AL-MANHAJ AL-SUFI I AH AT AL-TA`AMUL MA`A KITAB ALLAH … fileMakalah ini cuba sedaya upaya mendedahkan hakikat al-Islah menurut Islam dengan penegasan bahawa ia mestilah bertitik

Sayyed Abdul Hamid & Syed Mohammad Hilmi, “Al-Manhaj al-Sufi,” Afkar 17

(2015): 103-142

103

AL-MANHAJ AL-SUFI WA DAWRUHU FI ISLAH

ALIYYAT AL-TAÀMUL MAÀ KITAB ALLAH

TAÀLA

)كتاب اهلل تعالى مع عاملودوره في إصالح آليات الت ج الصوفيا المنه(

Sayyed Abdul Hamid Sayyed Ali al-Mahdaly al-Ahdal

Syed Mohammad Hilmi Syed Abdul Rahman

Fakulti Usuluddin. Universiti Islam Sultan Sharif Ali

(UNISSA). Bandar Seri Begawan. Brunei Darussalam

. Akademi Pengajian Islam. Universiti Malaya. 50603.

Kuala Lumpur. Malaysia.

Email: [email protected]

Khulasah

Makalah ini cuba sedaya upaya mendedahkan hakikat

al-Islah menurut Islam dengan penegasan bahawa ia

mestilah bertitik tolak daripada al-Quran yang di

realisasikan oleh Rasulullah SAW dalam kehidupan

realiti melalui akhlak agung beliau. Kemudian diikuti

oleh para sahabat dengan menjadikannya sebagai

manhaj ilmu dalam menetapkan fiqh al-Kitab dan al-

Sunnah. Ia juga dijadikan asas untuk memandu

masyarakat agar patuh kepada kebenaran. Lantaran itu

mereka bertungkus lumus menggangkat agama mulia

ini dan mereka yakin bahawa kemuliaan itu hanya bagi

Allah dan orang beriman yang membenarkan janji

mereka kepada Allah sehingga mereka berjaya

memimpin urusan dunia dan akhirat degan sebaiknya.

Kesemua itu berkat daripada didikan rabbani yang

diberi tumpuan utama dalam aspek pengislahan

masyarakat bagi mengubah diri manusia yang

susulannya akan menyebabkan berlakunya perubahan

kepada keseluruhan hidup manusia. Segala kerosakan

yang berlaku dalam masyarakat Islam di sepanjang

zaman sehingga hari ini adalah berpunca daripada


(2015): 103-142

104

kerosakan hati yang menegah manusia daripada

memahami rahsia ketuhanan yang menjadi jambatan

bagi segala kemajuan manusia didunia dan akhirat.

Justeru para ulama yang berusaha untuk mengislahkan

masyarakat telah mengambil langkah bijak untuk

memanfaatkan athar al-Salaf al-Salih dalam

mengasaskan manhaj ilmu yang lengkap dalam

membersihkan hati dan menjilahkannya. Manhaj

ulama sufi yang dicedok daripada nas-nas syarak yang

terkandung di dalamnya segala kaedah dan prinsip

ketuhanan ialah satu-satunya manhaj yang mampu

menyahut tuntutan jiwa manusia. Pengabaian terhadap

manhaj ini boleh menjerumuskan masa depan seluruh

manusia ke arah kebinasaan.

Kata kunci: Tasawuf, Islah masyarakat, manhaj sufi,

al-Qur’an

Abstract

The article tries to highlight the nature of al-Islah based

on Islamic point of view to the assertion that it must be

the starting point of the Qur’an, realized by the Prophet

Muhammad p.b.u.h. in the reality of life through his

great character. Then it was followed by his

companions by utilizing it as the methodology of

science in determining fiqh al-Kitab and Sunnah. It is

also used as a basis to guide the people to obey the

truth. Thus they struggled to raise this noble religion

and they are confident that the glory belongs only to

Allah and the believers who keep their promise to God

that they successfully lead the worldly affairs as well as

the hereafter. All of it was the results of the divinity

tutelage prominently in the reform of society to

transform human beings that follow-up would result in

changes to the entire human life. Any damage

occurring in the Muslim community throughout the

ages until today is due to heart damage that prevents

them to understand the divine secrets as a bridge for all

human growth in this world and hereafter. Hence the

Muslims scholars who give efforts to enhance

community have taken the right step to take advantage


(2015): 103-142

105

of athar al-Salaf al-Salih in establishing a

comprehensive methodology of knowledge in purify

and boost the heart. Sufi scholar methodology inferred

from the texts of legislation contained in it all the

methods and principles of divinity is the only

methodology that is able to respond to the demands of

the human soul. Neglect of this methodology can bring

the whole future of mankind toward destruction.

Keywords: Tasawwuf, reform of society, Sufi scholar

methodology, al-Qur’an

المقـدمةعرب الزمان فإن عملية اإلصالح يف اإلسالم تتسم بطابع االستمرارية

: وورثتهم -عليهم السالم -مهمة الرسل واألنبياء أن ؛ إذ 1واملكانشعيب عليه ، فقد قال اهلل تعاىل على لسان سيدنا هي اإلصالح

﴿: على خمالفتهعندما أصر قومه السالم

﴾ :وهو منهج قرآين مفروض على األمة [.88]سورة هودكما أشار إليه –، والتهاون عنه يؤدي إىل اهلالك اتباعه إىل يوم القيامة

: ﴿ -قوله تعاىل

﴾ تعاىل مففرته ورتمته . وقد أناط اهلل[117: ]سورة هود ﴿ مبن يقوم باإلصالح

﴾ :هنا . وعطف التقوى على اإلصالح[129]سورة النساء

. 22، ص1. اقرأ: رجال الفكر والدعوة يف اإلسالم للشيخ أيب احلسن الندوي، ج1

.5واإلصالح اإلداري للدكتور عبد الرتمن الضحيان، ص


(2015): 103-142

106

اإلصالح يف مجيع جماالت احلياة علىمؤشر قوي على ضرورة بناء ولن يستقيم أي توجه. ء،لن يقوم أي بنا ، فبدونه ))التقوى(( أساس

ملن أخذ ومن هذا املنطلق بشر النيب صلى اهلل عليه وسلم بالفالح وخاصة يف زمن ،وقام هبا خري قيام هذه املهمة السماوية على عاتقه

فيه الظلم وتطفى فيه اهليمنة املادية على يسود يشيع فيه اجلهل بالدين و بدأ اإلسالم غريبا، ))ل: على منهج اهلل تعاىل، فقا حياة الناس ومتردوا

قيل: يا رسول اهلل، ومن ،ثم يعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء .2((ون إذا فسد الناسح ل ص الذين ي :الغرباء؟ قال

وقد أصبح الفساد يف هذا العصر ضاربا جبذوره يف أغلب تظهر اجملتمعات اإلسالمية والعربية، وتسلل إىل مجيع اجملاالت املختلفة

ذلك واضحا على حياتنا االجتماعية، والسياسية، والرتبوية آثاروهذا الفساد يف حد ذاته .والتعليمية، واالقتصادية، واإلعالمية، وغريها

ليس عارضا، وإمنا هو نتيجة ألسباب ومقدمات تسربت إىل جسد األمة اإلسالمية فأهنكته، وأثرت فيه تأثريا بالفا. فعلى املصلحني يف هذه

من مواجهته وحربه، يقفوا على أساب هذا الفساد؛ ليتمكنوا األمة أنوأن يرصدوا خطوات املفسدين؛ حىت جينبوا اجملمتع خطرهم وشرهم

.3بكل وسيلة ممكنة

. واإلمام 16690، رقم احلديث: 237، ص27مسنده، ج. أخرجه اإلمام أتمد يف 2

.1، رقم احلديث: 23اآلجري يف كتاب الفرباء، ص .25. انظر: منهج القرآن الكرمي يف إصالح اجملتمع للدكتور السيد حممد يوسف، ص 3


(2015): 103-142

107

: 4وأسباب هذا الفساد كثيرة منها اإلسالم.لدين عن الفهم الصحيح احنراف كثري من املسلمني .1 فاءة اخللفاء.سوء فقه كثري من املسلمني للخالفة وضعف ك .2 اخلروج عن منهج اإلسالم يف نظام احلياة. .3 إىل فرق متناحرة. انقسام املسلمني وتفرقهم .4 موت روح اجلهاد وضعف أدواته. .5 اجلمود والتخلي عن االجتهاد. .6 اإلقبال على متع الدنيا ونسيان اآلخرة. .7 ل والتضليل.والضالوالتبديع انتشار البدع .8 .هموالدعن تربية أ أولياء األمورعجز .9

.وترك األعداء يسيطرون فيه التخلي عن التقدم العلمي .10 .الفراغ الروحي .11

راجعة إىل سبب واحد وغريها هذه األسباب يف احلقيقة أن و الذي حيرك من الوراء بقوة: هذه (( الفراغ الروحي)) هورئيسي، و

هذه املعضلة وال يصلحها ، وال يعاجلالظواهَر السلبية املنتشرة يف اجملتمع؛ التزاما صحيحا مبنيا على العلم الصحيح اهلل تعاىلنهج مب لتزامإال اال

ذا وه .احل والتفاين بإخالص يف خدمة هذا الدين العظيموالعمل الص -ديننا احلنيف يوجه اهتمامه وهلذا ترى .5أم الكوارث كلها الفراغ هو

.450. انظر: الرتاجع احلضاري يف العامل اإلسالمي للدكتورعلي عبد احلليم حممود، ص4

. 27منهج القرآن يف إصالح اجملتمع للدكتور حممد السيد يوسف، ص. انظر: 5


(2015): 103-142

108

إلصالح القلوب، ويبني لإلنسان أن صالحهم - بالدرجة األوىل، وشفائهم من األمراض اخلفية والعلل إصالح قلوبهمعلى متوقفالرباين هو الصويف يف العرف الرتبوي (( اإلصالح))و .6الكامنة

بة عيعد ركنا ركينا، وش(( أو اإلحسان، أو فقه الباطن الذي التزكية))أنيطت هبا عظيمة من شعب اإلسالم، وهو من أكرب املهام اخلطرية اليت

حممد صلى اهلل عليه وسلم، فقد جاء ذلك يف غري رسالة النيب سيدنا﴿سبحانه وتعاىل: ، قال اهللموضع من القرآن الكرمي

﴾ :وقد [، 2]سورة اجلمعة، ومناط اخليبة واخلسران يف إمهاهلا، جعل مناط الفالح يف العناية هبا

﴿: - 7بعد أطول قسم يف القرآن كله -فقال •

﴾ واهلل سبحانه وتعاىل[. 10-9: ]سورة الشمس أن ينبهنا من وراء ذلك عندما يقسم بشيء، فإمنا يريديف كتابه العزيز

، حىت ال نشقى به على طول احلياة وعرضها، إىل موقف بالغ اخلطورة فلقد أعذر من أنذر، والت ساعة مندم، وال تلوموا إال أنفسكم.

-إن أردنا السالمة يف الدين والدنيا واآلخرة –ليس أمامنا خيار ف ،يهدي لليت هي أقوم ذيال-تعاىل -رحاب كتاب اهلل العودة إىل بإال

.28. انظر: حقائق عن التصوف لسيدي احلبيب عبد القادر عيسى، ص 6

.13. انظر : التزكية لألستذ املعاز، 7


(2015): 103-142

109

صلى اهلل عليه وعلى آله -سيدنا حممد وحبيبنا والتمسك بسنة نبينا ضرورة مع ،عز وجل ، الذي جاء ليبني أسرار كتاب ربه- وسلم

أن األصل في التعامل مع الدستور القرآني :االعتبارعين باألخذ وعمال: هو السير على منهج سلفنا الصالح فقها وتفسيرا، علما

كما ثبت يف الصحاح من رضوان اهلل عليهم، المشهود لهم بالخيريةخير الناس ))غري وجه أن النيب صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم قال:

أقوام تسبق يء، ثم يجقرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهميدخل يف هذه وكذلك .8((هه شهادت ه، ويمين أحدهم يمين شهادة

بإحسان إىل -عمل وحال عن علم و -ن تبعهم مَ كل القرون اخلرية ))أهل السنة والجماعة((. ـــ؛ وهم املعروفون بـيوم الدين

ألهل (( الخيرية))شك يف أن السر يف إثبات أي ومما ال يعرتينا ألوىل من تلك القرون الثالثة من املسلمني أهنم ميثلون احللقات القريبة ا

منها الحلقة األولىفالسلسلة املوصولة بينبوع النبوة وتعاليم الرسالة، مظهر لذلك الرعيل األول الذي تلقى أفراده عقائد اإلسالم ومبادئه من

صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم مباشرة، واستقرت رسول اهللسيدنا

، كتاب 2652، رقم احلديث: 668. أخرجه اإلمام البخاري يف صحيحه، ص8

إذا ُأشِهَد، واإلمام مسلم يف صحيحه، الشهادات، باب ال يشهد على شهادة جور، كتاب فضائل الصحابة، من حديث سيدنا 2533رقم احلديث: ،1963، ص4ج

عبد اهلل بن مسعود مرفوعا.


(2015): 103-142

110

ئب االبتداع أحكامه وآدابه الربانية يف عقوهلم وأفئدهتم صافية عن شوا وكدورات الوساوس واألوهام.

منها متثل التابعني الذين غمرهم ضياء النبوة والحلقة الثانيةباتباعهم ألصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم، واالتباع هبديهم، والنيل من إشراقاهتم اليت اكتسبوها من رؤية هذا النيب العظيم

، وجمالسته والتأثر بوصاياه - ليمعليه أفضل الصالة وأمت التس - ونصائحه.

إيذانا بنهاية هي متثل تابعى التابعني، فقد كانو ةلثأما الحلقة الثا من الشوائب الدخيلة وخلوص الفطرة اإلسالمية مرحلة الصفاء الفكري

كما أشارت إليه - حيث بدأ يف هذا الوقت ظهور البدع ظهورا فاشيااط تلك ر عن ص عت الفرق الضالة تشذ. وتتاب- تتمة حديث اخلريية

العصور الثالثة، كل قرقة تشق لنفسها عن ذلك الصراط العريض سبيال متعرجا تقف على فمه وتدعو إليه ؛ خمالفة بذلك قول اهلل عز وجل:

﴿

﴾ :وظلت [. 153]األنعامبعد ذلك، من عصر رياح األهواء والبدع والضالالت، تتكاثر وتتسع

، إىل يومنا هذا. مصداقه قول رسول اهلل صلى اهلل عليه وعلى آخرإىل رضي -ن مالك آله وسلم فيما رواه اإلمام البخاري، عن سيدنا أنس ب


(2015): 103-142

111

))ال يأتي عليكم زمان إال والذي بعده أشر منه حتى : -اهلل عنه .9تلقوا ربكم((

وهذه احلقيقة اليت ال ريب فيها تدعونا إىل أن نربط عقولنا وسلوكنا واالستفادة سلوكهم، يف 10واالقتداء هبم ،برابطة الوالء للسلف الصاحل

الدنيا ظاهر والباطن،لا، جهم اجلامع بني الشريعة واحلقيقةمنهمن حتريف الفالني، وانتحال املبطلني، وتأويل القادر على نفي واآلخرة، .صلى اهلل عليه وسلم عن ساحة كتاب اهلل تعاىل وسنة نبيه اجلاهلني

هجامن _بعد انقضاء العصور املشهود هلا باخلريية جند _ومل كتاب اهلل امل مع لتعاإلصالح آليات املنشودةالكفاءة تتحقق فيه

على الدوام –ترنو إليه الذي ربانيال الصوفيالمنهج ، إال ذلك تعاىل ،الذين مجعوا بني العلم والعمل واإلخالص نيربانيالعلماء ال جباه -

يف اإلرشاد املصلحون هوسار علي يف إصالح األمة، واستمدوا من نورهاإلسالم واإلميان ورُ انتشر يف أرجاء املعمورة ن؛ فعرب العصور والتوجيه

، ال بفضل قوة الرباني الواقعي العمليالمنهج واإلحسان بفضل هذا السيف واإلكراه، كما يدعيه أعداء اإلسالم واإلنسانية عن جهل

وحسد وطفيان.

صالحيساحة العمل اإل خطورة غياب المنهج الصوفي عن

، كتاب الفنت، باب ال يأيت 7068، رقم احلديث: 22، ص13. انظر: فتح البارئ، ج9 زمان إال الذي بعده شر منه.

.10سعيد رمضان البوطي، ص. انظر: السلفية للدكتور حممد 10


(2015): 103-142

112

تعامل عموما، ويف ال إن غياب هذا املنهج عن ساحة العمل اإلسالميمن الداخل مع كتاب اهلل تعاىل خصوصا، جعل األمة اإلسالمية ممزقة

، كل يرى نفسه على صواب، متقاتلة متخاصمة إىل فرق متناحرةبل إن كل واحد من ؛ بدون حجة وبرهان واآلخر على ضالل مبني

هؤالء املنحرفني، يسوغ لنفسه ما ينصر احنرافه وضالله بتأويالت باطلة ظهور اآلراء واالجتاهات اجملانبة فنتج عن ذلك: كرمي؛ من القرآن ال

اخلراب : وكل ذلك سببه الرئيسللحق يف فهم كتاب اهلل تعاىل؛ إتقان املنهج بعد –فكان املنهج الصويف السين الداخلي النفسي؛

العلمي النظري يف التعامل مع القرآن الكرمي وسنة نبيه صلى اهلل عليه – والواقع املعاش بشهادة التاريخ –د هو الضمان الوحي -وسلم

ها إىل الرشد ، وإرجاعوالتشقق الداخلي من املوقف املتأرجحإلنقاذ أمتنا ؛ ألن اهتمامه منصب على التام القادر على نصرة احلق واإلنصاف

:اإلصالح الداخلي قبل اخلارجي بفضل توجيه من القرآن الكرمي

﴿ ﴾ [ :سورة الرعد

حيتل املفهوم من هذه اآلية الكرمية، التفيري واإلصالح الداخلي؛ إذ [11األولوية والصدارة قبل كل شيئ، وقد أكده ذلك سيدنا رسول اهلل

))إن في : يف حديثه الصحيح صلى اهلل عليه وسلم عندما يقولح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد مضغة إذا صلحت صل


(2015): 103-142

113

ومن هنا تظهر جليا أهمية ، 11الجسد كله، أال وهي القلب(( المنهج الصوفي في اإلصالح والتغيير.

وظيفته األساسية و حقيقته التصوف األصالة االشتقاقية للتعرف على حماولتها اجلهود العلمية يف ضاعتلقد

توصلت قد ، إال أهنا انتمائها اللفويفشلت يف حتديد لكلمة التصوف و ى شيوع هذه ل؛ بناء علعلم التصوف اتيف النهاية إىل وضع تعريف

رمز للعزوف عن الدنيا ـ ))كالعامة األوساط اإلسالميةيف الكلمة . ((واإلقبال على اآلخرة

الرغم من تعدد العبارات التي تتجه الوجهة الصحيحة وعلى ج من دائرة المعنى للتعبير عن حقيقة التصوف غير أنها ال تخر

-بحال من األحوال -ال يخضع الذي الرمزي واإلشاري؛ وأجمع التعريفات لهذا المصطلح ما قاله اإلمام للموازين اللغوية

هـ، من أن التصوف صفاء 322أبو بكر الكتاني المتوفى سنة ومشاهدة.كما قال اإلمام األكرب الشيخ عبد -العبارة على وجازهتا وهذه

عنصرين لتعريف نت يف وحدة متكاملة قد كو - 12م حمموداحلليأحدهما : الوسيلة، وهي الصفاء.والثاني : الغاية، وهي التصوف.

. متفق عليه.11 .47 – 38. راجع : قضية التصوف : املنقذ من الضالل، ص 12


(2015): 103-142

114

والتصوف من هذا التعريف طريق وغاية. وطريقه يتضمن المشاهدة.نواحي كثرية تشري إليها تسميتها نفسها ، ولعل ذلك من األسرار اليت

واختاذها عنوانا على هذه الطائفة. كانت السبب يف هذه التسمية،لقد قال مجاعة :إمنا مسيت ))صوفية((؛ لصفاء أسرارها، ونقاء

وقال وقال الشيخ بشر بن احلارث : الصويف من صفا قلبه هلل. آثارها.بعضهم: الصويف من صفت هلل معاملته، وصفت من اهلل عز وجل

إمنا تشري إىل (( وهؤالء يهدفون إىل أن كلمة: ))الصوفية .هكرامتملقاييس اللفة، وما دامت ))إشارة((، . وهذه اإلشارة ال ختضعالصفاء

فإنه من التعسف أن جيادل إنسان يف أمر انسجامها مع اللفة، وعدم انسجامها.

ويقول قوم: إهنم إمنا مسوا: ))صوفية((؛ ألهنم يف الصف األول بني بقلوهبم عليه، ووقوفهم يدي اهلل عز وجل، بارتفاع مهمهم إليه، وإقباهلم

؛ وهؤالء إمنا يعربون عن إشارة الصوفية إىل الصف بسرائرهم بني يديه.لكوهنم يف الصف األول يف العمل على الوصول إىل اهلل تعاىل واجلهاد

أما إشارة الكلمة إىل ))أهل الصفة((، الذين كانوا على عهد يف سبيله. إىل أوصافهم من العبادة، رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم، إمنا تشري

والتهجد، وعدم الطمع يف الدنيا، واستعدادهم الدائم للجهاد يف سبيل وتشري الكلمة للصفة: أي الصفة الكرمية، اليت ال يتعلق فيها اهلل.

القلب باملادة، وإمنا يتعلق باهلل تعاىل.


(2015): 103-142

115

وكل ذلك إمنا هو حديث عن الوسائل. على أن هذه الوسائل اليت ليها الكلمة هلا وسائل أخر. هذه الوسائل األخر منها ما يعربون تشري إ

عنون بذلك أنه ))ال يسرتقه يعنه بقوهلم: ))ال مَيِلُك وال مُيَلُك((. و ، هو أن يتحرر اإلنسان من وهذه الكلمة هلا مدلول واسع الطمع((.

حىت ولو ملكها عريضة، يتحرر من اجلاه، من االنفماس يفالدنيا، ، من حب السلطان، من حب الرتف، من اجلري وراء املال امللذات،

من الصفات اليت تتناىف مع الفضيلة.، فإذا : أهنا تؤدي إىل الصفاءوخاتمة المطاف في هذه الوسائل

، فيجود اهلل د اإلنسان استعداد كامل للمشاهدةما حل الصفاء كان عنة ، وهي هي أمسى درجات املعرفهذه المشاهدة عليه هبا ، إن شاء.

سعى وراءها ذوو الشعور املرهف، والفطر املالئكية، يالىت الفاية النهايةفالتصوف إذن يف حد ذاته معرفة ، وهي أمسى والشخصيات الربانية.

.13درجات املعرفة بعد النبوة، إنه مشاهدة، وهو طريقة إىل املشاهدةنقل حجة اإلسالم اإلمام أبو كما – الطريق إلى المشاهدةو

أهل التصوف عن ))إحياء علوم الدين((مد الفزايل يف كتابه اخلالد حاتقديم المجاهدة، ومحو الصفات المذمومة، وقطع )) هو: –

العالئق كلها، واإلقبال بكنه الهمة على اهلل تعالى. ومهما حصل ذلك كان اهلل المتولي لقلب عبده، والمتكفل له بتنويره بأنوار

ر القلب فاضت عليه الرحمة، وأشرق النور العلم. وإذا تولى اهلل أم

.45 . قضية التصوف: املنقذ من الضالل، ص13


(2015): 103-142

116

قشع في القلب وانشرح الصدر، وانكشف له سر الملكوت، وانعن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة، وتألألت فيه حقائق

.14األمور اإللهية(( -حبقائق العلوم الشرعية بعد التحقق - بالفعل وإذا حصل هذا

لصوفية، هي االيت ينشدها فاية كانت املشاهدة. واملشاهدة اليت هي الأيضا حتقيق واقعي للتعبري الذي ننطق به يف كل آونة حيثما نقول:

. فالشهادة هي غاية الصويف، وهو إمنا ))أشهد أن ال إله إال اهلل((يسعى جاهدا إليها بشىت الوسائل؛ ليحقق بالفعل مضمون ما يلفظ به

قوال، أو يقوله حروفا.على حياة اإلنسان حتقق (( ه المشاهدةآثار هذ)) ظهرتوإذا

. وإذا حتقق هذا - تعاىل -عنده صدق عبوديته وتوجهه إىل اهلل ))صراط واحملبة .يف ربه عز وجل الصدق واقعيا حتققت حمبته

هلا عالمات وشروط ، و الشبليالعارف باهلل على حد تعبري ((األولياءديث القدسي الذي احل هو :شاهدهاو . عند الصوفية لن تتحقق بدوهنا

عن أيب هريرة ، قال: قال رسول ، 15يف صحيحه رواه اإلمام البخارين اهلل قال: من عادى لي وليا فقد )): - صلى اهلل عليه وسلم -اهلل

دي بشيء أحب إلي مما افترضت آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبه: ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتعليه

، يف بيان الفرق بني اإلهلام والتعلم .18، ص 3إحياء علوم الدين، ج . 14 . 6147 حديث: -كتاب الرقاق باب التواضع -. صحيح البخاري 15


(2015): 103-142

117

، ويده التي ، وبصره الذي يبصر بهكنت سمعه الذي يسمع به، ولئن يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني ألعطينه

، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس استعاذني ألعيذنه ((.المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته

لتوجيه يف قوة ففي هذا احلديث الشريف يبدأ اهلل سبحانه وتعاىل با﴿الذين هم إىل صفاء القلب وطهارة النية بالنسبة ألوليائه. وأولياؤه

. ونتيجة يعادي املؤمن التقي ومن عاداهم فإمناآمنوا وكانوا يتقون﴾. على كل من حياول إيذاء اليت ال هوادة فيها إعالن احلربهذه العداوة

ويل من أوليائه.: أول خطوة في هذا الطريقبه. ومث يرسم اهلل تعاىل الطريق إىل ح

الشرط فرتضه علينا. ولن يتأتى حب اهلل سبحانه وتعاىل دون اأداء ما شرط القرب منه وهو أداء الفرائض؛ إذ احلب دون أداء : األول

الفرائض زيف وكذب، بل إن أداء الفرائض شرط الزم وتعبري واقعي عن وا: حنن حنسن الظن وقال حسن الظن باهلل تعاىل؛ فلقد ترك قوم العمل

لو : )) - صلى اهلل عليه وسلم -باهلل. وكذبوا كما يقول رسول اهلل ؛ وإال ملا بد من أداء الفرائض وال .العمل(( واأحسنوا الظن ألحسن

–كان ملهملها إىل القرب من اهلل تعاىل من سباقية. ومع أداء الفرائض ن النوافل أحبه اهلل اإلكثار من النوافل، فإذا أكثر م –يف وجوب القرب

ويرتتب وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه((.))تعاىل:


(2015): 103-142

118

على حب اهلل تعاىل للعبد: هذا اخلرُي الكثري الذي ذكره اهلل تعاىل يف 16احلديث القدسي.

يف 17العالمة احملقق أتمد بن حمي الدين احلسين اجلزائري ولقد وفق(( الذي الصوفي في إصالح النفس تأثير المنهجمدى ))التعبري عن

وهي بدورها تكون عامال فعاال كان سببا يف حمبة اهلل تعاىل لعبده، ، على هذا احملبوب الفيوضات اإلهلية واألسرار الربانيةلتنزل الرتمات و

ره إكسيرا تنقلب بنظرة وإذا أحب الحق تعالى عبده صي )) :فقال؛ فالشخص إذا والملوان ويزهو بوجوده الكون من نظراته األعيان

انجلى قلبه بالرياضات وكثرة الذكر وإدمان الفكر ساد السيادة القبول بين الناس عامتهم المطلقة العامة وبدت عليه لوائح

الجمال والبهاء والكمال؛ وذلك لصقالة ثوب لبس وخاصتهم وأ قلبه وتعلقه في جميع أوقاته بربه وعال شأنه وتنور كونه وبزغت

سه ونما غرسه وذهب نحسه، فهنيئا له بما نال من منح الكبير شملتنوُّر ه األمور الغيبية واألشياء المتعال؛ إذ قد انطبعت في قلبه

(.(بية، وظهرت عليه آثار األلوهيةالملكوتية والعلوم الوه

. انظر: لطائف املنن للعارف باهلل ابن عطاء اهلل السكندري مع تعليقات اإلمام عبد 16

.62احلليم حممود، ص .52: نثر الدر وبسطه يف بيان كون العلم نقطة، ص. يف كتابه17


(2015): 103-142

119

،((المحبة هي الغاية القصوى من المقامات))ومن هنا كانت اليت يتسابق إليها الصوفية الربانيون 18والذروة العليا من الدرجات

﴿قوله تعاىل: السائرون دوما على منهج الصادقون

﴾ :[.79]سورة آل عمران .19أي بالعلم والدراسة والتطبيق

ربطا حمكما بني حمبة اهلل – رضوان اهلل عليهم –ويربط أسالفنا سبحانه واتباع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسم؛ متناسقني يف ذلك مع

﴿توجيه اهلل سبحانه ﴾ الربط بين محبة اهلل ))وهذا الربط معناه: [.31آل عمرن: ]سورة

– لعبده يف توفيقه –اُت حمبة اهلل تعاىل مد. ومق((تعالى والعمل ؛20انتهاء -تعاىل –ابتداء، هى العمل، وهو من نتائج حمبة اهلل

املوافق ملا يف كتاب الصاحل، وهو هو العمليف اإلسالم والعمل املطلوب نصا أو استنباطا. وسلم؛ اهلل وسنة رسوله صلى اهلل عليه وعلى آله

[ : ))ان احملبة 257/ 4. قال حجة اإلسالم أبو حامد الفزايل يف إحياء علوم الدين ]18

الدرجات فما بعد إدراك من ى من املقامات والذروة العليا هلل هي الفاية القصو احملبة مقام إال وهو مثرة من مثارها وتابع من توابعها كالشوق واألنس والرضا وأخواهتا

مقدمة من مقدماهتا كالتوبة والصرب والزهد وغريها((. وال قبل احملبة مقام إال وهو .222احلبيب حممد زكي إبراهيم، ص . انظر: أصول الوصول لشيخنا اإلمام سيدي19. انظر: لطائف املنن للعارف باهلل ابن عطاء اهلل السكندري مع تعليقات اإلمام عبد 20

.62احلليم حممود، ص


(2015): 103-142

120

ل أقوام على عهد نبيهم: واهلل يا احلسن البصري: قا قال اإلمام[ إنا لنحب ربنا، فأنزل اهلل عز وجل يف حممد ]صلى اهلل عليه وسلم

قل إن كنتم تحبون اهلل فاتبعوني يحببكم اهلل ﴿ذلك قرآنا، فقال: ل اتباع نبيه صلى اهلل عليه وسلم عَلما حلبه، عفج، ﴾ويغفر لكم

من عمل يصدِّقه، أو قول دليال كل ، مث جعل على21وكذَّب من خالفهوعمل عمال حسنا رفع اهلل قوله يكذِّبه، فإذا قال العبد قوال حسنا

قوال حسنا وعمل عمال سيئا رد اهلل القول علىبعمله، وإذا قال العبد ﴿: العمل؛ وذلك يف كتابه

﴾22 [.10ر: ] سورة فاط اتباع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف (( صدق المحبة))فمن

والتأسى به يف األمور كلها، واإلعراض عن الدنيا هديه وزهده وأخالقهعليه الصالة -وزهرهتا وهبجتها؛ فإن اهلل عز وجل جعل سيدنا حممدا

علما ودليال وحجة على أمته. ومن صدق احملبة هلل تعاىل - والسالميثار حمبة اهلل عز وجل يف مجيع األمور على نفسك وهواك، وأن تبدأ يف إ

.23األمور كلها بأمره قبل أمر نفسك

. ويف األصل املطبوع ]من خالفها[ بضمري املؤنث؛ وما أثبتناه هو الصواب.21. وأخرج 169، ص1آن، ج. أخرجه اإلمام ابن املنذر هبذا اللفظ يف كتاب تفسري القر 22

. وأورده اإلمام السيوطي خمتصرا 272، ص3حنوه اإلمام الطربي يف جامع البيان، ج ، وعزاه إىل ابن املنذر به.41يف لباب النقول، ص

. انظر : لطائف املنن للعارف باهلل ابن عطاء اهلل السكندري مع تعليقات اإلمام عبد 23 .62احلليم حممود، ص


(2015): 103-142

121

((المحبة عند السادة الصوفية))وأحسن ما قيل يف التعبري عن ))المحبة اتباع أوامر المحبوب، ما قاله اإلمام الشبلي الصويف:

، وكتمان وتجنب نواهيه، ومع ذلك فيجب الصدق واإلخالصالحال مع بذل الجهد في المجاهدة، ثم بعد ذلك ال توصل

ت يه ﴿لقوله تعاىل: ((، للمحبوب إال بفضله ق ل إ ن ال ف ض ل ب ي د الل ه يـ ؤ ٌع ع ل يمٌ [.73]سورة آل عمران: ﴾م ن ي ش اء و الل ه و اس

لتام هو االلتزام ا ((أساس المنهج عند الصوفية))وهذا يعين أن بالشريعة اإلسالمية واالقتداء برسول اهلل صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم

ولذلك ظاهرا وباطنا، على أحسن وجه، مع تفويض األمر كله إليه؛قال العالمة احملقق احلبيب السيد أتمد بن حمي الدين بن مصطفى

رضي اهلل عنهم - 25الكمل : إن السادة الصوفية24احلسين اجلزائريالوا الذي نالوه إال بالمحافظة على الحدود اإللهية المحافظة مان –

، وصدق 26التامة مع صفاء القلب وتعلقه بالرب، وجمع الهمةالنية، وصفاء الطوية، والمثابرة على الخدمة، ودوام الحضور مع الحق تعالى، ومراقبته ونهاية المجاهدة؛ طلبا للتقرب إليه والتوصل

يقول قائلهم:. مواددته، ومواصلتهلرضاه، وجميل مشاهدته، و

.57الدر وبسطته، ص. يف كتابه: نثر 24 . يعين السادة الصوفية.25هى التشمري واجلد يف –كما فال اإلمام عبد احلليم حممود –. واهلمة عند الصوفية 26

العبادة.


(2015): 103-142

122

ومن تكن همه تسمو به الهمم •الندم من فاته الوصل منك حظه وهذا دائما ما جيول خبواطر هؤالء الكمل؛ لتمام تيقظهم، وذهاب

؛ بفية الوصول إىل ، ومتام خدمتهم لسيدهمنومهم، وزوال غفلتهم وعلى آله وسلمصلى اهلل عليه -، قال احلبيب املصطفى رضاه وحمبته

وقال اهلل ،27احفظ اهلل يحفظك، احفظ اهلل تجده تجاهك(()) : -د يـ نـ ه م س بـ ل ن ا و إ ن الل ه ل م ع ﴿تعاىل: و ال ذ ين ج اه د وا ف ين ا ل نـ ه

ن ين س [.69]سورة العنكبوت: ﴾ال م ح ول املشروعة سبيل حمقق للوص ابوسائله المجاهدة هذا يعين أنو ، وهو املقام الذي حيقق للعبد احملسن املقبل (( مقام اإلحسان)) إىل

احلضور مع اهلل عز وجل، ومراقبته اجلامعة على ربه بكليته: كمالَ يع مقامات واإلنابة إليه، واإلخالص له، ومجخلشيته، وحمبته ومعرفته،

.28اإلميان المحبة :مقام ثمرة

كما – بل اهلل عليه بعطفه ورتمتهالعبد إىل هذا املقام أق وإذا وصل، ويكون -29أشار إليه العالمة ابن قيم اجلوزية يف كتابه طريق اهلجرتني

حمبوبا عنده عز وجل، فإذا أحبه استنارت جهاته، وأشرقت ساحاته،

. أخرجه اإلمام الرتمذي وقال: هذا حدبث حسن صحيح، وأقره اإلمام النووي يف 27

(.19كتاب األربعني، رقم احلديث ) .430ص 2البن القيم، ج . انظر: مدارج السالكني28 .331. انظر : طريق اهلجرتني وباب السعادتني، ص29


(2015): 103-142

123

، وظهر عليه آثار إقباله من هبجة اجلالل وآثار اجلمال، وتنورت ظلماتهم، فإذا بة واملواالة؛ ألهنم تبع ملوالهوتوجه إليه أهل املأل األعلى باحمل

دا أحبوه، وإذا واىل واليا والوه، فقد ورد عن النيب صلى اهلل أحب عبإذا أحب اهلل العبد نادى: يا )) عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقول:

جبريل، إني أحب فالنا، فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم أهل السماء: إن اهلل يحب فالنا ف

، وجيعل اهلل قلوب 30((يحبه أهل األرض، فيوضع له القبول بينهممالك امللك أوليائه تفد إليه بالود واحملبة والرتمة، وناهيك مبن يتوجه إليه

ذو اجلالل واإلكرام مبحبته، ويقبل عليه بأنواع كرامته، ويلحظ املأل من رمي، وذلك فضل اهلل يؤتيهاألعلى وأهل األرض بالتبجيل والتك

وهذا هو اإلنسان المنتظر إلنقاذنا يشاء، واهلل ذو الفضل العظيم؛ .مما نحن فيه

في إصالح آليات التعامل مع كتاب اهلل دورهالمنهج الصوفي و تعالى

في الرباني الفريد هو المنهجالتصوف ))ويتضح مما سبق أن ن عدم أتوزن مبيزانه، و من أن ال بدسائر األعمال إذ أن، ((اإلصالح

حساسية يف الضمري، من - القدرة على االنسجام مع متطلباتهمن الوسائل وغريهامستمرة، وحذر دائم، خشيةو يف الشعور، وشفافية

.2675( ومسلم 10/461. أخرجه البخاري ) 30


(2015): 103-142

124

اليت متكن السائرين إىل اهلل تعاىل من اقتالع أشواك الرغائب ، 31هلواجس، وأشواك املخاوف واوالشهوات، وأشواك املطامع واملطامح

بالعكس؛ والعكس يكون الفشل حمققا. - اليت تكدر صفاء قلوهبمبصفة أوضح من صلى اهلل عليه وسلمتعرف سر قول النيب ومن هنا

، كله الجسد صلح صلحت إذا: مضغة الجسد في إن: ))ذي قبل . وهذا يعين أن32((القلب وهي أال ، كله الجسد فسد فسدت وإذا

تصفية أن وظيفتهو ف هو القلوبمجال التخصص لعلم التصو ؛ وذلك حىت تكون أوعية من الرذائل وتزكيتها بالفضائل النفوس

يعطينا انطباعا نفسه و يف الوقت وه للعلوم الربانية واملعارف اإلهلية، القلب إذا مل ينصلح بناؤه على الوجه الذي يريده فاطره عاما على أن

يكون عرضة لالهنيار كما فإن أي بناء بعد ذلك ،-سبحانه وتعاىل - .املادي الفريبعامل النشاهده اليوم يف

ره :يالتصوف مطلب ضروري لفقه كتاب اهلل تعالى وتفسالتصوف شرطا أساسيا : الربانيون وعلى هذا األساس جعل العلماء

أن مع التنبيه على ، على من أراد أن يتصدى لتفسير كتاب اهلل تعالىتأويلية مهما بلفت باملتخصصني يف الظاهر وال هذه األدوات التفسريية

صفية ، فإهنا لن يتم توظيفها على الوجه املطلوب إال بعد تإىل القمةاليت الضمائر من الرعونات اليت متنع نور اهلل تعاىل أن تنفذ إىل القلوب

.39، ص1. اقرأ : يف ظالل القرآن للمفكر اإلسالمي سيد قطب، ج31 . سبق خترجيه.32


(2015): 103-142

125

﴿، وصدق اهلل تعاىل إذ يقول: هي أوعية للعلوم واملعارف

﴾ :سورة األعراف[ والكربياء من أكرب األمراض القلبية اليت تعادي احلق وحتاربه. [.146

عن نور احملجوبواقع اإلنسان تعرب عنومن أروع العبارات اليت ابن شد السالكنير قطب العارفني وم اهلل تعاىل، ما قاله العامل الرباين

الذي ))الحكم((يف كتابه هـ(709)املتوىف سنة عطاء اهلل السكندري يعد من أبرز الدساتري األخالقية يف عامل الرتبية والتعليم:

؟)) كيف يشرق قلب صور األكوان منطبعة في مرآته أم كيف يرحل إلى اهلل وهو مكبل بشهواته ؟ أم كيف يطمع أن يدخل حضرة اهلل وهو لم يتطهر من

جنابة غفالته؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق األسرار وهو لم يتب من

.33هفواته ؟! ((وهذا تصوير بليغ عن مدى استحالة اجلمع بني الضدين،

، واهلدى والضالل، واخلري والنور والظلمة ،كاجتماع احلركة والسكونأحد شراح أبو عبد اهلل النفري الرندي يقول اإلمام ويف هذا. والشر

: 34يف سبيل جتلية هذه احلقائق (هـ792املتوىف سنة ) العطائية كماحلأضداد ال –رتمه اهلل تعاىل -وهذه األشياء اليت ذكرها املؤلف ))

.106. احلكم العطائية، ص33 .88، ص1ئية، ج. يف كتابه: غيث املواهب العلية يف شرح احلكم العطا34


(2015): 103-142

126

جتتمع؛ فإن إشراق القلب بنور اإلميان واليقني مضاد للظلمة اليت األكوان واعتماده عليها. واملسريو استولت عليه من ركونه إىل األغيار

تعاىل بقطع عقبات النفس مضاد لالعتقال يف حبس اهلوى إىل اهللنزاهته مضاد والشهوات. ودخول حضرة اهلل املقتضية لطهارة الداخل و

ة غفالته اليت مقتضاها اإلقصاء واإلبعاد. وفهم ملا هو عليه من جناباملستفاد من التقوى مضاد لإلصرار على املعاصي دقائق األسرار

و اتـ ق وا الل ه و يـ ع لِّم ك م ﴿عز من قائل: –شارة بقوله واهلفوات؛ وإليه اإلكما قال اإلمام –ومعىن هذه األية .[282]سورة البقرة: ﴾الل ه

وعد من اهلل تعاىل بأن من اتقاه علَّمه، أي جيعل يف : )) -35القرطيب، أي: نا؛ وقد جيعل اهلل يف قلبه ابتداء فرقاى إليهقَ ل قلبه نورا يفهم به ما يُـ

﴿ فيصال يفصل به بني احلق والباطل، ومنه قوله تعاىل:

﴾)) : [.29]سورة األنفال كما نقله شيخ اإلسالم اإلمام احلبيب عبد اهلل بن – ((التقوى))و

عبارة عن –اء األجالء رضي اهلل عنهم علوي احلداد احلسيين عن العلمامتثال أوامر اهلل تعاىل، واجتناب نواهيه؛ ظاهرا وباطنا، مع استشعار

يف وأنت يراك إال فال .36التعظيم هلل، واهليبة واخلشية والرهبة من اهلل حالة ترضيه عنك.

.402، ص3. يف اجلامع ألحكام القرآن، ج35 .34. انظر: النصائح الدينية والوصايا اإلميانية، ص 36


(2015): 103-142

127

سرار الدين كله، من إسالم وإميان وإحسان، أل صفة جامعة وهيمن استوفاها فقد اكتمل دينه؛ فقد جاء سيدنا ل، وأصو أركان وهي

جربيل عليه السالم ذات يوم إىل النيب صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم ؛ وذلك 37على أسلوب احلوار هذه األصول واألركان معلما للناس

ها يف العقول على اختالف درجاهتا؛ بفية بناء األعمال الفرعية لرتسيخ .عليها بناء راسخا ال يتزعزع

عن سيدنا عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه أنه قال: ورد وقدن م ا ن ح ن ع ن د ر س ول اهلل )) م -ى اهلل عليه وسلم صل -بـ يـ ، ذ ات يـ و

ن ا ر ج ٌل ش د يد بـ ي اض الثِـّ ، ال ر ي اب ، ش د يد س و اد الش ع إ ذ ط ل ع ع ل يـ -، ح ت ى ج ل س إ ل ى الن ب يِّ ال يـ ع ر ف ه م ن ا أ ح دٌ و ،يـ ر ى ع ل ي ه أ ثـ ر الس ف ر

ن د -صلى اهلل عليه وسلم ب تـ ي ه ، ف أ س ب تـ ي ه إ ل ى ر ك ي ه وض ع ك ف و ، ر ك ب ر ن ي ع ن اإل س ال م : ي ا م ح م د ، أ خ ي ه ، و ق ال ذ ل ، فـ ق ال ر س و ع ل ى ف خ

ه -ه وسلم صلى اهلل علي -اهلل ، د أ ن ال إ ل ه إ ال اهلل : اإل س ال م أ ن ت ش ال ة ، ، و ت ق يم الص -صلى اهلل عليه وسلم -ل اهلل و أ ن م ح م ًدا ر س و

ت ي الز ك اة ، و ت ص وم ر م ض ان ، و ت ح ج ال بـ ي ت ت ط ع ت إ ل ي ه ، إ ن و تـ ؤ اس : ص د ، ق ال س ب ياًل، ق ال ن ق ت بـ أ ل ه و ي ص دِّق ه ، ق ال : فـ ع ج : ا ل ه ي س

. وهو من أرقى الطرق الرتبوية الفعالة يف زرع املفاهيم وتنميتها واإلقناع الذايت لدى 37معرفة، املخالفني، مما يدل على عظمة اإلسالم مادة وأسلوبا، شرعة ومنهاجا، علما و

ظاهرا وباطنا، جسما وروحا.


(2015): 103-142

128

يم ان ب ر ن ي ع ن اإل م ن ب اهلل ف أ خ : أ ن تـ ؤ و ر س ل ه ، ،و م ال ئ ك ت ه ، و ك ت ب ه ،، ق ال ر م اآلخ م ن و ال يـ و ، ق ال ، و تـ ؤ : ص د ق ت :ب ال ق د ر خ ي ر ه و ش رِّه ، ق ال

، ق ال ف ب ر ن ي ع ن اإل ح س ان ، ف إ ن ل م ت ك ن ع ب د اهلل ك أ ن ك تـ ر اه : أ ن تـ أ خ .38((تـ ر اه ف إ ن ه يـ ر اك

هو سيدنا جربيل عليه السالم جاء والسائل في هذا الحديث، هو ولوازمهاهذه األركان مجموع ))وليلقن األمة أمور دينهم.

قام من املقامات يف اإلسالم إال والتقوى مدخل ، إذ ما من م((التقوىبصيغ ، وسر تكرارها يف القرآن الكرميإليه، ومن هنا تظهر جامعيتها

خمتلفة على طول املشوار يف اإلصالح والبناء.من واحد إىل (( درجات التقوى)) -صعودا وهبوطا - وتتفاوت

دة يف هذا الوار سب تفاوت استجابته ملطالب احلقائق الثالثحب آخرالذي يؤدي عبادته مبا يقتضيه مقام اإلحسان إذ املؤمن؛ احلديث

، وتنزل عنها حبسب ضعف من التقوى واملشاهدة يكون يف املرتبة العلياكون حمبتك يف يف خدمة الباري سبحانه وتعاىل. وبقدر تقواك ت مهتهات وضات الربانية والفتوحوبقدر حمبتك تتواىل عليك الفيعز وجل. اهلل

.اإلهليةويف مقدمتهم أهل – ومن هذا املنطلق جعل العلماء الربانيون

﴾ويعلمكم اهلل اتقوا اهلل﴿ قوله تعاىل -احلق من علماء التصوف شعارا هلم وأساسا يف التعامل مع كتاب اهلل تعاىل وسنة نبيه صلى اهلل

.8، رقم احلديث:37، ص1. أخرجه اإلمام مسلم يف صحيحه،ج38


(2015): 103-142

129

ن األكيدامهو الضعليه وسلم وسائر معامالهتم مع اهلل تعاىل؛ ألنه واحلل الوحيد لعالج أي مشكلة يف احلياة.

تعليمهم إياه يف هذه الذي وعد اهلل تعاىل أهل التقوى بوالعلم مثرة التقوى هو العلم الوهيب الذي ، وهو39((العلم اللدني)) اآلية هو

تفضال منه تعاىل وتكرما، وليس هذا اإلنعام ليس إال. و 40واالستقامةإذ هي جمرد طريق موصل إىل الكرم، ال ؛بصفة مربجمة مسببا عن التقوى

العلل(( ))جل حكم األزل أن يضاف إلى ، ولذلك قالوا:سبب فيهللداللة على أن ما وصل إلى العبد الصادق مع ربه من فيوضات

وهذا هو السر يف ربانية وكشوفات إلهية ليست عن استحقاق. .41إدخال الواو يف جواب األمر

اللدني :سبيل التحقق من العلم ويف سبيل التحقق من كون الوارد علما لدنيا من عند اهلل تعاىل، يتحتم

:عليه إشهاد عدلني، ومها القرآن الكريم األول: النبوية السنة :الثاني

. 280، ص1. انظر : البحر املديد، ج39 .15. انظر : الفيوضات الربانية، ص40 .280، ص1. انظر: البحر املديد: ج41


(2015): 103-142

130

أبو ويف هذا الصدد يقول اإلمام فإن كان موافقا هلما، قبل، وإال رد.: إن النكتة لتقع يف قليب فال أقبلها يةالصوف الطائفة سيد اجلنيدالقاسم

.42إال بشهادة عدلني: الكتاب والسنةال يلتفت إليه إال ((اإللهام في التصوف الحق)) وهذا يعين أن

هذا املنهج هو املعتمد عليه إذا كان مبنيا على الكتاب والسنة، وأن منذ فجر اإلسالم إىل يومنا هذا، ومل يشذ عنه إال أدعياء التصوف

وأعداؤه. باإلضافة إىل ذلك أن هذا االحتياط البالغ يف التعامل مع اخلواطر

لذي تقلده الصوفية احلق، واختذوه من لوازم التقوى، ا واإلهلامات يعدسبيال إىل عامل اإلحسان واملشاهدة، وهو طريق األنبياء واملرسلني

والصديقني والشهداء والصاحلني أمجعني.هو األصل األصيل للبناء في القرآن ((وىمقام التق)) وإذا كان

جعلوه قطب الرحى لسائر ، فإن رجال التصوفالكريم والسنة النبويةعلى أرض لن يتأتىنفسه وهو يف الوقت ؛يف الرتبية والسلوك املقامات

إال بعد فهم كتاب اهلل تعاىل وسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم، الواقع لبا.والسري على منهاجهما قلبا وقا

القاسم قول سيد الصوفية أبي مقتضى منهذا ما نفهمه و من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، ال يقتدى به )): الجنيد

.286، 1انظر : املرجع السابق : ج 42


(2015): 103-142

131

؛ وذلك 44((؛ ألن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة43في هذا األمر، - بطبيعة الحال عند السادة الصوفية -أن االقتداء في التصوف

إذا صدر من عالم رباني قد تحقق ال يصلح بحال من األحوال إالبكتاب اهلل على منهاج المصطفى صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم؛

يالعملالمنهج . والتصوف في حد ذاته هو علما وعمال وحاالاإلخالص، وهو حرب على جميع النظريات النابع من المتقن

المجردة التي ينشدها دوما الفالسفة والمعطلون؛ ألن شعار السادةعليه وعلى آله وسلم: ))إن اهلل تبارك الصوفية قول النبي صلى اهلل

يتجلى فيه إتقانا ؛45عمال أن يتقنه(( أحدكم يحب إذا عملوتعالى النبوي ال احلضور مع اهلل تعاىل ومراقبته اجلامعة؛ بناء على املفهوممك

من خالله أن نعبد اهلل الذي أمرنا حديث اإلحسانشار إليه أ الذي، فقال صلى اهلل عليه وسلم عندما ، وال نلتفت إىل من سواهعبادتهحق

))أن تعبد اهلل كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه عرف اإلحسان : ((.يراك

سيرا معظما في اآلفاق هذا المنهج سار هؤالء القوم ىوعلحا من الزمان، وأسلم طوعا على أيديهم ، وسادوا العالم رد ومكرما

أصبحوا دعاةو كما في شرقي آسيا وغيرها، ملوك وسالطين

. أي يف التصوف.43 .80سالة القشريية، ص. انظر : الر 44 (. 5312، رقم اجلديث: )334، ص4. أخرجه اإلمام البيهقي يف شعب اإلميان، ج45


(2015): 103-142

132

في مشارق األرض ؛ فانتشر الدين الحنيفإلى اإلسالم مخلصينومغاربها ببركاتهم وحكمتهم البالغة في الدعوة والتوعية، وال تزال

ب السائرين والتائهين إلى و تنير در –إلى يومنا هذا -أنوارهم رحاب اهلل تعالى.

األصيل النبويو القرآني لمنهجالمنهج الصوفي هو عين امن العلوم املستنبطة من اإلسالم التصوف يفبأن ونفهم مما سبق

مل بأنه، مع التسليم الكتاب والسنة كسائر العلوم اإلسالمية األخرىاسم على وجه التصريحيف القرآن الكرمي والسنة النبوية املشرفة يرد

ـ ك مقاماته وأحوالهالل ضمنا من خ فيهما أنه وردإال ،(())التصوفمحبة اهلل، و الصبر، والتوحيد، و الذكر، و الشكر، والتقوى، ))التوبة، و الخوف والرجاء، و المراقبة، و التوكل، و -وسائل جمربة قادرة أصول للتصوف و وهي ؛وغيرها46((اإلخالصو

على تنوير القلوب وجعلها حمال للفتوحات الربانية؛ -بإذن اهلل تعاىل البوابة الرئيسةله علماء التفسري من أهل السنة واجلماعة ومن هنا جع

بعد استيفاء الشروط املطلوبة يف قانون التفسري لفهم كتاب اهلل تعالىوإن اختلفت عباراهتم يف تسمية هذا العلم إال أن املسمى ، والتأويل

.واحد

. جاء هذا الرتتيب على هذا املنوال حسب وروده يف القرآن الكرمي كما صرح به اإلمام 46

(. 8ابن جزي الكليب يف مقدمة تفسريه : ) التسهيل لعلوم التنزيل :


(2015): 103-142

133

ضرورة ممارسة التصوف العملي واتخاذه منهجا لإلصالح الروحيال توصل إىل اليت ذكرها القرآن والسنة، املقامات ة أنويف احلقيق

مارسة مبهذا األمر إال ها على وجه الدقة، ولن يتأتىيلبتفع املطلوب إالإىل تزكية النفس –يف املقام األول -التصوف العملي الذي يهدف

وسائر الظلمات، وقرآننا الكرمي قد جعل هذا وتطهريها من الرعوناتن مقاصده، بل قدمه على مسألة التعلم والتعليم كما يف األمر العظيم م

﴿ قوله سبحانه وتعاىل :

﴾ :أن [؛ إشارة منه سبحانه وتعاىل إىل 2]سورة اجلمعة

الصفاء القلبي مفتاح لمعرفة أسرار كتابه وعنصر أساسي للضبط يليق بطالب اآلخرة أن ، فالالسليم والعمل الصالحالعلمي والفهم

هج الصويف املنإليها يففل هذا ؛ مع العلم بأن احملطة النهائية اليت يسعى بأمان . وهذا املقام لن يتحقق ، هي املشاهدة ة اإلصالح النفسيبوسيل

موثوق به يف وفعالية تامة، إال مبرشد رباىن وارث علم الكتاب والسنة، علمه وسنده، وفقهه وفهمه، وعقيدته وشريعته، وسلوكه وحاله؛

ه إرشاد هؤالء السالكني وتعليمهم كيفية الوصول كما تلقاه وظيفتُ صلى اهلل عليه وسلم عن أستاذه سيدنا جربيل عليه سيدنا رسول اهلل

-يعلم أصحابه كان بدوره - صلى اهلل عليه وسلم -السالم، وهو ؛ وهكذا إىل أن جاء جيل ، ويلقنهم هذه الكيفية - رضى اهلل عنهم


(2015): 103-142

134

جديد يتلقى هذا العلم املوروث عن سلفه الصاحل الوارث هلذا العلم الرباىن، عن منتهاه.

شى آثار أنوار النبوة كلما بعد العهد عنها، إىل أن ظهرت مث تتاللعدم نتيجة ؛احنرافات كثرية ىف الفكر والسلوكاإلسالمى يف العامل

؛ واذا والتوجيه وجود األهلية واجلدارة ىف كثري ممن يباشر وظيفة اإلرشاداشتكى كثري من السلف الصاحل من سلبيات هؤالء القوم، فما بال

ئك الذين يعيشون ىف عصر تفنن فيه أعداء اإلسالم ىف وضع أمثال أولولة دون الوصول إىل العراقيل والعقبات أمام الشعوب اإلسالمية للحيل

.مبتفاهمضمن سالمة السري يمرشد رباىن اذاختة من الضرور ومن هنا أصبح

لفوائد الثمينة اليت ميكن من خالهلا أن با وتدر علينال جالله، إىل اهلل جـ .ستمد منها يف مواصلة ومتابعة مهمتنا اإلصالحية والتوجيهيةن

ضرورة اتباع المرشد الرباني في السير إلى اهلل تعالى من خالل جتاربه العامل الرباين سعيد حوى السيد لقد توصل الشيخ

إىل إحراز سبع اإلصالح الروحيوخرباته ودراساته الواسعة ىف جمـال :47نبفوائد أساسية ىف هذا اجلا

: إن الشيخ البصري ىف األمور خيتصر لك الطريق؛ فبدال من أن األولىسواء كان طريق حتصيل علم، أو طريق –أى طريق –تتعب ىف الطريق

.199-198روحية، ص تربيتنا ال: . راجع 47


(2015): 103-142

135

استدالل على صالح القلب، أو طريق ختلص من مرض، فإنه خيتصر لـك.

، : إن الشيخ الكامل جينبك اخلطأ ىف الفهم، أو اخلطأ ىف السلوكالثانية أو اخلطأ ىف التصورات الىت ميكن أن تنشأ عن سري اإلنسان نفسه.

: إن الشيخ الرباىن من خالل صحبته تأخذ منه حاال، وتأخذ منه الثالثة مست العلماء وأدهبم، ونور العلم، وتنوير القلب.

: إن جمرد قبول اإلنسان أن يأخذ العلم أو الرتبية عن أهلها الرابعة ألمراض، كمرض الفرور، أو العنجهية، أو الكرب.حيرزه من كثري من ا

: وكل حالة يفرتض على اإلنسان حتصيل شئ وال يستطيع الخامسةحتصيله إال من جهة ما، فإن األخذ عن هذه اجلهة يعترب فريضة ىف

حقه من باب ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب.االنتفاع به : وإذا كان الشيخ صاحلا وداعيا إىل هدى، فإن السادسة

ىف الدنيا واآلخرة تـدل عليه النصوص.، واملشاركة ىف حلقات العلم والذكر، : والتجمع حول شيخ السابعة

عليه مصاحل كثرية ىف الدنيا والتآخى اخلاص ىف هذه األجواء، ترتتب واآلخرة؛ وكل ذلك غيض من فيض ىف حمل الشيخ ومكانه.

جعلت من اإلصالح النفسي أخريا أقول: لو أن متنا اإلسالميةو ، لظهر هلا من سلطان اهلل وتمايته ما أساسا لنظام اإلسالم وحكمه

ر ، ولسطع من هذا النظام اإلهلي نو وختلف يكلؤها من كل سوء ومكروه


(2015): 103-142

136

، على الرغم من كثرة دعاهتا وقوة يطفئ بريق سائر األنظمة األخرى .48املساندين هلا واملدافعني عنها

وتزكيتها أساس كل إصالح إصالح النفس ونفهم مما تقدم أنلن ، إذ فيه سر التقدم والنهضة، و وبناء، وخاصة بناء العلم واملعرفة

كتاب اهلل تعاىل علم تنهض أمتنا اإلسالمية إال بالرجوع إىل التحقق بالرباين الذي رمسه لنا سلفنا وسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم على املنهج

عليهم أمجعني. الصاحل رضوان اهلل تعاىلوأكتفي هبذا القدر، فإن كان يف هذا البحث املتواضع خري يذكر فلله احلمد والشكر أوال وآخرا، وإن كان العكس، فأسأل اهلل تعاىل

تمته، إنه ويل ذلك والقادر عليه.مففرته ور وصلى اهلل تعاىل على خري خلقه سيدنا حممد وعلى آله وصحبه

مد هلل رب العاملني !وسلم وآخر دعوانا أن احل

الخاتمةوبعد اجلولة القصرية يف هذا البحث املتواضع يطيب يل أن أخلص لكم

:التالية أهم نتائج األفكار يف النقاط الذي رمسه علماء أهل السنة واجلماعة الرباينالصويف ن املنهج أ

ااشد هبينالوسائل اإلصالحية اليت يعد أم ،اإلصالح والبناءيف إذ كل السري وعرضه؛ط خطول القرآن الكرمي والسنة النبوية على

. اقرأ : كتاب )) التعرف على الذات هو الطريق املعبد إىل اإلسالم (( لشيخنا العالمة 48 األستاذ الدكتور حممد سعيد رمضان البوطي.


(2015): 103-142

137

على وجه القائمةاملناهج اإلصالحية يف مجيع أنظمة احلياة سياسية وتربوية وتعليمية واقتصادية و من اجتماعية األرض،

بنا من إعادة احملاوالت فال حاجة وإعالمية وغريها، توزن مبيزانه، حلول مستوردة ملشكالتنا من األمم اليت ليست ؛ إلجياد املتكررة

هلا صلة متصلة السند بأخبار السماء، ومهما سعينا ألجل ذلك تضييع ه علينا، بل يكون مردودفإن التوفيق لن يكون حليفنا

األوقات وتبديد الطاقات اليت ميكن أن ندخرها ألوالدنا وشبابنا، هتم على الوجه يستفيدون منها يف تنمية مهاراهتم وتطوير حيا

.((عز وجل مرضاة اهللحيقق لنا ))الذي بالعودة إىل إال وهذه األمنية الفالية لن تتأتى على أرض الواقع

دراسة كتاب اهلل تعاىل وسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم؛ مع ما بالتصوف الرباين العملي الذي إصالح آليات التعامل معه

سائر األمراض الباطنة هدف إىل تزكية األنفس من الرعونات و يكالكرب واحلقد واحلسد والرياء وغريها من العلل اليت حتجب اإلنسان من التعرف على ذاته ومهمته اليت أنيط هبا يف هذه

احلياة. وأنا على ثقة تامة بأن إمكانياتنا احملدودة يف خمتلف اجملاالت، إذا

عاىل، وظفناها بإتقان وإخالص مع صدق التوجه والعبودية هلل تفستكون هلا مثرة يتولد منها نور يبدد الظلمات اليت تعرقل مسريتنا

حنو التقدم إىل األمام، ويهدينا إىل الصراط املستقيم.


(2015): 103-142

138

المصادر والمراجعاإلصالح اإلداري املنظور اإلسالمي واملعاصر: لألستاذ الدكتور عبد الرتمن الضحيان، دار العلم للطباعة والنشر، جدة،

هـ.1412ألوىل، الطبعة االرتاجع احلضاري يف العامل اإلسالمي وطريق التفلب عليه: لألستاذ الدكتور علي عبد احلليم حممود األزهري، دار الوفاء،

هـ = 1414املنصورة، مجهورية مصر العربية، الطبعة األوىل، م.1994

الطبعة ، تربيتنا الروحية: للشيخ سعيد حوى رتمه اهلل تعاىل م.1997 –هـ 1417ر السالم، القاهرة، اخلامسة، داموانعها : لألستاذ نبيل حامد املعاز، –وسائلها –التزكية ضرورهتا

م.1998هـ = 1419دار التوزيع والنشر اإلسالمية، التسهيل لعلوم التنزيل : لإلمام أيب القاسم حممد بن أتمد بن جزي

للكتاب، هـ، الدار العربية741الكليب الفرناطي املتوىف سنة ليبيا.

التعرف على الذات هو الطريق املعبد إىل اإلسالم: لألستاذ الدكتور حممد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق،

م.2008جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لإلمام أيب جعفر حممد بن جرير الطربي، ضبط وتعليق األستاذ حممود شاكر، دار


(2015): 103-142

139

هـ = 1421وت، الطبعة األوىل، إحياء الرتاث العريب، بري م.2001

اجلامع ألحكام القرآن: لإلمام أيب عبد اهلل حممد بن أتمد هـ، الطبعة األوىل، دار 671األنصاري القرطيب املتوىف سنة

م.1994هـ = 1414احلديث، القاهرة، رجال الفكر والدعوة يف اإلسالم: للشيخ أيب احلسن علي احلسين

ذ مصطفى أيب سليمان الندوي، مكتبة الندوي، حتقيق األستاهـ = 1420نزار مصطفى الباز، مكة املكرمة، الطبعة األوىل،

م.2000الرسالة القشريية: لإلمام أيب القاسم القشريي النيسابوري الشافعي

هـ، حتقيق العارف باهلل اإلمام عبد احلليم 465املتوىف سنة القاهرة، حممود والدكتور حممود بن الشريف، دار الشعب،

م.1989هـ = 1409السلفية مرحلة زمنية مباركة ال مذهب إسالمي: لألستاذ الدكتور حممد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر املعاصر، بريوت،

م.2008هـ = 1429الطبعة العاشرة، شعب اإلميان : لإلمام أيب بكر أتمد بن احلسني البيهقي املتوىف

الكتب العلمية، بريوت، هـ،الطبعة األوىل، دار 458سنة م.1990هـ = 1410


(2015): 103-142

140

صحيح البخاري: لإلمام عبد اهلل حممد بن إمساعيل البخاري م، دار إحياء الرتاث العريب، بريوت، الطبعة 256املتوىف سنة

م.2001هـ = 1422األوىل، صحيح مسلم : لإلمام أىب احلسني مسلم بن احلجاج القشريى

دار إحياء الكتب العربية هـ، 261النيسابورى املتوىف سنة فيصل عيسى الباىب احللىب، القاهرة.

يف ظالل القرآن: للمفكر اإلسالمي األستاذ الشهيد سيد قطب، م.2004هـ = 1425، 33دار الشروق، القاهرة، الطبعة

كتاب الفرباء من املؤمنني : للعالمة احملدث أيب بكر حممد بن قيق األستاذ رمضان هـ، حت360احلسني اآلجري املتوىف سنة

هـ = 1412أيوب، دار البشائر، دمشق، الطبعة األوىل، م.1992

كتاب تفسري القرآن : لإلمام أيب بكر بن إبراهيم بن املنذر هـ، حتقيق الدكتور سعد بن حممد 318النيسابوري املتوىف سنة

هـ = 1423السعد، دار املآثر، املدينة النبوية، الطبعة األوىل، 2002.

النقول يف أسباب النزول : لإلمام جالل الدين السيوطي ، لبابتعليق األستاذ حممد علي القطب، املكتبة العصرية، بريوت،

م.1994هـ = 1415


(2015): 103-142

141

هـ، حتقيق 1241املسند: لإلمام أتمد بن حنبل املتوىف سنة األستاذ شعيب األرنؤوط واألستاذ إبراهيم الزيبق، مؤسسة

م.1999هـ = 1419وىل، الرسالة، بريوت، الطبعة األمنهج القرآن يف إصالح اجملتمع: لألستاذ الدكتور حممد السيد

هـ = 1422يوسف، دار السالم، القاهرة، الطبعة األوىل، م.2002

نثر الدر وبسطه يف بيان كون العلم نقطة: للعالمة احملقق أتمد بن حمي الدين بن مصطفى احلسين اجلزائري املتوىف سنة

قيق األستاذ أتمد فريد املزيدي، دار الكتب هـ، حت1320 .2004هـ = 1425العلمية، بريوت، الطبعة األوىل،


(2015): 103-142

142

Documents

AL-MANHAJ AL-SUFI I AH AT AL-TA`AMUL MA`A KITAB ALLAH … fileMakalah ini cuba sedaya upaya mendedahkan hakikat al-Islah menurut Islam dengan penegasan bahawa ia mestilah bertitik