2011 مقال تحليلي

1

أما آن للحق أن ينتصر؟

إال ،يف غمرة التسارع األخري لألحداث بالعامل العربي و ما نتج عنه من تغريات عميقة مل تلح بعد

، تأتي هذه بالوطن العربيبالتحوالت العميقة الطالئع األوىل من ما ستعتربه كتب التاريخ مستقبال

السطور لتحاول مناقشة مالمح البيت الداخلي لوطن بدأ يف التبدل...

و لعل املغرب، شأنه يف ذلك شأن بقية البالد العربية مقبل على تغريات مل نر منها بعد إال البداية. ف

الذي ، و هو احلزبةعقب االنتخابات األخري نقطة االنطالق الفعلية هي اكتساح حزب العدالة و التنمية

قبل أن يسمح له بتزعم حكومة عهد الدستور اجلديد. احرتف املعارضة مبهنية لسنوات

هذا الدستور الذي و إن مل يلب تطلعات املغاربة بالشكل الذي مينح البالد أسس نظام برملاني

األدنى من فصل حقيقي، إال أنه من اجملانب للصواب احلديث عن حمدوديته و عدم صالحه لبناء احلد

.و هنا بيت القصيد ،و منح صالحيات كافية للحكومة املقبلةالسلط

فاحلزب من خالل العديد من حزب العدالة و التنمية فاز فوزا كاسحا و هذا أمر ال غبار عليه.

التدبري ، رمبا ألنه الزال حيتفظ بأيد نظيفة نظرا لعدم مشاركته يف املؤشرات أضحى حزب املغاربة األول

له بنية حزب سياسي حقيقي: له قواعد منضبطة و قيادة البالد و العباد، لكنه كذلك ألن العمومي ألمور

حقيقية، يدبر اخلالف الداخلي من داخل اهلياكل، له منظمات موازية تتنامى قوتها، له حضور يف امليدان،

النيابي من خالل اللجن الدائمة مل شارك يف الربملان كمعارضة حقيقية، جتاوزت حصيلة نوابه يف الع

حصيلة كل الفرق.األسئلة الربملانية و

مرشحو احلزب الذين شاءت هلم صناديق االقرتاع متثيل املغاربة باجمللس التشريعي من عيار ثقيل،

و ثالثون دكتورا يف خمتلف التخصصات. و هي نقطة سبعتكوين جامعي عال ألكثر من مئة منهم، بينهم

.للشأن العام املرتقب مما يبشر خريا بنوعية تدبريهعية احلزب و مرشحيه و منتسبيه، تعكس نو

لكن املتتبع للشأن املغربي قد يتساءل عن سبب العزوف الذي سجله املغاربة يوم التصويت، و كذا

باب من عن استمرار احلراك بالشارع املغربي و سيادة جو الالثقة بني فئة واسعة من املغاربة و خاصة الش

إنه التساؤل املشروع عن حقيقة الوضع . و النظام احلاكم و األحزاب السياسية من جهة ثانية جهة،

و من ضد من. ،، من مع منبالبالد

2011 مقال تحليلي

2

جسام عليه خوضها، و أمام املغاربة مهلة من زمن، مينحونها آلخر أمام العدالة و التنمية معارك

األحزاب السياسية باملغرب. فاملغرب بلد و إن أظهرت بعض املؤشرات متاسك اقتصاده و حسن سري أجهزته،

لتولد فاملشاكل اهليكلية تناسلت منذ عقودبلد ميكن أن تنقلب فيه األمور رأسا على عقب يف أية حلظة.

لة من ترد يف أوضاع فئات واسعة من هذا الشعب العريض.لنا حا

معدالت البطالة و الفقر ماضية يف االرتفاع، تدني مستوى التعليم و اخلدمات العمومية إىل تفاقم

متزايد. ناهيك عن تضخم يف املديونية اخلارجية و نزيف يف االحتياطي الوطين من العملة الصعبة و مزيد

طاع املصريف و اخلدمات بشكل عام. أما املشكل البيئي من تلوث و ندرة مياه و زحف من املشاكل تواجه الق

الرمال فحدث و ال حرج.

حزب العدالة و التنمية، و إن كان حلد الساعة يبتسم و هو يتلقى هذا الوابل اهلائل من التهاني

، و هو مطالب بأن إجابات عنهاأمام آالف األسئلة اليت ينتظر املغاربة قريبا سيجد نفسه بفوزه املستحق،

املرحلة الراهنة؟ لويات. فأي ترتيب ألية أولويات يفجيد احللول ألغلبها بعد ترتيب األو

يف إطار التضامن احلكومي، داخل حكومة يفصلنا عن تشكيلها أيام قالئل، يعد رئيس احلكومة

. و بالتالي فاملغاربة يآتهم السياسيةاملسؤول األول عن أعمال و منجزات أعضاء حكومته أيا كانت تالوين ه

و ما أسس له من مواقف قبل ،مصداقية ما قطعه من عهودسيسائلون و لو بعد حني احلزب األغليب عن

أثناء محلته االنتخابية.و

ميكن من اآلن التأكيد على أهمية جس نبض الساحة السياسية و اإلدارية للمغرب فور تنصيب

فإما املضي قدما مع التأكد من توفر من الربملان بناء على التصريح احلكومي. احلكومة غداة نيل الثقة

و إما الرتاجع فورا ،الضمانات و الصالحيات الكافية إلصالح أوضاع البلد األوىل باالهتمام و اإلنقاذ

السياسي يف نهاية املطاف ال . فاحلزباملشاركة يف مسرحية احلكم بعد تأكد عدم جدواهاعن االعتذار و

هباء يعدو أن يكون رأس مال من الثقة اليت مينحها املواطن، و هي الثقة اليت يصري احلزب بعد سحبها

. و هو ما أضحى مصري األحزاب السياسية املغربية املستأثرة باملشهد السياسي املغربي لسنوات.منثورا

مطالب بعدم املضي يف طريق قيادة احلكومة و زمام ،حزب العدالة و التنمية من أن أجل أن ينجح

دها ستنهار، و إمنا فليست مسعة احلزب و مصداقيته وحو إال سيحصل ما ال حتمد عقباه، ،األمور بغري يده

و هلم جرا ملا سيفضي إليه كل ذلك من تداعيات على عالقة .انهيار الثقة يف املؤسساتسيؤدي األمر إىل

اكم ككل.املغربي بالنظام احل

2011 مقال تحليلي

3

أمام احلزب أوراش ال مناص له من التأكيد عليها و إيالئها األولوية يف التنفيذ، و ذلك بناء على

مثان، و هي تعزز الثقة و التقدير من لدن املواطنأنها ال تتطلب الكثري من الصالحيات من جهة، و أنها

:على األقل مداخل

إصالح صورة رجل الدولة يف أعني الشارع: -1

أن يستثمر دراسته للمجتمع من الوجهة اسي بصفة عامة، ال بد له املشتغل يف احلقل السيإن

و إن النظرة اليت اعتاد اجملتمع املغربي رمسها للمسؤول العمومي و رجل الدولة االجتماعية خري استثمار.

و يرتاحون إليه.جيب أن يفلح حزب العدالة و التنمية يف تغيريها و تقديم منوذج بديل يستحسنه الناس

، من قبيل رفض فإذا ختلى وزراء العدالة و التنمية عن جمموعة من االمتيازات املمنوحة هلم

و اليت حتصر احلق يف استعماهلا بشكل هلاو تطبيق النصوص القانونية املنظمة استعمال سيارة املصلحة،

كم سيصري املغربي ،فقط دون غريهم دائم للوزراء و كتاب الدولة و الكتاب العامني و رؤساء الدوواوين

عندما يرى درجة الرفاهية تقل يف السيارات الرمسية و أن مثنها ينخفض، حبيث يوضع ، و خصوصاراضيا

سقف معقول جيب على كل مصلحة من مصاحل الدولة احرتامه عند اقتناء سيارات املسؤولني مثال.

تب و التعويضات، و أيا كان األمر، فإن كل و احلديث عن سقف أعلى جيرنا هنا للتطرق إىل الروا

بلد خيطط بعقالنية لتدبري موارده و نفقاته املالية، جيب أن حيدد سلفا حدا أدنى و سقفا أعلى للرواتب

فال يعقل أن تتجاوز املرتبات مقرتنة بالتعويضات و احلوافز احلكومية اليت يتقاضاها املسؤولون و املوظفون.

يصري معها ما يدخل رصيد مسؤول كبري يتجاوز ما يتقاضاه عشرات املوظفني و االمتيازات حدودا

البسطاء، خاصة و البالد تعرف مشكلة حقيقية يف التوزيع العادل للثروات.

مومية مناصبا للبذل و العطاء، الإذا فلح العدالة و التنمية يف قلب املفاهيم، و جعل املناصب الع

، فإن ذلك وحده سيدفع باحلزب قدما حنو اكتساح أوسع يف اهية املبالغ فيهالالغتناء الغري املشروع و الرف

االنتخابات املقبلة.

2011 مقال تحليلي

4

األوضاع االجتماعية للمواطنني:االرتفاق وبالنهوض -2

الشق الثاني من التغيريات الظاهرة و امللحة اليت يصر املغاربة على رؤيتها تتحقق على أرض الواقع،

.اإلدارية و األوضاع االجتماعيةباخلدمات هو املرتبط

، مقدر على كل شخص ابتداء من تصريح العام إن االرتفاق، كما يصطلح عيه أساتذة القانون

و انتهاء بشهادة الوفاء و التصريح اأشكاهلفة كابو تسلم أول شهادة إدارية، مرورا مبختلف املعامالت الوالدة

الزال العمل باإلدارات العمومية من التقدم الرقمي و التقين، بالدفن. ال يستسيغ العقل السليم، أنه يف ز

، و الزالت املساطر املعقدة تثقل كاهل املواطنني يف كل مرة يهمون فيها بإجناز املغربية ينحو منحى بدائيا

معاملة إدارية. هذا دون إغفال ظروف االستقبال و التعامل املشني ألغلب املوظفني الرمسيني.

إنه ورش أولوي، ينبغي على احلزب وضعه نصب األعني، ينبغي أن تتطور األمور يف أقرب اآلجال

، و على لتصبح وثيقة التعريف الشخصية كافية لكل مواطن من أجل إجراء أية معاملة إدارية ختصه

ة و اخلدمية الدوائر الرمسية املعنية القيام مبا يلزم من جتديد للمساطر و ربط خمتلف املواقع اإلداري

املهانات اليوميةمع وضع نظام حمكم لقواعد بيانات املواطنني جتنبهم ،املختلفة ببعضها البعض رقميا

.االنتظاراليت يتعرضون هلا عند االرتفاق، بسبب سوء التعامل و ضعف اإلرشاد و طول وقت

جتماعية للمواطنني، الذين يعاني قسم كبري منهم من البطالة و الفقر، االكما أن األوضاع

تكتسي صبغة جتعلها من األولويات اليت ينبغي أن تنكب عليها احلكومة املقبلة. و ذلك مبراجعة نظام

من خالل الرفع من طريق تقوية دور صندوق املقاصة و إجناح مهامهالدعم االجتماعي للسلع األساسية عن

اليت استفاد منها األغنياء و هم بة على الثروة مبا يسمح بآلية غري مباشرة باستعادة مبالغ الدعمالضري

هم. خري مثال على ذلك الضريبة على السيارات، حيث يؤدييلإيتبضعون مواد مدعمة دعمها غري موجه

يون درهم مثال صاحب سيارة مثنها عشرون ألف درهم نفس الضريبة اليت يؤديها مالك سيارة مثنها مل

عنها.

بتشجيع الشباب على االندماج يعد توفري الغطاء القانوني للتشغيل مدخال مهما حملاربة البطالة

بعد تعويض املتقاعدين جديدا، حيث قد يشهد القطاع العام مع مرور السنني إشباعا بالقطاع اخلاص

فواج الكبرية اليت م توظيفها يف سنوات خروجهم من الوظيفة العمومية على اعتبار األالذين ارتفعت وثرية

. فباستثناء اخلصاص الكبري يف أطر التدريس و رجال األمن و الوظائف السبعينات من القرن املاضي

املتوسطة، تشهد حاجة اإلدارة للتوظيفات العليا تقلصا ملحوظا.

2011 مقال تحليلي

5

التمويالت لعمران وكما أن ملف السكن من امللفات اليت ينبغي احلسم فيها، فبدون خطة مدروسة ل

ال ميكن اإلحاطة بامللف من كافة جوانبه. و قوانني اإلجيار

يطرح ملف التمويالت البديلة و الصريفة اإلسالمية نفسه بإحلاح خاصة و أنه مطلب شعيب ملح

من جهة، و أنه عاد ليطفو على السطح بقوة مع صعود حكومة يتزعمها حزب إسالمي. و بالتالي فمن

احلكومة املقبلة مطالبة بتجاوز التدبري املراوغ للملف كما أريد له سابقا أن يكون، حبيث مل البدهي أن

تقدم األبناك التقليدية القائمة سوى منتجات مالية باهظة التكلفة رغم إقبال فئات واسعة من املواطنني

تطرق للموضوع مبزيد من التوضيح يف فقرة الحقة من هذا املقال.يتم العليها. س

من احلديث عن آفة الفقر و اهلشاشة االجتماعية و ما يصاحبها من مناص يف هذا الصدد، ال

، من خالل تفعيل دور فاحلزب مطالب بتوفري الدعم للفقراءظواهر اجتماعية احنرافية يعلمها اجلميع.

مليدانية لبؤر دوريات املساعدة االجتماعية و حتقيق التتبع الدقيق للمتسولني و ضمان تكثيف الزيارات ا

الفقر باألحياء اهلامشية. إنها مهمة يصعب للدولة وحدها االضطالع بها دون دعم و مشاركة اجلمعيات

و النسيج املدني الذي ينبغي أن يتحمل مسؤوليته بشكل أكثر جناعة. األهلية

ية إن مفتاح ضمان حل قابل للتطبيق يف أفق التقليل على األقل من وطأة املشاكل االجتماع

، يف القرية االبتعاد عن املناسباتية يف حل املشاكل و القيام بأنشطة دائمة و مستمرةاحمليطة بالفقر هو

املدينة، بغية توفري احللول لكل حالة على حدة مع ضمان التأطري و املصاحبة الالزمني.و

2011 مقال تحليلي

6

التأسيس للرتسانة القانونية املنظمة ملغرب الدستور اجلديد: -3

الدستور األخري الذي تبناه املغرب الصيف املاضي حوالي عشرين قانونا تنظيميا، جيب على رصد

الربملان املنتخب مؤخرا املصادقة عليها قبل انتهاء واليته التشريعية.

و من املعلوم أن الربملان املنتهية واليته قد صادق على بضعة منها بعد أن متت مناقشتها و تعديل

.ملراقبة مدى دستوريتها ل أن ميحصها اجمللس الدستوريبعض مضامينها قب

و نظرا للطابع االستعجالي هلذه القوانني التنظيمية، فقد تأكد من أكثر من مصدر أن الطريقة

اليت أعدت و نوقشت بها هذه القوانني شكلت مثاال على التسرع و عدم التدقيق يف بعض اجلزئيات، و احلال

ل احلياة السياسية ملدة غري هينة.إنها قوانني سرتهن مستقب

، و إن كان املواطن البسيط غري عابئ بها، نظرا لبعد مراكز اهتماماته عموما املعركة احلقيقية

ستكون هي تلك عن اجملال التشريعي الصرف بالرغم من ارتباط كافة جوانب حياته بها ارتباطا وثيقا،

ى مستوى الصياغة و التدقيق و األحكام، فهي ما سيضفي عل املتعلقة بقوانني تنظيمية حمكمة و ذات جودة

ات و تنظيم أوسع ملغرب العدالة على الدستور فاعليته و هي ما ستشكل أرضية لتحقيق العديد من املكتسب

احلريات.و

فالقانون التنظيمي لإلضراب، الذي طاملا انتظرته الشغيلة سيحل الكثري من اإلشكاالت و قد يرتتب

وقف متييع املشهد النقابي.د حني عنه و لو بع

ينتظر املغاربة كذلك القانون التنظيمي اخلاص بتقديم املواطنني لعرائض للسلطات العمومية

. حكومة من عيار احلكومة املرتقبة و برملان نوعي من األوروبيعلى غرار ما يشابه النموذج يف جمال التشريع

صالح قوي من شأنه ترسيخ مفهومي املشاركة و املواطنة.شأنهما جعل هذا القانون التنظيمي مدخال إل

اخلاص بعمل احلكومة، األحزاب املشاركة يف احلكومة تنتظر إىل جانب ذلك القانون التنظيمي

و حدود االشتغال مبا سيوضح تبيان هو بذلك يكتسي أهمية قصوى ما دام سريسم خطوط اللعبة و

للفاعلني الدستوريني باملغرب.الصالحيات و مدى اتساع هوامش املناورة

2011 مقال تحليلي

7

إصالح املشهد اإلعالمي: -4

، ضدا مضىالذي عد املغاربة يقبلون بالرداءة و البذاءة اليت غدا عليها املشهد اإلعالمي املغربييمل

أقل ما ميكن القول يف شأنها ،ملنظومة خلقية و فكرية غريبةعلى ثقافة املغاربة احملافظني بطبعهم، يروج

بسبب ما تقدمه القنوات الرمسية أنها تستهدف القيم اليت تربى عليها املغاربة منذ قرون و اليت باتت مهددة

من ما يعتربه أغلب املواطنني تفاهة.

موصول بشبكة إنهاء الدعم السخي الذي يدفعه كل بيت مغربيأول نقطة جيب اعتبارها هي

الكهرباء لقنوات عمومية أبت إال أن تعرب عن قناعات أقلية قليلة من املغاربة و هي تعيش بفضل ما يفرض

على املواطنني دفعه، مقابل تشجيعها على البحث عن موارد مالية أخرى أوهلا اإلعالنات، إىل جانب ترشيد

لى النوعية و التميز.النفقات ووقف شراء مواد ال يهتم هلا أحد مع الرتكيز ع

، من خالل تأهيل أمثل للموارد البشرية للمؤسسة الرفع من جودة ما يقدمالنقطة املوالية هي

اإلعالمية و النهل من التجارب الناجحة للقنوات بالبلدان الشقيقة و الصديقة، واستهداف املشاهد بالوطن

.العربي كافة بدل تقديم ما ال يشاهده أحد حتى يف املغرب

احلسم إن احلديث عن إصالح املشهد اإلعالمي الوطين، مبختلف مكوناته، يستدعي التأكيد على

، فال يعقل أن يستمر القانون اجلنائي مسلطا على يف مسألة املرجعية القانونية لعالقة الدولة بالصحافة

قابة املمارسة على تهم. كما أن حجم الراالصحفيني يف حاالت معينة للزج بهم يف السجون و إخراس أصو

الصحافة جيب أن تقل، و لترتك الرقابة اليت ميارسها القارئ هي الفيصل.

2011 مقال تحليلي

8

إصالح التعليم: -5

ال ميكن أن يشهد اجملتمع نهضة حقيقية دون إصالح التعليم الذي تأكد للجميع باملغرب حجم

مأساته و مدى التخبط الذى طبع السياسات التعليمية املغربية منذ عقود خلت.

بالرغم من املبالغ املالية الضخمة اليت وفرها املخطط االستعجالي الذي جيء به لتصحيح مسار

إصالح خاطئ قاده امليثاق الوطين للرتبية و التكوين، جيد املغاربة نفسهم أمام مزيد من التقهقر التعليمي،

ع: ما مستقبل املدرسة العمومية؟ومما يفتح الباب أمام التساؤل املشر

.لتدق ناقوس اخلطر و تفرز مؤشرات يندى هلا اجلبني 2002توالت التقارير منذ

تشخيص الوضع لن جيدي يف هذا املقام مادامت احلقائق هنا ساطعة للعيان. املهم هو احلل الذي

لن يتأت دون النظر إىل احملاور الثالثة التالية:

ذي يعتقد أن ميسك بزمام حقيبة الرتبية أمام حزب العدالة و التنمية ال :حمور املوارد البشرية

إعادة نظر والتكوين يف احلكومة املقبلة وقت قصري لتجاوز اختالالت املنظومة البشرية باجملال من خالل

جدرية يف مقومات النظام األساسي و القضاء على تشتت فئاته و مراعاة املطالب املختلفة للنقابات

. مع العمل افة األطر ملواكبة املستجدات الرتبوية و اإلدارية و التدبرييةو إعادة تأهيل و تكوين ك التعليمية

على وضع حلول على املقاس يراعي باألساس العاملني احلضري و القروي حيث بات ضروريا التفكري يف

اعتبارا ملدى قساوة الظروف و توفر وسائل القيمة املالية للعاملني بهذا األخري،من حيث تعويضات متدرجة

الذي لن جيد حال خارج إطار توفري شروط مبا يضمن حال جذريا ملشكل احلركة االنتقالية احلياة

مع األخذ بعني االعتبار موقعة املؤسسات التعليمية بالشكل الذي ،االستقرار مبقار العمل أينما وجدت

يسمح بتجميع أمثل للموارد و التالميذ.

: حققت املدرسة املغربية بفضل املخطط االستعجالي قفزات يف هذا الصدد، حمور البنيات التحتية

إال أن الطريق مازال طويال أمام اخلروج من مأزق تردي البنيات التحتية للمؤسسات التعليمية. برتشيد

تدقيق احلكومة املقبلة للموارد املتاحة سيصري ممكنا جتاوز هذه املشكلة يف إطار ربط املسؤولية باحملاسبة و

.دومنا خوض يف انشغاالت جانبية مبا سيسمح بتوجيه املوارد املالية للهدف مباشرة تتبع و إجناز الصفقات

: إن الثورة اليت الزال قطاع التعليم ببالدنا ينتظرها هي حمور املناهج و تنظيم األسالك التعليمية

التخلص من سجن حصيلة القطاع وجب الثورة ضد اخلريطة املدرسية و لغة األرقام. فمن أجل ضمان جودة

جيب أن تتوقف اجملالس الرتبوية مبؤسسات التعليم املدرسي األرقام و النسب و التصريح حقيقة مبا جيري،

2011 مقال تحليلي

9

كما .األعلى بصرف النظر عن توفرهم على الكفايات الالزمةمن السماح بانتقال التالميذ إىل املستويات

زارة عن مطالبة األساتذة بتضخيم نسب النجاح.جيب أن تتوقف املصاحل الرتبوية للو

إن التعليم إذا أريد له فعال اإلقالع بهذا البلد جيب أن يرتكز على نظرة جديدة للمحاور الثالثة

،السالفة الذكر، حبيث يعاد النظر يف تنظيم و تأهيل و مكافأة و حماسبة و إشراك األطر العاملة بالقطاع

مع ضمان احلد األدنى على األقل من حكامة السياسة التعليمية يف أفق إنهاء دوامة املطالب اخلبزية اليت

طغت يف اآلونة األخرية و توفري وسائل و ظروف العمل املناسبة.

تبقى الكلية، باعتبارها احملطة األخرية للعملية التعليمية و مركز جتل لنجاحات و إخفاقات

و املعاهد بني الكليات للمعلوماتتبادل إعادة هيكلة، تضمن التواصل و حاجة هي األخرى إىلالقطاع، يف

لتوفر الفضاء املناسب للبحث تتجاوز طرق التسيري اإلداري العقيمة و املساطر املبتذلةالعليا املختلفة، و

قاطرة البحث العلمي اجلدي العلمي بكل معاني الكلمة و تدفع باألساتذة و الطلبة على حد سواء إىل قيادة

و املنتج.

، مهمة جيب أن قد بدأت تلوح، و إن كانت بوادره إن ربط الكلية باجملتمع و قطاع املقاوالت و اإلنتاج

لو على صعيد إرساء الدعامات األوىل.تنجح فيها احلكومة املقبلة و

2011 مقال تحليلي

10

إصالح االقتصاد: -6

التوصل إىل مفاتيح إجناح املهمة الصعبة اليت يبقى لالقتصاد الوطين نصيب مهم من حديث يهم

تنتظر احلكومة املغربية املقبلة.

، منها قطاع فالحي متقلب األداء أسس هشةتشخيص بسيط للوضع يرصد اقتصادا معتمدا على

تبعا لتقلب املناخ السائد و إن كان البلد حياول جاهدا تقييم أدائه االقتصادي يف منئى عن القطاع

ذي لواله ملا قدمت نسب بطالة توهم بالشعور بالراحة. و منها قطاع خدماتي الزال يراوح نقطة الفالحي ال

االنطالق. و منها مداخيل متفرقة للعملة الصعبة بني حتويالت العمالة يف املهجر و سياحة تشق طريقها

بصعوبة و صادرات لوال الفوسفاط و مشتقاته ملا جاء الذكر عيها باملرة.

صاد املغربي دون التطرق إلشكالني يقضان ن يهم احلديث عن تشخيص أوضاع االقتال ميكن أ

.ضخامة القطاع غري املهيكل و استفحال ظاهرة اقتصاد الريعمضجعه و يهددانه باستمرار التخلف و هما

صرح احلزب و مازال بأنه عازم على القضاء على اقتصاد الريع، و عليه املضي قدما، للقضاء على

مظلم من االقتصاد، يدر مداخيل طائلة للمنتفعني من ورائه دون أن يدخل ذلك يف إنتاج قيمة جانب

اقتصادية مضافة و حيرم بالتالي معدل منو الناتج الداخلي اإلمجالي من نقطة أو رمبا اثنتني إن مل نقل

املهيكل.هذا طبعا دون احتساب خسائر االقتصاد الوطين جراء تعاظم حجم االقتصاد غري أكثر.

مدخالن رئيسان لتنمية االستثمار و تقوية دور القضاء و العدالة إن الفصل بني السلطة و االقتصاد

و تقويته باملغرب و بالتالي خلق لفرص الشغل و تثبيت للتنافسية من خالل تنويع العرض أمام املستهلك.

كل املؤشرات، لنكن متفائلني، تدل على توفر اإلرادة السياسية للمضي قدما يف هذا الورش الكبري،

بالرغم من أن طرق هذا الباب بشكل قوي قد يثري موجات من العداء ضد احلزب و حكومته من قبل

ا ستكون أوىل املعارك مما ينذر بأنه و الذين لن يوافقوا بسهولة غلى زوال "النعمة"املنتفعني بالوضع احلالي

الكربى اليت على احلكومة املقبلة خوضها يف سبيل اإلصالح و التطوير.

2011 مقال تحليلي

11

الضرب بقوة على أيدي الفاسدين: -7

الضرب بقوة على وقوفها حبزم ضد الفساد من خالل على احلكومة املقبلة تقديم الدليل القاطع

مبا لديها من صالحيات جيب أن جتد طريقها للتفعيل. املفسدين يدايأعلى

فليس من املعقول أنه يف وقت تقدم فيه تقارير اجمللس األعلى و اجملالس اجلهوية للحسابات و جلان

تقصي احلقائق الربملانية و غريها من اهليآت تقارير صادمة عن مجلة من االختالالت اخلطرية اليت تهم

ال جند على أرض الواقع أي متابعة قضائية جادة. ،املالي التدبري العمومي يف شقه

إنه منطق أعوج ينبغي القطع معه يف مغرب الدستور اجلديد و املسؤولية امللقاة على احلكومة

جسيمة و ثابتة يف جتاوز هذه العقبة من خالل تفعيل املساطر القضائية مبا يضمن رقابة قضائية املرتقبة

ليومي ملوارد هذا البلد اليت تركت منذ عهد ليس باهلني دون محاية فعلية للمؤسسة صارمة ألوجه التدبري ا

القضائية.

إن الفصل بني السلطة و املصلحة الشخصية من شأنه أن يدفع قدما بورش إصالح املغرب و القطع

أن كما أن ثقافة الالحساب اليت سادت جيبعة. مع الفساد و كافة الظواهر احمليطة به إىل غري رج

من مستغلي النفوذ و املسؤولني ذوي الضمائر تنمحي من خالل الضرب بقساوة على أيدي املخالفني

الضعيفة.

بالرغم من كون معطى احملسوبية و الزبونية قد جتذر بشكل مستفحل تعذر معه االستئصال

ميكن من ، فإن أمام احلكومة القادمة هامش من احلركة باعتباره معطى اجتماعيا ترسخ باملمارسة املتكررة

و ذلك من لسلوك مضاد يتجلى يف رفض التعامل وفق احملسوبية و الزبونيةالتأسيس فتح الطريق أمام

خالل تنظيم محالت للتوعية مع توفري الغطاء القانوني املرافق و املنظم ملعاقبة املفسدين و مستغلي النفوذ.

حتيني املساطر القانونية املتضمنة ألحكام الزجر و معاقبة اجلرائم ذات الصلةيف كما أن التفكري

مبا يضمن تشديد العقوبات مع مراعاة توفري الضمانات املقللة هلامش اخلطأ جتنبا إلصدار أحكام ظاملة

ورش جيب أن يفتح من قبل احلكومة املقبلة.

للصحافة، حبيث تقوم بدورها كسلطة رابعةالدور املهم الذي جيب أن يعطى ال جيب أن ننسى

مع ضمان قيام النيابة حقيقية يف مراقبة تدبري الشأن العام و توفري املعلومة عن أية اختالالت ممكنة،

.العامة بتحريك املتابعات القضائية دون انتقائية أو تلكؤ

2011 مقال تحليلي

12

مالءمة تصرفات الدولة مع اإلسالم: -2

، و بالتالي فمن الواجب تكييف كل تصرفات هو دين الدولة ينص الدستور املغربي على أن اإلسالم

.دستورية األعمال املخالفة ألحكامه الدولة مع اإلسالم، حتت طائلة عدم

يقوم املكون الرئيس للحكومة و الربملان اجلديدين، جيب أنحزب العدالة و التنمية، باعتباره

ذا املضمون املهم من الدستور.خبطوات جريئة لكن تدرجيية يف أفق التنزيل الفعلي هل

ا يف كل العامل مبا فيه أوروبا املرخص هل املصارف اإلسالميةال يعقل أن متنع دولة دينها اإلسالم

، و قس على ذلك متنع العامالت بها من ارتداء احلجابأمريكا، كما ال يتقبل العقل وجود إدارات مغربية و

و كذا اشتغال شركات مسابقات القمار عرب اهلاتفاملشاركة يف السماح لوسائل اإلعالم بدعوة الناس إىل

ارة للتعليم اخلمس بعدما كان منحبرية دون إغفال دور املساجد الذي قزم يف أداء الصلوات اليانصيب

الثقافة و العلوم.و

ية ، فباعتباره املؤسسة الدستورإن الدور الذي يلعبه اجمللس العلمي األعلى حاسم يف هذه املسألة

الوحيدة املخول هلا تقديم فتاوى شرعية ملزمة باململكة املغربية، وجب عليه تقديم ما يطلب منه من فتاوى

و غريها من املعامالت و اخلدمات االئتمانية. قروض االستهالكو قروض السكنحول

للمصارف اإلسالمية باالشتغال، سيطلب من حزب العدالة و التنمية العمل على الرتخيص

استصدار فتاوى رمسية مبنية على أسس فقهية ال ميكن إال أن تسري يف اجتاه حتريم بالتالي العمل على و

.مبوجب ظهري االلتزامات و العقود 1113الفائدة كما هي ممنوعة يف االقرتاض بني املسلمني منذ

مؤسسات الدولة املالية يبقى احلديث عن سعر الفائدة الرئيسي و أسعار الفائدة املطبقة يف تعامالت

و كذا أسعار الفائدة املقدمة من طرف خزينة الدولة مقابل اسرتجاع السندات احلكومية مسألة يستحسن

عدم اخلوض فيها يف الوقت الراهن ملا لذلك من تعقيدات تقنية بالغة إىل حني اكتمال الصورة عن البديل

القابل للتطبيق بنجاح.

إلرادة السياسية للمقررين يف املغرب، قد تغري معامل الدولة بشكل كبري، إسالمية الدولة، مع توفر ا

من ليشهدوالتنسجم على األقل مع ما تطلبه فئات واسعة من املغاربة الذين أوصلوا اإلسالميني للحكم

جديد ميالد مغرب إسالمي، غري ذلك الذي يتوهم البعض أن املغرب ذاهب إليه إن حنا هذا االجتاه.

، بل نظمها و رعاها و قدم خري مثال عن تدبري االختالف دون أن م مل يبخس يوما حقوق األقلياتفاإلسال

تطغى األقلية بآرائها اليتيمة على األغلبية كما هو احلال اليوم.

2011 مقال تحليلي

13

وصول إسالميي العدالة و التنمية اليوم على مفرتق الطرق، شديدة، يعترب املغرب، معخبالصة

توحة على كافة االحتماالت. و مبا أن الظرفية موسومة اليوم بوصول قوي حلزب حبيث تعترب الوضعية مف

مل يلمس منه على أرض الواقع إال اجلدية و االلتزام، فإن باب التفاؤل سيبقى مفتوحا للقول بأن فرص

كومة ثم لتغيري شروط اللعبة حنو مزيد من الصالحيات للربملان و احلالتغيري احلقيقي ألحوال الناس أوال،

.متوفرة مبا خيدم الدميقراطية اليت ينبغي للجميع الرتحيب بنتائجها

الشريعة و يبقى اإلسالم بالرغم مما يعتقده الغالة من أنصاره أو يتوهمه املتطرفون من أعدائه،

.األمثل للحكم و قيادة البالد و العباد، مبا يضمن حقوق كافة الفئات اليت تكون اجملتمع

، و إن ، فاإلسالم إسالم واحدعلمانيون أنه ال وجود إلسالم معتدل و آخر متشددجيب أن يعلم ال

كانت مدارس اإلسالم السين أربع. كما أن هذا الدين مل ينزل لنحتفظ به يف القلوب دون أن ميتد إىل

املعامالت اإلنسانية و االجتماعية عموما، فالقرآن الكريم يثبت عكس ذلك، كما يثبت إمكانية تنزيل

أحكام اإلسالم على واقعنا احلالي، و إال فلم يعد إسالما إن بقي حبيس املساجد و املناسبات.

أمام املغرب مستقبل واعد، و قد نكون مبا جيري هذه األيام على الطريق السليم. إشارات قليلة تكفي

لتأكيد هذا القول، و هي إشارات البداية، فهل لنا أن نطمئن هذه املرة؟

الفقراء من الفقر ينقذون، و األطفال باملدارس يتعلمون، و العمال األغنياء بقسمتهم يقنعون، و

األحزاب مبسؤوليتهم يضطلعون، و املسؤولون على األمانة لعملهم يتقنون، و املواطنون بينهم يتضامنون، و

حيرصون، و امللوك بالدميقراطية يهنؤون.

هي املعادلة اليت ال بد لنا من حتقيقها. تلك

ليحفظ اهلل املغرب.

كريم محيدوش

الرباط