161
دﻋﺎة ﻗﻀﺎة اﻟﻤﺴﺘﺸﺎر ﺣﺴﻦ اﻟﮭﻀﯿﺒﻲ اﻟﻤﺮﺷﺪ اﻟﻌﺎم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻺﺧﻮان اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ) 1891 م- 1973 م(

حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

قضاةالدعاة

المستشار حسن الھضیبي )م1973-م 1891(المرشد العام الثاني لإلخوان المسلمین

Page 2: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الفھرست3.....................................................................................................تقدیم

10..........................................................................................تقدیم الناشر11.................................................................................................مقدمة

14................................أن ال إلھ إال هللا، وأن محمدا رسول هللاشھادة : الفصل األولدة والنفاق”في معاني: ثانيالفصل ال 44.......................“الجحود والكفر والشرك والر

58............................................................................الحاكمیة: الفصل الثالث60.......................................................عقیدتنا“ إن الحكم إال ”:الفصل الرابع

85......................................................الجھل والخطأ في العقیدة: الفصل الخامس96........................................الرد على من خالف األصول السابقة: الفصل السادس103.................................................................الطاعة واالتباع: الفصل السابعالحكومة اإلسالمیة أو اإلمام الحق ومعنى السمع والطاعة والحكم والتحكیم : الفصل الثامن

112...................................................................والمعلوم من الدین بالضرورة138................................................................الكفر بالطاغوت: الفصل التاسع142...........................................التعامل المباشر مع القرآن الكریم: الفصل العاشر

األستاذ وإجابات فضیلة المرشد العام“ نحن دعاة ال قضاة“تساؤالت حول موضوع البحث148.....................................................................-رحمھ هللا-حسن الھضیبي

Page 3: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

تقدیم

محمد عبد هللا الخطیب: بقلم

نا محمد وعلى الحمد رب العالمین والعاقبة للمتقین والصالة والسالم على سید أما بعد،... آلھ وصحبھ أجمعین

فھذه ھي الطبعة الثانیة من كتاب دعاة ال قضاة والذي أصدر ھذا الكتاب ھو اإلمام حسن الھضیبي المرشد العام لإلخوان المسلمین ـ رحمھ هللا ورضي عنھ ـ،

وھو أحد قادة الجھاد بحق، وأحد رجال الدعوة اإلسالمیة الذین وھبوا أنفسھم وأرواحھم وأموالھم تعالى، إنھ الرجل الذي قاد الجماعة في أشد فترات حیاتھا

خالل األربعة عشر قرنا الماضیة –وعاش المحن التي لم تعرف الدعوة اإلسالمیة . مثیال لھا_

وكان اإلمام رحمھ هللا كالجبل األشم صامدا صلبا قویا في الحق لم تلن لھ قناة، م ولم تضعف لھ إرادة، ولم تزحزحھ األحداث قید أنملة رغم المرض ولم یھن لھ عز

ن نبي قاتل معھ ربیون كثیر فما وھنوا لما والسن یقول الحق سبحانھ ﴿ وكأین مابری وما كان قولھم * ن أصابھم في سبیل هللا وما ضعفوا وما استكانوا وهللا یحب الص

لقوم إال أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على انیا وحسن ثواب اآلخرة وهللا یحب * الكافرین سورة (﴾ المحسنین فآتاھم هللا ثواب الد

). 148: 146آل عمران لقد صبر على المحن واحتسب كل ماالقاه ھو وإخوانھ، وبقى حتى آخر نبض

في عروقھ وآخر نفس یتردد في صدره مستشعرا أعظم المسئولیة وثقل األمانة سجیل وإمامنا ـ رحمھ هللا ـ لیس في حاجة إلى االعتراف بجھوده أو ت.. الملقاة علیھ

مآثره فإنھ عند هللا في دار كرامة، وقد وفد على رب كریم یجزیھ على ما قدم أفضل ن ذكر أو الجزاء قال هللا تعالى ﴿ نكم م فاستجاب لھم ربھم أني ال أضیع عمل عامل م

ن بعض فالذین ھاجروا وأخرج وا من دیارھم وأوذوا في سبیلي أنثى بعضكم مابا وقاتلوا وقتلوا ألكفرن عنھم سیئاتھم وألدخلنھم جنات تجري من تحتھا األنھار ثو

ن عند هللا وهللا عنده حسن الثواب ).195سورة آل عمران (﴾، مالنصر للمسلمین في معركة نھاوند أرسل قائد الجیش من یبشر سیدنا عمر ولما تم

ولما سمع عمر بالخبر بكى –بالنصر ویخبره باستشھاد القائد النعمان بن مقرن وآخرون یا أمیر : ثم قال.. ومن ویحك؟؟ قال فالن وفالن: واسترجع، ثم قال

مر ال یعرفھم، ولكن هللا ال یضرھم أن ع: المؤمنین ال تعرفھم قال عمر وھو یبكىلكننا نتحدث عن أئمتنا األعالم ال من باب التقدیس، ]4تاریخ الطبري جـ [" یعرفھم

Page 4: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ولكن من باب التقدیر واالعتراف بالفضل ألھلھ وشكر من أسدى إلینا معروفا، أو وقف موقفا فیھ زود عن ھذه الرسالة، ففي ھذا التشجیع لألجیال لتقلید ھؤالء والسیر

لى طریقھم والثبات واالحتساب، والقرآن الكریم یبین لنا العالقة الطیبة بین الرواد عوالذین جاءوا من بعدھم یقولون ربنا اغفر لنا وإلخواننا الذین وأبنائھم فیقول، ﴿

حیم سبقونا باإلیمان وال تجعل في قلوبنا غال لل ﴾، سورة ذین آمنوا ربنا إنك رؤوف ر .10الحشر اآلیة

وإذا : " یقول األستاذ المرشد عمر التلمساني ـ رحمھ هللا ورضي عنھ وأرضاه ـكان حسن البنا قد مضى إلى ربھ وترك النبتة یانعة یافعة فتیة، فقد كان حسن

الرایة حریصا لم یفرط، عزیزا الھضیبي عالمة زمانھ، ومشعل عصره، یوم حمللم یلن، كریما لم یھن، وأدى األمانة أمینا في عزم، قویا في حزم، ثابت الخطأ في

فھم، فأكد معالم الفھم السلیم لإلسالم الصحیح في القول وفى العمل لم یثنھ حبل مشنقة ولم یرھبھ سجن وال تعذیب، بل زاده األمر إصرارا على إصرار وصمودا

ھـ 1396مجلة الدعوة العدد األول رجب " فوق الصمود أیھا " یقول األستاذ الھضیبي ـ رحمھ هللا تعالى ـ في االحتفال بغزوة بدر

: اإلخوانإن دعوة اإلخوان المسلمین لم تعد دعوة محلیة تنحصر في حدود وطن صغیر،

ین روح العزة وإنما غدت عالمیة تشمل العالم اإلسالمي بأسره وتوقظ في المسلموالكرامة والتقوى، فھي الیوم عنوان ابنعاث ال نوم بعده، وتحرر ال عبودیة معھ

وعلم ال جھل وراءه، ولم یعد من السھل على أیة طاغیة أن یحول دون انتشار ھذه الروح أو امتدادھا وما ذاك إال ألنھا تعبیر صادق عن شعور عمیق مأل نفوس

مشاعرھم وعقولھم، وھو أنھم ال یستطیعون الیوم المسلمین جمیعا ویستولي على" نھضة بدون اإلسالم، فاإلسالم في حقیقتھ ضرورة وطنیة واجتماعیة وإنسانیة

. 1397مجلة الدعوة العدد السابع غرة المحرم إن هللا جعلكم جنودا " ویقول موجھا كالمھ لإلخوان محددا دورھم ومھمتھم

في طنكم وفى العالم اإلسالمي كلھ، وإذا كان من لقضیة الحق والفضیلة والعزةواجب الجندي أن یكون مستعدا دائما للقیام بواجبھ، فكونوا مستعدین دائما لما یؤدى

بكم إلى النصر في الحیاة، فطھروا قلوبكم وحاربوا أھوائكم وشھواتكم قبل أن ح، أعجز من أن تحاربوا أعداءكم فإن من انھزم بینھ وبین نفسھ في میدان اإلصال

. المرجع السابق" ینتصر مع غیره في معركة السالح وموضوعھ یدور حول القواعد –دعاة ال قضاة –وھذا تعریف موجز بكتاب

الشرعیة والموازین اإلسالمیة الدقیقة التي یجب علینا أن نستخدمھا في نظرتنا ا نؤدى ما كلفنا للناس، كما یجب علینا أن نسیر على مقتضاھا ونحن نمضى في ھذ

Page 5: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الحق سبحانھ وتعالى بھ، وھو الدعوة إلى اإلیمان با وااللتزام بمنھجھ واتباع ـ صلى هللا علیھ وسلم ـ ومواجھة األفكار بالبیان والتصحیح وإزالة رسولھ

الشبھات، ورد األمر إلى كتاب هللا وسنة رسولھ صلى علیھ وسلم، والجدال بالتى ھي ادع إلى سبیل ربك بالحكمة والموعظة ﴿:رآن ھو الطریق السلیمأحسن كما علمنا الق

الحسنة وجادلھم بالتي ھي أحسن إن ربك ھو أعلم بمن ضل عن سبیلھ وھو أعلم زیز ـ رضي هللا عنھ ـ أن سمع عمر بن عبد الع... 125﴾، سورة النحل بالمھتدین

الخوارج عادوا لظھور في بعض مناطق الدولة، وأخذوا یثیرون القالقل فأرسل إلیھم : " أما بعد. . من عمر بن عبد العزیز إلى فالن و فالن: على الفور كتابا یقول فیھ

فلقد بلغنى أنكم خرجتم غضبا ولنصرة دینھ، ولسمت في ھذا بأولى منى فھلموا اور فإن كان الحق معنا لزمكم السمع والطاعة، وإن كان معكم نظرنا فیما نحن لنتحووصلت إلیھم الرسالة فحضروا إلیھ وجلس معھم في المسجد، وفتح لھم . . " علیھ

استمعوا إلى كلمة اإلسالم من . . قلبھ واستمع إلیھم الرسالة إلیھم ثم استمعوا إلیھ . ا عما ھم فیھ وتابوا إلى هللارجل أمین صادق فاقتنعوا برأیھ ورجعو

واالضطھاد والفتنة : أما أسلوب مواجھة الفكرة بالتربص بأصحابھا والكید لھمفھو أسلوب فاشل ال یلیق باإلنسان وال یزید صاحب الفكرة إال عنادا وتجاوزا لكل

. الحدود وھذا ما حدث لألسف الشدیدت تشنق من یخالفك في الرأي إذا كن: " یقول مصطفى صادق الرافعى رحمھ هللا

ففي رأسك عقل اسمھ الحبل، وإذا كنت تسجن من یخالفك في الرأي ففي رأسك عقل اسمھ الجدار، وإذا كنت تقتل من یخالفك في الرأي ففي رأسك عقل اسمھ السكین أما

وحى "إن كنت تأخذ وتعطى وتقنع وتقتنع ففي رأسك العقل الذي اسمھ العقل . القلم

ایا التي عالجھا ھذا الكتاب قضایا دقیقة وخطیرة تحتاج إلى اطالع ودراسة والقضوعلم غزیر حتى یمكن اإلحاطة بھا والوقوف على منھج السلف، ولعل بعض

األسباب التي تكمن في حدوث ما حدث ھو قلة بضاعة البعض من المعرفة بفقة دراسة واإللمام اإلسالم وجوانبھ، و األخذ ببعض النصوص دون بعضھا، وعدم ال

وعدم الدرایة . بآراء السلف الصالح وال بمعرفة مواقع النصوص دون بعضھاواإللمام بآراء السلف الصالح وال بمعرفة مواقع إجماع الصحابة والتابعین ـ رضوان

–هللا علیھم ـ، وقد أفرد األستاذ ـ رحمھ هللا ـ فصال كامال لھذه الضوابط تحت عنوان وقد حذرنا األسالف من االندفاع والحكم بغیر –ر مع القرآن الكریم التعامل المباش

علم ومن التصدي لبیان ھذا الدین أو تفسیر أحكامھ من غیر أن نلم بالشروط . والقواعد ونحققھا قبل أن نتعرض الستنباط األحكام

Page 6: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

العامل على غیر علم، كالسالك على غیر طریق، " یقول الحسن البصري یر علم ما یفسده أكثر مما یصلحھ، فاطلبوا العلم طلبا ال یضر والعامل على غ

بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا ال یضر بالعلم، فإن قوما طلبو العبادة وتركوا العلم، حتى خرجوا بأسیافھم على أمة محمد صلى هللا علیھ وسلم ولو طلبوا العلم لم یدلھم

". على فعلوه : الفیصل

شھید حسن البنا رحمھ هللا ورضي عنھ في رسالة التعالیم القول یقول إمامنا الال نكفر مسلما أقر بالشھادتین وعمل بمقتضاھما " وھو . . الفصل في ھذه القضیة

وأدى الفرائض برأي أو معصیة، إال إن أقر بكلمة الكفر وأنكر معلوما من الدین حتملھ أسالیب اللغة بالضرورة، أو كذب صریح القرآن، أو فسره على وجھ ال ت

. رسالة التعالیم". .. العربیة بحال، أو عمل عمال ال یحتمل تأویال غیر الكفر وھذا ھو األصل الذي قامت علیھ الجماعة من أول یوم في نظرتھا للناس، وھو

. الحق الكامل والفقھ السلیم لدور الجماعةن وعمل بمقتضاھما وأدى ال نكفر مسلما أقر بالشھادتی: "وقولھ ـ رحمھ هللا ـ

ھذا القول قد یوھم أن من نطق الشھادتین ال یعتبر مسلما حتى یعمل " الفرائضولیس ھذا بصحیح، وال ھو مراد إمامنا رحمھ هللا . . بمقتضاھما ویؤدي الفرائض

أي ال نكفر المسلم برأي أو معصیة، –برأي أو معصیة –بدلیل قولھ بعد ذلك فرائض من المعاصي والعبادة التي خالطھا بعض الریاء ومعلوم أن ترك بعض ال

مما یخالف مقتضى شھادة التوحید من المعاصي أیضا، وأھل السنة ال یكفرون بكل ذنب أو بكل معصیة فظھر من ذلك أن مراد اإلمام ـ رضي هللا عنھ ـ أن النطق

تناب بالشھادتین یستلزم العمل بمقتضاھما، ومن مقتضاھما أداء الفرائض واج . النواھي

ثم قال ـ رحمھ هللا ـ إال إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوما من الدین بالضرورة أو كذب صریح القرآن، أو فسره على وجھ ال تحتملھ أسالیب اللغة العربیة بحال، أو

. عمل عمال ال یحتمل تأویال غیر الكفرأقر بھا راضیا غیر –فر ومعنى أقر بكلمة الك–فھذه خمسة أمور واضحة جلیة

. فأقر بكلمة الكفر منشرحا بھا صدره. مكره أو أكره فجعل فتنة الناس كعذاب هللایعنى أنكر المسلمات الشرعیة –أنكر معلوما من الدین بالضرورة –ومعنى

–كفریضة الصالة أو حرمة الخمر أو رد آیة من القرآن وأنكر كونھا منھ –الیقینیة ھذا كما سنرى في ھذا الكتاب، أن یكون اإلنكار بعد العلم وقیام الحجة والشرط في

على المنكر بالبیان الواضح والبالغ المبین، أما من أنكر جاھال بأن أمثال ھذه

Page 7: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

األمور مما علم من الدین بالضرورة فیعذر حتى یعلم وإثمھ على من وجب علیھ . البالغ ولم یفعل

فالمراد التكذیب بعلوم واضحة صرح بھا –آن أو كذب صریح القر–أما قولھ القرآن، كرفضھ ألخبار األمم السابقة أو قصص األنبیاء علیھم الصالة والسالم التي

. وردت في القرآنفإن األصل في –أو فسره على وجھ ال تحتملھ أسالیب اللغة العربیة –وقولھ

لیھ وسلم ـ، فإن لم یكن تفسیر القرآن ھو النقل الصحیح عن لمعصوم ـ صلى هللا عفعن الصحابة ـ رضوان هللا علیھم ـ فإن لم یكن فأقوال األئمة الثقات من سلفنا

الصالح، فإن لم یكن فلالجتھاد نصیب بشرط استیفاء األھلیة لذلك واستیفاء شروط المفسر، وقد أفرد لھا كتابنا ھذا فصال كامال ھو افصل الحادي عشر تحت عنوان

. باشر مع القرآن الكریمالتعامل المأما من تجاوز كل ھذه الشروط وفسر القرآن بھواه فلیبتوأ مقعده من النار كما جاء

في الحدیث وھذا إذا فسره بھواه واحتملتھ أسالیب اللغة العربیة أما من فسره بما ال تحتملھ أسالیب اللغة العربیة بوجھ من الوجوه فیعتبر تفسیره ھذا تكذیبا صریحا

. لقرآنلالذي یفر من : ومثل ھذا–أو عمل عمال ال یحتمل غیر الكفر : وقولھ رحمھ هللا

بالد المسلمین إلى بالد الكفار فیدلھم على عورات أمتھ وأسرارھا، ویناصرھم على إخوانھ المسلمین بالقوة أو بالعمل، أو خرج معھم لحرب المسلمین، ویكون عالما بما

. لیفعل وبما یأتي من أعماوھذا الضوابط واألصول التي وضعھا مؤسس الجماعة اإلمام الشھید حسن البنا ـ رحمھ هللا ـ ھي التي سار علیھا خلیفتھ األستاذ المرشد حسن الھضیبي ـ رحمھ هللا ـ وحافظ علیھا، وكان ـ رحمھ هللا ـ أمینا على كل نظم الجماعة، حمل الرایة في أشد

سلمھا كما تحملھا ممن سبقھ وفیا ببیعتھ، أمینا الظروف وأشقھا ومضى بھا حتى، وضرب المثل على قوة التحمل على دعوتھ، ما النت لھ قناة وال انحنى إال

من المؤمنین رجال صدقوا ما وصدق العزیمة واإلخالص وصدق هللا العظیم ﴿لوا تبدیال عاھدوا هللا علیھ فمنھم من قضى نحبھ ﴾، سورة ومنھم من ینتظر وما بد

. 23األحزاب اآلیة ھذا الكتاب كون من مقدمة وأحد عشر فصال، وقد تضمنت المقدمة األصول التي

. یجب أن تتبع في حیاتنا لئال نحید عن الطریقوه فإن تناز ﴿: وجوب االحتكام إلى هللا ورسولھ قال هللا تعالى -1 عتم في شيء فرد

والیوم اآلخر ذلك خیر وأحسن تأویال سول إن كنتم تؤمنون با ﴾ سورة إلى هللا والر . 59: النساء

Page 8: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

كل قول ال یقوم على صحتھ برھان أو دلیل ال یلزمنا ولیس حجة علینا، -2 . بالدلیل المثبت لصحة قولھوعلى من قال بھ أن یأتي

أشار إلى قضیة العقل وأنھ ال دخل لھ في إیجاب شریعة بأمر أو نھى، فالعقل -3كرمھ هللا وأعطاه دوره في معالجة شئون الحیاة وحل . نعمة من هللا ال جدال في ذلك

معضالتھا لكن دوره من النص یجب أن یكون محددا واضحا كما قال أستاذنا ـ فھو –وظیفة العقل في فھم النصوص ومعرفة مراد هللا عز وجل منھا – ـ رحمھ هللا

یتلقى ویحاول أن یفھم ویدرك ما یتلقاه ثم یذعن ویطبق وینفذ ما ال یفھمھ الیوم من . النص الثابت فسیدركھ غدا، وبھذا تكون رؤیتھ للنص أسلم وأكرم

المعصوم ـ صلى هللا غیر كل امرئ: وأشار في المقدمة إلى أمر آخر أال وھوعلیھ وسلم ـ یؤخذ من قولھ ویرد ویؤخذ من قولھ ما قام الدلیل والبرھان على أنھ حق

. ویرد من قولھ ما لم یقم دلیل أو برھان على صحتھ . في الفصل األول

تحدث عن شھادة أن ال إلھ إال هللا وأن محمدا رسول هللا، ومن نطق بھا فقد أصبح للحظة ویطالب بباقي فرائض اإلسالم ثم أثبت بالدلیل بطالن القول مسلما في التو وا

بعدم إسالم من نطق بالشھادتین إذا جھل مفھمومھا وأثبت بطالن القول باشتراط العمل وبطالن التكفیر بالذنب والمعصیة، ثم تحدث عن مذھب أھل السنة والجماعة

. في ھذا األمر . وفى الفصل الثاني

. جحود والكفر والشرك والردة والنفاقتحدث عن معاني ال . وفى الفصل الثالث

ھو عقیدتنا وعن حكم الجاھل باألوامر والنواھي . إن الحكم إال " تحدث عن والواجب علیھ والواجب على المجتمع نحوه وعن حكم سن القوانین ووضع النظم

والفرق بین التشریعات وعن حد الخطأ والتأویل واإلكراه وحكم المكره وأنواعھ . عمل القاضي والداعیة، وعن التطبیقات المختلفة

: وفى الفصل الرابعتحدث عن الجھل والخطأ في العقیدة وأثبت أنھ بعد ثبوت عقد اإلسالم لھ ال یزول

. واستدل على ذلك بالبراھین المختلفة من الكتاب والسنة. . عنھ إال بنص أو إجماع . وفى الفصل الخامس

. فرد على تلك الدعاوى وأبطلھا بالبرھان.. خالف األصول السابقةتعرض لمن وفى الفصل السادس

. تحدث عن الطاعة واالتباع ومعناھا، والفرق بین االعتقاد والعمل : وفى الفصل السابع

Page 9: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

أشار إلى معنى الحكومة اإلسالمیة أو إمامة الحق ومعنى الحكم والتحكیم روط اإلمام المسلم، ووجوب إقامة الحكومة والمعلوم من الدین بالضرورة وش

. اإلسالمیة، وحكم الحاكم على خالف األمر . وفى الفصل الثامن

. معنى الطاغوت في اللغة والشرع ومعنى الكفر بھ : وفى الفصل التاسع

تحدث باستفاضة عن التعامل المباشر مع القرآن الكریم، ورد على بعض ضوع ثم أشار إلى الشروط التي یجب أن یتحلى الشبھات في الشبھات في ھذا المو

بھا من یتعرض لھذا األمر الخطیر وھى شروط االجتھاد من معرفة للغة العربیة و معرفة التفسیر ومعرفة السنة، وما ھو الفرق بین الواجب والمندوب والمباح

المحظور والكراھة یضاف إلى ھذه الثروة معرفة واقع إجماع الصحابة والتابعین . ن السلف واإللمام بآراء السلف الصالحم

وفى الفصل العاشر رد على بعض التساؤالت ووضح الكثیر من الشبھات التي كانت عند البعض

. والتذكیر بخط الجماعة من أول یوم في نشأتھا وإلى الیوم : أخي

. إن ھذا الكتاب یجب أن یقرأ من أولھ إلى آخره مرة ومراتة والتجرد فقضیة اإلیمان والكفر من أخطر قضایا الوجود، یدرس مع األناة والدق

والخوض فیھا بغیر علم وال برھان وال ھدى أمر عظیم یجب علیك أن تحترس منھ وأن تنتبھ إلیھ وأن تشغل نفسك بغیر ھذا، تشغل فكرك وتتجھ باھتماماتك كلھا إلى

لطیبة وترك األثر وتقدیم القدوة ا. الدعوة إلى هللا الدعوة الفردیة وحسن الصلةالصالح في نفوس من یحیط بك أو یجاورك أو یتعامل معك، أما أن تتحول إلى قاض

تصدر األحكام وتقسم الناس إلى فئات فھذا أمر سھل لكنھ قد یكلفك ما ال تقدر علیھ عدو هللا ولیس : ومن دعا رجال بالكفر أو قال" ورسولنا ـ صلى هللا علیھ وسلم ـ

اترك ھذا المنحنى الخطیر واشغل نفسك إن كنت جادا بتعلیم " ھ كذلك إال جار علی . الجاھل وتبصیره واألخذ بیده وتنبیھ الغافل وتذكیره

. ھدانا هللا جمعیا إلى الخیر وجعلنا ھداة مھتدین محمد عبد هللا الخطیب

م1987ینایر 10=ـھ1407جمادى األولى 10

Page 10: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

تقدیم الناشر

وبعد،... والسالم على رسول هللا ومن وااله الحمد والصالة لقد مرت باإلخوان المسلمین المحن الطاحنة بأطوارھا وتوالت علیھم الفتن

لسنوات طوال ففتن من فتن ووفق هللا تعالى برحمتھ من شاء فثبتھ على الحق الذي . جاء بھ المصطفى ـ علیھ الصالة والسالم ـ في كل موافقة وجمیع حاالتھ

كان مما ابتلى بھ اإلخوان في سجونھم ومعتقالتھم ما أظھره البعض من رأى ولقد . بتكفیر المسلمین أو التشكیك في حقیقة إسالمھم وإیمانھم

رغم قسوة سجنھم ومعتقالتھم إلى تصحیح ھذا الفھم ال –ولقد سارع اإلخوان ولم یكن لھ رھبة من أحد وال زلفى ألحد سوى الواحد األحد الذي لم یلد ولم یولد

حسن إسماعیل الھضیبي ـ رضوان هللا / األستاذ–آنذاك –كفوا أحد وقال مرشدھم علیھ ـ ردا على تلك الدعوى كلمتھ الجامعة التي حددت طریق اإلخوان المسلمین

رحمھ –وأشرف " نحن دعاة ولسنا قضاة " وعبرت عن منھجھم وصورت مھمتھم ل السنة في الموضوعات التي أثار حولھا على وضع أبحاث في عقیدة أھ–هللا

. أصحاب تلك الدعوى شبھاتوكان من فضل هللا ورحمتھ أن جعل فیھا الشفاء فھدأت الخواطر واطمأنت

. النفوس بعد أن الح الحق و انتقمت الشبھاتولقد كان الواضح أن أمر تلك الفتنة قد انقضى غیر أن خصوم الحق ما كاون

وا عن محاوالتھم تشویة الدعوات اإلسالمیة الخالصة خاصة لیرضوا بذلك أو یقعدبعد أن لمسوا تشوق الناس لدعوة اإلسالم أیقنوا أن األمة قد استقر في وجدانھا زیف

كل ما عداھا من دعوات وأنھا راغبة رغبة صادقة ملحة أن تعود إلى ربھا وتلوذ سیا واجتماعیا واقتصادیا یشمل بشریعة اإلسالم دستورا وقانونا ونظاما أخالقیا وسیا

كل جوانب حیاتھا ویخرجھا مما حاق بھا فإذا بنا نفاجأ بمقاالت تكررت في الصحف ولعل القصد من . . تغالي في أمرھا وتھول من مخاطرھا" جماعات الھجرة " عن

. ذلك محاوالت حاقدة لتنفیر الناس من الدعاة إلى شریعة هللار تلكم األبحاث التي أصدرھا المرشد العام لإلخوان لذا رأینا من المفید نش

ـ رحمھ هللا ـ وجزاه خیرا وقد ألحقنا بھا رسائل المسلمین األستاذ حسن الھضیبيإلى بعض إخوانھ وأبنائھ إجابة عن تساؤالت منھم عسى أن –رحمھ هللا –بعث بھا

مین وتحدید یكون في ذلك إیضاح لمن طلب الحق وبیان لعقیدة اإلخوان المسل .﴾وهللا یقول الحق وھو یھدي السبیل لموقفھم ومنھجھم ﴿

. م1977مارس = ھـ1379ربیع األول : القاھرة )دار التوزیع والنشر اإلسالمیة(الناشر

Page 11: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

مقدمة

الحمد رب العالمین ونشھد أن ال إلھ إال هللا الواحد القھار الحكم العدل الخالق العالم بكل شيء نستغفره ونتوب إلیھ ونستھدیھ ونسألھ التوفیق والرشاد لكل شيء

. وبھ تعالى نستعین وال حول وال قوة إال بامحمد بن عبد هللا رسول هللا وخاتم . ونصلى ونسلم على سید ولد آدم أجمعین

النبیین ونذیره وبشیره إلى اإلنس والجن في العالمین ونشھد أنھ عبد هللا ورسولھ وخاتم أنبیائھ ورسلھ بلغ الرسالة وأدى األمانة وما نطق في شيء من الدین إال بالحق

﴾، ما ترك إن ھو إال وحي یوحى* وما ینطق عن الھوى بوحي من هللا عز وجل ﴿شریعة تلزمنا وفیھا رضا هللا عنا إال فصلھا ووضحھا وبینھا وما ترك خیرا قط

عز وجل إال نصحنا بھ وما كان من شر یستجلب غضب هللا علینا إال یقربنا من هللاحذرنا منھ ونھانا عنھ وتركنا بعد ذلك وفینا كتاب هللا وسنتھ علیھ الصالة والسالم

. على المحجة البیضاء لیھا كنھارھا ال یزیغ عنھا إال ھالكإحسان إلى اللھم صل وسلم علیھ أعظم وأتم سالم وعلى آلھ وصحبھ ومن تبعھم ب

. یوم الدین أما بعد

فھذه بعض أبحاث حول بعض اآلراء التي ظھرت بین حین وحین ولما لم یكن وجھ الحق فیھا ظاھرا رأینا أن نتعرض لھا بالتمحیص والرد إلى كتاب هللا العزیز

وإلى سنة رسولھ علیھ الصالة والسالم لیبین الحق واضحا جلیا ویتمیز عنھ غیره فال د في شبھة أو إشكال ولینظر طالب الحق فیما وافق كتاب هللا وسنة رسولھ ـ یقع أح

صلى هللا علیھ وسلم ـ فیعتقده صحیحا ال شبھة فیھ ویعمل بھ ویلتزمھ وفیما حاد عن كتاب هللا وسنة الرسول ولم یكن لھ فیھما ما یؤیده ویثبت صحتھ فینبذه وال یلتفت إلیھ

. ییرهبل یؤمن ببطالنھ ویعمل على تغ : أصول نتبعھا

وفى ھذا الذي بحثناه نلتزم أصال ال نحید عنھ ألن هللا عز وجل قد أمرنا بھ قال .﴾وما اختلفتم فیھ من شيء فحكمھ إلى هللا تعالى ﴿

سول وأول ﴿: وقال تعالى ي األمر منكم یا أیھا الذین آمنوا أطیعوا هللا وأطیعوا الر والیوم اآلخر ذل سول إن كنتم تؤمنون با وه إلى هللا والر ك فإن تنازعتم في شيء فرد

﴾ فأمرنا هللا عز وجل بطاعتھ وطاعة رسولھ علیھ الصالة خیر وأحسن تأویال ن وقع االختالف سواء بیننا وبین أولى األمر أو فیما والسالم ثم طاعة أولى األمر فإ

بیننا فقط فال یكون الرد إال إلى هللا ورسولھ لیكون الحكم الحق الشریعة الالزمة وبدھي أن الرد إلى هللا تعالى مقصود بھ الرد إلى ما أوحاه هللا تعالى إلى نبیھ علیھ

Page 12: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

و القرآن الكریم المنقول إلینا نقل الصالة والسالم ن الذكر المتلو المتعبد بتالوتھ وھالكافة عن الكافة وأن الرد إلى الرسول ـ علیھ الصالة والسالم ـ مقصود بھ الرد غلى

ما أوحاه هللا إلیھ ـ علیھ الصالة والسالم ـ من ذكر غیر متلو وھو األحادیث الثابتة . عنھ ـ صلى هللا علیھ وسلم ـ

: وأصل ثانى صحتھ برھان مثبت لھ ال یلزمنا ولیس حجة علینا ھو أن كل قول ال یقوم عل

وعلى من قال بھ أن یأتي بالدلیل والبرھان المثبتین لصحة قولھ ولسنا نحن المكلفین بإقامة البرھان على عدم صحة ما قال بھ دون أن یقیم ھو البرھان على صحة قولھ

ا ال یستقیم في وإال كان كل قول قالھ قائل صحیحا في ذاتھ وبمجرد قولھ وھذا مالبدیھة إذ مؤداه أن تكون األقوال المتعارضة المتضاربة كل منھا صحیح في ذاتھ وھذا یؤدى إلى الحكم بصحة المتناقضات التي ینقض بعضھا بعضا ویھدم بعضھا

بعضا وإنما یلزمنا إقامة البرھان على عدم صحة ما قال بھ القائل إن ھو أقام ما یطن قولھ فأ، لم نسلم بصحة برھانھ وأن قولھ الحق لزمنا أن نقیم أنھ برھان على صحة

وال تقف ما ﴿: الدلیل على فساد برھانھ الذي استدل بھ على صحة قولھ، قال هللا تعالى﴾، وما لیم یقم البرھان على صحتھ فال علم لنا بھ وقد نھانا هللا عن لیس لك بھ علم

وربطنا على قلوبھم إذ * ھم فتیة آمنوا بربھم وزدناھم ھدى إن ﴿: أتباعھ وقال تعالىماوات واألرض لن ندعو من دونھ إلھا لقد قلنا إذا شططا * قاموا فقالوا ربنا رب الس

ن ھؤالء قومنا اتخذوا من دونھ آلھة لوال یأتون علیھم بسلطان بین فمن أظلم ممفأثنى هللا عز وجل –﴾ والسلطان في اللغة ھو الحجة أي البرھان افترى على هللا كذبا

على ھؤالء الفتیة في إنكارھم قول قومھم إذ لم یقم قومھم على قولھم حجة بینة في قولھم إن من ادعى قوال بال دلیل فإنھ یقول على هللا الكذب وقولھ وصدقھم تعلى

﴾ فأخبرنا هللا تعالى بأن من اتبع قوال بل اتبع الذین ظلموا أھواءھم بغیر علم ﴿: تعالى﴾، صادقین قل ھاتوا برھانكم إن كنتم ﴿: وافقھ بال علم بصحتھ فھو ظالم وقال تعالى

فأوجب تعلى أن من كان صادقا في دعواه فعلیھ أن یأتي بالبرھان على صحتھ وإن . لم یأت بالبرھان فال صحة لقولھ

: وأصل ثالثھو أن لیس للعقل مدخل في إیجاب شریعة بأمر أو نھى أو بخطر أو إباحة إنما

القائلون بجواز عمل العقل في تفھم النصوص ومعرفة مراد هللا عز وجل منھا والقیاس والنافون لھ في تقریر ھذا األصل سواء وإنما احتج القائلون بالقیاس بأنھم

فھموا من النصوص أنھ یتعدى حكمھا إلى ما اشترك معھا في ذات علة الحكم وما اختلفتم فیھ من شيء فحكمھ إلى ﴿: وبرھان صحة ھذا األصل قولھ تعالى

وال تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ھذا حالل وھذا حرام لتفتروا ﴿: لھ تعالى﴾وقوهللا

Page 13: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

م ربي الفواحش ما ظھر منھا وما بطن ﴿: ﴾وقال تعالىعلى هللا الكذب قل إنما حرل بھ سلطانا وأن تقولوا على هللا واإلثم والبغي بغیر الح ما لم ینز ق وأن تشركوا با

﴾ والقول بأن هللا تعالى أمر بكذا أو نھى عن كذا أو حرم كذا أو أباح كذا ما ال تعلمون . دون سند شرعي موحى بھ منھ تعالى ھو قول على هللا تعالى بغیر علم

كل امرئ فیما عدا المعصوم علیھ الصالة والسالم یؤخذ من قولھ وأیضا فأن . ویرد یؤخذ من قولھ ما قام بھا على أنھ حق ویرد من قولھ ما لم یقم علیھ ذلك

ونحن حین نستشھد بأقوال السابقین من أئمة الفقة واللغة ال یدور بخلدنا أن اللغة وھم أئمتھا الواجب علینا أتباعھم في أي شيء قالوه إنما نحتج بفھمھم

والعالمون بمختلف أسالیبھا وأن فھمنا للنفس قد شاركنا فیھ أصحاب العقول الراجحة . والمتفقة في اللغة والدین

وهللا نسأل أن یھدینا الرشاد ویجنبنا الزلل ویبلغنا الحق وأن یجعل أقوالنا وأعمالنا خیر الجزاء كل وجدنا خالصة لوجھھ تعالى مأجورة منھ مقبولة لدیھ وأن یجزى عنا

على خطأ فصوبھ لنا بالحجة والبرھان من كتاب هللا وسنھ رسولھ علیھ الصالة . والسالم وأرشدنا إلى حقیقة ما أمر هللا بھ

Page 14: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

أن ال إلھ إال هللا، وأن محمدا رسول هللاشھادة :الفصل األول

بذلك من دخول اإلنسان بھا في دین اإلسالم، وما یتصل): مضمونھا(معناھا . الدین–العبادة -الرب-اإللھ : معاني كلمات

: الشھادة . في اللغة معناھا الحضور والمعاینة وما ینتج عن ذلك في النفس من علم وتیقن

: والشھادة على الشيء . اإلخبار بھ خبرا قاطعا فیكون المخبر شاھدا . والشھادة ما یتلفظ بھ المرء لإلخبار بما علم

: في اللغةوالعلم . حصول حقیقة العلم فالعلم بالشيء تیقنھ على ما ھو علیھ في الحقیقة

وعلى ذلك تكون لشھادة أن ال إلھ إال هللا لفظة ینطقھا المرء لإلخبار بما وقع في نفسھ من تیقن من وجود ذات هللا تعلى وأنھ تعالى أحد ال إلھ سواه إقرار منھ بذلك

لمعنى یسمى شھادة سواء أكان المخبر صادقا فیما أخبر بھ وھذا التلفظ بما یفید ھذا افسمي ـ " أال وشھادة الزور: "عن نفسھ أم غیر صادق قال ـ علیھ الصالة والسالم ـ

. علیھ الصالة والسالم ـ اإلخبار بما ال یطابق الحقیقة شھادة . علم على الرب تبارك وتعالى" هللا"ولفظ الجاللة

هللا علم على الرب تبارك وتعالى یقال إنھ االسم األعظم :قال ابن كثیر القرشيھو هللا الذي ال إلھ إال ھو عالم الغیب ﴿: ألنھ یوصف بجمیع الصفات كما قال تعالى

حیم حمن الر وس السالم ھو هللا الذي ال إلھ إال ھو الملك القد * والشھادة ھو الرا یشركون ھو هللا الخالق * المؤمن المھیمن العزیز الجبار المتكبر سبحان هللا عم

ماوات واألرض وھو العزیز ر لھ األسماء الحسنى یسبح لھ ما في الس البارئ المصو األسماء الحسنى ﴿: فأجرى األسماء الباقیة صفات لھ كما قال تعالىالحكیم﴾ و

ا تدعوا فلھ األسماء ﴾ وقال تعالى ﴿فادعوه بھا حمن أیا م قل ادعوا هللا أو ادعوا الرن رسول هللا صلى هللا ﴾ وفى الصحیحین عن أبى ھریرة رضي هللا عنھ أالحسنى

" إن تسعة وتسعین اسما مائة إال واحدا من أحصاھا دخل الجنة: " علیھ وسلم قالواستطرد ابن كثیر قائال إن اسم الجاللة اسم لم یسم بھ غیره تبارك وتعالى، ولھذا ال یعالف في كالم العرب لھ اشتشقاق من فعل یفعل فذھب من ذھب من النحاة إلى أنھ

اسم جامد ال اشتقاق لھ وقد نقلھ القرطبي عن جماعة من العلماء منھم الشافعي . والخاطبي وإمام الحرمین والغزالي وغیرھم

: وقیل إنھ مشتق واستدلوا على ذلك بقول رؤبة بن العجاج سبحن واسترجعن من تألھي در الغانیات المده

Page 15: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ھو التألھ ألھ یألھ إلھ وتألھا كما روى عن ابن وقد صرح الشاعر بلفظ المصدر و﴾، بمعنى عبادتك أي أنھ كان یعبد وال یعبد وكذلك ویذرك وءالھتكعباس أنھ قرأ ﴿

وھو هللا في ﴿: قال مجاھد وغیره وقد استدل بعضھم على أنھ مشتق بقولھ تعالىماوات وفي األرض ماء إلھ وفي األرض إلھ وھو الذي ﴿: ﴾ وبقولھ تعالىالس ﴾ في الس

فدخلت " اله"مثل فعال وقیل أصل الكلمة " إلھ"ونقل سیبویھ عن الخلیل أن أصل : األلف والالم للتعظیم وھذا اختیار سیبویھ قال الشاعر

عنى وال أنت دیاني فتحزوني اله ابن عمك ال أفضلت في حسبحذفوا الھمزة وأضغموا الالم واألولى في " اإللھ"أصلھ : ءوقال الكسائي والفرا

وقد قرأھا كذلك الحسن ثم قیل " لكن أنا"﴾ أي لكن ھو هللا ربي﴿: الثانیة كما قال تعالىوامرأة " والھ"ذھاب العقل یقال رجل " الولھ" إذا تحیر، و " ولھ " ھو مشتق من

وهللا تعالى یحیر ھؤالء في الفكر في إذا أرسل في الصحراء " مولوھة" "ولھى"أي ركنت إلیھ " ألھت إلى فالن"وقیل إنھ مشتق من : حقائق صفاتھ قال الرازي

والعقول ال تسكن إال إلى ذكره واألرواح ال تفرح إال بمعرفتھ ألنھ الكامل على ال الرازي أیضا ﴾، وقأال بذكر هللا تطمئن القلوب ﴿: اإلطالق دون غیره قال تعالى

أولع بأمھ وال " ألھ الفصیل"اشتقاقھ من : إذا احتجب وقیل أیضا" اله یلوه"وقیل من وقیل : مولعون بالتضرع إلیھ في كل األحوال وقال أیضا" مؤھلون"معنى أن العباد

أي أجاره فالمجیر لجمیع " فألھھ"الرجل إذا فزع من أمر نزل بھ " ألھ " من ﴾، وھو وھو یجیر وال یجار علیھ ﴿: ضار ھو هللا سبحانھ وتعالىالخالئق من كل المن نعمة فمن هللا ﴿: المنعم لقولھ تعالى وھو یطعم ﴿:﴾ وھو المطعم لقولھ تعالىوما بكم م

ن عند هللا ﴿: ﴾، ھو الموجد لقولھ تعالىوال یطعم ر الرازي أنھ اسم ﴾، وقد اختاقل كل موھو قول الخلیل وسیبویھ وأكثر األصولیین والفقھاء ثم أخذ : غیر مشتق البتة وقال

یستدل على ذلك بوجوه منھا أنھ لو كان مشتقا ال شترك في معناه كثیرون وفیھا أن فدل ذلك على " هللا الرحمن الرحیم الملك القدوس"بقیة األسماء تذكر صفات فنقول

وحكى الرازي عن بعضھم أن اسم هللا : شتق ثم استطرد ابن كثیر قائال أنھ لیس بالمألن الخلق یألھون إلیھ : تعالى عبرانى ثم ضعفھ وروى عن الخلیل بن أحمد أنھ قال

بفتح الالم وكسرھا لغتان وقیل إنھ مشتق من االرتفاع فكانت العرب تقول لكل شيء " ألھ " وقیل إنھ مشتق من " الھت"وكانوا یقولون إذا طلعت الشمس " الھا"مرتفع

. إذا تنسك انتھى" تألھ " الرجل إذا تعبد و : وآثاره" اإللھ"االختالف حول األصل اللغوي لكلمة

أو " اإللھ"ھذا االختالف الواضح في تحقیق اللغویین أھل الثقة والمعرفة لكلمة جامدا غیر مشتق أم أنھ وعدم توصلھم إلى القطع بما إذا كان لفظ الجاللة اسما" هللا"

اسم مشتق من مصدر فعل معروف وإذا كان مشتقا فأي مصدر أو فعل اشتق منھ

Page 16: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

والمعاني المتعددة للمصدر أو الفعل الذي ذھب إلیھ من قالوا باالشتقاق وعدم االتفاق على معنى معین أو مجموعة معان محددة یشملھا المصدر أو الفعل الذي قیل إن

نھ ھذا االختالف لیس بذى أھمیة ونحن في غنى عن الخوض فیھ ذلك اللفظة مشتقة مأن هللا تعلى أخبرنا بالقول الیقین والصدق الخالص وفصل الخطاب أن القدرة على

الخلق والعلو والتسامي والسلطان الكبیر العظیم واإلجارة وإجراء الرزق وكذا الملك ي الجاھلیة للفظ الجاللة قال والتصرف كانت من المعاني المعروفة بین كثیرین ف

مع واألبصار ومن یخرج ﴿:تعالى ن السماء واألرض أمن یملك الس قل من یرزقكم ملھ ﴾، فدل قوالحي من المیت ویخرج المیت من الحي ومن یدبر األمر فسیقولون هللا

تعالى أنھم سیجیبون بأن الرازق والمالك للسمع واألبصار والمخرج للحى من المیت و المیت من الحي والمدبر لألمر ھو هللا شأنھ دل ذلك على أنھم یعلمون أن ھذه

قل لمن األرض ﴿: القدرات ھي من صفات هللا عز وجل وكذلك األمر في قولھ تعالى قل أفال تذكرون * تعلمون ومن فیھا إن كنتم ماوات * سیقولون ب الس قل من ر

بع ورب العرش العظیم قل أفال تتقون * الس قل من بیده ملكوت كل * سیقولون قل فأنى تسحرون * إن كنتم تعلمون شيء وھو یجیر وال یجار علیھ .﴾سیقولون

وظاھر ھذه اآلیات أن اإلجابة بمفھوم لفظ الجاللة سیكون من الجمیع دون تمییز ولو لم تكن غیر ھذه اآلیات لقلنا بذلك ولكنا وجدنا آیات أخرى تقطع بأن ھناك من

الجاحد ال تصدر عنھ اإلجابة باالعتراف با ینكر ویجحد وجود هللا كلیة ومثل ھذانیا نموت ونحیا ﴿: عز وجل وسلطانھ وقدراتھ قال تعالى وقالوا ما ھي إال حیاتنا الد

ماوات أم خلقوا* أم خلقوا من غیر شيء أم ھم الخالقون ﴾، ﴿وما یھلكنا إال الدھر الس﴾، فدل ذلك على أن اإلجابة التي أنبأنا هللا عز وجل أنھا واألرض بل ال یوقنون

. ستكون لھ باإلقرار لھ عز وجل بسلطانھ وقدراتھ ھي من البعض دون البعض . حكم الناطق بالشھادتین

عتبره مسلما وحكم الناطق بشھادتي أن ال إلھ إال هللا وأن محمدا رسول هللا أن نتجرى علیھ أحكام المسلمین ولیس لنا أن نبحث في مدى صدق شھادتھ إذ أن ذلك متعلق بما استشعره واستیقنھ بقلبھ وھو أمر ال سبیل لنا للشكف عنھ والتثبت منھ

ولكن ذلك من شأن الذي یعلم السر وأخفى فمن استیقن قلبھ ما نطق بھ كان عند هللا . تلفظھ بلسانھمسلما مؤمنا ونفعھ ما

قول الرسول علیھ الصالة والسالم فیما حدث بھ أبو ھریرة : وبرھان ما قدمناأمرت أن أقاتل الناس حتى یشھدوا أن ال إلھ إال هللا ویؤمنوا : " رضي هللا تعالى قال

بي وبما جئت بھ فإذا فعلوا ذلك عصموا ممنى دماءھم وأموالھم إال بحقھا وحسابھم جمع علیھ من أھل اإلسالم أن الذي یعصم مالھ ودمھ بالشھادتین ھو والم" على هللا

Page 17: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

المسلم وأما عصمة أموال ودماء أھل الذمة فتكون بالعھد وأداء الجزیة مع الصغار . وال یشترط فیھم النطق بالشھادتین

یخرج "وقولھ علیھ الصالة والسالم فیما حدث بھ أنس بن مالك رضي هللا عنھ إلھ إال هللا وكان في قلبھ من الخیر ما یزن شعیرة ثم یخرج من من النار من قال ال

النار من قال ال إلھ إال هللا وكان في قلبھ من الخیر ما یزن بره ثم یخرج من النار من إن هللا ال یغفر أن وقال تعالى ﴿" ةقال ال إلھ إال هللا وكان في قلبھ من الخیر ما یزن ذر

﴾ فعلمنا یقینا أن من قال ال إلھ إال هللا وكان في غفر ما دون ذلك لمن یشاء یشرك بھ وی . قلبھ مثقال ذرة من خیر لیس مشركا والكافر والمشرك سواء

یا رسول هللا إن : وحدث المقداد بن عمرو الكندي وھو ممن شھدوا بدرا أنھ قالطعھا ثم الذ بشجرة وقال أسلمت آقتلھ لقیت كافرا فاقتتلنا فضرب یدي بالسیف فق

قال یا رسول هللا فإنھ " ال تقتلھ : " بعد أن قالھا ؟ قال رسول هللا صلى هللا علیھ وسلمال تقتلھ فإن قتلتھ فإنھ " طرح إحدى یدي ثم قال ذلك بعدما قطعھمھا آقتلھ قال

" لبمنزلتك قبل أن تقتلھ وأنت بمنزلتھ قبل أن یقول كلمتھ التي قابعثنا رسول هللا صلى هللا علیھ وسلم إلى : وحدث أسامة بن زید بن حارثة قال

الحرقة من جھینة فصبحنا القوم فھزمناھم ولحقت أنا ورجل من األنصار رجال منھم ال إال إال هللا ؟ قال فكف عنھ األنصاري فطعنتھ برمحي فقتلتھ : فلما غشیناه قال: قالیا أسامة أقتلتھ بعد : " فقال لي: لنبي صلى هللا علیھ وسلم قالفلما قدمنا بلغ ذلك ا: قال

أقتلتھ بعد أن قال ال : "قلت یا رسول هللا إنما كان متعوذا قال" !أن قال ال إلھ إال هللا " فما زال یكررھا على حتى تمنیت أن لم أكن أسلمت قبل ذلك الیوم"إلھ إال هللا ؟

عن رسول هللا صلى هللا علیھ وسلم في وحدث أبو ذر الغفاري رضي هللا عنھذلك جبریل أتاني فقال من "قال رسول هللا صلى هللا علیھ وسلم حدیث طویل قال فیھ

وإن زنا : و إن زنا وإن سرق قال: مات من أمتك ال یشرك با شیئا دخل الجنة قلت ". وإن سرق

قاطعة في داللتھا فھذه النصوص الثابتة عن رسول هللا ـ صلى هللا علیھ وسلم ـ على صحة الحكم الذي قلنا بھ وھو أن حكم هللا أن نعتبر أن من نطق بالشھادتین

مسلما تجرى علیھ أحكام المسلمین وأن نعاملھ بمقتضى أحكام الشریعة اإلسالمیة . باعبتاره مسلما وأن نكل سریرتھ إلى عالم السرائر جل شأنھ

: كلمة الربالمالك المتصرف ویطلق في اللغة أیضا –قال ابن كثیر كما–كملة الرب معناھا

وقال آخرون إنھا –على السید وعلى المتصرف لإلصالح وبمثل ذلك قال النسفي أیضا بمعنى المربى الكفیل بقضاء الحاجات القائم بأمر التربیة والتنشئة والرقیب

Page 18: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ء والسیادة وكل والرئیس المطاع صاحب السلطة النافذ الحكم، المعترف لھ بالعال . ذلك واضح وأنھ داخل في معنى المالك المتصرف والسید المتعھد لإلصالح

: كلمة العبادةالعبادة ھي االتباع واالنقیاد المطلقان وأیضا إقامة الشعائر الدینیة بقصد التعظیم

. واإلجالل وإعالن الخضوع والتذلل : كلمة الدین

:وكلمة الدین معناھا .غلبةالقھر وال-1 .التعبد والطاعة-2 .الشریعة أي الحدود والقوانین والطریقة التي تتبع-3 . المحاسبة والجزاء والعقاب-4

: بعض آراء األستاذ المودودي . قال األستاذ المودودى في كتابھ المصطلحات األربعة

لما نزل القرآن الكریم في العرب وعرض على الناطقین بالضاد كان كل امرئ " ھم یعرف معنى اإللة وما المراد بالرب ألن كلمتي اإللة والرب كانتا مستعملتین من

في كالمھم من ذي قبل وكانوا یحیطون علما بجمیع المعاني التي تطلق الكلمتان علیھا ومن ثم إذا قیل ال إلھ إال هللا وال رب سواه وال شریك لھ في ألوھیتھ وربوبیتھ،

وبین لھم من غیر ما لبس أو إبھام أي شيء ھو الذي قد أدركوا ما دعوا إلیھ تماما نفاه القائل ومنع غیر هللا أن یوصف بھ وأي شيء قد خصھ وأخلصھ تعالى والذین

كفروا إنما كفروا عن بینھ ومعرفة بكل ما یبطلھ وینعى علیھ كفره بألوھیة غیر هللا . وربوبیتھ

یوجب قبول تلك العقیدة األخذ وكذلك من آمن فق آمن عن بینة وبصیرة بكل مابھ واالنسالخ عنھ وكذلك كانت كلمتا العبادة والدین شائعتین في لغتھم وكانوا یعلمون ما العبد وما الحال التي یعبر عنھا بالعبودیة وما ھو المنھاج العملي الذي یطلق علیھ

مة ومن ثم لما اسم العبادة وما مغزى الدین وما ھي المعاني التي تشمل علیھا ھذه الكلقیل لھم اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت وادخلوا في دین هللا منقطعین عن األدیان كلھا

ما أخطأوا في فھم ھذه الدعوة التي جاء بھا القرآن وما إن قرعن أسماعھم حتى . تبینوا أي نوع من التغییر في نظام حیاتھم جاءت تطالبھم بھ تلك الدعوة

تلك العصر الزاھر جعلت تتبدل فیھا المعاني األصلیة ولكن القرون التي تلتالصحیحة لجمیع تلك الكلمات تلك المعاني التي كانت شائعة بین القوم عصر نزول

القرآن حتى أخذت تضیق كل كلمة من تلكم الكلمات األربع لما كانت تتسع لھ و

Page 19: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ت تحیط بھ من قبل وعادت منحصرة في معان ضیقة محدودة ومخصوصة لمدلوال : غامضة ومشتبھة ذلك لسببین

قلة الذوق العربي السلمي ونضوب معین العربیة الخالصة في العصور –أ . المتأخرة

إن الذین ولدوا في المجتمع اإلسالمي ونشأوا فیھ لم یكن قد بقى لھم من –ب معاني كلمات هللا والعبادة والرب والدین ما كان شائعا في المجتمع الجاھلي وقت

. زول القرآننوألجل ھذین السببین أصبح اللغویون والمفسرون في العصور المتأخرة یشرحون

أكثر كلمات القرآن في معاجم اللغة وكتب التفسیر بالمعاني التي فھمھا المتأخرون :من المسلمین بدال من معانیھا األصلیة وأمثلة ذلك

.األوثان واألصنامجعلوھا كأنھا مترادفة مع الذي اإللھأن كلمة -1جعلوھا مرادفة مع الذي یربى وینشئ وللذات القائمة بأمر الربأن كلمة -2

. تربیة الخلق وتنشئتھمحددوھا في معاني التألھ والتنسك والخضوع والصالة بین یدي هللا : العبادة -3 . تعالى . جعلوھا نظیر كلمة النحلة: الدین -4 . بالصنم أو الشیطانفسروھا: الطاغوت -5

أن تعذر على الناس أن یدركوا حتى الغرض الحقیقي والمغزى : والنتیجةالجوھري من دعوة القرآن فإذا دعاھم القرآن أال یتخذوا من دون هللا إلھا ظنوا أنھم

وفوا مطالب القرآن حقھا لما تركوا األصنام واعتزلوا األوثان والحال أنھم ال یزالون ما یسعھ ویحیط بھ مفھوم اإللة ما عدا األوثان واألصنام وھم ال متشبثین بكل

یشعرون أنھم بعملھم ھذا قد اتخذوا غیر هللا إلھا وإذا ناداھم القرآن بأن هللا تعالى ھو ھا نحن أوالء ال نعتقد من دون هللا مربیا لنا : الرب فال تتخذوا من دونھ ربا قالوا

عقیدتنا في باب التوحید والواقع أنھ قد أذعن أكثرھم ومتعھدا ألمرنا وبذلك قد كملت" الرب"لربوبیة غیر هللا تعالى من حیث المعاني األخرى التي تطلق علیھا كلمة

". المربى"غیر ھذا المعنى قالوا ال نعبد األوثان "وإذا خاطبھم القرآن أن عبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت

، وقد امتثلنا ھذا األمر القرآني امتثاال ونبغض الشیطان ونلعنھ وال نخشع إالوالحال أنھم ال یزالون متمسكین بأذیال الطواغیت األخرى غیر األصنام المنحوتة

لغیر هللا وقل مثل –اللھم إال التألھ –من الحجارة وقد خصوا سائر ضروب العبادة غیر أن ینتحل ذلك في الدین فإن ال یفھم الناس من معنى إخالص الدین تعالى

. المرء ما یسمونھ بالدیانة اإلسالمیة

Page 20: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

وأال یبقى في ملة الھنادك أو الیھود أو النصارى ومن ھنا یزعم كل من ھو معدود من أھل الدیانة اإلسالمیة أنھ قد أخلص دینھ تعالى والحق أن أغلبیتھم لم یخلصوا

. انتھى" الدین"لى كلمة دینھم تعالى من حیث المعاني الواسعة التي تشتمل ع :أحكام شرعیة رتبھا البعض على ما قدمناه من رأي األستاذ المودودي

وقد رتب البعض على ذلك الذي قدمناه من كالم األستاذ المودودي نتائج وبنوا :علیھا أحكاما زعموا أنھا مقتضى شریعة هللا تعالى فقالوا

ى كلمات اإللھ والرب والعبادة والدین إنھ لما كان الناس اآلن ال یعرفون حقیقة معنإنما یرددون كالما ال " ال إلھ إال هللا محمد رسول هللا"فإنھم إذ یرددون شھادة

یدركون حقیقة معناه وھم ال ینطقون بالشھادة التي كان ینطق بھا العربي حین البعثة صلى –ول ألن ھذا كان على بینة من معنى ما كان یشھد بھ ویقرره، ولذا كان الرس

یقبل تلك الشھادة المعلوم مضمونھا ومفھومھا لمن أداھا، ویعتمدھا –هللا علیھ وسلم حكما بإسالمھ، أما اآلن ال نستطیع أن نعتمد إسالم من نطق بالشھادتین ما دام ال

یدرك حقیقة مفھومھا، وواقع الحال شاھد على ذلك إذ أن كثیرا ممن ینطقون س الوقت أحكام الدین فیما یتعلق بأنظمتھم السیاسیة بالشھادتین یأتون في نف

واالجتماعیة واالقتصادیة وسائر شئون حیاتھم مع إصرارھم على النطق بالشھادتین والزعم بأنھم مسلمون، وخلصوا من ذلك إلى أنھ ال یعتبر مسلما تجوز معاملتھ على

ني الشھادتین ھذا األساس والصالة وراءه إال من تأكدنا من فھمھ لحقیقة معا .ومفھومھا

وزاد البعض على ذلك أنھ البد باإلضافة إلى تأكیدنا من علم الناطق بالشھادتین بمفھومھما أن یقوم عملھ شاھدا على صدق ما نطق بھ ومؤیدا لھ حتى یعتبر مسلما،

فإن لم تكن أعمالھ مصدقة لشھادتھ فإننا ال نستطیع أن نحكم بإسالمھ، فال نعتبره لیس اإلیمان : "، واحتجوا بالقول المنسوب إلى الرسول علیھ الصالة والسالممسلما

".بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقھ العمل :اعتراض على بعض ما قرره األستاذ المودودي

ونرد أوال على التقریر بأن معاني األلوھیة والربوبیة والعبادة والدین كانت شائعة البعثة وأنھا بعد ذلك قد ضاعت وتبدلت وانحصرت في معروفة بین العرب من قبل

.معان ضیقة محدودة غیر ما كانت تتسع لھ من قبلفنقول بعون هللا إن ھذا التقریر ال یتفق مع الواقع، ذلك أنھ أیا كانت المعاني التي

كانت شائعة في الجاھلیة لتلكم الكلمات فإن القرآن الكریم قد جاء محددا ما یقصده ل منھا، معرفا المفھوم المعني من كل لفظة من ألفاظھا، مبینا ذلك غایة البیان، من ك

مجلیا المعنى المراد بما ال یدع مجاال للبس أو وغموض وھذا البیان القرآني قد أغنى عن الرجوع إلى أصل تلك الكلمات في اللغة وما كان لھا من معان قبل نزولھ، نوال

Page 21: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

قرآن الكریم ھو األحكم واألوضح واألشمل واألجل، بل ھو یستریب مسلم أن بیان ال .الذي یتعین األخذ بھ والتسلیم بمقتضاه سواء وافق ذلك ما كان قبل نزولھ أم ال

والقرآن الكریم یزخر باآلیات البینات لمعاني األلوھیة والربوبیة والعبادة والدین، حیم ﴿:وأول ما یجده القارئ لكتاب هللا تعالى اآلیة الكریمة حمن الر الر ﴾، بسم هللا

، وھي ال شك تشمل نوعا من التعریف بلفظ الجاللة، ثم یلي ذلك على )1:الفاتحة( رب العالمین الفور تعریفات أخرى ﴿ حیم * الحمد حمـن الر ین * الر مالك یوم الد

راط المستقیم * نستعین وإیاك إیاك نعبد * صراط الذین أنعمت علیھم * اھدنا الصالین غیر المغضوب علیھم ).فاتحة الكتاب(﴾ وال الض

فلھ سبحانھ وتعالى الحمد والثناء وھو رب العالمین أي المالك المتصرف لجمیع ب یوم القیامة وھو الذي یعبد وال یعبد سواه وھو مخلوقاتھ وھو ومالك یوم الحسا

المستعان والمتوكل علیھ، وھو المطلوب منھ الھدایة إلى ما فیھ الخیر والفالح ثم :تفیض اآلیات

ي جعل الذ * یا أیھا الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذین من قبلكم لعلكم تتقون ﴿ماء ماء فأخرج بھ من الثمرات رزقا ماء بناء وأنزل من الس لكم األرض فراشا والس

أندادا وأنتم تعلمون ).22-21:البقرة(﴾ لكم فال تجعلوا وكنتم أم ﴿ * واتا فأحیاكم ثم یمیتكم ثم یحییكم ثم إلیھ ترجعون كیف تكفرون با

اھن سبع سماوات ھو الذي خلق لكم ما في األرض جمیعا ثم استوى إلى السماء فسو ).29:البقرة(﴾ وھو بكل شيء علیم

على كل شيء ما نن ﴿ سخ من آیة أو ننسھا نأت بخیر منھا أو مثلھا ألم تعلم أن هللا من ولي وال * قدیر لھ ملك السماوات واألرض وما لكم من دون هللا ألم تعلم أن هللا ).107:البقرة(﴾، نصیر

﴾ بدیع السماوات واألرض وإذا قضى أمرا فإنما یقول لھ كن فیكون ﴿ ).117:البقرة(

حیم ﴿ حمن الر إن في خلق السماوات واألرض * وإلھكم إلھ واحد ال إلھ إال ھو الر من واختالف اللیل والنھار والفلك التي تجري في البحر بما ینفع الناس وما أنزل هللا

یاح ماء من ماء فأحیا بھ األرض بعد موتھا وبث فیھا من كل دابة وتصریف الر السر ب ماء واألرض آلیات لقوم یعقلون والسحاب المسخ ).164:البقرة(﴾ ین الس

یھدي من یشاء إلى صراط مستقیم ﴿ ).213من اآلیة : البقرة(﴾ وهللا یعلم وأنتم ال تعلمون ﴿ ).216من اآلیة : البقرة(﴾ وهللا غفور رحیم ﴿ .)218من اآلیة : بقرةال(﴾ وهللا غفور حلیم ﴿ . )225من اآلیة : البقرة(﴾وهللا عزیز حكیم ﴿ .)220من اآلیة : البقرة(﴾ إن هللا

Page 22: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

سمیع علیم ﴿ .)224من اآلیة : البقرة(﴾ وهللا بما تعملون بصیر ﴿ .)110من اآلیة : البقرة(﴾ إن هللا بكل شيء علیم واعل ﴿ .)231من اآلیة : البقرة(﴾ موا أن هللا بما تعملون خبیر ﴿ .)234من اآلیة : البقرة(﴾ وهللاماوات وما في ﴿ ال إلھ إال ھو الحي القیوم ال تأخذه سنة وال نوم لھ ما في الس هللا

من ذا الذي یشفع عنده إال بإذنھ یعلم ما بین أیدیھم وما خلفھم وال یحیطون األرض ماوات واألرض وال یؤوده حفظھما وھو بشيء من علمھ إال بما شاء وسع كرسیھ الس

).255:لبقرةا(﴾ العلي العظیم ماوات وما في األرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه یحاسبكم ﴿ ما في الس

على كل شيء قدیر ب من یشاء وهللا فیغفر لمن یشاء ویعذ ).284:البقرة(﴾ بھ هللا﴿ ماء إن هللا .)5:آل عمران(﴾ ال یخفى علیھ شيء في األرض وال في الس

آل (﴾ ﴿ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ ھدیتنا وھب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوھاب .)8:عمران

لك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء قل اللھم مالك الملك تؤتي الم ﴿تولج اللیل في النھار وتولج * وتذل من تشاء بیدك الخیر إنك على كل شيء قدیر

ت وتخرج المیت من الحي وترزق من تشاء النھار في اللیل وتخرج الحي من المی .)27-26:آل عمران(﴾ بغیر حساب

یخلق ما یشاء إذا ﴿ قالت رب أنى یكون لي ولد ولم یمسسني بشر قال كذلك هللا ).47:آل عمران(﴾ كن فیكون قضى أمرا فإنما یقول لھ

واسع علیم ﴿ یؤتیھ من یشاء وهللا یختص برحمتھ من یشاء * قل إن الفضل بید هللا ذو الفضل العظیم ).74-73:آل عمران(﴾ وهللا

ي خلقكم من نفس واحدة وخلق منھا زوجھا وبث یا أیھا الناس اتقوا ربكم الذ ﴿ كان علیكم الذي تساءلون بھ واألرحام إن هللا منھما رجاال كثیرا ونساء واتقوا هللا

).1:النساء(﴾ رقیبا الذي خلق ال﴿ ماوات واألرض وجعل الظلمات والنور ثم الذین كفروا الحمد س

ھو الذي خلقكم من طین ثم قضى أجال وأجل مسمى عنده ثم أنتم * بربھم یعدلون ماوات وفي * تمترون في الس كم وجھركم ویعلم ما وھو هللا األرض یعلم سر ).3:األنعام(﴾ تكسبون

میع العلیم ﴿ أتخذ ولیا فاطر * ولھ ما سكن في اللیل والنھار وھو الس قل أغیر هللاماوات واألرض وھو یطعم وال یط ).14-13:األنعام(﴾ عم الس

بضر فال كاشف لھ إال ھو وإن یمسسك بخیر فھو على كل شيء ﴿ وإن یمسسك هللا ).18-17:األنعام(﴾ وھو القاھر فوق عباده وھو الحكیم الخبیر * قدیر

Page 23: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

یب ال یعلمھا إال ھو ویعلم ما في البر والبحر وما تسقط من وعنده مفاتح الغ ﴿ورقة إال یعلمھا وال حبة في ظلمات األرض وال رطب وال یابس إال في كتاب مبین

ا جرحتم بالنھار ثم یبعثكم فیھ لیقضى أجل مسمى وھو الذي یتوفاكم باللیل ویعلم م * وھو القاھر فوق عباده ویرسل علیكم * ثم إلیھ مرجعكم ثم ینبئكم بما كنتم تعملون

طون حفظة حتى إذا جاء أحدكم المو * ت توفتھ رسلنا وھم ال یفر وا إلى هللا ثم ردیكم من ظلمات البر * موالھم الحق أال لھ الحكم وھو أسرع الحاسبین قل من ینج

عا وخفیة لئن أنج اكرین والبحر تدعونھ تضر * انا من ھذه لنكونن من الش قل هللایكم منھا ومن كل كرب ثم أنتم تشركون قل ھو القادر على أن یبعث علیكم * ینج

م شیعا ویذیق بعضكم بأس بعض انظر عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو یلبسك ف اآلیات لعلھم یفقھون ).65-59:األنعام(﴾كیف نصر

ماوات واألرض بالحق ویوم یقول كن فیكون قولھ الحق ولھ ﴿ وھو الذي خلق السور عالم الغیب والشھادة وھو الحكیم الخبیر الملك یوم ی ).73:األنعام(﴾ نفخ في الص

فالق الحب والنوى﴿ ).95من اآلیة : األنعام(﴾ إن هللاصباح وجعل اللیل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك ﴿ تقدیر العزیز فالق اإل

).96:األنعام(﴾العلیم من : األنعام(﴾ وھو الذي جعل لكم النجوم لتھتدوا بھا في ظلمات البر والبحر ﴿

).97اآلیة ).98من اآلیة : األنعام(﴾ وھو الذي أنشأكم من نفس واحدة ﴿ماء ماء فأخرجنا بھ نبات كل شيء وھو ال ﴿ من اآلیة : األنعام(﴾ ذي أنزل من الس99.(

ربكم ال إلھ إال ھو خالق كل شيء فاعبدوه وھو على كل شيء وكیل ﴿ ﴾ ذلكم هللا ).102:األنعام(

).103:األنعام(﴾ وھو یدرك األبصار وھو اللطیف الخبیر ال تدركھ األبصار ﴿ة البالغة فلو شاء لھداكم أجمعین ﴿ ).149:األنعام(﴾ قل فللھ الحج رب العالمین ﴿ یك لھ وبذلك ال شر * قل إن صالتي ونسكي ومحیاي ومماتي

ل المسلمین ).163-162:األنعام(﴾ أمرت وأنا أوھا ومستودعھا كل في ﴿ رزقھا ویعلم مستقر وما من دابة في األرض إال على هللا

).6:ھود(﴾ كتاب مبین یعلم ما تحمل كل ﴿ وكل شيء عنده بمقدار وما تزداد وما تغیض األرحام أنثىهللا

نكم من أسر القول * والشھادة الكبیر المتعال عالم الغیب * ومن جھر بھ سواء من بین یدیھ * ر وسارب بالنھاومن ھو مستخف باللیل ومن خلفھ لھ معقبات م

ال یغیر ما بقوم حتى یغیروا ما بأنفسھم إن هللا یحفظونھ من أمر هللا وإذا أراد هللا

Page 24: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ن دونھ سوءا فال مرد لھ بقوم ھو الذي یریكم البرق خوفا* وال منوما لھم معد بحمده *وینشئ السحاب الثقال وطمعا ویرسل والمالئكة من خیفتھ ویسبح الر

واعق فیصیب بھا من یشاء الص لھ دعوة * ید المحال وھو شد وھم یجادلون في هللاوالذین یدعون من دونھ ال یستجیبون لھم بشيء إال كباسط كفیھ إلى الماء لیبلغ الحق

یسجد من*إال في ضالل وما دعاء الكافرین وما ھو ببالغھ فاه موات و في الس ).15-8: األنعام(﴾ واآلصال وظاللھم بالغدو وكرھاواألرض طوعا

نور السماوات واألرض﴿ ).35من اآلیة : النور(﴾ هللا ).64من اآلیة : مریم(﴾ وما كان ربك نسیا﴿ل واآلخر والظاھر وا﴿ ).3:الحدید(﴾ لباطن وھو بكل شيء علیم ھو األو الذي ال إلھ إال ھو عالم الغیب ﴿ حیم ھو هللا حمن الر * والشھادة ھو الر ھو هللا

وس السالم المؤمن المھیمن العزیز الجبار المتكبر الذي ال إلھ إال ھو الملك القدا یشركون عم ر لھ األسماء الحسنى یسبح * سبحان هللا الخالق البارئ المصو ھو هللا

).24-22: الحشر(﴾ وھو العزیز الحكیم واألرض لھ ما في السموات الذي * وربك األكرم اقرأ * خلق اإلنسان من علق * بك الذي خلق اقرأ باسم ر ﴿

).5- 1: العلق(﴾ علم اإلنسان ما لم یعلم * علم بالقلم أحد ﴿ مد * قل ھو هللا الص ﴾ ن لھ كفوا أحد ولم یك *ولم یولد لم یلد * هللا

).اإلخالص(ومن شر *وقب ومن شر غاسق إذا*من شر ما خلق * قل أعوذ برب الفلق ﴿

). الفلق(﴾ ومن شر حاسد إذا حسد * النفاثات في العقد * من شر الوسواس الخناس * إلھ الناس * اس ملك الن * قل أعوذ برب الناس ﴿

).الناس(﴾ والناس من الجنة * الذي یوسوس في صدور الناس ھذا قلیل من الكثیر الذي جاء بھ القرآن الكریم موضحا معنى األلوھیة مبینا

..خصائصھا وأبعادھا وقدراتھا وسلطانھالى ھذا الذي سقناه أو یدانیھ ولو من بعید أي مفھوم كان شائعا في الجاھلیة أیرقى إ

؟!!لمعنى األلوھیةأیحتاج أي مفسر بعد ھذا الذي تضمنھ دفتا المصحف الشریف على الرجوع إلى

في اللغة ومما اشتقت وما كان مفھومھا في الجاھلیة وقبل نزول " اإللھ"أصل كلمة !.؟..القرآن

لك القول بأن معاني األلوھیة قد ضاعت وتبدلت ولم تعد شائعة أیصح بعد ذمعروفة وأن الذین ولدوا في اإلسالم وفي رحاب ذلك الفیض الزاخر من آیات هللا لم

ما كان شائعا معروفا في " اإللھ والعبادة والرب والدین"یبق لھم من معاني كلمات لما كان العرب قبائل شتى متفرقة ؟ أیصح في الواقع أنھ!الجاھلیة قبل نزول القرآن

Page 25: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ومختلفة ولكل منھا لھجتھا، ال تجمعھا رئاسة أو ثقافة أو معتقدات موحدة وكانوا أمة أمیة ندر فیھم من ألم بالقراءة وبالكتابة یكسوھم الجھل واالنحطاط لیس لھم كتاب أو

ادة والدین إحاطة بعلم أو فن، لما كانوا كذلك كان مفھوم كلمات اإللھ والرب والعب–شائعا بینھم معروفا لدى كل امرئ منھم على حد سواء وعلى صفة معینة محددة

فلما نزل كتاب هللا تعالى بالذكر المحفوظ الذي ال یأتیھ الباطل من بین یدیھ وال من خلفھ مشتمال على البیان الجلي واإلیضاح الشامل، یتعبد الناس بتالوتھ آناء اللیل

یجھرون بھ في صلوات تقام جماعة في المساجد وغیرھا ضاعت وأطراف النھار وتلك المعاني واندثرت ولم تعد شائعة بین الناس بمثل ما كانت شائعة بینھم في

أیصح ذلك وكتاب هللا محفوظ بین المسلمین ولو قرأ أیھم الفاتحة وقل ھو –الجاھلیة م یكن یعرف الجاھلي عنھ هللا أحد أو المعوذتین أو سمعھا الطلع وعرف وأبصر ما ل

؟..شیئاأما كان الواجب قبل أن یلقى ذلك القول أن یقدم لھ بالدالئل التي تدل على

.صحتھ؟إن الذین ولدوا في المجتمع اإلسالمي ونشأوا فیھ لم یكن قد "أما وإذا جاء القول

جتمع بقي لھم من معاني كلمات اإللھ والرب والعبادة والدین ما كان شائعا في المالجاھلي قبل نزول القرآن بال برھان یقوم حجة على صدقھ وصحتھ فإنھ یكون مجرد قول ال حجة لھ وال یجوز أتباعھ وال یصح أن تبنى علیھ أحكام وما سبق أن اجتزأناه

من كتاب هللا من آیات شامل على معاني األلوھیة والربوبیة، والمفسرون ما معنى دون سائر المعاني التي تشملھا، وإنما ھم اقتصروا قط على تفسیر كلمة الرب ب

.فسروا الكلمة في كل موضع على المعنى الذي یدل علیھ السیاقواآلیات القرآنیة قد أبرزت معنى كلمة الرب سواء فیما یتعلق بالملك والتصرف

أو التعھد باإلصالح والتربیة والتنشئة والكفالة أو الرقابة أو والسیادة والعالء ربنا ال تؤاخذنا إن نسینا أو أخطأنا ربنا وال تحمل علینا إصرا كما ﴿.. اسةوالری

لنا ما ال طاقة لنا بھ واعف عنا واغفر لنا حملتھ على الذین من قبلنا ربنا وال تحم ).286من اآلیة : البقرة(﴾ موالنا فانصرنا على القوم الكافرین وارحمنا أنت

وإذا * ربكم الذي یزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضلھ إنھ كان بكم رحیما ﴿ر في البحر ضل من تدعون كم الض اكم إلى البر أعرضتم وكان مس ا نج إال إیاه فلم

أفأمنتم أن یخسف بكم جانب البر أو یرسل علیكم حاصبا ثم ال * اإلنسان كفورا ).68-66:اإلسراء(﴾ تجدوا لكم وكیال

ما﴿ قل أفاتخذتم من دونھ أولیاء ال یملكون قل من رب الس وات واألرض قل هللاا قل ھل یستوي األعمى والبصیر أم ھل تستوي الظلمات ألنفسھم نفعا وال ضر

).16: الرعد(﴾ والنور

Page 26: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

مع واألبصار ومن یخرج قل من یرزقكم من الس ﴿ ن یملك الس ماء واألرض أم فقل أفال الحي من المیت ویخرج المیت من الحي ومن یدبر األمر فسیقولون هللا

ربكم الحق فماذا* تتقون الل فأنى تصرفون فذلكم هللا ﴾ بعد الحق إال الض ).32-31:یونس(

من شيء في األرض وال في ﴿ ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما یخفى على هللاماء ).38: إبراھیم(﴾ الس

الة ومن ذر ﴿ ربنا اغفر لي ولوالدي * یتي ربنا وتقبل دعاء رب اجعلني مقیم الص ).41-40:إبراھیم(﴾ وللمؤمنین یوم یقوم الحساب

-3:قریش(﴾الذي أطعمھم من جوع وآمنھم من خوف * فلیعبدوا رب ھذا البیت ﴿4.(

–ن كثیر جاء بھ القرآن الكریم فأبرز بھ معاني األلوھیة والربوبیة ھذا یسیر موالحق أن الناظر فیما قدمناه وفي سائر ما جاء بھ القرآن الكریم لیجد أن القرآن

كمترادفین، وما قول " اإللھ والرب"الكریم قد استعمل في أكثر اآلیات كلمتي ﴾ أنا ربكم األعلى﴿) 38من اآلیة : القصص(﴾ يما علمت لكم من إلھ غیر فرعون ﴿

).24من اآلیة : النازعـات(فقد جاء بیانھا في القرآن الكریم " العبادة والدین"وكذلك األمر بالنسبة لكلمتي

ین ﴿: كامال شافیا وال نظن أنا بحاجة إلى إقامة دلیل على أن ) 4:الفاتحة(﴾مالك یوم الدروف بین المسلمین أن ذلك معناه یوم القیامة الذي یكون فیھ الحساب الشائع المع

.والجزاء والعقاب اإلسالم ﴿ ین عند هللا ویفھم األمي من ذلك أن )19من اآلیة : آل عمران(﴾ إن الد

المراد كافة ما جاء بھ الرسول علیھ الصالة والسالم وكافة شرائع اإلسالم وھو ما ین القیم ﴿: لھ تعالىیفھمھ من قو : ومن قولھ تعالى) 40من اآلیة : یوسف(﴾ ذلك الد

سالم دینا﴿ : المائدة(﴾ الیوم أكملت لكم دینكم وأتممت علیكم نعمتي ورضیت لكم األمن دیني فال أعبد الذین تعبدون من قل یا أیھا الناس إن كنتم في شك ﴿) 3من اآلیة

الذي یتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنین ولكن أعبد هللا وأن أقم وجھك * دون هللاین حنیفا وال تكونن من المشركین ).105-104:یونس(﴾ للد

ولقد تناولت اآلیات التي قدمناھا أیضا معاني العبادة من إقامة الشعائر والنسك .فضال عن الخضوع والذلة والطاعة واالتباع واالنقیاد المطلقین

ولقد ورد بالقرآن الكریم النصوص الكثیرة الصریحة في داللتھا على أن هللا ألتباع واالنقیاد المطلقین الحاكم اآلمر الناھي، وأن ا–ھو دون غیره –تعالى

واجبان لھ دون سواه بما أغنى عن االستدالل بمفھوم كلمة الرب للتدلیل على ذلك أمر أال تعبدوا إال إیاه﴿ وأطیعوا ﴿) 40من اآلیة: یوسف(﴾إن الحكم إال أطیعوا هللا

Page 27: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

سول وأولي األمر منكم فإن سول إن كنتم الر والر وه إلى هللا تنازعتم في شيء فرد والیوم اآلخر ذلك خیر وأحسن تأویال ألم تر إلى الذین یزعمون أنھم * تؤمنون با

من قبلك یریدون أن یتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا آمنوا بما أنزل إلیك وما أنزل یطان أن یضلھم ضالال بعیدا فال وربك ال ﴿) 60-59:النساء(﴾ أن یكفروا بھ ویرید الش

موك فیما شجر بینھم ثم ال ا قضیت یؤمنون حتى یحك یجدوا في أنفسھم حرجا مم ﴿) 65:النساء(﴾ ویسلموا تسلیما سول فقد أطاع هللا ) 80من اآلیة: النساء(﴾ من یطع الر

ورسولھ یدخلھ جنات تجري من تحتھ ﴿ ومن یطع هللا ا األنھار خالدین تلك حدود هللا ورسولھ ویتعد حدوده یدخلھ نارا خالدا فیھا * فیھا وذلك الفوز العظیم ومن یعص هللا

الكتاب والحك ﴿) 14-13:النساء(﴾ ولھ عذاب مھین ة ما كان لبشر أن یؤتیھ هللا م والنبو ولكن كونوا ربانیین بما كنتم تعلمون ثم یقول للناس كونوا عبادا لي من دون هللا

).79:آل عمران(﴾الكتاب وبما كنتم تدرسون .؟..!!فكیف ببشر لم یؤتھ هللا كتابا وال حكما وال نبوة

وال نشرك بھ ق ﴿ ل یا أھل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بیننا وبینكم أال نعبد إال هللا فإن تولوا فقولوا اشھدوا بأنا مسلم ﴾ون شیئا وال یتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون هللا

.)64:آل عمران( .)3من اآلیة: ألعراف(﴾ اتبعوا ما أنزل إلیكم من ربكم وال تتبعوا من دونھ أولیاء ﴿﴿ من : النساء(﴾ إنا أنزلنا إلیك الكتاب بالحق لتحكم بین الناس بما أراك هللا .)105اآلیة فأولئك ھم الكافرون ﴿ .)44من اآلیة: المائدة(﴾ومن لم یحكم بما أنزل هللا فأولئك ھم الظالمون ﴿ .)45من اآلیة: المائدة(﴾ ومن لم یحكم بما أنزل هللا فأولئك ﴿ .)47من اآلیة: المائدة(﴾ ھم الفاسقون ومن لم یحكم بما أنزل هللاقا لما بین یدیھ من الكتاب ومھیمنا علیھ فاحكم ﴿ وأنزلنا إلیك الكتاب بالحق مصد

ا جاءك من ا وال تتبع أھواءھم عم .).48: المائدة(﴾ لحقبینھم بما أنزل هللا وال تتبع أھواءھم واحذرھم أن یفتنوك عن بعض ما ﴿ وأن احكم بینھم بما أنزل هللا

إلیك .)49من اآلیة: المائدة(﴾ أنزل هللاة یبغون ومن أحسن من ﴿ حكما لقوم یوقنون أفحكم الجاھلی 6﴾هللا

وعاب هللا عز وجل على الیھود والنصارى طاعتھم ألحبارھم .)50:المائدة(ورھبانھم من دون هللا تعالى وحكم بكفرھم إذ بلغت تلك الطاعة االعتقاد بأن لھم أن

ھم ورھبانھم اتخذوا أحبار ﴿: یحرموا ما أحل هللا أو یحلوا ما حرم هللا، قال تعالى .)31من اآلیة: التوبة(﴾أربابا من دون هللا

Page 28: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ولما غفل عدي بن حاتم عن المعنى الحقیقي المقصود من ھذه اآلیة الكریمة وظن أن العبادة ھي مجرد إقامة الشعائر والتنسك، وقال للرسول علیھ الصالة والسالم إنھم

ح علیھ الصال .ة والسالم لھ ما فاتھلم یعبدوھم، وضوفي عنقي صلیب : -صلى هللا علیھ وسلم –أتیت النبي : عن عدي بن حاتم قال

فألقیتھ، ثم افتتح سورة براءة " یا ابن حاتم، ألق ھذا الوثن عن عنقك": من ذھب فقالیا رسول هللا ما كنا : فقلت) اتخذوا أحبارھم ورھبانھم أربابا من دون هللا : (حتى بلغ

كانوا یحلون لكم الحرام فتستحلونھ ویحرمون علیكم الحالل : ""نعبدھم فقالرواه ابن حزم في اإلحكام في [".فتلك عبادتھم: "بلى، قال: ؟ فقلت"فتحرمونھ

، وابن جریر في 184ص2، والطحان الكوفي جـ132،133ص7أصول األحكام جـ ].، والترمذي80،81ص1تفسیره جـ

على المرء ": قولھ–صلى هللا علیھ وسلم –ومن األحادیث الثابتة عن رسول هللا المسلم السمع والطاعة فیما أحب وكره إال أن یؤمر بمعصیة، فإن أمر بمعصیة فال

].32ص1رواه مسلم المحلى جـ[".سمع وال طاعةما من نبي ": صلى هللا علیھ وسلم ـ أنھ قال–وفیما رواه ابن مسعود عن الرسول

بعثھ هللا في أمة قبلي إال كان لھ من أمتھ حواریون وأصحاب یأخذون بسنتھ ویقتدون بأمره، ثم یحدث من بعدھم خلوف یقولون ما ال یفعلون، ویفعلون ما ال یؤمرون فمن

جاھدھم بیده فھو مؤمن ومن جاھدھم بلسانھ فھو ومؤمن ومن جاھدھم بقلبھ فھو ].360ص6المحلى جـ["إلیمان حبة خردلمؤمن ولیس وراء ذلك من ا

وكل ذلك محفوظ معروف مشھور یكفي أن یسمعھ من ال یعرف من العربیة إال إحدى لھجاتھا العامیة فیفھمھ ویلم بمقاصده العامة فتستنیر بصیرتھ وإن جھل

.الفواصل بین األحكام الشرعیة المختلفةكلمة قد ال یعرف معناھا من وما عمل المفسرین في ھذا الشأن إال إیضاح معنى

ال یجید اللغة العربیة أو إیراد أسباب النزول أو بعض األحادیث المناسبة لآلیة والمتعلقة بھا، أو المقابلة بین اآلیة والحدیث أو اآلیة واآلیة ثم اإلشارة إلى األحكام

.الشرعیة التي تستنبط من مجموع اآلیات واألحادیث المتعلقة بموضوع مافإن وقعت صحیحة : ن ال یتكلمون العربیة فاألمر بالنسبة لھم مرده الترجمةأما م

تكون كافیة في تحصیل –وإن لم تبلغ بال ریب القرآن العربي المعجز –فھي المعاني المقصودة وإبالغ البیان المطلوب، وإن لم تكن كذلك والبسھا التحریف فھي

.كذب وافتراء، وقول على هللا بغیر الحقلما نزل القرآن الكریم في العرب وعرض على الناطقین : "رد على القول بأنھثم ن

بالضاد كان حینئذ یعرف كل امرئ منھم ما معنى اإللھ وما المراد بالرب ومن ثم إذا قیل ال إلھ إال هللا وال رب سواه وال شریك لھ في ألوھیتھ وربوبیتھ أدركوا ما دعوا

Page 29: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

وال إبھام أي شيء ھو الذي قد نفاه القائل ومنع غیر إلیھ تماما وبین لھم من غیر لبس ".هللا أن یوصف بھ وأي شيء قد خصھ وأخلصھ تعالى

فنقول بعون هللا إنھ كان المقصود بھذا القول القطع بأن كل فرد ممن كان بنجد والحجاز وغیرھما وقت بعثة الرسول علیھ الصالة والسالم على وجھ التحدید

رك بغیر ما لبس وال إبھام ما دعى إلیھ وكان على علم كامل شامل والتعیین، قد أدوحقیقة التوحید، بالجملة المفھوم الكامل الشامل لشھادة " اإللھ والرب"بمعنى كلمتي

إن كان ھذا ھو المقصود فإنھ یكون قوال في حاجة إلقامة البرھان " ال إلھ إال هللا"لدعوى االدعاء بشیوع معاني كلمتي على صحتھ وال یكفي للتدلیل على صحة ھذه ا

.بین العرب الناطقین بالضاد" اإللھ والرب"معرفة الكثرة الغالبة باألمر وال یرقى : ألن الشیوع مھما بلغ واشتد، معناه: أوال

إلى حد القطع والتیقن من حقیقة علم كل فرد على وجھ التحدید والتعیین، فمن ذا أمر كل منھم فردا فردا، لیجزم باستحالة أن الذي أحصاھم عددا وتأكد من حقیقة

.؟..یكون بینھم من أخطأ الفھم أو لم یصلھ العلمأن الذین كانوا بنجد والحجاز وغیرھا، لم یكونوا كلھم من العرب الخلص : ثانیا

العالمین باللغة العربیة كأھلھا بل كان فیھم بیقین كثیر من المستعربین واألرقاء واح شتى وأجناس مختلفة وكان فیھم أیضا األحرار األجانب المستجلبین من ن

األعجمیو اللسان فال یصدق في حقھم القول بالفھم كفھم الناطق بالضاد، ولقد حفظ لنا من فارسیین –صلى هللا علیھ وسلم –التاریخ أسماء كثیرین من صحابة رسول هللا

لسان الذي ء األجانب ﴿ورومیین وأحباش، وأشار القرآن الكریم إلى وجود ھؤال ).103من اآلیة: النحل(﴾ یلحدون إلیھ أعجمي وھذا لسان عربي مبین

موجھة للجمیع على سواء –صلى هللا علیھ وسلم –ولقد كانت دعوة الرسول ، وقبل علیھ الصالة والسالم إسالم من نطق منھم بالشھادتین دون تفرقة أو تمییز

ولقد كان یكفي لدحض تلك الدعوى أن تكون بغیر دلیل، ولقد قدمنا ما یعارضھا، ونؤكد ھذه المعارضة بواقعة علم بھا الرسول علیھ الصالة والسالم تؤكد جھل

مسلمین ببعض –صلى هللا علیھ وسلم –الكثیرین ممن أسلموا واعتبرھم النبي .معاني التوحید ومفھوم الشھادة

–في كتابھ االعتصام أنھ ورد في الصحیح عن أبي واقد اللیثي أورد الشاطبيقبل خیبر –صلى هللا علیھ وسلم –خرجنا مع رسول هللا : قال–رضي هللا عنھ

ونحن حدیثو عھد بكفر وللمشركین سدرة یعكفون حولھا وینوطون بھا أسلحتھم یقال –كما لھم ذات أنواط، فقال لھا ذات أنواط فقلنا یا رسول هللا اجعل لنا ذات أنواط

هللا أكبر كما قالت بنو إسرائیل، اجعل لنا إلھا كما لھم آلھة، : "صلى هللا علیھ وسلملتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذرعا حتى لو دخلوا في جحر ضب

Page 30: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

االعتصام للشاطبي ["فمن؟: "الیھود والنصارى؟ قال: قلنا یا رسول هللا" التبعتموھم ].45ص1جـ

، 143ابن كثیر ص[ولقد أورد ابن كثیر والقرطبي وابن حزم روایات مماثلة ].238، جامع السیر البن حزم ص273ص7القرطبي جـ

أفھؤالء الذین طلبوا من رسولھم أن یجعل لھم إلھا من دون هللا یصدق في حقھم ا ما دعوا إلیھ القول إنھم إذا شھدوا أن ال إلھ إال هللا وال رب سواه قد أدركوا تمام

وبین لھم من غیر ما لبس وال إبھام أي شيء ھو قد نفاه القائل ومنع غیر هللا أن .؟...!!یوصف بھ وأي شيء من خصھ وأخلصھ تعالى

وجھلھ –رضي هللا عنھ –ھذا وقد سبق أن أوردنا ما كان من أمر عدي بن حاتم المعنى –ى هللا علیھ وسلم صل–بحقیقة معنى كلمة العبادة حتى بین لھ رسولھ

.المقصود :بطالن القول بعدم إسالم من نطق بالشھادتین إذا جل مفھومھما

ثم نقول للذي ذھب على عدم الحكم بإسالم من نطق بالشھادتین في وقتنا الحاضر بزعم أن معناھما الذي كان شائعا وقت البعثة قد تبدل وتغیر ولم یعد مفھوما على

إنا قد أسقطنا حجتك فیما أسلفناه وبما أثبتناه من أن معناھما لم : لھنقول –حقیقتھ یزل شائعا بین الناس بل أكثر شیوعا وأكثر وضوحا مما كان قبل نزول القرآن

.الكریموفضال عن ذلك، فإنھ لم یرد شرع یفید الربط بین شیوع معنى األلوھیة والربوبیة

ن شھد منھم أن ال إلھ إال هللا وأن محمدا في مجموع من الناس وبین قبول شھادة مرسول هللا وحكمنا بإسالمھ بقولھا، واشتراط ھذا الشرط شریعة زائدة ال تقبل إال أن

.یقیم القائل بھا البرھان علیھا من كتاب هللا وسنة الرسول علیھ الصالة والسالمعلى خالف وفعلھ المعتبر شریعة الزمة،–صلى هللا علیھ وسلم –وقول الرسول

إسالم –صلى هللا علیھ وسلم –فقد قبل الرسول : تلك الشریعة الزائدة المستحدثةالناس الذین دخلوا في دین هللا أفواجا من العرب والمستعربین واألرقاء والمستجلبین

، -صلى هللا علیھ وسلم –وأھل الحیرة وأھل الیمن ممن فتحت بالدھم على عھده رورة التأكد أن كل فرد منھم قد فھم من الشھادتین اللتین شھد دون إجراء ما یفید ض

بھما معلنا إسالمھ معنى محددا معینا، أو أن معاني محددة معینة شائعة معروفة بینھم، بل ثبت لدیھ علیھ الصالة والسالم أن بعض العرب یجھلون حقیقة معنى

ن بعض من قبل علیھ بعض األلفاظ كما كان من أمر عدي بن حاتم كما قدمنا، وأكما كان من " ال إلھ إال هللا"الصالة والسالم إسالمھم یجھلون بعض معاني شھادة أن

فدل عملھ علیھ الصالة ) اجعل لنا ذات أنواط كما لھم ذات أنواط: (أمر الذین قالواوالسالم على افتراض ما یكفي من العلم في حق من نطق بالشھادتین للحكم بإسالمھ

Page 31: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ما قد یكون جاھال بھ من معاني األلوھیة والربوبیة والعبادة والدین وإن جھلھ ومفھوم الشھادتین وغیر ذلك من األحكام الشرعیة، ال یضر إسالمھم شیئا، ولیس

بمانع من الحكم بإسالمھ، وأن تجري علیھم األحكام الشرعیة كما یجري على سائر ذي ھو أقوى أنواع التواتر وأشدھا قوة المسلمین وھذا الدلیل منقول إلینا نقل الكافة ال

غافال –صلى هللا علیھ وسلم –وما كان الرسول . في إثبات صحة الخبر ویقین العلمأمرت أن أقاتل الناس : "عن أنھ مبعوث إلى الناس كافة عربیھم وأعجمھم وھو القائل

ناس كل الناس ال.. نعم" إلخ..حتى یشھدوا أن ال إلھ إال هللا ویؤمنوا بي وبما جئت بھبال تمییز بین أناس وأناس ودون تمییز بین العرب وغیرھم، ودون التفرقة بین

صلى هللا علیھ –الناطقین بالضاد وغیرھم، ھذا ھو حكم هللا نطق بھ الرسول األمین وعمل بھ وطبقھ، ولو كان النطق بالشھادتین یختلف شأنھ وحكمھ بین –وسلم

أو یلزم إجراء آخر في حق الناطق بھ من العرب أو الناطقین بالضاد وبین غیرھم،عن –صلى هللا علیھ وسلم –غیر العرب حتى یحكم بإسالمھ، ما سكت الرسول

بیان ذلك، وما كان علیھ الصالة والسالم لیغفل عن إعمال ذلك الشرط الزائد وتطبیقھ ).64من اآلیة: مریم(﴾ وما كان ربك نسیا﴿

لك التفرقة وأتى بذلك الشرط الزائد فقد خالف نص حدیث رسول هللا ومن أحدث توالیقین الثابت من عملھ والمعتبر شریعة بال خالف، وأتى –صلى هللا علیھ وسلم –

.بشریعة غیر شریعة هللا مستحدثا في الدین ما لم یرد فیھ نص من كتاب أو سنةالد الشام وفارس والعراق ولقد فتح المسلمون على عھد الصحابة والتابعین، ب

والسودان واألندلس وتركیا وأجزاء من البلقان " شمال أفریقیا"ومصر وبالد البربر والھند وغیر ذلك، وكلھا بالد لم تكن تعرف العربیة وكان إجماع الصحابة والتابعین

ة على قبول أھل تلك البالد في اإلسالم بشھاد–المنقول إلینا نقل الكافة عن الكافة –وعصمت بھا دماؤھم وأموالھم، وأجریت علیھم " أن ال إلھ إال هللا محمدا رسول هللا"

شرائع اإلسالم، ثم علموا شیئا فشیئا ما كانوا یجھلونھ من أحكام وشرائع، وما ذھب قائل إلى عدم قبول إسالمھم حتى یتحقق شرط أو أمر مضاف إلى شھادتھم التي

االدعاء بأن معاني األلوھیة والربوبیة كما كانت نطقوا بھا، وال یصح في العقل شائعة بین العرب في الجاھلیة كانت شائعة في ھؤالء الجاھلین بالعربیة بأكثر شیوعا

.بیننا اآلن :بطالن القول باشتراط العمل

ثم نقول للذي اشترط أن تكون أعمال الشخص مصدقة لشھادتھ حتى یحكم بت فساد ذلك القول، فقد أقمنا األدلة القاطعة على أن إن فیما قدمناه ما یث: بإسالمھ

حكم هللا تعالى أن یعتبر الشخص مسلما في ذات اللحظة التي ینطق فیھا بالشھادتین، .وأنھ حال نطقھ بالشھادتین یلزمنا اعتباره مسلما ویحرم علینا دمھ ومالھ

Page 32: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إسالم من فمن أین جاء الشرط الذي تقول بھ من وجوب عمل ما وتعلیق حكم .؟..!نطق بالشھادتین حتى یأتي بعمل یعتبر مصدقا لشھادتھ

ولقد كان أبو طالب یحتضر في فراش الموت والرسول علیھ الصالة والسالم إلى حتى یشھد بھا لھ عند هللا " ال إلھ إال هللا محمد رسول هللا"جواره ویلح علیھ أن ینطق

، فما جدوى ھذه الشھادة وما ]210ص11المحلى جـ: مسلم119ص2البخاري جـ[من عمھ إن كانت –صلى هللا علیھ وسلم –قیمتھا وما الداعي ألن یطلبھا الرسول

.؟..بذاتھا ال تخرج قائلھا من الكفر وتدخل بھ في اإلسالملیس اإلیمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب "أما االحتجاج في ھذا المقام بالحدیث

كما –ذا الحدیث في كتب الحدیث الممتدة التي بین أیدینا لم نجد ھ" [وصدقھ العملمما أشرنا إلیھا "أن عمد كتب الفقھ التي تعرضت بالتفصیل لقضیة الكفر واإلیمان

حیث وطن االستشھاد لم یشر إلیھ بل قال ابن تیمیة والغزالي في " في ھذا البحثفال حجة في ] بي طالباألحیاء والقرطبي إن ھذا القول لحسن البصري أو لعلي بن أ

–صلى هللا علیھ وسلم –ألنھ، على فرض صحة نسبیة ھذا الحدیث إلى الرسول :فإنھ علیھ الصالة والسالم قد سمي النطق بالشھادتین عمال

–صلى هللا علیھ وسلم –عن أبي ھریرة رضي هللا تعالى عنھ أن رسول هللا الجھاد في : "قیل ثم ماذا؟ قال" ھإیمان با ورسول": أي العمل أفضل؟ قال: سئل

].13ص1جـ: البخاري["حج مبرور: "قیل ثم ماذا؟ قال" سبیل هللا–أن وفد عبد القیس أتوا النبي –رضي هللا تعالى عنھما –وحدث ابن العباس

فقالوا ما معناه إنھم على بعد منھ وال یستطیعون الحضور إلیھ –صلى هللا علیھ وسلم فمرنا بأمر نخبر بھ من وراءنا ندخل : السالم إال في شھر حرام وقالواعلیھ الصالة و

بأربع ونھاھم عن أربع، وكان أول ما –صلى هللا علیھ وسلم –بھ الجنة، فأمرھم ھل تدرون ما اإلیمان ": -صلى هللا علیھ وسلم –أمرھم بھ اإلیمان با وحده ثم قال

شھادة أن ال إلھ إال هللا وأن محمدا رسول : "قالهللا ورسولھ أعلم، : با وحده؟ قالوا ].139، 32ص1جـ: البخاري["هللا

اإلیمان با وحده بأنھ شھادة أن –صلى هللا علیھ وسلم –وھكذا عرفنا رسول هللا ال إلھ إال هللا وأن محمدا رسول هللا، وھكذا سمي علیھ الصالة والسالم النطق

.بالشھادتین عمالون الثابت یقینا من األحادیث مجتمعة أن من شھد أن ال إلھ إال هللا وأن وبذلك یك

محمدا رسول هللا مخلصا من قلبھ فإنھ یكون قد أتى عمال مصدقا لما وقر في قلبھ، .وأن حكم هللا أنھ بذلك قد آمن وأسلم

واإلخالص فعل النفس والقلب الذي ال یطلع علیھ إال عالم السرائر جل شأنھ، قال خالد بن الولید : یس لنا نحن البشر إال أن نعامل الناس بما ینطقون بھ بألسنتھمول

Page 33: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

، "وكم من مصل یقول بلسانھ ما لیس في قلبھ: "-صلى هللا علیھ وسلم –لرسول هللا إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس وال أشق ": -صلى هللا علیھ وسلم –فقال

]. 220ص11المحلى جـ: مسلم["بطونھمولیس في وجوب الحكم بإسالم من نطق بالشھادتین ما یتعارض مع كون المسلم

مكلفا بعد النطق بالشھادتین بفرائض أخرى ھي من اإلیمان كالصالة والزكاة .إلخ.. والصوم والحج والجھاد والدعوة إلى هللا

) 31من اآلیة: المدثر(﴾ ماناویزداد الذین آمنوا إی﴿: واإلیمان یزید بازدیاد الطاعة الذین اھتدوا ھدى ﴿ ﴾ وما زادھم إال إیمانا وتسلیما﴿) 76من اآلیة: مریم(﴾ ویزید هللاا الذین آمنوا فزادتھم إیمانا وھم یستبشرون ﴿) 22من اآلیة: األحزاب( : التوبة(﴾ فأم

–صلى هللا علیھ وسلم –وعن أبي ھریرة رضي هللا عنھ أن النبي ) 124من اآلیة1جـ: البخاري["اإلیمان بضع وستون شعبة والحیاء شعبة من اإلیمان": قال :ثم نقول للذي یأبى التسلیم بذلك] 49ص

حدد لنا العمل الذي ترید أن تجعلھ مصدقا لقول الناطق بالشھادتین حتى نحكم ..!!.صفة ذلك العمل ومقدارهبإسالمھ وحدد لنا

وال سبیل لك إلى ذلك أبدا، إال أن تأتي بشریعة من عند ذات نفسك وال یأذن بھا هللا تعالى، وحذار من ذلك ألنك إن فعلت ھذا سقطت فیما قمت تنھى عنھ وحكمت

.بغیر ما أنزل هللا من حیث ندبت نفسك للدعوة بأن ال حكم إال ع حیاة الناس یدل على أنھم ینھجون في حیاتھم االجتماعیة وإذا قال قائل إن واق

.واالقتصادیة والسیاسیة مناھج تخالف شریعة الھ، قلنا، نعم صدقت .وھذا حال الكثیرین منھم وھم بذلك عاصون ألوامر هللا

ولكن من تعدى ذلك إلى القول بفساد عقیدة الناس بما أخرجھم عن اإلسالم قلنا لھ جت على حكم هللا بحكمك ھذا الذي حكمت بھ على عموم إنك أنت الذي خر

الناس،وإن استداللك على فساد عقیدة الناس بما یخرجھم عن اإلسالم ظن ال یرقى من : یونس(﴾ إن الظن ال یغني من الحق شیئا﴿: إلى الجزم والیقین، قال تعالى

إال أن "ظن فإن الظن أكذب الحدیثإیاكم وال": وقال علیھ الصالة والسالم) 36اآلیةیثبت في حق شخص معین أنھ قد ارتكب عمال أو قال قوال محددا في شریعة هللا بأنھ

.مخرج من اإلسالم إلى الكفرولیس المعالنة بالمعاصي وشیوعھا، ولیس الظواھر العامة التي ركنت إلیھا مما

س بخروجھم من اإلسالم إلى یجیز لك في شریعة هللا أن تصدر حكما على عموم النا .الكفر، أو وبعدم دخولھم اإلسالم أصال رغم النطق بالشھادتین

Page 34: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ونحن ال نقول بأن من نطق بالشھادتین فإنھ یلزمنا الحكم بإسالمھ أیا ما قال أو عمل بعد النطق بھما، ونحن ال نقول أبدا أن المسلم ال یرتد إلى الكفر مھما قال أو

.عملھ أن شریعة هللا قد حددت أقواال وأعماال إذ قالھا المسلم أو عملھا فمما ال شك فی

.خرجت بھ من اإلسالم وارتد بھا إلى الكفروالذي نقول بھ إن تلك األقوال واألعمال قد حددھا هللا عز وجل ووضحھا

.الرسول علیھ الصالة والسالم فلیس لنا أن نزید فیھا أو ننقص منھایھا ما یبیح لنا إذا ما شاعت تلك األقوال واألفعال في كما أن شریعة هللا لیس ف

مجموع من الناس أن نرمیھم جملة بالخروج عن دین اإلسالم ما دامت شعائر اإلسالم من أذان وصالة وصیام وحج متعالنین بھا بینھم، ولیس لنا أن نظن بكل فرد

ھو على ظاھره منھم، لم نتیقن من حالھ على وجھ التحقیق، أنھ خرج عن اإلسالم بلحتى یقوم الدلیل الشرعي المقبول على أنھ ھو بذاتھ قد قال قوال أو أتى عمال ارتد بھ

.إلى الكفرولم نكن نعلم أنھ ھو بذاتھ " حي على الصالة"فإذا نادى مناد من ھؤالء القوم

یصر على قول أو عمل یخرج بھ یقینا من اإلسالم إلى الكفر لم یجز لنا القول بأن .اءه باطل وال یلزمنا إجابتھند

وإذا أمنا في الصالة من ھو في ظاھره اإلسالم لم یجز لنا التخلف عن الجماعة .بظن أن ھذا اإلمام ربما كان من القائلین أو العاملین بما یخرجھ عن اإلسالم

ولو جاز لنا التحلل من الشرائع بالظن لما لزمتنا أغلب الفرائض ولما جازت لنا أي شخص بعد المعصوم علیھ الصالة والسالم ومن شھد لھم بالجنة، أیا صالة خلف

كان ذلك الشخص، إذ أننا ال نستطیع أن نحصي على كل شخص كافة أقوالھ وأفعالھ وھو إن أبدى لنا فیما یظھر لنا منھ ما یوافق شریعة اإلسالم فإننا على یقین أن كثیرا

نستطیع أن نقطع بشيء فیما خفي علینا بل من أقوالھ وأعمالھ خافیة علینا ونحن الإن ما یظھر لنا من أقوالھ وأعمالھ ال نستطیع أن نجزم بحقیقة األمر فیھ وصحتھ،

وإذ مناط ذلك سالمة نیتھ واتجاھھ بقلبھ فیما یقول ویفعل إلى هللا تعالى، وذلك ما ال .سبیل لبشر التأكد منھ

ا أمرنا أن نعامل كل شخص حسبما یظھر ولقد أسلفنا ذكر األحادیث الدالة على أنن .لنا من أقوالھ وأعمالھ

:الكبائر والكفروإذا قال قائل إن الكبائر من المعاصي أو إن المعاصي على وجھ العموم یكفر بھا

قد كفیتنا مؤونة مجادلتك فأنت لست منا، ألننا منذ بدأ أمرنا نعلم أن : المسلم قلنا لھ .أھل السنة قال قدیما بمثل ذلكمذھبا شاذا من مذاھب غیر

Page 35: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

.وقد أعلنا منذ بدأ أمرنا أننا ال نكفر مسلما بمعصیةإن جماع ما احتج بھ من جوز تكفیر المسلم : ثم ننصح إلخواننا فنقول بعون هللا

:بالمعصیةأن إبلیس أعاذنا هللا منھ لم یجحد هللا عز وجل، وإنما ھو عصى وأصر على -أ

. بكفرهالمعصیة، فحكم هللا ﴿: قولھ تعالى-ب دا فجزاؤه جھنم خالدا فیھا وغضب هللا ومن یقتل مؤمنا متعم

، فقاتل النفس عمدا لم یجحد هللا، وإنما )93:النساء(﴾ علیھ ولعنھ وأعد لھ عذابا عظیما .في النارھو مرتكب لكبیرة فحكم هللا بخلوده

صلى هللا علیھ –ما حدث بھ أبو وھریرة رضي هللا عنھ من أن رسول هللا -جال یزني الزاني وھو حین یزني مؤمن، وال یسرق السارق وھو حین ":قال–وسلم

یسرق مؤمن، وال یشرب الخمر وھو حین یشربھا مؤمن، وال ینتھب نھبة یرفع وانظر باقي 199ص1جـ: المحلى["مؤمنالناس منھا أبصارھم وھو وحین ینتھبھا

وبما روي في معناه عن أبي ھریرة ] وھو متفق علیھ121–119الروایات صصلى هللا –وعن عائشة أم المؤمنین وابن عباس رضي هللا عنھم عن رسول هللا

قد ارتفع اإلیمان بنص كالم الرسول علیھ الصالة والسالم عن : وقالوا–علیھ وسلم .السارق وشارب الخمر والمنتھب والغال، ومن ارتفع عنھ اإلیمان فھو كافرالزاني و

إن إبلیس لعنھ هللا لم یجحد هللا عز وجل، فخطأ واضح بین إذ أنھ جادل : أما القول: في صواب حكم هللا تعالى فقال معترضا على أمره لھ بالسجود آلدم علیھ السالم

قال لم ، ﴿)12من اآلیة: ألعراف(﴾ ي من نار وخلقتھ من طین قال أنا خیر منھ خلقتن ﴿فعاب اللعین ) 33:الحجر(﴾ أكن ألسجد لبشر خلقتھ من صلصال من حمأ مسنون

على هللا عز وجل أن یأمره بالسجود آلدم علیھ السالم، فخطأ هللا تعالى فھو بذلك ب حكم هللا، ومن توھم الخطأ في جانب الھ عز وجل فقد نفى عنھ تعالى جحد صوا

ب –تعالى هللا عن ذلك علوا كبیرا –الكمال وجعل من نفسھ ندا عز وجل یصو .ویخطئ من أحكامھ تعالى ما یرى، وھذا ھو الشرك بعینھ

بخطیئتھ إذ أما آدم علیھ السالم فلم یجادل في صواب حكم هللا وسارع باإلقرار: ألعراف(﴾ ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرین ﴿: نسى

).23من اآلیةوھذا ھو الفرق بین منن یأتي المعصیة وھو مقر بحكم هللا ومن یستحل مخالفة

.أوامر هللاستحل المعاصي فقد جحد أمر هللا وأنھ كافر وال خالف بین المسلمین أن من ا

.مشرك بال جدال

Page 36: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

علیھ وإنھ لفسق ﴿: وھذا ھو مدار الفھم لقولھ تعالى ا لم یذكر اسم هللا وال تأكلوا ممیاطین لیوحون إلى أولیائھم لیجادلوكم وإن أطعتم كم لمشركون وإن الش ﴾ وھم إن

).121:األنعام( .فمن یجادل في صواب حكم هللا فھو كافر مشرك

.أما االحتجاج بخلود قاتل النفس المؤمنة عمدا في النار، فھو احتجاج مردودألن النص خاص بفعل معین وھو قتل النفس المؤمنة عمدا، وقد وضع هللا : أوال

ھ في اآلیة لتلك المعصیة على وجھ التحدید، ولیس تعالى الجزاء المنصوص علیالنص عاما فیما عداھا من الكبائر حتى یحتج بھ إلطالق القول بأن مرتكب الكبیرة

.كافر مشركألن المقابلة بین النصوص تدل على أن الخلود المعني في اآلیة الكریمة : ثانیا

.المشركلیس ھو الخلود األبدي في النار الذي ھو جزاء الكافر–أخذ علینا رسول هللا : "قال–رضي هللا تعالى عنھ –حدث عبادة بن الصامت

كما أخذ على النساء أال نشرك با شیئا وال نسرق وال نزني –صلى هللا علیھ وسلم بعضنا بعضا ] أي یرمیھ بالعضیھة وھي البھتان والكذب[وال نقتل أوالدنا وال یعضھ

أجره على هللا ومن أتى منكم حدا فأقیم علیھ فھو كفارة لھ ومن ستره فمن وفى منكم ف ].53ص1جـ: المحلى" [هللا علیھ فأمره إلى هللا إن شاء عذبھ وإن شاء غفر لھ

–كنا مع رسول هللا : وأخرج مسلم عن عبادة بن الصامت رضي هللا عنھ أنھ قالأن ال تشركوا با شیئا وال بایعوني على ": في مجلس فقال–صلى هللا علیھ وسلم

تزنوا وال تسرقوا وال تقتلوا النفس التي حرم هللا إال بالحق، فمن وفى منكم فأجره على هللا، ومن أصاب شیئا من ذلك فعوقب بھ فھو كفارة لھ ومن أصاب شیئا فستره

].151ص11جـ: المحلى["هللا علیھ فأمره إلى هللا إن شاء عفا عنھ وإن شاء عذبھوداللة الحدیثین واضحة على أن المعاصي المذكورة فیھما ومنھا القتل، إن أقیم الحد على مرتكبیھا فھو كفارة لھ، وإن ستر هللا علیھ فأمره إلیھ تعالى إن شاء عذبھ وإن شاء غفر، وال یدخل في المشیئة كافر مشرك إذ أخبرنا عز وجل بسبق مشیئتھ

.ون ذلك لمن یشاءأال یغفر لكافر مشرك، ویغفر ما دأما االحتجاج بارتفاع اإلیمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والغال

والمنتھب فإن األحادیث الواردة عن الرسول علیھ الصالة والسالم ھي أحادیث صحیحة تامة األسانید وھي تفید قطعا كما قال علیھ الصالة والسالم انتفاء اإلیمان

ق حین یسرق وشارب الخمر حین یشربھا والمنتھب عن الزاني حین یزني والسار .والغال

ولكن لما كان الثابت أیضا باألسانید التامة المتواترة أنھ علیھ الصالة والسالم قد أتى لھ الزاني والزانیة والسارق والتي جحدت العاریة والغال والمنتھب وشارب

Page 37: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

علیھ الصالة والسالم القائل الخمر، فلم یعتبرھم كفارا ولم یقم علیھم حد الردة وھو ال یحل دم امرئ مسلم إال بإحدى ": فیما رواه عنھ سیدنا عثمان رضي هللا تعالى عنھ

: المحلى["رجل كفر بعد إیمانھ أو زنا بعد إحصان أو وقتل نفسا فقتل بھا: ثالث ].228ص11جـ

ر في فبیقین ندري أنھ علیھ الصالة والسالم لم یعتن بذھاب اإلیمان المذكواألحادیث ذھاب التصدیق ذلك أن أھل اإلسالم انقسموا في تعریف اإلیمان على

أحدھا العقیدة بالقلب واآلخر : قولین، أحدھما أن اإلیمان اسم واقع على ثالث معان –النطق باللسان والثالث عمل بجمیع الطاعات فرضھا ونفلھا واجتناب المحرمات

قع على معنیین وھو العقد بالقلب والنطق باللسان والقول الثاني أن اإلیمان اسم وافقط وأن أعمال الطاعات واجتناب المحرمات إنما ھي شرائع اإلیمان ولیست إیمانا، وعمل الزاني والسارق وشارب الخمر والغال والمنتھب لیس قوال باللسان ولو وأن

ا وأقام علیھ حد العمل یقوم مقام القول العتبره الرسول علیھ الصالة والسالم مرتد .الردة

وبضرورة الحس یدري من واقع شیئا من الذنوب المذكورة من المسلمین من نفسھ أن تصدیقھ لم یزل وأنھ كما كان، وكل قول تكذبھ الضرورة فھو قول متعین

السقوط فصح بطالن القول أن اإلیمان الذي جاء النص بذھابھ ھو التصدیق، وثبت ایل لمرتكب ھذه األفاعیل حال ارتكابھ لھا لیس ھو عقد القلب یقینا أن اإلیمان المز

.الذي یرتد بھ كافرا وإنما ھو الطاعة فقطوھذا أمر مشاھد بالیقین ألن الزنا والقتل والغلول والنھب وشرب الخمر لیس فیھا

لیس طاعة تعالى فلیست إیمانا، فإذا لیس شيء منھا إیمانا ففاعلھا لیس مؤمنا أي یؤكد ] 122-118ص11جـ: المحلى[مطیعا، إذ لم یفعل الطاعة لكنھ عاص فاسق

ذلك قول الرسول علیھ الصالة والسالم في حدیثي عبادة بن الصامت السابق ذكرھما في الفقرة السابقة أن السارق والزاني وقاتل النفس العمد إذا أقیم علیھ الحد فھو كفارة

ره إلى هللا إن شاء عذبھ وإن شاء غفر لھ، وال یدخل في لھ وإن ستره هللا علیھ فأم–صلى هللا علیھ وسلم –المشیئة كافر مشرك، وأیضا حدیث أبي ذر أن رسول هللا

وإن زنا : قلت.. وما من عبد قال ال إلھ إال هللا ثم مات على ذلك إال دخل الجنة: "قالوإن زنا وإن : "سرق؟ قالوإن زنا وإن : قلت" وإن زنا وإن سرق: "وإن سرق؟ قال

" وإن زنا وإن سرق رغم أنف أبي ذر: "؟ قال"وإن زنا وإن سرق: قلت" سرقاني فاجلدوا كل واحد ﴿: وقال تعالى] 193-192ص7جـ: البخاري[ انیة والز الز

اني ال ینك ﴿: وقال تعالى) 2من اآلیة: النور(﴾ منھما مائة جلدة ح إال زانیة أو الزانیة ال ینكحھا إال زان أو مشرك ففرق الھ تعالى ) 3من اآلیة: النور(﴾ مشركة والز

: بین الزاني والمشرك والزانیة والمشركة وجعل لكل منھما وصفا خاصا وقال تعالى

Page 38: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ارقة فاقطعوا أیدیھما جز ﴿ والسارق والس من : المائدة(﴾ اء بما كسبا نكاال من هللافصح یقینا أن الزاني والزانیة والسارق والسارقة لكل منھم عقوبة غیر ) 38اآلیة

أي مصادرة "عقوبة المرتد الذي عقوبتھ القتل وفراق لزوجة واستیفاء المال ".أموالھ

:مذاھب أھل السنة .یھ مذاھب أھل السنةوھذا الذي قلنا بھ ھو ما اتفقت عل

أبو [قال صاحب العقیدة الطحاویة اإلمام الطحاوي المصري الحنفي المذھب جعفر أحمد بن محمد بن سالمة بن سلیم بن عبد الملك الطحاوي نسبة إلى قریة

]:بصعید مصر المحدث الفقیھ الحافظ علیھ صلى هللا–ونسمي أھل قبلتنا مسلمین مؤمنین ما داموا بما جاء بھ النبي "

.معترفین ولھ بكل ما قال وأخبر مصدقین–وسلم .وال نخوض في هللا وال نماري في دین

وال نجادل في القرآن ونشھد أنھ كالم رب العالمین رب العالمین نزل بھ الروح وھو كالم هللا تعالى ال –صلى هللا علیھ وسلم –األمین فعلمھ سید المرسلین محمدا

المخلوقین وال نقول بخلقھ، وال نخالف جماعة المسلمین، وال یساویھ شيء من كالم .نكفر أحدا من أھل القبلة بذنب ما لم یستحلھ

.وال نقول ال یضر مع اإلیمان ذنب لمن عملھونرجو للمحسنین من المسلمین أن یعفو هللا عنھم ویدخلھم الجنة برحمتھ وال نشھد

.لھم بالجنة .، وال نقنطھم ونستغفر لمسیئھم ونخاف علیھم

واألمن والیأس ینقالن عن ملة اإلسالم، وسبیل الحق بینھما ألھل القبلة، وال .یخرج العبد من اإلیمان إال بجحود ما أدخلھ فیھ

واإلیمان ھو اإلقرار باللسان والتصدیق بالجنان، وأن جمیع ما صح عن الرسول ھ في أصلھ سواء والتفاضل بینھم حق، واإلیمان واحد، وأھل–صلى هللا علیھ وسلم –

.بالخشیة والتقى ومخالفة الھوى ومالزمة األولىفي النار، ال یخلدون فیھا إذا –صلى هللا علیھ وسلم –وأھل الكبائر من أمة محمد

دون وإن لم یكونوا تائبین بعد أن لقوا هللا عارفین، وھم في مشیئتھ ماتوا وھم موح﴾ ویغفر ما دون ذلك لھ كما ذكر عز وجل في كتابھ ﴿وحكمھ، إن شاء غفر لھم بفض

وإن شاء عذبھم في النار بعدلھ ثم یخرجھم منھا برحمتھ ) 48من اآلیة: النساء(وبشفاعة الشافعین من أھل طاعتھ، ثم یبعثھم إلى الجنة، ذلك بأن هللا تعالى تولى أھل

ابوا بعد ھدایتھ ولم ینالوا من معرفتھ ولم یجعلھم في الدارین كأھل نكرتھ الذین خ :والیتھ

Page 39: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

.اللھم یا ولي اإلسالم وأھلھ ثبتنا على اإلسالم حتى نلقاك بھونرى الصالة خلف كل بار وفاجر من أھل القبلة، وعلى من مات منھم وال ننزل أحدا منھم جنة وال نارا، وال نشھد علیھم بكفر وال شرك ما لم یظھر منھم شيء من

كتاب شرح العقیدة الطحاویة الطبعة الثالثة تحقیق " [سرائرھم تعالىذلك،ونذر ].عبد الرحمن البابي وآخرین

وقال اإلمام المحدث الفقیھ األصولي الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعید بن :حزم إمام أھل الظاھر

یقین أول ما یلزم كل أحد وال یصح اإلسالم إال بھ أن یعلم المرء بقلبھ، علم "وإخالص ال یكون لشيء من الشك فیھ أثر، وینطق بلسانھ والبد، بأن ال إلھ إال هللا

أمرت "–صلى هللا علیھ وسلم –وبرھان ذلك قول رسول هللا : وأن محمدا رسول هللاأن أقاتل الناس حتى یشھدوا أن ال إلھ إال هللا ویؤمنوا بي وبما جئت بھ فإذا فعلوا ذلك

".م وأموالھم إال بحقھا وحسابھم على هللاعصموا مني دماءھومن یبتغ غیر اإلسالم دینا فلن یقبل منھ وھو في اآلخرة من ﴿: وقولھ تعالى

وما أمروا ﴿: وأما وجوب عقد ذلك بالقلب فلقولھ تعالى). 85:آل عمران(﴾ الخاسرین م ینإال لیعبدوا هللا .واإلخالص فعل النفس) 5من اآلیة : البینة(﴾ خلصین لھ الد

أما وجوب النطق باللسان فإن الشھادة بذلك المخرجة للدم والمال من التحلیل إلى ال تكون إال باللسان ضرورة، : -صلى هللا علیھ وسلم –التحریم كما قال رسول هللا

هللا تعالى إلھ كل شيء دونھ وخالق كل ھو أن –أي الشھادة –وتفسیر ھذه الجملة .شيء دونھ

وأنھ تعالى واحد لم یزل، وأنھ خالق كل شيء بغیر علة أوجبت علیھ أن یخلق، .وأن النفس مخلوقة وأن العرش مخلوق

.وأنھ تعالى لیس كمثلھ شيء وال یتمثل في صورة شيء .وأن النبوة حق

إلى جمیع اإلنس والجن كافرھم وأن محمد بن عبد هللا بن عبد المطلب رسول هللا .ومؤمنھم

، مخلوقون ناس -صلى هللا علیھ وسلم –وأن جمیع النبیین وعیسى ومحمدا .كسائر الناس

.وأن الجنة حق والنار حق، كل منھما دار مخلوقة .والجنة ال یدخلھا كافر أبدا .والنار ال یخلد فیھا مؤمن

الذین رجحت كبائرھم وسیئاتھم على ویدخل النار من شاء هللا من المسلمین: -صلى هللا علیھ وسلم –حسناتھم، ثم یخرجون منھا بالشفاعة، قال رسول هللا

Page 40: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

یخرج من النار من قال ال إلھ إال هللا وكان في قلبھ من الخیر ما یزن شعیرة ثم "ق متف["یخرج من النار من قال ال إلھ إال هللا وكان في قلبھ من الخیر ما یزن ذرة

: وقال تعالى] 18، 17ص1، البخاري جـ182ص1علیھ، مسلم كتاب اإلیمان جـا من ثقلت موازینھ ﴿: وقال تعالى) 47من اآلیة: االنبیاء(﴾فال تظلم نفس شیئا﴿ * فأم

ا من خفت موازینھ * فھو في عیشة راضیة ھ ھاو * وأم * وما أدراك ما ھیھ * یة فأم ).11-6:القارعة(﴾ نار حامیة

أو أجمع –صلى هللا علیھ وسلم –وكل من كفر بما بلغھ وصح عنده عن النبي .فھو كافر–صلى هللا علیھ وسلم –علیھ المؤمنون مما جاء بھ النبي

ا فما بین ذلك، من أم وأن القرآن الذي في المصاحف بأیدي المسلمین شرقا وغرب –صلى هللا علیھ وسلم –القرى إلى المعوذتین كالم هللا أنزلھ على قلب نبیھ محمد

.من كفر بحرف فیھ فھو كافر .وال سر في الدین عند أحد

.وأن البعث حق .وأن الموازین حق

في أھل الكبائر من أمتھ حق، –صلى هللا علیھ وسلم –وأن شفاعة رسول هللا ﴾ من ذا الذي یشفع عنده إال بإذنھ ﴿: ن من النار ویدخلون الجنة، قال تعالىفیخرجو

لكل نبي دعوة دعاھا ": -صلى هللا علیھ وسلم –وقال ). 255من اآلیة : البقرة(9متفق علیھ، البخاري جـ["ألمتھ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة ألمتي یوم القیامة

أما أھل النار الذین ھم ": وقال علیھ الصالة والسالم. ]190ص1، مسلم جـ170ص: أھلھا فإنھم ال یموتون فیھا وال یحیون، ولكن ناس أصابتھم النار بذنوبھم أو قالبخطایاھم فأماتھم هللا إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء بھم ضبائر

فیضوا علیھم فینبتون نبات یا أھل الجنة أ: "ضبائر فبثوا على أنھار الجنة ثم قیلص 1، مسلم جـ12ص1متفق علیھ، البخاري جـ["الحبة تكون في حمیل السیل

172 ،173.[ وأن الصحف التي تكتب فیھا أعمال العباد والمالئكة حق نؤمن بھا وال ندري

.كیف ھي .وأن الناس یعطون كتبھم یوم القیامة

الموت حق، وال یحیا أحد بعد موتھ وأن عذاب القبر حق، ومساءلة األرواح بعد .إلى یوم القیامة

وأن الحسنات یذھبن السیئات بالموازنة، والتوبة تسقط السیئات، والقصاص من إن ﴿: وقال تعالى) 82من اآلیة : طـھ(﴾ وإني لغفار لمن تاب ﴿: الحسنات قال عز وجل

یئات : -صلى هللا علیھ وسلم –وقال )114من اآلیة : ھود(﴾ الحسنات یذھبن الس

Page 41: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إن المفلس : "المفلس فینا من ال درھم لھ وال متاع، فقال: قالوا" أتدرون ما المفلس؟"من أمتي من یأتي یوم القیامة بصالة وصیام وزكاة ویأتي قد شتم ھذا وقذف ھذا

من حسناتھ وأكل مال ھذا وسفك دم ھذا وضرب ھذا، فیعطى ھذا من حسناتھ وھذا فإن فنیت حسناتھ قبل أن یقضي ما علیھ، أخذ من خطایاھم فطرحت علیھ ثم طرح

: غافر(﴾الیوم تجزى كل نفس بما كسبت ﴿: وقال عز وجل] متفق علیھ["في النار ).17من اآلیة

، والدین قد تم وال-صلى هللا علیھ وسلم –وأن الوحي قد انقطع منذ مات النبي .یزاد فیھ وال ینقص وال یبدل

وأن حجة هللا قد قامت واستبانت لكل من بلغتھ النذارة من مؤمن وكافر وبار .وفاجر

وأن األمر بالمعروف والنھي عن المنكر فرضان على كل أحد على قدر طاقتھ بالید، فمن لم یقدر فبلسانھ فمن لم یقدر فبقلبھ وھذا أضعف اإلیمان، ولیس وراء ذلك

.اإلیمان شيءمن فمن عجز لجھلھ أو عتمتھ عن معرفة كل ھذا فالبد لھ من أن یعتقد بقلبھ ویقول

ال إلھ إال هللا محمد رسول هللا، كل ما جاء بھ : بلسانھ حسب طاقتھ بعد أن یفسر لھ .حق، وكل دین سواه باطل

ومن ضیع األعمال كلھا فھو مؤمن عاص ناقص اإلیمان ال یكفر لقول الرسول حتى إذا فرغ هللا من قضائھ بین العباد ": یھ الصالة والسالم في حدیث طویلعل

وأراد أن یخرج برحمتھ من أراد من أھل النار، أمر المالئكة أن یخرجوا من النار "من كان ال یشرك با شیئا ممن أراد عز وجل أن یرحمھ ممن یقول ال إلھ إال هللا

]. متفق علیھ[ .لكن إذا دخل فیھ شيء من شك أو جحد بطل كلھوالیقین ال یتفاضل،

كبائر فواحش، وسیئات صغائر، ولمم، واللمم مغفور جملة، والكبائر : والمعاصيالفواحش ھي ما توعد هللا علیھ بالنار في القرآن أو على لسان رسولھ علیھ الصالة

ین یجتنبون الذ ﴿: والسالم فمن اجتنبھا غفرت لھ جمیع سیئاتھ الصغائر، قال تعالىوقال ) 32من اآلیة : لنجم(﴾ كبائر اإلثم والفواحش إال اللمم إن ربك واسع المغفرة

﴾ إن تجتنبوا كبائر ما تنھون عنھ نكفر عنكم سیئاتكم وندخلكم مدخال كریما﴿: تعالى: واللمم ھو الھم بالشيء وھو مغفور جملة، قال علیھ الصالة والسالم) 31:نساءال(] متفق علیھ["إن هللا تجاوز ألمتي عما حدثت بھ أنفسھا ما لم یتكلموا أو یعملوا بھ"

ومن لم یجتنب الكبائر حوسب على كل عمل ووازن هللا عز وجل بین أعمالھ من یتب منھا ولم یقم علیھا حدھا، فمن رجحت الحسنات وبین جمیع معاصیھ التي لم

.حسناتھ فھو وفي الجنة وكذلك من ساوت حسناتھ سیئاتھ

Page 42: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

.أما التوبة فال خالف في أنھا تسقط الذنوب .ومن رجحت سیئاتھ فھم الخارجون من النار بالشفاعة على قدر أعمالھمة، والناس في الجنة على قدر فضلھم، فأفضل الناس أعالھم في الجنة درج

والتوبة من الكفر والزنا وفعل قوم لوط وشرب الخمر وأكل األشیاء المحرمة كالخنزیر والدم والمیتة وغیر ذلك تكون بالندم واإلقالع والعزیمة على أن ال عودة

.أبدا واستغفار هللا، وھذا إجماع ال خالف فیھبرد أموالھم والتوبة من ظلم الناس في أعراضھم وأبشارھم وأموالھم ال تكون إال

إلیھم ورد كل ما تولد منھا، أو مثل ذلك عن فات، فإن جھلوا ففي المساكین ووجوه البر مع الندم واإلقالع واالستغفار وتحللھم من أعراضھم وأبشارھم فإن لم یمكن ذلك فاألمر تعالى، والبد للمظلوم من االنتصاف یوم القیامة، یوم یقتص للشاة الجمحاء

.ءمن القرناوالتوبة من القتل أعظم من ذلك كلھ وال تكون إال بالقصاص، فإن لم یمكن فلیكثر

.من فعل الخیر لیرجح میزان الحسنات .وإن الدجال سیأتي وھو كافر أعور ممخرق ذو حیل

.انتھى". وإن إبلیس باق حياعلم أن مذھب أھل الحق أال یكفر أحد من أھل القبلة وال : "وقال اإلمام النووي

یكفر أھل األھواء والبدع وإن من یجحد ما یعلم من دین اإلسالم ضرورة، حكم بردتھ وكفره، إال أن یكون قریب عھد باإلسالم أو نشأ ببادیة بعیدة ونحوه ممن یخفى

.انتھى" علیھ، فیعرف ذلكوقال اإلمام أبو الحسن علي بن خلف بن بطال المالكي المغربي في شرح صحیح

ذھب جماعة أھل السنة من سلف األمة وخلفھا أن اإلیمان قول وعمل م: "البخاريیزید وینقص، والحجة على زیادتھ ونقصھ ما أورده البخاري من اآلیات أي قولھ

وما زادھم ﴿: وقولھ تعالى) 4من اآلیة : الفتح(﴾لیزدادوا إیمانا مع إیمانھم﴿: ) تعالىفإیمان من لم یحصل لھ الزیادة ناقص، ) 22من اآلیة : األحزاب(﴾ ماإال إیمانا وتسلی

فإن قیل اإلیمان في اللغة التصدیق فالجواب إن التصدیق یكمل بالطاعات كلھا فكلما ازداد المؤمن من أعمال البر فإیمانھ أكمل، وبھذه الجملة یزداد اإلیمان بزیادة

ر نقص كمال اإلیمان، ومتى الطاعات وینقص بنقصھا، فمتى نقصت أعمال البزادت زاد اإلیمان كماال، وھذا توسط القول في اإلیمان وأما التصدیق با تعالى

.انتھى" ورسلھ فال ینقصاإلیمان في لسان الشرع ھو : "وقال األصفھاني الشافعي رحمھ هللا تعالى

لنقص وھو التصدیق بالقلب والعمل باألركان وإذا فسر بھذا تتطرق إلیھ الزیادة وا .انتھى] 147ص 1شرح النووي على مسلم جـ" [مذھب أھل السنة

Page 43: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ونحن ال نقول بھذا الذي قلناه استھانة بمعصیة كبیرة كانت أو صغیرة حاشا .من ذلك، إنما ھو حكم هللا تعالى یتعین التسلیم بھ واالنقیاد إلیھ

ة مما أمر هللا وأما أمرنا ودعاؤنا فظاھر ھو أن الطاعة في كل كبیرة وصغیر ..تعالى بھ واجبة مفروضة، واألصل في المسلم التزام طاعة هللا عز وجل

.ال یستھین بصغیرة وال یجترئ على كبیرةونحن نسأل الھ أن یعیننا على أن نكون لكل أوامره ممتثلین، وعن كل ما نھى عنھ

.تعالى منتھینأمرھا وقلناھا ألنفسنا وتلك ھي دعوتنا للناس أیضا قامت على ذلك منذ بدایة

.وللناس من بادئ األمر واضحة صریحة ".أقیموا دعوة اإلسالم في قلوبكم تقم في أرضكم"

اللھم فاطر السماوات : "-صلى هللا علیھ وسلم –ونقول ما علمنا رسول هللا واألرض عالم الغیب والشھادة، أنت تحكم بین عبادك فیما كانوا فیھ یختلفون، اھدنا

وصل اللھم " تلف فیھ من الحق بإذنك، إنك تھدي من تشاء إلى صراط مستقیملما اخ .على سیدنا محمد وعلى آلھ وصحبھ أجمعین

Page 44: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

دة والنفاق"في معاني:الفصل الثاني "الجحود والكفر والشرك والر

:الجحود .في اللغة اإلنكار والتكذیب

:الكفر .في اللغة التغطیة والستر

ن جحد شیئا مما افترض هللا شیئا تعالى اإلیمان بھ بعد قیام وھو في الدین صفة م .الحجة وبلوغ الحق

:والجحود إما أن یكون .بالقلب دون اللسان

.أو باللسان دون القلب في غیر إكراه .أو بھما معا

أیضا صفة من عمل عمال جاء النص بأنھ مخرج لفاعلھ عن –أي الكفر –وھو .اسم اإلیمانأمرت أن أقاتل الناس حتى ": -صلى هللا علیھ وسلم –قال رسول هللا : كبرھان ذل

فمن جحد وكذب شیئا مما جاء بھ " یشھدوا أن ال إلھ إال هللا ویؤمنوا بي وبما جئت بھعلیھ الصالة والسالم فقد انتفى عنھ اسم اإلیمان بصریح حدیث الرسول علیھ الصالة

.والسالمالصالة والسالم یقتضي حتما معرفة الجاحد بما وجحود شيء مما جاء بھ علیھ

بلوغ الحق إلیھ وقیام الحجة علیھ : افترض هللا عز وجل عز وجل علیھ اإلیمان بھ أيبأن هللا تعالى فرض علیھ اإلیمان بما جحد بھ وكذبھ، وأما أن الجحود یكون بالقلب

لیعبدوا هللا مخلصین لھ وما أمروا إال ﴿: فیخرج عن اإلیمان فبرھانھ قولھ تعالىین ).5من اآلیة : البینة(﴾الد

وبالیوم ﴿: واإلخالص فعل القلب، وأیضا قولھ تعالى ومن الناس من یقول آمنا باعون إال أنفسھم وما یخادعون هللا والذین آمنوا وما یخد * اآلخر وما ھم بمؤمنین

﴾في قلوبھم مرض فزادھم هللا مرضا ولھم عذاب ألیم بما كانوا یكذبون * یشعرون فقطع هللا تعالى أن من ادعى اإلیمان باللسان دون أن یعتقد ). 10-8اآلیات : البقرة(

لبھ شیئا مما افترض هللا تعالى علیھ اإلیمان بھ فھو ذلك بقلبھ فھو كافر، فمن جحد بقكاذب فیما زعمھ بلسانھ من إیمان، وقد توعده هللا تعالى بالعذاب األلیم ونفى عنھ

.اإلیمان .ھذا ھو حكم الجاحد بقلبھ عند هللا

Page 45: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

أما نحن البشر فال سبیل لنا أن نعرف ما في قلوب غیرنا ویعامل بعضنا بعضا ان كل منا، أما الشخص نفسھ فإنھ یعرف حقیقة ما في قلبھ وما حسبما یظھره لس

تحدثھ بھ نفسھ فلیعرف كل امرئ حقیقة أمره، ولیكن على یقین أن هللا تعالى مطلع ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم ما ﴿: على ما في قلبھ، عالم بما توسوس بھ نفسھ إلیھ

).16اآلیة : ق(﴾أقرب إلیھ من حبل الورید توسوس بھ نفسھ ونحن أما قولنا إن الجحود باللسان دون القلب مخرج عن اإلیمان فبرھان ذلك قولھ

من بعد إیمانھ إال من أكره وقلبھ مطمئن باإلیمان ﴿: تعالى من : النحل(﴾من كفر بافدلت اآلیة على أن الناطق بھا إال في حالة اإلكراه فال یعتد بقول المكره ). 106اآلیة

أو عملھ، وما دام قلبھ مطمئنا باإلیمان فھو عند هللا مسلم مؤمن، وهللا ھو المطلع على .ما في القلب، العالم بحقیقة ما یختلج في النفس

ى عنھ اإلیمان رغم فیما عدا ما ورد النص بأن مقترفھا قد انتف–أما األعمال النطق بالشھادتین، فقد جعل هللا لھا حكما خاصا، ووردت النصوص بأن العامل على

خالف األوامر والنواھي، عاص ولیس بجاحد وال مكذب، ولذا قلنا إن الكفر صفة .من عمل عمال جاء النص بأنھ مخرج لفاعلھ عن اسم اإلیمان

ھذه صفتھ في الدین أي على الذي جحد وال یجوز إطالق اسم الكفر إال على من شیئا مما افترض هللا تعالى اإلیمان بھ بعد قیام الحجة علیھ ببلوغ الحق إلیھ أو الذي عمل عمال جاء النص بأنھ مخرج لھ عن اسم اإلیمان، وذلك أن هللا تعالى نقل عن

الذي لفظة الكفر معناھا اللغوي الذي كان لھا أصال، وجعل لھ معنى خاصا ھوأسلفناه وأصبح ھذا المعنى ھو ومعناھا األصلي الذي إذا ما أطلقت أفادتھ، ومن ثم فإنھ ال یجوز لنا أن نسمي كافرا إال من سماه هللا كافرا، وإال فإن كل إنسان یؤمن بأشیاء ویكفر بأشیاء، فالمسلم كافر بقول الیھود عزیر ابن هللا، وبقول النصارى

إلجماع أنھ ال یجوز لذلك تسمیة المسلم كافرا على اإلطالق، وإنما المسیح ابن هللا، وایقال كافرا بكذا وكذا، وكذلك فإن الیھودي مؤمن بأن موسى رسول هللا علیھ السالم، واإلجماع أنھ ال یجوز تسمیتھ لذلك مؤمنا على اإلطالق، ولكن یقال إنھ مؤمن بكذا

.وكذا على وجھ التحدید : الشرك

.لغة أن یجمع شیئا إلى شيء، ویشرك بینھما فیما جمعا فیھھو في الوھو في الدین بمعنى الكفر سواء بسواء، إذ أوقعھما الباري تعالى على ذات

المعنى وجمعھما مترادفین یفید كل منھما معنى شرعیا واحدا محددا، ھو وما سبق . أن أسلفناه في معنى الكفر والتسمیة وحده

ودخل جنتھ وھو ظالم لنفسھ قال ما أظن أن تبید ھذه ﴿: قولھ تعالى:برھان ذلكنھا منقلبا * أبدا ددت إلى ربي ألجدن خیرا م قال لھ * وما أظن الساعة قائمة ولئن ر

Page 46: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

اك رجال صاحبھ وھو یحاوره أ * كفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سوة * لكن ھو هللا ربي وال أشرك بربي أحدا ولوال إذ دخلت جنتك قلت ما شاء هللا ال قو

إن ترن أنا أقل م ن جنتك * نك ماال وولدا إال با فعسى ربي أن یؤتین خیرا من السماء فتصبح صعیدا زلقا أو یصبح ماؤھا غورا فلن * ویرسل علیھا حسبانا م

لب كفیھ على ما أنفق فیھا وھي خاویة وأحیط بثمره فأصبح یق * تستطیع لھ طلبا ) 42- 35اآلیات : الكھف(﴾على عروشھا ویقول یا لیتني لم أشرك بربي أحدا

وواضح من اآلیات استعمال كلمتي الكفر والشرك كمصطلح شرعي یقع على معنى م لنفسھ إذ ظن دوامھا وتشكك في البعث واحد تحقق في الذي دخل جنتھ وھو ظال

وقالت الیھود عزیر ابن هللا وقالت النصارى ﴿: ولقاء اآلخرة، وأیضا قال تعالىأنى المسیح ابن هللا ذلك قولھم بأفواھھم یضاھئون قول الذین كفروا من قبل قاتلھم هللا

ن دون هللا والمسیح ابن مریم وما أمروا * یؤفكون اتخذوا أحبارھم ورھبانھم أربابا ما یشركون ، )31-30اآلیات : التوبة(﴾إال لیعبدوا إلھا واحدا ال إلھ إال ھو سبحانھ عم

ن المشركین ﴿: ا قال هللا تعالىوأیض ن هللا ورسولھ إلى الذین عاھدتم م * براءة مكم غیر معجزي هللا وأن هللا مخزي فسیحوا في األرض أربعة أشھر واعلموا أن

ن هللا ورس * الكافرین ن وأذان م ولھ إلى الناس یوم الحج األكبر أن هللا بريء مكم غیر معجزي هللا المشركین ورسولھ فإن تبتم فھو خیر لكم وإن تولیتم فاعلموا أن

ر الذین كفروا بعذاب ألیم ). 3- 1اآلیات : بةالتو(﴾وبشإن المشرك من لم تبلغھ النذارة ولم یعلم بدعوة اإلسالم وال یسمى : وقال البعض

.كافرا إال إذا بلغتھ الدعوة فلم یذعن وعاند وقاوم الدعوة إلى هللان المشركین ثم لم ﴿: وینقض ھذا القول، قول هللا عز وجل إال الذین عاھدتم م

ما كان للمشركین أن یعمروا ﴿: وقولھ تعالى). 4من اآلیة : التوبة(﴾قصوكم شیئاینكیف ﴿: وقولھ تعالى) 17من اآلیة : التوبة(﴾مساجد هللا شاھدین على أنفسھم بالكفر

لھ إال الذین عاھدتم عند المسجد الحرام فما یكون للمشركین عھد عند هللا وعند رسووإن نكثوا ﴿: إلى قولھ تعالى﴾..استقاموا لكم فاستقیموا لھم إن هللا یحب المتقین

ن بعد عھدھم وطعنوا في دینكم فقاتلوا ة الكفر إنھم ال أیمان لھم لعلھم أیمانھم م أئم ). 12، 7اآلیات : التوبة(﴾ینتھون

فھذه اآلیات، فضال عن أنھا من سورة براءة التي نزلت بعد الفتح وبعد أن ذاع أمر الرسول علیھ الصالة والسالم وبعد أن علت كلمة هللا في جزیرة العرب

ا القاصي والداني فإن فیھا النص على العھد الذي كان بین رسول وخارجھا، وعلم بھوالمسلمین وبین غیرھم ممن سماھم هللا تعالى –صلى هللا علیھ وسلم –هللا

مشركین، وما كان الرسول علیھ الصالة والسالم لیبرم عھد مع قوم من غیر ى هللا فیھم، فتلك ھي المسلمین إال بعد أن یدعوھم لإلسالم ویبلغھم النذارة ویعذر إل

Page 47: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

بك وإن لم تفعل فما ﴿: مھمتھ األساسیة واألولى سول بلغ ما أنزل إلیك من ر یا أیھا الرثر ﴿).67من اآلیة : المائدة(﴾بلغت رسالتھ وهللا یعصمك من الناس قم * یا أیھا المد

، ولیس بمسلم من قامت علیھ الحجة ثم ظن أن الرسول )2- 1اآلیات : المدثر(﴾أنذر ف علیھ الصالة والسالم قد عاھد قوما وقد كتم عنھم الرسالة ولم یبلغھم أمر هللا بما لو

كانوا ممن بلغتھم " مشركین"واستجابوا إلیھ دخلوا اإلسالم، فھؤالء الذین سماھم هللا .وبدون أدنى شك، فعاندوا ولم یذعنوا، وقاوموا دعوة اإلسالمالدعوة بال ریب

لم یكن الذین كفروا من ﴿: وقد احتج البعض للتفرقة بین الكفر والشرك بقولھ تعالىین حتى تأتیھم البینة : الى، وبقولھ تع)1اآلیة : البینة(﴾أھل الكتاب والمشركین منفك

إن الذین كفروا من أھل الكتاب والمشركین في نار جھنم خالدین فیھا أولئك ھم شر ﴿ .، وقالوا إن اآلیتین فرقتا بین الكافر والمشرك وأھل الكتاب)6اآلیة : البینة(﴾ البریة

ذلك ولكان ذلك حقا، ولكن اآلیات األخرى ولو لم یكن غیر ھاتین اآلیتین لقلنا بالتي سبق أن أوردناھا قاطعة في إطالق اسم الكفر والشرك كمصطلح شرعي واحد،

فدل ذلك على أن اآلیتین من سورة البینة إنما ورد فیھما ذكر المشرك وأھل الكتاب د بعد ذكر الكافرین عموما من قبیل ذكر الخاص بعد العام وھو أمر معروف معھو

ومالئكتھ ﴿: في لغة العرب، ومستعمل في القرآن الكریم، قال تعالى من كان عدوا ، وال خالف أن )68اآلیة : البقرة(﴾ ورسلھ وجبریل ومیكال فإن هللا عدو للكافرین

ثابت في السیرة جبریل ومیكال علیھما السالم من المالئكة الرسل، یؤكد ذلك ما المطھرة أنھ لما خرج الرسول علیھ الصالة والسالم والمؤمنون لمالقاة قریش عند جبل أحد، ثم انصرف عبد هللا بن أبي بن سلول بثلث الناس الذین كانوا مع الرسول

مغاضبا إذ خولف رأیھ الذي كان قد أشار بھ، وھو البقاء –صلى هللا علیھ وسلم –ومالقاة قریش بھا دون الخروج إلیھم، لما حدث ذلك ذكر قوم من داخل المدینة

األنصار للرسول علیھ الصالة والسالم أن یستعینوا بحلفائھم من یھود، فأبى علیھ ، )]335ص7جـ: مالك المحلى["إنا ال نستعین بمشرك": الصالة والسالم ذلك وقال

المشركین، وال ریب أن فسمي ـ علیھ الصالة والسالم ـ الیھود وھم أھل الكتابھؤالء الیھود قد بلغتھم الدعوة منذ مقدم الرسول علیھ الصالة والسالم إلى المدینة بل

من قبل ذلك فعاندوا وأبوا اإلسالم، بل كانت غزوة الرسول علیھ الصالة والسالم .لیھود بني قیقناع والبعث لقتل كعب بن األشرف سابقتین على واقعة أحد

ن من بلغتھ الدعوة فعاند یسمى كافرا ومشركا أیضا، أما من لم إ: وقال البعض .كافر: تبلغھ الدعوة فإنھ یسمى مشركا فقط، وال یقال لھ

وھذا القول یفتقر إلى الدلیل من نص كتاب هللا أو سنة الرسول علیھ الصالة دمنا والسالم ولقد قلنا إن األسماء الشرعیة عز وجل ولیست ألحد سواه، ولقد ق

Page 48: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

األدلة على أن لفظي المشرك والكافر استعملھما القرآن الكریم والرسول علیھ .الصالة والسالم كمصطلحین شرعیین یفیدان معنى واحد

ومن الناحیة اللغویة فإن المشرك البد وأن یكون كافرا، ألن هللا عز وجل قد أقام تعالى ووحدانیتھ، فمن الحجة الدامغة التي ال تقبل جحدا وال تكذیبا على وجوده

أشرك وجحد هللا عز وجل، أو جعل ندا فقد ستر الحق وكفره، فھو كافر، وكذلك الكافر فإنھ والبد أن یكون مشركا ألنھ إذا جحد الحجة التامة على وجود هللا

ووحدانیتھ فقد رماھا بالنقصان فھو قد جعل حجتھ التي ابتدعھا أو حجة من اتبعھ في أكمل وأعدل من حجة هللا عز وجل، فھو قد جعل من نفسھ أو ممن اتبع ھذا الشأن

.حجتھ ندا عز وجل فھو ومشرك والبدومن الشرك أن یعتقد الشخص أن شیئا أو شخصا أو مجموعة من الناس لھ سلطان نابع من ذات نفسھ أي خارج عن سلطان هللا وإن لم یعتقد مساواة ذلك

ز وجل ألنھ متى أخرج شیئا عن سلطان هللا عز وجل، فھو قد السلطان لسلطان هللا عانتقص سلطان هللا ولم یعتقد فیھ الكمال والشمول، ومن نقص سلطانھ فھو مخلوق لھ

ویندرج تحت ھذا المعنى أیضا –تعالى هللا عن ذلك علوا كبیرا –أنداد وشركاء جل شفاعة الزمة القبول، ألن االعتقاد أن شیئا أو شخصا لھ أن یشفع عند هللا عز و

لزوم قبول الشفاعة مقتضاه أن الشفیع لھ سلطان خارج عن سلطان هللا وملزم .–تعالى هللا عن ذلك علوا كبیرا –تعالى، فھو شریك تعالى

أما االعتقاد بأن شخصا قد یكون أقرب قبوال عند هللا إذا ما دعي، فلیس شركا، ، وقال علیھ )255من اآلیة : البقرة(﴾ ا الذي یشفع عنده إال بإذنھ من ذ ﴿: قال تعالى

لكل نبي دعوة دعاھا ألمتھ وإني اختبأت دعوتي شفاعة ألمتي یوم ": الصالة والسالم ].20ص1المحلى جـ["القیامة

أو –صلى هللا علیھ وسلم –ویدخل في الشرك أیضا التكذیب برسالة محمد بھ، فقد قدمنا أن الشرك والكفر اسمان –صلى هللا علیھ وسلم –مما جاء وبشيء

شرعیان یقعان على كل من جحد أو كذب بشيء مما افترض هللا على الناس –واإلیمان بھ، كذلك فإن هللا تعالى قد أقام الحجة الدامغة على صحة رسالة محمد

طق بھ علیھ الصالة والسالم وصدق ما جاء بھ، وأن كل ما ن–صلى هللا علیھ وسلم من أمور الدین وحي من عند هللا تعالى، فمن جحد تلك الحجة وكذبھا أو كذب بعض

فقد جعل حجتھ التي یركن إلیھا في ذلك –صلى هللا علیھ وسلم –ما جاء بھ الرسول أو وحجة من اتبعھ في ھذا الشأن أكمل وأعدل وأبلغ من حجة هللا تعالى ورمى حجة

تعالى هللا عن ذلك – بالنقصان، فھو قد جعل نفسھ أو من اتبعھ ندا عز وجل هللا ..علوا كبیرا

Page 49: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

كذلك األمر بالنسبة لمن لم یرض بحكم هللا وفضل علیھ حكما آخر أو استحل ما م ما أحلھ هللا تعالى بعد بلوغ الحق إلیھ وقیام الحجة علیھ، إذ حرمھ هللا تعالى أو حر

النص القرآني أو حدیث الرسول علیھ الصالة والسالم ویجعل حكمھ أو ھو یجحدحكم من اتبعھ أفضل وأعدل من حكم هللا عز وجل، فھو قد جعل من نفسھ أو ممن

من اآلیة : سورة الجاثیة(﴾ أفرأیت من اتخذ إلھھ ﴿: اتبعھ ندا عز وجل، قال تعالىیطان ألم أعھد إلی ، ﴿)23 ، وقد )60من اآلیة : یس(﴾ كم یا بني آدم أن ال تعبدوا الش

في إیضاح –صلى هللا علیھ وسلم –أسلفنا ذكر حدیث عدي بن حاتم عن رسول هللا قول هللا عز وجل عن الیھود والنصارى وأنھم اتخذوا أحبارھم ورھبانھم أربابا من

.ام فاستحلوه وحرموا علیھم الحالل فحرموهدون هللا، لما أحلوا لھم الحروینبغي ھنا توضیح ضرورة التفرقة بین العمل والعقیدة، فالعامل قد یكون مخالفا

بعملھ ألمر مع بقاء اعتقاده أن حكم هللا ھو الحق وأنھ بعملھ عاص ألمر هللا، وھذه هللا تعالى ھي المعصیة غیر المخرجة إلى الكفر، وقد یكون العمل على خالف أمر

مع اقتران ذلك بعدم الرضى بحكم هللا تعلى أو االعتقاد ببطالن حكم هللا عزم وجل وتفضیل حكم آخر علیھ، وھذا ھو الكفر والشرك المخرجان من اإلسالم، بل إن عدم

الرضى وعدم التسلیم بحكم هللا تسلیما تاما واالعتقاد ببطالن حكم هللا وتفضیل حكم فال وربك ال یؤمنون ﴿: ك ولو لم یتبع ذلك عمل ما، قال تعالىآخر علیھ كفر وشر

ا قضیت ویسلموا م موك فیما شجر بینھم ثم ال یجدوا في أنفسھم حرجا م حتى یحكعالى في ذلك وأن ، فمن اغتاب آخر وھو عالم بحكم هللا ت)65اآلیة : النساء(﴾ تسلیما

هللا تعالى قد حرم الغیبة ونھى عنھا، إن أتى ذلك وھو مقر بحكم هللا وأنھ الحق الواجب اتباعھ، فھو عاص لم یخرج من اإلسالم فإن فعل ذلك غیر راض بحكم هللا تعالى غیر مقر بعدالتھ مفضال علیھ حكما آخر فھو مشرك كافر ال بارتكاب الغیبة

.بحكم هللا تعالى وباعتقاده بطالنھ وبتفضیلھ حكما آخر علیھولكن بعدم تسلیمھوعلى ذلك یكون مدار الحكم في مخالفة سائر األوامر والنواھي إال ما ورد نص

.خاص بأن عاملھ قد انتفى عنھ اسم اإلیمان بمقتضى عملھ دون نظر إلى عقیدتھ–ل ما جاء بھ الرسول واألصل في المسلم أنھ وقد شھد أن ال إلھ إال هللا وآمن بك

األصل فیھ أنھ مقر بحكم هللا تعالى وأنھ الحق الواجب اتباعھ، –صلى هللا علیھ وسلم فإذا خالف المسلم أمرا من األوامر أو نھیا من النواھي فھو وعاص مفترض فیھ

أصل اإلقرار بالتوحید وأن حكم هللا تعالى ھو الحق، وال یسئل عما إذا كان قد خالف ألمر منكرا لحكم هللا تعالى وجاحدا بھ أم على سبیل العصیان ویؤاخذ عما ارتكبھ ا

بإقامة الحد الشرعي علیھ أو بتعزیره، إال أن یجاھر ھو بأن خروجھ عن أمر هللا تعالى كان استحالال للمخالفة وعدم رضا بحكم الھ تعالى أي جحودا باألمر المخالف

.حكم بكفره، وشركھ، وأقیم علیھ حد الردةوبوجوب الطاعة، فإن أظھر ذلك،

Page 50: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

عمل الرسول علیھ الصالة والسالم المنقول إلینا تواترا نقل الكافة : برھان ذلكفإنھ علیھ الصالة والسالم، كما ورد في األخبار الصحاح الثابتة –عن الكافة

زاني المتواترة، أقام الحد الشرعي على السارق وعلى التي جحدت العاریة وعلى الوالزانیة، وجلد شارب الخمر، وعنف وزجر على المعاصي التي وقعت في حضرتھ علیھ الصالة والسالم أو والتي علم بھا، من ذلك ما رواه معاذ بن جبل، قال رضوان

عام غزوة تبوك، –صلى هللا علیھ وسلم –خرجنا مع رسول هللا : هللا تعالى علیھإن شاء هللا عین تبوك وإنكم لن تأتوھا حتى إنكم ستأتون غدا": فقال رسول هللا

فجئناھا وقد " یضحى النھار، فمن جاءھا منكم فال یمس من ماءھا شیئا حتى آتيالشراك ھو سیر النعل أي كانت العین تسیل [سبقنا إلیھا رجالن، والعین مثل الشراك

مسستما من مائھا ھل":–صلى هللا علیھ وسلم –فسألھما رسول هللا : قال] قلیال قلیال ما شاء هللا أن یقول، ثم ذكر –صلى هللا علیھ وسلم –فسبھما النبي . نعم: قاال" شیئا؟

].18ص3جـ: األحكام البن حزم[" باقي الحدیثكل ذلك ولم یر إلینا خبر بأن الرسول علیھ الصالة والسالم قد سأل من أقام علیھم

ما اقترفوه من المعاصي استحالال للمعصیة الحدود أو عزرھم عما إذا كانوا قد أتوا وجحودا باألمر أم ال، ولو كان ذلك فرضا لفعلھ الرسول علیھ الصالة والسالم

ولوردت إلینا األخبار الثابتة بھ، فدل عمل الرسول علیھ الصالة والسالم مع عدم ى علیھ الصالة والسالم عل–ورود أي نص في القرآن الكریم أو في قول النبي

–وجوب سؤال من خالف األمر عن وجھ المخالفة وما إذا كانت استحالال وجحودا دل ذلك على األصل فیمن شھد أن ال إلھ إال هللا وأن محمدا رسول هللا ثم أتى

معصیة، افتراض استمرار إقراره بأصل التوحید وأن مقر بحكم هللا تعالى، وأنھ یستثنى من ذلك جمیعھ ما ورد فیھ –ذب الحق الواجب اتباعھ ولیس بجاحد وال مك

النص بأن عاملھ یعتبر جاحدا مكذبا محكوما بردتھ بمقتضى عملھ فقط دون حاجة .إلى قولھ

وقد یقال للعاصي إنھ اتبع ھواه فیما خالف فیھ أمر هللا تعالى أو أنھ اتبع الشیطان ھ عبد الشیطان إال إذا في ذلك ولكن ال یجوز أن یقال إنھ اتخذ إلھھ ھواه أو یقال إن

أتى ما یخرجھ من اإلسالم ذلك أن اتخاذ إلھ دون هللا تعالى ھو الكفر والشرك، فال یصح أن یوصف بھ إال من ھذه صفتھ في الدین، والعاصي لیس بكافر مشرك ما دام

مقرا بأصل التوحید وما دام العمل الذي أتاه لم یرد نص بأنھ مخرج فاعلھ عن ا لفظ العبادة إذا أطلق أفاد التألیھ واالنقیاد واالتباع المطلقین وذلك اإلسالم، وأیض

بالنسبة لمن دون هللا تعالى كفر وشرك، فال یوصف بھ إال من كانت تلك صفتھ في .الدین

: الردة

Page 51: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

.. ھي في اللغة الرجوع عن األمر السابق فعلھ تقول ارتد عن سفره أي رجع عنھ .الرجوع إلى الكفر بعد اإلسالم: لدینوارتد ھبتھ ارتجعھا، وھي في ا

: المحلى("من بدل دینھ فاقتلوه": وحكم المرتد القتل، قال علیھ الصالة والسالمال یحل دم ": ، وقال أیضا فیما أخرجھ الترمذي عن ابن مسعود)129ص11جـ

رجل كفر بعد: امرئ مسلم یشھد أن ال إلھ إال هللا وأني رسول هللا إال في إحدى ثالث، وفیما روي )228ص11جـ: المحلى["إیمانھ أو وزنا بعد إحصانھ أو نفس بنفس

بم : عن سیدنا عثمان بن عفان رضي هللا تعالى عنھ أنھ قال وھو محصور في الدارال یحل دم امرئ ": یقول–صلى هللا علیھ وسلم –تقتلونني وقد سمعت رسول هللا

أو زنا بعد إحصان أو وقتل نفسا فقتل رجل كفر بعد إیمان : مسلم إال بإحدى ثالث، وأخرج البخاري ومسلم أنھ علیھ الصالة والسالم ]228ص11جـ: المحلى["بھاال یحل دم امرئ مسلم یشھد أن ال إلھ إال هللا وأن محمدا رسول هللا إال بإحدى ": قال

تصام االع["النفس بالنفس والثیب الزاني والتارك لدینھ المفارق للجماعة: ثالث ].للشاطبي

واإلجماع أن من جحد شیئا مما افترض هللا تعالى اإلیمان بھ، فقد كفر وارتد عن اإلسالم، إال أن یكون الجاحد غیر عالم بالنص فیبلغ إلیھ ویعرف بما ھو واجب علیھ اإلیمان بھ وتقام علیھ الحجة، فإن أصر بعد ذلك على الجحود والتكذیب، حكم بكفره

.وردتھود یكون بالقول إال فیما ورد نص صریح فیھ بأن عاملھ ینتفي عنھ اسم والجح

.اإلیمان ولو ولم یتكلموكل ما یقع علیھ في اللغة اسم القول یعتبر قوال أیا كانت الصورة التي یتخذھا

فمثال الكتابة سواء ظھرت في صورة كتاب أو مقالة : وأیا كان االسم الذي یطلق علیھة أو في صورة رسم أو سمیت قانونا أو الئحة أو قرارا أو وغیر في جریدة أو مجل

.ذلك، ھي في اللغة قولوإذا كان اإلجماع واقعا على أن الجاحد یحكم بردتھ وكفره، فإنھ قد یقع االختالف

في فھم القول وما إذا كان یتضمن الجحد والتكذیب أم ال، واألصل فیمن نطق ثبت لھ عقد اإلسالم واإلیمان فال یحكم بخروجھ منھ بالشھادتین أنھ مسلم مؤمن قد

وردتھ بظن، ولذا یتعین أن یكون القول الصادر قاطعا في الداللة على الجحد ومما یتعین البعد عنھ في ھذا نسبة ھذا التفسیر إلیھ ووضعھ على لسانھ –والتكذیب

.والزعم بأنھ قائلھوأیضا اإلجماع على أن ما ورد وبعد اإلجماع على الحكم بردة الجاحد المكذب

النص بأن عاملھ یحكم بردتھ وكفره، حصل الخالف حول بعض األعمال وما إذا .كان مرتكبھا یعتبر مرتدا أم ال

Page 52: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

:وذلك الخالف یرجع إلى سببین .االختالف في فھم النصوص: األولصلى هللا–االختالف في صحة بعض األحادیث المنسوبة إلى رسول هللا : ثانیا

وقبول البعض ألحادیث واعتقاده صحتھا، وعدم قبول البعض اآلخر –علیھ وسلم تارك الصالة، فقد : لھا وطعنھ في سندھا إلى الرسول علیھ الصالة والسالم، فمثال

تارك الصالة، : صحح بعض الفقھاء حدیثا أن الرسول علیھ الصالة والسالم، فمثالبین المسلم ": سول علیھ الصالة والسالم قالفقد صحح بعض الفقھاء حدیثا أن الر

بین الرجل وبین الشرك الكفر وترك "مسلم بلفظ ["وبین الكافر ترك الصالةمن ھؤالء ابن [، ورد البعض اآلخر الحدیث وقرر عدم ثبوتھ ]88ص1جـ" الصالة

].حزم وقد طعن في سند الحدیثس صلوات كتبھن خم: "والذین قالوا بصحة الحدیث عارضھم حدیث آخر وھو

هللا على العباد فمن جاء بھن ولم یضیع منھن شیئا استخفافا بحقھن كان لھ عند هللا عھد أن یدخلھ الجنة، ومن لم یأت بھن فلیس لھ عند هللا عھد، إن شاء عذبھ وإن شاء

].للشاطبي عن مالك وأبي داود والنسائي وابن حبان: االعتصام" [أدخلھ الجنةالحدیث األخیر أن تارك الصالة لیس بكافر بالمعنى الذي سبقت فبمقتضى ھذا

.المشیئة اإللھیة أن ال یدخل الجنة من اتصف بھ، فتأولوا الحدیث األول على وجھین .أن یكون المقصود منھ ترك الصالة جحودا، فذلك كافر مشرك بال جدال: أولھماعصیان الشدید وسمي كفرا أن یكون المقصود بكلمة الكفر الواردة بھ ال: ثانیھما

.من باب التغلیظ والترھیبولسنا بصدد استقصاء األعمال التي وردت بشأنھا نصوص قد تدل على أن

مرتكبھا ینتفي عنھ اسم اإلیمان، وأوجھ االختالف الواقع فیھا بین الفقھاء، ونكتفي قھاء أھل بأن نورد طرفا مما قیل في ھذا الشأن فیھ تبصرة وإیضاحا لوجھة نظر ف

السنة في ھذا المقام، ونشیر إلى أن بعض األحادیث الواردة مما ھو مختلف في صحة نسبتھا إلى الرسول علیھ الصالة والسالم وإن ذكرھا الفقیھ الذي ننقل عنھ

.باعتبار أنھا صحیحةتعلیقا على ما قرره صاحب المتن اإلمام أبو وجعفر : قال شارح العقیدة الطحاویة

وال نكفر أحدا : "محمد بن سالمة األزدي الطحاوي الحنفي المذھب في قولھأحمد بن ".من أھل القبلة بذنب لم یستحلھ، وال نقول ال یضر مع اإلیمان ذنب لمن عملھ

ولكن بقي ھنا إشكال یرد على كالم الشیخ رحمھ هللا وھو أن ": وقال الشارحن لم یحكم بما أنزل هللا فأولئك وم ﴿: الشارع قد سمى بعض الذنوب كفرا، قال تعالى

سباب ": -صلى هللا علیھ وسلم –، وقال )44من اآلیة : المائدة(﴾ ھم الكافرون صلى هللا علیھ –، متفق علیھ من حدیث ابن مسعود، وقال "المؤمن فسوق وقتالھ كفر

Page 53: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إذا قال ": وقال"بعضال ترجعوا من بعدي كفارا یضرب بعضكم رقاب ": -وسلم –متفق علیھما من حدیث ابن عمر، وقال "الرجل ألخیھ یا كافر فقد باء بھا أحدھما

أربع من كن فیھ كان منافقا خالصا، ومن كانت فیھ خصلة ": -صلى هللا علیھ وسلم إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا : منھن كانت فیھ خصلة من النفاق حتى یدعھا

صلى هللا –متفق علیھ من حدیث عبد هللا بن عمر وقال "خاصم فجرعاھد غدر وإذاال یزني الزاني حین یزني وھو مؤمن وال یسرق السارق حین یسرق ": -علیھ وسلم

وقال "وھو مؤمن وال یشرب الخمر حین یشربھا وھو ومؤمن والتوبة معروضة بعدمسلم عن جابر، وقال علیھ رواه "بین المسلم وبین الكفر ترك الصالة": علیھ السالم

من أتى كاھنا أو أتى امرأة في دبرھا فقد كفر بما أنزل على ": الصالة والسالم"من حلف بغیر هللا فقد كفر": ، وقال علیھ الصالة والسالم]متفق علیھ["محمد

] 18ص1، المستدرك جـ"صحیح على شرط الشیخین: رواه الحاكم بھذا اللفظ وقال[الطعن في األنساب والنیاحة على :اثنان في أمتي ھما بھم كفر": موقال علیھ السال

.ونظائره كثیرة"المیتأن أھل السنة كلھم متفقون على أن مرتكب الكبیرة ال یكفر كفرا ینقل : والجواب

عن الملة كما قالت الخوارج، إذ لو كفر كفرا ینقل عن الملة لكان مرتدا یقتل على كل ولي القصاص، وال تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب حال، وال یقبل عفو

الخمر، وھذا القول معلوم بطالنھ وفساده بالضرورة من دین اإلسالم، ومتفقون على أنھ ال یخرج من اإلیمان واإلسالم وال یدخل في الكفر وال یستحق الخلود مع

ل هللا مرتكب الكبیرة الكافرین كما قالت المعتزلة، فإن قولھم باطل أیضا، إذ قد جعیا أیھا الذین آمنوا كتب علیكم القصاص في القتلى الحر ﴿: من المؤمنین، قال تعالى

بالحر والعبد بالعبد واألنثى باألنثى فمن عفي لھ من أخیھ شيء فاتباع بالمعروف ، فلم یخرج القاتل من الذین آمنوا وجعلھ )178من اآلیة : البقرة(﴾ أداء إلیھ بإحسان و

ة الدین بال ریب، وقال سبحانھ وتعالى وإن طائفتان ﴿: أخا لولي القصاص المراد أخومن : الحجرات(﴾ ن أخویكم فأصلحوا بی ...من المؤمنین اقتتلوا فأصلحوا بینھما

، ونصوص الكتاب والسنة واإلجماع تدل على أن الزاني والسارق )10، 9اآلیات والقاذف ال یقتل بل یقام علیھ الحد، فدل ذلك على أنھ لیس بمرتد، وقد ثبت تفي

من كانت عنده ألخیھ الیوم ": أنھ قال–صلى هللا علیھ وسلم –الصحیح عن النبي ن عرض أو شيء فلیتحللھ منھ الیوم قبل أن ال یكون درھم وال دینار، إن مظلمة م

كان لھ عمل صالح أخذ منھ بقدر مظلمتھ وإن لم یكن لھ حسنات أخذ من سیئات أخرجاه في الصحیحین فثبت أن الظالم "صاحبھ فطرحت علیھ ثم ألقي في النار

–الصحیحین عن النبي یكون لھ حسنات یستوفي منھا المظلوم حقھ، وكذلك ثبت في المفلس من ال لھ : قالوا" ما تعدون المفلس فیكم؟": أنھ قال–صلى هللا علیھ وسلم

Page 54: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

المفلس من یأتي یوم القیامة ولھ حسنات أمثال الجبال فیأتي : "درھم وال دینار، قالوقد شتم ھذا وأخذ مال ھذا وسفك دم ھذا وقذف ھذا وضرب ھذا فیقتص ھذا من

فنیت حسناتھ قبل أن یقضي ما علیھ أخذ من خطایاھم فطرحت علیھ ثم حسناتھ، فإذا یئات ﴿: رواه مسلم، وقال تعالى"طرح في النار من : ھود(﴾ إن الحسنات یذھبن الس

فدل ذلك على أنھ في حال إساءتھ یعمل حسنات تمحو سیئاتھ وھذا ). 114اآلیة .مبسوط في موضعھ

ن للخوارج ھنا في حكم اآلخرة، فإنھم وافقوھم على أن مرتكب موافقو: والمعتزلةالكبیرة مخلد في النار لكن قالت الخوارج نسمیھ كافرا وقالت المعتزلة نسمیھ فاسقا،

.فالخالف بینھما لفظي فقطمتفقون على أنھ یستحق الوعید المترتب على ذلك الذنب كما وردت : وأھل السنة .بھ النصوص

.من أنھ ال یضر مع اإلیمان ذنب وال ینفع مع الكفر طاعة: المرجئةال كما یقول وإذا اجتمعت نصوص الوعید التي استدلت بھا المرجئة ونصوص الوعید التي

استدلت بھا الخوارج والمعتزلة ثبت لك فساد القولین، وال فائدة في كالم ھؤالء سوى .أنك تستفید من كالم كل طائفة فساد األخرى

ا االتفاق تبین أن أھل السنة اختلفوا اختالفا لفظیا ال یترتب علیھ فساد ثم بعد ھذوھو أنھ ھل یكون الكفر على مراتب، كفرا دون كفر، كما اختلفوا، ھل اإلیمان على

ھل : مراتب، إیمان دون إیمان، وھذا االختالف نشأ من اختالفھم في مسمى اإلیمانتفاقھم على من سماه هللا ورسولھ كافرا ھو قول وعمل یزید وینقص أم ال؟ بعد ا

نسمیھ كافرا، إذ من الممتنع أن یسمي هللا ـ سبحانھ وتعالى ـ الحاكم بغیر ما أنزل الھ تعالى كافرا ویسمي رسولھ علیھ الصالة والسالم من تقدم ذكره كافرا، ال نطلق

.علیھما اسم الكفرقال وھو كفر عملي ال ولكن نمن قال إن اإلیمان قول وعمل یزید وینقص

.اعتقادي، والكفر عنده على مراتب كفر دون كفر كاإلیمان عندهومن قال إن اإلیمان ھو التصدیق وال یدخل العمل في مسمى اإلیمان، والكفر ھو الجحود وال یزیدان وال ینقصان، قال ھو كفر مجازي غیر حقیقي إذ الكفر الحقیقي

وما ﴿: ولون في تسمیة بعض األعمال كقولھ تعالىھو الذي ینقل عن الملة، وكذلك یق، أي صالتكم إلى بیت المقدس، إنھا )143من اآلیة : البقرة(﴾ كان هللا لیضیع إیمانكم

سمیت إیمانا مجازا لتوقف صحتھا على اإلیمان ولداللتھا على اإلیمان إذ ھي دالة .افر إذا صلى صالتناعلى كون مؤدیھا مؤمنة، ولذا یحكم بإسالم الك

Page 55: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

فلیس بین فقھاء األمة نزاع في أصحاب الذنوب إذ كانوا مقرین ظاھرا وباطنا بما جاء بھ الرسول وما تواتر عنھم أنھم من أھل الوعید، ولكن األقوال المنحرفة قول

.من قال بتخلیدھم في النار كالخوارج والمعتزلةوإلزامھ لمن یخالف قولھ بما ال ولكن أردأ ما في ھذا التعصب على من یضادھم

یلزمھ، والتشنیع علیھ، وإذا كنا مأمورین بالعدل في مجادلة الكافرین وأن یجادلوا : بالتي ھي أحسن فكیف ال یعدل بعضنا على بعض في مثل ھذا الخالف، قال تعالى

شھداء بالقسط ﴿ امین وال یجرمنكم شنآن قوم على أال یا أیھا الذین آمنوا كونوا قو ).8من اآلیة : المائدة(﴾ تعدلوا اعدلوا ھو أقرب للتقوى

وھنا أمر یجب أن یتفطن لھ وھو أن الحكم بغیر ما أنزل هللا قد یكون كفرا ینقل ازیا وإما كفرا عن الملة وقد یكون معصیة كبیرة أو صغیرة، ویكون كفرا إما مج

أصغر على القولین المذكورین، وذلك بحسب حال الحاكم، فإنھ إن اعتقد أن الحكم بما أنزل هللا غیر واجب وأنھ مخیر فیھ، أو واستھان بھ مع تیقنھ أنھ حكم هللا، فھذا

كفر أكبر، وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل هللا تعالى وعلمھ في ھذه الواقعة وعدل ترافھ بأنھ مستحق العقوبة، فھذا عاص ویسمى كافرا كفرا مجازیا أو كفر عنھ مع اع

أصغر، وإن جھل حكم هللا فیھا مع بذل جھده واستفراغ وسعھ في معرفة الحكم .وأخطأه، فھذا مخطئ لھ أجره على اجتھاده، وخطأه مغفور

نب لمن وال نقول ال یضر مع اإلیمان ذ: "وأراد الشیخ رحمھ هللا تعالى بقولھمخالفة المرجئة وشبھتھم كانت قد وقعت لبعض األولین، فاتفق الصحابة على " عملھ

قتلھم إن لم یتوبوا من ذلك، فإن قدامة بن عبدهللا شرب الخمر بعد تحریمھا وھو الحات جناح فیم ﴿: وطائفة وتأولوا قول هللا تعالى ا لیس على الذین آمنوا وعملوا الص

، فلما ذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي هللا )93من اآلیة : سورة المائدة(﴾ طعمواتعالى عنھ اتفق ھو ووعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة على أنھم إن اعترفوا

أخطأت استك : "بالتحریم جلدوا، وإن أصروا على استحاللھا قتلوا، وقال عمر لقدامةوذلك أن ھذه " وعملت الصالحات لم تشرب الخمرالحفرة، أما إنك لو اتقیت وآمنت

اآلیة نزلت بسبب أن هللا ـ سبحانھ وتعالى ـ لما حرم الخمر وكان تحریمھا بعد واقعة كیف بأصحابنا الذین ماتوا وھم یشربون الخمر؟ فأنزل هللا : أحد، قال بعض الصحابة

فیھا فال جناح علیھ إذا ھذه اآلیة، بین فیھا أن من طعم الشيء في الحال التي لم یحرم .كان من المؤمنین المتقین المصلحین، كما كان من أمر استقبال بیت المقدس

ثم إن ھؤالء الذین فعلوا ذلك یذمون على أنھم أخطأوا وأیسوا من التوبة فكتب نب وقابل غافر الذ * تنزیل الكتاب من هللا العزیز العلیم * حم ﴿: عمر إلى قدامة یقول، ما أدري أي ذنبیك أعظم؟ استحاللك )3-1من اآلیات : غافر(﴾ التوب شدید العقاب

.المحرم أوال، أم یأسك من رحمة هللا ثانیا؟

Page 56: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

شرح العقیدة " [وھذا الذي اتفق علیھ الصحابة متفق علیھ من أئمة اإلسالم . انتھى] 303-297الطحاویة ص

:النفاقغة أن یظھر اإلنسان غیر ما یسر ویبطن ویقال لھ منافق تشبیھا للیربوع ھو في الل

إذ یجعل لھ جحرا یقال لھ النافقاء وآخر یقال لھ القاصعاء وذلك بأن یخرج األرض حتى إذا كاد یبلغ ظاھر األرض أرق التراب فإذا أرابھ ریب دفع ذلك التراب برأسھ

1جـ: لجامع ألحكام القرآن، القرطبيا[فخرج فظاھر جحره تراب وباطنھ حفر .ولما كان المنافق یظھر خالف ما یبطن فقد سمي منافقا] 195ص

وھو في الدین أیضا بذات المعنى أي أن یظھر المرء بلسانھ شیئا من الدین خالف ما یسر ویبطن والنفاق في الدین قد یكون مخرجا من الملة وكفرا وقد یكون دون

أن یجحد اإلنسان بقلبھ شیئا مما افترض هللا تعالى اإلیمان : من الملةذلك، وما یخرج ﴿: بھ، وإن أظھر لسانھ اإلقرار باإلیمان بھ، قال تعالى ومن الناس من یقول آمنا با

یخدعون إال أنفسھم یخادعون هللا والذین آمنوا وما* وبالیوم اآلخر وما ھم بمؤمنین في قلوبھم مرض فزادھم هللا مرضا ولھم عذاب ألیم بما كانوا * وما یشعرون

وما ھم ﴿: ، فنفى هللا اإلیمان عن المنافق بقولھ تعالى)10- 8اآلیات : البقرة(﴾ یكذبون ول باللسان دون العقد بالقلب بما افترض هللا تعالى اإلیمان بھ ﴾ وحكم أن القبمؤمنین

من : سورة النساء(﴾ إن المنافقین في الدرك األسفل من النار ﴿: ھو مكذب، وقال تعالىوهللا یعلم إذا جاءك المنافقون قالوا نشھد إنك لرسول هللا ﴿: ، وقال تعالى)145اآلیة

، وھذا ھو حكم ھذا )1اآلیة : المنافقون(﴾ إنك لرسولھ وهللا یشھد إن المنافقین لكاذبون النوع من النفاق عند هللا تعالى، أما فیما بیننا نحن البشر وفي أحكام ھذه الدنیا فإن

من الكفر، وإنما ھو یظھر اإلسالم المنافق ال یسمى منافقا إال إذا أظھر ما یبطنھ واإلیمان فھو في ظاھره لنا مسلم مؤمن یجب علینا أن نعاملھ بھذه الصفة وأن نجري علیھ أحكام المسلمین، ولقد أوردت آیات من القرآن الكریم وأحادیث صحیحة صفات

د النفاق والمنافقین لیعرف كل شخص حقیقة أمره وحقیقة صفتھ عند هللا تعالى، وقنالحظ نحن البشر تلك الصفات أو بعضھا بآخرین ولكن ذلك ال یعدو أن یكون ظنا

ال یترتب علیھ أحكام، وال ینبني علیھ القطع بكفر من لوحظت بعض تلك الصفات بھ وإن وجب الحذر منھ ومجاھدتھ باللسان بنصحھ باإلقالع عن تلك الصفات

جعل هللا ]: "200ص1جـ: للطبريالجامع ألحكام القرآن [المذمومة، قال الطبري األحكام بین عباده على الظاھر وتولى الحكم في سرائرھم دون أحد من خلقھ، فلیس

ألحد أن یحكم بخالف ما ظھر ألنھ حكم بالظنون، ولو وكان ذلك ألحد لكان أولى وقد حكم للمنافقین بحكم المسلمین بما –صلى هللا علیھ وسلم –الناس بھ رسول هللا

ومن "یقول اإلمام الشافعي في ھذا لمقام [ھروا، ووكل سرائرھم إلى هللا تعالى أظ

Page 57: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إن المنافقین في الدرك األسفل من ﴿: ھذا المعنى من كتاب هللا تعالى قولھ عز وجل﴾ وھذا یوجب على الحكام ما وصفت من ترك الداللة الباطنة والحكم ...النار

القول أو البینة أو االعتراف أو والحجة ودل أن علیھم أن ینتھوا إلى ما بالظاھر من انتھى إلیھ، فمن بعده من الحكم أولى أال یحدث في شيء فیھ حكم أو لرسولھ علیھ

نقال 157-151الرسالة للشافعي ھامش ص"الصالة والسالم غیر ما حكم بھ بعینھ ].111ص5عن اإلمام جـ

فھو أن یبطن المرء غیر ما یظھر في بعض : دون الكفرأما النفاق الذي ھواألمور المنھي عنھا شرعا والمعتبرة معاص، من ذلك قول الرسول علیھ الصالة

ثالث من كن فیھ كان منافقا خالصا إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ": والسالملھ علیھ وقو] 202ص11جـ: المحلى[" أؤتمن خان وإن صام وصلى وزعم أنھ مسلم

أربع من كن فیھ كان منافقا خالصا ومن كانت فیھ خلة منھن كانت ": الصالة والسالمإذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاھد غدر وإذا : فیھ خلة من النفاق حتى یدعھا

وفي المعنى نفسھ 202ص11جـ: المحلى عن طریق مسلم أیضا["خاصم فجرعل إحدى ھذه الخصال المذمومة یسر خالف ما فلما كان فا] 15صـ1جـ: البخاري

یظھر ویقول ما ال یفعل كان فعلھ ذلك نفاقا مذموما وعصیان ال یخرج عن اإلسالم، وبرھان ذلك أن المرتد عن اإلسالم إلى الكفر حكمھ القتل وھؤالء المذكورون من

والكذاب في المخاصم الفاجر والواعد المخلف والمعاھد الغادر والمؤتمن الخائن حدیثھ، المذكورون ال قتل علیھم ألنھ ال نص في قتلھم وال قال بھ أحد من الفقھاء

.فضال عن أن یكون فیھ إجماعوالمنافق الذي یبطن الكفر ویظھر اإلیمان واإلسالم إنما یخدع نفسھ في الحقیقة،

لم من خدع من ال یخدع فإنما خدع نفسھ، وھو بنفاقھ: ومن كالم حكماء العربیعرف هللا عز وجل، إذ لو عرفھ سبحانھ لعلم أنا یعلم ما یسره، وأنھ تعالى ال

ال تخادع هللا فإنھ من یخادع ": یخدعھ أحد، ومن قول الرسول علیھ الصالة والسالم: قالوا یا رسول هللا، وكیف یخادع هللا؟ قال" هللا یخدعھ هللا ونفسھ یخدع لو یشعر

أخرجھ الطبري في كتاب آداب النفس، [" وتطلب بھ غیرهتعمل ما أمرك هللا بھ " ].19ص1جـ: الجامع ألحكام القرآن

Page 58: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الحاكمیة:الفصل الثالث

صلى هللا –كتاب هللا وسنة نبیھ : أمران تركتھما فیكم لن تضلوا ما تمسكتم بھما"اإلحكام في أصول األحكام البن–عن مالك بن أنس " [حدیث شریف" –علیھ وسلم

].30ص8جـ: حزمتعبیرا عن معان وأحكام تضمنتھا " الحاكمیة"جرت على بعض األلسن لفظة

آیات القرآن الكریم واألحادیث الشریفة ثم أسندت اللفظة إلى اسم المولى عز وجل ".حاكمیة هللا"فقیل

إن مفھوم : ثم تفرعت عن اللفظة مضافة إلى اسم المولى عز وجل أحكام، فقیلكذا وكذا ومقتضى ذلك أن یعتقد الشخص كذا وكذا، وأن یكون فرضا " حاكمیة هللا"

علیھ أن یقوم بكذا وكذا من األعمال، فإن لم یعملھا وعمل غیرھا فھو خارج عن .تعالى فوصفھ كذا" حاكمیة هللا"

لم ترد بأیة آیة من الذكر الحكیم، ونحن في " الحاكمیة"ونحن على یقین أن لفظة من أحادیث الرسول علیھ الصالة والسالم لم نجد منھا حدیثا قد بحثنا في الصحیح

.تضمن تلك اللفظة فضال عن إضافتھا إلى اسم المولى عز وجلوالتجارب وواقع حال الناس یقول لنا إن أصحاب الفكر والنظر والباحثین قد یفة یلحظون ارتباطا بین معاني مجموعة من اآلیات بالقرآن الكریم واألحادیث الشر

.وفكرة بارزة فیھا فیضعون مصطلحا لتلكم المعانيغیر أنھ ال یمر إال الوجیز من الزمن حتى یستسھل الناس المصطلح الموضوع

فیتداولونھ بینھم ثم یتشدق بھ أناس قلیل منھم من قرأ الكثیر الذي كتبھ الباحثون صل عندھم والمفكرون أصحاب النظر شرحا لآلیات واألحادیث التي كانت ھي األ

وتعبیرا عن المعاني التي الحظوھا واألقل من ھؤالء القلیل من یكون قد استوعب ما كتبھ الباحثون والمفكرون واستطاع أن یفھم ما أرادوه وأدرك حقیقة مقصدھم،

والغالبیة العظمى تنطق بالمصطلح وھي ال تكاد تعرف من حقیقة مراد واضعیھ إال ھنا وھناك، أو ألقاھا إلیھا من قد ال یحسن الفھم أو یجید عبارات مبھمة سمعتھا عفوا

.النقل والتعبیروقد ال یمضي كثیر وقت حتى یستقل المصطلح بنفسھ في أذھان الناس، ویقر في آذانھم أنھ األصل الذي یرجع إلیھ، وأنھ الحكم الكلي الجامع الذي تتفرع عنھ مختلف

ات واألحادیث التي لوحظ فیھا المعنى الذي األحكام التفصیلیة، وینسى الناس أن اآلیوضع المصطلح عنوانا لھ ھو األصل الذي یتعین الرجوع إلیھ، بل قد یغیب عنھم أن مراد واضعي المصطلح لم یكن غیر التعبیر عن معان عامة أرادوا إبرازھا وجذب

.یة منھاانتباه الناس إلى أھمیتھا، دون أن یقصدوا وضع أحكام فقھیة، خاصة التفصیل

Page 59: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

وھكذا یجعل بعض الناس أساسا لمعتقدھم مصطلحا لم یرد لھ نص من كتاب هللا .أو سنة الرسول

.أساسا من كالم بشر، غیر معصوم، وارد علیھ الخطأ والوھمأساسا من كالم بشر، غیر معصوم، علمھم بما قالھ في األغلب األعم علم مبتسر

.مغلوطتعلق بالمصطلحات التي یقول بھا البشر غیر لذلك كان لزاما علینا أال ن

المعصومین وأن نتشبث ونلوذ بكالم رب العالمین وكالم المعصوم سید المرسلین .علیھ الصالة والسالم

.ھذا ھو الكالم المحكم الذي ال یظن فیھ خطأ أو نقصان أو وھم األرض وھو الكالم المحفوظ حفظا كامال، ال یلحقھ تبدیل أو تغییر حتى یرث هللا

.ومن علیھا .وھو الكالم الذي ال یكون فیھ تناقض أو یقع بین بعضھ وبعض اختالف

.وھو الكالم الذي یكون جملة واحدة یفسر بعضھ بعضا كما یحد بعضھا بعضاتجد اآلیة مطلقة تكاد تعم كل شيء ثم تجد اآلیة األخرى قد خصصتھا واستثنت

.روط المكملة لما في اآلیتینمنھا، ثم تجد الحدیث الصحیح یضع الشوقد نجد اللفظین في اآلیة لھ معنى لغوي معروف ثم نجد الحدیث الصحیح وقد

.عرف أن المراد من اللفظ معنى شرعي محددواألحكام الشرعیة تؤخذ من كالم هللا تعالى وحدیث الرسول علیھ الصالة

.ن ھؤالء الناسا كاوالسالم، ال من أقوال أو مصطلحات یضعھا الناس، أی واآلیات واألحادیث ھي التي تحدد الحكم الشرعي وشروط تحقیقھ وحدود

.استعمالھویؤخذ الحكم من مختلف اآلیات واألحادیث طبقا ألصول وردت بھا اآلي

.واألحادیثفلتكن إذن آیات القرآن الكریم، دائما، ھي األصل الذي نتلوه ونرجع إلیھ ونتدبره

بروا آیاتھ ولیتذكر أولو األلباب كتاب أنزل ﴿ ).29اآلیة : ص(﴾ ناه إلیك مبارك لیدولیكن الثابت الصحیح من أحادیث الرسول علیھ أفضل الصالة والسالم ھو البیان

كر لتبین للناس ما ن لكل ما احتاج إلى بیان ﴿ ل إلیھم ولعلھم وأنزلنا إلیك الذ ز ).44اآلیة : النحل(﴾ یتفكرون

.ولن تغني عن ذلك أبدا أي مصطلحات یضعھا بشر غیر معصوموال حاجة لنا بعد كتاب هللا وأحادیث الرسول علیھ الصالة والسالم بأن نتعلق بأیة

.مصطلحات یضعھا بشر غیر معصوم

Page 60: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إن الحك ":الفصل الرابع عقیدتنا" م إال

یقیننا الذي ال شك فیھ أن الحكم تعالى وحده، وأنھ سبحانھ وتعالى وحده صاحب األمر والنھي دون سواه، وھو جل وعال دون غیره الذي یجعل الحالل

حالال والحرام حراما ﴿ أال لھ الخلق ، ﴿)40من اآلیة : یوسف(﴾ إن الحكم إال وال تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ھذا حالل ﴿)54من اآلیة : األعراف(﴾واألمر

).116من اآلیة : النحل(﴾ وھذا حریام لتفتروا على هللا الكذب : ونحن نؤمن إیمانا كامال أن شریعة هللا ھي الحق وأن ما دونھا باطل وظلم

فماذا بعد الحق إال ، ﴿)105من اآلیة : اإلسراء(﴾ لحق أنزلناه وبالحق نزل وبا﴿الل ).32من اآلیة : یونس(﴾ الض

ویقیننا الذي ال شك فیھ أن شریعة هللا تعالى ھي التي تلزمنا دون غیرھا وھي .یرتضھاتلزمنا بمقتضى أمره تعالى، سواء ارتضاھا حاكم أم لم

ونحن نؤمن إیمانا كامال تاما أن شریعة هللا ھي الواجبة النفاذ وأن واجب كل فرد مسلم العمل بمقتضاھا وإنفاذھا فعال ما استطاع إلى ذلك سبیال، سواء أنفذھا الحاكم أم

أمرا أن یكون وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى هللا ورسولھ عمل على تعطیلھا ﴿بینا : األحزاب(﴾ لھم الخیرة من أمرھم ومن یعص هللا ورسولھ فقد ضل ضالال م

).32اآلیة ویقیننا الذي ال شك فیھ أن شریعة هللا ھي الشریعة التي ال یجوز التحاكم إال إلیھا،

ض وما ھو مندوب إلیھ وما ھو مكروه وما ھو فإلیھا یرد الحالل والحرام وما ھو فرموك فیما شجر بینھم ثم ال یجدوا في أنفسھم ﴿: مباح فال وربك ال یؤمنون حتى یحك

ا قضیت ویسلموا تسلیما م ).65اآلیة : النساء(﴾ حرجا م .وم القیامة، ال یملك كائن من كان أن یحرمھوما أحلھ هللا، حالل إلى ی

3.وما حرمھ هللا، حرام إلى یوم القیامة، ال یملك كائن من كان أن یحلھ: المائدة(﴾ الیوم أكملت لكم دینكم وأتممت علیكم نعمتي ورضیت لكم اإلسالم دینا﴿

ت كل ، ﴿)3من اآلیة میع العلیم وتم ل لكلماتھ وھو الس ﴾ مة ربك صدقا وعدال ال مبد ).115اآلیة : األنعام(

بعد أن بلغھ الحق وقامت –ونحن نقول بما أجمع علیھ المسلمون من أن من اعتقد ن لھ الحق أن أن شخصا ما أو ھیئة ما أو جماعة ما، أو كائنا من كا–علیھ الحجة

یحل ما حرم هللا وثبت حكم تحریمھ األبدي بانقطاع الوحي بوفاة الرسول علیھ الصالة والسالم، أو ویحرم ما أحلھ هللا وثبت حكم حلھ األبدي الوحي ووفاة الرسول علیھ الصالة والسالم، أو یحد حدا لم یكن واجبا حین موتھ علیھ الصالة والسالم، أو

من اعتقد ذلك بعد أن بلغھ –كن في حیاتھ علیھ الصالة والسالم یشرع شریعة لم ت

Page 61: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الحق وقامت علیھ الحجة، ولم یكن متأوال لنص من كتاب هللا أو من سنة رسولھ علیھ ن فھو كافر مشرك خارج عن اإلسالم ﴿: الصالة والسالم أم لھم شركاء شرعوا لھم م

ین ما لم یأذن بھ ).11من اآلیة : الشورى(﴾ الدإن مقتضى اإلیمان با تعالى ومقتضى : وزیادة في اإلیضاح نقول بعون هللا

توحیده تعالى، وبعبارة أخرى، مقتضى شھادة أن ال إلھ إال الھ االعتقاد الجازم بأنھ تعالى دون غیره صاحب األمر المطلق الذي ال یحده حد، یأمر بما یشاء، ویقضي

حكم بما یشاء وقت ما یشاء، ال لعلة تلزمھ أن یقضي أو یأمر أو ویحكم، بما شاء، ویا تعالى هللا عن ذلك علوا كبیرا، وال یسأل لم قضى أو لم أمر أو لم حكم ﴿ ال یسأل عم

بعد أن بلغھ الحق وقامت علیھ –، ومن اعتقد )23اآلیة : األنبیاء(﴾ یفعل وھم یسألون د لسلطان هللا تعالى أو ألمره أو لحكمة تعالى فقد أشرك، إذ لو صح أن ح–الحجة

لذلك حدا، لكان لزاما أن یكون ھناك من ھو خارج عن ھذا الحد، أي من ال سلطان . تعالى علیھ، أي من ھو ند تعالى، وذلك ھو الشرك بعینھ، أعاذنا هللا منھ

توحیده، االعتقاد الجازم بأنھ تعالى وكذلك فإن مقتضى اإلیمان با تعالى والمعبود بحق دون سواه أي المستحق االتباع واالنقیاد المطلقین، أي اإلسالم لھ تعالى

دون غیره، إذ لو وجب بعض االنقیاد واالتباع، أي اإلسالم لغیره تعالى بغیر إذنھ، لى، تتعالى هللا عن لكان ذلك الغیر خارجا عن سلطان هللا تعالى أي ندا وشریكا لھ تعا

.ذلك علوا كبیراوأیضا فإن مقتضى اإلیمان با تعالى توحیده ومقتضى االعتقاد بأنھ تعالى

المعبود بحق الواجب االنقیاد لھ على اإلطالق، مقتضى ذلك تنفیذ أمر هللا والعمل ن فعال بما أمر هللا تعالى بھ واالنتھاء فعال عما نھى عنھ، وھذا داخل في مضمو

العبادة والزم من االعتقاد بأنھ تعالى ھو المعبود بحق وثابت من النصوص القاطعة سول ﴿: الصریحة، قال تعالى من : النساء(﴾ یا أیھا الذین آمنوا أطیعوا هللا وأطیعوا الر

سول إال لیطاع بإذن هللا ، ﴿)59اآلیة ومن ، ﴿)64من اآلیة : النساء(﴾ وما أرسلنا من ریطع هللا ورسولھ یدخلھ جنات تجري من تحتھا األنھار خالدین فیھا وذلك الفوز

، فبین هللا تعالى بھذه اآلیات أنھ لم یرد منا اإلقرار )13من اآلیة : النساء(﴾ العظیم ھ علیھ الصالة والسالم بال عمل بأوامره واجتناب لنواھیھ، بالطاعة لھ تعالى ولرسول

ومن یعص هللا ورسولھ ویتعد حدوده ﴿: وحذرنا تعالى من العصیان، فقال جل شأنھھین لفون فلیحذر الذین یخا، ﴿)14اآلیة : النساء(﴾ یدخلھ نارا خالدا فیھا ولھ عذاب م

فمن یعمل ، ﴿)13اآلیة : النور(﴾ عن أمره أن تصیبھم فتنة أو یصیبھم عذاب ألیم ة خیرا یره ا یره * مثقال ذر ة شر ، )8-7اآلیات : الزلزلة(﴾ ومن یعمل مثقال ذر

أن الترمذي أخرج عن أبي ھریرة ] 482ص4جـ: تفسیر ابن كثیر[وروى ابن كثیر إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة ": قال–صلى هللا علیھ وسلم –أن رسول هللا

Page 62: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

كال بل ران ﴿: سوداء في قلبھ فإن تاب منھ صقل قلبھ وإن زاد زادت فذلك قولھ تعالىا كانوا یكسبون ، فمن وفقھ هللا تعالى للطاعة )14اآلیة : المطففین(﴾على قلوبھم م

والعمل بما أمر بھ واالنتھاء عما نھى عنھ فقد عبد هللا في كل طاعة من طاعاتھ، وزاد إیمانھ بزیادة طاعتھ ومن أتى معصیة فلم یعبد هللا لتلك المعصیة وال فیھا،

لقول ولكنھ یكون عابدا في سائر طاعاتھ وإقراره بالتوحید، وقد سبق أن فصلنا ابعد أن بلغھ الحق وقامت –بأن اإلیمان یزید بالطاعة وینقص بالمعصیة، ومن اعتقد

أن شریعة هللا تعالى التي أمر هللا تعالى بنفاذھا والعمل بھا متوقف –علیھ الحجة على إذن شخص أو ھیئة أو جماعة أو كائن من كان فقد جعل من ھؤالء حكاما على

سلطان هللا، فھو قد جعلھم شركاء تعالى، تعالى هللا عن هللا تعالى بحد سلطانھم من .ذلك علو كبیرا

ومن اعتقد أن كائنا من كان من كان في مكانتھ أو من حقھ، بغیر إذن من هللا، أن ، تعالى هللا عن یحل ما حرم هللا أو یحرم ما أحل هللا فقد جعل ذلك الكائن شریكا

.ذلك علوا كبیرا :اھل باألوامر والنواھي، والواجب علیھ، والواجب على المجتمع نحوهحكم الج

أما إن هللا تعلى قد شاءت إرادتھ أن یرسل رسال بشریعة ما تقضي بإقامة شعائر معینة وتأمر بأعمال محددة وتنھى عن غیرھا، وتحل كذا وتحرم كذا، وتنظم العالقة

س وبعضھم البعض أو بین السواد بین الناس وبعضھم البعض أو بین السواد من النامن الناس ومن یتولون أمرھم، فھذا ما ال یعرف إال بوصول البالغ من هللا تعالى إلى عباده، فمن بلغھ األمر وقامت علیھ الحجة لزمھ االعتقاد بحكم هللا تعالى فیما بلغھ من

.وجوب أو ونھي أو تحریم أو إباحة، ولزمھ العمل بالشریعة التي بلغتھا من لم یبلغھ األمر كلھ أو بعضھ فھذا معذور بجھلھ فلیس بكافر وال بفاسق وال أم

بعاص یستثني من ذلك ما ورد بھ النص صراحة وأجمع علیھ المسلمون من أنھ ال یسمى مسلم وال یعامل معاملة المسلمین إال من شھد أن ال إلھ إال هللا وأن محمدا

م من الدین بالضرورة إذ من جھلھ ال یعتبر في رسول هللا، ولذا قالوا إن ھذا معلو .ھذه لدنیا مسلما وال یعامل معاملة المسلمین

ذلك أن هللا تعالى لم یأمرنا قط بشيء من الدین إال بعد بلوغ األمر إلى المأمور "وكذلك النھي وال فرق، وأما قبل انتھاء األمر والنھي إلیھ فإنھ غیر مأمور وال منھي

ال یكلف هللا ﴿: ، ولقولھ تعالى)19من اآلیة : األنعام(﴾ ركم بھ ومن بلغ ألنذ ﴿: لقولھصلى هللا علیھ وسلم –، وإلخبار رسول هللا )286من اآلیة : البقرة(﴾ نفسا إال وسعھا

أنھ ال یسمع بھ یھودي أو ونصراني فلم یؤمن بھ إال وجبت لھ النار، ولحدیث قتادة –یعرض على ": أنھ قال–صلى هللا علیھ وسلم –عبد األسود بن سریع عن النبي عن

هللا سبحانھ وتعالى األصم الذي ال یسمع شیئا واألحمق والھرم ورجل مات في الفترة

Page 63: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

رب جاء اإلسالم : رب جاء اإلسالم وما أسمع شیئا، ویقول األحمق: فیقول األصمرب ما أتاني لك من رسول فیأخذ : لفترةوما أعقل شیئا، ویقول الذي مات في ا

ادخلوا النار، فوالذي نفسي بیده لو دخلوھا لكانت : مواثیقھم لیطیعنھ، فیرسل هللا إلیھمومن لم یدخلھا دخل ": وعن أبي ھریرة مثلھ وزاد في آخره"علیھم بردا وسالما

یكلف أحد بما فصح أنھ ال نذارة إال بعد بلوغ الشریعة إلى المنذر، وأنھ ال"النارلیس في وسعھ، ولیس في وسع أحد علم الغیب في أن یعرف شریعة قبل أن تبلغ

60ص1جـذ: األحكام البن حزم" [إلیھ، فصح یقینا أن من لم تبلغھ الشریعة لم یكلفھا ].وما بعدھا

وإذا صح ھذا فإن الجاھل بأن شریعة من هللا تقضي بإقامة شعیرة ما تعبدا أمر بفرض من الفروض أو تنھى عن عمل من األعمال أو تنظم العالقة تعالى أو ت

بینھ وبین غیره أو بینھ وبین من یتولى أمره على صفة محددة وعلى تنظیم محدد، فھو لیس بكافر وال بفاسق وال عاص، معذور بجھلھ إال أن یكون قد بلغھ النص بأن

السعي غیر جاحد األمر فإنھ علیھ أن یسعى لیعرف حكم هللا فیما نزل بھ فقعد عن یكون عاصیا في قعوده عن السعي المأمور بھ، أما إن قعد عن السعي جاحدا أمر

.هللا، فھو وكافر مشرك بال خالفوھكذا القول في الشریعة كلھا كالقتل ووطء الفرج الحرام وأكل الحرام واستباحة

م بأنھ خالف ما جاء من العرض الحرام وغیر ذلك، كل ھذا من فعلھ مخطئا غیر عالفال یكفر وال یفسق وال –صلى هللا علیھ وسلم –عند هللا تعالى على لسان نبیھ

یعصي، ومن فعلھ عامدا غیر معتقد إلباحة ما حرم هللا تعالى من ذلك فھو فاسق، 8جـ: األحكام البن حزم[ومن فعلھ عامدا مستحال خالف هللا تعالى فھو وكافر

هللا تعالى على كل فرقة من المؤمنین الذین بلغتھم شریعتھ على وقد فرض] 140صلسان خاتم رسلھ وأنبیائھ أن تنفر منھم طائفة لیتفقھوا في الدین ولینذروا قومھم، أي

یبلغوھم أوامر هللا تعالى ونواھیھ وما شرعھ هللا تعالى للناس من مختلف الشرائع ین فلوال ﴿: الواجب العمل بھا، قال تعالى نھم طائفة لیتفقھوا في الد نفر من كل فرقة م

، وأمر )122من اآلیة : التوبة(﴾ ولینذروا قومھم إذا رجعوا إلیھم لعلھم یحذرون ة الودا–صلى هللا علیھ وسلم –رسول هللا : عأن یبلغ الشاھد الغائب، فقال في حج

، كما أن هللا تعالى أمر ]143ص2جـ: األحكام البن حزم[" أال فلیبلغ الشاھد الغائب": كل مسلم أن یسعى ما استطاف لیعرف حكم هللا في النازلة التي نزلت بھ، قال تعالى

كر إن كنتم ال تعلمون ﴿ ).43من اآلیة : النحل(﴾ فاسألوا أھل الذأي ھو فرض تسأل عنھ األمة اإلسالمیة : فروض الكفایةوفرض النذارة من

جمیعھا متضامنة في مجموع أفرادھا، إن لم یقم بھ منھا من یسد حاجة الناس أثم كل فرد من أفراد األمة بعینھ بما لم یبذلھ من جھد كان في وسعھ أن : ویكفیھم

Page 64: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

مة، سقط اإلثم یبذلھ لتحقیق فرض هللا، فإن قام بالفرض العدد الكافي لسد حاجة األ .عن الجمیع

أما الجاھل فالفرض علیھ بعینھ أن یسعى لمعرفة حكم هللا فیما نزل بھ، فإن قصر .وقعد عن السؤال بعد أن بلغھ التكلیف بالسعي، فحكمھ ما سبق بیانھ

بأن من تصور أن الربوبیة والعبادة إنما : "وفي ھذا كفایة لبیان فساد القولصلوات وصیام وحج وزكاة فقط، فإن عقیدتھ تكون فاسدة تقتضي إقامة الشعائر من

وال یعتبر مسلما فلیست المسألة مسألة تصور وإنما المدار على بلوغ األمر إلى المأمور، فمن بلغھ أمر الھ بالصالة والصوم وأداء الزكاة والحج وكان ھذا ھو كل ما

رعة وغیرھا، فھو معذور بلغھ ولم تبلغھ شریعة هللا في أحكام البیع والقرض والمزابجھلھ بتلك الشرائع ولیس بكافر وال فاسق وال عاص وعقیدتھ سلیمة وإن ظن على

.خالف الواقع أن تلك ھي كافة الشرائع التي أمره هللا تعالى بھاوھم الكثرة الغالبة اآلن التي لم یصلھا علم بمختلف –وواجبنا تجاه ھذا وأمثالھ

علیھم واقتصر علمھم على وجوب الصالة والزكاة والصوم الشرائع التي أوجبھا هللاأن نبلغھم وننذرھم بأوامر هللا ونواھیھ ونحثھم على القیام بھا وأدائھا، وھم –والحج

.من قبل ذلك مسلمون ال ینقص جھلھم بتلك الشرائع من سالمة عقیدتھم شیئایقول األستاذ في معرض شرح مفھوم حاكمیة هللا تعالى : وھم وقع فیھ البعض

ومما یقتضیھ توحد السلطة العلیا أن : "المودودي في كتابھ المصطلحات األربعةیكون جمیع ضروب الحكم واألمر مرجعھ إلى مسیر قاھر واحد وأال ینتقل منھ جزء من الحكم إلى غیره، فإنھ إذا لم یكن الخلق إال لھ، ولم یكن لھ شریك فیھ وإذا كان ھو

م تكن ألحد من دونھ ید في األمر، وإذا كان ھو القائم بتدبیر الذي یرزق الناس ولنظام ھذا الكون وتسییر شئونھ ولم یكن لھ في ذلك شریك، فمما یتطلبھ العقل أال

.انتھى" یكون الحكم واألمر والتشریع إال بیده كذلكوقد توھم البعض أن قائل تلك المقالة یرى استحالة أن یأذن هللا تعالى للناس أن

.یضعوا ألنفسھم بعض التنظیمات أو التشریعات التي تنظم جانبا من حیاتھموھذا فھم خاطئ لم یقلھ قائل تلك المقالة، كما أن عقولنا لیست حاكمة على هللا

.بشيء، وال یجوز لمسلم أن یجعل من عقلھ حدا لسلطان هللا تعالىبعض التشریعات وبالذي ینفي أن یكون عز وجل حق اإلذن للناس في وضع

أو التنظیمات إنما یحد بعقلھ من سلطان هللا، ویجعل عقلھ حاكما على هللا عز وجل ومشیئتھ وھو بذلك یقع في المحظور إذ یجعل من نفسھ ندا وقیما على هللا عز وجل

.تعالى هللا عن ذلك علوا كبیراكیفما نشاء وحسبما ولو شاء هللا لتركنا من غیر شریعة، ننظم كافة أمور حیاتنا

تھدینا إلیھ عقولنا، ولو فعل هللا تعالى ذلك لما نقص ذلك من سلطانھ شیئا، ولما نقص

Page 65: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ذلك من عزتھ شیئا، ولما نقص ذلك من حكمتھ تعالى شیئا، ولكنا علمنا أن ذلك ما ﴾ سدىأیحسب اإلنسان أن یترك ﴿: كان وال یكون ألنھ تعالى أخبرنا بھ، قال تعالى

، والسدي ھو المھمل الذي ال یؤمر وال ینھى، وألن الھ تعالى )36اآلیة : القیامة(مبلغین " باألوامر والنواھي: "أرسل الرسل إلینا وإلى من قبلنا بالدین والھدى

رساالت ربھم إلینا، وأمرنا بطاعتھ تعالى وطاعتھم، وتواعدنا إن خالفنا بالعذاب .ه بالنعیم المقیمالشدید، ووعدنا إن أطعنا

:سن القوانین ووضع النظم والتشریعاتوالحق أن هللا عز وجل قد ترك لنا كثیرا من أمور دنیانا ننظمھا حسبما تھدینا إلیھ

عقولنا في إطار مقاصد عامة وغایات تحددھا لنا سبحانھ وتعالى وأمرنا بتحقیقھا، .وبشرط أال نحل حراما أو نحرم حالال

.فعال في الشریعة إما فرض أو وحرام أو مباحذلك أن األالذي فرضھ هللا علینا واجب ال یملك إنسان أن یقرر عدم وجوبھ أو : والفرض

یقبل منھ، وفاعل ذلك بعد أن بلغھ الحق وقامت علیھ الحجة، جاحد للنص، مكذب .لربھ تعالى، فھو كافر مشرك بال جدال

قیامة ال یملك أحد أن یحلھ، وفاعل ذلك بعد حرام إلى یوم ال: وما حرمھ هللا تعالىبلوغ الحق إلیھ وقیام الحجة علیھ جاحد للنص مكذب لربھ، فھو كافر مشرك بال

.جدالالتي قد تتخذ شكل قرار –فإن للمسلمین أن یسنوا فیھا من األنظمة : أما المباحات

تحقیق ما تقتضیھ الحاجة تنفیذا لنصوص وردت بضرورة–أو الئحة أو قانون : مقاصد عامة، ومن ھذا القبیل قوانین تنظیم الشورى التي أمر هللا تعالى بھا

: آل عمران(﴾ وشاورھم في األمر ، ﴿)38اآلیة : الشورى(﴾ وأمرھم شورى بینھم ﴿، وأیضا قوانین تنظیم المرور في الشوارع العامة وقوانین الوقایة )159من اآلیة

وانین مقاومة اآلفات الزراعیة وتنظیم استعمال میاه الري وقوانین التعلیم الصحیة وقوقوانین تنظیم المھن المختلفة كالطب والھندسة والصیدلة وتحدید الشروط التي یجب

أن تتوافر فیمن یزاولھا، وقوانین تنظیم اإلدارات والمصالح وتحدید اختصاصات شروط التي یجب توافرھا فیمن یلتحق بھ وسلطات كل منھا، وتنظیم الجیش وتحدید ال

وفي ضباطھ وصف ضباطھ، وقوانین شروط بناء المساكن بما یحقق سالمتھا وتوافر الشروط الصحیة فیھا، والقوانین المتعلقة بالشروط الالزم توافرھا في

.. المصانع المختلفة كل على حسب طبیعة العمل فیھا، وقوانین تنظیم المحال العامة .ما ماثل ذلكإلخ على

ولنضرب مثال بقوانین تنظیم المرور في الشوارع العامة، فإن الحدیث الثابت عن إن دماءكم وأموالكم ": الذي یقول فیھ–صلى هللا علیھ وسلم –رسول هللا

Page 66: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

، والحدیث الثابت عنھ ]155ص11جـ: المحلى["وأعراضكم وأبشاركم علیكم حرام"المسلم أخو المسلم ال یظلمھ وال یسلمھ"ھ علیھ الصالة والسالم الذي یقول فی

قد فھمنا منھما وجوب المحافظة على دماءنا وأبشارنا ] 143ص11جـ: المحلى[وأعراضنا وأال یسلم أحدنا اآلخر لما فیھ ھالكھ أو اإلضرار بھ، ووجدنا أننا لو تركنا

من وسائل أمر السیر في الطرقات العامة بالمركبات والسیارات والدراجات وغیرھا النقل من غیر تنظیم وقواعد یلتزم بھا الكل، وتكفل سالمة األموال واألبدان فإننا نكون قد عرضنا دماء الناس وأبشارھم وأموالھم لإلھدار وأسلمناھم بذلك لما فیھ

ھالكھم واإلضرار المحقق بھم، لذلك كان حقا على أمة المسلمین أن تضع یمات التي تكفل باتباعھا سالمة األبدان واألموال التشریعات وتسن القوانین والتنظ

وتصونھا من التھلكة والتلف وأن تحدد للمخالف لھذه التشریعات والقواعد عقوبة في .حدود العقوبات التعزیریة المنصوص علیھا شرعا

وال یجوز ألحد أن یزعم أن تشریعات تنظیم المرور في ھذه الحالة من تشریع هللا إنما ھي من تشریعنا واجتھادنا تنفیذ◌ا لمقصد عام، أمرنا هللا تعالى تعالى عز وجل،

بھ، وھي تشریعات وقوانین تتبدل وتتغیر حسبما تقتضیھ الحاجة بغیر وسائل المواصالت، ونحن غیر معصومین من الخطأ في سنھا وفي اجتھادنا فیھا، والخطأ

–یحقق المقصد المطلوب والوھم واردان علینا فیھا وقد ال نحسن وضع النظام بما .وقد ینتج عن خطئنا اإلضرار ببعض الناس بدال من حمایتھم من الضرر والھالك

التشریع صفة من صفات هللا عز وجل "وفي ھذا كفایة إلبطال قول من زعم أن وأن من وضع تشریعا فقد انتزع لنفسھ إحدى صفات هللا عز وجل وجعل نفسھ ندا

وما بناه على ذلك من أحكام إال أن یكون المقصود " لطانھتعالى خارجا على سبالتشریع التحلیل والتحریم، فھذا بال ریب مما اختص هللا تعالى بھ نفسھ، وقد أسلفنا

فإذا احتوى " القول"البیان أن التشریعات والقوانین واألنظمة تدخل في مدلول لفظ ئحة تحلیل ما حرم هللا أو تحریم ما التشریع أیا كانت صورتھ، قانونا أو قرارا أو ال

أحل هللا أو النھي عما فرضھ هللا أو األمر بما نھى هللا عنھ فھو باطل ال یجوز العمل وإن الجحود أن یسن الحاكم للناس شریعة [بھ وال اتباعھ، وواضعھ مستحال

مخالفة هللا] ویجبرھم بسلطانھ على تنفیذھا ما دامت على خالف ما شرع هللا تعالىورسولھ، متى كان قد بلغھ الحق وقامت علیھ الحجة، كافر مشرك بال خالف، إذ

.یكون جاحدا بقولھ للنص الثابت مكذبا لربھ تعالىومما یتعین التنویھ عنھ أن صفات هللا تعالى وأسماءه قد وردت النصوص المحددة

صفات عز وجل لھا، والتي ال یجوز أن نتعداھا وأن نزعم من عند أنفسنا أسماء و األسماء الحسنى فادعوه بھا وذروا الذین یلحدون في أسمائھ ﴿ من : األعراف(﴾ و

).180اآلیة

Page 67: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إن الحاكمیة ھي من مفھوم شھادة أن ال إلھ إال هللا أو ومن : "ثم نقول للذین قالوابھذا أن هللا تعالى مطلق السلطان إن عنیتم" كون الربوبیة تعالى دون غیره

ومطلق األمر یحكم ویشرع كما یشاء وقت ما یشاء، فإذا حكم هللا تعالى أو أمر أو شرع لزمتنا طاعتھ وكان أمره الحق المطلق والعدل المطلق واإلنصاف الكامل

الشامل، فإنا وإیاكم على صراط مستقیم، وال خالف بین أحد المسلمین في ذلك وال بعد بلوغ الحق إلیھ وقیام الحجة علیھ حق التشریع –أیضا أن من زعم لنفسھ خالف

المطلق، وأنھ یستمد سلطانھ بذلك من ذات نفسھ، وأن تشریعھ واجب الطاعة كتشریع .هللا، وأمره واجب الطاعة كأمر هللا، فإنھ یكون قد جعل نفسھ ندا تعالى وشریكا لھ

أن یقول ھذا عند هللا حرام أو ھذا عند هللا حالل وإن كنتم تعنون أن لیس ألحد بغیر سند من هللا، فنحن نوافقكم على ذلك وتلك ھي عقیدتنا ألن القائل ھذا حالل

وھذا حرام، وھذا فرض وھذا نھي بدون سند من هللا إنما یقول على هللا ما ال یعلم، ال تقولوا لما تصف ألسنتكم و ﴿: وھذا ھو الكذب على هللا، وقد نھانا هللا عنھ قال تعالى

).116من اآلیة : النحل(﴾ الكذب ھذا حالل وھذا حرام لتفتروا على هللا الكذب وإن كنتم تعنون بالحاكمیة أن أحدا ال یملك من نفسھ أن یحل ما حرم هللا أو یحرم

ونؤمن بھ، ونقول عن من بلغھ الحق وقامت ما أحل فھذا أیضا ما نعتقده ونقرهعلیھ الحجة ثم اعتقد أو قال إنھ یملك أن یحل ما حرم هللا أو یحرم ما أحل هللا، فقد

، وھو كافر مشرك بال خالف .جعل نفسھ ندا ال –بغیر إذن من هللا –وإن كنتم تعنون أن الناس یتعین علیھم االعتقاد أن أحدا

ھم ما أحلھ هللا لھم أو أن یحل لھم ما حرم هللا علیھم وأن من اعتقد یملك أن یحرم علیولو لم یعمل بھ فإنھ یكون قد اتخذ ربا من دون هللا وجعل مع هللا إلھا –جواز ذلك

أم لھم شركاء ﴿: آخر، فتلك ھي عقیدتنا التي ال نتشكك في صحتھا أبدا، قال تعالىی ن الد ، وعن عدي بن )21من اآلیة : الشورى(﴾ ن ما لم یأذن بھ هللا شرعوا لھم م

وفي عنقي –صلى هللا علیھ وسلم –أتیت النبي : حاتم رضي هللا تعالى عنھ قال، فألقیتھ ثم افتتح سورة "یا ابن حاتم ألق ھذا الوثن من عنقك": صلیب من ذھب، قال

، فقلت یا ﴾بارھم ورھبانھم أربابا من دون هللا اتخذوا أح ﴿: براءة حتى بلغ قولھ تعالىكانوا یحلون لكم الحرام "–صلى هللا علیھ وسلم –رسول هللا ما كنا نعبدھم، فقال

"فتلك عبادتھم: "بلى، قال: قلت" فتستحلونھ ویحرمون علیكم الحالل فتحرمونھ ].سبق ذكره وسنده ورواتھ[

قولكم إن الحاكمیة وجوب االعتقاد بلزوم الرد عند التنازع وإن كنتم تعنون من–في الحكم على شيء أوفى من األمور إلى شریعة هللا دون غیرھا، وأن من اعتقد

بوجوب الرد إلى غیر شریعة هللا التي بلغتھ، أو بعدم لزوم –بعد قیام الحجة علیھ ال، فإنھ یكون مشركا كافرا جاحدا أمر الرد إلیھا، ولو لم یفعل شیئا، ولو لم یتحكم فع

Page 68: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

هللا الذي بلغھ، وأن من جھر حرا مختاران بأنھ یرید التحاكم إلى غیر شریعة هللا التي بلغتھ لیعرف ما ھو حالل وما ھو حرام وما ھو فرض علیھ وما ھو منھي عنھ، أو

وأنھ یفضل تلك مالھ من حق وما علیھ من واجبات فإنھ یكون قد أعلن عقیدتھ الفاسدة الشریعة التي یرید التحاكم إلیھا على شریعة هللا تعالى التي بلغتھ، وأنھ یكون بذلك قد

جحد شریعة هللا تعالى التي بلغتھ فھو كافر ومشرك، وال شأن لنا بما في قلبھ، ألن من جحد بلسانھ شیئا مما افترض هللا تعالى اإلیمان بھ، في غیر إكراه فقد كفر

فتلك أیضا ھي عقیدتنا التي ال نحید عنھا بحول هللا –رتد عن اإلسالم وأشرك واموك فیما شجر بینھم ثم ال یجدوا ﴿: أبدا، لقولھ تعالى فال وربك ال یؤمنون حتى یحك

ا قضیت ویسلموا تسلیما م : ، ولقولھ تعالى)65اآلیة : ساءالن(﴾ في أنفسھم حرجا م والیوم اآلخر ﴿ سول إن كنتم تؤمنون با وه إلى هللا والر ﴾ فإن تنازعتم في شيء فردإنما كان قول المؤمنین إذا دعوا إلى هللا ﴿: ، ولقولھ تعالى)59من اآلیة : النساء(

اآلیة : النور(﴾ سولھ لیحكم بینھم أن یقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك ھم المفلحون ور 51.(

إن االعتقاد بأن هللا تعالى مطلق السلطان الذي ال یحده حد، : ثم نعود فنكرر القولذا حكم تعالى ومطلق األمر، یحكم بما یشاء ویشرع ما یشرع ویقضي بما یشاء، فإ

حكما وشرع لنا شرعا وقضى علینا أمرا لزمتنا طاعتھ تعالى، وكان أمره وشرعھ وقضاؤه تعالى الحق المطلق والعدل المطلق واإلنصاف الشامل، ھذا كلھ توجب

النصوص القاطعة والبراھین المبینة على ما توجبھ بدیھة العقل، أنھ من مفھوم أن ال نھ وتعالى المنزه عن كل نقص وعن كل عیب، وأنھ وحده تعالى إلھ إال هللا وأنھ سبحا

الذي لھ الكمال التام والرفعة الحقیقیة، وأنھ تعالى خالق كل شيء دونھ، القاھر فوق .كل شيء دونھ ال ینازعھ في الملك أحد، وال یشاركھ في سلطانھ شيء

حتما أن یكون وكما سبق أن قلنا فإن االعتقاد بحد ما لسلطان هللا تعالى یقتضيوال یعدو ذلك . ثمة ما ھو خارج عن ھذا الحد، أي من ال سلطان تعالى علیھ

الخارج عن سلطان هللا أن یكون غیر مخلوق، أي ھو إلھ مع هللا، أو وخلقھ خالق .آخر، أي ھو من صنع إلھ آخر، وذلك كلھ ھو الشرك أعاذنا هللا تعالى منھ

:تفرقة یتعین مالحظتھاھ ینبغي التنبھ الكامل للفرق بین تلك العقیدة الفاسدة التي توجب الشرك با إال أن

تعالى، وبین جھل المرء بمجموع من الشرائع التي فرضھا هللا وعلمھ ببعضھا اآلخر واعتقاده بناء على ذلك أن شریعة هللا تعالى تحكم جوانب محددة من حیاتھ وأعمالھ

ى قد ترك لھ وللجماعة التي یعیش فیھا حریة تنظیم وعالقاتھ بالناس، وأن هللا تعال .باقي جوانب حیاتھ وعالقاتھ بغیره من الناس

Page 69: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

فھذا االعتقاد األخیر لیس فیھ شبھ الكفر والشرك بل ھو قد یصدر عن معتقد بتوحید هللا عز وجل ووجوب طاعتھ، وصاحبھ كما سبق أن قدمنا الدلیل من كتاب

ة والسالم معذور بجھلھ ال ھو وكافر وال ھو فاسق وال هللا وسنة الرسول علیھ الصال .ھو عاص

بأن المسلمین في ھذا الوقت الذي نعیش فیھ قد فسدت : "وعلى ذلك فإن القولعقیدتھم وخرجوا عن دین اإلسالم، ألنھم إذا جھلوا معظم الشرائع التي فرضھا هللا

بعد أن –وأصبح تصورھم تعالى لتنظیم حیاتھم السیاسیة واالجتماعیة واالقتصادیةلم یعد یعرف أغلبھم إال بعض أحكام الصالة والصوم والزكاة والحج والقلیل النادر

أصبح تصورھم أن شریعة هللا تكاد تكون أحكامھا –عما ھو مباح أكلھ ولبسھ ، ھذا القول ال "قاصرة على العبادات، وذلك الجزء القلیل مما عرفوه من غیرھا فقط

خاطئة كان ینبغي التحرز في الدعاء بھا، ألنھ كما سبق أن قدمنا یصح وھي تھمةالبرھان من كتاب هللا تعالى وسنة رسولھ علیھ السالم، فإن أحكام الشریعة ال تلزم

أحدا قبل أن تبلغھ ویعلم بھا وتقوم علیھ الحجة بوجوبھا، أما قبل ذلك فالجاھل معذور .بجھلھ

ریعة هللا تعالى وتفقھ فیھا وأصبح أھال واألولى، بل الفرض على من علم شللنذارة أن یبلغھا للناس ویشرحھا لھم ویدلل على صحة قولھ بآیات القرآن الكریم

وأحادیث النبي علیھ الصالة والسالم، وأن یدعوھم إلى االعتقاد والعمل بالحق الذي .جاءھم من ربھم، وھذه ھي مھمة الداعیة لإلسالم

ناه من وجوب االعتقاد بأن أحدا ال یملك أن یحل ما حرم هللا وكذلك القول فیما قدمبغیر –تعالى أو یحرم ما أحل هللا تعالى، وأن الناس یتعین علیھم االعتقاد أن أحدا

ال یملك أن یحرم علیھم ما أحلھ هللا تعالى لھم أو ویحل لھم ما حرمھ –إذن من هللا العقتاد بوحدانیة هللا عز وجل وتمام هللا تعالى علیھم، فھذا أیضا من مقتضى ا

سلطانھ، ألن الذي یملك من ذات نفسھ وبدون إذن من هللا تعالى تغییر شریعة هللا .وتبدیلھا ال یكون إال ندا تعالى وخارجا عن سلطان هللا تعالى وھذا ھو الشرك

وبین من وھنا أیضا ینبغي التفرقة بین مثل ھذه العقیدة الفاسدة الموجبة للشرك یعتقد متأوال بعض النصوص القرآنیة أو بعض نصوص السنة المطھرة، إن من الشرائع التي جاء بھا اإلسالم ما یتغیر ویتبدل مع تغیر األزمان وتبدل الظروف

والمناسبات، وأیضا بین اعتقاد عامة الناس أن ألولي األمر حق إصدار التشریعات تلزمھم طاعتھا بناء على نصوص قرآنیة وسن القوانین ووضع التنظیمات التي

وأحادیث عن الرسول علیھ الصالة والسالم منھا الصحیح ومنھا ما اعتقدوا صحتھ .وھو غیر صحیح

Page 70: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

فالمعتقد أن بعض أحكام الشریعة مما یجوز أن یتغیر أو یتبدل متأوال في ذلك ى، وإنما ھو بعض النصوص لیس بكافر وال مشرك، فھو ال یجعل نفسھ ندا تعال

ویقول ویفعل ما یعتقد أن هللا تعالى قد أباحھ لھ وأذن فیھ، وھو معذور بخطئھ لقول دت قلوبكم ﴿: هللا تعالى ا تعم : األحزاب(﴾ ولیس علیكم جناح فیما أخطأتم بھ ولكن مألمتي عن الخطأ والنسیان عفي ": ، ولقول الرسول علیھ الصالة والسالم)5من اآلیة

إذ ": ، ولقولھ علیھ الصالة والسالم]334ص 2جـ: المحلى["وما استكرھوا علیھص 8جـ: األحكام["اجتھد الحاكم فأخطأ فلھ أجر وإذا اجتھد وأصاب فلھ أجران

، وكل قائل في دین هللا ممن تتوافر فیھ شروط االجتھاد حاكم في المسألة التي ]137 .اقال قولھ فیھ

:حد الخطأ والتأویلوبدھي أنھ ال یكون متأوال من ال علم لھ بالشریعة وال باللغة التي نزل بھا القرآن فذلك إن قال في دین هللا بجھلھ وھو عالم بجھلھ وأن ال قدرة لھ على فھم النصوص

واستنباط األحكام من مختلف اآلیات واألحادیث، فإنھ یكون خائضا في دین هللا بغیر .م وقائال على هللا تعالى بما ال یعلم، مستخفا بدین هللا تعالىعل

وبدھي أیضا أن التأویل الذي یعضر من قال بھ، ما یكون لھ وجھ تسمح بھ لغة وفیما ھو خارج عما وقع فیھ اإلجماع وبات بعیدا عن موضع االجتھاد –القرآن

.واحتمال الخطأ والتأویلحجة علیھ أوال وإظھار خطئھ وإعالمھ بالحق، فإذا وھذا المتأول ینبغي إقامة ال

قامت علیھ الحجة الالئحة الظاھرة التي ال محل للجدل بعدھا، فإن تمادى على معتقده .فإنھ یكون جاحدا لما افترض هللا تعالى علیھ اإلیمان بھ فھو كافر مشرك

مات التي واعتقاد عامة الناس أن ألولي األمر حق إصدار القوانین ووضع التنظیتنظم جوانب من حیاتھم السیاسیة واالقتصادیة واالجتماعیة، بناء على نصوص من

القرآن الكریم والسنة الشریفة، اعتقاد لیس فیھ أیضا شبھة الكفر والشرك، بل ھو اعتقاد في أصلھ حق، وسبق أن قدمنا البرھان على أن هللا عز وجل قد أمر أمة

منھا المحافظة على دمائھم وأبشارھم وأموالھم المسلمین بتحقیق مقاصد عامة وأعراضھم وترك لھا االجتھاد في تنظیم ذلك وتحقیقھ، وقد وردت النصوص

بوجوب طاعة أولي األمر في ذلك، وإنما جاء الخلل ووقع االضطراب من جھل الناس بحدود ما ألولي األمر من حق في ھذا الشأن، وأیضا من جھلھم بحقیقة أولي

المعتبرین بھذه الصفة في شریعة هللا، فأدى جھل الناس إلى طاعة من ظنوھم األمر من أولي األمر وھم لیسوا منھم، وإلى طاعتھم فیما اعتقدوا أنھ من حقھم إصدار

أوامرھم فیھ، في حین أن كثیرا من تلك األوامر التي تصدر في شكل قوانین .لي األمروقرارات ولوائح خارج عن حدود ما أباحھ هللا ألو

Page 71: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

وفیما سبق قدمنا البرھان على أن الجاھل معذور بجھلھ لیس بكافر وال بفاسق وال بعاص، والواجب على من ندب نفسھ للدعوة إلى هللا أن یبین للناس حقیقة شریعة هللا

ویفصل لھم بالبرھان من كتاب هللا وسنة رسولھ علیھ الصالة والسالم ما أحلھ وما ألزمنا تعالى بھ من شرائع لم یجعل ألولي األمر أو لغیرھم حقا حرمھ وما أباحھ وما

في تبدیلھا أو تغییرھا، وحدود ما أباح هللا ألولي األمر تنظیمھ بالقوانین والقرارات واللوائح فضال عن أن یبین لھم الشروط الواجب توافرھا فیمن یعتبر ولي أمر یتعین

.طاعتھ فیما أمرنا هللا بطاعتھ فیھس من قبل ذلك وحتى تقوم علیھم الحجة، معذورون بجھلھم، وھم مسلمون والنا

غیر عاصین وال فاسقین إال من ثبت لنا بالبینة الشرعیة أنھ بعینھ عالم بحقیقة أمر هللا مطیع عن رضا آلمر بمعصیة هللا متخذا لھ ربا من دون هللا، أخرج مسلم عن أم

: أنھ قال–صلى هللا علیھ وسلم –عن النبي المؤمنین أم سلمة رضي هللا تعالى عنھا إنھ یستعمل علیكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، "

].أورده صاحب ریاض الصالحین["ولكن من رضي وتابعوالحق أن عقیدة قداسة أولي األمر أو عصمتھم أو والظن أن أوامرھم كأوامر هللا

ن یحلوا ما حرمھ هللا أو یحرموا ما أحلھ هللا، ذلك كلھ معدوم تعالى أو أن لھم أالوجود بین غالب عامة المسلمین، وینطق الواقع أنھ حیث یكون أمر هللا تعالى

معلوما غیر خاف وال محل الختالف اآلراء فإن أحدا من عامة الناس ال یتشكك في قول قائل وال تشریع ذي أن أمر هللا تعالى ھو الحق الواجب االتباع، ال یبطلھ

سلطان، وأن عامة المسلمین ھم على العقیدة األكیدة أن الخمر حرام، شاربھا آثم، رغم توالي السنوات الطوال وأصحاب السلطة في بالد اإلسالم ال یعاقبون شارب

الخمر بعقوبة ما،وعامة المسلمین ال یتشككون في أن الزنا حرام رغم شیوعھ الحكام عن إقامة الحدود على مقارفة، وعامة المسلمین على والتعالن بھ، وقعود

آثم آخذه ومعطیھ، رغم أن –وإن جھلوا تفصیالت أحكامھ –عقیدتھم أن الربا القوانین السائدة تبیحھ وال تعاقب علیھ، ومثال ذلك كثیر، بل إنا لنقول إنھ حتى

شعورھم من أنھم في الكثیرین من الذین یقارفون مثل تلك الكبائر ویجھرون بھا لمأمن من العقاب فإنھم یقارفون ما یقارفونھ ولیس عندھم شك في أن ما یأتونھ محرم

.عند هللا، لم یجعلھ حالال قعود ذوي السلطان عن إنفاذ أمر هللا فیھموكذلك األمر فیما قلناه من وجوب التحاكم إلى شریعة هللا تعالى والرد عند التنازع

لرسول علیھ الصالة والسالم، فإنھ یجب حتى یعتبر الشخص جاحدا إلى هللا تعالى واأن یكون قد أعلن إعراضھ عن شریعة اإلسالم جملة، أو أن یعلم حكم هللا تعالى في

النازلة المتنازع علیھا ثم یأباه ویستحل خالفھ، أما من آمن بشریعة هللا جملة وھو ن لیس تعالى حكم في غیر عالم بمختلف ما تتضمنھ من أحكام، واعتقد أ

Page 72: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الموضوع المتنازع علیھ أو اعتقد أن القانون المعمول بھ على مقتضى شریعة هللا في المسألة موضوع التنازع، أو أنھ مما یجب طاعة أولي األمر فیھ، فھذا معذور بجھلھ

لیس بكافر وال بفاسق وال بعاص لما قدمناه من البراھین من كتاب هللا تعالى وسنة ھ علیھ الصالة والسالم من أن الشریعة ال تلزم إال من بلغتھ، وأن الجاھل رسول

.معذور بجھلھ والمخطئ مرفوع عنھ حكم خطئھوالواجب على من ندب نفسھ للدعوة لإلسالم وسیادة شریعة هللا تعالى والحكم بما

هللا أنزل هللا تعالى، أن یبلغ الناس حقیقة أمر هللا ویوضح لھم شریعتھ تعالى وحكمالواجب اعتقاده والعمل بھ وأن یقیم البرھان على ذلك من الكتاب والسنة حتى تقوم الحجة على الناس، والناس من قبل ذلك معذورون بجھلھم وھم مسلمون ال فساد في عقیدتھم، فمن قامت علیھ الحجة ثم ثبت بالبینة الشرعیة أنھ قد أعرض عن حكم هللا

ھ دون غیره الذي یكون كافرا فاسقا مشركا، أما من سلم تعالى الذي علمھ، فإنھ بذاتبحكم هللا تعالى ولم یعترض علیھ فإنھ یكون قد حكم شریعة هللا فإذا عمل بعد ذلك

.على خالفھا فإنھ یكون فاسقا عاصیا على نحو ما سبق أن أوضحناه وفصلناه :اإلكراه وحكم المكره

: صول العامة في الشریعة اإلسالمیة وھماتعرضنا فیما قدمنا إلى أصلین من األالجھل والخطأ، وھما أصالن من األصول العامة التي یكون علیھا المدار في الحكم

على كافة األقوال واألعمال وسقنا البراھین الواضحة من كتاب هللا وسنة رسولھ علیھ الصالة والسالم على وجوب اعتبار ھذین األصلین وما ینبني على كل منھما

من حكم شرعي یقضي بأن الجاھل معذور بجھلھ وأن المخطئ مأجور على اجتھاده .ومعفو عن خطئھ

وأصل ثالث نرى ضرورة التعرض لھ ألنھ أیضا من األصول العامة التي یكون المدار علیھا في الحكم على األقوال واألعمال، وسبق أن أشرنا إلى ذلك األصل عند

الناطق بكلمة الكفر ال یعتبر كافرا وال یحكم بردتھ إذا ما تعریفنا معنى الكفر فقلنا إننطق بھا مكرھا، وكذلك من عمل عمال أتى النص بأن فاعلھ ینتفي عنھ اسم اإلیمان

.فإنھ ال یحكم بكفره وال بردتھ إذ عمل ذلك العمل مكرھالتحاكم وتطبیقا لھذا األصل أیضا شرطنا الحریة واالختیار فیمن جھر بأنھ یرید ا

إلى غیر شریعة هللا تعالى التي بلغتھ وتوضیحا لذلك األصل الھام الذي یعتبر من الركائز التي تبنى علیھا األحكام في الشریعة اإلسالمیة، نعود فنورد اآلیة الكریمة

من بعد إیمانھ إال من أكره وقلبھ م ﴿: التي من سورة النحل طمئن من كفر بان هللا ولھم عذاب عظیم ﴾ باإلیمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعلیھم غضب م

).106اآلیة : النحل(

Page 73: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

فالنص واضح في استثناء إلحاق حكم الكفر بمن صدر عنھ وھو مكره ما كان عام مطلق یشمل كل ما ینفي عن یعتبر بھ كافرا مرتدا ولو لم یكن مكرھا، والنص

.المسلم اسم اإلیمان من قول وعملالجامع ألحكام "قال أبو عبد هللا محمد بن أحمد األنصاري القرطبي في تفسیره

إن ھذه اآلیة نزلت في عمار بن یاسر وقال إن ابن عباس رضي هللا ": "القرآنأباه وأمھ سمیة وصھیبا المشركون وأخذوا –أي عمارا –أخذه : عنھما قال في ذلك

وبالال وخبابا وسالما، وربطت سمیة بین بعیرین ووجئ قبلھا بحربة، وقیل لھا إنك أسلمت من أجل الرجال فقتلت وقتل زوجھا یاسر وھما أول قتیلین في اإلسالم، وأما

صلى هللا علیھ –عمار فأعطاھم ما أرادوا بلسانھ مكرھا فشكا ذلك إلى رسول هللا مطمئن : فقال" كیف تجد قلبك"–صلى هللا علیھ وسلم –فقال لھ رسول هللا –وسلم

، وروى القرطبي "فإن عادوا فعد: "-صلى هللا علیھ وسلم –باإلیمان فقال رسول هللا صلى هللا علیھ وسلم –أیضا أن عیونا لمسیلمة أخذوا رجلین من أصحاب رسول هللا

نعم، : أتشھد أن محمدا رسول هللا؟ قال: ألحدھمافذھبوا بھما إلى مسیلمة، فقال –أتشھد أن محمدا : نعم، فخلى عنھ، وقال لآلخر: أتشھد أني رسول هللا، قال: قال

أنا أصم ال أسمع، فقدمھ : أتشھد أني رسول هللا، قال: نعم، قال: رسول هللا؟ قالھلكت فقال : الفق–صلى هللا علیھ وسلم –فجاء األول إلى رسول هللا وضرب عنقھ،

أما : "فذكر الحدیث، قال علیھ الصالة والسالم" وما أھلكك؟: "علیھ الصالة والسالمأما صاحبك فمضى على إیمانھ وأما أنت فأخذت : "وفي روایة" صاحبك فأخذ بالثقة

أشھد أنك رسول هللا، قال علیھ : بالرخصة على ما أنت علیھ الساعة قال الرجللما سمح هللا عز : واستطرد القرطبي قائال" لى ما أنت علیھأنت ع: "الصالة والسالمعند اإلكراه ولم یؤاخذ بھ، حمل العلماء علیھ –وھو أصل الشریعة –وجل بالكفر بھ

فروع الشریعة كلھا، فإذا وقع اإلكراه علیھا لم یؤاخذ بھ ولم یترتب علیھ حكم، وقال ل أو الفعل فال رخصة فیھ مثل ذھبت طائفة من العلماء إلى أن الرخصة في القو

اإلكراه على السجود لغیر هللا أو والصالة لغیر القبلة أو قتل مسلم أو ضربھ أو أكل مالھ أو الزنا أو شرب الخمر وأكل الربا وذھبت طائفة أخرى من العلماء منھم عمر بن الخطاب ومكحول ومالك وطائفة من أھل العراق إلى أن اإلكراه في الفعل والقول

.سواء إذا أسر اإلیمانأجمع العلماء على أن من أكره على الكفر فاختار القتل أنھ أعظم : ثم قال القرطبي

أجرا عند هللا ممن اختار الرخصة، واختلفوا فیمن أكره على غیر الكفر من فعل ما ال األخذ بالشدة في ذلك واختیار القتل والضرب أفضل : یحل لھ، فقال أصحاب مالك

من األخذ بالرخصة، وذكر ابن سحنون عن أھل العراق أنھ إذا تھدد بقتل أو عند هللاقطع أو ضرب یخاف منھ التلف فلھ أن یفعل ما أكره علیھ من شرب خمر أو أكل

Page 74: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

روى : خزیر فإن لم یفعل حتى قتل خفنا أن یكون آثما ألنھ كالمضطر، وقال القرطبيوھو متوسط –صلى هللا علیھ وسلم –شكونا إلى رسول هللا : خباب بن األرت قال

قد كان من قبلكم : "أال تستنصر لنا أال تدعو لنا؟ قال: بردة لھ في ظل الكعبة فقلتیؤخذ الرجل فیحفر لھ في األرض فیجعل فیھا فیجاء بالمنشار فیوضع على رأسھ

فیجعل نصفین ویمشط بأمشاط الحدید ما دون لحمھ وعظمھ فما یصده ذلك عن دینھ، لیتمن هللا ھذا األمر حتى یسیر الراكب من صنعاء إلى حضرموت ال یخاف إال وهللا

فوصفھ : وعقب القرطبي على لك بقولھ" هللا والذئب على غنمھ ولكنكم تستعجلونصلى هللا علیھ وسلم ھذا عن األمم السابقة على وجھ المدح لھم والصبر على

ویبطنوا اإلیمان لیدفعوا العذاب عن المكروه في ذات هللا وأنھم لم یكفروا في الظاھر .أنفسھم، وھذه حجة من آثر الضرب والقتل والھوان على الرخصة

أجمع العلماء على أن من أكره على قتل غیره أنھ ال یجوز : وقال القرطبي أیضااإلقدام على قتلھ وال انتھاك حرمتھ بجلد أو غیره، ویصبر على البالء الذي نزل بھ،

.یفدي نفسھ بغیره ویسأل هللا العافیة في الدنیا واآلخرةوال یحل لھ أن اختلف العلماء في حدود اإلكراه فروي عن عمر بن : وقال القرطبي أیضا

لیس الرجل آمنا إذا خفتھ أو ووثقتھ أو ضربتھ، : الخطاب رضي هللا عنھ أنھ قال: ال الحسنوقال ابن مسعود ما من كالم یدرأ عني سوطین إال كنت متكلما بھ، وق

التقیة جائزة للمؤمن إلى یوم القیامة إال أن هللا تبارك وتعالى لیس یجعل في القتل والوعید : القید إكراه والسجن إكراه وھذا قول مالك إال أنھ قال: تقیة، وقال النخعي

المخوف إكراه وإن لم یقع إذا تحقق ظلم ذلك المعتدي وإنفاذه لما یتوعد بھ، ولیس وأصحابھ في الضرب والسجن توقیت، إنما ھو ما كان یؤلم من الضرب عند مالك

وما كان من سجن یدخل فیھ الضیق على المكره، وذھب مالك إلى أن من أكره على یمین بوعید أو وسجن أو ضرب أنھ یحلف وال حنث علیھ وھو قول الشافعي وأحمد

.انتھى" وأبي ثور وأكثر العلماءب والسنة جاءت مطلقة وعامة وشاملة ومقررة والحق أن النصوص من الكتا

ل ﴿: ألصل عام في الشریعة كلھا، مقتضاه رفع اإلثم عن المكره، قال تعالى وقد فصم علیكم إال ما اضطررتم إلیھ ا حر وقال علیھ ). 119من اآلیة : األنعام(﴾ لكم م

: المحلى["والنسیان وما استكرھوا علیھعفي ألمتي عن الخطأ": الصالة والسالم ].334ص 2جـ

ومن األصول المقررة أن العام یحمل على عمومھ إال فیما ورد فیھ نص أو إجماع باستثنائھ، فإذا أورد نص أو إجماع بأن اإلكراه ال یرفع اإلثم عن عمل معین،

.كقتل الغیر أو انتھاك حرمتھ، أو عن قول معین، صرنا إلیھ وقلنا بھ

Page 75: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

]: 329ص8جـ: المحلى: [وفي ذلك یقول اإلمام أبو محمد علي بن أحمد بن حزمإكراه على كالم وإكراه على فعل، فاإلكراه على الكالم ال : اإلكراه ینقسم قسمین

یجب بھ شيء وإن قالھ المكره كالكفر والقذف واإلقرار والنكاح واإلنكاح والرجعة یمان والعتق والھبة، وإكراه الذمي الكتابي على والطالق والبیع واالبتیاع والنذر واإل

اإلیمان وغیر ذلك، ألنھ في قولھ ما أكره علیھ إنما ھو حاك للفظ الذي أمر أن یقولھ وال شيء على الحاكي بال خالف، ومن فرق بین األمرین فقد تناقض قولھ، وقد قال

" لكل امرئ ما نوىإنما األعمال بالنیات و: "–صلى هللا علیھ وسلم –رسول هللا .فصح أن كل من أكره على قول ولم ینوه مختارا لھ، فإنھ ال یلزمھ

كل ما تبیحھ الضرورة كاألكل : أحدھما: واإلكراه على الفعل ینقسم قسمینوالشرب فھذا یبیحھ اإلكراه ألن اإلكراه ضرورة، فمن أكره على شيء من ھذا فال

.شيء علیھ ألنھ أتى مباحا لھ إتیانھما ال تبیحھ الضرورة كالقتل والجراح والضرب وإفساد المال، فھذا ال : الثانيو

یبیحھ اإلكراه فمن أكره على شيء من ذلك لزمھ القود والضمان ألنھ أتى محرما .علیھ إتیانھ

واإلكراه ھو كل ما سمي في اللغة إكراھا وعرف بالحس أنھ إكراه، كالوعید ما توعد بھ، والوعید بالضرب كذلك أو الوعید بالسجن بالقتل ممن ال یؤمن منھ إنفاذ

كذلك أو الوعید بإفساد المال كذلك، أو والوعید في مسلم وغیره بقتل أو ضرب أو المسلم أخو المسلم ال یظلمھ وال : "سجن أو إفساد مال لقولھ علیھ الصالة والسالم

م ع ﴿: وقال تعالى" یسلمھ ا حر ل لكم م : األنعام(﴾ لیكم إال ما اضطررتم إلیھ وقد فص: األنعام(﴾ فمن اضطر في مخمصة غیر متجانف إلثم ﴿: وقال تعالى) 119من اآلیة ).3من اآلیة

ھال أبحتم قتل النفس للمكره والزنا والجراح والضرب وإفساد المال بھذا : فإن قیل االستدالل؟

ألن النص ال یبیح لھ قط أن یدفع عن نفسھ بظلم غیره ممن لم یتعد علیھ، : قلناوتعاونوا على البر والتقوى وال ﴿: وإنما الواجب علیھ دفع الظالم أو قتلھ لقولھ تعالى

صلى هللا–ولقول رسول هللا ) 2من اآلیة : المائدة(﴾ تعاونوا على اإلثم والعدوان من رأى منكم منكرا فلیغیره بیده إن استطاع فإن لم یستطع فبلسانھ : "-علیھ وسلم

فصح " فإن لم یستطع فبقلبھ وذلك أضعف اإلیمان، لیس وراء ذلك من اإلیمان شيءأنھ لم یبح لھ قط العون على الظلم ال لضرورة وال لغیرھا، وإنما فسح لھ إن عجز

ي علیھ التغییر بقلبھ والبد، والصبر لقضاء هللا تعالى في أال یغیر بیده وال بلسانھ وبق .انتھى" فقط

Page 76: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

أي التصدیق " عقد القلب"ومما ورد النص فیھ بأن اإلكراه إذن ال یبیحھ من اآلیة : النحل(﴾ إال من أكره وقلبھ مطمئن باإلیمان ﴿: واطمئنان النفس، قال تعالى

القلب غیر معفو عنھ وإن وقع اإلكراه، فاإلكراه ال فقطع النص بأن تحول) 106ن هللا ولھم عذاب ﴿: یبیح تحول القلب ولكن من شرح بالكفر صدرا فعلیھم غضب م

).106من اآلیة : النحل(﴾ عظیم إال وتحول القلب وانشراح الصدر، عمل النفس الذي ال یطلع علیھ ویعرف حقیقتھ

المولى عز وجل الذي یعلم ما توسوس بھ النفس وما تخفي الصدور ثم إن كل امرئ یعرف حقیقة ما في قلبھ، أما نحن البشر فلیس لنا إال الظاھر، وال سبیل لنا للتثبت من

حقیقة ما في قلب الغیر، فإذا وجدت حالة اإلكراه وجب علینا عدم إیقاع الحكم ه وفعلھ إال ما ورد نص أو إجماع باستثنائھ، الشرعي باإلثم على قول المكر

.وسریرتھ موكولة إلى الباري جل شأنھوكذلك فإنھ لم یرد إلینا نص یحدد اإلكراه أو قدره، فالنص بذلك محمول على

.عموم ما یقع علیھ اسم اإلكراه في اللغة .االحتیاج إلى الشيء: االضطرار: قال صاحب القاموس المحیط

.أكرھھ علیھ: أحوجھ إلیھ وألجأه إلیھ، واضطره على األمر: ءواضطره إلى الشيحملھ علیھ قھرا، وكره : أكره فالنا على األمر: وقال صاحب القاموس المنجد

.لم یرضھ، واستكره الشيء، وجده كریھا أو عده كذلك: وتكاره األمرومن ھذا التعریف اللغوي الذي ھو مطابق لما أسلفناه من أقوال الصحابة

والتابعین وكبار فقھاء اللغة والدین نقول بحق، إن كل ما یقع على الشخص من ضروب اإلیذاء أو التھدید باإلیذاء في النفس أو المال على شخصھ أو على مسلم

غیره، مما تضیق بھ النفس وتكرھھ وال تجد قدرة على تحملھ، یندرج في اللغة تحت شخص إلى آخر، كل حسب ما وھبھ اسم اإلكراه أو االضطرار، وذلك یختلف من

هللا من قدرة وطاقة وقوة واحتمال، وهللا عز وجل ھو والمطلع على السرائر العالم بحقیقة ما اختلج بقلب كل مخلوق، ولیس لنا نحن البشر إال ظاھر الحال، فمتى

وجدت حالة من األحوال التي قد تكون مدعاة للخوف من األذى واإلضرار بالنفس لم یسعنا إال االمتثال إلى شریعة هللا وعدم مؤاخذة الواقع فیھا بما صدر أو المال،

بال ریب –عنھ من قول أو فعل إال ما استثنى بنص أو إجماع، ونحن وھو عائدون إلى خالقنا ومصورنا جل شأنھ، واقفون بین یدیھ في یوم ال ینفع فیھ كذب وال –

.لب سلیمادعاء وال مال وال بنون إال من أتى هللا بق :الصبر أولى وأحب

وقد ندبنا هللا تعالى للصبر والثبات والعمل على إعالء كلمة الحق والجھر بھا والتمكین لھا ودفع المظالم ورد البغي والعدوان، وجعل للعاملین في سبیل ذلك أعظم

Page 77: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

األجر وأعلى درجات الرفعة عنده في جنات النعیم، وإذا كان حدیث الرسول علیھ السالم الذي رواه القرطبي یمتدح األمم السابقة لثباتھا وصبرھا رغم ما الصالة و

أصابھا من عذاب وتنكیل فإن القرآن الكریم قد ضرب لنا األمثال الحیة على ذلك وعرض علینا أوفى العرض ما یبعثھ اإلیمان في القلب العامر من شجاعة وصبر

لنتیجة الالزمة التي وعدھا وتحمل وتضحیة كما عرض علینا هللا سبحانھ وتعالى امخلصا في ذلك " الفانیة بالباقیة"من صدق وصبر واستمساك بحبل هللا تعالى بائعا

كل نیتھ لوجھھ تعالى طاعة وامتثاال وخشوعا وانكسارا ورضاء بقدره تعالى، وضرب لنا تعالى مثال بالرجل الذي جاء من أقصى المدینة یسعى لنصرة الحق

اتبعوا من ال یسألكم أجرا وھم * یا قوم اتبعوا المرسلین ﴿: كلمة هللا، یقولوإعالء ھتدون أأتخذ من دونھ آلھة إن * وما لي ال أعبد الذي فطرني وإلیھ ترجعون * م

حمن بضر ال إني إذا لفي ضالل * تغن عني شفاعتھم شیئا وال ینقذون یردن الربین قیل ﴿) 25اآلیة : یس(﴾إني آمنت بربكم فاسمعون ﴿)24: 20اآلیات : یس(﴾م

﴾ ي وجعلني من المكرمین بما غفر لي رب * ادخل الجنة قال یا لیت قومي یعلمون ، وضرب هللا لنا مثال آخر بمؤمن آل فرعون الذي كان یكتم )27: 26اآلیات : یس(

إیمانھ ثم ھب لنصرة موسى علیھ السالم دفاعا عن الحق وإعالء لكلمة هللا، ابتغاء بكم وإن أتقتلون رجال أن یقول ربي هللا و ﴿: مرضات هللا قائال قد جاءكم بالبینات من ر

یك كاذبا فعلیھ كذبھ وإن یك صادقا یصبكم بعض الذي یعدكم إن هللا ال یھدي من ھو ض فمن ینصرنا من بأس یا قوم لكم الملك الیوم ظاھرین في األر * مسرف كذاب

ما أریكم ﴿: ، فلما نادى فرعون متكبرا متجبرا)29: 28اآلیات : غافر(﴾ هللا إن جاءناشاد ، لم یزد ذلك المؤمن )29من اآلیة : غافر(﴾ إال ما أرى وما أھدیكم إال سبیل الر

بلیغھا وإعالنھا وتحذیر قومھ من خشیة غیر هللا إال إیمانا بدعوتھ وإصرارا على تثل یوم األحزاب ﴿: قائال مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذین * إني أخاف علیكم م

یوم * كم یوم التناد ویا قوم إني أخاف علی * من بعدھم وما هللا یرید ظلما للعباد ن هللا من عاصم ومن یضلل هللا فما لھ من ھاد : غافر(﴾ تولون مدبرین ما لكم م

فوقاه هللا سیئات ما مكروا وحاق بآل فرعون ، ثم كانت النتیجة ﴿)33: 30اآلیات قل ھل تربصون بنا إال إحدى ﴿: ، وصدق هللا العظیم)45اآلیة : غافر(﴾سوء العذاب

ن عنده أو بأیدینا فتربصوا إ نا الحسنیین ونحن نتربص بكم أن یصیبكم هللا بعذاب متربصون ).52اآلیة : التوبة(﴾ معكم م

وامتدح هللا عز وجل الصابرین العاملین وأرشدنا هللا تعالى إلى طریق االستقامة ابرین ﴿: على ذلك قال الة إن هللا مع الص بر والص * یا أیھا الذین آمنوا استعینوا بالص

ولنبلونكم * أحیاء ولكن ال تشعرون وال تقولوا لمن یقتل في سبیل هللا أموات بل ابرین ر الص ن األموال واألنفس والثمرات وبش ن الخوف والجوع ونقص م بشيء م

Page 78: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

وإنا إلیھ راج * صیبة قالوا إنا ن * عون الذین إذا أصابتھم م أولئك علیھم صلوات مبھم ورحمة وأولئك ھم المھتدون : ، وقال عز وجل)157: 153اآلیات : البقرة(﴾ ر

سبنا الذین قال لھم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوھم فزادھم إیمانا وقالوا ح ﴿ن نبي قاتل معھ ربیون كثیر فما ، ﴿)173اآلیة : آل عمران(﴾ هللا ونعم الوكیل وكأین م

ابرین وما * وھنوا لما أصابھم في سبیل هللا وما ضعفوا وما استكانوا وهللا یحب الصم إال أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا كان قولھ

ن فئة قلیلة غلبت فئة ، ﴿)147: 146اآلیات : آل عمران(﴾ على القوم الكافرین كم مابرینكثیرة بإذن هللا وهللا ، وحذرنا علیھ الصالة )249من اآلیة : البقرة(﴾ مع الص

لتأمرن بالمعروف ولتنھون عن المنكر أو لیعمنكم هللا بعذاب من ": والسالم فقالواتقوا فتنة ال ﴿: ، وقال تعالى]من ھذا البحث177ص : الفصل البن حزم["عنده

ةتصیبن الذین ظلموا منكم ).25من اآلیة : األنفال(﴾ خاصوالحق أن سنن الحیاة تؤكد لنا أن الدعوات واألمم إنما تنتصر ویعلوا شأنھا بمن

یسخرھم هللا عز وجل بفضلھ ورحمتھ من الصادقین الصابرین الثابتین الذین یشرون ون في وال یخاف: الحیاة الدنیا باآلخرة والذین یبغون في كل قول وعمل وجھ هللا تعالى

إن هللا اشترى من المؤمنین أنفسھم ﴿: الحق لومة الئم أو ذھاب دنیا أو وضیاع جاهالذین یبلغون رساالت هللا ، ﴿)111من اآلیة : التوبة(﴾ وأموالھم بأن لھم الجنة

حسیباویخشونھ وال یخشون أحدا إال ).39اآلیة : األحزاب(﴾ هللا وكفى با :األصول الثالثة السابقة مجمع علیھا

إن األصول الثالثة التي قدمنا شرحھا وھي الجھل والخطأ : ثم نقول بعون هللاواإلكراه أو االضطرار ھي أصول أجمع على صحتھا علماء المسلمین وفقھاؤھم فلم

اعتبارھا، وإن حدث بعض االختالف في التعریف یشذ أحد عن شرعیتھا ووجوببھا أو مدى اآلثار المترتبة علیھا وھي أحكام شرعیة یتعین على من جلس مجلس

القضاء إلجراء أحكام الشریعة على العباد أن یراعیھا ویعمل آثارھا من تلقاء نفسھ، ھل ما وحتى ولو لم یدفع بھا الشخص عن نفسھ، ولو جھل أنھا مقررة شرعا وج

.یترتب علیھا من آثار :الفرق بین عمل القاضي وعمل الداعیة

ولذلك نقول بحق إن الفرق كبیر وخطیر بین عمل الداعیة وعمل القاضي فھذا األخیر منشغل بإجراء األحكام الشرعیة وتطبیقھا على وقائع فردیة یحققھا ویستجلي

ي من أحداثھا ویسمع مشكلھا ویستوضح غامضھا ویتثبت مما دق من جوانبھا وخفشھود الحال، ویطلع على الوثائق واألوراق ویفسح ألطراف الخصومة المجال أن م البینات، ثم ھو یدلي كل منھم بحجتھ، كل ذلك طبقا لنظم مقررة تحدد األدلة وتقو

Page 79: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

بعد استنفاذ ذلك كلھ واستفراغ جمیع جھده یطبق حكم هللا تعالى على ما ثبت لدیھ من .وقائع

أدبنا سید قضاة األرض علیھ الصالة والسالم في ذلك بأسمى وأجل ما یتعین وقدأن یكون علیھ القاضي من حرص واستیثاق واستجالء للواقعة المعروضة محال

جاء ماعز بن مالك : أخرج مسلم عن سلیمان بن یزید عن أبیھ قال–للحكم الشرعي ویحك ": ني، قال علیھ السالمطھر: فقال–صلى هللا علیھ وسلم –إلى رسول هللا

یا رسول هللا طھرني، : فرجع غیر بعید ثم جاء فقال: قال" ارجع استغفر هللا وتب: صلى هللا علیھ وسلم–فقال لھ مثل ذلك حتى إذا كانت الرابعة قال لھ رسول هللا

" أبھ جنة؟"صلى الھ علیھ وسلم –من الزنا، قال رسول هللا : قال" فیم أطھرك؟"أتعلمون : "بر أنھ لیس بمجنون، وفي روایة أنھ علیھ السالم أرسل إلى قومھ فقالفأخ

ما نعلمھ إال وفي العقل من صالحینا، قال علیھ : فقالوا" بعقلھ بأسا؟ أتنكرون منھ شیئافقام رجل فاستنكھھ فلم یجد ریح الخمر، فقال لھ " أشرب خمرا؟: "الصالة والسالم

نعم وفي روایة ابن عباس للواقعة : قال" أزنیت؟: "یھ وسلمصلى هللا عل–رسول هللا : قال" ویحك لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت: "أنھ علیھ الصالة والسالم قال لماعز

ھل : "ال، فأمر علیھ الصالة والسالم بھ فرجم، وفي واقعة األسلمي سألھ علیھ السالمانظر ["ي الرجل من أھلھ حالال نعم أتیت منھا حراما مثل ما یأت: تدري ما الزنا؟ قال

].181-176ص 11جـ: الواقعتین وأسانیدھما بالمحلىیتثبت قبل إنفاذ الحكم الشرعي من حجة –صلى هللا علیھ وسلم –فھذا رسول هللا

–واإلقرار ھو سید األدلة وأقواھا، وكل دلیل آخر دونھ في القوة –إقرار المقر رعي لكلمة الزنا وأنھ غیر جاھل بھ وال مخطئ فیھ ویتأكد من فھم المقر للمعنى الش

كما یتثبت من سالمة عقلھ وأنھ حال إقراره عالم عاقل لما یقر ویعترف بھ، ال یشوب .عقلھ آفة دائمة أو عارضة طارئة

:تطبیقات مختلفة لألصول السابقةونحن بعد أن قدمنا البراھین من كتاب هللا والثابت الصحیح من أحادیث الرسول

علیھ الصالة والسالم على ثبوت تلك األصول الثالثة وحكم كل منھا، نورد بعون هللا صلى هللا علیھ –تعالى تطبیقات مختلفة لھا وقائعھا تخص أجلة صحابة رسول هللا

.والتابعین وكبار فقھاء األمة–وسلم د فھذا أول الخلفاء الراشدین رضوان هللا علیھم، جھل حكم وجوب إجالء الیھو

والنصارى والمجوس عن جزیرة العرب طوال سنوات خالفتھ، ومات رضوان هللا تعالى علیھ وھو مقر لھم بھا، وتابعھ على ذلك أمیر المؤمنین عمر رضي هللا عنھ

في ذلك فأجالھم –صلى هللا علیھ وسلم –سنوات من خالفتھ حتى بلغھ أمر النبي یخ على أنھ ال یجتمع بجزیرة العرب عنھا واستقر إجماع المسلمین منذ ذلك التار

Page 80: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

دینان ولم یختلف أحد في أن أبا بكر وعمر رضي هللا عنھما لم یعصیا بذلك، وأیضا فإن أبا بكر الصدیق رضي هللا تعالى عنھ لم یعرف فرض میراث الجدة وعرفھ

محمد بن مسیلمة والمغیرة بن شعبة وقد سأل أبو بكر رضي هللا عھ عائشة أم .؟-صلى هللا علیھ وسلم –كم كفن رسول هللا : المؤمنین

وأیضا فإن أبا بكر رضي هللا تعالى عنھ سبى نساء المرتدین، فلما كانت والیة رأى ومن معھ من الصحابة عدم جواز ذلك واستقر الرأي ـ عنھ رضي اهللاـ عمر

هللا عنھ منذ ذلك الوقت على أن امرأة المرتد ال تسبى، ولم یقل أحد أن أبا بكر رضي .قد أثم لما فعل

–وھذا عمر بن الخطاب استغلق علیھ فھم آیة الكاللة وكرر سؤال رسول هللا عن معناھا حتى عنفھ الرسول علیھ السالم لكثرة سؤالھ –صلى هللا علیھ وسلم

.وأخبره أنھ أي عمر لن یفھمھافاة الرسول وأیضا فإن عمر بن الخطاب رضي هللا تعالى عنھ لما بلغھ القول بو

وال یموت –صلى هللا علیھ وسلم –وهللا ما مات رسول هللا : "علیھ السالم ھب قائال یتون ﴿: أو كالما ھذا معناه حتى قرئت علیھ" حتى یكون آخرنا ﴾ إنك میت وإنھم م

كأني وهللا لم : "، فسقط السیف من یده وخر على األرض وقال)30اآلیة : الزمر(ثم ھو یتوجھ الغداة إلى المسجد وقد اجتمع الناس لمبایعة أبي بكر " ن قرأتھا البتةأك

: الصدیق رضي هللا عنھ فلما استوى أبو بكر على المنبر قام عمر فتشھد قبلھ ثم قالأما بعد فإني قلت لكم باألمس مقالة وإنھا لم تكن كما قلت وإني وهللا ما وجدت "

صلى هللا علیھ –اب هللا وال في عھد عھده إلي رسول هللا المقالة التي قلت لكم في كتحتى –صلى هللا علیھ وسلم –ولكني كنت أرجو أن یعیش رسول هللا –وسلم

یدبرنا، فاختار هللا لرسولھ الذي عنده على الذي عندكم، وھذا الكتاب الذي ھدى بھ ، فھذا عمر -لیھ وسلم صلى هللا ع–رسولھ فخذوا بھ تھتدوا بما ھدى لھ رسول هللا وفي حضور –صلى هللا علیھ وسلم –رضوان هللا تعالى علیھ في مسجد رسول هللا

جمیع الصحابة یقول إنھ قال قوال لیس في كتاب هللا وال في سنة رسول هللا وحكم .حكما لیس فیھما وأنھ أخطأ فیما قال

رض الحبشة وبأقصى ولقد صح وثبت عند جمیع أھل العلم أن المسلمین كانوا بأبما –صلى هللا علیھ وسلم –جزیرة العرب، فنزل األمر من هللا تعالى على رسولھ

لم یكن فیھ قبل ذلك أمر كالصوم والزكاة وتحریم ما لم یكن حراما كالخمر وإمساك .فال شك أنھ لم یأثم أحد منھم بتمادیھ على ما لم یعلم نزول الحكم فیھ: المشركات

نزل األمر مما تقدم فیھ حكم بخالف األمر النازل كتحویل القبلة عن وكذلك كان یبیت المقدس فال شك أنھم لم یأثموا ببقائھم على العمل المنسوخ، وحدث ھشام بن

توفى عبد الرحمن بن : "عروة عن أبیھ عن یحیى بن عبد الرحمن بن حاطب قال

Page 81: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ت وصامت وھي حاطب وأعتق من صلى من رقیقھ وصام وكانت لھ نوبیة قد صلأعجمیة لم تفقھ فلم یرعھ إال حبلھا، وكانت ثیبا، فذھب إلى عمر بن الخطاب فحدثھ

نعم، من مرعوش بدرھمین، وإذا ھي : أحبلت؟ قالت: فأرسل إلیھا عمر فسألھا فقالتستھلھ بھ وال تكتمھ فصادف عنده علي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف

أشیروا علي، وكان عثمان جالسا فاضطجع، : نھم فقالوعثمان بن عفان رضي هللا عقد : قد وقع علیھا الحد، فقال عمر أشر علي یا عثمان، قال: فقال علي وعبد الرحمن

أرھا تستھل بھ كأنھا ال تعلمھ : أشار علیك أخواك، قال أشر علي أنت، قال عثمانسي بیده ما الحد صدقت، والذي نف: ولیس الحد إال على من علمھ، فقال عمر لعثمان

إال على من علمھ،ثم أمر عمر رضي هللا عنھ بجلدھا مائة وتغریبھا عاما تأدیبا لھا -181ص4جـ: األحكام" [لقعودھا عن السؤال عما یلزمھا معرفتھ من أمر دینھا

:وھذه الواقعة تتضمن] 183اتفاق عمر وعثمان بحضرة علي وعبد الرحمن بن عوف على أن الجاھل -1 .ور بجھلھ وال حد علیھ فیما اقترفھ غیر عالم بتحریمھمعذ

خطأ علي وعبد الرحمن بن عوف فیما حكما بھ من استحقاق الجاریة الحد -2 .دون مالحظة جھلھا

أن ھذه األعجمیة كانت من الجھل وعدم القدرة على الفھم حتى إنھا لم تدرك -3ھا صلت وصامت، ولم یتشكك أن الزنا محرم، وھي محكوم بإسالمھا، أعتقت ألن

أحد من الصحابة األربعة الكرام في إسالمھا ولم یمتحنھا أحد منھم لیعرف مدى .فھمھا لمعنى الشھادتین

لم یقل أحد من الصحابة األربعة الكرام إنھا ارتدت عن اإلسالم الرتكابھا -4 .الزنا أو لجھلھا حكما عاما مشھورا من أحكام الشریعة

الجاھل غیر مؤاخذ بالحد لجھلھ، قد یؤدب تعزیرا لعدم سؤالھ عما یلزمھ أن -5 .معرفتھ من أمر دینھ

ونھى عمر رضي هللا تعالى عنھ وھو على المنبر في مسجد الرسول علیھ الصالة صلى هللا علیھ –والسالم عن التغالي في مھور النساء استدالال بمھور زوجات النبي

من : النساء(﴾ وآتیتم إحداھن قنطاراأة بقول هللا عز وجل ﴿حتى ذكرتھ امر–وسلم .فرجع عن نھیھ) 20اآلیة

صلى هللا علیھ –وأمر رضوان هللا علیھ برجم مجنونة حتى علم بقول رسول هللا .فأمر أال ترجم" رفع القلم عن ثالث"–وسلم

شھر، فذكره علي بن أبي وأمر عثمان علیھ رضوان هللا برجم التي ولدت لستة أمع قولھ ) 15من اآلیة : األحقاف(﴾ وحملھ وفصالھ ثالثون شھرا﴿: طالب بقولھ تعالى

Page 82: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ضاعة ﴿: تعالى ﴾ والوالدات یرضعن أوالدھن حولین كاملین لمن أراد أن یتم الر .ع عن األمر برجمھافرج) 233من اآلیة : البقرة(

في –صلى هللا علیھ وسلم –وخفي على عمر بن الخطاب حدیث لرسول هللا ؟ -صلى هللا علیھ وسلم –أخفي علي ھذا من أمر الرسول : االستئذان حتى قال

.ألھاني الصفق في األسواقوخفي على األنصار وعلیة المھاجرین كعثمان وعلي وطلحة والزبیر وحفصة

من اإلیالج إال أن یكون أنزل، وخفي على عائشة وأم حبیبة أمي وجوب الغسلالمؤمنین وابن عمر وأبي ھریرة وأبي موسى وزید بن ثابت وسعید بن المسیب

بالتفصیل في . [وسائر الجلة من فقھاء المدینة وغیرھم نسخ الوضوء مما مست الناربین األئمة في في بیان سبب االختالف الواقع24ص2، جـ60ص1جـ: األحكام

].صدر ھذه األمةصلى –وروى القرطبي أن مسلم روى عن ابن عباس أن رجال أھدى لرسول هللا

: -صلى هللا علیھ وسلم –خمر، فقال لھ رسول هللا " قربة"راویة –هللا علیھ وسلم –ال، فسار الرجل رجال آخر، فقال لھ رسول هللا : قال" ھل علمت أن هللا حرمھا؟"

صلى هللا –أمرتھ ببیعھا، قال رسول هللا : قال" بم ساررتھ؟: "-هللا علیھ وسلم صلىحتى " القربة"ففتح الرجل المزادة " إن الذي حرم شربھا حرم بیعھا"–علیھ وسلم

].289ص6جـ: الجامع ألحكام القرآن للقرطبي[.أذھب ما فیھاحیازتھ للخمر المحرمة –صلى هللا علیھ وسلم –فھذا رجل ثبت لدى رسول هللا

وإذا بدا لھ علیھ الصالة والسالم أن الرجل لم یعلم باألمر النازل بتحریمھا، لم یقم .علیھ حدا وال تعزیرا وال عنفھ سواء فیما یتعلق بحیازتھ الخمر أو بجھلھ باألمر

أما التابعون ومن جاء بعدھم من فقھاء األنصار كأبي حنیفة وسفیان وابن أبي ◌ني واألوزاعي واللیث لیلى و ابن جریج ومالك وابن الماجشون وعثمان الب

والشافعي وأحمد بن حنبل وابن حزم وابن تیمیة وغیرھم فاختالفاتھم أشھر وأكثر إذا صح الحدیث فاضربوا بقولي عرض الحائط، : من أن تعرف أو تعد وكلھم قال

وامر وكلھم بال شك قد أخطأ والحدیث مذھبي، مقرا بذلك بجھلھ ببعض الشرائع واأل .في بعض ما حكم بھ في دین هللا تعالى

:نتائج حتمیة خطیرةبأن من غابت عنھ األوامر وجھل الشرائع فإنھ یكون فاسد "والحق أن القول

".العقیدة كافرا لیس بمسلممقتضاه الحتمي بأنھ ما كان مسلم على وجھ األرض في لحظة ما، من حین البعثة

ا ھذا سوى المعصوم الذي علم الشرائع كلھا بال شك، أما من عده علیھ إلى یومنالصالة والسالم فما من أحد إال غاب عنھ شيء من أحكام الشریعة وبعض من أوامر

Page 83: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

هللا تعالى، والمفرق بین بعض األوامر وبعضھا اآلخر وبعض األحكام الشرعیة مسلما، یحد حدا من وبعضھا اآلخر من حیث وجوب العلم بھا حتى یكون الشخص

عنده، ویحكم بغیر ما أنزل هللا، ویتبع في ذلك ھواه، إال ما أجمع علیھ المسلمون بناء من ضرورة –صلى هللا علیھ وسلم –على البرھان الثابت من حدیث رسول هللا

النطق بشھادة أن ال إلھ إال هللا وأن محمدا رسول هللا، واإلیمان بما جاء بھ علیھ ة والسالم جملة وعلى الغیب، والشھادة بذلك تقتضي العلم بالمشھود علیھ الصال

والبد، وأما ما زاد على ذلك فلو جھلھ المرء كلھ فھو معذور بجھلھ غیر كافر وال .فاسق وال عاص

واإلجماع أن كل من كان في أقاصي األرض ولم یبلغھ سوى أن هللا تعالى قد یدعو الناس أن یشھدوا أن ال إلھ إال هللا وأنھ ابتعث رسوال اسمھ محمد بن عبدهللا

رسول هللا وأن یؤمنوا بلسانھ ثم مات لساعتھ وھو لم یعلم حكم من لم یصدق الرسول ولم ینطق الشھادتین ولم یفكر في ذلك إطالقا، وھو ولم یصل إلى علمھ أن هللا تعالى

ئكة أو سبق أن أرسل سوف یبعث الناس لدار أخرى بعد موتھم أو أن هللا خلق مالرسال أو أنزال كتابا ولم یعرف أن هللا حرم أشیاء وأحل أشیاء أو فرض فرائض أو

حد حدودا، اإلجماع المؤكد أن ھذا الشخص مسلم مؤمن مات على اإلسالم واإلیمان، .مقطوع بأنھ من أھل الجنة

بة األجالء وأیضا فإنھ ما من أحد بعد المعصوم علیھ الصالة والسالم من الصحاوأئمة المسلمین وفقھائھم المأمورین بالنذارة واالجتھاد، ال وقد أخطأ في حكم ما من

.أحكام الشریعة، فلیس بعد المعصوم علیھ الصالة والسالم معصوموعامة الناس أقل علما وفقھا وأقل قدرة على النظر في األدلة وأكثر خطأ في فھم

منھا، وجلھم عاجز عن النظر في األدلة جاھل النصوص واستنباط األحكام الشرعیةبمعرفة كیفیة إقامة البراھین لمعرفة الحكم، غیر قادر على الموازنة بین األقوال

المتضاربة بشأن كثیر من األحكام الشرعیة، فلو كان الخطأ في معرفة حكم هللا أو صحت نیتھ الخطأ المؤدي للعمل بغیر حكم هللا مخرجا للمسلم عن اإلسالم مھما

وقصد إلى معرفة هللا واتباعھ، لما وجد دون المعصوم علیھ الصالة والسالم مسلم .على اإلطالق

والقائل بالتفرقة بین خطأ في حكم دون حكم، قائل بدعوى دون برھان ومخصص عفي ألمتي عن الخطأ والنسیان ": -صلى هللا علیھ وسلم –لعموم حدیث رسول هللا

إذ اجتھد الحاكم فأخطأ فلھ أجر وإذا اجتھد وأصاب فلھ "،"وما استكرھوا علیھدت ﴿: ولقول هللا عز وجل"أجران ا تعم لیس علیكم جناح فیما أخطأتم بھ ولكن م، إال ما ورد النص صراحة باستثنائھ كقاتل النفس )5من اآلیة : األحزاب(﴾ قلوبكم

Page 84: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

لیھ الكفارة والدیة ولكن ال ینتفي عنھ اسم اإلیمان، ومن تعدى المؤمنة خطأ فتجب ع .النصوص فقد ظلم نفسھ، وقال في دین هللا برأیھ واتبع ھواه

Page 85: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الجھل والخطأ في العقیدة: الفصل الخامس

ن أنفسكم عزیز علیھ ما عنتم حریص علیكم بال ﴿ مؤمنین لقد جاءكم رسول محیم ).128اآلیة : التوبة(﴾رؤوف ر

ذھبت طائفة إلى أن من خالفھم في شيء من مسائل االعتقاد أو العبادات أو األحكام أو والفتیا فھو وكافر، وذھبت طائفة أخرى إلى أن من خالفھم في مسائل

كافرا وال االعتقاد فھو وكافر وأن من خالفھم في مسائل األحكام والعبادات فلیس .فاسقا، ولكنھ مجتھد معذور إن أخطأ مأجور بنیتھ

وذھبت طائفة إلى أنھ إذا كان الخالف أو الجھل واقعا في صفات هللا عز وجل .فمن خالفھم في ذلك أو جھل ذلك فھو كافر وإن كان فیما دون ذلك فھو فاسق

أو عبادات أو وذھبت طائفة إلى أنھ ال یكفر وال یفسق مسلم بقولھ في اعتقادأحكام أو بجھلھ شیئا من ذلك وإن كل من اجتھد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنھ

إن أصاب الحق فأجران، وإن أخطأ فأجر، وھذا قول : الحق مأجور على كل حالابن أبي لیلى وأبي حنیفة والشافعي وسفیان الثوري وداود بن علي وابن حزم رضي

.الھ عنھم جمیعایضا قول كل من عرف لھ قول في ھذه المسألة من الصحابة رضوان هللا وھو وأ

علیھم ال یعرف عنھم خالف في ذلك أصال وال في مسألة من ھذه المسائل أبدا إال اختالفھم في تكفیر من ترك صالة متعمدا حتى یخرج وقتھا أو ترك أداء الزكاة أو

.بعد أن حد ثالثاترك الحج أو ترك الصیام في رمضان أو شرب الخمروالحق أن كل من ثبت لھ عقد اإلسالم فإنھ ال یزول عنھ إال بنص أو إجماع أو

.وبالدعوى واالفتراء فالفوجب أال یكفر أحد بقول قالھ إال بأن یخالف ما قد صح عنده أن هللا تعالى قالھ أو

الى وخالف قالھ، فیستجیز خالف الھ تع–صلى هللا علیھ وسلم –وأن رسول هللا وسواء كان ذلك في عقد دین أو في نحلة أو في –صلى هللا علیھ وسلم –رسولھ

–صلى هللا علیھ وسلم –فتیا، وسواء كان ما صح عنده من ذلك عھد رسول هللا منقوال نقل إجماع تواتر أو نقل آحاد، إال أن من خالف اإلجماع المتیقن المقطوع

ھ ووجوب تكفیره باتفاق الجمیع على معرفة على صحتھ فھو أظھر في قطع حجت .اإلجماع وتكفیر مخالفھ

موك ﴿: وبرھان صحة قولنا ھذا قول هللا عز وجل فال وربك ال یؤمنون حتى یحكا قضیت ویسلموا تس م : النساء(﴾ لیمافیما شجر بینھم ثم ال یجدوا في أنفسھم حرجا م

).65اآلیة

Page 86: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

وھذا النص ال یحتمل تأویال، وال جاء نص یخرجھ عن ظاھره أصال، وال جاء .برھان بتخصیصھ في بعض وجوه اإلیمان

فمن استجاز الحكم على خالف هللا ورسولھ فقد انتفى عنھ اإلیمان بنص اآلیة .الكریمة

.قة أو بكراھة أو باختیارتحریم أو إیجاب أو إباحة مطل: والحكم في الدینوال عبرة بما إذا كانت استجازة خالف هللا ورسولھ في مسائل االعتقاد أو

.العبادات أو األحكام أو الفتیاوأما من لم تقم الحجة علیھ ولم یقطع باستجازتھ خالف هللا ورسولھ فیما بلغھ من

بتكفیره، فیتوقف عند الحق وقامت علیھ الحجة بھ، فال یكون كافرا إال أن یأتي نص فأمسك –صلى هللا علیھ وسلم –النص، كمن بلغھ وھو في أقاصي البالد ذكر النبي

.عن البحث عن خبره ولم یصدق بھ، فإنھ كافرال أدري أحي ھو أم : فإن شھد أحد أن ال إلھ إال هللا وأن محمدا رسول هللا، وقال

ال أدري أقرشي ھو أم : ه، وقالمیت، وال أدري لعلھ الرجل الحاضر أمامي أم غیرتمیمي أم فارسي، وال ھل كان بالحجاز أو بخراسان، وإن كان قائل ھذا جاھال ال

علم عنده بشيء من األخبار والسیر، لم یضره ذلك، ووجب تعلیمھ فإذا عل◌م وصح .عنده الحق فإن عاند فھو كافر محكوم علیھ بحكم المرتد

دون أن تقوم علیھ الحجة فیعاند رسول هللا –مقالتھ ونقول لمن كفر إنسانا بنفسأو بجھلھ، –ویجد في نفسھ الحرج مما أتى بھ علیھ السالم –صلى هللا علیھ وسلم –

شیئا من –صلى هللا علیھ وسلم –أخبرنا، ھل ترك رسول هللا : نقول لمن فعل ذلكإال وقد بینھ علیھ السالم اإلسالم الذي یكفر من لم یقل بھ أو ال یصح إسالم من جھلھ

.نعم: ودعا إلیھ الناس كافة؟ فالبد من .ومن أنكر ذلك فھو كافر بال خالف

أنھ لم یقبل –صلى هللا علیھ وسلم –فإذا ذاك ھو الیقین، فھل جاء قط عن النبي إیمان أھل قریة أو أھل محلة أو إنسان أتاه من حر أو عبد أو امرأة إال حتى سألھ عن

ومعنى التوحید " اإللھ والرب والعبادة والدین"الشھادتین ومعاني كلمات مفھوم ومواطن الوقوع في الشرك ومعنى الربوبیة وما إذا كان مقتضاھا حاكمیة هللا تعالى ومدى قدرتھ عز وجل وما ماثل ذلك من القضایا مثل، ھل االستطاعة قبل الفعل أو

تعالى یرى أو ال یرى أو أن لھ سمعا مع الفعل أو وأن القرآن مخلوق أو أن هللا وبصرا وحیاة أو غیر ذلك من فضول المتكلمین التي أوقعھا الشیطان بینھم لیوقع

.بینھم العداوة والبغضاء؟لم یدع أحدا یسلم إال حتى –صلى هللا علیھ وسلم –فإن ادعى أحد أن النبي

ن أھل األرض، وقال ما یوقفھ على ھذه المعاني كان قد كذب بإجماع المسلمین م

Page 87: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

یدري أنھ فیھ كاذب، وادعى أن جمیع الصحابة رضي هللا عنھم تواطئوا على كتمان ذلك من فعلھ علیھ الصالة والسالم، وھذا محال ممتنع في الطبیعة، إذ المحال الممتنع

في الطبیعة أن یتواطأ المئات بل اآلالف من أكرم أھل األرض على الكذب وكتمان ال یعرف ذلك عنھم وال یفتضح كذبھم، ثم إن االدعاء بھذا القول فیھ نسبة أمر ھام ثم

الكفر إلى الصحابة رضوان هللا علیھم، إذ تواطئوا على كتمان ما ال یتم إسالم أحد إال .بھ

لم یدع قط أحدا إلى شيء من ھذا، ولكنھ –صلى هللا علیھ وسلم –إنھ : فإن قالصدقت، وقد صح بھذا : قیل لھ–صلى هللا علیھ وسلم –مودع في القرآن وفي كالمھ

–صلى هللا علیھ وسلم –أنھ لو كان جھل شيء من ھذا كلھ كفرا لما ضیع رسول هللا صلى –إن رسول هللا : بیان ذلك الحر والعبد والحرة واألمة، ومن جوز ھذا فقد قال

السالم حكم بإسالم من ال لم یبلغ كما أمر،ن وأنھ علیھ الصالة و–هللا علیھ وسلم .یجوز الحكم بإسالمھ

.وھذا كفر مجرد ممن أجازهوال یشك أحد ممن یدري شیئا من السیر من المسلمین والیھود والنصارى

مذ بعث لم –صلى هللا علیھ وسلم –والمجوس والمنانیة والدھریة في أن رسول هللا ا تعالى وبما أتى بھ، ویقاتل من أھل یزل یدعو الناس الجماء الغفیر إلى اإلیمان ب

األرض من یقاتلھ ممن عند ویستحل سفك دمائھم وسبي نسائھم وأوالدھم وأخذ أموالھم متقربا إلى هللا تعالى بذلك، وأخذ الجزیة وإصغاره، ویقبل ممن آمن بھ،

ویحرم مالھ ودمھ وأھلھ وولده ویحكم لھ بحكم اإلسالم وفیھم المرأة البدویة، والراعي والرعیة، والغالم الصحراوي والوحشي والزنجي والمسبي والزنجیة

الجاھل "] القاموس المحیط"سفلة الناس : الغثرة[المجلوبة والرومي واألغثر أني ال أقبل : والضعیف في فھمھ، فما منھم أحد وال من غیرھم قال علیھ السالم

تي، ومعنى الربوبیة إسالمك وال یصح لك دین إال حتى تعرف مفھوم الشھاد .إلخ.. والحاكمیة وصفات هللا عز وجل وأسماءه وقدراتھ

ومن المحال الممتنع عند أھل اإلسالم أن یكون علیھ الصالة والسالم یغفل أن یبین للناس ما ال یصح ألحد اإلسالم إال بھ أو تتفق على إغفال ذلك أو تعمد عدم

لناس على عھده علیھ الصالة والسالم ذكره جمیع أھل اإلسالم، فإن زعم زاعم أن اكان كل فرد منھم على وجھ القطع والتحدید یعلم جمیع ذلك من مجرد نطقھ بالشھادة

أن ال إلھ إال هللا فقد ادعى الكذب وقال ما ال برھان على صحتھ، وقال بخالف ما ف وبخال–صلى هللا علیھ وسلم –وردت بھ األخبار الصحاح الثابتة عن رسول هللا

.الواقع المحسوس

Page 88: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

فإن الثابت في الصحیح من األخبار أن من كانوا بنجد والحجاز وما حولھما في حیاتھ علیھ الصالة والسالم لم یكونوا كلھم عربا خلصا، بل كان فیھم المستعرب

.والحبشي والفارسي وغیر ذلك من األجناسل الكثیر من والثابت الصحیح في األخبار أن من العرب الخلص من كان یجھ

ومعاني التوحید، وقد علم الرسول علیھ " اإللھ والرب والعبادة والدین"معاني كلمات الصالة والسالم بذلك، ووقع الوھم والخطأ في ذلك من الناس بحضرتھ علیھ الصالة

.والسالموما اجتمع قط قوم بلغ عددھم عشرات األلوف وھم على حد واحد من الفھم

قوة التمییز وسعة اإلدراك ونفاذ البصیرة، بل ما اجتمع قط قوم في والذكاء والعلم وعدد دون ذلك بكثیر إال وكان فیھم المفرط في الذكاء والمفرط في الغباء وما بین

ذلك، وقوي التمییز وضعیفھ وما بین ذلك، والعالم المتسع األفق النافذ البصیرة ذو .بین ذلكالتجربة والخبرة والجاھل قلیل اإلدراك، وما

ومن كابر في ذلك وعاند فإنما یحاول عبثا أن یجحد الواقع الملموس في كافة .المجتمعات بین كافة األجناس في كافة األقطار والجھات واألزمان

إذا احتاج النھار إلى دلیل ولیس یصح في األذھان شيءالشھادتین شیئان فصح ضرورة أن الجھل بكل ما سبق أن ذكرنا ال یضر الناطق ب

.وال یمنع الحكم بإسالمھوالفرض على الطائفة العالمة الواجب علیھا النذارة التي من هللا علیھا بالتفقھ في الدین أن تعلم الجاھل ما جھلھ مما ھو الزم لھ وما ھو في حاجة إلیھ حتى ال یقع في

إنما ھو ومن فضول مھاوي الشرك والضالل وأما ما زاد على حد الحاجة واللزوم، فالكالم الذي یثیره الشیطان لیوقع العداوة والبغضاء بین المؤمنین ویفرق صفھم

ویشتت جمعھم، وال یلزم الكالم فیھ إال إذا خاض الناس فیھ، فیلزم حینئذ بیان وجھ شھداء بالقس ﴿: الحق فیھ من القرآن والسنة، لقول هللا عز وجل امین ﴾ ط كونوا قو

).8من اآلیة : المائدة(–فمن عاند بعد بیان الحق وقیام الحجة الالئحة فھو كافر إذ لم یحكم رسول هللا

.وال سلم بما قضى بھ علیھ الصالة والسالم–صلى هللا علیھ وسلم وإنھ لجدیر بنا أن نمعن النظر في ذلك البرھان الذي قدمناه وأن نقدره حق قدره،

وقولھ في مقام ال یختلف –صلى هللا علیھ وسلم –رسول هللا فھو برھان من عملمسلمان أو وغیر مسلمین أنھ بیان للشرع وشریعة الزمة، وھو وبرھان منقول إلینا

.نقل الكافة عن الكافة الذي ھو أقوى أنواع التواتر وأظھر أوجھ اإلجماعوال شیئا مما –صلى هللا علیھ وسلم–ونحن لم نعرف شیئا عن مبعث رسول هللا

جاء بھ أو عملھ إال عن طریق الصحابة األجالء رضوان هللا علیھم، وأقوى وأثبت

Page 89: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

وأبعد عن كل شك من ذلك ما أجمعوا علیھ ونقل عنھم إلینا جیال بعد جیل نقل الكافة .عن الكافة

ونحن لم نتیقن من صحة حرف مما ورد بالقرآن الكریم وأن الرسول علیھ نطق بھ، إال عن طریق الصحابة رضوان هللا تعالى علیھم وما الصالة والسالم

.أجمعوا علیھ من ذلك، ونقل إلینا عنھم نقل الكافة عن الكافة جیال بعد جیلھو موضع –صلى هللا علیھ وسلم –ومن استجاز التشكك في خبر عن رسول هللا

الكافة جیال بعد إجماع الصحابة ورضوان هللا علیھم المنقول إلینا نقل الكافة عنجیل، فقد أسقط برھانھ على صحة مبعث الرسول علیھ السالم وجمیع ما جاء بھ

وصحة القرآن الكریم وأنھ كلھ حق نطق بكل حرف فیھ الرسول علیھ الصالة .والسالم لم یلحقھ منذ ذلك الحین تغییر وال تبدیل

:وبرھان آخرأن رجال لم یعمل خیرا قط فلما –صلى هللا علیھ وسلم –فقد صح عن رسول هللا

أي یوم [حضره الموت قال ألھلھ، إذا مت فأحرقوني ثم ذروا رمادي في یوم راح نصفھ في البحر ونصفھ في البر، فوهللا لئن قدر علي هللا تعالى لیعذبني ] شدید ریحھ

ملك عذابا لم یعذبھ أحدا من خلقھ، وأن هللا عز وجل جمع رماده فأحیاه وسألھ، ما ح: الفصل البن حزم[خوفك یا رب، وإن هللا تعالى غفر لھ لھذا القول : على ذلك؟ قال

].20ص 4جـفھذا إنسان جھل إلى أن مات أن هللا عز وجل یقدر على جمع رماده وإحیائھ وقد

غفر هللا تعالى لھ إلقراره وخوفھ وجھلھ، فصح یقینا أن ھذا الذي جھل قدرة هللا إن هللا ال یغفر أن یشرك بھ ﴿: ، غیر كافر وال مشرك، قال تعالىتعالى معذور بجھلھ

).48من اآلیة : النساء(﴾ ویغفر ما دون ذلك لمن یشاء ھو " لئن قدر الھ علي"إن معنى : ولقد حاول البعض الخروج من ھذا الدلیل فقال

ا إذا ما ابتاله فقدر علیھ رزقھ و ﴿: ألن ضیق هللا علي، كما قال هللا تعالى : الفجر(﴾ أم ).16من اآلیة

وھذا تأویل باطل إذ ال برھان علیھ، ولو صح ذلك التأویل لما كان ألمر ذلك اإلنسان بأن یحرك ویذر رماده معنى، والذي ال شك فیھ أنھ إنما أمر بذلك لیفلت من

.الى ال یقدر على جمعھ وإحیائھ إذا فعل ذلكعذاب هللا فقد توھم أن هللا تع :برھان ثالث

إذ قال الحواریون یا عیسى ابن مریم ھل ﴿: ھو أبین وأوضح وھو قولھ تعالىن السماء ل علینا مائدة م : إلى قولھ) 112من اآلیة : المائدة(﴾یستطیع ربك أن ینز

فھؤالء الحواریون الذین أثنى هللا ) 113من اآلیة : النساء(﴾لم أن قد صدقتناونع ﴿

Page 90: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ن ﴿: علیھم قد قالوا بالجھل لعیسى علیھ السالم ل علینا مائدة م ھل یستطیع ربك أن ینزماء .ولم یبطل بذلك إیمانھم) 112من اآلیة : المائدة(﴾الس

: م البعض الخالص من ھذا الدلیل فقالوا إن اآلیة وارد فیھا قراءة أخرىوقد را .بفتح الباء بمعنى ھل یطیعك ربك إن سألتھ) ربك(بالتاء ) ھل تستطیع(

ومع التسلیم بصحة ھذه القراءة األخیرة فإن القاعدة األصولیة الواجبة االتباع أنھ ل كل قراءة صحیحة ثابتة، واألخذ إذا كانت لآلیة أكثر من قراءة فإن الواجب إعما

واعتبار المعنى الذي تدل علیھ كل قراءة، إذ ما دامت القراءات كلھا ثابتة عن .فكلھا قرآن موحى بھ من هللا عز وجل–صلى هللا علیھ وسلم –الرسول

.ولیس قرآن بأولى من قرآني ذلك ومؤدى األخذ بمعنى قراءة دون قراءة أخرى إبطال إحدى القراءتین وف

إبطال لبعض القرآن، وإذ القراءة األولى صحیحة باالتفاق وھي المكتوبة في .المصاحف المتداولة بین أیدي الناس، فواجب األخذ بموجبھا واعتبار داللة معناھا

وقد ذھب بعض آخر إلى أن السؤال إنما وقع من أناس كانوا مع الحواریین ال مع ا القول أن هللا تعالى قد نص في اآلیة الكریمة الحواریین أنفسھم، ویكفي إلبطال ھذ

﴾ إذ قال الحواریون ﴿: على أن السؤال وقع من الحواریین أنفسھم، قال هللا تعالى ).112من اآلیة : المائدة(

:وبرھان رابع: أخرج البخاري رضي هللا تعالى عنھ عن أنس رضي هللا تعالى عنھ أنھ قال

ثنیة جاریة من األنصار فطلب القوم " أنس بن مالكوھي عمة"كسرت الربیعة فأمر النبي بالقصاص، فقال أنس بن –صلى هللا علیھ وسلم –القصاص، فأتوا النبي

–النضر عم أنس بن مالك، ال وهللا ال تكسر سنھا یا رسول هللا، فقال رسول هللا وقبلوا األرش فرضي القوم" كتاب هللا القصاص. یا أنس": -صلى هللا علیھ وسلم

یة" إن من عباد هللا من لو أقسم على : "-صلى هللا علیھ وسلم –فقال رسول هللا " الد ].66ص2جـ: البخاري["هللا ألبره

:برھان خامسوجاوزنا ببني إسرائیل البحر فأتوا على قوم یعكفون على أصنام لھم ﴿: قال تعالى

).138من اآلیة : األعراف(﴾ الوا یا موسى اجعل لنا إلھا كما لھم آلھة ق فھؤالء قوم موسى جھلوا قدر هللا عز وجل وما یجب أن ینزه عنھ تعالى من المثیل والشریك، ولسنا نحن الذین نقول بجھلھم ھذا، وإنما ھو قول موسى علیھ

كم ق ﴿: السالم لھم ).138من اآلیة : األعراف(﴾ وم تجھلون قال إن : وبرھان سادس

Page 91: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ما سبق أن رویناه عن الشاطبي وھو أیضا ما رواه ابن حزم والقرطبي وابن كثیر اجعل لنا ذات أنواط : -صلى هللا علیھ وسلم –من أن جھال العرب قالوا لرسول هللا

والذي نفس محمد بیده كما قال قلتم": كما لھم ذات أنواط فقال علیھ الصالة والسالمإنكم قوم تجھلون، إنھا السنن، لتركبن : قوم موسى اجعل لنا إلھا كما لھم آلھة، قال

واللفظ البن حزم وسبق 238ص: جوامع السیرة البن حزم["سنن من كان قبلكم ].ذكر روایاتھ

دا وھذا برھان یدحض الزعم بأن جمیع من قبل علیھ الصالة والسالم كانوا فر .فردا على علم كامل بجمیع معاني األلوھیة والربوبیة والتوحید

.وھو برھان كسابقھ دال على أن الجاھل معذور بجھلھ حتى تقوم علیھ الحجة :وبرھان سابع

أخرج أحمد والطبري رضي هللا عنھما عن أبي موسى األشعري رضي هللا تعالى یا أیھا الناس اتقوا : "فقال–ھ وسلم صلى هللا علی–خطبنا رسول هللا : عنھ أنھ قال

وكیف : فقال لھ من شاء هللا تعالى أن یقول" ھذا الشرك فإنھ أخفى من دبیب النملقولوا اللھم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شیئا : "نتقیھ وھو وأخفى من دبیب النمل، قال

یعلمنا أن –صلى هللا علیھ وسلم –فھذا رسول هللا " نعلمھ ونستغفرك لما ال نعلمھما ھو ومعلوم لنا، وما خفي علینا وأمرنا علیھ السالم أن نستغفر هللا : الشرك نوعان

عز وجل مما نقع فیھ من شرك نجھلھ أي نجھل أنھ شرك وبالضرورة ندري أن ال یأمرنا أن نطلب من هللا أن یغفر لنا إال ما أجاز –علیھ الصالة والسالم –الرسول

صح أن ذلك الشرك الذي یجھلھ المرء لیس ھو المعني بقول هللا هللا أن یغفره لنا، فمن : النساء(﴾ إن هللا ال یغفر أن یشرك بھ ویغفر ما دون ذلك لمن یشاء ﴿: عز وجل

، والذي یسمى المتصف بھ في الشریعة مشركا، وصح أن الجاھل معذور )48اآلیة بین أحد من األمة أن أي نوع من الشرك إذا ما ظھر وعلمھ بجھلھ، إذ ال اختالف

الشخص فھو لیس بخاف علیھ بل ھو معلوم لھ حین ذلك فإذا وقع فیھ وقارفھ وھو .عالم بھ فھو كافر مشرك محكوم بردتھ

:وبرھان ثامنصلى هللا علیھ –أخرج الشافعي رضي هللا تعالى عنھ في شأن ما سنھ رسول هللا

وھو ما أخرجھ اإلمام مالك في الموطأ رواه –ل من امتحنھم لإلیمان في ك–وسلم أتیت رسول هللا بجاریة، : أن معاویة بن الحكم قال–مسلم وأبو داود والنسائي أیضا

-صلى هللا علیھ وسلم –یا رسول هللا علي رقبة، أفأعتقھا؟ فقال لھا رسول هللا : فقلت: أنت رسول هللا، قال: قالت" ومن أنا؟: "قالفي السماء، ف: فقالت" أین هللا؟": ].75ص: الرسالة للشافعي[".فأعتقھا"

: وبرھان تاسع

Page 92: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

وھو برھان ضروري ال خالف علیھ، ذلك أن األمة مجمعة كلھا بال خالف من أحد منھم على أن من بدل آیة من القرآن عامدا وھو یدري أنھا في المصاحف

.و زاد فیھا كلمة عامدا فإنھ كافر بإجماع األمة كلھابخالف ذلك أو أسقط منھا كلمة أثم إن المرء یخطئ في التالوة فیزید كلمة وینقص أخرى ویبدل كالم هللا عز وجل

جاھال مقدرا أنھ مصیب وإذا عارضھ آخر كابره وناظره قبل أن یبین لھ الحق، وال .یكون بذلك عند أحد من األمة كافرا أو وفاسقا أو آثما

فإذا وقف على المصاحف أو أخبره بذلك من القراء من تقوم الحجة بخبره فإنھ إن .تمادى على مكابرتھ فھو عند هللا كافر بذلك ال محالة

:وھذا ھو الحكم الجاري في جمیع الدیانةوقد احتج البعض لقولھم بتكفیر من خالفھم في شيء من المعتقدات بحدیث

أن القدریة المرجئة مجوس ھذه األمة، –لیھ وسلم صلى هللا ع–منسوب لرسول هللا وبحدیث آخر فیھ أنھ تفترق األمة على بضع وسبعین فرقة كلھا في النار، حاشا

.واحدة فھي في الجنة .وھذان حدیثان ال یصحان من طریق اإلسناد، وما كان ھكذا فلیس حجة

لمعتقدات أو جھلھا ومما احتج بھ أیضا القائلون بتكفیر من خالفھم في شيء من انیا * قل ھل ننبئكم باألخسرین أعماال ﴿: قول هللا تعالى الذین ضل سعیھم في الحیاة الد

).104: 103اآلیات : الكھف(﴾ وھم یحسبون أنھم یحسنون صنعا: ن هللا تعالى وصل قولھ تعالىوآخر ھذه اآلیة مبطل الحتجاج من احتج بھا أل

أولئك الذین كفروا بآیات ربھم ولقائھ فحبطت ﴿: ﴾ بقولھ تعالىیحسنون صنعا﴿وا آیاتي ذلك جزاؤھم جھنم بما كفروا واتخذ * أعمالھم فال نقیم لھم یوم القیامة وزنا

فدل ذلك على أن أول اآلیة في الكفار ) 106: 105اآلیات : الكھف(﴾ ورسلي ھزوا .المخالفین لدیانة اإلسالم جملة

إن عذرتم المجتھدین إذا أخطأوا والجاھلین إذا جھلوا فأعذروا : فإن قال قائل .الیھود والنصارى وسائر الملل فإنھم مجتھدون قاصدون الخیر

إننا لم نعذر من عذرنا بآرائنا، كما أننا ال نحكم بكفر أحد بظننا : عون هللافنقول بوھوانا، ولكن من عذره هللا تعالى وقبل عذره وعفا عن جھلھ وخطئھ وأجره على

اجتھاده وإن أخطأ وحكم تعالى بإسالمھ وإیمانھ وإن جھل أو أخطأ، حكمنا نحن .بإسالمھ وإیمانھ وقلنا بحكم هللا فیھ

لم یعذره ربھ وحكم تعالى بأنھ قد قامت علیھ الحجة البالغة الدامغة التي ال ومن تقبل عذرا أو جھال أو خطأ، وقضى تعالى بأنھ كافر مشرك، حكمنا نحن بأنھ كافر

مشرك، وقلنا بحكم هللا تعالى فیھ ولیس أحد یدخل الجنة أو النار، ولكن هللا تعالى ھو .الذي یدخل فیھما من یشاء

Page 93: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

یختلف اثنان من أھل األرض وال نقول من المسلمین فقط بل نقول من كل والقطع بالكفر على أھل كل ملة غیر –صلى هللا علیھ وسلم –ملة، في أن رسول هللا

اإلسالم الذي تبرأ أھلھ من كل ملة حاشا التي أتاھم بھا علیھ الصالة والسالم فقط، .فوقفنا عند ذلك وقلنا وحكمنا بھ

لف اثنان أیضا في أنھ علیھ الصالة والسالم قطع عند ذلك باسم اإلیمان وال یختعلى كل من اتبعھ وصدق بكل ما جاء بھ وتبرأ من كل دین سوى ذلك، فوقفنا عند

.ذلك وال نزیدفمن جاء نص في إخراجھ عن اإلسالم بعد حصول اسم اإلسالم لھ أخرجناه منھ

كذلك من أجمع أھل اإلسالم على سواء أجمع على خروجھ عنھ أو لم یجمع و .خروجھ عن اإلسالم فواجب اتباع اإلجماع في ذلك

أما ما ال نص في خروجھ عن اإلسالم بعد حصول اسم اإلسالم لھ، وال إجماع في خروجھ عني فال یجوز إخراجھ عما صح یقینا حصولھ فیھ بظن أو بدعوى بال

.برھان :نوجز ما قدمنا فنقول بعون هللا

بین حتى نبعث رسوال ﴿: عالىقال ت ، وقال )15من اآلیة : اإلسراء(﴾ وما كنا معذفال وربك ال ﴿: ، وقال تعالى)19من اآلیة : األنعام(﴾ ألنذركم بھ ومن بلغ ﴿: تعالى

موك فیما شجر بینھم ثم ال یج ا قضیت یؤمنون حتى یحك م دوا في أنفسھم حرجا مفھذه اآلیات بھا حكم جمیع ما قدمنا، فصح أن ) 65اآلیة : النساء(﴾ ویسلموا تسلیما

.فلم یؤمن بھ فھو كافر–صلى هللا علیھ وسلم –من بلغھ أمر النبي مل ما شاء هللا أن فإن آمن ثم اعتقد ما شاء هللا أن یعتقده من نحلة أو فتیا أو ع

حكم بخالف ما –صلى هللا علیھ وسلم –یعملھ دون أن یبلغھ في ذلك عن النبي صلى –حتى یبلغھ حكم النبي –فال شيء علیھ أصال –اعتقد أو ما عمل أو ما قال

.-هللا علیھ وسلم ، وصح عنده، فإن ما خالفھ مجتھدا–صلى هللا علیھ وسلم –فإن بلغھ حكم النبي

فما لم یبن لھ وجھ الحق في ذلك فھو مخطئ معذور مأجور مرة واحدة كما قال علیھ "إذا اجتھد الحاكم فأخطأ فلھ أجر، وإذا اجتھد فأصاب فلھ أجران": الصالة والسالم

.وكل معتقد أو قائل أو عامل فھو وحاكم في ذلك الشيء .ھو مؤمن فاسقفإن خالفھ بعملھ معاند الحق معتقدا بخالف ما عمل ف

م الرسول علیھ وإن خالفھ معاندا بقولھ أو قلبھ فھو كافر مشرك ألنھ لم یحك .الصالة والسالم ولم یسلم بما قضى بھ

Page 94: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

أخذنا ھذا الباب [كل ذلك سواء في المعتقدات أو األحكام أو العبادات أو الفتیا ر وال یكفر تحت عنوان الكالم فیمن یكف16ص1بتصرف عن الفصل البن حزم جـ

].تحت عنوان ھل یكون مؤمنا من اعتقد اإلسالم دون استدالل59ص : ونختم ھذا الفصل فنقول بعون هللا تعالى

إن من علم بھذه اآلیات البینات من كتاب هللا تعالى والثابت الصحیح عن رسول یھ صلى هللا عل–فوضح لھ الحق، ثم علم قول الرسول –صلى هللا علیھ وسلم –هللا

وال تقف ﴿: وتذكر قول هللا تعالى"من قال ألخیھ یا كافر فقد باء بھا أحدھما": -وسلم إن الظن ال یغني من الحق ﴿: وقولھ تعالى) 36اآلیة : اإلسراء(﴾ ما لیس لك بھ علم

إیاكم والظن ": ، وقول المعصوم علیھ الصالة والسالم)28من اآلیة : النجم(﴾ شیئالحري بھ أن یمسك لسانھ قبل أن یلقي على غیره بأعظم "فإن الظن أكذب الحدیث

وأشنع وأسقط ما یتھم بھ إنسان، وھو الكفر والشرك یخالقھ دون أن تقوم على ذلك البینة الشرعیة القاطعة واألدلة التي ال شك وال ظن فیھا، أو أن یتبع ظنھ فال یحكم

. تعالى أن یحكم بھ علیھ من اإلسالمعلیھ بما أمره هللاروى ابن حزم في جوامع السیرة أن العباس رضي هللا عنھ أتى بأبي سفیان یوم

ألم یأن لك؟ ألم تعلم ": ألبي سفیان–صلى هللا علیھ وسلم –الفتح، فقال رسول هللا صلك، بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأو: فقال أبو سفیان" أنھ ال إلھ إال هللا؟

صلى هللا –وهللا لقد ظننت أنھ لو كان معھ إلھ غیره لقد أغنى، ثم قال لھ رسول الھ فقال أبو " ویحك یا أبا سفیان ألم یأن لك؟ ألم تعلم أني رسول هللا؟: "-علیھ وسلم

ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما ھذه وهللا فإن في نفسي : بأبي أنت وأمي: سفیانویحك أسلم قبل أن تضرب عنقك فأسلم، فقال : قال لھ العباسمنھا شیئا حتى اآلن، ف

یا رسول هللا، إن أبا سفیان رجل یحب ھذا الفخر فاجعل لھ شیئا، فقال : العباسمن دخل دار أبي سفیان فھو آمن، ومن أغلق : "- صلى هللا علیھ وسلم –رسول هللا

].229ص: ن حزمجوامع السیرة الب["بابھ فھو آمن ومن دخل المسجد فھو آمنصلى هللا علیھ –وھذا ھو الحكم باإلسالم على الظاھر الذي حكم بھ رسول هللا

.-وسلم :ثم نقول للذین قالوا إن البیعة ولزوم الجماعة من شروط اإلیمان

إن كل من نطق بالشھادتین فھو مسلم مؤمن ولو جھل لزوم البیعة ووجوب التزام وتقوم علیھ الحجة الالئحة بثبوتھ، ثم إنھ إن اعتقد الجماعة حتى یبلغھ األمر بذلك،

خالف ما رآه غیره في معنى البیعة والجماعة واإلمامة الحقة مجتھدا في ذلك ما أو مسترشدا بأقوال الفقھاء المشھود لھم بالعلم والورع، وھم قد –وسعھ من اجتھاد

إن أخطأ واعتقدنا فإنھ و–اختلفوا في ذلك اختالفات كثیرة وذھبوا مذاھب شتى .بخطئھ، فھو معذور بخطئھ مأجور على نیتھ، محكوم بإسالمھ وإیمانھ

Page 95: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

على بیعة أبي –صلى هللا علیھ وسلم –وقد أجمع المسلمون عقب وفاة الرسول بكر الصدیق رضي هللا تعالى عنھ حاشا الزبیر بن العوام وعلي بن أبي طالب، وقد

وبایع سریعا، أما علي فمكث ستة أشھر حتى استبان الحق للزبیر بن العوام فرجعظھر لھ الحق فرجع وبایع، وبقي خالل تلك األشھر الستة حرا طلیقا ال یرقب علیھ وال یمنع من لقاء الناس وما زعم أحد أنھ رضوان هللا علیھ قد كفر، وما تشكك أحد

.في إسالمھ علیھ رضوان هللاا اتباعھ، ویرینا الباطل باطال ویرزقنا وهللا نسأل أن یرینا الحق حقا ویرزقن

.اجتنابھ

Page 96: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الرد على من خالف األصول السابقة: الفصل السادس

: وقد حاول البعض الخروج على األصول العامة التي سبق أن شرحناھا، فقالإن الشخص قد یكون مشركا من أصحاب النار الخالدین فیھا الذین أمرنا : أوال

ا دماءھم وأموالھم، وھو مع ذلك ال یعلم أنھ مشرك، وأن ذلك دلیل بقتالھم وأحل هللا لنعلى أن المسلم الذي نطق بالشھادتین یرتد كافرا مشركا إن وقع في أي نوع من أنواع الشرك وإن جھل ذلك وإن لم یكن عامدا أو كان جاھال أو متأوال مخطئا،

ن المشركین استجارك فأجره وإن أح ﴿: واحتجوا على ھذه الدعوى بقولھ عز وجل د م ).6اآلیة : التوبة(﴾ حتى یسمع كالم هللا ثم أبلغھ مأمنھ ذلك بأنھم قوم ال یعلمون

ن أنھم ﴾ معناه أنھم ال یعلموذلك بأنھم قوم ال یعلمون ﴿: وقالوا إن قولھ تعالى .مشركون

إنھ لما : "والعجب أن الذین قالوا بذلك ھم الذین افتتحوا دعواھم المستحدثة بقولھمنزل القرآن على الناطقین بالضاد كان كل منھم یعرف معنى اإللھ وما المراد بالرب

ومن ثم إذا قیل لھم ال إلھ إال هللا وال رب سواه وال شریك لھ في ألوھیتھ وربوبیتھ ا دعوا إلیھ تماما، وبین لھم من غیر ما لبس وال إبھام أي شيء قد نفاه القائل أدركوا م

ومنع غیر هللا أن یوصف بھ، وأي شيء قد خصھ وأخلصھ تعالى وأن الذین ".كفروا إنما كفروا عن بینة

ثم إنھم نسوا قولھم ھذا لیزعموا أن العرب قد جھلوا معنى كلمة الشرك ذلك المختلف علیھ،ونسوا أن الرسول علیھ الصالة والسالم ما كان المعنى المحدد غیر

یقاتل الناس على الرئاسة أو الملك أو ولخالف شخصي بینھ وبینھم، وأنھ لم تكن بینھ علیھ الصالة والسالم وبین أحد من الناس مقاتلة إال على شھادة أن ال إلھ إال هللا،

﴾ عل اآللھة إلھا واحدا إن ھذا لشيء عجاب أج ﴿: أرادھا منھم، فلم یسلموا بھا، وقالوا ).5اآلیة : ص(

ثم یأتي بعد ھذا من یقول إن الذي كان یسجد لھبل والالت والعزى ومناة الثالثة األخرى، ویقول إن عزیرا ابن هللا وإن عیسى علیھ السالم ابن هللا، ویقاتل محمدا

إال ألنھ یأبى أن یسلم بأن تلك لیست آلھة، فإن ھذا لم علیھ الصالة والسالم ال لشيء ..!!.یكن یعرف أنھ یشرك في السلطان على الدنیا وما فیھا أكثر من إلھ

، معناه )58من اآلیة : المائدة(﴾ ذلك بأنھم قوم ال یعقلون ﴿: والزعم أن قولھ تعالى .ة ما لیس فیھاأنھم ال یعلمون أنھم مشركون إدخال على اآلی

أما إنھم ال یعلمون فحق، وصدق هللا العظیم، فھم ال یعلمون عظمة هللا وجاللھ .وما یجب أن ینزه عنھ من المثیل والشریك فھم قوم ال یعلمون

Page 97: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

والذي یطلب من ھؤالء المقاتلین األمان لیعرف حقیقة دعوة اإلسالم وما جاء بھ أنھ غیر معاند وال متكبر، حري بأن الرسول علیھ الصالة والسالم، جاھل ظاھره

.یعلم ویعرف وتقام علیھ الحجة ویوضح لھ األمر حتى یعلم بعد أن لم یكن یعلمصلى هللا علیھ وسلم –یقول هللا تعالى لنبیھ : "یقول ابن كثیر في تفسیر ھذه اآلیة

ن المشركین ﴿: - تباحة نفوسھم الذین أمرتك بقاتلھم فأحللت لك اس﴾وإن أحد مأي القرآن، ﴾حتى یسمع كالم هللا أي استأمنك فأجبھ إلى طلبھ ﴿﴾استجارك ﴿وأموالھم

أي ﴾ثم أبلغھ مأمنھ ﴿فاقرأه علیھ، وتذكر لھ شیئا من أمر الدین تقیم بھ علیھ حجة هللالك بأنھم قوم ال ذ ﴿ھو آمن مستمر األمان حتى یرجع إلى بالده وداره ومأمنھ

أي إنما شرعت أمان مثل ھؤالء لیعلموا دین هللا وتنتشر دعوة هللا في ﴾یعلمون ].337ص2جـ: تفسیر ابن كثیر". [عباده

.وبذلك سقط االستدالل بھذه اآلیة الكریمة على ما أرادوا االستدالل بھا علیھألحكام إنما ھي وحده، فما سماه هللا تعالى إن ا: أما نحن فنقول بفضل هللا تعالى .كفرا وشركا فھو كما قال هللا تعالى

والذي ال شك فیھ، أخذا بالنصوص الثابتة، أنھ لیس في الناس إال مسلم أو كافر .مشرك

.ولیس في أحكام ھذه الدنیا دون ھاتین الصفتین صفة ثالثة، وھو ما لم تظھر منھ ردة باق في والمسلم ھو المؤمن وقد یكون عاصیا فاسقا

.أحكام ھذه الدنیا من المسلمین المؤمنین–واإلجماع الذي ال شك فیھ أیضا المبني على نصوص ثابتة كقول رسول هللا

أمرت أن أقاتل الناس حتى یشھدوا أن ال إلھ إال هللا ویؤمنوا ": -صلى هللا علیھ وسلم ینطق بالشھادتین لیس مسلما، وھو في ھذه الدنیا إن من لم .. إلخ. ."بي وبما جئت بھ

.في عداد الكافرین المشركین–وكل من نطق بالشھادتین وقال إنھ آمن بما جاء بھ رسول هللا –أما المسلم

جملة وعلى الغیب، وبرئ من كل دین غیر اإلسالم فھو –صلى هللا علیھ وسلم .ومسلم، فھو إما مكلف أو غیر مكلف

.ف، المجنون أو غیر البالغ، مرفوعة عنھ األحكاموغیر المكلأما المكلف، فھو العاقل، والبد للعاقل من قدر من الفھم والتمییز والعلم مھما قل،

وعلى قدر فھمھ وتمیزه وعلمھ یكون إدراكھ لمعنى الشھادتین ومضمونھما، والنقص مة دمھ في فھمھ معنى الشھادتین ومضمونھما ال یقدح في إسالمھ ووجوب حر

ومالھ، وعلى القادرین تعلیمھ، فما أبلغ بھ من الحق وقامت علیھ بھ الحجة وجب علیھ اعتقاده، فإن عاند فھو مرتد كافر ومشرك، وھو قبل ذلك مسلم معصوم الدم

Page 98: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

والمال مھما اعتور فھمھ معنى الشھادتین ومضمونھما من نقص بسب جھلھ أو .جھلھ وخطئھ، وقد سبق إیضاح ذلكبسبب خطئھ في تفھم النصوص، وھو معذور ب

إن هللا تعالى عاب على من لم یتبع الرسول علیھ الصالة : وقالوا أیضا: ثانیاوالسالم خوفھم من بطش الناس بھم وتخطفھم لھم وحكم بكفرھم وذلك رغم تصدیقھم

أنھ علیھ السالم رسول وأن الذي جاء بھ ھو الھدى من هللا عز وجل، فدل ذلك على باع الرسول ھو العمل بما جاء بھ وأنھ ال یعذر أحد بتخوفھ صاحب السلطان أن أن ات

وقالوا إن نتبع ﴿: یبطش بھ وأن ینكل بھ أن یتبع ویعمل وذلك قولھ تعالى عز وجلثمرات كل شيء الھدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لھم حرما آمنا یجبى إلیھ

ن لدنا ولكن أكثرھم ال یعلمون زقا م ).57اآلیة : القصص(﴾ روقالوا أیضا إن هللا تعالى قد أعلمنا أن المستضعفین الذین اتبعوا كبراءھم ولم

عالى یتبعوا أمر هللا ورسولھ ھم من الكفار المشركین الخالدین في النار، وقد نفى تومن ﴿: عنھم اإلیمان رغم أنھم كانوا مستضعفین خائفین، وذلك مقتضى قولھ تعالى

ولو الناس من یتخذ من دون هللا أندادا یحبونھم كحب هللا والذین آمنوا أشد حبا جمیعا وأن هللا شدید العذاب یرى الذین ظلموا إذ یرون العذاب ة أ * أن القو إذ تبر

وقال الذین اتبعوا * الذین اتبعوا من الذین اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بھم األسباب أ من ة فنتبر ؤوا منا كذلك یریھم هللا أعمالھم حسرات علیھم وما لو أن لنا كر ھم كما تبر جمیعا فقال ﴿). 167: 164اآلیات : البقرة(﴾ ھم بخارجین من النار وبرزوا

عفاء للذین استكبروا إنا كنا لكم تبعا غنون عنا من عذاب هللا من شيء الض فھل أنتم م: إبراھیم(﴾ قالوا لو ھدانا هللا لھدیناكم سواء علینا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محیص

سوال یوم تقلب وجوھھم في النار یقولون یا ﴿). 20اآلیة * لیتنا أطعنا هللا وأطعنا الر). 67: 66اآلیات : األحزاب(﴾ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبیال

عض القول یقول ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربھم یرجع بعضھم إلى ب ﴿قال الذین استكبروا للذین * الذین استضعفوا للذین استكبروا لوال أنتم لكنا مؤمنین

جرمین قال الذین و * استضعفوا أنحن صددناكم عن الھدى بعد إذ جاءكم بل كنتم م ونجعل لھ استضعفوا للذین استكبروا بل مكر اللیل والنھار إذ تأمروننا أن نكفر با

ا رأوا العذاب وجعلنا األغالل في أعناق الذین وا الندامة لم كفروا ھل أندادا وأسرقالوا إنكم كنتم تأتوننا عن ﴿). 33: 30من اآلیة : سبأ(﴾ یجزون إال ما كانوا یعملون

وقالوا إن الیمین ). 28: 27اآلیات : الصافات(﴾ قالوا بل لم تكونوا مؤمنین * الیمین .ت المعنىمعناھا القوة، وآیات أخرى في ذا

وأضافوا أن هللا تعالى قد حكم بأن ما من إنسان إال ویبتلیھ هللا فالبد من البالء، والبد من تحمل البالء والصبر علیھ وإال كان الشخص منافقا كاذبا في ادعائھ

أحسب الناس أن یتركوا أن * الم ﴿: اإلسالم واإلیمان، وذلك مقتضى قولھ تعالى

Page 99: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ولقد فتنا الذین من قبلھم فلیعلمن هللا الذین صدقوا * آمنا وھم ال یفتنون یقولوا إلى قولھ ﴿) 3: 1اآلیات : العنكبوت(﴾ ولیعلمن الكاذبین ومن الناس من یقول آمنا با

بك لیقولن إنا كنا فإذا أوذي في هللا جع ن ر ل فتنة الناس كعذاب هللا ولئن جاء نصر م ). 10اآلیة : العنكبوت(﴾ معكم أو لیس هللا بأعلم بما في صدور العالمین

حادیث الثابتة إن كالم هللا تعالى حق والقرآن الكریم واأل: ونحن نقول بعون هللاجمیع ذلك وحي من هللا إلى رسولھ وكل –صلى هللا علیھ وسلم –عن رسول هللا

ذلك جملة واحدة وعبارة واحدة یفسر بعضھا بعضا ویبین كل منھا المعنى المراد من باقیھا ولیس في أي جزء من آیة أو حدیث صحیح ما ینافي أو یتعارض أو یختلف

ولو كان من عند غیر هللا لوجدوا فیھ اختالفا خر، ﴿مع آیات أو أحادیث صحاح أ ).82من اآلیة : النساء()كثیرا

وكل آیات القرآن الكریم وأحادیث الرسول علیھ الصالة والسالم حق واجب اعتقاده والعمل بھ، ولیست ھناك آیة تقدم على آیة أخرى وال تطرح آیة من أجل آیة

حدیث من أجل حدیث وال من أجل آیة، إال ما ثبت بالدلیل الجازم أنھ أخرى وال أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من یفعل ذلك منكم إال ﴿: منسوخ

ون إلى أش نیا ویوم القیامة یرد ).85من اآلیة : البقرة(﴾ د العذاب خزي في الحیاة الدلیس مجرد العلم، أي تیقن الشيء على حقیقتھ أو بعبارة أخرى : واإلیمان في اللغة

لیس مجرد التصدیق، بل ھو العقد بالقلب، أي التصدیق بالقلب والنطق باللسان بما بقلبھ ولیس یفید اإلقرار بما صدقھ القلب، فلیس بمؤمن من قال بلسانھ وھو وال یعتقد

.بمؤمن من استیقن بقلبھ ولم ینطق مقرا بلسانھوأیا كان االختالف حول المعنى اللغوي لكلمة اإلیمان فإن الذي أسلفناه ھو معناھا

مع اختالف حول ما إذا كانت األعمال تدخل في مدلول اإلیمان شرعا "الشرعي ،ولذا كان البد "لیل بإذن هللاعلى ما سبق أن أشرنا إلیھ وما سنعرض لھ تفصیال بعد ق

أن ینطق العبد بلسانھ مقرا ومعلنا اعتقاده أنھ ال إلھ إال هللا وأن محمدا رسول هللا وأن حق من عند هللا ولو كان اإلیمان –صلى هللا علیھ وسلم –كل ما جاء بھ رسول هللا

واستیقنوا أن مجرد العلم وتیقن النفس لكان فرعون وملؤه من المؤمنین، فقد علمواموسى علیھ السالم رسول حق من عند هللا رغم أنھم أبوا اإلقرار بذلك والنطق بھ،

ا﴿: قال تعالى ، )14من اآلیة : النحل(﴾ وجحدوا بھا واستیقنتھا أنفسھم ظلما وعلوم واستیقنوا ولكانت الیھود والنصارى مؤمنین فقد عرفوا النبي علیھ الصالة والسال

من ذلك ومنھم من ذكر ذلك بلسانھ ولكن لیس على سبیل التسلیم واإلقرار بل على الذین آتیناھم الكتاب یعرفونھ كما یعرفون أبناءھم وإن ﴿: سبیل الحكایة، قال تعالى

نھم لیكتمون الحق وھم یعلم ، وھؤالء إذ جحدوا ما )146اآلیة : البقرة(﴾ ون فریقا معلموه واستیقنوا منھ وأبوا اإلقرار بلسانھم الحق والتسلیم بھ كفروا ولم یكونوا من

Page 100: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

التغطیة والستر، فھؤالء ضاقت : المؤمنین، وأصل كلمة الكفر في اللغة، كما قدمنار بما استیقنتھ، صدورھم بالحق الذي عرفوه، وأعرضت قلوبھم عن التسلیم واإلقرا

فعملوا على تغطیتھ وستره عن أنفسھم وعن غیرھم وجحدوا بھ وأبوا اإلقرار .والنطق بكلمة الحق فھم ممن شرح بالكفر صدرا، ونعوض با من سوء العاقبة

وھذا بیقین ھو ذات الحال من قطع هللا بكفرھم من اآلیات السالف اإلشارة إلیھا دتھم وكبراءھم في الكفر والشرك، إذ ال یعجز أحد مھما من الضعفاء الذین اتبعوا سا

كان اإلكراه الواقع علیھ عظیما وكبیرا وشنیعا أن یعتقد ویؤمن بقلبھ بالحق ویسر إلى ربھ تعالى ناطقا بلسانھ بالشھادتین مقرا بالحق الذي وقر في قلبھ، إذ ال سلطان ألحد

ال یعجز أحد أبدا أن یجد برھة وجیزة یتمتم في الدنیا على ما في قلب اإلنسان أبدا، وفیھا بالشھادتین مسرا إلى السمیع البصیر مقرا بالحق دون أن یسمعھ أحد سوى

مواله جل شأنھ، وال یعجز عن ذلك إال كاذب دعى قاصد التولي عن الحق .واإلعراض عنھ قد شرح بالكفر صدرا لم یرد هللا تعالى أن یھدیھ

طع والیقین ھو شأن كل مستضعف اتبع سادتھ وكبراءه ولم وذلك على وجھ القیعقد بقلبھ وینطق شھادة الحق بلسانھ زاعما أن سلطانا ما في األرض حال بینھ وبین

آل(﴾ ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ ھدیتنا وھب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوھاب ذلك ﴿، أما فیما عدا عقد القلب والنطق بشھادة الحق باللسان إقرارا )8اآلیة : عمران

وتسلیما فقد وردت النصوص الصریحة التي ال شبھة فیھا، والتي ال إشكال في أنھا أباحت للمكره أن ینطق بلسانھ ما دام واقعا تحت اإلكراه بأي كالم حتى ولو كان ذلك

فرا لو أنھ قالھ في غیر إكراه ولم یستثن هللا تعالى من ذلك الكالم مما كان یعتبر بھ كاإنما ﴿: شیئا إال عقد القلب فقط، وأیضا ما فیھ بغي على الغیر وإضرار بھ قال تعالى

م * یفتري الكذب الذین ال یؤمنون بآیات هللا وأولئك ھم الكاذبون ن بعد من كفر باإیمانھ إال من أكره وقلبھ مطمئن باإلیمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعلیھم غضب

ن هللا ولھم عذاب عظیم نیا على اآلخرة وأن هللا * م ال ذلك بأنھم استحبوا الحیاة الد ).107: 105اآلیات : النحل(﴾ یھدي القوم الكافرین

كذلك ال إشكال في أن النصوص أباحت للمكره أن یعمل كل ما اضطر وأكره على عملھ ما دام واقعا تحت اإلكراه، مما كان یعتبر بھ كافرا لو أنھ عملھ في غیر

ثن هللا تعالى من األعمال التي تباح إكراه وما دام قلبھ مطمئنا باإلیمان، ولم یستللمكره إال ما كان فیھ اعتداء على حقوق غیره من العباد طبقا للنصوص التي سبق

.شرحھاوقد أسلفنا الحدیث الوارد في شأن عمار بن یاسر ـ رضي هللا عنھ ـ، وأنھ لما

حال نطقھ عذبھ المشركون نطق بلسانھ بما ال شك أنھ كلمة الكفر، لو لم یكن مكرھابھا لكان بھا مرتدا مشركا رضوان هللا تعالى علیھ، وأن الرسول علیھ الصالة

Page 101: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

والسالم ما علم بما نطق بھ عمار، بل إن عمارا ھو الذي أبلغ النبي علیھ الصالة والسالم بما حدث، فما زاد علیھ الصالة والسالم على أن سألھ عن حال قلبھ فلما

فكان " فإن عادوا فعد: "یمان، قال علیھ الصالة والسالمأجاب بأن قلبھ مطمئن باإل .التصریح منھ علیھ الصالة والسالم تأكیدا بأن اإلكراه یبیح حتى كلمة الكفر

وأیضا قد أسلفنا ما أورده القرطبي بشأن الرجلین اللذین أسرھما عیون مسیلمة رسول من " مسیلمةأي "الكذاب وأنھما أحضرا إلیھ فسأل أولھما إن كان یشھد أنھ

عند هللا تعالى فأجاب بالموافقة وال شك أن ھذه كلمة كفر صریحة من قالھا في غیر إكراه ارتد وكفر بإجماع أمة المسلمین وإن الرسول علیھ الصالة والسالم علم بالموافقة والذي أعلمھ ھو ذاتھ الذي نطق بكلمة الكفر، فلم یعتبره علیھ الصالة

.را وإنما أعلمھ بأن العبرة باطمئنان قلبھ باإلیمانوالسالم مرتدا كافوالمقابلة بین اآلیات واألحادیث والجمع بینھا وإعمال كل منھا كما ھو الواجب

وعدم إغفال بعضھا وإعمال البعض دون البعض وھو ما ال یجوز شرعا ینتھي بنا :إلى إحدى نتیجتین ال ثالث لھما

یات الواردة في شأن عذاب المستضعفین وھو ما نقول بھ، أن اآل: األولىوالمبتلین الذین حكم هللا بكفرھم خاصة أولئك الذین انشرحت صدورھم بالكفر

وجحدوا الحق الذي عرفوه واستیقنوا منھ، فستروه عن أنفسھم وحجبوه عن قلوبھم على فلم یعقدوا علیھ قلوبھم، ویقروا ناطقین بھ بألسنتھم أو الذین بعد ما عقدوا قلوبھم

اإلیمان ونطقوا مقرین بھ مالت عنھ نفوسھم وانفرط عقد قلوبھم فانقلبوا على ).11من اآلیة : الحج(﴾ ذلك ھو الخسران المبین وجوھھم خسروا الدنیا واآلخرة ﴿

أن یقال إن اآلیات الواردة في شأن المستضعفین المبتلین الذین حكم هللا : الثانیةیات واألحادیث الخاصة باإلكراه وحكم المكره وھذه تكون بكفرھم قد نسخت اآل

دعوى بال برھان وقوال ال دلیل علیھ إذ نسخ األحكام ال یكون إال بالنص الصریح أو وحیث ال یمكن إعمال النصوص كلھا مع بعضھا على أیة حال من األصول أو بأي

نواھیھ وأوامره وجھ من الوجوه، ألننا مأمورون بطاعة هللا وذلك بإعمال كافة .وأحكامھ، ومن العصیان أن یعطل النص وال ینفذ مع إمكان العمل بھ

.واألمة جمیعھا مجمعة على أن آیات وأحادیث وحكم المكره لم یلحقھا أي نسخوأنھ لمما یتعین تقریره أن اآلیات التي صدرنا بھا كالمنا ھذا لیست كلھا حاكمة

مستضعفین والمبتلین، ومن المعلوم أن المسلم قد بكفر من توعدھم هللا بالعذاب من الیعذب في نار جھنم فیقتص هللا منھ بعدلھ بعد الموازنة إذا ما رجحت سیئاتھ بحسناتھ،

.ثم یخرجھ بعد ذلك من النار بفضلھ ورحمتھ وبشفاعة الشافعینولیس كل ضعیف متبع لسادتھ وكبرائھ بمكره وھذا واقع محسوس ملموس في

فإن الكثیرین من الضعفاء یحاكون أصحاب الجاه والسلطان والنفوذ وقتنا ھذا،

Page 102: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

لضعف نفوسھم یتبعونھم ویقلدونھم في ملبسھم وعاداتھم واحتفاالتھم واجتمعاتھم وغیر ذلك رغم ما فیھا من عصیان عز وجل وخروج عن أحكام الشریعة الغراء

.وتسلط الشھواتكل ذلك وھو غیر مكرھین وال مضطرین إنما ھو وحب الدنیا وإذا كان المكره مبتلى باإلكراه الواقع علیھ، فلیس اإلكراه ھو الصورة الوحیدة

لالبتالء ولیس كل ابتالء إكراه وقد یكون االبتالء بما یؤذي ویحزن ویؤلم كفقد المال وذھاب الجاه والسلطان وضیق العیش وتفرق األحباب واألنصار والمرض وموت

یر ذلك، وقد یكون االبتالء بعكس ذلك من إقبال الدنیا وكمال الزوجة والولد إلى غالصحة والعافیة وسعة العیش وقوة السلطان وكثرة األحباب واألنصار، وجمیع ذلك

: ال یقع في اللغة تحت اسم اإلكراه أو االضطرار وھو كلھ ابتالء من هللا عز وجلعسى ربكم ، ﴿)35من اآلیة : األنبیاء()ینا ترجعون ونبلوكم بالشر والخیر فتنة وإل ﴿

كم ویستخلفكم في األرض فینظر كیف تعملون من اآلیة : األعراف()أن یھلك عدو129.(

إن هللا عز وجل قد قطع بنص واضح مفسر : ونستدرك ما فاتنا فنقول بعون هللاتضعفین وحكم تعالى أن المستضعف حق المطمئن قلبھ باإلیمان معذور في شأن المس

إن الذین توفاھم المالئكة ظالمي ﴿: ولیس بكافر وال عاص، بل مغفور لھ، قال تعالىتكن أرض هللا واسعة أنفسھم قالوا فیم كنتم قالوا كنا مستضعفین في األرض قالوا ألم

ثم استثنى ). 97اآلیة : النساء() فتھاجروا فیھا فأولئك مأواھم جھنم وساءت مصیراعز وجل من جملة ھؤالء المستضعفین حقا، المكرھین فعال المطمئنة قلوبھم

جال والنساء والولدان ال یستطیعون حیلة وال إال المستضعفین من الر ﴿:باإلیمان فقالا غفورا* یھتدون سبیال : النساء(﴾ فأولئك عسى هللا أن یعفو عنھم وكان هللا عفو

).99-98اآلیات .ق أن قلناهوھذا النص مفسر لغیره من آیات المستضعفین فصح بتوفیق هللا ما سب

Page 103: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الطاعة واالتباع: الفصل السابع

سیأتي قوم یجادلونكم بشبھات من : "قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي هللا عنھاألحكام في " [القرآن فخذوھم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب هللا عز وجل

].140ص2جـ: أصول اإلحكام البن حزم :قال البعض

.مشركا متى أطاع من لم یحكم بما أنزل هللا تعالى واتبعھإن المسلم یرتد كافرا .بالعمل دون النظر إلى النیة واالعتقاد–حسبما قالوا –والطاعة واالتباع یكونان

وقالوا إن الشخص متى عمل عمال مما دعا إلیھ اآلمر بغیر ما أنزل هللا فإنھ یكون :عز وجل سواءمطیعا ومتبعا لھ متخذا لھ ربا من دون هللا

عمل العمل وھو معتقد خطأ أن اآلمر إنما بحكم حكم هللا بھ، أو أباح هللا -1 .تعالى لھ أن یأمر بھ

أو عمل بأمر اآلمر وھو عالم أن اآلمر إنما یأمر بخالف حكم هللا ومعتقد أن -2یان هللا اآلمر ال یملك أن یغیر حكم هللا تعالى، وأن عملھ تنفیذا ألمر ذلك اآلمر عص

.تعالىأو عمل بأمر اآلمر وھو عالم بأن اآلمر یأمر بخالف حكم هللا ولكنھ یعتقد أن -3

ذلك اآلمر لقداستھ وفضلھ لھ أن یحل ما حرم هللا، أو یحرم ما أحلھ هللا، وأن یأمر .بخالف حكم هللا، وأن طاعتھ واتباعھ أمر واجب دون نظر إلى أمر هللا

لو أن مسلما یؤمن بأن هللا تعالى ھو الخالق لكل شيء : لواوضربوا لذلك مثال فقادونھ، وأنھ تعالى ھو الحاكم وال حاكم سواه، وكان ذلك المسلم حریصا على اتباع

أوامر هللا واجتناب نواھیھ قائما بالفرائض من صالة وزكاة وصیام وحج ثم إنھ نزلت النظر في األدلة واستنباط بھ نازلة ال یعرف حكم هللا فیھا وھو غیر قادر على

األحكام منھا، فسأل عالما مشھودا لھ بالفقھ والورع عن حكم هللا فیما نزل بھ فأفتاه ذلك العالم فأخطأ ولم یصب حكم هللا في الحقیقة، ثم إن ذلك المسلم المستفتي اعتقد أن

إنما ینفذ حكم ذلك الحكم الذي أفتاه بھ من وثق بھ ھو حكم هللا فعمل بھ على عقیدة أنھقالوا إنھ یكون بعملھ ھذا قد أشرك با تعالى واتخذ ذلك المفتي ربا لھ من دون –هللا .هللا

ن ﴿: واحتجوا لذلك الذي قالوه بقول هللا تعالى اتخذوا أحبارھم ورھبانھم أربابا م، وبحدیث عدي بن حاتم وأنھ لما )31اآلیة من: التوبة(﴾ دون هللا والمسیح ابن مریم

إنھم لم یعبدوھم فإنھ علیھ الصالة والسالم قال : قال للرسول علیھ الصالة والسالمبلى إنھم حرموا علیھم الحالل وأحلو لھم : "حسبما قال ابن كثیر في تفسیره للقرآن

ا قال بھ الرھبان وقالوا االتباع كان العمل بم" الحرام فاتبعوھم فذلك عبادتھم إیاھم

Page 104: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

واألحبار دون نظر إلى ما اعتقده العامل وأن تلك ھي الطاعة، وأن نص اآلیة الكریمة قد سوى بین ربوبیة طاعة األحبار والرھبان بالعمل بما أمروا بھ وبربوبیة

االعتقاد وأن المسیح ابن هللا، وأن ذلك دلیل على أن العمل واالعتقاد في حكم دي كل منھم إلى الوقوع في الشرك، وأنھ مما یؤكد ذلك أن الشریعة متساویان یؤ

اآلیة الكریمة فیھا الحكم على جمیع الیھود والنصارى باتخاذھم األحبار والرھبان أربابا من دون هللا دون استثناء أحد منھم ودون تفرقة بین المخطئ وغیر المخطئ

.والمعتقد وغیر المعتقدمن اآلیة : التوبة(﴾ إنما النسيء زیادة في الكفر ﴿: واحتجوا أیضا بقول هللا تعالى

.، وقالوا إن النسيء عمل أیضا وقد حكم هللا بكفر مرتكبھ)37قل إن كنتم تحبون هللا فاتبعوني یحببكم هللا ویغفر لكم ﴿: واحتجوا أیضا بقولھ تعالى

حیم ذنوبكم وهللا سول فإن تولوا فإن هللا ال یحب * غفور ر قل أطیعوا هللا والر، وقال إن االتباع ھو والعمل بما جاء بھ )32-31اآلیات : آل عمران(﴾ الكافرین ، ومن لم یعمل بما جاء بھ علیھ الصالة والسالم -صلى هللا علیھ وسلم –الرسول

.م یتبعھ فھو قد تولى فھو من الكافرینفھو لوال تأكلوا مما لم یذكر اسم هللا علیھ وإنھ لفسق وإن ﴿: كذلك احتجوا بقولھ تعالى

یاطین لیوحون إلى أولیائھم لیجادلوكم وإن أطعتموھم إنكم لمشرك : األنعام(﴾ ون الشوقالوا إن الطاعة المقصودة باآلیة ھي األكل مما حرمھ هللا بصرف ). 121اآلیة

النظر عن عقیدة اآلكل وإذا كان المسلم یرتد مشركا إذا أطاع في أكل قطعة من اللحم .ال تسمن وال تغني من جوع فكیف إذا أطاع فیما ھو وأعظم من ذلك شأنا؟

.ال حجة لھم فیھوكل ذلك الذي احتجوا بھوقالت الیھود عزیر ابن هللا وقالت النصارى المسیح ابن هللا ذلك ﴿: واآلیة الكریمة

اتخذوا * قولھم بأفواھھم یضاھئون قول الذین كفروا من قبل قاتلھم هللا أنى یؤفكون ن دون هللا والمسیح ابن مریم وما أمروا إال لیعبدوا إلھ أ ا حبارھم ورھبانھم أربابا م

ا یشركون ھذه اآلیة ). 31-30اآلیات : التوبة(﴾ واحدا ال إلھ إال ھو سبحانھ عموإذا یتلى علیھم * ین آتیناھم الكتاب من قبلھ ھم بھ یؤمنون الذ ﴿: بمقابلتھا بقولھ تعالى

بنا إنا كنا من قبلھ مسلمین ). 53-52اآلیات : القصص(﴾ قالوا آمنا بھ إنھ الحق من روالنصارى ألن ھؤالء الذین یبین أن حكم كل من اآلیتین لیس عاما في جمیع الیھود

لعنھم الھ، وقال جل شأنھ إنھم اتخذوا أحبارھم ورھبانھم والمسیح ابن مریم أربابا من دونھ تعالى ھم قطعا وبدون أدنى شك غیر ھؤالء الذین أخبرنا تعالى أنھم كانوا قبل

: بعثة المصطفى علیھ السالم ومن قبل نزول القرآن مسلمین یؤكد ذلك قولھ تعالىة قائمة یتلون آیات هللا آناء اللیل وھم یسجدون ﴿ ن أھل الكتاب أم * م یؤمنون با

والیوم اآلخر ویأمرون بالمعروف وینھون عن المنكر ویسارعون في الخیرات

Page 105: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الحین وأولئك من ا آل (﴾ وما یفعلوا من خیر فلن یكفروه وهللا علیم بالمتقین * لصفالذین أعلمنا هللا تعالى أنھم من الصالحین ھم یقینا ). 115: 113من اآلیات : عمران

وبغیر أدنى شك طائفة غیر التي لعنھا هللا تعالى وقضى أنھا أشركت واتخذت .ورھبانھا وعزیرا والمسیح أربابا من دون هللاأحبارھا

فصح یقینا أن آیة سورة البراءة لیست حاكمة على الیھود والنصارى كافة بل .على الطائفة منھم التي أشركت فقط

.ھو واالمتثال والطاعة: واالتباع في اللغة .ھي العمل باألمر: والطاعة في اللغة

ا لألمر مع النیة واالعتقاد وھذا صریح ما قضى العمل تنفیذ : والطاعة في الشرعبھ الرسول علیھ الصالة والسالم، في حدیث عمر بن الخطاب رضي هللا تعالى عنھ

إنما األعمال بالنیات وإنما ": یقول–صلى هللا علیھ وسلم –سمعت رسول هللا : قالورسولھ، لكل امرئ ما نوى، فمن كانت ھجرتھ إلى هللا ورسولھ فھجرتھ إلى هللا

متفق ["ومن كانت ھجرتھ لدنیا یصیبھا أو امرأة ینكحھا، فھجرتھ إلى ما ھاجر إلیھوھذا الحدیث ]. علیھ أورده صاحب ریاض الصالحین وسبق ذكره بألفاظ أخرى

متفق على صحتھ وھو متواتر من حیث المعنى ألنھ قد روي عن طرق مختلفة ا إال أنھا جمیعا متفقة من حیث متفرقة بألفاظ قد وقع اختالف في بعض أحرفھ

.المعنىوطبقا لنص الحدیث فإن األعمال المأمور بھا والمنھي عنھ في الشرع إذا ما أتاھا

".وإنما لكل امرئ ما نوى"العبد فإن المدار في حكمھا یتوقف على نیتھ نقل فمن قصد طاعة هللا تعالى وتنفیذ حكمھ فإنھ ال یكون أبدا متبعا أو مطیعا لمن

إلیھ ذلك الحكم أو وأمره بھ أو وأفتاه بھ، وال یغیر من ذلك شیئا أبدا أن یكون الناقل .أو اآلمر أو المفتي قد أصاب حكم هللا في الحقیقة أو أخطأه

والذي قصد طاعة شخص ما وتنفیذ أمره فیما یدین بھ ولو خالف أمره أمر هللا من ذلك شیئا أن یكون ذلك الشخص قد فھو ومتبع لھ في المعنى الشرعي، وال یغیر

.أمره بما وافق حكم هللا أو خالفھوالذي یعتقد أن اآلمر لھ ال یملك تبدیل شریعة هللا وأن أمره على خالف شریعة هللا باطل ال یحرم ما أحل هللا وال یحل ما حرم هللا، وأنھ إن عمل بمقتضى أمر ذلك

بمقتضى أمر ذلك اآلمر أو المفتي ال یكون اآلمر فإنھ یكون عاصیا تعالى فعملھلھ متبعا بالمعنى الشرعي وال متخذا لھ ربا من دون هللا تعالى یستثني من ذلك

األعمال التي ورد بشأنھا نص بأن فاعلھا ینتفي عنھ اسم اإلیمان دون نظر إلى نیتھ على –سلم صلى هللا علیھ و–وعقیدتھ رغم نطقھ بالشھادتین، فقد نص رسول هللا

بالھجرة وھو إنما قصد دنیا یصیبھا –صلى هللا علیھ وسلم –أن من ھاجر حین أمر

Page 106: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

أو امرأة ینكحھا فإن ھجرتھ كانت لما ھاجر إلیھ، أي أنھا لم تكن طاعة ورسولھ وال اتباعا ورسولھ، وال یختلف مسلمان أن من جاء من أقصى األرض متحمال

بس اإلحرام وطاف وسعى ووقف، بعرفات في التاسع من مشاق السفر مرتدیا مالذي الحجة ثم أفاض إلى المزدلفة ثم إلى منى فرمى الجمرات وأقام بھا یومین ثم

طاف بالبیت، إنھ إن فعل ذلك معتقدا بطالن شریعة الحج فإنھ ال یكون متبعا أمر هللا اتخذوا ن سورة براءة ﴿ورسولھ وال مطیعا لھا بالمعنى الشرعي، واآلیة الكریمة م

ن دون هللا ، لیس فیھا ذكر للعمل )31من اآلیة : التوبة(﴾ أحبارھم ورھبانھم أربابا م، واالتخاذ یتم بمجرد النیة واالعتقاد "االتخاذ"وال إشارة إلیھ إنما فیھا النص على

ر ولو خالف أمره دون عمل، فمجرد اعتقاد شخص وجوب أن یدین ألمر شخص آخ .أمر هللا كاف لیكون قد اتخذه ربا من دون هللا

بلى إنھم حرموا علیھم "وحدیث عدي بن حاتم باللفظ الوارد في تفسیر ابن كثیر لیس فیھ أیضا ذكر للعمل وإنما فیھ ذكر " الحالل وأحلوا لھم الحرام فاتبعوھم

.واالعتقاداالتباع، واالتباع المعتبر شرعا البد فیھ من النیة .فعل النفس منفردة ال شركة للجسد معھا فیھ: واالعتقاد

فعل النفس بتحریك الجسد فھو شيء آخر غیر االعتقاد، وقد فرق : والعملفجعل النیة وھي " إنما األعمال بالنیات: "الرسول علیھ الصالة والسالم بینھما بقولھ

.االعتقاد غیر العملصلى هللا –م یورد سنده المتصل إلى رسول هللا والحدیث الذي ذكره ابن كثیر ل

، وقد رواه ابن حزم والترمذي والطحان والكوفي وابن جریر الطبري -علیھ وسلم مسندا عن الثقات العدول إلى الرسول علیھ الصالة والسالم باللفظ الذي سبق أن

كانوا یحلون لكم الحرام فتستحلونھ ویحرمون علیكم الحالل"ذكرناه وھو و ".فتلك عبادتھم: "قال. قلت بلى" فتحرمونھ

واالستحالل والتحریم یتمان بمجرد العقیدة فقط دون عمل فمن اعتقد أن الخمر حالل فقد استحلھا ولو لم یذق منھا قطرة ومن اعتقد الطالق حراما فقد حرمھ ولو لم

التحریم ال یكون یكن متزوجا ولم تكن لھ امرأة یطلقھا، وطبقا لكل من الروایتین فإن فیھ عمل أبدا ألنھ امتناع عن عمل، فكیف یصح القول أن العبرة بالعمل دون العقیدة،

.وكیف یكون اتباع الرھبان واألحبار فیما حرموه بغیر عقیدة وغیر عملوالحق أن اآلیة الكریمة قد سوت ال بین عمل وعقیدة وإنما بین عقیدتین

قول إن عزیرا ابن هللا والمسیح ابن هللا واالعتقاد بین االعتقاد وال: جوھرھما واحدوالقول إن للرھبان واألحبار قداسة وعصمة توجبان االتباع واالنقیاد لھما، ولو

.خالف أمرھما شریعة هللا

Page 107: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

والقداسة " قداسة البابا" "بابھم"وھذا ھو واألمر الواقع فعال والمشاھد فھم یسمون الطھارة بعینھا وھم یعتقدون عصمتھ فھو وفي في اللغة ھي الطھارة أي أنھ ھو

نفوسھم ال یخطئ ومنذ مدة غیر بعیدة أصدر قرارا بتحریم وسائل منع الحمل والمعروف لدى كافة أتباعھ أنھ لحین صدور قراره بتحریمھا فقد أصبحت طبقا

لعقیدتھم حراما، والمعروف أیضا والثابت تاریخا أن الطالق كان لدى المسیحیین" قرر تحریمھ"مباحا وأنھ لیس في أناجیلھم ما یحرمھ ثم اجتمع مجلس كنسي فحرم

.الطالق فأصبحت تلك عقیدتھمإن العبرة بالطاعة بمعنى العمل دون العقیدة، ماذا یكون : ونحن نسأل الذین قالوا

موقف مسلم أفتاه مفت أن الطالق حرام أو وأمره حاكم أال یطلق زوجتھ، أیكون ا علیھ أن یطلقھا وإال كان متبع لھ دون هللا ومتخذا لھ ربا من دون هللا؟ أم أنھ إذا لزوم

.اعتقد فساد الفتوى وبطالن األمر فإنھ ال یكون متخذا لھ ربا ولو لم یطلق زوجتھ؟ما الحكم إذا ما أفتى مفت أو قرر حاكم أن الخمر حالل فاعتقد : ونسألھم أیضا

؟ أیكون ..تت حالال لھ أن یشربھا رغم علمھ أن هللا قد حرمھاشخص ذلك، وأنھا قد باسواء شربھا أم لم . ذلك الشخص قد اتخذ المفتي أو الحاكم ربا من دون هللا أم ال

؟ ال نظن أن أحدا سوف یزعم أنھ ما دام لم یعمل ولم یشرب الخمر فإنھ ال ..یشربھاة لذلك المفتي أو الحاكم من دون هللا یكون متبعا فال مراء أنھ باستحاللھ الخمر، طاع

.فإنھ یكون قد اتخذه ربا من دون هللا سواء أنفذ الفتوى أو األمر فشرب أم لم یشرب .فالمدار إذن على النیة واالعتقاد ال على العمل المجرد عن النیة واالعتقاد

ریعة ما الفرق بین حكم مسلم في بلد تسوده وتنفذ فیھ أحكام الش: ونسألھم أیضااإلسالمیة فشرب الخمر وھو معتقد حرمتھا، وبین حكمھ إذا شربھا في بلد ملحد ال یدین لحالل أو حرام، وھو وأیضا معتقد حرمتھا وأن شریعة تلك البلد التي صادف

؟ وأي نص من كتاب هللا وسنة رسولھ تستندون إلیھ ..وجوده بھا شریعة باطلةقولكم إنھ بعملھ في البلد الملحد قد اتبع شریعتھا للتفرقة بین الحالتین حتى تستجیزون

.واتخذ حكامھا أربابا من دون هللا؟فإن قلتم إنھ حین یشرب الخمر في البلد الذي تسوده أحكام الشریعة اإلسالمیة فإنھ

یكون خاضعا لھا وتوقع علیھ العقوبة الشرعیة، قلنا إن الحكم إنما یكون على حالھ ا توقیع العقوبة فأمر الحق لفعلھ وال دخل إلرادتھ فیھ وغیره وقت شربھ الخمر، أم

ھو المسئول عنھ، واألحكام إنما تصف الشخص وتلحقھ وقت مقارفتھ ما عمل وال .تتغیر بما یلي عمل العامل من أعمال یقوم بھا غیره وال دخل إلرادتھ فیھا

ریعة اإلسالمیة ونقول أیضا إن المسلم قد یشرب الخمر في بلد تسوده أحكام الشصلى هللا علیھ وسلم –ثم ال یظھر أمره فال توقع علیھ عقوبة، وقد عرض رسول هللا

ومن : "لھذه الحالة فقال في حدیث عبادة بن الصامت الذي سبق أن أوردنا نصھ–

Page 108: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

أتى حدا فأقیم علیھ فھو كفارة لھ، ومن ستر هللا علیھ فأمره إلى هللا إن شاء عذبھ وإن ".شاء غفر لھ

من –صلى هللا علیھ وسلم –والیقین الذي ال شك فیھ ھو ما أخبرنا بھ رسول هللا أن أعمال الشخص متوقف الحكم علیھا على نیتھ ھو وال على نوایا غیره وعلى

.مقصده ھو فیھا ال على مقاصد غیره وعلى عقیدتھ ھو ال على ما اعتقده سواهدنیا على أعمال الناس وأنتم تقولون إن فكیف یكون حكمنا في ھذه ال: فإن قال قائل

.النیة ھي عمل النفس المجرد الذي ال یطلع علیھ إال عالم األسرار جل شأنھ؟قلنا إن الرسول علیھ الصالة والسالم أمرنا أن نحكم في ھذه الدنیا بظاھر حال

ھ وسلم صلى هللا علی–الناس وبما یقولھ المرء بلسانھ، قال خالد بن الولید لرسول هللا إني لم : "وكم من مصل یقول بلسانھ ما لیس في قلبھ، فقال علیھ الصالة والسالم": -

11جـ: المحلى البن حزم["أومر أن أنقب عن قلوب الناس وال أشق بطونھم–صلى هللا علیھ وسلم –، وسبق أن قدمنا البرھان من عمل رسول هللا ]220ص

محمدا رسول هللا، فإنھ إن خالف بعد ذلك بعملھ على أن من شھد أن ال إلھ إال هللا وأننصا فإنھ یكون عاصیا والفرض أنھ لم یستحل مخالفة النص ولم یجحد بھ إال أنھ

.یقول ھو بلسانھ ما یدل على جحده واستحالل العمل على خالف النصوإذا صح ما قدمنا بالبرھان من كتاب هللا وسنة رسولھ علیھ الصالة والسالم فإنھ

یكون الیقین المقطوع بھ أن الطائفة التي لعنھا هللا تعالى من الیھود والنصارى التخاذھا عزیرا والمسیح والرھبان أربابا من دونھ تعالى ھي الطائفة التي اعتقدت

أن عزیرا ابن هللا وأن المسیح ابن هللا أو أن األحبار والرھبان واجب طاعتھم .اء أمرھم على خالف أمر هللاواالنقیاد المطلق ألمرھم ولو ج

كتاب اإلیمان طبعة دار أنصار السنة [قال اإلمام ابن تیمیة في كتابھ اإلیمان قال الربیع بن أنس قلت ألبي العالیة كیف كانت تلك ]: "43-41ص: المحمدیة

كانت الربوبیة أنھم وجدوا في كتاب هللا ما أمروا بھ : الربوبیة في بني إسرائیل قالھ، فقالوا لن نسبق أحبارنا بشيء فما أمرونا بھ ائتمرنا وما نھونا عنھ انتھینا ونھوا عن

".لقولھم، فاستنصحوا الرجال ونبذوا كتاب هللا وراء ظھورھموھؤالء الذین اتخذوا أحبارھم ورھبانھم أربابا حیث أطاعوھم في : "وقال أیضا

أحدھما أن یعلموا أنھم : نتحلیل ما حرم هللا وتحریم ما أحل هللا یكونون على وجھیبدلوا دین هللا فیتبعونھم على التبدیل فیعتقدون تحلیل ما حرم هللا وتحریم ما أحل هللا

اتباعا لرؤسائھم مع علمھم أنھم خالفوا دین الرسول، فھذاا كفر وقد جعلھ هللا ورسولھ الدین شركا وإن لم یكونوا یصلون لھم ویسجدون لھم فكان من اتبع غیره في خالف

مع علمھ بأنھ خالف الدین، واعتقد ما قالھ ذلك دون ما قالھ هللا تعالى ورسولھ علیھ أن یكون اعتقادھم وإیمانھم بتحلیل الحالل : السالم، مشركا مثل ھؤالء، الثاني

Page 109: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

والحرام ثابتا لكنھم أطاعوھم في معصیة هللا كما یفعل المسلم ما یفعلھ من المعاصي .انتھى" عاص، فھؤالء لھم حكم أمثالھم من أھل الذنوبالتي یعتقد أنھا م

إنما النسيء زیادة في الكفر یضل بھ الذین كفروا یحلونھ عاما ﴿: وأما قولھ تعالىم هللا م هللا فیحلوا ما حر مونھ عاما لیواطئوا عدة ما حر زین لھم سوء أعمالھم ویحر

ھذا مما : "فقد قال ابن كثیر في ذلك) 37اآلیة : التوبة(﴾ وهللا ال یھدي القوم الكافرین ذم هللا بھ المشركین من تصرفھم في شرع هللا بآرائھم الفاسدة وتغییرھم أحكام هللا

یمھم ما أحل هللا فإنھم كان فیھم القوة بأھوائھم الباردة وتحلیلھم ما حرم هللا وتحر .والعصبیة والشھامة والحمیة

ما استطالوا بھ مدة األشھر الثالثة في التحریم المانع لھم من قضاء أوطارھم فكانوا قد أحدثوا قبل اإلسالم بمدة تحلیل المحرم فأخروه إلى صفر، فیحلون الشھر

حرم هللا األشھر األربعة، كما قال الحرام ویحرمون الشھر الحالل لیواطئوا عدة ما .شاعرھم وھو عمیر بن قیس المعروف بجزل الطعان

كرام الناس أن لھم كراما لقد علمت معد بأن قومي شھور الحل نجعلھا حراما ألسنا الناسئین على معد

إنما النسيء زیادة في ﴿: تعالىوقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قولھ ، قال النسيء إن جنادة بن عوف بن أمیة الكناني كان )37من اآلیة : التوبة(﴾ الكفر

أال إن أبا ثمامة ال یجاب وال : یوافي في الموسم كل عام وكان یكنى أبا ثمامة فیناديس، فیحرم صفرا عاما یعاب، أال وإن صفر العام األول العام حالل، فیحلھ للنا

].356ص2جـ: تفسیر ابن كثیر" [ویحرم المحرم عاماوھذا كما ھو واضح لیس عمال بل ھو قول باللسان واتفاق على تبدیل شریعة هللا

.المعلومة المعروفة، وقصد بالعمد إلى تحلیل ما حرم هللا وتحریم ما أحل هللاكل قاعد عن القتال في غیرھا ولیس كل محارب في األشھر الحرم بناسئ، وال

بناسئ إنما الناسئ من أعلن أو اتفق أو اعتقد تحلیل القتال في أي من األشھر الحرام، .على أن یعوض ذلك بتحریم القتال في شھر آخر من غیرھا

ألست ترى الشاعر یفتخر والعیاذ با بأن قومھ ھم الذین كانوا یقومون على .فة لشریعة هللا فیقولإجراء تلك الشریعة المخال شھور الحل نجعلھا حراما ألسنا الناسئین على معد

وقولنا الذي ندین بھ تعالى أن من قال بلسانھ في غیر إكراه مستحال خالف شریعة هللا التي بلغتھ أو بتبدیل حكم من أحكامھا قاصدا متعمدا تحلیل ما علم أن هللا

.حرمھ أو تحریم ما علم أن هللا تعالى أحلھ فھو كافر مشركتعالىقل إن كنتم تحبون هللا فاتبعوني یحببكم هللا أما اآلیة الكریمة من سورة آل عمران ﴿

حیم سول فإن * ویغفر لكم ذنوبكم وهللا غفور ر تولوا فإن هللا ال قل أطیعوا هللا والر

Page 110: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

، فإن العامل بمقتضى أمر هللا ورسولھ )32-31اآلیات : آل عمران(﴾ یحب الكافرین ال ھو متبع وال ھو مطیع إال أن یكون عملھ بنیة االمتثال ألمر هللا ورسولھ، كما قال

."إنما األعمال بالنیات ولكل امرئ ما نوى: "علیھ الصالة والسالموال مراء في أن المسلم مأمور باالتباع والطاعة في كل ما أمر هللا تعالى بھ وفي

كل ما نھى عنھ ال یستسھل صغیرة وال یجترئ على كبیرة ومن لم یعتقد بوجوب ذلك وبوجوب االتباع والطاعة في كافة أوامر هللا ونواھیھ فھو جاحد كافر مشرك

أمرت أن أقاتل ": علیھ الصالة والسالم ـمنتف عنھ اإلیمان بنص قول رسول هللا ـوهللا تعالى الذي حكم "الناس حتى یشھدوا أن ال إلھ إال هللا ویؤمنوا بي وبما جئت بھ

ق بین النیة والعمل، بھذا ھو سبحانھ الذي تفضل على خلقھ وعباده بواسع رحمتھ ففرالصالة والسالم وجعل العامل على خالف األمر ممن آمن بھ تعالى وبرسولیھ علیھ

وبجمیع ما أبلغھ إلینا وحیا عن ربھ، غیر كافر وال مشرك إال من عمل عمال ورد النص بانتفاء اسم اإلیمان عن فاعلھ برغم النطق بالشھادتین، وقد أسلفنا القول في

الفرق بین الكفر والعصیان، وقدمنا البراھین من كتاب هللا وسنة رسولھ ـ علیھ بما ال حاجة لنا بعده إلى مزید، فصح یقینا أن الكافرین في قولھ الصالة والسالم ـ

، ھم الذین )32من اآلیة : آل عمران(﴾ فإن تولوا فإن هللا ال یحب الكافرین ﴿: تعالىتولوا من الذین أبوا اإلسالم والنطق بالشھادتین مع العقد بالقلب، أو من نكث عھده

.سالموارتد بعد إا لم یذكر اسم هللا علیھ وإنھ ﴿: أما اآلیة الكریمة من سورة األنعام وال تأكلوا مم

یاطین لیوحون إلى أولیائھم لیجادلوكم وإن أطعتموھم إنكم لمشركو ﴾ ن لفسق وإن الش، فقد ظھر وجھ الخطأ في االستدالل بھا بعد أن بینا معنى )121اآلیة : األنعام(

.الطاعة في الشرع وأن لكل امرئ ما نوى كما ھو الحدیثوواضح أن أولیاء الشیطان إنما یجادلون في وجاھة التحریم وبذلك وردت اآلثار،

ل ما قت: إن المشركین كانوا یجادلون المسلمین فیقولون: "یقول ابن كثیر والقرطبي .انتھى" هللا لم تأكلوه وما قتتلتموه أكلتموه

: الجامع ألحكام القرآن للقرطبي[دفع القول عن طریق الحجة بالقوة : والمجادلة ].77ص7جـ

وإن أطعتموھم ﴿: وواضح من التركیب اللفظي لآلیة ومن السیاق أن قولھ تعالى، مقصود منھ االقتناع بما جادلوا بھ، ولذا )121من اآلیة : األنعام()إنكم لمشركون .، في تحلیل المیتة)121من اآلیة : األنعام(﴾ وإن أطعتموھم ﴿: یقول القرطبي

وھذا ما نقول بھ ألن من أطاع غیر هللا فیما حاج بھ من تحلیل ما حرم هللا تعالى .فقد أكذب ربھ وجحد النص المعلوم لھ، فھو كافر مشرك بال خالف

Page 111: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إنما یكون المؤمن بطاعة المشرك مشركا إذ أطاعھ في : "قال ابن العربياالعتقاد، فإن أطاعھ في الفعل وعقلھ سلیم مستمر على التوحید والتصدیق فھو عاص

].78، 77ص7جـ: الجامع ألحكام القرآن للقرطبي[انتھى " فافھموه ].156البحث صانظر ھذا[وبذلك أیضا قال ابن تیمیة وقد سبق ذكر قولھ

Page 112: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الحكومة اإلسالمیة أو اإلمام الحق ومعنى السمع والطاعة : الفصل الثامن والحكم والتحكیم والمعلوم من الدین بالضرورة

كاة وأمروا بالمعروف ونھوا ﴿ الة وآتوا الز كناھم في األرض أقاموا الص الذین إن م عاقبة األمور عن الم ).41اآلیة : الحج(﴾ نكر و

:الحكومة اإلسالمیةقلنا فیما سبق إن الدین قد تم فلیس ألحد أن یزید فیھ أو وینتقص منھ وأن : تعریفھا

شریعة هللا قد كملت ولیس الناس في حاجة بعد تمام نعمة هللا علیھم وكمال شریعتھ كملت لكم دینكم وأتممت علیكم نعمتي ورضیت لكم الیوم أ لمزید من الشرائع ﴿

وتمت ، ولیس ألحد أن یبدل شیئا من شرائع هللا ﴿)3من اآلیة : المائدة(﴾ اإلسالم دینا وثبت ، وقلنا أیضا إن ما أحلھ هللا)115من اآلیة : األنعام(﴾ كلمة ربك صدقا وعدال

حكم حلھ األبدي بانقطاع الوحي ووفاة الرسول علیھ الصالة والسالم حالل إلى یوم القیامة ال یملك كائن من كان أن یحرمھ، وأن ما ثبت حكم تحریمھ األبدي بانقطاع

الوحي ووفاة الرسول ـ علیھ الصالة والسالم ـ حرام إلى یوم القیام ال یملك كائن من لك ما فرضھ هللا من فرائض وما نھى عنھ من نواه فإن كائنا من كان أن یحلھ، وكذ

كان ال یملك تغییره وال تبدیلھ، وما قدمناه من أن هللا ـ عز وجل ـ قد ترك ألمة المسلمین جوانب غیر قلیلة من حیاتھا السیاسیة واالقتصادیة واالجتماعیة تجتھد في

الئحة أو وقرارا أو غیر ذلك، قد تنظیمھا بمقتضى تشریعات قد نسمیھا قانونا أو أوضحنا أنھ مشروط فیھ أال نحل حراما أو ونحرم حالال أو نقبل من فرض أو نھي كما أوضحنا أن ذلك إنما یكون تنفیذا لمقاصد حددھا هللا عز وجل وأمرنا بتحقیقھا

نفیذ فھي في الحقیقة وسائل لبلوغ الغایة التي أمر هللا تعالى بھا وھي في جوھرھا ت .ألمر هللا تعالى

وقلنا أیضا إن هللا عز وجل لم یرد منا مجرد اإلقرار بالطاعة لھ ولرسولھ ـ علیھ بال عمل بأوامره واجتناب لنواھیھ، ولكننا مأمورون فضال عن الصالة والسالم ـ

االعتقاد بوجوب الطاعة بالطاعة الفعلیة وذلك بإنفاذ شرائع هللا فیما أمر ونھى .باح وتحویل ذلك إلى واقع حي قائم متمكن في األرضوفرض وأ

وإذ ذلك كذلك فإنھ یخلص لك أن الحكومات اإلسالمیة غیر مكلفة بابتداع شرائع وھي لیست –وال استحداث أھداف وغایات ترى فیھا من ذات نفسھا مصلحة للعباد

الشریعة غیر مكلفة بذلك فقط بل ھي منھیة عنھ، لما في ذلك من خروج على أحكام .وتبدیل وتغییر لھا

Page 113: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إنما ھي الحكومة التي تعتنق " أو اإلمام الحق"ومن ثم فإن الحكومة اإلسالمیة .اإلسالم دینا وتقوم على تنفیذ أحكام الشریعة وحراسة الدیننقال عن النظریات [ویقول أبو الحسن المارودي في كتابھ األحكام السلطانیة

محمد ضیاء الدین الریس أستاذ قسم التاریخ اإلسالمي السیاسیة اإلسالمیة للدكتور اإلمامة ]: "117م إصدار دار المعارف ص1966بكلیة دار العلوم جامعة القاھرة

".موضوعھ لخالفة النبوة في حراسة الدین وسیاسة الدنیارئاسة : "تعریفا لإلمامة إنھا] نقال عن المصدر السابق ذكره[ویقول التفتازاني

.- صلى هللا علیھ وسلم –مر الدین والدنیا خالفة عن النبي عامة في أإن ھذا : "ویعلق الدكتور محمد ضیاء الدین الریس على تعریف الماوردي فیقول

وأن موضوع -3، 2. أن اإلمامة للخالفة عن النبوة-1: التعریف یشمل ثالثة عناصرحظ أن النص على العنصر ھذه الخالفة حراسة الدین أوال ثم سیاسة الدنیا ثانیا، ویال

األخیر كاف للداللة على أن الماوردي، قاضي قضاة بغداد ومن كبار علماء فقھ الشافعیة كان یرى أن مما یدخل في صمیم اختصاصات النبوة سیاسة الدنیا، ولذا وجب أن یخلف الرسول في ھذا األمر، وقولھ حراسة الدین یفید أن وظیفة اإلمام

ذب عنھ، أي ال شرحھ أو التبدیل فیھ، ومما ینطوي تحت ھذه حراستھ وحمایتھ وال ".الحراسة أن یدل اإلمام بتصرفاتھ وأعمالھ على أنھ حافظ للدین مراع ألوامره

األول الحكم أو الملك : ویعرف ابن خلدون نظم الحكم على أنھا على ثالثة أنواعالحكم أو الملك الطبیعي وھو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشھوة، والثاني

السیاسي وھو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنیویة ودفع المضار، والثالث وھو الخالفة اإلسالمیة أو اإلمامة الحقة وھو حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحھم الدنیویة واألخرویة الراجعة إلیھا، إذ

د الشارع إلى اعتبارھا لمصالح اآلخرة، فھي في الحقیقة أحوال الدنیا ترجع كلھا عنخالفة عن صاحب الشرع في حراسة الدین وسیاسة الدنیا، ثم یعقب ابن خلدون على

ذلك فیقول إن ما كان من ھذه النظم بمقتضى القھر والتغلب وإعمال القوة الغضبیة مھا فمذموم أیضا فجور وعدوان، وما كان فیھا بمقتضى السیاسة وأحكا: في مراعھا

من اآلیة : النور(﴾ ومن لم یجعل هللا لھ نورا فما لھ من نور ﴿: ألنھ نظر بغیر نور هللا، ألن الشارع أعلم بمصالح الكافة فیما ھو مغیب عنھم من أمور آخرتھم، )40

هللا علیھ صلى –وأعمال البشر كلھا عائدة علیھم في معاھدھم من ملك أو غیره، قال المقدمة البن خلدون نقال عن النظریات ["إنما ھي أعمالكم ترد علیكم"–وسلم

].السیاسیة اإلسالمیةوینھي الدكتور محمد ضیاء الدین الریس مؤلفة عن النظریات السیاسیة بعد

الحكومة "استعراضھ مختلف أقوال الفقھاء إلى أن التعریف الحقیقي لإلمامة أنھا

Page 114: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الدستوریة أو بعبارة تعین المعنى وتحدده : لشرعیة أو كما نقول الیوماإلسالمیة اقانونھا األكبر أو األم وھو ما " الحكومة التي تكون الشریعة اإلسالمیة قانونھا"

نسمیھ الیوم بالدستور، وقانونھا الفرع وھو مجموعة األحكام التشریعیة التي تنظم تتعلق بالمعامالت المالیة أو األحوال سواء أكانت تلك األحكام : بھا حیاة األمة

الشخصیة أو المسئولیات الجنائیة أو غیر ذلك، وھدف ھذا القانون ھو تحقیق مصالح فلیست إذن ھي الحكومة التي تعمل وفقا " "الناس في حیاتھم الدنیویة واألخرویة

: ذاتیةوھي المؤلفة من الغرائز والنوازع ال" طبیعة الفرد"قانون : للقانون الطبیعيقانون األثرة واالستبداد وقھر الناس لبلوغ غایات المجد والثراء أو التحكم أو بعبارة أخرى الحكم الذي تحدد وجھاتھ األھواء والشھوات، ولیست أیضا بالتي تعمل وفقا

ویراد بھ مجموعة األحكام التي یضعھا ویتفق علیھا علماء األمة " للقانون السیاسي"سب ما تملیھ المصالح الدنیویة فقط، أو كما یمكن أن یعبر عنھا من ساسة وحكام بح

غیر ناظرین إال إلى حدود ھذه الحیاة وما یحدث فیھا ومقیاس " المادیة"بكلمة أخرى وإنما ھي الحكومة التي یكون قانونھا شرع اإلسالم وھو .. التشریع عندھم المنفعة

".الذي یستمد مبادئھ من القرآن والسنةى فإن ھذه التعریفات للحكومة اإلسالمیة یشملھا ما قلناه من أن الحكومة وفیما نرإنما ھي الحكومة التي تعتنق اإلسالم دینا وتقوم على " أو اإلمام الحق"اإلسالمیة

فأحكام الشریعة ھي التي تأمرنا بحراسة الدین والذب عنھ .. تنفیذ أحكام الشریعةلعدوان الذي قد یقع علیھم، والعمل على نشر والتمكین للمسلمین في األرض وصد ا

ین دعوة هللا والقتال لتكون كلمة هللا ھي العلیا ﴿ وقاتلوھم حتى ال تكون فتنة ویكون الد، وأحكام الشریعة ھي التي تأمرنا بما حددتھ لنا من أحكام )39من اآلیة : األنفال(﴾

الحاكم والمحكوم وتعیین شكل ونظام الدولة والحریات متعلقة بتنظیم العالقة بینالتي تكفل لألفراد والجماعات، وھي التي تأمرنا باتباع وتنفیذ ما حددتھ من شرائع تحكم الحیاة االجتماعیة واالقتصادیة وعالقة األمة اإلسالمیة بغیرھا من األمم، إلى

یھا وھي تربط بین ذلك غیر ذلك مما یشمل حیاة األمة واألفراد في مختلف نواحجمیعا وبین حیاة األمة وأفرادھا وبین المصیر في اآلخرة، وھي التي تؤكد أن ذلك

كلھ مما أمرت بھ، إنما یجب اعتقاده والعمل بھ وتحقیقھ طاعة تعالى وامتثاال ألمره وخشوعا وانكسارا لھ، وابتغاء وجھھ تعالى، فال یقبل أي عمل مھما عاد بالنفع

الدنیا على صاحبھ وعلى الناس إال إذا صدر ممن یدین عز وجل بدین الحق في .وابتغاء وجھ ربھ األعلى

كناھم في األرض أقاموا ﴿: ذلك جمیعھ تتضمنھ اآلیة الكریمة الجامعة الذین إن مكاة وأمروا بالمعروف ونھوا ع الة وآتوا الز عاقبة األمور الص : الحج(﴾ ن المنكر و

).41اآلیة

Page 115: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

وذلك الذي قدمناه ھو جوھر الحكومة اإلسالمیة واإلمام الحق وھو محل اتفاق .بین جمیع الفقھاء، وتقوم علیھ نصوص قاطعة

ولن یجعل هللا فوجوب أن یكون اإلمام مسلما مشترط بقول هللا عز وجل ﴿، وأعظم سبیل أن یكون )141من اآلیة : النساء(﴾ ین على المؤمنین سبیال للكافر

كما أن اإلمام ھو القائم على –الكافر إماما للمسلمین قائما على تصریف شئونھم .حراسة الدین وتنفیذ أحكام الشریعة فوجب ضرورة أن یكون مسلما

ف ألن الصبي الذي لم یبلغ الحلم، كذلك یجب أن یكون اإلمام قد بلغ سن التكلی .واإلمام مخاطب بتكالیف الشریعة فوجب أن یكون من المكلفین بھا

لن ": لقول رسول هللا ـ علیھ الصالة والسالم ـ: كما یتعین أن یكون اإلمام رجال ]. 360ص9جـ: المحلى البن حزم["یفلح قوم أسندوا أمرھم إلى امرأة

ختالف بین الفقھاء مثل اشتراط أن یكون اإلمام وھناك بعض شروط أخرى محل اقرشیا واشتراط القدرة الجسمیة، وكذلك العلم بالشرائع وبلوغ رتبة االجتھاد، وأال

.یكون مجاھرا بالفسوق والعصیان ومثل طریقة اختیار اإلمام وشروط البیعةأحكام هللا إقامة الحكومة اإلسالمیة واإلمام المسلم، القائم على إنفاذ : وجوبھا

والذي یسوس األمة بمقتضى أحكام الشریعة التي أتى بھا رسول هللا ـ صلى هللا علیھ وسلم ـ فرض ثابت وجوبھ على أمة المسلمین باإلجماع المبني على نصوص شرعیة

.ثابتةفقد أجمع الصحابة رضوان الھ علیھم عقب وفاة الرسول علیھ الصالة والسالم

للمسلمین یقوم على حراسة الدین وتنفیذ أحكام الشریعة، على وجوب أن یخلفھ إماموھم إن اختلفوا في بادئ األمر على شخص اإلمام إال أن أحدا منھم لم یذھب إلى

القول بأن ال حاجة غلیھ ثم انعقد اإلجماع على اختیار أبي بكر الصدیق رضي هللا مسلمین، وإذا كان اختیار أبي عنھ خلیفة لرسول هللا ـ صلى هللا علیھ وسلم ـ وإماما لل

بكر قد تم في حضور بعض المھاجرین واألنصار بسقیفة بني ساعدة على ما ھو ومشھور، إال أن ھؤالء الذین حضروا ذلك االجتماع وتولوا أمر االختیار كانوا أكابر الصحابة من المھاجرین واألنصار من أصحاب الشوكة والكلمة النافذة والنیابة الحقة

وامھم وقبائلھم، ثم إن األمر لم یقتصر على ذلك وإنما طرح الصدیق رضوان عن أقهللا علیھ أمر الخالفة في جمع حاشد حضره الصحابة رضوان هللا علیھم بمسجد

وإن محمدا قد قضى بسبیلھ : "رسول هللا ـ صلى هللا علیھ وسلم ـ، وقال ما معناهفناداه الناس من كل جانب " اتوا آراءكموالبد لھذا األمر من قائم یقوم بھ فانظروا وھ

صدقت یا أبا بكر، ولم یوجب من یقول إن األم یصلح من غیر قائم بھ أو أن الدین ال ومن ثم كان إجماع أفضل ] النظریات السیاسیة[حاجة بھ لمن یقوم على حراستھ

.المسلمین على وجوب قیام اإلمامة أي الحكومة اإلسالمیة

Page 116: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

عند مبایعة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ـ رضي هللا ثم تكرر ھذا اإلجماععنھما ـ بل إنھ بعد مقتل عثمان رضي هللا عنھ فإن النزاع الذي قام بین علي بن أبي

طالب كرم هللا وجھھ ومعاویة بن أبي سفیان رضي هللا عنھ لم یكن حول وجوب قیام في ضرورة قیام اإلمام المسلم اإلمام، فإن كال من الفریقین لم یكن ینازع في وجوبھ و

القائم على حراسة الدین وتنفیذ أحكامھ وإنما اقتصر النزاع على التصرف نحو قتلة .عثمان رضي هللا عنھ وصحة البیعة لعلي كرم هللا وجھھ

ثم أجمع المسلمون من بعد خالفة علي كرم هللا وجھھ وبعد ظھور الفرق فاتفق جمیع أھل السنة على وجوب ذلك : اإلسالمیة على وجوب قیام اإلمام المسلم

وكذا الشیعة والمعتزلة والمرجئة والخوارج حاشا النجدات من الخوارج فقد رأوا أن الناس یتعین علیھم أن یتعاطوا الحق فیما بینھم، وأجازوا قیام اإلمام ولكنھم لم

.یعتبروا ذلك فرضا وقد اندثرت ھذه الطائفة بفضل هللایا أیھا الذین ﴿: م على نصوص شرعیة منھا قول هللا عز وجلوذلك اإلجماع یقو

سول وأولي األمر منكم ، )59من اآلیة : النساء(﴾ آمنوا أطیعوا هللا وأطیعوا الرفنصت اآلیة على وجوب طاعة أولي األمر فدل ذلك على أن یكون بین المسلمین

.أولو أمر تجب طاعتھمإنھ ال نبي بعدي، وستكون خلفاء ": قول رسول هللا ـ صلى هللا علیھ وسلم ـومنھا

أوفوا ببیعة األول فاألول وأعطوھم : "قالوا فما تأمرنا یا رسول هللا؟ قال" فتكثرعن أبي ھریرة رواه 36ص9جـ: المحخلى["حقھم، فإن هللا سائلھم عما استرعاھم

لھم حقوقا واألمر بالوفاء بالبیعة لھم، ، وفي نص الحدیث ذكر الخلفاء وأن ]مسلمكذلك دل عمر الرسول علیھ الصالة والسالم على وجوب وجود اإلمام المسلم القائم

على تنفیذ أحكام الشریعة، فإنھ ـ علیھ الصالة والسالم ـ كان على رأس المسلمین ء بین الناس قائما على تنفیذ أحكام الشریعة فیھم، وتولى علیھ الصالة والسالم القضا

وإقامة الصالة وإقامة الحج وجمع الزكاة وإعطائھا ألصحاب الحقوق فیھا وتجھیز كما أنھ ـ علیھ الصالة والسالم ـ ولى األمراء –الجیوش وإعدادھا للدفاع وللغزو

: جوامع السیرة البن حزم[على البالد التي خضعت لإلسالم في عھده من ذلك على الیمن كلھا فلما " باذان الفارسي"أنھ أمر ]وغیره من كتب السیرة25-23ص

صنعاء وأعمالھا، وولى المھاجرین ": شھر"مات ولى علیھ الصالة والسالم ابنھ : حضرموت، وولى أبا موسى األشعري: كندة والصدف، وولى زیاد بن لبید: أمیة

مكة :الجند، وولى عتاب بن أسید: زبید وعدن ورمح والساحل، وولى معاذ بن جبلنجران، وولى : وإقامة الموسم والحج بالمسلمین سنة ثمان، وولى أبا سفیان بن حرب

علي بن أبي طالب كرم هللا وجھھ على األخماس بالسمن والقضاء بھا، وكان لھ ـ .علیھ الصالة والسالم ـ على كل قبیلة وال یقبض صدقاتھا

Page 117: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ال ﴿: نصوص، قال تعالىوكذلك فإن قیام الحكومة اإلسالمیة ضرورة تقتضیھا ال، فوجب الیقین أن هللا تعالى ال )286من اآلیة : البقرة(﴾ یكلف هللا نفسا إال وسعھا

یكلف الناس ما لیس في بنیتھم واحتمالھم، وقد علمنا بضرورة العقل وبدیھتھ أن قیام یات والدماء والنكاح الناس بما أوجبھ هللا تعالى من األحكام علیھم في األموال والجنا

والطالق وسائل األحكام كلھا ومنع الظالم وإنصاف المظلوم وأخذ القصاص، على تباعد أقطارھم وشواغلھم واختالف آرائھم كل ذلك ممتنع غیر ممكن، إذ قد یرید واحد أو أكثر أو جماعة أن یكون علیھم إنسان ویرید آخر أو جماعة أخرى أن ال

ترى في اجتھادھا خالف ما رأى ھؤالء، وإما خالفا مجردا، یحكم علیھم، إما ألنھاوھذا الذي البد منھ ضرورة، وھذا مشاھد في البالد التي ال رئیس لھا، فإنھ ال یقام " ھناك حكم حق وال حد وقد ذھب الدین في أكثرھا، فال تصح إقامة الدین إال باإلسناد

].106ص4جـ: الفصل في الملل[الف األھواء وتشتت اآلراء وما بینھم من الشحناء قلما ینقاد والخلق مع اخت"

بعضھم لبعض فیقضي ذلك إلى التنازع والتواثب، بل ربما أدى إلى ھالكھم جمیعا وتشھد لھ التجربة والفتن القائمة عند موت الوالة إلى نصب آخر، بحیث لو تمادى

ت قائم سیفھ وذلك لعطلت المعایش وصار كل أحد مشغوال بحفظ مالھ ونفسھ تحالنظریات : اإلیجي في المواقف" [یؤدي إلى رفع الدین وھالك جمیع المسلمین

].اإلسالمیةوال ینتظم الدین إال بتحقیق األمن على ھذه المھمات الضروریة وإال فمن كان "

في جمیع أوقاتھ مستغرقا بحراسة نفسھ من سیوف الظلمة، وطلب قوتھ من وجوه عن الدین "، "رغ للعلم والعمل وھما وسیلتاه إلى سعادة اآلخر؟الغلبة، فمتى یتف

واألمن على األنفس واألموال ال ینتظم إال بسلطان مطاع، وھذا تشھد لھ مشاھدة أوقات الفتن بموت السالطین واألئمة، وإن ذلك لو دام ولم یتدارك بنصب سلطان

شي وبطلت آخر مطاع دام الھرج وعم السیف، وشمل القحط، وھلكت المواالصناعات وكان كل غلب سلب ولم یتفرغ أحد للعبادة والعلم إن بقي حیا، واألكثرون

الغزالي في " [الدین والسلطان توأمان: "یھلكون تحت ظالل السیوف ولھذا قیل ].االقتصاد واالعتقاد نقال عن المصدر السابق

] 135ص: إلسالمیةالدكتور ضیاء الدین الریس في كتاب النظریات ا[وقد فرض هللا تعالى على األمة المسلمة واجبات ھي مسئولیة أن تؤدیھا كوحدة متضامنة وھو

ما اصطلح على تسمیتھ بفروض الكفایة، من ذلك الجھاد والحسبة واألمر بالمعروف إلخ وھذه الفروض ال .. والنھي عن المنكر وسد حاجات الفقراء والمساكین والشورى

ا فرد على حدة أو وافرادا أیا ما كانوا، وإنما ھي تحتاج إلى تدبیر یمكن أن یقوم بھوتنظیم وال یمكن أن ینھض بھا إال سلطة عامة تكون لھا إرادة فوق اإلرادات

Page 118: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الفردیة، وتتوفر لھ الطاعة وتستطیع األمر والنھي والتوجیھ، وھذه ھي سلطة إذ البد : یقول الشھرستانياإلمامة، فاإلمامة واجبة لتأدیة كل ھذه الفروض ولھذا

لكافتھم من إمام ینفذ أحكامھم ویقیم حدودھم ویحفظ بیضتھم، ویحرس حوزتھم یعبئ جیوشھم، ویقسم غنائمھم وصدقاتھم، ویتحاكمون إلیھ في خصوماتھم، ویراعي أمور

الجمع واألعیاد، وینصف المظلوم وینتصف من الظالم وینصب القضاء والوالة في نقال عن المصدر السابق " [عث القراء والدعاة إلى كل طرفكل ناحیة، ویب

].للشھرستاني في نھایة األقدام في علم الكالم"والواضح مما تقدم أن غیار الحكومة اإلسالمیة أو اإلمام المسلم مؤداه الحتمي

تعطیل تنفیذ الكثیر من األحكام الشرعیة وتضییع ما شرعھ هللا لعباده من الحقوق، شتت شمل المسلمین وضعفھم وتعرضھم للفتن والھوان وشیوع المظالم وأیضا ت

..والفساد، وحال بالد المسلمین في ھذا الوقت شاھد على صدق ذلكمن فروض الكفایة أي ھو وفرض " اإلمام الحق"وإقامة الحكومة اإلسالمیة أي

ثم ما دام تسأل عن األمة متضامنة في جمیع أفرادھا إلى أن یتحقق، وكل فرد بعینھ آأن ذلك الفرض لم یتحقق، وال شك أن كل فرد من أفراد األمة اإلسالمیة مسئول

مسئولیة شخصیة أمام ربھ عما یقصر فیھ من جھد یستطیع بذلھ في سبیل تحقیق ذلك .الغرض الذي ألزمھ هللا تعالى بھ

اون على وال شك أن هللا تعالى قد أمرنا بالتعاون على البر والتقوى ونھانا عن التع .اإلثم والعدوان ولیس أبر من إعطاء كل ذي حق حقھ

ولیس حقا إال من شرعھ هللا تعالى وقضى بأنھ حق، وحكم رسولھ ـ علیھ الصالة .والسالم ـ بأنھ حق

.ولیس إعطاء الحق سوى إنفاذه وتمكین صاحبھ منھفیھم ویقضي بینھم والظلم الواضح البین منع الناس مما جعلھ هللا حقا لھم، وأن یفذ

.بما حكم هللا تعالى بأنھ إثم وعدوان وھذا ما نھانا هللا تعالى عنھوما ال أصل لھ فھو : الدین أصل والسلطان حارس: "ومن أجیال مضت قالوا

ونكرر القول إننا نعتقد أن اإلمامة والخالفة " مھدوم، وما ال حارس لھ فضائعلوحدة اإلسالمیة ومظھر االرتباط بین أمم اإلسالمیة أو الحكومة اإلسالمیة رمز ا

اإلسالم وأنھا شعیرة إسالمیة یجب على المسلمین التفكیر فیھا واالھتمام بھا، أي الخالفة أو .. واألحادیث التي وردت في وجوب نصب اإلمام وبیان أحكام اإلمامة

وتفصیل ما تعلق بھا، ال تدع مجاال للشك في أن واجب–الحكومة اإلسالمیة ولذلك فإن فكرة –منذ حورت ثم ألغیت بتاتا –المسلمین أن یھتموا بأمر خالفتھم

الخالفة والعمل على إعادتھا أصل نلتزمھ ونحن مع ذلك نعتقد أن ذلك یحتاج إلى

Page 119: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الكثیر من التمھیدات التي البد منھا وأن الخطوات المباشرة إلعادة الخالفة البد أن .تسبقھا خطوات

:السمع والطاعةال مراء أن األمة مأمورة أن تنقاد لإلمام المسلم الذي یقیم فیھا أحكام هللا ویسوسھا بأحكام الشریعة ووحدة الصف وتماسك أفراد األمة بعضھم ببعض والحرص الشدید على اجتماع الكلمة ومنع الفتنة من صفات المؤمنین البارزة حتى إن الرسول ـ علیھ

أتاكم وأمركم جمیع على رجل واحد یرید أن یشق من": الصالة والسالم ـ لیقول، كما ]360ص9جـ: مسلم المحلى البن حزم["عصاكم أو یفرق جماعتكم فاقتلوهمن بایع إماما فأعطاه صفقة یده وثمرة قلبھ ": یقول أیضا علیھ الصالة والسالم

أخرجھ مسلم ["فلیطعھ إن استطاع فإن جاء آخر ینازعھ فاضربوا عنق اآلخرقوا واختلفوا من بعد ما ﴿: ، وقال تعالى]360ص9جـ: لمحلىا وال تكونوا كالذین تفر

: ، وقال عز وجل)105اآلیة : آل عمران(﴾ جاءھم البینات وأولئك لھم عذاب عظیم ).46من اآلیة : الاألنف(﴾ وال تنازعوا فتفشلوا وتذھب ریحكم ﴿

.وال اجتماع للكلمة وال وحدة للصف إال مع السمع والطاعةووجوب السمع والطاعة وردت بھ نصوص ال شك في ثبوتھا وصحتھا وصراحة

.مدلولھا ومعناھا .إال أن للسمع والطاعة في ھذا المقام معنى یجب التفطن إلیھ

ام الشریعة الغراء وتحقیق فما دام أن اإلمام لیست لھ من مھمة إال تنفیذ أحكالمقاصد التي أمر هللا تعالى األمة المسلمة أن تجتھد لبلوغھا، وما دام أن األمر

شورى، فإن السمع والطاعة إنما یكونان في الحقیقة ألمر هللا وما یجب لھ تعالى من .صدع وخشوع وتسلیم

سولھ ونبیھ أكرم وإذ كان المسلمون یتلون من القرآن الكریم قول هللا عز وجل لرقل إنما ﴿: ، وقولھ تعالى)128من اآلیة : آل عمران(﴾ لیس لك من األمر شيء ﴿: خلقھ

ثلكم ، فإنھ ال یكون ثمة مجال ألن یختلط األمر )110من اآلیة : الكھف(﴾ أنا بشر مبشر مثلھ مثلھم، على إنسان ما فیظن في إمام المسلمین أن یكون سوى بشر كسائر ال

مخلوق عادي كسائر خلق هللا، مأمور بما أمر هللا بھ كافة عباده، متوعد بما توعد هللا بھ كافة عباده إن عصوا، وموعود بما وعد الھ بھ كافة عباده إن أطاعوا، ال یتمیز

عن أحد غیره من سائر البشر على اختالف أجناسھم إال بما یجوز أن یتمیز بھ غیره إن ر البشر من كرامة عند هللا ال على الناس، لمن وفق للطاعة والشكر ﴿من سائ

).13من اآلیة : الحجرات(﴾ أكرمكم عند هللا أتقاكم .وإذ ھذه صفة إمام المسلمین وأنھ بشر محض بشر

.وإذ لیس بعد المعصوم علیھ الصالة والسالم معصوم

Page 120: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

.قائمة كاحتماالت استقامتھ وال فرقفإن احتماالت انحراف إمام المسلمینوإذ لیس الغرض من إقامة اإلمام إال الذود عن الدین وتنفیذ أحكام الشریعة، فلیس

من المستغرب إذن أن تجد جمیع النصوص تقریبا اآلمرة بالسمع والطاعة قد تضمنت النص الصریح والبیان الواضح الذي ال شبھة وال إشكال فیھ على أن السمع

اعة إنما ھما في المعروف وأنھ ال سمع وال طاعة في معصیة، وأوجب على والطاإلمام والرعیة أن یردا األمر دائما وعند وقوع التنازع بینھما أن یتحاكما شأنھما شأن غیرھما إلى الرسول علیھ الصالة والسالم ویسلما بما قضى بھ علیھ السالم

بھ مفروضة على الراعي والرعیة على تسلیما، وطاعة هللا ورسولھ وتنفیذ ما أمریا أیھا الذین آمنوا أطیعوا هللا وأطیعوا ﴿: سواء وبال أدنى تمییز، قال عز وجل

سول وأولي األمر منكم فإن ﴿: ، ثم وصل قولھ ھذا بقولھ)59من اآلیة : النساء(﴾ الروه إ والیوم اآلخر تنازعتم في شيء فرد سول إن كنتم تؤمنون با ﴾ لى هللا والر

، وبقدر ما حذرنا ـ علیھ الصالة والسالم ـ من الخروج عن )59من اآلیة : النساء(ال طاعة ": الطاعة فقد حذرنا من الطاعة في المعصیة قال علیھ الصالة والسالم

، كما قال علیھ الصالة ]361ص9جـ: م المحلىأخرجھ مسل["لبشر في معصیة هللا، ]أخرجھ مسلم["من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة مات میتة جاھلیة": والسالم

السمع والطاعة على المرء المسلم فیما أحب أو ": وقال علیھ الصالة والسالم أیضااود رواه أبو د["كره ما لم یؤمر بمعصیة فإذا أمر بمعصیة فال سمع وال طاعة

السمع والطاعة حق ما لم یؤمر بمعصیة، فإذا ": ، وأیضا قال]361ص9جـ: المحلى ]. 292ص7جـ: رواه البخاري المحلى["أمر بمعصیة فال سمع وال طاعة

بل إن األمر یتعدى الموقف السلبي بعدم السمع والطاعة في المعصیة إلى أمر وإن ﴿: كر وإزالتھ قال عز وجلإیجابي بضرورة رد البغي ومنع العصیان وتغییر لمن

طائفتان من المؤمنین اقتتلوا فأصلحوا بینھما فإن بغت إحداھما على األخرى فقاتلوا ، فأمر تعالى بقتال الفئة )9من اآلیة : الحجرات(﴾ التي تبغي حتى تفيء إلى أمر هللا

یة حتى ترضخ وتستسلم ألمر هللا تعالى وحكمھ، والفئة الباغیة قد تكون مجتھدة الباغمأجورة على اجتھادھا ولكنھا أخطأت ولم تصب حكم هللا تعالى ومع ذلك فواجب

.قتالھا إذا جارت على حقوق الغیرما من نبي بعثھ هللا في أمة قبلي إال كان لھ من أمتھ ": وقال علیھ الصالة والسالم

ریون وأصحاب یأخذون بسنتھ ویقتدون بأمره ثم یحدث من بعدھم خلوف یقولون حواما ال یفعلون ویفعلون ما ال یؤمرون فمن جاھدھم بیده فھو مؤمن، ومن جاھدھم

بلسانھ فھو مؤمن، ومن جاھدھم بقلبھ فھو مؤمن ولیس وراء ذلك من اإلیمان حبة لسالم اإلیمان عمن رضي ، فنفى علیھ الصالة وا]361ص9جـ: المحلى["خردل

قلبھ بالظلم والعدوان واإلثم والعصیان، وقد نفاه ـ علیھ الصالة والسالم ـ أیضا عن

Page 121: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

من رأى منكم منكرا فلیغیره بیده فإن لم یستطع ": كل من رضي بالمنكر، فقالص 9جـ: أخرجھ مسلم المحلى["فبلسانھ فإن لم یستطع فبقلبھ وذلك أضعف اإلیمان

؟]361اتفقت األمة على وجوب األمر بالمعروف والنھي عن المنكر بال خالف من وقد

ة یدعون إلى الخیر ﴿: أحد منھم لألحادیث السابقة ولقولھ تعالى نكم أم ولتكن م، ثم اختلفوا)104من اآلیة : آل عمران(﴾ ویأمرون بالمعروف وینھون عن المنكر

فمن –في كیفیتھ، فذھب بعض أھل السنة من القدماء من الصحابة رضي هللا عنھم وھو أیضا قول أحمد بن حنبل وسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زید وابن –بعدھم

إلى أن الغرض من ذلك إنما –رضي هللا عنھم –عمر ومحمد بن مسلمة وغیرھم لى ذلك وال یكون بالید وال بسل السیوف ھو بالقلب فقط والبد، أو باللسان إن قدر ع

أصال إال أن یخرج الناطق فإذا خرج وجب سل السیوف حینئذ معھ إال أن جمیع القائلین بھذه المقالة من أھل السنة إنما رأوا ذلك إذ لم یكن اإلمام عدال فإن كان عدال

ا الجزء ھذ[وقام علیھ فاسق وجب عندھم بال خالف سل السیوف مع اإلمام العدل طبعة محمد 16-11ص5منقول ببعض التصرف عن الفصل في الملل والنحل جـ

]. 1964علي صبیح عام وذھبت طوائف من أھل السنة وجمیع المعتزلة وجمیع الخوارج والزیدیة إلى أن

سل السیوف في األمر بالمعروف والنھي عن المنكر واجب إذا لم یكن دفع المنكر إال كان أھل الحق في عصابة یمكنھم الدفع وال ییأسون من الظفر إذا: بذلك، وقالوا

ففرض علیھم ذلك، وإن كانوا في عدد ال یرجون لقلتھم وضعفھم بظفر كانوا في سعة من ترك التغییر بالید، وھذا قول علي بن أبي طالب رضي هللا عنھ وكل من

حة والزبیر وكل معھ من الصحابة وقول أم المؤمنین عائشة ـ رضي هللا عنھا ـ وطلمن كان معھم من الصحابة وقول معاویة وعمرو والنعمان بن بشیر وغیرھم ومن

معھم من الصحابة ـ رضي هللا عنھم ـ أجمعین، وھو قول عبد هللا بن الزبیر ومحمد والحسن بن علي وبقیة الصحابة من المھاجرین واألنصار القائمین یوم الحرة رضي

ل من قام على الفاسق الحجاج، ومن وااله من الصحابة هللا عنھم أجمعین، وقول كرضي هللا عن جمیعھم كأنس بن مالك وكل من كان من أفاضل التابعین كعبد

الرحمن بن أبي لیلى وسعید بن جبیر وابن البحتري الطائي وعطاء السلمي األزدي وغیرھم،.. والحسن البصري ومالك بن دینار ومسلم بن بشار وعطاء بن السائب

وھو وأیضا الذي تدل علیھ أقوال الفقھاء كأبي حنیفة والحسن بن حیي وشریك ومالك والشافعي وداود وأصحابھم فإن كل من ذكرنا من قدیم وحدیث إما ناطق بذلك في

.فتواه وإما فاعل لذلك بسل سیفھ في إنكار ما رأواه منكرا

Page 122: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ال ما : "رسول هللا؟ قالأنقاتلھم یا : وقد احتجت الطائفة األولى بأحادیث فیھاوفي بعضھا " إال أن تروا كفرا بواحا عندكم فیھ من هللا برھان"وفي بعضھا " صلوا

فإن خشیت أن یبھرك : وجوب الصبر وإن ضرب ظھرنا أحد أخذ مالھ، وفي بعضھاكون إني أرید أن تبوء بإثمي وإثمك فت شعاع السیف فاطرح ثوبك على وجھك وقل ﴿

كن عبد هللا القتیل وال : "، وفي بعضھا)29من اآلیة : المائدة(﴾ من أصحاب النار من اآلیة : المائدة(﴾ واتل علیھم نبأ ابني آدم بالحق ﴿: وبقولھ تعالى" تكن عبد هللا القاتل

.وكل ھذا ال حجة لھم فیھ) 27بالصبر على أخذ المال وضرب الظھر فإنما ذلك أما أمره ـ صلى هللا علیھ وسلم ـ

بال شك إذا تولى اإلمام ذلك بحق، وھذا ما ال شك فیھ أنھ فرض علینا الصبر لھ وإن من امتنع عن ذلك بل من ضرب رقبتھ إن وجب علیھ، فھو فاسق عاص تعالى،

لیھ وسلم ـ ـ صلى هللا عوأما إن كان ذلك بباطل فمعاذ هللا أن یأمرنا رسول هللاوتعاونوا على البر والتقوى وال ﴿: بالصبر على ذلك، برھان ذلك قول هللا عز وجل

، وقد علمنا أن كالم رسول هللا ـ )2من اآلیة : المائدة(﴾ تعاونوا على اإلثم والعدوان وما ینطق عن الھوى ﴿: صلى هللا علیھ وسلم ـ ال یخالف كالم ربھ، قال هللا عز وجل

ولو كان من عند غیر ﴿: ، وقال تعالى)4-3اآلیات : النجم(﴾ إن ھو إال وحي یوحى* ، فصح أن كل ما قالھ رسول هللا )82من اآلیة : ﴾ النساءهللا لوجدوا فیھ اختالفا كثیرا

هللا عز وجل ال اختالف فیھ وال تعارض وال صلى هللا علیھ وسلم فھو وحي من عندتناقض، فإذا كان ھذا كذلك وبیقین ال شك فیھ یدري كل مسلم إن أخذ مال مسلم أو

ذمي بغیر حق وضرب ظھره بغیر حق إثم وعدوان وحرام، قال رسول هللا ـ صلى ھذا فإذا ال شك في" إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام علیكم: "هللا علیھ وسلم ـ

وال اختالف من أحد من المسلمین فیھ، فالمسلم مالھ لألخذ ظلما وظھره للضرب ظلما وھو یقدر على االمتناع من ذلك بأي وجھ أمكنھ، معاون لظالمھ على اإلثم

.والعدوان، وھذا حرام بنص القرآنلنا لكل جع ﴿: أما قصة ابني آدم فتلك شریعة أخرى غیر شریعتنا، قال عز وجل

، أما األحادیث فقد صح أیضا عن )48من اآلیة : المائدة(﴾ منكم شرعة ومنھاجامن رأى منكم منكرا فلیغیره بیده فإن لم یستطع ": رسول هللا ـ صلى هللا علیھ وسلم ـ

وصح عنھ أیضا علیھ الصالة "فبلسانھ فإن لم یستطع فبقلبھ وذلك أضعف اإلیمانال طاعة في معصیة إنما الطاعة في الطاعة، وعلى أحدكم السمع ": قالوالسالم أنھ

وأنھ ـ علیھ "والطاعة ما لم یؤمر بمعصیة فإن أمر بمعصیة فال سمع وال طاعةمن قتل دون مالھ فھو وشھید والمقتول دون دینھ شھید، ": الصالة والسالم ـ قال

لتأمرون بالمعروف ": م ـوقال ـ علیھ الصالة والسال"والمقتول دون مظلمة شھید ".ولتنھون عن المنكر أو لیعمنكم هللا بعذاب من عنده

Page 123: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

فكان ظاھر ھذه األخبار معارضا لآلخر، فصح أن إحدى ھاتین الجملتین ناسخة .لألخرى، ال یمكن غیر ذلك، فوجب النظر في أیھما ھو الناسخ

عھود األصل ولما كانت فوجدنا تلك األحادیث التي فیھا النھي عن القاتل موافقة لمعلیھ الحال في أول اإلسالم بال شك، ذلك أن رد العدوان شریعة ال تجب وال تجوز إال بالنص، وكانت ھذه األحادیث األخر واردة باإلیجاب وشریعة زائدة على معھود

.األصل وھي القتال، ھذا ما ال شك فیھمھا من حین نطقھ فصح نسخ معنى األحادیث المنھي فیھا عن القتال ورفع حك

.علیھ الصالة والسالم بھذه األحادیث األخر اآلمرة بالقتال بال شك .ومن المحال المحرم أن یؤخذ المنسوخ ویترك الناسخ

ومن ادعى أن األحادیث اآلمرة بالقتال بعد أن كانت ھي الناسخة عادت منسوخة، ز القول بنسخ شریعة فقد أخذ بالشك وادعى الباطل وقفا ما ال علم لھ بھ، وال یجو

وجبت بغیر دلیل جازم، ولو كانت األحادیث اآلمرة بالقتال ھي المتقدمة المنسوخة باألحادیث الناھیة عن القتال، لحفظ هللا لنا برھان نسخھا ولما أخلى هللا عز وجل ھذا

: الحكم عن دلیل وبرھان یبین لنا بھ رجوع المنسوخ ناسخا لقولھ تعالى في القرآن: ، وبرھان آخر ھو أن هللا عز وجل قال)89من اآلیة : النحل(﴾ یانا لكل شيء تب ﴿وإن طائفتان من المؤمنین اقتتلوا فأصلحوا بینھما فإن بغت إحداھما على األخرى ﴿

، لم یختلف )9من اآلیة : الحجرات(﴾ فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر هللا مسلمان في أن ھذه اآلیة التي فیھا فرض قتال الفئة الباغیة محمكة غیر منسوخة،

فصح أنھا الحاكمة في تلك األحادیث فما كان موافقا لھذه اآلیة فھو الناسخ الثابت وما .كان مخالفا لھا المنسوخ المرفوع

.وھذه اآلیة في اللصوص دون السلطانوقد ادعى قوم أن ھذه األحادیث وھذا باطل متیقن ألنھ قول بال برھان ما یعجز مدع أن یدعى في تلك األحادیث

أنھا في قوم دون قوم وفي زمان دون زمان، والدعوى بال برھان ال تصح، وتخصیص النصوص بالدعوى ال یجوز ألنھ قول على هللا تعالى بال علم، وقد جاء

أن سائال سأل عن طلب مالھ بغیر حق فقال صلى هللا علیھ وسلم ـ عن رسول هللا ـ : فإن قتلتھ؟ قال: قال" قاتلھ: "فإن قاتلني، قال: قال" ال تعطھ: "علیھ الصالة والسالم

أو كالما ھذا معناه، وصح عنھ ـ " فأنت في الجنة: "فإن قتلني؟ قال: قال" إلى النار"وصح عنھ "مسلم أخو المسلم ال یسلمھ وال یظلمھال": علیھ الصالة والسالم ـ أنھ قال

من سألھا على وجھھا فلیعطھا، ومن ": أیضا علیھ الصالة والسالم أنھ قال في الزكاةوھذا خبر ثابت رواه الثقاة عن أنس بن مالك عن "سألھا على غیر وجھھا فال یعطھا

یبطل تأویل من تأول أبي بكر الصدیق عن رسول هللا ـ صلى هللا علیھ وسلم ـ، وھذا

Page 124: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

أحادیث القتال عن المال ألن اللصوص ال یطلبون الزكاة وإنما السلطان فأمر ـ علیھ .الصالة والسالم ـ بمنعھا إذا سألھا السلطان على غیر ما أمر بھ علیھ السالم

أھل ] القاموس المحیط" غلبتھ"قاویتھ فقویتھ [ولو اجتمع أھل الحق ما قواھم .الباطل

ھم إن في القیام إباحة الحریم وسفك الدماء وأخذ األموال وھتك األستار وقال بعضكال ألنھ ال یحل لمن أمر بالمعروف ونھى عن : وانتشار األمر، فقال لھم اآلخرون

المنكر أن یھتك حریما، وال أن یأخذ ماال بغیر حق وال أن یتعرض لمن ال یقاتلھ فإن یغیر علیھ،ن إما قتلھ أھل المنكر قلوا أو كثروا، فعل شیئا من ھذا فھو الذي ینبغي أن

فھو فرض علیھ، ولو كان خوف ما ذكروا مانعا من تغییر المنكر، ومن األمر .بالمعروف لكان ھذا بعینھ مانعا من جھاد أھل الحرب، وھذا ما ال یقولھ مسلم

لك ویمنع منھ، والواجب أن دفع شيء من الجور، وإن قل، أن یكلم اإلمام في ذفإن امتنع وراجع الحق وأضعن للقود من البشرة أو من األعضاء وإلقامة حد الزنا

والقذف والخمر علیھ فقد نفذ أمر هللا، وامتثل لحكمھ تعالى، فإن امتنع من إنفاذ شيء : من ھذه الواجبات علیھ، وجب خلعھ وإقامة غیره ممن یقوم بالحق، لقولھ تعالى

، )2من اآلیة : المائدة(﴾ ا على البر والتقوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان وتعاونو﴿ .انتھى" وال یجوز تضییع شيء من واجبات الشرع وبا تعالى التوفیق

:التحكیممن اآلیة : اإلسراء(﴾ نھم وقل لعبادي یقولوا التي ھي أحسن إن الشیطان ینزغ بی ﴿، قال البعض إن األمة ینتفي عن أفرادھا اسم اإلیمان إال أن تقوم فیھا حكومة )53

.إسالمیة أي ولي أمر مسلم یقوم على تطبیق وتنفیذ أحكام شریعة هللام ﴿: واحتجوا لقولھم ھذا بقول هللا ـ عز وجل ـ وك فال وربك ال یؤمنون حتى یحك

ا قضیت ویسلموا تسلیما م : النساء(﴾ فیما شجر بینھم ثم ال یجدوا في أنفسھم حرجا م ).65اآلیة قل یا أھل الكتاب لستم على شيء حتى تقیموا التوراة واإلنجیل وما أنزل إلیكم ﴿

بكم ن ر ).68من اآلیة : المائدة(﴾ مإنما كان قول المؤمنین إذا دعوا إلى هللا ورسولھ لیحكم بینھم أن یقولوا سمعنا ﴿

).51اآلیة : النور(﴾ وأطعنا وأولئك ھم المفلحون لتحكیم إلى رسول هللا ـ علیھ الصالة والسالم ـ وقالوا إن اآلیة األولى أوجبت ا

والرضا بقضائھ والتسلیم بھ تسلیما، وإن ذلك ال یكون إال بقیام الحكومة اإلسالمیة وسیادة شریعة اإلسالم في األمة وإنفاذھا فعال، ألنھ إذا لم تكن شریعة اإلسالم ھي

كم إلیھا ولو على كره السائدة فالبد أن تسود شریعة أخرى یضطر الناس إلى التحامنھم، وأن یخضعوا لھا في كافة شئون حیاتھم فال یتحقق بذلك ما أمر الھ تعالى بھ

Page 125: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إن ما : من تحكیم رسول هللا علیھ الصالة والسالم والرضاء والتسلیم بقضائھ، وقالواال یتم الواجب إال بھ فھو واجب وأنھ إذا كان تحقیق حكم هللا في األرض حسبما

اآلیة الكریمة من سورة النساء ال یتم وال یتحقق إال بقیام الحكومة تقضي بھ اإلسالمیة، فإن قیامھا یكون مما نصت علیھ اآلیة وأوجبتھ فینتفي اسم اإلیمان عن

.أفراد الناس بنص اآلیة ما دام أن الحكومة اإلسالمیة غیر قائمة :ونحن نقول بعون هللا

رسول علیھ الصالة والسالم والتسلیم بقضائھ أما إن اآلیة الكریمة توجب تحكیم التسلیما، وبعبارة أخرى تحكیم شریعة هللا والرضا والتسلیم بحكم هللا فیما أحل وحرم

.فرض ونھى وأباح، فھذا حق خالص ال شبھة فیھ .أما إن التحكیم ال یكون إال بقیام الحكومة اإلسالمیة فھذا غیر صحیح

عة هللا، وبین إنفاذ حكم هللا وإجراء األحكام ویتعین التفرقة بین تحكیم شریالشرعیة على العباد فتحكیم شریعة هللا إنما یكون بالرجوع على النصوص الشرعیة التي نطق بھا الرسول ـ علیھ الصالة والسالم ـ وحیا عن ربھ، لنعرف منھا إذا كان

ما أو علینا الشيء حالال أم حراما، وھل األمر فرض أو منھي عنھ وھل لنا حق .واجب ما؟ وكل ذلك یعرف من مجرد الرجوع إلى النصوص

وھذا ھو معنى تحكیم الرسول علیھ الصالة والسالم وتحكیم الشریعة اإلسالمیة، .وأیضا معنى التحاكم إلیھا، ومعنى الرد إلیھا

وعرف حكم هللا، وجب اطمئنان -علیھ الصالة والسالم -فإذا تم تحكیم الرسول .ب أنھ الحق الواجب اعتقاده والعمل بھ، وذلك ھو معنى التسلیم بھ تسلیماالقل

.وذلك كلھ كما ترى ال عالقة لھ بوجود الحكومة اإلسالمیة أو عدمھافأنت حیثما كنت تستطیع أن ترد إلى شریعة الھ لتعرف حكم هللا فیما تأكلھ

یك وبین اآلخرین وتلبسھ، والمرأة التي یحل لك تزوجھا، والمال الذي بین یدوعالقتك مع زوجك وأوالدك، وجیرانك والقائمین على أمر البلد الذي تعیش فیھ

.ونظرتك إلى الناس في غیرھا، إلى غیر ذلك مما یشمل جمیع شئون حیاتكوأیضا فإنھ إن قامت بینك وبین غیرك منازعة حول أمر من األمور، فالفرض

، وذلك بالرجوع إلى ما قال -الصالة والسالم علیھ-علیكما أن تتحاكما إلى الرسول من أحكام الشریعة فتعرفا حكم هللا في الواقعة موضع -علیھ الصالة والسالم -بھ

التنازع، فیعرف كل ذي حق حقھ فإذا وقع االختالف على مقصود هللا من اآلیة هللا في الكریمة أو الحدیث الشریف وبعبارة أخرى إذا وقع الخالف حول حقیقة حكم

الواقعة موضوع التنازع، فال سبیل إلى قطع الخالف إال أن یقیم أحد الطرفین الحجة الالئحة على اآلخر فإذا أقام أحد الطرفین الحجة الالئحة الظاھرة الدالة على حقیقة

حكم هللا، وجب على الطرف اآلخر أن یصدع للبرھان ویعتقد بحكم هللا الذي دل علیھ

Page 126: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

بھ تسلیما، ثم ھو مأمور بعد ذلك، أي بعد أن تمت عملیة التحكیم وأنھ الحق فیسلم .والتسلیم بالطاعة أي بتنفیذ حكم هللا

وقد أسلفنا القول إن عمل الحكومة اإلسالمیة أو اإلمام المسلم أو ولي األمر المسلم، ال أن یبتدع تشریعا وال أن یقضي بما یراه بعقلھ حسنا أو حقا ولكن أن ینفذ

هللا وما قضى بھ تعالى أنھ الحق، فإذا كان الحكم الشرعي مما وقع فیھ اإلجماع، حكم فقد خرج عن مجال االجتھاد وانتفت احتماالت الخطأ والتأویل، أما إذا كان الحكم

مما تعددت فیھ اآلراء واختلفت فیھ وجھات النظر، فإن ولي األمر یجتھد ما وسعھ ثم والقاضي المسلم إنما ینوب –ا عمل ولي األمر المسلم ینفذ ما أداه إلیھ اجتھاده، فم

إال أن یأمر بإنفاذ ما یراه ھو أنھ حكم هللا حسبما یؤدي إلیھ –عنھ ویستمد والیتھ منھ اجتھاده وحسما للنزاع، وھو وبعد غیر معصوم فقد یخطئ في فھم اآلي والحدیث،

ال یحل حراما وال یحرم وقد ال یصیب حكمھ حكم هللا في الحقیقة، ولذا فإن حكمھ .حالال، والعبرة في الحالل والحرام بحكم هللا في الحقیقة

فحكم ولي األمر إنما ھو إنفاذ لما یعتقد أنھ حكم هللا وحسبما یبین لھ الحق من .الواقع واألدلة التي قد تتوافر لدى غیر ذي الحق ویعجز عنھا ذو الحق

إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ": -علیھ الصالة والسالم -یقول الرسول مثلكم، ولعل أحدكم أن یكون ألحن بحجتھ من اآلخر، فأقضي لھ على نحو ما أسمع،

اإلحكام ["فمن قضیت لھ بشيء من حق أخیھ فال یأخذه فإنما أقطع لھ قطعة من النار ].3ص1جـ: في أصول األحكام

قضي في النزاع والقضاء ھنا وظاھر من قول الرسول علیھ الصالة والسالم أنھ یبمعنى إنفاذ األمر، حسب الظاھر، وطبقا لم تثبتھ البینات وتقوم علیھ األدلة التي

یقدمھا كل من طرفي النزاع ویقول الرسول علیھ الصالة والسالم إن أحد الطرفین قد یكون أقوى حجة من اآلخر وأقدر على تقدیم البرھان، ورغم ذلك قد ال یكون

، أي أنفذ األمر لصالحھ، -علیھ الصالة والسالم - فإذا ما قضى لھ صاحب حق،فلیس معنى ذلك أن ما لم یكن لھ حق قد صار لھ حق بل ھو رغم القضاء وإنفاذ

األمر لم یزل محرما علیھ ولذا ینھاه الرسول علیھ الصالة والسالم عن أخذه ویعلمھ .أنھ إن أخذه فإنما یأخذ قطعة من النار

، والقضاء ھنا -صلى هللا علیھ وسلم -ن ھذا ھو شأن قضاء رسو هللا وإذا كابمعنى إنفاذ األمر، وھو المعصوم علیھ الصالة والسالم من الخطأ في معرفة حقیقة

حكم هللا والوھم في فھم اآلیة وحقیقة مقصود هللا تعالى منھا فغیره ممن یرد علیھ في الحركة أو الحدیث كما یرد علیھ الجھل معرفة حقیقة حكم هللا ومن الوھم في فھم

ببعض الشرائع، ھذا الغیر حكمھ ال یحل حراما وال یحرم حالال ویبقى كل من أي بالرد -علیھ الصالة والسالم -طرفي الخصومة مأمورا بالتحاكم إلى الرسول

Page 127: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

على نصوص الشریعة، ومأمورا باتباع الحق الذي یقر في قلبھ نتیجة ذلك التحكیم یقول اإلمام الشافعي [لو خفي ذلك الحق على ولي األمر أو القاضي وحكم بخالفھ و

إذ -صلى هللا علیھ وسلم -علیھ رضوان هللا تعلیقا على ما حكى عن رسول هللا -ففي حكم اللعان في كتاب هللا ثم سنة رسول هللا "العن بین أخوي بني العجالن

بغي ألھل العلم أن ینتدبوا لمعرفتھ ثم یتحروا دالئل واضحة ین-صلى هللا علیھ وسلم في غیره على مثلھ، فیؤدون الغرض -صلى هللا علیھ وسلم -أحكام رسول هللا

وینتفي عنھم الشبھة التي عارض بھا من جھل لسان العرب وبعض السنن، وغابى بین منھا أن هللا تعالى أمره أن یحكم على الظاھر وال یقیم حدا.. عن موضوع الحجة

اثنین إال بھ، ألن الظاھر شبھ االعتراف من المقام علیھ الحد أو بینھ وال یستعمل على أحد، في حد وال حق واجب علیھ، داللة على كذبھ، وال یعطي أحدا بداللة على

.صدقھ، حتى تكون الداللة من الظاھر في لعام ال من الخاصكان من بعده أولى أال -لیھ وسلم صلى هللا ع-فإذا كان ھكذا في أحكام رسول هللا

قال : ما دل على ھذا؟ قلنا: فإن قال القائل: یستعمل داللة وال یقضي إال بظاھر أبدافحكم على " إن أحدكما كاذب: "في المتالعنین-صلى هللا علیھ وسلم -رسول هللا

هللا صلى -أن أخرجھما من الحد، وقال رسول هللا : الصادق والكاذب حكما واحداإن جاءت بھ أحیمر فال أراه إال كذب علیھا وإن جاءت بھ أدیعج فال : "-علیھ وسلم

صلى هللا علیھ -فجاءت بھ على النعت المكروه، وقال رسول هللا " أراه إال قد صدقفأخبر أن صدق الزوج على المتالعنة " إن أمره لبین لوال ما حكم هللا: "-وسلم

صفتین، فجاءت داللة على صدقھ، فلم یستعمل علیھا بداللة على صدقھ أو كذبھ ب-الداللة وأنفذ علیھا ظاھر حكم هللا تعالى من إدراء الحد وإعطائھا الصداق مع قولھ

إن أمره لبین لوال ما حكم هللا، في مثل معنى ھذا من سنة -علیھ الصالة والسالم أنكم تختصمون إلي ولعل إنما أنا بشر و: "قولھ-صلى هللا علیھ وسلم -رسول هللا

بعضكم أن یكون ألحن بحجتھ من بعض فأقضي لھ على نحو ما أسمع منھ، فمن فأخبر أنھ " قضیت لھ بشيء من حق أخیھ فال یأخذه فإنما أقطع لھ قطعة من النار

یقضي على الظاھر من كالم المتخاصمین وإنما یحل لھما ویحرم علیھما فیما بینھما نقال عن ھامش 121ص5لإلمام الشافعي جـ: األم" "ما یعلمانوبین هللا تعالى على

".157-151الرسالة صوحكم القاضي ال یحل ما كان : "وفي ھذا المعنى أیضا یقول اإلمام ابن حزم

حراما قبل قضائھ وال یجرم ما كان حالال قبل قضائھ وإنما القاضي منفذ على فإذا كان حكمھ علیھ : ورد الحدیث قالالممتنع فقط ال مزیة لھ سوى ھذا، وبعد أن أ

الصالة والسالم وقضاؤه ال یحل ألحد ما كان علیھ حراما فكیف القول في قضاء أحد "].422ص9جـ: المحلى البن حزم. "انتھى" بعده؟

Page 128: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

یعرف ما قضى بھ فیتعین -صلى هللا علیھ وسلم -وباالحتكام إلى رسول هللا -عز وجل -أي االعتقاد والجازم أنھ الحق من هللا الرضاء بھ والتسلیم بھ تسلیما

الواجب طاعتھ وھذا كلھ یتم ویكون سواء وجدت حكومة إسالمیة أم لم توجد، بل إن وجود الحكومة اإلسالمیة ال یكفي لتحقیقھ، فقد توجد الحكومة اإلسالمیة ویعتقد

م بذلك الرسول ، أو ال یسلم قلب -علیھ السالم -شخص بخالف حكم هللا فال یحك .في مسألة من المسائل-علیھ الصالة والسالم -إنسان بما قضى بھ

ولیس أبین في أن التحاكم إلى شریعة هللا ال یتوقف على وجود ولي األمر المسلم سول ﴿: من ذات النصوص قال تعالى یا أیھا الذین آمنوا أطیعوا هللا وأطیعوا الر

سول وأول وه إلى هللا والر من اآلیة : النساء(﴾ ي األمر منكم فإن تنازعتم في شيء فرد، والرد المنصوص علیھ في ھذه اآلیة ھو وبال شك التحاكم، فإذا كان التحاكم )59

على شریعة هللا على قولھم ال یكون إال عن طریق ولي األمر المسلم فكیف یمكن أن د ونتحاكم إلى هللا ورسولھ إذا وقع النزاع بیننا وبین ولي األمر؟ ولقد أسلفنا نر

األحادیث اآلمرة بطاعة أولي األمر والتي تنص أیضا أنھ ال سمع وال طاعة في معصیة، ونحن ال نستطیع أن نعرف إذا كان أمر ولي األمر معصیة أم ال إال إذا

ي عرضنا األمر الصادر من ولي األمر على رددنا وتحاكمنا إلى هللا ورسولھ، أالكتاب والسنة، فنتبین أن فیھ خروجا ومعصیة ومخالفة لھما فنعرف أنھ معصیة،

فإذا كان التحاكم إلى الرسول ال یتم وال یكون كما یقولون إال عن طریق ولي األمر طاعة لھ لعجزنا عن رد أمر ولي األمر إلى الرسول وتبین ما إذا كان معصیة أم

.تعالىھو الذي –ولیس التحاكم –والحق أن إنفاذ حكم هللا وإجراء األحكام الشرعیة

یقتضي ویوجب قیام الحكومة اإلسالمیة، وما ولي األمر المسلم أو الحكومة اإلسالمیة، على ما سبق أن بینا إال تلك التي تنفذ أحكام هللا تعالى وتجري األحكام

.الشرعیة على العبادنعرف أن السرقة حرام وأن -علیھ الصالة والسالم -حن إذ نحتكم إلى الرسول فن

السارق والسارقة حكم هللا فیھما أن یعاقبا بحد معین ھو قطع الید، وھذا االحتكام یتم سواء وجدت الحكومة اإلسالمیة أم ال، ولكن البد حتى ینفذ حكم هللا في السارق

بین أمة المسلمین التي تقوم بإنفاذ تلك العقوبة والسارقة من وجود السلطة العامة .المحددة في الشریعة

.قضیة: فاالحتكام إلى شریعة هللا والرضاء بما یحكم بھ الھ تعالى ورسولھ .قضیة أخرى: وإنفاذ حكم هللا تعالى الذي یعرف نتیجة االحتكام

ینا حكم ما في وكل خطاب من هللا تعالى ورسولھ إنما یعطینا حكم ما فیھ، وال یعطالة كانت على المؤمنین ﴿: غیره، فمثال خطاب هللا تعالى إلینا باآلیة الكریمة إن الص

Page 129: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

وقوتا ، یعطینا حكم أن الصالة فرض على المؤمنین، )103من اآلیة : النساء(﴾ كتابا مذلك وأنھ فرض موصوف بوصف معین ھو الوقت وھذا ھو كل ما یعطینا حكمھ

الخطاب، أما ما خرج عن مدلول معنى خطاب اآلیة فال حكم لھا فیھ، فاآلیة ال تعطینا حكم تارك الصالة كما ال تعطینا حكما في السارق والزاني وشارب الخمر

.وإنما حكم ذلك كلھ نجده ونطلبھ من خطاب یتضمنھ.. إلى غیر ذلكفال وربك ال یؤمنون حتى ﴿واآلیة الكریمة من سورة النساء والتي نحن بصددھا

موك علیھ -، إنما تعطینا الحكم بوجوب تحكیم الرسول )65من اآلیة : النساء(﴾ یحكم -الصالة والسالم والرضاء والتسلیم بما قضى بھ، وتعطینا أیضا حكم من لم یحك

.-علیھ الصالة والسالم -الرسول أو لم یرض ویسلم بقضائھ .-علیھ الصالة والسالم -س في اآلیة حكم من لم ینفذ حكم هللا تعالى والرسول ولی

فھذه القضیة األخیرة خارجة عن مدلول خطاب اآلیة الكریمة التي نحن بصددھا .فالحكم فیھا متوقف على الدلیل الذي یرد فیھا

تكلیف كذلك فإن الخطاب الموجھ إلینا باآلیة الكریمة التي نحن بصددھا لیس فیھالنا برد ودفع ما قد یقع من عدوان یمنع من التحاكم إلى الرسول، وإنما خطابھا إلینا

وقد –والرضاء بقضائھ -علیھ الصالة والسالم -قاصر على وجوب تحكیم الرسول علمنا من آیات وأحادیث رفع اإلثم عن المكره أن حكم اآلیة التي نحن بصددھا غیر

لتحاكم إلى غیر ما قضى بھ الرسول ما دام قلبھ مطمئنا وارد على من أكره على ا .باإلیمان

.ولیس كل تكلیف بأمر یتضمن حتما تكلیفا برد العدوان المانع من تنفیذ األمر .ال یتضمن تكلیفا برد عدوان مانع من إقامتھا–كما قدمنا –فاألمر بإقامة الصالة

.قاتلة ومدافعة من منع من أدائھاواألمر بأداء فریضة الحج ال یتضمن أمرا بم .قضیة: فاألمر والخطاب الوارد بتكلیف ما

ورد العدوان المانع من تحقیق األمر والتكلیف قضیة أخرى وشریعة أخرى یقوم أذن للذین یقاتلون بأنھم ظلموا ﴿: الدلیل على وجوبھا من نصوص أخرى كقولھ تعالى

وقاتلوھم حتى ال ﴿: وكقولھ تعالى) 39اآلیة : الحج(﴾ ى نصرھم لقدیر وإن هللا عل ین إلى غیر ذلك من النصوص التي ) 139من اآلیة : البقرة(﴾ تكون فتنة ویكون الد

أوجبت رد العدوان ومدافعة المعتدین والقتال لتكون كلمة هللا ھي العلیا وتغییر المنكر .على ما سبق شرحھ

أما القول بأن ما ال یتم الواجب إال بھ فھو واجب فھذا مصطلح من وضع البشر غیر المعصومین لم یرد بھ نص من قرآن أو سنة، والذین وضعوا ھذا المصطلح

إنما عبروا بھ عن معنى الحظوه في نصوص تأتي بتكالیف قالوا إنھا لیس مقصودة یراد تحقیقھ، فاألمر بالوضوء مقصود بھ، حسبما لذاتھا، ولكن خدمة لمقصود آخر

Page 130: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

قالوا، التطھر للصالة، واألمر بطلب الماء مقصود بھ تحقیق الوضوء واألمر بغض النظر ومنع المالمسة مقصود بھ ما قد یترتب على ذلك من الوقوع في الوطء الحرام

ا حیث یكون المنھي عنھ، فعبروا عن ھذه المعاني التي الحظوھا بذلك المصطلح، أمالخطاب باألمر یتضمن اإلتیان بأعمال البد منھا لتنفیذ األمر، فقد اعتبر بعض

الفقھاء تلك األعمال من قبیل ما ال یتم الواجب إال بھ فھو واجب، والحق ما قال بھ آخرون من أن تلك األعمال ھي من مدلول ذلك الخطاب ومما یقتضیھ حتما تنفیذ

كاألمر [ه بحال من األحوال بدونھا فھي جزء من ذات األمر األمر، إذ ال یأتي تنفیذإتیان : فالحج لغة ھو القصد في األمر بالقصد إلى البیت الحرام معناه اللغوي: بالحج

الحركات الالزمة لالنتقال من حیث یوجد المرء إلى حیث یوجد البیت الحرام فلیس یتم الواجب إال بھ إنما ھو ذات االنتقال إذن إلى البیت الحرام بالسفر من قبیل ما ال

].التكلیف المأمور بھ" ما ال یتم الواجب إال بھ فھو واجب"ذھب البعض إلى محاولة اتخاذ مصطلح .كقاعدة شرعیة، غیر أنھم اختلفوا في تطبیقھا

وحتى الذین حاولوا جعل ذلك المصطلح قاعدة فإنھم لم یزعموا أن حكم ما ال یتم ھ، ولذا اعتبروه واجبا ھو ذات حكم الواجب األصلي، فعدم الواجب األصلي إال ب

.غض النظر أو المالمسة غیر المشروعة لیس حكمھا الزناوحیازة الخمر وبیعھا إثم ال شك فیھ ولكن حكم الحائز والبائع لیس حكم الشارب

.والعبرة في تحدید األحكام بالنص الوارد في شأن كل منھافال وربك ال أن اآلیة الكریمة ﴿–و وال یصح وھ–وعلى ذلك فإنھ لو صح

، تتضمن تكلیفا برد العدوان الذي قد یقع ویمنع )65من اآلیة : النساء(﴾ . . یؤمنون من التحاكم إلى الرسول علیھ الصالة والسالم، فإنھا ال تتضمن حكم القاعدة عن أداء

.ذلك التكلیف ورد العدوانخطأ في التفسیر الذي قالوا بھ لھذه اآلیة ووجھ الخطأ في ومن ذلك یتضح وجھ ال

.االستناد إلیھا للزعم بانتفاء اإلیمان عن الناس ما لم تقم الحكومة اإلسالمیةعلى أنھ یتعین علینا أن نفرق بین القول بانتفاء اإلیمان عن كافة أفراد األمة إذا لم

ذي یستجیز عدم قیامھا، فالمستحل تكن الحكومة اإلسالمیة قائمة، وبین حكم الفرد العدم قیام الحكومة المسلمة بعد علمھ بالنصوص القاطعة الداللة على وجوبھا، جاحد للنص مستجیز خالف هللا تعالى ورسولھ، وھذا كافر مشرك بال خالف، أما المعتقد

بوجوبھا، وأن أمر هللا أن تقوم الحكومة اإلسالمیة، فإنھ إن قعد عن العمل على .مھا فھو فاسق آثم كما قدمنا ما لم یكن معذورا بعذر شرعي مقبولقیا

والحق أن القول بانتفاء اسم اإلیمان عن جمیع أفراد األمة إذا لم توجد الحكومة اإلسالمیة یؤدي إلى نتائج خطیرة تعارض النصوص القاطعة واإلجماع، إذ مما ال

Page 131: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

، خطابھا عام موجھ إلى جمیع )65آلیة من ا: النساء(﴾ فال وربك شك فیھ أن اآلیة ﴿اإلنس والجن، ومقتضى القول الذي قالوا بھ أنھ ال یؤمن أحد حتى تقوم الحكومة

اإلسالمیة التي تحكم العالم كلھ وتمنع الحاكم في أي جھة ما وفي أي بقعة من ن ینتفي اسم اإلیمان ع–طبقا لذلك القول –األرض غیر شریعة هللا تعالى، كما أنھ

جمیع المسلمین وعن جمیع الناس إذا وجد مسلم في بقعة من األرض مكرھا على التحاكم إلى شریعة غیر شریعة اإلسالم، كما أنھ إذا عدل الحاكم المسلم في قضیة ما عامدا عن أمر هللا فإنھ ینتفي اسم اإلیمان عن جمیع أفراد األمة ألنھ متى عدل الحاكم

في قضیة ما فقد انتفت عنھ فیھا صفة اإلمام الحق، فینتفي عامدا عن أمر هللا تعالىفي لحظتھا وجود ولي األمر المسلم، وتكون قد سادت بحكمھ غیر الموافق للشریعة، شریعة غیر شریعة هللا تعالى، ومعنى ھذا أنھ لم یكن ھناك مسلم على وجھ األرض

.-علیھ الصالة والسالم -في أي وقت ما غیر الرسول إن الحكم الوارد في تلك اآلیة ھو تكلیف موجھ إلى : نقول بعون هللا تعالىونحن

فیما یعرض لھ من كافة -علیھ الصالة والسالم -كل فرد بعینھ أن یحكم الرسول شئون حیاتھ سواء في ذلك المعتقدات أو العبادات أو المعامالت وغیرھا فیرد في

ى بھ الرسول وحیا عن ربھ ثم یعتقد ذلك كلھ إلى شریعة هللا تعالى، فیعرف ما قضجازما أن ذلك ھو الحق الواجب االتباع فیسلم بھ تسلیما، وإن من لم یرتض تحكیم

.الرسول بقلبھ أو بقولھ أو لم یسلم تسلیما بقضائھ فقد انتفى عنھ اسم اإلیمانوسبق بیان عذر الجاھل بجھلھ والمخطئ في اجتھاده بخطئھ، والمكره والمضطر

.ا ھو واقع علیھ من إكراه واضطراربمقل یا أھل الكتاب لستم على شيء حتى تقیموا التوراة ﴿: أما اآلیة الكریمة

بكم ن ر فیكفي لبیان وجھ الخطأ ) 68من اآلیة : المائدة(﴾ واإلنجیل وما أنزل إلیكم مقام أنھا بعض سور المائدة التي نزلت بالمدینة بعد ھجرة لالحتجاج بھا في ھذا الم

إلیھا، وبعد أن كانت دعوة اإلسالم موجھة للعالمین -علیھ الصالة والسالم -الرسول وللناس كافة بما فیھم أھل الكتاب، وكان الفرض على ھؤالء أن یؤمنوا أن محمدا

لصالة والسالم ـ فینصاعوا عبد هللا ورسولھ وأن یؤمنوا بجمیع ما جاء بھ ـ علیھ الحكمھ ولجمیع الشرائع التي أتى بھا وال شك أن شریعتھ ناسخة لكافة ما سبقھا فال

یتأتى أن یكون أھل الكتاب كانوا مكلفین في ذات الوقت بإقامة دولة أو حكومة إلنفاذ حكم التوراة واإلنجیل والشرائع التي وردت بھما بعد نسخھا، اللھم إال إذا قیل إن

المقصود إقامة ما في التوراة واإلنجیل من شرائع لم تنسخ تقضي بأن هللا واحد ال شریك لھ، ومن نصوص منذرة بمبعثھ علیھ ودالة على صدق رسالتھ وأن الناس

جمیعا ومنھم أھل الكتاب علیھم أن یؤمنوا بھ علیھ الصالة والسالم وبكل ما جاء بھ .وأن یخضعوا لحكمھ وینضووا تحت لوائھ

Page 132: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إنما كان قول المؤمنین إذا دعوا إلى هللا ورسولھ لیحكم بینھم ﴿: أما اآلیة الكریمةفحق، وھي تكلیف ) 51اآلیة : النور(﴾ أن یقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك ھم المفلحون ب على مجموع من الناس، بصرف شخصي لكل فرد، ولیس فیھا حكم عام ینسح

النظر عن موقف كل منھم وعقیدتھ وقولھ وعملھ، وما سبق أن قلناه ھو ما حكمت بھ ھذه اآلیة وغیرھا من اآلیات التي سبق لنا االستدالل بھا ونحن نقول بما قالھ هللا عز وجل من أنھ لیس بمؤمن من إذا دعي إلى هللا تعالى ورسولھ لمعرفة الحكم في أمر

متنازع علیھ، أبى وأعرض مستكبرا مستحال خالف هللا تعالى ورسولھ ولم یقل .سمعنا وأطعنا

وقد سبق أن قلنا إن من أعرض حرا مختارا عن حكم هللا، وأبى االحتكام إلى شریعة هللا تعالى التي بلغتھ وعاند بلسانھ أو بقلبھ فھو كافر مشرك بال خالف، وأما

سلم بقلبھ، أي عمل عمال على خالف األمر معتقدا بطالن من عاند بعملھ بعد أن عملھ وأنھ بعملھ عاص ألمر هللا ورسولھ الواجب لھما االتباع والطاعة، فذلك فاسق

. عاص وإن لم یخرج عن اإلسالم ولم ینتف عنھ اسم اإلیمان :الحكم والمعلوم من الدین بالضرورة

، الذي ال یحكم بما أنزل هللا كافر إن الحاكم بمعنى ولي األمر: قال البعضمن : المائدة(﴾ ومن لم یحكم بما أنزل هللا فأولئك ھم الكافرون ﴿: بصریح قولھ تعالى

، وقالوا إن حكم ھذه اآلیة من المعلوم من الدین بالضرورة، وإن حال )44اآلیة الناس بالضرورة أیضا فلزم من ذلك الحاكم الذي ال یحكم بما أنزل هللا معروف لدى

ضرورة أن یقطع كل مكلف بكفر ذلك الحاكم وأن یعتقد ذلك فیھ بقلبھ ویعلنھ بلسانھ، فمن توقف عن الحكم على ذلك الحاكم بذلك فھو قد أنكر معلوما من الدین بالضرورة

الحاكم، فھو كافر، ومن باب أولى من لم یتوقف، بل لم یوافق على الحكم بتكفیر ذلك وأن من لم یحكم بتكفیر ذلك الحاكم فھو بدوره لم یحكم بما أنزل هللا فھو وكافر،

.وھكذاالمعلوم من "ونرى أنھ یلزمنا أن نبدأ بتعریف المقصود بالمصطلح الموضوع

".الدین بالضرورةقال : الجھل وعدم العلم، وھذا ثابت بصریح نص القرآن: األصل في اإلنسان

ن بطون أمھاتكم ال تعلمون شیئاوهللا ﴿: تعالى ، ثم )78من اآلیة : النحل(﴾ أخرجكم مبالبدیھة التي ركبھا هللا في اإلنسان وعن طریق الحواس مثل السمع والبصر والمذاق

واللمس یكتسب اإلنسان ما یعلم، وما یعلمھ اإلنسان قد یقصد إلیھ قصدا فیتعمد أن علمھ، وقد ال یقصد اإلنسان تعلم شيء ولكنھ یعلمھ على غیر إرادتھ بل یتعلمھ فی

یعلمھ ولو على كره منھ، فإذا وقع البصر على شيء فقد علم من وقع بصره علیھ وأدرك منھ ما شاھده سواء قصد النظر إلى ذلك الشيء أم لم یقصد، ومن وصل إلى

Page 133: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

لو كان الصوت قد وصل إلى أذنھ كالم فإنھ قد علم بمضمون ذلك الكالم ومعناه و .أذنھ على غیر رغبة منھ

وبطبیعة معیشة اإلنسان ضمن جماعة من الناس فإنھ البد وأن یقع بصره على كثیر من أحوالھم الظاھرة وأن یصل إلى سمعة الكثیر من أقوالھم وأصواتھم التي

.یجھرون بھا .كھ سائر حواسھفیعلم بالضرورة ما یصل إلى سمعھ وما یقع علیھ بصره وما تدر

وما یصل إلى علم اإلنسان من أخبار تختلف طرقھا، فقد یراه ببصره من حال شخصھ واحد أو مجموعة من الناس، وقد یسمعھ من شخص أو مجموعة من الناس،

وأقوى وأصدق طرق نقل األخبار ما نقلھ كافة الناس جیال بعد جیال بغیر اختالف بصحة الخبر وصدقھ، إذ من الممتنع في طبیعة وال تبدیل، ومع التسلیم من الجمیع

البشر أن تتفق الجموع المختلفة المشارب واألھواء والطبائع والمصالح على ابتداع قصة مكذوبة أو خبر غیر صحیح وتتناقلھ فیما بینھا جیال بعد جیل دون أن یظھر

ومكذب، الكذب أو تختلف في شأنھ الروایات أو ینقسم الناس حیالھ ما بین مصدق ومسلم ومستریب، ومن ثم فإن الخبر المنقول نقل الكافة دون اختالف مع اإلجماع

.على حقیقتھ، یوجب ضرورة العلم، ویقین صدق الخبرومن المعلومات ما البد أن یعلمھ الشخص لینصف بصفة معینة فإذا جھلھ انتفت

.عنھ تلك الصفة :بالضرورة ینقسم إلى قسمینفإذا ما تقرر ھذا قلنا إن المعلوم من الدین

شھادة أن ال إلھ إال هللا وأن محمدا رسول هللا، فھذه البد أن یعلمھا اإلنسان : أولھماحتى تلحقھ صفة اإلسالم، ویقع علیھ اسم المسلم أو المؤمن، فمن لم یعلم ھذه الشھادة

ن قدمنا وینطق مقرا بھا فھو لیس في أحكام ھذه الدنیا في عداد المسلمین، وسبق أ .البرھان على ذلك

األمر والعمل بھا -علیھ الصالة والسالم -أحكام بشرائع كرر الرسول : ثانیھماعلى مأل من الناس واستفاض العلم بھا بین المسلمین، ونقل إلینا خبر وجوبھا

وفرضھا أو النھي عنھا نقل الكواف عن الكواف مع اإلجماع على أنھا فرض أو نھي ین المسلمین في ذلك، أي أنھا نقلت إلینا عن طریق موجب ضرورة دون أي خالف ب

التصدیق وبات حكمھا خارجا عن مجال االجتھاد واحتمال الخطأ وھي لم یزل خبرھا مستفیضا بین المسلمین مسلما بصحتھ ومعموال بھ جھارا بین الناس، فال

الھم ویسمع من یعیش إنسان فترة بین جماعة من المسلمین إال ویشاھد من أحوأقوالھم التي یجاھر بھا ما یوجب ضرورة علمھ بتلك الفرائض والنواھي، فال یقبل

وجوب الصلوات : منھ بعد االدعاء بجھلھا أو المجادلة في صحتھ، مثال ذلكالمفروضة وأنھا خمس صلوات في الیوم واللیلة وعدد ركعات كل منھا بالنسبة للمقیم

Page 134: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

رة استقبال الكعبة ثم قیام وركوع وسجود، ووجوب وھیأتھا العامة من حیث ضروصیام شھر رمضان ولزوم الحج إلى البیت الحرام وأن ثمة زكاة مفروضة في أموال األغنیاء وحرمة دماء المسلمین وأموالھم وأعراضھم وكما قدمنا فإن أساس افتراض

حد وبحیث البد العلم بھذه الشرائع كثرة العمل بھا جھارا بحیث ال یخفى أمرھا على أوأن یقع بصر المقیم بین المسلمین ویصل إلى سمعھ ما یوجب علمھ ضرورة بھا، وأن الجمیع مسلم بوجوبھا وأنھا فریضة من فرائض اإلسالم شرعھا هللا تعالى، ال

لم یرد بھا نص من " المعلوم من الدین بالضرورة"یختلف أحد في ذلك، وقاعدة ، وإنما ھي نتیجة استقراء -علیھ الصالة والسالم -لرسول كتاب هللا تعالى أو سنة ا

، فإن -عز وجل -حال الناس ومالحظة الواقع المشاھد، وإذ ال یعلم الغیب إال هللا أحدا ال یستطیع أن یقطع على الغیب باستحالة أن یكون قد شذ عن تلك القاعدة شاذ،

أن یكون قد وصلھ العلم، فلم یصلھ العلم رغم تواجده في الظروف المفترض فیھاولذا فإن جمھور فقھاء المسلمین على أنھ إذا ما قام ما یستراب معھ أن یكون

الشخص قد وصلھ العلم فعال فلم نستطع أن نتیقن من ذلك ونقطع بھ، فإنھ یتعین عدم مؤاخذة ذلك الشخص واعتباره جاھال معذورا بجھلھ فال ینتفي عنھ اسم اإلیمان

لشرائع أو بعضھا أو إلنكاره إیاھا، وإنما یبلغ الحق ویعلم ما جھل ومتى بجھلھ تلك اقامت علیھ الحجة، ومن ظھر لھ نقل الكافة واإلجماع، لم یقبل منھ جدل وال إنكار،

وسبق أن قدمنا مثال عن واقعة حدثت فعال، تلك الخاصة باألعجمیة التي كانت -رضي هللا عنھ -راب عثمان بن عفان جاریة لعبد الرحمن بن حاطب والتي لما است

في أنھا تجھل حرمة الزنا، إذ رآھا تستھل بما قارفتھ وال تنكره كأنھا ال تعلم حرمتھ، -فإنھ لم یر وجوب الحد علیھا ورأى أن تعذر بجھلھا ووافقھ عمر بن الخطاب

.على ذلك-رضي هللا تعالى عنھ ن لم یحكم بما أنزل هللا فأولئك ھم وم ﴿: وقد توھم البعض أن قول هللا عز وجل

مقصود بھ الحاكم بمعنى ولي األمر أو القاضي ) 44من اآلیة : المائدة(﴾ الكافرون وھذا غیر صحیح، وإنما اآلیة عامة في كل من حكم في دین هللا تعالى سواء كان

ناس إذ تخصیص النص بغیر ولي أمر أم قاضیا أم مفتیا أم غیر ذلك من عامة ال .برھان مما ال یجوز شرعا

إنفاذ األمر في قضیة ما وھو في الدین تحریم أو إیجاب أو : ذلك أن معنى الحكم1جـ: اإلحكام في أصول األحكام البن حزم[وإباحة مطلقة أو بكراھة أو باختیار

].49ص .فعلفالحكم إذن ھو وبإنفاذ األمر أو وضع صفة شرعیة للشيء أو ال

وضع : وأحكمھ. أحكم الشيء استحكم، وحكم العرس: قال صاحب أساس البالغة: جعلوه حكما، وحكمھ في مالھ فاحتكم وتحكم، وفي الحدیث: علیھ الحكمة، وحكموه

Page 135: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

وھم الذین حكموا في القتل واإلسالم فاختاروا الثبات على " إن الجنة للمحكمین"یفصل في : وھو یتولى الحكومات: فعتھاإلسالم، وحاكمتھ إلى القاضي أي را

.الخصوماتالقضاء، وقد حكم بینھم بحكم بالضم حكما، : الحكم: وقال صاحب مختار الصحاح

المتقن لألمور، وقد حكم أي صار حكیما، : وحكم لھ وحكم علیھ، والحكم أیضا .وحكمھ في مالھ تحكیما، إذ جعل إلیھ الحكم فیھ فاحتكم علیھ في ذلك

باألمر وللرجل أو علیھ : حكم حكما وحكومة: ال صاحب القاموس المنجدوقحكم : فوض إلیھ الحكم فیھ، تحكم في األمر: وبینھم، قضى وفصل وحكمھ في األمر

تصرف : فیھ وفصل برأي نفسھ من غیر أن یبرز وجھا للحكم فیھ، احتكم في الشيء .الفاصل: ، الحاكممنفذ الحكم: القضاء، الحكم: فیھ وفق مشیئتھ، الحكم

وإذ ذلك ھو معنى الحكم فإن كل معتقد في دین هللا یكون، باعتقاده حاكما فیما اعتقد ویكون كل قائل في دین هللا حاكما بقولھ فیما قال بھ، ویكون كل عامل حاكما

.بعملھ الذي فعلھ ویستوي في ذلك ولي األمر والقاضي والمفتي وأي شخص آخر-علیھ الصالة والسالم -ا البرھان من كتاب هللا وسنة رسولھ ولقد سبق أن قدمن

على أن العامل من المسلمین على خالف أمر هللا تعالى ال یكون كافرا إال ما استثنى بنص خاص یقضي بأن فاعلھ ینتفي عنھ اسم اإلیمان رغم نطقھ بالشھادتین، ومن ثم

.أن یكون جاھداخرج الحاكم بعملھ من عموم نص اآلیة الكریمة غال ولقد اختلف موقف الفقھاء بالنسبة لولي األمر أو القاضي حین یحكم أي یأمر

بتنفیذ أمر على خالف حكم هللا تعالى، وھذا االختالف سبق أن أشرنا إلیھ فیما نقلناه وسبق ذكر خالف لفظي ] من ھذا البحث49انظر ص[عن شارح العقیدة الطحاویة

ماع أھل السنة على أن الحاكم بمعنى المنفذ لألمر أو قاصر على التسمیة إذ إجواآلمر بتنفیذ أمر على خالف حكم هللا ال ینتفي عنھ اسم اإلیمان إال أن یكون جاحدا،

إن المتكلمین من الفقھاء في : "ونزید ھذه المسالة بعض اإلیضاح فنقول بعونھ تعالى :معنى اإلیمان انقسم قولھم على أربعة أوجھ

القول بأن اإلیمان ھو مجرد التصدیق بالقلب أي المعرفة والعلم بالقلب : األولفقط، ولو نطق اللسان على خالف ذلك، وھذا القول خرج من قال بھ من اإلسالم لجحده النص الصریح على وجوب النطق باللسان، ولكان مقتضاه الحكم بإسالم

وجحدوا ﴿: ند هللا تعالىفرعون، إذ ھو قد استیقن أن موسى علیھ السالم رسول من علقد علمت ما أنزل ھؤالء إال رب ، ﴿)14من اآلیة : النمل(﴾ بھا واستیقنتھا أنفسھم ماوات واألرض ، ومقتضاه أیضا أن الیھود )102من اآلیة : اإلسراء(﴾ الس

واستیقنوا أن محمدا علیھ الصالة والنصارى ھم من أھل الجنة ألنھم عرفوا هللا

Page 136: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الذین آتیناھم الكتاب یعرفونھ كما یعرفون أبناءھم والسالم رسول حق من عند هللا ﴿نھم لیكتمون الحق وھم یعلمون ).146اآلیة : البقرة(﴾ وإن فریقا م

مان ھو القول باللسان فقط دون عقد القلب أي التصدیق القول بأن اإلی: ثانیابالقلب، وھذا القول أیضا خرج القائلون بھ عن اإلسالم لجحدھم النص الصریح

ین ﴿: بضرورة التصدیق بالقلب من : البینة(﴾ وما أمروا إال لیعبدوا هللا مخلصین لھ الدالمنافقین، وھم الذین قالوا بألسنتھم باإلیمان ولجحدھم النص الصریح أن) 5اآلیة

.ولم یعقدوا ذلك بقلوبھم، كاذبون، وفي الدرك األسفل من النارالقول بأن اإلیمان تصدیق أي عقد بالقلب وقول باللسان وال یزید وال ینقص، : ثالثا

وأما األوامر والنواھي فھي من شرائع اإلیمان ولیست من اإلیمان، وما ورد من ﴾ وما كان هللا لیضیع إیمانكم ﴿: -عز وجل -لنصوص بتسمیتھا إیمانا كقول هللا اأي صالتكم إلى بیت المقدس، فھو على سبیل المجاز، وبھذا ) 143من اآلیة : البقرة(

.-رضي هللا عنھ -القول یقول اإلمام أبو حنیفة وھو 194إلیمان البن تیمیة صكتاب ا[ما قال بھ جمھور فقھاء المسلمین : رابعا

قول سائر فقھاء أھل الرأي في جمیع األقطار منھم مالك ابن أنس واللیث بن سعد ، من ]وسفیان الثوري واألوزاعي وابن حنبل والطبري وابن حزم ومن سلك سبیلھم

أن اإلیمان مصطلح شرعي معناه التصدیق بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح لألوامر والنواھي، والتصدیق بالقلب ال یزید وال ینقص وھو بعض أي االمتثال

.اإلیمان، ویزید اإلیمان بالطاعة وینقص بالمعصیةوتبعا لھذا االختالف في مسمى اإلیمان بین أھل اإلسالم أي أصحاب القولین

مر الثالث والرابع، اختلفوا في تسمیة من حكم بغیر ما أنزل هللا بمعنى أنفذ األمر أو أبإنفاذ األمر على خالف ما أمر هللا تعالى بھ، فالذین قالوا بأن األعمال لیست من

اإلیمان وإنما ھي من شرائع اإلیمان وإنما تسمى على سبیل المجاز، قالوا إنھ یسمى كافرا أیضا كفرا عملیا أو كفرا دون كفر أي لیس بالكفر المخرج عن اإلیمان،

تى قام الدلیل باإلجماع على أنھ لیس بخارج بعملھ ھذا عن إنھ م: وبعضھم اآلخر قالاإلسالم، فإن ذلك مفاده تخصیص اآلیة، وأنھا ال تشملھ فال یجوز تسمیتھ كافرا،

.وإنما ھو فاسق عاص شأنھ شأن كل عامل على خالف األمرأما الحاكم على خالف األمر بمعنى المعطي صفة شرعیة للشيء أو الفعل على

ر هللا فھو باإلجماع مستجیز خالف هللا ورسولھ جاحد للنص المعلوم لھ، خالف أم .كافر مشرك

وإذا تبین ھذا، وعلمت ما سبق أن شرحناه في تعریف المعلوم من الدین بالضرورة وعلمت أن الفرق واضح بین ما تقتضیھ البدیھة من ضرورة علم المسلم

حكم المخالف ألمر هللا تعالى إال بوجوب طاعة هللا، وبین ماال یتأتى لھ من علم ب

Page 137: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

بوصول أمر الھ إلیھ في ھذا الشأن وبلوغ الحكم إلیھ في ذلك، وإذا ما علمت أن أحدا ومن لم یحكم بما من الفقھاء لم یقل بأن الحكم الشرعي المستنبط من اآلیة الكریمة ﴿

، باإلضافة إلى غیرھا من )44من اآلیة :المائدة(﴾ أنزل هللا فأولئك ھم الكافرون اآلیات على ما سبق شرحھ ھو من المعلوم من الدین بالضرورة، وإذا ما كان واقع

حال الناس یشھد أن الغالبیة ال تعرف شیئا عن مضمون اآلیة واألحكام الشرعیة التي الصحاح تدل علیھا باالنضمام إلى غیرھا من اآلیات، وإذا علمت أیضا أن األخبار

قد وردت بأن الصحابي الجلیل ابن عباس رضي هللا عنھما الذي ضمھ رسول هللا ] 29ص1جـ: البخاري" [اللھم علمھ الكتاب: "صلى هللا علیھ وسلم ودعا لھ قائال

إن اآلیة لیست على ظاھرھا وإطالقھا وإن : والتابعي الجلیل طاووس الیماني قائالهللا جاحدا، وأن من أقر بحكم هللا وحكم أي أقام الكافر ھو من حكم بغیر ما أنزل

وبذلك قال السدي وعطاء وجمیع فقھاء أھل : األمر على خالفھ، فھو ظالم فاسقھو قول أبي حنیفة ومالك والشافعي وابن حنبل وابن حزم وابن القیم وابن [السنة

فیر مرتكب تیمیة وجمیع الفرق اإلسالمیة إال الخوارج والمعتزلة الذین قالوا بتكوأن ھذا ھو المدون في كتب الفقھ وتفاسیر القرآن المتداولة بین أیدي الناس، ] الكبیرة

وإذا أضفت إلى ذلك أن تبین الجحود مما یدق وتختلف فیھ أوجھ النظر خاصة بالنسبة لمظھر شعائر اإلسالم، وضح لك عدم صواب القول بأن اآلیات الكریمة

ونھا من المعلوم من الدین بالضرورة وما بنوه على ذلك والحكم الذي قالوا إنھ مضم .من أحكام بتكفیر عامة الناس

والحق أن من لم یظھر لھ وجھ الحق في مسألة أو عجز عن فھم حكم هللا في موضوع أو وكان علمھ دون أن یستطیع استنباط األحكام الشرعیة من مجموع اآلي

ذلك بحكم ال یعلم صوابھ من خطئھ واألحادیث فإن واجبھ أن یمسك عن القول فيمن اآلیة : اإلسراء(﴾ وال تقف ما لیس لك بھ علم ﴿: فقد نھاه هللا عن ذلك، قال تعالى

م ربي الفواحش ما ظھر منھا وما بطن واإلثم ﴿: ، وقال عز وجل)36 قل إنما حرل بھ سلطانا وأن تقولوا على هللا ما ال والبغي بغیر ال ما لم ینز حق وأن تشركوا با

، وسبق أن ذكرنا خبر عجز عمر بن الخطاب رضي )33اآلیة : األعراف(﴾ تعلمون هللا تعالى عنھ عن فھم آیة الكاللة رغم تكرار سؤالھ للرسول علیھ الصالة والسالم

.قدح ذلك في إیمانھ شیئاوما

Page 138: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الكفر بالطاغوت:الفصل التاسع

فقد ﴿ شد من الغي فمن یكفر بالطاغوت ویؤمن با ین قد تبین الر ال إكراه في الد، وقال )256اآلیة : البقرة(﴾ لیم استمسك بالعروة الوثقى ال انفصام لھا وهللا سمیع ع

ألم تر إلى الذین یزعمون أنھم آمنوا بما أنزل إلیك وما أنزل من قبلك ﴿: تعالى) 60من اآلیة : النساء(﴾ یریدون أن یتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن یكفروا بھ

﴾والذین اجتنبوا الطاغوت أن یعبدوھا وأنابوا إلى هللا لھم البشرى﴿: وقال عز وجلوما ماثل ذلك من اآلیات وقالوا إن هللا أمر باإلیمان بھ تعالى ). 17من اآلیة : الزمر(

لطاغوت وذلك ھو والكفر بالطاغوت فال سبیل إلى قسم ثالث فإما إیمان با وكفر با .اإلسالم وإما اتباع للطاغوت وذلك كفر با

وقالوا أیضا إن الكفر بالطاغوت مقتضاه الحكم علیھ بأنھ كافر ومن لم یعتقد ذلك فیھ بقلبھ وینطق معلنا ذلك بلسانھ فھو لم یحكم بما أنزل هللا فھو كافر، ومن لم یحكم

..زل هللا فھو كافر وھكذابكفر ھذا األخیر فھو بدوره لم یحكم بما أن :ونحن نقول بعون هللا تعالى

من الطغیان، وھو كل ما زاد على الحد المقرر لھ، وكانت : إن الطاغوت في اللغةالعرب تطلق اسم الطاغوت أیضا على كل من عبد من دون هللا، یقول القرطبي

من طغا یطغو، والطاغوت مؤنثة ]: "281ص3جـ: الجامع ألحكام القرآن للقرطبي[أصل طاغوت في اللغة مأخوذ من : أو طغا یطغى، إذا جاوز الحد بزیادة علیھ، وقیل

الكاھن، والشیطان : والطاغوت: الطغیان یؤدي معناه من غیر اشتقاق، قال الجوھري .انتھى" وكل رأس في الضالل والجمع طواغیت

قد یكون ذات وعلى ذلك فإن الطاغوت قد یكون الوثن أو الصنم أو الشخص، و .الشریعة الزائدة عن حد هللا تعالى

.والنصوص السالف ذكرھا صریحة في أمرھا أن نكفر بالطاغوت وأن تجتنبھومعنى الكفر بالشيء أن نجحده ونستره أن ننكره ونكذب بدعواه ونعتقد بطالنھ

.وأنھ غیر حق .أال نطیعھ فعال واجتناب الطاغوت معناه أال نتبعھ وأال نعتقد أن لھ طاعة واجبة و

وفرق كبیر بین أن نكفر بالطاغوت فننكره ونجحده ونكذب بدعواه، وال نتبعھ وال .نطیعھ، وبین أن نصدر علیھ حكما بأنھ كافر

فھذه قضیة وتلك قضیة أخرى متمایزة عنھا مختلفة والواجب عدم الخلط بین أخرى، إنما فیھا القضیتین واآلیات التي أوردناھا وما جاء في معناھا من نصوص

إلزاما بالكفر بالطاغوت فیكفینا أن نعرف أنھ أمر خارج عن حد هللا تعالى فننكر

Page 139: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

علیھ ذلك الخروج ونجحده ونكذب بدعواه الخارجة عن حد هللا تعالى، وأال نعتقد أنھ .واجب الطاعة، وال نطیعھ فعال

وثن أو الصنم حقیق فإذا كان الطاغوت وثنا أو صنما فإننا ننكر أن یكون ذلك البالتعاظم أو اإلجالل ویتعین أن نكون على یقین من أنھ ال یضر وال ینفع وال یتعین

علینا اجتنابھ أي اجتناب تعظیمھ وإجاللھ وإقامة الشعائر لھ أو طلب البركة منھ، فمن وفقھ هللا تعالى لذلك فقد استوفى األمر الوارد بالنصوص، أما الحكم واالعتقاد بأن

نم أو الوثن كافر فھذا ما ال ذكر لھ في تلك النصوص بل إن هللا عز وجل أعلمنا الصأن ذلك الصنم أو الوثن جماد غیر عاقل وال ممیز وال مكلف وال یحكم علیھ بكفر أو

.إسالموقد یكون الطاغوت شریعة، من قال بھا لیس بكافر وال بعاص بل محسن مأجور

جتھدا ورعا لم یصب وجھ الحق في إحدى فتاویھ عن هللا تعالى، فلو أن عالما موظھر لنا خطأه واضحا ال لبس فیھ، فإن فتواه تكون شریعة طاغیة من اتبعھا بمعنى

االتباع في الشرع الذي سبق أن أوضحناه فھو قد اتبع الطاغوت ما دام ظھر لھ ن مأجور عند بطالنھا، وذلك ال یغیر شیئا من أن الذي أفتى بتلك الفتوى مجتھد محس

.هللا تعالى على اجتھاده وقصده وجھ الحق وإن أخطأه .والقول إن هللا تعالى قد أمرنا باإلیمان بھ، والكفر بالطاغوت حتى خالص

والقول إن هللا تعالى قد أمرنا بطاعتھ واتباع رسولھ علیھ الصالة والسالم حق .خالص واجب اعتقاده والعمل بھ وتنفیذه

حق خالص سواء أكان االتباع بالمعنى : أمرنا بعدم اتباع الطاغوتوالقول بأن هللا الشرعي أي االنقیاد المطلق أم بالمعنى اللغوي أي مجرد العمل باألمر ولو مع اعتقاد

.بطالنھ، ذلك بأن هللا تعالى لم یأمرنا قط بالعصیانإیضاح فتلك جملة تحتاج إلى تفسیر و: أن من اتبع الطاغوت فھو كافر: أما القول

سبق ذكرھما، وقلنا إنھ إذا كان االتباع بمعنى االنقیاد المطلق ووجوب الطاعة من دون هللا فإن المتبع بھذا المعنى یكون كافرا بال جدال وأما إذا كان االتباع بالعمل

دون االعتقاد بضرورة االنقیاد المطلق أي مع اإلقرار بأن العمل عصیان ألمر هللا، الف ذلك ال یغیره، فإن المتبع أو المطیع بھذا المعنى عاص لیس وأمر اآلمر على خ

.بكافر إال ما ورد فیھ النص بأن عاملھ ینتفي عنھ اسم اإلیمان بمجرد العملوقد أسلفنا أیضا الفرق بین المعصیة والكفر، وقد علم هللا تعالى أن عباده یعصون

الشیطان والھوى، –لعقیدة بالعمل دون ا–بعض أوامره ونواھیھ ویتبعون في ذلك وفرق سبحانھ وتعالى، رحمة بنا، بین العصیان الذي سماه شركا وكفرا وبین

العصیان الذي سماه سبحانھ وتعالى ذنبا یغفر أو قد أو قد ال یغفر ویجازي مرتكبھ التي حكم هللا تعالى " المعاصي"بالعذاب ولكن ال یخلد في النار وتلك ھي المعصیة

Page 140: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إن ھي إال أسماء ﴿: ھا ال ینتفي عنھ اسم اإلیمان، وقلنا إن األسماء تعالىأن مرتكبا أنزل هللا بھا من سلطان یتموھا أنتم وآباؤكم م ).23من اآلیة : النجم(﴾ سم

ن وقلنا إنھ ال یجوز أن نطلق اسم الكفر أو الشرك على من لیست ھذه صفتھ في دیهللا كما ال یجوز أن نطلق اسم اإلیمان أو اإلسالم على من لیست ھذه صفتھ في

.شریعة هللا تعالىوأوضحنا أن ھذه معان شرعیة یلزمنا الوقوف عندھا واعتقادھا والعمل بھا، وإال

.حرفنا الكالم عن مواضعھ، وابتدعنا أسماء وصفات ما أنزل هللا بھا من سلطاناغوت مصطلح شرعي ال یسمى بھ إال من كان كافرا إن الط: وقال البعض

مشركا، ومن ثم فإنھ یتعین الحكم بكفر الطاغوت،ن ونحن ال نعلم نصوصا تؤید ذلك وتحدد أن الطاغوت ال یسمى بھ إال اإلنسان المشرك الداعي إلى الضالل، وإذا ورد

.نص بذلك قلنا بھ وصرنا إلیھى یكون الواجب على كافة الناس الحكم بكفر حت–ولو صح ذلك القول فإنھ والبد

أن یكون معلنا بالكفر وأن یكون متبرئا من دین اإلسالم جملة –الطاغوت وشركھ وعالنیة بحیث ال یجوز االختالف في حقیقة صفتھ، أما من یظھر اإلسالم ویأتي علنا

لى حقیقتھا شعائره ولكن یكون كفره من جھة تحتاج إلى علم ببعض أعمالھ وأقوالھ عوعلى حقیقة أمر هللا تعالى فیھا، فھذا في األغلب مما تختلف فیھ اآلراء، ویخفي أمره على كثیر من الناس خاصة عامتھم، فال یتأتى القول بأن عامة الناس أو المتأولین في

.شأنھ قد خرجوا عن الحكم الواجب وصفھ بھ، وأنھم بذلك آثمون أو كافرونلجاھل بجھلھ والمخطئ بخطئھ، وقلنا بالبرھان إن من وسبق أن أوضحنا عذر ا

.خفى علیھ أمر فواجب علیھ أن ال یقول فیھ بحكم ال یتحقق من صوابھ

Page 141: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة
Page 142: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

التعامل المباشر مع القرآن الكریم: الفصل العاشر

أیحسب أحدكم متكئا على أریكتھ قد یظن أن هللا تعالى لم یحرم شیئا إال ما في "".ي وهللا قد أمرت ووعظت ونھیت عن أشیاء إنھا لمثل القرآنھذا القرآن أال وأن

2جـ: اإلحكام في أصول األحكام البن حزم: عن العرباض بن ساریة[حدیث شریف ].22، 21ص

قال البعض إن العربي إنما كان یسمع اآلیة من آیات القرآن لیعمل بمقتضاھا .مثلھببساطة ویقوم بتنفیذھا على الفور وإن علینا أن نفعل

وقال البعض إن األحكام الشرعیة التي قال بھا الفقھاء إما قالوا بھا لتكون مناسبة في الظروف التي أحاطت بھا وإن منھم من خضع لتوجیھات الساسة أصحاب

السلطان ممن كانوا في عصرھم وأن الظروف التي تمر بھا دعوة اإلسالم في الوقت لك یجب علینا أن نطرح ذلك الفقھ القدیم جانبا الحاضر لم یسبق أن مرت بھا، وأنھ لذ

وأن نتعامل مباشرة مع القرآن الكریم ونستمد منھ أحكاما تالئم الظروف التي نعیش .فیھا والمالبسات التي تمر بھا دعوة اإلسالم في عصرنا ھذا

" البساطة"أما عن القول بما كان یفعلھ العربي، فإننا ال ندري المقصود من إلیھ فإن كان المقصود أنھ یتعین تنفیذ أوامر هللا تعالى ورسولھ دون تردد المنسوبة

أو تھاون ما استطعنا إلى ذلك سبیال، فما نظن أن ذلك موضع اختالف، وال یظن في . شيء مما سبق أن قلنا بھ أنھ معارض لذلك

قابلة العمل باآلیة أو الحدیث إثر سماعھا دون م" بالبساطة"أما إذا كان المقصود فذلك قول ال یصح، بل : وجمع بین مختلف اآلیات واألحادیث المتعلقة بالموضوع

الفرض علینا الرجوع إلى آیات القرآن الكریم والصحیح الثابت من أحادیث الرسول علیھ الصالة والسالم وضم اآلیات واألحادیث بعضھا لبعض والمقابلة بینھا لمعرفة

. المقصودمراد هللا منھا جمیعا وحكم هللافھكذا شاء هللا عز وجل أن یجعل بعض الذكر متلوا منظوما على نمط خاص

معجز متعبدا بتالوتھ وذلك ھو القرآن الكریم، وبعضھ اآلخر أحادیث غیر منظومة على النمط األول وجعل في كل منھما مراده تعالى وأحكامھ المقصودة، وجعل

ل إلیھم لت ﴿: بعضھ مبینا لبعض ومفصال لبعض من اآلیة : النحل(﴾ بین للناس ما نز44.(

ولو شاء هللا تعالى لجعل كل األحكام في القرآن الكریم فقط أوفى األحادیث الشریفة فقط ولو وشاء هللا لجعل حكم كل مسألة نصا علیھا بعینھا تجده في آیة واحدة

.اد منھماأو في حدیث واحد ال یختلف شخصان في فھم المر

Page 143: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ال فلیس یعجز هللا تعالى عن شيء، ولكن مشیئتھ تعالى جرت على غیر ذلك ﴿ا یفعل وھم یسألون ).23اآلیة : األنبیاء(﴾ یسأل عم

فوجدنا مثال ثانیة سور القرآن الكریم وھي سورة البقرة تتضمن أحكاما متعلقة في الثلث األخیر من القرآن الكریم بالطالق، ثم وجدنا في سورة األحزاب وھي

سورة الطالق وبھا الكثیر من أحكام الطالق، ووجدنا فضال عن ذلك أحادیث صحاحا ثابت إسنادھا عن رسول هللا صلى هللا علیھ وسلم متعلقة بذات الموضوع، فكان لزاما علینا أن نجمع جمیع ذلك لنعرف مراد هللا تعالى منا وحكمھ المطلوب

ده وتنفیذه، ولو أننا عملنا ببعض اآلیات دون بعضھا أو ببعض األحادیث دون اعتقابعضھا أو باآلي دون الحدیث أو بالحدیث دون اآلي لكنا آثمین عاصین لعدم طاعتھ تعالى وطاعة رسولھ علیھ الصالة والسالم فیما تركناه ولم نعمل بھ ولكنا متعمدین

مواضعھ والقول على هللا تعالى بالكذب، إذ تغییر حكم هللا تعالى وتحریف الكلم عن .الناقل بعض الكالم دون بعض محرف للكلم عن مواضعھ

وقد علمنا رسول هللا علیھ الصالة والسالم الجمع بین اآلیات واألحادیث والمقابلة بینھما ومعرفة الخاص منھا والعام واستنباط الحكم الشرعي الواجب العمل بھ بعد

.ذلكفي الخبر الصحیح الثابت، أنھ علیھ الصالة والسالم نادى شخصا وھو فإن: فمثال

وإن الصالة ال " إن في الصالة لشغال"یصلي فلم یجبھ المصلي عمال باألمر العام یصح فیھا الكالم واألعمال التي تجوز في غیرھا، فلما قضى المصلي صالتھ سألھ

اداه، فلما أجابھ بأنھ كان مشغوال علیھ الصالة والسالم عما منعھ من أن یجیبھ إذ نیا أیھا الذین ﴿: بالصالة عارضھ الرسول علیھ الصالة والسالم بقول هللا عز وجل

سول إذا دعاكم لما یحییكم وللر انظر ) [24من اآلیة : األنفال(﴾ آمنوا استجیبوا ، واألمثلة على ذلك ]31ص3جـ: حكامروایة الواقعة في اإلحكام في أصول األ

كثیرة من عمل الرسول علیھ الصالة والسالم وعمل الصحابة رضوان هللا علیھم،وسبق أن ذكرنا أن عثمان رضي هللا تعالى عنھ أمر برجم التي ولدت لستة

﴾ راوحملھ وفصالھ ثالثون شھ ﴿: أشھر، فذكره علي كرم هللا وجھھ بقول هللا عز وجلوالوالدات یرضعن أوالدھن حولین ﴿: ، مع قولھ تعالى)15من اآلیة : األحقاف(

ضاعة ، وبالحكم الشرعي )233من اآلیة : البقرة(﴾ كاملین لمن أراد أن یتم الرفعدل المستنبط من الجمع بین اآلیتین وھو وأن مدة الحمل قد تكون ستة أشھر،

.عثمان عن األمر بالرجم، ولیس أمر المقابلة بین اآلي واألحادیث بالبدعة المستحدثة: أما القول بضرورة التعامل مع القرآن الكریم مباشرة، فإننا نقول بعون هللا تعالى

إن هللا لم یأمر أحدا أن یتبع ما سوى أمره تعالى ورسولھ علیھ الصالة والسالم، ولذا المسلم أن یرجع ما أمكنھ إلى كتاب هللا تعالى والثابت الصحیح من فإن الفرض على

Page 144: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

أحادیث الرسول علیھ الصالة والسالم، وأن یتبع الدلیل منھا المؤدي إلى معرفة الحكم الشرعي، فإن عجز عن ذلك وتلقى عن غیره، فمن المتعین علیھ أن یكون

ھ علیھ الصالة والسالم ال أنھ على اعتقاد جازم بأنھ إنما ینفذ حكم هللا تعالى ورسول .ینفذ أمر أحد سواھما

ولیس ثمة من لھ الحق أن یحجر على أحد أن یتعامل مباشرة مع القرآن الكریم وأن یجتھد ویستنبط من آیاتھ األحكام التي یقوم البرھان على أنھا حكم هللا الواجب

كریم النصوص القاطعة اتباعھ، وھو إذ یفعل ذلك فإنھ البد أن یجد في آیات القرآن العلى وجوب اتباع الرسول وأن كالمھ علیھ الصالة والسالم، بالقرآن الكریم أو باألحادیث الشریفة كلھ حق یتعین العمل بھ جمیعھ، ومن استقل بالقرآن الكریم

وأعرض عن األحادیث الشریفة فقد خالف نصوص القرآن الكریم القاطعة یقة حكم هللا، على أنھ یتعین على من الصریحة، وضل بال شك عن معرفة حق

یتصدى للتعامل مع القرآن الكریم واألحادیث الشریفة الستنباط األحكام أن یكون وذلك بأن یستوفي ما شرطھ هللا تعالى على من یتصدى لمثل ھذا األمر : أھال لذلك

ففرض علیھ أن یتقصى، حسب طاقتھ، أحكام القرآن الكریم وأحادیث النبي علیھ "لصالة والسالم ورتب النقل، وصفات النقلة ومعرفة السند الصحیح مما عداه من ا

مرسل وضعیف، وفرض علیھ أیضا أن یتعلم كیفیة إقامة البراھین التي یمیز بھا فلوال نفر من كل ﴿: قال تعالى" "الحق من الباطل، وكیف یعمل فیما ظاھره التعارض

نھم طائفة ین فرقة م والتفقھ ھو تعلم أحكام ) [122من اآلیة : التوبة(﴾ لیتفقھوا في الدوالتفقھ ھو ] القرآن وأحكام أوامر النبي صلى هللا علیھ وسلم ألن ھذین أصل الدین

.وتعلم أحكام القرآن وأحكام أوامر النبي صلى هللا علیھ وسلم ھذین أصل الدین، فوجب بذلك )6من اآلیة : الحجرات(﴾ اسق بنبأ فتبینواإن جاءكم ف ﴿: وقال تعالى

.معرفة عدول النقلة من فساقھم، فوجب )64من اآلیة : النمل(﴾ قل ھاتوا برھانكم إن كنتم صادقین ﴿: وقال تعالى

ء بذلك معرفة كیفیة إقامة البرھان وبناء الحدیث بعضھ على بعض ومع القرآن وبنا .اآلي بعضھا مع بعض

نھا أو مثلھا﴿: وقال تعالى من اآلیة : البقرة(﴾ ما ننسخ من آیة أو ننسھا نأت بخیر م .، فوجب معرفة الناسخ من المنسوخ)106

وفرض على من قصد التفقھ في الدین ونصب نفسھ للنذارة أن یستعین على ذلك ضیھ حاجتھ في فھم كالم هللا تعالى، وكالم نبیھ علیھ الصالة بسائر العلوم بما تقت

.والسالمسول إال بلسان قومھ لیبین لھم ﴿: قال تعالى من اآلیة : إبراھیم(﴾ وما أرسلنا من ر

بین * لتكون من المنذرین ﴿: وقال تعالى) 4 ، 194اآلیات : عراءالش(﴾ بلسان عربي م

Page 145: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

، ففرض على الفقیھ أن یكون عالما بالنحو الذي ھو ترتیب العرب لكالمھم )195الذي نزل بھ القرآن وبھ یفھم معاني الكالم التي یعبر عنھا باختالف الكلمات وبناء

األلفاظ، فمن جھل اللغة، وھي األلفاظ الواقعة على المسمیات، ومن جھل النحو الذي ف الحركات الواقعة الختالف المعاني، فلم یعرف اللسان الذي خاطبنا ھو علم اختال

بھ هللا تعالى ونبیھ علیھ الصالة والسالم، ومن لم یعرف ذلك، لم یحل لھ الفتیا فیھ وال تقف ما لیس لك بھ ﴿: ألنھ یفتي بما ال یدري، وقد نھاه هللا تعالى عن ذلك بقولھ

﴾ ومن الناس من یجادل في هللا بغیر علم ﴿: ، وقال تعالى)36اآلیة من : اإلسراء(﴾ علم ).3من اآلیة : الحج(

كما أنھ فرض على الفقیھ أن یكون عالما بسیرة النبي علیھ الصالة والسالم لیعلم آخر أوامره وأولھا، وحربھ علیھ السالم لمن حارب وسلمھ لمن سالم، ولیعرف على

ارب ولماذا وضع الحربن وحرم الدم بعد تحلیلھ، وأحكامھ علیھ الصالة ماذا ح ".والسالم التي حكم بھا

إما عالم فیفتي بما بلغھ من النصوص بعد : فال یوجد مفت أبدا إال أحد ثالثة أناس"البحث والتقصي كما یلزمھ، فھذا مأجور أخطأ أو أصاب، وواجب علیھ أن یفتي بما

تي بما لھ وھو یدري أنھ یفتي بغیر واجب، وإما جاھل ضعیف علم، وإما فاسق یفالعقل یفتي بغیر یقین علم وھو یظن أنھ مصیب، ولم یبحث حق البحث،ولو كان

.انتھى] 124ص5جـ: اإلحكام" [عاقال لعرف أنھ جاھل فلم یتعرض لما ال یحسن؟اللغة قدر صالح من: إن شرائط االجتھاد خمسة: "ویقول اإلمام الشھرستاني

بحیث یمكنھ فھم لغات العرب والتمییز بین األلفاظ الوضعیة والمستعارة، والنص والظاھر، والعام، والخاص والمطلق والمقید والمجمل والمفصل، وفحوى الخطاب

ومفھوم الكالم، وما یدل على مفھومھ بالمطابقة وما یدل بالتضمن، وما یدل .ي یحصل بھا الشيءباالستتباع فإن ھذه المعرفة كاآللة الت

.ومن لم یحكم اآللة واألداة لم یصل تمام الصنعةثم معرفة تسیر القرآن خصوصا ما یتعلق باألحكام وما ورد من األخبار في

معاني اآلیات، وما رئي من الصحابة المعتبرین كیف سلكوا مناھجھا وأي معنى .فھموا من مدارجھا

اإلحاطة بأقوال النقلة والرواة عدولھا ثم معرفة األخبار بمتونھا وأسانیدھا ووثقاتھا ومطعونھا ومردودھا، واإلحاطة بالوقائع الخاصة بھا، وما ھو عام ورد في

.حادثة خاصة، وما ھو خاص عم في الكل حكمھثم الفرق بین الواجب والمندوب واإلباحة والحظر، والكراھة حتى ال یشذ عن

.اب ببابوجھ من ھذه الوجوه وال یختلط علیھ ب

Page 146: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ثم معرفة مواقع إجماع الصحابة والتابعین من السلف الصالحین حتى ال یقعع الملل والنحل للشھرستاني على ھامش الفصل في " [اجتھاده في مخالفة اإلجماع

.انتھى] 162-160ص2جـ: الملل والنحللم ولیس المقصود مما قلناه اإلحاطة بجمیع الشرائع واألحكام، فما من فقیھ إال وع

شیئا وجھل أشیاء، وكل من علم مسألة واحدة من دینھ علیا لرتبة التي ذكرنا من قبل جاز لھ أن یفتي بھا، ولیس جھلھ بما جھل من غیرھا بمانع من أن یفتي بما علم، كما

.أن علمھ بما علم لیس مبیحا لھ أن یفتي بما جھلالجتھاد واستنباط األدلة ومن توافرت لھ تلك الخصائص التي تجعلھ أھال للنظر وا

واإلفتاء أي التوقیع عن رب العالمین، ثم حرم نفسھ من محصول وفیر من آراء السلف الصالح ذوي القرائح النیرة والذكاء الوقاد، أھل التقى والورع المشھود لھم

بالصبر والثبات على دین هللا، ذوي الھمم العالیة والعزائم القویة الذین مكنوا لدین هللا وباعوا أنفسھم في سبیل نصر دعوة الحق فقد حرم نفسھ من خیر كثیر وبدأ خطتھ

.بخطأ خطیرفإننا ننظر بعون هللا فیما قالھ أھل اللغة من النحویین واللغویین وما قالھ : أما نحن

خبراء المحدثین المشھود لھم بالعدالة والعلم والتثبت، وما قالھ أئمة فقھاء المسلمین یات واألحادیث، وما قالوا بھ من أحكام، استنبطوھا من مختلف اآلیات في تفسیر اآل

واألحادیث ال نحجب أنفسنا عن شيء من ذلك بل ننظر فیھ كلھ ونتدارسھ ونرد كل قول على كتاب هللا والثابت الصحیح من أحادیث رسول هللا، فما قام البرھان من

ان ھو الحقن أما غیره فلمن كتاب هللا وسنة رسول هللا علیھ السالم على صحتھ كاجتھد وقال بھ أجر عندهللا على اجتھاده، ولكنھ بشر یخطئ ویصیب، ونحن لم نؤمر

.باتباع غیر المعصوم علیھ الصالة والسالم الناطق بالوحي من رب العالمینعلمنا بعجزنا وأنا دون التصدر : وذلك ھو الطریق الذي سلكناه في كل ما قدمناه

االجتھاد، فألقینا ثقلنا على الثقاة، فقلنا ما قرروه ولم نضف إلیھ من لمطلق الفتیا وعندنا إال الیسیر مما یسر هللا تعالى لنا فھمھ من كتابھ وسنة رسولھ علیھ الصالة

.والسالمأن یفعو عما أخطانا، وأن یبارك فیما أصبنا وأن ییسر الحق لمن : وهللا نسأل

ي مشارق األرض ومغاربھا إلى الحفاظ على عقد قصده وأن یھدینا وإخوتنا جمیعا فقلبي طاھر سلیم وإلى فھم وبصیرة بمراده تعالى منا، وإلى عمل صالح متقبلن وأن

یؤكد رباطنا بحبلھ المتین، وأن یؤمن تمسكنا بعروتھ الوثقى وأن یحیینا بمعرفتھ على من أھل جنتھ، صراطھ المستقیم، وأن یمیتنا على دینھ الحق القویم، وأن یتقبلنا

.وینجینا برحمتھ وفضلھ من عذاب جھنم، ومن غضبھ وسخطھ في الدنیا واآلخرة

Page 147: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

اللھم أعل كلمة الحق، وانصر المتمسكین بھا، العاملین من أجلھا، ابتغاء .مرضاتك إنك نعم المولى ونعم النصیر

وصل اللھم على سیدنا محمد وسلم، وعلى آلھ وصحبھ وعلى سائر رسلك .أجمعینوأنبیائك

تم بحمد هللا تعالى یوم األحد الموافق

م1969من فبرایر سنة 23= ھـ 1388من ذي الحجة 6

Page 148: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

وإجابات فضیلة " نحن دعاة ال قضاة"تساؤالت حول موضوع البحث -رحمھ هللا-األستاذ حسن الھضیبي المرشد العام

بسم هللا الرحمن الرحیم

:السؤال األولھادتین یجد الكیان الذي یعلن دخولھ فیھ، وبھذا إن الرجل كان حین ینطق بالش

وبھذا .. یكون قد انتقل عملیا من كیان یشرك با إلى كیان یسلم یعطیھ كل والئھأما اآلن فلیس –یكون واضحا لدیھ تكالیف النطق بالشھادتین فھمھما أم لم یفھمھما

ویعطیھ وحده والءه، ھناك كیان إسالمي یدخل فیھ المرء الذي ینطق بالشھادتینورتب البعض على ذلك أن والءه دخول الفرد في الكیان شرط للحكم بإسالمھ، وال یكفي مجرد النطق بالشھادتین وعند السؤال عن الدلیل على جعل الكیان شرط في الحكم بإسالم الفرد، قیل إن الواقع نفسھ یكفینا كدلیل فلم نجد رجال بایع رسول هللا

ھ وسلم وانصرف إلى مجتمعھ لیعیش فیھ كما یعیشون، بل یدخل مجتمع صلى هللا علیالمسلمین ویعلن لھ والءه العام حتى لو اضطرتھ ظروف الحركة أن یعیش بعیدا عن المجتمع بأمر رسول هللا صلى هللا علیھ الصالة والسالم واستشھد آخر بحدیث حذیفة

: صلى هللا علیھ وسلم ما معناهبن الیمان رضي هللا عنھ حین یقول لھ رسول هللا فإن لم یكن لھم جمعة وال إمام؟ قال : علیك أن تلزم جماعة المسلمین وإمامھم، قال"

فاعتزل تلك الفرق كلھا ولو أن تعضد بأصل شجرة حتى یدركك الموت وأنت على .ذلك

:اإلجابةبط على عبارة تحتاج إلى تحدید وض" الكیان اإلسالمي"إن عبارة : نقول بعون هللا

أسس شرعیة حتى ال یقع االختالف الجوھري في مدلولھا، على أنھ على أیة صورة " الكیان اإلسالمي"یمكن تأویل تلك العبارة إلیھا، فإن الذي ال شك فیھ أنھ لم یدخل

أحد على عھد رسول هللا صلى هللا علیھ وسلم أو فیما تال ذلك من العھود إلى عھدنا فإسالم المرء شرط یجب –ل صلى هللا علیھ وسلم بإسالمھ ھذا إال مسلم حكم الرسو

أي أن ذلك " الكیان اإلسالمي"أن یتحقق فیھ أوال وصفة یجب أن تثبت لھ قبل دخولھ األمر وتلك الصفة من المتعین الالزم ثبوتھما في حق المرء سابقین على دخولھ

علیھ الصالة والسالم وعمل الرسول –وانتمائھ ألمة المسلمین " الكیان اإلسالمي"وقولھ المنقوالن إلینا نقل الكافة عن الكافة الذي ھو أشد وأقوى أنواع التواتر وأقوى

درجات اإلجماع والذي اتفق علیھ المسلمون فقھاؤھم وعامتھم منذ ألف وأربعمائة

Page 149: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

سنة بدون أدنى شذوذ أن المرء یحكم بإسالمھ بنطقھ الشھادتین مقرا بھما وبما جاء رسول صلى هللا علیھ وسلم جملة وعلى الغیب، والمرء محكوم بإسالمھ حین بھ ال

نطقھ بالشھادتین وفور نطقھ بھما دون أدنى تأخثر ولو طرفة عین، ودون أي شرط فإذا نطق المرء بالشھادتین وحكم باإلسالم كان من –آخر یعلق علیھ الحكم بإسالمھ

فردا من المسلمین وانتمائھ إلى أمة وقبولھ " الكیان اإلسالمي"نتیجة ذلك دخولھ فدخولھ الكیان اإلسالمي واالنتماء إلیھ ھو إذن نتیجة لثبوت عقد اإلسالم –المسلمین

.للمرء وھو وإحدى النتائج الكثیرة التي تترتب على ثبوت عقد اإلسالم للمرءوالقول بأننا لم نجد رجال بایع رسول هللا صلى هللا علیھ وسلم وانصرف إلى

مجتمع لیعیش فیھ، بل یدخل مجتمع المسلمین ویعلن لھ والءه التام، ھذه القضیة إن صحت ال تؤدي إلى النتیجة التي یراد االستدالل بھا علیھا، فلیس فیھا شبھة دلیل

شرط یعلق علیھ الحكم بإسالم الناطق بالشھادتین " الكیان اإلسالمي"على أن دخول أن المسلم المحكوم بإسالمھ لنطقھ –ن صحت وغایة ما یمكن أن تدل علیھ إ–

بالشھادتین والذي ثبت لھ عقد اإلسالم بنطقھ بالشھادتین مأمور أن یھاجر من بین أظھر المشركین وأن یقیم بین المسلمین، والشأن في ذلك ھو ذات الشأن في التزام

ئع اإلسالم الناطق بالشھادتین المحكوم بإسالمھ بنطقھ بھما بالعمل وتنفیذ كافة شرامن صالة وصیام وزكاة وحج وصدق في القول وانتھاء عن الغیبة وعن شرب

إلى كافة شرائع اإلسالم .. الخمر وعن الزنا وعن السرقة والتزام الجھاد في سبل هللاالتي تلزمھ ویتعین علیھ العمل بھا سواء علمھا حال النطق بالشھادتین أو وجھلھا فلم

بعد النطق بالشھادتین ألن مقتضى نطقھ بالشھادتین إعالنھ یعلمھا كلھا أو بعضھا إالقبول شرائع اإلسالم جملة وعلى الغیب، والتزامھ أن یعمل بھا ویخضع لھا وھذا ھو

–معنى اإلیمان بجمیع ما جاء بھ الرسول صلى هللا علیھ وسلم جملة وعلى الغیب عة من شرائع اإلسالم ال فالھجرة إلى دار اإلسالم أو التزام جماعة المسلمین شری

تلزم إال المسلم الذي ثبت لھ فعال عقد اإلسالم وال تقبل إال من مسلم محكوم لھ باإلسالم شأنھا في ذلك شأن الصالة والزكاة والصوم والحج إلى آخر شرائع اإلسالم

التي ما ترك الرسول علیھ الصالة والسالم أحدا ممن بایعھ وقبل إسالمھ إال وأمره قادھا والعمل بھا وتنفیذھا وال خالف أنھ ال تقبل صالة إال من مسلم محكوم باعت

بإسالمھ فعال قد ثبت لھ عقد اإلسالم یقینا قبل قیامھ للصالة أو إمساكھ عن الطعام أو .توجھھ إلى البیت الحرام

فالمرء یحكم لھ باإلسالم بنطقھ بالشھادتین ویثبت لھ بذلك عقد اإلسالم یقینا وفور نطقھ بالشھادتین وفي ذات لحظة تلفظھ بھما دون أدنى تأخیر أو تأویل وأیا كانت

الظروف التي ینطق فیھا بھما، وحتى لو نطق بھما وقد بھره شعاع السیف الذي كاد أن یقتل رأسھ من فوق عنقھ ثم ھو بعد ثبوت عقد اإلسالم لھ مأمور بتنفیذ شرائع

Page 150: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

امھ بتنفیذھا بنطقھ بالشھادتین، فإذا أخل بشریعة اإلسالم التي أعلن قبولھ لھا والتزمن الشرائع ولم یعمل بھا، نظرنا إلى ما أمرنا هللا ورسولھ بھ في شأن المخالف

لألمر الذي وقعت فیھ المخالفة فما حكم هللا تعالى بأن فاعلھ یعتبر مرتدا عن اإلسالم وإن –هللا بأن فاعلھ بعد ثبوت عقد اإلسالم لھ حكمنا على فاعلھ بذلك، وما حكمال یعتبر مرتدا عن –عصى وفسق واستحق القتل أو قطع الید أو الرجم أو الجلد

اإلسالم بل باق لھ عقد اإلسالم أجرینا علیھ حكم هللا فیھ فالناطق بالشھادتین إذا بلغھ األمر بأن علیھ أن یھجر اإلقامة بین المشركین وأن ینضم إلى أمة المسلمین أو أن

زم جماعة المسلمین وإمامھم وجب علیھ تنفیذ ذلك األمر والعمل بھ والشأن في ذلك یلھو ذات الشأن فیما إذا بلغھ األمر بوجوب الصالة والزكاة والحج واالنتھاء عن

.. السرقة وشرب الخمر والزنا والغیبة، وبفرض األمر بالمعروف والنھي عن المنكر .إلخ

أو بعضھ فھو معذور بجھلھ ثم نقول لمن قال أننا لم فإذا لم یبلغھ األمر بذلك كلھ نجد رجال بایع رسول هللا صلى هللا علیھ وسلم ثم انصرف إلى مجتمعھ الذي كان

نقول لھ إن اشتراط الحضور إلى الرسول علیھ الصالة والسالم –یعیش فیھ من قبل سالم شرطا ومبایعتھ مشافھة ومصافحة وجھا لوجھ لم یكن لحظة ما في تاریخ اإل

وكم من ضارب في أعماق الصحاري علم بدعوة الرسول –لصحة إسالم المرء علیھ الصالة والسالم فنطق بالشھادتین وآمن بھ علیھ الصالة والسالم رسوال من عند هللا ال ینطق بالشھادتین وآمن بھ علیھ الصالة والسالم رسوال من عند هللا ال ینطق إال

سالم دون أن یلتقي بالرسول علیھ الصالة والسالم ثم لیعلم بالحق، ومات على اإلقائل ھذه المقالة أن النجاشي رضي هللا عنھ ما برح أرض الحبشة، وما التقى برسول

هللا صلى هللا علیھ وسلم وتوفاه هللا وھو مقیم بین قومھ صاحب السلطان فیھم، وھو زات التي أجراھا هللا على مع ذلك یخفي إسالمھ عنھم وعن غیرھم وكان من المعج

مات على اإلسالم، وجمع –أي النجاشي –لسان رسولنا علیھ الصالة والسالم وأنھ علیھ الصالة والسالم من شاء هللا أن یجمعھم من الصحابة فصلوا على النجاشي

" الكیان اإلسالمي"صالة الغائب، فكیف یجوز بعد ذلك لقائل أن یقول أن دخول والھجرة لإلقامة بین المسلمین شرط للدخول في اإلسالم، وأن الناطق بمعنى االنتقال

بالشھادتین یبقى حكمھ معلقا ال ھو مسلم وال ھو غیر مسلم حتى تتم الھجرة، وقد :یطرح ھنا سؤال وھو

ما حكم المسلم الذي لم یھاجر من بین ظھراني المشركین إلى جماعة المسلمین؟م إن كان یجھل لزوم تلك الشریعة لھ فال شيء علیھ، إن ذلك المسل: نقول بعون هللا

وھو معذور بجھلھ محكوم بإسالمھ بنطقھ بالشھادتین، فإذا بلغھ األمر وقامت علیھ الحجة فھو إن جحد األمر واستحل خالفھ كان مرتدا محكوما علیھ بحكم المرتد عن

Page 151: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إسالمھ أصال وبین وفرق كبیر بین من لم یصح –اإلسالم بعد ثبوت عقد اإلسالم لھ من ثبت لھ عقد اإلسالم ثم ثبتت علیھ الردة، فمثال إذا كان الناطق بالشھادتین في

األصل من الیھود والنصارى وقیل إنھ بنطقھ بالشھادتین لم یثبت لھ عقد اإلسالم فإنھ ال یعتبر مرتدا ویكون معصوم الدم والمال بأداء الجزیة إذا خضع بلده لسلطان

، أما إذ قلنا بالحكم بإسالمھ بنطقھ بالشھادتین فإن جحوده النص بعد ذلك المسلمینواستحاللھ مخالفتھ مؤداه أنھ یحكم بقتلھ، وال تقبل عودتھ إلى الیھودیة أو النصرانیة

.أو أي دین آخر حاشا اإلسالم، وال یكون لھ مع المسلمین عھد وال ذمةشھادتین وبعد بلوغ األمر إلیھ أما المقیم بین أظھر المشركین بعد نطقھ بال

بضرورة الھجرة إلى الجماعة المسلمة، إذا لم یكن جاحدا األمر فھو إما معذور بعذر منعھ من الھجرة أو وغیر معذور، أما غیر المعذور فقد وقع االختالف في شأنھ فقال

سول البعض إنھ یعتبر مرتدا عن اإلسالم بإقامتھ بین أظھر المشركین وذلك لقول الروقالوا إن " أنا بريء من كل مسلم أقام بین أظھر المشركین: "علیھ الصالة والسالم

الرسول علیھ الصالة والسالم ال یبرأ إال ممن خرج عن اإلسالم، ومن القائلین بھذا ".198ص11انظر المحلى جـ"الرأي اإلمام ابن حزم

وقد أثبت لمن تبرأ ورد البعض على ھذا الرأي بأن الرسول صلى هللا علیھ وسلممنھ اسم المسلم وصلة المسلم، فالحدیث فیھ ثبوت اسم المسلم وصفتھ لمن حصلت

البراءة منھ، فدل ذلك على أن البراءة لیست براءة خروج من الدین، بل فقط في من یقتل منھم أو یصاب أثناء اإلغارة على المشركین " أي إعطاء الدیة"التزام بودي

على الظن أنھ منھم یؤكد صحة ھذا القول قول هللا عز وجل في الذین یقیم بینھم ن شيء حتى یھاجروا ﴿: سورة األنفال ن والیتھم م والذین آمنوا ولم یھاجروا ما لكم م

ین فعلیكم النصر إال على قوم بینك یثاق وإن استنصروكم في الد : األنفال(﴾ م وبینھم م، فأثبتت اآلیة اسم وصفة المؤمن لمن لم یھاجر رغم إثباتھا انتفاء )72من اآلیة

الوالیة بینھا وبین المھاجرین، أي الدولة اإلسالمیة أو الجماعة المسلمة، كما أثبتت ین ﴿: اآلیة وحدة الدین بقولھ تعالى : األنفال(﴾ فعلیكم النصر وإن استنصروكم في الد

، وإذا كان ثمة خالف في شأن من لیس لھ عذر فلیس ثمة خالف في )72من اآلیة شأن من یقیم بین ظھراني المشركین عن عذر، فاالتفاق بأنھ محكوم بإسالمھ بنطقھ

بالشھادتین ثابت لھ عقد اإلسالم بمقتضاھما معذور بعذره ال یكفر وال یفسق وال .صيیع

وسواء أخذنا بھذا الرأي أو ذاك فیما یتعلق بحكم المقیم بین أظھر المشركین بغیر عذر، فیجب التنبیھ إلى أن ھذا الحكم خاص بالمسلم الذي یقیم بین أظھر المشركین

.ال الذي یقیم بین مسلمین عصاة

Page 152: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

أما الوالء لإلسالم والمسلمین ألمر آخر غیر الھجرة وھو أمر متعلق باإلحساسوالشعور مفروض فیمن نطق بالشھادتین بافتراض صدقھ وإخالصھ في النطق بھما

والمنھي عنھ شرعا تولي غیر المسلمین من دون المسلمین أي مناصرتھ لھم على المسلمین، وفاعل ذلك لیس من هللا في شيء فھو مرتد، ونكرر القول ھنا بأنھ محكوم

قھ بھما، ثم ھو محكوم بردتھ عن اإلسالم لھ باإلسالم بأصل نطقھ بالشھادتین حین نطوبخروجھ عن اإلسالم بعد سابقة إسالمھ بتولیھ الكافرین دون المؤمنین حین

.ذلك یأتيإن أحادیث رسول هللا صلى هللا علیھ وسلم صریحة قاطعة : ثم نقول بعون هللا

ھ عقد الداللة على أن من نطق بالشھادتین محكوم بإسالمھ حال نطقھ بھما ثابت لاإلسالم في التو واللحظة معصوم الدم والمال بنطقھ بھما منھي عن أي محاولة

لتأویل نطقھ بھما أیا كانت الظروف التي نطق بالشھادتین فیھا، وقد فصلنا ھذا وأقمنا والذي ال شك فیھ أن حكم إسالم –األدلة القاطعة على ثبوتھ وصحتھ في بحثنا

الرسول صلى هللا علیھ وسلم إنما أخبر بھ علیھ الصالة الناطق بالشھادتین الذي قرره: النجم(﴾ إن ھو إال وحي یوحى* وما ینطق عن الھوى والسالم وحیا عن هللا ﴿

وحیا من هللا عز وجل الذي علم ویعلم ما كان وما ھو كائن وما سوف ) 4، 3اآلیات الم بما سیكون علیھ أمر المسلمین وأنھ یأتي یكون، فكیف وقد نبأ علیھ الصالة والس

علیھم زمان ال یكون لھم فیھ جماعة وال إمام وال كیان، وفي ذات حدیث حذیفة بن الیمان الذي أشار إلیھ السائل التنبؤ بتلكم الحال والذكر الصریح لھا، وقد سمى

للفرد صفة الرسول علیھ الصالة والسالم الطریقة التي یلزمھا بما یقطع أنھ تبقى ..المسلم ویثبت لھ عقد اإلسالم واإلیمان رغم انعدام الجماعة واإلمام

ولو كان النطق بالشھادتین یختلف أمره من الزمان الذي یكون فیھ للمسلمین جماعة وإمام عن الزمان الذي ال یكون لھم فیھ ذلك ألوضح لنا الرسول علیھ الصالة

﴾ وما كان ربك نسیاد بین الكفر واإلسالم ﴿والسالم ذلك األمر الھام الذي ھو الح ).64من اآلیة : مریم(

كشرط لصحة إیمان " الكیان اإلسالمي"ثم نقول للذي یفترض ضرورة دخول الناطق بالشھادتین ثم ھو یقول في نفس الوقت إن ذلك الكیان معدوم في ھذا الزمان

على نفسك وإنك بذلك تقضي على أما تنبھت كیف حكمت : الذي یعیش فیھ، نقول لھ" الكیان اإلسالمي"نفسك بعدم صحة إسالمك؟ فإن قلت إنك داع وعامل على إیجاد

كان الواضح أنك استبدلت شرطا بشرط فأنت أوال ادعیت أن الشرط ھو دخول فعال وقررت أن ذلك الكیان معدوم الوجود ثم إنك عدت تصحح " الكیان اإلسالمي"

والعمل " الكیان اإلسالمي"وھو وأنك عامل ومجاھد لتحقیق إسالمك بشرط آخرعلى تحقیق الكیان اإلسالمي أمر مختلف وشرط مخالف لشرطك األول، فما دلیلك

Page 153: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

علیھ من كتاب هللا وسنة رسولھ؟ وقد أسلفنا األدلة القاطعة على أن حكم هللا أن یحكم وكل شریعة غیر شریعة بإسالم الناطق بالشھادتین حال نطقھ بھما، وأن كل تكلیف

النطق بالشھادتین ال تقبل من أحد إال بعد أن یثبت لھ عقد اإلسالم بنطقھ بالشھادتین .بل وال تتطلب من أحد وال تلزمھ إال بعد أن یثبت لھ عقد اإلسالم بنطقھ بالشھادتینوإذا كان ھذا ھو الحكم الشرعي فإن الجماعة التي تنتسب إلیھا قد اعتنقتھ مبدأ

اسیا من مبادئھا منذ نشأت ومنذ بدأت تزاول نشاطھا لم تحد عن ذلك لحظة وواقع أسحالھا وحال منشئھا رضوان هللا علیھ والقائمین علیھا ال یجعل مجاال لمناقشة في ھذا األمر، والذي یحاول الجدل في ھذا األمر إنما یحاول عبثا إنكار الوقائ المادیة الثابتة

ثبوتا ال یقبل تأویال على أي وجھ من الوجوه، ومن حاول مثل ذلك ثبوتا ال شك فیھ، كان من مبطلي الحقائق فال یقبل منھ قول وال فائدة من مناقشة أو نصحھ وھو یعتبر

وقد أورد اإلمام الشھید في رسالة التعالیم البند –غیر ملتزم بالجماعة وال بمنھجھا –شھادتین وعمل بمقتضاھما وأدى الفرائض وال نكفر مسلما أقر بال: "العشرین فقال

برأي أو معصیة ما لم ینكر معلوما من الدین بالضرورة أو كذب صریح القرآن أو فسره على وجھ ال تحتملھ أسالیب اللغة العربیة بحال، أو عمل عمال ال یحتمل تأویال

".إال الكفربحثنا من شرح للعبارة والمتأمل لھذه العبارة یجدھا مطابقة تماما لما قمنا في

وقد أجھد " وال نكفر مسلما بمعصیة وال نقول ال یضر مع اإلیمان ذنب"المأثورة وال نكفر مسلما أقر بالشھادتین "بعضھم نفسھ محاوال التعلق بقول اإلمام الشھید

فادعى ضرورة العمل باإلسالم بمعنى ضرورة العمل بكافة " وعمل بمقتضاھماوھذا تمویھ فاسد ألن معنى ھذا القول أن یكون ما جاء بعده من الشرائع واألحكام

.تقریر عدم اتھام المسلم بالكفر برأي أو معصیة لغواألن الذي ال شك فیھ أن المعصیة خروج عن مقتضى العمل بالشھادتین إذا فسرت

ھذه العبارة على إطالقھا دون مراعاة االصطالحات الفقھیة المتعارف علیھا والتي ان اإلمام الشھید رضي هللا عنھ من أكثر الناس معرفة بھا ودرایة بأصولھا وأوجھ ك

استعمالھا، ولذا حدد تحدیدا دقیقا األحوال التي یجوز فیھا اتھام المسلم بالكفر وھي أن ینكر معلوما من الدین بالضرورة أو یكذب صریح القول أو أن یفسر القرآن على

غة العربیة بحال من األحوال أو أن یأتي عمال ال یحتمل وجھ ال تتحملھ أسالیب اللتأویال إال الكفر، ولقد كان سیر اإلمام الشھید بالجماعة والخط الذي رسمھ لھا سواء

في معاملتھ أعضاء الجماعة أو من كانوا أعضاء بالجماعة ثم وقع منھم الشقاق قول كانت سیرتھ رضي واالنفصال أو ومن لم یكونوا أصال من أعضاء الجماعة، أ

هللا عنھ تطبیقا عملیا صادقا أمینا لما جاء برسالة التعالیم ونكرر القول إن شأن الجماعة وما استقرت علیھ منذ نشأتھا في ھذا األمر واضح لكل ذي بصر بحال

Page 154: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الجماعة أو علم بسیرتھا وھو ما رسخ واستقر وبات معلوما بالضرورة لكل من .ف شیئا عنھااتصل بالجماعة وعر

.انتھى :السؤال الثاني

ھناك من یقول إنھ ال یكفر أحدا نطق بالشھادتین ولكن لیس معنى ھذا أن یحكم للناس مجتمعین باإلسالم وھو متأكد تماما أن فیھم كثرة تأتي أعماال وأقواال ھي

لك وكما أنھ ال یستطیع أن یرمیھم جملة بالكفر فھو كذ–بنفسھا تخرج عن الملة .یتحرج من وصفھم جملة باإلسالم

وھو یسال ما الفرق بین أن یقال أن الناس في جملتھم مسلمون وأن یقول مجتمع وھل األصل أن یحكم للفرد في ھذه المجتمعات القائمة حالیا باإلسالم وال –مسلم

یخرج عن الملة حتى نتبین أنھ ھو وبنفسھ أتى فعال أو قوال یخرج بھ عن الملة أوأننا ال نحكم لھ باإلسالم إال أن نتأكد من نطقھ ھو بالشھادتین أو ما یدل علیھما من .أعمال ولیس ألصل وجوده في ھذه المجتمعات اعتبار یحكم لھ باإلسالم بمقتضاه؟

:اإلجابة : ورد بالبند الخامس من رسالة التعالیم ما نصھ

" تكلف الذي نھینا عنھ شرعاوكل مسألة ال ینبني علیھا عمل فالخوض فیھا من ال"إن ھناك أحكاما : وفي حدود ھذا األصل نجیب على ھذا السؤال فنقول بعون هللا

تنبني على النظر في حال الغالب من الناس أي حال الظاھر للمجتمع مثل إلقاء تحیة اإلسالم ومثل دیانة اللقیط الذي ال یعرف لھ أبوان فأنت تلقي تحیة اإلسالم على من

تعرف من الناس آخذا بالظاھر العام من أن الناس أغلبھم مسلمون مع احتمال أن ال .یكون من ألقیت علیھ السالم أو بعض من ألقیت علیھم لیسوا مسلمین

أما فیما عدا ذلك من األحكام فإنك أیھا األخ لو أنك عشت في عصر الخالفة أن تتبصر حال من الرشیدة لكان الفرض علیك آنذاك كما ھو الفرض علیك اآلن

فأنت دائما في العالقات الفردیة تستطیع أن تدرك من أحوال –تعاملھ أو ترتبط بھ وما دمت تسلم باألصل المتفق علیھ من أن من –من یعاملك ما یظھرك على حالھ

نطق بالشھادتین قد ثبت لھ عقد اإلسالم، وأن من أتى عمال دل على إسالمھ فھو حتى یقوم الدلیل على عكس ذلك فلن تقع بإذن هللا في حرج مسلم على ظاھر حالھ

ولن تخرج بعون هللا عن السبیل القویم أما الفرق في قولنا في أن الناس في جملتھم جمیعا مسلمون وبین أن تقول مجتمع مسلم فھو كالفرق بین قولك عن شخص إنھ

أن خلقھ خلق مسلم رغم ما یقترفھ من ذنوب ومعاص بینما یعز علیك أن تقولإسالمي مع تسلیمك بأنھ لم یخرج عن اإلسالم ولم یرتد إلى الكفر وأن بعض ما یأتیھ

.ھو وعمل بشرائع اإلسالم وإن كان ذلك قلیال إلى جانب ما یقترفھ من معاص

Page 155: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

أما التساؤل عن األصل في الحكم على الفرد في ھذه المجتمعات القائمة حالیا إلسالم حتى یظھر منھ ما یخرجھ إلى الكفر أو أننا ال نحكم لھ وعما إذا كنا نحكم لھ با

باإلسالم أي نحكم علیھ بالكفر حتى نتأكد من نطقھ بذاتھ بالشھادتین أو ما یدل علیھما من أعمال وعما إذا كان ألصل وجوده في ھذه المجتمعات اعتبار یحكم لھ باإلسالم

.بمقتضاهالفرد في المجتمع الذي عم فیھ اإلسالم أننا نحكم على : فالجواب على ذلك ھو

باإلسالم حتى نتبین خالف ذلك، ھذا رغم عدم سماع غالبیة المسلمین للفظ الشھادتین من كل من في ھذا المجتمع، وإنما یكفي للعلم بأن الشخص مسلم وأنھ نطق

بالشھادتین أنھ تصدر عنھ أعمال مما وردت في شرائع اإلسالم كأن تراه یؤذن أو د األذان أو یصلي على الرسول علیھ الصالة والسالم أو یقرأ القرآن أو یدعو یرد

الناس إلى اإلسالم أو إلى إقامة شریعة هللا أو یأمرھم بالمعروف وینھاھم عن .إلخ.. المنكر

كما أن حكم من یولد ألبوین مسلمین أو ألب مسلم وأم كتابیة حكمھ اإلسالم، ینا غیر اإلسالم، فإن فعل فإنھ مرتد، وعلى ذلك فإننا ولیس لھ أن یختار عند البلوغ د

نحكم لكل من یولد ھكذا باإلسالم ویدل على والدتھ كذلك االسم الذي أطلقھ والده علیھ إن كان مما ال یسمى بمثلھ غیر المسلمین، فھذا كسابقیھ یحكم لھ باإلسالم

اإلسالم أو دخل في ویطالب بشرائعھ ویلزم أحكامھ إال أن یخرج عنھ بما یخرج عنفھذا مرتد بعد إسالمھ ولیس كافرا من األصل ولو كان صبیا خرج من –دین آخر

.اإلسالم لحظة بلوغھمن ھذا یتعین أن ألصل وجود الفرد في ھذه المجتمعات أثرا في الحكم علیھ

باإلسالم بالرغم من أننا متأكدون من أن فیھم الكثیر ممن خرج عن اإلسالم وارتد انتھى. عنھ فمن علمنا عنھ ذلك بذاتھ حكمنا بردتھ، وكفره بعد إسالمھ

: السؤال الثالثالجاھلیة من األلفاظ التي وردت في القرآن الكریم واألحادیث النبویة الشریفة وقد

شاع استعمالھا في الفترة األخیرة دون أن یتحدد معناھا أو مفھومھا، ولم یطرق م یورد فیھا قوال واضحا، وماذا عما یسمى بالمجتمع البحث من قریب أو بعید، ول

الجاھلي؟ وماذا تعني ھذه التسمیة على وجھ التحدید؟ وھل یصح إطالقھا على .المجتمعات القائمة اآلن؟

:اإلجابةنعود فنلفت النظر إلى أن البحث السابق إرسالھ إنما قصد منھ فقط الرد على أقوال

خطورتھا وخروجھا على أصول دعوتنا، فعنینا بالرد على معنیة ظھرت أخیرا رأینا ما وجدنا أنھ یلزم الرد علیھ من ھذه األفكار دون استقصاء لھا جمیعا ونكرر القول

Page 156: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

بأننا لم نكتب بحثا في الدعوة بمفھومھا الكامل أو برنامجھا الشامل وما كان لنا حاجة روف التي نعیش فیھا بالمناسبین بذلك وللدعوة رسائلھا وكتبھا ولیس الوقت وال الظ

ولذا فإننا إنما بحثنا ما اضطررنا على –للكالم في شئون الدعوة على وجھ التفصیل بحثھ والرد علیھ درءا لخطر أكبر من األخطار التي تھددنا بالكتابة في الظروف التي

.تحیط بناتعملت في والجاھلیة كالضالل والعصیان والفسوق والظلم من األلفاظ التي اس

القرآن الكریم وفي األحادیث النبویة، وتعني الخروج على أحكام الدین ذلك الخروج الذي ال یبلغ أحیانا حد الخروج عن الملة وأحیانا یبلغ حد الخروج عن الملة والردة

إنك امرؤ : "عن اإلسالم، قال علیھ الصالة والسالم ألبي ذر الغفاري رضي هللا عنھالمعاصي من أمر : "لق البخاري الذي أورد ھذا الحدیث فیقولویع" فیك جاھلیة

".14ص1البخاري جـ" "الجاھلیة وال یكفر صاحبھا بارتكابھا إال بالشركومن ذلك یتضح لك أن كلمة الجاھلیة یقصد بھا كل خروج على أحكام الدین، أما

رجع فیھ لألحكام تحدید ما إذا كان ذلك الخروج قد بلغ حد الردة عن اإلسالم أم ال، فیالشرعیة التي تحدد الفرق بین المعصیة التي ال یعتبر مرتكبھا مرتدا وبین تلك التي

والقول أن المجتمع جاھلي یوازي القول أن المجتمع ضال أو –یعتبر مرتكبھا مرتدا المجتمع فاسق، فجمیع ھذه األلفاظ إنما تدل على أن فیھ خروج ظاھر على أحكام

تلك الصفة الغالبة على حال أفراده وأنظمتھ ولكن لتحدید ما إذا كان ذلك وأن –الدین الخروج قد بلغ بفرد معین أو وبالمجموع كلھ حد الردة والكفر أم ال، یتعین الرجوع

انتھى. إلى أحكام الشریعة المأخوذة من اآلیات واألحادیث في ھذا الشأن :السؤال الرابع

–یة وجودھا وأھمیتھ إذا حكم الناس باإلسالم ما ھو دور الجماعة وما ھو وشرع والحاكم لم یرد فیھ نص قاطع في البحث؟

:اإلجابةبالنسبة للحاكم، لقد عنینا في بحثنا بذكر القاعدة الشرعیة أما تطبیقھا على شخص أو أشخاص معینین فلیس من مھمتنا، ولقد لقنا مرارا إن الجماعة منذ نشأتھا التزمت

للخروج علیھ وھو أال تتعرض لألشخاص بحكم ما وإنما الجماعة أصال ال محل تعلن األحكام الشرعیة تالیة على الناس آیات القرآن الكریم وأحادیث الرسول علیھ

الصالة والسالم مستشھدة إذا لزم األمر بأقوال أئمة الفقھ واللغة والحدیث تاركة لكل وقلنا –سھ أن ینطبق علیھا مستمع أن یضع نفسھ في الموضع الذي ھو أعلم بنف

إذا كان : فالقول بأن الحاكم لم یرد فیھ نص قاطع–مرارا أننا دعاة ولسنا قضاة أما إذا كان یسأل عن –السائل یطلب حكما على شخص أو أشخاص فقولھ مردود

رأي فقھي فإن في رسائل الجماعة التي وضعھا اإلمام الشھید الرد على السؤال كما

Page 157: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ا في بحثنا أقوال الفقھاء في ھذا الشأن بما یتفق مع االختیار الفقھي للجماعة أننا أوردن .منذ نشأتھا

ة یدعون إلى ﴿: أما دور الجماعة فنقول باختصار قال هللا عز وجل نكم أم ولتكن م: آل عمران(﴾ ك ھم المفلحون الخیر ویأمرون بالمعروف وینھون عن المنكر وأولئ

ة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنھون ﴿: ، وقال تعالى)104اآلیة كنتم خیر أم وتعاونوا على ﴿: ، وقال تعالى)110اآلیة : آل عمران(﴾ عن المنكر وتؤمنون با

وإن طائفتان من ﴿: ﴾ وقال تعالىوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان البر والتق المؤمنین اقتتلوا فأصلحوا بینھما فإن بغت إحداھما على األخرى فقاتلوا التي تبغي

من : "، وقال علیھ الصالة والسالم)9من اآلیة : الحجرات(﴾ حتى تفيء إلى أمر هللا رأى منكم منكرا فلیغیره بیده فإن لم یستطع فبلسانھ فإن لم یستطع فبقلبھ وذلك

لتأمرن بالمعروف ولتنھون عن ": وقال علیھ الصالة والسالم"أضعف اإلیمانمن نبي بعثھ ما ": وقال علیھ الصالة والسالم"المنكر أو لیعمنكم هللا بعذاب من عنده

هللا في أمة إال كان لھ من أمتھ حواریون یقولون ما ال یفعلون ویفعلون ما ال یؤمرون فمن جاھدھم بیده فھو مؤمن ومن جاھدھم بلسانھ فھو مؤمن ومن جاھدھم بقلبھ فھو

".مؤمن ولیس وراء ذلك من اإلیمان حبة خردلاس وإنفاذ األمر بینھم وھل من بغي أوضح من تعطیل شرائع هللا والحكم بین الن

!!.على خالف أمر هللا ورسولھ؟أعظم من إنفاذ أوامر هللا وشرائعھ –وھل من بر یجب التعاون علیھ كأمر هللا

والتمكین لدینھ والجھاد لتكون كلمة هللا ھي العلیا؟ وھذا ھو الھدف الذي قامت أن یحققوه أفرادا الجماعة أصال لتحقیقھ وھو أمر واجب على كل المسلمین وال یمكن

فلزم العمل في جماعة تھدف لتحقیق ھذا الھدف الكبیر، ومن تخلف عن االنضمام لمثل ھذه الجماعة والعمل معھا یأثم كإثمھ عن ترك أي فرض أو تكلیف شرعي، وال

نخرجھ من الملة بسبب ذلك إال أن یجحد الھدف وھو تحكیم شرع هللا فیكون كافرا انتھى". مرتدا

:ال الخامسالسؤالنقطة التي عالجت مسألة اإلكراه في حاجة إلى مزید من اإلیضاح، ویرى البعض أن األخذ بالرخصة ال یصلح لیجتمع علیھ صف یرید أن یتحمل عبء

..الدعوة :اإلجابة

لقد استوعبنا في بحثنا كافة النصوص المتعلقة بموضوع اإلكراه والكثیر من یكون حاصرا لھا، ولقد أثبتنا حكم الرخص لما شاھدناه أقوال الفقھاء استیعابا یكاد

من استسھال البعض إلقاء تھمة الكفر على غیرھم لمجرد الترخص دون إلمام

Page 158: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

إن الذین ﴿: باألحكام الشرعیة، وأوضحنا ما أوضحناه عمال بقول هللا عز وجلن بعد ما بیناه للناس في الكتاب أولئك یلعنھم یكتمون ما أنزلنا من البینات والھدى م

، وألننا نؤمن بأنھ لیس في الدین سر یكتم )159اآلیة : البقرة(﴾ هللا ویلعنھم الالعنون عن أحد، وإنما األحكام الشرعیة یجب أن یعرفھا الناس جمیعا وأن یتصرف كل

..ھا وفھم لھاامرئ وھو على علم بونحن نؤمن بأن األخذ بالرخصة ال یصلح ألن یجتمع علیھ صف یرید أن یتحمل عبء الدعوة، وقد أوفى اإلمام الشھید رضي هللا عنھ ھذا الموضوع حقھ من الشرح

".راجع رسالة بین األم والیوم"في رسائلھ إلى اإلخوان والثبات والعمل على إعالء كلمة إن هللا تعالى قد ندبنا للصبر: "ولقد قلنا في بحثنا

الحق والجھر بھا والتمكین لھا ودفع المظالم ورد البغي والعدوان وجعل للعاملین في والحق أن " ".. سبیل ذلك أعظم األجر وأعلى درجات الرفعة عنده في جنات النعیم

ز سنن الحیاة تؤكد أن الدعوات واألمم إنما تنتصر ویعلو شأنھا بمن یسخرھم هللا عوجل بفضلھ ورحمتھ من الصادقین الصابرین الثابتین الذین یشرون الدنیا باآلخرة

ویبتغون في كل قول وعمل وجھ هللا تعالى وال یخافون في الحق لومة الئم أو ذھاب ﴾ جنة إن هللا اشترى من المؤمنین أنفسھم وأموالھم بأن لھم ال دنیا أو ضیاع جاه ﴿

الذین یبلغون رساالت هللا ویخشونھ وال یخشون أحدا إال ، ﴿)111من اآلیة : التوبة( حسیبا ، وإنما اجتمع صفنا على العزیمة وبھا )39اآلیة : األحزاب(﴾ هللا وكفى با

".بلزومھابعون هللا نأخذ ونأمر إخوتنا أن یستعینوا با و :مالحظة ھامة

البحث لم یكن توجیھا عاما ولكنھ رد محدد على أفكار محددة فال مجال لمن .یستنتج أنھ یدعو إلى الترخص

:السؤال السادسالنقطة التي عالجت موضوع الجماعة والبیعة جاءت مقتضبة وأثارت أسئلة منھا

ث منھا التارك لدینھ ال یحل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثال: "حدیث ابن مسعود" من مات ولیس في عنقھ بیعة مات میتة جاھلیة: "وحدیث" المخالف للجماعة

" من فارق الجماعة قید شبر فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقھ إال أن یراجع: "وحدیثوتساءل البعض ھل یصح أن یوجد المسلم بغیر جماعة؟ وھل یعني خروجھ عن

ل آخرون ھل إذا عمل الشخص في منظمة الجماعة خروجھ عن الملة؟ وتساءمعروف أنھا تتعارض مع ما یقرره اإلسالم أو أنھا تعمل لمحاربة جماعة اإلسالم

فھل یحكم لھ باإلسالم؟ :اإلجابة

Page 159: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

الذي عنینا بالرد علیھ في بحثنا بیان حكم الجاھل بضرورة لزوم الجماعة البیعة ومعنى لزوم وبضرورة البیعة، وأیضا حكم المخالف لنا في فھم معنى

الجماعة أو معنى الجماعة ذاتھا وأنھ ال یجوز لنا أن نتھم غیرنا بالكفر في غیر األحوال التي یثبت فیھا حكم الكفر شرعا ویقینا على الشخص، وقد أسلفنا القاعدة التي وضعھا مؤسس الجماعة رضي هللا عنھ في البند العشرین من رسالة التعالیم

یاسة التي التزمتھا الجماعة من أنھا تقرر األحكام الشرعیة، ولكنھا كما أوضحنا الس .ال تنصب نفسھا قاضیة لتحكم على األفراد

وزیادة في اإلیضاح نقول بعون هللا إن الجماعة التي ورد ذكرھا في األحادیث المشار إلیھا في السؤال قد وردت معرفة بأل العھدیة والعلمیة، فخرج بذلك من

وص أن یكون المقصود أیة جماعة من المسلمین، وإنما المقصود جماعة مفھوم النص .خاصة معینة لھا شروطھا وأحكامھا

وھناك اختالف كبیر بین الفقھاء في بیان الجماعة وشروطھا وأحكامھا ومعنى .البیعة وحكم من لم یبایع

على ومن المسلم بھ أن جماعة اإلخوان المسلمین، مع إیمانھا الكامل أنھا قامتالحق ویقینھا الذي ال شك فیھ أن دعوتھا دعوة حق خالصة أمر هللا بھا أمر وجوب

وإلزام فإن المؤكد أن االختیار الفقھي لمؤسسھا لم یكن النظر إلیھا باعتبارھا جماعة المسلمین المقصودة في األحادیث، وإنما ھي داعیة بعون هللا لتحقیق جماعة

لجماعة رضي هللا عنھ قد اعترف طوال فترة قیادتھ المسلمین، یؤكد ذلك أن مؤسس اللجماعة وجمیع صحبھ الذین آزروه واجتمعوا معھ على دعوتھ قد اعترفوا لغیرھا

من الجماعات بأنھا جماعات إسالمیة كما اعترفوا بصفة المسلم لمن لم یكن منضما .لجماعة اإلخوان المسلمین أو فصل منھا

وكیلي الجماعة السابقین وعشرات غیرھا كان وقد قرر اإلمام الشھید فصل بعضھم أعضاء بمكتب اإلرشاد والھیئة التأسیسیة ولم یكن قد نسب ألحدھم أنھ أتى عمال أو قال قوال ارتد بھ عن اإلسالم، وال زعم أحد أنھم بفصلھم من الجماعة قد

لتأسیسیة وبعد اإلمام الشھید صدق مكتب اإلرشاد والھیئة ا–أخرجوا من اإلسالم على فصل عدد غیر قلیل من أعضاء كانوا بالجماعة منھم من كان عضوا بمكتب اإلرشاد أكثر من مرة ومنھم من تولى مراكز قیادیة في الجماعة وأنظمتھا، وكان

القول الصریح من قیادة الجماعة في ھذه المناسبات أن المفصولین مسلمون یخدموا اإلسالم بمجھوداتھم الفردیة معصومو الدم والمال ترجو الجماعة لھم أن

وبأسالیبھم الخاصة بعد أن استعصى علیھم توطین أنفسھم على نظام الجماعة .وااللتزام بمفھوماتھا وبرامجھا ومناھجھا

Page 160: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

: وفي رسالة المؤتمر الخامس لجماعة اإلخوان المسلمین یقول اإلمام الشھیدن المسلمین من الخالفة وما ولعل من تمام ھذا البحث أن أعرض لموقف اإلخوا"

یتصل بھا، وبیان ذلك أن اإلخوان یعتقدون أن الخالفة رمز الوحدة اإلسالمیة ومظھر االرتباط بین أمم اإلسالم وأنھا شعیرة إسالمیة یجب على المسلمین التفكیر

فیھا واالھتمام بھا، ویرى اإلخوان أن األحادیث التي وردت في وجوب تنصیب حكام اإلمامة ال تدع مجاال للشك في أن من واجب المسلمین أن یھتموا اإلمام وبیان أ

بأمر خالفتھم منذ حورت عن مناھجھا، ثم ألغیت تمام إلى اآلن، واإلخوان المسلمون لھذا یجعلون فكرة الخالفة والعمل إلعادتھا في رأس مناھجھم وھم مع ھذا یعتقدون

البد منھا وأن الخطوة المباشرة إلعادة أن ذلك یحتاج إلى كثیر من التمھیدات التي .الخالفة البد أن تسبقھا خطوات

أما التساؤالت عما إذا كان یصح للمسلم أن یوجد بغیر جماعة فاإلجابة أننا سبق أن قلنا إن المراد بالجماعة الواردة في األحادیث السالف اإلشارة إلیھا لیس أیة

وطھا فمن وجد في إحدى الجماعات جماعة وإنما جماعة خاصة لھا أحكامھا وشرتلك األحكام والشروط واعتقد أنھا الجماعة المقصودة باألحادیث لزمھ أن یدخلھا ویعمل فیھا وإن كان اعتقاده ھذا لیس حجة على غیره ممن ال یرون في الجماعة

وعلى أي حال فأمر هللا لنا بالتعاون على البر والتقوى –التي دخل فیھا ھذا الرأي من التآلف في جماعة لتنفیذ أمر هللا، إذ االنتظام في جماعة ضرورة یقتضیھا یتض

التعاون المأمور بھ لتحقیق المقصود المطلوب شرعا وقد أسلفنا بیان أنھ قد ورد في األحادیث النبویة الشریفة التنبؤ أنھ یأتي على المسلمین زمان ال یكون لھم جماعة فیھ

نھم صفة اإلسالم وإن كان ذلك بطبیعة الحال ال یعفیھم وال إمام وأن ذلك ال ینفي ع .من فرض المجاھدة لتحقیق الجماعة وتنصیب اإلمام

ولیس –أما الذي یعمل في منظمة تحارب اإلسالم والمسلمین فھو متول للكافرین وتلك قاعدة عامة أما تطبیقھا على األفراد فیحتاج إلى تحقیق –من هللا في شيء ما تتوافر لغیر ذي سلطة ما لم تكن المنظمة متبرئة من اإلسالم واستیضاحات قل

ونكرر القول –جملة بحیث ال یشتبھ على أحد أنھا خارجة على اإلسالم محاربة لھ انتھى. أننا دعاة ولسنا قضاة

:السؤال السابعإذا كان واقع الناس وظاھرھم متفقا تماما مع البعد عن شریعة هللا، ألیس ذلك

أن ھناك خلال اعتقادیا، فدلیل اإلیمان والعمل بھ، والقائل بھذا الرأي یستشھد معناه والنبي وما أنزل إلیھ ما اتخذوھم أولیاء باآلیة ﴿ ﴾ فجعل تعالى ولو كانوا یؤمنون با

.اتخاذھم أولیاء مترتبا على عدم إیمانھم دلیال علیھ :اإلجابة

Page 161: حسن الهضيبي -- دعاة لا قضاة

ونقول بعون هللا أن لو فرض جدال صحة القول بأن الخروج أو البعد عن أحكام الشریعة دلیل على وجود خلل اعتقادي لدى الخارج، فإن مرد الحكم على الخارج لیس إلى آرائنا، ولكن ما حكم هللا أن الخروج عن أحكام الشریعة فیھ دلیل على أن

خارج مرتدا عن اإلسالم كافرا مشركا، قلنا نحن الخلل االعتقادي قد بلغ حدا یجعل البحكم هللا فیھ، أما من حكم هللا بأن بعده أو وخروجھ عصیان ال یجعلھ مرتدا وأنھ باق لھ حكم اإلسالم، فواجب علینا أن نحكم بحكم هللا فیھ، وال یجوز لنا أن نبتدع من عند

زل هللا وھذا بذاتھ موضوع التفرقة أنفسنا حكما آخر إال كنا نحن الحاكمین بغیر ما أنبین المعاصي التي ال تكفر صاحبھا وال تخرجھ عن الملة،وتلك التي تخرج صاحبھا

عن الملة ویعتبر مرتدا، وقد سبق استیفاء ذلك بالبحث مع وضوح أن ھذه األحكام ..تكون بالنسبة لكل فرد بذاتھ ولیس على عامة الناس بجملتھم

تم بحمد هللا