ﺕﺎﺳﺍﺭﺩﻭ ﹲﺙﻮﲝ :ﻦﻳﺪﻗﺎﻧ ﲔﺑ ﺓﺰﺠﻌﳌﺍ … · 103 ﺐﻄﻗ ﺪﻴﺳﻭ ﱐﺎﺟﺮﳉﺍ ﺮﻫﺎﻘﻟﺍ ﺪﺒﻋ :ﻦﻳﺪﻗﺎﻧ

حبوث ودراسات

:البالغة القرآنية املعجزة بني ناقدين .اجلرجاين وسيد قطبعبد القاهر

The Miraculous Character of Qur’anic Rhetoric between Two Literary Critics: ‛Abd al-Qāhir al-Jurjānī and Sayyid QuÏb

Bidang Retorik al-Qur’an di antara dua Pengkritik Ulung: ‛Abd al-Qāhir al-Jurjānī dan Sayyid QuÏb

* بومنجل امللك عبد البحث ستخلصم

نظريتان بالغيتان نقديتان يفتخر النقد العريب بتأسيسهما، وتقف البالغة القرآنية املعجزة وراء النظرية األوىل هي نظرية النظم لعبد القاهر : فضل البحث مث االكتشاف والتأسيس هلما

تدخل مبحث كلتا النظريتني .اجلرجاين، والنظرية الثانية فهي نظرية التصوير الفين لسيد قطبوكلتامها . اإلعجاز من باب البالغة واجلمال والفن، وليس من باب الغيب والتشريع والعلم

تدخل يف باب التنظري للبالغة القرآنية املعجزة، ولكنها تتسع ألن تكون نظرية يف البالغة األدبية عامل مع وكلتامها تسري يف خط واحد هو خط التوجيه إىل املسلك الناجع يف الت. بإطالق

: اخلطاب القرآين وتفسري إعجازه، ويف التعامل مع أي خطاب أديب مع مراعاة خصوصية النوعمسلك التذوق اجلمايل الذي ينقل نبض العبارة ونبض الصورة ونبض اإليقاع، ليتجسد الكل

يروم هذا البحث أن يسلط الضوء على معامل هذا .فكرة تتحرك، وعاطفة تز، ومشهدا يتصورط الذي توج عند عبد القاهر بنظرية النظم وعند سيد قطب بنظرية التصوير، وأن متتحن اخل

مدى سالمة املبادئ النظرية للنظريتني ووجاهة النتائج املتوصل إليها من قبل الناقدين، وأن . تستنبط دالالت االختالف بني تعليلي الناقدين لسر اإلعجاز القرآين

الغة، النقد األديب، إعجاز القرآن، النظم، التصوير الفين، الب:الكلمات األساسية .التذوق اجلمايل

: اجلزائر، الربيد اإللكتروين، قسم اللغة العربية وآداا، جامعة سطيف- أستاذ حماضر يف النقد األديب *

[email protected]

م2010 / ه1431. العدد الثامن والعشرون. التجديد ـــ الد الرابع عشر 102

Abstract Two critical and rhetorical theories Arabic literary criticism can proud itself of having laid down their foundation and whose emergence and formulation are due to the inimitable rhetoric of the Qur’an are the following: the theory of composition (nazm) developed by ‛Abd al-Qāhir al-Jurjānī (d. 471 H) and the theory of artistic representation (al-taåwīr al-fannī) formulated by Sayyid Qutb (d. 1966 CE). Both theories approach the question of the inimitability of the Qur’an from the gateway of rhetoric, beauty and art rather than metaphysics, legislation and knowledge. Both theories aim at theorizing on the inimitable Qur’anic rhetoric, but each of them is so broad and rich that it stands as a theory of literary rhetoric in general. Both theories proceed on the same line of providing the adequate and salutary approach for dealing with the Qur’anic discourse and expounding its inimitability as well as dealing with any literary discourse, while being attentive to the specificity of each genre. This approach consists of artistic appreciation that would reflect the pulses of expressions, images and rhythms so as to embody them all in a moving idea, a vibrating emotion and a palpable scene. This article aspires to shed some light on the features of this approach which has seen its culmination in al-Jurjānī’s theory of composition and Qutb’s theory of representation and to test the applicability of their rules and the soundness of the results and conclusions arrived at by both critics. It also aspires to bring to light the significance of the different explanation of the reasons of inimitability of the Qur’an advocated by the two critics. Key terms: Rhetoric, literary criticism, inimitability of the Qur’an, composition, artistic representation, artistic appreciation.

Abstrak Dua daripada teori retorik yang paling penting berkaitan dengan isu I’jaz al-Qur’an yang turut merupakan prinsip-prinsip utama dalam bidang kritik kesuusastaan Arab adalah natijah daripada teori yang diajukan oleh dua tokoh terkemuka bidang tersebut: pertama adalah teori ‘Nazm’ Abdul Qahir al-Jurjani, dan yang kedua adalah teori perlambangan artistik yang dikemukakan oleh Sayyid Qutb. Kedua-dua teori menumpukan pada topik I’jaz Al-Quran dari perspektif kefasihan penggunaan kata dan nilai estetikanya dan bukannya dari sudut pandang fakta-fakta yang menakjubkan dari Quran atau daripada fakta-fakta sains empirikal moden. Kedua-dua teori awalnya adalah dalam skop I’jaz Al-Quran namun ia juga boleh dianggap sebagai sebuah teori sastera yang lengkap dalam erti kata tersendiri. Kedua-dua teori tersebut dikemukakan di atas dasar yang sama yang bertujuan membentuk satu teori yang dapat menjelaskan aspek I’jaz Al-Quran dari sudut retorik dan dalam membina ciri-ciri retorik sesuatu wacana berdasarkan aspek teks yang dapat membangkitkan apresiasi estetik melalui penggunaan citra dan rime yang berkesan. Kajian ini betujuan untuk menjelaskan ciri-ciri kedua-dua teori berkenaan dan untuk menyingkap prinsip-prinsipnya dengan melihat sejauh manakah ia relevan dengan hasil yang dicapai oleh kedua-dua pengkritik dalam pembentangan mereka dan juga untuk mengenalpasti perbezaan di antara kedua-duanya dalam rangka menjelaskan lagi maksud I’jaz Al-Quran kepada umum.

Kata kunci: retorik, kritik kesusastraan, i’jaz al-Qur’an, nazm, perlambangan artistik, keindahan.

103 قطب وسيد اجلرجاين القاهر عبد: ناقدين بني املعجزة القرآنية البالغةعبد امللك بومنجل ـــ

مقدمةا يف كونه مفتاح املعرفة مل يكن فضل القرآن العظيم على الثقافة اإلنسانية منحصر

اليت ا يسلم االعتقاد ويستريح الضمري، ومنهاج السلوك الذي به ترتقي القيم اإلنسانية وتستقيم احلياة، وعنوان الشريعة اليت ا يستقر العدل وترعى املصاحل وتنتظم

،اا، وعلى الثقافة العربية خصوصله على الثقافة اإلنسانية عمومبل إن فض. احلضارة معرفية كثرية كان هو مفتاحها؛ من حيث كون االنطالق تعدى ذلك ليشمل حقوال

ا، ا وتدبرا، وفهم وتذوققراءة: منه، واالنشغال به، والعكوف عليه، والدوران حولهوشرحكان سا وتأويالا، واستنباطا وتفسري ،ا يف نشوء، أو نضج، علوم كثرية، هلا بب

أثر كبري يف الرقي مبستوى اإلدراك واإلحساس، ويف توجيه الثقافة اإلنسانية إىل حيث .ومن هذه العلوم علوم األدب والبالغة والنقد. يتعانق احلق واخلري واجلمال

حته ا تدور حوله العلوم والنظريات، وتنشط يف سالقد كان القرآن العظيم حمورالبحوث واالجتهادات والقراءات؛ فليس من املبالغة أن يقال إنه هو الذي أخرج األمة العربية من الشفوية إىل الكتابية، ومن البداوة إىل املدنية، ومن البساطة واالنطباعية إىل

والتنظيم واهلندسة، والعلمية والتغقيد احلضارة بكل ما حتمله من دالالت التركيب ه من دالالت التحليل والتعليل، واالستقراء واالستقصاء، والتجربة بكل ما تتضمن

.واالكتشاف، وتأصيل العلوم وبناء النظرياتوما كان القرآن كذلك إال ألنه يتميز بصفتني الزمتني متالزمتني، مها كونه

مصدرا للمعرفة الغيبية اإلهلية الصحيحة املطلقة، مث كونه، تبعا؛ من ا لذلك، معجزا عن الشبه ا بعلوه وكماله، مترتها أن يكون الئق أنه كالم اهللا؛ فالبد حتمجهة

واملداناة، ومن جهة أنه دليل الرسالة وحجة اهللا على خلقه، فالبد أن يكون إعجازه . من اهللادليل مصدره الرباين، ودليل كون الذي جاء به رسوال

اة املسلمني، واألعظم أثرا يف أما كونه مصدر احلقول املعرفية األشد خطرا يف حيتنظيم وجودهم وبناء حضارم، واألعلق رابطة حبيام اليومية وروابطهم االجتماعية وحاجام الوجدانية؛ وهي االعتقاد والشريعة والسلوك؛ فهو الذي يقف وراء عكوف


ط الباحثني والعلماء على دراسة لغته، واستخراج علومه؛ الستكشاف أسراره، واستنباوأما كونه معجزا، ظاهر اإلعجاز للمصدقني به . أحكامه، ومعرفة مقاصده وأغراضه

واملنكرين له على حد سواء، فهو الذي دفع الباحثني والعلماء إىل العكوف على البحث واالجتهاد، عساهم يصلون إىل ما يكشف سر هذا اإلعجاز ومرجعه

ا كان العكوف على معرفة خصائص فلما كان جوهر اإلعجاز لغويا بالغي.. وحقيقتهلغته وأسرار بالغته وراء منو الدراسات اللغوية والبالغية وازدهارها إىل احلد الذي أنتج نظريتني بالغيتني نقديتني عربيتني كبريتني؛ إحدامها قدمية هي نظرية النظم لعبد

.القاهر اجلرجاين، والثانية حديثة هي نظرية التصوير الفين لسيد قطب

اإلعجاز بين المضمون والشكليف وسط ثقايف يصنعه القرآن ويوجه حركته ونشاطه، وميلؤه الشعر ويوجه بالغته وبيانه، كان ال بد أن تنشأ حركة نقدية وبالغية واعدة، وأن تنمو ضة فكرية وحبثية

يف ذلك صاعدة، يكون مفجرها األول وحمورها األساس القرآن الكرمي، ويكون مقابله ومساعده يف توجيه حركة البحث الشعر العريب القدمي، ويكون اهلدف األكرب من هذه احلركة الذب عن الدين، وتأكيد صحته وجدارته أن يكون منهاج حياة للمسلمني

.ورسالة هداية للعاملنيع فيه اإلسالم آفاق العرب علما وجغرافية وحضارة، يف هذا الوسط الذي يوس

وليات كربى وحتديات جسيمة، كان ال بد أن ينهض اجلدل حول ؤ أما مسفيضعهمأهو حقيق : الذي يوجه احلياة ويوسع اجلغرافية وينشئ احلضارة) القرآن(هذا الكتاب

بأن يكون كذلك؟ وما دليل أحقيته إن كان كذلك؟ العقدية نشأت البحوث يف إعجاز القرآن، نافية شبهاتالقاعدةهذه على أساس

املشككني يف إعجازه، باحثة سر اإلعجاز الذي ر أمة أكمل صناعاا البالغة، فاحتة .طريقا واسعا الكتشاف األسرار البالغية وتأسيس النظريات النقدية

ال نبالغ إذا قلنا إن النظرية النقدية والبالغية العربية، وقد اتسمت بأا شكالنية


م ومناط التفاضل يف البالغة يف الشكل واألسلوب ، جتعل سر املزية يف الكال1مجالية من مباحث والعبارة ال يف املوضوع واخلرب والفكرة، إمنا استمدت هذه السمة

فلقد تباينت الرؤى يف مكمن اإلعجاز وسره، بني الصرفة، والبالغة، . اإلعجازل عليه ، ولكن الذي أوشك اإلمجاع أن حيص2واألخبار الصادقة عن األمور املستقبلة

هو الرأي القائل بأن سر القرآن العظيم هو بالغته املعجزة؛ مبعىن أن إعجازه الذي منذ أول نزوله إىل آخر الدهر، ال يرجع إىل سبب خارج العربتعاىل حتدى به اهللا

عنه؛ وهو الصرفة، وال إىل سبب خارج عن بنيته اللغوية وصيغه الشكلية، وهو ، وإمنا يرجع إىل هذا الذي درج )ضوعاته وأغراضهأخباره وأحكامه ومو(مضمونه

العريب القدمي على تسميته اللفظ تارة، والنسج تارة أخرى، والصياغة تارة ثالثة، النقد .، وهذا الذي يسميه النقد احلديث الشكل واألسلوب والبنية3والنظم تارة رابعة

العرب عن قال اخلطايب إن إعجاز القرآن ليس مرجعه إىل أن اهللا صرف وقال . 4معارضته، وال إىل تضمنه لألخبار املستقبلة، ولكنه يرجع إىل بالغته الفائقة

ال إىل ) شكله وبنيته: أي(هورة اليت يعزو فيها شعرية الشعر إىل لفظه يرى عبد امللك مرتاض أن اجلاحظ يف عبارته املش 1

مرتاض، : يؤسس لنظرية نقدية شكلية لسانية مبكرة سبقت أواا بقرون طويلة، ينظر) موضوعه ومضمونه: أي(معناه قد أورد يف كتابه و. وما بعدها3، ص)1991ديوان املطبوعات اجلامعية، : اجلزائر (بنية اخلطاب الشعريعبد امللك،

أن أجمد الطرابلسي ذكر يف أطروحة قدمها بفرنسا أن ابن قتيبة هو أول من تناول النقد الشكلي يف " قضايا الشعريات"الشكالنية "يف املوسوعة العاملية حتت عنوان ) 2002-1909(ا؛ فتبىن رأيه الناقد الفرنسي روين إتيمبل التاريخ إطالق

جامعة األمري عبد –منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية : قسنطينة (، قضايا الشعريات امللك، مرتاض، عبد"العربيةوالذي نراه أن النقد العريب القدمي كله متجه وجهة شكلية مجالية ترى بالغة . 20، ص)ت.ة، دسالميالقادر للعلوم اإل

. والرداءة بناء على هذا األساسالكالم وفنيته يف أسلوبه وصياغته، وتفاضل بني مراتبه يف اجلودة، ثالث رسائل يف إعجاز القرآنكتاب ضمن ،"النكت يف إعجاز القرآن"الرماين، أبو احلسن علي بن عيسى، 2

.75، ص)1991، 4دار املعارف، ط: القاهرة ( حممد خلف اهللا وحممد زغلول سالمحتقيقناصف، مصطفى، : اخلطاب النقدي العريب القدمي ينظرملزيد اطالع على املقصود من مصطلحي اللفظ واملعىن يف 3

قضايا النقد األديب والعشماوي، حممد زكي، . 38، ص)ت.دار األندلس، د: بريوت (نظرية املعىن يف النقد العريب .228-227، ص)1979دار النهضة العربية، : بريوت (بني القدمي واحلديث

، ثالث رسائل يف إعجاز القرآن، ضمن كتاب "ن إعجاز القرآنبيا"اخلطايب، أبو سليمان محد بن إبراهيم، 4 . وما بعدها22ص


الصرفة، والبالغة، واألخبار الصادقة عن : الرماين إن مرجع اإلعجاز إىل كل أولئكاإلجياز : ا بلغ القرآن منها الغاية؛ وهيا وأقساموذكر للبالغة وجوه .1األمور املستقبلة

يه واالستعارة والتالؤم والفواصل والتجانس والتصريف والتضمني واملبالغة والتشبا ا وبالتصوير أحيانوهي، كما ترى، أقسام تتعلق بالتركيب أحيان. 2وحسن البيان

أخرى مثل اإلخبار وقال الباقالين إن املعجزة القرآنية، وإن كان هلا وجوه. أخرىالف يف أسلوبه لكالم العرب، خال من التفاوت ا؛ إذ القرآن خم أساسبالغيب، بالغية

من إحكام نظمه وجالل ا ملا عليه شعرهم وبيام، بالغ خالف،يف طبقات البالغةا لبالغة واعترض على ما عده الرماين وجوه. عبارته الطبقة العليا من طبقات البالغة

بل بانتظامها يف ،القرآن املعجزة؛ إذ رأى أن هذه الوجوه ال تصنع اإلعجاز مفردة . 3نسق حمكم ونظم غاية يف مجال الصورة وأداء الغرض

للبحث عن أسرار يف نظم القرآن من شأا "وبعد فكرة الباقالين اليت أعد ا ح توضيحجاء القاضي عبد اجلبار 4،"ا أن تقف الناس على إعجازها دقيقحني توض

نضج فكرة النظم إنضاجد املعتزيل ليلعبد القاهر اجلرجاين أن يؤسس يف سبيل ا مهالتدليل على إعجاز القرآن نظرية كاملة وافية، أفاض يف حتليلها وتفصيلها وسن

".دالئل اإلعجاز"مبادئها واملنافحة عنها يف كتابه املعروف نقل عبد اجلبار رأيا ألستاذه أيب هاشم اجلبائي ينفي أن يكون مرجع اإلعجاز إىل

ن بنظم خيتلف عن أمناط النظم عند العرب، كما قرر اجلاحظ والباقالين، اختصاص القرآوينسب اإلعجاز إىل اجتماع جزالة اللفظ مع جودة املعىن؛ فصدق على فكرة أستاذه، ولكنه زاد عليها مبا جرب نقصها وهيأها ألن تكون أساسا متينا لنظرية النظم، حينما

.75، ص"النكت يف إعجاز القرآن"الرماين، 1 .76، صاملصدر نفسه 2، 1دار اجليل، ط: بريوت( حممد عبد املنعم خفاجي حتقيق، إعجاز القرآنالباقالين، أبو بكر حممد بن الطيب، 3

.302، ص)م1991/ه1411 .114، ص)ت.، د10دار املعارف، ط: القاهرة (البالغة تطور وتاريخضيف، شوقي، 4


فراد الكالم، وإمنا تظهر يف الكالم بالضم على اعلم أن الفصاحة ال تظهر يف أ: "قالطريقة خمصوصة، وال بد مع الضم من أن يكون لكل كلمة صفة، وقد جيوز يف هذه الصفة أن تكون باملواضعة اليت تتناول الضم، وقد تكون باإلعراب الذي له مدخل فيه،

قلتم إن يف مجلة فقد): قائل(فإن قال ... وليس هلذه األقسام رابع . وقد تكون باملوقعإن املعاين وإن كان ال بد : ما يدخل يف الفصاحة حسن املعىن فهال اعتربمتوه؟ قيل له

ولذلك جند املعبرين عن املعىن الواحد يكون أحدمها أفصح .. منها، فال تظهر فيها املزيةب أن يكون على أنا نعلم أن املعاين ال يقع فيها تزايد، فإذن جي.. من اآلخر واملعىن متفق

فإذا صحت هذه اجلملة، فالذي تظهر . الذي يعترب التزايد فيه األلفاظ اليت يعرب ا عنهابه املزية ليس إال اإلبدال الذي به ختتص الكلمات أو التقدم والتأخر الذي خيتص املوقع

1."أو احلركات اليت ختتص اإلعراب فبذلك تقع املباينة

يف اللفظ املفرد، وال املعىن - أصال –صاحة ال تكون فمؤدى هذا الكالم هو أن الفارد، وإمنا تظهر يف الكالم بالضم الذي حيدث بني أفراد الكالم على حنو خمصوص، وأن املعاين هي موضع اشتراك بني املتكلمني فال تظهر فيها املزية، وإمنا تظهر يف أسلوب

اضل بني كالم وكالم، وبني كالم اهللا صياغتها والتعبري عنها، وهو جمال التباين والتف .وهو عني األساس الذي بىن عليه عبد القاهر اجلرجاين نظرية النظم. وكالم البشر

نظرية النظم وجدل اللفظ والمعنىواضح أن نظرية النظم نشأت من خالصة البحث يف اإلعجاز البالغي للقرآن

أيضا وواضح . غة يف الكالمالكرمي، ومن حصيلة اجلدل يف سر الفصاحة ومصدر البالوليس الشأن يف املعاين؛ فاملعاين مطروحة يف ": أن هلا صلة محيمة مبقولة اجلاحظ

وجودة السبك، وكثرة ... وإمنا الشأن يف إقامة الوزن، وختري واللفظ... الطريق

،)ت.وزارة الثقافة واإلرشاد القومي، د: القاهرة (املغين يف أبواب التوحيدعبد اجلبار، القاضي أبو احلسن، 1 .198، ص16ج


ا لنظريته إىل الراسخني يف علم البالغة، فقد كثرت إشارة عبد القاهر احتجاج1،"املاءوليس . وثبتت موافقته على فكرة اجلاحظ املذكورة، بل إشادته ا واعتماده عليها

غلط،واعلم أن الداء الدوي والذي أعىي أمره يف هذا الباب: "أدل على ذلك من قوله وجعل ال يعطيه من املزية إن هو أعطى ،من قدم الشعر مبعناه وأقل االحتفال باللفظ

واعلم أنا، وإن كنا إذا اتبعنا العرف والعادة وما يهجس يف ...إال ما فضل عن املعىن الضمري وما عليه العامة أرانا ذلك أن الصواب معهم وأن التعويل ينبغي أن يكون على املعىن وأنه ال يسوغ القول خبالفه، فإن األمر بالضد إذا جئنا إىل احلقائق وإىل ما عليه

لون؛ ألنا ال نرى متقدما يف علاحملصزا يف شأوها إال وهو ينكر هذا م البالغة، مربىل رأي إصراحة ستندا مث قوله، م2." ويزري على القائل به ويغض منه،الرأي ويعيبه

ويتشدد غاية ، مبلغوإذا نظرت يف كتب اجلاحظ وجدته يبلغ يف ذلك كل: "اجلاحظوهي : فقالفقد تراه كيف أسقط أمر املعاين وأىب أن جيب هلا فضل... لتشددا

.اا أبدوأنا أزعم أن صاحب هذين البيتني ال يقول شعر: مطروحة يف الطريق مث قالفأعلمك أن فضل الشعر بلفظه ال مبعناه وأنه إذا عدم احلسن يف لفظه ونظمه مل

3."يستحق هذا االسم باحلقيقة، فإن سواء أتعلق األمر بالشعر أم تعلق بالكالم عموما أم تعلق بالقرآن الكرمي

الشأن كما يرى اجلاحظ واجلرجاين هو يف اللفظ ال املعىن، يف الشكل ال املادة، يف ، 4هو يف هذه القدرة الكالمية الساحرة اليت علمها اهللا اإلنسان.. النظم ال احملتوى

دار اجليل،: بريوت (مد هارونقيق وشرح عبد السالم حم، حتاحليوانكتاب اجلاحظ، أبو عثمان عمرو بن حبر، 1

.131، ص1 ج،)م1992/ه1412، )م1981/ه1402دار املعرفة، : بريوت (، حتقيق حممد رشيد رضادالئل اإلعجازاجلرجاين، عبد القاهر، 2

.195- 194ص .198، صاملصدر نفسه 3 ).4-1: الرمحن( Q P O N M L K J I H G : إشارة إىل قوله تعاىل 4


ووهبها بعض الناس ناقصة وبعضهم اآلخر كاملة أو تكاد، وجعلها يف كتابه معجزة .هي هذه اليت يسميها القرآن، ويسميها النقد العريب، البيان.. تصفه ومتيزه عن سواه

وكما أن الشاعر ال يعد شاعرا جميدا بأفكاره وموضوعاته وأغراضه، وهو ما يطلق عليه اجلاحظ معانيه، فكذلك القرآن الكرمي ليس موضع إعجازه الذي حتدى به العرب

فإمنا الشأن يف . غراضه وموضوعاتهوأقام به احلجة على الناس، يف أخباره وأحكامه وأالكالم كله هو يف تشكيل املادة ال يف املادة ذاا، هو يف اإلبانة عن املعىن ال يف املعىن ذاته، هو يف تصوير الفكرة أو اخلاطر أو الشعور أو املشهد أو احلركة أو غري ذلك، وليس يف

.صلي للمشهد أو احلركةجمرد صواب الفكرة ونبل اخلاطر وعمق الشعور واجلمال األيضع عبد القاهر يده على هذه الفكرة، حني " دالئل اإلعجاز"من أول كتابه

ا حيوك الوشي، ويصوغ الذي لواله مل تر لسان"يفتتحه باإلشادة البالغة بعلم البيان احللى، ويلفظ الدر، وينفث السحر، ويقري الشهد، ويريك بدائع من الزهر، وجينيك

من الثمر، والذي لوال حتفيه بالعلوم، وعنايته ا، وتصويره إياها، لبقيت احللو اليانع .1.."كامنة مستورة، وملا استبنت هلا يد الدهر صورة

وهي . هذه القدرة على البيان هي نفسها ما حتدث عنه اجلاحظ يف مقولته املعروفةوما . وآيته ودليلهجوهر ما قامت عليه نظرية النظم عند اجلرجاين، وهي سر اإلعجاز

هذه القدرة غري التصرف يف املادة دون املادة ذاا، والرباعة يف تشكيل اللغة دون اللغة مستقاها "وما هذه القدرة غري هذه الدقائق واألسرار، واللطائف واخلصائص، اليت . ذاا

ليها، ودلوا ينفرد ا قوم قد هدوا إ"، واليت "طريق العلم ا الروية والفكر"، و"العقلالسبب يف أن "، واليت هي "عليها، وكشف هلم عنها، ورفعت احلجب بينهم وبينها

يف ذلك، ومتتد ا، وأن يبعد الشأوعرضت املزية يف الكالم ووجب أن يفضل بعضه بعضالغاية، ويعلو املرتقى ويعز املطلب، حىت ينتهي األمر إىل اإلعجاز وإىل أن خيرج من طوق

.4 نفسه، صصدرامل 1


إىل حيث تنقطع األطماع، وحتسر الظنون، وتسقط القوى، " وحىت ينتهي ،1"البشر .2"وتستوي األقدام يف العجز

والبيان ظاهرة نظميةاإلعجاز بياينا وليس شأن،شأن بياين بالغييف الكالم حزم عبد القاهر رأيه على أن اإلعجاز

بالغة والشعرية يف ا مبضمونه املعنوي، فأيد مقولة اجلاحظ اليت جتعل شأن المتعلق. األلفاظ ال يف املعاين، أي يف األسلوب ال يف املوضوع، ويف الصياغة ال يف املادة

أن سبيل " مبعناه مبقولته املعروفة الذين يقدمون الكالم مذهب شديدةوعارض معارضةالكالم سبيل التصوير والصياغة، وأن سبيل املعىن الذي يعرب عنه سبيل الشيء الذي

وبلغ من إنكاره هذا املذهب أن رأى أن اخلطأ فيه . 3" التصوير والصوغ فيهيقعيفضي بصاحبه إىل أن ينكر اإلعجاز ويبطل التحدي وهو ال "عظيم، وأن القول به

ا على إعجازه، هو وذلك أن الذي يوصف به القرآن، ويتخذ منه عنوان4؛"يشعرهلذه العبارات وسائر ما يفرد فيه اللفظ ال معىن "و. البالغة والفصاحة والبيان والرباعة

غري وصف الكالم حبسن : بالنعت والصفة، وينسب فيه الفضل واملزية إليه دون املعىنالداللة، ومتامها فيما له كانت داللة، مث تربجها يف صورة هي أى وأزين، وآنق

... وبوأعجب، وأحق بأن تستويل على هوى النفس، وتنال احلظ األوفر من ميل القلغري أن يؤتى املعىن من اجلهة اليت هي أصح لتأديته، : وال جهة الستعمال هذه اخلصال

وخيتار له اللفظ الذي هو أخص به، وأكشف عنه وأمت له، وأحرى بأن يكسبه نبال، .5"ويظهر فيه مزية

.6 نفسه، صصدرامل 1 .29 نفسه، صصدرامل 2 .198 نفسه، صصدرامل 3 .196 نفسه، صصدرامل 4 .198 نفسه، صصدرامل 5


وجوهر النظم هو براعة التصرف يف . والبيان ظاهرة نظمية. اإلعجاز، إذا، بياينفهو، إذا، ليس يف . مبا يفضي إىل حسن الداللة، وتربج الصورة، وقوة التأثرياللفظ

اللفظ املفرد، وال يف املعىن ارد، ولكنه يف الطريق الذي يوصل اللفظ إىل املعىن، ويف إذا قصدنا ،هو يف اللفظ. الصورة اليت تتشكل ا املادة اليت يراد إبالغها إىل املتلقي

إذا قصدنا باملعىن ما يدرك وما حيس ،وهو يف املعىن. نسج والصورةباللفظ الشكل والوهو يف . وما يتصور من تركيب األلفاظ وترتيبها على حنو فيه مزية وخصوصية

أعجزم مزايا : " إذا آثرنا الدقة، وذهبنا مع عبد القاهر يف اصطالحه ونظريته،النظمصادفوها يف سياق لظهرت هلم يف نظمه، وخصائص راعتهم من مبادي فظه، وبدائع

آيه ومقاطعها، وجماري ألفاظها ومواقعها، ويف مضرب كل مثل، ومساق كل خرب، ، وتذكري وترغيب وترهيب، ومع كل حجة وبرهان، 1وصورة كل عظة وتنبيه وإعالم

، فلم جيدوا يف آيةا وآيةا عشر، وعشر سورةورهم أم تأملوه سورة. وصفة وتبيانيع كلمة ينبو مكاا، ولفظة ينكر شاا أو يرى أن غريها أصلح هناك أو أشبه، اجلم

ا ر العقول، وأعجز اجلمهور، ونظاما والتئاما، أو أحرى وأخلق، بل وجدوا اتساقوإتقانموضع طمع -ولو حك بيافوخه السماء–ا مل يدع يف نفس بليغ منهم ا وإحكام

.2"قول، وخلدت القروم فلم متلك أن تصولحىت خرست األلسن عن أن تدعي وتهذا هو سر اإلعجاز الذي محل عبد القاهر على أن يبذل ما بذل من اجلهد إلثباته،

ولعل استغراق الناقد يف هذا . وأن ينفق ما أنفق من اجلدل يف تفصيل نظريته وحتليل آياتهإبانة عملية حتليلية اجلدل هو الذي شغله عن االستفاضة يف اإلبانة عن دالئل اإلعجاز

لقد توقف اجلرجاين عند بعض العبارات القرآنية، فدلنا . وافية تؤكد الدليل وتشفي الغليل¼ : على موضع السحر يف نظمها، وأثر النظم يف سحرها؛ كما فعل مع قوله تعاىل

: القاهرة (مراجعات يف أصول الدرس البالغيأبو موسى، حممد حممد، : لالطالع على حتليل هذه املزايا ينظر 1

. وما بعدها192، ص)م2005/ه1426، 1مكتبة وهبة، ط .32، صدالئل اإلعجازاجلرجاين، 2


È Ç Æ Å Ä Ã Â Á À ¿ ¾ ½É Ì Ë Ê Í ) لإن ش: "، حيث قال)44: هودفتأم هل ترى لفظة منها حبيث لو !ككت

أخذت من بني أخواا وأفردت ألدت من الفصاحة ما تؤديه وهي يف مكاا من اآلية؟ واعتربها وحدها من غري أن تنظر إىل ما قبلها وإىل ما بعدها، وكذلك فاعترب " ابلعي"قل

أن نوديت األرض، مث وكيف بالشك يف ذلك؟ ومعلوم أن مبدأ العظمة يف. سائر ما يليهاأمرت، مث يف أن كان النداء بيا دون أي حنو يا أيتها األرض، مث إضافة املاء إىل الكاف دون أن يقال ابلعي املاء، مث أن اتبع نداء األرض وأمرها مبا هو شأا، نداء السماء وأمرها

الدالة على أنه " فعل"ة فجاء الفعل على صيغ" وغيض املاء"كذلك مبا خيصها، مث أن قيل ، مث "وقضي األمر"مل يغض إال بأمر آمر، وقدرة قادر، مث تأكيد ذلك وتقريره بقوله تعاىل

، مث إضمار السفينة قبل الذكر "استوت على اجلودي"ذكر ما هو فائدة هذه األمور وهو متة بقيل يف يف اخلا" قيل"كما هو شرط الفخامة والداللة على عظم الشأن، مث مقابلة

أفترى لشيء من هذه اخلصائص اليت متلؤك باإلعجاز روعة، وحتضرك عند . الفاحتةتصورها هيبة حتيط بالنفس من أقطارها تعلقا باللفظ من حيث هو صوت مسموع،

1"وحروف تتواىل يف النطق؟ أم كل ذلك ملا بني معاين األلفاظ من االتساق العجيب؟ 7: وكما فعل مع قوله تعاىل 6 5 )وقوله)4: مرمي ، : K

M L) ؛ حيث حللهما حتليال نظميا بارعا يكشف مصدر احلسن )12: القمر . 2والفخامة والروعة يف العبارتني، وقوة املعىن الذي تدل كل واحدة عليه

هل تفي نظرية النظم بتفسري اإلعجاز؟ وليس هو الوجه ،آينمعلوم أن اإلعجاز البياين هو أهم وجوه اإلعجاز القر

فهل النظم هو أحد وجوه البيان ومصادر اجلمال وأسرار البالغة، وليس . الوحيد الوجه الوحيد؟

.37، صاملصدر نفسه 1 .80-79، صاملصدر نفسه 2


أداة لتفسري كأين بعبد القاهر يبالغ يف االعتداد بنظرية النظم، ويف التعويل عليها ولشأن امتأل نشوة أن وضع اليد على سر خطري اف. كل أسرار البالغة ودالئل اإلعجاز

يف مضمار البيان، وكرت عظيم القدر يف دالئل اإلعجاز، هو سر النحو الذي يعطي النتظام األلفاظ دالالا، ولطائف استعماالته اليت تعطي للدالالت خصوبتها وسحرها

أطربه هذا االكتشاف العظيم حبق، فراح يفيض يف التمثيل له، وتأكيده، . وقوا وإثارادال ألجله، حىت جعله وكده وغايته، وأمهل ما سواه، ال إمهال من واملنافحة عنه، واجل

والذي نقصده بسواه . ينكر أثره وشأنه، ولكن إمهال من يستغرق ذهنه يف إثبات غريههو اجلانب الصويت اإليقاعي البحت؛ فقد أوشك عبد القاهر أن ينكر شأنه إنكارا

ا ليست لك حيث تسمع بأذنك، بل إ: "كامال حينما قال يف شأن املزية يف الكالمحيث تنظر بقلبك وتستعني بفكرك، وتعمل رويتك وتراجع عقلك، وتستنجد يف

مث اجلانب املعنوي البحت الذي هو موضع تفاوت هائل بني الشعر . 1"اجلملة فهمكمث جانب التعبري اازي . 2والقرآن الكرمي، وهو بال شك داخل يف وجوه اإلعجاز

الذي يبىن على التشبيه واالستعارة والكناية وااز - وهو األهم –اين والتصوير البيلقد اعترف اجلرجاين، يف دالئل اإلعجاز، بقيمة هذه العناصر األسلوبية . مبختلف أنواعه

اليت يصنفها يف باب اللفظ، ولكنه كان جيتهد يف أن ينفي عنها أن تكون هي موضع النظم الذي هو الرباعة واإلصابة يف توخي معاين املزية ومصدر السحر، ليعزو ذلك إىل

أعين الفرق بني أن تكون املزية يف اللفظ، وبني –واعلم أن هذا : "يقول يف ذلك. النحو

.51، صاملصدر نفسه 1يرى حممد أبو موسى أن عبد القاهر ختطى ما يف ألفاظ القرآن من دقة املعاين وحسنها وصحتها يف العقول، 2

ال بد أن نفرق بني ما اتفق عليه أهل العلم بالشعر من أن املعاين "ونبه على أنه. دون أن يراها مبعزل عن اإلعجازن املهم هو التأليف، والتصوير، وإحداث هيئات وصور يف تلك املعاين فضل كالم على كالم، وأال مدخل هلا يف

وبني ن نفرق بني هذاأعلى حد ما هو معروف، وأن املعاين مطروحة يف الطريق يعرفها العجمي والبدوي، ال بد ألن معاين القرآن داخلة ؛ما حنن فيه، ألنه ال جيوز ملن له عقل إن يقول يف اإلعجاز إن املعاين مطروحة يف الطريق

.193صمراجعات يف أصول الدرس البالغي، ". يف وجوه إعجازه


باب يكثر فيه الغلط؛ فال تزال ترى مستحسنا قد أخطأ -أن تكون يف النظمد دخلت عليك باالستحسان موضعه، فينحل اللفظ ما ليس له، وال تزال ترى الشبهة ق

. يف الكالم قد حسن من لفظه ونظمه، فظننت أن حسنه ذلك كله للفظ منه دون النظم :مثال ذلك أن تنظر إىل قول ابن املعتز

رقـ لتجمح مين نظرة، مث أط على إشفاق عيين من العدى وإينفترى أن هذه الطالوة وهذا الظرف إمنا هو ألن جعل النظر جيمح وليس هو

، مث قوله "لتجمح"حىت دخل الالم يف قوله " وإين" بل ألن قال يف أول البيت لذلك،، "مث أطرق"يف قوله " مث"، مث ألن قال نظرة ومل يقل النظر مثال، مث ملكان "مين"

على "وللطيفة أخرى نصرت هذه اللطائف وهي اعتراضه بني اسم إن وخربها بقوله ههنا كالما حسنه للفظ دون النظم، وآخر ومجلة األمر أن". إشفاق عيين من العدى

حسنه للنظم دون اللفظ، وثالثا قرى احلسن من اجلهتني، ووجبت له املزية بكال األمرين، واإلشكال يف هذا الثالث وهو الذي ال تزال ترى الغلط قد عارضك فيه،

ن وتراك قد حفت فيه على النظم فتركته، وطمحت ببصرك إىل اللفظ وقدرت يف حس .1"كان به وباللفظ أنه باللفظ خاصة

وإننا لنمتلئ إعجابا بذوق عبد القاهر ونباهته، وهو يطوف بنا خالل األبيات حروفها وصيغها، تقدميها وتأخريها، تعريفها وتنكريها، : الشعرية واآليات القرآنية إىل مواضع يطربنا ذلك، وميرن عقولنا وأذواقنا على االنتباه. ذكرها وحذفها واعتراضها

ويوشك . اجلمال يف العبارة، ومصادر السحر يف النظم، ولطائف الداللة يف معاين النحوأن يشغلنا عن املصدر الذي ال يقل أمهية عن النظم، وهو التصوير، بعناصره اليت

وحنن نعذر الناقد . يدرجها عبد القاهر ضمن مصطلح اللفظ مثل الكناية واالستعارة مستغرق فيه، وال نتهمه مبا مل يقله؛ فهو يقر ملا يسميه اللفظ، ويعين فيما هو منشغل به

ولكننا نريد التنبيه على أن . به االستعارة والكناية، باملزية واإلسهام يف صناعة احلسن

.78، صدالئل اإلعجازاجلرجاين، 1


نظرية النظم ال تكفي، إذا قصد ا توخي معاين النحو ال أكثر، لإلحاطة بأسرار البالغة هذا الذي علمه اهللا اإلنسان، وجعله صفة لكتابه ومظهرا ودالئل اإلعجاز، وال تسع

إن البيان الساحر صوت يطرب، ونظم يدلل، وتصوير ميثل، . إلعجازه، وهو البيان . املعاين والبيان والبديع: لذلك استقر علم البالغة على فنونه الثالثة

، مع اعترافه ولئن أمهل عبد القاهر األثر الصويت البديعي يف كتابيه ويف نظريتهبل أوشك أن ". أسرار البالغة"، فهو مل يهمل التصوير البياين يف كتابه الفذ 1بأمهيته

يعزو كل الفضل اجلمايل إىل عناصره وأصوله، وذلك حني يقول يف شأن التشبيه جل حماسن الكالم، إن مل نقل كلها، متفرعة عنها، وراجعة " إن :والتمثيل واالستعارة

. 2"قطاب تدور عليها املعاين يف متصرفاا، وأقطار حتيط ا من جهااوكأا أ. إليهافهو يف هذا اإلمجال، ويف مواضع تفصيلية متفرقة يف كتابه، حيتفي بااز والتصوير

على ذلك ما قاله يف شأن االستعارة من أا والتمثيل أميا احتفاء، وكفى دليالاللفظ؛ حىت خترج من الصدفة الواحدة عدة من تعطيك الكثري من املعاين باليسري من "

أقسام الصنعة اليت "وأنك " ا من الثمرالدرر، وجتين من الغصن الواحد أنواع إذا تأملتا يكون الكالم يف حد البالغة، ومعها يستحق وصف الرباعة، وجدا تفتقر إىل أن

ا تعريها حالها، وتقصر عن أن تنازعها مداها، وصادفتها جنوما هي بدرها، وروضهي زهرها، وعرائس ما مل تعرها حليها فهي عواطل، وكواعب ما مل حتسنها فليس

ا اجلماد حي ا ناطقهلا يف احلسن حظ كامل؛ فإنك لترىا، ا، واألعجم فصيحواألجسام اخلرس مبينة، واملعاين اخلفية بادية جلية، وإذا نظرت يف أمر املقاييس

أعز منها، وال رونق هلا ما مل تزا، وجتد التشبيهات على اجلملة وجدا وال ناصر هلا

واعلم أنا ال نأىب أن تكون ": الفضل للجانب الصويت قولهمن املواضع النادرة اليت يعترف فيها عبد القاهر بشيء من 1

مذاقة احلروف وسالستها مما يثقل على اللسان داخال فيما يوجب الفضيلة، وأن تكون مما يؤكد أمر اإلعجاز، وإمنا الذي .401 ص،دالئل اإلعجاز". ننكره ونفيل رأي من يذهب إليه أن جيعله معجزا به وحده وجيعله األصل والعمدة

.20، ص)ت.دار املعرفة، د: بريوت(، حتقيق حممد رشيد رضا أسرار البالغةاجلرجاين، عبد القاهر، 2


إن شئت أرتك املعاين اللطيفة اليت هي من خبايا العقل كأا . غري معجبة ما مل تكنهاقد جسمت حىت رأا الظنون، وإن شئت لطفت األوصاف اجلسمانية حىت تعود

.1"روحانية ال تناهلا إال الظنوندالئل " االحتفالية الرائعة الزاهية بقيمة االستعارة من نفيه يف أين هذه اإلشادة

: مرمي( 7 6 5 : أن يكون موضع الشرف واملزية يف قوله تعاىل" اإلعجازيف جمرد االستعارة، ومن حرصه يف حتليل مجال هذه العبارة القرآنية الشريفة على ) 4

حتليله بارعا كاشفا ألسرار مجالية داللية لقد كان2التحليل النظمي املتعلق مبعاين النحو؟نظمية ال يهتدي إليها إال الناقد احلاذق واخلبري الذواق، ولكنه مع ذلك بالغ يف تسليط الضوء على النظم دون التصوير، وأمهل اإلشادة بأثر االستعارة اليت لوالها لفقدت العبارة

. والفخامة والروعة والفضل واملزيةالقرآنية ما عزاه عبد القاهر إىل النظم، من احلسن، حيث "وامتأل الرأس شيبا"ولنفترض، جريا على منهج عبد القاهر يف االفتراض، أنه قيل

احملافظة على بنية النظم مع التخلي عن االستعارة، كم تفقد العبارة من احلسن واحليوية والفخامة واإلثارة؟

هر أعماله النقدية هو الذي حيمله على لعل املنهج اجلديل الذي ميارس به عبد القاهذه املبالغة يف اإلشادة بعنصر مجايل على حساب آخر؛ فإذا كان بصدد احلديث عن االستعارة بالغ يف االحتفاء ا وتعظيم شأا حىت ال يرى مصدرا للسحر سواها، وإذا

اإلعجاز عليه، حىت كان بصدد احلديث عن النظم والتنظري له بالغ يف رد املزية إليه، ومحل ولقد وفق الناقد كل التوفيق يف الدفاع عن نظرية النظم . ال يكاد يظهر معه للتصوير مزية

، كما وفق كل التوفيق يف تفصيل علم البيان وتأسيس شعرية "دالئل اإلعجاز"يف كتابه مقوم ولكن تفسريه لإلعجاز عكس ميال إىل ". أسرار البالغة"التمثيل والتخييل يف كتابه

.33، صاملصدر نفسه 1 .80-79، صدالئل اإلعجازاجلرجاين، 2


إىل التناسب التركييب والسياقي على حساب العدول الداليل : بالغي على حساب آخرالقول ببالغة الغرابة إىل القول ببالغة والفعل التخييلي، أو، بتعبري آخر، عكس حتوال عنولعل نظريته يف تعليل إعجاز القرآن 1.مناسبة الكالم للمقاصد، كما سجل حممد العمري

وإذ مل يفعل ذلك عبد . بدمج آرائه يف الكتابني، فينضم إىل النظم التصويرال تكتمل إالالقاهر نفسه، فقد ظهر يف النقد العريب احلديث من يعلل اإلعجاز بالتصوير ال بالنظم،

.على وجه اخلصوص" التصوير الفين يف القرآن"وهو املفكر والناقد سيد قطب، يف كتابه

قطبنظرية التصوير الفني عند سيدودخلت املعاهد العلمية؛ فقرأت تفسري القرآن يف كتب التفسري، ومسعت "

ولكنين مل أجد فيما أقرأ أو أمسع ذلك القرآن اللذيذ اجلميل، . تفسريه من األساتذة لقد طمست كل معامل اجلمال فيه؛ !واأسفاه .الذي كنت أجده يف الطفولة والصبا

قرآنان؟ قرآن الطفولة العذب امليسر املشوق؛ ترى مها . وخال من اللذة والتشويق مزق؟ أم إا جناية الطريقة املتبعة يف التفسري؟وقرآن الشباب العسر املعقد امل

وعدت إىل القرآن أقرؤه يف املصحف ال يف كتب التفسري، وعدت أجد قرآين كانت إا ليست يف سذاجتها اليت . اجلميل احلبيب؛ وأجد صوري املشوقة اللذيذة

لقد تغري فهمي هلا، فعدت اآلن أجد مراميها وأغراضها، وأعرف أا مثل . هناكلقد . احلمد هللا. ولكن سحرها ما يزال، وجاذبيتها ما تزال. يضرب، ال حادث يقع

2".!وجدت القرآنمن هنا بدأت تتشكل نظرية التصوير الفين لدى سيد قطب، من موضع التفاعل

ل عندما كان مث فقد مث عاد، من موضع االستسالم لسحر مع القرآن اللذيذ اجلميالقرآن يفعل يف وجدانه فعله املعجز، كما فعل ذات زمن يف مكة قبل املدينة، يف

.353، ص)2001فريقيا الشرق،أ: الدار البيضاء (البالغة العربية أصوهلا وامتدادااالعمري، حممد، 1 .8، ص)م2004/ه1425، 17دار الشروق، ط: القاهرة (التصوير الفين يف القرآنب، سيد، قط 2


املشركني واملؤمنني على حد سواء، من موضع البحث عن سر هذه اللذة وهذا السحر والرصد العقلي وهذه اجلاذبية وهذا اإلعجاز، من خالل التفاعل الوجداين احلي،

يف مباحث فقهية جدلية، وحنوية صرفية، وخلقية "الذوقي الذكي، بدل االستغراق " اللفظ واملعىن"مبباحث عقيمة حول "، واالنشغال 1"فلسفية، وتارخيية وأسطورية

.2"أيهما تكمن فيه البالغة قبل التشريع" منبع السحر يف القرآن"أن نبحث عن "لقد رأى سيد قطب أنه جيب

احملكم، وقبل النبوءة الغيبية، وقبل العلوم الكونية، وقبل أن يصبح القرآن وحدة مكتملة فقليل القرآن الذي كان يف أيام الدعوة األوىل كان جمردا من هذه . تشمل هذا كله

حمتويا على هذا النبع األصيل الذي - مع ذلك -األشياء اليت جاءت فيما بعد، وكان وذلك . 3"إن هذا إال سحر يوثر) 24: املدثر( > = < ; : :تذوقه العرب، فقالوا

. رأي يتفق فيه مع كثري من النقاد والبالغيني القدامى وأبرزهم عبد القاهر اجلرجاينورأى سيد قطب أن بعض البالغيني واملفسرين القدامى وفق بعض التوفيق يف

، وأن بعض الباحثني يف البالغة 4ن، هو الزخمشريإدراك مواضع اجلمال الفين يف القرآ . 5"بلغ غاية التوفيق املقدر لباحث يف عصره، هو عبد القاهر اجلرجاين"واإلعجاز

منشغال بتأسيس نظرية النظم - كما أسلفنا الذكر -وألن عبد القاهر كان فين يف القرآن واملنافحة عنها واالستدالل على صحتها، فقد فاته أن حيتفي بالتصوير ال

على -فاته ذلك، ففاته . بالتصوير البياين يف الشعر- يف كتابه أسرار البالغة -احتفاءه نبع اجلمال القرآين الساحر املعجز، نبع التصوير : أن يصل إىل النبع-رأي سيد قطب

.27، صاملصدر نفسه 1 .29، صاملصدر نفسه 2 .18، صاملصدر نفسه 3 .28، صاملصدر نفسه 4 .31-30، صاملصدر نفسه 5


رحم اهللا عبد القاهر لقد كان النبع : "يقول سيد قطب. الذي هو شيء آخر وراء النظم Kو 7 6 5 إن اجلمال يف . على ضربة معول فلم يضرامنه

M L هو يف ذلك الذي قاله من ناحية النظم، ويف شيء آخر وراءه، هو هذهحركة االشتعال اليت تتناول الرأس يف حلظة، : احلركة التخييلية السريعة اليت يصورها التعبري

فهذه احلركة التخييلية تلمس احلس وتثري . وحركة التفجري اليت تفور ا األرض يف ومضةأوضح 7 6 5وهي يف . اخليال، وتشرك النظر واملخيلة يف تذوق اجلمال

وأقوى؛ ألن حركة االشتعال هنا حركة ممنوحة للشيب، وليست له يف احلقيقة، وهذه ففي التعبري باالشتعال عن الشيب مجال، ويف... احلركة هي موضع اجلمال الصحيح

ومن كليهما، ال من أحدمها، . إسناد االشتعال إىل الرأس مجال آخر، يكمل أحدمها اآلخر وهذا هو الذي وقف دونه عبد القاهر؛ وإن كان يبدو أنه كان !كان هذا اجلمال الباهر

.1"حيسه يف ضمريه، وال يصوره كامال يف تعبريهإعجاز . نظرية النظمجاءت نظرية التصوير الفين، إذا، لتسد النقص الذي شاب

متثيل : البيان تصوير كذلك. القرآن يقع أساسا يف البيان، ولكن النظم ال يسع البيان. وختييل وجتسيم وتشخيص ورسم للمشاهد وإحياء بالسمات وخلق للنماذج

والتصوير عند سيد قطب ليس عنصرا يف تفاريق من آيات القرآن الكرمي، بل ا مشتت ،القاعدة األساسية املتبعة يف مجيع األغراض. هذا الكتاب اجلميلهو قاعدة التعبري يف"

.2"فيما عدا غرض التشريع بطبيعة احلالأصحيح ما يقوله سيد قطب، وما يزعم اكتشافه وحياول إبرازه؟ لنناقشه يف ذلك،

التصوير هو األداة املفضلة يف أسلوب : "ولنعرض أوال خالصة تصوره لنظرية التصويرفهو يعرب بالصورة احملسة املتخيلة عن املعىن الذهين، واحلالة النفسية؛ وعن . القرآن

.33، صاملصدر نفسه 1 .9، صاملصدر نفسه 2


مث يرتقي . احلادث احملسوس، واملشهد املنظور؛ وعن النموذج اإلنساين والطبيعة البشريةفإذا املعىن الذهين . بالصورة اليت يرمسها فيمنحها احلياة الشاخصة، أو احلركة املتجددة

حلالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج اإلنساين شاخص هيئة أو حركة، وإذا افأما احلوادث واملشاهد، والقصص واملناظر، . حي، وإذا الطبيعة البشرية جمسمة مرئية

فريدها شاخصة حاضرة؛ فيها احلياة، وفيها احلركة؛ فإذا أضاف إليها احلوار، فقد رض حىت حييل السامعني نظارة؛ وحىت فما يكاد يبدأ الع. استوت هلا كل عناصر التخييل

ينقلهم نقال إىل مسرح احلوادث األول، الذي وقعت فيه أو ستقع؛ حيث تتواىل املناظر، وتتجدد احلركات؛ وينسى املستمع أن هذا كالم يتلى، ومثل يضرب، ويتخيل أنه منظر

ل فهذه شخوص تروح على املسرح وتغدو، وهذه مسات االنفعا. يعرض، وحادث يقعبشىت الوجدانات، املنبعثة من املوقف، املتساوقة مع احلوادث؛ وهذه كلمات تتحرك ا

.إا احلياة هنا، وليست حكاية احلياة. األلسنة، فتنم عن األحاسيس املضمرةفإذا ذكرنا أن األداة اليت تصور املعىن الذهين واحلالة النفسية؛ وتشخص النموذج

ر، اإلنساين أو احلادث املروير، وال شخوص تعبإمنا هو ألفاظ جامدة، ال ألوان تصو ، .1"أدركنا بعض أسرار اإلعجاز يف هذا اللون من تعبري القرآن

وها قد عرفنا أن . ها قد منحنا الناقد العريب احلديث فرصة وافية ليجمل لنا نظريته الكرمي، ليس ينحصر التصوير الذي يتحدث عنه هذا الناقد ويعده قاعدة التعبري يف القرآن

فيما أشاد به أميا إشادة صاحب أسرار البالغة من تشبيه ومتثيل واستعارة، بل يتسع ليشمل ما تؤديه العبارات غري اازية من وصف وإحياء وعرض وحوار وقص، وهو جمال واسع

حالة حيثما شاء أن يعرب عن معىن جمرد، أو "يتيح للنظرية أن جتد مصداقها يف القرآن كله، نفسية، أو صفة معنوية، أو منوذج إنساين، أو حادثة واقعة، أو قصة ماضية، أو مشهد من مشاهد القيامة، أو حالة من حاالت النعيم والعذاب؛ أو حيثما أراد أن يضرب مثال يف

.37-36، صاملصدر نفسه 1


جدل أو حماجة، بل حيثما أراد هذا اجلدل إطالقا، واعتمد فيه على الواقع احملسوس، .1"رواملتخيل املنظو

، التصوير الفين، أن نتوسع يف معىن التصويريقتضي األمر، إذا، كي تستقيم نظرية كما أنه تصوير بالنغمة ،فهو تصوير باللون، وتصوير باحلركة، وتصوير بالتخييل"

ا ما يشترك الوصف، واحلوار، وجرس الكلمات، وكثري. تقوم مقام اللون يف التمثيلسياق، يف إبراز صورة من الصور، تتمالها العني واألذن، ونغم العبارات، وموسيقى ال

وهو تصوير حي منتزع من عامل األحياء، ال .واحلس واخليال، والفكر والوجدانتصوير تقاس األبعاد فيه واملسافات، باملشاعر . ألوان جمردة وخطوط جامدة

اهد من فاملعاين ترسم وهي تتفاعل يف نفوس آدمية حية، أو يف مش. والوجدانات .2"الطبيعة ختلع عليها احلياة

تبدو نظرية سيد قطب يف التصوير الفين مقنعة بالنظر إىل هذا العرض النظري ولكننا ال منلك أن نوافقه على نظريته إال بعد أن ننظر يف األدلة . وتعبريااحملكم بناء

.العملية واألمثلة التطبيقية اليت يقدمها إلثبات صالحية هذه النظريةا لعبد القاهر الذي شغله اجلدل عن االسترسال التفصيلي يف التطبيق، خالف

وغلبت مناذجه التطبيقية الشعرية على النماذج القرآنية، فإن سيد قطب منح جهده ا ملوضوع حبثه يف أعقاب التنظري، ووهب حتليله خالصيءكامال للتطبيقات املفصلة جت

ا من التحليالت الذكية ا وافر لذلك جند كم.نه؛ وهو التصوير الفين يف القرآونظريت أيها ندع ومل وأيها نستجيد فنختار؟: العميقة الشيقة اليت نقف أمامها وحنن حنار

لقد بلغ عدد النماذج القرآنية اليت استشهد ا صاحب نظرية التصوير ثالمثائة بصيغتها وحروفها املعىن أمنوذج، ما بني قصري قد ال يتجاوز الكلمة املفردة اليت ترسم

.37، صدر نفسهاملص 1 .38-37، صاملصدر نفسه 2


ا من اآليات تتضافر لرسم وتصور احلركة، وطويل قد يشمل سورة كاملة أو عدد دون أن نأخذ يف احلسبان ، وذلكمشهد أو تصوير لوحة أو عرض أحداث متناسقة

؛ إذ يغين عن عدها العلم أا متثل "القصة يف القرآن"النماذج اليت استدل ا يف فصل . من مضامني القرآن، وأا تقع من نظرية التصوير الفين يف الصميماا كبريجزء

وحىت ال نسترسل يف عرض النماذج مبا يضيق عنه مقام البحث، سنعمد إىل تصنيفها على النحو الذي يعيننا على اإلحاطة بنظرية سيد قطب يف التصوير الفين، وسنعرض من

لنتبني مدى كفاءة املذهب الذي ذهبه الناقد كل صنف عددا حمدودا من األمثلة التحليلية، يف تعليل إعجاز القرآن، ونناقشه يف ذلك مبا يكشف عن قيمة النظرية، ويقارن بينها وبني نظرية النظم، ولرمبا يعقد الصلة بينهما ويدعومها إىل التكامل يف سبيل بناء نظرية عربية

. مجال الكالم على وجه اإلطالقمتكاملة، ال يف اإلعجاز القرآين وحسب، ولكن يف علم

الصيغة واجلرس: التصوير بالكلمة املفردة-1من ألوان التصوير اليت عرضها سيد قطب، يف سبيل االحتجاج لصحة نظريته يف

تارة جبرسه الذي يلقيه يف األذن، الذي يرسم الصورة"باللفظ املفرد التصوير، التصوير .وتارة باجلرس والظل مجيعاوتارة بظله الذي يلقيه يف اخليال،

K J I H G F E D: يف قوله" اثاقلتم"تسمع األذن كلمة

R Q P O N M L )ر اخليال ذلك اجلسم املثاقل، )38: التوبةفيتصو على " اطن"إن يف هذه الكلمة . يرفعه الرافعون يف جهد، فيسقط يف أيديهم يف ثقل

تثاقلتم، خلف اجلرس، ولضاع األثر املنشود، ولتوارت : ولو قلت!األقل من األثقال t s r q: وتقرأ .الصورة املطلوبة اليت رمسها هذا اللفظ، واستقل برمسها

" ليبطئن" ويف جرس -فترتسم صورة التبطئة يف جرس العبارة كلها) 72: النساء( .1"ا، حىت يصل ببطء إىل ايتهاوإن اللسان ليكاد يتعثر، وهو يتخبط فيه. خاصة



أخرى؛ فحللها وذكر ما فيها من اإلحياء بالصورة، وقد ذكر سيد قطب مناذج أنلزمكموها، يصطرخون، عتل، بمزحزحه، كبكبوا، الصاخة، الطامة، : وهي اآلتية

أفواههم، انسلخ، يترقب، ي ،رتيكم، النعاس، كبشغلوهتنفس، يون، فاعتوهي . دععلى قلتها بالقياس إىل العدد اإلمجايل أللفاظ القرآن الكرمي، تكشف لونا من التصوير تقوم بأدائه الكلمة مفردة، دون النظر إىل إسهام العبارة يف أداء الغرض، وهو حقا

املعىن وجه من وجوه اإلعجاز القرآين؛ حيث االختيار الدقيق لأللفاظ املناسبة لتصوير ويف دراسة أمحد . أو املشهد أو احلركة، مبجرد جرسها وصيغتها وما ترمسه من الظل

فصول جيدة يف حتليل هذه امليزة التصويرية للفظة 1"مجاليات املفردة القرآنية"ياسوف .املفردة يف القرآن الكرمي

جتسيم ارد وتشخيص اجلامد: التصوير بالتخييل احلسي -2 التصوير هو األداة املفضلة يف أسلوب القرآن، وأن التخييل يرى سيد قطب أن

قليل من صور القرآن هو : "احلسي هو الظاهرة الغالبة على هذا التصوير؛ فعلى رأيهالذي يعرض صامتأما أغلب - لغرض فين يقتضي الصمت والسكون -ا ا ساكن

. وتعلو ا حراراالصور ففيه حركة مضمرة أو ظاهرة، حركة يرتفع ا نبض احلياة،وهذه احلركة ليست مقصورة على مشاهد القصص واحلوادث، وال على مشاهد

بل إا لتلحظ . القيامة، وال على صور النعيم والعذاب، أو صور الربهنة واجلدل .2"كذلك يف مواضع أخرى ال ينتظر أن تلحظ فيها

ي يقوم على ويعرض الناقد مناذج كثرية متنوعة هلذا التخييل احلسي الذيف خلع احلياة على املواد "التشخيص تارة وعلى التجسيم أخرى، والذي يتمثل دوره

هذه احلياة اليت قد ترتقي فتصبح . اجلامدة، والظواهر الطبيعية، واالنفعاالت الوجدانيةحياة إنسانية، تشمل املواد والظواهر واالنفعاالت؛ وب هلذه األشياء كلها عواطف

).م1999/ه1419، 2دار املكتيب، ط: دمشق (مجاليات املفردة القرآنيةياسوف، أمحد، : ينظر 1 .72، صالتصوير الفين يف القرآنقطب، 2


ات إنسانية، تشارك ا اآلدميني، وتأخذ منهم وتعطي؛ وتتبدى هلم يف آدمية، وخلجشىت املالبسات؛ وجتعلهم حيسون احلياة يف كل شيء تقع عليه العني، أو يتلبس به

.احلس، فيأنسون ذا الوجود ويرهبونه، يف توفز وحساسية وإرهاف g: هذا هو الصبح يتنفس f e )ل إليك . )18: التكويرهذه فيخي

احلياة الوديعة اهلادئة اليت تنفرج عنها ثناياه، وهو يتنفس، فتتنفس معه احلياة، ويدب !1.النشاط يف األحياء، على وجه األرض والسماء

e d c :وهذا هو الليل يسرع يف طلب النهار، فال يستطيع له دركا

g f )اية هلا ويدور اخليال مع هذه الدورة الدائبة، . )54: األعراف اليت الفتحس سريانه يف ). 4: الفجر( + * ) : أو هذا هو الليل يسري .وال ابتداء

.هذا الكون العريض، وتأنس ذا الساري على هينة واتئاد: وهاتان مها األرض والسماء عاقلتني، يوجه إليهما اخلطاب، فتسعان باجلواب

½ ¼ » º ¹ ¸ ¶ µ ´ ³ ²Â Á À ¿ ¾ )فصلت : .2"واخليال شاخص إىل األرض والسماء، تدعيان وجتيبان النداء). 11

1 من املدهش واملؤسف أن ناقدا كبريعلى تناول العقاد هلذه العبارة القرآنية ا، هو عز الدين إمساعيل، يبينا معاصر

ا على سيد قطب بأنه ا قاطع من اإلحياء، حكم-على وضوحها وإجيازها–بالتحليل الذي يكشف مقدار ما ختتزنه ليس فيهما "التصوير الفين يف القرآن، ومشاهد القيامة يف القرآن"تلقف فكرة التصوير الفين من العقاد، وأن كتابيه

والكتابان اللذان خدعنا ما للمؤلف وخيل إلينا أن فيهما من األصالة ما : يقول الناقد! الرأي شيءمن أصالةومها التصوير الفين يف القرآن، ...) الضحالة والصحافية وصوغ أفكار اآلخرين من جديد(ينفي عنه تلك الضفة

من أصالة الفكر شيء، فقد تلقف األستاذ هذان الكتابان بكل أسف، ليس فيهما ... ومشاهد القيامة يف القرآنينظر !..سيد قطب أصل الفكرة من األستاذ العقاد، وراح يضخمها حىت ظفر من هذه الضخامة بقدر ميأل كتابا

اخلالدي، صالح عبد : ينظر، و)79-78، ص)ت.منشورات املكتبة العصرية، د: صيدا-بريوت (الفصول: كتابهولو سايرنا الناقد ). 122، ص)م1988شركة الشهاب، : اجلزائر (د سيد قطبنظرية التصوير الفين عنالفتاح،

–صدرنا احلكم نفسه على نظرية النظم عند اجلرجاين، بل على كل إضافة نوعية واختراع، وبقي اهللا أليف منطقه .ا باإلبداع واالختراع؛ فهو الوحيد الذي خيلق األشياء من عدم وعلى غري مثال متفرد-جل وعال

.73، صالتصوير الفين يف القرآنقطب، 2


: ويف باب التجسيم للمعنوي يعرض سيد قطب عددا من النماذج، من قبيل قوله تعاىل4 3 2 1 0 / . - , + * ) ( ' & % $ # " ! f g: وقوله. مل املعنوي كأنه مادة حمسوسة تحضر؛ حيث الع)30: آل عمران(

j i h )ا أمحال حتمل على )31: األنعام؛ حيث جتسيم الذنوب كأ m k j؛ أو )197: البقرة(= < ; : 9 : وقوله. الظهور

q p o n )لمة)138: البقرةع1؛ حيث التقوى زاد، ودين اهللا صبغة م. ) : اقد قليال مع قوله تعاىلمث يقف الن ' & % $ # " !

6 5 4 3 2 1 0 / . - , + * ) )118: التوبة( ،فاألرض تضيق عليهم، ونفوسهم تضيق م : "فيكشف ما فيه من التجسيم املصور بقوله

ا أوضح وأوقع؛ كما تضيق األرض؛ ويستحيل الضيق املعنوي يف هذا التصوير ضيقا حسيوتتجسم حالة هؤالء الذين ختلفوا عن الغزو مع الرسول، فأحسوا ذا الضيق اخلانق، وندموا على ختلفهم ذلك الندم احملرج، حىت ال جيدون هلم ملجأ وال مفرا، وال يطيقون

.2"راحة، إىل أن قبل اهللا توبتهمدة مما يسمعه املعرضون من مث يعرض مناذج أخرى، فيها جتسيم ملعىن عدم االستفا

األكنة (3"كأمنا هناك حواجز مادية تفصل بينهم وبينه"اهلدى، مبا يوقع يف اخلاطر أو فيها جتسيم معىن العذاب أو ). والوقر واألقفال والسد والغشاوة واخلامت والغطاء

معىن نقض العهد مبا يناسب ذلك ويزيده بيانا ومتكنا من اخليال؛ من الوصف بالغلظ،أو فيها جتسيم ملعىن مقاومة الباطل، . للعذاب، والتشبيه بنقض الغزل، لنقض العهد

.4ومعىن إحداث الرعب يف القلوب، بتخييل صورة القذف

.80-79، صاملصدر نفسه 1 .80، صاملصدر نفسه 2 .81، صاملصدر نفسه 3 .83-82، صاملصدر نفسه 4


* : وملا يبلغ اآليات املتعلقة بذات اهللا تعاىل، كقوله ) ( ' )الفتح :10( ، Ä Ã Â Á À ¿ ¾ ½ )الزمر :67( ، * ) ( ' - , + ) يشري إىل ما دار حوهلا )17: األنفال ،

وإن هي إال : "من جدل كالمي، ويديل برأيه املتناغم مع نظريته يف التصوير الفينجارية على نسق متبع يف التعبري، يرمي إىل توضيح املعاين اردة وتثبيتها؛ وجيري على

ي والتجسيم يف كل عمل من سنن التخييل احلس. سنن مطرد، ال ختلف فيه وال عوج .1"أعمال التصوير

املثل والتشبيه: التصوير بالتمثيل-3وقد توقف سيد . من ألوان التصوير اليت كثر ورودها يف القرآن الكرمي املثل

قطب عند عدد من األمثال القرآنية، يكشف ما فيها من قوة البيان وحيوية التصوير؛ ¸ ¶ µÂ Á À ¿ ¾ ½ ¼ » ¹ Ä: كقوله تعاىل

É È Ç Æ Å )الصورة حركة وحياة، "؛ حيث متتلئ )18: إبراهيما، إىل حيث ال يتجمع حبركة الريح يف يوم عاصف، تذرو الرماد وتذهب به بدد

¼ : ومثل قوله تعاىل. 2"أبدا » º ¹ ¸ ¶ µ ´ ³ ²

Â Á À ¿ ¾ ½Ä Ã Å Í Ì Ë Ê É È Ç Æ Î )264: البقرة .(

حيث خياطب اهللا املؤمنني لينقل إليهم معىن ضياع الصدقة اليت يتبعها املن واألذى ويدعهم يتملون هيئة احلجر الصلب املستوي، غطته طبقة "بصورة حسية متخيلة،

ملطر يصيبه؛ وبدال من أن يهيئه خفيفة من التراب، فظنت فيه اخلصوبة؛ فإذا وابل من ا كما هو - إذا به - كما هي شيمة األرض حني جتودها السماء -للخصب والنماء

.85، صاملصدر نفسه 1 .39، صاملصدر نفسه 2


يتركه صلدا؛ وتذهب تلك الطبقة اخلفيفة اليت كانت تستره، وتخيل فيه -املنظور .1"اخلري واخلصوبة

ختيار ويعرض سيد قطب مناذج أخرى كلها فن من التصوير بليغ مثري، وباال .جدير، لوال أن املقام ال يتسع

وقد حلل . وأما التشبيه فهو كذلك فن تصويري كثري الورود يف القرآن الكرمي% & ' ) ( * + , - : الناقد مناذج من هذا الفن البديع، كقوله تعاىل

6 5 4 3 2 1 0 / .7= < ; : 9 8 )لق ؛ حيث ع)14: الرعدوهي صورة تلح على احلس والوجدان، : "سيد قطب على ما ورد فيه من التشبيه بقوله

وجتتذب إليها االلتفات، فال يستطيع أن يتحول عنه إال جبهد ومشقة؛ وهي من أعجب شخص حي شاخص، باسط كفيه إىل املاء، : الصور اليت تستطيع أن ترمسها األلفاظ

.2" فاه، ولكنه ال يستطيع، ولو مد مدة فرمبا استطاعواملاء منه قريب، يريد أن يبلغه 2: وكقوله عز وجل 1 0 / . - , + * ) ( '

6 5 4 3 ) مثل معىن أن الذي يشرك باهللا ال منبت له )31: احلجحيث ي ،هكذا . بصورة سريعة اخلطوات، عنيفة احلركات"وال جذور، وال بقاء وال استمرار

إن . خير من السماء من حيث ال يدري أحد، فال يستقر على األرض حلظة. ومضةيف حيث ال يدري !ووي به يف مكان سحيق.. الطري لتخطفه، أو غن الريح لتهوي به

3". وذلك هو املقصود!أحد كذلك

عرض املشاهد ورسم النماذج: التصوير بالوصف-4ليها إلثبات نظريته يف التصوير الفين، ومن ألوان التصوير اليت اعتمد الناقد ع

.39، صاملصدر نفسه 1 .41، صاملصدر نفسه 2 .43، صاملصدر نفسه 3


، عرض املشاهد "مشاهد القيامة يف القرآن"وألف يف بعضها كتابا كامال، هو املختلفة عرضا يتدفق باحلركة وينبض باحلياة، ويرسم أمام عني اخليال مشهدا يغري

مها، أو عذاا ونعي: بالتأمل واملتابعة والتملي، سواء تعلق األمر مبشاهد القيامة .أهواهلا وأحواهلا: مبشاهد الطبيعة

Î Í Ì Ë Ê É ÈÏ: من مشاهد القيامة قوله تعاىل

Ö Õ Ô Ó Ò Ñ Ð' & % $ # " !( ) * )43-42: إبراهيم( .

أربع صور متتابعة متواكبة، أو أربعة : "وقد حلل الناقد هذه املشاهد بقولهواحدة، يتلو بعضها بعضا يف االستعراض، فتتم ا صورة شاخصة يف مشاهد لرواية

اخليال، وهي صورة فريدة للفزع واخلجل والرهبة واالستسالم، جيللها ظل كئيب هؤالء آدميون، : وهي صورة ترتسم كذلك يف وسط حي. ساهم، يكمد األنفاس

ي ترتسم يف أنفسهم بينهم وبني املستمعني صلة اجلنس املشترك، واحلس املتشابه؛ فه. حية، ويصل الشعور ا من هؤالء إىل هؤالء باملشاركة الوجدانية وبالتخيل احملسوس

.1"!فإذا قرأها القارئ متشت رعدة اهلول يف حناياه، كأمنا يلقاهويف القرآن الكرمي مشاهد كثرية ليوم القيامة، تعرض عرضا حيا قويا جيعلها

هي واقع حاضر مشاهد، ويسهم يف تقوية أثرها التصويري ما حاضرة أمام اخليال كأمنا وقد وقف .. يكتنف العرض من طرائف نظمية كااللتفات، أو طرائق سردية كاحلوار

، وتناوهلا بتفصيل أكرب "التصوير الفين يف القرآن"سيد قطب عند مناذج منها يف كتاب ".يف ظالل القرآن"و" قرآنمشاهد القيامة يف ال: "وحتليل أوسع يف كتابيه الالحقني

Ö: ومن مشاهد الطبيعة قوله عز وجل Õ Ô Ó Ò Ñ Ð Ï Î

æ å ä ã â á à ß Þ Ý Ü Û Ú Ù Ø ×ç è



í ì ë ê é )فهذا مشهد من مشاهد األرض ). "21: الزمر خطوة للعني كذلك متعدد اخلطوات؛ وهو يعرض يف بطء وتفصيل، وتترك كل

هذا هو املاء يرتل من السماء، . مدة كافية للتأمل، وللنفس مدة كافية للتأثرمث يهيج هذا الزرع وينضج . مث خيرج به زرعا خمتلفا ألوانه. فيسلك ينابيع للري

للعني " املهلة"يف كل مرة تعطي هذه " مث"و. مث ييبس فيصري حطاما. فتراه مصفراومن أمجل . 1"هد املعروض قبل طيه، وعرض املشهد التايلوالنفس، لتملي املش

مير به الناس غافلني، ويف تأمله وتتبع "املشاهد الطبيعية يف القرآن مشهد متكرر، ما - وإن كانت معروضة يف العيان - حركته الوئيدة اليت تكاد تتم يف اخليال

ذلك . التأمالتيلمس النفس، ويؤثر يف الوجدان، ويتيح الفرصة أللوان شىت من 4: منظر الظل الذي تلقيه األجرام فيبدو ساكنا، وهو يتحرك ببطء لطيف 3

B A @ ? > = < ; : 9 8 7 6 5C F E D

H G )ويف هذا املشهد مجال طبيعي يغري اخليال ). 46- 45: الفرقان . 2"باجلوالن، وميلي للخواطر يف اهليمان

يف القرآن مشاهد أخرى كثرية، هي مبثابة لوحات معروضة، تتمالها العني، وويبتهج ا الوجدان، أشار إليها الناقد يف كتابه، وعلق عليها بأسلوبه املتجاوب وذوقه

p :وال يتسع املقام ألكثر من أن خنتم ذه اللوحة دون حتليل. املرهف o n

y x w v u t s r q � ~ } | { z£ ¢ ¡ )4: الرعد.(

وأما رسم النماذج فهو كذلك من ألوان التصوير اليت بين عليها التعبري القرآين، رسم القرآن من خالل تعبريه "واعتمد عليها يف تبليغ اخلطاب وحتقيق الغرض؛ فقد

.69-68، صاملصدر نفسه 1 .70، صاملصدر نفسه 2


رمسها . لقصصيف غري ا" النماذج اإلنسانية"عن األغراض الدينية املختلفة عشرات من الربنامج "يف سهولة ويسر واختصار، فما هي إال مجلة أو مجلتان حىت يرتسم

.1"!شاخصا من خالل اللمسات، وينتفض خملوقا حيا خالد السمات" اإلنساين o: من هذه النماذج ما رمسته هذه اآلية، يف إجياز معجز وتصوير بديع n

y x w v u t s r q p ¢ ¡ � ~ } | { z

£ )كل "إن هذا النموذج السريع جتتمع له، يف رأي سيد قطب، ). 12: يونسحني ميسه الضر، وتتعطل : فاإلنسان هكذا حقا. عناصر الصدق النفسي والتناسق الفين

ذا فيه دفعة احلياة، يتلفت إىل اخللف، ويتذكر القوة الكربى، ويلجأ عندئذ إليها؛ فإانكشف الضر، وزالت عوائق احلياة، انطلقت احليوية الدافعة يف كيانه، وهاجت دواعي

إن احلياة قوة !كأن مل يكن باألمس شيء" مر"احلياة فيه، فلبى دعاءها املستجاب، و .دافعة إىل األمام، ال تلتفت أبدا إىل الوراء، إال حني يعوقها حاجز عن اجلريان

دعانا : "ها فهو يف تلك اإلطالة يف صورة الدعوة عند الضروأما التناسق الفين فيمر كأن مل يدعنا : "مث يف ذلك اإلسراع عند كشف الضر" لجنبه، أو قاعدا أو قائما

إن هاتني الصورتني متثالن بالضبط وقوف التيار عن اجلريان أمام ". إىل ضر مسهقوف ويطول؛ فإذا فتح احلاجز تدفق التيار يف احلاجز القوي، فقد يطول هذا الو

.2"كأن مل يقف قبل أصال" مر"سرعة، و

ا منها بالتحليل والنماذج اليت رمسها القرآن الكرمي كثرية، تناول الناقد بعضمناذج أبدية خالدة؛ "الوجيز الذي يكشف ما فيها من اإلعجاز الفين الذي حييلها

.3"القرون واألجيالتتخطى الزمان واملكان، وتتجاوز

.216، صاملصدر نفسه 1 .217، صاملصدر نفسه 2 .216، صاملصدر نفسه 3


بناء األحداث ورسم الشخصيات: التصوير بالقص-5 "القصة يف القرآن"يشكل القصص جزءا كبريا من القرآن الكرمي، ويشكل فصل

وهو شأن يعزز قوة . "التصوير الفين يف القرآن"جزءا كبريا من كتاب سيد قطب ع جمال حضور الصورة يف األساس الذي بىن عليه الناقد نظريته يف التصوير؛ إذ يوس . 1القرآن إىل ما يتجاوز الثالثة أرباع، كما يسجل سيد قطب

أغراض القصة القرآنية، وآثار خضوعها "القصة يف القرآن"تناول الناقد يف فصل للغرض الديين، وخصائصها الفنية، والدين والفن يف القصة، والتصوير يف القصة،

ذه القضايا هو ما حدده الناقد من اخلصائص والذي يعنينا من ه. ورسم الشخصيات .الفنية، وما سجله من اآلراء يف موضوع التصوير

أما اخلصائص الفنية فقد حددها يف ثالثة؛ حللها باختصار وضرب هلا األمثلة، تنوع طريقة العرض، وتنوع طريقة املفاجأة، واستعمال تقنية الفجوة بني : وهي

ر فإن الناقد يؤكد من جديد دوره الكبري يف أسلوب وأما التصوي. 2املشهد واملشهدبناء القصة القرآنية وطريقة عرضها، ومييز بني ألوانه املختلفة اليت تتضافر يف منحه

سبق : "يقول يف ذلك. اإلثارة الكافية ومنح القصة القدر املعجز من اجلمال والسحرر املبدعة اليت يتناول ا مجيع إن التعبري القرآين يتناول القصة بريشة التصوي: أن قلنا

املشاهد واملناظر اليت يعرضها، فتستحيل القصة حادثا يقع ومشهدا جيري، ال قصة .تروى وال حادثا قد مضى

لون يبدو يف قوة العرض : إن هذا التصوير يف مشاهد القصة ألوان: فاآلن نقولدو يف رسم ولون يب،ولون يبدو يف ختييل العواطف واالنفعاالت. واإلحياء

وليست هذه األلوان منفصلة، ولكن أحدها يربز يف بعض املواقف . الشخصيات

.7، ص)ت.دار الشروق، د: القاهرة-بريوت(، مشاهد القيامة يف القرآنقطب، سيد، 1 .189-180، صالتصوير الفين يف القرآنقطب، : ينظر 19، صاملصدر نفسه 2


أما احلق فإن هذه اللمسات الفنية كلها . ويظهر على اللونني اآلخرين، فيسمى بامسه .1"تبدو يف مشاهد القصص مجيعا

إن هذه الكلمات اليت تلخص اخلصائص التصويرية الفذة للقصة القرآنية ال تغين ا من القصص ا خمتلفا كبرين النماذج التطبيقية اليت أوردها، واليت تشمل عددع

ا لنظرية سيد ا قويولكن جمرد احلديث عن القصة يف القرآن يعد تعزيز. والشخصيات :قطب يف التصوير الفين اليت خيتم الناقد مرافعته عنها بقوله

طريقة تصوير املعاين الذهنية لقد كانت السمة األوىل للتعبري القرآين هي اتباع"واحلاالت النفسية، وإبرازها يف صورة حسية، والسري على طريقة تصوير املشاهد الطبيعية، واحلوادث املاضية، والقصص املروية، واألمثال القصصية، ومشاهد القيامة،

كأا حاضرة شاخصة، بالتخييل احلسي .. وصور النعيم والعذاب، والنماذج اإلنسانيةختاطب احلس "وهي الطريقة املثلى؛ ألا ..." لذي يفعمها باحلركة املتخيلةا

ومن احلس عن . من احلواس بالتخييل: والوجدان، وتصل إىل النفس من منافذ شىتا ا واحدويكون الذهن منفذ. طريق احلواس، ومن الوجدان املنفعل باألصداء واألضواء

.2"ها املفرد الوحيدمن منافذها الكثرية إىل النفس، ال منفذ

بين التصوير والنظمليس قصدنا من هذا البحث جمرد العرض ملبادئ نظريتني بالغيتني نقديتني عربيتني يف إعجاز القرآن وأصول البالغة؛ فإن ذلك متاح لكل قارئ ودارس، ويف

إمنا قصدنا . وسعه أن يطلع عليه يف أصله أو يف العدد اجلم من العروض والدراساتض الذي يكشف قيمة النظريتني من جهة، وفضل صاحبيهما من جهة ثانية، العر

واختالف تعليليهما لسر اإلعجاز من جهة ثالثة، وداللة ذلك االختالف على قصور

.190، صاملصدر نفسه 1 .242-241، صاملصدر نفسه 2


يف إحدى النظريتني أو كلتيهما من جهة رابعة، مث الوقوف مع النظريتني وقفة تقوميية م دون مغاالة، ونشري إىل مواضع القصور موازنة، نعترف خالهلا لذوي الفضل بأفضاهل

عسى أن يتشكل من اجتماع النظريتني نظرية أقرب إىل . دون تعسف-إن وجدت–االكتمال، فيها من األصالة والشمول والعمق ما يضيف إىل كوا نظرية يف إعجاز

.القرآن كونها نظرية عربية أصيلة يف فن القول وعلم مجال الكالمة، االعتراف بقيمة النظريتني يف مضمار النظريات والدراسات النقدية جيدر، يف البداي

العربية؛ فإن األمر يتعلق بأكرب نظريتني نقديتني عربيتني من حيث األصالة والعمق وقوة النظري والشواهد التطبيقية، ومن حيث التأثري يف مسار البالغة العربية األساس

النظريتان إنشاء من عدم، وال شك؛ فقد سبقت مل تكن . والدراسات األدبية والقرآنيةكلتيهما جهود طيبة يف تعليل الظواهر البالغية، والتفاتات قيمة إىل مظاهر اإلعجاز وأسرار البالغة؛ ولكن الناقدين متيزا بالقدرة الذهنية والذوقية الفائقة على تفصيل

يل اللفتة إىل لفتات، وحتويل امل وتعليل املبهم وحتليل املبدأ، فأهلهما ذلك إىل حتوالفكرة اخلاطفة أو املة إىل نظرية، واستثمار خالصة ما اجتمع من اآلراء والنظرات لتأسيس بناء متماسك له مبادئه وتعليالته وتطبيقاته، يروق ويقنع، فيؤثر وميتد، على

ة والتدقيق ما فيه من قصور هو يف أصل الطبيعة البشرية، ال ينتبه إليه غري أهل اخلرب .والطموح إىل ما هو أمت وأكمل

لقد صنع عبد القاهر من فكرة النظم كما وصلت إليه من سلفه الباقالين، وفكرة دون أن يعترف بالفضل - كما وصلت إليه - وهي نفسها فكرة النظم -الضم

من املعتزيل القاضي عبد اجلبار، صنع من تلك اللفتات والنظرات نظرية - 1لصاحبهااملة متماسكة؛ فيها تعليل حمكم وحتليل مفصل ومتثيل متعدد من آيات القرآن ومناذج ك

يعلل حممد أبو موسى عدم اعتراف عبد القاهر بالفضل لعبد القاهر بأنه مل يطلع على كتابه مباشرة بل بلغه عنه 1

ا به أن يوافقه من اآلراء ما اختلط بأقوال غريه من املعتزلة، فنسب إليه ما هو لغريه، وجادله حبدة وكان جدير . وما بعدها143صمراجعات يف أصول الدرس البالغي، أبو موسى، : ينظر. عترف له بالسبقوي


وكذلك فعل سيد قطب، حني استثمر ما اجتمع من آراء ونظرات . الكالم العريب املبنيما 1يف بالغة الصورة وسحر التخييل، على امتداد تاريخ النقد والبالغة، ورمبا اقتنص

؛ فبىن، g f e 2: يمة اإلحيائية التصويرية يف قوله تعاىلذكره العقاد يف حتليل القتأسيسا على كل ذلك، نظرية على قدر واضح من التماسك، كان هلا تأثري واضح يف

يقول عبد . 3مسار الدراسات القرآنية احلديثة، اعترف بذلك املتأثرون أم مل يعترفوا :س نظرية التصويرالفتاح اخلالدي يف اإلشادة بفضل سيد قطب يف تأسي

إن الذين حتدثوا عن إعجاز القرآن كثريون، وإن الذين نظروا يف أسلوب القرآن " تناول املوضوع ذه - يف القدمي ويف احلديث -كثريون، ولكن ال يوجد أحد منهم

إن دراسة سيد قطب حماولة . الطريقة، ونظر فيه من هذه الزاوية، الزاوية الفنية اجلماليةأدركها وتذوقها فأحسن، مث عرضها . رك ا معامل اجلمال الفين يف القرآنناجحة، أد

على الناس فأحسن، ووضع أيديهم على معامل الفن واجلمال يف األسلوب القرآين، 4"!ودعاهم إىل مشاركته يف ما حيسه وما يتذوقه من هذا اجلمال

عبد القاهر إن سر أن تقول: بقي اآلن أن ننظر يف داللة االختالف بني النظريتنيوهي -اإلعجاز يف النظم ال يف اللفظ املفرد الذي منه الكناية والتشبيه واالستعارة

، ويقول سيد قطب إن مصدر السحر واحليوية والتأثري - أركان يف نظرية التصويراملعجز للقرآن الكرمي إمنا هو اعتماد التصوير طريقة يف التعبري، ويصرح بأن عبد القاهر

ذلك ال يعين ، إن أ النبع إذ وقف عند النظم ومل يهتد إىل مزية أسلوب التصويرأخط .سوى أن أحدمها أو كليهما خمطئ يف نظريته أو مقصر على أقل تقدير

زعم عز الدين إمساعيل أن سيد قطب أخذ فكرة التصوير من العقاد وضخمها حىت جعل منها كتابا؛ فليس يف كتابه 1

.بق أن علقنا على هذا األمر يف رأينا تعسف يف احلكم وخبس للناس إبداعكم، وقد سذا وه!شيء من أصالة الرأي .79-78، ص)ت.منشورات املكتبة العصرية، د: بريوت/صيدا(، الفصولالعقاد، حممود عباس، : ينظر 2 .350-319 ، صنظرية التصوير الفين عند سيد قطباخلالدي، : نظرية سيد قطب ينظرتأثريملتابعة 3 .368، صاملصدر نفسه 4


أما القصور يف نظرية النظم فقد أشرنا إىل بعضه حني ذكرنا بأن النظم ال يسع السر؛ إذ للبالغة أسرار البيان؛ فهو سر عظيم من أسرار البالغة ولكنه ليس كل

وأما ). أسرار البالغة(أخرى ذات شأن أمهها تلك اليت ذكرها اجلرجاين نفسه يف :القصور يف نظرية التصوير الفين فهو الذي نريد أن نقف عنده اآلن

تشخيصا وجتسيما ووصفا ورمسا وعرضا وقصا وختييال وإحياء، شأنا يف : إن للتصويرولكنه ال ميكن أن يضطلع لوحده بإجناز . ن، وأثرا يف إعجاز القرآن أي أثرالبالغة أي شأ

. صرح البالغة وسحر اجلمال، وال ميكن أن ينربي مبفرده لتفسري اجلمال وتعليل اإلعجازذلك أن اإلعجاز ظاهرة تعم القرآن كله، وصاحب نظرية التصوير مل يزد، يف توزيع

، وهي من )سورة الفاحتة(وذلك أن أم الكتاب . عهنظريته على القرآن، على ثالثة أرباأعظم سوره، ال تتضمن شيئا مما ذكره الناقد يف نظرية التصوير، وهي مع ذلك كرت ال تنقضي عجائبه من اللطائف واألسرار، وذلك أن مصدر اجلمال والسحر واإلعجاز يف

) ( * '! " # $ % & : على سبيل املثال، قوله تعاىل

3 2 1 0 / . - , +4; : 9 8 7 6 5 < =

E D C B A @ ? >F J I H G )74-73: احلج.( ليس يف جمرد ما فيه من التصوير القائم على ضرب املثل احلسي الذي يرسم

اليت يف تلك الظالل"صورة مثرية للخيال، قوية األثر يف مقام احلجاج، ليس حمصورا تضفيها حمتويات الصورة، ويف احلركة التخييلية يف حماولة اخللق، ويف التجمع له، مث يف حماولة الطريان خلف الذباب الستنقاذ ما يسلبه، وهم وأتباعهم عاجزون عن هذا

وإمنا هو يف ذلك، ويف النظم الذي جاء مفتتحا بنداء الناس مجيعا، وجاء . 1"االستنقاذوجاء فيه ضرب املثل بعد الدعوة إىل . يا مبنيا للمجهول وفاعله نكرةفعله األول ماض

، إىل ألوان "ضعف الطالب واملطلوب "وتبعه هذا التعليق الوجيز البديع . االستماع له

.244، صرآنالتصوير الفين يف الققطب، 1


وهو كذلك يف هذا اإليقاع الساحر الذي تربز فيه ألوان . أخرى من روعة النظمفمن ). واملطلوب: ولو اجتمعوا له، الطالب: لهفاستمعوا ( البديع سافرة اجلمال

املعاين والبيان والبديع، كان : اجتماع العناصر اجلمالية يف الفنون البالغية الثالثة . اإلعجاز، ومن اجتماعها يكون األدب اجلميل الرفيع

ولو تتبعنا جممل آيات القرآن الكرمي لوجدنا أن التصوير وإن حضر يف أكثرها، أخرى، ليس هو السر األكرب يف بالغتها العجيبة، وإمنا هو إحدى نتائج ما بطريقة أو ب

كما أن النظم وحده مل يكن كافيا لتوليد ما يطلق عليه . يعزوه عبد القاهر إىل النظمقطب مصطلح السحر، وإمنا اجتمع إليه يف أكثر األحيان فضيلة التصوير، وقد يكون يف

ولئن كان لسيد قطب فضيلة التفاعل الوجداين . هااألمر أسباب أخرى ينبغي البحث عناحلي مع اجلمال القرآين، واالكتشاف النظري والتطبيقي املقنع لطريقة التعبري التصويرية الغالبة يف أسلوب القرآن الكرمي، وتوسيع داللة التصوير حبيث يستغرق الشطر األعظم

ضل استغراقها مجيع القرآن بغري من سور القرآن وآياته، فإن لنظرية النظم اجلرجانية فمتييز وال استثناء، وهو ما مينحها قوة منطقية أعظم من القوة املنطقية لنظرية التصوير، خاصة إذا ذكرنا أن عبد القاهر، وقبله الرماين والباقالين، مل يكن يغفل أثر الصور البيانية

اجلرجاين، وقبله يف صناعة البالغة ويف اإلسهام بركن يف إعجاز القرآن، ولكن ، كانا يريان ذلك عناصر مفردة ال تصنع اجلمال الذي يبلغ حد اإلعجاز إال 1الباقالين

.أن يضمها النظم يف نسقه احملكم، ويغدق عليها النحو من لطائفه وأسرارهبقي أن نشري إىل أن نظرية سيد قطب قد ذكر بعض املعاصرين مآخذها، منها أن

،2العامة للتصوير، فبينها جمملة ومل يستفض يف التحليلصاحبها وقف عند اخلصائص

وقف أكثر مما وقف يتملى مشهد كل لوحة، ولوحة كل مشهد، وإبداع "وأنه لو

. وما بعدها294، صإعجاز القرآنالباقالين، : ينظر 1 .367، صنظرية التصوير الفين عند سيد قطباخلالدي، : ينظر 2


كل صورة، وصورة كل إبداع، دون أن خيل بطريقته يف منهجه الذي ارتآه، لترك ستقبلة، اليت ا تعمر صدور العصور امللعشاق القرآن حملات من اخللود اخلالدة، وآثار

، ومنها أن بعض املصطلحات اليت استعملها، مثل التصوير 1"تتفيأ ظالل القرآن ايدال يليق أن تطلق على كتاب اهللا عز وجل؛ ولكن .. والفن واملوسيقى والرسم والسحر

هذه املآخذ هي ذاا قابلة لالعتراض، ويف بعضها داللة على اإلعجاب واستزادة منه .نقاص من نظرية التصويرال على االست

خاتمةإن النتيجة اليت خنلص إليها من هذه الدراسة هي أن البحث يف إعجاز القرآن فتح

. بابا واسعا للبحث يف أسرار البالغة، وعلل التأثري، وأسباب النجاعة يف تبليغ اخلطاباحلركة وكان بركة على علم البالغة والنقد األديب عند العرب؛ إذ كان من أقوى أسباب

البحثية املتنامية يف التأسيس لعلوم العربية املختلفة، ويف التنظري ألصول الفنون األدبية املتعددة؛ فكان من مثرات هذه احلركة نشأة هذا العلم اجلليل بصبغته العربية، وهو علم

وكذا تطور النقد األديب العريب، وبلوغه مراتب النضج . البالغة، واستواؤه على سوقه .مق والشمول، وتأسيسه لنظريات هي اآلن حمل تصديق وتقدير وإعجابوالع

إن اجلهود البحثية ملختلف العلماء والباحثني يف إعجاز القرآن وبالغة اخلطاب وأسرار العربية كانت تتضافر لتوسع، مع امتداد الزمن، من مساحة املكشوف من أدلة

ريين، مها عبد القاهر اجلرجاين ولكن ناقدين عربيني كب. اإلعجاز وأسرار البالغةوسيد قطب، كان هلما، يف نظري ويف نظر كثري من الباحثني، أثر بالغ وبصمة ظاهرة وإضافة قيمة، يف التنظري إلعجاز القرآن وأصول البالغة؛ إذ أسفرت جهودمها البحثية

اخلطاب عن نظريتني عربيتني أصيلتني يف البالغة القرآنية املعجزة خصوصا، ويف بالغة .لسيد قطب" نظرية التصوير الفين"لعبد القاهر، و" نظرية النظم"بوجه عام، ومها

.356، ص)1975، 1دار النهضة العربية، ط: القاهرة (بالغة القرآن بني الفن والتاريخعامر، فتحي أمحد، 1


إن قيمة نظرية النظم هي يف كوا جنحت يف استثمار ما تراكم من حبوث، وتنظيم ما تفرق من كشوف، لضمها يف نسق مترابط، وتشييد صائبها يف بناء

، لما ثبت من "نظرية النظم"النقد األديب متالحم، هو هذا الذي مساه تاريخ البالغة وتأسيس عبد القاهر تعليله إلعجاز القرآن ولبالغة اخلطاب على فكرة النظم اليت كانت بذرة مهملة بذرها اجلاحظ والباقالين وعبد اجلبار، فكان فضل عبد القاهر أن التقطها

لبناء العلمي الذي مل بذكاء ولطف، وتعهدها برعاية بالغة وتأمل فذ، حىت أمثرت هذا ا :وهذه هي أركان هذا البناء. يزل حمل إعجاب الدارسني وعنايتهم إىل اآلن

للقرآن العظيم وجوه إعجاز كثرية، ولكن الوجه الذي حتدى به العرب -1األولني، ومن ورائهم الناس أمجعني، هو الوجه اللغوي البالغي املتعلق بطريقة النظم

.وأسلوب الصياغةيان اللغة عناصر كثرية هي مادة خام قابلة ألن تكون مصدرا للجمال يف ك-2

ومبعثا لإلعجاب والتأثر واملتعة؛ ولكنها تظل خاملة أو حمايدة فال تتشكل بالغة معجزة وروحا شعرية، وتولد سحرا وطرافة وإبداعا وأرحيية، إال بعد أن تنتظم يف سياق من

ة والعناصر اللغوية حسب املعاين اليت يف نفس املتكلم؛ النظم تترتب فيه الوحدات اللفظيحيث يتفوق يف مضمار الكالم من يتفوق مبزية الفكر الذي ينشئ املعىن، والفن الذي

. يصوغه ويصوره كما هو يف باطن النفس وفق النمط األعلى من أمناط إقامة النحو املفردة مهما عذبت، وال فاإلعجاز البالغي والبالغة األدبية ليس أي منهما باأللفاظ

باملعاين اردة مهما عظمت، وال حىت بالعناصر األسلوبية يف ذاا من تشبيه واستعارة، وإمنا هو يف النحو الذي خيتاره املتكلم .. وجمانسة ومقابلة، وتقدمي وتأخري وتعريف وتنكري

ه هذه العناصر املفردة إلفادة املعىن املراد وإصابة الغرض املتوخى، ويف املوقع الذي تتخذ .من نسيج الكالم، والعالقة اليت تنظم اجلميع يف هذا النسيج

ليس النحو الذي حتصل به البالغة هو جمرد العلم باللغة وإقامة اإلعراب، وإمنا -3واملعرفة، اليت . هو العلم بأسرار دالالت األلفاظ على املعاين، واملعاين على األغراض


ائص الدقيقة لكل صوت وحرف ولفظ وأسلوب، واللطائف عمادها الذوق، باخلصوليست عناصر التصوير والتمثيل، على . اخلفية ملواقع كل ذلك يف نفوس املتلقني

أمهيتها، هي سر اإلعجاز ومناط البالغة، ولكنه النحو الذي يعطي لكل عناصر التعبري . ألواا ويبث فيها سحرها وطرافتها

خلطاب اللغوي وسداه؛ فالغرض يبلغ ما معا، والبالغة اللفظ واملعىن حلمة ا-4. حتصل بكيفية داللة األول على الثاين ال بأحدمها جمردا غري منظور إىل عالقته باآلخر

غري أن املقصود باملعىن هنا هو داللة اللفظ الدقيقة اليت تتغري كلما تغري اللفظ وليس ؛ فهذا ليس، عنده، مناط اإلعجاز وال )رضالفكرة واملوضوع والغ: أي(املعىن العام

وكيف يكون كذلك والبالغة هي النجاعة يف تبليغ الفكرة واملوضوع . مصدر البالغة :وميكن أن منثل لذلك ذا الرسم. والغرض؛ فهي شأن يكون بعد املعىن العام ال قبله

) لوبالصياغة، األس(اللفظ -- )الفكرة، املوضوع، الغرض(املعىن العام -- )داللة اللفظ( املعىن اخلاص --

ويف هذا التصور فض جلزء كبري من إشكالية اللفظ واملعىن يف النقد العريب قدميه ليبقى اجلدل مستمرا يف مدى تعلق البالغة باملعىن العام أيضا؛ وهي قضية مل . واحلديث

أدبا وحكمة وكان يشر إليها عبد القاهر إال إشارة عابرة حني أقر بأن املعىن إذا كان غريبا نادرا فهو أشرف مما ليس كذلك، دون أن يصرفه ذلك عن نظريته يف أن البالغة

).متعلق باملعىن الذي يف النفس قبل أن يتلبس باللفظ(ال معنوي ) أسلويب(شأن لفظي ومع سالمة نظرية النظم بوجه عام، وقوة بنائها املنطقي، فإن حرص صاحبها

ها بكل سبيل، شغله عن االهتمام الوايف بأسرار بالغية أخرى على تأكيدها وتفصيلهيأت للقرآن أن يكون بذلك النمط من البالغة املعجزة، وهلا أثر عجيب يف مأل كل

نظرية "خطاب حبيوية أكثر وقدرة على التأثري العقلي والوجداين أكرب؛ فجاءت : يف ما يأيتلسيد قطب لتسد هذا الفراغ، وكانت أمهيتها" التصوير الفين

أكدت أن إعجاز القرآن بياين بالغي، ولكنها مل حتصر البيان يف النظم، بل -1


فسحر القرآن مرده، . جعلت النظم وسيلة لغاية أهم وأوسع، وهي التصوير اجلميل املؤثرعند قطب، إىل احلركة اليت حيدثها يف احلس واخليال والوجدان والعقل، والظالل اليت

.ظ والعبارات فتغمرها بدالالت متس النفس مسا وز القلب هزاتتلبس باأللفا جعلت ألسرار البالغة القرآنية وعناصر الفعل التأثريي الفائق للقرآن الكرمي -2

فنجحت يف . عنوانا عاما على قدر كبري من الكفاية االصطالحية، هو التصوير الفينلح عليه بالصور البيانية، بل عممته التوسيع من داللة التصوير؛ إذ مل حتصره يف ما يصط

على كل صورة حيدثها اللفظ أو العبارة يف اخليال أو حيركها يف الوجدان، سواء أكانت جرسا لصوت، أم داللة لصيغة خاصة، أم متثيال ملعىن، أم جتسيما لفكرة، أم تشخيصا حلال، أم ختييال لفعل أو حركة، أم تصويرا حلدث، أم وصفا ملشهد، أم

فاستطاعت أن تكشف سر احلياة املتدفقة يف عبارات .. ا ألحداث ورمسا لنماذجقصالقرآن الكرمي، وأن تصف آثارها وهي تعمل يف نفوس املتلقني، وكشفت وراء النظم منبعا آخر للسحر هو ما يسهم فيه النظم من إشاعة الظالل واألضواء واأللوان، ومن

.إثارة احلركة يف احلس والعقل والوجدان أخرجت الدراسات البالغية، القرآنية وغري القرآنية، من جفاف التحليالت -3

النحوية والتقسيمات البالغية والتحديدات شبه التقنية، إىل حيوية التلقي الوجداين املتجاوب املتفاعل، ورحابة التحليل التصويري املتحرك املتماوج؛ فمنحت الوجدان

اجلمال، وخولت الذوق املثقف املرهف مسؤولية قسطه املناسب يف مسؤولية إدراك . إدراك أسرار البالغة ودالئل اإلعجاز

هاتان، إذا، مها النظريتان البالغيتان العربيتان الكبريتان يف تعليل إعجاز القرآن وتأصيل قانون البالغة والبيان؛ لكل منهما مزاياها العظيمة اليت ال تنكر، ويف كل

ويف اجلمع بينهما مظنة للتكامل، ويف الطريق باب . قصور ميكن أن جتربمنهما مواضع كيف ال والقرآن الكرمي كتاب ال تنقضي عجائبه وال . مفتوح لالجتهاد واالكتشاف

.خيلق على كثرة الرد


References: المراجع:

‛Abd al-JabbÉr, al-QÉÌÊ AbË al-×asan, al-MughnÊ fÊ AbwÉb al-TawÍÊd (Cairo: WizÉrÉt al-ThaqÉfah wa al-IrshÉd al-QawmÊ, no date).

AbË MËsÉ, MuÍammad MuÍammad, Muraja‛Ét fÊ UÎËl al-Dars al-BalÉghÊ (Cairo: Maktabat Wahbah, 1st edition, 1426/2005)

Al-‛AmrÊ, MuÍammad, al-BalÉghah al-‛Arabiyyah UsËluhÉ wa imtidÉduhÉ (Casablanca: AfrÊqiyyÉ al-Sharq, 2001).

Al-‛AqqÉd, MaÍmËd ‛AbbÉs, al-FuÎËl (Sida/Beirut: ManshËrÉt al-Maktabah al-‛AÎriyyah, no date).

Al-‛AshmÉwÊ, MuÍammad ZakÊ, QaÌÉyÉ al-Naqd al-Adabi bayn al-QadÊm wa al-×adÊth (Beirut: DÉr al-NahÌah al-‛Arabiyyah, 1979).

Al-BÉqillÉnÊ, AbË Bakr MuÍammad bin al-Ùayyib, I‛jÉz al-Qur’Én, ed. MuÍammad ‛Abd al-Mun‛im KhafÉjÊ (Beirut: DÉr al-JÊl, 1st edition, 1411/1991).

Al-JÉÍiÐ, AbË ‛UthmÉn ‛Amr bin BaÍr, KitÉb al-×ayawÉn, edition and explanation ‛Abd al-SalÉm MuÍammad HÉrËn (Beirut: DÉr al-JÊl, 1412/1992).

Al-JurjÉnÊ, ‛Abd al-QÉhir, AsrÉr al-BalÉghah, ed. MuÍammad RashÊd RiÌÉ (Beirut: DÉr al-Ma‛rifah, no date).

Al-JurjÉnÊ, ‛Abd al-QÉhir, DalÉ’il al-I‛jÉz, ed. MuÍammad RashÊd RiÌÉ (Beirut: DÉr al-Ma‛rifah, 1402/1981).

Al-KhaÏÏÉbÊ, AbË SulaymÉn ×amd bin IbrÉhim, “BayÉn I‛jÉz al-Qur’Én”, in ThalÉth RasÉ’il fÊ I‛jÉz al-Qur’Én, ed. MuÍammad Khalaf AllÉh and MuÍammad ZaghlËl SalÉm (Cairo: DÉr al-Ma‛Érif, 4th edition, 1991).

Al-KhÉlidÊ, ØalÉÍ ‛Abd al-FattÉh, NaÐariyyat al-TaÎwÊr al-FannÊ ‘inda Sayyid QuÏb (Algiers: Sharikat al-ShihÉb, 1988).

Al-RummÉnÊ, AbË al-×asan ‘AlÊ bin ‛ÔsÉ, “al-Nukat fÊ I’jÉz al-Qur’Én”, in ThalÉth RasÉ’il fÊ I‛jÉz al-Qur’Én, ed. MuÍammad Khalaf AllÉh and MuÍammad ZaghlËl SalÉm (Cairo: DÉr al-Ma‛Érif, 4th edition, 1991).

FathÊ, AÍmad, BalÉghat al-Qur’Én bayna al-Fann wa al-TÉrÊkh (Cairo: DÉr al-NahÌah al-‛Arabiyyah, 1st edition, 1975).

MurtÉÌ, ‛Abd al-Malik, Binyat al-KhiÏÉb al-Shi‛rÊ (Algiers: DÊwÉn al-MaÏbË‛Ét al-JÉmi‛iyyah, 1991).

MurtÉÌ, ‛Abd al-Malik, QaÌÉyÉ al-Shi‛ryyÉt (Constantine: ManshËrÉt Kulliyat al-ÓdÉb, JÉmi‛at al-AmÊr ‛Abd al-QÉdir li al-‛UlËm al-InsÉniyyah, no date).

NÉÎif, MuÎÏafÉ, NaÐariyyat al-Ma‛nÉ fÊ al-Naqd al-‛ArabÊ (Beirut: DÉr al-Andalus, no date).

Öayf, ShawqÊ, al-BalÉghah: TaÏawwur wa TÉrikh (Cairo: DÉr al-Ma‛Érif, 10th edition, no date).

QuÏb, Sayyid, al-TaÎwÊr al-FannÊ fÊ al-Qur’Én (Cairo: DÉr al-ShurËq, 17th edition, 1425/2004).

QuÏb, Sayyid, MashÉhid al-QiyÉmah fÊ al-Qur’Én (Beirut/Cairo: DÉr al-ShurËq, no date).

YÉsËf, AÍmad, JamÉliyyÉt al-Mufradah al-Qur’Éniyyah (Damascus: DÉr al-MaktabÊ, 2nd edition, 1419/1999).

Documents

ﺕﺎﺳﺍﺭﺩﻭ ﹲﺙﻮﲝ :ﻦﻳﺪﻗﺎﻧ ﲔﺑ ﺓﺰﺠﻌﳌﺍ … · 103 ﺐﻄﻗ ﺪﻴﺳﻭ ﱐﺎﺟﺮﳉﺍ ﺮﻫﺎﻘﻟﺍ ﺪﺒﻋ :ﻦﻳﺪﻗﺎﻧ