145
1 الح ر ف والطيف أديب كمال عالم الدين عري الش ني الدكتور مصطفى الكي( ة قاربة تأويلي م) 0202 - تونس

الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

Embed Size (px)

DESCRIPTION

الحرف والطيف: عالم أديب كمال الدين الشعريّ تأليف: الدكتور مصطفى الكيلاني تونس 2010

Citation preview

Page 1: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

1

ف والطيفر الح

الشعري الدينعالم أديب كمال

الدكتور مصطفى الكيالني

(مقاربة تأويلي ة)

تونس - 0202

Page 2: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

2

Page 3: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

3

:ف والطيفر الح

عالم أديب كمال الدين الشعري

:تأليف

الدكتور مصطفى الكيالني

(مقاربة تأويلي ة)

Page 4: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

4

تونس - 0202

Page 5: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

5

الصبي قلب وفي أعماق “

وفي أعماق القلب قصيدة

وفي أعماق القصيدة حرف

وفي أعماق الحرف نقطة

وفي أعماق النقطة متصوف

،وفي أعماق المتصوف إله

.”إله ينظر إلى طائري المذبوح ب عينين دامعتين

-أديب كمال الدين -

Page 6: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

6

تصدير

( 6791)”تفاصيل“الشعرية، من مجموعته األولى الدينتعتبر الكتابة عن مجموع أعمال أديب كمال

ومرورا بمجموعاته الشعرية األخرى، وجها للمغامرة، ألن هذه (9007)”أربعون قصيدة عن الحرف“إلى

ذا حاولنا . التجربة عند قراءتها المتأنية تبدو مخات لة حينا دورانية أحيانا، إذ تتكرر لتختلف في األثناء وا

بالشكل الدائري تثبيتها بمجموع عالمات مرجعية فرت من الثابت إلى المختلف ومن المختلف إلى الثابت،

الكينوني، رغم ظاهر المستعاد الذي يوهم الناظر أن الحركة هي ذاتها، غير أن دورة الفصول في الواقع

تكرارها، ال تنفي اختالف مذاق الثمرة الحادثة عن مذاق الثمرة الالحقة وتغاير األوضاع والوجوه والحيوات

.إجماال

رفاني العربي اإلسالمي له غير مكتف بظاهر تشكله وألن الحرف، حسب التمثل العالمي والع

الندماجه في ما يتخطى دائرة المرئي وتعالقه مع أبعد األوساع الكونية وانغراسه في أدق حاالت الموجود

إلى نظر جواني يصل في مغامرة تمثله شعرا بتحويل أبعاده الداللية والت داللية الدينفقد اندفع أديب كمال

بين الداخل والخارج، بين المتذكر والمتخيل، بين حلم الكتابة الحيني والزمن األسطوري، بين تجربة

الوجود الفردي وتراث التجربة الوجودية الجمعية بثقافة اإلبطان الذي يعيد تركيب الواقع عن طريق الرؤيا

وزها عند االرتكاز في لحظة الكتابة أو لحظاتها على جسدانية حالمة كي تفيض األشياء بحاالتها ورم

Page 7: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

7

ب البيان حكمة الخفايا والطوايا تستثمر أطياف الروح وتستوحي من الكيان قوة المعنى العرفاني الذي يكس

(.البرهان)دون التورط في االكتفاء بظاهر األشياء وساكن العقل

التي بها كان يكون، هو ضرب من التصوف الخاص الذي يدعو بضرورة وألن الشعر، حسب ماهيته

، على حد عبارة جبرا إبراهيم ”شبحي ”األداء الجواني إلى النظر في الداخل وتعقب ما هو غامض و

إلى الدين، واستقراء بعيد األزمنة وعميق الحاالت والمواقف فقد نزعت الكتابة لدى أديب كمال (6)جبرا

الخوض في تجربة المحبة للحرف وبالحرف، حتى لكأننا بذلك نشهد سبيال آخر مختلفا في دنيا التصوف

رفاني بثقافة أنتربولوجية تستفيد من االعتقاد واألسطورة والتاريخ الطبيعي الذي يوسع مجال التمثل الع

شقية حقا، كأن يستحيل جسد السالف والحادث وميتولوجيا اللغة وأسرار الحروفية عام ة لتجسيد حال ع

العالم، هنا، وروحه الدالة عليه إلى مجال واسع عميق للكتابة بما يقارب أفعال الوشم أو الرشم عند

ممارسة لعبة اإلبداء واإلخفاء، كإنشاء العالمات وفسخها ثم إعادة إنشائها، وكالمراوحة بين التصوير

روفي واالستخدام الكنائي دون التوغل في مهام ه السريالية ومتاهات العبث، ألن الحداثة االستعاري الح

الشعرية، كما يرتئيها أديب كمال الدين، مشروع طموح إلعادة قراءة التراث الحروفي العربي ضمن

مسقطة على الذات الفردية سياقاته المعرفية والعرفانية الخاصة، وبعيدا عن مفهوم الحداثة ال/سياقه

والجمعية بمختلف وقائعها الوجودية ومخصوص حاالتها ومواقفها، ومحصل ذاكرتها وقواها التخي يلية

.حالمها ورغباتها وطموحاتها في منظومة تمثل الوجود والموجودأو

شير على وجه إلى الحروف ضمن سياق عارض، كأن ن ( علي أحمد سعيد)لئن اتجه اهتمام أدونيس

العتقاده الراسخ في األبعاد الخفية الكامنة وراء ” المسرح والمرايا“الخصوص إلى مجموعته الشعرية

إلى ثابت متكرر مختلف، إن استثنينا الدينفقد تحول العارض لدى أديب كمال ( 9)الحروف العربية

(.6791) ”تفاصيل“بدايات تجربته الشعرية

Page 8: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

8

ل إلى إدمان، إلى عشق حد الهوس، إلى رغبة تتجدد أن االشتغإال ال على الحروف سرعان ما تحو

لذلك نراها تعيد الفعل مرارا وتكرارا كي تتجدد في . كاتب” لعب“باستمرار وال ترتوي بما تحققه من

.األثناء، بمزيد من الرغبة، بمزيد من الظمأ

ف وبعضها أما الدافع إلى هذا التشبث بالنهج ا لحروفي المذكور فهو مجموع قوى حافزة، بعضها منكش

اآلخر خفي، بل غارق في االختفاء، كأن يحيل هذا الشغف على تاريخ الذات الشاعرة بمحصل ثقافتها

رفانية تحديدا، بأدق تفاصيل االنتماء إلى ثقافة العائلة والساللة واألمة جمعاء، كأن يختصر العقدية، والع

ثلما يحيل . الحرف أو يختزل تاريخ الرغبة والقهر معا، تاريخ المحبة والموت حد االستشهاد أحيانا كثيرة م

على ثقافة وطنية حديثة أمكن لها في العراق تحديدا االحتفاء بالحروف عن طريق أنظمة عالمية مختلفة،

ة السالفة والحادثة وحلم األبعاد الواصلة بين انفتاح الخارج وانفتاح كالرسم والوشم أو الرشم والنمنمة بالعمار

الداخل، لحظة يصل الحرف بين الموجود والوجود، بين الباطن بمراياه المختلفة والفضاء الخارجي كما

.يصطبغ برموز الداخل وخياالته ومتعدد رؤاه الطيفية

تنشد حداثة الراهن دون القطع (hérméneutique) يليةإن اشتغالنا على التأويل، بمحصل ثقافة تأو

الشعرية التي الدينيقضى االهتمام بتجربة أديب كمال ( 3)مع حداثة تراثنا، بل تراثاتنا العربية اإلسالمية

س .نراها تمثل في واقع الكتابة الشعرية العربية الراهنة وجها لالختالف المبدع المؤس

فب م تتفرد وتختلف، أو كيف تتكرر لتختلف؟ هل مسارها العام يحد بالتمدد الواضح أم بالتمدد الدوراني؟

ما هي أبرز معانيها الحادثة والممكنة في منظومة اشتغال المعنى الحروفي العام المرجعي؟

ا على مبدأ االقتراح تنفتح ذاتنا القارئة على ذات المتعمد تأكيد ( بالتنكير)بهذه القراءة التي هي قراءة

النص الواحد والمرجعي افتراضا والمتكث ر واق عا ك تابيا تبعا لمقاربة تأويلية، كما أسلفنا، ال تسعى إلى

توصيف األساليب الباهت، كالذي تحرص عليه الكثير من األعمال النقدية الشكالنية والبنيوية، بل تتجه

ذلك أن (. الشكل واألسلوب)دون التغافل عن الهامش ( المعنى)إلى استكناه الدالالت، احتفاء بالمتن

Page 9: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

9

النص منظومة توالد معان لحظة تتعانق وتتعالق ذات القارئ المحلل المتأول وذات النص المسكونة بذات

.صاحبها اإلبداعية

أن المقاربة مهما كانت مراجعها المفاهيمية والمنهجية هي بق ي في خاتمة هذا التصدير أن نشير إلى

البعض القليل من المسبق النظري الذي يبحث له عن وجود في وقائع النصوص المكتوبة التي استحالت

.إلى مقروءة، وهي البعض الكثير من عفوية االكتشاف آن القراءة ذاتها

الشعرية يفيد، ال محالة، هذه المقاربة، لتنوع اللحظات دينالإن قراءة ما كتب عن تجربة أديب كمال

محاولة أخرى تضاف إال وما جهدنا الق رائي هذا (. 4)القارئة واتفاقها واختالفها في التأويل قبل التحليل

ا لوجود الالحق إلى مجموع المحاوالت المنجزة المشار إليها توازيا مع تراكمات التجربة وابداالتها أو تبع

لة القراءة بالكتابة تزمنا و تقاطعا أو انقطاعا واسترساال .المستم ع ل سابق ه ، كص

ر من المسبق النظري المهلك لحيوية فكيف لنا أن نستضيء على النصوص بما نعلم؟ وكيف التحر

لمكتوب ويستثري المكتوب من القراءة، النص المكتوب وحرية الذات القارئة كي تستثري القراءة من ا

كتعالق زوجين ينتج عنه إحبال، فو الدة، فوجود؟

الهوامش *

.6791، 6المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط: ، لبنان”الفن والحلم والفعل“جبرا إبراهيم جبرا، -6

دار المعارف للطباعة : تونس ،”أدونيس وشاعرية األصول، مقاربة تأويلية“مصطفى الكيالني، -9

.9007والنشر،

: نشير إلى بعض بحوثنا في هذا المجال كـ -3

.9009دار المعارف، : ثقافة المعنى األدبي، تونس*

.9007دار نقوش عربية، : مرايا العتمة، قصيدة النثر ومستقبل الشعر العربي، تونس*

Page 10: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

11

ناشرون –الدار العربية للعلوم: عاصر، لبنانرحيل المعاني، قراءات في الشعر العربي الم *

. 9060دار االختالف، : والجزائر

، إعداد وتقديم ”الشعرية الدينناق دا يكتبون عن تجربة أديب كمال 33 : الحروفي “تأليف جماعي، -4

.9009المؤسسة العربية للدراسات والنشر، : األردن -الدكتور مقداد رحيم، لبنان

Page 11: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

11

ل :الفصل األو

، شاعري ة الطفل ال ذي كان )*(” تفاصيل“

.6791مطبعة الغري الحديثة، : ، النجف ”تفاصيل“أديب كمال الدين، )*(

.االلتفات إلى أقدم اللحظات -0

جرت عادة الكتابة الشعرية أن تتجه إلى غير التفاصيل، إلى المطلق أو المجرد، لمدى حاجة الذات

الشاعرة إلى الخروج من دائرة األشياء المعتادة إلى مواطن الحلم وكثيف الرغبة داخل العوالم الجوانية

الدينغير أن التفاصيل، هنا، عند قراءة الديوان األول في حياة أديب كمال . المكتظة بالرموز واألسرار

الشعرية ال يراد بها أداء األشياء الحسية بالمباشر العالمي، بل هي أشبه ما يكون بالجهد التذكري يعود

ليتنصت أبعد األنباض في تاريخ الوجود الفردي ويتعقب أقدم الصور، عودا إلى الحب البدائي، إلى زمن

Page 12: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

12

لذي سرعان ما استحال بمرور أوقات العمر إلى الالمشيمة، إلى ذكرى الماء ببهجة الوعي البدائي ا

.وعي

تنكشف بعض مالمح هذا الزمن البدئي، كأن تتضمن كتابة االستذكار بمجمع قوى ”قصيدة حب “ففي

الروح الكاتبة المدفوعة بااللتفات إلى أقدم اللحظات بعضا من الحنين إلى زمن كان وال تزال آثاره عالقة

الجسد البلور والثدي وتالل الماء والصحو الرملي والثلج والبحار الضائع وأردية “: البدائية بصميم الذاكرة

.”...امرأة واألزهار واألحالم واألشجار وغابات الكلمات

لتعلن ابتداء تجربة شعرية ” قصيدة حب “هي، إذن، لحظة البدء أو دهشته ينجلي بعض سمائها في

تؤالف بين الحنين إلى البدايات األولى وفعل االستذكار عودا إلى زمن المشيمة فالرضاع وهوس الحرف

: ينشأ عشقه تزامنا مع عشق الكتابة أو تنائها الجميل

! ي حب “

ف وص قد غنيت حروفا ال ت لك من أج

كاألطفال المسرورين الليل وتمشي وحروفا تشكو لون

” ...، الماءللصيف وحروفا تهمس

ابتداء الوشم الذي استحال في الالحق إلى حرف، ابتداء الكتابة برغبة البوح عن ” قصيدة حب “وكأن

كل األحداث والوقائع في حياة الذات الشاعرة، استباق لما يكون المخبأ الدفين، عن الحب البدائي، مرجع

.عبر مختلف أطوار الوجود ووجود الكتابة

ر -0 .فعل السؤال كل ما استحال اإلثبات أو ت ع س

Page 13: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

13

على شاكلة استذكار ينتهج سبيل االلتفات فعال الدينكذا تتضح بدايات الكتابة الشعرية ألديب كمال

ستقرئ أدق تفاصيل تاريخ الروح بجهد االسترجاع الذي يسعى إلى إعادة تجميع أصداء المنتثر استبطانيا ي

: وتوحيد شتاته في هدير الزمن المنقضي بف عل السؤال كلما استحال اإلثبات أو تعسر

أأنا صوت ودعاء أبيض “

حلم وزيارات صيغت من أعماق الوردة ؟

؟ ...أأنا مطر

” ؟ ...امرأة أأنا حضن

وحينما تسعى الذات الشاعرة إلى اإلجابة بمحاولة الكشف عن الغارق في البهمة ينجلي بعض من المعنى

دا بين شتات األصوات : األصداء/مترد

...يدعوني القاتل“

..!!يدعوني الطفل ... الشاعر... العاشق

ء، كأن تنتصر لحظة البدايات بلحظة األصدا/فيطفو صوت الطفل أو صداه في زحمة هذه األصوات

وتتجاوزها في اآلن ذاته بحادث اللحظة وراهن ” لقصيدة حب “تكرارا في الداللة المرجعية ” طفولة“قصيدة

.الحال المفردة المختلفة عن سابقتها

.حقيقة النقصان - 3

لحظة شعرية أخرى تعقب ” وداع ...اللقاء“تدرك الذات الشاعرة حقيقة النقصان منذ البدايات األولى إذ

. اللحظتين السابقتين

Page 14: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

14

أنها تختزل بوعي كارثي بدائي ما يصل بين الحياة والموت، بين الحدوث واالنقطاع أو االنقضاء إال

حتى لكأنها لحظة استقراء الموت في الحياة على شاكلة بدئية تتخذ لها الحب داللة أولى مرجعية

.والطفولة مجاال الستقدام الغامض من الرموز وتوليد الممكن الحادث منها

فيتعالق الحلم وكابوس اليقظة، رومنسية فعل االستذكار وما يشبه واقعية الزمن الراهن في لحظة القصيدة،

معنى الجاثم -ما حدث ويحدث وما سيحدث أو قد يحدث والعبث أو الال ( من المعنى)إمكان تمعين

الرتباك الذاكرة ” النرجس“لذلك يرتبك حلم . بكلكله على صدر اللغة كما يتمثلها الشاعر إعادة إنشاء للغة

: كي يظل هذا الزهر عالمة تيقظ في صميم الروح، كأن يدفع إلى حياة قادمة من غير أن يذبل

)...( فارقت البحر قد امرأة عطر ذكرى : النرجس “

آخر فجر : النرجس

”...ال جدوى فيه إلى الكلمات

ذا .بعد من الكلماتأ لغة أخرى ال تحتاج إلى ألفاظ، بل هو فيض حال ينزع إلى مقاربة ماهو” النرجس“وا

لبسا في األثناء بمختلف أفعال توصيفه، ” النرجس“فيلتقي الحدث ونقيضه، الرغبة والوجع كي تزداد داللة

” اللقاء“باإللماح إلى غامض المعنى ائتالفا واختالفا بين وبالضمير المستت ر الذي يكتفي

: ”الوداع”و

قالت ذلك

.”وبكت مثل النرجس

”ما نفع األشعار، إن لم تأخذ بيدي؟“ -4

في الحيرة وبالحيرة، برؤيا الجسد أو جسد الرؤيا لما الدينتنشأ الكتابة الشعرية، إذن، لدى أديب كمال

يدل عليه فعل االستذكار م ن إحياء لقوى روحية بدائية كامنة في الجسد حينما تسعى ذاكرة الكتابة إلى

Page 15: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

15

الحفر في عميق هذا الجسد المكتسي بقديم خياالته وحادث رغباته وأحالمه كي يثار سؤال قصدية الشعر

: ”ئد قصيرةقصا“في

ما نفع األشعار“

”إن لم تأخذ بيدي؟

كيف للغة أن تتجاوز ذاتها إلى لغة أخرى هي من الشعر : ويستمر السؤال ماثال في الطوايا والخفايا

واليه؟ فتمسي الكتابة، هنا، ضرورة الستقراء األزمنة، كل األزمنة بمحاولة االستذكار أو احياء ما طواه

ينفتح بأقصى الجهد على ” النبي الصغير“ألبدي، نبوة من نوع خاص هي نبوة الشاعر، ذلك النسيان ا

بمختلف رموزه، ما أدركته ” الشتاء“المواطن المشتركة بين الحياة والموت عند التفكير الحدسي شعرا في

فلية وما لم تدركه بعد، برومنسية الدهشة ووجودية اللحظة تستحيل إلى إمكانات رموز، الذات الشاعرة الط

: بل مواقف ومقامات شتى للرغبة بالوجود والكتابة

،الشتاء نبي صغير “

”...ملعب للزمان القديم

لذلك نراها . فتستعين الذات الشاعرة باللغة حينا كي تعلن عن عجزها أحيانا عن أداء شاعرية البدايات

سل هذه الذات بعناصر الطبيعة على غرار ما انتهجت سبيله كما تتو تلوذ بالحرف والصمت أيضا،

الرومنسية عند النفاذ إلى ما وراء الطبيعة ألداء المشترك بين دهشة الروح ولغة العناصر، بين طفولة

الطفلة، تلك الرغبة -الكائن وأصالة الكيان بما تكشفه مرايا الذات والوجود وما تحجبه، وبرمزية اللحظة

.العارضة

.الموت مرادف السلب الفاعل إبد اعا شعري ا -5

Page 16: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

16

تجربة االستذكار عودا إلى طفولة االسم وطفولة الحرف، ” تفاصيل“تخوض الذات الشاعرة في

.وتغامر في استقراء البدايات لتبحث لها ومن خاللها عن معنى ما للحياة والموت

ذا الحقائق، كل الحقائق الممكنة، تصطدم بالال وثوق، بالنفي حينما تدرك الذات الشاعرة أن السلب هو -وا

تدرك ” لم“أصل وجود المعنى ومرجعه، وأن الصمت أساس اللغة، وبها تكون ف عال ناطقا، إذ في قصيدة

: الذات الشاعرة أن البداية لم تحدث بعد

)...(لشاعر قال ا. "لم تبدأ بعد“

.الشاعر قال. "لم تبدأ بعد"

”! فأتاه الموت

لة وما الكتابة الشعرية عند استقراء البدايات ب ف عل . فليس الموت انقضاء، بل ابتداء غير مؤكد لنهاية مؤج

.الموتمعنى، السلب، النفي، العدم، -إعالن عن والدة شعرية تنشأ داخل رحم الال إال االستذكار

: ”تفاصيل“، آخر نصوص ”قصيدة“كذا تنشأ القصيدة بمختصر

يا أرحب لحد معشب“

“!يا أرحب منأى

ن ظل ماثال ببقايا أصدائه في المشترك القائم بين فما سعت الذات الشاعرة إلى استذكاره تالشى وجودا، وا

.اللغة والصمت، بين الحرف وما وراء الحرف

الناشئ القائم على إدراك الحقيقة التي مفادها أن الثابت وجودا بعد تالشي الحب، الطفولة، إن الوعي

بكارة المعنى هوالموت، ألنه الحاضر بكثافة حية في الوجود، باعتباره أساسا مرجعيا ومولدا للمعاني،

الوجود، واألفق الذي سيفتح على حادثها وممكنها، وهوالشيء ونقيضه، والنهج الداللي المتبقى في ليل

.جديد المعاني مادام حاضرا بإمكان معناه في الوجود وبالوجود

Page 17: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

17

:الفصل الثاني

، ب دء االنتقال الحاسم من شاعري ة الطيف)*(”ديوان عربي “

.إلى شاعري ة الحرف

0890دار الشؤون الثقافي ة العام ة، :بغداد، ”ديوان عربي “، الدينأديب كمال

.مواصلة نهج السؤال لمقارب ة زمن البدايات -0

، كأن تحرص الذات الشاعرة ”ديوان عربي “بل يستمر بقصائد ” تفاصيل“االستذكار نهج ال يتوقف عند

آن الدينكذا تجربة الكتابة الشعرية عند أديب كمال . على مواصلة نهج السؤال لمقاربة زمن البدايات

Page 18: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

18

البدء، طفولة االسم، طفولة المعنى، االبتداء هي فعل تذكر، محاولة استرجاع لما كان سعيا إلى استقراء

: ”ديوان عربي “من ” ديوان األسئلة“في ” رؤيا”كـ

إذ رأى خفقة “

،ة تهبط اآلن في الريح تستنفر الذاكر

ة خفقة ناحل

،ة تسكن الصمت والتمتم

:أسأل الفجر هذا الصديق العتيق

”ما الذي يعرف الطفل عن أمه أو أبيه؟

ومنها إلى ” القبلة“إلى ” الخفقة“أن فعل االستذكار، هنا، يتحول من عالمة داللية إلى أخرى، من إال

للتنقيب عن األثر المتبقي من زمن البدايات الذي يساعد على استعادة البعض من الوهج القديم ” الكلمة“

المعنى والبهمة، بين الذاكرة والنسيان الهارب إلى التخوم البعيدة للذاكرة حيث الحدود الفارقة بين إمكان

.األبدي

وكأن فعل الكتابة، هنا، مغالبة للنسيان بإمكان الصور الطيفية، بخياالت المواقف والحاالت، ببقايا طفولة

بدائية لتتقابل في األثناء إرادة التذكر وواقع االستحالة بما حدث من انقضاء، من تالش، من اندثار، كأن

: كم م ن جهد يلزمني؟ وبوفرة األفعال الدالة عليه “: ”الجهد“تغنى الذات الشاعرة بهذا التقابل عند تكرار ت

ك، أحرق، أخطو“ ”...أمسك، أغني، أذكر، أنسى، أبكي أو أضحك، أمس

ولئن تعددت األفعال والسياقات الدالة على هذا الجهد المتكرر فإن النتيجة واحدة هي تأكيد واقع استحالة

تمضي دون رجعة، والفرح البدائي يضمحل بعيدا، وطفولة الفرد ” كاأليام الراحلة“إحياء المنقضي،

كان الستعادة المنقضي واالستمرار في والجماعة معا يتالشى وجودها في غمرة السواد الزاحف حيث ال إم

Page 19: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

19

فعل التذكر، لما يمثله النسيان من ث قل يستحيل به تبديد الكثافة واسترجاع البعض القليل من فرح طفولي

.كان

محاولة اختراق سبيل في كثافة هذا العدم -0

مكان المعنى في فإن ” ديوان عربي “من ” ألسئلةديوان ا“ولئن تعذر اختراق السواد الجاثم على الذاكرة وا

د ” ديوان المقابالت“قصائد مثلت مجاال لتحقيق بعض التواصل، إذ قاربت االستعارة الشعرية لغة تساع

يستحيل العدم إلى إمكان لوجود، والبهمة إلى ما يتركب عبارة ولو . على تجاوز عجز اللغة المتداولة

.إلى أداء داللة ما على شاكلة عارضة في السعي

غير أن محاولة اختراق سبيل في كثافة هذا العدم المعتم لتحويل النسيان المحض إلى إمكان ذاكرة

يستدعي التفكير بدءا في اللغة ذاتها ب ثنائية الصوت والصدى، هذه اللحظة شبه المفصلية في مسار

إلى توسيع النظر بعيدا خارج دائرة اللغة المتداولة، الكتابة لدى أديب كمال الدين ستدفع الذات الشاعرة

إلى ما وراء الحرف، لتنشأ بوادر الكتابة الحروفية بناء على مغامرة التفكيك بين الصوت والصدى، بين

الحرف والمعنى، بين األيقونة والمرجع بإعادة التفكير في اإلشارة ضمن البنية العالمية الموروثة

.تداوال عبر األزمنة ووصوال إلى سياق االستخدام الحادثالمستخدمة

أن يسفر عن بصيص نور به تستدل الذات ” للسواد“فكيف للغموض أن يشي ببعض أسراره؟ وكيف

الشاعرة على ليل الوجود؟

ذا : يعلن إمكان حصر اإلشارة في المعنى” الصوت“وا

في الليل األسود“

.”الغامضيتحدث هذا القلب

Page 20: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

21

ال يقبل استعادة صوته القديم، بل يستمر صدى منفلتا من أي أصل، رافضا ألي حد ” الصدى“غير أن

. أو قيد باللغة استعارة سالفة وحادثة على حد سواء

: الرحم الذي أنشأه -لذلك نراه يندفع بعيدا عن بدئه األول، عن الصوت

ديان “ أو أشجار من أي ب حار أو و

يأتي هذا الصوت البشري الغامض،

دو يأتي هذا الحلم األس

”كي يوقظن ي م ن صحوي أو نوم ي؟

ممثلة في التردد بين الدينفهذا السؤال هو بعض من حيرة السبيل في بدء تجربة الكتابة ألديب كمال

االجهود الساعية إلى توسيع مجال االستعارة مقاربة الصوت بالبقاء في دائرة المعنى المتداول رغم كل

اللغوية شعرا أو مغامرة الصدى بحثا عن جديد المعاني أو غامضها بمغامرة القطع مع إرث القصيدة

.تراثاتها/العربية وليس مع تراثها

الطبيعة عند استقراء فكيف االنطالق، إذن، في نهج الكتابة الشعرية العام؟ هل ب فتح اللغة المتداولة على

ذاكرة األشجار، الجسد، إغماضة العينين، الفرح األسطوري، تداعيات اللغة شبه الهذيانية، كالوارد في

.من مجمل الديوان الشعري ” المقابلة الثالثة“

ن تعسر التواصل مع اللغة والطبيعة فقد يحقق داخل قيعان الذاكرة للذات بعضا من ” الصدى“وا

أن التفكير بالحدس الشعري في المنقضي يشي بالقطيعة الزمنية بين ما كان ويكون إال . لتواصلا

ويوقظ في النفس حزنا قديما يشتد بواقع التكرار الخاص بأشياء الوجود وسرعة الحركة نحواالنقضاء، إن

: تعلق التفكير بالموجود، تحديدا

سألفألغن بصوت خفيض أل“

:كل شيء يمر

Page 21: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

21

”ن؟هل تراني أعود؟ لماذا؟ لم

حيرة الكتابة بين جاهز المعنى ومختلفه -3

أن حيرة الكتابة بين جاهز المعنى ومختلف ه وبين اللغة وما وراء اللغة يدفع الذات الشاعرة إلى توسيع إال

محاولة االستذكار إلى موصوف دائرة الموصوف الشعري من طفولة الذات وتاريخ االسم بااللتفات و

فهذا الموصوف سرعان (. العنوان الرئيسي )” ديوان عربي “، البعض من ”ديوان عربي “الوطن، األمة في

: ”األنين والدم والخوف وعذاب األرض“ما اصطدم بالفاجعة ممثلة في عالمات

الساعة يأت ي“

،وطن وأنين

”..وطن مرتجف كأنين

العنوان )” ديوان عربي “، البعض اآلخر من ”األشياء“لهذا الوضع االنحباسي يحدث االنتقال إلى ونتيجة

، وهي أشياء قديمة دالة بسياق آخر حادث على طفولة الذات وطفولة المعنى، إذ يستذكر (الرئيسي

كما تشتمل ” ،..الجبل المشاهد المحيطة ب“و” انتظار الليالي التي ال تجيء"و” البيوت القديمة“الشاعر

: دائرة االستذكار على فضاء الغرفة والعزلة والمساء والحرمان والزقاق أو الشارع المجاو ر لتلك الغرفة

هاغرفة فرشت ثوب “

ينتهي البائعون لألغاني التي تبتدي بعد أن

”.طويل من صراخ النهار ال

فتستمر الذات الشاعرة في خوض تجربة االستذكار بمعنى طفولة االسم الذي سرعان ما توالدت صورا

تنزاح عن نظامها األيقوني لتصطدم بفقدان مرجعها األول وتغرق في رمزية الطيف الحادث نتيجة

الدينلقد أدرك أديب كمال . المسافة الداللية الفارقة بين ما كان ويكون في وعي الزمن والعالم والوجود

Page 22: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

22

مدى الحاجة إلى استقراء الماضي ف رارا من نقصان الوضعية إلى اكتمال استيهامي بغية التدليل على

إمكان إكساب العبث الحادث معنى ما بهذا الوجود السالف كي تنشأ في األثناء كتابة الطيف وتترسخ

دة لتتفق بالهاجس أو الرغبة ذاتها في اعتماد االلتفات الذي عبر متراكم نصوص تختلف لحظاتها المول

لذلك يلتقي عند االستذكار الوارد في كل من . يراد به تأثيث البعض الكثير من مواطن الفراغ الحادثة

ذلك النزوع الجارف إلى استعادة بعض من المنقضي، كأن يستمر الشاعر في ” ديوان عربي “و” تفاصيل“

فظة على منطق اللغة المعتاد مع إدخال البعض الكثير من الحادث الداللي المختلف عند إنشاء المحا

استعارات جديدة تستضيء بسالف التجارب الشعرية الحداثية العربية كالرومنسية والرمزية، وبتجريب أداء

. ومختلف أطوارها الك تابية عبر متراكمها النصوصي ” قصيدة النثر“المعنى الشعري المختلف في كتابة

لذلك يبحث له عبر سبيل أداء المعنى الشعري عن نص مختلف ومنطق مفرد يخترق بنية منطق اللغة

.الشعرية الموروث المتداول برغبة االختالف، اإلضافة، التجاوز

ذا دفاع بأقصى الجهد في ان” ديوان عربي “من مجمل ” المراثي“و” األغاني“و” الرقصات“و” دواوين“وا

خالل طورها األول بتناص كتابي منفتح يصل بين سالف وحادث، الدينمسار تراكم تجربة أديب كمال

بين طفولة االسم وطفولة الكتابة أيضا وحادث التجربة، كأن بدأت كتابة الطيف تشهد في الداخل، وفي

: اتجاه حادث إلى تجريب اللغة” الرقصات“ر في النزوع إلى كتابة الحرف، كأن يظه” ديوان عربي “آخر

اهبطي“

مثل حرف بليغ يروم المثول

،بين أيدي السطور

،مثل سجن يروم الهروب

غامضة،مثل نهر يمارس ألعابه ال

”.مثل ميت يعاد

Page 23: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

23

ذا حركة دورانية في الشعر وبالشعر تقطع حبل المعتاد في ممارسة فعل االستذكار، ” الرقص“وا

وتدفع تجربة الكتابة الشعرية في مواطن جديدة هي من اللغة واليها، إذ أدركت الذات الشاعرة أن اإلبداع

: بإنشاء لغة شعرية حادثة، ابتداء مختلفا عن سابقهإال شعرا ال يكون

أشتهي أن أكون “

بالكالم نتشيإنني أ

را بالرؤى والجموح .عام

كذا يقارب الشعر الرقص، تكرار الحركة الدورانية بااللتفاف حول نواة الروح بعد تمدد االلتفات إلى طفولة

الصدى واثار باهتة وانطفاء معنى وشيك، إن لم تتحرر اللغة الشعرية من إال االسم الذي لم يتبق منها

.ار استرجاعا كاتبامنطقها المعتاد وتندفع بأقصى الجهد خارج دائرة التكر

فكيف االنتقال،إذن، من حركة دالة على تمدد االلتفات باالستذكار إلى حركة جوانية دورانية هي أكثر

ارتباكا واشد تواصال مع اللحظة، اآلن بمدلول الذات المتكل مة وموضوع الكالم الشعري؟

ر من جاهز داللة الصوت؟ كيف التخلص م ن ثقل ماضي االسم؟ كيف النزول من علياء كيف التحر

الحلم إلى حلم الكتابة ذاته بسياقه المحاي ث؟

. ابتداء مرحلة جديدة في وعي الوجود والكتابة الشعري ة نحو -4

ف إلى تحقيق حرية اللحظة بالرقص الدوراني تحرص الكتابة الحروفية ” صوفية“وكما يسعى المتصو

على انتهاج سبيل الرقص االستعاري سبيال إلى االنتقال من وضعية الدينمال الناشئة لدى أديب ك

مستهلكة شعرا إلى أخرى جديدة بمنظور التوليد الذي ينبثق من نظام التجربة السابق ويسعى إلى تفكيكه

.والبناء عليه

Page 24: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

24

ذا ، كالحركة تستدعي لها إيقاعا جديدا، إنشادا ”ديوان الرقصات“استمرار في نهج ” ديوان األغاني“وا

مختل فا، تشكيال حادثا للصوت والحركة معا، محاولة قطع مع رؤية األشياء برؤيا مختلفة تق ر

ر “ ر الكتابة بالوجود والوجود بالكتابة)” اكتشاف الس (: س

ذي الليلةه

ر .ني طفل في العام السابع والعشرينبأ أكتشف الس

هذي الليلة

ر .إني كهل قد أتعبه أرق األحفادب أكتشف الس

اعالن ل موت وابتداء لحياة جديدة أو تصريح بنهاية مرحلة ” ديوان عربي “من مجمل ” ديوان المراثي“وكأن

.الوجود والكتابة الشعريةواستعداد البتداء مرحلة جديدة في وعي

فالرثاء هو بمثابة نعي لذاكرة، لتجربة سالفة اتسمت بااللتفات، بالحنين إلى زمن تقضى، بوهم استعادة

أن هذه الذاكرة ال تنحصر في وجود معنى الفرد، بل في المجموعة كاملة، بالمشترك إال . ما تالشى

م لم يعد يفي الداللي القائم بين المعنى األنطلوج ي والداللة األنتروبولوجية، إذ ثمة وعي وجودي متقاد

بالحاجة إلى فهم ما هو كائن أو ايل إلى الكينونة، ذلك أن الرثاء هو نعي لهذا الزمن الغابر وتبشير في

ن، كأن يشمل اآلن ذاته بزمن كتابي حادث بدأت عالماته تظهر تدريجا داخل الديوانين األولين المذكوري

.والرمز الفردي والجمعي، على حد سواء( الذات)” النفس“الرثاء

وكأننا بآخر المراثي نشهد أعلى حاالت التوتر في لحظة الوالدة الشعرية الجديدة انتقاال من شاعرية

رعان ما تتشظى الطيف إلى شاعرية الحرف بالعالمات الدالة على الكارثة حيث الكل يتفكك أجزاء س

أجزاء أخرى، والحزن مسكون بالفرح، شأن الفرح الذي هو مسكون أيضا بالحزن، وأشياء العالم تداخل

منعطف حاسم بين موت محقق إال وما الرثاء هنا، . بفوضى تتفاقم تدريجا داخل نظام الكتابة المتقادم

Page 25: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

25

ولئن استبدت . للوجود بالكتابة والكتابة بالوجود واالندفاع بأقصى الجهد نحو معنى جديد( صمت الكتابة)

وضمن هذا الطور األول من مسار تجربة ” ديوان عربي “عاصفة االرتباك بالذات الشاعرة في خاتمة

: ”رقصة“الكتابة فإن عالمة الحركة أو داللتها تشي بأفق قادم عودا إلى رمزية الرقص في

يا ألساي الذي“

.األبوابهد ب ي

يا ألساي الذي

.يشكو وال يغتاب

يا ألساي الذي

ي ي كما أمش ”!يمش

Page 26: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

26

:الفصل الثالث

ه الحاسم إلى كتابة العرفان شعرا)*(”جيم“ .، التوج

.6797دار الشؤون الثقافية العامة، : ، بغداد ”جيم“أديب كمال الدين، )*(

ال مخاض ”جيم“ -0 .، من الطيف إلى الحرف أو ح

األصول ليتكثف /يحدث اإلبدال أو ما يشبه اإلبدال عند االنتقال من دائرة االلتفات بحثا عن األصل

حضور الطيف في األثناء نتيجة استحالة إحياء المنقضي تماما وازدحام الصور القديمة إلى مجال كتابي

Page 27: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

27

فكان تعقب الطيف ممثال في طفولة . ”ديوان عربي ”و” تفاصيل“ة تظهر في حادث بدأت معالمه البدائي

االسم، طفولة المعنى، وهج البدايات األولى قد وفر أرضية مالئمة لمخاض كتابي حادث، ذلك ما ولد

واالستذكار مرورا من تجربة التيه الدينحركة اندفاع ثانية في مسار الكتابة الشعرية لدى أديب كمال

الحروف بكتابة كثافة /وااللتفات ومحاولة إحضار الغائب إلى الحرص على التموقع داخل سياق الحرف

عوضا عن االسترجاع أو االستباق ب حلم الماضي والمستقبل ( من الراهن)الحضور الذي يعتمد االسترهان

.معا

عالمات االستباق الكتابي في مسار تجربة الكتابة الشعرية ” ديوان عربي ”و” تفاصيل“وكما يحمل كل من

إلى االندفاع واالرتداد معا، إذ يستمر احتفاء الشاعر بعناصر ” جيم“يسعى الدينلدى أديب كمال

المنقضي ومحاولة تعيين الحلم بأداء الطبيعة واإلنصات إلى نداء الذاكرة وتعقب آثار الحنين إلى الزمن

كتابة الطيف واستقراء البعض من األحزان القديمة في حياة الفرد والمجموعة واسترجاع الكثير من

بضرب من ( إشارات التوحيدي)تفاصيل األمكنة واحياء وجوه شتى من التراث، كأبي حيان التوحيدي

اآلخر الماثلة بحضور بارز متفرد في تراثنا األدبي والفكري التماهي الواصل بين سيرة الذات وسيرة هذا

.تجربة كل من الذاتين وتختصر محصل رؤية العالم والموجود” اإلشارات“العربي اإلسالمي لتختصر

.تجريب األقنعة -0

لحلم بالطيف قبل لم يقتصر الشاعر على التوحيدي في االندفاع بأقصى الجهد في كتابة الطيف بالحلم وا

وتعاد كتابة الحزن بمقاربة التخوم القصية للحياة ” الشهيد“خوض تجربة الكتابة الحروفية، إذ يحضر رمز

والموت عند الوصل بين المحبة والموت واعادة إنشاء المرثية بوظيفة األداء المختل ف عن الغرض

)*(: الشعري القديم

عر من حيث ال“ تفهمين يبدأ الش

Page 28: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

28

”...كلمة بالغت في المحبة أنت مرثية وأنا

قبل خروجه من الحيرة بين السبل وانتهاج الكتابة الحروفية في الطور الثاني بلغ الدينوكأن أديب كمال

الطيف، وان كتابة المعنى ب منطق اللغة المعتاد، إال به االرتباك أقصاه بعد أن أدرك أن الطيف ال ينشئ

ي إلى مطب التكرار لذلك سعى إلى تجريب األقنعة الخافتة . رغم كل االنزياحات واالستعارات، تفض

بالتماهي بين الذات الشاعرة والتوحيدى أو المعري، مثلما سعى إلى استخدام الرموز الحيوانية، كالهدهد

حداث معنى شعري مختلف داخل والنمر والقنفد ، والعناصر الطبيعية والتكثيف الرمزي حد التعمية إل

ولم يقتصر على هذا النهج بل اتجه إلى النص األسطوري باحثا فيه . منظومة المعنى الموروث المتداول

ي كتابة الشعر غير أن النتيجة التي أفضى إليها البحث عن درب جديد ف. عن إمكان لتوليد معنى حادث

. ”طلسم”و” كهيعص”و” جيم“ذلك ما تبين في . تأكدت بضرورة اختراق عالم الحرف

ذا سة نتيجة التجاذب الداللي الحاد بين الطيف والحرف، بين منفل ت ” جيم“وا هو ديوان الفوضى المؤس

.المعنى و تموقع لحظة الكتابة الحروفية

لحروفية الذي بدأت مالمحه تتضح في األثناء ال يتجه إلى التعامل الشكلي مع أن مشروع الكتابة اإال

ب األيقونة رمزيتها المضمرة حيث الحرف، بل يخترق ظاهر العالمة إلى الرمز المبطن، إلى ما يكس

بولوجي جمالية الحرف مجال رحب ال يخضع لقيود وحدود، كأن يتعالق االعتقاد والمفهوم األنترو

.”روح الحياة“والرغبة في مقاربة

ذا تعقب جمالية الحرف، بناء على السابق، هوابعد ما يكون عن التمثل الشكالني أو السيميائي وا

رفانية، المباشر، بل هو التوظيف الجمالي الشعري، تحديدا، بتناص واسع يستقدم التراث بل التراثات الع

وجه الخصوص حيث وجود الحرف رقية وشفاء للروح واختزال للخلق ووميض لروح الخالق، إن على

تصيدنا بريق معناه اآلخر الغارق في االحتجاب، وهو ذاك الذي يتخطى ظاهر حروفيته، دون القطع مع

.نحباس واالنعتاقتؤالف وتفارق بين اال” طلسم“في ” الطاء”تاريخيته األنطلوجية واألنتروبولوجية كـ

Page 29: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

29

.مثاال على عرفاني ة الحرف وحروفي ة العرفان” الطاء“ -3

طاء

رطار الطائ

النخل، واشتاق إلى تيجان

.وألحاظ الماء صبوات الزيتون

كان الطائر مهووسا بجناحيه الطفلين

.الم . ..وبنظرته الخضراء لغصن اللذة

حام الطائر

الميت أحياهعلى قلبي حط

.من كبوته وخطاياه

فبكيت كأفعى تقسم قسمين

..إلى سر : ونظرت إلى جسد السر

، إلى الم السين ، إلى طاء الالم الطاء

لى سين الميم .وا

كان الساحر مشتعال في أقصى أركان اللذة كالتنين

يحرق ذاكرة لحروف أربعة عمياء يراها األبكم

.الرائي مبصرة لزمان يتخثر فوق كفوف الشيطان ويراها

كالمجنون ضحك الساحر إذ أبصر حيرة هذا الطائر، قهقه

.من فمه األدرد من لهب ورماه بتيار

Page 30: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

31

فاحترق الطائر فحما حتى وصل األرض

الساحر فتلقاه

.بأعاجيب الميم

.ساحر فوق الطائرحط ال

،رارتفع الطائر بالساح

الغيمة، صيحات في حلق

تيجان النخل،

.صبوات الزيتون وألحاظ الماء

.حلق حتى تاه

بغداد –، دار الشؤون الثقافية العامة (جيم)المنشورة في مجموعة -(طلسم)السرد عند مالمسة يبدو

تضمن الحد األدنى من فتحة أولى في كثافة النص المغلق، يتراءى نسيجا يوهم بمرجعية حكائية -6797

الذي يستقطب األشياء والحركات والحاالت وبين الفضاء اآلخر يومأ إليه ” الطاء“وبين سجن . اإلفهام

بحركة االنطالق دون معرفة دقائق الحياة المتولدة تتغمر كثافة وجود نصي وتخترق الكلمة مثل سكين

.لحم اللغة

فر ضت على جميع الناس ” سوء نية“ادعة ليفجر أجزاء غيبها يعدم أديب كمال الدين جزءا من ذاته المخ

ليس النص تدفقا عاطفيا أو شحنة انفعال فحسب تصب في قوالب مستعجلة أو . في حضارة المنع والتقبل

تركيبا لغويا تمارس في حدوده لعبة االنزياح الداللي والمنطقي، ولكنه االنتقال الواعي من مدار العمل

الرتيب وتفجر قلقا يتغلغل في نسيج ذلك البناء المفتوح على الدوام يكتمن آلية تعدم: لى النصالشعري إ

الذاكرة ويحفر في صور الماضي نفقا إلى مستقبل ملغز، فيتراءى نصنا الشعري تماثلي اإليقاع الحسي

Page 31: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

31

ن سعى الشاعر إلى فك حصار الرتابة اإليقاعية بالتخلي عن القافية دون نسف كلي عند القراءة األولى وا

.لها

الحرة التمايز بين الظواهر في تركيب الوجود ” األبيات“ويقارب النص بعدم التوافق في أحجام

ويبدو تركيب النص المجمل شبيها بالهرم أو الجبل يصاعد فيه النفس ليصل إلى ذروته عند . المتصور

ثم يرتد كي يخفت في األخير -حسب الظاهر –األبيات الوسطية كي ينزلق في أسلوب تقريري مقصود

ويحصل انفراج حدثي ونفسي معا، ممزوج بلوعة آنية ولدت النص الشعري واكتمنت حزنا لذيذا ال ينتهي

بحدود ويتقنع الشاعر بنسيج حكاية تذكرنا بأجواء الهند أو ما يشبه بلدا شرقيا من آسيا األسطورة والسحر،

اجعة ذاتية تعانق الفضاء القومي والعالمي وتريد أن تنطق بما يمكن اإلفصاح ولكن القناع وعاء يتضمن ف

الحب الغريب إلى خلق جمالية والطريف حقا أن يلتجيء الشاعر في دوامة. عنه وما ال يسمح به

.عالما كأنه السراب يتشكل تنسف لتبني خاصة

، فهو إطار المحنة الشعرية، إن الخط العربي في هذا النص توحد جمالي حافل باألسرار

من توظيف نفعي، ولكن وما في الكتابة القراءة أن ال نتعامل مع هذا الخط تعامل الكتابة وتقتضي

. وهواجس فكرية هي أصداء واقع معيش مهزوزة صوره وأركانه بكوامن ذاتية الخطوط في تشكلها تلهج

في النص الشعري البدءـ دو حرف الطاء ـ نقطةيب. وال ندعي القدرة على اإللمام بجميع التفاصيل

ينفصالن في اتجاهين متنافرين أو صورتين لجسدين فضاء ملغزا يشتمل في الظاهر على عنصرين

وهي الخط أو العمود يبدو لتحمل أسرارا عديدة، تنغلق على ذاتها فهو شبيه بالدائرة مختلفين ويلتقيان،

ويزخر النص بهذا التشكل .االبصار من االمتالء عن دائرة نقطة علىللرائي حدا وهو خارج في أ

الجمالي الجامع بين وجهين لالمحدود، إذ الدائرة شكل مبسط للتوحد المطلق والخط انفتاح رقيق المظهر

منها في الظاهر قريبة وتدعم الطاء تشكالت خطية عند بياض، ال يقف في الجانب اآلخر من الرؤية

.والظاء والضاد كالصاد

Page 32: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

32

الرسام بالحروف من تماثلية الوجه الواحد في القسم األول من النص فينبجس الالم : بنا الشاعر ويخرج

الم “، ”طاء الالم“، ”سر الطاء“يعقبه السين ثم الميم وتتوالد الحروف في سلسلة من األلغاز الجميلة

مباشرة وأخرى تستمد جماليتها من عناصر قياسية التشكيلية والشك أن هذه اللوحة .”سين الميم“، ”السين

إلى زمن وجودي ينسف في الحروف تماثليتها وينفخ فيها روحا تتجاوز المكان وتأسيساته الهندسية

ضافة الالم إلى السين تحررها من التشكيل الساذج، فال عجب عند ذلك في انتساب الطاء إلى الالم وا

التشكيلية الجمالية وتخترق الحروف مرجعيتها .امتالك الميم والسينإشارة إلى إرتباط الجزء بالكل و

غير أنها حينما تحرر من سكونها ال تدرك في وجه التميمة لتكشف القناع األول عن حركات سحرية

يخاتل أعماق الذات، وتتجاوز قيود الحبر والبياض .وتحتاج انفاق الشعور الباطن تصبح وجودا

في الظاهر توشي موجدا لتحبله معاني وتتوزع إلى موقعين أساسيين لغوية اتحرك( طلسم) إن

تفصح عن صادقة حقيقية المتكلم، وقد تكون ذاتا ينطق بها الضمير (المركز -الذات) هما

أنا ) خوفا من( بأسرار كاذبة)األنا تواري أسرارها وتوهم الرائي إلى تحقيق االنفراج أو لعلها وتسعى ضائقة

تخفي بها فتطرز ثوبا من اللغة خلف أسوار الرعب العالية المترصد بها في الجانب اآلخر (ألعلىا

المكان ) هما في أول القصيد وساحر طائر يعانقها (المحيط الذات)و معا الفرد والجماعة فاجعة

.وفي األخير يتحدان يلتقيان، ال (والزمان

لمختلف في عدد من قصائد علي جعفر العالق، وهي ظاهرة بارزة في الشعر العراقي الحظنا هذا االستخدام الجديد ا* .وخاصة ما ظهر منذ تسعينات القرن الماضي إلى اليوم

Page 33: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

33

:الفصل الرابع

بين جمالي ة الكتابة الشعري ة الحروفي ة )*( ”نون“

.والتمثل العرفاني

6773مطبعة الجاحظ، : ، بغداد“نون“، الدينأديب كمال )*(

Page 34: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

34

. ”النون شيء عظيم“ -0

هي تمثل جمالي وأنطلوجي يؤالف بين عالمية الحرف والبعد الرمزي الذي يخرج ” نون“الحروفية في

: بالحرف من دائرة ظاهر التشكل إلى ما وراء الصورة، المعنى أو امكان المعنى، كالتصدير باآلية القرآنية

. لسياق الكاتب والنص الشعري المكتوبيفتح الكتابة على مجال أوسع من ا” ن والقلم وما يسطرون“

فتنفتح . ”نون“ومنه إلى ” طاء“إلى ” جيم“شهوة الكتابة الحروفية انتقاال من الدينكذا تتملك أديب كمال

رفانية الحرف كما تتصدر عديد السور، وعلى الرسم الحروفي، كنص الكتابة الشعرية، هنا، على ع

.”وهاللي ب مناسبة استمراري حيا حتى اآلنإلى نقطت ي “: اإلهداء

رفاني للحرف العربي بمجمل ثقافة اإلبطان التراثية العربية يتجاذبان ويتعالقان داخل ذا الشعر والتمثل الع وا

منظومة تعبيرية جمالية مشتركة حيث مطابقة الشكل وحركة االنطواء تعانق الداللة الماثلة في العالمة

البالغية، حتى لكأننا بهذا التآلف نشهد ميالد فن شعري عربي حديث يقارب ليؤالف بين الحروفية

والشعر، بين الرسم والحال المبطنة، إذ ساعدت البنية التشكيلية للحرف العربي وتوظيفه شعرا على التأمل

لمحتجب الداللي، بين صفة التشكل والمعنى المحاي ث اإلبداعي في المشترك القائم بين الصفة الحروفية وا

.لها

كذا يدفع الحرف إلى التذكر بواسطة نهج النسيان المبدع حيث يتجلى إمكان إنشاء تخييل بالذاكرة، بما

يمثل في سياق االستذكار ليتركب بصفة شبه عفوية ويشتغل تبعا للصدفة الكاتبة وتداعياتها الحينية عند

: يان أهمية الحرف، والنون على وجه الخصوصب

:يفهم في الحرف أقولال ن لكل م “

النون شيء عظيم

.والنون شيء صعب المنال

إنه من بقايا حبيبتي اإلمبراطورة

Page 35: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

35

مرة ومن بقايا ذاكرتي التي نسيتها ذات

.”في حادث نوني عار تماما عن الحقيقة

.”حت ى يكتمل ضياعي ويبدأ موتي السعيد“ -0

يتحقق للذات الشاعرة عند انتهاج سبيل الكتابة الحروفية بعض من اطمئنان اللحظة الممتلئة بالرغبة

ودهشة االكتشاف تعيد للذات بهجتها الطفولية البدائية، لما أضاء في عميق النفس ” فرط الحب “والفرح و

: من نور ساطع

لم أعد أستطيع أن أشير إليها“

.أو إلى نونها من فرط البهجة

وهكذا يصغر لدي العالم شيئا فشيئا

”.حتى يكتمل ضياعي ويبدأ موت ي السعيد

الذي يعني انقضاء الحيرة بين السبل بعد أن ” اكتمال الضياع“فما أثمرته التجربة الحروفية بدءا هو

رة الحقيقة الوجودية عن طريق جمالية الحرف وانطلوجية حضوره الداللي أدركت الذات الشاع

وابعاده األنتروبولوجية التي مفادها أن الموت هواألصل، إذ به يمكن إكساب الحياة معنى يكون االلتزام به

.تمثال فنيا وفعال وجوديا

الصوفية نتيجة هذا اإلدراك المزدوج لكل من رمزية الحرف كذا تتملك الذات الشاعرة حال شبيهة بالحال

وعشق الوجود حد التفاني داخل زمنية شبه مطلقة وان تحددت في الظاهر بأيقونة الحرف

.ورمزيته الشعرية وأبعاده اإلشارية العقدية

Page 36: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

36

الحرف فإن للحرف طيفيته أيضا التي أضحت ولئن تحولت الكتابة الشعرية من ظاهر الطيف إلى عميق

فيتعالق تراث الحرف العربي أو . المتاهة-ولها يسكن صميم الذات ويحفزها على مزيد التوغل في الوجود

تراثاته السالفة والحادثة مع عشق الذات الشاعرة الحادث، ولكن داخل مشهد كارثي يقطع مع تجربة

على وعي التموقع باللحظة وخصوصية المجال المشروطين بسيميائية الحرف السابق ويفتح الكتابة

عرا بمفهوم : ”السكن“ومحصل داللته السابقة وحادث تمثله ش

الزلزال الحرف هو“

”.وأنا أسكن الحرف يا زلزالي

عيات، لما يظهره في الحرف وبالحرف اندفاع في كتابة التدا ” الضياع“لقد أدركت الذات الشاعرة أن

الحرف وما يخفيه من إمكانات شتى قصد التدليل على معنى، بل معان، حسب تموقع الذات وشاعرية

.لحظة الع شق في تواصلها مع اللحظات السالفة األخرى وانفصالها عنها

ال وما يشبه وكأن الكتابة، وهي تختار الحرف سكنا ودليال في متاهة الوجود، تنتهج العفوية سبي

حال يصل بين -طريقا إلى مقاربة وهج ذلك السري الغارق في االحتجاب بوضع ” الحال الهذيانية“

.العشق والجنون وانتظار الموت أو استباقه بفعل الكتابة ذاته

المسكون بالرغبة ” الجنون الهذياني “نصا شعريا نهريا يتدفق بحال من ” نون“في ” قاف“كذا تبدو قصيدة

وكأننا بذلك أمام نشيدة حروفية . في البوح أو مزيد البوح رغم بهمة ما يسكن الداخل من فوضى الحاالت

الذي حدث داخل وعي الكتابة وفي بنية النص ” الزلزال“تطول بقصد اإلسهاب الذي يراد به توصيف

.ق تجربة مختل ف عن سابقهالشعري ذاته، ذلك التحول م ن سياق تجربة إلى سيا

. ”إشارتك ضائعة، والطريق إليك ملغومة باأللم“ -3

Page 37: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

37

الروح ليتعاظم ” النون“فهي قصيدة الحب يقارب الهوس، كأن يسكن عشق ” نون“من ” جنة الفراغ“أما

: ويستبد بها حد فقدان الوجهة واالتجاه

إشارتك ضائعة“

”..األلموالطريق إليك ملغومة ب

ذا التماهي مع هو ضرب من الضياع الجميل المؤلم في مجال الالنهائي، كأن يسفر الحد ” النون“وا

األيقوني النحناء الحرف، هنا، عن امتداد يماثل الكون، هذا الواحد المتعدد المحدد بالتسمية في اتجاه،

.يات معا وتداخل االتجاهات، كل االتجاهاتوالالمحدد في اتجاه آخر لغياب البدايات والنها

كي تخوض تجربة الحروف بأشكالها ومعانيها المختلفة، وتقارب العدم ” النون”فتتحرر الذات الشاعرة بـ

:الفراغ

أسقط في الفراغ“

وأصعد

أصعد

أصعد

”.الفراغ يقبل نفسه إال فال أجد

ه الحروفي االستنباطي تنزاح الكتابة الشعرية تدريجا عن سابق المعنى وجاهزه إلى حادث وبهذا التوج

وكأن الذات . الداللة، إلى اللغة التي تستعيد البعض الكثير من وهجها البدائي عند مقاربة طفولة الحرف

و صلة الشاعرة تخوض تجربة الحيرة بين أسبقية اللغة وأسبقية الشعر في التدليل على عالقة التماهي أ

الدينالفرع باألصل، كاالختالف الماثل بين القول بشاعرية اللغة ولسانية الشعر، بأن ينزع أديب كمال

.إلى االعتقاد في أبوة الشعر وطفولة اللغة بما يمثله الحرف من وجود رمزي يكون به التكلم حقيقة ومجازا

Page 38: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

38

أو هي والدتها بانفتاح الشكل ورمزية النقطة، كمسافر اختصار مكثف ل مجمل الحروف، ” نون“وكأن

يركب قارب الوجود ل يطوف في أقاصيه ويغامر في اختراق كثافته بدافع الرغبة في التفضية وتحويل األلم

:إلى أمل والسأم إلى إرادة للتحدي واالستمرار في البقاء بالمغامرة رغم سنين األربعين وجحيم الوضعية

ألربعينفي ا“

في الشاطئ األربعين

غرقت

.”وحملت جثتي حتى باب عريك السافر

.”نون“تداعيات الحوار بين ذات الشاعر العاشقة و -4

أما المتكلم عند تقليب . بالخطاب تتحول هي أيضا إلى مخاطب” نون“وكما تتجه الذات الشاعرة إلى

حينما يزول الحد الفارق بين ( من الصدى)التنادي والتصادي بضرب من ” النون“نص التخاطب فهو

.الذات الشاعرة وموضوع الشعر أو لغته ممثلة في الحرف تحديدا

أو اختزاله في األلف يساعد، هنا، على توسيع دائرة التخاطب بعالمتين خطيتين ” أديب“إن اختصار

ورموزا الستخدامات ك تابية واسطورية وانتروبولوجية مختلفة، بما قد مختلفتين، كأن يستقدم الحرفان صورا

:يجعلنا نتمثل ذكورة األلف الرمزية في اتجاه وانوثة النون في اتجاه آخر

ما الذي تريده مني أيها األلف؟“

دعني في حيرت ي أتردد

وفي سمائي أتيه

”.وفي عظمت ي أنهار

Page 39: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

39

ذا حيرة الشاعر من ا الوضوح “لنون تقابلها حيرة النون من الشاعر كي يتردد المشهد الحواري بين وا

ع .الحرف” غموض“للشاعر المهووس بعشق الحرف أمام ” المخاد

فتحرص الذات الشاعرة بمقاربة الحرف على االستضاءة بعتمته الدالة إضمارا ال إظهارا واالستقواء بصفته

لسمية لما يحتاج إليه ا رفانية ال ينكشف بعضها المؤسس الفاعل معنى الط لشاعر ولغة الشعر من قوى ع

ري يحتجب ليختصر إال مختلفا ت داللته في الداخل عند مالمسة الطيف أو الطية حيث المعنى الس بتنص

ي وحاضر قيامه وممكنه في الزمن القادم .كثافة داللة المنقض

طاب المتداول الشبيه ” أحبك كما أحبك”الشعرية بـ” نون“فتصل مجموعة بين ذات الشاعر والحرف بالخ

بالترجيع اإلنشادي ممثال ” النون“بالتواصل القول ي بين عاشقين أو هوالشاعر العاشق يخاطب معشوقته

شقي نشهد موقفا شبيها ب مقام البوح الم“في تكرار شترك بين سليمان أحبك حتى لكأننا بهذا التخاطب الع

.”الكتاب المقدس“من ” نشيد األنشاد“الحكيم وشولميث في

وارية شقية على مكان وزمان وشخصين آدميين فإن نشيدة أديب كمال ” نشيد األنشاد“ولئن أحالت ح الع

شق ي، ال تتقيد بمكان وزمان مخصوصينالدين فهما ذات شاعرة أما المتخاطبان فيها . ، في هذا السياق الع

كي يتواصل بذلك الموجود والوجود، الناطق والمنطوق، كأن يتكلم الشاعر باللغة وتتكلم ( نون)وحرف

اللغة بالشاعر ومن خالله ب مختل ف الصور االستعارية التي تتوالد في مجرى العمل الوصفي ليظل هذا

استئناف الوصف بأفعال ووضعيات أخرى حادثة ممكنة، الحب داللة تقريبية تحفز الذات الشاعرة على

حيث التصريح بجنون العاشق المهووس بالحرف، باللغة، بـ ” خطاب األلف”كأن يتواصل البوح بـ

( كن )أو بالكاف تضم إلى النون قصد اإللماح إلى الكينونة في اللغة وباللغة ” النون“شأن ” الكاف“

صى الجهد في طريق تشكيل مختلف الحروف بالتبديد والتجميع، بالتفكيك واعادة النظم، واالندفاع بأق

باإلضمار واإلظهار، إذ تتحول كتابة الشعر، هنا إلى ضرب من اللعب الخاص الذي يقارب بين الحب

لتوزيع الجدولي عند في ارتباطها بالحرف، باعتماد أوجه مختلفة من ا” النقطة“والموت عند االشتغال على

Page 40: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

41

نية، “فهي . ”للنقطة“االنتقال من سياق وصفي إلى آخرة سيدة، ضياع، حب، أعجوبة، دم، أنا، موتي، ج

هرب، بخور، غموض، آه، خروج، عبث، نجمت ي، مفاجأة، تمرد، صومعة، ذهب، سخف، لهو، طعنة،

”...اف، حلممالك، ملك، مشعوذ، رمز، غيمة، دفقة هائلة، تلطيف، اعتر

ذا النقطة بمختلف صفاتها وجه للتعيين داخل فضاء يصعب، بل يستحيل تعيينه، إذ هي بمثابة ” الوشم“وا

للتدليل على عالمة ما، أو األثر الذي يراد به تحديد وجهة أو اتجاه ما في زحمة الفراغ ” الرشم“أو

.المستب د بالوجود والموجود

...شاعري ة الل حظة تستدعي استمرارا في ممارسة اللعبة الحروفي ة: الخاتمةمن قبيل -5

قد تعني نون، في المحصل وعند تجسيد الصفة السمعية لهذا الحرف على شاكلة ك تابية، االزدواج قبل

” لغيريةا“ذلك أن . ”الغير”و” األنا“الجمع تذكيرا أو تأنيثا، المثنى داخل الذات الواحدة بتواصل

(altérité) شأن التعالق الحميم بين الصوت وصداه، إذ ال يكون الصوت ”لألنوية“هي البعد اآلخر ،

.ب ساب ق صوتيتهإال وال معنى للصدى ( الصدى)” التصويت”بـإال

” موجوديةال“أساس ” الحوارية”كذا يحدث اإلسماع والسماع ليتحدد الموجود والوجود معا بالتواصل، بـ

فإذا انقطع الكالم المسموع أو الصامت انتفى التواصل وتأكد االنقطاع، . ومرجعها الدائم كالما وصمتا

.االنقضاء، سيادة الفراغ، العدم، انتصار الفساد، الهالك

رفانية تعتقد جاز الدينولعل اتجاه أديب كمال ما في إلى الحروف عند البدء هو ب دافع التأثر بثقافة ع

ناء، بانفراج الشفتين رية الحرف وخفاياه الدالة به وعليه، بالوشم والرقية والتعويذة واستيهامات رسم الح س

ما إلى األسفل . واشتغال اليد الكاتبة وتمدد أشكال الحروف وانحنائها ودورانها واندفاعها، إما إلى األعلى وا

جربة الكتابة والوجود وجحيم الوضعية السالفة والحادثة إلى نهج أن هذا التأثر استحال عبر تراكم تإال

Page 41: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

41

رفاني الذي يذهب إلى خوض مغامرة استقراء الداخل أو خاص في الكتابة الشعرية ب تناص االعتقاد الع

ي الباطن لثراء رموزه وتراكمها الهائل وتكثرها الحادث وتجددها وشاعرية اللحظة تستدعي استمرارا ف

ممارسة اللعبة الحروفية ب ع شق البدايات وشظف الوجود الراهن ومختلف عذاباته وقلق االنتظارات عند

.ف عل االستباق الشعري

عرا في قادم الكتابة أم فهل بإمكان الذات الشاعرة، هنا، الخروج من دائرة االندهاش الحروفي ش

سيع تجربة الكتابة المذكورة بوسائل تجريبية أخرى؟هواالستمرار في الخضوع ل جاذبيتها مع تو

Page 42: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

42

:الفصل الخامس

.، قراءة في قصيدة”أخطاؤه“أو )*( ” أخبار المعنى“

.6771دار الشؤون الثقافية العامة، : ، بغداد “أخبار المعنى“أديب كمال الدين، )*(

الطين، أطفال إلى خطأ في : إليك أعتذر اليوم

، دمع خطأ في ، في طعنات المظلومين الظالم

.وأوصدني بالمزالج حطم في األبواب في حب خطأ

، اليوم أعتذر

..ميك قو بأرض قومت

Page 43: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

43

طفولتهم سلبوا أصباغ أشباحا كانوا

،األسباخ من ساقية

.راة كاألسماك الليل ع منتصف ناموا

.التفاح كشق ميسمك المفتوح إلى وارتحت

..المعنى ومرتجف الشفتين مضغوط خطأ أوزع كنت

، أسبح في موج ..أغفو أخضر، أطفو كالطحلب

.تعتعه الخمر المر سكيرا

حتى موتك حتى محرابك من بابك

الصبح رسوال من ماء قام الليل األسود فجرا وانفتح

.الصحراءللعطشانين بجمر

السعفات زقزقت .الساحر كأبريق قام النخل

. القمح على باب الزقورات وانفجر

..يتظاهر بالهيبة حمورابي إلى موتي األخاذ قمت، فقام

،رمحا من ريش النار أنكيدو يركب

كلكامش في باب العصر يغني

ونبوخذ نصر يرسم روح المعنى في قلبي

..أفخاذ النسوة مجنونا مثليويعاشر

قام الليل إلى فجري . قوم ي

.ها البارد محجر فاكتحلت عيني وأضاءت

نهض الموتى قرب الباب، انشقوا

Page 44: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

44

، انشقوا .صغار كشياطين كالومض

..دهري األعمى قوم ي، أثلجني موت أبي، عذبني

.على رمح المعنى المحمول صرخات الجد

حتى محرابك حتى موتي من بابك

. أشفقت على نفسي

غصني لولب صغيرا وأنا أدفع كان الدهليز

أنادي عل الغيمة تجلس في حضني،. مملوءا بالزيتون

فتدثرت بغيمتك الخضراء. جلست

. الشيطان صوفي عمده وبكيت كما يبكي

وال تقتربي في انقلبي: صحت

..وال تنفتحي ي ف وانشقي

.وال تنهمري وانفجري في

..أرعبني صوتي

،الرطب األحمر شهدا ... اهتزت شفتاك

.سقط الرطب األحمر شهدا

.فبكيت، صهلت بقهقهتي

..في وأيقظني هدهد رأسي العصفور الداخل عذبني

.ديك دموعي وهزار عذابي

.قمت إليك

.فيكهللا تغرد كانت أرض

Page 45: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

45

إلى: اليوم إليك وأنا أعتذر

..خطأ في اللهجة من خطأ في المعنى

،خطأ في البهجة أو خطأ في الدمعة

خطأ في خطأ في خطأ الرأس،

..انهارت أركاني. خطأ في خطأ الرمح الداخل في الرأس

.هبط البحر إلى موجي

األزرق أخضر روحي، ركب

.فابيضت عيناي من الذل

..الرحمة ك قمت إلى ثدييك أناشد

..من سعفات الرطب األحمر ثثا تتساقط كانت كلماتك ج

..كانت كلماتك أطيارا موتى فضحت جسدي

.من أقصى جسدي حتى أقصاه

..خيبة أخطائي كان هللا يراقب

. ال أنهار كسد من طين ويناشدني أن أصمد وسط الريح وأن

-أخبار المعنى: المنشورة في مجموعته - (أخطاء المعنى)أديب كمال الدين في هذه القصيدة اختار

ذا الخطأ أخطاء واللغة الشعرية تتعرى -6771بغداد ،دار الشؤون الثقافيةالعامة أن يتعقب الخطأ، وا

وليس للقصيدة . لتكشف عن فضائح يحرص الشاعر على أن تبقى غارقة في الظل كأن تظهر وال تظهر

بما يجعلها قادرة على رد جماليا أن تلتف حول لغتها لتؤسس لعبتها وتتفإال في دوامة الرعب الموروث

Page 46: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

46

المكشوف لتعلن زمنيتها الخاصة، وهي زمنية كالرحم تنغلق ـ في الظاهرـ عن الخروج من طوق التاريخ

زحمة العالم المجتمعي ولكنها تستقطب أشياءه في عمل توليدي يعدم المدلول المباشر بالقصد لينقلنا من

ر لغة تقارب التميمة من غير أن تكون تصعيدا يتخذ من السح لغة اعتدنا على مرجعيتها في الواقع إلى

وقد يكتفي القارىء بمالمسة قشرة . للتخفي واالحتجاب األداتي منهاجا ومن الفرار إلى الماورائي مذهبا

وال ندعي . النص الظاهرة ويتجنب الحفر فيه خوفا من تأويل ال يفك شفرة رموزه بل يعمق غرابة ألغازه

لنبش فيه ورفض التأويل يقطعان الصلة با ولكن االكتفاء. بهذة القراءة القدرة على بلوغ قيعانها القصية

.بين المكتوب والمقروء ويقضيان على هذا النص بالعزلة

مكتوب شعري يتمرد على مناخات القصيدة التقليدية وآليات تركيبها الفني، ( أخطاء المعنى)إن

لى عميق تأثير يالمس أقاصي الذات المتقلبة ويغرق الظاهر في وألنه ينسف مركزية الغرض ويدعوا

الظالل المتدفقة من نبع الموت الفردي يستلزم مفهوما قرائيا ال ينظر إلى البناء المجمل واإليقاع والصورة

خاص؟ في سكون اللحظة وينحواتجاها خاصا في اإلنشاد، فكيف يستقل هذا النص عن غيره بتناغم

إن التناغم حركة منظمة لها وهل للتراكيب واإلنشاد فيه أسس جمالية محددة؟ وكيف يؤسس زمنيتة؟

يم يشبه الجسد ال تمظهرها اإليقاعي الحسي، وتكتمن في األثناء إيقاعا مجمال يحول النص الشعري إلى

يكرر فيه الجزء جزءا آخر، ولكنها التمفصالت تمثل وظائف فرعية تتكامل في بناء شامل، واليختلف بناء

في هدم التماثل المقطعي ودورية القافية إال لقصيدة التقليدية النص وتركيبه من حيث هو ايقاع ظاهر عن ا

ليجيز دمج المقطعين القصيرين في مقطع طويل أو تقصير ( فعلن)أن يتبع إال وليس للشاعر . الواحدة

المقطع الطويل ليسمح في بعض األحيان بتعالق ثالثة مقاطع قصيرة في حيز واحد، فيحدث بذلك فضاء

أن التزام الشاعر بمسبق هذه التفعيلة قضى إال . ويربك بالقصد بناء التفعيلة الموروثة من التحرر النغمي

عليه في بعض األحيان باالنتقاء اللغوي الذي يهدد الكتابة الشعرية بالتجريب ويقلص من حضور التجربة

Page 47: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

47

لى التحرر، بداعبه فكان القصيد متوترا في إيقاعه تخترقه قوتان من االلتزام بمسبق التفعيلة والنزوع إ

.الهمس أحيانا ويهزه الصراخ أخرى، يقتطعه صراع حاد بين ضوء متعارف وظالم مجهول

ومع ذلك استطاع الشاعر في حدود المسبق أن يشد قصيدته إلى ألوان متميزة من التناغم الخفي

.. قام الليل.. أسبح): مرورا بإضافات ايقاعية حسية تظهر بالخصوص في تركيب الجملة الفعلية المتكرر

.. أشفقت.. قومي.. نهض الموتى.. فاكتحلت عيني.. قومي.. قمت فقام.. انفجر القمح.. قام النخل

عذبني .. وصهلت.. فبكيت.. سقط.. اهتزت.. أرعبني.. وانفجري.. وانشقي.. صحت.. وبكيت.. جلست

.. كانوا أشباحا : )خر جملة اسميةوتظهر بين الحين واآل..( قمت.. فابيضت.. ركب .. انهارت.. قمت..

كانت .. كانت أرض هللا تغرد فيك.. كان الدهليز صغيرا .. ونبوخذ نصر يرسم.. كلكامش في مرآة العصر

وهذا التداخل بين الجمل الفعلية والجمل االسمية (. كان هللا يراقب خيبة أخطائي.. كلماتك أطيارا موتى

سكون يتجاذبه النسيان الفاعل والذاكرة معا، يتقدم خطوات ليهم جعل القصيد مشدودا إلى الحركة وال

( فيثوب اليه رشده)باالنفالت من دائرة الحظر ثم تشده أوجاع المكان إلى نقطة في الموقع الثابت

ويستعيد هالكه في لغة مغلقة كأنها الشعاب الملتوية يسير فيها مهزوز الوجدان مرعوب الضمير، ويتوهم

افات في اتجاه محدد ولكنها المتاهة تعود به في كل مرة إلى حيز الطوق حيث هو شريد أنه ينتقل مس

.يطحنه غضب مخصي، فيهذي كمجنون اختار منطق أشيائه ليستعيد البعض من أفراح جسده المطعون

لقد سعى الشاعر إلى أن يفتح القصيدة إلى الداخل فتجاوز بذلك حدود اإليقاع بالتفعيلة والقافية

والتجأ إلى إيقاع اللغة عامة بدءا بتركيب الجملة المزدوج مع تغلب الجمل الفعلية واستقطابها للحركة

قومي .. قومي.. فقام.. قمت.. قام.. قام.. أعتذر.. أعتذر: )مضيفا إلى ذلك التكرار اللفظي المقصود

ولعل . الكتابة الشعرية ويعد هذا التكرار من أهم وسائل(. كان.. كانت.. كانت.. خطأ.. خطأ.. خطأ

الشاعر مدرك لتحديات المستقبل وحاجة القصيدة الحرة إلى أن تجدد باستمرار وسائل تعبيرها الفني قبل

أن تستنفد طاقاتها ويجرفها التاريخ المعاصر، نتيجة لذلك يرفض اتباع النموذج الواحد وتراه ينتقل من

Page 48: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

48

سابقتها، فيتجاوز إيقاع الوزن إلى إيقاع اللغة ويحيلنا مناخ شعري إلى آخر ويولد القصيدة التي ال تكرر

ويكتمن اإليقاع الظاهر بتشكيالته المختلفة بناء مستقال ال . على الشعري الذي هو منبع االيقاع الخفي

.يحاكي العالم الخارجي بل يستوحي أشياءه وكوابيس رعبه وجماله الطبيعي ليؤسس عالما بديال

ال الدين عفوية الكتابة الملغزة بالقصد ليفر بها من الداللة المعلنة فأوجد شبكة وقد اختار أديب كم

وكما . عالمية التخضع لسلطة قانون مرجعي بل هي سلطة الجنون تحقق لصاحبها التفرد إلى حين

المجنون والطفل والمرأة في مجتمع الحظر يحشرون في زمرة من ينقصهم العقل أو ينتفي عندهم إطالقا

ن الشاعر وهو شديد االعتزاز بهذا االنتماء، حسب التزامه بالسير إلى الداخل، ال يستخدم اللغة األداتية فإ

بل يتخذ لنفسه لغة تستمد مراجعها من ( المطلق)أو ( العقل الكامل)التي هي أهم آلة قمعية في نظام

هي ( أخطاء) لشعر والفتوة عنالموقع البدائي المتوحش وحلم الجنون وهما في زواج عنيف يكشف بجرأة ا

.فضائح السجان والمسجون، الذابح والذبيح، المهلك والهالك

القصيدة لعبة لغوية فحسب يندمج فيها الشاعر كليا ليحقق بها بعض التحرر من حبس وال تبدو

يرتكبه ولئن انطلقت اللعبة باعتذار لخطأ لم . الجد أيضا القابع في المواطن القصية اللحظة ولكنها

الشاعر فإنها سرعان ما أزالت الحدود المفهومة الفاصلة بين الظالم والمظلوم، بين الموت والحب، بين

وظل التالعب والجد مشدودين إلى قيمة كبرى تنير ليل القصيدة، . الصالبة والسيولة، بين القحط والجسد

.ى المتكررة في الشعر العربي المعاصرهي الطفولة ذلك النبع المتدفق يعود إليه الشاعر، الالزمة الكبر

ويتصيد الحركات والوضعيات في وجود ( ويعتذر)أن يتمسك بظاللها إال ولم يبق لكمال الدين

فاقدا ألي ملمح مكاني كأنه ( المكان)ويتبدى (. كانوا أشباحا سلبوا أصباغ طفولتهم: )جماعي مهزوز

فيعود الشاعر إلى ..( قام الليل األسود.. كانوا أشباحا : )الحلم المشوهإال الليل يغرق في السواد وال يبقى له

أسبح : )رحم الموت الفردي ليطحن هالك الجماعة ويبرهن باللغة والسيولة المتكررة على وجوده الفاعل

..(.انفتح الصبح رسوال من ماء.. تعتعه الخمر سكيرا .. في موج أخضر

Page 49: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

49

الجماعة أن الموت ( مكان)وهو ينتقل من موضع إلى آخر في لقد اكتشف أديب كمال الدين

من توفرت لديه صفات الشاعر المجنون صاحب النبوة المتمردة الذي إال الفردي حقيقة ال يدركها بيسر

المتسلطة في حضارة المنع وهي ( األبوة)يعتقد أن االندماج في هالك الجماعة خيانة عظمى ألن

تنتزع اإلنسان من جذوره الطبيعة وتقطع صلته بالطفولة واألحضان األولى ورفيف تغتصب أنوثة الماء

منتصف الليل ناموا)وقد ( القوم( )جماعته)فكيف يقدر الشاعر على أن يتحمل أخطاء . اللحم األنثوي

ونهجه ( نبوخذ نصر)و( كلكامش)و( أنكيدو)و( حمورابي)؟ إن موته الفردي مواصلة لـ(عراة كاألسماك

وقد يكون مبعث األخطاء جميعها ـ في نظام السيرورة ـ الخطيئة . استرسال في تاريخ الحب واألنوثة

حالل قيم الذكورة والنار والحديد األولى عند إنزال المرأة من علياء ألوهيتها إلى أسافل القهر واالستعباد وا

:الصلب محل الماء والشجر

..عمىقومي، أثلجني موت أبي، عذبني دهري األ)

(.صرخات الجد المحمول على رمح المعنى

وكأن الشاعر وهو يتغنى بالفاجعة ويفتقد كغيره من الشعراء المجانين حلم اإلنسانية البدائي يلتجىء

إلى اللغةـ آخر ماتبقى من الجنة المفقودة ـ ليرسم بها مراجع حريته في زحمة الخوف، فتبدوالمشاهد

فرح مجنون يمتزج فيه الضحك بالبكاء وتفقد الحال مرجعها النفسي معارض ماسأة ال تخلو من

:المتعارف

فتدثرت بغيمتك الخضراء. جلست )

( .وبكيت كما يبكي صوفي عمده الشيطان

إن الشاعر وهو يشقى من التردد بين قيمة اللذة وقيمة الواقع يحيلنا دون قصد على فجر اإلنسانية

لقد اصطدم شأن كل األفراد بالواقع حينما أدرك شعريا أن . بدائية إلى الحضارةعند حدوث النقلة من ال

وليس له بعد . االستجابة الكاملة للحاجات ومن غير وجع مستحيلة الوقوع فيغيب األمل في تحرر حقيقي

Page 50: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

51

أن قيمة غير . العاجلة وليدة الطبيعة األصل من أجل لذة مؤجلة مبتورة( اللذة المؤقتة)أن يدع إال ذلك

: اللذة الطريدة من الواقع ال تختفي كليا في قيعان الالوعي بل تطفو في بعض التجلي على السطح

.. اهتزت شفتاك .. كان الدهليز صغيرا وأنا أدفع لولب غصني.. ويعاشر أفخاذ النسوة مجنونا مثلي)

أن المكبوت إال (. أناشدك الرحمة قمت إلى ثدييك .. الرطب األحمر شهدا، سقط الرطب األحمر شهدا

سرعان ما يستعيد انحباسه بعد أن تحرر جزئيا في مجال لعبة النص الشعري، تستقطبه دهاليز الالوعي،

وتشتد اللعبة تالعبا عندما تهتز الجدوال الداللية وتنفتح على بعضها البعض ويؤثر الشاعر بالقصد

الزمة كبرى في النص تتكرر ( األخطاء) وتظل. إلى وضوح كاذب االلغاز على خيانة القصيدة بتحويلها

.من غير أن تستقر في حقل داللي واحد

فلم يتبع نظام الخط تشكل لغوي له سماته الجمالية الخاصة( أخطاء المعنى)إن زوبعة األخطاء

من خالله جماال يكشف ( القبح)الواحد ولكنه صورة للوجود المكتظ بعديد التناقضات عاد إلى عراء

طبيعيا هوالجسد يتفتح في بريق اللحظة والنفس تفضح جوع سنوات من الجفاف والعقل المتوحش يبكي ـ

حينما تجمد الحركة فجأة في آخر النص وينتشر الهالك في كل ( القبح)بدائيته المفقودة ـ ويكتمل جمال

ويستعيد الشاعر (.ى جسدي حتى أقصاهمن أقص كانت كلماتك أطيارا موتى فضحت جسدي،:) البقاع

أن إال صواب سجانه فيلوذ بمطلق الرمز خوفا من االنهيار، وعند ذلك تقطع اللذة وليس للقارىء

.الجسد كالعادة ويحلم بالسراب( قبح)ينسحب من اللعبة ـ كالشاعر ـ لينفصل عن

Page 51: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

51

:لفصل السادس ا

.الحروفي ة ومرجعها، ب دء العالمة )*( ” النقطة“

،المؤسسة العربية : بيروت –، عمان9، طـ 6777، بغداد، 6، طـ”النقطة“أديب كمال الدين .9006للدراسات والنشر،

.النقطة وانتهاج سبيل المحاوالت -0

أو التنقيط على عالمة الوشم أو الرشم كأن يتخذ له البياض باليد أو الساق أو الوجه أو ” النقطة“تحيل

النقاط سواد في العادة مقابل البياض أو ما يقارب البياض فهي أشبه ما يكون /وألن النقطة. الورقة أشكاال

المة وداللة وامكانا لمعنى رمزي محتجب بالموجود الدال على وجود حينما يظهر ويتشكل ويشتغل ع

Page 52: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

52

كما يراد بالنقطة في االشتغال العالمي والداللي الحروفي اإلشارة إلى المؤتل ف . يستدعي ناظره أو قارئه

روب من التحويل والتكثير، كالباء والتاء والثاء أو الحاء والجيم أو الفاء والمختلف بين الحروف، بض

.والقاف

رفانية التشكيلية الرمزية اإليحائية، هوالحضور إن ا لنقطة، بالمنظور الحروفي العربي القائم على الداللة الع

لذلك نزعت الكتابة في . رغم ضآلته وصفته العارضة داخل دفق الحركة في انسيال الوجود أو انسيابه

ليها محاولة بل محاوالت الستحالة ت” المحاولة“إلى انتهاج سبيل الدينألديب كمال ” النقطة“قصائد

ياق االستخدام في كل من الظهور العالمي واألداء حصر النقطة في نظام تدليلي واحد، إذ يتحكم س

.الداللي بلحظات وجهود كاتبة مختلفة

.إثارة سؤال النقطة والحرف منفصلين متواصلين -0

ثبتته الذات الشاعرة بالكتابة فاستحال إلى مجال إلثارة سؤال حلما عارضا” محاولة في الرثاء“كذا ترد

الحرف والنقطة منفصلين ومتواصلين في ذات الحين، وعند األربعين، تحديدا، هذه العالمة العمرية الفارقة

لعربية التي سيكون لها شأن، وأي شأن، في قادم أعوام الكتابة الشعرية داخل مدار الحروفية الشعرية ا

.طبعا

رفانيا بالشعر لدى أديب كمال الدين فإن للرقم سحريته ( األربعون)وكما تتخذ الحروف والتنقيط حضورا ع

ريته الخاصة، كاإلحالة ضمنا على لحظة النبوة، أو زمن الحكمة، شأن الرقم سبعة الذي يحيل أو س

في ميتولوجيا الحكاية والمخيال الشعبي العربي ” بواباأل“و” السماوات“و” األيام“هواآلخر على عدد

. اإلسالمي

في العام األربعين والصيحة األربعين والليلة األربعين والخزانة األربعين )وبهذا االستخدام التحويلي

بالحلم ارتباكا بين مختل ف التجارب والخيبات” محاولة في الرثاء“ترد ( والطعنة األربعين والباب األربعين

Page 53: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

53

مبالي -النحيل المهزوز المفكك المدمى المعطل الفاقد ألي معنى أو قيمة أو اتجاه، الحلم الباهت الال

ل عن الذات المولدة له .المنفص

ذا نعي الذات هو بعض من نعي الحلم، كما يبدو نعي الحلم هواآلخر بعضا من نعي الذات فتحتاج . وا

ولكن، كيف؟ . إلى حلم آخر أو إلى سبيل مختل ف عنه كي تستمد قوة الرمز منه الذات الشاعرة، هنا،

.في الخفايا العرفاني ة للحرف -3

ه آخر يراد به البحث عن معنى بعد أن استحال وجود أي معنى” محاولة في السحر“إن ذلك أن . توج

رفانية للحرف ب ما أسماه ( ممكنة)يجعل تحويل وجهة التمعين اعتقاد الذات الشاعرة في الخفايا الع

رفاني العربي اإلسالمي، بالتميمة ”سحرا“ ، كاالستخدام الحروفي والتوظيف الوشمي في التراث الع

نة حروفا و نقاطا وأرقاما وبتوهج االستخدام الكتابي الخطوطي في العمارة اإل سالمية، والتعويذة المدو

.وخاصة في أماكن العبادة، كالجوامع والمساجد وغيرها

حكاية مفادها توليد األحداث باإلنشاء والمزيد من اإلنشاء، ” محاولة في السحر”كذا تصبح الكتابة بـ

ة وأقوال السحرة األربعة، وبتوليد الحلم أثناء تشكيل الحكاي” أربعة“ثم ” ساحرين“بالدمعتين تنقلبان إلى

.ليتردد بين األمل واأللم، بين الجمال والقبح، بين الرغبة وانقطاعها

وفعلية السحر، كما تتضح بعض ( الشاعر)فيتراءى الحلم هنا إنتاجا إلمكان معنى بفاعلية الساحر

خدام معالمه في خياالت الشاعر واستيهاماته باإلنشاء والفسخ واعادة اإلنشاء توليدا يقارب داللة االست

حرية الحروف السحري عند اعتماد كيمياء الحكاية وتراثها، بل تراثاتها القديمة والحادثة، عودا إلى س

: والنقاط، كما ترد على لسان رابع السحرة

سنعطيك حروفنا أيهذا هذا المعذب“

ونعلمك نقاطنا أيهذا المحروم

Page 54: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

54

لكننا نخاف إن تعلمتها

لذهب و ثياب الذهبأن تسخر من ا

أن تسخر من البلدان

أن تسخر من األثداء والسيقان

،أن تسخر من األحالم

ثلنا فارغا فتكون م

ا دبار

ا ضائع

”.عاريا لألبد

.التماهي بين الذات الشاعرة والنقطة -4

-وكأن النقطة، هنا، هي مرادف الذات الشاعرة، أو لعل التماهي بين الذات الشاعرة والنقطة يكسب أنا

واري القائم بين المالزم لألنا ” األنت“و” األنا“الشاعر االزدواج الذي به تكون الذات ذاتا، بالمشترك الح

إن (. 6)في هذا الشأن (Martin Büber)داخل سياق الذات الواحدة، حسب منظور مارتن بوبر

. اصطدام الحلم بنقيضه كي يتوقف أو يتعطل وينحبس يقضي البحث عن حلم آخر في الكتابة وبها

فها” النقطة–أنا“فتلتجئ الذات الشاعرة إلى .التي هي بعض من الذات المذكورة إن لم نقل مراد

حالة االستمرار فيه أو انقضاءه العاجل حتم ولئن سعى الحلم إلى مقاربة معنى أو المعنى فإن است

معنى، قريبا من مفاهيمه -االلتجاء إلى ما يمكن أن يكون به المعنى معنى، وذلك بمحاولة استقراء الال

ث ها ثها وممكنها، سال فها وحاد الحديثة التي تذهب إلى اعتباره الرحم المولد للمعاني، كل المعاني، حاد

.القديم الذي يجعل منه نقيضا للمعنى بداللة انتفائه الكامل عكس المنظور

Page 55: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

55

كذا تصب ح النقطة وجها مكثفا حد العتمة للمعنى الواحد المتعدد، كأن يكشف فعل التكثير، عند تعريف

: النقطة لذاتها، عن وفير الحاالت والمواقف

أنا بقية ...أنا دم... معنى-أنا معنى الال ...الخرافة أنا خرافة الثورات وثورات...أنا بريق... أنا النقطة“

” ...أنا الفرات قتيال ....

ئة االختالف العالمي والداللي، واإلشارة الدالة على اختصار الوجود ذا النقطة، هنا، منش وا

هها إلى الكالم وك ذبها المتعمد، وذاكرة والموجود معا، والشهادة على عجز الحروف عن الكالم رغم توج

.الموجود المسكونة بالقهر والفجيعة والوجع

، ولكن باعتماد السرد المسند إلى ”لمحاولة في أنا النقطة“مواصلة إال ” محاولة في دم النقطة“وما

فما ورد على لسان الضمير المتكل م يستحيل إلى غياب في السرد وبه لينكشف الوجه اآلخر لواقع. غائب

النقطة عند التداول اللساني لتأكيد أن عجز اللغة مشترك، هنا، بين الحرف والنقطة، رغم ما تكتمنه

.النقطة من إمكانات واسعة للتدليل، بمدى اقتدارها على اإلبداء واإلخفاء

المعنى يستحيل معنى المشير إلى إمكان تثوير -فالنتيجة واحدة، إن وصلنا بين النقطة والحرف، إذ الال

.هواآلخر إلى معنى باهت ب تعري النقطة وفقدانها الوهج التداللي

، هذا ”دمها“فتتكرر فاجعة انحباس أفق التدليل لدى النقطة بمتعدد الوضعيات والنعوت عند استقراء

الذي هو النص الزاخر بحاالت العجز وخيبة األمل وانتصار القبح على الجمال وسيادة سلطان الفساد

.مصير تقادم الكائن والكيان

.من النقطة إلى حلم الطيران الطفولي -5

Page 56: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

56

ر القوة الحافزة على االستمرار في ل بالنقطة بحثا في داخلها عن س وكما دفع عجز الحروف إلى التوس

لنقطة إلى البحث عن الوجود برمزية العالمة تحد كالما وتخطيطا، بالوشم أو الرشم، فقد أدى عجز ا

(. 9)سبيل آخر بغية مواصلة نهج الوجود بالكتابة والكتابة بالوجود

هو حلم الطفولة، وحلم الطيران تحديدا، تتوسل به الذات الشاعرة علها تحقق ب ه البديل الرمزي لعجز كل

: من الحرف والنقطة واستفحال الشعور بالفظاعة والفجاجة والقبح

:لقلقطار ال“

لقلق طفولتي

.بعيدا بعيدا

غير أن اللقاء به

ظل حلما ينمو في

.”كما تنمو النار في فوهة البركان

” األقنعة“الحروف والنقطة معا عند سقوط ” خيانة“تعويضا عن ” باللقلق الطفولي “فتلوذ الكتابة

.فجعةواالصطدام بوقائع م ” العري“وتفاقم حال

أن الحلم الطفولي سرعان ما ينتهي هواآلخر إلى االستحالة نتيجة الكسر الحادث بين وجود كان إال

وانقضى ووجود آخر يكون وهو نقيض الرغبة، األمل، الحلم لينشأ عن ذلك انقطاع بين حالين مختلفين،

: الصدى الالحق بالصوتوبين زمنين أو وضعين، رغم استمرار طيف الحلم، مثل

،ال يزال اللقلق يحوم حول قلبي“

،قلبي الذي صادره الموت والجوع والنار

.قلبي الذي صادره حلم الطيران

فما الذي سأفعله

Page 57: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

57

أنا الذي ال أملك يدين للكالم

وال ساقين للطيران

وال شفتين للتذكر

وال ذاكرة ل مزاولة السحر

حرا القتناص لقلقي العجيب؟ ” وال س

أو المغالبة رمزا ( الهالك)فإما إقرار النهاية . هوالعجز، إذن، يصيب اللغة، وبها يصاب الوجود والموجود

في الكتابة وبها عند مواصلة السير في طريقها العام ومغامرة التردد بين سبلها بعيدا عن أي معنى جاهز

.ساكنةأوتالمة

عرا أم بالبحث عن مراجع أخرى فكيف يمكن مغالبة هذا العجز؟ هل بالخروج من دائرة الكتابة الحروفية ش

للرمز؟

.الموسيقى، أفق آخر لمغالبة عجز الل غة عن الكالم -6

لصمت الموقع كذا تمثل الموسيقى البعد اآلخر لمحاولة الخروج من دائرة العجز اللغوي، إذ هي لغة ا

المتكل م يعتمدها الموجود كلما اصطدم باستحالة اللفظ عن أداء معناه في حاالت االلتباس ووضعيات

االنحباس، كالتجاء الشعراء إليها، شأن التجاء الفالسفة إلى الشعر واليها، فهي المدى األبعد من الشعر،

رة، مثل الشتغالها على كالم الصمت، وبها يمكن تحرير الخط اب من حبسة تكرار المعنى وجاهزيته المض

من ما ل فريديريك نيتشه بها، واعتماد مارتن هيدغر الشعر لتحديث لغة الفلسفة وتنوير مفاهيمها ض توس

: ”نقد نسيان الكينونة“أسماه

الموسيقى تهبط تهبط“

ل ماءطيرا وعنقود عنب وشال

Page 58: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

58

”...فيطير قلبي مع الطير

هذا الصمت الموقع المتكل م هو الذي ينطق األشياء وبها ينطق الموجود، ليتعالق الكل، هنا، في منظومة

، بلغة الفالسفة، إذا الكل يسبح بالكل، بضرب من العزف السمفوني ”وحدة الوجود“واحدة يمكن تسميتها

ألول لما يشتمل عليه من إيقاع راقص ورقص إيقاعي لذلك أمكن اعتبار الشعر سليلها ا. البدائي المستعاد

يتخطى دائرة السماع باألذن إلى سماع آخر يتحدد، تقريبا، باإليقاع الباطن الذي يسكن اللغة وأشياء

وألن أي مسموع ظاهر أو باطن يحتاج إلى لغة ما (. أذن البصيرة)القلب إال العالم وال يقدر على إدراكه

وسيقى تستدعي لغة تشهد عليها غير لغة ظاهر إيقاعها بما يتحدد بالكتابة الموسيقية عند دراسة فإن الم

وراء اللغوي الذي ال يقتصر على األلفاظ ومعانيها المتداولة، بل يتجه -المنكشف من صوتيتها، ذلك الما

أن اللغة إال . از لساني حادثة إلى وسائل جديدة للتدليل باالستعارة والكتابة ضمن استخدامات مج

: في مثل هذا السياق سرعان ما تحيل على العجز المذكور آنفا( الحروف)

حتى الحروف صارت تتعبني “

”...فهي الوحيدة التي تزورني في وحشتي الكبرى

مرجعي الوحيد، تقريبا، لذلك تستمر الذات الشاعرة، ولو إلى حين، في اللواذ بالموسيقى، باعتبارها الرمز ال

المتبقى بعد هالك جل الرموز، إن لم نقل كلها، إذ بها يتحقق البعض الكثير من العري الروحاني وتستعيد

: الذات بهجة الرغبة واثار فرح حزين كان

الموسيقى تجيء“

فأقوم من الموت إليها

لنلتقي طفلين يتيمين

.”يتحسران على أرجوحة العيد

Page 59: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

59

فال مفر، إذن، من العود . للموسيقى( لغة )إن اللواذ من الحروف بالموسيقى يستدعي بالضرورة حروفا

رفاني والجمالي الشعري لها”نزيف الحروف“إلى ولكن، كيف تحديدا؟. ، إلى تجربة التمثل الع

.الل عب في النقطة وبها إبد اء واخفاء -7

رفانية في تستعيد الكتابة تموقعها العالمي الدال بعد مغامرة البحث عن ” محاولة في الحروف“الشعرية الع

يلتقي ( النون والياء والراء والجيم واأللف والحاء والسين والزاي والكاف)لغة وراء اللغة، إذ بهذه الحروف

مكان المعنى المحاي ث لشكل الحرف ة عالمية داللية تعيد الكتابة الحروف في منظوم/الحرف والصوت وا

.الشعرية إلى ثالوث اإلشارة الخطية واأليقونة والرمز الماثل في تركيب تلك الحروف

وكأننا ب مختلف أشكال الحروف نتمثل لوحات صيغت بأساليب الوشم أو الرشم المتعددة، كما تتمثلها

نقطة )النقطة إال ، والباء المائدة ال يبقى منها ”عاشق أبله“تستحيل إلى ” النون“الذات الشاعرة، مثل

، واأللف، بدء األنا وعالمات الشموخ ...(جيم الجنون والجوع والجن )، والراء يلتوي كالفرات، والجيم (الدم

، (سكينة النور)والتعالي واالندفاع والغموض والضياع والسذاجة، والحاء تتشكل بمختلف الحاالت، والسين

.، والكاف حال أخرى مرتبكة وأحالم شتى، بل كوابيس(الزمن ذبابة)والزاي

عن إقرار مدى الحاجة إلى الحروف بعد أن جربت الذات ” النقطة“كذا تسفر تجربة الكتابة الشعرية في

الشاعرة التردد بين مختلف السبل، ذلك أن التجوال داخل مداراتها بما يقارب ثابت العالمات هو أفضل

.ن الضياع في عميم االلتباسم

ذا اقرار لهذه النتيجة، كأن تمارس الذات الشاعرة لعبة الكتابة احتفاال بالحروف، ” محاولة في االحتفال“وا

انطالقا منها وعودا إليها وتحركا داخل مختل ف مجاالتها العالمية الدالة بموروثها العرفاني وتمثلها

.التشكيلي في الشعر وبه

Page 60: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

61

، لعب راقص أو رقص العب، تجوال في التخوم ”االحتفال بالنفس“إن االحتفال بالحروف هو ضرب من

القصية للحياة والموت، تجريب للحكاية، تجريب لإلفالس المخصب، احتفال بالدم، فيض حاالت، انتهاج

...سبيل الموت قبل الموت

، تخصيصا وتشميال، األفق األبعد في هذا النهج الكتابي في النقطة وبها، إبداء واخفاء ( 3)فيظل اللعب

، ”محاولة في التذكر“الحروفي المختلف، هذه العالمة التي تساعد على التذكر ضمن

من ينتظر من ؟، باإلجابات تنشئ عيد “بدءا بـ ” محاولة في االنتظار“واالنتظار عند توليد أسئلته داخل

.ة إلى ما ال نهاية حد تعطل منطق اللغة ب مقاربة العبث ومتاخمة حاالته المربكةوفير األسئل

” السياحة”و” العزلة”و” محاولة في سؤال النقطة“بـ الدينألديب كمال ” “النقطة“في ” المحاوالت“فتتعاقب

” القهقهة“و” لصوتا”و” الهاء”و” حقيقة النقطة”و” اللقاء”و” الفرات”و” دخول النقطة”و” الكتابة”و

” الحظ ”و” الحب ”و” النافذة”و” هاملت”و” الجنون”و” البهجة”و” فرح النقطة”و” اإلبصار”و

.”الرصاصة”و

ود على ب دء -9 .االستمرار في خوض غمار الل عبة الحروفي ة: ع

.الحروفتحرص على تفكيك نواة الذات لممارسة لعبة النظر عبر مرايا ” التشظي“هي كتابة

أن الحروف ال تستقر هي األخرى داخل أنظمتها العالمية الخاصة التي بها تتحدد، ألنها عند النظر إال

أيقونية ال تستقر على أشكال ثابتة، إذ هي تلك ” أطياف“المذكور سرعان ما تتفكك لتداخل ضمن

رفانية لها الحروف، كما تعلمتها الذات الشاعرة وخبرتها كتابة ط يلة أعوام العمر، وهي محصل ثقافة ع

. شاعريتها الخاصة وثراء مراجعها االعتقادية وبهجة االحتفال بها عند الوشم وتحوالت عالماتها ورموزها

Page 61: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

61

ولئن اختلفت الحروف باختالف أشكالها وتباين أبعادها الداللية الممكنة عند االستضاءة بثراء مخزونها

العقدي فإنها تتوحد، تقريبا، بالنقطة، هذا الرحم المول د لها أو الرشم الجزئي الذي يتجاور مع رشوم التراثي

.أخرى لتتشكل بها الحروف في األثناء، بالتمدد واالنحناء، بالتقدم واالنطواء، باإلبداء واإلخفاء

ابة الوجود الممكن للحرف ومآله عند السعي إلى هي بدء العالمة ومرجعها األول، وهي بمث” النقطة“كذا

.تفكيكه

والن أديب كمال الدين مهووس بالحرف تفصيال وتشميال فهو يفصل ويصل بين الحرف والنقطة، كي

يتأكد لنا، تقريبا، أن اللعبة الحروفية بالشعر تستدعي بالضرورة عند االشتغال على عالمية الحروف

ن زمن بدايات الذات بطفولة االسم وبدايات الحرف بالنقطة التي هي بمثابة لحظة العربية البحث ع

وجود أو العدم -الخروج من عتمة المطلق ووحشة البياض إلى تخصيص العالمة وتأنيس البياض، الال

بة معنى حروفا أي نصا يكسب الذات الكاتبة والمنكت /بالعالمة، بالصوت، بالوشم أو الرشم ينكت ب حرفا

.ما

: الهوامش*

6- Martin Büber, « je et tu » , préface de Gaston Bachelard, France :

Aubier,1969.

(dasaïn)يذكرنا هذا التردد بين السبل بحيرة مارتن هيدغر األنطولوجية عند مقاربة مفهوم الدازاين -9

- Martin Heïdegger, « Acheminement vers la parole », Gallimard, 1976.

.، على حد عبارة هانس جورج غادامير“اللعب الجاد “اللعب هنا أنطلوجي، هو -3

Hans Georg Gadamer, « vérité et méthode (les grandes lignes d’une

héméneutique philosophaique) » Paris : Seuil, 1976.

Page 62: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

62

:الفصل السابع

ل الرموز()*” حاء“ آخر الرموز –، الحرف باعتباره أو

.9009المؤسسة العربية للدراسات والنشر، : بيروت –، عمان “حاء“، الدينأديب كمال )*( .”خساراتي لم تعد تحتمل“ -0

ومرادف هذا . هوالدافع إلى االستمرار في الكتابة الشعرية أو التوقف عنها” بالخسارة“الشعور الحاد

ألديب كمال ” حاء“، وهو ذلك اإلحساس المرهف الذي تصدر ديوان ”بالموت“الشعور يتحدد مجازا

.الدين

تكسب (Leitmotiv)ى الزمة ، هذه الجملة الشعرية البدئية تستحيل إل”خساراتي لم تعد تحتمل“

ذا الترجيع بهذه الجملة انفتاح واضح على حال ما من . إيقاعا إنشاديا خاصا( قصيدة البدء)” خسارات“ وا

: االنحباس نتيجة وضع تكراري

Page 63: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

63

)...(فأنا أخرج من خسارة ألقع في أخرى “

المدن صرت أقلب أسماء

.()..فأجدها متشابهة كالموت

فأرتبك

ألن جسدي الذي قام من موته عشرات المرات

وقلبي الذي قاوم العاصفة والدم والذهب

فلين يتيمين ”...بكيا أمامي كط

لقد أدركت الذات الشاعرة صعوبة الموقف، فهي إما أن تستمر في البقاء بحادث المعنى أو أن تتوقف

تأكيد لوضع االنحباس إال وما التكرار، هنا، . عن الوجود، بداللة الرمز الماثل في التفرد واالختالف

(.ضياع الحلم)الناتج عن الحركة الدورانية دون وجهة أو اتجاه

للذات، هنا، أن تبحث لها عن أفق ما خارج ليل العتمة؟ كيف تغالب موتها بهالك مؤجل أو ب موت فكيف

رمزي الئق، إذا جازت العبارة؟

ويفتح الكتابة الشعرية ” ....سأعلن، سأعيد “: هوالفعل، إذن، بإرادة الحياة ذاتها يرد على شاكلة مستقبلية

وة الوضع وفظاعة الفاجعة، إن نزلنا الكتابة، هنا، في سياق خاص بالمكان على إمكان األمل رغم قسا

.والكيان

اع ة ال تكف عن الدوران في صحراء العبث الكبرى“ -0 .”أنت س

أن تغالب عجزها أو موتها بالحركة، ب بعض من البوح عن إال ” زمن أرعن“ليس للذات الشاعرة في

تسمية مجازية لهذا الكيان إال وما المحبة الخطأ . ن، باالعتراف الذي يضمر أكثر مما يظهرالمخبإ الدفي

المرجعية من غير أن تفضي محاوالت ” الحب “الحبيس، إذ تتوالد النصوص بالومضات داخل عالمة

Page 64: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

64

لمعنى إلى إمكان إنتاجه توصيفه إلى تفضية ما تكسر دائرة االنحباس وتغير وضعية الموجود من ضياع ا

أن العبث، هنا، ال يدع حركة االستباق تتحدد ب وجه آخر للمحبة بعيدا عن الخطأ، أو ربما إال . من جديد

.الخطيئة أيضا

إلى ضرب من الدينالحال فقد التجأ أديب كمال -وألن األداء االستعاري أعجز من أن يصف هذا الوضع

أما الدافع إلى هذا . المجاورة بين دوال ال يمكن أن تتعالق في سياقات جمل مشتركةاألداء الغنائي ب

الومضات باألسلوب الكنائي المذكور فهو حضور العبث سياقا –االستخدام عن طريق النصوص الشعرية

: ”الساعة“وموقفا وحاال تصل بينهما العالمة الزمنية ممثلة في

)...(قف لتنظر إلى الوراء حبك ساعة ال ت“

)...(حبك ساعة صراخ طفل

)...(حبك عقارب زمن أرعن

)...(حبك ساعة تكذب لتصدق

“)...(حبك أكذوبة

مسمى، العبث -كذا يتفكك منطق اللغة المعتاد بهذا األداء الكنائي الذي يتعمد غريب المعاني ل مقاربة الال

الفوضى، إلى ارتباك المشهد القائم على المفارقة بين ثبوت المحبة وانتفاء ” منطق“إلى عند االلتجاء

.معناها، بل معانيها

مواصلة في نهج كتابة العبث بتجريب منطق آخر للغة يتمرد على معتاد التسمية إال ” وحشة الرأس“وما

، بل أعوام حينما ”أيام“إلى ( الساعة)منية السالفة عند انتهاج سبيل العفوية الكاتبة كي تستحيل العالمة الز

” حرب “يداخل ماضي طفولة الذات الشاعرة وحاضر الفاجعة وصور المأساة الفردية والجمعية، مرورا من

.إلى أخرى، ومن سفر إلى آخر” صحراء“، ومن ”حرب “إلى

Page 65: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

65

فكيف للقصيدة، هنا، أن تسفر عن معنى ما وهي وليدة حال االرتباك الناتج عن فوضى األحداث

والعالمات والتباس الرغبة أيضا في الكتابة والوجود؟

ود إلى الحروف -3 .ع

أسلفنا، عالمة فمالذ الشاعر من جحيم الوضعية هوالحرف، عودا إلى النقطة، تحديدا، باعتبارها، كما

ألي حرف واإلضافة الدالة التي تفارق أحيانا بين حرف واخر بالغياب والحضور أو . البدء المرجعي

.الواحد والتثنية والتثليث

ومجمع دالالت حادثة وممكنة، إذ هي فضة ” ملك الحروف“لذا اعتبرت الذات الشاعرة النقطة

وهرطقة وبالء ودف وخمرة وسخرية وطفولة وعري وعروس وحرمان وبسمة وبخور وموت وندى وشعر

ونور ( كأن تعرف بذاتها)وخرافة وباء أو نون ودم وفراغ ودمعة وحرف ووداع ونزيف ولقاء وسكين ونقطة

فهي هذا . ”وسعال وعقل ورصاصة وماء ووحي (flûte)وتظاهر ونظارة وحشيشة ولعبة وقبلة وفلوت

د المختلف كما ترئيه الذات الشاعرة نسخا وفسخا واعادة إنشاء بكثرة األشكال عند كثافة الكل المتعد

. الحضور استرساال وتركيبا ولحظة الظهور بالتنقيط فحسب أو احتجابه

كذا تستأنف الذات الشاعرة لعبة الحروف باحثة لها من خاللها عن طمأنينة ما للتخفيف من كرب

ي قراءة الحروف، هنا، ضربا من النظر إلى الداخل الذي يراد به . حال من االرتباكومغالبة فتضح

تخفيف حركة الخارج أو تسكينها لخوض تجربة إبطان تستفيد من عالمات الحروف ومختلف أبعادها

.الرمزية كما تمثل في أشكالها الخاصة وتبعا لتأول الذات الشاعرة

Page 66: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

66

ذا النقطة ، بواسطة (sublimation)التي يعاد التأمل بها ومن خاللها مجال للتنفيس أو التصعيد وا

والكيان في أعوام ( العراق)استثنائي عارض استلزمه وضع صعب بواقعية ما حدث للمكان ” لعب“

.الحصار إثر حرب الخليج الثانية

: يسكن النفس ويدفعها إلى اليأس “الملل“هو

انتظارتظار والال مللت من االن“

جدوى من الجدوى والال

من الصدقات والخبز المغموس بالدم

”...معنى من رائحة المعنى ورائحة الال

هواللعب، إذن، وال بديل عن اللعب، كأن تتردد الذات الشاعرة بين االستذكار واستقراء الحروف ف رارا،

.االسترهانولومؤقتا، من فظاعة الواقع وجحيم

. لعبة االستذكار -4

الطفولة هي الوجه اآلخر للمالذ إذ تمثل في مسار تجربة الكتابة الشعرية كلما تفاقم الشعور باليأس

.وتعاظمت الرغبة في االنتقال من وضع كتابي إلى آخر

له آثار ظالله القديمة المتبقية في أنها في الغالب طفولة متخيلة لتحولها من واقع كان إلى طيف إال

.لحظة االستذكار

لذلك تتحول صورة هذه الطفولة بحكم المسافة الزمنية الفارقة بين ما كان وما يكون وبتأثير وضع

االنحباس وحاالته الضاغطة على الذاكرة والمخيال الشعريين معا، كي تنزاح لغة الكتابة عن األداء

تشبيهي المحدد بالواقع إلى ضرب من األداء الكنائي الذي يقارب العبث، هنا، دون االستعاري بمرجعه ال

:التوغل في متاهاته

Page 67: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

67

في طفولته“

.جلس في الشارع يستجدي أما

في صباه

للمقبرة جلس في المقهى المقابل

.يستجدي أبا

في شبابه

جلس في التاريخ يقلب السنين

.يستجدي جدا

حين شاخو

تذكر أنه لم يلعب القمار أبدا

:فقامر ليخسر كل شيء

الشارع والمقهى والتاريخ

با والشباب .”الطفولة والص

فتتحول الكتابة الشعرية إلى فعل التفات يؤدي مختلف مراحل العمر بمحصل تجربة الخسارة، ليتأكد في

.وبذلك ينتفي المعنى عدا الحنين إلى أزمنة كانت. واألب والجد األم : األثناء انهيار كل الرموز تدريجا

مجمع أحداث لحكاية ترد بأسلوب مكثف يختصر مراحل وجود ” صورة الولد في ورقة اللعب“كذا تبدو

هي وجه آخر الختصار هذا الوجود ” الدمعة“كما . لكائن جرب الحلم والفعل ليصطدم أخيرا بالفاجعة

من خبر الحزن إال ذ تشي بتاريخ القهر وتومئ إلى أداء مختلف بلغة متفردة ال يقدر عليها المعنى، إ

اق الحرية، يحول دمه إلى رمز ” كالحالج“وألف عذاباته وحوله إلى دستور خاص للمظلومين من عش

: لكافة البشرية ويهب نفسه قربانا لها

Page 68: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

68

رأى دمعتي“

)...(كما يسوس البغال من يسوس الناس

غير أن الل

:الليل رأى دمعتي في جوف

ليل أرض السواد

.”شيءفقال خذها نقطة تسمي الشيء والال

إن االستذكار، هنا، أوسع واعمق م ن أن يحد بزمن فردي، بل هو مجمل تاريخ المجموعة السالف

رفانية والحادث، والسياق المحايث الذي .يساعد على مقاربة المحبة بمختلف مراجعها التراثية الع

.كلمات الوجه اآلخر للمعنى -االبنة” كلمات“ -5

هي فيض من حاالت ملتبسة نتيجة الوقائع الصعبة التي الدينالشعرية ألديب كمال ” حاء“كذا مجموعة

.تعترض سبيل الذات الشاعرة في أعوام الحروب والحصار

لذلك ال تنجو الكتابة من االرتباك، كأن تتردد بين االستذكار وتجريب الحروف بضرب من اللعب أو

أن هذا اللعب ال يراد به مجرد التلهي، بل هو تجسيد كتابي إال . التلهي المؤقت عن فظاعات ما يحدث

ة الشاعر وعالمة رمزية تتجاوز ظاهر ، التي تعني في الواقع تسمية محددة البن”كلمات”لحال عاشقة، كـ

” فكلمات“. التسمية إلى بيان القيمة االعتبارية للمسمى ومدى حضوره المرجعي في صميم الروح الكاتبة

أن تأثيره عميق في ما إال . االسم وما وراء االسم وجه آخر لألمل الذي يظهر حينا ويحتجب أحيانا

ز على مواصلة رحلة الوجود بالمطالبة واإلصرار العجيب على البقاء، إذ ينكتب، وهو بمثابة الحاف

مكانه، بل إمكاناته في زحمة العبث والفوضى ”كلمات“ ، هنا، هي فيض من محبة مخصبة للمعنى وا

أم رمزية ألب يستحيل مجازا إلى طفل ضائع يبحث له عن قصد ” كلمات“وكأن . وسيادة الكارثة والموت

Page 69: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

69

وجوده المتاهي، أو هي المعشوقة روحا بمجمع قوى الروح في مغالبة توقف المعنى عند توقف وغاية في

: الرمز

ال بأس، إذن“

”.أن تأخذي بيدي ثانية إلى الحياة

ذا الرمز، هنا، مرجع للقوة الروحية يستمد من وكلمات اللغة والتراث والتمثل العرفاني ( االبنة)” كلمات“وا

سة بضرب من التماهي بينهما حيث تنتفي الحدود الفارقة بين الوجود والقيمة الرمزية المحايثة له أو المنبج

. منه

في حياة الذات الشاعرة هو ثمرة وعي الكتابة الشعرية وال وعيها، ( االبنة)” كلمات“إن حضور

، إذ ال إمكان لالستمرار، هنا، في إذكاء األمل وهو تجسيد لعشق الحروف السالف والحادث والمستقبلي

.والكلمات تدليال في األساس والمرجع على الحروف( األم أو المعشوقة الرمز)” بكلمات“إال

.”...كحرف الشين حيث الشهوات والشيطان والشقاء“ -3

قد يتبادر إلى الذهن عند قراءة لحظات اللعب في الحروف وبالحروف أن الذات الشاعرة تحقق بهذا

أن المتأمل في تجربة أديب إال . اللعب البعض الكثير من الطمأنينة في مغالبة األلم السالف والحادث

.ي اتجاه ومزيد من األلم في اتجاه آخرالحروفية يالحظ أن التجربة تتراوح بين إمكان األمل ف الدينكمال

ذا الجيم والشين في مجال للتفكير في الفاجعة من خالل هذين الحرفين كما يرتسم تأثيرهما ” جيم شين“وا

العالمة وتكثيرا لدالالته الممكنة في -تكرارا ل لفظ” الوحشة“في ذات الشاعر، كاإللماح الداللي المكثف إلى

: الحركة الشعرية للقصيدة، مرورا من السؤال إلى محاولة اإلجابةنسق اطراد

هل للوحشة ذوائب أم أنياب؟“

هل للوحشة تأريخ أم جغرافيا؟

Page 70: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

71

هل للوحشة غناء أم زعيق أم أنين؟

)...(هل للوحشة معنى،

”...الوحشة حبيبتي

ينفتح الحرف، هنا، بأقصى الجهد على فال خالص من األلم، إذ . كذا الشين هو من الوحشة واليها

أما الجيم فهي من . الداخل ليصطبغ بالحال ويؤدي البعض الكثير من أوجاعها السالفة والحادثة

.”الجثة والجلجلة والجمجمة“واليه، مثلما تحيل على ” الجنون“

رب من اللعب المذكور الذي يباعد وبهذا الوصل بين الحرفين تتشكل الدالالت وتتوالد في األثناء بض

.ويقارب بين ظاهر الحرف وكامنه بمجمع حاالت الداخل ومختلف تقلباته

وبناء على السالف تستقدم اللعبة الحروفية إليها البعض من ذكريات الطفولة التي استحالت إلى صور

: وألقها الخاص ” الحاء“ تصل بين التجربة الفردية وحادث التجربة الحروفية، ببهجة

حين أفاق الطفل من نومه“

وجد اللقلق

.قد ألقى إليه ب كيس من الحروف

رقص الطفل فرحا،

:أريد الحاء: قال

”...حاء الحنين والحب والحلم

غير أن االنقطاع أو االنقضاء سمة غالبة على الحدث نتيجة التباعد الزمني بين دهشة تعلم الحروف

وبين حادث استعادة البعض من الفرح القديم في راهن الكتابة دون االقتدار على االستمرار في تأثيث

الخراب المستفحل بفرحها القديم المستعاد بل يخون الحرف صاحبه، إذا جازت العبارة، يهجره، وهو الذي

والقتل المجازي ” للسرقة“جود معرضا سعى إلى التواصل اإلبداعي الحميم معه، يدعه وحيدا في عراء الو

Page 71: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

71

ونتيجة لهذا الهجر يحتد . والتشرد، كي يشقى كل منهما باآلخر وفي اآلخر وضمن سياق وجود مشترك

” في” النون“دون إمكان التحرر من عشق ” ثالث صور للموت“الشعور بالوحدة ويتفاقم وعي الموت في

(.مائدة الغرباء)ة واالغتراب والتوغل في متاهة الغرب! ”تبا لك

وكأن الذات الشاعرة وهي تخوض تجربة الكتابة الحروفية تدرك في األثناء أنها لم تعد قادرة على أداء

لذلك نراها تلتجئ إلى الحكاية التي تقارب الواقع والعبث معا في . الوقائع المفجعة الحادثة

، وكتابة اإللماح بواسطة األسلوب البرقي الذي ”غزل حروفي “المرأة حرفا في ، واالستيهام بتمثل”مشهد“

، ”برقيات سعيدة جدا“الحال بضرب من التداعيات رغم ثابت القلق والغضب في –يكتفي باقتناص اللحظة

قتام ) تتشكل صورا لوجوه وحركات وأصوات سرعان ما تقارب الكابوس” العازف“وحلم الغيمة في

بالتمثل الرمزي الحروفي تنقال ( جسد)” جيم سين دال“، ولعبة التفكيك والجمع عند إعادة كتابة (الوضعية

بالرغبة ” حوار مع طاغور“بين ثالوث الحروف الدالة على الجسد الواحد، والتماهي مع طاغور في

” زلزال“الرمز في -استقراء الجسد األنثوي الكاتبة في توسيع دائرة التناص، واداء المحبة المختلفة عند

” النار والسندباد“، بين بهجة الحياة وكارثة الموت وفي ”الزلزال“و” الموسيقى“بمختلف أبعاده ترددا بين

كي تصطدم المحبة بالمنع وتفضي ” العائلة“و” الحرف“و” الحب “و” النار“أيضا حيث التعالق بين

غير أن . بالسفر دون وجهة عدا االلتجاء إلى سفر آخر” لل والموت والنارالم“وضعية االنحباس إلى

حيث الصورة التي بها ” على طريقة فان كوخ“ولكن ” غزله“فيض المحبة عارم وال إمكان للتحرر من

، كأن يتواصل الشم “الحرف المطلسم“تؤدى الحال إلى إمكان للوصل بين الشكل والرغبة والعطر و

.واإلبصار في سياق مشترك يكون ب ه أداء المحبة المذكورة

الحروف وتعدد الحاالت والمواقف تبعا /الرمز في سياق األداء العشقي صورة متكثرة بالحرف-كذا األنثى

تدليال ” بانتظار أن تهبط حبيبتي“الختالف اللحظات، كمشهد التعالي والتسافل بين العاشق والمعشوق في

.الرغبة ووقائع المنععلى

Page 72: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

72

.”حملت معي حروفي كل ها، وصنعت لها سفينة من دمي“ -7

لذلك يبدوالحرف مثل النقطة . ال بد للذات الشريدة أو الطريدة من بوصلة تستضيء بها على ليل المتاهة

ن اتسم هواآلخر بالغموض، كالوارد في : “نونيات جديدة“الدليل األوحد تقريبا على الطريق المجهول، وا

يا نوني الغامضة“

منذ أن طردت ني إلى ساحة البحر

حملت معي حروفي كلها

”...وصنعت لها سفينة من دمي

رغم تلف النقطة، كوجود رمزي آيل إلى التفكك ” سرير جديد“كذا النون مالذ، حضن دافئ،

في طريق بال وجهة أو اتجاه، عدا الرغبة في مواصلة الحياة والتالشي، تشكل آخر يكسب الموجود أمال

.بإرادة قوية ال تنثني

ذا الحرف هو أبعد من كونه مجاال لاللتفات واللعب الكاتب في مغالبة االنهيار الوجودي ( التذكر)وا

ب بين النقطة الحادث، بل هو مجال واسع للتخييل والحلم وللحوار أيضا، على وجه الخصوص، كالتخاط

لتحميلهما معا الكثير من الرموز الدالة على واقع الكارثة، والحرف إنشاد راقص رغم ” أخطاء“والحرف في

حيث التفكيك الحروفي ” ثنائية“فظاعة المأساة، كحديث القبلة شعرا يتشكل في نصوص برقية ضمن

: والوصل يتعالقان في بنية وصفية واحدة للحلم

لة حلمالقب“

والموعد حاء الحلم

Page 73: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

73

والم الحلم

”.وميم الحلم

في السابق، يتواصل بوضعيات أداء مختلف عند “ النونيات“كذا النهج الحروفي الجديد، حسب تعريف

كمة الغراب تتضمن وصف النون أو الباء أو الحاء في زحمة الحروف أو “الغراب“تكثيف الرمز في ، كح

، وأسئلة الذات في مخاطبة “شكرا أيتها الموسيقى“ة الموسيقى تعاضد إيقاع الحروف في تداخلها، أو حكم

.حيث تعلق الذات الشديد بها رغم أذاها المتكرر بوجوه مختلفة“ أمجاد النقطة“النقطة ضمن

مقاربة دون انفصال عن الحلم والموسيقى، حد “ بالكلمات“إن المتبقى في وجود الذات الشاعرة موسوم

: الموت

حين نظرت إلى ساعتي“

لم أجد فيها أياما وال سنوات

بل وجدت فيها أنهارا من الحلم والموسيقى والكلمات

فحلمت ولعبت وكتبت

حتى كدت أموت من الحلم والموسيقى والكلمات،

.”حتى كدت أموت من الغرق

، القصيدة التي تصل بين حلم دجلة والعبية الحرف “دجلة“لذلك تتكرر الرغبة في اللواذ بالحرف ضمن

الزمن ...الزمن يركض“والنقطة في منظومة داللية واحدة تحد بالعشق الموصول بالمكان والكيان، وفي

الزمن حروفي ونقاطي التي “: ، هذه القصيدة التي تعرف الزمن بحروف الذات الشاعرة ونقاطها“يغرق

.”الساعاتحاصرتني بأذرع

Page 74: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

74

وكلما تناءت الذات الشاعرة عن الحرف تفاقم شعورها باليأس وأشرفت على هالك الرمز الذي هو

حيث اليأس يبلغ أشده والنهاية على وشك أن ” حواريات الفردوس“و” خرافات“هالكها، كالوارد داللة في

. بهتحدث، إن لم تسع الذات الشاعرة إلى انتهاج سبيل آخر في الحرف و

ولئن تأثرت الحروف بالوضعيات الصعبة الحادثة كي ترتبك دالالتها فهي الوجود الرمزي المتبقى، كما

إال حيث الكل يضحك ” ضحك“ال تنفي استفحال المأساة في ” ارتباك الزاي“أسلفنا، كفوضى الزاي في

: الشاعر-أنا

وحدي كنت أتأمل المشهد“

،وأبكي

أتأمل المشهدوحدي كنت

.”وأموت ب بطء

.من قبيل الخاتمة أو تنويع آخر على ب دء -9

حريصة على مغالبة اليأس لتأكيد مدى الحاجة إلى الدينألديب كمال ” حاء“تبدو الذات الشاعرة في

راث، بل البقاء بالرمز الماثل بدءا ومرجعا في الحروف لما تمثله في ماضي وجود الذات الشاعرة من ت

تراثات وما تحيل عليه من معان ممكنة تصل بين تجربة الفرد والمجموعة، بين حاضر التمثل الجمالي

رفاني وماضيه الضارب بجذوره في الق دم .الع

” رسالة“كذا يضحي االلتزام بالحروف شبيها بمهمة شعرية تتجاوز حدود الكتابة في ذاتها ولذاتها إلى

.تختصر كل التجارب الحروفية السالفة والحادثة( حروفرسالة ال)

فإن إعالن الكارثة ال يعني ” الحفلة“بسقوط الحرف في ” حاء“مجموعته الدينولئن اختتم أديب كمال

رة حدوثها، بل إمكانا لحدوث، كالمهووس بالحرف يدمن عليه دون انقطاع ويستضيء بعتمته الجميلة اآلس

Page 75: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

75

ويغامر في تشكيل معانيه الحادثة والممكنة واعادة تشكيلها من غير كلل أو ملل، فيحلم يق ظا باحتفال

: مأتمي، ذاك الذي يتحدد استباقا بالسقوط المشترك

الحرف يسقط يسقط“

ونحن نضيع وسط عرينا األسود

.”الذي مأل علينا كل شيء

ولكن كيف للسقوط، هنا، أن يؤجل؟ أليس الحرف، بناء على السابق، هوالرمز المتبقى لمواصلة الرحلة

إلى آخر المدى، إلى آخر العمر؟

Page 76: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

76

:الفصل الثامن

)*(”ما بعد النقطة.. ما قبل الحرف“

ة الشعر من التجريب إلى حادث التجربةحروفي

.9001دار أزمنة للنشر والتوزيع، : ، األردن “ما بعد النقطة.. ما قبل الحرف“كمال الدين، أديب )*(

الحروفية في الشعر بعد المتداول من الحروفية في الرسم ضمن الفنون التشكيلية العربية، والعراقية منها

.ص الشعريتلك هي أبرز سمة لتجربة أديب كمال الدين في كتابة الن: على وجه الخصوص

Page 77: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

77

ليه، وذلك النفتاحها على إن الحروفية العربية، إجماال، خطية وشعرية في اآلن ذاته، ألنها من المكان وا

كل االتجاهات وهي قائمة في الزمن أيضا، كأن يتقاطع في بنية الحرف العربي كل من حركة اليد ومجال

أديب كمال الدين بالحروف العربية عند استقدامها إلى وما احتفاء(. من البصيرة)واإلبصار( العين)الرؤية

فهل يواصل الشاعرهذا النهج . بعض من االحتفاء بتراث الحروفية العربية والثقافة الحافة بهاإال الشعر

أم هواالسترسال والقطع في آن واحد بتأثيرات الوقائع الحادثة؟” ما بعد النقطة.. ما قبل الحرف“في

.الحرف بعض كثير من طفولة االسم، ما بين الصوت والصمت لطفولة -0

إن اهتمام أديب كمال الدين باللغة هو في األساس ضرب من االستدارة التي يراد بها استعادة البدء األول

في تاريخ الحرف، كما ينكتب في ذاكرة الذات الشاعرة ويرتسم بمخيالها األقرب إلى التداول منه إلى

التفكيك منهج الزم عديد الدواوين السابقة للشاعر، وقد حايثته رغبة االستضاءة بعتمة الحرف ف. اإلطالق

الصوت أو الصدى، إذ لطفولة الحرف، هنا، بعض كثير من طفولة االسم، كلوثة المعنى البدائي تصيب

اللة السالف المعمى، الكيان وتظل في األثناء متلبسة بظالله، تحمل ذكرياته الهاربة عن سطح الوعي، بد

ما قبل الحرف وما قبل الوعي بمشترك ذاكرة االسم واالشتغال الحيني لها استنادا إلى مجمل الخبرة

.الفردية

ضمن الخانة المعتمة التي هي ” ما بعد النقطة“و” ما قبل الحرف“كذا تبدو إقامة الكتابة الشعرية بين

ن اختلفت عنه في الماهية وسياق الفعلية فأدبية الصمت هي في صم. الصمت تقريبا يم أدبية الكالم وا

ليه شأن صلة المعنى بالال وبالصمت (. 6)معنى-اللغوية، ألن الكالم هو، في الواقع من الصمت وا

يضحي الكالم قادرا بالفعل على التكلم، شأن الفراغات الصامتة في العمل الموسيقي يحول الصوت

Page 78: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

78

فكيف يشي الصمت . وات دالة بالكثافة السمعية والكثافة السمعية الناطقة بتلك الفجواتالموسيقي إلى فج

باألبعاد األخرى للكالم؟ كيف يتجاوز أديب كمال الدين في هذا الديوان دائرة التجريب اللغوي إلى تجربة

طور ما بعد تفكيك الكلمة الحياة ذاتها بمختلف تقلباتها ومآسيها؟ أليست كتابة الصمت، هنا، انطالقا في

والجملة إلى إحداث لغة شعرية مختلفة هي وليدة متراكم أفعال التجريب الك تابي السابقة ووهج الوقائع

ومرورا بالندوب الناتجة عن صدمة االحتالل في ( العراق)الصادمة بدءا بالخطوب التي حلت بالوطن

.ذاباتهاالنفس ووصوال إلى مشاق الحياة في المهجر وع

.ما بين سرد الحال وشاعري ة الحدث -9

إذا ” لعب لغوي “لقد استدعى تفاعل هذه العوامل في الذات الكاتبة اإلبدال الذي حول النص الشعري من

جازت العبارة، يقارب طفولة االسم وطفولة المعنى في الموروث اللساني الفردي والجماعي إلى كتابة

لتخوم القصية لفاجعة االنقضاء واحتمال أذى الكارثة السالفة والحادثة، كتفاقم حال السأم التجربة بمقاربة ا

فتصف . والشعور الحاد بالخواء والقرف المالزم للكائن والدهشة أمام انحباس األفق والرعب من المصير

ص بين سرد الحال الذات الشاعرة وقائع الكارثة والسأم كي توصف من خاللها بضرب من التداخل الخا

وشاعرية الحدث بمنظومة استعارية مختلفة عن سابقتها، تحول اللغة الشعرية من سياق لغويتها عبر

تداول حادث، تستعيد به الكلمة نظامها الدال بغية مقارنة حجم الكارثة التي أصابت الكائن والكيان بعد

اللة الفرد والمجموعة التي ينتمي إليها، وبمنظور تجربة أن تفتحت بصيرة الشاعر على فاجعة االنعزال بد

:”األصدقاء األوغاد والمنفيين والسذج“المهجر، وابتداء من

،حين جلست إلى الساعة“

Page 79: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

79

كانت الساعة شابا مقتوال

.قرب كنيسة أحزان العالم

جاء أصدقائي األوغاد والمنفيون والسذج

ووضعوا صليبا خشبيا

الجثة قرب دماء

ووضعوا وردا ال اسم له

.وآسا وفاكهة معفرة بالتراب

من هذا المقتول؟: قالوا

” وما معنى الساعة؟

فيتحدد بدء اإلبطان الواصف بوعي الزمن، هذا الشعور الحاد بانهدام نظام ما يتخذ له مجاز الساعة

ذا ال. المتحولة من آلة دالة على الزمن إلى كائن قتيل صورة المشهدية تتناسل في األثناء بتداعيات وا

لحظة الكتابة ذاتها على شاكلة تحويل داخلي سريع الحركة يتخذ له نسق االطراد الحدثي تبعا ل نسق

.”معنى الساعة”و” المقتول“تشجيري ينتشر بعديد الصور الفرعية لينغلق بالمساءلة عند الوصل بين

.تقرر قبل الوالدة موت أبدي : موضوع الرثاء -3

Page 80: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

81

يتكرر فعل المساءلة برغبة الكشف عن مخبأ دفين في الذات المتفجعة، إذ ثمة حال من السقوط الدال

بدءا، وحسب الظاهر، على تورط ما يؤنب النفس ويدفعها إلى ضرب خاص من االعتراف

(confession) لرمز وتكثيف الصورة، وينتصر لتدالل الذي يعتمد إيماء الشعر ويتوسل باإليحاء وا

وضا عن رومنسية وصف الحاالت الموت على داللة الوجود المعنى، ويسعى إلى كتابة الرمز المختلف ع

كذا يزخر . وتجريبية اللغة، كسالف خبرة الكتابة الشعرية قبل المهجر داخل الوطن الحابس والحبيس

تكرار فعل االستفهام، : القيمة واستبداد الفاجعة -الكارثة وانعدام المعنىالنص األول من الديوان بعالمات

موتي األبدي، ضياعي في جسد من لعنة الحب، عذابات الرغبة والشوق، مأساة من عسل الوحل، درج “

يمضي حتى األسفل، جثة ذاك الشاب المقتول، صيحات صليبه، فواكه قلبه المعفرة بالتراب، مقتوال جئت

لى الدنيا وسأغادرها مقتوال أيضا، أصدقائي األوغاد والمنفيون والسذج، دمي المتناثر، فاكهتي الملقاة إ

سكينا ليهددني، شتمي، كتابة تقرير سحري أو سري، درجي الهابط إلى )...( على األرض، أخرج

سود، حفروا األرض ووضعوني أيامي الريش، قت لت قرب نهر ميت، حملوني في تابوت أ: األسفل، أيامي

..”فيها، المنفى

فتتجاوز هذه األلفاظ داخل ملفوظ هو أقرب ما يكون إلى مرثية حادثة ال عالقة لها بنموذج المرثية

راثية، ألن الراثي والمرثي في هذا السياق هما من رحم داللي واحد وال تبعيد بينهما، كما ال العربية الت

التبرير أو تعيين الفاجعة باللحظة، إذ الذات الراثية والمرثية معا ال تصف فاجعة معنى للتعليل أو

نما موضوع الرثاء يخص تقرر قبل الوالدة بمطلق زمني، وتحدد عند الوالدة ” موتا أبديا “عارضة، وا

السياق علي جعفر العالق، ألن ” موت“قريب في الداللة من ” الموت“فهذا . وبعدها إلى ما النهاية

المجتمعي واحد والمرجع األنتروبولوجي مشترك وشروط التمثل أوظروفه متشابهة حد التماثل الداللي

.والتداللي أحيانا عديدة

Page 81: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

81

ولئن جرب أديب كمال الدين شاعرية اللغة وعفوية الكتابة واألقنعة اللسانية المترددة بالقصد اإليحائي بين

” ما بعد النقطة.. ما قبل الحرف“في الدواوين الشعرية السابقة فإنه في ( لصوتا)الجملة واللفظ والحرف

المهجر حيث -بإرادة كاتبة جديدة أنشأتها ضخامة الكارثة الحادثة وظروف المكان” الوراء“يندفع إلى

حرية بال وطن وطن بال حرية في السابق، وتحديدا حرية الفرد، و : اإلشكال الكينوني، هنا، قائم على أشده

لذلك نراها تكتفي في الغالب باالستذكار .وليس للذات الشاعرة حرية االختيار بينهما.في الزمن الالحق

أخرى أشد أذى للروح وأبعد إيغاال في الجرح الفاغر ” ضياعات“المضمر والفرار من راهن الضياع إلى

.فاه، النازف عذابا وقهرا

.فيض العالمات الدال ة على الرغبة: لموتالتخوم القصي ة لوعي ا -4

مكان دالالته يفضي حتما إلى التخوم ” الموت األبدي “إن تفاقم الحال الباتوسية بمختلف عالمات وا

مكان تدليلها على معنى الوجود، القصية لوعي الموت، إلى الرغبة بفيض من العالمات اإليروسية وا

رادة الرغبة، بيقظة الجسد يستحيل إلى جسدية منتف ضة كات بة، كأن تتجمع كل الحواس بمتبقى الرغبة وا

وقوى التعقيل والتخييل والحدس في مواطن تداخل بين الموت والرغبة، للتخوم الواصلة بينهما، كالمد

والجزر في تموجات النفس المزحومة بصور الخراب والكارثة والفجيعة والمهووسة بالحاجة إلى إحبال

الوجود معنى، برمزية فحولة القلم وذكورة الرغبة المتعطشة إلى التواصل مع أنثى، هي الحرية إمكانا

للتسمية، وهي الفعل الكاتب الذي يزرع الحب في رحم البياض، ويسعى إلى إكساب الخواء روحا بمشترك

ب صور الخراب الفراغ الكارثة ” طوفان“ر، إذ ينفتح الحالين الباتوسية واإليروسية، باأللم واللذة، بالدم والح

جسدية “بمختلف رموزه الدالة عليه، كما يفضي الجسد الحبيس المستنزف القوى إلى ” البحر“على

:وجنون الرغبة ورمزية الغرف والموت”لعبة الفراش“عاشقة حالمة متشهية، وبذا تتعالق السيولة ورمزية “

Page 82: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

82

.كل شيءأنت تشبهين البحر في “

نعم،

هو أزرق

.وأنت زرقاء

أخرق هو ساذج

.أكثر مما ينبغي وأنت ساذجة

هو صاحب المعاني التي تبدأ بالفراش

،وتنتهي بالموت

وأنت صاحبة الفراش

هناك يبدأ معناك بالظهور

شيئا فشيئا

”.لينتهي بالغرق والموت

حادث لإلنشاء االستعاري، كأن يتجاوز التشبيه البليغ إن بالغة التشبيه في بناء هذه الصورة وجه آخر

الداللة، ليفقد بذلك صفة التشبيه المعتاد، إذ يتعالق في هذا السياق المنتظر الداللي إلى ما هو أبعد من

كل من البحر واألنثى المخاطبة في أقصى التخوم ل كل منهما، بالمشترك الذي هوالفراش والظهور وما بعد

Page 83: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

83

ذا نص . ”المعنى“، بأن يستحيل المعنى إلى ”الغرق والموت“والظهور إلى الفراش هو أزرق وأنت “وا

نشيدة الرغبة والموت تصاغ بأسلوب التكرار، بالتعالق الحميم ممثال في التشبيه، وباالنتشار ” زرقاء

لتنحدر سريعا إلى األسفل الداللي الذي سرعان ما أفضى إلى استدارة، كالرغبة يعلو بها الفعل إلى الذروة

ي إلى موت، ” الذكرى“أو ” السكاكين“حيث التذكير بالقتل أو الغرق أو الضياع أو أو الموت المفض

وكأننا بأفعال االنتشار والتراجع المتكررة على امتداد المقاطع السبعة نشهد . والشيء آخر عدا الموت

وان، بأن نستعيد وجهة البدء بعد محاولة تغيير االتجاه تصدية للصوت المعلن في النص األول من الدي

.أسلوبا ورؤيا

ذا اإلنشاد ممثال في النص الشعري الثاني من الديوان انفتاح على األنت الماثلة في األنا، وانغالق وا

مستعاد أو عاجل ينهي تكرار فعل االنفتاح لتصطدم الرغبة باالستحالة، واألمل باأللم، والحلم بالموت ال

:األبدي، كالمقابالت التالية التي تصل بين بدايات المقاطع ونهاياتها

أنت تشبهين البحر في كل شيء“ -

(...)

.لينتهي بالغرق والموت

(...)نعم -

لمئات الفارين من المعركة

وعلى ذكر القتل والزالزل -

(...)

بل بسكين تغرق في الصدأ والطين

Page 84: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

84

(...)ما أحالك إذن -

، بضياعي األعمى ومليئة، في آخر المطاف

(...)أنت تشبهين البحر

حامال، كل ليلة، المشاعل والسكاكين

(...)أنت تشبهين البحر -

ذكراك الحية الميتة خلف

!ذكراك المقدسة خلف

(...)أنت تشبهين البحر -

ومن قصيدة إلى قصيدة

”!ومن موت إلى موت

.شهوة التجريب الل غوي المزحومة في هذه المر ة برغبة الب وح -5

هوالتكرار اللفظي والتركيبي والداللي، إذن، يكسب هذا النص صفة اإلنشاد، بالنسق اإليقاعي الواحد

يتكثر في الداخل، وبالتوزيع اللفظي وا عادة التوزيع عند إحداث تغيير في االستخدام اللفظي تعاد به جدولة

النسق، كأن يظل البحر وأنت والواصف األلفاظ وتمدد النسق بحركة اطراد دون الخروج عن حدود هذا

حاضرة باستمرار على امتداد النسق في حين تتغايراأللفاظ والسياقات الموقعية وتتوالد ( األنا المضمر)

Page 85: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

85

. الرغبة تتغنى بالموت، والموت يتماهى والرغبة: الصور في الداخل ضمن صورة بدائية ومرجعية واحدة

، كمن (المخاطبة)تكرار فإنه يستدعي بالغة اإلنشاد القائمة على النداء وكما يتحدد أسلوب اإلنشاد بال

يبحث له عن أفق خارج كثافة العتمة، خالفا لبالغة الخبر التي صيغ بها النص األول عند توصيف

وكأن الوطن الغائب في النص األول يستدعي إليه وطنا هو حلم الكتابة. جحيم الوضعية وانحباس األفق

لذلك كله يستحيل اإلنشاد . الشعرية التي يراد من غير أن يتحقق، وذلك الستبداد الموت، الكارثة، الفراغ

غير أن الجسدية الكاتبة في النص األول مضمرة، حبيسة . إلى وجه آخر للرثاء بتوحد الرائي والمرئي

في حين ينجلي مشهد النعي في النص الثاني األنا وما وراء الذات الكاتبة، محكومة برغبة النعي واإلخبار

نشادا يعالق بين حلم الذات الكاتبة من الديوان عنها بسبب الرغبة التي تضحي إرادة للفعل الكاتب وا

.المتخيلة الدالة عليه” البحر“الرمز والعالم بأشياء -الراغبة واألنوثة

ى توصيف الفاجعة الحادثة بضرب خاص من البوح ولئن اتجهت ذائقة الكتابة بدءا في هذا الديوان إل

بعيدا عن قناع اللغة أو تجريبها الذي ساد الدواوين السابقة فقد استعادت في االتجاه اآلخر بعضا من

ليتعالق في هذا الديوان أسلوب حادث يصف ( 3)وموضوع الحرف” النقطة“شهوة هذا التجريب بحديث

ل بقناع ا ” قناع“للغة وأسلوب سالف هو في صميم التجريب اللغوي الذي استحال من الفاجعة دون التوس

وحتى . في سالف الكتابة إلى أسلوب حاف بالحادث وتبعا للوظيفة الجمالية بعيدا عن استخدام القناع

شهوة التجريب اللغوي مزحومة برغبة البوح عند توصيف الدينالنصوص التي استعاد بها أديب كمال

لذلك يتفارق األسلوبان عند التفكيك القرائي ليتأكد في األثناء . ارثة التي حلت بالكيان الفردي والجمعي الك

تلبس كل منهما باآلخر ضمن كتابة أنشأها مسار التحوالت في حياة الذات الشاعرة والجديد الطارىء في

فما يوصف بالتجريب . مكان إلى آخروعي الوجود والكتابة منذ خوض تجربة السفر واالنتقال من

المزحوم بأطياف (Etant)تقليبا، بوجوه مختلفة، لحال الموجودإال اللغوي، حسب الظاهر، ليس

Page 86: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

86

الجريمة والدم والسواد وضياع الوطن وفراق األهل واألحبة، ليتعاظم الموقف التراجيدي ويحتد بوضعية

.ات ماضيه وأحالم راهنه دون وجهة أو اتجاهمن يعيش حرية بال وطن، كأن يحمل عذاب

.نظام جديد وتنبيه إلى مزيد من الف وضى: تصادم األلفاظ وتداخل الحروف -6

من الديوان ارتباكا هائال، موضعه اللغة، إذ يتفكك منطق ” ضجة في آخر الليل“كذا تشهد الكتابة في

الوقائع الجديدة برمزية اختفاء ” زالزل“وتعصف بسكينة الكلمة واستوائها التداول اللساني بحادث الوضعية،

أو تنبيها إلى ” بنظام جديد“ايذانا ” النظام”ب” الفوضى“النقطة وتصادم األلفاظ وتداخل الحروف واستبداد

:مزيد من الفوضى

أما النقطة“

فاختفت وسط بيت خيانتها المنيف

لوللتترك الحرف يبكي ويصرخ ويو

وسط صهيل الكلمات،

” !أعني وسط صهيل الناس

سقوط التماثيل، كل التماثيل التي تعني وثوقات موروثة ” الفوضى“وأول التداعيات في توصيف هذه

وأخرى مكتسبة في سيرورة الوجود الحابس والحبيس، عدا الحرية، هذا الحلم القديم الجديد، السالف

رة المتبقية في صحراء الوجود، المرجع واألفق،آخر إمكان قد تضحي به الحادث،األمل، البوصلة األخي

Page 87: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

87

الفردية مشروعا قابال للتحقق رغم كل العالمات الدالة على التسلط عودا إلى تاريخ الساللة ومرورا

:بالجرائم الفظيعة المرتكبة في حق الكيان الفردي والجمعي على حد سواء

نعم“

تماثيل ذاكرتي كل

.دون رؤوسمن كانت مهشمة،

كان كامال وحده تمثالك

” !الكالمإال وال ينقصه

.وعي استذكاري راهني استباقي في اآلن ذاته-7

ن نزعت الكتابة إلى تفاديه باستقراء اللحظة ، جدار سميك ال يدع فعل (اآلن)غير أن االستذكار، وا

مطر “لذلك تطفوتلى سطح الداللة الشعرية في . قوية واضحة نحو تأسيس زمن جديدالكتابة يندفع بإرادة

مشاهد الخراب القديم والحادث، عودا إلى تاريخ الجرائم والحروب والخرائب والحرائق ” مطر أحمر.. أسود

ذا الموصوف الكارثي لوحة شعرية تد. والنزيف الدموي بتقليب صور الموت القديم والجديد اخل بين وا

.” وضاعت معهم بغداد إلى األبد“: األزمنة والمواقف بسياق جامع يفضي إلى حقيقة كارثية

مكانات التدليل ل بكل األساليب وا هذا الوعي االستذكاري والراهني واالستباقي في واحد هوالذي يحتم التوس

بمختلف العالمات ” الموت“باللغة على الكارثة ممثلة في واقع الهالك الذي اختار الشاعر لتسميته لفظ

Page 88: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

88

ام أسلوب التجريب اللغوي وحادث فجاجة التوصيف فيتخذ البوح له إيحاء التورية عند استخد. الحافة به

الكارثي شبه المباشر، لما للموصوف من فظاعة معلنة وانتشار صادم للوجدان الفردي والجمعي على

لذلك تسعى الذات . إن الفظاعة، هنا، أوسع مدى وأعمق داللة من أن يحدها لفظ. مسرح الوقائع اليومية

راء اللغة بتفكيك بنية اللسان والتنقل في الفجوات الفارقة بين الحروف، في الشاعرة إلى الحفر في ما و

، حيث الصمت والكالم يتعالقان ضمن ”ما بعد النقطة”و” ما قبل الحرف“األنفاق والسطوح القائمة بين

لى المجهول منه إلى المعلوم، وبالرثاء عالمية مخصوصة هي أقرب إلى اإللماح منه إلى اإلفصاح، وا

:الذاتي أحيانا عديدة

يا شبابي المدمى“

وموتي األبله الذي ينتظرني

” .ساهما في آخر قارات العالم

ولئن بدا الحرف مطواعا إلرادة الذات الكاتبة في تسمية الحاالت والمواقف السالفة فهوتاجز عن أداء

كان ويكون في أداء المعنى الملغز تضحي وبهذا المنظور التباعدي بين ما . الحاالت والمواقف الحادثة

من الديوان ملفوظا وذاتا متلفظة يقيمان داخل دائرة العجز ” اعترافات النقطة“اللغة على لسان النقطة في

كما يسهم المحكي في أداء . عن التدليل رغم تراكم الخبرة في تسمية األشياء باللغة، ولغة الشعر تحديدا

كشف عن مأزق الكيان في سرد حكاية األسرة الوطنية أو البشرية آن تغليب حدث اليأس هذا المبهم وال

:بالهالك والهالك باليأس على مختلف األحداث

قلت لنفسي“

Page 89: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

89

:وأنا ألفظ آخر أنفاسي

نعم،

.العطش أرحم

.” !أرحم –أعني الصحراء -الموت

، حيث شريعة القتل هي أساس القيمة ”العشيرة“أو ” القوم“الموت هوالمالذ اآلخر واألخير من -فالتيه

أن إال وليس للذات الشاعرة، هنا، . ومرجعها، والدم هوالمعنى الذي يعوق أي معنى آخر عن التشكل

رادة ف عليتها وبين الخروج على إرثها، ” العشيرة“تختار بين اإلقرار بانتمائها العقيم إلى قيم القاتلة للفردية وا

:بة الحادثة رغم القيود والسالسل الماثلة داخل النفس الكاتبةبتراث الكتا

(...)كان بإمكاني أن أروض شيئا من جمهرة الحروف “

لكن الدور كان صعبا حد الطوفان

(...)والجسد ضعيفا كان

صعبا الدور كان

(...)دور أوديب هو إذ كان دوري

ودور المأمون ودور الرضا

رأسه فوق الرماح ودور الذي حم ل

Page 90: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

91

ودور الذي صل ب على جسر الكوفة

”...بوسط الفرات ذر ثم

لذلك نراها مسكونة بصوره، . فالكتابة، بهذا المنظور، هي وليدة القهر القديم والحادث، المنقضي والمستعاد

الذات واللغة، تغالب مدفوعة إلى الحرية ونقائضها، تحمل كوابيسه وآثاره العميقة الدامية في تالفيف

أوجاعه وعذاباته وتزدحم بمتراكم وقائعه رغم االنفالت من المكان إلى المكان، بخوض تجربة المهجر، إذ

.القهر ماثل في النطفة األولى، قائم في تاريخ الساللة عبر مختلف األزمنة

م يات شت ى -9 .الموت باعتباره اسما لمس

الواصفة والموصوفة، كأن يشي ظان مختلفة تبعا الختالف اللحظاتكذا تتكرر عالمة الموت بم

االنحباس بإمكان لالنعتاق ويحتجب أفق االنعتاق في سميك الحاجز المانع، بمفارقة تتكرر أساليبها

:ووضعياتها في هذا الديوان

(...)باب الموت رائع بانتظاري “

لكنه حين عزف الموت

ذه ل على الفور

(...)إذ أحاطت به مئات الجثث

لم أزل أنتظرك

Page 91: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

91

مستمتعا بانتظارك

مثلما تنتظر شجرة وحيدة في الصحراء

صاعقة أقبلت إليها من السماء

”...مليئة بالنار والموت

إن الموت في مسار الموصوف الكارثي الخاص بوضعية الذات الكاتبة اسم ل مسميات شتى، إذ قد يعني

ر األفق المنتظر الرغبة في الهالك الدمار انتفاء المعنى انهيار القيمة القتل، وقد يعني أيضا إمكان التحر

الحياة وبالحياة االنقضاء البطيء بالكتابة اإلبدال بمفهوم االنبعاث سقوط مختلف األقنعة القديمة والحادثة

فلم يتبق للذات الشاعرة، بهذا المعنى، (. بالنار والموتمليئة )الوجه اآلخر للحياة، إن تمثلنا صلته بالنار

الحبيبة ”و” األبجدية“تتعالق ضمنها ” قصيدتي المغربية”سوى مغالبة تاريخ الجريمة بالشعر واللغة، كـ

الف عل ” فحولة”والماء والنور والنار ب” ومرايا الطفولة“والحلم والجنون وشهوة الكتابة والهذيان ” المغربية

وبذا تضحي الكتابة في . النار على شاكلة اإلحراق واالحتراق، تطهيرا وتطهرا ” طقوس“اتب وممارسة الك

يالج معا عند تحرير الجسد من عديد أطياف كبته بالرمز اإليروسي الذي الجسد وبالجسد محاولة توالج وا

ند بيان (الحال الباتوسية)ال ينقطع عن وعي الموت القصد من حلم الكتابة والكتابة ، بل يعمق به ع

:ذاتها

فإذا بالمغربية صارت كالم الجسد“

وجسد الكالم

ذا بها غيمة من هيام وا

Page 92: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

92

ذا بها تنفث في روحي سحر الكتابة (61)” ...وا

وكما تلوذ الكتابة باللغة أداة لإلفصاح عن المخبأ الدفين في قيعان النفس من أحالم وكوابيس وذكريات

ول ورغبات تخترق بنية هذه اللحظة باعتبارها مجاال للتواصل وحيزا للتناص، كأن ينشأ حوار وسي

، النص الشعري الذي حول فيه أديب كمال الدين السرد ”حوار النقطة“مستفيض بين النقطة والحرف في

الهذيان وهذيان اللغة، من الوصف إلى التخاطب بتداعيات حال متكلمة تؤالف بالقصد بين ما يشبه لغة

كمة والعبث، المعنى والال معنى -إذ تتعالق دوال العقل وما وراء العقل أو نقيضه الماثل فيه، كتواصل الح

وكأن الكالم، في هذا السياق، حد أقصى يشي بالماوراء الذي قد . الذي هو قصد آخر للمعنى المختلف

-غبة تنزع إلى إحبال الفراغ معنى لم يتخلق بعد نتيجة اتصافه بالمايسمى صمتا أو موتا، رغبة بكرا أو ر

:”صيحة الماء“قبل، البدايات األولى، رمزية

ما الذي حدث لك“

لتقودك خطاك إلي

أنا ملكة الرغبة

” وصيحة الماء التي ال حدود لها؟

بالبدء واالنقطاع، أو االنقطاع الذي يليه فالنقطة، بهذا المنظور، أشبه ما تكون بالرغبة، القتران ماهيتها

فكما تصل النقطة بين االبتداء واالنتهاء على شاكلة استدارة تقارب حركة الوجود فهي العالمة التي . بدء

تجسد وضعية الدائرة المغلقة بالنسبة للذات الشاعرة، كأن تتكثف صور الموت المستعاد والدم ودالالت

وكما يرتبك وجود المعنى في زحمة هذه الصور تتردد لغة النص . صوص هذا الديوانالقهر على امتداد ن

Page 93: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

93

وتكاثر ( 4)المتخيل” الجثة“الشعري بين االسترسال واالنقطاع، ويفقد الجسد كثافة الحضور بتكرار واقع

:أسئلة الموت

هل جربت الموت ؟“

ما عالقة المرآة بالموت ؟

بل ما عالقة المرأة بالموت ؟

بل ما عالقة المرآة بالمرأة ؟

(4)” وما عالقة الموت بالموت ؟

فراد دال على جمع داللي، ورحم فالموت هو مختصر وضعية، ومجمل وعي األزمنة في ذات الشاعر، وا

منجب للمعاني الحادثة والممكنة، وعالمة رمزية للتخوم القصية للحياة، وهو باإلضافة إلى ذلك إمكان

ا لغويا بالفسخ واإلنشاء، كالتردد المقصود بين الحرف والنقطة، بين الواضح والغامض، بين للخلق تجريب

ما ينقال وال ينقال، وهو مجمع مشاهد للقتل القديم والمستعاد عند تمثل هيمنة األسود واألحمر على كل

آخر للرغبة حينما ، وهو تقليب”حصانان أسود وأحمر”و” جسور“في ( 4)األلوان والمواقف والوضعيات

:يتسع أفق الحلم بإمكان الحرية، وبالحب مرادف األمل

تقطر قطرات الحب كانت “

قطرة قطرة في فمي

وهي تحاول أن تطفئ عطشي الجنوني

Page 94: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

94

.ورغباتي الجنونية

تقطر كانت

وهي تجلس نصف عارية

بدثيين عامرين بالنار

”.واللذةوبساقين عامرتين بالسذاجة

ث مة كسر عميق في تجربة الكتابة الشعرية يقضي التبعيد التراجيدي بين الواقع والمثال، بين -7

.الرغبة واالستحالة

يظل التغالب على أشده إلى آخر الديوان بين الرغبة واالستحالة، بين الحلم والكارثة بمتعدد صورها

يد التراجيدي بين الواقع والمثال لتتقوض الرغبة أثناء الفعل فثمة كسر عميق يقضي التبع. ووضعياتها

بالمسمار “الكاتب أو الحالم، وتنأى الحبيبة عن مريدها كأن تبقى معلقة في الهواء، أو يتعالى األلم

الحب إمكانا ال يتحقق داخل الوطن أو خارجه، ألن الحرية بال/، لتتراءى الحرية(1)”الطويل الثاقب للقلب

الرؤيا ويغالب السواد /لذا يستبد الموت بالرؤية. وطن، كما أسلفنا، اغتراب، والوطن بال حرية سجن فظيع

كل األلوان كي يستقدمها إليه ويحولها إلى أجزاء في ليل بهمته القاسية، ويمضي العمر بالموجود إلى

.ضاآخر حد، هناك حيث النهاية الباردة لكل الكائنات واألشياء أي

فالسفر (. 9)”الثقل غير المحتمل“إن صفة الكينونة لدى الذات الشاعرة في نصوص هذا الديوان هي

، بل الضياع هو البدء والطريق ”شيء -الال “والوجهة هي ” الحقائب ثقيلة كالصخر”حتميأ ويكاد، و

Page 95: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

95

( اآلن)وكتابة اللحظة والمرجع معا وكأننا بنصوص الديوان األخيرة نشهد صراعا حادا بين االستذكار

ولئن الذ أديب كمال الدين بالمكان من المكان، وبالمهجر من . مدينة أدياليد األسترالية” الرندمول”في

:الوطن فقد ظل مهووسا بذاكرة هذا الوطن، كأن استبد به رعب المصير

.الشراع وسط السفينة“

.السفينة وسط البحر

البحر وسط قلبي،

يغرق شيئا فشيئا قلبي الذي

”...في حلمه الهادئ العنيف

، ”السفينة السفينة، البحر البحر، قلبي قلبي”:فتتوالد الصور بأسلوب التدوير القائم على تكرار األلفاظ

ووصوال إلى عميق ( الشراع)وباستخدام الدوران على شاكلة لولبية، بدءا بالعالمة الدالة على الخارج

، بداللة الرمز المشترك ”الداخل”و” الخارج“توالج بين ” الحلم”و” الشراع”ومابين ،(الحلم)الداخل

والتنصيص على الهدوء العنيف الواصل بين الصفة الغالبة على الفضاء الخارجي المتخيل أو الحسي

(.وعي الكينونة)ومجال الداخل حيث مكمن صميم الذات

.بالكتابة والسفر االنعتاق الموق ت من سجن الوضعي ة -02

مكانية، -أو الفرار من مجمل المكانية إلى الال ” إلى أين؟“وكأن الفرار من المكان إلى المكان في

باالنعتاق المؤقت من سجن الموقع وحدود الوضعية يحقق حرية استثنائية بارقة، إذ تنفلت الرغبة من

Page 96: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

96

بد بالكائن المنفلت من سجنه إلى فضاء منفتح على قيودها ليغمرها فيض من فرح، كحال هستيرية تست

:”األقاصي“أبعد

.السفينة وسط البحر“

السفينة تمضي بجسدينا

.أنا وأنت

كالرغبة أنت عارية

.سها، عريها، نارها الخالدةوأنا الرغبة نف

.إلى أقصى المساء أقبلك من أقصى الصباح

.القدمينأقبلك من أقصى الشفتين إلى أقصى

.أقبلك من أقصى الدم إلى أقصى البحر

.والبحر يمضي بنا عاريين

إلى أين؟

”يا إلهي، إلى أين؟: أصرخ

Page 97: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

97

التجلي، إذن، بلغة التخاطب الذاتي، تلك الحوارية في الداخل التي هي أساس الكينونة تحول األنا إلى هو

تكرار فعلية التقبيل الذي ال يتحدد بزمن، أو موقع في الجسد أنت عند تعاظم الرغبة والحب ممثلة في /أنا

.”إلى أين؟”:المتخيل أو بوجهة ما، ليظل سؤال المكانية قائما بكثافة في آخر النص الشعري

الرمز وانفتاح -كذا تتحرر النفس من بعض مكبوتها بمشهد البحر والسفينة والشراع وحضور األنثى

، حتى ”سؤال“أن حلم الرغبة سرعان ما ينقطع في نص إال (. العري)وة وعميم التجلي الجسد بعظيم الشه

لذلك تستعيد االستحالة . بعضا من حلم قديم حادثإال لكأن الذي تراءى للشاعر من رغبة وانعتاق ليس

األنا عنها ورميه لها وتخلف ” بإبحار السفينة“والمنع والكبت حضورها في عالم أديب كمال الدين الشعري

فتستعيد الذات الشاعرة كوابيس . بالحجارة وتوالد األسئلة الدالة على الغضب والحيرة وانقطاع األمل

الرعب، وبعضا من مشاهد الوالدة األولى بالشعر المسكون بعشق الحرية، وظالل الماضي القريب بصور

الحتالل األمريكي للعراق وخياالت الطفولة المغدورة داخل ورمزية ا” القنابل والصواريخ والفراعنة والبرابرة“

:االسم المدفوعة إلى كوابيس الموت المستعاد

توهم الطفل في داخلي“

أنه يستطيع

.دور الوحش –مثلك –أن يمثل

وسريعا

ني وحيدا تركت

.سوداء بفندق يطل على نهر العذاب في غرفة

م زحفا،تركتني أزحف إلى جهن

تركتني أتدرب على دور الميت

Page 98: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

98

”.حتى الموت

.الموت م رة أخرى باعتباره يأسا قادرا على إنجاب أمل -00

بالفسخ وا عادة إال كذا الموت يضحي بالنسبة للذات الشاعرة آخر إمكان لألمل في حياة لن تكون

رس نبتة جديدة محلها، عند مواجهة الموت ذاته وغ( الحياة الماضية)اإلنشاء، بانتزاع جذور شجرة هرمة

:وقبول فتكه باألنا، تجسيدا لحال من االنطواء تتقصد المبالغة في إعالن مازوشيتها

إلهي“

الموت: أرسل إلي ذئبك

حتى يواجه قلبي األعزل

!ويمزقه إربا إربا

إلهي

أرسله إلي

لن أطرده

لن أقاومه

”!لن أهرب منه

ذا االنتصار لليأس المثمر معنى على المالئكة ذات “الموت على /األمل الكاذب عند تفضيل الذئب وا

تقريبا، الحريص على توصيف الفاجعة ( 9)كيركغارد” كيأس“تعبير عن إمكان لألمل، ” األجنحة البيض

Page 99: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

99

عن بصيص نور قد واختراق طبقاتها السميكة بغية بلوغ معنى ما من األمل، كمن يبحث في أنفاق ظلمة

.كالمتعلق بخشبة متشق قة في خضم هائل من أمواج متالطمة يتراءى من بعيد، أو

بمجمل نصوصه فاجعة سالفة ويستبق برؤيا الموت ” ما بعد النقطة.. ما قبل الحرف“فيصف ديوان

لي بين وطن واإلنصات إلى الرغبة وخوض تجربة الصراع الداخ” العري“فاجعة قادمة عند انتهاج سبيل

بال حرية وحرية بال وطن، كما أسلفنا، واإلذعان للحاجة إلى السفر في المكان ولغة الشعر عند تحويل

ئ في حياة الشاعر إال وجهة الكتابة من االستذكار والرمز إلى الكفر الصريح بكل الثوابت التي ال تنش

.مزيدا من القيود

، إذ (7)طفولة االسم، وعلى امتداد مراحل العمر، فهوالثابت الوحيد تقريبا وألن الحزن حاضر بكثافة في

يمثل المرآة التي تنظر الذات الشاعرة من خاللها إلى ما حدث ويحدث وما قد يحدث، ومرادفه المرجح

المتكرر في جل نصوص هذا الديوان هوالموت، بمجمل العالمات الظاهرة في أفعال القتل الصريحة

.زية، وكالسواد يستقدم إليه جميع األلوان ليبتلعها ويحولها إلى أطياف وظالل باهتةوالرم

تغليب صريح للسلب المنج ب على اإليجاب ” ما بعد النقطة.. ما قبل الحرف“إن االنتصار للموت في

حدد في لذا فإن المقام المتمثل في هذا الديوان يت(. 60)العقيم، ولسلطة الحرف على سلطة السيف

األساس بتجربة المغامرة الوجودية والشعرية، بالسفر وسفر الكتابة، بتقليب الق يم الواحدية وتحويل وجهتها

من ثقافة القتل المستعاد إلى الحرية بفائض الرغبة ومتناقضاتها، وبالمقامرة عند تفضيل الموت على

في صميم الحياة، والمعنى للحياة دون الحياة بعد إيمان الذات الشاعرة األصيل بأن الموت هو

(.66)موت

وبهذا المنظور يكسب الموت المغامرة الوجودية والكتابية معنى ما رغم استبداد العبث، الالمعنى، الخواء،

.الفاجعة بمتعدد الوقائع والحقائق والثبوتات

Page 100: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

111

.حروفي ة الشعرما تحقق بالفعل من : ”ما بعد النقطة.. ما قبل الحرف“ -00

إلى تقليب جديد الدينتفضي تجربة الكتابة الماثلة في تجريب اللغة ضمن الدواوين السابقة ألديب كمال

وراء الداللي الماثل فيها -حادث للتجريب عند تحويل الكتابة الحروفية من دهشة العالمة الخطية والما

الواقع وشيئية الوجود الفردي والجمعي /روفية إلى الحدثإلى استثمار بعد آخر لها بتوجيه العالمة الح

سية واالستبطانية والرمزية وبهذا االستخدام الحروفي للكتابة الشعرية السالف .بمختلف التفاصيل شبه الح

والحادث نشهد ميالد تجربة كتابية مختلفة في الشعر العربي المعاصر مرت ببدايات التجريب األولى

أنها سرعان ما أفضت بعديد من متراكماتها وتقلبات أحوالها في إال . وتلبسها في األثناء خطر التكرار

المكان السالف واألمكنة الحادثة إلى إبدال كبير، كالحروفية العربية في الرسم تؤسس ألسلوب كوني

ما بعد .. ما قبل الحرف“صوال إلى بمجمل دواوينه، وو الدينفأثبت أديب كمال . مختلف في التعبير

أن الحروفية العربية في الشعر إمكان للتحقق أيضا، رغم االختالف الخصوصي القائم بين ” النقطة

هنا تنكشف، بما ال يدع مجاال . عالمية الرسم وعالمية الكتابة الشعرية في مستوى جمالية التمثل واألداء

.لراهن الشعر العربي لديناللشك، إضافة أديب كمال

الجمالية الحروفية في كتابة : ولعلنا استطعنا، بجهدنا القرائي، أن نقارب هذا األسلوب المتفرد المختلف

كيف يتعالق الحرف العربي المرسوم : النص الشعري، ليظل السؤال مفتوحا على قراءات أخرى قادمة

ل واستعارة الكتابة؟ ما المشترك التخييلي الجمعي والفردي بينهما؟ والمكتوب شعرا ليختلفا بعالمية التشكي

الذي هو ” للشعري “كيف تستقدم حروفية الشعر إليها حروفية الرسم على غرار استقدام حروفية الرسم

أساس الشعر ومختلف الفنون، كل الفنون، دون استثناء؟

Page 101: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

111

:الهوامش

، بمصطلح ميخائيل ريغاتير، مقولة ال تعني نقيض المعنى، كبالغة ”دالئليات الشعر“معنى في -الال -6

.الشعر القديمة، بل هو في صميم النص، باعتباره تناصا، بنية منفتحة على متعدد القراءات والتأويالت

Michael Riffaterre, “ Semiotique de la poesie”, Seuil, 1983, p 37.

.“سيد الوحشتين”و” ممالك ضائعة“ :انظر، على وجه الخصوص، ديوانيه -9

حوارات ”و” قصيدتي المغربية”و” اعترافات النقطة”و” يا بائي وبوابتي”و” ضجة في آخر الليل”انظر -3

.من الديوان” سجود”و” بكاء الحاجب”و” حقائب سود”و” جسور”و” صيحات النقطة”و” النقطة

!من الديوان” عرق ودم“انظر -4

من استخدام هذين اللونين، وبهما تشير الذات الشاعرة إلى مجمل تاريخ الجريمة أو الحظنا اإلكثار -5

ومرورا القتل المستباح ممثال في الدم والحزن المتولد عن حدث القتل المتكرر، بدءا باألجداد األوائل

.بمقتل علي والحسين ووصوال إلى سلسلة االغتياالت والمذابح والمشانق

.من الديوان” حقائب سود”و” امرأة بشعر أخضر“ انظر -1

.لميالن كونديرا” كائن ال تحتمل خفته“نقيض معنى الكينونة الذي هو أساس الشخصية الروائية في -9

9- Soern Kierkgaard, « Traité désespoir » , Gallimard,1949,p65.

بحزن محمد الماغوط، وان اختلفت تجربة “واطن تذكرنا داللة الحزن في هذا الديوان، وفي بعض الم -7

.لمحمد الماغوط” حزن في ضوء القمر“كل منهما عن تجربة اآلخر، كأن نشير للمقارنة إلى ديوان

ويتضمن نص اإلهداء داللة الحرية . وقد أهداها الشاعر لعيسى حسن الياسري“ سجود“انظر -60

.ها األساس والمرجع في حياة كل من المهدي والمهدى إليهالماثلة أساسا في رمزية الكتابة، واعتبار

. يلتقي الشاعر في مدلول الموت باعتباره معنى قائما في الحياة ذاتها وفالديمير جانكلفيتش -66

Vladimir Jankelevitch, »La mort », France : Flammarion, 1977.

Page 102: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

112

:الفصل التاسع

)*(”شجرة الحروف“

التخوم القصي ة للحياة والموت رةمغام

؟”الم صائر المتقاطعة“أم لعبة

.9009دار أزمنة، : ، األردن “شجرة الحروف “، الدينأديب كمال )*(

Page 103: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

113

.رمزي ة الشجرة -1

صلة وثيقة تستعيد الكتابة الشعرية الدينألديب كمال ” شجرة الحروف”األسطورة و -بين رمزية الشجرة

من خاللها تراثا بل تراثات ضاربة في الق دم، كأن يتواصل االعتقاد في دورة النماء، بداللة الخلق القديم

منذ نشأة وعي الشجرة بثقافة النبات الب دائية والتمثل الحروفي استنادا إلى األبجدية العربية، وبالمشترك

فمنذ ملحمة كلكامش كان للنبات . والتشكيلي الماثل ف ي ماهية الحرف وتمظهره العالمي األسطوري

حضور مركزي في تصور العالم والوجود، كنبتة الخلود الضائعة ومشاهد الغاب في مسيرة كلكامش

الذي ( 6)”ل شجرة الحياةتموز ساكن ظ “اله الجمال والحب في الحضارة البابلية أو ” آدون”التراجيدية، وكـ

ويحمل صفة اإلثم فيه، باعتباره ( 9)استحال لدى الكنعانيين إلى أدونيس لينتقل إثر ذلك إلى بالد اإلغريق

األم عاشقة أبيها سينيراس وتفاصيل حكاية الحمل ” مورها“هو ذاته محصل رغبة آث مة استنادا إلى حكاية

ط بين عالم األموات وعالم األحياء والمخاض الحاصل عند وتحول األم اآلثمة إلى شجرة في المتوس

كائية ذاتها تقريبا، انشقاق الجذع وحدوث الوالدة، كوالدة المسيح في زمن الحق، وبالموتيفات الح

سيرة ابن”وكاالستظالل بالشجرة في السيرة المحمدية عودا إلى السفر الثاني إلى بالد الشام وتبعا لـ

...”هشام

للشجرة األصل ( métamorphose)هي فسخ وا عادة إنشاء الدينألديب كمال ” شجرة الحروف“إن

ية، رجوعا إلى رحم المأساة، كتمثل في الوعي الكينوني الناشئ منذ زمن االنتقال من الرعوية إلى الف الح

موسيقى، بين الجسد والروح، بين الحلم فريديريك نيتشه لها بالواصل والفاصل معا بين النحت وال

، بين أبولوتودا إلى فن النحت، باختصار، (المعنى)وما يحتجب( الشكل)واالنتشاء، بين ما ينكشف

، بين األرض والسماء بداللة الرحم وفيض الرغبة، كالذي يرد (3)وديونيسوس استنادا إلى فن الموسيقى

:في إحدى أناشيد الحب السومرية

Page 104: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

114

السماء، اإلله الرائع الجمال، غرس”

في األرض العريضة ركبتيه

وسكب في رحمها، بذرة األبطال

(4)”...األشجار والمقاصب

ي من محصل فيتحول الفيض، هنا، من عالم األساطير الشر قية القديمة إلى استعارة شعرية حادثة تستوح

التراث األسطوري، كما أسلفنا، ومن عالمية الحرف العربي ومختلف أبعاده األنطولوجية واألنتروبولوجية

الشعرية ( علي أحمد سعيد)والعالمية شاعرية حادثة ظهرت في مواطن محدودة من مسار تجربة أدونيس

، بل هاجسا تجريبيا يقارب وهج تجربة الكتابة (1) الدينوأضحت مشغال أساسيا لدى أديب كمال ( 5)

.التي تنزع بوضوح إلى الشعر

.اإلصرار على االستمرار في كتابة الحروفي ة العربي ة شعرا -0

ب وجه آخر للمراكمة أم إحداث الديناستمرار في النهج الكتابي السابق ألديب كمال ” شجرة الحروف“فهل

ألسلوب جديد مختل ف يستفيد من المنجز ويسعى إلى مزيد بلورته بدقيق األساليب وحادثها؟

اإلصرار على االستمرار في كتابة المشترك بين الحروفية هو” شجرة الحروف“إن الثابت األول عند قراءة

ن أن ينحصر وجودها في الحروف، وأبعادها أسطورية بالشعر والشعر، إذ الحروفية العربية أبعد م

رة فبعد االحتفاء . وشاعرية باألسطورة تبعا للتمثالت القديمة والحادثة استنادا إلى ثقافة الذات الشاع

ودهشة التواصل مع عالم ( 6791،”تفاصيل“) الدينالتمهيدي بالتفاصيل في مسار تجربة أديب كمال

Page 105: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

115

الشاعر، إذ -كان العثور على ضالة هي بمثابة البوصلة في حياة الكائن( 6796،”ديوان عربي “)القصيدة

أخبار ”و( 6773)”نون”و( 6797)”جيم“تعاقبت أفعال تقصي عالمية الحروف مرورا من

(.9001)”ما بعد النقطة.. ما قبل الحرف”و( 9009)”حاء”و( 6777)”النقطة”و( 6771)”المعنى

ه إلى حرف واحد، كـولئن ات ” جيم”سمت هذه األفعال باالشتغال العام الواحد فإن مقاصدها تختلف بالتوج

وراء -، وبتحويل الوجهة إلى البعض الدال على الكل في بنية الحرف، كالنقطة والما”حاء”و” نون”و

ط في ما قبل الحرف وما بعد النقطة، بما هو أبعد من داللة الماثل في طوايا الحروف، مثل حلقة التوس

التمظهر الحروفي حيث المعنى القائم بين الحروف والمنبع ث منها بمفهوم الفيض الداللي والت داللي، إن

.فتحنا الداللة على ذاك الغارق في االحتجاب

.استقراء الروح الخفي ة الماثلة في الحروف بنبوءة الشعر -3

يب كمال الدين هي أشبه ما يكون بنص التميمة الذي يختلف في األداء إن حروفية الشعر لدى أد

ن أحالت في الظاهر األنتروبولوجي عليها، ألن والوظيفة عن التميمة المتداولة في تراثنا العقدي وا

رية األولى للكائن والكيان الحروف في تواصلها وتقاطعها وتمددها وانثنائها وتفككها تحمل آثار الخلق الس

كما تستقرئ الروح الخفية الماثلة في هذه الحروف وفي األشياء الحافة . والمكان وتحتفي بالطبيعة الب دائية

بها والمندسة حقيقة ومجازا فيها بنبوءة الشعر، ال قيافة الحروف التي هي بعض من قيافة الوجود حسب

.االعتقاد القديم المتداول

ذا ، بهذا المنظور، هي محصل التجارب السابقة في الكتابة الحروفية الشعرية لدى ”الحروفشجرة “وا

.”الشجرة“، وهي السعي أيضا إلى المؤالفة بين مختلفها بالجمع بينها ضمن استعارة الدينأديب كمال

Page 106: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

116

دا إلى مورها وآدونيس، وكما اقترنت نشأة المأساة في االعتقاد األسطوري الشرقي القديم بشجرة الدموع عو

الرمز لها موقعا بدئيا -وتنامى وعي المأساة في االعتقاد الديني بمريم العذراء والمسيح فقد اتخذت الدمعة

براهيم ”شجرة الحروف“في حكاية ، إذ استقدمت هذه الشجرة إليها مختلف الرموز العقدية إليها، كيوسف وا

:والمسيح وموسى والحسين

هكذا في دمعة واحدة”

.أضاءت له الدنيا جميعا

يقول يبدأ، كيف فاحتار الشاعر كيف

(9)”!إال يصف المشهد ليس ثم رأى أن

الحدث -الحال أو الحال-الشعري، حيث ينشأ الحدثفتنفتح كتابة الحروف على ضرب حادث من السرد

رارا دون تكرار، من الفراغ والخواء واالنتظار والسأم ليتشكل في األثناء وينفسخ ويستعيد تشكله م

الكتاب واإلناء المكسور والجمع بين أشياء وعالمات ال يمكن أن تتجاور في واقع التناظم -كالحقيقة

من ديوان ” الزائر األخير“التي تماثل، تقريبا، في آنية قصيدة ” النقطة“سمح به تشكل الداللي، عدا ما ي

كيمياء الشعر أو سحر الحروف تتفكك لتتخذ لها أوجها أخرى للتناظم الدال إمكانا ” شجرة الحروف“

:للبالغة والفهم

.مددت يدي آلخذ النقطة”

،أعني اإلناء، الحجر

،الشفتين، الجمر

Page 107: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

117

،الكؤوس أو األفخاذ

.الحروف أو الدموع

(9)”...لم تصل يدي إلى أي شيء

حر خاص، مادته وموضوعه وأساسه المرجعي ماثلة في اللغة التي يبدو حضورها ذا كتابة الحروف س وا

لذلك تشي النقطة منذ البدء بالتبعيد بين إرادة . مترددا بين األيقونة والرمز بضرب من التفكيك المقصود

ه ل خوض مغامرة الفصل بين اإلشارة واأليقونة والرمز بحثا عن استعارة جديدة التشكيل والعجز عن أدائ

.يعاد بها الوصل بين عناصر هذا الثالوث الذي تشتغل به العالمة، أي عالمة، والعالمة الشعرية تحديدا

.الكتابة الحروفي ة الشعري ة ومحاولة الرجوع إلى األصل -4

قبل اللغة الماثل -المغامرة، محاولة رجوع إلى األصل، إلى اللغة، إلى ماإن الشعر، بمنظور هذه

بأصدائه في صميم اللغة، إلى ذاكرة الوعي األول، إلى بدائية تعالق الصوت والصورة الحرفية له، إلى

.أبعاده األسطورية والحاالت الفردية والجمعية الماثلة فيه

ذا حد عبارة الشاعر، هي في األساس وليدة استعادة هذا األصل، ولكن ، على”القصيدة الجديدة“وا

القصيدة “ب مفهوم حادث يمكن اختصاره في الحرية والتعدد واالختالف، كأن يعرض الشاعر هذه

على الحسناء والطفل والنهر والشرطي لتصطدم في األخير بنقيض الحرية، بالحظر، بالشرطي ”الجديدة

:”غرفته السوداء“ يقتادها إلى

دخل ليربط القصيدة إلى كرسي حديدي “

Page 108: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

118

ها بسوط طويل ويبدأ بجلد

ثم أخذ يضربها بأخمص المسدس

على رأسها

حتى نزفت القصيدة حروفا كثيرة

ونقاطا أكثر

(7)”...تعترف ب سرها ومعناها دون أن

ر الكامل من سجن رادة الحظر فال تقدر القصيدة، هنا، على التحر اللغة المتداولة والمعنى المستهلك وا

المتربصة بالفعل الكتابي المهووس بالحرية والراغب فيها، بل إن إرادة القتل متلبسة به، ال تدع حلم

.الكتابة يتنامى ليثمر حياة كتابية جديدة تعصف بكل الوثوقات وتندفع خارج دائرة الرعب الموروث

ل شجرة الحروف أن تكبر وتثمر وكابوس الماضي جاثم بظالله القاسية عليها؟ وكيف لألمل أن فكيف

ي التسليم بدءا وانتهاء بـ :”القليل من التراب”ينشأ في دائرة يأس يقض

نعم،“

كل شيء سينقلب إلى تراب

(60)”!وسيبقى، أيضا، القليل من التراب

Page 109: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

119

شجرة “أن هذا االعتراض ال يمثل يأسا محضا، بل توقفا يراد به تحويل الوجهة في محاولة أداء إال

فالتماهي بينهما ماثل بصفة إشكالية في الديوان، كأن تتعدد صفات الشجرة، . ”القصيدة“أو ” الحروف

د صفات القصيدة تبعا ل مختلف السياقات الوصفية الدالة عليها، إذ هي الكتابة اآلنية عند السعي إلى كتعد

المداخلة بين الصوت والحرف، وهي الكتابة األنطولوجية بمفهوم الشعر آن اإلحالة على البدء المشترك

للغة، وهي محاولة استقراء كتاب النسيان أو بين اللغة والشعر، ذلك الشعري الذي يتأسس في اللغة وبا

ذاكرة الكينونة الزاخرة باألخبار واألسرار، وهي إعادة األصل الذي ينحصر في الداللة المفردة أو التأويل

(.66)وأور وقصة يوسف ونار إبراهيم( 60)الواحد، كنوح والطوفان

ة، إذ تتعدد دالالتها بتعدد غصون الشجرة على شاك لة واحد” شجرة الحروف“فال تستقر القصيدة في

(.69)الواحدة عند االسترجاع للكشف عن بعض المخبإ في تاريخ طفولة االسم

.الكتابة الحروفي ة الشعري ة في أداء الحاالت المتناقضة -5

الشاعرة معا تتحرران من قوة جاذبة ال تدع القصيدة والذات ( 63)”السأم والغربة والموت“فيمثل ثالوث

قوة نابذة تدفع كال من القصيدة والذات إلى ( 64)القيود والحدود السالفة والحادثة، في حين يتراءى الحب

(.65)مغامرة الكتابة والوجود بعد فظاعات الماضي وآثار الحرب الدامية وانحباس األفق

محاولة خلق ك تابي جديد داخل البوار إال القصيدة التي وسمت الديوان بأكمله ” شجرة الحروف“وما

فهي الحلم المتولد عن الكابوس، والحرية المدفوعة بتاريخ القهر والمنع . المستبد بالكائن والكيان والمكان

أن صحراء الوجود إال . الحنظل وما جاورهإال فالصحراء ال تنبت عادة . واالستبداد والقتل والدمار

Page 110: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

111

في أسطورة أدونيس، ” لشجرة الدموع“قادرة على إنبات شجرة هي انبعاث آخر الدينالخاص بأديب كمال

:، كانبثاق الحياة من الموت، واألمل من اليأس، واالستطاعة من العجز(النخلة)وشجرة ميالد المسيح

رضبزغت من دمي المتناثر على األ”

.شجرة مليئة بالنور والسرور

(.61)”أتراها شجرة الحروف؟

فة“، إذ كلما نزعت إلى ”الثقل”غير أن هذه الشجرة محكومة بـ ، لترتد على (69)تملكتها روح المأساة” الخ

لغز ذاتها وتحول وجهة الذات الشاعرة من رغبة السفر إلى اإلقامة داخل وريف ظاللها بالمعتم والم

القصيدة، كأن تسفر -حيث التلهي باستقراء النون، أحد أغصان الشجرة( 69)”التباس نوني ”والسري، كـ

(.67)عن قداسة النص القرآني المتضمنة في الحرف ذاته” النون“

.الحروفي ة الشعري ة بين إيحاء الشعر وقداسة النص الديني -6

لنص الديني في تمثل الحروفية العربية أنتروبولوجيا قبل اإلسالم كذا يلتقي إيحاء الشعر وقداسة ا

(.90)وباالعتقاد اإلسالمي على وجه الخصوص

وكما توحي المطالع الحروفية في اآليات القرآنية بالعديد من األسرار الشبيهة بأسرار المرجع األول للمعنى

مكان المعنى تبحر الذات الشاعرة في رموز حيث اللغة ” التباس نوني “ية الحروف، كنون في قصيدة وا

ية :الشعرية تستقدم إليها الظاهرة األيقونية بمحصل مراجعها الثقافية العقد

هذه ليست النون“

Page 111: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

111

.هذه بداية مقدسة للنون

روحي هذا سطوع

لوحب جارف كالشال

(.96)”الهالل لنقطة النون كاحتواء

يعيد مشهد النون ممثال في الهالل والنقطة رسم الحرف العربي ب ذائقة فنية فردية حادثة كي تلتقي في كذا

رية الكامنة في هذه األثناء القدامة والحداثة معا استنادا إلى قداسة األصل ودهشة اكتشاف األبعاد الس

.ر والذوات الفردية والمتقب لةالقدامة ومدى االقتدار على التجدد عبر األزمنة والعصو

وكما ينفتح حرف النون على الفضاء السابح فيه ويدلل على الحضور برمزية النقطة تتعالق الرغبة والحب

في أداء الف عل الكتابي المحتفي بشاعرية أيقونة الحرف العربي وثراء مخزون داللته الثقافية

.واألنتروبولوجية

.الحروفي ة ومقاربة التخوم القصي ة للحياة والموتالكتابة -7

ذا مع إضفاء ” النقطة”و” نون“استرجاع ل ما تضمنته المجموعتان الشعريتان السابقتان ” شجرة الحروف“وا

.الجديد المتمث ل أساسا في بلورة المشترك األسلوبي والداللي القائم بينهما

لداللة الروحية واألنتروبولوجية في أداء الحروفية العربية تقارب وكما تتعالق جمالية الشكل وعمق ا

، كما تصل بين عديد المتفارقات آن استعادة طفولتها األولى (99)القصيدة التخوم القصية للحياة والموت

(.94)وتستمر في ممارسة لعبة الفسخ واإلنشاء(. 93)البكر

Page 112: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

112

لذلك آثرت . وفظاعة الكيان في اآلن ذاته( 95)”اللعب الجاد “لقد أدركت الذات الشاعرة بالقصيدة خطر

رة إلى جعل القصيدة تنطق بذاتها وتشي بالرعب الماثل فيها فكان . تحويل الكتابة من أداء الحال المباش

الملل الحافز األوحد، تقريبا، على الكتابة واالنتظار، على اللعب وصرف النظر، ولو إلى حين، عن

:أو ما يمكن أن يكشف عنه القانون أو الصدفة الكارثة

حين سحبت كارت الملكة“

،م ن على طاولة اللعب

الفم البشع طعن القبطان ذو

واإلصبع الوحيد

كين كفي بالس

(.91)”فتوقفت عن اللعب إلى األبد

إليتالو ” قلعة المصائر المتقاطعة“وكأننا بهذا المشهد الالعب الجاد المرتع ب نستحضر عالم

بالرغبات تلبي ” المصائر المتقاطعة“لعبة الدين، كأن تقارب اللعبة الحروفية ألديب كمال (99)كالفينو

، (99)الشمس والقمر والعاشق والنهر والشاعر عند تصريف اإلرادة: وتطمس معا، كإنطاق عناصر الكون

اكتشافات “وكتشخيص كل من الحرف والنقطة في عالقة حب ك تابية تفضي إلى تخوم كارثة الموت في

في ممارسة هذا اللعب الجاد بالحروف ضمن سياقات الدينيب كمال فيستمر أد. من الديوان” الحرف

Page 113: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

113

تداولية ال تخلو من حاالت متوترة مدفوعة في البدء والمرجع برعب االنقضاء، كأن يفك ك الحرف بغية

:النفاذ إلى ماهيته

أدخل في الحرف“

(.97)”رفأتمنطق بسر الح

قرار صفة التراتب (.36)واالحتفال( 30)كما يشخ ص هذا الحرف بالتكثير وا

بسياقية الوصف الحروفي فإن التوغل في ” اللعب الجاد “ولئن اتصفت الكتابة، هنا في الظاهر، بأداء

، كأن ينزاح المشهد ممارسة هذا النوع من كتابة اللحظة يفضي أحيانا، وكما أسلفنا، إلى تخوم الكارثة

الحروفي الموصوف عن حدود اللحظة إلى الزمن عبر م رآة النفس المسكونة برعب البدايات والنهايات

ويصطدم في ( 39)”وسط ضحكات الجمهور“ليسقط ” الطائر العمالق“يلوذ بجناح ” الصبي “معا، بصورة

ياب الكل، بالعزلة القاتلة، بالمصي .ر المجهولالالحق بالخواء، بغ

إلى تكرار مشهد السقوط، الضياع، الملل، االنتظار، ” شجرة الحروف“فتفضي الكتابة الشعرية في

، الفراق األبدي، انحباس (34)، تفكك الحرف، ارتباك العالمة الحروفية عامة (33)االنهيار في الداخل

ك منطق التواصل بين العالمة والداللة، ، تفك (31)، الصمت، بكاء الحرف، العمى، الهذيان(35)األفق

:معنى-بين إرادة التكلم وواقع البهمة النقصان الال

:ولما ارتفع المد، صرخت”

لم تعد المرأة العارية تهمني

.ما يهمني حروفي التي كتبتها عنها

Page 114: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

114

الغيمة إليها هل سترفعها

أم ستأخذها السمكة للبحر؟

(39)أم سيمزقها الطفل في مكان غير بعيد؟

.ديوان األسئلة: ”شجرة الحروف“ -9

، سؤال النون التي ال الدينألديب كمال ” شجرة الحروف“فيظل السؤال الحروفي قائما في خاتمة ديوان

، إذ السر (37)ومحاولة توصيفها أيقونيا، وسؤال النقطة أيضا( 39)”التوضيح الحروفي “تنكشف رغم

” الذي عنده شيء من الموت“و” الذي عنده شيء من الذي عنده شيء“والحرف والعشق والروح والسحر و

اع العديد من هي عالمات البدء واالنقضاء في مسار حركة الديوان الشعرية، وسؤال الحرية عند استرج

، سؤال الحياة بالقصيدة (46)الرمز، موت األنا المرجأ-، وسؤال الموت، موت الشجرة(40)مشاهد القهر

ر من كوابيس الماضي (49)وفي القصيدة حد الموت حينما تتعدد المشاهد وتتوالد ، سؤال التطهر أو التحر

هجر بعيدا عن الوطن، وباألمل الناشئ الذي هو بإرادة الحياة والتحدي في راهن الوجود رغم عذابات الم

سورن كيركغارد الحافز ” يأس”وليد اليأس وثمرته، هذا اليأس النبيل القادر على إخصاب حياة جديدة، كـ

األكبر على الحياة بعد استخالص العبرة من الموت باعتباره الخطر األعظم في حياة الكائن البشري

امرة الوجود المختل ف، إذ كلما تعاظم هذا الخطر األقصى كان األمل أعمق والدافع األول إلى خوض مغ

(.43)وأوسع مدى

ر الكتابة الحروفية واإلصرار على االستمرار فيها وممارسة لعبة الوصل والفصل، المؤالفة والتفكيك، إن س

ترجاع روح التراث العقدي والسعي إلى التخلص من مسبق المعنى ووثوقيته، اس( من المعنى)التمعين

Page 115: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

115

را على ” الهنا”و” اآلن“واألنتروبولوجي والجمالي والتموقع داخل واستباق المصير أمال ويأسا أو يأسا قاد

إثمار أمل هي في صميم مغامرة الكتابة والوجود بالدهشة والحيرة والمساءلة، وبالتردد التراجيدي الحاد بين

.ة وواقعية الموت أو كارثيت ه الحافة بالكائن والكيانالرغبة في الحيا

أن تثمر شجرة بل أشجارا أخرى في صحراء الكيان ” شجرة الحروف“فكيف للكتابة الحروفية، إذن، بعد

، ول مجمل كياننا الجمعي، بجديد االستعارات وحادث المعاني؟الدين الفردي ألديب كمال

:الهوامش*

.33، ص6796دار النهضة العربية، : ، لبنان”أسطورة فينوس وأدونيس“محمد جمعة، بديع -6

.35-34السابق، ص -9

3- F.Nietzsche,’’La naissance de la tragédie’’, Gallimard,1949, p21-22

أشرف ، نقله إلى العربية وعلق عليه قاسم الشواف، قدم له و ”ديوان األساطير، سومر وأكاد وآشور -4

.96، ص6771، 6دار الساقي، الكتاب األول، ط: عليه أدونيس، لندن

.6790، 6دار العودة، ط:، لبنان”هذا هو اسمي، وقت بين الرماد والورد“أدونيس، -5

:اتجه هذا الديوان إلى الكتابة الحروفية الشعرية في عديد مواطن ه ، كهذا القول

باء، والجيم خصلة شعر، انقرض انقرضكشفت رأسها ال“

أل ف أول الحروف ا نقرض انقرض

Page 116: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

116

أسمع الهاء تنشج والراء مثل الهالل

غارقا ذائبا في الرمال

.”ا نقرض انقرض

مدى اهتمام الشاعر بالحروفية العربية التي أضحت الدين يالحظ قارئ مجمل دواوين أديب كمال -1

.ثيمة متكررة وظاهرة جمالية يحتفي بها دون انتهاج سبيل واحد ألدائها

كت بت قصائد هذا . 7، ص9009، 6دار أزمنة ط: ، األردن ”شجرة الحروف” ،الدينأديب كمال -9

.9009و 9001الديوان في أستراليا عامي

.69-66السابق، ص -9

.65السابق، ص -7

.61السابق، ص -60

!”شجرة الحروف“من ديوان ” قصيدتي األزلية“انظر -66

!”شجرة الثعابين“انظر -69

.من الديوان” الغريب“قصيدة -63

.”حب “قصيدة -64

Page 117: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

117

من ” سقصائد الرأ”و” بغداد ب ثياب الدم“تصف الذات الشاعرة العديد من هذه الفظاعات في -65

.الديوان

.41، ص”شجرة الحروف“ديوان -61

!”إبحار“انظر عالمات الندم واأللم والدم في قصيدة -69

.من قصائد الديوان -69

”...ن والقلم وما يسطرون“: سورة القلم -67

راف، ألم لسورة البقرة وآل عمران، والمص لألع: الظاهرة الحروفية ماثلة في عديد مقدمات السور -90

.، على سبيل الم ثال ال الحصر...وألر لهود ويوسف، والمر للرعد

.50، ص”شجرة الحروف“ديوان -96

.من الديوان” تحوالت“ -99

.”قصيدتي الصبية“ -93

.”ارتباك“ -94

95- Hans Georg Gadamer,’’Vérité et méthode,les grandes lignes d’une

herméneutique philosophique’’ seuil,1976, p 30.

.57، ص”شجرة الحروف“ديوان -91

Page 118: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

118

.6779دار المأمون للترجمة والنشر، : ترجمة ياسين طه حافظ، العراق -99

من لم يخشبهم الموت يدبون، فكأنهم يتعلمون السباحة في مستنقع أسود من دمهم“ هنا وهناك، . البعض م

رسغها الذي قطعت منه، وقدم تحاول أن تخطو، خطوات تنبثق كف، تنفتح وتنغلق كأنها تبحث عن

.”صغيرة من دون البدن الذي كانت تسنده فوق الركبتين

.609السابق، ص

.من الديوان” رغبات“تكرار فعل أراد في المضارع ضمن -99

.90، ص”شجرة الحروف“ديوان -97

.من الديوان” اعتراف ملك الحروف“ -30

!”شطحات النقطة”و” وفي احتفال حر “انظر -36

.95، ص”شجرة الحروف“ديوان -39

.من الديوان” أحجار“ -33

.”النقطة تتدروش...الحرف يتشظى“ -34

.”رسالة الحرف إلى حبيبته النقطة“ -35

!”طائر النقطة”و”هبوط“انظر -31

.605، ص”شجرة الحروف“ديوان -39

Page 119: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

119

.بأسلوب التنكيرعنوان أحد نصوص الديوان، وقد ورد -39

!من الديوان” غروب النقطة“انظر -37

!”حيرة ملك“انظر -40

.”يد واحدة”و” فؤوس“ -46

.”مشاهد“ -49

43- Soern Kierkegaard,’’Traité du désespoir’’, Gallimard, 1949, p66

Page 120: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

121

:الفصل العاشر

)*(:” أربعون قصيدة عن الحرف“

والحادث أو حكمة ما بعد األربعينوعي الموت السالف

.9007، األردن، دار أزمنة، "أربعون قصيدة عن الحرف“، الدينأديب كمال )*(

.االستمرار في استقراء الحرف -0

وراء الماثل فيه أو المحاي ث له، ولكن دون التقيد -في استقراء الحرف بالما الدينيستمر أديب كمال

. بظاهر عالمي، كتحديده، تقريبا، بالنون أو الحاء أو الجيم مثل السابق من أعمال التمثل الشعري

ر فيه خالل هو محصل تجربة الكتابة الحروفية منذ بدء التفكي” أربعون قصيدة عن الحرف“فالحرف في

.وما عقب ذلك من مجاميع شعرية( 6796)”ديوان عربي ”ومرورا بـ( 6791)تفاصيل

Page 121: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

121

أن االستمرار في االشتغال عليه ليس من قبيل التكرار الدال على ثابت الحال والمعنى وانما هو إال

ل“ القوى الداللية الكامنة في ، إذا جازت العبارة، الذي يختصر ويختزل في اآلن ذاته مجمع”تكرار التحو

ذا الحرف في هذه . الحروف العربية عند انتهاج سبيل خاص في استقدامها إلى مجال الكتابة الشعرية وا

ثة هو محصل أفعال مراكمة عند وصف حاالت سابقة وجهد مستعاد يراد به المجموعة الشعرية الحاد

حياء ال بعض من لحظة الدهشة آن التواصل البدئي معه في طفولة التعلم، االحتفاء بالرمزية الكامنة فيه وا

.ثم عند اكتشاف العديد من طواياه وخفاياه عبر سنين العمر

غير أن المتثب ت في هذا العدد عند اإلحصاء . هو لفظ دال في الظاهر على عدد محدد” فاألربعون“

قليل، وفي ذلك ما يفتح عالمة العدد على بعد رمزي ممكن قد يدرك أن القصائد قد تجاوزت األربعين ب

والوجود في ( الحرف)من رسوخ تجربة الكتابة ” األربعين“يراد به اإللماح إلى العمر، بما قد يدل عليه لفظ

.ذات الحين

. العتبات –العناوين أو النصوص -0

ذا نظرنا بدءا في عناوين القصائد أربعون قصيدة )في صلتها بالعنوان الرئيسي ( العتبات-النصوص)وا

حيث تخضع أشياء ( سيدني وأدياليد في المهجر األسترالي )تبين لنا الواصل المكاني بينها ( عن الحرف

.العالم الخارجي لتداعيات حاالت الداخل

دة ل مجمع حاالت ومواقف تقارب تسمية مختصرة بكثافة متعم إال وما الحرف عند تمثله وا عادة تمثله

د بين الوطن والمهجر، بين زمن كان وآخر يكون، بين وقائع الوجود الذي تحقق ووعي الموت وتباع

ن تعددت األعوام . اآلخذ في التعاظم والتوقد استباقا ل نهاية وشيكة قادمة، وا

فقارئ عناوين القصائد المذكورة يالحظ مجاال لتناص وسيع يصعب تقييده بظاهر الموقع ومطلق الحرف،

رفانية واألنتروبولوجية آن اإلحالة على نوح كأن تعمق الداللة الحروفية وتستثري بالرموز العقدية والع

Page 122: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

122

ي التخوم القصية للحياة والموت والمواطن الخفية وكلكامش وتموقع االنفراد والبرقع والملغز والكامن ف

دني)المهجر –المشتركة بين الحال اإليروسية والحال الباتوسية ووحشة المكان شراق المحبة ( س وا

وتداعيات الحال الكاتبة السريالية أحيانا ل مغالبة العبث ب ممكن المعنى وبعض مواقف االستذكار والتماهي

مع الرمز الحروفي فرارا من جحيم الوضعية السالف والحادث ودائرة الحزن القديم والمستعاد االضطراري

ب مجمل تاريخ الفاجعة الفردي والجمعي وانفتاح القصيدة على حادث رثاء الذات والوطن بتوظيف راهني

.للحزن لم يألفه تاريخ الشعر العربي، قديمه وحديثه

هو محصل تجربة في الوجود والكتابة الشعرية الدينألديب كمال ” الحرفأربعون قصيدة عن “كذا

أن إال . واستمرار في نهج التجريب الحروفي بما يصل بين عالمية الحرف وتدالل الطيف الماثل فيه

اشتراطات الكتابة الحادثة تستدعي إضافة التكرار خوفا من التالشي في التجريب المحض أو التجربة

آخر قالع المعنى المتبقية في وجود الدينلذا يمثل الحرف بالنسبة ألديب كمال . لرافضة ل ثابت األسلوبا

فردي وجمعي مهدد بالتالشي الكامل في جامد السنن الشعرية الموروثة المستهلكة أو غياب الوجهة

ر .هواالتجاه معا عند االنخراط في نهج كتابة شعرية معاص

. وقفة تأم ل في نهج الكتابة الشعري ة العام -3

هو بمثابة وقفة تأمل في نهج الكتابة الشعرية العام لتثبيت أساليب في ” أربعون قصيدة عن الحرف“إن

الكتابة ومزيد التثبت م ن قيم جمالية واخالقية، كأن تحرص الذات الشاعرة على تكرار الكثير من الحاالت

.اقف السابقةوالمو

ل إال أن جديد الحروفية، هنا، ماثل أساسا ومرجعا في استباق شاعرية الموت ب وعي اللحظة ومحص

فكيف يطفو وعي الموت . الحدث واستثمار حاالت هذا االنتظار -تجربة الزمن السابق وانتظار الموت

Page 123: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

123

اثل فيه وبه؟ وكيف يظهر ليضمر على سطح الداللة؟ وكيف يعمق ليحتجب؟ وما دالالت الوجود الم

معاني الكارثة السالفة والحادثة والقادمة، على حد سواء؟

ه الذات الشاعرة الدينألديب كمال ” أربعون قصيدة عن الحرف“إن متعقب تدالل الموت في يالحظ توج

دا متعددا ب ضرب من التكرار واالخ كمة إليه لينكشف بعضه في األثناء واح تالف الدالليين، إذ هو بمثابة ح

البدايات عند تمثل نوح الذي كان ليستمر حكاية تستعاد بأن تروى عبر األزمنة وتختصر قصة الكينونة

مجملة بالحدوث واالنقضاء، شأن الكائنات، كل الكائنات، بما في ذلك الحرف الشاهد على األنا الناطق

: نكتب أيضا من خاللهبه والمكتوب أو الم

ستموت اآلن “

”...أعرف، يا صديقي الحرف، أنك ستموت اآلن

فهذا المصير المنتظر يختصر ويختزل في اآلن ذاته قصة المآل الذي هوالعدم، بدء الوجود

.ومرجعه، األصل األول الذي به تحد كل األصول

وضع استثنائي مشروط بالبدء واالنتهاء ليظل العدم هوالثابت األزلي، كالبحر إال وما الوجود، هنا،

العظيم يبتلع كل األنهار واألودية والجداول كي ينسال هو اآلخر إلى ما ال نهاية ويفيض في كل

ونة، إعادة وكأن طوفان نوح، بهذا التمثل األنطلوجي الضارب بجذوره في أعماق تاريخ الكين. االتجاهات

رادة الحياة لدى تشكيل سردي للتعالق األزلي الماثل بين الوجود والعدم، برمزية الفيض المائي والسفينة وا

. نوح ورفاقه أو تباعه األوائل

وكما يتصف الوجود، أي وجود، بالنقصان والمغامرة والمخاطرة أمكن لنوح أن يثبت بصفات الكينونة ذاتها

رادة الحياة عند اإلصرار العجيب على البقاءأن فحقق النجاة . ه قادر على مغالبة الفيض بالسفينة وا

ليضمن بذلك استمرار النوع البشري في الوجود، مثلما عبرت الذات الشاعرة عن الرغبة في بقائها بالحرف

Page 124: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

124

لرمز األبوي لكافة البشرية وما تمثله حكاية ا -وبقاء الحرف بها وجودا ورمزا ل وجود عند االستنجاد ب نوح

.الطوفان من معنى األمل الماثل في وجوده الذي كان وال يزال ب داللة الرمز المستعاد

كذا يتضح الموت عند البدء حكاية ل رمز، قوة حافزة على األمل ب تعالق وضعين، بين نوح الجد يغالب

.يضانك الكارثة وال يستكين( الشاعرةالذات )الهالك والحفيد

.لعبة التماهي مع كل من الحرف واألسطورة -4

وبالقصد اإلستراتيجي ذاته تتعاظم شهوة الكتابة في األسطورة وبها كي تواصل الذات الشاعرة ممارسة

.تسمية ” كلكامش“لعبة التماهي مع عالمة رمزية أخرى اتخذت لها

اآلخر لهذا األب األول، صانع الحضارة ومبدع القيمة األولى كي يتأكد، تقريبا، بشكل فكلكامش هواالسم

آخر أن الموت هو بمثابة الوجود المحض مادام الحفيد يواصل رحلة البقاء ويستعيد بالذاكرة الحينية آثار

وما بعد، ذاك الذي طوف ” رجل األربعين“فتنطق القصيدة، هنا، بحكمة . الجد أو األب األول الذي كان

كمة األزلية التي ( أسطورة األجداد األوائل)في أقاصي الوجود واستعار من األسطورة ما ب ه تصاغ الح

مفادها نشأة الوعي الكينوني بالموت، مرجع كل القيم األخالقية وهادمها عند اصطدام الذات العاقلة

.هوالعدم، مبعث الفساد والتفكك حد التالشي المتخي لة الحادثة بنقيض الوجود الذي

وكما تروي حياة الفرد ب ضرب من االقتصـار واالختصـار حكايـة الوجـود كـامال، مـا كـان ويكـون وقـد يكـون

فإن الحرف هوالصدى أو الظل أو الطيف أو الوشم أو الرشم أو األثر الحاضر في اآلن حضـور صـاحبه

ل ما يفعله الزمن في تقـادم ذلـك األثـر حـد االنطمـار، حتـى لكـأن شـيئا مـا قبال والغائب مست( الذات الشاعرة)

ــم يكــن فــي ذلــك يكمــن ســر اإلبــداع لمــدى اقتــدار الكــائن البشــري بــالفكر والعمــل، باللغــة واإلنشــاء علــى . ل

ـــة الف عـــل االســـترجاع واالســـترهان واالســـتباق عنـــد تمثـــل وعـــي البـــدايات أو مـــوت الســـلف واستح ضـــار رمزي

Page 125: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

125

ــب حضــارة وثقافــة، عمــارة وتأسيســا للفكــر المحاي ــث لــه وتحويــل انتظــار المــوت الفــردي إلــى عمــل مخص

.واإلبداع

لذا يكتمن الحرف تجارب السلف والخلف معا، األوائل والحقيهم ب تاريخ التواصل واالنقطاع، التراكم

.واإلبدال

. خر لتاري األصولالحروفي ة هي الوجه اآل -5

إن الحروفية، بهذا المنظور، هي الوجه اآلخر لتاريخ األصول، تاريخ الذات الفردية في تواصلها مع تاريخ

راق الحادث(الوطن)األرض .، كأن يتواصل الحرف ونوح وكلكامش وأوروك القديمة والع

ذا كرها في قصائد هو الداللة المرجعي ” أربعون قصيدة عن الحرف“في ” الموت“وا ة التي ورد ذ

ال في منعطف إال . المجموعات الشعرية السالفة بنبوة الشاعر ” األربعين“أن حضورها يمسي مول دا فاع

رفانية القصيدة معا، وبتسريع الزمن عند النظر االسترجاعي واالسترهاني واالستباقي في ذات السياق . وع

، تحديدا، كي نتمثل ”بنون“من صورة الحرف في تعالقه مع النقطة، بما يذكرنا الدين فيستفيد أديب كمال

حركة “في األثناء رحلة الوجود يخوضها الموجود على شاكلة التكرار واإلضافة، بما يمكن تسميته

رفان” التكرار ية أبعادها الصوفية عند تبعا ل نسق دوراني يؤكد في اآلن ذاته على شاعرية تجربة الكتابة وع

استخدام الحركة الدورانية حيث يلتقي الداخل والخارج أو يتماهيان عبر ذات رائية مرئية، بمدلول الرؤيا،

.تحديدا

رفاني تنزع الكتابة إلى ممارسة لعبة األقنعة بالحرف وبما هو أبعد من الحرف ولهذا التمثل الشاعري الع

استعادة البعض من تاريخ الجريمة الدموي حيث الرؤوس تقطع كي ترفع على الرماح ، آن (وراء-الما)

ينفصل رأسه عن الجسد ليستبد ب ه ث قل األرض وما عليها ” كالمتبرق ع“بمجمل زمن الشهادة واالستشهاد،

.نتيجة القهر الذي كان والقهر الذي يكون

Page 126: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

126

ذا عرا بالمغامرة تصل إلى التخوم أو قصائد األر ” ...أربعون قصيدة“وا كائي يرد ش بعين وما بعد مجال ح

القصية للحياة والموت وتستثمر دالالت الموت ل تجاوز قبح العالم وفظاعة المأساة وفجاجة اإلثم إلى

م الكتابة بالحب والحب بالكتابة كي يستحيل الموت إلى قيمة تضاف إلى الحياة إلكسابها معنى ما رغ

العبث البادي عليها وتأثيث النزر القليل من الفراغ، كأن يتحرر الجسد، ولو مجازا، م ن بعض ث قله

: بالرقص الحروفي القديم واستقدام ممكن طيات النحت بالطين لحظة التراقص أو التماهي

ولم أزل أراقصها “

ها ها أو حلم أو أراقص صوت

“ ! نصفه نار ونصفه طين درويشا

.التمثل الحروفي للموت -6

تتعدد صور الموت ودالالته بهذه المغامرة االسترجاعية، يتكثر، يتغير، حسب سياق الجدولة واعادة

وألن مآل الكائن، أي كائن، هواالنقضاء فقد انبجست من . الجدولة في توزيع مختلف المواقف والحاالت

م الح رفانية حكمة وجوب استباق النهاية المحتومة واعتبار الموت سائرا هواآلخر إلى رح ال الشاعرة الع

.حتفه، التصافه بالفردية، عكس الهالك أو الفساد أو التالشي الذي هو صفة عامة ل جميع الكائنات

.ام الكائن الفردي، تحديدا وألن الموت وعي فردي، كما أسلفنا، فهو ينتفي بانتفاء هذا الوعي، أو انعد

كميا على لسان الحرف : ذلك ما ورد موقفا ح

.سه سيموتحتى الموت نف “

لي الحرف ذلك قال

جناحيه وأفرد

.”ل يحلق كالنسر وسط السماء

Page 127: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

127

–حروفب هذه التمثل الحروفي للموت، إذا جازت العبارة، قد يشبه الفرد هواآلخر بالحرف في زحمة ال

جل هائل هوالعالم وما في العالم بيد خالقة أبدية –الكائنات أو الكائنات فإذا قلبنا في . الحروف ضمن س

نهائي أصاب العشا البصيرة لكثرة الحروف وتداخلها وتقاطعها -صفحات هذا الكتاب الضخم الال

بعض من ذات هذه القوة العلوية التي حفزت وتواصلها وتعدد إمكانات تدليلها على ذات الشاعر التي هي

الذات الشاعرة على إثبات موجوديتها بموجوديته العارضة جسدا، الثابتة روحا، المتحركة حيرة وارتباكا،

المائلة إلى السكون حينما تتحرر هذه الروح م ن ث قل الجسد كي تحلق عاليا في سماء الكتاب الكينوني

.افل بصور الجمال وأسرار المعانيالح

فكيف يمكن، إذن، لهذا الصنف العالي أو المتعالي من الحروف أن ال يمس ب جنون كي يطوف في

المواطن القصية الملغزة للحياة والموت، ويمتحن وجوده العذابي حد اللذة بالحب؟ ولكن، حب ماذا أو

أو الحرف الدال على ما به كان ويكون وسيظل كائنا في المستقبل األبدي، من؟ حب الحرف في ذاته

كمة من جرب ”بقوة القوى“ رفانية التمثل الصوفي وح ، ذلك الوهج النوراني يستقدم إليه استعارة الشعر وع

” لألفكار الكبرى” إدراكالحياة بالموت والموت بالحياة أو ادرك أن ال معنى للحياة م ن غير موت وان ال

ر بين هذين الحدين، بين حياة مهلكة كمونا وموت موجد .دون اللعب الخط

.الحرف ال ذي يظهر ليضمر ويضمر ليظهر -7

إن الحرف، هنا، كما ترتئيه الذات الشاعرة واحد متعدد، كأن يظهر ل يضمر ويضمر ليظهر، مثلما

لذات وتقلباتها كي يصطدم بالعجز عن أداء أي معنى حينما ينكشف العالم وجودا يصطبغ بحاالت هذه ا

شا يعج بمشاهد الكارثة والعبث اليه، ” النقطة“هنا يضحي مجاال للفسخ واعادة اإلنشاء بإضافة . غابيا موح

رمان،( من المعنى)كالسالف من محاوالت تمعين بما وراء اللذة وجوده بما هو أبعد من اللذة والح

–فتحتمي الذات الشاعرة باللحظة، بتجريب القصيدة. واالنقطاع، االحتفال المأتمي أو المأتم االحتفالي

Page 128: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

128

دني“القصة عند توصيف عالم ” تركض من فجر إلى فجر“حيث الحركة المجنونة بقطاراتها ” س

بة رغم فرط النظام واختالل العالقة الواصلة ومهزلة عالم مادي بال ق يم والفوضى السائ” هذيان الدوالرات”و

: بين الحياة والموت

دني كان الموتى في قطارات “ س

يتأملون المشهد بانضباط تام

.وهم يتنفسون بصعوبة

وآخر وبين حين

كنت أراهم يبتسمون

” !أو خيل إلي أنهم يبتسمون

وكأن الموت . ، انحباس األفق”السقوط“ليكتمل بذلك مشهد فيحتد الشعور بالموت عند االسترهان

ية التي بها تستمد ذات بمختلف سياقات استخدامه هواخر القالع في الوجود، بل هوالحكمة المتبق

.الموجود القوة لتستمر في الوجود رغم كل الهزائم والخيبات السالفة والحادثة

ذا الموت الزمة داللية تسكن ، كأن تتكرر عباراته لتتماثل وتختلف بمنظور ”أربعون قصيدة عن الحرف“وا

، باالنتقال من حرف إلى آخر، شأن والمكابرة في إكساب الوجود المتبقى معنى أحيانا االنقضاء حينا

.”منفى إلى منفى“االنتقال من

أو تناص الوجود ” الحروف بتناص “لذلك تتماهى الذات والحرف، المعنى والعبث داخل الذات الواحدة

الماضي، البيضة، البحر، “سقوط : الدالالت تتهاوى في األثناء/فكل العالمات. الذاتي وهذه الحروف

.، أي سقوط كل الرموز السالفة والحادثة ”القمر، الشاعر المهرج، الطاغية، الحرف

ن في وعي الوجود والكتابة بالخواء ليظل وكما يتراءى زمن الطفولة نحيال ب ماضي العذابات يتصف الراه

.المستقبل إمكانا خافتا لمعنى قد يتحقق، وقد ال يتحقق

Page 129: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

129

أن هذا اإلمكان المستقبلي هو مشروع لإلنشاء الحروفي أو االستمرار فيه بمراجعة المنجز الخاص به إال

عماق ردا على انهيار القيم في العالم واعادة تشكيله، كأن تستعيد الذات الشاعرة شهوة اإلبحار في األ

: الخارجي

وفي أعماق الثياب الممزقة حلم“

وفي أعماق الحلم نهر

وفي أعماق النهر صبي

وفي أعماق الصبي قلب

وفي أعماق القلب قصيدة

وفي أعماق القصيدة حرف

وفي أعماق الحرف نقطة

وفي أعماق النقطة متصوف

،ق المتصوف إلهوفي أعما

.”إله ينظر إلى طائري المذبوح بعينين دامعتين

كتابة الدائرة تتناسل دوائر بانتظام العالمات الدينوبهذا التدوير اللفظي والداللي يعيد أديب كمال

الحروفية واللفظية رغم اختالفها وتواصل األزمنة والماهيات ضمن أعماق ذات واحدة تجمع بين مختلف

الذات -األجزاء، أنا/الرموز واألزمنة واألمكنة واألبعاد دون فقدان الحركة الدورانية حيث التقاء الكل والجزء

ة واالله ب مقام صوفي ال يفارق بين األلم واالنتشاء، بين حب يقارب حالة الموت وموت يتفانى في الشاعر

.الرغبة حد االستعداد لالضمحالل الكامل

Page 130: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

131

.الحرف بين اإلنشاد االستعاري والتركيب الكنائي -9

ذات الشاعرة إلى كسر عنق وكما تصطدم اللغة بالعجز في أداء مثل هذه الحاالت والمواقف تضطر ال

عرا بتغيير الوجهة من شبه المطابقة عند وصف الحاالت بتوليد مختلف العادة في االستخدام اللغوي ش

ريالية عن طريق بعض الصور الكنائية بغية االستعارات الحروفية إلى اعتماد ضرب من الكتابة الس

فظاعة المشهد الكارثي عبر مختلف أزمنة الوجود الذاتي بانتهاج توسيع مجال االستعارة بما يقترب من

: في صلته بالحرف” السطر“عالمية

.السطر يمتد كتاء التابوت“

، من البكاء ومن الدمع .ال جدوى، بالطبع

، من لهاث الكلب ال جدوى، بالطبع

، من حديقة الحيوانات البشرية :وال جدوى، بالطبع

”.حديقة القمر األسود والكلب الرمادي

للعب الكات ب، هنا، وجوه مختلفة، كالجدولة وا عادة الجدولة باعتماد سياقات تجاور لفظي كثيرة،

مكان وبالتدوير اللفظي، والتمعين حد التعتيم، والتعتيم حد التمعين، وباالنتظار داللة وت دالال، أو معنى وا

فال شيء متبقى عدا اللعب . ”...هاملت وماكبث والحالج والن فري وزوربا اليوناني “بمجمع تجارب معنى،

ثم االنتظار ” عمان”التناصي واإللماحات التراجيدية يعتمدها الشعر عادة، قديم ه وحديث ه ، وتوديع المدن، كـ

، من حرف إلى حرف، (ربما)فرار من وضع إلى آخر في مدن أخرى أو باالنتقال من مدن إلى مدن، ال

من سرير إلى سرير، من االنتظار ذاته إلى انتظار آخر، من لذة إلى وجه آخر للذة، من عذاب جميل

، من ألم إلى أمل ومن أمل إلى ألم، من تشكيل حروفي يختزل مأساة (ربما أيضا)إلى عذاب أجمل

نتظار فاالنتظار إلى نهاية محتومة قادمة، من ذكرى إلى ذكرى، من الوجود إلى تشكيل آخر، ثم اال

طاغية إلى زمن طاغية جديد، من سبيل إلى أخرى في زحمة األمكنة، من وعي موت إلى وعي موت

Page 131: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

131

دا، ثم مختل ف، من صورة جمجمة إلى صورة جمجمة، من موقف هازل إلى موقف أشد هزال أو ربما ج

ر، التلهي بلعبة الحروف للتجوال بين خطر وخطر، بين موت كان وآخر يكون، بل االنتظار فاالنتظا

-سيكون، بين فصل وآخر في دورة فصول لم تعد كما كانت في ماضي أوروك القديمة، بين الفائدة والال

والتنابذ ، عند التماهي (قصيدة بال عنوان)مسمى عند العجز عن تسمية قصيدة -فائدة، بين المسمى والال

، بين النوم واالحتراق، بين عذابات الذات الشاعرة ونهاية لتولستوي، بين ” أنا كارينينا“بين األنا واألنت

عرا تقادم الحرف وتجدد النقطة أو اصرارها على التجذيف في مغامرة اإلبحار الوجودي بالكتابة والكتابة ش

، سؤال العاشق ”لماذا“: مصحوبا بالسؤال” عون قصيدة عن الحرفأرب“بالوجود، ليظل االنتظار في خاتمة

، هنا، على ما كان، ”الشهادة“يغيب كل األشياء والرموز من غير أن يحتجب وجود الذات ألهمية

: ويستمر بقاؤه في الوجود بضرب من االستثناء الذي يقي تجربة الكتابة من العبث المحض

الهي“

ي الباقي،وحدي كنت الح

الحي الشاهد على ما حدث،

أعني الحي الذي يكتب هذه الحروف

حد اللعنة ب قلمه المرتبك

والذي يتوقف كل دقيقة

ليتأكد من أن أصابعه لم تزل

.”تستطيع الكتابة

Page 132: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

132

د اثي ة: من قبيل الخاتمة -8 . التمث ل العرفاني للحرف بصوفي ة ح

ثم االنتظار، كما أسلفنا، ولكن بالكتابة تكسب وجود الذات الشاعرة المعنى الوحيد المتبقى، االنتظار، هو

تقريبا، وتدفعه إلى التوغل في عالم األعماق حيث المرايا تفضي إلى مرايا، والمرايا تتعالق مع مرايا بأقدم

ة في هذه المجموعة الشعرية بعد اصطدامها الصور كي يتأكد لنا أثناء القراءة أن تجربة الكتابة الحروفي

تختزل “ حروفية صوفية“ بانحباس مختلف الوضعيات واألزمنة واألمكنة السالفة والحادثة تستحيل إلى

لذلك يكتسب الجسد بالحرف والحرف بالجسد . قصة العالم والموجود وتداعيات وجودهما إلى لحظة الكتابة

عض الكثير من قصة العالم األكبر، ويبحث عبر الحدود عن كثافة داللة صفة العالم األصغر يختصر الب

.محدود، ويستقرئ الوجود المتبقى بالموت والموت بهذا الوجود-الال

الحروفي يدفع الحرف إلى ما هو أبعد من عالميته الخطية الدينبعد آخر، إذن، في مشروع أديب كمال

رفاني بصوفية حداثية تغامر في خوض تجربة وعي والرمزية واألنتروبولوجية م عا، أي إلى التمثل الع

غر والال -االستبطان ل تقارب بين الال متناهي في الكبر، بين الحضور الجسداني وكثافة -متناهي في الص

ل إبداعا المعنى الروحاني عند منعطف ما بعد األربعين، بخوض تجربة الموت الجميل الواعي الفاع

.شعريا قبل سماجة لحظة االنقضاء التي هي، في المحصل، نهاية الكائنات، كل الكائنات

Page 133: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

133

من قبيل الخاتمة

مأمونة العواقب، ألن المقروء هو فيض من ، كما أسلفنا، مغامرة غير الدينالكتابة عن أديب كمال

نصوص شعرية تتكرر في الظاهر وقلما تتغاير نتيجة غياب نسق التمدد والنزوع الواضح إلى الدوران

.الذي هو في صميم التمثل الجواني لدى الشاعر

السطوح إلى األعماق، ومن فال يمكن لتجربة الداخل، هنا، أن تتخذ لها شاكلة االنبساط، ألنها تفر من

مطابقة الحال في معتاد الكتابة الشعرية الكالسيكية فالرومنسية إلى كثافة اإليحاء بمحاولة االقتراب من

المبهم في النفس، تلك التي تبدو لنا في كل الحاالت والمواقف تقريبا مستنفرة بالرغبة في أداء القصيدة

رفانية مر .جعا، وب محصل ثقافة الفرد والمجموعة التي ينتمي إليهابالحكمة الع

ذا استثنينا ، فإن المجموعات الشعرية الالحقة الدين، المجموعة الشعرية األولى ألديب كمال ”تفاصيل“وا

ن استمر ما يجاوز ثالثة عقود دا مشتركا في مسار التجربة الشعرية العامة، وا ير أن غ. تمثل طورا واح

هذه االستدامة، رغم ظاهر تكراريتها في االشتغال على الحروف، تعتبر تنويعا لنبرات داخل ما يشبه

.المعزوفة الواحدة، باستقراء الحروف واعادة استقرائها، بتقليبها عالمة وداللة و تدالال

حرف والشعر معا، بالمشترك كذا يستقدم الشعر إليه الحرف، مثلما يتماهى الحرف والشعر بما وراء ال

المحتج ب القائم بينهما والفاعل فيهما، بذاكرة الم خيال وم خيال الذاكرة، بالحنين إلى زمن البدايات، بحلم

الكتابة تغالب به الذات الشاعرة كوابيس اليقظة، بالموت الجميل تعيد إنتاج وعيه كي يتحرر، ولو قليال،

.تاريخ القهر بمختلف أزمنته السالفة والحادثةمن جحيم اللحظة ومجمل

Page 134: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

134

إن للكتابة الحروفية، هنا، طقوسها الخاصة بها وسياقات تمثلها المتشابهة والمتغايرة ومراتب تدليلها على

مدى االنكشاف أو االحتجاب، وهي أقرب إلى صفة المشروع منها إلى صفة التحقق، بل إن ممارسة

طة باالستمرار في الوجود، كموقف شهرزاد بالحكاية ومقام الحكاية بشهرزاد، إن توقفت فنونها مشرو /فنها

ونتيجة لهذه . عن سردها نالها من أذى السيف ما يوقف نبض الحرف وينهي ألقه، فكان هالكها

.االستدامة تتوالد الحكاية بالتضمين يليه تضمين

كتابي صورة ل حرف تنشئ صورا بضروب شتى من ظاهر ال الدينكذلك الحال في مقام أديب كمال

يتخذ ”كالعود األبدي “التكرار وعميق االندفاع، كالدوران الراقص أو الرقص الدوراني بالكتابة الحروفية، أو

عليها، له الكتابة الشعرية استعارة لتتشابه الحروف في األثناء وتتغاير بمختلف األشكال الظاهرة الدالة

بمدى التمدد أو االنثناء، باالنبساط أو االلتواء، بالتنقيط الواحد أو المزدوج أو الثالثي أو باحتجابه

غاف الروح .الكامل، وبمدى رمزيته تدليال على وشم أو رشم كان ويكون على جدار الذاكرة أو ش

رية بلغنا الهدف وحققنا المرام، ألنه ال وجود الشع الدينفال ندعي بعد هذا أننا بقراءة أعمال أديب كمال

بدءا ومرجعا لنهاية أو انهاء مادام الحديث الشعري الحروفي، هنا، جاريا باإلنشاد الراقص الدوراني،

بالدوائر تتسع وتضيق أو تضيق وتتسع، تطفو على السطح وتعمق، كوقع حصاة في غدير شبه معتم

.وشبه مضاء

اربتنا التأويلية هذه هي اقتراح قراءة وليست القراءة كي يظل السؤال قائما بعد الرحلة التي خضنا مق

:غمارها وطوفنا في أداني عالم أديب كمال الدين الشعري وأقاصيه

ماذا بعد هذه التجربة الحروفية في قادم الكتابة الشعرية أم هو االستمرار فيها بوجه آخر للتمثل؟

Page 135: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

135

المصادر والمراجع

المصادر

. 6791مطبعة الغري الحديثة، : ، النجف ”تفاصيل“أديب كمال الدين، -

.6796دار الشؤون الثقافية العامة، : ، بغداد ”ديوان عربي “ -

.6797دار الشؤون الثقافية العامة، : ، بغداد ”جيم“ -

.6773دار الجاحظ، :، بغداد ”نون“ -

.6771دار الشؤون الثقافية لعامة، : ، بغداد ”أخبار المعنى“ -

.9006المؤسسة العربية للدراسات والنشر، : بيروت -، عمان9، وطـ 6777، بغداد، 6، طـ”النقطة“ -

.9000، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ”حاء“ -

.9001دار أزمنة للتوزيع والنشر، : ، األردن ”ما بعد النقطة.. قبل الحرفما “ -

. 9009، دار أزمنة، ”شجرة الحروف“ -

.9007، دار أزمنة، ”أربعون قصيدة عن الحرف“ -

: المراجع -6

بالعربي ة - أ

المؤسسة العربية للدراسات والنشر، : األردن -لبنان، ”الفن والحلم والفعل“، (جبرا إبراهيم)جبرا -

6791.

Page 136: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

136

الدينناق دا يكتبون عن تجربة أديب كمال 33الحروفي، “، تقديم كتاب جماعي، (مقداد)رحيم -

.9009، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ”الشعرية

دار نقوش : ، تونس”ر ومستقبل الشعر العربي مرايا العتمة، قصيدة النث“، (مصطفى)الكيالني -

.9007عربية،

بالفرنسي ة - ب

- Büber (Martin), « Jet et tu », préface de Gaston Bachelard, France :

Aubier, 1969.

- Gadamer (Hans Georg), »Vérité et méthode, les grandes lignes d’une

hérméneutique philosophique », Seuil, 1976.

- Heïdegger (Martin), « Acheminement vers la parole », France :

Gallimard, 1976.

- Jankélévitch (vladinuir), « La mort », France : Flammarion, 1977.

- Kierkgaard (soern), « Traité du désespoir », Gallimard, 1949.

- Riffaterre (Michael), « Sémiotique de la poésie », Seuil, 1983.

Page 137: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

137

(بطاقة شخصية) أديب كمال الدين

Adeeb Kamal Ad-Deen

.شاعر، ومترجم، وصحفي*

.العراق –بابل – 6753مواليد * . 6791جامعة بغداد -كلية اإلدارة واالقتصاد - بكالوريوس اقتصاد* .6777جامعة بغداد –كلية اللغات –نكليزيإبكالوريوس أدب * .9005أستراليا -أدياليد -المعهد التقني لوالية جنوب أستراليا -دبلوم الترجمة الفورية* : أصدر المجاميع الشعرية اآلتية*

. 6791النجف –الغري الحديثة مطبعة -تفاصيل -

.6796 بغداد- دار الشؤون الثقافية العامة - ديوان عربي - . 6797بغداد –دار الشؤون الثقافية العامة – جيم -

.6773بغداد – دار الجاحظ - نون - . 6771بغداد -دار الشؤون الثقافية العامة -أخبار المعنى -

.6777بغداد –( األولىالطبعة ) - النقطة - .9006بيروت –عمان -للدراسات والنشر المؤسسة العربية- ( الطبعة الثانية)- النقطة -

.9009بيروت -عمان –المؤسسة العربية للدراسات والنشر - حاء- .9001األردن – عمان - والتوزيع للنشر أزمنة دار - النقطة بعد ما .. الحرف قبل ما - .9009األردن –عمان -دار أزمنة للنشر والتوزيع - شجرة الحروف - .9007أستراليا -أدياليد -دار سيفيو (باإلنكليزية) - Fatherhood أبوة - . 9007األردن -عمان -دار أزمنة للنشر والتوزيع - أربعون قصيدة عن الحرف -

Page 138: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

138

- "يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية ناقدا 33: الحروفي : "كتب صدرت عن تجربته* والنقاد . 9009بيروت -المؤسسة العربية للدراسات والنشر -إعداد وتقديم الناقد الدكتور مقداد رحيم

حاتم . د. عبد اإلله الصائغ، أ. د. العزيز المقالح، أ عبد. د. مصطفى الكيالني، أ. د. أ: المشاركون همالربيعي، عدنان الظاهر، عبد الرزاق. د عبد الواحد محمد، د.أ ناظم، حسن. د ناظم عودة،. الصكر، د

إبراهيم المشايخي، زهير خليل .صباح األنباري، علي الفواز، وديع العبيدي، عيسى حسن الياسري، د. زامل حسين، هادي الربيعي، فيصل عبد الحسن، د صالح .، دمحمود جابر عباس. د الجبوري،

عبد الواحد، واثق الدايني، ريسان رياض حسين سرمك حسن،. د ،الربيعي، نجاة العدوانيإسماعيل نوري يوسف ،الصباغ، عدنان الصائغ بشرى موسى صالح، عيسى. د. أ عبيد، محمد صابر. د. الخزعلي، أ

. مقداد رحيم. الحيدري، ركن الدين يونس، معين جعفر محمد، ود

.6777للشعر فاز بجائزة اإلبداع الكبرى *

:محاضرات عن تجربته* ألديب كمال " أخبار المعنى"دراسة في مجموعة -والتنظير فلسفة المعنى بين النظم: )واثق الدايني -

أكتوبر –تشرين أول - 9لألدباء والكتاب في العراق ببغداد محاضرة ألقيت في االتحاد العام )–الدين6771.

محاضرة ألقيت في قاعة نقابة الفنانين "( ما بعد النقطة.. ما قبل الحرف"قراءة في : )زهير الجبوري - .9009مارس -آذار 61العراق -بمحافظة بابل

ما بعد .. ما قبل الحرف"قراءة في مجموعة ) –عبد األمير خليل مراد، جبار الكواز، عباس السالمي - .9009العراق -لمحاضرة ألقيت في نقابة الفنانين بمحافظة باب- "(النقطة

محاضرة ألقيت في االتحاد -(قراءة في شعر أديب كمال الدين: شعرية الحروف) -زهير الجبوري - .9009أكتوبر -تشرين أول 99 -لألدباء والكتاب في العراق ببغداد العاماالتحاد محاضرة ألقيت في –( أنموذجا " الحروفي"كتاب : صناعة الكتاب الثقافي) -مازن المعموري -

.9009كانون الثاني 30 -العام األدباء والكتاب ببغداد

:أمسيات خاصة ومهرجانات .6791 –محافظة بابل -دار الثقافة الجماهيرية –( تفاصيل)أمسية خاصة بمناسبة صدور مجموعة - .6794بغداد -فندق الرشيد -مهرجان األمة الشعري - (.عدة دورات) –مهرجان المربد -

.9000القصر العباسي –بغداد –ملتقى الشعر العراقي الفرنسي: ربيع الشعر -

Page 139: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

139

-(المنفى)الكتاب والصحفيين العراقيين اتحاد -(النقطة)أمسية خاصة بمناسبة صدور مجموعة - .9009نيسان -عمان –األردن

.9009عمان –األردن –مهرجان الشعر العربي - .9003أستراليا -تاونسفيلمدينة –ملتقى الشعر األسترالي - .9004 كانون أول -أستراليا -أدياليد -ضيف أمسية في جمعية الشعر - .9001آب أغسطس -أستراليا –أدياليد - Gallery de la Catessenضيف أمسية -

:أنطولوجياتمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين لإلبداع -معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين*

مطابع دار القبس -6775 -الطبعة األولى -المجلد األول –هيئة المعجم : جمع وترتيب -الشعري . الكويت -للصحافة والطباعة والنشر

-اتحاد الكتاب العرب –صابر عبيد محمد. د. أ: إعداد –مختارات من الشعر العراقي المعاصر* .سوريا –دمشق

- Tom Keneally, Rosie Scootتحرير -( باالنكليزية) - Another Country بلد آخر * .9004أستراليا –سدني - Southerlyمنشورات مجلة

. 9004ن لبنا –بيروت -دار صادر -لطفي حداد: إعداد -أنثولوجيا األدب العربي المهجري المعاصر*

منشورات Esteban Castromanإعداد وترجمة (: باإلسبانية) -أنطولوجيا للشعر العراقي المعاصر* Clase Turista - األرجنتين -بوينس آيرس.

إعداد وترجمة سهيل نجم وصادق -أنطولوجيا للشعر العراقي المعاصر -(باإلنكليزية) -العراق * .الواليات المتحدة األمريكية – 9009ربيع وصيف –نتا ريفيو منشورات أتال –محمود وحيدر الكعبي

إعداد وترجمة عبد الهادي –أنطولوجيا للشعر العراقي المعاصر -(باإلسبانية) -على شواطئ دجلة* –منشورات البيرو إي الرانا –بمشاركة محسن الرملي والمستعرب اإلسباني أغناثيو غوتيريث -سعدون .9009أغسطس – آب -فنزويال -كاراكاس

– The Best Australian Poems 2007 -(باإلنكليزية) 9009أفضل القصائد األسترالية لعام * .9009أكتوبر -تشرين أول - Peter Roseبيتر روز : إعداد وتقديم

Anne-Marieآن ماري سيمث : القاصة الدكتورة: إعداد -(باإلنكليزية) Culture is -الثقافة هي*

Smith - 9009أكتوبر -تشرين أول -أستراليا -منشورات دار ويكفيلد برس في أدياليد.

:مسرحيات

Page 140: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

141

ما .. ما قبل الحرف: )مسرحية راقصة معدة من قصائد مجموعة -(ما بعد النقطة.. ما قبل الحرف* ): قام بأدائها الفنانان ذو الفقار خضر وميثم كريم الشاكري اللذان جسدا شخصيتي المسرحية -(بعد النقطة

–نيسان 96بل، العراق أخرجها ذو الفقار خضر على خشبة نادي الفنانين بمحافظة با. الحرف والنقطة .9009أبريل سيناريو مسرحية بونتومايم ذات فصل واحد معدة من نصوص الشاعر أديب كمال ( الحقائب السود* )

.9007 -5 -30علي العبادي -الدين

كت بت عنه مجموعة كبيرة من الدراسات واألبحاث والمقاالت النقدية، شارك في كتابتها نقاد وأدباء * . د. عبد العزيز المقالح، فوزي كريم، أ. د. أ: عراء من مختلف األجيال واالتجاهات األدبية والنقديةوش

بشرى موسى صالح، عيسى حسن . د. حسن ناظم، أ. د عدنان الظاهر،. عبد اإلله الصائغ، دواني، أحمد الشيخ، نجاة العد. مصطفى الكيالني، عدنان الصائغ، د. د. ناظم عودة، أ. د الياسري،

. عبد الواحد محمد، مهدي العبيدي، د. د. حسين سرمك حسن، وديع شامخ، أ. فيصل عبد الحسن، درياض األسدي، علي الفواز، رعد كريم، خضير ميري، واثق الدايني، عباس عبد جاسم، فاروق يوسف،

محمد صابر .د. حاتم الصكر، عبد الجبار البصري، ناجح المعموري، إسماعيل إبراهيم عبد، أ. د. أإسماعيل نوري الربيعي، . عبيد، يوسف الحيدري، معين جعفر محمد، عيسى الصباغ، هادي الزيادي، د

. عطية، هشام العيسى، د جالل الخياط، محمد الجزائري، سامي مهدي، علي جبار. د. حمزة مصطفى، أ. ، هادي الربيعي، دصالح زامل حسين، أمير الحالج، ركن الدين يونس، بشير حاجم، ريسان الخزعلي

قيس كاظم الجنابي، عبد األمير خليل مراد، رياض عبد الواحد، جمال جاسم أمين، فائز ناصر الكنعاني، وسام هاشم، علي عبد الحسين مخيف، محمود جابر عباس، عالء فاضل، شذى أحمد،. حسن النواب، د

زهير الجبوري، مون، عبد المعز شاكر،عبد العال مأ فؤاد العبودي، فاضل الكعبي، عبد الستار إبراهيم،محمد غازي ، ساطع الجميلي، عبد الرزاق الربيعي، صباح األنباري، وديع العبيدي مقداد رحيم،. د

، جمال حافظ ، مالكة عسالخليل إبراهيم المشايخي. علي اإلمارة، دعبد اللطيف الحرز، األخرس، شعث، علي حسين عبيد، حسب هللا يحيى، ، شوقي مسلماني، عدنان حسين أحمد، نصر جميل واعي

سوف عبيد، صالح محمود، فاروق سلوم، صالح زنكنة، عادل الشرقي، مازن المعموري، فرات إسبر، محمد العشري، مسلم جاسم الحلي، حمزة كوتي، نور الحق إبراهيم، كريم الثوري، ضياء نجم

صالح . آن ماري سمث، د. شاهين، د خالص مسور، وجدان عبد العزيز، جود أكولينا، ذياب األسدي،صباح سعيد الزبيدي، صفاء عبيد الحفيظ، . أمل الشرع، د. د حياة الخياري، شاكر مجيد سيفو، الرزوق،

.رشا فاضل

Page 141: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

141

وليمز، آن سرايلير، واالس ترجم إلى العربية قصصا وقصائد ومقاالت لجيمس ثيربر، وليم كارلوس *راين، اليزابيث ريديل، جيمس ريفز، غراهام غرين، وليم كاثلينستيفنز، إيلدر أولسن، أودن،

بيل، إيغرا لويس روبرتس، دون خوان مانويل، إيفا دافي، فالدمير سانجي، مارك توين، موري سارويان،روست هيلز، ألن باتن وعدد من شعراء كوريا واليابان أدولف ديغاسينسكي، جاكوب رونوسكي،

.وغانا صينونيوزيلندا وال وأستراليا

، "البرنامج المفتوح" ،"شعراء من العراق"، "أهال وسهال : "أعد لإلذاعة العراقية العديد من البرامج* ".حرف وخمس شخصيات"، ..."ساعة مع ثلث"

(.أسفار) وشارك في تأسيس مجلة 6795عمل في الصحافة منذ عام *

.والعالميةعضو نقابة الصحفيين العراقيين، والعرب، * .عضو اتحاد األدباء في العراق، وعضو اتحاد األدباء العرب * .عضو جمعية المترجمين العراقيين* .والية جنوب أستراليا، وعضو جمعية الشعراء في أدياليد –عضو اتحاد الكتاب األستراليين *

.سبانية والكردية والفارسيةترجمت قصائده إلى اإلنكليزية والفرنسية واأللمانية واإليطالية واإل*

.يقيم في أستراليا*

:الموقع االلكتروني للشاعر

www.adeebk.com

Page 142: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

142

د ر للمؤل ف ص

.6795، الدار التونسية للنشر، (مجموعة قصصية)من أحاديث الم قص –كمة، : إشكاليات الرواية التونسية، تونس – .6770بيت الح كمة، : مختارات من الرواية التونسية، تونس – .6770بيت الح .6779، الدار التونسية للنشر، (بحث)نص الوجود -وجود النص – .6774، الدار التونسية للنشر، (مجموعة قصصية)أعوام الجراد والمخاض – .6774دار أمية للنشر، : ، تونس(بحث)لغوي والنص والقراءة -في الميتا – .6775دار المعارف، : أسئلة الراهن والثقافة الممكنة، تونس – .6777دار سحر، : ، تونس(مجموعة قصصية)حلم السبيل – .9006دار المعارف، : ، تونس(رواية)نزيف الظل – .9009دار المعارف، : ، تونس(بحث)كبرياء القصيدة، جولة في عالم ن زار قباني – .9009دار المعارف، : ، تونس(دراسة)ثقافة المعنى األدبي – .9003، دار المعارف، (دراسة)زمن الرواية العربية، كتابة التجريب – .9004الميزان للنشر، : ، تونس(رواية)مرايا الساعات الميتة – .9004دار المعارف، : ، تونس(بحث)روح الحياة -أبو القاسم الشابي، وجع الكتابة – .9004دار المعارف، : القيمة واالختالف، مقاربات فكرية، تونس – .9004دار المعارف، : نداء األقاصي، القصيدة والتأويل، تونس – .9005دار الميزان، : ، تونس(رواية)بدء الخطر -آخر األجراس – .9005زمنة، أدار : ، األردن (بحث)التواصل الممكن -إيديولوجيا العنف، التواصل المستحيل – .9005دار المعارف، : ، تونس(بحث)شيخ أدباء الساحل، محمد الهادي العامري في الذاكرة –مركز : ، مصر(بحث)االختالف، كتابة األعماق في نصوص عالء عبد الهادي الشعرية شعر –

.9005الحضارة العربية، د – بداعية النص المتعد .منشورات أمانة عمان الكبرى: ، األردن (بحث)فتنة الغياب، إلياس فركوح وا

Page 143: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

143

.9001ميزان، دار ال: ، تونس(شعر)فرح معلق في آخر السطر – .9009دار شرقيات، : ، مصر"الرغبة في القصيدة:شربل داغر" -

.9009-شعرية الذكرى، قراءة في كتابات علي جعفر العالق، األردن، دار أزمنة - .9007دار المعارف للنشر،: أدونيس وشاعرية األصول، مقاربة تأويلية ،تونس - .9007، األردن، دار أزمنة، (دراسة)الرواية والتأويل - .9007داؤ الفرقد، : ، سورية (إعداد وتقديم)صقر الرؤى، مختارات شعرية لهادي دانيال، - .9007دار صامد، : اإلنسان هذا الكائن المتعدد األبعاد، تونس - .9007ش عربية، نقو : مرايا العتمة، قصيدة النثر ومستقبل الشعر العربي، تونس - .9007، تونس، دار المعارف (مجموعة قصصية)غزة أيتها المرآة -ناشرون ودار -الدار العربية للعلوم: الجزائر -التاريخ والوجود، في المتبقى والمندثر، لبنان -

.9060االختالف، -الدار العربية للعلوم: زائرالج-رحيل المعاني، قراءات في الشعر العربي المعاصر، لبنان -

.9060ناشرون ودار االختالف،

Page 144: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

144

المحتوى

................................................................................... تصدير-1

ل -2 .... ......................................، شاعرية الطفل الذي كان ”تفاصيل“: الفصل األو

......، بدء االنتقال الحسم من شاعرية الطيف إلى شاعرية الحرف ”ديوان عربي “: الفصل الثاني -3

عرا”جيم“ :الفصل الثالث -4 رفان ش ه إلى كتابة الع ............................................، التوج

...................، بين جمالية الكتابة الشعرية الحروفية والتمثل العرفاني ”نون“: الفصل الرابع -5

....................................أو أخطاؤه، قراءة في قصيدة” أخبار المعنى“: الفصل الخامس -6

....................................، بدء العالمة الحروفية ومرجعها ”النقطة“: الفصل السادس -7

..............................آخر الرموز -، الحرف باعتباره أول الرموز”حاء“: الفصل السابع -8

. ، حروفية الشعر من التجريب إلى حادث التجربة”ما بعد النقطة.. ما قبل الحرف“: الفصل الثامن -9

المصائر “التخوم القصية للحياة والموت أم لعبة ، مغامرة”شجرة الحروف“: الفصل التاسع -11

عة ..............................................................؟ ”المتقاط

، وعي الموت السالف والحادث أو حكمة ما بعد ”أربعون قصيدة عن الحرف“ :لعاشرالفصل ا -11

.............................................................................................األربعين

............................................................................... من قبيل الخاتمة -12

............................................................................ المصادر والمراجع -13

Page 145: الدكتور مصطفى الكيلاني : الحرف والطيف : عالم أديب كمال الدين الشعريّ

145

.......................................................الدينبطاقة شخصية للشاعر أديب كمال -14

د ر للمؤل ف -15 ...............................................................................ص

0202تونس