مواعيد الذهاب إلي آخر الزمان رواية

عبده جبير

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

جبيرعبده

: له فارس علي حصان من الخشب ، رواية قصيرة وخمس •

، القاهرة ، دار الثقافـة ١٩٧٨ قصص قصيرة ط أولي تـاج مـن : مع مجموعة الوداع ١٩٩٦ ، ٢ الجديدة ، ط

، ٣ العشب ، القاهرة ،وكالة الصـحافة العربيـة ، ط . ، القاهرة ، وكالة الصحافة العربية ١٩٩٧

، ١٩٨١ ء األول ، ط أولي تحريك القلب ، رواية ، الجز • القاهرة ، دار ألف والمركز العربي للبحث والنشـر ، ط

، بيروت ، دار التنـوير ودار المثلـث ، ط ١٩٨٢ ، ٢ . ، بغداد ، دار الشئون الثقافية ١٩٨٤

سبيل الشخص ، رواية ، ط أولي ، بيروت ،دار التنوير • ٣ ، بغداد ،دار الشئون الثقافية ، ط ١٩٨٤ ٢ ، ط ١٩٨٢

، مـع مجموعـة ٤ دار مصرية ، ط ١٩٨٨ ، القاهرة، ١٩٩٥ قصص ،القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،

.

تاج من العشب ، مجموعة قصص ، ط أولي ، : الوداع • القاهرة ، الهيئة المصـرية العامـة للكتـاب ، سلسـلة

، القاهرة ، مع رواية ٢ ، ط ١٩٨٥ مختارات فصول ، شب ، وكالة الصحافة العربية فارس علي حصان من الخ

وكالـة .. ، القاهرة ، مع رواية فارس ٣ ،ط ١٩٩٦ ، . ١٩٩٧ الصحافة العربية ،

عطلة رضوان ، روايـة ، ط أولـي ، دار راماتـان ، • . ١٩٩٥ اإلسكندرية ،

، قـاهرة ، ط أولي ، ال مواعيد الذهاب إلي آخر الزمان • . ٢٠٠٤ ، ،نوفمبر الهالل دار

رجل العواطف يمشي علي الحافة ، مجموعة قصص ، •

. تحت الطبع . آلة الكتاب ، رواية ، تحت الطبع •

مالحظتان

عان الكاتب ضمنا بعدد مـن المراجـع وكتابـات است ـ ١ بتصرف، بعضـها أخذها عن بعض الصحف آلخرين

وال يفوتنا ذكر اآلخرين تمت اإلشارة إليه في موضعه ــوليس ، : ــي ، ج س ك ــم، ع م المخزنج ف الهاش

الوطن ،القبس ، الـرأي العـام ، المرزوقي، ل بقطر، ، عـالوة األهرام ،الحياة ، الشرق األوسط العربي ،

والفضـائيات العربيـة علي مواد مـن اإلنترنـت ، مع الوقت بعضها ضاعت أسماء أصحابها والعالمية ،

لكن الذي استغرقته كتابة الرواية خالل خمسة أعوام، . ولذا لزم التنويه الكاتب يعترف بالفضل للجميع ،

تعنـي ) ف ( أن ـ كما ال يخفي علي القاريء األريـب ٢

. اختصرت لدواع فنية ) فصل (

)باب (

في ثياب الساعات

لقد تطلعت من قبل في صفحات الكتاب المفتوح ، "

الكتاب االفتراضي ، فلم أر سوي صورة ذلك الحشد المتالطم ،

الخارج من البوابات الكبيرة ، . ال يعرف إلي أين

ليس إلي سفينة نوح ، . ال وال إلي جنة عدن ،

وال إلي بالد السندباد ، وال إلي ـ

".لذي أدي بهم إلي الصحراء لكن إلي المحيط ا

كم الساعة اآلن ؟ من كـان : من هو الذي قال يا تري وكـان قـد أدار لـي ( ناحيته صاحب الصوت ؟ لقد التفت

ولم أقل شيئا ؛ فلم أكن أعرف ـ علي أية حـال ـ ) ظهره ، لكننا كنـا ) أقصد في أي ساعة نحن ( أين يمكن أن نكون . باح ، ربما بعد العاشرة بقليل في وقت ما من الص

كانت أمامي ثالثة فناجين من القهـوة فارغـة ، وقـد باألحرى كـان سـلمان ( اعتدت أن أشرب واحدا كل ساعة

رشدي ، عامل البوفيه الباكستاني، يأتيني بها حتى لـو لـم . وأنا آتي إلي هنا في السابعة تقريبا ) أطلب

مواعيـد سلطان أبو حمزة هو الذي يحـدد لـي أول الذي يمتلكه " تحرير الكويت " الصباح ، عند عودته من مطعم

التـي ال ( لبناني علي أية حال ، ومعه الطعميـة السـاخنة يمر علي ، يخبط علي ، علي، ) يرضي عنها بديال إلفطاره

) ثالث مرات ـ كما هي ضـربات المسـرح ( علي نافذتي " . اصحي : " ويقول كلمة واحدة مستيقظا ، وإذا لم أكن قد حلقت ذقني في غالبا ما أكون

: الليل ، فإنني أفعل ذلك في الصباح، مـع بقيـة الطقـوس

شريحة بقسماط محمصة أغمسها في كوب من الحلبة باللبن ، وأتجرع بقيتها ، وأخرج ألجده في عربته النيسان المهترئـة

" نتفـة " وهو ال يزال يلوك بقية وجبته الساخنة ، وعلي شفته طعمية ، ونمر علي ثالثة آخرين ، يتغيرون بين الوقت من ال

واآلخر ، ، نحملهم معنا ونحن في طريقنا لمكاتبنا ، نسقطهم ،واحدا بعد اآلخر ، عند مكاتبهم ، فـي الشـويخ ، حيـث

. معسكر العمل الكبير لكن ، هل كان ذلك صـوتا بعينـه ؟ أراد ، ربمـا ،

ينها؟ أم كان واحـدا انتزاعي من األضابير التي كنت غارقا ب من تلك األصوات التي أخذت تهتف بي في خفوت ، من بعيد

في تلك اللحظة التي أكون قد رفعت فيهـا نظـارتي عـن ( في األيام األخيرة ؟ ) عيني

. األيام األخيرة ؟ أظن أنه يجب العثور علي طريقة للتخلص مـن هـذا

. الطنين ) لتقريب ولو من باب ا ( ربما لو أخذت الوقت في يدي

حوالي العاشرة ، الواحدة تقريبا، ال، لم ال أتبـع الطريقـة _ بعد الظهر ، في الضـحى ، : التي تعودنا عليها في الشرق

في الصباح ، أو من هذا القبيل ، هكذا بكل وضوح، فسيكون هذا ربما ، أسهل ، وربما كان مفيدا لحالتي الصعبة؟

أن ) عـودت باألحرى ت ( لكنني علي أية حال ، تربيت . أحدد مواعيدي بتقلبات الليل والنهار، هذا أفضل

. ربما يكون هذا مناسبا أكثر لي ، أو لحالتي اآلن أدرك أنه ال فرق بين هـذه الطريقـة ، وتلـك ( . لكن يبدو أن صوتا مر من هنا " ) الشرقية " الطريقة

. ربما

)ف (

. كان الوقت ـ إذن ـ ضحي لحظة ، في هذه اللحظة بالـذات ، أعتقد أنني في هذه ال

أن أكتـب رسـائل إلـي معـارفي ، : قد توصلت إلي حل خطيبتي السابقة - و ) عشيقتي باألحرى ( أصدقائي ، حبيبتي

، التي لم تستطع االنتظار طويال ، فنزوجـت ، وإن بقيـت . العالقة قائمة بيننا

كتابة رسائل كل يوم ستفيدني علي األرجـح ، ربمـا . ماذا يمكنني أن أسميه ؟ - هذا الذي خلصتني من

لقد فكرت في العودة إلي مصر ، ولكن هذا لم يبد حال كيف لي وأنا هناك أيضا فكرت طويال في العـودة أصـال (

إلى عصر إخناتون نفسه ؟ حيث كانوا ينقلون الحجارة ، عبر ، فقد جئت إلـي ) الفضاء ، بالتحكم في الجاذبية األرضية ؟

ال أقول ربما للبحث عن روحـي فـي ( كويت هنا ، إلي ال لكن هربا من ) الصحراء ، فلدينا هناك صحراء ال نهاية لها

. تلك الحال . ربما

. ال أعرف

)ف (

هاأنذا بعد لحظات أكتشف أنه ليس بمقدوري أن أذكـر ، سـأكون ، إذن ، ) الحقيقيـة أعنـي ( األشخاص بأسمائهم

ألسـنا فـي ( وجوههم مضطرا للجوء إلي وضع أقنعة علي

كل واحد ، كل شخص ، كل واحدة ، ما يناسبه ، ) مسرح ؟ ما يناسبها ، وكال وحجمه ، سواء هنا أو هناك ؛ وهذه اللعبة

. تستهويني علي أية حال ربما يكون اسم عامل البوفيه ـ سلمان رشدي ـ هـو الذي أوحى إلي بهذه الفكرة ، فهو علي الـرغم مـن كونـه

اجر أهله من الهند ، إال أنه ال عالقة لـه بـذلك باكستاني ه . الكاتب سيئ السمعة المطلوب للقتل

. ربما من أسماء المشاهير حتـى ( تلبيس الناس أسماء أخري

ستكون لعبـة مسـلية ، ) لعبة األقنعة - تكتمل لعبة اإلخفاء وأنا ال أجد أمامي حال آخر سوي أن أتسلي ، ربمـا حتـى

تون حيث كان الناس يستحمون مـرتين يعود إلي عصر إخنا . في اليوم

أنا أتسلي بالفعل ، بقدر ما في هذا من طمأنة للـنفس ، بقدر ما هي وجهة نظر في الحياة ؛ بدأت علي هيئة وهـم ،

. ثم اعتدتها حتى أصبحت طريقة نظر .. كتابة رسائل ستكون . األفضل أن أبدأ اآلن

ولنسـمها ( سأكتب في الكشكول الذي أهدتنيه ضـحي ثم أفرغ الرسائل فـي ) خطيبتى السابقة ( ـ ) سعاد حسني

. األوراق عند اإلرسال بمن أبدأ يا تري ؟

إن علي أوال أن أن أضع كل شئ في سياقه ، علي أن ) أو الـذات ( أن أترك نفسي علي سجيتها ، تقييد األمـور

. سيلحق بي أفدح األضرار ما المشكلة إذن ؟

المشكلة ؟ ألن الوقت بدأ يضيع مني ، إنه ، آه : أعرف ، ربما ال

ـ لم تعد هناك إمكانية الحتمال المزيد، إن كنت سأظل هكذا هاهي الكلمة قد . ، فأظن أن األمور سائرة إلي ـ ال أعرف

وفرض النسيان نفسه ، تجسد ، انتصب ، دون .. نفرت منـ . قصد

في من علي انصرا ) أو نحوهما ( لم يعد سوي ساعتين العمل ، باألحرى ، ما الذي يجعل شخصا مثلي ، لم يحمـل

متأكدا من ذلك ؟ ١٩٧٣ في معصمه ساعة منذ

أظنني سأشـغل نفسـي حتـى االنصـراف بمتابعـة ) : بعضها يجعلني أبتسم ( اإلعالنات في الصحف ،

ثـالث . ( سيدتي . سيدتي . سيدتي . للنساء فقط " .. ) لهـا شـكل بيضـاوي حو ( خلطة سرية لتضييق ) مرات بيجر . أم خالد . أعراض جانبية ) كذا ( ال يصاحبها . النساء

) . ثالثة أصفار ( ٠٠٠ رمز ٩١٥٦٤٦٠ ( وهذه علي أية حال تسلية تعلمتها من محمود الجزار

، هل قلت أبتسم؟ ، آه، إنه ال أحد ) محمود المليجي : الرمز يضحك هنا بصوت مرتفع ، ال ضحك مجلجل ، كل شـيء ( ساكن في هذا الوقت من اليوم ، النار مشتعلة في الخارج ،

، وأنت ال تسـمع سـوي ) أقصد أن الجو ملتهب ـ جدا ـ وال تشم سوي رائحـة ( محركات التكييف ششششششششش كأنك موجود في جوف ) احتكاك عجالت السيارات باإلسفلت

، ! ) الحداثـة علـي أشـدها ( ماكينة ال تكف عن الـدوران ن الصلدة سابقة التجهيز ، الجدران المسلحة ، النوافـذ الجدرا

األلمونيتال ؛ يا لها من فكرة في هذا الجو الصعب ، الستائر الساخن ؟ ال، - وإال أكلك الضوء الساخن ( التي ال بد منها

ال بد لـك مـن أن ( ـ .. ) الملتهب ؟ ال، المشتعل أفضل

ال يكفـي كـل أ ) تدخل إلي الظل ، في الظالم : تحتمي منه ! . ذلك ؟ ، داخلك ، أبدا ، كل ذلك

. كدت أنسي ) مديحة حمدي : الرمز ( والء ال بد أن أكتب لها ، ال بد ، هل ال زالت تنتظر رسائلي

صاحبي الذي يكتب ( ؟ لقد قالت ذلك ، حدثني عادل السيوي روايات صعبة الفهم ،وتعرفت عليه من مقهى الحريـة فـي

،وأصبحنا صديقين ،ولم أفكر بعد في باب اللوق منذ سنوات قناعه ، قناعه هو بالذات ، فبيننا خزانة أسرار ، لو عرفهـا

: ـ قال ) الناس ال نخربت بيوت وتقاتلت تنظيمات ـ اتصلت بي وقالت ، عبرت عن رغبتها في االتصال

قالت إنني البـد أن أن ) كم أنا مرتبك ؟ ( – ، أعني ، أف ) شـريهان ( صديقتها اآلنسة ليلـي علي عنوان ( أكتب لها

بقالة علي مبارك، ال، أظن أن من المفروض أن أكتب باسم الوالد ، ومنه إلي اآلنسة والء أيوب ـ خاص ـ وهاأنذا أجد

في موقف غرامي ، سخيف ) وشكرا لساعي البريد ( نفسي وعلي أن أشـرح ( ، أشبه بالمواقف المملة في فيلم مقاوالت

ه المقاوالت ، وكان األوفـر أن أقـول فـيلم اآلن ما هي هذ عطفة : ـ وبقية العنوان ؟ أظنه ) تجاري رخيص وأخلص

العروس ، حارة الجمل ، علي ما أظن ، أين دفتر عناويني؟ فـي البيـت علـي ) إذ تصبح له األهمية القصـوى اآلن (

األرجح ، لكن المؤكد أن المنطقة هي السيدة زينب ، القاهرة . د طبعا ، واسم البل

أي بلد ؟ تليفونيـا ( قال عادل أن أكتب لها ، ألن االتصـال بهـا

غير ممكن ، فارق السن الكبير بيننا يحول دون ذلك ، ) طبعا أقصد كيف كان سيكون ، – إنني أخجل من األمر ، كيف بي

كنت سأذهب إلي والدها ألتحدث في الموضوع ، والدها الذي الفارق بينه وبين ( سأكونها يعاني من نفس المأساة التي كنت

، وأنا ، علي الرغم مـن أن ) أم والء يزيد عن ثالثين عاما الفارق بيننا ال يبدو علي هذا النحو ـ أظنه ال يزيـد عـن خمسة وعشرين عاما ، وهو ما يقره القانون اآلن ـ كنـت

. سأجد نفسي ـ لو حدث ـ في نفس الموقف لرغم من أنه هـو ربما ، فهو ، علي أية حال ، وعلي ا

بنات ، كلهـن ، ٥ الـ ) أقصد يصرف علي ( الذي يقيم أود كلهن ، إال أن موقفه كان صعبا ، من يعرف بم كان يحـس وامرأته بجواره تتحرق شوقا ؟ من يعرف ؟ ، ربما ألنه لـم

حكت لـي والء ، فهـي ( يعد يستطيع االنتصاب منذ زمن هو ما جعـل ، وربما كان ذلك ) وأمها تتحاجيان بكل شيء

والء علي هذه الدرجة من الجراءة ، آه ، فهي التـي بـدأت خلعت مالبسها ، وأمسكت قميصي وشدته ، : معي كل شئ

وهو ما ( قطعة قطعة ) حتى الخجل ( جردتني من كل شئ أترك لي نفسك ، وأنا سأفعل : " قالت ) سأتحدث به بعد قليل

كلمة فـي هـذا ؛ إال أن العم أيوب ال يتمتع بأي " كل شئ : " بنات وأمهـن ، قالـت لـي والء ٥ البيت ، وسط الـ

المسكين يعيش في مستعمرة حريم ، ولال لما يكون عندنا كلنا " . تبقي ريحة الشقة كلها حيض ، حيض "! العادة "

أذكر أنني لما لعبت معها من الخـارج ـ مالمسـة ( يعني ـ وكان عندها اإلكس ، ظللت أشم رائحة الحيض في : كل امرأة أراها ، حتى خلت أن عالمـة بيـت الزوجيـة

) . رائحة الحيض في كل ركن

)ف (

سأكتب فعال ، سأشرح بالتفصيل كل ما هو عليه حالي ، ال بد يا والء أن أوضح لك الموقف علـي اآلخـر ، مـن اللحظة التي التقيت فيها محمود الجزار ـ هذا هو اسمه علي

ك ـ بدا كل شـئ مختلفـا ، إنـه الرغم من أنه يحب السم يستيقظ مبكرا في الصباح ، يحتسي الشاي المغلي مع السكر ـ يذكره هذا بقريته في المنصورة ـ ثم يشرع في التخطيط تحت اإلعالنات المهمة ـ من وجهة نظره ـ فـي جرائـد

علـي الجرائـد " ينـدار " الصباح ، واحدا بعد اآلخر ، ثـم ( بها من البقـال اإليرانـي المخصصة لإلعالنات التي يأتي

( مجانا ، إعالنا وراء اآلخـر ، يـدرس ويخطـط ) ميرزا وأظن أنني بدأت شخصيا أقتنع بأهمية فعـل هـذا ، فبـين

، " هناك فرص سانحة تنتظر من يقطفهـا " سطورها ، قال ، إنه فعال يتابع ما بين السطور ، إنه ، علي األقل ، يعتقد ذلك

، وأنه سيكتشف السر الكبير الـذي ) ثم إنه ال يؤذي أحدا ( أقصد الذي يربط بين كل هذه األحاجي السحرية – يقف بين

التي يعاملها ، فعـال ، ) ربما كانت هذه فعال تمائم العصر (

علي هذا النحو ، وكأن هناك شيئا غامضا عزيزا مخبأ فـي . بشكل ما – قمقم

. ال بد أن هناك سرا : يقول . كيف ؟ : أقول هذا هو قناعي ، أما اسـمي ( يا رفعت الجمال : ل يقو

يـا ) الحقيقي فهو رفعت محمد ، وهو اسم عادي كما تري رفعت ، اسمعني ، إن الهنود والبلوش لم يسـتوطنوا هـذه البالد ، حتى قبل النفط ، عبثا ، هل تعرف كم أسـرة مـن األسر الغنية ، المليرديرات يعنـي ، مـن أصـل هنـدي ،

ا الفرس الذين تفاجأ بحجم وجودهم ؟ ال بـد أن وبلوشي ، كذ . هؤالء جميعا لديهم ما يمكنهم االستناد إليه من حجج

. آه : أقول أال تراهم يمشون لألمام ؟ طبعـا كـل النـاس : يقول

يمشون لألمام ، لكن هؤالء يمشون لألمام بطريقة معينـة ، طريقة خاصة ، أشبه بالدحرجة ، إنهم ال ينظرون إلي شئ ،

. إنهم يتطلعون للداخل هذا هو حلمي ، أن أكشف سـر : قال لي أمس األول

. هذه المشية

ال أريد أن أشغلك يا والء به طويال ، فهـو صـاحب فلسفة عالية ال يمكنك فهمها ، وإن كان هو يستحق فعال كمية الضحك التي يضحكها ، وأنا أحبه علي الرغم من أنـه لـم

. كلماتي يستمع أبدا لكلمة واحدة من السخرية ؟

آه ، أظن أنني توصلت إلي حل ، أعرف أن الناس في شوارع القاهرة قد توصلوا لهذا الحل منـذ آالف السـنين ، لكنني حين أكتشفه في نفسي يصبح األمـر مختلفـا ، وهـو مدعاة للضحك علي أية حال، وهو جزء من وصـيتك ، يـا

. ضحي ، علي أية حال

)ف (

. جاء المساء كان الجو غائما بالفعل ، أخذتني قدماي إلـي الشـارع الذي لم يعد يستند إلي سور ، الشارع مهدم السور ، أظن أن خلفه أحد األندية الرياضية ، نـادي القادسـية بـاألحرى ،

، لكنني لم أسـمع أبـدا " حولي " سمعت أنه موجود هنا في

ـ د صوت الجمهور من خلف السور ، حتى قبل هدمه ، ال ب . أنه الحر

. سر الوجود هنا . الحر – ومشيت حتى عرقت ، وأنا غارق في

كانت نسمة خفيفة قد بدأت تخفف من وطأة الرطوبة ، يا ( علي كل إنني أعتذر ألن الجرعة أشد مما يمكنك تحمله

صدقيني ، إنني أحاول جاهـدا أن ) والء أم ضحي ؟ : من . ل بشدة أحاو ) أضحك ( أكون مرحا ، عمال بوصيتك

أراك يا والء تضحكين وتضحكين ، والسرير النحاسي يهتز تحت خلفيتك المتماسكة الممتلئة ـ وأنا أتسلل بيدي إلي

. حتى تنزلق كفي من شدة النعومة ، والدفء – . لكن ال يهم

. أعرف أنه ليس علي أن أسترسل في النظر طويال

)ف ( ب المفتـوح ، لقد تطلعت من قبل في صفحات الكتـا (

الكتاب االفتراضي ، فلم أر سـوي صـورة ذلـك الحشـد المتالطم الخارج من البوابات الكبيرة ، ال يعرف إلى أيـن ،

ـ ال ، ليس إلى سفينة نوح، ال ، وال إلي جنة عـدن ، وال ، لكن إلي المحيط الـذي أدي - إلي بالد السندباد ، وال إلى

) بهم إلي الصحراء ي ؟ الصحراء مرة أخر

لقد حاولت ، هذه المرة جادا بالفعل ، وأنا أمسك بيدي ( ، فعال هذه المرة أيضا ، كتاب الباشا عاشـق الصـحراء ،

ـه كرهـا – أن أمحو ما في قلبي منها من ) يوسف كمال سم أو خوفا أو كونها رمزا للجفاف ، حاولت أن أن أري ما رآه

رآه فيهـا فيها الباشا من مرتع للروح ، مستندا إلـى مـا األقدمون من مسافة للزمن األبدي ، لكنني لم أستطع حتـى اآلن أن أمسك بطرف الخيط، وكل محاوالتي ، بعدها، كانت مخلصة إلعادة النظر ، وتمرين النفس ، لكن الفشل كان من

. نصيبي أعتقد أنني حين وصلت إلي هذه المرحلة من العمـر ،

، كان صدري قـد كان علي أن أقف قليال ألصلح من عدتي بدأ يصدر أصواتا خائفة ، وكانت معدتي قد بدأت تتألم ألقل حركة ، وكان قلبي يرتجف ، فهل سيكون باإلمكان العثـور

. علي ميكانيكي رحيم ليقوم هذه اآللة ؟

)ف(

عدت يا والء إلي الناحية األخـرى مـن الطريـق ،

) كريز اللدنتين كـال ( صدقيني ، إنني لم أنس أبدا طعم شفتيك ونحن عاريان علـي السـرير ( ، تذكرين أنني قلت لك ذلك

قلت لك أن قبلتك ذكرتني ، بعد طـول جفـاف ، ) النحاسي بطعم أول فم أبوسه ، غضبت ساعتها ، وعدت تسألينني عن

يا الهي ، الحب األول ال يمكن استبداله ، وسـيظل ( وفاء ، ـ تبداله ، ال طعمه عالقا بالنفس ال يمكن حذفه ، ال يمكـن اس مشـروع ( بوالء ، التي أحبتني دون مقابل ، وال بضـحي

وال ) التي وقفت كبديل محتمل ( وال بنهي ) الزواج الفاشل حتى بالخوجاية اإليطالية باتريتسا التي قضيت معها شـهرين

عقـب ليلـة ) وهي ال تكف عن استعمال فمها ( في الفراش . رأس السنة

للكتابة لـك ، أقصـد أن أظن أن على أن أجد طريقة وأن ) مـن خلـف بابـا ( أنهي رسالتي لك ، وأن تصلك

تقرئيها حتى النهاية ، وال يهمني عندئذ لو فرجتها لصاحباتك . في طول السيدة زينب وعرضها )ف(

علي التلتوار ! ) أدراجي ؟ ( هاأنذا أمشي عائدا أدراجي

. المترب ، أحس بجوربي وقد تعفن ، الحر ، الحر تصور ؟

ال يبـدو عنـد ( علي المقهى ، هناك مجموعة شـبان يرتـدون ) النظرة األولي أنهم من الجاليـة ، هـل يبـدو ؟

الدشاديش الكويتية البيضاء ،والشـماغ األحمـر بـاألبيض لزوم طبيعة العمل الذي يمارسونه في المصالح ( المربعات ،

علـي الحكومية كمندوبين ،حيث يتم التعامل مع الناس بنـاء يضحكون بصوت مرتفع ، مجلجل ، يجلسون علي ) مالبسهم

المقاعد الخشبية خارج المقهـى ، إنهـم وحـدهم الـذين ال يتطلعون إلى شاشة التلفزيون العريضة ، دونـا عـن بقيـة

. الرواد المدهش يا والء إنني سمعتهم ، وهم يجلسون خلفـي ،

قـاهرة ، يثرثرون عن فتياتهم اللواتي تركوهن في البالد ، ال

وصدمت يا ليلي ، أقصد يا والء حين تأكدت – والمنصورة مغتربون من مصر ، لكنهم يبدون أكثـر : أنهم أيضا مثلي

سعادة ، ربما بفعل الزمن ، أقصد ربما ألنهم صغار السن ، والحلم ال يزال يراودهم ، الحلم أو الوهم ، ال يهم ، المهـم

لشيء الذي فقدتـه، أنهم يعيشون في ظل هذا الشيء ، هذا ا إنهم أكثر سعادة إذن ، أقصد ، ربما أقل اكتئابا ممـا عليـه

أف ، ربما جاءوا بإرادتهم ، – حالي ، أو علي أحسن تقدير .. أقصد

. الشاي ثقيل ومر . معدتي تتقلب

. الجرسون هو أيضا مصري خفيف . أريد أن أتقيأ ، األفضل أن أتقيأ في البيت

. تلفت حولي وقمت . يت ومشيت مش

. كان الليل قد جاء

)ف(

فتحت الباب بصعوبة وأشعلت ضوء الصالة ، رائحـة الرطوبة ، إنه موعد الصراصير ، أقصد موعد تكاثرهـا ، فالصراصير ال تنقطع في مثل هذه الشقق العزابي التـي ال تدخلها الشمس ، خاصة تلك التي تقع في األدوار األولي مثل

. ملحق : ونها شقتي ، تلك التي يسم دخلت غرفة نومي فوجدت أن الليل قد جـاء فعـال ، تمددت علي السرير فخفت التقلصات ولم يكن لدي رغبة في

. النوم هذا طبعا ) زيد بن عبيد ( سأكتب لك يا ضحي بحكاية

ليس اسمه الحقيقي ، هذا الذي اختفي بعد أن مر علينا جميعا ، ليقرأ عليه آالم فرتر ، ، واحدا واحدا ، كان ينفرد بكل منا

أقصد هذه الرواية ، بصوت مشروخ ومكسور ، انقطع منـه فجأة حتى لم يعد يستطيع القراءة ، فاختفي، لكنه تـرك لـي

: تحت عقب الباب ورقة كتب فيها أنا اآلن صامت ال أتحدث مع أحد ، في تلك األمور ، "

في فتحت فمي مرة واحدة ، قلت رأيا عابرا ، فوجدت نفسي

جب ، لن أتحدث عن هذا السر الخبيء ، هذه الحادثـة لـن ". أتحدث عنها

لم ال أكتب أيضا لوالء ؟ أوحشتني ثرثرتها التي ال تنقطع وال تكف مثل ماكينـة طاحونة الدقيق ؛ سأكتب لك يا ضحي فعال ، هـل ال زلـت

تذكرين رحلة القطار ؟ الرحلة المجنونة ؟ . أنتم يا من ستركبون - . معكم خذوني - هل سيقف القطار علي هذه المحطة أيضا ؟ - أي قطار هذا ؟ - هل هو الطالع لتوه ؟ هل ستركب أم تقف ؟ - . قطار التاسعة ال يقف سوي في النهاية - هل سنصل هناك في آخر الليل ؟ - في الفجر أم بعد ذلك ؟ - . سنصل اإلسكندرية حاال - . زت تذاكر العودة ، ما هذا الزحام أنظر ، لقد حج - اخشي أن يقف ، وعلي أي حال ستكون مصيبة لو -

ال تنسي أننـي . تضحك _ ) هأ . هأ . هأ ( تعطل

أنت ذاهبة إلي خالتـك . ذاهبة معك دون علم بابا إنهم ال ( خالتي ستراني بعد يومين . علي أية حال

أليس كذلك ؟ ) يحسنون حساب األيام علي أي حال . أم تريد أن تتراجع عن المغامرة ؟

رجرجات القطـار وصـوته : وجوه وجوه وجوه هل سنكون لوحدنا فعال ) المنتظم أفضل . ال ( الرتيب

حتى يطلـع النهـار ؟ . حتى آخره . الليل بطوله . ؟ أليس كـذلك يـا . لن تتهور . ال . سأنام في حضنك لن تفعل . أترك لي شيئا أتزوج به . رفعت يا حبيبي ؟

أووم ، أووم ، إلي تلـك آه ، . لم تنظر هناك ؟ . ؟ إه؟ . سكسـي خـالص . حييلوه فعـال . البنت ؟ جامييله

تذكرت ، تحب الشقراوات ؟ أنت تحب الشـقراوات ، هأ . هأ ( وتقول أنك تحب السمراوات ، ألنني سمراء

يعني أنت تحيي ، أقصد تحبني ؟ أصـبغ لـك ) هأ . شعري أصفر ؟ كركم ؟ ، اآلن أسهل شئ أن تصـبغ

هـل تحـب .. بأي لون ، باألسود حتى البنت شعرها األحمر ؟ مثل تلك الممثلة فـي الفـيلم ؟ أم األزراق ؟

ويمكـن . ) هـأ . هأ . يا عاجوز ( الهيبز من جيلك

أيضا اآلن تفتيح البشرة ، يمكنني أن أتحول إلي بيضاء كالحليب ، لكن هذا سيفقدني نفسي ، أنا أحب شخصيتي

، قصيرة ، أنا فعـال ؟ هكذا ، قمحية ، قليلة ، ضعيفة مناسبة ؟ أليس كذلك ؟ لم ال تتكلم يا حبيبي ؟ لقد قلـت لي أنك ستتكلم ، بمجرد أن نركب القطار ستنطلق فـي الكالم ، أنت قلت لي ذلك ، أنت وعـدتني ، ال أحـد ينظر هنا ، لنا ، ساعة السفر فـي القطـار أحـس أن

ـ فر ، الناس مهمومين ، ألآلنين ، أال تري لونهم ؟ أص هل لوني أنا مخطوف ؟ شاحب يعني ؟ في الصـباح ،

هأ ( وأنا أجهز الشنطة ألهرب معك ، أقصد ألسافر ، كنت خائفة جدا ، يداي ترتعشـان ، وقـدماي ) هأ .

) كأنهما نـائمتين ( مشلولتين ، عجزت عن تحريكهما كدت أتراجع عن العملية ، خفـت أن تزعـل منـي ،

ال معك ، وأنت ستستر ستكون مغامرة حلوة علي أي ح .. علي في كل الظروف ، أنا واثقة من ذلك، لكن

)ف (

. نسيت أي األيام هو . ذهبت للعمل فاكتشفت أن اليوم هو الجمعة

لم أعد أذكر األيام ؟ أليس هذا مناسبا لحالتي ؟ حسنا ، يبدو األمر مريحا علي أية حال ، إن كان الوقت مهما بالنسبة آلخـرين ،

يكفيني أنا أن أعرف ، أنني اآلن في الليل أو النهار ، ف إنني أؤكد عليه ( في الظهيرة أم الضحي ، هذا يكفيني

. ويناسب حالتي ) ما الذي يمكن أن أجنيه من معرفة أننـي اآلن فـي الساعة السادسة إال ربعا ، أعني ما الـذي يعنيـه أن

تكون الساعة اآلن السادسة إال ربعا ؟ يا ضحي كما كنت ؟ تـراهنين علـي هل ال زلت

إمكانية عدولي عن عدم الزواج حتى اللحظة األخيرة ؛ حتى آخر نفس ؟ هل ال زلت علـي اسـتعداد لتـرك

ال بـد ( خطبتك التي أجبرت عليها ؟ كآالف الفتيات ؟ ) . هأ . للبنت من أن تتزوج هكذا قلت ، ضاحكة ، هأ

! لكن حركها الشـاي بمجرد أن تهدأ حركة معدتي ،التي

المغلي، سأكتب لك عن أشياء تحبينها ، عن أشـخاص ال أعرف من أي روايـة معتوهـة ( غريبي األطوار

: علي أي حـال ) هذا " غريب األطوار " التقطت تعبير تدربت في شغلي علي عمل ملفات الموظفين ، وهـذا

. يجعل األمور أكثر سهولة ال عالقـة ( أول األشخاص قد يكون علي األشول

وإن كنت لم أتأكد من ذلك _ السمه بكونه أشول أم ال ـ ألنني لم أره قط يكتب ، لم أنتبه لحركة يديه ، لكنني في المرة القادمة سأفعل ، سأراقبه في المرة القادمـة ،

) .. سأتأكد يعيش في حلم يقظة ) سعاد ( علي األشول يا ضحي

رات سيجد الحقيبة السمسونايت المكتظة برزم الـدوال ( ال أعرف لم الدوالرات وليس الدنانير علي الـرغم _

من أن الدينار أقوي من الـدوالر ، ربمـا الرتباطنـا إنه ال يستطيع من حلمـه فكاكـا ، ) باألفالم األمريكية

. حاولت لكنني لم أستطع : قال

بالمناسبة هو شخص من العيار ـ أقصد الوزن ـ ( ع إلي منتصف الثقيل المشعر ، يغطيه الشعر حتى يرتف

رقبته ، وكلما أحس بالغيظ من العـالم ، مـال علـي الثالجة وابتلع ما فيهـا ، حتـى الخضـراوات غيـر الطازجة التي يشتريها بأرخص األسعار مـن سـوق الجملة الذي يسمونه الشبرة، حتى الكوسة والبطاطس ،

إنه : وربما القلقاس أيضا ، إنه ال يمضغ ، لم أره يفعل ) . يبلع تودين معرفة أوصافه ؟ أظن أنـه فـي نحـو هل

أصـلع قلـيال، ) علي حافة سن الخطـر ( األربعين علي الرغم ( األفضل أن أقول خفيف الشعر في رأسه

إنه أحمـر الوجـه ) من غزارة الشعر في بقية جسده فيهمـا شـعيرات ! ) كثان ( أيضا ، وحاجباه غليظان

م أحـدق ل ( بيضاء ، وأظن أن عيناه تميالن للخضرة لكنه يعيش حلـم يقظتـه ) فيهما بتمعن ، لكنني سأفعل

ذاك علي أكمل وجه ، إنه يعرف نفسه ، حالته ، جيـدا ، يعيها ، قال إنه يكاد يكون مرضا سيودي به للتهلكة ، وبالفعل ذهب للمعالج النفسي ، ولم يجد الرجـل فـي

حالته ما يدعو للقلق ، وكان هو طبيبا مصريا أيضـا ، وربما كان يقصد أهل الجالية ( إن أغلب الناس قال له

يفعلون ذلـك ، ) ـ أو ربما المصريين المسافرين ـ الحقيبة السمسونايت التي ال تفارق خيالهم ( هذه األيام

لكن المعالج ( وأن عليه فقط أن يشغل نفسه بشيء ما ) ) . النفسي لم ينصحه بالعادة السرية

ء الذي يشغله عـن يقول علي إنه لم يجد هذا الشي . حلم يقظته ذاك ، سوي هذه

( إنه يأتيني ، زاحفا ، أو طائرا ، أو متسلال ، : قال سواء كنت في العمل أو في الشارع ، ) وفي كل وقت

. في الحمام ، أو الفراش الذين ال يحبون المشاكل ( هو أيضا كأغلب الرجال

ـ ) ي هنا ، يمارس العادة السرية ، من اعتاد مـنهم عل امرأته يضع صورتها ـ بقميص النوم األحمر الساتان ـ أمامه ، في الضوء الخفيف ، في الضوء الوردي ،

، أو إذا كـان ) بالصابونة أو علي الناشـف ( ويفعل مثل محمود الجزار وغيره وغيره وغيره ( هاربا منها

، اآلالف منهم ـ األغلبية كذلك ـ تصوري جيشا من

: فإنه يتخيـل مـاري ) وجاتهم الرجال الهاربين من ز التي قالت أن اسمها مـاري وال أحـد ( البنت الفلبينية

يعرف الحقيقة، فمن عادات فتيـات الليـل المعروفـة التخفي خلف أسماء وهمية، حتـى تحـدث الجريمـة،

يتخيلها ألنها هربت منه منذ فتـرة ) وتنكشف الحقيقة ـ ( ك قال ضاحكا ألنها توجعت منه ، لم تحتمـل الهن

البنت القصيرة الضيقة ، المـدورة .. ) والرنك الشديد ـ يقول إن أعضاءها ال تحتوي علي عظام ـ مجرد

أقسم بالمصحف الشـريف ـ : غضاريف قابلة للطي الذي يحتفظ به ليقسم عليه ـ أن ماري طوت رجليهـا وساقيها وفخذيها ـ هكذا دفعة واحدة حتى مـا خلـف

ي وجههـا بشـفتيها رأسها ، ولم يعد في ملكتـه سـو . المكتنزتين ، وخلفيتها

/ إن المنظر لم يعد مقززا بالنسبة له ـ بعـد : قال شـعر ) نتف بـاألحرى ( بعد أن تعلمت كيفية إزالة

. العانة قال إنه هو الذي علمها كيفية عمل الحالوة ، حالوة

. النتف ، الحالوة البلدي علي الطريقة المصرية

زعها ـ علي ما يبـدو ـ وجاء بورقة مكرمشة انت : من إحدى المجالت النسائية وقرأ

: المقادير . كوب سكر ١ . كوب ماء ٢ . ليمونة صغيرة زمهرير ٣

: الطريقة ـ ضعي الماء في كزرونة وضعيها علي النار حتى

حركـي . تغلي ، أضيفي السكر علي المـاء المغلـي ثم الخليط بهدوء وخففي قوة النار حتى يغلظ المحلول ،

. أضيفي عصير الليمون ـ اتركي المعجون يبرد ثم استعمليه قطعة قطعـة حتى تمتلئ القطعة بالشعر المنزوع مع تبليل يدك بالماء

. حتى ال يلتصق المعجون بأصابعك وجاءت البنت ماري فرحة وناعمة كالحرير ، : قال

. رفعت جونلتها واستعرضت النتيجة خاصة الكـويتيين ( لقد أعجب هذا زبائنها : قالت

). منهم

كذاب ؟ كل مـا . ال أعرف يا ضحي ما إذا كان كاذبا أم ال

يضحك طـوال . يضحك كثيرا . أعرفه أن دمه خفيف ( خاصة قبل أن يدخل في موجة مـن الكآبـة . الوقت

عندئذ يصبح صـعب ) حين يحس بالحنين إلي البيت . المراس

بـل نسيت أن أقول أنه مثل اآلخرين ، يقومـون ق السفر بجولة لألسواق لشـراء الهـدايا وأهـم هـذه ،

. المالبس الداخلية، الساتان، المثيرة، الملونة، الصغيرة

)ف (

: تقدم جدا . ال بد أن الليل قد تقدم البد أنني نمت . فتحت عيني علي ضوء التلفزيون

ال بد أنني لم أكمـل . مستلقيا علي الصوفا بقية المساء المسابقات ، علي الرغم مـن المذيعـة مشاهدة برنامج

اللبنانية الفاتنة والتي تضحك طـوال الوقـت، وتـتكلم مساعدتها ال تكف / بلهجة بدوية بال سبب ، ومساعدتها

في أغلب الحلقات ترتدي المينـي . عن إظهار فخذيها جوب ، وفي البقية ، بنطلون محزق محزق يبدو منـه

. كل شيء . بوضوح نة يا ضحي أن هذه المذيعة سـرقت لألمانة ، لألما

الرجال من زوجاتهم ، وسـرقت النـوم مـن عيـون ) . مشكلة يعني ( الزوجات

وقد أثار هذا ، تصوري يا ضحي ، فأنا أعرف أنك ال تطالعين الفضائيات ألنه ليس لديكم دش في بيـتكم ، أثار في إحدى الفضائيات جـدال سـاخنا بـين نسـاء

وقالت ) ا أنهن غيورات بعضهن مذيعات بد ( مصريات إننا ال نفعل : هذا " توك شو " إحداهن في برنامج الـ

هذا ، ألننا ال نريد أن نفعل ، ولو فعلنا لسرقنا الجـو ، لكننا ال نفعل ، ليس ألننا سمينات ، كما تشيع بعـض

. الصحف ، بل ألن عندنا حياء لكن مذيعة مصرية تعمل في تلفزيون الكويت كانت

ل أيضا ، علي الرغم من أنها لم تكن ترتدي تثير الرجا الميني جوب ، بل بنطلون محزق ، وتسببت في مشاكل زوجية، حتى أن إحدى الكويتيات ذهبت إلـي مجلـس

األمة وطلبت طرد هذه المذيعة من البلد، ألن زوجهـا يتركها وينصرف للفرجة علي بنطلونهـا ، وحطمـت

. جهاز التلفزيون التلفزيون ؟

أحس بأنني يجب أن أحمـي نفسـي مـن أنا نفسي .. اإلدمان ، يكفيني الدخان والعادة

. لن أترك نفسي حتى أصل إلي حالة ثروت فخري إنه يترك التلفزيـون مفتوحـا : تصوري يا ضحي

تلك التي كانـت بـاألحرى ( حتى في غيابه عن شقته ملحقا يسكنه بواب العمارة لكنه أصـلح حالـه وزيـن

: ذيعات ـ نجمات العصر ، ويقول الجدران بصور الم ). فيللتي الصغيرة الجميلة

من هو ثروت فخري ؟ . يـاه . يا . يا . سأحدثك عنه في الوقت المناسب

ثروت هذا ال يفعل شيئا، بعـد . المهم . حكايته حكاية ساعة ٢٤ يفتحه . أن يعود من العمل، سوي التلفزيون

ات أخـرى قال إنه لو وجد في اليوم سـاع ( في اليوم

، وطبعـا هنـاك الفـديو، ) لجلس أمام جهازه العزيز . وشرائط الفيديو ، أقصد البرنو

رأيته يخبئ اآلالف منهـا ، صـدقيني ، اآلالف ، صحيح أنني أبالغ أحيانا كأي ابن كلب متشرد في بالد اهللا خلق اهللا ، لكن صدقيني هنا ، فأنـا حـين أقـول

اآلالف ، لقد رأيـت اآلالف ، فإنني أعني ذلك تماما ، هنا ، علي أي حال ، كميات هائلة منها ، ال عند ثروت فقط ، بل في كل مكان ، في كل بيت دخلته ، ال يمكن أن تكون هذه الكميات موجودة في أي مكان آخر فـي العالم ، تحت المقاعد ، خلف رزم الصحف اإلعالنيـة المكدسة في األركان ، في صناديق كرتونيـة مغطـاة

مالبس، مدسوسة تحـت األسـرة ، خلـف مئـات بال فـي . زجاجات الكوكاكوال والسفن آب في المطـابخ

في جيوب البنطلونـات . الحمام بين المالبس الوسخة المعلقة في الدواليب وعلي الجدران و خلف األبواب ، تحت أحواض الغسيل ، وحتى في أكيـاس البالسـتك

. خلف سالل الزبالة ، هنا وهناك

ت فخري ، صاحب الوجه المسحوب الذي لكن ثرو ال يمكن إزالة الشعر عنه ، صاحب العينين الضـيقتين

) دائما بعصبية ( والقامة القصيرة ، العصبي ، المبتسم لم يكن فقط مدمنا للشرائط ، ال ، إنه عاشق ، نعـم ، عاشق متفرغ لرؤية الصور ، صور األجساد الساخنة ،

نز بالعرق ، تنداح منزلقة المتداخلة ، واألعضاء التي ت شفاه غليظة تتلو : يتصاعد منها الغبار ، أقصد البخار

أقدام تنقبض ، وأيد ترتفع متشنجة أصابعها تسـتغيث ، زجاجات تتسرب فـي . عيون مغمضة تفوح بالتوهان

األعضاء التي ينز منها الدم ، سالسل تلـف أجسـاما ع مع أحدهم يضرب أحدهم بالسوط الذي يطرق . عارية

أصابع ضخمة مـن المطـاط تـدخل . تأوهات مدوية . أزيز . أزيز . أزيز . وتخرج ألول مرة أتعرف ، أري ، بأم عيني ، ما كنت .. و

صـنعة مجتمـع ( أسمع عن وجوده في هـذا العـالم الجـنس الثالـث ، نسـاء ) الرفاهية القادم من الغرب

بأعضاء ذكرية وأثداء نساء ، ورجال بأعضاء نسـاء . ضالت رجال وع

قد يكون هذا مقززا بالنسبة لك ، لكن النـاس : قال هنا ، الناس الغرباء ، فقدوا سيطرتهم علي كل شيء ، لم يعد هناك سوي هذا الشيء ، فكل شيء هناك كـان

. هنا أصبح ال شيء ماذا ؟ هذه هي الحال ، فكيف لك أن تصعد إلي التل : قال

دون أن تنكسر نظرتك من اللهب؟ . ذلك فاألذان يصدح من مئات المآذن ومع

وداخل المساجد حلقات من المؤمنين الـذين نـذروا . أنفسهم للجهاد في سبيل اهللا

سـليمان كـان أحـد رواد هـذه األغرب أن علي . الحلقات

)ف (

ما عالقـة ثـروت : وال بد أنك تتساءلين يا ضحي

فخري بعلي سليمان هذا ؟

اذ الذي يملك حججـا ال األست . علي هو الساحر هنا . تنتهي عن أهمية الصورة

كوننا في عصر الصورة هذا أمر منته نهائيا : يقول . وال يناقش ـ ويغمض عينيه أكثر ـ ال يناااقش

داعية ال يكـف عـن . صياد ال يكف عن الشرح ما أن يقع الشخص ، أي شخص ، تحت عينيه . الكالم

. ال . قلت كالم ؟ . حتى تأخذه الجاللة ويبدأ في الكالم إنـه يخـر يـا ضـحي . في الخرير الذي ال يتوقف

وال يكف وال يكف وال يكف ، ال " الخربان " كالصنبور . يتوقف حتى يأخذك كليا إلي عالمه الساحر

" عالمي الساحر " ـ عالم ال يمكنك حـين تدخليـه أن . يصف . يقول

. ال أعرف .. تخرجي منه ، ألنه ول إنه أديب متخف ، وأقسم أنه علي سليمان هذا يق

" و " األهـرام " نشر مائة قصة قصيرة في جريـدتي لكنه لألسف لم يحضر معه منها ، ألنـه " الجمهورية

جاء خطفا ، في يوم وليلة حصل علي الفيزا والتـذكرة هاند " والعقد وكل شيء وجاء حتى دون حقيبة ، مجرد

قها حتـى ال يفار ( صغيرة ، التي هي معه دائما " باك ألنه يحمل فيها كراريس يقول أنهـا ) وهو في الحمام

مخطوط رواية عظيمة عن قريته في النوبة ، وخلـف . الكراسة ، في الحقيبية ، دائما هناك شريط فيديو

هل أقول إن ثروت فخري وقع ضحيته ؟ . ربما

علي يعمل ، في الظاهر ، في محل فيديو في سوق اضع ال الجزء الذي تعرض في الجزء المتو ( السالمية

فيه، بعض المحالت، بعض القطع النسائية بمبلغ يوازي راتبي لمدة خمسة أعوام، وهي التي ال يمكنك دخولهـا

، وفي أوقات الزحام، وغالبا تنزاح للخارج " شمشمة " إال من صاحب المحل الذي هو غالبـا " صنعة لطافة " بـ

الواقـع لكن علي سليمان يعمل في ) سوري أو لبناني ـ خارج ) في أحد المناطق الخارجية ( في شقة سرية

سور الكويت القديم الذي يفصل المناطق الحضرية عن البدوية، وهو ما لم يعد له وجود إال في بقايـا أثريـة ،لكنه موجود علي الخرائط التاريخيـة، كمـا توجـد

خطوط الطول والعرض علي الخـرائط الجغرافيـة ، في نفوس الكويتيين ـ باإلضافة إلي وجوده

علي كل حال أن أحدا من الشلة لم ير علي سليمان ( في أي من المكانين ، السري والعلني، لقـد سـمعنا

. منه ) الحكاية هناك علي األرجح وكر لنسخ هذه الشرائط القادمـة

. من روسيا المعاصرة علي األرجح حين ال يكون ثروت موجودا ، ولسبب ما ، يحلو له

. الحكاية بدقة وتلذذ أن يحكي يمكنك أن تدخل عالمه وال . الجسد هو كل شيء : وهاأنذا أعرف ألول مرة أن للجسد هذا ممرات ( تعود

يمكنك أن تـذهب وال ) أقصد من الروح . خالية منها . تتوه في متاهته . تعود . يضع الشريط في جهاز الفيديو : ن هنـاك يبدأ انسياب األجساد البيضاء أوال ـ أل (

صفراء ـ البضة أوال ـ ألن . سمراء . أجساد سوداء . الغليظة ، والنصف نصف . هناك الرشيقة

: الشرح من خارج الشاشة

إنهـا . نظـرة : هكذا تبدأ الحكاية . تطلع . أنظر التي هي في ( نظرة دائما هي تلك التي تبعث الرسالة

هذه الحالة رسالة خالصة بـال شـيء آخـر خـارج عبر موجة كهربائية غير منظورة ، لكنهـا ) وس الملم

قمة التركيـز فـي . محسوسة باألحرى : هناك ، هنا ال تصدق ـ يقول ـ أن اآلخر حتـى . حزمة اآلخر

ولو كانت بغيا محترفة ـ ال ترسل هذه األشعة ، حتى . ولو كنت الرجل العاشر في أمسيتها

الكالم عن أن بعضهن يفقدن اإلحسـاس بـالتكرار . ر صحيح ، أؤكد لك ، غير صحيح بالمرة غي

) يتنحنح ( . لقد استطلعت األمر

بعضهن ، فـي . الكل قلن أنهن يشعرن به . سألت . البداية ، يقلن أنهن يفقدن اإلحساس ،هذه مشكلة لغوية

بـل المتعـة . ال أعني اإلحساس . مشكلة تعبير أعني طبعا ، لكنهن يحسسن بالتأكيد ، وإحـداهن ـ كانـت مصرية بالمناسبة ـ قال ذلك ألن اللبنانيات والروسيات منهن يسيطرن علي سوق الخليج ـ وتعمل مذ كانـت

في الخامسة عشرة ـ بداية من المهندسين ، ثم مصـر الجديدة ، ثم خرجت ضمن الموجة الثالثة مـن أفـواج

تعمـل : المهاجرين، لترفع من مستواها ، بـاألحرى مستقبلها في حياة أفضل ، تحويشة العمر، أقصد تؤمن

التحويشة التي تنفعها حين تصبح عجوزا كركوبـة ال يقربها أحد ، وال حتى العواجيز من الرجال ، المهـم ، هي اعترفت بأنها كل مرة تحس ، وفي البداية كانـت تمل ، لكنها وجدت طريقة لتـدريب نفسـها علـي أن

بدال مـن أن يـذهب مجهـود ) في كل مرة ( تستمتع ل هباء ، ثم أنها اكتشفت ، مع الخبـرة ومـرور الرج

) تقصـد بالملـل ( الزمن ، أن الزبائن يشعرون بهذا وبالتالي تفقدهن بسرعة ، لكنها حين تحس ، فإنه يحس

ولو ) أليس هذا هو الجدل ؟ ( ، ويستمتع ، فيعود إليها . بعد حين

إن هذا يدخلها في الحالة األخرى ـقلت لم ال تضع . إنها خنــ . قناع نادية الجندي ؟ ـ ال علي وجهها

األفضل أن أطلق عليها شمس البارودي ، فهي كانت ، علي كل حال تشبهها ـ حسب وصف علـي ، حـين

كانت في شبابها الوافر ، المهم ، بدأت تدخل في حالـة أخري من اإلدراك ، وجـاء ، طبعـا مـع الـزمن ،

حـس في اللحظة الخطرة حين ت : باألحرى مع مروره بأنه يكاد يفلت من بين أصابعك ، مع الشعرات البيضاء

. األولي في سالفيك ، في رمشيك الصوت ال يزال مستمرا من ( مرحلة اإلدراك هذه

وحتى أكون دقيقا ) خارج الشاشة بينما الصور تتوالى قطعة : ، كان المشهد قد استمر بعد أن تم خلع المالبس

. عضـ : باألحرى إلي أن رأينا الرجل ، . قطعة . . عندئذ أصاب أنا باالشمئزاز

بينما يتطلع هو بإعجاب ، خاصة وأن األطوال قـد ، .. يهتـف باسـم ) سم ( تتجاوز العشرين والثالثين

. ويجدف بكالم ال يصح المهم ، مرحلـة اإلدراك هـذه دفعـت ـ شـمس البارودي ـ ال أعرف لم ال يذكر اسمها الحقيقي ـ كما

ن تمتلك القدرة علي االستمتاع كل مرة ، قالت ـ إلي أ ومع كل شخص ، سواء كان هذا زباال تفوح منه رائحة الطماطم العفنة والبصل النتن ، أو رجـل أعمـال ـ

يقصد نموذجا عصريا للرجل الغني ـ تفوح منه رائحة ) علي وجه التحديـد " شانيل " ذكر أنه ( عطر فرنسي

نسـان مخلـوق عطر الرجولة الخالص ـ ألنها ، واإل قادر علي التكيف مع كل الحاالت ، قادر علي امتالكها واستنطاقها أيضا ، ـ إن لم تفعل ، تتحول حياتها إلي

. جحيم كيف ـ يقول من خارج الشاشـة ، بينمـا شـريط الصور يتوالي ـ أقصد أن الجسد يتحرك وينبطح فوق اآلخر ، ليس بالضرورة أن يكون الرجل في المرتبـة

فهناك دائما تغيير في األوضاع ، تغيير أوضاع ) العليا يساعد علي الوصول ، يطرد الملل الـذي يمكنـك أن تحسه مع زوجتك التي انقضي لك معها علـي نفـس

تصور ؟ ـ وهنا أحيلـك إلـي . الوضع نصف قرن الدكتورة فوزية الدريع ، أستاذة السكسـولوجي التـي

سـابها، تكتب الرسائل في الموضوع، وتنشرها علي ح محاولة أن تشرح الموضوع للخلق في الكويت، حتى ال

. يضلوا

اآلن وصلت الصورة إلي الضرب الشديد والتـأوه الجبـاه عرقـي واألفـواه : الواصل إلي حد الصراخ

ال أعرف لـم ، .. مشرعة ، ترغي بالزبد ، ثم يسحب علي الجسد الملتهب ينساب السـائل حتـى .. وددوب

ي يخرج منه اللسان ـ كما األفعى ـ يصل إلي الفم الذ . اتفو . ويلحس ويلحس بتلذذ ، أخ

وأنا هنا أعود لالشمئزاز ، لكن علي يقف مصـفقا . بيديه ويجدف بكالم خارج

ينقطع الشريط رديء التسجيل ـ إلي غرفـة بهـا ثالث نساء ورجل واحد كل منهن تمسك بجـزء مـن

سـود جسده ، وفجأة ـ وبكل ابتذال ـ يدخل رجـل أ مفتول العضالت ، مـن فصـيلة كمـال األجسـام ـ ضخامها باألحرى ـ وأمامه ماسورة تتقدمه ، يقـذف منها ماء يغرق النساء الثالث ، والرجل ، والسـرير،

. فأتقيأ بعدها ، لم يغفر لي علي هذا أبدا ، حتى عشت عدة أسابيع في رعب ، فأنت يا ضحي ال تعـرفين هـؤالء

أصحاب النظريـات : واع البشر الناس ، إنهم أخطر أن

هؤالء ؛ ال يتورعون عن القتل إذا أحسوا ، ولو بالخطأ . ، أنك تقفين في وجه عقيدتهم

. لقد طال الحديث عن هذا الوغد . آه . علي أن أرتاح . علي أن أريح جسدي المتعب

)ف (

: في الغرفة . في الصباح الباكر

يبـدد ) أو أحدا ( لن أدع شيئا . اليوم هو الخميس امتلكه وحدك يـا ( يوم عطلتي هذا ، سأمتلكه وحدي ـ

) . رفعت الجمال أجمل األشياء هنا أنك تحصلين علي يومي أجـازه كل أسبوع ، عكس ما يحصل في مصر ، ليس لك إال

. يوم الجمعة كنت قد أوقفت حالي دومـا أمـام الـزمن ، . ياه

والمكان ، ما لذي الزمان : وهاأنذا أكتشف اآلن المكان

هذا أفضل علـي . يجعلهما هكذا متالزمين مع بعض ؟ . كل حال

حال نفسي ( دخلت الحمام وأصلحت من حال نفسي تناولت . حلقت لحيتي وعانتي وما تحت إبطي ) : فعال

دوشا ساخنا ـ الماء ينزل لوحده ملتهبا من الصنبور ، ـ ا وفي لحظات يمكنه أن يلسعك ـ لكنه كان مـاء دافئ

علي أية حال ، يبدو أن الجو في الخارج فـي حالـة تحسن ، من األفضل أال تقول ذلك ألي كويتي تـراه ، ألن عندهم عقدة الجو ، فال أعرف لم يغضب بعضـهم حين تقول أن الجو نار أو من هذا القبيـل ، وكـأنهم المسؤولون عن الحر ال الخالق ، آه لو قلت إنـه جـو

لي كل حال ، فلم أفسـد سيكون جوا طيبا ع ! مرعب صباح عطلتي بهذه الخزعبالت ؟

) هل هـي منشـفة أم فوطـة ؟ ( وتجففت بمنشفة أحب أن . فأنا أهتم بمناشفي جدا ( منشفة بيضاء نظيفة

تكون دائما ذات ألوان زاهية، ودائما نظيفة، ومعطـرة : أيضا ، بالضبط كما أهتم بنظافة سريري ومالءاتـه

في الحقيقـة . ال . اء ونظيفة أحب أن تكون أيضا بيض

إن اهتمامي بسريري يتجاوز هذا الحد إلي درجة أنني فكرت أن أكتب رسالة أو بحثا أو من هذا القبيل عـن

المهم ، ارتـديت " .. أنا وسريري " الموضوع أسميه صـنع ( أبيض أيضا وقميصا قطنيا نصف كم " سليب "

في مصر ، ال من باب وطنية الصـحف ، ولكـن ألن لون القمـيص كـاكي ) لقطن المصري جميل بالفعل ا

وأحكمت قدمي ) من باب العصرية ( علي جينز حائل . علي حذائي الجلدي، وأصبحت في أحسن حال

ذلك العطر الذي ( تعطرت من زجاجة األو سوفاج أحبه والذي عرفتني عليه في الحقيقة أول مرة البنـت

. وأصبحت في أحسن حال ) اإليطالية باتريتسا . أحسن حال فعال

لم يكن الجو ساخنا جـدا ، فقلـت . فتحت الشباك أعني ذلك الجزء الذي يوحي : ألنزل اليوم إلي المدينة

. بأنه مدينة فيها بعض الناس ليس هناك صعوبة كبيرة في أن تجد وسـيلة نقـل

تقلك إلي حيث تريد ، ألنه ممنوع علـي " غير شرعية " طريق ، فعليك أن تطلبـه التاكسي أن يقف ويقلك من ال

كـل ( بالتليفون، األمر الذي ال تسمح به ميزانيتـي ، علي الرغم من ) الناس يسألونني لم ليس لديك سيارة ؟

رخص السيارات المستعملة ، والحقيقة أنني لم أفكر في الموضوع ، وقد سهل األمر سلطان أبو حمزة مقابـل

_ شـهر ثالثين دينارا يتقاضاها مني في السر ـ كل . ليقلني من البيت إلي العمل وبالعكس

وقفت علي الرصيف للحظات بطريقة توحي أننـي تلك ( فوقف سائق عربة وانيت ربع نقل " توصيلة " أريد

التي يقودها غالبا شخص من فئة البدون ، غالبـا مـن المناطق الخارجية، يسعي علي رزقـه ، وال يغشـك

فقد يكون فقيرا لـم الدشداشة والعقال والشماغ، : لباسه لكنني كنت نـازال إلـي المدينـة ) يتناول إفطاره بعد

ألتفسح فلم أجد هذا مناسبا وأشحت وجهي عنه فابتعد، فأنا لست في حالة تسمح لي بمشاكل مع البوليس الذي يتعمد دوما القبض علي هؤالء البدون، وهم متلبسـين

. بجريمة توصيل الناس بشكل غير شرعي ا ضحي عن مشكلة البـدون هـؤالء، ال تسأليني ي

فالموضوع طويل وعريض ،فهم يقولون أنهم من هنا،

والبوليس يقول أنهم من بالد أخـري، لكـنهم مزقـوا بسبوراتهم ليبقوا ويتمتعوا بخيرات البلد، والحقيقـة أن

أبـو " بعضهم هكذا وبعضهم هكذا ، وهذا ما قاله لي . صاحب العمل وهو كويتي طيب " محمود كانت عربة الدا قد هدأت من سيرها علي الجانب و

ابتسمت لسائقها الذي بدا مبتسـما . اآلخر من الطريق فأغلب الوجوه هنا عابسة ( هو اآلخر علي غير العادة

أشار إلي ووقف علي جانب ، وكان علي أن أعبـر ) الطريق للجهة األخرى من التلتـوار ، فتحـت البـاب

ة األولـي أدركـت أنـه من اللحظ . وجلست بجواره أغلب المصريين علي أية حال يركبون الالدا ( مصري

بعد لحظات من الصمت قال لـي أن اسـمه علـي ) وسألني عن اسمي، حتى إذا أوقفنا البوليس، نقول أننـا أصدقاء ، لكنني تجاهلت سـؤاله ، فكيـف للمـرء أن يصبح في عالقة بسبب البوليس ؟ سألني عن وجهتـي

كما لو كنت في مصر الجديـدة ( زل البلد فقلت إنني نا ضحك وسألني تعني الكويت ) ووجهتي ميدان التحرير

. آه : ؟ فقلت

عرفت بعدها أنه نجار مسلح له هنا سبع سـنوات ، ليست علي مـا يـرام ) دائما اآلن ( لكن أحواله اآلن

دائما تظهر الخالفات مـع ( بسبب خالفات مع زوجته بدا أنه يريد سرد قصته ) حال الزوجات في مثل هذه ال

لكنني أبديت له عدم رغبتي الخوض في التفاصيل فـي هذا النهار الذي قررت أن يكون ملكي وحدي ، فغيـر الموضوع وسألني عن عملي فخطرت ببـالي الفكـرة

أن ال أبـوح ألحـد : التي عاهدت نفسي عليها سابقا ال لشيء إال ألنه عمل تافـه يحسـن ( بطبيعة عملي

اهله ، ويكفي أنني أعيشه كل يوم ثمـاني سـاعات تج أعانيها وحدي ، فقلت له أننـي أعمـل فـي وزارة

وأن اسمي أبو ) ولم يكن هذا صحيحا بالطبع ( الداخلية هكذا وجدت لنفسي قناعا ، والناس هنا جميعـا ( علي

) . ال أكون أنا أبو علي ؟ / يسمون أبو فالن، فلم ، خاصة وأن أحاسيسي قد أخيرا أفلت منه بأعجوبة

أقصـد . ال . ازدادت رهافة حيال ما يطمح إليه البشر إنهم ينصبون لك الشباك ، : حول ما انتهت إليه حالهم

أو شغلك ( وقد تسقط فيها، وعندئذ يصبح همك األكبر

كيف تتخلص منها ، كيـف تمـزق الحبـال ) الشاغل المتشابكة حتى تخرج سابحا من البحر المحـيط إلـي السطح ، وربما استمر األمر ككابوس ال تصحو منه إال وأنت جثة هامدة ، لكنني نجوت ، لـم أنصـت لبقيـة

حتـى ال ( حديثه ، قصته ، ودفعت له أكثر مما يجب ونزلت قبـل أن أبلـغ ) يكون هناك مجال لكالم آخر

. النقطة التي نويت النزول عندها هـذا : بوعدي ) لها ( لقد وعدت نفسي وهاأنذا أفي

لـن أدع اآلخـرين . إنه وقتي الخاص . اليوم يومي . يسلبوه مني

هاأنذا أقف يا ليلي ، أقصد يا والء ، علي التلتوار ، في صباح رائق نادر ، ليس هناك حر أكثر من المعتاد

بل لـيس . ليس هناك رطوبة خانقة ) . في ديسمبر ( أعني في الشارع الذي أقف فيه وأظن أن ( هناك بشر

وهاأنذا ألمـح مجمـع المثنـي ) اسمه شارع الجهراء التجاري وأمامه فندق المريديان ، حيث يقبع بجـواره

يبدو وكأنه انتزع من ( مقهى السيجال الصغير الهادئ هنا يمكنني أن أشم رائحة المدينة ، وأنـا ) اإلسكندرية

يدسون وجوههم فـي ( أتطلع للزبائن المتوحدين مثلي ) شيء مهم في حياة الناس هنـا الصحف ـ التي هي

هل يمكنني أن أقول : ولكن هذا هو فعال ما عليه حالهم أنهم أشخاص كزموبوليتان ؟ أشخاص متشابهو المالمح ، وإن كانت المالبس مختلفة ، هذا ال يعني بـالطبع أن هذا ليس كويتيا ، واآلخـر إنجليـزي ، وذاك أسـتاذ

عـد التـدقيق إنك ب . ال ) كما يبدو ( جامعي مصري ستكتشف هذا ، لكن هناك ما يجمع بينهم ، شـيء مـا

. مشترك ، ربما هي تلك الصفة " المطأطـأة " جلست فجاءت الجرسونة الفليبينيـة

) ماذا يمكنني أن أقـول ؟ ( مبتسمة من القلب ، فعال ، : وقالت بإنجليزية أهل آسيا

. ـ نعم سيدي ي جونلة وماء ، كانت ترتد " أكسبرسو " طلبت قهوة

ترتفع ما فوق الركبة بإصبعين ، والحظت أن سـاقيها . ال بأس بهما .. المعتين و

علي أي حال كنت قد تعودت منذ التقيت ماري في بيت علي األشول أن أكف عن التفكير في كل فليبينية باعتبارهـا

علي الرغم مـن أن الموضـوع ال ( موضوعا جنسيا وفقط يدعو إلي هذا الحد من اإلزعاج ـ علـي األقـل بالنسـبة

) . ألغلبهن كانت ماري قد كشفت عن وجه آخر ؛ أخذت تتحـدث

الرسم والعمارة ، عن الشعر وتنسيق الحدائق ، طبعـا ، عن ربما ألنها لمحت في يدي ( أرادت عامدة أن تستعرض ثقافتها

. لكنها أبدا لم تعلن ترفعها عن حياتها المزرية ) كتابا . أين أنت يا ماري ؟

ربما لغلظة أبداها علي األشول تجاهها ، علي . اختفت . انشقت األرض وبلعتها . دا الرغم من أنه عادة إنساني ج

ـ نعم ؟ . قالت الجرسونة وهي تقترب

: قلت . ـ ال شيء

: قالت

ـ كنت تحدثني سيدي ؟ : قلت

. كنت أحدث نفسي . ـ ال : قالت . شكرا سيدي . ـ آه

أقصد لم تلـب . مرعوبة من أن تكون قد خالفت أمرا . يا له من رعب . نداء

)ف (

من جلسة المقهى قلت ألتمشي في بعد أن أخذت نصيبي

أظن أن يوم الخميس هـو يـوم اسـتيالء . األسواق القديمة يتجمعون : اآلسيويين علي المنطقة، هنود وباكستانيون وأفغان

. في مجموعات صغيرة متزاحمة ، خمسة أو ستة أشخاص يميل لونهم إلي األسمر المسود ، في . رجال ونساء ناحلون ت بين المباني ، فـي المقـاهي ، فـي الحدائق ، في الممرا

الميادين ، يلتقون ، يبيعون ويشترون ، يتبادلون األخبـار ، يرون ) هكذا قالت إحدى الصحف ( يتواعدون للقاءات سرية

بعضهم البعض ، كتلة واحدة ، ربما ، يتـذكرون أسـواقهم الشعبية ، تفوح منهم رائحة عرق الشقاء المخلـوط بـالعطر

. ، وآثار المطابخ ورائحة البنزين الصناعي الرخيص ، دخلـت " سوق المثني " تمشيت قليال وعدت في اتجاه

" األخبار " و " األهرام " واشتريت " المكتبات الكويتية " مكتبة وأنا أحدث نفسي بالخطأ الذي ارتكبته ، فليس هنك فـرق (

ربما يكون هنا شيء ليس موجودا : وقلت ) بين الصحيفتين " واشتريت تبغـا ماركـة " التوباكو " ت محل هناك ، ودخل

إنني أفضله في البايب ، باألحرى ال أشعر باأللم منه " أنفورا ، أقصد أن ألمه علي صدري أخف قليال من أي تبـغ آخـر

. جربته انسحبت عائدا إلي الطريق ، قلت ألمش فـي اتجـاه الطريق السريع الرابع ، لكنني عدت أدراجـي فـي اتجـاه

ربما هو حنين إلدمان قديم ، يوم كنت شابا أعـود ( ا السينم سينما الشرق الشعبية في السيدة زينب ، أشاهد ثالثة أفـالم

لكنني نسيت أن أحضر السميط والجبنة الرومي ، ) بقرشين الفشار والترمس ، ال ، ليس هنا ترمس علي أية حال ، لـم

. أره أبدا ، لكنني رأيت الحلبة المزرعة

ام أمام السينما علي أشده ، ومع ذلك استطعت كان الزح أن أجد لنفسي مكانا ، فيلم هندي قديم ، أظن أنني رأيته عدة

. مرات من شريط فيديو ، البركة في ثروت فخري في الضوء الخفيف ، والراقصات الهنديات يتمايلن ،قلت للشخص الذي جلس بجواري ، وال أعرف لم ، باإلنجليزيـة

" : المضعضعة " هؤالء الهنود ، أليس لديهم شـيء سـوي الـرقص ـ

والغناء طوال الوقت ؟ تجهم وجه الرجل ، بدا للحظة أنه هندي علي الرغم من أن مظهره ال يوحي بذلك ، قد يكون مصريا أيضا ، القميص والبنطلون ، هذا اللباس العالمي ، لكن ردة فعله جعلتني أتأكد

فته ، فكلنا متعصبون من أنه هندي ، من حقه أن يتعصب لثقا ، إن علي خطأ أو صواب ، العالم كله في عصبية مجنونة ، وهو ابن األمة الضخمة والتراث العظيم أليس من حقـه أن

يتعصب ؟ نظرت ناحيته وفي نيتي أن أقول له أنني أحب اليوجا ، وأمارسها أحيانا ، حين تصل بي األمور إلي حد ال يطـاق ،

ا ، لم يستجب ، قلت ألعتذر ، لكنني لكنه كان لم يزل متجهم . لم أفعل

)ف (

ها أنت تمسك بنفسك مفعما بإحساسك بالذنب ، ما الذي فعلته ؟ لقد كنت تود أن تتجاذب أطـراف الحـديث ، أو أن

. روحك المصرية الساخرة أرادت أن تعبر عن نفسها لكن أليس كل الناس قابلين لتلقي روح الدعابة ؟ ، هـذه

أقصد ، كذلك ، عقبة في سبيل التواصل، لكن لـم ستكون ، أفكر أنا علي هذا النحو ؟

لم أفكر أن روح الدعابة حكر علي .. ؟ أحسست بالقرف ، تركت المغنية الهندية ترقص وتهـز رأسها كثيرا وخرجت ، علي الرغم من أن بطنهـا العاريـة

. كانت مثيرة للغاية ، وعيناها جميلتان ، وكان المساء قد بدأ يرخي سدوله مشيت طويال وكثيرا

. . ال بد من تغيير المنظر

أشرت إلي تاكسي ، تأكد سائقه من أنه ليس هناك رجال شرطة ، فتح الباب وأشار بسرعة ، قفزت للداخل وقلت لـه

. أن يذهب إلي شارع البحر ـ شارع الخليج يعني ؟

. ـ آه ـ أنت مصري ؟

. ـ آه . تعرف أن هذا ممنوع ـ لذلك أنا وقفت لك ، أنت

. ـ أعرف عرفت من لهجته أنه سوري ، لكنني لم أكن مهتما، فقد كنت ، لسبب ما ، علي عجلة من أمري ألصل إلي شـارع

. الخليج ، كنت أود أن أري البحر .. ـ في كل بالد الدنيا التاكسي

: قاطعته غصبا عني ـ ما هو السر ؟

ا ، أو جهة ربما مصلحة لشخص م . ـ السر؟ ال شيء ما ، كأي مكان في الدنيا هناك أشياء تمنع لمصلحة شخص،

. وأخري تباح لمصلحة آخر

. ـ يا سالم ـ أي واهللا ، أال تصدقني ؟

ـ وهل عندكم كذلك ؟ ـ في الشام ؟

. ـ عندنا مثل عندكم وفي أي مكان آخر ـ وأنت إذن الولد الشجاع الذي يتحدث بذلك ؟

يع أن أتحدث عن الشـام كمـا ـ هنا في الكويت أستط . أريد

. وضحك ضحكت أنا أيضا ، ورأيت المكان الـذي أود النـزول

. عنده فطلبت منه الوقوف دفعت له دينارا ونزلت ؛ وشاهدت في عينيه كالما ربما

الطريـق لفهـم بعـض األمـور كان يعني به أنه أنار لي . الغامضة

حتـى لكنني بالفعل وجدت صعوبة في عبور الطريق ؛ العربـات تنطلـق . من المكان المخصص لعبـور المشـاة

. لكن شخصا نبيال وقف وأشار لي بالعبور . كالقذائف . وصلت إلي الجانب اآلخر

كان الخليج هادئا لكنني ، وقد حل الظالم ، لم أكن أراه قلت لم ال يضيئون البحر ليال حتى يراه النـاس ، . بسهولة

. إذ يظهر ؟ وجلست لكن وكيف سيكون عليه القمر كانت الحرارة تنبعث من الحجر، فلم أستطع االستمرار في الجلوس ، أخذت أمشي وأمشـي وأنـا أحـس بالوحـدة

. واإلختناق حتى حافة البكاء قلت أنه ما كان يجب علي المشي وحيدا في مثل هـذا

. الجو ؛ لكنني لمحت سوق شرق يقترب فأحسست براحة يثا ليضم عـددا ضـخما مـن كان السوق الذي بني حد

المالبس واألحذيـة " أشيك " المحالت التي تبيع أشهر وأغلي و من الماركات العالمية الشهيرة قد أصبح ـ من جهة أخـري ـ فرصة لألوالد والبنات للتواجد في مكان واحـد ؛ مكـان فخيم مكيف الهواء تفوح منه روائح العولمة التـي تصـيبك

و باريس و ولندن ونيويورك بالخدر وتوهمك بأنك في روما في نفس اللحظة ؛ لكنك حين تتطلع جيدا تجد رجال الرقابـة الذين يحدقون هنا وهناك تقدح عيونهم بالشرر تجاه الشـاب

للفتاة بعينين جائعتين ، تعـرف أنـك ) يحدق ( الذي ينظر لست في روما وال باريس أو لندن وال في نيويورك ؛ إنمـا

لي الخارطة العربية؛ حيـث يمكـن أنت هنا في مكان ما ع . لنظرة أن تحدد مصيرك لألبد إلي الطابق الثـاني ) المتحرك ( ركبت السلم الكهربائي

كنت قد بدأت أحس بالوحدة الصاعقة من جديد . من السوق علي الرغم مـن " كنتاكي " جلست إلي طاولة من طاوالت .

الفليبينيـة أنني ال أحب هذا الدجاج الكنتاكي ، فجاءت البنت وسألتني بإنجليزية مكسرة فطلبت منها وجبة بالفلفل الحـار

علي الرغم من أن الطبيب منعني من الشطة بعـد عمليـة ( علـي مجـرد ( وبإنجليزية مكسرة أيضا شكرتني ) البواسير يا لألدب، ولمحتها تبتسم وترمقني من مكانها : فقلت ) طلبي

با كويتيـا، كـان عند الكاونتر بإشارات ظاهرة، حتى أن شا يجلس إلي الطاولة المجاورة، ابتسم ، وراح يرقب الموقـف بإمعان ، وبينما كانت الفتاة تضع الوجبة أمامي راح الشـاب

: الكويتي يهمس لي . الرقم . أعطها الرقم . ـ أعطها الرقم

هززت رأسي، فلم أكن أعرف عن أي رقـم يتحـدث : واقتربت منه

ـ أي رقم ؟

: إخالص الناصح قال بحماس ، ب ـ رقم تليفونك ؟

: قلت . ـ آه

وقف الشاب الكويتي ووضع النقود علي المائدة وقـال : باستنكار

ـ أنت مصري ، أنت مو مصري ، المصري فهلوي ، . أنت مو مصري

: وبلهجة مصرية أضاف " . المصري ياكلها وهيا والعة " ـ

ولم أعرف بالضبط ما الذي يجعلني غير مصري ، فلم كن في الحقيقة أحب هذه الطريقة في اصطياد النساء ، وإن أ

كانت لي ، كأي ذكر في هذا العالم ، طريقتي الخاصة فـي اإليقاع بهن ، وأظن أنه حتى ذئب البراري يعـرف بعـض

. الطرق ، وإال فلن يجد حال للخالص من كآباته أنهيت طعامي وأشرت للفتاة الفليبينية ألدفع الحسـاب ،

، " مسخسـخة " فعال، كما قال الشـاب الكـويتي فوجدت أنها عينيها وترخي يدها في يـدي " تسبل " وراحت " مسهمة " أقصد

حتى خلت أنها ستنام ، فقلت سـبحان اهللا ، وكيـف عـرف الشاب الكويتي أنها تريد ، وأنه كان علي أن أعطيها الرقم ، ولكنني لم أفعل ، بل اندسست بين الناس المتـزاحمين فـي

" ربطـة " طان التجاري حيث يمكنـك أن تشـتري مركز سل ألنه ( البصل األخضر بما يعادل خمسة عشر جنيها مصريا

قادم اليوم من مزرعته في آخر الدنيا في كاليفورنيا بالطائرة وإن كان عنده أيضا ، غير البصل والتفاح األمريكـاني ، )

ألعاب تايواني ال فائدة منها سوي أن تضعها في هذا الـركن ذاك من شقتك التي ال بد أن تكون سوبر لـوكس ألنـك أو

ستدفع مال قارون في أي لعبة من هذه اللعب ، وبما أننا كنا قد اقتربنا من الكريسماس فإن أغلب اللعب كانت في شـكل بابا نويل ، ومصنوعة من البالستك أيضـا ، أي يمكنـك أن

ـ ي ترميها في كيس الزبالة بعد المناسبة مباشرة ، فوجدت ف هذا ما يدفع إلي االبتسام، وإن لم يكـن بالضـرورة يـدفع

، ) الذي هو قليل بطبعه هـذه األيـام ( للضحك بصوت عال ومشـيت " عملت هيا بنـا " وفعال " هيا بنا . معلهش : " فقلت

خارجا من المركز وأنا أخشى أن يسألني أحد الواقفين مـن حراس اللصوص المتخفين في الدشاديش لم لم أشتر شـيئا ،

أو ماذا اشتريت ، أو أي سؤال يكشفون به، بخبـرتهم فـي كشف اللصوص ، ما إذا كنت قد أخفيت شيئا تحت هدومي، لكنهم لم يفعلوا ، وإنما رأيتهم ينظرون بتمعن ناحية جيوب

علي الرغم من وجود جهاز كشف السـرقة علـي ( سترتي لكن انتهي األمر علي خير، وبعد أن انتهي علي خير ) الباب

، أكملت جولتي في سوق شرق ، وانتابتني تلك األحاسـيس التي تراود مدمني التسوق ، فعرفت معني هذا الشيء الـذي يسمونه حمي االستهالك ، ذلك المنظر الذي كنت اسـتنكفه وأحس حين أراه بالقرف ، وجدت نفسي فيه ، بالفعل ، لقـد أحسست فجأة بحرارة جسمي ترتفع ، حتى أننـي أحسسـت

يصي يكاد يشتعل فوق جسدي ، وشممت بالفعل رائحـة بقم دخان رأيته يتصاعد من تحت إبطي، فأحسسـت برعـب ، فقفلت خارجا إلي كورنيش الخليج ، و قلت ألذهب إذن إلـي

المأخوذ اسمه مـن اسـم المسلسـل ( " ليالي الحلمية " مقهى وفعال مشيت إلي هناك ، وطلبت شيشـة ) المصري الشهير

ب ، وتذكرت صاحبي عـادل السـيوي كاتـب وشاي بالحلي الروايات الذي قال لي بأنه سيكتب يوما رواية عني، أكـون فيها شاربا للشاي بالحليب طـوال الوقـت، كأحـد مالمـح

شخصيتي ، ثم أن الوقت قد تأخر ،ووجدتني فـي الطريـق أشير إلي السيارات ، حتى وقف لي شخص باكستاني ممـن

الناس لتوصيلهم بربع دينار ، يدورون في الشوارع يلتقطون وقد أمكـن لـي التفـاهم معـه بهـذه اللغـة المخلوطـة

بين الكويتي والباكستاني واإلنجليزي ، لكنهـا ) خلطبيطة ( أصبحت اللغة المتداولة هنا ،حتى أننـي أصـبحت أجيـدها كالبربند ، وبالفعل تحدثنا وتحاكينا طويال عن أشياء كثيـرة

ذلك عن أهلنا في الـبالد ، لكننـي خاصة مأساة الغربة ، وك اختلقت قصة لحياتي جاءت من وحي الخاطر ، فقلت إنني ، في الحقيقة ضابط بوليس سري ، وأنني قادم إلي هنـا فـي مهمة سرية ، فقال إنني ربما أتابع اإلرهابيين الذين يقتلـون السياح األوربيين عند األهرامات في مصر وتسميهم الحكومة

قرأ في الصحف، فابتسمت له بما يعنـي أننـي باألفغان كما فعال جئت لشيء كهذا ، وإن لم يكن هو بالضبط ، فقال إنهم

عـددا ) كـذا ( فعال يأتون إلي هنا ،وأنه رأي بأم رأس عينه منهم ، لكنه سرعان ما يجدهم يختفون ، ألن الحكومة هنـا أيضا ال تريدهم ،وأنه هو نفسه كم تمني أن يكون مثلي مـن

ء الرجال ذوي المهمات السرية ، فقلت أنه يبدو أن هذا هؤال

من طبيعة البشر، ففغر فمه مستفسرا ،لكنني هززت رأسـي وطلبت منه إيقاف السيارة ، وبما أنني كنت قد تحدثت معـه عن هذه المهمة السرية فقد نزلت بعيدا عن بيتـي حتـى ال يعرف أين أسكن ، ألنني أظن أنـه هكـذا يفعـل الرجـال

يين، أقصد الذين يعملون في هذا العمل ، لـذلك فـإنني السر حين جئت لزاوية الشارع تلفت خلفي فلم أجده فاطمأننـت ، ودرت حتى دخلت مسكني ولمحت في مرآة الصـالة مـن

أين كنت ؟ هل كان يوم عطلة طيبا ؟ واآلن قل لي : يسألني ماذا ستفعل ؟

)ف (

العودة إلي البيت ؟

ة إلي البيت مصحوبة بنهاية اليوم ، ما دائما تكون العود

الذي يعنيه هذا يا ضحي ؟ ، ولسنا حتى يا بنيتي موضوعا لرواية ، رواية ضخمة ، رواية يرويهـا راو يـري رؤي ،

. رؤي ضخمة كما األنبياء بالكوارث

. لكنني علي أية حال غيرت الجو . وانفردت بنفسي . هذا هو السرير

) باجورة القش من األ ( والضوء الخفيف . أقض عليه . اطفي الضوء

. أنتظر . ال ووجدتني أخرج الصندوق ، أقصد الكشكول الصـغير الذي كانت ضحي قد أهدتني ، وقلت أن مـن األفضـل أن أواصل كتابة الرسائل التي علي أن أكتبها حتى أتمكن مـن

. إرسالها في الصباح جلـة وسحبت البطانية علي جسدي المتعب وأمسكت بم

كان هناك موضوع . العربي ألقرأ قليال حتى يبلغني النعاس عن جبالها و فضائها الروحي ، خاصـة : مصور عن نيبال

في منطقة ثاميل ، هناك حيث يمكنك أن تجد أهل التانتريـة الذين يخلطون طقوس الروح بشهوات الجسـد علـي درب

. الخالص . قلت قد يكون هذا حال

. بقية حياتي هناك ربما أنهيت . من يعرف

)ف (

: صباح الجمعة

نسـيت السـتائر غيـر ( كان الضوء هو الذي أيقظني

أفكـر فـي . في نفس موعد استيقاظي أيام العمل ) مسدلة تجنب حضور الشلة لإلفطار األسبوعي الذي هو اليوم مـن نصيبي ، أقصد أنهم سرعان ما سيحضـرون واحـدا وراء

اآلخر عندي ، ويكون علي قبلها إحضار الفـول والفالفـل التي يصر عليها علي األشول أكثر من ( والبيض والخضرة

الكراث بالذات له أهمية خاصة عنده ، ربما ) أي شخص آخر تجاوز عن الفجل والجرجير والبصل األخضر، لكنـه لـن

كنت أتمني الجلـوس مـع نفسـي . يتنازل أبدا عن الكراث ، كيف سيكون عليه حالي مـع أيامي المقبلة .. والتفكير في

مرور الزمن ، هذه المسألة التي يسمونها المستقبل، فاأليـام تلـك . تمضي وأنا لم أحدد بعد مصـير الـزواج واألوالد

أنا أحتاج فعال إلي . األشياء التي يصر الجميع علي أهميتها

امرأة بجواري ، لكنني في نفس الوقت أحب ، أقصد ال أطيق ش في خريطة تحدد عـالمي ، أحـب أن أن أحس بأنني أعي

. أكون وحدي كيف سأستمر في هـذه الوكالـة . ثم مسألة العمل هذه

صياغة رسائل إلي كل ابن حرام له صـلة : ومهمتي المملة ثم أن جهدي يتضاعف نتيجة أنني لم أتعود الكتابـة ( بالعمل

مباشرة علي الكمبيوتر ، ويكون علي صياغة الرسـائل أوال ثم كتابتها علي الجهاز ، ثـم إعـادة تصـحيحها بخط يدي

ثـم إرسـالها ) صاحب الوكالة ( وعرضها علي أبو محمود إلي المقاولين وأصحاب األعمال األخرى ، طبعا نحن ال ننتج شيئا بالمرة ، وإنما يقتصر عملنا علي استيراد العمالـة مـن

الفنيين من الرجال من مصر والهند وباكسـتان ، ( الخارج ثم أعمـال السمسـرة والحمـالت ) السكرتيرات من لبنان و

اإلعالنية التي يديرها األردني من أصل فلسطيني أبو نضال بعضـها وهمـي وبعضـها حقيقـي ( ، وأغلبها حمـالت

للمرشحين في انتخابات مجلس األمة ، وهي التي تدر أغلب ) . المال للوكالة ، يليها استيراد السكرتيرات الفاتنات

ني في األمر هو ما قرأته في إحـدى الصـحف، ما أقلق بقلم طبيب مصري، عن أمـراض المهنـة، وأكـد فيـه أن األعمال الكتابية تصاحبها أمراض عديدة علي رأسها أمراض القلب والضغط والعمود الفقري ، لكن المقلق في األمر هو ما

مـن % ٧٠ أكده الطبيب، نقال عن دراسة أمريكية تؤكد أن ن أعماال كتابية ينتهي بهـم األمـر لإلصـابة الذين يمارسو

بالسرطان ، وقال أنه يرجح أن ذلك ال يعود للعمـل نفسـه ولكن ما يصاحبه من تدخين ، وإذا كان في هذا العالم كلـه ابن عاهرة يدخن السجائر أو الشيشـة أو البايـب أو حتـى السيجار بكميات كبيرة ، فإن ابن العاهرة الذي هو أنا أدخـن

األنواع ، ال بشكل كبير ، بل طوال الوقت ، حتـى كل هذه أنني أستيقظ من النوم ألدخن وأعود للنوم، وأعترف بـأنني نجحت في التخلص من عادات كثيرة إال هذه العـادة التـي

.. أمارسها مذ كنت في التاسعة ، تصور جاء األوغاد ، وبعـد . بدأ جرس الباب في العمل . آه

" عليقـة " الفول بكل أنواعه مـع لحظات ستبدأ ملحمة مضغ قطيع أرانب يقرض العشب حتـى ال يبقـي فـي : الخضار

. الحقول نبتة

" . جاي . أيوه " ـ أهم ما انتهت إليه وليمة اإلفطار يا ضحي خبرية قـال بها علي األشول ، هناك معلومـات سـرية وردت للبلـد ، ووزعت في الخفاء علي بعض المتنفذين، بإمكانية أن يشـن

ام حسين هجوما جديدا سـيكون هـذه المـرة بـالمواد صد الكيماوية انتقاما من األمريكان ، سيشنه علي الكويت طبعا ،

ليس المصـريون إذن ( لذلك راح هؤالء يستعدون للخروج وحدهم هم من كتبت عليهم الهجرة بل البقاء حتى في ظـل مثل هذا التهديد ، أين يذهبون ، وهناك منهم الكثير في كـل

مألوا خزانات الوقود بالبنزين استعدادا للرحيل فـي ) كان م أية لحظة ، لكن أستاذا جامعيا قام بمظاهرة فردية في شارع الصحافة بالشويخ وقال بأن هذه إشاعة من األمريكان البتزاز الكويتيين وأخذ ما تبقي لهم من دنانير ، وسأل ـ أي علـي

قل لـي : الجزار ماذا نحن فاعلون ؟ فأجابه محمد : األشول . ماذا نفعل ؟

وقام علي سليمان بمشهد مسرحي أداه واقفا علي الكنبة العدو أمامكم والبحر خلفكم ، فال مناص مـن المـوت أو :

. الغرق

كان قد عاودني الصداع فدخلت غرفتي وتمددت علـي تركوني واحدا . الفراش ،ففهموا أنني لم أعد أحتمل الصخب

لكنني لم أستطع النوم ، أخذت أتقلـب . وراء اآلخر ورحلوا .. في فراشي علي غير هدي ، ثم

)ف (

. لم تمر بقية يوم الجمعة علي خير

أتذكرك اآلن يا والء وأنت تتحدثين عن صـراخ أمـك . الذي ال ينقطع

في شقة الجيران ) فجأة ( والولولة " الرزع " بدأ الخبط و من إجازتهم التي يبدو أنهم عادوا " . أبو سوزي " لصاحبها

) بال ولـد ( لديه ثالث بنات . أراحوني خاللها لمدة شهرين وسوزي هذه أكبرهن ، ربما هي فـي الخامسـة عشـرة أو

لن أصف لك قوامها وما ( نحوها ، لكنها تبدو أكبر من سنها فعله خراط الصبايا ومن هذا القبيل، حتى ال تحسي بالغيرة،

وأنك تشكين، منـذ رأينـا وربما تظنين بي الظنون، خاصة ) سويا فيلم لوليتا في شقتي، بأنني أعشق البنات الصـغيرات

البعض يشبهها بهنـد ( لكن باختصار هي جميلة بشكل قاتل رستم، التي تحبينها يا والء ودائما تتحدثين عنهـا كنمـوذج كنت تودين أن تكوني عليه، مع أنني أراك بسـمارك أكثـر

رستم في صغرها ، تصـوري، فـي إثارة بالنسبة لي ، هند لذا ، فهناك معارك كثيرة تقـع ، ال فقـط ) الخامسة عشرة

بجوار البناية ، أو علي الساللم ساعة عودتها من المدرسـة ،ولكن في منطقة حولي كلها ، بل إنني شهدت مرة معركـة ساخنة بالمطاوي والجنازير في السالمية بجوار سوق شـرق

نقسموا إلي فريقين بسببها ، فريـق بين مجموعة من الشبان ا الموتوسكالت ، حليقـي / راجل واآلخر من راكبي السيكالت

كما قرأت في الصحف التي ( كوكيز : الذقون، يسمون أنفسهم كتبت عن الموضوع في الصباح التالي لوقوع المعركـة ـ بينما كانت أمها ـ أثناء المعركة ـ تحتضنها وأبوها يرفـع

، ) في حالة يسميها محمود الجزار بلهمية ذراعيه فاغرا فمه فقد اعترض الكوكيز البنت الناعمة إلي حـد قاتـل ، لكـن

. الراجلين لم يعجبهم األمر فقامت المعركة علي شرفها سوزي ، من ناحيتها ، تحب جارها الولد السوري عمار

وأبوها " بأن دمه ثقيل " أبو عيون خضر، والذي تصفه أمها

مما يزيدها تمسكا به ) طبعا لصرفها عنه ( ي يعتقد أنه قبضا ، والبنت تقطع شعرها وتصرخ ، ويقال أنها حاولت االنتحار

. بالحبوب المنومة مرتين .. لكن

أجد يا ضحي مشكلة كبيرة هنا لم أظن بوجودها من قبل ، فعمري لم أكن أتصور أن يصل التعصب بين الجنسـيات

دم طبيب مصري للزواج تصوري تق . العربية إلي هذا الحد كانا علي عالقة غرام لثالث سنوات وصلت ( من فلسطينية

إلي حد أنها كانت تذهب إليه في شقته كل صباح ، توقظـه بوردة حمراء تداعب بها خده، وقبلة ساخنة فـي شـفتيه، و تجهز له اإلفطار ، تغسل له مالبسه وتطبخ له قبل أن تذهب

ا منـه ألنـه مصـري ، لكن أهلها رفضوا زواجه ) للعمل وزوجوها من سباك مجاري ألنه فلسطيني ، والمشكلة ليست أنه سباك أو غير ذلك ، لكن المشكلة أنها لم تكن تحب هـذا السباك وتحب الطبيب ، وقد حدث نفس الشيء تقريبـا بـين

. نفس الشيء . مصرية وأردني ، نفس الشيء أنا في حاجـة للـذهاب إلـي . المهم أن شكلي ال يسر

زكريا الحالق، عله يصلح بعض الشيء من حالي المزرية ،

ثم سيكون علي أن أغطس في البانيو وأبقي في مـاء دافـئ . حتى يبلغني النعاس ، فغدا يوم جديد من العمل الممل

)ف (

كان المحل هادئا إال من موسيقي خفيفة لعبد الوهـاب ،

حدة ،لذا فزكريا النحيل رجل صاحب مزاج رائق ، يحب الو بالمناسـبة ( فهو يبقي في دكانه حتى ولو لم يكن لديه زبائن

ولم ٧٣ هو من المصريين المعمرين في الكويت ، جاء عام يذهب إلي مصر إال في إجازات تبعد الواحدة عن األخـرى

يعيش وحده تاركا خلفه في الفيوم زوجـة ) سنتين أو ثالث ن ، لم أالحظ أنه وولدا وأربع بنات أغلبهن في بيوت أزواجه

قبطي إال حين نشرت إحدى المجالت تحقيقا عن المسـيحيين : في الكويت ، قال ساعتها ية المسيحيين فـي الكويـت هـم ـ هل تعرف أن أغلب

؟ أقباط : قلت

ـ أنا أعرف أن كلمة أقباط تعني مصريين ؟

: قال . أقصد أنهم تابعون للكنيسة القبطية المصرية . ـ ال : قلت

. معلومة جديدة لم أكن أعرفها ـ هذه : قال

ـ هناك الكثير من األشـياء التـي ال نعرفهـا نحـن . المصريين عن العرب اآلخرين

. عند هذا الحد لم أستطع الجدال **

: قلت وأنا أجلس علي المقعد العالي . ـ كيف حالك يا زكريا ؟

: قال . ـ ال يسر ـ لماذا ؟

: قال ل كبير ، سأبلغ السـبعين ـ بدأت أتعب ، أنا اآلن رج

. بعد أيام : قلت

وماذا ستفعل ؟ . ـ آه : قال

ـ فكرت في العودة ، لكنني متردد ، ماذا أفعل هنـاك .. ولم يعد لي محل أو

: قلت . ـ أليس لديك مدخرات تبدأ بها مشروعك؟

: قال زواج البنات أكـل كـل شـيء ، . ـ مدخرات ؟ هأ

مي إيجار المحـل، وتجديـد وأمثالي مدخراتهم ال تذكر ، أما . اإلقامة ، ومصاريف األوالد في مصر

: ثم صمت ـ الناس هناك في مصر ال يصـدقون هـذا الكـالم ، يعتقدون أن األرض تضخ علي المقيمين في الكويت أنهـارا

. من الدنانير : قلت

. ـ أعرف : قال

أحالم حلمناها حين بعنا كل شيء وأتينا . ـ هذه أحالم . عصافير أحالم .

. ـ لكن الناس هناك ال يصدقون : قال

ـ أعرف ، هل تريد فتلة ؟ : قلت

. ـ آه ، لكن علي مهلك بعد أن نظفني من الشعر الزائد ،بالفتلـة ،وجـدت أن

. هيئتي ، فعال ، أصبحت أفضل كان ضوء المساء الخفيف يوحي بليلة طيبة ، الحـر ال

. ء يزال في أوله وبإمكاني أن أنام في هدو . هأ

** فاجأني سلطان أبو حمزة بالدق علي شباكي فـي نفـس موعده المبكر ، علي الرغم من أنه كان قد قال لـي مسـاء األمس ، لن أحضر طبعا في الغد ، فهو الذي كان يـذكرني

وكنت ) أنا المصاب بغيبوبة الوقت المزمنة ( بأيام العطالت

أفـتح إال بعـد أن لم أزل نائما عل وعد الليلة السابقة ، ولم : راح يصرخ

. ـ أنا سلطان ، أنا سلطان فتحت الباب فاندفع للداخل معاتبا علي تأخري ، وهـو

كان يفعل هذا ( يعيد عويناته الثقيلة بإصبعه الوسطي للوراء أحيانا دون حاجة ، غالبا بفعل العادة ، أو هي ربما حركـة

فسـه بأنـه ال عصبية يؤديها إلثبات الذات ، أو ربما ليذكر ن دخـل ) يزال يرتدي عويناته ، أو ربما خوفا من أن ال يري

إلي المطبخ وقال إنه سيصنع قهوة عربي، وسـألني مـا إذا ( كنت سأشاركه، فوافقت ، من هناك ، من مكانه في المطبخ

أعترف بأن مطبخي مرتبك ، غير مرتـب ، تتـراكم فيـه : قال ) بعضها األشياء ـ األطباق واألكواب واآلنية ـ فوق

ـ هل تعرف ماذا جري ؟ ـ ماذا ؟

. ـ أنا وجدت الخيط الذي سيهديني : قلت

ـ فعال ؟ : قال

. ـ آه عاد بالقهوة العربي التي يحب أن يغليهـا فـي الدلـة

وكان هو الذي قدمها لي كهدية مع ثالثة فنـاجين ( النحاس ، فهو يرفض أن يشرب القهوة التركي ويقـول إنهـا " بيشة "

ويصر علي القهـوة العربـي ، ) تذكره باالستعمار العثماني بهذه الطريقة ، ومن الدلة ، ومن هذه الفناجين ، لـذا فهـو

. يترك دلة وفناجين في كل شقق أصحابه التي يرتادها ـ رجل بدوي كبير التقيته ليلة أمس حين ذهبت للبـر مع مبارك العدواني ، رجل كبير وأصيل وقال إننـا ربمـا

. ون أقارب نك ـ صحيح ؟

ـ حدثته ونحن في الخيمة نحتسـى القهـوة العربـي ونمضغ التمر عن شجرة عائلتي ـ التي لألسف لـم أكـن أحملها معي ، علي الرغم ، كما تعرف ، أنني أحملها معـي دوما في المشاوير المهمة ، لكنني كنت خارجا فـي رحلـة

ئـد العربـي سمر ، المهم ، قلت له أن نسبي ينتهي إلي القا شريك بن سمي القطيفي الذي جاء مع عمرو بـن العـاص

. ساعة فتحه مصر واختطه حيا من أحياء الفسطاط

ونظر ناحيتي وهو يمد يده بفنجان ثان من القهوة بالهل ألنني لم أكن قد هززت الفنجان عالمة االكتفـاء حسـب (

ريـد التقاليد العربية التي تعني أنك حين ال تهز الفنجان أنك ت ). فنجانا آخر : قال

ـ هل تعرف ماذا جري ؟ : قلت

. ـ ال : قال

: قال . ـ انتفض الشيب واقفا واتجه إلي . ـ نحن أوالد عم ، أوالد عم ، يا خوووي

: قلت ـ كيف ؟

: قال . ـ نحن من نفس الجبيلة

قال ، قال الرجل الكبير أن جده هو خالـد بـن عـدي القطيفي، لكن الجهني هو الذي الجهني ، والجهني هو شقيق

بقي في الجزيرة العربية ، وشقيقه القطيفي هو الـذي رحـل

علي رأس نصف الجبيلة إلي مصر ، وبقي الجهنـي علـي .. رأس النصف الثاني في الجزيرة ، وكان أن

نحن إذن من جد واحد ، وكان يسكن القطيف ، ومن القطيف نحن جئنا إلي هنا ،

أولمواالبن العم ، واشتعلت النيران أمام المخيم ،

وسمعت صوت األوزي وهو يذبح ، ورأيت الدم السائل والجلد الملقي علي الرمال حين خرجت من الخيمة ،

وراح سلطان يهذي لكنني كنت قد نمت تقريبـا ، فلـم . أسمع بقية ما قال

**

: آخر الليل

. قمت فزعا من الكابوس ، كان حلما هادئا في البداية بدأ وأنا ال زلت أتجول في شقتي هناك في القاهرة ، بعد أن جهزت كل أوراقي للرحيل ، تجولت بين الغرف التي بدا

عليها وكأنها ستظل فارغة طوال زمن ال أعـرف مـداه ، الكنبتان الواطئتان في غرفة الجلـوس ، والمقاعـد : والعفش

ـ ي القصيرة المنجدة بالكريتون المقصب الذي حال لونـه إل الترابي، والوسائد الملونة التي تآكلت حوافهـا مـن كثـرة استعمال البشر ، وطاولة الطعام فـي الصـالة ، والسـرير النحاسي الذي ورثته عن جدتي ، كل ذلك كان الغبـار قـد عاله ، علي الرغم من أنني لم أكن ، في الواقع ، وحتى هذه

تي كانـت اللحظة ، قد غادرته بعد ، إال أن رائحة السفر ال هناك ، فوق كل شيء ، قد جعلتني أحس بانتفاضة الخـوف

هـذا ) وهو ما أنا فيـه اآلن ( من المجهول الذي ينتظرني الخوف الذي بدأ يتزايد وأنا أهبط درجات سلم البيت العتيـق محاوال تجنب اصطدام جانب حقيبتي برأس الطفل الخضراء

يضا نازال وهو الذي كان هو أ ) ال بد أنه كان يرتدي قبعة ( يحمل حقيبته المدرسية تتقدمه أمه التي كانت تحمل رضـيعا علي ذراعها ، وحقيبة غيارات علي كتفها ، وما يبـدو أنـه بوستيج معلق في شعرها من الخلف ، وتجاعيد اإلرهاق علي وجهها ، لقد كانت تحمل ذلك كله ، لكنها لم تكـن ، مثلـي،

ئقة الكتل البشرية التـي خائفة، وبدا أنني أتخطى بصعوبة فا

تزاحمت ، من هذه اللحظة ، في الحلم ، وعند المدخل أيضا ، ولم أعرف أن عربة تقلني إال أنني في النهاية وجدت نفسي في أتوبيس مزدحم تتدافع فيه األجسام وتتساقط الحقائب علي الرؤوس المشرئبة ، نعم المشرئبة ، المشرئبة فعـال ، ولـم

صـناعة ( ون بين الزحام باعة بيبسـي يوفر المنظر أن يك وأصـوات أخـرى ، ) محلية له طعم العرقسوس المعطـن

أصوات من كل نوع وحجم وطبقة ومستوي ، حتى بدا ذلك أقسى من أن أحتمل، وكنت ال أزال هائما في بحار الليـالي أنتظر المواعيد ، لكن الناس كانوا جالسـين علـي مقاعـد

ا صـامتين ، ال يتكلمـون ، حجرية علي شاطئ النيل ، كانو كنت أنا ـ والحلم ال يزال ـ من يتحدث عنهم في المحكمـة

وهو فـي ( التي كان يجلس علي منصتها الممثل عادل إمام وبجواره من ناحية اليمين ) السبعين من عمره مكشر السحنة

ومحمد أنـور السـادات مـن ) فاغرا فمه ( إسماعيل يسن ثـم آكشـن ) فث دخان البايـب يهز رأسه وين ( ناحية اليسار

الرصاصة تصرع السادات فيتصاعد دخان أبيض ، ولكنني : ال زلت أرتدي روب المحامي وأنا ألوح في الهـواء يائسـا بكلمات ال تخرج وتحتبس في حلقي ، أتهجي بصعوبة اللغـة

المطلية بالغربة ، المدفونة لمدة نصف قرن في جرة مليئـة طب تحت تعريشة البوص ، ، بالملح ، المشوية علي نار الح

الكالم واللهجة ، السمت والنبر ، األصوات كانت بال عدد ، ، بصعوبة ميزت بعضها ، سأكتب لك ياضحي ، آه ، تلـك األصوات ، بصعوبة ميزت صوتك ، من بين تلك األصوات

. : ظهر اليوم التالي

في العادة كنت أتناول غدائي مع الزمالء في المكتب ؛ مـدفون ( د المطاعم الشعبية ونطلب بريوني دجاج نتصل بأح أو بريوني سمك ، أو بيض غنم ، لكنني قـررت ) في أرز

الذهاب إلي مطعم ، آكل هناك لوحدي ، معجنات ، سمبوسة . وفطائر ، وأتفرج علي وجوه الناس

( من األفضل طبعا أن أذهب إلي مطعم يعرفني صاحبه المطاعم الصغيرة أصبحت بالفعل معروفا لعدد من أصحاب

المتناثرة بين المطاعم الشعبية والمقاهي ، وبطريقة ما كـان أغلبهم من الفرس، أقصد اإليرانيين ، صحيح أنني لم أكن قد تحدثت طويال ألي منهم ألنهم لم يكونـوا حتـى يتحـدثون

احتجت مرة إلى من يترجم لي كالم علي داو طلب ( العربية

فتقدم لـي ) الذي هو الكفتة ( صاحب مطعم الكباب اإليراني باكستاني يتحدث األوردو وقليل مـن اإلنجليزيـة وبعـض الفارسية ووصف نفسه بأنه مترجم معتمد ، وأخذ ينتع بكلمة من هنا وكلمة من هناك ، وأخيرا هز رأسه ليقنعنـا ، أنـا وعلي، بأنه نجح في إفهامنا الموضوع ، ولكننـي تضـايقت

نني أريد أن أفهم الموضوع، ولـم لشيء واحد هو انه اعتقد أ يدرك أنني أمر بتجربة تسلية طريفة، وهذا كل ما في األمر

. وأحسست، وأنا آكل الكباب اإليراني، بخبط كلمات فـي

. رأسي . أنت مزنوق

. تعيش خلف قناعك . أنت ال تستطيع أن تقول هو

. ال تستطيع أن تبتعد مسافة عن نفسك . بعيدا عن قناعك

جعلك تلبس اسما آخر ؟ ما لذي . لم ال تستطيع أن تعلن عن نفسك

. عن عملك

**

: بعد الظهر

" الرواتب نزلت " ـ هكذا قال سلمان رشدي بعربيته المكسرة، وهو يستقبلني

الكفتة التي ال زالت / علي السلم، وأنا عائد من وجبة الكباب الحموضة علي الفور ، وال يمكنني فعل شيء . في حلقومي

تجاه هذه الحموضة التي تعتصرني، علي الفـور، بمجـرد . وصول هذه اللحظة من أول كل شهر

سيكون علي أن أمشي إلي مبني البنـك المجـاور، يـا والء، وسيكون علي أن أسحب جزءا من الراتب بالكارت من

سيكون علي أن أدفـع لسـلمان . البنك اآللي وأعود كسيحا ر قيمة طلبـات القهـوة مـن دينا ٣٥ إلي ٢٠ رشدي ما بين

البوفيه ـ تصوري ، وهو ال بوفيه وال يحزنون ، مجرد عدة الذي يقام كل ( شاي وقهوة قديمة اشتراها من سوق الحراج

حقائب ـ أسرة ـ ( حيث أكوام المعدات القديمة ) يوم جمعة

موكيت ـ ستائر ـ أحذيـة ـ بوتاجـازات ـ ثالجـات ـ نات حالقة ـ مكانس ـ مخدات ـ مراتب ـ مكاتب ـ ماكي

أجهزة تكييف ـ أواني مطبخ ـ بخور ـ أركـان إسـفنجية ديوانيات للجلوس ـ طاوالت سفرة ـ داليات ـ مبـاخر ـ أكواب ـ مالعق ـ صناديق خشبية ، وكل ما يلـزم بربـع الثمن أو أقل ، وأنت وشطارتك مع البائع الهندي أو البـائع

مسـاند واألكلمـة البدوي الذي يبيع مشغوالت السدو مـن ال والمعلقات التي يقبل عليهـا األجانـب خاصـة األمريكـان

) . واإلنجليز أظن أنك يا والء ستحبين الذهاب إلـي هـذا السـوق لتمارسي هوايتك في الفصال ، لكنني أشك في أنك ستصلين

. بل ستعودين وأنت غاية في الغضب إلي حل، تصوري ماذا وجدت هناك في زيارتي األخيـرة حـين

بت لشراء أنبوبة بوتاجاز إضافية ؟ وجدت إطارا مذهبا ، ذه داخله ، خلف الزجاج ، ورقة قديمة كتب عليها كالم اشتريته

: بربع دينار

بعد الكابوس

إذن فألكن قويا ، . ومدججا بالسالح أحمي هامتي من

. بعيد حتى أتجنب مخالب

. الحيوان المفترس .

لمتوحشة ، يا قطتي الصغيرة ا ما لذي رماك في طريقي ؟ لم لم تغضي الطرف عني ، وتمضي في حال سبيلك ؟

. ها أنت تقعين فريسة العدة ،

. والعداد .. فكلنا يتوقع الذئب أو اللبؤة أو الضبع

قابعا في الطريق ، . أو علي غصن شجرة . فنحن في غابة مظلمة

إطاره الذهبي ألهديه لك إنني أحتفظ لك بهذا الكالم في

. بمجرد عودتي

)ف (

إنني أطـل مـن ) مساء طبعا ( إنها السادسة بالضبط نافذتي علي الميدان المترب ،وفي يدي كوب الشاي وال زال

البـد أن ضـحي ( النوم في صدري ، أقصد في نفسـي ، ورأيت امرأة تلبس ) ستسألني هل عندكم تراب في الكويت ؟

لشبيه بالثوب العراقـي ، الشـبيه بـالثوب الثوب الكويتي ا اإليراني، تقف بجوار سيارة وهي ترفع أعلي الثـوب علـي رأسها ، يبدو وجهها أبيض اللون ، وجه عراقي األصل ، ال

أظن أنها إيرانية من شيراز ، لكنها اآلن كويتية الجنسية ، . تبدو عليها الحيرة ، آه ، لقد تبينت األمـر ، إنهـا صـاحبة

اية المجاورة ، فهذا هو الحارس البواب ، يسلمها رزمـة البن الدنانير ، إنها تصرخ في وجهه عن المتأخرات ، طبعا ليس كل الكالم واضحا بالنسبة لي ، لكـن الغضـب واضـح ، الشتيمة واضحة جدا ، وكانت هناك فتاة تنتظرها في السيارة

ا كانت الالند كروز البيضاء ، لم أتبين حقيقة مالمحها ، لكنه . تطل من النافذة ثم تعود وتختبئ

غدا الجمعة سنطلع إلي البر ، عزمنا أبـو : تذكرت . آه محمود أنا وزمالء العمل، علي طلعة إلي البر ، إلي مخـيم

نحن ال زلنا في الربيـع حيـث باإلمكـان ( في الصحراء وحيث ال تزال الصحراء مغطاة بخضـرة ) احتمال الطقس هور الصفراء فوقها كـأن السـماء رشـتها باهتة تتناثر الز

. بنفحات من مسحوق الكركم

)ف (

استيقظت علي رنين التليفون ، كانت رانيا سـكرتيرة أبو محمود هي التي أيقظتني ، وكانـت السـاعة الخامسـة

: والنصف ، قالت

شو خيو ، بعدك نايم ، قوم اولوه، بـدك تكـون ع " ـ " . الباب الساعة ستي ، بخاطرك

كأنه الوعد أو الوعيد ، الساعة الخامسة وخمس دقائق ، رطوبة الصالة خانقة ، ال بد أن أجد طريقة إلحكام البـاب ،

لست في حاجة . فهذه الرطوبة اللعينة تتسرب حتى من تحته ألكثر من حالقة ذقني ، وكوب ساخن من الحلبة باللبن ، لكن

أن تغلـي صوت كالكس الفان جعلني أغلق البوتاجاز قبـل أحكمت من شد الحزام في وسطي ، أمسكت بحقيبة . الحلبة

يدي الصغيرة وتأكدت من أن بها بطاقتي المدنية، وحافظـة . نقودي ، بضعة مناديل ورقية، ومفاتيحي ، وأغلقت الباب

كانت رانيا جالسة في المقعد المجاور لباب الفان تشـير الي يحتاجون بيدها وتبتسم ، كانت تعرف أن الكسالي من أمث

إلي قليل من التشجيع لالستيقاظ قبل موعدهم ، وكانت هناك وجوه ال أعرف علي وجه التأكيد أصحابها ، وقـد فاجـأني عدد النسوة في الفان ، كنت أظن أن الطلوع للبر سيقتصـر علي الرجال ، هاهي فاطمة الهندية المسـلمة ، السـكرتيرة

لباكسـتانية، األخرى ، أم شعر طويل طويـل ،و بسـتان ا تجلسان جنبا إلي جنب ، وسلوي المصرية التي تعرف نفسها

بأنها مسئولة العالقات العامة في الوكالـة ، الحربـاء التـي تتولى اإليقاع بزبائن حمالت اإلعالن ، من يقع بين يديها يا ضحي لن يفلت منها وال بالصابونة ، هي بال صوت تقريبا ،

بنت المصرية المعجبة بصوتها ليس لها صوت مرتفع كعادة ال ، وصوت أم كلثوم ، أستطيع أن أستعير تشـبيهك الـذي ال

إنها توشوش : أنساه وأنت تصفين أختك الصغيرة وهي تتكلم نفسها ، هكذا هي سلوي ، توشوش نفسها ، لكن ال أحد يقـع

. حذار . في شباكها ويفلت والفان في شارع الجهراء ينهب الطريق المؤدي إلـي

بر أحسست بنوع من األخوة ، ال بد أن الدنانير هي التـي ال تجعلنا نحس بالدفء ، هذه حقيقة ، ما الذي يجعل الغربـاء

يحسون باأللفة سوي غطاء من البنكنوت ؟ كان أبو محمود ينتظرنا أمام باب الخيمة فـي صـحبته شاب يحمل عودا في يده ، وكـان صـف مـن سـيارات

. حتى ما وراء الخيمة الكبيرة المرسيدس والشيفورليه يمتد بدا أبو محمود أكثر مرحا مما كنا نراه عليه في الوكالة ، بعد أن جلسنا علي المساند أرضا، طلب منـا أن نسـتمع ألحمد وهو يعجب من أنه كيف لهذا الشاب السـوري الـذي

يعمل مزين نساء أن يتقن العزف والغناء علي هذا النحـو ، : د وراح يغني تنحنح أحمد وأمسك بالعو

غريب الدار " عليا جار

زمان القاسي وظلمني

مشيت سواح مسا وصباح

أدور " علي راح مني

ما أن كف أحمد عن الغناء حتى كان الوجوم يخيم علي الجميع ، بدا أبو محمود متفاعال مع غربتنا، األمر الذي بـدا

مـن بالنسبة لي غريبا، لكن من يعرف، ربما عاني هو نفسه الغربة ، ربما، أيام غزوة صدام حسين شرد في مكان ما من

. العالم ، طبعا ، من يعرف **

لكن وجه رانيا هو الذي بدا مختلفا ، بدت أكثر حشمة ، أكثر أمومة ، وجه آخر للفتاة اللبنانية التي تروج لها قنـوات

فبمجرد أن نزلنا ) عارية إال من قليل من القماش ( التلفزيون لفان أخذت األمور في يدها ، قدرة فائقة علي الترتيب ، من ا

ال فقط ترتيب األشياء ، بل البشر أيضا، وما أن انتهي النهار ، قليلة الحجم، كانـت " السفروتة " حتى عرفت أن هذه البنت

تحمل اآلر بي جي وتقاتل في أحراج الجنوب حتى أصـيبت ـ ه مـن في جانبها األيمن، وكان هذا هو سر ما كانـت علي

اعوجاج تحاول إخفاءه ، لكنه كان يتغلب عليها ويظهر علي هيئة تعب ، وكنت أظن ، أنا نفسي ، أنه نـوع مـن شـغل

. البنات بادعاء األنوثة كانت الريح قد بدأت في شد حبال الخيمة الكبيرة التـي كنا نجلس تحتها علي مساند متجاورة علي هيئة مستطيل من

بع يشكل باب الخروج ، وكان أبو ثالثة أضالع ، ضلعه الرا محمود قد ظهر علي هيئة بدوي يلهج بعبارات يوجهها للخدم الهنود في تلك اللغة الخليط التي كانت مفهومة لهـم بشـكل واضح ، وتحتاج منك لعدة سنوات إلتقانها ، وهم يرفعـون الصواني المملوءة بالكبسة ، أو أواني الخضار ، ويعملـون

امة، ال تخلو من خبـث، علـي هـذا في صمت لكن بابتس األعرابي الذي كان يعود في هذه اللحظات إلي تلك الصورة

القديمة للبدوي المضياف ، تلك التي تحاول الحياة العصـرية المفروشة بالموكيت إخفاءها ، وكان أبو محمود مستمتعا بهذا الدور ، لكن المفاجأة أنه سألني بعد أن انتهينا مـن الطعـام،

ا في تدخين الشيشة ما إذا كان من الممكن أن يظهر عبد وبدأن . الناصر مرة أخري في مصر؟

: لم أعرف حقيقة بم أجيب، تلعثمت فقال . الميت ال يعود . ال . ـ أنا أعرف

وقالت رانيا بصوت مبحوح من الطرف القصـي مـن : الخيمة

. ـ نحن كلنا أموات يا أبا محمود ازداد شد الريح لجوانب الخيمة فخرجنا جميعا نحتمـي بالفان ، والسيارات األخرى المرصوصة في الصحراء علي امتداد البصر ، قبل أن تعصف بنا بشائر الخريف ، ورحلنـا

الصحراء هي أنا أيضا ، أقصد ، يـا : ، تطلعت من النافذة . لغفلتي ، أنني ابن الصحراء التي أحاطت بالوادي فخنقته

)باب( في

ثياب الرسام

ورأيت نفسك " كما لو كنت ترتدي ثياب رسام شعبي يرفع الفرشاة عاليا

ويصور الخروج الكبير " علي جدران البيوت

نعم غارق ، فكل المشهد .. كم ساعة مرت وأنا غارق ، ليس كله ،بعضه جري في يا ضحي جري في الموانئ ، ال

البحر ، البعض اآلخر علي الطرق السريعة ، في المطارات وكان الحر شـديدا والعـرق . داخل . ال . ، تحت، أقصد فوق

يجري في األخدود ثم ترتفع به األمواج وتقذف المراكب إلي واأليدي ) آالف المهاجرين ( الشواطئ، إلي الرمال الغرقى

ن الصخر الذي ينـتفخ ويرسـل تتشبث بالغصون الطالعة م إلي األعلى حيـث تـري الوجـوه ) ماليين الكتل ( الحمم

تتدافع عند مداخل ) المهاجرين ( المذعورة بين النار واأليدي ينفجر . تنكسر ذراع الصبية . تاك . تراك . ترك : البوابات

يا دهوتي ، ياهار احوس ، يا نهار مـوش : الوجه بالصوت دا يوم الحشر يوم القيامة احفظنا يا حفيظ . دا جحيم . فايت

، وتتصاعد العواطف، تفرش نفسها كـالمرآة علـي البهـو المكتظ باألجساد الغليظة للنساء تتحرك عجيزاتهن هن هـن

: بالمنفلة التي تدور فتتحرك السيور بدورها محملـة بـالزاد

صفائح المش وصفائح الفول الناشف وصفائح الفسيخ أيضـا ناشفة والثـوم ولفافـات الـبط واإلوز المقـدد والملوخية ال

واألرانب المقددة أيضا ولفافات الفطير المشـلتت والعسـل األسود والعسل األبيض والجبن القريش وبرطمانات السـمن البلدي والزبد والقشدة وأكيـاس القمـاش القطـن مملـوءة بالشعرية وأكياس الكتان مملوءة بالحلبة الناشـفة والعـدس

دس أبو جبة وأكياس البالستك مملوءة بالكركديه األصفر والع العرقسوس والتمر هندي والشيح وقشر الرمـان ) آالف ( و

والشطة والكمون والكزبرة والفلفل األسود وعلـب األدويـة ريفو للصداع وقطرة البريزولين لألنـف والعـين ومـرهم هيموران للبواسير والفحم للغـازات والبالسـيد لتقلصـات

نتفاخ نفس انتفاخ إخناتون يبرز الكـرش قلـيال القولون واال لألمام في بعجرة تلوي تناسق القوام نعم وكل النـاس لهـم كروش فلم ال يكون لي أنا أيضا كرشي ،كمـا فـي جسـد الفرعون الحكيم الذي كان يرتدي علي جسـده إزارا خفيفـا يلف به وسطه ال كما نري هنا في قاعات المطارات أو هناك

لموانئ أو محطات األتوبيس هذا الخليط مـن علي أرصفة ا الجالليب الصوف والجالليب الـدمور والعبـاءات والبـدل

الكاملة والبنطلونات الجينز المحزقة خصوصا علي أجسـاد بنت المستشار السنيورة وبنت الطبيـب والمدرسـة : البنات

الشابة التي ستخلعه بمجرد أن تنزل وترتدي العبـاءة التـي تداءها من الوطن ولففن حـول وجـوههن فضل بعضهن ار

المكتنزة الحجاب أو الطرحة أو اإليشارب أو النقاب أيضـا فال تري سوي العينين المحدقتين وتخال أن هناك جماال خفيا غامضا لكنك تصطدم بزوجها الشاب الذي يزن نصف طـن وهو يرتدي الجلباب األبيض القصير ويعقص فـوق رأسـه

وهو يرمقك متشككا بينما تطـالع عمامة لها ذنب من الخلف أنت بميكانيكية الخوف كندرته أفغانية الشكل آه ويـا للتعـب وتتمدد األجساد علي المقاعد البالستيكية غير المريحـة ويـا

وتنتظر وأنت تقلب الصحيفة ويا للتعب إن ) اآلالف ( للتعب كان هناك مكان لك تحت شـمس السـعودية أو الكويـت أو

الد واق الواق هو أنت ذاهب إلي عمق الليل أمريكا أو حتى ب ال إلي نهايته ربما هناك تمشي وأنت تحمل علي كفك سراجا مطفأ ملفوفا في جلد غزال مدبوغ تطلع خلف الجمـل وهـو يسير في اتجاه نبع الماء لكنك تجد نفسك وأنت فـي اتجـاه المقهى الشعبي القديم المسـقوف بالسـقاالت حيـث تتـدلى

حاسية وتأتيك من الخلف روائح العطارة النفاذة المشكاوات الن ثم تذهب لتأكل الفالوذج الذي قرأت عنه في الكتب ولم تـره حتى عزمك عليه زميلك الكويتي من أصل إيرانـي ماجـد سلطان الذي تحدث مع صاحب محـل الحلـوى اإليرانـي بالفارسية واعترف لك بأنه يتحدث مع جدته بالفارسية أيضا

آيـس ( هذا الفالوذج ما هو إال حلوي مثلجة في البيت وأن مضافا إليها موادا مجلوبة من إيران وأن أصله ) كريم تقريبا

إيراني وهو هناك حلوي شعبية وأنت ظننت طوال عمرك أنه طعام من أطعمة الملوك لكثرة ما أشادت به كتب التراث التي

تـي شحذتها المخيلة بما تثيره أجواء الممالك من األساطير ال يحلم بها الفقراء ويحكون بها في لياليهم مما يشكل تراجيـديا

تراجيكوميدي ، لكنك لن تري . ال . تراجيديا رهيبة . ال . عبثية الناس علي حقيقتهم إال ساعة الخـروج مشـردين تقصـف السماء علي رؤوسهم كرات النار وتغـرق أجسـامهم فـي

شعبيا من وقلت لو أنك كنت رساما ) اآلالف ( دوامات الدنيا أولئك الذين يرسمون قصص الحجيج علي جدران البيـوت، لكنت رفعت الفرشاة عاليا، وصورت قصص الخروج، قصة بعد قصة، قصة في قصة، فوق األخرى، ألن الصورة هـي

حيث تبدأ المشاهد بقطيع من الذئاب يهاجم البيت فـي : هكذا الليل وهي ذئاب جائعة شرسة مزقت أوال أحشاء المواشـي والخراف ثم اندارت علي الناس الذين خرجوا فـي خـوف بمالبس النوم كما في الزلزال وأنت نفسـك خرجـت فـي بيجامتك وتسميها رحلة الخروج الكبير مـن كـل المـواني والمطارات والمعابر ولـو أنـك أردت لرأيـت الـرؤوس المشرئبة والرقاب المعلقة علي الصواري واأليدي المرفوعة

ة ألعلي تهتز وكأنها طالعة من مرجل ضخم المتشنجة الممتد يغلي فيشعل السماء بينما أنقـاض الجـدران تسـقط فـوق الرؤوس فتنفجر الجماجم وتتمزق السيقان وتتطاير األيـدي المقطعة بينما الشوق يأخذك كمجنون تهذي نعم ال بأس هناك أراه خلف الحائط داخل الجدران المهدودة التي تنفرج عـن

زل من األعلى لتمسك برقبتك فتقف فزعـا سلسلة ضخمة تن وكان الحلم قد أخذك إلي أماكن خطرة وجدت نفسك محشورا فيها بين األثقال حتى اختنقت وكدت تنتهي لكن ربمـا هـي الرغبة في الحياة هذا الشيء الغريزي الذي ال يد لك فيه هي التي جعلتك تنتفض وتقفز مستيقظا فتجد نفسك بالفعل غرقان

اك ترتعشان ونفسك مقطوع بعد لهـاث طـال فـي خائفا يد

المفارز لكن المشكلة أن ضحي تنتظر رسالتك دون خـوف وبكل براءة لكنك لم تكن تري المشكلة في أن ذلك قد حـدث لكن تكراره هو الذي دفعك ألن تفقد ذاكرتك تقريبـا كمـن ضرب علي يافوخه في الوقت الذي أحاطـت بـك الـريح

نها هنا الطـوز ويسـمونها هنـاك المحملة باألتربة ويسمو الخماسين وهي علي أي حال محملة بالمرارة وتعـود إلـي رقائق عرب البادية فتجد أنهم ومنذ فجر الخليقة عرفوا أن الشهور القمرية ال تتواءم مع فصول السنة فعمدوا إلي ابتداع طريقة يعرفون بها الفصـول والمواسـم وأسـموها السـنة

٢٤ تها من طلوع سهيل وهـو يوافـق الشمسية وجعلوا بداي أغسطس وسميت السنة السهلية وقـد اختـاروا سـهيال ألن ظهوره بداية لالنفتاح الفصلي فسكان الصحراء الجافة تهـب عليهم في الصيف ريح السموم وطلوع سهيل عندهم يعنـي الكثير حيث يفيء الظل بعد أن كان منعدما خالل الصـيف،

ار، فيبرد آخر الليل، وتهب ريح ويبدأ طول الليل، وقصر النه الجنوب الرطبة، فتخف من لهيب الهواء السـاخن الالفـح، وتميل الشمس نحو الجنوب، بعد أن كانت عمودية في فصل الصيف، حيث يبدأ موسم الرطب الجديـد، وينتهـي موسـم

ادخار التمر، وتبدأ األغنام في اإلحساس بالراحة فتدر اللبن، اولة اإلنسان للتحكم فـي الطبيعـة، لكنك مهما توهت مع مح

ستجد أن هذه الطبيعة نفسها، هي التي ألقت بماليين البشـر في المعابر وهم يرتعشون من الخوف من المجهول تأخـذهم اللهفة للوصول إلي حل للمأزق الذي وجدوا أنفسهم فيـه ال

. بفعل الطبيعة بل بفعل البشر القساة الذين شكلوا تنظيما سريا لسرقة حياتهم، وكتابة تاريخ جديد، هـو تـاريخ . ا علني . ال

الهجرة، حيث يتدفق مئات األلوف إلي أي مكان وهي حقيقة جديدة لم تكن من قبل كما هو الحال مع اللبنانيين الذين هـم شعب مهاجر وهي حقيقة جديدة ألن أجدادنا لم يعيشوها وهي

السنين حقيقة مرة لها طعم العلقم ألننا وألول مرة منذ آالف تركنا خلفنا أرضنا ونساءنا وأطفالنا تنهبهم الذئاب وتعبث في

ثمارهم الثعالب الصغيرة المفسدة الكروم وقد يكون هذا هـو الشعور نفسه الذي دفع البدوي العجوز للصراخ طوال الوقت وهو يحاول الفكاك من أفراد أسرته ويقول اتركـوني أعـود

العراء بكـل روحـي للصحراء أنا البازي أريد أن أحتضن لكنهم اعتقدوا أن الرجل قد جن فأودعوه مستشفي األمراض النفسية لكن الطبيب رفض بقاءه واعتقد بأن الرجـل يقـول

كالما حكيما وأنه مل من النظر إلي التلفزيون ورؤية البنات اللواتي يرقصن ليل نهار وكأن مهمة البنات في الحياة هـي

لخلفية وهو هز يفتقـد حتـى هذه الطريقة السخيفة في هز ا الروح عكس ما كانت عليه الراقصة سامية جمال مثال لكـن البدوي خلص أهله من المشكلة علي أية حال ومـات وقـد حزنت عليه أنا فعال وقلت أن هـؤالء األبنـاء واألحفـاد ال يستحقون مثل هذا الرجل الذي تمنيت أن أكـون فـي مثـل

ية التي تشبه فـي وجـه شجاعته ألهتف مثله برغبتي الحقيق منها تلك التي طالب بها ومات في سبيلها ألنه من المفترض

ال من باب البطولة فقـط، وال . أي شيء . لي أن أفعل شيئا ألن هذا ضروري، أو غير ضروري، بل من أجل أنك تريد أن تهرش في يدك فتهرش فيها ألن البطولة قد تعني لي اآلن

لجنس لو أمكن أو التسـلية مجرد الطعام والشراب وبعض ا التي تزجي بها الوقت ثم ال شيء آخر فإذا كانت هـذه هـي كذلك بالنسبة لي وربما مغامرة صغيرة مـع بنـت سـمراء ساخنة لطيفة مثل ضحي التي تحبك هي أيضا وتعطيك نفسها وتبربش بعينيها وتترك يدها الضعيفة المبللة الرطبة في يدك

تنهب شعوبا أو تعبث بمصـائر وال أكثر من ذلك ما دمت لم

أمم فماذا في هذا إذا كانت المسألة هي أنك تريـد أن تأكـل دجاجة فتذهب وتأتي بالدجاجة وتأكلها أو أنـك ال تريـد أن تأكل فال تأكل بل تشرب الشاي بالنعناع استكانة بعد أخـري وال شيء آخر وال تأكل، ال تشعر بأنك تريد أن تأكل، فهـل

ن تفعل هذا الشيء، وأنت ال تريـد أن من الضروري إذن أ تفعله، بل إنك فعال أكسل من أن تفعله، فهل من الضـروري

يجعـل . يلفـت النظـر . مـدوي . أن تقوم بشيء خارج . ووووووه : تهـيج . ياياياياه : الجماهير المحتشدة تصرخ

فماذا لو كان فعل البطولة الوحيد الذي تريد أن . جوووووون علي األكل والتبرز والعمل البسيط الذي يأتيك تقوم به عالوة

بما يكفيك لتأكل وتتبرز وتنام هو أن تجلس مع نفسـك فـي هدوء وتكتب رسائل بالقلم الحبر للذين تريد أن تكتـب لهـم حتى ولو لم ترسلها فماذا في هذا لو أنك رحت تكتـب لهـم وتكتب دون أن ترسل أيا منها فال بد أنك تعتقد أن هذا غيـر

ح، لكنني أعتقد أنه صحيح، فأنت تعتقد، وأنـا أعتقـد، صحي ولكن أيا منا لم يضر أحدا ولم يشرد شعبا أو يهدم بيوتا فوق رؤوس سكانها الغالبة كما يحدث في غزة ونـابلس ورام اهللا ثم أنني وبالعودة إلي معني البطولـة أري أن المـرأة التـي

ـ ا ال جرستها الصحف ألنها فعلت أمورا رأت الصحف بأنه تليق بامرأة ومنها أنها ادعت أنها أم أسير من أسري صـدام حسين الذين ذهبوا ولم يعودوا وال يبدو أنهم سيعودون وهي في الحقيقة مجرد أرملة وحيدة لديها ستة أبناء ولـيس لهـا عائل وهي لها برنامج يومي وصفته صحيفة الوطن العربي

ر علـي شـارع بكل تفاصيله وقالت إنها تبدأ يومها بـالمرو الصحافة لتحصل علي نسخ مجانية من كل الصحف ثم تعود وتبيعها للبقال اإليراني المجاور لبيتها ثم تذهب لسوق الشبرة لتشتري أرخص الخضار واللحوم وفي طريق عودتها إلـي البيت تمر علي الجمعيات الخيرية لتتسمع األخبـار وتضـع

نة ثم تعود لترعي اسمها في كل قوائم الهبات والحسنات الممك صغارها الذين تركتهم مع خادمة سيرالنكية وجدت في بيتها مأوي لها في فترة ترانزيت ما بين عمل وآخر فهي تأويهـا بالمجان مقابل أن تخدمها هي أيضا بالمجان في هذه الفترة ثم تعود في رحلة العصاري للشارع لتتقـدم للمسـابقات التـي

ا وأسماء أبنائها ثم تـذهب تجريها الصحف والمجالت باسمه مساء لجولة يومية علي الجلسات النسائية وتظهر في مظاهر مختلفة مرة علي هيئة خاطبة تعمل علي لم الـرؤوس فـي

الحالل ومرة علي هيئة وسيط ما بين امرأة يعذبها زوجهـا بمغامراته النسائية وبين شيخة تعمل علي تليين قلوب الرجال

غرين باسـتدعاء الجـان وكتابـة وإعادتهم إلي نسائهم صا االحجبة، حتى وقعت الفأس في الرأس وانكشـفت إلحـدى النسوة المتنفذات فأمسكت بخناقها وبهدلتها بل مزقت مالبسها وأبلغت عنها البوليس باعتبارها مشعوذة ولم ينقـذها سـوي الكاتب الصحفي سليمان الفهد الذي أخرجها بضـمانه ممـا

طاع عريض من المجتمع الذي لم سبب له متاعب كبيرة مع ق يرض عن أفعال هذه المرأة التي زعموا أنها أفعال خسيسـة وأنا اعتبرتها من قبيل البطوالت التي تستحق الذكر بل إنني تمنيت أن أتعرف عليها لكن صحيفة الوطن العربـي التـي تابعت الموضوع بإصرار قالت إن محررتها ذهبت للبحـث

لت صغارها واختفت وقد رأيتها أنا عن المرأة فوجدتها قد حم فعال في أحد أحالمي تحمل زادها علـي رأسـها وتجرجـر أطفالها خلفها وتعود للصحراء إلي حيث أراد ذلـك البـدوي الذهاب ليلتقي بروحه التي أردت أن أرسمها علـي جـدار البيت بفرشاة الرسام الشعبي العتيد الهـاوي الـذي ال يـتقن

ي أصوات آالف األطفال والعقبان عمله، لكنني استيقظت عل

النسور الصقور تطاردهم، فيسقط بعضهم خارج اللوحة فـي ماء الخليج من ناحية اليمين والبعض اآلخر يهوي في جوف الرمال التي تبتلع الرؤوس وتلفظ األقدام واأليـدي فتأخـذني الحماسة وأغمس الفرشاة في إناء اللون الكبير وأرفعها عاليا

ن علي السطح الخشن فإذا بالرعد يبرق وتنفجـر ألنثر األلوا السماء باللهب وتأتي الطيور لتسد عين الشمس الشمالية لكن العين األخرى تساقط حبات اللؤلؤ التي تشخلل برنين متفاوت األصوات هو خليط من أبواق البواخر وسارينات األتوبيسات

لم وهدير الطائرات التي لألسف أكتشف ألول مرة في هذا الح بأن ليس لها أبواق أو كلكسات األمر الذي يجعلها تتصادم في الهواء لتبدأ فرق اإلنقاذ وهي تجرجر الكالب المدربـة فـي البحث عن بقايا األشالء الممزقة فال تجد في الصورة سـوي الممثل العالمي توم هانكس في فيلم كاست اويي وحيدا فـي

بدأ في اكتشاف الجزيرة القاحلة وهو يتلهف لخالص روحه وي يكتشف النار من جديد علي الرغم من أنـه . النار من جديد

مثل هذا الفيلم في نهاية القرن العشرين ، وماذا في هذا فأنـا أحلم بأن أكون رساما شعبيا فقيرا من رسامي قصص الحـج علي البيوت الريفية يحصل علي أجره علي هيئة حفنة مـن

ضات مثل توم هانكس الذي القمح أوحفنة من التمر أو ضع بي مع مرور الوقت وهو وحيد في الجزيرة المهجـورة يرسـم أيضا علي جدران الكهف خياالت يأنس لها بل إنه يتحـدث إليها حتى تقع عيناه علي كرة وجدها بين األنقاض فيرسم لها عينين وشفتين وحاجبين وأذنين وفم وأنف ويسميها ويلسـون

هيئة مركب صنعها من جذوع ويحملها معه علي عبارة علي أشجار الجزيرة يعوم عليها ليعبر المحـيط إلـي الجانـب اآلخر،إلي نهاية الليل ، إلي الحبيبة التي تنتظره هنـاك،لكن ويلسون ،الذي علي هيئة كرة ،ينزلق من بـين يديـه إلـي

تعـال ، : عرض المحيط، تأخذه األمواج بعيدا فينادي عليه ، لم تتخل عني وأنا فـي غياهـب أنقذني ، لم ابتعدت عني

الموج ، لم تتركني وحيدا وأنا أحتاجك، لكن ويلسون يبتعد ، يغيب،حتى أنني أستيقظ من الحلم ، ال ألبقـي هنـاك ، بـل ألدخل في آخر أجرجر قدمي وأنا أشعث أغبر أمشـي فـي الطرقات حتى ألتقي رضوان الساعي البطل الالبطل لروايـة

الوحيدة التي استطعت إتمام قراءتها عطلة رضوان ، الرواية وظـل بعـدها " قصة الحضارة " في حياتي كلها، بعد كتاب

رضوان يطاردني ولربما كان هو سبب تفكيري في الخروج

، في الهجرة ، ال إلي أي بلد بل إلي بلد محدد ، إلي نيبال ، وهو ما جعلني آتي إلي هنا ألجمع المال ألذهب إلي هنـاك

تعيش في غابة ال تستمع فيها إال ألصـوات حيث يمكنك أن الطيور، وهو ما لم أتحدث به ألحد ، ال لضـحي أو والء ، ال لعادل أو باترتسيا ، ال أحد علي اإلطالق ، فهـو سـري الدفين الذي ربما وصلت معه إلي نهاية الليل ، إلي الغسق ، إلي نقطة صغيرة من الضوء الخفيف في ظل غابة علي قمة

األصوات أغنية خفيفـة تتواصـل علـي إيقـاع جبل حيث األغصان وهفهفة األجنحة ، بينمـا الجنيـات الصـغيرات الناعمات المتسربالت بالخضرة يرقصن متشابكات األيـدي حول األشجار في ضوء القمر ، يعشن في الزهور ويـأكلن العسل ، هربان ؟ وماذا في هذا ، لكن هارب ممن،ز ، لـم

ر مع والء ، ز، وال باترتسيا ،ز، وال تستطع استكمال المشوا ضحي، ز ، التي ضحت من أجلك ، أحبتك ، وأرادتـك ،ز، وغامرت معك بالسفر عبر القطار إلي اإلسـكندرية حيـث البحر ،ز ، نزلت معك في شقة صديقك ،وسـبحت أمامـك بالمايوه البكيني، ز ، وكانت فرحانة وهي تقول أحس وكأنني

ادة ؟ ال أعرف ، هي أنـا هكـذا مي زيادة ، ولماذا مي زي

أحس اآلن ،ز ، ولكنه من ناحية المبدأ لم يكن أمامي سـوي الهرب، ز، فكيف لي أن أتحمل المسئولية وليس لدي زاد أو زواد ، علي أي حال أعترف لك يا ضحي بشيء مهم جـدا خطر ببالي أن أحدثك عنه اآلن ، ال أعرف لم ، هو أنني قد

هذا العالم الذي يحمل معه دائما فـي أكون الرجل الوحيد في حقيبته مرآة صغيرة ال تفارقه،ز ، لزوم رؤية الوجـه ، ز ،

يمكنك أن تقطعي بذلك بعد ( دون أن تكون لديه ميول أنثوية ال طبعا ، ال يصح أن أكتب هذه الجملة ، ز ، إنها ) التجربة

قاسية جدا ، ز ، قاسية إلي حد ال يطاق، فأنت لست متهمـا أية حال ، ز ،لست متهما ال بهذا أو بذاك ، ز ، وكانت علي

عندك لحظات فرح أيضا ، ز ،مثل تلك اللحظة التي انتابتك بمجرد استيقاظك من النوم وأنت تحس بأنك مواطن أمريكي يتمرغ في النعيم ، ز ،كما تلك اللحظة التي أحسسـت فيهـا

ا هـذه بأنك علي قمة جبل في نيبال ، لكن هذا ال يساوي أبد اللحظة وأنت تكتشف اآلن ، ورطوبة الراحة في صـدرك ، بأنك ، ز ، ويا للمفاجأة ، ز ،لم ترتكب أية جريمة ، لم تقتل ذلك الرجل وال تلك المرأة ، لم تخنق الفتـاة التـي كانـت تتمخطر في سوبر ماركت سلطان نصف عارية غير مباليـة

عن نفسك بأنـك بأننا في الجزيرة العربية مع أنك دائما تنفي ذكر شرقي يرعي النساء في قاعة الحريم وهن جالسـات أو واقفات راقصات أو يتثاءبن يـرفعن األقـدام والسـيقان و يضربن علي الدفوف ويهزجن بالصناجات أو ينثرن البخور ويمددن اليد بكأس الشراب،ولكن مهمتك األولـي أن تحـوط

) عامل ( ا علي كل أنثى ممكنة وتراقب كل ذكر يقترب منه تنظيم سري خاص ، لوحدك ، تتصل بالنساء ، بالرجـال ، تحذر هذه ، تنذر ذاك ، وأنت أصلع وتقول أن الصلع عالمة الرجولة ، فلتحتفل إذن ببراءتك ، صحيح أن هناك تقصـيرا من ناحيتك تجاه عدة أمور قد يكون أهمها أنك لم تكمل أيـا

أو تلك التي رحت من الرسائل التي تجرأت وكتبت بداياتها ، تهذي بها بينك وبين نفسك ، تقولها بصوت هامس داخلـك ، حيرتك ألنك وجدت األمر صعبا التعبير عنـه، حتـى أنـك استعنت بالقاموس فوجدت أن أهل االختصاص يسمون هـذا مونولوجا وأن هذا المونولوج ما هو إال استبطان يهذي فيـه

ا كنت تظن ألن المرء بلواعج النفس وهو ليس حلم يقظة كم هذا شيء ال يخرج عن النفس ويبقي عالقا فيها فال تترتـب عليه أية مسئولية من أي نوع وقد يكون مجرد تعب يحتـاج

تشخيصا فماذا سيقول األطباء يا تري عـن حـالتي ؟ مـاذا سيقول الدكاترة والعلماء ، ماذا سيقول الخبراء ومـن فـي

، ويجعلـونني أيديهم أن يقرروا أمري ، ويحكموا أسـري بالكاد أبين ، ماذا سيقول أطباء األمراض العقلية ، والعصبية ، والنفسية ، أطباء األذن والحنجرة واألسنان والنظر ، أطباء أمراض القلب واللسان ، المرارة والكبد والطحال ، أمراض الرئتين والقفص الصدري ، ماذا سيقول علمـاء االجتمـاع

علماء الجينات والخاليا ، علمـاء واألنثروبولوجي واآلثار ، دعنـا مـن المـزاح السـخيف ، . بجـد . لكـن . اإلجرام

وفهمني سر حالتك ، أبدا لم تسـتطع . واالفتراضات العتيقة أن تستقيم مع امرأة واحدة ، مع فكرة واحدة ، مع عمل واحد ، مع مشروع واحد ، مع مكان واحد ، مع زمان بعينه، مع

حركة ، مع شيء واحد تعتقـد فيـه شكل ، مع اتجاه ، مع وترمي عليه همومك كما يفعل كل البشر ، أنـت متعـب ، متعب ، ال تلوي علي شيء ، نهايتك أيضا لن تكون واحدة ، لو استقر بك الحال لتكون فعال رساما شعبيا يحمل صـفيحة الجير الملون والفرشاة الكبيرة ليدور علي القري واألنحـاء

ة من المراكـب الغرقـى والشـاحنات يرسم األطراف المدال

المحطمة علي الطرق السريعة والطـائرات المحترقـة فـي السماء في لوحة الجحيم التي رسمت في وسـطها جماعـة المكفرين بلحاهم وهم يمسكون بالثعابين علي هيئـة أسـواط ملتهبة يضربون بها رؤوس الذين كـانوا يصـفونهم مـرة

في كل األحوال هم كفار بالزنادقة ومرة بالمهرطقين ولكنهم يمشون بهم في اتجاه الجحيم حيـث المخـابئ والصـوامع والزوايا والكهوف والخلوات في مزارع القصـب والقطـن والكراث والفجل والشطة واليوسف افندي والموز والالرينج والشرطة والكالب والرصاص والحرائـق ورأيـت وجهـا

ـ : يصرخ أعلي القـاهرة ق هاجـت علـي بعضـها الخالئ والراقصة تسبح في بركة الماء أمام تمثال رمسيس في بـاب الحديد والقطارات تخرج صارخة عن القضبان تنـدفع إلـي األسواق تنفث الجثث وتحرق العشـش صـارخة والخلـق يندفعون فتجد نفسك محاطا بالشخوص كمؤلف محاط بهؤالء الذين يبحثون عنه ليؤلفهم من قلب المتاهة التي تتجول فيهـا

ل إلي النهاية لكن المتاهة تدور بك وتعود وتلف في هذه لتص الحكاية الخرافية والرواية الكاذبة األسطورة التي ال تعـرف لها ملمحا وال تعرف فيها اآلن وفي هذه اللحظـة شـيئا وال

حتى شوقك ألن تستطيع اتخاذ قرار بهذه الجرأة وعلي هـذا بصـر عبـر النحو أن ترعي جمال ناقة لتشرب لبنها وتمد ال

الصحراء الصحراء الممتدة وتأكل التمر وجبن المـاعز وال شيء سوي جلباب رداء كندرة وال شيء آخر ، ال بيـت،ال تكييف ، الموكيت ، أو غسالة فول أوتوماتيك تعود إلي جدك

ياناس أنا مالي ومـال : تتعلق بلباسه تشم رائحة البعير فيه الذي يخنقني فـي هذه األشياء المطاطية ، مالي والسراميك

الحمام ، مالي وتعبئة برازي في المواسـير ، مـالي وهـذه الفزاعة التي تضع علي رأسها باروكة صفراء وفي شـفتيها ليب ستيك أحمر وحول عينيها آي الينـر أخضـر أزرق ، مالي وهذه البزاز الجلد والرمـوش البالسـتك والجزمـة ،

خول فـي الجزمة ، الجزمة التي دفعت زوج صاحبتها للـد سرداب لم يخرج منه إال حين رأي يـوم القيامـة والخلـق يتدافعون بين الجحـيم والمطهـر يتقـافزون بـال رحمـة واألصوات تدفعهم لمزيد من الهلع فهـو الخـروج الكبيـر المفتوح الالنهائي الذي يقود إلي المتاهة التي لم تسم بذلك إال

فسك ألنها صورة من صورة تدخل في صورة حيث تجدين ن يا ضحي ـ مثال ـ في مقابلة تلفزيونية أو بـاألحرى وهـم

يعدونك لهذه المقابلة التلفزيونية فأنت تجلسين، أوال،في غرفة الماكياج ، يزيلون عن وجهك الشعر الزائد ، الزغب ، ثـم

إن ( يخططون وجهك بالمالمح التي يريدون أن تظهري بها وإن كان فرحا أو كان الموضوع كئيبا فمالمحك تبدو كئيبة ،

حزينا فهم من البراعة لدرجة أن تصبحي علي هذا النحو أو وقد يصل األمر إلي درجة ( ثم يصلحون من هندامك ) ذاك

أن يخلعوا عنك مالبسك التي أتيت بها ليدخلوك في المالبس الحذاء والشراب أيضا يجب أن يكونا مالئمين ، ثم ) المالئمة

رك ، وغالبـا مـا يطلـب يأتي المخرج ليصدق علي مظه ثـم أنـك ) وإال فكيف يكون المخرج مخرجـا ؟ ( تعديالت

تحسين بيد طريه تمسك بذراعك ترفعك ألعلي فـي درجـة الوقوف ثم تسحبك ـ هذه اليد ـ إلي األمام إلي ممر طويل طوي ي ي ي ـل مضاء بقوة ، وتفتح اليد الباب وتدفع بك

تعـرفين مـاذا تقفين للحظـات ال . إلي استديو شبه مظلم إجلسوها ، ياسلوي ، تـأتي : تفعلين ، حتى يصرخ المخرج

سلوي لتأخذ بيدك إلي المقعد وتجلسك ، وتعدل من هندامك ، حتـى ) حتى ال تـري شـيئا ( اإلضاءة موجهة إلي عينيك

تزغلل عيناك وروحك أيضا ، عرقانة ، وقد يكون البرد في

يعـة الشـابة ، الخارج يجمد مالبس المارة ، وتـدخل المذ الرشيقة ، التي ال ترين منها شيئا في البداية ، هـي أيضـا تخضع لعملية إصالح الهندام واللمسة األخيرة من الماكياج ، لكن ، وربما بسبب وضعها كعضوه في المجموعة ، وربمـا بسبب الخبرة ، فإن كل شيء يتم بناء علي مزاجهـا ، ثـم

يـودي أو " الذي ال يدخل الموضوع في الظالم ، في الكالم ، حتى تستيقظي من الحلم فتدركين أنك كنـت فـي " يجيب

مقابلة تلفزيونية جرت معك في الحلم ، وأنت طبعا تكونين قد صرخت في المقابلة برأيك الذي قلت فيه يا أوالد الكلـب ، أيها األوغاد ، لقد حطمتمونا ، نهبتمونا ، جردتمونا من كـل

لتمونا عبرة لمن ال يعتبـر ، شيء ، حتى ورقة التوت، وجع ثم أنك ترين أن خطبتك العصماء هي بدورها ذهبـت مـع الريح التي نسميها نحن الخماسين ويسمونها هنا الطوز ، ويا لها من كلمة تجعلك فعال تطوزين ، ألنك فعال عند هبوبهـا تذهبين في حالة قرف وكره للحياة كلها فما هـو أشـد مـن

ة علي التنفس الذي يجعلـك غيـر االختناق ، من عدم القدر قادرة علي الحركة ، علي ملء الجوف ، علي التبرز ، علي ممارسة الحب الذي يكون هنا هو أصعب األشياء وأنـدرها

فأنت في ضياع بين حشد المضـيعين الممسـكين باأليـدي متضامنين في سرحة السرحات التي يعلوها الغبار وتحف بها

( الة وتركض الخيول المجنحة النيران وتطوقها الكالب الض في نهاية المشهد ليظهر من وسطها ذلك القـديس ) باألجنحة

الملتحي الممسك برمحه وعلي رأسه قلنسوة الحـرب ومـن العدو أمامكم والبحـر : كتفيه ينزل العباءة المطرزة بالحكمة

خلفكم لكن لم يظهر سوي العدو من كل اتجاه طوق أعنـاقكم السماء والطيور تتجمد فوق الـرؤوس بالسالسل المعلقة إلي

حتى ساد الصمت ولم يظهر سوي صـوت ذلـك العربـي الطلوقة الذي صورته األفالم األمريكية مؤخرا وهو محـاط برهط نساء يداعب هذه وينط علي تلك لكنه ال يفعـل شـيئا

لكن مالمحه تنز بالنذالة ) وال حتى الجماع الرجولي ( حقيقيا لبخل كما كانت المسرحيات القديمة في وعينه بالقبح ونفسه با

بالد الفرنجة تصور اليهودي أبو قتب وهـو يحتضـن رزم النقود وينظر بعينيه لزوجته بخوف وهو يموت في صندوق مع كنزه الذي وفره من قوت عياله ثم يدخل في حارته فـي زقاق اليهود في قاهرة القرن الثامن عشـر قبـل أن تـدق

لطبول بالعداء الذي انقلـب علـي الطبول تدق الطبول تدق ا

صاحبه ولم تكن تتخيل يوما أن تعيشه في نفسك حتى ولو لم تكن رجل سياسة أو رجل حرب أو رجل مال إنما أنت / تك

فقط رجل يومك تجري علي رزقك ورزق صـغارك لكنـك ودون إرادتك ال تستطيع أن تفلفص من قبضة ما جري وما

ح عنقك باأللم ويغز يجري وما سيجري يخنقك بالحبل ويطو السكين في جنبك فتسيل دماؤك وتجري لتدوس عليها األقدام آالف األقدام آالف األقدام في مداخل المواني وعلي الحـدود الممتدة المحوطة المحاطة باألسـالك الشـائكة والمطـارات المدججة بالكالب البوليسية والقوات الخاصة ورجل المطافي

ب من كثرة الخلق وتلونهم ثم العجوز يضرب كفا بكف ويعج يقوم ليكافح النار فإذا بالزلزال فيقوم ليكافح الزلـزال فـإذا بالفيضان الذي يأخذه بين آالف الجثث فال تنفعه قلنسوته وال خرطومه وال حذاؤه الطويل وال البلطـة وال الصـفارة وال الحزام وال الجنون الجنون نفسه ال ينفع رجل اإلطفاء كما ال

لجاونتي الذي يلبسه محمود الجزار قبل أن يبـدأ فـي ينفع ا قراءة الصحف لينام بجوار القط وبقايا قصاصات إعالنـات الصحف التي كان يجمعها ثم أصبح يجمع صور أثداء النساء

إطاراتك . الدنيا مسرح صغير : أو علي سليمان الذي هتف

أشبه بإطارات المسرح ترسم مالمحك علي مرآة الـنص أال لقد قالت لي ألن شاربك وسكسوكتك والبيريـه ، لـم ترون

تلبس البيريه ؟ هل من أجل تغطية صلعتك ، لكنهـا خفيفـة فأنت لست أقرع بالكاد مع أنه أقرع فعال لكن انظـري مـا وصل إليه حال الرجال ال ، ال ، ال ، لكن ما خطب بـه ذاك اليوم ال يساوي شيئا وهو يقرأ قائمة األسماء التـي نشـرتها صحيفة الوطن نقال عن صحيفة القادسية لألسري العائـدين

. حلبـوس . حنتـوش . إلي أرض الوطن وضمنهم شعواط . منخي . خشيف . مهلوش . إموازي . دزه ـ بي . بهدلي . رسـن . عرد . شمار . بعنون . تامول . طخاخ . فنطول . محـيس . مكصوصـي . بديخ . زغير . منخي . كجيط صـنيدح . مـوعيزي . عميص . ينج خر . غليفص . شليح

وقامت خناقة في الشلة بين فريقين فكان منا من يري أن هذه تريقة علي خلق اهللا وهذا حرام وكان من رأيي أنها مجـرد فقرة فكاهية وأن محمود الجزار رجل مسكون يمشـي فـي الطرقات ويتحدث ثالث لغات هندية تعلمها علي يدي البقـال

والماالباالم والغوجاراتي ويظن أن العالم المجاور هي الكانادا يتمخطر من خالله وهو يجرجر عشـرات الصـحف خلفـه

والحقيقة أنه يسير منوما بجوار القط ويكرر الرسـالة التـي " سـتات البيـوت " لـ ٦٧ وجهتها الصحف المصرية عام

ويلهـج بهـا دون أن " في حالة إعالن الحـرب " المصرية في علي عالمات اإلنذار المختلفـة تعر : يستطيع أحد إيقافه

عنه صـفير " ينذر " لتستطيعي أن تفرقي بينها فابتداء الغارة عنه صفير مسـتمر " ينذر " متقطع لمدة دقيقة وإنهاء الغارة

ثانية ، تأكدي من وجود أدوات اإلسعافات األوليـة ٤٥ لمدة عندك في البيت وخزني كمية مناسبة من الرمـل أو المـاء

الحريق ، حددي من اآلن األعمال التي سـيقوم كاحتياط ضد بها كل فرد من أفراد أسرتك في حالة حدوث غارة أو حالـة نشوب حريق ، إحرصي علي أال يكون هناك أي مواد قابلة لإللتهاب فوق سطح منزلك أو في شرفاته ، إطلـي زجـاج النوافذ بالمادة القاتمة أو ضعي عليها ستائر بحيث ال يظهـر

ضوء من الخارج في حالـة حـدوث غـارة ، ال منها أي تروجي إشاعات أو تسمحي ألحد بترويجها ألنها تحدث فزعا

. ضـعيف : وتضعف الروح المعنوية بال مناسبة ثم يقـول أقصد . لكنني لم أستطع ياليلي . أف . أنا ضعيف . ضعيف

يا والء أن أحتمل صوته الذي كان يردد آالف األصوات وأنا

في بحار الليالي أنتظر المواعيـد لكـنهم لـم ال زلت هائما يكونوا قد جاءوا بعد ربما ألنهم لم يستيقظوا بعد وكنت أنا ـ والحلم لم يزل ـ أتحدث عنهم ، أتهجي اللغة المطلية بالغربة ، المدفونة نصف قرن في الجرة المألي بالملح فكـل هـذا ـ ا التزاحم والتشاحن قد أكد لي أننا في غابـة مظلمـة يلفه

الصمت الرهيب حيث تسبح في بحـور الخضـرة المنيعـة عسيرة المسالك تتشابك فيها النباتات المفترشة الطفيلية التـي تلف بمخالب وحشية أعناق األغصان في سلسلة ال تنتهي من األشجار تتضافر كلها لتؤلف منظرا يجعلـك تحـس بالذلـة

وء والصغار وأنت تتشبث بالرقية في يدك المرتعشة في الهد المتربص حتى ينفجر الرعد عبر الغابة ويدوي كمدفع يطلق حممه وراء األذن لتضرب قواعد األرض وتترنح ويتسـاقط المطر والبرد من أعلي كأنما جيش يقذف بالصـخور يهيـل عليك الماء من قربة ضخمة ضـخمة فتـنقض الصـواعق الملتهبة كالقنابل لتسدل سجف الظالم ألسـنة وأسـتارا مـن

البيضاء فيكون خوف من نهر النـار وخـوف مـن النيران الدودة التي ال تموت وخوف من الظلمة الخارجيـة فتـذهب لتتشبث بأمك تمسك بجلبابها وهي ترقيك من الجني داعـوج

الذي يأتي في الليل في ثياب قرمزية ليهاجم الضـالين فـي وينجو البعض اآلخر من ( الطرقات الموحشة ويأكل بعضهم

موتون في بيوتهم قبل أن يرتاحوا علي أسرتهم مخالبه لكنهم ي ثم يغيب تحت األرض علي الرغم من ضـخامته لتظهـر )

زوجته شهيول فارعة الطول وهي ترتدي ثوبا أبيض وتعيش في جذع النخلة وتعلم الضالين من وراء زوجها كيفية اتقـاء شره لكن أمك ماتت منذ زمن ودفنت بجوار والدك في مدافن

سبقها ولم يبق لك من العائلة سوي عمة عجوز الوزير الذي عادت إلي بلدها األصلي في الصعيد واختفت أخبارها ، فأنت إذن مقطوع الجذور، وتخيل نفسك بين يدي مؤلف روايـات

) مقطوعة الجذور ( أحمق يسعي ألن يعبر عن مثل شخصيتك فال بد أنه سيرسم مالمحك لو كان يحسن كتابة الروايات التي

ا كل من هب ودب وتجرأ عليها حتى أنك وقد كنـت امتهنه مدمنا علي قراءة الروايات تخليت عن هوايتك الوحيدة التـي كنت تحبها بسبب هؤالء الذين ملئوا الساحة ضجيجا ولـيس بينهم من هو كاتب روايات حقيقي الذي هو نبـي عصـري بمعني الكلمة وهو بالقطع موجود وسـيظهر لـيمأل الـدنيا

حياء القصـة الكبـرى وإن كـان يطالعـك روايات تخدش

بتصوير حياة شخص يراه أصحاب العقائد غارق في التفاهة ألنه يهوي شراء أوراق اليانصيب ويحلم وال يكف عن الفوز بالجائزة الكبرى وهو من جهة أخري ال يكف عن جمع نتف النفايات من علي الموكيت تحت تأثير نظرية متابعة النظافـة

لتلقائية الدائمة حتى ال يضطر لتشغيل المكنسة بهذه الحركة ا الكهربائية التي يدعي أنها تسبب له رعبا من نـوع خـاص ينتهي بصداع مؤلم ودوخة مثل تلك التي أحسست بهـا مـن نفسين من البانجو اللعين الذي أضحي منتشرا إلي درجـة أن هذا الروائي يمكنه أن يصف هذا العصر بعصر البانجو وهو

نه ال مبالغة في األمر وإن كانت نفوس الشباب في مطمئن بأ الجزيرة العربية كلها مكتظة بالرعب ألنهم فـي السـعودية يضربون رؤوس شاربي البانجو بالسيف فتصـور حسـدك المرتعش ورقبتك تنز بالدم قبل أن تطلع روحك فأنت تحـس بالجرح في رقبتك كأنه ماذا كيف يمكنك أن تصف المـوت

هذا شيء ال يمكنه أن يكون موضع نظـر أو قبل أن تجربه ف قياس أو كالم وحتى تخفف عن نفسك عليك أن تقتنع بأنـك لست في جدة أو الرياض وإنما أنت في الكويت علي الرغم من أن المسألة فيها إعدام أيضا وهو نفس اإلحسـاس الـذي

تحسه وأنت ذاهب كل صباح للعمل أو كما قال جاسم عباس ش مبكرا ليلعب في البورصة فهـو أيضـا المحال علي المعا

يحس بنفس درجة الرعب وهو يدخل مبني البورصة علـي الرغم من فخامته الزائدة ألن خبطة واحدة يمكنها أن تزلزل كيانه صعودا أو هبوطا ألنه كما يقول يمكن أن يكون الرعب ساعة الفوز نابع من خوفك من الذين خسروا ألنه ما المـانع

حدهم بسيارته ويفر في الظالم الدامس الذي من أن يدهسك أ تخفي به وارتكب جريمته من تحت سدله وقال هذا الكـويتي المسكين ذو األصول اإليرانية بأنه تمني أن يمتلك تلك القوة التي يتمتع بها ص م السيلزمان وزوجتـه س ل السـيلزمانة اللذان يخرجان كل صباح وهما غاية في القوة وفي يد كـل

حقيبة بها عينات البضاعة وفي دماغيهما خطة منظمة منهما لإليقاع بالزبائن وتدبيسهم في صـفقات ليسـت بالضـرورة خاسرة ولكنهم قد ال يكونون في حاجة إليها ثم أنهما سيفران في النهاية إلي بلدهما وهما يحوالن مكاسبهما أوال بأول وما

ـ ي يمكنك أن تخرج به من كل ذلك ال فقط تلك الغصـة الت تحس بها في بلعومك وأنت تري أفواج الخـارجين بمئـات األلوف إلي حيث ال تعرف بالضبط إلي أين هـم ذاهبـون

وأنت تفكر جديا في كتابة وصيتك لتوزيع أراضي مملكتـك إلي الحدائق الغناء " العوجة " علي القنان فتقف لتشير بعصاك

ملون علي النجيل األخضر والبط ال " تتمختر " وفيها الطواويس يسبح في مياه البركة المباركة والطيور من كل نوع ولـون تتقافز فوق أغصان الشجر وأنت توقع علي صـكوك الهبـة التي يكتبها مدير الدائرة البس الطربوش والمنديل المحالوي وهو يتأفف لعدم رضاه علي هذا القرار المتهور لكنك سـعيد

األشجار الباسـقة وأنت تري الفالحين يبنون لهم بيوتا تظللها ويرعون الغنم واألبقار والجاموس ويفلحون أرضهم إثر أول يوتوبيا متخيلة في العصر االفتراضي الذي تعيشه مع نفسك ثم أنك تقفز من الحلم علي ضجيج عربات الكارو المحملـة بالنساء العجائز المهاجرات إلي البالد البعيدة والبغال تنهـب

الصحراء الممتدة حيث يبين األرض حتى يختلط الجميع في من بعيد قصر أمير قبيلة عنزة وهو أمير األمراء حتى ليقال أن الملوك واألمراء يستقبلونه علي حدود بالدهم فهو الـذي يفصل في حوادث الدية إن أمر استجاب الجميع وهو يجوب الجزيرة العربية متخطيا الحدود كما كانت كل القبائل تـأتي

دودا ومن حوله الجند الملثمين بالشماغ وتروح وال تعرف ح

يمسكون بالبنادق في أياديهم المعروقة وينظرون بالشرر في عيونهم كما يكون عليه الرجل الصقر وهذه هي حكاية القبائل التي تجوب الجزيرة العربية منذ األزل وربما كان قريني هو ذلك الذي هناك يجلس القرفصاء ويمد يده للمنسـف ويكـور

في كفه ويلقي بالكرة في حلقه كما يفعل عرب الصعيد األرز ورائحة الشواء تفوح من الخروف الممدد علي السـيخ يلفـه الهندي علي النار وهو ينظر في وجه قريني الـذي مـا أن رآني حتى جاء إلي وجلس القرفصاء فـي مـواجهتي وراح يناقشني في المشكلة مؤكدا أن الموضوع اليمكن أن يسـتمر

ا النحو وأنه ما كان يجب أن يحدث ذلك ألنه لـيس علي هذ من الممكن ألي بلد في العالم أن تحتمل أن يفكر شعبها كلـه في الخروج حتي أن أم محمد بائعة الخضرة علـي قفـص الجريد عند ناصية الحرة أكدت له أنها ذهبت لثالث مكاتـب من مكاتب وزير العمل لتسهيل هجرة العمالة وأنهـم طلبـوا

خمسة عشر ألف جنيه قبل أي كالم ولكنها ألنها سـيدة منها عندها خبرة في الحياة خاصة وأنها كانت قد وقعت ضـحية لعدة عمليات من النصب أكدت لمدير المكتب الذي هو فـي نفس الوقت زوج ابنة وزير العمل بأنها ال يمكن أن تخـرج

مليما واحدا من صرة الفلوس التي تحتفظ بها فـي صـدرها ن مكان يمكن المرأة أن تحتفظ فيـه بنقودهـا فـي وهو آم

الظروف العادية قبل أن تعرف بالضبط نوع العمـل الـذي سيسندونه إليها عند السفر لكن المناقشة أغلقت عند ذلك ألن الرجل قال لها بأنهم ال يضمنون الموت والدفن مرة واحـدة فقالت إنهم يضمنون الموت فقط لكنها أرادت أن تضمن الدفن

كيف باهللا عليك يمكن المرأة مثلها أن ترمي بجثتهـا فـي ف الشارع والناس هذه األيام بال رحمة في قلـوبهم فـيمكن أن تأكلها الكالب الضالة عندئـذ وأنـت تعـرف يـارفيقي أن المصريين يهتمون جدا بمسألة الموت حتى أن الواحد مـنهم علي استعداد أن يضع كل مدخراته في سبيل الحصول علـي

رة له وألوالده كما حدث بالفعل مع والد والء الذي وضع مقب مكافأة نهاية الخدمة في مقبرة وجدها بعد أن داخ بحثا عـن واحدة حيث راح ومنذ طلوعه علي المعـاش ولمـدة سـنة ونصف يبحث ويبحث كل يوم يخرج من السابعة صباحا وال يعود إال في المساء وهو في صحبة سماسرة المقابر الـذين

قوه مر العذاب حتى جاء ذات مساء أذا

وهو يبتسم وطلب كوبا من الشاي وزف الخبـر وهـو يدخن السيجارة من طيز السيجارة كما قالت والء وقال الحمد اهللا وجدت المقبرة ، ثم أنه رفض الكـالم عـن الموضـوع واعتراه الهم لمدة أيام وظن الجميع أنه سيموت ولكنه لم يمت

غطاء طوال الوقت يأكـل أو يـذهب لكنه راح يجلس تحت ال للحمام ثم يعود للنوم فيالها من استراحة وددت لـو عملتهـا وهو أمل ال يضاهيه أمل آخر حلمت به من قبل سوي العمل مهرجا في سيرك يجوب البالد ليلعب األلعاب التهريجية وهو يصبغ وجهه باأللوان ويعتمر الطرطور المرقـع والجلبـاب

طز ، طز ، طزطوووز ، : خ في البوق المرقع أيضا ؛ وينف . ز ، ز ، ز ، ز

)باب( في

يقظة الناجين

)ف (

ميم المالحظة

أظن أن من األمانة أن أقوم بهذه المهمـة علـي نحـو . مختلف عما كنت أفعل طوال حياتي

علي أن أرسل هذه الملفات إليك أنت يا ضحي بالذات ، فأنت أوال أكثر األشخاص الذين يمكنني أن أأتمنهم علي شيء

. نك ، مثلي ، تحبين التسلية بمثل هذه الحكايا كهذا ، وثانيا أل لقد وجدت هذه الملفات التي تحكي قصص من نجوا من حادثتين إحداهما لطائرة والثانية ألتـوبيس جرتـا مـؤخرا

وتحدثت بهما مطوال القنوات ( لمصريين ونشرتهما الصحف ) مـن تركـه ( في مغلف كتب عليه اسمي وتركه ) الفضائية

( ، وإذا كان لي أن أخمن اسم هذا الشخص أمام باب مسكني الذي ترك المغلف فال بد أن يكون هو علـي سـليمان ) س

،ألنه الوحيد من أفراد الشلة الذي يمكنـه أن يصـوغ هـذه . الحوادث علي هيئة قصص

لقد تأكدت اآلن ـ يا ضحي ـ من أنه فعـال يمتلـك ( . قدرات ال بأس بها في الكتابة لك ، علي أن أعترف له بذ

بل إن من األمانة أن أبلغ بقية أفراد الشلة بهذه المفاجأة، . ألننا، جميعا، شككنا في كالمه عن هذه المسألة

لكن، ولألمانة أيضا يا ضحي فإن حوادث عديدة مـن هذا النوع جرت طوال السنوات الماضية ، ال فقط للمصريين

د من المهاجرين ، بل آلخرين من جنسيات أخري ، كما ال ب اإلشارة إلي أن حوادث السيارات، خصوصا تلك التي تحصد

). أرواح الكويتيين، هي من أكبر األرقام في العالم طلب مني فـي رسـالة ) س ( المهم أن هذا الشخص

مقتضبة مكونة من عدة أسطر ، أن أرسل الملفـات ، بعـد " قراءتها، إلي شخص أثق به يمكنه االحتفاظ بها في مصر ،

، وأظن أن مـن األمانـة أن " ألهمية القصوى لذلك نظرا ل ي أفعل ذلك ، علي الرغم من أنني غير متأكد ما إذا كان عل

. سليمان هو الذي تركها أم غيره هل أفعل ذلك علي الفور أم أنتظر ألتدبر األمر ؟

. ام المقبلة أظن أن هذا ما علي التفكير فيه خالل األي

بتفصيل أكبر ، سأشرح لك الموضوع ـ يا ضحي ـ ( ). ربما في الرسالة التي سأكتبها لك مع الملفات

)ف(

الناجون من حادث الطائرة

: ـ سليمان جوهر فني األجهزة ١ وقام من السرير األبيض غير مصدق أنه ال يزال " واو "

علي قيد الحياة ، ولو كانت لدي قدرة علي التعبير عما جري يتذكر التجربة ، كـان لسطرت ملحمة ، وأخذته رجفة وهو

المقعد يطير بي ويلف ويدور فلم أحتمل ، وأخذ نفسا عميقـا وهو يضع يده علي جانب فخذه المكسور ، ال ، لم يحدث هذا ، لم أسقط من ارتفاع ثالثين ألف قدم ، ال ، لم يحدث ، ال بد

. أن هذا كان حلما وراحت الصحف وقنوات التلفزيون والمجالت تصـف

تباره معجزة ، معجزة لم تحدث من قبل ،وقال الموضوع باع كاتب عمود في صحيفة الوطن العربي أنه البد من الكشف عن قدراتي الخفية ، تصور ، وقـال أن بإمكـان العـرب

من قبل تحريـر ( االستفادة منها في تحقيق أحالمهم المستحيلة فلسطين أو الوحدة العربية أو أي من هذا اللغو الذي يجعلني

ومع ذلك فإن أحدا لـم ) الرغبة في التبول علي العالم أحس ب يتحدث عن كيف ولم سقطت الطائرة أصال، ورفع سـاقه الوارمة وأسندها علي الفراش ، ووجدوني ملقي علي شاطئ الخليج بجوار سمارة ، مربية األطفال التي بدا أنها تعلقت بي

ت ألنقذها ونحن نرفرف في الهواء ، وقالت إحدي الصـحفيا أنه ال بد من استغالل هذه الحادثـة لعمـل قصـة روميـو وجولييت ، أو قيس وليلي طائرين في الهواء هـذه المـرة ، وأخذت أسأل عن هذه الجولييت فإذا بها من الجنس الثالث ، هكذا أكد لي الطبيب المصري الذي كان يعالجها ، وقـال إن

فق عليهـا هذا ما جعل السيدة الكويتيية التي تعمل عندها توا ألنها لم تجد فيها خطرا علي مستقبلها مـع زوجهـا ، وراح يتحرك مرة ثانية تلبية لرغبة الطبيب ، كيف يمكـن لـي أن ـر ، مضعضع ، أصلح األجهزة وأنا علي هذا النحو ، مكس تهتز يدي من الخوف الذي ال يزال ممسكا بتالبيب نفسـي ،

تعمل ، هذه اآللة ورفع يده إلي أعلي ليتأكد من أنها ال زالت ال يجب أن تتوقف وإال ، سيكون مصيرك بيت العجزة ، هذا

إذا وجدت واحدا يأويك بالمجان ، ال ، سأقاوم ، قال الطبيب بأن نصف العالج يأتي من رغبة المريض في الشفاء ، طبعا أرغب في الشفاء ، من يريد أن يظل عاجزا ، ومن يعـرف

علي من السماء لتخفـف ربما جاءت جولييت فعال ، هبطت عني بلواي ، من يعرف ، وعاد مرة أخري للفراش ،وتمـدد

. متمنيا أن ينام : ـ سمارة مربية األطفال ٢

وأفاقت من غيبوبتها المتكررة وهي شبه متأكدة من أن مستقبلها في الكويت أضحي علي كف عفريت ، نعـم ، أنـا

، قـال أعرفهن ، كيف تبقي أم نواف علي وأنـا أعـرج الطبيب أنني في حاجة للراحة ، وال بد أن أم نواف ستجد من يعمل مكاني ، ال رحمة في الموضـوع ، ألـم تقلهـا لـي

هوا انا فتحاهـا " واألنفلونزا تعصف بي ، قالتها بالمصري " الماليـة " لم يكن ينقصها إال أن تفرش " ملجأ يا روح امك ؟

الثقيل ، الكلمـة وتردح ، وهنا علي أية حال ردح من النوع

فتجـرح روحـك ، " نافوخـك " كلحجر الصوان تسقط علي وتحركت بصعوبة إلي نهاية العنبـر ، روائـح المرضـي الهنديات والباكستانيات والفليبينيات تمأل المكان ، روائح هي خليط من العطر الشعبي الرخيص والتوابل ، جلسـت فـي

د أن أم نـواف الحمام وهي تهيئ نفسها لقبول المفاجأة ، ال ب ، وضحكت علي " حتفنشني " ستأتي وفي يدها تذكرة السفر ،

) البشعة التي لها طعم العلقم في حلوق المستخدمين ( الكلمة التي كانت تسمعها وظنت أنها ستكون بمنأى عنها حتى نهاية العمر ، لقد هيأت نفسها لذلك ، لم يكن لديها أحـد أو شـيء

يوحي بأن الحياة ستسير علي يدفعها للعودة ، وكان كل شيء هذا النحو ، لم تقصر في عملها ، وكل ما في األمـر أنهـا أرادت أن تطمئن علي شقتها في القاهرة، تـدفع اإليجـارات المتأخرة واشتراكات الكهرباء والتلفون وخالفه ، ليتهـا لـم تذهب ، لم تسافر ،لكن القدر ، الذي حملها مسئولية كونهـا

ن امرأة كاملة حتى يتربص بها من جديد عاجزة عن أن تكو ، وأم نواف معذورة علي أية حال ، ماكينة العمل ال بـد أن تستمر ، فهي بعد أن اعتراها الخوف من أن يتركهـا أبـو

مصـرية أو ( نواف في أية لحظة ، ويتزوج بفتاة صـغيرة

الخـاص ، اشـترت " بزنزها " قررت أن يكون لها ) لبنانية للمقيمين واحتفظت بطابق كامل كمكتب ، عمارة تؤجر شققها

ال أعرف بالضبط ما يتم فيه ، لكنني أسمعها وهي تتحـدث في التلفون باألرقام التي تصل إلي الماليين ، أبو نواف هـو أيضا يعمل في البزنس ، وأظن أن عمله مرتبط بالبورصـة بشكل ما ، ما لي أنا وهذا ، لم أتدخل أبدا في شئونهما وهـو

ي ذات حظوة عندهما ، وقامت بصعوبة ومشت إلي ما جعلن سريرها ، البنت الفلبينية رمقتني بطريقة توحي بأنها ربمـا تكون قد كشفت سري ، ال ، يا سمارة ، ال تفكري في ذلك ، فهذا هو الخطر بعينه ، ال تضيفي هما آخر علي همك المقيم ،أنت كبت رغبتك طوال عمرك ، فلـم تريـدين اآلن ، ال ،

لمشكلة أن األوالد سيوحشونني ، أنـا ربيـتهم كأبنـائي ، ا عوضتهم عن غياب األبوين ، وعوضوني هم عـن كـوني عانس بال زوج أو أطفال ، ماذا ستقول شيماء ابنة العاشـرة وهي التي لم تكن تنام إال وأنا جالسة بجوارها علي الفـراش حتى تغفو ، وماذا عنك يا نواف ، أيها الصـغير الحبيـب ، كيف لي أن أتحمل بكاءك وأنت تودعني ، وأنت يا دانـة ، أيتها الشقية التي ال تكف عن الحركة، من سـيتحملك مثلـي

وأنت ال تكفين عن محاوالت تخريب كل ما تقع عليه يداك ، امرأة ، نصف امرأة ، ال : أنا أعرف مصيري علي أية حال

، ربما ينظر إليها الرجال ، وحيدة في شقة مظلمة ، بال أحد سأموت ويتعفن حسدي حتى يالحظ الجيران رائحتي ، لكنني ال زلت حية علي أية حال ، لحظة أن كنت أصارع المـوت في الهواء كان كل فكري في أن أنجو ، وهاأنـذا نجـوت ، بضع كسور ال تضيف شيئا علي عجزي اآلخر ، كوني من

ع هؤالء الذين كتب عليهم أن يعانوا الغربة ، غريب الـدار ، ياه ، حتى األغنية لم أعد أذكرها ، نسيت األغاني .. الدوار

أنا التي لم تكن تكف عن الغناء ، كم من الليالي قضيتها وأنا أغني لشيماء ، عبد الحليم حافظ وفايزة ، لكن يبدو أن زمني

.. مع الغناء قد انتهي ، أنا نفسيـ ومددت جسدها علي فراش المستشفي الذي لم تكف عن

حساسها بأن آخرين كانوا يتمددون عليه حتى رفعوهم مـن إ وأخذتها غفوة طويلة ، كما يمكن أن يكـون .. فوقه ، إليـ

. الموت قد جاء

: ـ د علي محمود أستاذ الجامعة ٣ وراح منذ الحادثة يخلع مالبسه ويتطلـع إلـي جسـده العاري في مرآة الدوالب بحثا عن اآلثار الخفية ، ال يمكـن

ن تكون هذه اآلالم مجرد أوهام ، حالة نفسـية كمـا قـال أ الطبيب ، وقالت الممرضة أنني تحدثت في غيبـوبتي عـن

التي أنا متأكد ( غموض سقوط الطائرة المصرية في أمريكا ،وألقيـت ) ، ككل المصريين ، من أن صـاروخا ضـربها

خطبة عصماء عن النسيان الذي لفلفوا به حادثة طائرة سلوي ي، من القاتل هنا وهناك ، ويا تري من كان معنا علي حجاز

الطائرة مستهدف بهذا االنفجار ، الحقيقة أنه لم يكـن هنـاك انفجار ، وإنما سقوط مدوي علي شاطئ الخلـيج ، الجـزء األكبر من الطائرة غرق في الماء وأخذ معه مائة وأربعـين شخصا ولم يبق سوي الخمسة الذين سقطوا علي الشـاطئ ،

نا واحد منهم ، وعاد ينظر إلي جسده ويعجب من أن شيئا لم أ في الداخل ، ال بد أنها ستظهر " الرضوض " يصبه ، ال بد أن

بعد وقت ، ربما هناك نزيف بطيء في عضو من األعضاء ، نزيف خفيف لن تظهر آثاره إال بعد وقت ، ومشـي إلـي

والد الصالة حيث سناء زوجته تتابع مسلسل يسرا الجديد ، األ

هناك في القاهرة ، كانوا هنا حتى انتهوا من دراستهم الثانوية وكان ال بد من إرسالهم للقاهرة إلكمال تعليمهم ،وأحس بالندم علي أنه شارك في كتابة األبحاث للطلبة مقابل نقـود عبـر مكتب يقوم بالسمسرة بين الطلبة واألساتذة ،و أحس بالنـدم

علي أن أعي الدرس ، تصـور وبأنه ربما يكون هذا عقابا ، لو أنني كنت قد مت وأنا عاكف علي كتابة أحد هذه األبحاث ، وكان من المستحيل عليه زحزحة سناء عن متابعة مسلسل يسرا ،ومشي مرة أخري ودخل غرفة النوم ،ووقف بـالقرب من المرآة ، وخلع مالبسه مرة أخري ليتأكد من ظهور اآلثار

من األعلى ،في المكان الـذي ال في ظهره " بنغزة " ، وأحس يمكنه أن يراه ، ونادي علي زوجته، لكنه قطم النداء، ألنـه يعرف أنه من المستحيل زحزحتها عن التطلع إلي يسرا وهي تشهق وتبربش بعينيها، وتقول كيف يمكن ؟ كيف هذا ، وقال إنه كيف له أن يأخذ منها حقا أو باطال وهي تعـرف بـأمر

ح يتطلع بتمعن إلي جسده العاري ، يـدقق األبحاث ؟ ، ورا ويفحص ،ويمعن الفحص ، مرة بالنظارة ومرة بدونها ، غير مقتنع إطالقا بأنه خال من الجروح ، حتى أصـابه بالفعـل

. نزيف داخلي نقلوه علي أثره للمستشفي

: ـ حنان مدرسة الرياضيات ٤ وراحت تنظر ألطفالها الثالثة ، وعلي الـرغم " واو "

من الشقاء الذي تعانيه في تربيتهم ، إال أنها لم تكن تتصـور كيف سيكون حالهم وقد اختفت ، اختفت في الفضاء ولم يبق منها شيء ، وال عضو واحد ، ومن حسـن حظهـا أنهـا تركتهم مع والدهم ألسبوع واحد ، كان والـدها علـي شـفا

، الموت وكان ال بد لها من أن تلقي عليه النظـرة األخيـرة ولكنه قام بسالمة اهللا بمجرد أن رآها ، كان يحبهـا لدرجـة العشق وكان في شوق ألن يراها ، ابنتـي الوحيـدة التـي تركتني مقطوعا كشجرة وحيدة في البرية ، ما الذي أفعلـه ؟ كيف لي أن أن أعود قبل أن أن أكمل أقساط الشـقة وثمـن

قل لـي ، العربية ومدخرات تساعد في تربية األوالد ؟ هه ؟ كيف يمكن قبل ذلك ،أن أن ، وتكتشف أنها بـدأت تثـأثئ ، وهي فرصة جاءت ويمكن أن ال تتكرر، فرصة واحدة فـي العمر يمكن أن ال تحدث مرة أخري ، وقالـت لهـا طبيبـة السايكولوجي أن هذا من تأثير الصدمة ، ولم تتخيل أن امرأة

، يا والد ، أخري تقوم بتربية أوالدها ، حماده ونوسه وفيفي

أن أن ، طبعا سيتزوج ، وسيكون له الحق ، كيف لرجل أن يتدبر أمر ثالثة أطفال أكبرهم في التاسعة ، ونوسه ال تزال تلبس البمبمرز ، وعلي الرغم من وجـود الشـغالة كـانتي السيريالنكية إال أن أنفاسه انقطعت لمجرد غيابي لمدة أسبوع

بهم ، وأخرجت مرآة يـدها لمجرد أنه يراقب ما تفعله كانتي الصغيرة من حقيبتها التي تجعلها بالقرب منهـا دائمـا ، ال لشيء ، إال ليكون بإمكانها إخراج هذه المرآة الصغيرة ، وال يمكن لها حتى اآلن أن أن تتحرك إال للضـرورة ، أصـابها شرخ في الحوض ، وكسر في الكتف ، فهي ترتدي قميصين

ال يقل عن شهرين لتتعافي، وراحت من الجبس ، وأمامها ما تنظر في المرآة لتري ما إذا كانت هناك تجاعيد أخري قـد ظهرت ، وألن هناك تجاعيد كانت تعرفها ، إال أنها تصـر علي أنها لم تكن بهذا القدر من الوضوح إال بعد الحادثة ،و ، الحمد هللا ، وكان من المفروض ، علـي األقـل،أن يتحـول

األبيض دفعة واحدة ، ولكن لم تظهر حتى شعرها إلي اللون اآلن سوي شعرات قليلة هنا وهناك ، كما لو أن القـدر قـد

) هذا الرجـل ( اختار لها أماكن بعينها ، ولكن الخوف منه بدأ يقلقها ، وأحست بأنه يتباعد عنها ، يتركها بالسـاعات ،

يتاشغل عنها بشغل إضافي جديد ، أو يروح يتابع اإلعالنات الصحف ، ولم يعد يتحدث إال عن األشياء ، الغساالت ، في

التي لم يكن يحـب سـماع ( والثالجات ، والسيارات الفارهة ، الخوف إذن بدأ يتسرب ، وماذا أفعل إذا لـم ) إعجابها بها

يكن بإمكاني أن أنام معه ، أنا نفسي في شوق ألحضـانه ، ت وحاولت أن أرضيه بطريقة أخري ، ولكنني رأيت نظـرا

الشك في عينيه ، ماذا سيظنني ، عاهرة ، ابنة ليل متخفيـة في ثوب امرأة فاضلة ، مربية ، ويا لأللم ، األلم مـن هـذه األفكار بدأ يصبح أشد من ألم الكسور والجروح ، األلم مـن كل جانب إذن ، من الداخل والخارج ، كما الخوف ، يحـيط

لبشر ، لها هـي بها من كل اتجاه ، الخوف هو العدو الكبير ل بالذات ، ورفعت المرآة فرأته يطفو كمـوج ال يكـف عـن الدوران حولها من الداخل والخارج ، ومن فـوق وتحـت ،

. فراحت في إغماءة أخري

ـ صالح مرعي الصحفي فـي قسـم السياسـة ٥ : الدولية

ورفع يده إلي عينه المصابة ، ولم يقتنع بعد بفكرة أنه صناعية ، واستبعد طبعا غطاء عين سيضطر لتغطيتها بعين

موشي ديان ، إنه أكثر البشر كرها علي نفسـي ، وتـذكر المحقق الذي قال له بأن يكف عن هذه األفكار ، عن أن كل شيء مؤامرة ، فقد كان حادثا عاديا من آالف الحوادث التي تحدث كل يوم ، وقد حاول كثيرا أن يستبعد المؤامرة ، لكن

ي رآها ، كانت تدل علي أن هناك شيء مـا ، كل الدالئل الت غموض الكالم عن عدد من الدبلوماسيين الذين كانوا علـي متن الطائرة ، لم لم يعد يتحدث عنهم أحـد ؟، بعـد المـرة األولي اختفوا من الصورة ، لم نعرف ما إذا كانوا قد نجـوا أم ماتوا ، حين سألت لم أجد سوي نظرة باردة ، قـال لـي

نه ليس شغلي ، وعلي أن أفكر في نفسي ، أنا أفكر المحقق إ في نفسي فعال حين أتساءل ، كيف كانت الطائرة تسير علي ما يرام ، والركاب يتناولون طعامهم بنهم ثـم فجـأة يعلـن الكابتن ، علي غير العادة ، أنه سيقدم هدية للركاب األعزاء

نـت وكا ) هل هذه صدفة ؟ ( ، الذين كانوا جميعهم مصريين

فهل هذه صدفة ( ، " اإلرهاب والكباب " الهدية فيلم عادل إمام أقصـد ( وفي اللحظة التي يهدد فيها بطل الفـيلم ) أيضا ؟

بإلقاء أنبوبة البوتاجاز ، وبينما يرفعهـا أحمـد ) عادل إمام راتب ليلقي بها ، في هذه اللحظة بالذات ، نسمع االنفجـار ،

، فإذا به حدث في الطائرة الذي كنا نظن أنه حدث في الفيلم ، ويقولون لي أن هذه صدفة أيضا ، أي صدفة فجة ، هـل هناك صدفة إلي هذه الدرجة ؟ ، وراح يعيد شـريط الفـديو الذي أذاعته القناة الفضائية المصرية عن الحادث ، والحـظ للمرة األلف تناقض البيانات واألرقام في تصريحات الـذين

القتلي تباينت أعـدادهم ، المـذيع تحدثوا في الشريط ، حتي يقول أنهم مئة وخمسة وتسعون ، ومسئول مصر للطيـران يقول أنهم مائتان وثالثة ، علي أي حال متي كانـت أعـداد القتلى مهمة ؟، في أي حادثة جاءت األرقام مضـبوطة ؟ ، حتى في الزلزال الكبير سمعنا األرقام بشكل مختلـف، هـذا

يقول بالمئات ، ورفع يده إلي عينـه يقول باآلالف ، واآلخر المعطوبة ، وفي كل األحول سيكون عليك أن تواجه العـالم بعين واحدة ، وهل ستستطيع أن تتقدم لخطبة سناء وأنـت علي هذا النحو؟ ، أظن أن موقفك أصبح ضـعيفا ،سـيكون

عليك ، بافتراض أنها تمسكت بوعدها لك بالزواج ، وهو ما تقبل أي شروط يمليهـا أهلهـا عليـك، أشك فيه كثيرا ، أن

بإيعاز منها أو من أي شخص منهم ،يدافع عـن مصـالحها المستقبلية ، هذا إذا بقيت وفية علي العهد ، مع أنك الحظت تغيرا في لهجتها ، في نبرة صوتها، وأنت تحدثها في الهاتف

رأيتها مفتعلـة ، " حمداهللا علي السالمة " ، بعد الحادث ، حتى القلب ، وسيكون عليك أن تبحث عن أخري، مـن من وراء

ذلك النوع الذي يحب العطف علي اآلخرين ، فتاة من النوع الذي يحب التضحية من أجل اآلخرين ، وسيكون " األمومي "

عليك أن تبقي ابنا لها طوال عمرك ، تدللك متـي شـاءت ، . وتنهرك أيضا في أي وقت

. وسحب الغطاء علي جسده محاوال أن ينام

)ف (

الناجون من حادث الباص : ـ صالح سعد نجار مسلح ١

ورفع رجله الصناعية من جواره ، بجانـب السـرير ، وأدخل ما تبقي من ساقه داخلهـا ، وراح يـربط أحزمتهـا

) كما قـال لـه األطبـاء ( الجلدية ، ووقف ، والمفروض أنه رسة حياتـه استعاد عافيته، وأن عليه ، اآلن ، أن يعود لمما

من جديد ، وأخذته رجفة المفاجأة، وكيـف لـي أن أتسـلق السقاالت ألرتفع عاليا إلي الطوابق العليا ، كيف لي أن أعمل

( في سقف يرتفع عن األرض عشرات األمتار ، وتذكر أنهم ) هؤالء الذين عملوا معه في كل مكان ، في مصر والكويت

دران كما لـو كـان يسمونه العنكبوت ، فقد كان يلتصق بالج تلك الحشرة، وأبدا ، أبدا ، لم تهتز له قدم وال سـاق ، لـم يحس بالخوف يوما من تسلق األعالي ، فكان يعتبر وجـوده في األعلى هو األساس ، ووقوفـه علـي األرض لمجـرد

بـالبنزين ويعـود " التنك " استعادة األنفاس ، لمجرد أن يمأل

ه المطبخ ، بأنه مـا للتحليق ، وأحس ، وهو يتحرك في اتجا كان يجب أن ينجو من الحادث ، كان يجب أن تنتهي قصـته مع تطوح الباص ثم انقالبه ، وارتفاع الصراخ مع أصـوات قرقعة تحطم جسم المركبة ، أو حتى حين جـري االنفجـار

الذي أحرق جثثا بحيث تفحمت وساحت مع بعضها ( الكبير علي هذا النحـو ) ذاك البعض فلم يعد باإلمكان تمييز هذا من

ليس لي أي لزوم في هذه الدنيا ، بال ساق أنـت ال تصـلح للتحليق في األعالي، وكيف لي ، بعد هذا العمر ، بعد خمسة عشر عاما أن أبحث عن عمل آخر، أن أقتطع من مميزتـي جانبا ، وفكر في أنه قد تكون هناك جهة ما ، جمعية خيرية

حالته ، أين يذهب ليسـأل ؟، تتبني مثل هذه الحاالت ، مثل إلي من يمكنه أن يلجأ ليجد عنده الحل ،، هل سيستطيع قبول وضعه الجديد ، مثال ، أن يقبل العمل علـي األرض ، هـو

ويفـك " البنـك " النسر المحلق في السماء ، أن يقـف إلـي المسامير عن ألواح الخشب ، كما أي صبي مبتـدئ ، هـل

العمل الصغير ، هل ستتحمل سيمكنه أن يعيش بما يدره هذا نفسه مثل هذا الوضع ، ال ، ال بد من أن هناك حال ، المهـم اآلن أن يقرر بينه وبين نفسه ، أن ال يقبل ، بخصوص هذه

المهنة أن ينزل عما كان عليه ، وأن يجد شيئا آخر ، ربمـا كشك لبيع السجائر والمرطبات ، وربما في صنعة الحشيش ،

إذن ، أن أذهب لعلي ، مـوزع الحشـيش آه ، هذا هو الحل وأطلب منه أن ) الذي كنت أشتري منه الستعمالي الشخصي (

يعتمدني موزعا معه، لكن هل سأضمن أن يعتمـدنى ، أن يثق في ، ألن يتهرب مني ؟، هو الذي يشك حتى في أمـه ، كما قال مرارا ، وراح يفك أربطة رجله الجلدية ، ألنام قليال

. لحل بعد قليل من الراحة ، فربما جاء ا : ـ سليم الراعي ، حارس بناية ٢

وتابع حركته في العنبر وهو يرمق النوافذ بجانب عينه اليسرى ، وبدا عليه االشمئزاز من منظر القضبان الحديديـة المغطاة بالسلك السميك الذي بالكاد يرسل أشعة خافتـة مـن

تشفي الرعايـة الضوء، ولم يكن قد اقتنع بعد بوجوده في مس النفسية، بين هؤالء المتعبين ، الذين يؤدون حركات متباينة ،

نحن في سرك ، فـي : األمر الذي جعله يكرر طوال أسابيع سرك ، حتى انتقل بعد أن أشتد عليه الخناق ، وأدرك أكاذيب

والممرضين واألصدقاء الذين حملوه عنوة إلي هنا ( األطباء

" اعه بأن األمر لن يستغرق سـوي هؤالء الذين حاولوا إقن ) أنا : ، انتقل إلي عبارة أخري الزمته فترة أخري " عدة أيام

تعبان ؟ ال ، أنا تعبان ؟ ال ، وكف عن مبادلة أي شخص أي ( كالم ، خاصة المرضي الذين كـان يسـتخف بحركـاتهم

خاصة ذلك الشاب السوري أبيض الشعر الذي ) ( الصبيانية وحين تأكد من أن الرجل ) طوال الوقت كان يقف علي يديه

الهندي بدأ في أكل أصابع يديه بالفعل ، بـدأ يـردد عبـارة أنا نفساوي ، أنا ، أنا نفساوي : أخري راح يكررها بال ملل

، ال ، ويعقب ذلك بفاصل من األصـوات المتراوحـة بـين أصوات البقر ، وأصوات الكـالب ، أصـوات العصـافير

: ح يسأل اآلخرين عن صوت الـدب ورا ( وأصوات الذئاب كيف هو صوت الدب ؟ هه ، هل تعرف صوت الدب ، الدب

ثم حين يأتي الغروب يبـدأ فـي ضـحك ) كيف يصوت ؟ ممزوج بالنحيب حتى يسـقط علـي الفـراش ويبـدأ فـي

( الشخيييييير ، وألنه كان قد عمل منذ وصوله إلي الكويـت بنايـة فـإن حـارس ) وعلي وجه التحديد منطقة السالمية

أصوات أحالمه كانت تنتهي بكلمات متداخلة عـن الشـقق ، وأرقامها ، عن السـكان ، والزبالـة ، والخادمـات، عـن

المدامات اللواتي ال يكففن عن التذمر ، سيارتي وسخة ، من خدش السيارة، لم لم تطلع لتأخذ الزبالة ، لكـن كـل تلـك

اآلن حلما بعيد بدت ) التي كانت تبدو مرة ساعتها ( الشكاوي المنال ، اشتاق لو أن المدام سعاد ، المدام سعاد بالذات ، ألن كفها عريضة ، لو أنها صفعته علي خده فألقـت بـه فـوق

. برميل القمامة : ـ فاطمة محمد ، كوافيرة ٣

شوهت النيرات وجه فاطمة حتى أنها لم تعد تسـتطيع فبدا أن كل شيء إلي هذا الوجه المجعد، ) هي نفسها ( النظر

في حياتها قد انتهي ، الحلم بجمع أكبر قدر من المـال مـن محل الكوافير الذي تستأجره من إحدى الكويتيات ، لتـتمكن من العودة إلي مصر وافتتاح محل كوافير، في منطقة راقية

هذا الحلم قد انتهي تمامـا ، ) المهندسين علي وجه التحديد ( نت من فتح المحل ، واسـتئجار إال إذا حدثت معجزة ، وتمك

كوافيرات للعمل معها ، لكن ما استطاعت ادخاره ال يكفـي ربما الستئجار محل في بوالق الدكرور ، وماذا في بـوالق الدكرور ، بنات بوالق اآلن يعملن في البنوك واألوتـيالت ،

في محالت كانتاكي وهارديز ، وأقلهن تعمل مربية أطفال في ) مـثال ( كنات المهندسين ، بنت صـباح بيوت الممثالت سا

جنيه ، وتـذكرت ٨٠٠ تعمل عند سناء بدر مربية وتتقاضي أغنية وردة الجزائرية التي كانت تكررها مرارا ، لكنها لـم

وأحسـت برغبـة " مسافر .. مسافر " ترددها منذ الحادثة ، حقيقية في الغناء ، لكنها خشيت من أن يظن ابنها صالح أنها

قد جنت ، لكنها ، علي أية حال ، أحست بفـرح ربما تكون وأخـذت تلملـم ) كالمجنونة فعال ( داخلي غريب ، وقامت

حاجياتها وقد قررت أن تسافر عائـدة ، اآلن لـو أمكـن ، وتذهب لبوالق الدكرور ، إلي بيتها الذي هناك ، وسوف تجد محال رخيصا ، وبما أن عندها أغلب األدوات ، فـإن كـل

يحل ، ستجد شريكا ، أو حال آخر ، كأن تبيع شيء يمكن أن مصاغها ، وحتى كل تلك األدوات التي يمكن أن تعوضـها

بوصة الملـون ماركـة ٢٢ من المحل ، الثالجة والتلفزيون ناشيونال ، وكل تلك األواني واألباجورات التـي اشـترتها وخزتها في بيتها هناك في بوالق الدكرور ، وجـاء ابنهـا

في هذه الحال ، فإذا بها تـأمره بـأن يلملـم صالح فوجدها أشياءه ، سنعود إلي مصر، سنعود حتى لو أمكن مساء اليوم

، صالح بدوره غمرته موجة فرح ، سيذهب إلـي بـوالق ليلعب في الشارع مع أقرانه ، سيلعب كل األلعاب التي يحبها ، فليس هناك مثل هذا الحر الذي يمنع األطفال من اللعب في

ع ، وراحت تغلق الحقائب واحدة بعد األخرى، وسبت الشار وردة الجزائرية وأغنيتها بكلمات بذيئة ، فنظر مصطفي إليها

. وانفجر في نوبة من الضحك : ـ مصطفي علي ، مطرب جوال ٤

بعد إفاقته من الغيبوبة مباشرة ، وبمجـرد أن اسـتطاع ( فتح فمه ، وبعد أول وجبة طعام أكلها بشكل شبه طبيعـي ) أي استعمل فيها يديه وأسنانه ، وليس عن طريق المحاليل

حاول أن يعود لترديد أغاني عبد الحليم حافظ ، لكنـه فجـأة أحس بأنه قد نسيها جميعا ، هو الذي لم يكن يفعل شيئا آخر بنفس إخالص ترديده ألغاني العندليب األسمر ، هـو الـذي

، ويقـص كان يرتدي مالبس تشبه مالبس المغني الشـهير شعره بنفس طريقته ، ويحاول طوال الوقت أن يكون نحـيال كما كان عبد الحليم ، بل إنه ، وبمرور األيام ، اسـتطاع أن يقلده في مشيته، ويعبر بوجهه ، الذي اكتسب نفس شـحوب

وجه المطرب الراحل ،عن األلم المبرح الـذي راح يعانيـه القـدر مـن طوال حياته ، هذا الشاب الذي كان علي هـذا

اإلخالص ، فجأة، وبعد إفاقته من الغيبوبة يجد شريط دماغه وقد مسح تماما من أي أغنية ، حتى تلك التي كان قد رددها

. آالف المرات قام فزعا ، كالمجنون تماما ، وراح يبحث عن المجلـد

وقـد ( الذي خط بيده فيه كل أعمال عبد الحليم ، حتى وجده ، لكنه ، والحمد هللا ، ) قده هو أيضا ظن للحظات ، أنه ربما ف

وجده ، في مكانه ، تحت الفراش ، من ناحية الوسادة ، كمـا كان في مكانه ، هنا ، دوما ، وفتحه علـي عجـل ، فوجـد األغاني مكتوبة بخط يده ، ولم تمسح ، كما مسحت من رأسه ، فأمسك بالمجلد بيد ، وضم يده علي فمه وقبض عليه بقوة ،

، لكن هذا ال .. ضعت تماما ، كيف لي اآلن أن أنا ضعت ، يمكن ، ال يمكن ، أن ، طيب ، حاول ، ووجـد أنـه مـن الممكن ، لو أنه ، قام وارتدي مالبس عبد الحليم ، ولو أنـه

و عاد كما كان قبل أي أنه ل ( سبسب شعره بطريقة العندليب فربما استعاد األغاني في ذاكرته ، ربما عادت إلي ) الحادث

ذهنه وانسابت بنفس السهولة التي كانت تنساب بها من قبل ،

، قام وارتدي مالبسه الكاملـة ، بمـا فيهـا .. وهكذا فهل الكارفات العريض ، وجاكيت البذلة ذات الكـول العـريض

صا عند آخر ترزي يمكنه أن أيضا ، تلك التي يفصلها خصي يقوم بتفصيل مثل هذا الموديل في منطقة السيدة زينب كلها ، ووضع الفازالين في شعره ، ومشطه بنفس الطريقة ، ورأي نفسه في المرآة ، فوجد أنه قد استعاد هيئته ، هيئـة حلـيم الكاملة ، وفتح نوافذ غرفته المطلة علـي ميـدان حـوالي ،

ويتنحنح ، لكنه تذكر أنه ربمـا يسـاعده وراح يفرك يديه ، كوب من اليانسون ، وهذا ما فعل بالضـبط ، ذهـب إلـي المطبخ ، وعمل كوبا من اليانسون ، رشفه بـنفس الطريقـة التي كان يرشف بها حليم كوب اليانسون ، وبعد أن انتهي ، وقف في وسط الغرفة ، وها ، حاول ، لكنه لم يستطع ، لـم

، في ذاكرته ، أم نفسه ؟، في روحه أم . . يجد أي شيء فيـ فؤاده ؟، ، ليس هناك أي شيء ، حتى ولو مجرد اللحن ، ال الكلمات وال اللحن ، ضاعت كل تلك األغاني التي كان قـد رددها آالف المرات ، ال بين نفسه ومعها ، بل فـي مئـات المقاهي ، وعشرات المطاعم ، في آالف الحفالت التي أقامها

وت ، والديوانيات ، وفي المخيمات أيضا ، لـم يبـق في البي . منها أي شيء ، مسحت تماما من رأسه

، " موعود بالعذاب ، يـا قلبـي :" أمسك بالمجلد وفتحه . ؟ هي النغمة ؟ أين بقية الكالم طيب ، كيف كان اللحن ، أين

طارت ؟ كل شيء طار ،

ال ، الحياة إذن ال تستحق أن تعاش ،

وجاء بالموسى ، وقطع شرايين يده اليسرى ، وقام فعال وتأكد من أن الدم يسيل ، وتمدد علي الفراش وهو في كامل

األفضل أن أنتهي وأنا هنا ، هكذا ، فـي : مظهر العندليب . هذا المظهر ،ألنني ال أستطيع أن أحتمل الفضيحة

: ـ علي حماده ، سائق خاص ٥

علي حماده جعلـت علي غير ما كان يخشي فإن إصابة يوليه عناية أكبر كثيرا من تلك التي كان " أبو فهد " مستخدمه

يوليها له قبل اإلصابة، تلك التي ذهبـت بعضـوه الـذكري فأعجزته، ولم يعد له سوي ماسورة مقطوعـة مـن الجلـد،

( تمكنه بالكاد من التبول ، رعاه حتى خرج من المستشـفي ، ، طبعـا ألن ) عينيـه حتى بدا وكأن علي قد رأي الفرح في

السائق الخاص، في أي بيت ،كان مثار شك صاحب البيت ، خاصة إذا كان في البيت فتيات مراهقات ، ونساء متروكات

ضمنهن طاهية فلبينية البـأس بمؤخرتهـا ، ( أغلب الوقت ، يقوم السائق بتوصيلهن ، ) وخادمة سريالنكية تود أي رجل

جل مخصـي نموذجـا هنا وهناك ، األمر الذي يجعل من ر فريدا يتمني أي رجل ، يعول مثل هذا العدد من النسـاء، أن يحظي به، ليكون مطمئنا ، تمام االطمئنان ،علـي نسـائه ، حتى من أي غواية تدور في نفس هـذه أو تلـك ، ألن أي امرأة أو فتاة ، وبمجرد أن تعرف بأن هذا الرجل مخصي ،

ا حتى من الخيـال ؟ ، فإنها ستستبعده حتى من خيالها ، هكذ األمر الذي تأكد لعلي وهو يسمع أبو فهد وهو يردد بصـوت

ابنتيه المراهقتين وزوجته والطاهية ( مسموع لساكنات البيت وأصبح مخصيا ، ) المسكين ( بأن علي قد أصيب ) والخادمة

وشرح للبنات الموضوع بالتفصيل ، وانتهي من الموضوع ، محفوظ ، وأنه لن يتخلـي عنـه ثم عاد وأكد لعلي بأن عمله

بسبب هذه اإلصابة ، بل إنه منحه عالوة حتى ال يفكر فـي

ترك خدمته ، وأرسل إليه ، مع الخادمة السيالنكية بندرانيكا بجهاز تلفزيون ملون ، بدال من األسود واألبيض الذي كـان عنده في غرفة السائق الملحقة بالبيت من الخلف ، حتـى أن

م باندرانيكا إلي غرفتـه ، وجرأتهـا فـي علي استغرب قدو الدخول إلي عمق الغرفة ، وهي التي لم يكن مسموحا لها من قبل باالقتراب منها، بل إنها كانت تنادي عليه وهـي واقفـة علي السلم الخلفي دون أن تجرؤ علـي نـزول الـدرجات

سبحان مغير األحـوال ، : المؤدية إلي الملحق ، فقال علي حال ، اطمئن علـي أن مسـتقبله أضـحي لكنه ، علي أي

. مضمونا ، حتى ولو كانت الحادثة قد أصابته في مقتل : ـ سلوي ، ممرضة ٦

في الظاهر ، من الظاهر ، ال يمكـن رؤيـة أي أثـر للحادث في جسد سلوي الممرضة في مستشفي مبارك الكبير ، لكنها أصيبت في جسدها من الداخل إصابات بالغة جـراء

أكلت جزءا كبيرا من فخذيها وخلفيتها إلي مـا بعـد حروق صرتها ببضع سنتيمترات ، وهي ألنها ممرضة في مستشفي مبارك الكبير ، خدمت هنا عشر سنوات كاملة ، فقد خصص

لها األطباء ، وأغلبهم مصـريون ، غرفـة خاصـة بهـا ، وأولوها عناية فائقة ، لكنها سمعت أنهـا وبمجـرد انتهـاء

منحها مكافأة نهاية الخدمة ، مما يعنـي أنهـا عالجها سيتم ستعود إلي مصر ، وأنها لن تسـتطيع ممارسـة عملهـا ، كممرضة ، بعد اآلن ، لذا ، فإنها اشترت آلة حاسبة صغيرة ، وكراسة ، وقلما ، وراحت تشغل وقتها بحساب ما ستخرج به من أموال ، من عملها ، ثم أنها راحت تحسب المصاريف

لتي سيكون عليها إنفاقها لترتيب حياتها الجديدة ، الضرورية ا سيكون بإمكانها الحركة ، لكن ليس كمـا كانـت ، سـيكون بإمكانها العمل ، لكن ربما ليس نفس العمل ، سيكون بإمكانها العودة إلي زوجها وأوالدها الثالثة الذين تركتهم مع زوجها ،

أما خالصة ، لكنه لن يكون بإمكانها أن تعود زوجة كاملة أو سيكون عليها أن تتدبر أمورها بطريقة مختلفة ، وأنها مـن الممكن ، باالستعانة بملكة الصبر ،التي تعلمتها من مهنتهـا كممرضة طوال سبعة عشر عاما، تداوي الجرحى وتأخذ بيد المتألمين ، تسند الغائب عن الوعي، وتحمل الجثة بعد موت

عرفـت بالصـبر أن صاحبها ، سيكون عليها ، وهي التي تستدعي أكبر قدر من الحلم وتستعين به كي تستمر في الحياة

، وهي ، علي أي حال ، لن تفكر ، مجرد التفكير، في أيـة عواقب ، وسيكفيها ،ربما ، أن تري أبناءها وهم يكبـرون ، ويحصلون علي شهاداتهم ، أن يتزوجوا وينجبـوا أطفـاال ،

في وجوههم ، سيكون وتصبح جدة تداعب أحفادها وتضحك عليها أن تجد حال لزوجها ، ربما زوجة تنتخبها هي بنفسها ، تختارها له من بين معارفها ، علي أساس أنها تحب هـذا الرجل، وأنه باإلمكان أن تقبل وضع الزوجة السابقة ، وألن هذا سيحدث بمحض اختيارها ، وأنها هـي التـي سـتدبر

و حـدث بشـكل آخـر ، الموضوع، فلن يكون مؤلما كما ل بالشكل الذي يحدث عادة حين ال تصبح المرأة قادرة علي أن تكون زوجة تلبي رغبات الرجل المعتادة ، نعم ، ستقوم هي

. بذلك لكنها فكرت في كل النساء المحيطات بها ، فلـم تجـد امرأة يمكنها أن تتعايش معها وهي علي هذا النحو ، فكـرت

تجد ، فقالت ، لكنني ال بد أن أجد في قريباتها ومعارفها فلم امرأة لزوجي ، بدال من أن يقوم هو بذلك ، ألنـه سـيكون

. عليها، في هذه الحال، أن تنام كل ليلة ودمعتها علي خديها

: ـ صالح والي ، كهربائي ٧ لم يصب صالح والي بأي شيء جراء الحادث ، حتـى

كبيـر ، ولو خدش صغير في يده ، ساعتها ، بعد الـدوي ال وبعد تناثر األشالء وجوانب المركبة ، الكراسي ، والحقائب ، اإلطارات والقوائم ، واشتعال الحريق الذي انتهي بصـوت الدوي ذاك ، قام من األرض ، ونفض الغبار عـن مالبسـه وراح يتحسس جسده ، فلم يجد أي أثر ، في الوقـت الـذي

فيها النيران نظر حوله فوجد أشالء متناثرة ، وأجساما تشتعل ، فأحس بالهول ، لذا لم يصدق أنه لم يصب بـأي خـدش ، وانتهز فرصة وجود أول دورة مياه دخلها ، وبسرعة خلـع مالبسه ووقف عاريا يتطلع إلي جسده ، يتحسـس أعضـاءه عضوا عضوا ، فلم يجد أي شيء ، لكنه راح فـي دهشـة

قـة ال الزمته منذ تلك اللحظة ولم تفارقه حتى اآلن ، وبطري إرادية كان يتحسس يده ، أو قدمه ، ساقه أو فخذه ، ليتأكد ، وال يجد شيئا ، لكن تلك الدهشة ظلت في نفسه ، حتى أنـه فكر في الذهاب إلي طبيب ، ليخلصه من هذه الحال ، وألنه وجد الجميع يشكون من األطباء ، راح يقاوم هذه الرغبـة ،

الطبيب ، وخوفـه وظل حيران ، بين رغبته في الذهاب إلي

من ذلك ، وبين دهشته التي بدا أنها تتمكن منه كـل يـوم ، . اكثر من اليوم السابق ، فوجد أن ال حل أمامه سوي الكالم

أن يتكلم مع كل شخص يراه ، في كـل بيـت يدخلـه إلصالح األباجورة ، أو تركيب جهاز ، أو مد األسالك ، أنا

كنت في األتوبيس الذي علي فكرة كنت في هذه الحادثة ، أنا انفجر بعد دخوله الحدود الكويتية بلحظات ، بعد أن أجرينـا التفتيش ، وكل شيء ، أي واهللا، أال تصدقيني ، واهللا يا مدام أنا كنت معهم ، ورأيت الهوايل ، رأيت ، يا ساتر األرجل ، وحتى الرؤوس ، بعض الرؤوس ، وكل ذلك ، رأيته بنفسي

، وذلك ، ولكن الحمد هللا ، تصوري ، ، ورحنا نشيل الجثث تصور ، لم أصب حتى ولو بخدش ، الحمد هللا ، أنا لي أوالد ينتظرونني في مصر ، لي أوالد ، وزوجـة ، ربمـا أن اهللا نجاني من أجلهم ، الحمد هللا ، وغير مصدق حتى اآلن أنني لم أصب بأي شيء ، حتى ولو بخدش صغير ، حتى أننـي

في عيون المصابين الذين ) هل أقول الحقد أو ( رأيت الغيرة سبحان اهللا ، هـذه .. ذهبت لزيارتهم في المستشفي ، رأيت

. إرادة اهللا ، اهللا أراد ذلك ، لكن الحمد هللا

لكنه وبمجر أن ينفرد بنفسه يجد نفسـه وقـد عاودتـه الدهشة ، فيقف ويخلع مالبسه ليتأكد من أنه فعال لم يصـب

. كر في جرح نفسه ، لكنه لم يجرؤ بأي خدش ، حتى أنه ف

)باب ( في

ثياب المصور

. عيناك تخترقان الحجب والمالبس علي األماكن الحساسة ، " تنشن "

. أنت خطر جدا . عيناك تجعالنني أرتعش

تذكرتك يانهي اآلن علي الرغم من أنني لم أفكر فيـك

الشهور الماضية ، تذكرت أنك قلت لي شيئا عن كثيرا طوال عيني ، يا ساتر ، أنت ال تفوت شيئا ، يا سـاتر ، عينـاك تخترقان المالبس ، تنشن علي األماكن الحساسة ، أنت خطر

. جدا ، عيناك تجعالنني أرتعش قلت إذن ال بد أن تكون لدي موهبة فطرية في التقـاط

هبة وأعمل لنفسـي هوايـة الصور ، لم ال أستغل هذه المو أستطيع ممارستها ، أتدفأ بها ، تشغلني وأشغلها ، سأشـتري كاميرا وعدسات متنوعة األحجام، وسأكتب لك يـا نهـي ،

أنت منحت حياتي معني ، بحيث يمكنني القـول : سأقول لك . أنه أصبح لدي حياة جديدة

صحيح أنني قد أبدو متخلفا عن العصر الذي أصبح فيه و هو األساس ، إنمـا يكفينـي اللجـوء إلـي كـاميرا الفيدي

فوتوغرافية جيدة ألمارس بها هوايتي التـي اكتشـفتها مـن مالحظة نهي، علي الرغم من أن وجهها هو الـذي نفرنـي منها ، فهو من النوع الذي يمكنك أن تنظر إليه مـن بعيـد فتراه جميال ، لكن ما أن يقترب منك حتى تصاب بصـدمة

فوتـو " إطالة النظر ، إنها كما يقولون ، ليسـت وال تستطيع علي اإلطالق ، مع أنها ال يمكن أن توصف بـالقبح ، " جينك

. من يعرف ، خاصة شفتيها ، ربما هذا شيء في الروح وسيكون هذا رائعا ألنني سأستطيع تسـجيل الحـوادث والناس ، سيكون لدي ذكريات أحتفظ بها ، ليتني فعلت هـذا

حلة الصحراء مـرت دون تسـجيل ، لـم منذ وصولي ، فر أعرف لم لم يحضر أحدهم كاميرا ، ربما بسبب وجود نساء

. ، وربما كان هذا ممنوعا ، ربما تمنعه التقاليد سأذهب بعد انتهاء العمل للسوق ، لن أعود دون كاميرا

.

)ف (

كان البائع الهندي رائعا يا نهي ، أجلسني علي كرسـي ن أشرح له رغبتـي ليعـرض علـي وجلس قبالتي وطلب أ

بعض الحلول ، حكيت له الحكاية ، و رغبتي في أن تكـون . لي هواية جديدة ، وكل ذلك الكالم

قال لي إن اسمه جورج وأن لديه كاميرا فاخرة ، ماركة تعد تحفة ألنها مرقمة ، ولكن ال ينصح ١٩٥٧ ال يكا موديل

ماركـة كـانون ، بها ألنها غالية الثمن ، كما أن لديه واحدة لكنه قال إنه يظن ، أن المناسب لحالتي هي هـذه الكـاميرا ماركة رولي فلكس ، مع ثالث عدسات ، واحدة وايد أنجل ،

زووم ، للقطات البعيدة ، وكانت ٢٠٠ ، والثالثة ٧٠ والثانية هناك حقيبة جلدية فاخرة مبطنة بالجوخ األخضر ، وخرجت

ا ، فقلت في نفسي ، هنـاك من المحل وأنا سعيد ، سعيد جد إذن أشياء يمكنها أن تجعل المرء سعيدا ، علي األقـل فـي بكارة اللقاء مع الرغبة ، كما يكون العشق في األيام األولي ، أذكر أنني حين رأيتك يا نهي من النافذة رأيت فيك كـل مـا تمنيت في فتاة جميلة ، كانت الرعشة تغمرنـي كلـي مـن

ك كانتا ، وأنت تتطلعين إلي من نافذة الداخل والخارج وعينا المطبخ الذي كنت أطل عليه من نافذة حمامي ، تشعان ببريق الـ ماذا ؟ كيف يمكنني أن أصف ذلك ؟ ، وأن أول لقاء كان يفيض بالمشاعر ، وكنت بعدها ألقاك وكلي شـوق ، حتـى

. رحت تتحدثين

ما أن فتحت فمك ، خاصة حين تكلمت عن المسـتقبل بغيه من عالقتنا ، مني ومن األوالد وهلم جـرا ، راح الذي ت

شيء منـ ال أقدر أن أسميه ، يظهر علي مالمحك ، حتـى رأيت أنني ال بد وأن أركض هاربا من مصير رجل مدجن ،

. تضميه في كفك الذي بدا خشنا للغاية طبعا ال يمكنني أن أقول لها ذلك في الرسـالة التـي (

) طبعا . سأرسلها اللقطات التي سـأعمل ) كتابة ( د يا نهي أن أسجل ال ب

علي التقاطها حتى أكون علي بينة من أمري ، طبعـا مـن الممكن أن ال أوفق في التقاط بعضها ، لكن هذا لن يغير من أهمية هذه القائمة حتى ال أتوه ، حتى يكون لدي دليل واضح

. للعمل ، وما أجمل الخيال علي كل حال

ـ صورة حريق ـ

أحد بيوت خيطان التي يسكنها الصعايدة ، عمال اليومية مـن ( الذين جاءت بهم عصابات تجار الرقيـق األبـيض

باع البعض منهم ماشيته أو مصـاغ ) الكويتيين والمصريين

وربما قيراطي األرض اللذين ورثهما عن ) إن وجد ( زوجته ر أجداده ، ليوفر مبلغ الخمسة عشر ألف جنيه التي طلبها مدي

مكتب التسفير ، مقابل اإلقامة ، وعقد وهمي ، ما أن يصـل الواحد منهم للكويت ، حتى يجد نفسه دون عمل ، يجد نفسه في خيطان ، يبحث عن بلدياته ، وسيكون سعيد الحـظ لـو

. وتبدأ المعاناة . وجد واحدا منهم من اإلهمال ، وضياع الخلق ، يمكن أن يحدث أي شيء

. مر اعتيادي في هذه البيوت ، الحريق المتكرر أ سأتربص بحريق كبير يلتهم البيت بما فيه ومن فيـه ،

. ألسجل لقطة العصر ، األجسام المشوية تصارع النار

ـ انتحار الخادم ـ

هذه أيضا حادثة تتكرر مرة كل شهر تقريبـا ، خـادم سيريالنكية أو هندية أو فليبينية ، يضيق عليها الخناق بعد أن

جنين ينمو في أحشائها ، رجل البيت السـكران ، أو تحس بال الشاب المتهور بعد جرعة معتبرة من الكوكايين ، يجبرهـا

. علي النوم تحته ، ويفعل فعلته

مع اليأس ، والخوف ، والضرب الذي تصطليه مـن أم أو زوجة قاسية ال تجد الخادم مفرا من القفز من الشرفة ، أو

. الشباك، فتسقط جثة هامدة سأكون محظوظا جدا يا والء ، أقصد يانهي لو صادفت

الجسد وهو يرفرف في الهواء ، في منتصـف : هذه اللقطة المسافة بين الشرفة واألرض ، أرفع الكاميرا عاليا وأصطاد

. الصورة المحلقة

ـ عصابة المهربين ـ

مـن : مجموعة من الوجوه الكالحـة بعيـون زائغـة باكسـتانيين علـي كـويتيين مصريين علي إيرانيين علـي

ينظرون إلي الال شيء ، ضبطهم البوليس بعـد مطـاردات مضنية ، تري آثار الهزال علي وجوههم ربمـا مـن شـدة

الحشـيش المضـبوط " طـرب " اإلدمان ، وأكوام من لفافات . تك ترك . أمامهم علي الطاولة

ـ أبو محمود ـ

صـورة أحس بالندم ألنني لم أكن أمتلك كاميرا أللتقط . هذا الكويتي الطيب يوم أن ذهبنا إلي البر

كان يضحك وفي حالة مرح ال يوصف ، ال ، ال يا نهي ليس ألنه رب عملي أقول ذلك ، بل ألنه فعال رجل بـدوي أصيل وطيب ، سترين صورته وتتأكـدي مـن كالمـي ، وسيحب طبعا أن ألتقط صورته وهو يعد رزم الدنانير أمامه

ذلك ، ألنه يحب أن يجهـر بـنعم اهللا علي المكتب ، سيحب ستكون لقطة رائعة البد أنها ستثير خيال كل من يراها . عليه

. ن يفور هذا الخيال في كل الدنيا في مصر ، وأظن أنه يريد أ ك ـ. ـ ط

كنت أعرف هذا الرجل ، ألنه كان دائما ما يسافر إلـي

ل مصر ويحضر قبلها ليسألني إن كنت أريد أن أحمله رسـائ ألهلي ، فكرت مرة أن أرسل معه رسالة لضحي لكنني خفت

) تعرفين يا ضحي حساسية الموضوع ( أن يكون هذا كمينا

لكنه علي أية حال وبسبب زيجاته العديدة أضطر لكتابة شيك بدون رصيد ، فحكم عليه بالحبس سنتين مع الشغل والنفـاذ

. وإبعاده عن البالد عن بلده ؟ كيف يمكن إبعاد مواطن كويتي

. بسبب أن مادة جنسيته هي الرابعة يقال أنه ربما يكون . لكن وزير الداخلية نفي إمكانية تنفيذ هذا اإلبعاد

المهم في الموضوع ، وهو ما يجعلني أضعه في قائمـة الصور التي أتخيلها ، ليس أي شيء يتعلق بقضيته ، بل ألنه

. رجل ضاحك كل هذا الضحك ، لم أر يا نهي في حياتي رجال يضحك

حتى أنني أجزم بأنني لم أره أي مـرة إال وهـو يضـحك . ـ . ويضحك حتى لتكاد وجنتاه أن تنفجرا

صورة المول ـ_

بالنسبة لبلد صغير الحجم ، هنا يانهي عدد رهيب مـن المراكز التجارية الضخمة ، لكن كلها كوم ومركـز سـوق

توائه علـي شرق كوم آخر ، سوق شرق ال يتمتع بميزة اح

) األمريكية واإلنجليزية باألسـاس ( أفخر الماركات العالمية لكن موقعه علي شاطئ الخليج يجعل صورته ،خاصـة فـي

. الغروب ، لقطة من األحالم

ـ صورة مكتب ـ نعم ، صورة مكتب تمت برشمته بالشمع األحمر ،كنت سأكون ضحيته ، طلبني صاحبه للعمل عنده فترة مـا بعـد

، أحسست بأنه يريد أن يستغلني ، وأنني لسـت فـي الدوام حاجة إلي كل هذا اإلرهاق ، فيكفيني ما أقوم به في عملي ،

نشـرت ١٩٩٦ وفي صباح الخامس عشر من ديسمبر عام الصحف خبر إغالق المكتب مع ثالثـة وثالثـين مؤسسـة خاصة لقيامها بإعداد البحوث العلمية وبيعها لطالب الجامعة

. مالية نظير مبالغ صدر قرار اإلغالق فور االنتهاء من حملـة تفتيشـية مكثفة قام بها مفتشو وزارة التجـارة وشـملت عـددا مـن المكتبات والمؤسسات الفردية والمكاتب التي يشتبه في قيامها بهذا العمل المحظور في الكويت ، نظير مبالغ يـتم االتفـاق

طبيعة البحـث عليها بين المؤسسة والطالب الجامعيين وفقا ل . وموضوعه وعدد صفحاته

جاء هذا اإلجراء عقب قيام الوزارة بتنفيذ مسح شـامل لجميع محافظات الكويت ، رصد خالله عدد مـن المكاتـب التي تتولى إجراء البحث بنفسها مقابل أجر يتراوح بين دينار وثالثة دنانير للصفحة الواحدة، وقد يرتفع في بعض الحاالت

را ،إضافة إلي مكاتب ومؤسسات أخري تقـوم إلي ستين دينا بدور الوسيط بين الطالب والباحث الحقيقي ،نظيـر عمولـة

. محددة، إلي جانب السعر المطلوب إلنجاز البحث

ـ صورة شاعر ـ

بعض شعراء النبط هنا يا نهي نجوم تتسـابق الفتيـات علي التعلق بهم ، وإذا كان من حظ الشاعر أن يكون وسيما

يصبح موضوع صراع يصل إلي حد االقتتال ، واحـد فإنه من هؤالء هو حمد البغيلي ، تعالي وشـاهديه حـين يلقـي أشعاره في هذا المكان أو ذاك ، فقبل أن يحضـر بسـاعات

وفـي ( تمتلئ القاعة عن بكرة أبيها ، تغص بآالف الشباب

بعض األماكن،كالنوادي والمسارح، يمكن للفتيات الحضـور صراخ يدوي : ئذ تصل المسألة إلي حد المعمعة عند ) أيضا

، وتلويح بالمناديل الملونة ، وأوراق صغيرة عليهـا أرقـام التلفونات تتطاير في السماء لتسقط علي الرؤوس ،

. معمعة يعني هذه صورة لن تفوتني بأي حال ، سألتقطها حتى ولـو

ــ صـورة . كلفتني عشرة دنانير قيمة تذكرة الحضـور لنبطي حمد البغيلي وآالف المستمعين يتابعونه بشوق للشاعر ا

. وفي الخلفية آالف الفتيات من عشاق شعره يتأوهن

ـ سباق الهجن ـ

يصر جانب كبير من الكويتيين علي التمسك بمظـاهر البداوة تأكيدا علي الوجود، والتعلق بالتراث ، بعض هـؤالء

ال، حتى يصر علي إقامة بيت من الشعر فـي حديقـة الفـي وبعضهم يقيم ديوانيته علي هيئة خيمة بجوار البيت ، ويصر هؤالء علي إقامة سباق الهجن الكبير كل عام ، حيث يحتشد المتحمسون علي جوانب مضمار السباق باآلالف ، وتنقلـب

الدنيا حين يفوز هذا البعير أو ذاك ، ألن تكون صورة هـذا . المهرجان صورة رائعة؟

ــ حصان بعرف أشقر

مادمت سألتقط صورة سباق الهجن فال بد من صـورة مضادة لسباق الخيل ، وهذا يقيمه أهـل الحضـر كإثبـات للوجود أيضا ، أو هكذا فهمت ،هنا خيول غاية في الجمال ، لو كان لي أن أحلم بما هو فوق الخيال ، فإنني أحلـم فعـال

امق بامتالك أحد هذه الخيول الجميلة ، ليته يكون بلون بني غ وعرف أشقر الشعر ، سأدعك يا نهي تلعبين به فوق المروج

. الخضر

ـ مظاهرة نسائية ـ

بين الوقت واآلخر نسمع عن مظاهرة نسائية ، نـذهب بعضـهن منقبـات ، ( لنري فنشاهد مسيرة صغيرة لنسـاء

والبعض اآلخر محجبات ، والبعض يلبسن مالبس عصـرية ة رشا الصباح ، و فوزية تتقدمهن الدكتور ) علي آخر موضة

الخرافي مديرة جامعة الكويت ، ويـرفعن الالفتـات التـي تطالب بحق االنتخاب والترشيح ، هل تتصورين يا ضـحي أن مديرة الجامعة ليس من حقها أن تنتخب وال حتى أعضاء المجلس البلدي ؟، مع أن أي شغالة في مصر من حقهـا أن

شيح نفسها ، صـحيح تدلي بصوتها وتنتخب وحتى تتقدم لتر أن عندنا فهلوة وأالعيب ، لكن مـديرة الجامعـة ، مـديرة

. سوء . الجامعـ سوء ال بد أن ألتقط هذه الصورة بأي شـكل ، حتـى ولـو اقتضى األمر أن أبيت ليلي أمام مجلس األمة ، إلـي حيـث تنتهي المظاهرة ، وربما لقطة أخري للملتحين وهم ينظرون

س ، هؤالء الـذين أسـقطوا قـرار ساخرين من نوافذ المجل األمير بإعطاء المرأة حقوقها وراحوا يخيفون الناس بالجحيم

الغريب في األمر يا ضحي أن كثيرات من النساء يعارضن ( كما لو كنا في بالد واق الواق ، علي ) إعطاء المرأة حقوقها

الرغم من أنك تجدين فتيات يرتدين المني جيب ، ويتمخطرن . الفخم في سوق شرق

ـ المتسولون ـ

نشرت الصحف اليوم يا نهي خبرا غريبا ، أقول غريبا ألنني أوال لم أكن أعرف أن هناك متسولين فـي الكويـت ، وثانيا ألنه إذا كان هناك متسولون فهذا البد يعني أن هـؤالء محتاجون، فكيف يمكن أن يكون هناك محتاجين في بلد مـن

هذه البالد ؟ . ر أقسى من ذلك، إذ أن العقوبة ساخنة أف ثم أن األم

.. نار ، ن . أح : أ . ز : كتب

يمكن غض النظـر " مهنة " لم يعد التسول في الكويت عنها بعد أن تزايدت الشكوى من انتشار عدد محترفيها فـي شوارع وأسواق العاصمة التجارية ، وقيام الـبعض اآلخـر

تي أثارت قلقا لدي بالتجوال في المناطق السكنية ، للدرجة ال . األهالي والمسئولين أيضا

تقدمت الحكومـة بمشـروع " الظاهرة " وللحد من هذه قانون إلي مجلس األمة لتجريم التسول وإنزال عقوبات تصل

١٠٠٠ إلي السجن لمدة عام كامل وغرامات مالية ال تتجاوز بحق من يتم ضبطه أثنـاء ممارسـة ) دوالر ٣٣٠ ( دينار

. ن يحض عليه التسول أو لم دينار أو ٥٠٠ وحدد مشروع القانون عقوبة ال تتجاوز

السجن لستة أشهر لكل من أغري شخصا أو استخدم حدثا أو سلمه آلخر بغرض التسول ، وتتضاعف العقوبة علي كل من كان وليا أو وصيا علي حدث واستخدمه أو سـلمه آلخـرين

. بغرض توجيهه نحو القيام بالتسول العمـل " عرف التسول بأنه يشـمل .. ن مشروع القانو

علي استعطاف الناس في مكان عام أو في محالت إقامتهم أو أعمالهم أو تجمعاتهم ، وكذلك استغالل الشخص لعاهة حقيقية فيه أو إصابة أو مرض أو قيامه باصطناع ذلك بنفسه ألجل استدرار عطف الناس بهدف الحصول علي مال أو عطية من

" أي نوع كان

أعتقد أن اللقطة المهمة في الموضوع سـتكون سـاعة إجراء جراحة لقطع طرف من أطراف الشـخص مشـروع

. المتسول في إحدى العيادات التي تعمل في الظالم كن الوصول إليهـا ببـذل بعـض مسألة صعبة لكن يم

. الجهد

ـ مخنثون من آسيا ـ

كنت أسير في الطريق فإذا بمجموعـة مـن الفتيـات طرن علي تلتوار الطريق بطريقة فيهـا الكثيـر مـن يتمخ

االستعراض ، دخلن السوبر ماركت القريـب مـن منزلـي فدخلت خلفهن ، ما أن استدرن حتى فوجئت بأنهن مجموعة من الشبان المخنثين ، ضحك البائع الهندي في وجهي وشرح

ربما ليداري علي خجلي ألنه بدا وكأنـه كشـفني ( لي األمر قال أنهن يسكن في المبني المواجـه ) بمراقبتهن وأنا متلبس

للسوبر ماركت ، وقد يتسبب وجودهن في مشاكل ال حصـر . لها

البائع الهندي الذي كان اسمه مصطفي قال بـأن الـدنيا . أصبحت عجيبة

. إنها عجيبة فعال يا نهي هل سأتمكن من التقاط هذه الصورة دون متاعب ؟

ـ صورة مركب البوم ـ

رجال األعمال أراد تخليد ذكري أجداده التجار من أحد

أهل الحضر وهؤالء كانوا يتاجرون عبر البحر فصنع مركبا ضخما علي هيئة خاصة يسمونها هنا البوم كلـف صـاحبه خمسة ماليين دينار واستغرق العمل فيه خمـس سـنوات ، وجاء بأخشابه من أفريقيا ، والمعدات والصناع من الهنـد ،

. ا ، صورة جميلة لجانب من المكان مطعما سياحي وعمل منه . هذه ستروقك أكثر من غيرها يا نهي

ـ المنقبة ـ

) حققتها سأعتبر نفسي حققت معجزة لو ( صورة أتمناها للمنقبة التي تحل المشاكل العاطفية للبنات في إحدى المجالت األسبوعية ، ويقال أنها في حياتها العادية ترتـدي المالبـس

. العادية ، وأنها فاتنة الجمال أنا ال يعنيني يا نهي جمالها ، إنما السبق فـي التقـاط صورتها ، ومن يعرف ، ربما اشترتها إحـدى الصـحف ، بمبلغ كبير من المال ، عندئذ سأشتري لك عقد اللؤلؤ الـذي

. تمنيت أن تقتنيه

)ف (

صور أعترف لك اآلن يا نهي بأنني نادم أشد الندم علي عديدة ضاعت مني وكان يمكن أن تكون لها أهمية ربما أكثر

. من أية لقطة أخري سابقة ـ صورة لزيارة الرئيس بـوش األب للكويـت وآالف الكويتيين يستقبلونه ملوحين باألعالم ، مع العلم بـأن خيـال

الناس شرق وغرب عن أطنان الذهب التي أهداها الكويتيون . للرئيس األمريكي

. حرق آالف زجاجات الويسكي في الصحراء ـ ـ صورة للرجل الذي باع للجيش أثناء حرب التحرير

. لفافة الخس بثالثة دوالرات ـ صورة ذلك الرجل الذي طالب في إحـدى النـدوات بحرق الكتب التي تحتوي علي روايات زعـم أنهـا شـبيهة بالروايات الثالث التي أثارت ضجة في مصر بعد منعها من

. لتداول ا

)باب ( في

ثياب األيام

سأحمل كاميراتي إذن ، وأذهب إلي هناك ،

حيث األسرة من جذوع األشجار والليل مرصع بالنجوم ،

واألكل من العشب األخضر ، سأذهب إلي هناك إذن

وستكون نزهتي اليومية بين شياطين األشجار وساحرات . الهوا

) ف (

ما اليوم ؟ . لم أعد أهتم يا ضحي بمسألة األيام هذه

لم يعد هذا يهمني ، لقد اتخذت قراري بالرحيـل إلـي هناك ، لذا فإنه لم تعد هناك أهمية لهذا، كل ما فـي األمـر أنني سأرحل بعد أسبوع من اآلن ، بعد أن اتخذت قراري في

ي هنـا هذا الصباح وأنا أجد أنه لم يعد هناك معني الستمرار ، لقد اتخذت قراري ، ال في مسألة بقائي من عدمه ، بل في ما هو أهم من ذلك ، أقول ذلك وأنا آسف أشد األسف لك يا

األسرة الصـغيرة " ضحي ، لن تكون لي تلك التي يسمونها كما لم يعد فـي بـالي " اللطيفة المكونة من زوجة وطفلين

ل من األشـياء، سوي أن أبني غرفة من الطين فيها أقل القلي وربما اخترت بقعة صغيرة من ضفة النيل الغربية ، بالقرب من مدينة أختاتون، لتشييدها ، إذا أمكن ، وإذا تعـذر ذلـك

في ثاميـل ، . فهناك نيبال ، علي حافة جبل ، في قلب الغابة . حيث طقوس الروح علي درب الخالص

لقد وضعت احتمالين لحياتي حتـى تكـون الخيـارات . واسعة ، ويمكنني عندئذ بلوغ ما أصبحت متيقنا منه أمامي

خيارات حياة واسعة ، نعم ، لكن يجب أن تكون حياتي يل ، هذا، حقيقة، مـا أرتـاح نفسها بأقل القليل ، في أقل القل

. إليه**

نعم ، فأنا اآلن كمن يقرأ في كتاب أحبه ، لـذا . األيام؟ د الفصول ، لكـن فإنه ال يتوقف أمام الجمل ، قد يتوقف عن

لم تعد هناك أهمية للسـاعات . يبقي الفصل األخير هو األهم . إذن، المهم اآلن هو هذه األيام ، األيام السبعة األخيرة

كل ما أقصده هنا أن أي ساعة ليست بذات أهمية بقدر . أهمية اليوم كله ، إذا كانت األيام قد أضحت محددة سلفا

** ل لعبتي الدائمـة، خاصـة ماذا عن الرسائل ، هل ستظ

وأنني علي أي حال لن أعود للقاهرة في كل األحوال وسيظل الجميع علي مسافة مني سواء كنت هناك علي ضـفة النيـل

. البعيدة ، أو هناك علي قمة الجبل في قلب الغابة ، ولـم ال

رسائل مستمرة ، ال تتوقف عـن الـدوران ، أقصـد عـن نهاية، ماذا يضر هذا ؟ االستمرار في النمو ، إلي ما ال

المهم أن أتجنب الوقوف عند الساعات ، وأهتم باأليـام . وقت الرحيل طبعا . حتى ينتهي الزمن ويأتي الوقت

اليوم هو السبت ، وهذا علي وجه اليقين ، وغدا األحد ، اليوم هو بداية األسبوع ، والسبت القادم بداية أسبوع جديـد

، وبإمكاني عندئـذ أن أبـدأ سأكون عنده في المكان الجديد بداية جديدة حتى ولو اقتضى األمر أن أنسج قصـة جديـدة لحياتي كلها أختارها بنفسي، بمحض حريتي ، وحتى اسـمي نفسه يمكنني تغييره ، علي األقل أمام الناس الجـدد الـذين سأالقيهم ، وأظن أن اسم حسن الوزان يروق لي ، فألكن من

وإن كان علي أن أفكر في تبعات السبت القادم حسن الوزان هذا االسم للرحالة المغربي الذي أطلق عليه أهل الغرب ليون األفريقي ، فقد تمتع الرجل بقدرات ال يتوفر لي أي قدر منها فأنا مجرد كاتب خطابات تجارية مملة في عملي ، وكاتـب رسائل لم يكتمل أي منها في حياتي األخرى ، علي الـرغم

ت في هذا الوقت أو ذاك من كتبت لـه أو لهـا من أنني أحبب . ولم أنه أيا من الرسائل

): صباحا ( األحد

يخيل إلي أنني لكي أتخلص منها أو منـه ، أن أنهـي رسالته أو رسالتها ، وأضعها في مظروف وألقي بهـا فـي صندوق البريد ، أقصد حتى ال يظل هذا األمر عالقـا فـي

. ل أن أتحرر من هذا الشيء نفسي ، ويمكنني في هذه الحا ما فكرت فيه إذن باألمس من عدم إعطاء الموضوع أي أهمية هو أمر قد يجرني إلي االستمرار في االنشغال بمـا ال يجب أن أنشغل به أكثر من الالزم ، فالموضوع علـي أيـة

ال في . وأضع النقطة األخيرة . حال ال يعدوا إتمام ما بدأت ، بل النقطة األخيرة في الموضوع كل رسالة علي حدة فقط

. كله ماذا عن الذين سأتركهم هنـا ، أفـراد الشـلة مـثال ، وغيرهم ، وهذه األجواء التي علق بعضا بروحي وال شك ،

. هل سأتركهم للنسيان ؟

أظن أن التفكير في هذه األمور المستقبلية سيلحق بـي هذا أفضل علـي كـل . أفدح الضرر ، ألترك كل أمر لحينه

. حال ال أشك لحظة بأن ما أنا فيه نابع من كوني هنا ، وبعيدا عن هناك ، هنا حيث تجد نفسك في معسكر عمل ، معسـكر عمل ليس إال ، جاف وبارد ، وهناك ، حيث الروح الملتهبة ، المعذبة ، المتراقصة في المسافة بين الوهم والحقيقة ، لـذا

ناك ، ألنـك ـ فمن األفضل أن تعمل كاتب روايات وأنت ه مثال ـ حين تتمشي في العصاري من بيتك فـي المنيـرة ، عبر شارع قصر العيني ، مرورا بميدان التحرير إلي بـاب اللوق ، وتجلس هناك علي مقهى الحريـة ، فإنـك تلتقـي قصصا مجسدة ، وترتطم بأجساد تسبح علـي األرصـفة ،

، امـتألت / وتجد الحيرة ، نعم ، لكنك تكون قد اختزنـت . بعشرات القصص ، عشرات الحكايا

سأمتهن، إذن، حين أعود، مهنة الكتابة ، علي الـرغم من أنني لم أجرب ذلك من قبل ، لكنني أحس بأن مخزونـي

. يكفي لعدة مجلدات ، علي األقل ألتخلص من عذابات نفسي **

اكتشفت اليوم أن لي أعداء متربصين ، أظـن أن أحـد

ظر بالطريقة التي يخـافون مـن أن أهدافهم أن أكف عن الن . تكشف لي أشياء ال يودون أن أعرف عنهم شيئا

تصورت لوهلة أشكالهم علي هيئة مخلوقات تمتد لحاها حتى الكروش، يخبئون وجوههم في أقنعة من جلـد المـاعز ويرتدون في أفواههم أنيابا تنز بالدم ، لكنني وجدت أنـه ال

. ال . نحو من الفجاجـة يمكن أن تكون الصورة علي هذا ال مصريون من الطبقة الوسطي ، موظفون . إنهم بشر عاديون

ليس .. بيروقراطيون من النوع الذي يبدو للوهلة األولي أنه خطرا علي أي شخص ، وبهذه الهيئة فإنهم يتواجدون في كل

إنهم هنا أيضا ، مـاذا يفعـل ( مكان دون أن يالحظهم أحد غير توفير كل فلـس يمكـن مدير الحسابات علي مصطفي

) . اقتطاعه من أي موظف فقير لصالح صاحب العمل ؟ من المؤكد أنهم في لحظة ما ، لحظة بعينهـا ، يتحـتم عليهم اإلعالن عن أنفسهم في هيئـة مرتبـة ، سـيرتدون المالبس الموحدة ـ اليونوفـورم ـ وسـيحملون األسـلحة

. خارجين للجهاد

لـدرس تجـدهم تجـدهم لكنهم اآلن وقد تعلموا مـن ا أي أنهم " التقية : " يستعملون ما يسميه أهل المذهب الشيعي

. هنا وهم ليسوا هنا يبدو أنني سأدخل في مرحلة أخري من مراحل الدموع ، فدون سبب ظاهر ، أجد عيني اليسرى تنهمر بالـدموع ، تنزل منها كصنبور ماء خرب ، ال يمكن إغالقه ، ففي المرة

مـاء : ، مألت كوبا كامال في إحدى النوبـات قبل الماضية . أبيض رقراق

** ) : مساء ( األحد

أف يـا ضـحي أن أجمـع تلـك .. لم أستطع يا ليلي

األصوات التي تناثرت من حولي ، لقد راحت تطن في أذني بمجرد أن وضعت رأسي علي الوسادة ألرتاح بعد يوم العمل

و كانت لقطات بطيئـة اآلن بدت األيام أطول مما ل ( الطويل في فيلم مصري حمضان ، كانت األصـوات ) سلوموشن (

أظن أن هذه هي المرة الثانية التي بـدأت ( أكثر مما أحتمل كانت أقسى مما يحتملـه رأسـي ، ) األصوات فيها تتلبسني

كانت أصوات ال يمكن التمييز بين أصحابها ، كنت كمن هو نهم لم يكونوا يتكلمون لغـة هائم ال يزال ينتظر المواعيد ، لك

مفهومة ، ال ، وال حتى لغة واحدة ، كانت لغات عدة وهو ما . ينبئ بالنذير ، لم يكونوا يتكلمون ، كنت أنا من يتكلم عنهم

لو أنني أردت يا ضحي أن أرسم لك صورة للنـاس الـذين هـأ ، ( رأيتهم في الرحلة ، رحلة األحالم علي ظهر السفينة

.. ، كيف سأصورهم إذن ) نوح وال تقل سفينة أنت في العادة تنسي الكثير من الوجوه ، لكن بعضهم ال

ال يجب أن أنسي من اآلن فطالعا أن فـي يـدي ( تنساه أبدا يالهـا مـن .. ، إنني أحاول جمع الشتات ، لكـن ) كاميرا

وكيف لي أن أصور األصوات ( أصوات رأسي تكاد تنفجر .. إنها هناك ) ؟

** أكتب اليوم ، أقصد هذه الساعة ؟ لمن

لضحي أم والء ؟ للفتاة العصرية التي تتابع األخبار وتلم نفسها في تـايير

حتى الضـحك ( معتدل الطول ، وتتحدث بحساب كلما أمكن تعمل ألنه ال بد أن تعمل ، وأنه ال حـل أمامهـا ) بحساب

ـ ال سوي العمل ، وألنها تخاف األيام فإنها تتشبث بعملها ، ف أمان هناك ، ومن الممكن أن ال تجد الرفيق الدائم ، وربمـا هي كذلك تفكر أيضا أنها ، مع األيام ، تفقد أنوثتهـا شـيئا فشيئا ، وإن كانت تحاول ، بينها وبين نفسها، أن ال يحـدث ذلك ، فتهتم بانتقاء مالبس داخلية مثيـرة ، وتهـتم بيـديها

ذراعيهـا وسـاقيها فتدهنهما كل مساء بالكريم ن وال تفوت وقدميها وحتى ركبتيها ، وتعتني بشعرها بقدر ما تسـتطيع

. كي تقيه الشمس والحر والغبار ودخان السجائر والعربات لكنني أظن أنني سأصاب معها بالبرد بعـد قليـل مـن الوقت ، سيأتيني البرد ويسكنني ، سـأحاول أن أتجنبهـا ،

التي اليهمها سـوي أتوقف عن الكالم معها ، أم أكتب لوالء مزاجها ، أن يكون كل شيء مرتبطا بهذا المزاج ، وأهم مـا فيه ، أن تتغزل فيها طوال الوقت ، وأن توفر لها ما تريـد طوال الوقت ، وأهم شيء تريده ، ربما ، سيجارة محشـوة

وحضـن دافـئ ينتهـي " أبو شقرة " بالكيف ، وكباب من اإلطالق ، إال ربما بالفراش ، وال شيء آخر ، ال شيء علي

رغبتها في أن تنطلق فجأة في الرغي بال هدف ، تظل ترغي وترغي بالساعات ، ثم تنهي كل جملة بضـحكة فيهـا مـن

السخرية والمرارة الشيء الكثير ، وخارج هذا العـالم لـيس . هناك شيء بالنسبة لها

فهل سأظل لو حدث وتزوجت والء أن أظل دافئا طوال كني البرود ، ألن أهرب منها إلي المقاهي ، الوقت ، ألن يدر

ألن أتمني أن تكون قد نامت وأنا عائد إلي البيت ؟ يبدو أنني ، في الحقيقة ، ال أعرف لمن أتحدث اليوم ،

إذن الحل في ) ومرارتها أيضا ( يبدو أن لكل واحدة حالوتها أن يكون لك أكثر من امرأة ، تغضب هذه وتفرح تلك ، أربع

الحل إذن ، وربما هو حل لمشكلة العنوسة ، كمـا نساء هو . جاء في حديث لشيخ األزهر

: األحد ليال

وأكد أن حصيلته اليوم ) المليجي ( جاء محمود الجزار

من قصاصات الصحف كانت مهمة للغايـة ، إذ أن أسـتاذة تحـدثت ) وصفها البعض بأنهـا تحـب الشـهرة ( جامعية

ت أكدت فيه بأنها أجـرت باعتراف أثار ضجة في كل الكوي بحثا علميا عن فتيات الجامعة فوجدت أن الشـذوذ منتشـر

ثم ؟ ، قال إنه أمـر ال بـد : بينهن إلي حد الظاهرة ، قلت تقصد سيشـغل البلـد : سيشغل الصحف لمدة شهرين ، قلت

أظن أظن ، ويبدو أنه وجدني غير متحمس : هذه المدة ، قال مضـي ، دون حتـى أن للكالم في الموضوع ، فتركنـي و

يشرب قهوته المعتادة ، لكنني وجدت في المكان الذي كـان ألـف ٧٦ جالسا فيه قصاصة من صحيفة القبس عن توافـد

مواطن ومقيم إلي قصر العدل في يوم واحد لتقديم دعـاوي . تعويضات ضد العراق عن أضرار لحقت بهم أثناء الغزو

كـذا أصـبح أثناء الغزو ، بعد الغزو ، قبل الغزو ، ه التاريخ ، هنا ، يبدأ بهذه الجملة ، وينتهي ، أبدا ، فعال فكرة رهيبة ، أن تستيقظ في الصباح فال تجد بلدك ، تقـوم فـي الصباح فتجد ناتنياهو، مثال ، سحبها من تحتك ، يا ساتر ،

. فكرة رهيبة

ما الذي جري ؟ هل كان ذلك حلم يقظة ؟

ن األوان لكـي تسـتعيد أظن أنه آ ( سأكتب لك يا والء حين أعرف التفاصيل ، ) األقنعة ، فوالء هي مديحة حمدي

ألن أكتـب الرسـالة ) و آن األوان ( أظن أنه حان الوقـت أن علي ) نفسها ( وباألحري ) أنهيها باألحري ( الموعودة ،

( ـ والء ) سعاد حسني ( أن أن أكتب رسائل ، إلي ضحي ال ، باترسيا ، ال ، لـن ـ نهي ـ بتريسيا ، ) مديحة حمدي

أكتب لها ، وهي في الغالب سافرت ، تركت مصر ، ربمـا تكون هي اآلن في ميالنو ، تلعب في الوقت الضائع ، أو في

اإليطاليات علـي أي حـال ال تنقصـهن ( الوقت المضبوط بنت الكلب وحشتني ، مامينو ، مامينو ، طيب ، لو ) الحيلة

لرقص والتمايل في كلمة واحدة أردت أنا اآلن أن أعبر عن ا ز ال ، ال تنفع ، تهتز ، آه ، تهتز أفضل ، تهتـز . ؟ تترامـ

كالمجداف ، ال يا أخي ، كالقارب فوق األمواج ، أمـواج ؟ . أي أمواج ؟

أخذتني الحياة دائما علي غرة ، أقصد أنها سرقت الوقت ، والميعاد ، هاهو الغروب مثال ينتهي ، وأنت اآلن في الليل

اليهم ، لست . ال تقل البهيم ، إبحث عن كلمة أخري ، العـ أول من أعجزته اللغة ، المهم أن تكون حذرا وأنت تكتـب ، خصوصا لضحي ، لديها رادار مصوب ناحية الكذب ، قالت إن ذلك بسبب أنها عاشت في جو من األكاذيـب األنيقـة ،

كانـت المحكمة ، ثم قالت إنني قد أكون األخير ؟ ما الـذي تقصده تلك الفتاة ؟ قل لى باهللا عليك يا طالعا فوق السارية ، قل الحقيقة وامض يا هذا لعل كخ فخ متالحف متهنعم وإنـه وإن كانت هناك علي الشرفة بنية قد حان قطافها فهيـا أخـا العرب لالمتزاج وارفع القناة عاليا فهاهو الجمل يهجل علـي

في الفضاء الخـارجي رمال الصحراء وتلك األباعير تسبح علي أسنة الرماح التي انطلقت علي الرغم من الطوز والنوز ورطوبة الهواء التي تنز حتى تخنقك فال تستطيع حتى إدراك انحسار مياه بحر الخليج الذي لوثته ماليين أطنان النفط الذي تفجر بفعل القنابل القنابل المتساقطة علـي السـفن العـابرة

صباح يوم الغزوة الكبرى ، يوم البرابرة ، العائمة في الخليج اليوم المشهود الذي كتب بالدم علي سطح البرية التي كانـت النوق تتهادي عليها علي امتداد البصر وتحت خفافها تسـعي

أيـن : الحيات في سالم لكن الطيور وجدت نفسها محتـارة تذهب ، وضجيج المركبات الحربية المثقلة بأطنـان القنابـل

الذين بشر بقـدومهم العسـكر وهـم .. أجنحتها ، أين يفتت يدوسون بأقدامهم الثقيلة علي أطراف عباءات البدو الرحـل وهم يفرون في التوهة الكبرى يوم لم يعرف االبن أبـاه وال

المرأة بعلها وطارت رقاب الصغار والشيخ الذي سقط عقاله : وطار شماغه يصرخ في البرية

العرب ؟ ـ يا بن العم ؟ يا أخا لكن طيور النورس كانت قد غرقت في أمـواج الـنفط المهتاجة وهي تحمل تماثيـل سـوداء للطيـور ، أنظـر ، الخوجاية العجوز الرسامة زوجة الرسـام البـدوي تمسـك

: بالطائر الملوث بالزفت صارخة . هرام . ـ هرام عليكم

: االثنين صباحا . استيقظت من الحر

لم أفتح النور ، كـان الجـو خانقـا بالفعـل ، ازدادت الرطوبة عن المعتاد منذ مساء األمس ، فشعرت أنني أغرق أو هو ، هكذا، الشعور، ساعة، غرقك، فـي المـاء ، هـل

جربت الغرق ؟ أنا وأنت ياضحي ، نغـرق عريـانين ، ننـزل سـويا

. متعانقين إلي الماء ، وال نتنفس . آه ، تذكرت سيمون

ت أعيش في شقة ، في بيت قديم في شارع شـبرا ، كن ومـن هـذه ( وكانت سيمون ،جارتي طبعا قد تعلقت بـي

اللحظة عليك أن تعتبر نفسك في فيلم مصـري مـن أيـام طبعا ، أوال لحظات الكشف ) ستينيات القرن العشرين البهية

وفي فيلمنـا ( ، نظرات مختلسة ، تسبيل العيون ، ثم الجرأة لبنت سيمون هي التي كانت أكثر جرأة ، ألن أخانا هذه فإن ا

الحبيب ، رشدي أباظة ، في شببه الوافر ، ريفـي سـاذج ، طبعا من أعيان الريف ، والبنعت سيمون ، بنـت مدينـة ، وليس أي مدينة ، إنما مدينة القاهرة في السـتينيات ، ومـن شارع فيها ، وليس أي شارع ، إنما شارع شبرا ، الذي أنتج

) بل والعالم فال تنسي داليدا ( شهر راقصات ومغنيات البلد أ فموعد فلقاء علي محطة األتوبيس ، أمام بتاع العصير ، ثـم المشي في الشوارع الجانبية ، حتي نطلع إلي النهر ، نهـر النيل طبعا ، فإذا بنا وسط حشد من العشاق الصغار الماشين

حاجة الساقعة ـ علي الكورنيش ، يقزقزون اللب ويشربون ال المحلية الصنع ، وأظن أننا أيامها كنا نشـرب الكـازوزة ـ ليست تلك الكازوزة التي كانت تدعو لها سعاد حسـني فـي أغنيتها الشهيرة ـ ولعلها شريفة فاضل ـ ثم الموعد التـالي

في الغرفة ، وكانت سيمون تحب الهدايا ، خاصـة الحلقـان مرة ، قبل أن ترفـع واألساور الفالصو ، وكانت تطلب كل

فستانها ، دون أن تخلع ما بعده ، خاتما أو عقدا ، لكنها كانت تستاء ، ألنني كنت ، بعد أن أنهي حاجتي ، أحاول التخلص منها ، وهي تعرف ، وقالت إن كل الرجـال هـم هكـذا ، وأعتقد ، انها كانت صادقة ، أين أنت اآلن يا سيمون ، طبعا

.. ال لن أكتب لضحي بذلك ، وإ

: األثنين ظهرا هاهو وافد جديد علي الشلة ، لو رأيته يـا نهـي، لمـا فرقت بينه وبين الممثل أحمد رمزي في شبابه ، لألسف لـن أتمكن من معرفته طويال، سأكتب به لعادل السيوي ، ربمـا أفاده في إحدى رواياته ، وسأرسل هذه الرسـالة بالتأكيـد ،

اآلن ، ال أعرف لم ، أن إنهـاء المهم أن أنهيها ، فقد بدالي الرسالة يدفع بي إلي الراحة ، المهم أن تكتب كل مـا فـي نفسك ، فاألمر لم يعد يحتمل ،أحس بروحي مرتاحة ، حالـة انشراح غريبة تطفو داخلي ، نعم ، ربما هي الكلمة ، كأنـه

حدث فجأة في الداخل ، ثم شع حتى الجلد ، أن أكتب أغنية ، . ن أصبح كاتب أغان أغان عديدة، أ

كان أحمد رمزي قد جاء إلي في المكتـب ، فضـجت الفتيات العربيات بالصراخ ، ظنن أنه بالفعل أحمد رمـزي ،

الكم ، وقصة الشعر ، ولوية البـوز ، لكـن " تشميرة " حتى رانية وحدها ظلت ثابتة علي وقارها ، وأحسسـت بـالحرج

بابتسامة تكشف وهو يتمرجح أمامها علي الكرسي ،فاتحا فمه عن أسنان ملمعة ، يهز رأسه وال يكف عن عـن الحركـة

الغارق في " المسبسب " بقدميه ، ثم يملس علي شعره الطويل الفازالين ، ينشر عطره الفواح ، وصوته المتبـاهي بنبـرة

. الغندور وطلته نسيت أن أقول يا نهي أنه وردت إلينا أيضا فتاة إيرانية

از ، أهلها هربوا مـن إيـران بعـد من شيراز اسمها شاهين الثورة ، وهي تربت في الواليات المتحدة األمريكيـة ، مـذ دخلت المكتب والنار مشتعلة من نارها ، وألول مـرة أري رانيا علي هذه الدرجة من الغيرة ، ولكن الحقيقة تقال أننـي

حتى أنني استعملتها ( أنا نفسي لم أستطع صرف ذهني عنها ي أثناء ممارستي للعـادة، خاصـة شـفتيها في أحالم يقظت

المكتنزنتين الحمراوين اللتين مصصتهما بال انقطـاع حتـى ، المشكلة أنه مذ رآها أحمد رمزي وهـو ال ..) وصلت إلي

. يكف عن استعراض حسده : قلت له

ـ هل تعرف من هي هذه الفتاة ؟ : قال

.. لكن . ـ ال : قلت

. حدة من العربية ـ إنها إيرانية وال تعرف كلمة وا : قال وهو يواصل النظر تجاهها

ـ يا سالم ، عز المطلوب ، ومن قال لك أنني أريد أن أحدثها ، أال تعرف أنت أن هناك لغة أخري أهم وأبقي ؟

: قلت ـ من فضلك نحن في مكان عمـل ، وال تسـبب لـي

. مشاكل : قال

. ـ طبعا أنت كأي ذكر شرقي تريد كل النساء لوحدك

دو أن رانيا سمعته فانطلقت منها ضحكة مجلجلـة ، ويب ولحسن حظي أطل أبو محمود من مكتبـه خارجـا لفسـحة الظهيرة ، وأعلن الجميع استقطاع وقت الغداء ، فبدا الحـزن في عينيه، والحظت أنه يغرس عينيه في خلفيـة شـاهيناز

. بوحشية وتعمدت الخروج للغداء في أحد المطاعم القريبة ، ومرة

ري سيكون علي تناول بريوني السمك ، وأحسست بشوق أخ لوجبة من يد سنية ، تلك المرأة التي رعتني مذ ماتت أمي ، لم تكن شغالة بالمعني الدقيق ، لم ال أكتب لها لتجهـز لـي وجبة من األرانـب بالملوخيـة ، وأرز مصـري مفلفـل ، والباذنجان المخلل بالتوم ، وربما محشي كرنـب وقوطـة و

ل رومي وورق العنب ، هذا هو الطعام الحقيقـي الـذي وفلف أن حروب العـالم " قصة الحضارة " قال وول ديورانت مؤلف

قامت من أجله ، أين يا تري هذا الكتاب ، الكتـاب الوحيـد الذي قرأته كامال، قرأته كله ألنني صدقته ، كانت سـياحتي

ـ ي عبره متعة ال تنسي ، ال بد أنه ال يزال في شقتي هناك ف القاهرة ، أرجو أن ال تكون العثة قد عبثت به ، سأحزن بقية

. عمري

وألتفت خلفي فأجد أحمد رمزي ال يزال واقفا أمام باب الوكالة ، ال بد أنه يتحين فرصة خروج شـاهيناز ليتحـدث معها ، فكرت أن أعود ألمنعه ، لكنني لست بالضـبط ذلـك

ي أيـة حـال الرجل الشرقي الذي تحدث به ، وشاهيناز عل ليست فتاة هينة ، ألم تمنعني ، حتى في الحلم ، مـن خلـع مالبسها ؟ إنها تعرف كيف تدافع عن نفسها ، ومشيت حتـى

. ودخلت المطعم " القبس " بائع الجرائد ، واشتريت ال بد أن أصرف هذه البنت عن ذهني ، مثال ، علي أن

صري أؤكد ، وأنا أمسك بالصحيفة بين يدي ، أنني إنسان ع ، أف ، أقصد مهتم بقراءة الجرائد ، وأنني ، منهـا ، هـذه الصحف ، سرت في طرق عديدة ، أثرت علـي ، وعلـي حياتي ، مثال ، أنا أكتب هذه المذكرات ، أقصد هذه األشياء التي أكتبها ، بـاألحرى ، هـذه المالحظـات ، أف ، هـذه

أظن الرسائل المجهضة ، هذه الرسائل التي ال أرسلها ، وال أنني سأفعل ، في يوم مـا ، ) وهذه لحظة صدق حقيقية ( ،

فلقد قرأت موضوعا في نفس جريدة القبس هذه عن استطالع أجري في فرنسا ، ونشرته صحيفة أيضا ، أظنها الليموند ، أو الليبراسيون ، أو غيرها ، ال أذكر ، عن الفرنسيين ، أف

ريد أن تغادر خيالي البنت اإليرانية ال ت ( ، يا لي من مرتبك ) ، ال تريد أن تغادر نفسي، عيناها بالـذات ، ال ، شـفتاها

أقصد أن الموضوع كان استطالعا أجرته هذه الصـحيفة أو % ٦٠ تلك عن الفرنسيين وكتابتهم للمذكرات ، ووجدت أن

منهم ، أي الفرنسيين ، يكتبون مذكراتهم ، طبعا أولئك الذين صد أولئك الـذين هـم مـا بـين يحسنون الكتابة ، أف ، أق

السادسة عشرة والستين ، كتابة المذكرات أمر شائع إذن ، لم إذن أخجل من أن يطلع أحد علي ما أكتب ، آه ، ربما ألنهـا رسائل ، ياه ، أنا متعب ، متعب بالفعل ، كيـف سـيمكنني العودة للعمل وأنا في مثل هذه الحال ؟ ما الذي سيحدث لـو

المرض ، أن مغصا كلويا أصابني فجأة ، استأذنت ، ادعيت أو ذهبت للمستشفي وتمددت هناك علي السـرير ، وسـلمت

. نفسي فعال للمرض ، حتى يتمكن مني .. لكن ، ال ، فليس هناك اآلن من يمكن أن يتعـاطف

. إتفو . أخ . أف " وانيـت " وبالفعل لم أعد إلي العمل ، مشيت وركبـت

تصلت برانيا وأخبرتها بأنني لن أوصلني للبيت ، ومن هناك ا أحضر الفترة المسائية ، وقلت لها ببساطة أنـه لـيس لـدي

مزاج إلكمال العمل هذا المساء ، وتمددت علي سريري غير . عابئ بشيء

: األثنين مساء

استيقظت علي صوت جرس الباب ، يبدو أنـه علـي ـ اب األشول ، ال بد أنه قلق بسبب أنه لم يجدني واقفا أمام ب

الوكالة ليوصلني كالعادة ، وال بد أنه عرف من رانيا أنني لم أحضر بقية اليوم ، ال بد أنه قلق من أن أكون قـد وجـدت شخصا آخر بدال منه ، ومن يعرف ، ربما كان قلـق مـن أجلي ، قلق علي حالي ، لكنني لن أفتح الباب علي أي حال ،

. دعه يواصل رنين الجرس ، ووجدتها فكرة معتبرة أن أظـل بعد فترة عاد السكون

. في فراشي ، في الظالم ، ال أتحرك من السرير لكنني تحركت ، أقصد أنني وجدت نفسي أجلس علـي حافة السرير بشكل تلقائي ، دون أي إرادة ، وانزلقت حتـى جلست علي األرض ، مددت يـدي إلـي علبـة السـجائر

رائحـة والوالعة وأشعلت واحدة ، وخمنت أنه ربما نفـذت الدخان للخارج وأخبرت عن وجودي ، لكن هذا لم يعد يهم ،

ما يهم اآلن فعال ، وأنا أهيئ نفسي لحياة جديدة ، ستبدأ خالل علي الرغم من أنني لم أقم حتى اآلن بالتسوق ، شراء ( أيام

ما يهم اآلن هـو أن ) الهدايا التي ينتظرونها مني في مصر لم أنه أيا من الرسائل ، لم لـم أجلس وأفكر في المشكلة ، لم

أنته حتى اآلن من أي رسالة ، لم لم أرسل أيا منها حتى ولو كانت ناقصة ؟

هل بسبب أن حياتي نفسها معلقة ، لم أستطع اسـتكمال دائرتها المقطوعة ، أم ألنني لم أكن قد رتبـت أي شـيء ، وأنني سائر مع الخلق ، خرجت مع حشد الخارجين مسلوبي

. ، أم ألنني أظهر في هيئة علي غير حقيقة هيأتي اإلرادة أنا أعرف يا ضحي أنني حساس جدا ، أنت نفسك قلت لي ذلك ، في نفس الوقت الذي يمكنني أن أقبل األمور ببرود

. كبرود الصلب في الجليد أنا منظم جدا لدرجة أنني ال أطيق وضع كوب في غير

حتى أنني يمكن مكانه ، كما أنني فوضوي لدرجة ال تطاق ، . أن أضيع مفاتيحي عشر مرات في اليوم

كنت أود أن أكتب لضحي بشيء مهم للغاية ، أو هكـذا وجدته حين سمعت به ، أقصد أنني كنت أود أن أسالها عـن

حقيقة ما جري في مجلس الشعب ، حول موضوع خطـف السحب الذي تقوم به إسرائيل ، هل حدث هذا فعال ، ومـاذا

لسحب هذا ، هـل يعنـي أنهـم سـيربطونها يعني خطف ا ويجرجرونها إلي سمائهم ، وهل سيتمكنون من إنزالها علي رؤوس اإلسرائيليين وحدهم ، وماذا لو انزلقت ونزلت فـي

ال أعـرف ، .. الضفة الغربية مثال ، لكنني أظن اآلن أنـه . ربما كان األمر كله عبثا ، البد أنه كذلك

: الثالثاء صباحا

ووجوم كثير علي وجهه ، كانت " أبو محمود " لني استقب قد أبلغته برغبتي في السفر ، لكنه ) ما اسمها ؟ ( سكرتيرته

قال لها بأن كثيرين من المقيمين يتحـدثون بـذلك لكـنهم ال يفعلونه ، حين رآني زم شفتيه ، ربما ألنه رأي ورقـة فـي

ان هذا هو ، سألني إن ك " االستقالة " يدي ، وتأكد عندئذ بأنها قراري النهائي فأجبته بأن نعم ، فوقع علي الورقة وقد ازداد الوجوم علي وجهه، وبصعوبة مد يده إلي لمصـافحتي دون أن يقف من مكانه ، علي غير العادة ، تأكدت م، ا،ه غاضب

) يا اهللا لم نسيت اسـمها ؟ ( لكنه فاجأني بأنه أمر سكرتيرته

وخرجت بصـعوبة ، بأن تعد لي حفل وداع طيب ، شكرته . كانت لحظة مؤثرة وال شك

: األربعاء صباحا

منذ التاسعة وأنا غارق في اإلجراءات التي ال بد منها، لو تعلمين يا ضحي كمية الملل التي واجهتني ، حفل الـوداع ، تسليم العهدة ، تسلم الباسبور، إلغاء اإلقامة مع المنـدوب،

. من األعمال المملة تسليم البطاقة المدنية، وإلي آخره

: األربعاء ليال فكرت أن أخالف كل العائدين مـن المصـريين ، وال أشتري أي شيء ألي أحد ، لكنني ذهبت مع محمدود الجزار

رحلـة التسـوق ، : وعلي األشول في الرحلـة الموعـودة وأحسست بالفعل بأنني مخلوق استهالكي علي الـرغم مـن

. ماذا أفعل حذري من أن أكون هذا الشخص ،

: الخميس ليال في شقة علي سليمان أقامـت الشـلة حفـال صـاخبا باألصوات ، مألت المكان روائح الشواء، شـربت زجاجـة

) ربما هو علي األشول ( كاملة من النبيذ الذي صنعه أحدهم بنفسه، كان طعمه كالعلقم ، لكنني أحسست بأنه البد من ذلك

أصح منـه إال مسـاء اليـوم م ، وبالفعل نمت نوما عميقا ل . التالي

: العاشرة من مساء الجمعة

في بداية المساء حدث لي شـيء غريـب ، ال يمكـن كان شعري قـد اقشـعر ، ( تصديقه ، لقد أحسست بالدهشة

) أعني رأيته بأم عيني يقف ، يقف ، ينتصب ، ال أعـرف لن ) الدهشة ( علي الرغم من أنني كنت أظن أن هذا الشيء

ث لي مرة أخري بعد أن صعقتني التجربة وألقت بي في يحد . هذه الغربة

بصرف النظر عن أن كل أفراد الشلة ، ومعهم عدد من ألنني فـي ( زمالء العمل ، قد حضروا لوداعي في المطار

بصرف النظر عن ذلك ) الحقيقة كنت شبه مغيب عن الوعي

طـار ، إال أنني كنت قد وطنت النفس علي أن أسير في الم . ال أعرف لم . دون أن أنظر خلفي

قد تهيأت للرحيل ، أقصد ، في لحظـات ) إذن ( هاأنذا تسـميها ( الرحيل ، نفسي آكل سبانخ من يد سنية ، ولحمة

موزة محمرة في السـمن البلـدي ، وأرز مفلفـل ، ) هبر وسلطة بلدي ، وعيش بلدي مفقع ، وفلفل مخلل ، وطرشـي

الساقعة وأنام القيلولو وأقـوم فـي حراق ، وأشرب من القلة " العصر أشرب الشاي بالنعناع وأسمع عبد الوهاب وهو يغني

" . خي خي حبيبي القاسي ليه يا خي وعلي مستوي الواقع سـأقوم بعمـل مجيـد ، سـاعة وصولي ، علي ما أظن ، ألرض الوطن ، سأقوم بعمل مجيد يشغل وقتي ، سأعمل خريطة للمصريين ، أقصـد خريطـة

حيث أضحت هجرتهم حقيقة ( بين مواقعهم في أنحاء العالم ت وسيكون علي إذن أن أرحل وراءهم في بالد الدنيا ، ) مؤكدة

أنا أعرف أنهم أضحوا منتشرين علي امتداد الكوكب ، وحين أنتهي من هذه المهمة سأكون قد فكـرت فـي أي المكـانين

مـن سأقضي بقية حياتي ، هناك علي ضفة النيل ، في بيت

الطين، حيث أراقب األسماك السابحة في الماء ،أو هناك فوق . أحد جبال النيبال حيث الجنيات الصغيرات يتمايلن مع الريح