99
- ٧٥ - ﺘﻌﻠﻴﻡ ﺍﻷﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻝﻘﺭﻥ ﺍﻝﻌﺸﺭﻴﻥ. ﺴﻌﻴﺩ ﺇﺴﻤﺎﻋﻴل ﻋﻠﻲ ﻤﻘﺩﻤﺔ: ﻝﻴﺱ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺩﻨﻰ ﺸﻙ ﻓﻲ ﺘﻠﻙ ﺍﻝﻤﻘﻭﻝﺔ ﺍﻝﺘﻲ ﺘﺅﻜﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻝﻌﺭﻭﺓ ﺍﻝـﻭﺜﻘﻰ ﺒـﻴﻥ ﻋﻘﻴﺩﺓ ﺍﻷﻤﺔ ﻭﺘﺭﺒﻴﺔ ﺃﺒﻨﺎﺌﻬﺎ ﻭﺘﻌﻠﻴﻤﻬﻡ ؛ ﺫﻝﻙ ﺃﻥ ﺍﻝﻌﻘﻴﺩﺓ ﻻ ﻴﻘﻑ ﺍﻷﻤﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨـﺩ ﻤﺠﺭﺩ ﺍﻹﻴﻤﺎﻥ ﺒﺭﻜﺎﺌﺯﻫﺎ ﺍﻝﻤﻌﺭﻓﻴﺔ، ﻭﺇﻨﻤﺎ ﺘﻜﺘﺴﺏ ﺼﻔﺔ" ﺍﻝﻭﺠﻭﺩ" ﺍﻝﺤﻘﻴﻘﻲ ﻋﻨﺩﻤﺎﻭﺠﻬﺔ، ﻭﻫـﺫﺍ ﻭﺫﺍﻙ ﻫـﻭ ﺃﻤـﺭ ﺘﺘﺸﺨﺹ ﻓﻲ ﺴﻠﻭﻙ ﻭﺃﻋﻤﺎل ﻭﺍﺘﺠﺎﻫﺎﺕ ﻭﻗﻴﻡ ﻤ ﺘﺨﺘﺹ ﺒﻪ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻝﺘﻨﺸﺌﺔ ﻭﺍﻝﺘﻜﻭﻴﻥ ﻭﺍﻝﺘﺭﺒﻴﺔ، ﻭﻗﺩ ﻝﺨﺹ ﺭﺴـﻭل ﺍﷲρ ﻫـﺫﻩ ﺍﻝﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺘﻠﻙ ﺍﻝﺠﻤﻠﺔ ﺍﻝﻘﺼﻴﺭﺓ ﻝﻔﻅﺎ، ﺍﻝﻐﺯﻴﺭﺓ ﻤﻌﻨﻰ: " ﺍﻝﺩﻴﻥ ﺍﻝﻤﻌﺎﻤﻠﺔ" ، ﻓﻜـﺄﻥ ﹰ ﻋﻥ ﺍﻝﺘﺄﻜﻴﺩ ﻋﻠﻰ ﺃ ﺍﻝﺩﻴﻥ ﻴﺭﺍﺩﻑ ﺍﻝﺴﻠﻭﻙ، ﻓﻀﻼ ﻥ ﺍﻹﻴﻤﺎﻥ ﻫﻭ ﻤﺎ ﻭﻗﺭ ﻓﻲ ﺍﻝﻘﻠﺏ ﻭﺼﺩﻗﻪ ﺍﻝﻌﻤل. ﻭﻓﻲ ﻜل ﺍﻝﻔﺭﺍﺌﺽ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﺍﻷﺴﺎﺴﻴﺔ ﻨﺠﺩﻫﺎ ﻤﻌﻠﻘﺔ ﺩﺍﺌﻤ ﺎ ﺒﻤـﺎ ﺘﻨﺘﺠﻪ ﻤﻥ ﻨﺘﺎﺌﺞ ﺴﻠﻭﻜﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻝﻤﻌﺎﻤﻼﺕ. ﻭﻤﻥ ﻫﻨﺎ ﻨﺠﺩ ﻫﺫﺍ ﺍﻹﻝﺤﺎﺡ ﺍﻝﻭﺍﻀﺢ ﻓﻲ ﺁﻴﺎﺕ ﺍﻝﻘـﺭﺁﻥ ﺍﻝﻜـﺭﻴﻡ ﻭﺃﺤﺎﺩﻴـﺙ ﺍﻝﺭﺴﻭلρ ﻋﻠﻰ" ﺍﻝﺼﺭﺍﻁ ﺍﻝﻤﺴﺘﻘﻴﻡ" ﻓﻲ ﺍﻝﺴﻠﻭﻙ، ﻭﻋﻠﻰ ﻁﻠﺏ ﺍﻝﻌﻠﻡ ﻭﺍﻝ ﺴـﻌﻲ ﺍﻝﻤﺴﺘﻤﺭ ﻨﺤﻭ ﺘﺤﺼﻴل ﺍﻝﻤﻌﺭﻓﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﺘﻘﺩﻴﺭ ﺍﻝﻌﻠﻤﺎﺀ. ﻭﺍﻨﻌﻜﺱ ﻫـﺫﺍ ﺍﻝﺘﻭﺠـﻪ ﻋﻠﻰ ﻤﺴﻴﺭﺓ ﺍﻝﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﻭﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ ﻋﻬﻭﺩ ﺍﻝﺘﺄﻝﻕ ﻭﺍﻝﺘـﻭﻫﺞ، ﺘﺄﻜﻴـﺩ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻝﺘﻌﻠﻴﻡ ﻫﻭ" ﺯﻨﺎﺩ ﺍﻝﺤﻀﺎﺭﺓ" ، ﺫﻝﻙ ﺃﻥ ﺍﻝﺤﻀﺎﺭﺓ ﺇﻨﻤﺎ ﺘﻘـﻭﻡ ﻋﻠـﻰ ﻴـﺩ" ﺇﻨﺴﺎﻥ" ، ﻭﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺍﻝﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻴﻘﻴﻡ ﺤﻀﺎﺭﺓ ﻭﻴﺅﺴـﺱ ﻝﺘﻘـﺩﻡ ﻴﺴـﺘﺤﻴل ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻫ ﺫﺍ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻤﻌﻭﺝ ﺍﻝﺴﻠﻭﻙ، ﻤﻨﺤﺭﻑ ﺍﻝﻁﺭﻴﻕ، ﺨﺎﻭ ﺍﻝﻌﻘل. ﻭﺍﻝﻤﺴﺘﻘﺭﺉ ﻝﻜﺎﻓﺔ ﻤﻌﺩﻻﺕ ﺍﻝﺘﻘﺩﻡ ﺍﻝﺤﻀﺎﺭﻱ ﺤﺘﻰ ﺍﻝﻴﻭﻡ ﻻ ﻴﺨﻁﺊ ﺫﻝﻙ ﺍﻻﺭﺘﺒﺎﻁ ﺒﻴﻥ ﻤـﺩﻯ ﺍﻝﺘﻘﺩﻡ ﻓﻲ ﺍﻝﺘﻌﻠﻴﻡ ﻭﺍﻝﺘﺼﺩﺭ ﺍﻝﺤﻀﺎﺭﻱ.

ﻥﻴﺭﺸﻌﻝﺍ ﻥﺭﻘﻝﺍ ﻲﻓ ﺔﻤﻷﺍ …ªعليم الامة.pdf- ٧٥- ﻥﻴﺭﺸﻌﻝﺍ ﻥﺭﻘﻝﺍ ﻲﻓ ﺔﻤﻷﺍ ﻡﻴﻠﻌﺘ ﻲﻠﻋ لﻴﻋﺎﻤﺴﺇ

  • Upload
    others

  • View
    21

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

- ٧٥ -

تعليم األمة في القرن العشرين

سعيد إسماعيل علي . د

:مقدمة ليس هناك أدنى شك في تلك المقولة التي تؤكد على العروة الـوثقى بـين

ذلك أن العقيدة ال يقف األمر فيها عنـد ؛عقيدة األمة وتربية أبنائها وتعليمهم الحقيقي عندما " الوجود"مجرد اإليمان بركائزها المعرفية، وإنما تكتسب صفة

تتشخص في سلوك وأعمال واتجاهات وقيم موجهة، وهـذا وذاك هـو أمـر هـذه ρتختص به عملية التنشئة والتكوين والتربية، وقد لخص رسـول اهللا

، فكـأن "الدين المعاملة": الحقيقة في تلك الجملة القصيرة لفظا، الغزيرة معنى ن اإليمان هو ما وقر في القلب الدين يرادف السلوك، فضال عن التأكيد على أ

ا بمـا وفي كل الفرائض اإلسالمية األساسية نجدها معلقة دائم . وصدقه العمل .تنتجه من نتائج سلوكية في المعامالت

ومن هنا نجد هذا اإللحاح الواضح في آيات القـرآن الكـريم وأحاديـث سـعي في السلوك، وعلى طلب العلم وال "الصراط المستقيم " على ρالرسول

وانعكس هـذا التوجـه . المستمر نحو تحصيل المعرفة، وعلى تقدير العلماء على مسيرة الحضارة اإلسالمية وخاصة في عهود التألق والتـوهج، تأكيـدا

، ذلك أن الحضارة إنما تقـوم علـى يـد "زناد الحضارة "على أن التعليم هو يسـتحيل أن ، واإلنسان القادر على أن يقيم حضارة ويؤسـس لتقـدم "إنسان"

والمستقرئ . العقل ي اإلنسان معوج السلوك، منحرف الطريق، خاو ذايكون ه لكافة معدالت التقدم الحضاري حتى اليوم ال يخطئ ذلك االرتباط بين مـدى

.التقدم في التعليم والتصدر الحضاري

- ٧٦ -

وإذا كان المطلوب هو القيام بعملية استقراء عامة لمسيرة التعليم في األمة " بإطاللة"ا أن نقوم ية على مدى القرن العشرين، فلربما يكون ضروري اإلسالم

سريعة على ما توافر لدى أبناء األمة من مخزون حضاري في التعليم، علـى أساس الوعي بمدى االتصال أو االنقطاع أو التغيـر فـي مسـيرة التعلـيم

.والتربية، ومدى هذا وذاك : الموروث الحضاري من التعليم-أوال كـان لألمـة ١٩٠١ما بدأت الصفحة األولى من القرن العشرين عام عند

اإلسالمية في عقلها وفي وجدانها وفي شخصـيات أبنائهـا إرث حضـاري تربوي، تمثل بعضه في نصوص قرآنية ونبوية ترسم المعالم األساسـية لمـا

والميـزة . ينبغي أن يكون عليه األمر في تنشئة وتربية الشخصـية المسـلمة ة في هذه النصوص أنها لم تكن تمثل مرحلة تاريخية جاءت ثم ولت، األساسي

ا ألزم به المربون المسلمون حتى يـوم ا أساسي نهج –زالتوما -ولكنها مثلت وتمثل جزء آخر من الموروث . الدين، فاستمر تأثيرها طوال القرون المختلفة

عاتقهـا في مؤسسات تربوية وعادات وأعراف وتقاليد أخذت على الحضاريمليـه الحـوادث التنفيذ الفعلي لما ورد في النصوص، فضال على ما كانت ت

والظروف والتفاعالت الحضارية مع األمم األخرى، وتبـاين واضـح فـي .الرؤى واالجتهادات

فقد كان ظهور اإلسالم نقطة انطالق لنشر الدين الجديد بتربيـة جديـدة، دئ الدين واستيعاب مفاهيم العقيدة الجديدة وكان اإلقبال على تعلم القرآن ومبا

والمعروف أن أولى آيـات . ا إلى التعليم وتطور القراءة والكتابة رئيسي سبيالاقرأ باسم ربك الذي خلـق {: القرآن الكريم كانت أمرا بالقراءة وتمجيدا للعلم

٤ الذي علم بـالقلم ٣ك الأكرم اقرأ ورب ٢ خلق الإنسان من علق ١ لمعي ا لمم انالإنس لمومن المعـروف أن الرسـول .]٥ -١: العلق[} ٥ع

- ٧٧ -

ρ ا يتناول تفقيههم فـي كان يكلف المتعلمين من الصحابة بتعليم إخوانهم تعليم بـين هـؤالء مـن را، وأنه كان يختـا الدين وتعليمهم القراءة والكتابة أحيان

المتعلمين من الصحابة من ينتدبه لالتصال بالقبائل العربيـة المقبلـة علـى . ليتولى هؤالء بحكم ما لديهم إيضاح مبادئ الدين وعباداته؛اإلسالم

، ومـن )اا كثيـر خيـر " (الحكمة" الحصول على -عز وجل -وقد عد اهللا فـي طلبهـا وتعلمهـا ا المفروض ما دام األمر كذلك أن يسعى اإلنسان جاد:

} ـذكرا يما وا كثيررخي أوتي ة فقدؤت الحكمن يمشاء ون ية مؤتي الحكمي :وقد قال القرطبي في تفسير معنى الحكمة . ]٢٦٩ :البقرة[ }إال أولوا األلباب

معرفة أفضل : " بأنها نها اإلصابة في القول والعمل، وفسرها أحد علماء اللغة إالعدل في القضاء والعلـم : "، وفسرها واحد آخر بأنها "األشياء بأفضل العلوم

".بحقائق األشياء على ما هي عليه والعمل بمقتضاها أحدهما فيه قوم يـدعون ؛ ذات يوم فرأى مجلسين ρولقد خرج رسول اهللا

أما : "اس، فقال ويرغبون إليه، وفي الثاني جماعة يعلمون الن -عز وجل -اهللا هؤالء فيسألون اهللا فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هـؤالء فيعلمـون

ثم عدل إليهم وجلس معهم"االناس، وإنما بعثت معلم ،. ومن المعلوم أنه لما وقع في أيدي المسلمين بعض األسرى مـن رجـال

يين من فدية الكثيرين منهم تعليم األم ρقريش في غزوة بدر جعل رسول اهللا لـه االمسلمين، وفرض على كل أسير تعليم عشرة مسلمين، وكان ذلك فكاك

لم يسبقه أحد إليه من قبل وال مـن بذلك مثال ρمن األسر، وضرب لنا عليه .بعد في العناية بنشر التعليم

ـ تمثلـت فـي يوعرف التعليم اإلسالمي صورة من صور التعليم األول، وكانت الكتاتيب "الكتابة" و "التكتيب" االسم نسبة إلى ى بهذا الذي تسم " ابتالك"

وأصبح بناء الكتاتيب لتعلـيم أبنـاء ،تنتشر مع انتشار اإلسالم في األمصار

- ٧٨ -

ـ المسلمين القرآن الكريم والقراءة والكتابة والدين عمال األعمـال ل مـن أج وقد الحظ . يتنافس فيها المتنافسون من عباد اهللا المخلصين ،وأكرمها عند اهللا

.ا دون تدخل من جانب الحكومةا طبيعيا نمومالمؤرخون أن تعليم الكتاتيب نولما كانت الدعوة اإلسالمية دعوة عامة شملت الـروح والـدين والبـدن

لـه عالقـة بخالفـة األرض والمادة والمعنى والحكم والمجتمع، بل كل ما لكل األرض، وال بد أن ا وشامال وتعميرها، كان مسجدها، وهو شعارها، عام

يدخل بتوجيهه معترك الحياة وكل مجاالتها، وفـي مقـدمتها تربيـة النـاس نشئت في مختلـف بقـاع العـالم وتعليمهم، ومن هنا لم تكن المساجد التي أ

اإلسالمي مجرد أماكن لممارسة فريضة الصالة، بل مؤسسات تعليمية، حتى عالية وجامعات أشـهرها األزهـر لقد تحول عدد غير قليل منها إلى مدارس

والقرويين بـالمغرب، ، والزيتونة بتونس ، والنجف األشرف بالعراق ،بمصر .فضال على الحرمين في مكة والمدينة

بالنسبة لتطور مفهوم العلم في اإلسالم أن تنشأ البـذرة الطبيعيوكان من قواعـده فالناس بحاجة إلى تفهم الدين الجديد ومعرفـة ؛األولى دينية محضة

. فالمكان المناسب لذلك هو المسـجد موأصوله، وفهم أهدافه ومراميه، ومن ث لكن العلم مثله مثل الكائن الحي ينمو ويتطور ويتغير، ولم يعد مقتصرا فقـط

، وإنما امتد ليشمل آفاقا أخرى جديـدة كـالعلوم الطبيعيـة يعلى العلم الدين ، ومثل هذه العلـوم لـم يكـن مـن والكيميائية والرياضية والفلسفية وغيرها

المناسب تدريسها داخل المسجد، بل األنسب تدريسـها داخـل مكـان آخـر خصص لمهمة التعليم فقط أال وهو المدرسة، ومن هنا تأخر ظهورهـا إلـى ي

.مدة يقدرها بعض المؤرخين بما يقرب من أربعة قرون وهو الطـابع ومن المالحظ أن الطابع الديني قد غلب على معاهد التعليم،

بـدافع -إلى حـد بعيـد -الذي صبغ الحياة اإلسالمية كلها، فالتعليم كان يتم

- ٧٩ -

ديني، وارتبطت دور التعليم بالدين، وكانت هذه العالقة القوية بـين معاهـد التعليم والتربية اإلسالمية عامة وبين الـدين، أهـم صـفة تميـز المنشـآت

ابع الديني على التربية اإلسالمية ولكن على الرغم من غلبة هذا الط . التعليميةوالمنشآت التعليمية، فإن الكثير من العلوم الدنيوية قد أخذ طريقه في الوقـت المناسب إلى هذه المعاهد واحتل مكانتـه بـين مناهجهـا، فدرسـت اآلداب والمنطق والرياضيات والطب بجانب علوم القرآن والحديث والفقه وغيرهـا

ر المسلمون يجمعون بين علوم الدين وعلوم الدنيا من علوم الدين، وهكذا صا .وال يفصلون بينهما، وهو ما ينسجم مع أصول اإلسالم

ا كذلك في التعليم اإلسالمي منذ بواكيره األولى أنه يشـتمل وكان ملحوظ على الجوانب العملية وأن يعنى بما هو نافع للمتعلمين، وتشـير إلـى ذلـك

لحضـارة اإلسـالمية مـن أنـواع الفنـون مناهج الدراسة وما زخرت به ا والصناعات ومن نماذج العمران، وقد بلغ المسلمون شأو ا فـي الطـب ا عالي .والصيدلة وتدريب األخصائيين في هذه الفنون والمجاالت

وكانت هذه المعاهد مفتوحة أمام الراغبين في التعلـيم والعلـم، فحبسـت علـى أداء رسـالتها وتـوفر األوقاف على المساجد والمدارس حتى تعينها

المسكن والغذاء والكساء والنفقات، وهو ما جعل -بجانب العلم -للطالب فيها أن يحصل -إلى حد ما -العلم على حظ من الشيوع بين الناس يستطيع الفقير

ـ -له القدرة واإلرادة إذا توافرت -منه ي على القدر الذي يحصل عليـه الغن . بينه وبين ما يريدال اإلمكانات المادية حائدون أن تقف الفوارق الطبقية أو

ا وليس من العسير مالحظة أن استمرار هذه التوجهات كان يرتبط ارتباط ا مع مدى النمو والتقدم للحضارة اإلسالمية، وأن توقف هذه الحضـارة إيجابي

عن النمو والتقدم ارتبط به كذلك تراجع ملحوظ في هذه التوجهات، حتـى إذا

- ٨٠ -

في حالة من التخلف التعليمي يقرن الثامن عشر كان العالم اإلسالم انصرم ال إلى حد كبير لعملية االفتراس االستعماريا سهالواضحة، وبدا صيد .

وكانت المعاهد التعليمية القائمة في مختلف أنحاء العالم اإلسـالمي حتـى معاهد -والأ: أوائل القرن التاسع عشر كلها من نوع المدارس الدينية التقليدية

-اثانيتعليمية خاصة بالصغار، تهدف إلى تعليم مبادئ الدين والقرآن الكريم، معاهد تعليمية خاصة بالكبار تهدف إلى تعلـيم العلـوم الدينيـة والشـرعية

.الضرورية لها والموصلة إليها" العلوم اآللية"المختلفة مع في معظـم البلـدان عرف من هذه المعاهد التعليمية ي الصنف األول وكان

، والذي كان يسمى فـي بلـدان "ابتالك"ـاإلسالمية باالسم نفسه المعروف ب منها الصنف الثاني وأما ". الفقيه"، وفي بعضها اآلخر باسم "المال"أخرى باسم

عرف باسم المدرسة بوجه عام، والتي كان عدد منها بالمساجد الكبرى فكان ي .أو في مبنى خاص بها

يسير وفـق -الصغيرة والكبيرة -ريس في هذه المعاهد التعليمية وكان التد أساليب قديمة لم تتغير وتتطور منذ قرون عديدة، ولم تأخذ أدنى حـظ مـن

با في مختلف ميادين العلم والتعلـيم والتقدم الكبير الذي كان قد حصل في أور ا لتطور وفق وفق سنة اهللا في خلقه من حيث ا رسإنها لم ت . في القرون األخيرة

؛ فجمدت وساء حال كثير منهـا وتقهقـر ،للمتغيرات والمتطلبات المستحدثة تكـاد تهـتم ال عن جميع العلوم العقلية، وصارت –بالتدريج-ألنها تجردت

غير العلوم النقلية في بعض المناطق والفترات واألحوال بمفهوم يغلب يءبش .عليه الجمود والتخلف

محاولة منذ أواخر القرن الثامن عشر لم تجر يرفلما بدأ االحتكاك الحضا لتطوير بنية وفلسفة ومضمون التعليم فـي المؤسسـات التعليميـة القائمـة، واستسهل كثيرون أن يتركوا القديم على حالـه العتبـارات متعـددة أهمهـا

- ٨١ -

حيث تصور كثيرون أن التغيير فـي ؛العجلة، وكذلك الخوف من المعارضة هؤالء أن تلك المؤسسـات يوكأنه تغيير في الدين، ونس المؤسسات التعليمية

. يخضع لسنن التطور والتغيير والتبدل والتحولي اجتهاد بشرهيإنما الكبير فيما جرى في معظم البلدان اإلسالمية بهذا الشـأن أنـه أإن الخط

في ازدواجية العقل العـام، الضروريزرع ازدواجية تعليمية كان لها أثرها ما حملتـه ي ية الثقافة والسلوك تمثلت في فريق يرى الخير كله ف وفي ازدواج

فـي -كل الشر-العصور الماضية بغير تمييز بين خيرها وشرها، وأن الشر وعلى العكس من ذلك تصور نفر آخر أن . هذا الوافد الجديد من بالد الفرنجة

وض وبالموروث هو سبب التخلف، وأن األخذ بأسباب النه ياالرتباط بالماض .الغربي عنه واالقتباس من منظومة التعليم يإنما يكون بالتخل

وحملت السنوات التالية لبدء هذه االزدواجية التعليمية مظاهر تعزيز للنمط ـ ؛ في التعليم األوروبي ي حيث خضعت بلدان إسالمية كثيرة لالستعمار الغرب

انـت فـي ك يبد أن يعين على ذلك، وكذلك النخب الحاكمة الت كان ال الذيـ ي نحو النمط الغرب-بسبب عوامل مختلفة-معظمها ذات تحيز واضح ي، وف

فاتسـعت ؛ عن التطوير والتغييـر يالوقت نفسه بعدت مؤسسات التعليم الدين بينها وبين إيقاع العصر ومتغيراته، وتخلفـت عـن مالحقـة مطالـب ةقالش

ى بإقبال عليهـا عنها كثيرون، وإن ظلت تحظ األفراد والمجتمعات، فازور-ا ألن التعليم بهـا كـان نظر ؛ طوال عدة عقود -من الفقراء في غالب الحال

على العكس مـن ذلـك يا بالمجان، بينما معاهد التعليم على النمط الغرب دائم ل أبناء الفقراء الجمهرة الكبرى من طـالب مكلفة ألولياء األمور، وبذلك شك

.المعاهد الدينيةعلى الذات الحضارية التأكيد–اثاني :

- ٨٢ -

أمـة، يـة فإذا كان لكل أمة ذاتها الحضارية، وإذا كانت قيمة التعليم في أ مرحلة تاريخية، إنما تتحدد بمقدار ما يقوم به من دور لتأكيد وتعزيز ية أ يوف

مـدى سـار التعلـيم فـي العـالم ي نحو وإلى أي فعلى أ؛الذات الحضارية ذات الحضارية لألمة اإلسالمية؟ هذا مـا اإلسالمي على طريق التأكيد على ال

:سوف نحاول بيانه من خالل الجوانب التالية :الحضارياالنتساب

" بناء الحجـر "و" بناء البشر "يعلى الرغم من التباين المعروف بين عمليت بد أن الي بناء هندس يفكما أن أ ؛ ا بينهما بوجه ما ا مشترك إال أن هناك رباط

أو " مخطـط " فكذلك يقوم بناء البشر وفـق ؛"تصميم"أو " لمخطط"ا يكون وفق وعبر فلسفة التربية هذه يتسـاءل . نعبر عنه بفلسفة التربية الذيهو " تصميم"

ـ أن يأبناء عصر معين ومجتمع معين عما يجدر بهم أن يكونوا، وعما ينبغوعن طريق مثل هذه الفلسفة التربوية يجد مجتمع بكامله نفسه . ييفعلوا بالتال

ا معبأملتزم. كليـة تمثـل النمـوذج " مرجعية فكرية "وفلسفة التربية تستند بدورها إلى

لتجيـب ؛ فلسفة التربيـة يء أن تجي المطلوب، ويصبح من الطبيع يالحضار وماذا نقدم لهم؟ ؟من نحن؟ وماذا نريد؟ ماذا نقول ألبنائنا : عن تساؤالت مثل

ربية؟ ولماذا؟ ومن أجل مـاذا؟ أية ت : إننا نقدم لهم تربية من غير شك، ولكن في نهاية األمر أننا ربينا في هذه الفترة مجتمعاتنا المختلفة؟ إلـى يوماذا يعن

ـ الذيغير هذا وذاك من تساؤالت، تشكل اإلجابة عنها معالم الطريق ي ينبغ .أن تسير وفقه حركة التعليم

سـات ترجم إلى مستوى أقل تجريدا يتمثـل فـي سيا وفلسفة التربية هذه ت تعليمية، ثم إلى مستوى أقرب إلى حركة التنفيذ والفعل يتمثـل فـي أهـداف

بد أن يكـون لهمـا وهكذا نجد أن العملية التربوية ونظام التعليم ال . تربوية

- ٨٣ -

يشكل البداية األساسية لكل عملية استقراء الذي، وهو األمر "ينسب حضار " .عصر من العصور يفي أو أمة من األمم يةوفحص لمسيرة التعليم في أ

ا للعقيدة اإلسالمية إلى ا كلي ا انتساب ن تعليم األمة ظل منتسب إ :ويمكن القول حيث لم يجئ ؛أن بدأ االحتكاك الساخن بالغرب منذ أواخر القرن الثامن عشر

وإنما عن طريـق القـوة المسـلحة ،ا وانتقاء واختيار هذا االحتكاك طواعية .طويلة المدى" حضاريتيه "األمة مرحلة ليبدأ تعليم ؛والفرض والقسر

لكن األمة اإلسالمية في القرن العشرين، وقبل أن ينصـرم ربعـه األول حـدث أ يبـانقالب جـذر " الدولة العثمانية "زئت في معقل دولتها الموحدة ر

انقطاع ففي ؛ا بين التعليم وبين العقيدة الدينية كمرجعية فكرية ينتسب إليها ا تام وضع جميع المؤسسات التعليمية ير قانون توحيد التعليم الذ صد ١٩٢٤عام

، "العلمانيـة " أعلنت تخليها عن الدين وانتسابها إلى التيتحت إشراف الدولة فـي المنـاهج الدراسـية الديني إلى تقليص التعليم العلمانيوأدى االنتساب

يفيـة بالمدارس الحديثة بالمدن، مع بقائه بصورة أو أخرى في المـدارس الر بقت العلمانية أيضا بل لقد ط . على استحياء شديد وبصورة باهتة إلى حد كبير

ذفت الصور والعبادات الدينية من حيث ح ؛على المدارس األجنبية والتبشيرية رم تدريس الدين بها، وعندما لم تتواكب تلك المدارس مع كتبها الدراسية، وح

.هذه اإلجراءات العلمانية أغلقت أبوابها : في قولهشوقير عنه الشاعر بذهول عباإلسالميب العالم يصأو

ت عليكضجمآذن مــمالك وبكت عليــك ومنابـر ونواح

والهـةالهنـد بمدمــع عليــك يتبـك حزينة ومصر اح سح

- ٨٤ -

والعراق تسألوالشام أ وفارس حا من األرض الخالفـة م مـاح؟

سمت للتعليم فـي ر التي ودون الدخول في تفاصيل السياسات واألهداف ، فإن األمر لم يختلف عما كان عليه في مجمل المسيرة يمجمل العالم اإلسالم

التربيـة ونظـم التعلـيم ي ذلك أننا وجدنا المربين ومفكـر ؛االعامة حضاري :ينقسمون إلى فئات ثالث

ستفضـي األمة على المبادئ الغربية فقد رأى البعض أن تنشئة أبناء –١اإلسـالمي ا إلى زعزعة عقائدهم اإليمانية، وأن خير وسيلة إلنقاذ العالم حتم

الرجـوع إلـى عصـره هيمما وصل إليه من التذبذب واالنقسام والتخلف أخـذ بهـا التيل العليا ثالذهبي وإحياء تراثه الثقافي القديم، والتطلع إلى الم

ولم يكـن هـذا . ن إرادة للخير وإيمان قويم وعقيدة راسخة السلف الصالح م م العلـم الحـديث فـي معاهـد يعرضوا عن تعل أن هؤالء يريدون أن ي ييعن

التعليم، ذلك أن العلم في نظرهم لم يكن غربي التـي ا، ولكن الغاية ا وال شرقي لكل أمة، وليسـت الحضاري إليها تعليم العلم تختلف باختالف التوجه ييرم

وإنما هو فلسفة المدنية الغربيـة ، المضرة بالحقيقة هيدراسة العلوم المادية .المسيطرة على هذه العلوم

٢– ا آخر بحث عن الغرب وعـن عجائـب حضـارته، وأكثـر لكن نفرأصحاب هذا التوجه الخوض في الثقافة الغربية فرأوا أن قوة الغرب ترجـع

ال يستطيع النهوض من اإلسالميم إلى هذه الثقافة وتلك الحضارة، وأن العال سلكه الغرب؛ ولذلك فـإن هـؤالء، لكثـرة الذيكبوته إال إذا سلك الطريق

إعجابهم بحضارة الغرب ظهر لهم أن مناهجنا ومدارسـنا وطـرق تربيتنـا حققهـا الغربيـون فـي التـي الحديثة يجب أن تعمل على تحقيق الغايـات

رعية، فالبعض حـاول أن ينتصـر وداخل هذه الفئة وجدنا فئات ف . مدارسهم

- ٨٥ -

للثقافة الالتينية، واآلخر انتصـر للثقافـة األنجلوسكسـونية، ورأى الـبعض بضرورة الثورة على أوضاع التعليم الموروثة، وآخرون رأوا بالتـدرج فـي

.وهكذا.. التطوير لكن فئة أخرى حاولت التوسط بين االتجاهين، علـى أسـاس أنـه ال –٣

حديثة إال على أساس مزدوج من الثقافة القديمة والثقافـة يجوز بناء تربيتنا ال لم يريـدوا أن يحـددوا مسـتقبل " الوسطى"إن أصحاب هذا االتجاه . الحديثة

إال في ضوء ماضيه البعيد وحاضـره القريـب، اإلسالميالتعليم في العالم وليس في مقدورنا، كما قالوا، أن نقطع ما بيننا وبين ماضينا من صلة، كمـا

ه لم يكن في استطاعتنا أن نقطع ما بيننا وبين عناصر التعليم الحديث مـن أنتفاعل، وبمقدار ما نقيم تعليمنا على حياتنا الماضية والحاضرة نجنب أنفسـنا

.كثيرا من األخطاروفي دراسة قام بها مركز دراسات الوحدة العربية عن استشراف مسـتقبل

على عدم الفصل بين العروبة واإلسـالم، ا نجد اتفاق العربيالتعليم في الوطن طبيعة العالقة الوظيفية بين القومية العربية واإلسالم مـن : "يقوم على إدراك

ناحية، والتكامل البنيوي بين الوحدة والتضامن اإلسالمي من ناحية أخـرى، ال يمكن أن يعيش شخصيته العربية المتكاملة بمعـزل عـن العربي فالقومي المسلم عليه أن يتذكر كيـف أن الـتالحم العربي، كما أن ياإلسالمالتراث ا، كان وراء ازدهار الحضارة اإلسالمية، وأن وحدة العـرب، تاريخي العربي

ومنطلقا إلحياء القـيم اإلسالميإذا ما تحققت، فال بد أن تكون سندا للتضامن ". قامت عليها الحضارة العربية اإلسالميةالتيوالمثل

ن نظر إلى األمر من منظور آخر، فمختلف فلسفات التربية، وهناك م –٤ا على ناحية من نـواحي منها إنما تلقى ضوء القديم منها والحديث، رأى كال

الشخصية اإلنسانية، وتغفل عن أخرى، وكل واحدة مـن الفلسـفات المثاليـة

- ٨٦ -

؛ والوجودية والبراجماتية والواقعية والطبيعية تشبه بعض أشجار غابة كبيـرة أي، "إكلكتيـة "ومن ثم فإن الحل الصحيح إنما يكون من خالل فلسفة تربيـة

يتكون منهـا التي الحقائق، تدرس الفلسفات كلها، وتأخذ من كل منها "انتقائية"وربما كان هذا االتجـاه . المجموع، على أن تكون موحدة، مترابطة، متوازنة

، اإلسـالمي ليم في العـالم العديد من نظم التع " حكم "الذياألخير بالذات هو أنتج صورة من صـور الفعليا بأن هذا هو الحل األمثل، لكن التطبيق تصور

افتقد التوازن واالتساق والتكامل؛ ألن المسألة ليست الذي الفكري" الموزايك"نسـبها "ا من هنا واستعارة من هناك، فكل مذهب وكـل فلسـفة لهـا اقتباس

ثقافية متكاملة، تحتاج إلـى مهـارة مـا " ةحزم"، فضال عن أنها "الحضاري حضـاري بعدها مهارة في النقل والتوفيق والتكييف والتنسيق في ضوء توجه

.كلي يشكل معايير االختيار واالنتقاء في معظم عقود اإلسالميولقد ترتب على هذا أن عانت التربية في العالم ، أنـتج " الشخصـية فصام"القرن العشرين، وكذلك نظمه التعليمية مما يشبه

، لـيس تربية نظرية صورية بعيدة عن الحياة، تعلم كثيرا وال تربي إال قليال بينها وبين حاجاتنا االقتصادية اتصال، وال بينها وبـين أهـدافنا االجتماعيـة والسياسية انسجام تام، وليس أدل على ذلك من فقدان التوازن بـين التعلـيم

.وبين مدارس المدن ومدارس األرياف، ي العام والتعليم الفنالنظري أريد لهـا أن تتخلـى عـن التي تبرز تركيا اإلسالميووسط بلدان العالم

ا ال تتسق مع شخصيتها األصلية، فهل اسـتطاع ذاتيتها الحضارية لتلبس ثياب الحضـاري ا عن طريق تبنيه للنموذج بيوا أور ا شعب شعب تركيا أن يكون حق

طاع أن يضيف إلى تراث الحضارة اإلنسانية إضافة بالكامل؟ هل است الغربيخاصة به أو اندمج في حضارة معينة فزادها غنـى وسـاعد علـى تعزيـز

ا بين حقيقته األصلية وبـين األسـلوب تراثها؟ لقد ظل سنوات طويلة موزع

- ٨٧ -

خلع عليه، ولم يتمكن من أن تكون لـه ذاتيتـه الحضـارية الذي الحضاريبدأنا نلمس مظاهر فشل في نمـط التربيـة وفقـا األصيلة، وبعد عدة عقود

، ونجد أعدادا غفيرة من أبناء تركيا المسلمين يتشوفون إلـى الغربيللنموذج . إسالمي يهتدون به في بناء شخصية أبنائهمحضارينموذج

وإذا تأملنا منطلقات الفلسفة التربوية ومصادرها األساسية وجدنا أن هنـاك ع عليها الجمهرة الكبرى من الدول اإلسـالمية، مـع ا من المنطلقات تجم عدد

اختالف في وزن كل منطلق قياس ا لتبـاين ظـروف ا للمنطلقات األخرى، تبعكل دولة أو مجموعة دول، وخاصة بين مجموعة الدول العربية وبقية الـدول

:اإلسالمية، هذه المنطلقات هيسالمية، المرتبطـة مبادئ الدين اإلسالمي والتراث اإلسالمي والقيم اإل -

.ا بتراث األمة اإلسالمية وقيمهاا عضويارتباطاألمة العربية في ماضيها وحاضرها وتطلعاتها إلـى بنـاء مسـتقبلها -

.وكيانها الموحدالعالم المعاصر ومطالب مواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي، من خـالل -

. والتعاون اإلنسانيالكيان الذاتي األصيل ومستلزمات التفتح على العالم .العدل االجتماعي، بمسمياته وصيغه المختلفة - .الحرية والديمقراطية والشورى -األوضاع االقتصادية واالجتماعية والعلمية والثقافية في األقطار العربية -

.ومستلزمات تنميتها شاملة ا لوجود فلسفة تربوية متسقة موجهة ومنسقة لجملـة لكن هذا لم يكن ضامن

األهداف التربوية للنظام التعليمي، تلك األهداف التي غلب في عدد كبير منها اللفظية واالنفصال عن حركة الواقع، فضال عن قدر من العجز عن ترجمتها

- ٨٨ -

. إلى وقائع حية يعيشها المجتمع التعليمي من طالب ومعلمين وفئات معاونـة :وربما يكون من المفيد التوقف عند بعض الحاالت

ففي إيران نجد أن التعليم في النصف األول مـن القـرن العشـرين –١حكمته فلسفة تقليدية تستند إلى حشو الذهن بالمعلومات النظرية في مقـررات ـ ا دراسية منعزلة بعيدة عن حاجات ومتطلبات المجتمع، وكانت تصـل أحيان

إلى خمس عشرة مادة دراسية، وترتب على ذلك اهتمـام الطالـب بـالحفظ، بحت قيمة المعرفة أهم من تطبيقها والتركيز على أسـلوب المحاضـرة وأص

.دون المناقشة والتجربة العملية تختلـف ١٩٧٩لكن الفترة التي بدأت بعد قيام الثـورة اإلسـالمية عـام

ا عما كانت عليه، إذ أصبح النظام التعليمـي اإليرانـي يسـعى ا كبير اختالف إلى بناء المجتمع اإليرانـي –قدية للثورة ا من المرتكزات الفكرية الع انطالق–

ـ يعلى أساس القيم والمفاهيم والتصورات اإلسالمية، وإعداد المـواطن التقالورع الذي يحقق هويته اإلسالمية، ويعتز بتراثه الثقافي اإلسالمي، ويتصدى

ألي تدخل أجنبي سواء كان سياسي ا أو اقتصادي ا، والنظـر إلـى ا أو اجتماعيتباره صورة من صور العبادة، واإلقرار بأن السعي في طلب العلـم العلم باع

جهاد، فالتربية ليست مجرد ضرورة اجتماعية في المجتمع المسـلم، ولكنهـا .أيضا واجب مقدس

وفي مصر، إذا نظرنا إلى مقرر مثل مقرر التاريخ الذي يدرس فـي –٢ ارية، فسوف نجـد ا عن الهوية الحض المدارس باعتباره أكثر المقررات تعبير

كان يهمل التاريخ العربي واإلسالمي ١٩٥٢أنه في الفترة السابقة على ثورة إلى حد كبير، وفي مقابل ذلك نجد التاريخ األوروبي هو الغالب، وبعد قيـام

الثورة اتجه تعليم التاريخ اتجاه ا عروبي ا، وبعـد أن كـان التالميـذ ا واضحا ين كروسو وفولتير دون أن يعرفوا شـيئ يدرسون فالسفة الحرية من الفرنسي

- ٨٩ -

رفاعـة الطهطـاوي وعبـد عن فالسفة الحرية من العرب، بدءوا يدرسون ، وبعد أن كانوا يدرسون فقـط قصـة الرحمن الكواكبي وأحمد لطفي السيد

الوحدة في إيطاليا وفي ألمانيا، بدءوا يدرسون قصة الوحـدة بـين البلـدان .وهكذا.. العربيةبة للبنان فإن الحديث عن تباين القيم السياسية المبثوثـة فـي أما بالنس –٣

الكتب المدرسية بين المدارس اإلسالمية والمدارس المسيحية فيها حديث قديم وطويل، أظهره صراحة الخطاب التربوي ألهل التربية هنـا وهنـاك، فقـد

ـ ي تمسك المثقفون المسيحيون بالتعددية، واعتبروا تاريخ اللبنـانيين يمتـد فبا، وفي مآله نحـو وأصوله إلى الفينيقية، وفي تكون الحديث نحو فرنسا وأور

ودعا المثقفون المسلمون إلى سحب أطفال . لبنان الفريد والمتميز عن جيرانه المسلمين من مدارس اإلرساليات التي تبث الدعايـة المناهضـة لإلسـالم،

يات صـار وفـي مطلـع السـبعين . إلخ …ا في جسم المجتمع وتحدث تفاوت ا من القضايا الخالفية الرئيسية في لبنـان، وكـان موضوع تعدد التعليم واحد

.ا وصراحة داللة هذا التباينينقل ضمن" التعليم الطائفي"مصطلح وبالنظر إلى جملة ما هو معلن من فلسفة تربويـة وسياسـات وأهـداف

نية تتـيح تربوية فإن المشكلة هي أن صياغة األهداف تحدث بدون مناقشة عل هناك فقط مشاركة من ممثلـين . للمواطنين فرص المشاركة في التأثير عليها

من التربويين، ومشاركة من المستشارين القانونيين، ومشاركة مـن ممثلـي ، ولكن المجتمعات اإلسالمية لم يـتح )كما في بعض األقطار (الحزب الحاكم

في الراديو، ولـم " هدافمشاريع األ "لها بعد في الغالب واألعم أن تستمع إلى تقرأها في الصحف، ولم تشاهد المناظرات حولها على شاشة التلفـاز، ولـم تعرف بعد طريقة االستفتاء بواسطة عينات تمثيلية، ولهذه األسباب فإنهـا ال

- ٩٠ -

تشارك في اتخاذ القرار حول قضية جوهرية تؤثر علـى مسـتقبل أوالدهـم .ونوعية الحياة في بالدهم

:ينيالتعليم الديؤكد استقراء النصوص اإلسالمية، واجتهادات السلف من علماء اإلسـالم وخاصة في عصور االزدهار الحضاري أن مفهوم العلم في اإلسالم قد اتسع ؛ليشمل كل ما يمكن أن يصل إليه إدراك اإلنسان سواء بالعقل أو بـالحواس

مـوروث لـم يكـن مـن عالمـات ال " التعليم الديني "وبالتالي فإن مصطلح الحضاري التربوي، فكل معرفة يصل إليها المسلم مفروض أن تخـدم دينـه ودنياه، وتصبح هذه القسمة إلى تعليم ديني وتعلـيم دنيـوي ممـا ال يتفـق

.وصحيح التربية في اإلسالمكما نعيشه وكما عشـناه فـي " واقع التعليم "لكن ذلك ال ينفي التعامل مع

سسات التعليم التي كانت قائمة وتتمثل فـي ن، فلقد جمدت مؤ يالقرنين الماضي " الطبيعـة " وانتفت من مناهجها علـوم ،المساجد الكبرى والمدارس والكتاتيب

، ونقصد باألولى تلك التي تضم الفيزيـاء الكيميـاء والرياضـيات "اإلنسان"ووالعلوم التطبيقية الهندسية والطبية وغيرهـا، وبعلـوم اإلنسـان، التـاريخ

دب والفلسفة وغيرها، فضال على جمود واضح فـي طريقـة والجغرافيا واأل التعليم، وانحصر ما يتم تعليمه في هذه المؤسسات على ما يسمى اآلن بالعلوم الشرعية أو الدينية المباشرة، هذا في الوقت الذي قرر فيـه عالمنـا الكبيـر الراحل الشيخ محمد الغزالي في كلمته في احتفال األزهر بمرور ألـف عـام

إن كل قصور في العلوم المدنية ال يزيـد دارسـي الـدين إال " :على ظهوره إن اإلسالم دين ال ترسخ قواعده وال تنضج معارفه إال في جو علمـي . خباال

واسع اآلفاق، وال أدري، كيف يفهم عظمة القرآن الكريم رجـل لـم يـدرس ".علوم األرض والسماء وما بينهما؟

- ٩١ -

ل كبير حيث بدأت االزدواجية بإنشاء تعلـيم وآذن القرن التاسع عشر بتحو على النمط الغربي الحديث يكـاد أن يكـون مقطـوع الصـلة بـالموروث الحضاري اإلسالمي، مع استمرار ما أصبح يعرف بالتعليم الديني التقليـدي

.في مقابل التعليم المدني الحديث على حالههذه المؤسسـات ومن بين مؤسسات التعليم الديني وقف األزهر في طليعة

حتى لم يعد ينظر إليه باعتباره مؤسسة مصرية، وإنما مؤسسة تخص العـالم اإلسالمي بأجمعه، وأول تحرك حقيقي نحو التغيير واإلصالح كـان بفضـل الجهود التي بذلها الشيخ محمد عبده من خـالل عضـويته بمجلـس اإلدارة،

مشـروع قـانون وكان هذا اإلصالح يقصد به إلى عدة أمور، وقد أعد بهـا لتحديد اختصاص مجلس اإلدارة واختصاص شيخ األزهـر، وشـروط قيـد الطلبة، ومدة الدراسة، واإلجازات، والمواد التي تدرس، وبيان علوم المقاصد

وعلـوم ) التوحيد والتفسير، والحديث، والفقه، واألصول، األخالق الدينيـة (لحسـاب والجبـر النحو والصرف والبالغة ومصطلح الحـديث وا (الوسائل .، واالمتحانات للحصول على شهادة العالمية وشهادة األهلية)والمنطق

ووضعت علوم أخرى للمفاضلة بين الناجحين في العالمية للحصول علـى التاريخ اإلسالمي واإلنشاء ومتن اللغـة وتقـويم يالوظائف والدرجات، وه

كذلك وضعت قواعـد، . اختيارية االبلدان ومبادئ الهندسة، وكانت كلها علومقواعد عامة للتدريس كالعناية بـالتطبيق علـى علـوم البالغـة والنحـو، واختصاص علوم المقاصد بعناية أكبر من علوم الوسائل، واالقتصـار علـى

.المتون وشروحها بعبارات واضحة في السنوات األربع األولىـ ١٣١٤ محـرم سـنة ٢٠وعلى الرغم من صدور قانون بذلك في /هـ

، فإن تنفيذه توقف لظروف عديدة، لعل أبرزها مؤامرات من السلطة م١٨٩٩القائمة في ذلك الوقت، فضال على جمود البعض من علماء األزهـر علـى

- ٩٢ -

القديم ونفورهم من التغيير وتصوير األمر وكأنه تغيير وتطوير للدين نفسـه .حتى تتعزز قوى المعارضة للتجديد

لسـنة ٤٩ري، ظهر القانون رقم هوفي عهد الشيخ محمد األحمدي الظوا ١٩٣٠ ا إلى مالمح التطوير الذي كان الشيخ مصطفى المراغـي قـد مستند

وقد جعل القانون الدراسة في األزهر علـى . ١٩٢٨انتواه أثناء مشيخته عام :أربع مراحل

. ابتدائي، ومدة الدراسة به أربع سنوات–١ . ثانوي، ومدة الدراسة به خمس سنوات–٢أصـول الـدين، : القسم العالي واستبدل به ثالث كليـات هـي ألغى –٣

.والشريعة، واللغة العربية، ولكل كلية موادها الخاصة بها – ب. تخصـص فـي المهنـة –أ: التخصص، وهو على نـوعين –٤

.تخصص في المادة الذي نظر إلى جامعة ١٩٦١ لسنة ١٠٣ثم جاء قانون تطوير األزهر رقم

ت جامعة دينية فحسب، وإنما هي جامعة دينيـة علميـة األزهر على أنها ليس تنتظم العلوم والمعارف كلها، وبالتالي توالى فيها إنشاء كليات مثـل الطـب

.والهندسة والتجارة والتربية والزراعة والصيدلة واللغات والعلومولقد كان الدافع لذلك أن يتخرج العالم المسلم وهو يجمع بـين الثقـافتين

سالمية والعلمية الحديثة، لكن التجربة لم تزد على كونهـا أضـافت الدينية اإل إلى جامعة األزهر كليات ال تكاد تفترق في كثير أو قليل عن مثيالتهـا فـي الجامعات المدنية األخرى، كما ظلت العلوم الشرعية واللغوية والعربيـة دون

من التجديـد أن تتردد في سطورها ومناهج البحث فيها ومناقشاتها إال القليل ا الثقـافتين سـائرين متجـاورين دون امتـزاج والتطوير، وبذلك ظل مجري

.وتفاعل

- ٩٣ -

ا هو إنشاء معاهد تعليمية للبنات لجميـع المراحـل، لكن أبرز ما حدث حق .وإنشاء كليات وأقسام في جامعة األزهر لتستقبل خريجات هذه المعاهد

تى إعالن الحرب العالمية ح" كلية اإلمام األعظم "وفي العراق كانت هناك األولى، إذ تعطلت الدراسة فيها بسبب الحـرب، وعنـدما احتلـت القـوات

تقرر استئناف الدراسة فيها، وفـي هـذه ١٩١٧البريطانية مدينة بغداد سنة الفترة من حياة هذه الكلية الدينية أعيد النظر في مناهجها ونظام الدراسة فيها،

المرحلة : تتألف من مرحلتين دراسيتين هما فجعلت مدة الدراسة ست سنوات، .اإلعدادية ومدتها سنتان، والمرحلة الثانية وهى الثانوية ومدتها أربع سنوات

" الكلية الدينيـة "، وهى غير ١٩٤٦وقد أسست كلية للشريعة في بغداد عام ١٩٣٠ا بأن هذه الكلية كانت قد ألغيـت سـنة التابعة لجامعة آل البيت، علم ،

ذور كلية الشريعة إلى كلية األعظمية، التي كانت بدرجـة مدرسـة وتعود ج .دينية ثانوية، ثم تحولت إلى دار العلوم

وعرف العراق كذلك، مثله في ذلك مثل كل البلدان اإلسالمية الكتاتيـب، ، والتي كان الغرض األساسي منها هو تحفيظ التالميذ "بالماللي"والتي سميت

نهم أصول الدين وأحكامه، فكان الطفل بعـد إتمامـه آيات القرآن الكريم وتلقي الثالثة أو الرابعة من عمره يدخله أبوه في الكتاب الذي لم يكن إال حجـرة أو

ا تغلب على جوه العفونة وتعمه الظلمة، دون أن يجلس التالميذ علـى سرداب .في أحسن األحوال" حصر"مقاعد، وإنما

عودية، على الرغم من أن كل مؤسسات وفي دولة مثل المملكة العربية الس التعليم العام تزود تالميذها بجرعة كبيرة من علوم الشرع، أنشئ ما عـرف

وكذلك أوجبـت . مؤسسات تعليمية لعلوم الشرع يوه" المعاهد العلمية "باسم مـدارس مسـائية : سياسة التعليم افتتاح نوعين من مدارس القرآن الكـريم

مدارس نهارية إلعداد حفظة القرآن ومدرسين له للراغبين في حفظ القرآن، و

- ٩٤ -

على ذلك فالتعليم العالي للبنات وفضال. وللعلوم الدينية وإعداد األئمة للمساجد وهناك جامعات ذات طابع ديني هما جامعة . يشرف عليه ويوجهه علماء دين

اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية التي تضم عدة كليات متخصصة في علـوم العلوم اإلسالمية على وجه العموم، ولها أكثر من فرع في منـاطق الشرع و

وهناك كذلك الجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة؛ حيـث . مختلفة في المملكة وفي جامعـة أم القـرى بمكـة . جمهورها الغالب من أبناء الدول اإلسالمية

.المكرمة نجد كلية للشريعةاء معاهد دينية في دولة اإلمارات وشهدت فترة الستينيات والسبعينيات إنش وضمت جامعـة الكويـت كليـة . في عجمان، ودبي، والعين، ورأس الخيمة

.للشريعة، لكن الكليـات "إسالمية"وفي البلدان اإلسالمية غير العربية نجد جامعات

التي تضمها كليات مدنية عادية، كما نرى في جامعة المسلمين اإلندونيسـية ، وإن ضمت كلية ألصول الدين، وكذلك جامعة ابـن ١٩٥٤التي أنشئت عام

خلدون اإلسالمية معظم كلياتها مدنية ما عدا كلية أصول الدين، لكن جامعـة معظم كلياتهـا ١٩٥٧شريف هداية اهللا اإلسالمية الحكومية التي أنشئت عام

.مخصصة لدراسة علوم الشريعةمة الدين، فقد وعلى الرغم من التحول الذي فرض على تركيا نحو مخاص

تأسيس المعهد اإلسالمي العالمي بإستانبول لمـنح الطلبـة ١٩٥٩شهد عام المتخرجين من الثانويات الشرعية فرصة االنخراط في سلك التعليم الجامعي،

.ثم تحول هذا المعهد إلى كلية اإللهيات بجامعة مرمرةمية بماليزيا وشاركت عدة بلدان إسالمية في إنشاء الجامعة اإلسالمية العال

وعلى الرغم من أن اسم جامعة ماليزيا الوطنية التي أنشئت عام . ١٩٧٧عام . ال يوحي اسمها بطابعها اإلسالمي، فإن كلياتها تقدم علوما دينية١٩٤٩

- ٩٥ -

، وكليـة الـدعوة ١٩٦٠وأقيمت في الفليبين جامعة مسلمي مينداناو عام ـ ات، ومعهـد الدراسـات والدراسات اإلسالمية بمراوى في أواخر الثمانيني

وهكـذا شـهدت بلـدان . ١٩٧٩اإلسالمية بجامعة الفليبين الذي أنشئ عام ا من المؤسسات التعليمية التي تخصصت في تقديم علوم إسالمية متعددة عدد

الشريعة في أغلب األحوال، بل وشهدت بلدان غير إسالمية، الجهـد نفسـها، .كما رأينا بالنسبة ألوغندا، والنيجر

قبل أن تستقل مكة (رحاب جامعة الملك عبد العزيز في مكة المكرمة وفي ، ١٩٧٧عقد أول مؤتمر عالمي للتعليم اإلسالمي عام ) بجامعة باسم أم القرى

والذي عقد بعد ذلك عدة مرات في أوقات مختلفة في بلدان إسالمية مختلفـة آبـاد فـي للتدارس في شأن تعليم المسلمين، فعقد المؤتمر الثاني في إسـالم

، والرابع في جاكارتا في ١٩٨١، والثالث في داكا، مارس ١٩٨٠مارس عام والمالحظ في توصيات كل مؤتمر تلـك المناشـدات . ١٩٨٢أغسطس عام

المستمرة للحكومات اإلسالمية أن تشرع في تنفيذ التوصيات التي يتفق عليها، ـ ؛مما يشير إلى تلك الحقيقة المؤسفة ر فـي طريـق، حيث يسير رجال الفك

ورجال التنفيذ في طريق آخر بغير التقاء إال فيما ندر، وبفعل ظروف متعددة توقفت مسيرة هذه المؤتمرات، لوال أن جمعية الشبان المسلمين عقدت مؤتمرا

، واضطرت أن تضـعه تحـت مظلـة باسـم ١٩٨٧للتربية اإلسالمية عام . كانت تعجز عنهحتى تضمن تمويال" المؤتمر الخامس"

ولعل أبرز ما يلفت النظر في المنطلق الفكري لهذه الحركـة مـا سـجله ا لحركـة المؤتمر األول، فيما يتصل بمفهوم العبادة الذي يجب أن يكون حاكم

التربية والتعليم، فعمارة األرض وتسخير ما أودع اهللا من ثـروات وطاقـات ف على سنن وابتغاء ما بثه على ظهرها من أرزاق، وما يلزم لذلك من التعر

اهللا في الكون، والعلم بخواص المادة، وطرق االستفادة منها في خدمة العقيدة

- ٩٦ -

ونشر حقائق اإلسالم وتحقيق الخير والفالح للناس، كل ذلك يعد عبادة يتقرب بها العلماء والباحثون إلى اهللا وطاعة يثاب عليهـا النـاظرون فـي الكـون

ئه والمستنبطون لوسائل تسـخيرها والمكتشفون للقوانين التي تربط بين أجزا .لخير الناس ومنفعتهم

وإذا كان األمر على هذه الصورة في المفهوم اإلسالمي للعبـادة، وكـان هدف التعليم في نظر اإلسالم هو تنشئة ذلك اإلنسان العابد هللا علـى المعنـى

أولهمـا : الشامل للعبادة، أوجبت فلسفة هذه المؤتمرات أن يحقق التعليم أمرين ـ تعريف اإلنسان بربه ليعبده اعتقاد ا ا بوحدانيته، وأداء لشعائر عبادته، وتطبيق

والثاني، تعريفه بسنن اهللا في الكون ليعبده بعمارة . ا بمنهجه لشريعته، والتزاماألرض والمشي في مناكبها، وتسخير ما خلـق اهللا فيهـا لحمايـة العقيـدة،

.والتمكين لدينه في األرض

:ليمية للحركات اإلسالميةالجهود التعشهد العالم اإلسالمي منذ أواخر القرن الثامن عشر حركة بعض العلمـاء والمفكرين الذين أدركوا مدى ما وصلت إليه األمة اإلسـالمية مـن تخلـف وجمود، وبعد عن صحيح الدين، وكيف أن هذا مما سهل على قـوى البغـي

.بلدان اإلسـالمية تلتهمهـا االستعمارية أن تنقض على عدد غير قليل من ال ونتيجة تفكير وتأمل في سبل الخروج من هذا الوضع، كان ال بد أن يقفز إلى

إن اللـه ال { :األذهان هذه الحكمة اإللهية المتمثلة في قول المولى عز وجـل ا بأنفسهموا مرغيتى يم حا بقوم رغيـ ]١١: الرعد[ }ي رورة ، مما يعنـى ض

العمل على إعادة النظر في تكوين الشخصية المسلمة كي يقوم بناؤهـا علـى

- ٩٧ -

أسس من صحيح الدين، واعية بجملة األخطار التي جاءت بها قـوى البغـي .لتخريب الشخصية المسلمة، متطلعة إلى سبل النهوض العلمي الحديث

كان من هذه الجهود ما تمثل في جهود جماعات، نذكر منها علـى سـبيل ١٩٢٨المثال جماعة اإلخوان المسلمين منذ بداية ظهورها في مصـر عـام

على طريق التعليم بصفة خاصة، وامتد هذا االهتمام فـي فـروع الجماعـة ا أن يأتي هذا االهتمام وليس غريب . بمختلف الدول اإلسالمية التي ظهرت فيها

التعلـيم، كان ممارسا لمهنـة " حسن البنا "من جانب هذه الجماعة، فمؤسسها ومن هنا نفهم كيف أن اإلمام البنا وهو يعدد مهام ومواصفات الجماعة كـان منها أنها رابطة علمية ثقافية؛ ألن اإلسالم يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وألن أندية اإلخوان كانت في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف،

.ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروحكز نشاط الجماعة األساسي المتعلق ببرنامج اإلصالح االجتماعي فـي وتر

مجال التعليم، فاالهتمام الكبير بتجنيد المدرسين والطالب ارتبط بطبيعة الحال بالنظرة الخاصة لهاتين الطائفتين، واللتان تعدان مسئولتين عن مستقبل األمـة

طياتـه تأكيـد الهويـة وكان االهتمام بالطالب والمعلمين يشمل في . الثقافيوكان للتدريب في مدارس الجماعة أهداف عدة، . والمصير التاريخي والثقافي

فاالهتمام األساسي في مدارس القرى ومدارس الحضر كـان مركـزا علـى التقليدي، وحينما يصل التلميذ إلى مستوى " الكتاب"الدين واألخالق على نمط

كذلك كانت هنـاك . القراءة والكتابة أعلى في التعليم االبتدائي تدرس له أسس وكانت . مدارس ليلية يدرس فيها البالغون من العمال والفالحين التعليم األولى

كذلك كان . تلك المدارس هي األداة األساسية للجماعة في برنامج محو األمية فالحو المناطق الزراعية يدرسون اإلرشاد الزراعي بمساعدة طـالب كليـة

.الزراعة

- ٩٨ -

خاصة لعمال المدن يدرسون فيها األمور التي أت الجماعة فصوال كما أنش تتعلق بالنقابات والعمال بمساعدة طالب االقتصاد، وعملت على إنشاء فصول خاصة بالشباب الذين حرموا من التعليم نتيجة للقهر االقتصادي، فلم يعد فـي

يب خاصـة لتـدر كذلك أنشأت الجماعة فصوال. مقدورهم دخول سوق العمل الشباب على الحرف المختلفة واألعمال التجارية والصناعية، كما أتيح لمـن

كـذلك أنشـأت . هم في مستوى التعليم االبتدائي االلتحاق بالفصول الحرفية .الجماعة مدارس خاصة للبنات سميت بمدارس أمهات المؤمنين

كل ذلك بطبيعة الحال حدث طوال الوجود الرسمي للجماعة في مصـر، ـ لكن ه ا مـنهم ذه الجهود إما توقفت، وإما ظهر مثلها على أيدي أفـراد إيمان

بالفلسفة التربوية للجماعة، لكن الفروع األخرى التي انتشرت في عـدد مـن البلدان العربية واإلسالمية، ربما بأسماء أخرى أو باالسم نفسه، فقد استمرت

.و النوعيةمثل هذه األنشطة وتطورت وزادت سواء من الناحية الكمية أكذلك كان من الطبيعي أال يقف مسلمو الجزائر مكتـوفي األيـدي أمـام السياسة التعليمية التي فرضها االستعمار الفرنسي، فظهرت حركة مقاومة في

:اتجاه معاكس يستهدفالتمسك بالعقيدة اإلسالمية وما تقوم عليه من قيم وما ورثـه الجزائريـون

والمنظمات الجزائرية التي تقف في وجـه من تراث قومي، وتأسيس الهيئات .رجال التبشير الذين اعتبروا في غيرها الطالئع األولى لالستعمار األوروبي

القيام بتأسيس المدارس العربية اإلسالمية والنوادي الوطنية والمساجد فـي .مختلف أنحاء الجزائر

الخـامس ا نحو هذا تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في وسعي -١٨٨٩(، على يد الشيخ عبـد الحميـد بـن بـاديس ١٩٣١من مايو عام

وإذا كانت جهود الجمعية قد تركزت في التجديد اإلسـالمي، إال أن ). ١٩٤٠

- ٩٩ -

هذه المهمة استتبعت بالضرورة اقتحام مجال التعليم من أجل تنشئة الشخصية قـافي الجزائـري الجزائرية وفقا للعقيدة اإلسالمية، فضال على الموروث الث

.على اعتبار الجزائر جزءا ال يتجزأ من الوطن العربي واألمة اإلسالمية إلـى ١٩٣١ويالحظ أن النشاط الكبير للجمعية امتد في الفترة األولى من

إلى فرنسا حيث تعيش جالية جزائرية كبيرة فـي مختلـف المنـاطق ١٩٣٩ الجزائر، وقد أسسـت الصناعية الفرنسية، ثم توسع ليشمل أنحاء مختلفة في

الجمعية في البداية في فرنسا مجموعة من النوادي الثقافية التي كانـت تقـوم ، ثقافية ودينية تتمثل في إلقـاء المحاضـرات األولى: بمهمتين في وقت واحد

التوجيهية، ودروس الوعظ واإلرشاد بقصد المحافظة على شخصـية هـؤالء فقد كانت تربوية تتمثل فـي الـدروس المهمة الثانية أما . العمال الجزائريين

التعليمية التي كانت تنظم ألبناء هؤالء العمال في غير أوقات دراساتهم فـي المدارس الفرنسية لتلقينهم مبادئ القراءة والكتابة باللغة العربية ومبادئ الدين اإلسالمي وتاريخ اإلسالم، حتى يرتبط هؤالء األطفال منذ الصغر بالحضارة

اإلسالمية وبوطنهم الجزائر، وال يذوبوا في الوسط الذي يعيشون فيه العربية وال سيما أن عدد ا كبير بيـة، ممـا وا ألب جزائري وأم أور ا منهم كان مولود

.كان يشكل خطورة كبيرة على شخصيتهموقد أعاد ابن باديس في القرن العشرين إلى المسجد اإلسالمي في الجزائر

ية والتوجيهية التي كان يتمتع بها في العصور األولى مكانته الروحية والتربو ا للتوجيه الروحـي، ا للتعليم، ومركز للعبادة، ومكان لإلسالم يوم أن كان محال

ا لتجهيز الجيوش المجاهدة في سبيل نشر اإلسالم، أو الدفاع عنـه فـي ودار .وجه أعدائه

وسـي الكبيـر وفي ليبيا استمرت الحركة التي أسسها محمد بن على السن تستشعر عظم المخاطر وشدة التحديات، وكان السنوسي قد ) ١٢٧٦ -١٢٠٢(

- ١٠٠ -

والتربص واإلعداد واالستعداد للجهاد وليس الفـورة " المرابطة"استلهم فكرة ـ –" الزاوية"المتعجلة المتسمة بالبداروة، ومن هنا كانت فكرة نمـوذج يوه

الجديـد الـذي اسـتهدفه، والتي كانت نموذجا للمجتمع –جديد للرباط القديم .واإلنسان الجديد الذي أراده، والتي كانت واحة يحقق فيها تجربته

وكانت الزاوية مؤسسة تربوية بالمعنى الشامل المتكامل بحيث تستطيع أن تفخر على معاهد التعليم المتخصصة التي تقتصر على تقديم أطـراف مـن

لزاوية كانت هنا تقـوم أيضـا إن ا . المعرفة إلى التالميذ بطريقة نظرية بحتة ا متكـامال ومهمته، لكنها، باإلضافة إلى ذلك كانت تقدم نمط " التعليم"بواجب

إنها مركز للتعبد وللتجمـع والعمـل، . من الحياة يحياه المسلم وينشأ في كنفه .وللتعليم

وضمت الزوايا مدارس لتحفيظ القرآن الكريم وتلقى مبادئ الدين واللغـة، توفير مرحلة متقدمة من التعليم يـدرس فيهـا الطـالب العلـوم فضال على

اإلسالمية من تفسير للقرآن، وحديث، وفقـه، وأصـول فقـه، والتصـوف، كمـا . والتوحيد، والنحو، والصرف، والبالغة، واألدب، والعروض وغيرها

كان يتم تدريب الطالب على تعلم بعض الحرف والصناعات مثـل صـناعة .البارود واألسلحة

وفي لبنان كانت هناك جمعية المقاصد الخيرية التي نشطت في إنشاء عدد من المدارس ألبناء المسلمين في لبنان كي تواجه به هـذا االنتشـار الكبيـر لمدارس اإلرساليات الدينية الغربية على األرض اللبنانية، وشملت جهودهـا

يـة للبنـين فـي عدة مراحل تعليمية أبرزها كلية المقاصد اإلسـالمية الخير بيروت، والتي كانت قد أنشئت في الربع األخير من القرن التاسع عشر تحت إشراف الحكومة العثمانية إلى نهاية الحرب العالمية األولى، فأصبح اإلشراف

- ١٠١ -

الكامل عليها لرجال الجمعية، لكنها لألسف لم تستطع أن تقاوم التوجه العـام ! المواد بالفرنسيةالثقافي القائم، فإذا بها تعلم معظم

ودون جميع الحركات اإلسالمية فإن الحركة التي كـان يقودهـا اإلمـام الخوميني استطاعت أن تقوم بثورة تتولى على إثرها مقاليـد السـلطة فـي إيران، وبالتالي ال يقف ما تسعى إليه وتنادى على جهود تطوعية هنا وهناك،

ة الدولة مكرسة لتحقيق ما تراه وإنما أصبحت السياسة التعليمية نفسها، وسلط هذه الحركة في مجال التعليم، ومن هنا قامت سياسة التعليم لتحقيق جملة من

:المجال العقدياألهداف نذكر منها على سبيل المثال في شرح مبادئ وتعاليم وقوانين اإلسالم وخاصة ما يتصل بالشـيعة فـي -

لشـريفة وأقـوال األئمـة حدود ما جاء بالقرآن الكـريم والسـنة النبويـة ا .المعصومين

. تنمية األخالق الفاضلة التي تستند إلى اإليمان والشفقة -تشجيع روح الفحص والتقصي والبحث والتجديد في جميـع المجـاالت -

. الدينية والثقافية والعلمية :وفي المجال الثقافي، نجد من األهداف

عية السـتخدامها فـي تقصى أسرار خلق الكون، وكشف القوانين الطبي - .التقدم العقدي وتقدم المعرفة اإلنسانية

استمرار التقدم العقدي والتقني فـي مجـاالت الزراعـة والصـناعة - .والنواحي العسكرية

.اكتساب الثقافة والتقاليد اإلسالمية وتنمية التذوق الفني والجمالي -يح للقرآن الكريم العناية باللغة الفارسية واللغة العربية من أجل فهم صح -

. ومبادئ اإلسالم

- ١٠٢ -

تربية األفراد على المساهمة الفعالة في االستفادة مـن بـرامج التعلـيم - .المستمر

:وفي المجال االقتصادي نجدتدريب القوى البشرية المؤمنة والمدربة والقادرة على اإلسهام بفاعليـة -

. الذاتيةفي المجاالت االقتصادية المختلفة من أجل تحقيق الكفايةتنمية اتجاهات اقتصادية تساعد في دعم خطـط التنميـة االقتصـادية، -

.ومنها الكف عن االستهالك البذخي وتشجيع االدخار والتغلب على الهدر . تعزيز احترام شرعية الملكية الخاصة - .العناية بصحة البيئة -

ونوع إلى غير هذا وذاك من األهداف التي ال نخطئ أبدا في مالحظة كم التوجهات اإلسالمية في معظم سطور هذه المنظومة من األهداف والسياسـة

.التعليمية

:الغارة على الذات الحضارية من خالل التعليم: اثالثوألن التعليم هو سبيل صياغة الشخصية على مستوى الفرد وعلى مستوى

اإلسالمية أن ا من األمة ا عدائي األمة كان من الطبيعي للقوى التي وقفت موقف ا للغارة علـى المقومـات األساسـية المكونـة للـذات تتوسل بالتعليم طريق

:الحضارية لألمة اإلسالمية، وهو ما نحاول بيانه من خالل النقاط التالية

:التعليم األجنبيبعبارات بليغة خاطب المسيو هاردي مدير التعليم الذي أقامتـه الحمايـة

) حكـام المحافظـات (ن المراقبين الفرنسـيين الفرنسية بالمغرب، جماعة م في دورة من الدورات التي كانت تنظمها لهـم سـلطات ١٩٢٠بمكناس عام

- ١٠٣ -

الحماية لتزويدهم بالتوجيهات الالزمة، وإرشادهم إلى طريقـة العمـل فـي المناطق التي كلفوا بالسيطرة عليها، فماذا قال؟

دخل المغرب فـي ١٩١٢منذ سنة : "فيما ينقله محمد عابد الجابري، قال وعلى الرغم من استمرار . حماية فرنسا، وقد أصبح في الواقع أرضا فرنسية

بعض المقاومة في تخومه، تلك المقاومة التي تعرفون أنـتم وإخـوانكم فـي السالح مدى ضراوتها، فإنه يمكن القول إن االحـتالل العسـكري لمجمـوع

انتصار السالح ال يعنى النصر البالد قد تم، ولكننا نعرف نحن الفرنسيين أن إن القوة ال تبنى اإلمبراطوريات، ولكنها ليست مسلمي التي تضـمن . الكامل

إن الرؤوس تنحني أمام المدافع، في حين تظل القلوب . لها االستمرار والدوام يجب إخضاع النفـوس بعـد أن تـم . تغرس نار الحقد والرغبة في االنتقام

ا من األولى فإنها صعبة مثلهـا، المهمة أقل صخب إخضاع األبدان، وإذا كانت ".وهى تتطلب في الغالب وقتا أطول

ولم تكن هذه الكلمات خاصة بشخص بعينه وال حركة استعمارية بعينهـا في بقعة محددة، بل مسلمي تعبير صريح بالتوجه العام الذي شهدته البلـدان

.اإلسالمية من مدارس أنشأها األجانب فيهادت الدول األجنبية من االمتيازات التي منحتها الدولة العثمانيـة وقد استفا

لها في ممتلكاتها، وأخذت كل دولة من الدول األوروبية تتطلـع إلـى بسـط نفوذها على جزء أو أجزاء من األقاليم الخاضعة للحكـم العثمـاني، وكـان

ـ من التعليم في مقدمة أساليب هذه الدول لنشر ثقافتها ونفوذها، ومن ثـم تضوالء األبناء الذين يأخذون من هذه الثقافات بقدر، وكانت هـذه أهـم وسـيلة

.للدول األوروبية لبسط سيطرتهاوقد تأسست المدارس األجنبية في بادئ األمر علـى أيـدي اإلرسـاليات الدينية، وكانت كل واحدة من هذه اإلرساليات تعتمد على حماية دولـة مـن

- ١٠٤ -

ا فـي الطـالب الـذين ر هذه المدارس منحصر ولم يكن تأثي . الدول األجنبية ينتمون إليها ويدرسون فيها، بل إنه كثيرا ما كـان يتعـدى إلـى المـدارس الطائفية والدينية؛ ألن المدارس األجنبية كانت تزود تلك المـدارس الطائفيـة

للتأثير إلى درجة توجيه منـاهج بالمعلمين والكتب المدرسية، وكانت تواصال وهكـذا أصـبحت المـدارس . االيب التدريس المتبعة فيها أيض الدروس، وأس

.األجنبية من آليات السياسة االستعمارية ا فقد سعت السياسة الفرنسـية إلـى ولعل الجزائر من أكثر األمثلة وضوح

:تحقيق أهداف ثالثة، وذلك بإحالل اللغة الفرنسية، وثقافتها محل اللغة العربية وثقافتها الفرنسة

ائر، حتى ينسى الجزائريون لغتهم وثقافتهم القوميـة، ويستعيضـوا في الجز عنها باللغة والثقافة الفرنسية، كما حدث في عدد من البلدان التـي تعرضـت مثل الجزائر لالحتالل العسكري المصحوب بعمليـة غـزو ثقـافي مركـز وموجه، نحو تحطيم مقومات شخصيتها القوميـة، فنسـيت لغتهـا وثقافتهـا

ها بلغة وثقافة المستعمر الذي احتل وطنها، مثل الهنود الحمـر فـي واستبدلتأمريكا الشمالية، ومعظم شعوب أمريكا الالتينيـة وبعـض شـعوب القـارة

.اإلفريقية ١٨٣٢، وقد أعلن سكرتير الحاكم العام العلمي للجزائر في عـام التنصير

ي خالل عشرين إن آخر أيام اإلسالم قد دنت، وف : " ا فقال هذه السياسة رسميا لن يكون للجزائر إله غير إله المسيح، ونحن إذا أمكننا أن نشك فـي أن عام

هذه األرض تملكها فرنسا، فال يمكننا أن نشك على أية حال بأنها قد ضاعت أما العرب فلن يكونوا رعايـا لفرنسـا إذا أصـبحوا . من اإلسالم إلى األبد

امسيحيين جميع."

- ١٠٥ -

من قبل إيطاليا كان اإليطاليون يتخذون ١٩١١ عام وفي ليبيا التي احتلت بعض اإلجراءات التي تظهر استهانتهم بالشعائر الدينية اإلسـالمية كوضـع

وقد حاول الليبيون . الصليب على المدارس وعلى الكتب والمكاتبات الرسمية في تمسكهم بدينهم وثقافتهم أن يحصلوا من اإليطاليين في جميـع االتفاقـات

رموها معهم على أن يتعهد الطليان بجعل التعليم في طرابلس وبرقـة التي أب ا موضع عنايتهم على أساس احترام لغة البالد وتقاليدها، إال أن الطليان، جري

على عادتهم في نقض عهودهم سرعان ما صاروا ينشئون المـدارس التـي عمارية عنيت فقط بنشر نوع من الثقافة اإليطالية التي تخدم أغراضهم االسـت .فحسب، وأخذوا يدعون لهذه المدارس تارة بالترغيب، وأخرى بالترهيب

أبناء المواطنين الليبيـين –إال في حاالت استثنائية نادرة –وقد منع الطليان بعد انتهاء تعليمهم بالمدارس االبتدائية التي أنشأها لهم اإليطـاليون مـن أن

م فيها باللغة اإليطاليـة، وعنـدما يلتحقوا بالمدارس الثانوية التي يجرى التعلي أراد الليبيون أن يستكمل أبناؤهم تعليمهم في مصر أو فـي تـونس، حـاول

مـن الطليان تحويل هؤالء األبناء إلى روما بتشـجيعهم وإعطـائهم أمـواال األوقاف اإلسالمية طالما يذهبون لتلقى العلم في أيـة مدرسـة بأيـة مدينـة

.إيطاليةيل المثال في المدارس األجنبية التي انتشرت في مصر وإذا تأملنا على سب

ا من المصريين الذين يتقنون اللغات األجنبية، فسوف نجد أنها قد خرجت عددوال . وخاصة اللغتين اإلنجليزية والفرنسية ويجيدون التحدث والكتابـة بهمـا

ا فيه، غير أن هذه المدارس كانـت شك أن التنوع في التعليم قد يكون مرغوب يتسق والنموذج الحضاري بها، مع قطيعـة تامـة تشكل شباب األمة تشكيال

.بالموروث الحضاري اإلسالمي، بل والمصري الخاص

- ١٠٦ -

إنجليـزي وفرنسـي : وكان التعليم األجنبي يتوزع بين العديد من األنواع والثابت مما وجد من كتب في مكتبـات . وأمريكي وإيطالي وألماني ويوناني

ية أن كل نوع من أنواع التعليم كان يتبع دولة معينة، فكـان المدارس األجنب وشملت الكتب العديـد . يقوم بالترويج للثقافة الخاصة بهذه الدولة ومصالحها

من األفكار المحطة من شأن العروبة واإلسـالم ومصـر، وكـان الطـالب يتخرجون وهم يعرفون كل شيء على وجه التقريب من تـاريخ وجغرافيـة

ا عن تاريخ وجغرافية ودين المصريين ة التابع لها، وال يعرف شيئ ودين الدول ا أو مسيحية على المذهب األرثوذكسي، فضال على إهمال العربيةإسالم.

وكان من أبرز المنشآت التعليمية اإلنجليزية في مصر، كلية فيكتوريا التي بـين ، هي عرف عنها أنها ضمت ١٩٠١أنشئت باإلسكندرية في بداية القرن

ا من المسئولين عن الحكم في بعض البلـدان صفوفها في فترات مختلفة عدد تحـت ١٩١٩وكذلك الجامعة األمريكية بالقاهرة، هي أنشئت عـام . العربية

مظلة إرسالية دينية أمريكية، هي لم يقف نشاطها عند حد الدراسات النظامية أفسـحت المجـال لمنح شهادات دراسية، بل نظمت العديد من األنشطة التي

لعدد غير قليل من المثقفين والعلماء في مصر، وفتحت أبوابها لكم غفير مـن ٢٢ ألقيـت ١٩٤٦ /٤٥ لذلك أن نعرف أنه في العام الجمهور، ويكفي مثاال

١٠٩ محاضـرة خاصـة حضـرها ١٦، و ٣٥٣محاضرة عامة، حضرها ، حضـره ا باألطفال ا خاص فيلم ٢٥ و ٩٥٢ا حضره ا ثقافي فيلم ١٦وعرضت

، كما عرض فيلم سينمائي ٦٥٧ أفالم خاصة بالخريجين، حضرها ٦، و ٥٨١ .ا شخص١٠٢٣ مرة شاهده ١٦جزائري

بلغ عدد الطالب بالمدارس األجنبية في مصر في ١٩٤٣ /٤٢وفي العام ، وبـالتعليم الثـانوي ١٣٥٩٨٩٤ من مجموع كلى ٥٣٣٨٦التعليم االبتدائي

- ١٠٧ -

من مجموع ٤٥٣٥ارس مهنية وفنية ومد ٥٣٢٩٩ من مجموع كلى ١٠٧٣٩ .١٢٥٢٢ من مجموع كلى ٥١٩، وبالتعليم العالي ٥٣٨٧٤كلى

وأتيحت الفرصة في العراق للتعليم األجنبي أن يشهد بدوره عهود ازدهار J. Vanجـون فـان إس "١٩١٥وخاصة منذ أن تولى أمر التعليم فيه عام

Ess "مريكان للبنين في البصرة، ، وقد ترأس إرسالية أجنبية بدأت بمدرسة األ كـان عـدد ١٩٤٦ /٤٥وفي العـام . كذلك افتتحت مدرسة مماثلة في بغداد

ا، وفي التعليم تلميذ ٩١٧تضم ) ٥( المدارس األجنبية للبنين للمرحلة االبتدائية ٥٨٢ا، مدرسـتان ثانويتـان بهمـا تلميذ ١١٤المتوسط مدرستان كان بهما

.١٢٧ا، ومدرسة للبنات بها تلميذا كان من أبـرزه نشـاط الطائفـة ا طائفي ا تعليمي كما شهدت العراق نشاط

اإلسرائيلية في بغداد والموصل والبصرة، حيـث أدارت مجالسـها الطائفيـة مدارس ثانوية وابتدائية ورياض أطفال، بعضها كان بمصـروفات وبعضـها

ـ . اآلخر بالمجان اح لهـم والمعروف أن جميع األطفال اإلسرائيليين كانت تتوعالوة على المدارس النهاريـة . فرصة اإللمام بالقراءة والكتابة على األقل

الكاملة والمسائية التي تماثل مدارس الحكومة من نوعها، فقـد كـان لهـذه .الطوائف ورش ومدارس صناعية ألطفال الفقراء

اآلشـورية، : كذلك كانت هناك مدارس طائفية أخـرى تابعـة للطوائـف السورية، والكاثوليكيـة السـورية، والكاثوليكيـة الرومانيـة، واألرثوذكسية

.والكلدية، واألرمنية كان بها من مدارس ١٩٤٥ /٤٤أما بالنسبة لدولة مثل سوريا، ففي العام

مدرسـة بهـا ٧١) يوناني، سوري، كلداني، مـاروني، أرمنـي (الكاثوليك المـدارس فقد كان عـدد ) يوناني، سوري، أرمني (، أما األرثوذكس ٧٨٠١

- ١٠٨ -

مدرسـة ١٧) سوري وأرمني (ا، وكان للبروتستانت تلميذ ١٦٦٧١ بها ١١١ .ا تلميذ٨٤٦، ولليهود أربع مدارس بها ١٦٩٦بها

ا، بينمـا تلميـذ ٢٧٠١٤ مدرسة بها ٢٠٣والنوادي فقد كان لجميع هؤالء ، وكانـت هنـاك أربـع ١٤٦٦٤ مدرسة بها ٧٧كان عدد مدارس المسلمين

.ا تلميذ١٣٣٢ديان بها مدارس مختلفة األ مدرسـة ٣٢٦ نجد أنه قد كـان بهـا ١٩٤٣ /٤٢وفي لبنان، في العام

، أي ٢٤٤١٠ا وتلميذة، علما بأن عدد البنات كـان تلميذ ٤٦٧٢٦أجنبية، بها ومن بين هذه المدارس احتلت المدارس الفرنسـية المركـز . أكثر من البنين

ا وتلميذة، وتليها تلميذ ٣٩٥١٣ مدرسة كان بها ٢٧٣األول، حيث بلغ عددها مدرسـة ١٤ مدرسة، والبريطانيـة ٣٦المدارس األمريكية التي بلغ عددها

.ومدرسة واحدة لكل ممن الدانمارك، واليونان وسويسراوفي مقدمة المعاهد األمريكية في لبنان، بل في العالم اإلسـالمي بأسـره،

، وجاء طالبها من ١٨٦٦الجامعة األمريكية ببيروت، وكان تأسيسها في سنة ا غير قليـل مـن النخـب مختلف البلدان اإلسالمية، ومن المعروف أن عدد .الثقافية في المنطقة العربية تلقى العلم بهذه الجامعة

:التعليم في األرض المحتلةخضعت فلسطين كما هو معروف عقب الحرب العالمية األولى لالنتـداب

: لثة من حق االنتداب هذا قـد نصـت علـى البريطاني، وإذا كانت المادة الثا يترتب على الدولة المنتدبة أن تعمل على تشجيع االستقالل المحلى على قدر "

، فإن السعي لتوفير التعليم ألبناء فلسطين كان هو أحـد "ما تسمح به الظروف الركائز األساسية لتحقيق هذا، مما تفسره توصية اللجنة األمريكية المعروفـة

والتقني أرسلت إلى فلسطين والشام؛ للتحقيـق فـي " كراين –كنج"باسم لجنة ا لما أعلنه الرئيس األمريكي، ولسن في تقرير المصير في رغبات السكان وفق

- ١٠٩ -

وأن تصرف الدولة الوصية همها األكبر إلى ": ، القائلة ١٩١٩ ألغسطس ٢٨ ."التعليم الضروري ألبناء البالد

ذلك، فقد بلغ عدد الطالب فـي عـام لكن المسار التعليمي اتجه إلى غير ٣٤٥١٧: ١٩٢٢ /٢١ ا، وكان عدد السكان العرب فـي ذلـك الوقـت طالب

، كما بلغ عدد المدارس %٥,١٧، أي أن نسبة الطالب منهم بلغت ٦٦٨٢٥٨ /٤٦وفي عـامي . ، وهى سنوات االنتداب األولى ٦٣٩ وعدد المعلمين ٣١١

ـ ٩٣٠٥٠طالب ، أي نهاية عهد االنتداب، بلغ عدد ال ١٩٤٧ ا، وعـدد طالب% ١٠، أي نسبة الطالب إلى السـكان ٢٤٨٠ وعدد المعلمين ٥٣٥المدارس

تقريب ا لم تزد ا، أي أن نسبة الطالب إلى عدد السكان العرب خالل ثالثين عام .إال مرة واحدة فقط

وفي المقابل نجد أن عدد المدارس العامة في التعليم اإلسرائيلي قد ارتفـع ، وزاد عدد معلميهـا ١٩٤٥ /٤٤ سنة ٦٥١ إلى ١٩٢١ /٢٠ة سن ١٣٧من وبعبارة . ٧٩٤٤١ إلى ١٢٨٣٠، وزاد عدد طالبها من ٣٦٥٢ إلى ٥٣٣من

٦,٢ مثل، والتالميذ ٥,٨ مثل، والمعلمين ٤,٧أخرى فالمدارس العامة زادت وبضم أرقام جميـع المـدارس اإلسـرائيلية . مثل، في هذه الحقبة من الزمن

٩٠٣ يتبين أن جملتها في فلسـطين كانـت ١٩٤٤ /٤٣ سنة وتالميذها عن من السـكان % ١٩، وهذا الرقم كان يمثل ٩٩٤٤٠مدرسة، وجملة تالميذها

.اإلسرائيليين ا من كارثـة فلسـطين وإذا كانت كثير من التحليالت اإلسالمية تعزو جانب

فإن إلى السياسة التعليمية الخاطئة التي فرضت على المسلمين في مدارسهم، هناك من رأى أن التعليم الحكومي لم يكن موجها بصورة جيدة تفتح عقـول األجيال الجديدة إلدراك متطلباتهم الرئيسية اقتصادية كانـت أو اجتماعيـة، ويؤكد هؤالء أن وعى كي فلسطين لبعض هذه المتطلبات خلفته في نفوسـهم

- ١١٠ -

حـزاب أجهزة وطنية عبر مدارس الحكومة مثـل المـدارس األهليـة واأل السياسية، والنواحي المحلية، وتخلف دعاة المساجد، والصحف، وذهب هؤالء

ا من قيم ومثل عليا إسالمية؛ ألنه كـان إلى أن التعليم الحكومي لم يكن منبثق .من وضع وإخراج أناس يمثلون ثقافة ومصالح ال تمت إلى المسلمين بصلة

على عدم إعطـاء إدارة وهذا ما كان يدفع الجهات اإلسالمية إلى أن تحتج المعارف إلى المسلمين، ولكن االحتجاج بدأ يـزداد بعـد تجديـد النضـال

، واكتشـف الشـعب ١٩٢٩الفلسطيني بعد حوادث البراق في أول صـيف الفلسطيني إصرار الصهيونية على تحقيق دولة إسرائيل، ووحدة االسـتعمار

حقيـق مطـامع وسعت قـوى االسـتعمار لت . البريطاني مع هذه الصهيونية الصهيونية بتفقير وتجهيل المسلمين، وبدأ االحتجاج اإلسالمي يأخـذ صـورة أخرى، يدرك المعنى االستعماري إلصرار االنتداب علـى توجيـه التعلـيم،

ا مع النمو السريع للنشاط السياسي والثوري لجميع فئات الشعب ويزداد احتداد .الفلسطيني على فقدان األمكنة لتعليم أوالدهم

وعندما أعلنت الدولة الصهيونية على األرض المحتلة، نجد أنه من الناحية النظرية اعتبرت القوانين الرسمية اإلسرائيلية العرب فـي إسـرائيل رعايـا إسرائيليين ينطبق عليهم ما ينطبق على الرعايـا اليهـود، وبـذلك خضـع

ظـام التعلـيم المسلمون الفلسطينيون لقوانين الدولة القائمة، وهكذا أصـبح ن ا من نظام التعليم اإلسرائيلي، وأصبح بالتالي قـانون الفلسطيني العربي جزء

، وقانون التعليم الرسمي الذي صـدر ١٩٤٩التعليم اإللزامي الذي صدر عام أساس النظام التعليمي الذي قام عليه تعليم المسلمين الفلسـطينيين ١٩٥٣عام

.في إسرائيلا ا ومجاني أصبح التعليم إلزامي ١٩٤٩لزامي لعام وبموجب قانون التعليم اإل

لجميع األطفال المسلمين بين سن الخامسة وسن الرابعـة عشـرة، وكـذلك

- ١١١ -

الشابات والشبان ممن كانت أعمارهم تتراوح أعمارهم بين الرابعـة عشـرة كما أصبحت المدارس االبتدائية . والسابعة عشرة، ولم يتموا تعليمهم االبتدائي

مدارس رسمية شأنها في ذلك شأن المـدارس ١٩٥٣بموجب قانون العربية اليهودية الرسمية، ولكن المدرسة العربية لم تنقسم إلى مدارس دينية وأخـرى مدنية كما حدث للمدرسة اليهودية، بل بقيت وحدة تامة، ويعود ذلك إلى عدم

الفتـرة وجود مشكلة االتجاهات الذي كان يعانى منه التعليم اليهودي في تلك .بين الفئات العربية

ولم يستفد المسلمون الفلسطينيون في إسرائيل من قـانون اإللـزام هـذا، ويكفي هنا اإلشارة إلى ما كتبته صحيفة االتحاد اإلسـرائيلية عـن أوضـاع

إن سياسـة : "١٥/٥/١٩٦٤التعليم اإللزامي للعرب في عددها الصادر فـي سكان العرب تجعل مسألة تطبيق التعلـيم التمييز التي تنتهجها الحكومة تجاه ال

اإللزامي أمر ولقـد . ا، فكثيرون من التالميذ ال يتمون تعليمهم االبتدائي ا صعب كـان ١٩٦٣جاء في تقرير وزارة المعارف أن عدد المدارس االبتدائية سنة

تلميذا، ولكن كم من هؤالء التالميذ يبقـى فـي ٤٩٧٢٠ مدرسة تضم ١٦٧ تفيـد اإلحصـائيات -أي الفصـول النهائيـة؟ – الثوامن المدرسة حتى نهاية

١٧ -١٤فقط من الفتيان العرب بين سن % ١٨,٢ أن ١٩٦٣الرسمية لسنة من % ٣٠من الفتيان اليهود، وظل % ٦٠,٥سنة يذهبون إلى المدرسة مقابل

وإذا أضفنا إلى هذه النسبة من تترك . الفتيات العربيات ال يذهبن إلى المدرسة ي السنين األولى من التعليم، تصل نسبة الفتيات اللواتي يبقين بدون المدرسة ف % ".٥٠تعليم إلى

وتشير اإلحصاءات اإلسرائيلية الرسمية إلى أن عدد المـدارس الثانويـة ا، إلـى تلميذ ١٧ بها ١٩٤٩ /٤٨للعرب قد زاد من مدرسة واحدة في العام

زاد عـدد المـدارس ا، بينمـا تلميذ٣٧٢٣ بها ١٩٦٩ /٦٨ مدرسة عام ١١

- ١١٢ -

بهـا ١٩٦٨ /٦٧ مدرسـة سـنة ٥٧٩ إلـى ١٠٢١٨ بها ٩٨اليهودية من ١٢٣١٦٠.

/٦٧وكانت الجامعة العبرية تضم أكبر عدد من الطالب العرب بلغوا عام ٢٥٠، ٦٨ ٢,٢وهكذا كانت نسبتهم . في الجامعة ١١٥٨٦ا من أصل طالب %

نية من حيث عدد الطالب وفي كلية حيفا التي أتت بالدرجة الثا . من المجموع العرب، وجميع فروعها كانت للدراسة األدبية، بلغ عدد الطالب العرب فيهـا

من مجمـوع % ١٠,٩ أي بنسبة ١٨٢٩ طالبا من أصل ٢٠٠في العام نفسه فكان يوجـد بـه عـدد ) التخنيون(أما في معهد الهندسة التطبيقية . الطالب

ثالثة طالب، وقلما التحـق ٦٥ /٦٤ا من الطالب العرب بلغ عام ضئيل جد طالب عربي بمعهد وايزمان لألبحاث والدراسات العلمية العليا التـي يتعلـق أكثرها بأمن الدولة، فلم يسمح للطالب في الكليات المختلفة في الجامعات التي

.يلتحقون بها، فإن معظمهم التحق بالكليات األدبية حين تأسس أول ١٩٥٦تى عام ا ح أما معاهد المعلمين فلم تكن موجودة أبد

وآخر معهد لتخريج معلمين عرب للمرحلة االبتدائية ورياض األطفال، وذلك وقد بلغ عدد طالب هذا المعهد من معلمين ومعلمات في سنة افتتاحه . في يافا

٤٢ وفي مقابل هذا المعهد للعرب وقف ٣١٦ بلغ ٦٨ /٦٧وفي عام . ا طالب ،٤٨ اثنين وخمسمائة وسبعة آالف معلم ) ٧٥٠٢( ضمت ٦٨ /٦٧ا عام معهد

.ومعلمة من اليهود للتدريس في المدارس االبتدائية اليهودية ورياض األطفالواألخطر من ذلك ما تضمنته الكتب الدراسية المقـررة علـى الطـالب

ا بالذات الحضـارية، العرب، ولما كانت كتب االجتماعيات هي األكثر التصاق : لسياسة تقوم على ما يليفإننا نجدها قد خضعت

- ١١٣ -

إيهام الطالب العربي بأن فلسطين أرض يهودية منذ القدم، والعمـل :أوالعلى طمس معالم عروبتها، وتظهر هذه الناحية في جميـع مـواد المنـاهج،

: وتعبر كتب االجتماعيات عنها بعدة طرق، منهاسـور وادي هب (استبدال جميع أسماء األماكن واألنهار بأسماء عبرية -١

). من وادي غزة مثالبدالمحاولة إظهار عالقة تاريخية بين األماكن الجغرافية فـي فلسـطين -٢

.وبين العبرانيينالتأكيد على أن اليهود هم الـذين كـانوا يقطنـون فلسـطين طـوال -٣

العصور، فالشعوب الرومانية والبيزنطية والفرس والعرب هم غزاة، ا يمثلون غالبية السـكان فـي بحيث تراءى للقارئ وكأن اليهود كانو

.جميع العصورلنوايا إسرائيل التوسعية، ثـم ) ١٩٦٧قبل نكبة ( تهيئة نفسية األطفال :اثاني

إيهام التالميذ بأن هذا التوسع أمر طبيعي، فعندما يتكلم عن جغرافية إسرائيل األولى إسرائيل السياسية بحـدودها الحاليـة، وإسـرائيل : يتكلم عن دولتين

.عية بحدودها الطبيعيةالطبيـ :اثالث الحط من شأن العرب والمسلمين اجتماعي ا، وإظهـار ا واقتصـادي

تأخرهم، وإضعاف ثقة الطالب العربي بنفسه وبقومه، وإيهامه بأن إسـرائيل .تعمل على رفع مستوى العرب المقيمين عندها

ن التي تصوير التاريخ اإلسالمي وكأنه عمليات غزو وقرصنة للبلدا :ارابعدخلوها، والتأكيد على الخالفات بين الخلفاء واألمراء والشـعوب ثـم بـين

.الدروز، والموارنة، وغيرها من الطوائف الدينية: الطوائف المختلفة، مثل أصدرت سلطات االحتالل العسكري ٦٧وبعد احتالل الضفة الغربية عام

ـ ٧٨ال ا يقضى بمنع اسـتعم ا عسكري أمر ٩/٨/١٩٦٧اإلسرائيلي في ا كتاب

- ١١٤ -

أعـادت تلـك ٦٨ /٦٧ا في مدارس الضفة الغربية، وفي مطلع العام مدرسي :ا بعد أن حذفت منها النماذج اآلتية كتاب٥٩السلطات طبع

.حذف كل ما له صلة بالدولة األردنية والشعارات الرسمية - .حذف كل ما له صلة بالقضية الفلسطينية - .اإلسالمية أو الدعوة إليهاحذف كل ما له صلة بالوحدة العربية و -حذف كل إشارة إلى فلسطين في كتب الجغرافيا وإحالل اسم إسـرائيل -

.محلهاحذف عدد كبير من اآليات القرآنية واألحاديث النبوية التي تدعو إلـى -

.الجهاد والتضحية لتحليل محتوى عدد من كتـب االجتماعيـات لنجالء بشور وفي دراسة

عليم االبتدائي للعرب في األرض المحتلة نجـد أمثلـة والدين المقررة على الت :واضحة

الدين اليهودي هو بمثابة دين وقومية؛ : " يقرر "مدنيات إسرائيل "ففي كتاب إذ إن اليهودي الذي يخرج عن دينه ويعتنق ديانة أخرى يخرج كـذلك عـن

وفي ضوء هـذا يعبـر ". وهذا بعكس الديانتين اإلسالمية والمسيحية ..قوميته ".أمة ذات كيان"لكتاب عن أن اليهود ا

وقد بحثت الكتب بشيء من التفصيل االضطهاد الذي القاه اليهود على مر إمـا ألن : العصور، وأرجعته ال إلى علة في تصرفاتهم وإنما في مضطهديهم

اليهود رفضوا الحضارة والدين واالحتالل الجديد، وإما ألن مضطهديهم كانوا .ميتهممتعصبين لدينهم وقو

وتعطى التحليالت في الكتب اليهود الصفات األساسية للشـعب واألمـة، مـن والتركيز عليها، فاألمة ترتبط بأرض تعيش عليها وتقيم فيهـا أشـكاال

الحكم، وإذا اضطرتها ظروف معينة للنزوح عنها فهي تعود إليها مهما طـال

- ١١٥ -

م بأرض فلسـطين وهكذا كان الشأن بين اليهود في ارتباطه . الزمن أو قصر وتصور الحركة الصهيونية على اعتبار أنها إحدى الحركات القوميـة التـي

.نادت باستقالل الشعب اليهوديونظرا لتشرد مئات األلوف من أبناء األرض المحتلة، فقد قامـت وكالـة

لتقوم بدور في تقديم ) األنروا(إغاثة وتشغيل الفلسطينيين التابعة لألمم المتحدة وقد امتد نشـاط . ت التعليمية للفلسطينيين بالتعاون مع منظمة اليونسكو الخدما

.هذه الوكالة إلى الدول العربية المضيفة وعملت تحت إشراف هذه الدولوأدارت األنروا مدارس ابتدائية وإعدادية عامة وفنية ومهنية، لكنها لم تدر

اصلة دراسـتهم مدارس ثانوية، وإن قدمت تسهيالت مالية ألبناء فلسطين لمو في البلدان العربية، وكذلك لم يوجد تحت مظلتها تعليم عال، ولكنها درجـت

وأدارت األنروا . على تقديم بعض المنح الدراسية للدراسة بالجامعات العربية معاهد إلعداد معلمي ومعلمات التعليم االبتدائي فقط، أما باقي المعلمين فكانت

امة وخريجي الجامعات، وقد بلغ عدد التالميذ تستخدمهم من حملة الثانوية الع . ألف تلميذ٢٩٣ حوالي ١٩٧٠ /٦٩الفلسطينيين الذين تعلمهم األنروا عام

:دور اللغة في الفعل الحضاريإنه لمن الفضول غير المبرر، الخوض في اللغة، أي لغة كأداة للحضـارة

ي االختـراع اإلنسانية وأساس لها، ففي البدء كانت الكلمـة، واللغـة مسـلم الحضاري األول الذي مكن اهللا به اإلنسان أن يمد وجوده خارج ذاتـه عـن طريق التواصل االجتماعي مع اآلخرين، ثـم مسـلمي مسـتودع الخبـرات

تميـز -مقولة، ومكتوبة، ومصـورة - وباللغة. البشرية وذاكرتها الحضارية اإلنسان عن سائر األحياء تميز مجتمع وحضارة بشرية ا، وباللغة تميز ا نوعي

عن حضارة بشرية أخرى، وهو ما أغنى التراث البشرى بالتنوع المبدع فـي .مجاالت الحياة المختلفة

- ١١٦ -

إلى جانب الدور العام للغة اإلنسـانية فـي إبـداع - على أن للغة العربية خصيصة تفتقدها اللغات األخرى كعنصر مـن -الحضارة ونقلها وتطويرها

فقد كـرم اهللا . ة؛ ذلك أنها لغة اإلسالم، الدين الحنيف عناصر القوة والديموم العربية فاستودعها كالمه، فكانت لغة القرآن الكريم ولغة رسـوله األمـين، وارتبط أداء الشعائر الدينية على المستوى الفردي والجماعي فـي اإلسـالم

ركن أساسي في الصـلوات -كما هو معروف - فقراءة القرآن . باللغة العربية ال تنعقد بدونها، والقرآن هو كتاب اإلسالم المقدس، وهو ) فروض والنوافل ال(

المصدر الوحيد للتشريع، ومعه السنة النبوية الشريفة، واللغة العربية مسـلمي .مستودع هذا كله

ومن هنا كانت مسلمي لغة التعليم طوال العصور اإلسالمية، لكنها بـدأت كثير من البلدان اإلسالمية تقـع تتعرض لمحن متعددة، خاصة منذ أن بدأت

.فريسة لالستعمار، وتكاتفت جهود كثيرة للنيل منها كلغة تعليمذلك أن هذا العصر الذي بدأنا نعيشه منذ مطلع القرن العشرين، هو بـين العصور التاريخية زمن فريد في إنجازاته التي حققتهـا الثـورات العلميـة

الحضارة البشرية التي تتمثل فـي والتكنولوجية في صور متعددة من مسيرة إبداعات صور جديدة من الوسائل واألساليب الماديـة لمواجهـة الحاجـات العضوية واالجتماعية والروحية لإلنسان بما اكتشف العلم من قوانين، وبمـا طوعت منها التكنولوجيا بتنظيم العالقات وترتيبها بين تلك القوانين في حدود

الجديد الذي يتفوق على نفسه أبدا، ويتوالـد ذاتيـا، طبيعتها، فاخترعت بذلك ولقد دخلت البشرية العصر التكنولوجي بثورة غير مسبوقة في العالم الحيوي

.والطبيعي، فظهر الدور البارز للعلوم الطبيعية والحيوية والرياضيةولقد كانت األمة اإلسالمية رائدة في مجاالت تلك العلوم وما يزال بعضها

ومع ضعف األمة اإلسالمية ضعفت لغتها، التي كانـت . السم العربي يحمل ا

- ١١٧ -

العربية على اعتبار أنها لغة القرآن الكريم، وقام من يدعى أنها لغـة ميتـة حين يحسـن بهـا -كاللغة الالتينية، ومن رماها بالبداوة والبدائية، ومن قال

عن المفهومـات إنها لغة آلداب وفنون، وإنها ال تصلح للتعبير الدقيق : الظنولم يكن الذين بشروا بهذا من أعداء األمة مـن . العلمية والقوانين الرياضية

.األجانب فحسب، بل رأينا غيرهم من أبناء أمتنا يرددون الدعوى نفسها ا، تأخـذ ومما ال شك فيه أن كل المجتمعات البشـرية تتعـاون حضـاري

فذلك هـو رمـز وتعطى، ولكن كل مجتمع يحاول أن يحافظ على شخصيته، عطائه المتميز لإلنسانية، وتظل لغة كل مجتمع مسلمي وسيلة تعاملهـا مـع الحياة واألحياء، فالعمل الفكري والثقافي إنما يحمل جنسية اللغة التي يكتـب

.بها، وليس جنسية الكاتب أو المؤلف ا مستميتة وكحلقة من حلقات مسخ الذات الحضارية اإلسالمية رأينا جهود

ف اللغة العربية عن طريق إزاحتها من معاهد التعليم وإحـالل لغـة إلضعا .أجنبية أخرى محلها

ا كثيرا ما يحدث بين تعليم اللغة األجنبيـة وفي هذا الصدد نالحظ أن خلط والتعليم بها، فال يمكن لعاقل أن يتصور ألمـة إمكـان أن تتصـل بالركـب

أو اللغات األساسية التـي الحضاري الحديث دون أن تشيع فيها معرفة اللغة يعبر بها اإلنتاج الحضاري الحديث عن نفسه، لكن أن يتم تعليم كثيـر مـن

.العلوم بها، فهذا ما كان يسير في اتجاه مضاد لمصلحة األمةوكانت بداية دخول اللغات األجنبية كلغة تعليم، نتيجة لما شـهدته الدولـة

خاصة في الدول العربية المحيطـة العثمانية من بداية تواجد لجاليات أجنبية، بالبحر المتوسط، فطلبت إلى السلطان أن يكفل لهـا حريـة إقامـة الشـعائر

وقد استجاب السلطان لهذه . الدينية، وحرية تعليم أبنائها قواعد دينهم وتعاليمه المطالب فمنح الجاليات األجنبية، وكذا الطوائف المحلية من غير المسـلمين،

- ١١٨ -

حق إنشاء المدارس الخاصة : ات دينية ومذهبية، من بينها عدة حقوق وامتياز .بكل جالية؛ حيث يتولى القائمون عليها أمر تعليم أبناء الجالية وتهذيبهم

وقد اعتبر السلطان أن أمور التعليم وثيقة االرتباط بشئون الدين، ومن ثـم فإنه لم يحاول التدخل في أمر هذه المدارس أو اإلشراف علـى مـا يجـرى

وقد استغلت الطوائف والجاليات األجنبية هـذا االمتيـاز .اخلها من نشاط بدفشرعت كل جالية منها في إنشاء مدارس مستقلة تعلم فيها أبناءها علوم الدين والدنيا حسبما تشاء وترغب، ووكلت كل جالية إلى عدد من أبنائها المقيمـين

شراف علـى تلـك في مصر أو من استدعتهم خصيصا لهذه المهمة أمر اإل المدارس، ووضع ما تراه محققا ألغراضها من خطط ومناهج، مسـتقلة فـي

.ذلك عن تدخل السلطات العثمانية أو إشرافهافعن طريق هذه الجاليات، وعن طريق سياسة التسـامح التـي انتهجهـا السلطان العثماني مع هذه الجاليات، بدأت اللغات األجنبية، والمشي الثقافـات

ا إلى البالد اإلسـالمية، وخاصـة عنـدما كل منها، تتسرب تدريجي الخاصة ب قامت الجاليات األجنبية باستدعاء الجماعات التبشيرية التربوية من أوطانهـا األصلية لتتولى إدارة المدارس األجنبية، وتشرف على شؤون التعليم والتربية

.فيهاالوقـت أن وصحيح أنه لم يكن من أهداف المدارس األجنبية فـي ذلـك

تجتذب أبناء المسلمين، فقد وجدت لسد حاجة أبناء الجاليات والطوائـف مـن غير المسلمين إلى نوع من التعليم يبقي على الروابط بين هؤالء األبناء وبين أوطانهم األولى، غير أن الذي حدث بعد ذلك لم يدخل فـي حسـاب أولئـك

م فجأة من أية مؤسسات تربوية الوالة؛ ففي دولة مثل مصر، خال ميدان التعلي أخرى حين انهار النظام الحديث الذي أنشأه محمد علي في النصف األول من

- ١١٩ -

القرن التاسع عشر، وهو ما حدا باألهالي إلى االتجاه إلـى النـوع الحـديث .الموجود، فألحقوا أبناءهم وبناتهم بمختلف المعاهد األجنبية

ا علـى ا ملحوظ االستعمار وجدنا حرص ولما ابتليت بلدان إسالمية كثيرة ب إلغاء التعليم باللغة العربية، وتسييد اللغة اإلنجليزية أو الفرنسية أو اإليطالية، أو غير هذه وتلك من لغات البلدان المستعمرة، وهو ما كان له أثره الخطيـر

كانـت اللغـة ١٨٨٨في اإلضرار بالذات الحضارية اإلسالمية، فحتى عام لمي لغة التعليم في مصر، وأملت السياسة االستعمارية على ناظر العربية مس

أن يبرر تقرير التعلـيم بلغـة أجنبيـة " علي مبارك"المعارف في ذلك الوقت :بقوله في تقريره عن ذلك العام

إن تعليم اللغات األجنبية التي لها في هذا العصر من األهمية ما ال يخفى "مدارسنا بالنتائج المطلوبة، ولـيس ذلـك بمصر خاصة، لم يأت إلى اآلن في

لتقصير من المعلمين، أو فتور في همتهم، فإنهم في الواقع أهل لما عهد إليهم من الوظائف، غير أن الوقت المخصص لتعليم هذه اللغات غير كاف حتـى يكتسب التالمذة ملكة استعمال اللغة ويسهل عليهم التكلم بها، وهـو أمـر ال

فلتالفي هذا األمـر بقـدر .يه إال بعد تمرين طويل مستمر يمكن الحصول عل اإلمكان تقرر أن مواد العلوم الجاري تدريسها اآلن باللغة العربية تعلـم مـن

ا بمعرفة مدرسي اللغـة األجنبيـة؛ إمـا باللغـة الفرنسـية، أو اآلن فصاعدـ ات أجنبيـة، باإلنجليزية، فإذا درس التاريخ والجغرافيا والعلوم الطبيعية بلغ

".وضم هذا إلى تعليم اللغة المقصودة بالذات، سهل نيل المقصودا ببدء تنفيذ ما رسمته السياسة اإلنجليزية، والتقني تلخصت وكان هذا إيذان

:في أهداف مثلتعليم اللغة اإلنجليزية وجعلها اللغة األساسـية لدراسـة كافـة المـواد -١

ة، فالتلميذ البد أن سـيقارن بـين إلضعاف حب التالميذ للغتهم األصلي

- ١٢٠ -

أهمية كل من اللغتين العربية واألجنبية في محيط تربيته وتعليمه، والبد أنه سوف يدرك أن اللغة اإلنجليزية مسلمي التي تقوم بالعمل كله، فهي لغة الدراسة، ولغة المدرسين، ولغة المشرفين على المدرسـة وعلـى

ى كل مرافـق الـبالد ومجـاالت شئون التعليم، بل لغة المسيطرين عل أما اللغة العربية فلغة الشعب الفقير المغلوب على أمره، ومـن . حياتها

هنا استمدت اللغة اإلنجليزية قوتها في حين انزوت اللغة العربيـة فـي . كنف جمع قليل من المخلصين لها من أبناء األمة

جلتـرا، رأى االستعمار أيضا قصر الدراسة على كتب مستوردة من إن -٢وذلك فيه توجيه ثقافي للتالميذ يتيح لهم االطالع على وثبـات إنجلتـرا ونشاطها في مجال العلوم واآلداب والصـناعات دون االطـالع علـى

ومما ال شك فيه أن لهذا التقييد الثقـافي أثـر . جهود غيرها من البالد . خطير على الذات الحضارية لدى التالميذ

قرير استخدام كتب تتجاهل تماما ما كـان يـدور وقد تعمد االستعمار ت -٣خارج حدود اإلمبراطورية البريطانية من حركات تحررية، وخاصة ما كانت تقوم به شعوب باقي أجزاء األمة اإلسالمية من حركات للتحـرر من نيرهم هم، وكذلك من نير االستعماريين اآلخرين، فلم يكن الطلبـة

األمة اإلسالمية، وأن لهم إخـوة فـي على علم بأن وطنهم يمتد بامتداد . البلدان اإلسالمية يكافحون من أجل حرية بالدهم

وأخيرا وجد االستعمار في تدريس المواد باللغة اإلنجليزية وعلى أيدي -٤مدرسين إنجليز، سياسة تتفق وأهدافه؛ إذ قيدت هذه الطريقة التالميذ في

جاءت به اللغـة التـي حدود ما يقوله هؤالء المدرسون، وفي حدود ما يتعلمون بها من معلومات، أدرجت في الغالب إلبراز مآثر االسـتعمار،

. غير متحرية الدقة العلمية فيما تضمنته من معلومات

- ١٢١ -

وكانت هذه األهداف في حاجة إلى عملية تبرير وتسويغ، فمن ذلك ما ي مهندس السياسة االستعمارية في مصر، والجمالي كان ف" دنلوب"رسمه

تبريراته التي يسوقها نموذج لكل ما كان يقدم في كل البلدان اإلسالمية، من :هذه المبررات

هذا فـي الوقـت . تعذر إيجاد الكتب الفنية العصرية في اللغة العربية -١الذي تنمو فيه العلوم في أوربا بسرعة تعتبر معها الكتب الفنيـة بعـد

بلغت هذه الكتـب مـن إنجاز طبعها بقليل من الزمن غير حديثة مهما فإذا قيل إنه يتسنى للحكومة أن تتغلب على هذه الصعوبة بإيجاد . الكمال

يدفع ذلك االفتراض " دنلوب"التراجم العربية لكل المؤلفات المهمة، فإن بأن التراجم مهما بلغت من اإلتقان ال يمكن أن تكون مطابقـة لألصـل

بية في االصطالحات الفنيـة وزيادة على ذلك، فإن فقر اللغة العر . تماما مع تعقيد عباراتها، كل ذلك يحـول دون - فيما يرى -وجمود تراكيبها

وعلى فرض إمكان . صيرورة هذه اللغة صالحة لتأدية األغراض الفنية المترجمين األكفاء، وتذليل الصعاب التي تالقى في سبيل الحصول على

لتراجم تستدعى مـن اإلذن من المؤلفين األصليين بترجمة كتبهم، فإن ا النفقات ما يحول دون اقتنائها، فضال على أنها ربمـا لحقـت بالكتـب

القديمة قبل أن تظهر في عالم المطبوعات التعليم العالي ال يكتفي فيه بتحصيل ما تشتمل عليه الكتـب المقـررة -٢

للمدارس الصالحة، ذلك أنه مهما بلغت درجة ترجمتها، فإنها ال تعتبـر بابا لمضمار العلوم؛ إذ يجب معها االطالع علـى غيرهـا، إال أساسا و

فإن تخرج الطالب وجب عليه أن يكون دائما على بينة بما يستجد مـن . األعمال واألفكار التي تنشر في الصحف والمطبوعات العلمية الحديثة

ولما كان من المستحيل وجود كتب فنية عالية في اللغة العربية، فهـي

- ١٢٢ -

ومـن . صحف علمية على مثال النشرات األوروبية أجدر أال يوجد بها هنا يتضح أنه ألجل أن يكون التعليم فـي مـدارس ومعاهـد الطـب والحقوق والهندسة والمعلمين، تحتم على الطالب الذي يصل إلى درجة

اإلنجليزيـة، أو : التعليم العالي أن يكون له إلمام كاف بإحدى اللغتـين التعليم باللغة األوروبية في المـدارس الفرنسية، فإذا أضعفنا من أهمية

. الثانوية تسرب الفساد إلى المعاهد العليا، وقلت مكانة التعليم فيها أصبح كثير من اآلباء يرسلون أوالدهـم إلـى المـدارس الجامعيـة -٣

والكليات الفنية في أوربا إلتمام تعليمهم فيها، وال شـك فـي أن هـذا جليزية، أو الفرنسية بدرجة عاليـة اإلن: يستدعى تحصيل إحدى اللغتين

. من الكفاءةاإلنجليزية، أو الفرنسية، النمو : مما يزيد من أهمية تعلم إحدى اللغتين -٤

الحديث الذي جعل المجتمع يدخل في مضمار التجارة، ويشـتبك فـي ميدان الصناعة عن طريق تأسيس المصارف المالية، وإنشاء الشركات،

وال يتيسر للطالب العمل بهذه المؤسسات إال . يةورواج األعمال التجار إذا أعدوا إعدادا أوروبيا، خصوصا في اللغة؛ حتى يمكنهم الدخول فـي غمار هذا المعترك، وإال باءوا بالخيبة، وفاز بالغنيمة الطـالب الـذين يتلقون العلم في مدارس اإلرساليات والمعاهد األجنبية لشـدة عنايتهـا

. ألجنبيةبالتعليم باللغة اوفي تقرير ضخم أعده مجلس التعليم األمريكي عن حالة التعليم في عـدد من الدول اإلسالمية العربية عقب الحرب العالمية الثانية، نجد تسجيال للموقع

وقد شهدت بغداد في سنة : "يقول التقرير . المتقدم الذي احتلته اللغات األجنبية ة الختالطهم بالجنود في الشوارع، كما غلمانا أميين يتكلمون اإلنجليزي ١٩١٧

". حدث ذلك في شوارع القاهرة

- ١٢٣ -

والموقف كان متباينا بين سوريا ولبنان في تعليم اللغة األجنبية؛ ففي لبنان كانت مدارسها الحكومية واألهلية على السواء تبدأ بتدريس اللغة األجنبية من

مـن جميـع مدارسـها مرحلة الرياض، أما سوريا فقد ألغت اللغات األجنبية . األولية منذ وقت مبكر

واألردن وسوريا والعـراق قـد - قبل النكبة -وإذا كانت مصر وفلسطين ألغيت فيها اللغة األجنبية كلغة تعليم، فإن معظم المدارس األجنبيـة وبعـض المدارس األهلية ظلت لغة التعليم فيها غير عربية، ال سـيما فـي المرحلـة

فإن الدراسة في معاهدها االبتدائية والثانوية كانـت فـي الثانوية، وفي لبنان للغـة ١٩٤٥األصل باللغة الفرنسية، بيد أنها أفسحت المجـال فـي نظـام

. العربية، مع ترك بعض المواد تدرس باللغة األجنبيةوفاقت جهود فرنسا في فرض التعليم بلغتها في بـالد المغـرب جهـود

التي لم " الفرنسة"ستعمارية بأنها أكدت على إنجلترا، فقد اشتهرت سياستها اال الثقافـة "تقتصر على فرض اللغة الفرنسية كلغة تعليم فحسب، بل فرضـت

ويرجـع . بكل عناصرها ومكوناتها على مختلف مجـاالت الحيـاة " الفرنسيةتاريخ الحرب التي تعرضت لها اللغة العربية إلى السنوات األولى من دخول

إن إيالة : "ث جاء في أحد التعليمات لتنظيم إدارة التعليم االحتالل الجزائر؛ حي إال عندما تصبح لغتنا هناك لغـة قوميـة، ) مملكة فرنسية(الجزائر لن تصبح

والعمل الجبار الذي يترتب علينا إنجازه هو السعي وراء نشر اللغة الفرنسـية ". بينهم اآلن إلى أن تقوم مقام اللغة العربية الدارجة - بالتدريج-بين األهالي

؛ حيث صدر ١٩٥٦ -١٩٣٠وبلغت سياسة الفرنسة الذروة في الفترة من فـي عـام Chadain" شودان"قرار وزاري من طرف وزير داخلية فرنسا

باعتبار اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر ال يجوز تعليمهـا فـي ١٩٣٨

- ١٢٤ -

اهـد التعلـيم معهد التعليم؛ سواء كانت حكومية فرنسية، أو شعبية حرة كمع . إال على هذا األساس، وبترخيص خاص من إدارة االحتالل" الحر"العربي

ولعل عمق التأثير الفرنسي، يفسر تلك الصعوبات البالغـة التـي قابلـت عملية التعريب في الجزائر بالذات؛ حيث استطاع الفرنسيون أن يتركوا فـي

الفرنسـية وتحمسـت لهـا حملت الثقافة " جماعة النخبة "البالد ما يسمى بـ .والستمرار لغتها كلغة تعليم، وقادت جهودا عديدة لمقاومة عملية التعريب

وفي ليبيا، عندما سقطت في يد اإليطاليين الفاشست، نجد أن اللغة الوحيدة التي كانت تحظى باعترافهم مسلمي اللغة اإليطالية في المعامالت الرسـمية،

اكمة؛ ولذلك كان على الليبيـين تعلـم اللغـة وفي عالقة الناس بالسلطات الح . اإليطالية، وعدم استعمال اللغة العربية حتى في وجـود غيـر اإليطـاليين

وكانت مخالفة هذه السياسة االستعمارية تؤدى إلى التنكيل بالمخـالفين، كمـا حدث أن أودع السجن كثير من المواطنين الليبيين وجدوا يقرءون كتبا أدبيـة

!!ة، وغيرهم وجدوا يقرءون كتبا لمصطفى لطفي المنفلوطيودروسا دينيوعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها حركة النهوض الوطني مـن أجل استعادة اللغة العربية كلغة تعليم، فإن السـنوات األخيـرة مـن القـرن

وعلـى سـبيل . العشرين شهدت تراجعا مؤسفا عن ذلك في بعض البلـدان عاد تعليم اللغة اإلنجليزية في التعليم االبتـدائي، وال يمـر المثال، ففي مصر

عام إال ويشهد تزايدا في تلك المدارس التي تعلم باللغة األجنبيـة، وخاصـة وفي الدراسات العليا أصبح ال يسمح لباحث . اإلنجليزية، وفي أعداد تالميذها

لمي المعـروف بمواصلتها للماجستير والدكتوراه إال إذا اجتاز االختبار العـا ". التويفل"

غير أن في هذه الظاهرة جانبا يخرج عن طبيعة العلم والتعليم، ويجـافي جانب الموضوعية والشخصية العلمية إلى أمور يصح أن تعد من الصـغائر

- ١٢٥ -

االجتماعية، عرفتها أجيال سابقة، ممن ألفوا أن يروا الرطانـة بلغـة غيـر هرا من مظاهر التمدن والتحضر، بل العربية، وال سيما اللغات األوروبية مظ

على االنتساب إلى ما يعـرف باألرسـتقراطية - وإن كان غير حقيقي -دليالوالتميز الطبقي، ثم يتسلل في طوايا النفوس والعقـول فيتخـذ لـه مسـارب ومسالك تغشيها وتشيع فيها دعوى الموضوعية واإلنسانية والعالمية والعلمية،

سمى جيوبا ومخابئ، كتلك التي يتحصن فيها الداء، ويكون ذلك كله أشبه بما ي ويتخذ فيها مواقع يغير منها على المواطن القابلة لإلصابة، والتقني يمكـن أن

. تستجيب للداء وتتأثر به عدم تدريس لغة أجنبيـة فـي التعلـيم ١٩٤٤وعندما قررت سوريا سنة

واعتـرض -بيـة والمشي االلتزام بتعليم المقررات باللغـة العر -االبتدائيحذف اللغات األجنبية من مناهج الدراسـة "كثيرون، رد أنصار التعريب بأن

االبتدائية ال يعنى إهمال هذه اللغات في سائر مراحل التعليم، فالبحـث عـن .أهمية اللغات األجنبية ال يبرهن على أي شيء كان في هذا الموضوع

م االقتصاد؛ فهل يعنى ذلك عل - مثال -إننا ال ندرس في المدارس االبتدائية أننا ال نقدر أهمية هذا العلم، وأننا نريد أن نحرم الـبالد مـن فوائـد علـم االقتصاد؟ وكذلك إننا ال ندرس فن الجراحة في المدارس الثانوية؛ فهل يعنى

". ذلك أننا ال نقدر أهمية هذا الفن، ونضع بيننا وبينه سدا منيعا؟ إبريل عام ٧ – ٣د في الرباط في الفترة من وجدير بالذكر أن مؤتمرا عق

: من التوصية الخامسة على ) ا( خاصا بقضية التعريب، نص في البند ١٩٦١يوصي المؤتمر أن تكون اللغة العربية لغة التعليم لجميع المواد فـي جميـع "

المراحل واألنواع وفي كل قطر عربي دون أن يعنى ذلك منع تدريس اللغات . "األجنبية كلغات

- ١٢٦ -

وإذا كانت الكثرة من البلدان اإلسالمية العربية أصبحت تقدم التعليم فيمـا قبل الجامعة باللغة العربية، فإن الكثرة أيضا استمرت تقدم التعلـيم العـالي، . وخاصة في المجاالت الطبية والهندسية بلغة أجنبية وهى اإلنجليزيـة غالبـا

مستويات العلمية، هـو فـي وهذا األمر البريء في ظاهره، الحريص على ال الحقيقة منزلق يسلم إلى التعويق والتعثر الذي نشهده فـي تعريـب التعلـيم الجامعي والعالي، بل إن له آثارا أمر وأدهى في بعض البلـدان اإلسـالمية؛ حيث ال تزال فروع ومواد دراسية في مراحل التعلـيم العـام تتخـذ اللغـة

م يمد يد المحتاج إلى األجنبي يلـتمس لديـه األجنبية أداة للتعليم فيظل التعلي - ال سيما طبقة المتعلمـين -المدرس والكتاب والمنهج، ويظل أفراد المجتمع

تدور أفكارهم ومعارفهم في الفلك الغريب الـذي ال يكـاد يغنـي جمهـور . المواطنين أو يبلغ بهم مرحلة اإلبداع

: العدل االجتماعي في التعليم: رابعا

بحث عن مظاهر العدل االجتماعي يتضمن البحث عـن مـدى إذا كان ال توافر عدل في فرص العمل واإلنتاج، وفي مدى توزيع عائد هذا العمل وذاك

باعتبارها رأسماال بشريا علـى درجـة عاليـة مـن " المعرفة"اإلنتاج، فإن الفعالية، تعد مجاال على درجة عالية من األهمية في توفير العدل االجتماعي

حرمان منه، ومن هنا يصبح من المهم للغاية ونحـن نسـتقرئ مسـيرة أو ال التعليم في األمة اإلسالمية طوال قرن أن تكون هذه مسـلمي إحـدى زوايـا الرؤية، على اعتبار أن التعليم هو القناة الرئيسية لتوصيل وتوزيـع المعرفـة

. بين الناس :النمو الكمي

- ١٢٧ -

م ليست مجرد مصانع تنتج سلعا ربما أكثر من غيرها، فإن مؤسسات التعلي تقدر بكمها، لكننا في الوقت نفسه ال نستطيع تجاهل أهمية أن تكون الصـورة الكمية مأخوذة بعين االعتبار في النظر إلى مسيرة التطور التعليمـي لألمـة، علما بأن العدد األكبر من الزوايا المتنوعة التي انتقيناهـا رصـدا للمسـيرة

. ء متعددة على الجوانب الكيفيةالتعليمية تلقى أضوافإذا جئنا للمنطقة العربية فسوف نجد أن عدد السكان في السن المدرسـية

بواحد وخمسـين مليونـا ١٩٧٠والجمالي كان يقدر في عام ) سنة ٢٣ -٦( على ٢٠٠٠ مليونا عام ١١٧، ووصل إلى ١٩٨٥ مليونا عام ٧٩ارتفع إلى

ألطفال الملتحقين بمستويات التعليم الثالثة وجه التقريب، بيد أن العدد الفعلي ل مليونـا، أي ١٧كان أدنى من ذلك بكثيـر؛ إذ بلـغ ) ابتدائي وثانوي وعال (

قـدر أن تظـل ٢٠٠٠، وفي عام ١٩٩٣من مجموع السكان في عام % ٣٠ . مليونا٨٤هذه النسبة على حالها، غير أن العدد المطلق قدر أن يرتفع إلى

تي تحققت في الدول اإلسالمية العربية خالل عقدي ومن أهم اإلنجازات ال السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين التوسع الكمي الهائل في التعلـيم،

١٩٩١مليونا، وعام ) ٢٣ (١٩٧٥فالعدد اإلجمالي للطلبة المسجلين بين عام ) ١,٦ (١٩٩١ و ١٩٧٥مليونا، وبلغ متوسط الزيادة السنوية بين عامي ) ٤٩(

. ون طالبمليوقد بلغ متوسط النمو السنوي لعدد الملتحقين بمستويات التعلـيم الثالثـة

% ٢,٧، أي بما يزيـد بنسـبة %٤,٨ نسبة ١٩٩١-١٩٧٥خالل الفترة من %. ٢,١على متوسط معدل النمو السنوي للسكان في السن المدرسية البـالغ

نتجة للـنفط؛ حيـث وشهد نظام التعليم اتساعا سريعا، ال سيما في البلدان الم تضاعف معدل االلتحاق بالمدارس ثالث مرات تقريبا، وخالل الفترة نفسـها

. في الدول غير المنتجة للنفط% ٨٢زاد بمعدل

- ١٢٨ -

وبلغ متوسط النمو السنوي اإلجمالي لاللتحاق بالمرحلة األولى من التعليم ، فـي ١٩٩١ و ١٩٧٥بين عـامي % ٣,٨في الدول اإلسالمية العربية ككل

%. ٢,٨ نحو ١١ -٦ين كان متوسط النمو السكاني لدى فئة العمر حوتضاعف تقريبا عدد التالميذ في المرحلة األولى من التعليم؛ إذ ارتفع من

٣٩وقد قـدر أن يبلـغ . ١٩٩١ مليونا عام ٣١ إلى ١٩٧٥ مليونا عام ١٧ ، هذا على الرغم من أن معدالت االلتحاق لدى فئة العمـر ٢٠٠٠مليونا عام

فقط عام % ٧٧، وارتفعت إلى ١٩٧٥عام % ٦٠ سنة لم تبلغ سوى ١١ -٦وقدر أن تستمر السياسات التعليمية على حالها إلى نهاية القرن وأن . ١٩٩١

% ٧٨ سنة ١١و٦تبلغ نسبة االلتحاق بين األطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ـ ٢٠٠٠عام اف علـى ، وهذا يعنى أن جيوشا من األميين جديدة البد أن تض

. الرغم من الجهود التي تبذلوعلى الرغم من التحسن الملحوظ الذي شهده تعليم الفتيات خالل عقـدي السبعينيات والثمانينيات، فإن وضعهن ظل سيئا نسبيا إذا ما قـورن بوضـع

١٩٧٥عـام % ٥٤الفتيان، ففي حين أن نسبة التحاق الفتيات كانـت تبلـغ النسبتين المناظرتين لدى الذكور كانتـا ، فإن ١٩٩١عام % ٧٥وارتفعت إلى

مـن أطفـال المنطقـة % ٢٢على التوالي، وفي حين أن زهاء % ٩٢ و ٨٥ سنة قدر أال يكونوا ملتحقين بالمدرسـة عـام ١١-٦العربية من فئة العمر

، فقد قدر أن معظمهم سيكونون من الفتيـات، فـي حالـة اسـتمرار ٢٠٠٠ . السياسة التعليمية على ما كانت عليه

وعام ١٩٧٥وشهد معدل االلتحاق بالتعليم الثانوي نموا سريعا بين عامي ، وهذه الزيادة كانت أعلى من معدل النمو المنـاظر )سنويا% ٦٠٠ (١٩٩١

سنة، وارتفع عدد طلبة المدارس الثانوية من ١٧ -١٢للسكان من فئة العمر

- ١٢٩ -

يبلـغ هـذا وقدر أن . ١٩٩١ مليونا عام ١٥ إلى ١٩٧٥ ماليين عام ٥فئة . مليونا٢٢ حوالي ٢٠٠٠العدد عام

وقد اتسم االلتحاق بالمدارس الثانوية بتفاوت كبير بـين التعلـيم المهنـي فقط فيما يتعلق بالتعليم % ١١فيما يتعلق بالتعليم العام و % ٨٨: والتعليم العام

ومن بين هؤالء األحد عشر في المائة يتخصص أكثر من النصـف . المهني، وبلغت حصـة التعلـيم الصـناعي )أعمال السكرتارية (م التجاري في التعلي

، واالقتصاد المنزلي وغيره من الموضوعات %١٠، والتعليم الزراعي %٢٥، ومعدالت التحاق اإلناث بالتعليم الثانوي التقني والمهني كانت أدنى %٤نحو

بكثير من المعدالت المناظرة لدى الذكور، وقد غلـب علـى التخصصـات أعمـال السـكرتارية، واألعمـال المكتبيـة، والتمـريض، : ذبة للفتيات الجا

واالقتصاد المنزلي، وغيرها من التخصصات المناسبة للوظائف التي تشـغلها . النساء عادة في البلدان اإلسالمية

، ازداد االلتحاق بالتعليم العـالي بصـورة ١٩٩١– ١٩٧٥وفي الفترة من مليـون عـام ٢,٥ إلـى ١٩٧٥عـام ٩٠٠,٠٠٠مطردة نسبيا، فارتفع من

، وقد تخصـص معظـم طلبـة %١٨٤، وهو ما مثل ارتفاعا بمعدل ١٩٩١. التعليم العالي في الدول العربية في الدراسات اإلنسانية والعلوم االجتماعيـة

مـن % ٢٨وطرأ تحسن ملحوظ على مشاركة النساء في التعليم العالي مـن . ١٩٩١عام % ٣٧ إلى ١٩٧٥مجموع الطلبة المسجلين عام

٧٥٩٠٠٠وارتفع عدد الملتحقين بمؤسسات التعليم قبـل المدرسـي مـن واختلـف عـدد . ١٩٩١عـام %) ١٤( مليون ١,٩ إلى ١٩٧٥عام %) ٩(

مؤسسات التعليم قبل المدرسي وعدد المقاعد المتوافرة بصورة ملحوظة مـن ت ال إلى أن هذه المؤسسا - إلى حد كبير -دول عربية إلى أخرى، وهذا مرده

. تعتبر من مسئولية الدولة أو الحكومة

- ١٣٠ -

٥٠ بلغ عدد األميين في الدول اإلسالمية العربية قرابـة ١٩٧٠وفي عام من مجموع السكان في المنطقة العربية الـذين % ٧٣مليون أمي، أي بنسبة

وعلى الرغم من أن معـدل األميـين . عاما وما فوق ١٥يبلغون من العمر مليونـا ٦١، فإن العدد المطلق ارتفع إلـى ١٩٩٠عام % ٤٨,٧انخفض إلى

وتشير دراسة البيانات اإلحصـائية واإلسـقاطات . نتيجة لزيادة عدد السكان ، وفـي عـام ٢٠٠٠ مليونا عـام ٦٦المتعلقة بها إلى تقدير عدد األميين بـ

من هذا العدد اإلجمالي، وقـدر أن % ٦٢ بلغت نسبة النساء األميات ١٩٩٠ . ٢٠٠٠ النساء من بين الكبار أميات عام من% ٥٠تكون نسبة

٨١٧٠٠٠وارتفع العدد اإلجمالي للمعلمين في مراحل التعليم الثالث مـن ، علما بأن أكثر من نصف هـؤالء ١٩٩١ عام ٢٣٥٤٠٠٠ إلى ١٩٧٥عام

كانوا يعملون في مرحلة التعليم االبتدائي، وقد ) ١٩٩١ في عام ١٣٠١٠٠٠( تلميـذا ٢٠ و ٢٢ و ٣٢لى عدد المعلمين مـن انخفضت نسبة عدد التالميذ إ

للمعلم الواحد في مراحل التعليم االبتدائي والثانوي والعالي على التوالي فـي ، غيـر أن ١٩٩١ على التـوالي فـي عـام ١٨ و١٧ و٢٤ إلى ١٩٧٥عام

المنطقة العربية استمرت تعانى من نقص المعلمين المؤهلين، وقدر أن يتفـاقم . قب في عدد الملتحقيننتيجة لالرتفاع المرت

أما المصروفات العامة المخصصة للتربية كنسبة مئوية من الناتج القومي ، فإنها قدرت بنحو ١٩٩١ و ١٩٧٥اإلجمالي والتقني شهدت تقلبات بين عامي

، وعانت معظم الدول اإلسالمية العربية غير المنتجة للنفط مـن قلـة %٥,٥لتعليم األساسي بصفة خاصة، وهذا الموارد المخصصة للتعليم بصفة عامة ول

الوضع لم يستنفر المعنيين بالبحث عن موارد غير تقليدية، إال بإفساح المجال للقطاع الخاص الذي أصبحت دائرته تتسع عاما بعد عام، خاصة بعد انهيـار

. منظومة الدول االشتراكية

- ١٣١ -

نمائي الصادر عن البرنامج اإل ٢٠٠٠وفي تقرير التنمية البشرية عن عام لألمم المتحدة يرصد عددا من المؤشرات الدالة على النمو التعليمي في آخـر القرن، نجملها فيما ويوناني في عدد من البلدان اإلسالمية غيـر العربيـة أال

- إندونيسيا - جمهورية إيران اإلسالمية - تركيا -ماليزيا: وهى على الترتيب كل دولـة، وفقـا للترتيـب الكونغو، ونورد مؤشرات - بنجالديش -باكستان

: نفسهالنسبة المئوية لمن تبلغ أعمارهم ( معدل القراءة والكتابة بين البالغين - ١ -٨٥,٧ -٧٤,٦ -٨٤ -٨٦,٤: على التـوالي ١٩٩٨عام ) سنة أو أكثر ١٥٥٨,٩ -٤٠,١ -٤٤ .

النسبة المئوية لمـن تبلـغ ( معدل معرفة القراءة والكتابة بين الشباب - ٢ – ٩٥,٩ – ٩٧,١: ، علـى التـوالي ١٩٩٨عـام ) سنة٢٤ -١٥أعمارهم

٧٩,٧ – ٤٩,٦ – ٦١,٤ – ٩٧,٣ – ٩٣,٢ . النسبة المئويـة ( نسبة القيد في التعليم االبتدائي حسب الفئة العمرية – ٣

٩٠ – ٩٩,٩ – ٩٩,٩: ، على التـوالي ١٩٩٧) من الفئة العمرية ذات الصلة – ٥٨,٢ – ٧٥,١ – ... – ٩٩,٢ .

النسبة المئوية من (ة القيد في التعليم الثانوي حسب الفئة العمرية نسب – ٤ – ٨١,٢ – ٥٨,٤ –٦٤: ، علـى التـوالي ١٩٩٧) الفئة العمرية ذات الصلة

٣٧,١– ٢١,٦ – … – ٥٦,١ . ، على ٩٧ -١٩٩٥(%) األطفال الذين يصلون إلى الصف الخامس – ٥

. ٦٤ – ... – ... – ٨٨ – ٩٠ -٩٥ – ٩٩: التواليكنسبة مئوية مـن مجمـوع ( الطلبة الذين يدرسون في كليات العلوم – ٦

– ٢٦ – ٢٢ – …: ، على التـوالي ٩٧ -١٩٩٥) الطلبة في التعليم العالي ٢٨ – ... - ... -...

- ١٣٢ -

: اإلنفاق على التعليم– ٧: ، علـى التـوالي ٩٧-١٩٩٥ كنسبة مئوية من الناتج القومي اإلجمالي -٠٠. - ٢,٢ – ٢,٧– ١,٤ – ٤ – ٢,٢ – ٤,٩ : ، على التوالي ٩٧ -١٩٩٥ كنسبة مئوية من مجموع اإلنفاق الحكومي -٠٠. - ٠٠. – ٧,١ – ٧,٤ – ١٧,٨ – ١٤,٧ – ١٥,٤ ) كنسبة مئوية من جميـع مراحـل التعلـيم ( ما قبل االبتدائي والثانوي -

– ٧٩,٨ – ٧٣,٥ – ٦٢,٩ – ٦٥,٣ – ٦٣,٢: ، على التـوالي ٩٧-١٩٩٤٠٠. – ١٣

، علـى ٩٧-١٩٩٤) كنسبة مئوية من جميع مراحـل التعلـيم ( العالي - ٠٠. – ٧,٩ – ٨٨,٦ – ٢٤,٤ – ٢٢,٩ – ٣٤,٧ – ٢٥,٥: التوالي

: تعليم المرأةحقيقة أن الشريعة اإلسالمية قد فرقت بين الرجل والمـرأة فـي بعـض

حق اإلرث، ومسألة الشهادة على الديون والمواثيق، غير أنهـا : الحقوق، مثل أة حقها كامال في المجتمع اإلسالمي وحققـت لهـا عدالـة فـي أعطت المر

لعنة الخطيئة األبديـة، - ألول مرة -المعاملة بعد أن رفع عنها القرآن الكريم ووصمة الجسد المرذول، فكل من الزوجين قد وسوس له الشيطان واسـتحق

ـ يئا، الغفران بالندم والتوبة، غير أن مركز المرأة من الناحية القانونية كان ش . ومركزها العملي في الحياة اليومية شيئا آخر

وكان حظ المرأة من التعليم محدودا للغاية في بداية القرن العشـرين فـي كثير من البلدان اإلسالمية، وإن شهدت بلدان أخرى بدايات مبكـرة، ربمـا ترجع إلى منتصف القرن التاسع عشر، مثل لبنان ومصر، وكان معظـم مـا

، وقـد "الراقيـة "للبنات محصورا في البداية في بنات األسـر يتم من تعليم

- ١٣٣ -

انتشرت بينهن عادة استخدام معلمات أجنبيات لتهذيب وتثقيف عقولهن وفقـا .للنموذج الغربي

وكانت البذور األولى لتعليم البنات على يد اإلرسالية األمريكية في مصـر " أسيوط"ي اختارت ، تلك اإلرسالية الت )١٨٦٥(في أواسط القرن التاسع عشر

وسط صعيد مصر لتنشئ أول مدرسة في منطقة كانت أبعد ما يمكن عن تقبل هذا التغيير الكبير، ولعلها تعمدت هذا المكان لما كانت تعرفه من أنـه أرض بكر تستطيع أن تروج فيها ما تريد، خاصة أنها كانـت مشـهورة بتمركـز

قبطيا يعقد فيها بعـد ذلـك المصريين األقباط، وليس غريبا أن نرى مؤتمرا . ١٩١٠عقب مقتل بطرس غالى الذي كان رئيسا للوزراء عام

، "المرأة الجديدة "وما أن أهل القرن العشرون حتى شهدنا كتاب قاسم أمين وهو الكتاب الثاني للمؤلف نفسه بعد كتابه الذي أحدث دويا هـائال بعنـوان

م من أن الكتـابين كانـا ، وعلى الرغ ١٨٩٩الذي ظهر عام " تحرير المرأة "يتعلقان بما أسماه المؤلف بقضية تحرير المرأة، فإن المسألة التعليمية احتلـت موقع القلب من الكتابين على أساس أن التعليم هو السبيل الحقيقـي للتحـرر

. والتقدموربما يصح اإلشارة إلى رائدة هامة مـن رائـدات التعلـيم فـي العـالم

التي تخرجت في مدرسة معلمات السـنية " ية موسى نبو"اإلسالمي، أال وهى ، واستطاعت أن تتقدم من الخارج إلى امتحـان الثانويـة ١٩٠٥بمصر عام ؛ حيث لم تكن هناك مدرسة ثانوية للبنات، وتكـون بـذلك ١٩٠٧العامة عام

أول فتاة مسلمة تحصل على هذه الدرجة، ويؤهلها هذا أيضا إلـى أن تكـون فـي ١٩٠٩ياديا تعليميا؛ حيث عينت نـاظرة عـام أول من تولت منصبا ق

. مدرسة ابتدائية للبنات تابعة لجمعية محلية في الفيوم

- ١٣٤ -

وفي ليبيا أنشئت مدرسة رشدية، أول مدرسة للبنات قد ظهرت في العـام كان الهدف منها منع بنات ضباط الحامية العثمانية من االلتحاق ١٨٩٩/ ٩٨

لم تكن مفتوحة لتعليم بنات عامـة الشـعب بالمدارس األجنبية، والمشي فهي جمعيـة " تأسست جمعية نسائية تحت اسم ١٩١٠وفي عام . العربي في ليبيا

مركزها بالمدرسة الرشدية للبنات، وكان الغـرض " النسوان العثمانية الخيرية منها تهيئة أمهات المستقبل، وذلك بتعليمهن اإلدارة البيتية والحقوق الزوجية،

وتربية األطفال، والخياطة والنقش، والطبخ، والغسالة، وكـي وحفظ الصحة، …المالبس، والنسيج، وصنع البسط

وقد لوحظ عقب االحتالل اإليطالي لليبيا إحجاما من قبل الليبيين عن تعليم بناتهن بعدما رأوه من وحشية المحتلين وسوء سلوكهم الخلقي الذي يتنـاقض

الجتماعية القائمة، وقد حـاول اإليطـاليون مع الشريعة اإلسالمية والتقاليد ا إنشاء مدارس لتعليم البنت الليبية، فنصت القوانين األساسية كذلك على إنشاء مدارس تعليم البنات العربيات المسلمات العلوم المنزلية إلى جانـب العلـوم العادية التي تعطى للبنين، لكن هذا التعليم ظل مجرد نصوص لم تـر النـور

. ةفترة طويلولعل أخطر حادث في تعليم المرأة هو التحاقها بالجامعة في مصر سـنة

أول مدير للجامعة أن الجامعة قد قبلـت " أحمد لطفي السيد "، ويروى ١٩٢٥، فقد حدث أن طلب إليه بعـض عمـداء "سرا"بعض الطالبات في أول األمر

سـنة الكليات في أول سنة الفتتاح جامعة فؤاد، بعد أن أصـبحت حكوميـة أن تقبل الجامعة البنات الحائزات علـى -، وهى جامعة القاهرة اآلن ١٩٢٥

، فأسر إليهم في ذلك الحين أن هذه المسألة شائكة، )الثانوية العامة (البكالوريا وأنه يشك في رضى الحكومة عنها، ويعترف بأنهم قـرروا فيمـا بيـنهم أن

تثار هـذه المسـألة فـي يقبلوا البنات الحائزات على البكالوريا من غير أن

- ١٣٥ -

الصحف أو في الخطب، حتى وضعوا الرأي العام والحكومة معا أمام األمـر . الواقع، وقد نجحوا في ذلك

وبعد أن ساروا على هذا النهج عشر سنوات، حدث ما كانوا يتوقعونه، فقد قامت ضجة تنكر عليهم هذا االختالط، فلم يأبهوا لها، واستمر قبول الطالبات

. مع زمالئهن الصبيانيدرسنوتشير قراءة المذكرة الخاصة بالسياسة التعليميـة فـي عهـد االحـتالل

، نـاظر المعـارف "بـومن "البريطاني في العراق، والتقني رسمها الميجور إلى أن الظروف التـي كانـت -١٩١٩العمومية في شهر أغسطس من عام

" بـومن "ا من الميجور قائمة جعلت من تعليم البنات مسألة صعبة، وهذا تبرير الستقدام مربية إنجليزية ذات خبرة طويلة كانت تعمل في الهند، وقد وصـف مدارس البنات القائمة بأنها تابعة لـبعض المؤسسـات والجمعيـات األهليـة

. كمدارس الطائفة اإلسرائيلية، ومدرسـة الراهبـات الفرنسـيات : واألجنبية، غير أنها كانت قليلة ومتخلفة، وكانت هناك مدارس خاصة بالبنات المسلمات

. وال تختلف في مستواها الدراسي عن رياض األطفالولما جاءت الخبيرة اإلنجليزية، اتخذت إجراءات افتتاح مدرسـة للبنـات،

في بغداد، وكان مستواها التعليمي ال يتعدى ١٩٢٠والتي تم افتتاحها في يناير لوا هذا األمر بسهولة، حتـى إن لكن األهالي لم يتقب . مستوى المرحلة األولى

: إحدى طالبات المدرسة تروي صورا من المقاومة مفزعة حقا، فمـن ذلـك استخدام السباب والشتائم، وإلصاق التهم الشائنة، بل إن بعض الفتيـات كـن يتعرضن إللقاء الحجارة عليهن، وهو ما دفـع اإلدارة أن تتخـذ احتياطاتهـا

. لحراسة الطالبات والمعلماتفي الوقت الذي كانت فيه نظارة المعارف تسير ببطء لفـتح المـدارس و

للبنات المسلمات، كان هناك عدد ال بأس به من مـدارس البنـات الخاصـة

- ١٣٦ -

بالطوائف المسيحية والبعثات التبشيرية واألليانس اإلسرائيلية، متوزعـة فـي صل ، وكانت حصة المو )بغداد، والموصل، والبصرة (المدن الرئيسية الثالث

. من هذه المدارس مسلمي األكبروإذا كان تعليم البنات قد عرف طريقه إلى التنفيذ منذ أواخر القرن التاسع عشر في كثير من البالد العربية األخرى، فإنه تأخر جـدا بالنسـبة للملكـة العربية السعودية؛ نظرا للمقاومة العنيفة للمبـدأ والخشـية أن يـؤدي إلـى

لـوال ١٩٦٠والحق أن هذا التعليم ما كـان ليبـدأ عـام . االختالط بالرجال فيصل بن عبد العزيز حينما كان وليا للعهد؛ إذ جـاءه نفـر ) األمير(إصرار

من األهالي يطلبون إليه إغالق المدرسة التي فتحت في بلدتهم بحجة أن أهل وناقش األمير االعتراضات التـي . البلدة جميعا ال يريدون لبناتهم أن يتعلمن

سمعها واستخدم فصاحته ليقنع المعترضين بأن تعليم البنات خيـر، وأن كـل الضمانات متوافرة في المدارس التي أنشأتها الدولة لتبقى الفتاة السعودية التي تتعلم محافظة على دينها وأخالقها؛ إذ صممت لها منـاهج خاصـة تمتلـئ

رة مسـتقلة بتعلـيم على المدارس إدا – وال تزال –بالثقافة الدينية، وأشرفت . البنات يديرها علماء دين في الغالب واألعم

ولم يمض وقت قصير حتى أخذت البنات يتسابقن على التعليم بدرجة ربما . تفوق درجة إقبال الصبية والشباب

وشهد تعليم البنات في البلدان اإلسالمية العربية قفزات ملموسة، بدءا مـن ، وبعد أن كان عدد البنـات فـي المـدارس الربع الثاني من القرن العشرين

أصبح بعـد عشـر ٢١,٧٤٧ حوالى ١٩٢١األولية واالبتدائية في مصر سنة فـي المـدارس ٥٨٨,٦٨٩ أصـبح ١٩٥٤، وفي عـام ١٠٩,٩٢٣سنوات

. االبتدائية وحدها

- ١٣٧ -

وفي العراق سار تعليم البنات بخطا واسعة عقب إعالن الدسـتور سـنة البنات في المدار س االبتدائيـة العراقيـة كان عدد ١٩٣١، ففي سنة ١٩٢٥

ارتفـع ١٩٣٩، وفي عـام ٢٧٤٦٧، بينما بلغ عدد الذكور ٧٠٤٦الحكومية ارتفـع ١٩٥٣وفي عـام . ٦٩٥٠٥ وعدد الذكور ٢٧١١٥عدد البنات إلى

عدد البنات في المدارس الحرة واألجنبيـة فـي المرحلـة االبتدائيـة إلـى % ٢٣,٢للـذكور و % ٧٦ بنسـبة ، أي ١٨٥,٤٦٦، وعدد الذكور ٥٨,١٢١

. لإلناث من مجموع عدد التالميذوفي سوريا كان عدد البنات في المدارس االبتدائية السـورية فـي سـنة

أصـبح ١٩٤١، وفي سنة ٢٧,٩٢٠ وعدد الذكور ١٠,٢٢٥ حوالي ١٩٣١، أي بعد انقضـاء ١٩٤٨، وفي سنة ٥٠,٧٧٩ والذكور ٢٠,٠٢٠عدد البنات

، %٨٠انتهاء االنتداب الفرنسي، كانت الزيادة بنسـبة أربعة أعوام فقط على . وهى تعادل مجموع ما حصل من الزيادة خـالل سـني االنتـداب جميعـا

حـوالي ١٩٥٣واستمرت الزيادة في عدد التلميذات، فبلغ عددهن في سـنة ، ٢٢٢,٧٧٦ في مختلف المدارس االبتدائية، بينما بلغ عدد التالميذ ٨٨,٢٥٤

%. ٢٧,٦وللبنات % ٧٢,٤وية للبنين أي أن النسبة المئوتبرز مشكلة المرأة في قضية األمية، وهي مشكلة حضارية معقـدة فـي أسبابها ونتائجها تتصل جميعا بمكانة المرأة في المجتمـع، وبفـرص العمـل المتاحة لها وبمدى مشاركتها في األنشطة االجتماعية واالقتصادية والسياسية،

في العادات والتقاليد، وفي الحقوق والواجبـات، وتتجلى في نطاق األسرة، و وتنبع أصال من التمييز الذي هو وليد مواقف حضارية تاريخيـة، وكلهـا ال

. تتفق مع أصول العقيدة أو مع مطالب المجتمع والحضارة ١٩٦٠وقد تجلت هذه المشكلة في لغة األرقام، فقد قدرت نسبة األمية عام

، وكان نصيب اإلنـاث %٨١ بين الكبار بحوالي في البالد اإلسالمية العربية

- ١٣٨ -

قـدرت ١٩٧٠، وفي عام %٧٢ونصيب الذكور حوالي % ٩١منها حوالي ، ) رجل وامرأة ٦٨٣٠٠٠٠٠أي حوالي % (٣٧النسبة العامة لألمية بحوالي

ونسبة األمية من الذكور حوالي % ٨٦وكانت نسبة األمية من مجموع اإلناث ٦١ .%

مستوى البنات في سن التعليم، فعلى الرغم مـن وتجلت هذه المشكلة على ارتفاع نسبة النمو لصالحهن بالقياس إلى البنـين فـي المراحـل التعليميـة المختلفة، فإن نسبتهن في مراحل التعليم عامة كانت دون النسب المقابلة لهـن

: في هذه البالد النامية عموما، وبدت هذه المشكلة فيما يليملتحقات بالمدرسة االبتدائية، فعلـى الـرغم مـن أن هبوط نسبة البنات ال

التعليم قد قفز قفزات واسعة خالل الستينيات والسبعينيات من القرن، فقد ظل من البنات اللواتي % ٧٠خارج المدرسة على مستوى المنطقة العربية حوالي

وكان لهذا أسباب كثيرة، منها عدم التحاق نسبة . هن في سن التعليم االبتدائي كبيرة منهن منذ البداية لظروف اقتصادية أو لـتحكم العـادات والتقاليـد، أو بسبب تسرب الكثير منهن قبل إتمامهن الدراسة ألسباب اجتماعية واقتصادية أيضا، أو لعدم مالءمة مكان المدرسة، أو محتوى التعليم، ومـع ذلـك فـإن

يم البنات في بـالد االتجاه العام كان باعثا على األمل، حيث اقتربت نسبة تعل %. ١٠إلى نسبة الذكور بينما ظلت نسبتهن في بالد أخرى ال تتجاوز

ضآلة نسبتهن في التعليم الثانوي فقد وصلت في أول السبعينيات نسبة من ، بل إن هناك %٨٥هن خارج المدارس من الفئة العمرية لهذا التعليم حوالي

. فيها تقل إلى حد بعيدبالدا إسالمية كانت فرص التعليم أمام البناتبصورة بـارزة ) سنة فأكثر ١٥(ارتفاع نسبة األمية بين الكبار من النساء

وفي بعضها اآلخـر % ٩٠في الفترة نفسها؛ إذ وصلت في بعض البالد إلى ، وانعكست هذه الحالة على مدى مشاركة المرأة بصفة عامة في القوى %٨٠

- ١٣٩ -

فـي ٩و٦هذه النسبة تراوحت مـن العاملة، ومن ذلك على سبيل المثال أن وأقل في بلدان إسالمية أخرى، بينما بلغت هذه النسبة حـدا % ١سوريا إلى

، وفي الواليات المتحدة %٣٧مرتفعا في البالد المتقدمة، فقد بلغت في اليابان %. ٤٦، وفي بولندا %٣٠األمريكية

ت منـذ وقـت وفي كل البلدان اإلسالمية التي بدأت فيها حركة تعليم البنا مبكر من القرن، ثم تلك التي لحقت بعد ذلك، استند أنصار تعليم البنات مـن المفكرين والقائمين على إنشاء المعاهد التعليمية لهن إلى جملة من األسـباب

: الدافعة على وجه العموم، نذكر منهاأهمية المرأة بالنسبة للرجل، فهي شريكته ومعينته ورفيقة حياته ومكملته،

هى ما برحت منذ بدء العالم، وستبقى إلى نهايته غير مفترقة عن الرجـل، ووهذا االتحاد التام بينهما جعل لكل منهما تأثيرا عظيما على اآلخر، والتأمـل في هذه الحقيقة يدفع بالضرورة إلى استشعار الحاجة إلى تعليم المـرأة أشـد

مرأة على الرجل أشد من كثيرا من الحاجة إلى تعليم الرجل؛ حيث إن تأثير ال تأثيره عليها، وكأن المرأة استعاضت عن ضعف بنيتهـا إزاء الرجـل بقـوة

. عواطفهاأوجب اهللا تعلم العلم على كل مسلم ومسلمة، كما أوجـب علـى أمهـات

واذكرن ما يتلى في بيوتكن مـن "المؤمنين أن يعلمن الناس ذكورهم وإناثهم فكان الرجل يـأتي إلـيهن ويسـتفتيهن، ،)٣٤:األحزاب" (آيات اهللا والحكمة

ويتلقى ما يلقينه من أحكام اهللا ومكارم األخالق، وبذلك أخذت عقول الرجـال ترجع إلى رشدها وتعلم أال دخل الختالف الصنف أو الشعوب أو األمم فـي التفاضل، فقد جعل اهللا التفاضل بين الكائنات تابعا لمـا بينهـا مـن الفضـل

ذي يستطيع أن يعتقد فضل بدوي جهل وسـيلة االتصـال والمزايا، ومن ذا ال

- ١٤٠ -

بالمعرفة، على امرأة وصلت الليل باأليام في طلب العلم حتى تثقـف عقلهـا وتهذبت نفسها؟

تصور كثير من الرجال أن تعليم المرأة وعفتها ال يجتمعان، حيـث إنهـا راعتها في ناقصة العقل شديدة الحيلة، وبالتالي فإن تعليمها يؤدي إلى ازدياد ب

االحتيال والخدعة واالسترسال مع الشهوة، وليس هناك ما هـو أبعـد عـن – خصوصا إذا كان مصحوبا بتهذيب األخالق –الحقيقة من ذلك، فإن التعليم

يرفع المرأة ويرد إليها مرتبتها واعتبارها ويكمل عقلها ويتيح لها القدرة على ٠من غيرها تخشى عواقب األمورالتبصر في أعمالها، فالمرأة المتعلمة أكثر

التعليم يساعد المرأة على القيام بوظيفتها االجتماعية، فلقد أظهرت الوقائع أن كثيرا من النساء ال يجد من الرجال من يعوله كالبنت التي تفقد أقرباءهـا ولم تتزوج، والمرأة المطلقة واألرملة التي يتوفى زوجها، والوالدة التي لـيس

ور أو لها أوالد قصر، كل هؤالء يحتجن إلى التعليم ليتمكن مـن لها أوالد ذك وكانـت النسـاء . القيام بما يسد حاجتهن وحاجات أوالدهن إن كان لهم أوالد

يضعن أختامهن على حساب أو مستند أو عقد يجهلن موضـوعه أو قيمتـه وأهميته لعدم إدراكهن كل ما يحتوي عليه، أو عدم كفاءتهن لفهم ما أودعـن،

تجرد الواحدة منهن من حقوقها الثابتة بتزوير أو غش، لكن ذلك يقل احتماله ف . كثيرا في حالة تعلمها

: حق التعليم

في حوالي منتصف القرن قدرت بعض المراجع وضع األمية في أربع : سنة فأكثر كالتالي) ١٥(دول إسالمية من مجموع السكان

%٨٥ و٨٠ تراوحت بين المملكة األردنية الهاشمية - %٩٠ و٨٠ العراق تراوحت بين -

- ١٤١ -

%٨٠ و٧٠ سوريا تراوحت بين - %٨٠ و٧٥ مصر تراوحت بين -

مع النظر بعين االعتبار ضعف الدقة في اإلحصاءات كما هو مشهور . النامية، ومنها البلدان اإلسالمية في هذه الفترة من الزمنفي معظم البلدان

وربما يكون ضروريا اإلشارة إلى خطوة على درجـة كبيـرة مـن عبد الرزاق أحمد السنهوري الـذي كـان وزيـرا ٠التقدمية، حيث أصدر د

١٠/١٠/١٩٤٥ بتـاريخ ٦٥٤٥للمعارف في مصر القرار الـوزاري رقـم لقاهرة، والتي أريد بها أال تحصر جهدها فـي محـو بإنشاء جامعة شعبية با

محـو األميـة "األمية بالمعنى األبجدي وحده وإنما ما عرف فيما بعد بــ ، على أساس أن جذور األمية إنما تكمن في التخلف القـائم، وأن "الحضاري

محاربة األمية ال تكون فعالة حقيقة إال بالهجوم على التخلف فـي مظـاهره به، في صورة من صور تعليم الكبار، وهذا يتبدى لنا من النظر ومنابعه وأسبا

: في أغراضها كما نصت عليها المادة األولى من قرار إنشائهاتنظيم دراسات عقلية بقصد تكوين الشخصـية وترقيـة الملكـات ورفـع

. المستوى الثقافيالعمل على نشر الثقافة العامة بين طبقات الشعب على أساس من الرغبـة

. شخصية دون اشتراط مؤهالت خاصةالالمساهمة في إيقاظ الوعي القومي عن طريق العمل على رفع المسـتوى

. العام الفكري واالجتماعيالعناية بنواحي النشاط االجتماعي للطلبة المنتسبين للجامعة عـن طريـق

. تنظيم رحالت وإقامة حفالت رياضية وترفيهيةالمية العربية في الوضع العالمي في أواسط وإذا ما نظرنا إلى البلدان اإلس

القرن فسوف نجد أنها كانت تقع في منطقة تعتبر من أكبر منـاطق انتشـار

- ١٤٢ -

من % ٥٦ دولة يسكنها حوالي ٩٧األمية في العالم، فهذه المنطقة كانت تضم من مجموع األميين الذين عاشـوا % ٩٠سكان العالم، إال أنها تحملت حوالي

دولة في المنطقة األخرى من العالم يسـكنها حـوالي ٨٠فيه، وكانت هناك . فقط من األميين في العالم% ١من السكان وال تتحمل إال % ١٢

ومن الجدير بالذكر أن عددا من البلدان اإلسـالمية شـهدت جهـودا ملحوظة نحو سد منابع األمية بتقرير مبدأ اإللزام في التعليم، ومن هنا نجـد

التعلـيم " منه على أن ١٩ ينص في المادة ١٩٢٣صر عام أول دستور في م األولى إلزامي لجميع المصريين من بين بنين وبنـات، وهـو مجـاني فـي

علـى أن ١٤ في المـادة ١٩٣٠وفي سوريا نص دستور ". المكاتب العامة أما العـراق ". التعليم األولي إلزامي مبدئيا لجميع السوريين من بنين وبنات "

على مجانية التعليم وإلزاميتـه ١٩٤٠ لسنة ٥٧ المعارف رقم فقد نص قانون .في األماكن التي تعلنها الوزارة، وهكذا الشأن في بلدان أخرى

لكن المشكلة كانت تكمن في معطيات واقع لم يسر على طريق أخذ هـذه النصوص القانونية والدستورية مأخذ الجدية في التنفيذ، من حيث اإلمكانيـات

القائم، إذ لم تنتشر المدارس بالصورة التي تجعـل التعلـيم ومستوى الوعي متاحا لكل من يطلبه، ولم يكن الوعي قد بلغ درجة تثير الحماس لدى جميـع اآلباء كي يرسلوا أبناءهم للمدارس، فضال عما كانت تعيشـه المـرأة مـن

. أوضاع أخرت بداية تعليمها كثيرا عن بدايته بالنسبة للبنينيؤكد هذا أننا إذا نظرنا إلى األوضاع الكمية لألمية في عدد مـن ولعل ما

الدول، فسوف نجد أنها استمرت دون المستوى المأمول والمتناسب مـع مـا ٠كان يعلن من سياسات وقوانين ومبادئ

وفي دولة مثل إيران، وقبل قيام الثورة اإلسالمية، نجد أن عجز المدرسين لمناطق الريفية، ويرجع إنشاء فرق لمحـو والمدارس مثل مشكلة مزمنة في ا

- ١٤٣ -

األمية جزئيا إلى دورها في حل هذه المشكلة، فعندما كان الشاب يبلـغ سـن الثامنة عشرة كان يخضع لمنهج دراسي يستمر لمدة أربعة أشهر كان عليـه بعدها أن يجتاز امتحانا، فإذا ما رسب يتم توزيعـه علـى قـوات الجـيش

. نه يوزع على إحدى القرى لمدة أربعة عشر شـهرا النظامي، أما إذا نجح فإ وكان يمكن لفرق محو األمية على المستوى الظاهري أن تتباهى بالعديد مـن

ألف شخص، باإلضافة ٣٥ كان قد تم تدريب ١٩٦٧اإلنجازات، فبحلول عام أشخاص بالغين حضروا فصـول محـو ١١٠٦ تلميذا باالبتدائي و ٢٣٨إلى

ق محو األمية، وأثلجت هذه النتائج صـدر الحكومـة، األمية التي نظمتها فر . ١٩٦٩وظهر ذلك في تنظيمها لفرق محو األمية لإلناث عام

وقد أدت الجهود المكثفة لمحو األمية في تركيا إلى انخفاض نسـبتها مـن % ١٩,٣ سنة إلى ١٥من مجموع السكان البالغين من العمر أكثر من % ٢٤

، وكانت نسبة االنخفاض واضحة بـين ١٩٩٠ و ١٩٨٥في الفترة بين عامي اإلناث أكثر منها بين الذكور، فقد انخفضت نسبة األمية بـين اإلنـاث مـن

، علـى %٧,٢ بمعدل قـدره ١٩٩٠عام % ٢٨,٥ إلى ١٩٨٥عام % ٣٥,٧في الفتـرة % ١٠,٣إلى % ١٢,٤حين انخفضت نسبة األمية بين الذكور من

%. ٢,١نفسها بمعدل قدره السبعينيات، على الرغم من تباينها من دولة إلى أخـرى وتدل األرقام في

ومن عام إلى آخر، على أن نسبة األمية بين الراشدين في الدول اإلسـالمية فـي % ٤٥في بعـض الـدول، و % ٩٠بلغت حوالي +) ١٥(العربية عامة

، ومع اختالف هذه النسبة %٧٥بعضها اآلخر، ولكنها بصفة عامة قربت من مـن % ٨٠ل دولة، وحسب الجنس، فمـن الواضـح أن بين المناطق في ك

األميين كانوا يوجدون في الريف والبادية، كما أن نسبة اإلناث كانـت هـي . األعلى منها بين الذكور

- ١٤٤ -

فضال عما ورثتـه األنظمـة –ويبدو أن أهم عوامل تفاقمها بصفة عامة إزاء ضآلة الجهـود المبذولـة –التربوية من عجز عن استيعاب المستحقين

النمو السكاني والنقص في وضع خطط قومية شاملة ذات أهـداف وبـرامج وافية وقلة الموارد المرصودة، وغياب فلسفة متسقة، وهو ما ولد الكثير مـن

. الذبذبة واالضطراب بين األهداف والوسائلويتضح هذا كله في مدى الخطوات والجهود المبذولة في هـذا المجـال،

هداف المعلنة، ومن ذلك على سبيل المثال أن مجموع وعجزها عن تحقيق األ أعداد الذين شملتهم برامج محو األمية في عشر دول إسالمية، وهـي األردن والبحرين والجزائر والسعودية والسودان وسوريا والعراق ومصـر والـيمن الشمالية واليمن الجنوبي، لم يكد يبلغ على مدى خمس سنوات من السـتينيات

يين من الرجال والنساء، في حين أن العدد اإلجمالي لألميـين فـي ثالثة مال زيادة مستمرة بسبب دخول أعداد من األطفال إلى صفوفهم تقدر خالل هـذه المدة نفسها بحوالي عشرة ماليين، ثم إن األموال التي تم رصـدها لبـرامج محو األمية ظلت هامشية إلى حد بعيـد بالقيـاس إلـى ميزانيـات التعلـيم

مدرسي، فلم تصل هذه المخصصات على طوال السنوات الخمس في خمس ال . مليون دوالر٥٠عشرة دولة إسالمية عربية إلى ما يساوي

وعلى الرغم من بعض مبادرات األخذ بمفهوم محـو األميـة الـوظيفي واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة ظلت المشكلة ضخمة وتطلبت الحاجة

ا أشمل، وتخطيطا أوفي ونظرة أبعد، فقد تأكد مـا يشـبه إلى مواجهتها جهداإلجماع على أنها لم تعد مشكلة أمية الكبار في القراءة والكتابة وال مشـكلة أعداد متزايدة تتراكم مدة بعد أخرى لنقص الفرص في التربية المدرسية، وال

ة مشكلة فتح فصول يضبطها نظام الحضور والغياب، وإنما تأكد أن المشـكل في أعماقها وأبعادها ومداها، وفي أسبابها ومظاهرها، مشكلة حضارية فـي

- ١٤٥ -

المرتبة األولى، وال يمكن النظر إليها إال في سياق عملية التغيير الحضاري، ٠وصميمها هي التنمية الشاملة بأبعادها االقتصادية واالجتماعية والثقافية

محو األميـة، وعلـى ومع ذلك فقد استمر المعدل البطيء للغاية لجهود نجد أن أعلى نسبة أمية في مجموعـة الـدول ١٩٨٠سبيل المثال، في عام

، %٦٩,١؛ حيث وصـلت إلـى )الشمالي(اإلسالمية العربية كانت في اليمن تلتها كل من جيبوتي والمغرب وموريتانيا التي وصلت في كـل منهـا إلـى

ت التـي بلغـت تلتها اإلمـارا % ٢٤,٨، وأقلها األردن حيث بلغت %٥٩,٩، علما بأن المتوقع في الغالب أن تكون لبنان أعالها، لكن لـم يظهـر %٢٧

إحصاء خاص بها في تلك الفترة؛ نظرا لظروف الحرب األهلية التي كانـت . قائمة في تلك الفترة

ومن أبرز األحداث في مجال محو األمية في البلدان اإلسالمية العربيـة، إستراتيجية محو األمية في الـوطن : " بعنوان ١٩٨٧وثيقة هامة صدرت عام

، وانطلقت اإلستراتيجية أوال من أصل المشكلة الذي أشـرنا إليـه أال "العربيوهو التخلف، ورمت إلى اقتحام مواقعه جميعا دفعة واحدة، وللوصول إلـى ذلك دعت اإلستراتيجية إلى تبني خطة وطنية شاملة وإلزاميـة تلتقـي فيهـا

مع الجهود الرسمية، وتقوم المؤسسات والهيئـات بمختلـف الجهود الشعبية أنواع النشاط المتصل بمواجهة التخلف في المجـاالت الثقافيـة والتعاونيـة والتعليمية والرياضية واإلعالمية واالجتماعية واالقتصادية والحرفية، وعلـى

. دأن تمتد هذه البرامج لما بعد الحملة لتصبح نشاطا مؤسسيا ينمو ويتصاع وكان من الواضح أن هذه اإلستراتيجية قد حلقت في أجواء عالية مـن التفاؤل الذي تجاوز معطيات الواقع اإلسالمي المؤلم في المنطقـة العربيـة، فعال رنين ألفاظها وطارت أحالمها بعيدا، وهو ما جعلها مجرد حلم لم يعرف

- ١٤٦ -

ت واإلسقاطات ينبئنا بحقيقـة طريقه إلى التنفيذ، ولعل ما أشارت إليه التقديرا :هذا كما يتبين لنا مما يلي

مليـون بنهايـة ٦٦ إلـى ١٩٩٠ مليون عام ٦١زيادة أعداد األميين من . القرن

١٩٩٠من إجمالي السكان عـام % ٤٩انخفاض نسبة السكان األميين من . ٢٠٠٠عام % ٣٨إلى

ميين مـع توقـع تشكل النساء والفتيات دون استثناء أغلبية عدد السكان األ . استمرار هذا االتجاه

وقد شهدت بعض الدول اإلسالمية غير العربية عددا من تجـارب محـو أمر الشاه بهلوي بتشكيل مجلس ١٩٥٥األمية، فمن ذلك، إيران، ففي ديسمبر

يضم عشرين عضوا ويتبع رئاسة مجلس الوزراء للقضاء على األميـة فـي دأ المجلس يخطط الحملة ضد األمية علـى إيران، وبعد فترة من المناقشات ب

أن يبدأ األمر في بعض المدن، واختيرت بعض المدارس االبتدائيـة لتكـون مراكز لتسجيل األميين الكبار، وأنشئت فصول لتدريب المعلمـين، وظهـرت اإلعالنات والملصقات الملونة والشعارات في أماكن ظاهرة مـن المـدارس

باه األميين وتشجيعهم على االلتحاق بفصول محـو االبتدائية أمال في جذب انت . األمية

افتتحت فصـول محـو األميـة، ١٩٥٦وفي الشهور األخيرة من خريف وطبقا لإلحصاءات التي أصدرتها إدارة تعليم الكبار بـالوزارة كـان هنـاك

من الكبار يتعلمون القراءة والكتابة في فصول محو األميـة فـي ٢٣١٧٠١، وفي الفترة نفسها كان هناك أيضا ما يقرب مـن ٥٦/١٩٥٧العام الدراسي

من الجنود والحرس ورجال الشـرطة الـذين بـدءوا يتـابعون ١٠٠,٠٠٠

- ١٤٧ -

البرنامج، وفي السنة التالية بلغ عدد الدارسين المنتظمين في فصـول محـو . شخصا٣٧٦,٣٤٧األمية

سم من لجنة تعليم الجماهير في كل ق ١٩٤٩ وفي إندونيسيا تشكلت عام أقسام األقاليم، وفي أي مكان آخر رؤى من المصلحة تكوينها فيـه، وكانـت

: ألوان النشاط التي تقوم بها هذه اإلدارة ذات طبيعتين، وهما ألوان من النشاط ذات طبيعة تنفيذية، وهنا تدخل مكافحـة األميـة، – ١

ة، والمنـاهج ودراسات الثقافة العامة ومناهج تعليم الكبار، والمكتبات الشـعبي . إلخ…النسوية ألوان من النشاط ذات طبيعة تنسيقية، ويقصد بها إيجـاد صـالت – ٢

وثيقة بمنظمات الشباب والحركة الكشفية والمنظمات النسـائية والمنظمـات . إلخ…الرياضية

١٩٤٩ وطبقا للتعدادات الفعلية التي أجريت في إقليم جاكرتا في سنة من السكان، وفي بودجونيجورو حوالي % ٤٢حوالي كانت نسبة األميين

وبناء على %. ٤٦ و ٤٧، وفي جنوب سومطرة تراوحت النسبة بين %٥من سن ( هذه الحقائق واإلحصاءات األخرى أمكن تقدير نسبة األميين الكبار

من مجموع السكان، وببساطة أمكن أن % ٥٠بما يقرب من ) ٤٥ إلى ١٣من % ٥٠ مليون وهو كان يمثل ٤١كبار وصل إلى نعتبر أن عدد األميين ال

. مليون٨٢مجموع السكان البالغ عددهم لمشروع ضخم يستغرق تنفيذه عشر سـنوات مـن ١٩٥١وقد خطط عام

أجل القضاء على األمية في إندونيسيا، وهو األمر الذي كان يحتم أن تمحـى تتح الظروف أن ماليين من األميين كل عام، وإن لم ٤,٥أمية ما ال يقل عن

. يتم هذا بالدقة التي كانوا قد تصوروها

- ١٤٨ -

كان كل األميين والمنقطعين عن الدراسـة االبتدائيـة ١٩٧٨وحتى عام يجمعون في فصول مدرسة ابتدائية في القرية، وهنـاك يتعلمـون القـراءة

وكان يطلـب مـن النـاس ٠"خصوصي"والكتابة والحساب على يد مدرس بعد الظهر، أي في الوقت الذي هم فيه أشد حاجة إليه الحضور إلى المدرسة

ولما بـدأ مشـروع . لكسب قوتهم، وكانت نتائج هذه المحاوالت غير مشجعة بدفعة قوية من الرئيس اإلندونيسي فـي ذلـك ١٩٧٨جديد لمحو األمية عام

الوقت الجنرال سوهارتو اتجه الناس لتشكيل مجموعات للتعلم فـي أوقـات والشخص الذي كـان . واستخدام البيوت أماكن للتعلم ) مسياتفي األ (فراغهم

يدرس لهم، أي المعلم، كان عادة شخصا متعلما من أهل القرية، لذلك فلم يكن هناك ما يدعو إلى الخجل منه، وكـان النـاس يتعلمـون القـراءة والكتابـة

. والحساب واللغة القومية ومواد للتعليم األساسي، ١٩٩٥لبشرية الصادر عن األمم المتحدة عن عـام ووفقا لتقرير التنمية ا

في عدد من الدول ١٩٩٢بلغ معدل معرفة القراءة والكتابة بين البالغين عام :اإلسالمية غير العربية كالتالي

%٨١,٥ ماليزيا - %٨٠,٥ تركيا - %٦٤،٩ إيران - %٨٢,٥ إندونيسيا - %٣٥,٧ باكستان - %٥٢,٥ نيجيريا - %٢٨,٩ أفغانستان - %٢٦,٤ بنجالديش -

- ١٤٩ -

وفي الجملة، نجد أن حركة محو األمية وتعليم الكبار قد شهدت تغيرا البلدان اإلسالمية منذ منتصف السبعينيات سواء في المفاهيم أو جوهريا في

السياسات، إال أن التطور في النواحي النوعية وفي التطبيق الفعلي لم يكن في مستوى تلك التصورات والخطط المرسومة، واآلمال المعقودة على أسلوب

تطبيق المواجهة الشاملة للخالص من األمية لم تحقق أغراضها كاملة، ورافقهذا األسلوب في كثير من األحيان جوانب سلبية، وأهم ما أدى إلى عدم اكتمال بعض الجهود وتقصيرها أن مفهوم الحملة الشاملة كان يستلزم تضافر جهود المجتمع كله للقضاء على أسباب التخلف المادية والمعنوية في المجتمع

. بوجه عامع لم يتوافر دوما للكثير من ومثل هذا التكامل مع سائر جهود المجتم

وهكذا ظلت تلك الحمالت، رغم مزاياها . الحمالت الشاملة التي تم تطبيقهاالكبيرة والمشاركة الجماهيرية الواسعة فيها، حمالت لمحو األمية األبجدية في

محو األمية "وقت ساد فيه، في الدول الصناعية بوجه خاص، شعار جهود كبيرة في شتى مجاالت التنمية، ، وهو شعار احتاج إلى "الحضارية

ومن هنا لم يكن من المستغرب أن . وفي مجال التنمية الثقافية بوجه خاص" األمية الجديدة " في البلدان الصناعية اسم " األمية الحضارية " يطلق على

". أمية المستقبل " أو بنية التعليم : خامسا

التـي يتكـون منهـا التعلـيم ونقصد بالبنية هنا جملة العناصر األساسية باعتباره نظاما اجتماعيا، له هيكله التنظيمي الذي يعبر عنـه نمـط إدارتـه والمراحل التعليمية والقائمون بعملية التعليم من المعلمين بصفة خاصة، وهـو

:ما يمكن بيانه فيما يلي : إدارة التعليم

- ١٥٠ -

ان المتناقضان للحيـاة ، وهما الوجه "التخلف"و" التقدم"إذا نظرنا بنفاذ إلى التعليمية في القرن العشرين، لوجدنا جوهر الفرق بينهما في اإلدارة، فالتقـدم يعني بالضرورة بنوع مجتمع من المجتمعات حاله من الكفاية اإلدارية تمكنـه من تعبئة موارده البشرية والمادية والعلمية، في مختلف مجـاالت حياتـه أو

لها وتوجيهها في ضوء ما حدده مـن أهـداف، بعضها على األقل، ومن تشغي بحيث يتحقق له في النهاية وبصفة مستمرة ناتج يفيض بدرجة ملحوظة عـن

حركـة " القيمة المضافة "كل ما تم إنفاقه وبذل فيه من جهد، فينشأ عن اطراد . المجتمع المستمرة إلى أعلى وإلى أمام

ة وتشـغيل وتوجيـه أما التخلف فمعناه استمرار قصور المجتمع عن تعبئ وإلـى أن يتغيـر . موارده بالمعدالت المرجوة وفق مستوى أهدافه وتطلعاته

تغيـرا أساسـيا يبقـى – أي نمط اإلدارة –نمط التعبئة والتشغيل والتوجيه ". التقدم"و" االنطالق" ال " النمو" المجتمع في فلك

القـرن –مية ومن بينهـا البلـدان اإلسـال –ولقد استقبلت البلدان النامية العشرين بتركة إدارية مشحونة بالتخلف، وعلى الرغم من كل الجهود التـي بذلتها هذه البلدان في معركتها ضد التخلف من أجل تطـوير إدارتهـا فإنـه يصعب القول بأنها استطاعت أن تنفض عن نفسها غبـار مـا ورثتـه مـن

مسـتحدثة عصور الضعف والتأخر، أو أنها أصبحت إدارات ذات فاعليـات . قادرة على التجديد

في معظم البلدان اإلسالمية في تـواريخ " التعليم الحديث "ولقد صحب قيام من اإلدارة التعليمية كان جـزءا مـن عمليـة " جديد"مختلفة استحداث نمط

بوجـه –وقد اتخذ ذلك النمط اإلداري . اإلدارات العامة لتلك البلدان " تحديث"العقـل "ه موحد قوامه جهاز مركزي كان بمثابـة شكال موحدا أو شب –عام

.للدولة في شئون التعليم" المهيمن"أو " المفكر

- ١٥١ -

ألنه لم يأت وليد االبتكار : ، أوال "التفكير"أما األيدي المنفذة فكانت محدودة ألن اإلدارة فهم منهـا : وثانيا. بقدر ما جاء وليد التقليد لتجارب بلدان أخرى

: وثالثا. ر والضبط والربط وفق خطوط وأنماط محددة سلفا أنها التنفيذ والتسيي ألن موضوع النشاط اإلداري لم يكن يتجاوز ذلك العدد القليل من المـدارس

، ومطالبها البسـيطة )وهي إعداد نفر من الموظفين للحكومة(بأهدافها الضيقة ، وكل هذا وسط مجتمعات بدت قانعة )توفير معلم وكتاب وقرطاسة وسبورة ( . القليل متغيرة بالقليلب

في جملة " القديم" غير أن التعليم، ومن ورائه المجتمع، لم يبق على حاله البلدان اإلسالمية، وإنما طرأ عليه وعلى سياسته تغيـرات ملحوظـة هـزت

لقـد . التعادل أو التوازن بينه وبين إدارته، فانكشف عمق األزمة اإلداريـة محدود إلى صـناعة كبيـرة فـي حجمهـا تحول التعليم من نشاط بسيط أو

وميزانيتها وطاقاتها العاملة وأهدافها ومسئولياتها، وظهر مـع التعلـيم، بـل فوقه، سياسات تعليمية ذات طموح في مبادئها واتجاهاتها، مثل تكافؤ الفرص التعليمية، وحق كل مواطن في العلم إلى أقصى ما تؤهله له مواهبه، وإيصال

إلى أعماق الريف والبادية والقطاعات االجتماعية المحرومة، الخدمة التعليمية والنهوض بمستوى التعليم ومحتواه وربطه بالحياة وتوجيهه لسـد احتياجـات المجتمع من العمالة الماهرة على شتى المسـتويات، فضـال علـى تكـوين

التي تقدر على مواجهة تحديات العصر وتغالبها وتتغلـب " الشخصية الجيدة " . اعليه

ومن اإلنصاف القول بأنه قد واكب تلك التغيرات فـي التعلـيم وسياسـته بعض التطور في إدارات التعليم في كثير من البلدان اإلسالمية، يشهد بـذلك ما جرى من محاوالت إلعادة تنظيم الهياكل اإلدارية لوزارات التعليم، وإعادة

و درجـات السـلم النظر في خريطة المسئوليات والسلطات، وفي مراتـب أ

- ١٥٢ -

اإلداري، ومراجعة القوانين والقرارات واللوائح التعليمية، والعمل على تبسيط ، واالتجاه نحو الالمركزيـة والمشـاركة "الروتين"اإلجراءات وتخفيف حدة

الشعبية والطالبية، والشروع في اصطناع التخطيط والبحث منهجيا في العمل . وأساسا التخاذ القرارات اإلدارية

لكن من الحق أيضا أن نعترف بأن جملة ما أصاب إدارات التعلـيم مـن ، وأن هذه اإلدارات ما زالت في حقيقتها في "التحسين"تطور لم يتجاوز حدود

، سواء مـن حيـث الفلسـفة والمفـاهيم "طبيعتها األولى " كثير من األحوال حيـث والوظائف، أو من حيث البنية والعالقات ومحاور االهتمـام، أو مـن

٠طرق العمل وأساليبه، أو من حيث الكفاية البشرية، والقيم السلوكيةفمن حيث الفلسفة والمفاهيم والوظائف، استمرت اإلدارة التعليمية جملـة،

) الفنـي " (العمـل "إلى حد كبير، واقعة تحت تأثير تصور أنها نشـاط فـوق ركـوب السـلطة والناس، وأنهـا مرادفـة ل ) العاملين في التعليم " (العمالة"و

النواحي "والهيمنة واألمر واإلمالء، واستمر التركيز في العمل اإلداري على المتعلقة بحرفية القواعد واللـوائح والـنظم وبأعمـال السـكرتارية " (اآللية

حفز األفراد ومراعاة قدراتهم " (النواحي اإلنسانية "أكثر من ) والمسائل المالية " الكليـات "أكثر من " الجزئيات"وعلى ) ا بينهم وقيمهم واالهتمام بالعالقات فيم

" االبتكـار "و" التجديـد "أكثـر مـن " التدوير"أو " اإلجراء"و" التسيير"وعلى " اإلدارة الديموقراطية "ومع التسليم بكل ما قيل وجرى تحت اسم ". التطوير"ولت ، فالشعارات ظ "القيادة الفردية "و" الحرية"و" القيادة الجماعية "و" المشاركة"و

. طويال مبهمة وظل الطريق أمام تحقيقها طويالوأما من حيث البنية والعالقات ومحاور االهتمام ونقاط ارتكـاز، فعلـى الرغم مما شهدته كثير من اإلدارات من تنظيم وإعادة تنظيم، فقد بقي القـديم هو األصل واألساس، وآية ذلك أن األجهزة الفوقية في المركز ظلت بيـدها

- ١٥٣ -

لحقيقية تحل وتعقد وتصنع بمفردها القرار وتضع وحـدها اللـوائح السلطة ا حيث المـدارس –والنظم وقواعد العمل واإلجراء، أما المستويات اإلجرائية

فلم تملك إال التنفيذ، وحرياتها في التصرف والحركـة –والمجتمعات المحلية عنى الحرفي والتقسيم التقليدي بين ما هو إداري بالم . والمبادرة ظلت محدودة

التعيينات، الترقيات، التنقالت، وضع الميزانية، اإلنفاق علـى التعلـيم، : مثل(تحديد األهداف، تصـميم بنـى : مثل(وبين ما هو فني ) وإجراء االمتحانات

، ظل هو السـائد دون )جديدة للتعليم، تطوير المناهج، والنمو المهني للمعلمين . لسلطة بين االثنينإحكام صلة أو تكامل ودون موازنة في ا

التخطـيط، البحـوث، التوثيـق، : وعندما استحدثت أجهزة جديدة، مثـل المكتبات والوسائل (اإلحصاءات أو المعلومات التربوية، والخدمات اإلضافية

. ، بقيت على الهامش ضيقة السلطة ضعيفة األثـر )التعليمية والشئون الطالبية التعليم والحيـاة، بـين المدرسـة كذلك فإنه عندما ظهرت أهمية الربط بين

والمجتمع، لم تنشأ تنظيمات فعالة تفي بهذا الغرض، وبقيت اإلدارة التعليميـة والمدرسية منطوية على نفسها ال تكاد تبصر أو تفيد ممـا يجـرى ويتـوافر

وفي جملة األحوال قامت التنظيمات اإلدارية وإعادة . خارج التعليم والمدرسة تهادات الشخصية أكثر من الخبرة العلمية، وبقيـت هـذه التنظيمات على االج

التنظيمات تعانى صعوبة االتصال والتنسيق وبطء الحركة، داخليا وخارجيـا، كما عانت من النقص الشديد في الكفايات البشرية التي هي قوام كل تنظـيم، ولم نسمع إال مؤخرا، وفي النزر اليسير، عـن اهتمـام الخطـط التربويـة

. داري وبتوفير الكفايات اإلدارية الالزمة للتعليمبإصالح إ فـي – وأما من حيث الطرائق واألساليب اإلدارية فاسـتمرت ترجـع

إلى عصر ما قبل العلم والتكنولوجيا، وعصر مـا قبـل التعلـيم –معظمها القياسي أو الكبير، بدليل ما رأيناه سائدا من أسـاليب تقليديـة فـي وضـع

- ١٥٤ -

اق والمعامالت المالية، ومن وسائل فـي جمـع المعلومـات الميزانية واإلنف التربوية واإلدارية وحفظهـا واسـترجاعها، ومـن طـرق فـي االتصـال والمراجعة، ومن تقنيات في تنفيذ المشروعات واإلشراف عليها وتقويم العمل وحساب العائد، وأخطر من كل هذا كيفية اتخاذ القـرارات وتطبيـق مبـدأ

لوسائل واألساليب الجديدة التي استحدثت مثـل التخطـيط وحتى ا . المشاركةوالبحث، تاهت وسط القديم وبدت مسخرة لخدمته، وفقدت بذلك قدرتها علـى

. التجديد وهى أثمن وأهم أداة في العملية اإلداريـة –وأما من حيث الكفاية البشرية

كثير مـن فقد كان من المالحظ أن ازدياد حجم عملية التعليم في –والتعليمية . البلدان اإلسالمية قد صحبه نمو في الطاقة العاملة في قطاع اإلدارة التعليمية

غير أن هذا النمو جاء مشوبا بثالث نقائص حالت بينه وبين أن يكون عـامال : إيجابيا في الكفاية اإلدارية، وبالتالي في الكفاية التعليمية، وهذه النقائص هي

الناحية الكمية، وهو ما أدى إلى تضـخم أعـداد اتجاه هذا النمو إلى –أ وإلى اإلخالل بنسبتهم في هيكـل العمالـة التعليميـة، " اإلداريين"الموظفين

.وبالتالي إلى ارتفاع تكاليف العمل اإلداري داخل ميزانيات التعليم تحويل أعداد ال يستهان بها من المعلمين غير المؤهلين أو الفاشـلين –ب

!.رية تحت وهم أن من ال يصلح للتعليم يصلح إلدارتهإلى وظائف إدا عدم االعتراف باإلدارة مهنة ال يجوز االشتغال بها إال بعد إعداد أو –ج

. تدريب كافوأخيرا فقد ترسب في اإلدارة التعليمية بعض القيم غير المرغوب فيهـا،

سـة البغيضـة، في الحركة، التسلط، الفردية، المناف " البطء"أو " التأني: "مثلإيثار العافية، التهرب من المسئولية، المحسوبية، وااللتزام بالقديم، وكلها قـيم

- ١٥٥ -

ال تعوق العمل اإلداري فحسب، بل تتعارض كذلك مع وجوب كون التعلـيم . بنية منتقاة ونموذجا في العالقات اإلنسانية

: التعليم القلقالبتدائي والتعليم العالي وتسمى هو تعليم تلك المرحلة التي تقع بين التعليم ا

التعليم الثانوي، فهي قلقة من حيث أهدافها، فهل هي إعداد للحياة أم لما يليها من تعليم وهو التعليم الجامعي بصفة خاصة؟ وهي قلقة مـن حيـث مـدتها

كفاءة وثانوي، ثقافـة عامـة : فأحيانا ما تضم مرحلتين سميتا بأسماء مختلفة ي، فضال عما يرافق هذا وذاك من اختالف فـي مـدة وثانوي، متوسط وثانو

الدراسة، كما أنها قلقة من حيث نوعية ما تقدمه من مقررات، فالشـائع هـو . تعلم فني تقني، وتعليم ثانوي أكاديمي: انقسامها إلى نوعين

ومن المعروف أن الموروث الحضاري التربوي اإلسالمي لم يكن يعرف م التعليم في أغلب األحوال إلى مرحلـة مبكـرة مثل هذه المرحلة، حيث انقس

تمثلت في تعليم الكتاتيب لتعليم أولويات العلوم المتوافرة، ثم تعليم متقدم يـتم لكن عندما بدأ النقل واالقتباس من التعلـيم . في المساجد الكبرى والمدارس

الغربي، وخاصة على في مصر في عهد محمد على مع بدايات القرن التاسع عرفنا ما أطلق عليه في ذلك الوقت بالمدرسة التجهيزية، ووضح مـن عشر

. التالميذ لما يلي من تعليم عال" تعد"أو " تجهز"التسمية أنها ولما كانت وظيفة المدرسة الثانوية في البلدان اإلسالمية اعتبرت المحـور

اط هـذا األساسي الذي دار حوله العديد من التساؤالت حتى اآلن؛ نظرا الرتب باتجاهات الخطط المستقبلية التي تقوم عليهـا عمليـات التجديـد والتطـوير وبنوعية التغيير ومداه، وبطبيعة األهداف التي من المفروض علـى التعلـيم الثانوي أن يعمل على تحقيقها، فإن السؤال الذي طرح نفسه يتعلق بالتسـاؤل

الب في مجاالت تتصـل عما إذا كانت وظيفة المدرسة هي القيام بإعداد الط

- ١٥٦ -

بمقابلة حاجات المجتمع وتسيير األعمال اليومية فيه، أو أن وظيفتها تقتصـر على مساعدة الفرد على تطوير قدراته واستعداداته وكيفية استخدام إمكاناتـه

. الفعلية بأحسن الطرق المجديةوعندما تبنت السياسة التعليمية الشطر األول من التساؤل المتمثل فـي أن وظيفة المدرسة هي مقابلة حاجات المجتمع، فإن عملية إعداد الطالب للنجاح في االختبارات الفصلية، وفي امتحان آخر العام من أجـل الحصـول علـى درجات عالية بغض النظر عن النتائج التي حققها في مجال تطوير شخصيته

عمليـة أو تعديل سلوكه أو االرتقاء بمعارفه أصبحت هي الهدف األساسـي لل التعليمية، كما حدث في بعض البلدان اإلسالمية، خاصة وأن هذا الهدف نفسه كان يتسق مع الرغبة العامة في استخدام نتيجة التخرج في االلتحاق بـالتعليم

. العاليأما في حالة االتجاه نحو تحقيق الشطر الثاني من التساؤل والمتمثـل فـي

شخصية الطالب وطريقة تفكيـره، فـإن أهمية انعكاس أثر التعليم نوعيا على ذلك كان يتطلب من الدولة تغيير بنية المناهج وخطط الدراسة بطريقة تسـمح بتعدد المقررات وتوفير فرص االختيار أمام الطالب بما يتمشى مـع ميولـه واتجاهاته وقدراته العقلية وما يحقق تكييف الدراسة بما يالئم الفروق الفردية،

. نادرا ما تحققوهو األمر الذي أما عن تنويع التعليم الثانوي؛ فالنقص فيـه يعكـس عوامـل اجتماعيـة واقتصادية وتاريخية وسياسية في تطوير التعليم الثانوي وصـالته بالطلـب

. االجتماعي وبحاجات العمل والتنمية فيهفقد غلبت على التعليم عامة بمختلف مراحله االتجاهات النظرية األكاديمية

ء كان ذلك بتأثير بعض آثار عهود التأخر والجمود أو كان نتيجة النقـل سواواالقتباس في أنظمة التعليم المستحدث، وصاحب هذه االتجاهات البعد عـن

- ١٥٧ -

خصائص الذاتية الحضارية والتأثر في أحسـن األحـوال بمجـرد الطلـب االجتماعي لألعداد للوظائف الديوانية التي كانت موضع اهتمـام الحكومـات

. والسياسات التعليميةوظل هذا االتجاه سائدا حتى الخمسينيات والستينيات حيث كـان مفهـوم التنمية يؤكد على النمو االقتصادي وعلى مؤشراته في زيادة اإلنتاج القـومي ومعدل دخل الفرد، باعتبار أن ذلك النمو بحد ذاته يوفر فرص العمل ويتبعـه

وظل االهتمـام معلقـا . ية بصورة تالية له تحسين األحوال االجتماعية والثقاف بنماذج التربية الغربية وبنماذج أنظمتها التربوية في الجوانب األكاديمية منهـا خاصة، وكانت أهداف التعليم تخريج فئات من العاملين في القطاع الحـديث من الخدمات خاصة، وتبرز منها وظائف دواوين الحكومة والوظائف الكتابية

في المؤسسات تؤيد هذه األهداف اهتمام المواطنين بها واعتبارهـا واإلدارية سبيال للتقدم االجتماعي واالقتصادي، وترتب على ضآلة ذلك القطاع فـيض من المتخرجين الذين ال يصلحون للعمل فـي مجـاالت اإلنتـاج األخـرى، وبرزت مشكلة عدم المالءمة بين النظام التربوي وبين مطالب العمل كما هو

روف من الحاجة إلى األيدي الفنية على المستوى المتوسط، وتجلت هـذه معالمشكلة في ضآلة التعليم الفني بالقياس إلى التعليم العام فـي هـذه المرحلـة سواء من حيث نسبة الملتحقين أو من حيث المنزلة االجتماعية أو من حيـث

. اإلمكانيات وتطوير المناهج والدراساترقام التالية يظهر لنا هذه الحقيقة الخاصة بتطور نسـبة ولعل تأمال في األ

:التعليم الثانوي إلى التعليم كله في جملة البلدان اإلسالمية العربية ٧١ ٦٧/٦٨ ٦٦/٦٧ ٦٥/٦٦ ٦٠/٦١: السنة

٧٥

- ١٥٨ -

٢١,٤ ١٨,٤ ١٧,٧ ١٦,٧ ١٣,٢٥: النسبة٢٤,٢

طراد الزيادة في أعداد الطلبة والطالبات الملتحقين بمرحلة إذ يالحظ االدراسة الثانوية وزيادة اإلقبال عليه، وهو ما جعل عدد طلبته يصل إلى ما

بالمائة من جملة عدد الطلبة والطالبات في جميع المراحل ٢٥يقرب من وهو ما ولكن، على الرغم من زيادة االهتمام بالتعليم الثانوي ككل،. التعليمية

أدى إلى ارتفاع كبير في عدد الطلبة المسجلين به فإن نموه لم يكن متوازنا في جميع قطاعاته، إذ بينما كان اإلقبال شديدا على التعليم الثانوي العام بشكله التقليدي فقد بقيت نسبة الملتحقين بالتعليم الثانوي الفني على ما هي عليه أو

قليال في عدد محدود من البلدان اإلسالمية تناقصت، ولم ترتفع هذه النسبة :العربية، وذلك حسب ما يتضح لنا من الجدول التالي

٦٦/٦٧ ٦٥/٦٦ ٦٠/٦١: السنة٧٤/٧٥ ٦٧/٦٨

١١,٥ ١١,٧ ١٨,٨: نسبة الفني إلى العام١٠,٩ ١٢,٥

ما تركنا مسألة األعداد، فإن هناك عددا من المشكالت والقضايا وإذاالهامة التي تولدت داخل جسم هذا التعليم، وفي مقدمتها التخصص المبكر وخاصة في مرحلة التعليم الثانوي العام، ففي عدد غير قليل من البلدان

لنظم اإلسالمية يالحظ أن نظم التعليم الثانوي بها هي صورة مستوحاة من االتعليمية األوروبية في معظم األحوال، وبخاصة النظامين الفرنسي

. والبريطانيولئن جاز لهذه الدول اتباع نظام التخصص في المدرسة الثانوية فإن بطء تقدمها العلمي والصناعي، باإلضافة إلى شح الخدمات المساعدة مثل اإلرشاد

- ١٥٩ -

الختيار، وهذا ما دعا بعض التربوي والمهني والنفسي لم يساعد على حسن االدول إلى تدارك الموقف واتخاذ الخطوات الالزمة نحو إعادة النظر في نظام التعليم الثانوي بشكل كلى ودراسة وسائل إصالحه عن طريق إيجاد حلول إيجابية لمشاكله المتراكمة، واختيار أفضل هذه الحلول، ويمكن تلخيص أهم

: تلك المشكالت فيما يليلشعور بعدم قدرة التعليم الثانوي على مقابلة مخططات ومشـروعات ا –أ

التنمية ومسايرة متطلبات التطور االجتماعي والصناعي نتيجـة النخفـاض . كفاءة هذا التعليم الداخلية والخارجية

ظهور أنماط متعددة من نظم التعليم الثانوي في مناطق أخرى مـن –ب أحدثها استمرار وجود نمط واحد تقليـدي، العالم للتخلص من المشكالت التي

وهو ما دعا بعض األنظمة التعليمية في بلدان إسالمية إلـى الخـروج عـن الجمود وتجربة نماذج جديدة الختبارها واختيار أجداها من النواحي التربوية

. والتعليمية واالقتصاديةلثـانوي عجز المخططات السابقة عن إيجاد توازن بين أنواع التعليم ا –ج

تبعا لخطة مترابطة تأخذ في اعتبارهـا مختلـف االتجاهـات االجتماعيـة واالقتصادية والتربوية، وهو ما أدى إلى اتجاه معظم الطـالب إلـى التعلـيم

. الثانوي العام، وقلة إقبالهم على التعليم الثانوي الفني والتقنيتهيـة ضرورة إيجاد نظام يجعل من المرحلـة الثانويـة مرحلـة من –د

وموصلة في آن واحد، وهو مما يمنح طالب المرحلة الثانوية فرصة مواصلة الدراسات العليا أو االتجاه إلى سوق العمل اإلنتاجي فـي نهايـة المرحلـة، وبحيث يمكن توجيه العناية للخبرات العملية جنبا إلى جنـب مـع الدراسـة

الثانوي العام مع التعلـيم النظرية ومواد الثقافة العامة، وهذا يعني دمج التعليم

- ١٦٠ -

الفني والتقني، وهو ما يرمي إلى ربط الطالب بمجـاالت العمـل واإلنتـاج . وجعل ما يتلقاه بالمدرسة أكثر مالءمة للحياة

هـ عدم التوازن الكمي بين أعداد البنين والبنات بشكل ظـاهر بمراحـل رة عامـة مـن التعليم الثانوي المختلفة وخلو المقررات الفنية والتقنية بصـو

. العنصر النسائي ضعف المردود من كلفة التعليم الثانوي؛ بسبب الهدر الذي ينتج عـن –و

. الرسوب والتسرب عدم وجود أجهزة دائمة تتولى تقويم مجاالت التجديـد فـي البنيـة، –ز

ومتابعة النظر في المناهج وطرق التـدريس ووسـائل التـدريب الالزمـة . الت ومواصلة التطورللمدرسين لمواجهة المشك

عزلة التعليم الثانوي عما يدور بداخل الجامعات، وضرورة التنسـيق –ح بين ما يحدث بالمدرسة الثانوية وما هو كائن بالكليات الجامعيـة والمعاهـد

. العلياوقد برز اتجاه يلح على فتح قنوات بين التعليم الثـانوي العـام والتعلـيم

العملي لم يشر إلى نجاح هـذا التوجـه لألسـباب الثانوي الفني، لكن الواقع : التالية الفارق الكبير في المناهج بين النوعين، إذ المواد المشـتركة، وهـي –١

المواد الثقافية، لم تزد عن مقدار الثلث في المناهج الفنية عما هي عليه فـي ة، األمـر العامة، بينما المناهج التطبيقية أو الفنية ندر وجودها في هذه األخير

الذي جعل إكمال المناهج الثانوية العامة عملية متعذرة على التالميذ إذا انتقلوا . من المدارس الفنية إلى العامة

في ضوء السياسة العامة والمناخ الذي ساد البلدان اإلسـالمية فـي – ٢السنوات األخيرة من القرن بتوسيع التعليم الفني لحاجة سوق العمـل، كـان

- ١٦١ -

أن يشجع المسئولون في أي بلد إسالمي تالميذ المدارس الفنية علـى مستبعدا االنتقال إلى المدارس العامة، أو أن يسهلوا لهم هذا األمر، رغم ما كان يمكن

. من صدور تشريعات أو قوانين تسمح بذلك الحاجز أو الفارق االجتماعي الذي أشرنا إليه، والذي كان من شـأنه – ٣

قال عند التالميذ الفنيين، خاصة وأنهم في بعض البلدان أن يضعف حافز االنت غالبا ما كانوا يمنحون اإلقامة في الداخليات ويعطون إعانات مالية وجـدوها

. مغرية عدم مواءمة هياكل التعليم وإدارته لمتطلبات التعلـيم الفنـي، حيـث – ٤

طويلـة أشار بعض الباحثين إلى أن هياكل التعليم بوضعها الذي ساد فترات شكلت عائقا أمام إقبال الطلبة على التعليم الفني والمهني في أغلـب البلـدان اإلسالمية، وارتباط أجهزة التعليم الفني والمهني كإدارات متواضـعة ضـمن . أجهزة التعليم العامة يفقدها القدرة على التطور والتوسع بالصـيغ المطلوبـة

ت التربية لم تعط التعلـيم الفنـي وبالتالي فإن المشكلة بإيجاز، هي أن وزارا والمهني ما يستحق من أهمية، وأن ذلك انعكس بموقع إداراتـه فـي البنيـة اإلدارية، وكما هو معروف، فإن االختصاصات المختلفة تتنافس داخل النظام الواحد لغرض تحقيق أهدافها من خالل حقها من الميزانية العامة ومن خالل

نموها وتوسعها، فإن كانت إدارات التعليم الفني بعض االمتيازات التي تشجع قادرة على مضاهاة إدارات التعليم العام فإنها حينذاك تصـبح قـادرة علـى

. التطورولعل هذا وغيره ما دعا حلقة عقدت في عمان في شـهر نـوفمبر عـام

بين مندوبي دول عربية أن توصي ببعض السبل التي يمكن أن تعـين ١٩٧٢ : واجهه التعليم الثانوي من مشكالت، من هذه التوصياتعلى تالفي ما ي

- ١٦٢ -

تطعيم التعليم العام بالجوانب المهنية وعدم إغفـال الثقافـة العامـة فـي المدرسة المهنية وتأمين العدد الكافي من الورش والمختبرات والمرافق الفنية

. األخرىتياجات التنمية تنويع برامج المدارس الفنية والمهنية وزيادة عددها لتلبية اح

. االقتصاديةتجريب التعليم الثانوي متعدد الجوانـب، سـواء عـن طريـق الثانويـة

. البولوتيكنيكية أو المدرسة الشاملة أو كليهماأال يقتصر التعليم المهني والفني على نموذج المدارس والمعاهد النظاميـة

نتشـاره بـين ذات اليوم الكامل، بل يحوي جميع األساليب األساسية تيسـر ا الشباب والعاملين والكبار على حد سواء كالتدريب المهني والدراسة المسائية والتناوب بين العمل والدراسة والتعليم بالمراسلة، وذلك لسرعة عائـد هـذا

.النوع من التدريب وقلة تكاليفه واتساع نطاقه : التعليم الجامعي

جامعـة " بالفعل هـو نستطيع أن نقول بشيء من الترجيح أن األزهر كان ، بمعنى أنه ظل جامعة لكل األمة اإلسالمية، وهو أقدم الجامعات الحية "األمة

في العالم المعاصر كله؛ إذ إنه أتم أكثر من ألف وثمان وعشرين عاما، وهـو يعمل كمقر للعلم والمعرفة وخدمة الدين واللغة، وكمركز يعمره بالعلم ويعتز

المذاهب، ولو أن بعض الجوامـع قـد سـبق به علماء المسلمين من جميع لعلوم الدين على مستوى ال يصل إلى المستوى الجـامعي، " كمدرسة"األزهر

ولفترات غير متصلة، ومن تلك الجوامع جامع القرويين في فاس بـالمغرب، . وهو الذي سبق بناء األزهر بنحو مائة عام

يدة قائما على أربـع وكان عماد الدراسة في الجامع األزهر وجامعته العت الـذي يؤلفـه أو " الكتاب"، و "األستاذ"أو " الشيخ"قواعد ومقومات أساسية هي

- ١٦٣ -

الذي يدرس عليه والذي أتت جموعه من أقطـار العـالم " الطالب"يدرسه، و الذي يجلس إليه الشيخ في الجامع أو الحلقة التـي " العمود"اإلسالمي كله، ثم

الدراسة كلها تدور حـول علـى مـدى وكانت. تلتف أمام الشيخ ومن حوله األعوام، وال تحسب حسابا دقيقا لسنوات الدراسة التي قد تمتد إلـى خمسـة

، وإن اختلفت مـن طالـب آلخـر )بعد ختام حفظ القرآن الكريم (عشر عاما تخرجه شيخا ناشـئا، " يبارك"الطالب أو " يجيز"بحسب ما يقدره الشيخ الذي

وهكذا فإن الدراسة في الجامع العتيد كانـت . يسير بدوره على الدرب الطويل الدراسية منها إلـى نظـام " المقررات"أقرب إلى ما أصبح يعرف اآلن بنظام

. السنوات الدراسية الذي عرفه األزهر في عهده األخيرولم يقدر لألزهر أن يتجدد فيتحول إلى جامعة تشارك فـي مهمـة بنـاء

عشر، ووجدت بجواره مجموعة مـن الدولة الحديثة في مطلع القرن التاسع المدارس العليا المهنية والتي رسخت منذ البداية تربة تنبـت فيهـا األفكـار والمناهج والتقاليد والنظم التعليمية التي ترتبط بحبل سـري بنظـام التعلـيم

. الغربيكمؤسسة علمية بعيدة عن مدارك المصـريين، فقـد " الجامعة" ولم تكن

لثقافية الجامعات األوروبية عندما أوفـدوا إليهـا لتلقـي عرف رجال النخبة ا العلم، وتعرفوا على دورها الحيوي في النهضة الحديثة، كما كثرت اإلشـارة

بجهـود بعـض ١٨٧٥بالصحف إلى جامعة عليكره التي تأسست بالهند عام الوطنيين الهنود وعلى نفقتهم لتقدم تعليما جامعيا يمزج بين التراث اإلسالمي

كما كانـت . لفكر الحديث وتعليم اللغات الشرقية إلى جانب اللغة اإلنجليزية واالمدرسة الكليـة األمريكيـة "هناك أقدم كلية جامعية في الشرق العربي هي

بجامعـة – فيما بعد –، وأصبحت تعرف ١٨٦٦التي تأسست عام " السورية

- ١٦٤ -

البروتسـتانت بيروت األمريكية، وكانت تلك الكلية مقصد بعض أبناء األقباط . الذين توجهوا إليها لدراسة القانون واالقتصاد والعلوم وغيرها من المعارف

ووضعت الجامعة في مرحلتها األولـى القواعـد األساسـية للمعرفـة العلمانية، فها هو الزعيم الكبير سعد زغلول ينتقد خطبة أحد أعالم الفكر في

مجـد "عة التي أشار فيها إلـى في افتتاح الجام " أحمد زكي باشا "ذلك الوقت ، "ال دين لهـا إال العلـم "، وعد ذلك ال يتفق مع مناسبة افتتاح جامعة "اإلسالم

ونظرة إلى برامج الدراسـة فيهـا توضـح اتجاههـا . كما كتب في مذكراته . العلماني، وحرصها على غرس هذا االتجاه بين طالبهان تجد طريقها للظهـور وعندما قدر للجامعة على النمط الغربي الحديث أ

عن طريق أهلي بعيدا عن سيطرة الدولـة، وضـحت الصـبغة ١٩٠٨عام العلمانية لها في هذا المبدأ األساسي الذي أعلن ضمن مجموعة المبادئ التـي

أن ال تختص بجنس أو دين، بل تكون لجميـع سـكان : "قامت عليها أال وهو ". لأللفة بينهممصر على اختالف جنسياتهم وأديانهم لتكون واسطة

وقد اتجهت البلدان اإلسالمية في المنطقة العربية بعد اسـتقاللها إلـى ونظرا لحاجة هذه البلدان إلى األطر المختلفة ونقـص . افتتاح جامعات فيها

نسبة التعليم في مراحل ما قبل الجامعة كانت هذه الجامعـات قـادرة علـى ا دون تحديـد أو تقييـد فـي شـتى استيعاب األعداد المتقدمة لالنتساب كله

االختصاصات الموجودة، إال أن هذه الجامعـات ضـاقت بمـرور السـنين وأصبحت في الخمسينيات بالنسبة لبعض الـدول وفـي السـتينيات بالنسـبة لبعضها اآلخر غير قادرة على استيعاب األعداد المتقدمـة لهـا، وهـو مـا

.ى المتفوقين أوالاضطرها أن تضع نظاما للقبول يتيح لها أن تنتقوبذلك أصبحت هذه الجامعات أو بعض كلياتها مخصصة للصـفوة مـن الطلبة فقط، في حين أن بعض الكليات ظلـت أبوابهـا مفتوحـة للـراغبين

- ١٦٥ -

باالنتساب إليها، أي أنها بقيت تضم الكثرة من الطلبة الذين سدت في وجوههم أو يريـدون فرص القبول في االختصاصات األخرى التـي يميلـون إليهـا

.الدراسة فيهاوهذه الظاهرة في تطور التعليم العالي تكررت وتتكرر في معظم البلـدان اإلسالمية بحسب مراحل تطورها العام، كما أن هـذه المراحـل التطوريـة أصابت أنواع الكليات التي ضمتها هذه الجامعات بحيث أن هذه الجامعات لـم

بشكل تدريجي يتالءم مـع إقبـال تنشأ مكتملة بجميع االختصاصات بل نمت الطالب وحاجات المجتمع التي كانت تقدر بطرق غير علمية، ولذلك أحـدثت

. الكليات األدبية قبل الكليات العلمية وفي دول الخليج نجد أن الكثرة الغالبة منها ظهر فـي مـدى زمنـي

: بسيط يمكن أن يتبين لنا من تأمل تاريخ نشأة كل منها فيما يلي ١٩٥٧) الرياض( جامعة الملك سعود – ١ ١٩٦٠) المدينة المنورة( الجامعة اإلسالمية – ٢ ١٩٦٣) الظهران( جامعة البترول والمعادن – ٣ ١٩٦٦) جدة( جامعة الملك عبد العزيز – ٤ ١٩٦٦) الكويت(ويت جامعة الك– ٥ ١٩٦٨) البحرين( كلية الخليج التكنولوجية – ٦ ١٩٧٤) الرياض( جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية – ٧ ١٩٧٤) اإلحساء( جامعة الملك فيصل – ٨ ١٩٧٧) لعينا( جامعة اإلمارات العربية المتحدة – ٩

١٩٧٧) الدوحة( جامعة قطر – ١٠ ١٩٧٨) البحرين( الكلية الجامعية للعلوم واآلداب والتربية – ١١ ١٩٨٠) البحرين( جامعة الخليج العربي – ١٢

- ١٦٦ -

١٩٨١) مكة المكرمة( جامعة أم القرى – ١٣ . ١٩٨٢ وهذا حتى عام

: وقد سادت معظم البلدان اإلسالمية األنماط التالية للتعليم العالي المعاهد أو الكليات المتوسطة التي يجرى فيها إعداد القوى العاملة – ١

لمدة سنتين أو ثالث بعد الدراسة الثانوية، وتقود الدراسة فيها إلى منح درجة ي، وتطلق على هذه المعاهد تسميات مختلفـة فـي البلـدان دبلوم مهني أو فن

المختلفة وفي البلد الواحد أحيانا، فضال على تغير ذلك بتعدد الفترات والعهود . التاريخية

المعاهد العليا أو المدارس العليا التي يجرى فيهـا إعـداد القـوى – ٢ ، وتقود الدراسة فيهـا العاملة لمدة أربع سنوات أو أكثر بعد الدراسة الثانوية

إلى منح البكالوريوس أو إجازة تعادل درجـة البكـالوريوس التـي تمنحهـا الكليات والجامعات، ونجد لها أيضا تسميات مختلفة تبعا للبلدان، وقد تتبع هذه

. المعاهد العليا وزارات غير وزارات التربية أو التعليم العالي البلـدان اإلسـالمية جميعهـا، الجامعات، وهذا النمط منتشر فـي – ٣

والصورة السائدة فيها أربع سنوات في معظم الكليات، ومن خمس إلى سـت سنوات في كليات الطب والهندسة والصيدلة وطب األسنان، وتـوافرت فـي بعض هذه الجامعات دراسات عليا تقود إلى منح الدبلوم العالي أو الماجستير

. أو الدكتوراهفقات الباهظة التي تتكلفها الجامعات ومعاهـد التعلـيم وعلى الرغم من الن

العالي، إال أن عددا غير قليل من الخريجين، وبعد أن تتم عملية إعداده داخل بلده يهاجر إلى دول غربية مستوطنا فيها، وللتعرف على حجم هذه الظـاهرة

ـ ن أشارت إحدى الدراسات التي قدمت إلى مؤتمر وزراء التعليم المسئولين ع أن ١٩٧٧" أبو ظبـي "التخطيط االقتصادي في البلدان العربية الذي عقد في

- ١٦٧ -

من مجموع السكان في البلدان % ٢نسبة المهاجرين من العرب مثلت حوالي كما بلغت نسبة المهـاجرين مـن . من مجموع القوى العاملة % ٨العربية، و

مـن % ٢٥من مجموع األطبـاء العـرب، وحـوالي % ٢٠األطباء حوالي من مجموع خريجي أقسام العلـوم بالجامعـات % ١٥موع المهندسين، و مج

. والمعاهد العليا، كانت لها آثار "نزيف العقول " وال شك أن هذه الهجرة التي سميت بحق

:سيئة يمكن اإلشارة إليها فيما يأتيأن هجرة العقول اإلسالمية حدثت في الغالب في اتجـاه واحـد، أي مـن

إلى الدول اإلسالمية إلى الدول المتقدمة، مع عدم حدوث أي البلدان اإلسالمية نوع من الهجرة من الدول النامية إلى الدول اإلسالمية لتعـويض الكفـاءات

. المفقودةأنها هجرة انتقائية حيث إن النسبة المئوية العالية من المهاجرين هم مـن

كأعضاء هيئة التـدريس حملة الشهادات الجامعية العلمية والتقنية الفنية العليا الجامعي واألطباء العلماء والمهندسين التكنولوجيين والباحثين والممرضـات االختصاصيات، فيما يشـكل المهـاجرون مـن فـروع العلـوم اإلنسـانية

. واالجتماعية نسبة متدنية من مجموع المهاجرينالعليا أن هناك عالقة طردية بين الزيادة في عدد المبعوثين لتلقي دراساتهم

. في جامعات الدول المتقدمة والزيادة في أعداد العقول المهاجرةأن هجرة العقول عملية مطردة ومستمرة، أي أن حجـم الهجـرة يزيـد سنويا، وأن المجموع المتراكم لعدد الكفاءات المهاجرة في تزايـد مسـتمر،

. وهذا يدل على ضآلة التدفق العكسي إلى البلدان اإلسالميةيات المتحدة األمريكية هي أكبر الدول الغربية المستقبلة للكفـاءات أن الوال . اإلسالمية

- ١٦٨ -

وبالنسبة لبعض البلدان اإلسالمية غير العربية، وبالنسبة لشريحة بعينهـا من خريجي الجامعات هي األطباء، نجد أن الواليـات المتحـدة األمريكيـة

: تالية األعداد ال١٩٧٤-١٩٧٠وحدها كان بها في الفترة من

- ١٦٩ -

ــد ١٩٧٢ ١٩٧٠البلـــــــــ١٩٧٤

٣٣ ٢٤ ١٩أفغانستان ــنجالديش ٣١١ ٢١٢بــــــــــ

٣٦٧ ــيا ١٤٩ ٨٩إندونيســــــــــ

١٧٠ ــران ٢٠٨٢ ١٦٣١إيـــــــــ

٢٣٦٢ ٧ ٥ ١ماليزيا ٩١ ٦٢ ٢٤نيجيريا

٨٤١ ٥٧٢ باكســــــــــــتان ١٠١٥

ــا ٩٨٥ ٨٦٦تركيــــــــــ١٠١٤

إن رأس المال البشري سلعة تستغرق وقتا طويال جدا حتى تنـتج وحتـى إن علينا أن ننتظر ربع . تصبح قابلة للعطاء، وبالذات النوعيات الممتازة منها

لزمان أو أكثر حتى يتخرج مهندس أو طبيب كفء، ويزيد الوقـت قرن من ا ويتسع بطبيعة الحال في حـاالت الحاصـلين علـى درجتـي الماجسـتير والدكتوراه، كذلك فإن انتقاء هذه النوعيات من بين المتخرجين يعتبـر أمـرا

. عسيراهذا من ناحية الوقت أو الزمن، كذلك فإن إنتـاج هـذه النوعيـات مـن

ءات هو في العادة أمر باهظ التكاليف بالنسبة للدول اإلسـالمية، فكـأن الكفا

- ١٧٠ -

، وإذا علمنا أن أفراد هذه النوعيات يلعبون !الدول الفقيرة تعطي للدول الغنية دورا خطيرا في عمليات التنمية االقتصـادية واالجتماعيـة وفـي عمليـات

رة التي تصاب بهـا التحديث بسائر أنواعها، أمكننا أن نتصور الخسارة الكبي الدول اإلسالمية بفقدانها له، كذلك أمكننا أن نتصور صعوبة تعـويض هـذه

. الكفاءات، على األقل في المدى القريب

: خاتمـةولعلنا بعد هذا الطواف في أروقة التأريخ التربوي لألمة اإلسـالمية فـي

ور التعليم القرن العشرين، نستطيع أن نلمس المشكلة األساسية التي تتصل بد في النهضة، فمن ناحية، نجد أن التعليم إنما هو منظومة فرعية فـي البنيـة الكلية العامة لألمة، وبالتالي فإن تخلف األمة وضعفها وتبعيتها يصيب التعليم باألمراض نفسها، وبالتالي تقل فاعليته في النهوض، لكن النهـوض بـدوره

ليه التعلـيم مـن عناصـر قـوة يعتمد بدرجة أساسية على مقدار ما يكون ع وفاعلية، هي إذا عالقة دائرية، يأخذ التعليم فيها عناصر قوة أو ضعف مـن الجسم المجتمعي، ويعود بدوره هو كذلك ليمد جسم األمة بعناصـر قـوة أو

. ضعفومما يمكن تسجيله أيضا أن تعليم األمة إذا صح أنه نما كما وشـكال، إال

ها من السرعة والنمو كيفا ونوعا، ومن هنا لم يكـن أنه لم يسر بالدرجة نفس قوة دفع حقيقية للنهوض العام، وأن جزءا أساسيا من إمكانية تجاوز هذا هـو أن تكون هناك إرادة قيادة سياسية، وخاصة في منطقة تعود النـاس فيهـا أن

، وما ال يقل عن ذلك أهمية، توافر إرادة أمة . تعلق أعينهم بحركة هذه القيادة أو قل، نفر من هذه األمة، يمكن أن يشكل طاقة تحريك نحو النهوض متوسال إلى ذلك بتفعيل حركة التعليم خاصة وأن التوجه العالمي أصبح يسـتند إلـى

- ١٧١ -

الجهد األهلي، وهو ما يتيح الفرصة أكثر للعمل التعليم أن يخطو إلـى أمـام . خطوات أسرع، وأكثر دقة في التوجه إلى مقاصد الشريعة

:مراجـــــعالتعريب التعليم العالي والجامعي في ربع القرن األخير، ندوة : اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية– ١

. ١٩٨٥الرباط، التعليم اإللزامي للبنات في البالد العربية، مؤتمر التعليم اإللزامي المجاني للـدول : أسماء فهمي – ٢

. ١٩٥٥سكو وجامعة الدول العربية، القاهرة، دار المعارف، العربية بالتعاون مع هيئة اليون ٠، نيويورك، برنامج األمم المتحدة اإلنمائي٢٠٠٠تقرير التنمية البشرية لعام : األمم المتحدة– ٣التعليم القومي والشخصية الوطنية، الجزائر، الشركة الوطنية للنشـر والتوزيـع، : تركي رابح – ٤

١٩٧٥ . توصيات المؤتمرات التعليمية العالمية األربـع، مكـة المكرمـة، المركـز : القرى جامعة أم – ٥

. ١٩٨٣العالمي للتعليم اإلسالمي، . ١٩٥٠المؤتمر الثقافي العربي الثاني، اإلسكندرية، : جامعة الدول العربية– ٦ رعاية الفنون واآلداب تاريخ التعليم األجنبي في مصر، القاهرة، المجلس األعلى ل: جرجس سالمة– ٧

. ١٩٦٢والعلوم االجتماعية، فلسفة تربوية متجددة لعالم عربي متجدد، بيـروت، : جماعة من علماء التربية في العالم العربي – ٨

. ١٩٥٦دائرة التربية في الجامعة األمريكية، جي، الكويـت، التعليم العام في دول مجلس التعاون الخلي : حسين محمد جمعة المطوع وآخرون – ٩

. ١٩٩٠ذات السالسل، تطور التعليم في ليبيا في العصور الحديثة، بنغازي، دار التنميـة للنشـر : رأفت غنيمي الشيخ – ١٠

. ١٩٧٢والتوزيع، تاريخ جامعة القاهرة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتـاب، سلسـلة : رؤوف عباس أحمد – ١١

. ١٩٩٥، )٧٣(تاريخ المصريين . ١٩٧٥من تاريخ التعليم في مصر، القاهرة، األنجلو المصرية، : زينب محمد فريد– ١٢ حولية الثقافة العربية، السنة األولى، القـاهرة، جامعـة الـدول العربيـة، : ساطع الحصري – ١٣

١٩٤٩ . . ١٩٥٣ية، حولية الثقافة العربية، السنة الثالثة، القاهرة، جامعة الدول العرب: ــــــ- ١٤ . ١٩٨٩سياسات التعليم في المشرق العربي، عمان، منتدى الفكر العربي، : سعاد خليل إسماعيل– ١٥ مستقبل النظام العالمي وتجارب تطوير التعليم، عمـان، منتـدى : سعد الدين إبراهيم وآخرون – ١٦

. ١٩٨٩الفكر العربي،

- ١٧٢ -

ربي الحديث، الكويـت، المجلـس الـوطني للثقافـة الفكر التربوي الع : سعيد إسماعيل علي – ١٧ . ١٩٨٧، )١١٣(والفنون واآلداب، سلسلة عالم المعرفة

ـ - ١٨ دور التعليم المصري في النضال الوطني، القاهرة، الهيئة المصرية العامـة : ـــــــ .١٩٩٥، )٧٦(للكتاب، سلسلة تاريخ المصريين

. ١٩٨٦مية، القاهرة، دار الفكر العربي، معاهد التربية اإلسال: ـــــــ- ١٩ . ١٩٨٢دراسات في التربية اإلسالمية، القاهرة، عالم الكتب، : ________- ٢٠ . ١٩٨٥شجرة الجامعة في مصر، القاهرة، جامعة القاهرة، : سليمان حزين– ٢١ ني، بغـداد، وزارة تاريخ التعليم في العراق في عهد االحتالل البريطـا : عبد الرزاق الهاللي – ٢٢

. ١٩٧٥التربية، تربية اليسر وتخلف التنمية، الكويت، المجلـس الـوطني للثقافـة : عبد العزيز عبد اهللا الجالل – ٢٣

. ١٩٨٥، )٩١(والفنون واآلداب، سلسلة عالم المعرفة . ١٩٩١ية، نحو فلسفة تربوية عربية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العرب: عبد اهللا عبد الدايم– ٢٤ ـ - ٢٥ مراجعة إستراتيجية تطوير التربية العربية، تونس، المنظمة العربيـة للتربيـة : ــــــ

. ١٩٩٥والثقافة والعلوم، . ١٩٩٤التعليم في لبنان، بيروت، دار الجديد، : عدنان األمين– ٢٦ . ١٩٧٠مين العراقية، التعليم األهلي في العراق، بغداد، نقابة المعل: غانم سعيد العبيدي– ٢٧ . ١٩٩٣في التربية العربية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، : كتاب قضايا عربية– ٢٨ مجلس التعليم (التربية في الشرق األوسط العربي، القاهرة، : ، ومتى عقراوي )رودرك( ماثييوز – ٢٩

. ١٩٤٩، المطبعة العصرية، )األمريكيأسس التربية في الوطن العربـي، : لى لرعاية الفنون واآلداب والعلوم االجتماعية المجلس األع – ٣٠

. ١٩٦١القاهرة، . ١٩٨٣تطور التعليم في المملكة العربية السعودية، اإلسكندرية، : محمد أحمد عبد الهادي– ٣١ اإلسالمية، الجامعات اإلسالمية، دراسة مسحية، الرياض، رابطة الجامعات : محمد جميل خياط – ٣٢

١٩٩٤ . . ١٩٨٩سياسات التعليم في الخليج العربي، عمان، منتدى الفكر العربي، : محمد جواد رضا– ٣٣ .١٩٨٤اإلصالح الجامعي في الخليج العربي، الكويت، شركة الربيعان، : ـــــــ- ٣٤ ـ : محمد رجب البيومي، وعبد الودود شلبي – ٣٥ االت العيـد األلفـي الكتاب التذكاري بمناسبة احتف

. ١٩٨٣لألزهر، القاهرة، األزهر، السياسات التعليمية في أقطار المغرب العربي، عمـان، منتـدى الفكـر : محمد عابد الجابري – ٣٦

. ١٩٩٠العربي، هجرة العلماء من العالم اإلسالمي، الرياض، جامعة اإلمام محمد بن : محمد عبد العليم مرسي – ٣٧

. ١٩٨٤ سعود اإلسالمية،

- ١٧٣ -

. ١٩٦٨االتجاهات الوطنية في األدب المعاصر، القاهرة، مكتبة اآلداب، : محمد محمد حسين– ٣٨ ، )مصـر (من تجارب األمم األخرى في مكافحة األمية، سرس الليـان : محمود رشدي خاطر – ٣٩

١٩٦٢ . . ١٩٩٢نظام التعليم في إيران، القاهرة، دار الصدر، : مصطفى متولي– ٤٠ . ١٩٩٢نظام التعليم في تركيا، الرياض، دار الخريجين، : ـــــــ- ٤١ . ١٩٧٤سياسة التعليم، الرياض، : المملكة العربية السعودية– ٤٢ ١٩٨٢التعليم الثانوي في البالد العربية، تونس، : المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم– ٤٣ . ١٩٨٠تعليم الفني في البالد العربية، تونس، من قضايا ال: ــــــــــــ- ٤٤ . ١٩٧٣أحوال التربية والتعليم في األراضي المحتلة، القاهرة، : ــــــــــــ– ٤٥ . ١٩٨٣التعليم العالي والتنمية في الوطن العربي، تونس، : ـــــــــــ– ٤٦ ـ – ٤٧ ني في البالد العربية، القاهرة، حلقة المدرسة الثانوية للتعليم العام والمه : ــــــــــ

١٩٧٣ . . ١٩٧٩إستراتيجية تطوير التربية العربية، تونس، : ـــــــــــ– ٤٨ اتجاهات في التربية العربية، تونس، المنظمة العربية للتربية والثقافـة والعلـوم، : منير بشور – ٤٩

١٩٨٢ يل، بيروت، منظمة التحرير الفلسـطينية، التعليم في إسرائ : منير بشور وخالد مصطفي الشيخ – ٥٠

١٩٦٩ . ١٩٩٠، عمان، منتدى الفكر العربي، ١٩٥٠التربية العربية منذ عام : ناثر سارة– ٥١ التعليم والتحديث في المجتمع العربي الفلسطيني، بيروت، منظمة : نبيل أيوب بدران– ٥٢

. ١٩٦٩ التحرير الفلسطينية، تشويه التعليم العربي في فلسطين المحتلة، بيروت، منظمة التحرير الفلسطينية، : نجالء بشور – ٥٣

١٩٧١ . اللغات األجنبية، دورها الثقافي في المجتمع الجديد، القـاهرة، دار النهضـة : نعيمة محمد عيد – ٥٤

. ١٩٦٥العربية ، . ١٩٨٩كر العربي، األمية في الوطن العربي، عمان، منتدى الف: هاشم أبو زيد الصافي– ٥٥ . ١٩٦٤األزهر، تاريخه وتطوره، القاهرة، : وزارة األوقاف وشئون األزهر– ٥٦ . ١٩٧٧مستقبل التربية، القاهرة، مركز مطبوعات اليونسكو، العدد األول، : اليونسكو– ٥٧ . ١٩٨٢مستقبل التربية، العدد الثاني، : ـــــ- ٥٨ تنمية، مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، المؤتمر الخامس التعليم من أجل ال: ـــــ– ٥٩

. ١٩٩٤لوزراء التربية المسؤولين عن التخطيط االقتصادي في الدول العربية، القاهرة، . تطور التربية في الدول العربية، ــــــــ: ـــــ– ٦٠