آخر الفنان الکردي يف شعر عبدالوهاب البيايت؛ دراسة صورولوجية يف األدب املقارن

حممدهادی مرادی٭کاوه خضری٭٭

امللخصتعترب الصورولوجيا أو علم الصورة فرعا من فروع األدب املقارن وهو البحث عن صورة اآلخر األجنيب يف النص األديب. يتيح لنا علم الصورة معرفة اإلنسان لإلنسان وعرب هذه املعرفة يربز لنا اجلوهر املشرتک لإلنسانية. وعند ذاک ننطلق إلی عامل األخوة اليت جتمع األنا باآلخر. ولو تأملنا هذا اجلوهر لوجدناه ال يتبلور إال بالتفاعل مع اآلخرين؛ من هنا م عالقاتنا مع اآلخر. عبدالوهاب البيايت ــات األدبية املقارنة اليت تقو تربز أمهية الدراسيکون من عمالقة الشعراء يف الشعر العريب املعاصر الذي اختص قصائد کثرية يف ديوانه ــی عرض صورة اآلخر ويف کم کبري من هذه القصائد يعرض صورة الفنانني اآلخرين إلــرد: عبداهللا کوران، ــالث قصائد يف وصف الفنانني الک ــد ث ويف ضمن هذه القصائد أنشوياشار کمال، وايلماز غونيه. مناخ التعايش السلمي الذي بدأ يظهر يف العامل، يربهن لنا أمهية الدراسات الصورولوجية إذ لوحظ ان الصور اليت تقدمها اآلداب القومية للشعوب األخری تشكل مصدرا أساسيا من مصادر سوء التفاهم بني األمم والثقافات سلبا وإجيابا کما قد متثل األنا العريب يف شعر البيايت منظومة عالقات مع آخر الفنان الکردي يف إطار ــالل املنهج الوصفي – التحليلي ويف ــه صداقة وود ومتجيد. حتاول هذه املقالة من خ کلضوء النقد املقارين أن تتوقف عند مواقع تصوير البيايت عن آخر الفنان الکردي املتمثل يف عبداهللا کوران، وياشار کمال، ويلماز غونيه. والنتائج تدل علی أن الشاعر قد عرض صورة آخر الفنان الکردي يف صورة التسامح؛ وهذا النوع من قرءاة اآلخر يعترب من أمجل

صور قرائته، واحلالة الوحيدة للتبادل احلقيقي اليت تسود عليها روح املوضوعية.الکلمات الدليلية: علم الصورة، األدب املقارن، عبدالوهاب الب يايت، آخر الفنان الکردي.

Hadim29@gmail.com ٭. أستاذ مساعد جبامعة العالمة الطباطبائي يف طهران، إيران. Kawa_khezri@yahoo.com ٭٭. طالب مرحلة الدکتوراه جبامعة تربيت مدرس يف طهران، إيران.

التنقيح واملراجعة اللغوية: د. حسن شونديتاریخ القبول: ١٣٩٣/٩/١ش تاریخ الوصول: ١٣٩٣/٢/١١ش

إضاءات نقدية (فصلية حمكمة)

السنة الرابعة - العدد اخلامس عشر - خريف ١٣٩٣ش / أيلول ٢٠١٤م

صص ١٦٨ ـ ١٥١

١٥٢ / فصلية إضاءات نقدية، السنة ٤، العدد ١٥، خريف ١٣٩٣ش

املقدمةــس فكرة ــت الصلة باآلخر يف بدايتها من خالل الرحلة واملعاينة، واملقارنة تؤس أتــاين، وتنبه إلی الفجوة اليت تفصل جمتمعات اإلسالم عن مدنيته اآلخر يف الوعي اإلنســلمون ليعرفوا مقدار له منزلة امليزان الذي يكيل به املس م لديه، فتنز وعن منســوب التقدل -يف ما يف حوزتهم من أسباب الكينونة التارخيية واحلضارية. لكن قراءة اآلخر تتحوــه- إلی مناسبة لقراءة النفس والذات يف مرآته، أو قل إلی مناسبة تكتشف الوقت نفسفيها الذات نفسها يف غريية-أو مغايرة- ذلك اآلخر هلا. فبالرغم مما تسعی إليه الصورة من أمانة ودقة وصفاء إال أن متثيلها للواقع ومطابقتها له مطابقة کلية أمر ال ميکن حدوثه. ــذا املفهوم من الصورة يأيت کالوظيفة األولية له، فيما بعد دخل (حنون، ١٩٨٦: ٨٢) ه

إلی املجاالت املختلفة.هذا ومن جهة أخری، أخذ موضوع األنا واآلخر أمهية بارزة يف الکتابات الفکرية والنقدية ويف شتی العلوم اإلنسانية، باعتبار أن الکشف عن األنا ال يتأتی إال من خالل اآلخر احلاضر باستمرار معه وفيه، وهي عالقة من شأنها أن تقوم علی افرتاض الغريية ــاين املتضمن دوما قطبني خمتلفني. بل إن القضية ما فتئت اليت يتألف منها الوجود اإلنســة، يف عصر يهدف إلی إلغاء ــد وتتعقد حتی صار من العســري حتديد صفة اآلخري تتوالــا ضمن نطاق واحد هو األنا اجلمعية، بعد ــدود الفاصلة بني األنا واآلخر واختزاهل احلالعمل علی صهر مقومات األنا لصاحل قيم اآلخر، األمر الذي يطرح العديد من مفارقات ــبة إلی األنا نتيجة شعورها احلاد بفقدان خصوصيتها يف عالقتها اهلوية واالنتماء بالنساجلدلية مع اآلخر. (بوحاليس، ٢٠٠٩م: أ) إذن بهذا املفهوم هناک عالقة وثيقة بني علم ر الفاصلة بني األمم وهذا القصر الصورة وظاهرة العوملة ألن العرض لصورة اآلخر يقص

يف الفواصل ميزة من ميزات العاملية.ــعرية لعبدالوهاب البيايت١ کنتاج ميثل هذه البنية من مث کان وقوفنا عند املدونة الش

ــعر احلديث يف الوطن العريب وأشهر شاعر يف املنطقة يف النصف الثاين من القرن ١. رائد من رواد الشالعشرين ولد يف بغداد عام ١٩٢٦م. خترج من داراملعلمني العالية ببغداد، حاملا منها شهادة الليسانس سه بقضية بالده حافة. ولکن حتس ــتغل بالتدريس، ومارس الص يف اللغة العربية وآدابها عام ١٩٥٠. اشــه عام ١٩٥٤م وتعرض ــال. فعذب واضطهد وفصل عن وظيفت ــانية مجيعا، قاده للنض وقضاياه اإلنس

آخر الفنان الکردي يف شعر عبدالوهاب البيايت؛ دراسة صورولوجية يف األدب املقارن / ١٥٣

ــذا الوعي وذاک التوتر. فقارئ أعمال هذا ــريه من النصوص اليت يغيب عنها ه دون غالشاعر يدرک أنها تستجيب بشکل واضح لدراسة من هذا النوع، حيث يتجه شعره حنو ــم صور حمددة لألنا واآلخر، إضافة إلی أنه جتربة قائمة بذاتها تتقاطع مع التجارب رساألخری؛ يف الوقت الذي حتافظ فيه علی خصوصية الرؤية وتفردها، بوساطتها استطاع ــه وضعا خاصا علی حمور التحوالت التارخيية بإفرازاتها الالمتناهية اليت أن يتخذ لنفس

تتجاوز احليز اجلغرايف احملدود إلی العامل الذي نعيش فيه ونتفاعل معه.ــة والتقومي يف ــتحقه من الدراس ــاعر مل ينل املنزلة اليت يس رغم ذلک کله، فإن الشــا القالة بتعريف موجز عن ــا بأن البحث متواصل، بدأن ــال الصورولوجيا. وإميانا من جمــرض صورولوجيا يف إطار معني لکي ــم املفاهيم علی ع ــا. مث رکزنا يف قس صورولوجيحندد مفهوم علم الصورة لدراستنا، ومن مث فقد نظرنا يف القصائد الثالثة املعنونة بــ"إلی عبداهللا کوران، إلی يلماز غونيه، إلی ياشار کمال" من الزاوية اليت تکرس ثبات اآلخر يف صورة التسامح املطلق. وهذه املقالة حتاول- من خالل املنهج الوصفي- التحليلي - أن تبني نظرة البيايت يف القصائد الثالثة حول آخر الفنان الکردي املثمثل عبداهللا کوران،

وايلماز غنيه، وياشار کمال.

١- سؤال البحثما هي آليات القراءة آلخر الفنان الکردي يف شعر عبدالوهاب البيايت؟

ر البيايت آخر الفنان الکردي يف هذه القصائد الثالثة؟ کيف صو

٢- خلفية البحثــکي يف شعر عبدالوهاب البيايت وشريکو بيکه ١. مقالة معنونة بـ"صورة ماياکوفس

ــورية، وزار ــان، مث انتقل إلی مصر، ومنها إلی الس ــی بريوت وعاش مدة يف لبن ــافر إل للمالحقة. فســکو لألعوام الکثرية. بدأ البيايت حياته ــوفييت وهو کان املتحدث الثقايف العراقي يف موس االحتاد الســاعرا رومانتيکيا حاملا باحلياة ودنيا الطفولة وعامل املثل؛ مث أفاقت نفسه، فوجدها تصطدم باحلقائق شــامة، فنفر من املدينة وثار علی الرجعية ــاعر الس ــتولی علی نفس الش الصارمة، والواقع املرير. فاسوالتقاليد، وحطم القوالب القدمية، واختذ أسلوبا جديدا للتعبري عن قسوة احلياة، وعما يعتلج يف صدره من أشجان. من أشهر دواوينه: مالئکة وشياطني، أباريق مهمشمة، املجد لألطفال والزيتون، رسالة إلی

ناظم حکمت. (عايش، ٢٠٠٢م، ج٤: ١٧٣)

١٥٤ / فصلية إضاءات نقدية، السنة ٤، العدد ١٥، خريف ١٣٩٣ش

ــارن" (٢٠١٢م)، تأليف: خليل برويين، ــة صورولوجية يف األدب املق س، دراســة صورولوجية مقارنية ــذه املقالة دراس ــري منظم، کاوه خضري. ه هادي نظــری لبيکه س. تثبت ــکي، إحداها للبيايت واألخ ــني حول ماياکوفس للقصيدترا اآلخر الروسي يف صورة تسمی التسامح، وهو ــاعرين قد صو املقالة أن الشمن أحســن صور قراءة اآلخر. هذه املقالة قد طبعت يف العدد الثامن من السنة

الثانية يف جملة "إضاءات نقدية" التابعة جلامعة آزاد اإلسالمية کرج.ومقالة معنونة بـ"شخصيات إيرانية يف ديوان عبدالوهاب البيايت" (١٣٩٢ش)، ٢.

ــل القصائد اليت قاهلا ــا أمحد نهريات. والباحــث يف هذه املقالة قام بتحلي کتبهــخصيات اإليرانية مثل: زرادشت، حالج، سهروردي، العطار البيايت حول الشــتنتج فيها أن البيايت ــابوري، جالل الدين الرومي واخليام. والباحث يس النيش، واإلصالح إضافة إلی اجلوانب ــة، واحلب ــرا بهؤالء من ناحية املعرف کان متأثــتلهمة من هذه الشخصيات. هذه املقالة قد طبعت يف ــية والثوروية املس السياس

العدد ٢٦ من جملة اجلمعية العلمية اإليرانية للغة العربية وآدابها.ومقالة عنوانها "احلضور اإلسباين يف شعر عبدالوهاب البيايت" (١٩٩٨م)،کتبها ٣.

الدکتور خالد سامل. حتاول املقالة أن تبني مدی تطرق البيايت إلی املدن اإلسبانية ــو، ولورکا، وسلفادور دايل کمدريد، غرناطة وکبار رجال األدب والفن کبيکاس

يف شعره.ــاملو" ــاب البيايت وأمحد ش ــعر عبدالوه ــرأة يف ش ــورة امل ــت بـ"ص ــة عنون ومقال(٢٠١١م)،کتبتها الدکتورة ناهده فوزي ومهروز باقري. املقالة حماولة لبيان مکانة املرأة

کأم وزوجة ومعشوق يف شعر البيايت وشاملو.ــص يف زاوية من زوايا علم ــول إن کال منها يقوم بالتفح ــا لتلک احملاوالت نق تقييمالصورة، ولکل منها فوائد ونتائج ال بأس بها؛ لکن تأتی جدة هذا البحث من الناحيتني: ــات املشابهة. ــاهده يف الدراس أوال: تتناول هذه املقالة املوضوع باطار جديد غري ما نشثانيا: أننامل حنصل علی کتاب أو مقالة تعنی بدراسة آخر الفنان الکردي يف األدب العريب

ومن هنا هذه املقالة أول حماولة يف جمال دراسة عالقة البيايت بآخر الفنان الکردي.

آخر الفنان الکردي يف شعر عبدالوهاب البيايت؛ دراسة صورولوجية يف األدب املقارن / ١٥٥

أدب البحث النظري١- مفهوم الصورة

يرتبط مفهوم الصورة مبفهوم املرآة، اليت تعرف بأنها سطح يعکس کل ما يقوم أمامه، ــب، ١٩٩٤م: ١٥) إن هذا ــس فهو مرآة. (رج ــطح العاک ــيئا ميتلک خاصية الس فإن شــابق هلا. ــا ألصل س ــام للمرآة حييلنا إلی مفهوم الصورة اليت متثل انعکاس ــف الع التعريــن األنا واآلخر ــورة وأصلها تأيت أمهية احلديث ع ــذه العالقة بني الص ــا من ه انطالقــا ذاتنا اليت تعمل ــل ذات اآلخر مرآة نری فيه ــا بهذا املصطلح حيث تعم وارتباطهمــاعد اآلخر علی رؤية ذاته، مما ينتج تبادلا للنظرات وتقاطعها فيغدو بدورها کمرآة تسبذلک الناظر منظورا إليه، واملنظور إليه ناظرا يف آن معا. (بوحاليس، ٢٠٠٩م: ١٤) وقد ورة وأصلها يف حني أن الصورة اليت ــم من هذا معنی املثلية والتطابق الکلي بني الص نفهنها أديب عن أديب آخر ال تطابق الواقع احلســي وليست شديدة القرب منه، لکنها يکوــعب عن شعب آخر، تعتمد علی ليســت خمتلفة عنه متام االختالف، إنها رؤية معقولة لشــعی إليه الصورة من أمانة ــل عقلية وذاتية. (حنون، ١٩٨٦م: ٨٢) فبالرغم مما تس عوامودقة وصفاء إال أن متثيلها للواقع ومطابقتها له مطابقة کلية أمر ال ميکن حدوثه، ذلک أن

الصورة غري ثابتة، فالشخص يتغري دائما.

٢- جمال ظهور علم الصورةــروع األدب املقارن وأحدث ــة أو الصورلوجيا١ أحد ف ــة الصورة األدبي تعد دراسجماالت البحــث فيه وأمهها. يف احلقيقة کلمة الصورة األدبية من اجلدة حبيث ال جند هلا حتی يف القواميس اجلديدة معادلا. (نامور مطلق، ١٣٨٨ش: ١٢١) يتحدث حممد غنيمي هالل عن هذا اللون من الدراسات األدبية بقوله: «هذا أحدث ميدان من ميادين البحث ــني عاما، ولکنه – مع ــع أقدم البحوث فيه إلی أکثر من ثالث ــارن ال ترج يف األدب املقــأته – غين بالبحوث اليت تبشر بأنه سيکون من أوسع ميادين األدب املقارن حداثة نشــالل، ٢٠٠٣م: ٤١٩) وقد ظهر علم الصورة يف ــتقبل.» (غنيمي ه وأکثرها روادا يف املس

1. imagologie

١٥٦ / فصلية إضاءات نقدية، السنة ٤، العدد ١٥، خريف ١٣٩٣ش

ــية مع جان ماري کاريه،١ کما أخذه فرانسوا غويار٢ وهو أحد أقطاب املدرسة الفرنساألدب املقارن يف فرنسا ودافع عنه يف کتابه "األدب املقارن" عام ١٩٥١م. ومن مث أخذ

يتطور هذا النوع من الدراسات بشکل سريع. (رايس، ٢٠٠٤م: ١٢)ــعب يف أدبه وهذا النوع ال يتعدی إطاره ــعب نوعان: األول هو صورة ش صور الشالقومي واللغوي مثل صورة الفرنسيني يف أدبهم وصورة املرأة األملانية لدی أديب أملاين ــو النوع الذي تکون فيه األنا صورة لألنا ذاتها وتنطوي هذه الصور علی بعد معريف وهــهم يف تشکيل الوعي اجلماعي، لريی الشعب صورة نفسه فيکتشف ما به من مؤثر ويسعيوب ويسعی إلی تصحيحها. (عصفور، ١٩٩٨م: ٩٠) والثاين هو صورة شعب يف أدب ن شعب آخر. لعل من الضروري وجود نسبة من االهتمام املشرتک بني شعبني لکي يکوأحدهم صورة يف أدبه عن شعب آخر؛ فاألمم ال تهتم إال بالشعوب املجاورة هلا أو اليت ــألة، أو أن يکون هلا معها مصاحل اقتصادية، أو تريد کسب ودها أو تشــرتک معها يف مسافع إلی رصد صور عالقات الشعوب متأثرة ختشی بأسها. وبذلک يکون االهتمام هو الدبشعوب أخری. (حنون، ١٩٨٦م: ٦٩) فنجد صورة فرنسا يف بريطانيا، صورة روسيا يف ــية، صورة کردستان يف العراق وسوريا، وصورة روسيا يف األدبني احلياة الثقافية الفرنس

ن من شقني: العريب والکردي و... . واملالحظ أن هذا النوع من الدراسات يتکوــعب کما يصوره مؤلف ما من أمة أخری؛ وتأيت هذه الصورة بعدما يتأثر أ. صورة شأديب معني من شعب ما بشعب آخر، ونتيجة لذاک التأثر يرسم صورة للشعب الذي تأثر ــعر عبدالوهاب البيايت" ويف هذه احلالة «يکون به يف أعماله األدبية مثل "طهران يف ش

الرتکيز علی حياة الکاتب ومدی صلته بالبلد املقصود.» (غنيمي هالل، ٢٠٠٣م: ٩١)ــعب يف شکل أديب معني لدی شعب آخر، وتنتج عن طريق تأثري شعب ب. صورة شيف آخر، وترکيز أدباء الشعب املتأثر علی تأثري الشعب املؤثر يف فن أديب معني کالرواية

أو الشعر. (بوحاليس، ٢٠٠٩م: ١٧)ــتقر علی حتديد دقيق لألنا واآلخر يف الفکر العريب والکردي نظرا ــتطيع أن نس ال نس

1. Jean-Marie Carré2. M.f.guyard

آخر الفنان الکردي يف شعر عبدالوهاب البيايت؛ دراسة صورولوجية يف األدب املقارن / ١٥٧

ــاع دائرتهما وغموض داللتهما؛ فاألنا قد تعين يف الفکر العريب: "اإلسالم، والعروبة، إلتســرف، والتخلف، وفلســطني" وإخل.کما أن األنا قد تعين يف الفکر الکردي: "الکردية، والشــن، وحلبجه" وإخل. فهي دوائر متداخلة يصعب الفصل بينها أو حصرها ضمن جمال والوطد، وال تتم معرفة األنا واآلخر من دون اختزاهلما وإذا اختزلنا دائرة األنا فإننا جندها حمدتصب يف االستخدام الشائع وهو "الشرق" يف مقابل "الغرب"؛ فاآلخر اعترب الشرق مفهوما ــدود، بل جيوز أن يعين کل العامل، الذي ال يدخل يف دائرة ــل نقيض الغرب وليس له ح ميثــرق األکثر قربا الذي کان وال يزال الغرب حيتک به؛ وهذا الغرب، لکنه اقتصر علی الش

الشرق يضم العامل العريب، وإيران، وترکيا، وکردستان. (أفاية، ١٩٩٣م: ٩٦)

صورة اآلخر لدی األناــتند إلی جتارب ــري إلی أن صورة األنا تس ــل أن نتحدث عن اآلخر البد أن نش قبعاشها اآلخرون من األدباء واألجانب يف شعب آخر، کالذي نشاهدها من الصور اليت ــالمية منها خاصة. فهذه الصورة ــرقية عموما واإلس يرمسها األوروبيون من البلدان الشيف عمومها ال خترج عن دائرة العداء الذي تغذت به املخيلة األوروبية والذي ساهم يف ــلمني؛ فکأنهم نسوا ما اقتبسوا من احلضارة ــالم واملس تأصيل رؤية غربية عدائية لإلســالم. (مرتاض، ــلبية ونظرات قدحية لإلس ــق يف ذاکرتهم إال صور س ــالمية ومل تب اإلس٢٠٠٣م: ٩٦) أما حول اآلخر، فمن ينفي اآلخر، ينفي ذاته، ألن اآلخر مکمل للذات، د. إن دة تقتضي وجود آخر متعد ــک أن الذات املتعد ــن خيتزل اآلخر خيتزل ذاته. ذل ومــتند إلی جتارب وخربات غنية عاشها األديب يف املجتمع الذي يصوره صورة األنا تســرف العديد من أبنائه، وتربطه ببعضهم ــأ يف ذلک املجتمع وهو يع عن کثب، إذ ولد ونشعالقات قرابة وصداقة وغريها من العالقات االجتماعية والنفسية، وهکذا فإن املعرفة ــاملة باملجتمع الذي يصوره األديب جتعل الصورة اليت يرمسها يف أدبه غنية العميقة والشودقيقة وتفصيلية، وذلک خالفا لصورة يقدمها أديب لشعب أجنيب ال يعرفه حق املعرفة ــد تعددت حاالت الفهم ــعابها.» (محود، ٢٠١٠م: ١٤) فق ة أدری بش ــس أهل مک «أ ليوالقراءة يف صورة اآلخر وذلک حسب تأويل الصورة، إذ من املعروف أن هذا التأويل

١٥٨ / فصلية إضاءات نقدية، السنة ٤، العدد ١٥، خريف ١٣٩٣ش

ــطيع أن نغفل أثر التجربة ــياق الثقايف وال نس ــياق التارخيي، کما يتأثر بالس يتأثر بالســم الصورة. (املصدر نفسه: ٢٧) لعل من أهم احلاالت اليت ــخصية والرحالت يف رس الش

ميکننا تلمسها هي: أ. "التشويه السليب" حيث تسيطر علی األنا املبدعة أو الدارسة مشاعر التفوق علی

اآلخر وغالبا ما تعززها العالقات العدائية مع اآلخر عرب التاريخ.ــويه اإلجيايب" حيث تسيطر علی األنا املبدعة أو الدارسة مشاعر الدونية، ب. "التشق املطلق علی الثقافة ــو ــع الثقايف األجنيب يف حالة من التف ــم من خالهلا رؤية الواق فتــض الکتاب العرب أو الکتاب الکرد منبهرين بالنموذج الوطنية األصلية. فمثلا جند بعــف أن يکون من دعاة احلضارة الغربية، بل ــريب للحياة إلی درجة جند بعضهم مل يکت الغ

وجدناه يغض الطرف عن مشکالتها.ــيطر علی األنا املبدعة أو الدارسة، الرؤية املتوازنة للذات ج. "التسامح" حيث تســم صورة اآلخر بروح موضوعية، يسودها التسامح، فيتم تقدمي الصورة واآلخر، فرتســان، وبذلک تستطيع أن تنظر لآلخر عرب رؤية واعية، تعتمد العلم، وتصغي لنبض اإلنسا للذات ويف هذه احلالة حيتاج األنا املبدعة والدارسة إلی تکوين جديد علی باعتباره ند

املستوی املعريف واإلنساين. (املصدر نفسه: ٢٨)م هذا القسم من املقالة إلی ثالثة أقسام: القسم األول: صورة سهولة للبحث، حنن نقســم الثاين: صورة يلماز غونيه يف شعر ــعر عبدالوهاب البيايت، والقس عبداهللا کوران يف ش

عبدالوهاب البيايت، والقسم الثالث: صورة يشار کمال يف شعر عبدالوهاب البيايت.

الرسم ١: حاالت قراءة اآلخر

آخر الفنان الکردي يف شعر عبدالوهاب البيايت؛ دراسة صورولوجية يف األدب املقارن / ١٥٩

صورة آخر الفنان الکردي يف شعر عبدالوهاب البيايت١- صورة عبداهللا کوران١ يف شعر عبدالوهاب البيايت

ــکاله املختلفة يتواصل يف ــارة إلی أن «حضور اآلخر بأش يف البداية حتســن اإلشــرية التاريخ ببساطة، بسبب وجود هذا اآلخر مع العريب أو قريبا ــعر العريب مع مس الشمنه؛ ومادام کذلک، فال بد أن تتحقق عالقات متنوعة لألمة معه بتنوع الظروف واألزمان ــنجده يف العصر احلديث.» (عبداهللا کاظم، ٢٠١٠م: ٢٧-٢٨) وعرب کل العصور، کما ســعوبه وأحداثه ووقائعه کاد ولعلنا النبالغ إذا قلنا إن «العامل کله، جبغرافيته وتارخيه وشحيضر يف شعر عبدالوهاب البيايت.» (املصدر نفسه: ٦٧) وهنا نبدأ بتحليل قصيدة البيايت املعنونة بـ"إلی عبداهللا کوران" يف جمموعة "النار والکلمات" اليت أنشدها تبجيلا وحتبيبا ــدل بوضوح علی إخالص ــوان "إلی عبداهللا کوران" ي ــاعر الکردي کوران. والعن للشم القصيدة إلی مقطعني. يقول ــاعر العراقي لنظريه الکردي، ومدحه له. ميکن أن نقس الش

الشاعر يف املقطع األول من القصيدة:«الثلج يف جبال کردستان

يذوببيع يف الوديان و الر

والکلمات ملح خبز احلب واألغانميد فيها ألف جسر عرب ليل املوت والفقدان

يزهر يف حروفها بستانيذيب يف هليبها املسوخ فجر الکادح الفنان

يولد شعب، يولد االنسان» (البيايت، ١٩٩٥م: ١/ ٤٥٨)

ــليمانية ١. عبد اهللا کوران "بالكردية عبداهللا گوران". ولد کوران يف مدينة حلبجة من توابع حمافظة ســية، ــام ١٩٠٤م، وتويف عام ١٩٦٣م. فكان والده وجده جييدان الكتابة باللغتني الكردية والفارس يف عــرين. ــر وبداية القرن العش ــع عش ــعر كمثقفي تلك احلقبة، يف نهاية القرن التاس وملمني باألدب والشقددخل کوران وجمموعة من الشعراء األکراد يف بدايات القرن العشرين إلی نهضة أدبية متأثرة باألدب ــمی ــعر الکردي احلديث. ومن أجل هذا يس الرتکي العثماين. وهذه النهضة کانت أول خطوة لبناء الش

کوران رائد الشعر الکردي احلديث. (امريي، ١٣٨٦ش: ٣٦)

١٦٠ / فصلية إضاءات نقدية، السنة ٤، العدد ١٥، خريف ١٣٩٣ش

إذا دققنا يف هذا املقطع الرائع، نستطيع أن منيز بني مشاهد ثالثة. ففي املشهد األول ــتانية املتمثلة يف الثلج، واجلبال الشاخمة ــم الطبيعة الکردس ــاعر قصيدته باس يبدأ الشوالربيع؛ ويبدو أنه منبهر أمام روعة طبيعة کردستان ومجاهلا يف بداية الربيع. أما يف املشهد ــة إلی طبيعة الکلمات ــاعر من هذه الطبيعة اخلالب ــاين من هذه القصيدة فينتقل الش الثــات ملح خبز احلب واألغان» فالطبيعة وحدها ال تکتفي هلذه احلياة، ويصفها:«والکلمــبه طبيعة ــة الطبيعة ولغة الکلمات، الکلمات اليت تش ــد أن يکون من ميزج بني لغ والبکردستان حيث يزهر يف حروفها بستان کما تزهر األزهار يف الوديان الکردية؛ الکلمات ــتانية ــيت تعکس اآلالم واألحزان کما تنعکس املوت والفقدان. فهذه العظمة الکردس الــاعرا من جنس النار، لکي تکون حتتاج إلی کلمات کالنار، والکلمات النارية تطلب شــان، وهکذا ولد کوران. هذا الرجل يف أعني البيايت هو ــعب واإلنس النتيجة والدة الشــکل يشري إلی هذه النقاط بالنسبة الذي أحيی الکرد بکلماته. يبدو أن البيايت بهذا الشــعر کوران، أوال: يری يف وجه هذا الشاعر طرافة الطبيعة الکردستانية ومن أجل فی شــکل يصرح بريادة کوران يف ــعر کوران باألزهار. ثانيا: يبدو أنه بهذا الش ــبه ش هذا يشــعر الکردي احلديث وأخريا وليس آخرا: نعتقد أن هذا النوع من التعامل مع ميالد الش

کوران يدل علی مدی اهتمام الشاعر وخلوصه جتاه شعر کوران.أما يف املقطع الثاين، فيقول البيايت:

عر ويا قوايف األحزان ة يا عروسة الش «فلتصعدي القمولتعربي البحار واألزمان

لتدرکي الفجر الذي يطلع يف جبال کردستانهناک يف القمة حيث الثلج والنريانمس والعقبان ي صدره للش هناک عر

شاعرنا کورانمن أجل أن يولد شعب يولد االنسان» (البيايت، ١٩٩٥م: ١/ ٤٥٨)

م هذا املقطع الرائع إلی املشهدين. يف املشهد األول، خياطب کوران فيمکننا أن نقســميه عروسة الشعر وقافية احلزن، ومن هنا نفهم أن البيايت کان حيب شعر کوران ويس

آخر الفنان الکردي يف شعر عبدالوهاب البيايت؛ دراسة صورولوجية يف األدب املقارن / ١٦١

ــاکل والصعوبات ــعر» يدعوه ليعرب عن املش ــة الش ومن أجل هذا خياطبه: «يا عروســعرية ــارة إلی هذه البداية الش ليدرک الفجر. والفجر يف رأينا هنا ميکن أن يکون إشــرين اليت کانت رائده کوران. يبدو أن البيايت يف األدب الکردي يف بداية القرن العشــتقبل ــادي الذي کان علی يد کوران. کأنه متفائل مبس هنا يشــري إلی هذا الدور الريــة ــا وحنن لدينا کوران، قافية احلزن وعروس ــردي وکيف ال يکون متفائل األدب الکــعر. عندما يقول البيايت: «هناک عري صدره للشمس والعقبان»، يبدو أنه يعرتف الشــد وصل إلی هذه القمة وقد أدرک الفجر أحيانا. ألن کوران واقف فوق بأن کوران قاجلبل وصدره عري يف وجه الشمس والعقاب. ويعتقد أن سبب هذا الوقوف وإدراک هذا الفجر من قبل کوران يرجع إلی طموحه مليالد االنسان الکردي اجلديد والشعب

الکردي اجلديد.اجلدول١: صورة کوران عند البيايت يف قصيدة "إلی عبداهللا کوران"

عدد املشاهدآليات تشکيل صورة کوران لدی

البيايتحاالت قراءة اآلخر الکردي عند البيايت يف هذه القصيدة

٥کردستان/ الفجر/ احلب/ شعب/

التشويه اإلجيايب والتسامحالعقبان/ کوران

ــرنا فهم الذات. يعکس اآلخر أشکال التشويه نفسها من أهم ميزات اآلخر کما أشوبذلک نستطيع أن نتعرف علی بعض اإلشکاليات الفکرية، واالجتماعية، والنفسية اليت نعانيها يف جمال رؤية اآلخر. (محود، ٢٠١٠م: ٣٠) وليس من املبالغة أن نقول أن البيايت ــيت امتاز بها کوران کهذا الوعي مبواجهة الصعوبات يف مســري ــرا بامليزات ال کان متأثشعره، ألن کوران وأمثاله کانوا من أنصار األدب الکردي آنذاک وإن مل يکن حماوالت ر البيايت ــوران، ما کان لألدب الکردي أن يواکب موکب األدب احلديث. وأخريا صو کيف هذا الشعر صورة کوران يف حالة بعيدة عن التشوية السليب وعليه أنه کان منبهرا أمام مجال کردستان ومن هنا ميکن أن نقول إن حالة قرائته يف هذا الشعر يرتاوح بني التشويه اإلجيايب والتسامح؛ وذلک ألنه دخل يف هذا املقطع بروح موضوعية بعيدا عن الغرض.

١٦٢ / فصلية إضاءات نقدية، السنة ٤، العدد ١٥، خريف ١٣٩٣ش

٢- صورة يشار کمال١ يف شعر عبدالوهاب البيايتــد عبدالوهاب البيايت عام ١٩٨٥م قصيدة عنوانها "إلی ياشار کمال". ميکننا أن أنش

نعترب القصيدة مقطعا واحدا. يقول الشاعر:اء قا جدران الغرف الصم «خمرت

و لغات شعوب القاراتمصهورا بالنارق واألمل اخلال

لعاء ی الرمم الص يتحدوصغار الکتاب

أشعل باسم اإلنسان املفعم موتاثورة إبداع يف اإلبداع» (البيايت، ١٩٩٥م: ٢/ ٥١٣)

ــال يف طريق حياته، ــار کم لها يش ــدو أن البيايت يعرف کل تلک اآلالم اليت حتم يبــذه الصعوبات ونال النجاح وعرب من ر من ه ــذا يقول "خمرتقا"، کأنه قد حتر وألجل هاجلدران ولغات الشعوب، ألن احلقيقة هي أن يشار هو أديب من طينة الناس العاديني ــوقي، ــة باملرارة واملليئة بألوان الفقر والذل. (الدس ــطاء، ألن حياته کانت حافل والبســعبية ــن أجل هذا عندما بدأ حياته األدبية، کان جيمع املأثورات الش ١٩٧٧م: ٢٥) ومــوان خمتلفة يف أدبه، ألن احلياة منته بکؤوس من احلزن مرتعة، يقول البيايت أنه کان: بأللها الشاعر ــتعارة عن تلک املرارات اليت حتم «مصهورا بالنار.» والنار هنا يف رأينا اســرا ومطارا ليدخل يشار يف طريق حياته. لکن املهم هو أن هذه املصاعب أصبحت جســات حياته املرة، وکم ــتقاة من ذکري ــی عامل جديد، يکتب لآلخرين، ومبا أن لغته مس إلــار يف العامل من هذه الناحية، يقول البيايت:« خمرتقا لغات ــبه يش کان کبريا عدد من يششعوب القارات.» هذه إشارة إلی أن غالبية الناس هم من نوع يشار يف حتمل املشاکل ١. يشار كمال كاتب وروائي کردي من تركيا مرشح جلائزة نوبل منذ عام ١٩٧٣م، صدرت له العديد ــل) اليت ترمجت إلی أغلب ــی جوائز عاملية منها (اجنه ممد/حممد النحي ــن الروايات اليت حازت عل مــطورة جبل آرارات) و(الصفيحة). له اللغات العاملي ومنها العربية، (حممد الصغري)، (حممد الصقر)، (أس

آراء هامة يف األدب. (الدسوقي، ١٩٧٧م: ٢٣)

آخر الفنان الکردي يف شعر عبدالوهاب البيايت؛ دراسة صورولوجية يف األدب املقارن / ١٦٣

ــار مبختلف اللغات يف اء أعمال يش ــارة إلی کثرة قر ا هذه اجلملة إش ــات ورمب والصعوبــار علی ــارة إلی تفوق يش العامل. واحلق أن البيايت خيتم القصيدة بتعبري مجيل بعد اإلشالکتاب الصغار حيث يقول: «أشعل باسم اإلنسان املفعم موتا ثورة إبداع يف اإلبداع.» يبدو أن البيايت يف هذا املشهد يشري إلی الدور الريادي لألدب يف املجتمع، ألن اإلنسان ــا يعيش يف حبر اآلالم واملرارات، ال ميکن أن يفکر يف احلياة الناعمة وألجل هذا حينمــة متابعة األديب ويا ــرأ األدب ويفهم األدب فتکون النتيج ــا يتثقف املجتمع ويق عندمــار وسر ــأن يف قضية يش ــاعر من جنس الطبقة الکادحة کما يکون الش حبذا کان الشــي فاعلية اآلراء ــار ه ــار يکمن يف هذه القضية. والنقطة اهلامة يف حياة يش ــاح يش جنــن الطبقة الکادحة ــه يکون يف خدمة الدفاع ع ــها يف أدبه ألن أدب ــية وانعکاس السياســعی لتحديث ترکيا ومن أجل هذا کان خاصة يف تلک األيام يف ترکيا کان آتاترک يساألکراد علی هامش الربامج ومن هنا کان يشار لسان الناس العاديني ودفاعا عن هذه ــجن مرات. ودفاعه هذا ال يقتصر باألکراد فقط بل أنه کان يدافع عن حقوق العقائد ساألرمن والعلويني أيضا. من هنا يشري البيايت إلی جناح يشار يف مشروعه األديب حيث األجواء بلغته حيث نری أن روايته الشهرية "ممد الناحل" عالوة علی ــتطاع أن يغري اســهرته العاملية. ــعبية يف ترکيا فتحت األبواب له يف ش أثرها يف حصول الکاتب علی الشــخصية يشار وهي روحية (غياثي، ٢٠١٣م) يبدو أن البيايت کان منبهرا بهذه امليزة يف شاملقومة يف اآلالم والکتابة ألجل شعبه. وکما يتضح من خالل ما سبق، نستنتج أن رؤية ــاعر يف هذا املقطع تکون من التسامح ألنه حتدث عن يشار کمال بروح موضوعية الش

بعيدة من املبالغة.اجلدول٢: صورة يشار کمال عند البيايت يف قصيدة "إلی يشار کمال"

عدد املشاهدآليات تشکيل صورة يشار

کمال لدی البيايتحاالت قراءة اآلخر الکردي عند البيايت يف هذه القصيدة

التسامحاللغة/ االبداع/ التحدي/ ٢

١٦٤ / فصلية إضاءات نقدية، السنة ٤، العدد ١٥، خريف ١٣٩٣ش

٣- صورة يلماز غونيه١ يف شعر عبدالوهاب البيايتأنشد عبدالوهاب البيايت يف عام ١٩٨٤م قصيدة بعنوان "إلی يلماز غونيه". القصيدة ر هلا ثالثة مشاهد. والشاعر استفاد من التکنيک املسرحي مقطع واحد وميکن أن نتصوــاعر وآخر ــخصية الش يف هذه القصيدة ومن هذا املنظار هناک نوع من التقارب بني شالفنان الکردي املتمثل يف يلماز غونيه حيث هناک قرابة بني مهنة يلماز والقالب الذي

استفاد منه البياتی يف هذه القصيدة. يقول الشاعر يف املشهد األول:«رجل وامرأة وقطار يف ليل األناضول

حتت الضوء، تقول املرأة يف خوف: ما هذا الليل؟مدن وقری وذئاب تعوي جائعة، حتت الثلج

و دخان األنفاق امللتويةو سعال األطفال

ليل ينذر بالزلزال» (البيايت، ١٩٩٥م: ٢/ ٤٨٤)ــعة لکل من يکتب له، وهذا ما نفهمه من ــک أن البيايت کان علی معرفة واس ال نشخالل قراءة شعره، کأنه متأثر بهذه اخللفية األليمة اليت حتملها هؤالء اآلخرين. وهنا يف ر مشهدا يتحدث عن عاملنا وما حيتويه من الظلمة والذئاب واألمراض. هذا املشهد يصوــأل ــتعارة عن هذه احلياة الصعبة امللتوية يف اآلالم. عندما يس ــل هنا يف رأينا اس واللي

ــينما ــد يف قرية اينجه التابعة ملدينة أضنه يف ١ إبريل ١٩٣٧م من أبويني كرديني. دخل عامل الس ١. ولعام ١٩٥٧م كمساعد خمرج للفيلم أبناء من هذا الوطن. حصل علی ١٧ جائزة سينمائية أمهها السعفة الذهبية من مهرجان كان لألفالم السينمائية عن فيلمه األشهر الطريق عام ١٩٨٢م الذي يتحدث عن ــمالية وقد أخرج غوين نصف هذا الفيلم وهو يف السجن. سجن غوين ــتان الش احلياة الصعبة يف كردســية وكتب وأخرج عدد من أفالمه وهو يف السجن، حيث كان يوجه ــبب مواقفه السياس عدة مرات بسزمالئه أثناء زيارته يف السجن عن كيفية إدارة الكامريا واملشاهد التصويرية. هرب من السجن وتوجه ــييعه أبرز الشخصيات السياسية يف ــا حيث تويف هناك عام ١٩٨٤م وشارك يف مراسم تش إلی فرنســي يف ــا. كان يكتب أفالمه باللغة الرتكية كذلك جل متثيله كان باللغة الرتكية ألن النظام السياس فرنستركيا كانت متنع من إنتاج أفالم باللغة الكردية. قال يلماز يف آخر مقابلة مع کريس کوجرا حول فيلم "رمه": «هذا الفيلم يف احلقيقة صورة حلياة الشعب الکردي لکن استخدام اللغة الکردية يف الفيلم کانت ــارک يف انتاج هذا ــجنونين وکل من ش ــتخدمت اللغة الکردية يف هذا الفيلم، ليس ممنوعة وإن کنت اس

الفيلم.» (اشرتي، ١٣٧٥ش: ١٥٦)

آخر الفنان الکردي يف شعر عبدالوهاب البيايت؛ دراسة صورولوجية يف األدب املقارن / ١٦٥

ــزة عن احلصول علی ــل؟» يف احلقيقة أن املرأة عاج ــل: «ما هذا اللي ــرأة من الرج املجواب هلذا السؤال. عامل واسع ملیء بالذئاب. والذئاب هنا استعارة عن اإلنسان الظامل ــول: «ليل ينذر بالزلزال.» وهذا ــهد يق املتکرب الذي ال يری إال ما ينفعه. يف نهاية املشــوف يعقبها زلزال والزلزال هنا استعارة عن اخلراب الذي رأي املرأة أن هذه الظلمة س

يشرتک فيه الناس مجيعا. يقول يف املشهد الثاين:جل النائم يف مهس: الليل هو الليل! «قال الر

رجل آخر يف أقصی العربةوء املخنوق رسالة يکتب حتت الض

د أغنية شاعت بعد احلرب الکونية يف البقالن و يردث عن حب غامض تتحد

و نيب شاعرفنت الناس به/ رجل يغتاب صديقا ويقول:

نيا خائنة ولعوب هذي الدترکب ظهر محار باملقلوب» (البيايت، ١٩٩٥م: ٢/ ٤٨٥)

هذا املشهد حيتوی علی جوابني ملا قالته املرأة، جواب من رجل ال يهمه هذه الدنيا ــول: «اليل هو الليل!» يعين أن الليل البد أن يکون موجودا. يبدو أن الرجل الثاين ويقــغول بکتابة الرسالة ــياق الکالم ألنه مش خيتلف عن الرجل األول وهذا ما نفهمه من س. لکنه أيضا يصدق ــری يغين ــی أنه مل يزل متفائلا باحلياة. ومن جهة أخ ــذا يدلنا عل وهــوا ما نراها قول الرجل األول ويقول: «هذي الدنيا خائنة ولعوب.» والدنيا ليســت سمن اآلالم والفجور واحلروب والقتال. فهذه األقوال تؤثر يف املرأة وتبکيها وهذا البکاء ــببه إلی هذا االضطراب النفســي الذي تعاين منه املرأة حيث يقول الشاعر يف يرجع س

املشهد األخري من القصيدة:جل األول يزجرها «املرأة تبکي يف خوف، الر

ويقول هلا: ما هذا؟الفجر وشيک والغابات تتنفس يف عمق

١٦٦ / فصلية إضاءات نقدية، السنة ٤، العدد ١٥، خريف ١٣٩٣ش

واألرض تعاين أوجاع خماض» (البيايت، ١٩٩٥م: ٢/ ٤٨٥)د علی هذا الليل ويشتغل عندما تبکي املرأة يواسيها الرجل األول ويبدو أنه قد تعوــه بکتابة الرسالة مع أنه يبدو من األغنية اليت تقوهلا يشرتک مع املرأة يف االعتقاد بنفســيک والغابات تتنفس يف بعدم احلصول علی جواب هلذا الليل. لکنه يقول: «الفجر وشــتقبل. لکن ما صلة هذا ــتعارة عن هذه احلياة اليت تأيت يف املس عمق.» والفجر هنا اســؤال يکمن يف حياة غونيه حيث کانت ــعر بيلماز غونيه؟ نعتقد أن جواب هذا الس الشحياته مسرحا مأساويا وعکس يلماز هذه املأساة يف نتاجه الفين حيث إن دخوله إلی موضوعات من قبيل ما نراه يف هذا الشعر جعلته أسطورة بني الناس، ألن أفالمه کانت مرآة يری الناس مأساة حياتهم فيها. (اشرتي، ١٣٧٥ش: ١٥٧) مع أننا ال نشاهد عالقة ــين غونيه، لکن خري دليل الثبات ــة بني نص القصيدة وعرض صورة اآلخر يع جوهريهذه العالقة هو عنوان القصيدة أوال، ألن الشاعر أهدی القصيدة إلی غونيه وثانيا کتب الشعر يف قالب الشعر املسرحي حيث هناک حمادثة بني امرأة وبني رجلني. ثالثا فحوی ــة القصيدة: «األرض تعاين ــعاع معنی احلياة حيث يقول يف نهاي الکالم يدرو حول إشأوجاع خماض.» هذه األمور کلها دالة علی أن الشاعر يصور صورة تناسب مع شخصية غونيه ومن هنا نقول کان البيايت يری يلماز کشخصية تعين بهذا النوع من الضمامني يف ة يف فيلمه ــبة إلی الشعب الکردي خاص فنه وحقا أنه کان فنانا ملتزما أدی مهمته بالنسالشهري "الطريق" الذي حصل علی جائزة "کن" يف عام ١٩٨٢م. (املصدر نفسه: ١٥٧)

اجلدول٣: صورة يلماز غونيه عند البيايت يف قصيدة "إلی يلماز غونيه"

عدد املشاهدآليات تشکيل صورة يلماز غونيه

لدی البيايتحاالت قراءة آخر الفنان الکردي

عند البيايت يف هذه القصيدة

التسامحالليل/ الذئاب/ الزلزال/ الفجر/٣

النتائجــبق أن رؤية اآلخر العريب يف تلک القصائد الثالثة جتاه آخر الفنان ــتفاد مما س يس

آخر الفنان الکردي يف شعر عبدالوهاب البيايت؛ دراسة صورولوجية يف األدب املقارن / ١٦٧

ــة، الرؤية ــيطر علی األنا املبدعة أو الدارس ــامح حيث تس الکردي کانت من نوع التســار ويلماز بروح موضوعية، يسودها ــم صورة کوران، يش املتوازنة لآلخر؛ فالبيايت رســية أو ــلبية أو العقد النفس ــامح، فيتم تقدمي الصورة عرب رؤية واعية، بعيدا عن الس التســخصيات يدل علی مشوخ الشعب الکردي ــم للش االنبهار املطلق أمام هؤالء. هذا الرســتنتج أن هوالء الفنانني يقعون يف نظرة البيايت ألننا إذا اعتربنا الفنان مرآة املجتمع، نس

موقع الشعب الکردي يف رؤية البيايت.ــدو أن البيايت کان متأثرا بذلک التعهد الذي کانوا عليه يف نتاجهم األديب والفين. يبوهذا هو التأثري الذي يتيح لنا معرفة اإلنسان لإلنسان وإبراز اجلوهر املشرتک لإلنسانية ــو تأملنا هذا اجلوهر لوجدناه ــالق إلی عامل األخوة اليت جتمع األنا باآلخر. ول واالنطــية يف القصائد الثالثة للبيايت ــور إال بالتفاعل مع اآلخرين وهذا هو ميزة أساس ال يتبل

وبعبارة أخری ميجد البيايت إجنازات هؤالء الفنانني من خالل عرض صورتهم.ــة - الکردية هي من أمهات القضايا املتعلقة ــن املؤكد أن قضية العالقات العربي ومبالوضع الراهن يف الشرق األوسط خاصة يف البلد اليت ينتمي إليه البيايت أعين العراق. ــعبني العريب والکردي ــد علی تآخي الش ــی علی البيايت حيث أک ــألة ال ختف وهذه مسوالعالقات األخوية فيما بينهما خاصة يف القصيدة املتوجهة إلی کوران ألن کوران کان

من أکراد العراق.ــيء ــن املعروف أن الصورة اليت يرمسها األديب عن اآلخر تنبع أولا وقبل كل ش ومــة يف الدرجة األولی ــه وجمتمعه؛ ولذلك تليب الصورة األدبي ــن حاجات األديب نفس مــاته النفسية أو اجتماعية يف نفس الشاعر. فمن منظور آخر، البيايت عند جلوئه احساســه النفسية وحاجة جمتمعه جتاه آخر الفنان الکردي عرب إلی تلک القصائد يليب إحساس

اإلشادة باألعمال الفنية امللتزمة جتاه املجتمع کما کان هؤالء الفنانون.

املصادر واملراجعــنايی با نه فيلمساز جهان سوم». جمله نقد سينما. العدد السابع. ــرتي، بيژن. (١٣٧٥ش). «آش اش

صص ١٦٤-١٥٤.أفاية، حممد. (١٩٩٣م). املتخيل والتواصل (مفارقات العرب والغرب). لبنان: دار املنتخب العريب.

١٦٨ / فصلية إضاءات نقدية، السنة ٤، العدد ١٥، خريف ١٣٩٣ش

امريي، رضا. (١٣٨٦ش). «کردستان عراق، بنفشه ای در سايه سار متشک (گوران پيشوای شعر نو کردی وجنبش ادبی سليمانيه)». گوهران. العدد اخلامس عشر. صص ٤٢-٣٦.

بوحاليس، سالف. (٢٠٠٩م). صورة األنا واآلخر يف شعر مصطفی حممد الغماري. اجلزائر: جامعة احلاج خلضر.

ــعرية١. بريوت: املؤسسة العربية البيايت، عبدالوهاب. (١٩٩٥م). عبدالوهاب البيايت األعمال الشللدراسات والنشر.

ــورات ــر يف الرتاث العريب. الطبعة األولی. اجلزائر: منش ــود، ماجدة. (٢٠١٠م). صورة اآلخ محاالختالف.

ــر: ديوان املطبوعات ــون، عبداملجيد. (١٩٨٦م). صورة الفرنســي يف الرواية املغربية. اجلزائ حناجلامعية.

الدسوقي، إبراهيم. (١٩٧٧م). ياشار کمال وعامله القصصي. جملة الکاتب. العدد ١٩٣. ــية خالل القرن ــيد. (٢٠٠٤م). صورة اجلزائر واجلزائري يف الکتابات النثرية الفرنس رايس، رش

التاسع عشر. قسنطينة: جامعة منتوري.رجب، حممود. (١٩٩٤م). فلسفة املرآة. الطبعة الثانية. مصر: دار املعارف.

ــنة ٢٠٠٢. بريوت: دار عايش، عبد الفتاح. (٢٠٠٢م). معجم األدباء من العصر اجلاهلي حتی سالکتب العلمية.

ــف وتأثري. الطبعة ــعر العريب احلديث، متثل وتوظي ــم، جنم. (٢٠١٠م). اآلخر يف الش ــداهللا کاظ عباألولی. بريوت: املؤسسة العربية للدراسات والنشر.

عصفور، جابر. (١٩٩٨م). املرايا املتجاورة(دراسة يف نقد طه حسني). مصر: دار القباء.غنيمي هالل، حممد. (٢٠٠٣م). األدب املقارن. الطبعة الثالثة. مصر: دار نهضة مصر.

غياثی، ناصر. (٢٠١٣م). ياشار کمال، نويسنده ای هم سن مجهوری ترکيه. المک: النا.مرتاض، عبدامللک. (٢٠٠٣م). اإلسالم والقضايا املعاصرة. اجلزائر: دار هومة.

نامور مطلق، بهمن. (١٣٨٨ش). «درآمدی بر تصوير شناسی معرفی يک روش نقد ادبی وهنری در ادبيات تطبيقی». فصلنامه مطالعات ادبيات تطبيقی. السنة الثالثة. العدد ١٢. ١٣٨-١١٩.