-١-

بؤس املعرفة نقد الفنون البصرية العربية

-٢-

-٣-

الــالل معـط

بؤس املعرفة نقد الفنون البصرية العربية

منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب

م٢٠١١ دمشق -وزارة الثقافة

-٤-

: دمشق- .طالل معال / يف نقد الفنون البصرية العربية : بؤس املعرفة . سم٢٤ ص؛ ٣٣٦ - .م ٢٠١١اهليئة العامة السورية للكتاب،

)٤فنون ؛ (

معال -٣ العنوان -٢ م ع ل ب ٧٠١ - ١ السلسلة - ٤

مكتبة األسد

فنـــون»٤«

-٥-

ال تدرك األبصار اهلواء لكونها ساحبة فيه،«

نقفم الشيء كان رك ذلكدال ي بضة شيء فإنه« .

عربي ابن

-٦-

-٧-

توطئة

الكشف الناقد المبدع، ويدعم رؤيته، ويؤكد اختياراته باستمرار حين يميزتحتوي إرادته الحرة الطروحات البصرية المتنوعة، بتوجهاتها الفلسفية والفكرية

جزء اليتجزأ من كينونة هذا الكشفأنوك. التي تشكل قمة العطاء لدى المبدعينالناقد، الذي يجيد التعبير عن االستعارات الجمالية وهو يحولها من عالم الصورة

عمل بالغي، متجاوزا إمكانية إصدار إلىالفنية أو المرئي المادي بتنوع تجلياته .األحكام وفق المعايير المحددة

قيس يجمع ويستعرض ويحلل ويستخرج ويربط، فإنه ي وبمقدار ما وهو في طريقه - كل مرة - السؤال المركزي إلىويعرف ويصف، ليصل

إنه يستدعي مجموعة كبيرة من المعارف ليحقق نصه النقدي .. الكشفإلى حول فنان، أو اتجاه، أو قضية، وغير ذلك مما تدفعه إليه شعرية وبالمطلمستوى، ينطلق في ذلك من أرضية تفاعلية تقوده للعمل في أكثر من .. النقد

كون النص ذو طبيعة لغوية، وطبيعة جمالية، وطبيعة صناعية، تتوافق إلىجميعها لتحقيق المعنى الذي ترتكز عليه بالدالالت واإلشارات، والوصول

بعد المتحقق، لرؤية العالم وراء األشياء، وما ماإلىسياق مهمته المضي المتحول بتحول الجوهر .. المحلوم به، أو المرغوب والمشتهى في الفن

.الظروف اإلنسانية النقد أو تغييبه جزء من التطورات الفكرية الحاصلة في المشهد حضور

اإلبداعية التي تبني آليات التفكير التجاوزي في تالنظري الموازي للتصورا

-٨-

واالرتقاء بالفاعليات التي تعكس مخاضات التغيير الفكري ،)١(خلق الصورلصلة بين الحقيقة ومجازاتها في الفنون التشكيلية تحليال وكشفا، لترسيخ ا

والبصرية، باالعتماد على منجزين مترابطين، المادة الفنية ونقدها، أو الموضوع الفني والكتابة الذاتية التي تحاول أن تكشف عن خصوصية المعنى، ودوره في الصراع المنهجي بين األنساق باعتبارها خطابات في الماهية

معاصرة، أو في الدراسات الفلسفية التي تعكس الحدود الزمنية المعرفية ال لنظم التفكير الجديدة في الفنون العربية، نتيجة الظروف مشكلةللقياسات ال

االتصالية والميديائية المعولمة التي تجعل أقدم اللحظات المتميزة في التاريخ عزز صورة اإلنساني متجاورة مع التخيالت المتوقعة والمفترضة، التي ت

الحاضر وتجعل منه في الظاهر خطابا منقطعا وناكرا في طريق بحثه عن بأنه مازال ملتبسا - اليوم - يمكن توصيفه تحقيق وجوده كمنهج أكثر ما

.وغير قادر على تعريف وجوده بدقة النقد، أو الكتابة النصية البصرية إليجاد حلول ألية إشكالية اليسعى

اع، قدر االنخراط النظري في األنساق المعرفية المولدة تتعلق بجوهر اإلبدولعل تراكم الحدوثات النصية . للجوهر ذاته من طريق أخر هو الكتابة

يقصده الغرب عندما يتحدثون من الخطأ أن يقتصر معنى الفنون واآلداب على ما)١(

أن ذلك مجال فسيح : إذ البد من أن نضع في اعتبارنا أوال) راقيةالثقافة ال(هناك عن في الفنون واآلداب هناك أشكال محددة لالتصال، الفنون . له مواصفاته الخاصة

واآلداب ليست حقال محايدا، فما قد يعتبره البعض متميزا أو ذو قيمة جمالية راقية مقززا فلربما يصبح بعد سنوات مرغوبا يروق لغيرهم، وما قد يعتبر رديئا أو ربما ال بحكم إيجابي على قيمته، وقد يكون ذلك من قبل الشخص نفسه، الذي تكون ويحظى

مفاهيمه قد تغيرت نتيجة خلرات معينة، إذ هناك دائما ظروف اجتماعية أو ثقافية أو أو ) اقيةر(تاريخية أو اقتصادية أو شخصية تؤكد على مفهومنا وتعريفنا لما هو ثقافة

.وما هو أكثر أو أقل أهمية وإثارة) منحطة( -طلعت الشايب : ترجمة- جووست سمايرز - واآلداب تحت ضغط العولمة الفنون

٢٠٠٩ الهيئة المصرية العامة للكتاب - ٥٥ص

-٩-

كنماذج تسعى لتجاوز األفكار المطروحة، يحتاج باستمرار للدفع الخيالي والتقني إليجاد مفاهيم تختبر الواقع الفني، سواء أكان منجزا أو أنه مازال قيد

مادة تحليلية يجري تركيبها إلىيتوسل الوعي ليتحول ) آني(التحقيق، كبرهان الكتشاف الذات، ومنحها التقديرات الذهنية المعاصرة، وبالتالي موقف هذه

.الذات من العالم الذي تعصف به المعاني الالمتوقعة تجعل منها تجاوزيه الفن، بألعابه االفتراضية يمنح اللغة طاقات غموض

واألفكار التي كان يتم تركيبها .. ءا من العملية الشعرية واإلبداعية ذاتهاجزبطريقة ذهنية محددة باتت اليوم خارج القواعد التي ترتب التجربة البصرية المعاشة في ظل التدفق الاليقيني للصور التي لم يعد باإلمكان رؤيتها بجزئياتها

عة وقضاياه اإلنسانية بما فيها بل بكلياتها التي تقدم حقائق العصر ومواضينصوص تتجاوز ناصيها بإدخال اللساني في البصري، .. حروبه ومآسيه

والمنطوق بالمبصور، الستكمال منهج له مفاهيمه في التحليل والتركيب، وفي واختباريهالتطبيقات التي تقتل الفنان التقليدي والناقد معا لتأسيس آليات إجرائية

بشكل عام وعلى الفنون التي المعاصرةعيد الفنون اإلنسانية لها أزماتها على صينتجها فنانون عربا معاصرون داخل أوطانهم وخارجها والذين مازالوا يعانون صعوبات في تحديد أدواتهم اإلبداعية في إنتاج األعمال الفنية أو كتابة

يات النصوص باعتبارها فعال إحيائيا مشاركا في محيط بات يعج بالنظر .والمناهج واألفكار التجاوزية التي تحاول أن تجد لها سبيال في محيطنا وبيئتنا

كانت الكتابات البصرية فال بد أن تكون لها رسالتها التي تجعلها كيفماالثقافية والفكرية .. موضع االهتمام، باعتباراتها التوثيقية والتحليلية والمنهجية

لمخاطبة الذات واآلخر، وعبر المقارنات هلها تؤومختلف الطاقات التي.. والفلسفيةالتي تقود تجاوزا لتطبيق نظريات الكتابة الغربية في دراسة العملية البصرية المنتجة عربيا، والتي ينتج عنها الكثير من اإلشكاليات المتصلة باللغة والبناء الفني

لعدم تكيف مفاهيمها . وأساليب التعبير وعسر التطبيقات المتداولة بفعل الترجماتبشكل عام مع الظواهر البصرية المحلية، أو مع مرجعيات األفكار ومصادرها

-١٠-

الداللة الهووية، إلىمما يغلق الطريق على عديد التجارب في الوصول . ورموزهاالمميزة لالشتغاالت النقدية والمعرفية العربية، والتي يحاول العديد من الكتاب

األفكار والنظريات، وإنما إتباعها وبناها، ليس من خالل خصائصييزوالباحثين تم . )١(بالمشاركة المبدعة فيها، وفي نقدها، واإلضافة عليها

والكتابة كل لحظة في مجتمعات .. والنقد.. والفن.. إذن أسئلة اإلبداعتتشكلإنسانية لتحقيق أحالم تبقى حية على أرض الواقع، في المكان والزمان، لها رائحة

لمعاني التي نتوق لتلمسها باستمرار وهي تتجدد في صراعاتنا، وتداوالتنا، اأسئلة تنسج ثقافتنا البصرية، .. واندفاعنا خارج حدود الموضوعات النسقية المعتادة

وتفتح األبواب أمام أجيال من المبدعين الشباب لصياغة سحر الفن، وكتابة .نسان أينما كاننصوصه، وتأسيس ذهنية حيوية معاصرة تصلنا باإل

الحديث كثيرا في الكتابات التشكيلية عن قطيعة بين المحامل ترددالتشكيلية العربية وإرثها الجمالي والفني، واعتبرت بشكل أو بآخر تقليدا جامدا

إال أن كتابات . للتيارات الفنية الغربية، وخاصة فنون التصوير المتنوعة النهوض الوطني والقومي منذ منتصف من تدعيماالستفادة حاولتموازية

القرن الماضي تقريبا، بإحياء العالقة فيما بين الحاضر بمعطياته الجمالية التي والثقافي الذي يوفرت للمبدعين من الفنانين أرضية متينة للتحصيل األكاديم

ووعي هذه العالقة على أساس من ،يساعد على تمتين العالقة مع التاريخ

التفكير الفلسفي المعاصر صورة فضائية من جهة تخلصه من الخطية التي تفرض اتخذ) ١(عاقب والترتيب، فلم تعد القراءة الناقدة للفكر مفصولة عن تصور على عناصر الفكر الت

الفكر بوصفه فضاء للتحدد المتبادل بين المفاهيم، وهذا هو ما يوصف بأنه بروز للسمة ولهذا السبب يجد الفكر النقدي المعاصر في . الفضائية على حساب السمة الزمانية للفكر

فكر الحداثة األوروبية التي استندت إلى الفكر مجاال خصبا لنقد ريةميدان الفنون البص. الذي يرتب المفاهيم تتابعيا، وإلعادة النظر في مبادئها الفكرية المؤسسة ومثلها الجمالية

ولذلك كان مجال العمارة من أهم المجاالت التي توجه فيها الفكر المعاصر بالنقد لمشروع .اليات ما عرف بما بعد الحداثةالحداثة األوروبية وجرى فيها بلورة وتطوير جم

- العمارة اإلسالمية في مدن شرق إفريقيا جماليات - عبد الرحمن حسن محمد واإلعالم منشورات دائرة الثقافة - ٢٠١٠الشارقة

-١١-

الي الذي اعتمد على غايات جمالية مستنبطة من الفنون التي التوازن الجمقيل عن تصنيف الفنون التشكيلية دعاها بعضهم فنونا وظيفية، وبرغم كل ما

العربية، إال أن تكامال مزاجيا وروحيا وشعبيا بقي يربط هذه الفنون بالواقع .جدةالذي تختلف مستويات ارتباطه بأنواع الفنون المعهودة والمست

كان للفنون الماثلة في الحضارات العريقة دور عظيم يحدد وكمااالنتماء، كان للفنون التي تلتها في كل عصر من العصور دور مشابه في دفع

. التساؤالت اإلبداعية باتجاه المنحى التعويضي للذات المتلقية لهذه الفنونمن المحامل الشمولية ولعل انتقال الفنون المبكر في أماكن مختلفة من العالم،

الصاالت والمتاحف والدور إلىالتي كانت تؤدي أدوارا وظيفية عامة، يلغي إال أن كل ذلك العربية،جرى في المنطقة ال المغلقة، كان سباقا على ما

.بأي شكل من األشكال الدور الوظيفي للفنون

بتأصيل قليلة من الدراسات النظرية تعرضت لهذه العالقة فيما دعي قلةالفنون وتأسيسها، بالسير مع التطورات التي طرأت على الفنون البصرية،

آخر بفعل الظروف العامة المحيطة إلىودراسة ألوانها وتحوالتها من حال إلى أدت لتيبها، فكريا ونفسيا وروحيا بل وتقنيا، والوقوف على الظروف ا

. وروث الجمالي العربيانزياحات وتحوالت لمحامل دون أخرى في هيكل الم إلى كانت المحامل الغربية في فترة من فترات تحولها قد انتمت وإذا

الفنون الدينية، وعبرت عن أفكارها وجسدتها من خالل قصصها وحكاياتها إلىارتباطا متجددا بالقيم البصرية التي رفعت وسمت بالمعاني اإلنسانية

حدود إلىن، بما تجاوز الواقع مشارف سماوية ربطت اإلنسان بهذه الفنوميتافيزيقية ذبلت واضمحلت مع التقدم الصناعي والتقني، مما أتاح للبرجوازية

.أن تحتل مواقع مهمة في الميتافيزيق االجتماعي والسياسي التحوالت تسير على نحو مختلف، فالمنطقة انت المنطقة العربية، كفي

عالم إلى تحولت ،سسها الجماليةالتي أشعت على العالم بمعاني الحضارة وأمستهدف جغرافيا وتاريخيا، ولم يعد التطور الجمالي والفني يسير بما يواكب

بل إن مراحل عديدة قوضت سبل اإلبداع لتحل محلها . التطور المجتمعي

-١٢-

يمكن أن وال.. أشكال أخرى تناسب الواقع ومتحوالته في المنطقة العربيةإذ كانت القاعدة واألساس . ى الخارطة العربيةنستثني موقعا دون آخر عل

التي ألفت فضاء متينا ، ومتانة العالقة بالفنون اإلسالميةعمقمبنيين على . لعالقة الفنان في المنطقة العربية بفنونه، وباالنتماء إليها

شكلت حافظا تحليليا أدى فيما بعد إليجاد أرضية متينة للفنون في كما الشعبية والعفوية والفطرية بإحياء الفنون، إذ أسهمت المنطقة بعمومها

مختلف جوانب العالقة بخصائص ومميزات مناالرتباط بالموروث والتراث الشعبي، الذي كثف الخبرات إلنتاج لوحة شعبية أخذت موقعها فيما بعد المبدع

العراقبما يتناسب والمكان الذي عبرت عنه، سواء في مصر أو سوريا أو وباختالف المصادر . العربي أو بالد المغرب العربيالخليجن واألردن وولبنا

بدأت تتشكل مالمح لفنون عربية، برغم قطرية المنشأ التي لم تشكل عائقا .حتى اليوم أمام تطور الفنون العربية لألسباب التي ذكرت آنفا

دعم حكومي أو مؤسساتي أو إلى كانت الفنون بعمومها تحتاج وإذاعي مدني كي تستطيع أن تبلور مشروعها، وتحول الوعي االجتماعي مجتم

قيم جمالية، فإن مظاهر الفنون كما نريدها اليوم بقيت مع بدايات القرن إلىالعشرين ونهاية القرن التاسع عشر باهتة المظهر الحتياجها للخلفية الفكرية

ي طالت التغيير والفلسفية، التي لم تستطع أن تحققها تحوالت ثورية كتلك التوالثورة ) ١٧٩٨( في الغرب، كما حدث في انقالبات كالثورة الفرنسية يالفلسف

الصناعية، والثورة التقنية، التي واكبها تغير في الوعي، وتغير في المذاهب . تحدد معالم وتيارات الفنون في عالم اليوممازالت التيواالتجاهات الفنية

للتنوير والنهوض في المنطقة حاول أكثر من إصالحي وداعلقدالعربية منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين أن يشيد، بل

ترسيخ الدعوة لإليمان بالمعرفة الذاتية، والتأكيد على القيم الحضارية ويحاول وضرورة دفعها باتجاه المتغيرات ، الحياةإلىالجمالية الماضية، عبر اإلشارة

. سيس الناس وحقائق األصالة المطلقةمن خالل أحا

-١٣-

نهايات ( مثلت الرومانتيكية نزوعا شامال في الغرب في تلك الفترة وكماتمثل في سيادة أنواع أدبية ) القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر

وفنية ألهبت المشاعر القومية في أكثر من مكان كإيطاليا وروسيا وأمريكا، تمثل الصراع الثقافي القائم في العالم استدعى تنشيط إلى فإن نزوعا عربيا

الفهم العام للفنون البصرية، إذ بات العمل على نشر الثقافة جزءا اليتجزأ من إلىمشروع إحياء النهوض القومي في المنطقة العربية، ما أدى فيما بعد

ية واقع توجهاتإلىانتقال مباشر لألدوات اإلبداعية من عمومية رومانسية جعلت االرتباط بالمجتمع سبيال إليقاظ قوى التحرر، واالنعتاق من التبعية

.واالستعمار الذي كان مهيمنا على مقدرات وخيرات وأراضي الوطن العربي تتأثر شخصية المبدع التشكيلي بالمحن التي كانت تحيق بالمذاهب الغربية لم

لموقع دون االنتماء هو يكن الهم فلمية، ملخ اللوحة المإلى نتقالمع بداية تبلور االآخر، قدر ما كان الهم هو االستفادة من محمل تعبيري جاد لتجاوز الواقع السياسي

ومحاولة التذكير بأمجاد وانتصارات حققها اإلنسان العربي عبر . واالجتماعي القدس كانت لوحات إلى وفي الوقت الذي كان يدخل المستعمر الطويل،تاريخه

. القدسإلى دخول صالح الدين التاريخدعين عربا ترسم وفي نفس لمب بمعنى أن الجمهور الذي كان يعاني في الواقع من اضطهاد سياسي ومعرفي، كان يجد أجوبة جمالية بإحياء المكانة التاريخية للذات، التي لم يستطع االستشراق كاتجاه فني غربي أن يجيب عليها، إذ وقع هذا االتجاه في مجال ممارسة السيطرة على مصيرنا الجمالي، وفي كل ما أوصى به

وخاصة الفهم السلبي لموقع اإلنسان العربي من لغرب،الصراع بين الشرق واحسب (الفعالية الثقافية فيما كان سائدا في فهم المستعمر للمواقع غير المتمدنة

إلىته، لتحويله ممارسة السيطرة الشاملة على مقدراإلىوالتي تحتاج ) رأيه .مجتمع متمدن تابع لعجلة الصناعة التي كانت تدور في المراكز

أن نلحظ هذه المفاهيم في العديد من مذكرات المستشرقين الذين ويمكن المنطقة، واستلهموا موضوعاتها لبناء قاعدة للفنون الغربية فيما بعد، إلىأتوا

-١٤-

إال أن نتائج مثال، روبرتس يدديف(وبرغم قصر الفترة التي قضاها مستشرق مثل خطيرة كان قد تبناها في يومياته ومالحظاته عن المنطقة تؤكد االستنكار

عتبر الذين إذ ي.. واالستهجان والتعالي الذي مارسه الغربي تجاه فنوننا وثقافتنايعون ابد الحضارية في مصر وغيرها أقل من هوام اليعيشون في مواقع األو

أمثاله وأمثال الحمالت العسكرية التي إلىذه األماكن تحتاج معنى التاريخ، فه .توالت على المنطقة لتمدنها وتمتعها بمقومات الحضارة واإلنسانية

إلى المقام في هذه العجالة مناقشة هذه القضية، إال أن اإلشارة ليس الذي مورس ضد قوى اإلبداع في المنطقة العربية المعرفياالبتزاز الجمالي و

التشكيل كأحد إلى ضرورة وعي االحتياج إلى األجيال الالحقة تعير االنتباه جعلالمحامل التي يمكن استخدامها لتجنب العقم الفني الذي حاول أن يشير إليه أكثر

العديد من - لألسف - تقليدي تماشى معه اتهاموهو . من ناقد وفنان غربيتنتجوا من التقليد المباشر الباحثين في الفنون التشكيلية العربية، حيث اس

.. مثال وقوع التشكيل العربي بعمومه في تأثيرات الحركة االنطباعيةنطباعيةلال أن التأثر أساسا كان بالحركة الطبيعية التي اعتمدت على ما إلى يشيروا ولم

. في النفس أو انطباع في المخيلةريتركه الحدث أو المكان من أث هذا االنطباع، فإن إلىب يتوسل الطبيعة للوصول كان الفنان في الغروإذا

ذات إلىالفنان العربي في أكثر من موقع حاول وبمواد مختلفة ومتنوعة أن يشير وفي تحليله الخطوط والبقع والمساحات . المغزى من العالقة بالحركة الطبيعية

الداخلية وتلك ، الصلة بالحياة الخارجية بشمولهاميقوالمواد التي اشتغل عليها علإلنسان، حتى وإن صنفت في المجال الشعبي أو الفولكلوري أحيانا، والذي

عكسه القرن العشرين على اإلنسان استهوى فنون البوب آرت الحقا وكل ماوإذا .. الغربي من سمات عدم االستقرار التي كنا نعاني منها قبل ذلك بكثير

تالمزيفة للمجتمع الذي بدأجاءت مثل هذه الفنون في الغرب لتفضح العيون فإن الفنون العربية كانت آخذة بالتوجه والبحث ،تطاله النكسات الجمالية والثقافية

. وإعالء سؤال الهوية المتحرك،عن الشخصية الجمالية الذاتية

-١٥-

مدخل

ساحات إلى الثقة بالمشهد الثقافي اإلبداعي ضوء يقودني باستمرار استعادة الذي طالما شعرت بأهمية الكتابة عنه، والتعريف بوالداته ،عربيالفن التشكيلي ال

على .. المستمرة، واالندفاع في ضجيجه الذي يخبو مرة، ليعود بقوة مرة أخرىوكأن أمال هائجا يدفعني . هذهمنااألقل منذ منتصف القرن الماضي وحتى أيا

لمشهديات المتفرقة لتلمس الحراك البصري التشكيلي، في أفق مازال يمتد لرؤية الما استغرق بعض مراحل هذا الفن، فجعله نائما مرة وحيويا يقظا مرة أخرى، لتأسيس قوة ارتباط وأواصر مودة تقوم بين إمكانات الفنانين ومشاريعهم

تحمله من أفعال وبين جمهور مازال يتلمس خطوات التطوير اإلبداعية بكل ما .السياسيةوالتنمية الثقافية واالجتماعية و

األمور التي كانت األكثر إلحاحا علي في حقيقة األمر هي التجربة منالنظرية للكتابات المتفرقة في مجاالت الفنون التشكيلية العربية، التي كان بإمكانها أن تجعل الفن يسكن روح الناس، ومسارب الضوء التي استطاعت

لفني، والطريقة التي عبرت أن تشقها في المشاهدات المتنوعة لهواة اإلبداع امن خاللها هذه التجارب عن المعارف الجديدة في مختلف المجاالت الجمالية،

عمق إبداعات إلىوبما يجعل من حراك هؤالء الكتاب توجها مميزا يضيف الترجمة : الفنانين ركائز االستناد النظرية التي اعتمدت مشربين رئيسيين هما

ص فنانين أو معارض أو أنشطة وتوجهات فنية قطرية والكتابة النقدية التي تخ اعتمدت على اإلمكانيات الخالقة للوعي الجمعي، والتأسيس أنهاأي .. عامة

تشتمل لثقافة تشكيلية، ولمشاريع فنية تخصصية في الكتابة النقدية، بكل ما .عليه من مميزات اصطالحية ومفاهيمية

-١٦-

راتها وتوجهاتها واقتراحاتها تكون بعض هذه األقالم نجحت في اختياقدللمضامين النقدية بمقابل أقالم ضاقت بها اختياراتها فقررت االعتزال واالبتعاد عن نوعية هذه الكتابة التخصصية، وسارت في اتجاه آخر متخلية عن االحتياج الحقيقي لمزيد من النقاد والمتخصصين في هذا المجال الحيوي،

وتقدير بصريي وفراغ في فاعلية التنظير الالذي يتميز أساسا بخواء نظر نتائج كان مؤمال أن إلىوتحليل التجارب المختلفة للفنانين العرب، والوصول

يستنبطها النقد لتوصيف االختبارات والتجارب والمحاوالت الموزعة هنا وهناك في سبيل الوصول لبناء حركة تشكيلية لها مميزاتها التاريخية وفاعليتها

نية على المستويين الفكري والثقافي، ولها محموالتها التقنية التي تمكنها اإلنسامن مخاطبة المدارس النقدية المعاصرة، وبناء الجسور للحوار الفلسفي الذي

السبل والطرق والتعيينات الفاصلة بين المراحل إلىينبه عادة المبدعين .والتوجهات والفضاءات البصرية

وثقافي بصورته العامة، وحين نخصص أكثر نقول إذن فعل إبداعي النقدإنه فعل نقدي تشكيلي، فإن هذا التخصيص يربط توجهات هذا الفعل بالتنبيه

إلىللدور الذي كان على الناقد أن يلعبه في هذا المجال، من إشارة الموضوعات والتقنيات واألفكار وأنماط التبصر في العملية اإلبداعية ذاتها

يربط المتلقي بالقيمة الناتجة عن الفعل السحري المتعين في العمل باعتبارها ما) المنقود - الناقد - المتلقي (الفني الذي يستهدف الحاجة الداخلية لدى كل من

وهي حاجة تقويمية في أساسها، ومعرفية في توصيفها، يتم بناؤها وفقا للمعايير ة أو األزمنة التي يتعايش فيها النقدية الجمالية التشكيلية، وبما يتناسب واألمكن

كل من الناقد ومادته النقدية لبناء أواصر تعبيرية تخرج الناس من عزلتهم .وتمضي بهم في رحاب الدهشة والرغبة بالحياة

أحبذ مفردات يتم من خاللها توصيف النقد كمفردة وإذا كنت القدا هي الوعي التصويب أو التقويم، فإن أهم العالمات التي تجعل الناقد نا

والرغبة والرؤيا والنكهة واالستشعار، وهي مواصفات على صلة بظواهر

-١٧-

كما أنها تحقق قيمة فهم الظاهرة في . اإلبداع ومناهجه والمسؤولية تجاههأي . إطارها اإلنساني الشمولي، وفضاءاتها التاريخية والسياسية واالجتماعية

ني المسؤولية تجاه المفاهيم باعتبار أن النقد منظومة معرفية ترسخ معااألساسية المكونة لظواهر الفن في منطقتنا، وصلته بالمعيقات والموانع واالحتياجات، أي صلته بمفهوم الحرية كمنطلق لألسس التي تجعل الفن التشكيلي فاعال في الثقافة االجتماعية، وأداة تنوير باعتباره لغة بصرية مؤثرة

ة على معاناة اإلنسان وتوقه للتحرر والتمتع ببالغومحملة بالمعاني المشتملةالجمال والتفكر بصدق معاني التحوالت اإلبداعية في التاريخ أو في الحاضر، بالربط بين مفاصل الحقائق ومعالم اإلبداعات البصرية موضوعيا، وبما يجيب

.على األسئلة الملحة الصادرة عن التجارب والظواهر البصرية القته الكتابات كالذيتلق حركة نقدية في العالم تجاهال أو نبذا لم بالتأكيد

بين مختلف الفنانين مشتركاالنقدية التشكيلية العربية، إذ يكاد الجواب أن يكون حين يسألون عن النقد والنقاد لتأتي إجاباتهم موحدة بالنفي، طبعا نفي النقد

عونها للناقد هي بمجملها غائبة والناقد بشكل عام، مستتبعين ذلك بمواصفات يضوغير متحققة الوجود برأيهم، ويأتي في أولوياتها عدم تحقق الكفاءة النقدية

. وانتفاء االختصاص وغياب الرؤيا وضعف اإلمكانات التحليلية الموضوعيةولعلها هبة علوية أن يبقى هذا الرفض عنوان هذه التجارب والمحاوالت النقدية

تقدم حساسيتها العامة للمشهد التشكيلي العربي، أو القطري، التي لم تستطع أن نظري، أو أن تحقق حضورا أكاديميا -بما يجعل النقد مادة اختبار بصري

يرسخ مفهوم النقد كمادة علمية بعيدة كل البعد عن الشعوذة اللغوية، ليطور فاع اإلنساني أدواته الذهنية والثقافية والتقنية، فيكون نموذجا يعبر عن االند

.باتجاه الجمال، وتحميل األفعال اليومية في ديمومة اإلبداع اتهامات إلى العديد من الندوات التي أقيمت عربيا كنت أستمع في

الفنانين للنقاد بعدم مصداقية بحوثهم، ووقوفهم في األحياز الضيقة للشللية فات العميقة وغياب الموضوعية، نظرا للظروف المحيطة التي تطال االختال

٢م -بؤس املعرفة

-١٨-

وغةوتبقى مثل هذه االتهامات ملغزة ومبهمة ومصب.. في المجتمعات العربيةيمتد ليظهر الكيفيات التي تقوم عليها تلك السلبيات، وهو األمر الذي بحياء ال

يمكن تعميمه وفق أغلب اآلراء بأن الناقد فنان ضل طريقه فبدأ بعرقلة الفنانين تقف عند حدود الكتابة، وإنما تتجاوز العرقلة.. وهم ماضون في طريقهم

ذلك للعب دور كابح ومعيق، حين يتم إبراز النقاد كموظفين في الصاالت .والمؤسسات الفنية

تزال تسكن الصلة بين اإلبداع البصري هذه المرارة عن حقيقة ماتكشفهذه واإلبداع النقدي الموازي، إن لم يكن األخير متقدما على األول في أيامنا

الكثير من فمع بروز التوجهات اإلبداعية الجديدة، حيث بات من السهل اكتشاولعل تصفح تاريخ الكتابات النقدية عن الفنون التشكيلية العربية . االدعاءات

تاريخيا وحاضرا، ومحاولة حصره ودراسته الدراسة الصحيحة يثبت مدى عض الباحثين والنقاد، جراء التراكم المتحقق، والنصوص النوعية المميزة لدى ب

. الثمار المعنوية التي قدمتها فنوننا على مدى القرن الماضي أن القليل من الجهود النقدية هي التي إلى أنه البد من اإلشارة أيضا غير

استطاعت ان تحقق مشروعها النقدي باعتباره المتكامل، الذي يحمل مالمح وتثير الشك فيما عداها، وتقدم القيمة بعضها البعض، إلىنظرية تجمع األفكار

اآلخرين في فعل حواري خالق يفتح مسارب الضوء، ونوافذ إلى ربالتي تتس .الزمان على الحياة بذاكرتها الوقادة، وأعماقنا التواقة للحقيقة والجمال

-١٩-

ونقادنقد

ذي بقدرته على التفاعل واالستجابة للواقع اإلبداعي ال )١( خصوصية النقدتتعين

يعايشه في الزمان والمكان، وهي ضرورة تتأكد بالممارسات المعرفية والنتائج ليس من خالل االعتبارات المذهبية أو الفلسفية، . النظرية المحددة لهذه الخصوصية

وإنما من خالل العالقات التي تجمع النقد بأدوات اإلنتاج التشكيلي والبصري، التي بالتوازي مع تبدل األفكار وتقدمها في اإلجابة انيستتغير وتتبدل على المستوى اإلن

يعني استالب الثقافات لبعضها البعض في تمثل حاالت وهذا ال. عن التساؤالت الملحةيهدد الهويات من ضبابية في إطار اختالف التقدم والتطور، وال يعني أيضا ما

على النقاد هضم هذه التجارب اإلنسانية واستفادة بعضها من البعض اآلخر، إذ يتعين الثقافات باعتباراتها اإلرثية اإلنسانية، وعبر المعارف المشتركة التي تضع اهتمامات اإلبداع الفني في بؤرة الصياغات التي تستجيب لشروط اإلنتاج الفني المعاصر، وبمراعاة خصوصية الواقع الفني، ومقدرة الممارسات النقدية المحلية على جعله

.ات اإلنسانية التي تواجه اإلبداع بشكل عام بالتحديطيرتب هي ذات األسئلة - بالمعنى العام - المطروحة على الفنان األسئلة

المعاصر، في االستجابة للشروط التي يحيا الفن في )٢(المطروحة على الناقد

وال تختلف حالة النقد التشكيلي العربي اليوم عما يصيب النقد التشكيلي العالمي ) ١(أولها : ة التي يتلقاها الجمهور إلى ثالثة أنواعالمعاصر إذ تنقسم النصوص النقدي

اإلخباري الصحفي الخفيف الذي يشبه اإلعالن، وثانيها النقد االنطباعي الذي يوجه إلى جمهور عام مثقف غير متخصص وميدانه وسائل اإلعالم السريعة، أما الثالث فهو

وما من . الكتب موجه إلى المتخصصين ومجاله المجالت المحكمة والدوريات وتآليف من حيث مقدرتها على يليةشك أن هذه األصناف الثالثة ضرورية للساحة التشك

.الوصول إلى كافة شرائح المجتمع وإشاعة ثقافة ولغة الفنون البصريةال يمكن تقييد الناقد بقالب أو فرض أساسيات محددة عليه ألن السمة األساسية في ) ٢(

وباحثا في االتجاهات الفنية والمصادر البصرية وملما الناقد أن يكون محلال ومنظرا .بالتجارب التي يكتب عنها

-٢٠-

تضاعيفها، ومدى استجابة المبدعين من النقاد للمشكالت المطروحة عليهم، ب وجهات نظر الحركات الفنية أو النقدية، وصلتهما ومقدرتهم في تصوي

بالواقع والوعي واألنشطة والمؤسسات ومختلف السياسات الفنية والثقافية، االجتماعية المدنية والحكومية، ومقدرة النقد على تحديد األفكار وتثويرها وتفعيلها على مستوى الممارسة الحرة المنفتحة على اآلخرين، والتي نستطيع

يمكن دعوته اإلنجاز العالمية، أو ماةييز رائحتها المحلية في إطار النظريتمالنقدي اإلنساني الجامع لمختلف القضايا المحلية على المستوى المعرفي وفهم

العيش في الزمان، باعتبار النقد إلىالعصر، واالنطالق من الزمن المعاش بداع بتقديمه بشكل حر مادة معرفية ممتدة في الزمان، تحتوي على صورة اإل

إلىومستقل وموضوعي، وفي إطار أخالقيات الكتابة النقدية التي تعكس :ولعل هذا يجيب على السؤال. جانب قيمة الفنان قيمة الناقد وفاعليته ورؤاه

تتبلور حركة نقدية فنية في محيطنا العربي؟ اللماذاالذاتية التي في محيطنا العربي على الرؤى )١( تجارب النقادتعتمد

تسعى أن تعيش في مزيد من الحرية واالستقاللية، ولعل األمرين األخيرين

توصيفي : النقاد الفنيين في الوطن العربي بقالبين اثنين ال يحيدون عنهما أحدهما) ١(لكن الناقد التشكيلي في مشرق الوطن العربي . انطباعي، وآخر تحليلي فكري فلسفي

فالناقد المشرقي مازال تاليا للعملية الفنية، . العربييختلف عن نظيره في المغرب.. أما في المغرب فهناك تساوق في هذه العملية حتى نستطيع القول إنهما يعيشان معا

والحالة الثانية هي األكثر صحية من ناحية المعاصرة ومتابعة الحركات الفنية، وما للتقريب بين وجهات نظر كل يستجد فيها من مؤسسات فنية مختصة بالنقد التشكيلي

ومتذوقين، ليكون بإمكانها وصحفيينالمشتغلين بالفن التشكيلي من فنانين ونقاد إضافة إلى جعلها مرجعية . تحديد مسار الحركة التشكيلية، وأرشفة الفن العربي

وال بد من اإلشارة إلى أن مجموعة من النقاد الفنيين العرب . تشكيلية وفنية حقيقيةنهم، استطاعوا في فترة سابقة االجتماع إلطالق جمعية للنقاد التشكيليين وكنت م

العرب في الشارقة والقاهرة يكون من مهامها البحث والدراسة واالستقصاء الفني الصحيح لخدمة العملية التشكيلية اإلبداعية ومواكبة تطورها دون أن تنجح في

. األمرمساعيها وما زلت أتابع هذا الموضوع لتحقيق هذا

-٢١-

هما السبب في عدم وضوح الموضوعية المطلوبة للرؤية العامة على المستوى المهني كمنجز فردي يسعى فيه األفراد للتعبير عن الحالة التي

كتابات، باعتبارهم فيما يأمل الفنانون رؤية أنفسهم في هذه ال. يعايشونهامشاريع ثقافية وفكرية يتم التعبير عنها في الكتابات النقدية بمختلف مساراتها كخبرات معاشة تعتمد على التجريب المستمر، والتي على النقاد التقاط

. مفاصلها المتعددة بالرغم من عدم تفرغهم لهذا األمرغلب فنانون أو هم على األ- عندنا -وكتاب النصوص الفنية )١(النقاد

شعراء أو منشطون فنيون يعملون في المؤسسات الفنية والثقافية وفي وظائف عليهم إعداد الندوات والمناظرات وعقدها، أو إعداد المواد . أخرى متعددة

للنشر في أعمال كدور النشر والصحافة والجمعيات، وهم كذلك أعضاء لجان للفعاليات واألنشطة، فرز وتحكيم وإعداد معارض أو وضع التصورات

تشتت إمكاناتهم الفنية وقدراتهم النقدية التيوسوى ذلك من األمور المتخصصة، التي تبقى الحكم في الفرز النهائي لما هو إبداع متميز، وما هو

وهو أمر في غاية األهمية، كون النقد المميز . هامشي ومبتذل في الفنق ومتفرد ومتميز بتعددة وقدرته والمتفوق يعيش حكما في محيط إبداعي خال

.على دعم الخطاب النقدي الموضوعي قدرة المحترفات الفنية العربية على التجديد والتطور في الزمان إن

والمنهج يعني بالتأكيد توليد المزيد من األسماء والتجارب النقدية ذات الرؤى أجيال من المتنوعة، فأجيال المبدعين المتالحقة تعني تعميق التالحم مع

على تجارب من سبقهم إلظهار المدى اإليجابي الذي يربط ينالنقاد المؤسس

نمو اتيعرفه الباحث عفيف بهنسي، هو متذوق في أعلى درج الناقد الفني حسب ما) ١(الرؤية الفنية، ألن ثقافته في فلسفة الفن وفي تاريخه وتقنياته تصل حد االختصاص،

اختصاصيا، بل قارئ جيد للعمل الفني، يكونوأما المتذوق العادي فليس عليه أن قافة وممارسة في اإلطالع على األعمال الفنية، وبصورة يعتمد في قراءته على ث

.عامة، فإن الناقد يقوم بدور تقييمي عندما يحدد مشروعية العمل ومستواه الفني

-٢٢-

إلىيشكل قيمة نقدية تعيد النقاد بالمبدعين في كل مرحلة من المراحل، وبما :الذهن التساؤل

الذي يعيش في الوجدان الجمعي أكثر من سواه، النقد أم النقاد؟ ومن منبداع ومتلقيه أم صانعو نجومه أم المؤسسة جمهور اإل.. الذي يحكم على ذلك

الفنية بشكل عام، والمتحفية بشكل خاص؟ أنني غير معني باإلجابة المباشرة عن مثل هذه التساؤالت، كون أعتقد

األمر مازال إشكاليا في واقعنا الفني العربي، لغياب دور مثل هذه المؤسسات النظر التي تجعل للمتلقي تغير المحدثة أو المطورة من جهة، ولغياب وجها

حتى مقتني الفن الصاعد بدوره الجديد في بعض مناطق أودورا في اإلجابة، تتأتى إال من خالل تجربته خاصة أن مصداقية الناقد ال.. تراكم الثروة

إلىالكتابية وآرائه المتميزة والجادة والحقيقية وليس من خالل االنتساب .المحلية أو الدولية كما جرت العادةالجمعيات والنقابات النقدية

إن كان النقد الفني قد امتلك مشروعيته في المشهد الفني التساؤلاستطاع أن يراكمه هذا النقد على طريق خلق تقاليد ماإلىالعربي يقود

نقدية، بخاصة في مجال النشر وإصدار الكتب النقدية والموسوعات الداللية البصرية التي تجيب عن الكثير من اإلشكاليات وإشاعة الثقافة ةوالتعريفي

التي مازالت موضع أخذ ورد في المجتمعات العربية، والتي يمكن أن تسهم جانب إلىفي إطالق حلول لها مثل هذه اإلصدارات التي تدرس وتحلل

رواية وسرد التاريخ الفني والنقدي الحي والمتداول بحيويته على مستوى . الكتابات والنصوص

ذلك أهمية هذا الوعي في التأسيس التعليمي واألكاديمي، إلى فأضيتمثل من امتداد وخلفية ومرجعية في الحضارات المتعاقبة على وبكل ما

تمتلك دينامية - في حقيقة األمر - مختلف أصقاع الوطن العربي، والتي اإلمكانات النقدية المعاصرة نفتاححضارية قادرة على اختراق الحاضر وا

ليها بإزالة المعوقات التي تباعد بين اآلثاري والناقد والفنان، وهي قضية ع

-٢٣-

تحتاج لمزيد من االشتغال في عمقها كإحدى أهم السياسات الثقافية التي تربط األزمنة ببعضها البعض كمشروع تفاعلي على مستوى الحياة وليس بالنسبة

.للتاريخ فقط أن عن الرقابة والمالحظة، ويكون الفنان بمنأى يسعى الناقد أن ال«

يكون بعيدا عن من يفك شفرة توتر العمل، وصراعاته القائمة بين مقومات اليكون أيضا بعيدا عن المنشط الحيوي الذي يخلق كل عالم على حدة، وأن ال

الترابطات، ويحقق أبعادا انسجامية ما بين الفنان وصنيعه الفني من جهة،، عبر ما ينسج من مقوالت نقدية إيجابية، جهة أخرىوبين الفنان ومحيطه من

فالنقد الفني هو اللغة الثانية بعد لغة . تساهم في تحقيق كينونة الفنان وفنه معا حساسية فنية خاصة إلىالفنان التي تحول الحساسية العاطفية عند اآلخرين

، وهي بالمبدع عندما يمتلك القدرة على تجسيد االنفعاالت وتنظيم العواطف بأن تعيد صياغة العمل الفني وتعطيه مكانته وتكشف أبعاده، فيلةأيضا ك

باعتباره خطوة أساسية وإجرائية ، ووسيلة ضرورية لضمان التطور اإليجابي للفنون، وبدون مثل هذه اللغة، يظل الفن في أحيان كثيرة بدون رئة التواصل

ة التي يحتضنها العمل نفسه، مع اإلبداع، وبدون نبض يشار إليه للقيم الجماليكما يظل العمل الفني غير مستفز من قبل تأويالت الناقد وتفسيراته وشروحاته وقدرته على استنطاق العمل، ويكتشف ما في دواخله بين األصالة، بما تطفح به من رموز تراثية وحضارية وثقافية محلية وعالمية، وبين المعاصرة، التي

.)١(» ومختلف التجارب العالميةتياراتلباتت تتجاوب مع مجمل ا تبسيط اإلمكانات إلى األمر أن العديد من التجارب النقدية سعت واقع

اإلبداعية المحلية عن قصد أو من غير قصد، فجعلتها على قياس الكتاب، فيما هي في حقيقة األمر تنطوي على خبرات ونتائج وقضايا مهمة على

االنتباه إليها إال فيما بعد، وبعد أن يتم تجاوز يتم المستوى اإلبداعي بحيث ال

١٢ / ٢٥ / ٢٠٠٦ - ١٧٧٥: العدد- المتمدن الحوارموسى الخميسي ) ١(

-٢٤-

النظر إليها في إطار ظروفها الخاصة وبيئتها التي كانت ستعين على تخليق الصياغات الجمالية والتشكيلية بانتماءاتها المحلية، وتشخيصها لهويتها بدال

محامل غريبة أو وافدة أعاقت إمكانات التأثر والتأثير إلىمن نسبتها فنونا قادمة من روحيتنا، وليس من النظرة الضيقة بارهامحليين باعتال

لمعاني الترميزات التي يتم نسبتها لآلخر فيما هي في عمقها الزمني تلتصق يعبر جماليا عن مصائر فكرية تعيد تعريف الحاضر، المرتبط بكل ما

فية والسياسية االجتماعية والثقا.. بالجمال تماما كارتباطه بالحقوق اإلنسانيةباعتبارها جوهر الهوية البصرية المتشكلة من تعدد الذاتيات وليس من الذات

أي من طبيعة الشعوب بتنوعها وهي تسعى لتقديم اإلجابات عن . المفردةالتساؤالت التي يحاول النقد استيعابها لوضع األمور في موضعها الصحيح

لها تبويباتها الخاصة اتبعيدا عن الدعوة لتركيب هوية معاصرة من هوي إلىيمكن أن تخلص تحمل إشارة ألية صلة نسب فيما بينها والتي ال التي ال

.التصورات المأمولة منها

-٢٥-

األنسنة والعوملة .. النقد

الفني هدف النقد وساحة اشتغاله، والناقد يحدد منهجيته إلنتاج ما العملة متينة مع المتلقى من جهة، وربط أبعاد بناء عالقإلىيوازي المنتج الفني، راميا

العمل الفني بتوجيهات هذا المتلقى، لتحقيق مستويات من االستجابة المعتمدة على سواء على المستوى . إحياء التصورات، أو فتح األبواب التخييلية والمعرفية

.المباشر، أو ما يعقب هذا اإلنتاج من هاالت ونتائج الجدلية بين العمل الفني ومراميه المعرفية عدم التفريط بالعالقةورغم

والماورائية، إال أن الناقد يميز مرحليا على األقل فيما بينهما، وقد يدرس أحد فاألمر على عالقة باإلجابات التي تولدها أسئلة . التوجهين على حساب اآلخر

يلم إذ من البداهة أن . يطرحها الناقد على نفسه، قبل أن يطرحها على اآلخرينبالمستوى الثقافي المجتمعي، أو المتخصص الذي يوجه إليه النص النقدي، كما

مذهب أو إلى محددات اإلنتاج النظري كاالنتماء شكأن هذه البداهة تعرض المرحلة زمنية دون غيرها، وقد يتطلب الجهد النظري إلغاء دور إحدى هذه

ز المتلقي وظروفه المحددات أو تجاوزه بالتركيز على أطراف أخرى، كتمي .ورغباته ومحاكماته الستنتاج حالة البث التي يقوم بها العمل، أو الفنان المنتج

التركيز على االستجابات التلقائية، أو المقصود للمتلقي، هو أحد إنالموضوعات الشائكة التي قد يتجاوزها مجال الدراسات الفنية، وخاصة في

ام هذا النوع من الدراسات ألحوال المتلقى المجال النظري، وما يترتب على انعد . فيما بينه وبين العمل الفنيزمانونشأته، واألسوار التي قامت على مدى األ

كنا نقصد من وراء ذلك عزلته الظاهرية والمادية عن الفنون، إال وإذاأن تقدير المسافة الفاصلة بينهما يحددها مدى احتياج كل منهما لآلخر، وليس

-٢٦-

خاضعة فاالستجابة مساومة أخالقية، كما قد يبدو من ظاهر الكالم، في األمر الصحيح بما ينتجه االرتباط هذا المستوى من الجذب والنفور، لتشييد إلى

، اإلنسانيةوما يتلقاه المحتاج لهذا اإلبداع، سواء لترميم القيم الجمالية . المبدعدون غيره، وهذا يفترض أو لتشييدها بموازاة الخطاب القيمي السائد في زمن

. لهذا العملالفنيمناقشة المحتوى أو المضمون الجمالي، أو

وتشكيالتطاقات كان العمل الفني التقليدي قد تجاوز طاقاته الداخلية، وتشكالته إذا

أكثر من مستوى التصوير والبحث مثال، فإن النماذج إلىالخارجية، ليتحول وقت نفسه فض االشتباك مع تقليدية الحامل الجديدة كأوعية فنية، تملك في ال

. الفنية الجديدةكالالفني، واستمرار الكشف عن تبدل التأثيرات، التي تولدها األش القراءة التي يتناول عبرها الفنان مشروعه الذاتي، قد باتت مهددة إن

اليوم أكثر من أي يوم مضى، نتيجة االنزياحات الواضحة التي تغطي حراكها اآلخر الذي إلى الثقافة اإلنسانية اليوم، والتحول من هذه الذاتية مستجدات

يستقبل اإلشارات الموضوعية للعمل الفني، كمحرضات يجوز لنا تسميتها بالمحرضات العاطفية، موضوع كل من الفنان والمتلقي، وما يتجاوز هذه

ن ظالل العالقة في النصوص النقدية، التي تبدي حياء أحيانا في الفصل ما بي .وعي الفنان لعالمه وما تتركه ذاته من تأثيرات على العمل الفني

ما ننتظره من المتلقي إلضفاء إمكاناته الستكمال هذه العملية، ورغمإال أن انعدام النظرة األحادية في عالم المعلومات، والنأي عما اصطلح عليه

ة التي تعتمد بالهوية، يشكل مصدر قلق كبير لتفحص أنظمة التلقي الجديد. التلوين، سواء في االستعداد للتقلي، أو في الممارسة العملية لهذا التلقي

ساعدت فنون وقد .الفني إطالق أسواره على المخيلةودون أن يتيح للعمل األشكال البسيطة منذ بداية الستينيات من القرن المنصرم في تفكيك العالقة

لفنان المبدع لصالح الرابطة الجديدة، ما التقليدية، ما بين العمل الفني وذات ا والفضاء، حيث ساهم هذا الفن البسيط، في انتشال والمشاهدبين العمل الفني

-٢٧-

المشاهد من بؤرة التأويل الحنيني لوجود غابر، باعتباره كل منظم ونهائي، جون كويالند في ( محيطه ومجتمعه، كما يشير إلىوفي تحفيزه على التحول

)Land Art(وقد يكون هذا ما قدمته الفنون االرضية ). الد جودحواره مع دونالنهائية الفضاء الكوني "من خالل إعادة التكوين المساعدة على الكشف عن

عبر عمليتي الهدم، أو البناء المستمرتين في الطبيعة وعن طبقاتهما الماقبل . تاريخية المتعددة

ومصطلحات خاصةمفاهيمرات في أزماتها ولدت المفاهيم والمصطلحات نشوء هذه التياولعل

الخاصة بها، وهذا ما دفع المنظرين أحيانا إلعادة النظر في توجاتهم توافقا مع التوليدات الفنية المحدثة، التي تستلزم إحياء . وآرائهم النقدية

نظريا لالشتغال بالمعلومات الجديدة، خارج النظم الحداثية التقليدية في وهذا ما حققه فن التنصيبات أو األشكال المجهزة في الفراغ في . )١(الغرب

انعكاساتهااالنفتاح على الفضاء الخيالي للعالم، لتحري صورته ووهذا أيضا ما يدعو للتوقف عند االحتياجات التي تقدمها . المجتمعية

الضرورة التطورية لإلنسانية بصورتها العامة، وشروط التحطيم والبناء ر وفقها المنتجات اإلبداعية الجديدة، التي تلملم شتاتها في أنحاء التي تتكر

من البديهي ان الحكم على فن الراهن انطالقا من معايير الحداثة، يمثل خطأ منهجيا )١(

عند الكثير من أفضىولعل مثل هذا التمشي قد . يفضي بنا مؤكدا الى طريق مسدوداذ . الفنون التشكيلية الى مواقف معادية لهذا الفنأساتذة حتى عند بعض أوالنقاد

جاهزة الصنع، أعمالوتعبيرية يمكن تمييزها من خالل قيمة فنية أييتساءلون حوله، هذه المعاداة للفن المعاصر من طرف إن متنافرة المواد واألساليب واألشكال وزائلة؟

العربية ة الكتابات النقديإلى الفن الحديث، تذكرنا بوضعية مشابهة تحيلنا أنصاربعض ذوق الجماعي الغارق في التعلق التي طالما تنكرت لقيم الحداثة، لتطنب في مغازلة ال

ذائقة إلىفهل تتحول اليوم نفس هذه القيم الحديثة، . وتوثيقيةأكاديميةبتشخيصية تصبح بدورها حاجزا يمنعنا عن قبول المغاير؟

تعليم عال بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونسأستاذ -سامي بن عامر . د- الفني النقد

-٢٨-

على هيئة نزعات، أو إشارات ترسم الشكل الفني الذي . مختلفة من العالم إلى اإلشارة السريعة لمثل هذه الحركات تقدم إحالة إن .تؤول إليه الحال

من القرن طرق التغيير التي تطال الفن بالتساوق مع الزمن الفكري الممتد التاسع عشر وحتى اليوم، لما تنطوي عليه من انقالبات شكلت انفتاحا

وقد تكون أحيت السجاالت . حقيقيا على النقد التشكيلي بمختلف توجهاتهالمختلفة حول صالحية التطورات الحاصلة في النظريات النقدية، أو

ام النهائية درجة إطالق األحكإلىالنزعات االجتماعية، على مضامين الفن ، ولقد كانت »الجدوى اإلبداع« و»موت الفن«على التيارات الفنية، من مثل

التيارات الفنية العربية في القرن العشرين مندرجة في هذا اإلطار الغربي في الوقت الذي كانت تنظر فيه . من التغيرات والمصطلحات واالتجاهات

في النصف الثاني من بناء الذات، وتحديد المالمح األولى، وخاصةإلى واتجه بي،القرن العشرين، فتأثرت بكل توترات وتشنجات وأحكام النقد الغر

العاملون في حقول النقد الفني النظري لمطابقة مقوالتهم مع ما ينتجه والموقف من المواد، وإنتاج كل الغرب، حول الصورة والتصور والخيال،

سبب سطوة هذه العلوم على التوافق مع العلوم، بإلىما يمثل العودة ولهذا فإن مناهضة منجزات العقل كانت تتوافق مع التسليم له، . العصر

ومع االبتكارات الجديدة التي تجعل اإلبداع مذهوال من اإليقاع السريع لما .يمكن دعوته علمنة العالم

القضايا الملحقة بما تحدثه هذه العلمنة فهو ما سنراه منعكسا على أما كليا اطرائق تلقي الفنون، إذ أن الحامل لإلشارات المعرفية سيغدو مختلفسبل و

ضمن ما تطرحه هذه العلمنة، ولقد تغيرت بذلك مقوالت الفن فعال وبتغيرها انشغل النقد الهثا للتعويض النظري عما يحدث، فاالنخراط بالمتغيرات الفلسفية

لة لمقوالت الصدام الحضاري يقع بالتأكيد في إطار الصدامات الكبرى، المشك إزالتها كليا، وفق النظرة الجديدة لمكونات إلىالتقليدي، والتي تدعو العولمة

. العالم الخيالي لإلنسان

-٢٩-

الصراع ما بين األنسنة والعولمة سيأخذ مداه على مدى الربع ولعلون األول من القرن الحالي لتشكيل ارتكازات الفكر اإلنساني بعامة، وعبره سيك

نتائج نهائية إلى وقد يصل ذلك بآن،ممكنا تحديد المواقف من المبدع والمتلقي بكل ما يتعلق بقضايا الهوية والتراث وكافة إشكاليات الذات أو الفرد، التي تتجه

الزوال في مقابل إعالء معنى قبول اآلخر كهدف يتجه إليه اإلبداع وحوامله إلىعتقد أنها ستسود في النصف األول من القرن من وجهة النظر الغربية، والتي ي

الحالي، ريثما يتحقق البحث النظري المعادل، أو المتمم، أو المطور للنظرة فنوننا، كجزء من إبداعات العالم الثالث، بكل ما تعنيه الكلمة من إلىالحالية

معنى، أو ما ترمز إليه من حيث التخلف الحضاري والتكنولوجي عن القطب بل وعلى سبيل التفكير فحسب،ليس على مستوى االقتصاد . لمسيطراألول ا

محاصرته لكل ما يميز الشعوب الفاقدة لطمأنيتها، بسب تناقض رعب.. اإلبداعيثقافاتها مع ثقافة األقوى، وتبدل معاني الفهم والرؤية واألفكار لدى كل منهما،

المناقشات حول الصمود وبدال من االنسياق لما يدعونه التنميط العالمي، تتجددلفترة أطول أمام ما يبدو قدر اإلنسانية الشامل، الذي يقع في مركزه الصراع

.الحضاري على قيادة اإلنسان قبل السيطرة على العالم

وحصارقلق هذه األمور، إلى الكتابات الحديثة في مجاالت النقد، تتطرق اليوم بعض

في تخبطه خلف - الفنان العربي -ن وتعبر عن قلق واضح إزاء ما أضاعه الفنا جانب هذا التخبط، نلمس الحصار إلىالمتغيرات التي كانت تحصل في الغرب، و

بالديمقراطية، وحرية التعبير، تعلقةالهائل الذي عاشه اإلبداع من كافة النواحي المواالعتقاد، ومشروعية التصدي لالنهيار األخالقي، والقيمي، والذي نكتفي

إليه كأحد المحاور األساسية، التي عانى منها اإلبداع العصري بعامة، باإلشارةوالتشكيلي بخاصة، حتى أن هذا الصراع قاد المبدع والناقد معا لبناء عالقة تعتمد على التغريب واإلحالة والتورية، إلخفاء بعض االنفتاح الذي تطمح إليه التيارات

.المتغيرات الحضاريةالفنية المعاصرة لقول كلمتها في مواجهة

-٣٠-

اإلحباطات كانت تؤسس إليقاع جديد، سيكشف بالضرورة عن هذه إغالق ما إلى دتاتجاه جديد للفنون نلمس مالمح وجوده عبر األزمات التي أ

يقارب مائتي صالة عرض في باريس في السنوات الخمس األخيرة من القرن لتلمس ما يصيب العشرين، وإذا كانت فضائح المتاحف والبنوك ال تكفي

فإن التوجهات النقدية والفلسفية منذ . الحركة التشكيلية العالمية من تبديالتمنتصف الستينيات، وبداية السبعينيات، قد استطاعت تثبيت مقوالت ما بعد الحداثة، كتمهيد أولي ألنظمة فنون العولمة، التي حققت في الربع األخير من

لهجرة واالنزياح الفني، فيما بين أوروبا القرن المنصرم تزايد التبادل وا .وأمريكا من جهة، وأوروبا والشرق من جهة أخرى

الفنان الغربي في نهاية القرن التاسع ه وبدال من البحث الذي قام بعشر وبداية القرن العشرين عن النور ومصادره وينابيع اإللهام، الذي

ا نلمس في الهجرات الجديدة فإنن. األمامإلىسيدفع بحركات التجديد، سبال من يبحث عن الفضاء، والفراغ والصحراء، كمحرضات للمخيال الفني، ومولدات للتصور بعد أن حاصر العلم والتدفق الصوري اإللكتروني وأنوار

...الهولوجرام الفنان الغربي ورغم ما يشير إليه بعض النقاد عن قبول أوروبا مثال لمقاسمة دورها

لفنون مع القارة اآلسيوية، فإن مركزية الفنون في أوروبا تبقى االحتكاري لكونها تملك المؤسسات النقدية، . فمستولية على صنع قرار النقد المحتر

التراكم األكاديمي الرسمي، إلىوالصحافة المتخصصة في هذا المجال، إضافة . وتحريكها) ١(الذي ال يمكن استعادة أهمية دوره الستقطاب فنون العصر

ر مزامنة، فليس تعاصر األحياء دليال على تزامنهم مادام سؤال المعاصرة قد تكون بغي) ١(

العصر عندهم ليس سؤاال واحدا، وما دام الممكن لدى بعضهم غير ممكن لدى البعض »كاندنسكي« و»بول كلي« و»سيزان«فمعاصرة الرسامين العرب الستيطيقيا ساهم . اآلخر

.ي أنهم بداهة متزامنون معهاتعن وغيرهم كثير في وضع لبناتها ال»ماليفيتش«و دار محمد ١٢٤ ص - قضايا االستيطيقيا من خالل النصوص - بن حمودة محمد

٢٠٠١ تونس -على الحامي

-٣١-

وخاصة أن هذا النقد استطاع هضم الهجرة التي تمت منذ منتصف القرن المراكز الغربية، وخاصة اليابان والصين إلىالماضي من شمال شرق آسيا

دمج الكثير من فلسفات الشرق إلىوتايوان وكوريا وفيتتنام، األمر الذي أدى .في مجاالت الفنون الغربية

الغربغطاءكان الغرب تحت غطاء الديمقراطية والمركزية هذا الوقت وحين في

األوروبية يحتوى إبداعات اإلنسان بشموله، كان الفن العربي يحاول أن يجسد طموحاته تقديم لوحة أو عمل فني، يساهم في اإلحياء الثقافي العام، وترميم

فكرا جماليا ليكونإنسان ما بعد االستعمار، ويبني الشخصية االستقاللية جانب بناء جمهوره المثقف الذي عاش قطيعة طويلة مع العمل إلىا، متميز

الفني ألسباب كثيرة فرضت عليه، ولم تكن بأي حال من األحوال ضرورة بل إن غياب الفكر المجتمعي الجمالي الموازي لما يطرحه الفنان . مجتمعية

دفاع من أفكار، شكل عائقا لم تستطع ال الندوات، وال المحاضرات، وال ان .. األدباء والشعراء، للذود عن مكانة الفنون

ذلك لم يستطع أن يحسن القبول االجتماعي للفنون بشكل عام منذ كلمنتصف القرن الماضي، وبقيت الحركات التشكيلية العربية مأسورة بأرقام

مفترضا أن تحاربه المجتمعات ان، والفقر، والمرض وغير ذلك مما كاألميين هذا المقام لن نتمكن من ذكر دور األجهزة الحكومية وفي. العربية

التنويري، وخاصة الجماعات والمعاهد والمراكز الثقافية والجمعيات والنقابات عام، يشمل مناحي آلن هذا الدور لم يكن خاضعا بعمومه لمخطط نهضوي

.الفن المختلفة تغيب يكون للصدامات السياسية الداخلية والخارجية دور أكبر فيقد

دور الفن المجتمعي، وبالتالي انتفاء قيام حركات نقدية، أو تيارات يمكن أن سقوط الطبقة الوسطى إلىتبلور عطاء قرن من التجريب التشكيلي، إضافة

-٣٢-

كواحدة من العربيفي المجتمعات المتحررة التي راهن عليها الفنان التشكيلي .حاضنات الجماليات الصاعدة

حن نفتتح السنوات األولى من القرن الحادي اليوم، ونوالسؤال أين تمضي الفنون العربية؟ وما الذي يؤخر حركة النقد عن إلىوالعشرين،

. أن تكون فاعلة في تجسيد العالقة فيما بين الفنون العربية ومثيالتها في العالمبعد أن .. وهل ستذوب ما بنته سابقا لطموحات النهضوية في مناخات العولمة

ومواقع . مفاهيم الفراغ والصمتإلى أشرناالفن في المركز يتجه كما بدأ القطيعة مع المرجعيات لبناء نسق مختلف إلىانتفاء األثر، التي تحيل مباشرة

، »الدال والمدلول« ما بين ةيولد دالالته الجديدة برفض العالقات التقليديقة، وهو المبدأ الذي قدمه ال نهائية الداللة المتوقعة من هذه العالإلىبالطموح

حول اإلزاحة المعرفية التي تمثلت في االنتقال من اإلنسان، )١(»ميشيل فوكو« . اللغة في جبرية تشاؤمية الفتة للنظرإلىأو العقل البشري كمصدر للمعرفة،

تبقى العالقة التشابكية صفة من صفات ما يربط الناقد بالعمل الفني، قدال الحالتين فإن عدم ثبات وجهات النظر، أو أنماط ولن نقول التصادم، وبك

التفكير سيؤخر مرة أخرى المحامل التشكيلية العربية عن لعب دورها في وقد تبقى المنجزات الفنية صيغا ومشاريع بعيدة عن . الوسط الفني العالمي

وسنبقى نردد إن جذور . بناء تقاليدها، نتيجة التغير السريع، موضوع العصرالفن التشكيلي العربي ستبقى عالقة في حقول النقد الذي لم يبلور أزمات

نظرياته، وسيبقى ضحية هذه العالقة التشابكية، المتلقي الذي ينتظر أن تنفتح .أمام عينيه فراديس النظر الممثلة لروح العصر

من أهم فالسفة النصف األخير يعتبر فرنسي،فيلسوف) ١٩٢٦-١٩٨٤ (: فوكوميشيل) ١(

تاريخ « في كتابه الجنونتاريخ تأثر بالبنيويين ودرس وحلل ، العشرينالقرنمن . وعالج مواضيع مثل اإلجرام والعقوبات والممارسات االجتماعية في السجون، »الجنون

حب الغلمان عند «أرخ للجنس أيضا من . »أركيولوجية المعرفة«ابتكر مصطلح .»تاريخ الجنسانية«ة كما في وصوال إلى معالجاته الجدلية المعاصر»ونانالي

-٣٣-

عن قراءة التاريخالعجزياتنا مؤثر في ح النقد التشكيلي في الجانب المتصل بما هومراجعة

الثقافية، واإلبداعية، عبر تحليل المبصرات، يجعلها مرتبطة بالحاضر، ومعبرة عن زمنها الخاص، الذي يبرز حدودها اإلبداعية، وإمكاناتها الخاصة، وظروف تخلفها عن تأكيد وجودها الحي، واألسباب التي تحول

لنقد بما الممكن أن تتولد لربط حركة اندون ربطها بتيار، أو تيارات كان مخاصة بعد اتساع رقعة الثورة المعلوماتية، وربط العالم . منتج في العالم هو

. بشبكات من المعلومات تتجاوز ما كنا نتوقعه في هذه المعالجة التاريخية مشاركة نقادنا في عمليات تبادل المعلوماتية، واشتراكهم في إلىإضافة

)١(.درة في أصقاع العالمتحرير المواد الصحفية في كثير من الصحف الصا تراكم المعارف إلىمما يؤهلهم لوضع خطاب فني يحمل خصائص النزوع

الموضحة لحال التشكيل العربي بعمومه، والمقاربات التي تجمع حدود بعضها كنسيج إبداعي، تتكامل خصائصه بتكامل إلىالتجارب القطرية

ي مغناطيسية إبداع والوقوع فاإلتباعالذات المبدعة، بعيدا عن صيحات اآلخر البصري النابع من التقليد الذي تكلم عنه النقد إلخفاء العجز في قواه التحليلية، وابتعاده المقصود عن تشكيل نظرية تهتم بالتعبير البصري، وإقامة ركائز ثابتة تتمحور حولها مجموعات المبدعين وهم يحاولون

ع، واإلخبار عن المرئيات عرض تصورهم للحياة الصورية بمفهومها الواس

الكتابة الفنية النقدية في الصحافة على بساطتها ضرورية، ألن مهمة وسيلة اإلعالم ) ١(تكمن في تقديم معلومات عن النشاط الفني اليومي، ونقل رؤى وتصورات الفنانين،

لشأن منبرا لتبادل اآلراء وال بد أن تعتمد وسائل اإلعالم التي تتطرق لهذا افتكونمختصا فنيا واحدا على األقل، تكون لديه رؤية فنية جيدة يستطيع من خاللها المساهمة إلى حد ما بإشاعة المصطلحات الفنية الصحيحة وتقييم التجارب التشكيلية على حقيقتها

وعادة ما يرتبط مصطلح الناقد بإنسان ذواق . بما ينعكس إيجابا على ذهنية الجيلرا مجازية متعددة حين يقف أمام عمل الفنان ويتمتع بإحساس للفنون يمتلك صو

.مرهف ونفاذ بصيرة نقدية إلى جانب المقدرة على الكتابة

٣م -بؤس املعرفة

-٣٤-

العربية المعاصرة من خالل مقوالت العصر، ونماذجه الفلسفية التي تشير دالالت بصرية متغيرة، ومختلفة، ومتضادة، بحسب تسجيل تلك إلى

الظواهر بوصفها ناتجة عن منهج تصوغه مناهج الفن الحديث في العالم، حقيقة العالقة بين المرئي إلى الذات كمعادل للوعي الذي يقود إلىبالعودة

فكيف نرى؟ ومن الذي يرى؟ وهل تشكل المادة . والرائي ومادة الرؤيةالبصرية المنتجة مادة رؤية تستحق ما تولى من اهتمام؟ أم أنها لم تصل

. هذا االهتمام بعدإلى إن من يرى هو: تتعدد حين نقولراء نختلف كثيرا، أو لنقل إن اآلال

بصريا للجوانب الفنية والتقنية والتاريخية لعملية اإلبداع الذي يمتلك وعيا الحضور العالي السوية إلىبل إن قراءة إمكانيات هذا الرائي تقود . البصري

المميز الرتباطه بالحركات الفنية، بحيث يستطيع أن يوضح اإلضاءات ولة فهمها، كمنتجات إبداعية ليست معزإلىالالزمة حولها، وأساليب العبور .عن الفعاليات االجتماعية والفكرية

وإذا كانت األقالم النقدية في المراحل المرافقة لهذا التراكم البصري عاجزة عن مواكبة التطورات السريعة والمضطردة، فغالبا ما كانت تخفي عجزها خلف سلسلة طويلة من اإلحباطات، حاولت أن تلصقها بالفنون

من االتهامات المستمرة بتبعية هذه الفنون البصرية، وليس أدل على ذلك للغرب، والتندر بالمؤثرات العربية على بول كلي وديالكروا وفازاريللي، وغيرهم ممن بتنا غير راغبين بترداد أسمائهم في كتاباتنا كأبطال تاريخيين

يالحظ (يقودون كل مراحل اإلبداع العربي في المجاالت البصرية المتنوعة مقال كاتب تشكيلي من هذه ، وال يكاد يخلو)ن العبرانيينغلبة الفناني

الشكوى، التي ال تشكل أكثر من عجز واضح عن قراءة التاريخ، والسبل التي تساعد على إعداد إمكانات التواصل فيما بين أطراف العملية

أنكر نهائيا الدور الكبير الذي لعبه النص النقدي الغربي ولست .داعيةاإلبألعمال الفنية في الغرب، كما أني ال أبتر عالقتنا بهذه في قراءة ا

-٣٥-

النصوص، أو الفنون التي تم تطبيق العمل عليها أكاديميا وفعليا في أغلب إال أن ما أعنيه هنا أن النقاد والتشكيليين العرب غالوا .. المحامل القطرية

في مصادرتهم للمبدع العربي، تغطية لقصورهم التصويري وإخفاء هم عن االهتمام بمتطلبات الحركات اإلبداعية البصرية في العالم لعجز

العربي، وإذا كان انسحاق مبدع النص النقدي العربي أمام مثيله الغربي في منطقتنا قد تجاوز هذه يمثار نقاش، فإن المبدع البصري التشكيل

تجاوزه لمصائب الواقع الثقافي إلىالعالقة منذ فترة طويلة، إضافة إبداع العمل الفني يخضع لنظام إن. ري العام في الدول العربيةوالفك

وما يتجاهله . الروح الباحثة في كل لحظة من لحظات تألقها وتصورهاالنقد إن العمل الفني ال يريد أن يحقق في أمور الحياة مكاسب تضيف

تريد أن ترسم صورة إمكانات البحث وتوجيه حقائق جديدة بقدر مااه ثقافة العصر، إلغناء لغته وإعالء اقتران األفكار بطبيعته الممارسة باتج

البشرية، لتجاوز وتخطي ما نفترض أننا بدأنا به من رؤى تتجاوز ما يمكن . أن نراه في حياتنا

العمل الفني الذي يجب أن يلقى اهتمام النقد والنقاد إنما تتجلى فأهميةبين الفنان وعمله الفني، أو فيما في اإلمكانات التي يخلقها للحوار، سواء فيما

ما وأعتقد أن األهم هو. بين المتلقي والعمل الفني، أو فيما بين المتلقي والفنانتثيره العملية الفنية بمجملها من حوار فيما بين المتلقي وروحه أو ذاته أو تركيبته، فمن خالل هذا الحوار يلمس الناقد السوية البصرية التي تعيشها

الفنية، وما استطاعت أن تعكسه من قيم ترفد الحياة بطاقة االستمرار الحركات ق،والعدالة والجمال، متجاوزة قلق العصر، وتناقض الفكر واهتراء األخال

بالتأكيد على ممارسة العملية اإلبداعية التي نرغب أن يمارسها النقد من . منظوره وموقعه واهتمامه اإلنساني

القيم اإليحائية التي يقدمها النقد اعتمادا على ما إلى كنا نشير دائما وإذايبثه العمل الفني من إيحاء، فإن المقصود هنا ليس التطابق اإليحائي قدر ما

-٣٦-

الرسالة التي يحملها كل من النقد والتشكيل خارج أطر التعقيد الذي إلىنشير قدم الحوار يكي موهبة متميزة إلىيطال ميكانيكية إنتاجهما، فكل منهما يحتاج

المطلوب منه فلسفيا واجتماعيا وماديا، وبما يحقق صلة أي منهما بمسائل علم أنهما يبدعان الحياة إلىالجمال اإلنساني وقوانينه، وتحليالته، وكل ما يشير

. في محيط ظروفها المعرفية البصرية، ونقدها، وسائل أو حوامل أشمل من الكوادر العامة الصياغة

حرفيات تجمد بمرور الزمن، وال نعيشها للقول بنكهة الهوية، إلى التي تقودألن ما ندعوه الجوانب التحريضية للتصور وإبداعه، اإلشارات التخييلية

التجربة، ولن إلىستكون آنذاك بعيدا جدا عن فضاء االنتشاء بما يضيف نتجه، فردا العمل ، ومإلى النظر ييكون بمقدور النقد تحقيق عدالة المحايدة ف

كان أم جماعات، كما أن الحوار الذي قدمه التصور سيفقد حرارته الدرامية أي أن اللغة التي يمكن أن تضبط العالقة .. وقواعد صياغة إيقاعاته البصرية

فيما بين المبدع التشكيلي والمبدع الناقد ستكون عرضة للتهتك واالبتعاد عن . معالم التصور وساحات االشتغال به

إلى ال يبدو أن هناك صراعا بين التشكيل ونقده، أو اإلحالة لكيوقضايا إيجابية بمواجهة أخرى سلبية البد من اآلخر، إال أن نسيجا واحدا

تناقضهما إلىيفترض أن يجمع كل منهما، فإدانته ال تشكل اآلخر واإلشارة أو مع أحيانا أكثر أهمية من احتساب التعامل مع تركيبتهما المركبة،

خصوصية المذاكرة التي يقتضيها استقطاب المحتوى العام لإلدراك الجمالي فهما قطبان لالستقبال، نقوم عبرهما بتلقي . الذي نحققه عبر أي منهما

وكل ما يعين على التنبؤ واالبتكار ورفد ) البصرية والنقدية(اإلشارة دمها الفنون الطاقات المبدعة، أو الكشف عن الرسائل المخفية التي تق

ل الذي كنت قد أشرت إليه، تي ينطوي في إسارها التساؤل األولشعوبها ال ..من يرى؟ وماذا يرى؟

-٣٧-

كيف : ولعل السؤال األشمل الذي كان على النقد أن يعمل عليه هونرى؟ هذا السؤال الذي يشتمل على التراكم الحضاري اإلنساني،

نما يجيب بشكل تلقائي وخصوصية هذا التراكم لدى مختلف الحضارات إعلى جوانب مهمة في رؤية الثقافات البشرية على مدى األزمان، وال يمكن أن ننفي تجلياتنا في المساهمة بصياغة أطراف من هذه القضية الشاملة سواء باإلبداع أو االبتكار أو التقليد والمحاكاة أو االحتكاك

ها، والوقوف على مشهد والحوار، ولن يعيب مطلقا تسمية األشياء بمسمياتالحقيقة التشكيلية العربية انطالقا من حقيقتها التاريخية والحضارية

.واإلنسانية

والمعالجة البصريةالسرد نمط من التفكير إلى كون، وإلى نتصور أو نسرد، يعني أننا ننتمي أن

الجمعي المتفق على توصيفه، وبقدر تعدد فضاءات الكون تتعدد األفكار إنه يمثل الكائن، ويصوغ ...ضيع التي يسعى اإلنسان لتحقيقهاوالمواوطريقة توليده لتقنيات التفكير التي تعتمد على الروح العفوية وقد تم . مخيلته

من خالل الحدود التي يسيطر بها «اعتمادها على وهم التجلي اإلنساني سم مشترك الكائن على الزمان والمكان لبناء أفكاره التي لم تعد مرتبطة بقاوأهم هذه . محدد، وإنما بقواسم تحقق تجلي الكائن في طروحاته التعبيرية

إلىالطروحات الصورة التي تمكن اإلنسان من تحقيق أفكاره وتحويلها .»محسوسات إنسانية كونية

ما دفع السرديات البصرية األولى للثبات على جدران الكهوف، هذا لبنية الصورة في تجاوز صعوبات والتي عبرت عن اإلمكانات الداخلية

إذ ظهرت منذ ذلك الوقت القدرة الالمتناهية للكشف عما تفقده الروح، . العيش إلىإنها شهادات تمثل الهبة الممنوحة لإلنسان كقيمة تعبيرية، ستؤدي الحقا

-٣٨-

وهو يلج مجاهيل . الذي آل إليه استالبهلحالواالهتمام با" نفيه من عالمه رة، التي بدت حال واضحا لمعالم الحيرة الروحية، التي طقوس هذه الصو

.بدأت مع تعقيدها حياة اإلنسان ليبحث عن حلول إبداعية هكذا استطاعت الصورة أن تفرض نفسها كمنتج، أو مادة لحكي، أو

يسل أي إبداع يعوض الشحنة العاطفية الذاتية التي يفقدها اإلنسان وهو على كهوف الطبيعة، مستمتعا بالحياة الصور من كهوف ذاته لينقشها

بنقوش .. الموازية لوعيه، ليثبتها على هيئة صور تفسر الوقائع التي يعيشهاوكأن اإلنسان . ترسم محيط الكائنات عميقا في الكهوف، وعاليا على سقوفها

يقصي هذا الطقس عن العيون العادية التي من الممكن أن تقع في سحرها، تها، خاصة بعد أن استطاع اإلنسان آنذاك أن ينتقل في أو في دائرة طاق

الشكل الملون، حيث أضحى العصر إلىإبداع الصورة من الشكل المحفور عصر تلوين، األمر الذي حقق للعقل أو المخيلة البشرية أن تحقق

حقائق قادت الثقافة البصرية إلىالتهويمات والتصورات الذهنية وتحولها مستوى تمثيل إلىقاء بالدور التاريخي لهذه المخيلة لتحقيق معنى االرت

السحر الذي ربط اإلنسان بما وراء إلىاألسطورة والحكايات، وما يشير دادهاالطبيعة، بعد أن أنجز صلته بالطبيعة وكائناتها، والسماء وامت

.وتحوالتها الصورية المذهلةوف لتصويرها كما أن انتقال الكائن من بناء الصورة على جدران الكه«

يل والتقدم أكثر في قراءة إنما فعل إمكانات التخيل والتأوعلى جدران الضمير الذات، وتحقيق البنية السردية الخصبة التي حاكى من خاللها بنيته الزمنية التاريخية والخيالية، فكان ال بد من لغة حاملة تستطيع المعرفة أن تؤطرها،

وباعتبار الصورة عالمة تولف . زمانيةوتحدد توجهها بوصف الخيال حركة الدال والمدلول، بين الكلمة والتصور، واالرتباط بين كلمة معينة أو " بين

ليس للعالمة ذلك،ومع . صورة صوتية ومفهوم معين هو ارتباط اعتباطي

-٣٩-

داللة بمعزل عن العالمات األخرى في نظام اللغة نفسه، فهي تكتسب داللتها ونظام االختالفات هذا يتوسع أفقيا ليقطع . الختالفاتمن مكانها في نظام ا

.»سلسلة من الدوال مكونا سلسلة دالةإن «: والحلم والعقل فنتحت عنوان ال )١( جبراإبراهيم جبرا كتب

الفنانين العظماء هم في الغالب رجال سافروا بعيدا في عالم الوهم وعادوا عودون دوما من المجهول، بقصص يحكونها، إنهم مثل السندباد، رجال ي

أثرياء، ويقومون مثل السندباد أيضا بوضع ثرواتهم تحت تصرفنا، إنهم وهم ال يستطيعون مقاومة يعلمون أن رحالت خطرة أخرى في انتظارهم

مقارنة وهم جبرا في المقطع السابق بالنتائج الوهمية عن العالم لعل .»النداءلم، حيث يبدو الوهم هنا بمعنى وحركته، تدعو للفصل بين الوهم والح

) صورة ذهنية عن الشيء(المخيلة، أي الشيء المظنون، ومعناها باليونيانية في حين نرى الحلم بالطريقة التي تجعله . تماسك وبال مظهرأي صورة بال

. الحلمإلىحياة أخرى، وهي طريقة غوغان حين يصر أن اهللا ينتمى ي صورة، وفي سرد الحلم يكون الحلم بعضهم يجسد الحلم في كلمة، وآخر ف

العالم الداخلي إلىانتصار، وبمقدار ما يكون الحلم ارتدادا هزيمة مثلما هو يقتات الحلم على أحشاء المرء قد.. إسقاطا على المطلق المستحيلفإنه يكون

عوالم أخرى أما الخيال، فدون إلىحد اإلنهاك، لكنه يستطيع دفع العقل ة سحب الحياة من الزمن وتثبيتها في العمل اإلبداعي لتكون له قدر" غيره

خالله من التحديق الدائم في منأساسا لتوليد عمل إبداعي آخر، نتمكن الحياة الوهمية التي يبدعها الفنان والتي تتميز بشروطها الخاصة، النائية عن

ا تبقى بينم. األثر الذي ساهم في تشكله، وجعلها بديال مستمرا في خلوده

ورسام، وناقد فهو مؤل) ١٩٩٤ وتوفي في ١٩٢٠ولد في ( جبراإبراهيم جبرا) ١( عهد االنتداب في لحمبيت ولد في األصل األرثوذكسالسريان منفلسطينيتشكيلي،

من الروايات والكتب ٧٠ نحو انتح. ١٩٤٨ حرب بعدالعراقالبريطاني، استقر في .، وقد ترجم عمله إلى أكثر من اثنتي عشرة لغةالمادية والمترجمةالمؤلفة

-٤٠-

الحياة بإطالقيتها واقعة في إطار الحدوثية الفانية بقانون تعاقب األشياء يعمل المرء لينتج ال(حين كتب )١(وتفاصيل الزمن الهش، وهذا دوالكروا

). الفن فقط وإنما ليعطي قيمة للزمن سرد، ويختلف إلى صور، والصور إلى نحاول تحويل عوالمنا نحن

طرة وقدراتهم لتسخير تلك الصور وجعلها مادة للسيالناس في إدراك عوالمهمهل تكون الصورة في : على الطبيعة، المرئية والكامنة، وهنا يبرز التساؤل

موقع مبدعها ومكان ما يوازيها في الواقع بعد أن تنفي األشياء والعوالم . المكونة لها؟

اهد المقصوفة كشةمحل القري )٢( السرد الجمالي تحل لوحة بيكاسوفيثابت على العنف، وكذا صرخة مونش، وإعدام غويا، وآالف األعمال

.الصورية التي حققت بدائل للحياة ومعاداللهاوعصرنا يفضل الصورة على الشيء، النسخة على .. هي العالمالصور

مقدس بالنسبة له وما هو. األصل، التمثيل على الواقع، المظهر على الوجودويتزايد الوهم، بحيث أن . هو مدنس فهو الحقيقةليس سوى الوهم، أما ما

- فويرباخ(أعلى درجات الوهم تصبح بالنسبة له أعلى درجات المقدس لكن هذا القول ال يمثل كل - الصور هي العالم ). المقدمة-جوهر المسيحية

خافيا في الصور المؤلفة لمادة بقىنعرفه اآلن ي الحقيقة، فالكثير مما السردي، إال أن وعي ما هو موضع النقاش والنقد يبقى المادة التي االبتكار ال

أبريل ٢٦ولد في :(Eugène Delacroix)) فرنسي(يالكروا فيكتور أوجين دفرديناند )١(

ومنالرومنطقية المدرسة منفرنسيرسام ، ١٨٦٣ أغسطس ١٣ وتوفي في - ١٧٩٨ متحفاللوحات الفنية المحفوظة في له العديد من . رواد المدرسة الرومنطقية الفرنسية

م ولوحة ١٨٣٠ رسمها عام التي تقود الشعبالحريةمن أشهر لوحاته . وغيرهاللوفرم ١٨٣٤ رسمها عام التيالجزائرياتم ولوحة ١٨٤٥سلطان المغرب التي رسمها عام

أفريقياشمالويبدو فيها تأثره بسفرته إلى .١٩٧٣-١٨٨١ ،)إسبانيا (مالقةولد في مدينة - إسبانيرسام: بابلو بيكاسو )٢(

-٤١-

، مما يجعل األمر منفتحا على الخيال البشري، وتأهبه الدائم يينصاع لها الحكلتوليد النصوص التي ال تعبر عن المتصور إال في حدود الموضوعات ذات

. معانيهالصلة بالمكان والزمان، والتي بتحققها يتم توصيف السرد وتحديد وس، اللسان، العقل، اللوغإلى السرد توحي باإلحالة إلىولعل اإلشارة المحددة

والحوار الالمتناهي الذي توفر الصور الوقود الدائم له لبناء عوالم بالغية .تبرهن عن التجربة اإلنسانية وموروثها اإلبداعي

وقد ال شك أن خطاب السرد يقوم على اإلرسال والتلقي لتفعيل دوره،سعى اإلنسان لتطوير أدوات اإلرسال عبر العصور الوسائطية التي يوجزها

بعصر الخطاب، ونعني به عصر األصنام بالمعنى العام )١(ريجيس دوبريهيمتد من صورة، وهو-eidolonكما تعبر عنها الكلمة اإلغريقية . للكلمة

صر الفن الذي عبة اختراع المطبعة، ويطابق عصر الكتاإلىاختراع الكتابة التي تبدو لنا أكثر وجاهة من( التلفزيون باأللوان إلىيمتد من المطبعة

، أما عصر الشاشة فهو يقابل عصر )الصورة الفوتوغرافية أو السينما .البصري ونحن في صلبه اآلن

عصر لغته األم، فالصنم تحدث اإلغريقية، وتحدث الفن اإليطالية لكلفي البدء كان الالهوت ثم الجماليات ثم . كيةفيما يتحدث البصري األمريمن يقرأ تاريخ الفنون اإلنسانية، يدرك أن كل " االقتصاد، وهذا مرآة لذاك

المنجزات الجمالية إنما هي مقدمة حقيقية على صلة بتخطيط مستقبل اإلنسان والخبرات التي رساتومشاريعه الخيالية، يستعيد عبرها صلته بالتاريخ والمما

سافر . ودرس في مدرسة المعلمين العليا١٩٤٠ولد في باريس في : دوبريهريجيس )١(

ورأى وحدات قتالية في حرب . للعمل في مشروع محو األمية١٩٦١إلى كوبا العام بناء على . ١٩٦٣ عام س في نانسي في، وعاد إلى فرنسا للتدري الفنزويليةالعصابات

جيفارا إلى بوليفيا في تابع. ١٩٦٥، سافر دوبريه إلى هافانا في عام دعوة كاسترو، حاضر وكتب عن الدين ١٩٧١ عنه في عام اإلفراجتم . ، حيث سجن١٩٦٧عام

.والمقدس، درس تأثير تكنولوجيا المعلومات على الثقافة

-٤٢-

إلىبها نحو الحقيقة، باعتبار هذا السعي نشاطا للوعي، يذهب بالفنون سعى . عزلته التي يتأمل من خاللها الحياةإلىاألحالم، وباإلنسان

شك أن تداخل الثقافات وتالحقها والتبادل فيما بينها يمثل خطابا التعديليا بشكل مستمر لوجهات النظر السردية، بما تحمله من إشارات

ات وأنماط لها تصوراتها التوضيحية، وباعتبارها مرجعيات للتحقق ومسارالوجودي، ومضمون السيرورة المولدة للتعبير الرمزي، الذي يقود إلدراك

وكذلك على غرار ما يفرضه الواقع . الصور في وضعها السردي المتخيل والبناء، وكذلك التواصل والقطيعة مع لهدمعليها من تغييرات تتمثل في ا

حاور السرد، باعتباره مظهرا لتبلور الصور وتمثيلها للحالة التخيلية المكونة مللتوازن اإلنساني في خضم األلم والمعاناة واإلصرار على دفع الموت والفناء

.والتواصل مع عوالم الرؤيا واألمل عمق الحقيقة نقر بأن الصورة ثقافة، وتتجلى فاعليتها بقدر ما يمتد في

الشكل المصطلحي إنجازها، وبالتالي فإن ما نعتمده فيها هوعمقها في زمن انتهاكها إلىلمعنى الصورة المطابق لقيمة إنجازها، أو المميز لنزوعنا

للتغيرات األدبية التي اعتدنا ترجمة أحاسيسنا بها، وهي في هذا المعنى الثقافي المشكل لذواتنا، وخاصة حين تهم الصورة بتجاوزلميراثتتجاوز ا

مدركاتنا أو تخيالتنا، لتصنع حقائقها التي تحيد حقائقنا، أو تجعلها قلقة في .معادالتنا الذهنية والعقلية والروحية

كان الصوفيون يزعمون بأن الكتابة سبيل للخروج، فإن ذلك وإذا أمر أن الصورة ليست كتابة جامدة، أو أنها يمكن أن تهدد إلىيستدعي االنتباه

ة، كون المعتقد الثابت أن الكتابة والكلمة واألدب أشكال إلحياء الروح اإلنسانيإذ طالما أن الحقيقة هي ما نعيشه أو ما يستجد في . الروح وبعث الضمير

الذي يقدم رؤياه، ديدالفكر والحياة، فإن الصورة تبقى جزءا مهما من هذا الج ..يتجزأ من المستقبل علما أنه جزء ال

-٤٣-

اختالف بالتأكيد حول بنية هوم السرد هوإن االختالف حول مفالصورة، إذ تتداخل معاني السرد وتتوزع توزع البنى الثقافية والهويات

قفص، بل أن يبقى فضاء إلىوالمهم أال يتحول جوهر السرد . واإلثنياتالجوهر اإلنساني ليستمر في السرد والحكي والتاريخ خارج مساحات الصمت

.تمرار في توليد الصورالتي تنفي إمكانية االس أعتقد أن البقاء في حيز النقاش حول سردية النص والمنهج، ذاكرته، ال

الوهم المتحقق عنه، يمكن أن يعوض عن االختيار باعتباره تخييال، أو واقعاالسرد يعيد صياغة الواقعي . الوراء واألمامإلىمنسوجا يمتد في الزمن،

ي ذلك كل األطراف المتعاملة معه، والمشاركة والمتخيل لتشكيل األحداث بما فكما في حالة الرواية أو ما تقوم به من تمثيل مفهومي . في وقائعه وأوهامه

ورمزي لتحقيق رؤية يتم من خاللها اكتشاف العالم، واكتشاف النص ذاته عبر النقد، ليس نقد النص أو إلى جانب بلورتها إلىالصور المكونة له، والتي تحتاج

موعة الصور المتحققة، بل نقد البنى األساسية المكونة لها، بما في ذلك البنى مج .واألنساق االجتماعية المولدة لألفكار، هدف الهدم والبناء والتشكيل

إن الصدمة التي تقدمها الصورة بالشكل المكثف واللحظي تضعنا وجها "ة على اقتراح لوجه مع التاريخ المضغوط في لحظة متناهية في القلة، ودال

االنفصال عن المشهد األدبي السردي الذي يستعير التراتب والتتالي لتحقيق البناء المعقد للحضارة، مما يزيد في لمس نبض يخبو ويخفت في أغوار الحركة اليومية المتفجرة في المدينة الحديثة، والتي ال يلم شتاتها إال صورة

.كاشفة تؤطر المستقبل في لمعانهاأكون ملما بفلسفة السرد وحاضره القلق، إال أن اإلنسان الذي حقق ال قد

وأساطير مالحمجسده في كلمة، وحلمه في موضوع، وجسد صراع المثل في إلىاستبطنتها الكلمات والقصائد والحكايات باعتبارها مشكالت للغة تتحول

خزان واسع فقدان( لغته في هذا العصر، وهذا يعني هذا اإلنسان بدأ يفقد. صور

-٤٤-

ال محدود من المعاني المشكلة للذات البشرية، إذ كلما تصاعدت سلطة الصورة فقدت اللغة أحد أدوارها األساسية، وحاضر الصورة ال يطرح أموره للتداول، بل إن عالما من السيطرة واالستبداد يرافق سطوع صورة الصورة، التي تحيل

ثقافة إلىحيل الثقافة المطبوعة كلمة، عبر مواجهة خطرة ت الإلىالكلمة من قالإنه االنت.. إلكترونية جامعة تغير معالم المعرفة ووسائل نقلها وإنتاجها

الصوت في الكلمة يجعلها صورة خرساء، لكنها بالخبرة غياب . األداةإلىالغاية ترثي صالبة الصوت كمشكل تعبيري ألحوال المخيلة وسحرها، حيث يرتب

لرمزية للكلمة، ومن ناحية أخرى فإن التطور النظري لبنية الصوت المعاني ا صورة الكلمة، فقد أتقنت البشرية إلىالقراءة ال يمكن إخفاؤه نهائيا ونحن ننظر

صياغة الصوت المرافق للمعنى، وسيكون أمرا عظيما أن تستطيع الصورة إلغاء لدى األجيال هذا اإلرث اإلنساني رغم ما يشكله هذا التصور من فزع ورهبة

).ي مساحة شاسعة بين الجنون والعقلالواقعة ف.. اآلتية تلعبه الصورة كبديل حي للكلمة، يؤكد التركيب الخاص الذي إن الدور

لهذا الدور في إقصاء اإلنسان، بجعله يعيش حالة الحياد من عالمه، حيث يبدو قصيها، فكل شيء عرضا يخاطب اللذة أو ي) القريبة والبعيدة(لم بأحداثه العا

قابل لالستعراض، الحدث، الخبر، الموت، العنف، االستعمار، الجنس، الجمال األحوال، نحن نحاول أن نستفهم، نأمل، بكل. وغير ذلك من الثقافات الجزئية .غير متوقع للتعبير عن قلق وخواء مما هو

-٤٥-

احلقيقة الفنبؤس

نون البصرية العربية يستحق من أهمية الجوانب النظرية في الفالتحقق تابات الصحفية واألعمال النقدية الجهود النظرية واآلراء المختلفة لكل الكإلىالعودة

ومختلف النصوص التي أبدت التزاما بأنواع الممارسات الفنية في مختلف الحقب طرحته هذه الفنون والفترات كونها تميز اشتغاالت تخصصية على صلة بحقيقة ما

طوت عليه اهتمامات الفنانين من جدية التعامل مع األفكار واإليديولوجيات وما انيدفع لإلجابة على التساؤل عن معنى والمذاهب والمدارس بصورة عامة وكل ما

الحقيقة التي جهد الفن العربي إلبرازها، وهل استطاعت هذه الكتابات بمجملها الفن عبر األصداء النظرية التي وعلى امتداد الجغرافيا العربية أن تفسر كيف يعمل

أحاطت باشتقاقاته المحلية كمدخل لتكوين بنية نقدية لألفكار البصرية التي تم تمثلها أو تقليدها أو ابتكارها بحيث يمكن الرجوع إليها على مستوى البحث في األسس والمفاهيم لتفسير النموذج أو تحليل القضايا األساسية التي شكلت في فترة من

.فترات اهتماما خاصا له لغته المستلة من هذا النوع أو ذاك من هذه الفنونال

لغة الثقافةالفنون أغلب الدراسات المنتشرة في تضاعيف الصحف والمجالت تقدم

أدبية في عمومها بشأن اللغة النقدية المهتمة -والكتب خلفيات توثيقية ثقافية بالدعاوى الرئيسية المعاصرة أو بتعريف القارئ أو متلقي الفنون البصرية

التاريخية للفنون على اختالف توجهاتها محاولة استنباط لغة تفسر المعاني البصرية وفق حسابات تراوح بين العقل واألحاسيس والعواطف التي غالبا

والتي قد تصل نيةتكون مخبوءة في األغراض المباشرة للفنون اإلنسا ماوعي والقبول أو التكيف مع فصول تطورها حدود السحر في استقطابها لل

-٤٦-

القيمة سعيا لتحقيق المسؤولية الفكرية التي تقتضي التدريب إلىمن الزيف حية تكمل باقي إنسانية الفنون ونقدها باعتبارها ظاهرة إنتاجالمستمر على

الظواهر المنتجة للحضور الفكري اإلنساني الذي يحتاج باستمرار لحوامل يمكن استبعاد أطرها الفلسفية التي منها اللغة البصرية التي اللغوية مركبة و

تبني السجاالت واالستقصاءات المعرفية والتمثيالت المعنوية بعضها فوق أسس تتيح الستنباط النظري منها كخالصة نصية تشتمل إلىبعض للوصول

اخلية على المعايير التي تجعل الفن فنا في قراءاتنا له وتحليلنا لبنيته الد .وعالقته بجنسه وما يتجاوز هذه الصلة

أن الفنون البصرية تمثل اليوم لغة الثقافة األشد احتياجا لبناء الشك خارج الحيز البصري، للتعبير عن إلىوتوضيح المفاهيم التي قد تمتد

المزاعم التي تطلقها الفنون القائمة على المشاركة بالمعاني والحس والفهم نظريات التي تتجمع حولها تطلعات المتصارعين إلنتاج واألفكار، وبال

الصور القادرة على تمثل العصر وأفكاره إنتاجالصورة، وقبل ذلك تقنيات حيث تتنازعها رصانة الهدف وجدية تلمس الواقع المنقسم بين الماضي

الحقيقي والبديل عنه، .. المادي والمثالي، الملموس واالفتراضيضر،والحايسوق اإلبداع باتجاه ابتكار نظريات للمفاهيم مختزل وكل ماالمفصل وال

الكبرى التي عليها أن تجيب عن أسئلة الفن المعاصر، واألطر األكثر أهمية ندعوه إعادة وحساسية التي على النقد أو التنظير طرحها باالعتماد على ما

رق لألصول التفكير بالمتحقق أو المتطور من الذات الفنية العربية سواء بالتطفالمهم ليس التعليق على المنجز، وإنما االستنتاجات الحية التي . أو بتجاوزها

المقدرة أنجزتهتقلب المفاهيم الغائمة، وتقود جمهور الفن للتخلي كل مرة عما اإلبداعية، لتدفعه في جحيم االختبار والتجريب باالستعاضة عن المعروف

.والمدهشبالمجهول وبتعليل الصلة بين الجميل الواضح أن النصوص التي شكلت خطاب النقد الفني لم ترق من

لتشكيل النموذج ولهذا ستستمر في ابتعاثاتها اللغوية المؤقتة كخطاب تركيبي

-٤٧-

يفرق الرؤية عن داخله كنموذج توصيفي بأغلبيته الإلىيتجه اهتمامه ي تعيد بناء اإلبصار في حين كان عليه استنباط لغته النقدية من الحرية الت

سواه التصور وفقا للتحديات وإجراءات التحول األكاديمي كرمز يخصي مامن الخطابات اإلبداعية وتجعل منها منجزا يستحق التهكم وأحيانا اإللغاء بما

األكاديمية ويجعل فنونا كالعفوية مثال خارج المراجعات األحكاميعزز بالوقوف على أعتاب اللذة التي النقدية األمر الذي يؤكد اغتيال الرغبة

حقيقة النقاش الموسع الذي يطال العالقة فيما بين إلىيولدها الفن واالنكفاء يتم إنجازها قبل إنجاز النصوص النقدية واألعمال الفنية التي غالبا ما

النصوص المنتجة للغة الفن بصورتها اإلطالقية والتي تستعير وجودها من جاالت التي يحققها المبدعون كافتراضات مكانية أو إمكانات التنظير للم

زمانية تقدم دعما مميزا لعوالم الفنانين وشعريتهم المتحررة من سرديات .الفن وأنساقه المنجزة والموثوقة

كينونة النص.. البصر التأكيدات النصية التي تفترض استخدام األعمال الفنية أو التجارب إن

عالم الوهم من خالل إلىة بنيتها البصرية البصرية كحقول تعيد اللغاالفتراضات الماورائية التي تتجاوز أي صلة بمادية التجربة ليبدو القياس ليس على المباشر المنضد لونا أو كتلة أو ضوءا أو صوتا وإنما على غير المباشر الذي تستكشفه اللغة بتعالي المفهوم على المصطلح والبصيرة على البصر،

الكينونة النصية في وجودها كموضوع نقدي تحتمل أكثر من اعتبار وكأنللزاوية التي على الفن الوقوف فيها لعمومية االحتماالت اللغوية المنبثقة عن المعنى ولكون النسب المتبادلة بين الفن والكتابة عنه فلسفيا تفترض أنكار

يجعل التساؤل الكثير من القضايا من محتويات كل منهما وهو األمر الذييجعل اللغة قادرة على استيعاب العالم أو الظاهرة ممكنا عن مقدار ما

الجوهرية التي يتضمنها العمل الفني كحتمية خيالية تمنح الوجود معناه والذات . غير محدودالماصيغتها الزمنية باعتبارها ع

-٤٨-

وعة جوبهت الكثير من الكتابات أو اآلراء النقدية بانتقادات متنلقدوذلك لالعتبارات األساسية التي تبنى وفقها النصوص النقدية منهجيا بمقابل النصوص الصحفية أو تلك التي تأتي تلبية لتدليل أو تعريف بفنان أو معرض أو عرض مبتسر لتجربة ليبقى اإلشكال قائما في التساؤل هل تكون

أم لداللتها بالتوافق مع هذه المجابهات أو االنتقادات للكتابة ذاتها أم لمحتواهاوبكل األحوال فإن المقاصد النقدية تؤكد مقوالت .. محيطها وزمنها الفني

الكتابة بصورتها العامة خارج التجربة المباشرة التي تحيل إليها عادة إلى معنى محدد أو إلى فيها باعتبارها النصي يمكن تمييز اإلحالة لنظروبا

حداثة النص إنما تتم عبر تعدد إلىرة مجموعة من المعاني أي أن اإلشا المعنى المتعدد الذي يسرد الثيمة البصرية إلىالمعاني بتفكيك المعنى الواحد

إيماء تجريدي إلىأو التشكيلية التي تحلل نظاما أو بنية بصرية وتحوله لغوي مشبع بالتصورات المنهجية المعاصرة والصريحة للفن اإلنساني الذي

سه في أية كتابة أو نص على أنه قيمة مغلقة أو أنه بنية يرفض توطين نف .محدودة صافية

األفكار وما تزال هي الميناء الذي ترسو فيه التصورات اإلبداعية كانت المصطلحات التي اعتدنا قراءتها في النصوص الغربية وعبر رجالمؤقتة خا

ية تعتبر أطلقه النقاد وكتاب الفن واألكاديميون من توصيفات لغو كل مامؤطرا أساسيا لمناهج تاريخ الفن فيما لم تستطع النصوص العربية أن تؤطر أو تحدد تصديراتها اللغوية النقدية في المجال البصري والتشكيلي بصورة غير ملتبسة على األقل أو موثوقة في حدودها المعقولة كونها تحاول أن تقدم

ة في مجاالت العرض والكتابة والنقاشات تحديدا دقيقا للتعابير الثقافية المتداولكان عليه أن يسهم في تحديد نظري للفنون المؤثرة والندوات النوعية وكل ما

القطرية الفاعلة في المشهد البصري العربي نونالعربية أو بأقل تقدير الفويأتي هذا التراجع في إطار االنشغاالت المحلية بإنتاج نصوص غير تشاركية

العربية أو أن تحقق في تطلعاتها منهجا جماعيا يستجيب على عن الفنون

-٤٩-

األقل لتطلعات النقد الجديد الذي حققته وسائط الميديا واالتصاالت التي أضافت فضاءات معنوية وتقنية للنصوص النقدية بنبرتها اإليهامية وطاقتها

ف معاني االلكترونية التي تفلسف وحشة اإلبداع في انقالباته السريعة واختال .العمق واالختزال التي كانت تغذي السجاالت حوله فيما سبق

عن الفنون ت أنه بطريقة المقارنة البسيطة بين نصوص المترجماالواقعالغربية وتاريخها والنصوص المحلية والعربية يمكن مالحظة اختالف البنى الختالف الخطاب والقارئ من جهة والختالف إمكانات اختبار المعارف البصرية المحددة للمفاهيم العامة المستخدمة والتي تجري دراستها أو إحياء االنطباعات حولها باعتبارها جزءا من الحقيقة المعاشة ومن آليات التركيب الثقافي التي تقدم دليال حيا عن اللغة البصرية المعاشة التي يتم استقصاؤها من

لمتجاوز للواقع الذي بنته اللغة السحر اصياغةقبل الكتاب والنقاد إلعادة فما يحيل المزاعم . التصورية والتي يشكل الفن أحد أهم أركانها االفتراضية

أفكار عامة أولوية االكتشاف وتحقيق فرضيات الكتابة التي تبث إلىالخيالية المعرفة من خالل الرموز ذات الدالالت التاريخية مرة والدالالت المعاصرة

ان بصري متعاطف بشكل قوي مع العواطف الداخلية مرة أخرى عبر لسبالغة التأثر بالسياقات البصرية الواقعية ذات المعاني التبادلية والتي تحدد مفاهيم تمكن الكلمة أن تحل محل الشكل في أغلب األحيان بالمعنى النقدي

التي تبني المفاهيم اللغةالعام من خالل استيعابها للمفهوم وفي إطار نظرية العالم المرتبط دائما بالحقيقة أي بصورة الحقيقة الفلسفية .. وتنظم العالم فكريا

المقترنة بوعينا لها وبالممارسة التي تجعل معناها في كل مرحلة أكثر .وضوحا واختالفا وارتباطا بما يدل عليه

تشير إليه الكلمة فعال في صميم الواقع وفي الحقيقة هي ماوألن فإن اإلحاطة بها تبقى رهن توسطها هذين العالمين الفسيحين مركز الفن

كمعنى يستكمل اكتماله الشعري باستمرار بوصفه المعرفي البرزخي الذي تحاول أن تولده يضع الكتابة بمواجهة ذاتها ومكنوناتها الفكرية وبكل ما

٤م -بؤس املعرفة

-٥٠-

على بنية الحقيقة ويعمق بؤسها لغموضمن تحققها اللغوي الذي يضفي اامن مع التبدالت التي تطال المفاهيم المنتجة والنهائية التراكيب المتز

اللغوية التي تحاول باستمرار أن تعيد تشكيل العالم على الطريقة التي لحقيقة في الفن بتمامها وكمالهانهواها أو ترضينا دون أن يمثل ذلك ا

فبعض النظريات تقول إن الحقيقة شيء تنتجه عالقات القوة وأن المعنىأي معنى بات قابال للتأويل وفي هذا اإلطار قد تبدو كل نصوص تاريخ الفن نصوصا هامشية بل قد تبدو نصوصنا المعاصرة تعيش حاالت انفصام عما تنتجه فنوننا المعاصرة التي تحاول أن تبدع لغتها المختلفة في إطار

ن أن عام وفهم جديد للحقيقة المثالية المقوضة بالرغم منسانيتغير إتزال موضع شك التجارب الجديدة لم تحقق إال انتصارات عارضة ما

.الحقيقة ذاتها

-٥١-

بال حقيقةفن ال

جزءا مهما من الكتابات )١( الدراسات النقدية للفنون البصرية المحليةتشغلاإلبداعية النقدية وإن لم يجر دمجها فيها في كثير من الدراسات التي تعرضت للنقد

ابات النقدية في سورية، وقد يكون لهذا التغافل إيجابياته إن لم نتطرق أو الكتلسلبياته، فما جرى من استعراض لسلبيات الخطاب النقدي في الدراسات والتحليالت الثقافية طال بشكل من األشكال األسئلة األساسية التي كان على النقد اإلجابة عليها

والمعرفي وصلة كل ذلك بمحلية األسئلة من خالل دراسة الواقع الثقافي والنقدي . االجتماعية وطبيعة الفرد والمجتمع

كنا على اتصال معرفي بما حصل في العالم منذ منتصف القرن وإذاالماضي على وجه التحديد وباالنقالبات التي طالت الحداثة األوروبية وهي

قافية، فإنه من تدبر في الفكر الغربي محدثة متغيرات لغوية ومنهجية فكرية وثجرى في عالمنا العربي خالل الحقبة ذاتها عبر الصعب بمكان مقارنة ما

التمثيالت التي كان على الكتابة الوصول إليها إلحداث بعض االنقالبات في العقل الجمالي العربي على وجه الخصوص إن لم نقل في اإلطار يةالذهن

الناقد وبالمثل يلعب الناقد دور الفنان في الصاالت الفنان في سورية يؤدي دور )١(

. والمؤسسات الفنية والثقافية لذلك ظهر شبه غياب لما يمكن تسميته النقد الفني الحقيقي مجلة الحياة التشكيلية التي مازالت وزارة الثقافة تصدرها منذ بداية ساعدت وقد

النقدية في سورية والدول ثمانينيات القرن الماضي بشكل فصلي على تطوير الحركة العربية بفضل الكتابات المتخصصة والدراسات الفنية والجمالية التي أبرزت أسماء عدد من الرواد وسلطت الضوء على تجاربهم واتجاهاتهم الفنية حتى غدت إلى جانب كتابات عدد قليل من الباحثين المرجع الوحيد للبدايات الفنية في سورية عبر تكريسها

. الفنية والنقدية لجيل الروادرةالذاك

-٥٢-

في اآلداب أو الفنون أو سواء-الفلسفي بصورته الشمولية ولعل مرد ذلك غياب التجريب والبقاء في إسار التقليد وهما مفهومان متعارضان -العلوم

المنتج النقدي المعني ولهذا فإنه لم إلىفي حقيقتيهما نظريا وعمليا إضافة يحقق النظرية التي تجعل الخطاب النقدي الراهن متداوال عبر الفضاءات

و أن يكون حالما بموقع أكثر انقالبا مما سبقه بفعل أ. التأويلية لتلك النظريةتطبيقه لشروط كان من الممكن أن تبتدعها إمكانيات نقد النقد وتصوراته

التي كانت تمحو ذاتها باستمرار في الضفة قافيةالعامة عن النظريات الث مادة تراكمية أدبية وفنية إلىالشمالية من العالم مجددة وجودها باالستناد

شكل خطاب النقد والتنظير والتفكير الستقصاء المغامرة العقلية في بحثه عن تيمكن أن يتكون إال عبر الثقافة التجريبية المتوازنة التي تجديد المعنى الذي ال

. يمكن أن تحدس بحقيقتها فنون معاصرة تتسم باإلفراط في واقعيتها هو جزء من إلى اليوم الدعوة

أن مصطلح إلى هذه التوجهات، إال أنه البد من اإلشارة الدعوات العولمية لمثلالواقعية الذي جرى تداوله بكثرة وإفراط في القرن الماضي هو غير المصطلح

لهذا فإن الظروف المحيطة بالمصطلح . بعد الحداثة اليوم في فنون مالمستخدما التي لم يعد باتت ذات جاذبية مختلفة تربط عيوب اإلبداع والفن بنظرياته السابقة

يمكن من خاللها باإلمكان تفسيرها إال باعتبارها نظريات محبطة لإلبداع الفالتجربة الحياتية الجديدة تقصي عن التفكير . تأويل االشتغاالت الفنية المعاصرة

القيم الزخرفية والحواشي المجانية للذات الحالمة وباتت الشكوك في اإلرث ر الشعور بحرية التحرك في المصادر المعاصرة الجمالي اإلنساني قائمة بمقدا

الفن وحسب، إلىيدعمها من تقنيات استجدت لتغير في النظرة، ليس بكل ما صانعي الفن من أمناء المعارض الذين أقصوا النقاد عن لعب دورهم إلى اوإنم

المعروف وأضحى من يعطي التحديدات لمعنى الفن وتعريفه التجار وأصحاب عات الفن التي أنتجت بسرعة الوسيط الثقافي الذي يلعب دورا وقاداتالمزا

تنسيقيا وفقا للمصالح المترتبة من قبل المؤسسات الثقافية والفنية المحدثة، والتي . أعادت صياغة مفهوم المرجعيات والحدود ومفاهيم الفنون الوطنية

-٥٣-

اغة الذي تدخلت النظريات العلمية ونتائجها التقنية بصيوبالمقدار للثقافة االجتماعيصورة الفنون المعاصرة فإن منطقها التأويلي قد عدل الفهم

يفسر الكثير من الدعوات الفكرية التي باتت ترى إن والفنون، وهذا ماالواقعية ليست موقفا فلسفيا يتمتع بشعبية في الوقت الراهن، وألنه اليمكن

ية والتشكيلية العربية كأن نطلق صفات على االشتغاالت البصرنحتى اليوم أنقول إنها تمثل حركات فنية أو مذاهب فإن التطبيقات النقدية اليمكن أن تؤدي

. إطالق مصطلحات تشتمل على القواسم المشتركة تاريخيا وفكريا وفنياإلىإال أنه وفي نفس الوقت وبالرغم من سيادة مفهوم القطيعة فإنه اليمكن الجزم

لتقصي واالكتشاف التاريخي والفني بعد توافر المعلومات بانتفاء إمكانية االالزمة في هذا اإلطار لتحويل المقترحات الثقافية التراثية في مجاالت الفنون

. امتيازات تخرج الفنون المحلية من أطرها الفردية التقليدية إلى البحث عن كيانات تشكيلية أو بنى بصرية يعين كثيرا في إن

المنتج الفني أو سير الفنانين (قدية، وال أعني بالبنى البصرية التوصيفات النوإنما يطال األمر البنى التحتية للفنون بما فيها المؤسسات ) وتجاربهم فقط

إلىهناك مما يقود ماإلى... واألكاديميات والجماعات والفعاليات والمراكزلتفكير دعم إمكانات التفكير البصري، أي الوجود الحقيقي لكيانات ا

واستخداماتها وتأثيراتها الحفرية في الثقافة والوجود، خاصة أن العالم بات فهو سريع الزوال والتبدل بتبدل الذوات اإلبداعية . يتغير بشكل لحظي

من جهة متواصلللموضوعات الواقعية التي تتفكك باستمرار بفعل البناء النتجا البد من تصنيعه والهدم المتواصل من جهة أخرى للثقافة التي أضحت م

واستهالكه وتجديده في إطار العرض والطلب الذي تقوده شركات ومؤسسات أخذت على عاتقها توجيه العالم وذلك المتالكها اإلمكانيات التقنية الحديثة

.والدعم المصرفي في عالم مازال غير متكافئ القدرات واإلمكانياتبداعية أنها بمواجهة الذات اإلإلى في اإلشارة الصريحة والمهم

المزاج اإلبداعي دائما وفي مختلف الظروف إنما تحاول جاهدة الحفاظ

-٥٤-

على مكونات الهوية والخصوصية، وبما يجعلها مادة للشحن الموقفي التي تجعل منها نوعية ألهميةيمنحها ا والعاطفي والقيمي أي كل ما

قياس العديد من األمور ومعيارا نقديا في المفاضالت التي يجريها المجتمع لبما فيها صراعاته ورغباته ومرجعياته المحددة لتجربته في الحاضر باعتبار أن وسائل التعبير المختلفة ومنها الفنون البصرية مادة لسبر تطور األفكار وبناء التصورات الجمعية عن عدالة الزمن أو قسوته وعنفه ولهذا

إنتاجالتي عبرها يتم التعبيريتم التركيز باستمرار على مفهوم حرية القوالب الثقافية التي تمثل روح المجتمعات من جهة وتفعل مجاالت االتصال فيما بين أفراد المجتمع الواحد وفيما بينهم وبين المجتمعات

أخرى بغض النظر عن مدى التوافقات التي يمكن أن ةاألخرى من جهلفة والتي يأتي على رأسها تنشأ عن هذا التفاعل المكثف في جوانبه المخت

. التفاعل المعنوي والوجداني والذهني البحث عن كيانات أبداعية ضمن مفاهيم العولمة قاد الكثير من إن

المراكز المالية الدولية للتخطيط ووضع االستراتيجيات التي تجعلها مراكز قطاب القوى المتخصصة في المجاالت المعرفية المختلفة وأن تكون تاس

استتبع ذلك عا فاعال في تقديم الخدمات التقنية المعرفية والثقافية ماموقالتحكم بآليات اإلنتاج اإلبداعي وتسخير رؤوس األموال لتشكل غطاء فاعال

تغطي مجاالت االبتكار الفني العالمي بتسيير توجهات التيللسوق الفنية يدة من الشرق الفنون المحلية نحو المدن التي تتمركز فيها النخب الجد

والغرب والتي تضع قواعد اللعبة الجديدة للتكتالت الثقافية والفنية التي التعتمد على قوة الموروث وإنما قوة التدفقات المالية التي توجه األسواق العالمية بما فيها أسواق الفن التي انفتحت على المفاهيم الجديدة ونقلت بذلك

العديد من مواقع القرار االقتصادي التي لىإنشاطاتها من مواقعها التقليدية أي مواقع التنافس والتوتر الخفية التي تحجب بصراعاتها .. أشرت إليها

.إمكانية االستقالل الثقافي المحلي

-٥٥-

يعفي المراقب من سبر الحاالت الجديدة إذن في المحصلة النراه مامعرفة األسباب التي بشكل فردي أو عبر اللجان الفنية أو الثقافية التي عليها

مضاعفة االنسحابات اإلبداعية من ساحات اإلبداع العربي بمقابل إلىتؤدي تمتلك تاريخا فنيا وإبداعيا لكنها استجابت بشكل كلي صعود أسماء جديدة ال

لشروط السوق واختيارات الصاالت واألسواق الفنية ومختلف القوانين ة الملحوظة التي تجعل األمان المالي التسويقية في إطار االحتكارات الفنيتسجله العقود المفصلة والطويلة التي لفنانيها في مقدمة أولوياتها وهذا ما

بهذه المؤسسات التي تجيد اختياراتها في إطار الخطط نتضبط عالقات الفناني العنوان إلىالعامة التي تجمعها بمثيالتها من المؤسسات والتي تشير بصراحة

مهما تفرعت الطرق الموصلة إليه أو تعددت ) تغيير صورة العالم(األساسي المصالح االحتكارية لإلبداعات الفنية والتي تتعدد برامجها وأنشطتها في إطار الحرص على النوعية ومواصفات القيمة الفنية المعاصرة التي تؤهل منتجها

ظروفه لالنخراط في الكيانات األشمل ذات الصفات الكونية وهو طموح له بامتالك إمكانية االتصال والتعريف لمراكز اإلقليميةالتي تسعى إليها ا

بمجموعاتها بشكل احترافي متطور ومن خالل األقنية اإلعالمية والنشرية المختلفة التي تغوي بخبراتها وأولوياتها مقتني الفن سواء كان متحفا أو أفرادا

افسي حول الفنانين النجوم طرحا يجعل الحراك التن أو مؤسسات مالية وكل ما .مشتركا الستقطاب رعاة أسواق الفن ومن ورائهم مقتنو الفنون المعاصرة

هذا اإلطار أين يمكن تعيين موقع الحقيقة؟ ومن المعني بها؟ بل مافيهي هذه الحقيقة بعد أن تبدلت األمور وتعددت األفكار واألساليب التي تجعلها

. هدف الفن ومبتغاهيبدو من المراجعة لألعمال الفنية المعاصرة أن القلق اإلنساني ماىعل

المزيد من الحريات للتعبير ولتوفير المناخ إلىالذي يقود اإلبداع بات يحتاج الذي ينمو فيه الفن، ويمكن للمؤسسات المحدثة إعادة هيكلة الفن دون المزيد من

لهذا . العام والمعايير المحددة لهالتدخالت بما ينتجه الفنانون، أو بنوعية الذوق

-٥٦-

تتمسك الحقيقة بالحرية، ويدعم ذلك من هم قادرون على تحديد معنى الفن أعني نقاد الفن وكتاب الزوايا التخصصية في واالستحواذ عليه، بالتأكيد ال

مجاالت الفنون، وإنما أمناء المعارض والقيمون والمنسقون الذين يحددون قيمة خططون الستثماره في عالم التجارة التي يرى جوويست العمل الفني، وي

في عالم التجارة التي «في كتابه الفنون واآلداب تحت ضغط العولمة )١(سمايرزأصبحت الفنون البصرية والتصميمات مرتبطة بها ارتباطا وثيقا تلعب البنوك

بتمويل وقاعات العرض دورا رئيسيا فقد اعتادت القاعات على أن تقوم البنوك مشترواتها، كما كانت حتى منتصف التسعينات تقدم لها القروض دون قيود،

.»)٢(وبعد ذلك تقوم قاعات العرض ببيع األعمال الفنية في صاالت المزادتكيف اإلبداع مع آليات السوق .. إذن قضية معاصرة بامتيازالتكيف

بها لفهم هذا الكونية بشكل جوهري، وقد اليكون النقد بالسوية التي يرقى التكيف ومعاييره مابعد الحداثية، أو استيعاب معنى الثقافة الموحدة وإشكاالت التزامن الثقافي الموسوم بالسطحية والمباشرة والضحالة التي تحدد إمكانية صلة الحقيقة بالواقع، أي واقعية التجانس الفني المبني على التداعي الصوري

سرديات بصرية متحولة تتحكم بها .. العقلالحر، واألفكار التي اليضبطها وبحكاياتها قوى ميديائية متطرفة تتجاوز نفسها لتحقيق أعلى قدر من التواصل الواقعي الذي أشرنا إليه، المرتبط بإعالم تفاعلي وجماهيري يمتلك حرية

أقصى الحدود في بعض المواقع الثقافية المروجة له فيما نعاني إلىاختياراته قع العربية حتى اليوم من محدودية التعبير وتقسيم المعايير تبعا في الموا

لشروط محلية مازال الرسم او التصوير ممنوعا في مناهجها الدراسية، فيما بعد حداثية تقيم بيناليات وأسواق دولية للفنون تراعي فيما تراعيه مااكزالمر

Utrechtكلية(أسناذ متخصص في العلوم السياسية وعالقتها بالفنون : جوويست سمايرز) ١(

له (UCLA- Los Angleles) بقسم الفنون والثقافات العالميةائروأستاذ ز) هولندا فكرية بالشأن الثقافي وحقوق الملكية اللخاصةعدد كبير من الدراسات واألبحاث ا

-طلعت الشايب : ترجمة- الفنون واآلداب تحت ضغط العولمة -جوويست سمايرز )٢( ٢٠٠٩الهيئة المصرية العامة للكتاب

-٥٧-

تعبيرية االنفجارية التي القيم والتقاليد، وتحظر مشاركة األعمال ذات الصبغة اليرون أنها تلوث الواقعية بمفاهيمها عن الحرية، فتضيق بذلك أقنية التعبير، وتشح األفكار التي عليها أن تنطلق في مواقع وتتوقف في مواقع أخرى، وهذا

فيما بين المنطلقات التنظيرية . اإلبداعييمكن دعوته حضيض االنسجام ما والواقع المتردي الذي تكثر األمثلة فيه عن منع عن حرية المفاهيم الجديدة،

وإذا كانت . مشاركات الفنانين في األنشطة والفعاليات، وبخاصة الدولية منها الفنية مرتبطة بشكل وثيق بسير وحياة مبدعيها فعال، اإلبداعيةاألنواع

وبزمانها اإلبداعي الفسيح، فأي زيف تمارسه فنون هذا العصر؟ وأية حقيقة إلىن القبض على جمرها في أحوال السلع الفنية المنتشرة التي تتحول يمك

أشياء عادية تماما؟ كالنظرة البلهاء الخالية من الرغبة التي بتنا نلقيها على .الطبيعة من حولنا، وأية تحوالت باتت تطال النقد؟

التبشير بصفته فعال : وظيفته األولىإلىمع هذا التحول يعود النقد «. ا، ورعاية العمل الفني من جهة التأكيد على وجوده الجمالي المحضممكن

لمثل هذه العروض والوكما أرى فإن المدن التي تخصص الكثير من األم تزيين المدينة كما قد يتراءى للبعض، إلىتطمح إنما ال،)١(العامة والدائمة

ء من هذه المتاحف والقاعات الفنية المغلقة، جزإلى جذب الجمهور إلىبل المهمة النبيلة يقع على عاتق الناقد، فهو الذي يزيح الغبار عن األجوبة

وهو الذي يحفز خطوات ي،االستفهامية الني ينطوي عليها الصنيع الفنالجمهور للتقدم في اتجاه ما غامض وملغز ومحير، وهو يهب العمل الفني

يظهرون نفورهم أحيانا معنى األيقونة، على الرغم من أن فناني عصرنا حقيقة ويدفعون بنا للتسليم بأنه فعال ال »)٢(من هذا المفهوم القروسطي

.ممكنة في الفن

يشير الناقد فاروق يوسف إلى معرض البرازيلي أرنستو نيتو في كونست هال بمالمو )١( ٢٠٠٥السويدية العام

فاروق يوسف-تدرجه مزاج تخيلي يبحث عن سلطة تس-النقد الفني )٢(

-٥٨-

السائبة الثقافة.. العربي التشكيل

المثقفة، الفئات بين فيما والعتاب اللوم تبادل العربية األقطار في يجري الفنية، الحركات وجهت إلى تشير بوصلة بوصفه النقد وظروف عامة، اإلبداع حول

تدور ولهذا. إبداعية ال العمليات جوانب من وغيرها. والفلسفية واألدبية استمرار سبل لمناقشة المهتمون ويدعى المستديرة، الموائد وتؤلف الحوارات،

متهم األخير وأن خاصة لمجرياتها، النقد مواكبة وإمكانية اإلبداعية، العملية موجود بأنه يقولوا لم إن المبدعين، آراء أغلب وفق الغياب بل ال بالقصور، االستقاللية عدم وبالتالي. والقطرية والعصبوية، والشللية، بالمزاجية، ومحكوم

. واالنطباع السرعة لمعايير والخاضع التأمل، عن البعيد النقد كونه يطرحه، فيما بيلس على التشكيلي اإلبداع مجال في واضحة إعاقة إلى أدى الذي األمر

المنهجية توجهها في يعنها ولم التحليل، عن ونأت بالتوصيف، فالتزمت الحصر، المتخصصة، المعاهد لغياب العربية المنطقة في النقدية الحركة افتقدتها التي

.الجانب بهذا تعنى التي الفنية واألكاديميات

تجريبية مشاريع منذ فني شروعبم توجهها تبلور أن العربية التشكيلية الفنون استطاعت

تحديثي، قومي بمشروع التوجه هذا ربطت حين المنصرم، القرن خمسينيات وظهور بالمجتمع، اإلبداع قضايا لربط وتوجهها السياسية، االستقالالت إثر

أبدع وقد.للتحديث تدعو التي واالجتماعية الثقافية بالقضايا االلتزام منطلقات أدى ما آنذاك، التوجهات لهذه لمبدئيا بالتنظير والشعراء الكتاب من الكثير

على انطالقتها في اعتمدت التشكيلية، القيادات في جديدة ظواهر بزوغ إلى أصقاع في المختصة األجيال اكتسبته الذي والنظري، التقني الوعي مواكبة

-٥٩-

هذه تكرس أن حاولت التي التشكيلية النقدية بالمشاريع المختلفة، العالم المجتمعي، النهوض حركات رافق صحفي، تداولي رإطا في االهتمامات،

االزدهار هذا اإلعالمية، الوسائل الصحافة وتطور األكاديمي، التعليم وانتشار من بالتأكيد سرع »النهضوي القومي المشروع« فرضه، الذي النسبي

مع لمسناه ما وخاصة المختلفة، الفنون إنتاج عملية طالت التي التطورات التشكيلية، الفنون في التجريب إلى توجه من والسبعينيات، ات،الستيني بداية

من والخروج الغرب، عن واالستقالل التبعية قضايا حول دار الذي والصراع النقاد لبعض المتواضعة الجهود بمواكبة الغربي، األكاديمي التنظير دائرة الهوية معطيات وتفنيد التشكيلية، اللغة حول األسئلة بإثارة اهتموا الذين

أدت فيما أدت نظرية سجاالت في الدخول وبالتالي. العربية للفنون البصرية الواسع الجمهور جذب من فبدال. منها المنتظر المحور عن الخروج إلى إليه

إلى أدى ما النظرية، المماحكات مطب في وقعت التشكيلية، الفنون باتجاه بهذه المهتمين بين فيما الحوار وانحصر المجتمع، حركة عن النقد ابتعاد

التشكيلي النقدي النص فرض وطور التشكل، طور في كانت التي المهنة، .الفني للعمل الموازي

وتمرد انفجار لخياالته الجديدة الصورة عن الفنان فيها يبحث التي اللحظة في

بنتيجة الفني، العمل سطح على بالتولد النقدية الصراعات تبدأ وانفعاالته، سينجز التي اللحظة وحتى يمثلها، التي الحضارة بدء منذ تمتد لمفاهيم إحيائه

منجزه تصوغ التي وتلك النقدية، إمكاناته تتوافق إذ الجيد، عمله بها للعطاء اإلنسان احتياج بين توازن إنجازيه لرغبة تحقيقا ماديا البصري وأهدافه فكره تهجن التي انتقائيته وبين ،)الجوهر (الفني والعطاء الفكري). الزمن (العصر بإيقاع ذلك كل ويربط الحس، يوافق الذي المرئي البتكار

تكون نظرية، مميزات تتحول التي المالمح ويرسم البصرية، مدركاته فيبني .النقدية البحوث أساس

-٦٠-

حتى والصالة، والقاعة المتحف يؤسس كي مسيرته عبر الفن سعى لقد كفن أخرى اتجاهات ليؤسس مجتمعة، يهاعل متمردا انفجر ذلك حقق إذا

والظاهراتية، الذهنوية، والفنون واالستعراضية، الجسدية، والعروض األرض التركيبات مع لها مباشرة مواجهة بعد فيما شكلت التي الفنون من وغيرها

المحدثة، االتصال ووسائل والكمبيوتر، الفيديو، الستخدامات واألدائية، الفنية، ومفاهيم والتقنيات المفاهيم يقبل بات الذي المعلوماتية مجتمع بنيت التي وتلك

بما اإلبداع جوانب كافة تعم باتت التي الكبرى التحوالت سياق في. التفكير وبدء المنصرم، القرن ثمانينيات منذ العالم أنحاء في التشكيلية التوجهات فيها

".الميةالع القرية - الجنسيات متعددة العاصمة "مفهوم تطبيق معرفي، موقع أي أو فكرة، أية من انطالقا الفنان يبدأه الذي الصراع

إلى حالة من تتحول التي القيم وفي الفني، خطابه في عميقا يمتد صراع الجوانب كافة في التجريب يقتضيه الذي الطبيعي، التطور بفعل حالة

البنية تشكل التيو. اإلبداعية التحول احتماالت وراء جريا للفنون الوظيفية التعبيرية وخصائصه مناهجه، صياغة في التشكيلي النقد لدور األساسية .المختلفة

لعالقته تحريرية بادئة يشكل الفني عمله مع الفنان صراع كان وإذا الشمال من الفنان هذا أكان سواء داخله، في األشمل وللعالم حوله، من بالعالم

الفني، العمل وهوية ببيئة وارتباطه الفلسفي، بعمقه النقد أن إال الجنوب، أو القوة تشكل التي بالمعرفة، عالقته تعقد التي األساسية، للمقوالت وفيا يبقى

التي المعرفية، الدالالت على ببساطة تستدل حيث. المعارف لبناء الدافعة الدالالت أو »الحاسر من أروع المقنع« بأن يجزم حين الجاحظ مقولة تخلقها

إذ.. »مرئية أكثر كان ما هو الجميل« أن من أفالطون مقولة لها تؤسس يالت األمور من كثير بين الفصل يقتضي المقولتين من كل في الحقيقة فهم أن

من فئة لكل العام والفلسفي االجتماعي الوعي في والمتشابكة المتصارعة .اإلنسانية الفئات

-٦١-

وتناقض قطيعة وقد الغربي، التشكيلي النقدي البحث في الدرس أساس التناقض كان لقد

إطارها في ودراستها االتجاهات، كافة لقبول واسعة قاعدة التناقض هذا حقق تاريخ تحقيق في المبذول النظري للجهد ملموسة نتائج يحقق وربما التاريخي،

العطاء عن ينقطع لم الفن أن طالما وإثباته، تحقيقه ينقطع لم كإرث الفن، االنقطاعات، حول العرب الباحثين لبعض الواضحة اإلشارات لعلو واإلنجاز،

مجاالت في المدروسة الزمنية التراكمية تحقيق دون حالت التي والتحريمات فيما النقدي الخطاب تخلف في بارز دور لها كان والمعماري، الفني، االنجاز

في بالكتابة الثغرة سد والصحفيون، والكتاب، والشعراء، األدباء حاول وإذ. بعد والعراق، ولبنان، وسوريا، مصر، في الماضي، القرن ثالثينيات منذ المجال هذا

تترافق لم كونها المجال هذا في الكاملة الريادة تحقق لم أنها إال وغيرها، األدباء، عطاء وألن العملي، مجاله في الفنان حققها التي التجريبية والمنجزات قراءة ومحاولة والشعر، األدب وأهداف أغراض هباتجا الفنون ساق والشعراء،

التشكيلي الفنان عانى فقد. والبالغة األدب بلغة والبصرية التشكيلية الفنون هذا. والفكر األدب رجال عليهم أسبغها التي األدبية، المضامين وطأة من للتحرر

نالجني لتشكيل طامحة كانت المحاوالت تلك أن من دائما إليه نشير ما رغم أولها في يأتي ألسباب تطوره، من بدال بعد، فيما بالتخلف بدأ الذي النقدي، أن دون عنوان من أكثر ابتكار حاول الذي النقدي، المشروع أو البرنامج، غياب

الفنانين من آنذاك للنقد تعرضوا لمن المجال تفسح لم التي ظروفه تساعده الجديدة الظروف لتأمل أو التشكيلي، لإلبداع العامة الظروف في للتأمل واألدباء،

يقتضي الذي الفكري، للموقف بالتأكيد عائد وهذا. التشكيلية بالفنون تحيط التي بظروف الشاملة النظرية المعرفة أو المقترحات، تقديم عبر التصوري الحراك التشكيلي، بالفنان المحيطة وبالظروف. العربية المنطقة في الفني اإلنتاج

ينهل بما وتحكمه تتوافق ال التي والثقافية، والسياسية، االقتصادية، والتحوالت بين الهوة اتساع على المؤكدين مع نؤكد يجعلنا بما. والتقنيات المعارف من

أن دون العشرين، القرن أعتاب على »نظريا« يقف الذي النقدي الخطاب

-٦٢-

أن ودون. الغرب لفنون التاريخي للتطور فهمه يخص فيما األمام إلى يمضي العالم في جرى ما على الحكم ولغة ومصطلحات مفردات اهتماماته ضمن تكون النص في االستهجان قيد مازالت بموسوعات مثقال انصرم كامل قرن خالل

وتجارب تقليديته في الغارق النقد بين االنفصام على يؤكد ما. العربي النقدي .العرض حيز على تقبض أن تحاول وهي بتطرفها، اتهمت كثيرة

والمصطلح الحرية من الموقف في النقدية، الحركة في المالمح واضح انفصام - إذن - هناك

نسبة الحاالت بعض في والتنظيري الفلسفي الجدل من الموقف وفي ذاته، النقد وفي المقارنة، الغربية التنظيرات مع المعقدة والتداخالت والرؤى الزمن إلى

يتعدى انفصام العربية، التشكيلية الفنون في اصلةالح التحوالت من الموقف أعماق إلى الولوج أو وتقنياته أدواته الناقد امتالك لعدم الشكالنية، الحاالت والتواصل النقدية المسألة نحو تقود التي الكبرى األسئلة على والوقوف التجربة، وسواه الفن بين للتمييز يقود كهدف فيه واالندماج البصري الخطاب مع المنهجي

الفاصلة الحدود على الوقوف أي. أخرى جهة من والالفن الفن وبين جهة من النقد الشتغاالت التأريخي الزمني للتمهيد يقود تنظير لبدء وصوال الفنون بين

المحددة واالصطالحية اللغوية وحموالته التخييلية معالجاته بمختلف العربي الفني مساحة ذلك في بما. واالتصالية التواصلية تهاونفوذي النقدية النصوص لقيمة

دون بإرثها، وعالقتها المتحضرة، الفنون أحوال يناقش كي له المتاحة الحرية إيديولوجية، أو عقائدية، لظروف فيها واقعا نفسه يجد كان مطبات في الوقوع لإلجابة فيه يتحرك أن يمكن الذي المدى عن السؤال تجربته جنبات في ليتردد

تأرجحه في الفنان ومصير الفن، جدوى حول المهمة، التساؤالت من كثير نع من كان إذ لحاضره، وثائقية ثوابت يحقق أن دون.. والمستقبل الماضي بين

المبدع الكادر فنية، أعمال من حققته ما جانب إلى الفنية الحركة تنجز أن المهم المراجع "النظري عمللد الالزمة الفنية الكتب إلنجاز الوعي يمتلك الذي

الكبرى، لألنشطة المرافقة والمنشورات والقواميس، والموسوعات، والترجمات، العرض قاعات إلى إضافة هذا كل".. توثيقي نظري بحث من تمتلكه بما

-٦٣-

مكانا تبني التي المعاصرة التشكيلية الفنون مجاالت في المتخصصة والمتاحف كنقطة الموثقة المادة أهمية إلى يلتفت علهوتج الناقد، ذهن في للمعلومة واضحا على االتفاق أولوياتها من التي المتخصصة التشكيلية النقدية اللغة إلشهار استناد

والمؤسسات الهيئات عديد قبل من للبحث تحتاج قضية يعتبر الذي المصطلح ألن بل أزمته، من النقد سيخرج المصطلح ألن ليس واألكاديمية، الثقافية

والتراكم الالزم والزمن والتجربة بالمعرفة مدعوم إنساني ابتكار لحالمصط النقد رحاب ولوج حاولوا الذين وجه في عائقا المصطلح يكن لم ولهذا المعرفي، من انطالقا تعبيريا الموازية البدائل إيجاد من تمكنوا ما غالبا بل التشكيلي،

حالة بتجاوز ثقافي جهد البتكار والرؤيا، الموهبة، على تعتمد فردية، حساسية .أحيانا محددة ظروف تفرضها التي األزمة

اإلطار في قليلة كانت بذلت التي الجهود إن نعلم حين ذلك نلمس ضمنها من أساسية، مرتكزات على التحليل يعتمد إذ األقل، على التوثيقي ينةمع توصيفات توجد ال أنه بدليل تشريحها يجري أولى، كمفردة الوثيقة بين الجمع فإن ولهذا أخرى، إلى مرحلة من تتطور وهي ألعمالهم أو للفنانين المشاهد يجعل لن وثمانينياته المنصرم القرن خمسينيات من فنانين أعمال لألزمان، األعمال هذه نسبة في المبذول الجهد النعدام تذكر، فروقات يالحظ

التي بالمراحل حاقت يالت الظروف توصيف يقتضي الذي األمر. للمراحل أو ما دراسة، وال بحث، وال فرز، فال األعمال، هذه مثل إنجاز رافقت أو سبقت،

بين نطالعها التي للمعارض األدلة ومقدمات المبتسرة، الصحفية المقاالت خال .الوظيفي اإلنجاز إطار في وآخر حين

التضليلي الدور الخمسينيات في إنجازه يةالتشكيل الفنون استطاعت ما إلى البداية في أشرت

رافق وما المنضوي، القومي المشروع تلمس حاولت حين المنصرم، القرن من لها كان وتجمعات وأحزاب، وطنية، حكومات ونشوء سياسية استقالالت من ذلك

إلى الدراسات تشير إذ. العربية المنطقة في الفنون مفهوم تحول في الكبير التأثير أو برجوازية أو ارستقراطية،: محددة اجتماعية طبقاتب للفنون نخبوي ارتباط

-٦٤-

تجاه المجتمع لدى العامة المفاهيم في انقالبات إلى أدى ما أجنبية، ومعاهد جاليات آنذاك الوطنية الحكومات تمكنت محددة بطبقات الفنون انحصار من وبدال الفنون،

األدلجة عمليات لعبت وبذلك الحديثة، المجتمعية البنية في وإدخالها الفنون دعم ألفكار الجاهزة المعطيات تناقش إعالمية أداة إلى تحويله في للفن، تضليليا دورا

وشتت روحه عن الفن أبعدت عقلية المؤدى في وفرضت المذاهب، حول مسبقة للمشاريع مرافقا ينشأ أن يمكن كان الذي العقل، غاب بحيث النقدية الجهود

.آنذاك المطروحة النهضوية التقني، تطوره وآليات المجتمع، يطال أكبر بنمو مرتبط الفنون نمو إن نقف إذ عليه، شاهدين نعتبر فيما. حقيقة اليوم نلمسه ما وهذا والنفسي، والذهني والقوميات، والثقافات، »الحدود« تقتحم التي العولمة، هزات أمام عاجزين

اإلنسانية الغاية تطال كأطر ،والفنون الجماليات إلى الحاجة لتؤكد واالقتصادات تثبت حيث الجديدة، العولمة أسطورة يغدو الذي البالغي، التصحر مواجهة في

لإلنسان الداخلية الطبيعة ومن الفن، احتضنها التي الطبيعة من أهم إنها المعلومة .بخصوص والتشكيلية بعمومها، البصرية االبتكارية المعارف حققت التي

والذي يندرج ضمن تصور جمالي خاص -» معاصرالفن ال «أنال شك إلىقد أفضى من خالل ما تضمنه من تغيرات فكرية ومنهجية وعملية فنية

زعزعة كل قناعاتنا التي ورثناها من الفن الحديث، والتي من خاللها عرفنا مثال التكعيبية عبر تجزآتها الشكلية والوحوشية، انطالقا من تعاملها المغاير للون

إلشكالية التي وظفت المادة كلغة تشكيلية، وغيرها من االتجاهات الفنية التي واركزت على التعامل مع األشكال المرسومة والمنحوتة من خالل ذاتية تميزت

وببعدها الروحي، ومهارات يدوية مختلفة ومتجددة، فأثرت بذلك بخصوصيتها، .م اليوإلىمجال الفنون التشكيلية طيلة القرن العشرين

هل من عالقة تربط الفن المعاصر الذي أرست مالمحه الطالئع لكن الفنية الغربية منذ منتصف القرن العشرين بهذه الممارسات التشكيلية الحديثة؟

في تفحصنا لحركات الطالئع الفنية التي ظهرت منذ أواخر الخمسينات في إنية مغايرة لما أرسته أرجاء العالم الغربي نلمس طرحا منتم لمرجعيات مفاهيم

-٦٥-

» الرسم«ـ ف:الحداثة في هذا المجال، نستحضر في هذا اإلطار األمثلة التاليةهو تحويل وجهة األماكن البصرية المتعلقة » البوب آرت«مثال بالنسبة لفناني

وهو الواقع نفسه، ) اإلعالنية(بالمجتمع االستهالكي، كالصور اإلشهارية األحاسيس الذاتية، ومن الفعل اليدوي، لذلك فعملوا جاهدين على التحرر من

إلىالمنتمي » إيف كالن «إلى ولنصغ .تقنية السريغرافيا» وارهول«فضل الواقعية الجديدة الفرنسية وهو يتحدث عن الطريقة التي توخها إلنجاز ما

ناحيتي، ال أحاول البتة من Anthropométries de l’époque bleue أسماه وألبس قفازي بي،ل عكس ذلك إنني أرتدي أفخر ثياتلويث جسدي، ب

رواد الفن االختصاري أما. وليس لي نية بأن ألطخ يدي باأللوان.. البيضاوينفقد أعلنوا أيضا تخلصهم من األبعاد المادية والذاتية للعمل الفني للخوض فيه

.كمجال فكري بحتاألكثر راديكالية، التنظير » جوزاف كوزيت« وجد الفن المفاهيمي عند كما

ولم يكتف الفن المعاصر .فاقترح تجاوز الفن نفسه من خالل دراسته المنطقيةبهذا الفرض لمادية العمل الفني ولذاتية الفنان ليقبله كفكر صرف، بل عمل على إرساء تصور جيد لفن رفض التقديس األعمى لألثر الفني الدائم، فأصبح يتمثل

ة اشتركت فيها الفنون البصرية كالموسيقى عروض وتظاهرات عابركلفي ش إلى وقد قادنا أيضا هذا الرفض لمفهوم األثر الفني الدائم .والمسرح والفيديو

وهو تعبير مسرحي يفعل فيه الفنان » فن الهابنينغ«و» الفن الجسدي«ظهور عبر » فن األرض« وفي إطار تصور جديد لهذا الفن العابر والزائل ظهر .جسده

.في المواقع الطبيعية، فدخل االجتراف الطبيعي ضمن منهج العملالتدخل مؤكدا تخليه » الفن المعاصر« خالل كل هذه األمثلة المقدمة يكشف من

مقاومتها بالتحرر من األحاسيس الذاتية، ومن إلىعن قيم الحداثة، وسعيه بطابعه الفعل اليدوي، وبالتركيز على الجانب الفكري الصرف للفن، وباإلقرار

.)١(العابر، وبعالقته المبشرة بالحياة

بن عامر سامي النقد الفني في ظل تحوالت الراهنإشكاليات من )١(٥م -بؤس املعرفة

-٦٦-

التخيلي المركز كونها لألطراف، احتواء من اليوم العولمة إليه تشير ما إن الربحية الضخامة لها يحقق أن يمكن من كل فلكه في يدور الذي والخيالي،. لألطراف واإللغاء التهميش من أكثر مطلقها في تعني ال اإلشارة هذه.. المنشودة

هذه من يستفيد أن يمكن الذي وللنقد أوال، للفن واضحا تحديا يشكل بذاته وهذا العلمي التراكم إلى باإلضافة سابقا أفلتت التي الفرص كل على واعتمادا الفرصة،

الذي الجديد، مشروعه النتزاع. والتربوي األكاديمي والتجاور" والذهني التقني" المناهج وغياب والفلسفي، الفكري الركود رغم. المرحلة متطلبات تفرضه

الجنوب، على الشمال قبل من المفروض الثقافي االستالب ظل في والمشاريع، ما العالم، في والسياسي االقتصادي التحول لمجريات المعمقة النظرة وتلخص

وتخلفها تبعيتها، صقل في استمرت إن العربية اإلبداعية للحركة نتوقعه أن يمكن الفنون مجال في اإلحيائية التوليد إمكانيات عن جدا وبعيدا العالم، في ييجر عما

العربي الفنان قدمها التي القيمة لدراسة النقد بها يقوم أن يمكن التي.. التشكيلية الكبرى التجمعات تؤكده ما وهذا. واقعه لتجاوز تدفعه التي الخالقة والرغبة سابقا كالبيناليات العالم، أصقاع من غيرها جانب إلى ةالعربي التجارب فيها تقف التي

محاولة غيرها، أو العربية، المنطقة في سواء الثقافية، والمهرجانات والتزيناليات، قبل من بل فحسب، الفن تجار قبل من ليس إليها، النظر للفت نفسها على التفوق في سائبة قافةث التشكيل بأن يعتقدون ممن وغيرهم والمتاحف، والمؤسسات النقاد،

الجمالية القيم منظومة في الطبيعي امتدادها عن منقطعة ثقافة العربية، المنطقة واألجيال المعاصرة الفنون بين النقدي التفاعل في اإلخفاق وإن إنجازها، ومعايير

التي التحوالت من أكثر إلى عمقه في يعود إنما النقد، فراغ ملء حاولت التي أمام حائرا يقف الذي العربي، التجريبي العقل على وباضطراد بسرعة طرأت المعالم، والواضحة الثاقبة، النتيجة الشمالي، الكوني التفكير آلليات المطلقة السيادة يجعل الذي األمر.. والحضاري والفني، والثقافي السياسي، االستعمار من ألجيال إلى الساعية ذاتال أو الهوية، بمشاريع ارتبطت سواء مؤجلة، قضية الحداثة المعاصر، التاريخ في بل وحسب القريب التاريخ في ليس واستقاللها، تمايزها .كثيرة واألمثلة

-٦٧-

اختتام فعاليات وفي ٢٠٠٣ العام الشارقة لبينالي السادسة الدورة فيالندوة الفكرية المصاحبة التي استمرت على مدى ثالثة أيام، شهدت الجلسة

لقد تزامن انعقاد «: الختامي لهذه الندوة، وجاء فيهاألخيرة تالوتي البيان الندوة مع أحداث بالغة الحضور في غير مكان من عالمنا العربي، وخاصة في العراق وفلسطين، فوجدت هذه األحداث صداها في أعمال الندوة سواء من خالل غياب بعض الباحثين والفنانين بسبب الحرب األميركية البريطانية على

، أو من خالل األفكار المطروحة التي تقاطعت جميعها على رفض كل العراقأشكال العنف الممارس على األفراد والشعوب، مؤكدة أن الديمقراطية ال تلقن بالقوة وإنما بالقدوة، والتأكيد أيضا على دور الثقافة والحوار في إشاعة السالم

. »والتفاهم بين المجتمعات البشريةيع المشاركين التقوا عند تأكيد تنامي األخطار التي أن جمإلى وأشرت

تواجهها الذاكرة الثقافية والبصرية للمجتمعات، فهي ضحية الهيمنة واالعتداء ونوهت . يواجهه التراث اإلنساني بصورته العامة جانب ماإلىالمباشر،

أن محور العنف والفن أخذ مساحة واسعة من النقاش إلىالوثيقة الختامية بب أهميته ومعايشته في غير موقع عربي، ومالمسته لواقع عالمي آني بس

يمتلك تأثيرات مستقبلية ال تترك فسحة واسعة للتفاؤل، وخاصة ما يتعلق بما يضخ في نفوس األطفال والناشئة حول العالم من قيم ومفاهيم تروج للعنف،

ار اإلنسانية في األفكدهاوتمجد القوة المتجردة من قيم أخالقية، اجتمعت عن . مختلف مجتمعاتها وأزمنتها

الندوة اإلعالميين والفنانين واألدباء والمؤسسات التربوية إقامة وناشدتكما وجهت . الندوات واللقاءات لبحث مخاطر العنف على اإلبداع اإلنساني

جميع الفنانين والمثقفين ووسائل اإلعالم لبذل كل ما إلىالوثيقة الختامية نداء كن لحماية التراث اإلنساني في كل مكان من االندثار واإللغاء والتزييف، يم

وحماية األجيال المقبلة من المفاهيم التي تحتقر اإلنسان، وتنأى به عن ساحة . الفعل اإلبداعي، مقدسة الهيمنة والنزعات العنصرية واالحتكام للقوة

-٦٨-

للنقداحلاجة

افة العربية ومن مشهديتها المرتبطة الفني جزء من فعاليات الثقالنقدبالتطورات التي طرأت على بنيتها، لهذا فإن الحديث عن اهتزازات في النقد

عمق إلىالفني يرتبط بالمشهدية الثقافية حيث تعكس أزمته أزمة عامة تمتد وجمود ،التأويالت والموروثات واإلشكاليات المالزمة في حضورها لعجز تنظيري

ن إمكانية تطوير األدوات المعرفية للنقد باعتباره قيمة موازية أكاديمي قلل مجوهر المادة النقدية والدافع األساس لوجود النقد وتحقيق .. للمنتج البصري

رسالته المعرفية وبناء أدواته وتقنياته للعب الدور المؤمل منه على المستويين .الجمالي والفكري

من حاجتهم إليه في أي زمن النقد هي أكبرإلى اليوم سحاجة النا«مضى، وهي مهمة شاقة، ربما ألن الفن اختار أن يكون هذه المرة يوميا

إلىلم يعد اإلشفاق ليشكل هاجسا بالنسبة . ومجانيا ومبتذال أكثر مما يجبفنان اليوم، اختفاء المسافة بين المتلقي والصنيع الفني ساهم في هدم معبد

يكون في إمكان ناقد اليوم أن يمثل دور بودلير لذلك لن. الجمال الضروري إلىلم يعد هناك مثال نبوئي يسعى الناقد .. أو هربرت ريد أو حتى أبولينير

اقتفاء خطواته فالديموقراطية تهب حقوقا لتسلب أخرى، لقد اختفى الفن . بفخر أنه يأتي بعد الموتعمالفردي، ضاع األسلوب الذي كان بيكاسو يز

بعد الحداثة قد مزج األزمنة بعضها ببعض فإنه في ان اتجاه ماك وإذا ماالوقت نفسه وضع الفنان في مواجهة خيار الشخصي، وهو خيار معولم

.»)١(الفن اليوم يمارس النقد بذاته.. التفارقه فكرة المتاهة

فاروق يوسف- مزاج تخيلي يبحث عن سلطة تستدرجه -النقد الفني )١(

-٦٩-

نصوصه، بل لعل تحقيق إلى النقد هي حاجة حقيقية للعودة إلى الحاجةيعتمد أكثر من أي شيء آخر على هذه النصوص باقتفاء البنية التنظيرية

اإليقاعات اللغوية والمعنوية ومختلف لتصريحاتها الشعرية المنضوية فيها نتيجة اتصالها باإلبداع البصري، ومختلف المرجعيات الثقافية والتقنية والفكرية

وبما يريةالمبلورة لعملية الخلق الفني كنظام له طبيعته الصورية المادية واألثيتوافق مع الوظيفة التي يؤديها اإلبداع، والتي ترتبط هي األخرى باستراتيجيات ونظريات تعرب عن احتياجات اتصالية وتفاعلية اجتماعية تجعل النقد متمسكا بحقله المعرفي المتخصص، وباإليقاع التنويري المتعامد زمنيا مع خصائص

.بالغي الرمزيالتجربة النقدية المتفاعلة ودورها اإل التي طالت عالقة الية حقيقة الفن اليوم في إطار التحوالت االتصهذه

النقد بمادته والناقد بمؤسساته وجمهوره، وإذا كان رصد الواقع الفني العربي يمكنه التوغل في التفاصيل نظرا لالشتغاالت اليومية الموزعة المعاصر ال

لمعيقات التي واجهت النقد الفني في داخل المنطقة وخارجها، فإن نظرة على امسيرته المتعثرة تفيد بإلقاء الضوء على العديد من اإلشكاليات التي البد من النظر إليها بشكل جاد ومن خالل األطر الزمنية التي تتعدد احتماالت التقاطها بحسب البيئات العربية والصالت الخاصة التي تربط فنوننا بمجتمعاتها،

. تركته الفنون من سطوة على إبداعاتهمونقادنا بما التي واجهت النقد الفني في المنطقة العربية يلخصها الناقد العوائق

،والمتلقي من جهة) الفنان( القائمة بين المرسلالفجوةبتزايد "مازن عصفور تنعدم التخصصية العلمية المعمقة حيث. من جهة أخرىالمتلقيوبين الناقد و

بفعل ، بصريا وثقافيا مما أسهم في تسطيح تذوق المتلقي،قديافي تناول الفن نمما جعل النقد التشكيلي التخصصي الناجع . الممارسات النقدية السالفة الذكر

.يوجه خطابه في كثير من الحاالت للنخبة الصغيرة المزودة بالثقافة الفنيةختباء وراء االإلى انصراف العديد من النقاد التشكيليين المتخصصين –

ورفع الذائقة عبر وتفضيله دور التثقيف الفني جدار التدريس األكاديميوقد أسهم ذلك بالطبع . ورفع الذائقة وتقديم البحوث والدراساتلآلخر، دريسالت

-٧٠-

النقد تكريس غياب إلى - أهمية وحسن نوايا تلك اإلسهامات األكاديمية رغم -ولعدم . بية حاجة ماسةالساحات الفنية العرالفني الميداني الجاد الذي تحتاجه

فليس هناك من النقاد العرب وجود أنظمة للتفرغ النقدي كما في الدول المتقدمة . بال دعم مستقل الجادين من يؤثر التفرغ للنقد المتخصص

عجز النقد الفني العربي وباحثيه عن مواجهة تحديات من نوع جديد -ار في تطبيق المناهج النقدية العالمية التي درسوها تمثلت بظاهرة النمطية والتكر

هؤالء النقاد من انتقادات حادة من ما يتعرض إليهإلى إضافة ،وتمرسوا بها بتأصيل الهوية والذات باعتبار أن هؤالء النقاد المتخصصين قد أسرتهم البينالمط

نقادنا في التي اشتغل بها عدد من سطوة القولبات النقدية الغربية ومناهجهاودون جامدة دون أية إضافات أو تطوير، بطريقة آلية ميكانيكية الساحة العربية

الثقافي العربي الحافل بالمناهج الفكرية التحليلية السياقتكييفها وصهرها في التشكيلية على طريقة مواصفات الكتالوج األعمال من تطبيقها في بدال،الموروثة

بخطاب نقدي موجه بشكل ر وتكررطالحات تكرالجامد بنمطية جافة واص . إقصاء اآلخر إلىويسعى في كثير من الحاالت . رئيسي نحو النخبة ال للعامة

يواجه النقد الفني التشكيلي العربي المعاصر معضلة تهميش تدريس -النقد الفني الجاد والمتخصص في المؤسسات التعليمية الفنية العربية، وتبقي

غربية مالذ الدارس الوحيد بكل ما يحمله ذلك من مشاكل التأصيل المعاهد ال . )١("أو محاورة اآلخر أو الدوران في فلكه

دراسة الفنون في المدارس بالرغم من وجودها في تهميش إلى اإلشارةالمناهج يلغي اإلمكانيات التكوينية التي يمكن أن يحققها الفن كتأطير للشخصية

در الوسائل المشكلة للقيم والمعاني اإليجابية التي تتيح باعتبار الفنون من أقالتعبير عن مختلف مناحي الحياة وعبر المعنى الشامل لإلبداع وطاقته االستثارية الجاذبة وسعته التوصيلية الهائلة المدربة للعقل والمهذبة لألحاسيس

د الوجودية يمكن أن تلعبه األبعا والتي يلعب النقد فيها كوسيط نفاذ لتحقيق ما

)٢٥/١١/٢٠١١ ملحق الثقافة - جريدة الرأي -مازن عصفور ( )١(

-٧١-

للدور التربوي المناط به نقدبل إن فهم ال. والثقافية والجمالية للفنون البصريةيؤكد بقوة إمكانية تحقيق الربط بالهوية وباقي التصورات الذهنية المؤسسة لالستراتيجيات الثقافية والتعليمية الوطنية كمحددات أساسية تعكس تطورات

ي يمكن من خاللها التكيف مع التبدالت التي األفراد في مجتمعاتهم والسبل التتطرأ على حياتهم بعيدا عن النمطيات باعتماد الدور المعاصر للفنون الذي لم يعد يصور الحياة كجهة خارجية بل عبر المزيد من إزالة الحواجز بين الفن

أفاق المعاصرة التي إلى الثقافي لموروثوالحياة، واالندفاع باتجاه تجاوز اتعني حل الصراعات الوجودية األساسية لدور عني خلخلة القيم قدر مات ال

.الفن والمهام والمسؤوليات التي يحددها النقد التي تم ذكرها والتي عطلت الكثير من إمكانات النقد الفني في أن المعوقات

يلعب دورا في التحوالت الثقافية واالجتماعية، باإلجابة عن تساؤالت األجيال عن والمعاصر، بالرغم أن هذه القضية كانت قد طرحت وثوة الكامنة بين الموراله

نهاية سبعينيات القرن الماضي دون أن تترك آثارا أو معايير في الممارسات اإلبداعية تمنحها خصوصيتها وانتماءها كجهود يمكن التقاطها في نصوص النقاد

بعض الباحثين عن ضرورة ولطالما تحدث. والكتاب ومناهج تدريس وتعليم الفنونوأهمية اعتماد تاريخ الفن العربي في مختلف المراحل الدراسية بما فيها المراحل التأسيسية وإقامة المتاحف للفنون البصرية المعاصرة كمصدر لوعي الذات والهوية وليس االعتماد فقط على تدريس تاريخ فنون اآلخر في بعض المراحل العليا الذي

فوعي الذات واآلخر يؤكد .. حوارا بين ذاته واآلخرينيمتمع أن يقيتيح للمج الالتحرر الثقافي من كثير من إشكاليات الوعي المعاصر للفنون الستكشاف الخبرات اإلبداعية المعاصرة ومعاني االختالف التي تساعد وجهات النظر النقدية المتنوعة

وابتكار مناهج لها استراتيجياتها على بناء وحدة احترافية للغة النقدية، والبصرية، .الفاعلة والمؤثرة في التربية الثقافية بشكل عام، والممارسة الفنية بشكل خاص

التي تقود المادة - ذاتها - ذلك يمكن القول بأن النصوص إلى إضافة هدفها تبقى من ناحية الشكل وعلى المستوى الصياغي طرحا لغويا إلىالنقدية

خاصة ونضج مبناه الستيعاب األفكار، فهو في موضع االختبار له إشكاالته ال

-٧٢-

الدائم لتحقيق القوة المطلوبة على مستوى استيعاب المفاهيم والمصطلحات، والعلوم المتنوعة كفعل كتابي له األدوات والتماهي مع ،وباقي التنظيرات

تأويالته على مستوى المعنى، وله سلطته على مستوى المغامرة النصية، ولكي تتوضح جوانب .. التي تتوضح في مختلف إحاالتها البنيوية والتفكيكيةو

النظرية النقدية البصرية البد من التسليم باإلمكانات الكتابية التي تحيي األفكار يقينيات، أو حقائق نهائية، كون النص النقدي إلىباستمرار دون أن تصل

كتابي مستمر، يتم توسيعه البصري مفتوح على إمكانية نقده هو اآلخر كفعل فكريا من خالل مقدرة الناقد وخبراته الشخصية، وحريته في تحقيق ذاته

وصياغة ماهيته فنالمبدعة وهو يسعى لإلضافة والتحليل، وإعادة تعريف ال .وربطه بالظروف التاريخية واالجتماعية والسياسية

عتماد على للنقد الفني البصري إذن أن يطور سلطته وطاقته بااليمكنقدرة الفن الالمحدودة وصياغة مشاريع معاصرة على صلة ببرامج تربوية وورش تجريبية للكتابة المعاصرة واستقطاب أجيال الشباب نظرا الهتماماته

وإليمانه اعيالجدية في اإلجابة عن كثير من التساؤالت حول التغيير اإلبداسات األكاديمية والمنهجية التي بالدور التأثيري لفنون الكتابة البصرية والدر

بإمكانها تحليل وتفكيك األسئلة والحقائق الجمالية الثابتة والمعاني الجديدة للتعدديات الثقافية التي تندفع في بنية المجتمعات بسبب وسائل االتصال المتطورة بما تحدثه من تحوالت عامة في المجتمعات المعاصرة وفي صياغة

بل إن .. ممارسات الثقافية بمختلف معاييرها وأنواعهاالهويات المحلية والمحاوالت النقد توجيه الفنون إلحداث تغييرات في الحياة يرتبط هو اآلخر

دبالممارسات الفنية للمبدعين وقدرتهم على تمثل األفكار النظرية وجهود النقاة جزء من مسؤولياتهم لتنفيذ أعمال ومشاريع تجاوزية وتحرريإلىوتحويلها

توفر أية أداة ممكنة بما فيها وسائل االتصال والحواسيب واألجهزة الاإللكترونية المتطورة والحساسات والضوء والهولوغرام واألنترنيت وسبل

.التعليم التقنية المحدثة كمصادر ووسائل تبني اللغة البصرية* * *

-٧٣-

إذن هي ينقده؟ ما يدفعنا للنقد؟ وهل حقا مازال الفن بحاجة لمن لذي مايكتب يندرج في هذا اإلطار مواصفات النص النقدي الفني؟ وهل كل ما

اإلبداعي؟ تندرج كسابقاتها في إطار البحث عن التصورات النظرية للفعل أسئلة

اإلبداعي الفني بمختلف أشكاله وأنواعه ومستوياته التجريبة التي تقود لتأمله وبما يقدمه هذا الفن من تلميحات عن المخيال . كفعل يحدد عالقة الفن بالثقافة

بحث منيضيفونه اإلنساني وأساليب اقتحامه من قبل الفنانين بكل ماوتصورات وقدرات تعبيرية تبرهن عن شكل التفكير البصري في مراحله المختلفة وصلته بالكتابات النقدية على تنوع صياغاتها الفنية وما يتولد عن

ات تكون بحد ذاتها مشروعا إضافيا تحدده اليقظة البصرية احتكاكهما من إشكالي .المتجددة في المجتمعات، وتصوراتها المتحولة للفعل اإلبداعي

أن يكون الناقد حكما للفصل بين رديء اإلبداع وحسنه، أو أن بينيحدد القيمة الفنية فيه، فإن المعايير التي يتم تداولها بين الكتاب والنقاد تبقى

ة لعدم ثباتها وتحديدها، بحيث يتم القياس عليها لتحقيق معادل جمالي غامض جانب إلىيكون قادرا على تقديم نتائج مبنية على اختبار عملي يطال

يمكن المعايير الحكمية الذاتية اللغة التي يتم عبرها تخليق األفكار بحرية الاخل مع عبرها حجب صياغة المغامرة اإلبداعية والنأي بها عن التد

النظريات النقدية واألفكار الفلسفية المتغيرة التي تسعى للتوسع باستمرار ومن خالل إتاحة . يمكن من الحرية عبر تحقيق الذات لمنح اإلنسان أعلى ما

تعريفه، ماهيته، صلته الفن،الفرصة له للبحث والتساؤل باستمرار عن ا التي تجعل المرء على هنالك من القضاي ماإلى.. باإلنسان، دوره ووظيفته

دراية بحقيقة الفن وأبعاده الوجودية والروحية، من خالل التركيز على البصري بشكل عام والصورة بتجلياتها المختلفة بشكل خاص وفي إطار السياقات الثقافية والفضاءات الفكرية والمعرفية المستوعبة للتحوالت التي

.تطرأ على الفنون وتحدد مساراتها

-٧٤-

وتحليالت للنقاد العرب في ظراتذا األساس كانت هناك ن على ه العربية، كالموقف من الحداثة وما بعدها البصريةالقضايا المطروحة في الفنون

.. األصالة والمعاصرة.. التجريد والتشخيص.. أو الموقف من الطبيعة والمتخيلد قادرا المتحقق والمفقود وسوى ذلك مما يجعل النق.. المرجعيات والتصورات

على اإللمام بالمنعطفات النوعية التي أفرزت الفنون التشكيلية والبصرية المزيد من التحرر المولد إلى قاد اإلبداع يريبتفاعالتها الذاتية كمحمل تعب

تلمسها في - اليوم -لألفكار، والمشكل لخصوصيات محترفية عربية يمكن وعمليا، ومن خالل التواصل يتصل به نظريا الوعي الفني الجمالي وكل ما

النقدي الذي بات يحدد األمور ويضعها في مقامها المتجاوب زمنيا مع الراهن كالموقف من الفن المعاصر بجمالياته الخاصة وعبر الدور االنقالبي المنهجي الذي يلعبه في القطع بين الحداثة الفنية والفنون المعاصرة المنتجة ألفكار على

.الغرب بعيد منتصف القرن الماضيصلة بما أنتجة من معناها الحديث الذي الفنون التشكيلية انطالقاأن صحيح«

خالل الفترة خصوصا، في العالم الغربياستعرضناه قد عرفت تراجعانالحظ ذلك انطالقا مما نشاهده في جل . األخيرة من تاريخنا المعاصر

ية وعلى الصورة المعارض الدولية التي ركزت على الفنون البصر. مثل دوكومانتا وبينالي فينسيا. التكنولوجية والصناعية بأصنافها المتعددة

التونسية مثال الدناولعل األمر مشابها في البلدان العربية فنحن نشهد في ب خلت مبادرات من قبل معهد التعاون الثقافي الفرنسي أربعةخالل سنوات

فن المعاصر والتي تم االقتصار تتمثل في معارض اندرجت تحت عنوان ال على خطاب وعموما،فيها على الصورة والوسائط الجديدة وعلى التنصيبات

.يستمد مراجعه من التيارات الفنية المعاصرة في معاهدنا العليا للفنون، ديمي نشهد تحوالت شملت التدريس األكاكما

منهم البعض أصبح بدء ظهور جيل من الطلبة المتخرجين، إلى أفضت إشكاليات إلى متطلعا الدكتوراه، أو ممن يعدون شهادة الماجستير صوصاوخ

ثرية إمكانات التكنولوجيات الحديثة من إليهآلت الفن المعاصر واستغالل ما

-٧٥-

فاهتم باألشكال المنفجرة وبالتنصيبات والصورة الفوتوغرافية وفن . ومتنوعةا يفرز عالمات تحول في مم،الفيديو وغيرها من أشكال الفنون المعاصرة

التأقلم مع ساسية األمواصفاتها من ،ا في بلدنالتشكيليةطريقة ممارسة الفنون . والوسائط المتعددة،متطلبات االقتصاد الجديد

، وللناقد العربي بالخصوص، يمثل كل ذلك زعزعة للنقد عموماالمة أشكال مقاوإلىوالذي لم ينته بعد من بناء مشروعه التأسيسي والهادف

خالل القرن العشرين باالعتماد على ما لعربيالفلكلور التي طبعت الرسم ا .»)١(؟ه من قيم استمدها من الفن الحديثاستنار ب

الناقد سامي بن عامر في غاية األهمية، وقد تم طرحه في تساؤلت المنتديات النقدية العربية وفي كتابات النقاد في السنوات الماضية بعد أن بات

ففي . المنطقة العربية تعد العدة لولوج العالم المعاصر للفنون وبشكل نسبي على سبيل المثال تم تحويل فعالية جماعية هامة كبينالي الشارقة ٢٠٠٦العام

وبشكل كلي لالنحياز فقط للفنون بصياغاتها المعاصرة، فيما بتنا نشهد تحوال تم افتتاحها تة األنشطة في صاالتبعه من إقام جزئيا في بينالي القاهرة وما

في مجموعة من العواصم العربية بخبرات أجنبية، أو أن تقوم مثل هذه حدث في الخبرات بإقامة الورش التجريبية لفئات من الشباب وهذا ما

اإلمارات والبحرين ومصر واألردن وقطر والمغرب، ليتم الحقا افتتاح التي دخلت في إنتاجها التقنيات الصاالت المهتمة بهذا النوع من الفنون

واألفكار الجديدة التي تحقق القطيعة التامة مع فنون الحداثة العربية باعتبارها كما تبع ذلك إقامة مجموعة من األسواق الدولية للفنون في . فنونا من الماضي

دبي وأبو ظبي والدار البيضاء وقطر وإقامة المزادات الدولية لكرستيز فنية عربية، حيث بدأت صالة أيام السورية بإقامة ؤسسةرا لموسوذبيز وأخي

مزادها في دبي بعد أن حولت صالتها هناك لهذه الفعالية وافتتاح صالة فنية .في سوق دبي المالي تبعه إقامة مزادها في بيروت

. أستاذ أكاديمي تونسي- سامي بن عامر -النقد الفني )١(

-٧٦-

المطروح على النقد بتأثير التغييرات الحاصلة والمستمرة في التساؤلته بتحديد معنى ودالالت اصطالح المعاصرة، وما هي الحدوث تعلق في بداي

بالصورة ودالالتها االحدود التي تبدأ عندها؟ فيما بقي التساؤل الثاني مرتبطفي الفنون العربية، كنتيجة مرئية يتم اعتمادها بالصيغ المتجاوزة للحس البصري، أو الرؤية البصرية المادية، وبكل اشتغاالتها الرمزية كقاعدة

كأن الحاجة للتبصر باتت متفوقة . دراك المعنى خارج المعاينات التقليديةإل حالة بصرية إنتاجعلى البصر بتجاوز المفاهيم التقليدية واالقتراب من شعرية

تكسب المنتج البصري مفهومه المعاصر، الذي سيكون على مؤقتةمضغوطة بل تعامل أن يطور قدراته الستيعاب الوضع الفني الجديد، وس النقدى

المجتمعات مع فنونها، وموقفها من الفنون الجديدة شكال ومضمونا ومعنى، . يتم من خاللها تحريك األفكارتيوالكيفية ال يكون معنى التبصر هنا مرتبطا بسعي اإلنسان أن يكون أكثر من قد

وهو األمر الذي بات يتأكد أكثر مع التسهيالت التقنية والميديائية .. إنسانعلوم الجديدة التي يتم مزجها لتحقيق أعمال فنية معاصرة يعبر الفن من وال

، أي الجموح )الهيبرس(أسماه اإلغريق وهو ما«خاللها لتحقيق الجموح لو تأملنا فعال،و.. أن هناك جموحا غير مذنبإلىوفي ذلك إشارة . المذنب

تمعات شكل ومضمون كل أشكال الطقوس التي تنظمها بعناية فائقة المجالغابرة لتبين لنا أنها تأطير للجموح، أي تأطير لحق اإلنسان في أن يكون

. أكثر من إنسان، في أن يتخطى كل صيغ التناهي وفي أن ينصهر باأللوهي مصالحة الفرد مع إلىفي كلمة نقول إن الحفل الطقوسي الغابر كان يهدف

وبوصفه مصنعا وعيه الكوسمولوجي، أي مع جسده بوصفه قطعة من الطبيعةلهذا الجانب من عمل ) روجي كايوا(وقد أفرد ). دولوز(للقوى حسب عبارة خبرة ) مرسيا إلياد(في حين أدرج ) المقدس واإلنسان(المقدس كتابا وسمه

.)١(» االستحواذ األنطولوجياسمالجموح المقدس هذه تحت

١٢١ ص - ٢٠٠١ - دار محمد علي الحامي - محمد بن حمودة -قضايا اإلستيطيقيا )١(

-٧٧-

نون توصيف الفدود حإلى الجموح المحدد في المقولة السابقة يصل حدود عنفية مستقاة من التطور إلىالمعاصرة في إطار نظريات التفكيك يحلو صراع العلم والفن أو ماإلىالعلمي، ومحاولة بناء النتائج باالستناد

للبعض دعوته صراع العقل واألحسيس مما يجعل األمور أكثر تعقيدا بالرغم سانية واإلدراكات من نسبيتها ومن محاوالت تأطيرها وفقا للمعارف اإلن

المتحققة في كل عصر من العصور، والتي يبني النقد عليها آراء النقاد في المنجز الفني المعاصر، وهو يدفع الغرائز لالنفجار متحديا العقل والعلم والحلم، ومختلف العوالم الداخلية التي كانت سرا من أسرار الجنوح،

لى صلة بالروح، وبماهية الحدوثات التي كانت عأدقففضحها بتصوير الغموض اإلنساني الذي أبهره الضوء المعرفي المعاصر، وتجديد طقوس الكتابة الفنية التي توجز ادعاءات تعاطف الفن مع اإلنسان، وبناء مقاربات نظرية جديدة تعيد للكتابة أهميتها وتدفقها المعرفي المتعاصر مع تغييب

د التقليدي، باعتباره جزءا من به لدور الناق- يتم التصريح -قسري .زخارف الماضي وحواشيه الخيالية

-٧٨-

واملأمولاملكرس

الكتابات النصية البصرية جزء من المشهد النقدي محليا وعالميا، ظاهرة

ولعل المسوغات البحثية التي يقوم بها المنسقون، والقيمون على المتاحف، والفعاليات العالمية، المرتبطون بشكل نشطةومراكز الفنون المعاصرة، ومدراء األ

مباشر بالمناهج والمرجعيات الفلسفية المولدة للمعاني، إنما هي مسوغات على يكرس العالقة بالفكر واللغة كمجالين منفتحين على الخطاب البصري صلة بكل ما

المحلي، الذي يبقى في أشد الحاجة لمحمل نقدي يوصف صلة المنتج البصري يه، وحيث يسعى الناقد لتكريس استيعاب المعاني التي ينتجها الفن بطريقة تلق

رفيا،المعاصر في موقع من المواقع، وتعميمه قياسا على المسارات المقترحة معيرفده من خبرات كرستها التجارب التي تسير في نفس االتجاه، لتحقيق وعبر ما

في بعض األسس والمرامي بنية بصرية تكون بديلة لبنية سابقة لها، تتقاطع معهااألمر الذي يعين في تحقيق اتجاهات بصرية جديدة . اإلنسانية والنزعات التغييرية

تكرسه النصوص النقدية، كمرتكز أولي يمكن توصيف نزوعاتها إال من خالل ما ال المنهج الجديد، أو المأمول من تفعيل االختبارات الفنية، والورش إلىللتطلع

. سترسم جزءا مهما من حقيقة العملية الفنيةالتجريبية التي التحليالت التي تعيد لبعض إلى قلب هذه الحقيقة يمكن اإلشارة في

القضايا مواقعها الرمزية، كعودة الواقعية وما فوق الواقعية والواقعية الكونية كمذاهب في غاية المعاصرة، لتعيد إيحاءات الواقعية الروسية في إطار المنهج

يذكر ، وكل ماعليهاكسي حين نزعت عن الفنون قدسيتها مقدمة الواقع الماراليوم بما تفعله اليقينيات العلمية بأدواتها الجديدة، وهي تعيد نزع هذه القدسية من الفن مرة أخرى بعد أن عممت الحداثة روحانياتها التجريدية والتشخيصية

-٧٩-

الفن،ية تحدد لغة يقود هذه الرهانات اليوم مؤسسات عولم.. والطبيعيةوفعاليته الثقافية، قياسا على السوق الذي بات يختزل معاني استقالل العملية

أي المفاهيم التي تسمح بالهيمنة على األفكار والنصوص والمناهج . اإلبداعيةيمكن أن التي تجعل من البنية الواحدة مجموعة من البنى المفككة، التي ال

من خاللها قبل أن يوحدها في بؤرة فكر له تدور في فلك نص يوحد نفسه .معطياته التجديدية الفاعلة

عرض لهذه القضية في معرض اشتغاله على ) إدوار سعيد( يكون قدالسرديات الكولونيالية وما بعدها فيما يخص الثقافة والفنون حين تنوب األفكار

داعاتاإلبيقل أهمية بين عن بعضها بحجة التفوق لينشأ صراع ثقافي الالمحلية وتلك المهيمنة على تنظيم الفعاليات الكبرى وعلى المؤسسات النقدية والنشرية وأسواق الفن ومتاحفه التي تفترض أن كل محتوياتها تمنحها السلطة المركزية للقرار الفني العالمي الذي تتم المقاربات النقدية النظرية من خالله

رية الغربية على باقي الشعوب في وكأن األمر استمرار لنظرة التفوق اآلالعالم الثالث الذي لم يتمكن من تجاوز المعوقات الثقافية واإلبداعية بالرغم من خروج الجيوش المستعمرة من أراضيه منذ أزمان وإال فماذا يعني أن يتم

واتنظيم الفعاليات الفنية العربية من قبل هؤالء وماذا يعني أيضا أن يقوميمكن كات السورية والمصرية وسواها في بيناليات عالمية البتنظيم المشار

العبور إليها إال من خاللهم وبالطريقة والتقنيات التي يرونها والتي في أغلب .تمثل الحراك الفني المحلي األحيان ال

المطروح مرتبط بالتأكيد بسؤال آخر عن األسباب الذاتية التي السؤالفات أن تخترق االستراتيجيات الثقافية المرسومة تتيح أو تسمح لمثل هذه التصر

في الدول المستقلة منذ عقود، وهل شروط المشاركة والتعبير الدولي أو العولمي هي التي تحاول أن تكون بديال عن الطاقات المحلية بألف حجة وحجة

المعاصرة مرة لتخصصاتومنها غياب المؤسسة مرة وعدم وجود الكفاءات واوبكل األحوال، ..ة المستخلصة من السياسات الثقافية مرة أخرىوفشل النظري

فإن الربط الصراعي بين مختلف األطراف يؤكد األسس التي تقوم عليها هذه

-٨٠-

المقاربات االستعالئية التي تفترض أن الغربين القريب والبعيد هما األكثر األكثر عقالنية ديمقراطية واستيعابا للنظريات الفنية والفكرية المعاصرة وأنهما

وقدرة على الحكم واستيعابا للهياكل الثقافية التي مازالت متداخلة في بالدنا بالسياسة والمواقف المسبقة من المستعمر القديم التي تنعكس على الممارسات

.الثقافية والحاجة الدائمة لتحقيق الهوية وتثبيتها اإلبداعية في هذه القضايا بشكل مباشر اليوم على الممارساتتنعكس

عالمنا العربي، وفي أغلب بلدان العالم الثالث، بل وفي بعض الدول التي بعد االستعمار استطاعت أن تقطع أشواطا عظيمة في بناء شخصيتها ما

كالصين التي استولت سوق الفن العالمية على إبداع فنانيها لتوجيهه الوجهة اوالت مستمرة لخلق قطيعة التي يريدونها وكذلك إيران وشرق أسيا بعد مح

مع تاريخهم من جهة وتشويه هذا التاريخ باعتماد المنتج الفني ذو الموروث الغربي وتكريسه كحالة ولغة تخاطب معاصرة مرادفة لمنتجه ومتطابقة معه

.ليبقى الغرب العقالني في الشرق البدائي كما يدعونالعناصر الثقافية إذن ثقافية بامتياز على صلة بالمكونات واإلشكالية

والفكرية التي تشكل بنيتنا اإلبداعية وخصوصيتنا الهووية، والتي على أساسها يتم اختيار حواراتنا مع اآلخرين، هؤالء الذين يجعلون هويتنا أكثر وضوحا بتمايزهم عنا، وتفهمهم لالختالف، بدال من سعيهم للمطابقة واالستالب

ألحوال سوى مقاومة القيم المفروضة، يولد في أحسن ا الثقافي، الذي ال . تفصح إال عن نوايا تبقي المجتمعات في إطار الهيمنة والبرامج التي ال

نقدية تراوح في مكانها منذ عقود في بنيتنا العربية المستقلة، أزمة من الحالة الضيقة التي حشرت فيها بسبب المهادنة النظرية، خروجوتسعى لل

يرسم لمصير التفكير عندنا، على أنه خارج ماومحاولة استيعاب الصراعوتفكيكه بمواجهة التفكير الرأسمالي المتوحش الصاعد، الذي مازال يعتبر نفسه ممثال لآلخرين بكل شيء بما في ذلك الفنون واآلداب، وذلك العتقادهم أن امتالك التقدم التقني ووسائل االتصال الحديثة سيكونان بديال عن

.لروحية والثقافية للمجتمعاتالخصوصيات ا

-٨١-

الحالة الراهنة يبقى النقد بحاجة ملحة لتطوير األفكار ولتجاوز إلىوالمناهج، التي يتم في إطارها دراسة أنواع الفنون البصرية، والوصول

ونتائج معرفية في ظل وعي المتغيرات النقدية، وتحرير اإلبداع من قواسم، ونزع القلق من نفوس المبدعين مما التبعية التعسفية التي مورست عليه

كرسته نظرات الحداثويين في مشروعهم التعبيري الشكلي الطاغي على ظاهرة المضمون، الذي بقي في أغلب األحيان قضية ذاتية غير مستقرة، لها معطياتها الخاصة على الصعيد الوجداني، والتي مازالت هي األخرى بحاجة

، والحوار الحضاري الذي يوسع النطاق للنقاش النقدي المعمق والصريحالثقافي، ويجعله متداخال مع النطاقات الفكرية األخرى في المجتمعات العربية

المؤطرة للفعاليات الذهنية يةأي باألشكال االتصالية الفن.. المعاصرةوالوجدانية المجتمعية، باعتبارها لغة تحمل القيم العليا للهوية الثقافية، وتربط

يارات ببعضها، تلك التي تجعل من التنوع اإلبداعي ضرورة ثقافية االختتتمظهر بالنتاجات التي تبقى بحاجة لجمع المعلومات عنها وعن مبدعيها وعن موضوعاتها ومراحلها وقبل كل ذلك مصادرها في المعارف وصلتها بباقي

جمهور مجاالت التعبير الفني التي تثري اإلبداع وتثير الجدل حوله، وتجتذب . اإلبداع، أصحاب المصلحة الحقيقية بقوة اإلبداع وطاقته الخفية

بصرية التي تميز النتاج اإلبداعي العربي في مجاالت الفنون الالحيويةالتي تتصاعد وتيرتها في المناطق المختلفة، وعلى الرغم من تهتك البنى

لى قلة المساعدات التحتية الثقافية وعدم مجاراتها للكم والنوعية المنتجة، وعوغياب النشر الفني تقريبا، فإن هذه الحيوية مازالت موزعة في الشرائح

فهناك أوال من يريدون أن يفصلوا «: الثالث المعروفة في الكتابات النقدية أنفسهم عن المؤثرات الغربية، ولكن كيف يعرفون الغربي؟ الغربي هو ما

، الجمال بالنسبة لهم ينبع من يزعجهم، هو المجرد من المشاعر والعواطف: ١٩٩٨في لقاء أجري معه في أمستردام عام ) دويفستيجن(ويقول . الروح

يشعرون بأنهم أعضاء في تجمع معارض مازالواكثير من الفنانين العرب . يستطيعون للمفهوم الغربي للفنانين األفراد الذين يؤكدون ذواتهم بأقصى ما

٦م -بؤس املعرفة

-٨٢-

الم المحيط، ويسير بموازاة الشعر والقص، الفن البصري العربي معني بالعالفنانون الغربيون . )١(مما يفسر في جزء منه االستخدام الدائم لفن الخط

الفئة الثانية من الفنانين منفتحة على .. يعبرون عن العالم الداخلي للفردالفئة الثالثة . التقنيات الغربية، ولكن المناظر واألشخاص عربية وكذلك األلوان

.»)٢(ن من فنانين متأثرين بالمفاهيم الغربية ومتورطين فيهاتتكو السابق قراءة غربية تختصر الرأي النقدي في الفنون العربية، النص

مجانسة إلىورغم مقاربته لحقيقة األوضاع إال أنه يسعى في الوقت نفسه راء، وأنا ال أحبذ المعارضة العامة لمثل هذه اآل. المنتج بكامله بالمنتج الغربي

قدر مناقشتها بالتوازي مع التوصيفات النقدية العربية الجادة، التي تعي كيفيات بقدراتها -، والتي بإمكانها ا البصري قطريا وعربياإلنتاجتوزع شبكات

المقاربات ة تقديم وثائق أكثر دقة، وآراء يمكن من خاللها دراس- المتواضعة هذا إذا .. و التعارضات التقنية والقيميةالنوعية مع الفنون الغربية وأسبابها، أ

.كان من الضروري إجراء مثل هذه المقارنات في ظروفها الموآتية

لمواجهة التشكيلي المستوى العربي، وطيلة القرن الماضي، سعى المبدع على )١( المسندية أومجموعة من الحاالت السلبية في صلته بالفنون وبخاصة اللوحة المحمولة

هذه المرجعية تحمل في أنيتها الغربية، وباعتبار باعتبار مرجع»لوحة الشوفاليية« أو مجموعة من القيم المختلفة والصيغ المتصلة بالمادة وإنماطياتها ليس الشكل وحسب،

والموضوع والصياغات الشكلية، فتعددت التجارب التي كانت في البداية صدى للتراث هديد تدخل مع وهي تحس جوانب التأنفاسها تمكنت من التقاط أنها إالالغربي

ينحاز أنمحاوالت السيطرة والطمس التي تطال المشروع الفني العربي الذي اختار أسئلة إلى وتطوير التحديات التي يواجهها المبدع أوالالى حقيقة المواجهة مع الذات

البحث في الفنون المعاصرة، وهذا مجال واسع على المستوى أهميةكبرى تزيد من لتجارب القطرية العربية حاالت متماثلة في تقديمها لمجموعات تشكل اإذالعربي،

التشكيليون عبر مختلف المحامل التعبيرية تصويرا ونحتا وحفرا أنتجهالحلول في ما بمواد مستوردة، ولعل أولى هذه التجارب إنتاجهاوسوى ذلك من الوسائل التي ارتبط

الخط العربيإمكاناتارتبطت بما دعي الحقا بالحروفية واللجوء الى - ترجمة طلعت الشايب - جووست سمايرز -الفنون واآلداب تحت ضغط العولمة )٢(

١٧٩ ص -الهيئة المصرية العامة للكتاب

-٨٣-

البصري الذي يمثله الخطاب النقدي يعتمد أساسا على قوة الخطابالفعل اإلبداعي المستمد في حقيقة األمر من قوة التنوع الفكري، النابع من

ا، ومقدرة المبدع على التكيف المناخي مع التقلبات رؤية جمالية للثقافة وتقاناتهالفكرية، وتنوع الطروحات وفقا لألحداث الكبرى التي تجعل آليات الخطاب البصري موضع اختبار دائم للخيال المفكر، المرتبط غالبا باتجاه محدد يجعله

بين الخطابين نزوع.. يحاول الوصول إليه بعيدا عن المرئي المباشر مارىيدائم لتفوق طرف على آخر، وهو صراع يتجلى في رؤية الفنان من جهة

وفي أعم األحوال يمكن الوقوف عند الوظيفة . ورؤية الناقد من جهة أخرىالتي يؤديها كل منهما لتحقيق االتصال بالمعارف التي يوحي بها النص على المستوى البصري وما يمكنه أن يخلق من تصورات في الذهن الستكشاف

.الفاتن رؤيويا واستيعابه بصريا السياسي أو التاريخي إلى اإلحالة التي يقوم بها النقد عادة، كاإلحالة إن

قعأو الفلسفي وسواه، هو محاولة ذهنية تبعث الستيعاب المفهوم في إطار الواوالمجاالت المحسوسة للتصور، وبتفاعل تحليلي مع السياق البصري المشبع

مية المكونة لقيمة العمل الفني من جهة، وللشرعية التي تمنح بالقدرات المفهوهذا العمل إمكانية المعاصرة من جهة أخرى، بحيث يضحي مصدرا من مصادر التعبير عن الذات الجمعية في الحاضر، أو أن يكون طريقة من طرق

هنا . نفي االضطراب الذي يصيب الرؤية ورمزيتها التعبيرية عن الوجودة التي يركز عليها النقد أحيانا فيما بين الفنون البصرية كمحامل تبرز الهو

مستوردة والواقع، وإمكانية الفنون البصرية في استيعاب الموضوعات .والقضايا في إطار خصوصيتها المحلية

-٨٤-

الصورة صراع الرؤية والوعي

فكارأل اسعىت، وامتدادهباتساعهوبقدر شمولية الكون ، الكونحياة.. األفكار البد أن تبرز مسألة ارتباط الموضوع هنا.. نسان لبناء موضوعات اإلالتحقق إلى

أحسلقد . إطالقها وتقلل من ،وهذا ما يجعلها تبني قيودها، بالزمان والمكانوقد عكس هذا الالتناهي ، الكونإلى االنتماء بضرورة ال تناهي سابقانساناإل

. لكائنات الوجودية الفردرفكاد األ وض،ضرورة التفكير الجمعي ظل في لم تعد تلق اهتماماإيديولوجيات ذلك على فلسفات وينطبق

وضرورة التميز الداخلي للفرد ككائن متكامل ،تصاعد وتنامي الحس الفردي ال تعتمد نهائيا) ما فوق اجتماعية( تؤمن له التقنية وسائط ارتباط ،في عزلته

من خالل الحدود ) نسانيوهم التجلي اإل( على نماإ و،على الروح العفوية للكائن التي لم تعد مرتبطة أفكاره لبناء ، على الزمان والمكانلكائنالتي يسيطر بها ا

بقواسم تحقق تجلي إنماو، وماهياتهالموضوعاتبقاسم مشترك محدد لتحديد ا التي ستمكن) الصورة (هو هذه الطروحات أهمو، الكائن في طروحاته التعبيرية

. وكونيةإنسانية محسوسات إلى وتحويلها أفكاره من تحقيق نساناإل حين اعتبرها وهما) هيجل( للصورة لدى ساسي اختفى الموضوع األلقد

له اعتبار الفكر قضية تطورية غير ثابتة تشمل أفسحوهذا ما ، عن التحققبعيدامفصل مركز وهذا ال، هو حقيقيبما إالالذي ال يعترف ) المتطورالتفكير(

التي تستمد التوهم بها من اعتبارها ، لالنطالق بنظم التفكير المعرفيةأساس أنخاصة ، التحقق الجمالي الحسيأو ،ممارسات جمالية لما هو فوق الواقع

أو، فراد األأو ، الموضوعاتأو ، تقاس بالقيم التفوقية للعناصرد لم تعموراأل .إليها بقدر ما تهم الفئة الموجهة دعهامب كمواد تعبيرية تهم فكارقيم تحقق األ

-٨٥-

كي تخرج ، )الفكرة بتصورها( والصورة في تطرقها للواقع البد أن تمزج ) البصريلفعلا( في حيز إدخالها و، المجردة من وهم تصورهاألحاسيسا

تحققه بإمكانات) المتصور( التي تؤلف عالقة ساسية األأو ولية،المشكل للمادة األبعد مروره بالمفاهيم السائدة ، لفني في الماهية التي ستشكل عليهاوا، التعبيري

وخضوعه لعالقات الثقافة الشاملة والسائدة التي قد تجعل منه ، ) ومكانيازمانيا( . مع كل ما يناهض تجليه على هيئة الحياة ومتباينا، لتحققهمناقضا

وال ، يبدو حيا كل ماأو، الرائع هو فقط كل حيأن )١()فيشر( اعتبر لقد، في المعنى فقطالمتجسد الحي باالعتبار أو الحياة إلىبالتأكيد ) فيشر(يشير

أن أي، تحدده تفاصيل وجوده الفعليكما المفهوم العام إلى إشارتهبل تمتد وهذا يؤكد ). بواقع الحياة( من ارتباطه أكثر) قوة الحياة( مرتبط بمفهوم مراأل

عتبارها عليها من مصادر تؤلف اسبغه وما ي،اةدور الوهم في تشكيل الحي . مما هي ثابتة في هذا التحققأكثر، طارئة على جوهر تحققها

وناقد جمالي من أعالم الفكر االشتراكي، ولد في مدينة كوموتاو من مفكر: فيشرأرنست) ١(

ظهر أول .١٩٧٢آب / ١/لبية في وتوفي أثر نوبة ق١٨٩٩ في العام بوهيمياأعمال وبعد كتابة مسرحيات عرضت في فيينا، عمل صحفيا، وأبان ١٩٢٤ديوان شعر له عام

نائبا في وعين النمسا الجديدة"الحرب هاجر إلى براغ ومنها إلى موسكو، أسس صحيفة كتبه ومن وأجبر على ترك الحزب بعد مشادة عنيفة١٩٥٩-١٩٤٥المجلس الوطني

وهو يرى أن من واجب الكاتب »الماركسية الحقة« و»ما قاله لينين حقا«يديولوجية اإلتعرية الواقع االجتماعي والكشف عن غناه، وهي دعوة إلى تملك ما هو خيالي وجمالي،

ذكريات « أيضا مؤلفاته ومن .ودعوة إلى االنعتاق من قيود يفرضها واقع تعسفيلوب جذاب قدمته إحدى المجالت األوروبية على أنه وهو كتاب هام كتب بأس»وتأمالت

سيرة إنسان مثقف مرهف الحس كل الحساسية، وواع للقضية االجتماعية في العصر « وهو مساهمة في وضع جمالية ماركسية حديثة، كتبت بين »وخلف آثار الواقع«. »الحالي

اب تضاربت ، وفيه يحاول أن يتخذ موقفا معينا من مشاهير كت١٩٦٨-١٩٦٦عامي اآلراء حولهم واختلف في تقييمهم أمثال بيكيت، بيتر فايس، برشت، غويا، وسولجنستين، فهو يرى مثال أن أبطال روايات بيكيت وسولجنستين هم في طريقهم عبر جسور آالمهم،

في عالم العمل، البحث عن الواقع، : هذا الكتابولومن فص. إلى مصافحة فجر جديد .، استحاالت غويا، العمل والحرية والسلطةهنريش فون كاليست

-٨٦-

المفهوم ، فيشر هو التربة الخصبة التي تحقق الصورة) رائع (إنيحققان ، طارئغير تغير سائد وتإلى المنقسم بتغيره اإلنسانيالمتغير للتخيل فيما بين الفكرة أي. تحققهاإمكانياتين الفكرة و التنافر بأوسواء بالتجاذب

أو شكال وارتباطها باألفكرة،وشروط التخيل التي تعرض نظم تحقيق هذه الولكل منهما ، هائمة بين الشكل والفكرةإذنالصورة . توحي بهأنما يمكن

الشكل ، آخر على سلطته على الحيز المعنوي لفيض الخيال الذي يغلب طرفا وال يمكن تغيير مواصفات ،ظاهرة ثابتة يحققها الخيال عن المتصورالذي هو

إذ. الجديدةشكال مغايرة ومختلفة تؤسس لبناء األيم باستدعاء مفاهإال قهاتحق ما حققه من شروط تواجد تتعارف عليها الكائنات أويبقى الشكل هو ذاته

يير شروط تحققه عبر بتغإالوال يمكن تغييره ) إيجابا أو سلبا(المتعاملة معه أو الفكرة من الصورة والمشاعر قتحمتبديل لغة صياغته والهدف منه بلغة ت

التي سيجري استبدالها للتدليل على العالقات الجديدة التي ستخلفها حاسيساألمادية (كونه حقيقة ، شكالعاصفة االنقالب الذي نحدثه في ظاهرة شكل من األ

) االفتراضيأوالواقعي (وال متناه مع الواقع لوعلى ارتباط شام) معنويةأو . في تشكيل ذات الشكل فاعالالذي نعتبره كونا

بسبب ، وجه الصورة- أحيانا - في الصورة قد يغير التناقض أناوقد ). القوى المتصلة بمركز توليد الصورة( متغيرات تطال ذاتها إلى شارةاإل

ضعية والوخالقية بالقوانين األيكون الصطدام المعاني الناتجة عن الصورة االنتهاء من وضع حد لصراع االنبعاث إلىالمتعارف عليها ضرورة تؤدي

هذا الصراع الذي .. المفهومية لسلطة الشكلوضاعمع األ) الالمحدودية( وبالتالي ، وسائل تقلب التصورنتاج الذهنية إلوالتيمكن اعتباره منطلق التح

أو أن هذه الحقيقة تستميل الصورة . قةتصوغ الخيال على صورة الحقي اإلنساني النائسة ما بين الصدفة وشروط تحققها التي يؤمنها الفعل ،المتطورة

وفي نور .. بل في شمس تحطمها وتجاوزها، ليس في ظالل القوانين،الخالق والتصورات والنظم والقوانين فراد واألشياءالصراع الناشئ دوما مع األ

. الصائغ الحيوي لمالمح وجه الصورة الجديدة، ديدلتحقيق عظمة الج

-٨٧-

أو هي الصورة التي تقدم نفسها كأمر ال ينتهي إنما، الجديدةالصورة قد )١()بولوك( يكون أنوبهذا يمكن ، للتفكير الدائمتبرفهي مخ، إنجازهيتحقق

١٩٥٦ أغسطس ١١-١٩١٢ يناير ٢٨ (Paul Jackson Pollock): بولوكجاكسون )١(

رساما أمريكيا وأحد رواد حركة التعبير المجرد، ولد في مدينة كودي بوالية كانماس حيث قام بتدريسه تو١٩٢٩وايومينغ األمريكية، ثم انتقل إلى نيويورك العام

ادثمات في ح. أسلوبه كان مبتكرا بشكل كبير. كان وقتها مشهور جدا. هارت بنتون ١٩٥٦سيارات بالقرب من منزله في لونغ بيتش بوالية نيويورك في سنة

، لعشرين من أهم الفنانين التشكيليين األمريكيين خالل القرن ا»جاكسون بولوك« يعدة تهدف إلى تجسيد حركة الفنان في إطار يتميز كطريق»السكب«اشتهر بابتداعه لتقنية

تجسد نبضات الفنان أثناء سيرورة :الفضاء عالئقي متناغم بين جسد الفنان وببعد »بولوك«ـ وترتكز األعمال الفنية ل.حركته في عالقته باألثر الذي يحتوي الشكل

.أساسه ليست بعدا ثانويا في عمله بل و فهي»الحركة«أساسا على مفهوم حركة إذا ، »الذي يحدثه في اللوحة ليست صورة وإنما حركة« أن »بولوك« يعتبر

، المنظم فال شيء وليد الصدفة أعماله سنتبين طابعها القصدي وتتبعنا تغييراتها في ال أكون واعيا بما أقوم فإنني , عندما أكون فوق اللوحة« وذلك بالرغم من قوله بأنه

ألنه يحيلنا »..ي ال أتمكن من معرفة ما قمت به إال بعد مدة من الزمنبل إنن، به ولعل ، العفوية والالنظامإلىبذلك إلى انخراطه الكلي في العملية التشكيلية وليس

إنني « ذلك ما جعله يؤكد في العديد من المرات على الطابع القصدي لعمله بقوله وفي هذا .»ليس هنالك مجال للصدفة، ثناء الرسمن أتحكم في حركاتي أأستطيع أ

خاصة في الرياضيات الطابع ت الحديثة في العديد من العلوم واإلطار بينت الدراسالعالم أهمها دراسة قام بها ا، "جاكسون بولوك"م في حركات القصدي والمنتظ

ن فيها وجود طابع ، في نهاية التسعينات»ريشارلد تايلور«الفيزيائي المولع بالفنبيكيليا يعني ذلك تشو Fractale (كسري نمطي متكرر يقوم على بناء أساسه رياضي

بتوالد األشكال وفق معادالت كسرية هندسية يتميز »بولوك«بان الطابع البنائي لـكل جزء منها نسخة من تولد الشكل فتجزأ المساحة لتقسمها إلى أجزاء يكون

يمكن مشاهدة هذا البناء النمطي المتكرر في العديد من األشكال الطبيعية و. عالمجمو .الخ... أو الجبالشجاركأوراق األ

الذي تناول طريقة تكوين »منحنيات فون كوش« دراسة الصورة أكثر يمكنناولتقريبي بدوره الذ، بناء يتوالد فيه الشكل من البسيط إلى المركب: قطعة صغيرة من الثلج

. =يحيلنا كل جزء منه إلى شكله األولي

-٨٨-

، القوى الالمحدودة لصورة في قرن كان يغادر تقاليد الصورة التقليديةأدرك-١٩٤٧(راه يقول في العام ولهذا ن. وروبيعلن ثورته على نمط التفكير األوي

إطار نادرا ما اشد قماشتي على أنا. رسمي ال يأتي من مسند اللوحة): (١٩٤٨ على أو اثبت القماشة غير المحددة على حائط صلب أن أفضل أنا. رسمقبل ال

أحس ألني أللفةبااشعر . براحة اكبرأحس األرضوعلى . بالمساميراألرض. حولهاأدور أنمادمت بهذه الطريقة استطيع ) الصورة( بأني جزء من

هذا يماثل ما يفعله أن) في الصورة( حقا وأكون، األربعاستغلها من الجهات الرسم أدواتمكثت بعيدا عن . األمريكيرسامو الرمل الهنود في الغرب

النقاد الذين لم يروا في عمل هذه الدراسة الهامة من دحض آراء العديد من مكنت =

و يبين بل، سوى مجرد آثار لحركات عفوية يمكن ألي إنسان القيام بها»بولوك« علم األشياء ذات الطابع ن على المجال الرياضي أل»لبولوك«ع األستباقي الطاب

بينوا «تينات بواسطة العالم الرياضي يظهر إال في السلم (Fractale) النمطي المتكرر الذي تناول األشكال الطبيعية بالدراسة معتبرا بأنها تبدوا عند رؤيتها عن »موندالبرو

... و المستطيل والدائرة والمربعة قد نتبين منها النقطة و الخط بعد بأنها أشكال بسيطلكن عندما نالحظ هذه ، من خالل الهندسة االقليدية دراستهوهو ما يمكن وصفه و

رة األشكال من قرب سنكتشف أنها ستصبح أكثر تعقيد فهي في الحقيقة متقطعة و منكس .ا ال يمكن وصفه بواسطة الهندسة العاديةمتشعبة وهو متكون بنى متفرعة و، اإلحاطة

شكل : نالحظ تقسيمها لألشكال الطبيعية إلى أربعةقليدية الهندسة االإلى نعود فعندماطول دون (د مثل الخط أشكال تتميز ببعد واح، ير مرئي يتميز ببعد يساوي الصفرغ

وهي تختلف في ذلك عن بعد ، الثالثية األبعادم األشكال الثنائية األبعاد وث، )عرضن الحصول على عدد هندسة األشكال ذات الطابع النمطي المتكرر الذي يمكننا م

وفي نفس هذا .انتظام و التجزؤ في نوعية من األشكال المركبةيضبط درجة الالمن التعرف على ) كرازنر- بولوك( لم تتمكن الشركة القائمة على أعمال الفناناإلطار

إال من خالل هذا ٢٠٠٣عشرين عمل فني التي وقع اكتشافها سنة ية األربعة وأصل دعمت أبحاث العالم العلم الهندسي الذي بين أن ستة منها غير أصلية الشيء الذي

رغم تنوعها »جاكسن بولوك« التي بينت أن أعمال »ريشارلد تايلور«الفيزيائي .مطية المتكررةحافظت على نفس التركيبة الن

بل تقوم على نظرة ال تنطلق من الفراغ »جاكسون بولوك«ـة ل التجربة التشكيليإنلألشكال الموجودة فيه تجسمت في مسار عالئقي خاص ال يقوم على خاصة للعالم و . يحوي رؤية خاصة للعالمأثرما على فعل هادف وحركة مقصودة وإنحركة عفوية و

-٨٩-

أفضل انأ. الخ.. والفرشاة)الباليت (األلوانوطبق ، مثل المسند، المألوفة الطالء الثقيل مع أواألعواد والمالجاث والسكاكين والصبغ السائل المقطر

في أكونحين ، مضافةأخرى يبة مواد غرأية أووالزجاج المهشم ، الرملعند ذاك ، )تعارف( ذلك يحدث بعد فترة إنما، فاعلأنا ما أعيال ) الصورة(

تحطيم ، التغييرإلىوني مخاوف من اللجوء ال تحد، مشغول فيهأنا ما أرى . ألن للوحة حياة خاصة بها، الخ) الصورة الذهنية(

وحين افقد ، اجعل الحياة تنبثق من خالل اللوحةأن أحاول أنا انسجام كهنا، ما خال ذلك.. االتصال مع اللوحة تصبح النتيجة فوضى

) . يكونعلى خير ما ) الصورة(وتأتي ، اخذ وعطاء بسهولة، خالص) الصورة( انشغال أنصراع الرؤية ). وإمكانات رسمي - جاسكون بولوك (

يجعل هذا الجمال عابرا وغير مستقر ، ببناء مالمح الزمن على هيئة الجمالفكل ما يجعل المبدع منشغال به يحقق ضرورة ، حاله حال الزمن، على حال

القة الرؤية بها تدفن ما سبقها او تفكك عأخرىانتهائه واالنشغال بقضية السكونية الجمالية التي ال ينعدم القصد منها إسار في اكفتغدو الصورة حينذ

ينعدم التواصل معها كحامل لفعل اللحظة التي تبذر صراع الرؤية وإنماتحقيقا لرؤية شاملة لحقيقة تبقى تائهة حتى لحظة انبثاقها ، والوعي به

، تحققهاوأسرارظة ومنطقها الصدفوي من حواس الفنان لتشكل رائع اللح المنجزة تخضع صورةفال.. القياسية والتقديريةاألبعادبما في ذلك كل

بقواعد هذه اإللمامتقتضي ، رؤية بصرية حسية، أيضالشروط رؤيتها واالنتقال من أوال، إليها لتحقيق عملية النظر نساني واالحتياج اإل،الرؤية أو علىاأل، الخلفإلى أو مام األإلى المتجه البعد الزمانيإلى مكانيالبعد ال

باعتبارها قوة الجذب ) الصورة(وكل ما سيتحقق على سطح ، سفلاأل واعتبارها النموذج المتحقق لما سيليها من نماذج صورية أوال،والتعبير

أو الالغية أو) الصورة النافية( باعتماد لناقصتحقق تسلسل الكامل للحاضر التاريخي الذي يحمل خبرة الصورة الناسخة لسيادة مفهوم ا

. إليه ويقدمها بامتياز لمعنى التطور اآليلة ،الماضية

-٩٠-

مع أو،في تناقضها مع ذاتها) الصورة( التحديات التي تواجهها أن يبدو صعوده وتتاليه لبناء يالمتغيرات من حولها هي تحديات الفن التي واجهها ف

وبالمقابل فإن من المستحيل اعتبار ، ورة وتطورات روح الصنسانيةالرؤية اإلوهذا ما ، ستقرار االا هذإلى انه يسعى أو مستقراالقصد من الفنون قصدا

للتطابق مع - أحيانا - في تحديداتها التي قد تقود رة الصوأحوالينطبق على ي التي نبلغها بالتأمل الوجدنسانية ما وراء المدركات اإلإلى يمتد ذيالواقع ال

هذا المفهوم الذي تمتزج به روح ، ظاهرة تحقق الصورةأياهرة الفن لظ الرؤيا إلىال بل وتجاوزه ، الفنان وتصوره عن العمل الذي يسعى لتصويره

. عن هدف الفنون وغايتها المعبراإلنسانالشاملة للعمل بوصفه معرفة تحاكي : بنهوريذكر جان ماري شيفر في كتابه الفن في العصر الحديث قوال لشو

أن ال يتسنى له وإذن، ظال، )ورةص (إالالكون الممثل في عمل فني ليس ( أن ال يتاح له أي ألحقادنا أويصير موضوع شهوانية موضوعا لرغباتنا

ومنه انبجاس تلك الحالة الوجدية في التأمل المتجرد عن ، إلرادتنايصير دافعا اإلرادةوهذه ) . أمل عمال فنيا توضع بين هاللين مادمنا نتإرادتنافإن : المنفعة

الكشف والتخيل إمكانية أي، واعية للفنإنسانيةتشكل في تحققها ممارسة لظواهر الوجود المطلق بوصفه وجودا محققا وبوصفه وجودا ميتافيزيقيا

ودافعا باتجاه ملكات التدمير الوجدية التي تمنح اإلنسانيمحرضا للتأمل تجديد والتطوير بحجب المرئي ورؤية المحتجب المبدع وظيفته الحيوية في ال

ال متناهية تكون ) صور( على هيئة اإلنسانيةلمواجهة الحقائق وحشد المشاعر التنبؤية والتي تكون على تماس أو حقائق التصور الظاهرة إيصالقادرة على

) التاريخ الداخلي( جانب إلىمع تجليات الموهبة المحكومة بالحياة وانتقاداتها ذه الموهبة الذي يحقق فعالياتها ومرجعياتها البصرية والجمالية الضاغطة له

القطيعة والتصور في التصور . المشروعأووالموجهة باتجاه تحقيق النموذج لم تسع الفنون التشكيلية لممارسة هذا - وحتى اليوم -التشكيلي العربي

واقصد ، لعمل الفني لبناء تصور اأساسيةباعتباره مرجعية ) التاريخ الداخلي( العمل الفني إنتاج جانب إلى الهوية المطروحة أسئلة المبتسرة على اإلجابة

-٩١-

ال يكفي مطلقا إذ، والهيئات والمؤسسات والتوجهات النقديةاألفرادمن قبل العالقة يث والماضي من حاألساس التراث البصري دون اعتباره إلى اإلشارة

لبعضها البعض األجيال تحققه أنبي وما يمكن به لتسويغ ما ينتجه الفنان العر رؤية التجارب أو قراءة أوفي انجاز المهمة التي من خاللها يمكن دراسة

الفردية المتفرقة التي تختزل خبرات بعضها البعض بالتكامل وليس بالنفي مشروعا لالسلبة باعتبارها حدود إبداعية اعتبار كل لحظة إلىواالتجاه

ابل فمازالت البنية العالئقية فيما بين الفنون العربية وفنون وبالمق. التوتر لإلرث قياسا بانتماء التجارب العربية واألمثل واألمتن األقوىالغرب هي

انتماء إلى يشير أن ما يمكن أو العربي أو اإلسالميالتاريخي البصري العربي يتمثلها المبدع أن تتالت على مناطقنا العربية والبد تيللحضارات ال

اليوم ببساطة تفوق البساطة التي يتمثل فيها المرجعية النظرية والعملية وبالتالي فإنها ، الغربية المشكلة لجوانب الرؤيا التشكيلية في المحامل العربية

أوالنموذج (تبني الحافز لمحاكاة تجارب المبدعين في الغرب وخاصة يحقق سطوته على أن الذي استطاع المجهود النظري في الغرب) األسلوب

ابتداء من التقنين ) الصورة(واستالب مفاصل بناء ، األخرى الشعوب إبداع على المنجز التشكيلي العربي وانتهاء األكاديميةالذي تمارسه الدراسات

البصرية باعتبارها المشكل لثقافة ليةباستبعاد القيم العامة للموروثات التشكي من جهة حداثوية مع الماضي أكثربت بها القطيعة التي طالأن). الصورة(

من األمرفهذا ، تمثل دعوة الستالب ضمن استالب اشمل، لتشكيل الحاضر غاية لتجاوز وحلقة األمرممكن التحقق وخاصة حين يكون ، المنظور الغربي

بينما ، حلقة جديدة تحتاج لدفع تصوري يقتضي القطيعةإلىتم تحقيقها وتمثلها التصور الحديث لبناء الصورة مازال أوفالتشكيل العربي ، في مثالنا العربي أن التوجه والتصور اللتقاط دالالت القوة التي يمكن وباويةيعيش بمجمله ط

وهكذا فإن الدعوة للقطيعة مع ، تبرز القواعد التي سينطلق منها الفن العربية نقدية مالم يتم التعامل معه يصلح ألن يكون مزحوإنكار، التصور التاريخي

ألن هذه الدعوة تدفع الفنان ، التصويري العربيباإلبداعشديدة الهزء

-٩٢-

لما يقع عليه من استالب بصري تاريخي مارسه الغرب أكثرلالنصياع هنا واإلشارة، منذ القرن الثامن عشر) المؤسسة قواعديا(بوصفه منتجا للفنون

شمل كل التقاطعات بل ت، النحتية وحسبأوال تقتصر على الفنون المسندية تقتصر وال). والعمارة والحدائق والخزف، المالبس(مع الفنون التطبيقية

النظرة الفوقية إنبل ، الفنون المؤسسة في الغرب على قواها الداخلية وحسب يمارس بفجاجة أمرا القطيعة إلى قد جعل الدعوة األخرىعلى فنون الشعوب

وهذه النظرة ليست ، في العالم تأكيد الحضور والتصوريإلىمع السعي فنونا ) اإلسالمي إطارهافي ( الفنون العربية واعتبارها فنونا إلىموجهة

لها المؤسسة أسست بالمواصفات التي اإلبداع أو التفكرية إلىتطبيقية ترقى أمريكا وفنون اإلفريقية هذه النظرة تمتد لتشمل الفنون أنبل ، النقدية الغربية

ريكتب شيفر في دراسته لفن العص، الخ.. آسيا شرق الجنوبية وشمالحسبنا . األوروبيةتكمن المالحظة ذاتها بخصوص الفنون غير : (الحديث

الذرى العالمية إحدى، التفكير في التطور التاريخي لفن التصوير الياباني أشكاليمتد تاريخه تقريبا على ثالثة قرون وتعرف ، للحفر على الخشب

التأليفي اإلتقان إلىاالنتقال من فجاجة المورونوبو ب: تطور ملحوظة أيضا أو قوة رسم هواكوزاي إلى، حسية اوتاماروإلىلهارونوبو ومن ثم

الذي خضع لتحوالت ، الوكيوالجو الشاعري عند هيروشيج وممارسة ا الحفر أعمال، )األهميةانقطاعا تقنيا وجماليا بالغ (كما عرف هذا الفن ، متعددة

انه ال يحمل تفكرية ذاتية إال. اللون في حوالي القرن الثامن عشرمتعددة التطور الفني لفن االوكيو ينجم عن إن: لغائية بالمعنى التاريخاني للكلمة

وأمزجة ، بشكل خاص تنوع طلبات الجمهور، التفاعل المشترك لعوامل عديدة بتطور مراأليتصل ، آخربتعبير ، تقنيات السحبوإتقان وأذواقهمالفنانين

دون وإيديولوجيجمالي ، متعدد الدوافع مبعثر عبر مجال اجتماعي واسعوغرسه في ) وبالمش(محاولة من قبل الفنانين او الهواة النتزاعه من هذا

النظرة التي إلى في هذا االستشهاد ألشير أطلتلقد . )غائي داخلي(تاريخ ما إلىولهذا فإني سأشير ، اآلخريتعامل من خاللها التنظير الغربي مع فنون

-٩٣-

الفنان الياباني المعروف توشيموتسو ايماي على هذه أجابفقد ، يحتمله الرددعنا : ( فقالاإلطارالنظرة من خالل سؤال كنت قد طرحته عليه في هذا

عصيا على الفهم حتى في اإلنسانفمازال ، نتحدث عن فهم اليابانيين للحياة يأتي من إنما ولعل وعي ما يستحيل فهمه .عصر العلوم التي تتطور باطراد

الحياتية واليابانيون لألشياءويرتبط بعدم االستقرار الحسي ، مفهوم الوجود ويحافظون على الخضوع الشرقي المبني على فكر وأردتهمبخفون قدرتهم

ال وعي إذ، الطبيعةإيقاعالتقدم والفناء من ، الموتأو ثنائية الحياة أنيعتبر بينما ،، فنحن غير مضطرين المتالك وعينا الخاص كمثالين كالغربيبالفردية

إجابةويضيف ايماي في . أعلىيبني الغربي وعيه مسبقا بناء يعتمد على مثال ميشال : أمثال األساتذةتتلمذت في الخمسينيات على يد مجموعة من (أخرى

ارتبطت و، اندريه مالرو، جان بولهان، نجاريتيأو، جورج دوتويت، ثابيهسوالج وقد كان لذلك تأثير في استعادة ، فوتريه، بصداقات مع سان فرانسيس

أو، عالقة الصورة بزمن انجازهاإلى عدنا أذاشرود الفن . عالقتي ببلدي نحلل هذه الرابطة فيما يخص المحمل التشكيلي العربي باالستناد أنحاولنا

حاوالت لرفع الغبن عن هذه ورغم العديد من الم) انجاز الزمن في الذات (إلى إنماما واجهته عربيا في النصف الثاني من القرن العشرين الصورة باعتبار

المواجهة الدولية للكساد الذي لحق بمصداقية اللوحة عالميا إطاريقع في وأنانيةانوية (األمر هذا إلىويضيف الناقد اسعد عرابي ، كمشروع ثقافي

رد فعل على صدمة المحق الثقافي التي تميزت الفنان العربي وان كانت تمثل القسرية اإلشارةوبالرغم من هذه ) . بها مخالب النظام الثقافي العولمي الجديد

اللوحة العربية إلىشمل كانت توجيه اللوم ليس أن الغاية األإال، العولمةإلى الشباب بأجيال الفنان العربي في سلوكه اليومي والموقفي مشككا إلىبل

وقد جاء في العالقة ، وحريتهم في اختيار السبل التصورية المالئمة لظروفهمشردت ): (وجوه الحداثة في اللوحة العربية(الملتبسة بين الفنانين العرب

طاهر إبداعيوتحولت من فعل ، الروحي-اللوحة بالنتيجة عن بعدها التأملي ة مؤسساتية تشهد من متداخلة في تواطئيإعالمية سلطة ثقافية تسويقية إلى

-٩٤-

، دون معيارأخرىخالل انتشار الفنون وفق هذه اآللية انطفاء وجوه والتماع يستمر غموض هذا الحال بعد ، ليصبح القزم عمالقا والمعاق العب سيرك

تقام االحتفاءات والعروض لمماسخة وتردم رمال المكابرة ، موت الفنانين على ارتباكها في األول أعمالظ تحف، ذكر من يستحق التخليدى علواإلهمال

نخاسة أسواق في األثمانتباع بأبخس أووتتبعثر تحف الثاني ، متاحف خاصة التي يعاني منها الفنان العربي ترد من مجتمع األزمة إن، الداخل والخارج كان المحترف العربي ال يحتكر هذه الصراعات وإذا، التشكيل العربي

كتها والعصبية والثأرية بلغت حدود القبلية التنافسية فإن مماحواألحقاد الضرب إشارة بنفس اآلخريشطب ، العصبية أحادية الذوق والرأي والمصلحة

هكذا . )ل الكهوف طريدته على جدار الرسمالتعويذية التي يشطب بها رج نابعة من الداخل المتصارع على بناء تصوره فولكلوريا األزمةيرى الناقد

مشوش الذاكرة ومخصيها بالحداثة االصطناعية المستوردة وعبثيا واستهالكيا، الحرف: هوية التعريفبأشباحومتهالك التشبث باستشراقية الذات الملفحة

والمركب والجمل والهودج والحريم ، الخيمة والدالية، التميمة، التعويذة، الوشمنما يرى بي، والطربوش والبايوج وبقية ما احتوته دكاكين الغرب اتجاه الشرق

بدور سفير ثقافي متقدم (النقاد والفنانين العرب المقيمون في الغرب يقومون وبغض النظر عن التشكيك وبث الشبهات فإن اهمية ) . في محترفات الغرب

وبدال من ، الصراع ليست دائرة حول الجوهر التصوري للفنون العربيةلته بقيم التعبير الموقف الصراعي حول العمل الفني وصأغناء في االنخراط

وكأنه مرتبط بالتوصيف األمريظهر ، وعمليات تحققها فكريا، النوعية ال. الخارجي للفن ليبدو وكأنه سجين اشكالياته التي يعيشها الفنان العربي

الفنية العربية ستبقى دون فائدة لألعمال اآلراء النقدية المختلفة إنجدال لى انساق تحكم وتقيم وتدرس وتحلل لم تستطع تقديم نفسها عإنترجى منها

الظواهر المختلفة واالتجاهات المتوحدة في توجهاتها وخلفياتها بما يجعل اآلراء تجتمع حول بؤرة يسهل التركيز لالنطالق منها واعتبارها مركز

للحكم على البناء األنساق باجتماع اوالتحول سواء داخل النسق الواحد

-٩٥-

الكاملة للعالقات متعقدة الدالالت لدوائر البصري الذي يقتضي المعرفة والتي تبني في النهاية النسق العام الذي ) الصورة (بإنتاجالظروف المحيطة

عدم إلى اإلشارةوالبد من ، القطريةأو الفردية اإلسهاماتيحتوي على الوصول وإنما توازن المعايير أو األنساقضرورة تحقيق التساوي في هذه

ما يساعد الحركات النقدية في ، السلبيةأولظروف االيجابية من خالل اإليهاهذه ، توسيع مجاالت الكتابة في نقاط غياب الدالالت التي تحققها الصورة

أوالفراغ الذي هو السطح المباشر ، النقاط التي يشكل الفراغ ساحة اشتغالهاالذي هو العالم ، تناهيه هو العالم بشموله وتناقضه ورمزيته والأوالمادة لربط إليهاوالعالقة التي نشير ، بالغاية التي تبرر تحققها) الصورة(عالقة

، الحركيأو المعرفي أو الجمالي أوالصورة هي في جوهرها المعنى الفني السطح او مادة العمل أو ما هنالك من المفاهيم المعنوية التي تبني الفراغ إلى

نيا عبر حركيته التي ال تقتضي مكان ينمو زمإلىالفني لتحيله من سديم النوسان أو التراجع أو عبر التقدم وإنما باتجاه واحد أو فقط األمام إلىاالنتقال

ارهاما بين الماضي والمستقبل حيث تكون الحركة تغيرا وتبدال لحظيا في مسوالحقيقة في العمل الفني ، الشامل عن الحقيقةاإلنسانيالذي هو مسار البحث

وال يشكل ، التصورات التي ال حدود لهاإنها.. األفكار أو، واناأللليست ، آخر أو أولوالتعامل مع العمل الفني ليس له (، الخيال ضفافا لهاأوالوهم

أجزاءوال يمكن استنتاج ، ليس في الخط وال في اللون وحده، فهو كل متكاملكل يتألق وال، العمل للمشاهدإيصال محاولة إلىفالعمل يهدف ، من بعضها

أو، فليس للوحة اجزاء مفردة، ليبهر الشعور ويعبر عن رؤية خاصة بالفنان . )١(وفضاء واحد، كل واحدإنها، مساحات منفصلة

). ما بعد الحداثة-م سامي اده. د( )١(

-٩٦-

فضاء داليل وقيم متغرية.. الفنلغة

اتفاق على أن الترجمة الجزئية للعمل الفني إنما تتم عبر اللغة، أي هناك على المستوى اللغوي كي رابطة أجزاء متإلىلصور بتحويل الرموز واإلشارات واوهذه اللغة المنطوقة إنما القت كثيرا من االشتغال كي . يتم تناقل المعرفة البصرية

اللغة العربية، التي إلىتتحول من األطر الغربية المكونة لمصطلحاتها ومفاهيمها ك تاريخها على كانت عصية في البداية على استقطاب روح هذه اللغة التي تمتل

وباعتبارها شبكة متكاملة من المعرفة التي . المستوى النقدي الجمالي في الغربولدتها المحترفات التشكيلية، والمذاهب والمدارس والجماعات والبنى والمؤسسات والمتاحف ودور النشر وباقي المصادر التي جعلت فاعلية الفن إمكانية اجتماعية

إطار تنظيمي وتحليلي لبناء الجماليات في سياق مواز وفكرية احتوتها اللغة في .للفعل البصري والتشكيلي

افترضنا أن اإلبداع التشكيلي يمتلك في سياقه التعبير، أي استخدام وإذالغة اإليصال عبر مفرداته وأساسياته األولى، فإن تحويل هذا الخزان

اتها لبناء الصورة لغة تتفوق على إمكانإلى وسحره داعالمشحون بطاقة اإلبالموازية في المخيال اإلنساني، إنما تحققت عبر مجموعة من المستويات المشعة بالحياة ونبض األفكار المتوافقة أو المتناقضة المولدة لألساليب في

.مقارباتها الجمالية الشكلية في مرحلة والالشكلية في مراحل أخرىدات والغائيات بصياغة تحول التماعات افتراضية للتعبير عن الموجوإنها

صورة تتراوح في إلى منطوق أو متأمل أو مبصر، أي تحويله إلى المرئيبحيث . حقيقتها بين الموجودات الفيزيائية والموجودات الخيالية خارج الذات

قيمة موضوعية يمكن التعارف عليها عقليا لتكون بناء إلىتتحول هذه اللغة ة والخيالية التي تعتمد الموهبة عليها في استقطاب افتراضيا للمصادر الوهمي

-٩٧-

الوعي الجمالي، إذ يمثل هذا الوعي سلطة تكوينية تمتلك تاريخها وتفعله لغة .متغيرة بتغير المنجزات الجمالية واألشكال التجريبية لإلبداع اإلنساني

اللغة تنشأ في أساسها من االنقسام الجلي بين ذات المبدع وذات هذهلعمل الفني، وإذ يحاول النقد التمركز في اللغة دون إقصاء أي طرف من ا

استقالل معرفي على المستوى إلىأطراف المعادلة التعبيرية، فإنه يسعى بحيث تكون لغته موازية أحيانا ومتقاطعة أحيانا أخرى مع المفاهيم . اإلبداعي

اللغوي المرحلي الجمالية في سياقها الفني، ومن هنا تأتي أهمية الخطاب أو عراف،المعبر عن الفنون وآليات الثقافة بشكل عام دون تعال على األ

.اختراق لفضاءات المنجز الجمالي في حرفيته التعبيرية وأدواته المفاهيمية

الصلة الدائمة بين الدال والمدلول في العمل الفني إنما إلى اإلشارة إنفاق على صيغ تكون حاضرة على يوصف اللغة ومعانيها ومحموالتها لالت

وفي كلتا . مستوى الفهم، سواء تقاطع هذا الفهم مع ذات المتلقي أو تجاوزه يترجم بواقعيته حيرة اإلنسان وهو إنماالحالتين، فإن النص الذي تبنيه اللغة

ولعل اإلشارة . بناء معارفه التي ال تنتهي أو تقف عند حد من الحدودإلىيسعى هوية العمل الفني، وهوية اللغة المعبرة عنه، وهوية المتلقي ىإلتكون ضرورية

الذي يصل وجوده بهذه الهوية، ليس من خالل إسباغ صفة اإلطالق عليها وإنما اإلقناع قدر ما تسعى لتحقيق إلى هوية بذاتها ال تسعى إلىعبر تجريبية االنتماء

أخرى عبر إلى لغة فيها من الخصوصية ما يمكنها دائما التحول من حالإذ يقتضي . االشتقاقات الجمالية، واالنفتاح على مختلف المعارف والعلوم

التعريف بلغة الفن االنفتاح على القوانين الذاتية للفنون من جهة، والجمالية اإلنسانية من جهة، واألفكار والفلسفات والنقد واألدب واآلثاريات والنفس

ه مباشرة للحصول على نص تتقاطع بنيته يمكن تصنيف الصلة ب وسواها، مما ال .اإلبداعية وهيكلية اإلبداع الفني، بل قدسيته في مواقع معينة من التاريخ اإلنساني

ن العمل الفني عبارة مستخدمة في الكتابات الفنية المختلفة، أي إقراءة السعي الضمني إلنشاء لغة مزدوجة يكون مشروعا حين نحاول تأكيد بالغة الفهم

تشير اللغة إليه في ثنائية المعنى والتعبير عنه، والمضاعفات المتولدة عن أو ما٧م -بؤس املعرفة

-٩٨-

هذا االحتكاك الدائم بين اللغة والفعل اإلبداعي الفني البصري، الذي يفكك نفسه باستمرار وبطريقة ال تخلو من قسوة تماثل االنقالبات الفلسفية والفكرية في

ءات جمالية وتحقيق مهام للفنون، تبقى في نبوإلىالمجتمعات اإلنسانية سعيا وهذا .. المستوى الريادي في المنطق الزمني يسعى عبرها اإلنسان لنقد تجربته

.بالضبط ما مكن شعوبا من التفوق في مجاالت الفنون على الشعوب األخرى تطوير بنيته إلى نحو مشابه لنقد اإلنسان لتجربته، يسعى الفن علىة قادرة على التحرر من السياقات التي تجمد المعنى أو لغإلىاإلشارية

لغة أقل ما يمكن إلىالمفهوم على حال أو في قالب تاريخي، مما يؤدي حقيقة الحراك في إلى الماضي، وليس إلىوصفها بأنها لغة تضليلية تنتمي

الحركات الفنية، واجهوهنا أيضا يمكن أن نفهم الصراعات التي ت. الحاضرلتعبير عنها في نسيج الحياة التي يختلط فيها الواقع بالتجريب، والخيال ولغة ا

بالوهم، والكوني باالفتراضي، وصلة كل ذلك بالجميل الذي كان محط اهتمام أو بالمثال في فترة أخرى، وبالتحرر من كل ذلك لتحقيق . الفنون لفترة طويلة

ع المعرفية التواصلية من تبني المشاريالناشئمفاهيم تعويضية عن الفراغ .التي لم تتضح معالمها، أو تستقر على حال

تتوسط المنطقة العربية العالمين القديم والحديث، الشمال وكماوالجنوب، فإنها تتوسط اللغة الحضارية الفنية، وتعيش حالة غير مستقرة، إذ

ه فيما لم يستطع النقد إيجاد لغته المتحررة من توصيفات نقد اآلخر والتبعية لكرسه تعريب تاريخنا الجمالي بالدرجة األولى، ومن ثم ابتعاد هذه اللغة في أغلب األحوال عن المنهجية التي كانت ستؤمن أنماط تفكير جمالي باألثر

جعل لغة الفن ولغة نقده تبقى في محاوالت التوازن مما .المرجعي الجماليوهذا أيضا يفسر . الجماليالتوفيقي، كي ال يخسر المجتمع العربي مشروعه

السباق التحديثي الذي يحاول المجتمع المدني تبنيه على المستوى الفني، وكأننا لغة تحتوي على مبررات تجيب عن أسئلة التجريب المقاربة إلىنسعى

لتجريب اآلخرين، والتي يمكن أن تخفي التقنيات الحديثة الكثير من دالالتها .ة جديدة تتقرر سلفا رموزها ومواقف نقادهاوخصوصياتها وهي تهيكل لغ

-٩٩-

لغة الفن الجديدة المتداولة اليوم يختلط السياسي باألدبي، واليومي فيباللحظي، والتعددي بالذاتي، واإلعالمي باإلعالني، لتنفتح هذه اللغة على فضاء حامل للمعرفة المعلوماتية المتناحرة على إبراز التباينات السلطوية

طية واالستهالكية في المؤسسات الجديدة التي تتبنى األنظمة الفنية والديمقرا حرارة االنقالبات التي نشهدها على مستوى اللغة الفنية واإلبداع ولعل .البديلة

حرارة الصراعات السياسية والتحوالت الحربية إلىالفني بشكل عام عائدة نظريات إلىإلنساني واالستعمارية، وإطالق العنان للوهم كي يقود المجتمع ا .تقع تحت إطار التناحرات الحضارية والثقافية والسياسية

ما يجعل لغة الفن تتحدث اليوم عن الحرية أكثر من أي شيء آخر، هذافهي مثار نقاش اللقاءات والبيناليات والمعارض الكبرى، وبؤرة الحوار بين

تضاعيف اللغة، لغة المبدع والمؤسسة الثقافية والجهات الدولية المعنية في القيم التي تتحول بتحول إلىالبد من االلتفات . الفن، ولغة التعبير عنه

األقطاب المنتجة لها، ولعل النشاط االستثنائي للمبدعين العرب في المحافل لغة القيم التحررية الناشئة في إطار إلىالدولية إنما يصب في النظر

في لغة اإلبداع، باتجاه تغييرركة لبنى ال المحاإلستراتيجيةالدراسات الجمالية ما يمكن دعوته الحقائق التخيلية التي باتت تنتجها نظم وشبكات المعلومات

.الجمالية التي ستصوغ فن المستقبل تستدعي األعمال الفنية الجديدة إبداء المالحظات عليها، أي التدخل قد

متفاعل معها جزءا من المباشر في بنيتها اإلشارية، وهذا يعني أن يكون ال إليه، أي إن لغة مرسلأجزاء سلطتها المعرفية القائمة بين طرفي المرسل وال

محددة يشترك في بنائها المخاطب والمخاطب لتحقيق حالة تصريحية فنية نفترض هذا البناء، فإن وعندما .مبنية على أسس بصرية لها تأثيراتها األدائية

دون عناء بحث عن لغة بصرية تصريحية تعتمد منطقا لغويا البد أن يظهرعلى الضوء حينا، وعلى قواعد البناء حينا آخر، بل لعلها تمتد خارجهما

التي أساسها المشاهدة ومن ثم االنتقال في لبصريةلتكوين بناء يتفق واللعبة ا . حالإلىهذه المشاهدة من حال

-١٠٠-

ووسائلها المتنوعة البد الحديث عن اللغة البصرية بتقنياتها المتعددةإن تقلبات هذه اللغة وألعابها وقواعدها، وهذا ما يمثل انتقال الفنان إلىأن يحملنا آخر، باعتبار هذه األعمال أفعاال بصرية تمنحه في البداية لذة إلىمن عمل

والنقاش مع اللغة البصرية ذاتها، وبهجة الحوارابتكارها، ومن ثم فرصة ن الذين يتوقون للتجديد والتطوير في أفكارهم بعد أن التفاعل مع اآلخري

وهنا البد من . يحققوا نقلة في إشكاليات وجودهم ومعارفهم وطروحاتهمالتأكيد بأن العمل البصري المنجز بصورته األخالقية أو النهائية يكون مغلقا على ذاته خالل عرضه، في حين ينفلت من هذا اإلسار لدى مبدعه باعتباره

.جا على نظام تفكيره التغييريخار

على سبيل المثال نجد النظام اللغوي » محمد كاظم« عمل للفنان فيالبصري الذي نتحدث عنه، إذ يبرز خطابه المؤسس على التعاقب المنظري والزمني بآن معا، إنه خطاب عضوي تمتزج فيه ذات الفنان بالطبيعة

سفل واألعلى، في الرياضيات الفيزيائية، لتحقيق نسق بصري منسجم في األ الضبط البصري الذي إلىباإلضافة . والرصد الزمني لرقم اللحظة وتاريخيتها

لفترة طويلة، مبنية في حقيقتها على التوافق لىايستنبطه من تعاقب جزئي يتتهذا ما تقدمه األوراق النباتية التي . الداخلي لمعنى االنقالب األدائي للطبيعة

حة بين الماقبل والمابعد في القراءة البصرية للعمل المركز تشكل فاصلة واضأي تبسيطات . والمكثف، الذي يتيح ولوجه عبر لغة المدخالت والمخرجات

اللغة البصرية المعتمدة على الضوء وشروطه الجوهرية، التي تجعل منه واقعا حقيقيا يمتلك من الصدق ما يجعل المشاهد يركبه بدءا من اللحظة التي

حجرة العمل، والتي تعني في حقيقتها أن يترك وراءه كل إلىيدخل فيها الصيغ التقليدية لقراءة العمل الفني واالستمتاع به، ليضحي في دائرة جديدة من التأثير األدائي ليس للمبدع وحسب، بل وللتقنية في حضورها الطاغي

.قف عند حد أو ختام واألداء الذي ال يتووالدهشةباعتبارها جزءا من الغواية العتمة والفراغ -» كاظم« فإن تنوع المواد المستخدمة في عمل بالطبع،

والصراع بين الفوق - والكهرباء وألواح األكريليك المحفورة والمضاءة

-١٠١-

والتحت، وكل ما يمكن استنباطه من حضور الطبيعة الحية أو الوهمية، إنما أن يبرز مقولته في صياغة يحسن النموذج اللغوي البصري الذي يحاول

ولعل الجديد في هذا النطاق . األداء الزمني للطبيعة واإلنسان معانرمزية عهو التفتيت الذي يلجأ إليه الفنان لكتلة الزمن، وكأنه في إبرازه للتعاقب إنما يبحث عن طرف مفقود أو غائب، والذي يعادل ذاته المتسائلة الكامنة فيما بين

متلقيه، والتي تمثل مرجعا دائما لفهم تأثيرات اللغة البصرية العمل الفني وأي لعبة . إنها لعبة حوارية مستمرة.. الجديدة وهي تروي أحداث العمل الفني

المجتمع إلىاتصالية ومعلوماتية تحتوي في تالفيفها على أهدافها التي تصل ة إتقان لغة عبر مجموعة من النقالت، لم يعد باإلمكان إتقانها دون موهب

. اآلخرينإلى السياق الذي تمر من خالله همالبصر وف هذا العمل ال توجد تأكيدات أو سرديات حكائية، على الرغم من في

لكن القواعد اإلشارية تبني . سيرة شجرة محددة بنوعهاإلىاإلشارة الواضحة رهانها على الزحزحة أكثر مما تبنيه على الموضوع، وهنا بالضبط يثير

. المعرفية في الضوء وليس الجانب العلمي منهالقضية «محمد كاظم«فالمقارنات بين اللحظات التعاقبية بأزمانها وتواريخها تقتضي وجود الشاهد

جانب صورته الوهمية، وكما اإلنسان على األرض والمقدس في إلىالحقيقي ماشية مع معايير السماء، يتوزع العمل في إمكانيات الكفاءة اللغوية البصرية المت

الجمال الداخلي لفعالية الحياة وصدق االحتكاك بها، والسيناريو الحكائي وفي عدم قته، خلف األداء التعاقبي الذي يرويه الفنان في حقيالمختبئالبصري

.تطابقه مع أية رواية بصرية أخرى عن نسب هذه الشجرة

خرى التي يمكن ال يمكن تعميم حالة هذا العمل على األمثلة األبالطبع لغة المعرفة البصرية ومعاييرها، إال أن هذا التحليل إلىتناولها في إطار اإلشارة

يوفر شكال منطقيا للتداول النقدي الذي يحاول أن يستعيد نبرته ببناء عنصر أحيانا، والقطيعة أو التناسي للقوالب ةمنسجم مع الشظايا النابضة بذاكرة متحفي

والمهم في هذا الموضوع ليس الحصول على موافقات . أخرىالجاهزة أحيانا فهم حالة االنعزال التي يعيشها اإلبداع إلىمسبقة لتأكيد هذا التناسي بقدر الحاجة

.وهو يؤسس أدراجه التي يمكن الصعود والهبوط عليها بآن معا

-١٠٢-

ما يجعل المبدع منسلخا عن إبداعه، بمعنى أنه يعيش خارج اللغة ثمة إيصالها لآلخرين في راهن إنتاجه للعمل الفني، وكأنه يستمتع ببقائه ني يتقالت

في موقع النائي عن لعبة الصدام بين المتلقي والعمل الفني، وفي هذا األمر مشروعية قوامها كفاءة الفنان ال صدقه، فالمراوغة جزء من مرجعية اللغة

لذي يمكن أن يلقى البصرية، ويقتضي اللعب باللغة والتناقض في الطرح ا إلىالتوافق أو التناقض من الالعبين المشاركين، وفي هذا االفتراض ما يشير

الجدل واالنقالب حتى على مفاهيمه التي يطرحها خالل إلىحاجة المبدع .سيرته الفنية

بالدرجة االختيارية ما يضمن الكفاءة البصرية للعمل الفني هو القيمة إنقوم بين مشروعية إنتاج هذه األعمال والحاجة إليها، األولى، والجدل الذي ي

.سواء توافقنا معها أو تعارضنا مع ما تحتمله من حقائق على المستوى الثقافي

أن نسلم بأن األعمال المنتجة في إطار ما بعد الحداثة إنما تشكل د البوهنا وحسب، توجها تجريبيا على المستوى اإلنساني، ليس ألنها تشترك بلغة واحدة

أو ألنها محكومة بقواعد ومفاهيم وأحكام فكرية متقاطعة سلفا، بل ألنها تسعى في أدائها المعرفي للتشارك مع المستقبل، أي بناء لغة تمتلك اآلتي وتبقى على

.جدال مع االنعطافات التي على الفن إنجازها دائما

الذهنياالنقالب من تفاصيل االنقالب على األعمال الفنية المنجزة اليوم جزءاتمثل

عالقة المبدع بأدواته الفنية، وصلته بالعمل الفني، وبالتبدالت الفكرية الغفلة ) ريجيس دوبريه(ية التي تضعه في مسار ما يدعوه والعقائدية والنفس

البصرية الجديدة، مؤكدا أن الفن التشكيلي بات بطيئا بمواجهة المعلومات بلورة حاالت إلى مثل هذه المالحظات الجوهرية وقد أدت.. السريعة التدفق

المعاصرة، التي انبثقت في بداياتها من األشياء، ثم فيما بعد من نظام اإللهامإنتاجها، ثم من فضاء الحرية التي تربط اإلنسان بعصره المتقلب السريع

-١٠٣-

إلعادة صياغة المفكك من خالل التهكم على المشاريع المرتبطة بحقيقة . والموجوداتاألشياء

خالل متابعتي لمنجز الفنانين عمار البيك ونصوح زغلولة لم منأستطع حتى اآلن التحقق من أنهما يقيمان حقا عبر تجاربهما في عالم

عالم إلى بشكل نهائي - اليوم -االفتراض الذي يحاول الفن أن يغادره الرمزي االفتراض التفاعلي، بعد أن عاش على مدى التاريخ في الموقع

بات ينفالحبل السري الذي ربط الخيال بفضاءات المبدع. المستنبط من الواقع حد أن الفنانين لم يعودوا بحاجة إليه فيما يرتبط بتمثلهم للواقع إلىواهيا،

المعين للمادة البكر لخياالتهم، سواء أكانت حكاية أو سردا بصريا يخترق وجوهها، والتي يمكن ولوجها من تناقضات الحياة بتنوعها وغناها وتعدد

أبواب السياسة واالحتجاج والفكر والتوثيق والناس وظروفهم واحتياجاتهم .ومتغيراتهم الجمالية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية

أن األبواب التي يدلف منها الفنانان هي أبواب الثقافة ذاتها المهمات المحترف السوري التقليدية التي المكونة لهما، ودون أن يتعلقا كثيرا بأدو

تسمه بصورته العامة، وإن حدثت بعض االختراقات المتباعدة في التخلي فهما . المستقبل لدى فنانين قالئل باتوا معروفين في محترفناإلىوالقفز

يكتشفان بمتعة متناهية معاني المغادرة والتخلي أو االنخراط في شكل هو طر مسارهما باالنقالب الذهني على أنماط خارج اإلطار المفترض، ليؤ

من خالل وجهتي نظرهما - على األقل -يقدمانه يعتبر ولعل ما. التعبيراكتشافا خاصا وجوهريا لمعاني االنفصال عن السائد التشكيلي أو البصري

. )١(بالرغم من والدتهما منه السوري، من السطوة األكاديمية التي حققها الفن في المحترفوبالرغم

إال أن االمتثال لمكانته كانت موضع شك في عالقة الفنانين بالمثالية التي

. دمشق-٢٠١١ نيسان/ أبريل-معرضهما المشترك بصالة أيام )١(

-١٠٤-

ندعوه عادة بالتجديد من خالل البحث عن تطبع االشتغاالت المتنوعة، وهو ماصيغ تعبيرية معاصرة تمتلك جذوة االنقالب على المكانة التي يحققها

ممتلكة لقدرة الصدم الحقيقية في الموضوع باعتباره ذاتا للمعنى، أو المكانة ال لإلنسان المعاصر المسحوق - إذا جاز التعبير -االنحياز للفنون الحقوقية

إنه الفن وهو يأخذ شكله .. بفعل القيود الفكرية وتوحش الميديا والفكر العولميمن الوعي الذي يجسد الالوعي، بالبحث عن الحرية، ليتكامل البناء الفكري

صيبا كان أو صورة، بناء أو إسنادا، أو بأي طقس من طقوس للعمل الفني تناحتواء العالقة المعاصرة بين الفنان واألحداث من حوله وهي تتكثف على هيئة مشاهدات ومشاريع بصرية تضع المتلقي في قلب المفهوم، بعد أن يتم

هي الفنان للمرة األخيرة، لتعيش أفكاره في العالم ورنزع هذا المفهوم من صدتحمل سمة الفنان وشبهه وضميره وشغفه وقدراته الروحية أو المعنوية،

هو عصي على تحقيق الشروط اإلنسانية لضبط ونزوعه لإلحاطة بكل ما . إيقاع الحياة ومنحها أبعادا قيمية ومصيرية

حاول الفنانان تقديم نفسيهما أو أفكارهما من وراء الجهد البصري ربماة الحقائق التي تبدو ميتافيزيقية قياسا لما يمكن أن المعروض بفضح مجموع

نهشمه ونحن نرى العالم المفكك فوتوغرافيا لدى زغلولة والعالم اآلثم الذي يزعم المعاصرة وهو يرمي لتفكيك الصلة بالحياة عبر سطوة التمثيل اآللي

قيقة وفي ح. الذي بات يؤسطر الواقع في حقيقته الشعبية لدى البيكلميديائيوااألمر فلم أكن عازما على التفريق بين جهد وتوجه الفنانين بإبراز اختالفهما وإنما التركيز قدر اإلمكان على المعاني األصلية لألفكار المطروحة في المنهج البصري التحليلي الذي لجأ إليه كل منهما تقصيا لالحتجاج من جهة،

ماسكا وناضجا على المستوى وللتهكم من جهة أخرى، بطابع يبدو صارما ومتالتقني فيما يمكن أن يثير مخبوؤه السجال حول االفتراضات واالعتقادات الشخصية التجريبية من قبل قناعات المشاهد باختالف المواقع واألحياز

.المتناقضةالثقافية ذات الخصائص

-١٠٥-

يربط اشتغاالت الفنانين ماإلى مازلت أحاول اإلشارة اآلن حتى البعض على الرغم من اختالف وسيلة التعبير، فلكل منهما هويته ببعضهما

موقع إلىالتعبيرية الناضجة، وطريقته في إخراج الرؤية من موقع االحتمال طرق متنوعة الختبار الوجود عبر الظهور الفردي أمام اآلخرين .. االنبثاق

يثير قلقهما عبر ما يشبههما دون مداهنة أو حياد، أو من خالل الفن، وعبر ما عدم التفاؤل باحتدام الصراع اإلنساني بين إلىكمبدعين تشير مسؤوليتهما

السياسي والثقافي، وبين مختلف التمردات التي تحصل جراء االحتكاك وسواء كانت المرأة أو الثروة موضوع الشبكة .. المباشر بين المفهومين

الداللة المحملة في البصرية المنجزة، فإن محكي كل منهما يتم تلقيه عبر أي أن الخلخلة التي يقدمها الجسد لذاته في . الشكل التعبيري لكال التجربتين

صور زغلولة التصوراتية تجعله متعاقدا على المستوى البصري مع وظيفته لتشكيل المعنى الفعلي، عبر التشويهات الفوتوغرافية المتوترة، وبالتراتبية

فواصل المظلمة حيزا للرغبة بإضاءة قد الكرونولوجية التي تجعل من ال جانب إلىتكشف رائحة الجثة المختفية أو المخبأة في استرخاء األسود

مواجهة تصل فييقل عماء عن األسود األبيض المتوتر والمحتشد، والذي الحد الضجيج البصري الدراماتيكي المتمثل في المتصور عن فضاءات تصل

هدم وتقلبات الزمن المهددة له باعتباره ذاكرة بذكرى المصير الذي يطاله ال .مشرفة على الموت

الصورة لدى نصوح زغلولة بتمجيد الذكريات المخنوقة تبتدئأسود سفلي وأبيض .. بكوابيس الحاضر وباحتراق األبيض في فضاء األسود

عالمان من المصائر المتداخلة .. أسود أفقي وأبيض عمودي.. علوي متن إلى السطح التصويري - لمرة واحدة - يتجاوز والمتصارعة في متن

تنصيبي إنشائي يروي يوميات درامية رمزية على صيغة سؤال رثائي تحذيريا يربط الربيع بالرماد، أو نشيدامضمخ بالفخر، أو مايمكن اعتباره

إنها الوردة .. الحريق بالذاكرة، لتفوح رائحة بصرية مثقلة بالحزن والغيظ

-١٠٦-

إشارة جوهرية للخالص إلى ةوالتي تخدع صيغتها متحولالتي نعرفها الغرائبي الذي على المشاهد استنتاجه من نور األزقة الخالية في الصور

إغماءاتهاالخلفية ألزقة المدينة الخلفية وتلمس طهر الضوء المعبر عن .البصيرية والداللية

ة موقع للترتيل واالعتزال أمام مجموع.. تنصيب أو حرزإنشاء، نقط حمراء تفترش إلىالورود التي تلقي بجثثها من األعلى مستحيلة

.. ورد مطلي باألحزان وشجن النوافذ المتقابلة في األزقة المعمرة.. األرضخرافة بصرية تفترض بتداخالتها االنقالب على البديهي والقدري لتبدو كأنها

توكيدية للصلة بالواقع بوابات الوهم المتحررة سلفا من افتراضاتنا الإلىمنفذ مباشرة المؤكدة بأن هناك من يختفي في ظالل األزقة أو أن الظالل تحدد زمنا يمكن ان نتبصر من خالله مزاجا سرديا لروح المكان وكيفيات التقاطع

تماما كالذي يفعله عمار البيك في تداخالته . بين سيرة المكان وسير أهلهطالق الصوت والحركة من تسمياتهما المباشرة، اإلنشائية النحتية الملونة بإ

وحيث . حيث تتداخل أسطورة التفوق بجوهر القتل واستالب المصائرتتواطىء الثروة البترولية مع التسلط وفحولة الحروب التي تنز بتروال دمويا

يجعل لعل هذا ما.. هوامش استيهاماتها عن المستقبلإلىحارا يعيد األمة في تنافره مع هذه الكائنات الفنية المصنوعة التي تحرث المشاهد حائرا

هل يمضي لتفكيكها كواقع وذاكرة ورمز .. مفاهيمه بنحتها المتحرك الناطقوإشارة فترديه، أم يعتبر وجوده أمامها بدافع اعتباطي يدرجه في عداد

وتنصيبا قرب تنصيب يتعاقب تهكم .. ضحايا المفهوم الذي تقدمه عن الحياةار على اللغز األمريكي المقدس في محكياتنا وسردياتنا عن السطوة وكثافة عم

. المعارف المتوحشة وانسداد اآلفاق الكونية لالعتقاد بأن عمار كان يسعى للتكرار في إعادة سرد المضمون أميل ال

ينوع في اإلشارة تهالمشترك بين أعماله، إال أن دوامة الضغط والتهديد جعل إلىقوي المقيد بقوته على الضعيف المجروح بضعفه، ليخرج هلوسة الإلى

-١٠٧-

الموقف الذي يشكل القناعة العامة والرأي المختطف بفعل الميديا المتحذلقة بأساليب خلبية تصل بتفاعليتها حدود ) عنا(وغير المنضبطة التي تتحدث

السحر الهوليودي، فيما نقف مذهولين مما يجري لجرحنا العاري المسجل في ائمة المصادرات األممية حتى بتنا نخشى أنفسنا، ونخاف من صورنا ق

.المتأرجحة بين هذه التنصيبات وعلى صوت الذعر الناجم عنها طريقة الفنان في التعبير التهكمي عن السيطرة على العالم، وكيف تلك

وأفكاره على الثقافة في الطرف اآلخر، إنها نتهيتمكن العالم الجديد فرض هيمالستراتيجيات الهيمنة، والفكرة المهيكلة لمغزى العولمة ) الصورة- كرة الف(

تفاصيل إلىاإلمبريالية وهي تعيد تكوين التاريخ وفق النزعات التخيلية لتنقلها ففي كل تنصيب من تنصيبات عمار تسعى األفكار لتجاوز .. الحياة المعاصرة

فكار الفنية المابعد األإلىحالة الغموض وااللتباس المحيطة بها للوصول حداثوية المعنية بإعادة تأويل المكونات العادية في الصور الفوتوغرافية

.. وتحقيق جماليات خارجة حقا من محيطنا وبيئتنا وقلقنا السياسي والمصيري وامتداد التاريخ الطويل المطرز ةتنقطع، لها قوة المعرف أصوات ال

.بالصراعات والمخاوف والتناقضات ماهية إلى الصورة الفوتوغرافية في أساس األمر هو نظر إلى رالنظ

حقيقة الكائن الممثل إلىالمصور وإن اختلفت التقنيات، إال أن النظرة لمحتوى الصورة كان هو الموضوع األساسي في تاريخ الصورة

أن مكوث الموضوع في قيده التمثيلي إلىالفوتوغرافية، وهنا يمكن اإلشارة كبير هو المسيطر على توجهات التصوير الفوتوغرافي، حد إلىكان

باالعتماد على الوثيقة التي تخفي تحت تحققها توجهات الفنان، أو المصور، . حد كبيرإلىوغاياته الحلمية لتكوين مخزون بصري يتداخل مع الحقيقة

وكما شكل التصوير الفوتوغرافي تحديا لفنون التصوير والرسم في مراحله فإن الخروج على الموضوع التقليدي باستخدام التقنيات الميديائية األولى،

قد أتاح للتصوير الفوتوغرافي أن يقف بمواجهة إمكاناته لتحرير الموضوع

-١٠٨-

الفضاء إلىمن جهة، ولتحرير الكائن وموقعه من اللحظة الواقعية، بتحويله ل يمكن دعوته ترويض المتخيل من خال الرمزي خارج الزمن، وهو ما

وبالتالي تحرير المعنى وإخضاعه للتأويل والمجاز . ترويض المادة ذاتها .والتبدل دون قيود أو حدود

من أن زغلولة بقي مرتبطا باإلنسان كموضوع، فكريا وبالرغمغاب من المالمح اإلنسانية نتيجة إسقاط رؤاه الذاتية قد منح فإن ماريا،وشع

حرا بتكثيف األفقي مرة، والعمودي مرة أشكاله المضغوطة صوتا أنثويا ساولعل ما أعلى الصوت هو . أخرى لبناء كيان بصري مخصب بالتراجيديا

االختالف في تلقي المعايير البصرية، التي تجعل الجسد غير المعين أكثر سرمدية وامتدادا في الزمن، بل وفي معارفنا التي يتم تفكيك يقينياتها كل يوم

األسرار األثيرية، التي لم يكن باإلمكان التقاطها إنتاجيد عبر الصور التي تعبالوسائل التقليدية، ليحل المدهش محل الجميل، ويحل تمثيل األفكار مكان

. والطبيعة واألحداثشخاصاألفكار، ومكان األ

-١٠٩-

النقدية تنسق اإلبصارالرؤية

ي تمت فيما بعد منتصف تتالشى نبرة محاسبة اإلنجازات التشكيلية التهل القرن المنصرم؟

تكون اإلجابة متضمنة الخالفات النقدية والتوثيقية، وكذلك القيم قدالجوهرية للموضوعات التي باحت بها تلك اإلنجازات، وعلى مختلف المستويات الفردية والجماعية، القطرية والقومية، الرسمية واألهلية، في األوطان وخارجها،

جوانب التي يمكن عبرها تقويم المادة البصرية بمعزل عن اإلدانات ومن مختلف ال أعماق نفسه إلى أداء اإلبداع التشكيلي العربي وهو ينظر إلىالموجهة بقسوة

باحتراف، معتبرا العمل الفني سمة معاصرة للتعبير الفكري والثقافي، ومجاال .ية اإلبداعيةفضفاضا إلقامة الحوار التكويني فيما بين أطراف العمل

ما حققته هذه النبرة، ما يمكن اعتباره انطباعا حقيقيا لدى هذه أعلىاألطراف، مما يعكس تعقيدات الصلة بين فنوننا وتاريخها من جهة، وفنوننا وفنون اآلخرين من جهة أخرى، بالداللة المباشرة على مواقع االشتباك

على تاريخ الفنون، لعواالمتبدية في متاهات التقديرات الشخصية لمن اطومشاهدات المتأملين في الموضوعات اإلنسانية في تداوالتها وانقالباتها التي تحدد مسارات التفكير البصري بالتساوق مع الزمن اإلنساني، ومناهج التفكير

أي برصد النزاعات وتطلباتها من جهة، والتحقق من ..في مواقعها المختلفةلتواردات حين يتم تطبيق المناهج لقراءة الوقائع، التماثالت والمطابقات وا

االهتمام بمختلف التجارب واألوصاف التي ق رؤية نقدية تنسإلىواالستواء لبث الطمأنينة في البحث باعتباره مبدأ للتنظيم، . تقف وراءها من جهة أخرى

والذي يقتضي تحديد موقع االنطالق الذي ستبنى عليه استراتيجيات هذا

-١١٠-

إلبداعي دون أدنى توتر جراء نبرة المحاسبة المسبقة التي نطلقها البحث ا .عادة قبل أن نلج قضايا البحث أو التحقق

نقطة البدء لوعي الظروف الفاعلة بهذا البدء أوال، وتلك التي تدعونا الوعي بمختلف التجارب الموازية وقراءة إلىتوازيها، وتغلف طريقها، وكذلك

ها، وبما يجعل اعتبار كل مركز من هذه المراكز موقعا مراكز تحولها وتطورلتنظيم المبادئ التي نعتبرها نقطة انطالق تساعد على إظهار مختلف اإلشكاليات

أن مثل هذه إلىالتي يواجهها المبدع أو ذاته الواعية، وهنا ال بد من اإلشارة الماضي، وبما إلى اآلني إال بمقدار إشارتها إلىالقراءات ال تتجاوز الحاضر

.يربط المنجز اإلبداعي التشكيلي بزمانه الواقعي واالفتراضي بآن معا هذه النبرة إذا حساسيات اتصال الشكل بزمانه، أو ابتعاد هذا تثير

الشكل عن زمانه، وعبر هذه الصلة يمكن التحرك باتجاه الصفة السكونية التي ء لفعل تشكيلي ينمو في الذات يعيشها الشكل في محتواه الجمالي باعتباره أدا

وبهذه الرابطة تقرأ المغامرات . اإلنسانية بعناء كي يتجاوز صلته بالزمانالمتنوعة في المذاهب والمدارس واالتجاهات، وبكل ما هو مخفي الصلة بها،

لمستقبل الشكل الذي هو في أليفيةحيث تندمج في هذا السياق العناصر التنتصب مشكلة فهمه وتفسيره كقضية ملحة بسبب عمقه الهندسي سرد عقلي ت

.التعلق به وضرورة وعي متغيراته اعتبار الصورة شكال محسوبا على المستوى العقلي، يؤكد الحسابات إن

التي قدمتها الطبيعة في مراحل تحققها المعرفي المختلفة، وبما يتخطى تعي التي تجعل ذواتنأي الطريقة ا.. الطريقة التي تجعل الخيال يمنحها الحياة

التغيرات الالنهائية لقراءة الصورة، تلك التي تشكل محورا لألهداف الجمالية الكونية في صياغاتها المتنوعة، سواء في إطار الفهم المباشر لواقعها، أو الفهم التجاوزي إلمكانات التخيل الذي يفسر اتحادنا بالصورة باعتبارها أسا يحتاج

عناصر لقراءته القراءة الصحيحة، أي ما يتصل بالضوء مجموعة من الإلى .والحركة وبما يوضح صلة المكان بالزمان

-١١١-

العلم والتعلم والبحث عن حقيقة الهيولى يجيب إخوان الصفا بأن فيجوهر بسيط قابل للصورة ال كيفية فيه البتة، وإذا قيل ما الصورة؟ «الهيولى

مثل هذا الوصف يسميه الحكماء، هي التي يكون الشيء بها ما هو،: فيقالوالفرق بين الحد والرسم أن الحد مأخوذ من األشياء التي المحدود . الرسم

ما هو؟ سؤال .. مركب منها، والرسم مأخوذ من الصفات المختصة بالرسم .»يبحث من حقيقة الشيء، وحقيقة الشيء تقرن بالحد أو بالرسم

، وفي مختلف الحاالت فإن هو قابل للرؤية يرتبط بمفهوم الشكلمااألكثر وضوحا في تلمس الشكل حتى اليوم ما يعتمد على القراءات المتداخلة

جانب إلىله باعتباره شكال فيزيائيا أو تأويليا أو عضويا أو موضوعيا، فهو تمثله حقيقة يمتد في التطور المعرفي المتمركز حول الذات، حضورا وغيابا،

متناهية رة على توليد األشكال، أي تمثيل الوجود بمجموعة الوبما يجعلها قاد إلىمن األشكال المغلقة التي تتضمن إمكانات تنبؤية، تتحقق في إطار السعي

االستمرارية وعدم إلىتكامل الوجود الجمالي، في تجربة متوترة، تسعى العالقة فما يهم ليس التطابق وكلية الحياة، إنما . الوقوف عند حد من الحدود

. التجانسإلىبين أطراف الوجود في سعيها المحاكاة بعد الترميز، وتولدت مذاهب واتجاهات بالقرب من الزمن كانت

حينا أو المعرفي حينا آخر، وتمثل الرسم في كل فترة بحسب الرغبة اسيالسيوقد اشتركت في خلق هذه األفعال ظروف شتى، مما حدا . التحققإلىالداعية

الروابط المعقدة التي تبدع الموضوع والشكل معا، إلىد والتحليل أن يلجأ بالنقوكأن مختلف التعريفات تكون مستبطنة في التجربة الجمالية، وال يحتاج إطالقها

. خوض التجربة المتكاملة في إطار خصوصيات المعرفة اإلنسانيةإلىإال يخصنا ويرتبط ، وهي فن »المنمنمة« أن نذكر مثاال لتعريف ويمكن

بالذات الثقافية المعيشة، والمؤسسة على وعي تاريخي للقوة اإلبداعية المميزة الجامحة نحو التجديد وبناء منطقة خيالية متفردة باستيعاب خصوصيات

.التوحد وااللتقاء من جهة والمتضادات من جهة أخرى

-١١٢-

عة الحياة فن التشبيه أو التجسيد، إال أنها فن طبي«مثال هي ) المنمنمة(الباعثة على التأمل والخيال أيضا من خالل االتصال بين العالمين الروحاني والمادي، حيث يتمثل عالم الخيال أيضا فيها من خالل الحقائق الدينية

. »والعناصر األسطورية القديمة وتقاليد وتراث الشعوبها، تنفيذ هذه المنمنمات أو تحديد موضوعاتليات آإلى التطرق ودون

فإن أول إشارة لها تتمثل في اعتبارها ركنا أساسيا من أركان فنون الحضارة اإلسالمية، إال أن والدة هذه الصور على الحالة التي انتهت إليها إنما تعتمد على إرث شعوب مختلفة كشعوب بالد األناضول والرومان والبيزنطيين،

مختلفة لألشكال والمعارف صياغة إلىوالتي شكلت حالة أولى لالنطالق منها .البصرية والرموز الثقافية

موضوعات هذا الشكل الفني، يبدو التماس مع وعي إلى النظرة األولى فياآلخر بينا وبما يؤكد حميمية االستفادة من فنون اآلخرين لصياغة تطلع يحتاج

نية، أي الثقة بالمضامين واألهداف التي يسعى إليها اإلبداع في رحلته الزمإلىيتعارض وحرية ما تحقق سلفا على المستوى اإلنساني، وبما الإلىاالستناد

االنفتاح على الذات أوال باعتبار ذلك هو المواجهة األساسية لبناء الهوية، حيث في االلتقاء واالستفادة هدم حقيقي، تفكيك، وإعادة صياغة، تركيب لذاتية جديدة

نتائج حقيقية على إلىذا ما يؤكد الوصول من ذاتيات متنوعة ومختلفة، وه الحالة التي إلىالمستوى الفكري والمعرفي جراء المصادمات التي تعيد النتائج

كانت عليها في البدء، ومن ثم تحقيق انجازات تحولية تعتمد على بناء لغة جديدة ..تؤكد حضورها ووضوحها وتميزها

ن نفذ مخطوطة مقامات ما فعله الواسطي في منمنماته المئة حيهذاوالمحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس، إذ ) ١٢٣٧(الحريري في عام

شاهد مباشر على إلىاستطاع التجديد على مستوى المنمنمة اإلسالمية لتتحول حقبة تاريخية وجمالية، وبما يؤكد حضور التجربة العربية على المستوى

على ما تحقق في تجارب الفن اإلنساني، ويظهر خصوصيتها بنفي االعتماد .. أسلوبيا وموضوعيا.. واهماإلغريقي والمسيحي والبيزنطي والساساني وس

-١١٣-

استطاع تجاوز الحالة التقليدية التي تحققت في الفنون آنذاك لتضحي نهأي ا أن تم االنفتاح على الفنون األوروبية نهاية القرن إلىتجربته مدرسة واتجاها

وأضحى التقليد أعلى لهجة من . وامل عديدة ومتداخلةالسابع عشر، جراء عوعلى مر السنين اختفى االهتمام باألصل، لتظهر حقائق ومناهج .. اإلبداع

.واتجاهات مازالت محط نزاع، وموضوع بحث حتى اليوم التميز وتحقيق المساحات إلى كان الواسطي خاتما لفترة من السعي بالتأكيد

مقدرته إلىجمالية المتنوعة، إال أنه ال بد من اإلشارة التأملية في البيانات الونبوغه في تقليص الفجوة الخالفية في النظر لمصلحة بناء نسيج يعتمد على التاريخ واألفكار بمقدار توليده للمصطلحات الحديثة آنذاك، والخروج على

رسم الموضوعات التي إلى - على سبيل المثال -عناصر الموضوعات باللجوء الحياة القضائية والمتخاصمون وقضاة هاتصور حياة الناس اليومية، بما في

يجلد » نابليون الثالث«في الغرب وما جعل » كوربيه«العمارة وهذا ما فعله .إحدى لوحاته بسوطه جراء رسمه للناس العاديين في حياتهم اليومية

اقضها مع تنإلى نبرة المحاسبة التي أشرت إليها في البداية تشير إن حسن النية الطامحة إلى المعرفي البصري العربي، بمقدار ما تشير اريخالت

نتائج تستكمل المراحل التي حققت الحساسية إلى التحدي، والوصول إلىالجمالية عبر وجودها، لقد انفتح الفنانون في العالم العربي واإلسالمي على

دى هذا الزمن الطويل، سواء التجربة الغربية منذ القرن السابع عشر، وعلى مباالنقطاعات التي تمت أو بالصالت التي أعيد تفعيلها، فإن تعارضا بين الدافع

التاريخي والجمالي وهذا ما لوعيللتجديد والتأصيل مازال قائما مع تحديث ا حالة النزاع بين التاريخ والتحديث، إذ إلىيجعل الصراع مستمرا في انتمائنا

اإلدانة والمحاسبة واللوم ستعلو بالتأكيد كلما تأكدنا أن الوعي إن نبرة بالماضي كان غير حقيقي، فجهل الماضي بتفاصيله وحقيقته يضعف منعتنا من جهة، ويخيفنا من مواجهة الحاضر ويبعدنا عن تفعيل الحياة باعتبارها

.تيارا جماليا مستمرا

٨م -بؤس املعرفة

-١١٤-

العربي اغرتاب التشكيل

أم اإلنسان؟الفن ..عن اآلخر يتخلى من أخرى تطرح مسألة االعتراف بالفنون البصرية والتشكيلية داخل البنية مرة

الفكرية العربية، والبحث عن شرعيتها مسألة ال تخرج عن اهتمامات المبدع العربي في سعيه المستمر إلطالق تداولها، وإذا كانت الفنون التي باتت تقليدية في

تستطع أن تحقق هذا الحضور فإن الفنون الجديدة بأسئلتها أحكام اليوم لم المتنوعة ما زالت تحمل هذا الهم في مجتمعات تعاني صراعات حول الوجود يهوالسياسة والثقافة، وحول عدم استيعاب معاني االتصال المعرفي الذي تسهم ف

.مؤسسات المجتمع الجديد ومنها المجتمعات الفضائية والفراغية وتنطوي على بحث واضح ،هذه إشكالية في مضمونها )١(االعتراف مسألة

عن سلطة ما زال اإلبداع يطمح إليها، وتتمثل في إعادة تنظيم الواقع التشكيلي

يتخذ حبه للفنون أن منذ أن قرر األمير المستنير يوسف كمال مضت عام مائة) ١( اللوحات الفنية والمجموعات األثرية شكال أكثر إيجابية باقتناءالجميلة وشغفه

حياء الفنون المصرية والنهوض بتقاليدها وعطاء، عازما على تبنى مشروع إلم بأن أنشأ األمير أول ١٩٠٨وبدأ المشروع في سنة . الفنية الراسخة منذ القدم

ووقفها، وأوقف عليها مساحة »درب الجماميز بالقاهرة«مدرسة للفنون الجميلة في مصر، من األراضي الزراعية الواقعة بزمام مديرية المنيا بصعيدفدانا١٢٧قدرها

ريعها فيما يلزم يصرفوأوقف عليها أيضا عدة عقارات بمدينة اإلسكندرية أجازت محكمة مصر الشرعية وقد مجانا، تلميذالتدريس وتعليم مائة وخمسين

يونيو ١٣الكبرى حجة وقف األمير بما تضمنته من شروط فنية، وذلك بتاريخ رعي للوقف على مثل تلك األمر الذي يستفاد منه عدم وجود مانع ش. م١٩٠٩

، ثم عاد األمير وعدل من شروط وقفيته في - الجميلة وتعلمهاالفنوناألغراض م وجعل ريعها مخصصا إلرسال بعثات علمية من المائة وخمسين ١٩٢٧سنة

. = فرنسا وإيطالياامعاتطالبا ليتعلموا الفنون الجميلة في ج

-١١٥-

الذي طاله الخراب بفعل انتهاك بنيته التقليدية وعدم استطاعة المؤسسات لى استيعاب واألكاديميات والجماعات والنقاد تقديم مبررات أو تحليالت تقف ع

في إطار المشهد العام، وقد كنت أشرت إلىعةما يجري وما يتحرك بسر، كما ن مقال أو مؤتمر عربي حول الفنونذلك منذ فترة طويلة في أكثر م

االغتراب «نشرت في الصحافة وبعض كتبي ما يفيد في هذا األمر ومنها .» المستقبل المتاح-الداخلي للتشكيل العربي

كيلية العربية عانت من أزماتها الداخلية، ومن األزمات التشالحركة أو نقاط التماس فيما بينها ،التي ولدتها عالقتها بمختلف التيارات اإلبداعية

إلى عمقت األزمة باطات إحإلىوبين راهنها المتنوع، الذي قاد المبدعين درجة بلغت فيها إمكانات التحول أمرا ميئوسا منه، فيما انعكس على

، )هجرة بالجسد وأخرى بالمفهوم(الهجرات التشكيلية العربية باتجاه الغرب في الوقت الذي آلت إليه الحرفية التنظيمية في المؤسسة الثقافية العربية لبناء وتأسيس أنشطة نوعية ستفرض الحقا سلطتها االنتقائية على القرار التشكيلي

واالنخراط فيها لتحقيق سمعة العربي الطامح البتداع أنشطة عالمية ودولية،حسنة من جهة، ولتشرع أبوابها الستقبال النقاد والمنظرين واإلعالميين

رة ألن حماس األمير يوسف كمال إلنشاء مدرسة الفنون الجميلة لم يكن والبد من اإلشا= واله إدارة المدرسة ولكن كان أيضا الذي ابة لنصيحة صديقه الفرنسى البالنفقط استج

محمد عبده حركة التنوير المصريين في ذلك الوقت أمثال اإلمامةاستجابة لمطالب قاداوي، الذين دعوا إلي تشجيع الفنانين المصريين ومصطفي كامل ولطفي السيد وهدي شعر

واألجانب المقيمين في مصر، ومنذ ذلك التاريخ، عرفت مصر طريق العودة إلي الفن جاء تأسيس مدرسة وهكذا. الجميل، وهو الطريق الذي قاده الفراعنة قبل آالف السنين

بعد سنوات طويلة نحو علمي حديث،ى بمثابة إعادة إحياء للفن علجميلمتخصصة للفن المن الركود الثقافي والفني، الذي عاشته مصر في ظل الحكم العثماني وسنوات طويلة قبله

وواكب ظهور مدرسة الفنون نهضة مصرية وفترة توقد وطني . في ظل حكم المماليك وتنويريين، وكان لقطاع الفنون الجميلة عموما نصيبا في طنيينوثقافي علي يد رجال و

.ة التي استمرت طوال المائة عام الماضيةهذه النهض - الثقافة المصرية وزارة - »فنون مصرية« مجلة -أمل أحمد محمود أحمد نصر . د

٢٠٠٩ يناير - التاسع عشر العدد

-١١٦-

أسوة ،المتخصصين في آلية اإلعالم الثقافي الغربي من جهة أخرىبالتظاهرات المماثلة في اليابان وجنوب شرق آسيا والصين وسواها، على

.مستويات التلقي المختلفةالهدف المأمول والرسالة المحمولة التي على الفن : ضوح بالووالمقصود

اآلخرين، والتي غالبا ما تكون مجللة بالعواطف وردود األفعال، إلىإيصالها وقد يكون لهذا األمر صلة بما يطرح من عدم استيعاب المنتج الفني رغم

اليوم -يجعل الفن وقد تكون هذه الفكرة بالذات ما. التركيز على الفكرة هذه الفكرة من زاوية دون علىيزهل يتعمد الفنان هذا األمر بالترك.. غريبا

غيرها، ما يسقط إمكانية الرؤية من جوانب أخرى يراها البعض الزمة لتكامل مشهدية تلقي العمل المفاهيمي رغم غموضه وتصريح الكثيرين بالملل منه

صدمة الجديد الذي . .إليغاله في المنطقية، أو استدراج الفهم عبر الصدمةالقى االستهجان في بدايات مختلف الحركات من قبل المفكرين والفالسفة

في إطار التغيير ال يمتلك تعبيرا والنقاد والذين صرحوا غالبا بأن ما ينتجعن العبقرية الفنية، وأنه ال يمكنهم فهمه أو االستمتاع به، وهذا ما كان مع

ضي التي تأثر بها التفكيكيون فيما بعد، وما عبروا اإلنشائية بداية القرن الما في نيويورك وضم سبعة ١٩٨٨ الذي افتتح العام المعرضعنه بخاصة في

زها حديد، فرانك جيري، برنارد (ن معماريين متأثرين باإلنشائية فناني تال وما) تشومي، بيتر ايزمان، ريم كولهاوس، دانيال ليبسكانيد وكوب هيمبلو

معارض ممن أشركوا الحواس في عمليات التلقي، وبإشراك الفيديو مثل هذه الوالتنصيبات والعوالم النفسية والمايكروفوتو وكل ما يحلل للخيال إطالق عنانه في فضاء العروض الفنية، والتحكم بها، والوقوف على غرابتها من خالل

ضارته أفكار مثيرة ومحفزة للحوار في إطار الجدل القائم بين اإلنسان وحالتي تمهد لمجتمع ما بعد اإلنسان، وليبرز صراع الكينونة والوجود الذي ال يظهر جليا فيه أكثر من القوى الخائرة لإلنسان المجزأ بين الماضي والمستقبل، والدعوة المطلقة للقطيعة الناشئة بفعل المعارض واألسئلة التي

.تحفه الخيالي الستار الحقيقة وتسدل على صلته بمإلىتخفي نظرة اإلنسان

-١١٧-

إلى ستينات القرن الماضي كان اإلبداع اإلنساني منشغال باالنتقال في والبنى ئعاألجواء المفاهيمية مستفيدا من األحداث السياسية الدولية ومحلال للوقا

االجتماعية والثقافية، فيما ارتبط الفنان العربي في تلك الستينيات بالمؤسسة الثقافية أهمية الفن قدر ما خدم - تاريخيا-دور لم يرض (منخرطا في المسيسة

وأرضى الفئات السياسية التي كانت في جوهرها تقود التطور اإلبداعي التشكيلي مجاالت مغلقة بدعوى الجماهيرية وبما حددته بعض هذه المؤسسات إلى

قلب العارف بالمنطلقات النظرية والفكرية واإليديولوجية التي ضيقت كل مجال لين جاهل بما يجري حوله في العالم، وبما كان يعلي من إلىبحجة التطوير والتحديث

وتيرة خضوعه لهذه اإليديولوجيات، معتبرا اإلقدام والشجاعة في إطار الهموم المستقبل حيث لم يكن بانتظارهم إلىفي الخروج من التاريخ الوطنية والقومية هو

). الوراء واألمام معاإلىتغلق الدروب سوى الجدران المصمتة التي حديثي عن جماليات اإلنسان المدمر ذكرت إن الفنان العربي بات في

يحس بالمخاوف التي تقصيه عن فعل الخلق الفني باعتبار اإللهام فعال سابقا على أو اإلشعاعية، حاسوبيةالرؤية التقنية السائدة اليوم في الفنون، فنون األنظمة ال

ر الذي يقصي الخبرة المعرفية، الفكرية أو المهنية وإن كان في الغالب ما األمزال ينتج المحامل التقليدية التي ال تفصله نهائيا عن مواقع الخوف التي ذكرناها، إال أن استمرار التجمعات التنشيطية لذهنية الفنان كالبيناليات المحدودة في بعض

جارب عربية وشرقية طالتها آليات التغيير البلدان دون غيرها، المنفتحة على تهذه الفعاليات تلعب اليوم دورا نموذجيا في . في الربع األخير من القرن اآلفل

أن الفكر في ( آخر باعتبار إلىتسهيل عمليات انتقال الوالء الجمالي من نموذج الكائن، حنين لم يعد يسنده إلى من الحنين صعوبةآخر القرن يتخلص ببطء وب

الرفض الصائب لحاضر ال يحتمل، إذ ينبغي التفكير في مجتمع الحاضر ونقده ). مجتمع أكثر مرونة وتنوعاإلىوتحويله هذا المضمار تتعدد أسئلة المبدع العربي باعتباره معنيا بتوليد رموز ما في

يعيشه ويمكن مالحظة األجيال الجديدة التي تتخلى عن متحفها المتراكم لتقتحم إلىجيل معني جديدا دون أن تقف عند حدود الصراعات الدائرة، وهومجهوال

-١١٨-

جانب توليد الرموز بما يموت في اإلنسان في هذا العصر وعبر أحداثه من خالل خارج أثوابها نالنقد والتحليل أحيانا ومن خالل توضيح فهم حركة صعود الفنو

يعيشها المجتمع العربي ولعل الظروف االنقالبية التي . التقليدية المعهودةوالتحديات اإلنسانية التي يشهدها تفقده الكثير من الخصوصيات التي كانت

وكما في المجتمعات األخرى فإن البناء يكون الحقا للتدمير وما . أساسية في بنيتهمستحيل التحقق يتحقق اآلن، ولعل المفاهيم التي كانت موضع الجدل كان يبدو

.معناها بفعل تحققها وتمهيدها ألدوات التجاوزوالشك باتت تفرغ من يحضر في الفن ما كان غائبا، وما نظر لغيابه في إطار الفقد هكذا

الالمأمول، إن جيل الفنانين المعنيين بالتغيير يحاولون االجتهاد بإدراج تجربتهم وفي في إطار الواقع التاريخي للتجربة العربية في المجاالت الجمالية والتشكيلية،

القطيعة مع هذا المنتج البصري، وهم في ذلك يحاولون إلىذات الوقت يدعون التأكيد على بنية الظاهرة من الزاوية التاريخية، األمر الذي يمنحهم القدرة على

.االستمرار كون آثار حركتهم ما زالت تفتقد للتعريف أو التوصيف اإلجماليبفنون المفهوم على المستوى المهتمة ض تبدو مناقشة موضوعة المعارقد

المحلي قابلة لألخذ والرد في إطار طروحاتها المناهضة للفنون، إال أن المهم هو الحدث األهم الذي يجعل فهم أن مجرد استمرار هذه المعارض بما تنتجه هو

المفهوم حقيقة متداولة مفادها أن المعارض يمكن أن تتكلم بلغة أخرى مع ثبات لذي يولد األسئلة باستمرار، األسئلة التي تحول االتجاهات المعنى في الفن ا

التساؤل عن الشكل، إلىوطبيعتها، وكما تغير الفن الجاهز من التساؤل عن البنية المفهوم بات هاجس المبدع الذي ال يريد أن يحقق إلىفإن االنقالب من المظهر

. الرداءةإلىد إال التي ال تقوالتعريفاتحلمه بإغالق األبواب عليه في إطار المبدعين في بالدنا كحال المفاهيميين الذين رأوا أن مجرد محاولة حال

عكس ما يقصد منه، وهذه الفكرة من أهم البنى إلىتعريف الفن المفاهيمي سيقود قد يكون هذا الفن فن الفعل، لكن دون .. التي ينطوي عليها هذا النوع من الفنون

.ي تعريف وإنما تركه في فضاء التساؤلأن نحاول حصر معنى الفن ف

-١١٩-

ممن يهتمون بفنون اليوم يتساءلون عن حاجة هؤالء الفنانين الكثير كرةلإلبقاء على فكرة المعرض واالتصال بالناس على الرغم من رفضهم لف

وهذا حدث آخر لفعل قاد بعضهم لتحطيم صلته بالطبيعة، ،المتحف التقليدي كما أن طرح قضية التواصل ية الداخلية،الفيزيائية الخارجية والذات

واالتصال في إطار هذا الفن ما زال محط االستغراب، خاصة إذا كان :السؤال في عموميته

الفن المفاهيمي فن قائم على التواصل؟هل كان كذلك فما اللغة المعبرة عنه؟وإذا أدبيات المفاهيمية تطرح مثل هذه األسئلة التي رافقت ظهورها في

ما هي الحكمة من تسمية فن بارز ومهم بالفن : موها كمثل السؤالون؟ وهل يحقق ..أي نوع من الترتيب تؤدي إليه هذه الوظيفة.. المفاهيمي؟

هل هو فن تنتجه المفاهيم ولهذا .. التواصل مقارنة بالرسم والنحت وسواهما فهو يمتلك لغته؟

فن (فلينت حين كتب هنري ١٩٦١ التساؤالت طرحت منذ العام هذهوتساءل بشدة إذا كان من الممكن إدراج هذا الفن في إطار حركات ) المفهوم

ثم ماذا عن الفنون التي .. تاريخية أضيق كالحركات الفنية المعنية بالالماديةظهرت في روسيا السوفييتية وشرق أوروبا والصين وتضمنت في معرض

وإذا كان .. ية جديدة؟هل هناك مفاهيم.. ١٩٩٩المفاهيمية الكونية العام اإليجاب جوابا فما هو الفرق بين الحركات المفاهيمية؟ هل كل فن الحداثة

ثم ما الذي .. مفاهيمي؟ وهل هناك اليوم فن ال مفاهيمي؟ وإذا وجد فما هو؟ .يجمع الجمالية والمفاهيمية كي تؤلفا فنا؟

في عن بعض هذه التساؤالت- ال شك - أجاب كوسوث جوزيف حالة تطور الفن الحديث تيعاب وقد انطلق من اس»الفن كفكرة«نه بيا

لقد .. باعتبار أن الفن كله مفاهيمي، الن الفن ال يتحقق إال عبر المفهومسيطرت على اتجاهات الفنون الحديثة الحركات الثورية واالنقالبية في

-١٢٠-

في باريس إمكانية إعادة صياغة ١٩٦٨العالم، ومثلما كان في حركة ومونة من خالل أثرها على الحياة اليومية وإعادة تشكيله باالنعتاق من الك

الماضي، والتأسيس لحدث إنساني خارج مكانه يؤسس للتجاوز، التجاوز الذي يتضمن اإللغاء واإلعالء بآن معا، اإللغاء كفعل تدميري وتفكيكي

لة لتحقيق التحديث المنشود وإلعادة صياغة المزيف، وإلعادة صياغة الص .. التعبيريةاتهبين اإلنسان وأدو

سيقتل الرتابة إن مضى الفن وفقد خلوده؟ بات أن كان السؤال منفبعدالسؤال من يدمر اآلخر، اإلنسان أم الفن؟ لقد شملت األفكار الكثير من مستويات التفكير، فهو إنكار للطبيعة الخارجية، وكذلك الطبيعة اإلنسانية بفعل

وجيا ومخلفاتهما، ما يدفع باستمرار للفصل بين إنتاج الكائن التقنية والتكنولإنكار يتجاوز أن الفكرة هي الطبيعة بشمولها، .. البشري لنفسه وبين طبيعته

.. وقد تأتى ذلك من خالل وعي الصراع القائم بين صفات األشياء وماهياتها المعلومات لم نعد معنيين بإعادة اإلنتاج، ال الطبيعي وال الذاتي، بل ببناء

ماذا نريد أن إلىوالتفكر فيما إذا كانت المفاهيمية مرحلة انتقالية أو نهائية، و نصل، بل ما هي طبيعة الوجود الذي نرمي الوصول إليه؟

-١٢١-

من الذاكرةالتحرر

يحتاج لتفسير كل موقف نتخذ من فنان اليوم؟ والمجتمع ما زالأي

علم أم الموقف الشعري، بأي جانب نهتم موقف الإلىهل ينتمي الفنان .. شيءانه توتر يتحقق .. أكثر بالتفسير أم الغموض الذي يرافق الفن على مدى وجوده

باستمرار بسبب تناقض العالقات القائمة بين المتخيل والمتحقق ليكتسب لغة الرؤية والتصور على الرغم من االنعتاق الذي يبديه الفن من كل خبرة ماضية،

على التحرر أساسا من هذه وم التذكر كون اإلبداع اليوم يقإلىتياج وعدم االحالذاكرة، ومن وسائط ومواد التنفيذ التقليدية ومن أدبيات التعامل مع أماكن عرضها وإنتاجها، وكذلك الخروج من فردية قرار اإلنتاج ودخول تركيبة اإلنتاج

.. هوم عالم المفإلىالجماعي والتخصصي واإللهامي الذي يفضي لغات التراث اإلبداعي اإلنساني تنأى في أفق التعسف والقسوة، إن

فالفن ال يمكن أن يكون خارج لحظته الراهنة، وهو إذ يمارس القطيعة التي تساعد على وزهالحقيقية مع هذا التراث الجمالي إنما يندفع إليجاد رم

ز الفن الذي التلقي، ولعل ندرة هذه الرموز اليوم سمة تقتضي تجاوز ألغااليبني نفسه على اللغة التي كرسها النقد في الغرب وأرسى المتحف ركائزها، باعتبار الفنون مطلقة التناول، يمكن من خاللها استرجاع التجارب اإلنسانية

.وتوليد األفكار وإبراز الصراعات على النحو الذاتيمقاربة، وتبقى للمجددين فتح األبواب والنوافذ على مختلف التجارب اليحق

المسألة عالقة في مدى قدرة هذه التجارب على الخصوبة، أي قراءة وفهم أكثر مما نأمل استيعابه إيضاحهلذي على العلوم أن تساعد في المنظور الجديد ا وسيكون على مبدعينا تأمل القرن الماضي مليا قبل الجنوب،في مجتمعات

الصمت المبجل المنقطع عن النظام الرحيل عن مجموعة اليقينيات وولوج عالم

-١٢٢-

الترابطي الذي كرسه تاريخ الفن وتفسيرات الخبرة اإلنسانية، الفن الجديد ينظر ما عهدناه من فنون فيراه يتحلل ويتهشم، وقد يسهم بقوة في تفكيكه لبناء إلى

النظرة الجديدة التي تدعم الثقافة اإلنسانية الجديدة، والحقيقة أن الفنون مهما دت أساليبها وتوجهاتها وأفكارها فإنها مازالت صفة مالزمة لإلنسان لوجوده تعد

. أخرىإلى آخر، ولحاجتنا للسمو دائما من حقيقة إلىالمتبدل من عالم المجددون بإنجازاتهم يمكن أن يبحروا في تساؤالت ستمتع أن يوقبل

: الفيلسوف سامي أدهمدي والعشرين؟ كيف يعيش الذي سيكون عليه الفرد في القرن الحاما

عمله؟ كيف سيكون؟ كيف سيقضي إجازته؟ ما ويتصرف في حياته؟ ما هوالمبادئ الجمالية التي ستتحكم في ذوقه؟ هل سيلغي مفهوم الجمال ويصبح كل

شيء صنعيا؟ ما عالقة الدين بالفرد؟ هذه األسئلة وغيرها ستطرح في مستقبل قريب ألن اإلنسان التقليدي كل

ستمر على هذا المنوال من االندفاع بالعقالنية، فالقيم الجمالية واالجتماعية لن ي الصاعدة، سيبحث يثةالتقليدية لن تلبث أن تختفي تحت ضربات العدمية الحد

) كاوس(اإلنسان عن نواة عقالنية أخرى تختلف عن النواة التقليدية في داخل مبادئ جديدة أكثر تطورية وفعالية، ستلغى المفاهيم العلمية وتقوم مكانها . العولمة

سيلغي الطب الجديد في االستنساخ وزرع األعضاء، خرافة األلم والعجز والشيخوخة المبكرة، وستطول األعمار ويكون العلم سباقا في إلغاء قلق اإلنسان، ستتوافر المنتوجات الزراعية الصنعية الجينية بكثرة، لكن ذلك لن يحقق حرية

كاوس ـسيكون الجميل جميال وقد ذابت كل القيم داخل الكيف . اإلنسان يرى إلنسانوانهارت المقاييس أمام الصنعية التكنولوجية الصاعدة، وأصبح ا

.المصنع في منفعته العملية أكثر جماال من الرؤية داخل اللوحة الفنية التقليدية: نعيش اآلن على حافة حضارتين«يختصر القول بأننا )١( أدهمسامي

حضارة الحداثة بكل ما قدمته من تطور كبير، وحضارة ما بعد الحداثة .»العدمية بكل ما هدمته من القيم، بكل انفتاحها على العدمية الصاعدة

.بعد الحداثة ما-سامي أدهم )١(

-١٢٣-

بمقوالت « ال إنسان ما بعد الحداثة إلى نتذكر أن إنسان الحداثة انقلب هل إلىتحولنا .. الثقافةجديدة انبثقت من السرديات الجديدة التي تكون العلم والفن و

وقام الالإنسان، بعد أن انفجر .. عصر العولمة الثقافية واالقتصادية والعسكريةالمعرفية : الوجود وتشظى مع الحرب العالمية الثانية على كل المستويات

والفنية، والجمالية، والعلمية واللغوية والسردية، وقامت العدمية الرافضة لمقولة الثقافي العميق في الفكر اإلنساني المعاصر هو بين إن الصراع.. الوجود

ورفض لكل القيم، وصنعية أخالقيانزالق نحو الموت المحتم وانحطاط .»تكنولوجية علموية

أدهم وتوصيفاته لعالمنا الجديد تثير الخوف من المجهول أطالقاتالثقافة مصير تساؤالتنا األساسية حول عالمنا فما هو القادم، وإذا كان هذا هو

إلىوالهوية الجديدة؟ ما هو حال الصراع الذي سيتبدى مع عدمية النظرة التساؤل إلىاإلنسان الذي ما زال يستثمر قدراته المعرفية، كل ذلك يقودنا

ما هي األحداث التي تدفعنا كمبدعين : الذي تتمحور حوله قضايانا األساسيةتمعات التي عبرت الحروب إلنتاج فنون توازي في تطلعاتها ما تنتجه المج

وبروز الليبرالية العقالنية ريةالكبرى باتجاه الرفض وسقوط النظم التوتاليتاوظهور الالمنتمي والعبثية والتجريد الفني الشديد فأصبحت اللذة والمنفعة هما

للرد على هذا االنحدار واالنحطاط، ) العدمية(المبدأ وقامت الحركات النهلستية بيون، الكلوشارد، عباد الشيطان، اإلباحيون في الجنس، الموسيقا البيتلز، الهي

الجنسية الصاخبة، موسيقا الروك والجاز والفنون التشكيلية الشاذة الخارجة لقد ذخر القرن العشرون بالحركات والثورات الرافضة بعنف . عن المألوف

.ليديةلثقافة السوق وللهوية المضاربية فكسرت موازين الفن والجمال التقالنرجسية « أن ئما وحده يحمل اإلجابات مع التذكر داالمستقبل

إلىاألمريكية المعاصرة تبحث عن هوية ثقافية غائبة، وتتحول في البحث .»عجرفة مدعية

-١٢٤-

الثقافاتحوار

مقال عن جمالية الشرق وهو إحدى المحاضرات التي ألقاها البروفيسور في

ية في السوربون وأحد أعالم الفكر الجمالي المعاصر، الجمالأستاذ) إتيان سوريو( التي قامت بين الفنون اإلنسانية المختلفة، سواء ريةيذكر أهمية الحوارات الحضا

بسواء بعد أن كانت النظرات النقدية منحصرة بتتبع الفن األوروبي منذ نشأته وحتى يمكن أن تغني به تاريخ أهمية اعتماد الفنون المقارنة لما إلىظرفه الراهن مشيرا

عند الفنون المصرية في العصور مثال الفن اإلنساني، ولهذا فهو يؤكد أن التوقفالقديمة سيكون ناقصا إن لم يستكمل بمتابعة تقصي الحقب الحضارية الالحقة

ويعني أهمية القرنين الثاني عشر والثالث عشر ليغدو ،وخاصة المرحلة اإلسالمية بين الفنون اليونانية التكامل واضح المعالم والمقاصد كالذي حصل في التكامل هدفا

.والهندية في إطار المناخ الهيليني

ينطلق سوريو من االحتياج الجمالي وتطوره باعتباره يعيد تنظيم وإذ في التاريخ لبناء الظواهر اإلبداعية، فإنه يستقصي أيضا ةالظروف المختلف

سانية للتعبير عن التحوالت التي تنبثق بين فترة االستجابات والرغبات اإلن مركزية التوليد اإلبداعي في الحواضر إلىوأخرى، وقد يكون راغبا في اإلشارة

المدينية نظرا لألهمية التي تربط تطور الفنون بالحواضر المدينية كما حدث لدى ين يشير صراحة إبداعاتهم في إطار أثينا في حإلىاليونانيين الذين يمكن اإلشارة

ولربما على غير . رغبة اإلغريق في إقصاء إسبارطة حيث ذهب اإلغريقإلى إلى اعتبار بعض الشعوب الهيلينية مجردة من الحاجات الجمالية إلىوجه حق،

قد ظل ولربما على غير وجه حق، مرادفا النعدام الثقافة، وسيحد أن اسم البيدان الحاجات الجمالية، وعلى هذا لم يكن والنعدام القدرة على فهم الفن، ولفق

-١٢٥-

األثينيون في العصر الذي شهد أوج عظمتهم أكثر من مجتمع صغير ال يتعدى .أربعمائة ألف نسمة، نصفهم في مدينة أثينا ذاتها

أن االهتمام بالحوار بين الشرق والغرب كان مثار جدل دائم، المعروفتي يقتضيها هذا الحوار، ولما يعكسه الغربية في سبل المبادلة النظرةلتعالي ال

هذا التعالي من لبس وخلط يبعد إمكانات االلتقاء على نتائج يمكن أن تكون مفيدة للطرفين سواء في المسائل الثانوية والهامشية أو تلك المركزية والرئيسية، وإذا كان السأم هو سبيل الغربي الكتشاف العالم من حوله

اخات الحضارية األخرى فإنه يحاول أن يغطي واالندفاع في تفاصيل المنحقيقة احتياجه للتغيير الجمالي والفلسفي الذي ينشده ليس بصفته الفردية وإنما

،بكامل األبعاد المجتمعية التي تعني االنفتاح على تجارب وآثار اآلخرين ما يمكن أن يعتبر خارجا عن أصولية المفردات الجمالية التي نشأت خاصة .يط جغرافي وبيئي معين وما راكمه التاريخ من أهمية لمناخها الثقافيفي مح

تبرز أهمية الفروق الثقافية والتفاصيل المختلفة التي تفرضها حقبة هناعلى أن مثل هذه النظرات التي . اإلنسانيةجتمعاتدون أخرى في تاريخ الم

متطلبات تحدد أجزاء الحوار الحضاري وعناصره هي ذاتها التي تقوم برسم اعتباره من األهمية بحيث إلىالطرف اآلخر، وتحديد األسباب التي أدت

يكون طرف الحوار المقصود، وبذلك فإن اعتبار الغرب المنفتح للفن الغربي يبدأ منذ القرن الثالث عشر، ويمكن أن نسوق مثال على هذه النظرة ما يقوله

: الفن العربيعنسوريو ديدة التشابك والتعقيد، فمن الوجهة المعمارية إن منابع هذا الفن ش«

أن الشكل الهندسي بحيث. يبدو بناء المسجد العربي متعدد العناصر،مثالالعام مطبوع على األخص بالطابع البيزنطي، في حين أن مختلف أجزائه هي من أصل يوناني حينا أو من أصل فارسي حينا آخر، وألسباب تاريخية دقيقة

الثقافة العربية على التأليف بين معطيات توافدت إليها خصوصا جدا عملتمن شتى البلدان الواقعة تحت سيطرتها، هذا وكان العالم العربي في القرون

.»الوسطى حامل مشعل الفكر اإلغريقي

-١٢٦-

والتسلطالتبادل كنا سنتجاوز ما أشار إليه الباحث من أن التبادل الثقافي كان على وإذا

لعالم الغربي والعالم العربي منذ عهد الصليبيين، فإنه البد من أشده بين ا ندية التبادل الثقافي، ليس في ظالل التسلط العسكري أو التعصب نالحديث ع

الديني، وإنما في إطار الدولة اإلسالمية الناشئة حينذاك والتي اقتضى اتساع لي للشعوب التي توحيد االحتياج الجماإلىرقعتها الجغرافية بأقل وقت ممكن

شملتها سلطة الدولة اإلسالمية، والتعبير عن ذلك بالوحدة األسلوبية التي المنابع األبدية، واالحتياج الجمالي إلىتتكامل عبرها النظرة التأملية التي تقود

الروحي الذي يحيا في التأويل وليس في األشكال التصريحية، وهذا ما يذكره التأليف التشكيلي، جمع إلى عمد الفن اإلسالمي حينما: نوري الراويالفنان

ما بين الخط والزخرفة فوحد أنظمتهما الداخلية ليخرج منها بصيغة جديدة هي تعبر إلينا مع الخط الذي يعلو .. المطلقإلىرسالة التأمل والوجد التي تتوجه

ويهبط كالشهيق والزفير، ومع الرقش الذي ينطق عن هوى مكتوم، ويمتد كما ألنفاس في الصدور، وتنطلق سيمفونية ألوانه وتشكيالته نايات ودفوفا ا

األعالي وهي تحمل توق إلىوصنوجا ومزاهر، متجهة في معارجها الروحية . مباهج الوصولإلىاإلنسان المؤمن ولوعاته وتوسالته

جوهر الفن اإلسالمي وال إلى لم يستطع التوصل الغربي أن الفكر غيرة لبعيدة، بل وقع في خطأ التذكير بالقيم الجمالية والغايات التصميميفهم غاياته ا

دون تحيز لطرف دون آخر، يستدعي المقام ومن .البحتة التي يمتلكها هذا الفن أن الفنون بعامة، تجسيدية أو تجريدية، تشبيهية أو منزهة عن إلىاإلشارة

الحس، وهي محط االهتمام إلى البصر أكثر من انتمائها إلىالتشبيه، إنما تنتمي التجريبي والتطويري دائما، يحدث ذلك لتطور المجاالت التخيلية لدى المجتمعات اإلنسانية وتأكيد احتياجها للجمال الذي يؤكد عمليات التوليد اإلبداعية التي تقدم

التشكيلية والحلول البصرية التي تعتبر منجزها وهويتها في التعبير تصوراتال . ة التي تتضمن أفكارها ومعتقداتها ومتخيالتها ومواقفهاعن الحقيق

-١٢٧-

حصر المبدع اهتمامه في حدود طبيعة األشياء أو تحرر من وسواءقسوة االنحسار في األشكال فإنه إنما يحاول التعبير عن المفاهيم التي تتوافق مع ما ينطوي عليه عصره باعتباره النموذج والمثال لتصوير العالم أو التعبير

هذا العالم الالصوري، الذي يفترض فيه أن يكون ثابتا، .. عنه بواسطة الفنساكنا، تبدو األشكال الهندسية، بفضل تداخلها وتراكمها فيه متحركة في نظر

أن يعبر هذا الفن الرافض للصورة، الرافض لمظاهر فارقةالمشاهد، وإنها لم ما وصل إليه اليوم الفن ىإلوأن يصل . الحياة، عن الحركة ودينامية الحياة

البصري أو الفن الحركي المعاصر باستخدام وسائل إيهامية متنوعة، أكثر محاكاة إلىتعقيدا، فالفن التجريدي اإلسالمي ال يحاكي الطبيعة، لكنه يسعى

جوهرها وبناها األساسية من حيث هي دالالت رمزية تنعكس فيها عظمة كما ينعكس في بنية أن التناسق أو التآلفالخالق وقدرته الالمتناهية، ذلك

التعبير المباشر عن مفهوم الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة هو العالم . الكامنة خلف األشياء وظواهرها

هذا المقتطف األخير يؤكد ما يذهب إليه فيمحمود أمهز . د كان وإذاطار العام للقيم بتوضيح اإل شرقا وغربا أكثر من باحث وناقد اهتموا

الجمالية اإلسالمية أو من حاول الرد على بعض الباحثين الغربيين ممن أن التجريد هو الشكل األكثر تالؤما مع الديانة العبرية اعتمادا إلىأشاروا

ال تصنع ” سفر الخروج“على النصوص التحريمية الصريحة كالتي وردت في بأن حلسماء من فوق، فإن أمهز يوضلك تمثاال منحوتا، وال صورة مما في ا

التمييز بين التجريدي والصوري قد يحمل شيئا من المغاالة أحيانا، ويأخذ أبعادا قد ال تجد مسوغا لها في الفنون الشرقية بما في ذلك فنون الشرق األقصى، أي أن ما ينطبق على الفنون الغربية ال ينطبق بالضرورة على

اإلسالمية خاصة، وبذا يشكل التجريد حسب المفهوم الفنون الشرقية عامة والغربي نقيضا للصوري، وتبقى العالقة قائمة بين هذين العالمين في الفنون

.اإلسالمية، وفي الفنون المسيحية الشرقية

-١٢٨-

يمكن أن نشير إليه هنا ما كنا قد بدأنا به حول الحوار بين الشرق ما النظر المسبقة على وجهاتهيئة أو والغرب والمخاطر التي تكتنف إسباغ ال

تبقى في صناديق التاريخ الطرف اآلخر، وبذلك فإن نتائج الحوار غالبا ماالمقفلة خاصة إذا كان سوريو يتوافق مع آراء أحد علماء الجمال الموسيقي

العربي ويعلن أن التقارب لتجريديكومباريو الذي يناقش نظرية الفن اسيقى وبين التجريد العربي ألن عمليات التأليف في مستحيل في رأيه بين المو

.هذا األخير ال تحمل أية فائدة شعورية وأية طاقة على اإلثارة العاطفية »العالقة بين الفنون« كتابه إلى حاول سوريو أن ينفي باإلشارة لقد

ومحاولة تمثل الفنون اإلسالمية وجمالياتها الهندسية القائمة على المهارة والعقلية والصفات األخرى التي يتميز بها فن التزيين التجريدي الفكرية

ولهذا فإنه في . العربي األرابيسك وكذلك فنون النسيج والخط والمنمنمات جدول إلى مهمة افةنهاية محاضرته تلك يعترف بأن الفن العربي قد قدم إض

أمل إثارة الت: االحتياج الجمالي اإلنساني تتمثل في وظيفتين وهما أوالالتأثير، ال عن طريق الجدة والغرابة في األفكار والمشاعر، : والتخيل، ثانيا

بل عن طريق التنوع البارع في معالجة موضوعات هي على قلة عددها صحيح أن هاتين الوظيفتين للفن تستجيبان لظواهر .. أساسية ونموذجية المثال

عربي قد اكسبهما الحاجة الجمالية بصورة عالمية عامة، إال أن الفن التفضيالت ونتائج جمالية مرموقة تظل في أشكالها الجوهرية من أخص

.خصائص وابرز صفاته ة، أن قيمة الفن منوطة جوهريا بوجهة النظر المعتمدإلى أن نشير بقي

يتمثل في الموقع الذي اختاره للحوار من خالله إنماوان ما يعبر عنه المبدع لغرب فإننا النزال نذكر كيف حرم أفالطون الفنان مع اآلخر، وحتى في فنون ا

.من االنتماء لجمهوريته، لقد طرد هومير خارج المدينة مغمورا بالزهور

-١٢٩-

الفنلغز

يسعى الفن أن يكون أسطورة في مغازلته للتحوالت الصورية الجديدة، هل

بالفن دون بل هدفا خاصا،وهل تتحول اهتماماته ليغدو الموضوع والمفهوم هدفا قيم جديدة للتبادل مع مختلف المستويات، البدائية واالعتقادية، إلىسواه، مستندا

عن عالم جانب الهيام بالمتخيل الجديد المعبرإلىوإحياء ما انقرض في التناول . المستقبل المعلوماتي

يفضي يلتحقيق لون نخبو) الجديد-القديم ( يقترح الفن للتبادل مع ماذا السياسة، وحقوق اإلنسان، والعلوم الجديدة، بعيدا عن إثارة األهواء إلىسته بحما

.وتشكيل الصور الرمزية الدعائية؟ أن كافة المتعاملين مع الفنون البصرية بمفهومها التقليدي ومفاهيم الشك

الفنون الجديدة، المبدع والمتلقي، المنتج والمستهلك، العارض والمعروض، في قاصي، كلهم ينفذون خططهم في التبادل مع التغيير والتطور المراكز واأل

أو التسلط لتثبيت اتجاه دون آخر، وهي آلية . بفرض وسائلهم التعبيرية التي يطرحها اإلبداع اإلنساني على نفسه، سواء ألسئلةلإلجابة عن بعض ا

.ماعي لالتفاق على مفهوم دون سواهعبر الخداع أو عبر تحقيق التنظيم الج الفن كما في باقي فروع اإلبداع، يسعى المبدع لجعل نتاجه مركزا في

الثقافة والتاريخ إلىالستقطاب تجري في فلكه مجموعة من التبادالت المستندة والعقائد واألديان والعبادات والموروث، وغير ذلك مما يساعد على بناء

تشكيل سلوك ونظام ومن ثم ل. ألعاب يعتاد عليها جمهور اإلبداع بفعل التبادلإنه .. مقصودةتكيفيهيكون من الصعب تجاوزه كونه يتضمن تبادالت

. نفعةباختصار تبادل السيطرة والخضوع في عالم الم٩م -بؤس املعرفة

-١٣٠-

يسعى الفن لالنتفاع من هذه المبادئ مستفيدا من ظروف التغيرات لهذامتطابقة التاريخية في مجاالت المعرفة، بإسقاط المقوالت الجمالية المختلفة، ال

والظروف النفسية واالجتماعية لشعوب ممتدة في عوالم مازالت تنأى عن مراكز إنتاج المعارف التقنية، بسلوك بدأت إرهاصاته منذ منتصف القرن

والذي بات من المستحيل االنشقاق من جاذبيته ومغناطيسيته التي . الماضيريخ ينشأ من استعارها في البداية من األساطير لتغدو سمة تفكير، وتا

التبادالت التناحرية مع ذات األسطورة التي تأخذ مالمحها من االعتياد على الحضور في فضاء الخيال والمظاهر الثقافية، وكذلك ومنالمفاهيم الجديدة،

من القراءة الشخصية للوسائط المقترحة المتعددة التي تبني الظروف الثقافية . في المجتمع البشري

دل يقوم على االعتراف بالوسط الذي يحتوي هذه العملية جوهر التباإن، وبخاصة على المستوى البصري، الذي يحتاج لمرونة هائلة في )الصورة(

األمر الذي يجعل الحوار . إنجاز عملية التبادل سواء أكان معنويا أو حسياأولوية للتبادل والتواصل المستمر بإدماج الفلسفات ووجهات النظر وتحويلها

روحانيات تشمل مجتمع إلى ذات الحقيقة التي ينشدها التبادل في سعيه إلىالذي يتألف في الثقافة الشاملة ) فضاء ما بعد اإلنسان (يدعى المستقبل أو ما

. لإلنسان، وبدعم مباشر وصريح من النظام الفني العالمي القائم األقصى سعت الفنون العربية، والفنون في عالم الجنوب، والشرق لقد

إلىوالعالم اإلسالمي للتبادل مع المركزيات الفنية األوروبية، في إطار التطلع برغم . قمم الحضارات التي تمثلها تلك المركزيات باعتبارها منتجا للصور

دعوات المساواة والتبادل والحوار التي أطلقت في غير موقع ثقافي، أو نشاط لمركزيات بقيت نابذة لكافة أشكال التبادل إال أن تلك ا. مهم على المستوى الدولي

العالم الجديد في أمريكا، حيث إلى تنتقل كزيات أن بدأت سلطة هذه المرإلىبدأت نويات جديدة تتشكل، وكذلك في أوروبا التي تسعى للحفاظ على ما تبقى من قوة النظام الثقافي الذي هضم على مدى القرن الماضي الحضارات األخرى،

-١٣١-

ها في ظروف كان من الممكن فيها استبدال قيم الحوار والتبادل للتعبير واستثمر معاني التبادل العالمي القائمة على فتح األطر إلىعن رقة حضارية، والدعوة

في محاولة لالتصال من جهة، والتعبير عن قيم . والتجارب على بعضها البعضبل إن . والزمان بآن معاالتفاهم كوسيلة فعالة لتجاوز تبادالت طوتها الجغرافية

لوسائط أعادت تعريف األشياء واألولويات أمريكاابتكار المركزيات الجديدة في والبديهيات، واستبدلت عنها حقائق جديدة ال يجد اإلنسان فيها إال ما يدفعه للتفاعل معها، والتعايش مع تشعباتها التي طورت كل شيء صوري في العالم الجديد،

الم اإلنترنت وتقنيات الوهم التجاوزي والوسائط الالمادية وأخص بذلك عووعمارة العوالم المجازية، وسوى ذلك من القضايا التي باتت تدمج حواسنا

. تي تطور قدراتها بشكل سلبي مستمربالعوالم اإللكترونية ال التي جهدنا للتعرف عليها وفهم آلياتها التمثيلية، وأحاديثنا عن الفنون

على الفهم، بل إن الدعوات يومرجمتها وتلقيها وفهمها باتت عصية الإمكانية تأضحت طليقة لعدم احترامها، بالدفع باتجاه القطيعة معها، ومع القوانين الفلسفية

وكذا الدفع بتغيير . والجمالية التي تحاورت المجتمعات مع ذواتها لتحقيقهاقع، ومن أجل هذا الواقع، الشيفرات التي جعلت من الصورة بنية منجزة في الوا

بحيث أضحى التبادل القائم اليوم يعتمد على االختالف أكثر مما يعتمد على وبالتالي فإن نزع فتيل التسلط من قبل الفنون حقق فعال حلميا أعمق . االنسجام

قدرة على اإليحاء بروحانية اإلنسان وهو يسعى لشطر خصوصيته بمجرد . التقليديةبروتوكوالتيدة، والتخلي عن زمن الالدخول في زمن الوسائط الجد

التجانس والتناقض نماذج عديدة للتبادل، وليس أوضح من استلهام بينصورة التاريخ القريب إلبراز معاني هذا التبادل، حيث تضحي الخصوصيات والهويات والتمايزات موضوعا تدور في محيطة مجموعة االنتماءات

ت االستعمارية التي بدأت بالزوال نتيجة تبدل الحضارية، وفهم المركزياالمعايير والنظم الثقافية، واالنفتاح على بلورة تبادالت جديدة تقوم على ابتكار طرق تخيل جديدة، ووسائل تعبير تتوافق والمرحلة المعاصرة للتجدد الفني،

ال بالتخلي من جهة عن مبادئ التصادم والتناحر، وفتح المج. الفكري، والثقافي

-١٣٢-

والحوار، ونقد التجارب المختلفة في أوروبا والعالم الجديد، التي أفضت لتبادلل . نزع األيقوني من الصورة وجعلها أكثر دنيوية إلىبشكل عام

ما لهذا النظام البصري الجديد من معان تحررية، فإن تجديد وعلىلي عن للتخ- ال شك -المبادالت في إطار البحث واالختيار فتحت المجال

وكشف الكثير . أهداف كان الفن يقدسها في إطار األيدلوجيات الفنية التي حكمتهمن األسرار التي جعلت ارتباط اإلنسان بهذه الفنون قضية صيرورة، يكون التخلي عنها دمارا للقيم اإليجابية، أو انبطاحا أمام حداثات تصعب تسميتها أو

في شمولها أمرا دنيويا عسيرا وعلى األخص حين تضحي الصورة. توصيفهاأي . على الفهم، باعتباره مفهوما ينفتح على نقطتي االنطالق والوصول بآن معا

أن هذه الصورة باتت تمثل حيرة اإلنسان الوجودية باعتباره مكانا مجازيا مبتكرا طان واألزمان واإلرث المتشابك لألشكال األويعيد تعريف المواقع والحروب و

. يدعو ذلك للمكوث في زمنها الجديدندسات دون أن واله ظروف مدروسة، إلى القائم بين الصور الجديدة، نقطة انطالق التبادل

ومضة ينبض بها الفضاء المعاصر القائم على االتصال، ويقوم هذا التبادل . ته وتوازناته المنظورة والبالغية وإيقاعادةبإنشاء خط داللي له مظاهره الجدي

عن ال نهائيات توصيفية تشتمل رموزا آنية تبنى بمجموعها مفاهيم وينتجإدراكية تعبر بالعاطفة عن مقوالت سياسية وتحررية حينا، وظهورات أو تجليات لموضوعات حساسة تسم المجتمع اإلنساني بدهشة اهتزازية، تتراوح

فن أن يجتهد ما بين االنتماء لها والتخلي عن النشوة اإليهامية التي كان على الوهنا البد من اإلشارة أنه في إطار . في جنون الرؤية الحسية التصوريةلبثها

هذا التبادل تبرز قيمة تفكيك السرديات البصرية جراء صلة الصور بالضوء والمرونة المستحدثة دة،الجديد الذي يترجم انشراح الصورة للسرعة الجدي

. لبيئات واللغاتافة االتي يتم من خاللها اختراق المفاهيم في ك االختالف والتناقض دعوة للتجانس في العقل والوعي، ويكون لعل

التبادل مثاليا في هذا اإلطار حين يكون مرشدا في المحاورة القائمة على تجديد مظهر الصورة وتحديث انتمائها، باعتبارها إحدى المفاعالت التاريخية لالنتقال

-١٣٣-

تصورات التي تجعل من التعبير مهمة وحيدة أخرى، وتجاوز الإلىمن حالة إلىإذ بات على العقل إعادة توصيف الصور استنادا . للصور بوصفها وسائط

األزمات المتوالدة في عناصر الوجود، وفي تاريخ العدم كنقطة انطالق الخبرات البشرية والمعارف األخرى، التي تجاوزت هذه الخبرات كشافالست

ية لفكر شمولي جديد، تصوغه فرضيات متشعبة، تنتجها لتحقيق يوتوبيا مركزفكل شيء . ذوات لم تعد تفرق في تبادالتها بين الذات ومصدر المعلومات

يتوحد في المعاشات الفرضية القائمة بين المبدع وعوالمه، حيث يتطابق المجازي والواقعي، ويتوازيان في أبعاد مدهشة تكون في نفس الوقت مصدرا

. المتآلفة التي تبنى األفكار الجديدة للمعلومات التعرض للحقيقة أو تصوراتها لم يعد يعتمد على العين األحادية التي إن

أدائها وترسيختوجه البصر عبر الكاميرا كما حدث مع انطالقة السينما، المجتمعي في إبراز الحقائق، رغم أن الكاميرا باعتبارها وسيلة قدمت نفسها

ت الثقافية، التي تتبادل مواقع الوعي مع األدب والموسيقى في إطار المرئيا .والتقنيات المختلفة، وكافة مستويات السرد الروائي والوثائقي

برزت إمكانية رؤية الموضوع ذاته من أكثر من موقع، إضافة لقدإلمكانية رؤيته عبر الشاشة المقطعة، أو عبر مجموعة الشاشات التي تمثل

التفكير بالحقيقة أكثر مما ترصد الحقيقة لذاتها، وفي هذا عيونا حقيقة ترصدالتبادل استنطاق واضح إلمكانيات جديدة تبرزها تجارب الفنانين اليوم وهم

- ليس من الخارج وحسب - أو صياغة العالم المرئي لرؤية،يعيدون هندسة اشري بل من داخله، أي من داخل فهمنا لطبيعة الوهم الذي يكونه الخيال الب

. والتقني الذي قادنا الخيال البشري إليه لتاريخ المرئي والمراحل التي مر بها، والتطورات التي ألزمت وطبقا

فهمه بهذه الطريقة أو تلك، فإن هذه المرئيات بقيت وفية للحقيقة التي تمثلها في تي الحافة الإلىمختلف المذاهب الفنية، ويسرت سبل التبادل فيما بينها للوصول

، وما )بعد حداثية ما (ـتجعل التشكيك بالضوء والفضاء مسألة تابعة للنظريات ال صلتنا بالحقائق المرئية، جيتبع ذلك من تداعيات جعلت الحقائق المتحفية خار

-١٣٤-

إمكانية فرض أسلوبها في الرؤية، وبناء المشاهد ) العين التقنية(منح وهذا ماج التبادليات الجديدة التي توفر قابلية االفتراضي، واألساليب التي تعيد إنتا

المشاركة معها لصياغة عين تقوم بتحويل نظام المبادالت، لتحقيق مفاهيم ونتائج . المدركة بواسطة الحواس التقليديةمستقلة عن اإليمانيات

ثبات يؤكد إلى التساؤل الذي طرحته في البداية ما زال يلح للوصول إنلحياة، وتقدير المبدع الذي يبعث في الفن تحليالته طموح الفن، إلعادة صبغة ا

تدل عليه، بل لتيليس من خالل التفاصيل ا. وتطويراته فيجعله مشروعا مقبوالوالتي تعني بكل األحوال .. من خالل ما بين هذه التفاصيل من عالقات وتبادالت

سلوب ماثبوت وجود المبدع باعتباره بيئة ما يبدعه، أو حقبة ما يبدعه، أو أأي إن الصورة المنتجة اليوم بكافة أحوالها مازالت مستغرقة فيمن . يبدعه

وإذا كانت في حضورها النمطي الحي تثبت ذاكرة جديدة وتنفي أخرى، . يبدعها . يلتصق في الحاضر دون صيغة نهائية له فإن المستجد هو ما

ا تجسيدا استالم المتلقي للصورة فإنه يندمج في وصفها باعتبارهبمجرد. إدراكيا للحالة المرئية المتخيلة التي يمكن أن يكونها اآلن، أو في المستقبل

وهذا يجعل االفتراض يقينا قابال للرؤية في إطار الموروث الثقافي، والحرية وهنا . التي تضيفها التقنية المعاصرة لتلقي هذه الرؤية بكامل أبعادها الجديدة

لمبادلة القائمة بين الرائي والمرئي، وهي عالقة البد من إعادة الحديث عن اعين الرائي وعين المرئي، .. ائمة في الماضي بين عين كل منهمابينية كانت ق

- وهي بالكاد تختلف اليوم فيما يقوم من تبادل بين عين الكاميرا وعين الرائي لىإ وكما كان المبدع سابقا يحول معرفته وجسده وفضاءه - على سبيل المثال

بحماس ن يسعو- اليوم -عمل فني فإن المؤسسين لألعمال الفنية الجديدة أكبر لمضاعفة بث قابلية الرؤية في اآلخرين، أي جعل عملهم موضع اهتمام الرائي للصورة ومالحقته للتأثرات المبتكرة التي يقدمها العمل الفني لحل لغز

لغز جعل العمل الفني يعبراألكبر في العملية التبادلية، لغز الفن و يبقى هو . عن أمر ما، أي لغز استنطاق الفن

-١٣٥-

الفن وحتريره من املراوغاتاقتحام

التي يطرحها الفنان على ؤالت العمل الفني في جزء مهم منه التسايشكلوبغض النظر عن جنس المولود وشكله، فإن هذه . نفسه، بغية تحقيق والدة جديدة

والدة تتم في إطار ظروف معينة، وفي مكان محدد دون سواه، ويكون مفاده الفي حين . قراءته مستمرا في متلقيه، الذي يبدو أن الفنان لم يكن ليعيره أدنى اهتمام

أن الحقائق تؤكد إن تزامنا في الوعي البد أن يكون قائما بين الفنان والمتلقي، أو إذ في . لم يرغبصرية، سواء رغب بالقبول أو البالمرسل إليه فحوى التحليالت

كلتا الحالتين يتم التراسل عبر بوابة مزينة بالمكان والزمان، وبالتفاصيل الذاتية المتداخلة، أو المتناسجة في إطار معجم عام تبرزه مثل هذه األعمال، وتتقاطع عند

إبداع فترة معاينة مفرداته الحدود التي تجعل للفنان هوية يتموقع خلف تخومها . زمنية، أو نتاج مجموعة من المبدعين

والذي تراوح بين ، كالذي حدث في تاريخ الفن اإلنسانيتماما والوظيفية على مدى عمره التعاقبي، ليشكل فضاء اإلنسان الذي ةالمثالي

.يفصل انتماءه ما هو طاغ في االستجابة للعمل الفني إمكانات الدهشة التي يوفرها، إن

وإذا كانت مثل . ار الصيغة المقدمة إليه القتحام المجهول في هذه العالمةباعتبإال أن إنتاج هذه .. هذه االستجابة تعتمد في بعض أوجهها على البساطة

البساطة لم يكن ليتحقق إال من خالل فهم الحقيقة التي يسعى إليها المبدع، تنفيذ المراحل والتي ال يمكن إن تكون مرتبطة بالوسائل التي يعتمدها ل

المختلفة لتحقيق العمل المرئي، والذي يكون التفاعل معه بأوجه مختلفة، ومن . الذي يقوم بين حقيقة العمل الكائن وحقيقة كينونتهبادلأهمها الت

-١٣٦-

قد ترفض األعمال الفنية المنتجة أخيرا بتصنيفها في إطار األدوات لهذابأن اإلدارة ) هيدجر(توضيح التي تقوم بعرضها، وهي في هذا الرفض تعيد

ولعل االنتماء لهذه األدوات يقدم . هي ما تتمتع بقابلية معينة على تقديم المنفعةتفاصيل كشفية خيالية تكون على صلة بالمعنى في بعض األوجه، إال أنها قد

باعتباره يحاول ،تقصي المعنى ليضحي المعمل الفني أكثر انغالقا على نفسه ما قبله، والتركيز على إضافة ذاته وسيرته كنموذج يتم كسر الصلة بعالم

اعتماده بدال من األشياء التي كان الفن يلقي الضوء عليها، لتمثل موضوعا .يوصف بأنه مفعم بالحياة واأللق

وسواء استثنينا صلة العمل باألدوات التي تعرضه، أو التي تسهم في االختالف حياد وهيئتها، حيث يضوجوده، أو تمثيله، فتربطه ببيئة هذه المو

مقيدا بحقيقة هذه المواد وارتباطاتها المتشعبة، وبالوظائف التي وجدت من فإن اإلطار العام الذي يربط المبدع . أجلها، وبالتأويالت التي تأسر حرية الفهم

بأدواته يقع في حقل الهوية الذي أشرت إليه، وفي مستوى االنتماء للتشابهات رة بين مجمل األعمال الفنية المنتجة جراء سيادة مفاهيم تكون غير المنظو

أكثر مالءمة لبعضها البعض، في مكان ما من أماكن إنتاج العمل الفني، وبما .يفيد الكشف عن عوالم تتوضح بإظهار عالقة العمل الفني بمن ينتجه

أسس هذه العالقة يعني الكشف، أي إبراز ) إظهار( مجرد الحديث عن إنمما يستدعي . التفسيرإلى وضعها ووصفها كحادثة تحتاج إلى تحتاج قةحقي

اعتبارها عالمة أو رسالة مؤثرة تسهم في تعيين العمل الفني، خارج ما يدعي في حين تكون مهمته البحث عن سياق . بعضهم بأنه تأويل العمل الفني التائه

. واالنتماءنقدي وفكري يعيد صياغة االختالف، الكتشاف طبيعة التوافق ما ذهب إليه الفن حين كرس نفسه الكتشاف صلتة بالطبيعة أو هذا

باألسطورة أو بالواقع أو بالميتافيزيق أو بالشعر أو بالنموذج، وسوى ذلك مما أبعد الفن عن . من المفاهيم التي أضحت ذاكرة غارقة في تطوير ذاتها

يق الشخصي في الفعل إمكانات التحقتوسعاالنشغال بابتكار الرؤى، التي

-١٣٧-

الذي لم يعد يرى إال بمزيد من تعرية عالقة المبدع بالعالم، . اإلبداعيوبالبحث عن لغة تتجاوز المفردات الناطقة باسم الفن، والمترسبة في قعر

.العالقة التناسجية القائمة بين الفنان ولغة تعبيره عن وجوده وذاته التجريب مؤسسا مباشرا لها، للحديث عن هذه اللغة التي كانوبالنسبة

فإن الكتابة عن الفنون الجديدة تقتضي التمييز بين تلك اللغة المتواصلة واللغة وفي كل األحوال، فإن . التي تحاول أن تقطع الصلة بما سبقها من تأسيسات تسعى لتوصيفه، أو لذيأية لغة منهما ال يمكن توصيفها إال بمعرفة المعنى ا

وما يثار عن انقطاع الصلة بين الدال . ه المختبر التعبيريتأسيسه، باعتبار فوضى في بناء اللغة إلىوالمدلول في التعبير باعتباره نمطا متجددا يقود

التعبيرية، التي يعمل على مثولها كل من المؤسس والمتأسس، باعتبارهما ه في يسعيان لتشييد الظروف الثورية لالنقطاع عما تمت اإلجابة عنه، ووقوع

ليكون المتجدد في هذه العالقة منتميا . حيز المتجاوز في التجربة التعبيرية . أخرىإلىلنزع القيود المتشكلة في النموذج الذي تقره التحوالت من حالة

لبعض الصمت على قيمة توكيدية يستهجنها البعض، ويعتبرها اينطويكونه يحمل . وواضحة االندماج بعملية ذات وظيفة محددة إلىاآلخر انتماء

لغة مباشرة تحتمل الجدل إلىوهو بذلك ينتمي .. عالمة القبول واالحتجاج معاوسواء دمجنا . فيما تولده من رموز وخواص متغيرة وفق الثقافات والحاالت

الصمت بداللته، أو فصلناه عنه، فإن الرمزي يبقى األعلى في اختزال اللغة وهنا تبرز طرائق الذات . يسعى إليه المعنىلتعيين الموقف، أو التوجه الذي

وتحدد ما تسعى . الصامتة للتدليل على أهمية اإلشارات التي تصف هذه الذاتإليه من إيماءات تحمل وجهات نظر، أو هوية متجسدة من خالل هذا الصمت،

ليتحرر من الداللة المعهودة، وليدخل في . ينتمي إليه الفنذيأو عبر فضائه ال .شتغل عليه، لالشتغال على ما يسعى لقولهحيز لم ي

يتحدد االنتماء بهذا الفهم من خالل إنجاز ما على الفن أن ينجزه على وبكل األحوال، فإن بتر االجترار . أرض الواقع، وفي االفتراض أو التأويل

-١٣٨-

أو التوليد، يحتاج لقراءة الكثير من الهامشي في أنماط التفكير، لصياغة ليس من الضروري أن تمثل ما أنجز سابقا، بل تصور قضية ذات جدوى،

الخطاب الذي يمنح األشياء أسمائها بوضوح، وبتعريف المواقع وتحديدها، ثهللمضي في مشروع الكشف الذي تتأسس بنيته كلما مضى المبدع في بح

. عن السيادة واالنتشار سيادة عابرة مدبوغة بتسميات تدعو للمسها، والعبث بها، إنها

وهي تحمل آثار الزمن، وردود أفعال األحاسيس . برائحتها وبصوتهاوالتقليدية، باعتبارها عيونا متعددة المظاهر يتم من خاللها التقاط إغواء العمل الفني، والمبالغات التي يسعى إليها المبدع كي يعبر ببساطة مباشرة

لوصف عن ذاكرة مطلية بالمفاهيم البصرية، وتناول والتقاط النظرات الكثافة والسخاء في التعبير عن انتماء العمل للتواترات التي مهدت طريق

هكذا تضحي المراحل التي يمر عبرها ليكون جزءا من العمل، . إنجازهمسهما بشكل أو بآخر بدعوة المتفاعلين مع العمل للمسه، أو اإلنصات إليه،

ي تهدم وتبني بلمح لينوبوا في دواخله متجانسين مع ميكانيكية اإلبصار الت حلم له منزلة الواقع، ومسامات الذاكرة، إلىولتتحول العملية . البصر

. االنتماءوملمس الطيف، وقوة هذه األعمال ثل النظر عن االستجابات التي تحققها موبغض

فإن الحكاية . لألرشيف الفني لفنان، أو عدة فنانين، أو حركة، أو محترف نموذجا متكامال حاضرا للعرض، بإثبات تبدأ من كون العمل المنجز

خصوصيته وقبوله للتكرار، وباعتباره تفصيال من نظام جديد يختصر ثمار البحث عن تلقائية تجري في الزمن دون بداية أو نهاية، ويمكن قراءته وفق الدوافع الموجبة لتبنيه أو رفضه، أو من خالل التجاوب مع الوعود

وكأن إنجاز العمل بمثابة إعداد القربان . ديمهاالتي يراوغ المبدع لتق وعي تصبغ آثاره إلىللتضحية به، وال يبقى سوى قبوله كي يتحول

..الموجودات، أحياء وجمادات

-١٣٩-

اللحظة التي ينفتح بها العمل الفني للتآلف مع الحدود التي يتم إنها لذاكرة رؤية الخيال فيها بشاعرية تفوق توقع لحظة اللقاء، التي تصبغ ا

بحناء المعرفة المتجددة، وتجعل الحافة الفاصلة بين الوعي والالوعي هي والتي تبدأ منذ أن يندفع بكامل طاقته للتفكير . المسرحة التي يقصدها الفنان

بما يريد أن يقدمه، مرورا بالمخطط الخيالي، والمخطط التصويري، الواقع، كما فعلت وبدمجها مجتمعة في صيغة سحرية غير قابلة للتناظر مع

..الفوتوغرافيا في بداية انطالقها زال الفن كمجال لإلبصار والتمثل الرمزي يتشارك مع المفاهيم ما

نفيها منه، أو من تاريخ بتمثلها أو تدميرها، بإثباتها في الوجود أوديدة،الجالتصور القائم على المناظير المتعددة لجوهر النموذج، الذي يمتلك حيوية

وليس معنى ذلك أن العلم بنجاحاته المبهرة يحاول . غة ونهايتها بآن معااللإغالق األبواب على المبدع المشارك في إنجاز العمل الفني، المتلقي الذي يقدم اكتشافاته من التعامل المباشر مع منجزاته، وتحديد استجاباته بإضافة أو حذف

الماضي، إلىي، ودون االستناد ما شاء خارج الضوابط التقليدية لمنهجية التلق طأو اعتبار نفسه متداخال مع اآلخرين، أو مع استراتيجيات التفسير التي تحي

بها األحكام األخالقية، وتجعل من المعنى نقطة بيكارية مركزية يتمحور .حولها العمل المفترض الجديد

لىإ العصر والمفاهيم الجديدة ال ينتمي العمل الفني إلى باالنتماء الغاية التي ال إلىمصادره المعتادة فيما أنجزه اإلنسان عبر تاريخ الفن، بل

وعلى هذا األساس فإن المعنى الذي يتحدث عنه الفنان . صلة لها بالمرجعياتال يكون ثابتا، بل يكون متبدال النقطاع صلته بمن أبدعه إثر انجازه النهائي

بتحرير أعماله االنتماءمرار عن هذا ويكون على الفنان أن يعبر باست. مباشرة عن الحقيقة التي رهامن كل ما يربطها بما سبقها، كي يحقق إمكانية تعبي

يقصدها، بعيدا عن الزخرف والحواشي التي خنقت الغاية من العمل الفني، .وجعلته تائها في المراوغات النسقية لبراءة اإلبداع

-١٤٠-

متغيرالمع

ين في التشكيل العربي المعاصر عن آثار ما يتحدث جيل المحدثغالباالصدمة والدهشة التي القوها مقابل األعمال المتميزة للقرن التاسع عشر،

العشرين في أوروبا، ومدى تأثير هذه المواجهة على التغييرات القرنوبدايات اإلبداعية التي لحقت فيما بعد باألحالم والتطلعات التي كانوا يضمرونها

كما يتحدثون على نحو خاص عن الوضوح العملي .رهم البصريةالستيعاب جذوالذي أهلهم الحقا لحمل رسالة اإلبداع في مجاالت الفنون البصرية التشكيلية المختلفة، وتجاوز الفخاخ التي حاصرت الخيال الجمالي العربي لحقب طويلة،

زي لتلك وخنقت الذاكرة بضبابية التصريحات، مما حمل تعقيدات الوجود الموا . اختالط في الفرز ما بين الفنون الجميلة وتنويعاتهاإلىالحقب، ما أدى

سابقة الذكر جسرا يربط ما بين الحاضر وقفة يمكن اعتبار الهل والماضي البعيد؟

أن الزمن لم يتح للمبدع العربي مثل هذه - حقا - يمكن أن نتخيل وهل . الوقفة؟

القطيعة التي ال نمتلك شروحات إلىأدى أن غيابا للقيم الجمالية أم ال نمتلك منهجا لتجاوز سيادة األصوات المنادية أنناصادقة لتفاصيلها؟ أو

والتي ال يمكن إغفال - من الناحية الجمالية على األقل-بقطع الصلة بالحياة تأثيرها على األسئلة التي كان يمكن أن تطور آليات وتقنيات اإلبداع في

!نب الفنون التشكيلية العربيةمختلف جوامن تأثيرات » الصدمةوقفة« توخينا الدقة أكثر فيما تحتمله وإذا

سيكولوجية على جمهور الفنون، إذ أضحى يبتعد شيئا فشيئا عن اكتشاف ذاته جوانب أخرى تمثلت إلىفي برازخ األفكار البصرية، متنقال بحضوره هذا

مفادها إن تجربة وحضور التاريخ في عبارات يدلي بها بعض المثقفين بل إن عبارات الثناء على مثل ،اإلبداعي إنما تؤكد على سعة االنتماء األدبي

تؤلف الحقيقة التأملية للحوار الناشئ فيما بين الفن هذه المقوالت غالبا ما

-١٤١-

التصور التي بات يغلفها حميمة في األجزاء األخيرة من - خاصة-ومتلقيه . لمجرد االستمتاع بحرارة الفنون ومضامير الحرف البصريةالشعور باإلثم،

هذا اليوم من يحقر الفنون التشكيلية وال إلى فما زال يعيش بيننا عن هوية روحية، كان لنا كعرب يعتبرها جزءا من أدوات التعبير

وكحضارات سابقة الدور األمثل في تحقيقها، وتمثيل الفلسفات اإلنسانية التي عن معادالت إبداعية إلظهارها معرفيا، وتثبيت وجودها في كانت تبحث

. في تفاصيلها التاريخ، أي في أفق الحياة ومركزها، ال حال لم يكن ليثبت عندنا وتتوقف إلى العالم المتغير من حال إن

. عجالته عن الدوران، في حين تكتشف الجماعات اإلنسانية األخرى حقائقها كلمات المبدعين عن صدمة المشاهدة تلك لألعمال وما نقصده باستعادة تذكر

كلما ازداد حصارنا ألنفسنا، - ال شك -الفنية في الغرب يزداد غموضا والواقع إن بطء . ولذواتنا، في إطار عدم فهم المتغيرات اإلنسانية فلسفيا

بل إن التراكم . االقتراب من حقائق اإلنسان ليس إلبطال الرغبة وحسبي مختلف المجاالت اإلبداعية يفتح األبواب على مصاريعها على اإلنساني ف

اللحظات التي تستقصي وجودنا الفاعل كمنتجين للفنون المعبرة عن القيم أي بتبدل .. اإلنسانية، وعن مغامرة الوجود المتبدل بتبدل العصور والحقب

الضوء الفاصل بين المواضيع التي تجيب عن األسئلة بحثا عن اليقين مشترك، أو الثيمة الجوهرية التي تترجم رغبتنا باالنطالق دون حدود في ال

. عوالم االكتشاف أن يعبر عنه؟ - على سبيل المثال - الذي كان حاول الواسطي ما فهمه الخاص لعوالم األشياء والموجودات باعتبارها إلى يمكن النظر أال

ترسم حقائقها أكثر من وجودها؟ الفهم إلىلحركة المتمثل في أعماله واقعا يجتاز الواقع يمنحنا فيض اأال

ألم يتجاوز هذا المبدع عصا يبي لألحداث والشخصيات واألفكار؟التجر ؟.. شفافية الزمنإلى للوصول الماديةالمنظور الخارقة القوة، ومتاريس

-١٤٢-

األكثر أهمية فيما يعلقه المبدع على المشهد المتنكر ذلك، فما هووبعد تشخيصية، تستمد وظيفتها من فهمه للرحلة في عالم اليقظة الذهني، بهيئة

والذي تقرؤه العين بذات السوية الحلمية، مما يجعل النفس تهيمن على زمانها . بتحقيق وجودها الكياني في مكانها العياني وحيزها الفلسفي

يمض القرن الماضي بثقله بعد، فكل شيء مازال يغلف عسر النظرة لموإذا كان القرن السابق له قد أعد لنا الحسابات . وارقه المكتشفة خإلى

هذه هدالجمالية، وغير مبادئها وأسسها على المستوى اإلنساني، فإننا لم نشاللحظات إال حين وقف الفنان العربي في مواجهة النتائج التي توصلت إليها

خ الجمالي أوروبا عبر قرون العطاء التشكيلي، وبما يمكن دعوته التاريبينما أهوال الثبات تقود اإلبداع لدينا .. للنظريات المعبرة عن الزمن الحديث

وال أكون مغامرا إن قلت . فاته شروط تجعل المبدع يحس بالندم على ماإلى فمشهد التشكيل العربي الذي كرس النقد اإلنساني غيابه عن ،على ما سيأتيه

مبدع في الغرب، وما استطاعت المذاهب ساحة الفعل كان مندهشا بما درسه الواالتجاهات والمدارس أن تحققه دون أن تدرك أنها تدشن الكتشافات أو سع

. في مجاالت الفنون اإلنسانية عموما إن النظرة المتفحصة لتتابع القراءات النقدية لما أنتجته المحافل والواقع

اق نتائج لتاريخ ضئيل من التشكيلية العربية ال يعدو في إطار هذا الفهم اشتقالممارسة التشكيلية، كان فيها هذا اإلبداع تابعا لتاريخ الفنون التشكيلية الغربية

أول مرة في يقفوكان المبدع في النهاية مصدوما بتبعيته هذه، حتى وهو مواجهة هذا التاريخ المنجز في المتاحف التي تعمر بها العواصم الغربية، ما

ائل في ان يطلق عليه جيل المتعلمين األوقاد الجيل الذي ك تأثير إلىأدى . الشعور الضمني بهزيمة تطال مواقع اكتشافه للحقائقإلىالغرب

من أن يلعب الدور المثور لتاريخ اإلنجاز الجمالي العربي قام وبدالبالوقوف خارج هذا التاريخ، ليحجب عن اإلبداع معاني الدهشة وعمق التعبير

أي موت .. ف اإلنساني، واإلحساس الضمني بموت الجميلعن الموق

-١٤٣-

فاختفت المشاريع إذ ضاع الحلم بأن يكون ه،الموضوع الذي يريد أن يعبر عن الوجود احتماالت إلىالعمل الفني حامال له ومعبرا عن تفاصيله، ولم تبرز

. التحرر من هذا الشعور للتعبير عن السمات الشخصية المكونة لإلبداع يكن القرن المنصرم إال ساحة إنسانية تضج باإلبداعات التشكيلية، لم

وقد شهد ظهور حركات مهمة في الغرب وأميركا والشرق األقصى وغيرها لكن التشكيل بقي في منطقتنا ثرثرة ال طائل منها، وكأن زماننا . من األماكن

م اإلجابات يختلف عن أزمنة اآلخرين، ولهذا لم يمثل التشكيل عندنا ظاهرة تقد لم تتمكن من تلمس لتاريخ،الجمالية عن إدراكاتنا لوجودنا ككائنات هائمة في ا

حقيقة وجودها على مختلف الصعد، وهو أمر يستحق التداول وعقد الندوات . حوله لتبين النتائج المترتبة على حقيقة األمر سلبا وإيجابا

يسمح مطلقا المؤكد بأن الواقع الراهن للفنون اإلنسانية المنباالستغراق في تأمل دواخلنا وذواتنا، إذ خرج بكليته من حيز الدهشة واإلثارة

كما أن تدويل األفكار واألحداث والمواضيع قاد . عوالم التشتت الساحقإلى التخلي عن الذاتي أو الشخصي بسوره إلىاإلنسان منذ بدايات القرن الماضي

القوى المعبرة عن االنهيار اإلبداعي في المحلي لتمثل فوضى ورعب القادم، و Localism وإن كنت من المناصرين المعتقدين بحقيقة المحلية المعولمة نون،الف

. Globalism ـبمقابل ال ي في طريق ال هدف لنا في نهايته؟ اليوم إذن ونحن نمضوصفنا هوما

السؤال مطروح على المبدعين العرب في مختلف مجاالت الفنون هذاتشكيلية، وبشكل خاص على الشباب باعتبارهم االمتداد الحقيقي للتجربة، ال

والذين يتيح لهم الزمن أطول فترة للتعامل مع المعلومات واألفكار والقناعات المعبرة عن الحقائق، وعن العالم الذي نحيا فيه، وعن المغامرة المشتركة

زه اآلخر باعتباره حقيقة وبعد أن وقفنا قرنا كامال مصدومين بما أنج. لإلنسان: قصوى للتعبير، أال يحق لنا أن نتقلب في العاصفة التي سنقول بعد اجتيازها

.كم يجب أن نتغير

-١٤٤-

المتغيرات تفسير لغة قد تبدو عصية على إلى قرن أو ما يقارب ذلك والفن يسعى نصف

. لغة الحياةالفهم أو التفسير، إال أنها لغة يمكن وصفها بصورتها العامة على أنها كانت اللغة جزء من التوجه الشكلي لإلبداع إال انه يبقيه في إطار وإذا

النظرية الثقافية التي تجعل تطوير اإلبداع جزءا أساسيا من العملية الفنية، من خالل االختبار وااللتزام بتغيير الموجودات واألشياء والتشكيالت االجتماعية

.الواقعية في إطار التنميط الفكري والثقافيوالنظريات المعرفية والنظم

إشكالية عالقة الفنون باالختبار والتطوير إنما تقع في إلى النظرة إنمجال التوترات اإلنسانية على المستوى المعرفي، حيث تبقى المعرفة تراوح في قوالب اإلقراض المعياري، وفي توليد االنحرافات عن النموذج المرحلي،

المثاليات النظرية بما فيها استقرار األخالقيات التي يفضلها والخروج على الفن في مراحل دون أخرى، وفي إيقاف مساحات التفاعل المتولدة من

اداألنشطة العامة للفنون، وصلتها باألحاسيس والبديهيات التذوقية كامتدمرحلي يتأتى عن االستجابات التي يقترحها اإلبداع على متلقيه، وكذلك على

. األحالم باعتبارها مشروعا تصوريا يسعى من خالله الفن لقراءة المستقبل أن المتغيرات العظيمة التي نلمسها في الفنون البصرية والحقيقة

النقدي التنظيري، والمستوى : اإلنسانية تعتبر مشكلة حديثة على المستويينوجهة والذي يقتضي ربط هذا الفن من ال. الذي يمارس من خالله الفن

التحليلية باالجتماع والتاريخ والسياسة واالقتصاد، وانقالبات الميديا ومختلف صياغات جديدة، تفرز بوضوح التحوالت التي إلىالصراعات التي تشير

االلتزام إلى الفن كأس تعبيري، يشير تجاهتجري في مختلف النظريات با نهوض مرحلة معقدة إلىبتغيير األشياء الجوهرية في الحياة، وكل ما يؤدي

ومتشابكة تقدم حقيقة االضطراب الجمالي من خالل توثيق العالقة بين المضامين المفاهيمية وقوة الترابط بين الفن والمجتمع الجديد، المفعم برغبة

.التحرر من النماذج المختلفة التي كرسها تاريخ الفن

-١٤٥-

بداع باتجاه أن التبسيط قاد اإلإلى ناحية أخرى، البد من اإلشارة مناالختزال، سواء قصدنا االختزال المعرفي، أو االختزال التأملي، والتوسع في

ادرةليشكل الفن ب. فضاء االختالف بعيدا عن الفهارس المتحفية والتاريخيةثقافية تجعل المنتج اإلبداعي جزءا من الزمن في حقيقته التجريبية الناهضة،

ارات فاضحة لإليدولوجيا التي تبنت الفنون، انهيإلىبينما بات التاريخ يشير وكذلك األكاديميات التي وظفت امتيازاتها لتعميق أزمة الفن بدال من اإلشارة

خصوصية هذا الفن، واألدوار التي كان يمكن أن يلعبها في توطيد إلى . المقوالت اإلنسانية الطبيعية

ي الفنون، سعى من الدفع باتجاه اكتشافات مذهبية ومدرسية فوبدالاإلبداع الختزال اإلنسان منذ أو اسط القرن الماضي في أوروبا، محاوال

وعبر خصوصية ال،إعادة تعريف الحياة اإلنسانية من خالل استقالليته أوتوجهه، رغم اتهامات التغريب التي طالت التجارب المختلفة، واإلشارات

عقيدا، وهذا ما لم يطل مداه، جديدة تزيد الفن تايدولوجيا أنها جزء من إلىإذ مثلت التجارب الجديدة لغة دينامية استكشافية انخرطت بقوة في الفعاليات

مما مكنها من السيادة في كثير من . الثقافية على المستوى اإلنسانيالحال في المحترفات الدولية بما فيها بعض المحترفات العربية، كما هو

مواقع إلىوعمان وقطر ومن ثم االمتداد )١(دةدولة اإلمارات العربية المتح

تلعب اإلمارات دورا تغييريا عظيما في بنية التفكير البصري والجمالي، ليس على ) ١(لمستوى الخليجي والعربي وحسب، بل على المستوى اإلنساني كمساهم في بناء ا

طبوغرافية فنية تمتلك من التقاليد اإلبداعية والتنظيمية ما يجعلها تكون مركز استقطاب الخبرات اإلنسانية المتنوعة، وبما يتيح صياغة خطاب جديد سيكون بخاصة للتغطية

ما يفسر معاني التطورات المرافقة التي تستثمر مخزونا النقدية، التوثيقية والتحليلية وبثقافيا ومعرفيا في مناخ من الحرية، وتنوع وجهات النظر لطاقات جديدة تفعل إنجازاتها

ينسحب على محترفات وليدة هي األخرى في سورية ولبنان لتواكب عصرها، وهذا مااالتصالية انطالقا من تفاعلية ومصر والمغرب وقطر والبحرين، تحاول أن تبني شبكتها

. الذات واآلخر، الداخل والخارج، وصلة كل ذلك بالمخزون الثقافي واإلبداعي اإلنسانييتأتى ذلك من اشتغاالت بينالي الشارقة والمؤسسات الفنية التخصصية في دبي وأبو

.ظبي واستقطاب أسواق الفن العالمية والمؤتمرات التخصصية١٠م -بؤس املعرفة

-١٤٦-

وسورية واألردن، وبغض النظر نتعرف بتقليديتها كمصر والمغرب ولبناعن الطريقة أو الظروف أو األسلوب الذي تنتشر فيه هذه االتجاهات كونه

.يحتاج لتحليالت خاصة وموثقةاقي المحامل يستطع االحتياج للمحامل التقليدية التراثية المشابهة لبلم

العربية أن يوقف المعاني العضوية التي انطلقت من خاللها تجارب الفنانين في اإلمارات بشكل محدود منذ الثمانينيات في القرن المنصرم، وبرغم القسوة اإليدولوجية التي توفرت في المتاحف بين المؤسسة الرسمية والصاالت

راكا متميزا اخترق الحقيقة الثقافية الخاصة مع الوجهة الثقافية التقليدية، فإن ح على الساحة، وبوقت مثالي جعل الدولة على تواجدةوالتشكيالت الفعلية الم

رأس البلدان العربية المهتمة بفنون ما بعد الحداثة بمختلف توجهاتها، وعبر استكشافات ذاتية تحاكي ما كان قائما في العالم إلىمرجعية تجريبية أدت

ما منح صفات الحيوية والنشاط . تينيات القرن الماضيالغربي في سوالصالبة لهذه الحركة التي وضحت وأشاعت مقاصدها النظرية، رابطة ذلك

إلىباالنقالبات االجتماعية المفاجئة لمجتمع اإلمارات، وانتماء األجيال فيه ه المعرفية العلمية،وللمدى التكيفي الذي أبدته األجيال الجديدة تجالبنيةا

التطويريات في عالم تقنية المعلومات والميديا المشكلة للمنظر المعرفي العام في المنطقة بما فيها سعة التعليم األكاديمي والتقني، وبمدى قصير توافق

.واالنقالبات النظرية السياسية في العالم إتاحة الفرصة للمبدعين لتحليل القباحة المباشرة للحروب إن

ة، والحديث عن العنف واإلرهاب والتحرر وحقوق والكوارث اإلنسانياإلنسان، بما فيها الخصوصية والهوية وتبني وجهات النظر المدعمة

صورة إيضاح في - ال شك -عي لإلبداع ساعد للحضور الذاتي والمواق المغزى إلى بالمقارنة مع الفنون القائمة في المنطقة، وبما يشير لجديدالفن ا

فع الناس باتجاه الخوف والطمأنينة بآن معا كانت مهمته يد العظيم للفن وهو .تجميل صورة العالم وحسب

-١٤٧-

ثم فان تقبل حقيقة التبدالت الجارية يشكل جزءا من بناء نظم ومنإنتاجية للفن قد تتعارض لفترة مع األنظمة الثقافية السائدة، إال أن هذا الصراع

مقترحا بديال يمتلك من الحقائق ما تثبيت الجديد باعتبارهإلىاإليجابي سيؤدي يتجاوز الدعوات الحارة الختزال التاريخ، واالنفتاح على مستقبل يمتلك

كما في مجاالت فنون،الجدوى التقنية الستثمار األفكار اإلنسانية في إطار الوليس أدل على ذلك . العلوم المختلفة، بما فيها العلوم االجتماعية واإلنسانية

حقل اإلذاعة إلىلذي جرى بعد انتقال المجتمعات اإلنسانية أكثر من ا دخول عوالم المرئيات التلفزيونية إلىالمسموعة بعد الصحافة، ومن ثم

حقائق بدت مستحيلة في زمن إلى ما هنالك من إشارات إلىفالحواسيب، حقيقة في زمن آخر، وانتهت في المحصلة لتصب في مقاصد إلىوتحولت

. الوهم الرقمي تمركز الوعي التقني في مجتمعات دون غيرها، وتطوير أدواتها إن

بل . على أيدي بعض هذه المجتمعات قد مكنها من السيطرة على الزمن الممكنة للقوميات واألقليات والخصوصيات والحكومات، دوتجاوز الحدو

وباتت عمليات التلقي أوسع مما كان متاحا في الصاالت والمتاحف ودور إذ استطاعت الوسائل الحديثة التغلغل في مختلف التنظيمات . العرض أن موقف الفن لم ينتج عن طريق إلىوهنا ال بد من اإلشارة .. والخطط

السيطرة التقنية وحسب، بل من الظرف العام الذي رافق حالة التشاؤم النظري ، وااليدولوجياالتي أطلقها النقد، وبخاصة في مجال موت الفن والتاريخ

واالبتعاد عن الجذور والتعصبات الفئوية، ونوعية اإلبداع والجهات الضامنة له، والمؤسسات الجديدة المنظمة لفعالياته والقنوات التي سيعبرها لتكوين

..يذهب إليه تفكيك المشهد الرأي العام حوله وحول ما إذن بدا األمر في مختلف المواقع الثقافية في إطار معادالت هكذا

ن التي عليها أن تفض االشتباك عمن سيسود في ظل وحشية التوازالتكنولوجيا المعدة، ومن الذي ستكون مهمته المراقبة وتقصي التراجعات التي تتم في مجاالت موازية لإلبداع، وصلة كل ذلك بالنظام األكاديمي المغذي

-١٤٨-

خراط للمعارف الفنية، وكذلك بالرعاية التقليدية للدولة لمجاالت الفنون، وانوهذا واضح في . السوق في سياسات الفن واستثماره على مختلف الصعد

اختالف مجالس الرعاية المباشرة للفنون عما يحدث اليوم في البيناليات حقوق الملكية واإلبداع، إلىاقتصادها الثقافي باإلشارة الدولية التي ينمو

وكأنها تلعب دور الفن هذه األيام واالنخراط في التغطيات اإلعالنية التي تبدو .نفسه مع االحتفاظ بحق امتالك السوق االقتصادية

إحدى الدورات األخيرة لبينالي فينيسيا استطاع الفنان اإليطالي فيأن يقدم عمال شموليا على المستوى التقني االلكتروني في ) فابريتسيو بليسي(

ة بشاشات حيث غطى النوافذ الغربية الضخمة للساح) سان ماركو(ساحة تتناوب فيها صور الماء والنار، وبغض النظر عن مضمون أو مفهوم العمل المكلف جدا، فان معرفة طريقة تمويل هذا العمل الضخم عن طريق الشركات

ما نقصده باإلعالن عن االحتدام التجاري بتبني الفن المنتجة لهذه التقنيات هوفال باإلنجازات المتميزة، يمكن كعمل ثقافي راق ورفيع يمتلك مبدعه سجال حا

استثماره على المستوى المهني لتحقيق أقصى أهداف الفن، وبناء عالقات الشارع باعتباره إلىخارج األماكن التقليدية التي اعتاد الفن عليها بنقل الحدث

. مسرحا يمكن التعامل معه بشكل مباشر على المستوى النفسيونية الجديدة التي على الفن أن ربما يحقق الدهشة االلكترحدث

ظاهرها أنها ليست في ويحملها باعتبارها نموذجا ونظرية تواصلية تبد وسيط، بينما هي في عمقها مبنية على شبكة من االرتباطات إلىبحاجة

المعلوماتية واالحترافية التي ينجزها فريق عمل متخصص يسعى لتحقيق تي وثقافة التقنية االجتماعية التي تعزل رؤية الفنان المنقسمة بين موقفه الذا

)فابريتسيو(شريحة واسعة من متلقي الفن في العالم، وقد تحدثت طويال مع آنذاك عن عمق التخطيطات األولية للمشروع، والمراحل المعقدة للتنفيذ،

التي تم نشرها عنه، وكذلك النقالت المتوقعة لعروضه وعاتوعن المطب .بعد ذلك

-١٤٩-

إلصالح الفن تأتي في إطار إصالحات شاملة في واقعنا الذي الدعوة إننعيشه، بدءا بالتعليم ومؤسساته وشبكات اإلنتاج الثقافي والفني، والنسيج العام

ولعل األهم في هذا . المتأتي من اختالف القياسات الثقافية بانتماءاتها المتنوعةال المبدعين وتوسيع أن تطوير اإلبداع يكون بازدهار حإلىالسياق اإلشارة

آفاقهم وفتح حدودهم وتنوع اهتماماتهم التخصصية المعاصرة، ومن ثم تفعيل ىالمسؤوليات المتعلقة بالبنى األساسية، وتجهيزها لصياغة الرؤى المتضمنة عل

األفكار المعاصرة للفنانين، مما يحتمل التنوع وتلمس اإلحساس بالمستقبل عبر فنية الحاضرة في الفعل الثقافي، والمستمرة في الشروط الجديدة للحركات ال

دينامية تجريبية اتصالية تبني إلىمقاومتها لسيطرة الفنون المستقرة، سعيا .نموذجها ومغامرتها خارج حدود العزلة والتبعية الفكرية

شك أن الفن لعب دورا تنويريا على مدى ربع قرن ويزيد، ومهما الن خاللها خطابه الجمالي، فان الضرورة كانت كانت المواصفات التي قدم م

تقتضي دائما تخطي الحالة النمطية التي يعيشها اإلبداع، وبخاصة في الصلة حدود كانت تستنطق بنيته إلىبل . وغزليي غير موقع عزلإلىالتي تنسبه

التقليدية، بحيث يتمكن المتابع من التأكد من حالة المراوحة التي عاشتها . جارب المحلية الناشئة بين الفهم التراثي والتجريدمختلف الت

الماضي ال يتيح بروز قوة من إلى الحالتين، فان انتسابا دالليا وبكالداخل المقوالت التصويرية التي تبناها معظم الفنانين، وكان أن نشأت حركة مختلفة ذات تأثيرات معرفية بالحدود الجديدة للفنون المتمردة على واقعها،

والمشاريع التي كانت تلقى رواجا في المجتمعات الغربية كرد فعل على مفاهيمالخطاب المعرفي الثقافي واالجتماعي، وتبني مجموعتين من ال

المجازية والفلسفية بمقابل البنية التقليدية بكبواتها وتراجعاتها، التي وصلت في ى سبيل المثال في تماما كالذي جرى عل. كارثية االنتقاءإلىبعض حدودها

٢٠٠٥ و٢٠٠٤المعرض العام لفناني دولة اإلمارات العربية المتحدة سنتيواللذان مثال في الحقيقة انقالبا نوعيا في إطار المقارنة بالصورة العامة لحال

-١٥٠-

إلىالفنون البصرية والتشكيلية في المنطقة العربية، وقد كنت قيما لهما إضافة دورا تنويريا في ٢٠٠٣ولي للفنون في دورته السادسة لعب بينالي الشارقة الد

الطاقة الحية ىهذا االتجاه قلب من خالله بنية الحقيقة الجمالية بالتركيز علللمفهوم بدال من البقاء في محيط السرديات البصرية، بل والمضي أكثر في

د سواء اتجاه التخطيط البنيوي للفنون في المجتمع، واالعتماد على قوة التعدفي التنظيم أو الظاهرة أو المحتوى، مما بات يتجاوز التفسير المفاهيمي لظاهرة البينالي، أو حتى المعرض العام، لالنخراط في دورة االكتشاف التي

حقيقته األساسية إلدراك الحياة، وابتعاده عن حالة التعالي إلىتعود بالفن .ع مجال النقاش حول اإلبداعالمعرفي لتقديم البديهيات الجديدة التي توس

األمور أكثر ما يجري اليوم في الفن قابل ببساطة للتفسير، إذ تبدوإنوإذا كانت . وضوحا من أية فترة سابقة حتى وهو في حالته االختبارية الواضحة

موضوعات كاالنتماء والتبادل باتت تجمع مبدعين متفاوتي المواقف والتقنيات تكوينيا ينشأ من خالل الجدية التي تفرضها ضرورة والنظرات، فإن تسييجا

التكون والتغير والهوية والتوازن في إطار الفنون اإلنسانية التي تكرس تقاليدها التفكيكية للدوال التعبيرية، التي يعتمدها جيل من الشباب مسكون باألثر الذي

ي يقدم نفسه من نموذج بصرإلىيتركه المفهوم كقيمة تدوينية لإلبداع، والسعي ناشئة رةخالل التحليل البالغي لمالحظاتهم الحياتية البسيطة المنفتحة على ذاك

تجازف حينا، وتبدو مستقرة ومكتملة حينا آخر، وبما يعكس خفقان الجهاز االبتكاري لدى هؤالء الفنانين، لتغدو أعمالهم مثيرات مفاهيمية وتقليلية وبيئية

. عبر الشروحات المنقوشة على حواشيهايتعذر إدراك مرامها إال السرد التجريبي يشكل سجال حقيقيا بين هؤالء المبدعين الذين تمثل هذا

أعمالهم استبصارا صادقا للحالة الصراعية التجريبية التي يعيشها الفن، وحالة عدم االستقرار التراجيدية التي تفرض واقعها على متلقي هذه الفنون،

بالمتغيرات االختبارية العامة المحيطة به، وبشعوره المأساوي المصدوم أساسا يلفظ أنفاسه أمام المعاني الجديدة التي تستلزم تكيفا من نوع مختلف نهبأ

-١٥١-

الستقبال اإلشارات التي تجعله على اتصال مع قضاياه األساسية التي يختلط . فيها السياسي باالجتماعي والثقافي

لتي تملي الحقيقة، مؤلمة أو مفرحة، إذ تشكل اللحظات األخيرة اإنهاهذه اللحظات األمل الذي يزيد االلتقاء قربا بمقدار ما يقرب االختالف من دائرة القبول والحوار حول المبادئ الجديدة الحترام وجهات النظر حول مشهد االنقالب التاريخي لإلبداع اإلنساني بعيدا عن جذوره، وفي فضاء من الوهم

التزييف، معانيمي الذي يمنح الصمت حيوية التدمير، والخمود لالرق .والمراوغة قيمة اإلعجاب بالتطرف

يعد باإلمكان الدعوة الكتشاف الماضي لضآلته تجاه المستقبل، وألن لمالصلة التي تربط األجيال الفنية بالعصر الفعال تعني ارتباطهم بالحداثيات

ي تشكل بناء الحياة الجديدة على مختلف المؤثرة في سياقها الزمني، والتولعل الترابط . المستويات، الثقافية والمعمارية واالجتماعية والتنظيمية

المحسوس بين التطويرات التقنية والمعلوماتية ونشوء المؤسسات التقنية الكبيرة والتحول الجوهري في الثقافة التعبيرية المحلية يعكس الحالة اليقظوية

لحداثيات في انتماء التجارب الفنية لتعددية ثقافية يؤطرها المجتمع ونفوذ هذه اوجدية وحرية وحيوية التجريب فيما يتراوح بين الدعابة والسخرية وبين

.الصراحة البصرية المتماسكة في أطروحاتها المفاهيمية شك أن قلقا وجوديا بمعانيه المعرفية الشاملة يقف خلف التبدالت ال

عالمية والمعمارية والثقافية بعمومها، وبما يجعل الواقع أكثر انتماء الفنية واإلوتلوينا باالتجاهات ما بعد الحداثوية، هذا الواقع الذي ال ينأى عن أي موقع في العالم، إذ تمثل وسائط االتصال الجديدة انخراط المركز في الهامش،

تحده حدود الانيايضا إنسواالنفتاح الشامل على المعرفة اإلنسانية باعتبارها فأو تعيقه نظرية أو يسده غموض، ولعل قيمة هذا النوع االتصالي تتأتى في اعتبار الهويات أساسا للتنوع، وبحيث لم يعد للجغرافيا والمساحة شأنا كبيرا

. في استقطاب الحركات الفنية المهمة

-١٥٢-

احلقيقة والتحدي– التغيري

األحالم ؟إلى تهرب الفنون هل آلية البحث واالنقالبات التي تعتبر جزءا ال يتجزأ من قيم اإلبداع يسعى في

الفنان لتدمير الكمال الذي حققه في فترة من الفترات خالل مسيرته باللجوء . ود إبداعه باتجاه المستقبل أواللتحقيق عالمات تستنفز احتياجه للطاقة التي تق

وهو يتجلى في أبهى ات الثقافة المعنية بالحلم اإلنساني في آلي) تدميرإرادة ال(إنها عن مجافاته عالن، وفي أو ضح الرؤى التي تقود الفنان لإلصوره الجمالية

الماضي باعتباره إلى، وتبدل نظرته لداخلي في رؤية األشياء والمعالملمنطقه اثل الطريق يتم وعاء التجربة الفردية التي ينطلق منها إلعالء صيحة الحاضر وهو

. المستقبلإلى الشعوب تكتب تاريخها الثقافي واإلبداعي بحس نقدي يتجلى فيه كل

مناخ التنبؤ بالمستجدات الطارئة بفعل التبدل الفكري والمعرفي والفلسفي، ولعل الفنون التشكيلية كانت معبرا يستحق اإلشادة للدور الذي لعبته على

الجمالية التي جعلت الزمن يكون عدالمستوى الحضاري وفي مختلف الص، أثريا ومعماريا واجتماعيا وسياسيا كثر وضوحا في القراءات المتعددةأ

، ودون أن يكون آخرإلىوعسكريا وغير ذلك مما يوصل األفكار من جيل اإلحساس بالفقد والضياع هو الهاجس الوحيد لمن يعيشون حالة ما بعد

. غييرالتبدل والتة التصريح بأن األمم تفقد عصبياتها وحنينها في لحظات المبالغمن

أخرى، والتسليم بما يبدو مستوردا في البدايات إلىاالنتقال والعبور من حالة جزء ال يتجزأ من فعاليات الحياة المتأرجحة ما بين الوالدة إلىثم يتحول

-١٥٣-

الباته ارتباكه وفوضاه وانقظمانوالموت كفعلين يحكمان الوجود البشري وين . اآلخر دائماإلى، إذ يمثالن الجذر واالتجاه ، وال عجب أن يفضي أحدهما

، إال أن ولوج صحيحا في عموميته هذا األمر بإطالقيته ليبدويردالتفاصيل التي تطال إعادة إنتاج الثقافة والفنون غالبا ما تدل على احتباسات

د المفاهيم في تحدي- خاصة - شروحات وإجابات تكون مقنعة إلىتحتاج وكذلك ما يفسر المآزق التي تمر بها هذه الشعوب مما ،والمصطلحات المتداولة

والتقليد واالنتقاء واالنتماء والخصوصية وغير ذلك مما يحاول لتبعيةيختص با، وكي تبدو الذات الزمن إشراقه أو عتمتهالتوصيف استبداله كي يستحق

. بحثا عن الثقة والقوة والحيويةالحاضرمفهومة في صراعها بين الماضي و يقرأ تاريخ الفنون اإلنسانية يدرك أن كل المنجزات الجمالية إنما من

، ستقبل اإلنسان ومشاريعه الخياليةهي مقدمة حقيقية على صلة بتخطيط ميستعيد عبرها صلته بالتاريخ والممارسات والخبرات التي سعى بها نحو

األحالم إلى، يذهب بالفنون لسعي نشاطا للوعياعتبارها هذا االحقيقة ب . من خاللها الحياةأمل عزلته التي يتإلىوباإلنسان

:، المركز والهامشالكوكبية، ومخازن ضواحي المدن الكبرى، وهوامش الكتب والرواياتفي

، وإذا كانت الصياغات الكثير مما يحمل صفات غير صفاتهالمتاحف وغيرها جدل منذ ثمانينات والموجود في عالم اإلبداع التشكيلي مثارالنهائية للمتحقق، فإن التلميح بالفنون الكوكبية كان من أكثر الصياغات التي القرن المنصرم

روج لها النقد في الغرب باعتبار أن فنون العالم باتت تحمل سلوك مبدعيها إلىي زادت أسطورة التقنية اإللكترونية التإلىوثقافتهم ووعيهم وانتمائهم

عمق غربة اإلنسان أعماقا وجودية فاقت ما كان قد تعرض لها منتصف ، وإذا لعبثية والعدمية والرفض والعصيان محطات اإلىالقرن الماضي، وقادته

كان كل شيء مباحا في تلك الفترة فإن األشياء أضحت أكثر إباحية بانتفاء اإلنسان يسعى في تلك الفترة وإذا كان. ي نقيضه الكوكبإلىالمركز واالنتقال

-١٥٤-

، فإنه في المرحلة الجديدة بات بعيدا كل لالنسجام واالتفاق مع نفسه وذاتهالبعد عن مفاتيح التحكم بهذه الذات باعتبارها تمتلك خصائص اآلخرين

.ية ال حدود للتوقعات الممكنة لهاوثقافاتهم وتذوب في كوكبية عقلمناسبة إلعالن االنقالبات ك تكون األحداث السياسية الكبرى ال شإن

غيرها إنما تمثل هذه التحوالت مما والدة، ولعل القرون في انتهائها والفنيةبات معروفا بترسيخ كيفية مغايرة لقراءة وإنتاج الفنون ونشرها وبالتالي إعادة

، وهذا ما تحاول يراتتشكيل الوعي والثقافة البصرية بناء على هذه المتغ، لوقوف على اآلثار المبكرة لتحققهت والندوات والهيئات أن ترصده لالمؤتمرا

وكل ما استطاع الخيال الوصول إليه وترسيخه عبر التقنية المتاحة التي التاريخ إلى درجة نفي انتماءها إلىجعلت الفنون تتطور بسرعة هائلة

التي أولويات ترتبط باالتجاهات االفتراضية والفضاءات الحيةإلىوالوصول األبعاد الثالثة ال صلة لها بالواقع الحسي والمادي برغم تفاعلها المباشر مع

.للوجود المكاني كانت الثقافة الجمالية تتيح لنا في الماضي التمتع بإنجازات المراكز لقد

ية أو المتعددة والتراثات المختلفة للشعوب سواء كانت هذه المراكز جغراف، ولعل ي متاحف اإلبداع الحضاري المتنوع فه،قومية أو دينية أو علمية

التحلل من كثير إلىاالندماج في كوكبية التكنولوجيا المتطورة سيقود االلتزامات التي تقضي هدم الضرورات السابقة وإنشاء ضرورات جديدة بحجم التحديات التي تفرضها السوق الجديدة لإلبداع والطريقة التي سيكتب

. اإلنسانية جمعاءإلىه الفن من خاللها رسالت

:التغيير مضغوطة تضم موجودات متحف جيبي علبة ، في العلبة أقراصفي

في بينالي .. ليست دعابة ، فهذا أمر يعيشه الناس في كل مكان.. اللوفرالشارقة كنا نطلب أن ترسل كافة المعلومات والصور والفيديو وغير ذلك

ا من كافة أنحاء العالم وتصلنخاص، CD عليه على التعرفمما نطلب

-١٥٥-

ا األقراص وهي تحمل معلومات من مختلف المستويات، صوريا وأدبيشؤون الطباعة فالجودة هذه األقراص إال لإلىونقديا، ولم نعد بحاجة

ل، أما إذا تجاوز األمر قضايا الجودة فإن االنترنيت كفيل بحممرتبطة بهاالمادة ويجعل تحققها افتراضيا، كل ذلك عبر البريد اإللكتروني الذي يغيب

حيث كل جهاز عرض محطة بريد أسرع من البرق، وتظهر على العاملين بين الحين واآلخر عالمات الدهشة مما يتحقق ويتجسم يوما بعد يوم بالصلة أكثر بالقدرات التقنية التي ال تحمل البريد وحسب، بل تشارك في إنجاز

ة لكل من يريد أن يراها في حين يمكن العمل الفني وتعرض األعمال مجسمأن نعد لموقع افتراضي على االنترنيت يحتويها مجتمعة، كان ذلك مطلع التسعينيات وهذا ما تفعله الشركات الكبرى اليوم وهي تشارك في تغيير

ضي المتحف االفتراويشكل، مؤسسات الفن وأسواقه وأدوات عرضهصورة ة افتراضية تستكشف وسائل جديدة حالة إلكتروني»سميثونيان«ل األو

) Cultnet(لالتصال وشبكات من المواقع التي تعرض وتبيع األعمال الفنية الشبكة مواقع اآلالف منإلى " الدراسات، وتشير على كوكب األرض

نون أو تعرض مجموعات وخدمات الجديدة التي تديرها جماعات مهتمة بالفا معقدة من هذه المواقع ومثيالتها ، وفي السنوات المقبلة سنشهد نسخفنية

لعمالئها Cultnet)(التي تعمل تحت مظلة إلكترونية وسوف تقدم شبكة ، وتتيح لهم خدمات الحصول على ات لالقتناء حسب أذواقهم الفرديةمختار

إلى »انتقاالت افتراضية«تذاكر من الجماعات الفنية المتمتعة بعضويتها و.. خدمات على مستوى العالم ككلتلك المواقع تلك الجماعات وستتاح

من الحصول على عينات سيتمكن العمالء«): تيري راي هيلر (ويضيف ، وعروض األداء الفني أو مجموعات الفنون التشكيلية من من المعارض

جميع أنحاء العالم في دقائق ن المتاحف وجماعات فنون األداء مفآالفية من تفصيل خبرات افتراضية معدودة وسيتمكن زوار هذه الشبكة الثقا

معقدة حسب طلبهم لتوافق ما يناسبهم من اهتمامات أو رغبات من دون أن .»يغادروا منازلهم أو مكاتبهم

-١٥٦-

:، ومساعي التجديداألسئلة الينبوع األصلي شكال من أشكال ردود الفعل إلى دعوات العودة شكلت

وإذا كان التصريح واردا في ، ل العلم لمراتب الفنون وتنوعاتهاعلى احتالالهما فيما بعد ، وانفص بالفنون في مراحل تاريخيةناإلجابات عن امتزاج الدي

، فإن ما نشاهده اليوم من امتزاج الفنون بالعلوم يدعو الختالف طبيعتهما . نتائجها مدعاة للدهشة واالستغرابللتساؤل عن مستقبل هذه الصلة التي تبقى

جانب هذه إلى مكان هامشي يحمل إلىقسم المكان جانب ذلك قد ينإلى طاقات الشعوب النفسية التي إلىالصيغة أهمية المركز بحسب النظرة المقدرة

تتجاوز اليوم تحققها السياسي والجغرافي في إطار المشهد المحزن للتحوالت الفضاء االفتراضي المنطوي إلىالعولمية من فضاء المعبد والمتحف والحديقة

. العولمة بداعات أشكال الترفيه الثقافي، أهم إعلى بنت أوروبا حداثتها المعاصرة على الحروب الطاحنة التي هدمتها، لقد، وهذا ما حدث في اليابان، وأمريكا مدنها وعاداتها وثقافتها، أعماروأعادت

لقد كان زلزال «.. وما يحدث في أفغانستان وأفريقيا وغيرها من بقع العالم في اليابان مصدر إلهام عدد من نجوم العمارة، نخص بالذكر ١٩٣٢ العام

إلى هل نحتاج حقا » على يد لوكوربوزييهتتلمذمنهم كونيوما يكاوا الذي الشعوب األخرى وعي المهام العاجلة التي يقتضيها إنتاج الفنون لدى

ر أم أننا ننتظ.. )سؤال مطروح على اإلبداع العربي(.. المشاهدتها وحسب؟انقالبات في الحياة بنتيجة الحروب التي تهدد اإلنسان في عالمنا العربي حيث سيكون متاحا التأسيس لبيئة إبداعية تنطوي على عديد اإلجابات لألسئلة التي

تناتبقى حائرة في نفوسنا اليوم وهي تسعى للتعبير عن حالنا وواقعنا ورؤيالمسؤول مع اآلخرين لننقل إليهم وتقيم في الوقت ذاته موقعا للحوار الجاد و

.الطريقة التي نفكر بها

-١٥٧-

مادة اتصالالفن

النسق واحدة من العوائق التي تقف في وجه المتغيرات كاالت تكون إشقدفي الفكر اإلنساني، إذ يمثل النسق، أي نسق، اشتغاال في الزمن على الوحدة

ن الفن كأحد السجالت التعبيرية والكلية التي تحققت بوجود هذا النسق، ولهذا فإاإلنسانية إنما يعاني من الخضوع للجدلية المتبادلة فيما بين كينونة ما يتحقق وكينونة الذات، جدلية تسعى باستمرار الختراق عملية التجاذب والتنافر، الواقعة جراء اإلقرار بمتاهة العقل والوعي التي ينخرط فيها االشتغال اإلنساني باعتباره

.ولد األسئلة التي يمكن تجاوزها والتغاضي عنها في تحوالتها ومساراتهام

الفكرية التفاعلية النسق إلى ضرورة فهم االفتراضات التي أوصلت إلى أحيانا يشار

نسق إلى حالتين متخالفتين، إما الوصول إلىوقيمه ومبادئه، وذلك للوصول تين فإن الوصف ال يكفي لبناء نفي النسق، وبكال الحالإلى أو الوصول ،أعظم

سواء تلك التي تحقق الهوية عبر النسق األعظم، أو تلك التي . اللغة المتكاملة مركزية التفاعل عبر المسح إلىأي الوصول . هوية االختالفإلىتسعى

.العارف بلغة اإلبداع اللغة التأطيرية لفهم التحول في النسق يتحقق الزمن باعتباره تاريخا في

المعرفة التصورية لحقيقة االفتراض، التي ال تتم خارج إلىدف للوصول يهالمفاهيم والنظريات، إذ سيكون على النسق أن يكون مطابقا لذاته، مفصحا عن منهجه ورؤاه ومشروعه باعتباره طرفا، وكذلك على الماورائيات

ب اإلنساني كبنية متفرعة التحول في اإلستشفافيات الشاملة للخطامرئياتوالال .اإلبداعي، الذي يقتضي في شموليته المطابقة بين الذات والعالم

-١٥٨-

في األفكار هي تفاعلية في الخصائص المكونة لهذه األفكار، التفاعليةوتفاعلية في العناصر التي تبني عليها ظاهرة النسق الفكري، أي النواة التي

تستبصر الحقيقة التواصلية تدور في أفالكها المغامرة اإلبداعية الدينامية، وهيفيما بينها وبين اقتدارها على التحقق من جهة، وفيما بينها وبين عمائها عن

ولعل سبل االتصال بين . االنخراط في بنية تقصي النسق من جهة أخرى سوءا كلما تنوعت سبل تناول المفاهيم تزدادمفردات العمارة البشرية

ار عن أن يكون صيغة تنطلق من قواعد المشتركة فيما بينها، وابتعد الحو اإلنسان واألطراف أو الجماعات أو االتجاهات، جراء ما يولده التفاوض بين

وهو ما . عدم التفاعل من سلبيات تتراكم يوما بعد يوم لتحقيق القطيعة النمطيةقد يعتبره البعض إيجابيا على مستوى األفكار وسلبيا على مستوى الهوية

إذ تختلف الرؤية وزواياها في التقاط الحقيقة المتمثلة في نكوصها واالجتماع، البدائية أو السديمية، خاصة إذا أخذنا بما قدمه علم النفس المعرفي للمفهوم إلى

والعالقات فيما بينها، وهو مفهوم التفاعلية ةسلوك الجماعة البشري(الجديد حول ربط أصل السلوك البشري كبديل لالتجاه الذي) interactionism (ـأو ال

من تاريخ اإلنسان، حيث تؤكد نظريات االجتماع الجديدة أن ئيةبالمرحلة البداالبيئة المحيطة باإلنسان والخصائص السيكولوجية لألفراد قد تغيرت تغيرا

).كبيرا بفعل عوامل التقدم البشريسعي حقيقة السعي للتمايز في أنساق إنما تعني في عمق مؤداها الإن

لبناء الهوية، وإلدراك طبيعة التجانسات واالختالفات مع األنساق األخرى، أنماط من االتصال العضوي إلىالتي تشكل مركزا للتفاعل معها والوصول

لقد . ينشأ عنها نتائج تبرر االنتقادات التي عاشتها كي تحقق البنية الجديدةعي القائم، ليؤدي فن ما بعد تحدت الدادئية القيم الجمالية والنظام االجتما(

نظام، وكان أحد أعراض ما أطلقت عليه إلى تحويل هذا التحدي إلىالحرب المفهوم إلى) الطليعي(في الحداثة هو االنتقال من المفهوم ) التجميد(، ويختلف فنان السرية أو ما تحت األرض عن أسالفه الطليعيين في )السري(

األبد، وأنه ال يمكنه فعل شيء حيال ذلك، ىإلأنه يعتقد بأنه سيظل متغربا

-١٥٩-

والحل الوحيد الذي يستطيعه هو حل يوتوبي مثالي غير قابل للتنفيذ، أال وهو . )١(إنشاء مجتمع بديل كلية

هذه النظرة اإللغائية في فنون الحداثة وما بعدها، إال انه ال يمكن سادتاالعتراف بأن جانبا كبيرا النظر إليها عبر هذه اإللغائية وحسب، بل ال بد من

كانت الحضارة .. (من التفاعلية إنما كان يحصل في معطف هذا التناحرالتقليدية في فترة ما بين الحربين العالميتين في حالة اضمحالل وانزواء في بلدان مثل الهند واليابان، ولذلك كان من الطبيعي أن يحاول الفنانون من هذه

نجح دوق. ء على أساس النموذج األوروبي واألمريكيالبلدان أن يعيدوا البنا في أماكن أخرى، نجحهذا األسلوب في بعض األماكن بدرجات متفاوته، ولم ي

فقد حبا اهللا اليابان حضارة تكنولوجية ومدنية تشبه تماما تلك الموجودة في الواليات المتحدة وأوروبا، فأثمرت عقب الحرب عددا من الفنانين الذين

. )٢()سوا نظرائهم في الغربناف أو أكثر في مجاالت حترفين اعتباطا أن يتحقق التفاعل بين مليس

اإلبداع البصري، إذ يقوم التبادل والتفاعل في أفكار االتجاه الواحد، وكذلك فيما بين االتجاهات لتحقيق أنساق جديدة تعتمد في بنيتها العامة على تجديد

عالية وقوة تأثير تستمد سلطتها من القدرة على كفاءةإلىاألفكار، والوصول االتصال، كالذي جرى فيما بين السوريالية والفن الشعبي، بل أكثر من ذلك

متغيرات النحت في أوروبا وأمريكا واألنماط التفاعلية فيما بين إلىحين نشير . توجهات المبدعين في أوروبا وأمثالهم في أمريكا

قرنلتفاعلية بين المحافل والمحترفات الفنية في ال كان للمعاني ابالتأكيد،الماضي ما يؤكد االستفادة التي حققتها تلك المحترفات من االنقالبات االجتماعية والسياسية للذهاب بالفن بعيدا خارج األفكار التي بمجرد تحققها

إلى تجاوزها، إذ ال يمكن االستمرار بالقول بأمر محدد إلىيسعى المبدع

)١٩٤٥الحركات الفنية منذ . وسي سميث أدوار ل-٢٥ص ( )١( ). المرجع السابق٣٠ص( )٢(

-١٦٠-

في الدادائية دون ) الولع بالشيء الموجود(نهاية الزمن، وكما تم تجاوز ماالالولع بالتشريح العضوي نتيجة حقيقة الموقف المعرفي من المواد، فإن استكشاف األفكار المدللة على الحرية إنما تتأتى بفعل التداخالت، أو ما أطلق

لتحقيقها، بل إن أفكارا عليه التفاعلية بين األفكار التي تستلزم طرفين أو أكثر في مطب التسميات واالصطالحات النقدية المباشرة، أو عبر قعتكثيرة و

إطالق المفاهيم العامة على اإلجراءات التنفيذية البصرية، إذ حقق مفهوم في الكتابات النقدية العربية استخداما شموليا في إدانة التفاعلية بين ) التبعية(

.رب وباالتجاهينفنون الشرق وفنون الغ وقد أمكن تحديد االقتراب من هذا االستخدام الذي يبرز إدانة طرف مقابل طرف آخر في حين يمكن التقاط معاني التفاعلية بين المحترفات األوروبية واألمريكية، في صراع جاد لتكريس خصوصيات كل طرف، يقول

البوب قبل االنتقال لمناقشة أصحاب مدرسة فن: إدوارد لوسي سميث الذين يختلفون تماما في أشياء عن نظرائهم البريطانيين، ينبغي أن ييناألمريك

أقول شيئا عن مجموعة الفنانين األستراليين الذين يرتبطون بشكل أكبر ببناء ).فن البوب أكثر مما يعترف به البعض

االعتراف بأن فن البوب كان نتاج الثقافة الحضرية في بريطانيا رغمكا بعد الحرب، ورغم الصفات التي تطبع كل محترف منهما، فإننا ال وأمري

. نجد صفات تطلق في إطار التبعية ليبقى لكل محترف خصوصية ومشاهيرهفبين االنتماء للماضي، واالنتماء للمستقبل، كانت تتشكل قراءات النقاد

األفعال دودوالفنانين باالعتماد على التفاعلية الطبيعية القائمة، سواء في رتجاه الزمن واالستهالك والتطور، أو كفعل حاسم الستئناف العملية اإلبداعية في إطار التكامل الحضاري والتنافس في ميادين االبتكار، واستثمار التجربة البشرية على مستوى العقل المطور الذي يكشف األسرار وبخاصة عبر الفن

.وتجارب الفنانين الخبراء التجارب الفنية عقب إلىراضات المتمثلة بالرجوع ال تفي االستعقد

الحرب، سواء في أوروبا أو أمريكا أو باقي مناطق العالم، لتحقيق نتائج بحثية

-١٦١-

بعد بروز اإلعالن واإلعالم كمجالين تشكل - خاصة -في مجاالت التفاعلية وصلة األثر االفتراضي، إلى الفني رالصورة بؤرة اشتغالهما، واالنقالب من األث

حيث تختلف . لتكوين وجهات النظر وبناء التصورات.. الجماهير بهذه التحوالت. األدوات واألسباب على مختلف المستويات، السياسية، والتجارية، واالجتماعية

فقد بدت الرسائل الجديدة مادة تفاعلية بارزة على المستوى اإلنساني، بخاصة إذا إلىهما من تطورات تقنية إنما يتفق واإلشارة علمنا أن اإلعالم واإلعالن وما يتبع

اإلعالم ( أن اعتبار هذين المحترفين إلىالمجتمع المتخصص الواسع، باإلضافة مجالين أكاديميين في إطار الفنون، يمتلك كل منهما منظرية ومثقفية ) واإلعالن

وسطية بين الفن والعلم، ويمررون سردياته ةومبرمجيه الذين يبقونه في حالومحموالته بسالسة ليكون مجاال تفاعليا مباشرا، يتم من خالله ابتداع الصناعة

الحواسيب، التلفزيون، ( جانب اعتباره صناعة ربحية إلى. الحقيقية للرأي العاماألشرطة، األقراص المدمجة، الراديو، األقمار الصناعية، االستوديوهات الكبرى،

).الخ ...شركات اإلنتاجالسينما، أجهزة التصوير بأنواعها، استخدم الفن كمادة اتصال وتفاعل وغطاء لألزمة، يمنحها صفاته لقد

ويكون شاهدا عليها من خالل اآلثار واألوابد والعمارة واآلثار الفنية المتنوعة، والسياسية ومنحه غطاء السلطة، التجارية استثمار الفن في المجاالت إلىوصوال

تنسيب أدرج في مجال البحث الثقافي لالستفادة من ىإلوقد عملت الحضارات األمر الذي جرى في أفقه تفاعل مباشر بين هذه الحضارات، . صياغة هويتها

أنتج فنونا وأفكارا تشتمل على المزج بين هذه الحضارات، ومحاولتها إيجاد ال أكثر من مثإلىالمخارج لألزمات اإلبداعية التي تحيق بها، ويمكن اإلشارة

وبالتأكيد تنطوي في إطارها النظرة التفاعلية بين الشرق والغرب . في هذا الشأن .والشمال والجنوب بداية القرن الماضي وما بعد الحربين العالميتين

تفاعلية على مستوى ة وال يمكن القفز فوق ظاهرة االستشراق كمادج على هذا الصعيد، األفكار، وبالمقدار الذي توصل إليه الفنان الغربي من نتائ

فإن المحترفات الشرقية هي األخرى استطاعت إطالق العنان لتجاربها، بناء يتضح هذا باإلشارة المكتوبة والموثقة . على ما تركته هذه الظاهرة من أثر

١١م -بؤس املعرفة

-١٦٢-

في كتابات المؤرخين والباحثين والنقاد في مختلف الدول العربية وسواها من .لمستشرقينالمناطق التي وصلت إليها طالئع ا

كمادة اتصال واجه في النصف الثاني من القرن الماضي تقلبات الفن كثيرة في إطار اشتغاالت الفنانين واالتجاهات الحداثوية وما بعدها وتأثر

الهائلة للعلوم المتنوعة، علم النفس، علم االجتماع، تهؤالء الفنانين بالتطوراقالب بسبل بث الرسائل المعرفية، انإلىما أدى . علم اللغة، العلوم التقنية

مجاالت تتبدل بتبدل الوسائل إلىوانتقال مفاهيم االتصال من مجالها التقليدي ولهذا بتنا نرى تبدال في اللغة . االليكترونية واآللية المحدثة والمتبدلة باستمرار

اإلشارية والرموزية والصورية للفنون بصورة عامة، وأضحت األفكار إذ يمكن . ادة تفاعلية حالة وسيطة في الحوار القائم بين الجماهيرباعتبارها م

أن يكون العرض الجسدي أو اإليماء أو اللغة الملفوظة والرسوم والتكوينات . كلها مادة تجاذب وتنافر بين المرسل والمستقبلاها،والطباعة واألحداث وسو

ناء الرأي، أو ما دون أن يكون هناك أي تأثير على القرار الذي يتوقف عليه بيدعى باالستجابة الفردية أو االجتماعية لألفكار والحقائق، باعتبار األفراد يشاركون في صياغة ذواتهم، وتحقيق الغاية التفاعلية بالمشاركة في مجاالت

.الرأي والتثقيف والتعليم والعرض مفهوم الفن والفنان في إطار المتغيرات االتصالية والتفاعلية، انقالب

بحيث أضحى الكون بكامله مادة سردية لالشتغال، وبتجاوز الحدود الجغرافية ذاكرة عولمية إلىواللغات وبناء المفاهيم مشتركة، وبتجاوز الذاكرات المحلية

تظهر في ساحات التقاء المشتغلين بفنون ما بعد الحداثة، في البنياليات الدولية اهيم العالم الجديد، الذي يضج وسواها، وكذلك ترقب الصياغة النهائية لمفكل ذلك ضيق مجال الواقع .. بأعراق وثقافات وانتماءات ولغات ومعارف

الراهن، وجعل الذات وهي بمواجهة اآلخر أكثر قربا واصطداما على بل إن السؤال الذي بات أكثر إلحاحا، من هو اآلخر؟ في . المستوى المعرفي

أنا ( أن العالم بات يشكل إلىعض الدارسين إطار التفاعلية الحديثة، إذ يشير ب .في مواجهة المجهول) إنسانية جمعية كبرى

-١٦٣-

التفاعلي بين عالم يدعي لمستوى هذا اإلطار يظهر الصدام اليوم على افيوما الحروب . االنتماء للمستقبل، وعالم تطلق عليه صفات االنتماء للماضي

إبرازا لهيمنة المجتمع التكنولوجي الدائرة اليوم سواء في السينما أو الواقع إالالقوي الذي يمتلك أدوات الدفاع عن مستقبل اإلنسان، مرورا بإبادة المجتمعات

. الماضي، باعتبارها تشكل إعاقة لمشروعه األخالقي في سيادة العالمإلىالمنتمية ما يدعوه الدكتور سامي أدهم إلى أزمة في الضمير تقود إلىاألمر الذي يشير

بعد أن مات اهللا ثم اإلنسان والضمير، وحلت المنفعة مكان ) عالم الالإنسان(ضمير منفي من مجتمع .. والفلسفةوالروايةالضمير الذي كان مادة الفن والشعر

مكون من مجموعة الشركات المالية والتجارية والصناعية المتجاوزة للجغرافيا . على الحرية الكاملةواألفكار في عالم العولمة بفلسفتها المعتمدة

الفرد هو محصلة : (سامي أدهم في كتابه العدمية النهلستية. يكتب دقوى العولمة الضاغطة، وأخالقه هي محصلة إفرازات العولمة الثقافية، لم يعد

فأجهزة اإلعالم المرئية تطارده داخل عزلته في . فردا معزوال داخل جدرانهوبالرغم . ه المنتوجات الثقافية الموحدةحيث تعرض علي. أقصى بقاع األرض

فالكل . من أنها أقنية فضائية مختلفة، لكن منتوجها الثقافي متقارب ومتطابقإن جوهر العولمة الشركاتي األسهمي يظهر من . يشرب من معين ثقافي موحد

وراء مظاهر خداعه للقناة الفضائية، فكلها تروج في النهاية لليبرالية متوحشة، ).الية الشركات العمالقة القابضة على مقدرات العالم المادية والثقافيةأي ليبر

اإلرهاب أنتجشك أن ما بعد الحداثة انتصار على العقل التقليدي الذي الوالفاشية والحروب القومية والحروب العالمية، وهو األمر الذي البد من

األفكار ما يجعل األمر يبدو أحادي الجانب في تناول . اإلشارة إليه باعتباره امالتطوريرية والتفاعلية في مجتمع الفن الذي يعنينا في هذا المق

خروجا عن كل شيء ماض، وفي ذات الوقت مادة تفاعلية واتصالية بين إذ ال يمكن نفي األفراد من بنية العولمة اإلعالمية . األفراد والمجتمعات

ذكر أن للفكر الثقافي المعاش الثقافية والفكرية والسلوكية، إال أنه البد من تللعولمة في العالم وجه تتحدد مالمحه من المفاهيم التي يكونها والمشكلة بنائيا

-١٦٤-

أن صراع األفكار في إطار ما بعد إلىفي مذاهب وتيارات، وهنا يتم اإلشارة الحداثة ال يمكن أن ينتج فكرا لتأثره بظروف العولمة، الحاضن الرئيس

.قات االقتصاد الماديةالمعتمد على تطبي مسافة من اإللغاء قائمة على أساس فكار ابتكار الربح وابتكار األبين

، وإذا استطاعت العولمة إنتاج االنترنيت كمبادئصراع المثالية مع التجريبية على عظمته وأهميته في التفاعلية وتبادل الخبرات وتداول األفكار وإنشاء

فكار التي تتحكم بإنتاج المعلومات، وبالتالي المدونات، فكيف سيمكن تحديد األإدارة هذا السوق الجديد الذي يضم في مخازنه متناقضات األديان واألفكار

: والفلسفات والعلوم والخطط وسواها، ليبقى السؤال األهم ماثال في األذهان.. هل تمكن هذا االكتشاف أن يؤمن االستقرار واألمن والحرية والديمقراطية؟

.. يحتوي مادة اشتغال توازي عظمته؟وهل مجال أساس للتفاعلية في األفكار، ويتضمن قدرة فائقة على تجاوز إنه

: سامي أدهم بقوله. السدود والحدود والمسافات والرقابة، وهو ما يوصفه دانبثقت زواحف ووحوش جديدة بأنياب إلكترونية راحت تنهش الناس وتسيطر (

إن تطور األدوات التكنولوجية اإللكترونية وضع . هعلى حركة المجتمع وثقافتبين يدي الوحوش اآلدمية طرقا جديدة للسيطرة والقمع ولإلرهاب المنظم، فقد

لذا أصبح . تغيرت األدوات البسيطة وأصبحت معقدة متطورة ذات مدى واسعلدى الوحوش وسائل قمع وإرهاب واستغالل تفوق ما كان لدى اإلقطاعيين في

). الوسطىالعصور ذلك فالحقيقة أن الفن ما زال ينتج الفن، وإن كنا نجد صعوبة في رغم

تلمس العالم والواقع الذي نعيشه، فالبد أن هناك أمر جوهري في كل عملية إبداعية، ولعل يقظة الفن كامنة في األفكار المتبادلة بالوسائل الجديدة لقاطنون

جغرافية التقليدية، حيث أضحى كل لم يعودوا يعرفون موقعهم على الخرائط الفرد مصدر معلومات، ومشارك من أكثر من موقع في المخاطبات التفاعلية،

إلىبلغة يمكن فهمها باعتبارها لغة تجريبية استكشافية تعود في استنادها ليس ضرورة اكتشاف تفوقنا كبشر، ولهذا نحتاج إلىاكتشاف الكون قدر إشارتها

-١٦٥-

وأن ننضوي في إطار مجتمعات بالطريقة التي أنساق، أدوات للتعبير، وإلى تقول لغة، وأن تقول لغة أنأن تقول إنسان، يعني ): (ليفي شتراوس(يذكرها

.)١()يعني أن تقول مجتمع النظر عن التوصيفات الكثيرة لوحشية نظم ما بعد الحداثة، وبغض

المفاهيم، فإن حاجة متنامية للتواصل ما زالت تبرز في إطار انتشار هذه وبسبب توفر المادة والتقنية المنتشرة بشكل خيالي في المجتمعات المعاصرة تظهر البرامج التفاعلية الفنية الخاضعة لمنطق تبادلية األسواق، التي ال تبني سوى مجتمع الفردية المطلقة المنسحقة أمام السوق، هذا الفرد هو منتج الفن

- معارف تعين على توصيف الواقع ومتلقيه، وهو الموجه بضرورة إنتاج وهنا يبرز السؤال أيضا، والمطروح بقوة في أدبيات -إن لم نقل فهمه

: التفكير المعاصر ستتوافق الشعرية مع اختالف السوق وتكون رؤية سوقية؟ كيف فكي(

سيتذوق إنسان السوق الشعر واألدب والفنون؟ هل يستطيع الشاعر أن ينغلق لما من القيم الذاتية تختلف عن عالم السوق وعالم الحياة على ذاته ويكون عا

التجارية؟ هل هناك قراء يقرأون من خارج السوق؟ هل الهامشيون والمشردون والال منتمون والصعاليك والفوضويون والعدميون لهم ثقافتهم الخاصة على هامش السوق؟ ماذا سيصنع السوق بهؤالء؟ أسيلفظهم خارج مؤسساته وقيمه

هل يستطيع اإلنسان أن يتساءل ويطرح األسئلة ليكون حريته؟ على .. نواديه؟و .ؤالت؟من يطرح السؤال في السوق لسماع التسا

يريد الحرية التبادلية .. ينشد السوق الحرية، لكنه يكبل األفراد بقيمه . )٢()وليس حرية التفكير، وال حرية التنظير

)٤٢١ص ١٩٥٥ باريس - الحزينان ارانالمد( )١( )٢٠٢ ص - سامي أدهم -العدمية النهلستية ( )٢(

-١٦٦-

.. بعد احلداثة اـ ملطةـس الفن عن احلياةإقصاء

على النقد تفسير بعض القضايا الملتبسة في بنية الفن وإن تطرق لها، شكلي اإلحاطة بتقبلها، محاوال في كل مرة استكشاف دواعي انفالتها، والدخول ولأو حا الذاكرة اإلنسانية لعقد المقارنات، واستنباط النتائج التي التتطابق وحقيقة إلى

بنية تشكيللالتي دفعت المبدعين باتجاه محدد دون غيره، األفكار، أو الروح إبداعية على صلة بنفسها أوال، وبالحقائق التي يقدمها الفن في إطار خصوصية

بما في ذلك التركيبة النفسية العميقة . استقباله ثانياوطرقانتمائه، وظروف نشأته، ا لذاتها أو هويتها أو الوعي بالفن، اعتبار وتعاقبلمتلقيه، التي تضبط تسلسل

أي الكيفيات التي تجعل صياغة اإلبداع عملية تبادلية وتفاعلية بين الحقيقة .انتمائها بولوج المغامرات الشكلية والمعنوية، التي تراوح االفتتان بينالتي ال ثبات لها، و

بين ابتكار األسئلة واإلجابة عن بعضها، على طريق تحقيق الغاية من الفن بصورته المؤثرة المرتبطة بالمواصفات الزمنية المشتركة بين الوظيفة بالتلميحالكلية، و

المبدع والمتلقي، كطرفين أساسيين يسهمان بشكل مباشر وغير مباشر في جعل كبنية في صياغته رتصو التي تحقق الم»الشعرية«اإلبداع خطابا له مواصفات

. ورغبة في التجاوزالنهائية على مختلف المستويات، كشكل وقيمة

شك أن الكثير من العوامل التي ذكرتها على صلة بالواقع الفني ال الشعوب األسس من شعب فلكل .للمجموعات اإلنسانية، بشمولها أو جزئيتها

التي يقرأ عبرها الفن، فنه الذي يخصه على مستوى النتاج، وفنون اآلخرين ، فإن ما ينظم هذه التداخالت وفي كل األحوال.على مستوى التبادل والتفاعل

والمعرفة والمتعة والفطرة واختالط المفاهيم والثقافات ومحدودية الوعي: هو

-١٦٧-

إيصاليهحيث تبدو الفنون ألغازا في حقبة، ووسائل تعبير . التجربة أو شمولهافي حقبة أخرى، في حين يراوغ المبدع في كل مرة لتحقيق شروط واضحة

.عرفته الجديدة عبر الفن الذي يجعل الالمرئي مرئيالالتصال، والتعبير عن م فرض إلى من خالل البنية المتحققة يمضي انه هذا وحسب، بل ليس

شروط على صلة بإعادة التعريف، وتكريس الصياغات واألساليب، بحيث باألمس؟ نهاما هو الفن؟ وهل هو اليوم غير ما ك: يمكن أن نتساءل كل مرة

على غير الصورة التي نتوقعها له؟وهل سيغدو مستقبال األسئلة قد ال تحقق الغاية المرجوة من طرحها على المستوى هذه

تعين على استنباط معايير حكم خاصة، إذا النقدي لعموميتها، ولكونها ال في كل مرة، إذ. اعتبرنا النقد جسما متغيرا تغير الفنون والفلسفة والمفاهيم

زمني وفكري نشهد الهزات العنيفة التي تجعل وفي كل انقالب أو اختناق مجاهل جمالية إلىاألفكار تتحدى بعضها، منقلبة على اإلبداع لتمضي به

ومطلبية تحقق ما ندعوه جديدا، أو حديثا، أو حتى ما يتجاوز فهمنا للتحديث . ما بعدهإلى

ن حقيقة األمر، فإن سلطة التغيير التي حكمت اإلبداع في تاريخ الففيلم يتم حصرها في موقع معين دون غيره، فعلى مستوى الشكل يمكن للنقد

الفن من النتقالا يسرد الكثير من القضايا التي أدت على المستوى التاريخ كما أن الغموض الشكلي في الفنون البدائية جعله يمارس . الالشكلإلىالشكل

ون اإلبهام في ما طقوسا على صلة بالروح بشكل مباشر، في حين لم تحقق فن إال أن المتفكر يلحظ ببساطة ما - على سبيل المثال - بعد الحداثة هذه الصلة

تمتعت به تلك الفنون السحيقة من سلطة على البشر، وما تحققه فنون ما بعد الحداثة من تسلط على األفكار الحية والمعاصرة، بحيث يغدو إبهامها قيمة

غايرة، واالنقالب على المفاهيم الجمالية، تعددية وتفاعلية تعيد صياغة الم التي كانت مطروحة على الفن في النصف الثاني اإلشكاليات فمتجاوزة مختل

من القرن المنصرم، لتبدأ فرض سلطتها بشتى السبل والممكنات، على عالم

-١٦٨-

منبهر بالمتغيرات الحاصلة جراء االنقالبات التقنية الصادمة، التي تؤكد تها، وانعزالها عن التاريخ اإلنساني، ومحاولتها إيجاد سلطة فلسفتها على وحد

قب غير صلة بالمعايير التي كانت قائمة على أسس التعاعلىومختلفة، .الجمالي والفكري والزمني

تبدو فكرة عدم إمكانية تعريف ما بعد الحداثة جزءا أساسيا من قدالتوصيفات النقدية سلطتها كفاعل عام في العصر، وليس فقط من خالل بعض

فاعتبارها تيارا يعني أن .التي تجعلها تيارا من نتاجات العقل البشري مؤخرابعد الحداثة جانبها، في حين ال يرى دعاة ماإلىهناك تيارات أخرى متحققة

مع التاريخ، ةقطيع ما يعني تطبيق األفكار المبهمة لل..رهمأي تيار آخر غي هذه البداية .كرة، ومعظم نشاطات الفكر اإلنسانيوصياغات موت الفن، والذا

إنها سلطة .. القائمة على اإللغاء تمثل المركز النافي للمركزيات األخرى التي يفلسفها إيهاب حسن، والتي تعبر عن اتساع رقعة هذه »استحالة التحديد«

بأنها ظنكما أن القضية ليست كما ي. السلطة وشموليتها على أرض الواقع المتداول، حيث ال يمثل المصطلح أكثر من إشارة لغوية المصطلحبصلة على

ولهذا فإن . أو اعتباره مبنى لمحتوى محدد النسقديده،حلمفهوم ال يمكن تالتوصيفات المتنوعة لحالة المصطلح تبقى أكثر شموال من تحديد المفهوم، وال

. البنى السابقةفينهائية الغاية بمقابل التحديدات التي كان الفكر ينتجها فالذات التي كانت محورا نهائيا للذاكرة اإلنسانية على مدى لهذا

عمرها، والمتضمنة على حقيقتها، لم تعد هي األساس المتجسد في الفن، لتحل معاني الفردية كحقيقة جديدة على صلة بإبهام التقنية وتوالدها، بدال من حالة

. البشري الفني في المنجزالغموض والعماء التي حققت صورتها ترى صورتك في مرآة مقابلة لوجودك، وأن تراها في مجموعة ن أبين

من المرايا العاكسة لبعضها فرق كبير، فتشظى الصورة يمثل تشظيا لحقيقتها، أي نفي . التي تحيل العالم خارج حقيقتهتراضفونفيا لمعناها، وإقرارا بسلطة اال

قة عن الذات بإحالل منظومة افتراضية جديدة خارج منظومة المعلومات المتحق

-١٦٩-

كيان حقيقة الوجود الفعلي للفرد، الذي تستبدله ما بعد الحداثة بصورته الجديدة، أكثر أنواع السلع تطورا « والتي يراها جان بودريار .كسلعة مطلوبة ومتميزة

هري بين يذوب التمييز الجوثوانتشارا وإنتاجا أكثر من أية سلعة أخرى، حيالفن والحياة، وبين الحياة وبين تمثيلها، ويصبح التمثيل هو المجال الوحيد الذي يمكن فيه معرفة واقع الخبرة، والبد من التخلي عن أي إحساس بالقيمة أو

فالواقع هو مجرد ما يظهر في الخطاب والصورة، ولم يعد ممكنا . المعنى . »أو الباطنة في السلعةالحديث عن جوانب الصلة الكامنة في الفرد

األفكار الجديدة البد من التذكير بأن الحديث عماق الولوج في أوقبلعن سلطة ما في اإلبداع تقتضي التطرق للحرية، كنقيض تنافري مع المفهوم

حرية المبدع، وحرية المتلقي في اختيار رؤيته ..الذي يحتوي اإلبداع كقيمة للفن هات وحرية الناس في إعادة هيكلإلعادة صياغة وبناء العمل الفني،

بصورته المتكاملة، وقدرتهم على تحديد إذا ما كان االختالف هو المقصود أم التي يتم عبرها إحياء الذاكرة على طريق تراكمها المعرفي والجمالي، لطرقا

وإعادة االعتبار لكثير من الفنون التي وقع عليها الحيف، بحصرها في ردود مند ال تدل على حقيقتها الفعلية، بقدر ما تشكل مصطلحات وتعابير ق

. تكريسها كقيم سلبيةإلىأفعال على ظروف وأحداث وانقالبات أدت وهل هناك ؟ الهابطوالفن يمكن أن يؤكد اليوم الفرق بين الفن الراقي فمن

حقيقة األمر أحكام قيمة على هذا المستوى بين األفكار البصرية التي تحدد يف توصيفات لعصر إلى وصالهالة، التي تجعل الفن يحطم بعضه بعضا للخلهذه

يمنح هذه السلطة في حقيقة األمر لمن يطلقونها؟ وهل يشكل ن وم؟دون آخر . حق االعتراف الذي حظيت به؟يمنحها ماتداولها في النصوص النقدية

الكشف عن المتحقق في فنون ما بعد الحداثة منذ ستينيات القرن فيلماضي وحتى اليوم، وهي الفترة التي يحددها النقاد لخلخلة الحداثة في ا

يمكن الحديث عن . وظهور ما تم التعارف عليه بفنون ما بعد الحداثةالغرب،وأصحاب رؤوس األموال، ممن تبنوا تفكيك المشهد سلعونسلطة قادها الم

-١٧٠-

ال، أي لصالح الحركة الحرة للدو« بإلغاء الدال وإحالل اإلنساني،الجمالي المعنى على حال، ويظل حائرا هافيصورة من التعددية، والتشظي، ال يثبت

فال المكان هو المكان، وال الزمان هو الزمان، وال الطبيعة هي »دائما كان مستقرا ماف. الطبيعة، وال الجسد هو الجسد، وال الصورة هي الصورة

موقع التشكيك، كجزء من ىإلعلى مستوى المفهوم حولته السلطة الجديدة والتي يشكك فيها ١٩٧٩ ليوتار العام وانسالنظرية التي أطلقها جان فرا

.بالسرديات الكبرى، ويدعو لعدم تصديقها المتلقي التي تجمع فلك هذه السلطة الجديدة يتم تفكيك الروابطفي

ليس في حدود ما تم التنظير له سابقا، وإنما بتعطيل صري،ببالمنجز ال التي تم االتفاق عليها، الحدودكافة التفاعالت التي كانت قائمة، وإلغاء

أفكار تتناسب عكسا مع فكرة التجويد اإلنساني، التي تراكمت بفعل وإحالل أو بفعل ربط الخبرة الفكرية بالخبرة البصرية، وإلغاء هذين .الخبرة

المتلقي في العمل المفهومين كليا، أي التجويد والخبرة اللتان أكدتا حضور الفني، عبر بلوغ المستوى الثقافي القائم على قدرات االستقبال، واستيعاب

خصائص الظاهرة الفنية، باعتبارها المآل تراقعملية التوصيل، واخ متلقيها إلى القادر على احتواء األفكار بالصورة األفضل، وحملها يالتعبير

هذا بغض النظر عن الوسائل . اللةكمفهوم قابل للتفهم والحوار والتمثل والد تجري في مآل التعبير القادر التيوالتي تشكل الحامل اإلبداعي األساسي

متلقيها كمفهوم قابل إلىعلى احتواء األفكار بالصورة األفضل، وحملها هذا بغض النظر عن الوسائل التي تشكل . للتفهم والحوار والتمثل والداللة

لتحقيق المعرفة ها،قالتي تجري في إطارها وسياالحامل اإلبداعي األساسي إال من خالل القبول واإلفهام واالستيعاب، بحسب قدرات رالتي ال تعب

المتلقي الذي هو هدف أساسي لإلبداع، وغاية ال ترتبط بلحظة معينة، أو وإنما يتمثل ارتباطها بشمول .أسلوب بعينه، أو مدرسة من مدارس الفنون

.ةالعملية اإلبداعي

-١٧١-

وإنما هو ساحة اتصال - سابقا والحقا - ليس مجاال محايدا الفن المواصفات والماهيات، ولهذا كان غيرةإنساني، فهو على مدى الزمان مادة مت

محط اهتمام الكثير من القوى والسلطات التي حاولت أدلجته وقيادته خدمة نيسة في الغرب لرؤى تحاول تغيير النمط االجتماعي عبره، وكما وظفته الك

كجزء من رؤيتها الدينية، فإنه يتشابك اليوم مع اإلنتاج السلعي تحت وطأة مختلفا يفرض نفسه على الذهنية البصرية، ومختلف العلوم، ما يقتضي إنتاجا

اللغة المعبرة عنه واإليديولوجيات الكامنة خلفة، والتي نيةب بمتصلةالمفاهيم ال . ثقافة واحدة تعبر عن السلع التي تنتجهاتسعى لجعل الثقافة البشرية

في إنتاج «: تحدثت عنه جانيت وولف اإلطار ال يمكن إغفال ماذا هوفيعلى من ) جانب أشياء أخرىإلى(الفن هناك تأثير للمؤسسات االجتماعية

وننيصبح فنانا، وكيف يصبح فنانا، وكيف لهم أن يمارسوا فنهم، وكيف يضم ثم تضيف تعقيبا »تاجها أو تنفيذها لتصبح متاحة للجمهورأن أعمالهم سيتم إن

أن األحكام وعمليات تقييم األعمال والمدارس الفنية التي إلىباإلضافة « :واقعياستحدد وضعها التالي في تاريخ الفن واألدب، هذه األحكام وعمليات التقييم

اءها دعم ليست مجرد قراءات فردية، وال هي جمالية صرفة، هي قرارات ور )١(»اجتماعي يكرسها

هذا األساس نقرأ تمركز الفعاليات الفنية األساسية، كالبيناليات علىوأسواق الفن في مراكز محددة، وفي حين يجري التنظير للفنون المستحدثة

ارتباط بمراكز تجارية تمثل ىكرؤية شمولية، فإنها تبقى في حقيقة األمر عل وهنا يتبدى الفرق بين .اط االقتصادي العالميالرمز األكثر حضورا في النش

وكما تتمركز المؤسسات .عنها الغائبة العالمية تلكسلطة العولمة الناهضة، و ناالقتصادية والشركات متعددة الجنسيات في مواقع دون غيرها، ودون أ

سلطة ما بعد إنتتمكن من التواجد في أكثر المواقع العالمية األخرى، ف هي األخرى في حدودها كفعالية تحاول أن تقود الفن، مثلها مثل الحداثة تبقى

٥٨ ص - ٢٠٠٥ - جوست سمايرز - واآلداب تحت ضغط العولمة الفنون )١(

-١٧٢-

القوة االقتصادية المتسلطة على العالم، والمتمثلة في أمريكا وأوروبا واليابان، والتي ال يعيش فيها أكثر من خمسة عشر بالمائة من عدد سكان العالم

.الخاضع لمآسي أسواقهم المالية متعددة الجنسيةأكثر من ملتقى فني عن أهمية قراءة واقع البيناليات التي تحدثت في لقد

تقام في كبريات المدن ومراكز القوة، وضرورة تحليل الدوافع الكامنة وراءها، وقوة تأثيرها كسلطة تعمل على تفكيك المحترفات اإلنسانية األخرى، وإحالل بنية هي في حقيقة األمر تكدس فوضى توجهها في مواقع لم تنجز

ا لتاريخ فنونها وأساليب فنانيها المعاصرين، ولهذا فإن استالبا مبرمجا نقده للتحكم في أطر التنظيم الفني الذي تعتمده، من قبل هذه الفعالياتيجري

هذه البيناليات، أو قدمهتبإخراجها من حقيقة االبتكار الذي بات محصورا فيما لغات غير مسبوقة في تقديم الفعاليات متعددة الجنسيات، التي باتت تحقق مبا

السلع اإلبداعية المتنوعة، باعتبارها النخبة الفنية التي تستحق االهتمام من قبل المصطلحات التي عبر وأ الثقافي، تنوعهايكرسه وعبر ماالمدن المستحدثة،

تجعل منها شكال جديدا للمدن المهيمنة على آليات اإلبداع، وعلى شكل بناء . ، أو المغربنةالمدن المعولمة

بوسطن بالواليات المتحدة في تحدثت في أحد المؤتمرات لقداألمريكية عن الدور التدميري الذي تلعبه الفعاليات المعولمة للمحترفات ا الوطنية، والمحامل القومية واإلثنية للشعوب، مخلفة خرابا إبداعيا وتنظيمي

وكل ما من شأنه أن يفرغ ، الوطنيةفي البني الفنية والمؤسسات الثقافية وتحدياتها، األوطان،هذه البنية التحتية الثقافية من محتواها المرتبط بظروف

ونظرتها للمستقبل، دون أن تتوفر لدى هذه المحترفات الفرصة اللتقاط األنفاس، أو مواجهة ما يحدث في بنيتها وبرامجها نتيجة عدم التكافؤ في

وهنا تبرز .فر اإلمكانية التطويرية إال لألقوىالقدرات التنظيمية، إذ ال تتوبؤرة التسلط على األجيال الجديدة، بإعادة تأهيلها وفق أفكار ورؤى متعددة المنافذ، ال تعتمد في حقيقة اشتغالها على تنافس األفكار قدر تنافسها على

شريحة من الشباب بدعوى التفوق في المجاالت ري األفكار، التي تغضفر

-١٧٣-

مجتمع فني كبير، في وهي شريحة قليلة .، واستيعاب الثورة الرقميةالتقنية بالترويج لها وتداولها في أكثر من موقع ،يجري اختيارها إللغاء ما سواها

.في العالم عن الخيارات الثقافية والفنية المحلية، بعيدا توجيه روح اإلبداع إن

لعالم العربي اليوم، والتي مهمة تكرسها سلطة ما بعد الحداثة التي نشهدها في ا كما أن آليات .تعير باال لمضمون أو محتوى أو قيمة أو مستوى جمالي ال

على تنظيم الفعاليات، كونهم نياإلنتاج الثقافي والفني برمتها ال تهم القيم مصغرا لفكرة تعدد الجنسيات في الشركات االحتكارية التي شكال يعتبرون

الربح، فهي إذ تجمع الخبرات من كل موقع في لىإتمزق كل شيء في سعيها القصوىمكان محدد، إنما تقدم اختياراتها المفضلة، باعتبارها أمثلة غايتها

مع عدم تسامحها إلى الفوضى والسخرية في كل ما عداها، باإلضافة إحداث فما يحدث . وهي نقطة في غاية األهميةالواقع الفني للمحترفات الفنية المحلية،

يس صراعا بين طرفين حول القضايا الجذرية العميقة التي تقتضي التطوير لواإلصالح، وإنما هو ضرب من التسلط الذي يشبه الحرب على االختبار

مستفيدين في بعض األحيان من .الفني الممتد في الحضارات والتاريخ والحياةو الديمقراطية، صورة النكهة المحلية التي تنمط اقتراحاتهم لمفهوم الحرية، أ

من التسلط على قنوات اإلنتاج الثقافي والفني، في محاولة لمزيد االبتكار مفهوم التكتالت التجارية الثقافية المعولمة عليها، والذي يفرض نموذج رضفل

.هاونالحياة الثقافية التي ير الفنية األعمال ة الشركات المهتمة بتجار ضغط طرف آخر، امتدفي

تقفز فوق واقعها نا تبقى في فنونا، وهي شركات استطاعت أللسيطرة على ملتستفيد من المادة الفنية باعتبارها سلعتها األساسية، تلك التي تختارها بدقة،

. قيليس وفق معيارية محتواها، وإنما من خالل قابليتها للتسو الفنية بأعمالهمتجاراال من الفنانين الذين تم كثيرال الرغم من أن وعلى

في أسواق المضاربات الفنية هم من الذين يرون أن أعمالهم تحمل رؤاهم

-١٧٤-

تخضع حيثالمعرفية، فإنهم ال يعرفون بأن مهمتهم تنتهي في هذه الحدود، وهي مهنة طالما أتقنتها تلك . المعرفةهذه تحتويه من ماأعمالهم لالتجار ب

الرأسمالية الشركات في إطار المتغيرات التي طالت أسواق الفن من قبل كريستي « وتذكر الدراسات كيف استطاعت صالتا ..العابرة للحدود

من المبيعات، أي ما قيمته أربعة باليين ٩٠ تحقيق حوالي »وسوذبيدوالر في العام، هذا في التسعينيات، ما حدا بالصالتين لعقد االتفاقات فيما

االستثمار أقصى حدود إلىبينهما للعمل كفريق واحد، للوصول بالسوق شرق آسيا، وفيما إلىبعيدا عن المضاربات التقليدية، وهو ما جعلهما تمتدان

وهو ما سعت إليه شركات .بعد الخليج العربي، لتحقيق المزيد من األرباح .. أخرى من القوى المنافسة

يهم في هذا المقام ليست المناقشات التي تقوم بين هذه الجهات لتحديد ماسام الزبائن وتعظيم األرباح، بل ما تفرضه هذه األسواق من العموالت واقت

تداعيات على مجمل الحركة الفنية العربية، التي تشهد لعبة لم تتقنها في فالبنوك لم تلعب أي دور في تمويل هذه الحركات الفنية، .تطورها المعاصر

االت وال حتى الصاالت الفنية المتواضعة، في حال قياسها بآليات اشتغال الص والتي كان مركز اشتغالها هو تحديد قيمة المعولمة،المدعومة من قبل البنوك

األمر الذي يدعو للسيطرة على هذا العمل، كما يؤثر على .مادية للعمل الفنيومن جراء وضع السيطرة هذا . همساره بعد ذلك، وتحديد من يراه ومن يمتلك

ث يستطيع هواة جمع األعمال يمكن التالعب بالسوق بكل سهولة، حيلاكما يقالفنية والمقتنيات تغيير قيمة أعمال الفنانين، بمجرد خلط مجموعاتهم وإعادة

كيف تغيرت أوضاع جميع األعمال في سوق )بولتون(كما يصف . ترتيبها . الفن في الثمانينات عندما كانت المضاربات شديدة

فظونحتر، ي هواة جمع المقتنيات يتصرفون عادة بهذا االعتباكان السوق بمجرد أن إلىبالعمل لمدة جيل أو أكثر، أما اليوم فإنهم يعيدون العمل

يلوح لهم ربح في الطريق، بل إن األعمال أحيانا ال تغادر المخزن، لدرجة أن بعض المستثمرين أحيانا ال يأخذون الصورة بعد انتهاء المزاد، في هذا المناخ

-١٧٥-

لالقتناء عن طريق المضاربة، بما في ذلك القرن العشرين هدفانأصبح ف )١("أعمال الفنانين الناشئين

الفن بالسوق له معاييره التي تحافظ على ماهيته، إال أن استخدامربط من األماكن المختلفة يدعو محمولة بالفنون التجارلال كمنصات المواقعالمدن و

ى عيبا ظاهرا في للتحسب من التداعيات التي تطال روح المحترفات التي ترتمثيلها، وإذا كنت ال أريد أن أوضح ذلك باألسماء فألني أريد أن أبقى في اإلطار النظري العام لشكل السلطة التي باتت هذه األسواق تتمتع بها في إطار تفاهماتها وتحالفاتها، من أجل الكسب في مواقع لها صفة الثراء، والتي عليها

األولى، وبوسائل تدعيم المحترفات الوطنية، من الوعي بمحترفاتها بالدرجة خالل مبدعيها الذين يسهمون بكامل عاطفتهم ووعيهم في إنجاز راهن بلدانهم

ذا لم ا لم: الذي تستدعيه هذه اإلشارة هوالسؤالاإلبداعي، الفني والثقافي، و يجر هذا األمر مثال في دول عربية أخرى؟

الفنية، األسواق وأ الفعاليات هذه وأهداف غاية إلى التساؤل يقود هذا إلى إضافة . تكامل البني المتسلطة على فنون اآلخر وثقافتهإلى تشير التيو

في توفير األرضية التي يساعد باتأن التشكل الجديد للمدن واالقتصاديات تسمح لها بإقامة الفعاليات المتعددة الجنسيات، والتي تكاد ال تصل مشاركات

الستة بالمائة، مع االعتبار أن بعض هذه إلىلعربية فيها بعض الصاالت ا . تعرض منتجا عربياالالصاالت العربية

استطاعت مثل هذه الفعاليات أن تلعب دور الوسيط الفني والثقافي لقد إقصاء أغلب التجارب المبدعة، وبات المرئي إلىالمقيم للعملية الفنية، ما أدى

هو اختياراتهم فقط، والصاالتلميديااإلعالم واوالمعروض دائما في وسائل حضورها، ويرفع من قيمتها المادية، بحيث يتم إشراك يكرس إنماكون ذلك

من الجهات في تجهيز واقع آخر، يعتمد في مرجعيته على اختراق يرثالك في تشاركتالمتاحف العالمية الكبرى، ودور النشر، وأسواق الفن المؤثرة، التي

١٠٢ ص – السابق المرجع )١(

-١٧٦-

الربحية، والمتاحف التجارية، مؤسساتال و المحدثة،مع آليات االستثمارأرباحها إنها .. الترفيه واالستثمارإلى من التعليم والترقي في مهامهاالتي باتت تنتقل

التجارية في مجاالت الفنون التكتالت بنيةسلطة تحديد القيمة، ومقدار القوة، و .ت الصغيرة في بعض بلدانناواالحتكارات، التي باتت تمارسها حتى الصاال

كان هذا حال جوهر األفكار التي تسيطر على توجيه الفن اليوم، فما إذا االنقالبات، وهي جزء هذه تواجهتيالهو المطلوب من المحترفات العربية

اليتجزأ من صراعات مناطقها حول الوجود أوال، والتنمية الثقافية واالجتماعية في لعب دوره العربي عن فشل الجسم األكاديمي ناهيك.والسياسية ثانيا

. اإلنسانيةالتحديثي، باعتباره على تماس مباشر مع العلوم واألفكار ذلك انسحاب المؤسسة الثقافية الرسمية من تفعيل الحياة إلى يضاف

الحياة بشروط تحققها مواكبةب التي تسمح حدودالثقافية الوطنية أو القومية بال اعتراف المحترفات إمكانيةكل ذلك وغيره مما يطال.. ةي والجذرةالفعلي

أو تكاملها، أو جعل الفنون جزءا من البنية الفكرية العربية، ، البعضببعضها إذا كان هذا هو الحال، فما الذي يمكن فعله.. تداوال وتفاعال وانتقاال وتمثيال

ه قادرا على مواجهة هذه لتحقيق نقلة قد تنقذ ما تبقى، أو على األقل تجعلفعال السلطة المتوحشة التي تسعى لدحر روح الفن في اإلنسان؟

لمثل هذا التساؤل، إال أن شافية من الصعب تحديد اإلجابة السيكونمواجهة التشييء والتسليع للفن مرتبطة بقوتين يمكن تلمسهما ببساطة، القوة

ادئ العولمة مكان أي هي ما تم توصيفها، وذكر توجهها، إلحالل مب:األولى فهي قوة اإلرادة، :شيء على مستوى الذاكرة والتاريخ والفكر، أما الثانية

.والتشبث بالروح المحلية ،التي تحمل خصائص ثقافات األوطان واألقوام كان جماعة القوة األولى يرون في هذا األمر اختيارا رومانسيا وإذا

مقه وامتداده على كافة المستويات على غير صلة بالواقع، فإن روح الفن وع. بأنه حقق المستحيالتما دائعتقد نزوات العلم الذي يإلى نساقتال يمكن أن

منه قوة الفن، رفغوالحقيقة أن هذا المستحيل هو الذي ما زلنا نعتقد بأننا ن

-١٧٧-

عتبات ألغازه التي تحقق الكثير من توازنات الحياة وعدالة إلىونسعى إلغاء التنوع، في ظل التدفق إلى تمضي أسواق الثقافة فيما.. التجربة

كل شيء بما في ذلك الفنون والفنانين المعلوماتي والرقمي، الذي بات يسم . بإيديولوجياته الكلية، متناسيا أن روح اإلنسان وإرادته ليست للبيع

أثناء تنظيم مؤتمر عالمي ) ماساشوتس( األمر الذي أكدته في جامعة إنه إلىعهد الفنون حضره أكثر من أربعمائة مشارك من العالم، داعيا في م

تضامن يبتكر توجهاته على مستوى الذاكرة والتكوين الفني، وإعادة قراءة وصالت اإلبداع بالوسائط - فيها البينالياتبما -الفعاليات واألنشطة

ل الذاكرة، اإلعالمية، التي تهتم بالحاضر القلق والتفاصيل اليومية كبديل لثق . وكمؤسس لسلوك بشري يدحض حتى القيم التربوية واألخالقية للمجتمعات

حققت مجموعة من التدخالت المشابهة في أحد دورات كنت قدكمايحصل من تدمير للمحترفات منتدى دبي االستراتيجي، لشرح ومناقشة ما

احتكارية، العربية، ولمفهوم المحلية، عندما تستولي على حراكه سلطة خارجيةمذكرا . لها سلطة االختيار والفرز والترويج والدعم في مواقع مختلفة من العالم

وفبأن الفن الذي ينتجه مبدعونا ليس مجردا عن الوجدان والمشاعر والظر . من خاللها مع أنفسنا، ومع العالم من حولناتفاعلنالتي

ات األمور تقتضي البحث عن بدائل، على مستوى المؤسسهذه توسيع دائرة النقد والتحليل بشكل إلىواالستراتيجيات والخطط، باإلضافة

ديمقراطي، يسمح بمناقشة كافة األمور من خالل الهيئات والمنظمات غير الرسمية التي تتزايد في العالم اليوم، وتأخذ على عاتقها بناء استراتيجيات

ص من االحتكارات التي وفنية بديلة، تكون قادرة على توجيه دفة الخالافيةثق عدم اعتبار الفن سلعة إلىوالسعي . تسعى لتذويب الشخصية والهوية والوطن

فالمبدعون هم الذين ينتجون األفكار والرؤى وعلى ،كغيره من السلع .المجتمعات أن تنظمها وتحفظها وتحميها

١٢م -بؤس املعرفة

-١٧٨-

وتفكيك الرؤية.. الذاتنفي

إلى فإن ذلك يشير مباشرة ،ية يختلف الدارسون حول مفهوم الهوعندماخلل في التعبير أو التبليغ، مؤداه أن حوامل عناصر هذه الهوية ومشكالتها األساسية بما فيها وجوه اإلبداع واالبتكار والخلق تعيش حالة من االختناق، أو

قد يكون ذلك بفعل . أنها قد بدأت تنزاح عن األهداف والمرامي التي تنشدهاات الثقافية والصراعات المستجدة حول المفاهيم الفلسفة التي الظروف والمتغير

بخلخلتها للمفاهيم السائدة إنما تؤسس لمعارف وعلوم تطال الموقف من الزمان والتحديات التي تواجهه قياسا بالمتغيرات التي تطال المكان وجمالياته التي يتهدد

العالقات المرتبطة بهذا كيانها بمجرد االنزياح الفلسفي، الذي يؤثر على مجمل . المكان سواء اللغة أو الحضارة أو التاريخ والوظائف الناتجة عنها

النقد التشكيلي منذ سبعينيات القرن ليه أن نسعى لما سعى إودونالماضي حين جد البحث في مفاهيم الهوية وضرورة التأكيد عليها بتأصيلها

نذاك باعتباره فضاء التحول في إطار النظرة االستبدادية للمشهد الرسمي آ قيم مجتمع الحداثة، فإننا البد نذكر النزعة الفطرية لدى هؤالء النقاد إلى

الذات باعتبار الهموم القومية أولوية على الفنان إلىلمقاومة الدعوات للعودة وباعتبار . أن ينخرط فيها بالتعبير عن مطامحها التي هي مطامح كل الناس

المميزة للمثقف العربي بما يمكن أن يشير إليه من الفنان أحد األشكال الفن للتعبير عن عبهطليعية اجتماعية وسياسية تعكس الدور المهم الذي سيل

. هذه القضايا

ارتبط الفنان منذ ستينيات القرن الماضي بالمؤسسة الثقافية أوال، لقد أهمية - يخيا تار-وبالمؤسسة السياسية ثانيا، منخرطا في لعب دور لم يرض

-١٧٩-

الفن، قدر ما خدم وأرضى الفئات السياسية التي كانت في جوهرها تقود مجاالت مغلقة بدعوى الجماهيرية أحيانا، وبما حددته إلىالتطور التشكيلي

النظرية والفكرية واأليديولوجية التي ضيقت منطلقاتبعض هذه المؤسسات بال جاهل بما يجري حوله إلىحديث كل مجال لينقلب العارف بحجة التطوير والت

في العالم، وبما كان يعلي من وتيرة خضوعه لهذه األيديولوجيات، معتبرا أن اإلقدام والشجاعة في إسار الهموم الوطنية والقومية هو في الخروج من

المستقبل حيث لم يكن بانتظارهم سوى الجدران المصمتة التي إلىالتاريخ . ألمام معا الوراء واإلىتغلق الدروب

رومانيا منذ أعوام ما إلى ما لفت انتباهي في زيارة قمت بها أبرزأكده كل فنان زرته هناك، أو ناقد التقيت به، حول الشرخ العميق الذي

الهوة ( طيلة فترة األيديولوجيا، أخص ما اصطلح على ترديده ععاشه المبدليه تحت مسمى أو ما يمكن أن نشير إ) العميقة بين الممارسة والفكر

الفصل المحكم بين العمل والفلسفة، فالفنانون التشكيليون كمجموعة مثقفة عاشت حالة نفي عن ذاتها طيلة سنوات، وقد شاهدت أعماال فنية لدى رواد في هذه الفنون في مختلف المدن لم يكونوا يستطيعون أن يطلعوا عليها

والسياسي في جوهر حتى أصدقاءهم الفنانين، وبمجرد التحول النقدي ) اإلنسان-الذات (الواقع لذاك البلد انتصرت وظيفة الفن الشاملة لتاريخ

التي كان يدور في فلكها كل من السياسي والفنان بآن ميةعلى القوالب الخديمكن أن نحاكم الطفرة، فإننا البد أن نحدد مدى االنسجام وألنه ال. معا

طاء والدافع له، سواء أكان هذا الدافع الذي تحققه الحرية ما بين سحر الع . عقليا أو روحيا

اإلنسانية التي ملت مقوالت التثقيف المجتمعي بعد هذا التراكم إنالخطابي على مدى الحضارات تقف اليوم غير منضبطة في اعتباراتها التنبؤية إزاء النموذج الجديد لنصوص الثقافة المرئية، حيث أضحت الصورة

تي قوامها المادة والشكل والداللة، من كالسيكيات التعبير بمواجهة المادية ال

-١٨٠-

الصورة الوهمية التي تعيد صياغة األفكار وصياغة العالم من حوله، في إطار اللغة الجديدة التي تقسر اآلفاق على استيعاب ابتكارات الذهن اإليحائي

الداللة، وبكل األحوال، فإن الصورة التي أصبحت من عالمات.. والمجازي وسيط أو حامل يختبر كل مايضاهي الواقع إلىتحولت في اإلطار التشكيلي

. عليه إلنتاج المعانيلىاويتع

وهم يحتجون على نقاد العربي الذي أغضبته أحيانا أصوات الالفنانعطائه أو تبعيته أو انبهاره، يقف اليوم على حدود الجماهير المذهولة

يقوون على معرفة حقوقهم على األقل، أو بممكنات العصر، والذين الوما . متابعة المصطلحات التي باتت تكوكب كل شيء بما فيها الفنون

منتجات إلىيجري اليوم في االنتقال من الحالة الفنية التي كانت سائدة االختالط الذي يستحق التحليل من قبل إلىالثقافة العولمية، إنما ينبه

ينبهوا إليه من غياب للعقل، وكل ما يجعل األفكار المفكرين فيما عليهم أنعرضة لعبودية الرقابة الشاملة على تركاته من خالل التقنية المتطورة

التام لتجعلها رهينة هذه السلطة الشاملة التي اءالتي ستطال الذات باإللغفقدت صلتها بالتاريخ، وبمعاني التقدم، بعد أن الحت في فضائها شارات

. بدال من التحرر)التوحش( بات الفنان العربي يحس بالمخاوف التي تقصيه عن فعل الخلق لقد

الفني باعتبار اإللهام فعال سابقا على الرؤية التقنية السائدة اليوم في فنون األنظمة الحاسوبية واإلشعاعية، األمر الذي يقصي الخبرة المعرفية، الفكرية

ل ينتج المحامل التقليدية التي ال تفصله وإن كان في الغالب مازا. والمهنيةنهائيا عن مواقع الخوف التي ذكرناها، إال أن استمرار التجمعات التنشيطية

العربي كالبيناليات المحدودة في بعض البلدان دون غيرها، لفنانلذهنية االمنفتحة على تجارب غربية وشرقية طالتها آليات التغيير في الربع األخير

اآلفل، هذه الفعاليات تلعب اليوم دورا نموذجيا في تسهيل عمليات من القرن أن الفكر في آخر القرن ( آخر باعتبار إلىانتقال الوالء الجمالي من نموذج

-١٨١-

الكائن، حنين لم يعد يسنده الرفض إلىيتخلص ببطء وبصعوبة من الحنين ده، ينبغي التفكير في مجتمع الحاضر، ونق.. يحتمل الصائب لحاضر ال

). مجتمع أكثر مرونة وتنوعاإلىوتحويله الشارقة لي المتابع لمسميات وثيمات بينالي القاهرة الدولي أو بيناولعل

الدولي يلحظ هذا االهتمام ببحث القضايا المتعلقة بأزمة المبدع العربي، بل واإلسراف أحيانا في تجسيد القلق البادي على سحنة المنجز التشكيلي العربي،

لخص ذلك المشاركات النقدية العالية السوية في الندوات الفكرية الموازية يالتي جعلت الجدية عنوان الحساسية التنظيمية دون أن يعلو شعور على الشعور بإظهار الحقائق كما هي في إطار أزمة العدالة الجمالية، التي يجري

. البحث عنها من قبل المبدعين عموما بداية هذا القرن، لن يستبعد النقد التشكيلي التنوع الذي بات يطال ومع

إال . قد ال يتفق مع جوهرهاأنماطاكل جوانب الفروع واألصول باعتبارها أنه لن يتجاهل التضخم الذي يطالها بفعل التسارع المجازي للصورة

ار المدمر ومتتالياتها اإلشارية الوهمية، البيئة المبتكرة لتناول جوهر األفكوالمتحلل، الذي يتخلى شيئا فشيئا عن حيويته وضميره وذاته لصالح ما يدعى

. بالتعددية التي تتجاوز المكان والزمان الذي ينعكس أيضا على متلقي الفنون وحيرته تجاه ما يجري بعد األمر

أن كان يستمتع بما يثير حساسيته، ويمنحه الوحدة مع قيمه في كل مرحلة من على أمواج محاوال أن يطفو. راحل التي يخطوها لبناء صورة العالم كما هيالم

المتغيرات التي تجعل المتحف يأخذ شكال مغايرا لمهمته ضوعالصراعات، موالتي يتقلص تواجدها في الحياة الثقافية، وبعد أن .. التربوية، والصالة أيضا

تفي في مجتمعات األمم لعبت دورها المتميز في مجتمعات الطبقات بدأت تخ تاريخية دورها، إلىالشمولية، اللهم إال ما تفعله بقايا الصاالت لإلشارة

. التي حملتها في زمان من األزمانوالمبادئ

-١٨٢-

المنتصر السوق الذي يرسم الهوية الثقافية للمجتمعات هذه األيام هوإنإن : (يرى) ورينآالن ت(باعتباره يمتلك أدوات اإلنتاج اإليهامي، ولهذا فإن

حول قيم غريبة حدعالم اليوم الذي ترى بعض العقول المستعجلة أنه يتوفي الواقع ممزق انتصرت على الفاشية والشيوعية وقومية العالم الثالث، هو

. بين العالم الموضوعي والعالم الذاتي، بين النظام والفاعلينسلطات التي نرى منطق السوق العالمي ينتصب في وجه منطق الونحن

تتكلم باسم هوية ثقافية، فمن جهة يبدو العالم كليا، ومن جهة أخرى تبدو كيف ال نرى في هذه التمزقات التامة تهديدا . التعددية الثقافية ال حدود لها

وبينما يسحق قانون السوق المجتمعات والثقافات والحركات . مزدوجا لكوكبنا؟ تعسف سياسي كلي بحيث أنه ال يمكن يحبس وسواس الهوية في. االجتماعية

ليس التفكير في تاريخ اإلشارة وحده هو الذي . والتعصببالقمعأن يستمر إال يحثنا على إعادة تعريف الحداثة، إنه المواجهة العادية بين ثقافتين ونموذجين للسلطة هي التي تجبرنا على جمع ما كان منفصال، لكن دون استسالم للحنين

. لكون المفقودة وحدة اإلى العواصف التي ستطال التشكيل الغربي في العقد المقبل وما يليه يبدوأن

ستكون أعنف من كل المواجهات التي خاضها الفكر الجمالي العربي إلسقاط .أصنامه واالحتفاظ بروح حريته ومبرر وجوده

-١٨٣-

.. الفنتاريخ

االختالف..اللغة.. الروح

وال شك أن ،ضايا ومسائل هي تاريخ األفكار رحلته، عانى الفن من قفيالجوهر اإلنساني في هذا التاريخ كان األكثر تأمال في مفاهيم الحقيقة المبنية على تناقض الثنائيات بدءا من ثنائية الخير والشر وانتهاء بثنائية القبيح والجميل، وكل

إلنساني الذي يعني مالم نتمكن من الوقوف عنده ألسباب تتعلق بتحقيق هذا الجوهر ا . التطوير والتجاوز أكثر مما يعني الوقوف على هيئة أو شكل أو حقيقة بعينها

يجسد قفزاته الحضارية في آليات التبادل والحوار واالنتقال فاإلنسانواالستفادة من تجاربه وخبراته المتراكمة وفي صياغة خطابه المتجدد

ئل الفلسفية واإلبداعية التي المعبر عن قضاياه المعاصرة ومختلف المساتعبر عن احتياجاته وتأكيد انتمائه لحركة الحياة التي تفرز ثقافتها وتكون أفرادها، بل وتبني خياالتهم وفق منظومات الرموز والقيم والوسائط

. واآلليات والقوانين

وثقافات حوارات، بالحضارة، والحواضر، والذاكرةالمعني تاريخ األفكار كونه أقول

وأزمنتها، وكل ما يتعلق بمعاني التبادل الثقافي، وإذا كان ما قدمته شديد من إليهال ينظر ) الهوية-الذاكرة (اإلطالق، فان التركيز على موضوعنا

أن االختالف في وجهات النظر، والتراثات، إلىهذه الشمولية وحسب، بل انس تعددي، قد يمثل اقتراب ال نفور، ودعوة لتحقيق تج والتوازنات إنما هو

زماننا اإللكتروني، اليوم شكال من أشكال الحلول التي تؤكد على التعدد

-١٨٤-

الحضاري، والتنوع الفكري فيه والذي يمتلك تفاصيل وإشارات التطور فسهاالمستمرة في تغير األزمان، والمواقف والعصور، تصرح كل حقبة عن ن

. وعن هويتها، وذاكرتهايه وسائل االتصال في عصر المعرفة، وما ما تشير إلوبمقدار

استطاعت أن تحققه في عصر التقنية، إال أن كل ذلك المتضمن فتوحات ومسائل إعادة تشكيل الهوية وفق منظومة المتغيرات التي تشكل العولمة أحد أركانها، بمقابل استفادة الثقافات اإلنسانية من مضمراتها اإلرثية باعتبارها

الركائز ال يمكن القفز عنها وإلغاؤها لتعميم مقوالت اآلخر فنونا متجانسة الوحيد الذي ال يريد أن ينكشف، بمقدار ما يريد أن يثبت ثقافته وقيمه الفنية

ادوالجمالية، وهذا ما يجعل هذه النقطة األكثر حساسية في نقاشات النقوالجنوب والمنظرين في المؤتمرات المتعددة والندوات المتناثرة في الشمال

على حد سواء، مثيرة مختلف القضايا والمصطلحات التي تناقش هذا الحقل نتائج أبعد من الحرص من مقوالت هذا اآلخر إلىبالغ التعقيد دون أن تصل

الوحيد، الذي يمتلك كافة الوسائل التي تضمن له القوة والتفوق في تثبيت . تالفمختلف المناقشات لصالح الصراعات التي يفرضها االخ

الذاكرة تراكماتمن جامعة أوكالند بنيوزيلندا ترى إن » كارول شيبارد «األستاذة

اإلشارة تتداعى حول الثقافة والتعددية، وانتقاالت الفنون عبر الثقافات، حقل صراعات الهوية، : بالغ التعقيد يخضع يوميا لمناقشات جديدة ومتباينة

لفنون التي ال يمكن أن تعلي من شأن الخصوصيات الثقافية، أساليب وأشكال ا.. االجتماعي والبيئي والتراكمات الثقافية وتأثيراتها على تجارة الفنون الدولية

تضمين الفن لخصوصية ثقافية، وبروزه دوليا بما فيةتساؤالت تتعاظم حول كي تضمين الفنون تراكمات إلىإن السعي . يؤهله للتواصل والحوار الخالق

لية تشغل الجميع، ونحن ضمن هذا السياق نحلل كيف نستطيع في الذاكرة المحمنطقة جغرافية نائية وقصية على المحيط مثل نيوزيلندا أن نكون، وذلك

-١٨٥-

بتوضيح خلفيات معقدة ومتشابكة عبر نماذج لفنان شهير في مواجهة القرن . )١(»المقبل بحثا عن تميز ومكانة

ة للقرن الماضي، رغم كل كالمها في السنة الخاتم) شيبارد (قالت حقيقة ماثلة، وأن - مثال -التأكيدات التي يفرضها اآلخر من أن العولمة

ثورة االتصاالت واإلعالم الرقمي ستوحد الشعوب والمعلومات والنظم وتقرب بين الناس في العالم، ولعل هذا ما يدعو الباحث والرسام البرتغالي

لعولمة هو الشباب، حيث المجلس أخطر ما في ا: فرناندوآجويار للقول إفريقيا وآسيا وأوروبا واستراليا إلىوالمأكل، القيم والتقاليد واحدة، من أمريكا

في إشارته ) آجويار(ولعل . وكذلك استخدام اللغة اإلنجليزية لغة حديث يوميةيؤكد ارتيابا عاما يطال ) اللغة اإلنجليزية( لغة الحوار الوحيدة الممكنة إلىواقف الثقافية والفنية في أنحاء العالم، بل إن الكثير من الباحثين يشيرون الم هذه اللغة المركزية التي ال يمكن الحوار إال عبرها، ولهذا تشير الباحثة إلى

المعنى الصافي أو الترجمة الحقيقية، أي تقليص إلى) إن يونج آهن(الكورية هذه .. والحاجة إليها قائمةاالختالف بين األصل وترجمته في عملية مستمرة

الحاجة مقرونة بفاعلية تحقيق لغة عالمية واحدة، يشكل تعدد اللغات استحالة عبر اللغة لمرورلترجمة مركزية الخطاب، وفي كل المؤتمرات البد من ا

اإلنجليزية، ولعل ما يستعصي على الترجمة يخلخل الفكرة القائلة إن قراءة . اختالف اآلخر ممكنة دائما

العالمي الحوار رفض حركة فن الشعب في إلى - إذن -تشير بوضوح ) يونج آهن(

كوريا في نهاية القرن العشرين لعالمية الشفافية الحداثية حين اعتبرت العناصر الجمالية المحلية وهي تستجيب لبناء صيغ موازية تحت غطاء الحداثة وما

» مينج جونج «ـكانت حركة البعدها إنما تعيد االنسحاب من التاريخ ولهذا

معها ومع باقي الباحثين في بينالي الشارقةمن حوار مباشر لي )١(

-١٨٦-

التي أعادت اكتشاف جذور الفنون المحلية في اللغة، والثقافة، والتراث الكوري إعادة تقييم إلىالمحلي ووسط مواطنيه، وهذا ما أوعز للحداثيين الكوريين

أي إعادة تركيب الهوية .. حقيقتهإلى الخاصة وتراثهم الذي ينتمون همثقافتالثمانينيات في القرن المنصرم، والتي نقرأ الكثير من الكورية منذ بداية

ما حصل من اختزال في هوية الفن إلىالمالحظات المسجلة على تحوالتها، الكوري، وحصر روح هذه الفنون بخاماتها وتقنياتها أو بالتقاليد المحلية، وذلك

لتي ذكرت لغة الحوار العالمية اإلىسعيا للموافقة بين األصل وإمكانية ترجمته في البداية بأنها البد أن تمر عبر وسائل وتقنيات الشبكات العالمية للوسائط اإلعالمية اإللكترونية، التي تشير إليها ظروف القرية العالمية ذائعة الصيت أو

بأنه الحقيقة المركزية لقوة الثقافة والفنون المعولمة وذلك حين نفهم بأن الما يقية تتضاءل معانيها في الذاكرة بوتيرة أسرع كلما الحدود الوطنية والثقاف

للدخول ) بالضرورة(تسارعت تقنيات االتصال باالنتشار، وان تحقيق ذلك يدفع .في الحوار العالمي

على المناظير الخروج قصدت الباحثة استحضار اللغة إلضاءة العالقة التخيلية للشعوب وسواء

هذا المتخيل أم ال، فان ضياعا إلىوالسبل التي تقتضيها اللغة للوصول واضحا لمعالم هذه الصورة يؤكد ابتعادها عن جوهر الذاكرة التي تؤكد على

جانب أساسي في اللغة استحضارها، بمعنى أن الوعي المتخيل إنما هو . الرمزية التي نعتبر الفن أحد وجوهها

دائما على تعدد وجوه تحققها إنما تسعى - إن هذه اللغة الرمزية بلوبكل األحوال فان هذه اللغة تجمل المفاهيم .. العتبار األفكار مركز الوجود

المتضاربة حول موضوعات الفن وهي التي تسعى لتغيير الحدود التاريخية خروج إلىوالجمالية والتقنية التي تربط العمل الفني بزمنه وتؤدي في الغالب

فات، وكل ما يطال الحوار على المناظير المؤسسة في حدود الواقع والثقا . الدائم والتجربة الخيالية والتواصلية بين تاريخ الفن وتاريخ الروح

-١٨٧-

اللغة التي تسمي وتقطع (إنما هي ) فوكو( فان اللغة كأداة لدى بالمقابلوعندما تقوم اللغة بدورها هذا تحول تتابع .. وتفكك األشياءتربطوتؤلف، و. » خصائصإلىبل استمرارية الكائنات لوحة وتقطع بالمقاإلىاألحاسيس

إلىوهذه اللغة إنما تنحصر في اإلطار التصوري الذي يؤدي في الفنون ابتداع عوالم موازية تقف كالظل للعالم الواقعي الذي نعيشه والذي يشير اليه

)حين يذكر في إحدى دراساته بان هذه العوالم) محمد عابد الجابري(الباحث أعني أن تعاملنا معها، سواء في إسار الدين أو الفلسفة هي عوالم تصورية،

. أو العلم، يقوم على مجرد التصوير ال غير

الخصوصيات تشرذم

عما يجري من تطورات ائباغ هذا ما يجعل الفن العربي حتى اليوم هلفي المسرح الكوني الفني، وهل لهذا السبب لم تبتدع المخيلة العربية

عل واإليجابي في بؤرة الصراع الدولية فيما يخص حضورها الواعي والفاالمحامل التعبيرية المولدة، والتي تعكس الظواهر التي نراها في المجتمعات اإلبداعية األخرى كالذي يحدث في أمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا والدول االشتراكية سابقا، أم أن سلبا يمارس على صيرورتها تذكيه أحداث

إلىبل قد نستطيع القول بأن التسلل .. رية تعمل على نفي تحققهسياسية وفكساحة المتغيرات اإلبداعية الفنية مازال مرتبطا بمجموعة المتغيرات التي لم

. يتم تحققها بعد في المجتمع العربي ينبغي الجزم بإجابة محددة حول هذا الموضوع، خاصة على الصعيد ال

لغات قطرية، ولتشرذم خصوصياته إلىفيه العربي، النقسام التشكيل مثال أهداف قد تبدو متماثلة في جوهرها، إال أن السبل إلى عوالم تسعى فيالفنية

واآلليات والطرقات التي تسلكها تعكس األزمة الحضارية التي تعيشها الثقافة . العربية وهي تسعى لصياغة مشروعها

مس حقول الزمن كانت قلة من الفنانين قد استطاعت إن تالوإذااإللكتروني فتقلصت المسافات فيما بينها وبين لغة الحوار العالمي، فان هذه

-١٨٨-

القلة إنما دخلت هذا المضمار من بوابة اللغة المفروضة التي تحدثت عنها الباحثة الكورية، أي عبر تعبيرات اآلخرين، والذي يحلو للبعض تسميته

حدة أن سيطرة اللغة الواإلىضهم بل يؤكد بع بالحوار الحضاري العولمي، الفي ) علي حرب(على سائر اللغات ال يمكن أن تخيف أحدا، وهذا ما يذكره

خوف من أن تسيطر لغة واحدة على سائر اللغات، ال«: كتابه حديث النهاياتفالحياة تولد الشبيه بقدر ما تولد المختلف، حتى الواليات المتحدة التي يخشى

ل عالما واحدا متجانسا، وإنما هي عالم مفتوح على من هيمنتها، ال تشكخوف من المختلف، ونسق مركب يستوعب المتعدد والمتنوع، كذلك ال

سيطرة لغة الرقم اإللكتروني، الشاملة والباردة، على لغة الكالم الحميمة والفردية، فلغة الحاسوب هي في النهاية امتداد للكالم البشري الذي يشكل

. »ط إمكانهاأساسها وشر المستقبل في ضوء ما يتغير وكل ما إلىتطلعا ) علي حرب( رؤية تقدم

المكان، الزمان، الحضارة، الذاكرة، المدينة والمجتمع، الواقع «ينقلب وال أدري إن كان نفي الواقع بكل مجرياته » والحقيقة، الثقافة وصناعة الحياة

ي الذي يقصده الكاتب، خاصة الوعإلى الواقع أو إلىيمكن أن يحقق السبيل كيف يستطيع الوعي أن يمتص ) هيجل(حين نعيد التساؤل الذي يطرحه

ويدخل في بنيته ما ليس هو؟ أي كيف يكون السلب سابقا على الوعي، وهذا كيف «في كتابه ما بعد الحداثة، حين يكتب ) سامي أدهم(ما يعيد صياغته

. » الواعييتقوم قوة عمياء، غير واعية لترفع الوع إلى للسعي - ظل هذه المقوالت تحتاج الفنون، ومنها الفن العربي في

اللغة الفنية العالمية المعاصرة، أي إلىاعترافات دولية بوجودها، بأن تترجم الوقوع في براثن عدم التكافؤ والهيمنة وكل ما قام النقد برصده حين اعتبر

عى للحصول على التقدير الفنون في األطراف إنما هي فنون تابعة تسواالعتراف بوجودها من قبل الخطاب النقدي الغربي، أي عبر لغة الهيمنة الفنية للمركز، ولعل المتابعين لمشاركات األفراد والدول في األنشطة المركزية األوروبية يرون نوعية المشاركات التي يوافقون على عرضها،

-١٨٩-

ل الرؤيا الحقيقية للفنون في مستويات ال تمثإلىويتأكدون من انحدارها بلدانها، بدال من التوغل في خصوصيات األبعاد الجمالية والنفسية والفلسفية والعقائدية لشعوبها تقوم بتقديم القشور الفولكلورية والموضوعات الوسطية

أو . فمثل هذه األنشطة تقبل مشاركة المنفيين من لغاتهم.. النائية عن اللغة األمعلى أنه ميزة القرية العالمية وهوأن ) آهن(حثة الجمالية الكورية ما تؤكد البا

. مواطن القرية العالمية البد أن يكون أجنبيا

والهوية والعولمةالذاكرة بين القرون، أو المضي في الزمن الجاثم على عديد الشهادات االنتقال

نتهي اإلبداعية، يقتضي توفر عناصر محددة لبناء موضوعات العصر الذي نويبرز هذا األمر في الفكر والثقافة والفنون باعتبارها تعيد طرح الذاكرة . إليه

اإلنسانية وفق االختيارات المتجددة، وفي إطار الفضاءات الحوارية التي تعني أي االنقالب بالمصطلحات . أيضا تميز االنقالبات في المفاهيم والرؤى والقيم

ون أخرى لتحقيق النجاحات التي تؤمن على ما كانت تهيمن عليه في فترة د . اندماجا حضاريا لقوى المجتمعات الذاتية

اإلنسانية في حراكها التطوري الكثير من شكيلية القت الفنون التوقدالصدام في آليات االنتماء الذاكراتية، وباالرتباط بكل ما يعطي منجزها

إلى القرن العشرين التراكمي مالمح الهوية التي كانت الشغل الشاغل لنقدكما أن .. جانب طروحات الشمولية والعالمية واالنتماء للحداثة وما بعدها

التحضير لدخول األلفية الثالثة بادراك النظرة الفلسفية للعولمة ومتطلباتها يبرز في السنوات األولى لهذا القرن عبء التعارض بين العقل البشري ومناهج

وافقات تتعلق بالتوازن في العالقة مع المركز وكل التفكير التي ينتجها لبناء ت . على أبعد تقديرهما يترتب في االبتعاد عنه أو في تشظيت

نظن على اإلطالق بان قضايا كالذاكرة والهوية أو العولمة هي قضايا التخص المبدع العربي دون سواه، فهي قضايا إنسانية تناقشها المؤتمرات

وار الفكري والثقافي، ومادة أساسية للنقد بشكل عام والندوات، وتشكل مادة للح

-١٩٠-

ولكل ما تحتويه المجاالت والصحف والدوريات واألبحاث مما يشعرنا بأننا نظرنا وإضاءة الجوانب وجهةدائما في إطار الفكرة المطروحة لتأسيس

المتعلقة بإبراز أفكارنا وأفكار من نحاورهم أو بإظهار أحكام اآلخرين على . قضايا الجمالية لتوسيع النظرة واإلكثار من احتماالت تقليب األمورذات ال

السطح الرجراج للزمن في ثباته االصطالحي بينما إلى واإلشارةتنهض روح الشعوب لتجديد حقيقتها وهي تعيد صياغة ذاتها في مرورها بهذا

وال ننكر خصوصية هذه الشعوب في طرح قضايا كما أشرت، بل إن . الزمن قيمة الروح وهذا ما حاولت إلى الخواص تمنح الصوت قوته في اإلشارة هذه

هل الفن جزء من «التركيز عليه في بحثها ) جاال أيرزن(الناقدة التركية حقيقيا أن الصغار والهامشيين يريدون دائما أن قد يبدو«: حين تكتب»افةالثق

ياء سياسيا تأخذ ما يمكن يلتصقوا بقيم خاصة أكثر تقليدية، بينما ثقافات األقو : أن تأخذ من الثقافات األخرى وتستفيد منها دائما

يثبت صحة ذلك في فن ما بعد الحداثة، فقد أخذ بحث الفنان عن والتاريختعددية الهوية سمة فردية تتناول الجمالي من الشخصي، مما دفع باإلقليمي

هناك ذوق السوق .. دة أن يصبح مرة ثانية قيمة مستعاإلىوالفطري الطبيعي . أحكام القيم ليست حرة دائما-وخيارات البيع حسب السياق العالمي

كانت تحل ضمن التركيبة الكبرى للمجتمع ) الهويةأو( قضايا الروح إنيزال قضية المجتمعات والفن كإنتاج فردي كان وال. وضمن الدين تاريخيا

اصرة فإن الفن ال يمكن أن يكون الدنيوية غير الدينية، أما في الحياة المعالثقافة تهم معظم حاجات الحياة، الفن يصبح سلعة ومسألة «: جزءا من التقانة

مسائل المحلية والعالمية في الفن ال تتحدد .. جمهور الفن أيضا تصبح قضية في أطرها الفنية فقط بل تتسع، ولكن الفن الحقيقي خارج الحدود، بل هو

. » واالرتباط بهالوسيلة لفهم اآلخر رورة اإلطالقية والشمولية عبرت الناقدة التركية عن لغة الفن وضبهذه

الباحثة اليونانية ) سكينا أثينا(ترسيخها لتمكن المجتمعات من التحاور، بل إن

-١٩١-

كائن حي متجدد، متغير، متطور باستمرار «في الجماليات ترى هذه اللغة ، ويتقبل الفن بذلك باستمرار التجارب تتداخل فيه العناصر القديمة بالجديدة

الفن خير أسلوب للتعبير .. وكل جيل فني له تعابيره وخبراته.. الحية الديناميةبين الشعوب وأفضل وسيلة للتخاطب الرفيع المستوى المعبر عن بيئة

) هويته(والفنان يظهر سماته وخصوصيته وذاته فيما يرسم مشكال .. محددة . » الهوية كعازل بين الفنان والعالمإلىوال ينبغي أن ننظر

دولية نسقتها في الدورة الرابعة لبينالي ندوة المسألة طرحت في هذهوقد تحدث العديد من الباحثين والفنانين العرب ) ١٩٩٩أبريل (الشارقة

واألجانب حول هذه القضايا زاد على الستين مشاركا في محاور كنت قد مغلوب لمحاكاة الغالب في العالقة مع الغرب أعددتها آنذاك حول ميل ال

واالنبهار به، واإلعالئية في تفسير العالقة مع اآلخر، واألنا واآلخر وسبل صياغة الهوية، وما يتعلق بالعولمة وتحديات القرن الحالي وغيرها من المحاور التي تشترك في تطلعاتها لتمتين جسور اكتشاف الفن وتسهيل عالقته بالحياة

اوز مشقات التطوير التي تقتضي الرؤية والتعبير عن هذه الرؤية وكل ما لتجيحلم المبدع بتحقيقه دون كثير حاجة للبرهان على التصاقه به وانبثاقه منه،

. باعتبار اإلبداع الطاقة الخالقة لإلنسانية التي تنتج الثقافة والفنون والحضارةليين العالمي في اليابان رئيس فرع اتحاد النقاد التشكيهاريوايشيرو،

يؤكد إن معنى الهوية في الفنون اآلسيوية مركب ويصعب استيعابه، ويقارن في ندوة لالتحاد أقيمت في اليابان بين الفن الصيني والفن الياباني على سبيل المثال لتأكيد وجهة نظره، وفي الوقت الذي يرى إن الحداثة الصينية موقوفة

فإن فنون هاي اليابان وكوريا وتايوان وغيرعلى العروض الخارجية، فالتنصيبات وفنون األرض وغيرها هي فنون ليست مقبولة في الصين وعلى

التقسيم ثالثة مستويات هوإلىهذا الفن ) ليكسيانتينج(هذا األساس فان تقسيم » األدباء«تصوير : الواقعية وما يساندها أكاديميا، الثاني: الصحيح، األول

. كل ما ينشد الحداثة: ى إلحياء وتطوير التراث والثالثالذي يسع

-١٩٢-

بأن التصوير الصيني يتميز عن مثيله في اليابان بأن ) ايشيرو (ويؤكداألول وعبر دارسيه الذين تلقوا تعليمهم في الغرب، تمكن من صياغة توجه

التراث والرسم الوطني بينما شكل التصوير التراثي في اليابان إلىواضح الثقافة اليابانية ومنذ القدم كانت أقدر على تمثل وقبول ونين منفصلين كاتجاه

الثقافة األجنبية، وهذا ما دعم سبل التحديث في المجتمع الياباني وجعلها بطيئة في المجتمع الصيني، إال أن كال المجتمعين كانت لهما شروطهما الصطدام

. محاوالت التحديث بالوعي النقدي فيهااحث بأن ذات الشيء ينطبق على الفنانين الصينيين في البويضيف

من جامعة سيدني في استراليا، كان قد ) جون كالرك (ـالخارج حسب مقال ل األراضي الصينية في المستقبل إلىالفنانون الذين يفكرون بالعودة «: ذكر فيه

هيختارون تصوير المناظر الطبيعية، وهذا األمر وإن بدا في ظاهره بأن الوطن إلىار فني فإنه في عمقه اختيار سياسي لمن النية لديهم في العودة اختي

مساندة النقاد إلىولهذا فهم دائما بحاجة . إذ تسكنهم مسألة الهوية الوطنيةومنظمي المعارض حيث يعيشون للتعريف بهم وبفنهم الذي يختلف في بعض

لحديث عن ضيق متحقق على األراضي الصينية، حيث يمكن ا جوانبه بما هوأفق النقد بموازاة وقائع الفن الصيني الذي يتحرك في أطر غير معلنة أو أنها ال تلقى القبول الرسمي على أساس أن هذه الطليعة هي نتاج السيطرة الغربية

، ولعل هذه )وهي التي نجحت في تصدير الفن الصيني الحقا(على الفنون أيضا حيث يركز أغلب الفنانين على الفكرة تتسع أحيانا في جنوب شرق آسيا

االستمرار بتصوير األساطير وفنون العرض التراثية التقليدية ليصوروا . مباشرة تناقضات بلدانهم بدل أن يشكلوا امتدادا للحداثة المحيطة بهم

الدعوات الخارجية للفنانين في الصين تتيح لهم اليوم الوقوف أكثر على إنل هذه الدعوات في السنوات األخيرة أتاحت لهم انتشارا المتغيرات، كما إن مث

واسعا في اليابان وكوريا الجنوبية والواليات المتحدة وفي عروض الدول األوروبية كبينالي فينيسيا حيث دعي الفنان الصيني كاي جوكسيانج ليشارك في

، نلبينالي ليوكما دعي ثالثة فنانين ) لالماضي، الحاضر، المستقب(موضوعة

-١٩٣-

وهنا يجب أن نفهم القصور األوروبي والدافع القوي لديهم إلحياء قوتهم الثقافية . طموح دعمه تشكيل السوق المشتركة بمواجهة الواليات المتحدة، وهو

كاترين ) الدوكومينتا(ومما كتبته منسقة يشير الباحث هاريواويستغربن العالم الثالث في ديفيد بأنه ليس هناك داع لشمل الفنانين الحداثويين م

ولعل هذا السبب . في مواقع بيروقراطية- بشكل أو آخر - المعرض ألنهم العديد من الجهات في مختلف أنحاء العالم إلنشاء وإحداث منظمات يدعو

المحافل يومؤسسات تحمي فنونها من جهة وتوثق لها وتدفع بها للمشاركة فن عن تأسيس المركز العربي الدولية من جهة أخرى، وهذا ما كان حين أعل

للفنون في الشارقة الذي يدفع في توجهات الختراق الحدود وجعل الفن العربي يشارك في مختلف التظاهرات واألنشطة الدولية إسهاما في حوار حضاري

إلىإنساني، كما أن مؤسسة اليابان لمركز آسيا دعت في الخريف الماضي صر، واقترح في هذا المجال ناقد تايالندي إعادة النظر في الفن اآلسيوي المعا الفنانين اآلسيويين في المعارض بإشراكإنشاء منظمة دولية مشتركة لتدفع

كما أن أولوية العمل اآلسيوي المشترك سيمكن النقاد . الدولية في أوروبا وتعاون في أرجاء المعمورة عبر صياغة تصور اروالفنانين من خلق حو

واالنطالق في المعارض الدولية التي تشكل صورة العالم استراتيجي لالنتشار . والتي يجب أن تكون كافة الشعوب ضمن مقومات وجودها

هذا اإلطار تأتي األنشطة الدولية في المناطق المختلفة من العالم فيكالبيناليات المختلفة في اليابان ومصر واإلمارات وبنجالديش وألمانيا وغيرها

فر في أنشطتهم المواصفات الدولية الفعلية، كما أن الملتقيات الكثير ممن ال تتوالنحتية والغرافيكية الدولية، المؤتمرات البحثية، وغير ذلك مما يمكن أن يؤكد

موقع لها في التعبير عن واحتاللالقلق المتنامي لدى المجتمعات الختراق عزلتها .. تقليدية التي حاصرتهاهويتها وطريقة تفكيرها والخروج بالتالي من األطر ال

روبية كفرنسا على سبيل ا نلمسه اليوم في بعض الدول األو أن مكماالمثال مما تستشعره من خطر على ثقافتها وفنونها بمواجهة المتغيرات الدولية

١٣م -بؤس املعرفة

-١٩٤-

يصب في ذات االتجاه ألنها تخاف على تراثها وثقافتها وبالتالي فهي تحرص تمعها، وعلى غرار حكاية الصراع على أسلوب حياتها ونمط تفكير مج

الحضاري اإلنساني تهمس إبداعات الشعوب بخطر الذوبان ورياح التنوع واعتبار التقليد وسيطا قابال للنقض إذ يستحيل وراثة الذاكرة دون نفي هذا

. التقليد، كخطوة أولى للتطوير كاثرين وبستر تؤكد في بحث لها دعته التعبير عن الذات فيالناقدة

محيط الثقافات بأن الفن النيوزيلندي يجهد في بناء هويته، ولكنه يجد البعد ئومساو في الوقت ذاته معنى لعيوب النجاحات والتقدير دوليا، ويجد

تركيبة سكان . عن مركز العالم الفنية، ومن ال يعي ذلك يهاجر في بلدان العالممح صراعها من أجل نيوزيلندا وجغرافيتها وفترة االستعمار تشكل بعض مال

، )الماوري(، أقلية سكانية أصلية )لغة مستعمر(الهوية، لغة إنجليزية .. مهاجرون من أوروبا وآسيا مبكرا جدا تقاليد وعادات أو روبية

ذلك تنهض إليه روح قومية جديدة لتجد صوتها الجديد وتتعلم كل عن بيئة خاصة في لقد وجد تدريجيا ذلك الفنان الذي يعبر.. أغنيتها وفنها

منطقة جزر المحيط الهادي، ويحاول أن يظهر لآلخرين تلك الخاصية المحلية ضمن خليط هجين من ثقافات أوروبية وآسيوية، ليجد موقعا بين الثقافات

! أال تستحق ذلك؟.. لهوية قومية ناهضة كلمات التحذير قبل أن تنهي األفكار الفلسفية ترسيم ض تلزم اليوم بعقد

يحصل رؤيا شاملة ألحوال الهوية والذاكرة في إطار دودها واعتبار ماحاالستشقاقات العولمية والتي يمكن أال تتعدى التمهيد لما هو أوسع تدميرا حسب الترتيب الزمني ألولويات المستقبل، فجاذبية التغيير والتطوير تلغي في

كما أن شمولية التصنيع تحركها الكثير من التفاصيل الجمالية للفكر االجتماعي وفي هذا المقام يذكر .. تتضمن بوضوح جوانب تدميرية للتقاليد التي تسبقه

: في مقال له قصة شخصية حدثت معه فيكتب) ايشيرو(الصديق السوري الذي يعد من أبرز . دعوت أدونيس١٩٨٠ العام في«

الشعراء العرب، وهو يعيش في باريس ويدرس في السوربون، دعوته

-١٩٥-

لمشاركة في حوار مفتوح في يوكوهاما وكيوتو، وقد أبدى أسفه حينذاك لللحالة الصناعية المتأمركة التي وصلت إليها اليابان في الوقت الذي تمتلك فيه

تقاليد قديمة ورفيعة في أماكن مثل يوكوهاما وكيوتو وغيرها، طوكي وأشرت ألدونيس إلى رحلة العودة بالقطار من كيوتو وخالل

رحلة القطار هذه كانت تستغرق نصف يوم وتتطلب المبيت في كيوتو، بأن، قلت »القذيفة«بينما ال تستغرق اليوم سوى ثالث ساعات في القطار المدعو

له بأن كثرة العمل ضخمت الشعور بأن العالم قد غدا مقرا مؤقتا، وأن الحياة لتصنع موجود في تعدو وتتالشى، وبعيدا عن مناقضة الحساسيات التقليدية فا

ذات الوقت، ولهذا قلت ألدونيس بأنه نصف محق ونصف مخطئ، وحين سمع كلماتي أطرق تائها في أفكاره ومشاعره المتناقضة، وقد بدا ذلك جليا

. على وجهه متصالن، التصنيع والتقليد، االثنان جانب من الفن الحديث يكون في

ر تقليدية في التنصيبات فإنه يمكن بأنه عندما تتوفر عناص) كوندو(ولهذا أشار اعتبار أن االستشهاد بها وإعادة إنتاجها إنما يتم على ذات مستوى العناصر

النتقاد عدم جدوى البحث ) ميناميشيما هيتوشي(الحديثة، وقد يكون هذا ما دعا المحموم ألفواج من اليابانيين عن هوية فردية، وإذا افترضنا بان دوافعه لهذا

نت سليمة فان نبذه للهوية الوطنية لذاتها هو إما تهور أو أنه أمر ال األمر كا .يطابق الواقع

والذاكرة في التجربة التشكيلية الصينيةالهوية مشروع الذات في اختياراتها التحررية واالنقالبية، لبناء دور الذاكرة

ت على نقدي لإلبداع، وعندما نتمكن من بناء وإدارة هذا الدور تكون هذه الذا أخرى، أي بناء دفاع بصري إلىأبواب إرادة تحقق لها التحول من هيئة

يعزز التدرج في القبول وتجاوز القيود المفروضة ومن ضمنها التداول والممارسة والتراكم، التجربةالمعاصر لألفكار التشكيلية التي تتكامل بفعل

إلى تعريفه استنادا وبفعل المزج بين التاريخ وسلطان الواقع إلنجاز ما يمكن

-١٩٦-

المعطيات الفكرية والفلسفية التي تشغل العصر وتمهد لألسباب التي تضم ما كنت أشرت إليه في المقال المنجز الشامل، وهذا إلىخبرات اإلبداع الذاتية

ل بالتصور الذي تنجزه التجارب الوطنية والقومية لنقل تجاربها التشكيلية األو جنب مع التاريخ إلىضع التاريخ الذاكراتي جنبا المحافل المركزية لوإلى

الشخصي للفنانين، أي إبراز التقاليد الثقافية التشكيلية في صعودها باالستناد في اإلنجاز إلبراز رغبةعلى حجم العمل المنجز وصدقه في التعبير عن ال

ة الهويإلىإمكانات التكيف مع نظم اإلبداع اإلنسانية التي تتجلى في الدعوة .. حينا والنأي عنها حينا

قوى سياسية، ولعل إلى على القيم المشتركة وتحويل الروح التركيزما تواجهه الدول الصناعية الكبرى يدل على أنها ال تسير في اتجاه التحضر قدر ما تدمر مجتمعاتها، إذ أن توحيد الماضي والمستقبل يسحق الحاضر

وليست الحرية .. االختيارات العامةويلغي الفضاء العام الذي تتخبط فيهالشخصية وحدها هي التي تدمر، بل إن االنتماءات الثقافية تدمر كذلك،

المنظمة حول قدرة اعيةالشمولية تدمر المجتمع كشبكة من العالقات االجتمويحل .. متزايدة على اإلنتاج، وتستبدل بها تعبئة هوية لخدمة قوة جماعية

. التاريخ محل المجتمعلي « ما يراه آالن تورين في فقده للحداثة، أما الناقد التشكيلي الصيني هذا

-فانه يرى بأن الصينيين قد تعرضوا خالل القرن العشرين » تسيانج تشينج وبشكل مستمر للتأثير الجسيم لما يمكن دعوته التفتيت -وخاصة المثقفين

ا فاعال أدى بالناس للبحث الثقافي، وبذات الوقت فإن انهيار الثقافة قد لعب دور . نظام جديد من القيم الثقافيةإلى هوية جديدة، وبالتحديد التحول إلىوالتحول

للواقعية في بداية القرن المنصرم على مفهوم صين ارتكز اختيار الوقدجديد يهدف للمشاركة في العالم الحقيقي، والذي كان يختلف آنذاك عن فلسفة

عليها ثقافة األدباء التقليدية، ولعل في عدم اختيار االنعزال التي انطوت الصين للفنون الحديثة التي كانت رائجة في الغرب، إن المفكرين والفنانين في

-١٩٧-

تلك األيام قد آمنوا بأن الفن الغربي الحديث والرسم الصيني بحسب تقاليد واقعية األدباء منحازان للفرشاة الحرة وللتعبير الذاتي وأنهما بعيدان عن ال

وعن الواقع الموضوعي، ويمكن ببساطة القول إن تلك الضربات الحرة إنما بينما تمثل الواقعية الموضوعية عزال،تمثل الذاتية والهرب من الواقع، واالن

المشاركة في الواقع، واالستنارة، وقد شكل هذا الخيار نقطة البداية بالنسبة . للجهود الصينية في بنائها هويتها الجديدة

االهتمام بصياغة هذه الهوية، األمل في فتوحات تتجاوز المجتمع شكلالتقليدي آنذاك، وكأن قوة التحرر إنما تكمن في الرؤية الجديدة التي ستحمل مصالح األيديولوجيا، وتنقل الذات اإلبداعية خارج حدودها والتنعم فيما بعد

من متعة في حين كان بمرحلة يخيل للناس فيها بما تولده األعمال المنجزةالعالم يهرول في أزمة مختلفة تكلله شهوة االستهالك، باحثا عن أجزائه

وقد ترتب على التفكير الجمالي والبصري في الصين أن يقدم .. شظيةالمتنظام قيم يتناسب واألفكار العامة المطروحة بإدخال أسلوب فني جديد،

على هيئة واقعية ثورية » ماو« على السطح إذ صاغها فظهرت الواقعيةبخصائص صينية مميزة، ورغم هذا التحويل األيديولوجي فان شروط الواقعية

أي منذ الثورة الفرنسية وما تالها في الثورة .. ذاتها بقيت دون تغييرالروسية، والنازية، وعصر لينين وستالين وما جرى في الصين خالل الحقب

التزمت الواقعية في الفن .. ثقافية الكبرى، حتى الثورة ال وفي فترة ماوالوطنية التي فرضتها أيديولوجيا الدولة، ياسيةوباستمرار بوجهة النظر اإلجرائية والس

.فهي لم تمتلك نظام قيم جمالية يمكنها استغالله وتحقيقه الصين هذا التصور، واإلقرار به أسباب وعوامل ال شك ولقبول

قافية ذاتية قادت الفن باتجاه ما يعبر عوامل ثإلى» تشينج«يعزوها الباحث روج «أو » يجب أن يروج الفن لألخالق«عنه في المقوالت والشعارات

. »لألخالق بتلقين الدروس

األدباء المثقفين، وما كان يشكل التيار وتصوير ساللة السونج، منذالرئيسي من الفن الصيني، انفصلت األخالق عن التصور المنفعي للفنون،

-١٩٨-

لم يسع لإلخالص - من الناحية الجمالية - أن الفن الصيني إلى إضافةللحقيقة الموضوعية كالواقعية الغربية وذلك راجع للروابط الحميمية بينه وبين

وفي هذا المجال فان الحرية المميزة لحساسية الفنانين األفراد .. فن الخط بالتأكيد العنصر كانت أشمل في الفنون الصينية، والحرية في هذا المقام تمثل

. األكثر أهمية في الفنبر عندما ظهر أسلوب الرسم بالح١٩٣٠ نصف قرن، منذ العام لمدة

اخر السبعينيات عندما انتهت الثورة الثقافية المرتكز على الواقعية وحتى أوالمسيطر في تيار الواقعية، إال أنه ال يمكن أن الكبرى، بقي هذا األسلوب هو

قد استمرت في التعبير عن » تراث األدباء«لنظر التقليدية نغفل بأن وجهة ارأيها بطريقة أو بأخرى، وقد استطاعت بعد الثورة الثقافية الحصول على

هل تستطيع : مكانها الصحيح ليبقى السؤالإلىالموافقة من السلطات بالقفز . هذه الشجرة التي شاخت وهي تحمل ندوب المعارك أن تزهر ثانية؟

بفترة » لي تسيانج تشينج«ة السبعينيات برزت ما يدعوها نهايفي الغرب، والتي يالتفتيت الثقافي الثانية، الصدام الذي أججته التغيرات ف

انتشرت كالهشيم في النار عابرة األرض نتيجة حلول عصر المعلومات والتطورات الدولية على الساحة السياسية واالقتصادية والثقافية والتي سرع

يرتها مقوالت العولمة، ما اضطر الصين لفتح أبوابها مرة أخرى من وتليكتشف الصينيون الهوة الشاسعة التي تفصلهم عن العالم ووجد الفنانون

. عن الفن العالمي- بال رجاء - أنفسهم منقطعين حقيقة أن اتجاهات إبداع إلى اللوم في تفتت القيم الثقافية الصينية ويقع

- تقاليد التصوير بالحبر حسب تراث األدباء «جملها الفنون العصرية بم صياغة نظام تحولها من الثقافة نلم تتمكن م» والحداثة-الواقعية المحدثة

ما ندعوه اليوم الفن المعاصر، وفي معظم الحاالت فإن تلك إلىالتقليدية األساليب بقيت متباعدة عن بعضها، بل إنها كانت تصطدم فيما بينها

، األمر الذي كان يشتت طاقات المبدعين ويدعوهم لالعتماد على باستمرار . قوى من خارج ساحة الفن لمساندتهم

-١٩٩-

جانب التصوير التقليدي بالحبر، مثال دون شك التيار إلى فالواقعية،وقليل . الرسمي القويم لتقاليد القومية الصينية، وللثورية في العصر الحديث

ه األساليب يهتمون بمواجهة القضايا التي يتعرض جدا من الفنانين الممثلين لهذ لتغدو في إطار الفن المعاصر، ويمكن القول بأن هالها عالمهم فيعيدون تشكيل

وتحسينه مازال يشكل هدفا للفن في الصين، والسبب يكمن في أن » التكنيك«الصين غير قادرة على بناء نظام قيم يتناسب وثقافتها المعاصرة الخاصة،

ازالت متعلقة بأطالل المدارس الفنية المختلفة وببعض الجماليات فهي م . الكالسيكية المنفصلة عن الواقع، واقع الناس المعاصرين

المعاصر، الذي تأثر بالفن الغربي الحديث والمعاصر، يقدم الفن طريق إلى استقاللية الفن وإلىوعودا براقة في عالم الفن الصيني، لدعوته

تيحاوالت ال تتوقف اليوم لالنعتاق من األغالل الفنية الالحداثة، والمفرضتها أوروبية الدولة في الفترات السابقة، ولهذا فقد بات يبحث عن قيمه

فضاءاته الثقافية، واألمكنة النابضة بالروح والعقلية إلىالخاصة والعودة المعاصرة، ولعل التحدي الكبير الذي يواجهه الفن الصيني اليوم وهو

يستوعب التجربة الغربية ومدى تأثيرها على الفنون هو نبذ االحتواء في نظام القيم الغربي، فتطور الفن الصيني المعاصر خالل العشرين سنة

الحديث غربيالماضية كان أساسا عملية هضم وامتصاص لمفردات الفن ال في والمعاصر، وبفترة وجيزة شاهدنا كيف قلد إجماال كل األساليب الغربية

القرن الماضي، وقد اعتمدت التيارات الفنية المختلفة في الصين في تشكلها على نوعية المعلومات القادمة من خارج البالد وهذا ما أكد لظهورات التأثر

. بالعولمة وهيمنة الغرب حين كان الفن والفنانون في الصين يسعون لالنخراط في وفي

ن الخطر بدأ يعاود ظهوره فيما المتغيرات التي تؤسس لهوية معاصرة فايمكن أن نعتبره استقطابا شكليا للفن الصيني في المحافل التشكيلية الدولية

أكثر ورالغربية مثل بينالي فينيسيا والدوكومينتا في كاسل حيث بدت األم

-٢٠٠-

، كان مقياس اختيار األعمال استفادتها من الرموز الصينية السطحية تعقيداخصائص الفريدة التي يسهل فهمها، ولهذا نرى تصريحا الإلىواإلشارة

أغسطس «في المؤتمر الدولي لمنظمي المعارض الصينيين » تشينج«للناقد األعمال الصينية التي تشارك في المعارض الكبرى «: يقول فيه» ١٩٩٨ -

الغربية ال تتعدى أن تكون مقبالت خفيفة على المائدة الدولية، فالمعارض ب، وتحكم العالم الفني الدولي القوانين الموضوعة بمفاهيم نوع من اللع

غربية ومحددة بالنظم الدولية السياسية، ولهذا يختار القائمون على مثل هذه األعمال الموافقة لحساسيتهم الخاصة، »امن الصين وغيره«المعارض

والمتشابكة بطريقة أو بأخرى مع النظم السياسية القائمة، وقد يختارون اال محددة دون زيارة البلد المقصود، فعجائن المقبالت أسهل اختيار، أعم

وهي تطابق فكرة تذوق الغربيين للطعام الصيني، ودون أدنى شك فان للفن مسالك شائكة كما هوإلىالصيني خصائصه الفريدة، والتطرق إليها يقود

. الحال في تعريف المطبخ الصيني األبد، والبد أنهم إلىهم وتقاليدهم يريد الصينيون التشبث بأفكارال

كغيرهم من المحامل التشكيلية الدولية ينشدون االستفادة من منطق تطور ولعلهم يودون االستفادة من فرصة التحوالت الدولية لوضع شروطهم ياةالح

لقواعد الجمال في فنونهم المعاصرة، وما يجب أن يقال هو إن الفن المعاصر جمهوره في الصين، اليوم، وفي المستقبل، أو عن ال يمكن أن ينعزل عن

لإلنسانية كان القائمون على .. الحيز الجغرافي الشاسع الذي تمثله الصينإعداد المعارض الدولية أو المشاركين بها يبدون مالحظاتهم على لعبة أدق استيعاب لمفهوم الفنون الصينية الناهضة اليوم التي تؤسس لموضوعاتها

وتقنياتها وبالتالي فهي تحاول أن تفرض هويتها في الحيز الكبير وأساليبها . للعبة المعارض الدولية

كل األحوال، ومهما اختلفت وجهات نظر الصينيين حول فنونهم، وفيأو اختلفت مع آراء مثيالتها في التجارب اآلسيوية، فانه يجب اإلشادة بالجهود

-٢٠١-

البحث والمؤتمرات وإخضاع الساعية لطرح القضايا الجمالية على موائدالخالفات لنقاش جاد فيما بينها من جهة، ثم فيما بين تلك الفنون وفنون الغرب التي تحاول تثبيت الثوابت، وتقويم الزمن لصالحها بابتداع آراء وسطية فيما

، حيث لم يعد النهوض الجمالي »القارة األمريكية«بين الشرق وغرب الغرب د بإزاحة المراكز عن مواقعها، فقد مارست أمريكا هذا اآلسيوي المبشر الوحي

القرن الماضي، وهي تجني ثماره اليوم، تلك التي نجدها تالدور منذ ستينيافي آراء العديد من النقاد واألكاديميين والباحثين في قضايا الجمال في آسيا

. بحثا عن مكان يتموضعون فيه في التاريخ الجمالي العالمياليابان، «يذكر في كتابه » ناواراجي نوي«ياباني الشاب الالناقد

وإذ تشير .. العالم المعاصر، الفن، بأن يابان ما بعد الحرب ليس لها تاريخ القدرية واألبواب المغلقة، فهو يسعى كغيره من إلىمثل هذه المقولة حذف الوحشية من التاريخ، أي من الذاكرة، وهذا إلىالباحثين الشباب

يخص شعبا دون آخر، ففي روسيا نشأت منذ البيروسترويكا ما الالمنطقفي األدب، وهي مدرسة تحاول عبر » مدرسة الذاكرة«يمكن دعوته

ا الذكريات أن تعيد صياغة ما حدث، وهذا األمر وارد أيضا في أوروب حذفها من إلى ال يمكن حلها بتجاهلها أو الدعوة لمشاكلالشرقية رغم أن ا

ا إلىنسيانها، فالطريق الذاكرة و الحرية واإلبداع ال يكون إال بالحفر عميقفي جذور المشكلة، سواء في الصين أو في الفنون العربية، أو اليابانية أو غيرها مما يستحق التواصل معه لتخطي األزمات التي تواجه اإلنسان

.المعاصر، وتواجه فنونه وثقافته

-٢٠٢-

اإلنسانية، الضآلة

الشمولية الساخنة للعوملةالذوبان

حتى ناطحة سحاب، أوكلمة كهف، أو بيت .. مطر، أو برق، أو رعدكلمةوكلمات أخرى كثيرة، بات تردادها مثيرا .. كلمات طمأنينة، وسكينة، ودفء

عالم الثورات المتوازية والمتقاطعة، الشفافة منها .. للسخرية في عالم اليوم ..سحر أو الرقي أو األشباح أو القوى المجهولةوالقاتمة، التي ال تعبأ بال

ثورة في عمقها ال تعني إال الصراع، وكلمة . هي أفضل تجلياته األيديولوجيةأو

باتت األرض بمجملها البيت الذي تلجأ إليه األفكار، بعد أن ولى عصر لقدالصراع على النار أو الكهف أو النبتة، وضاعت المجموعات البشرية في فوضى

مترامية األطراف، حيث ال جغرافيا تحد األمكنةالنفي، وفوضى الالحدود، و ثقافة إلىومن ثقافة المسمار ) ثقافة الفضاءإلىفمن ثقافة العظام (خيال األفكار،

شاشات األرقام والحواسيب إلىاإللكترونيات الدقيقة، ومن السماء باتساعها الجديد الذي سيختارونه في هذا متعددة الجنسيات، والجميع يدفع ثمن المكان

- على هذا الكوكب -العالم الجديد جدا، المكان االفتراضي الذي سيقنعنا جميعا وستتآكل . قومية وطنية وال ال.. بأننا ال نملك حدودا، ال نفسية وال روحية

.. مقوالت التاريخ حين سنكتشف عاجال فقدان األنا في كافة أبعادها الوجودية ). والتحقق الحضاري، والذات العربية، واإلسالمية،لتاريخ والهويةا(كونها

الداعية لهذا الفقد أكثر من أن تحصى أو تحصر في اتجاه واألسبابواحد، فاإلنسانية التي عاشت على خبرات بعضها البعض سواء بالوالية أو

-٢٠٣-

ب أو بالتحاور أو التجاور أو الوصاية أو االنتداب أو االستعمار أو االغتصا فهي مدعوة - وهذه العبارة ال تقتضي المعنى السياسي وحسب - التبادل

بحكم وجودها للتجانس في الزمان والمكان كحال فنونها أو آدابها أو علومها إلثبات قدرتها على االستمرار، ولتجديد جاذبيتها وتمركز هذه الجاذبية حول

المتأثر . لواقع المعيش باهالقيم التي سيطرحها التبدل الحاصل بفعل عالقتبالتطورات الحاصلة في مناحي العلوم وسيطرة النظريات الجديدة التي يجهلها

. العالم الجديد المدعو للتغيير

األصواتاختزال وصفات سحرية كي تؤمنه البشرية، وهي التي لم إلى لم يحتج الغذاء

الستثمار إال من واحد بالمائة من مساحة األرض ل- حتى اليوم -تستفد الغذائي، األرض التي توفر الحقول الشاسعة لنمو اآلالف من األنواع النباتية

إلىفمن مقولة من اليد . والحيوانية التي أسهمت في تطوير النظريات الغذائية عصر التسليع في ظالل التسليح، بقيت اليد إلى األمن االقتصادي، إلىالفم،

فاليد التي . يواء اإليجابي منه أو السلبتحتل موقعها في الحوار اإلنساني، سكانت تقبض على السيف هي التي خطت بالتقنيات التي اختزنتها الفلسفة والعلوم األولى أعادت صياغة األصوات في أشكال متناهية االختزال، ساعدت اإلنسان على صياغة تاريخها، فكانت األبجدية األولى والرسم األول وكل ما

بدءا من الكهوف ومحاولة قراءة الرمزية .. خبرة والتجربةانطلق في رحلة ال إلىالتي تكرر اكتشافها في الشمال والجنوب، الشرق والغرب، وكل ما سيقودنا

. ل الذي عالج موضوعاته بنفس السوية من الذكاءفطرة اإلنسان األو المركز وينشئ المركزية إلى المرتحل الذي سيهتدي فيما بعد اإلنسان

ذاته الذي سيتمركز من أجل بناء الثقافة، التي بدأت بكتابة هو شامل كمفهوماألفكار لتاريخه ورسمه ونحته، بأدوات اخترعها، وطورها، وتبادلها مع المراكز

المدنية ) عصر المدينة والفروق الطبقية والحقوق والواجبات(ليعلن . المجاورةلدة على مر األزمان، والتي التي تميزت بالصروح المعمارية فائقة الدقة والخا

-٢٠٤-

أو الخوارق التي ).. ما سرقه من اآللهةإلىشكلها على هيئة األفكار ليأنس بها (رفيقة األفكار في رحلته المعرفية على امتداد حياته (دجنها كالنار، أخت الشمس

الذي ميزه الفنان واعتنى به ) التي يمضيها تحت سقف بيته، أو مشغله، أو معبدهفزخرفه ووشاه ولونه ونحته وانتحى به بعيدا عن ماديات الدنيا . تناء اعماأي

وقشورها وزوائلها، ليصفي الوجدان اإلنساني وينحو به باتجاه قداسة المبادئ والقيم التي حفزت الفنان على تجاوز آنية الزمان، ومظاهر العمل الفني،

معلوماته وتقاليده معتمدا على فطنته و. األبدي غير المحدودإلىلالرتقاء يستعين بجسمه، وعلى األخص ( وأعرافه ومشاعره وأحاسيسه وتجاربه، وهو

والفنان الذي يعتمد على ).. بيده التي هي األداة الدربة أو العصية إلنجازهالفكري والبصري واليدوي إنما يحاول إقامة التوازن النهائي لموقعه التاريخي

صادر األشياء واألشكال والرموز، كالمصدر باحثا عن معرفي،والجغرافي والمالتجريدي الذي يستنبط منه األشكال، والمصدر الواقعي الذي أنشأه بمراقبة

والمصدر ) المصدر التمثيلي(الطبيعة ومصادفاتها ومحتوياتها المختلفة من حيوان .الحسي الناشئ من االحتياجات المهنية والنفعية

اليدوي والبصري ( العلمي الفرنسي بأن من المجمع/ رينيه هويج / يرىوالفكري في تبدل مستمر، فاليدوي يتطور مع تطور األحوال العملية، والبصري

بيد أن الفكري هو. مع تغير المظهر الذي تحدثه األجيال المتعاقبة على الحياةيفتر يتعادل هو أن الذي الكسير اإلنسان، ذل األكثر تجددا في سير دائم هو

ومن هنا فكل . الذي يبنيه الناس عن الواقع والتفسيرات التي يعطونها لهالرأيشيء يكون مترابطا في عهد معين، وقد ال يدرك المرء ألول وهلة الصلة بين العالم الذي يستنبط قوانين والفيلسوف الذي يضع نظريات والكاتب الذي يعرب

.. نغاماعن انفعاالته وخواطره والفنان الذي يبدع صورا أو أ أن جميعهم في اللغة الخاصة لكل حسب نهجه، يعبرون عن نظرة على

ففي حقبة معينة يوافق فلسفتها وآدابها وعلمها، كما يوافق .. الواقعإلىزمانهم فن فهمليس هذا وحسب بل إن أية محاولة ل. حالتها االجتماعية واالقتصادية

-٢٠٥-

ث حكاية الفن هي حكاية من الفنون تقتضي التعرف على نشأة األفكار، حياألفكار، والتعرف على المعمار مثال يقتضي دراسة ظروف نشأة األفكار

الكوخ المصنوع من إلىومدى احتياجه لتطوير أفكاره في انتقاله من الكهف أشجار الغابة ثم المسكن الذي أهله للوقوف على أعتاب الحضارة، وارتباط

ى وبالرعي في الحالة الثانية والزراعة هذه المراحل بالقنص في الحالة األول .في الحالة الثالثة

اإلشارةانتقال البد من التنويه بأن العديد من الفترات الثقافية اتخذت أسماءها من

لى ومع تذكر الوقائع األو.. لفنانونأنماط الزخارف الفخارية التي أبدعها الطمأنينة، واللحظات من حديث عن المطر واتهألسالفنا نتذكر ما كنت قد بدأ

الحرجة التي جعلت الفنانين ينتقلون في التاريخ والجغرافيا، الزمان والمكان ويتغيرون بتغير المجتمعات ويتطورون بتطور الحضارات منذ اللحظة التي

اللحظة التي يمكن إلىأمست بها األفكار قطعة الصوان ونحت منها تمثاال أننا األنترنيت، والقاسم المشترك هوفيها أن نحضر كل معارض العالم على

مازلنا حتى اليوم نجهل الدافع الذي حدا باإلنسان األول كي ينحت تمثاله مهما بالغت الفلسفة في إعطاء التبريرات لإلجابة عن مثل هذا السؤال البسيط،

المكثفة المؤدية راتوكذلك الدافع الذي يذهب بالناس اليوم الكتساب الخب . الحجر األساس في صنع الحضارات.. م الجماليةالستنباط القي

إدانته عبر الوقائع األولى ألسالفنا تعيد اللحظات الحرجة التي تجعل إن آخر، ولكل فنان أسبابه الخاصة التي إلى ينتقلون من مكان - مثال - الفنانين

ال تشبه غيرها، ولكنها تجتمع على قضايا ثابتة مثل ما أشار إليه فرانسيس حول مجموعة اللوحات التي حصلت ) دروس في الحماقة(دان في كتابه جور

. على الجوائز الرسمية في فرنسا في الربع األخير من القرن التاسع عشروألحق بالكتاب قائمة بأسماء الفنانين الذين عاشوا في الفترة نفسها ولم

سماء ولم تعترف بهم الدوائر الرسمية، وتضم القائمة أجوائزيحصلوا على

-٢٠٦-

دييجا، سيسلي، بيسارو، ماتيس، روو، دوفي، سيزان، مونيه، رنوار، (والواقع إن هذه األسماء هي التي عاشت ) روسو، جوجان، لوتريك، بونار

. وعاش فنها من بعدها حظوا - مجموعة لوحات المصورين األكاديميين الذين ( حين أن في

لمتغطرس والتفاهة ال تعدو أن تكون أكداسا من االدعاء ا-بالجوائز . على حد تعبير الدكتور عز الدين إسماعيل) المتعجرفة، والرياء المتخم

الرسام ينتقل في المكان كي ينتقل بأفكاره، ولهذا فإن التساؤل يكون جادا حين باريس، ويجعل جوجان يهيم في إلى انيانتساءل عما جعل بيكاسو يهجر إسب

يل في أمريكا، ومروان قصاب باشي تاهيتي ورامبوفي عدن، ومحمد عمر خلالهولندي في فرنسا، والفرنسي في مصر والمصري في إيطاليا، . في ألمانيا

ما الذي يدفع بالفنانين لتبادل مواقعهم وتنويعها، وفي .. واإليطالي في أمريكاأي إسار حضاري ومعرفي قاموا بإنتاج ما ساعد على تشكيل صورة واضحة

صوصية ما زاد من التأثير بالمذاهب واالتجاهات لعصرهم، فمنحوه من الخالتي تلتها، لنسدل الستار الحديدي على صرعاتها، وصراعات الفلسفة التي

رهاصاته سادت معها لننفتح مرة أخرى على عصر جديد مازلنا نعيش إ . األذهان عصر األسطورةإلىلى، ليعيد األو

: العولمةأسطورةأن يكون كذلك، غربة تأكل أهلها، أو يتمنى .. العالم كله صحراء

واألرقام هي نحن المجردون من قيمنا، المتشيؤون في أسواق الضآلة إن كل ما هو داخل األفكار يتطلع ( هل هذا ما ذكره اندريه مالرو.. اإلنسانية

). إبادة األفكارإلىحرب تفرض غاياتها على ( كله صحراء، وما يحف باقتصاده العالم

وبعد أن حلت الكتب . الثقافات والتقنيات واالتصاالتعصر الحضارات و، )المقدسة وكتب التاريخ واآلداب والمعاجم مكان ميثولوجيا الشعوب القديمة

يعود التاريخ ليفرض ميثولوجيا جديدة، ليست غايتها تفسير العالم، والعالقة

-٢٠٧-

ذي ال) الطوفان السلعي الجديد(بل هي ميثولوجيا لفرض . بموجوداتهالحيوية وحيل جديدة ومحاكمات جديدة تمحي فيها ) قيم جديدة (إلىيحيل كل شيء

.أدوار تعارفت اإلنسانية على وجودها التصحر، أسطورة اإللكترون، أسطورة الصورة، أسطورة أسطورة

األرقام واإلعالن واالتصال واالنتقال وقتل المسافات وبروز مواهب اختراق إرث إلىالفلسفات التي تحولت ( مواجهة الحدود وصياغة الذات الفردية في

وقد يكون سؤالنا عن أنفسنا وعن ).. جامد، وتراث يمكن النظر إليه بحياءثقافتنا وفنوننا مثار جدال في إطار هذه الغيبة التي تفرضها ظروف عدم

المطروحة بالرغم من األحاديث والمؤتمرات ) العولميةريةالنظ(وضوح شغلت وتشغل بال المثقف العربي، واختالف الرؤى واألبحاث والكتابات التي

فقد اختلفت . حولها كحال االختالف على كل شيء، رسميا وشعبيا وفردياآراؤنا حول الحداثة وما بعدها، وأعتقد أنه لم يطرح شيء على بساط البحث

ل مؤيد والثاني معارض والثالث األو: ثالثة اتجاهاتإلىإال واختلفنا فيه مميز أساس لهويتنا الحضارية، ) االنشطار الثقافي(وهذا . يدمج ويلغيتوفيقي

الرهانات على إلىوخوض غمارها، ) التثاقف(بدءا من الموقف من قضايا في بناء األفكار معرفيا ومجتمعيا ةوالموقف من التراث، ودور اللغ) التغريب(

. ومدنيا وتنظيم الحياة الثقافية واالجتماعيةبأنها ) (دي سوسير( اللغة إنما أعيد ما علمه إلىني بإشارتي أوأعتقد

منظومة من العالمات، ليس بينها وبين ما ترمز إليه عالقة طبيعية، بل عالقة إذ أنه تتغير العالقات االصطالحية كليا بفعل المصطلحات ) اصطالحية

محض وكان الفن ). العولمة(الجديدة التي تفرضها القيم المتغيرة في ظالل هذا التحديد المكاني في ) ستراوس(ويدقق .. نسخ لألشياء لحسر بعده الجمالي

إن الفن يقع من هذا المنظور في منتصف المسافة بين (فيقرر ) فكره البري(الذي يؤمن عملية فالفن هو). المعرفة العلمية والفكر األسطوري أو السحري

يهدد الهوية في العولمة هوما على أن ما . الثقافةإلىمرور الفرد من الطبيعة نعلمه عن قوامها، ومؤداها، وهي تعبر عن مظان الفرد وتذيبه في الجماعات

-٢٠٨-

وهذا ما يغيب عن إيديولوجيا العولمة . في محاولة إلعادة هيكلة الجماعةالجديدة التي أساسها الفردية، وفقدان الخصوصية والهوية الوطنية والقومية،

والبروز عبر . خارج الوظيفة االجتماعية) الساخنةالشمولية (والذوبان في الذي يحيي البعد االمتالكي لدى األفكار وتضخيم ذاته التي لن تتآلف ) الوهم(

التجمعات والجماعات واالتجاهات والنزعات غيبفت. مع الذوات األخرى ).. الفنان المتوحد(ليبرز

البعد نشهد ما شهدناه حين تحرك التيار االنطباعي ليرفضلناألكاديمي الضاغط بكليته على الفن الكالسيكي، والقاضي بضرورة احترام

وضد هذه األكاديمية راحت . النماذج عند مباشرة مواضيع العمل الفنيومع ذلك، فإن هذا ).. النيئ والفج(االنطباعية تلهث وراء الموضوع

عمال ليس في أ. الموضوع النيء ظل موضوعا للتمثيل والتشخيص والتملكما اعترف عليه من رواد المذهب االنطباعي بل وامتداده في التاريخ حيث

حمراء، بقع ميريل، وبجانب -على جدران كهف بيش (يمكن المالحظة مجموعة من إلى تنتهي بحدها األقصى اشتراطيهتوضع أخيلة وطيوف

الحيوانات، يمكن التعرف على حيوان الماموث، وفوق البقع الحمراء يمتد . مقلد للثور) انطباعي(رسم طيفي يفسره الكثير من االختصاصيين كرسم

مخروط يغطي رأسا منكسا، ونحن في هذه إلى األسفل، إلىصدر قوي ممتد ). الحالة أمام ثور جاهز للهجوم

الفن ( الجديد أبعد من رأي يان ايلينيك األخير الوارد في كتابه الجوهراذج المتكررة أو الرموز والعالقات التي يمكن أن نقف على النم) البدائي

العصور مفاهيم أولية شكلت جوهر االنطالقات الفنية في إلىتحولت فيما بعد يشكل اختزال التعبير درجة غير منظورة في العالقة مع (المختلفة، حيث

حدود سحيقة العالقة مع األشكال إلىوالمنتمي ) الشكل األصلي المستقلندعوه الهوية، أو مميزاتها الفنية لحضارة من الحضارات المميزة ألطراف ما

والتي تتكرر بإيقاع يقود للتأكيد على تفصيالت تولدها . أو شعب من الشعوب . انطباعات التلقي لهذه األشكال وفق أمزجة الشعوب واستعدادها الثقافي

-٢٠٩-

يمر عبر نزع الترابط لهوية ما أشرنا إليه مما يمكن أن يهدد اولعل إلغاء كل إلىاعي فيما بين المكونات الجمالية لهذه األشكال، والذي يدفع اإليق

التقنيات النهائية إلنجاز إلىما يفسر الترابط بين المشاهد ومراحل الوصول ولعل ما يشكل هدفا لقطع الصلة مع التطور . مثل هذه األصول التعبيرية

نوع من الفنون أو ذاك دفع الجهات المنتمية إلبداع هذا ال التاريخي للفن، هوباتجاه االنحطاط، ومن ثم احتواء تلك الجهات تحت شعارات العصر وفنون العالم الواحد التي تدعي فيما تدعيه خلق االنسجام فيما بين األصل والمفهوم،

والطبيعة، كارلبناء مصطلح مشترك، يفرض نفسه على العالقات فيما بين األف مراحل إلىا الشمولي الذي يرتقي بالشكل يكون نبض هذه العالقة وإيقاعه

. التعبير عن الجوهر الجديد العولمة والرغبة بإعالء صوتها الخشن على حاالت التوازن مفاهيم

التي حققتها الحضارات اإلنسانية في تقلباتها العاصفة باتجاه تحويل اإلنتاج مستنبطة سبيل تفكير ومعرفة حيث تكون طرق التعبير أو التفكيرإلىالفني

ما راكمته األجيال من خبرة تقرر مسبقا أشكال (من الجوهر االجتماعي، أي والذين يشكلون هدف الفكر العولمي الساعي ). حياة وفعل من يعيشون اآلن

الجمالية بكل ما تهالتقويض قوى النشاط الذاتي للمجتمعات البشرية، ودفع طاقوعيها وتوترها الذاتي وحقول اختزنته على مدى األزمان للخروج من مساحة

ما يوصف بالواقع األرفع أو إلى يباب التشرد خارج حركة الواقع إلىخيالها علوم .. األسمى أو المطلق، الذي تمتلكه علوم المستقبل وليس حركة الحياة

.المستقبل المهندسة ألساس مجتمع المعلومات العولمي

الموترةالصورةلتي تجعل خطابه الفلسفي غائب برمته في الصورة اإلى عالمنا متوتر

إلىحضور النزاعات السياسية على األسواق، وتسليعه للثقافة وتحويلها من . صناعات ثقافية تخضع للمعايير الجديدة التي تفرضها التناوالت السياسية

وقد بدأ عدد كبير .. (مثل وصف النظام اإلعالمي بأنه نظام لإلنتاج الصناعي١٤م -بؤس املعرفة

-٢١٠-

ن جنسيات مختلفة إعادة النظر في اإلشارة النقدية التي وضعها من الباحثين م هوركيمر وأدورنو، حول اإلنتاج الصناعي للسلع ١٩٤٧أصال في عام

. الثقافية، ثم تعميقها بواسطة التحاليل المنهجية فرانكفورت إن الثقافة سة مدرإلى هؤالء المفكرون الذين ينتمون أكد

ين تنتج في ظروف مشابهة لظروف مصانع في القرن العشر) الجماهيرية(فورد للسيارات، واإلنتاج الثقافي الذي يتم توزيعه بكميات كبيرة وبمواصفات قياسية ويكون متجانسا ال يتأثر وحده بهذه الظروف الصناعية في اإلنتاج

وإنما عملية اإلبداع الثقافي نفسها يطرأ عليها تغيير عميق وتتأثر . والتسويقبح، وعندما حلل الباحثون المعاصرون العالقات بين الظروف بمنطق الر

االقتصادية وإنتاج األشكال الثقافية، أكدوا على النقل الحاسم للمنطق الرأسمالي تداولها تموالفعلية التقنية في نظام تصنيع وانتشار المنتجات الثقافية التي ي

تكنولوجية الجديدة بواسطة وسائل اإلعالم التقليدية، وبواسطة المخترعات الفي مجال اإلعالم واالتصال، أو بواسطة بعض الصناعات المرتبطة بها مثل

)١(اإلعالم والسياحة، المتحوالت الثقافية التي أشرنا إليها، تكون خاضعة لسياسيات ونظريات إن

تحركها هيئات أو مؤسسات مكلفة أساسا للتحضير لهذه االنقالبات األساسية في كنظرية األفكار (رية، عن طريق إحداث طفرات في ماهية األفكار البنية البش

مؤسس علم االتصال والتحكم ١٩٤٢الجديد الموضوعة من قبل توربرت وايز لالتصال، ) اإليديولوجية الجديدة(، هذه النظرية التي يتبعها شرح ) السيبرنتيكا-

ى مجتمع دون وبذلك فإن األجهزة ستركز عل).. المجتمع االتصالي (إلىوصوال .آخر، ضمن التعريفات المؤسسة للحلول العولمية المقبلة

المجتمع اإلعالمي، إلى مجتمع المعلومات، إلى فمن مجتمع االتصال، المعولم الذي سيعصف بالتركيبات مجتمعة لصالح خصوصية المجتمع إلى

) عليالتسوق التفا(المركزية المتسلطة، وبناء المجتمع االستهالكي عبر أجهزة

).١٩٩٣ دار المستقبل - سيرج برو- فيليب بروثون - انظر ثورة االتصال ( )١(

-٢١١-

ليضحي العالم منساقا تحت سطوة التقنية، وخاضعا للمتعهدين متعددي الجنسيات وكبار العمالء االقتصاديين الذين لن يمكن محاورتهم إال عبر

أي من خالل قيم مختلفة تفرضها العالقة الجديدة، أو الحوار (أجهزة االتصال ). الجديد فيما بيننا وبين اآللة الحديثة

هذه اآللة متمركزة في الغرب، فإن الحديث عن المركزية أن وطالماوقد أدت . الغربية سيبقى عنوانا رئيسيا في العالقة بين الشمال والجنوب

توليد مجموعة هائلة من إلى - في الغرب -البحوث ومراكزها ومفكروها المصطلحات التي ال يمكن اعتبارها إال نتاجا طبيعيا للنظرة الغربية التفوقية في إنتاج المعوقات األساسية للوعي اإلبداعي، سواء في قراءة ذاته، أو

وبالتالي فإن هذه المفهومات النقدية .. هويته، أو تكوينه الثقافي والروحيواالصطالحية تسلب من غير الغربي كينونته اإلنسانية، وخصوصية فعله

.التاريخي والحضارية والنقدية مختصرا صريحا شكري عياد في كتابه المذاهب األدبييذكر

التوجه الغربي مميمكن أن يت ألزمة الحداثيين العرب في جوهرها، وهو ماإن الحداثي .. لتفكيك بنى االكتشاف اإلبداعي المعتمد أساسا على تجاربه

حضور في مجتمعه : العربي له حضوران يحرص عليهما قدر استطاعتهوحضوره في الثقافة العربية . ربيةالعربي، وحضور أمام مراكز الثقافة الغ

يحارب التخلف والجمود في النظم والمؤسسات، كما يحطم فهو: واضحولكن حضوره في الثقافة الغربية غير بارز وال مميز، . التقاليد اللغوية والفنية

ألن هذه الثقافة تمر منذ فترة غير قصيرة بعصر من التجريب في كل ميادين ي العربي في محيطه العربي يقف ضد الجمود والتخلف، فالحداث.. الفكر والفن

الخطر في بيئته .. ضد الثقافة التجارية الرأسماليةيقفوفي حضوره الغربي يأتيه من كونه غير مفهوم في حين أن الخطر عند أنداده الغربيين .. العربية

السوقي، ويظل الحداثي الغربي عندهم وعند إلىيأتيه من إغراء االنحدار ائهم غير مفهوم أيضا، ألنه يحطم قيودا ال يشعرون بها، ويهاجم محرمات قر

. لم تعد عندهم بمحرمات

-٢١٢-

تؤكد ازدواجية الموقف الثقافي بين الوالء واالنعتاق األخرى هذه أبعد الحدود بهذه إلىللمركزية الغربية، وقد كانت الحداثة الغربية مرتبطة

غربي، وفرض قيم المجتمع الصناعي المفاهيم، مع النهوض االستعماري التحقيقا لمفاهيم نشر الذات الغربية ذاك الوقت، . بالقوةىعلى الشعوب األخر

الثقافة (بدعوى الحداثة المتمثلة في تحقيق الحلم الغربي باالنتشار، عبر لفرض أوروبا كموجه للحضارة التي تولد القيم والمعايير ) والعلم والقوة

أي مدى تم ربط الحركات اإلبداعية بها، وكذلك ىإلفنرى . والنظريات شاهدا أساسيا - مثال - وسيكون تاريخ الفن . النظرات الفلسفية والتحليلية

الشرق، وتأكيد إلىعلى هذا الربط، متمثال منذ البداية في رحالت الفنانين ) االكتشاف الجغرافي(المتساوق مع ) االكتشاف(أن نظرتهم تقع في حدود

جنوب وشرق إلى توجهت تي ادعته األساطيل والجيوش والغزوات الالذيالمتوسط، وهذا ما تم فعال منذ توجه ديالكروا وكلي وجوستاف كليمت

وكافة الفنانين في تلك البلدان لالطالع على خصائصنا .. وماتيس وبيكاسوحين رافقوا رحالت الغزاة، أو حين قاموا بذلك ألهداف معرفية خالصة،

م الجميع صورة سياحية للشرق تفرغه من محتواه الروحي، وتقدمه ليقدكطبق مبهر للمتلقي الغربي القابع في تالفيف الغريزة المادية، وروائحها المنطلقة من التصور القاصر لحكايات ألف ليلة وليلة، التي تضيء

ال تعدو كونها أدوات إلبراز المركزية الغربية كمؤسس ) مجتمعات خام(العربية واإلسالمية ( األخرى اراتة اإلنسانية بتجاهل الحضللحضار

، وتدعم الحضارة الغربية )وغيرها.. والكونفوشية والفرعونية والفينيقيةكأسس لقراءة التاريخ، باالعتماد على منتجاتها ) الرومانية واليونانية(

وفنونها وفلسفتها، ولبناء ركائز جديدة لعلوم االستشراق التي أحدثتها إستراتيجيةلمركزية الغربية لتغيير حقائق الداللة والبنية، عبر نظرة ا

متكاملة، وضعها الغرب، وحققها في فترة من الفترات دون أن يعبأ بتجربة .أي آخر.. أو خصوصية أو مفاهيم وقيم اآلخر

-٢١٣-

الواقعاستالب سيكون مثاال - اليوم - إن الواقع التشكيلي في شرق آسيا واليابان

بدءا من طريقة ،ا لالستالب الواقع على العمل الفني في تلك البلدانواضحإنشاء الصالة المعنية بعرض األعمال الفنية، وانتهاء بأساليب واتجاهات اإلنتاج، الذي يبدي تبعية واضحة تفرضها العالقة االستالبية فيما بين

بما يحدد المركزية الغربية وفلسفة المجتمعات األخرى في صياغة ذاتها، . هويتها وسبل ممارستها لفعالياتها العامة

ذلك في إسارها المجتمع االستهالكي المعولم الذي يحدد قيمه يتم احتواء إلىوقد استكمل هذا النظام بنيانه عبر تطويره لعلوم تطمح . (ومنتجاته

األزمنة االجتماعية والتاريخية في طيات ما بناه من مذاهب فكرية مختلفة تقدم نفسها أساسا مرجعية ألية محاولة تستهدف النظر في سنن هذا النظام

. وسياقات تشكله، وطرق اشتغاله المختلفة كانت هذه العلوم تطرح نفسها أداة كاشفة ألغوار هذا النظام وما وإذا

يختزنه من عناصر مستترة، وتيارات دالة على معالم توازنه وتطويره ونقاط هذه العلوم ال تخرج عن كونها أنظمة معرفية مشدودة فإن . اختالله وأزماته

رحى النظام األكثر ثباتا وديمومة، فهي في جهدها الدؤوب اللتقاط سنين إلىوإيقاعات المادة المتكسرة، تبقى عينا يقظة، ترهف السمع والنظر في تعيين ورصد التقلبات، والمساهمة في إعادة ضبطها بما يتناسب مع األسس العامة

.)١()الناظمة لمسار التحوالت والتغييرات الحادثة إبداعاتنا ال تخرج عن كونها نظرة مبنية على إلى فالنظرة المتفوقة

قسمين غير متكافئين، قسم إلىمجموعة اإلشارات المسبقة التي قسمت العالم األول يتمثل بالمجتمع الغربي الحديث والثاني . ناظم للحضارة وقسم مستهلك لها

أن تكون معطلة اإلمكانات رضاقي المجتمعات اإلنسانية الجامدة، التي من المفتبب . المستقبلإلىمنشغلة عن شئون اإلبداع التي تطور الواقع وترسم خطواته

).١٣٠ ص -حسن الضيعة . د-اإلبداعي في منظور الفكر العربي الحديث ( )١(

-٢١٤-

مجتمعات إلى يهم في هذا المقام تحويل المجتمعات األخرى وماب وشئون انشغال المرء بالفنون واآلدا(استهالكية، ومن وجهة نظرهم فإن

تقليل استهالكه من الخدمات والسلع، فاإلنسان الذي إلىالفكر، يؤدي حتما تتركز اهتماماته على احتياجاته العقلية والروحية سيكون سعيدا أن هو خال

أما من . الموسيقى أو يمارس هوايةإلىبنفسه في داره يقرأ أو يفكر أو يستمع عادة ما يصاب بملل قاتل إن هو لزم ال تشغل ذهنه اهتمامات عقلية أو فنية ف

داره، وال تفلح أفكاره في صرف الملل عنه، فيلجأ عندئذ من أجل الترفيه عن مثل هذا الشخص .. شراء سلع يحسب أنها تعوضه عن فقره الروحيإلىنفسه

هو المستهلك األمثل وهو الهدف الذي يستهدفه أرباب الصناعة والتجارة بينما ... )١()لخليق بالرعاية والتشجيع والجدير بالثناءا وتخاطبه إعالناتهم وهو

يجب تعطيل قواه الحيوية، زدراءيبقى المثقف عرضة للسخرية، وهدفا لال .. والتطويرية، واالنفعالية

أال ما أكثر األشياء ( يقل سقراط هذه العبارة أثناء تجواله في السوق ألم ). التي ال أريدها

) حسن أحمد أمين- ١٣١٥ العدد -جريدة الحياة ( )١(

-٢١٥-

اضية النظر االفرتفراديس

: الوهمجبروت مكتبة الوعي اإلنساني تصنيفات للنهايات، تحملها الصور الذهنية من في

آخر بتأسيس الرمز كمفهوم وكخطاب ال يخرج عن قياسات الصورة إلىجيل ولوعي هذه النهايات ال بد من . التي فصلت كي ال تتناقض وإمكانات إدراكها. اللحظة المانحة ليقظة معناهاضبط مجاالتها الشمولية التي تقتضي إدراك

والمعنى المقصود للنهاية مرتبط بتفاصيل الموت والفناء مثلما يكون مرتبطا بوالدة شرعية لصورة تحمل مخطط خلقها وقالب بنائها وصيغ البيئة التي

. تستقبل في حضنهاا صلة بين النفي واإلثبات، التدمير والبناء، األسر والتحرر، ومن هذالنهاية

المتماثلين تبدأ حقبة التصور التي تمليها عمارة -العطف بين المتناقضين باعتبار أن كل . الصورة وفلسفة تجذيرها من جديد في الثقافة والفكر والمستقبل

مواقع قد ال تكون مواقعها، إلىمنها يشكل بؤرة إشكالية للنقاش ورد اإلنزياحات يات التي يقتضيها التصور لتوجيه إال أنها تؤكد عمق التساؤل عن المرجع

. األحاسيس وصياغتها خارج طرق التجريب التي اعتادت المعارف اكتشافها من المذهل تصور المكائن في بداية العصر الصناعي، بل كانت كان

صورة المدن خارج مفهوم المكائن قصية على استيعاب فهم صلتها فيما بعد سواق لمنتجاتها، ولنقل إن الصورة بالحروب التي نشأت عن ضرورة إيجاد أ

في تصميمها للمكائن لم تكن أكثر دقة من تصميمها لألسواق، ثم خطت النماذج في اعتبار السرعة حلة زمنية، وعلى الصورة أن تجاريها بالتقاط أهم

. ما في خصائصها من حركة وتنظيم

-٢١٦-

االتصال الذي قدمته اآللة المتحركة في اختراقها للزمنوبمحاذاةوالمجال والجغرافيا والفضاء، سعت الصورة الستكمال تاريخ وقائع تنافرها

إال مع الوهم الذي تفرضه جذورها العميقة في التاريخ اإلنساني، . مع الثباتاألساس الذي تتطور عبره الصورة في حكايات ليبقى سرد هذا الوهم هو

بعضهم، اتصال األشياء والموجودات ببعضها البعض، كاتصال الناس بواتصال األشخاص بأنفسهم، واتصال الناس بمحيطهم وثقافتهم ورموزهم،

. وغير ذلك مما يستحيل عرضه صورة اتصال الكائنات بفضائها نرى التكامل بين إلى اإلشارة وفي

في تعيين األوهام المؤقتة، التي تقتضي اإليغال - وخاصة -الشكل والتاريخ قية تكونها عمارة المفاهيم المتراكمة في في الزمن للوقوف على أوهام إطال

تائها في بناء لغزي من المقرنصات متصورفردوس التصور، حتى لوكان الالالمتناهية، أو عبر إحالة مؤقتة في التاريخ الشخصي للعمائر والمدن

األول : قفت عليه في بهوين فضائيينفقد بلغت جبروت الوهم وو. والمجتمعات إذ أمضيت يوما كامال من الصباح حتى المساء ر مكاني،فضاء تاريخي واآلخ

في مدينة صفاقس القديمة في تونس، وقد دخلتها من بوابة البحر القوسية تاريخ وتقشف فضائه ظلمة الإلىالعالية ألضيع في أزقتها الرحمية في عودة

أما الفضاء اآلخر فكان صورة جلية لفضاء مكاني تمتد أساساتهوثقل أسواره، صنعاء .. . وخفتهتهاألول وهمي بإطالق، واآلخر سري في رق: في موقعين

القديمة، باب اليمن، النوافذ التي تطوي الهواء في منظر تتعدد رؤيته وسرده إذ ال مجال أن تكون المرآة موجودة حيث ال شيء يؤاخي شيئا، أو طرفا

طي المتعة هويماثل آخر أو ينعكس فيه، وكل ما يجعل االتصال بهذه الصورالقرب من مدن المواد الحديثة والعيش فيها، كمدن الخليج المتفردسة على صور تشبه بعضها البعض من جهة، وتملك سلطة التنوع العولمي من جهة

يتأمل أخرى، لتتطابق والتركيبة البشرية التي تحيا فيها ممثلة العقل وهو . تالفيفه في مرآة الوهم الجديد

-٢١٧-

: الوهم شعرية حوار تلفزيوني إلى احتفال بتسليمي جائزة بحثية في طهران دعيت في

باألسلوب اإليراني الذي يجعل المرايا في أصغر فذتفي قاعة زجاجية نأشكالها مكونة زخارف ورسوم على الجدران واألسقف، وبهيئة ريلييفية تبرز

ذات ملإلىوتغور عبر نظام هندسي يخترق الصلة بالواقع، ليحول المكان وهمية كان أولها فقداني اإلحساس بالجاذبية التي اعتدت أن تربطني باألرض،

وإذ كانت األشياء تنعكس على . فالتزمت المقعد المنفذ بالمرايا الذرية ذاتهابعضها البعض نافية الحدود ألي شيء، فإن جهدا شعريا عاليا بدأت أبذله كي

حسي ربطني مباشرة بفضاءات وهمإلىأعيد اتصالي بالمكان الذي تحول وهم يحولون الواقع لسادةصوفية سلطوية كنت اعتدت إدراكها في جلسات ا

. وهم جذاب على صوت إيقاعاتهم الموزونةإلى توقظ التصور، وتفيض بالصور المولدة للمفاهيم الجديدة للذة عناصر

في أقل ما يمكن من األحالم، دون أن أجد وجهيإلىالمتولدة من التشظي كلتا الحالتين منعكسا سواء في المرايا أو في حركة الدوران التي تمأل فضاء

عرسها، إلىلقد أضحت الصورة خارج الحواس التي تقود اللذة . اإليقاع درجة لم إلىفارتجت في المرآة ال نهائية الموجودات، وانتفت حدود المكان

ة التصوير من القاعة أستطع أن أستجيب لمحاوري طالبا منه الخروج وأجهز جانب تقديس الحس أصداء إلى يحمل نلعدم قدرتي على التركيز في مكا

. وهم للمتعةإلىتحول الرؤية بازار المدينة الشعبي بطهران كانت الصورة خارج الفضاء البالطي في

جانب المكان إلىالذي أجهدني وأغلق تصوري، إذ بدا الجسماني في الصورة صورة الحياة اليومية إلى كما أستطيع القول بأن االلتفات رغم غياب الضوء،

بازدحامها قد زاد من ربطي العمارة القديمة بفهم الناس ألنفسهم وأرواحهم، ولربما كان لتفرع السوق . وهم يؤصلون معارفهم على ما سبق ومضى

األخفض، ومن إلى األضيق، ومن العالي إلىوتجذره في المدينة من العريض

-٢١٨-

التذاذ إلى الرموز في انتهائها ة صراحإلى األقصر، ما يشير إلىيل الطووهذا ما يمنح المكان . الناس بصورتهم وهم يتالشون في عمارتهم وفضائهم

سرية رائحته وترف ظلمته، ويجعله في بعضه غائرا في األرض كما في السماء، الحمامات اإلسالمية، وبعضه اآلخر نافرا عنها دون أن ينفتح إال على

لتظهر الصورة من تقابل الظلمة الداخلية للسوق والنور الخارجي، حرارة الخارج وبرودة الداخل، حيث العمارة والشعر وجهان لوهم واحد ال يبقى منه

. إال الصفاء والصمت والسرد األحوال فإن الربط ما بين صورة قاعة المرايا وصورة البازار، بكل في كل منهما، وبإمكان أي متفاعل يالشخصي والذات المراقب وإلىإنما يشير

مع اإلسقاطات الوهمية لكل منهما أن يستغني عن تركيبته المعرفية لينصهر في قواعد الوهم الجديد ودالالته القيمية الناشئة عن أسلوب العمارة وجذوره

. الشعرية التي تتفهم وظيفة هذا الوهم في التعبير عن األفكار والمفاهيم

: الوهم دسةهن فإن تبصر أحوال »لقد انهارت الفلسفة كعمارة«: كان ليوتار يقول إذا

الوهم باعتباره عمارة أيضا يقتضي إظهار صورة الحلم كفعل يمارس يوميا افتراض تحققه في الفكر، حيث سابات بنية هذا الوهم وكينونته وحإلىلإلشارة

ل التوليدات الشعرية التي تقتضيها يتكشف االحتفاء بقوة هذه العمارة من خالكينونته الخاصة، فهو إذ ينفصل عن الحدثية المؤدية إليه باعتبارها سابقة على

إلىوجوده، فإنه يغدو في جاهزية المستقبل األبدي الذي ال ينتظر أن يتحول الحقيقة إلىماض، وهذا مجد الصورة في توسلها الوهم كي تلخص انتمائها

ية، باعتبار الصورة تنطوي على السرد، أي على لغة وخواصها البالغ . اإلفصاح عن الكينونة ومرجعياتها

يقال بأن الصورة في هذا الفهم إنما تحدد أسماء األوصاف أو قدأوصاف األسماء، وهي في كلتا الحالتين تبقى في مجال الخيال المهيمن،

ية واألفكار وهي في وجوهر بناء التصور الذي تنتسب إليه التعريفات المفاهيم

-٢١٩-

أية تماثالت في بنية هذا إلىطور النقاش والتوصيف، دون أن تتم اإلشارة لذا فإن التعرض لصورة . التصور باعتباره خطابا تاريخيا متطورا عن أصل

إنما تعيد هندسة الوهم الذي اقتضته هذه الصورة كي - مثال -الجسد األنثوي فة اإلنسانية المتنوعة، حيث استطاع هذا البنيان تكون كما نلمح اليوم في الثقا

الموغل في حيل التاريخ وما قبله، وفي العالمات واإلشارات الصانعة للتأليفات زمنيا يمتد في األسطورة والفن واالجتماع تعاقباالتي اقتضت مراقبتها

ائد والسكان والثقافة والفكر، وغير ذلك مما يمتد في حقيقة المرأة وموقف العق .والفلسفات منها

األشكال المتنوعة للمنحوتات والرسوم التي نراها في المتاحف ولعلالمختلفة تعكس تفصيالت نرى بعضها في تمثيل الربات والملكات والمغنيات

الخ، كما نرى بعضها في العري .. والمعلمات واألمهات والزوجاتهكذا .. والخديعة والذكاءواالحتجاب، الجمال والخصب، الفتنة والعار، المكر

تحضر في صورة واحدة أفروديث وعشتار وتموز ونفرتيتي وشجرة الدر والخنساء وميديا وشهرزاد وليلى سواألمازونيات ومونيكا وماري كوري وفينو

وانجيال دايفيز، والقائمة تطول كي تختصر حواء في وهم حقق التاريخ عمارته يث المجازي المنغرس في الفكر التأنإلىعلى مر األزمان، حتى وصل

وبرغم أن لكل ثقافة نكهتها في تخيل حواءها، فإن المرتكزات . اإلنساني صفة إلى وهم تجتمع في تحول األسماء إلىاألساسية لتحول هذه الصورة

واحدة، تستمد مدلول تحققها من السرد الذي يقتضي الفضاء المتعدد المستويات، . صياغات التأنيثإلىالممتد

الفرق بين صورة المرأة واألنثى، والوهم الذي يقود كل منهما بتجاوزإليه، نكون أمام غياب يتسع، وفضاء يضيق حتى حدود الفناء الذي يقتضي

خارج إلىإثارة الرعب من جراء العنف المتولد من الهباء الذي يذهب بالنظر م والفناء أعظم جوهر الرؤية المرتبط بحدود الوهم، فتبدو سلطة الموت والهد

أي التطهر من حقيقة العالم حيث . من الصور العارية في التحقق الوجودييقتضي الوهم دخول الدال والمدلول في عالقة جدلية مع الموت، فيدخل

-٢٢٠-

الموت في الدال، تماما كدخول الدال في الموت، وهذا ما ينطبق على المدلول فعال ومجازا، تحققا وبيانا، وهو ينجز من ضرورة الحياة في شهوة الوجود،

.وكل ما ينطوي في الئحة االفتتان بالحضور في ما يتجاوز الخلود معمار لعبه الفضائية، وحيله التي يختلق عبرها طقوس السرد لكل

المستمدة من الماضي المتعدد الوجوه، والطبقات البصرية التي تقوم على أناقة لالستمرار في بناء التصورات أساسها أعمدة الوهم، العبقرية التي تعود ب

ومعمار الوهم دليل يتجدد . التي تنعكس في ذاتها لبناء شخصيتها المتفردة سلطة التصور، التي تقصي الواقع بألوانه وأصواته وروائحه إلىللعودة

ومختلف إدراكاته الحسية لتبدأ سلطة االفتراض، جنة الوهم ومركز االلتذاذ . الزمن كي يتم ضبط تكرارهاإلىللعودة بالرؤى التي ال نحتاج

: الذهنيةالتحوالت متغيرات إلى اإلشارة وجه الصورة، بسبب - أحيانا - يغير التناقض قد

، وقد يكون الصطدام )لقوى المتصلة بمركز توليد الصورةا(تطال ذاتها المعاني الناتجة عن الصورة بالقوانين األخالقية والوضعية المتعارف عليها،

مع ) الالمحدودية( وضع حد لصراع االنبعاث من االنتهاء إلىضرورة تؤدي هذا الصراع الذي يمكن اعتباره منطلق .. األوضاع المفهومية لسلطة الشكل

التحوالت الذهنية إلنتاج وسائل تقلب التصور، وبالتالي تصوغ الخيال على النائسة ما بين صورة الحقيقة أو أن هذه الحقيقة تستميل الصورة المتطورة،

الصدفة وشروط تحققها التي يؤمنها الفعل اإلنساني الخالق، ليس في ظالل دوما مع الناشئ بل في شمس تحطمها وتجاوزها، وفي نور الصراع نين،القوا

الصائغ .. األشياء واألفراد والتصورات والنظم والقوانين لتحقيق عظمة الجديد . وهمها المتطورالحيوي لمالمح وجه الصورة الجديدة و

الجديدة إنما هي الصورة التي تقدم نفسها كأمر ال ينتهي أو يتحقق الصورة قد أدرك القوى »بولوك«إنجازه، فهي مختبر للتفكير الدائم، وبهذا يمكن أن يكون

الالمحدودة للصورة في قرن كان يغادر تقاليد الصورة التقليدية ويعلن ثورته على

-٢٢١-

رسمي ال يأتي من مسند اللوحة، أنا نادرا ما أشد " نمط التفكير األوروبي أنا أفضل تثبيت القماشة غير المحددة على جدار .. الرسمبلقماشتي على إطار ق

وعلى األرض أحس براحة أكبر، أشعر.. صلب، أو على األرض بالمساميرما دمت بهذه الصورة استمر في ).. الصورة( ألني أحس بأني جزء من باأللفة ).. الصورة( األربع، وأكون حقا في ان حولها، أستغلها من الجهاتالدور

حين .. هذا يماثل ما يفعله رسامو الرمل الهنود في الغرب األمريكيإنأكون في الصورة ال أعي ما أنا فاعل، إنما يحدث ذلك بعد فترة التعارف التي

الصورة ( التغيير، وتحطيم إلىال تحدوني مخاوف من اللجوء .. أنشغل بهال أن أجعل الحياة تنبثق منها وا وأنا أحبهاالخ، فللوحة حياة خاصة ).. الذهنية

ما خال ذلك فهناك .. وحين أفقد االتصال مع اللوحة تضحي النتيجة فوضى ".على خير ما يكون ) الصورة( خالص، أخذ وعطاء بسهولة لتأتي انسجام

الجمال يجعل هذا ببناء مالمح للزمن على هيئة) الصورة( انشغال إنالجمال عابرا وغير مستقر على حال، حاله حال الزمان، فكل ما يجعل المبدع منشغال به يحقق ضرورة انتهائه واالنشغال بقضية أخرى تدفن ما سبقها أو تفكك عالقة الرؤية بها، فتغدو الصورة حينذاك في إسار السكونية الجمالية

لفعل اللحظة كحاملنعدم التواصل معها، ينعدم القصد منها وإنما ي التي الالتي تبذر الصراع، صراع الرؤية والوعي به تحقيقا لرؤية شاملة لحقيقة كتب عليها أن تبقى تائهة حتى في لحظات انبثاقها الصدفوية من حواس الفنان أو ما وراء هذه الحواس لتشكل رائع اللحظة ومنطقها وأسرار تحققها بما في

.د القياسية والتقديرية واالفتراضيةذلك كل األبعا الصورة المنجزة تخضع لشروط رؤيتها رؤية بصرية حسية تقتضي اإللمام بقواعد هذه الرؤية، واالحتياج اإلنساني لتحقيق عملية النظر إليها أوال،

اتجاه، وكل ما البعد الزماني المتجه في كلإلىواالنتقال من البعد المكاني باعتبارها قوة جذب للوهم وللتعبير عنه، ) الصورة(سيتحقق على سطح

واعتبارها النموذج المتحقق لما سيليها من نماذج صورية تحقق تسلسل الكامل لسيادة مفهوم ) الناسخة ( أو ) الالغية ( أو ) الصورة النافية ( للناقص باعتماد

-٢٢٢-

لمعنى الحاضر التاريخي الذي يحمل خبرة الصورة الماضية ويقدمها بامتياز . التطور اآليلة إليه

في تناقضها مع ذاتها، أو مع ) ورةالص( التحديات التي تواجهها أن يبدوالمتغيرات من حولها هي تحديات الفن التي واجهها في صعوده وتتاليه لبناء

وبالمقابل، فإن من المستحيل اعتبار . الرؤية اإلنسانية وتطورات روح الصورةوهذا ما ينطبق . هذا االستقرارإلى مستقرا، أو أنه يسعى القصد من الفنون قصدا

للتطابق مع الواقع، - أحيانا -على أحوال الصورة في تحديداتها التي قد تقود .. الذي يمتد ما وراء المدركات اإلنسانية التي نبلغها بالتأمل الوجدي لظاهرة الفن

تزج به روح الفنان الوهم، هذا المفهوم الذي تم/ أي ظاهرة تحقق الصورة الرؤيا الشاملة إلى لتصويره، ال بل تجاوزه ىوتصوره عن العمل الذي يسع

. للعمل بوصفه معرفة تحاكي اإلنسان المعبر عن هدف الفنون وغايتهافي كتاب الفن في العصر الحديث قوال ) جان ماري شيفر (يذكر

ال، وإذن ال ، ظ)صورة(كون الممثل في عمل فني ليس إال ال«: لشوبنهورأي .. موضوعا لرغباتنا أو ألحقادنا.. يتسنى له أن يصير موضوع شهوانية

ال يتاح له أن يصير دافعا إلرادتنا، ومنه انبجاس تلك الحالة الوجدية في فإن إرادتنا توضع بين هاللين ما دمنا نتأمل : التأمل المتجرد عن المنفعة

واعية للفن، أي نيةتحققها ممارسة إنساوهذه اإلرادة تشكل في . »عمال فنياإمكانية الكشف والتحيل لظواهر الوجود المطلق بوصفه وجودا محققا، وبوصفه وجودا ميتافيزيقيا محرضا للتأمل اإلنساني ودافعا باتجاه ملكات التدمير الوجدية التي تمنح المبدع وظيفته الحيوية في التجديد والتطوير،

شد المشاعر اإلنسانية ية المحتجب لمواجهة الحقائق وحبحجب المرئي ورؤال متناهية تكون قادرة على إيصال حقائق التصور ) صور(على هيئة

الظاهرة أو التنبؤية، والتي تكون على تماس مع تجليات الموهبة المحكومة لهذه الموهبة وما يحقق ) التاريخ الداخلي( جانب إلىبالحياة وانتقاداتها

البصرية والجمالية والوهمية الضاغطة والموجهة باتجاه مرجعياتها وفعالياتها . تحقيق النموذج أو المشروع

-٢٢٣-

: العصي على الفهم اإلنسانة لم تسع الفنون التشكيلي- وحتى اليوم - التصور التشكيلي العربي في

باعتباره جذرا ومرجعية أساسية لبناء تصور ) التاريخ الداخلي(لممارسة هذا جانب إلىعمل الفني، وأقصد اإلجابة المبتسرة على أسئلة الهوية المطروحة ال

إذ . إنتاج العمل الفني من قبل األفراد والهيئات والمؤسسات والتوجهات النقدية التراث البصري دون اعتباره األساس والماضي إلىال يكفي مطلقا اإلشارة

تجه الفنان العربي، وما يمكن به واالنتماء إليه لتسويغ ما ينقةمن حيث العالأن تحققه األجيال لبعضها البعض في إنجاز المهمة التي من خاللها يمكن دراسة أو قراءة أو رؤية التجارب الفردية المتفرقة التي تختزل خبرات

اعتبار كل لحظة إلىوبالتكامل وليس بالنفي واالتجاه .. بعضها البعض . باعتبارها حدا للتوترإبداعية مشروعا للتحول في األسلبة

فما زالت البنية العالئقية فيما بين الفنون العربية وفنون الغرب وبالمقابلهي األقوى واألمتن واألمثل قياسا بانتماء التجارب العربية لإلرث التاريخي

الحضارات إلىالبصري اإلسالمي أو العربي أو ما يمكن أن يشير لالنتماء نا العربية وال بد أن يتمثلها المبدع العربي اليوم ببساطة التي تتالت على مناطق

تفوق البساطة التي يتمثل فيها المرجعية الغربية النظرية والعملية المشكلة لجوانب الرؤيا التشكيلية في المحامل العربية، وبالتالي فإنها تبني الحافز لمحاكاة

الذي تمكن )النموذج أو األسلوب(تجارب المبدعين في الغرب وخاصة عوب األخرى المجهود النظري الغربي أن يحقق سطوته على إبداع الش

ابتداء من التقنين الذي تمارسه الدراسات ) الصورة(واستالب مفاصل بناء القيم العامة اداألكاديمية على المنجز التشكيلي العربي، وانتهاء باستبع

).الصورة(فة بصرية باعتبارها المشكل لثقاللموروثات التشكيلية ال التي طالبت بها أكثر من جهة حداثوية مع الماضي لتشكيل القطيعة

الحاضر مثلت دعوة الستالب ضمن استالب أشمل، فهذا األمر من المنظور وحلقة تم وزا حين يكون األمر غاية للتج- وخاصة - الغربي ممكن التحقق

القطيعة، بينما في لدفع تصوري يقتضي حتاجتحقيقها وتمثلها في حلقة جديدة ت

-٢٢٤-

ما زال يعيش ) الصورة(لتشكيل أو التصور الحديث لبناء مثالنا العربي فابمجمله طوباوية التوجه والتصور اللتقاط دالالت القوة التي يمكن أن تبرز

. القواعد التي سينطلق منها الفن العربيل تعام فإن الدعوة للقطيعة مع التصور التاريخي وإنكار ما لم يتم الوهكذا

شديدة الهزء باإلبداع التصويري العربي، ) فرصة نقدية(معه يصلح ألن يكون كون هذه الدعوة تدفع الفنان لالنصياع أكثر لما يقع عليه من استالب بصري

) االمؤسسة قواعدي(تاريخي مارسه الغرب بوصفه مرجعا، وبوصفه منتجا للفنون قتصر على الفنون المسندية أو النحتية منذ القرن الثامن عشر، واإلشارة هنا ال ت

الحدائق العمارة و(التقاطعات مع الفنون التطبيقية وحسب، بل تشمل كل وال تقتصر الفنون المؤسسة في الغرب على قواها ) الخ...والمالبس والخزف

إلى فنون اآلخر قد جعلت الدعوة إلىالداخلية وحسب، بل إن النظرة الفوقية س بفجاجة مع السعي لتأكيد الحضور والتصور في العالم، القطيعة أمرا يمار

إطارها ( واعتبارها فنونا في الفنون العربيةإلىوهذه النظرة ليست موجهة سستأو اإلبداع بالمواصفات التي أ) التفكرية (إلىفنونا تطبيقية ترقى ) اإلسالمي

لفنون اإلفريقية لها المؤسسة النقدية الغربية، بل إن هذه النظرة تمتد لتشمل ا . الخ.. وفنون أمريكا الالتينية وشمال شرق آسيا

تكمن المالحظة ذاتها «: في دراسته لفن العصر الحديث ) شيفر (يكتببخصوص الفنون غير األوروبية، حسبنا التفكير في التطور التاريخي لفن

يمتد تاريخه.. التصوير الياباني، إحدى الذرى العالمية للحفر على الخشب ملحوظة له باالنتقال من فجاجة على ثالثة قرون تقريبا وتعرف أشكال تطور

أوتا ( حسية إلىومن ثم ) هارونوبو (ـ اإلتقان التأليفي لإلى) المورونوبو() هيروشيج(الشاعري عند وأيضا الجو) وزايهوا ك( قوة رسم إلى).. مارو

هذا الفن انقطاعا الذي خضع لتحوالت عديدة، كما عرف) األوكيو( وممارسة أعمال الحفر هذه متعددة األلوان في القرن الثامن .. تقنيا وجماليا بالغ األهمية

إن .. عشر إال أنها ال تحمل قيمة تفكرية ذاتية وغائية بالمعنى التاريخي للكلمةينجم عن التفاعل المشترك لعوامل عديدة، وبشكل ) األوكيو(التطور الفني لفن

-٢٢٥-

ت الجمهور وأمزجة الفنانين وأذواقهم بإتقان تقنيات السحب خاص تنوع طلبايتصل األمر بتطور متعدد الدوافع مبعثر عبر مجال .. وبتعبير آخر) الطباعة(

اعه محاولة الفنانين أو الهواة النتزناجتماعي واسع وآخر إيديولوجي دو . »)غائي داخلي(وغرسه في تاريخ

رة التي تعامل من خاللها بعض النظإلى في استشهادي كي أشير أطلتالرد حين ما يحتمله إلىالتنظير الغربي مع فنون اآلخرين، ولهذا فإني سأشير

على هذه النظرة من خالل سؤال ) توشيموتسوإيماي(أجاب الفنان الياباني ارب الثالثين عاما يق كنت قد طرحته عليه في هذا اإلطار وهو الذي عاش ما

: في باريس فقالنتحدث عن فهم اليابانيين للحياة، فما زال اإلنسان عصيا على دعنا «

، ولعل وعي ما يستحيل باضطرادالفهم حتى في عصر العلوم التي تتطور فهمه إنما يأتي من مفهوم الوجود وما يرتبط بعدم االستقرار الحسي لألشياء الحياتية، واليابانيون يخفون قدرتهم وإرادتهم، ويحافظون على الخضوع الشرقي المبني على فكر يعتبر أن ثنائية الحياة والموت، التقدم والفناء في

فنحن غير مضطرين المتالك .. إيقاع الطبيعة، إذ ال وعي بالفردية كالغربيينبينما يبني الغربي وعيه مسبقا بناء يعتمد على مثال .. وعينا الخاص كمثال

:، ويضيف إيماي في إجابة أخرى»أعلىالخمسينات على يد مجموعة من األساتذة أمثال ميشيل تتلمذت في «

تابيه، جورج دوتويت، أونجاريتي، جان بولهان، أندريه مالرو، وارتبطت وقد كان لذلك تأثير في .. بصداقات مع سان فرانسيس، فوتريه، سوالج

. »استعادة عالقتي ببلدي

: االصطناعيةالحداثةزها، أو حاولنا أن نحلل هذه عالقة الصورة بزمن إنجاإلى عدنا إذا

إنجاز الزمن في (إلىالرابطة فيما يخص المحمل التشكيلي العربي باالستناد ، ورغم عديد المحاوالت لرفع الغبن عن هذه الصورة باعتبار ما)الذات

١٥م -بؤس املعرفة

-٢٢٦-

واجهته عربيا في النصف الثاني من القرن العشرين، إنما يقع في إطار قية اللوحة كمشروع ثقافي، ويضيف الناقد المواجهة للكساد الذي لحق بمصدا

أنوية وأنانية الفنان العربي وإن كانت تمثل رد « هذا األمر إلىأسعد عرابي . » العولمي الجديدافيفعل على صدمة ثقافية تميزت بها مخالب النظام الثق

العولمة إال أن الغاية األشمل كانت إلىوبالرغم من هذه اإلشارة القسرية الفنان العربي في سلوكه اليومي إلى اللوحة العربية بل إلىم ليس توجيه اللو

والموقفي مشككا بأجيال الشباب وحريتهم في اختيار السبل التصويرية ة بين الفنانين العرب في كتابه وقد جاء في العالقة الملتبس. المالئمة لظروفهم

بينالي در في إحدى دورات الذي ص) وجوه الحداثة في اللوحة العربية( الروحي، وتحولت -شردت اللوحة بالنتيجة عن بعدها التأملي «: الشارقة

سلطة ثقافية تسويقية إعالمية، متداخلة في إلىمن فعل إبداعي طاهر، تواطئية مؤسساتية، تشهد من خالل انتشار الفنون وفق هذه اآللية انطفاء

. عاق العب سيرك والتماع أخرى دون معيار ليصبح القزم عمالقا والموجوه،يستمر غموض هذا الحال بعد موت الفنانين، تقام االحتفاءات والعروض

يستحق التخليد، تحفظ الماسخة وتردم رمال المكابرة واإلهمال على ذكر منل على ارتباكها في متاحف خاصة وتتبعثر تحف الثاني أو تباع أعمال األو

إن األزمة التي يعاني منها .بأبخس األثمان في أسواق نخاسة الداخل والخارجالفنان العربي ترد من مجتمع التشكيل العربي، وإذا كان المحترف العربي ال

التنافسية فإن مماحكتها، والعصبية، والثأرية، حقاديحتكر هذه الصراعات واألبلغت حدود القبلية والعصبية أحادية الذوق والرأي والمصلحة، يشطب اآلخر

تعويذية التي يشطب بها رجل الكهوف طريدته على بنفس إشارة الضرب ال . »جدار الرسم يرى الناقد األزمة نابعة من الداخل المتصارع على بناء تصوره هكذا

فولكلوريا وعبثيا واستهالكيا، مشوش الذاكرة ومخصيها بالحداثة االصطناعية .. التعريفالمستوردة، ومتهالك التشبث باستشراقية الذات الملفحة بأشباح هوية

-٢٢٧-

الهودج .. الحرف، الوشم، التعويذة، التميمة، الخيمة والدالية، والمركب والحمل والبابوج وبقية ما احتوته دكاكين الغرب تجاه الشرق، بينما شوالحريم والطربو

بدور سفير «يرى النقاد والفنانون العرب المقيمون في الغرب بأنهم يقومون . »ثقافي متقدم في محترفات الغرب

النظر عن التشكيك وبث الشبهات، فإن أهمية الصراع ليست وبغض أغناءدائرة حول الجوهر التصوري للفنون العربية، وبدال من االنخراط في

الموقف الصراعي حول العمل الفني وصلته بقيم التعبير النوعية وعمليات يبدو وكأنه تحققها فكريا، يظهر األمر وكأنه مرتبط بالتوصيف الخارجي للفن ل

سجين إشكالياته التي يعيشها الفنان العربي بدءا مما ذكرناه وانتهاء بمن يعتبرأي بين حداثة ) رامبوية(وأخرى ) بودليرية(هذا الفنان حائرا بين طليعية

تخلص للماضي وأخرى تتنكر له وتدعو لولوج المستقبل دون أسف على . تهديم وقطع الصلة بالماضي

راء النقدية المختلفة ستبقى دون فائدة ترجى منها إن جدال أن اآلاللم تستطع تقديم نفسها على أنساق تحكم وتقيم وتدرس وتحلل الظواهر المختلفة واالتجاهات المتوحدة في توجهاتها وخلفياتها بما يجعل اآلراء تجتمع حول بؤرة يسهل التركيز عليها لالنطالق منها، واعتبارها مركز

ء داخل النسق الواحد، أو باجتماع اإلنسان للحكم على البناء التحول سوا لدوائر الذي يقتضي المعرفة الكاملة للعالقات متعددة الدالالتلبصريا

، والتي تبني في النهاية النسق العام )الصورة(الظروف المحيطة بإنتاج وال بد من . الذي يحتوي على اإلسهامات الفردية أو القطرية أو األممية

عدم ضرورة تحقيق التساوي في هذه األنساق، أو توازن إلىإلشارة االمعايير وإنما الوصول إليها من خالل الظروف اإليجابية أو السلبية، ما

قاط غياب الدالالت يساعد الحركات النقدية في توسيع مجاالت الكتابة في ن وهي تدل باستمرار على محدودية رؤيتنا لها) الصورة(التي تحققها

. الستمالة بلوغ حالة الكمال في الرؤية

-٢٢٨-

السطح النقاط التي يشكل الفراغ ساحة اشتغالها، الفراغ الذي هوهذهفي تناهيه المباشر، أو المادة، أو هو العالم بشموله وتناقضه ورمزيته وال

بالغاية التي تبرر تحققها، والعالقة ) الصورة(عالقة الوهم، العالم الذي هوهي في جوهرها المعنى الفني، الجمالي، أو . ليها لربط الصورةالتي تشير إ

ما هنالك من المفاهيم المعنوية التي تبني الفراغ إلى.. المعرفي أو الحركي مكان، ومن إلىووهمه، أو السطح، أو مادة العمل الفني لتحيله من سديم

األمام إلىل تقتضي االنتقا سديم، ينموان زمنيا في حركيتهما التي الإلىمكان لنوسان مابين وإنما عبر التقدم أو التراجع أو ا. اتجاه واحدأيأو األعلى أو

، حيث تكون الحركة تغيرا وتبدال لحظيا )حدود معارفنا(الماضي والمستقبل . في مسارها الذي هو مسار البحث اإلنساني الشامل عن الحقيقة

بالتأكيد، ليست األلوان في العمل الفني ليست عناصر بنائه والحقيقةإنها التصورات التي ال حدود لها، وال يشكل الوهم أو الخيال .. األفكار أو

والتعامل مع العمل الفني ليس له أول أو آخر فهو كل متكامل، .. ضفافا لهاوال يمكن استنتاج أجزاء من بعضها، .. ليس في الخط وال في اللون وحده

أو المشارك والكل يتألق ليبهر لمشاهدال ل محاولة اإليصإلىفالعمل يهدف مي أدهم سا. د(الشعور، ويعبر عن رؤية خاصة بالفنان، فليس للوحة وفق

أجزاء مفردة، أو مساحات منفصلة، إنها كل ) في كتابه ما بعد الحداثة . وفضاء واحد.. واحد

: مرة أخرىالصلة كثير من إلى الكتابات الحديثة في مجاالت النقد الفني تتطرق بعض

األمور التي تعتبر العمل الفني كال متكامال، وتعبر عن القلق إزاء ما أضاعه جانب هذا إلىالفنان العربي في تخبطه خلف المتغيرات الناشئة في الغرب، و

النواحي ذات الصلة كافةالتخبط نلمس الحصار الهائل الذي عاشه اإلبداع من عتقاد ومشروعية التصدي لالنهيار األخالقي بالديمقراطية وحرية التعبير واال

-٢٢٩-

والقيمي، والذي نكتفي باإلشارة إليه كأحد المحاور األساسية التي عانى منها . اإلبداع العصري بعامة، والتشكيلي بخاصة

أن هذا الصراع قاد المبدع والناقد معا لبناء عالقة تعتمد على حتىنفتاح الذي تطمح إليه التيارات التغريب واإلحالة والتورية إلخفاء بعض اال

هذه . الفنية المعاصرة لتقول كلمتها في مواجهة المتغيرات الحضاريةاإلحباطات كانت تؤسس إليقاع متجدد، سيكشف بالضرورة عن اتجاه جديد

إغالق ما يقارب إلى التي أدت األزماتللفنون نلمس مالمح وجوده عبر لخمس األخيرة من القرن مائتي صالة عرض في باريس في السنوات ا

وإذا كانت فضائح المتاحف والبنوك وأصحاب الشركات ال تكفي . العشرينلتلمس ما يصيب الحركة التشكيلية العالمية من تبديالت، فإن التوجهات النقدية والفلسفية منذ منتصف الستينات وبداية السبعينات من ذاك القرن قد

كتمهيد أولي ألنظمة فنون العولمة استطاعت تثبيت مقوالت ما بعد الحداثةالتي حققت في الربع األخير من القرن المنصرم تزايد التبادل والهجرة

. الفنيواالنزياح من البحث الذي قام به الفنان الغربي في نهاية القرن التاسع وبدال

عشر وبداية القرن العشرين عن النور ومصادره وينابيع اإللهام الذي سيدفع األمام، فإننا نلمس الهجرات الجديدة لمن يبحث إلىالتجديد سبال بحركات

عن الفضاء والفراغ والصحراء كمحرضات للمخيال الفني ومولدات للتصور بعد أن حاصر العلم والتدفق الصوري اإللكتروني وأنوار الهولوجرام هذا

.. الفنان الغربيال لمقاسمة قبول أوروبا مث« ما يشير إليه بعض النقاد عن ورغم

فإن مركزية الفنون في »دورها االحتكاري للفنون مع القارة اآلسيويةأوروبا تبقى مستولية على صنع قرار النقد المحترف، كونها تملك

والصحافة المتخصصة والنشر المتكامل في هذا المجال، نقديةالمؤسسات التعادة أهمية التراكم األكاديمي الرسمي الذي ال يمكن دونه اسإلىإضافة

دوره الستقطاب فنون العصر وتحريكها، خاصة أن هذا النقد استطاع هضم

-٢٣٠-

إلىالهجرة التي تمت منذ منتصف القرن الماضي من شمال شرق آسيا المراكز الغربية وبخاصة اليابان والصين وتايوان وكوريا وفيتنام، األمر

مجاالت الفنون دمج الكثير من فلسفات الشرق مرة أخرى في إلىالذي أدى . الغربية الجديدة

ونحن ) أوهام الصورة( أكرر السؤال الذي أشرت إليه في كتابي أخيرا تمضي الفنون العربية ؟؟ وما الذي أين إلىنفتتح القرن الحادي والعشرين،

يؤخر حركة النقد عن أن تكون فاعلة في تجسيد العالقة فيما بين الفنون م، وهل ستذوب ما بنته سابقا الطموحات النهوضية العربية ومثيالتها في العال

مفاهيم الفراغ إلىفي مناخات العولمة بعد أن بدأ الفن في المركز يتجه القطيعة مع إلىوالصمت والوهم ومواقع انتفاء األثر التي تحيل مباشرة

رفض العالقات التقليدية المرجعيات لبناء نسق مختلف يولد دالالته الجديدة ب النهائية الداللة إلىفي السرد البصري، والطموح ) الدال والمدلول (ما بين

حول اإلزاحة ) فوكوشيلمي(العالقة، وهو المبدأ الذي قدمه المتوقعة من هذه المعرفية التي تمثلت في االنتقال من اإلنسان أو العقل البشري كمصدر

. اللغة في جبرية تشاؤمية الفتة للنظرإلىللمعرفة العالقة التشابكية صفة من صفات ما يربط الناقد بالعمل الفني، تبقىقد

ولن نقول التصادم، وبكال الحالتين فإن عدم ثبات وجهات النظر أو أنماط التفكير سيؤخر مرة أخرى المحامل التشكيلية العربية عن لعب دورها في

ة عن صيغا ومشاريع بعيديةالوسط الفني العالمي، وقد تبقى المنجزات الفنوسنبقى نردد إن . موضوع العصر.. بناء تقاليدها بنتيجة التغيرات السريعة

جذور أزمات الفن التشكيلي العربي ستبقى عالقة في حقول النقد الذي لم يبلور نظرياته وسيبقى ضحية هذه العالقة التشابكية المتلقي الذي ينتظر أن تتفتح

. ة لروح العصرأمام عينيه فراديس النظر االفتراضية الممثل

-٢٣١-

االلكرتونيةالثقافة كيلـ مرجعيات التشخارج

غداء ( مقدمة تفكيره حين رسم لوحته إلىإحضار الصورة ) مانيه( يقصد لم، إال أن الصورة بموقعها المفهومي باتت واضحة في نفي لوحته لوحة )العشب

يري ليس علي صعيد الشكل ، وإنما في عمق الهدف التصو). حفل في قرية( بسبب ما تشتمل لجعل إحالته المجازية تجابه برفض عام، ورد فع الغربي، وهذا ما

ويرى . وحسب) الثيمية(ـ ، واستبدالها ب)قيةياإلغراألمثولة (عليه من نفي لمفهوم لم يتردد في تضمين لوحته (إن مانيه ) الحركة–الصورة (جيل دولوز في كتابه

طابع األسطوري عن كل من الثيمة وخطاطاتها، عناص من الحاضر، وبالتالي نزع ال ). نفي الماضي، وبعث نظام مستحدثإلىوهو بصنيعه هذا إنما كان يهدف

عن الممكناالنزياح: على هذا الباحث محمد بن حمودة، في كتابه قضايا االستيطيقيايعقب

بين إذن أن ما يصدم في لوحة مانيه هو رغبتها في االنزياح عن كل صيغ ( حضور حسي يمثل ضمنه الحاضر الصرف خاصة، إلىممكن، والتطلع ال وجود مكتنز ومشبع، وذلك بشكل يحرره من كل أصناف االرتهان خميرةو

على النقيض من . بالخيال- خاصة . بالزمن، االرتهان بالمرئية، واالرتهانبصوابية هو ) جايتن بيك(، وكما الحظ ذلك )مانيه(ذلك، ما يبهر في لوحات

).ضرب من الحضور الصرف للصورة(تمالها على اش. الحضور للصورة هو التعبير اإلبداعي عن الثورة العملية الحديثةهذا

لقد قامت : (بأوجز قول، وأبلغه حين قال) دولوز(وهي الثورة التي عبر عنها

-٢٣٢-

لحظات بارزة أو إلىالثورة العلمية الحديثة على إرجاع الحركة، ليس الدراسات قد يدةوإذا كانت عد... لحظة من اللحظات أيإلىمفصلة، بل

في التمهيد لنشأة السينما فذلك ألنه األول الذي حاول ) مانيه( على دور أكدت التصوير اآلتي، وبالتوازي، في إلى بحصر المعنى -العبور من التصوير

وقت كان فيه العلم الحديث ال ينفك يحل التعاقب الميكانيكي لكل اللحظات ). النظام الديالتيكي للصور واألوضاعمحل

المستقبلشعائر متحولة الصلة بين التصوير كفن مكاني، القة العإلى اإلشارة إن

المزيد من االكتشافات، واالستنتاجات المتعلقة إلىوالزمن البد وأن تحيل بمهاهية كل منهما، باعتبار المكان حيز التفكير الصوري التقليدي، الذي

األولى لهذا اإلنسانيالرؤية التشكيلية، سواء في التصوير يحتوي على المكان، أو ما تعاقب فيما بعد على تفعليه، لتشييد األفكار واالتجاهات

األولى على أجزاء الطبيعة ومكوناتها والمذاهب، بدءا بالرسوم االحتياجية قية التي أسست واالنتقائية، والتقليلية والتلفيومية،وأغوارها، وحتى الفنون المفه

لمعالم التشتت المكاني، في مفهوم اللوحة المسندية لالنطالق نحو عالم أكثر غرابة، وتفوقا يؤدي الغاية من االنتقاالت السريعة في عالم المرئيات التي تؤكد تفوق الزمن في استالم زمام المبادرة، في العالقة مع الفنون المكانية المختلفة،

يحة لنفي مبادئ النظريات الجمالية التقليدية، في محاولة واضحة وصروالتنويرية، والنقدية، والطعن في مصداقية استمرار المنهج الجمالي، مقارنة بالواقع االفتراضي الجديد، الذي يزيح كل شيء، ليعلو زمن الوهم على محاور

اإليديولوجية التي رسمت عالقة الفن بالمتعة، والمنفعة راجعالمستقبل، ولتتوالمجتمع والسلطة والمتحف والصالة لتذوب في المعادالت العلمية، ومنافي الحواسيب، التي تؤسس إلعادة بناء األسطورة اإللكترونية، على أساس زمني حي، ومتحرك، بعجائبه االفتراضية، التي تفتح الجدل على شعائرية المستقبل

.مع األلفية الثالثة

-٢٣٣-

ي يتحدث عنها بعض الباحثين، فيما تكن األمور بحجم المفاجأة التلميخص الحواسيب وعالقتها ببناء عالم االتصال الجديد، فإحدى النقاط التطبيقية

هي بدون شك مشروعات إدخال (البارزة للكالم عن االتصال في المجال التقني مجال اتخاذ القرار، وكان البرهان القاتل بأن أهمية اآلالت الجديدة ياآللية ف

قدرتها على الحلول محل صانع القرار البشري، الذي مني بالفشل، تنحصر في ومن أوائل البراهين التي عرفها الجمهور الفرنسي، وقد صور أو مقال نشر في

وأعلن ) دوبارل( وكان من تأليف األب ١٩٤٨الصحافة الفرنسية في ديسمبر المستقبلية، ) اآلالت الحاكمة(فيه عن وجود الحاسبات، هذه األجهزة على أنها

لسد النقص الذي بات ) قدرة منطقية على أداء العمليات البشرية(المؤهلة بفضل .»ثورة االتصال«، )واضحا في العقول، واألجهزة المدربة السياسة

االفتراضيةاألنا نما هذا الحاسوب منذ منتصف القرن اآلفل، وشب على بناء هكذا

تقليدية، وأبدى موقفه من االنحرافات الصورة، وتدخل في المعارف اإلنسانية ال المشتركة، حاألرواالفلسفية، والنقدية، لعالم التصورات الجديدة، وطريقة تقديم

التي تمزح األنا الواقعية، التي اشتغل عليها اإلبداع طيلة العهود السابقة باألنا ...االفتراضية

لتي هي الفن في تنبأ لها بالموت العديد من الفالسفة، الذات االتي الذاتاختصاصنا، اإلرث اإلنساني الذي ال يمكن للنبوءات الطوباوية أن تلغيه، أو تنقيه، أو تميته، وال يمكن بأي حال اليوم قراءة ما يجري من تحوالت في عالم الفنون، إال في إطار التجربة الكونية لمفاهيم الفنون اإلنسانية، باعتبارها تجريبا

لعالم الفيزيائي والميتافيزيقي الحقيقي، واالفتراضي، المنفتح مستمرا، الستيعاب ا .على الزمان باعتباره وجودا في الزمان، متحوال، ومتطورا، ومتغيرا

ثالثة ماليين سنة مضت تظهر اآلثار األولية ألكثر إلى اثنين منذ سكنه يبني) تدريجيا(حيث تعلم اإلنسان أن يحضر أدواته، وبدأ . قدماقافاتالث

) ١٤(فإذا كان التطور الفيزيائي استمر . األول، ليتبعه الحقا بممارسة الفن

-٢٣٤-

مليون سنة، فإن التطور الثقافي، وبالحكم بنتائج التنقيبات األنثربولوجية، ) ماليين سنة٣- ٢حوالي (واألركيولوجية، يشمل طورا قصيرا نسبيا

ما بشكل وثيق، وال يمكن والتطور الثقافي، والبيولوجي، مرتبطان مع بعضهالنظر إليهما بشكل معزول عن اآلخر، فمنذ لحظة ظهورهما كانت الثقافة

.واحدة من أهم عوامل التطور البيولوجي مالحظة أن ن جانب هذا التدريج، أو الترتيب الزمني، البد مإلى

اإلنسان كان بيني لغة إبداعه، اللغة التي تحتمل شروط التطوير بتطور المزرعة تطوير اللغة إلىوكما اقتضى االنتقال من الكهف . مالمفاهي

الشروط التي تمليها طريقة إنتاج الصور في إلىوتعقيدها، فإننا اليوم نفضي زمن ال يمتلك مناهج المجاز، والبالغة التقليدية وإنما يركز على الذات

ية االفتراضية التي تبتكر الشخصية الوهمية، في سياقها الزمني، الشخصالرقمية، والضوئية، والفضائية، التي ال يتمكن المكان من تقييدها في مواجهة الزمان االتصالي الجديد وزمن الحضور الكلي والشامل، الذي يكشف المكان،

وما نراه واقعا على المدن اإلنسانية اليوم، ينطبق تماما على فضاء ... يفضحهفي أصفاده التاريخية، إذ لم يعد اللوحة أو العمل الفني الذي ما زال يرسف

.زمن الضوء هو الزمن الحقيقي للعمل الفني، بل الزمن الذي ينفي مواصفاته يرى على حرب في حديث النهايات إن مهمة الفكر تتغير بفعل ولهذا

...التحوالت التي طرأت على المدينة والساحة العموميةي تحسين شروط فالفكر، واإلبداع والوعي، والحرية والمساهمة ف(

الحياة، أو في مواجهة األخطار التي تتهدد المصائر، إنما هي صناعة وميزة آن األوان مالكل فرد منتج في مجال عمله، أو فاعل في بيئته وعالمه، رب

هذه هي المدينة . للتفكر والعمل معا، وفقا لمبدأ المسؤولية المشتركةءات بفضائها السبراني، وتشكيالتها االومنوبوليتية العابرة للهويات، واالنتما

إنها، وعلى ما أوثر تسميتها، الحاضرة المجازية، . المجتمعية المفتوحة والمرنة ).التي تجعل البعيد قريبا، بقدر ما تجعل القريب بعيدا

-٢٣٥-

االلكترونيةالثقافة الفنون اليوم، تنشأ لغة تختار مفرداتها من الشروط الفلسفية في

آلة تصوير الفيديو مثال، وشاشة الحاسوب، وسماعة . ةوالنظرية الجديدالهاتف، سبل حديثة إلنتاج الصور على غير ما عهدنا، أو طورنا في

لغة أخرى تعلن استقاللها وتختار وسائل إعالمها لغاياتها .. مؤسساتنا الجماليةإنها شعائر تعيد صياغة الفضاء، .. الذاتية، فهي لم تعد وسيلة إلبراز غيرها

والضوء، والساحة، والصالة، والمكان والمضمون، والمبدع، والمتلقي، الذي وهي السبل التي تجعل تاريخ الفن .. كان مشاهدا فأضحى مستخدما ومشاركا

مادته الثقافة االلكترونية، وتقنيات الثقافة لفا،ينجز مقوالته، ليبدأ تاريخا مختالبعيدة بذات المستوى الذي تخاطب اإلنسانية الجديدة، التي تخاطب األحاسيس

خطوة من أجل لإلبداعفيه األحاسيس القريبة وتجعل من المباشرة األولى .المباشرة الثانية، التي تنأى عن مرجعيات تحققها

مدينة (بالفيديو، وأسماه ) بيل فيوال( عمل تركيب قدمه الفنان في التي استمدها من يظهر ميزان الخوف والرجاء في مشاهد القيامه) اإلنسان

إلىالقرون الوسطى، وقد نفذ العمل ليعرض على شاشة كبيرة حائطية، قسمها يرى في الجانب األيسر مركبات على طريق سريع محيط بمدينة (ثالثة أقسام

جبلية، توزعت البيوت فيها على غير انتظام، وفي الجانب األيمن طقطقة ء األوسط الذي يشكل ضعف أما في الجز. النار الصاعدة من بيت يحترق

ويرى فيه منبرا . مساحة العرض فترى مشهدا ألناس يقومون بأشياء مبهمةشبه دائري ومشاهدين، وسامعين، ويتقدم من حين آلخر شخص كأنما يريد أن

..يدلي بشهادة، أو برأي مشهد من جسلة لمجلس النواب، أو من جلسة لمحكمة وفيما تتابع فكأنه

ونية بهدوء، على نحو ال يكاد يلحظ، يبدو كأنما تنفتح قبور، الصورة االلكتر القدس إلىوتخرج منها زرافات من المبعوثين يوم الحساب، لينصرفوا

أحد األعمال التي .. إنه المذبح اإللكتروني). مهاوي الجحيمإلى أو ة،السماوي

-٢٣٦-

ل مفهوم منحت مصنعا للذخيرة قيمة جمالية تعتمد على التقنيات الرقمية بتحوي متحف صاخب باألعمال الفنية إلىهذا المصنع من منتج للقتل والدمار

بجمعها في مركز الفن وتقنية وسائل ) كلوتس(المشابهة لهذا العمل والتي قام .اإلعالم، الذي أقيم في مصنع السالح المذكور

يرفرف ) عالم الريح الغربي(اسمه ) األجنوس جونتر( عمل وفيوحة ذات صخب، في حين يتغير الرمزان المرسومان علمان، بتأثير مر

برهة،فإذا ما تأمل الناظر للعلمين . أخرىإلى، وينتقالن من راية .عليهماالحظ أن إحدى سالسل الصور، تمثل العلم األمريكي، والسلسلة األخرى العلم

إلىالذي كان لإلتحاد السوفيتي، فهذا الصراع العنيف بين النظامين تحول ).من ألعاب الريحلعبة

شتيفان فان (ـ أعمال كثيرة مماثلة سواء في ذات المتحف لويتجاوزأو المشهورين أمثال اإليطالي ) فرانشيسكا ميفرويت(و) فالتر جريس(و) هوين

) جانوت سايمن(واأللماني ) سوزي هاج الفي(و التركية ) فابريتسيو بليسي(، وغيرهم ممن جعلوا ولي للفنونات بينالي الشارقة الد دورإلىالذين دعوتهم

حين كان جةهذا الفن يتجاوز مرحلة التصميم التجريبي، مرحلة البدايات الساذإنها أعمال تكشف عن .. الحاسوب يحاول أن يظهر مقدراته الذاتية المدهشة

مهارة وذكاء الثقافة اإللكترونية، وال تتمثل أهميتها في أنها تحاكي تقنيا ما ).الرسم، أو التصوير، أو النحت (ـه بكان يمكن تمثيل

-٢٣٧-

ثقافية اسرتاتيجيات

ورهانات فكرية ومعرفية

تصاعد لهجة البيناليات في العالم حاجة الناس للفن كمؤطر لمفاهيمهم، يعيدولهذا مثلث هذه الظاهرة . ومعيار لتفسير صلتهم ببعضهم على المستوى الفكري

قيقإلعادة تنسيق الصور، وتفسيرها، وتح الجديدة دليال معاصرا -القديمة إجابات معاصرة ألسئلة أزلية على صلة بالوجود والمستقبل معا، ومن أجل تحديد المسؤولية تجاه العالم كفضاء متجدد تنعكس فيه المؤثرات الذاتية للفنانين الذين يسردون معتقداتهم الشخصية والمشتركة، والممارسات التي تخترق جوهر

. للقضايا الكبرى، وبخاصة السياسية واالجتماعيةإدراكهم

الدهشة سبيال اعتبار القياسات المتعلقة بالمتعة، أو إلى اإلشارة إنلتلقي الفنون، تعزز التساؤل حول صلة الفنون بالسلطة، والنظر إليها كرمز

ما يجعل وهو. يدخل حيز التطبيق للمعتقدات التي كرسها الفن عبر تاريخهصفة من صفات تنظيم البيناليات المستجدة على الساحة العالمية، الفرادة الحيوية التي تكرسها طاقة الصورة، باعتبارها بديال للوجود، إلىإضافة

سواء تجلت هذه الصورة بذاتها، أو بقيمتها، أو بتعالقها مع بعضها البعض، إلى يتحول كل واقع«إلنتاج عالم افتراضي من التضادات المعاشة، وحيث

حلم يحلم إلىحلم رائع، دون أن يكون ثمة حياة يحلم بها، وال روح تحلم، ال «: في كتابه أبعاد اإلنسان، والذي يقول) فيشته( على حد تعبير »بذاته

وجود، أنا نفسي ال أعرف شيئا مطلقا، وحدها الصور موجودة، وهي الشيء صور تعبر سابحة، . ورالوحيد الموجود، لها معرفة بذواتها على طريقة الص

أنا .. صور ال داللة لها وال هدف.. دون أن يكون ثمة شيء تعبر أمامه

-٢٣٨-

نفسي أكون واحدا من تلك الصور، ال، حتى ذلك لسته، بل أنا فقط صورة .»مشوشة لصور

هذه التساؤالت، ومن خالل هذه الحيرة، يمكن أن نلتقط معادالت عبرات، كموقع فيزيائي وحقيقي للتفكير والبحث في التفكير التي تبنى عليها البينالي

قضايا ما زالت تقع خارج التعيين النظري والبصري معا، رغم الصلة كون هذا . المباشرة بما هو مرئي، وسبل استيعابه على المستوى المعرفي

المرئي بمختلف تجلياته يمتلك معرفته الخاصة، المؤسسة لغايات تواصلية ، والمؤسسة لذاكرة على ارتباط بالبرهة التاريخية التي على المستوى اإلنساني

تنتج فيها، وبالمعاني التثاقفية المتحولة في عصر تكنولوجي شديد التعالي على .الذاكرة اإلنسانية التي مرت على الضمير البشري في تحوالته المختلفة

جزء من البيناليات إذن مثار للجدل في مختلف المجتمعات، وهوأمرار والحراك اإلبداعي المعبر عن التحوالت التي تضعنا في مواجهة أهم الحو

القضايا المطروحة للنقاش، كالحرب والسالم، والبيئة، وحقوق اإلنسان، وحرية وسيطرة االقتصاد، م،التعبير، وتبادل المعلومات، والتجديد في المفاهيم والنظط التجاوزات العلمية ومساوئ التقنية والتحكم بها، وقدرة اإلنسان على ضب

عصر ما بعد اإلنسان، وسواها من الموضوعات الساخنة النابعة إلىالماضية من جهل اإلنسان بلحظته التاريخية، والتي تدفعه باستمرار إلنتاج الفن في صوره المتعددة، المرئية والملموسة والمسموعة، في الصورة وشرائط الفيديو

التصوير المجدد لحالته، وكل حالة من واألفالم المصورة والفوتوغراف وحاالت التعبير المنتجة لمعرفتها الخاصة، والطاقة التي تدفع إلبداء المالحظات

ليس في الوجود المحيط باإلنسان وحسب، بل في . حول اإلشكاليات المتنوعة . الذات المفكرة بكثافة ألن تكون مرئية عبر ما تراهأعماق

معة لفنانين من ثقافات وأماكن مختلفة في بيئة تسعى البيناليات المجهكذاواحدة، لتتقابل وتتناظر وتتفاعل في إطار استراتيجيات ثقافية ورهانات فكرية ومعرفية، وهي في حالتها التجريبية التي تطرح حوارها المتطابق حينا،

-٢٣٩-

في محاولة . رىوالمأزوم حينا، والمتعالي أو الصارم أو المقاوم أحيانا أخ رموز وخطابات تفاعلية، إلىطره جوانب مغيبة في عمق الواقع، وتحويلها ألس

وكل ما يجعلها تمنح الفن القوة الرائية، . لها إمتدادتها الوجودية والحيويةحيث يمتد . الالمحدودة في إيديولوجيا أو مكان، أو في صيغة من صيغ إنتاجه

التشكيلية والبصرية، الرقمي وما بعده، وعبر مختلف الوسائطإلىمن اليدوي وكل ما يستجيب النقالبات التقنية المتصلة بالمتغيرات االقتصادية واالجتماعية

ال تنفك التكنولوجيا بصفتها إنجازا بشريا، تخضع لسيطرة "والسياسية، إذ لنظريةفإذا كانت العلوم الحديثة مع ا. اإلنسان، وبالقدر الذي يتيحه لها

ادة اإلنسان على الطبيعة، فإن األمر اليوم غدا على الديكارتية تتحدث عن سي ).السيادة االجتماعية للتكنولوجيا(أصبحنا نتحدث عن : غير ما كان عليه

يضع ) مبدأ المسؤولية(في كتابه ) جوهانزهانس (ـ التوصيف األخير لهذاإشتغاالت الفن في أغلب البيناليات في مواجهة مع القيم األساسية للمجتمعات،

وموازينها ومنتجاتها النائسة بين التطور اي تسعى التقنية لقلبها وبناء حضارتهالتوالعنف، بين سحر المنتج التقني المتفوق على نفسه والصور المتدفقة بقسوة عن

وهوما يذكرني ببينالي . األهوال اإلنسانية في سعيه األعمى للتدمير والنشازي فنان بشبهون الحرب في العراق في نيويورك، الذي ضم أعمال مائت) ويتني(

وقد . بحرب فيتنام، ويعكس هذا التجمع أهم أعمال الفن األمريكي المعاصرللفن األمريكي ) ويتني(المشرفة على الحدث في متحف ) كريسي أبلز(صرحت

المشاعر المناهضة للحرب بين الفنانين قوية للغاية، وهوما نستشعره في : قائلةإنه شعور .. يو فنان يبدع تجريدياته أو في أي مكان آخركل مكان، سواء في ستد

ويمثل هذا الحدث . بالغضب مذل نحس به جراء انهيار وتحطم األشياء من حولنافي لوس أنجلوس ) برج السالم(صدى لحدث كبير كان قد نفذ بنفس المسمى

. ودعي برج الفنانين المناهضين للحرب في فيتنام١٩٦٦العام

أماكن إلىرة لبيناليات دولية مختلفة، كنت أتردد أكثر من زيافي في أركانها المعدة لهذا األمر، اهاالعرض متأمال األعمال التي تنتظر من ير

هامدة أو متحركة أو مستعرضة، تحجب بذكاء الكثير مما أعدت ألجله لتثير

-٢٤٠-

ال الرغبة بفتح الحوار معها باعتبارها، شاهدا مفكرا ومغيرا وصادما، ومحي عوالم غير محددة الستثارة األذهان، وتوتير فعل التخيل، وتحفيز القدرات إلى

. االسترجاعية لعوالم تسترخي في الواقع وما ورائه هذه الزيارات البد أني كنت أسعى لتأكيد أن الالاكتمال ما يزال وفي

وفي . الصورة المشوشة عما ينتجه الفن في إطار التغيير واالختزالات والندوات الموازية للبيناليات كنت أسعى لتعيين الدالالت التي المؤتمر

أتوصل إليها في مطابقاتي بين النظري والمرئي، إلنتاج استبصار مواز على شاكلة المنتج، وتمثله من خالل سرده النتفاء الثوابت، وتخطي خصوصية

أنها خطاب تشكل التقنية أعقد حاالته في تصاعدها المستمر، وكإلىاألثر . تؤسس للتردد في تلقي جوهر التجارب، صورة وأسلوبا ووظيفة

الغاية األساسية خلق خلخلة تباعد بين المرئي والمستبصر، وتثبيت كأنالمعقول في حدود قيمته االستهالكية كمصور متعدد اإلمكانات، يمكن الحكم

إلى ويحولها، ينزع حرية القرار من مشاهده- في أقل التقديرات -بأنه ت رؤية قائمة على الشك بالمرجعيات المعرفية النسقية، واالرتهان للحظا

.متزامنالمتعاصرة في مسرح الواقع الال

الوسيطية للبيناليات الحداثوية، وتلك الما بعد حداثوية، الممارساتالمنتشرة في العالم بكثرة تكاد تفوق المتخيل عن وجودها لدى مجتمع الفن

الحياة من جهة، وحقيقة طمأنينةشكال متعددة في المعاصر، تغوص بأوبخاصة المجتمعات المركبة، وأحالمها . المجتمعات المتحولة من جهة أخرى

بالغضب واالستهزاء والتعصب واسترجاع - حتى اللحظة -الجمعانية المتسمة الغرائز، في محاولة لمالمسة نظام المستقبل الذي لم يتفق عليه الشمال مع

.. وال الغرب مع الشرقالجنوب، في فينيسيا وكاسل والقاهرة واإلسكندرية والشارقة وهافانا بيناليات

وداكا وبنغالدش واستامبول وانقرة وسابور والالذقية وشنغا وانطاليا وطهران وبورسعيد وسيدني وبراغ وأثينا وباريس وفاالنسيا وساوباولو وكوانغ جو

-٢٤١-

وبليانا ونابولي وكابروفو وألبياك وسارسيل وببيال وطوكيو وفيرساي ولوليفربول وكارارا وسيؤول وبرنو وروتردام وبريشا وبوتزنان وسنغافورة وشانغهاي وموسكو وبون وفلورنسا وفانكوفر ولندن وبرن وتيرانيا

... وجوهانسبرغ وتايبي وبوزان وجومري ولودز للعروض الحية، والنحت، والصورة، والرسوم المتحركة،بيناليات

والسينما، والفيديو، والمسرح، والموسيقى، والعمارة، ونهاية العالم، والغرافيك، والطفل، والشباب، والفنون ة،والخزف، والتصميم، والفنون المعاصرة، والحرك

التطبيقية، وخيال الكتاب، والشعر، وسوى ذلك مما ال يمكن حصره ليبقى الدور الذي تلعبه عال؟ وما هوعن ماذا تتحدث هذه البيناليات ف: السؤال األهم

في إطار الحوار اإلنساني المثقل باألزمات العميقة الستشراف الوالدة الجديدة الدور الذي وما هو. في خضم المتغير في عالم الفنون واألنشطة اإلنسانية؟

تلعبه عبر اندماجها في اإلشهار واإلعالن والميديا والتغيير وتبني األفكار مة؟ ما الذي يدفع المؤسسات والشركات وأسواق المال والبنوك النظرية للعول

التنقل حريةلمنح المنظمين والقيمين والمنسقين الدعم الذي يوفر لهم .واالختيار والتنظيم؟

نشهده في تحوالت القيمين جدارتهم المتمثلة بالصلة مع البيئة التقنية ماا في العالم، إال أن الصلة الجديدة، وسعيهم لتلمس الموضوعات األكثر إلحاح

من عنف يتمثل بالتمرد واإللغاء للتجارب المحلية في مختلف الجديدة ال تخلومواقع البناليات، انطالقا من حصر االهتمام في نمط من اإلنتاج الفكري

ما كان مثار نقاش بين عدد من القيمين على بيناليات كثيرة في هووالفني، وقدته جامعة ما ساشوتس في مدينة بوسطن بالواليات مؤتمر دعيت إليه وقد ع

المتحدة األمريكية ، ويشكل محور العولمة والمحلية في الفنون مركزا لهذا الحوار في إطار الشكل المتبع للقيمين متعددي الجنسيات، وأثرهم السلبي واإليجابي على الفنون المحلية، في إطار الموضوعات الساخنة التي تهتم بها

جتمعات العولمية، كالحروب وحقوق اإلنسان والبيئة والفقر والمجتمعات الميجعل التنافس قائما بين وقد ناقشت من ضمن هذه األفكار ما. المهمشة

١٦م -بؤس املعرفة

-٢٤٢-

وكذلك القسوة التي . الشعوب للتعبير عن ذاتها، وكيانها، وهويتها، وحضارتهاطقة العربية تستشعرها المحترفات الفنية المحلية في أكثر من موقع كالمن

والعالم اإلسالمي، والصين واليابان وإيطاليا وسواها من خالل السلوكيات وعبر الدعوة إلدراك العالم الذي نعيشه لحظة بلحظة، . النصية لنقاد الفن

وصلة الفن بالوطأة العنفية على مضامين الفنون الجديدة، والصلة بين الحقد بهذا اإلدراك، وكيف يمكن أن يسهم والمشاعر السلبية والهلع وانعدام األمان

الفن بمختلف صوره وتجلياته في بناء حالة التفاعل التي يقصدها اإلنسان إثر فقدانه توازنه، في عالم يتفكك كل لحظة، وسقوطه في خضم الخوف

.والتهديدات الكونية

ما يجعل الناس مبدعين في مواقعهم هو احتكاكهم ببيئتهم الجديدة، إنلتي ينجزونها في إطار نظرتهم الغامضة للعالقة بين الكون واألفكار ا

بناء روابط ميثولوجية مبتكرة مفتونة بالحلم إلىوالموت، والعودة االفتراضي، الذي يطلق المكبوت ويفك إسار المخبوء، ويمجد متعة اللهو،

توصيف ما يتفق عليه القيمون الصعبوسيكون من . وأسلوب الحياة الرمزيب مشترك يتعاضد في علة تحققه، والنتائج التي يتوصلون إليها رغم بأنه أسلو

اعتمادهم على المفارقات الشديدة التي تتقاطع بحس مدني وعواطف تعزز .الحس الجمعاني

-٢٤٣-

.. البيئيالفن

صراع احلكمة اإلنسانية

هذا العالم المضطرب، الباحث عن السالم، تتراجع أولويات تطوير وتنمية فيوتتقدم اهتمامات ال تنتج إال . ان، والخير المالئم لحياته على هذا الكوكباإلنس

الحروب، والكوارث المدمرة على كافة المستويات بما فيها المستوى البيئي على مع ذلك فيما زلنا .. الرغم من االهتمام الواسع الذي نلمسه دوليا، سياسيا واجتماعيا

ة في المنطقة العربية، ألسباب كثيرة تقع في نلمس ضعف االهتمام بموضوعات البيئ .وحتى السياسية. واالقتصادية. إطار األولويات االجتماعية

أن دوال عربية تدعم المعاهدات، وزارات، ومراكز، وهيئات، ورغمبمعنى . تفعيل دورها االجتماعيإلى بحاجة لتإال أنها ما زا. ومنظمات بيئية

إلىادة بيئية، تقدم الوعي الحقيقي، بالدعوة أن يكون في المجتمع العربي إرادخال البيئة في الجسد الثقافي التغييري، والحضاري، كآلية من آليات الثقافة «

بصنع الخطط، وبنائها، في رعاية مباشرة من اإلعالم التنويري، . »والتفكير الدعوات الفعلية إلىالذي يقع على عاتقه الخروج من الدعوات المظهرية،

ارسة هذا الوعي، عبر الوسائل اإلرشادية المتوفرة، التي تمكن تيسير لمممرور المعلومات البيئية وتدعيم المصطلحات البيئية، بإبراز خصوصياتها،

الذي ال يقل عن . السالم البيئيتحقيقونشرها في الخطط العملية والعلمية، لة الكوارث أي سالم آخر، يمكن في ظله مواصلة تنمية اإلنسان في مواجه

، ١٩٨٤البيئية المهددة لوجوده، والتي تعتبر كارثة بوبال في الهند عام من المفاعالت ١٠ ترى أن إلحصائيات، مقدمات ١٩٨٦وتشيرنوبيل عام

.في العالم مهددة في هذا القرن بتسربات مماثلة، إن لم تكن أكثر تأثيرا

-٢٤٤-

أن ترى العالم في حبة رمل« في زهرة بريةوالسماء

الالنهاية في راحة يدكتحملو » األبدية في ساعة من الزمنوتضبط

الشاعر وليم بليك

هو الكون، أو هكذا يتم فيه التبادل، الكل في الجزء، والجزء في هكذا أي الكون في معلمه الحياتي، أو الذاتي، أو الحقيقة »اللوجوس«الكل، محققا

خله نمطه الخاص، الذي حيث كل مخلوق يحمل في دا. في تجليها المفهوميأو ما يمكن دعوته على مستوى الكائنات . يحدد تمايزه الفردي، وكماله النهائي .بالذات التي تحمل صيرورة ما تبدعه

إيجاد مفهوم يحدد الحياة، ككل متناسق في إلى سعى منذ البداية اإلنسانالقضاء الشاسع لحركة وعيه، فأخضع نفسه لمجموع النظريات المتطورة

فيما سانإن اإلن. التفكير البيولوجي المعاصرإلى أن وصل إلىبتطور وعيه، بنية الجسم، كمعلومات إلىيبدو، قد وضع نفسه مرة أخرى في مأدبة النظرة

.ال تخرج عن كونها وهما التبادلي بين المعرفة وجهلها، بين النور والظلمة، جهد اإلطار هذا في

وارتباطه بكوكب األرض، والذي من الهجس اإلنسان لتفسير حقيقة وجوده، .»دفن البيئة«به تولد ما ندعوه اليوم

فنون ما بعد الحداثةمن التعديالت البيئية، والتجاوزات التي سببت كوارث باتت تحيق بسبب

كأحد ) فن البيئة(باإلنسان أينما كان على هذه األرض، تحددت معالم ثة، الذي أكدت وجوده الجماعات الفنية، االتجاهات الفنية لفنون ما بعد الحدا

فمنذ أواخر السبعينيات بدأت تتضح معالم . واألفراد، في مختلف أنحاء العالمفي مواجهة المستقبل الغامض الذي ينال التهديدات المختلفة، ) فن البيئة(

-٢٤٥-

، )بفن المناخ(بعد أن كان يدعى .. والقاسية للوجود اإلنساني على هذا الكوكب االنطباعيون بداية القرن العشرين، حيث استطاع إلىن إرجاعه الذي يمك

إعادة تقييم العمل الفني، من خالل مجموعة معطيات تمحورات حول النور، األمر الذي طرح المواجهة المباشرة بين . واالنعكاس، وعالقتهما بالطبيعة

النهائي المختبر (الفنان االنطباعي وعناصر تكوين اللوحة الجديدة، باعتبارها وهكذا بدأ التعامل مرة أخرى مع مفردات ). أو الحيز الطبيعي إلنجازها

االنعكاس، االنكسار، الماء، األثير الهواء، الموج، البحر، (الطبيعة ذات الصلة والتحوالت المختلفة الناتجة عن تداخل هذه ) الخلضوء،الغيم، الشمس، ا

يقابله من مدى حسي في وما. المفاهيم، في المدى الفرضي للعمل الفني، أو جماعة )سورا(وهذا ما طبقه جماعة التنقيطية أمثال . أو البيئة. الطبيعية

العمل الفني، بعد أن إلى المواقع التشكيلية المختلفة بإضافة) لوتريك(الوحشية متابعاته لتحوالت الضوء، والمكان في مرسمه العائم المتحرر ) مونيه(حقق

إذ حقق توازنا حركيا ذاتيا في جعل مرسمه يطفو فوق . ةمن الجاذبية األرضيالماء، ليتحرر من جبرية الثقالة األرضية العمودية مستبدال األرضية بأرجوحة

).سينياك( من الفنانين االنطباعيين حينذاك أمثال نالماء، والنور، وتبعه آخرو وقد فن المناخ بحق،٣٦٠ -الدائرية بخاصة ( أعمال مونيه وتمثل

حساس البصري استطاعت أن توصف هذا الفن باالعتماد على تطابق اإل تسوير المسافة األثيرية الممثلة للغالف القزحي، المتأرجح بالمدى البيئي، عبر

بين الراسم والمرسوم، معتمدا على التحوالت الضوئية في بحيرة منزله البصرية، والناظم باعتبار أن الطبيعة المصدر األساسي الستنباط المعلومات

الشكلي لالمتدادات، والتوليدات الشكلية المرئية، وغير المرئية، المستخدمة في .النهائيات التحقق الجمالي

هذا المستوى من التفكير باالحتضان البيئي للفن، وعبر عالقة التجاذب فيافتعال الملحوظة فيما بينهما، بقي الفن يراوح بين محاكاة الطبيعة وتجاوزها، بين

المماثلة واستلهام الواقع لبناء الصورة الحقيقية لوجوده، والوقوف على قوانين وإذ تراوحت النظرات وفقا للفلسفات، ووجهات النظر . تحقق الجمال في الطبيعة

يجابيا في عمقه، وغايته، يعتمد االمختلفة، فإن موقف الفن من الطبيعة بقي موقفا

-٢٤٦-

جانب الذاكرة لبناء الموقف الذهني الذي يقتضي إلىفي الغالب على البصر، البيئية ألطرالتفكير في األثر المباشر، ليس من حيث تحققه في الوجود، بل عبر ا

المحيطة بتحققه، على الهيئة التي تجعلنا نستجيب لبثه الجمالي المتدفق، والذي لوجوده، يفترض التعامل معه على أساس التوازن، ال الخلل الالحق، أو الموازي

.فليس كل ما نراه مجردا هو الصورة الحقيقية لوجوده يمكن لنا ونحن نقف على أطراف الصحراء، أن نحكم على هدوئها، وال

فهناك القوانين التي تجملها متحولة ... أو حركتها، أو حرارتها، أو تناقضاتها فقطبرودة، واالنتهاء في أنظمة تحققها، كعالم منفتح على اتصاله الكوني بالحرارة وال

وهذا هو حال البحر، أو النهر، في صياغة القوانين . الجبال، أو البحارإلى : وهو ما حاول الشاعر بليك أن يعبر عنه حين قال. بتحققهالخاصةا

.»ترى العالم في حبة رمل، والسماء في زهرة برية« : العالم الفيزيائي دافيد بوهم وهو من المتأثرين بآينشتاينكتب

كل ما يبدو لنا في العالم مستقرا، ملموسا، مسموعا، ال يخرج عن «كونه مجرد وهم، وحقيقة العالم في أنه ديناميكي، ال نهائي في أشكاله،

وليس في حقيقته، فما نراه على نحو قياسي، ونظامي، هو نظام . وألوانهتيا يشتمل على لكن هناك نظاما تح. األشياء المنبسط القابل للتفسير، والتوضيح

هذا النظام الثاني بأنه »وهمب«الكل، ويعد أبا لهذا النشوء الثاني، ووصف متضمن ضمني، أو منطو ومنغلق يضمر هذا النظام المنطوي الضمني واقعنا

الموجود في نواة خلية الحياة، DNA ـويخفيه، تماما كما يضمر أو يخفي ال) بوهم(ويضيف . »يعة انفتاحها وكشفهاالكامنة أو الموجودة بالقوة، ويوجه طب

ا، الطبيعة، من خالل العدسات، وأن تصرفنإلىإننا منذ جاليليو ونحن ننظر أو سلوكنا في موضع الشيء، أو التشيؤ، كما هي الحال في ميكروسكوب

فنحن نريد أن نكشف أطرافه، ... الكتروني، يبدل أو يعدل ما نأمل أن نراهلكن طبيعته الحقة تمكن من نظام آخر . قت قصيروحدوده، ونجعله يهدأ لو

)١(»...للحقيقة هي بعد آخر، ال توجد فيه أشياء

.) ندرة اليازجي-مدخل إلى المبدأ الكلي ( )١(

-٢٤٧-

البصرحقول ما آلت إليه، إال وفق إلى تتطور المفاهيم والتصورات اإلنسانية لم

التحوالت الطارئة على آليات وعي اإلنسان، وفن البيئة الذي نحن بصدده لى مر السنين إذ يمكن أن نالحظ ما سجلته اآلن، إنما تالحقت تحوالته ع

والسكو »تالتاميرا«االكتشافات اإلنسانية في الكهوف البشرية األولى والصحراء الجزائرية، وشوفي وغيرها، من رسوم وألوان استخلصها إنسان

، )الصباغات الطبيعية(ما قبل التاريخ من بيئته الطبيعية محققا ما ندعوه اليوم األتربة الحمراء، والفلزات، وأغصان األشجار، والعروق المستخلصة من

المتفحمة، والكلس األبيض، وأوراق النباتات وغيرها من المواد التي عالجها إشارات سحرية تصدر « إلىكي تبقى ثابتة على مدى الزمان، محوال كل ذلك

.»اعن التالقح بين طبائع المواد الحاملة، والمواد المحمولة، وحواس مبدعيه النظر عن موضوعات هذه الرسوم، وأهمية مضامينها، التي وبغض

فإن هذه األعمال تؤكد . وبيئته ومحيطه الطبيعياإلنسانتكشف عمق عالقة ولعل هذا ما دعا ليوناردو دافنشي .. العالقة األزلية بين الفنان المبدع والطبيعة

ما جعل نظرية كنظرية أو » خزان الطبيعة المترع بالحكمة والكمالإلىللعودة « الجرافيكية، بعد عجز المناهج - النواظم البيولوجية إلىالشعث، تتصدى

ونظريات .. الرياضية عن رسم صيروات العناصر الطبيعية، والتنبؤ بأنوائها البيئة، وتعتمد اطروحتها على إلىالشعث واحدة من حداثات الحساسية الموجهة

. )١(» الحدوث في عالم البيولوجياالرسم القتراح برامج بصرية ممكنة بقيت األلوان على مر األزمان وفيه لمصادرها الطبيعية، ولم يخرج لقد

الفنان عن المرجعية الطبيعية الكتشافاته اللونية، وإذ حاول بعض الفنانين الخروج على نمطية العالقة ما بين اللون والطبيعة، أو البيئة، أمثال إيف كالين، محاولين

فإن بواطن البراكين دحضت أفكارهم، . باالستعارة من التراث البوذيحاءاإليوهذا ما دعا الفنان ... بوجود الدرجات اللونية الالمحدودة العدد من هذه األلوان

.) وجوه الحداثة في اللوحة العربية-أسعد عرابي ( )١(

-٢٤٨-

المسلم أو الفنان الصيني لزيادة التأمل في الطبيعة ساعات طويلة قبل بدء الرسم، ت طويلة قبل بدء الرسم، لتحقيق لتحقيق أعلى تواصل مع حكمة الطبيعة ساعا

، محور المادة )الضوء(أعلى تواصل مع حكمة الطبيعة، بوجود المادة النورانية الذي يعنى الديمومة في " الشمولي-حيث يمثل النور النظام الجزئي . التصويرية

أو في ديمومة النواظم اإليقاعية، بالتناوب . الحركة الدورانية التعاقبية في الوجود . الظلمةمع

كان الخروج على اآلليات الطبيعية للتفكير بهذه األلوان، والصباغيات، وإذا. يمثل خروجا على سرية الحكمة الشرقية لمعانيها، ومفاهيمها، وقيمها الرمزية

األمر الذي جعل التناقض يبدو جليا في عالقة كل من الشرق والغرب ببعضهما تبدل واضح في الموقف من العلوم إلىالبعض على المستوى الفني، مما أدى

والثقافة، والحضارة، بل يمكن القول إن الموقف من العقل، والمهارة التقنية، بات دافعا للتحقق من المصائب التي جرها التطور، والتقدم التكنولوجي المفجع، على

. القيم واألخالق، والروحانياتةالنظم البيئية العالمية في مواجه

الضطراب واالتوازن وقد بلغ حده األقصى، ينسحب »يانج« ـال: النص الصينييذكر وأننا نشهد صحة هذه العبارة في التحول الذي طرأ خالل »ين« ـلمصلحة ال

ستينيات، وسبعينيات هذا القرن، فقد نشأت متتالية كاملة من الحركات فاالهتمام . ة تتجه وجهة واحد- كما يبدو - التي . الفلسفية، والدينية والسياسية

السرية والحكمة، وإعادة اكتشاف إلى واالتجاه القوي -النائي باإليكولوجيا الطرائق الكلية في مجال الصحة والشفاء، وأهم من كل هذا، الوعي األنثوي المتنامي، ظهورات أو تجليات لنزعة تطورية واحدة، فهي، برمتها تعادل

العقالنية، والذكرية، وتحاول جاهدة المغاالة في التوكيد على المواقف، والقيم )١(أن تستعيد التوازن بين الجانب الذكري والجانب األنثوي للطبيعة البشرية

). ندرة اليازحي–مدخل إلى المبدأ الكلي ( )١(

-٢٤٩-

اإلطار الفني، حاولت جماعة الباوهاوس في فترة ما بين الحربين، في وحدة الفنون، في إطار إلىدمج الفنون وتقريب وجهات نظرها بالدعوة

فرانز (قيدية، وإدماجها في النسيخ الحضاري، والبيئي تعاليمها التربوية، والعوفازاريللي بأوهامه البصرية المستخرجة من ) بول كلي- فاك -مارك

البصرية المغناطيسية، لحقولااللتباس اللوني لالنطباعية، وإرباكات إدراك امنذ مونيه وحتى فازاريللي، حسب تعميم الناقد أسعد عرابي مما أدى فيما

دخل المشاهد في العملية اإلبداعية، لهذا فإنه يؤكد أن طقوس فن بعد لت نوع من األشواق الشفائية، أو التظهير الجماعي من مغبة إلىالبيئة، تتحول

اغتيال الطبيعة، واقتراف ذنوب القضاء عليها، بالقضاء على ما يقرب على نسان يدمر من مليون من األجناس الحية خالل العقود الثالثة األخيرة، فاإل

، واغتيال المساحات )ثقب األوزون(بسرعة ما أنجزته ماليين السنين الخضراء، إذ أن خلف كل جريدة إعالمية يومية، مأساة اغتيال شجرة

. قمامةإلىوتحويلها يهجس فن البيئة بمصير هذا الكوكب المرتبط بحقيقة وجودنا عليه، لهذاأنه تهديد األحياء وما يدفع كل ما من شإلى إعادة التوازن إلىويدعو

.. االضطراب، ووقف كل ما يرفع درجات حرارة الكوكبإلىالجمادات إذ كلما طغى . وقف االغتيال المباشر للكونإلىولهذا أيضا يدعو فن البيئة

اإلنسان في االستثمار الفوضوي لمقدرات هذا الكوكب، كلما يدعى الفن البيئي، التي من أعالمها بالتشخيصية اإليكولوجية، وهي إحدى توجهات

الفنان جرانتلوب، ودومينيك تينو، وفريق جون الياباني، ولبيروجير، وغيرهم وهي جماعة في أمريكا الشمالية (»كالشامانية«كثير ممن توجهوا هذا التوجه

مارس بعض فئاتها عبادة الطبيعة عن طريق ممارسة طقوس التواجد والتوحد إلىن الشامانية هي غواية الطبيعة، والتعلق بحكمتها مع عناصرها، وبهذا فإ

ولهذا تؤكد الشامانية على همجية التقدم التقني، وفظائع المستقبل، . حد العشق معلوماتية الصورة الرقمية، والتوليفية وأنواع الهولوغرافي، إلىالتي قادت

.البصيرةورياضيات المينيماليزم، وإشاعة اللدائن الصباغية الملوثة للبصر و

-٢٥٠-

رمزالشجرة اعتمد بعض فناني البيئة على الشجرة كرمز، وكذلك الغابة، وكل ما لقد

يتعلق بتفاصيلهما، إلنشاء مادة طبيعية لمناهج فنون المينيماليزم، أو ما ندعوه الفن جي جرانتلوب بأحراشه المنداة بالحلم، وأغصان (االختزالي، أو االختصاري

حتفها المعلوم، وحدائق بييروجيرا إلى مياه آسنة، والطافية دومينيك تينو العائمة في ).المغلفة بالنايلون، وفيديو وعروض الفنانة التركية سوزي هاج

عروضها الفلمية، أو عبر يق تحقإلى سعت الفنانة سوزي هاج لقد، كي تزيل الحاجز بين التعبير الفني عن قضاياها )الهابنينج(البيروفورمانس

وذلك لمزج الطبيعة بالمجتمع والجمهور، وإيصال . والحياة اليوميةاإليكولوجيةحيث يحقق خطاب البيروفورمانس التحريض . الشارع المتحركإلىخطابها

البصري، والذهني، الستعادة الوعي اإليكولوجي وهو يشكل لغة احتفائية بفن الحواجز البيئة، لقد غلف الفنان كريستو المدى البيئي بطريقة ملغزة بواسطة

جسر البون نوف -ط.م٤٠شق االطلسي -١٩٧٥جدار الصين (القماشية ية،فهو يتعامل مع القياسات الطبيعية، واألحجام الحقيق). برلمان برلين-١٩٨٥

من الذاكرة البشرية لفترة زمنية، إلحالل مكان آخر جديد إلغاؤهاالتي ينبغي . يتعامل معه بشكل مباشرالذي) الفساد البيئي(محل العورة البيئية، أو

كان الحوار منقطعا فيما بين الطبيعة والثقافة في مجاالت الفنون وإذافإن جماعة البيرفورمانس تدعو لبناء الحوار ما بين الجماعات اإلنسانية

حين ) جون(وهذا ما فعله الفريق الياباني . والمادة الطبيعية في حيزها البيئيبع باللون األحمر، المتمثل بلدائن تبعث سمومها غطى ما مقداره كيلو متر مر

وألن فن البيئة يهتم بعناصر الطبيعة . البصرية في صفاء الثلج األبيضالمختلفة، كالبحار، والجبال، واألنهار، والسماوات، وغيرها، فإننا البد نذكر

الواقعة بين فن التصحر وفن البيئة عبر تجربته ) روبرت سميستون(تجربة وقد انطلق الفن المتحضر في السبعينيات من القرن ). ة الحلزونيةالجزير(

وقد تجلى بما دعي الفن . المنصرم من إيطاليا وهو قريب جدا لفن البيئةكما أنه ال يمكن إغفال دور فناني .. األرضي في الواليات المتحدة فيما بعد

-٢٥١-

ن البوب فيما عرضوه من ديكورات، وصاالت منسقة وحديثة، في إطار ف المدينة، حيث نتلمس تواجده إلىشقة، ثم انتقل المناخ الذي بدأ في البيت وال

بحيرتا - بركة سترافنسكي (بركبوفرة في مدينة كباريس، وخاصة في ال ).تاكيسي في الديفانس، بركة بومبين وقرب مركز بومبيدو

البيئة عربيفنصري، حيث المستوى العربي، فقد ارتبط فن البيئة بالتراث البعلى

هو معاش ثقافيا الثقافة، والنفس، والمجتمع، وكل ماإلىنرى أن البيئة تمتد ولهذا لم تبالغ ). الرقص، الشعبيات، الحروف، الفنون التقليدية(وحضاريا

جماعة الدار البيضاء حين دعت في الستينيات من القرن الماضي لالقتصار الجلود، والمواد األخرى، لتحقيق على المادة المحلية في الصباغة، واستخدام

ويمكن أن نذكر الرايات الملونة التي أنجزها القاسمي . وإنجاز األعمال الفنية، وكذلك تجربة ضياء العزاوي من العراق، وفاتح المدرس من ١٩٧٧

سورية، وسليمان منصور من فلسطين، أو ما قام به عبد اهللا بن محجوب العام المستمدة من العربية،ترات بالحروفيات حين فرش عدة كيلو م "١٩٨٧

ورغم أهمية . المخطوطات والتعاويذ العربية، على طريق الشمال الفرنسي جانب تجربة المصري عبد الرحمن النشار تقع في إلىهذه التجربة، إال أنها

.إطار الفن المناخي، أكثر مما تقع في إطار فن البيئة، وهو )رمل وحجر(ريس عرضت سهى شومان في با١٩٩٥ العام في

وكذا فعل ناصر السومي . معرض تصويري يستعيد المادة الجغرافية الكنعانيةومحمد أحمد .. بحصاه الكنعانية، ورنا بشارة بصبارياتها، كمادة إنشاء بيئي

ابراهيم من اإلمارات، الذي له مساهمات فعالة وهامة فيما ندعوه فن البيئة، وقد قدم فيصل سمرة من السعودية . محمد كاظم جانب عبداهللا السعدي، وإلى

تنويعات على الخيمة والصحراء، كل هذا استمرار لما بدأه مهدي مطشر في .باريس ومنى حاطوم في لندن وأحمد معال في سوريا وغيرهم

-٢٥٢-

التجاري واختبار القيمةاملزاج

في مجلة فرنسية تدعو قراءها لالحتجاج ٢٠٠٣ عريضة في العام صدرت مليون يورو بالمزاد العلني، وهي عبارة عن وثائق ٣٠ ـعلى بيع أعمال تقدر ب أندريه بروتون، والسبب أن فرنسا ليس لديها المال إلنجاز ـوموجودات تتعلق ب

خطة متحف أندريه بروتون كما خطط له، وقد عبر الناس عن حزنهم العميق ي بالمجتمع الفرنسي، كون فال أحد ينكر صلة المذهب السوريال. جراء هذا الخبر

هذا االتجاه من أكثر االتجاهات المثيرة للجدل على مستوى الطليعة وتكوين قيم ناهيك عن كون .. مختلفة، ولكونه األكثر استفزازية واحتجاجا في القرن العشرين

.هذه الحركة أم المانيفستوهات في القرن المنصرم جهة، والعالقة المتداخلة هذا الموضوع عالقة الناس بالقيمة منيثير

كما . بين الفنون والمؤسسات، وهي عالقة يطالها التغير والتبدل باستمراركيف يكتب تاريخه الذاتي في .. يثير الموضوع إشكالية الفن المعاصر بعد ذلك

إطار التقلبات االقتصادية وتبدل الدعم والمواقف من قبل الحكومات الوطنية، تطلق على األزمة الناشئة بين الفن وسوقه، ومن خاصة أن صفة الحدة باتت

ثم بين الفن ومقتنيه، سواء كان متاحف أو مؤسسات أو واضعي السياسات . األعمال الفنية من مختلف الطبقات المتحولةجامعي الثقافية أو

مثل هذا الموضوع تعريف الفن من جديد، وهل مازال ينطبق ويثيرفإذا كان كذلك، فإن موضوعات . ذات قيمةعليه أن نعتبره وظيفة معرفية

صلة التعليم بالفنون : كثيرة ما تزال قيد البحث في الندوات والمؤتمرات مثل جديدة لهذه في ضوء التشكيك والتنكر للفنون المحلية والوطنية وابتداع مناف

هكذا يبدو . ناءت وعولمة االقGlocalismالفنون في إطار فهم المصطلح الجديد

-٢٥٣-

اليوم مهنة تحيط بها المخاطر بمواجهة العديد من األمور وعلى رأسها الفن .االضطراب االقتصادي العالمي

التأكيد إذن أن حالة من الفوضى تعم عالم الفن اليوم، وإن كان يمكنإال أن . يمتلك إمكانية تجاوزها على المدى الطويل إن أردنا أن نكون متفائلين

- قع مرتبط بمتضررين ومستفيدين، فأوروبا واإلىاألمر يتجاوز الرغبات التي حاولت طيلة القرن العشرين تدويل نفسها عن طريق -على سبيل المثال

مركزا، قد شهدت تراجعات عتبارها با- بشكل عام - الفن والشعر والثقافة .. قاسية في الربع األخير منه لصالح نشوء مراكز موازية أخرى

الجنوب من اإلنسانية المتحضرة وانتصاراتها ذلك في إطار اشمئزاز تمالتقنية على الطبيعة في الشمال، ويمكن اعتبار أن المتضرر األول في مثل هذه االنقالبات كان جامع اللوحات من الفئة المتوسطة، وهو األكثر حساسية

.. فئة حذرة في تعامالتهاإلىوقد تحولت هذه الفئة . تجاه الفن ومعرفة قيمته األمر بطبيعة الحال على صاالت العرض وبيوت المزادات الصغيرة وينسحب

هوالمتوسطة ذات الطابع الدولي وأخيرا المقتني التقليدي األمريكي وصنوالروسي الذين فقدوا الثقة بالسوق جراء االرتفاع الجنوني لألسعار مقابل تدني

.وتضاؤل ثرواتهم المتغيرات االقتصادية لهذا األمر انعكاساته في ظل العديد منكان

والسياسية والديموغرافية، وفي ظل تناقص إصالح اإلجراءات التشريعية التي تالئم المرحلة، بمثل استهاللنا عن تراجع الدولة عن دعم المشاريع الفنية،

تضاؤل إلىما أدى . مفضلة أن تصب جهودها في المشروعات الميديائيةن ثقتهم بمهنتهم، إضافة لفقدانهم وظائفهم المعارض الصغيرة، وفقدان الفناني

قيم ء، وانقالب معايير االقتناء ببنا)بعد الفوردية ما(في الشركات والمؤسسات . والندرةلجودةجديدة تتجاوز الفهم المعتمد على ا

فاألعمال التاريخية يمكنها أن تنتظر نهاية األزمة، أما األعمال رغم من أن المزادات والصاالت الكبرى المعاصرة فهي في مهب التقلبات، بال

-٢٥٤-

. اعتبرت الفنون المعاصرة اكتشافا مهما إلنقاذ أسواق الفن من ورطتهافأصابوا في جوانب وفشلوا في جوانب أخرى، فما يرتفع سعره بسرعة يمكن أن ينزل بنفس السرعة إن لم يكن أسرع، ولذا اقتضى طرح السؤال مرة

قيمته على العمل الفني، فما هي معايير القيمة إذا كان التاريخ يضفي : أخرىالعالية للعمل الفني المعاصر؟ هل هي فقط على ارتباط بقيمة السوق

والقيمة الشرائية، أم أنه البد أن تكون هناك معايير صةومضاربات البورأخرى على صلة بالفكر المعاصر، واستجابة الفنانين أن يكونوا جزءا من لعبة

ت األدبية المابعد حداثية؟المانيفستوها أن االنتظار مهمة صعبة لالحتفاظ بقيمة الفن، وعدم التفريط أكثر يبدو

من الالزم بما يكتنهه كدور أساسي يلعبه في التغيير، وهذا يتطلب عدم التفريط بالقيمة المعنوية العظيمة بمقابل الخسارات المتالحقة جراء منافسات

تدني التعامل مع إلىالمضاربة تؤدي بالتأكيد ف. بعضها حقيقي وبعضها مزور تلمس نكما يمك. الصفقات الكبيرة موضع ريبةإلىالجودة، وسيكون النظر

استجابة السوق لعرض الكثير من األمور التي لم تكن موضع اهتمام كاالتجاهات البدائية والعفوية والفطرية وفنون التصميم ونتاجات الخزافين

بهذا تمنح السوق شرعية التداول للعديد من .. سواها الكثيروالرسوم الهزلية واألنواع الفنية بمقابل سحب الثقة من أطراف فنية نأمل أن يخرج فيها الفنانون

من حالة االكتئاب جراء اإلحساس بتزييف متعمد لحالة - قبل أية جهة - .الفنون المحلية بمقابل تلك المعولمة

بالتأكيد معطيات وأرقام ونسب على التصورات النظرية يدعمهاهذه أن اإلشكاليات نأرض الواقع، أي من قلب األزمة، وإذا كان الباحثون يرو

. كانت نذرها قد بدأت قبل ذلك فإن األمر يبقى سيان في تصور المتضررينففي نيويورك المكان الذي يعتبر مختبرا لصالبة السوق الفنية التقليدية

مخيبة ٢٠٠٨يع في مزادات كريستيز وسوثبي العام كانت نتائج البالراقيةلآلمال فيما طرحته من أعمال معاصرة، بينما حقق الفن الحديث المنتج مابين

تقدما ملحوظا في نفس العام، وقد حافظت فنون رينوار ١٩٢٠ و١٨٦٠

-٢٥٥-

الخ في مجموعة إيف سان لوران على قيمتها فبيعت ...ومانيه ومونيه وبيكاسومليون ٢٠٠تجاوز القيمة المقدرة يورو وهو ما ي٣٧٣٥٠٠٠٠٠ ـب . األسهم المالية آنذاكق يورو رغم تدني سو٣٠٠٠٠٠و

٣٤,٥ بمعدل ٢٠٠٨ انخفض سوق األعمال المعاصرة العام لقد فيما ارتفع سوق األعمال القديمة ١٦وكانت نسبته في السوق ال تمثل سوى

ماقيمته ٢٠٠٨تمبر سب١٦ و١٥ فباعت سوثبي فيما بين ١٥بمعدل حين ارتفعت سوق ٢٠٠٧تدني واضح بمقابل عام .. جنيه١١١٤٠٠٠٠٠

لهذا توجه الباحثون والخبراء بالنصح إلعادة تشكيل قيم . ٣٧الفن بمعدل هذا السوق، بما في ذلك األسعار وعدد الصفقات والعروض دون كبير

كان تخفيض أسعار استجابة لمثل هذا لنصح، وكان التساؤل واردا فيما إذا وهل ستتمكن السيولة من السوق؟ استقرار إلىاألعمال المعاصرة سيؤدي

استقطاب أعمال ذات قيمة فعال؟ وبالنتيجة هل سيبدي الفن إمكانية الدفاع عن من األعمال المعاصرة ٥١( نفسه بحق أم أن السيولة ستتمكن من انتهاكه؟

). يورو١٠٠٠المطروحة للبيع كانت بسعر أقل من أن نتذكر أنه مع إفالس بنك ليمان براذرز األمريكي، نقطة انطالق البد

وقد بلغت . األزمة، ارتفعت قيمة األعمال الفنية المعاصرة بسبب المضاربة مليار دوالر قبل ٥٠ بقيمة إجمالية تقدر بنحو ٢٠٠٧سوق الفن ذروتها العام

وقد كان للتنافس الظاهري .. مليار دوالر٣٥ إلىأن تنخفض الحقا وبسرعة وسوثبي دورا كبيرا في انفجار األسعار، فهما مؤسستان كريستيزفيما بين أهمية مرجعيتهما لتسعير إلى من المبيعات في العالم، باإلضافة ٨٠تحتكران

. األعمال الفنية وتقديرها وصناعة الفنانين وترويجهم على المستوى العالميعرتا مبكرا اهتزاز المركزية األوروبية ففتحتا منذ العام وكالهما كانتا قد استش

وبدأت كريستيز بطرح أعمال معاصرة روسية وصينية . في نيويورك١٩٦٠وفيتنامية وأندونيسية، بما فيها التصوير الفوتوغرافي والرسوم والكتابات الجدرانية والتصميم المعاصر لألثاث والمجوهرات والمالبس وسواها منذ العام

بأن مخازن هذه المؤسسات لم تعد سرية، فعصر ذكير وهنا البد من الت١٩٨٠

-٢٥٦-

االنترنيت قد بدأ وأصبحت المعلومات متوفرة بسيولة في المواقع األساسية لهذه المؤسسات، ولم تعد نيويورك ولندن وباريس وحيدة في عالم أسواق الفن، فقد

رت الشركات من نشأت هونغ كونغ وشنغهاي ودبي والحقا أبوظبي فغياستراتجياتها ونوعية أنشطتها ونشأت أسواق متنوعة في العالم، وتمكنت سوثبي

جياكوميتي بقيمة ـأن تحقق اختراقات نوعية حين باعت نحت برونزي ل .مليون يورو وهو سعر يتجاوز قيمته التقديرية بثالثة مرات٧٤

تعرضوا قدتهم أن الفنانين المعاصرين المنخرطين في السوق بنتاجاالشك لكثير من الضغوط من قبل الصاالت والمروجين ٢٠٠٨ و٢٠٠٢فيما بين

ألعمالهم، وذلك لتلبية طلب السوق، بحيث يضحي منتجهم استهالكيا في مجتمع استهالكي، وفيما يرى البعض إجحافا بهذه الضغوطات يرى البعض اآلخر إن

تيعاب مفهوم حاجة السوق عبر استيعاب بعض البلدان لمفهوم الفنان المنتج واسخلفياتهم الثقافية المحلية، واعتباراتهم بأن منتجهم الفني يمثل حالة من حاالت

أما لماذا كان العام .. التكافل االجتماعي قد ساعد في قبول متغيرات السوق ملياردير قد اختفوا، وتوقفت مصارف كثيرة ٣٠٠ قاسيا بهذه الحدة فألن ٢٠٠٨راء األعمال الفنية، فازداد عدد األعمال الراجعة غير المباعة، لشقراضعن اإل

النصف، فقدرت تخفيضات كريستيز وسوثبي مابين إلىوانخفضت األسعار .٢٥ بمعدل ٢٠٠٩ وفبراير ٢٠٠٨فبراير

كثرت األسباب الداعية لإلصالح، فسعت الدول الكبرى في العام لقدوهو تعبير يصفه . لة الراهنة لمجموعة من اإلصالحات لتجاوز الحا٢٠٠٩

الخبراء بالنضج واالعتماد على الخبرة، خاصة أن الثروات في أوروبا وأمريكا والهند والصين والشرق األوسط والبرازيل وروسيا ال تزال مولعة بالفن، ويرى

لقد كان العام . أصحاب األموال والثروات فيها وسيلة لتأكيد وضعهم االجتماعي التصنيف، وقد استفادت المحترفات المحلية في تلك البلدان عام انفجار٢٠٠٦

مواقع أخرى، فكان للفن إلىمن هذا التصنيف، بل إن األمر تعداها باستحياء ثلث مبيعات ٢٠٠٤الصيني على سبيل المثال حصة مهمة حيث مثل منذ العام

لتضحي الصين٣٥وحقق محترفهم نسبة . السوق مع االحتفاظ بقيمة تداوله

-٢٥٧-

مثل هذه التحوالت تطلبت لنجاحها . أكبر سوق للفن المعاصر٢٠٠٧في العام استقرارا وتبديال في أساليب العرض، وهو ما حرصت عليه األسواق الناشئة

ويوصف هذا التحول بالعميق . بمواجهة األسواق التقليدية في نيويورك ولندنروز ثروات هندية الشرق بسبب ضعف الدوالر وبإلىجراء انتقال كريستيز

. وصينية وروسية وشرق أوسطية افتتحت كريستيز في هونغ كونغ ألن سوق الفن قد ١٩٨٦ العام ومنذ

إلىتغيرت إحداثياته ألول مرة بعد الحرب العالمية، فكان لزاما عليها التوجه لهذا أيضا فتحت مكتبها في دبي مستقرئة مستقبل السوق في . المشتري الجديد

. يج العربي، واإلعالن الحقا عن افتتاح متاحف كبرى في أبو ظبيدول الخل مليون ٤٠ أن القوة الشرائية المتوقعة في لوفر أبو ظبي ستكون إلىحيث يشار

يورو سنويا على األقل، وهذا ما شجع مختلف الجهات لرسم خارطة جديدة رك، المراكز التقليدية في باريس وجنيف ولندن ونيويوإلى تضاف قللسو

. اللوفر تبحث عن تمويل باستثمار مقتنياتهاـوتعكس تغير التفكير في مؤسسة ك طرحت دار كريستيز على نفسها سؤاال يهمها قبل أي ١٩٩٧ العام منذبإدارة : اطةكيف يمكن السيطرة على سوق الفن؟ وكان الجواب ببس: أمر آخر

.الفنانين في العالمالفنانين وتعقم من تشاء بإدارتها تخصب المؤسسات من تشاء من هكذا

لهم، ولهذا كثرت االحتجاجات لدى الفنانين في المحترفات المحلية ممن يرون شمولية في تدمير محترفاتهم جراء الهندسة المالية التي تعتمدها أساليب

الجديدة، وفي الوقت الذي ترى فيه المؤسسة أن القيمة مرتبطة ةاإلدارد المحليون أن هناك تزويرا للقيمة التي ال قيمة لها، بالتداول العالمي، ويؤك

وأن القيمة الحقيقية ترتبط بكثير من المعايير التي يتم تجاهلها، والقفز عليها باتجاه القيمة االفتراضية لمختبر الخلق اإلبداعي، أو ما يدعى بالتمويل الذي

. ذهبىإل قيمة كما يتحول الرصاص إلىيحول أي شيء عن طريق الميديا كيف تحافظ األعمال القديمة على قيمتها؟ : هذا اإلطار يبرز السؤالفي

١٧م -بؤس املعرفة

-٢٥٨-

كيف تكون األسواق آمنة في ظل اختفاء أسواق وبروز أخرى؟ بل والهندي يشتري الفن الهندي، والصيني الجديدة حال السوق هو ما

يشتري الفن الصيني، وكذا اإليراني والعربي واألمريكي واإلنكليزي؟ يعيد الفن هذه المرة تعريف السوق بعد أن بقي تعريفه مثار جدل لوه

في جلسات المفكرين والنقاد؟ تحتاج بالتأكيد إلجابات شافية، وهذا غير متاح في الوضع تساؤالت

لكن المهم استيعاب أن الفن حياة وتواصل وخلق، وأن السوق بحاجة . الراهنتهور، والنأي عن القسوة لمزيد من الدرس واإلصالح، واإلقالل من ال

. حيث سيجد الجيد من يهتم به.. والوحشية، بخاصة في منح القيمة الحقيقيةبالرغم أن مختلف صاالت البيع تؤكد أن المهم في األعمال الفنية المعاصرة

وهذا ما يدفعها إلعداد برامج تعريفية بالفنانين المعاصرين .. أن تكون ملهمةاإلعالن والترويج في فروع الميديا وطباعة الكتب تكلفها الكثير في مجاالت

وتصرح بعض الجهات بأنها تخفض من النفقات اإلعالنية في . والكتالوجاتمحاولة للتأثير على مزاج المقتنين، والتأكيد بأن القيمة الحقيقية للعمل الفني ال

ت كذلك يصرحون بعدم استعدادهم لتقديم أية تخفيضا. هذه النفقاتإلىتحتاج أو تنزيالت في األسعار، علما بأن التسريبات تقول بأن الجهات العارضة تقوم

.ان أغلب األحي٣٠ إلىبتقديم تخفيضات تصل األحوال فإن مثل هذه األمور تدعو المقتني ليكون أشد حذرا في كل بكل

مرة يقدم فيها على الشراء، وهو غالبا ما يتمتع بالنفس الطويل قبل الشراء والمشتري الحذر فكرة . ح بعض األمور له فيما يخص القيمة والسعرلتتض

جديدة في كل حدث جديد يأتي مع استمرار األزمة واحتدام المعركة واختبار فعمل فرنسيس بيكون . المزاج التجاري الذي بات ال يفرق بين المستويات

١٤المعروض من قبل كريستيز في نيويورك بتاريخ ) صورة ذاتية(الثالثي مليون دوالر، ورغم كافة ٤٠ كان قد قدم بقيمة تقديرية بلغت ٢٠٠٨نوفمبر

. مليون دوالر٢٧,٤ إلى فإنه لم يصل في المزاد إال يةاإلجراءات العلنية والسر

-٢٥٩-

ويومها صرح مسؤول في كريستيز بأن ثلث األعمال المعروضة للبيع قد فشلت .س الفترةفي استقطاب المشترين وهو ما حصل مع سوثبي في نف

جهة أخرى يعبر تشن فينغ مؤسس متحف الفن المعاصر في بكين منعن هول الكارثة معتبرا األزمة مثل تسونامي بتأثيرها على الفن اآلسيوي بعموم والصيني بخصوص، حيث أغلق جنون المضاربات حوالي الخمسين

إن صالة في غضون ثالثة أشهر في داشانزي حي الفنون في بكين، مع ذلك فالكثير من المسؤولين الصينيين يعتبرون أن هذه خيبة أمل مؤقتة فما يتعرض

فالمال . حادث عابر ال يتجاوز حدود األزمة، أي أنه ليس حقيقة دائمةالفنله سيبقى بحاجة أن ينفق على الفن وخاصة في المتاحف التي ستبقى هي

لمناسبة وإن قلت األخرى بحاجة لتدخل الحكومات التي تخلق عادة الشروط ا ليمان براذرز ـإمكاناتها في االقتناء، فهي تختلف عن المؤسسات الخاصة ك

الشركة الراعية للفن من خالل المتاحف، أو بنك يو بي إس راعي بازل ميامي بيتش، أو البنوك السويسرية التي تجند خبرتها إلخفاء ضرائب األثرياء

.األمريكيين كما يرد في تبادل االتهامات الفنية بات ة في األمر أن المال الذي كان تاريخيا جزء من العمليالملفت

اليوم كل العملية، وأضحى الجانب االقتصادي هو الرأس المحرك للقيمة الفنية، واألمر كما يبدو أبعد مما نسمعه عن دعم الفن أو التخلي عنه في ظل

مجة المتاحف ما يقتضي ضرورة إعادة بر. التراجعات المتحفية الدوليةبإحداث إصالحات جدية ومكلفة واستقطاب الدراسات واألفكار التطويرية واالهتمام بإحياء الدور الذي يمكن أن تلعبه مجموعاتها من جهة، وربطه

.بالدور التربوي والترفيهي والتثقيفي للمجتمع من جهة أخرى ينقذ الفن إذن، قيمته أم سوقه؟من تكررةمعاصر فإن حديث المسوقين عن هزات م قيمة الفن الإلى النظر في

والتقلبات التي يعيشها مؤخرا في ) منذ الخمسينيات وحتى اليوم(يلقاها هذا الفن ظل األزمة االقتصادية العالمية، هذا الحديث يوحي بأن الفن المعاصر مازال

-٢٦٠-

يبدي عالمات الضعف، وإذا كان في مراحل معينة قد حقق حضورا كاسحا، فإنه األعمال إلىي مراحل أخرى لم يستطع أن يثبت جدارته االستثمارية قياسا ف

فالتخمينات والتوقعات مازالت هي المقياس دون تحقيق . االنطباعية والفن الحديثاالستقرار المنشود، وهو أمر تابع للحالة االختبارية والتجريبية التي وسمت الفن

.ديةالمعاصر دون تحقيق توصيفات اصطالحية ونق النزانوفا في المجلة التخصصية آركاديا أن الوضع بات أكثر ا إيلينتكتب

إشراقا في ظل األزمة المالية العالمية بسبب تبدل التصورات تجاه المبيعات التي عن مبيعات ٨٧ إلىحصلت من قبل كريستيز وسوثبي، حيث تراجعت سوثبي

الوضع أفضل في دار في حين كان ٢٠٠٩ في تجربتها األولى العام ٢٠٠٨كريستيز مع التركيز على األسعار العالية ألعمال جيف كونز وإندي وورهول

.وبيتر دويغ وجوان ميتشل وديفيد هوكني وجاسبر جونز ووليم دي كونغ على المستوى المحلي الهندي فقد استطاعت السوق أن تؤكد حضور أما

ر وجيتيش كاالت وهيرث فنانيها المعاصرين أمثال سوبود جوبتا وبهارتي خيوأن تؤكد حضورهم في صاالت العرض والمتاحف . وناليني مالني وشيلبا غوبتا

وقد أدى ارتفاع األسعار الهندية الدولية مع . والبيناليات ومعارض الفن الدولية إحراج الجهات المسوقة في طرحها ألعمال هؤالء الفنانين في السوق إلىاألزمة

وهي سياسة عرض متبعة في إيران . اه نحو نتاجات الشبابالمحلية ما أدى لالتجوسورية واإلمارات ومصر والمغرب وتونس على المستوى العربي حيث يتحمل المقتني فترة تدوير هذه األعمال في السوق االستثمارية، وهو أمر يحتاج لسنوات

التجاه بسرعة أن ينمو هذا اعويتوق.. قد ال يكون المقتني العربي معتادا عليها بعد . جانب فكرة المقتني الشابإلىكأحد البدائل المطروحة المؤقتة

ما سيحدث فرقا في العقد القادم إلى يتطلع أصحاب الصاالت بهذاخاصة أن مغامرة االختيار تتم وفق الخبرة التي تعني اختيار المتميزين، وربطهم ببعضهم البعض في إطار سياق يعمل أصحاب الصاالت على

وجيهه لتجاوز القيود االجتماعية والسياسية، والمنافسة في إبراز القدرات ت

-٢٦١-

إنه تفكير .. االكتشافية لألحداث التي تعكس حياتهم وتجاربهم وممارساتهمطويل المدى تحاول الصاالت الشابة أن تبني به شبكة تتفاعل مع بعضها

تاج لترقين من قبل المستثمرين بمشاريع قد تحرالبعض، كما يجري التفكيرأس مال ثقافي لفترة طويلة، وهو ما نراه في نشوء مؤسسات خاصة تنقل الحالة الراهنة للمفاهيم الفنية لدى الشباب، وتعمل على تدريبهم في ورش

.الكتشاف األساليب غير التقليدية في ممارسة العملية الفنية مؤسسات في شقق وفي الشوارع وفي مراكب، وعلى الحدود هناك

وهناك مؤسسات . جاوزها، وعلى ضفاف األنهار وفي عربات أو ساحاتلتتفاعلية افتراضية ال مقار لها خارج الشبكة العنكبوتية تقدم خدمات تواصلية

مع ذلك تكثر األسئلة حول عالم الفن وطرق .. في مجاالت الفنون المعاصرة . ولألزمة التي تعصف به، وبالعالم من حولهلنفسه،تجاوزه

أن مختلف المؤسسات تؤيد قيم التفكير المبدع واألصلي والحقيقي، يقةالحقوتؤكد على العالقة التفاعلية بين الفن والمجتمع بتوسيع استراتيجيات الفن المعاصر، وتوطيد صلته بوسائل اإلعالم، واختبار التأثير البصري والمفاهيمي

ن الفن والجماليات الثقافية للفن في محاولته التغييرية بتحدي المفاهيم القائمة بيلكن أي مستقبل هذا .. السائدة، وتوسيع النافذة المطلة على المستقبل قدر اإلمكان

الذي يستقطب الحديث، وأي األعمال هو الحقيقي وذو القيمة؟ األسئلة التي يتم تداولها اليوم عن القيمة لف يرتبط بالتأكيد بمختهذا

أي منها سنأخذ وأيها سنترك .. ؤطرة لهاومصيرها، بل عن مصير األفكار المونحن في طريق العبور للمستقبل، وكيف يمكن أن نتصور هذا المستقبل في

.إطار التحديات الحالية المدمرة للقيم؟ التكهن صعبا ونحن نجهل من سيكون مسؤوال عن تسويق القيم، سيكون

.. المستقبل ثم هل ستصدق التوقعات فعال بأن الفن يجب أن يكون مقطورة ماذا عن الحاضر؟: كل ذلكوقبل

-٢٦٢-

واحلاضراملاضي.. الغموضمجالية

أو ، أو المخطوطة، ارتبط فن التصوير في العالم اإلسالمي بالوثيقةسواءالكتاب بصورته العامة، أو اعتباره يمثل كيانا مستقال يعين على البحث والتحليل،

القاعدة األساسية التي انطلق منها فن راءةفإن ما أنجز في السابق يعين على قالتصوير، باعتبار هذا المنجز تجربة جمالية لها هويتها، وآليات توجهها المادية والروحية، وتداخالتها الخيالية المفتوحة مع التجارب اإلنسانية والحضارية، والتي

التي تمنح العمل قيما إضافية على المستوى البصري، بغض النظر عن الموادالرقيقية والبردية والورقية، أو . نفذت بها هذه األعمال، أو السطوح والرقائق

المركز في رحلة يلحظ إلىصلتها بالزخارف والخطوط التي انتقلت من الهامش الرق يعني االنتقال من إلىفاالنتقال من البردي . المتتبع أهميتها بالنسبة للتقنيات

ستخدام صباغايات أكثر دسامة، وأساسات تختلف السطح الذي يتيح اإلىالمطوي .عما كان يستخدمه الوراقون

المنمنمة إذن هي الغاية، باعتبارها التصويري، سواء كانت هامشية فكرة والصورة، المتن والهامش، النص طنقصده في تزاوج الخ أو مستقلة، وهو ما

المسرودات التي وشروحاته البصرية، وكل ما يندرج في إطار عمليات النسخ أوتحيط بها األفاريز البصرية، وكأن الصورة باتت إطار النص على المستويين

المقدرة التصميمية التي تؤالف إلىاألمر الذي يلفت االنتباه . الحسي والبصائريبين الكلمة والصورة، حيث تبدأ عمليات التبادل بين الحرف الصورة، الخط

. ة التي تستدعي قراءتها على صورة ما نفذت بهباعتباره كتابة وشكل هذه الكتاب صفحة هيئة وتصميم، ولكل صورة حقها االبصاري الذي يعيد صياغة فلكل

ناهيك عن . معنى أن يكون الوراق مبدعا ومصمما وخطاطا ورساما بآن معا إلىالمقدرة الحرفية العالية التي تختص بكل جوانب العملية، من كيميائية األسطح

-٢٦٣-

مة اللون في الزمن، عبورا بمختلف التفاصيل الدقيقة التي تجعل من الصفحة ديمووثيقة تتجاور فيها الهندسة والكيمياء والتشريح وتاريخ األزياء والعادات

ومشاهد من الطبيعة .. نصوص وصور علمية وأدبية ودينية.. والحكايات والعقائد . .األساطير والخرافات، األرياف والمدن.. والعمائر

البيزنطية على امتداد القرون قبل أن سورية كانت المخطوطات الهكذاتدخل مفردة التزويق عالم الكتاب اإلسالمي وبخاصة في البداية القرآن الكريم حيث تؤكد الكثير من الكتابات انه كان المكان األول الذي أبدع في زخرفته

ثاني من القرن السابع النصف الإلىوتزويقه الفنانون الذين يمتد اشتغالهم .. الميالدي

البد من التفريق بين المزوقة والمنمنمة حيث ترتبط المزوقة هنا.. بالزخارف والتزينيات الزخرفية، فيما ترتبط المنمنمة بالصورة والرسوم

الحقل األقدم من القرن الحادي عشر الذي إلى التزويق لونوعلى هذا يحي التي المنمنمة. اد رسمية وصوريةظهرت فيه مخطوطات تحتوي على مو

ظهرت الحقا تضمنت القيم التزويقية، واستوعبت ما تحقق من تقنيات بتطور وقبل ظهور األفاريز . القرآنيةنصوصآليات االشتغال الزخرفي المرافق لل

الزخرفية الفاصلة بين السور كان اللون قد حقق توسعا بعد أن كان محددا، فا ولم يعد األمر وقفا على الفواصل بين السور، بل امتد وغنى بعد أن كان متقش

ليطال الهوامش بالسعفيات المتشابكة التي أتاحت حرية أوسع في المضي نحو بنى هندسية إلىالزخرفة المعقدة، وتجريد العناصر النباتية والشيئيات وتحويلها ل واحدة منهما سيكون لها الدور الهام في أغناء النمنمات التي يعود تاريخ أو

، أي ما يقارب ١٠١٠-١٠٠٩ الفترة مابين إلىبالترافق مع النص العربي االعتبار لتلك الرسوم التي ادةاأللف عام من هذه اللحظة التي نحاول فيها إع

رسمت في المخطوطة المحفوظة في مكتبة بودلي في جامعة أكسفورد، كتاب ويقال أن من نسخها ورسمها ..الرحمن الصوفي الكواكب الثابتة للفلكي عبد

.ابنه منفذا هذا العمل بالحبر، متأثرا بالطراز الساساني ال المتوسطي

-٢٦٤-

األساس الذي سيتطور حاضنها المصورة بيئة المنمنمة، والمخطوطةالحقا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وبخاصة في المجالين العلمي

التعليمية واإليضاحية للرسوم والمتسمة انتشار المعاني إلىواألدبي، ما أدى باالختصار والكثافة معا، وقد انتشرت الصور بكثرة في العراق وسورية نتيجة اإلرث التصويري واإلقبال الشديد على هذا الفن، فيما ال نلحظ مثل هذا اإلقبال

لتستمر ١٢٥٨ أن اجتاح المغول بغداد سنة إلىفي أسبانيا وشمال أفريقيا مصر بإنتاج المنمنمات المملوكية ذات الجودة األقل وليتحول من سورية و

ما استطاع أن صويريةالمنمنمة باتجاه الشرق األقصى، ناهيك من بنيته التيحقق تعادالت كان قد فقدها في مواقع أخرى، لكن ذلك ال يفضي من اعتبار

رها جزءا كل ما أنجز ذاكرة بصرية نعود بين الفترة واألخرى لقراءتها باعتباذاكرة تؤلفها رسوم .. فاعال وعضويا في الثقافة البصرية العربية واإلسالمية

بديعة ونادرة ومدهشة في دقة إنجازها وتفاصيلها التي تحمل في تضاعفها جانب حضورها أالتصالي دقة إلىإشارات ورموز وعالمات بصرية تقدم

النفسية التي يمتزج فيها التقنية التي حققها هؤالء المبدعون في تصاويرهم الحرف .. الخيال بالزعفران والكافور والهباب كما يتمزج الحرف بالصورة

الفنان المسلم صاحب اإلرث التصويري والنحتي والذي وجد في شغلالذي الحروف برؤوسها واستدارتها وأقواسها ومشوقاتها وسبقانها ما يعين على فهم

متخلين عن البعد الثالث جراء التوافق مع تنزيهي للصورة ببعديها األساسيين العقيدة التي نأت عن تجسيد اإلله ونحته وعبادته من خالل الصور والتماثيل ولو أننا مازلنا نرى ونقرأ عن التزينيات الشامية األموية في عهد الخليفة

عبدالملك، في الحمامات والقصور كما يذكر أن قصر الخليفة هشام بن اتجاه إلىسط بغداد كانت تعلوه صور لفارس عربي يشير المنصور الذي تو

وجود التصوير والنحت في البيئتين إلىوهناك الكثير مما يشير .. الريح بداياتها، إلىاألموية والعباسية لكن اهتمامنا منصب على المنمنمة التي أشرنا

وكيف استطاعت فنون الوراقة والنسخ تطوير اشتغاالتها، ناهيك عن حركة لترجمة الواسعة التي أفاضت في تزيين الكتب بالصور والرسومات اإليضاحية ا

-٢٦٥-

وبخاصة ما ترجم في الهندسة والطب والفلك، وقد احتوى كتاب الترياق هجرية فيما يبقى كتاب ٥٩٥لجالينوس على صور ورسوم مؤرخة في العام

وجود هجرية كأقدم دليل على ٤٠٠صورة الكواكب الثابتة مؤرخا في العام الواسطي عالصورة في ما سيدعي فنا إسالميا الحقا أو اتجاها عربيا سيكتمل م

والذي سيشكل نواة مدرسة بغداد التي ستلقى صداها في ،باعتباره المدرسيشمال أفريقيا بعد أن هدد كيانها االجتياح المغولي وقد استطاعت بغداد إعالء

السابع الهجريين مقدمة خدمة واسعة شأن هذه الرسوم طيلة القرنين السادس و .على المستوى المعرفي لمصر والشام وبالد فارس وغرناطة

حقيقة هذه الوثيقة إلى أسعى إليه حقيقة هو المنمنمة كوثيقة، وللوصول مايكون الطريق تاريخيا الكتشافها مرة أخرى بعين العصر بعيدا عن رأي

ا الفن من العبور إلينا في الزمن كما المؤرخ، غربيا أو شرقيا، فهل تمكن هذكانت عبوراته السابقة على المستوى الحضاري والفكري حيث اليمكن إغفال أنه مجهود إبداعي واع ومنظم غاية التنظيم ويسعى لمالمسة الروح قبل الوجود

ابتداع قوانين إلىالمادي حتى كاد أن يقترب على المستوى التأملي والذهني مهنة وسبل االشتغال بها سواء في التزويق أو النمنمة، ومدارس وأصول تعلم ال

الشرق كفيلة بإيضاح ما حققته في هذا المجال وبخاصة في هيرات والذي حيث يمكن اليوم توليف تلك - وهو األهم - موقف من الفن إلىتحول الحقا

أخرى إقفال التجربة، بل فتحها مرةإلىالنتائج لبناء رؤية تجريبية ال تسعى على مصاريعها الداخلية والخارجية التي تعيد إنتاج مفهوم المنمنمة والمزوقة

.من خالل معرفة الدافع الجتياز جدران الفن وألغازه السحرية التمعن في إلى اإلسالمي تبدو الحاجة صويري اإلرث التإلى العودة في

مة، وسيكون البناء العام للمنمنإلىيشد النظر للوصول التفاصيل أكثر ما ما تقدمه من شروحات دون قيود للكشف عن إلىالمتمعن مشدودا باستمرار

الحدود المقصودة من رسمها على الصورة التي تحتوي عناصر وأجزاء تتصل بالشخصيات واألمكنة والحقيقة واألثر، وبين الواقع والحلم تكمن رؤية الرسام

ات التي يقصدها، ولهذا لم يكن أو الفنان الذي تبدو طريقته في آخر االهتمام

-٢٦٦-

لألسلوب الشخصي أو دور في تمييز اشتغاالتهم، بل إن األساتذة والمعلمين إنما فالكل يرسم وكأنه أعمالهم،كانوا يؤكدون على نفي مالمح ذواتهم الشخصية في

يغني في جوقة أو كورس والمهم هو الصورة التي تنبثق في النهاية للتعبير عن قافلة من الرسامين والهدف واحد، ومن هذا .. يقتضيه النصالموقف الذي

الهدف تنبثق الطريقة التي يتحد بها الرسام أو النقاش بصورته، إيقاع الخيال الذي يتجاوز الزمان والمكان ليربط الحدث بالرؤية دون جموح، ويجعل من

اغ السطح مادة مستمرة للدرس والتمحيص كونه مستقر المضمون النابع من فرالسطح، الفراغ الخصب الذي تتركز في مركزه حكاية الجمال المختلف

وجود اإلنسان ووجود الطبيعة ووجود اهللا .. المتضمن للوجود بصورته المطلقة كل شيء يربط التحتي بالعلوي، ومن الحالة الشعرية المتوهجة يتم تورية يثح

ة المقصودة التي تدفع الحقيقة المتنوعة بتنوع التفاصيل لعرض األفكار األساسي.. الطبيعة للتجدد واإلنسان للتفتح على الحياة رغم حيرته األزلية بمواجهة الفناء

).جمالية الغموض(الفراغ األشمل أو ما دعاه الحقا الكسندر دوبولو هي الكتب واألبحاث التي تعرضت للفن اإلسالمي وتاريخ الفنون كثيرة

قها أو عايشها، والتأثيرات المتبادلة في العربية، وصلة هذه الفنون بما سببعض القضايا األساسية كقضية الفراع التي كان لها أكبر األثر في إعطاء

والجذب في الفن اإلسالمي، وما تبع ذلك من تفسيرات للفراغ زمالمح التميباعتباره عنصرا حيا ومفهوميا سواء كان االعتقاد بأنه مرآة أو سطح من

دفع باتجاه النزعة التسطيحية التصويرية والزخرفية وهو التوق الصوفي إنجاز حضاري يكشف عوالم سحرية وروحية لدى مبدعين هذا الفن من العرب والمسلمين ممن اهتموا باكتشاف ظاهرة الفراغ وحاولوا التفريق في حاالت ملئه بين الزخرفة والتصوير، وفي حين يمأل الفنان كل جزئية في

رفته فإنه قد يستبعد ذلك في مصوراته تاركا للكتابة أن تتحول مزورقته أو زخ ومعززا حضور لمرسومة، مظهرها التصويري األكثر التصاقا باألشكال اإلى

شخصياته في الفراغ بالرغم مما يشي به هذا الفراغ من قلق، وبأن ظاهر ز الصورة البد له من باطن، أو أن الشكل الجلي والصريح إنما ينم عن رم

-٢٦٧-

يحيل إليه الشكل الجمالي المستخدم بما يتضمنه من منظور روحي وقراءة . إطالق نسبة ملكية الكون هللا وليس للبشرإلىتحيل

التي كانت صغيرة ومتناهية في صغرها، لم تعد كذلك اليوم بعد المنمنمة عمل فني بأبعاده المعاصرة إلىأن تم تجريدها كمفهوم، وتحويل هذا المفهوم

تحمل رؤى وقضايا العصر وبعد أن كانت جزءا من المخطوطة باعتبارها التي لتصبح كيانا مستقال على المستوى ولتالتوضيحي أو التفسيري، تح

التصويري، وبذلك فقد تم تجديد وتحديث المواد التي يتعامل معها الفنان في الهندية مختلف المدارس التي كانت شهدتها تسد اآلفاق كالعربية والفارسية و

والتركية العثمانية، وبتنا نلمح ميوال لدى الشباب لالعتماد على عناصر هذه المنمنمات وشبكاتها التصويرية وألوانها ومناظرها الخاصة إلنجاز أعمال في غاية الحداثة والمعاصرة، وباتت مثل هذه التجارب تتحدث عن عمق ثقافي

لروح الفنية اإلسالمية بسمات لسياقات بصرية كان لها أكبر األثر في طبع ا الشعوب ببعضها لالتطورات التي حصلت على المستوى الزمني جراء اتصا

البعض تحت راية اإلسالم وتالقح الخبرات والتقاليد الفنية التي تم إرساؤها في مختلف المراحل التي عبرتها المنمنمة بنتاجاتها المتنوعة في المدن الراسخة

افت بحضورها رؤى إبداعية جديدة استمرت في تناوالتها وتلك الجديدة التي أض األهمية الكبرى لتنمية وتحريك إلىالمخطوطاتية والتصويرية، وهو ما يشير

الثقافة اإلسالمية في مواقع كانت في السابق مسيحية ويتم فيها اإلنتاج الفني الفني وفق معايير مختلفة، فتحولت لتبني وجهات النظر اإلسالمية في منتجها

اليوم أو اسطنبول إلىكالذي كان في القسطنطينية، المدينة العتيقة التي تحولت .في أنطاكية أو ما تحقق في تحول مصر القبطية

إلى ال يهم اليوم االنتقال الذي حدث للعاصمة اإلسالمية من دمشق قد لىإبغداد، أي التحوالت والصراعات التي جرت في االنتقال من الحقبة األموية

الحقبة العباسية، والكيفية التي تم بها تجاوز التأثيرات البيزنطية شرق المتوسط والذهاب في التأثيرات الفارسية ونشوء معادل جديد في الجزيرة األيبيرية يقوم

ذروتها في القرن العاشر، إلىعلى سياقات ثقافية وإبداعية تجريدية وصلت

-٢٦٨-

في منمنماته لم يكن فعال تصويريا الواسطي أنجزه أن ما إلىلكن اإلشارة طقوسيا على صلة بالدين، وإنما من خالل روحانية هذا الدين استطاع أن يمد موهبته لتطال الحياة بامتدادها وعمقها وجمالياتها التي تنأى في حضورها التصويري عن المحسوسات، وفي وجودها اإلنساني عن الماديات ليتحول

التواصل والمرور في الزمن بصورة نسبية وفق رمز قادر علىإلىالشكل قواعد التطور والمفاهيم التي تنشأ في ميادين الثقافة، والتي يمكن التأكيد من خاللها عن روابط عاشت طيلة الزمن الفاصل بيننا وبين إعالم المنمنمات اإلسالمية لتظهر من جديد في أمكنة مختلفة من العالم وكأنها صياغات حداثوية

خالل إدراك المفاهيم القديمة بناء مننعكاس اإلبداع في الزمن، حيث يمكن الوتصورات للمعالجات الجديدة وفق روح العصر الجديد، رغم أن مثل هذا التفكير يبقى في إطار التجريبية الفردية والجماعية التي البد من التكيف مع

بها باعتبارها أنساقا منتجاتها لتحقيق بنية جديدة لها حضورها ووسائل االتصال .توليدية تضخ مادة اإلبداع في الحياة من جديد كأفكار وكجوهر

حاول الكثير من الفنانين المعاصرين االستفادة من بيئة المنمنمة في لقدإطار فهمنا التاريخي لوجودها، وإذا كانت الصورة في السابق على ترابط وثيق

مفاهيم بصرية إلى تحول كل مهما بالنص فإن التجارب الجديدة استطاعت أنلها عالئقها الجديدة وسأتحدث عن تجربتين في هذا اإلطار، األولى عربية والثانية هندية وقد تمكن كل من الفنانين أن يحقق حضورا هاما على المستوى العالمي فيما سعى إليه عبر تجربته وهما الفنان أحمد معال من سوريا ورقيب

. اختلف تناول كل منهما للمفهوم وتطبيقاته الصياغيةشو من الهند وإن حاولت التركيز على هذين المثالين فقط اختصارا للموضوع، رغم أن لقد

التجارب التي حاولت إحياء الصلة بالمنمنمة والمخطوط كثيرة ويمكن أن في الباكستان، وقد كتبت ) المنمنمون الجدد(نعرض على سبيل المثال تجربة

فنانون: " في موقع يونيفرس أند يونيفيرسز في مجلة نفس) سايرا واجد( دةالناق فن معاصر إلىشباب باكستانيون يحولون فن التصوير المنمنم التاريخي

بالتجريب في الشكل واستعمال لغة بصرية عالمية تضم صورا إباحية جدا

-٢٦٩-

سفراء ثقافة إلىلم تكن الباكستان قط بمثل هذه الحاجة . وبراقع وصواريخالمنمنمون «: مثيرين جنسيا مثل أولئك الشباب المتطرفين والمتبخترين عالميا

في الهور ) NCA(معظم هؤالء الفنانين من الكلية الوطنية للفن . »الجددمتمرسون في التقليد الدقيق لفن تصوير المنمنمات الذي تطور في دواوين

. ١٩ ـ وال١٤ ـيا بين القرنين الالقصور اإلسالمية والهندوسية في آس بمواد متنوعة وتراكيب » بعد الصفحةما« إلى أخذوا هذا الفن واآلن حلقة الفن العالمي في اللحظة التي كان البندول إلىوصلوا . فنية ونحت

التصوير، وبالنسبة لناقدة الفن إلىيتحرك بعيدا عن األسرة المبهدلة وعائدا شوق«ة ساليما هاشمي، إعادة والدة الشكل التقى زمنيا مع الباكستاني المعروف

.» السيرة وصلة مع نوع ما من التقليدإلى) في الباكستان( بعد الصفحة، اسم المعرض الجماعي في جاليري مانشستر للفن ما

)MAG ( وآسيا هاوس)في لندن، وهو أكبر معرض ألعمال ) بيت آسياضم هذا المعرض أعمال ثمانية . لكة المتحدةقدم في المم) المنمنمون الجدد(

فنانين ويتوافق مع المرحلة الجديدة للتطور العالي السرعة لهذا الشكل الفني حمراء عباس، عائشة خالد، حسنات : أما الفنانون فهم. الشاب الواعد الصاعد

. دعمران قريشي، نصرة لطيف قريشي، رشيد رنا، وعثمان سعي محمود، محمد حدود المعاصرة وما إلىهؤالء الفنانون قد حاولوا الذهاب بإبداعاتهم وإن كان

بعد الحداثة وفقا للمتغيرات الحاصلة عالميا فإن الكثيرين في الكلية الوطنية مازالوا متمسكين بالحدود التقنية والجمالية للمنمنمات التي ينتجونها بل إن االمر

.ءهم المنمنمون الجدد حدود استهجان ماينتجه زمالإلىيتعدى ذلك أكثر من أي وقت مضى الترويج للصدام الثقافي ليوم إذن االهتمام ايتم

بين الشرق والغرب وإن كنا أكثر دقة فإن الترويج للصدام بين اإلسالم والغرب هو األكثر تداوال على المستويات السياسية والدينية واإلعالمية، ويتم

وقد بات مصطلح . اقع بما في ذلك الفنوناستثمار هذا الصراع على أرض الواإلسالم جزءا أساسيا من عناوين المعارض ومحتوياتها وبات الترويج للصور المتصلة بمضمون المفهوم أكثر قربا من الفعاليات واألسواق الفنية والمتاحف

-٢٧٠-

الغربية وبخاصة ماتم تدويره باعتباره أعماال فنية معاصرة بهوية إسالمية .يد مواقعية المصطلح إن كان في الغرب أم في الشرقدون تحد تم افتتاح أكثر من معرض عن الكلمة والصورة وعن الكتابة في لقد

الصورة منها معرض كلمة للمتحف البريطاني وضم مجموعة كبيرة من فناني أقيم في نيويورك في يبدو ما العالمين العربي واإلسالمي لكن األهم على ما

بدون : ( اإلسالمإلىيشير بشكل مباشر ديث تحت عنوان المتحف الفن الحوباستثناء ثالثة من : "الذي كتب عنه هوالند كوتر) طريقة للنظر١٧.. حدود

الفنانين الذين عرضت أعمالهم، فإن اآلخرين جميعا ولدوا في مكان ما من العالم ، باكستان، الجزائر، مصر، الهند، إيران، العراق، لبنان: الذي يسمى اإلسالمي

ولكنهم جميعا يعيشون ويعملون في الغرب، وقد أسسوا سيرتهم . وتركياسطين،فلوعلى الرغم . الفنية في المشهد الرئيسي للفن العالمي، أوروبا والواليات المتحدة

من إقامتهم في الغرب، فإنهم يوصفون عادة كفنانين إسالميين من جانب عالم ويوصف معظم هؤالء الفنانين باإلسالميين . يقالفن الذي تسيره اتجاهات التسو

غير أن الكثير من أعمالهم ال تدور حول اإلسالم نفسه، كدين أو . بسبب خلفياتهموفي هذه األعمال، فإن الصور واألشكال . ثقافة، وإنما حول عالقتهم باإلسالم

. يةمالمرتبطة باإلسالم، هي دعوات للتجريب الفردي، والتعامل مع الهوية اإلسالوأبدع رقيب شو، . كان هناك عدد من الفنانين ممن قدموا المنمنماتلقد

في كلكتا، والذي نشأ في كشمير، وتلقى تعليمه في لندن، ١٩٧٤المولود عام رسوما منمنمة مستفيدة من المنمنمات الفارسية، ولكن أيضا من نماذج

. الشاالت الكشميرية التي ولدت سكندرا يةدلتي أبدعتها شا اآلخر يتجلى في الرسوم اوالمثال

إنها تمزج الموضوعات المغولية . لعائلة مسلمة في باكستان١٩٦٩عام والهندوسية، في صور الحكام والراقصين، وصور المقاتالت النفاثة والقماش الزيتي وقباب الجوامع والحيوانات األليفة والحدائق الغناء، كما لو أنها تعكس

جانب هؤالء نجد شيرازة هوشياري إلىو". متناقضةتواريخ مترابطة واإليرانية ورشيد قريشي الجزائري وشيرين نشأت اإليرانية وما يهمني هنا هو

-٢٧١-

) حديقة الملذات الدنيوية( الذي كتب في تقديم أحد معارضه تجربة رقيب شو ذكرياتي األولى عن كشمير، تتمحور حول«في مشاريع ديتش بنيويورك

وحيث أني أعيش . ر منسقة تماماالغيالزهور المتنوعة، و حيث -اللون أن يكون لدي خيالي، و ساعدني ذلك في أن أعيش في عالمقدحيدا، فو

.» الميثولوجيا الهنديةإلى معظمهم من اآللهة التي تعود -أصدقاء خياليين شو أن يبني عوالمه الخيالية معتمدا على المزج المدروس بين حاول

الغربية والشرقية دون أن يسعى لترجمة حالة من أخرى، وإذا كانت الثقافتين الصياغة البصرية للعوالم المائية واألعماق فيبنية المنمنمة هي األساس

البحرية بألوانها المعدنية الصارخة فإن تالمسا أكثر حدة يتبدى في االقتباسات العائدة لنهاية التي صاغها شو من المالحم الغربية كملحمة هيرونيموس بوش

.القرن الخامس عشر والتي دعاها حديقة الملذات الدنيويةتتمحور أعمال شو حول مواضيع المدينة الفاضلة أو الجنة والمتعة «

من خالل الرسم و. الدنيويةالقصوى وكانت قمة أعماله هي سلسلة حديقة الملذات ها من الهند، والصين، تي استقا سواءا تلك الرقية،عن مواضيع تتعلق بالثقافة الش

النماذج، مستدعيا السجاد الشرقي، واليابان، فإن شو يوظف التصاميم ون التصنيفات هو ال يتقيد بأي نوع م. شاالت جاميفاروالمنمنمات الفارسية وأعمالي ال تتعلق بما تعنيه كشمير، حيث أنني منذ «: الجغرافية، حيث يقول

أساتذتي كانوا هندوسا،والدي مسلمان، وف. من التأثيراتصغري تعرضت للكثيرر كانت مدرسة مسيحية، ومن الناحية التاريخية، فإن كشميإلىقد كنت ذهبت و

فقد تأثر بالنسبة للتأثيرات التي تلقاها من اليابان،و). ١٦. كتالوج ص (»بوذيهويوشيكاك ) طالء اللك( بيوبو، وأوروشي تشاشابمطبوعات هوكوساي، و

أحجار شبه كريمة، وكريستاالت، بإتقان زين شو أسطحه بو). اسكيمونو األعر( إن مزيج المواد الغني هذا، باإلضافة .لية بطريقة تشبه المينابرك مجتزعة ومطو

طالء السيارات، يضفي إحساس الحياة للطالء الصناعي اليومي واستخدامه إلىنظور الغربي شو بالماهتمامعكس المدنية الحديثة الخام على أعماله، مما ي

.عمل هناكحيث إلتحق بكلية سانت مارتينس، ومحيطه الحالي في لندن، و

-٢٧٢-

تتحرك ، شخوص تحت ماء البحر تفيض في صف من األلوان الحارةمعقد، و تتنقل على لون أزرق كوبالت فة على الخلفية في تصميم مبهرج وبخ

ة، وقد وقد استخدم شو طالء زجاج ذهبي لتحديد كل شخصية خيالي. مذهلأنتج لونا رائع الجمال، من خالل استخدامه للطالء المعدني الصناعي ودهان

. أسلوبه في الطالء ووكالسيارات الالمع، مستعيدا بذلك مواد جاكسون بولذلك مثل بولوك عندما كان أحد الوسائط، ثم أصبح «: صرح شووقد

ندما يحدث ذلك في وع. هو الوسيطة، و من ثم أصبح ضائعا في هذه الوسيطةاللوحات وبعض الرسومات، تكون حينها هذه األعمال في منتهى النجاح،

»ألنها خرجت من هذه المساحة العقلية التي ليس لها أي نوع من المأهوليةالفنان في مقابلة، واسافيري، رقيب شو في حوار مع ريتشارد دير، العدد (

) ٧٩. ، ص٢٠٠٤، صيف ٤٢رقم لمغرية، الغنية بالخيال، والمتخفيه بالتفصيل اإلستحواذي الغنية ااألسطح

. والسرد الغير محددوير،التوتر ما بين التجريد والتص. والنسيج المبهرجوبالرغم من أن مشاهد شو تبدو خيالية جدا، فإن هناك بعض منها يبدو مخترعا

راسة وغالبا من خالل زياراته لمتحف التاريخ الطبيعي، حيث تمكن من د-وأخيرا، فإن . األصناف المختلفة من النباتات والحيوانات التي أدمجها في أعماله

تكوين شو هو إعجاب غير متناهي بالثقافة، حيث يمزج عناصر من عوالم عمل آخر من . مختلفة ليكون في النهاية تحفة القرن الواحد والعشرين الغنائية

، وهي موجودة في ٢٠٠٤رابعة، ضمن السلسلة، هو حديقة الملذات الدنيوية ال ). تيت غاليريقعيمكن االستزادة من مو". ( متحف الفن الحديث في نيويورك

من الكتابات حول تجربة رقيب شو في المواقع اإللكترونية تدور الكثيرحول بنية الفنان الثقافية ومحاولته استثمار المادة األرشيفية المنمنماتية في إطار

فية التي تظهر فيها الذاكرة كمحور شديد الوضوح في انتمائه من التعددية الثقا الصين واليابان وباقي العوالم اإلسالمية مهتديا إلىالشرقي لثقافة تتجاوز الهند

مزيج من المواقع واألمكنة .. بجماليات السجاد والمنمنمات وتصاميم األنسجة وإذا كان شو قد اعتمد على .واألديان تعيد حياكة منمنمته الجديدة في أنحاء العالم

-٢٧٣-

البنية الشاملة للمنمنمة فقد حاول أن يزرع حركة الخط في تكويناته المتناهية وبما . يوحي بمزج الكتابة بالصورة وهو إيهام نتحقق منه بمتابعة أعماله على تعددها

فيما يخص تجربة أحمد معال في المزج مابين الكتابة كأثر والصورة أماخالل تجربته بأن هناك تفكير خاص متبادل فيما بينه وبين صوره، فإنه يجزم من

كيفما كانت هيئة هذه الصورة، وأن حوارا قاسيا ومكثفا يتعدى حدود التداخل بين وإذا كانت ذاته القلقة . مظهر عمله الفني في كل فترة من فترات اشتغاله

ال مرئية، فإن ما يحققه تثيرنا في كل مرة نراها تقفز بين الرؤى كأفعليةوالتواصوليس . من مرئيات تشكيلية وبصرية ال يقف عند حدود أسلوب أو اتجاه أو نزعة

الذي - على األقل في إطار المحترف السوري - استيعاب هذا األمر ليسيرمن اأخفى الكثير مما كان كامنا، وكان له أن هيمنت على بنيته األكاديمية المطلقة، ما

لكثير من الفنون المتصلة بالشعب والشعبوية، وصنوها المرئي ينبجس في إطار االفطري األكثر حرية، وألن أحمد يوغل في اللمس والسمع والحركة، مجسدا

. فإن طاقات تحريرية كانت تبرز بين الفترة واألخرى في أعماله.. أعماقه المفكرةاري نستنتج من ذلك أنه كان يطرح القضية في إطار السائد والجلن

ال يمكن مةاختباره وقبوله، وإنما من خالل قناعة بأن هناك أمورا عظيتجاوزها، باعتبارها في صميم الثقافة المتعينة بنا، والمتماهية على المستوى

ما . االجتماعي بحراك له صلة وثيقة بجماليات فقدنا الصلة بها ألسباب تاريخيةوأضحى عدم التمييز مربكا عدم الوضوح وااللتباس في تناولها، إلىأدى

ما أثار مساجالت نقدية بقيت تحت النظر منذ سبعينيات القرن . لصلتها بالهويةالمنصرم، ويأتي على رأس هذه المساجالت ما دار حول لوحة المرسوم

دون وثوق من جزالة المصطلح، ومطابقته ) الحروفية (ـالخطي الذي دعى ببهذه النزعة على مختلف المستويات، للتجربة، نظرا للظروف التي أحاطت

خاصة أن فهم هذا التوجه لم يطرح . العقائدية والحرفيةتماعية،السياسية واالجفي إطار التجربة اإلنسانية الخطية، حيث تتوافر لدى جميع األقوام ما يوازي النية التي من أجلها جرى االنتظام في مقوالت بقيت قاصرة على تحقيق

.عاني من إشكالية تعريف نفسها على مختلف المستوياتمضامين لمسألة ت١٨م -بؤس املعرفة

-٢٧٤-

تعبيرية انية هذا لم يقف أحمد على الحياد، باعتبار هذا االشتغال إمكإزاءلها مقومات العمل التصويري الكامل، تقنية، وكثافة، وإشباعا، وانتظاما،

ل ومؤثرات، وأدوات، أي كل ما يحتاجه العمل التصويري ليبلغ شرعيته من خالمعايير معاصرة، تتجاوز آليات اإلدراك التقليدية للكتابة كرمز، والحرف كعالمة، باستنفاذ الطابع السيميائي الباطني لشكل الكتابة أو الحرف، والخروج به من االنتماء الهندسي والزخرفي، وكل صلة كانت تربطه بالحديث عن النفعية الهائمة

ن الجمالي والفني يكون الخيال فيه أكثر في فضاء اللغة، لتحقيق صلة مختلفة بي في منظومات تهحرية واجتثاثا للقواعد التي عقدت لسان المتخيل، وأبقت صور

إلىتناول تشتق قيمته باعتباره أداة ال محرضا تثاقفيا يمكن أن يتجاوز محيطه آفاق مفتوحة يمتزج فيها الروحي بالمادي، وكأن اللوحة تبث مجموعة كبيرة من

رسائل تحمل موضوعها من انتمائها لمبدعها، األمر الذي يجعل طريقة بثها العمودية ال أفقية، حيث يتوالد الباث من بعضه البعض بليونة وبراءة، تجعل من

التميز على مستوى فهم السطح إلىاقتران الخفاء باإلظهار فصاحة لونية تحتاج ه أحمد معال في أعماله األخيرة واللون كمادة فاعلة تفتك باألحاسيس، وهو ما يفعل

أكثر من اتجاه، وفي يالتي ينفذها معتمدا على وظفنة الخط والكتابة والحرف فكل واحد من هذه االتجاهات يحس المتلقي بأن هناك ما يتسنى له فهمه دون

.تحديده، وأن شيئا ما يستدعيك لتبادل النظر معه كإغواء ال كتلقين الوثيقة بين المعلم الصلةة اإلغواء بالتلقين نتذكر فصاح أكثر عن عالقولإل

الخطاط وتلميذه، وأن هذه العالقة إنما كانت قائمة على التلقين الرصين، بحيث إال أن األمر هنا بين . معلمهإلىيعمى التلميذ عن الفن ليبقى نظره وقلبه مشدودا

القيمة تصويري، وأنصطلحمك) المرسوم الخطي(يدي فنان يستوعب معنى .المنظورة في هذا المستوى لن تكون إال عبر صلتنا بالعمل الفني

ضوء مشاهدتي لجداريات أحمد معال األخيرة البد أن نأخذ بعين فياالعتبار أن الحرف أو الكتابة يشكالن بنية فاعلة في النتائج التي يحققها في البنى

التجريد المطلق، أو تلك السطحية والعميقة، سواء في األعمال التي تقتصر على التي تمزج التشخيصي بالتجريدي، وفي كال الحالتين فإن المحصلة النهائية تصب

-٢٧٥-

لتحقيق ربيفي عولمة المفهوم، الذي سعت إليه لوحة المرسوم الخطي العورغم كثير من التنظيرات وقسر المناهج، فقد واجهت . فاعليتها الداللية والجمالية ما استطاعت استنباطه من إلىألعمال الفنية المستندة هذه اللوحة، ومختلف ا

أكثر بكثير من النجاحات التي كانت فردية إخفاقاتالتكوين الخطي، واجهت تعتمد في عمقها على قدرة الفنان في استقطاب اآلخر، والوعي بمراكز ثقل

.المراكز والمؤسسات المعنية بفنوننا في العالم العربي سطح إلىالتدوينية والقرائية والتشريحية للحرف ة أدى تجاوز القيملقد

مركب من إيقاعات التستمد زمنها من صلة الحروف ببعضها، وإنما من تستمد كيانها الالتشبيهي من المكون الثقافي، اصرالعالقة التكاملية مع عن

روح الشعر والحركة المولدة التي ال تتمركز اإليقاع جانب إلىالذي يجمع أقرب ) الجاز(حددة، وإنما تمور مستدعيه موسيقى مركبة يكون حول نقطة م

يمثلها، الحرية والال تمركز والتضاد ينأى بالرتابة والتكرار، فال فصول، ماوال تتالي، وكأن النهار أطول من زمنه المعتاد، وكذا الليل، أو فصول

الكبيرة إن أي تأمل لما يقدمه السطح النهائي المنجز بهذه المساحات.. السنة عالقة الفارغ بالمليء، أو سبل التراتب والتكرار، أو صلة إلىال يقود

إنها .. المتصلةبالمتحركةالحروف الصاعدة باألفقية، أو الفواصل السكونية ببساطة حياة جديدة تخلقها العين المدربة، بناء فضاء مفتوح ينسف الكثير

ببعضها البعض ليرمي من الرموز لتوليد أخرى، وينسف ألوان في صلتهابها في أحضان المتعة، ينزع عن الشعر شعريته، وعن الهندسة إحكامها، وعن الكل أجزاؤه المكونة لوحداته، لتغدو اللوحة منطلقا جديدا يمكن تقاسمه على المستوى اإلنساني، وهذا كله ال يعني استالب هوية الخط أو الحرف

زع لطقوسيته وفطريته أو في التمثال من ناإلفريقيبمثل ما تم في القناع المتحف، أو الزهرة اليابانية والصينية، إلىالمصري في رحلته من المعبد

على البنية اإليحائية للسطح التصويري، وحركة اللون بالتركيزوإنما تعبير حسب) رسومات ملونة(المنسوجة بالحرف والضوء لتنفيذ مرسونات

).جان ماري شيفر(

-٢٧٦-

طار العام يطرح أحمد معال تجربته الجديدة التي تحمل في هذا اإلفيوللقلق الذي . ثناياها لغة ناقدة لكثير مما أنجز في المرسومات الخطية العربية

إلى إنسانية، والوصول ريةانتابها إزاء صلة المكتوب بالمرئي كلغة بصق ما مرئيات تختزل هذه التجارب بكل مرجعياتها التراثية والحضارية، وتحقي

يتجاوز حدود الوعي بها، والظروف التي أحاطت بإنتاجها على المستويين التي تتجاوز الحدود الغرافيكية ) وراء الحروفية ما(العربي واإلسالمي لتحقيق

أي تحقيق . ما هو أبعد من ذلكإلىوالزخرفية للحرف العربي، واالمتداد جذوة الكتابة ىإل) على المستوى اإلشاري(السطح التصويري المستند

باعتبارها مادة بصرية ال نصية، والتعامل معها بأقصى حاالت اختبار الذاكرة التصويرية اإلنسانية، ليس كماض فقط، بل باالنتفاح أكثر على الوجود،

التي يحققها التصوير الجديد المتصل باللغة والكتابة، خارج البيئة غوالصي .أدوات نقضها، وانقالبها على ذاتهاالتصويرية التقليدية، التي لم تمتلك

أحمد األخيرة، يحاول من خاللها تجاوز الفضاء المتحقق، وهي أعمالإال . ال تنكر محاوالت اآلخرين، فهو يفكر في وقت يفكر به غيره بالتطوير

من غيرهأن المحرك العام إلنجاز هذه األعمال يختلف عن طروحات ضفاف إلىوالمضي ) ورات والمفاهيمعلى مستوى النوايا والتص(المبدعين

يتحقق فيها المناخ التصويري عبر اكتشاف جديد للمادة، وللسطح في كل مرة، قد تشي بعض األعمال بالكتابة .. وليس عبر تكريس الحالة العقائدية للحرف المجال الحيوي لهذا الحرف، إلىوالحرف، لكنها في حقيقة إنجازها تستند

ا بين المنظور والمقروء ينشأ التفاعل المقصود، وم.. كأثر وليس كبنيةالمرتبط بالخطاب البصري الجديد الذي يرى هذا التناول في إطار العملية الفنية بشمولها، والغنية بالعالمات الملونة المفتوحة على الحياة اآلن، التي لم

).جوهر التأمل( أكثر فيما يدعونه لتعد تحتمل التأمالتجربة ليست استلهامية، وال هي نصية، وال ، فهذه األحوال وبكل

إنها باختصار تتوافق مع .. نقشية، وال تزيينية، وال هي تدعي تحريك الثابت الصورة كمنتج حي، وفعل إلى المعاصر التصويرالنظرة الاليقينية في فن

-٢٧٧-

يمكن توصيف حضوره، كونه يعيش حالة صيرورة، وحالة استحالة إشاري ال، في وقت يجرب فيه كثيرون نفس المختلف الجديد نتاجإالتحديد، وصراع

إليها الشيء في غير موقع من العالم، ولعل مواجهة أعماله الجديدة والنظر . يتجاوز رهان الكتابة عنها قبل أن تكتمل الرؤيا ويعم الضوء

الفنان أحمد معال لتحرير بنية اللوحة من المظاهر الشكلية، بتركيز يسعىية على الوعي ببناء منطقة خيالية معاصرة، تعتمد على اإلمكانات خبرته التجريب

التنبؤية التي تكثف وعيه بالتاريخ، والجمع بين الخصوصيات البصرية والقوى مستفيدا رئي، بين المكتوب كمرئي وجوهر المطاإلبداعية الجمالية الشرقية، بالرب

التأمل والخيال واتصال من المنمنمة باعتبارها فن طبيعة الحياة الباعثة على الروحاني بالمادي، والسجادة الموقظة للتصورات الفوق طبيعية، وفضاءات الخرافة واألساطير والتراثات الشعرية، وكل مايفكك السكونية الجمالية لصالح

. معرفة كونيةإلى بؤرة التعبير، وتحويل المرئي إلىجذب الوهم ال بمجموعة من الصفات معال مجال تفاعلي يعتمد على االتصلوحة

المؤلفة لهوية تنطوي في تدرجها الزمني على مزج االتجاهات، الشرق بالغرب والشمال بالجنوب والفوق بالتحت، لبناء مفاهيم حضارية تبادلية،

العولمي، وعبر خطاب بصري إشاري إلىوعلى ذاكرة تخترق المحلي ئي للطبيعة، بخلق وعضوي يستمد مفرداته من االنقالب على المعنى األدا

نسق بصري منسجم أساسه الغواية، وروحه الدهشة، ونبضه األداء الذي يقود . حيز هو مختبر التفكير الدائم بالصورة الجديدةإلىالبصائر

ولذلك فعلى ون،لو لم يكن هناك ضوء، لما كان هناك ل«: أحمديقول لحظة واحدة، هذا ما رؤية الليل والنهار في.. الرسام أن يحتفي بالشمس دائما

نختلف لنجد معنى أن.. تضاد، تناقض، وحدة وجود.. يصنع سحر التضاد .»لتواجدنا مع بعضنا البعض

-٢٧٨-

الفنون الفطرية املهدورةطاقة

تاريخ الفن إلى الدراسات والبحوث اإلشارة في جزء كبير منها تحاول، القى التهميش بصورة الفطري باعتباره موضوعا يشكل جزءا من تاريخ الثقافة

عامة، واعتبر خارج الرؤية الجمالية التراتبية في البحوث والدراسات والتحليالت، أي خارج خارطة الفنون التشكيلية والبصرية، وذلك ألسباب كثيرة تتعلق بمنطق

والذي لم ينظر إليه كضرورة . التفكير والرؤية الساخرة لما تطرحه هذه الفنونعلى ( في المجتمعات العربية األفرادة واألكاديمية وتطوير خبرات بمواجهة العقالني

). األقل منذ مطلع القرن الماضي

الذي زاد من تهميش الفن الفطري وعزله والنأي بالكثيرين من منتجي األمرهذه الفنون خارج االعتراف، في مجتمعات ساعية للتحديث واللحاق بآليات

القسرية التي طرأت على البنى االجتماعية العصر، واالنسجام مع المتغيرات إلىالعربية، وبخاصة الهجرات المتبادلة بين األرياف والمدن كمفهومين يعكسان

بالذات لقجانب التهجين القيمي على المستوى الداخلي ما القياه من إشكاليات تتعطار والهوية على مستوى التثاقف مع المجتمعات الخارجية، ومحاولة التوازن في إ

التحول الذي كانت فيه النخبة المهجنة تهيمن على رسم مساراته، والتسلط على القواعد والقوانين التي تحدد ماهية الفن، ومعقولية قبوله، والكيفية التي تفسر من خاللها الذاكرة التاريخية الجمالية بنوع من الغطرسة، التي أسرت في جريانها

فن والوعي به، دون أية مقاومة أو محاولة السريع المحرك األساسي إلبداع ال .لممارسة الحق باالنخراط في المشهد العام لإلنتاج اإلبداعي التشكيلي

الشأن ليس مثاال حصريا في المنطقة العربية، إذ جرى األمر ذاته هذافي التجارب الغربية األوروبية، وفي أمريكا الالتينية واليابان وسواها من

-٢٧٩-

إلى وعيا مبكرا تمثل بعبور الكثير من التجارب الفطرية إال أن. المواقعساحات االعتراف وإثبات الوجود، وتحتوي الدراسات الكثير من اإلشارات

مثل هذه التجارب والنماذج االستثنائية باعتبارها المحلي، والمعرفي إلىبينما لم تستطع التجارب المتصلة بالفطرية واإلحاالت الفنية . واإلنساني

التيارات إلىالشعبية في العالم العربي أن تتماسك لبناء حقيقة وجودها، والنفاذ اإلبداعية المتداولة كفن موثوق يتضمن القدرة على تنمية الذوق والبناء

. واإليديولوجي، وتبني الموضوعات األساسية في النظام االجتماعيبويالترشويه حقيقة الطاقة الفطرية تبرز أهمية الدور الذي لعبته الثقافة في تهنا

في التجربة الفنية لتصبح عالمة لالضمحالل وتدني الثقافة والخبرة، فهي حتى في التصاوير .. خارجة عن السياق، لها طقوسها وموضوعاتها ورموزها

الدينية، بات األمر خاضعا للخبرات الجديدة، ولم يعد إنتاج مثل هذه علوماتي المتوارث أو الكامن، وأضحتالموضوعات عبر الخزان المعرفي والم

. مقاييس التحديث تتدخل في طريقة إنتاجها السرد الشعبي تمثل األمر في الرسوم الشعبية المتنوعة، التي كانت وكذا

السحري لحكايات التاريخ وقصص الغرام والحب والعوالم الماورائية، وصوال نسانية والممارسات الطقسية، الحكم واألمثال والروايات الدينية والسير اإلإلى

ما . والكثير من الرموز التي تمثل مفاصل مهمة في الهوايات المحلية والمشتركةأفقد القاعدة خلق عالقات تفاعلية بين التقاليد المحلية والثقافة البصرية الشعبية الفطرية، وبين الطبقات الثقافية وأجهزتها المعرفية والمؤسسات المتوالدة عن

ت التحديث وتأصيل األفكار التي تشكل المدرسة والمعهد واألكاديمية ضرورا والحق بإلغاء االعتراف،والصحيفة والمؤسسة والنقد والصالة وسواها من موقع

ما يتعارض مع توجهاتها وخططها وأفكارها، ولم يعد الصراع وقفا على التضاد قائم، بل إن األمور تعدت بين القديم والجديد أو التقليدي والمعاصر في الجدل ال

. محاولة تنقية المشهد الفني من العوالق الفطريةإلىذلك أرى إن هذا اإلقصاء سواء أكان متعمدا أو عفويا قد منح وهنا

االتجاهات الفطرية استقالليتها، لتبقى محافظة على بنيتها كظاهرة مؤجلة

-٢٨٠-

ولم تفلح . جتماعيةمسترخية في ظل المتغيرات الثقافية والتكنولوجية واالمعاني التمدن المتولدة من أفكار القرن العشرين سلخها عن توجهها البريء،

التهذيب إلى ما يوصف بالسذاجة واالبتذال والبهرجة ويحتاج الباالذي غوالتشذيب والوظيفة والموضوع، وتحري االنضباط في سلم قواعد الفن

ير والتأصيل وحركة السوق وألعابه المعاصرة، المتصلة بالمبادئ والتنو .والتسويات والمدنية والحضارة

إلى جرفت سرعة تبدل البنى التحتية الفنية والثقافية إمكانية االلتفات لقدشبكة من المبدعين الفطريين في مختلف المناطق العربية، وأقصت تقديمها

لة في الرواية كإنجاز للساللة الجمالية المختلفة، أو المفارقة للغة البصرية المتداو موذجاالتشكيلية العربية، أو اعتبارها صوت الصورة العفوية التي كانت ن

لمختلف فئات المجتمع، حين لم تكن قد دخلت مفاهيم الفنون المجهولة من الغرب، ولم يكن قد آن األوان لعودة الموفدين المشبعين برموز الثقافة البصرية

. وجوههمإلىصقيلة التي ينظرون عبرها الجديدة، الذي حملوا معهم مرآتهم الالفنون الفطرية والشعبية دون مرآة، يخرجون ألوعيهم فيما كان منتجو

فضاء تهيم فيه حرية التعبير، وفكاهة الموقف الممسرح، ودقة إلىوفطرتهم المنطقة العربية، إلىالمقصد، لتحقيق رمز كان ضالة المطابع بداية دخولها

لونة التي حققت نجاحا كبيرا في نشر هذه الفنون الفطرية وبخاصة الطباعة الموالشعبية، لتضحي جزءا من أي جدار في كل بيت، ولتتحول مثل هذه الرسوم

فضاء جمالي اجتماعي بصورة عامة، بل وعقائدي، وفانتازي، إلىالعفوية إذ لم يخل منزل من رسوم عنترة وعبلة وفاطمة . حقق تواجده في وسط الشعب

مغربية وصور القديسين والشخصيات التاريخية والدينية والحوادث والنوادر، ال . الخ...وكذا المحال التجارية والحالقين والخياطين

ذلك، ومع بداية عهود االستقالالت الوطنية، واختالف وجهات برغم تنحسر المشهديات الفطرية المستمدة من روح الناس وفضاءاتهم، دأتالنظر، ب مكان هامشي فرضت عليه تهمة االبتذال إلىن موقعها كنموذج لتبتعد ع

التنحي عن جدران البيوت، وقد زاد في ذلك اختالف الصيغ والتشكيالت

-٢٨١-

المدينة تحمل أعباء هذه الهجرة، وتخلى إلىاالجتماعية، فالفالح الذي وقد يته تغير ثقافي في بنإلىوقد أدى هذا التبدل . عن كثير من مكوناته الخيالية

وبدال من انتمائه . القيمية والثقافية وفقد الكثير من اندماجه بالطبيعة والفطرةلموقعه بات يحلم بالعودة لهذا االنتماء، بينما لم تقدم له المدينة المتحضرة أو

ة، وبدال إال المزيد من العزلة عن رموزه األساسيلطريقالسائرة على هذا اغناء والرقص والتلوين وباقي فنون الحياة، بات لى في المن خبرته الريفية األو

جزءا من قائمة من األسماء تعركها لقمة العيش واالنصياع لقوانين الثقافة .المدنية المصنعة على قياسات المدنية المنصاعة لمتحوالت الثقافة وأوامرها

نفهم البعد الذي أقصده بإقصاء روح الفن عن العملية اإلبداعية في حتى السبل التي تم إلى المستجد في المنطقة بطريقة موحية، البد من النظر الوضع

عبرها إنتاج األزمة التي توصل إليها الفن العربي المعاصر، الذي عاش تكاد تخلو دراسة تأسيسية فيه دون الغرب، بل اللفنوناالتهام الدائم بالتعبئة

تعبئة، باعتبارها الرنين المتواصل والمزعج لمنهجية هذه الإلىاإلشارة كثير إلىمنظومة متكررة في مختلف البلدان العربية، دون محاولة التطرق

من الجذور البصرية التي تحتفظ بمكانتها ومشروعيتها كمواضيع للدراسة . والتحليل والتساؤل

من البقاء في محيط التمثل والتمثيل لتجارب اآلخرين، كانت وبدال تقييمه انطالقا من الواقع المعرفي بما يحتويه من ما يمكنإلىاإلشارة واجبة

مرجعيات تشكل الفنون الفطرية نموذجا أساسيا في جمالياتها األليفة، بل هي ولم يستطع التجديد أو التحديث . الصادق خارج النسقداءالمعبر عن فكرة األ

شية، الذي تطرحه مكونات النظام الثقافي أن تلعب دور الفنون الفطرية الهام األداء الفردي، إلىخاصة بعد التأكيد على ذاتية الفن والفنان، وااللتفات

. وتجاوز توترات األسلوب والنموذج والتجريب واستنساخ األب المهيمن كانت األنساق الثقافية قد غرقت في نقاشات المحلية والعالمية، أو وإذا

أقل من المأمول منه الولع في تحقيق مركزيتها، فإن طموحها األكاديمي بقي على المستوى المعرفي، وبقيت محاكاته لحلم العالمية مثار نقاش، وأخذ ورد،

-٢٨٢-

العالمية إال قلة وندرة نادرة ممن عاشوا في إلىولم تتفلت من التجربة العربية المواقع األخرى، فيما اختلط عليها األمر بخصوص الفنون الفطرية التي تحمل

خصائص بنيوية كونية تتقاطع وكليات الثقافة البصرية في بدائيتها التكوينية اإلنسانية، وتستدرج في فطرتها عمق التجاوز للوظيفة التي لعبتها الفنون

وهذا ما يفسر لجوء الفنانين والحركات الفنية . المعاصرة في رحلتها التطويرية أكانت هذه الروح لتجاوز األزمات التي يعاني منها الفن في المعابر، سواءإلى

هذه الروح مستمدة من قناع أو طقس أو شعائر أو أفكار، وتحليلها باعتبارها بجعل العناصر تتأتى . إبداعية جديدةائعمكافآت مجازية وبصرية للخروج بوق

من بعضها البعض، كاستنباط الرفيع من الطوطمي، والمتعالي من السحري، ية على صلة بالعقل أكثر مما إنها إشكال.. وأناقة التطلع المعاصر من البدائي

. هي على صلة باألحاسيس والمشاعر حين دخلت الفنون المنتجة في العالم العربي فضاءات التجريب، فإنها وفي

بقيت تراوح في محيطه لتنتج الظاهرة التجريبية، كون كل مرحلة باتت الوسيلة المستورد لجعل أي المنهج. لنظام التجريبةاالستعماريالمعتمدة لتحقيق الغاية

الخطاب سائدا على كافة المستويات، والمنطلق من تحديدات وتعريفات معينة محاكاة الحقائق الواقعة في مجال اإلدراك "وثابتة، كتعريف الواقعية مثال بأنها

أبعد إلىز هذا التعريف فيما الواقع اليوم يتجاو)١("كأدق ما تكون المحاكاة آخر، ومن محمل إلىواقعية بات يختلف من موقع كما أن مفهوم ال.. الحدود

آخر، كحال التفريق في الرواية بين الواقعية السحرية في أمريكا إلىتعبيري .وروبيةالالتينية من منظورها الشعبي والواقعية السحرية األ

كانت الفنون الفطرية شاهدا على عمليات التحديث والتطوير، لقدفع بنفسها في أتون الحيرة، أو أن تحاول تفصيل الهجرة والعودة، دون أن تد

بل بقيت تحمل سحرها الخاص، ومفرداتها البسيطة ظاهريا، . نموذج لهاوالعميقة في تمثلها لالوعي اإلنساني، والعقالنية المقياس الجمالي، وتجاوز

.التعريف لهربرت ريد )١(

-٢٨٣-

كل مصطلحات التعامل مع العمل الفني المتداول في أسواق الثقافة ليبقى ا الخاص، بديل المتحف والصالة والرواية التي تجدد فصولها الشارع سوقه

.كل لحظة الحداثة في النحت والتشكيل، هذا ما ابتكار الفن الفطري إذن وراء كان

أثناء حديثه )١(الفن العربي المعاصر) مقدمات(يذكره عبدالكبير الخطيبي في ي، وأولي يقال عنه إنه فن ساذج وعفو: "عن المتفردين في الفن، ويذكر

ناإن فن االرتجال هذا يدعو. إن لم يكن فنا بدائيا أو عتاقيا وغريزيا. وشعبيألن ننظر إليه ونفكه بالشكل الذي يقدم لنا به نفسه، سواء كانت له خصائص

، وإذا كان "السحر أو العجب العجاب أو اختزل نفسه في الترداد واالجترار البدايات الساذجة إلىلفن هشة النتمائه المفكر الخطيبي يرى بأن قيمة هذا ا

للفن، إال أنه يؤكد على اإلمكانات التحويلية التي يختزنها بطريقة عجائبية، .والتي يمارسها بطريقته الخاصة

النظر عن التعريفات المتعددة لهذا الفن الموسوم بأغلبه بالفطرية، بغضاقي أو البري، وكل ما أو الخام، أو الساذج أو الشعبي أو األوالني أو العت

يتصل من تفريعات باالبتذال والوحشية والغرائز، وما يضاف من صفات كاألطفال والعرافين والمنجمين : ممارسيه من غير المتخصصينإلىوفئات

والمجانين وذوي الحاجات الخاصة من الصم والبكم والعميان والمتخلفين الفن يمتلك القيمة الفنية كونه فإن ما يجمع عليه أن هذا. عقليا والمتوحدين

يأتي من السليقة مباشرة دون إعداد أو تدريب، ليمثل الصورة النقية المعبرة بقوة عن المشاعر المتضاربة والدفينة، دون أن يهتم بالعوالم وتفاصيل تحققها

الخداع والتحايل بالخبرات المكتسبة الستمالة الذوق العام إلىودون أن يلجأ "لهذا فإن بقاء أغلب منتجي هذه الفنون في اإلطار الثقافي الهامشي المدرب، و

كان يتأكد باستمرار لعدم توازي حالتهم مع ما كان ينتج في اإلطار الثقافي

ترجمة - منشورات عكاظ - ٧١ عبدالكبير الخطيبي ص - الفن العربي المعاصر )١( .فريد الزاهي

-٢٨٤-

خاصة أن هؤالء الفنانين كانوا يعيشون في بيئات شعبية " العام والرسميي، فالمصري متواضعة، ويمارسون مهنا يدوية أو خدمية لعدم تأهيلهم الدراس

محمود اللبان بدأ بعد الخمسين من العمر وكان يصنع المباخر للدراويش ويبيع كان فالحا، أما لويس توفيق ) ١٩٣٠(اللبن وكذا الفنان محمود األسواني

جزارا، وصالح ) ١٩٥١(فكان خياطا، بينما كان حسن الشرق ) ١٩٢٩( .الخ.. فالحا) ١٩٢٤(والشيخ رمضان . فرانا) ١٩٣٥(حسونة شك بأن كل موقع من العالم العربي يمتلك الكثير من الذكريات عن ال

فنانين فطريين لم يدركهم االهتمام أو التقدير، لنأي هذه المواقع عن العواصم كما أن االهتمام الشعبي بالفعل الثقافي لم يكن . وساحات الفعل الثقافي الحقيقي

منا، هذا إذا تجاوزنا أن مدارس الفن بحجم البيانات التي كانت تصدر في عواص ما يربطها أو يجمعها بالفن الفطري في هناكوأكاديمياته المعتمدة لم يكن

يالحظ الهجوم األكاديمي اإليديولوجي على الفطريين من باب (األساس، ، بينما بقيت االهتمامات محصورة في الفئات الشعبية )اعتبارهم بدعة استعمارية

. بما تعبر عنه هذه الفئة من الفنانين- إذا جاز التعبير- المرتبطة روحيا كما أن تقسيما تعسفيا للفنون كفنون مؤسسة وداعمة وأخرى تحط من قدر الفنون أرسى قلقا في األوساط الثقافية الغربية قبل العربية تجاه هذا النوع

الزنجية من الفنون، وقد تمثل ذلك في الكتابات عن فنون األطفال والفنون ليظهر جليا الموقف لفولكلور،والصور النذرية وفنون المعاقين وفنون ا

المتشنج الذي يمزج بين الفطرية والبدائية والشعبية كمصطلحات ظلت عائمة حتى يومنا هذا جراء انعدام التوصيف الكلي لكل فئة من الفئات، ولكون هذه

ات العامة حين يتم دراسة أبعد من اإلطالق الفئات تتضمن في ثناياها ما هوالمنتج الفطري للمبدعين بمرونة وعمق، عبر المراجعة المتأنية للدراسات المنجزة حول الفن الفطري وبخاصة في الغرب، وتأثيرها على الكتابات المقتضبة في الساحة النقدية العربية، التي اهتمت بالعناوين الرئيسية دون

جاعد على إبراز الروح المتحكمة بانتاالولوج في تطبيقات نظرية محلية تس إلىهذه الفنون، والنظرة الغامضة التي يعبر من خاللها الفنان الفطري

-٢٨٥-

وهذا ما يعطي . عوالمه الذاتية، باعتباره لم يتوارث هذه المعلومات عن أحدصفات الفرادة لكل تجربة ال يمكن أن توصف بأقل من صدورها عن روح

وعبر الضرورة التعبيرية التي هي أهم من الفنان مبدعها، ورؤيته الشخصية،الممسوس بفعل إبداع سلمنا بأن الفنان الساذج أو العفوي هو نفسه، حتى لو

.هذه األعمال الفنية األحوال ال يمكن سحب صفة اإلبداع والموهبة عن ممارسي الفن بكل

ة، ممن الفطري، خاصة بعد أن تعرفنا على كثير من التجارب الفطرية العربيهم على حواف القضايا األساسية المطروحة كهم جماعي يتجاوز فردية

تحقيق رؤى إلىوهم يصلون . منتجيها، كقضية فلسطين وشؤون الرأي العامبعيدا عن التسلية والمتعة المطلقة وتمضية الوقت، وال يمكن اعتبار أعمال بايا

اهم من المبدعين إال وشعيبية ونعواش والتيناو ي ومنعم فرات والمزين وسوعبر األفكار التطويرية التي طرحتها أعمالهم، وباألساليب التي اتبعوها لتقديم أفكار تتجاوز عفوية الالوعي، لتربط الزمن المعرفي الحاضر باألزمان

.المعرفية الكامنة في اإلنسان وإذا كان البحث عن فراديس مفقودة في اإلبداع بحسب نظرة كل فنان

يشكل هما ظاهرا، فإن خيطا واحدا ينظم مجمل هذه التجارب، على حدةيؤكدون من خالله عدم اكتراثهم بالزمن قدر اهتمامهم بالهدف من إنجاز مثل

ولهذا فإن البيئة والهواء والضوء والمشاعر والطقس واللون . هذه األعمالوتمايزها كلها تسهم في فرادة هذه التجارب، ... والصياغة والحركة والمادة

الذي يحدد الطريقة والطزاجة عن بعضها البعض، بل لعل هذا األمر هو عمل عفوي، يقدم مشاعر مبدعة إلىوالشفافية التي يعبرها الخيال ليتحول

.بشكل بسيط، وبعيدا عن المشاعر المتضخمة والقضايا الكبيرة يحاول الفطريون إذن أن ينظروا لتوجههم، أو مسارهم، وإذا كانال

العالم بالنسبة إليهم عبارة عن تكوينات ذهنية وأفكار ورموز فألنهم يرونه على هذا الشكل، ومظاهر األشياء وتشريحها ال يعنيهم بأي حال من األحوال، فاإلنسان بجوهره، والحكاية بدالالتها، والزمن ال حدود له، وإذا كانت الحسية

-٢٨٦-

وية الفن، فإن هذه الفنون هي كعنصر هام في العملية الفنية هي التي تقرر حيالحسية ليست القيمة الوحيدة في الفن، إذ أن " هذا العنصر، إلىاألقرب

الحضارات المتعاقبة لدى تطوير ثقافاتها تخفف دوما هذه القيمة األساسية بمزجها بقيم أخرى سحرية أو منطقية، إنها تستخدم الحسية في إطارات

هي التي تفسر مختلف التغييرات التي تحدث وإن اختالفات اإلطار جتماعية،اإن حيوية الفن تعتمد على االحتفاظ بتوازن دقيق بين الحسية ... في تاريخ الفن

وكامل التراكمات الفكرية والعاطفية التي تستمدها من العنصر االجتماعي الذي العملية هي عملية ديالكتيكية، تتطور فيها توترات وتناقضات .. تغرس فيه

إن إحدى الطرق التي قد يخف فيها التوتر تتخذ شكل انحطاط . حتميبشكل ")١(الحسية، غير أن التوتر يجب استعادته إذا أريد للفن البقاء

طرح التساؤل المهم في غير موقع عن اهتمام عصر االنقالب لقدالعلمي والتقني بالثقافات البدائية واألوالنية، في حين مثل عصر النهضة

كما عبرت . والرومانياإلغريقيتماما وحيدا بالحضارة والتراث األوروبي اه )٢(الطليعة األوروبية عن حاجتها الكتشاف وتذوق الفنون الشرقية واألفريقية

واألوقيانوسية، وكان الجواب أو سع من السؤال بكثير وال ينحصر بتجسيد عن قيم رؤية اجتماعية محددة أو إطالق وظيفة مغايرة للفنون، أو البحث

. بديلة لتلك المرتبطة باإلنتاجية الرأسمالية أن يتجاوز الكثير من أزماته بعد تطاع كان المجتمع الغربي قد اسوإذا

الحربين العالميتين في القرن الماضي فإن فنونه قد دخلت أزمة مستعصية بحثا ا أن الفنون البدائية واألوالنية منقذة له، كمإلىعن وعي فني لم تعد النظرة

الالأوروبية، بقيت تراوح في - اليابانية، واألوروبية -عمليات التثاقف الغربية آلياتها حتى نهاية القرن الماضي لتنفتح الفنون على عصر انفجاري واختباري

قيمة الفنون الفطرية اإلنسانية، ومحاولة بناء إلىوتفاعلي لفت االنتباه بقوة

.١٩ صحديث فلسفة الفن ال-هربرت ريد )١( . جيوبوليتيك الفنأفريقانية- من اخترع األفارقة؟ الحلقة الرابعة - موسى حسن )٢(

-٢٨٧-

إلى بالدعوة - رة المحبطة وتناقضاتها بغض النظر عن الذاك-تراث الحاضر حية ال تتوقف على ما ينتجه الفنانون بأدواتهم رةاكتشاف الفطرية كظاه

التقليدية المعروفة، بل وفق التطورات الجديدة لألدوات التقنية التي حلت محل األدوات القديمة، واستحداث تطبيقات فطرية على صلة بالميديا واالتصال

ة الفنان وتفرده وفردانيته، لينشئ أسطورته الجديدة والساحرة، انطالقا من ذاتيالتي تتجاوز كل المعارف البصرية والعالقات االجتماعية التي تربط مختلف

.الفئات بنتاجه، واالنخراط بنظام اختياري جديد لمدلوالت الثقافة الكونيةن واقعية قطيعة وعودة لألفكار األساسية للفن، يمارسها باالكتفاء مانها

ودعوة مباشرة لكي يمارس الفن وظيفة . وتحققاتهالفن الفطري بمختلف توجهاته الفنون التي تطرح وجهات نظر منتجيها إلىاجتماعية مختلفة تقتضي العودة

بشكل غير متعال، ويعيدا عن البروج العاجية التي أشادها فنانو القرن الماضي، ، واحتضان القضايا األساسية لإلنسان التي ومحاولة التواضع لتجاوز عقد المدنية

جنب الفرح والحماس والحب والبهاء، وكل ما يتصل بتأكيد الذات إلىتجمع جنبا وفاعليتها وإعالء العقل األوالني، حيث يهتم الفن بروح األفكار وبساطة تحقيقها،

..وإخراج اإلنسان العفوي الكامن في أعماق التجربة اإلنسانية بهذا التنظير، أو باألبعاد التي تدفع نيان الفنان الفطري مع ال يكوقد

بتجربته لتجاوز ذاته وحدسه الشخصي، إال أنه معني بما ينتجه، وبالعالم الذي يراه، وبواقعه الداخلي الخاص، وبالفرضيات الرمزية التي تختزل أفكاره

ن صلته ببيئته وبالتالي فإ.. واقع مرئي في عمله الفنيإلىالالمرئية وتحولها فالفنان . تحقق وضوحا أكبر في عالقته المعقدة بمجتمعه وانعكاسها في منتجه

الفطري الفالح على صلة بالطبيعة وتقلباتها ومواسمها، فيما الحرفي المستقر في المدينة ضحية تعقيدات النهائية، كما أن الفنان الفطري المتدين أو الذي يمارس

الظاهر والباطن، أما المتعلم فيمكن تجاذباتيدات وحياة دينية على صلة بتعقمالحظة ذلك في منتجه ببساطة جراء ما يضيفه من تهذيبات ترضي الغالبية

وهنا . الدائرة في فلك ثقافة العامة، وكذلك الوسط الذي يعيش فيه وينجذب لمنتجهيف تمكنوا طبيعة المتجمعات التي نشأ بها هؤالء الفنانين، وكإلىالبد من اإلشارة

-٢٨٨-

من المحافظة على معقولية الصلة بها، إذ تشكل المعقولية مدى قبول هذه األو ساط الشعبية لهم، واتفاقهم على أهمية ما ينتجه الفنان الفطري أو الشعبي، بحيث

نالحظ ذلك في كثير من الصور التي (يتيح لهم استيعاب هذا المنتج وتداوله ).. الخ..محتواها دينيا أو تاريخيا أو أدبيا كان ء رموز وتيمات سواإلىتحولت

إنه التصنيف المرتبط بحدود إدراك وفكر الثقافة الشعبية غير المؤطرة أو المؤدلجة، بحيث يمكن اعتبار منتج الفنان الفطري من طرائق إنتاج معارفها

.وقواعد تفكيرها الضمنية بعيدا عن الثقافة العالمة وتصريحاتهاركيز عليه هو أن اإلنسان العربي في حالة نهوضه ما أريد التإن

وانسجامه مع المتغيرات يعيش في الوقت نفسه مجموعة من الهوايات استمرار التاريخ الكامن فيه للنفاذ إلىواالنتماءات والثقافات بآن معا، إضافة

يحاول يففالمدينة ر. موقفه ومحددات رؤيته لحاضره ومستقبلهإلىتفتت بنيته جراء انتقال األفكار المدنية إليه، وأضحى العلم التحضر، والريف

مع ذلك فإن الحقيقة .. جانب الدينإلى جنب مع السحر، والعلم إلىيقف جنبا أن هذه المجتمعات مازالت قادرة على إنتاج معارفها، وبأنها جاهزة إلىتشير

إلىاإلدراكات دوما للتكيف مع إطار معرفتها وأساليب إدراكها، وتحويل هذه .رموز، ليس الفن الفطري الشكل الوحيد الممثل لها

والعنف، والخوف المتولد عنهما أو عن سواهما يشكل دافعا الوحشيةلالنتصار على مثل هذه المشاعر، سعيا لتحقيق انتصار إنساني على حياة تتشكل

اإلنسان البدائي وكما حاول. على هذا النحو، سواء أكان الزمان بدائيا أو معاصرا عالم إلىاالستعانة بالرسوم والرموز لالنتصار، فإن اإلنسان المعاصر يسعى

ترميزي وإشاري لالنتصار على تعقيدات باتت تخيفه رغم التطور الهائل الحاصل في مختلف المجاالت، بل لعل مخاطبة النفس البشرية وبناء الحوار معها

قيق مجموعة ال متناهية من التطمينات التي على المستوى الذاتي إنما ينطلق لتحتتجاوز السرديات والحكايات المعهودة، والوقوف في الموقع المتجدد المؤسس

الزمن، وموقفه االختباري من إلىعلى احتياجات اإلنسان الداخلية ونظرته . منجزه الذي تتراوح صالحيته بين التجديد واالستجابة

-٢٨٩-

ه حقبا أو مراحل فنية أو مذاهب أو يكون هذا ما حصل فيما ندعوقدالفنانين لالنقالب على المفاهيم واألساليب مدارس، وإال فما الذي يدعو

والثورة عليها، ومحاولة إيجاد سبل أخرى تؤسس لرؤى واتجاهات وأفكار ال األمر الذي يحدث تتقيد بقواعد إال قواعد التعاطف مع ضرورة الوجود، وهو

أن هذه الحقيقة سواء كانت في الفنون البدائية أو ما تالها إال (في العمل الفني حتى يومنا هذا، كانت متحولة في أساسياتها ومعطياتها ونتائجها، بمقابل أفق يرى وال يمكن الوصول إليه ليبقى القلق والخوف دافعين أساسيين على

في المستوى الوجودي أو الماورائي، يتحقق من خاللهما بناء شرعية المتحققكل فترة من الفترات أو مرحلة من المراحل، بما فيها ما ندعوه الفنون الفطرية التي نحاول أن نبني من خاللها كينونة أخرى، أو جوهرا لمنطق التحقق الذاتي في الفن، أو إعادة بناء الذات وتأو يلها على هيئة متحققات

حقيقي موجود الكشف عن ية لتجارب حاولتبصرية تخاطب إطالقيات مفهومفي آنية تقديرها للعالم، ومدى استطاعتها على احتوائه بالتنسيق بين المتخيل

. العقل المبلور للتجربةإلىوكيفية تحقيقه دون االلتفات لمثل هذه اآلنية يتجسد كل مرة في اوز التجاهل أو الغفلة أو التجهذا

نها على ما اعتبر المحرضات الدافعة لتبني اتجاهات مستقبلية تعتمد في تكوي إلىفي تجارب سابقة بمثابة السقطة، بينما تعتبره حركات ناهضة تسعى

القراءات التاريخية للفن إلىويمكن أن أشير . التحديث دافعا للتجديد والتجاوزالحديث، وتبريراتها العتماد الفن الساذج في أوروبا كأحد الدوافع المساعدة

باره أثرا على صلة بمحيطه، وبعد أن تمثلت لالنقالب على العمل الفني باعتمقوالت التجريديين بإغالق األبواب على منتجهم الذي يستبعد المنظور، فقد

األعمال الفنية عبر الفن الساذج بطريقة جديدة تماما، إلىعاود األخير تسلله كما عاد الخط الذي نفته االنطباعية، وهذا ما أحدث في التوجهات الشعبية في

.. تنامي الحس الزخرفي والتزيينيإلىلفن وأدى ا أن قيما انفعالية تداخلت على المستوى العاطفي مع المنتج الفني، أي

المعنى أضحى الطريق سهال إلطالق المعنى بشكل إلىوبدال من االلتفاف ١٩م -بؤس املعرفة

-٢٩٠-

إنها المحاولة المتاحة لجعل ما تحقق ينهار أمام فضاءات التحديث .. مباشرلمراحل جديدة ستنكر هي األخرى قيمة التعاقب التاريخي للمنتج والتأسيس

التاريخ هامشيا، والبنية مظهرا غير مرغوب فيه، الفني، حيث سيغدو مختلف االتجاهات واألساليب استجابة للتحوالت رضوستتجاور في المعا

ية النظرية والفكرية التي تؤمن بما هو ثانوي في البنية أكثر من اعتقاده بالبن .ذاتها، وتؤمن بالمزاج الخاص بديال عن الرؤية المتكاملة

معرفة المنجز العربي في الفنون الفطرية يشكل اليوم طريقا لنقد إنالمراحل التي عبرتها األصداء المختلفة للتوجهات الفنية، وأضحى العبور على

ما تاريخ االنشغاالت واالشتغاالت ضرورة نظرية لولوج محنة الفن، ورؤيةاألمر المرتبط لم يكن متاحا في المغامرات المتفرقة في تحوالتها، وهو

المبدعين الكبار فهمبالصراع االختباري الذي تعيشه التجارب التي قامت على النجم، الذي يعبر ) كاريزما(الذين بنوا أسوارا بينهم وبين الناس بالتأكيد على

حيد لهذه التجربة التي يتقاضى عنها عن مرحلة كاملة، وكان بمثابة المبشر الو ..سمة والتقدير واالعتراف والجوائز جانب الشهرة األوإلى

يكون إثارة موضوعة الفنون الفطرية العربية محاولة للبحث عن أثر قدلنا في المتغير أو المنتج اإلنساني، خاصة أن التخوم قد سقطت بفعل

يتجزأ من حركة المركز، ويكاد التنظيرات الجديدة، وأضحى الهامشي جزءا الالفطري في اليمن أو تونس أو الباكستان أن يكون جزءا من عملية التغيير في

المحركة للفنون اإلنسانية، بل قد يكون ممثال لها في األنشطة اكزالمروالترحال والتاريخ الجديد، إنهم فنانو ما بعد الكولونيالية الذين يمزجون تقاليد

انهم مع الضرورة الجديدة، وهم يتواشجون وينفذون عبر حضاراتهم وبلدالسياق التصاعدي لآلنية المتبدلة خارج األفكار الكبرى لتاريخ الفن، توازيا مع فهم العملية الثقافية بمجملها، باعتبارها طريقة حياة وسلوك، وطريقة إعالن ووسائل إعالم وحياة جنسية وإيمان ورقص وصحافة وسينما واتصال

رياضة، وكل ما يؤكد على تجاوز أمية التعبير النقي، الصافي والحر، و الزائد عن حده، بإعادة التوازن النضوجوتجاوز الخسارات المتأتية عن

-٢٩١-

للغامض في الكيان اإلنساني، وتقريب البعيد والقصي والمتواري، وكل ما المفاجأة اتهم بالدونية لولوج ما يدعوه المغربي محمد القاسمي أرض الدهشة و

.التي ال تعرف الحدود الذاكرة الكونية القائمة على التفاعل الحيوي بين إلى عالم يتحول في

الهويات واالنتماءات تتغير صياغات األسئلة وطرق اإلجابة عليها، بما فيها وبدال . في العالملةالتساؤل عن موقع الفن العربي في إطار التبدالت الحاص

تي عانينا منها في العالقة مع الغرب تأثرا وتأثيرا، أو من طرح اإلشكاليات الما وسم بإشكالية األنا واآلخر، أو صلة الغرب بالحداثة وموقفنا منها، أو السبل التي عبرها يمكن إعادة بناء مفهوم الفن على أسس جديدة، والتيقن من

ن الغرب لنقل بشكل أولي إ«حقيقة الزمان وفق اعتبار الوطن ومفهومه الجديد نمط إلى، وجه الطرافة فيها أنها أفلحت في التحول )نحن (ـضرب من ال هو

. اإلنساني بعامة) نحن (ـوجود ال نفسه كملة وذلك منذ قرن إلى طرافة واقعة الغرب أنه لم يعد ينظر إن

حد اآلن، إلى فيما تفشل فيه الثقافات األخرى حعلى األقل، وذلك يعني أنه نجهذا ). اإلنسانوية األساسية(كانية العالم انطالقا من ضرب من أي في بناء إم

وبعبارة أدق، إنه في . بديل عن أفق الملة النحو من اإلنسانوية األساسية هوأفق هذه اإلنسانوية األساسية إنما خاض الغرب معركة إعادة رسم معنى

ألة وأنه في خضم مسألة الوطن هذه ينبغي أن نستبصر مس. الوطن بال رجعة بعينه، لكن هذا العصر قد أصبح تقنية »عصر«أجل إن الحداثة : الحداثة

وجه الطرافة فيه أنه »عصر«الحداثة إنما هي . وطنإلىالغرب في التحول .)١(»أصبح نمطا جذريا من الوطن لم تعد أي ملة بقادرة على معاندته

في كيف نكون: اإلقرار يدرس اإلشكالية القائمة على السؤالهذاالزمان الذي هو نحن؟ الزمان أو ذات السؤال الذي يطرحه الكاتب من هو

.كون العصر هو الوطن كمعنى

.٢٠٠١ بيروت - دار الطليعة - فتحي المسكيني - الهوية والزمان )١(

-٢٩٢-

التراكم التشكيلي على مدى القرن الماضي مقاربات متفاوتة ثل ملقد - لكونها . السوية مع المعاصرة، لكنها لم تجب بصراحة عن مفهوم الحداثة

على المستوى البصري، ولم ) نحن (ـال قد أخفقت في هيكلة - بشكل أو بآخرتستطع إال أن تكرر التجارب المشاركة في العصر دون تحقيق بنية في

األمر الذي يتيح اليوم إلعادة اختبار إمكانية االنخراط في الزمن، الثقافة، وهووفك االرتباط بالمعاني التبشيرية، واالقتراب أكثر من مساحة الفعل التفكيري

ايا األساسية في الفن، بعيدا عن ظاهرة الغرب التي سادت في لمساءلة القض المتاح لما بعد الحداثة كمنطقة تفكير ارالخطاب النقدي، بل ونقدها في اإلط

واشتغال إنساني ليس حصرا على الغرب أو سواه ممن يتقاسمون الزمان أن نشهد بأنفسنا « ولهذا بات المطلوب بحسب فتحي المسكيني هو. الجديد

والدة األفكار وازدهار قوتها وذلك ليس في الكتب، بل في األحداث وفي .»معها وضدها.. الصراعات من أجل األفكار

الغرض من طرح موضوع الفن الفطري في التشكيل العربي هوكانمحاولة تحقيب العطاءات المتنوعة المنتمية لهذا النوع، لكن األمر تعدى ذلك

وهادئا يتجاوز التحقيب، ويستأنف التفكير في كثير من الحقا لتلمس خطا مضيئا . هذا الفن في جوانب متعددة من الخبرة المتحققةهرالمسائل ذات الصلة بتمظ

حتى في المستوى األكاديمي الذي كان يستشعر خالصا بمقاومته لألدوات التي ل تحاول تصنيمه وتجميده في راهن لم يعد يمتلك فيه أدوات التجاوز للوصو

. الدهشة التي ما زال الفن يرتبط بها حفاظا على جوهر وجودهإلى أهم مظاهر الفن العفوي أو الفطري عدم ارتباطه بالصفة التي نمت إن

في إطار مجموعة من العالقات المعقدة والمتبدلة في التعبير عن الذات تها التنوير، وقد دعمت فنون ما بعد الحداثة هذا األمر بمناهضإلىوالسعي

لفنون الحداثة من جهة، ولولوجها حيز التجريب والتحقيق من جهة أخرى، بالتشكيل المثير للتهكم، دكاالستعاضة عن التقشف بالتنميق، وعن التجري

وتناول األبعاد الرمزية المتعددة المعاني، ومزج اإلشارات ببعضها البعض، عصر ما بعد الصناعي ولم تعد التقاليد االجتماعية هي القوة المسيطرة على «

-٢٩٣-

بل أصبح األمر تحت وطأة وسائل - )آالن تورينو( في رأي الناقد الفرنسي -وفي عصر ما بعد الحداثة أعيد النظر في مفهوم . اإلعالم والتقنية واألسواق

العقالنية لعصر التنوير، وبحث الناقد عن معنى ما بعد حداثي في كل ما هو منطق الحداثة القائم على ما هو جديد زائل ومتشذر ومنفصل، وذلك مقابل

الحقيقة جسيد تإلىواتجه الفن في عصر ما بعد الحداثة ... وموحد ومتعقلالذي أراد إزاحة الحواجز بين ) الواقعيين الجدد(الملموسة فيما سمي بمذهب

فروع الفن، وفيه أدخلت تقنيات شكل من أشكال الفن في تقنيات شكل فني )١(» حاجات الجمهورإلىتركيبات تستجيب آخر، وابتكرت بذلك

هذا المنجز الفطري بعين مختلفة عن العصر إلى شك أننا ننظر اليوم الالذي أنتجه، وسيكون لتأمله ردود أفعال متفاوتة وحساسيات على صلة بطرق اإلبصار الجديدة، حيث كل منا حصيلة قوى ثقافية متعارضة ال يربط بينها

عن الكليات التقليدية تعيش زمانا لم يعد العقل يفرض رابط، إنها صور بعيدة .عليها شكال فوقيا زائفا واستعالئيا، أو أن يهدد وجودها تعاقب العباقرة

مثل الفن الفطري في التجربة العربية طاقة مهدورة في أقل لقد المبدع، طالما حيويةتوصيف له، ويمكن النظر إليه أخيرا كشاهد إثبات على

تعريفه ما زال محط خالف، وأنه ما زال على ارتباط بشبكة من أن .التساؤالت حوله تستدعي جدية البحث والتفات الباحثين المفكرين

.٢٠٠٢-٢٠٦ ص باإلسكندرية منشأة المعارض -محسن محمد عطية . د-نقد الفنون ) ١(

-٢٩٤-

مفاهيم جديدة.. الصورةثقافة

زادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له، وزاد شعوري بأنه غريب كلماعلقي بها، وزاد شعوري بأنها عني، وكلما زادت معرفتي بأوروبا، زاد حبي لها وت

.مني وأنا منها

، جزء من توجه )اليوم والغد( الكلمات للكاتب سالمة موسى في كتابه هذه النهوض والتنوير في المنطقة العربية، باعتماد المنهج الغربي إلىساد مع الدعوة

عفيف بهنسي بأن . واالنبهار به والتبعية له، ويرى الباحث والمؤرخ الجمالي دمسألة الهيمنة التي تناولت الذاتية الثقافية بالعمق، يجب أن التحول دون االعتراف

. تجاوزهإلىبتفوق اآلخر والسعي الذات، إلى الرغم من جميع مظاهر التقدم ومحاولة العودة على ولكن

فإن الحوار مع الغرب مازال فاشال، ولعل السبب كامن في عدم الثقة ال ال يثق بأهلية الشرق على النهوض، وال يثق الشرق فالغرب ماز. المتبادلة

وإذا كان انبهار سالمة موسى . بالغرب طالما يعتمد منطق الغطرسة والتهديدوطه حسين وغيرهما بالغرب جزء من آلية االستالب التي وقع في إسارها المبدع العربي في إطار الصورة التي كان عليها حال الثقافة واإلبداع في

ة العربية، وما يتمثل من تبعية وشعور بالدونية واإلحباط التي عاشها المنطق الشمولي والتاريخي الذي اراإلنسان العربي، فان كل ذلك يقع في الحو

. يختصر العالقات التصادمية أو التوافقية أو تلك المتبادلة بين المجتمعات

لوقوف قول سالمة موسى إدانته، أو اإلى تكن الغاية من اإلشارة لمموقف العداء منه، أو من غيره، ألن كالمه يقع في السياق التاريخي للفترة

تجاوز حالة التحدي التي كان إلى - ربما - التي قيل فيها، وبما يدفع

-٢٩٥-

للتعبير عن الحلم ومعاني األساسيةيعيشها المبدع العربي في اختياراته تطاع الغرب أن يبلورها الحياة العميقة المتمثلة في مشاريع نهضوية كبيرة اس

على أكثر من صورة بالتوافق مع النظم االجتماعية واالقتصادية والسياسية التي حققها الفرد في الغرب في انطالقته نحو حداثة أسسها على مقاسه

. وشروط اختالفه عن اآلخرين الحاجة التي دفعت اإلنسان إلى الغاية من ذلك محاولة اإلشارة وإنما

ل للتحرر من ثباته ووقوفه في مواقع يعتقد بأن جدرانا ساذجة للبحث عن سب فضاءات تتيح للمبدعين أن يحققوا إلىتفصله عن الخروج منها، والمضي ولعل ما يواجهه . والتعبير واإليصاليرأفكارهم فيها، في إطار من حرية التفك

عربي أيام المبدع التشكيلي العربي اليوم ليس أفضل حاال مما واجهه المبدع الفالتحوالت التي أحاطت بقسوتها التحدي . سالمة موسى، وما قبله بقليل

المجتمعي لالعتراف بالشكل الذي آلت إليه الفنون العربية آنذاك في انتقالها اللوحة المسندية التي طالت إلىمن التجريد المطلق، ومن المحامل الشعبية وكل ما شكل تحديا للقيم والمواد في بداياتها التشخيص والمماثلة والمحاكاة،

هذه التحوالت تكاد تماثل ما يجري اليوم من انعتاق . والمفاهيم السائدة آنذاك مادة يستهلكها سكان التجمعات إلىإذ يتحول الفن . من فراغ القرون والزمن

ومن الحسرة أن نتذكر أن المدينة العربية التي .. الحضرية المعنية بالمتغيراتخمسة عشر قرنا تقيم لمولد الشاعر الوالئم والحفالت التي يشارك كانت قبل

). بها الجميع هي ذاتها المدينة التي ال تقيم اآلن وزنا لشيء سوى المادة األخيرة، بل الحسرة التي يطلقها الزميل محمد العامري، إنما هي العبارة

زي ذلك حسرة يتكرر تنهدها في الحوارات والمنتديات والمعارض، وهو يعمكررا قوال لجيورجي جاتشيف بأن البعد عن االنسجام مع الطبيعة أثر تأثيرا

الذي ينطوي ) الفني(بالغا، إذ كان أقدم تاريخ للوعي هو تاريخ الفكر المجازي . على ما للصورة من أسرار كبيرة، طمستها مع الزمن تراكمات بالغة التعقيد

ى هيئة الذات، أو األنا؟، تساؤل يكون من الممكن تمثل الصورة علهلقد ال يجيب تماما على الحسرة، لكنه قد يهيئ الكتشاف معاني الفردانية التي

-٢٩٦-

تميز الثقافة البصرية المعاصرة في العالم، واألفكار المقلوبة على خيارات إيديولوجية مبطنة بالحرية والشمولية، بينما هي في حقيقتها جزء من تنافس

عاني عدم االستقرار اإلنساني، وكل ما يجعل الصورة فلسفي لصياغة م حال بأيوال نستطيع . اإلنسانية تجري على غير ما توحي به قوتها وسطوتها

اليوم نكران التشظي الذي يصيب المحامل البصرية، ليس بسبب فساد الرؤية أو انعدام الرؤيا، بل ألن التحوالت الوظيفية لدالالت المصطلح اإلبداعي باتت

خارج المتوقع، أو ما كان التسلسل التاريخي يوحي به، فقد انعدم إلىتقود تقريبا التوافق بين الحياة وأفكارها فأصبحت الصورة مدمرة لمبدعها أكثر مما

. يجب أن تكونه في التعبير عنه أو بمماثلته والتطابق مع أفكاره )١(: تورين ينقل ما كتبه سوالجآالن

التصال، عنيت أنه ال ينقل معنى، وإنما يكون الرسم ليس وسيلة ل(ويضيف ). المشاهد حسبما يكون المشاهدإلىمعنى بنفسه، يكون معنى بالنسبة

إن تشظي الصورة العقالنية للحداثة، للعقل، يظهر القوى األربع : (تورينالجنسية، والحاجات : عاصرالمتعارضة التي يعرف التأليف بينها المجتمع الم

األنا المتشظية مسقطة في الزوايا األربع لهذه . والمشروع، واألمةالتجارية،إذ تخترقها الجنسية، وتقولبها السوق والتراتب االجتماعي، وتدمج : اللوحة

والغرب اليوم الذي أثمله نصره على الشرق .. بالمشروع، وتتماهى مع األمة ). والجنوب يرتمي بال ترو في ليبرالية الحد لها

لغرب يعي بالضبط التناحر القائم من الناحية الفلسفية بين اآلفاق كان اوإذاالسياسية القائمة واآلفاق اإلبداعية، وكيف تحاول الدول رفض الثقافة المعاصرة

بأحوالفان التنبؤ ) عالم فوق اإلنسانإلىألن الرمزية تحيل (باتهامها بالرمزية ة في ظل معاني االستهالك التي الثقافة العربية وخاصة التشكيل يبدو أكثر سهول

بدال من الحلم ) عالم كبير بإنشاء التوافق بين العرض والطلب (إلىتحيل المجتمع إذ بات الكالم عن ،السابق بالبحث عن الجوهر وكيفيات تمثيله في العمل الفني

.١٩٩١ سبتمبر ٩-٨ للوموند جريدة ا-آالن تورين )١(

-٢٩٧-

إلىمعنى الفن ضربا من المبالغة إن لم يكن من النقائص التي يمكن أن توجه مبدعين وهم يعيشون أساسا االنقسام الجلي بين ذواتهم وما يحققونه، أو أرواح ال

قيم زائفة لعوالم باتت إلى عنه، فيتحول التعبير يرفيما بين وجودهم ووهم التعبوالحق أن درامية الهروب باتت تميز العواطف التي .. في أقفاص االفتراض

ت نبرتها الخاصة ووظفت يستجيب لها المبدع في التعبير عن مواقف عمومية فقد . من أجل االتقاء من رعب الحياة التي تفقد طهارتها

كل التحوالت تضحى القيم السائدة الضحية األولى، إذ في ضوء فيمقصد التغيير تنمو تركيبات موازية وأخرى تناحرية تؤجج العمليات

فإن مرد الصراعية، وإذا كنا ال نحس وطأتها في االنقالبات التشكيلية العربية يث آفاق الحرية الممنوحة للحوار حول مثل هذه التحوالت ويمكن الحدإلىذلك

التحوالت التي طالت التكعيبية والمستقبلية والسوريالية إلىمطوال في ذلك قياسا في الفنون الغربية على سبيل المثال سواء في التشكيل أو األدب أو المسرح،

غيرات في الفنون بداية القرن العشرين سواء وكيف تمكنوا من التعبير عن المت . عبر البيانات والمقاالت والندوات والكتابات أو عبر اإلبداعات

يعني التعرية، والكشف، وفقدان إمكانية إجراء المقارنات حيث التحولال سيادة لمفهوم حتى يستقر، واستقرار األفكار يعني التدجين، أي استالب

م باألفكار التي تكرس إلنشاء قواعد جديدة وأنساق الطاقات الذاتية والتحكوالبد أن نعي هنا أن كل ذلك إنما يقع في . في العصر والزماندتعني التوح

األغراض التقديرية للفنون التي تعيش ضغطا مستمرا إلنتاج صور تؤكد المقاييس التي تقتضيها التحوالت، وال يهم إن كانت تقصد اإلثارة أو السطوة

إلى السطح أدوار أخرى تنبه إلىاء الدور التشكيلي المناط بها، بل تطفو إلحيفقد اعتدنا على مر التاريخ . فهم جديد لإلرهاق الذي تفرضه المتحوالت

واألزمان أن األنواع تنتج أنواعها واألشجار تبدع أغصانها وثمارها، وبسبب التساؤل اإلبداعي هذه الحركة االنسجامية المتوازنة في أعماق الجمال يكبر

سلبت المبدع متعته في إبداع كل ما لتيوهو في خضم الصدمة الحضارية ا . يحيي التوازن واالنسجام وكذلك اإلرباك وتحريك السواكن

-٢٩٨-

نتأمل الفن باستغراب بعد أن تداخل الخيال بالعقل والواقع إننالي باالفتراض والفيزيولوجي بالرمزي والزمان األسطوري بالزمان األص

هكذا يرشدنا .. والمتناهي بالالمتناهي والداخل بالخارج والحضور بالغيابالعصر الضال كي نتحول، وكي نصوغ تحوالتنا بمقتضى الروح الجديدة التي

اليوم يعيد النور . تحتل صورنا وصورتنا بعد أن صاغها الضوء والنوركان يغير العالم، بات االلكتروني المكانة للتفوق، فالعالم هوالمبدع، والفن الذي

إن اإلنسان .. وهو يفقد قدسيته، ويفقد االنتماء إليه، والتمذهب حولهمكفهراينفصل عن نفسه مرة أخرى، وبعد أن كان يخشى صورته في الماء، ويطمئن

عين خلوية صناعية توهم إلىانقلبت العين الجسدية .. صورته في المرآةإلى. أسيرة الثورة الرقمية) نرسيس( بذلك أسطورة باإلنسان بدال من رؤيته وباتت

بعد أن توحد المرء بشاشته ) الديجيتال(إن لم تكن قد دفنت نهائيا في أسرار الصورة : (إذ يقول) بارت(وفقد مرجعيات اإلبصار لدرجة تقارب احتجاج

).هي كل مساحة يتم إقصاء جسدي عنها

-٢٩٩-

شهوة مزج الذاتي باملرئي .. الصورة

لتصوير شاسعا في متعالقات اقالح الصورة الشخصية باستمرار منؤت منذ األشكال األولى لتجلي الفنون اإلنسانية وحتى أيامنا ،والنحت وباقي الفنون

واألفكار التي سادت ، وظروفها،وقد تمثلت هذه الصورة على هيئة أزماتها. هذه فيما كانت ،ى صلة ببعضهاإال أن الكثير من األمور بقيت عل. في تقلبات الفن

قضية التشابه والتماثل والمحاكاة محط خضوع لألفكار والوظائف واألدوار التي . لعبها الوجود الشخصي كمعيار من معايير الحكم على جمالياتها ومتشابهاتها

واألبعاد الفلسفية لجوهرها أو ،وكذلك ما طالها من اختالف حول مؤداها الثقافي تعاملت معها الشعوب بأشكال مختلفة سواء ، جزءا من العالممظهرها باعتبارها

أو من خالل وظيفتها السحرية أو الدينية أو األسطورية ،عبر المماثلة أو المحاكاة من القضايا التي يمكن تلمس السلطة في منتهاها، سلطة أو اأو السياسية وسواه

تدفع رؤيته عبر النموذج ل،سطوة الصورة الشخصية المنبعثة فيها باتجاه متلقيها . باتجاه الرغبة الكامنة فيه، وشهوة مزج الذاتي بالمرئي

إلى مثل التنافذ بين الشرق والغرب على مستوى الصورة الشخصية لقد هذا التنافذ بالقدر الذي عاشه،حوار ما زال يحيا في إبداعات الفنانين وتوجهاتهم

ومن خالل األطر ،ت اإلنسانيةعلى المستوى التاريخي المدروس في الجماليا بما فيها سبل االحتياج لمثل هذه الصور قبل ظهور ،المتصلة بالزمان والمكان

سواء - والبنى التي تحكمت بإنتاج الصورة الشخصية ، ومن بعده،سوق الفن لحين اعتبارها سلعة خاضعة لمداوالت -كانوا كهنة أو ملوكا أو أثرياء أو أفرادا

. تحكم وتوجيه على صلة بحساسيات العصر وقضاياه األساسية ومادة،السوقفالعالم يحمل الصيغة التي نقترحها، وإذا لم يكن هذا العالم متخيال صرفا فإن

وقد حملت الصورة الشخصية هذا الفعل باعتبار .. ظالل الذاتية تمتد لتمتزج به

-٣٠٠-

إلىما تضاف ك، األصلإلى أدوات تضاف .الوقفة والزاوية والكادر واللون) الموديل( المركزي الذي يتم تحويله عبر وسيط قد يكون شخصا بعينه المتخيل

خاصة إذا علمنا أن ، ليتجدد التأويل مع تالقي البصر باألثر المنجز،أو ال يكون ذهنية الراسم هو انتقال بالزمن من إلىانتقال المرسوم كنموذج محدد الشخصية

وبما ،أي إيقاف اللقطة خارج حياة المرسوم. ت حالة الثباإلىحالة الحدوث جديدا باعتبارها مشهدا،يجعله صورة قابلة لتوتير ذهنية المشاهد كلما نظر إليها

بعيدا عن .قد تم صرفه عن طبيعته الوجودية بتجسيده في حالة يختزنها العقلعلى والذي لم يعد يعني المشاهد االطالع ،الكائن األساس الذي تم تصويره

.تفاصيل في حياته قد تخالف أو تتناقض مع المرئي أهمية العقل في اصطفاء الالزم من المرئي إلحداث حالة إلى نشير وهنا

متناهي الذي يعتمد جانب خزان الذاكرة الالإلى ،توتيرية تعتمد على مراقبة الواقع ،فما نراه في الصورة الشخصية هو قناع مظهرها. في حضوره على العين

على هذا األساس يمكن اعتبار الحيادية التي يراها الكثيرون صفة من صفات و كون كل ما ينتجه .الفنانين الذين يرسمون األشخاص حالة زائفة وفضفاضة

وهذا األمر على ارتباط مباشر . وطريقته في تنفيذ اشتغاالته،امتداد ألسلوبهبالعالم الخارجي وبصلته - بصورة عامة -بطريقة حواره الذاتي مع الفن

أو ما ،يهأواضطراباته تجاه مقاومته أن ال تكون الصورة المنجزة إال وفق ما يرتوقد يكون هذا سببا في التعريفات المتصلة . شاهده مضافا إليه المزاج العام

فن رسم الشخصية من وجهة ":التي ترى أنه) البورتريه(بالصورة الشخصية وهذا ما يجعل من هذا النوع من " الذي يرسمهنظر الرسام في شخصية اإلنسان

وقد يتمثل .. العتمادها على تقديم الشخصية عبر مالمح الوجه،الفنون فنا معقدا بدءا من ، صورهم فيهارسمبالتعقيد أكثر ما يمكن في األعمال التي قام الفنانون

حاضر ومرورا بكل الفنانين الذين كان مزاجهم هو ال) م. ق١٣٦٥(أخناتون . جانب الشبهإلىاألساس في أعمالهم المرسومة لذواتهم

التركيز إلى بين مختلف الصور الشخصية كان الشبه والتماثل إضافة تفقالم أكانت سماوية ء سوا،على الوجه البشري، وتحوالت هذا الوجه في تمثيل الحقيقة

-٣٠١-

فصلتها . .حيث تحدد طريقة االستخدام إضافة رئيسة لطرق إنجازها. أو أرضية التي مثلت حضورا ،األولى بالموت بارزة بالطريقة التي نفذت فيها على التوابيت

قويا جعلها تكون سمة من سماته الفريدة، حيث تم رسم األموات بشكل )هيلينيا( الوجه ورسمه ووضعه فوق وجه الميت ليبقيه في مجال الرؤية قتطاع أو با،نصفي

من التعرف على - وفق معتقداتهم- تتمكن الروح ولكي،بكافة مالمحه الحقيقية محاوالت خروج التصوير الشخصي عن هذه التصورات إلىهذا يقود .. جسدها

باعتماد ،من حضوره) الموديل(حيث اتجه فن الصورة الشخصية لنفي . الحقا التي هي على صلة باألحاسيس ،الفنانين على تخيلهم المتصل بالحالة التعبيرية

وهو خروج سيطال المستوى التقني أيضا، ففي حين . طف والحاالت النفسيةوالعوا - على سبيل المثال -مثل القرن التاسع عشر ضرورة االرتباط بالمالمح

إبراز إلى فإن ما تاله كان يحمل توترات قادت الفنانين ،وتشخيصه بدقة تشريحيةوهذا ما . الوجه اإلنسانياألبعاد الدرامية المتصلة بحالة الموضوع المرسوم عبر

لتبدو ،رافق إنجاز صور شخصية بقلم الرصاص أو الفحم بعيدا عن األلوان ما سمح ،خطوطهم حامال سحريا لتقاسيم لم يكن مستحبا االعتماد عليها فيما سبق

وفي إطار يشبه ، االستقرار في الكادرعدم أو ،بقراءة بصرية على صلة بالحركةقة التي ستعود مطلع القرن العشرين لتشكل شبكة تفكير بعض التدريبات المتالح

الذي كسر الكثير من قواعد فن رسم )بيكاسو(رسامي الصور الشخصية أمثال وبخاصة ما كان مرتبطا بخصائص الطبقات االجتماعية ،الصور الشخصية

يته متجاوزا جغراف، تاركا لعبقريته المجال كي تجول في أنحاء عصره.لياتهاوفعا وليعيد الكثير من . ليعيد صلة هذه األعمال بالموت مرة أخرى، القارة اإلفريقيةإلى

بجمعه حالة الوجه األمامي مع الجانبي في وجه ، سطح العمل الفنيإلىالمفاهيم فالمعروف أن الفراعنة كانوا يرسمون وينحتون الوجه من زاوية جانبية في . واحد

صرت الصور الجبهية في منجزهم على األجانب في حين اقت..الحالة الطبيعية . والمخلوقات الغريبةلشياطينوا

أو أن ، لم يكن مهما أن يكون الفنان رساما في بالط)بيكاسو( زمن في ولهذا فإنه كان ،تطلق عليه صفة الفنان الرسمي المعتمد كما كان األمر سابقا

افات ال يمكن حصرها يتمتع بحرية فردية على مستوى الموهبة قادته الكتش

-٣٠٢-

تتشكل نواة متحف الرواد األصلية من ( الشخصي مو المرسستوىعلى موكذلك فعل حسين بيكار ). أعمال رسامي البالط ورسامي البورتريه الرسميين

حين اعتبر فن البورتريه فنا مستقال بين فنون التصوير، فأبدع فيه وطوره ق حالة عربية بعد أن كان إنجاز وتحقي،باستخالص مختلف التجارب اإلنسانية

مثل هذه األعمال في مصر يعتمد على األجانب من إيطاليين وأرمن ويونان ،) عاما١٥ وعمره ١٩٢٨التحق بيكار بكلية الفنون (ري،بباستثناء أحمد ص

بينما كان جبران خليل جبران يرسم بورتريهاته فيما بين باريس وبيروت فأعاد رسمها، ١٩٢١ جبران العام إلىها أرسلت مي زيادة صورت(وبوسطن

أخته ماريانا وصورا ذاتية إلىكما رسم بورتريهات لنساء من بوسطن إضافة ). الشعراء والفنانين والعلماءنله ولصديقته شارلوت تيلر ولعدد كبير م

عام مر على والدة فريدة كاهلو مائة عام، وال تزال الصور قبلحالة خاصة من التعامل مع هذا الفن على الشخصية التي رسمتها تكرس

حيث ال يمكن التفريق بين الفن إلىالمستوى الرمزي، وبجموح قاد موهبتها والحياة، هي وعملها الفني، مرآة بمقابل مرآة، الحقيقة والرمز، كالهما يحاكي

وحكاية العالقة المتوترة ،واقعا من العزلة والمرض والملل والعنف والتخريب هيد الذات وعينها ترسمان الحدث وتسردان.. ضعف اإلنساني والحلمبين ال

ما سيسرده فرنسيس بيكون أو مروان عن عزلتهما.عبر الصورة الشخصية ففي حين تشتت . وصلة كل منهما بزمنه كوجود، تحوالت الزمن الفيزيائيفي

ركب تضحي البقع اللونية للوجه الم، في أقفاص عزلته)بيكون(المرايا مالمح الذي يطرح صلته القلقة بالمكان ،والذي بالكاد تبدو مالمحه على هيئة مروان

مادة درامية في مالمح وجه يتناسل إلى اليومي يتحولل )ألمانيا (الثاني . ومن جهة أخرى مع الكون،باعتباره هوية على تماس مع الذات من جهة

مالمح الوجود البشري أنإالوبمقدار هيمنة الطابع على نتاج كل من الفنانين رغبتهماالمشوه في أعمالهما يبرز مقدار الضغط واالنكسار الذي يطال

الذي ، والبحث عن المصالحة الفعلية عن طريق التصوير، الذاتقيقبتح . ما يتجاوز الفجائعيإلىيمنحهما الوحي لتسريب رؤيتهما للوجود

-٣٠٣-

التجريد ( زمانه بيكون أن ينضوي في المسار العام لفنونرفض وقد ،)١٩٠٩(وهو المولود في العقد األول من القرن العشرين ) والسريالية

وقد صرح بأنه كان .اختار الوجه البشري أساسا إلنتاجه حول العذابات المأساوية . قوة الحياة في الصورة..يود تصوير االبتسامة إال أنه لم يصور إال الصرخة

اإلنسان يبدو وحيدا، يعاني « أن معهوقد كتب دافيد سلفستر في معرض حوار وفي غرف فارغة،األفواه مفتوحة ،األلم والخوف والعزلة والقلق، يحيط به فراغ

ونحس بأن بشرة نصفها بشر . والظالم يحيط باألشياء،بصرخات بال صوت. » بتحول اإلنسان إليها في عالم مضغوط ومصلوب،ونصفها اآلخر حيوانات

بأنه حلناس يشعرون بشرط الفناء والموت، كما أنه يصرذلك أن لوحاته تجعل ا من غير الحياة كالخيال والموت هو يريث وأن ما ،انيفيعاني من شعور الكائن ال

لقد كان يشعر بالفناء تماما على المستوى .. بنفس مقدار اإلثارة التي تولدها الحياة واالنعتاق ،ورةالشخصي في محاولة الستعادة عنف الواقع نفسه من باطن الص

اإلنساني تلخيص لكيانه، والتركيز على الصورة الوجه. من زمن المدينة كيف يبقى وجهه في إطار رتاح االذي تركيز على مكانة اإلنسان صيةالشخ

تركيز على مكانة اإلنسان الذي احتار كيف يبقى وجهه هوالصورة الشخصيةلما كان (ه ابن رشد كونه أشرف المخلوقات كما يوصف،في إطار الصورة

اإلنسان واحدا من بين الموجودات، فإنه يجب بالضرورة أن تكون له غاية من أجلها خلق، إذ لكل موجود طبيعي غاية كما تبين في العلم الطبيعي، فباألحرى

.»اإلنسان الذي هو أشرف المخلوقات بل ،فقط هذا وحسب، فمثل هذه الصور مشخصة ليس لإلنسان ليس

له، خاصة أن الفنان يربط بين عوالمه وعوالم نسنةمؤلذي ينتمي إليه ووللكون ا لتخليق مثال قد ال يكون دائما بمواصفات الزمان والمكان، بل بما ،اآلخرين

ينجز )بيكون(ففي الفترة التي كان .. ويحاول إضافته بكل حرية،يهجس بهالفرح والحزن، بين أعماله كان مروان يهجس باإلنسان هو اآلخر، اإلنسان بين

والتي شكلت قاعدة ثابتة الشتغاالته . الفناء والحياةبين ،السكون والحركة االنعزال في إلى حيث كان يجهد منذ وصوله ،الالحقة في اغترابه األلماني

ورؤية واقعية يةلمتبدأ برؤية ح« : الليل ليرسم اغترابه في لوحة يقول إنهاستر

-٣٠٤-

من أجل الوصول يكونلحلم والواقع، والصراع بآن واحد، إنه الصراع بين ا تصوير العالقة غير الملموسة أدبيا بين الحلم والواقع، وهو إلىعبر الرسم

ر معنى ذلك أن تتبدل اللوحة وتتغي. المباشرةإلىالشكل الجديد الذي ال يقود خالل المعالجة اإلبداعية، الصورة األولية تخفي خلفها عشرات الصور، اللوحة

طوالنية أم عرضانية، وهكذا أعالجها باستمرار، أبدل، أضيف، .. يف ستكون؟كوبصورة أكثر دقة أعيش اللوحة بكل مراحلها، من .. أعالج من جديدحذف،أ

الرسام الذي يجب أن جازن اللمسات األخيرة كإإلىالصورة الحلمية األولى يش اللوحة هذا التصريح يؤطر مروان بأنه ال يمكن أن يع .»يعيش لوحته

مسبقا، وإنما هي تداعيات اللحظة، فهو ال يقرر مسبقا اللوحة أو المرحلة، ولعل لتأكيد شمولية ، الرؤوس يندرج في هذا التوصيفإلىانتقاله من الشخوص

وعبر ، وانتصاره في غربته،الشكل اإلنساني الذي كان مادة نجاحه في الغرب .ذي حمله معهكل مخزونه البصري واللوني والثقافي ال

مروان على صورته الذاتية في مرحلة الرؤوس وقدم رؤوسا ركز تتعدد في الوجه الواحد الكتل والمعالجات اللونية ،مضغوطة بأحجام كبيرة

حملهت وما ، وتوترات الطريقة التي يمد بها اللون على القماش،المتداخلةعا بضوء داخلي حيث يتحرك مشب،حركة الفرشاة من كثافة لحركته الجسدية

والرغبة باالنعتاق من األلوان ، وحرارة الشوق لمسقط رأسه،لجغرافية الرأس والقبض على لحظة حقيقية تمثل ، الستحضار لحظات طفولة مسافرة،الباردة

الحقيقة التي بات الفن في الصورة الشخصية يعتبرها في موقع الشبه الذي صل أو شبه الحقيقة؟ تساؤل انتشر كان مقصودا ومرغوبا فيما مضى، شبه األ

وفي امتالك تفاصيل أكثر شموال عن تحول الفن ، الفن بشكل عامتحوالتفي واتخاذ )البورتريه( رغم بقاء النظرة إليه تدور في فلك ،باتجاه الالشخصي

أو من ،الهيئة اإلنسانية نفس الموقع الذي كان يحتله اإلله أو الملك أو السلطان .اللوحة الشخصية فيما سبقكانوا موضوع

، في ماهية المرسوم الشخصي مثل تحريرا لحقيقة الكائناالنتقال وإن كانت تتضمن الكثير من توجهات بداية الفنون في ةظ وهي لح.وموقعه

-٣٠٥-

، المرئي من نفسه بالفنحدثتمراحلها الرمزية حين تم ترويض المتخيل لي بل ، الشخصية لم تبدأ دنيوية فالصورة.وليس عبر مالمح تعكس وجها بعينه

،كان المقدس بمثابة غالف يمنحها العمومية والشمولية التي تقلل من زيفها ولعل التقاسيم التي نراها في التعامل مع .ويجعلها أكثر ثباتا في الذاكرة

وحضورها وتهاص الصورة هالمالمح اإلنسانية غير المحددة قد أعاد لهذأيضا بما يدعوه بعض الفالسفة تعالي السماوي األمر الذي يذكر .المكثف

على األرضي واإلنساني، وهي تفسيرات ترتبط بمراحل حاولت الصورة ثنائية المع وفك االرتباط ،الشخصية االنفالت منها لالتجاه أكثر نحو الحياة

. التقليدية واختالف معايير البصر في زمن يبتكر مرئيةم تحديا مبالغا فيه ١٩٠٠ بدءا من العام مثلت الوثيقة الفوتوغرافيةلقد

قاله ليوناردو دافينشي الذي مافي أو ،في التعرف على الشخصي مقارنة بالفننتعرف على الشخص من خالل الصورة «: اعتبر المرآة معلمة الرسامين

إال أن الكثير من اإلضافات ،» محددشخصكالمرسومة له إذا كان مقصودا باللون األحمر أو األزرق يحتمل م فبورتريه مرسو. هذا الشخصنراها في

الحار .. من اإلشارات والرموز ما ال يحويه عمل مرسوم بشكل طبيعيوالبارد، الداكن والفاتح، المظلم والمضيء، األساسي والمشتق، السرمدية والفناء، الظاهر والخفي، المرسوم والمضمون، المرئي والال مرئي، االمتالء

وغير ذلك .. األنا المنتجة والمنتج كثافة والخفة، العمل وصاحبه،والفراغ، المن الثنائيات والتضادات يمكن اإلشارة لها في قراءتنا للصورة الشخصية في

إلى وعبر تاريخها الذي يحكي انتقاالتها من صيغة ،فضائها الفني العام الثنائيات إال أن هذه. معا في محاولة الختبار نسيج العالم والكائن،أخرى

كانحالل ،باتت تعيش حالة انحسار وتحلل مع الدخول في صيغ ما بعد الحداثة بين ةلص وغياب الحدود الفا، أو الذات والموضوع،ثنائية النخبوي والشعبوي

الروح البدائية للذاكرة وتفكيك سر إلىالحدود المعرفية التي تسعى للعودة .وجودهاليقين الكامن في سعي اإلنسان لكشف سر

باتت مادة استهالك ، التي كانت تعبر عن وجه هو مادة التعريفالصورةمارلين مونرو وغيرها (بعد دخولها في النسخ والتكرار واإلنتاج المتسلسل

٢٠م -بؤس املعرفة

-٣٠٦-

أضحت موضوعا للصورة الشخصية المنسوخة والمطبوعة بالشاشة الحريرية لمتاحف في أنحاء واقتنت ا،رتآلدى وورهول، ومن بعد من قبل فناني البوب

العالم هذه النسخ باعتبارها أصوال فنية، وما أنجزه وورهول، ريتشارد هاميلتون، ١٩٦٧ في معرض فيةح كان مادة مت،ليتشنشتاين، جاسبار جونز وري جونسون

حليل وقد تم التعبير عن مثل هذه التحوالت في أدبيات الت.)في المتحف البريطاني بما استجد عليه على ، الفضاءإلىد ترك األرض الفني باعتبار أن الوجه ق

الذي البصريلفني كما أن العمل ا.المستوى الصناعي والجراحي والتجميلي ما مثلب يمكن أن يحاكم على المستوى النقدي وسائط لم يعتدها الفن الإلىيحتاج

ت جديدا بدأت تصوغه نظريا ويمكن القول إن الهوتا.كان النقد في تاريخ الفن إلى بخاصة بعد االنتقال ،ما بعد الحداثة للتعامل مع الشخصي في العمل الفني

بينما المرئي ، هو النظام الرقمي للصورةد حيث أضحى المشاه.المنتج األثيري واختلفت بذلك معايير النور كمصدر لرؤية الصورة ،هو التمثيل الوهمي للنموذج

وبعد أن كانت الصورة مادية ترسم ) روحاني، شمسي، كهربائي(والتعامل معها فاختفى الجميل ليحضر ، باتت صورة أثيرية غير مادية،على الخشب أو القماش

إعادة حضور المهنة إلى وذابت األكاديمية لتنشأ الشبكة التي تحتاج ،المدهش إلنتاج ما ال يمكن تخيله من الصور التي تجعل اإلنسان في حالة ،والتخصص

. فيه مالمحه وحاجته للتميزاستعراض دائم تغيب ، أن التصوير الشخصي كان على ارتباط دائم بالتبدالت العقائديةصحيح

والتحوالت االجتماعية والنفسية والعلمية في المجتمعات اإلنسانية، فبقي بذلك الفن ريجيس( إال أن ما يدعوه . شاهدا على األزمان التي مر بها- عامبشكل -

بالكثير للثورة في المواصالت السلكية تدين«رية الجديدة الغفلة البص)دوبريه ومعنى ، اختفى اإلحساس بالمدى الترابيت فمع انمحاء المسافا.والالسلكية والنقل ، لقد غدا كل شيء قابال لالمتالك بسرعة. والبرانية الخالصة،المعيشي الواقعي

والعصر البصري فالفن التشكيلي بطيء بينما المعلومات سريعة، . وبال جهد وهي ليست . أو اكريلكي،يقصر األزمنة على اللوحة براتنج اصطناعي فنيلي

عصر الشاشة السائل ه ما يريدوهذا. .سوى ماء وألوان خاصة ومستعجلةوالمرتحل، عصر االنتقال والمرور المرتبط بقيم التيارات والموجات والرساميل

-٣٠٧-

)وارهول (ـ للفنون، لذا ف عابرا ينتج فنانهإ.. واألصوات واألخبار والصور .» أو مجموعة حساء كامبيل، مثله مثل مارلين مونرو،حيثما اتجه فهو في وطنه

رأس المال المالي قد قلب إلى فإن االنقالب من رأس المال الصناعي لهذا نفس المادة إلى وبات االنتقال بين العصور ال يحتاج ،األمور رأسا على عقب

أي ،ظل التصوير المصري مدة ثالثة آالف سنة مشابها لذاته(الزمنية لعبوره وما كان يربط الصورة بوجودها هو ) البطليموسياتإلىمن اإلمبراطورية

والتي تحل محل الحاجة في ، لألسباب المتعددة التي تم ذكرها مرارا،الرغبة بهاالمنحوتات وإال فما معنى ما نراه في متاحف العالم للصور و.أغلب األحيان

وإذا حاولنا أن نحصر األمر أكثر فما أكثر الشواهد ..الشخصية التي تمثل أوقاتها متحف -انطوكيوس الثالث ( أو المصرية أو العراقية في هذه المتاحف ريةالسو

من نز متحف دمشق، رأس سيدة من البر-وروبوسأ شخصيات دورا -اللوفراني، وكذا اآلالف من األيقونات في المتحف البريط-صنع قبائل سبا اليمنية

سيناء وحمص وحلب والفيوم والقسطنطينية ومعلوال والقاهرة وبيروت وسواها، هذا إذا استثنينا متاحف العالم األوسع واألشمل في روسيا وايطاليا واليونان

، والكثير الكثير من البلدان التي ال تقيم متاحف خاصة باأليقونة وحسب،وأسبانيا نع تراثا هاما شكلي مما يمكن أن .حف للصورة الشخصية والبورتريهبل متا

أمنية اإلنسان الكبرى باستمراره ورغبته في االنوجاد في عين الفن، وقلب نحو الدرجات تقدمنعلينا حتما، في يوم ما، أن نفتح بوابة الظل و(الصورة

ظلمات شديدة في ظل ،األولى، لنبحث عن نور يمكننا من التعرف على أنفسنا ). ميشيل سير- بحيث تعودت عليها األبدان المهانة ،القدم

العالقة بين العمل الفني وموضوعه في الصورة الشخصية من بانتقال وأن يكون العمل الفني موقع ،حالة أن يكون كل منهما مرآة لآلخر

نفت عنهما إمكانية االستقالل يدةاالستعراض، دخل كل منهما في مجاالت جد ، أو النظرة إليه، وبعد أن كان المنجز الفني على اختالف تسمياته.بذاتهما

قطاعا مهما من الوعي وأحيانا أداة توحيد له، فإنه ومنذ بدأت وسائل اإلنتاج تمثيل األفكار بدل األشخاص الذين كانوا إلىالحديثة تفرض شروطها تحول

-٣٠٨-

ة ومتعددة، وصورها فاألفكار متنوع. النظررةبؤيرغبون بوجودهم في ، جزئيات متحققة كهامش للحياةإلىكذلك، وما كان يشكل بنية عامة تحول

وما . أو األكاديمية، أو المدرسية،تستند في وجودها على تعميم اللغة المذهبية ،كانت تلك الصورة تشكل وسيطا مهما فيه على مستوى الرؤية واإلبصار

وعالمة من عالمات ،ة لفعل االستهالك ومرآ، جزء من الواقعإلىبات يتحول ظهوره، ليس ألي أمر إال ليكون م الذي يحتاج باستمرار لدع.اإلنتاج السلعي

. باعتباره أحد األشياء المرئية والمنتشرة،سمة نفسه مع األزمان السحيقة فإن حالة اإللهام المعاصرة تنبثق من بالمقارنة

)بتاح( فيما كان اإلله .حتياج إليه أو من صورة اال، أو نظام إنتاجه،الشيء وجوه(هو ملهم الفنانين القدماء في تصويرهم للشكل اإلنساني، ويذكر كتاب

باعتباره رب اإلبداع والخلق «أن الفنانين قد صوروا اإلله بتاح « ):من مصر وكان اإلنسان هو محور اهتمام الفنانين ار،لفخبشكل اإلنسان على عجلة ا

وضوعه الرئيس، فنحت تماثيل من الشمع منذ األسرة المصري القديم وم كما أقام تماثيل صرحية عمالقة، وأخرى أكثر ،السادسة ألغراض سحرية

والرحمة ولةعددا، وأقل حجما من الطبيعة، وركز في نحتها على صفات البط والهدوء والجدية والتعاطف والمودة األسرية - والملوكآللهةا في تصوير -

.» متجانسةةاالجتماعي المتعايش في بيئوالتوافق ، حول الذات سبب مباشر لتمييز المرحلة الفنية ومنحها صفاتهاالتمركز

باعتبارها إمكانية مستمرة تقبل االندماج والتوحد معها كصور متوافقة مع غايتها، البصري والرمزي معاشان معا كوعي يقوم باعتبارهاوومع شعرية تحققها،

يحرص هيدجر في ( حرية االرتباط بجوهره هساسه، عالم يمنح إنسانالعالم على أ فيفرق بين وجود حقيقي ،كتاباته على حرية وإنسانية إنسان العصر الحديث

أصيل لذات حرة تأخذ على عاتقها مسؤولية وجودها، وأخرى ذات وجود زائف من فتميل لالنغماس في المجموع لتتهرب ، لمستوى الموضوعذاتتهبط فيه ال

، مستوى الشيئيةإلى واالنحدار ، ومن هنا يحدث االغتراب عن الذات.حريتها ).نازل عن الوجود الحقيقي األصيلوالت

-٣٠٩-

مثلت الصورة الشخصية وسيلة فنية هامة في تخارج الذات وبناء لقد اللتان ، المرسوم)أنا( الفنان أو )أنا(الصلة بين األنا واآلخر، سواء كانت

ا التخارج وتتوحدان كون ما يراه الفنان يعبر عن حقيقة تمتزجان بسبب هذالحقيقة القائمة على التغيير واالنقالب واالبتكار الدائم، وهذا ما يعطي .. وجوده

التي تأخذ ، باالنتقال في الحداثة المستمرة، على ذاتهورةثاإلنسان مبرر الة اإلبداعية المتنوعة للعصور واألزمان، ومن اللغاتتوصيفها من اإلسقاط

.المتطورة التي تشكل الوعاء الذي تنطق به الفنون في كل مرحلة من المراحل شيء، وما كان جامدا إلىفما كان موضوعا يضحي ذاتا، وما كان طبيعيا يتحول

كان يمثل مركزا أضحى ما وكل.. وما كان ماديا أضحى أثيريا،أضحى سائاليتجزأ متفرجا فقد أضحى جزءا النا الرائي الذي ك أما، ومتشظياايمشتتا وهامش

ليعيش زمنا من طقوس إنتاج العمل الفني، وبه يكتمل فعل تفكيك المرئي . الذي يعيد بدوره صياغة المكان، هو زمن اليومي المتناثر الحر،معاصرا

هذا العالم تخلق منى حاطوم بورتريه لنفسها حين تدخل كيسا من في بعد أن حقق الفن ،شفاف مع دماء وبقايا لحمية وتعرض نفسها للجمهورالنايلون ال

نالمربع األبيض على خلفية بيضاء، كما عرضت بالفيديو بورتريه لدواخلها حي لتؤكد أن االهتمام بالتكنولوجيا ، كاميرا صغيرة في أحشائها الداخليةترمر

.د يؤمن بالرقابة اإلنساني الذي لم يعوعي عن الالوالتقنيات ال يشكل بدي أضحت الصورة الشخصية خصما لذاتها، وقد تجلى ذلك في التصوير لقد

دورها األول في عشرينيات )الباوهاوس( بعد أن لعبت ،قميرالفوتوغرافي ال تحالةسا( في عصر )مونتاجا( أضحى )كوالجا( وما كان .القرن العشرين

،)غاال( السوريالية في بورتريه )دالي ( كل ذلك لن ينفي أحالمنإال أ). التحديد )غويا( في بورتريهات ندفاع واال،)دوبوفيه(أو المواد المحتقرة في بورتريهات

، وكل ما تعج به أسواق الفن الناشطة هذه األيام،)مروان(والبنيوية في أعمال بما تحويه من صور شخصية لفنانين من اليابان والصين والبالد العربية

.لم الذي بقي غائبا عن سرديات تاريخ الفنون لفترة طويلة العا،المختلفة

-٣١٠-

نراه اليوم في عالم الصورة الشخصية عالم مفكك يستحيل تحديد ما وقد يبدو من العسير تحديد مالمحه المليئة . أو تمركزه، أو تموضعه،انتمائها لتشابكه، وهو كحال ما بعد الحداثة التي لم يجر تحديد مواصفاتها..بالتهكم

كالسلب الهائج بسبب : على معطيات مشتركةتمالهماشالو ،المتين بفنون الحداثة وكل ما ينتج عنه من اشتغاالت ،االستخدامات التكنولوجية المتطورة باضطراد

الكونية ةي القرإلى المدنية رعلى عالقة مباشرة بالجنس والبدائية تتجاوز حصا وإحالل ،تحطيم العمل الفني كبنية وتؤمن ب، التي تتقن لغة اإلشارة.الخاطفة

.البنيات المفتوحة على التفتت والوعي المعاصر الذي تشكله المعلومات القزحية تلهث اإلنسانية لجمع شظاياها وأدائها باعتبارها خطاب المرحلة، بعد أن التي تلك

م إذ يرى الكثير من النقاد أن الحداثة ل.انفجرت الحداثة بما فيها دون أن ندركها والذي أفقدها مشروعيتها في ، مشروعها الذي بدأته بسبب الموقف المضاد لهاتمت

هيئة على الجغرافية ليستعيد المسافة داخلياالمسافة«مجتمع إنساني غابت فيه .. ) ديبورجي( على حد تعبير »انفصال استعراضي

ن ستغدو فنوله: المطروح في إطار التفكير الفني اليومالملح والسؤال أن بات الفن بصورة بعدالصورة الشخصية تذكارا بشريا على صلة بالحنين

.؟عامة تذكارا في أحاديث موت الفن

-٣١١-

والعنفالصورة

ازدادت ذخيرة اإلنسان المعرفية والعلمية، أثبت عدم جدارته الستيعاب كلما

حوله، وبدال الوجود من إلى كيانه وإلى المبدئية في مفاهيمه ونظرته اتاالنقالبمن السعي لتحقيق أمن اإلنسان وتطوير استقراره ورفاهيته بمختلف الوسائل

صلة عنيفة إلىالمادية والمعنوية، يلجأ لتحويل صلته بالبيئة التكنولوجية الجديدة ال تعكس تمرده وقسوته وحسب، بل غالبا ما يتجاوز ردود الفعل المباشرة على

مواقع تبدو وكأنه يعيد فيها صياغة مختبره إلىاألحداث والمفاهيم والتصورات جانب األمور المختلفة إلىالفلسفي المعاصر معبرا عن االنقالبات التي طالت

والمتعددة المناحي اإلبداعية والتعبيرية المعبرة عن ضياع اإلنسان وزعزعة قيمه . واختالف المصطلحات والموضوعات األساسية بما فيها السلوك البشري

أهمية العرض التاريخي في إلىشك بأن اغلب الدراسات تشير التقصي آثار العنف في السلوك اإلنساني وبخاصة فيما يتعلق بانعكاسات العنف في إبداعاته التعبيرية ومنها الفنون سواء بإبراز الجوانب السلبية لهذا الطرح أو من خالل التركيز على الجوانب اإليجابية التي تركز على قلق

مع ذلك فان العرض التاريخي الذي يقتضي .. اإلنسان وخوفه على مستقبله التحضير يفيد دائما في تقصي لحظات إلى التوحش منسرد مسيرة اإلنسان

جزئيا في مراحل مختلفة، حيث تكون هذه تنامي العنف أو انحساره ولو التي فهم شمولي لمحركات التغيير والتبدلإلىالظاهرة مركزا لالنطالق

طرح األسئلة المهمة إلىتطال فهم اإلبداع لمختلف العصور واللجوء الكبرى التي يجيب الزمن عنها وفق مقتضيات األفكار والتي تحكم العالقات

. القائمة ووقائع إنجازها

-٣١٢-

الحديث عن أي فكرة من األفكار التي جعلت التنافس قائما بين الشعوب إنيتها وحضارتها البد أن يمجد في طرف من للتعبير عن ذاتها وكيانها وهو

الحياة إلى تهاوأطراف النزاعات التي قامت بين تلك الجهات للدفاع عن شهوتحسين موقعها وصورتها، األمر الذي يقتضي الحديث والتعبير بمختلف

أي .. " والجراح واآلهات والخسائر واألوجاع والخراباآلالم"الوسائل عن لعنف كميدان تتصارع فيه الشعوب كما تصارعت في اإلىاإلشارة الصريحة

السابق مع الطبيعة من أجل وجودها فغزت الكهف والوادي والغابة والنهر والبحر، ودجنت النبات والحيوان في إطار من القوانين التي كانت تنمو السهلو

. اإلنسان االفتراضي، أو مجتمع ما بعد اإلنسانإلىشيئا فشيئا للوصول ع الوقت للحديث عن تفاصيل ما مارس اإلنسان من عنف على يسلن

ومن ، المكانإلىيخرج من الزمان ذاته قبل أن يستجيب لتصوراته وهو حالة تتجاوزهما على يد التقنية، إذ تمارس عنف تحققها كأداة إلىكليهما

مفكرة تحل محل العقل الواقعي اإلنساني، ومحل الروح التي أقصت اإلنسان لى والثانية بعد أن كان قد أقصى الطبيعة نون عقب الحرب العالمية األو الفمن

األم، الحاضن األساسي لجسد بات يجد متعة إشباع خصوبته خارجها وفي . فضاء لم يعد الجسد البشري مركزا لنوره أو ثقال في فراغه

تخلى المبدع الواقعي ببساطة عن إخالصه للطبيعة ناعتا إياها هكذا . يةبالبربر

ابتعد المبدع الساذج عن اختراق المقاييس والتشريح واألحالم وهكذاوالطفولة، ولم يعد في الحديث مكان للدادائيين ليعبروا عن عنف ضياعهم في

لقد ظن .. زيورخ أو نيويورك وهم يعلنون عن اغتيال الجسد كما اغتالوا الفن إلىكي باللجوء إنهم يعبرون عن عالمهم االستهال) آرت-البوب (جماعة

النفايات، إال أنهم لم يكونوا أقل حدة في إبراز عنف التوجه اإلبداعي مما كنا نجده في انكسارات الصورة الطبيعية التكعيبية لجماعتها وهم يغلقون أبواب الهندسة على أحاسيسهم التي كان على المستقبلين أن يؤلفوا لها ألحان الغبطة

. ةالتقنية والسرع» نوتة«وفق

-٣١٣-

عن اإلطار القانوني للتغير يقتضي مالحظة عنف االنتقال من الحديث أخرى، وعليه أن يستوفي وبشكل موسوعي النزاعات التي إلىبيئة إبداعية

تحمل عناوين تقارب ما بين الفن ومبدعه، وكل ما يدفع هذا المبدع للتخلي لفاعلة التي يسعى وقناعات األجيال التي سعى إلقناعها بمعالجاته ااتهعن قناع

وكما تشير . من خاللها لخلق النموذج، وفي الوقت ذاته لتفكيك هذا النموذج عنف انقالبات الفن في القرن العشرين المنصرم وما تولد في إلىالدراسات

وظيفيته، فإن استمرار هذا عمقه من صراع المفاهيم حول وظيفية الفن أو البل ويمهد لصراعات أشمل تجعل من الصراع ال ينفي تلك الحقيقة وحسب،

ولعل . المصنفات التاريخية مادة ضئيلة األهمية في قراءة الوقائع المستقبليةارضتين ظهرتا في اعتبار أن جميع المدارس تنحدر من حركتين متع

: وهمالى من القرن العشرين العشرينيات األوم الدادية التي التي ترى أن للفن وظيفة اجتماعية، ث: الروسيةالمستقبلية

ي، فان صراعا آخر مازال قائما في ميادين النقد التشكيل»تسخف وظيفة الفنحول ذات الموضوعات فيما يتعلق بفنون األقوام والعقائد والحضارات واإلشارة للتفاصيل وليس لمدارسها وحسب كالحديث عن الفنون التطبيقية

األحاديث الممتدة في واإلبداعية في حوار الشرق والغرب وغير ذلك منعمق مفاهيم التاريخ والوالدة والموت، والتي تقع في ذات اإلشكالية العنيفة

. التي يمارسها الزمن القديم على الزمن الجديد يتأتى العنف من الدعوة إلدراك العالم؟ وما هي الصلة بين الحقد هل

م الفن بمختلف والمشاعر السلبية والهلع وعدم األمن بهذا اإلدراك؟ وهل يسه اإلنسان إثر فقدانه توازنه اصوره وتجلياته في بناء حالة التفعل التي يقصده

األمني وسقوطه في خضم الخوف والتهديدات الكونية؟ أسئلة كثيرة ليست حية لقضية أساسية في لحروب آخرها، فكالهما أدوات إيضااألفكار أولها، أو ا

التي يحاول الفن أن يتجاوزها على »نهاية العالم«قاموس إدراك العالم هي مر األزمان لإلجابة عن سؤال الحياة األهم الذي يتطابق وسؤال الفن الذي

من اكتشافات اإلنسان (باالنتصار على الموت، إذ يعتقد بأن ) مالرو(طرحه

-٣١٤-

النبوغ، أي ذلك هوإلىالحديث كون االنتصار على الموت يتحقق والطريق يحقق .. الحلم والخيال والشكل: ثالثة عناصر هيالفن، والفن يعتمد على

بقاءه من خالل الشكل الذي تصبح عليه صفة العالم من خالل إلنسانااإلنسان، وبموت اإلنسان يبدأ الشكل حياته الالمتوقعة، فمآثر المصريين ولوحات مايكل آنج ورسوم الكهوف لم يكن أصحابها يرونها بالتأكيد على

األزمنة القديمة، إلىفتلك المنتوجات تنتمي .. ها اليومالشكل الذي نراه بوتؤدي وظائف مجددة في سياق تهيمن فين رؤية دينية للكون والمجتمع، ستقلبها الحداثة رأسا على عقب، األمر الذي سيكون انعكاسا قويا على الفن

). ذاته من حيث المفهوم والوظيفة والتحقق هيمارسة العنف لبناء مفاهيمها و هذا اإلطار تسعى الحداثة لمفي

تحرر الفن من عبادة التقليد والموروث، وانتزاعه من الموضوع أو الشكل أو االنتماء أو الوظيفة، وبتناول الحداثة لهذه القضايا ونزع طبيعتها عنها فإنها ذاتها واقعة في عنف التأسيس لطبيعة أخرى، توفر لها سبل االتصال

هكذا كان .. هيم الجديدة التي ولدتها بمختلف التالوينواالحتكاك ببيئة المفاالتجريد، والتكعيب، والتحطيم والبناء وسواها إلنجاز تصورات بقيت تنوس بين النظرة الغامضة أي الكون والموت ونظرة جعلت من مختلف الناس مبدعين في مواقعهم من خالل ربط الفكرة باألثر وباالعتماد على الصناعة

. ها المختلفةواستعماالت األحداث إذن باالنقالبات التاريخية التي يتأتى عنها التحديث، وهوتأتي

ضرب متكرر في ذاته ومبرر لحاالت العنف التي يقتضيها االنقالب من حال منحدرا أكثر من التاريخ صورة حيث الشيء يبدوإلى حال، ومن صورة إلى

إنه العقل .. ثقافات المكونة لهاإلنساني وبمختلف العيون الناظرة إليه أو الالصراعي الذي يحدد نقطة من الزمن ماضيا أو حاضرا أو مستقبال، لينطلق منها

ميادين تأخذ مسمياتها من التاريخ اإلبداعي واالجتماعي لإلنسان، ومثلما حدد إلىيحدد هذا الفعل مركز االنقالب الرعوي أو االنقالب الزراعي أو الصناعي، فهو

.. االفتراضي بعد أن أنجز تقريبا االنقالب المعلوماتيقالباالن

-٣١٥-

فالمبدع الذي حاول تلمس األمان في التحول من الصراع في فترة لهذاما دعي سياسيا بالحرب الباردة، سيكون عليه إعادة صياغة قيمه بعد أن فقد

لن بنتيجة عنف االنقالبات ميراثه اإلنساني، وأجنحة خياله الواقعي، حيث تتطابق صورته مع تصوره لها، بل ستكون هذه الصورة االفتراضية منزوعة الصلة بعالمه، وفي النهاية سيكون من العنف حقا معرفة أن الخلود الذي كان

انه خلود الصورة التي يرى . يبحث عنه اإلنسان من خالل الفن قد تحقق فعال الثمن الباهظ الذي تدفعه والبشر ليسوا غيرءإن المدن واألشيا» «بالل خبيز«

الصورة لتحقيق خلودها، وينبغي حذفهم نهائيا من عالمها، وتركهم يعيشون ويتابع بالل تحت عنوان فرعي من . »ويسعون كما يحلولهم العيش والسعي

: األفغاني الميت قبل الكاميرا وقبل الموت: دراسة لهصور الموت في صور الحياة وليس أن ما يثير العالم حقا هواحسب«

طبيعة الحال، الصورة تريد أن تنبئنا وهي تلتقط الدم الجاري الذي لم ينشف بعد، إن الحياة غادرت الجسم للتو، لكي نستطيع استشعار حرارتها في

والصورة أيضا تريد القول إن الطفل الذي مزقت جثته شظايا القنابل . أجسامنان يعيش حياة طويلة تزيد احتماالت كان يستطيع لوال هذه المصادفة اللعينة أ

ينبغي على الصورة أن . طولها عن حيوات معظم المحتجين على الموت التأخر الطفيف والقليل الذي حال إلىتوحي بحياة الميت ال بموته، أن تنبهنا

صور الموتى من األطفال أشد هوال من على هذا تبدو.. دون استمرار الحياة في صور الرجال ما ينبئ دائما بمقاومتهم للموت فثمة. صور الرجال الموتى

. »..وباستعدادهم ولو في اللحظة األخيرة الستقباله مرجعية للموت ونحن نتصل بهذا النص تجعل العنف مادة هنا

حد اعتبار الموت نشاطا ينضبط فيما يمكن دعوته إلىبصرية تصل قتضي اإلثارة مبالغات الحياة، هذا النشاط هو جوهر التبدالت التي ت

وقد تقدم األفالم الهوليودية .. والمرتبطة بوعي ما يربط الجسد بالمستقبل السريعة عبر الخيال االفتراضي الذي تقدمه وهي تشير باتبعض اإلجا

-٣١٦-

شرح مصطلحات اإلنسان الجديد والمفاهيم الجديدة التي سينطلق من إلىخ لمستقبله عبرها بعد خاللها لتحديد الحقبة المقبلة وصلته بها وكيف سيؤر

. أن كان يؤرخ لماضيه سيكف التاريخ عن أن يكون معلما لإلنسان، وسيبدو اإلبداع أكثر وهنا

تفككا بعد أن فقد العقل طاقته الحية ومنحها لآللة واألرقام وأفسح المجال وتالشي ،عن التالشي الكوني) بودريار(واسعا للتساؤل بما يوحي به

المكان، كما أعلن بول - حقا أمام ابتالع رهيب للزمان أم أننا ،الثقافة .فيريللو منذ سنوات

-٣١٧-

احلياة واملوتصدمة

: لجلجامشقائال انكيدو فمه فتح » يا صديقي ال نهبط الغابة فقد شلت البوابة يدي عند فتحهادعنا«

: جلجامش فمه قائال إلنكيدوففتحدعنا نهبط معا، إنس الموت، من تتحدث يا صديقي كإنسان ضعيف؟ لماذا«

.»يمض في المقدمة يحفظ صاحبه، يحم صديقه، فإذا سقطا حفرا لنفسيهما اسما خالدا الصورة عالقة وطيدة بالموت، لكن اذا كانت الصورة العتيقة تنبثق لوالدة«

كلما االجتماعية لك، كلما انمحى الموت من الحياة -من القبور، فذلك رفضا منها .» الصورة اقل حيوية وكلما غدت معها حاجتنا للصور اقل مصيريةغدت

العبارة يستهل ريجيس دوبريه الفصل األول من كتابه حياة بهذهيتحدث عن جموح المخيلة التشكيلية اإلنسانية في سعيها الصورة وموتها وهو

ح، لتوليد الصور باعتبارها كنزا من كنوز المخيلة اإلنسانية المفعمة باالرواالموت هو أوال وقبل كل شيء «معتبرا أن الموت بمثل ما يعرفه باشالر

.»صورة، وسيظل كذلك صورة إال أن صلة مباشرة القضية، وبغض النظر عن مناقشة تفاصيل هذه

بين الفنون البصرية والموت مازالت تتمثل في عطاءات المبدعين وفق العقائد ولعل . الخلودإلىة قلق اإلنسان وسعيه واألفكار واالنتماءات المختلفة ممجد

جانب إهدارها للطاقة اإلنسانية إلىالحروب وأوزارها وخرابها تطرح المبدعة أسئلة بليغة عن المجد متمثلة في الصور التي ينجزها عمر اإلنسان

.على األرض التي هي عمر إبداعه وابتكاراته

-٣١٨-

تتقدم الحرب على معاني هذه األيام تنسلخ الحياة، عن هدوئها المعتاد، ل ما يحقق التفاعل إلى الحياة إلىالسلم وتتكرر بذلك انسحابات الخيال من الدعوة

الحياة، ويبرز المتغيرات التي تطال الموقف منها عبر المشهد هذهالحقيقي مع الجنائزي الذي يعزز موقف المبدع من القضية وانعكاسها على ذاته، وإذا كانت

االستقرار فإن اآلالم والصرخات لم تغب عن إلىدفع اآلمال الحاجة بداية في األعمال الفنية المنجزة خالل القرن الماضي، وبخاصة ما يتعلق منها بإنجازات الفن التشكيلي العراقي المعاصر الذي مثل للحياة بمقدار ما مثل للموت، فكان لكل

رامية التي نراها في مبدع طريقته وأسلوبه ورموزه، مما انعكس على القيمة الد. سواء ما أنجز منها داخل العراق، أو بعيدا عنه في المنافي. مرئياتهم التشكيلية

مما شكل لغة، لحظ المتابعون غناها وتنوعها واستيحاءاتها األسطورية والتراثية والشعبية والطبيعية وغير ذلك من األمور التي جعلت لوجودها نكهة خاصة

وة للنهوض بإطالق مفاهيم التحدي والصمود الستيحاء يؤطرها الموت، والدع .الصورة المشرفة للحياة، المؤطرة بوعي التاريخ والحاضر

المأساويالشق لقد منح التعامل مع الشق المأساوي التشكيل العراقي جدية متناهية في البحث عن األساليب والتقنيات بإبراز ما تكتنزه الشخصية المبدعة من تراكم

ي، وعكسه بشفافية على الصياغات البصرية التي تعيد للواقع حضوره جمالوألقه كلما سعت الظروف لتغييبه، أو قسره على الوقوف موقف التحدي من المغامرة الوجودية التي ال تكون إال في إطار النظرة المركبة للثقافة والوعي

هما ببعضهما والحلم واإلنجاز، وكل ما يجعل العين والعقل يحتفالن بارتباط الذي يخلفانه مما يتسع لمشهديات العصر وآالمه لثقيلمن جهة، وبالحمل ا

وقهره، الذي يتجدد بتجدد الزمن وما يحيط به من أساطير ال يمكن أن تكون .إال الشبكة التي تلف المخيلة بخوارقها واستشهاداتها وفتنتها

مة مجموعة من وبالتجلي المأساوي تجتمع المتابعات التعبيرية مستخدالرموز التي تطال المكان والبيئة الجغرافية والذهنية، وكذلك الطبيعة بمختلف

-٣١٩-

تجلياتها، والمرأة كقاسم منهجي تطرحه األعمال الفنية في مختلف المراحل والتجارب التي تطال المعاني الحضارية التي ال تجعل من كيانها الجمالي

البصرية، وإنما تبرز داعيةلعملية اإلبوالرمزي والثقافي طرفا هامشيا في االقيم المتصلة بتسامي اختيارها باعتبارها جوهرا يمثل الرغبة بالحياة،

.واحتفاال ضد العدم الذي تمثله الحروب واآلفات وباقي مدارات الموت ولعل القاموس الرمزي للتشكيل العراقي المعاصر من أغنى القواميس

صقل إلىمبدع الذي يصقل عالمات الفن والطريق الخيال الإلىالتي تنتمي الروح، وإذا كانت الظروف المحيطة بهذا اإلبداع قد تغيرت أو تبدلت بفعل الظروف اإلنسانية الطارئة التي طالت هذا المحمل التشكيلي العربي إال أن ذاكرة مبدعيه بقيت منتشية بنبضها المتصل بمصير اإلنسان مباشرة وحركة

.وجود في الهفكر الناقد فاروق يوسف كتب في أقنعة الرسم عن موت الرسام وزوال

وال أعتقد أن رساما ما ال يتمنى زوال الرسم مع . »كلنا زائلون«: الرسمزواله، ذلك الن ثقته بالمتحف هي ثقة زائلة بزواله، فالخراب الذي انتهى إليه

. عليها المتحفالرسم الحديث يتعارض كليا مع فكرة الخلود التي ينطوي صحيح أن هذه الفكرة هي فكرة ملفقة، غير أن وجودها يعني أن هناك ما

إن كل ما مضى من الزمن الجمالي في . يمكن تخيل قدرته على مقاومة الزمنذلك ألن تحوالت . كفة وكل ما مر بنا منه وما سيشهده الغد القريب في كفة ثانية

.»أنها تهتم بإعالن خصومتها مع الرسمبمعنى . ال تتم بطريقة معياريةمالرسالبشرية هي . الفن ال يخسر شيئا«: ولعل فاروق وهو يحسم األمر قائال

وتشكل حرية الفن العمود األساسي لهذه . التي تخسر إذا ما فقد الفن هيبتهفإنه يسعى دون مواربة لرصد التحول السريع في فكرة الفن على . »الهيبة

اعي المحكوم بفرصة الحياة أكثر من أي أمر آخر، خاصة مستوى السلوك اإلبدحين نعلم أن صلة كل من الحياة والفن بالحلم تجعل الواقع أكثر التصاقا بالمستوى الذهني الذي يبرز كثيرا في أعمال الفنانين العراقيين ممن يجعلون

-٣٢٠-

ن م« المعاش وكوابيس الحياة عالما إبداعيا ووتفاصيلمن وعورة المواقف ، »الواضح أن ثمة عالقة جدلية بين الحلم والفعل يعطيها الفن مغزاها الشمولي

المادة المحفزة في إن الفن في الواقع هو«حسب جبرا إبراهيم جبرا الذي يعتبر ما ال حد له من إلىعملية تفاعالت تغير صيغها وأنماطها بصورة دائمة و

التنبؤ بها لكنها توحد الفعاليات األشكال، قد تكون تلك العملية غامضة، ال يمكن .»في واحدة من ديناميات التاريخ.. الفن، الحلم، والفعل.. الثالث

كشف الحقيقة، حقيقة إلى في األرض التي سعت على مدى تاريخها قراءات الميثولوجيا صلة رض الخلود، تستعإلىالحياة والموت والسعي

العالم إلى العالم األسمى، أو األعلى،إلىاإلنسان بأرضه سواء عبر رحلته األسفل، وبكل األحوال فإن الخطاب إنما يتلخص برحلة الكينونة البشرية في بحثها عن الذات والوقوف على حقيقة الرؤيا الشاملة للفكر الذي يتبدى في التجاوز الجمالي لقباحات األفعال اإلنسانية في صراعها على الوجود وامتالك

التشكيل العراقي في بداياته الجادة المدروسة التي يتعامل وقد حاول .. الزمان التمرد على إلىمعها النقد بشكل إيجابي، أن يصون المقوالت الفلسفية بالدعوة

كمثال للكائنات التي نيةالواقع ونبذ التوجهات العدمية ومالزمة البنية اإلنسا .تعبر الزمان ببطء

كونية الجدارم ال يعرفونه إال مبدعا، إذ أنجز رسما الفنان جواد سليمعاصروا

لسراي بغداد ال تزال تذكر في معرض الحديث عن صغره حين رسم هذا المنظر، ما دفع الحكومة البتعاثه للدراسة في ثالثينيات القرن الماضي

روما بعد اندالع الحرب إلىالتي تركها ) ١٩٣٨(ومتابعة تحصيله في باريس بعد من ذلك في رصد تفاصيل حياة جواد سليم فإن الثانية، ولكي ال نذهب أ

أكثر إلحاحا للحديث عن نصب الحرية الذي أنجزه ليكون رائعة الحاجة تبدون ربقة التحرر مإلىنحتية تروي قصة اإلنسان في العراق من خالل سعيه

على هذا النصب من خالل إحدى ةل مراالستعمار، وقد تعرفت ألو

-٣٢١-

كنت صغيرا، وقد احتفظت بصورة بانورامية لهذا المنشورات البسيطة حيث النصب اإلفريزي نظرا لشدة حركة الشخوص وقسوة انطالقتها وعمق

اختزان مثل هذه اإليحاءات، مادفعني آنذاك إلىرموزها وقد كنت بحاجة لتنفيذ مجموعة من المنحوتات الجبسية الصغيرة التي تحاكي أشخاص سليم،

أقمته في ) ١٩٧٥( عن الحرب في العام وحين كنت اعد لمعرض خاصمتحف حلب، اذكر كيف كنت أتلصص على نصب جواد سليم وعبقريته معا باحثا عما يتصل برواية الحياة والموت، وكل ما يدفع اإلنسان لتجاوز ظروفه

واإلبداعي، إذ أنجزه قبل موته والسياسيالتي تقهر وجوده االجتماعي .با في الموقع الذي يحتله اليوم في بغدادبعامين، دون أن يشهده منصو

أول وصف دقيق له عرفته من خالل ما كتبه جبرا إبراهيم جبرا العام يتألف هذا النصب من أربع عشرة وحدة من البرونز، في «: حين ذكر١٩٧٤

وينتشر على إفريز طوله خمسين مترا، . كل من الكثير منها شخصان أو أكثرأضخم إذن من أكبر النصب في العالم، وهو أمتار، فهووعلو منحوتاته ثمانية

جواد (ولئن وجدناه .. سنة٢٥٠٠نصب قام بعمله فنان عراقي منذ أكثر من يقول في إحدى فترات حياته إن السياسة ال تهمه في شيء، فإن اإلنسان ) سليم

فالتاريخ . والسيما في تمرده من أجل حريته وتقدمه.. كان يهمه في كل شيءقومي هنا عملية مخاض نفسي أو عملية نمو وإيناع في تربة شاسعة اكتشفت ال

يجب أن نذكر أن الذي طلب إليه صنع النصب كان .. أخيرا كوامن خصبهاعبدالكريم قاسم وهو أراد نصبا للثورة، بل أوحى أنه يريد وضع صورته فيه،

قبل كل ورغم ماأعطى جواد سليم من حرية في تمثيل ذلك، فقد كان عليه شيء أن يمثل ثورة، أرادها الشعب ولكن نفذها عسكري وهكذا جاء القسم

. المركزي من النصب أن الفنان رأى الثورة أكثر من وثبة جندي شجاع، إنها ذروة غير

طويلة، وعظمتها ستبقى في مقدار ما حققت من طموحات حقاباصراع دام أوكان عليه أن يجد . ا معاالشعب كله، وكان عليه أن يفكر نحتيا ورمزي

الصيغة التي تلتئم فيها روعة الكتلة والتشكيل مع روعة المعنى الذي يهمه، ٢١م -بؤس املعرفة

-٣٢٢-

مخزون إلىفكان عليه أن يجعل كل جزء واقعيا ظاهرا، ورمزيا باطنا ولجأ تجاربه الكثيرة وما تعلمه من فن وادي الرافدين والفن االيطالي في عصر

هذا الجمع بين النص البصري الصريح واإليحاء النهضة إذ أن في كليهماوالسيما في . الرمزي المضمن على عكس اتجاهات الفن في القرن العشرين

. الثانيةميةعرفه العالم من نحت عظيم بعد الحرب العال ما الرغم من اعتماد جواد سليم على اإليقاع في انتقال البصر من وعلى

روايات األشخاص باعتبارها مرئيات اليسار، أي على صلة بإلىاليمين واقعية تاريخية إلىفإن هذه الحركة تتحول ) تجسد الكتلة وتجرد المغزى(

الجندي، الفالحون، العامل، (تستحضر الحياة واالنطالق من خالل األشخاص وتستبطن الظالم والموت الذي ) الباكية، الثور، الحصان، السالم والحرية

وما يبدو من آثار السجن، ليغدواثكلى، واألم وطفلهتغادره األجساد واألم الالمعنى هو يقظة الرؤية التي تتجدد في الرحيل على اإلفريز الذي يحكي أو

. يسرد قيمة التحرر وتجاوز مزالق التاريخ السكون هو ما يجعلنا نلتقط إلى التحول من خالل معنى الحركة ولعل

الته الرمزية في التعبير عن مفهوم اللحظة التي تمنح هذا النصب ديمومة دالالتحرر واالنعتاق، ولعل اللمحات التي تقدمها أشخاص جواد والتي لقيت كثيرا

ما إلىهذه اللمحات تشكل باستمرار عودة .. من االهتمام البحثي والنقدييمكن دعوته البناء الرمزي لصلة الحياة بالموت، وكل ما يهندس مدلوالتها

.ريةالواقعية واألسطو

الحربنوافذ موقع نصب جواد سليم اليوم بصريا يأتي بالتساوق مع الصور استعادة

التي تبثها مختلف المحطات التلفزيونية عن العراق، وسحر األلوان التي تجعل وتمايل نخيلها، وإذ دألف ليلة وليلة تحضر في المشاهد الليلية لمناظر بغدا

تماثيل وكل جماليات هذه المدينة التي تختفي في ظل سقوط القنابل النصب والكان قد حدثني عنها صديق فنان من العراق في ورشة فنية جمعتنا لعشرة أيام

-٣٢٣-

يزيد على العشرين عاما على ما اذكر، وكان على ضفاف نهر الفرات قبل ماخالل حديثه ينفذ عملين جداريين بمواد نافرة، حتى يمكن القول بأنه ينفذ

ارزة على سطح تصويري، وفي عمق هذه النفورات كانت تبدو أعماال نحتية بالوجوه في نوافذ متناهية في الصغر ترقب عالمنا الذي نحياه، اذكر أني سألته عن أجساد هذه الوجوه وصلتها بالموت والحرب وكان حميد العطار يفتح

د على القيم الرمزية والتأويلية التي ينشدها من خالل إلغاء األجساديثهأحابحيث يتوهج البناء التصوري لها بفعل انسحابها خارج مساحة التقاطنا

.البصري لثباتها ومع أن اللون كان يلعب دورا ناجحا إلذكاء الجوانب الدرامية المساهمة ببث مضمون ما تقترحه العيون والوجوه الراسخة في ظلمة واقعها،

ها الخشنة إنما كانت إال أن تضمينات الجدار الخارجي للوحة وعبر مالمسيسترجع تصف سردا يفرغ حمولته التاريخية في عيون وعي المشاهد وهو

أثر الحروب على مالمح اإلنسان في العراق المحاصر بفراغ الخارج وعتمة الجسد الذي كان محط اهتمام فنون أخرى في تهاالتحديات التي تغيب بقدري

ن الجماليين، وهذا ما جعل حميد الغرب، وبما يثير صراعا بينا بين اإلرثييترك عمله أكثر من مرة ليشرح لي رؤيته لنصب جواد سليم ومدى تأثره به على المستوى الرمزي معتبرا أن التعبير عن اآلالم واالنعتاق منها إنما يشكل سلسلة من المعاني الصلبة التي حاول التشكيل العراقي التعبير عنها باعتبارها

إلى جانب القسوة شفافية الشخصية الشاعرية في تطلعها ىإلعالمات تقدم بالغة حلمية تتجاوز غياب األجساد في أعماله وحضورها في أعمال سواه

. ومنهم جواد سليم كانت مساحة اللوحة التي ينفذها حميد العطار كبيرة، وكان قادرا لقد

الصلة على ضبطها بحيث يستفيد من كل جزء من أجزائها المحكمة لتوتيربين الحضور والغياب، اإللغاء واالعتراف، وكل ما يجعل إيقاع توزع نوافذ الحرب على السطح يحتوي قيما موسيقية تعيد إنشاء مقاطع سومرية وآشورية

إلىعن الموت الذي يجري جريان دجلة والفرات في الحياة بتركيبتها المقسمة

-٣٢٤-

وقع، ما يضاعف موقع الحلم أكثر من مستوى والتي ينظر إليها من أكثر من مالذي يتحكم برؤية العطار النهائية لمصير شخوصه في غيابهم وفي حضورهم وكل ما يجعل تحليل خطابه البصري ينقاد في اتجاه الدعوة للخروج من

حضور الذات التي يرغب أن تحقق إلىالمأساة الباطنة في أحداث التاريخ ها التي هي أعماق العمل الفني الداعي تفاعال وتواصال مع تحديقنا في أعماق

الحلم باعتباره إلىللتحرر في أول مستويات طرحه، والداعي أيضا استراتيجية لالنعتاق، ومرجعية بشرية يحملها الالهوت واألسطورة

. والماورائيات التي تحقق معنى الصورة التي ينتجهالعراق لتمثل وحدها كانت دافع حميد وغيره من المبدعين في االقسوة

الصرخات التي تبدو في رسومات السوميريين ومنحوتاتهم وهم يفتحون المخيلة، وكأن ىعيونهم على أقصاها، حتى تكاد تستدير وهي تبث سلطتها عل

.جملة واضحة عن الحقيقة ستنطلق من بين أهدابها لتهمس بها للبوة الجريحة

الجسدنوافذ ة المبدع في التقاط حدث بصري وغيابه تتناهى طاقالجسد حضور بين التي وضوعات شبكة من األحداث السابقة كي تكتمل المواجهة بالمإلىيضيفه

تشكل توجهه، وإذا كان اللثام يغطي في بعض األحيان مالمح يتقصد الفنان إلغاء وجودها فإنه يمضي ال شك خارج ما نريد أن نرى نحن في عمله، وبما

كتلة من إلىما يبدعه كي يستحيل ما ينجر ال يجعل تصورنا سابقا على . الصدق في تناول الموضوع، مهما كان أو مهما تعددت حرارة احتياجنا إليه

وإذا كان حميد وغيره من الفنانين العراقيين قد غيبوا هذا الجسد بشكل جزئي أو كلي، فإن الفنان جبر علوان أكد في مختلف مراحله على إنجاز الصلة به،

إشارة إلىيابه الطويل عن بلده جعل اإلشارة البصرية تستحيل خاصة أن غ تناول هذا الجسد، سواء بإبراز مواقع الجمال فيه أو بالتركيز فيبصيرية

على ألم الواقع المعاش الذي يجعل منه كتلة هامشية، وبخاصة المرأة . سره أو أصلهإلىباعتبارها خزانا خصبا لتجاوز الوجود

-٣٢٥-

بر أكثر من مرة، وكتبت عنه أيضا حول الميزان الذي جإلى كتبت لقديعتمده للفصل بين البوح اليومي على المستوى البصري والسرد العام الذي يلجأ

ايشهده اإلنسان على المستويين وتفاصيل قسوة ماةإليه لتجاوز رعب الحي بعض التلميحات الرومانسية على إلىالداخلي والخارجي، وإذا كان اللجوء

عيدي الشكل واللون فإنما لالستفادة من جعل الظالل تخفي أسرار الذات التواقة صحلم جبر يختلف عن حلم السورياليين، الذين ينعتونه ( حريتها عبر الحلم، وإلى

بأنه طاغية رهيب، يلبس مرايا وبروقا ويأسر في عضالته الغيوم، فحلم جبر وهذا ما يؤكد الحركة . ديتلخص في مزيد من المحبة والدهشة فيما ال يح

المتجذرة في أعماله، فكل كتلة تشي بما يجاورها، وكل لون ينشيء حرارته خزان من االنقباض إلى يؤشر ذيانباعتماد برودة ما حوله، ودوام الخط في اله

واالسترخاء يعكس أنفاس جبر وهو يتخيل موضوعه، حقيقة اللوحة، وقوانين لى بنبض يواكب نبض القلب ويدفعنا لوصفه عمل يتجإلىإبداعها، وتحويلها

بصفات ما نقبل أو ما نحب، كونه يأسرنا بجمال متعدد الوجوه، جمال اللون ودواعي ابتكاره، وجمال األسرار التي تمتلك خصوصية أنثوية مجردة عما ال

معطياته نمتلك بوحه أو تمثيله أو تجسيده أو روايته عن قباحة الواقع وقسوة عشرات السنوات التي عاشها جبر علوان بعيدا برغم. على البشروجرأة حروبه

بتوهجه لونعن العراق في ظالل أعمدة روما ورطوبة أقبيتها إال أن ال إلىوحضوره بقى عالمة يشير إليها النقاد والمعجبون بإنجازاته، وقد انتبهوا بيعة قوته البدائية المتأججة من باطن أرض العراق، هناك، حيث تخفي الط

مختبرها فتنكشف موهبة جبر في كونه يعي تماما هذا المختبر األصيل، ما حدا ببعض النقاد في الغرب لتخيله على هيئة حارس الكريستال الكيميائى، الذي يقتنص

.. ويعيد انكسار الروح المهتزة والمضيئة للمادة بعد اللون، الشعرية، والتقنيةيرها الضوء الفيزيائي بقدر ما ينيرها الوعي والتي تشكل جسد اللوحة التي ال ين

مساحتها وزبكل ما يحيط بالجسدين، الجسد اإلنساني وجسد الصورة التي تتجالتبث ما هو أبعد من الحالة التشخيصية، أي مختلف ما تنتجه األبجديات البصرية

.المتجددة من إشارات عن موقع اإلنسان في التكوين العام للذاكرة

-٣٢٦-

ل التساؤثراء الوقت الذي يركز كثير من الفنانين العراقيين على حضور القيم في

األيقونية في تشكيلهم للصور فإن جانبا آخر منهم حاول السعي خارج هذه القيم إلىللتعبير عن قلق حضاري حدا بشاكر حسن آل سعيد وغيره الكثير للخروج

فكرا وهذا ما جعل الداخل اإلنساني شكال وإلىممارسات سارت في طريق جلي هذا الذاتي باالعتماد على التجربة المعمارية إلىالفنان مهدي مطشر ينزع

حيث يؤكد أن المفهوم يتضح تشكيلية،اإلنسانية والمفاهيم المعاصرة للممارسة البتالقي الحاجة الفردية وقدرتها على أن تكون منطلقا إنسانيا صادقا للتساؤل

االجتماعية وتمكنها من استيعاب وهضم هذا التساؤل والتفكير ومن ثم الحاجةالفردي وما يمكن أن يؤديه من وظيفة في اتساع فضاء المعرفة اإلنسانية ثم في توافق التطلعات الوظيفية والخامات وطريقة إعادة صياغتها أو إبداع خامات

.ومجاالت جديدة يمكن بها فتح آفاق تساؤل أخرىث الفوضى فإن غاية مهدي مطشر هي إعادة إذا كانت غاية الحروب ب

تنظيم األشياء وبنائها وفق ممارسة تشكيلية يجهد منذ فترة طويلة على ترسيخها كاتجاه له بإخراج الجانب الصوري األيقوني كي تستعيد الممارسة

الحديقة .. في واجهات الحياة الحضرية) البنائية- الحسية (التشكيلية طاقتها - تية، العمارة وموادها الصلدة، الكتاب وفضاؤه اللغوي ومكوناتها النبا

الشخصي، وكل ذلك على صلة بالجوهر الذي يعيد صياغة -الشاعري وبهذا فإن مهدي يسعى ) بمعنى ما يفعله اإلنسان وما ينتجه(المبنى أو التكوين

عبر إنجازه لتحرير الممارسة التشكيلية من تأزماتها النفسانية كي يعيد إليها .بعدها الفعال في الحياة اليومية، أي في الثقافة الفعلية للمجتمع

على المعمار اإلنساني، فإنها ال ضيل ما تق الحروب التي تقضي أوشك تحاول أن تلغي هذا الحيز والفضاء اإلنساني من الذاكرة الجمعية، وحين

أن يلجأ مهدي مطشر في أعماله إلعادة صياغة هذا الحيز فإنه يعي تماماالحيز المعماري هو الفضاء الفعلي لإلنسان، بكل مكونات المجتمع وخصوصياته، فهو إذن المرآة الفعلية، ولهذا يكون كما يراه محيطا وحيزا،

-٣٢٧-

شكال وكتلة، لونا وظال ونورا، يجمع كل خاصيات التشكيل، فهو إذا أهل ألن طلق في إنجاز عمله ولهذا فإن مطشر ين.. يكون فضاء الفعالية التشكيلية

قةباعتبار أن عالقة اإلنسان مع محيطه الجغرافي أو المعماري هي عالعالقة تواشج ال تقبل البعد، إنها عالقة حسية، فكرية، جسدية، .. تفاعل وفعل

من هنا يتضح أن إعادة التفكير . أي فضائية، وأخيرا فهي استمتاعيةن فضاء الفعالية البشرية بشكلها بالممارسة التشكيلية مرهونة بالعمارة أي ضم

المتكامل، وهي استعادة ألهمية الممارسة الفنية في الحياة اإلنسانية وما يمكن .أن يمنحه هذا االنفتاح من إمكانات جديدة للتشكيل

لقد اعتمد مهدي مطشر في تنظيم حيزه على مفردات مختلفة مستمدة ثالثين عاما في فرنسا، وقد من ثقافته وحضارته وإرثه برغم بعده ألكثر من

والتوصالت والتاريخ بمعايير فكارسمح له هذا التواجد إمكان قياس األموضوعية وبحرية إليجاد منفذ خاص الهتماماته الشخصية كالعالقة بالخط

والعالقة باللون الصافي غير ) المربع بالذات(المستقيم والشكل الهندسي األسئلة التي تركته مبهورا بها منذ طفولته الممزوج والعالقة بالعمارة وكافة

في الهيال ببابل العراق وحتى استقراره في مدينة آرل الفرنسية والتي انعكست وألمانيا وأميركافي معارضه المختلفة في فرنسا والسويد والدانمارك

.وبريطانيا وغيرها من دول العالمير المعهود بناء قاعدة للتصور خارج التصوإلى لقد سعى مطشر

التعبير الشخصي أوال، ومن ثم أكثر باتجاهبمعناه التقليدي وذهب بشكل أعمق ثراء وقدرة لبناء صلة إيجابية مع الواقع الحضري لتكون أكثر نفعا للجماعة البشرية، انه نوع من التشكيل الذي يمكن أن يشابه التركيب الموسيقي أو

ان احد ثالثة فنانين عراقيين أعطاهم اللغوي الشعري، وقد قيل بأن هذا الفنالبعد فرصة للحكم على عواطفهم وقياسها وهم فائق حسن في مدريد ومحمود صبري في براغ ومطشر في باريس، ويمكن أن نضيف ضياء العزاوي في لندن وعشرات الفنانين في هولندا والدانمارك وايطاليا وغيرها من البلدان التي

التي فرضت وباقي بحثا عن استقرار خارج الحرانتشر فيها المبدع العر

-٣٢٨-

ولم يكن . على منطقته بسبب أهميتها االقتصادية والحضارية والجغرافية الحوار الواعي إلىاهتمام مبدعيه خارج األطر اإلنسانية بحيث تضيف

. للثقافات اإلنسانية ما يجعلها تنمو وتكبر في قيمها وتوجهاتها التواصلية الشعوب ضرورة لتحقيق الصلة بالعدالة يراه مطشر عملية الذي تراهالفن

فكرية، حسية، ومهنية أيضا، إنه حالة دائمة للرصد المعرفي أي من خالل الممارسة والحكمة من هذه الممارسة بربطها بالضرورات الشخصية أوال، ومن ثم توصيلها بالحاجة الجماعية لتصبح ظاهرة ثقافية، وهكذا يرى أن هناك فن

كل أشكال إلى وفن للبحث واالختبار ونحن بحاجة للتساؤلللراحة وفن . الفن تدفعنا الن نكون أكثر إنسانية مما كنا عليهإلىالممارسة، فالحاجة

الحلم عيون تماثل أحالم زهاء حديد المعمارية أحالم سعاد العطار في توجهها ال

ت النور الداخلي هذه األحالم في مدونات بصرية تمتلك مقومااغةلصيالمنبعث من عشق المكان واالنتماء إليه، إذ تمضي زهاء في خياالتها عن الحدائق المعلقة لتبني عمارة معلقة نالت مكانتها في أصقاع العالم المتمدن، أميركا وأوروبا واليابان وغيرها، وإذا كانت عمارتها مثاال عن عشق الحياة

اد استطاعت من جهة أخرى ترسيخ والتوغل في أحيازها فإن لوحات سعمعارف نظرية وتفاعال مع جيلها برسم األفكار الشكالنية في المجتمع التشكيلي العربي والتي كانت ضرورة حققت ظواهر تحقق صيرورة الفن كحاجة اجتماعية تطرح التساؤالت البصرية عن الموقف من الحياة والعدم

وتاريخ المكان والصلة بالطبيعة وباالعتماد على الذات والسيرة الشخصية .والمذاهب الحداثية التي ثبتت خطوات عديد الفنانين في مواقع اإلبداع العالمي

سعاد العطار حاولت استيعاب الحقيقة التدميرية لألشياء والموجودات واألحداث لتؤلف عبر تعقيداتها لغة بصرية تعمرها وفق تصور خاص، إذ في

استيعاب إلى أعماق التجريد كانت تمضي إلىها الوقت الذي مضى به جيلالعمق الميثولوجي لشخصياتها، وقد ترافق لديها الرمز مع اإلشارات البصرية

-٣٢٩-

الميثولوجية وبالتصعيد مع االستخدام األدبي، وكثر الحديث عن األسطورة في النظري والتطبيقي ولهذا فإنها قد مزجت الراهن المعاش بضرورات المجال .دون أن تتغافل عن طرح القضايا القومية والهوية والوطن في أعمالهاتحديثه

رائحة الموت والدمار قادت سعاد خارج مكانها لتنقلب في نتاجها ومعارضها وتبرز أهمية النور الداخلي المؤطر بنوافذ وقباب ونخيل بغداد،

عي المعاش المدينة التي يختلط فيها الحدث اإلبداإلىوبما يعكس الحنين الدائم الحلم باعتبار إلىبالحدث التاريخي واألسطوري، ولربما كان احتكام سعاد

غيابها يشي بالنوم واالغتراب مما يكون باستمرار على صلة بمظهر اللوحة تحيا على ضفاف الجمال الخالد لألمكنة في ذاكرة لتيوصباغياتها الحلمية ا

الذي علينا اعتباره مرجعية ) المتحف الخيالي(مبدعيها بحيث تضحى اللوحة ذهنية وحسية لتلمس صلتنا بالمكان المهدد، وسواء سكنا اللوحات أو جعلناها تسكننا كما يرى فاروق يوسف، فإن ما يزين موتنا هو ذاته الذي يزين

وإن كان الخلود فكرة زمان فإن النسيان ضروري لكي يكون (حضورنا، ).الزمان أشد حضورا

التوازن في زمن إلىعطار وتخطيطاتها تشكل دعوة إن رسوم سعاد اليفقد توازنه ولهذا يرى الناقد فاروق يوسف إنه لن يبقى من الفنانين ومن

غوغ وغوغان وبيكاسو وجواد سليم نرفائيل ورامبرانت وغويا ومانيه وفا(وشاكر حسن آل سعيد وكاظم حيدر ورافع الناصري وضياء العزاوي وعالء

. هامسوى األو) بشير أعمال سعاد أنها تصورات ألحالم، وهي تصورات ال حدود لها، حقيقة

وال يمكن أن نمضي مع ما قاله فاروق، إذ ال يشكل الوهم ضفافا لهذه التصورات والتعامل مع العمل الفني ليس له أول، «: سامي ادهم. ما يذكره دإلىباالستناد

اللون وحده، وال يمكن استنتاج أو آخر، فهو كل متكامل، ليس في الخط، وال في المشاهد، والكل إلى محأو لة إيصال نفسه إلىأجزاء من بعضها فالعمل يهدف

خاصة بالفنان، فليس للوحة أجزاء مفردة، يةيتألق ويبهر الشعور ويعبر عن رؤ .»إنها كل واحد وفضاء واحد.. أو مساحات منفصلة

-٣٣٠-

الجسد فضاء ع بمعاني الجسد متعددة في خطابها العوامل التي تربط المبدباتت

قبل المبدعين العراقيين تحتاج منالبصري، ولهذا فإن التعدد بتناول هذا الجسد بحث مطول سواء في حضوره المطلق أو المجازي أو في غيابه الذي إلىبذاتها

يؤسس لخطابات ذات صلة بوعي هذا الجسد لظروف تحققه في المنجز الفني خيال ليعكس في بعض األحيان خطابا انفعاليا كالذي نراه بحيث يمتص طاقة ال

في منجز إسماعيل فتاح النحتي والتصويري، وبما يجعل هذا الجسد مركزا لوعي مزدوج بالجسد ذاته، وبالفضاء الذي يشكل خطابه العام، وبغض النظر عن عجالة تناول خصوصيات العينات الجسدية التي تتوزع على أعمال إسماعيل

و ضياء العزاوي على سبيل المثال ال الحصر، فإن ربطا جليا مابين مرجعيات أ ما يذكره الباحث إلىأجساد العزاوي وجواد سليم الذي كان استهاللي به يقود

يخرج على الفور من دأب جواد سليم في إعادة «شاكر لعيبي من أن العزاوي ي العمارة اإلسالمية وألوان العيد العناصر المحلية والشعبية القائمة فإلىاالعتبار

البهية أو فيما كان جواد يسمح لنفسه أن يطلق عليه بالبغدادي والبغداديات، تارة مفترض للرسم، أو تارة على مستوى المعاني ) موضوع(على مستوى استلهام

. »القوس: الممنوحة لإلشكال المعتمدة على بعضها كليا أحيانا في بناء اللوحةطاعت التجليات العنيفة للجسد اإلنساني في أعمال العزاوي أن تقدم استلقد

مقابالت راهنة لوعي األركيولوجيا التي تحفظ بتجربة الجسد اإلنساني كمحمول في إشارات النحت السومري، والتشديد على البنية المحكمة للخطاب السردي

بمثل ما قدمه عن الذي قاده في أحيان كثيرة لتفعيل صلته باألدب والتعبير عنهالمعلقات أو عن تناصه مع مقاطع شعرية أو كتابات معاصرة وحديثة، وهو بهذا

صراعه المثير الذي بذله في محامل رقصية إلىالتكيف الخالق إنما يعيد الجسد .وتعبيرية وإيمائية حين كان يمثل صيرورة كهنوتية في معابد سومر

تلفة على جعل رؤية هذا وإذا كان ضياء قد أصر في مراحله المخ فإنه إنما يفعل ذلك بدافع اإلشارة فني، تكون مركزية في فضاء عمله الجسدال

القهرية التي تطال رموز هذا الجسد باعتباره إنسانا وأرضا ووطنا ولغة، إلى

-٣٣١-

رغبة الرؤية التي نسعى للرضوخ لها فإن إلىوإذا كان بنيانه المتماسك يشير امتالء هذه الرغبة إلىع الشمس فيها إنما يضيف فصاحة األلوان وشيو

الحياة والتحرر من العتمة اللونية التي يستخدمها بشكل تضادي إلىبالحاجة ليقدم المتمرد على تمرده والوعي على حامله، وإذا يعمق الجرح السومري الذي تتثاقفه األجيال فإن مسعاه كي يقدم الرمح عبر اهتزازه الخطي إنما يشي

ح ظاهر للجسد البشري واعتداد بالموقف الموجه للوحة باعتبارها وعيا بمدتحكمه مجموعة معقدة ومتشابكة من الجهود البحثية والقيم الجمالية والمشاعر

. الذاتية الباعثة للبناء والهدم معا رغبة العزاوي بإظهار المتسلط في جسده ولونه وفضائه إنما يوضح إن

ي لردود األفعال تجاه الثوابت التشكيلية، وهي نقطة ثقته بخزانه االستقرائتفرقه عن قراءة معمار لوحة إسماعيل فتاح الذي يقدم االحتفال على المحتفلين والجنازة على الغائب، وبهذا فإن عقال غائبا في التقطيع الهندسي المحكم يحتمي في أجساده بينما ال يؤمن العزاوي بخطر العقل ويترك للتوترات

لحسية مكانها في السلوك البصري الذي يستجمع اندفاعته في مركز أو بؤرة اوبكل األحوال فإن ما تمتصه مثل هذه األعمال من .. الصلة بالعمل الفني

اندفاع األثر السومري يظهر جليا في الحديث الدرامي عن العراق ا في وخصوصية إبداعه بإحالل االنتماء موقع نقيضه دون أن يمثل ذلك تنميط

التعبير خالفا واتصالهما بكبرياء إلى أي منهما حيث يبقى انتماؤهما اربتج .الجمال مرغوبا من قبل الناس

إن عنفا ورهبة وقسوة تبدو جلية في غير تجربة فنية عراقية، إال أن رغبة أقوى بالحياة تتخطى هذا الخطاب لتحقق صورة الديمومة المتوالدة دوما

اع وهو يمضي في التعبير عن اندفاع اإلنسان في مغامرته من مالمح اإلبد اكتشاف حقيقة هذا إلى تأمل مشاعره التي تقوده إلىالوجودية واحتياجه

.الوجود

-٣٣٢-

-٣٣٣-

N الصفحة

٧ ..................................................................توطئة ١٥ ................................................................. مدخل

١٩ .............................................................. ونقادنقد ٢٥ .................................................األنسنة والعولمة.. النقد ٤٥ ................................................... الحقيقة في الفنبؤس ٥١ ......................................................... بال حقيقةالفن

٥٨ ..........................................السائبة الثقافة.. العربي التشكيل ٦٨ ............................................................ للنقدالحاجة

٧٨ ..................................................... والمأمولالمكرس ٨٤ .......................................... صراع الرؤية والوعيالصورة

٩٦ .....................................فضاء داللي وقيم متغيرة .. الفنلغة ١٠٩ ............................................ النقدية تنسق اإلبصارالرؤية

١١٤ ..............................................العربي اغتراب التشكيلفي ١٢١ ...................................................... من الذاكرةالتحرر

١٢٤ .......................................................... الثقافاتحوار

-٣٣٤-

الصفحة

١٢٩ ...............................................................ن الفلغز

١٣٥ ..................................... الفن وتحريره من المراوغاتاقتحام ١٥٢ .............................................. الحقيقة والتحدي.. التغيير

١٥٧ ........................................................ مادة اتصالالفن ١٦٦ ............................. إقصاء الفن عن الحياة.. مابعد الحداثةسلطة

١٧٨ ............................................. وتفكيك الرؤية.. الذاتنفي ١٨٣ ....................................االختالف ، اللغة،الروح.. الفنتاريخ

٢٠٢ ................... الساخنة للعولمة اإلنسانية، الذوبان في الشموليةالضآلة ٢١٥ .............................................. النظر االفتراضيةفراديس

٢٣١ ............................. مرجعيات التشكيلخارج االلكترونيةالثقافة ٢٣٧ ............................ ثقافية ورهانات فكرية ومعرفيةاستراتيجيات

٢٤٣ ................................... صراع الحكمة اإلنسانية.. البيئيالفن ٢٥٢ ......................................... التجاري واختبار القيمة المزاج ٢٦٢ ................................... والحاضرالماضي.. الغموضجمالية

٢٧٨ .......................................... الفنون الفطرية المهدورةطاقة ٢٩٤ ............................................ مفاهيم جديدة.. الصورةثقافة

٢٩٩ ................................... شهوة مزج الذاتي بالمرئي.. الصورة ٣١١ ....................................................... والعنفالصورة

٣١٧ ................................................. الحياة والموت صدمة

-٣٣٥-

١٩٥٢ معال طالل

. وباحث في الجماليات المعاصرةفنان - لوطنية ومواقع التراث الثقافي فيااحف تطوير المت التنفيذي لوحدة دعم والمدير -

. وزارة الثقافة-سورية .٢٠١١-١٩٩٦ اإلمارات – الشارقة - المركز العربي للفنون ومعهد الشارقة للفنونمدير - .عاليات الفنية العربية والدولية ومنظم ومنسق للعديد من الفمؤسس - . سوريا-ية قسم اللغة العرب- ة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانيإجازة - . ايطاليا- سيينا - خاصة بتاريخ الفن المعاصردراسة - . تشكيلي وناقد فني ومنظم فعاليات فنية دولية وشاعر ينشر في الصحافة العربية واألجنبيةفنان - ). باريس(تحاد الفنانين العالمي ا- اليونسكو- اإليابهيئة عضو - ). يس بار-اآليكا (لنقد العالمي امنظمة عضو - . التشكيليين العرباتحاد عضو - . الفنون الجميلة سوريانقابة عضو - . رات للفنون التشكيلية اإلمارات اإلماجمعية عضو - .)٢٠٠٣-١٩٩٣(شارقة الدولي للفنون العليا لبينالي الاللجنة عضو - . ١٩٩٧. لي الشارقة الدولي للفنون العام لبيناالمقرر - ).٢٠٠٥- ١٩٩٣(لبينالي الشارقة ت الدولية الموازية ومنسق الندوامعد - . شارقة الدولي لفن الخط العربي العليا لملتقى الاللجنة عضو - . تحكيم معارض عربية ودوليةلجان عضو - . امعة الشارقة ج- االستشارية لكلية الفنون الجميلة اللجنة عضو - . جمهورية مصر العربية-الثقافة ارة وز- السيرة الذاتية للفنانين العرب لجنة عضو - . مصر - القاهرة - النافذة جماعة عضو - . متحف الشارقة للفنون–والمسموع ي المشرفة على تنظیم معرض المرئاللجنة عضو - . ٢٠٠٣ دبي - الدولي عمارإلى لملتقى ومنسق الدورة األومؤسس - . )١٩٩٧-١٩٩٣( الثقافية »الرافد« تحرير مجلة مدير -

-٣٣٦-

م٢٠١١/ الطبعة األوىل نسخة١٠٠٠ الطبع عدد

-٣٣٧-

كلمة غالف بؤس المعرفة

من أهمية الجوانب النظرية في الفنون البصرية العربية يستحق التحقق تابات الصحفية واألعمال النقدية الجهود النظرية واآلراء المختلفة لكل الكإلىالعودة

ومختلف النصوص التي أبدت التزاما بأنواع الممارسات الفنية في مختلف الحقب طرحته هذه الفنون فترات كونها تميز اشتغاالت تخصصية على صلة بحقيقة ماوال

وما انطوت عليه اهتمامات الفنانين من جدية التعامل مع األفكار واإليديولوجيات يدفع لإلجابة على التساؤل عن معنى والمذاهب والمدارس بصورة عامة وكل ما

ستطاعت هذه الكتابات بمجملها الحقيقة التي جهد الفن العربي إلبرازها، وهل اوعلى امتداد الجغرافيا العربية أن تفسر كيف يعمل الفن عبر األصداء النظرية التي أحاطت باشتقاقاته المحلية كمدخل لتكوين بنية نقدية لألفكار البصرية التي تم تمثلها أو تقليدها أو ابتكارها بحيث يمكن الرجوع إليها على مستوى البحث في األسس والمفاهيم لتفسير النموذج أو تحليل القضايا األساسية التي شكلت في فترة من

.الفترات اهتماما خاصا له لغته المستلة من هذا النوع أو ذاك من هذه الفنون

-٣٣٨-