهجية اإلسالمية -4

العقل ومنهجيته ال يكفي إلدراك كيفية أداء العقل املسلم أن ندرك إطار هذا وال املنطلقات اليت يرتكز عليها، بل ال بد لنا من معرفة املفاهيم اليت يعمل ،فقط

العملي ما ا، ومتثل جانبهانهذا العقل وهذه املنهجية على أساسها ويتحرك

غايته خرية

د تأهيل

ه

Page 152: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

152

.والتطبيقيومن املؤسف أن املفاهيم األساسية للمنهجية اإلسالمية قد علق ا قدر كبري

والغبش، بسبب ما خالط فكر األمة من جاهليات األمم اليت دخلت من الشوائب اإلسالم ومن ثقافاا وفلسفاا ومعارفها وممارساا، وشجع على ذلك ضعف

وانتهازية فكرها ،التزام كثري من القيادات السياسية لألمة يف العصور الالحقةم هي وسيلة هامة من وممارستها، فكان اخللط والغبش يف جمال منهجية العقل املسل

،وسائلها إلضعاف رؤية األمة والسيطرة الظاملة الغامشة على مقدراا، حىت تنشغل . عن قيادة األمة وتصريف شؤوا،يف ممارستها املنحرفة وتوجهاا اخلاطئة

:ومن أهم هذه املفاهيم املنهجية اليت متثل طاقة احلركة يف منهجية العقل املسلم .والوجودغائية اخللق -أ .موضوعية احلقيقة ونسبية املوقع منها -ب .حرية القرار واإلرادة -ج .كلية التوكل -د .السببية يف أداء الفعل اإلنساين -ه

:غائية اخللق والوجود -أ

عقيدة التوحيد ومبدأ الوحدانية هي العقيدة واملبدأ األساسي الذي تقوم عليه وانعكاسها يف الوجود ، مدلوالاالعقلية املسلمة، وهذه العقيدة إذا أخذت بوعي

. فإا حتتم وحدة اخللق ووحدة احلياة ووحدة اإلنسان ووحدة احلقيقة،ويف احلياةوما خلقنا السماء واألرض وما : وهذه الوحدانية حتتم غائية اخللق والوجود

ا العبنيمهنيب ،خذ لهتا أن نندأر لوا فاعلنيا إن كننلد من اهذنخوا الت )1( . اموما أريد منهم من رزق وما أريد أن ، خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون

.17- 16: األنبياء)1(

هي

م علىفه

Page 153: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

153

.))1يطعمون

حد املصدر، متلق احلق سبحانه وتعاىل هو اخلالق فإن هذا حيتم أن اخلألنو فإنه ال ، وبعقيدة العقل املسلم يف الوحدانية، العقل اإلنساينةفطربومتحد الغاية، و

يعي وحدة اخللق وغائيته، وما يقوم عليه ال للعقل للمسلم وال يقبل منه أيصحإن فطرة التوحيد وعقيدته يف العقل املسلم تكون . كيان اخللق من تكامل وتناسق

لعقل املسلم يف التعامل مع الكائنات واألحداث الكونية من منطلق دليل حركة ا يف عالقتها ،من العقلية اإلسالميةال يقبل ذا املفهوم و. الغائية ومن منطلق النظام

. موقف السلبية ومسلك التواكل وعقلية االعتباط،بالكائنات واخلالئق واألحداث هو خليفة وراع ،عتبار فطرته اإلنسانية ووعيه ورؤيته اإلسالميةبا ،فالعقل املسلم

عند الوعي كل حدثلكل كائن ولوشاهد ووصي على الكون والكائنات، واملسلم معىن وغاية مسخر من أجلها ال يصلح له جتاهلها أو التغافل عنها أو التهوين

يف إدارة الكون وإعماره غائية اخللق يف دور خالفة اإلنسان، ومسؤوليته. من شأا على العقل املسلم إدراك منطق حركة هذه الكائنات ونواميس انم حتت،وتسخريه

أدائها حىت يتم محل مسؤولية إدارا ورعايتها وتيسريها وتسخريها على ما تقضي .به غايات اخللق ومقتضيات اجلهاد واخلالفة

سببية أدى إىل تشويه مفهوم إن غبش الفهم والرؤية ملفهوم الغائية وملفهوم ال وانتهى بالعقل املسلم إىل حالة من احلرية والفوضى ،التوكل وعقيدة القضاء والقدر

والعجز والتراخي وصة والعجز والتنسك األعجمي، ته بداء التواكل والقدريم . وعلى أدواره اإلصالحية احلضارية،وقضت على طاقاته وقدراته

أساس ،إدراك معناه ومدلوالته على الوجه الصحيح إذا مت ،إن مفهوم الغائية ،متني حصني ال يقبل بأية صورة من صور التواكل والسلبية أو العجز والتقاعس

.57- 56: الذريات)1(

كان

ال يقبل

لوجود املسلم

ه

هو

Page 154: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

154

ويدفع بالنفس املسلمة وباإلنسان املسلم إىل حد السعي وطلب العلم وبذل اجلهد يف إىل غاياا وحتقيق سعيا منه باحلياة ،عالقة اإلنسان باحلياة وبالكون وباحلوادث وحتكم به نواميس فطرة احلياة ومنطق ،معانيها على ما يقضي به نظام اخللق

.حركتهاقديرات هرء فقديكل ش لقخلك وفي الم ريكش له كني لمو)1(.

ابم بريخ هء إنيكل ش قنالله الذي أت عنلونصفعت)2(.

: موضوعية احلقيقة ونسبية املوقع منها-ب

لق حادث مفهوم موضوعية احلقيقة متليه على العقل املسلم فطرته املبصرة كخونظام الكون واحلياة . ينتظمه نظام فسيح متقن بديع، يف كون حادث زائل،زائل

عها يف كل حلظة ويتفاعل م، وخيضع هلا،حقيقة يلمسها ويعايشها اإلنسان بفطرته جتعله يدرك وجود الكون ومفهوم وحمدودية اإلنسان .من حلظات وجوده وأدائه

، أطراف من طبيعة هذا النظام وحقائق وجوده وتكوينه ومتكنه من إدراك،نظامهولكنه يظل غري قادر على اإلحاطة الكاملة بالوجود ونظام الوجود وغايته ومقاصد

.حركته

باتصاالا بأصل الوجود ،سلم والوعي املسلم والفطرة املسلمةوالعقل امل ال هذه احلقيقة فإن،وخالقه ومبدعه ومكونه، ووقوفها أمام حقيقة احلياة والكون

وذلك ، تتمثلها وتستوعبها وتتعامل معها بل، تنصرف عنها هي وال،تستغلق عليها . العلم الرباين واهلداية الربانيةامه، مصدرنيا حصلت عليه من رؤية وتصور كليمب

وبذلك يدرك العقل املسلم غايات احلياة ومقاصدها وغايات الوجود اإلنساين .ومقاصده

.2: الفرقان)1( .88: النمل)2(

Formatted: Highlight

جزئيته

ا

Page 155: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

155

بنور الوحي وهدايته، ولذلك فاحلقيقة لدى يبصرانفالعقل املسلم وفطرته ويسعى للتفاعل ،هاأبعادالعقل املسلم هي حقيقة موضوعية قائمة يدرك وجودها و

السليم السوي معها ومع نواميسها وسننها، والعقل املسلم ذا موضوعي موضوعية . وال حتكمه الشهوات، وال تألف نفسه احلق والصواب،ره اهلوى ال يسي،كاملة

هو طلب احلق واحلقيقة والسعي ما يف احلياة، يف مههوالفضيلة حمرك حياته، و .سجام مع نظام الكون ونواميس فطرته وحركتهتناسق وتالحم وان

مفهوم احلياة والنجاح لدى العقل املسلم ليس يف التفلت والفساد، ولكنه يف . االنضباط واإلدراك الصحيح، والتوافق السوي مع احلق واحلقيقة يف نظام احلياة

.والوجود احلق واحلقيقة مها كمال الوجود ومناط سعيه وغاية طموحاته

بني ما هو حق وما هو ، وال يف النظام املسلم،ض يف العقل املسلمال تناقوال انفصام يف العقل املسلم . مصلحة لكل أطراف الوجود اإلنساين فردا ومجاعة

وبني ما هو دنيا ، وبني ما هو عاجل وما هو آجل،بني ما هو معىن وما هو مادة .ويتسق ا ويتكامل معها فكل هذا ميثل أجزاء احلقيقة يف الوجود ،وما هو آخرة

وذا املفهوم وهذا التصور املتكامل يتبوأ املسلم مكان الرعاية واملسؤولية فيما ن حوله، ويدير يقوم به من عمل وما يتصدى له من أدوار، ويسعى بالنصح لكل م

ففي ذلك وجه اجلد واإلصالح . س وجه احلق واحلقيقة والعدلشؤونه باملشورة وتلمفكلكم راع «حلياة بكل ما فيها من كائنات وما يتعلق ا من حاجات والوجود وا

املؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، «، )1(»وكلكم مسؤول عن رعيتهثالثا، قلنا ملن؟ » الدين النصيحة«، واملسلم عليه واجب )2(»ويسعى بذمتهم أدناهم

شورى (، وأمر املسلمني )3(»امتهمهللا ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وع«: قال

. رواه الشيخان)1( . رواه أبو داود والنسائي)2( . رواه مسلم)3(

قل وفطرة مبصرة

رك

عيه

Page 156: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

156

ال عصبية وال قومية وال حزبية وال طائفية مبا تنطوي عليه اليوم من معاين ) بينهم .التمايز والظلم والطغيان واهلوى والفساد

وإذا كانت احلقيقة لدى العقل املسلم هي قضية موضوعية فهذا ال يعين موقع ، فإنتبدليتغري وال يدا ال وإن كانت جوهرا واح،حمدودية األفق، فاحلقيقة

هو موقع جزئي يتغري يف الزمان واملكان، وهذا يعين ، فردا أو مجاعة،اإلنسان منها والعقل املسلم يتعامل مع احلقيقة من .نسبية الرؤية ونسبية املوقع ونسبية التطبيق

اهج حبسب احلاجات مواقع البشر أفرادا ومجاعات، ويفرق بذلك يف التعامل واملن فالطفل غري البالغ، والقادر غري العاجز، والعامل غري اجلاهل، .وحبسب املواقع

ومواقع التربية غري مواقع القضاء، ومواقع السلم غري مواقع احلرب، ومواقع الوفرة متتع العقل املسلم ، فمع وهلذا.غري مواقع الندرة، ومواقع الرخاء غري مواقع الشدة

وحبسب ، فإنه يتمتع بالتعدد والتباين والتفاوت حبسب احلاجة؛وحدة الكليةبال .املوقع يف الزمان واملكان، دون أن يفقد القاعدة أو الدليل

ومن منطلق اإلرادة اإلنسانية ونسبية املوقع من احلقيقة، يتمتع العقل املسلم دد املواقف الفكرية حرية املعتقد والفكر وتعان يضمنلذينبالرحابة والتسامح ال

.دية والتطبيقية وتفاواوالعق

ثل خطرا وال متعدد والتفاوت واالختالف يف كيان الوجود اإلسالمي ال والتثل متنفسا وجمال توازن وفسحة منو واستقرار، ألن العقل مت وإمنا ،قوض أساسات

ى هداية الوحي وقيمه القائمة عل، الواضحة اجلليةما برؤيته،املسلم والفكر املسلم ما، جتمع األمة ومجهورها على أسسهين ظاهرني قويظالن ي،ومفاهيمه ومنطلقاته

وجتعل مواقع التفاوت والتناقض أدوات حتريك ومناء ودواعي يقظة ماوأساسيا ، .وإبداع وجتديد

ونظامه على حرية ال خوف من سيادة دولة اإلسالم وتوجهاته ومقاصده

ت

ت

ال أن

إن

ي

ى

Page 157: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

157

بل هي حلرية الفكر واملعتقد ضمان وسند، كما أنه ال خوف على ، واملعتقدالفكر بنور علم اهلداية ،رؤية اإلسالم ونظامه من حرية الفكر واملعتقد، ألن اإلسالم

لفطرة اإلنسانية السوية، ميثل احلقيقة املوضوعية يف احلياة واستجابة،الربانية تبقى وأن تسود وأن يؤوب إليها البشر والوجود، وال بد للحقيقة املوضوعية أن

.عهاييستظلون بظلها وينهلون من يناب

قوته يف عمقه، ،حال الفكر وحرية الفكر يف اتمع اإلسالمي كالنهر العميق املتدفق .وتدفق جمراه العميق حنو غاياته ومصبه ال يزيده فيضان شطئانه وعرضها إال مجاال

ال ،تزال يف أعماقها واثقة من طاقتها وسيطراإن الرؤية اإلسالمية كانت وما ا متثله من احلقيقة الصحيحة املستمدة من علم الوحي مبقوة الدولة وسيطرا، بل ب

ما دامت على منهجها الصحيح ،الرؤية اإلسالمية. الرباين ومنابع الفطرة السليمةاإلسالمية ستبقى ال ختشى التفاوت والتعارض، ألن قوة الفطرة ،وبنيتها السليمة

، وال يكون التفاوت والتعارض. توجه األمة اليت وهي،دائما هي ارى العميق . إال حيوية ومجاال يزيد األرض خصبا وخضرة ومناءذا،

وهكذا فإنه ال يدرأ عن اإلسالم إال حسن فهم اإلسالم وحسن العلم به .وحسن عرضه وحسن بناء نظمه على أسس سليمة

،ب رؤيته من األفهام وال يقر، والبغي واإلكراه ال يدفع عن اإلسالمالقهر :ولكنه عدوان على جوهر رسالة اإلسالم وجوهر حقيقة اإلسالم وغايته

يالغ من دشالر نيبت ين قدفي الد اهال إكر)1(.

كفراء فليش نمو منؤاء فليش نفم)2(.

ةاحدة وأم اسل النعلج كباء رش لوو)1(.

.256: البقرة)1( .29: الكهف)2(

Page 158: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

158

مننيؤوا مكونى يتح اسالن كرهت تأفأن)2(.

ونعجرت كمبإلى ر ا ثمهلياء فعأس نمفسه والحا فلنمل صع نم)3(.

اهورا فجهمافألهاهقوتا، وكاهن زم أفلح ا،قداهسن دم ابخ قدو )4(.

ذيرانرا وشبإال م اكلنسا أرمنزل و قبالحو اهأنزلن قبالحو)5(. مة لقومحرو دىلى علم هع اهلناب فصبكت ماهجئن لقدونومنؤي )6(.

افظونلح ا لهإنو ا الذكرنزلن نحا نإن)7(.

: حرية القرار واإلرادة-جوهذا هو املفهوم األساسي الثالث الذي تبىن عليه دعائم العقلية واملنهجية

وهو مفهوم حرية اإلرادة اإلنسانية والقرار اإلنساين، ومسؤولية هذه ،اإلسالمية وإدراك معناها ومعىن ، إنه ال ميكن فهم الرسالة اإلسالمية يف حياة اإلنسان.ريةاحل

حياة الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم وجهاده وغزواته وصراع الصدر األول مع ،نفهم وندرك مفهوم حرية اإلرادة اإلنسانيةذا مل إمرباطوريات فارس والروم إ . هذه احلريةومسؤولية اإلنسان الفردية عن

فمغزى احلياة الدنيا يف رسالة اإلسالم هي امتحان إلرادة اإلنسان يف خالفة وهل هي إرادة خري . األرض حيث يربهن يف مزاوالت هذه اإلرادة على نوعيتها

تسعى وتتلبس طواعية باحلق واخلري والعدل، أم أا إرادة خبيثة مستكربة تعرض

.118: هود)1( .99: ونس ي)2( .15: اجلاثية)3( .10-8: الشمس)4( .105: اإلسراء)5( .52: األعراف)6( .9: احلجر)7(

أن

Page 159: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

159

واحلياة . هلوى والفساد واإلسراف يف األرضعن احلق واخلري والعدل وتسعى بااآلخرة يف رسالة اإلسالم إمنا هي حمصلة آلثار هذه اإلرادة ونوعية مزاوالا يف

.احلياة الدنيا تتلبس ا يف األبدية إن خريا فخري وإن شرا فشر

الفطرة اإلنسانية وكنه حرية اإلرادة اإلنسانية يف كليات اخللق الربانية تدركه فألهمها فجورها ،ونفس وما سواهاكما أفصحت عنها وقررا الرسالة اإلهلية

ولله ما في السماوات )1( ، وقد خاب من دساها ، قد أفلح من زكاها،وتقواهاعملوا ويجزي الذين أحسنوا وما في األرض ليجزي الذين أساءوا بما

وخلق الله السماوات واألرض بالحق ولتجزى كل نفس بما )2(، بالحسنى ،)4(ويستخلفكم في األرض فينظر كيف تعملون ،))3كسبت وهم ال يظلمون

قل ي نمفسه ودي لنتها يمى فإندتن اهفم كمبر من قالح اءكمج قد اسا النها أيأال له الخلق6( ، (صنع الله الذي أتقن كل شيء ))5ضل فإنما يضل عليها

راألمو)7(. رادة اإلنسانية وحرية القرار اإلنساين ينطوي على عدة ومفهوم حرية اإل

وهذه اجلوانب . ال يستقيم فهم معناها دون فهمها والتمييز بينهاجوانب وأبعاد ، وبعد حرية األداء فكربعد حرية العقيدة، وبعد حرية ال: تتلخص يف أبعاد ثالثة

.االجتماعي

: بعد حرية العقيدة-أوال

.10-7: الشمس)1( .31: النجم)2( .22: اجلاثية)3( .129: األعراف)4( .108: يونس)5( .88: النمل)6( .54: األعراف)7(

Formatted: Highlight

فر

Page 160: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

160

عد حرية العقيدة لإلنسان ولإلرادة حاسم يف تقرير بإن اإلسالم صريح قوي اإلنسانية، ولذلك كانت حرية العقيدة هي أساس الدعوة وأساس تنظيمات اإلسالم

وانطالقا من مفهوم حرية العقيدة . الكربى ضد قوى البغي والطغيانهودافع معارك من غري ا العقيدة لرعايامه حريةانضمني ،دولة اإلسالم ، ومن مثجند اإلسالم وانطالقا من مفهوم حرية العقيدة يف اإلسالم نفهم معاين رسائل الرسول .املسلمني

ويطلب ،إىل اإلسالمفيها صلى اهللا عليه وآله وسلم إىل امللوك واألمراء يدعوهم إليهم رفع يد الطغيان والقهر واالستبداد عن عامة رعاياهم حىت تكون هلم كرامة

. ية العقيدةحر ، ومسؤوليته عن مزاولة هذه احلرية،ومن منطلق حق اإلنسان يف حرية العقيدة

غيان دفاعا عن إميان وعزمية لقوى القهر والطبجند جيوش الصدر األول تتصدى وردا للعدوان على ، ومتكينا له من أداء مسؤوليته،حقوق اإلنسان يف حرية عقيدته

. يف عقائدهم وحرية خياراموقهرهمالناس

إن البعد اإلسالمي يف حرية العقيدة هو البعد الذي يقرر حرية اإلنسان يف اإلسالم أم هي غري اإلسالم؟ هي هل :اختيار العقيدة اليت يؤمن ا ويلتزمهااإلسالم على وهو وحده املسؤول عنه، و،ولإلنسان وحده أن يتخذ ذلك القرار

واجب محاية ذلك احلق واحترام ذلك القرار وضمان نفاذه يف ودولته وجمتمعه . كل األرض لكل بين اإلسالميفأرض اإلسالم و

شروط أهلية مزاولة حقوقها، ألن احلرية فهم؛ومن املهم يف فهم بعد احلريةموقف ال ميكن مزاولته يف حالة وأهي حق وموقف ومسؤولية، مثلها مثل أي حق

من غريها بالضبط والتنظيم ملا هلا وىلبل هي أ. الفوضى أو االستهتارمن الفراغ أوأن نعي من نا ال بد ل كان ولذلك، األثر يف حياة اإلنسان ومعىن وجودهخطريمن

. شروط التأهيل ملزاولتها وأدائها يف اتمعتمتع امل هي حق للفرد ، وحرية العقيدة خاصة،فحرية اإلرادة والقرار عامة

ي ذاا ت

را هلم

عليهم

ف

رى

خطر

Page 161: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

161

بقدرات اإلدراك والنضج اإلنساين الذي ميكنه من فهم معىن احلرية وآثارها ومحل ولذلك . ويف حياة اتمع ووجوده من حوله، يف حياته ووجوده،مسؤولية مزاولتها

واستغالل ،فهي حق للبالغ العاقل، أما الطفل واملعتوه فال يصح انتهاك حرمتهماعدي على واجب وصاية أوليائهما والقيمني على قصورمها للعبث بإرادما والت

أمورمها واملسؤولني عن تربيتهما، حىت تتحقق هلما أهلية احلرية والقدرة على . وذلك ببلوغ النضج العقلي أو باسترداد الصحة العقلية،ا ومحل مسؤوليتهامزاولته

اولة كذلك فإن النضج احلضاري قد يكون شرطا ضروريا لتأهيل اإلنسان ملز وخاصة حرية العقيدة، ألن أحوال البدائية احلضارية والتخلف ،حق احلريةعل اإلنسان يف حالة قصور جي قد ، يف بعض صور البداوة والتوحش،احلضاري

حضاري واجتماعي وذهين حيرمه القدرة على اختاذ القرار اإلنساين املسؤول، قبل إعطائه حق مزاولتها ليةهذه األهوحيرمه أهلية احلرية، وحيتم رعايته لبلوغ

.ومحل مسؤوليتها حق قبائل العرب الصحراوية بإزاء اإلسالم يف عصر ظهوره لهوهذا ما سعى

يف عالقة الدولة اإلسالمية األوىل واتمع اإلسالمي األول ، جلأفقد .الوثنية البدائيةا محأة مزاوال القبائل على اخلالص من الوسائل ليعني هذهخمتلف إىل ،ذه القبائل

الذي كانت البدائية اهلمجية، وختليصها من القصور والتخلف احلضاري االجتماعي ومل يكن . املسلمني وأحالف املسلمني من القبائللى وكبح عدواا ع،تعيشه

اهلمجية خضع هذه القبائل املتوحشة أن تمن بدللمسؤولية اإلسالمية اإلنسانية من كل مزاوالت اهلمجية االجتماعية ا واستنقاذه،لنظام اإلسالم احلضاري

ولذلك كان اإلعالن اإلسالمي الصريح بأن قضية هذه القبائل . وخرافاا الوثنية وإمنا هي قضية اخلضوع لنظام اإلسالم ،ليست قضية حرية إرادة إنسانية وعقيدة

الذين عاهدت منهم ثم اليت كانوا يعيشوا هلم من اهلمجية االجتماعيةوختليصه

ليتها

يث

ل

ن

ال

Page 162: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

162

.))1ينقضون عهدهم في كل مرة وهم ال يتقون

وندتعالم مه أولئكة وال ذممن إلا وؤون في مقبرال ي )2(.

ا المموا إننآم ا الذينها أيي دعب امرالح جدسوا المبقرفال ي سجركون نش .))3عامهم هذا

عم وا أن اللهلماعكافة و كمقاتلونا يكافة كم ركنيشقاتلوا الموقنيتالم)4(.

كونية ونكون فتى ال تتح مقاتلوها وبم ا فإن اللهوهتلله فإن ان كله ينالد صريلون بمعي)5(.

ان فيل اإلميخدا يلما ونلمقولوا أس لكنوا ومنؤت ا قل لمنآم ابرقالت األعال ي ولهسرو وا اللهطيعإن تو قلوبكم غفور ئا إن اللهيش الكممأع من كملت

حيمر)6(.

،فموقف اإلسالم من أعراب الصحراء الوثنيني البدائيني هو موقف رعاية وليس موقف إنكار حلرية اإلرادة اإلنسانية ،وموقف تأهيل حضاري واجتماعي

لذلك كان موقف .نساناملؤهلة، أو تراجع عن موقفه األساسي من حرية عقيدة اإلاإلسالم الصريح وممارساته امللتزمة اليت احترمت ورعت حق أهل الكتاب يف حرية

كما قرر اإلسالم ذلك عقيدم رغم ما لقيه املسلمون من كيدهم وعدوام، لسواهم من أهل احلضارات املؤهلني للخري ، يف نصوص صرحية أيضا،احلق

.56: األنفال)1( .10: التوبة)2( .28: التوبة)3( .36: التوبة)4( .39: األنفال)5( .14: احلجرات)6(

Page 163: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

163

وذا يتضح لنا دون . ن الوثنيني املشركني عبدة الناركالفرس واحملبوس، رغم أم مأدىن غبش أن حرية العقيدة مفهوم إسالمي أساسي يف تكوين العقلية واملنهجية

ا إال أن اإلسالمية احلضارية، ال يستقيم العقل املسلم وال املنهج املسلم وال أداؤمه .يستقيم فهم هذا البعد يف تكوينهما

:فكر بعد حرية ال-ثانيا

وهذا .عد حرية العقيدة ومتولد عنه مكمل لبعد حرية الفكر اإلنساينبإن البعد يتعلق حبرية اإلرادة اإلنسانية وأخالقية القرار اإلنساين، ولكن ضمن إطار

ه ضمن هذا اإلطار يواج ددحمودي عام فامللتزم بتصور عق. دي األمشلااللتزام العق، وانعكاساته يف التصور الذي يلتزم بهت ال تنتهي يف فهم قضايامبواقف وقرارا

واإلسالم حيرر اإلرادة اإلنسانية من استبداد الكهنوت . احلياة والعالقات اإلنسانيةوال جمال يف جمتمع اإلسالم إلمالء القناعة . حرية القناعة والقرارنحهاوطغيانه ومي

غري ما يقضي به منهج اإلقناع والقبول بفس اإلنسانية الضمريية واألخالقية على الن الغاية اإلنسانية مع الفطرة اإلنسانية السليمة، وألن ذلك يتعارض معبإرادة حرة،

املشروعة، وال يقبل به اإلسالم منهجا يف احلياة اإلنسانية أو يف اتمع اإلسالمي . واإلنساين

يتعلق منهج اإلسالم وعقليته أن موئل القرار النهائي لإلنسانلذلك يبقى يفسأل وحدها عنه، وجتين وحدها آثاره يف وما تقضي به من خيار، تبإرادته احلرة

.هذه احلياة ويف احلياة اآلخرة

وال تعين جهالة القرار، فإن العقل املسلم ،وحرية الفكر ال تعين عشوائية القرارمن للغائية واجلدية واملسؤولية بد، وال ن مسؤوالان عقل ومنهج جادواملنهج املسلم

من علم وفحص وتدبر، ولكن،ستكمال السعي اإلنساين لشروط القرار املستنريا معلقا بالقناعة الضمريية واألخالقية يبقى على أية حالقرار اإلرادة اإلنسانية

Formatted: Highlight

ى كل األحوال يبقى

هو بعد

ني

هذا

طي هلا

ى

ن ذلك ليس من

س من

ال

ال با

Page 164: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

164

قلبك وإن أفتاك الناس استفت«: وحده دون قسر وال قهرلإلنسان الفرد .)1(»وأفتوكىعا سان إال مسللإن سأن ليو)2(.

ىرأخ رة وزازرو زرال تا وهليضل عا يمل فإنض نمو)3(.

معىن الوجود وحرية الفكر والقناعة الفكرية حق وموقف أساسي يتطلبه حتقيق ومحل أعباء مسؤولية اخلالفة اإلنسانية يف األرض، وما يترتب عليهما يف ،اإلنساين

احملصلة الكلية النهائية من سعي دائب مستمر يف ترقية كافة وجوه احلياة وإصالحها واالستبداد بقناعته الضمريية، قضاء على ،فاالستبداد بفكر اإلنسان. وإعمارها

على وال يقوم العقل املسلم إال.ولية احلياة، ال يقبلها منهجهمعىن احلياة ومسؤ وإنفاذ ذلك احلق وذلك ،أساس التزام حق اإلنسان يف حرية العقيدة والفكر

.االلتزام

تتنوع عطاءاته وتتكامل، ،والفكر املسلم يف اتمع املسلم فكر حر مبدعإال بغاية وجود اإلنسان يف يف النهايةمساره وانطالقه وإبداعه ال تتعلق ولكن

على ما تقرره مبادئ العقيدة وأمهات مقاصدها ،اإلصالح واإلعمار وعدم اإلفساد .تقتضيه ضوابط النظام االجتماعي وضروراتهعلى ما وأسس الرؤية اإلسالمية، و

ية هلا جوانبها املطلقة قضوإذا كانت حرية العقيدة والرؤية األساسية الكليةدية الكلية على والكلية، فإن حرية الفكر هي يف أساسها انعكاسات للرؤية العق

وعلى . واقع احلياة وقضاياها، واختاذ مواقف جتاه قضاياها وأسلوب التعامل معها ال ومهاحرية العقيدة وحرية الفكر يترتب األداء والتصرف االجتماعي لإلنسان،

. رواه اإلمام أمحد يف مسنده)1( .39: النجم)2( .15: اإلسراء)3(

يتعلق مساره وانطالقه وإبداعه

هي

ذي

Page 165: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

165

إىل جانب ما،وحتكمه. فعل وأداء وممارسةماانبا نظريا تصوريا، ولكنه جنميثال االعتبارات العملية للواقع، ،دية والفكريةالتطلعات والطموحات والرؤى العق

. وتضع حدودا وقيودا على مدى هذا النوع من احلرية،واإلمكانات واملتطلباتاجلانب النظري ف. حلرياتإن من املهم معرفة اجلانب العملي يف قضايا ا

. وال يقدم التفسري الكامل لواقع املمارسة االجتماعية،والفلسفي وحده ال يغينواقع املمارسة االجتماعية للحريات ومحاية حقوق األفراد ال يعتمد األسس و

فكلما كانت املنطلقات النظرية . ولكنه خيضع لالعتبارات الواقعية،النظرية وحدهافية سليمة، وكلما كان فكر األمة معاىف؛ كانت األمة ومؤسساا أقدر على والفلس

التسامح وإفساح اال أمام األفراد والفئات ملمارسة حقوقهم يف حرية الفكر وفكر قاعدا األساسية وممارستها ،وكلما كانت مسرية األمة متعثرة. والعقيدة

لتسامح وإفساح اال جتاه الفكر املعترض كانت أقل ميال إىل ااحلضارية متعثرا؛ ،فالضعف أميل للتشدد. والفكر املغاير. أميل للتسامح وإفساح اال للتعدد- باخللفية الفلسفية السليمة - والقوة

فإذا أضفنا خماوف الغزو الفكري والتدبري التسلطي االستعماري، أصبحت .مة وضبط النفسإمكانات التفهم أضعف واحلاجة أكرب إىل احلك

: بعد حرية األداء االجتماعي-ثالثا

إن هذا البعد من أبعاد حركة الوجود اإلنساين يتصل باجلانب العملي يف هذا وهو بذلك يتصل مبجموع األفعال والتصرفات وتبادل املصاحل والعالقات . الوجود

يستمر يف احلياة أون وجود الفرد اإلنساين ال ميكن أن يقوم ألبني الفرد واتمع، إال أن يكون يف جمتمع إنساين يتبادل الفرد فيه مع بقية أفراد اتمع ومؤسساته

.العالقات واملصاحل

إن وجود الفرد يف اتمع يضع بالضرورة قيودا وشروطا على حركته وعلى

ن

كلما

يث

ال أن

Page 166: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

166

واقعه طبيعة بناء اتمع وخمتلف مكوناته، وما يتصل بتبعا لأدائه اإلنساين ومن بقية أعضاء اتمع، وإمكاناته، والتحديات اليت تواجهه، وموقع الفرد منه

عن وجود اإلنسان كما تتعلق يف النهاية بالغاية اإلعمارية اليت متليها الفطرة السويةوإذا كانت حرية العقيدة وحرية الفكر تتعلقان بالفرد وذاتيته فإن . واحلياة واتمع

وإمنا يتعداه إىل اتمع ،اء اإلنساين ال يقف حده وأثره عند الفرداألد وأالفعل األداء اإلنساين له طبيعة وأوهلذا فإن الفعل . ومؤسساته وأفراده وموارده وطاقاته

مجاعية، أي أنه جيب أن يتم وفق تصور يتفاعل ويتكامل مع اجلماعة وبنائها وقرارها ويف كيفية بلوغ اتمع وأفراده، وحتقيق ،ااجلماعي، يف كيفية األفعال، كما ونوع . غايتهم احلياتية اإلعمارية واإلصالحية

والبعد اجلماعي للفعل االجتماعي ال يعين االستبداد بإرادة األفراد يف أدائهم وأفعاهلم االجتماعية، وإمنا يعين أن حرية األداء واألفعال للفرد يف اتمع جيب أن

ا تنسيق تصرفات األفراد وأدائهم وتكاملهم مبا حيقق إرادة تضبط بضوابط يقصد منهالفرد اإلصالحية وحاجته يف ضوء إمكاناته وإمكانات اجلماعة وأفرادها وحاجام

وهذا يعين أن هذه الضوابط هي قرارات تتعلق مبجموع أفراد اتمع . وتوجه إرادمدية أن حريات الفرد العقيف ضوء غايات الوجود اإلنساين اإلصالحي اإلعمارية، و

والفكرية ال ميكن هلا أن تأخذ سبيلها فيما وراء االعتقاد والفكر إىل األداء االجتماعي، إال يف حدود غايات إصالحية يف وجود اجلماعة اإلنسانية، ويف حدود

.ما قررته من حدود وضوابط للفعل والعالقات

ا ومؤسساا العامة ونظامها العام يقصد فضوابط اجلماعة وقوانينها وتشريعامن جمموعها حتقيق ما قررته اجلماعة من غايات إصالحية إعمارية، وتوفري أكرب قدر من اال ألداء األفراد ضمن هذه احلدود، والتعبري بالفعل واألداء عن إرادم

. وتوجهات فكرهم وقناعتهم

فراد، وإذا كان وضوابط اتمع والنظام العام يصدران عن رؤية مجاعة األ

Formatted: Highlight

ب

Page 167: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

167

؛للفرد احلرية يف االعتقاد والتفكري مبا متليه عليه قناعته الضمريية وتصوره الذهين وضوابطه وحدوده فإنه ال يصح له العمل والتصرف على غري مقتضى النظام العام

دون مراعاة ، ألن التصرف الفرد من منطلق حق حرية الفكر والقناعة،ومقرراته جيعل احلرية الفكرية وسيلة إىل إشاعة الفوضى يف احلياة ،عاملضوابط النظام ال

االجتماعية، وهي حالة تضيع معها احلقوق واحلريات كافة، وتنعدم فيها معاين . الوجود واحلياة اإلنسانية

مع انضباط حرية األداء ،وحرية العقيدة والفكر يف إطالقهما وانطالقهما تنضبط بضوابط ،حية وإعمارية للمجتمعوالفعل اإلنساين يف حدود غايات إصال

النظام العام، فإن ذلك هو الذي جيعل حرية العقيدة والفكر قوة دافعة مستمرة للتجديد واإلصالح املستمر يف احلياة، وليست طاقة تدمري وختريب وفوضى يف

.كيان اتمع وعالقاته وسري حركته وأدائه

ي يرتبط بالتزامه غاية اإلصالح إن مشروعية الفعل واألداء والتصرف الفردكما أن قرار . وضابط النظام العام الصادر عن إرادة اجلماعة وقرار مجهور أفرادها

من الغرض منه يف حتقيق فطرة غاية ، يف أعلى مستوياته مشروعيته،اجلماعة يستمد يمالوجود اإلنساين اإلصالحية اإلعمارية على األرض، وهو يف املفهوم اإلسال . والتطور اإلسالمي مزاولة اإلنسان ملسؤوليات اخلالفة يف إعمار الكون وإصالحه

ضوابط النظام العام الذي شرعته ، أيا كان نوعه،وحني جياوز فعل الفرد فإنه يفقد مشروعيته، كما أن ضوابط النظام العام تفقد مشروعيتها إذا مل ؛اجلماعة

ية العقيدة والفكر، ويف حرية التعبري عن دف إىل رعاية حقوق األفراد يف حر يف حدود الضوابط الضرورية لسري أداء النظام االجتماعي وتوفري أكرب قدر ،إرادم ما دام يتحقق فيها مفهوم ؛ للتعبري عن هذه اإلرادات يف تلك احلدودفرصمن ال

العام وما دامت تلتزم ضوابط النظام ،االلتزام بالقصد اإلعماري واإلصالحي

شروعيته

ال

Page 168: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

168

.للمجتمع

والفعل واألداء الفردي املسلم، والتشريع والنظام العام املسلم يف اتمع من أصل االلتزام اإلرادي باإلسالم وجماالتهاملسلم، يستمد كالمها مشروعيته

ع املسلم يف اتمع وال يصح للمشر. وغاياته ومقاصده ومبادئه وقيمه وأحكامهع من نظم وضوابط وأحكام الم وغاياته وقيمه فيما يشراملسلم أن يتجاوز اإلس

كل غاياا ومقاصدها هي إطالق طاقات البشر يف محل مسؤولية اإلنسان يف التصرف املسلم أن وأ كما ال يصح للفعل ،خالفة األرض وإصالحها وإعمارها

والغايات امللتزم باألسس ، وتظل حرية التفكري والتعبري.يتجاوز االلتزام باإلسالم مبا حيقق ، هي الوسيلة لتفاعل الرأي والرؤية يف اجلماعة،اإلصالحية واإلعمارية

.حيوية الرؤية والرأي والتشريع وتطوير األنظمة والسياسات العامة يف اتمع

تؤدي إىل ، مع ضبط يف نظم الدولة اإلسالمية،ومن هنا فحرية العقيدة والفكر للتدبر واإلبداع والتطور، ودفع عجلة احلياة جعل الفكر احلر وسيلة دائمة

فسح أكرب قدر من اال للفعل والتصرف توتوجيهها إىل غاياا اخليرة، كما دية ومقتضيات حريام العق،اإلنساين يف ضوء جمموع حقوق بقية أفراد اتمع

.والفكرية، وإمكانات اتمع، وطبيعة التحديات اليت تواجهه

قيق تلك املفاهيم يف احلرية ويئة جماالا كانت اإلباحة أصال عاما من ولتحه إال ما قضت فيه نصوص الوحي الصريح ال حيد،أصول منهج اإلسالم ونظامه

أو ما اقتضته سنن الفطرة وأوجبته املصاحل ،احملكم، وأرشد إليه العلم اليقيين اإلهلي .لحة أو أجلأت إليه الضرورات امل،األساسية

وفهم معىن ،إن حسن إدراك مفهوم حرية القرار واإلرادة اإلنسانية يف اإلسالمدانية يف معىن عضوية اإلنسان يف اتمع اإلنساين، ومعىن منطلق اخلالفة حمنطلق الو

وغاياا اإلصالحية يف حياة اإلنسان ووجوده، ومعىن منطلق املسؤولية يف عالقات

ائبة

Page 169: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

169

ودون ، على غاية كبرية من األمهيةور أفراده ومؤسساته، أماتمع اإلسالمي وأداء ف، والتطر،إدراك ذلك لن يستطيع العقل املسلم أن حيرر نفسه من التقليد األعمى

والعقم الفكري واحلضاري الذي يسد املنافذ على كل فكر جديد وعالج نافع .ألدواء األمة وقصورها اإلبداعي واحلضاري

قات ندرك معىن مفهوم األمر باملعروف والنهي عن املنكر ويف ضوء هذه املنطلفهو من جانب حرية االعتقاد وحرية الفكر نصح وموعظة وإرشاد . يف اإلسالم

محاية على وتوجيه، وهو من جانب األداء االجتماعي جهاد وفعل وبذل وقدرة انه، وال حىت ال تغرق سفينته، وال يتصدع بني،تمع وحقوقه وكيان نظامه العاما

.تعمه الفوضى والفساد، فتتحطم غاية احلياة واتمع اإلصالحية اإلعمارية

: كلية التوكل-د

.وهو املفهوم الرابع من املفاهيم األساسية للمنهجية اإلسالمية

فالتوكل هو اعتماد القلب املؤمن على اهللا والثقة به، والقبول بقضاء اهللا وقدره .ا يلقاه اإلنسان فيها وما ينتهي إليه نصيبه منهايف كل ما يتعلق باحلياة وم

.والتوكل هو إميان القلب بقدرة اهللا وحكمته وعدله ومآل كل األمر إليه

وتوكل القلب املؤمن إمنا يتأتى من إميانه بالغيب وكليات عامل الغيب اليت .يدبرها رب السموات واألرض، وحيكم أمرها وحييط بعلمها وحده ال شريك له

كل املسلم هو فهم وإدراك وحس فطري إمياين مرهف ميثل مصدرا من وتوأهم مصادر قوة املسلم وطاقته النفسية اهلائلة اليت تتفجر منها ينابيع الصرب واملصابرة

.وااهدة وينابيع الرضا والسعادة

والسبب يف أن توكل املسلم مصدر من مصادر قوته هو أنه وسيلة إدراكه من منطلق الثقة واليقني، فاملسلم يات الربانية يف الكون واحلياةوتعامله مع الكل

Page 170: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

170

قيامه بواجباته يف خالفة عامل ب انبإميانه وبفطرته يدرك أن جهده وسعيه يتعلقؤدي دوره وحيمل مسؤوليته ييف أن مها الشهادة، وهو يعلم أن جهده وسعيه إمنا

ن لعقله وجهده من الكائنات، ومكمن منطلق األسباب والسنن اليت أودعها اهللا يف وسري الكائنات، وكليات ، أما جمموع األسباب.معرفتها وتسخريها والتعامل معها

وأنه ال حييط ا إال اخلالق ،تفاعلها، فهو يعلم أن منطقه وعقله ال حييطان او إىل اهللا سبحانه وتعاىل، وال بد له من التسليم يف أن مرد األمر بشأن كلياا إمنا ه

.سبحانه وتعاىل

لله كله رقل إن الأم)1(.

األمو لقالخ رأال له)2(.

العلم إال قليال من ما أوتيتمو)3(.

اءا شعلمه إال بم ء منيحيطون بشال يو)4(.

ءيكل ش تسعا ونبعلمارة ومحر )5(.

ولذلك فإن املسلم يتعامل مع الكليات الربانية يف احلياة والوجود من منطلق . رالثقة باهللا والرضى والتسليم يف عواقب األمور على ما قضى اهللا وقد

وخالصة عقيدة املسلم ومنهج عقليته بشأن الكليات الربانية يف احلياة والوجود فهي خري بالشكر على النعمة، وهي خري بالصرب .اقبها خريهي أا كلها يف عو

عقيدة . على االبتالء، وهي خري باألجر وحسن الثواب على كل حال يف اآلخرة

.154: آل عمران)1( .54: األعراف)2( .58: اإلسراء)3( .255: البقرة)4( .7: غافر)5(

ت

Page 171: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

171

املسلم بشأن الكليات الربانية يف احلياة والوجود هي إميان حبسن مآب سعي املرء فيها، وهو إميان بكلية مهما كان نصيب سعيه وأدائه من متاع الدنيا وبالئه،املسلم

نصر احلق وأمة احلق وجهاد أهل احلق ومآهلم، وخسران الباطل وأهله يف كلية لقاء .األمم على ساحة التاريخ، ويوم يقوم الناس لرب العاملني

كماربأخ لوبنو ابرينالصو كممن اهدينجالم لمعى نتح كمنلوبلنو)1(.

ونعجرا تنإلية ونر فتيالخو ربالش لوكمبنو)2(.

النبس مهنديها لنوا فينداهج الذينو)3(.

ادهجه قوا في الله حاهدجو)4(.

كمرصني وا اللهرصنوا إن تنآم ا الذينها أييكمامأقد تثبيو )5(.

هإليو كلتوه تليفيقي إال بالله عوا تمو تطعتا اسم الحإال اإلص إن أريدأنيب)6(.

املنيالع رأج مكلون، نعوتي همبلى رعوا وربص الذين)7(.

امكلونووتي همبلى رعوا ونآم قى للذينأبو ريالله خ دعن )8(.

هليكل عوتو هدبفاع كله رالأم عجره يإليو)9(.

.31: حممد)1( .35: األنبياء)2( .69: العنكبوت)3( .78 : احلج)4( .7: حممد)5( .88: هود)6( .59: العنكبوت)7( .36: الشورى)8( .123: هود)9(

Page 172: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

172

والتوكل غري التواكل، فالتوكل هو ثقة املسلم وتسليمه يف أمر الكليات الربانية ر دفتها إال اهللا سبحانه وتعاىل، وهو معىن قوة وال يسي، وحكمتهااليت يعلم أمرها

ل به يف كليات الوجود إىل النجاح ووطمأنينة ورضى يتخلل حياة املسلم، ويؤ .والفالح وحسن املآب

أما التواكل فهو من معاين العجز والتقصري فيما يتعلق بأمر احلياة ودار الشهادة واميس اليت سخرها اهللا لإلنسان يف هذه احلياة، ومقتضيات السعي بالسنن والن

.وعلق بسعيه فيها مسؤوليته يف خالفة األرض وحتقيق معىن احلياة والوجود

إن التواكل ذا املفهوم هو التقصري يف أداء السعي وبذل اجلهد وتدبر األمر، ة لإلنسان وهو بذلك عصيان ألمر اهللا سبحانه وتعاىل وخمالفة ملقتضى الفطرة السوي وليس من .يف وجوب السعي يف احلياة باألسباب لتحقيق النفع والصالح واإلعمار

التوكل التقصري يف السعي باألسباب وطلب الوسائل واتباع النواميس، فذلك هو . وموضع امتحان إرادته وغاية وجوده،جوهر مسؤولية اإلنسان يف هذه احلياة

ضالل وضياع يف السعي، ولذلك أجاب إن التواكل هو فساد يف العقيدة واملصطفى صلى اهللا عليه وآله وسلم عن سؤال األعرايب الذي مل مييز بني التوكل والتواكل فأرشده إىل الرؤية البينة الواضحة حني قال له صلى اهللا عليه وآله وسلم

املنهج، أجاب هذا الفهم، وهذا، و نفسه املنطلقهذاومن . )1(»أعقلها وتوكل«اخلليفة الراشد عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه من ظن يف أن اتقاء أرض الطاعون

، من قدر اهللا، وأن التفريط يف طلب األسباب هرب،عدواه وبائهو النجاة منوربانية اليت أودعها اهللا يف الكون وتقرره السنن الوالسعي مبا حتكم به النواميس ومكنه من القدرة عليها، إمنا هو من باب التوكل ،والكائنات، وسخرها لإلنسان

من أفر«: على اهللا، فكان جواب اخلليفة الراشد أوضح من فلق الصبح حني قالى العدوهذه ة العدوى من قدر اهللا، وسنة الوقاية من فسن. »قدر اهللا إىل قدر اهللا

. رواه الترمذي يف سننه وابن حيان يف صحيحه)1(

قاء

السعي إىل عدم الوقوع يف براثنه، والنجاة من

نه

ت

ن ذات

ات

Page 173: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

173

والسعي باألسباب والسنن هو من قضاء اهللا ،من قدر اهللا، فكل األمر قدر اهللا . من باب كفرانه وعدم التوكل عليهوطاعته، ال

التواكل يف ما تقضي به الفطرة السوية معىن معىن التوكل وفرق بني هذا هو ال من أمر خالفة األرض وإدارا وما كلف اهللا سبحانه وتعاىل اإلنسان به،لإلنسان

فالتواكل هو مما .ورعايتها وتسخريها، ومسؤولية السعي فيها باإلصالح واإلعمار وال يتعلق مبعىن ،تنكره الفطرة اإلنسانية السوية، وهو ليس من اإلسالم يف شيء

التوكل اإلسالمي بأي صورة من الصور، وال ميت بأي حال من األحوال إىل األول يف القضاء والقدر، وهو يتناىف مع منوذج حياة رسول اإلسالم عقيدة السلف

،صلى اهللا عليه وآله وسلم وحياة أصحابه وجهادهم وسعيهم بالسنن واألسباب .والتفكر والتدبر يف كل ما كان يعرض هلم من أمر وما كان يواجههم من أحداث

:السببية يف أداء الفعل اإلنساين -ه

م أساسي يف حياة اإلنسان املسلم وتكوين عقليته وبناء منهج السببية هي مفهو له أن اهللا سبحانه وتعاىل خلق انففطرة اإلنسان وعقيدة املسلم توضح. فكره

اخلالئق والكائنات، وأودعها السنن والنواميس، وأوكل أمر إدارا ورعايتها مكن اهللا سبحانه وقد.وتسخريها إىل اإلنسان للسعي يف أمرها باإلصالح واإلعمار

وتعاىل لإلنسان القيام مبسؤولياته والتعبري عن إرادته بواسطة الفعل باألسباب، وما ن السببية ال جمال للعقل املسلم بدوولذلك ف. تقتضيه من عالقات السنن والنواميس

ائنات ا يف اخلالفة وإدارة الكمداء مسؤولياألوال سبيل للفطرة اإلنسانية والسعي ا بكل جدية ويف كل أمر من أمور ،وتسخريها، إال باألسباب واختاذها

ا السنن والنواميس للتعبري عن هل وسخر ،واإلنسان إذا ما سعى باألسباب. احلياة واستجاب لفطرته، ، قد أدى واجبهيكون ،إرادته وأداء واجباته يف خالفة األرض

يف احملصلة -مع نظام احلياة والكون، وليس من شأنه ومحل مسؤوليته يف التعامل حتديد موقع جهده وسعيه من خارطة الكليات الربانية، فليس هذا من - النهائية

د

ريق والوضوح يف

و

ن وسيلة إىل

ب

نه

Page 174: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

174

.مسؤوليته وال من حدود علمه أو إدراكه

:يت نتحدث عنهاهيم الاملعاين واملفاهذه توضح وتؤكد اآليات البينات التاليةو

في ريكش له كني لملدا وخذ وتي لمض واألرات واومالس لكم الذي له .))1الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا

لىاألع كبر مح اسبى، سوفس لقالذي خ ،الذي قدىودفه ر )2(.

لونفعا تبم بريخ هء إنيكل ش قنالله الذي أت عنص)3(.

لق اللهديل لخبا ال تهليع اسالن الله التي فطر تفطر)4(.

ىزجلتو قبالح ضاألرات واومالس الله لقخو مهو تبا كسفس بمكل ن .))5ال يظلمون ةاقبكان ع فوا كيظرض فانوا في األرفسري ننس لكمقب من لتخ قد

كذبنيالم)6(.

بابء سيكل ش من اهنيآتض وفي األر ا لهكنا مإن)7(.

ىألارأخ رة وزازرو زرى، تعا سان إال مسللإن سأن ليو ، فوس هيعأن سو .))8ثم يجزاه الجزاء األوفى ، يرى

لآيات إن في ذلك هميعا منض جا في األرمات واوما في السم لكم رخسو

.2: الفرقان)1( .3- 1: األعلى)2( .88: النمل)3( .30: الروم)4( .22: اجلاثية)5( .137: آل عمران)6( .84: الكهف)7( .41 – 38: النجم)8(

املعاين واملفاهيم السابقة ميكن أن نورد ول

Page 175: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

175

.))1لقوم يتفكرون

ملواا عاءوا بمأس الذين زيجض ليا في األرمات واوما في السلله مو .))2ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى

المع نسأح كمأي كملوباة لييالحو توالم لقالذي خ)3(.

لونمعت فكي ظرنض فيفي األر لفكمختسيو )4(.

ا العبنيمهنيا بمو ضاألراء وما السلقنا خمو)5(. إليه فطرته يف عالقته ه وما دي،هذا اإلدراك ملعىن وجود اإلنسان يف احلياة

ومآل مسؤوليته يف ،لواضح لإلنسان أن وسيلته من اجيعالن ،باخلالئق والكائناتا اهللا النفوس ه باألسباب وبإدارة السنن والنواميس اليت أودعانتعلقيهذه احلياة، إمنا

وأن دوره إمنا يكون بالفعل من خالل هذه األسباب والسنن، ،واخلالئق والكائناتكه ومنطقه يف التعامل مع يتم بناء العقل وإدراهاوعلى أساس من. والسعي مبقتضاها

دوا تنتفي مسؤولية اإلنسان وينقطع أداؤه، ويعجز عقله، باحلياة والكائنات، و هذا الفهم واإلدراك هو الذي يفسر لنا منهج رسول اهللا صلى اهللا .وينعدم إدراكه ومنهج الصدر األول وجهادهم واجتهادهم وتدبريهم وتدبرهم ،عليه وآله وسلم

يف قوة وجدية وثقة ورضى ،خذهم باألسباب وطلب السنن والنواميسوسعيهم وأ . واطمئنان

. والسببية مفهوم أساسي يف أداء العقلية اإلسالمية ويف بناء املنهجية اإلسالمية من فهم موضع السببية منه، ومن للفعل اإلسالمي وال لألداء اإلسالمي ناصوال م

.13: اجلاثية)1( .31: النجم)2( .2: امللك)3( .129: األعراف)4( .16: األنبياء)5(

عل

ت

م

ه

ال

ون

ون

Page 176: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

176

يففعل اإلسالمي على مفهوم السببية وجدية التزامها بناء اإلرادة اإلسالمية وال .العمل والنظر والتدبري

،وبثقة التوكل يف إميان املسلم وإقدامه على مواجهة العقبات والتحديات العمل والسعي يف األخذ باألسباب وتسخري السنن، تكون قوة املسلم، وجبدية وقد أدى املسلم واجبه ومحل - وعندئذعطاؤه، إبداعه وتجلىن قدرته، ويموتك

يكون مستحقا لوعد اهللا سبحانه وتعاىل -مسؤوليته بإحلاق العمل الصاحل باإلميان ما يدبر من عظيم قدرته وهيمنته وواسع فيبتمكني املؤمنني وتأييدهم ونصره هلم

.علمه ورمحته من جدية سلفالووما شاهدناه يف حياة الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم

مع عظيم اجلرأة واإلقدام، هو مثرة هذا ،التدبري والتفكري، وجدية األخذ باألسباب . فكانت القدرة وكانت القوة وكان النصر،الفهم وهذا املنهج

وإذا شاء املسلم اليوم أن يتطلع إىل ما حققه ذلك السلف من عطاء ومن لك إال حبمل مسؤوليته وأخذ نفسه فليس له ذ، وما مكنهم اهللا به من نصر،قدرة

ومنهجه جبدية التفكري والتدبر والنظر والبحث والسعي باألسباب، وما تقضي به على وجوهها االجتماعية والطبيعية و ،سنن اخللق يف خمتلف جماالت احلياة

وعليه يف الوقت نفسه أن يترك أمر الكليات الربانية لصاحبها .والتطبيقية والتقنيةا جل وعال، فذلك شأنه جيريه على ما يقضي به واسع علمه ورمحته فيما ومدبره

.يهب ومينح من أجر ومتكني ونصر

إن ختلي العقل املسلم واملنهج املسلم عن دوره يف محل مسؤولياته يف عامل مطالب به من محل املسؤوليات األسباب، والركون إىل القصور والتقصري فيما هو

اب، واشتغاله بدال عن ذلك باحلديث عن أمر اهللا، وكليات أقداره وجلب األسب بوعود النصر والتمكني، كل ذلك مما ال يستقيم وفطرة الربانية، والتمين عليه

ن

يف

ون

كون

ى

لفه

طلوب منه و

Page 177: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

177

.اخللق، وعقيدة اإلسالم، وليس له من نتيجة إال االحنطاط والتخلف والوبال

مدارسهم، وعمالنا يف إذا أخذ علماؤنا ذا املنهج يف معاملهم، وأساتذتنا يفكون بذلك نمصانعهم، وجنودنا يف ثغورهم، وإذا نشأ عليه أبناؤنا، وتدربوا عليه،

قد وفينا دورنا ومحلنا مسؤولياتنا وأصبحنا أهال للخالفة واهلداية والتمكني بإذن اهللا الله قيال من قدأص نمقا والله ح دعو)1(.

وعزلة ،ا إىل قضية جمال عمل الفكر املسلم، فبتأثري التخلفننتقل من هذالقيادة الفكرية، وبتأثري مفهوم الدين يف التجربة الغربية، فإن جمال عمل الفكر

ولكن من . يف قضايا روحية وقضايا شخصيةان ينحصراناملسلم ومنهجيته يكاد وهو ،احلياة وامتداد وسائلها جمال ميتد بامتداد الواضح أن أداء منهجية الفكر املسلم .ما سنتعرض له فيما سيأيت من قول

:مشولية اال ومشولية الوسيلة: خصائص منهجية الفكر اإلسالمي-5

تبحث وتوجه نشاط اإلنسان ،إن منهجية الفكر اإلسالمي هي منهجية مشولية وتطوير ،ايتها ورع، وتنظيم أدائها،املسلم والعقل املسلم يف وجوه إصالح احلياة كافة

.طاقتها وإمكاناا على ما تقتضيه غاية احلياة ووجود اإلنسان والكائنات نوعا وكما تتميز بشمولية الوسيلة، - لتميزها بشمولية اال -ومنهجية الفكر اإلسالمي

فاحلياة بكل كائناا ومكوناا جمال ألداء سعي املسلم، ولذلك فهو مكلف بالسعي بكل اجلدية ، ومكلف،طاقته لطلب العلم واملعرفة بشؤون احلياة والكائناتبكل

للتمكن من الوسائل الالزمة لتسخري احلياة ،السعي بكل الطرقو ،واإلبداع .والكائنات ورعايتها وإدارا وتنظيم شؤوا

ما من وسيلة صاحلة من وسائل البحث العلمي وطلب املعرفة إال والعقل ف باستخدامها واإلفادة منها يف توليد املعرفة والقدرة على األداء، املسلم مكل

.122: النساء)1(

ب

ت

هي

سيلة يف

Page 178: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

178

تستوي يف ذلك الوسائل املادية، واملعنوية، والكمية، والكيفية، كما تستوي يف . والتحليلية،ذلك الوسائل االستقرائية، واالستنباطية، والعلمية، والتجريبية، والتنظريية

هادفة إىل ،ال أن تكون وسيلة صحيحة إ، أيا كانت، ال قيد على الوسيلةاإلصالح، تنصرف يف موقعها وأدائها إىل عون اإلنسان على أداء دوره اخلير يف

وسيلة أي؛ وليس من العلم وال من املعرفة وال من السعي الصحيح.خالفة األرض تنايف غايات فطرة اإلنسان السليمة يف اإلصالح واإلعمار وخالفة األرض، أو

مما ال يقدر العقل اإلنساين ،تؤدي باإلنسان إىل اخلوض الضال يف شأن عامل الغيبعلى إدراكه، ومل يؤهل للنظر فيه، ومل يكلف مبسؤوليات العلم به وإدراكه بأكثر

. مما يقتضيه أداؤه لدوره وغاية وجوده يف احلياة واألرض،ل به الوحي إليهمما تنـز

ؤون احلياة وإصالحها وإعمارها هو جمال أدائه فانصراف العقل املسلم إىل شلألداء، أما ما وراء ذلك من وثنيات الضالل وسفسطات اإلهليات فهو من شؤون

وتدمري ملصدر قوته يف ، وهو صرف للعقل املسلم عن واجباته،عامل الغيب يف أول األمر - وهو ما كان سببا ،االنصراف الكامل اجلاد إلعمار عامل الشهادة

وقد أدى غبش الرؤية فيما بعد . يف جناح اإلنسان املسلم وتفوقه وتفوق رجاله- واضمحالل طاقة اندفاعه وعزمه يف ،إىل تعاظم ضالل العقل املسلم وضالل جهوده

حبر من الكالم والظنون والفرقة ال سبيل إىل النجاة منها إال بطرحها خلف الظهر، طار فكره الصحيح، وانصراف طاقته إىل أداء وااللتزام الواعي بعقيدة اإلسالم وإ

مسؤولياته اإلصالحية يف عامل الشهادة وخالفة األرض، واختاذ كل ما يقدر عليه من حيلة ووسيلة للعمل واإلبداع يف أدائها كما خلقه اهللا وأراد له على هذه

.األرض

العلم أدركنا أن بناء؛فإذا أدركنا مفهوم مشولية الفكر اإلسالمي ومنهجيتهواملعرفة والفكر والثقافة املسلمة جيب أن حيقق معرفة الواقع احليايت لألفراد

مر أو

Page 179: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

179

تكون تلك املعرفةحبيث، وألمم اإلنسانية قاطبة، واجلماعات، ولشعوب اإلسالمأن البناء أدركنا صحيحة يف حاجاا وتطلعاا وإمكاناا وعالقاا وحتدياا، و

علمي واملعريف الذي ال حيقق تلك األغراض ال يعترب بناء وال منهجا إسالميا ال .صحيحا، وال يعتد به يف ميزان رسالة اإلسالم وخالفة اإلنسان

كذلك فإن أي بناء للعلم واملعرفة والفكر والثقافة املسلمة ال يوفر للعقل اإلدراك وضبط األداء على املسلم اإلمكانات اليت يتم ا حتقيق دقة الفهم وسالمة

بناء وال منهجا إسالميا للمعرفة والفكر لن يكونأفضل ما يكون الفهم واألداء، .واحلياة اإلسالمية

جماال ووسيلة، فإنه ال جمال ألداء األمانة وتبليغ الرسالة ،دون مشولية املنهجب أراد اهللا هلا داية الدين وبناء اخلالفة كما وكيفا، قوة وقدرة، كما بدأت وكما

كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر : القومي .))1وتؤمنون بالله

على قرب العهد -وإذا كان حسن فهم اخلالفة الراشدة ومشولية منهجها عظيم االنشغال بتحديات العصر، وعلى قلة الزاد مبؤسسات الرسالة، وعلىفترة ب

قد فتح هلا أبواب االجتهاد يف السياسة والنظم والبناء مبا يشهد - البناء واحلضارة ، ال بد لنا من فهم منهج الصدر األولكانبه التاريخ وحتفل بسريته الكتب،

ء واإلبداع واالجتهاد، وإدراك ومعرفة مصادر طاقاته يف األدا،ومنطلقاته يف العقل .أساليبه يف تطوير سياسات املؤسسات، وأسباب جناحه يف حتقيق املقاصد والغايات

لقد أمكن ألجيال اآلباء األوائل من التابعني، ومن حلق م من رجال الفكر ا من محاية نصوص الوحي والرسالة، والذود عنه- رغم عزلتهم -والدعوة والعلم والتحريف والضياع، مما تشهد بكماله الدراسات الشرعية يف علوم أيدي العبث

.110: آل عمران)1(

هد

وألمة اإلسالم

ن

عرفة

و ليس

لك

Page 180: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

180

ولكن باملقابل فإن علوم االجتهاد والسياسات الشرعية يف . القرآن الكرمي والسنةحقول السياسة واالقتصاد واالجتماع والتربية والعلوم والفنون واألنظمة وسواها؛

صيب يذكر، بسبب ايار دولة مل يكن هلا يف دراسات الفكر اإلسالمي الالحق ن وتغلب أطماع بقايا ،التزام السياسة اإلسالمية الراشدة، وعزلة أصحاب الفكر

لذلك مل تقم . العصبيات واجلاهليات واحلضارات وامللل غري اإلسالمية على احلكمعلمي الصحيح، باملعىن ال ،للعلوم والدراسات السياسية واالقتصادية واالجتماعية

حىت اليوم، ، وعلى أساس من منظور إسالمي،قائمة يف رحاب الفكر اإلسالميكما مل يطور الفكر واملعرفة اإلسالمية أدواما املنهجية املتكاملة، املطلوبة لتحقيق

الغايات ،على وجه اخلربة واحلقيقة ،فهم الواقع والنظر يف احلياة، مبا يناسب .واملقاصد اإلسالمية

ومل يذهب الفكر اإلسالمي حىت اليوم بعيدا يف ميدان املنهجية العلمية الالزمة تسجيل األمهات واملبادئ املنهجية الكربى، اليت اهتدى فلم يتجاوزهلذه األغراض،

ديها الصدر األول يف نظراته وتأمالته واجتهاداته وتكوين سياساته ومؤسساته، الثانوية، كاملصلحة املرسلة ودفع الضرر والعرف عرف باسم األصوليوهي ما

اآلباء من علماء ندواقتصر جهد الفكر اإلسالمي ع. واالستحسان واالستصحاب وبناء ، وضبطه، وتأصيله،السلف على العمل يف ساحة النص، والعناية به، ووصفه

والفقه فكانت علوم القرآن والتفسري واحلديث والرواية ،العلوم الالزمة لهوكان علم الفقه واألحكام هو جمال مشاركات العلماء . واألحكام واللغة واآلداب

قدر ما هيأته هلم ظروف النشأة وخربات وعلى بتأمالم االجتهادية الفردية الذاتية . دون تأهيل منهجي يذكر يف هذه ااالت،الفقيه الذاتية

ا، مثارمها حىت يعطي،ي واملنهج اإلسالميلتحقيق مشولية الفكر اإلسالمو ماأن نعيد النظر يف فهم منهجيتهال بد االت احلياة اإلنسانية كافة، ماتوجيههلو

وجماالت نظر ، ووسائل املعرفة، والتفريق بني مصادر املعرفة،اما ووسائلهموعلومه

Formatted: Highlight

ملعىن العلمي الصحيح

ت

ن جمرد

يد

ب

ه ال بد لنا

Page 181: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

181

.املعرفة

وكل ،اخلاصة بكل جمالال بد للمفكرين املسلمني من أن يقوموا ببناء املناهج للفكر أن يؤدي دوره يف بناء تلك إذا أريدعلم من تلك العلوم احلياتية االجتماعية،

ولتوليد .العلوم، وأن يقوم بالدراسة والنظر والتأمل على أسس علمية منظمة للمؤسسة العلمية كنمي ال ،ضبط النتائج واإلجنازاتلاحللول واألنظمة والبدائل، و وأن تنعزل ، أن تستمر حمصورة يف علوم النصوصاإلسالمية واجلامعات اإلسالمية

عن جماالت علوم االجتماع والتقنيات اإلنسانية، فكل هذه ااالت املختلفة إمنا هي جوانب خمتلفة حلياة اإلنسان ونشاطه، وكلها جمال لتوجيه اإلسالم وغاياته

.ال غىن له عنها و،ومقاصده

إن املنطلق األساسي للمنهجية اإلسالمية للمعرفة يقوم من جانب علماء ومعرفة موضع الوحي وهدايته الكلية ،وبة إىل رشدهمثاإلنسانيات املسلمني بال

مصدرا للمعرفة والتوجيه يف جمال دراسام، كما أن على علماء دراسات الوحي وما أودع اهللا يف العقل والفطرة من ،طرة منهااإلسالمي معرفة موقع العقل والف

ووضعه يف موضعه ،السنن والنواميس اليت هي أساسية لفهم معاين الوحي ودالالته . الصحيح يف حياة اإلنسان

فعلى هؤالء العلماء استخدام وسائل البحث العلمي املنهجي التحليلي ومن مثالذي يتسم باالنضباط و ،نسانيات والتقنياتوالتجريبـي الذي طوره علماء اإل

وفهم مقاصدها ومعانيها ،والتحليل والدقة الواقعية يف جمال دراسات الوحي بالشكل والقدر املالئمني لذلك اال من جماالت ،وعالقتها بالفطرة والواقع

وبذلك تتكامل مصادر املعرفة اإلسالمية يف الوحي والعقل والفطرة .املعرفة وذلك هو السبيل العلمي لبناء منهجية علمية إسالمية وقيام معرفة وعلوم ،لكونوا

.إسالمية متميزة

ذلك حىت ميكن

كن تسخريها

ال

يف

ت

وبالتايل

Page 182: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

182

ولوضع املقدمات اإلسالمية األساسية يف خمتلف جماالت الدراسات والعلوم اليت متثل املقاصد والغايات والتوجهات والقيم واألحكام ،اإلنسانية والتقنية

بدءا بالقرآن ، من تصنيف نصوص اإلسالمسالمياإلسالمية، ال بد للمفكر اإل بصحة مؤداها، الثرية نفائس التراث اجليدةكالكرمي والسنة النبوية املطهرة، وكذل

األعمال اليت بنيت على أساس من مطامع السياسة، ستبعدأن تعلى وعمق نظرا، واإلسرائيليات اليت تسللت إىل كثري من تأثري اخلرافات واخلزعبالت واألوهام و

هذا التصنيف على أساس ما ريأن جيعلى و،أعمال التراث يف عصوره املتأخرة .متليه الرؤية اإلسالمية املعاصرة يف جماالت احلياة وااالت الفنية

أصحاب االختصاص من وني والباحثنيلدارسلهذا التصنيف ضروري يف -، ويتعرفوا منها على النصوص التراثيةواحىت يطلع املفكرين واملثقفني املسلمني

على كليات اإلسالم وغاياته وأهدافه وقيمه ومبادئه، ويقوموا على -مشولية واقع احلاجة والتحديات ليه بسبب ما مي،ضوئها بالعمل املبدع يف جماالم املختلفة

. يف هذه ااالتاملعاصرة

إن األسس واملقدمات اإلسالمية يف خمتلف ااالت والعلوم وفنون املعرفة إمنا متثل الرؤية اإلسالمية، وقاعدة العطاء والتمييز اإلسالمي، وال بد للمفكرين

ال بد للفكر حتدإىل بذلك ستجيبوااملسلمني من بناء هذه املقدمات واألسس، ولي .سالمي املعاصر من مواجهته بشجاعة وجديةاإل

والفكر املسلم إمنا يعين االلتزام بالغايات واملقاصد والقيم اإلسالمية املستمدة واملسلم يؤمن ويعتز ويشعر بقيمة هذه الرؤية . من مصدر الوحي والرسالة الربانية .واملفاهيم واملقاصد والقيم اإلسالمية

عناء نه يف جيعال، وتارخيه املتأخر،حلضاريولكن واقع العامل اإلسالمي ا ، وال يف واقع الدراسات والعلوم اإلسالمية،ال جيد يف الفكر اإلسالميفهو .وحرج

غناء حلاجته وحتدياته، بل لعله جيد يف حالة الفكر اإلسالمي احملدودة املتدهورة

ن

يت تثري

تصفى

ون

ف

ىت ميكن أن يطلع على النصوص التراثية

ه

بلوا

من

Page 183: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

183

ة يؤمن ا وال جيد هلا مصدرا ملزيد من احلرية واحلرج والتمزق، بني رؤية عامة غائمبديال، وبني مادة وفكر خمتلط مشوش جامد عاجز ال وسيلة له إال التقليد والتلفيق

.عالة على فكر اآلخرين وإنتاجهمعيش الو

،ينبغي على العلماء واملفكرين املسلمني أن ينظروا يف النصوص اإلسالميةدموا الصحيح منها شكال خاصة، وأن يقونصوص السنة النبوية املطهرة منها

عرف معه الدارس قيمة ما يقرأ ميسر التصنيف والضبط، يوموضوعا على أساس ،ومصداقيته، بعيدا عن اإلسرائيليات واملنحوالت، وكل ما دخل عليها من ضعف ،على غري شاكلة القرآن وروح اإلسالم وأداء الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم

الدراسات األكادميية وأحاجيها وحلقاا املفرغة، اليت جتعل ألغازوبعيدا عن أقرب إىل املواد - من غري أصحاب االختصاص الدقيق -النصوص أمام الدارسني

باك، وال تترك خلفها غري إحساس الزئبقية، تتفلت من اليد كما يتفلت املاء من الش .بالفشل والعجز وقلة الزاد

انب مشولية عرض النصوص وتصنيفها وضبطها إىل جومن املطلوب أيضا، عرض هذه تيسريوتنقيتها على أساس منهجي واضح الرواية والشكل واملوضوع،

النصوص، عن عهد الرسالة اليت نـزلت فيها النصوص بدراسات تارخيية موضوعية الرسالة نزولرافقتوالظروف املوضوعية واألوضاع االجتماعية واحلضارية اليت

.واستجابت هلا املمارسات األوىل، والنتائج اليت حققتها جهود الصدر األول

الوضوح والشمولية والضبط وفهم اخللفية التارخيية فيما خيص النصوص نصوص السنة وسرية الصدر األول لإلسالم، كلها وسائل ال ال سيمااإلسالمية، و

وقطع السبل على أخطاء ،دراك مقاصدها ومنجزاابد منها لفهم النصوص وإ .الفهم اجلزئي ومهاترات اجلهل العلمي

هذا التصنيف والتيسري والضبط خطوات ضرورية للوصول إىل إدراك األسس يف ضوء مواقعه ، وإىل انطالق العقل املسلم،وبناء املقدمات اإلسالمية يف كل جمال

ب

من املطلوب أيضا

س

ـزلت فيها

اصة

Page 184: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

184

إلبداع والبناء اإلسالمي احلضاري اخلير مبا حيقق إىل األداء وا،وإمكاناته وحتدياته .غايات رسالة اإلسالم

أن - وهذه حال املعرفة اإلسالمية والفكر اإلسالمي املعاصر -ليس لنا اليوم جهل وغبش جتربة اإلسالم، الصورة، بسبب نلوم املراقبني الذين ختتلط عليهم

ليئة باخلرافات واخلزعبالت ون بينها وبني جتارب الغرب الدينية املاوفيسوالشطحات، وما نتج عنها من كهانات وإساءات ومفاسد، بطشت بأصحاب

.العقول واحلقوق، فيسيئون الفهم وخيطئون األسباب ويضلون الطريق إىل النتائج

من غري أصحاب الصنعة -إن من يطلع من املثقفني املسلمني ومن سواهم كثري مما حتويه الكتب اليت تتداوهلا األيدي على - واالحتراف يف شؤون النصوص

وتتعامل مع النصوص؛ ال يعجب إذا مل جيد يف تلك الكتب الزاد املطلوب، وال .التوجيه املرغوب

يف عجز مجهور املتحمسني من املثقفني املسلمني عن العطاء إذنفال غرابة يلةرؤى والبدائل األصالعلمي والفكري اجلاد املبدع، وعدم قدرم على تقدمي ال

. األمة وإجناح دورها احلضاري املطلوبنقاذائدة الالزمة السترالإذا شئنا أن حنقق الشمولية اإلسالمية فيجب أن يبدأ العلماء واملفكرون

املثقفون املسلمون باإلعداد السليم لوضع املقدمات اإلسالمية العلمية املنهجية يف و ،نظر إىل ما يف أيدينا من علوم ومعارف نظرة فاحصةكل علم وجمال، وأن ن

قبل أن نتوقع جلهودنا الكمال ، وما فيه خري لإلنسان،نستصفي منها ما هو صحيح .والتفوق والعطاء األصيل الرائد إن شاء اهللا يضعون ، واتباعها من العلمانيني املسلمني،إن الدائرة العلمية الغربية املعاصرة

، األخرى يف ميزان واحد ومقولة واحدة؛ وهي أن األديان مجيعهااإلسالم واألديان يكون هلا عالقة بأنظمة احلياة واتمع وسياسات ال جيب أ،مبا فيها اإلسالم

تتعلق حبياة تسيريها، ألن هذه األديان إمنا هي فكر تارخيي، ومقوالت أسطورية، Formatted: Highlight

ب

ذلك

ة

دة

Page 185: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

185

.واملشاعر الشخصية والطقوس الكهنوتيةعابد امل، وجيب أن حتد هذه األديان بالعصر ملا قد يكون يف مادا وكتبها ،وإذا صدق هذا القول يف األديان األخرى

املقدسة وعقائدها من أسطورة وخرافة وختريف وحتريف يعكس صدق مآخذ .الناقدين العلمانيني ألحواهلا وفكرها؛ فإن ذلك ال ينطبق على دين اإلسالم

سلوب الذي يقدم به اإلسالميون قضيتهم ال يكفي ولكن من املهم أن األيز لقسر الدائرة العلمية املعاصرة على رؤية حقيقة اإلسالم، ومواضع اخلالف والتم

جمرد تأكيد اإلميان برسالة اإلسالم ومتيزه ومسوه ال إن .بينه وبني األديان األخرى .يكفي لتوضيح الرؤية وإشاعة القناعة بعطاء اإلسالم

الغاية السامية ميكن حتقيقها فقط باجلهد العلمي املنهجي يف بناء املعرفة هذه وضبطها ،اإلسالمية، ويف تنقية كتب النصوص وإعادة مادا يف مشولية ووضوح

تارخييا ولغويا لتيسري فهمها وفهم دالالا، حىت يتمكن الدارس من استخالص .ت العلم واملعرفة واحلياةاملقدمات العقيدية والفكرية، يف خمتلف جماال

مث إن طرح تلك النصوص واملقدمات للفحص والتجريب واملقارنة يزود يفرض ، فعاللتحويل الفكر إىل واقع علمي وحيايت حيالضرورية الدارس بالوسيلة

وجوده واحترامه على العقول والنظم االجتماعية واحلضارية، فيصبح األداء هو القول الفصل واحلجة - ةالعاطفو ةجمرد احلماس وليس -اإلسالمي املبدع

.البينة

ييكمحا يلم اكمعول إذا دسللروا لله وجيبتوا اسنآم ا الذينها أيي)1(.

نـزى ورشبة ومحرو دىهء ويانا لكل شيتب ابالكت كليا علنللملمنيس)2(.

.24: األنفال)1( .89: النحل)2(

وضع

ف

Page 186: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

186

اطلى صرويا عشي سمي نى أمدهه أهجلى وكبا عشي ممي نأفم .))1مستقيم

ين كلهلى الدع هظهرلي قدين الحى ودباله ولهسل رسالذي أر وه)2(.

نال ممقو نسأح نمو ني منقال إنالحا ومل صعا إلى الله وعدلمنيسالم)3(.

.22: امللك)1( .9: الصف)2( .33: فصلت)3(

Page 187: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

187

Page 188: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

188

الفصل الرابع

المنهـج اإلسالمي ومتطــــلــبات بناء عــــــلــوم

الحضارة اإلسالمية

Page 189: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

189

Page 190: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

190

املنهج اإلسالمي

وم احلضارة اإلسالميةومتطلبات بناء عل

يف هذا الفصل سنعرض لبعض الوجوه اهلامة الالزمة لتوفري املتطلبات األساسية جلهود بناء علوم احلضارة والعمران اإلسالمي، واملراحل واخلطوات اليت جيب

.أخذها يف االعتبار

إن املقصود بالعلوم هنا كافة وجوه العلم واملعرفة، وهي تتضمن خمتلف العلوم ملتعلقة باالجتماع اإلنساين، واليت تعرف اليوم باسم العلوم االجتماعية واإلنسانية، ا

كما يقصد ا أيضا العلوم التقنية كافة، وهي اليت تتعلق بوسائل احلياة واحلضارة .اإلنسانية، وتشمل مجيع العلوم الطبيعية والتطبيقية والتقنية

األصويل قد حوى أسس النظر يف وقد سبق أن أشرنا إىل أن املنهج اإلسالمياجلوانب احلياتية املختلفة، وانطوى بذلك على إرهاصات النظر وأسس البناء العلمي املنهجي يف ميادين الدراسات احلياتية، ولكن املؤسف أن املبادئ العامة يف املنهجية األصولية اإلسالمية املتعلقة بقضية االجتهاد والرأي، ومنطلقات النظر

مبادئ ؛ بقيت على حاهلا جمرد شريعةلي يف قضايا وأحوال اإلنسان على ضوء الالعقإن تلك اإلرهاصات والومضات . وأسس عامة، ومل تتطور لتصبح علوما حمددة

واملبادئ العامة مل تتوسع وتتبلور يف خطط منهجية، وأساليب وأنظمة ووسائل ااالت االجتماعية السيما احلياتية، وعلمية حمددة، تلتزم النظر العلمي يف ااالت

واإلنسانية، وما يتعلق ا من نـزعات النفوس وفطراا وطباعها، وما ينبين عليها متكن من تنظيم العلم من عالقات وأنظمة اجتماعية، ومن حلول وبدائل وإجراءاتن الواضح أنه مل إن م. واملعرفة مبا يتطلبه دور اخلالفة اإلسالمية من خربة ودراية

يعد من املناسب االكتفاء مبجموعة املبادئ العامة واألحكام الفقهية القانونية اليت ال

عرية

اصة

Page 191: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

191

توفر الثروة الفكرية العملية أو املادة الالزمة لبناء األنظمة واحللول والبدائل ،ن العقل املسلم من التجديد واإلبداع، ومن القياس العلمي وال متك،والسياسات .ديد الوسائل واإلمكانات واملسؤوليات لكل جمال حيايت مبا يناسبهومن حت

هذا القول إمنا هو تأكيد ملا سبق أن أشرنا إليه يف وجوب تأصيل الدراسات وتأصيل املنهجية اإلسالمية يف جمال العلوم الطبيعية ،والعلوم االجتماعية واإلنسانية

وتوفر لإلنسان املسلم معرفة مرشدة والتقنية، حبيث تتكامل مع العلوم النقلية، بداللة الوحي من جانب، ومؤهلة بقدرة عطاء النظر والعقل وسنن الفطرة من

.جانب آخر

يف هذا البحث أن خنطو بقضية تأصيل العلوم احلياتية يف الفكر وسنحاولاإلسالمي بعض اخلطوات، وأن نبحث يف أمر اخلطة املبدئية الالزمة إلسالمية هذه

.لعلوم ومتطلبااا

: تصنيف النصوص اإلسالمية-1

ت تيسرإسالمية املعرفة وإسالمية العلوم االجتماعية ال ميكن أن يتحققا إال إذا النصوص اإلسالمية بشكل جيد مبسط يعيه الدارسون املسلمون وحيسنون التعامل

.العلمي معه

قتضي، ليس فقط وسبق أن أشرنا إىل أن قضية تصنيف النصوص اإلسالمية تتنقيتها من الشوائب اليت حلقتها بسبب الدس والغايات إعادة تبويب املادة، ولكن

.أيضا والقصور اإلنساين يقتضي إعادة ، نصوص السنة النبوية املطهرةالسيماوتصنيف النصوص، و

؛ امعهل تعامل عامة العلماء واملثقفني تقدمي مناهجها وأساليبها على شكل يسهبعيدا عن الرموز والتقنيات واالهتمامات األكادميية اخلاصة بالعاملني تارخييا يف حقل السنة، وذلك حىت ميكن لعامة الدارسني واملثقفني التعامل معها واالنتفاع ا

هنا

ر

ضا

اصة

Page 192: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

192

.ومعرفة كيفية استخدامها، وإدراك مدى حجيتها

سن استخدامهاكما يقتضي فهم؛ النصوص اإلسالمية وحالدراسات توفري اليت تضع النص يف صورته الصحيحة، وتوضح خلفيته والشروح التارخيية واللغوية

ن الدارس من معرفة مقاصد النصوص وغاياا، وإدراك املبادئ واملفاهيم اليت متكوالقيم اليت تنطوي عليها عالقاا بالنفس واالجتماع اإلنساين، يف صور ومالبسات

. للظرف الزماين واملكاين الذي عاجلته النصوص وقت صدورهاحضارية مغايرة ذا النوع من التهيئة العلمية للنصوص اإلسالمية ميكن أن تتحول النصوص إىل صور حية واضحة املعىن والداللة واألثر، وال تبقى جمرد ومضات تارخيية متناثرة ال

أن تأيت هذه الدراسات بشكل كما جيب. ل واإلدراكثلتمتعني بالقدر الكايف على اعلمي منهجي موثق، حبيث ال ختتلط الشروح بالنصوص، وال توهم اجلزم يف أمر ال

ذا األسلوب . تتوافر له إمكانات اجلزم العلمية أو التارخيية أو اللغوية املوثوق امل وما ال يتوفر له إمكانية التوضيح الكا،العلمي تتضح خلفية النصوص ودالالا

، ولتاريخ الصدر األول،يترك لعمومية الفهم من الصورة الكربى للسرية النبوية .ومل غايات الرسالة اإلسالمية ومقاصدها

وال بد أن تصدر هذه النصوص املبوبة املوثقة عن هيئات علمية جادة قادرة، وقة على وعن علماء قادرين على أداء املهمة امللقاة على عواتقهم، حبيث تأيت موث

.الوجه العلمي املطلوب كما أن على العلماء والباحثني والدارسني أن يقفوا من مثل هذه الدراسات

والنقد واملالحقة واالستكمال، لتتوافر اجلديةالدراسةبتناوهلا وذلك بموقفا إجيابيا، . للنصوص اإلسالميةلألمة ا مراجع أساسية ميسرة

ية و هذه املهمة، من قبل الدوائر اإلسالمية العلمية، األولكما جيب إعطاءاملسارعة إىل استخدام التقنيات الالزمة إلجنازها، وإمداد الفكر اإلسالمي ا، و

احلديثة وتطوير وسائلها خلدمة أغراض إحصاء النصوص اإلسالمية وتصنيفها،

م

جدية

ب

Page 193: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

193

غاية االستفادة من جهد اآلباء دة بي كتب التراث اجلباإلضافة إىل إعادة فهرسة جلوجتارم، وتعميقا جلذور الفكر وهوية األمة باالطالع على فكر اآلباء واإلفادة من

.مثرة عقوهلم

واملعهد العاملي للفكر اإلسالمي يعترب هذه القضية يف الوقت احلاضر من بني يف هذا ني كافة املسلمإسهامأولوياته، ويعمل على اإلسهام يف إجنازها، ويأمل يف

.، أفرادا وهيئات، من أصحاب العناية واالختصاصالشأن

:مشولية الرؤية احلضارية -2

حني يديل املسلمون بدلوهم يف دائرة املعرفة االجتماعية، واإلسهام احلضاري ألن هلم يف العطاء احلضاري تارخيا ،يف هذا العصر، فإم ال ينطلقون من فراغ

- وقد سبقتهم األمم من حوهلم أشواطا بعيدة يف هذا اال-ا، كما أم ناصع .أصبحوا يرون هذا السباق احلضاري حتديا للوجود اإلسالمي يف هذا العصر

أخذوا يف التعرف على اجلهود احلضارية ، منذ تبينوا هذا التحدي،واملسلمون ولألسف .ن خلفها استدراك ما فاملوا ملألمم األخرى، وأقاموا العالقات اليت أم

فإم مل حيققوا كثريا مما كانوا يأملونه، فما زالت اهلوة احلضارية بينهم وبني سواهم على الرغم من ضخامة اجلهود والنفقات اليت أنفقوها ،من األمم تزداد وتتسع

.ة يف هذا العصروللمباراة يف سباق احلضارة والق

من جهود الترمجة العلمية واألدبية من أعمال ومن الواضح أن املزيد لن يغري كثريا من ،احلضارات األخرى، أو املزيد من البعثات واملعاهد واجلامعات

وال يبقى من سبب هلذه العلة . الصورة املؤسفة اليت يعيشها املسلمون يف هذا العصرئية وضعف روح إال ما آلت إليه العقلية اإلسالمية ومنهجيتها من املتابعة واجلز

.ةديق والعة النفسيةاملبادرة واضمحالل احلماسوباإلضافة إىل ما سبق اقتراحه من إصالحات منهجية للعقلية اإلسالمية فإن

ي

ون

ذا األمر

يد

ر

Page 194: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

194

املطلوب يف عالقة الفكر اإلسالمي بالفكر الغريب أن يوفر للعقل وللدارس املسلم قيمها وغاياا، دراسات مشولية للفكر واحلضارة املعاصرة وتارخيها، وجممل

العطاء والعالقة التكاملية والعضوية بني هذا التاريخ وتلك القيم والغاياتوبذلك ميكن ملثقفينا أن حيرروا أنفسهم من الضياع واالنبهار والذوبان . احلضاري

وإدراك ،التعامل املستقل مع ذلك الفكريف خضم عباب الفكر الغريب، ون الفكر اإلسالمي من االستفادة من الطريق الذي ميكخصوصياته، فذلك هو

عليهاهو جتارب األمم األخرى دون انتهاك لألسس واملعطيات املتميزة اليت يقوم .ومتكنه من القدرة والعطاء

من املهم هنا أن منيز بني االنبهار احلضاري والفكري، وما حيمله من مسات د األعمى، وبني االنتقاء واالقتباس الفكري واحلضاري التسيب واخلمول والتقلي

مسألة العقيدة وقضية اهلوية ال تكونففي حالة االنتقاء الواعي . الواعي النافع موضع مساومة وال اون وال جتاوز، وإمنا هي واملنطلقات والغايات والكليات

احلضارية والعلمية من املكونات والوسائل ما هو مفيد قضية اختيار وانتقاء . ، لكي يوضع يف موضعه الصحيح من مقتضيات حاجات األمة احلضاريةاملتوافرة

فهو بذلك ميثل انفتاحا مدروسا منضبطا، وهذا هو حال كل تالقح واتصال . حضاري ناجح بني األمم على مر التاريخ

عليه وآله وسلم هذا املنهج هو ما نلمسه يف أسلوب توجيه الرسول صلى اهللاوهو األسلوب . ألصحابه وجمتمعه يف لقائهم الفكري واحلضاري مع أهل الكتاب

يف اتصاهلا باألمة - ومنها أمم الغرب -الذي أخذت به األمم النامية كافة اإلسالمية وحضارا السالفة، وبذلك مل تغري أمم الغرب هويتها وال عقائدها وال

وقاومته بكل أساليب ،دي إسالميومت أي تأثري عقتوجهاا األساسية، بل قاعن اختالق األكاذيب على اإلسالم الدعاية واملناعة والرقابة، حىت مل تتورع

وهذا املنوال يف التلقي . - مؤسساا الكنسية والسيما - ورسوله ورجاله

ذلك

كنهم

فكر اإلسالمي

ن

يست

دا هو مفي

-خاصة مؤسساا الكنسية

Page 195: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

195

مم واتمعات املتطورة ت األقحااحلضاري بني األمم هو ما نلحظه على تال يضعون اخلطط ، فنراهمحىت أمم الغرباحلديثة، مثل اليابان والصني وروسيا، بل

حلماية أممهم وآرائهم ، بشكل مباشر وغري مباشر،والسياسات والسدود واحلواجزرغم إقباهلم الشديد على االنتقاء من واحلفاظ على نقائها، ،دية والفكريةالعق يالئم حاجام وأحوال أممهم كانات األمم األجنبية، وإجنازاا احلضارية، مماإم

.ومؤسسام وأنظمتهم

واالنفتاح املنضبط ، ولذلك فالفهم الشمويل الصحيح للحضارة املعاصرة الفهم هو الذي ميكن من للتبادل احلضاري الصحيح، ألنان ضروريان أمر،جتاهها

ة العلمية والفنية الصحيحة، دون مساس بالقيم والعقائد واملبادئ االنتقاء واالستفاد على دعمها وإمدادها - مبا ميد به األمة من قوة وقدرة - بل يعمل ،واهلوية

.بالوسائل الصحيحة لتحقيق غاياا ومقاصدها

وهلذا جيب احلذر من فهم االنفتاح واالقتباس احلضاري على أنه دعوة إىل خوف من تأثريهاب املطلق، أو أنه ذوبان ومتابعة ال حدود هلا، وال االنفتاح والتسي

على كيان األمة ومقومات وجودها، فليست تلك دروس التاريخ وال واقع عالقات .األمم

إن املقصود بالتالقح احلضاري الصحيح، واالستفادة احلضارية القومية مما ل واع خبري مستقل، ميثل تعامل األنداد حققته األمم من إجنازات، هو انفتاح وتعام .واألسياد ال تعامل التابعني والعالة القاصرين

وقد بدأ املعهد العاملي للفكر اإلسالمي هذا الشوط، ال مبزيد من الترمجة بدراسات كلية لألعمال احلضارية األجنبية، ولكن مبحاولة تزويد العقل املسلم

لحضارة الغربية وجذورها، حىت ميكنه فهم هذه للعلوم االجتماعية الغربية، ول وأرجو أن يتم إجناز هذه الدراسات يف ،احلضارة والتعامل الواعي املستقل معها

كتاب مشويل عن احلضارة الغربية وأصوهلا ومقاصدها ومسريا وخصوصياا

قا

كيف

ى

ال

هذا

ري هلا

Page 196: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

196

ومنجزاا ووجوه القوة والقصور فيها، فيسد املعهد بذلك بابا من أبواب قصور .الفكر اإلسالمي املعاصر، ويتالىف عجزا منهجيا يف هذا الفكر، إن شاء اهللا

تعاون املفكرين املسلمني معه يف إجناز ، إىل يف هذا اال، املعهد أيضاتطلعويهذا املشروع اهلام، وتوفري الطاقات واإلمكانات الالزمة إلجنازه وإخراجه إىل حيز

.الوجود

:وم االجتماعية مقدمات العل-3

االجتماعية واإلنسانية هو النظر املنهجي يف الطبائع املقصود بالعلومألن والعالقات للنفوس والكائنات، ملعرفة الواقع واإلمكانات والتحديات اليت تواجه األمة، ولبلوغ االجتهادات الفكرية اليت تفرز األنظمة والتصورات واإلجراءات

دائل اإلسالمية الالزمة حلياة األمة؛ فكيف يكون الربط بني الرسالة والسياسات والب وبني هذه ااالت االجتماعية ، وما تتضمنه من غايات ومقاصد،الوحي وأ

دف النظر والتدقيق واالستقراء ومعرفة الفطرة واحلقيقة ،وعلومها ومناهجها وأحكامه؟ يف ضوء غايات الوحي ومقاصده ،والواقع واملمكن واملرغوب

يبدأ أوال بتصنيف املقدمات واألسس اإلسالمية يف أسلوب الربط يبدو لنا أنح غايتها ومقاصدها، وإال أصبحت هذه ي إطارها، وتوضبتحديدهذه ااالت،

هها وغاياا الدراسات والعلوم جمرد أرقام وجداول وتأمالت وحتليالت تأخذ توج .الم، وعن غري غاية األمة، وعن غري قناعاا األساسيةعن غري اإلس

ات م األول منها هو مقد:واملقدمات اإلسالمية املطلوبة للعلوم هي من نوعنيعامة تتعلق باملبادئ العامة لإلسالم ومقاصده الرئيسية يف احلياة واألنظمة اإلنسانية،

ساسية، ومصادر ذلك الفكر كما تتعلق بإطار الفكر اإلسالمي املنهجي وعالقاته األ لتحقيق وطبيعة تلك املصادر والوسائل وما بينها من تكامل وتعاون،ووسائله

وهو نوع من املقدمات حيدد القيم األساسية واألولويات والعطاء . املقاصد والغايات

ل

يف

ملا كان

سلوب الربط

ي حيدد

س

Page 197: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

197

اإلسالمي، كما حيدد األسس واملنطلقات والوسائل املنهجية األساسية اليت جيب .ا ومراعاا يف توجيه اجلهد العلمي اإلسالمي ومتابعته وتقدير آثارهالوعي

:والنوع الثاين من املقدمات اإلسالمية يف جمال العمل العلمي احليايت يتناول

املقدمات واألسس لكل علم وكل جمال من جماالت املعرفة والعلوم -1 .االجتماعية وغري االجتماعية

الفطرة والواقع واإلمكانات والعالقات مما خيص ما تنطوي عليه من أحوال-2 .كل جمال بعينه

نطوي عليه من مقاصد وقيم وتوجيهات وضوابط منهجية إسالمية ت ما -3 .خاصة يتميز ا ذلك اال

مناقشة اال العلمي املقصود يف ضوء هذه املبادئ واملقاصد والقيم -4 .الميةواألسس والضوابط والوسائل املنهجية اإلس

معامل العلم وقضاياه الرئيسة اليت توضح الرؤية اإلسالمية يف جماله مقارنة -5بالرؤى والغايات والعطاءات غري اإلسالمية واآلثار االجتماعية واإلنسانية املترتبة

.عليها يف كل األحوال

وإن كانت تستند يف جذورها ومنطلقاا إىل ،وهذه املقدمات واألسس ، والتاريخ اإلسالمي والرؤية اإلسالمية وغاياا ومقاصدها العامةنصوص الرسالة رؤى واجتهادات متثل النظر العقلي واالستجابة اإلسالمية ألوجه فإا على أية حال

، يف جزء كبري منها،ولذلك فهي. التحدي احلضاري وظروفه الزمانية واملكانيةخيضع للمناقشة والنقد والزيادة والنقص والتصحيح، يف فكر إسالمي حي منظور،

ضوء النظر املتجدد يف الوحي ودالالته، ويف الواقع ومتغرياته، ويف الفطرة وأسرارها واالستجابة ،وطاقات استجاباا، بقصد التصدي للتحديات، وحتقيق اإلمكانات

ي

نها على كل األحوال هيك

Page 198: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

198

.للحاجات فإن هذه املقدمات ،ات ورسوخ النظر اإلسالمي وتوفر املعلوم،ومبضي الزمن

سوف تنضج، وسوف ختتلط حلمتها بكيان العلوم واملعارف واهتماماا، وتترك أثرها ونوعية عطائها يف كل جانب من جوانبها، وكل أولوية من أولوياا، شكال وموضوعا وكما وكيفا، فتتضح مثرة العلوم االجتماعية وغري االجتماعية من

تميز التناول اإلسالمي، يف رؤيته وعطائه يف هذه ااالت، منظورها اإلسالمي، ويوتترك املشاركة اإلسالمية آثارها احلضارية واإلعمارية اخلرية بارزة على وجه

.املسرية احلضارية اإلنسانية بإذن اهللا

التغيري املنهجي احلضاري ني من إحداثمسلمللمن املهم أن ندرك أنه ال بد من جزئيته ووصفيته، ومن آثار معاركه إخراجهلوب يف الفكر اإلسالمي، واملط

السياسية السالفة العتيقة، اليت شوهت إطاره، وغبشت رؤيته، وأقعدت منطلقاته، وما ينطوي عليه من طاقات الفطرات ،طاقاته على ربط الواقع احليايت تحدو

اإلسالمية، وحتريك اإلسالم والقيم وتفاعالته بالقيم واملقاصد،واإلمكاناتاإلسالمية حية يف الواقع اإلنساين، والقضاء بذلك على االنفصام الفكري

مخد احلس احلضاري والبعد اجلماعي يف مكونات الذي أوالسياسي يف كيان األمة، . كيان األمةالشخصية اإلسالمية و

خلروج بالفكر اإلسالمي إىل منطلقات وال بد أن يتمكن املسلمون من ادية واضحة التوجهات واألولويات، وفتح باب منهجية سليمة متكاملة، ورؤية عق

االجتهاد احليايت والعلمي واالجتماعي واسعا أمام الرهبة والتهيب والعجز والقصور بناء وانعدام حس املبادأة يف نفوس أبناء األمة وفكرهم، وأسلوب تربية أبنائهم ، و

ما مل يتمكن املسلمون من ذلك فإن حال األمة سيستمر يف و. مؤسسام وأنظمتهمالتدهور، ومعاناة املسلمني وشعوم سوف تزداد وتتعاظم، ولن يكون حظ اجلهود

Formatted: Highlight وهذه هي خامة العقلية والشخصية اإلسالمية -اإلسالمية واحلركات اإلسالمية

ن أن حيدث ال

ن

رجوه

ىت

األمةان كيان

Page 199: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

199

ومن احلركات اإلسالمية اليت من اجلهود أقل تعثرا وفشال- والعطاء اإلسالمي .سبقتها على مر التاريخ اإلسالمي املتأخر

إن دراستنا لبعض احلركات اإلسالمية املتأخرة اليت نشأت يف صحارى العامل أن، وهو سبب نشأا وجناحها املبدئي يف تلك الصحارى توضح لنا؛اإلسالمييت ظهر فيها اإلسالم من منحاها املادي والوصفي، بالرغم من تشبه البيئة البيئتها

عجزها وعجز األمة الفكري عن إحداث النقلة الفكرية واملنهجية احلضارية ذات اجلوهرية التقليدية واملنهجية ،ولذلك مل يكن للحركات اإلسالمية. املطلوبة

إال أن ،احلضاريةاجلزئية والفهم الوصفي التارخيي لإلسالم ومؤسساته ومنطلقاته حىت بعد أن - تقوم يف صحارى العامل اإلسالمي، وكان ال بد أن ينتهي األمر ا

إىل الفشل - يف الوصول إىل احلكم ، يف بيئاا البسيطة الصحراوية احمللية،جنحتوالذوبان حني بلغ مد فكرها وسلطاا إىل حواضر العامل اإلسالمي وعالقاته

حيث أرغمت على املواجهة، فواجهت حتديات العصر وهي غري احلضارية املتغرية،مؤهلة منهجيا ملواجهتها، فازمت فكريا وحضاريا قبل أن تنطوي صفحة وجودها

.سياسيا وعسكريا

وبذلك تعاقبت احلركات والدول اإلسالمية وهي غري مؤهلة منهجيا اقاته، ولتفشل يف استنقاذ األمة وحضاريا لتغيري وجهة العامل اإلسالمي وجتديد ط

ولعل دراسة جتارب . وإحداث النقلة املطلوبة للوجود اإلسالمي يف عامل اليوم ميكن أن ؛السنوسي واملهدي وشاه ويل اهللا وغريهم: حركات رجال مثل األئمة

.تكون مفيدة يف ضوء هذا التحليل

مية عليها إجراء ولكي تنجح احلركات اإلسالمية املعاصرة يف احلواضر اإلسالجتديد جذري يف منهج الفكر اإلسالمي ورؤيته احلضارية، حىت ال تنتهي جهود

دية عاطفية حبتة غري قادرة على إحداث األمة وجهادها إىل أن تصبح جهودا عق

إلسالمية،

ن

Page 200: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

200

املنهج الفكري والتغيري احلضاري املطلوب ملنازلة التحديات وجلالء اهلوية وتصحيح وناشئتها، وإعادة بناء املنطلقات واملعارف واملؤسسات البناء النفسي لألمة

.احلضارية واالجتماعية اإلسالميةدون التغيري يف املنهج ستظل جهود البناء جهودا عاطفية ضائعة، ال جتدي بو

وإهدارا ال ينقطع للموارد ،وال تثمر، وإمنا متثل استنـزافا مستمرا للطاقة آخذةية القائمة بني األمة وسواها من األمم املتقدمةوالقدرات، وتظل اهلوة احلضار رقعة بعد أخرى، وموردا إثر مورد، وشعبا إثر ، األمةئريف االتساع، وتستمر خسا

باألسباب الصحيحة للعمل واألداء شعب، وكارثة إثر أخرى، إىل أن تأخذ .والعطاء والتصدي والتحديات

درك أمهية قضية املنهج واإلصالح الفكري لعلنا بعد كل هذا التوضيح ن .وإحداث النقلة احلضارية املطلوبة يف فكر األمة وعقلية أبنائها صاحلنا ليس يف زمنومن املهم أن ندرك بأمانة ووعي أن املعاناة تزداد، وأن ال

من بناء فكري على ما حنن عليهإن بقينا - ناأرض ديننا وتارخينا واترغم ثرو - . قاصرونفسي وحضاري معوج

أمر ليس ، ومواجهة القصور يف تكوينها وأدائها،إن األمانة يف نقد الذاتباليسري، بل هو أمر مؤمل مر، ولكن ليس لنا منه مفر، وال بد لنا من النصح ألنفسنا

عواطفنا والتغلب على انفعاالت ،ر الذي جيعلنا قادرين على معرفة احلقيقةإىل القد ومغريات عجزنا، حىت نستطيع أن ، وكبر نفوسنا،وأوهام دعاوى قدراتنا وإجنازاتنا

را مصلحا يف نفيد من تراث ماضينا ودروسه خلري مستقبلنا، خالفة ووجودا خي . األرضعلى هذهاألرض، كما قضت إرادة احلق عز وجل يف خلق اإلنسان

املنهجية اإلسالمية، وما يتعلق ا من واسترساال يف هذه املعاجلة لقضايا من املناسب يف من منظور إسالمي، فإن،املقدمات واألسس العامة للعلوم املختلفة

هذا البحث أن نبدأ مبناقشة بعض أسس هذه املقدمات اليت متيز الرؤية اإلسالمية

ألمة

ؤمن

انبها

بقينا

الد

Page 201: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

201

كون عن سواها من الرؤى احلضارية املعاصرة، واليت تبعث بوادر األمل يف أن يم ويقو، يسد نقصا ملموسا،العطاء العلمي لألمة اإلسالمية عطاء أصيال ومميزا

مسرية منحرفة، ويدفع أخطارا متفاقمة تكاد تودي باإلنسان والوجود اإلنساين يف إلنسان ا، وال لهذا الكون، وتنذر بشرور مستطرية وصراعات مدمرة ال قبل

.اراقدرة له على التحكم يف تفج

ومشولية املفهوم اإلسالمي للطبيعة والفطرة البشرية، وإحاطته باجلوانب املختلفة هلذه الطبيعة، هو الذي جيعل املنظور اإلسالمي منظورا علميا متميزا متكامال، يقدم قاعدة أصيلة سليمة للنظر والدراسة والتحليل يف جمال العلوم احلياتية واالجتماعية،

.يف عطاء إبداعي أصيلويبعث األمل

وسوف يتركز حديثنا يف هذه املقدمات على مناقشة املقدمة املنهجية اإلسالمية قاعدة ومرتكزا لالنطالق يف آفاق منهج اإلسالم، وهي تدور حول القضايا ،اهلامة :التالية .وحدة كلية وتعدد متكامل: أبعاد الوجود اإلنساين اإلسالمي-أ .نظام الكون واحلياة الغاية والقصد يف -ب موضوعية احلق واحلقيقة يف طبائع النفوس والعالقات االجتماعية -ج .اإلنسانية

وحدة كلية وتعدد متكامل: أبعاد الوجود اإلنساين اإلسالمي-أ

وكيان الوجود اإلنساين يف املنظور اإلسالمي يتميز بالتعدد املتكامل يف وحدةثل فرضية منهجية هامة تترك آثارا بعيدة مت املنطلق أووهذه املقولة . إنساين موحد

وفهم اإلنسان ، وعلى فهم اإلنسان عامة،املدى على الدراسات السلوكية لإلنسان .املسلم ونفسيته وطريقة أدائه بشكل خاص

، أو يرتكز إىل حد كبري،صر كل واحد منهاتيق) واأليديولوجيات(فاألديان

هذا

Page 202: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

202

على آماد همل ما عدا ذلك يب الوجود اإلنساين، وعلى جانب أو آخر من جوانورغم النجاحات اليت حتققها هذه األديان واأليديولوجيات، يظل اإلنسان . متفاوتة

من الصراع الداخلي واخلارجي، ال تنقطع يف ظلها قلقا متوترا يعيش حلقات .ال سبيوال تعرف هذه األيديولوجيات إىل حلهالفردي واجلماعي،

ه وتؤل،فاملادية الفردية الغربية تعتمد وترتكز على احلواس واللذات والرغباتوفرة من و، ورغم كل ما حتققه حضارة الغرب من جناحات.اهلوى والشهوات

،امللذات املادية، فإن الفرد يف ظلها ما يزال يف عناء وصراعات نفسية واجتماعيةاره، وتعجز الدراسات والعيادات عن وفراغ روحي تتفاقم الشكوى منه ومن آث

.مواجهته

وكذلك املادية اجلماعية االستبدادية املاركسية، فإا تعتمد وترتكز على وجتعل من السعي إىل توفريها وحترير اإلنسان من ،احلاجات املادية واالقتصادية

هذه ومع ذلك مل يصبح اإلنسان يف ظل.احلاجة إليها غاية وجوده وسعيه يف احلياة كما ، وفشلت،أفضل حاال وال أقل قلقا أو توترا من نده الغريب) األيديولوجيات(

يف حتقيق السالم النفسي واالجتماعي لألفراد ،الغربية) األيديولوجية(فشلت .واتمعات اليت تسودها وتسيطر على مقدراا

اين حبواسه اليت تزدري احلياة والكيان اإلنس،أما ديانات الشرق األقصىفة، وتطلب امتهان اجلسد ا هو أشد من املسيحية احملرمبورغباته وحاجاته،

إىل األشواق الروحانية، مبكرا وسعيا ،ومتطلباته املادية طريقا للخالص الروحيتباعها إىل ما بلغوه من ختلف وبؤس يف حال نفوسهم وجمتمعام، مما أفإا تنتهي ب

اليت يعيشوا، إىل تبين ةالصني، طلبا للخالص من املعانا ك،دفع بعض شعومإن هذا يكشف لكل متأمل متدبر . األيديولوجيات املادية واألنظمة االستبدادية

قصور هذه األديان، ويفسر انصراف النفوس عنها وعن احلياة البائسة الشوهاء اليت

Formatted: Highlight

Formatted: Highlight

ى

ت

تنقطع

ت

Page 203: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

203

.تابعون لغاياا ومناهجهاامليتردى فيها ا تقرره نصوص الوحي احملكم، يتميز بأنه يتعامل مع اإلنسان كم،واإلسالم

كما أراد اهللا له، فطرة وكيانا وحاجات، فهو يعترف لإلنسان بغرائزه ورغباته اءة إذا أحسن استخدامها فهي نعمة أنعمها اهللا عليه، هلا غاياا البن ويقرها،وملذاته

.جتديدا للطاقة واحلياة لذة ومجاال و،هاوأحسن توجيهها لتؤدي مهام ويعتربها وسيلة للوجود ،واإلسالم يعترف لإلنسان حباجاته املادية واالقتصادية

.ولألداء واإلبداع، وإلقامة احلق والعدل والرب يف احلياة واتمعات

واإلسالم ال يهبط باإلنسان إىل درك املتاع واملادية، وال ميتهنه ويسحقه أشواقا مادة ،دي الفطرة السليمةكما و كما يقرر اإلسالم، فاإلنسان.وتطلعات روحية

وروح، وهو وجود أرضي وغاية سامية، وهو كيان مادي له غاية ربانية وبعد من الشكليإمنا هي يف حياة اإلنسان ماد وإجنازأداءو وغايةأبدي، فكل فعلي لتحقيق الغايات الروحية السامية، اليت ا حيقق التعبري املاد إا، منظور اإلسالم

.معىن وجوده، وا جيتاز امتحان إرادته يف هذه احلياة

ع وترغب، وكيان نـزفاإلنسان يف نظر اإلسالم كيان ووجود ومادة تووجود حيتاج ويسعى ويطلب العيش والبقاء، ولكنه أيضا روح وغاية وإرادة

. اخلري واإلصالحتسعى إىل السمو الروحي وقصد

إمنا هو ، وكل ما يعرف بالعبادات يف اإلسالم، فحىت الذكر والشعائر،ولذلك ، فوائد ملموسة يف حياته ويف نظامه، إىل جانب فوائده الروحية،هني يسري حيقق

كالنظافة يف الوضوء، والنظام يف الصالة، والصرب واجللد يف الصيام، والبذل يف يئة النفس لفعل اخلري، وأداء األمانة، مجيعاحلج، والغاية منهاالزكاة، واملساواة يف ا

:والقيام مبقتضيات اخلالفة، والسعي يف األرض باإلصالح واإلعمار

اءشن الفحى عهنيى وباء ذي القرإيتان وساإلحل ودبالع رأمي إن الله

ن منظور اإلسالم

Page 204: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

204

.))1يعظكم لعلكم تذكرونوالمنكر والبغي

ينبالد كذبالذي ي تأيأر ،تيمالي عدالذي ي ام ، فذلكلى طعع ضحال يو .))2المسكني

عجرت كمبإلى ر ا ثمهلياء فعأس نمفسه والحا فلنمل صع نونم)3(.

المع نسأح كمأي كملوباة لييالحو توالم لقالذي خ)4(.

هررا يية خل مثقال ذرمعي نفم ، هررا ية شل مثقال ذرمعي نمو)5(.

.)6(»والكلمة الطيبة صدقة«

»7(»ضع أحدكم صدقةويف ب(.

.)8(»مرأة دخلت النار يف هرة ربطتهاوا«

.)9(» له فعفر لهورجل سقى كلبا اشتد به العطش فشكر اهللا«

.)10(» أجر رطبةويف كل كبد«

ته وشخصيته، ا تتعدد جوانب وجوده وحاجفاإلنسان يف التصور اإلسالمي اليت ال تنفصم لروحيةكيان واحد متكامل له أبعاده املادية وانفسه الوقت يفولكنه

.90: النحل)1( .3-1: املاعون)2( .15: اجلاثية)3( .2: ك املل)4( .8-7: الزلزلة)5( . رواه الطرباين بنحوه)6( . رواه البخاري)7( . رواه مسلم وأمحد)8( . رواه البخاري)9( رواه البخاري)10(

حني

نه

فس

Page 205: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

205

وال جمال لتحقيق سعادته وتوازنه يف هذه الدنيا إذا أمهل أي جانب ،وال تتعارض .من هذه اجلوانب أو أسيء استخدامه

.وذا التصور فإن حلياة اإلنسان الدنيوية احملدودة املوقوتة بعدا أبديا واسعاالوجود، وحياة اإلنسان إمنا وجدت يف هذا فاحلياة هلا ما بعدها، واملوت ليس اية

الكون لغاية وقصد، وإرادته يف هذه احلياة هي موضع اختبار وابتالء، وما بعد املوت ليس إال حمصلة لنوعية الوجود الدنيوي، وموقع اإلنسان يف األبدية واحلياة

نيااألخرى إمنا تقرره نوعية حياته وغايته ومعدن إرادته يف هذه احلياة الد.

ويعكس حقيقة تركيبتها ةوهذا التصور للحياة هو الذي يناسب احلياة اإلنساني اقتصرتومسريا وكيان الفطرة فيها، فال توازن وال استقرار وال سالم نفسيا إذا

صبح بذلك حيوانا سائما يشقى ي ل،األطماع والشهوات الدنيويةعلى حياة اإلنسان ال يعلم على وجه احلقيقة كيف جاءت، وال يعلم وحياة ال تبقى، للحفاظ على

يدرك أا تأيت وأا تذهب، إنه . أين تذهب وال كيف تنتهيملاذا جاءت، والولكن عقله احملدود املكدود ال يستطيع على وجه اليقني أن يعلم الغاية اليت تسعى

.إليها، واملقصد الذي تقصده يف وجودها

بكل ما يعتورها من أحداث وآفات ،واحلياة اإلنسانية الدنيوية الفرديةوتقلبات وابتالء باخلري والشر واليسر والعسر، ال ميكن أن ترضى وأن تقتنع وأن

وإال فأي . تستقر إذا مل يكن هلا بعد فيما وراءها، يصحح ويعدل ويثيب ويعاقبيوان ال شك أفضل وأسعد، إذ ليس للحيوان ستكون حياة احل! حياة إنسانية هي؟ .فتقد ما معاين العدل واإلنصاف يف هذه احلياةإدراك وال ضمري ي

إن التصور اإلسالمي للبعد األخروي للحياة اإلنسانية تصور هام يف توازا ويف إرساء دعائم اخلري واحلق والسعادة النفسية، ويف مقاومة الظلم واجلور

.والفساد

حتقق

ال

ت

علم

وهو

هذه األرضعلى

ت

Page 206: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

206

االختالل وااللتواء والتدهور واملعاناة اليت تنال الشخصية إنه ال يصعب فهم إذا أصاب فكره أو ؛والسلوك والصحة النفسية واالجتماعية للفرد واتمع املسلم

سلوكه وكيانه ما يؤثر على تصوره هلذا البعد الروحي األخروي وعالقته به ومآله .عند بلوغه

نه عميق له آثاره النفسية واملادية هذا البعد األخروي ليس قضية ثانوية، ولك .احلضارية على الفرد واتمع املسلم

ال يرى تعارضا بني البعد ،مفهوم الوحدة يف كيان اإلنسانظل يف ،واإلسالمالفردي يف حياته والبعد اجلماعي، فكالمها حقيقة يف كيانه وحاجته، وكل له دوره

فاجلماعة اإلنسانية معىن .دية ومعنوية يف حياته حقيقة ماوهيوأبعاده وآثاره، وال وجود هلا إال بأفرادها، كما أن الفرد ال وجود وال بقاء له إال باجلماعة ،ومادة

نتيجة هلذين البعدين، واإلنسان هو والوجود اإلنساين مادي ومعنوي .اإلنسانيةة ومن عقل من فطرفيه وجود متميز ذه املميزات اليت هي مثرة ملا أودعه اهللا

فمن خالل . وما جبله عليه من حمدودية وضعف وحاجات،وإدراك وضمري وإرادةرعاية اجلماعة اإلنسانية حلاجات الفرد املادية واملعنوية، ومبا تقدمه من تعاليم وتدريب ورعاية، ينمو الفرد وحيصل على حاجاته ومقومات وجوده واستمراره،

فردا ، بإرادته وضمريه ومسؤوليته، ذلك يبقىوجيين مثار جهده، ولكنه بعد كل ونوعية هذا ،يتحمل وحده وتتحمل إرادته ويتحمل ضمريه مسؤولية وجوده

ولذلك فإن املفهوم اإلسالمي ليس .الوجود، وأثر هذا الوجود يف احلياة واتمع وحاجات هلا ترتيباا ،مفهوم صراع، ولكنه مفهوم فطرة هلا كياا ومقوماا

لذين وأحكامها لتستقيم احلياة ا على اخلري واإلصالح ضد االحنراف والفساد، ال والقضاء عليه، كلما أصاب أي جانب من جوانب ا ودرء آثارمهماجتب مقاومته

احلياة اإلنسانية من منطلق الوحدة والتكامل؛ ال يعىن قبول الظلم أو اجلور أو كن يعين بناء احلياة على أسس اخلالفة واخلري الفساد يف نظام احلياة االجتماعية، ول

Formatted: Highlight

Formatted: Highlight

ي

ة املسلمة الصحيحة كلها رضا ورضوان حليا فحياة ،حدا وتكاملها وبعدها األخروي

ل جوانبها هلا غاية خرية، ومعاناته هلا بعد خريجهها، وجهده قط لن يضيع، صربا وشكرا يف

ه وحكمته، وذلك يف اآلخرة، ثقة باهللا وبعدلمسرية احلياة ومواجهة عنائها وبالئها وامتحاا،كرة قانعة عاملة على كل األحوال، وما ذلكية هلا جوانبها املتكاملة ذات الغاية اخلرية كما

¶.ويا مأموال

Page 207: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

207

والعدل، كما يعين بالضرورة وجوب درء الفساد ومقاومة االحنراف والتصدي .هلما

إن ما جيب مالحظته يف أمور التقومي ومقاومة الفساد هو التفرقة بني ما هو أمر أيا إهلي كلي صريح حمكم، وما هو رأي وتفسري واجتهاد، فما كان تفسريا ور

ترجع بشأنه إىل مجهور األمة ، وضوابط النظام العام،واجتهادا فمرد القرار فيه وفق ما يقتضيه نظامها السياسي ، وأهل احلل والعقد فيهاوأهل القرار فيها

والتشريعي، وتدل عليه مقاصد الشريعة، وذلك كأي أمر آخر من أمور سياسة عية، حيث ال يصح البت فيها إال وفق قرارات األمة ونظامها العام وأفعاهلا اجلما

وبالوسائل واإلجراءات السياسية املناسبة اليت تلم بأبعاد القضايا ،شورى األمة وتشاور بشكل شامل ناضج حكيم ، وتبدي الرأي، وتدبر األمر،املطروحة وآثارها

. وحمل ملتابعتها ودعمها ومساندا،معرب عن قناعة األمة

:صد من نظام الكون واحلياة الغاية والق-ب

سبق أن حتدثنا يف منطلقات املنهجية اإلسالمية عن غائية الوجود كمنطلق من العلم همنطلقات تلك املنهجية، يهدي جهود البحث العلمي اإلسالمي يف وجو

واملعرفة كافة، ويكون فرضية أساسية من فرضيات تلك املنهجية ومكونات العقلية كن محاية النظر العلمي اإلسالمي من خداع النظر وقصور اإلسالمية، حبيث مي

يسري باجتاه غاية احلياة وبناء ، دائما بصريا بالفطرةاملعلومة واحنراف التوجه، فيكوننظام الكون يف اخلري واإلصالح واإلعمار، ال جمال فيه للفساد واالحنراف والشذوذ

.د والضاللواخلرافة والكفر واإلحلاكانحباطال سذا به لقتا خا منبر)1(.

: موضوعية احلق واحلقيقة يف طبائع النفوس والعالقات االجتماعية اإلنسانية-ج

.191: آل عمران)1(

نظر العلمي اإلسالمي

Page 208: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

208

يف التوحيد واإلميان باهللا وبغائية ،والفكر اإلسالمي مبنطلقاته ومفاهيمه املنهجينظره العلمي يف أي حقل من حقول املعرفة يلتزم مقدمة أساسية يف ،الوجود اخلرية

والصواب ،ن بأن احلق واحلقيقةوالعلم، وهذه املقدمة األساسية العامة هي التيق واخلري والشر، حقائق موضوعية جيب معرفتها والسعي إىل إدراكها يف ،واخلطأ

ضوء ما أودع اهللا اخلالئق والكائنات من طبائع وسنن وفطرات، وحسبما أوحى وأرشد إليه من غايات ومن معايري نـزلت ا الرساالت ، به إىل اإلنساناهللا

.وأرسل ا الرسل

ومن هذا املنطلق فالعقل املسلم عقل علمي يسعى للمعرفة على شروطها وحسب معطياا املوضوعية، ال على أساس من األهواء والنـزوات والضالالت،

.فال يضيع له جهد وال يضل به طريق

لوفيهنو نمو ضاألرو اتاومت السدلفس ماءهوأه قالح عبات )1(.

الله من دىر هيبغ اهوه عبن اتل ممأض نمو)2(.

لى علمع الله لهأضو اهوه هذ إلهخن اتم تأيأفر)3(. جزئيات البحث يف العلوم الطبيعية والتقنية جترب العقل املادي وإذا كانت

هذا فإناملعاصر على التزام بعض جوانب العلمية واملوضوعية يف ميدان هذه العلوم، العقل قد يضل يف ميدان العلوم اإلنسانية االجتماعية، ويتحول يف كثري من األحيان

عن احلق املوضوعي يف كيان املوضوعية وال ال يبحث عن احلقيقة إىل شيطان مريداإلنسان وفطرته وعالقاته وغاياته ونظامه االجتماعي، وما يقتضيه احلق وتقتضيه

ولكنه ينطلق من منطلق اهلوى والنـزوة، ،احلقيقة املوضوعية يف هذا الوجودافات ويضل، ويسعى لتربير االحنرسوغوجهل الغاية واملقصد، لينظر وينتقي وي

.71: املؤمنون)1( .50: القصص)2( .23: اجلاثية)3(

ال أن

د

ر

Page 209: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

209

فنرى كل يوم مدارس تقوم ومدارس تسقط، ,باسم العلم وباسم البحث العلمي وختبط وقلق، ال جيد آلفات ونظريات تعلن ونظريات تفشل، واتمع يف حرية وغم

ومتزق عرى أواصره، وانتشار اجلرائم والفواحش واآلفات يف جنباته من ،حياته .بيلخمرج، وال إىل إجابة شافية مقنعة من س

والبحث العلمي االجتماعي املادي الذي ليس له من اهلداية اإلهلية نصيب، بدال من أن يعترف بأن من أهم أسباب عجزه وقصوره أنه يفتقد دليل العمل ،نراه

، بعجز منطقه وقصور إدراكه،الكلي الصحيح والوجهة السليمة، وأنه إمنا ينطلق حيتج بصعوبة الدراسة االجتماعية نراه؛ من األهواء والنـزوات والرغبات العمياء

به ختبط حبثه، سوغ وحيد يسوغوتعقيد جماالا وتعدد العوامل اليت تتناوهلا، كمإن صعوبة الدراسة . وضالل سعيه، وفشل منهج دراساته، واحنالل عرى جمتمعاته

ا ضل توجهها وأخطأت ر، ومثارها تفسد إذصاالجتماعية تتفاقم، وجهودها تق ،غايتها وفقدت ضوابط حركتها ومسريا، فال بد أن تفشو يف جمتمعاا املادية

ها مبن سبقها من األمم اليت ضلت واتبعت األهواء وعم فيها االحنراف وتلحق أمم .والفساد

ها موجو الذي يعتمد العلم اإلنساين وحده مصدرا للمعرفة ،والعلم االجتماعي وأن ينحرف، ألنه وحده غري مؤهل إلدراك احلقيقة بحث، ال بد أن يضللل

املوضوعية الكاملة والغاية املوضوعية املقصودة يف النفوس والطبائع اإلنسانية، وذلك الفطرة السليمة من أمور الكليات الربانية وخصائص عامل سكما يهدي إليه ح

ة الستكمال أدوات العقل اإلنساين ومنطقه وإرشاد الوحي والرساالت اإلهلي.الغيب أمر ضروري حىت يستطيع أن يستكمل عدته، فال حيرم ؛احملدود وإدراكه اجلزئي

. وال يسعى إىل فساد، وال يقصد إىل شر،حل خبيثا وال ي،طيبا

إن اخللفية املعرفية الغربية اليت ال سند هلا من علم إهلي، نتيجة ما أصاب أدياا وضع العلمي الضال سالتها من حتريف شوهها، وأفقد الثقة ا، تفسر لنا هذا الور

ت

ننا جنده

ر

ر

Page 210: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

210

القاصر يف جماالت الدراسات االجتماعية، وتفسر لنا تراجع إرهاصات الفطرة وقد . الغرب يف عصر النهضة باسم مدرسة القانون الطبيعيهاالسليمة اليت عرف

قيقة وموضوعية الغاية والقصد يف أخذت تستلهم مفاهيم الفطرة يف موضوعية احلاحلياة واتمع، ولكنها توقفت عن النمو وتراجعت حينما مل جتد السند الضروري

وذلك أن . وهو الرساالت اإلهلية الصحيحة املوثقة،لنموها من مصدر العلم الكليتمع الغريب قد حفت وقضي على نقائها رالرساالت اإلهلية اليت يقوم عليها ا

خرافة وضالل بدل أن صداقيتها، وانقلبت يف كثري من اجلوانب إىل عقبة ومصدر ومإىل جانب ما أصاب الغرب واحلضارة املعاصرة من . تكون مصدر هداية وإرشاد

غرور نتيجة النجاحات اليت حققتها مبا تقبلته من معارف ومناهج وضوابط أخالقية . أخذت بعد النجاح تبتعد عنهاأسرية جاءا من مناهل احلضارة اإلسالمية مث

ثقة إىل النظر يف احلياة بإن البحث العلمي االجتماعي اإلسالمي ينطلق باحثا عن احلقيقة ،واخلالئق والكائنات والفطرات والطبائع يف كل شيء

إىل اقتفاء أثرها بإرشاد الوحي ومقاصده وغاياته وقيمه ساعيااملوضوعية، و وال ينـزلق إىل ، وال ينحرف توجهه، يضل سعي اإلنسانوكلياته، وبذلك ال

األهواء والنـزوات والضالالت باسم االتباع والتحرر والتقدم وغريها من منها إال التمويه والتخدير والضاللالكلمات اجلوفاء الرباقة اليت ال ينال الناس .

احلقول ومما سبق فإنه ال عجب أال تحقق احلضارة املادية املعاصرة يف ها ل تقدماإلنسانية واالجتماعية ما حققته يف احلقول التقنية، وال عجب أن يقاب

وعجز يف بناء احلياة والعالقات االجتماعية واألسرية وإجنازها التقين فشلواإلنسانية، وأن تغرق جمتمعات تلك احلضارة يف خضم اخلوف والقلق والصراع

عجز العلوم والفلسفات الغربية عن السري باجتاه الغاية ل،بط الذي يهدد كيااتخبوال، كما أراد اهللا أن لتكونواحلقيقة الكلية املوضوعية يف كيان البشر وطبائع النفوس

. ال عامل استكبار وفساد وضالل،تكون، عامل هدى وإصالح ورشاد

إن موضوعية احلق واحلقيقة مفهوم حركي حي، جيعل العناصر والعالقات

ت يف

سعى

ت

Page 211: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

211

ا فطرة وسنن وطبائع وقيم، متيز بني ما هو صواب وحق صحيح، وبني ما حتكمههو فساد وشر وبوار، دون التفات إىل السفسطات العميقة الضالة لبعض العقول املريضة اليت يرتفع صوا باسم العلم والبحث العلمي يف انتقائهم ويف تصديهم

ملستخلفة الشوهاء، وتبنيهم وتطلعهم وختيلهم للنماذج البشرية املريضة اواستخدامها منطلقا للجدال املضلل بقصد التهوين من شأن املعايري األساسية للحياة

حىت مل تعد ،واتمعات واحلضارات، وحتطيم تلك املعايري والقيم واملبادئ السويةتلك العقول جتد غضاضة يف الدفاع بوقاحة وقوة عن املمارسات الشاذة والنماذج

ولو كانت ممارسات شراذم بدائية قليلة منعزلة يف ،ي دعوى كانتاملنحرفة بأ .ظلمات الغابات أو على قمم اجلبال أو يف أوحال املستنقعات

وعلى وجود ،طراد احلق والصواب واخلريإا لن جتد دليال على عدم إطالق اا يف النعوت ، وتغيريا يف األمساء، وحتريف حلنا يف القول،،الشذوذ والشر واالحنراف

والصفات، وكأن على البشرية بذلك أن تعترب تلك النوادر الشاذة معيارها يف وليس ملثل هذا .اإلدراك والسلوك والتعبري عن الفطرة اإلنسانية والرؤية احلضارية

واملنهج القاصر األعمى املنحرف، إال مزيد من التخبط والضالل والفساد ،الفكر ارتكز إليها بناء هذه وقدوص يف أوحاهلا اتمعات الغربية، واجلرمية واالحنراف، تغ

، وتنهدم ا عرى الروابط االجتماعية واألسرية، وتنعدم القيم اخللقية اتمعات ، واستمدت أسسها من آثار الفطرة، هذه اتمعاتواحلضارية اليت ارتكزت إليها

.اإلسالميةة واحلضار،والرساالت السماويةإن من أهم ما مييز البحث العلمي االجتماعي اإلسالمي عن مقابله غري املسلم،

وال تنحرف به ،أنه حبث رشيد الوجهة والغاية واملقصد، ال يضل وال يتخبطاجلزئيات واألهواء عن جادة احلق والصواب، فهو يف كل األحوال إمنا يتجه إىل

تناسق والتكامل والبناء، وحيمل يف طوايا تكوينه مقاصد اخلري والنفع، وإمنا حيقق ال دون أخطاء ،ضوابط مسريته وقواعد إنذاره املبكر، فيتابع مسريته يف ثقة وهداية

فما . باسم العلم واحلرية والتجربة وحماوالت عقيمة، وخزعبالت سقيمة،جسيمة

Formatted: Highlight

Formatted: Highlight

ض

يت

غربية

ناء

Page 212: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

212

لقيم يف مقياس ا كذلكهو فساد وعدوان وظلم وإسراف وطغيان واستكبار يبقى .ف من حيل اجلدل وزي،مهما ألبس من ألقاب العلمواملبادئ

الفصل الخامس

في مـقدمـات العـلوم االجـتماعـية

ى كل األحوال فسادا وعدوانا وظلما وإسرافا

Page 213: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

213

Page 214: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

214

يف مقدمات العلوم االجتماعية

ة عامة ومقدمات عامة للنظرة اإلسالمية يف جماالت إذا كانت هناك منهجياملعرفة وكلياا، اجتماعية كانت أم تقنية، فإن هناك مقدمات وكليات وقضايا

وعلى الباحث املسلم يف كل جمال أن يتبين ، ختتص بهمنهجية خاصة يف كل جمال ،ت املعرفة حىت مييز ذلك اال عن غريه من جماال،هذه اخلصوصيات وأن يرصدها

فيتمكن من األداء وفق حاجاته، وال ختتلط عليه القضايا وال تتداخل األدوار وال .تضيع اجلهود

ومنذ البداية نرى أن تبدأ الدراسات العلمية اإلسالمية الناشئة ذا التمييز، وأن ومدى ما ميثله من رؤية إسالمية، وما يستجيب له من ،توضح دوافع هذا التمييز

وأوال شك أن هذا التمييز . ضرورات، وما يقدمه من منافع ومثارحاجات و البحث والدراسة، وبتطور اتمعات واحلاجات التقسيم سوف ينمو ويتطور بنمو

.واإلمكانات والتحديات

إىل طبيعتها وطبيعة - منذ البداية -وهناك عدد من ااالت جيب التنبيه إطار املنهجية الكلية للمعرفة من منظور املناهج والوسائل الالزمة هلا، ضمن

وهذه ااالت هي جماالت النصوص يف الكتاب والسنة، واحلفاظ عليها، .إسالميوجماالت املقاصد والغايات وحسن التلقي عن الوحي والرسالة، وجماالت فهم

وسالمة التعامل معها وتوجيهها إىل ،الطبائع والفطرات اإلنسانية واالجتماعيةاا اخلرية، وجماالت األنظمة والسياسات االجتماعية ومهمة بنائها وتطويرها غاي

Page 215: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

215

وحتقيق الغايات واملقاصد اإلسالمية فيها، وجماالت السنن والطبائع يف الكائنات .واملواد وحسن استخدامها واإلفادة منها

حقول وعلوم خمتلفة إىلوكل جمال من هذه ااالت يتفرع بطبيعة احلال تتكامل يف النهاية لكي تقوم عليها علوم الكتاب والسنة، وعلوم املقاصد والغايات، وعلوم دراسات الفطرة االجتماعية، وعلوم الفطرة الفيزيائية واملادية والتقنية،

.وعلوم التنظيم االجتماعي، وعلوم الفنون املعنوية واملادية األدبية واجلمالية

وجهودنا للبناء العلمي الشمويل؛ أن ، اإلسالميةويهمنا يف بداية مسرية املعرفة ،تتبني أولوية وأمهية جمال ما يسمى يف املعرفة الغربية املعاصرة باسم العلوم السلوكية

فمن املهم البدء بإسالمية .ويقصد ا علم النفس وعلم االجتماع وعلم اإلنسانذه العلوم هي اليت متثل جماهلا وتقدمي قضاياها األساسية من منظور إسالمي، ألن ه

يف منهج املثقفني والدارسني اليوم جمال دراسات الطبائع والفطرات اإلنسانية واالجتماعية، ومفهوم اإلنسان والفرضيات األساسية عن طبيعته ومكوناته وتوجهاته واحتياجاته، وتأيت هذه ااالت العلمية واالجتماعية واإلنسانية والفلسفية متأثرة ذه

.فرضيات والتوجهاتال

كالتربية والسياسة واالقتصاد وعلم ،إن إسالمية العلوم االجتماعية واإلنسانيةاإلدارة واإلعالم، وفلسفة هذه العلوم كلها، هي جماالت تقوم يف أساسها على فرضيات العلوم السلوكية ونتائج أحباثها ومفاهيمها اخلاصة بطبيعة اإلنسان ومعىن

ر يف هذه ااالت أوال فإذا مل تقر. اط سلوكه وتصرفاتهوجوده وحاجاته وأمنفال سبيل إىل إسالمية ؛ والفرضيات اإلسالمية ومقومات املنظور اإلسالمياملفاهيم

، وال بد للباحث من الوقوع يف التناقضات،كاملة صحيحة مستقيمة ألي علم منها . وتعثر املشورة واحلل،ومن زلل الفهم والرأي

ود إسالمية خمتلف العلوم االجتماعية تتوقف كشرط مسبق على سالمة إن جه

Page 216: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

216

مفهوم الباحثني للفطرة والطبيعة اإلنسانية، وحركية العالقات اإلنسانية، وهذه فإسالميتها خطوة أوىل أساسية إلسالمية . العملية إمنا تتم يف جمال العلوم السلوكية

وإذا كانت جهود العمل . ة واالقتصاد كالتربية والسياس،العلوم االجتماعية األخرىعلى إسالمية جماالت التربية والتنظيم السياسي واالقتصادي من أولويات عمل األمة؛ فإن إسالمية العلوم السلوكية خطوة حنو إجناح تلك اجلهود، وأولوياا إمنا

.تستمد من تلك األولوية واألمهية

ال بد من إقامة الربامج واملراكز لوم ولبلوغ الغاية يف إسالمية هذه ااالت والعواألقسام للدراسة والبحث يف هذه ااالت حىت يبلور العلماء واملفكرون املسلمون

.الرؤية اإلسالمية الصحيحة فيها

:اإلسالمية وعلم التربية -1

يف غمرة البحث عن خمرج والوصول إىل حل، بعد أن أعيت املسلمني احليل، ملشكلة ضعفهم وختلفهم، وبعد أن خاب أملهم خلف ،لواستعصى عليهم احل

والسياسية، أقبلوا على علوم التربية، ،طلب العلوم الفيزيائية، والعسكرية، والقانونية .واإلدارة واالقتصاد، مث كان آخر ما أقبلوا عليه، هو علوم اإلعالم

والتحديث من منظور غري ويف صحوة الفشل الذريع على جهود التغريبسالمي، وما أحدثه ذلك من رد فعل إسالمي يف كيان األمة، اجتهت أنظار إ

املسلمني إىل مفهوم األصالة والتزام اإلسالم يف حياة األمة ونظامها االجتماعي، وكان من أهم مظاهر هذا التوجه، العمل .طلبا للخالص ومتكنا من القوة والقدرة

يقية اهلامة كاالقتصاد واإلعالم، وإنشاء على إسالمية بعض العلوم االجتماعية التطب .مراكز البحث العلمي خلدمة ذلك الغرضواألقسام

وال شك أن الغاية من هذه اجلهود هي غاية سليمة، ولكن من املهم أن هذين وال ميكن للحياة ،ورغم أن صالحهما مطلوب. االني مها من جماالت الوسائل

Formatted: Highlight

ف

Page 217: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

217

أي جهد يبذل يف فإنمن منظور إسالمي، ا ماإلسالمية أن تستقيم دون بنائه ،جماهلما لن يستطيع اتمع املسلم أن جيين مثاره إذا مل تستقم تربية الفرد املسلم

صلح مؤسساته وت،م تنظيم اتمع املسلميستقوتستقم نشأته وتكوينه النفسي، و .وتوجهاته بقوة وفاعلية يف خدمة غاياته اضع إمكاناوالسياسية ل

ولذلك جيب أن حيظى جمال التربية والدراسات التربوية وجمال التنظيم السياسي باهتمام جهود العاملني - فضال عن العلوم السلوكية -والدراسات السياسية

وهذا االهتمام ميكن أن يتمثل يف إقامة املؤمترات والندوات العلمية . املسلمني .سام العلمية للبحث والدراسة املتخصصةوالربامج ومراكز الدراسات واألق

أن نوجه النظر إىل أن من أهم املعامل ، وقد بلغنا هذه املرحلة،ولعل من املفيدرة والتناقض بني ما تدعيه اي املغ؛البارزة للشخصية اإلسالمية يف عصورها املتأخرة

.انااكوادر األمة والعاملون فيها، وبني ما يتحقق من سلوكها وطاقتها وإمك

وعلى الرغم من أن املسلمني على قناعة راسخة بسمو اإلسالم، وعلى الرغم من أن األمة اإلسالمية هي حاملة رسالة اإلسالم للناس، وعلى الرغم من أن مبادئ

فإن األمة اإلسالم وقيمه وتصوراته الكلية ال تدانيها قيم وال تصورات كلية أخرى، سالم أو تعكسه يف حياا وأنظمتها وممارستها بشكل جيد اإلسالمية ال تتمثل اإل

أو مقبول، بل إنه ال يكاد يتجسد هلا كيان، وال يكاد يكون اإلسالم يف حياة أهله إال أسطورة مثالية يتغنون ا، وحيلمون باليوم الذي ستسطع عليهم وعلى اإلنسانية

.مشسه الدافئة الوضاءة املشرقة

لقيم والغايات والصفات والسلوك ل والتجسد احملدود ،ديةحىت املمارسات الفركون على غري منط متكامل ت كثريا ما ااإلسالمي الصحيح يف حياة املسلمني، فإ

تفقد تلك النماذج حبيثيؤدي إىل اختالل التركيب وجهل التناول، مما سليم، قاصرة عن ،ةاذج خمتلوكثريا ما ينجم عن ذلك من. قدرا على التأثري والعطاء

.صفات التكوين واألداء الالزم للشخصية اإلسالمية الناجحة القادرة النافعة

ال أن

ىت

مع ذلك

ف

ىت

ف

Page 218: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

218

أن ، يف هذه املرحلة من احلديث يف املنهجية واملقدرات،ولعل من املفيد أيضاهم يف ظاهرة األزمة اإلسالمية، ركز على بعض اجلوانب األساسية اليت تسن

.ها وواقعهاومفارقات معدا ودعوا

؛إن من يدرك حال الفكر اإلسالمي التربوي يف العصور املتأخرة وسطحيتهياها ا وال التصدي لقض،هايدرك أن معضالت التربية يف اتمع املسلم ال ميكن حل

ودراسة علمية ، إال بنشأة علم منهجي،رة واملعاناة الالزمةببالعمق واجلرأة واملصا .لتأمالت الفكرية العشوائية احملدودةمنظمة مستمرة، وليس با

فرغم أن تأمالت الفكر اإلسالمي عن قضايا التربية اإلسالمية تصور لنا ننا فإ وس، واليت جيب أن تغرس يف النف،الغايات اخلرية اليت يسعى إليها اإلسالم

وبالتايلنالحظ أن غيبة الدراسة املنهجية العلمية يف ميدان العلوم السلوكية، اليت ال تقل عن مراحل ، وكيفية تكوينها ومنوها، ومراحل تطورهاالبشرية وطبائعها

وأشد حاجة للدراسة والفهم ،تطور اجلسد ومنوه، إن مل تكن أكثر دقة وتعقيدا .والرعاية والبناء التقومي

نالحظ ؛هلذا النقص والقصور يف املعاجلة العلمية املنظمة ال التربية اإلسالمية ال يتم ن غرس القيم واملبادئ والتصورات اإلسالمية األساسية يف نفوس الناشئةأ

بأسلوب يناسب حاجة تكوين نفوسهم واملرحلة اليت ميرون ا، وإمنا يتم على منط من أمثال أبناء قبائل ، فإمنا يصلح للبالغني مبلغ الرجالإن يصلح يف شيء منه واحد

مل بناؤهم النفسي وأراد الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم أن العرب الذين اكتعواقب بنضج نفوسهم، وأن يبصرهم يف خطابه يوجه إليهم من اخلطاب ما ي

وما جبلوا عليه ، قريشزعماءإعراضهم ومكابرم وانصرافهم عن احلق، ومنهم أبناء الصحراء، ذلك العصر خلق البداوة منيف اتسم به مجوحومن قسوة وكفر

. وخشونة منط احلياة فيها، وخماطر العيش يف ربوعهابكل جدا

Formatted: Highlight

ت

س؛

ال أ

-ذلك النمط

-

عامة

ى

Page 219: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

219

ولذلك ارتفع صوت الوحي وصوت الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم يف عواقب الكرب والفحش والعدوانبتقريع وزجرا وديدا وتوعدا وإنذارا وجوههم، دا، فتحولوا ورش، فأنضجت قوة هذا اخلطاب نفوسهم القوية الشماء،واإلفساد

يف قسوة وعنف، تيقظ تتمتع بالقوة وال،من قبائل بدائية متوحشة شرسة كالسباع ذات رسالة ومفاهيم حضارية كونية ،إىل قبائل وجيوش وجمتمعات قوية منضبطة

لغازية وموجات الفتوحات البدوية الرببرية على ميزا عن سواها من القبائل اساميةمر التاريخ، مثل موجات قبائل املغول واجلرمان وسواهم من القبائل البدوية

، اليت أنضج اإلسالم رجاهلا،الغازية، فتميزت قبائل العرب من أبناء الصدر األولا قوة حمرصالح سست على العدل واإل ربانية وحضارة أ رسالة حاملةرةبأ

.واإلعمار

ومن املهم أن نالحظ هنا أن أسلوب اخلطاب الذي وجهه القرآن الكرمي من خالل الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم إىل قبائل العرب ورجاالت قريش، أمثال

هو الغالب على أسلوب اخلطاب الذي مازال كثري من املربني ،أيب هلب وأيب جهلمن ألغراض الوعظ والتربية، دون وعي منهم، ،ةاملسلمني يوجهونه إىل الناس كاف

تفرقة تذكر بني أحوال املخاطبني، حىت يف خطاب الناشئة من أبناء املسلمني غريرغم اختالف حاجة الصغري وتكوينه واملراحل غرض التربية والتعليم اإلسالمي، ب

ة اليافع والبالغ مبلغ الرجال عن حاج؛اليت مير ا بناؤه وتكوينه النفسي والذهين .والنساء

فخطاب البالغ من البشر يف شؤون العقيدة والتوجيه والتهذيب خطاب عقلي بالدرجة األوىل، يهذب وينضج الغايات واملقاصد، ويؤهل القدرات واإلمكانات

أما خطاب الصغار يف .العقلية والذهنية ألداء أدوارها احلياتية حنو الغاية الصحيحةك األمور فإنه بالدرجة األوىل يكون وينشئ الطبائع والطاقات النفسية اليت تل

رعهم ويزجرهم ويتهددهم ويتوعدهم وينذرهم

ظة

نو

ون وعي منهم،

Page 220: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

220

هسوف يتصف ا الفرد يف مستقبل حياته، وهلذا يقول الرسول صلى اهللا عليه وآل الفرد نشأإذاف. )1(»فخياركم يف اجلاهلية خياركم يف اإلسالم إذا فقهوا«: وسلم

ليها يف كل أحواله، وسيكون فقهه ورشده نشأة قوية فاعلة سليمة فسوف يكون ع تلك الطاقة والقدرة النفسية حنو غايات اخلري واإلصالح دون ان يوجهلذان الامه

.سواها من الغايات

إن اخلطاب التربوي التوجيهي إىل الصغري هو بالدرجة األوىل عملية تكوين . وتوجيه ذهينوبناء نفسي أساسي، أما اخلطاب إىل اليافع فعملية خطاب عقلي

اللهم أعز اإلسالم بأحب «: ومن ذلك قول الرسول صلى اهللا عليه وآله وسل ملا رأى يف الرجلني ،)2(»الرجلني إليك، بعمر بن اخلطاب أو بأيب جهل بن هشام

واملعدن ،وذلك أن التكوين والتربية النفسية. من صفات القوة والشجاعة والعزمفالشجاعة . تلف عن املطالب والغاياتخت ، أمورواجلوهر النفسي القوي اجليد

، الغاية اليت يوظف الفرد من أجلها تلك الشجاعة وذلك اإلقدامليسا مهاواإلقدام .وكذلك اإلخالص والصدق والصرب وسوى ذلك من الصفات واملكونات النفسية

الرجالولذلك فالرجال أصحاب املعادن والتكوين النفسي القوي اجليد هم . سواء يف اجلاهلية أو يف اإلسالم هي املعادن،املعادن وأنفسهم،

فمقاصدهم . والتكوين النفسي القوي اجليد ال خيتلف إال يف الغاية واملقصد وحمدودية ،الم غري مقاصدهم يف عدوانية البداوة واجلاهليةاخلرية اإلصالحية يف اإلسواملعدن والطاقة النفسية القوية املتفوقة هي اليت توخاها . أفقها اإلنساين احلضاري

. الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم وهو يطلب لإلسالم العزة بأحد العمرينوكذلك كان األمر، فكان العاإلسالم بطولةاهلية، ي اإلسالم واجللران مها بطم

. رواه البخاري)1( . رواه أمحد)2(

س

ىت

ي

هو أمر

ي أمر غري

ي غري الغايات واألهداف اليت يوظف هلافات والطاقات النفسية،

فس

طل

Page 221: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

221

. جهل عمرو بن هشامأليب اجلاهلية ولةلفاروق عمر بن اخلطاب، وبطل

إن رجل الدفاع واحلرب ال خيتلف بالضرورة عن رجل العصابة والسلب هذه و . ولكنه خيتلف حتما يف معايري القصد والغاية،يف معايري األداء والقدرة

إمنا ، اليت تتسم بالقوة واإلخالص والتفاين، والصفات الشخصيةالطاقة النفسية .رجع إىل جهود التربية اليت تبذل لتنشئة الصغار من أبناء األممت

ة إثر ل مرح،إن أسلوب اخلطاب وتأثريه يف البناء النفسي يف مراحل الطفولة ،سد ومنوهمرحلة، وعاما إثر عام، وطورا إثر طور، على حنو ما نرى من تطور اجل

أن نعىن مبعرفة صفات هذا ب، هاهو من أهم أمور التربية اليت جيب أن ندرك طبيعتاخلطاب ووجوه اختالفه عن أسلوب خطاب البالغني ووعظهم وتوجيههم

. وتدريبهم

نفسه إن الطفل الناشئ حيتاج منا وال شك إىل خطاب يبين ويكون ويغرس يف والرغبة يف أداء ،الصفات والطاقات النفسية اإلجيابية اليت تدفعه إىل الثقة بنفسه . يف اخلالفةمهمته يف احلياة واالعتزاز ا، والشوق إىل النجاح يف أداء مهمته

إن من املهم أن جننب الطفل يف مراحل تكوينه النفسي خطاب اإلرهاب نفسية الالزمة لصفات الشجاعة والثقة والتخويف السليب املدمر للطاقات ال

تساؤالته منهج احلب عنواالعتزاز واملبادرة، وأن ننهج يف تربيته ويف اإلجابة احلق العدل ،والتشجيع فيما يتعلق مبفهومه ونظرته وعالقته باهللا سبحانه وتعاىل

على اهللا ،حبتشوق وصرب و يف قوة و،الودود الرمحن الرحيم، حبيث يقبل الطفل .سبحانه وتعاىل، وعلى احلياة ودوره فيها، وعلى الدار اآلخرة ولقاء اهللا فيها

كون يف ي تلقني الصغري مبادئ الدين وقيمه وغاياته وعقائده جيب أن إننمي مشاعر احلب والشوق والتطلع واإلجناز، ألن ي امراحل التكوين األوىل إجيابي

ان ا

ان أبا

مرجع

ومدى تأثريه يف بناء نفسية الطفل

ى

أي أن

ت

ت

Page 222: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

222

يقبل ويؤدي ويتفاىن ويضحي ويصرب، أما من خياف ؛من حيب ويتطلع ويعتزحذويرهب فهو ير وال يعمل إال باحلد األدىن، وحتت ألوان من الصراع نفر وي

ره ف اليت تن، يالزمه طوال حياته نتيجة مشاعر اإلرهابمماوالتمزق النفسي املستمر، منه ن ناحية أخرى، فيكون عن اإلقبال من ناحية، وتدفعه إىل اخلضوع واإلذعان م

والتناقض واألداء باحلد األدىن وعلى والتفاوتالتكاسل وعدم االنتظام والتقصري وهو ما نالحظه من صفات أكثر املسلمني يف العصور ، أو إتقانةغري محاس .املتأخرة

وإذا تدبرنا ديننا احلنيف أدركنا املكانة اخلاصة للمسلم عند رب العاملني، وأنه وإن زىن وإن ،من قال ال إله إال اهللا دخل اجلنة«كل األحوال مصريه إىل اجلنة على فالطفل املسلم غري مكلف وال حماسب إال حني يبلغ سن النضج، فال جيب .»سرق

هلا مكلفا ا، اله ثقل املسؤولية قبل أن يصبح معدأن نتعجل منو الطفل وأن حنم، ينمي صفات القوة والثقة واالعتزاز فخطابه جيب أن يكون خطاب حب وتبشري

ما كانت عليه سرية حياة الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم ك ،واملبادرة واإلقباليف رعاية األطفال وحبهم وتقريبهم وإزالة أسباب الرهبة من نفوسهم، واليت من

على مناذجها خطابه البن عباس، ومحله البن ابنته على املنرب وهو خيطب، وصربه ،ابن ابنته وقد عاله يف سجوده وهو إمام باملسجد، ومعاملته ألنس بن مالك

.وخطابه لألعرايب بشأن خشونة تعامله مع أبنائه الصغار

ته إن خطاب املسؤولية والتكليف إىل الناشئ من أبناء املسلمني له مرحلنضاج ناسبة، وعندها سيكون هلذا النوع من اخلطاب أثره اإلجيايب يف اإلامل

ين ذوالترشيد، كما كان أثره مع أصحاب رسول اهللا صلى اهللا عليه وآله وسلم ال كأيب بكر وعمر وخالد بن الوليد ،أسلموا وقد بلغوا يف اجلاهلية مبلغ الرجال

.وسعد بن أيب وقاص وأيب عبيدة عامر بن اجلراح وكثري سواهم

Formatted: Highlight

لذي

ى

Page 223: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

223

جيب أن تتصدى لفهم فالتربية اإلسالمية على أساس املنهج العلمي وضوابطه ودراسة ورصد مراحل النمو اليت متر ا ،النفوس والطبائع ودراستها ورصدها

إن األخذ باألسلوب . وآثار التفاعالت والعالقات اليت تتعرض هلا ومتر ا،النفوسالعلمي املنضبط يف ميدان منهج التربية اإلسالمية وأسلوا ووسائلها الصحيحة

وجيعلها حبق مدرسة علمية هلا غاياا وأهدافها ،هلا املهلهلةسوف يغري من أحوا اليت حتقق يف ومقاصدها اإلسالمية البينة اخلرية، ووسائلها ومناهجها املؤثرة الفعالة

األجيال اليت تسعى تصنع و املطلوبة،الواقع احليايت واالجتماعي األهداف والنماذج .كون ورعايته وإعمارهدارة الإلإىل تنشئتها وإعدادها للحياة

إن املدخل الصحيح إىل التربية اإلسالمية ليس هو أسلوب التخويف واإلرهاب بدءا مبحبة اهللا اخلالق احلق ، ولكنه أسلوب احملبة والرغبة يف النفوس، اهللعشاعةوإ

والرغبة فيما حيب من اخلري واحلق والعدل، ومبحبة احلياة ومهمة املسلم ،الرحيم والرغبة يف العمل على ما ، خالفة خري وحق وعدل وإصالح،كما أرادها اهللافيها

ا، ومبحبة لقاء اهللا احلق ا أداء للرسالة واعتزاز،يؤدي إليها، ومبحبة اجلهاد املخلص والنظر إىل وجهه الكرمي يف الدار اآلخرة اليت هي دار نعيم مقيم للمؤمنني ،والودود .العاملني

، وخطا حنو الشباب والتكليف واملسؤولية،غري مبلغ التمييزفإذا ما بلغ الصأخذه املريب بالنصح والتبصري بالعواقب واملسؤوليات واآلثار املترتبة على األفعال،

التصرف، وضبط النفس، وحسن األداء، وحس، املسؤوليةفيتمكن من نفسه حس. دل واإلصالحواحترام احلقوق، وتقديس احلرمات، والسعي يف األرض بالع

رة وتتكون القوة اخلي،وبذلك تتكامل يف بناء النفس املسلمة معاين التبشري والتحذير .الفاعلة املنضبطة وتتكامالن

نرى أمهية تكامل الغايات اإلسالمية وتوجهات هيف حقل التربية أكثر من سوا

باعه

Page 224: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

224

اسات مع جهود النظر العملي والتدبر العقلي يف ميدان الدر؛الوحي ومقاصدهفتكون . االجتماعية وسعيها لتفهم الفطرات والطبائع اليت أودعها اهللا يف النفوس

الدراسة العلمية للفطرات والطبائع والعالقات اإلنسانية وسيلة فعالة لتحقيق مقاصد .اإلسالم وغايته

التربية اإلسالمية تربهن لنا أنه لوجتربة الفكر اإلسالمي يف عصوره املتأخرة يف حق .يكفي أن نقصد اخلري بل ال بد لنا من معرفة الدروب اليت نسري فيها لتحقيق اخلريال

من املهم أن نذكر أنه حىت بعد انقضاء عهد اخلالفة الراشدة فإننا جند ولعلوا فيها على صفات بداوة العرب يف تلك أبعثون إىل البادية لينش يأبناء رجال قريش

األمور يقتصر على ربية البادية والبداوة وتنشئتها على الصغار العهود، ومل يكن أثر تفينشأ الصغري حرا طليقا قوي النفس، ال ، اآلثار النفسيةبل يتعداها إىل البدنية فقط،

قيود وال قوالب وال إرهاب وال ضغوط متنع منو طاقة القوة والقدرة والشجاعة ملرحلة املبكرة من تكوين النفس الغضة، فتنشأ نفسه قوية شجاعة عنده يف تلك ا .منطلقة غري هيابة

عامة امللوك واألمراء يف عصور بناء دولة اإلسالم ه كان يفعلهذا ماووحضارته يف إعداد أبنائهم وتكوين نفوسهم وتأهيلهم للقيادة بكل حاجاا من

ويصلب عودهم ،أساس بنائهم النفسي وحني يكتمل .القوة واإلقدام والشجاعة ويوضعون ، يستقدموم إىل احلواضر وإىل املدارس،على الصفات النفسية املرغوبة

ويتلقوا آيات النصح ،بني لكي ينالوا ألوان املعرفةبني واملؤدبني أيدي املعلمني واملهذن القدرة فتكتمل تربيتهم ويتحلوا بنصيب عال م،واإلرشاد والتهذيب واإلنضاج

.عرفة والثقة بالنفسوالشجاعة وامل

ومن املهم يف مقدمات علم التربية اإلسالمية أن يدرس الباحثون منهج الرسول يف كليات أقواله وتوجيهاته ألمته فحسب، بل ليسصلى اهللا عليه وآله وسلم،

الداللة الصحيحة صحيح لكل قول من أقواله صلى اهللا عليه وآله وسلم، والفهم بال

ي

كانوا

علق ب

كنها أيضا تتعلق ب

ذلك

زة والعلم

ال

Page 225: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

225

داللته وأ وصرفه إىل غري معناه ،لذلك القول، وعدم أخذ القول على عواهنهعلى الباحثني أن يدرسوا منهجه العلمي صلى اهللا عليه وآله وسلم و. الصحيحة

وما أثر عنه صلى اهللا ،الذي مارسه يف تصرفاته مع الصغار من أبنائه وأبناء املسلمنين اتباع أسلوب احلب والرمحة والصرب واألناة يف تربيتهم عليه وآله وسلم م

وأنه مل يعرف عنه صلى اهللا عليه وآله وسلم يف حياته كلها ضرب ،والتعامل معهم أن يضرب الوجه ملا يف ذلك من أثر على التكوين النفسي بل إنه ى،الصغار

.والطاقة النفسية

وااللتزام فيه بالبحث ،ب املنهج التربوي اإلسالمي حسابات أسلومراجعةإن مبا ، يف ااالت التربوية والتعليمية كافةجتب مالحظته ،والدراسة والدراية العلمية

من القراءات ، كل حبسب قدرته ومرحلته،يف ذلك ما خنتاره لألطفال والناشئةعلينا أن . والسنة النبوية املطهرةقدمه له من آيات القرآن الكرمينواملطالعة، وما

نالحظ األثر النفسي هلذه القراءات واملطالعات واإلرشادات، وعدم التركيز فقط على جمرد القيمة اللغوية أو األدبية أو املعاين السامية اليت حتتويها، ألن احملك التربوي

أو ترهيبا، يف هذه املرحلة هو األثر النفسي الناتج عن أسلوب اخلطاب ترغيبا على ،ومداواة أو مقارعة، حىت ميكن لنا أن حنقق الغاية من التربية والتوجيه

. لكل مرحلة من مراحل منو الناشئة،املستوى النفسي واملستوى الذهين والعقلي

وال جمال للظن بالتناقض بني مفهوم اإلجيابية واحلب والقناعة يف تكوين الكيان فاالنضباط .النضباط يف سلوكهم وتكوينهم النفسي ومفهوم ا؛النفسي للناشئة

أسلوب يف العمل والتصرف يكسبه الصغري والناشئ بالتدريب والتعويد اوالنظام مه طلب اإلجناز والنجاح لديه، منواملثال والقدرة، ويعني عليه دوافع الفطرة اإلجيابية

تناقض مفهوم والرغبة يف كسب رضا من حيب وحيترم، وهي مفاهيم ووسائل الاحلب والتشجيع والترغيب كأساس لتربية الطفل وصياغة موقفه ونظرته إىل احلياة

.والوجود

بل

ت

على كل األحوال

ادة

ب أن نلحظه

Page 226: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

226

ما اإلرهاب والتخويف يف أنه إفساد وتدليل، وأن علىفهم احلبنجيب أال ما جيب أن حنرص و، فهذا فهم خاطئ وأسلوب عاجز، نظامال ونضباطعلى االيعني

وبأسلوب صحيح سليم، وهو الرغبة والقدرة ،نضباط معاعليه هو احلب واال معا حىت ميكننا أن جنعل أبناء األمة يتمتعون حقا بروح عمل الفريق والكفاية وتضامن وتفان، ومن ءة ومن قوة وكفا،لى به من احترام وتقديرح وما يت،الناجح .حرية وانطالق وانضباطنظام و

دة األمة وعلمائها ومربيها وأصحاب االهتمام بشؤوا أن من املهم اليوم لقايدركوا أن املهمة اإلصالحية والتربوية اليت يواجهوا ختتلف يف بعض وجوهها عن املهمة اإلصالحية التربوية اليت تصدى هلا الرسول صلى اهللا عليه وآله وسلم يف

عليه وآله وسلم قوم فالقوم الذين خاطبهم الرسول صلى اهللا . عصر ظهور اإلسالم ،قساة غالظ أصحاب عصبيات وجهاالت، أما األمة اليوم همشم أقوياء، ولكن

،وحال أبنائها وما يتصفون به من صفات، فهي أمة مريضة بأمراض الضعف وتفشي صفات الذل والقهر وعدم الثقة، وانعدام روح ،ول الطاقة النفسيةبوذ

على حنو ما أصاب بين إسرائيل من استعباد ،واخلالفةاملبادرة والتصدي للحياة رسالة سيدنا موسى يف إصالح نفوسهم استوجب، مماوقهر على يد الفراعنة

بإنشاء جيل حر يف بادية سيناء، يتسم بالشجاعة والقدرة ليدخل األرض ،وحتريرها .املقدسة ويقيم جمتمع اإلسالم والتوحيد والرسالة

والعجز عن ،حظة أن األمة قد أصاا مرض الشكليةكما أن من املهم مال وعدم قدرته بعد االنفصام ، والتعلق باملظاهر، بسبب ضمور الفكر،إدراك اجلوهر

تقدمي البدائل للتعامل الصحيح على على متابعة الواقع وفهمه واحتواء حتدياته، و الفقري أقاموا عليه فكانوا إذا سرق، ما أصاب بين إسرائيل وأحبارهموهذا. معه

ل مما استوجب رسالة سيدنا عيسى إىل بين إسرائي،احلد، وإذا سرق الغين تركوه ،إجيابيات احلب والعناية والرعاية املخلصة يف بناء النفوسإىل ليشدهم إىل اجلوهر، و

Formatted: Highlight

ف

ن

اون

ن

تهم أم

ت

على حنو

Page 227: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

227

.ليقوم اإلنسان حقا بدوره يف اخلالفة ورعاية الكائنات وإعمار األرض

حية التربوية اليوم مهمة ترويض شعوب قوية وإنضاجها؛ فليست املهمة اإلصالوإمنا هي مهمة معاجلة أمة مريضة ضعيفة تفتقد صفات القوة واإلقدام واإلبداع

من صفات اخلوف والضعف ختليصهاواالنطالق والبذل والعطاء واحملبة والرعاية، ور االنفصام واالستبداد ونفسية العبيد والتظاهر والشكلية اليت تكونت على مر عصو

.والعجز الفكري والتخلف والعمل على بناء ،إن على علماء التربية املسلمني فهم مهمتهم فهما جيدا

نظرية علمية إسالمية للتربية واضحة املعامل واألهداف واألساليب، وعليهم بشكل لقى إىل خاص أن يدركوا الفرق بني اجلوانب العقلية واجلوانب النفسية يف كل ما ي

الناشئة، وأن يعوا اجلوانب النفسية لألمة وكيفية إصالحها من خالل املهمة املنهجية مما يناسب مراحل هو أن كل ما يلقى إىل الناشئة والشباب منوالتربوية، والتأكد

تطورهم ويؤيت الثمار املطلوبة منه، ليس يف جمال اإلدراك العقلي فحسب، بل قبل مبا يف ذلك ،ليهمع ينطبق ذلك على كل شيء يلقى ،النفسيذلك يف جمال التأثري

. والتهذيب والتعليم والتدريبقيدةدروس الع

يف ضوء ما يكشف عنه الوحي من األبعاد الروحية والنفسية ،من املهم أن يقوم علماء النفس واالجتماع املسلمون بتكثيف ،واملعنوية واملادية لإلنسان ورسم خارطة عامة ،مية علم النفس واالجتماع اإلسالميجهودهم يف جمال إسال

وإفادة املريب املسلم ذه ،للتصور اإلسالمي للنفس اإلنسانية واتمع اإلنساين الوعي الكامل بطبيعة فطرة النفس اإلنسانية متطابقة معاجلهود حىت تأيت جهوده

.ومراحل منوها وكيفية تربيتها والتعامل معها

:مية وعلم السياسة اإلسال-2 وأولويات األمة وكلياا ،علم السياسة يدور حول دراسة الظاهرة السياسية

ري ذلك

ل

ية

ى

Page 228: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

228

واألساليب اليت يتم ا اختيار القيادات السياسية، وبلورة ،ومؤسساا العامةالربامج والقناعات السياسية العامة اجلامعة لألمة، وإرساء أنظمتها وقوانينها

.جهزا وتوجيه طاقاا وإمكانااوتشريعاا، وإدارة أ

وتوجيه ، وبلورة األولويات والقناعات والتشريعات،واختيار القيادات حيوية لألمة، ايا وجتديد بناء املؤسسات العامة وحتديد أدوارها، قض،الطاقات

،تستند يف جانب منها على القيم واملبادئ والقناعات والتوجيهات األساسية لألمةيف تتوقف والدستوري، و) األيديولوجي( اجلانب هكن اإلشارة إليه بأنوهو ما مي على إمكانات األمة وطاقاا املادية واملعنوية واحلضارية ومواردها جانب آخر

وظروف تكوين أبناء شعوا، وكذلك على التحديات والظروف اخلارجية اليت . وطاقات األمم والشعوب اليت تواجهها،حتيط ا

دور الدراسة واملمارسة السياسية حول فهم هذه العناصر والعالقات، وت ومواكبة املتغريات ،وإدراك آثارها، وتقدمي احللول والتصورات املناسبة حول فهمها

واألحداث املستجدة على ساحتها مبا حيقق لألمة الوحدة والنمو والقدرة على .االستقرار

والتشريعات اخلاصة باحلياة السياسيةوبذلك فاألنظمة واملؤسسات واإلجراءات واحلياة العامة الناجحة إمنا تعرب عن مؤسسات متطورة تستهدف متكني األمة من

والعمل املثمر املشترك جلميع أفرادها، ومتكينهم من املشاركة ،االنتماء اإلجيايب هلا على يف حدود إمكاناا، مع العمل،يف توجيه مسار حركتها يف البناء واإلعمار

لها، وعلى تكاتف اجلهود لتلبية احلاجات وسد الثغرات املواءمة بني تطلعاا ومث .والدفاع عن احلرمات ودفع عجلة اإلصالح واإلبداع واإلعمار

بال تعين ، إن النماذج التارخيية اإلسالمية، وإن كانت ال تعترب غاية يف ذاافهذه . الدراسات اإلسالمية السياسيةا عىن جمموعة هامة من الدروس اليت تشك

توقف

ي وال شك

ا

Page 229: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

229

وطبيعتها التارخيية وظروفها اخلاصة االنماذج واملؤسسات واألنظمة هلا موقعهومبثل هذا اإلطار ميكن للدراسة السياسية اإلسالمية أن . ومعطياا احلضارية

، واألداءلتطور وأن تستمر يف ا، العظات املطلوبة من هذه الدروس التارخييةكتسبتمبا حيقق املقاصد واملثل والغايات على أفضل ما ميكن حتقيقه بالنسبة لواقعها

.الداخلي وظروفها اخلارجيةومن املهم أيضا للدراسة السياسية العلمية اإلسالمية يف جمال األنظمة اإلسالمية

منها يف حتقيق كلها مالحظة دور املؤسسات الرمسية وغري الرمسية، وما أد؛التارخيية إىل تلك األنظمةباآلثار التارخيية لتلك النماذج، ليمكن فهم األسباب اليت أدت

، واستخالص الدروس والعظات اإلجيابية والسلبية يف كل حال، حىت مصائرها واستعادا حلسها اجلماعي وقدرة أفرادها وشعوا على ،ميكن حتديد مسرية األمة

جتديد األجهزة واملؤسسات والسياسات العامة واملشترك، وحىت ميكن بناء العمل .اليت توفر هلا ساحة املشاركة والتعاون والعمل

بناء كياا ال يتم إال بعد أن تتمكن األمة من بناء وأإن حتقيق معىن األمة سامهة يف ن أبناؤها من امل وأن ميك،سات السياسية اليت تالئم واقعها وقيمهااملؤس

.بنائها وممارسة األعمال واألدوار املطلوبة لتحقيق غاياا

يف بناء فكرنا السياسي، أن قيادات األمة، ونوعية ،من املهم أن ندركوعكس حقيقة تاملؤسسات اليت تقوم يف ربوعها، ونوعية األداء الذي ينجم عنها، إمنا

ة عامة، أن تقوم يوال ملؤسسات سياسا النفسي، وال ميكن لقيادة، فكر األمة ومعد ا كما ميثله إذا مل تكن متجانسة مع نوعية معدن األمة وفكرها؛وأن تبقى وتستمر

لذلك فإذا شئنا تصحيح مسرية األمة السياسية، . بناؤها الواقعي النفسي والفكريبية ونوعية قيادا ومؤسساا وأسلوب أدائها، فإن ذلك يكمن يف نوعية الفكر والتر

. نا وندرم عليهائدية واالجتماعية والسياسية اليت نلقنها ألبناالنفسية والنوعية العق وال ميكن لألنظمة أن ،إن األنظمة والقيادات إمنا تعكس حقيقة فكر األمة ونفسيتها

تفيد

احد

ىل مصري

Page 230: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

230

ها ما مل تتغري األسس والفكر والنفسية والقيم اليت تقوم بتمثلها ءتغري طبيعتها أو أدا وتعكس نفسها يف السياسات ، على أساسها النظم واملؤسساتتقوممن مث مة، واأل

إذا شئنا إصالح األنظمة واملؤسسات وأداء ،واملمارسات، ولذلك فال مناص أن نغري األسس اليت تقوم عليها هذه األنظمة يف عقلية ، منالقيادات واحلكومات .األمة وفكرها ونفسيتها هي تلك ؛لقيادات السياسية اإلجيابية القادرة الرشيدة املستقرةإن املؤسسات وا

اليت متثل فكر أمة هلا تصور إجيايب، وغايات ومقاصد كربى موحدة، ونوع من ن للمعاين اإلجيابية ولإلبداع الريادي احلضاري، ويقيم احلياة البناء النفسي الذي ميك

ناء األمة يف إطار احلدود العريضة العامة على العضوية االجتماعية الكرمية لكل أب .اإلجيابية للحريات واحلقوق اإلنسانية

إن احلياة السياسية اإلسالمية السوية ال بد أن تستند إىل أمة هلا يف جمموعها فكر سليم، ونفسية قوية قومية، ورؤية حضارية سليمة، وأن تستند قيادا ومؤسساا

ألمة ومشاركة أفرادها يف إدارة شؤوا، بالدراية السياسية يف اية املطاف إىل ثقة ا .الصحيحة ألحواهلا، وباملشورة الناضجة يف سياساا

جيب أن يعاد النظر بعمق وتدبر يف قضية الفكر السياسي اإلسالمي، ويف قضية التربية والتثقيف النفسي والفكري والسياسي ألبناء األمة وناشئتها، حبيث يعكس

دية ونفسية ومنهجية سليمة، وفهما لطبيعة احلياة لتربية رؤية عقهذا الفكر وهذه االسياسية والغايات األساسية اليت تقوم عليها، وفهما موضوعيا للمؤسسات السياسية والتارخيية، وما قصدت إليها من غايات، وما حققته من جناحات، وما

.حلق ا من أسباب القصور والفشل

على استرداد عافية األمة، وحسها ة العلمية السياسيةجيب أن تعيننا الدراساجلماعي، وقدرا على العمل واألداء والتوجيه اجلماعي، وأن تعيننا على استرداد

حيوية مؤسساتنا السياسية وتوجه قياداتنا السياسية والتزامها هها اإلسالمي، وتوج

التايل

Page 231: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

231

ودعمها والتعبري عن إرادا، وأن تعود هذه القيادات موضع ثقة األمة ،اإلسالميوأن تعني هذه الدراسات أبناء األمة على رؤية طريقهم للقيام بأدوارهم، وعلى

.حتقيق معىن وجودهم وبلوغ حاجام السياسية واالجتماعية

إن فهم معىن احلياة السياسية وأساليبها الصحيحة، وفهم معىن التربية والتنشئة وأساليبها الصحيحة، مها املفتاحان األساسيان السترداد دية النفسية والفكرية والعق

.عافية األمة واسترداد هويتها وقدرا وتفجري طاقتها احلضارية البناءة

من املهم للفكر السياسي اإلسالمي املعاصر أن يهتم منذ البداية بفهم الظاهرة وي القانوين الذي والتغلب على املنهج الشكل، والتثقيف والنمو السياسي،السياسية، والغوص فيما وراء شكليات املشروعية، إىل جوهر توليد االنتماء ا عليهسيطر

،والوالء واالنقياد السياسي عند أبناء األمة، ووضع حد لضعف احلس اجلماعي .وضعف الوالء واالنقياد السياسي يف صفوفهم

ي اإلسالمي ص األداء الصحيح والبناء الصحيح للفكر السياسجيب أن خيل أبناء األمة وشعوا مما وقعوا فيه من ضعف ؛واملؤسسات السياسية اإلسالمية

ة راليت تفتقد اإلرادة احلرة واملبادهم أشبه بنفسية العبيد سيتوخنوع جعل نفاملستقلة، وأن يضع القادة واملربون واآلباء والعلماء حدا لثقافة اإلرهاب النفسي

وتذليل النفوس اإلسالمية ،فاهيم التعبيد اإلسالمي للحقوالفكري، الذي أحال م وكرامة االنتماء الصحيح وحتقيق الذات ملعاين اخلري والعدلللحقيقة املوضوعية

والتقليد متثل االستعباد واملذلة واملهانة والصغار أحاهلا إىل مفاهيم شوهاء،الساميةفتحولت معاين . الثقة بالنفسن فقدا وانعدام اإلرادة و،والضعف والعجز واهلوان

. إىل مذلة اخلوف ومهانة الضعف وهوان اخلوف والقهر؛عزة اإلميان باحلق

الذي مثله رسول اهللا صلى اهللا ،جيب أن نتيقن أن الفكر اإلسالمي الصحيحق واخلري ل صفات احل هو فكر العزة والكرامة ومتث،عليه وآله وسلم وأصحابه

لب

س

التقليد الضعف والعجز واهلوان

Page 232: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

232

واإليثار والبذل ومعاين اخلالفة واإلصالح، وما كانت املذلة واملهانة إال صفات .وعقوبات ومآال للكفر والكرب والطغيان والبطر والسعي بالفساد واهلوى والضالل

وتدهور ، وضعف طاقتها، من انطواء صفحتها،إن ما وصل إليه حال األمة أو االنصياع ، ورهبتها منهم، أعدائها وذهلا أمام، وتراجع صفوفها،أدائها

يعكس نفسية اخلوف والرهبة نكاال ، ونكال بعضهم ببعض،ألطماعهم ومكائدهم وذلك البناء النفسي ،واهللع واالستعباد واملذلة، يعزى إىل ذلك الفكر املريض

ن ك الذي ينجم عن تلك النفسية املريضة، وذلك الفكر املعوق الذي يمالشائن .عاين الذل واملهانة ونفسية العبيد ومسات االستعبادمل

ويف جمال الدراسات العلمية السياسية اإلسالمية جيب التفرقة بني حرف وبني قرارات التشريع ، وبني اجتهادات الدراسات األكادميية،منطوق الوحي

.االجتماعي والسياسي احلركي

،سوله الكرمي من أمر وإرشادغه رفالوحي هو ما أنـزله اهللا من كتاب، وما بل السياسي واالجتماعي فهو النظر يف أما التشريع احلركي .دون زيادة وال نقص

،موقعها من مسؤولية العمل واملمارسة، من خالل الدين من قبل قيادات األمةوأخذها خبطة تستند إىل التزام الدين وغاياته ومقاصده، وتطبق كل ذلك بنظر

فهي أما التشريعات احلركية. لى واقعها وقدراا وقناعااعملي وفكر علمي عقانون ملزم ألفراد األمة يف ممارستهم وتصرفام العامة وحركتهم احلياتية اجلماعية،

مع القناعة ، يف جزء أو آخر،وهذا ال مينع وجود قناعات فردية تغاير وختتلفال يغري من واجب االلتزام والرؤية السياسية واحلركية العامة لألمة، ولكن ذلك

والتصرفات العامة حىت وإعمال مفعوهلا يف املعامالتباألنظمة والتشريعات العامة .تتغري تلك القناعات والتشريعات

أما الدراسات األكادميية للمفكرين والعلماء والدارسني فهي غري منطوق

Formatted: Highlight

Formatted: Highlight

Formatted: Highlight

ا

Page 233: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

233

ثل مصدر ثروة الوحي، وهي غري التشريعات السياسية واحلركية لألمة، ولكنها متدادها بالزاد عند النظر والتمحيص والدراسة يف لفكر األمة، وجتلية رؤيتها، وام

.خمتلف امليادين، مبا يف ذلك التشريعات احلركية السياسية والقانونية

واختالف وجهات نظر الدارسني والعلماء والباحثني فيما بينهم فيما يصدرون ال يقلل من ؛لسياسية واالجتماعية واحلركيةمن رأي وتقييم للتشريعات العامة ا

نظر إليه النظرة الصحيحة، وجيب اقيمة رأي أي واحد من أطراف هذه القضايا إذخذ أي رأي أو نظر أبعد من داللته كنظر وفكر يعني األمة على الفهم ؤيأال

.السياسيةوالتمحيص، وميدها بالزاد للنظر احلي والتطوير املستمر لقراراا التشريعية وألمة امكن تتل فكر العلماء واملفكرين باالهتمام والتفهم والتمحيص وبقدر ما يعام

وفق قناعتها ، قراراا التشريعية والسياسية بشكل موضوعي ناضجمن اختاذاحلقيقية ورؤيتها الشاملة، حىت يبقى القرار التشريعي االجتماعي السياسي واحلركي

ليا لألمة، وإن كان ال ينطبق دائما عن القناعة العامة واملصلحة اإلسالمية العمعربا مهما كان موضع هؤالء من األمة قدرا ،عينهاببالضرورة على رأي فرد أو فئة

.واحتراماوهكذا متثل الدراسات األكادميية مصدر فكر ومنبع حكمة، أما التشريعات

تبقى دليل عمل وحركة وقناعة يف مواجهة ما السياسية واالجتماعية احلركية فتتصدى له األمة من حاجات الواقع ومتغريات البيئة واالعتبارات العلمية احمليطة ا

بصددها القرارات أن تتخذ يف جمموعها، ،وبقياداا، واليت يتوجب عليهاارات السياسية وذا ميكننا أن ندرك أن اعتبارات القر.واإلجراءات الضرورية

والتشريعية هي غري اعتبارات الدراسات األكادميية البحتة، واملؤثرات اليت تتوخاها ظروف العمل الفكري بوتتعرض لضغوطها القيادات السياسية ختتلف عما حييط

فكل جمال من هذه ااالت له اعتباراته، ويتكامل كل منهما مع . واألكادميي .تعارض أو دعوى الوصولية والتلون واالنتهازيةاآلخر دون وهم الصراع وال

تتخذ

ت

در ما

جمموعها

Page 234: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

234

جيب أن ندرك أن ، ويف ظل الصورة الكربى ملسرية األمة،ويف اية األمر يف منطوق الوحي، ويف مثار الدراسات العلمية األكادميية، متمثلة ،كافة العناصر

امل ويف قرارات التشريعات السياسية واالجتماعية احلركية، إمنا تتفاعل وتتكوتتداخل لتكون عقل األمة وضمريها ومسريا التارخيية باجتاه اإلسالم وغايته

إمنا ينجم ورسالته، وإن أي افتعال للمواجهة بني هذه العناصر املكونة لفكر األمة يف صنع واقع األمة ومسريا عرب احلياة ه كل واحد منها، ولدورنه لكعن سوء فهم

خللط وسوء الفهم إمنا يضعف فكر األمة وميزق كياا ومثل هذا ا.والتاريخ .ويفقدها قدرا وفاعليتها

إن من أهم واجبات علماء الدراسات السياسية واالجتماعية واإلسالمية أن حيددوا الثوابت يف كيان األمة وفكرها، وأسلوب التعامل معها يف جمال البناء

تغريات، حبيث ال تنتهك البنية التشريعي والتنظيمي، والتصدي للتحديات واملالقيادية والدستورية لألمة، وحبيث ميكن حتقيق الكفاءة السياسية والتشريعية

.والتنظيمية بشكل علمي فعالمن الواضح أن األنظمة واملؤسسات الغربية والشرقية ال تصلح للتعبري السلمي و

على غري شاكلة هذه ،فاألمة اإلسالمية. عن حاجات األمة اإلسالمية السياسيةا م تتلمسهلذين، وتعترب احلق واحلقيقة الني مقدسني تعترب احلق والعدل واجب،األمم

ة موضوعية تسعى إىل بلوغها والتلبس ا، وتعترب يف الوحي والفطرة والعقل حقيقاملشورة منهجا أساسيا للوصول إىل ذلك احلق وتلك احلقيقة، وترى يف إحقاق

لتلبس به السبيل الصحيح إىل حتقيق املصلحة العامة واخلاصة يف مفهومها احلق وا ومن هنا فإن املواجهة والقولبة احلزبية الغربية ال حتقق مفهوم احلقيقة .اإلسالمي

الشورى اإلسالمية، كما أن التحكم والتسلط واالستبداد) ديناميكية(املوضوعية وال على غري مشورة من و، الشرقية املاركسيةعلى شاكلة األنظمةمن قبل الصفوة،

.األمة اإلسالمية، هو أمر أشد بعدا عن دين اإلسالم ونظامه

ن قبل الصفوة

Page 235: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

235

إن من واجب املفكرين والدارسني السياسيني واالجتماعيني املسلمني أن يعمقوا دراستهم إىل اجلذور واملنطلقات واألسس اليت تقوم عليها احلضارات واألمم

.كن فهم الفروقات وانعكاساا على األنظمة واملمارسات واإلجنازاتحىت مي

فاألمم واحلضارة الغربية يف واقعها املعاصر تقوم يف جوهرها على املفهوم ، وأما اجلانب القيمي الروحي الديين فهو بقايا تراث وتقاليد تالعقلي املادي البح

خالل ،والتحامها ،ة اإلسالميةمل ميكن التخلص منها بسبب القوة النسبية للحضاردخل مبا أ حسمهيفمما أمكن تال ،بكيان تلك األمم ،ما يسمى بالقرون الوسطى

.على الدين والكنيسة من اإلصالحات

وعلى ضوء هذه املادية العقلية قامت األنظمة الفردية الدميقراطية اليت اعتربت من خالل ،ل الصور لتحقيق أقصى ما يستطيع الفردفكرة األغلبية الربملانية هي أفض

مزايا لنفسه وفق ما يقرره فكره ورأيه أن حيصل عليه من مع غريه،التحالف األغلبية ملصلحة أعضاء حتالفها فيما وبذلك فالقرار الدميقراطي هو قرار. وهواه

،مرحلة الرفض والثورةإىل يف حالة احلكم باألقلية دون الوصول ،يريدونه ألنفسهم .املعارضةجرد االكتفاء مببل

وجاءت املاركسية كحركة إصالح غربية بلغت مبنطلقات احلضارة الغربية ، فأنكرت الدين وأعلنت اإلحلاد صراحة،هت العقل اإلنساين حني أل،مداها

وانتهت باإلنسان إىل املادة وطلبها والسعي الدائب وراءها، فاعتربت االقتصاد وبذلك أصبح . ر لإلنسان يف احلياة والتاريخاواحلاجات املادية هي املطلب واملس

وانعدم فيه معىن اإلرادة اإلنسانية، مما مكن يف هذا ،تاريخ اإلنسان وكيانه جربا . والدفع باجلموع اإلنسانية دفع قطعان األنعام،الفكر من قيام األنظمة االستبدادية

بأبعاده ،حرمان الغرب من صحيح هداية الوحيأن هنا إىل ولعل من املفيد اإلشارة السبب ،وقصور العقل وحده ، ووقوعه يف شراك املادية،الروحية واألخالقية

Formatted: Highlight

Formatted: Highlight

سبب التحامها

ث

ألقلية

Page 236: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

236

.احلقيقي ألزمة الغرب االجتماعية واألخالقية واالقتصادية

فهو .وهنا جيب مالحظة أن اإلسالم خيتلف مع الفكر الغريب يف أصل منطلقاته وجيعل غاية وجوده يف هذه احلياة هي ،سان بأبعاد كيانه املختلفةيعترف لإلن

ممارسة حريته يف االختيار بني حق وباطل، وصواب وخطأ، وخري وشر، وهذا فلسفة جتعل الغاية واحلق حقيقة موضوعية خارج كيان اإلنسان وإرادته، وأمنطلق

أنه علىحكم ليسلل ولذلك كان مفهوم اإلسالم .عليه أن يسعى إليها ويطلبهاو أي التشاور وتقليب النظر ، الشورىبل على أنه) أي الدميقراطية(حكم األغلبية

وفق ،ملعرفة وبلوغ ما هو حق وصواب وخري فيما يعرض لألمة واجلماعة من أمور بغض النظر ،متطلبات وحاجات اجلماعةوفق و،توجيهات الوحي وسنن الفطرة

.فراد من أهواء ورغبات ال تعرب عن احلق واخلري لألعما يعن غري منطلق ، ويقصد إىل مقصد،وهكذا فإن مفهوم الشورى ينطلق من منطلق

احلاجة إىل االلتزام ، ك وإن تشابه معها يف بعض الوجوه،الدميقراطية وغري مقصدها ،إلمجاع فيهبرأي األغلبية إذا غمت احلقيقة وقامت احلاجة إىل قرار ال سبيل إىل ا

ألن األغلبية مظنة الصواب وقرارها ميثل القاعدة السياسية األدىن اليت ال بد منها ومؤسسات الشورى وأنظمتها ال بد أن تعكس طبيعة . إلنفاذ أي قرار عام

، ضمن مقولة الوحي ومقتضيات الفطرة والسنن،الشورى يف طلب احلق واخلري الدميقراطية ومؤسساا وإجراءاا اليت وهي بذلك ال بد أن ختتلف عن أنظمة

وما يرونه من ،تسعى إىل قرار ذايت ينبع من رغبات وآراء أعضاء التحالف احلاكم .أمر مصاحلهم ومصاحل أممهم

يف أي جانب من األنظمة االجتماعية ،ولعله من املفيد أن نعلم أنه حني يتحتمنظام القضاء حىت ولو كان نظام ل مث، العلم املسبق بقواعد وضوابط معينة،الغربية

فإننا جند إجراءات النظام ،ـياحمللفني أي أنداد يتم اختيارهم للحكم على اجلان ولذلك ال بد من وأجهزته وترتيباته تعكس طبيعته وطبيعة حاجته إىل العلم املسبق،

Formatted: Highlight

ال

كن هو مفهوم

يف

ب

Page 237: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

237

إلرشادهم وتوضيح جوانب األمر، إىل جانب احلكام احمللفني،تعيني قضاة مؤهلني . واملسبقات اليت عليهم أن يراعوها يف نظرهم لألمر أو يف قرارهم،املعروض أمامهم

فإذا كان النظام السياسي اإلسالمي خيتلف يف منطلقه وطبيعته عن النظام السياسي الغريب الدميقراطي والشمويل فال بد أن تعكس مؤسسات النظام اإلسالمي

.وإجراءاته هذه الطبيعة

النظام السياسي اإلسالمي حرية اإلرادة وما يترتب عليها من ال بد أن يعكسال نفسه الوقت ويف .حرية العقيدة وحرية الفكر وحرية األداء االجتماعي املنضبط

بد أن يعكس قناعات األمة والتزامها األيديولوجي القائم على قصد اخلري واحلق ،ن الفطرة ومستلزماا وسن، من خالل مبادئ الوحي وقيمه،والعدل للجميع

وال يكون ذلك إال من خالل قيادات متثل اجلماعة .بأسلوب الشورى املؤهلةويف نفس الوقت لديها من العلم وااللتزام يف ذاا وفيما ،وتنبثق عنها خبيارها

يوضع حتت تصرفها من إمكانات ومؤسسات ترشد جهد القيادة وعلمها وتوجهها على غرار احملاكم م وخارج نطاق احلكم والتشريعخالل عملية التشريع واحلك

.والقضاء الدستوريلعل هذا العرض يوضح أمهية الرؤية الشمولية لفهم األنظمة ومقارنتها، ويعيننا على رسم معامل رئيسية كبداية للتفكري يف نظم إسالمية أصيلة تستفيد من جتارب

غري منطلقاتنا وتسعى إىل غري دون تقليد أعمى ملسريم اليت تنطلق من ،اآلخرين .غاياتنا

فما هو النظام الذي يعرب عن الروح اإلسالمية يف ميدان املمارسة السياسية وكيف ميكن حتقيقه؟

) أيديولوجية(ال شك أن النظام اإلسالمي يتميز بشروط ومؤهالت عقدية والتثقيف خاصة جيب أن تتوافر ضماناته واخلربة بأدائها يف أسلوب التربيةةدستوري

ويف طريقة عمل النظام السياسي اإلسالمي ومؤسساته السياسية ،والتوعية السياسية

Formatted: Highlight

س

Page 238: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

238

والتشريعية، كما أن التنظيم السياسي للفئات السياسية ال بد أن يكون من الكفاية واملرونة حبيث يوفر املشورة واخلربة الالزمة لتمثل الرؤية اإلسالمية والوفاء بشروط

وتعدد جمالس املشورة والقرار، ،عين ذلك تعدد مسؤوليات السلطة وقد ي.أدائهاحبسب احلاجة العملية يف ااالت احلياتية األساسية، والقطاعات والوظائف

.االجتماعية اهلامة

أما وسائل التعبري والتنظيم السياسي فإا بدورها جيب أن تأخذ أشكاال مرنة املبنية على أساس ،ن احلركة السياسية البناءةمتكن نواب األمة وقيادا السياسية مفاألحزاب السياسية يف النظام السياسي . القناعات املتجددة يف كل قضية هامة

اإلسالمي أقرب ما تكون إىل التجمعات الربملانية اليت ال ختضع لقيود ومواقف ضوعية حزبية مسبقة، فيأيت أداؤها وتفاعلها مع األحداث مبنيا على القناعات املو .وما توفره الشورى من حكمة وفهم ومنهج الختاذ املواقف وإلصدار القرارات

ما فعلته ؛ولعل من أهم اخلطوات اليت نرجو هلا النجاح والنماء واالنتشار إىل جانب مساحها ،األحزاب احلاكمة يف بعض البالد اإلسالمية، حني قامت

قيادات إسالمية قوية ىل صفوفها إضمأن ت باإلقدام على ،بتكوين أحزاب سياسية وباحلكمة وفهم معطيات الواقع السياسي ،، تتمتع بااللتزام اإلسالمي الصادقفاعلة

حبيث أصبحت هذه األحزاب تضم ، كما تتمتع باحترام اجلمهور وثقته،وإمكاناتهء مرونة القرار من أثر هذا اإلجراحتققتكافة الفئات القيادية القادرة واملؤثرة، و

. وتفاعله مع كافة احللول والبدائل املمكنة،السياسي وشوريته

إن ما نراه من تطورات يف احلياة السياسية املعاصرة فيما يعرف بالدول يوضح كيف ميكن أن يتعاظم دور األمة يف تنظيم احلياة السياسية ومحايتها ؛املتقدمة

وتطوير العمل السياسي مبا يضمن ،اسية والعمل يف بناء املنابر السي،من الفسادمزيدا من استقاللية القيادات السياسية وموضوعية قراراا، ومن متثيل القيادات

كل هذا جيب أن يشجع املفكر املسلم .السياسية جلمهور األمة ومصاحلها العامة

ىل صفوفها

هي

صبح

و

Page 239: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

239

مة ع املسلم على تصور إمكانات متزايدة ألنظمة بديلة تتناسب وحاجة األواملشر .دي والنفسي دون حاجة إىل التقليد أو التلفيقاإلسالمية وطبيعة تكوينها العق

وإذا نظرنا إىل تعاظم حجم األمة اإلسالمية ومنوها وامتدادها على وجه أصبحت تشمل جمتمعات ذات بيئات طبيعية وتارخيية وحضارية إذالبسيطة،

كم يف البالد اإلسالمية على خمتلفة، أمكن لنا أن ندرك أن توزيع مسؤوليات احل وبأسلوب احتادي حتالفي ، من املدينة والقرية إىل املقاطعة والوالية،مستويات خمتلفة

مرن، قد يكون مما يناسب األوضاع القائمة اليوم يف البالد اإلسالمية، وييسر ئاا يف أفضل ملشاركة أفراد األمة وفاالعملية السياسية أمام قياداا، ويوفر إطار

.محل املسؤوليات وإعطاء األولويات املناسبة للعمل السياسي واالجتماعي جيب إن املقدمات اإلسالمية لعلم السياسة اإلسالمية والعمل السياسي اإلسالمي

يتوجب على أنه نظام تارخيي بعينهأن توفر النقلة املطلوبة، من فهم نظام اخلالفةالتارخيية اليت مارستها األمة يف أزماا السالفة؛ إىل أنه حماكاته والتقولب يف أوصافه

عينها، ويسعى إىل إرساء قيم ب يهدف إىل حتقيق غايات ومقاصد نظام حركيوعلى ذلك . يف احلياة اإلنسانية، رعاية ملصاحل األمة الدينية والدنيويةمعينةومبادئ

سالمي يف األنظمة واإلجراءات األساس فليس هناك ما مينع من إعادة النظر اإل . كما هي يف واقعها إلعادة تشكيلها مبا خيدم مصاحل األمة،واملؤسسات

إن ما ظنه كثري من الدارسني من أن نظام اخلالفة نظام سياسي جامد، قام جيب أن تزول عنه القداسة، على مركزية السلطة واحلكم، هو فهم سطحي قاصر

لتحقيق غاياا السياسي، الذي تقيمه األمة وترتضيهفأيا كان النظام والترتيب ومقاصدها اإلسالمية الدينية والدنيوية، فإن ذلك الفهم هو لب نظام اخلالفة الذي

أال يلقي الدارسون باال إىل جيب جيب أن تسعى األمة إىل حتقيقه وبناء أركانه، و إمنا ينجم عن ضعف ،اللب بعيدا عن اجلوهر و،الشكليات التارخيية، ألن التقيد ا

وينـزع بالفهم إىل ، ويزور الرؤية،اخلربة وانعدام املمارسة، مما خيلط املفاهيم

ينها

يث

Page 240: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

240

.جماالت العاطفة واخليال

ومن املقدمات اإلسالمية لعلوم السياسة معرفة دور الغايات واملقاصد تالف ويف واقع اإلمكانات واخ، اإلسالمية يف حياة األمة ونظامهاوالتوجهات

.املواقع واملصاحل ووجهات النظر

،مفهوم الواقعية واخليالية هو إطار الفكر السياسي الغريب ملثل هذه القضيةوموقف ذلك الفكر هو التهوين من شأن األخالق واملعايري، باعتبارها مناقضة

.للواقع وأحواله ومتطلباته

ظرة الكونية الكلية، ملا وإذا كان لإلنسان الغريب عذره يف افتقاره إىل أدوات النقد الثقة يف ت ويف،أصاب مصدر الوحي يف ثقافته من حتريف خيلط احلق بالباطل

الدليل، وخيل مبيزان التعامل مع الفطرة اإلنسانية، فليس يف اإلسالم جمال للخيالية، وما جاء به من غاية وقصد وتوجيه ليس من وميات البشر وأمانيهم، ولكنه يف

.الفطرة واحلق الذي قامت عليه السموات واألرضأصل اخللق و

هي مقابلة احلق والباطل واخلري والشر ،ويف اإلسالم مقابلة من نوع آخرفليس يف نظام اتمع اإلسالمي خيالية . والضالل واالستقامة واالحنرافواهلداية

يف مقابل فساد واحنراف وضالل، ،وواقعية، ولكن هناك حق وهداية واستقامةتتراوح األحوال واألعمال بينهما بقدر نصيب النفوس واتمعات من حس و

.املسؤولية وجدية السعي وحسن األداء

وحس الفطرة السوية يف قصد احلق والعدل واخلري، ال ،دون هداية الوحيبودون بفال استقامة تمع اإلنسان . يبقى من اإلنسان إال دوافع الشر واإلمث والعدوان

يستقيم اخلري والعدل، وبقدر نصيب اخللق القومي غاءق وأخالقية القصد وابتتأثري احل عن احلق واخللق ليستقيم الواقع ويصلح اال غىن هلواليت أمر األفراد واتمعات،

.أمره وتقل فيه مؤثرات الفساد واالحنراف والضالل

د

در استقامة

Page 241: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

241

من ، املعاصر مما ابتلي به منذ وقت مبكرمن املهم أيضا تنقية الفكر اإلسالميوخالفات وظروف زمانية ومكانية جعلته يصرف النصوص والوقائع عن حقيقتها، ويتجاهل ظروفها الزمانية واملكانية، لريتكز إليها فريق أو آخر، استجابة مليل وغاية

، لقبلية العربيةبسبب الصراع بني النعرة الفارسية وا، و ومن هنا،يف احلكم والسياسة ملنازعة احلاكمني ذريعة؛ دعوى االنتصار ألسرة أو نسب أو عرق لورثةقامت

وكانوا اليت سكنت بالد الشام - اجلنوبهم قبائل ومن خلف،العرب من بين أمية من احلكم والتحكم، وانتصارا للمغلوبني والساخطني مشروعية- يستندون إليها

حلضارة املدحورة يف فارس وأبناء قبائل الشمال اليت كانت أبناء اإلمرباطورية وا -ق، كما حتولت احلكمة السياسية إلمساك قريش بأمر اخلالفة اتسكن بالد العر

-حني أعلنت قبائل العرب العصيان السياسي على دولة الصدر األول يف املدينة ستئثارا رفت عن ظروفها ومقاصدها ا ص وذريعة نصوص،إىل دعوى نسب وصفوة

. باحلكم والسلطة

كما تعالت أصوات اخلوارج ونـزعات الفوضوية باإلنكار على كل ذي حق وفضل ميكنه من ضبط شؤون األمة وأمنها وسالمتها ومكانة وقدرة وشرف

ومل تكن دعواهم يف حينها إال ، بدعوى املساواة،وترابطها ووالئها السياسي ومناوأة لوالة ،ا للفوضى والتمزقسويغلها وتخروجا على اجلماعة ومتزيقا لشم

.األمر وأصحاب السلطة السياسية املركزية

وهكذا انصرفت األمة اإلسالمية ومفكروها يف وقت مبكر عن جوهر التوحيد يف احلكم، ومعىن الشورى يف بناء وتسيري شؤون األمة، إىل مقارعة النصوص

لدعاوى املضادة هلا، وإىل تصيد النصوص الدعاوى وا نشوء وإىل، ببعضبعضها، مبا انتهى باألمة اإلسالمية ألن هذه الدعوى أو تلكوالوقائع اليت جتري يف ركاب

.تكون أبعد ما تكون قدرة على محل رسالة اإلسالم وبناء نظامه وجمتمعه

ما أنه

امت

ير

حدة يف تلك الدعاوى أو أخرى

Page 242: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

242

وإسالمية القاعدة ،ور والتربيةإن إسالمية احلياة السياسية معناها إسالمية التص واإلسالمية معناها التزام قيم اإلسالم األساسية .والقيادة والتنظيم واإلجراءات

ومقاصده، مبنهج شورى عملي واقعي صحيح، وتربية أبناء األمة وقاعدا السياسية .على هذا االلتزام وهذا النهج السوي امليسر

هي التزام الغايات اإلسالمية، ومصادر الفكر أما إسالمية الدراسات السياسية فاإلسالمي، والتزام املنهج اإلسالمي، ودراسة الواقع واألنظمة والعالقات بأساليب .ووسائل علمية صحيحة مناسبة يف ضوء ذلك االلتزام، ومن خالل ذلك املنهجلول واهلدف من ذلك توضيح الرؤية، وتيسري الفهم واإلدراك السياسي واقتراح احل

.والبدائل السياسية اإلسالمية

لفهم موضوع الفكر اإلسالمي السياسي واالجتماعي ،ومن املهم أيضاالسليم، أن نعلم أن العربة يف النهاية بنوع اإلدراك الفكري االجتماعي الذي

فهذا القرار هو .ينعكس على نوعية القرار السياسي واالجتماعي يف اتمع املسلم إدراك ، عن طريقوالقصد اإلسالمي مع الفطرة والواقع) الوحي(النص نتيجة تفاعل وممارساا، وهلذا جاء املفهوم القرآين يوضح هذه العالقة وارتباط القيادة وقراراا

أطيعوا الله وأطيعوا : وذلك يف قوله تعاىل، دون انفصام ببعضبعضهاأجزائها فالطاعة واالنصياع واملمارسة تتأتى . )59: النساء (مر منكمالرسول وأولي األ

جمرد يف نصوص الوحي، ولكن من خالل مدرسي ليس من خالل نظر؛إسالميا ممثال يف قيادة إسالمية ملتزمة متثل األمة، ،تفاعل علمي بني النص وبني الواقعتواجهها، باجتاه حكمة والتحديات اليت ،وتعكس واقعها، وتنطلق من حاجاا كلمة :كأي نص مكتوب) الكتاب والسنة(النص وغاياته، وإال أصبح نص الوحي

. وجماال لسوء الفهم وشطحات الفكر، وأداة للتناحر، ووسيلة للتمزق،هامدة

ليس لألمة أن تنثين عن التصميم على أن تقيم بني صفوفها قيادة إسالمية و وسبيل اإلفادة ،ه القيادة هي شرط االنتماء إىل األمةهذوجود لالسعي إن . ملتزمة

ب

واسطة

ه

Page 243: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

243

من الوحي وتوجيهاته، وال جمال للفصل بينهما، فإذا أصلحنا مناهج فكرنا أمكننا ا القاعدة اإلسالمية االجتماعية دون شك الوصول إىل املفاهيم والوسائل اليت ت بىن

.تزمة وتنبثق عنها القيادة اإلسالمية القادرة املل،العريضة كاإلمام ،ماإن الفكر اإلسالمي الذي تفتحت وبدت إرهاصاته يف رجال عظ

املاوردي، والفيلسوف املفكر الفارايب، والسياسي الفيلسوف ابن خلدون، جيب أن ينبعث ويتطور ويستكمل أبعاده العلمية ودراساته املنهجية، لتوفري الوسائل اليت

.الرشيدن األمة من القيام بدورها احلضاري متك

: اإلسالمية والعلوم التقنية-3

يف مرحلة سابقة من مراحل حياة األمة، ويف ظل الضغوط احلضارية والعلمية اليت هبت عليها من قبل الغرب، وبسبب ضباب الرؤية وضعف الفكر، خلط

موضوعية احلقيقة والسنن والطبائع، : أوهلما: املثقفون املسلمون بني موضوعني االستخدام اإلنساين واالجتماعي للحقائق والسنن والطبائع ذاتية: وثانيهما ، وأقبل املثقفون املسلمون على احلضارة الغربية ومعارفها املختلفة.والكائنات

بكل ما حتتويه ،وتقبلوها وقلدوها مجلة واحدة باعتبارها حضارة ومعرفة موضوعية اإلنسان الغريب يف خدمةجوانبها من معارف بالسنن والطبائع، واستخدام

وحضارته الغربية، وعمموا صفة املوضوعية واحليادية على كل ألوان احلضارة وتطبيقاته واستخداماته،فكر الغريب فكرا موضوعيا حياديالواملعارف الغربية، واعتربوا ا .مطلقة وعاملية وحيادية

ف العلماء حلضارات املختلفة، اعتروبتقدم الوعي اإلنساين واتصال األمم واصوصية كثري من جوانب الفكر اإلنساين، وخصوصية قدر كبري من خبواملفكرون

وتطبيقاا للحقائق والسنن والقوانني ،املفاهيم والغايات واحلضارات اإلنسانية .واملفاهيم والقيم، واستخداماا للمواد والكائنات

بينوا

هي تطبيقات واستخدامات

Page 244: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

244

إمنا - كسواها من احلضارات اإلنسانية - الغريب وبذلك فإن حضارة اإلنسانهي حضارة تنبثق من عقائده ونفسيته وتوجهاته وتارخيه، وتعرب عنها وتعمل على

مصادرها من املعرفة الكلية الربانية، ،من ناحية أخرىفقدت، حتقيقها، كما أا انتهى ا إىل أن تصبح ومن نصيبها من اإلرشاد اإلهلي، ملا أصابه من حتريف وتغيري

حضارة جزئية تعتمد يف كثري من أمورها اهلوى والنـزوات والرغبات واحلاجات بذلك إىل حضارة مادية، تؤله الفرد وشهواته تاإلنسانية واملادية وحدها، فتحول

ورغباته، وتقطع كل صلة له باجلانب الروحي والكلي يف وجوده وغاية حياته، ، تعيش على وفرة ما حققت من املاديات، ،احلضارةهذه شعوب ولذلك جند

يف قلق نفسي، وإفالس روحي، وتفكك وصراع اجتماعي، واإلنسانية من ورائها، .تتهددها احلرب والدمار، وتعصف ا املخاوف واألزمات

وإذا كانت ذاتية . ومن املهم أن ندرك أن املعرفة الغربية ليست كلها موضوعيةيع العلوم االجتماعية وجماالت دراساا مما يسهل اليوم فهمه وإدراكه، فإن مواض

ذلك ألن هذه العلوم .العلوم التقنية ال ختتلف يف احلقيقة عنها إال من حيث الدرجةليست دراسات جمردة أو عشوائية يف طبائع املواد والكائنات، وإمنا هي دراسات

لإلنسان، وتسعى لتحقيق تلك وعلوم تنبعث من غايات وتصورات ذاتيةوبذلك تكون املعارف اإلنسانية يف جمال احلقائق املوضوعية . التصورات والغايات

للسنن والطبائع هلا جوانبها الذاتية من حيث أا وسائل لغايات وتصورات إنسانية؛ معارف احلضارات األجنبية وعلومها يف إطارها الصحيح، وما متثله جيب أن يضع

ت وأهداف، وما تنطوي عليه من قيم وتوجهات وفرضيات، وما تكونه من غاياإن التعامل القاصر املقلد ال بد أن ينتهي باألمة . من أولويات وفكر واهتمامات

وعقائدها وفكرها وتصوراا إىل حال من اخللط والتخبط يهدم كل طاقات النمو .املستقل وكل قدرة على األصالة واملبادرة

ألا ،عن موضوعية العلوم واملعارف الغربية وحياديتها ال سند له إن احلديث

Formatted: Highlight

د

دت

ن شعوا

عيش

Page 245: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

245

وال يتوافر هلا منها إال إشارات بقايا من تراث ، واهلدايةوالدليلية غاتفتقد الالرساالت ونوازع الفطرة السليمة، وال يغري من أمر هذا النقص اخلطري وال يغين

العلمية ملفردات السنن عنه كل رصيد احلضارة الغربية من جزئية الكشوف .والنواميس املادية والفطرية للكائنات واملواد

ويف مجيع ااالت العلمية ،إن اإلجناز الغريب على ساحاته الشرقية والغربية ال يتعلق يف جوهره إال باجلزئيات يف الوجود وظاهر صفاا ،االجتماعية والتقنية

حضارة ضالة انتهت باإلنسانية إىل أسوأ املادية، أما من الوجهة الكلية فإا تظلوعلى العقل . ألوان احلرية والشك والقلق واخلوف والتمزق والصراع والدمار

اإلسالمي أن يقوم بالتمحيص والفحص واالنتقاء لتبيني وجوه القصور واخللل إن األمة اإلسالمية ومثقفيها وعلماءها . وفساد التوجه والتطبيق يف هذه احلضارة

ا وجذورها لا مطالبون بالوعي الكامل وقادطبيعة احلضارة الغربية وخصوصياولكي يتم هذا . وإجيابياا وسلبياا، يف كل جماالت عطائها االجتماعي والتقين

اهلدف ال بد هلم من إحكام املنهج واألسلوب واملوازين اإلسالمية السليمة اليت يتم وتاليف وجوه ،إلفادة من هذه اإلجنازات واإلجيابيات وا، التمحيص والتقوميا

.النقص والسلبيات ال ،ا الطبيعية والتقنية منهوالسيماإن احلديث احلق عن املوضوعية يف العلوم،

جمال له إال يف املنطق اإلسالمي، ألن الفكر اإلسالمي يف حبثه اجلزئي عن الفطرات ينطلق من قصور الرؤية العقلية واجلزئية والسنن يف طبائع املواد والكائنات ال

فتأيت املعرفة والعلوم ، ولكنه يلحقها بكمال العلم الرباين الكلي ومشوليته،احملدودةعندئذ سليمة الغاية والتوجه، حتقق احلاجات املادية والروحية لإلنسان، وتوفر له

قني مرتبة السلم واألمن الرفاهية املادية والطمأنينة النفسية، وتبلغ باملؤمنني الصاد .الشامل

إن تكامل الوحي الكلي والعقل اجلزئي يف بناء املعرفة اإلنسانية ومعرفة السنن

Formatted: Highlight

سطتها

ى

اصة

Page 246: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

246

والفطر والطبائع يف الكون والكائنات هو أهم وجوه العطاء اإلسالمي للحضارة ،وإن سالمة توجه البحث العلمي. اإلنسانية وترشيد مسريا يف عاملنا اليوم

والفلسفة احلضارية اليت حتكمها، ال تقل أمهية عن ، املعرفة واستخدامااوتطبيقاتاكتشافات العلم لسنن الفطرات املادية ونواميس اخلالئق والكائنات، بل إن كليات

.املعرفة هي اليت تقرر صالح تلك املعرفة ووجوه اخلري والصالح فيها

ال تعين ،والتقنية خاصة ويف العلوم الطبيعية ،فاإلسالمية يف العلوم عامةبالضرورة حمتوى جزئيا ماديا وفنيا مغايرا ملا ميكن أن تصل إليه مالحظة العقل

ره يف طبائع الفطرات ونواميس تكوينها وحركتها، إال أن كمال املعرفة البشري وتفكاإلسالمية ال بد أن يوفر توجها ومردودا أفضل جلهد العقل وإدراكه للطبائع

ومرد ذلك إمنا يرجع إىل سالمة فرضيات املعرفة اإلسالمية وتوجهاا . نواميسوال الذي قد يغفل عنه العقل احملدود وحده، ، فتتجه به إىل اخلري،الكلية وكمال مصدرها

.وتصيب فيه ما قد يضل عنه ذلك العقل، وتتوخى فيه ما قد ال يدرك وجوده

جه وسالمة الغاية وسالمة الفلسفة اليت إن اإلسالمية تعين يف اجلوهر سالمة التو فيصبح العلم ،تتوخاها أحباث تلك العلوم واهتماماا وتطبيقاا وإبداعاا

.اإلسالمي علما إصالحيا إعماريا توحيديا أخالقيا راشداوإذا متعنا يف مسرية احلضارة والعلم يف تاريخ اإلنسانية جند أنه يف ظل احلضارة

منت براعم العلم احلديث ومنهجيته ومؤسساته وخدماته االجتماعية اإلسالمية وبقدر ما حققت احلضارة اإلسالمية لإلعمار واإلصالح من .والصحية والصناعية

طاقة وساحة مألت التاريخ اإلسالمي، فإننا نلحظ يف الوقت نفسه أنه مل يكن جاءت احلضارة الغربية و. للدمار ووسائل اهلالك وخمترعاته ومستحدثاته باع فيها

ومألت العامل باألسلحة واملتفجرات ووسائل اإلبادة والدمار، وكان التدمري والظلم والعسف والفساد والعدوان والتسلط واالستعمار هو هدية هذه احلضارة إىل شعوب األرض منذ أن اشتد ساعدها وأصبح هلا أساطيل وجيوش جتوب البحار

Page 247: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

247

،حلرمات، وانتهى احلال بالعامل يف ظل احلضارة الغربيةلتستغل الشعوب وتنتهك ا إىل أن األمم والشعوب غري الغربية تطوي ،رغم كل أكداس العلم واملعرفة والتقنية

بطون أبنائها على اجلوع، وتغرق عقول أبنائها يف اجلهل، وتقع خاليا رعاياها ، مع وسائل القتل مرض، وللتسابق إىل شراء العالج، وصناعته وتكديسهللفريسة

والسفك والتخريب والدمار، بل إن جل مثار العلم يف عامل اليوم إمنا يأيت نتيجة والسباق على امتالك وسائل ،لألحباث واألموال املرصودة من أجل صناعة القتل

. وتطوير وسائل احلرب والقتال،الدمار

انية رؤية هو أن تقدم لإلنس؛إن التحدي الذي يواجه العلوم اإلسالميةتحقيق لوتطلعات وحتديات جديدة جتعل العلم واملعرفة يف خدمة اإلنسان وخالفته،

.غاية اإلصالح واإلعمار ورعاية الكون والكائنات

إن إسالمية العلوم الفيزيائية والتقنية هي قضية فلسفة العلم وعالقته باحلياة ن منظور إمياين توحيدي واتمع، وانطالق اإلنسان اإلصالحي للحياة والوجود م

صلح ما أفسده العمى الروحي، واالنبهار املادي، والقصور أخالقي مشويل، ي . على خمتلف صورها يف الشرق والغرب، الذي تعاين منه احلضارات املاديةاملنهجي

عن عمل أنه ألمر جد عجيب أن يعجز البشر يف ظل احلضارة الغربية املعاصرة تسلح، وعن التباري إال يف إنتاج أسلحة اهلالك والدمار، وعن إال يف سباق للكبري

ح احلق ملن ب إال يف توازنات اخلوف والرعب، وأن يصأن يفقدوا اإلحساس باألمن .الغىن والرفاه للصفوة والقلة من األمميكون ميلك السالح والقوة، و

اجلسيمة اليت حتدق ا، ألمر ، واألخطار الشاملةاإلنسانيةالذي بلغته ال احلإن تم أن تكون هناك رؤية أفضل حملمن اتأباه وترفضه الفطرة اإلنسانية السليمة، و

وأجدر باإلنسان، وبوجوده وحياته، وبغاية هذا الوجود وهذه احلياة يف هذا الكون، وما لغري هذا زود اإلنسان بالعقل والوعي والضمري وبنوازع الفطرة السوية

ذي بلغته

Page 248: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

248

.ليمةالس حدا يستدعي هداية لقد بلغت اإلنسانية وحضارا وخماطرها وصراعاا

الكليات الربانية، ويتطلب الرؤية الشمولية املوضوعية اإلسالمية، وحيتم قيام دون املثال امللموس، والنموذج احلي، بولكن . حضارة الفالح واإلصالح واإلعمار

إن قيام .م احلل اإلسالمي وال تفه،الميةلن يسهل على اإلنسانية تصور الرؤية اإلساملسلمني بواجبهم يف إنقاذ أنفسهم وهداية حيام هو الذي يعني على فهم الرؤية

.اإلسالمية املوضوعية وتقبلها واإلفادة منها من قبل شعوب األرض

وإسالمية العلوم تعين أيضا مواجهة أزمة فكرية وتربوية يف الكيان اإلسالمي ، نتجت عن قصور األداء اإلسالمي يف هذه ااالت؛ته العلمية والتعليميةومؤسسا

فلجأت للترمجة احلرفية ملصادر املعرفة األجنبية، بل إن كثريا من مدارس العامل مدارس الدراسات العليا، ما تزال تقوم بتدريس تلك العلوم يف والسيمااإلسالمي،

م واحلضارات، بكل ما هلا من منظور مادي إطار فكري ينبع من رؤية تلك األم تعين من ؛يف ميادين العلوم التقنية) اإلسالمية( ومن الواضح أن مهمة .جزئي قاصر

دي الذي يقدم هذه املادة العلمية، ووضعها هذه الزاوية إصالح اإلطار الفكري العق إجيابية حترك يف دائرة اإلطار اإلسالمي، مبنطلقاته وكلياته وقيمه وغاياته، بروح

طاقة اإلنسان املسلم، وتضعه أمام مسؤولياته يف الكشف والتسخري والبناء واإلعمار .والقيام بواجب اخلالفة الصاحلة يف األرض

إن املهمة التربوية الكربى جيب أن حتظى باهتمام القادة التربويني يف البالد ،كتب دراسة العلوماإلسالمية، وهي مهمة متشعبة األطراف تتضمن وضع مناهج و

الرؤية واملفاهيم والغايات معه تعكس شكل ب،على كافة مستوياا بدءا بأدناها اليت تبدأ ببدء حياة الصغري وتتدرج مع عمره يف مراحل ،اإلسالمية، ألن املهمة

جيب أن تؤخذ مأخذ اجلد من قبل هؤالء القادة واملربني دون أدىن ،التربية والتعليمتراخ، حىت ال تستمر نفوس األجيال الناشئة وعقوهلا تعاين مما عاىن منه اون أو

اصة

يث

Page 249: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

249

.جيل اآلباء من تشوهات يف البناء النفسي والفكري ومن عجز يف األداء احلضاري

Page 250: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

250

Page 251: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

251

الفصل السادس

اإلســــــالم والمـســتـقـبل

Page 252: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

252

واملستقبلاإلسالم

من املهم يف اية هذا البحث أن نؤكد على أن اإلصالح اإلسالمي هو خدمة ولذلك جيب أن توجه جهود العاملني والقياديني . لألمة ولإلنسانية على حد سواء : اإلسالميني إىل ثالثة أمور أساسية

Page 253: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

253

.العمل باجتاه مستقبل األمة أي يف صفوف الناشئة من أبنائها: األول

دور املؤسسة العلمية يف حتقيق اإلسالمية وبناء املنظور اإلسالمي يف : الثاين .جمال العلم واألداء احلضاري الفعال وبناء األجيال املؤهلة حلمل الرسالة

هذا هو دور . العمل باجتاه مستقبل الوجود اإلنساين والبناء احلضاري: الثالثة احلضارة اإلنسانية وتسدد لكي تصحح مسرياألمة وفكرها اإلسالمي الراشد .مسرية الفكر اإلنساين املعاصر

: مستقبلية بناء األمة-1

حيتاج إىل إصالح، كما أن من ، كما هو قائم،من الواضح أن فكر األمة هو بناء خمتل، وإذا كان باإلمكان ، كما هو قائم،الواضح أن البناء النفسي لألمة

ن هذا ؛ فإم من معلومات وفكر جديدلألفراد واألجيال أن يدركوا ما يقدم هل ختتلف يف جوهرها عن عملية البناء ؛اإلدراك هو عملية ذهنية عقلية استظهارية

الذي يأخذ صفاته ومالحمه األساسية يف مراحل الطفولة واملراهقة التكويين النفسيمراحل العمر أما ما حيدث للبناء النفسي اإلنساين بعد ذلك للبالغني يف . عند البشر

التوجيهات يف فإن جل ما يطرأ على البالغ إمنا هو تعديل ؛والتكوين النفسي للفرد من طاقة وصفات نفسية اكتسبها يف مراحل والغايات يستمد فاعليتها مما حيمله

، وهلذا )1(»خياركم يف اجلاهلية خياركم يف اإلسالم إذا فقهوا«: عمره املبكرة حني تقبلوا غايات اإلسالم ونظامه، ،ألشداء األحرار الشجعانأمكن لبدو العرب ا

.أن حيققوا يف أمد قصري إجنازات هائلة كما وكيفا

دراك إل وهلذا فإن اجليل القائم من أبناء األمة اإلسالمية يتمثل دوره األساسياضن طبيعة الساحة، ومواقع العمل، وإمكاناته، وتقدمي الفكر اجليد، وبناء احمل

بالوسائل الصحيحة اليت تريب فيهم الصفات وذلك للناشئة، على املثل والنماذج،

. رواه البخاري)1(

و

إال أ

فرد

Page 254: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

254

.اجليدة، واإلميان العميق بغايات اإلسالم ومقاصده وتشريعاته

تكمن يف العمل املستقبلي، وإعداد الناشئة إن إمكانية التغيري يف كيان األمةداء دورها احلضاري بعد أن يكتمل ها ألعد ت؛ على أسس سليمةنفسيا وفكريا

فإذا أدى جيل اليوم دوره يف اإلعداد لتكوين جيل املستقبل؛ فقد جنح يف .تكوينها فإنه ذا قد خيطئ ؛أداء دوره، أما إذا ظن يف نفسه القدرة على األداء الصحيح

،اهلدف ويستنـزف الطاقة احملدودة املتوفرة للجيل، بسبب أخطاء تكوينه النفسيواليت يبدو أنه ليس باإلمكان تغيريها يف هذه املرحلة إال يف حدود ضيقة ال تؤهل

.إلخراج األمة من أزمتها

إن أمهية دور هذا اجليل هي بالدرجة األوىل يف العمل واإلعداد املستقبلي وإذا وعينا .ويئة املنطلقات السليمة والوسائل املناسبة إلعداد أبناء األجيال املقبلة

:ا الدرس األساسي أصبح من الواجب أن تتركز اجلهود لتحقيق أمور ثالثةهذ

.توفري الطاقة للبناء واحلماية من االستنـزاف )1

.توليد الفكر واملفاهيم والرؤية اإلسالمية الصحيحة )2 وبناء ، للناشئة تربية،توجيه الطاقة لترمجة الفكر واملفاهيم والرؤية اإلسالمية )3

.مؤثرانفسيا قويا سويا

والقيادات اإلسالمية ومجهور األمة، أن ،وهذا يعين أن على املفكرين املسلمني ال ميكن يدركوا أن جتديد طاقة األمة وقدرا ودورها القيادي يف مسرية اإلنسانية هي ما ميلكه أن يتحقق من خالل بناء نفسي ضعيف، وطاقة فكرية حضارية رديئة

جيب أن يكون دور األمة ولذلك .ي احلضاريجيل التخلف والتدهور والتردوقيادا يف هذه املرحلة بالدرجة األوىل هو العمل على جتديد الفكر والرؤية اإلسالمية السليمة، واعتبار أي جبهة أو معركة ال تسهم يف حتقيق هذه الغايات إمنا هي جبهات ومواجهات ومعارك استنـزاف ال جدوى منها يف هذه املرحلة من

ف

Page 255: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

255

إال بالقدر املفروض مراحل بناء الطاقة، وجيب عدم توجيه اجلهود والطاقات حنوهاا على مبادرات أعدائها، وبذلك ال تتحول هذه املواجهات إىل ردوعلى األمة،

.جبهات تصرف اجلهود عن الغايات األساسية

رية وجوهر أعمال البناء املستقبلي يأيت يف هذه املرحلة أوال يف الساحة الفك لتوليد الطاقة الالزمة ان األساسين وااالتان الساحإما. ويف الساحة التربوية

جهود األمة يف املعارك السياسية أماوحسم معارك األمة ومواجهة حتدياا، يبذل فيها إال ما يكفي حلماية اليجب أفوالعسكرية القائمة واملفروضة على األمة

.إلصالحجهود البناء وا

إن على مفكري األمة وقياداا أن يوضحوا جلمهور األمة واملربني من رجاهلا، معىن البناء النفسي، وأمهيته، ودوره يف كيان األمة، والعناصر املطلوبة لتكوينه، وذلك حىت تأيت األجيال املستقبلية من أبناء األمة على غري بناء األجيال القائمة وما

أ االبن والتلميذ والشاب نشتخلف والتدهور والضعف، وأن يسبقها من أجيال النفسيا وحضاريا على غري ما نشأ عليه جيل اآلباء واملربني، وأن يكون دور اآلباء

دور وليس بالضرورة قيامهم ب ،واملربني هو دور الدليل واملرشد إىل الغاية ووسائلها مثل الطبيب الذي يوجه اإلرشاد إىل هذامثلهم يف و. القدوة والنموذج املطلوب

الطبيب واليت قد يكون، العقاقري الضارة والعادات الصحية السيئةتجنباملرضى ل . فريسة هلا، بسبب ضعفه النفسي وقصور تربيته،نفسه

وميكن للمريب الذي ال ميثل القدوة الكاملة أن يكون مؤثرا إذا كان معترفا مثله يف ذلك مثل ،ملتدربني على فهم وجوه القصور وأسبابه وساعد ا،بقصوره

املدرب الرياضي املسن الذي ينقل املعرفة واخلربة دون أن يتمكن من ممارستها على .الوجه األكمل

بنائها ل و،إن مستقبل األمة رهني مبا حيدث من تغيري وتنمية لألجيال القادمة

ي

ت

ت

ن

البغ

اليف

هو

Page 256: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

256

وأمام هذا اجليل، فبقدر ما يوضع وهو حقل مفتوح أمام األمة. النفسي والفكريأيت الثمرة ويقوى ت ، ومن رؤية وجهد صحيح،يف نفوس الناشئة من قوة وطاقة

.العود

وعلى مفكري األمة وعلمائها ومثقفيها أن يكرسوا جهدهم الذهين إلصالح الفكر اإلسالمي وبناء الرؤية اإلسالمية على أسس سليمة، وتقدمي هذه احلصيلة إىل

ودليل عمل جلهود ، ورجاهلا ومؤسساا لكي تتبناها وتضعها حمتوى لفكرهااألمة .مسريا وبنائها املستقبلي

ويف سبيل حتقيق تلك الغاية جيب على مفكري األمة وعلمائها ومثقفيها أن ومعرفة ما تركته من أثر يف فكر األمة، ،يكرسوا جهودهم لدراسة املسرية التارخيية

سرية من احنرافات، حىت ميكن وضع مسرية األمة من جديد على وما نال هذه امل .اء مبدعاجلادة اليت جتعلها تولد فكرا ورؤى سليمة لعمل مستقبلي بن

وعلى مفكري األمة وعلمائها ومثقفيها النظر يف أسس ومفهوم الفكر ، ومنهجيته ومكوناا، وعالقة هذه املكونات فيما بينها،اإلسالمي ومكوناته

أدوارها يف توليد الفكر اإلسالمي، والرؤية واملعرفة اإلسالمية، يف كافة وجوه و .احلياة واتمع

على مفكري األمة وعلمائها ومثقفيها أن يعيدوا إىل الفكر اإلسالمي والرؤية وختطي الظروف والتجارب ،اإلسالمية أصالتها ومشوليتها وفطريتها وواقعيتها

ها من وتفريغ، اإلسالميةسببت احنراف الفكر والرؤيةوالعثرات التارخيية اليت على مر ،ها إىل شكليات وطقوس وشعارات سرابية ال تنتهي باألمةحمتواها، وحتويل . إىل نتيجة أو جادة،العقود والقرون

على مفكري األمة وعلمائها ومثقفيها النظر يف أصول الفكر اإلسالمي فقطت يف ي رؤية وفكرا وعلوما إسالمية، ليسومنهجيته، وجتلية قضاياها لكي تعط

Page 257: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

257

جماالت احلياة واالجتماع كافة يف ، ولكن فحسبجماالت الوحي والنصوص واللغةفاملنهجية الفكرية اإلسالمية تقدم معرفة ورؤية وعطاء حيا منظما . أيضااإلنساين

يف التربية والسياسة ، يشمل جماالت احلياة والنفس واتمع،متكامال مثمرا ، وفلسفة الفنون والعمارة والعلوم الطبيعيةواالجتماع واالقتصاد واإلدارة واإلعالم

هن اإلنساين وتستدعيها احلاجة وسواها من العلوم وااالت اليت يتفتق عنها الذ .احلياتية املتغرية

وضع األمة على مفكري األمة وعلمائها ومثقفيها أن يعلموا أن املسؤولية يفعلى جادة القدرة والتقدم تقع على عواتقهم قبل سواهم، وأن سواهم يف ذلك إمنا هو تبع لرؤيتهم ومشورم ونتاج هلا، وأم بقدر صمودهم وصربهم وجناحهم يف

يتحقق ووضعها باألسلوب العلمي السليم املقنع، ،تقدمي الرؤية واملشورة الصحيحةإن مدى حترك األمة حنو . خلدمة رسالتها وبناء حيااجناحهم يف حتريك األمة

القدرة اإلسالمية املبدعة لبناء احلياة هو مقياس جناحهم يف أداء دورهم وأداء ويزداد ختبطها ،تتعاظم معاناة األمةوبقدر تقصريهم يف إجناز هذا الدور؛ . واجبهم

.واستعصاؤها على االهتداء إىل اجلادة وبناء احلياة

،على مفكري األمة اإلسالمية، مسؤولية تقدمي الرؤية احلضارية املعاصرةوإصالح منهجية الفكر اإلسالمي، وحتقيق األصالة الشمولية العلمية يف هذا الفكر، وتقدمي التصورات والبدائل اإلسالمية يف جمال التنظيم االجتماعي والتربية

.ل والبناءيث حتصل األمة على دليل للعمحباالجتماعية،

حياة وعليهم بناء الوعي اإلسالمي لدى القادة واجلمهور يف هذه املرحلة مناألمة، وعليهم بناء منهج التفكري الشمويل اإلسالمي املستقيم الصحيح، ومتكني

،املبكرة يف مراحل التعليم ، وال سيمامناهج وأساليب البناء النفسي السوي الرشيد وما يتبعها من مراحل التعليم العام، فالغد هو ، ومدارس احلضانة، املنـزلبدءا حبضانة

.الناشئة، والقوة هي الشباب، وعلى األمة أن تبدأ بالعمل إلعداد رجال الغد

ضا

افة

در

در ما

رحلة

خصوصا

Page 258: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

258

إن من املهم لدى املفكرين واملربني إدراك دور األبوة واآلباء يف إعداد جيل ت بشأن منهج وأساليب تربية أبنائهم فإن الوصول إىل قناعات اآلباء واألمها.الغد

ال يعدله أمر تربوي آخر، ألن البناء النفسي والقيمي يعتمد إىل حد كبري على .م والتطلعات اليت جتري يف عالقات األسرة وباملنظور والقي،عالقات اآلباء باألبناء

،ه الفشلوأي جهد يف املدرسة أو يف اتمع ال ينال قناعة اآلباء واألسرة فإن مصري .ولن يستحيل على األسرة أن تقاومه وأن تفسد أثره

ولذلك فإن جناح املفكرين واملربني يف التغيري يرجع يف أصله إىل الوصول إىل وحسن نقل القضية التربوية إليهم، حىت يقوم املنـزل واألبوة بدورمها ،قناعة اآلباء

اقة اآلباء يف التضحية من أجل إن ط. يف حتقيق الغايات وإجناح اجلهود املطلوبة ولذلك فإن ، ليس هلا مثيل أو بديل، ومحاية مصاحلهم، وحتقيق النجاح هلم،األبناء

وتوضيحه وتبسيطه وشرح وسائل ، وحسن أداء هذا اخلطاب،خطاب اآلباءغيب عن وعي املفكرين واملربني واملصلحني يف هذه ت الجيب أة أساسيورأم ،إنفاذه هو الطريق األساسي للتغلب على أي عقبات هذا .لة من مراحل بناء األمةاملرح

بغض النظر عن الدوافع ،تضعها األنظمة واملؤسسات يف وجه اإلصالح والنمو .والغايات

:اإلسالمية واملؤسسات العلمية -2

ولن يكتمل احلديث عن املستقبل قبل أن نتناول دور املؤسسة العلمية فمن الواضح أن أزمة األمة . حتقيق اإلسالمية وبناء املنظور اإلسالمياإلسالمية يف

اإلسالمية يف احملصلة النهائية هي يف كيفية بلورة قيمها وتصوراا األساسية يف واقع ومن الواضح أن جهود األمة وتضحياا . اجتماعي حضاري قادر ومستقر

ا املتخلفة، بل إن هول املأساة السياسية والعسكرية مل تدفع ا بعيدا عن مواقعه وبني واهلوة تزداد بني مواقع األمة اإلسالمية وشعوا،يزداد فداحة يوما بعد يوم

و

ذلك

Page 259: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

259

كل ما تعنيه هذه اهلوة احلضارية من هضم وخسف ، بمواقع األمم املتقدمة وشعوا .وعدوان على أمة اإلسالم وحقوقها ودماء شعوا وثرواا

ليمثل غايات ومقاصد ،سالمي إىل مستوى الواقع احليايتوتنـزيل املثال اإل ال ، وأنظمة اجتماعية متطورة مستقرة، وخطة عمل فعالة مثمرة،حضارية سامية

ميكن أن يتم إال بعون وإسهام من مصادر املعرفة والعلم واملنهج الفكري العلمي .ا وتنشئتهمالسليم الذي يستقر يف ذهن األمة وضمريها ومكونات تربية أبنائه

مع املنـزل جنبا إىل جنب ،واملؤسسات العلمية والتعليمية يف البالد اإلسالميةل الذي تنشأ فيه القوى والطاقات هي الساحة الكربى، واملعقل األو ،واألسرة

واملنطلقات، وهذه املؤسسات هي اليت يناط ا إعداد الساحة وتأهيل أبناء األمة .لكوادر والطاقاتوإعداد ا

إذا أردنا هلا ،وال ميكن للمؤسسات العلمية والتعليمية يف العامل اإلسالمي ، أن تستمر هياكل وأطالال تترهل بالكسل والعجز العقلي،النجاح يف مهمتها

.وتنضح بالتقليد واحملاكاة واملتابعة العمياء للفكر األجنيب

رجاء األمة اإلسالمية أن تبقى ال ميكن للمؤسسات العلمية والتعليمية يف أ العقول املسلمة إىل اخلارج للتأهيل ابتعاث ويف حاجة مستمرة إىل ،عقيمة عليلة

والتعليم واملتابعة، جيال بعد جيل، دون أن تنمو فيها ويف أرضها الطاقة واحليوية بدعني الذين لتخرج أفواجا من العلماء والدارسني الناني امل،العلمية واحلضارية

يقدمون لألمة وسائلها وكوادرها العلمية اجليدة، دون حاجة إىل اجللوس إىل موائد .األغراب والتقاط فتاا

أمهية موقعها، وأن تغري ال بد للمؤسسات العلمية يف العامل اإلسالمي أن تتبنيومنطلقات وجهودها وطاقاا، ودينها وإمياا، عقليتها، وأن تستند إىل األمة

فكرها، وغاياته، وإىل دروس مسريا وعربها التارخيية، لتقدم هلا منهجا وأسلوبا

نبا إىل جنب

ث

ن

Page 260: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

260

علميا مشوليا يوظف الطاقات واإلمكانات بشكل فعال منظم سليم، حىت ميكن التصدي للتحديات احلقيقية اليت نواجهها، واحلاجات احلقيقية اليت حنتاج إىل

.توفريها وتيسريها

ترمجات حرفية يف االقتصار علىن لألمة أن تستمر مؤسستها العلمية ال ميكللعلوم واملعارف واملناهج الغربية والشرقية، وأن يصل أقصى ما يتوصل إليه اإلسهام ؛العلمي للمثقفني املسلمني هو طالء مثرات عقول اآلخرين وحصيلة فكرهم

ال تغري من حقيقة التقليد والعجز ةبنصوص أو أمساء أو أرقام وإحصاءات حملي .وانعدام األصالة شيئا

جيب أن تنطلق املؤسسات العلمية والتعليمية يف العامل اإلسالمي من الكليات واملراكزوالقناعات واملقاصد اليت ينطوي عليها ضمري األمة، وأن تنشئ املؤسسات

اء املناهج العلمية اإلسالمية اليت تعمل من أجل إنشوالوحدات واجلمعيات العلميةبدأ إنشاء إسالمية املعرفة بالعمل ي وجيب أن . يف كل فرع من فروع املعرفةوتنميتها

ووضع ،على وضع املنهجية اإلسالمية املطلوبة يف خمتلف جماالت العلم واملعرفةمقدماا ومداخلها العامة واألساسية، لتكون هذه املناهج واألسس واملقدمات

جلهود توجيها و ، للدراسة واالجتهاد العلمي واحلضاري اإلسالمياطلقا وإطارمن .واهتمامات الناشئة

يف حقول العلم واملعرفة جيب توجيه ) اإلسالمية( وإلجناح جهود تأصيل اإلطار العلمي باجتاه للعمل ، من علماء وأساتذة وطالب،طاقات الدارسني

وعلى أساس من املنهجية العلمية اإلسالمية ضارية، اإلسالمي اجلديد والغايات احلما تبين عليه من املقدمات والفرضيات اإلسالمية ومعطياا، وتنمية هذه واجلديدة

،العقلية، وفرز الذخائر العلمية واملتوفرة بني أيدينا من تراثنا وتراث األمم من حولناي السبيل العملي الوحيد الذي مثل هذه اجلهود ه. على ضوئها وضوء دالالا

.حيقق القدرة والنضج والتمكن العلمي املنهجي األصيل

على

تقدم إال

ت

و

Page 261: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

261

إن نشوء أقسام علمية اجتماعية إسالمية يف بعض اجلامعات يف العامل اإلسالمي،كأقسام االقتصاد اإلسالمي واإلعالم اإلسالمي واحلضارة اإلسالمية، أو قيام مراكز

مثل مراكز أحباث الفكر اإلسالمي واالقتصاد ،يةأحباث ودراسات اجتماعية إسالماإلسالمي، أو تدريس مواد اجتماعية إسالمية يف بعض فروع املعرفة االجتماعية، مثل تدريس العالقات الدولية اإلسالمية والفكر السياسي اإلسالمي ونظم احلكم

لطريق اإلسالمي والتطور السياسي للعامل اإلسالمي، كل هذه خطوات جيدة على االصحيح، جيب تشجيعها ودعمها، وتوفري األدوات والوسائل الالزمة لنموها وتوسيع دائرة أدائها وانتشارها، وتوفري الباحثني املؤهلني يف اختصاصهم ويف

. للعمل والتفرغ خلدمة أحباثها ومنو أدائهامصادر املعرفة اإلسالمية

هو نقص ماعية اإلسالميةإن من أهم ما تعانيه توجهات الدراسات االجت ؛الوسائل واإلمكانات، فلو أخذنا أي مركز أو قسم أو وحدة من هذه املراكز

لالحظنا ضعف إمكاناا، وعدم توفر الباحثني املؤهلني املتفرغني للعمل يف خدمة . مناهجها الناشئة

وال يكفي يف هذه املرحلة أن يفتح أي مركز، أو أن يفتح أي قسم، أو أن أو األجهزة ،ر أية مادة دراسية، مث ال يوفر هلا الباحثون املؤهلون املتخصصونتقر

وتوفري وسائل نشرها وتروجيها والدعاية هلا حىت ميكن ،املساعدة ألدائهم وأحباثهم .أن حتقق الغاية املرجوة منها

إن أسلوب إلقاء عبء العمل أو تدريس املنهج اإلسالمي التقين أو االجتماعي اتق الباحثني أو املعلمني املثقلني باملهام واألعمال اليت ال تدع هلم فرصة على ع

ق، هو أسلوب غري منتج يف هذه املرحلة من مراحل املسرية مالبحث العلمي املتعالعلمية واحلضارية لألمة، ولعله أسلوب أقرب إىل اإلعذار منه إىل اإلنتاج، وإىل

.ناعة والقمالشعار منه إىل التصميم والعز

وإسالمية العلوم واملناهج العلمية ،إن طريق النجاح إىل إسالمية املعرفة

ذلك

Page 262: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

262

لن يكون إال حمصلة عمل متواصل، وتراكمات متتابعة، ينجلي عنها ،والتعليمية وهو ليس قضية إعالن أو قرار يطلق يف .كيان ورؤية ومادة علمية إسالمية أصيلةيستتبعه من أصحاب االختصاص ختطيط وسائل اإلذاعة واإلعالم، أو شعار ال

حىت يستوي ويشتد العود وتزهر وعمل منظم متواصل يضم بعضه إىل بعض .األغصان وتنبت الثمار

إن اخلطوة اإلسالمية األوىل املطلوبة إلسالمية املعرفة وإسالمية األمة هي أن :تقوم املؤسسات العلمية اإلسالمية بعدد من املهام

يف نصوص الوحي من قرآن وسنة صحيحة، ش وتكحتقيق وتصنيف )أ (وتيسري فهمها وإدراك مقاصدها للدارسني واملثقفني، ومتكينهم من الوصول إليها

.والتعامل معها، كل حسب اهتمامه وحقل اختصاصه

يف اجليد من أمهات التراث اإلسالمي املوضوعي شحتقيق وتصنيف وتك )ب ( . واملثقفنيواملتخصص، وتيسري فهمه وإدراكه للدارسني

إن عملية وصل معارف املتعلم املسلم ومنهجه وضمريه بأصول اإلسالم أساس هام من أسس توليد األصالة و هل، وتيسريه له بتحقيقه وتبوبيه وشرحه،وتراثه

واالنتماء، وبدون توفري ذلك فإن كل جهد إصالحي للفكر اإلسالمي املعاصر هو .وهم وسراب ومضيعة للجهد والوقت

ى املؤسسات العلمية والتعليمية واجلامعات اإلسالمية جتنيد العلماء عل )ج (واألكفاء ممن هلم باع يف التخصص االجتماعي، ومعرفة ودراية باملنطلقات والتراث

يف شكل أحباث ،اإلسالمي، للعمل والبحث العلمي املنظم املتواصل املتخصص وإن .املنهجية العلمية املطلوبة و تتضح من خالهلا الرؤية العلميةودراسات علمية

من أفضل وأقسام الدراسات العليا، تعترب يف البداية،املراكز العلمية املتخصصةيتعاون الباحثون والدارسون ف اليت ميكن أن تعني على حتقيق املطلوب، الصيغ

ث

ث

يث

Page 263: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

263

والطالب يف هذه املؤسسات يف دأب مستمر، حىت تتضح الرؤية العلمية اإلسالمية حتل يمكن على أساسها تقدمي علوم ومنهجيات وكتب دراسية متكاملةفجلى، وت

تدرجييا حمل املناهج والتصورات والعلوم األجنبية، وال يبقى من تلك العلوم األجنبيةإال ما تقتضيه حاجة العلوم واملعرفة والدراسات املقارنة يف كل حقل حبسب حاجته

.ومتطلباته

ة، من ضعف العدة واإلعداد، وتقدمي املؤلفات السطحية إن الصورة الشائع ال تعين إال القفز ، تعجال للنتائج،ر هلا فرص اإلعداد واإلنضاج اليت مل توفاملهملة

فوق مسؤولياا، وإال مزيدا من خيبة األمل وعتمة الرؤية واملعاناة والتخبط وفقد .املرشد والدليل

التوعية العامة مليةسالمية أن تقوم بعإن على املؤسسات العلمية اإل )د (لقيادات األمة ومثقفيها وعلمائها، وبسط قضايا إسالمية املعرفة أمام أنظارهم، وتوضيح أولوياا، وموقع هذه األولويات من األمة يف الوقت احلاضر، وما جيب أن

ؤسسات كما أن على هذه امل.تناله هذه القضية ووسائلها من اهتمامهم وجهودهمأن تفتح أبواا أمام هذه الفئات القيادية على شكل مؤمترات وندوات علمية

توضح هلم جوانب هذه القضية، وتقدم جلهود العاملني عليها منربا يعرض وثقافيةمشاركتهم وعطاءام يف كل جمال من ااالت العلمية اليت م األمة وحتظى بتقدير

.مثقفيها وقياداا

اجلمعيات العلمية، وإصدار إنشاءلى املؤسسات أيضا أن تيسر مهمة إن ع اليت تعترب وسيلة أساسية لتنشيط املشاركة العلمية، الدوريات العلمية املتخصصة

وهدف والتشجيع عليها، والتبشري ذه القضية، وجعلها قضية األمة وهم اتمعصر فيه عدد نتهي مرحلة الشعار األجوف الذي ح تن ألوقتلقد آن ال. القيادات

.حمدود من العاملني يف زاوية من زوايا األبراج العلمية العاجية

و

ان

ي

لة

م

Page 264: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

264

إن على املؤسسات العلمية اإلسالمية، أن توجه بعثاا العلمية، ودراساا ) ه(العليا، وأحباثها العلمية، حنو املوضوعات والقضايا اليت ختدم األصالة العلمية

وأن ترعى الطالب ، وقضايا األمة احلياتية من منظور إسالمي أصيلسالميةاإل وعليها إعداد .دمة أصالة املعرفةخلأحباثهم ويف ، يف قاعات دراستهموالباحثني

، حلمل الشعلة، ومواصلة املسرية، حىت ال يضل الباحثالعلمية املطلوبة) الكوادر(قد استغرب عقله، وضعف انتماؤه، وأصبح أداة أو يعود من رحلة غربته العلمية و

يف عظام األمةمن أدواة الغزو الثقايف االستعماري، الذي ينخر منذ أمد بعيد .دية والفكرية األكادمييةوقواعدها العق

نكون قد ، والعمل املتواصل املثمر،علينا أن نتيقن أننا باجلهد املخطط املنظم وحق لنا أن نرجو رضاء اهللا عنا، وتوفيقه لنا، وهو ،وليتناينا واجبنا، ومحلنا مسؤأد

. نعم املوىل ونعم النصري

: مستقبل مسرية اإلنسانية-3

وإذا كان مستقبل بناء األمة اإلسالمية يعتمد على مدى النجاح يف إصالح وتأصيل املعرفة والعلوم االجتماعية ،مناهج فكر األمة وأساليبها التربوية والتنظيمية

رهن بنجاح ؛واإلسالمية، فإن مستقبل اإلنسانية القلق املهدد على املدى املنظور وتقدمي النموذج اإلسالمي ، وجتلية رؤيتها،األمة اإلسالمية يف إصالح مناهجها

.احلي

فاإلسالم مينح اإلنسان، فردا ومجاعة، غائية الوجود املقنعة، ويقدم للكيان للبصرية اإلنسانية أحاسيس الفطرة و احملمود، وجيل أسس االلتزام اخللقياإلنساين

ونوازعها، وأبعاد عالقاا الكلية، غيبا وشهادة، يف النفس واتمع والكون .والوجود

واإلسالم يقدم لإلنسانية أسس االستقرار االجتماعي، والتقدم احلضاري،

Page 265: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

265

. الم واألمن العامليوالس

ويقرر مبدأ العدل، والتكافل، فاإلسالم يصون كيان مؤسسة األسرة، مبدأ واملسؤولية الفردية واالجتماعية، وحرية العقيدة والفكر والضمري، ويقر

واإلسالم حيض على .الشورى، ومبدأ وحدة اإلنسان، أصال ومصلحة ومصريا ،العلم، ويدعو إىل املعرفة، ويأمر باإلصالح واإلعمار والبناء، وتلبية احلاجات

تتصدى ؛ وهذه الرؤية اإلسالمية القومية اليت تتطلع إليها اإلنسانية.طلباتوتيسري املت . وخماطر حضارته املادية الضالة احملرومة من ترشيد اهلداية الربانية،ألدواء العصر

ا على أحد إفالسا، ومل يعد سراحلضارة املادية املعاصرة، وتدهور بناء جمتمعا وما يعانيه أبناؤها من خمتلف ألوان القلق النفسي واإلفالس وايار بناء األسرة فيها،

.الروحي

يف ظل قدرة احلضارة املادية، تتمزق جمتمعاا املتقدمة ،فاإلنسانية اليوموتنهار، وينقسم عاملها إىل مشال وجنوب، وأبيض وأسود، وغين وفقري، وجائع

عهم إىل الدمار ووسائل ومتخم، ومستعمر ومستعمر، وسادة وعبيد، يتسابقون مجيالدمار، ومل يبق لإلنسانية من معاين السالم إال ردع اخلوف والرعب من دمار

.شامل ماحق لعامل القوميات والطبقات واملعسكرات املتواجهة احلاقدة املتصارعة

هي يف هذا العصر أشد ما ، والشعوب القادرة عمليا وماديا،إن اإلنسانية ألنه حيوي املفاهيم اليت جتيب على جوانب الضعف يف ،إلسالمتكون حاجة إىل ا

.كياا القائم، واملتفاقمة على مدى املستقبل

:ومجاع هذه املفاهيم يتلخص يف أمرين

ويقوم على ،إن اإلسالم يقيم جمتمعا يبىن على أساس الوحدة: األمر األول األساسية، واالهتمامات مفهوم اإلخاء، ويركز النظر على االستجابة حلاجة الفرد

املشتركة بينه وبني اآلخرين على كل املستويات، انطالقا من األسرة إىل اجلار إىل

Page 266: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

266

.القوم إىل اإلنسانية

أن تعيش ، وهي تفجر الطاقات املادية التدمريية اهلائلة،هذه الشعوبال يسع و أو ما ،ت أو الطبقاتيف ظل فلسفات املواجهة والصراع بني األفراد أو القوميا

فال شك أنه مع توافر آالت الدمار الكونية، ويف ). احلراب املتقابلة(أمسيه فلسفة ليس ،ظل نفسية الصراع واملواجهة والتركيز على وجوه االختالف والتعارض

، يف ضوء ما رأينا ونرى من سفك الدماء وعدوان األمم،هناك ما يدعو إىل الظن مع ،يف حلظة جنون إنساين انتحاري شهدت األزمان ما مياثلهإال أن يفلت الزمام

.فارق اآلثار املدمرة يف عامل الغد

،)األمن اجلماعي(و ) احللقات املتداخلة( أو عامل ،ومن هنا فإن عامل اإلسالم .ستقبلهو فلسفة الغد اليت ال سبيل سواها لتحقيق األمن والسالم الصحيح لعامل امل

:عاىل يف كتابه العزيزيقول سبحانه وت

اهجوا زهمن لقخة واحدفس ون من لقكمالذي خ كمبقوا رات اسا النها أيي .))1وبث منهما رجاال كثريا ونساء

لعجثى وأنذكر و من اكملقنا خإن اسا النها أيفوا يارعائل لتقبوبا وعش اكمنبريخ ليمع إن الله قاكمالله أت دعن كممإن أكر)2(.

انكمألوو تكمألسن تالفاخض واألرات واومالس لقاته خآي منو)3(. إال أم اسا كان النملفووتة فاخاحداة و)4(. ىبار ذي القرالجاكني وسالمى وامتاليى وببذي القرانا وسن إحيالدبالوو

.1: النساء)1( .13: احلجرات)2( .22: الروم)3( .19: يونس)4(

سعها ال ي

د

Page 267: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

267

.))1والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل

رني إسلى با عنبكت ل ذلكأج اد منفس فس أور نيفسا بغل نقت نم هائيل أن .))2في األرض فكأنما قتل الناس جميعا

كمنيل با الفضوسنال تو)3(.

ناساس حقولوا للنو)4(.

ف قاتلوكمي لم ن الذينع الله اكمهنال ي اركمدي من وكمرجخي لمين وي الدقسطنيالم حبي إن الله همقسطوا إليتو موهربأن ت )5(.

ابرينللص ريخ وله متربص لئنبه و متوقبا عوا بمثل ماقبفع متاقبإن عو )6(.

تلوا يف سبيل اهللا الذين يقاتلونكم وال تعتدواوقا)7(.

لى الظالمنيان إال عودا فال عوهتفإن ان)8(.

قوااتى وقوللت بأقر ودلوا هدلوا اععلى ألا تم عآن قونش كمنرمجال يوالله)9(.

.36: النساء)1( .32 املائدة )2( .237: البقرة)3( .83 البقرة )4( .8: املمتحنة)5( .126: النحل)6( .190: البقرة)7( .193: البقرة)8( .8: املائدة)9(

Page 268: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

268

ف مإذا قلتىوبكان ذا قر لودلوا واع)1(.

لدوا بالعكمحاس أن تالن نيب متكمإذا حو)2(.

انودالعلى اإلثم ووا عناوعال تى وقوالتو لى البروا عناوعتو)3(.

لواتاقت مننيؤالم ان منإن طائفتلى وا عماهدإح تغا فإن بمهنيوا بلحفأص األخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما

قسطنيالم حبي أقسطوا إن اللهل ودون،بالعمنؤا الممإن نيوا بلحة فأصوإخ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ،أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون

عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا .))4تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا باأللقاب

فالفكر املادي يقوم .يتعلق مبعىن املعرفة وطرق البحث العلمي: األمر الثاين وهو ينطلق من العامل احملسوس ،جوهريا على األسلوب العقلي التجرييب االستقرائينني اليت حتكم احلياة والكون، والتجارب واملعلومات املتوافرة للتعرف على القوا

ألنه ألسباب خاصة ، أو وحي منـزل، معرفة مسبقةة عن أيوهو فكر منبت الثقة بأي معلومة مما ال يستطيع - املسيحية وال سيما–باألديان الكربى األخرى

أمور ال يقبلها فامتألت ب، املقدسة اليت حرفت على مسار التاريخ كتبهبهجاءت .العقل أو العلم أو الفطرة السليمة

وإذا أدركنا التعقيد اهلائل للطبيعة االجتماعية لإلنسان، وتعدد العوامل اليت تؤثر على السلوك اإلنساين يف وقت واحد، واستحالة تثبيت بعضها أو إخضاع

وايل النظريات وت،البشر للتجربة العلمية، أدركنا التخبط اهلائل للعلوم االجتماعية

.152: األنعام)1( .58: النساء)2( .2: املائدة)3( .11-9: احلجرات)4(

اصة

يس بإمكان اتباعها

Page 269: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

269

.املتناقصة يف ميدان العلوم السلوكية واالجتماعية التربوية

يف هذه ااالت ال تتضح يف أمد قصري، وال يسهل آثار األخطاءإذ كانتوتاليف آثارها املدمرة بعد أن تصل إىل مداها يف تكوين اجلماعات اإلنسانية والتأثري

أدركنا امليزة املوروثة يف جمال املعرفة اإلسالمية، فهي تتوافق وتتالقى ،على بنيتها ولكنها ال تقف ، وسنن الكائناتةوتنسجم مع املعرفة العقلية املادية يف أصل الفطر

. ذا ومتنع أضرار وجوه القصور فيها تتجاوزها بأن بل،هاعند

ن والفهم يف اخللق ففي الوقت الذي جيب فيه على املسلم النظر والتمعالتعامل معها قدرة على و، وما أودع اهللا فيهم من فطرة وسنن،واملخلوقات

من ن لديه كما من املنطلقات واملسلمات املسبقة بلغت إليه وحيافإواإلفادة منها، ختتص بالقضايا االجتماعية السلوكية األساسية، فإذا شط الفهم ، وهيعند اهللا

فإن له من الوحي عاصما ؛سلم يف قوانني الكون والوجود والعالقاتوالنظر باملعارض حالال أو حراما أو يما كل فليس صوابا . مينعه من الندم بعد فوات األوان

املعرفة توظففهم صحيح لنص صريح، وهكذا يقوم على منطلقا إسالميا كليا عرفة العقلية التجريبية االستقرائية إىل جانب مصادر امل،ويف وقت واحد، اإلسالمية

وأن يتاجر ،فللمسلم أن يتعامل ما شاء له التعامل. مصادر اهلداية الكلية الربانية ،وأن ينتج ما شاء اهللا له املتاجرة واإلنتاج، إال أن يكون عمال يسبب أذى للخلق

. معهمعة منفتبادل وأهلم بذل جهد وليس ، أو ظلما هلم،باأو ر

وللمسلم أن يتخذ له ما شاء من أساليب العيش وتقاليد احلياة األسرية وأن يكيفها وفق ظروفه اخلاصة، إال أن يبيح لنفسه نيل اجلنس على غري ،الكرمية

ا النفسية ما، وحقوقهمالغاية منه، ودون عقد مشروع يرتب للمرأة وللطفل كرامته .عتدى، واهللا ال حيب املعتدينواملادية، وإال فقد ظلم وأفحش وا

ليست قيودا وال قوالب، وإمنا هي :وهكذا حال الوحي وتعاليم اإلسالم

حد

ال أ

وظف

كانت

ب

ن

فع

Page 270: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

270

وحتقيق ،مشاعل وعالمات على دروب احلياة لدرء الضالل والغواية والفحش .الوجود والعالقات االجتماعية األمثل

اءإيتان وساإلحل ودبالع رأمي اء إن اللهشن الفحى عهنيى وبذي القر .))1والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون

تباع اإلسالم ملوضع العقل من النقل، وال أال يغري من هذه احلقيقة جهل بسبب العزلة واالنفصام الذي ؛استهانتهم بشأنه، فذلك أمر كان وراء طاقتهم

.روف األحداث على قيادم الفكرية وقيادم االجتماعية ولعدة قرونفرضته ظ

) جمتمع الصراع(يف مقابل ) جمتمع الوحدة(هذان األمران اللذان مها إن أحسن ،واستكمال ضوابط العالقة يف مصادر املعرفة اإلنسانية، سيكون هلما

طيع اتمع البشري يف عامل الغد، أمهية خاصة حني ال يستاملسلمون الفهم والقدوة حني كانت املعارك التارخيية الفاصلة ميوت د يف املاضيدفع مثن األخطاء، كما تعو

فيها عشرات أو مئات الرجال، وكانت األمم يف مأمن مما جيري على ساحات إىل وقت تصبح األرض قاطبة كالساحة الواحدة، كل صرخة منها ختدش سواها،

مأساة منها تصدم أبصار كل من يف الغرفة، وكل أمساع كل من يف الغرفة، وكل .أذى يقع ا ينال كل من حضر الساحة

ومن ديد ،ما بلغته من وسائل التدمري واخلرابحقيقة وحني تتيقن اإلنسانية .الفضاءاكتشاف وجود األرض يف عامل

يف املعلومة -حينئذ فقط تدرك اإلنسانية حاجتها إىل الضوابط الدقيقة احلامسة واليت فرضت احترامها والثقة ا عند كل منصف متأمل،كتاب اهللا وصحيح السنة

. لتقيها من االنـزالق إىل هاوية الفناء-

ولكن إىل الوحدة ،وحينئذ فقط ال يكون املخرج بالتطلع إىل املواجهة والغلبة

.90: النحل)1(

Formatted: Highlight

Formatted: Highlight

Page 271: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

271

. وإىل البحث عن عوامل الوجود املشترك واملصلحة املشتركة،والتقارب

وإنفاذا للغاية منها يف هذا ، للحقأداء رسالتهم، فهملى املسلمنيإن ع . على مقتضى حكمة اخلالق،الوجود

:وصدق اهللا العظيماسلى الناء عدهوا شكونطا لتسة وأم اكملنعج كذلكو)1(. هررا يية خل مثقال ذرمعي نفم، هررا ية شل مثقال ذرمعي نمو)2(.

هذا ما جيعل مسؤولية األمة اإلسالمية والعلماء واملفكرين واملثقفني املسلمني مضاعفة، ألم إن أقاموا مفاهيم الدين الصحيح، وأقاموا جمتمعا منوذجيا يقدم

يصلحوا بناء نلالقدوة واملثال، فإم بذلك لن ينقذوا أنفسهم وحدهم، و ،حضارم وجمتمعهم فحسب، ولكنهم بذلك يصلحون حال اإلنسانية قاطبة

ويستنقذون حضارة اإلنسان على األرض ورسالته يف اإلصالح واإلعمار، وحيققون ألنفسهم ولكل الناس جمتمع احلق واألمن والسالم، ويرشدون جهود الكشف

يقيمون جمتمع اخلالفة الذي أمر به اهللا العلمي والتقدم املادي واإلعمار احلضاري، و .على هذه األرض

فاإلسالمية قضية األمة؛: وبعد

إن الغاية من هذا البحث هو وصف حال األمة يف صورته الكلية، ووضعه أمام أبنائها ليكون نقطة االنطالق املبصر لتتبع مسرية األمة يف التاريخ، ومناقشة أمهات

ما انتهت إليه من حال، وحىت ميكن تلمس أسباب القضايا اليت انتهت ا إىل .العافية والعالج للفرد ولألمة املسلمة ولإلنسانية مجعاء

هو تأصيل النظرة ، حنو حتقيق تلك الغايات الكربى،وكل ما يأمله هذا البحث

.143: البقرة)1( .8-7: الزلزلة)2(

حقا

Page 272: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

272

الكلية يف الفكر املسلم، ودفع العقل املسلم للنظر اجلذري األصيل يف قضايا ختلف ومناقشة هذه القضايا بأناة وجدية ودقة وجترد ،ها ومعاناااألمة وتدهور

. ووصف العالجسبابوموضوعية، ملعرفة األ

أن األمة ال به ت وثقافته وجتربته وتدبره، قد أقنع،إن فكر كاتب هذا البحثتنقصها املوارد وال اإلمكانات وال القيم، ولكن ما ينقصها هو منهج الفكر السليم،

تكمن فيما انتهى إليه خلل الفكر، من اختالل الرؤية االجتماعيةمرن علة األأوواحلضارية، وفساد التربية اإلسالمية، وايار املؤسسات العامة، حىت أصبحت األمة

وانصياعهم يف ، يف خوفهم وعجزهم، أشبه يف نفوسهم بذلة العبيدأفراداو ،مزقا .عون أعدائهم على أنفسهم

بح اإلسالمية يف مشوهلا وعمومها، ويف إسالمية معرفتها وما إن األمل أن تصتستتبعه من إصالح مناهج الفكر والتربية، قضية األمة اإلسالمية يف عقودها

تستعيد صحتها وطاقتها وكرامتها القادمة، إىل أن يصح عود األمة وينمو، و هداية البشر إىل تتمكن من محل مسؤوليتها يفودورها يف اإلصالح واإلعمار، و

.جادة احلق ودين اهللا القومي

- إن أمل الكاتب أال تنظر قيادات العمل اإلسالمي ومجاعاا إىل هذا املنطلق على أنه - عمل جذري فكري وليس ترويج عمل حركي سياسيمن حيث أنه

ة وطاقة نفسيدالة فكريةإلغاء لقيمة جهودها، وأن العمل السياسي واحلركي دون مما يدفع إىل مقاومة الفهم واالنصراف عن ،للبذل واالدة هو استنـزاف وعبء

.الوعي الصحيح للواقع وتطوير وسائل العمل فيه مبا يؤدي فعال إىل احلل

ملقعد القيادة أن املشكلة هي مشكلة أمة وتأهيلهاعلى تأكيد الإن من املهم زب، وإن الفكر عامل أساسي ومبدئي قضية حكم أو بلد أو حت وليس،احلضارية . للجهود والربامج أن تؤيت مثارهاإذا أريدللتأهيل

Formatted: Highlight

Formatted: Highlight

بب

ىت

ىت

نطلق

عال

ىت ميكن

Page 273: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

273

ال و ،يف خمتلف امليادينتتكامل وتتساند تأكيد أن اجلهود الكذلك من املهم . إمهاال أو إلغاء ألمر آخر، بسبب الظروف واحلاجة،يعين إعطاء أولوية ألمر

بل ، باجلانب الفكري، إىل جانب اجلهود السياسية واحلركية االهتمام،بولذلك جيواعتبار اجلانب السياسي واحلركي أمرا دفاعيا بالدرجة األوىل لتوفري الظروف

.واإلمكانات للنمو وإصالح مصادر الطاقة يف العقول والنفوس

،مستويات وجماالت أن العمل الفكري له حقيقةبل من املهم أيضا توضيحمنها األساسي واجلذري الذي يتعلق باملنهج واألصول واملصادر والغايات وجتدد

وحنب أن نؤكد أن .طبيعة الرؤية العقلية، ومنها ما هو تطبيقي استراتيجي حركيإشكال األمة هو يف مستوياا األعمق اليت تتعلق بالعقلية واملنهج، وأن الفكر

ي احلركي يبين جناحه على سالمة املستوى األعلى األعمق يف التطبيقي االستراتيجنوعية العقلية واملنهج، ولعل ذلك يفسر ملاذا أن فكرا حركيا استراتيجيا مثل فكر

، مائة عامالذي متت كتابته منذ حواىل» أم القرى«عبد الرمحن الكوكيب يف كتابه كات اإلصالحية اإلسالمية ويشتمل وبعبارة واضحة على برامج وأطروحات احلر

جناحات يف إال ، حتقيق غاياا وتطلعاا، مل يساعد هذه احلركات علىاملعاصرة .جزئية مل تغري موضع األمة من التاريخ

حىت ميكن نقل العمل ؛إن األمل أن تتضافر اجلهود بعيدا عن سرابات اجلزئية .دي على صعيد األمماإلسالمي اإلصالحي إىل مستوى التح

ملفكري إن الكاتب ال يشك يف أنه إذا ما اتضح هذا القدر من الرؤية السليمةها ودفع إبالغ األمة وتبصري منهم العزم على األمة وعلمائها ومثقفيها، وصح

جهودها حنو اجلادة، فإن األمر يصبح كاجلذوة تسري يف اهلشيم، والفجر يغمر .ل على منوال منوذجها األوت املصانع تنتج السلع وكعجال،احلقول

ره يف هذا واضحة نرية، فما اهتدت أمة إىل جادا، وما بودروس التاريخ وعصلح فكرها ومنطلقاا، إال اندفعت طاقتها ومجوعها كالسيل اهلادر، تشق طريقها

خمتلف امليادين

الهتمام

ون أن تتمكن من

ن

الغ

صري

Page 274: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

274

أداء أبنائها، فال مبا ليس معهودا من سابق قدرا وحركتها ويف األداء واإلجناز تد مي، وهكذا حساب الزمن.ميضي وقت طويل إال وقد تغير حاهلا، وصلح أداؤها

.ميةويتطاول على العاجز والضال، ويقصر ويتالشى أمام القدرة والعز

أن يركزوا عزمهم وأنظارهم أوال إن على مفكري األمة وعلمائها ومثقفيها أمام أبناء األمة ورجاالا وقادا، وعند ذلك ةعلى إصالح الفكر، وجتلية الرؤي

يف ملح خاطف، وطاقة هادرة، نشر بإذن اهللا، ،سوف تتوىل صفوف األمة ومجوعها .الشراع، ورفع البناء، واالنطالق حنو آفاق التقدم واالرتقاء

ن وأ،وأختم القول بالتوجه إىل اهللا العلي القدير أن يهبنا احلكمة والصوابخيرجنا من أنقاض هذا الركام الذي ترزح حتت أعبائه األمة واإلنسانية، وأن جيعلنا من العاملني الصاحلني الذي يستمعون القول ويتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن

.احلمد هللا رب العاملني

ذن اهللا

ول

Page 275: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

275

عبد احلميد أمحد أبو سليمان. د. أ .م1936، ه1355من مواليد مكة املكرمة

عليمه االبتدائي والثانوي مبكة املكرمة وخترج من مدرسة حتصل على ت .م1955، ه1374حتضري البعثات سنة

حصل على بكالوريوس التجارة من قسم العلوم السياسية جبامعة القاهرة .م1959ه 1378سنة

حصل درجة املاجستري يف العلوم السياسية من كلية التجارة جامعة القاهرة .م1962، ه1381سنة

على درجة الدكتوراه يف العالقات الدولية من جامعة بنسلفانيا سنة حصل .م1973،ه1393

عمل أمينا الجتماعات الس األعلى للتخطيط، مث عضوا يئة التدريس جبامعة امللك سعود بالرياض ) كلية التجارة سابقا(بكلية العلوم اإلدارية

.سياسية فيهاورئيسا لقسم العلوم ال) جامعة الرياض سابقا(

واالحتاد ،من مؤسسي احتاد الطلبة املسلمني بالواليات املتحدة وكندا اإلسالمي للمنظمات الطالبية، ومجعية علماء االجتماعيات املسلمني بالواليات املتحدة وكندا، والندوة العاملية للشباب اإلسالمي باململكة العربية السعودية،

كية يربالواليات املتحدة األمريكية، والة األمواملعهد العاملي للفكر اإلسالمي .للعلوم االجتماعية اإلسالمية

األمني العام املؤسس لألمانة العامة للندوة العاملية للشباب اإلسالمي بالرياض، وأول رئيس للمعهد العاملي للفكر اإلسالمي، واملدير العام السابق

Page 276: أزمة العقل المسلم - عبدالحميد ابوسليمان

276

سابق جلمعية علماء االجتماعيات للمعهد العاملي للفكر اإلسالمي، والرئيس ال .املسلمني بالواليات املتحدة وكندا

.م1999 -1988مدير ومؤسس للجامعة اإلسالمية العاملية مباليزيا

له عدد من الكتب واألحباث العلمية اليت تم باجلوانب اإلبداعية .اإلصالحية اإلسالمية لألمة

.رئيس املعهد العاملي للفكر اإلسالمي

. مؤسسة تنمية الطفلرئيس