آخر حلظات الفاروق ٢

٣

خر حلظات الفاروقآ

ونعوذ باهللا من ، حنمده ونستعينه ونستغفره ،إن احلمد هللا من يهده اهللا فال مضل له، ومن ،شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا

له، وأشهد أن ال إله إال اهللا وحده ال شريك له، فال هادي ليضل عليه وعلى آله صلى اهللا ،ا عبده ورسوله أن حممد وأشهد

وأصحابه الذين قضوا باحلق وبه كانوا يعدلون، كانوا جنوما وأعز هبم ،يستضاء هبا يف الظلمات، رفع اهللا هبم شأن الدين

:أما بعد. وأحيا هبم ما اندرس من شرائع املرسلني،اإلسالم

≅: öيقول اهللا تبارك وتعاىل خماطبا رسوله ف è% ¨β Î) ’ ÏA Ÿξ |¹ ’ Å5 Ý¡èΣ uρ y“$ u‹øt xΧuρ وممايت ¬! Éb> u‘ tÏΗ s>≈ yè ø9$# ∩⊇∉⊄∪ Ÿω y7ƒ Ο°

…çµ s9 ( y7 Ï9 x‹Î/uρ ßN ö ÏΒ é& O$ tΡ r& uρ ãΑ ¨ρ r& ١٦٣ - ١٦٢: األنعام[ ⟩ املسلمني[ وهذه هي .. هذا هو الدين .. وممايت ، وحمياي ، ونسكي ،صاليت . واالقتداء به ،مرنا باتباعه وهذا شأن النيب الذي أ،العقيدة

مرت باملسلمني قرون نسوا خالهلا هذا املعىن الشامل لقد صبح الدين يف أوقات أف الذي يشمل كل جوانب احلياة، ،لإلسالمله بعض املسلمني د جن ناأصبحو ويف أماكن خاصة، ،خاصة

فله يف املسجد شخصية العابد، وله يف املتجر :شخصيات متعددة

آخر حلظات الفاروق ٤

له يف ،ف الكاذب باحلل ق سلعته فن امل ،شخصية احملتال املخادع شخصيات ،إهنابيت شخصية الله يف و .ة شخصي الطريقالسوق و

.اإلنسان املسلم ن هذامتعددة تكو

يف احلديث املتفق عليه النيب هوهذا مصداق ما أخرب عن لتتبعن سنن من قبلكم شربا ": قال أن النيب عن أيب سعيد

: ه قلنا بشرب وذراعا بذراع حىت لو سلكوا جحر ضب لسلكتمو كل املصيبة ،إن)١(" ؟ يا رسول اهللا اليهود والنصارى؟ قال فمن

فتتبعوا ،مالكتاب من قبله به أهل يللوا مبا ب املصيبة أن املسلمني ب فرقوا دينهم وكانوا شيعا قد اليهود والنصارى إن كان ف .سننهم

النصارى و فاليهود . القرآن عضني وا جعل نيملسلمفإن كثريا من ا يوم السبت ، يف األسبوع يوما واحدا -فيما يزعمون -دون اهللا يعب

، ويف بقية أيام الكنيسة الكنيس أو أو يوم األحد، يتجهون فيه إىل إن " :ل أحد مفكري اإلجنليز ااألسبوع يعبدون املال والدنيا، كما ق

بنك إجنلترا بقية أيام ويعبدون يوم األحد اإلجنليز يعبدون اهللا !".األسبوع

رجاالت من رجلمع - يف هذه الرسالة - لذلك نقف

).٢٦٦٩(، ومسلم )٣٤٥٦(أخرجه البخاري (1)

٥

خر حلظات الفاروقآ

؛ ونرى ا من معامل الدين نكون نسي ن قد ما ، نتذكر به اإلسالمكيف يكون الدين حاضرا يف احمليا واملمات، مسيطرا على

وإن اهتمامات اإلنسان يف أحرج اللحظات وأشد الساعات، وما ،معالأل إذا قرأ شخصيات هؤالء ا -من أمثالنا - املسلم املقصر : احلرقة يف قلبه، وهللا در الشاعر إذ يقولبوقدة يشعر ،كانوا عليه

م هشى معاملغ أذ إي ألشعرإن هالص مى يغشين راهبكأن

م ه سريتتب ما قل يعلمواهللا جمراهني الع دمعطأيوما وأخ

وسوف نقف يف هذه الرسالة وقفات مع سرية الفاروق ، مع إلقاء الضوء على آخر حلظات مر بن اخلطاب ع

: التاليةحياته، وذلك يف املباحث

. وقفات إمجالية مع سرية الفاروق: املبحث األول .آخر حلظات الفاروق : املبحث الثاين .أسباب مقتل عمر : املبحث الثالث . على فراش املوت عمر : املبحث الرابع .يف آخر حلظات حياته الفاروقمهوم : املبحث اخلامس

آخر حلظات الفاروق ٦

א א

א

: ومكانته يف الدينفضل عمر

له ما ض، يكفي يف شرفه وف عمر بن اخلطاب هو هذا يف األحاديث الصحاح الكثرية اليت ميكن أن أخرب عنه الرسول

جامع " : مثل ، مراجعة أي كتاب من كتب السنة عندلع عليها طنيف و ، البن األثري يف فضائل عمر بن اخلطاب "األصول

.الفضائل املشتركة بينه وبني أيب بكر

؟عن هذا الرجل العظيم ترى ماذا قال رسول اهللا

: يقول مسعت رسول اهللا : قال عن أيب سعيد اخلدري بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما "

ثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر وعليه يبلغ ال واحلديث )١("الدين: فما أولته يا رسول اهللا؟ قال : قالواقميص جيره،

.متفق عليه

من حديث " جيره: "بلفظ) ٢٣٩٠(وهذا لفظه، ومسلم ) ٢٣(أخرجه البخاري (1) أيب سعيد اخلدري

٧

خر حلظات الفاروقآ

فيما يرويه عبد اهللا بن عمر - قال أنه أيضا ويف احلديث اآلخر بينا أنا نائم إذ أتيت بقدح لنب فشربته حىت " :- اهللا عنهما رضي

،رى الري خيرج من أظفاري، مث أعطيت فضلي لعمر إين أل .)١(" العلم: قال؟لته يا رسول اهللا فما أو:قالوا

ولنب ، قميص جيره هو الدين ..لعمر عظيمة هذه فضائل ، فما بالك هبذا الرجل ، هو العلم من رسول اهللا ةيشربه فضل

!أي رجل يكون؟

:اإلسالم يصنع شخصية عمر

مل يكن هذا الرجل ؟م كيف صنع هذا الرجل انظر إىل اإلسال مثله مثل كثري له يف اجلاهلية شأن، كان رجال من رجال قريش

لو مات على هذه احلال ،منهم يرعى إبل اخلطاب يف أودية مكة لكان حاله حال الدمهاء الذين ابتلعهم حوت النسيان يف حبار

عمر ذرات شخصية من ملا أسلم انقلبت كل ذرة ولكنه الزمن، أثر اإلسالم، نا وهذا يربز ل ؛ بصورة جديدة تهوتكونت شخصي

، فيعلن -قصة إسالمه روايات على اختالف يف - لم هذا الرجل سي – إسالمه يف مكة، ويعمد إىل رجل هو مجيل بن معمر اجلمحي

. عمر رضي اهللا عنهمامن حديث عبد اهللا بن) ٢٣٩١(، ومسلم )٨٢( أخرجه البخاري (1)

آخر حلظات الفاروق ٨

أما علمت يا مجيل أين قد : له فيقول -معروف بنقل األخبار يخرج مجيل جير ثوبه، ؟، ف أسلمت، ودخلت يف دين حممد

يا معشر قريش، أال : ومير يف أندية قريش، ويصرخ بأعلى صوته كذب، ولكن قد : من خلفه يقول إن عمر قد صبأ، وعمر

وحده ال شريك له، وأن أسلمت، وشهدت أن ال إله إال اهللا ويقاتلونه حىت حممدا عبده ورسوله، فثاروا إليه، فما برح يقاتلهم

- من شدة التعب واإلعياء -رؤوسهم، فقعد قامت الشمس على افعلوا ما بدا لكم، فأحلف أن لو : وقاموا على رأسه، وهو يقول

يعين .()١("كنا ثالمثائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا ).مكة

ة؟ بني يوم وليل ر اإلسالم شخصية عمر كيف غي فلننظرثاين اخللفاء - بعد ذلك -من رجل مغمور ليصبح يتحول عمر

. هكذا يصنع اإلسالم الرجال..الراشدين

كثري تقفزبنا عقود من املسلمني وغرينا لكن حنن اليوم السنني، وجنري يف مراحل العمر من غري أن يشعر أحدنا بأنه

، والضياء يف املختارة )٦٨٧٩(، وابن حبان )٣٧٤(أخرجه اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة (1) .١٦٤ص / ٢كلهم من طريق ابن إسحاق، وانظر السرية النبوية البن إسحاق ج) ٢٢٦(

٩

خر حلظات الفاروقآ

يزداد يوما بعد يوم فيتقوى إميانه، وينضح عمله، وينجز يف - ن مسعود يقول اب ومل يكن هكذا شأن ذلك اجليل، . حياته

يكن بني إسالمنا وبني أن مل" :-فيما يرويه مسلم يف صحيحه öΝs9r& Èβ : سنوات أربعخوطبنا هبذه اآلية إال ù'tƒ tللذين (#ûθ ãΖtΒ#u β r&

yìt±øƒ rB öΝåκæ5θ è= è% Íلذكر «!$# $ tΒ uρ tΑu“ tΡ zÏΒ Èd,utù:$# Ÿωuρ (#θçΡθä3tƒ tكالذين

(#θè?ρé& |=≈tGÅ3ø9$# ÏΒ ã≅ö6s% tΑ$sÜsù ãΝÎκön=tã ߉tΒF{$# ôM|¡s)sù öΝåκæ5θè=è% ( ÖÏWx.uρ öΝåκ÷]ÏiΒ šχθà)Å¡≈sù ⟨ ]١("]١٦: احلديد(.

ومتر األيام والليايل وعمر هو الساعد األمين لرسول اهللا فيستخلف املسلمون ، إليه مث يقبض اهللا نبيه ،بعد أيب بكر

، لهه س شاء أن يسل مىت، فكان عمر يف يده سيفا أبا بكر اخلالفة بعد موت مث يتوىل عمر ،ن يغمده أغمده أ شاء ومىت

(3) يفري فريه )٢(، فما رؤي عبقري فيصنع األعاجيب ،أيب بكر فطوي بساط الكفر، وضرب اإلسالم بجرانه يف األرض وأصبح

.من حديث ابن مسعود ) ٣٠٢٧(أخرجه مسلم (1)

.شيء يفوقهالنافذ املاضي الذي ال: العبقري ) ٢( .يعمل عمله، إذا كان يأيت بالعجب يف عمله: هو كقولك: يفري فريه) ٣(

آخر حلظات الفاروق١٠

. شأن اإلسالم واملسلمني عجبا من العجب

١١

خر حلظات الفاروقآ

א א

א

كيف عاش ،نظر إىل صورة مقتل أمري املؤمنني لنو هذه الساعات اليت يؤمن فيها ؟الساعات األخرية من عمره

به ها الشاعر، واليت هي أجل حمتوم البد أن مير فيالكافر، ويعيا مصداق قول نرى ففي هذا املوقف . فاجرا مأكان كل إنسان برا

≅: öاهللا è% ¨β Î) ’ ÏAŸξ |¹ ’ Å5 Ý¡èΣ uρ y“$ u‹øt xΧuρ وممايت ¬! Éb> u‘ tÏΗ s>≈ yè ø9$# صار مماته و هللا هدرك أن عمر الذي كان حميا ون، ]١٦٢: األنعام[ ⟩

.أيضا هللا

بن ميمون األودي ويروي البخاري يف صحيحه عن عمر إين رأيت عمر بن اخلطاب " : أنه قال -وهو من التابعني املخضرمني -

ل، وقد مر على حذيفة بن اليمان وسهل بن حنني قبل أن ميوت بأربع ليا تحديد املبلغ الذي يضرب على أرض ل العراق وكان بعثهما إىل -

لعمر املبلغ الذي تستحقه األرض، فقال هلما احددوقد ،اخلراج ضربتما أي -ال تطيق محلتما األرض ما ا أن تكون ا انظر :عمر

آخر حلظات الفاروق١٢

له ناها أمرا هي محل :، قاال -عليها من اخلراج فوق ما تستحق أي الذي فيها يفضل بكثري عن – ما فيها كبري فضل ،مطيقة

واهللا لئن سلمين :دنا عليها لتحملت، فقال ز ، لو -خراجهاهذا ف ،)١("بعديإىل رجل اهللا ألدعن أرامل أهل العراق ال حيتجن

يفكر قبل أن ميوت بأربعة أيام يف من مهوم أمري املؤمنني هم أحد بعده إىل ال حيتجن جتعل أرامل أهل العراق خطة اقتصادية

!عن ، فما مرت عليه أربعة أيام إال وطاأبد

ة عمر إذا دخل املسجد وأقيمت الصالة تأخر كان من عاد واستووا؛ حىت اليرى خلال ، مث يستقبل : بني كل صفني فيقول

الصف املقدم بوجهه فإن رأى رجال متقدما يف الصف أو متأخرا ورمبا قرأ سورة به بالدرة حىت إذا مل ير خلال تقدم فكرب ضر

النحل، أو حنو ذلك يف الركعة األوىل، حىت جيتمع يوسف، أو قتلين ،أو أكلين الكلب، : أن كبر فسمعته يقول فما هو إال الناس،

كانت ، ثالث طعنات اجملوسي أبو لؤلؤة هطعنفقد (حني طعن،

من حديث ) ٣٧٠٠( كاملة يف صحيح البخاري انظر قصة مقتل عمر (1)

وانظر روايات . وستأيت أجزاء منها يف ثنايا السياق . عمرو بن ميمون األودي .احلديث يف شرحه يف فتح الباري

١٣

خر حلظات الفاروقآ

وكان على عمر إىل جوفهنفذتو ،ها حتت سرته فمزقت فتاقهاحدإوكان أمر اهللا قدرا : إزار أصفر قد رفعه إىل صدره فلما طعن قال

وتناول عمر يد عبد الرمحن بن عوف فقدمه للصالة وطار مقدورا،العلج بالسكني اليت معه المير على أحد ميينا والمشاال إال طعنه حىت

املسلمني طرح عليه طعن ثالثة عشر رجال ، فلما رأى ذلك رجل من ثوبا فلما علم أبو لؤلؤة أنه مأخوذ حنر نفسه ، فأما الذين كانوا خلف

، وأما نواحي املسجد فإهنم ال يدرون غري رأوا ماجرى عمر فقد ! سبحان اهللا ! سبحان اهللا : أهنم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون

عبد الرمحن صالة خفيفة مث غلب عمر الرتف حىت فصلى هبم شي عليه فاحتمل إىل بيته فلم يزل يف غشية حىت أسفر فلما غ

نعم : أصلى الناس ؟ قالوا : أفاق نظر يف وجوه من حوله مث قال الإسالم ملن ترك الصالة مث توضأ وصلى وجرحه يثعب : قاليا ابن عباس انظر من قتلين؟ فجال ساعة، مث : ، مث قال .دما

، -وامسه فريوز - لؤلؤة اجملوسي أبو: غالم املغرية، أي : جاء فقال قاتله اهللا، لقد أمرت به معروفا، : نعم، قال : ؟ قال ١الصنع: قال

."مل جيعل ميتيت بيد رجل يدعي اإلسالماحلمد هللا الذي

صنع بيده، وكان أبولؤلؤة صانعا أي الذي ي١

آخر حلظات الفاروق١٤

* * *

١٥

خر حلظات الفاروقآ

א א

هذا سؤال .. ؟ملاذا قتل أبو لؤلؤة اجملوسي عمر لكن و .هرا قريبا، وسببا خفيا بعيدا؛ ألن له سببا ظاكبري

:السبب الظاهر

، لؤلؤة كان غالما للمغرية بن شعبة ان أب إ :األحداث القريبة تقول من األعمال واملهن، اجنارا يتقن كثري و ،نقاشاو ،وكان صانعا

مينع العجم من دخول املدينة حفاظا على عاصمة كان عمر و ، عليه وأكثروا ، فغلبه املسلمون ،)١(تكثر فيها العلوج اإلسالم أن

إذ بعث ؛هم هذا الغالم من وكان ، لبعض العبيد أن يدخلوا أذنحىت فأذن ،بتصانع كا حاذق إنه غالم :املغرية إىل عمر بكتاب يقول له

يا أمري : فكان يوما من األيام يصنع شيئا لعمر فقال له عمر فدخل، وخيفف عين، خراجين م م املغرية بن شعبة يضع ، كل املؤمنني : وما عملك؟ قال :أربعة دراهم، قال : كم خراجك؟ قال :فقال

يف إن هذا اخلراج قليل : وكذا، فقال ، وكذا ، وحداد ،أنا جنار

).١/١٨٨(خمتار الصحاح . الواحد من كفار العجم، واجلمع علوج : العلج (1)

آخر حلظات الفاروق١٦

قد وسع الناس كلهم : جنب صنعتك اليت حتسن، فقال هذا الغالم عدل عمر إال أنا، وأضمر يف نفسه الشر لعمر، ومر به عمر يوما

- ؟ألصنعن رحا تدور بالريح : ر أنك تقول أخب أمل: فقال له وكان هذا الرجل فيما يبدو صاحب قدرة يف االختراعات

-واالبتكارات، فكان يتحدث أنه سوف يصنع رحا تديرها الريح ا س فأقبل على عمر عاب ،-وهذا أشبه مايكون بالطواحني اهلوائية

غرب، واملألصنعن لك رحا يسمع هبا أهل املشرق : مغضبا وقال أن -أو يظن - يعلم ، فكان عمر )١(عبدال توعدين: فقال عمر

.قاتلههذا الرجل

خطب اجلمعة، يف صحيحه أن عمر ىن مسلما رو إبل أراه إين ال إين رأيت كأن ديكا نقرين ثالث نقرات، و " :قالو

بنت عميس أمساء أن : ويف بعض الروايات ،)٢("إال حضور أجلي .)٣( عمرالرؤيا برجل من العجم يطعنرت هذه فس

رواه ابن سعد بإسناد صحيح إىل الزهري، وانظر فتح الباري احلديث رقم (1)

)٣٧٠٠ (

) ٥٦٧( أخرجه مسلم يف صحيحه (2) .من حديث معدان بن أيب طلحة ، ورجاله ثقات ) ٩٠( أخرجه أمحد (3)

١٧

خر حلظات الفاروقآ

يتمىن هذه امليتة، ويتشوق -رضي اهللا عنه -لقد كان عمر تل العام الذي ق ه يف بعد أن انتهى من حج إىل هذا املصرع فإنه

مث ،فرش عليها رداءه ع كومة من تراب مث مج اء، وأقام بالبطح ،فيهسين، كربت اللهم " : ه إىل السماء وقال ي ورفع يد ،استلقى

وضعفت قويت، وانتشرت رعييت، فاقبضين إليك غري مضيع وال اللهم ": ويف احلديث الصحيح عنه أنه كان يقول .)١("مفرط )٢(" رسولكيف بلد واجعل مويت ، شهادة يف سبيلك ارزقين

من ذلك فإن مكان الشهادة -رضي اهللا عنها -فتعجبت حفصة مة اإلسالم ولكن مكاهنا ساحات اجلهاد ليس بلد الرسول وعاص

إن اهللا يأيت بأمره إن : على الثغور وجبهات القتال ولكن عمر قال شاء ، فكان الناس يتعجبون من ذلك واليدرون ماوجهه حىت طعن

له بينهما حيث طعنه هذا الغالم فجمع اهللا . -رضي اهللا عنه - واملوت ،سبيل اهللا فأدرك الشهادة يف ،اهللا يف بلد رسول الكافر،

. يف بلد رسول اهللا

، من حديث أيب سعيد اخلدري، ورجاله )١٥٦٠( أخرجه مالك يف املوطأ (1) .ثقات

.من حديث أسلم موىل عمر ) ١٨٩٠(أخرجه البخاري (2)

آخر حلظات الفاروق١٨

.فهذا هو السبب القريب لقتل عمر

:السبب اخلفي لقتل عمر

لدين انتقاما قتل عمر فهو أن : وأما السبب اخلفي على يدي جيوش -دولة الفرس - م سقطت دولته ناجملوس الذي

بسكني اجملوس ، فأبو لؤلؤة طعن عمر أمري املؤمنني ذ لذلك ليس من الغريب أن يعظم اجملوس من ؛ مع اليهود بالتعاون

بابا شجاع " :أبا لؤلؤة اجملوسي، فيسمونه ذلك احلني وإىل اليوم املغرية أمر ألنه مل ي فأبو لؤلؤة مل يقتل عمر "..الدين

سقطت على ألن دولة اجملوس قتله؛ وإمنا ،ن خراجه مالتخفيف ب .ا للمجوسيةطعنه انتقامفيديه،

لو كانت القضية قضية اخلراج وختفيفه لكان األوىل أن فالذي يقتله أبولؤلؤة هو املغرية بن شعبة فهو سيده وهو الذي فرض عليه هذا اخلراج وهو الذي يطالبه به ، لكن حقيقة حقد هذا اجملوسي كانت الثأر جملوسيته؛ ولذا نراه بعد طعن عمر أقبل

ا يريد أن يقتل أكرب عدد على من خلفه يطعنهم كيفما اتفق وكأمن . من املسلمني ويتشفى منهم

١٩

خر حلظات الفاروقآ

: يسأل عن قاتلهعمر

:أما ملاذا يسأل عمر عن قاتله؛ فألمرين

أنه ظن أن له ذنبا إىل الناس اليعلمه، وأن الناس : أوهلما –لذلك حنقوا عليه وتآمروا على قتله، فدعا عبداهللا بن عباس

علم أعن مإل من الناس كان أحب أن ت : فقال -وكان حيبه ويدنيه هذا؟ فخرج ابن عباس المير مبأل من الناس إال وهم يبكون كأمنا

أعن مإل منكم كان هذا ؟ : فقدوا أبكار أوالدهم ، فيسأهلم فعاد ابن عباس فأخرب . معاذ اهللا ماعملنا وال أطلعنا : فيقولون

.فرأيت البشر يف وجهه: قال ابن عباس . عمر

على )١( من هو يف عدله وفضله وحدبه فها هو عمر وهو الرعية ودأبه يف شؤوهنم ومع ذلك مل يعتقد فيه الرباءة من العيوب والكمال املطلق ، وإمنا اتهم أول مااهتم نفسه وخشي أن يكون أساء إىل املسلمني من غري أن يشعر حىت سعوا للتخلص منه، إهنا

ة إليهم ولو كانت عن أحاسيس مرهفة ضد ظلم الناس أو اإلساء .قصد

.تعطف وحنا عليه: باحدب فالن على فالن، حيدب حد) ١(

آخر حلظات الفاروق٢٠

أنه كان خيشى أن يكون دمه يف عنق أحد هو آخر سببواحلمد : ي قال من املسلمني، فلما أخربه ابن عباس أن القاتل جموس

: فلما أصبح قال . هللا الذي مل جيعل ميتيت يبد رجل يدعي اإلسالم : أرسلوا إىل طبيب ينظر إىل جرحي،فلما دخل عليه الطبيب قال

، فدعا بنبيذ فسقاه إياه )١(النبيذ: شراب أحب إليك؟قال أي ال فخرج من جرحه من الطعنة اليت حتت السرة ، فاشتبه النبيذ بالدم

هذا صديد، ائتوين بلنب، فأيت بلنب : فلم يدر أهو نبيذ أم دم؟ فقال أوص ياأمري املؤمنني، : فشربه فخرج من جرحه ، فقال الطبيب

صدقين، : فقال عمر . ميتا من يومك أومن غد فإين الأظنك إال .ولو قال غري ذلك لكذبته

.ماء تنقع فيه مترات، كانوا يصنعون ذلك الستعذاب املاء: النبيذ ) ١(

٢١

خر حلظات الفاروقآ

א א א

א א

فشا اخلرب يف املدينة وارجتت له جنباهتا، وأصاب الناس مث ذهول الفاجعة فجعلوا يتواردون على دار أمري املؤمنني، ويدخلون

،له يشهدون املثخن جبراحه عليه أرساال، ينظرون إىل اخلليفة لك هنيئا" :له فيقول يدخل عليه شاب ،ويدعون ويبكون بني يديه

مث ، مث هاجرت ، صحبت رسول اهللا ،الشهادة يا أمري املؤمنني مث ، يف اإلسالم كما علمت ق وكان لك قدم صد ،جاهدت معه

احلمد : قال ،نعم: قال ؟ عباس ا ابن تشهد يل هبذا ي :الشهادة، فقال وال يل ، ال علي ، وددت أين خرجت منها كفافا : مث يقول عمر ،هللا ال عليه فا كفا ، أو من هذه اخلالفة ، خرج من الدنيا أنهيعين ود -- األرض عالطلو أن يل : أنه كان يقول : ويف رواية ،-له الو

. الفتديت به من هول املطلع- ملء األرض:يعين

جل كل حياته يف هذه الشخصيات اليت صنعها اإلسالم، ر يف اإلسالم وبالؤه وغناه وجهاده ، ومماته يف سبيل اهللا ؛سبيل اهللا

: ومع ذلك يبلغ به اخلوف أن يقول بأعلى املنازل وأجلها، الع ط، لو أن يل يل وال يال عل فا وددت أين خرجت منها كفا "

آخر حلظات الفاروق٢٢

".األرض الفتديت به من هول املطلع

ومن ،من طلبة العلم ما بالك بكثري من املسلمني اليوم ف ه بعمل يسري فعل ميفرح الواحد منه الذين ، ومن الدعاة ،املتعبدين ورمبا نظر ، ويتعاظم يف نفسه ، أو عمل خري ،أو دعوة ة، من عباد

بكثري من نا بل ما بال بسبب ذلك؛ إىل غريه نظرة ازدراء واحتقار أويطربون عامة املسلمني وهم يثنون على أنفسهم يف أحيان كثرية

قلوهبم خاطر اخلوف من على ، دون أن خيطر لسماع الثناء عليهم أعماهلم وهم ال يشعرون، كما قال اخلوف من حبوط و ،اهللا : βاهللا r& xÝt7øt rB öΝä3è=≈ yϑ ôã r& óΟçFΡr&uρ Ÿω tβρ Þßêô±s? ⟨ ]٢: احلجرات

: عن فعل عمر هذا -رمحه اهللا -ولذا قال احلسن البصري .]حسانا وشفقة ، واملنافق مجع إساءة وعزة ، هكذا املؤمن مجع إ

واهللا ماوجدت إنسانا ازداد إحسانا إال وجدته ازداد خمافة . وشفقة

فإذا عمر فينظر إليه ،دبر هذا الشاب من عند عمر مث ي : فيقول فريدونه عليه . بالغالم علي :فيقول. ثوبه ميس األرض

بقى أ :يف رواية و - ارفع إزارك، فإنه أنقى لثوبك ،بن أخي يا" ين، سهلة يف نظر كثري دعتقضية ميكن أن . "ربكل ىتقأ و -لثوبك

٢٣

خر حلظات الفاروقآ

جريح هوف ، يف موقف صعب عمر مث ،وهي إسبال الثوب ها أمه بل وهو يواجه قضايا كبرية يف الواقع ؛يعاين سكرات املوت

هل يعهد إىل ؟ وكيف يترك املسلمني من بعده، قضية اخلالفة بالعهد أو يترك املسلمني ؟موعة من الناس أو يعهد إىل جم ؟أحد

أن يف هذا املوقف ال ينسى أمري املؤمنني ك ومع ذل والوصية؟ أنه أسبل ثوبه، ، وهو ينبه رجال من املسلمني إىل خطأ وقع فيه

يا ابن " : قائال باألسلوب اللني واحلكمة واملوعظة احلسنة ههوينبة والدنيوية هلذا العمل، بني املزايا الديني يـ و ،"أخي ارفع ثوبك

ناحية ال، ومن " وأنقى ،أبقى لثوبك " :دنيويةالناحية الفمن -رضي اهللا عنه -قال ابن مسعود ".هو أتقى لربك " :ةخروياأل .يرحم اهللا عمر مل مينعه ماكان فيه من قول احلق:

رضي اهللا -وكانت رأسه على فخذ عبداهللا بن عباس : ي باألرض ، قال ابن عباس ألصق خد : فقال له عمر -عنهما

ألصق خدي باألرض فوضعته حىت : فوضعته على ساقي ، فقال إن مل يغفر اهللا -عمر–ويلك : وضع حليته وخده باألرض فقال

.لك

جزاك اهللا خريا، أليس قد دعا رسول : وقال له ابن عباس

آخر حلظات الفاروق٢٤

اهللا صلى اهللا عليه وسلم أن يعز اهللا بك الدين واملسلمني، إذ ون مبكة ، فلما أسلمت كان إسالمك عزا ، وظهر بك خياف

اإلسالم ، وهاجرت فكانت هجرتك فتحا، مث مل تغب عن مشهد شهده رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من قتال املشركني، مث قبض وهو عنك راض ، ووازرت اخلليفة من بعده على منهاج

، مث قبض النيب صلى اهللا عليه وسلم فضربت من أدبر مبن أقبل مصر اهللا : اخلليفة وهو عنك راض ، مث وليت خبري ماويل الناس

بك األمصار ، وجبا بك األموال ،ونفى بك العدو مث ختم لك واهللا إن املغرور من تغرونه ، مث : بالشهادة فهنيئا لك ، فقال عمر

: نعم، قال : أتشهد ىل ياعبداهللا عنداهللا يوم القيامة، فقال : قال .لهم لك احلمدال

مث دخل عليه الصحابة أرساال مث أهل املدينة مث أهل الشام مث -أي الذين كانوا باملدينة منهم بعد موسم احلج -أهل العراق

. وكلما دخل عليه قوم بكو وأثنوا

، ومعها النساء -رضي اهللا عنها -بنته حفصة ا جاءتمث يا " : وهي تقول ، عند أبيها ي تبك جعلت ف ،فخرج الرجال

فينهرها ،" يا أمري املؤمنني ياصهر رسول اهللا، صاحب رسول اهللا،

٢٥

خر حلظات الفاروقآ

أحرج عليك مبا يل ، ما أمسع ىال صرب يل عل ": ويقول عمر فلست كين أما ع ، بعد جملسك هذا )١(عليك من احلق أن تندبيين

، والندبة ،احةني يعين أن البكاء البد هلا منه، أما ال ،)١("هاسأحبدخل الرجال فإنه ال يرضاه، ، وما أشبه ذلك ،حماسنهاد وتعد

فقامت حفصة ومن معها فدخلت مكانا داخل الدار فسمع . بكاؤها من الداخل

* * *

كما سبق اإلشارة -) ٣٧٠٠(انظر قصة مقتل عمر كاملة يف صحيح البخاري (1)

) ٧/٦٧(، وانظر فتح الباري من حديث عمرو بن ميمون األودي -إليه ب عمر البن اجلوزي، وأخبار لعلي والرياض النضره للمحب الطربي ، ومناق

.الطنطاوي

آخر حلظات الفاروق٢٦

א א

א מ يف تلك نظر ما هي األشياء اليت كانت تشغل بال عمر لنف :قتصر منها على أمور أربعةأ ة؟اللحظ

:ن يدال

فأمري املؤمنني الذي كان على خزائن األرض مات ويف ذمته أقسمت : فقال البنه عبداهللا . دين ، أما مقدار الدين فثمانون ألفا

عليك حبق اهللا إذا مت فدفنتين أال تغسل رأسك حىت تبيع من رباع فإن وىف مال . آل عمر بثمانني ألفا فتضعها يف بيت مال املسلمني

وهم –آل عمر فأده من أمواهلم وإال فسل يف بين عدي بن كعب وهم – فإن مل تف أمواهلم فسل يف قريش -البطن الذي هو منهم

. والتعدهم إىل غريهم فأدعني هذا املال–قبيلته

أما سبب هذا الدين فقد سأله عنه عبدالرمحن بن عوف فقال ا ويف نوائب كانت أنفقتها يف حجج حججته : عمر رضي اهللا عنه

قد علم عمر أنه اليلزمه غرامة ذلك إال أنه : قال العلماء . تنوبين أراد أال يتعجل من عمله شيئا يف الدنيا ، وأن يستويف بذلك أجره،

٢٧

خر حلظات الفاروقآ

.وأن هذا منه مزيد حتوط وورع

مع هذا الدين الذي عرفنا -رضي اهللا عنه -فهذا حال عمر وضون يف مال اهللا بغري حق ، ويتفنون جهته فماذا نقول ألناس يتخ

يف اجترار املال العام الذي اشتركت فيه حقوق املسلمني فيحوزونه ألنفسهم مث ماذا نقول أمام هذا الورع العمري والقلق يف أشد الساعات كربا جتاه هذا الدين، وماذا نقول عن أولئك الذين

مث ينام اتسعت ذممهم للديون يستحوذون عليها بشىت احليل، أحدهم عريض الوساد وذمته مشغولة حلقوق الناس ، اليلقي هلا باال والحيمل هلا مها ، مع أن هذه الصور من االستدانة هي نوع

ومن أخذ أموال الناس يريد إتالفها " من أكل أموال الناس بالباطل ". أتلفه اهللا

؟أين يدفن ،ول الرس ةعاش أمري املؤمنني سنني طويلة يف صحب

وكان ، كلها هوخرج معه يف مغازي ة مث املدينة، مك معه يف صابروكان فقد الصفاء والقرب، ىنتهم يف قلبه مع قلب رسول اهللا

هذان السمع " : ويقول ، وحيب أبا بكر ، حيبه الرسول

آخر حلظات الفاروق٢٨

.)١("والبصر

،، وكذلك كان أبو بكر ه حبيب عمر وصفي فكان النيب : ولذلك قال البنه عبد اهللا ؛ القبور يف فرق بينهم ي عمر أن يفخش

وال تقل يستأذن عليك عمر بن اخلطاب :اذهب إىل عائشة فقل هلا وهذا إشارة – فإنين لست للمؤمنني اليوم بأمري ، أمري املؤمنني :هلا

وقل -منه إىل عائشة أن سؤاله هلا بطريق الطلب البطريق األمر ، وإال فادفنوين مع فإن أذنت ،هيدفن مع صاحب يستأذن أن ي :هلا

إليها -رضي اهللا عنهما - فذهب عبد اهللا بن عمر ".املسلمنييقرأ : فسلم واستأذن مث دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال

عليك عمر بن اخلطاب السالم ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، كنت أريده لنفسي وألوثرنه اليوم على نفسي فعاد ابن : فقالت -ارفعوين : فقال ، أقبل ابنك هذا عبد اهللا :له قيل فلما أقبل عمر،

شدة الشوق يف قلب عمر إىل أن يدفن إىل جوار صاحبيه جعلته ف فيقول البنه ،فيسندونه -ندوينأس : حىت يقول ،يتطلع إىل هذا اخلرب

من حديث عبد اهللا بن حنطب، وهو خمتلف يف صحبته، ) ٣٦٧١(أخرجه الترمذي (1)

حديث مرسل، وعبد اهللا بن حنطب مل يدرك النيب : قال الترمذي عقب احلديث

٢٩

خر حلظات الفاروقآ

ما فرح ح أي وفر ،ي عنه سرف تن أذ :قال ك؟لدي ما :-متلهفا-: قال، و له أن يدفن إىل جوار صاحبيه مسع بإذن أم املؤمنني حني

أي - قضيت فإذا أنا احلمد هللا ماكان من شيء أهم إيل من ذلك، فإن يستأذن عمر بن اخلطاب، : فامحلوين، مث سلم فقل -مت

أنه ؛ وذلك وإن ردتين ردوين إىل مقابر املسلمني وينلفأدخأذنت أن ترجع بعد يف حياته حياء منه وميكن خيشى أن تكون أذنت

أن يستأذنوا منها مرة موته، فأراد أال يكرهها على ذلك فطلب .أخرى بعد موته

: من بعدهاخلالفة

يا أمري وص أ : واملسلمون مجيع فقالوا له رم ع نعلقد ط -ستخلف فقد استخلف من هو خري مين أإن " :املؤمنني فقال يعين -مين ترك فقد ترك من هو خري أ وإن ،-يعين أبا بكر

أنه غري فعلم الناس حني ذكر رسول اهللا .)١( " رسول اهللا ويفة الذين ت ت مث جعل األمر شورى يف الس . أحدا بعينه مستخلف

شهدكم عبد اهللا بن ي" :، وقال راض وهو عنهم رسول اهللا

.من حديث حذيفة ) ٧٢١٨( أخرجه البخاري (1)

آخر حلظات الفاروق٣٠

، وأمرهم أن جيتمعوا ويتشاورا " وليس له من األمر شيء ،عمر -يعين سعد بن أيب وقاص -روا سعدا أم فإن" : قال ،فيما بينهم فإنين مل أعزله عن فليستعن به؛ وإال فأيكم ويل ،فنعما هو

.)١("خيانة

: ومما نالحظ من جمموع الروايات عن عمر يف االستخالف

تنحيته قرابته عن هذا الشأن، فإن الذين تويف النيب صلى -١ن باجلنة وقد تويف اهللا عليه وسلم وهو عنهم راض العشرة املبشرو

منهم اثنان أبوبكر وأبوعبيده وثالثهم عمر وبقي سبعة هم الستة الذين رشحهم عمر، والسابع سعيد بن زيد فلم يذكره عمر

ال أرب يل يف أموركم : معهم؛ ال لشيء إال لقرابته منه، وقال . فأرغب فيها ألحد من أهلي

ف عبداهللا ابن استخل: وأما ابنه عبداهللا فقد قال رجل لعمر قاتلك اهللا ، واهللا ماأردت اهللا هبذا ، أستخلف من مل : عمر فقال

وكل ما بره به عمر أنه ضمه إىل أهل . حيسن أن يطلق امرأته .الشورى يشهدهم وليس له من األمر شيء كهيئة التعزية له

إىل عزله لسعد ملا شكاه أهل الكوفة عمر ، ويشري )٣٧٠٠(انظر البخاري (1)

. من حديث جابر بن مسرة) ٧٥٥(والقصة يف صحيح البخاري

٣١

خر حلظات الفاروقآ

إن هذا الدرس العمري يعلن لألمة أن املسؤوليات ليست بات، وأهنا تكليف وليست حظوة، وأن أوىل الناس جماال للمحا

هبا أقدرهم وأقومهم هبا، وأن الترشيح لشيء أمانة يتحملها .اإلنسان ويلقى هبا ربه فيسائله عنها أغش أم نصح؟

حسن إعداده هلذا األمر رغم ماهو فيه من شدة -٢وكرب، فقد اختار أفضل ستة نفر من املسلمني مث حدد هلم فترة

كافية وحمددة حىت اليبقى املسلمون مدة طويلة يف فوضى زمنيةادعوا يل صهيبا : بال إمام، مث عهد بالصالة إىل صهيب فقال

صل بالناس ثالثا وليحل هؤالء القوم يف بيت فإذا : فدعي له فقال مث عهد بالناحية . اجتمعوا على رجل فمن خالف فاضربوا عنقه

عهد هبا إىل أنصار – واحلساسية وهي غاية يف اخلطورة -األمنيةاهللا وأنصار رسوله صلى اهللا عليه وسلم، فاستدعى أبا طلحة

إن اهللا قد نصر بكم اإلسالم فاختر مخسني : األنصاري، وقال له رجال من األنصار واستحث هؤالء الرهط حىت خيتاروا رجال منهم، مث استدعى هؤالء الرهط املرشحني فخاطبهم بكالم هو

لقد نظر .م عمر يف حزمه وعزمه وقوته الكالم اجلريح الواهن كالإين قد نظرت يف أمر الناس فلم أجد عندهم شقاقا : إليهم مث قال

آخر حلظات الفاروق٣٢

، فإن كان فهوفيكم ، فمن ويل منكم فال حيمل قرابته على أمهلوا ، : رقاب الناس، قوموا فتشاوروا، فلما قاموا ناداهم فقال

صهيب ثالثا فمن تأمر منكم فإن حدث يل حدث فليصل لكم .على غري مشورة من املسلمني فاضربوا عنقه

إن ساعة االحتضار ورؤية املوت ساعة تطيش فيها العقول ويتشتت الفكر ويذهل فيها املرء عن كل ماحوله، ولكن حتمل عمر لألمانة ، واستشعاره للمسؤولية ،وهم اإلسالم واملسلمني يف

كله؛ ولذا كان يف تدبريه حضور نفسه كان أقوى من ذلك العقل وقوة النفس وحسن التصرف وصدق الفراسة،رضي اهللا

.عنه وأرضاه

:وصاته ملن بعده

أوصى عمر من يلي أمر األمة بعده وصية جامعة ومفصلة ، بليغة وواضحة ، لوقاهلا يف سعة وقته وفكره وقوة جسمه ووفور

هذا الظرف العصيب صحته لكانت عجبا ، أما أن يقوهلا وهو يف رضي اهللا -واحلال الشديدة فهذا الذي الينقضي منه العجب، قال

أوصي اخلليفة من بعدي باملهاجرين األولني أن يعرف هلم : -عنهالذين تبؤوا "حقهم، وحيفظ هلم حرمتهم، وأوصيه باألنصار خريا،

٣٣

خر حلظات الفاروقآ

، أن يقبل من محسنهم ، وأن يعفو عن " واإلميان من قبلهم )١(الدار اإلسالم ، )٢(مسيئهم ، وأوصيه بأهل األمصار خريا فإهنم ردء

، وأاليؤخد منهم إال فضلهم عم )٤(، وغيظ العدو )٣(وجباة املال رضاهم ، وأوصيه باألعراب خريا فإهنم أصل العرب ومادة اإلسالم،

أمواهلم ويرد على فقرائهم ، وأوصيه بذمة )٥(أن يؤخذ من حواشي صلى اهللا عليه وسلم أن يوىف هلم عهدهم ، وأن )٦(اهللا وذمة رسوله . واليكلفوا إال طاقتهم)٧(يقاتل من ورائهم

وكما أوصى اخلليفة من بعده فقد أوصى املسلمني خبليفتهم

. أي سكنوا املدينة١ . أي عون اإلسالم٢ . أي جيىب املال منهم٣ . أي الذين يغيظون العدو بكثرهتم٤ . أي اليت ليست خبيار أمواهلم٥ ذمة املراد بالذمة هم أهل ال٦ .قصدهم عدو فإن املسلمني يقاتلون عنهم وحيموهنم: وبالقتال من ورائهم، أي٧

آخر حلظات الفاروق٣٤

. أحسنوا مؤازرة من يلي أمركم، وأعينوه وأدوا إليه األمانة : فقال

قد استوىف عمر يف وصيته مجيع : قال احلافظ ابن حجر طوائف؛ ألن الناس إما مسلم وإما كافر، والكافر إما حريب وال ال

يوصى به ، وإما ذمي وقد ذكره ،واملسلم إما مهاجري وإما رضي -أنصاري أو غريمها وكلهم إما بدوي وإما حضري، وقد بين

أ هـ. -اهللا عن اجلميع

النصح وصدق -رضي اهللا عنه -إنك ترى يف وصاة عمر : ق الدين الذي قال فيه النيب صلى اهللا عليه وسلم اللهجة وحتقي

وأن هم هذه األمة يعيش معه يف حياته وبعد موته؛ "الدين النصيحة " .فرضي اهللا عنه وأرضاه

* * *

٣٥

خر حلظات الفاروقآ

خالصات فوائد خمتصرة من هذه القصة

. شفقة عمر على املسلمني ونصيحته هلم وإقامته السنة فيه-١

عز - من شدة اخلوف من اهللا - عنه رضي اهللا - ما كان عليه -٢ .-وجل

. اهتمامه بأمر الدين أكثر من اهتمامه بأمر نفسه-٣

أن النهي عن املدح يف الوجه خمصوص مبا إذا كان غلوا-٤

مفرطا أو كذبا ظاهرا ومن مث مل ينه عمر الشاب عن مدحه

.مع كونه هناه عن إسبال إزاره

.مام بقضائها الوصية بأداء الديون واالهت-٥

. املشورة يف تنصيب اإلمام وتقدمي األفضل-٦

)١(. االعتناء بالدفن عند أهل اخلري -٧

. مالزمة األمر باملعروف والنهي عن املنكر على كل حال-٨

.فتح الباري عند شرح هذا احلديث) ١ (

آخر حلظات الفاروق٣٦

. إقامة السنة يف تسوية الصفوف-٩

١. االحتراز من تثقيل اخلراج واجلزية وما يشق على الرعية -١٠رضي اهللا عنه –ة الفجر، حيث كان عمر اإلطالة يف صال -١١ .يقرأ يف الفجر بيوسف أو النحل–

أن اإلمام إذا نابه شيء يف صالته، قدم من يتم باملأمومني -١٢ .صالهتم

مشروعية التداوي واالستفادة من خربات األطباء وأن هذا -١٣ .ال ينايف التوكل

الصحابة تسبيح الرجال يف الصالة إذا ناهبم شيء لفعل -١٤سبحان اهللا، سبحان : كما فقدوا صوت عمر وجعلوا يقولون

. اهللا

-عز وجل – تعظيم الرجاء يف نفس احملتضر حىت يلقى اهللا -١٥حسن الظن به ، وهلذا املعىن توارد ثناء الصحابة على عمر وهو

.يف هذه احلال وأن هذا ليس من الثناء املنهي عنه

.١٦/٢١٣عمدة القاري ) ١(

٣٧

خر حلظات الفاروقآ

مري الثياب فإن عمر ما كان لينهى حترمي اإلسبال واألمر بتش -١٦ .هذا الشاب وهو يف تلك احلال إال عن أمر يراه حمرما

احلذر من أخذ اإلنسان من املال العام ما ليس له حبق، -١٧ويظهر ذلك من ورع عمر يف رده على بيت املال ما أخذه مع أن

ه مع ما أخذه مما ال يلزم رده ؛ألنه صرفه يف نوائب تنوبه ويف حج املسلمني، فكيف مبن يأخذ هذا املال بغري وجه حق؟

. جواز البكاء عند املصيبة إذا مل يصاحبه نياحة وتسخط-١٨

فيه فضيلة الستة أهل الشورى ومنقبة هلم وأهنم أفضل األمة -١٩ .يف وقتهم

لتقريب عمر له على -رضي اهللا عنه –فيه منقبة البن عباس -٢٠ .ه على نفسهصغر سنه، واستشهاده ل

تعظيم قدر الصالةهنا أول ما سأل عنه عمر عندما أفاق -٢١ .الحظ يف اإلسالم ملن ترك الصالة: وقال

أن اجلريح واملريض يصلي على حسب حاله، فقد صلى -٢٢ .عمر وجرحه يثعب دما

يف حال عمر مشهد عظيم من مشاهد الثبات عند املمات، -٢٣

آخر حلظات الفاروق٣٨

أش، وحسن التصرف يف هذه احلال وقوة النفس، ورباطة اجل !العصيبة

٣٩

خر حلظات الفاروقآ

بعد ثالث من اليوم الذي طعن -رضي اهللا عنه-مث توفي عمرفيه، وكانت وفاته يوم األربعاء ألربع بقني من ذي احلجة سنة

ثالث وعشرين، وغسله ابنه عبداهللا باملاء والسدر وكفن يف ثالثة مث وضع على . صلى اهللا عليه وسلم أثواب، كما صنع برسول اهللا

يدعون ويصلون قبل أن يرفع ، قال ابن ) ١(سريره فتكنفه الناسفلم يرعين إال رجل آخذ مبنكيب، فإذا علي بن أيب طالب : عباس

ماخلفت أحدا أحب إيل أن ألقى اهللا مبثل : فترحم على عمر وقالعلك اهللا مع إن كنت ألظن أن جي-وامي اهللا-عمله منك ،

صاحبيك وذلك أني كثريا ماكنت أمسع النيب صلى اهللا عليه ذهبت أنا وأبوبكر وعمر، ودخلت أنا وأبوبكر : وسلم يقول

. )٢(" وعمر، وخرجت أنا وأبوبكر وعمر

وبوفـاة أمـري املؤمنني أيب حفص عمر بن اخلطاب ودعت األمة يتكرر بعد ذلك يف نوعا متميزا من الرجولة والقيادة والسياسة مل

. تارخيها

.أي أحاطوا به: تكنفه الناس (1) ) .٣٦٨٥(أخرجه البخاري (2)

آخر حلظات الفاروق٤٠

ودعت األمة عمر الذي كان إسالمه عزا وإمارته فتحا، وحكمه عدال، وكان بابا موصدا بني األمة والفنت فلما قتل كسر

أدرجت سعادة اإلسالم يف أكفان : الباب فلم يغلق، ولذا قيل .عمر

٤١

خر حلظات الفاروقآ

א

هؤالء الرجال لكما فإننا وحنن نستعيد مواقف .. وختاما :يقول الشاعر

أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره

هو املسك ماكررته يتضوع

وحنن نقف على هذه املشاهد املؤثرة ، واملواقف العظيمة .المنلك رجيف القلوب، والدمع العيون

واهللا يعلم ماقلبت سريهتم

يوما وأخطأ دمع العني جمراه

إنك تعجب أشد العجب من هذه احلياة الدؤوبة املستمرة، وهذا الزخم من جالئل األعمال يتدفق مع ساعات العمر

.وحلظات احلياة

ولقد متر بالواحد منا حلظات خشوع وإميان، أو مواقف رجولة وإجناز لكن العجب يف أولئك الرجال أن حياهتم كلها

. منتهاها كانت إميانا وجهادا وإجنازاوإىل

آخر حلظات الفاروق٤٢

فرضي اهللا عن أولئك الرجال وأرضاهم ، وجعل يف غرفات . اجلنان منقلبهم ومثواهم

سريهتم مقتدين، باجعلنا و ،اللهم أحلقنا هبم يف الصاحلني ومعهم يوم القيامة ،ني، وعلى هنجهم سائرين فوآلثارهم مقت

اللهم . وحييي آثارهم ، ممن جيدد سريهتم اللهم اجعلنا .حمشورينربنا اغفرلنا وإلخواننا الذين "ارزقنا حمبتهم واحشرنا يف زمرهتم

سبقونا باإلميان وال جتعل يف قلوبنا غال للذين آمنوا ربنا إنك . "رؤوف رحيم

وأصلي وأسلم على وآخر دعوانا أن احلمد هللا رب العاملني، .له وأصحابه أمجعنيوعلى آحممد نبينا عبده ورسوله

* * *

٤٣

خر حلظات الفاروقآ

אא

................................................املقدمة ٣

.....وقفات إمجالية مع سرية الفاروق: املبحث األول ٦

..................... ومكانته يف الدينفضل عمر ٦ ..........اإلسالم يصنع شخصية عمر رضي اهللا عنه ٧

............آخر حلظات الفاروق : املبحث الثاين ١١

..............أسباب مقتل عمر : املبحث الثالث ١٥

..............................السبب الظاهر ١٥ .................................السبب اخلفي ١٨ ...................... يسأل عن قاتلهعمر ١٩

........... علـى فراش املوتعمر : املبحث الرابع ٢١

٢٦ يف آخر حلظات مهوم الفاروق :املبحث اخلامس

.................................حياته

آخر حلظات الفاروق٤٤

....................................ن يدال -١ ٢٦ ........................؟ن يدفن أي -٢ ٢٧ ......................من بعدهاخلالفة -٣ ٢٩ ....................... وصاته ملن بعده-٤ ٣٢

...................فوائد خمتصرة من هذه القصة ٣٥

................................................وفاته ٣٩ ..................................اخلامتة ٤١ ...................................الفهرس ٤٣