199
اﻟﺘﻨﻜﻴﻞ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ) ﺑﻴﺎن اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ( ﻣﻦ اﻷﺑﺎﻃﻴﻞ ﻛﺘﺒﻪ ﻧﺎﺻﺮ ﺑﻦ ﺣﻤﺪ اﻟﻔﻬﺪ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﻟﻰ رﺑﻴﻊ اﻵﺧﺮ- ١٤٢٣

التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

  • Upload
    oooooza

  • View
    80

  • Download
    17

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

التنكيل من األباطيل )بيان المثقفين(بما في

كتبه ناصر بن حمد الفهد

القسم الثاني

الطبعة األولى

١٤٢٣ - اآلخر ربيع

Page 2: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٠٧

المبحث الثاني ) بيان المثقفين(األدلة الشرعية على نقض

) :فاصدع بما تؤمر(قوله تعاىل : الدليل األول ) :تطع المكذبين فال(قوله تعاىل : الدليل الثاني ) :وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك(قوله تعاىل : الدليل الثالث ) :ولو تقول علينا بعض األقاويل(قوله تعاىل : الدليل الرابع

:نصوص البالغ : الدليل الخامس ) : فاستقم كما أمرت(قوله تعاىل : الدليل السادس :سورة الكافرون : الدليل السابع :سورة عبس : الدليل الثامن ) :واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك(قوله تعاىل : الدليل التاسع :قصة حاطب بن أيب بلتعة رضي اهللا عنه : الدليل العاشر

) :يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه(قوله تعاىل : الدليل الحادي عشر : النهي عن مواالة الكفار نصوص: الدليل الثاني عشر :نصوص عداوة الكفار للمسلمني : الدليل الثالث عشر :النصوص اآلمرة مبخالفة الكفار : الدليل الرابع عشر

:النصوص املفرقة بني املسلمني والكفار : عشر الخامسالدليل : نصوص مواالة املؤمنني: الدليل السادس عشر : نصوص التالزم بني احلق واالبتالء: الدليل السابع عشر

:نصوص اجلهاد يف سبيل اهللا : عشر الثامنالدليل :النصوص الدالة على بقاء اجلهاد إىل يوم القيامة : عشر التاسعالدليل :قصص األنبياء : العشرونالدليل :السرية النبوية : الحادي والعشرونالدليل

:سرية الصحابة : الدليل الثاني و العشرون

Page 3: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٠٨

تمهيد

ذكــروا أمــورا عظيمــة ختــالف ) بيــان املثقفــني(ملبحــث األول يتضــح لــك أــم يف ممــا ســبق يف االشــريعة الــيت جــاء ــا املصــطفى صــلى اهللا عليــه وســلم ، مــن أمــور قادحــة يف الــوالء والــرباء ،

، مـع حتريــف ) ال إكـراه يف الــدين(واجلهـاد يف سـبيل اهللا ، وادعــاء حريـة العقيــدة حتـت مســمى ، ومشــاركة ) اإلرهــابيني(كفــار ، وبــراءة مــن ااهــدين حتــت مســمى للنصــوص ، واسرتضــاء لل

مث إن للتقريـب بـني الـدينني ، وغـري هـذا ، ، وحماولة ) سبتمرب(للكفار يف شعورهم يف أحداث :ها هنا أمرين احتجاجهم بأم صاغوا البيان ذه الطريقة من أجل كسـب الكفـار أولئـك : األمر األول

و علـــى األقـــل حتييـــدهم ، بســـبب استضـــعاف املســـلمني يف هـــذا الوقـــت لقضـــايا املســـلمني ، أ !.وتسلط األعداء عليهم ، وهذه الطريقة هي املثلى يف دعوم

طبيعــة مــا يف نــص البيــان مــن مــواالة للكفــار ، ومشــاركة هلــم يف الشــعور ، : واألمــر الثــانيدهم علـــيهم ، وادعـــاء عـــدم واحـــرتامهم ، وانتقـــاد ااهـــدين ، وتســـميتهم باإلرهـــابيني ، وتأييـــ

اإلكراه يف الدين ، وقـرب النصـارى مـنهم ، ونفـي الصـراع والصـدام عـن اإلسـالم ، وغـري ذلـك .مما سبق

ويف هذا الفصـل سـنذكر األدلـة الـيت تـدل علـى أن تقـدمي التنـازالت علـى حسـاب الـدين مـن اهــدين ، وحنــو حنــو تغيــري الشــريعة ، أو حتريــف النصــوص ، أو إظهــار مســاندة الكفــار ضــد ا

هــذا ممــا جــاء يف البيــان ال جيــوز مطلقــا ولــو كــان هــذا بقصــد حســن ، وأن التأويــل احلســن ال بطالن ما يف نص بيان املثقفني حيول الباطل إىل حق ، كما أننا نذكر من األدلة ما يدل على

! .

Page 4: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٠٩

الدليل األول )فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين(قوله تعالى

:اللة من هذه اآلية على بطالن ما يف بيان املثقفني من أربعة وجوه وتتضح الد

فـإن اهللا سـبحانه أمـر نبيـه صـلى اهللا عليـه وسـلم هنـا ) : فاصدع(قوله تعاىل : الوجه األولبالصدع –ويف زمن االستضعاف ال يف زمن القوة ! وهو يف مقام الدعوة ال يف مقام اجلهاد –

:باحلق وااهرة به :١حلافظ ابن كثري رمحه اهللا قال ا

يقول تعاىل آمرا رسوله صلى اهللا عليه وسلم بإبالغ مـا بعثـه بـه ، وإنفـاذه ، والصـدع بـه ، "أمضـه ، ويف : أي ) فاصدع مبا تؤمر (وهو مواجهة املشركني به ؛ كما قال ابن عباس يف قوله

". افعل ما تؤمر: رواية أي فـــرق بـــني احلـــق والباطـــل : واملـــراد بقولـــه اصـــدع : "٢وقـــال احلـــافظ ابـــن حجـــر رمحـــه اهللا

".بدعائك إىل اهللا عز وجل ، وافصل بينهما التفريـق بـني احلـق : وقد ذكر عدد من أهل العلم بالتفسري بأن من معاين األمر بالصدع هنا

، ويـدل علــى ذلـك واقـع دعــوة الرسـول صـلى اهللا عليــه وسـلم ؛ فإنـه فــرق بـني احلــق ٣والباطـل .اطل وفصل بينهما ملا جهر مبا أمره اهللا به والب

فالبــد ملــن أراد أن يــدعو أن يســنت بفعــل النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم هنــا ، فيفــرق بــني احلــق ! .والباطل يف دعوته ، وال خيلط فيهما فيجعل احلق ملتبسا بالباطل

ر بـه النـيب صــلى اهللا فقيـد ســبحانه الصـدع مبـا يــؤم) : بمـا تــؤمر(قولــه تعـاىل : الوجـه الثـاني) فاصـدع بمـا تـؤمر(قـال تعـاىل ذكـره : "٤عليه وسلم من ربـه ، كمـا قـال ابـن جريـر رمحـه اهللا

. ٥٦٠/ ٢: تفسري ابن كثري ١ . ٥١٢/ ٨: الفتح ٢: ، الشـوكاين ٩٢/ ٥: ، أبـا السـعود ٦١/ ١٠: ، القـرطيب ٣٨٢/ ٣: البيضاوي ، ٧/٥٤٨: الطربي انظر ٣

. ٢/٩٧: نظر السرية النبوية ، وا ١٤٤/ ٣ . ٧/٥٤٩: تفسري ابن جرير ٤

Page 5: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢١٠

فاصدع بأمرنا ، فقـد أمرنـاك : مبا تؤمر به ، واألمر يقتضي الباء ؛ ألن معىن الكالم : ومل يقل ".أن تدعو إىل ما بعثناك به من الدين خلقي ، وأذنا لك يف إظهاره

مبــا يناســب : فاصــدع مبــا تــراه مــن املصــلحة ، أو : فاصــدع مبــا تــرى ، أو : يقــل ســبحانه وملمبــــا حيبــــبهم إىل : مبــــا يكــــف شــــرهم ، أو : مبــــا يريــــد أهــــل مكــــة وقــــريش ، أو : عصــــركم ، أو مبــا جيمــل صـورة اإلســالم يف عيــوم ، أو مبـا حيفــظ األقليــة يف مكـة مــن بطــش : اإلسـالم ، أو

هـــذه العبـــارات ، بـــل أمـــره ســـبحانه أن يتقيـــد مبـــا يـــؤمر بـــه ، فـــال يزيـــد ، وال الكفـــار ، أو حنـــو ! .ينقص ، وال يغري

واملسلم مطالب باإلقتـداء بـالنيب صـلى اهللا عليـه وسـلم يف مقـام التبليـغ عنـه ، فـال يشـرع مـن الدين ما مل يأذن به اهللا ، فيزيد ، أو ينقص ، أو حيرف ، ولو حسنت نيته ، وصلح قصده ،

!!.عوى كف الشر ، أو حتييد اخلصم ، أو الدعوة إىل اإلسالم بدويف هـــذا أمـــر مـــن اهللا ســـبحانه ) : وأعـــرض عـــن المشـــركين(قولـــه تعـــاىل : الوجـــه الثالـــث

وتعاىل لنبيه صلى اهللا عليـه وسـلم أن يعـرض وال يلتفـت إىل املشـركني وأقـواهلم إذا صـدع بـاحلق .

:١قال القرطيب رمحه اهللا وعـن املبـاالت ، عـن االهتمـام باسـتهزائهم : أي ) : وأعـرض عـن المشـركين( قوله تعـاىل "

" .فقد برأك اهللا عما يقولون، بقوهلم :٢قال الشوكاين رمحه اهللا

وأعـرض (أمره سبحانه بعد أمره بالصدع بـاإلعراض وعـدم االلتفـات إىل املشـركني ، فقـال " ٣".م إذا الموك على إظهار الدعوةال تبال م ، وال تلتفت إليه: أي ) عن المشركين

. ٦١/ ١٠: تفسري القرطيب ١ .٣/٣٨٢: البيضاوي : ، وانظر ١٤٤/ ٣: فتح القدير ٢ومن املعاين اليت ذكرت هلذه اآلية كف اليد وعدم االنتقام منهم ، وال مانع من مشول اآلية هلذه املعاين كلها ، وقد ٣

ال تلتفـــت إىل مـــا : أي : وأعـــرض عـــن املشـــركني : ( ٩٢/ ٥الســـعود هـــذين املعنيـــني مجيعـــا يف تفســـريه فقـــال ذكـــر أبـــو، وهــذا دليــل آخــر أيضــا علــى أنــه مــع أمــره بــالكف عــن جهــادهم ) وال تتصــد لالنتقــام مــنهم، وال تبــال ــم ، يقولــون ! .بالصدع باحلق بينهم طولب

Page 6: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢١١

ويف هذا داللة على أن املسـلم مطالـب بـأن ال يلتفـت إىل مـا يقولـه الكفـار يف حـال صـدعه باحلق من وصفهم لـه باإلرهـايب ، أو العنصـري ، أو املتطـرف ، أو املتشـدد ، أو الـدموي ، أو

!.غريها من األوصاف اليت نعتوا ا أهل اإلسالم يف هذا الزمانأن هذه اآلية نزلت على الرسول صلى اهللا عليه وسلم يف أول بعثته يف مكة : لوجه الرابعا

.إن أصحابه يوم نزلت مل يزيدوا على أربعني : ، بعد ثالث سنوات من الدعوة ، وقد قيل :١قال ابن هشام رمحه اهللا

أن أمـره اهللا تعـاىل وكان بني ما أخفى رسـول اهللا صـلى اهللا عليـه وسـلم أمـره واسـترت بـه إىل "فاصــدع بمــا تــؤمر (بإظهــار دينــه ثــالث ســنني فيمــا بلغــين مــن مبعثــه ، مث قــال اهللا تعــاىل لــه

وأنذر عشيرتك األقربين ، واخفض جناحك لمن (، وقال تعاىل ) وأعرض عن المشركينم قـال ابـن هشـا: ، معىن اصـدع مبـا تـؤمر ) اتبعك من المؤمنين ، وقل إني أنا النذير المبين

" .فرق بني احلق والباطل : اصدع : :٢وقال ابن القيم رمحه اهللا

فاصـدع بمـا (وأقام بعد ذلك ثالث سنني يدعو إىل اهللا سبحانه مستخفيا ، مث نزل عليـه "؛ فــأعلن بالــدعوة ، وجــاهر قومــه بالعــداوة ، واشــتد األذى ) تــؤمر وأعــرض عــن المشــركين

".هلم باهلجرتني عليه وعلى املسلمني ، حىت أذن اهللا فقــد أمــره اهللا ســبحانه بالصــدع بــاحلق علــى ضــعف أصــحابه وقلــتهم ، وتســلط كفــار مكـــة

.وجربوم وشدة أذاهم على املسلمني ، وكوم بني ظهراين الكفار وحتت سلطام فكيـــف مبـــن هـــم يف بـــالد املســـلمني ، و ليســـوا يف بـــالد الكفـــار ، وال حتـــت ســـلطام ، ومل

! .؟ ٣األذى عشر معشار ما حصل للصحابة من كفار مكةيصل إليهم من

. ٢/٩٧: السرية النبوية ١ . ٨٦/ ١: اد املعاد ز ٢ !!. وحنن هنا ال نطالبهم بالصدع باحلق ، بل نطالبهم برتك قول الباطل ٣

Page 7: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢١٢

الدليل الثاني )فال تطع المكذبين ، ودوا لو تدهن فيدهنون(قوله تعالى

:وتتضح الداللة من هذه اآلية على بطالن ما يف بيان املثقفني من أربعة وجوه أيضا

نه رسـوله صـلى اهللا عليـه فنهـى اهللا سـبحا) فـال تطـع المكـذبين(قولـه تعـاىل : الوجه األول :مبا فيه خالف احلق -وهم كفار مكة -وسلم أن يطيع املكذبني :١قال القرطيب رمحه اهللا

، فبـني اهللا تعـاىل وكانوا يدعونه إىل أن يكـف عـنهم ليكفـوا عنـهاه عن ممايلة املشركني ، " )".هم شيئا قليال ولوال أن ثبتناك لقد كدت تركن إلي(أن ممايلتهم كفر ، وقال تعاىل

:٢قال الشوكاين رمحه اهللا -وهـم رؤسـاء كفـار مكــة -ـاه سـبحانه عـن ممايلـة املشـركني ) : فـال تطـع المكـذبين( "

ألم كانوا يدعونه إىل ديـن آبائـه فنهـاه اهللا عـن طـاعتهم ، أو هـو تعـريض بغـريه عـن أن يطيـع ".الف ما يف الضمري ، فنهاه اهللا عن ذلكالكفار ، أو املراد بالطاعة جمرد املداراة بإظهار خ

:٣) فال تطع المكذبين(وقال أبو السعود رمحه اهللا يف قوله تعاىل دم على ما أنت عليه من عدم طاعتهم ، : ييج وإهلاب للتصميم على معاصام ، أي "

وتصـلب يف ذلــك ، أو ــى عـن مــداهنتهم ومــدارام بإظهــار خـالف مــا يف ضــمريه صــلى اهللا فإنـه ) ودوا لو تدهن(ال عن طاعتهم كما ينىبء عنه قوله تعاىل ٤عليه وسلم استجالبا لقلوم

أحبـوا لـو : تعليل للنهي أو االنتهاء ، وإمنا عرب عنها بالطاعة للمبالغـة يف الزجـر والتنفـري ، أي ن فهــم يــدهنون حينئــذ ، أو فهــم اآل: أي ) فيــدهنون (تاليــنهم وتســاحمهم يف بعــض األمــور ،

" .يدهنون طمعا يف ادهانك

.١٨/٢٣٠: تفسري القرطيب ١ .٥/٢٦٨: فتح القدير ٢ .٢٩/٢٦) : روح املعاين(، وذكر حنوا من هذا األلوسي يف ١٣/ ٩: تفسري أيب السعود ٣فـإن كثـريا !! اهنتهم ومـدارام بإظهـار خـالف مـا يف ضـمريه اسـتجالبا لقلـوم ي عـن مـد: انظر إىل كالمه هنا ٤

!.بطرق غري مشروعة استجالبا لقلوب الناس نيدعو واصار ) املصاحل املزعومة(من أصحاب

Page 8: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢١٣

فهذا يدل على حترمي طاعة الكفار يف ما فيه خالف احلق ، حىت لو كانـت هـذه الطاعـة يف ، ولو نتج عنها الكف عنه ، كتسمية اجلهاد إرهابا ، والرباءة من الكفـار ) ! مصلحة الدعوة( .، وغري ذلك ) سالما (و ) تعايشا (، ونبذ الرباءة من الكفار ) صراعا (و ) صداما (

اللني واملصانعة ، فبني : واالدهان ) : ودوا لو تدهن فيدهنون(قوله تعاىل : الوجه الثانيودوا لـــو أن حممـــدا صـــلى اهللا عليـــه وســـلم الن هلـــم ) كفـــار مكـــة(اهللا ســـبحانه وتعـــاىل هنـــا أن

:وصانعهم ، وقد اه اهللا سبحانه عن ذلك :١ قال أبو املظفر السمعاين رمحه اهللا

. تضعف يف أمرك فيضعفون ، أو تلني هلـم فيلينـون: أي ) ودوا لو تدهن فيدهنون(وقوله " ."معاشرة يف الظاهر وحماملة بغري موافقة الباطن : واملداهنة

:٢وقد ذكر القرطيب رمحه اهللا تعاىل عددا من األقوال يف معىن هذه اآلية مث قال اللـــني : فـــإن االدهـــان؛ مقتضـــى اللغـــة واملعـــىن كلهـــا إن شـــاء اهللا صـــحيحة علـــى : قلـــت "

.املقاربة يف الكالم والتليني يف القول: وقيل ، جماملة العدو ممايلته : وقيل ، واملصانعة وأظهــر خــالف مــا خــان فيــه : أي ، أدهــن يف دينــه وداهــن يف أمــره : يقــال : قــال املــربد ...

".ىن غششت وأدهنت مبع، داهنت مبعىن واريت : وقال قوم . يضمر فنهاه اهللا سبحانه أن جياملهم يف دينه ويصانعهم ويداهنهم ، وال يأيت هـذا إال بتغيـري بعـض

.الشريعة ؛ بذكر ما حيبون ، أو برتك ما يكرهون ــو تــدهن فيــدهنون( أن اهللا ســبحانه يف قولــه : الوجــه الثالــث ذكــر أمــرين تــدل ) : ودوا ل

) :تنتج مبداهنة الكفار اليت قد(!) ١مصلحة الدعوة(على وجود

.٦/٢٠: تفسري السمعاين ١عشرة أقوال ، وذكر كام القرآن يف أح، وقد ذكر اثين عشر قوال ، وذكر ابن العريب ٢٣٠/ ١٨: تفسري القرطيب ٢

عتهم يف دينــك فيصــانعون يف نلــو صــا: لــو تــرخص فريخصــون ، ومنهــا : ســبعة أقــوال ، منهــا يف زاد املســري ابــن اجلــوزي حنو هـذه املعـاين ، وكـل ولو تنافق فينافقون ، : لينون ، ومنها يلو تلني ف: لو تكفر فيكفرون ، ومنها : دينهم ، ومنها

، واآليـة ذكـر مثـاال علـى االدهـان إمنا واحد من هؤالءصحيحة ، فإن كل –كما قال القرطيب رمحه اهللا –هذه األقوال أن : الصـنف الثـاين ): "١٣/٣٣٧(تعمها ، وقد قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا تعاىل يف مثل هـذا االخـتالف يف التفسـري

ال على سبيل احلد املطـابق ، وتنبيه املستمع على النوع يذكر كل منهم من االسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل فكل قول فيه ذكر نوع داخل يف اآليـة ذكـر لتعريـف املسـتمع بتنـاول اآليـة لـه وتنبيهـه ...للمحدود يف عمومه وخصوصه

."والعقل السليم يتفطن للنوع، ن التعريف باملثال قد يسهل أكثر من التعريف باحلد املطلق ؛ فإبه على نظريه

Page 9: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢١٤

يعين الكفار ، وهذا يبني أم يتمنون من النيب صلى اهللا عليه وسلم ) : ودوا(قوله : األول أن جيـــاملهم ويصـــانعهم ، مـــع أـــم أهـــل التســـلط والقـــوة ، وهـــذا يف نظـــر بعـــض أهـــل العصـــر

)! .مكسب(؛ ) متحققـة قطعـا (هـم مع) االدهـان(وهـذا يـدل علـى أن نتيجـة ) : فيدهنون(قوله : الثاني

أــم لــو جــاملهم النــيب صــلى اهللا عليــه –ومــن أصــدق مــن اهللا حــديثا –ألن اهللا ســبحانه ذكــرقــد يراهـــا العبـــد ليخفـــف مـــن العنـــاء ٢)مصـــلحة(وســلم يف دينـــه ، فســـيجاملونه أيضـــا ، فهـــذه

!.واالبتالء فيقــوم الكفــار بــرد ومــع أن نتيجــة االدهــان معهــم معروفــة ســلفا ، وســتحقق هــذه املصــلحة ،

. ، إال أن اهللا سبحانه اه عن ذلك ) ااملة( !.للكفار ستحقق هلم شيئا مما يريدونه ؟) مداهنتهم(فكيف مبن ال يعرفون هل

يف وقـت االستضـعاف ، وشـدة االبـتالء ، ) مكـة(أن هذه اآليـات نزلـت يف : الوجه الرابع، ومــع هــذا ــاه اهللا ٣مني ملــا خيفـف عــنهموتسـلط الكفــار علــى املســلمني ، ومـع حاجــة املســل

ســبحانه عــن مصــانعة الكفــار ولــو كــان ذلــك مــن أجــل ختفيــف عنــاء املســلمني ، أو مصــلحة !! .الدعوة

الـيت امـتأل ) املصـاحل املوهومـة(ألا باتباع القرآن وطاعة اهللا سبحانه ، وإمنا أعين ا أعين هنا املصلحة احلقيقيةال ١

) !.مصلحة الدعوة(ا عصرنا ، فصاروا خيالفون النصوص بدعوى ملـاكـالم بعـض كفـار أمريكـا ب بعـض املـوقعني علـى بيـان املثقفـنيفـرح واغتبـاط تأمل هـذه اآليـة جيـدا ، مث انظـر يف ٢

. )أصداء البيان(، ووضعوه يف !!ببيام أعجبوا .ذكر اجلمل يف حاشيته على اجلاللني أن سورة القلم كانت السورة الثالثة بعد سورة العلق واملدثر ٣

Page 10: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢١٥

الدليل الثالثوإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا (قوله تعالى

تركن إليهم شيئا قليال ، إذا ألذقناك ضعف التخذوك خليال ، ولوال أن ثبتناك لقد كدت )الحياة وضعف الممات ثم ال تجد لك علينا نصيرا

:وقد اختلف يف سبب نزول هذه اآليات ، كـــان النـــيب صـــلى اهللا عليـــه وســـلم يســـتلم احلجـــر األســـود يف طوافـــه فمنعتـــه قـــريش :فقيـــل

مـا" :، فحدث نفسـه وقـال ولو بأطراف أصابعكندعك تستلم حىت تلم بآهلتنا ال :وقالوا . " علي أن أمل ا بعد أن يدعوين أستلم احلجر واهللا يعلم أين هلا كاره

متعنـا بآهلتنــا :وقــالوا ، نزلـت يف وفــد ثقيـف أتــوا النـيب صــلى اهللا عليـه وســلم فسـألوه : وقيـل رمـت مكـة م وادينا كما حوحر ، فإذا أخذناه كسرناها وأسلمنا ، يهدى هلا سنة حىت نأخذ ما

، رســول اهللا صــلى اهللا عليــه وســلم أن يعطــيهم ذلــك فهــم ، حــىت تعــرف العــرب فضــلنا علــيهم .فنزلت هذه اآلية

اطـرد عنـا هـؤالء السـقاط واملـوايل :للنـيب صـلى اهللا عليـه وسـلم قـالوا أكابر قريش إن : وقيل . بذلك حىت ي عنه فهم ، حىت جنلس معك ونسمع منك

لـــوا برســـول اهللا صـــلى اهللا عليـــه وســـلم ذات ليلـــة إىل الصـــبح يكلمونـــه ن قريشـــا خإ: وقيـــل وأنـت سـيدنا يـا ، إنك تأيت بشيء ال يأيت بـه أحـد مـن النـاس :فقالوا ، ويفخمونه ويسودونه

١. يريدون ومازالوا به حىت كاد يقارم يف بعض ما، سيدنا

: الســــمعاين ، تفســــري ٢١٤/ ٤: الــــدر املنثــــور ، ١١٨/ ٨: تفســــري الطــــربي : يف وغريهــــا انظــــر هــــذه األقــــوال ١

.٦١٩/ ٣: ، أضواء البيان ٥/٦٧: ، زاد املسري ١٠/٣٠٠: ، تفسري القرطيب ٣/٢٦٤

Page 11: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢١٦

:١يف سبب نزوهلا قال الشنقيطي رمحه اهللا تعاىل بعد أن ذكر مجلة من األقوالإىل غـــري ذلـــك مـــن األقـــوال يف ســـبب نزوهلـــا ، وعلـــى كـــل حـــال فـــالعربة بعمـــوم األلفـــاظ ال "

قـــاربوا ذلـــك ، : أن الكفـــار كـــادوا يفتنونـــه ، أي : خبصـــوص األســـباب ، ومعـــىن اآليـــة الكرميـــة قـال .يزلونـك عـن الـذي أوحينـا إليـك لتفـرتي علينـا غـريه ممـا مل نوحـه إليـك : ومعىن يفتنونـك

معىن ذلك أنه خطـر يف : وقيل . قاربوا ذلك يف ظنهم ال فيما نفس األمر : بعض أهل العلم ليجـــــرهم إىل اإلســـــالم لشـــــدة حرصـــــه علـــــى قلبــــه صـــــلى اهللا أن يـــــوافقهم يف بعـــــض مـــــا أحبـــــوا

".إسالمهم :٢وقال الشوكاين رمحه اهللا

وأصـل ، خيـدعوك فـاتنني قـاربوا أن ) ... وإن كادوا ليفتنونك عـن الـذي أوحينـا إليـك( "الفتنة االختبار ومنه فنت الصائغ الذهب مث استعمل يف كل مـن أزال الشـيء عـن حـده وجهتـه

مـــن ؛ وافـــرتاء علـــى اهللا ســـبحانه ، وذلـــك ألن يف إعطـــائهم مـــا ســـألوه خمالفـــة حلكـــم القـــرآن ؛ ، اهي مـــن األوامـــر والنـــو : )إليـــك عـــن الـــذي أوحينـــا(، وغـــري ذلـــك ، تبــديل الوعـــد بالوعيـــد

لتتقــول علينــا غــري الــذي أوحينــا إليــك ممــا اقرتحــه ) : لتفتــري علينــا غيــره(، والوعــد والوعيــد أي لـو اتبعـت أهـواءهم الختـذوك خلـيال هلـم ) : وإذا التخذوك خلـيال(، عليك كفار قريش

علــى احلـــق ) : ولــوال أن ثبتنـــاك(، مـــأخوذ مــن اخللــة بفـــتح اخلــاء ، والــوك وصــافوك : أي؛ ، لقاربــت أن متيــل إلــيهم أدىن ميــل ) : لقــد كــدت تــركن إلــيهم( ، ك عــن مــوافقتهموعصــمنالكن أدركته صلى اهللا عليه وآلـه وسـلم ) : شيئا قليال(وهلذا قال ؛ هو امليل اليسري : والركون

مث ...، فضال عن نفـس الركـون ، العصمة فمنعته من أن يقرب من أدىن مراتب الركون إليهم )إذا ألذقنــاك ضــعف الحيــاة وضــعف الممــات(يف ذلــك أشــد الوعيــد فقــال توعــده ســبحانه

مثلــي مــا يعـــذب بــه غــريك ممـــن يفعــل هــذا الفعـــل يف : أي ، هم يلــو قاربــت أن تــركن إلـــ : أي ".مضاعفا : أي، وعذابا ضعفا يف املمات ، عذابا ضعفا يف احلياة : واملعىن ، الدارين

:بب نزوهلا ومعناها جند ما يلي فبالتأمل يف هذه اآليات وما قيل يف س

. ٣/٦١٩: أضواء البيان ١ .٣/٢٤٧: فتح القدير ٢

Page 12: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢١٧

أن ما قيل يف حماولة الكفـار ليفتنـوا الرسـول صـلى اهللا عليـه وسـلم عـن بعـض مـا أنـزل : أوال لـو أطـاعهم الرسـول –لـو تأملتـه –؛ فإن طلب الكفـار ) باب مصلحة الدعوة(اهللا كلها يف

سالم وكسـبهم ، أو علـى صلى اهللا عليه وسلم فيه ؛ فإمنا سيطيعهم من أجل تأليفهم على اإل ! .األقل حتييدهم

:١كما قال ابن قتيبة رمحه اهللا ولـوال أن (؛ فـأنزل اهللا عـز وجـل يتـألفهم بـذلكوكاد جييـب املشـركني إىل شـيء ممـا أرادوه "

لقد كدت لتـركن إلـيهم شـيئا قلـيال ، إذا ألذقنـاك ضـعف الحيـاة وضـعف الممـات ثبتناك ." )ثم ال تجد لك علينا نصيرا

افـرتاء ) : تـأليف الكفـار(أن اهللا سبحانه وتعاىل جعل تغيري بعض الشريعة من أجـل : ثانيا ) .لتفتري علينا غيره(على اهللا ، فقال

متحققـــة و -لـــو حصـــل ووقـــع -) االفـــرتاء(أن اهللا ســـبحانه أخـــرب أن نتيجـــة هـــذا : ثالثـــا بعض (، فبني أنه لو أطاعهم يف )وإذا التخذوك خليال(من جانب الكفار ، فقال ) إجيابية(

ألن اخلليـــل يطيـــع خليلـــه ) مكســـبا (لصـــافوه ووالـــوه واختـــذوه خلـــيال ، وهـــذا قـــد يكـــون ) األمـــر !.ومع هذا حذر منه أشد التحذير! فيدعون بعد ذلك إىل اإلسالم

وهـــو لـــو وقـــع ففـــي –إىل الكفـــار ) الركـــون القليـــل(أن اهللا ســـبحانه حـــذر مـــن جمـــرد : رابعـــا ولـوال (فإن النيب صـلى اهللا صـلى اهللا عليـه وسـلم حياتـه دعـوة ، فقـال –الدعوة إىل اهللا سبيل

) .أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليال أن اهللا ســبحانه توعــد نبيــه صــلى اهللا عليــه وســلم وهــو املعصــوم مــن ذلــك بأنــه لــو : خامســا

مـات مث مل جيـد لـه مـن دون اهللا نصـريا ألذاقه ضعف احليـاة وضـعف امل) شيئا قليال (ركن إليهم إىل النـــيب صــلى اهللا عليـــه ا ، وهــو مــن بـــاب التنبيــه علـــى غــريه ، فـــإذا كــان هــذا الكـــالم موجهــ

!.وسلم ، فغريه من باب أوىل

:١قال الشيخ محد بن عتيق رمحه اهللا

. ١٥٩: تأويل خمتلف احلديث ١

Page 13: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢١٨

شيئا قليال ، وأنه فأخرب تعاىل أنه لوال تثبيته لرسوله صلى اهللا عليه وسلم لركن إىل املشركني"لو ركن إليهم ألذاقه اهللا عذاب الدنيا واآلخرة مضاعفا ، ولكن اهللا ثبته فلـم يـركن إلـيهم ، بـل

ولكـن إذا كـان اخلطـاب للنـيب صـلى اهللا عليـه وسـلم مـع عصـمته ، . عاداهم وقطع اليد مـنهم ".فغريه أوىل بلحوق الوعيد به

. ٥٠ص : سبيل النجاة والفكاك ١

Page 14: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢١٩

الدليل الرابع

تقول علينا بعض األقاويل ، ألخذنا منه باليمين ، ثم لقطعنا منه ولو(قوله تعالى )الوتين ، فما منكم من أحد عنه حاجزين

:قال ابن كثري رمحه اهللا تعاىل يف تفسري هذه اآليات حممــد صــلى اهللا عليــه وســلم لــو كــان كمــا يزعمــون : أي )ولــو تقــول علينــا(يقــول تعــاىل "

مــن عنــده فنســبه إلينــا ولــيس أو قــال شــيئا ، أو نقــص منهــا، ســالة فــزاد يف الر ؛ علينــا مفرتيــا معنـاه النتقمنـا منـه : قيـل ) ألخذنا منه باليمين(وهلذا قال تعاىل ؛ كذلك لعاجلناه بالعقوبة

قـال ابـن ) ثـم لقطعنـا منـه الـوتين(، ألخذنا بيمينه : وقيل ، ألا أشد يف البطش ؛ باليمني ".وهو العرق الذي القلب معلق فيه ، هو نياط القلب : عباس

:١وقال ابن حزم رمحه اهللا تعاىل بعد كالموقد توعد اهللا تعاىل رسوله صلى اهللا عليه وسلم على هذا أشد الوعيد ، فكيف على من "

ولو تقول علينا بعض ألقاويل ، ألخذنا منه باليمين ، ثم لقطعنا منه (دونه ؟ ، قال تعاىل ، فصح أن من قال يف الدين بقول أضافه إىل ) ن أحد عنه حاجزينالوتين ، فما منكم م

".اهللا تعاىل فقد كذب وتقول على اهللا تعاىل األقاويل :٢وقال شيخ اإلسالم رمحه اهللا تعاىل

وأنــه لــو قــدر أنــه غــري ، ليبــني ســبحانه أنــه ينــتقم ممــن يكــذب يف الرســالة كائنــا مــن كــان " ".الرسالة النتقم منه

) بعض(على اهللا سبحانه –وحاشاه –أن الرسول صلى اهللا عليه وسلم لو تقول واملقصودلعاقبـه اهللا سـبحانه وتعـاىل مبـا ذكـر يف هـذه اآليـات ، ومـن املعلـوم أن –ولو قلت –األقاويل

.١١٦/ ٥: اإلحكام يف أصول األحكام ١ . ٤٦٤/ ٢االستغاثة ٢

Page 15: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٢٠

فإمنـا سـيفعله ملـا يـراه –مـن بـاب فـرض املمتنـع –الرسول صلوات اهللا عليه لو فعل مثل ذلـك ) !.تأليف الكفار على اإلسالم(و ) وةمصلحة الدع(من

فهذا دليل على تعظـيم القـول علـى اهللا سـبحانه بالباطـل ، وتغيـري شـرعه ، وحتريـف كالمـه ، ، و نسـبة مـا مل يشـرعه إليـه –كما يزعم بعضهم –) مصلحة الدعوة(ولو كان هذا األمر يف

.١) التقول على اهللا (، أو نفي ما شرعه عنه ، كله من باب

!.وأنبه إىل أن هذه اآليات مكية ، يعين يف وقت االستضعاف واألمر بكف األيدي ١

Page 16: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٢١

لدليل الخامسا آيات البالغ

يــا أيهــا الرســول بلــغ مــا أنــزل إليــك مــن ربــك وإن لــم تفعــل فمــا (وذلــك حنــو قولــه تعــاىل

الـذين يبلغـون رسـاالت اهللا ويخشـونه وال يخشـون أحـدا إال (، وقوله تعاىل ) بلغت رسالتهأكثـر مـن ، وقولـه تعـاىل يف ) أبلغكـم رسـاالت ربـي(، وقوله على لسان أكثر من رسول ) اهللا، وقولـه تعـاىل يف ) أنما على رسولنا البالغ المبين(، وقوله تعاىل ) فإنما عليك البالغ(آية

.)إن عليك إال البالغ(، وقوله تعاىل ) وما على الرسول إال البالغ المبين(أكثر من آية :وهذه اآليات تدل على بطالن ما يف بيان املثقفني من وجوه

بحانه وتعـاىل قصــر عمـل الرســل صـلوات اهللا وســالمه علـيهم علــى إن اهللا ســ: الوجـه األولأنمـا علـى (، ) إن عليـك إال الـبالغ(، ) وما علـى الرسـول إال الـبالغ(البالغ كما يف قوله

، وحنوهـــا مـــن اآليـــات ، والـــبالغ والتبليـــغ هـــو اإليصـــال ، فهـــم يوصـــلون مـــا ) رســـولنا الـــبالغك ، أو نقصــــوا ، أو غـــريوا ، ألخــــل ذلـــك بأمانــــة يـــوحى إلــــيهم إىل النـــاس ، ولــــو زادوا يف ذلـــ

التبليغ ، فليس عليهم إال إيصـال مـا شـرع اهللا سـبحانه كمـا جـاء ، وأمـا هدايـة النـاس فليسـت هلــم ، بــل إىل اهللا ســبحانه ، فــال جيــوز أن يغــري شــرع اهللا أو يــزاد فيــه أو يــنقص بقصــد الســعي

! .هلداية اخللق :١أن ذكر جمموعة من آيات البالغ وطاعة الرسول قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا بعد

و املعــىن املتقــدم مــن أن الرســول لــيس عليــه إال مــا أمــر بــه مــن الــبالغ املبــني ، و اجلهــاد ، " ".وليس عليه جزاء العباد ، وال حسام ، وال هدايتهم ، قد كرر يف القرآن يف مواضع

يهـا الرسـول بلـغ مـا أنـزل إليـك مـن ربـك يـا أ: (أن اهللا سبحانه قال لنبيه : الوجه الثاني ) .وإن لم تفعل فما بلغت رسالته

:٢قال ابن جرير رمحه اهللا

.١/٢٣٦: االستغاثة ١ . ٦٤٦/ ٤: تفسري الطربي ٢

Page 17: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٢٢

صــــلى اهللا عليــــه وســــلم بــــإبالغ هــــؤالء اليهــــود ا نبيــــه حممـــدوهـــذا أمــــر مــــن اهللا تعــــاىل ذكــــره "وذكـــر فيهـــا ، والنصـــارى مـــن أهـــل الكتـــابني الـــذين قـــص اهللا تعـــاىل قصصـــهم يف هـــذه الســـورة

، وتبـديلهم كتابـه ، وتوثبهم على أنبيائهم ، واجرتاءهم على رم ، وخبث أديام ، معايبهمما أنزل عليه فيهم مـن ؛ وسائر املشركني غريهم ، مآكلهم و ورداءة مطاعمهم ، وحتريفهم إياه

وأن ، وما أمرهم به واهم عنه ، والتهجني هلم ، والتقصري م ، واإلزراء عليهم ، معايبهم: مــن وال جزعـا ، كــروه مـا قــام فـيهم بــأمر اهللا مبيشـعر نفسـه حــذرا مـنهم أن يصــيبه يف نفسـه ال

فـإن اهللا تعـاىل كافيـه كـل ؛ يف ذات اهللا وأن ال يتقـى أحـدا ، كثرة عددهم وقلـة عـدد مـن معـه وأعلمـه تعـاىل ذكـره أنـه إن قصـر ، مكروهـه يبغـيودافـع عنـه مكـروه كـل مـن ، أحد من خلقـه فهـو - مل يبلـغ منـهمـا وإن قـل -ء مما أنزل إليه إليهم فهو يف تركه تبليغ ذلـك عن إبالغ شي

".يف عظيم ما ركب بذلك من الذنب مبنزلته لو مل يبلغ من تنزيله شيئافكأمنا مل يبلغ التنزيـل كلـه ، وهـذا -ولو قل -فقد ذكر أنه لو ترك يف التبليغ شيئا : قلت

فهـــو أعظـــم كمـــا ســـبق يف ) قـــول الباطـــل(ف إىل ذلـــك فقـــط ، فـــإذا أضـــي) كتمـــان احلـــق(يف .املقدمة من الفصل األول فراجع ما ذكر هناك

وللشوكاين رمحه اهللا تعاىل كالم مجيـل علـى هـذه اآليـة ؛ إذ أحلـق علمـاء هـذه األمـة بالرسـول :١صلى اهللا عليه وسلم يف العصمة من الناس إذا بلغوا عنه ، حيث قال

غـري مـوطن صلى اهللا عليه وآلـه وسـلم ألمتـه مـا نـزل إلـيهم وقـال هلـم يفوقد بلغ رسول اهللا "مث إن اهللا ســـبحانه وعــــده ، فجـــزاه اهللا عــــن أمتـــه خــــريا ، فيشــــهدون لـــه بالبيــــان ) بلغـــت هـــل(

الضـرر مـن وهـو خـوف حلـوق ، بالعصمة من الناس دفعا ملن يظن أنه حامل على كتم البيان مث محل ، إنه بني لعباد اهللا ما نزل إليهم على وجه التمامف؛ وقد كان ذلك حبمد اهللا ، الناس

وفـرق ، وقتل صناديد الشـرك ، من أىب من الدخول يف الدين على الدخول فيه طوعا أو كرها نازعه ممن مل يسـبق فيـه فأسلم كل من ، وكانت كلمة اهللا هي العليا ، وبدد مشلهم ، مجوعهم

)مـا تظنـون أين فاعـل بكـم( : اديد قـريش وأكـابرهمحىت قال يـوم الفـتح لصـن، ل السيف العذوهكذا من سبقت لـه العنايـة ).اذهبوا فأنتم الطلقاء( : فقال، أخ كرمي وابن أخ كرمي : فقالوا

، وإيضــاح براهينــه ، يعصــمه اهللا مــن النــاس إن قــام ببيــان حجــج اهللا ؛ مــن علمــاء هــذه األمــة

. ٥٩/ ٢: فتح القدير ١

Page 18: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٢٣

وقـد رأينـا مــن ، كطوائـف املبتدعـة ؛ تثـل لشـرعه وصـرخ بـني ظهـراين مـن ضـاد اهللا وعانـده ومل ميوشـــدة ، مـــا يزيـــد املـــؤمن إميانـــا وصـــالبة يف ديـــن اهللا ، ومسعنـــا منـــه يف غرينـــا ، هـــذا يف أنفســـنا

وكــل مــا يظنــه متزلزلــو األقــدام ، ومضــطربو القلــوب ، مــن ، شــكيمة يف القيــام حبجــة اهللا ختلـة ، وتوهمـات باطلـة ؛ نزول الضرر بهـم ، وحصـول المحـن علـيهم ، فهـو خيـاالت م

ـــي الحقيقـــة ـــي الظـــاهر هـــي منحـــة ف ـــة ف ـــإن كـــل محن ألـــا ال تـــأتى إال خبـــري يف األوىل ؛ ف ".إن يف ذلك لذكرى ملن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، واألخرى

الــــذين يبلغــــون رســــاالت اهللا (إن اهللا ســــبحانه وتعــــاىل قــــال لنبيــــه أيضــــا : الوجــــه الثالــــثملـــا علـــم اهللا ســـبحانه أن تبليــغ الرســـالة قـــد حيـــدث ) : يخشـــون أحـــدا إال اهللا ويخشــونه وال

بعــض األمــور الــيت تولــد يف الــنفس اخلشــية واخلــوف مــن غــريه ، كحــدوث االبــتالء ، أو الرمــي بــالتهم والنقــائص ، وحنــو ذلــك ، أثــىن علــى الــذين يبلغــون رســالته وخيشــونه وال خيشــون أحــدا

:غريه :١اهللا قال ابن كثري رمحه

، ويؤدوــا بأماناــا ، إىل خلقــه : أي ) الــذين يبلغــون رســاالت اهللا(ميــدح تبــارك وتعــاىل "ــــه وال خيــــافون أحــــدا ســــواه : أي ) ويخشــــونه( فــــال متــــنعهم ســــطوة أحــــد مــــن إبــــالغ ، خيافون

".رساالت اهللا تعاىلوســـلم ، وهـــم أن علمـــاء األمـــة اإلســـالمية هـــم ورثـــة النـــيب صـــلى اهللا عليـــه : الوجـــه الرابـــع

املخــاطبون بــالتبليغ بعــده ، ومــا قيــل يف الســابق مــن أمانــة التبليــغ يقــال فــيهم ، ففــي الصــحيح بلغـوا عنـى (عن عبـد اهللا بـن عمـرو رضـي اهللا عنهمـا عـن النـيب صـلى اهللا عليـه وسـلم أنـه قـال

ليبلغ الشاهد الغائـب ، فـرب مبلـغ أوعـى مـن: ( ، وقال صلى اهللا عليه وسلم ) ولو آيةنضــر اهللا امــرأ ســمع منــا حــديثا فبلغــه إلــى مــن لــم (، وقــال صــلى اهللا عليــه وســلم ) ســامع

) . يسمعه ، فرب حامل غيره فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه :وهنا ال بد من التفريق بني أمرين

: األمر األول

. ٣/٤٩٣: تفسري ابن كثري ١

Page 19: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٢٤

بــاختالف األحــوال وهــي طريقــة الـدعوة إىل الشــرع ، فهــذه مسـألة ختتلــف : طبيعـة التبليــغ واألزمـــان واألمـــاكن واألشـــخاص ، وختتلـــف بـــاختالف قـــوة املســـلمني وضـــعفهم ، وبـــاختالف طبيعـــة املـــدعو ، فقـــد تكـــون بالكلمـــة أو اخلطبـــة أو املوعظـــة أو الرســـالة أو الكتـــاب أو الزيـــارة وحنــو ذلــك ، وقـــد تكــون باحلكمـــة أو باملوعظــة احلســنة أو باجلـــدال بــاليت هـــي أحســن ، وقـــد

ـــة إىل اجتهـــادات أهـــل العلـــم املقيـــدة بالكتـــاب تكـــ ون بـــاجلالد بالســـيوف ، فهـــذه كلهـــا موكول .١والسنة

: األمر الثانيوهــو الشــرع نفســه ، فهــذا ال يلحقــه اجتهــاد ، فــال جيــوز الزيــادة فيــه ، وال : طبيعــة المبلــغ

؛ ألن الـدين ٣، وال التغيري ، وال التحريف ، ولو كان بقصد التـأليف علـى اإلسـالم ٢النقصاناليــوم أكملــت لكــم ديــنكم وأتممــت لكــم نعمتــي ورضــيت لكــم (قـد كمــل كمــا قـال تعــاىل

. ٤، وما مل يكن دينا يف زمن الرسول صلى اهللا عليه وسلم فليس اليوم دينا ) اإلسالم دينا

أو ، أو التمثيـل ، الـدعوة بالغنـاء ك : على أن تكون الطرق مشـروعة يف اجلملـة ، فـال جيـوز الـدعوة بـالطرق املبتدعـة ١

:ن هذا مل يشرع أصال وال وصفا ، فطريقة التبليغ على قسمني أل؛ وحنو ذلك مما أحدث يف هذا الزمان ، املسرحيات ما انعقد سببه يف وقت الرسول صلى اهللا عليه وسـلم والصـحابة رضـوان اهللا علـيهم ومل يكـن مث مـانع منـه ومل : األول .ففعله بعدهم بدعة يفعلوه ، .ما مل ينعقد سببه يف وقتهم ، ففعله جائز إذا مل يدل على النهي عنه دليل خاص : والثاني

، فقــد ســبق أن ذكــرت يف املقــدمات يف الفصــل األول أنــه جيـــوز عــن البيـــان هنــاك فــرق بــني النقصــان والســكوت ٢ إذا كـان احلــق املسـكوت عنــه ال يرتتـب عليــه عمــل السـكوت عــن بيـان بعــض احلـق للتــدرج يف التعلـيم أو لــبعض املصــاحل

بعـض شـرائع اإلسـالم املعروفـة كجهـاد إنكـاروحنو هذا ، فليس هذا من باب النقصان ، وإمنا املقصود من النقصان هنـا .ذلك والطلب ، أو أحكام أهل الذمة ، أو احلدود ، أو بعضها ، أو بعض أحكام النساء ، وحن

، وال تغيري للشـرع ، درج يف الدعوة بأن يبدأ مع املدعو باألهم فاألهم ، ولكن من غري حتريف هذا ال مينع من الت ٣ .الرابعة من الفصل األول ، كما سبق يف املقدمة فيه وال زيادة

هذا لو صح فإمنا يف طريقة تبليغ الشرع ، وليس يف طبيعة و وذلك أن بعضهم زعم أن طريقة الدعوة جماهلا واسع ، ٤ !.ع املبلغ ؛ فإن الشرع ال جيوز تغيريه وحتريفه بدعوى التأليف كما هو واضح من األدلة املذكورة الشر

Page 20: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٢٥

الدليل السادس، وال فاستقم كما أمرت ومن تاب معك وال تطغوا إنه بما تعملون بصير (قوله تعالى

)تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون اهللا من أولياء ثم ال تنصرون

:وهذه اآليات تدل على بطالن ما يف بيان املثقفني من وجوه فجعـل األمـر باالسـتقامة مقيـدة بـأمر اهللا ) : فاستقم كما أمرت(قوله تعاىل : الوجه األول

رأيــت ، أو كمــا تــراه مــن املصــلحة ، أو حســب مــا يقتضــيه فاســتقم كمــا : ســبحانه ، ومل يقــل العصــر ، أو مبــا حيســن صــورة اإلســالم ، أو مبــا يؤلــف قلــوب الكفــار ، وحنــو هــذا ممــا ســبق يف

، وهذا يـدل علـى أن االسـتقامة علـى الـدين ) فاصدع بما تؤمر(الدليل األول عند قوله تعاىل !.مر اهللا سبحانه ال باألهواء واملصاحل املوهومةإمنا تكون مقيدة بأ –ومنه الدعوة إىل اهللا –

جمــاوزة احلــد ، ومــن تعــدى أمــر اهللا : والطغيــان ) : وال تطغــوا(قولــه تعــاىل : الوجــه الثــانيســبحانه فــزاد يف الشــرع أو نقــص أو حــرف فقــد طغــى ، ومــن املعلــوم أن هــذا لــو حصــل مــن

وتــأليف ) مصــلحة الــدعوة(ســبيل فإمنــا ســيكون يف –وحاشــاه –النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم :١الكفار ، قال ابن رجب رمحه اهللا

فاســتقم كمــا أمــرت ومــن تــاب معــك وال تطغــوا إنــه بمــا تعملــون (وقــال اهللا عــز وجــل "، وأخـرب أنـه وأن ال جياوزوا ما أمروا به وهو الطغيـان ، فأمره أن يستقيم ومن تاب معه ) بصير

فلـــذلك فـــادع واســـتقم كمـــا أمـــرت وال تتبـــع ( قـــال تعـــاىل، م مطلـــع عليهـــا بصـــري بأعمـــاهلوقــال ، أمــر حممــد صــلى اهللا عليـه وســلم أن يســتقيم علــى أمــر اهللا : وقـال قتــادة ،) أهــواءهم

" . على القرآن: الثوري :٢وقال البيضاوي رمحه اهللا

ملــا بــني أمــر املختلفــني يف التوحيــد والنبــوة وأطنــب يف شــرح الوعــد )فاســتقم كمــا أمــرت" (وهـي شـاملة لالسـتقامة ، عيد أمر رسوله صلى اهللا عليه وسلم باالستقامة مثـل مـا أمـر ـا والو

واألعمـال ، يف العقائد كالتوسط بني التشبيه والتعطيـل حبيـث يبقـى العقـل مصـونا مـن الطـرفني

. ٢٠٤ص : جامع العلوم واحلكم ١ . ٢٦٦/ ٣: تفسري البيضاوي ٢

Page 21: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٢٦

والقيـام بوظـائف العبـادات مـن غـري تفـريط وإفـراط ، من تبليـغ الـوحي وبيـان الشـرائع كمـا أنـزل شــيبتين (ولــذلك قــال عليــه الصــالة والســالم ؛ وهــي يف غايــة العســر ، حقــوق وحنومهــا مفــوت لل

) : وال تطغـوا(، ...تاب من الشرك والكفـر وآمـن معـك : أي )ومن تاب معك(، ) هود وهــو يف معــىن ، فهــو جمــازيكم عليــه ) : إنــه بمــا تعملــون بصــير(، وال خترجــوا عمــا حــد لكــم

اآليـة دليـل علـى وجـوب اتبـاع النصـوص مـن غـري تصـرف واحنـراف ويف، التعليل لألمر والنهـي ".قياس ، واستحسان: بنحو

والركـون هـو ) : وال تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النـار: (قوله تعـاىل : الوجه الثالث :قال القرطيب رمحه اهللا –وسبق الكالم عليه –االدهان : امليل ، ومنه

، والرضـا بـه ، والسـكون إىل الشـيء ، قيقـة االسـتناد واالعتمـاد ح: الركـون ) :وال تركنوا"(أبــو ، وقــال ال متيلــوا إلــيهم : ابــن جــريج ، وقــال تطيعــوهم معنــاه ال تــودوهم وال: قــال قتــادة

وذلـك ؛ ١االدهـان : الركـون هنـا : وقال ابـن زيـد ، وكله متقارب ، أعماهلم ال ترضوا: العالية ". ينكر عليهم كفرهم أال

مبصــائبهم ، وإظهــار مســاندم ضــد أعــدائهم ، ) شــعورهم(ن امليــل إلــيهم مشــاركتهم يف ومــ !.وحتريف النصوص السرتضائهم

، ) التقوي ـم(أن من يركن إىل الكفار والظلمة إمنا يفعل ذلك غالبا ابتغاء : الوجه الرابعبعد أن ى عـن -ىل ، وهذه مصلحة موهومة ألغاها اهللا سبحانه ؛ فإنه تعا) اتقاء شرهم(أو

، قال ابن جريـر رمحـه اهللا ) وما لكم من دون من أولياء ثم ال تنصرون(قال -الركون إليهم :٢تعاىلفـإنكم : يقول ) ثم ال تنصرون( لكم من دون اهللا من ناصر ينصركم وويل يليكم ، وما "

".وكم إن فعلتم ذلك مل ينصركم اهللا ، بل خيليكم من نصرته ، ويسلط عليكم عد

املعـاين ، ال تـداهنوا ، وال تضـاد بـني كـل هـذه) : ال تركنـوا(ونقل ابن كثري رمحه اهللا وغريه عن ابن عباس أن معـىن ١

.فإا من باب اختالف التنوع ال التضاد ، واآلية تشمل هذه املعاين كلها واهللا تعاىل أعلم . ١٢٣/ ٧: تفسري الطربي ٢

Page 22: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٢٧

طريقـة إمنا هي وقد ذكر اهللا سبحانه أن الركون إىل الكفار طلبا لنصرم ، أو اتقاء لشرهم فترى الذين في قلـوبهم مـرض (فقال تعاىل بعد أن ى عن تويل اليهود والنصـارى املنافقني

. )يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة

Page 23: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٢٨

الدليل السابع سورة الكافرون

قل يا أيها الكافرون ، ال أعبد ما تعبـدون ، وال أنـتم عابـدون مـا أعبـد (وله تعاىل وهي ق

) . ، وال أنا عابد ما عبدتم ، وال أنتم عابدون ما أعبد ، لكم دينكم ولي دين

لـيس :رضـي اهللا عنهمـا وقـال ابـن عبـاس ، ) سـورة الـرباءة مـن الشـرك(وتسمى هذه السـورة كــان :وقــال األصــمعي. ألــا توحيــد وبــراءة مــن الشــرك ؛ منهــا يف القــرآن أشــد غيظــا إلبلــيس

أمــا تربئــان مــن : أي ؛ املقشقشــتان ) :قــل هــو اهللا أحــد(و )الكــافرون قــل يــا أيهــا( ـيقــال لــ، وقــد ثبــت عــن الرســول صــلى اهللا عليــه وســلم كمــا يف صــحيح مســلم أنــه قــرأ هــاتني ١النفــاق

طــواف ، ويف املســند والســنن أنــه قــرأ مــا يف ركعــيت الســورتني يف ركعــيت الفجــر ، ويف ركعــيت ال، وورد أـا تعـدل ربـع القـرآن ، واختلـف يف ٢املغرب ، ويف املسند وغريه أا براءة من الشـرك

:سبب نزوهلا املطلـب وأميـة بـن خلـف لقـوا بن وائل واألسود بـن عبـدإن الوليد بن املغرية والعاص : فقيل

، وتعبــد مــا نعبــد ، هلــم فلنعبــد مــا تعبــد ، يــا حممــد :ســلم فقــالوا رســول اهللا صــلى اهللا عليــه و فـإن كـان الـذي جئـت بـه خـريا ممـا بأيـدينا كنـا قـد شـاركناك ؛ ونشرتك حنن وأنـت يف أمرنـا كلـه

وإن كـــان الـــذي بأيـــدينا خـــريا ممـــا بيـــدك كنـــت قـــد شـــركتنا يف أمرنـــا ، فيـــه وأخـــذنا حبظنـــا منـــه .السورةهذه فأنزل اهللا . ذت حبظك منه خوأ

ــــل ــــو اســــتلمت بعــــض هــــذه اآلهلــــة :إــــم قــــالوا لرســــول اهللا صــــلى اهللا عليــــه وســــلم :وقي ل .، فنزلت لصدقناك

حنـن نعطيـك مـن املـال مـا تكـون بـه أغـىن :قالت قـريش للنـيب صـلى اهللا عليـه وسـلم : وقيل وتكــف عــن شــتم ، -أي منشــي خلفــك -ونطــأ عقبــك ، ونزوجــك مــن شــئت ، رجــل مبكــة

.٢٢٥/ ٢٠: انظر تفسري القرطيب ١د رمحهـــم اهللا قــــكبـــار أهـــل العلـــم و أســـانيد بعـــض هـــذه األحاديـــث فيهـــا نظـــر إال أن االعتمــــاد مل يكـــن عليهـــا ، ٢

.كشيخ اإلسالم وغريهباألحاديث الضعيفة إذا أسسوا املسألة على النصوص الصرحية الصحيحة يستشهدون

Page 24: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٢٩

تعبــد آهلتنــا ؛ مل تفعــل فــنحن نعــرض عليــك خصــلة واحــدة هــي لنــا ولــك صــالح ، فــإن ا آهلتنــ ١.، وحنن نعبد إهلك سنة ، فنزلت الالت والعزى سنة

؛ فإـــا تتفــق يف أـــم اشــرتطوا علـــى الرســول صـــلى اهللا عليــه وســـلم وعلــى جميـــع األقــوال، فطلبـوا مـن الرسـول ) شجمرد حـوار وتعـاي(، وليس يف ) دينه(بعض الشروط للدخول معه يف

فيعاملونـه باملثـل ) وقتا حمـدودا (أو عن شيء منه ٢صلى اهللا عليه وسلم أن يتنازل هلم عن دينه :٣، كما قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا

فهــذه الروايــات متطابقــة علــى معــىن و احــد و هــو أــم طلبــوا منــه أن يــدخل يف شــيء مــن " ".و يدخلوا يف شيء من دينه ، دينهم

فنزلت هذه السورة لتحقق الرباءة منهم ومن دينهم ، ولتحقيق كمال املفاصلة بني املسلمني والكافرين ، وأنه ال يوجد بينهم أسس مشرتكة يتقـرب ـا أحـدهم إىل اآلخـر مطلقـا ، وأنـه ال

البتة ، ولو كان املسلمون مستضـعفني ، و لـو حتققـت ) الدين(جيوز التنازل هلم عن شيء من فسـيدخلون دينـه ، -لو فعل ذلك وحاشـاه -ك مصلحة دخوهلم يف اإلسالم ؛ ألم مع ذل

وإذا دخلــوا يف اإلســالم فلــن يرتكــوه يف الغالــب ؛ ألن اإلميــان إذا خالطــت بشاشــته القلــوب ال . يسخطه أحد

:ووجوه حتقق الرباءة منهم يف هذه السورة كثرية ، سأذكر منها مخسة :، وفيها حتقيق للرباءة منهم من وجهني) ل يا أيها الكافرونق(أنه قال : الوجه األول

أـــم ملـــا طلبـــوا منـــه أن يـــدخل يف شـــيء مـــن ديـــنهم واجههـــم بالتصـــريح هلـــم بـــأم : األول .٤، فهذا أمكن لليأس يف قلوم من أن يوافقهم على شيء من دينهم) كافرون(

:٥ تعاىل حيث قال وهي نكتة بديعة نبه عليها ابن القيم رمحه اهللا: الثاني، يـا أيهـا الـذين كفـروا : دون) يـا أيهـا الكـافرون(وهـي إثباتـه هنـا بلفـظ : املسألة الثامنـة "

إرادة الداللـة علـى أن مـن كـان الكفـر وصـفا ثابتـا الزمـا ال يفارقـه فهـو -واهللا أعلم -ه ري فست

. ٢٥٢/ ٩: ، زاد املسري ٢٠/٢٢٥: ، القرطيب ٦٥٤/ ٨: الدر املنثور : انظر هذه األقوال وغريها يف ١ !.ك بعض أصول اإلسالم ، كرتكه كله، فرت ويدخل يف التنازل عن الدين التنازل عن بعض شرائعه ، أو أصوله ٢ . ٥٣٤/ ١٦: الفتاوى ٣ !!.مع التنبه إىل أن هذه السورة مكية وقت االستضعاف ٤ . ١٤٦/ ١: بدائع الفوائد ٥

Page 25: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٣٠

فكـان يف ملوحد الرباءة منه، ، فحقيق باويكون هو أيضا بريئا من اهللا ، اهللا منه حقيق أن يتربأمعـــرض الـــرباءة الـــيت هـــي غايـــة البعـــد واانبـــة حبقيقـــة حالـــه الـــيت هـــي غايـــة الكفـــر وهـــو الكفـــر

كما أن الكفر الزم لكم ثابت ال تنتقلون عنـه : فكأنه يقول ، الثابت الالزم يف غاية املناسبة ا بــالنفي الــدال علــى االســتمرار وهلــذا أتــى فيهــ؛ فمجــانبتكم والــرباءة مــنكم ثابتــة دائمــا أبــدا ،

".الكفر الثابت املستمر وهذا واضحمقابلة ، ومـرة باســم ) ال أعبـد(تكـرار نفـي عبـادة معبـودام ، مـرة بصـيغة املضـارع : الوجـه الثـاني

، وهــذا يفيــد الــرباءة مــن معبــودام يف مجيــع األزمنــة واألحــوال ، قــال ) وال أنــا عابــد(الفاعــل :١مية رمحه اهللا شيخ اإلسالم ابن تي

، يتنــاول نفــي عبادتــه ملعبــودهم يف الزمــان احلاضــر و الزمــان املســتقبل ) :ال أعبــد(فقولــه " و قـــال يف ، كالمهـــا مضـــارع بليتنـــاول مـــا يعبدونـــه يف احلاضـــر واملســـتق) : مـــا تعبـــدون(وقولـــه

و ال أنــا ( بــل قــال، ال أعبــد : فلــم يقــل )وال أنــا عابــد مــا عبــدتم(اجلملــة الثانيــة عــن نفســه فــاللفظ يف فعلــه و فعلهــم مغــاير ، ) مــا عبــدتم(بــل قــال ،تعبــدون مــا: و مل يقــل ،) عابــد

و ال (فإنـه قـال ؛ و النفي ذه اجلملة الثانيـة أعـم مـن النفـي بـاألوىل ، للفظ يف اجلملة األوىلن املشـركني أل؛ فهو يتناول مـا عبـدوه يف الـزمن املاضـي ، بصيغة املاضي) أنا عابد ما عبدتم

كمــا أن كــل ، قــت هــو املعبــود يف الوقــت اآلخــر كــل و يعبــدون آهلــة شــىت و لــيس معبــودهم يفبـراءة مـن ) : و ال أنا عابد ما عبدتم(فقوله ، طائفة هلا معبود سوى معبود الطائفة األخرى

تضـمنت ف، كما تـربأ أوال ممـا عبـدوه يف احلـال و االسـتقبال ، املاضية كل ما عبدوه يف األزمنة، و حاضـر ، مـاض : يف كـل زمـان رباءة من كـل مـا يعبـده املشـركون و الكـافرون ال: اجلملتان

ففــــي هــــذا مــــن عمــــوم عبــــادم يف املاضــــي و : إىل أن قــــال عــــن اآليــــة الثانيــــة ... و مســــتقبلمــا لــيس يف املســتقبل و مــن قــوة براءتــه و امتناعــه و عــدم قبولــه هلــذه العبــادة يف مجيــع األزمــان

و هـــذه تضـــمنت نفـــي ، تلـــك تضـــمنت نفـــي الفعـــل يف الزمـــان غـــري املاضـــي ، ملـــة األوىلاجلمـــا : و التقـــدير ، إمكانـــه و قبولـــه ملـــا كـــان معبـــودا هلـــم و لـــو يف بعـــض الزمـــان املاضـــي فقـــط

".عبدمتوه و لو يف بعض األزمان املاضية فأنا ال ميكنين و ال يسوغ يل أن أعبده أبدا

.تركت ذكره اختصارا ، وراجع بقية كالمه على هذه السورة هناك فإنه مهم ٥٥٢/ ١٦: الفتاوى ١

Page 26: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٣١

يـــدل علـــى كمـــال ) لكـــم ديـــنكم ولـــي ديـــن(اىل يف ايـــة الســـورة قولــه تعـــ: الوجـــه الثالـــث، قــال ١املفاصــلة بــني املــؤمنني والكــافرين ، وأن ال مقارنــة بيــنهم ، وال أســس مشــرتكة جتمعهــم

:٢ابن القيم رمحه اهللا . ؟على ما تقدم وهل أفاد هذا معىن زائدا ؟ ) لكم دينكم ولي دين(ما الفائدة يف قوله "

وأنه ال يتصـور منـه ، أن النفي األول أفاد الرباءة - واهللا أعلم -من احلكمة : ك فيقال يف ذلوأفـــاد آخـــر ، وهـــم أيضـــا ال يكونـــون عابـــدين ملعبـــوده ، أن يعبـــد معبـــوديهم ، وال ينبغـــي لـــه ،

الســورة إثبــات مــا تضــمنه النفــي مــن جهــتهم مــن الشــرك والكفــر الــذي هــو حظهــم وقســمهم ، ال تـدخل يف حـدي : فقـال لـه ؛ مـن اقتسـم هـو وغـريه أرضـا فجرى ذلك جمـرى ، ونصيبهم

فتضـمنت اآليـة أن هـذه الـرباءة اقتضـت أنـا . ويل أرضـي ، لـك أرضـك ، وال أدخل يف حـدك ال ؛ وقســـمنا الـــذي خنـــتص بـــه فأصـــابنا التوحيـــد واإلميـــان فهـــو نصـــيبنا، اقتســـمنا خطتنـــا بيننـــا

؛ ون بـه فهـو نصـيبكم وقسـمكم الـذي ختتصـ بـه وأصابكم الشـرك بـاهللا والكفـر، ٣تشركونا فيهوهـــذه املعـــاين ، فتبـــارك مـــن أحيـــا قلـــوب مـــن شـــاء مـــن عبـــاده بفهـــم كالمـــه فيـــه ،ال نشـــرككم

ومــن مل ، فإــا تســىب القلــوب وتأخــذ مبجامعهــا ؛ وحنوهــا إذا جتلــت للقلــوب رافلــة يف حللهــا ال ى مواهبــه الـــيتفاحلمــد هللا علـــ، يصــادف مــن قلبـــه حيــاة فهـــي خــود تـــزف إىل ضــرير مقعـــد

".تنتهي ونسأله إمتام نعمته

!!.جيعلوا هناك أسسا مشرتكة بني األديان من أجل احلوار والتعايشتقريب بني األديان أن دعاة ال حياولكما ١ . ١٤٧، ١٤٦/ ١: بدائع الفوائد ٢مــدركني أن جمموعــة مــن (بقــوهلم يف بيــان املثقفــني هــذا الكــالم حتقيــق الــرباءة مــن الكفــار ، وقــارن كمــال انظــر إىل ٣

ضــايا املعرفيـة هــي قاسـم مشــرتك مــع الغـرب ومؤهلــة للتطـوير الــذي يصـنع األفضــل لنــا املفـاهيم يف األخــالق واحلقـوق والقهذه األسس هي ما نؤمن به، وأمرنا به ديننـا، وتعلمنـاه مـن نبينـا حممـد (، و ) وهذا يعين أننا منلك أهدافا مشرتكة مجيعا

ها املثقفون األمريكيون يف بيـام، مع بعض األسس اليت أورد -بقدر مشرتك -، وهي تتفق -صلى اهللا عليه وسلم - ) .ونرى أن هذا االتفاق يشكل أرضية جيدة للحوار ملا فيه خري البشرية

، فكلهــم !أتــرى النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم غفــل عــن األرضــيات اجليــدة مــن األســس املشــرتكة بينــه وبــني كفــار مكــة؟، وبيـنهم مصــاهرات وأنسـاب ، وكلهـم يتفقــون قرشـيون مـن أب واحـد ، وكلهــم مـن بلـد واحـد ، وأصــحاب لغـة واحـدة

على بعض ما جاء عن إبراهيم عليه السالم من تعظيم البيـت ، وبعـض املناسـك ، وتعظـيم اهللا ، والشـهر احلـرام ، وغـري وكــان املســلمون حيتــاجون إىل مــا يرفــع عــنهم املعانــاة !!هــذا ، وهــذه أســس مشــرتكة أكثــر مــن األســس الــيت ذكرهــا هــؤالء

!!.احلاصل من الكفار واالبتالء

Page 27: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٣٢

أن آيــــات هــــذه الســــورة العظيمــــة تــــدل علــــى كمــــال انقطــــاع العالئــــق بــــني : الوجــــه الرابــــعاملســلمني والكــافرين بالكليــة ، فكلهــا تســري علــى هــذا النحــو ، فــأول آيــة تــدل علــى مواجهــة

قـت الـذي مـد فيـه أولئـك أولئك بكفرهم ، وأم من حزب آخر غري حزب املسـلمني ، يف الو الكفار وهم أهل السـلطة أيـديهم إىل املسـلمني ليتفقـوا علـى كلمـة بيـنهم للـدخول يف ديـنهم ،

ال و (، ) و ال أنتم عابدون(، ) ال أعبد : (مث إن األربع اآليات التالية هلا تقوم على النفـي ديــن الكفــار ، وحفــظ ، وهــذا فيــه كمــال التجــرد مــن مجيــع ) وال أنــتم عابــدون(، ) أنــا عابــد

ديـن املســلمني مــن شــيء مـن عبــادم ، فــال يتشــرف املسـلمون مبشــاركة أولئــك الكفــار هلــم يف ، وهــذا فيــه كمــال الــرباءة مــن ) لكــم ديــنكم ولــي ديــن(شــيء منهــا ، مث خــتم اآليــات بقولــه

.دينهم كما يف الوجه السابقار ــذه الســورة يف مكــة أن خطــاب الرســول صــلى اهللا عليــه وســلم للكفــ: الخــامسالوجــه

مـع تســلطهم علــى املســلمني ومــا حصــل عليــه مـن االبــتالء يــدل علــى كمــال براءتــه مــنهم ومــن :١معبودام ، كما قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا يف ذكر بعض معاين هذه السورة العظيمة

و ختيــاري بــه عـــداوتكم مــن الشــرك و مــا أنــتم عليــه ، و ا فلينظــر العاقــل يف ســبب بــراءيت"، بعد مـا كنـتم تعظمـوين غايـة التعظـيم ، و احتمايل هذه املكاره العظيمة ، الصرب على أذاكم

و نســـيب فـــيكم أفضـــل ، و تفضـــلوين علـــى غـــريي ، و تســـموين األمـــني ، و تصـــفوين باألمانـــةو تعرفون ما جعل اهللا يف من العقل و املعرفة و مكارم األخـالق و حسـن املقاصـد و ، نسب

و ال أريــد أن أصــيب أحــدا ، و أين ال أختــار ألحــد مــنكم ســوءا ، اإلحســان طلــب العــدل و أهــو ســدى لــيس لــه ؛ و إظهــاري لســبهم و شــتمهم ، فاختيــاري للــرباءة ممــا تعبــدون، بشــر

ففــي الســورة دعــاء و بعــث للكفــار إىل طلــب احلــق و ، فــانظروا يف ذلــك. ؟ موجــب أوجبــه ".و معانيها كثرية شريفة يطول وصفها ، هممع ما فيها من كمال الرباءة من، معرفته

. ٥٦١/ ١٦: الفتاوى ١

Page 28: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٣٣

الدليل الثامن سورة عبس

عــبس وتــولى ، أن جــاءه األعمــى ، ومــا يــدريك لعلــه يزكــى ، أو يــذكر (وهــي قولــه تعــاىل

ــه تصــدى ، وأمــا مــن جــاءك يســعى ، وهــو ــذكرى ، أمــا مــن اســتغنى ، فأنــت ل فتنفعــه ال ) .يخشى ، فأنت عنه تلهى

بعــض ينــاجي كــان رســول اهللا صــلى اهللا عليــه وســلم ســبب نزوهلــا أن وقــد ذكــر املفســرون أن، جهــل بــن هشــام والعبــاس بــن عبــد املطلــب عتبــة بــن ربيعــة وأبــو: صــناديد قــريش وقيــل هــم

رضـي فأقبـل إليـه عبـد اهللا بـن أم مكتـوم ، وحيـرص علـيهم أن يؤمنـوا ، وكان يتصـدى هلـم كثـريا ء النيب صلى اهللا ، فجعل عبد اهللا يستقرياجيهم وهو ين ميشي –وهو رجل أعمى –اهللا عنه

فأعرض عنـه رسـول . علمين مما علمك اهللا، يا رسول اهللا : وقال، عليه وسلم آية من القرآن فلمــا ، وأقبــل علــى اآلخــرين ، اهللا صــلى اهللا عليــه وســلم وعــبس يف وجهــه وتــوىل وكــره كالمــه

عــبس وتــولى (عليــه أهلــه أنــزل اهللا قضــى رســول اهللا صــلى اهللا عليــه وســلم وأخــذ ينقلــب إىل ١. )اآليات

:فتأمل هذه السورة جيدا وانظر فيما يلي . أن رسول صلى اهللا عليه وسلم كان يدعو صناديد قريش إىل اإلسالم : أوال أن دخـــول هـــؤالء يف اإلســـالم ســـيكون مكســـبا للمســـلمني ، فســـيدخل أتبـــاعهم يف : ثانيـــا

!.البالء ؛ وقد يزول كلية عن املستضعفني اإلسالم تبعا هلم ، وسيخفأن الرســول صــلى اهللا عليــه وســلم مل يتنــازل هلــم عــن شــيء مــن الــدين مطلقــا ، بــل : ثالثــا

.دعاهم إىل الدين الذي أنزله اهللا إليه أن ابن أم مكتوم رضـي اهللا عنـه مـن ضـعفاء املسـلمني ، ولـيس لـه أتبـاع ، وال حيتـاج : رابعا

. تأليفإىل دعوة ، وال .أن ما كان يسأل عنه ال يفوت بفوات هذا الوقت : خامسا

.ذكر هذه القصة بألفاظ متقاربة مجيع املفسرين تقريبا يف تفسري هذه السورة ١

Page 29: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٣٤

: ومع هذا كله ملا توىل عنه الرسول صلى اهللا عليه وسلم ، وهـو تـول مؤقـت بسـبب هـذه احلـال مـن حرصـه

، ) مصــلحة الــدعوة(علــى دعــوة الكفــار ، ومل يــوال الكفــار ضــده وحاشــاه ، ومــا رآه ظنــه مــن . ه ، ونزل يف هذا قرآن يتلى إىل يوم القيامة ولكن اهللا سبحانه عاتب

فإنـــه عتـــاب مـــن اهللا ســـبحانه ألكـــرم اخللـــق عليـــه ، )عـــبس وتـــولى (وتأمـــل يف قولـــه تعـــاىل وأحبهم له ، سيد ولد آدم ، صاحب املقام احملمـود ، واحلـوض املـورود ، صـلوات اهللا وسـالمه

.عليه ــذكر فتنفعــه أن جــاءه األعمــى ، ومــا (: وتأمــل يف قولــه تعــاىل ــه يزكــى ، أو ي ــدريك لعل ي

، فإــا يف حــق رجــل مســلم ، أعمــى ، ضــعيف ، لــيس لــه أتبــاع ، رضــي اهللا عنــه ، ) الــذكرىولـو كـانوا مـن كـرباء الكفـار –فهذه اآليات تدل على أن القيام حبقـه أعظـم مـن دعـوة أولئـك

.إىل اإلسالم –ر الـــذين أظهـــروا االســـتغناء عـــن أي مـــن الكفـــا) : أمـــا مـــن اســـتغنى(وتأمـــل يف قولـــه تعـــاىل

.وما ذلك إال حلرصه على دعوم إىل اإلسالم ) : فأنت له تصدى(اإلسالم ، وأمــا مــن جــاءك يســعى ، وهــو يخشــى ، : (وتأمــل يف قولــه مــرة أخــرى عــن ذلــك املســلم

) .فأنت عنه تلهىكـان ضـعيفا من املسلمني ولـو ) من خيشى(فعند تقابل الطرفني هنا ، فال بد من تقدمي حق

!.ولو كان غنيا له أتباع ولو كانوا يدعون ) من استغىن(ليس له أتباع ، على حق .كمال مواالة املؤمنني ، وكمال الرباءة من الكافرين : وهذا فيه حتقيق أمرين

فتأمــل يف عتــاب اهللا ســبحانه لنبيــه صــلى اهللا عليــه وســلم مــع أنــه كــان يف أمــر الــدعوة إليــه ، !.ته هذه لو جنحت مكاسب عظيمة ، ومع هذا نزلت هذه السورة وسيتحقق بدعو

:قارن أخي املسلم بني ما سبق ، وبني ما يلي مما ورد يف بيان املثقفني مـن كفـار أمريكـا ، و مـع ذلـك فلـيس فيـه ) مـن اسـتغىن(لــ ) تصـدى(أن ذلك البيـان : أوال

!.حرف واحد يف الدعوة إىل اإلسالم أو التوحيد لــو كــان البيــان –أولئــك الكفــار ) أن ال يتزكــى (ومــع أــم لــيس علــيهم تثريــب يف : ثانيــا

حـــرف نصوصـــا ، وأظهـــر مـــواالة الكفـــار ، : ، ومـــع ذلـــك فـــإن البيـــان –دعـــوة إىل اإلســـالم

Page 30: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٣٥

ومشــاركتهم يف شــعورهم يف مصــائبهم ، وأنكــر اجلهــاد يف ســبيل اهللا ، وحنــو ذلــك ممــا جــاء يف ).من استغىن(ية لـ البيان ، يف لغة اسرتضائ

من الذين حـاولوا نصـرة اإلسـالم باجتهـادهم مـن ) من جاء يسعى ، وهو خيشى(أن : ثالثا ) يتــول(يف وجــوههم فحســب ، ومل ) يعــبس(فــإن البيــان مل –أصــابوا أو أخطــأوا –ااهــدين

عــنهم فحســب ، بــل تكلــم فــيهم ، وواىل الكفــار ضــدهم ، وأقــر ) يتلــه(عــنهم فحســب ، ومل فــار علــى تســميتهم هلــم باإلرهــابيني ، فــذكر للكفــار أــم معنيــون بــاحلرب علــى اإلرهــاب الك

!!.سواء جاء من مسلمني أو غري مسلمني ، وأن جنايتهم فردية ال يؤاخذون امـن (مـن الكفـار علـى ) مـن اسـتغىن(أن هذا البيان كان يف وقت اشتدت فيه سطوة : رابعا .من ااهدين واملسلمني ) خيشى

فمـــن قـــارن بـــني املـــوقفني ، وبينهمـــا مـــا بـــني الســـماء واألرض ، مل يشـــك حلظـــة يف أن هـــذا !.البيان أبعد ما يكون عن شريعة حممد صلى اهللا عليه وسلم

Page 31: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٣٦

الدليل التاسعاتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ال مبدل لكلماته ولن تجد من دونه و (قوله تعالى

ون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وال تعد اصبر نفسك مع الذين يدعملتحدا ، و عيناك عنهم تريد زهرة الحياة الدنيا وال تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان

١)أمره فرطا ، وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

:وقد قيل يف سبب نزوهلا أقوال منها مـــن النـــيب صـــلى اهللا عليـــه وســـلم أن جيلـــس معهـــم إـــا نزلـــت يف أشـــراف قـــريش حـــني طلبـــوا

وليفــرد ، وحــده وال جيالســهم بضــعفاء أصــحابه كــبالل وعمــار وصــهيب وخبــاب وابــن مســعود وال تطــــرد الــــذين يــــدعون ربهــــم (فنهـــاه اهللا عــــن ذلــــك فقـــال ، أولئـــك مبجلــــس علـــى حــــدة

وأصـبر نفسـك مـع (وأمره أن يصرب نفسه يف اجللوس مع هؤالء فقـال )بالغداة والعشي اآلية ) . الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي

عيينة بن حصـن واألقـرع :جاءت املؤلفة قلوم إىل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : وقيل إنـــك لــو جلســـت يف صــدر الـــس وحنيــت عنـــا هـــؤالء ، يـــا رســول اهللا :فقــالوا ، بــن حـــابس

وكانـت علـيهم جبـاب الصــوف مل ، سـلمني يعنـون سـلمان وأبـا ذر وفقـراء امل -وأرواح جبـام واتـل مـا أوحـي (جلسـنا إليـك وحادثنـاك وأخـذنا عنـك فـأنزل اهللا تعـاىل -يكن عليهم غريهـا

).اآليات إليك من كتاب ربك ال مبدل لكلماته ولن تجد دونه ملتحداكنــا مــع النــيب صــلى اهللا عليــه : قــال رضــي اهللا عنــه بــن أيب وقــاص عــن ســعد مســلم وروى. أطــرد هــؤالء ال جيرتئــون علينــا: فقــال املشـركون للنــيب صــلى اهللا عليــه وسـلم ، ســتة نفــر وسـلم فوقــع يف ، وكنــت أنــا وابــن مســعود ورجــل مــن هــذيل وبــالل ورجــالن نســيت امسيهمــا : قــال

فــأنزل اهللا عــز ، فحــدث نفســه ، نفــس رســول اهللا صــلى اهللا عليــه وســلم مــا شــاء اهللا أن يقــع .٢) دعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجههوال تطرد الذين ي(وجل

وال تطرد الذين يدعون ربهـم بالغـداة والعشـي يريـدون وجهـه ( ومثلها اآلية اليت يف سورة األنعام وهي قوله تعاىل ١

.)ن حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمينما عليك من حسابهم من شيء وما م . ٣٨٠/ ٥: ، الدر املنثور ٨١/ ٣: تفسري ابن كثري ، ٤٣٢/ ٦: تفسري القرطيب : انظر ٢

Page 32: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٣٧

: وكلها تتفق على المعنىوذكرت روايات أخرى مشاة ، وهو أن بعض األشراف طلب من النـيب صـلى اهللا عليـه وسـلم شـرطا يف سـبيل الـدخول معـه

ليدعوهم إىل اإلسالم والنظر يف دينه ، وهو أن يطـرد ضـعفاء املسـلمني مـن جملسـه ) حوار(يف .جيعل هلم وقتا آخر أو

:وهذه اآليات عند التأمل تدل على بطالن ما يف بيان املثقفني من وجوه ؛ منها واتـل مـا أوحـي إليـك مـن كتـاب ربـك ال مبـدل لكلماتـه ولـن (قوله تعاىل : الوجه األول

، فقـد أمـر اهللا سـبحانه خـري خلقـه ، وأحرصـهم علـى هدايـة اخللـق ، ) تجد من دونه ملتحداو مــا أوحــي إليــه ، وال يزيــد ، وال يــنقص ، وال يغــري ، حــىت لــو كــان يف ســبيل الــدعوة ، أن يتلــ

وذكـر سـبحانه أنـه ال مبــدل لكلماتـه ، ولـن جيــد مـن دون اهللا سـبحانه مــوئال ، قـال ابـن جريــر :١رمحه اهللا

واتبع يا حممد ما أنزل إليك من كتـاب: يقول تعاىل ذكره لنبيه حممد صلى اهللا عليه وسلم "وال ترتكن تالوته واتباع ما فيه من أمر اهللا ويه والعمل حباللـه وحرامـه فتكـون مـن ، ربك هذا ــــدل ( ، وذلــــك أن مصــــري مــــن خالفــــه وتــــرك اتباعــــه يــــوم القيامــــة إىل جهــــنم؛ اهلــــالكني ال مبف ال مغـري ملـا أوعـد بكلماتـه الـيت أنزهلـا عليـك أهـل معاصـيه والعـاملني خبـال: يقـول )لكلماته

وإن أنـت يـا : يقـول )ولن تجد مـن دونـه ملتحـدا(وقوله الكتاب الذي أوحيناه إليك ،هذا فنالك وعيد اهللا الذي أوعـد فيـه ، حممد مل تتل ما أوحى إليك من كتاب ربك فتتبعه وتأمت به

ألن قـدرة ؛ ومعـدال تعـدل عنـه إليـه ، لن جتد من دون اهللا مـوئال تئـل إليـه ، املخالفني حدوده ".منهم على اهلرب من أمر أراد به ال يقدر أحد، ة بك وجبميع خلقه اهللا حميط

ويف ) واصبر نفسك مع الـذين يـدعون ربهـم بالغـداة والعشـي(قوله تعـاىل : الوجه الثاني : )وال تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي(اآلية األخرى

رد ال يـؤثر فـيهم لقـوة ديـنهم ، فنهاه اهللا سبحانه وتعاىل عن طرد هـؤالء ، ولـو كـان هـذا الطـولــو كــان ملصــلحة الــدعوة وتــأليف الكفــار ؛ فهــذا شــرط الكفــار للــدخول مــع النــيب صــلى اهللا

.٨/٢١٢: تفسري الطربي ١

Page 33: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٣٨

، و النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم مل يكــن ليفعــل ! لــدعوم إىل اإلســالم) حــوار(عليـه وســلم يف :١قرطيب رمحه اهللا ذلك لو فعله إال ملصلحة الدعوة ، ورغبة يف هداية أولئك ، كما قال ال

، وإسـالم قـومهم ، يف إسالمهم وكان النيب صلى اهللا عليه وسلم إمنا مال إىل ذلك طمعا "، فـأنزل اهللا اآليـة ، فمـال إليـه ، وال يـنقص هلـم قـدرا ، ورأى أن ذلك ال يفوت أصحابه شيئا

". ال أنه أوقع الطرد، فنهاه عما هم به من الطرد مداهنة للكفار يف هذا ، وال تغيري للشريعة من أجلهم ، وال مـواالة ومع أنه لن يكون هناك

هلــم ضــد املســلمني ، و ال حتريــف للنصــوص مــن أجلهــم ، فقــد ــاه اهللا ســبحانه عــن ذلــك ، !.وأمره أن يصرب نفسه مع املؤمنني ولو مل يؤمن أولئك

لحيـاة الـدنيا وال وال تعـد عينـاك عـنهم تريـد زهـرة ا(أن اهللا سـبحانه قـال : الوجه الثالـث ) : تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا

: ٢قال ابن كثري رمحه اهللا وال جتـاوزهم إىل : قـال ابـن عبـاس )وال تعد عيناك عنهم تريد زينـة الحيـاة الـدنيا(وقوله "

)عـن ذكرنـاوال تطع من أغفلنا قلبه (، يعين تطلب بدهلم أصحاب الشرف والثروة ، غريهم أعمالــه وأفعالـــه ســـفه : أي )وكــان أمـــره فرطـــا(، شــغل عـــن الــدين وعبـــادة ربــه بالـــدنيا : أي

".وال تكن مطيعا له وال حمبا لطريقته وال تغبطه مبا هو فيه ، وتفريط وضياع مــــن تــــأليفهم ، ٣ومــــع أن طاعــــة هــــؤالء الكفــــار يف هــــذه املســــألة ســــتحقق مصــــلحة دعويــــة

يتبعــوم ، ومــع أن النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم لــن يغــري يف الشــرع مــن وتــأليف أقــوامهم الــذين أجــل اسرتضــائهم وحتبيــبهم إىل اإلســالم ، ومــع أنــه ســيكل ضــعفاء املســلمني إىل إميــام فلــن يــؤثر فــيهم هــذا العمــل ، فقــد ــاه اهللا ســبحانه عــن ذلــك ، بــل وذم الكفــار الــذين طلبــوا هــذه

!.األشياء وتوعدهم أشد الوعيد

. ٦/٤٣١: تفسري القرطيب ١ . ٨٢/ ٣: تفسري ابن كثري ٢يف مقـام الـرد فـال أقصـد ـا املصـلحة احلقيقيـة ، ) مصـلحة الـدعوة(فيهـا كرت ذ أريد أن أنبه هنا إىل أن أي مجلة ٣

الشــرع ، وإمنــا أقصــد ــا املصــاحل الدعويــة املوهومــة الــيت يقــول ــا كثــري مــن فســيعتربها ألــا إذا كانــت مصــلحة حقيقيــة .سبق التنبيه على هذا وقد) !!مصلحة الدعوة(الدعاة يف وقتنا ، حبيث خيالفون النصوص الصرحية الصحيحة حبجة

Page 34: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٣٩

-وتأمل أخي املسلم آييت األنعام والكهف ، فإن هؤالء الكفار اشرتطوا هذا الشرط امليسر مـع الرسـول صـلى اهللا عليـه ) حـوار(مـن أجـل الـدخول يف - ١الذي ال أثر له يذكر يف الـدعوة

عنــد كثــري مــن أهــل زمننــا ، مث ) ظــاهرة(وســلم لــدعوم إىل اإلســالم ، وهــذه مصــلحة دعويــة وهــو يف ســبيل –ر الــذي ــى اهللا ســبحانه رســوله صــلى اهللا عليــه وســلم عنــه قــارن هــذا األمــ

الـــذين أغفـــل اهللا : (مبـــا ورد يف بيـــان املثقفـــني مـــن مشـــاركة للكفـــار –الــدعوة وتـــأليف الكفـــار يف مصـائبهم ، واحـرتامهم ) شـعورهم(يف ) قلوم عن ذكره وأتبعوا أهواءهم وكان أمـرهم فرطـا

، ودعوم لالعرتاف م ، والتودد إليهم ، بل وتأييـدهم علـى حـرم هلم ، وبيان قرم منهم .٣!!حتت مسمى اإلرهابيني) ٢الذين يدعون رم بالغداة والعشي يريدون وجهه(للمجاهدين

أنــه بعــد أن ــى اهللا ســبحانه نبيــه عــن قبــول شــرط الكفــار هــذا للــدخول يف : الوجــه الرابــع، وهـذا أمـر ) بكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفـروقل الحق من ر (معه ، قال ) حوار(

للنيب صلى اهللا عليه وسلم أن يقول هلؤالء الـذين اشـرتطوا هـذا الشـرط أن يقـول هلـم احلـق كمـا جـــاءه مـــن رب العـــاملني ، بـــال زيـــادة ، وال نقصـــان ، وال تغيـــري ، وال حتريـــف ، ولـــو كـــان هـــذا

شــاء فليكفــر ، ومــن كفــر فــإن جــزاءه سيصــدهم عــن الــدين ، فمــن شــاء مــنهم فليــؤمن ، ومــن، وهـذا ) اآليـة...إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها : (مذكور يف قوله بعد ذلـك

.املطلوب ممن يريد اإلقتداء مبحمد صلى اهللا عليه وسلم

!!.أعين يف بداية األمر ، وإال فبعد النهي عنه يكفي فيه من املفاسد جمرد خمالفة النهي ١ .ومن صلى اخلمس فإنه يدعو ربه بالغداة والعشي حنسبهم كذلك ، ٢ .!!فيه دعوة للكفار إىل اإلسالم هذا كله ، وليس يف البيان حرف واحد ٣

Page 35: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٤٠

العاشرالدليل

قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي اهللا عنه

بعثـين : قـال -يف غـزوة الفـتح –رضي اهللا عنه يف الصحيحني عن عليوقصته كما وردت انطلقـوا حـىت تـأتوا روضـة خـاخ ؛ : أنا والـزبري واملقـداد ، فقـال صلى اهللا عليه وسلم رسول اهللا

فانطلقنـا تعـادى بنـا خيلنـا حـىت أتينـا الروضـة ، فـإذا . فإن ا ظعينة معها كتـاب فخـذوه منهـا الكتـاب ، لتخـرجن: قلنـا . مـا معـي كتـاب : الـت ق. أخرجـي الكتـاب : حنن بالظعينة ، قلنا

فأخرجـت الكتـاب مـن عقاصـها ، فأخـذنا الكتـاب فأتينـا بـه رسـول : قال . أو لتلقني الثياب مــن حاطــب بــن أيب بلتعــة إىل أنــاس مــن املشــركني مبكــة : ، فــإذا فيــه صـلى اهللا عليــه وســلم اهللا

: صـلى اهللا عليـه وسـلمال رسـول اهللا ، فقـصـلى اهللا عليـه وسـلم خيربهم ببعض أمر رسـول اهللا . يا حاطب ، ما هذا ؟

ال تعجل علي ، إين كنت أمرءا ملصقا يف قريش ، ومل أكن مـن أنفسـهم ، وكـان مـن : قال معــك مــن املهــاجرين هلــم قرابــات حيمــون أهلــيهم مبكــة ، فأحببــت إذ فــاتين ذلــك مــن النســب

ا فعلت ذلك كفرا وال ارتـدادا عـن ديـين وال رضـا فيهم أن أختذ فيهم يدا حيمون ا قرابيت ، وم . بالكفر بعد اإلسالم

.إنه صدقكم : صلى اهللا عليه وسلمفقال رسول اهللا .فقد كفر : ويف رواية . دعين أضرب عنق هذا املنافق : فقال عمر

إىل إنــه قــد شــهد بــدرا ، ومــا يــدريك لعــل اهللا اطلــع : صــلى اهللا عليــه وســلمفقــال رســول اهللا .اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم : أهل بدر فقال

يا أيها الذين آمنوا ال تتخـذوا عـدوي �: ونزل يف شأن حاطب رضي اهللا عنه قوله تعاىل وعدوكم أولياء تلقـون إلـيهم بـالمودة وقـد كفـروا بمـا جـاءكم مـن الحـق يخرجـون الرسـول

سـبيلي وابتغـاء مرضـاتي تسـرون وإياكم أن تؤمنوا بـاهللا ربكـم إن كنـتم خـرجتم جهـادا فـي إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقـد ضـل سـواء السـبيل

Page 36: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٤١

، إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم ألسنتهم وودوا لو تكفرون ، لـن � بصيرتنفعكم أرحامكم وال أوالدكم يوم القيامة يفصل بينكم واهللا بما تعملون

تأمـل أخــي املسـلم يف قصــة حاطـب رضـي اهللا عنــه ويف هـذه اآليـات الــيت نزلـت فيــه : قلـت :وتأمل ما يلي

إن حاطبـا رضــي اهللا عنــه مــن الســابقني األولــني ، ومــن املهــاجرين ، ومــن أهــل بــدر ، : أوال اهده ، وبيعــة الرضــوان ، ومــن أهــل اجلنــة ، وممــن ناصــر الرســول صــلى اهللا عليــه وســلم يف مشــ

.وفضائله معروفة إنــه رضــي اهللا عنــه ناصــر الرســول صــلى اهللا عليــه وســلم يف هــذه الغــزوة كغريهــا مــن : ثانيــا

.الغزوات بنفسه وماله ، وهو صادق بار يف ذلك إن كتابه إىل املشركني إمنا هـو إفشـاء لسـر الرسـول صـلى اهللا عليـه وسـلم فقـط ، كمـا : ثالثا

، وليس فيه إعانة أو ) خيربهم ببعض أمر الرسول صلى اهللا عليه وسلم: (ورد يف هذا احلديث :، بل ورد يف السري أن نص هذا الكتاب ١تأييد للكفار على املسلمني

جـاءكم جبـيش كالليـل ، صـلى اهللا عليـه وسـلم أما بعـد ، يـا معشـر قـريش ، فـإن رسـول اهللا"ز لــــه وعــــده ، فــــانظروا ألنفســــكم يســــري كالســــيل ، فــــواهللا لــــو جــــاءكم وحــــده لنصــــره اهللا وأجنــــ

!.، وهذا إىل التخويف واإلرهاب ألعداء اهللا أقرب ٢."والسالممـن ) مكـة(املوجودة يف ) األقليات(إن ما فعله حاطب إمنا فعله تأوال ليحمي بعض : رابعا

أعداء اهللا ؛ فقد علم أن اهللا مظهر دينه وناصر رسـوله كمـا قـال ، وهـذا الكتـاب لـن ينتفـع بـه ، وستنتفع به )لمت أن كتايب ال يغين عنهم شيئا وقد ع(املشركون كما جاء يف بعض الروايات

) . مكة(يف ) األقلية(تلك

هنا حيتمل مظاهرة الكفار ، وحيتمل أن يكون دون ذلك ؛ فلما استفسر منـه الرسـول صـلى اهللا ففعل حاطب ها ١

عليه وسلم تبني أنه مل يظاهر الكفار عليه ، وقارن هذا بفعل الرسول صلى اهللا عليه وسلم مع العباس رضي اهللا عنه ملـا قبـل عــذره ، وقـد فصــلت الكــالم علـى هــذا األمــر يف قاتـل مــع املشـركني يف بــدر فــإن فعلـه ملــا مل حيتمـل غــري املظــاهرة مل ي

.فراجعهما إن شئت ) الوقفات(و ) التبيان( . ٥٢٠/ ٧: فتح الباري ٢

Page 37: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٤٢

وعــذر حاطــب مــا ذكــره ، فإنــه صــنع ذلــك متــأوال أال ضــرر فيــه ، : "١قــال احلــافظ رمحــه اهللا موا مكـة طـائعني بـال وقد يكون تأول مع سالمة قرابته بذلك يلقي اهللا الرعب يف قلـوم فيسـل

" .قتالومع هذا كله ؛ فقد استنكر الرسول صلى اهللا عليه وسلم فعلـه ، وسـأله عـن هـذا : خامسا

الكتاب ، ودافـع عـن نفسـه ، وذكـر أنـه متـأول ، ونفـى الكفـر والـردة ، وامـه عمـر رضـي اهللا وي وعـدوكم أوليـاءيـا أيهـا الـذين آمنـوا ال تتخـذوا عـد(عنه بالنفاق ، ونزل فيه قولـه تعـاىل

).اآلياتمــع -إن جمــرد مكاتبــة حاطــب لكفــار مكــة بســر الرســول صــلى اهللا عليــه وســلم : سادســا

صـــدقه ، وصـــالحه ، وجهـــاده ، وهجرتـــه ، وتأولـــه ، وإرادتـــه محايـــة أقاربـــه ، ويقينـــه بنصـــر اهللا ســـلم يف للمســلمني ، وبغضـــه للكفـــار ، وقتالـــه هلـــم ، بــل ومناصـــرته للرســـول صـــلى اهللا عليـــه و

يــا أيهــا الــذين آمنــوا ال (جعلــه اهللا مــن مــواالة الكفــار فقــال -نفــس الغــزوة الــيت أفشــى ســرهافجعـل كتابتـه إىل الكفـار ) تلقـون إلـيهم بـالمودة: (، وقال ) تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء

:٢ ذا إلقاء باملودة إليهم ، مع أنه صادق يف نفي ما ام به ، كما قال القرطيب رمحه اهللاــالمودة( قولــه تعــاىل" ــيهم ب ، ألن قلــب حاطــب كــان ســليما؛ بالظــاهر : يعــين )تلقــون إل

وهــذا نــص يف ، أمــا صــاحبكم فقــد صــدق :بــدليل أن النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم قــال هلــم ".وخلوص اعتقاده، سالمة فؤاده

صـنع حاطـب فلو أن رجال من أصدق الناس و أتقاهم وأكثرهم جهادا ويقينا صنع مثل مارضــي اهللا عنــه متــأوال ، وال يريــد بــذلك مناصــرة الكفــار علــى املســلمني ، وال تــوليهم ، لكــان

.فعله مواالة هلم ولو نفاه عن نفسه ، وإلقاء باملودة إليهم ، كما جاء ذلك يف القرآن الـــذين مل بلـــغ فســـادهم وإفســـادهم –فكيـــف مبـــن كاتـــب ألـــد أعـــداء اهللا مـــن كفـــار أمريكـــا

، ويف الوقـت الـذي يقـاتلون فيـه ااهـدين ، بـل –م ما تضج منـه السـماوات واألرض وكفرهيشاركوم فيـه الشـعور : وغريهم من املسلمني من الشيوخ والعجائز واألطفال يف شىت البلدان

مبصيبتهم ، ويؤيدوم على حرب ااهدين الذين مسوهم اإلرهـابيني ، ويـدعون قـرم مـنهم ،

. ٦٣٤/ ٨: الباري فتح ١ . ٥٢/ ١٨: القرطيب ٢

Page 38: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٤٣

سسـا مشـرتكة ، وأـم يرغبـون التعـايش معهـم ، واالعـرتاف مـنهم ، إىل غـري ذلـك وأن بينهم أ .١!مما ورد يف بيان املثقفني ، مما هو أعظم وأطم باآلف املرات مما ورد يف كتاب حاطب ؟

فو اهللا لو كان هلم من الفضائل ما ألهل بدر ، وتأولوا يف هـذا البيـان كتـأول حاطـب رضـي !!. ٢علهم هذا من مواالة الكفار ، وإلقاء املودة إليهماهللا عنه ، ملا خرج ف

ف يف جـــواز قتـــال املنتســـبني إىل اإلســـالم مـــن األمـــريكيني يف صـــفو القرضـــاوي وانظـــر إىل فتـــوى شـــيخ العصـــرانيني ١

مفسدة مواالة أعداء اهللا : تقتضي هذا ، فهنا تقابلت مفسدتان ) املصلحة(األمريكان ضد املسلمني يف أفغانستان ألن وطــــردهم مــــن وظــــائفهم وحنــــو ذلــــك ، ) أمريكــــا(وتــــوليهم والقتــــال يف صــــفوفهم ، ومفســــدة الشــــك يف والئهــــم لــــوطنهم

يظهر أن مفسدة الطـرد مـن الوظيفـة والشـك يف الوطنيـة ) : آلة حاسبة بدونعملية قسمة وطرح يسرية جدا (وبالرتجيح !! .أعظم لذلك جيوز هلم القتال يف صفوف الكفار

الرسـول صـلى اهللا عليـه وسـلم ، ومـع هفإن حاطبـا رضـي اهللا عنـه كمـا سـبق مـن أهـل بـدر ، وكـان متـأوال ، وصـدق ٢، فجعلـه مـع تأولـه ) دوكم أولياء تلقون إليهم بالمودةيا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي وع(ذلك نزل قوله تعاىل

وصدقه وسابقته وتصديق الرسول صلى اهللا عليه وسلم له متخذا ألعداء اهللا أولياء ، ملقيا إليهم باملودة ، وما يف كتابـه .!ال يبلغ عشر معشار ما يف بيان املثقفني

Page 39: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٤٤

الدليل الحادي عشر

)يسألونك عن الشهر الحرام(قوله تعالى

يسألونك عـن الشـهر الحـرام قتـال فيـه قـل قتـال فيـه كبيـر وصـد عـن سـبيل (قوله تعاىل مـن القتـل وال اهللا وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اهللا والفتنة أكبر

يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت ولئـك حبطـت أعمـالهم فـي الـدنيا واآلخـرة وأولئـك أصـحاب النـار هـم فيهـا وهو كـافر فأ

خالــدون ، إن الــذين آمنــوا والــذين هــاجروا وجاهــدوا فــي ســبيل اهللا أولئــك يرجــون رحمــة ) . رحيماهللا واهللا غفور : ١و سبب نزوهلا

بعــث يف رجــب عبــد اهللا بــن جحــش األســدي ومعــه مثانيــة أن الرســول صــلى اهللا عليــه وســلم وكتب لعبد اهللا بن جحش كتابا وأمره أال ينظر فيه حىت يسري يومني مث ،رجال من املهاجرين

ل عبـد اهللا ففعـ -وكـان أمـريهم -ينظر فيه فيمضى ملا أمـر بـه وال يسـتكره أحـدا مـن أصـحابه إذا نظـرت يف كتـايب هـذا فـامض: "فلمـا فـتح الكتـاب وقـرأه وجـد فيـه ، بن جحش ما أمر بـه

فلما قرأ الكتاب ،" حىت تنزل خنلة بني مكة والطائف فرتصد ا قريشا وتعلم لنا من أخبارهممث أخــرب أصــحابه بــذلك وبأنــه ال يســتكره أحــدا مــنهم وأنــه نــاهض لوجهــه ، قــال مسعــا وطاعــة

كلنـا نرغــب فيمـا ترغــب فيـه ومــا منـا أحــد إال وهـو ســامع مطيـع لرســول : فقــالوا ، ن أطاعـه مبـونفـذ عبـد اهللا بـن جحـش مـع ، وضـوا معـه فسـلك علـى احلجـاز ، اهللا صلى اهللا عليه وسـلم

عمـرو بـن : فمـرت ـم عـري لقـريش حتمـل زبيبـا وجتـارة فيهـا ، سائرهم لوجهه حـىت نـزل بنخلـة ، بـن عبـد اهللا بـن املغـرية املخزوميـان ، وأخـوه نوفـل بن عبد اهللا بـن املغـرية وعثمان ،احلضرمي

حنـن يف آخـر يـوم مـن رجـب : وقالوا ، فتشاور املسلمون ، واحلكم بن كيسان موىل بىن املغرية

مجيعا أن هذه اآلية نزلت على رسول اهللا يف سبب قتل ابن وال خالف بني أهل التأويل": رمحه اهللا قال ابن جرير ١

، زاد ١/٢٥٣: ، تفسري ابن كثري ٤٤/ ٣: ، تفسري القرطيب ٢/٣٦٠: تفسري الطربي : ، وانظر "احلضرمي وقاتله . ٣/١٦٨: املعاد

Page 40: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٤٥

. تركنـاهم الليلـة دخلـوا احلـرم وإن، الشهر احلرام فإن حنن قاتلنـاهم هتكنـا حرمـة الشـهر احلـرام وأســروا ، عمـرو بـن احلضـرمي فقتلـه فرمـى واقـد بـن عبــد اهللا التميمـي ، علـى لقـائهممث اتفقـوا

مث قــــدموا بــــالعري ، وأفلــــت نوفــــل بــــن عبــــد اهللا ، واحلكــــم بــــن كيســــان ، عثمــــان بــــن عبــــد اهللا وعمرو بن احلضرمي أول قتيـل ، وأول أمري ، وهى أول غنيمة غنمت يف اإلسالم ،واألسريين

، وأىب أن يأخـذ ى اهللا عليـه وسـلم قتـل ابـن احلضـرمي يف الشـهر احلـرام وأنكر رسـول اهللا صـل، ، وظنـــوا أـــم قـــد هلكـــوا ، وعـــنفهم إخـــوام مـــن املســـلمني ، فســـقط يف أيـــدي القـــوم شـــيئا ،

وأخــذوا فيــه ، وســفكوا فيــه الــدم ، قــد اســتحل حممــد وأصــحابه الشــهر احلــرام : وقالــت قــريش يسـألونك عـن الشـهر الحـرام قتـال فيـه (زل اهللا عـز وجـل فـأن، وأسروا فيـه الرجـال، األموال

.الفداء يف األسريينالعري ، وقبل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ، وقبض) اآليةإن الــذين (إن ســلموا مــن الــوزر فلــيس هلــم أجــر ، فــأنزل اهللا : إن مــنهم مــن قــال : مث قيــل

).ن رحمة اهللا واهللا غفور رحيمآمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اهللا أولئك يرجو :١قال ابن جرير رمحه اهللا

ــه: (يــا حممــد )قــل(" ــال في ــر(، يف الشــهر احلــرام : يعــين )قت اهللا عنــدعظــيم : أي ) كبيقـل (وإمنـا قـال القتـال فيـه كبـري ،: قتـال فيـه قـل : ومعىن قولـه ، استحالله وسفك الدماء فيه

فيلقـى الرجـل قاتـل أبيـه أو أخيـه فيـه ، تقـرع فيـه األسـنة ألن العـرب كانـت ال )قتال فيـه كبيـرلســكون أصــوات الســالح وقعقعتــه فيــه ؛ ) األصــم (مضــر وتســميه ، تعظيمــا لــه ؛ فــال يهيجــه

وإخــراج أهــل ، وعــن املســجد احلــرام ، وكفــر بــه ، وصــد عــن ســبيل اهللا : وتأويــل الكــالم ...ابتــدأ مث... ، هللا مــن القتــال يف الشــهر احلــراما عنــد أكــرب ، وهــم أهلــه ووالتــه ، املســجد احلــرام

يعـين ؛ الشـرك أعظـم وأكـرب مـن القتـل : يعـين )والفتنة أكبر مـن القتـل(اخلرب عن الفتنة فقال ".استنكرمت قتله يف الشهر احلرام من قتل ابن احلضرمي الذي

:فبالتأمل يف قصة هؤالء الصحابة رضوان اهللا عليهم وما جرى هلم يتضح ما يلي أن هــؤالء الصــحابة رضــوان اهللا علــيهم أقــدموا علــى القتــال يف الشــهر احلــرام مــع أــم : أوال

حنــن يف آخــر يــوم مــن رجــب الشــهر احلــرام فــإن حنــن قاتلنــاهم : يعرفــون حرمتــه ؛ ألــم قــالوا . تركناهم الليلة دخلوا احلرم وإن، هتكنا حرمة الشهر احلرام

.وما بعدها ٢/٣٥٩:تفسري الطربي ١

Page 41: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٤٦

بذلك نصرة اإلسالم ، ومل يستشريوا الرسـول صـلى اهللا عليـه ولكنهم تأولوا وتشاوروا يريدون .وسلم يف ذلك

انتهكوا األعــراف الدوليــة ذلــك قــاتلوا يف الشــهر احلــرام مــع حرمــة القتــال فيــه ، فــأــم : ثانيــا .لعري وأخذوا الرجلني ، وأسروا اابن احلضرمي ، وقتلوا الوقت عند العرب ،

ا العمــل ، فرمــوا الرســول صـــلى اهللا عليــه وســلم باســـتحالل أن قريشــا اســتنكرت هـــذ: ثالثــا اسـتغلها كفــار مكــة ) ضــجة إعالميــة(الشـهر احلــرام وسـفك الــدماء فيــه ، فقـد أحــدث عملهـم

!.ضد املسلمنيأن الرسول صلى اهللا عليه وسلم نفسه استنكر هذا العمـل ، ورفـض أن يأخـذ مـنهم : رابعا

.شيئا ، وعنفهم املسلمونيعـين ) يسـألونك عـن الشـهر الحـرام قتـال فيـه (مث نزل قول اهللا سبحانه وتعـاىل : خامسا

وهـذا ) قل قتـال فيـه كبيـر (، ؟ ، وما حكم ما صنعه هـؤالءما حكم القتال يف الشهر احلرام إقــرار بــأن مــا فعلــه هــؤالء الصــحابة رضــوان اهللا علــيهم كبــري ، ومل يــذكر اهللا ســبحانه أكثــر مــن

، وكفر بـه ، وصد عن سبيل اهللا ( :ااهدين ، مث قال عن الكفـار نع) كبير( هذه احلرففهـذه األمـور الـيت تفعلوـا مـن الصـد ) وإخراج أهلـه منـه أكبـر عنـد اهللا، والمسجد الحرام

م أكـرب عنــد اهللا ممـا فعــل املسـلمون ، مث قــالالكفــر بـه وإخــراج املسـلمني مــن بلـدكعـن سـبيله و الفتنـة الشـرك كمـا ذكـره اجلمهـور ، وهـذا يعـين أن الكفـر والشـرك و ) والفتنة أكبر مـن القتـل(

وال يزالـــون ( الـــذي أنـــتم عليـــه أعظـــم مـــن هـــذا القتـــل ، مث قـــال عـــن عـــداء الكفـــار للمســـلمنيليحــذر املســلمني مــنهم ، مث قــال ) اآليــةيقــاتلونكم حتــى يــردوكم عــن ديــنكم إن اســتطاعوا

إن الذين آمنوا والـذين هـاجروا ( يف الشهر احلرامعن أولئك ااهدين الذين تأولوا يف قتاهلم ) . وجاهدوا في سبيل اهللا أولئك يرجون رحمة اهللا واهللا غفور رحيم

فـــانظر كيـــف كـــان قـــول أحكـــم احلـــاكمني يف هـــذا األمـــر ، فإنـــه ســـبحانه أقـــر الكفـــار علـــى كفــر أعــداء اهللا انتهــاك ااهــدين للشــهر احلــرام ، إال أنــه ســبحانه مل يــذم ااهــدين ، بــل ذكــر

وظلمهم وأنه أكرب من هذا الذي يعريون به ااهدين ، وأن كفرهم وشـركهم أعظـم مـن القتـل .، مث حذر منهم وبني شدة عداوم ، مث بشر أولئك ااهدين بالرمحة واملغفرة

Page 42: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٤٧

:١قال ابن القيم رمحه اهللا يف هذه اآليات ء، ومل يـــــربيعدائـــــه بالعـــــدل واإلنصـــــاف واملقصـــــود أن اهللا ســـــبحانه حكـــــم بـــــني أوليائـــــه وأ"

وأن مــا عليــه أعــداؤه ، بــل أخــرب أنــه كبــري ،أوليــاءه مــن ارتكــاب اإلمث بالقتــال يف الشــهر احلــرام أحـق بالـذم والعيـب والعقوبـة ، فهـم ، املشركون أكـرب وأعظـم مـن جمـرد القتـال يف الشـهر احلـرام

مقصـــرين نـــوع تقصـــري يغفـــره اهللا هلـــم يف أو، ســـيما وأوليـــاؤه كـــانوا متـــأولني يف قتـــاهلم ذلـــك الفهـم كمـا قيـل ، جنب ما فعلوه مـن التوحيـد والطاعـات واهلجـرة مـع رسـوله وإيثـار مـا عنـد اهللا

: جاءت حماسنه بألف شفيع***وإذا احلبيب أتى بذنب واحد

". فكيف يقاس ببغيض عدو جاء بكل قبيح ومل يأت بشفيع واحد من احملاسنإىل هذا الكالم النوراين ، وقارن ما جـاء يف هـذه –أنار اهللا بصريتك – فانظر أخي املوحد :وموقفهم من ااهدين ، والكافرين ، ترى األمر كما قيل ) بيان املثقفني(احلادثة مبا جاء يف

وآخر منهم سالك جند كبكب*** فريقان منهم سالك بطن خنلة يـــات اجلهـــاد وأحاديثـــه متـــواترة ، فـــرأوا أـــم فـــإن ااهـــدين الـــذين ضـــربوا أمريكـــا تـــأولوا ، وآ

قـادرون علــى ضــرا مـن بــاب ردعهــا عـن االعتــداء ، فهــبهم أخطـأوا يف ذلــك ، وأــم انتهكــوا كمــا فعــل عبــد اهللا بــن جحــش رضــي ٢)حتــرمي قتــل املــدنيني(العــرف الــدويل العــام هــذا الــزمن يف

بشــأن الوقــت يف ذلــك ٣يل الشــرعي املقــرون بالــدلاهللا عنــه وأصــحابه يف انتهــاك العــرف الــدويل الشهر احلرام ، وهبهم مل يستشريوا أهل العلم كما مل يستشر عبد اهللا وأصحابه الرسـول صـلى

: اهللا عليه وسلم ، فالواجب أن حيكم املسلمون حبكم اهللا سبحانه يف هذا األمر

. ١٧٠/ ٣: زاد املعاد ١حمـارب ، ومعاهــد ، واحملـاربون مـن الكفـار جيـوز قــتلهم : يف الشـرع مـدين وغــري مـدين ، بـل يوجـد مـع أنـه ال يوجـد ٢

، كقـتلهم تبعـا لغـريهم ، أو إذا علـى تفصـيالت مـذكورة يف كتـب الفـروع ، مطلقا إال الشيوخ والنسـاء واألطفـال وحنـوهم حملارب فيجوز قتله وإن كـان يسـمى مـدنيا يف عـرف ترتس العدو م ، أو عند اإلغارة ، وحنو هذا ، أما الشاب الكافر ا

.!هؤالء ، كما هو احلال يف دولة اليهود خبالف األعراف الدولية يف هذا الزمن ؛ فإـا عـالوة علـى أن كثـريا منهـا لـيس عليـه دليـل شـرعي ، بـل الـدليل علـى ٣

لـــوم ، وحيرمـــون مـــا يســـمونه باإلرهـــاب نقضـــيه ، فـــإم مـــع ذلـــك حيرمـــون مـــا يســـتحلونه ، فيحرمـــون قتـــل املـــدنيني ويقت .، وهكذا والناشرون هلاويفعلون أشد أنواعه ، وحيرمون أسلحة الدمار الشامل وهم خزنتها

Page 43: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٤٨

، ٢يكـــان، إال أن كفـــركم أيهـــا األمر –كلمـــة واحـــدة فقـــط – ١فعـــل هـــؤالء كبـــري: فيقـــالوخبثكم ، وصدكم عن سبيل اهللا ، وعن اجلهاد يف سبيله ، وحربكم للمسلمني يف كل مكان ، وحصاركم هلم ، واحتاللكم ألراضيهم ، وبكم لثروام ، وفسادكم ، ونشركم للفساد عـرب

أكـــرب مـــن ) الفتنـــة(إعالمكـــم ، وإعـــانتكم لليهـــود واملنـــافقني ، وغـــري ذلـــك أكـــرب عنـــد اهللا ، و ، مث حيذر منهم ومن عداوم للمسلمني ، وحيذر من االرتداد عن الدين الـذي يكثـر ) قتلال(

.وقت الفنت ، مث يدعى للمجاهدين املتأولني بالرمحة واملغفرة أمـا اسرتضـاء الكفــار ، ومشـاركتهم يف مشــاعرهم ، وتقـريبهم ، والبحـث معهــم عـن األســس

، والــزعم ) ااهــدين(تأييــدهم علــى اإلرهــابيني املشــرتكة ، وطلــب احلــوار والتعــايش معهــم ، و أــم يشــكلون مشــكلة حقيقيـــة يف العــامل ، وغريهــا ، فليســت مـــن الشــرع يف شــيء ، والشـــرع

.منها براء ، واهللا املستعان

.هذا على التسليم بأن فعلهم خطأ ١إن كفر قريش مل خيرج عن حـدود ديـارهم ، أمـا هـؤالء فلـم يبـق علـى وجـه األرض بقعـة تقريبـا إال ودخلهـا خبـثهم ٢ .فرهم وك

Page 44: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٤٩

عشر الثانيالدليل آيات النهي عن مواالة الكفار

:منها : وهي كثرية جدا

ه ل و سـر و اهللا اد حـ ن مـ ن و اد و يــ ر اآلخـ م و اليـ بـ و اهللا بـ ون ن م ؤ يـ ا م و قـ د ال تج◌ : (قوله تعاىل ــبـ أ و أ م ه اء وا آبــان كــ و لــو يــا أيـهــا الــذين ( قولــه تعــاىل ، و )م ه تـ ر يـ شــع و أ م ه انـ و خــإ و أ م ه اء ن

رى أوليـاء بـعضـهم أوليـاء بـعــض ومـن يـتــولهم مـنكم فإنــه آمنـوا ال تـتخـذوا اليـهـود والنصــاهم إن الله ال يـهدي القوم الظالمين يـا أيـهـا الـذين آمنـوا ال تـتخـذوا (قولـه تعـاىل ، و ) منـ

بلكم والكفار أولياء واتـقوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قـال يـتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين (قوله تعاىل ، و ) الله إن كنتم مؤمنين

ليس مـن ا هم تـقـاة ويحـذركم اللـه نـفسـه ومن يـفعل ذلك فـ للـه فـي شـيء إال أن تـتـقـوا مـنــــى اللـــه المصـــير ـــذابا أليمـــا ، الـــذين (قولـــه تعـــاىل ، و ) ◌ وإل ـــم ع ـــأن له ـــافقين ب ـــر المن بش

، ) مؤمنين أيـبتـغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا يـتخذون الكافرين أولياء من دون ال ــيطان ســول (قولـه تعـاىل ن لهــم الهـدى الشوا علــى أدبـارهم مــن بـعـد مــا تـبــيــذين ارتـدال إن

الوا للذين كرهوا مـا نــزل اللـه سـنطيعكم فـي بـعـض األمـر لهم وأملى لهم ، ذلك بأنـهم ق ــرارهم ــم إس ــدوكم (قولــه تعــاىل ، و ) واللــه يـعل ــدوي وع ــوا ال تـتخــذوا ع ــا الــذين آمن ــا أيـه ي

ال تـتـولوا قـوما غضب الله علـيهم قـد يئسـوا (ه تعـاىل قول، و ) أولياء تـلقون إليهم بالمودة يا أيـها الذين آمنوا ال (قوله تعاىل ، و ) ◌ من اآلخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور

ــاء إن اســتحب ــاءكم وإخــوانكم أولي ــنكم تـتخــذوا آب ــولهم م ــن يـتـ ــان وم يم ــى اإل ــر عل وا الكفيا أيـها الذين آمنوا ال تـتخذوا الكافرين أولياء مـن (قوله تعاىل ، و ) فأولئك هم الظالمون

يـا أيـهـا الـذين (قولـه تعـاىل ، و ) سلطانا مبينـا دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم .، وغريها من اآليات ) آمنوا ال تـتخذوا بطانة من دونكم ال يألونكم خباال

وحتث املسـلمني علـى ) بعض األمر(وكثرة اآليات القرآنية اليت حتذر من تويل الكفار ولو يف تدل داللة واضحة على خطر هذه املواالة علـى املـؤمنني ، ومـواالة الكفـار ليسـت البعد عنهم

Page 45: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٥٠

علــى رتبــة واحــدة ، بــل علــى رتــب متفاوتــة ، بعضــها مــن كبــائر الــذنوب ، وبعضــها يصــل إىل .١الكفر

احــــرتامهم ، : ، ومنهــــا ) بيــــان املثقفــــني(وقــــد ســــبق أن ذكرنــــا بعــــض صــــور املــــواالة الــــيت يف لسعي لوضع أسس مشرتكة بينهم ، وقبـول التعـايش معهـم ، وغـري ذلـك ، وتقريبهم إليهم ، وا

:وأكتفي بذكر صورتني مما ورد ــئن كــان الغــرب يعتبــر أحــداث الحــادي عشــر مــن ســبتمبر تتجــه : (قــوهلم : األولــى ول

وحتـى الموقـف فـي ، لزعزعة األمن المدني في الغرب فمن الممكن أن نشـاركه الشـعور ) . في العالم ٢رفض ضرب األمن المدني

أعداء اهللا ورسوله من الكفار الـذين سـاموا املسـلمني ومن أخطر األمور على املسلم مشاركة . ٣!يف شعورهم يف مشارق األرض ومغارا سوء العذاب

التبيـان ( هـا إن شـئت يفمعاملة مكفرة ، ومعاملة حمرمة ، ومعاملة مباحـة ؛ انظر : معاملة الكفار على ثالثة أقسام ١

؛ فقـد اختلـف أهـل العلـم يف أقسـام املـواالة علـى ) املـواالة(واملقصود هنا . ٤٢، ٤١ص ) يف كفر من أعان األمريكان :ثالثة أقوال

، ومـا كـان دون ) التـويل(؛ فمـا كـان مـن املعـامالت املكفـرة فهـو مـن ) التـويل(و ) املواالة(ق بني التفري: القول األول ) .املواالة(ذلك فهو من

، وجيعلوـا شـيئا واحـدا ، إال أـا علـى درجـات ، فقـد تصـل الكفـر ) التـويل(و ) املـواالة(عـدم التفريـق بـني : والثاني .وقد تكون دون ذلك

، ومـا ) املـواالة(وغريها مـن املعـامالت احملرمـة ، فمـا كـان مـن املعـامالت املكفـرة فهـو ) املواالة(فريق بني الت: والثالث .كان دون ذلك فال يدخل يف املواالة ، فال تطلق املواالة عند هؤالء إال على ما كان كفرا فقط

.و حقيقي واخلالف بني القولني األول والثاين لفظي ، وأما خالفهم مع الثالث فه: يلــزمهم طــرد مثــل هــذا املصــطلح حــىت مــع اليهــود ؛ فااهــدون يف فلســطني يضــربون أهــدافا مدنيــة ، فــإن قــالوا ٢

وإن قالوا اليهود احتلوا أراضي املسلمني ، فاألمريكـان فهم الرأس لليهود ، اليهود حماربون ، فاألمريكان من باب أوىل ، وا أخـــرى كـــالعراق ، وضـــربوا أخـــرى كالســـودان ، وغـــري ذلـــك ، وقـــد ســـبق ذكـــر هـــذا يف احتلوهـــا كأفغانســـتان ، وحاصـــر

.املبحث الرابع من الفصل الثالث كيـف : تكره أن يقول الرجل للذمي : وقلت أليب عبد اهللا : قال أبو داود يف مسائله عن اإلمام أمحد رمحهما اهللا ٣

يعـين وقـد ـي . كرهـه ، بـل هـذا عنـدي أكـرب مـن السـالم نعـم ، أ: قـال . أصبحت ؟ أو كيف حالك؟ أو كيف أنت؟ .عن بدئهم بالسالم

فكيف لـو رأيـتم مشـاركة هؤالء أهل ذمة جتري عليهم أحكام اإلسالم وقلتم هذا فيهم ، رمحكما اهللا تعاىل ، : قلت .يف حرب اإلرهابيني ؟ وتأييدهموالدعوة للتعايش معهم ، يف الشعور مبصائبهم ، واحرتامهم ، األمريكان أعداء اهللا

Page 46: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٥١

و اهللا بــ ون نــم ؤ يـ ا مـو قـ د ال تــج◌ (وهـذه مـن املــوادة الـيت ذكرهــا اهللا سـبحانه وتعــاىل يف قولـه و أ م ه انـ و خـإ و أ م ه اء نـبـ أ و أ م ه اء وا آبـان كـ و لـه و ل و سـر و اهللا اد حـ ن مـ ن و اد و يــ ر اآلخـ م و اليـ ب ن ي مـر ج ت ات ن ج م ه ل خ د ي و منه وح ر م ب ه د ـ يأ و ان يم اإل م ه وب ل أولئك كتب في قـ م ه تـ ر يـ ش ع ب ز حـ ن إ ال أ اهللا ب ز حـ ك ئـل و أ ه نـوا ع ضـر و م ه نـ عـ اهللا ي ضـا ر يهـف ين د الـخ ار هـنـ ا األ ه ت ح ت

) .ون ح ل ف م ال م ه اهللا فــانظر إىل كمــال الــرباءة مــن الكــافرين و البعــد عــن مشــاركتهم يف مشــاعرهم ومــوادم ، فــإن

أو ) األبنـاء(أو ) اآلبـاء(ءة مـنهم حـىت لـو كـانوا مـن أعداء اهللا جيب علـى املسـلم بغضـهم والـربا، وقــد نفــي اهللا ســبحانه اإلميــان عمــن مل يكــن كــذلك ، فكيــف إذا ) العشــرية(أو ) اإلخــوان(

!.كانوا من أبعد اخللق وأخبثهم ؟ :١قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا على هذه اآلية

ن نفــس اإلميــان ينــاىف موادتــه كمــا فــإ؛ فــأخرب انــك ال جتــد مؤمنــا يــواد احملــادين هللا ورســوله "ذا كـان ، فـإى ضـده وهـو مـواالة أعـداء اهللا انتفـ ذا وجـد اإلميـان، فـإينفى أحد الضـدين اآلخـر

" .الرجل يوايل أعداء اهللا بقلبه كان ذلك دليال على أن قلبه ليس فيه اإلميان الواجب :٢وقال احلافظ ابن حجر رمحه اهللا عن هذه اآلية أيضا

".عامة يف حق من قاتل ومن مل يقاتل واهللا أعلم إا " :٣وقال ابن كثري رمحه اهللا

ال تجــد قومــا يؤمنــون بــاهللا واليــوم اآلخــر يــوادون مــن حــاد اهللا ورســوله ولــو (قـال تعــاىل "احملادين ولـو كـانوا مـن ال يوادون: أي )كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم

ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل (تعـاىل كما قال؛ األقربنيوقـال ، ) ذلك فليس من اهللا في شـيء إال أن تتقـوا مـنهم تقـاة ويحـذركم اهللا نفسـه اآليـة

قل إن كـان آبـاؤكم وأبنـاؤكم وإخـوانكم وأزواجكـم وعشـيرتكم وأمـوال اقترفتموهـا (تعاىل ها أحب إليكم من اهللا ورسوله وجهاد في سبيله وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضون

. ١٧/ ٧: الفتاوى ١ . ٢٣٣/ ٥: الفتح ٢ . ٣٣٠/ ٤: تفسري ابن كثري ٣

Page 47: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٥٢

وقــد قــال ســعيد بــن عبــد ، ) فتربصــوا حتــى يــأتي اهللا بــأمره واهللا ال يهــدي القــوم الفاســقينإىل آخرهـا يف أيب )ال تجد قوما يؤمنون باهللا واليوم اآلخـر ( أنزلت هذه اآلية : العزيز وغريه

وهلذا قال عمر بن اخلطاب رضـي ؛ اه يوم بدر عبيدة عامر بن عبد اهللا بن اجلراح حني قتل أبولـو كـان أبـو : اهللا تعاىل عنه حـني جعـل األمـر شـورى بعـده يف أولئـك السـتة رضـي اهللا عـنهم

نزلـت يف أيب عبيـدة قتـل ) : ولـو كـانوا آبـاءهم(وقيل يف قوله تعـاىل ، ستخلفته عبيدة حيا ال) أو إخـوانهم( ، الرمحنئذ بقتل ابنـه عبـديوم يف الصديق هم ) : أو أبناءهم(، أباه يوم بدر

يف عمـر قتـل قريبـا : )أو عشـيرتهم(، يف مصعب بن عمري قتل أخاه عبيد بن عمري يومئـذ :، ويف محزة وعلي وعبيدة بن احلارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بـن عتبـة يومئـذ ، له يومئذ أيضا

اهللا صـــلى اهللا عليـــه وآلـــه وســـلم ومـــن هـــذا القبيـــل حـــني استشـــار رســـول: قلـــت . فـــاهللا أعلـــم املسلمني يف أسارى بدر فأشار الصديق بأن يفادوا فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمني وهم

، ال أرى مــا رأى يــا رســول اهللا : وقــال عمــر ، بنــو العــم والعشــرية ولعــل اهللا تعــاىل أن يهــديهم ومتكـن فالنـا مـن ، عقيـل ومتكـن عليـا مـن، فأقتلـه -قريـب لعمـر -متكنين من فالن أرى أنأولئـك (وقولـه تعـاىل ، ١اليعلم اهللا أنه ليست يف قلوبنا موادة للمشركني القصة بكماهل، فالن

مــن اتصــف بأنــه ال يــواد مــن حــاد اهللا : أي )كتــب فــي قلــوبهم اإليمــان وأيــدهم بــروح منــهكتــب لــه الســعادة :أي ؛ ورســوله ولــو كــان أبــاه أو أخــاه فهــذا ممــن كتــب اهللا يف قلبــه اإلميــان

سـر )رضي اهللا عنهم ورضـوا عنـه(ويف قوله تعـاىل ... وقررها يف قلبه وزين اإلميان يف بصريتهعوضـهم اهللا بالرضـا عـنهم ، أنـه ملـا سـخطوا علـى القرائـب والعشـائر يف اهللا تعـاىل : بديع وهـو

وقولـــه تعـــاىل ،وأرضـــاهم عنـــه مبـــا أعطـــاهم مـــن النعـــيم املقـــيم والفـــوز العظـــيم والفضـــل العمـــيم عبــاد : أي ؛ هــؤالء حــزب اهللا : أي )أولئــك حــزب اهللا أال إن حــزب اهللا هــم المفلحــون(

تنويـه بفالحهـم وسـعادم ) أال إن حزب اهللا هم المفلحون (وقوله تعاىل ، اهللا وأهل كرامته أال (مث قال ، يف مقابلة ما ذكر عن أولئك بأم حزب الشيطان ، ونصرم يف الدنيا واآلخرة

". )إن حزب الشيطان هم الخاسرون

، وقـد نـزل القـرآن وعشـريم الكفـار وهـم مـن أقـارم هـؤالء ة مـن قيق الصحابة رضـي اهللا عـنهم للـرباءانظر إىل حت ١

.موافقا لعمر رضي اهللا عنه يف هذا

Page 48: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٥٣

:١وقال ابن رجب رمحه اهللا فمــن أحــب اهللا ورســوله حمبــة صــادقة مــن قلبــه أوجــب لــه ذلــك أن حيــب بقلبــه مــا حيبــه اهللا "

ويسـخط مـا يسـخط ، ويرضـي مـا يرضـي اهللا ورسـوله ، ويكره ما يكرهه اهللا ورسـوله ، ورسولهفإن عمل جبوارحه شيئا خيالف ، ضى هذا احلب والبغض وأن يعمل جبوارحه مبقت، اهللا ورسوله

أو تـــرك بعـــض مـــا حيبـــه اهللا ورســـوله مـــع وجوبـــه ، ذلـــك ارتكـــب بعـــض مـــا يكرهـــه اهللا ورســـوله فعليـــه أن يتـــوب مـــن ذلـــك ويرجـــع إىل ، دل ذلـــك علـــى نقـــص حمبتـــه الواجبـــة ، والقـــدرة عليـــه

ادعـي حمبـة اهللا تعـاىل ومل يوافـق كـل مـن: قـال أبـو يعقـوب النهرجـوري . تكميل احملبة الواجبـة : وقــال حيــىي بــن معــاذ . وكــل حمــب لــيس خيــاف اهللا فهــو مغــرور ، اهللا يف أمــره فــدعواه باطــل

". ليس بصادق من ادعي حمبة اهللا ومل حيفظ حدودهوإمنــا املشــاركة يف الشــعور تكــون ملــن تــوىل بعضــهم بعضــا ؛ كــاملؤمنني الــذين قــال فــيهم النــيب

مثـــل المـــؤمنين فـــي تـــوادهم وتـــراحمهم وتعـــاطفهم كمثـــل الجســـد (وســـلم صـــلى اهللا عليـــه، فهـذه املشـاركة ) الواحد إذا اشتكى منه عضو تـداعى لـه سـائر الجسـد بـالحمى والسـهر

ال مع أعداء اهللا من كفار ) أسرى كوبا(الشعورية كننا ننتظرها من أصحاب البيان يف إخوام .أمريكا ، واهللا املستعان

إننــا معنيــون بالحملــة علــى اإلرهــاب ســواء أتــى مــن مســلمين أو غيــر (قــوهلم : الثــاني .وحنوها من العبارات اليت سبق نقلها يف املبحث األول ) مسلمين

، وهــي ٢وهــي مظــاهرة الكفــار علــى املســلمني) التــويل(وهــذه أعظــم وأطــم ؛ فإنــه يلــزم منهــا م منــه تأييــدهم للحملــة األمريكيــة النــاقض الثــامن مــن نــواقض اإلســالم ، فــإن هــذا الكــالم يلــز

.على ااهدين ؛ ألم هم اإلرهابيون يف املقام األول عند أولئك كما سبق ذكره واملسلم حىت لو كان ظاملا فإنه جيب مناصرته ، وتوليه ، وال جيوز حبال مناصرة الكفـار ضـد

.اإلسالم كما سبق ضاملسلمني ، بل هي من نواق :٣ه اهللا قال شيخ اإلسالم رمح

. ٣٨٩: جامع العلوم واحلكم ١ .راجع املقدمة اخلامسة عشرة من الفصل األول ٢ . ٢٠٩، ٢٠٨/ ٢٨: الفتاوى ٣

Page 49: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٥٤

واملــؤمن عليــه أن يعــادي يف اهللا ويــوايل يف اهللا ، فــإن كــان هنــاك مــؤمن فعليــه أن يواليــه وإن "تتـلــوا (ظلمــه ، فــإن الظلــم ال يقطــع املــواالة اإلميانيــة ، قــال تعــاىل وإن طائفتــان مــن المــؤمنني اقـ

نـهمـا فـإن بـغـت إحـدامها علـى األخــرى فـقـاتلوا الـيت تـبغـي حـىت تفـيء إىل أمـر اللــه فأصـلحوا بـيـ نـهمـا بالعـدل وأقسـطوا إن ـا المؤمنـون إخـوة فـإن فـاءت فأصـلحوا بـيـ المقسـطني ، إمن ـه حيـبالل

١".قتال والبغي وأمر باإلصالح بينهملهم إخوة مع وجود الفجع) فأصلحوا بـني أخويكم ويلحــق ــذه بنصــوص النهــي عــن مــواالة الكفــار أيضــا مــا جــاء يف احلــب يف اهللا والــبغض يف

:اهللامـن أحـب هللا : (أيب أمامة رضي اهللا عنه أن رسول اهللا صلى اهللا عليـه وسـلم قـال كحديث

وعـن الـرباء بـن عـازب واه أبـو داود ، ر )ل اإلميـان وأبغض هللا وأعطى هللا ومنع هللا فقد استكمإن أوثق عرى اإلميان أن حتب يف اهللا وتبغض : (رضي اهللا عنه قال النيب صلى اهللا عليه وسلم

قــال رســول اهللا صــلى اهللا عليــه وســلم : وعــن أيب ذر رضــي اهللا عنــه قــال ، رواه أمحــد )يف اهللا، وعنــــد احلـــاكم مـــن حــــديث رواه أبـــو داود )هللاحلــــب يف اهللا والـــبغض يف اأفضـــل األعمـــال (

.، وغريها من األحاديث ٢)وهل الدين إال احلب والبغض (عائشة مرفوعا

مـن : قـال الثـوري : عـن أيب شـهاب قـال : (عـن مشـاركة الظـاملني ٩٣لإلمـام أمحـد رمحـه اهللا ص ) الـورع(جاء يف ١أصبحت : قال أبو شهاب . لمغربفهو شريكهم في كل دم كان في المشرق وا ، أو بري هلم قلما ، هلم دواة الق

كيف أصبحت: ين قلت لبعضهم ، وأوعملت أنواع الرب ، واعتمرت ، وحججت ، وصليت ، صمت : ما يسرين أين . ) .؟

، فكيـف يكـون احلـال مـع الكـافر الطـاغوت الـذي مجـع ظلـم ) املسـلم الظـامل(فانظر إىل قوهلم هذا ؛ فإنـه يف : قلت !.األولني واآلخرين ؟

ال ختلو من كالم يف أسانيدها ، إال أن معانيها صحيحة ثابتة يف الكتاب أصال وإن كانت وأفراد هذه األحاديث ٢قال حممد بن نصر املروزي رمحه اهللا يف كتابـه لذلك جرى األئمة وأهل العلم على االستدالل ا يف هذا الباب ، وقد؛ وجعل أوثق عـرى اإلميـان احلـب يف اهللا والـبغض : ...غض يف اهللا الباحلب يف اهللا و : " ٤٠٤/ ١) تعظيم قدر الصالة(

) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أوليـاء بعـض(فقال يف احلب فيه ، وذلك أن اهللا أمر ما ووكدمها يف كتابه ؛ يف اهللا ــ(وقــال يف الــبغض هللا ، ) إنمــا ولــيكم اهللا ورســوله والــذين آمنــوا(وقــال ، اهللا واليــوم اآلخــر ال تجــد قومــا يؤمنــون ب

) يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة(وقال ، ) يوادون من حاد اهللا ورسولهيا أيها الذين آمنوا ال تتولوا قوما غضب اهللا عليهم قد يئسوا من اآلخـرة كمـا يـئس الكفـار مـن أصـحاب (وقـال ،

".لة غريهامث سرد جمموعة من األد) القبور

Page 50: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٥٥

:١قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا وحيــب مــا أحبــه اهللا ، ويســخطه مــا يســخط اهللا ، وإمنــا عبــد اهللا مــن يرضــيه مــا يرضــى اهللا "

وهـذا ، ويعـادى أعـداء اهللا تعـاىل ، ويوايل أوليـاء اهللا ، ويبغض ما ابغضه اهللا ورسوله ، ورسوله مــن أحــب هللا وابغــض هللا وأعطــى هللا ومنــع هللا (كمــا يف احلــديث ؛ هــو الــذي اســتكمل اإلميــان

ــــق عــــرى اإلميــــان احلــــب يف(وقــــال ، ) فقــــد اســــتكمل اإلميــــان وىف ، ) اهللا يف اهللا والــــبغض أوثمــن كــان اهللا ورســوله أحــب إليــه ممــا ، ن ثــالث مــن كــن فيــه وجــد حــالوة اإلميــا(الصــحيح عنــه

ومن كان يكره أن يرجع يف الكفر بعد إذ أنقذه ، ومن كان حيب املرء ال حيبه إال هللا ، سوامها فكـــان اهللا ، يكرهـــه فهـــذا وافـــق ربـــه فيمـــا حيبـــه ومـــا، ) اهللا منـــه كمـــا يكـــره أن يلقـــى يف النـــار

فكان هذا فكان مـن متـام ، لغرض آخر وأحب املخلوق هللا ال ، ورسوله أحب إليه مما سوامها " .حبه هللا

:٢وقال ابن القيم رمحه اهللا أوثــق عــرى اإلميــان وهلــذا كــان قــوى كانــت قــوة الــبغض للمنــايف أشــد ؛وكلمــا كــان احلــب أ"

وكـــــان مـــــن أحـــــب هللا وأبغـــــض هللا وأعطـــــى هللا ومنـــــع هللا فقـــــد ، يف اهللا احلـــــب يف اهللا والـــــبغضعمــل القلــب :وهــو نوعــان ؛ والعمــل مثــرة العلــم ، ان علــم وعمــل فــإن اإلميــ؛ اســتكمل اإلميــان

فـإذا كانـت هـذه ، ومهـا العطـاء واملنـع، ويرتتب عليهما عمل اجلوارح فعال وتركا ، حبا وبغضا وما نقص منهـا فكـان لغـري اهللا نقـص مـن ، كان صاحبها مستكمل اإلميان ؛ األربعة هللا تعاىل

" .إميانه حبسبه : ولعمر اهللا

ـــيهم ، مـــ ا أبغـــض أعـــداء اهللا حقـــا مـــن دعـــاهم إىل التعـــايش ، وقـــام بـــاحرتامهم ، والتـــودد إل !.وشاركهم يف شعورهم ، وأيدهم يف حرم ، واهللا املستعان

. ١٩٠/ ١٠: الفتاوى ١ . ١٢٤/ ٢: إغاثة اللهفان ٢

Page 51: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٥٦

عشر الثالثالدليل آيات عداوة الكفار للمسلمين

:١وهي كثرية منها ، وقال تعاىل ) يـردوكم عن دينكم إن استطاعواوال يـزالون يـقاتلونكم حتى (قوله تعاىل

ودوا لو (، وقال تعاىل ) ولن تـرضى عنك اليـهود وال النصارى حتى تـتبع ملتـهم (نوا لكم أعداء إن يـثـقفوكم يكو ((((، وقال تعاىل )تكفرون كما كفروا فـتكونون سواء

ود كثير من ((((، وقال تعاىل ) ويـبسطوا إليكم أيديـهم وألسنتـهم بالسوء وودوا لو تكفرون فسهم م ن بـعد ما أهل الكتاب لو يـردونكم من بـعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنـ

يا أيـها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا ((((، وقال تعاىل ) تـبـين لهم الحق يا أيـها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين ((((، وقال تعاىل ) الكتاب يـردوكم بـعد إيمانكم كافرين

قلبوا خاسرين تـنـ قد بدت البـغضاء من (، وقال تعاىل ) كفروا يـردوكم على أعقابكم فـواههم وما تخفي صدورهم أكبـر ).أفـ

وهذه اآليات تدل على حسد الكفار للمسلمني ، وسعيهم يف إضالهلم ، وأم ال يزالون ىت يردوهم عن دينهم ، وأم ال يرضون من املسلمني إال الكفر باهللا ، ويف هذه يقاتلوم ح

الشيء الكثري ، إال أننا سنشري إىل أمرين مما –لو تفكر فيها املسلم –اآليات من الفوائد :تدل عليه هذه اآليات يف مسألتنا

فصــل يف ســياق اآليــات الدالــة (فصــال بعنــوان ٤٩٤/ ١) أحكــام أهــل الذمــة(ذكــر ابــن القــيم رمحــه اهللا تعــاىل يف ١

أو ، ن أعــزهم ومعــاداة الــرب تعــاىل ملــ، ومتنــيهم الســوء هلــم ، وخيــانتهم ، وعــداوم ، علــى غــش أهــل الذمــة للمســلمني وهــذا يف أهــل الذمــة ، فكيــف بأعــداء اهللا : ، قلــت مث ذكــر آيــات كثــرية بعــد ذلــك) أو والهــم أمــور املســلمني، واالهــم

!!ملفسدين يف األرض من األمريكاناحملاربني ألوليائه ا

Page 52: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٥٧

:وهو قدري : األمر األولركني للمـؤمنني مسـتمر ، دائـم ، ولـن ينقطـع ، وهو أن عداء الكفار من يهود ونصارى ومش

.ختلوا عن دينهم إذاولن يرضوا عن املسلمني أبدا إال يف نفـــوس الكفـــار علـــى املـــؤمنني ، ال مينـــع مـــن وجـــود ا مســـتحكم يـــا وكـــون هـــذا العـــداء باق

األفراد من الكفار ممن ليس عندهم مثل هذا العداء ، كما أنـه قـد يوجـد ممـن ينتسـب ) بعض(اإلســـــالم مـــــن حيـــــب الكفـــــار ، وإمنـــــا املقصـــــود أن جـــــنس الكفـــــار مـــــن اليهـــــود والنصـــــارى إىل

. واملشركني هذه طريقتهم مع املسلمني و ) التعايش(فإذا علمت هذا جيدا ، تبني لك أنه من غري املمكن أبدا أن حتل الصداقة أو

!!.رفني عن دينه بني املسلمني وبني هؤالء الكفار، إال أن يتخلى أحد الط) االحرتام( !.بني الفريقني عبث وال طائل حتته ) العداء(وأن السعي إلزالة هذا

: وهو شرعي : واألمر الثانيوهـــو اإلشـــارة إىل وجـــوب منابـــذم وعـــداوم وبغضـــهم ، وتـــرك صـــداقتهم ، أو طلـــب مـــا

ود وال ولــن ترضــى عنــك اليهــ(ابــن جريــر رمحــه اهللا تعــاىل يف قولــه تعــاىل يرضــيهم ، كمــا قــال :١) النصارى حتى تتبع ملتهم

فدع طلب ما يرضيهم ، عنك أبدا وال النصارى براضية -يا حممد -وليست اليهود "فإن الذي ؛ وأقبل على طلب رضا اهللا يف دعائهم إىل ما بعثك اهللا به من احلق ، ويوافقهم

" .دين القيماأللفة والتدعوهم إليه من ذلك هلو السبيل إىل االجتماع فيه معك على يا أيـها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من (يف قوله تعاىل ٢وكما قال ابن حجر رمحه اهللا

: )الذين أوتوا الكتاب يـردوكم بـعد إيمانكم كافرين ؤمنون أن يفتنوا من ويف هذه اآلية اإلشارة إىل التحذير عن مصادقة أهل الكتاب إذ ال ي "

" . صادقهم عن دينه

. ١/٥٦٥ :تفسري الطربي ١ . ٢٦٢/ ١٢: الفتح ٢

Page 53: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٥٨

عشر الرابعالدليل اآلمرة بمخالفة الكافرينالنصوص

ــــواترت النصــــوص اآلمــــرة مبخالفــــة املســــلمني للكفــــار يف مجيــــع أمــــورهم ، ومــــن هــــذه فقــــد ت

:النصوص ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من اهللا من ولي وال (قوله تعاىل

ـــئن (، وقولـــه تعـــاىل ) نصـــير ـــك إذا لمـــن ول ـــم إن ـــا جـــاءك مـــن العل اتبعـــت أهـــواءهم مـــن م .، وغريها من اآليات )الظالمين

: وأما من السنة : فمنها ما ورد يف النهي العام عن التشبه م واقتفاء آثارهم

ومن ذلك ما رواه أمحد وأبو داود وغريمها عن ابن عمر رضي اهللا عنهما عن النيب صلى اهللا، ومــا يف الصـحيحني عــن أيب ســعيد مرفوعــا ) مــن تشــبه بقــوم فهـو مــنهم(عليـه وســلم أنــه قـال

) لتتبعن سنن من قبلكم شـربا بشـرب ، وذراعـا بـذراع ، حـىت لـو دخلـوا جحـر ضـب لـدخلتموه(، ومــا يف الصــحيح عــن أيب هريــرة ) فمــن؟: (؟ قــال ىيــا رســول اهللا ، اليهــود والنصــار : قــالوا

: فقيـل ) الساعة حىت تأخذ أميت بأخذ القرون قبلهـا شـربا بشـرب وذراعـا بـذراع ال تقوم(مرفوعا ، ومــا رواه الرتمــذي وغــريه مــن ) ومــن النــاس إال أولئــك؟(يــا رســول اهللا كفــارس والــروم؟ فقــال ، ومــا رواه احلــاكم وغــريه مــن ) لــيس منــا مــن تشــبه بغرينــا(حــديث عبــد اهللا بــن عمــرو مرفوعــا

) .هدينا خمالف هلديهم(حديث املسور مرفوعا ومنهــا مــا تــواتر مــن أمــر النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم للمســلمني مبخالفــة الكفــار يف كثــري مــن

:األمور املعينة ، ومن ذلك ) خالفوا املشركني ، وفروا اللحى ، وأعفـوا الشـوارب(ما يف الصحيحني عن ابن عمر مرفوعا ، ومــا ) اليهــود والنصــارى ال يصــبغون فخــالفوهمإن (، ومــا فيهمــا أيضــا عــن أيب هريــرة مرفوعــا ، ومــــا يف ) تســــرولوا واتــــزروا وخــــالفوا أهــــل الكتــــاب(يف املســــند وغــــريه عــــن أيب أمامــــة مرفوعــــا

، ومـا يف ) ب الكفـار فـال تلبسـهاإن هـذه مـن ثيـا(الصحيحني عـن عبـد اهللا بـن عمـرو مرفوعـا إيـاكم (املسلمني ببالد فـارس عن عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه أنه كتب إىل مسلم صحيح

Page 54: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٥٩

، واألحاديث يف هذا الباب كثرية جـدا كـاألمر مبعاشـرة احلـائض مـن ) والتنعم وزي أهل الشركدون مجاع خمالفة لليهود ، والنهي عـن الصـالة يف أوقـات يسـجد فيهـا الكفـار ، وحتويـل القبلـة

.١و كثري، وخمالفتهم يف صومهم ليوم عاشوراء ، وأمر األذان ، وغري هذا وه : والمقصود من هذا

إن خمالفة املسلمني للكفار أمر مقصود للشارع ، أمرهم ا ، وحثهم عليها ، بل كـان النـيب صــلى اهللا عليــه وســلم ينظــر يف أعمــال الكفــار الــيت يــوافقهم عليهــا املســلمون فيــأمر املســلمني

مـا يريـد ( يف الصحيح مبخالفتهم ، حىت علم الكفار بذلك واشتهر بينهم ؛ فقال اليهود كما، بــل وحــىت فيمــا وافــق فيــه الكفــار احلــق ؛ ) هــذا الرجــل أن يــدع مــن أمرنــا شــيئا إال خالفنــا فيــه

صفته كيـوم عاشـوراء ؛ فإنـه أراد فإن النيب صلى اهللا عليه وسلم كان حيرص على خمالفتهم يفأهل اجلحـيم ، وقطـع صيام التاسع مع العاشر ليخالف بذلك اليهود ، وكل هذا تأكيد انبة

، وال ٢العالئـــق بيـــنهم ، فـــال أســـس مشـــرتكة بـــني الفـــريقني ، وال مبـــاديء متفقـــة بـــني احلـــزبنييفتخر املسلمون مبا جيمع الكفار ـم ، بـل يلزمـوم لـو حكمـوهم بـأن خيـالفوا املسـلمني حـىت

! . يف نعاهلم :٣قال ابن القيم رمحه اهللا

والنـيب سـن ، ب اليت تدعو إىل موافقتهم ومشـاتهم باطنـا ترك األسبا: واملقصود األعظم " وعلى هذا األصل) . خالف هدينا هدي املشركني (وقال ، ألمته ترك التشبه م بكل طريق

حــىت شــرع هلــا يف العبــادات الــيت حيبهــا اهللا ورســوله جتنــب مشــاتهم يف ، أكثــر مــن مئــة دليــل ، فعوضـنا بالتنفـل يف وقـت ال الشـمس وغروـا كالصالة والتطـوع عنـد طلـوع ؛ جمرد الصورة

وملــا كــان صــوم يــوم عاشــوراء ال ميكــن التعــويض عنــه بغــريه لفــوات غــري تقــع الشــبهة ــم فيــه ،مث ملا قهـر املسـلمون ، املشاة ذلك اليوم أمرنا أن نضم إليه يوما قبله ويوما بعده لتزول صورة

أمري املؤمنني عمر رضي اهللا عنه برتك التشبه ألزمهم أهل الذمة وصاروا حتت قهرهم وحكمهم

) خمالفــة الكفـــار يف الســنة النبويـــة(لكفـــار مرتبــة علـــى أبــواب الفقــه كتـــاب وانظــر يف األحاديــث الـــواردة يف خمالفــة ا ١

.لألستاذ علي عجني كمــا جــاء يف بيــان املثقفــني يف عــدد مــن املواضــع بــأن بيــنهم أسســا مشــرتكة ، وأرضــية جيــدة ، وأــم يوافقــوم يف ٢

!!.بعض القيم ، إىل غري ذلك . ١٢٨٨ – ١٢٨٥/ ٣: أحكام أهل الذمة ٣

Page 55: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٦٠

فتضــمن هــذان األصــالن العظيمــان جمــانبتهم يف ، باملســلمني كمــا أمــر النــيب بــرتك التشــبه ــم فــأمر النــيب األمــة بالصــالة يف نعــاهلم خمالفــة ألهــل ؛ حتــى فــي النعــالاهلــدي الظــاهر والبــاطن

". ل املسلمنيواهم عمر رضي اهللا عنه أن يلبسوا نعا، الكتاب :١) من تشبه بقوم فهو منهم(وقال ابن كثري رمحه اهللا يف حديث

، علـى التشـبه بالكفـار يف أقـواهلم ؛ والوعيـد ، والتهديـد ، ففيه داللة علـى النهـي الشـديد "وال ، وغـري ذلـك مـن أمـورهم الـيت مل تشـرع لنـا ، وعبـادام ، وأعيـادهم ، ولباسهم ، وأفعاهلم

".نقرر عليها :٢وقال الشيخ محد بن عتيق رمحه اهللا

كانــت مبالغتــه صــلى اهللا عليــه وســلم يف أمــر أمتــه مبخالفــة الكفــار إمنــا هــي خوفــا مــن أن " تكون مشاتهم يف اهلدي الظاهر مؤدية وجارة إىل املوافقة واملواالة ، فما بال كثري ممن يـدعي

".أم حيسنون صنعا؟ اإلسالم قد وقع يف احملذور بعينه وهم مع ذلك حيسبونولشـيخ اإلسـالم رمحــه اهللا كـالم مجيــل يف فوائـد جمانبــة الكفـار ، وأــم مرضـى القلــوب ، وأن

:٣أعماهلم كلها الدينية أو الدنيوية إما فاسدة أو ناقصة ، حيث يقول : إن هنا شيئني "

املـؤمنني ، ملـا أن نفـس املخالفـة هلـم يف اهلـدى الظـاهر مصـلحة ومنفعـة لعبـاد اهللا: أحدهمايف خمــالفتهم مــن اانبــة واملباينــة الــيت توجــب املباعــدة عــن أعمــال أهــل اجلحــيم ، وإمنــا يظهــر بعض املصلحة يف ذلك ملن تنور قلبه حـىت رأى مـا اتصـف بـه املغضـوب علـيهم والضـالون مـن

. مرض القلب الذي ضرره أشد من ضرر أمراض األبدانمــن اهلــدى واخللــق قــد يكــون مضــرا أو منقصــا فينهــى عنــه أن نفــس مــا هــم عليــه : والثــاني

إمـا مضـر أو : ويؤمر بضده ؛ ملا فيه مـن املنفعـة والكمـال ، ولـيس شـيء مـن أمـورهم إال وهـو ناقص ؛ ألن ما بأيـديهم مـن األعمـال املبتدعـة واملنسـوخة وحنوهـا مضـرة ، ومـا بأيـديهم ممـا مل

. ١٤٩/ ١: تفسري ابن كثري ١ .٦٠ص : سبيل النجاة والفكاك ٢ . ٥٧، ٥٦/ ١: اقتضاء الصراط ٣

Page 56: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٦١

فتهم فيـــه بـــأن يشـــرع مـــا حيصـــله علـــى وجـــه ينســـخ أصـــله فهـــو يقبـــل الزيـــادة والـــنقص ، فمخـــال . الكمال ، وال يتصور أن يكون شيء من أمورهم كامال قط

فـــإذا املخالفـــة فيهـــا منفعـــة وصـــالح لنـــا يف كـــل أمورنـــا ، حـــىت مـــا هـــم عليـــه مـــن إتقـــان أمـــور دنيــاهم قــد يكــون مضــرا بآخرتنــا ، أو مبــا هــو أهــم منــه مــن أمــر دنيانــا ، فاملخالفــة فيــه صــالح

فالكفر مبنزلة مرض القلـب أو أشـد ، ومـىت كـان القلـب مريضـا مل يصـح شـيء : باجلملة و . لنامــن األعضــاء صــحة مطلقــة ، وإمنــا الصــالح أن ال تشــابه مــريض القلــب يف شــيء مــن أمــوره ، وإن خفي عليك مرض ذلك العضو ، لكن يكفيك أن فساد األصـل ال بـد أن يـؤثر يف الفـرع

احلكمـة الـيت أنزهلـا اهللا ؛ فـإن مـن يف قلبـه مـرض قـد يرتـاب يف ومن انتبه هلذا قد يعلم بعـض. األمر بنفس املخالفة لعدم استبانته لفائدته ، أو يتوهم أن هذا من جنس أمر امللـوك والرؤسـاء القاصــدين للعلــو يف األرض ، ولعمــري إن النبــوة غايــة امللــك الــذي يؤتيــه اهللا مــن يشــاء وينزعــه

هو غاية صالح من أطاع الرسـول مـن العبـاد يف معاشـه ومعـاده ممن يشاء ، ولكن ملك النبوةأن مجيع أعمال الكافر وأموره ال بد فيهـا مـن خلـل مينعهـا أن تـتم لـه منفعـة : وحقيقة األمر .

ا ، ولو فرض صالح شيء من أموره على التمام الستحق بذلك ثواب اآلخـرة ، ولكـن كـل علــى نعمــة اإلســالم الــيت هــي أعظــم الــنعم وأم كــل أمــوره إمــا فاســدة وإمــا ناقصــة ، فاحلمــد هللا

".خري كما حيب ربنا ويرضى : فإذا نظرت فيما سبق تبين لك أمران

حتقق كالم النيب صلى اهللا عليه وسلم يف أن أمته ستأخذ مأخـذ القـرون قبلهـا شـربا : األولؤمتر للتقريــب بــني أشــبه مــا يكــون بورقــة عمــل يف مــ) بيــان املثقفــني(بشــرب وذراعــا بــذراع ، فــإن

.األديان كما سبق أن ذكرته وقارنته بكالم النصارى يف املبحث الرابع من الفصل الثاين بطـالن السـعي لوضـع أسـس مشـرتكة بـني ديـن اإلسـالم وغـريه مـن أجـل التعـاون أو : الثاني

.التعايش أو احلوار

Page 57: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٦٢

عشر الخامسالدليل لكفارالنصوص المفرقة في األحكام بين المسلمين وا

وذلـــك أن اهللا ســـبحانه فـــرق يف شـــرعه بـــني أهـــل احلـــق والباطـــل ، فلـــيس بينهمـــا قـــرب ، وال تناســب ، وال مشـــاركة ، ســـواء يف أحكـــام الـــدنيا ، أو يف أحكـــام اآلخـــرة ، وســـواء يف أحكـــام

: الشرع ، أو يف أحكام القدر :فمن ذلك أن اهللا سبحانه نفى عن نفسه أن يسوي بني الفريقني

أم ( ، وقولـــه ) أفنجعـــل المســـلمين كـــالمجرمين ، مـــا لكـــم كيـــف تحكمـــون(ه تعـــاىل قولـــنجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في األرض أم نجعل المتقين كالفجار

أم حســب الــذين اجترحــوا الســيئات أن نجعلهــم كالــذين آمنــوا وعملــوا (، وقولــه تعــاىل ) قــل ال يســتوي (، وقولــه تعــاىل ١) يحكمــون الصــالحات ســواء محيــاهم وممــاتهم ســاء مــا

وما يستوي األعمى والبصير ، وال الظلمات وال النور ، (، وقال تعاىل ) الخبيث والطيبأفمـن كـان مؤمنـا (، وقال تعاىل ) وال الظل وال الحرور ، وما يستوي األحياء وال األموات

النــار وأصــحاب الجنــة ال يســتوي أصــحاب (، وقــال تعــاىل ) كمــن كــان فاســقا ال يســتوون ) .أصحاب الجنة هم الفائزون

:ومن ذلك أن اهللا سبحانه شرع شرائع تدل على كمال التفريق بني الفريقني .الرباءة من الكفار ، وبغضهم ، وعداوم ، وقد سبق ذكر بعض نصوصها : فمنهاــــال املســــلمني للكــــافرين حــــىت يكــــون الــــدين كلــــه هللا ، وقــــد ســــبق ذكــــر : ومنهــــا بعــــض قت .نصوصهاأن األصــل عصــمة دم املســلم ومالــه إال بــدليل كــنفس بــنفس أو زنــا بعــد إحصــان، : ومنهــا

.بينما األصل يف الكافر إباحة دمه وماله إال بدليل كعهد أو ذمة أو أمان

لقــد تفــرق القــوم يف ، لعمــري : ، قــال قتــادة رمحــه اهللا تعــاىل فيهــا ) مبكــاة العابــدين(إن هــذه اآليــة تســمى : يقــال ١

أسأل اهللا سبحانه أن جيعلنا من الـذين آمنـوا وعملـوا الصـاحلات .انتهى .، فتباينوا يف املصري املوت عندوتفرقوا ، الدنيا .، وأن يتوفانا وهو راض عنا

Page 58: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٦٣

ما شرعه اهللا سبحانه من أحكام تفرق بني أهل اإلسالم ومن التزم أحكام اإلسالم : ومنها :مثل ) الذمةأهل (من الكفار

ال يــرث ( ، ويف مســلم أيضــا مرفوعــا ) ال يقتــل مســلم بكــافر(مــا ثبــت يف الصــحيح مرفوعــا وأن ديتــه أقــل مــن ديــة املســلم ، وكمــا يف إلــزام أهــل ،) املســلم املســلم الكــافر وال يــرث الكــافر

الذمــــة بالصــــغار، وبلبــــاس خمــــالف للمســــلمني ، وأن ال يظهــــروا شــــيئا مــــن شــــعارهم ، ممــــا هــــو .معروف من الشروط العمرية املذكورة يف كتب الفقه يف أحكام أهل الذمة

: ١قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا وإمنـا ، هلدي اليهود والنصـارى وقد أمرنا نبينا صلى اهللا عليه وسلم أن يكون هدينا خمالفا "

."الراتب والشعار الدائم ة يف بعض األحكام العارضة ال يف اهلديجتيء املوافق :أمر املسلم مبا يدل على كمال عزة اإلسالم أمام الكفار ، ومن ذلك : ومنها :أن رسـول اهللا صـلى اهللا عليـه وسـلم قـالرضـي اهللا عنـه عن أيب هريـرة مسلم صحيح ما يف

). وإذا لقيتمـــوهم يف طريـــق فاضـــطروهم إىل أضـــيقه، ا اليهـــود والنصـــارى بالســـالم و ال تبـــدؤ (إذا : (قال رسـول اهللا صـلى اهللا عليـه وسـلم : أنس رضي اهللا عنه قال عن يف الصحيح أيضا و

، وغريهـا ) أهينوهم وال تظلمـوهم(، وكقول عمر ) وعليكم: سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا .من األحاديث واألحكام املذكورة يف كتب الفقه

:ور واألدلة يف هذا الباب كثرية جدا ، واملقصود منها يف مسألتنا أربعة أمأن يعلــم املســلم أن اهللا ســبحانه فــرق بــني أهــل احلــق مــن املســلمني ، وأهــل : األمــر األول

و ) حميـــاهم(الباطـــل مـــن الكفـــار يف كـــل شـــيء ، مـــن أحكـــام الـــدنيا ، وأحكـــام اآلخـــرة ، يف ) . ممام(

يـنهم أوامـره ، ونواهيـه ، فإنـه قـد فـرق ب: وأن اهللا سبحانه كمـا فـرق بيـنهم يف أحكـام الشـرع :قدرا أيضا ، وهذا من أعظم أنواع املباينة واالنفصال

:٢قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا

. ١/٤١٤: االقتضاء ١ . ٨٨/ ٣: منهاج السنة ٢

Page 59: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٦٤

أم حســـب الـــذين اجترحـــوا الســـيئات أن نجعلهـــم كالـــذين آمنـــوا (وقــد قـــال اهللا تعـــاىل " ــوا الصــالحات ســواء محيــاهم وممــاتهم ســاء مــا يحكمــون وهــذا اســتفهام إنكــار، )وعمل

وإمنــا ينكــر علــى مــن ظــن أو حســب مــا هــو ، حيســب ذلــك ويظنــه يقتضــي اإلنكــار علــى مــن فعلم أن التسوية بني أهل ، ما ليس خبطأ وال باطل ال من ظن ظنا ، خطأ باطل يعلم بطالنه

. ء الـذي ينـزه اهللا عنـه، وأن ذلـك مـن احلكـم السـيالطاعة وبني أهل املعصية مما يعلم بطالنـه ا وعملــوا الصــالحات كالمفســدين فــي األرض أم أم نجعــل الــذين آمنــو (ومثلــه قولــه تعــاىل

أفنجعــل المســلمين كــالمجرمين مــا لكــم كيــف (وقولــه تعــاىل ، ) نجعــل المتقــين كالفجــاروأهـل الطاعـة ، واحملسـنني والظـاملني ، والفجـار التسـوية بـني األبـرار : ويف اجلملـة ، )تحكمون

". عدله وحكمتهفإنه ينايف؛ حكم باطل جيب تنزيه اهللا عنه ، وأهل املعصية :١وقال احلافظ ابن كثري رمحه اهللا

ال يسـتوي أصـحاب النـار وأصـحاب (ال يستوي املؤمنون والكافرون كما قـال عـز وجـل " أم حســب الــذين اجترحــوا (وقــال تبــارك وتعــاىل ، ) الجنــة أصــحاب الجنــة هــم الفــائزون

ا الصـــالحات ســـواء أن نجعلهـــم كالـــذين آمنـــوا وعملـــو (، عملـــوا وكســـبوا : أي )الســـيئات ساء ما: أي )ساء ما يحكمون(، نساويهم م يف الدنيا واآلخرة : أي )محياهم ومماتهم

".ظنوا بنا وبعدلنا أن نساوي بني األبرار والفجار يف الدار اآلخرة ويف هذه الدار، أن املسـلم إذا تأمـل هـذه اآليـات ومـا فيهـا مـن األحكـام الشـرعية والقدريـة: األمر الثاني

وتأمـل تكــرمي اهللا ســبحانه للمســلمني ، ورفعـه هلــم ، وذمــه للكــافرين ، ووضـعه هلــم ، وذمــه ملــن ظن أن اهللا سبحانه يسوي بـني الفـريقني سـواء يف الـدنيا أو اآلخـرة ، عـرف مقـدار نعمـة اهللا ، وعظيم منته ، ومجيل إحسـانه وكرمـه وامتنانـه ، وعـرف أن املسـلم ولـو كـان مـن أضـعف النـاس

، وأقلهم ناصرا ، وأكثرهم هوانا عليهم ، فإنه يبقى شاخما ، عزيزا ، قويا ، بإميانه باهللا ، حيلةوبرســـوله صـــلى اهللا عليـــه وســـلم ، وبنعمـــة اهللا عليـــه مـــن تفضـــيله لـــه ، وهدايتـــه وتوفيقـــه ، وأن

بطـرد اهللا الكافر مهما عال يف األرض وأكثر فيها الفساد فإنـه يبقـى ذلـيال مهانـا خاسـرا حقـريا له من رمحته وتوفيقه ، وحكمـه عليـه باخلسـران املبـني ، وبنـاء علـى هـذا يكـون خطـاب املسـلم

. ١٥١/ ٤: تفسري ابن كثري ١

Page 60: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٦٥

مبنيــا علــى االعتــزاز بدينــه ، وثقتــه بنصــر اهللا لــه ، ســواء خاطبــه للــدعوة إىل اهللا ، أو : للكــافر . لرد مفرتياته وأكاذيبه

ء علـيهم السـالم كـان خطـام ألقــوامهم وملـا كـان أكمـل النـاس يف معرفـة هـذه األمــور األنبيـا !.على قلة أنصارهم خطاب عزة ورفعة وعلو ويقني كما سيأيت إن شاء اهللا تعاىل

أن مساواة املسلم بغريه يف األحكام باطل ، فإن الشارع فـرق بـني املسـلمني : األمر الثالثتويان يف شـــيء منهـــا يف والكفـــار شـــرعا ، وفـــرق بيـــنهم قـــدرا أيضـــا ، وأحكـــام الفـــريقني ال يســـ

اجلملة ؛ فإن املسلم ال يقتل بالكافر ولو كان ذميا وإمنا يعزر ، ودية الذمي علـى النصـف مـن ويلــزم بــرتك التشــبه ديــة املســلم ، ولــيس بينهمــا تــوارث ، ويلــزم الــذمي بالصــغار دون املســلم ،

فإنـه معصـوم الـدم واملـال ، وأما الكافر احلريب فمباح الدم واملـال ، خبـالف املسـلم باملسلمني ، . إىل غريها من األحكام

أحـد ) العـدل(وإذا قيل إن اإلسالم يعدل بني الناس مهما كانت أديام ؛ فقد يراد بكلمـة :أمرين كما سبق

املســاواة ، مبعــىن أنــه يســاوى بــني املســلم وغــريه يف األحكــام ، : أن يقصــد بالعــدل : األولسابقة ، وإمجاع أهل العلم على اختالف املسلمني عـن غـريهم يف فهذا باطل ، تبطله األدلة ال

.ذلك إعمــال أحكــام اهللا ســبحانه علـى اجلميــع ، ســواء كــان مســلما : أن يقصـد بالعــدل : الثــاني

أو كــافرا ، فيســوى بــني املتمــاثلني ، ويفــرق بــني املختلفــني ، فهــذا صــحيح ، وهــذا هــو القســط .الذي جاءت به الرسل

أن حماولــة مســاواة املــؤمنني بالكــافرين ولــو يف بعــض األمــور ، أو القــيم ، أو : ابــعاألمــر الر البحــث بيــنهم عــن أســس مشــرتكة يتعــاونون مــن خالهلــا ، أو يتعايشــون ، مــن أبطــل الباطــل ،

فريــق فــي الجنــة (فـإن اهللا ســبحانه حكــم شــرعا ، وقضـى قــدرا ، بــالتفريق التــام بــني احلـزبني ، .، واهللا املستعان ) وفريق في السعير

Page 61: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٦٦

الدليل السادس عشر نصوص المواالة بين المؤمنين

:فقد وردت أدلة كثرية من الكتاب والسنة على املواالة بني املؤمنني ، ومن ذلك

إنمـا ولـيكم اهللا (، ولـوه تعـاىل ) والمؤمنون والمؤمنات بعضـهم أوليـاء بعـض(قوله تعـاىل لصـالة ويؤتـون الزكـاة وهـم راكعـون ، ومـن يتـول اهللا ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمـون ا

إن الذين آمنوا وهـاجروا (، وقوله تعاىل ) ورسوله والذين آمنوا فإن حزب اهللا هم الغالبونــاء ــأموالهم وأنفســهم فــي ســبيل اهللا والــذين آووا ونصــروا أولئــك بعضــهم أولي وجاهــدوا ب

.ك من اآليات ، وغري ذل) إنما المؤمنون إخوة(، وقال تعاىل ) بعض : ويف الصحيحني عن النعمان بن بشـري رضـي اهللا عنـه عـن النـيب صـلى اهللا عليـه وسـلم قـال

وتـــرامحهم وتعـــاطفهم كمثـــل اجلســـد الواحـــد إذا اشـــتكى منـــه عضـــو مثـــل املـــؤمنني يف تـــوادهم(ويف الصحيحني عن أيب موسى رضي اهللا عنـه عـن ، ) تداعى له سائر اجلسد باحلمى والسهر

املـــؤمن للمـــؤمن كالبنيـــان يشـــد بعضـــه بعضـــا وشـــبك بـــني : (صـــلى اهللا عليـــه وســـلم قـــال النـــيب قــال رســول اهللا صــلى اهللا : ، ويف صــحيح مســلم عــن أيب هريــرة رضــي اهللا عنــه قــال ) أصــابعه

وال يبــع بعضــكم علــى ، وال تــدابروا ، وال تباغضــوا ، ال حتاســدوا ، وال تناجشــوا(عليــه وســلم وال حيقـره ، وال خيذلـه ، ال يظلمـه ؛ املسـلم أخـو املسـلم ، د اهللا إخوانـا وكونوا عبـا، بيع بعض

حبســـب امـــرئ مـــن الشـــر أن حيقـــر أخـــاه - ويشـــري إىل صـــدره ثـــالث مـــرات -التقـــوى ههنـــا ، ، ويف الصـــحيحني مـــن ) وعرضـــه ، ومالـــه ، دمـــه ؛ كـــل املســـلم علـــى املســـلم حـــرام ، املســـلم

وال ، ال تباغضــــوا : (اهللا عليــــه وســــلم قــــال حــــديث أنــــس رضــــي اهللا عنــــه أن الرســــول صــــلى وال حيــل ملســلم أن يهجــر أخــاه فــوق ثالثــة ، وكونــوا عبــاد اهللا إخوانــا ، وال تــدابروا ، حتاســدوا

ويف مســند اإلمــام أمحــد عــن ســهل بــن ســعد رضــي اهللا عنــه عــن النــيب صــلى اهللا عليــه ، ) أيــام يــأمل املــؤمن ألهــل اإلميــان كمــا ، اجلســد املــؤمن يف أهــل اإلميــان مبنزلــة الــرأس مــن : (وســلم قــال

ويف ســنن أيب داود عــن أيب هريــرة رضــي اهللا عنــه عــن النــيب صــلى ، ) يــأمل اجلســد ملــا يف الــرأس املــؤمن أخــو املــؤمن يكــف عنــه ضــيعته وحيوطــه مــن ، املــؤمن مــرآة املــؤمن (اهللا عليــه وســلم قــال

Page 62: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٦٧

ال (صــلى اهللا عليــه وســلم قــال ويف الصــحيحني عــن أنــس رضــي اهللا عنــه عــن النــيب ، ) ورائــه ) .يؤمن أحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب لنفسه

.والنصوص يف هذا الباب كثرية جدا .وكلها تدل على وجوب التناصر واملعاضدة واملؤاخاة بني املسلمني

: ١قال النووي رمحه اهللا ويف احلـــديث ،) املـــؤمن للمـــؤمن كالبنيـــان يشـــد بعضـــه بعضـــا (قولـــه صـــلى اهللا عليـــه وســـلم "

هــــذه األحاديــــث صــــرحية يف تعظــــيم ) :مثــــل املــــؤمنني يف تــــوادهم وتــــرامحهم إىل آخـــره(اآلخـــر ".والتعاضد، واملالطفة ، وحثهم على الرتاحم ، حقوق املسلمني بعضهم على بعض

:٢وقال ابن كثري رمحه اهللا بــل ، د بأوليــائكم لــيس اليهــو : أي )إنمــا ولــيكم اهللا ورســوله والــذين آمنــوا(وقولــه تعــاىل "

أي )الـذين يقيمـون الصـالة ويؤتـون الزكـاة(وقوله ، واليتكم راجعة إىل اهللا ورسوله واملؤمنني لـهوهـي ، من إقام الصالة اليت هي أكـرب أركـان اإلسـالم ذه الصفات ، املؤمنون املتصفون :

جني مـن الضـعفاء وإيتاء الزكاة اليت هي حق املخلوقني ومسـاعدة للمحتـا، وحده ال شريك له ، فكـــل مـــن رضـــي بواليـــة اهللا ورســـوله واملـــؤمنني فهـــو مفلـــح يف الـــدنيا واآلخـــرة ...واملســـاكني

ومــن يتــول اهللا ورســوله (وهلــذا قــال تعــاىل يف هــذه اآليــة الكرميــة ؛ ومنصــور يف الــدنيا واآلخــرة ) ".والذين آمنوا فإن حزب اهللا هم الغالبون

:ملسلم يف وقت حاجته إىل أخيه ومن أعظم قواطع املواالة خذالن ا :قال ابن رجب رمحه اهللا يف ما ينهى عنه املسلم جتاه أخيه

كمــا قــال النــيب ، فــإن املــؤمن مــأمور أن ينصــر أخــاه ؛ خــذالن املســلم ألخيــه : ومــن ذلــك " أنصـره مظلومـا ، يا رسول اهللا : قال )أو مظلوما انصر أخاك ظاملا (صلى اهللا عليه وآله وسلم

البخــاري مبعنــاه خرجــه )فــذلك نصــرك إيــاه، متنعــه مــن الظلــم : (قــال .؟كيــف أنصــره ظاملــا ف ،ن حـديث أيب أبـو داود مـ وخـرج. مـن حـديث جـابر مسـلم مبعنـاه وخرجـه ، من حديث أنـس

مـا مـن امـرئ : (اهللا عن النيب صـلى اهللا عليـه وآلـه وسـلم قـال بن عبدطلحة األنصاري وجابر

. ١٣٦/ ٦: شرح مسلم ١ . ٧٢/ ٢: تفسري ابن كثري ٢

Page 63: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٦٨

إال خذله اهللا ، وينتقص فيه من عرضه ، يف موضع تنتهك فيه حرمته مسلم خيذل امرأ مسلما ، يف موضــع ينــتقص فيــه مــن عرضــه ومــا مــن امــرئ ينصــر مســلما ، حيــب فيــه نصــرته مــوطنيف وخــرج اإلمــام أمحــد مــن ).إال نصــره اهللا يف موضــع حيــب فيــه نصــرته، حرمتــه مــن نتهــك فيــه وي

عنده ل ذ من أ : (صلى اهللا عليه وآله وسلم قال حديث أيب أمامة بن سهل عن أبيه عن النيب ) .أذلــه اهللا علـى رؤوس اخلالئــق يـوم القيامــة، فلـم ينصــره وهـو يقــدره علـى أن ينصـره ، مـؤمن

مــن : (وخــرج البــزار مــن حــديث عمــران بــن حصــني عــن النــيب صــلى اهللا عليــه وآلــه وســلم قــال ) ". الدنيا واآلخرةنصره اهللا يف نصره ، نصر أخاه بالغيب وهو يستطيع

:وكالم أهل العلم يف هذا الباب كثري جدا ، وها هنا مسألة مهمة وهي وإن طائفتــان مــن المــؤمنين اقتتلــوا فأصــلحوا : (إن اهللا ســبحانه قــال يف ســورة احلجــرات

بينهمــا فــإن بغــت إحــداهما علــى األخــرى فقــاتلوا التــي تبغــي حتــى تفــئ إلــى أمــر اهللا فــإن نهمــا بالعــدل وأقســطوا إن اهللا يحــب المقســطين إنمــا المؤمنــون إخــوة فــاءت فأصــلحوا بي

) .فأصلحوا بين أخويكمفاهللا سبحانه ذكر هنا أن القتـال حصـل بـني طـائفتني مـن املـؤمنني ، فبعضـهم يقتـل بعضـا ،

مســاهم مــؤمنني ، وجعلهــم إخــوة ، وطلــب : ومــع هــذا االقتتــال وارتكــام لقتــل الــنفس املؤمنــة : اإلصالح بينهممن املسلمني

:١قال القرطيب رمحه اهللا ألن اهللا تعــــاىل مســــاهم إخــــوة ؛ هــــذه اآليــــة دليــــل علــــى أن البغــــي ال يزيــــل اســــم اإلميــــان يف"

".مؤمنني مع كوم باغني :٢وقال ابن حزم رمحه اهللا

ولــو تــرك أهـــل احلــرب مـــن الكفــار وأهــل احملاربـــة مــن املســـلمني علــى قــوم مـــن أهــل البغـــي "ى مجيع أهل اإلسـالم وعلـى اإلمـام عـون أهـل البغـي وإنقـاذهم مـن أهـل الكفـر ومـن ففرض عل

وقـال ،) إنمـا المؤمنـون أخـوة(وقـد قـال اهللا تعـاىل ، ألن أهـل البغـي مسـلمون ؛ أهل احلرب

. ٣٢٣/ ١٦: تفسري القرطيب ١ . ١١٧/ ١١: ى احملل ٢

Page 64: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٦٩

أشـداء علـى الكفـار رحمـاء (وقال تعاىل ، )أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين(تعاىل )".بينهم

:١الم رمحه اهللا وقال شيخ اإلسويوايل يف اهللا ، فإن كـان هنـاك مـؤمن فعليـه أن يواليـه وإن ، واملؤمن عليه أن يعادي يف اهللا "

تتـلــوا (ظلمــه ، فــإن الظلــم ال يقطــع املــواالة اإلميانيــة ، قــال تعــاىل وإن طائفتــان مــن المــؤمنني اقـنـهمـا فـإن بـغـت إحـ دامها علـى األخــرى فـقـاتلوا الـيت تـبغـي حـىت تفـيء إىل أمـر اللــه فأصـلحوا بـيـ

نـهمـا بالعـدل وأقسـطوا إن ـا المؤمنـون إخـوة فـإن فـاءت فأصـلحوا بـيـ المقسـطني ، إمن ـه حيـبالل ".قتال والبغي وأمر باإلصالح بينهمفجعلهم إخوة مع وجود ال) كم فأصلحوا بـني أخوي

فـإذا كـان هـذا يقـال ملـن رفعـوا سـيوفهم فقـاتلوا املـؤمنني متـأولني ، فكيـف مبـن رفعـوا ســيوفهم .لقتال الكفار احملاربني هللا ولرسوله وللمؤمنني ؟

اطبـة كفـار أمريكـا وهـم فإذا تأملت ما سبق وقرأت ما جاء يف بيان املثقفني مـن قـوهلم يف خم : ضد ااهدين حتت مسمى اإلرهاب ) محلة صليبية(يقومون بـ

) .إننا معنيون بالحملة على اإلرهاب سواء أتى من مسلمين أو غير مسلمين(وحنوها من العبارات اليت فيهـا تأييـد هلـم علـى حـرب اإلرهـابيني ، أو فيهـا ملـز للمجاهـدين ،

!!.هلذه املواالة اإلميانية علمت مدى حتقيق هذا البيان

. ٢٠٩، ٢٠٨/ ٢٨: الفتاوى ١

Page 65: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٧٠

الدليل السابع عشر نصوص التالزم بين الحق واالبتالء

:فقد جاءت نصوص كثرية تدل على التالزم بني اإلميان واالبتالء ، ومن ذلك

الـم ، أحســب النــاس أن يتركـوا أن يقولــوا آمنــا وهـم ال يفتنــون ، ولقــد فتنــا (قولـه تعــاىل ـــبلهم فلـــيعلمن ـــذين مـــن ق ـــيعلمن الكـــاذبين ال ـــذين صـــدقوا ول أم (تعـــاىل ، وقولـــه) اهللا ال

ـــأتكم مثـــل الـــذين خلـــوا مـــن قلـــبكم مســـتهم البأســـاء ـــة ولمـــا ي حســـبتم أن تـــدخلوا الجنــى نصــر اهللا أال أن نصــر اهللا ــوا معــه مت ــى يقــول الرســول والــذين آمن والضــراء وزلزلــوا حت

إذا أوذي في اهللا جعل فتنة الناس ومن الناس من يقول آمنا باهللا ف(تعاىل وقوله ، ) قريبأم حســبتم أن تــدخلوا الجنــة ولمــا يعلــم اهللا الــذين جاهــدوا (، وقــال تعــاىل ) كعــذاب اهللا

ولنبلونكم حتى نعلم المجاهـدين مـنكم والصـابرين (، وقال تعاىل ) منكم ويعلم الصابرينــــاركم ــــو أخب ــــردوكم عــــن د(، وقــــال تعــــاىل ) ونبل ــــى ي ــــاتلونكم حت ــــون يق ــــنكم إن وال يزال ي

أشـد النـاس بـالء األنبيـاء ( وروى الرتمذي وغريه عن سـعد رضـي اهللا عنـه مرفوعـا ، ) استطاعوا: رت قـــال عـــن خبــاب بـــن األ ، ويف صــحيح البخـــاري) ن ، مث األمثـــل فاألمثـــل ، مث الصــاحلو

وقد لقينا من ، شكونا إىل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وهو متوسد بردة له يف ظل الكعبة مث ، وجهـه فجلـس حممـرا : قـال . ؟أال تستنصر لنـا؟ أال تدعو اهللا لنا : فقلنا ، ملشركني شدة ا

واهللا إن من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فيمشط بأمشاط احلديـد مـا بـني حلـم وعصـب مـا : قال علـى رأسـه فيشـق بـاثنتني مـا فتحفـر لـه احلفـرة فيوضـع املنشـارويؤخذ ، يصرفه ذلك عن دينه

وليـــتمن اهللا هـــذا األمـــر حـــىت يســـري الراكـــب مـــن صـــنعاء إىل حضـــرموت ال ، دينـــه يصـــرفه عـــن .والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون خيشى إال اهللا عز وجل

.والنصوص يف هذا الباب كثرية معلومة أميـا : ومجيعها تدل على التالزم بني اإلميان واالبتالء ، هلذا سئل الشافعي رمحه اهللا فقيل لـه

!.ال ميكن حىت يبتلى : جل أن ميكن أو يبتلى ؟ فقال أفضل للر وممـــا يـــدل علـــى هـــذا الـــتالزم مـــا ثبـــت يف الصـــحيحني مـــن حـــديث عائشـــة رضـــي اهللا عنهـــا

هــــذا : الطويـــل يف بــــدء الــــوحي وفيــــه قــــول ورقــــة بــــن نوفــــل لرســــول اهللا صــــلى اهللا عليــــه وســــلم

Page 66: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٧١

إذ خيرجـك قومـك يتين أكون حيا ل، يا ليتين فيها جذع ، نزل اهللا على موسى أالناموس الذي . ؟أو خمرجي هم: صلى اهللا عليه وسلم فقال رسول اهللا .

. لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إال عودي، نعم : قال :١قال ابن جرير رمحه اهللا

يعـين تعـاىل) وليمحص اهللا الذين آمنوا ويمحـق الكـافرين( القول يف تأويل قوله تعاىل "

وليختـرب اهللا الـذين صـدقوا اهللا ورسـوله فيبتلـيهم) : محص اهللا الـذين آمنـواولـي(ذكره بقوله

كمــا بإدالــة املشــركني مــنهم حــىت يتبــني املــؤمن مــنهم املخلــص الصــحيح اإلميــان مــن املنــافق ،أي ) وليمحص اهللا الذين آمنوا: (ثنا سلمة عن ابن إسحاق : حدثنا ابن محيد قال (...)

". خيلصهم بالبالء الذي نزل م وكيف صربهم ويقينهمالذين آمنوا حىت خيترب: :٢وقال شيخ اإلسالم رمحه اهللا

ولكـن مـن (وهذا هو الذي ذمه اهللا بقوله ، كره يف كتابه من يرتد ويفتنت ولو أوقد ذم اهللا"وكــذلك يــذم مــن يــرتك الواجــب الظــاهر ويفعــل احملــرم الظــاهر عنــدما ، )شــرح بــالكفر صــدرا

وقــال تعــاىل ، كمــا تقــدم )اآليــة.. وال يزالــون يقــاتلونكم(ى والفــنت كمــا قــال يصــيبه مــن األذومن الناس من يعبد اهللا على حرف فإن أصـابه خيـر اطمـأن بـه وإن أصـابته فتنـة انقلـب (

ـــين ـــك هـــو الخســـران المب ـــدنيا واآلخـــرة ذل ـــى وجهـــه خســـر ال وذكـــر جمموعـــة مـــن –) عل ". –النصوص يف هذا

:٣وقال أيضا اقتضته حكمته ومضت به سنته من االبـتالء واالمتحـان الـذي خيلـص اهللا بـه أهـل لكن مبا"

إذ قد دل كتابه على أنه البـد مـن الفتنـة لكـل مـن ؛ الصدق واإلميان من أهل النفاق والبهتان الم أحسب النـاس (قال اهللا تعـاىل ، والعقوبة لذوى السيئات والطغيان ، الداعي إىل اإلميان

قولوا آمنا وهم ال يفتنون ، ولقد فتنا الـذين مـن قـبلهم فلـيعلمن اهللا الـذين أن يتركوا أن يصـــدقوا ولـــيعلمن الكـــاذبين ، أم حســـب الـــذين يعملـــون الســـيئات أن يســـبقونا ســـاء مـــا

.٤٥١/ ٣: تفسري الطربي ١ . ٢/٣٣٧ : االستقامة ٢ . ٢١٢/ ٣: فتاوى ٣

Page 67: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٧٢

وأن مـــدعى، فـــأنكر ســـبحانه علـــى مـــن يظـــن أن أهـــل الســـيئات يفوتـــون الطالـــب )يحكمـــونوأخـرب يف كتابـه أن الصـدق يف اإلميـان ال ، لكـاذب اإلميان يرتكون بال فتنة متيز بني الصادق وا

قالـت األعـراب آمنـا قـل لـم تؤمنـوا ولكـن قولـوا (فقـال تعـاىل ؛ يكون إال باجلهاد يف سبيله إنما المؤمنون الذين آمنوا باهللا ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بـأموالهم (إىل قوله )أسلمنا

وأخـــرب يف كتابـــه خبســـران املنقلـــب علـــى ، )وأنفســـهم فـــي ســـبيل اهللا أولئـــك هـــم الصـــادقونوجهـه عنـد الفتنـة الـذي يعبـد اهللا فيهـا علـى حـرف وهـو اجلانـب والطـرف الـذي ال يسـتقر مــن

ومـن النـاس (قال تعـاىل ؛ هو عليه بل ال يثبت اإلميان إال عند وجود ما يهواه من خري الدنيا ) فتنـة انقلـب علـى وجهـهمن يعبد اهللا على حرف فإن أصابه خير اطمـأن بـه وإن أصـابته

." : ١وقال ابن القيم رمحه اهللا عن الرسول صلى اهللا عليه وسلم

وملا صدع بأمر اهللا وصرح لقومه بالدعوة وناداهم بسب آهلـتهم وعيـب ديـنهم اشـتد أذاهـم "عـز وجـل يف اهللاوهذه سـنة ، ونالوه ونالوهم بأنواع األذى ، له وملن استجاب له من أصحابه

وكــذلك (وقـال ، )مـا يقـال لـك إال مـا قـد قيـل للرسـل مـن قبلـك(قـال تعـاىل كمـا ؛ خلقـه كـذلك مـا أتـى الـذين مـن قـبلهم (وقـال ، )جعلنا لكل نبـي عـدوا شـياطين اإلنـس والجـن

فعـزى سـبحانه ، )من رسول إال قالوا ساحر أو مجنـون ، أتواصـوا بـه بـل هـم قـوم طـاغونـــه أســـوة مبـــن تقدمـــه مـــن املر ، نبيـــه بـــذلك ـــه ، ســـلني وأن ل أم حســـبتم أن (وعـــزى أتباعـــه بقول

تـدخلوا الجنــة ولمــا يـأتكم مثــل الــذين خلـوا مــن قلــبكم مسـتهم البأســاء والضــراء وزلزلــوا مث ذكر – ) ...حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر اهللا أال أن نصر اهللا قريب

ته من العرب وكنوز احلكم العبد سياق هذه اآليات وما تضمن فليتأمل –آيات العنكبوت وقال وإمـا أال يقـول ، آمنـا : إمـا أن يقـول أحـدهم : إذا أرسل إليهم الرسل بني أمـرين ؛ فإن الناس

والفتنـة ؛ آمنا امتحنه ربـه وابـتاله وفتنـه : فمن قال . بل يستمر على السيئات والكفر ؛ ذلك نا فال حيسب أنـه يعجـز اهللا ومن مل يقل آم، ليتبني الصادق من الكاذب ، االبتالء واالختبار

:فإنه إمنا يطوي املراحل يف يديه وبقوته ويسبقه إذا كان تطوى يف يديه املراحل ر املرء عنه بذنبه ـوكيف يف

. ١٣/ ٣زاد املعاد ١

Page 68: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٧٣

إىل آخــر مــا قــال وهــو ". فمــن آمــن بالرســل وأطــاعهم عــاداه أعــداؤهم وآذوه فــابتلي مبــا يؤملــه .كالم طويل مجيل يف االبتالء

: دمفالحاصل مما تقأن اإلميان واحلق ال بد فيه من الفتنة واالبتالء ، وهذه سنة اهللا سبحانه اليت جرت يف خلقه

.، وقد مر ذا الرسل صلوات اهللا وسالمه عليهم : فإذا علمت هذا

تبني لك أن ما حيدث يف عصـرنا مـن تسـليط الكفـار واملنـافقني وغـريهم مـن أعـداء اهللا علـى أو احلصار ، أو التشريد ، أو التضييق على مـن بـني أيـديهم ، أو األسـر بالقتال ، : املسلمني

، وحنــو ذلــك ؛ إمنــا هــو مــن هــذه الفــنت الــيت ميحــص اهللا ــا املــؤمنني ، فــيعلم الــذين صــدقوا ، .ويعلم الكاذبني ، ويعلم حقيقة إميان العبد ويقينه

ســبحانه ، والصــدع بــاحلق ، وإمنــا يكــون الثبــات يف هــذه احملــن والفــنت ، يف القيــام بــأمر اهللاومواالة املؤمنني ، وااللتزام بسنة خري خلق اهللا ، مع الكفر بالطاغوت ، والرباءة مـن الكفـار ،

.ومعادام ، وترك مداهنتهم ، وحنو هذا والعجيب أن اهللا سبحانه وتعاىل قد جعـل مثـل هـذه الفـنت للتمحـيص ، لـيعلم الصـادق مـن

يــث ، واملــؤمن مــن املنــافق ، بينمــا جعلهــا آخــرون طريقــا ملداهنـــة الكــاذب ، والطيــب مــن اخلبـــيهم ومشـــاركتهم يف مشـــاعرهم والتقـــرب إلـــيهم حبجـــة و ) مصـــلحة الـــدعوة(الكفـــار والتـــودد إل

وحنـــو ) حتييـــدهم(أو ) كســـب الكفـــار(أو ) محايـــة األقليـــات(أو ) احملافظـــة علـــى مكتســـباا( ) .الواقعية(و ) سعة األفق(و ) النظر بعد(و ) العقالنية(ذلك ، وأن هذا كله من

ومن النـاس مـن يقـول آمنـا (وهذه العقالنية املزعومة يصدق عليها يف كتاب اهللا قوله تعاىل ومن الناس مـن يعبـد (، وقوله تعاىل ) كعذاب اهللا إذا أوذي في اهللا جعل فتنة الناسباهللا ف

) . انقلب على وجههاهللا على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة !.وبعدها على حد سواء ) الفتنة(وإمنا املمدوح يف هذه احلالة من كانت حاله قبل

Page 69: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٧٤

عشر الثامنالدليل نصوص الجهاد في سبيل اهللا

وهــي كثــرية جــدا ، بــل إن أكثــر آيــات األحكــام يف القــرآن تقريبــا يف القتــال يف ســبيل اهللا ،

: ذلك ، منها حيث وردت أكثر من مائة آية يففـإذا انســلخ األشـهر الحــرم فـاقتلوا المشـركين حيــث وجـدتموهم وخــذوهم (قولـه تعـاىل

ـــوا الزكـــاة ـــابوا وأقـــاموا الصـــالة وآت ـــوا واحصـــروهم واقعـــدوا لهـــم كـــل مرصـــد فـــإن ت فخلفقاتـل (، وقـال تعـاىل ) يـا أيهـا النبـي حـرض المـؤمنين علـى القتـال(، وقال تعـاىل ) سبيلهم

فــإذا لقيــتم الــذين ( ، وقــال تعــاىل) ال تكلــف إال نفســك وحــرض المــؤمنينفــي ســبيل اهللاانفـروا خفافـا وثقـاال وجاهـدوا بـأموالكم وأنفسـكم (، وقـال تعـاىل ) كفروا فضـرب الرقـاب

قـاتلوا الـذين ال يؤمنـون (، وقـال تعـاىل ) في سبيل اهللا ذلكم خير لكـم إن كنـتم تعلمـونآلخـر وال يحرمـون مـا حـرم اهللا ورسـوله وال يـدينون ديـن الحـق مـن الـذين باهللا وال باليوم ا

قـاتلوهم يعـذبهم (، وقـال تعـاىل ) أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزيـة عـن يـد وهـم صـاغرونإن اهللا اشـــترى مـــن المـــؤمنين أنفســـهم وأمـــوالهم بـــأن لهـــم (، وقـــال تعـــاىل ) اهللا بأيـــديكم

، وقـال ) اهللا الـذين يشـرون الحيـاة الـدنيا بـاآلخرةفليقاتل في سبيل (، وقال تعاىل ) الجنةوقــاتلوا المشــركين كافــة كمــا (، وقــال تعــاىل ) الــذين آمنــوا يقــاتلون فــي ســبيل اهللا(تعــاىل

ــة ويكــون الــدين كلــه هللا(، وقــال تعــاىل ) يقــاتلونكم كافــة ، ) وقــاتلوهم حتــى ال تكــون فتنسـتدعون إلــى قـوم أولــي (تعـاىل ، وقــال) كتـب علــيكم القتـال وهــو كـره لكـم(وقـال تعـاىل

.، وغريها من اآليات ) بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون : وأما األحاديث فهي متواترة ، منها

أمـرت أن أقاتـل النـاس حـىت يشـهدوا أن ال إلـه إال (ما يف الصـحيحني عـن ابـن عمـر مرفوعـا موســـى األشــعري مرفوعـــا ، وكمـــا يف الصــحيح عــن أيب ) اهللا ، ويقيمــوا الصــالة ويؤتـــوا الزكــاة

مــن (عــن أيب هريــرة مرفوعــا مســلم صــحيح ، ومــا يف ) نــة حتــت ظــالل الســيوفإن أبــواب اجل(ومــا يف الســنن واملســند ، )مــات ومل يـغــز ومل حيــدث نفســه بــالغزو مــات علــى شــعبة مــن النفــاق

شــريك لــه، بعثــت بالســيف بــني يــدي الســاعة حــىت يعبــد اهللا وحــده ال(عــن ابــن عمــر مرفوعــا

Page 70: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٧٥

أمحـد ومـا رواه ، ) لـذل والصـغار علـى مـن خـالف أمـريوجعل رزقي حتـت ظـل رحمـي، وجعـل اوذروة ســنامه ، الصــالة وعمــوده ، رأس األمــر اإلســالم (وغريمهــا عــن معــاذ مرفوعــا والرتمــذي

.، واألحاديث يف ذلك متواترة مشهورة بوب عليها احملدثون أبوابا كثرية ) اجلهاد، يف مجيع القرون ، واألمصار ، إمجاعا قطعيا –قبل هذا العصر –ع علماء األمة وقد أمج

، عمليا ، متواترا ، على مشروعية اجلهاد يف سبيل اهللا ، ومقاتلة الكفار حىت يكون الدين عقدت كتبا خاصة فيها للجهاد والسري ، كله هللا ، فجميع كتب الفقه ، يف مجيع املذاهب ،

.ل الذمة وألحكام أه :١قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا

كل من بلغه دعوة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إىل دين اهللا الذي بعثه به فلم "ملا وكان اهللا. ) حتى ال تكون فتنة ويكون الدين كله هللا (فإنه جيب قتاله ، يستجب له حىت ، لى ذلك وال قتاله إىل دينه مل يأذن يف قتل أحد ع وأمره بدعوة اخللق، بعث نبيه

أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ( : فأذن له وللمسلمني بقوله تعاىل ، هاجر إىل املدينة كتب (: مث إنه بعد ذلك أوجب عليهم القتال بقوله . )وإن اهللا على نصرهم لقدير اآليات

امة السور يف ع، وعظم أمر اجلهاد ، وأكد اإلجياب )اآليةعليكم القتال وهو كره لكم مث ذكر جمموعة من اآليات -، ووصفهم بالنفاق ومرض القلوب ، وذم التاركني له ، املدنية أكثر من أن حيصر ، وذكر فضائله يف الكتاب والسنة ، واألمر باجلهاد –: وقال ٢يف هذا

، وكان باتفاق العلماء أفضل من احلج والعمرة ، وهلذا كان أفضل ما تطوع به اإلنسان ، حىت قال النيب صلى ، كما دل عليه الكتاب والسنة ، والصوم التطوع ، ومن الصالة التطوع

إن (وقال . )وذروة سنامه اجلهاد، وعموده الصالة ، رأس األمر اإلسالم (: اهللا عليه وسلم أعدها اهللا ، كما بني السماء واألرض ، ما بني الدرجة والدرجة ، يف اجلنة ملائة درجة

من اغرب قدماه يف سبيل اهللا حرمه اهللا على ( : وقال. متفق عليه )ين يف سبيله للمجاهدخري من صيام شهر ، رباط يوم وليلة ( وقال صلى اهللا عليه وسلم ، رواه البخاري ) النار

)وأمن الفتان ، وأجري عليه رزقه ، وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمله . وقيامه

.وما بعدها ٣٤٩/ ٢٨: الفتاوى ١ .مل أذكر اآليات اليت ذكرها اختصارا ألنين ذكرا يف أول هذا الدليل ٢

Page 71: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٧٦

)خري من ألف يوم فيما سواه من املنازل ، رباط يوم يف سبيل اهللا (لسنن ويف ا. رواه مسلم وعني ، عني بكت من خشية اهللا : عينان ال متسهما النار (وقال صلى اهللا عليه وسلم ،

حرس ليلة (قال الرتمذي حديث حسن ويف مسند اإلمام أمحد )باتت حترس يف سبيل اهللا أن رجال (ويف الصحيحني . )ويصام ارها ، ة يقام ليلها أفضل من ألف ليل، يف سبيل اهللا

: قال . ال تستطيع : قال ، أخربين بشيء يعدل اجلهاد يف سبيل اهللا ، يا رسول اهللا : قال ال : وتقوم وال تفرت ؟ قال ، هل تستطيع إذا خرج ااهد أن تصوم وال تفطر : قال . أخربين

إن لكل أمة (ويف السنن أنه صلى اهللا عليه وسلم قال . )فذلك الذي يعدل اجلهاد: قال . مل يرد يف ثواب األعمال ، وهذا باب واسع . )وسياحة أميت اجلهاد يف سبيل اهللا، سياحة فإن نفع اجلهاد عام لفاعله ولغريه يف ، فهو ظاهر عند االعتبار ، مثل ما ورد فيه ، وفضلها

فإنه مشتمل من حمبة ، ع العبادات الباطنة والظاهرة ومشتمل على مجيع أنوا ، الدين والدنيا وذكر ، والصرب والزهد ، وتسليم النفس واملال له ، والتوكل عليه ، واإلخالص له ، اهللا تعاىل

والقائم به من الشخص . على ما ال يشتمل عليه عمل آخر ، اهللا وسائر أنواع األعمال " .وإما الشهادة واجلنة ، صر والظفر إما الن، واألمة بني إحدى احلسنيني دائما

:١رمحه اهللا وقال الشوكاين زة أهل الكفر ومحلهم على اإلسالم ، أو تسليم اجلزية ، أو القتل أما غزو الكفار ، ومناج"

، فهو معلوم من الضرورة الدينية ، وألجله بعث اهللا رسله ، وأنزل كتبه ، وما زال رسول اهللا م منذ بعثه اهللا سبحانه إىل أن قبضه إليه جاعال هلذا األمر من أعظم صلى اهللا عليه وآله وسل

مقاصده ، ومن أهم شئونه ، وأدلة الكتاب والسنة يف هذا ال يتسع هلا املقام ، وال لبعضها ، ".وما ورد يف موادعتهم أو تركهم إذا تركوا املقاتلة فذلك منسوخ بإمجاع املسلمني

:يتضح لك يف مسألتنا ثالثة أمور واملقصود أنك بتأمل ما سبق أن ااهـــــدين الـــــذين اجتهـــــدوا يف غـــــزو أمريكـــــا هلـــــم يف ذلـــــك مـــــن األدلـــــة : األمـــــر األول

املستفيضــة املتــواترة مــن الكتــاب والســنة واإلمجــاع العملــي املتــواتر مــا ســبق ذكــر بعضــه ، فــإن

.٥١٩، ٤/٥١٨: السيل اجلرار ١

Page 72: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٧٧

، وخطـأهم يف هـذا ، مغفـور هلـم إن شـاء اهللا ١أخطأوا يف التوقيت فهو خطـأ اجتهـادي سـائغ اسرتضـــاء الكفـــار ، والتقـــرب إلـــيهم ، ومشـــاركتهم يف : ال يقـــارن خبطـــأ هـــذا البيـــان الـــذي فيـــه

شعورهم ، ومعاضدم ضد ااهدين حتت اسم اإلرهابيني ، وحتريف النصـوص ؛ وحنـو ذلـك ، فإن هذه األمور ليس فيها دليل من كتـاب وال سـنة ، بـل وال شـبهة دليـل إال أن حيـرف عـن

!.وجهه ، فأي الفريقني أحق بقيم اإلسالم ، وتعاليم حممد صلى اهللا عليه وسلم؟) الصـراع(علـى أن ديـن اإلسـالم قـائم علـى داللـةكلهـا النصوصأن يف هذه : األمر الثاني

، ) غنيمـة ثـروات الشـعوب الكـافرة وخـريات أراضـيهم(، وقـائم علـى ٢)العنف(و ) الصدام(و ، ) بيـــان املثقفـــني(الـــذي يف ) جهـــاد الطلـــب(ح واضـــح علـــى نفـــي وحنـــو ذلـــك ، فهـــو رد صـــري

عــــن ديــــن اإلســــالم ، وادعــــاؤهم أن ) التــــدمري(و ) العنــــف(و ) الصــــدام(و ) الصــــراع(ونفــــيهم !.ال جيوز منازعتها عليها ) ثروات األرض ملك للشعوب(

، ) ه يف الـدينعدم اإلكـرا(أن هذه األدلة ترد ما يف بيان املثقفني من ادعاء : األمر الثالثسـتدعون إلـى قـوم (، وفيها ) وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين كله هللا(فإن فيها

أمرت أن أقاتل الناس حىت يشـهدوا أن ال (، وفيها ) أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون .، وغريها من النصوص ، كما سبق توضيحه ) إله إال اهللا وأين رسول اهللا

أن له شبهة ب) املسيحيني إخواننا ( القرضاوي يف قولهيعتذر عن –هداهم اهللا –وبعض املوقعني على هذا البيان ١

ويفــيض يف بيــان وجهــة نظــر ذلــك الرجــل ، هــذا دليلــه ، : ، فيقــول ) وإلــى عــاد أخــاهم هــودا (قولــه تعــاىل دليــل وهــيإال أنه ينبغي له ملـا اعتـذر لـذلك – هذا االستدالليف الرد على مستقلة الة رس وهناك –واالستدالل هذا على سقوطه

الرجل ذا االحتجاج الساقط ، ودافع عنـه يف جمالسـه ، أن يعتـذر إلخوانـه ااهـدين مـن بـاب أوىل ، ويـدافع عـنهم يف ملتـــواترة ، وليعتـــرب هـــذه كلهـــا جمالســـه ، فـــإم اســـتدلوا مبئـــات اآليـــات واألحاديـــث الصـــحيحة الصـــرحية ، وباإلمجاعـــات ا

!!.؛ كشبهة دليل مؤاخي النصارى واليهود والكفار) شبهة دليل(حنــن ال نرضــى بتســمية اجلهــاد والقتــال يف ســبيل اهللا ــذه األمســاء وإن كانــت تــؤدي نفــس املعــىن ، إال أن هــذا مــن ٢

.باب خماطبة أهل االصطالح باصطالحهم

Page 73: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٧٨

ع عشرالدليل التاس النصوص الدالة على بقاء الجهاد في سبيل اهللا إلى يوم القيامة

:وردت أدلة شرعية تدل على أن اجلهاد باق إىل يوم القيامة ، منها

يا أيها الذين آمنوا من يرتد مـنكم عـن دينـه فسـوف يـأتي اهللا بقـوم يحـبهم ( قوله تعاىل هــدون فــي ســبيل اهللا وال يخــافون ويحبونــه أذلــة علــى المــؤمنين أعــزة علــى الكــافرين يجا

) .لومة الئم: " لنيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قالعروة البارقي رضي اهللا عنه عن ا وكما يف الصحيح عن

" .األجر واملغنم : اخليل معقود يف نواصيها اخلري إىل يوم القيامة ال طائفـة مـن أمـيت ال تـز " وقد تواتر عنـه صـلى اهللا عليـه وسـلم يف الصـحاح وغريهـا أنـه قـال

ووردت روايــات صــحيحة تصــف " ظــاهرين علــى احلــق ال يضــرهم مــن خــالفهم إىل يــوم القيامــة .بالقتال يف سبيلههذه الطائفة

وروى أبو داود يف سننه بسند فيه مقال عن أنس بن مالك رضي اهللا عنه أن النيب صلى تل آخر أميت الدجال ؛ ال يبطله الغزو ماض منذ بعثين اهللا إىل أن يقا" اهللا عليه وسلم قال

". جور جائر ، وال عدل عادل كنت جالسا عند رسول اهللا : وروى أمحد و النسائي أن سلمة بن نفيل رضي اهللا عنه قال

يا رسول اهللا ، أذال الناس اخليل ووضعوا السالح ، : "صلى اهللا عليه وسلم ، فقال رجل رها ، فأقبل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بوجهه ال جهاد ، قد وضعت احلرب أوزا: وقالواكذبوا ، اآلن جاء دور القتال ، وال تزال من أميت أمة يقاتلون على احلق ويزيغ اهللا : وقال

هلم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حىت تقوم الساعة وحىت يأيت وعد اهللا، واخليل معقود يف " .نواصيها اخلري إىل يوم القيامة

الساعة تقوم ال: " قال وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول أن هريرة أيب عن الصحيح يف ماو احلجر وراء من اليهودي خيتبئ حىت ، املسلمون فيقتلهم ، اليهود املسلمون يقاتل حىت

فتعال ؛ خلفي يهودي هذا ، اهللا عبد يا ، مسلم يا: الشجر أو احلجر فيقول ، والشجر ". اليهود شجر من فإنه لغرقدا إال ، فاقتله

Page 74: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٧٩

: قال وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول أن عنه اهللا رضي هريرة أيب عن أيضا الصحيح ويف من املدينة من جيش إليهم فيخرج ، بدابق أو باألعماق الروم تنزل حىت الساعة تقوم ال"

نقاتلهم منا سبوا ذينال وبني بيننا خلوا: الروم قالت تصافوا فإذا ، يومئذ األرض أهل خيار يتوب ال ثلث فيهزم ، فيقاتلوم ، إخواننا وبني بينكم خنلي ال ، واهللا ال: املسلمون فيقول ،

، أبدا يفتنون ال الثلث ويفتح ، اهللا عند الشهداء أفضل ثلثهم ويقتل ، أبدا عليهم اهللا فيهم صاح إذ ، بالزيتون سيوفهم علقوا قد الغنائم يقسمون هم فبينما ، قسطنطينية فيفتحون الشام جاءوا فإذا ، باطل وذلك فيخرجون ، أهليكم يف خلفكم قد املسيح إن: الشيطان

ابن عيسى فينزل ، الصالة أقيمت إذ ، الصفوف يسوون: للقتال يعدون هم فبينما ، خرج يهلك حىت لذاب تركه فلو ، املاء يف امللح يذوب كما ذاب اهللا عدو رآه فإذا ، فأمهم مرمي

".حربته يف دمه فرييهم ، بيده اهللا يقتله ولكن ، اهللا صلى اهللا رسول مسعت قال عنه اهللا رضي الداري متيم عن وغريه أمحد اإلمام مسند يفو وبر وال مدر بيت اهللا يرتك وال ، والنهار الليل بلغ ما األمر هذا ليبلغن: " يقول وسلم عليه ."الكفر به يذل ذليل ذل أو ، اإلسالم به يعز عزيز عزب ، الدين هذا اهللا أدخله إال

علـى يبقـى ال: " قـال وسـلم عليـه اهللا صـلى اهللا رسـول عـن عنـه اهللا رضـي املقـداد عـن وفيه " . ذليل بذل أو ، عزيز بعز اإلسالم كلمة دخلته إال وبر وال مدر بيت األرض وجه

:١ )نواصي اخليل(حديث قال ابن حجر رمحه اهللا عن هذا وفيــه أيضــا بشــرى ببقــاء اإلســالم وأهلــه إىل يــوم القيامــة ؛ ألن مــن الزم بقــاء اجلهــاد بقــاء "

ال تــزال طائفــة مــن أمــيت يقــاتلون : وهــو مثــل احلــديث اآلخــر -وهــم املســلمون -ااهــدين .اهـ "على احلق احلديث

:٢ يف حديث الطائفة املنصورة قال النووي رمحه اهللاو ث معجزة ظاهرة فان هذا الوصف ما زال حبمد اهللا تعاىل من زمن النيب هذا احلدي ويف"

".صلى اهللا عليه وسلم إىل اآلن وال يزال حىت يأيت أمر اهللا املذكور يف احلديث

. ٥٦/ ٦ :فتح الباري ١ . ١٣/٦٧ :سلم شرح م ٢

Page 75: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٨٠

الغزو ماض منذ بعثين اهللا إىل أن يقاتل آخر أميت (يف حديث قال الشوكاين رمحه اهللا و :١) الدجال

.اهـ"ال يزال ما دام اإلسالم واملسلمون إىل ظهور الدجال فيه دليل على أن اجلهاد" :وبالتأمل يف هذه األحاديث ومقارنتها مبا جاء يف بيان املثقفني يظهر لك أمران

:وهو أمر شرعي : األمر األولوحنو هذه العبارات عن ) الصراع(و ) الصدام(من نفي ) البيان(وهو بطالن ما ذكر يف

جلهاد الطلب ، حيث أثبتت هذه األحاديث اجلهاد يف سبيل اهللا وقتال اإلسالم ، وإنكارهم .الكفار إىل يوم القيامة

:وهو أمر قدري : األمر الثانيبني األديان ) العنف(و ) الصراع(و ) الصدام(ونبذ ) التعايش(وهو استحالة ما طلبوه من

اه قدرا إىل قيام الساعة ، ؛ ألن اهللا سبحانه كما أوجب اجلهاد يف سبيله شرعا ، فقد قضفطلب مثل هذا األمر عبث ال طائل حتته لو خال من احملاذير األخرى ، فكيف وهو مليء

.٢باحملاذير؟

.٨/٣١ : نيل األوطار ١ .من الفصل األول التاسعةراجع ما ذكرته يف املقدمة ٢

Page 76: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٨١

العشرونالدليل قصص األنبياء

فقــد قــص اهللا ســبحانه وتعــاىل يف كتابــه مــن قصــص األنبيــاء مــا فيــه موعظــة للمتقــني ، وقــد

ال بـراءم مـن الكفـر وأهلــه ، وتـرك مـداهنتهم ، أو التنـازل هلــم جـاء يف قصصـهم مـا يفيـد كمــعـــن شـــيء مـــن ديـــنهم ، أو معايشـــتهم علـــى كفـــرهم ، مـــع أـــم كـــانوا يف ضـــعف وقلـــة ، مـــع

:تسلط الكفار عليهم وقـال الــذين كفــروا لرســلهم لنخــرجنكم مـن أرضــنا أو لتعــودن فــي ملتنــا �: قـال تعــاىلف

المين ولنســكننكم األرض مــن بعــدهم ذلــك لمــن خــاف فــأوحى إلــيهم ربهــم لــنهلكن الظــكــذبت قــبلهم قــوم نــوح واألحــزاب مــن بعــدهم (، وقــال ســبحانه �وعيــد مقــامي وخــاف

وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجـادلوا بالباطـل ليدحضـوا بـه الحـق فأخـذتهم فكيـف ذوا ولقد كذبت رسل من قبلـك فصـبروا علـى مـا كـذبوا وأو (، وقال سبحانه ) كان عقاب

، وقـال سـبحانه ) حتى أتاهم نصرنا وال مبدل لكلمات اهللا ولقد جـاءك مـن نبـإ المرسـلينم حســبتم أن تــدخلوا الجنــة ولمــا يــأتكم مثــل الــذين خلــوا مــن قــبلكم مســتهم البأســاء أ(

ــى يقــول الرســول والــذين آوالضــراء ــى نصــر اهللا أال إن نصــر اهللا وزلزلــوا حت ــوا معــه مت منيـا قـوم إن كـان كبـر علـيكم �: ن نـوح عليـه السـالم خماطبـا قومـه ، وقـال سـبحانه عـ) قريب

ــم ال يكــن ــات اهللا فعلــى اهللا توكلــت، فــاجمعوا أمــركم وشــركاءكم، ث ــذكيري بآي مقــامي وت ) .أمركم عليكم غمة ثم أقضوا إلي وال تنظرون

لنخرجنـك يـا شـعيب والـذين آمنـوا معـك مـن قريتنـا أو �: وقال إخبارا عـن قـوم شـعيبقال أولو كنا كارهين قـد افترينـا علـى اهللا كـذبا إن عـدنا فـي ملـتكم بعـد ودن في ملتنا لتع

إذ نجانـا اهللا منهــا ومــا يكــون لنــا أن نعــود فيهـا إال أن يشــاء اهللا ربنــا وســع ربنــا كــل شــيء . �علما على اهللا توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين

، مـن إني أشهد اهللا واشهدوا أني بريء مما تشركون (ليه السالم وقال تعاىل عن هود ع . �، فكيدون جميعا ثم ال تنظرون دونه

Page 77: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٨٢

ـــراهيم والـــذين معـــه إذ قـــالوا (وقـــال تعـــاىل عـــن إبـــراهيم قـــد كانـــت لكـــم أســـوة حســـنة فـــي إبـــا تـ ــنكم ومم ــرآء م ــومهم إنــا بـ ــداوة لق ــنكم الع ــا وبـيـ نـن ــدا بـيـ ــا بكــم وب ــن دون اللــه كفرن ــدون م عب . )وحده والبـغضاء أبدا حتى تـؤمنوا بالله

فطرنـي وإذ قـال إبـراهيم ألبيـه وقومـه إننـي بـرآء ممـا تعبـدون إال الـذي(وقال تعاىل عنه ) . باقية في عقبه لعلهم يرجعون نه سيهدين وجعلها كلمةفإ

:١قال ابن القيم رمحه اهللا يتوارثهـــا ، هللا والـــرباءة مـــن كـــل معبـــود ســـواه كلمتـــه باقيـــة يف عقبـــه أي جعـــل هـــذه املـــواالة"

وهـــي الـــيت ورثهـــا إمـــام ، وهـــي كلمـــة ال إلـــه إال اهللا ، بعضـــهم عـــن بعـــض ، األنبيـــاء وأتبـــاعهم ".يوم القيامة إىل احلنفاء ألتباعه

:واهللا سبحانه إمنا قص هذه القصص ألخذ العربة ولإلقتداء :٢قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا تعاىل

ن نصوص الكتاب والسنة اللذين مهـا دعـوة حممـد يتنـاوالن عمـوم اخللـق بـالعموم اللفظـي فإ" وعهــود اهللا يف كتابــه وســنة رســوله تنــال آخــر هــذه األمــة كمــا ، أو بــالعموم املعنــوي ، واملعنــوي

فنشـبه حالنـا ،وإمنا قص اهللا علينا قصـص مـن قبلنـا مـن األمـم لتكـون عـربة لنـا ، نالت أوهلافيكـون للمـؤمن مـن املتـأخرين شـبه مبـا كـان للمـؤمن مـن ، حباهلم ونقـيس أواخـر األمـم بأوائلهـا

".نيويكون للكافر واملنافق من املتأخرين شبه مبا كان للكافر واملنافق من املتقدم، املتقدمني علــى قلــة أنصــارهم ، : وبتأمــل هــذه اآليــات يظهــر غايــة الظهــور أن األنبيــاء علــيهم الســالم

واستضــــعافهم ، و تســــلط الكفــــار يف أرضــــهم ، وديــــدهم هلــــم ، مل يركنــــوا إلــــيهم أبــــدا ، ومل يداهنوهم ، ومل يتنازلوا عـن شـيء مـن ديـنهم مـع حـرص الكفـار علـى ذلـك ، ومل يرتكـوا الـرباءة

ن كفرهم ، بل صدعوا به ، ولوال ذلك ما حصل عليهم وال علـى أتبـاعهم مـا حصـل منهم وم . من ابتالء ، ومن ديد الكفار هلم بإخراجهم

. ١٣٨ص : اجلواب الكايف ١ .٤٢٥/ ٢٨: الفتاوى ٢

Page 78: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٨٣

وتأمـــل يف قـــول إبـــراهيم عليـــه الســـالم لقومـــه علـــى ضـــعفه بيـــنهم ، وتســـلطهم عليـــه ، وقلـــة ـا تـعبـدون مـن دون : (أنصاره ا بــرآء مـنكم وممـنكم العـداوة إنـ نـنـا وبـيـ اللـه كفرنـا بكـم وبـدا بـيـ

) .وحده والبـغضاء أبدا حتى تـؤمنوا بالله :قال الشيخ محد بن عتيق رمحه اهللا

ألن األوىل أهـم ؛ ، وتأمل تقـدمي العـداوة علـى البغضـاء ظهر وبان: أي �وبدا �: فقوله"فــال يكــون آتيــا بالواجــب عليــه ، فــإن اإلنســان قــد يــبغض املشــركني وال يعــاديهم ؛ انيــةمــن الث

، وال بـــد أيضـــا مـــن أن تكـــون العـــداوة والبغضـــاء بـــاديتني حـــىت حتصـــل منـــه العـــداوة والبغضـــاءفإــا ال تنفعــه حــىت تظهــر ؛ واعلــم أنــه وإن كانــت البغضــاء متعلقــة بالقلــب. ظــاهرتني بينتــني، فحينئـــذ تكـــون ، وال تكـــون كـــذلك حـــىت تقـــرتن بالعـــداوة واملقاطعـــة عالماـــاآثارهـــا وتتبـــني

". العداوة والبغضاء ظاهرتنيولـــو أن الرســـل صـــلوات اهللا علـــيهم رضـــوا بـــبعض األســـس املشـــرتكة بيـــنهم وبـــني أقـــوامهم ،

ءة وأعلنــوا عــن احــرتامهم هلــم ، وداهنــوهم يف بعــض األمــر ، وتركــوا الكفــر بالطــاغوت ، أو الــربامعهــــم مـــن أجــــل ) حـــوار(مـــنهم ، وشــــاركوهم يف شـــعورهم يف بعــــض مصـــائبهم ، ودخلــــوا يف

، وللمحافظـــة علـــى املستضـــعفني مـــن أتبـــاعهم ؛ ملـــا ) العـــداء(و ) الصـــراع(، وتـــرك ) التعـــايش( ) !.همت كل أمة برسولهم ليأخذوه(

Page 79: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٨٤

الحادي والعشرونالدليل السيرة النبوية

ى صـــلى اهللا عليـــه وســـلم يـــزداد يقينـــه بـــبطالن مـــا يف بيـــان إن مـــن يتأمـــل يف ســـرية املصـــطف

:املثقفني مجلة وتفصيال ، وسأختصر الكالم يف هذا املوضع ، فأقول مكث الرسول صلى اهللا عليه وسلم يف دعوته ثالثـة وعشـرين عامـا ، منهـا ثالثـة عشـر عامـا

، وسأقسـم ) الفـرتة املدنيـة(، وعشـرة أعـوام يف املدينـة وتسـمى ) الفـرتة املكيـة(يف مكة وتسمى :كالمي هنا على هاتني الفرتتني

: الفترة المكية: أوال ومن املشهور املتواتر ما حصل للرسول صلى اهللا عليه وسلم وأصحابه فيها من أذى وابتالء من املشركني ، فقد أوذي الرسول صلى اهللا عليه وسلم مرارا ، سـواء كـان األذى معنويـا بتعيـري

له ورميهم إياه بالسحر واجلنون وحنوها ، واالستهزاء والسخرية بـه ، وحتـذير النـاس منـه الكفار، أو بإيذائه بشىت صنوف األذى ، كوضع الشوك يف طريقه ، وحماولـة قتلـه ، وخنقـه ، ووضـع األذى عليــه وهــو ســاجد ، حــىت حوصــر يف شــعب أيب طالــب ثالثــة أعــوام ، بلــغ فيهــا اجلهــد

.من أنواع األذى مبلغه ، وغري ذلك وكـــذلك أصـــحابه رضـــوان اهللا علـــيهم حصـــل علـــيهم مـــن صـــنوف األذى والتعـــذيب واحلـــبس والتشريد ما حصل ، فمنهم من قتل كـآل ياسـر ، ومـنهم مـن عـذب كـبالل وخبـاب ، ومـنهم مــن هــاجر وتــركهم كمهــاجرة احلبشــة الــذين بقــوا هنــاك هربــا بــدينهم أربعــة عشــر عامــا ، حــىت

وان اهللا علــــيهم مــــن الرســــول االستنصــــار مــــن شــــدة مــــا جيــــدون ، ففــــي طلــــب الصــــحابة رضــــشــكونا إىل رســـول اهللا صـــلى اهللا عليـــه وســـلم وهـــو : رت قـــال الصــحيحني عـــن خبـــاب بـــن األأال ؟ أال تـدعو اهللا لنـا : فقلنـا ، وقد لقينا مـن املشـركني شـدة ، متوسد بردة له يف ظل الكعبة

واهللا إن مــن كــان قــبلكم ليؤخــذ الرجــل : مث قــال ، وجهــه فجلــس حممــرا : قــال . ؟تستنصــر لنــافتحفــر لــه ويؤخــذ ، فيمشــط بأمشــاط احلديــد مــا بــني حلــم وعصــب مــا يصــرفه ذلــك عــن دينــه

وليــتمن اهللا هــذا األمــر ، علــى رأســه فيشــق بــاثنتني مــا يصــرفه عــن دينــه احلفــرة فيوضــع املنشــار

Page 80: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٨٥

والــذئب علــى غنمــه عــز وجــلحـىت يســري الراكــب مــن صــنعاء إىل حضــرموت ال خيشــى إال اهللا .ولكنكم تعجلون

فهــؤالء املســلمون املستضــعفون بــني ظهــراين كفــار ظلمــة ، ال يرقبــون يف مــؤمن إال وال ذمــة ، تسلطوا عليهم ، وأذاقوهم أنواع النكـال والعـذاب ، فقتلـوا فريقـا مـنهم ، وعـذبوا قسـما آخـر ،

ـــا ، وحاصـــروا آخـــرين ، وكـــان امل يف مكـــة ، لـــو فنيـــت فـــين ) أقليـــة(ســـلمون وشـــردوا قســـما ثالث : املسلمون وانتهى اإلسالم

لقد جـاءكم (والرسول صلى اهللا عليه وسلم من أحرص الناس على أصحابه كما قال تعـاىل ).رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم

ني مـن حـديث عائشـة أـا ؛ فقـد ثبـت يف الصـحيح) التيسـري(وهو مـن أحـرص النـاس علـى يكـن إمثـا مـا خـري رسـول اهللا صـلى اهللا عليـه وسـلم بـني أمـرين إال أخـذ أيسـرمها مـا مل : (قالت

). كان أبعد الناس منه فإن كان إمثا : فالسؤال

ملــاذا مل يطلــب مــن كفــار مكــة وقــد فعلــوا هــذه األمــور بأصــحابه أن يتفقــوا معــه علــى بعــض .؟) كراهية اآلخر(ك الصراع والعداء أو األسس للتعايش بينهم وتر

!!.وهو أحرص الناس على أصحابه املستضعفني ، ومن أحرصهم على التيسري مـع كفـار مكـة ) حـوار جيـد(وملاذا مل يتنازل عن شيء يسري من دينه من أجـل الوصـول إىل

.كلهم؟) أهل مكة(يهدف إىل حتقيق ما فيه خري لتأسـيس أجـواء تفـاهم مشـرتك تتبناهـا احلكومـات شـرتك م) حـوار(وملاذا مل يـدخل معهـم يف

.؟ واملؤسساتفــال تطــع المكــذبين ، (يف ذلــك الوقــت كمــا قــال ١وملــاذا ــاه اهللا ســبحانه عــن مــداهنتهم

.؟) ودوا لو تدهن فيدهنون

فإـا حـدثت للرسـول صـلى اهللا عليـه وقـت استضـعاف املسـلمني يف مكـة ، : بل تأمل يف حادثـة اإلسـراء واملعـراج ١هـذا ديـن : ولـو قـال الكفـاروملا أصبح حدث ا الناس ، ومل خيفها عـنهم ، وتسلط الكفار عليهم ، على قلة أصحابه

قــد حصــل أن كفــار مكــة كــذبوه و ولــو حصــلت مــنهم نفــرة مــن هــذا الــدين بعــد هــذه احلادثــة ، ! باطــل يــأيت باحملــاالت ، ) علنـا الرؤيـا التـي أرينـاك إال فتنـة للنـاسوما ج(سعيا إىل تكذيبه ، وقد قال تعاىل جفوا بأصحابه بعد هذا اخلرب وأر

من آياته فلما أصبح رسول اهللا يف قومه أخربهم مبا أراه اهللا عز وجل ) : " ٦٠/ ٣: زاد املعاد (قال ابن القيم رمحه اهللا

Page 81: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٨٦

.؟) سعة أفق(و ) بعد نظر(و ) عقالنية(و ) واقعية(أمل تكن مث ضــغط واقــع قـــد تقــود اتمعــات إىل دوامــة القلـــق دوائــر واقعـــة حتــت أو كــان داخــال ضــمن

.!؟ إنساين واحلرمان والصراع الاللو كان هذا األمر جائزا ملا تردد الرسول صلى اهللا عليه وسلم يف عمله ، وهو احلريص علـى أصحابه الذين كانوا يسامون سوء العـذاب ، احلـريص علـى هدايـة النـاس ، الـذي مـا خـري بـني

!.أيسرمها ما مل يكن إمثا أمرين إال اختاروهذا كله يدل على أن الـدين ال جيـوز بذلـه للكفـار ، والتنـازل عـن شـيء منـه يف سـبيل دفـع

.شرهم ما مل يصل شرهم إىل اإلكراه :١قال ابن القيم رمحه اهللا

فاصـدع بمـا (وأقام بعد ذلك ثالث سنني يدعو إىل اهللا سبحانه مستخفيا ، مث نزل عليـه "؛ فــأعلن بالــدعوة ، وجــاهر قومــه بالعــداوة ، واشــتد األذى ) أعــرض عــن المشــركينتــؤمر و

".عليه وعلى املسلمني ، حىت أذن اهللا هلم باهلجرتني :٢وقال الشيخ محد بن عتيق رمحه اهللا

عن السبب احلامل لقريش على إخـراج رسـول : وليبحث الناصح لنفسه ، فليتأمل العاقل " ، فــــإن املعلــــوم أــــم مــــا وأصــــحابه مــــن مكــــة وهــــي أشــــرف البقــــاع ســــلمصــــلى اهللا عليــــه و اهللا

صــلى اهللا عليــه ، فــأرادوا منــه أخرجــوهم إال بعــدما صــرحوا هلــم بعيــب ديــنهم وضــالل آبــائهم، وشكا إليه أصحابه شدة أذى املشركني الكف عن ذلك وتوعدوه وأصحابه باإلخراج وسلم

اتركــوا عيــب ديــن : ، ومل يقــل هلــم ممــن أوذي ، فــأمرهم بالصــرب والتأســي مبــن كــان قــبلهم هلــم، فاختـار اخلـروج بأصـحابه ومفارقـة األوطـان مـع أـا أشـرف بقعــة املشـركني وتسـفيه أحالمهـم

فطفـق الكربى فاشتد تكذيبهم له وأذاهـم وضـراوم عليـه وسـألوه أن يصـف هلـم بيـت املقـدس فجـاله اهللا لـه حـىت عاينـه

خيربهم عن آياته وال يستطيعون أن يردوا عليه شيئا وأخربهم عن عريهم يف مسراه ورجوعه وأخربهم عـن وقـت قـدومها فهـذا هـو " . وأخربهم عن البعـري الـذي يقـدمها وكـان األمـر كمـا قـال فلـم يـزدهم ذلـك إال نفـورا وأيب الظـاملون إال كفـورا

فــإن هلــم نــارا أحــاط ـــم : ملنــة مــن اهللا علــيهم أن هـــداهم لإلميــان ، ومــن كفــر ديننــا وشــريعتنا ، فمــن شــاء فليــؤمن ، وا !.سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا مباء كاملهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا

. ٨٦/ ١: زاد املعاد ١ . ١٩٩/ ٨: الدرر السنية ٢

Page 82: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٨٧

لقد كـان لكـم فـي رسـول اهللا أسـوة حسـنة لمـن كـان يرجـو اهللا واليـوم �على وجـه األرض . )"اآلخر وذكر اهللا كثيرا

: الفترة المدنية: ثانيا ا انتقــل صــلى اهللا عليــه وســلم إىل املدينــة هــو وأصــحابه بــدأ اجلهــاد يف ســبيل اهللا ، فبــدأ وملــ

بالغزو منذ السـنة األوىل للهجـرة وحـىت السـنة الـيت تـويف فيهـا صـلوات اهللا وسـالمه عليـه ، فبلـغ عـدد غزواتــه مخســا وعشــرين غـزوة تقريبــا ، وعــدد ســراياه وبعوثــه سـتني ســرية تقريبــا ، فلــم يــرتك

لقتــال يف ســبيل اهللا أبــدا ، بــل إمــا أن يغــزو بنفســه ، أو يرســل ســرية مــن ســراياه ، حــىت مــات اصلى اهللا عليه وسلم وقد عقد اللواء ألسامة بن زيد رضي اهللا عنـه جبـيش املسـلمني للقتـال يف

.سبيل اهللا و ) صـــراع(ومل ميـــت حـــىت دخـــل النـــاس يف ديـــن اهللا أفواجـــا ، ومـــا دخلـــوا يف الـــدين إال بعـــد

، ذهبت فيه أرواح أناس من خيار املؤمنني ، ومن أقارب الرسول صلى اهللا عليه وسلم ) قتال(نفسه ؛ كعمه محزة بن عبد املطلب ، وابن عمـه جعفـر بـن أيب طالـب ، وربيبـه وحبـه زيـد بـن

.حارثة ، رضي اهللا عنهم أمجعني ، مما هو معروف يف كتب التاريخمن أن اإلسالم ينبذ الصـراع ) بيان املثقفني(طالن ما جاء يف وبتأمل هذه الفرتة يظهر لك ب

أو الصـدام والعنـف ، وأنـه ديـن جييـز التعـايش مـع اآلخـر ، وأنـه ال يكـره النـاس علـى أديـام ، .وغريها من األباطيل اليت سبق ذكرها

: وها هنا مسألة عظيمة تعرف بالنظر في الفترتينالـرباءة (و ) الكفـر بالطـاغوت(و ) التوحيـد(أكثـر آياتـه يف فاملتأمل يف القرآن املكي يرى أن

ومـــا أعــده اهللا ألهـــل التوحيـــد مــن نعـــيم ، ومـــا ) قصــص األنبيـــاء مـــع أقــوامهم(و ) مــن الكفـــار .ينتظر أهل الشرك من جحيم والعياذ باهللا ، وما أشبه ذلك

كــام العمليــة ، و يف واملتأمــل يف القــرآن املــدين يــرى أن كثــريا مــن آياتــه يف التشــريعات واألحاجلهــاد يف ســـبيل اهللا ، مـــع مـــا فيهـــا مـــن الكــالم علـــى التوحيـــد و التحـــذير مـــن أعـــداء اهللا مـــن

.وغريهم ) أهل الكتاب(ألن املسلم يف حالة استضعافه وكونه حتت تسلط الكفار وعدم قدرته -واهللا أعلم -وهذا

معهــم ) التعــايش(داهنتهم أو علــى جهــادهم باليــد فقــد خيشــى عليــه مــن االســتكانة هلــم أو مــ

Page 83: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٨٨

بني أظهرهم ، ويف قبضتهم ، فكان أكثر قـرآن -مع ضعفه -وترك الكفر بالطاغوت ، ألنه التوحيـــد والكفـــر بالطـــاغوت ، : هـــذه الفـــرتة يف مـــا مييـــز املســـلم عـــن الكـــافر ويفصـــله عنـــه مـــن

ين ، وعـــذاب والتحـــذير مـــن الشـــرك ، والـــرباءة مـــن الكفـــار ، ومعـــادام ، وذكـــر جـــزاء املوحـــد .املشركني ، وتسلية النيب صلى اهللا عليه وسلم مبا حصل لألنبياء مع أقوامهم

إىل ) الركـــون(وإذا هــاجر املســلم ومتيـــز يف بلــد حيكمـــه املســلمون ، فإنــه يكـــون أبعــد لـــه مــن معهم النفصاله عنهم ، وعـدم قـدرم عليـه ؛ لـذا كـان قـرآن هـذه الفـرتة ) التعايش(الكفار أو

لقـــرآن الفـــرتة املكيـــة ، فنزلـــت الشـــرائع واألحكـــام ، ولكـــن مـــع هـــذا كانـــت ) يف اجلملـــة( مغــايرا :على وجهني تقريبا ) الكفار(آيات األحكام متعلقة بـ

أهـل (التحذير من صنف آخر من الكافرين وذكر مكايدهم وخبثهم وكفرهم وهـم : األول .الذين كانوا يف املدينة ) الكتاب

هـــاد يف ســـبيل اهللا ليكـــون الـــدين كلـــه هللا ، واجلهـــاد أكمـــل مراتـــب احلـــث علـــى اجل: الثـــاني ) .الرباءة من الكفار(

:فانظر يا رعاك اهللا ملــا كــان النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم بــني أظهــر الكفــار ويف وقــت استضــعافهم لــه وتســلطهم

.على أصحابه كانت أكثر اآليات حتث على كمال املفاصلة بينه وبني املشركني .متيز عنهم كانت أكثر آيات األحكام حتث على قتال الكفار وجماهدم فلما ! ؟) الفرتتني(حصل بني املسلمني والكفار يف ) تعايش(فأي

Page 84: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٨٩

الثاني و العشرونالدليل سيرة الصحابة

واملتأمل يف سرية الصـحابة رضـوان اهللا علـيهم بعـد وفـاة الرسـول صـلى اهللا عليـه وسـلم يظهـر

مــا يف بيــان املثقفــني أيضــا ، وســأذكر لالختصــار ثالثــة أمثلــة تــدل علــى مــا لــه جبــالء بطــالن :وراءها

:حروب الردة : المثال األول فقد كان أول عمل الصحابة رضي اهللا عنهم هو قتال من ارتد عن اإلسالم من العرب بعـد

لمة الكــذاب وفــاة النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم ، وكــانوا كثــريين جــدا ، حــىت قيــل إن أتبــاع مســيوحـــده حنـــو مائـــة ألـــف ، هـــذا غـــري أتبـــاع طليحـــة األســـدي ، وســـجاح ، وغـــري مـــانعي الزكـــاة ، فقــاتلوهم حــىت اســتحر القتــل بــالقراء مــن الصــحابة يــوم اليمامــة ، مث نصــرهم اهللا علــى مســيلمة وأصحابه ، مث قاتلوا طليحة ومـن اتبعـه ، وغـريهم مـن املرتـدين ، حـىت متكنـوا مـنهم ، ونصـرهم

هللا علــــيهم ، فقتلــــوا مــــنهم كثــــريين ، حــــىت مسيــــت احلديقــــة الــــيت حتصــــن ــــا مســــيلمة وأتباعــــه الكثرة من مات فيها ، وطلب بعضـهم الصـلح مـن أيب بكـر رضـي اهللا عنـه ، ) حديقة املوت(بـ

طـارق بـن شـهاب وهـي مـا رواه –وقـد رواهـا البخـاري خمتصـرة –) وفـد بزاخـة(كما يف قصـة فخـريهم بـني احلـرب ، إىل أيب بكـر يسـألونه الصـلح ن أسـد وغطفـانجاء وفد بزاخة مـ: قال

ننــزع مــنكم : قــال .؟فمــا املخزيــة، هــذه اليــة قــد عرفناهــا : فقــالوا ، والســلم املخزيــة ، اليــة ، وتـــدون لنـــا قتالنـــا ، ونغـــنم مـــا أصـــبنا مـــنكم وتـــردون علينـــا مـــا أصـــبتم منـــا ، احللقـــة والكـــراع

اهللا خليفـــة رســـوله يتبعـــون أذنـــاب اإلبـــل حـــىت يـــري مـــااوترتكـــون أقو ، ويكـــون قـــتالكم يف النـــار قــد : فقــال عمــر فقــام ، فعــرض أبــو بكــر مــا قــال علــى القــوم . واملهــاجرين أمــرا يعــذرونكم بــه

، ما ما ذكرت من احلرب الية والسـلم املخزيـة فـنعم مـا ذكـرت أ ، رأيت رأيا وسنشري عليكوأما ما ذكرت ، نكم وتردون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت وما ذكرت من أن نغنم ما أصبنا م

، فــإن قتالنــا قاتلــت فقتلــت علــى مــا أمــر اهللا ؛ مــن أن تــدون قتالنــا وتكــون قــتالكم يف النــار . فتتابع القوم على ما قال عمر، أجورها على اهللا ليس هلا ديات

:واملقصود

Page 85: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٩٠

:ثقفني يف مسائل منها أنك بتأمل هذه احلادثة تعلم بطالن ما عليه بيان املالـرباءة مـن الكفـار ومعــادام ، وهـذا ضـد مــا يـدعو إليـه البيــان مـن التعـايش معهــم ، : أوال

فقــــط مــــع أــــم يشــــهدون الشــــهادتني ، ويصــــلون ، ) مــــانعي الزكــــاة(فــــانظر إىل مــــوقفهم مــــن بـــني أهـــل ويؤمنـــون بـــالقرآن وبـــاقي الفـــرائض ، فبيـــنهم مـــن األســـس املشـــرتكة والقـــيم املتفقـــة مـــا

!.معهم) التعايش(الدين الواحد إال يف مسألة الزكاة فقط ، ومع هذا رفضوا ـــا القتـــال يف ســـبيل اهللا ، وهـــذا ضـــد مـــا يـــدعو إليـــه البيـــان مـــن نبـــذ الصـــراع والصـــدام : ثاني

.والعنف ونغـنم مـا أصـبنا : (، وتظهـر يف قـول أيب بكـر لوفـد بزاخـة ) خريات الشعوب(غنيمة : ثالثا

، وهي ترد على ما يف البيان من عدم جـواز االعتـداء علـى ) تردون علينا ما أصبتم منامنكم و ! .الشعوب املستضعفة ) خريات(

اإلكـراه علـى الـدين ، فـإن الصـحابة رضـوان اهللا علـيهم قـاتلوا أولئـك إلكـراههم علـى : رابعا ى دينــه ، وأنــه ال عــدم إكــراه أحــد علــ: الرجــوع إىل اإلســالم ، وهــذا ضــد مــا كــرره البيــان يف

!.يصح اإلسالم مع اإلكراه :الفتوحات : المثال الثاني

وذلك بعد انتهاء الصحابة رضي اهللا عنهم من قتال املرتـدين ، حيـث اجتهـت جيوشـهم إىل و مـــا وراءهـــا مـــن مشـــال أفريقيـــا ، وخراســـان ومـــا وراءهـــا مـــن ) مصـــر(، مث ) الـــروم(و ) فـــارس(

يف زمــن عثمــان رضــي اهللا عنــه فــافتتحوا قــربص ، فقــاتلوا هــذه املشــرق ، مث ركبــوا البحــر أيضــا األمم كلها ، و افتتحوا أراضيهم ، وغنمـوا أمـواهلم ، وحكمـوهم باإلسـالم ، فانتشـر الـدين يف

.مشرق األرض ومغرا عـــن ديـــن ) العنـــف(و ) الصـــراع(وكـــل هـــذه األمـــور تـــرد علـــى مـــا يف بيـــان املثقفـــني مـــن نبـــذ

ال جيـوز االعتـداء عليهـا ، وغـري ) خـريات األرض(لزام بالشرع ، وادعاء أن اإلسالم ، ونفي اإل .ذلك مما سبق بيانه

:الشروط العمرية : المثال الثالث

Page 86: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٩١

وهي الشروط املشهورة الـيت أخـذها عمـر بـن اخلطـاب رضـي اهللا عنـه ووافقـه عليهـا الصـحابة . على من بقي على كفره يف بالد اإلسالم يف البالد املفتتحة

:١قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا ن أمــري املــؤمنني عمــر يف الصــحابة رضــي اهللا عــنهم مث عامــة األئمــة بعــده وســائر الفقهــاء إ "

جعلوا يف الشروط املشروطة على أهـل الذمـة مـن النصـارى وغـريهم فيمـا شـرطوه علـى أنفسـهم وال نتشــبه ــم يف شــيء ،ونقــوم هلــم مــن جمالســنا إن أرادوا اجللــوس ، أن نــوقر املســلمني : ( ٢

، وال نكتــينوال نــتكلم بكالمهــم ، قلنســوة أو عمامــة أو نعلــني أو فـرق شــعر ؛ مـن مالبســهم ، وال حنمله ، وال نتخذ شيئا من السالح ، وال نتقلد السيوف ، وال نركب السروج ، بكناهم

وأن نلـزم زينـا حيثمـا ،وأن جنز مقـادم رءوسـنا ، وال نبيع اخلمور ، وال ننقش خواتيمنا بالعربية وال نظهـــر ، وأن ال نظهـــر الصـــليب علـــى كنائســـنا ، وأن نشـــد الزنـــانري علـــى أوســـاطنا ، كـــان

وال نضــــرب ، وال كتبـــا مـــن كتــــب ديننـــا يف شـــيء مـــن طــــرق املســـلمني وال أســـواقهم ، صـــليبا ان معهــم وال نظهــر النــري ، وال نرفــع أصــواتنا مــع موتانــا ، بنواقيســنا يف كنائســنا إال ضــربا خفيفــا

.رواه حرب بإسناد جيد ) يف شيء من طرق املسلمني وأن ال نضــــرب بنواقيســــنا إال ضــــربا خفيفــــا يف جــــوف : ( ويف روايــــة أخــــرى رواهــــا اخلــــالل

وال نرفــع أصــواتنا يف الصــالة وال القــراءة يف كنائســنا فيمــا ، وال نظهــر عليهــا صــليبا ، كنائســنا - وال خنــــرج باعوثــــا، وال كتابــــا يف ســــوق املســــلمني وأن ال خنــــرج صــــليبا ، حيضــــره املســــلمون

وال نرفـع ، وال شـعانينا ، -أم خيرجون جمتمعني كما خنرج يوم األضحى والفطر : والباعوث ، وأن ال جنــاوزهم باجلنــائز ، يف أســواق املســلمني وال نظهــر النــريان معهــم، أصـواتنا مــع موتانــا

يف لــبس ، وأن ال نتشــبه باملســلمنيزم زينــا حيثمــا كنــا وأن نلــ: إىل أن قــال ، وال نبيــع اخلمــور وال ، وال نـــتكلم بكالمهـــم ، وال يف مـــراكبهم ، قلنســـوة وال عمامـــة وال نعلـــني وال فـــرق شـــعر

. ١٢٤ – ١٢٢/ ١: اقتضاء الصراط املستقيم ١ولـوال خشـية اإلطالـة لنقلـت مـن يذكرون هذه الشروط وحنوها يف أحكام أهل الذمـة ، من مجيع املذاهب اء والفقه ٢

، وقـال ابـن ) أحكـام أهـل الذمـة(ومن أوسع الشروح هلا شرح ابن القـيم رمحـه اهللا يف كتابـه كل مذهب ما يدل عليها ، بن اخلطاب ا اشرتط عليهم أمري املؤمنني عمروهلذ : " )٣٤٨/ ٢تفسري ابن كثري (كثري رمحه اهللا تعاىل يف هذه الشروط

."، مث ذكرها وذلك مما رواه األئمة احلفاظ، رضي اهللا عنه تلك الشروط املعروفة يف إذالهلم وتصغريهم وحتقريهم

Page 87: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٩٢

) ن نشد الزنانري على أوساطناوأ، وال نفرق نواصينا ، وأن جنز مقادم رءوسنا ، نكتين بكناهم .

وهي جممـع عليهـا يف اجلملـة بـني العلمـاء ، والعلم وهذه الشروط أشهر شيء يف كتب الفقه ولــوال شــهرا عنــد الفقهــاء لــذكرنا ألفــاظ كــل ، مــن األئمــة املتبــوعني وأصــحام وســائر األئمــة

:، وهي أصناف طائفة فيها عــن املســلمني يف الشــعور واللبــاس واألمســاء واملراكــب مــا مقصــوده التمييــز: الصــنف األول

ومل يـــرض ، وال يشــبه أحــدمها اآلخــر يف الظــاهر ، يــز املســلم مــن الكــافر والكــالم وحنوهــا ليتمعلــى تفاصــيل عنــه واملســلمون بأصــل التمييــز ، بــل بــالتمييز يف عامــة اهلــديعمــر رضــي اهللا

وذلك يقتضي إمجاع املسلمني علـى التميـز عـن الكفـار ظـاهرا وضع ، معروفة يف غري هذا امل حتقيـق ذلـك مبــا رين وغريمهـا يبــالغون يفمـأمـراء اهلــدى مثـل العولقــد كـان ، وتـرك التشـبه ـم ،

أن عمـر : وقد روى أبو الشيخ األصبهاين يف شروط أهل الذمة بإسـناده ... ١يتم به املقصودأن ال تكاتبوا أهل الذمة فيجري بينكم وبينهم المودة ، وال تكنوهم ، وأذلـوهم : (كتب

...٢) وال تظلموهمكمـنعهم مـن إظهـار ؛ مـا يعـود بإخفـاء منكـرات ديـنهم وتـرك إظهارهـا :ومن مجلـة الشـروط

.وس والنريان واألعياد وحنو ذلك اخلمر والناق .؛ كأصوام بكتام ما يعود بإخفاء شعار دينهم : ومنها

ومـن وفقـه اهللا تعـاىل مـن ، وسـائر العلمـاء بعـده ، فاتفق عمر رضي اهللا عنه واملسلمون معـه مبالغـة يف أن ، على منعهم من أن يظهروا يف دار اإلسـالم شـيئا ممـا خيتصـون بـه ،والة األمور

.إذا عملها املسلمون وأظهروها هم فكيف ، ال يظهروا يف دار اإلسالم خصائص املشركني ". ما يعود برتك إكرامهم وإلزامهم الصغار الذي شرعه اهللا تعاىل: ومنها

اتفــق عليهــا الصــحابة ومــن بعــدهم مــن أهــل العلــم واملقصــود أنــك بتأمــل هــذه الشــروط الــيت :جتد أن فيها ما يرد على بيان املثقفني من وجوه

بالدهــم يف) أهــل الذمــة(ملــا ألزمــوا –نصــرهم اهللا تعــاىل –) طالبــان(ممــا يــدل علــى غربــة الــدين يف هــذا الزمــان أن ١

.!!االزاميون و بالتميز يف الزي أنكر عليهم العصرانيون .!!عمر رضي اهللا عنه هذا جيدا تأمل كالم ٢

Page 88: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٩٣

أن األصل بني املسلمني والكفار املخالفة يف كل شيء ، حىت لـو كـان الكفـار مـن : األولوأن السعي إلجياد أسس مشرتكة بني املسلمني وغـريهم مـن . أهل الذمة ، فكيف باحملاربني ؟

!.ل التعايش باطل وضالل أجأن العـدل املـراد مـع الكفـار هـو تطبيـق شـرع اهللا فـيهم ، ال مسـاوام مـع املســلمني : الثـاني

!.بشكل مطلقولـيس مـن شـريعتنا أن (أن فيها إلزاما للغري بشريعة اإلسـالم ، وهـذا نـاقض لقـوهلم : الثالث

) .نلزم اآلخرين مبفاهيمنا اخلاصة، هذا هو خيارنا الشرعيأن فيهــا منعــا للكفــار أن يظهــروا شــيئا مــن خصــائص ديــنهم ، وهــذا نــاقض لقــوهلم : الرابــع

، ذلـك أن ديننـا علمنـا وقيم خاصة بشعب معني آثرها واختارها فنحن ال نكرهه علـى تركهـا( ) . أن ال إكراه يف الدين

رأيت البون بينهما وهكذا لو تأملت هذه الشروط شرطا شرطا وتأملت ما يف بيان املثقفني لشاسعا ، هذا مع أن ما يف هذه الشروط هو ألهل الذمة الذين جتـري علـيهم أحكـام اإلسـالم وجيــب احــرتام عهــدهم ومحــايتهم وتــرك أذاهــم ، فكيــف يكــون احلــال مــع غــريهم مــن الكفــار

!.احملاربني للمسلمني كاألمريكان؟

Page 89: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٩٤

الخامسالفصل شبهات وردود

:صلح احلديبية : الشبهة األولى :أن عدم ذكر األصول ال يلزم منه عدم االعتبار : الشبهة الثانية

:أن هذا البيان من باب التقية : الثالثةالشبهة :أن هذا البيان من باب املداراة : الرابعةالشبهة :أن هذا البيان من باب التورية : الخامسةالشبهة :باب الدعوة واحلوار ال الرد واإلبطال أن هذا البيان من : السادسةالشبهة :أن أصول التعايش يف القرآن : السابعةالشبهة

:أن القرآن كتاب حوار : الشبهة الثامنة :االستشهاد بكالم لشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهللا : التاسعةالشبهة :حسن القصد : العاشرةالشبهة :دة الصف احملافظة على وح: الحادية عشرةالشبهة إنـــي خشـــيت أن تقـــول فرقـــت بـــين بنـــي (قولـــه تعـــاىل عـــن هـــارون : الثانيـــة عشـــرةالشـــبهة ) :إسرائيل

:أن هذا البيان من باب املصلحة : الشبهة الثالثة عشرة

Page 90: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٩٥

تمهيد

الــذين جعلــوا أنفســهم ) الصــحفيني(اعلــم أن بــاب الشــبهات ال حصــر لــه ، خصوصــا مــن

تنظـريا لـه –بعـد صـدور البيـان –ذوا يكتبـون بشـكل متتـابع ، حيث أخ) مفكرين إسالميني(ال أقدر على حصر مجيع الشبه والرد عليها ، ولكين حاولـت يف سـبيل اجلـواب وتأصيال ؛ لذا

:على عامة الشبه أن اختذ طريقني أن أجعــــل هنـــاك أصــــوال تغــــين عــــن تتبــــع الشــــبه ، فوضــــعت املقــــدمات يف : الطريــــق األولأجـــل هـــذا األمـــر ، فبمعرفـــة تلـــك املقـــدمات ، مـــع تأمـــل األدلـــة يف الفصـــل الفصـــل األول مـــن .يف إبطال عامة الشبه -بإذن اهللا -الرابع ، فإا كافيةـــاني ـــق الث أن أذكـــر أهـــم مـــا وقفـــت عليـــه مـــن الشـــبهات ، وأجيـــب عليهـــا بشـــكل : الطري

:مفصل، وهذه الشبهات أيضا على قسمني .ذكورة يف هذا الباب وهي الشبهات امل: قسم منضبط

.، فخصصت له فصال آخر ) املصلحة(وهي شبهة : وقسم غري منضبط أســـأل اهللا تعـــاىل أن يعيننـــا علـــى بيـــان احلـــق ، وأن يرزقنـــا حســـن القـــول والعمـــل ، وأن جيعـــل

:عملنا خالصا لوجهه ، وهذا أوان الشروع يف ذكر الشبهات والرد عليها

Page 91: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٩٦

الشبهة األولى صلح الحديبية

: قال بعضهم

صــلح احلديبيــة اهللا قــد مســى، و ) صــلح احلديبيــة(مــن جــنس مــا جــاء يف ) بيـان املثقفــني(إن (مـع مـا تضـمنه مـن ، املسـلمني ووضـعهم ن فيـه مـن متكـن املشـركني مـن تفهـم ديـملـا مبينـا فتحا

رك الرسول صـلى اهللا عليـه وسـلم يف تـ فقد أجام، الغضاضة اليت حلقت الصحابة يف الظاهر وكــــون مــــن أتــــى إلــــيهم مــــن ، رســــول اهللا وكتابــــة حممــــد ، )بســــم اهللا الــــرمحن الــــرحيم ( كتابــــة

) .وغري ذلك، يرد إىل املشركني املسلمني ال يرد ومن أتى من املشركني إىل املسلمني

:واجلواب على هذا أن يقال : قلته مـن أعظـم مـا ميكـن أن إن صلح احلديبية يف حقيقته أبلـغ رد علـى البيـان ، فـإن مـا وقـع فيـ

:وما شاكله ، وذلك من وجوه ) بيان املثقفني(يرد به على : الوجه األول

إن هذا الصلح مل يتعد فيه الرسول صلى اهللا عليه وسلم الوحي مطلقا ، ومل يقل فيه برأيه ، ، إين رسول اهللا ، ولست أعصيه ) : (برأيهم(بل قال ملا استنكر بعض الصحابة هذا الصلح

وهـل كـان الـذين يـردون علـى !.، فهو أبلغ دليـل علـى مـن يتعـدى الـوحي برأيـه ) ولن يضيعين .؟)الرأي(واعتماده على ) الوحي(هذا البيان إال بسبب جتاوزه للـ

، فــإن ) الــوحي(مقابــل ) الــرأي(فصــار هــذا الصــلح بعــد ذلــك أصــال مــن األصــول يف اــام ولكـن النصـوص ختالفـه ؛ كهـذا البيـان متامـا ، ) هرأيـ(مـن عمـل مـا بــ) مصـلحة(الرجل قـد يـرى

: فلو أراد أحد أن يرد عليه ما وجد أبلغ من أقوال الصحابة الذين شاركوا يف هذا الصلحفلقــد رأيتــين أرد أمــر رســول اهللا امــوا الــرأي علــى الــدين ؛: (كمــا قــال عمــر رضــي اهللا عنــه

، حـىت وذلـك يـوم أىب جنـدل ، آلوا عـن احلـق اهللا ما فو ، صلى اهللا عليه وسلم برأي اجتهادا ) . ؟تراين أرضى وتأىب: صلى اهللا عليه وسلم قال يل رسول اهللا

Page 92: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٩٧

لقـد رأيتـين يـوم ، امـوا الـرأي: (وكما يف البخاري عن سهل بن حنيف رضي اهللا عنه قـال ورسـوله أيب جندل ولو أستطيع أن أرد على رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أمره لرددت واهللا

).أعلم !!.أصال يف اام الرأي أمام الوحي ) الصلح(فانظر كيف صار هذا

!!.والوحي قد انقطع بعد الرسول صلى اهللا عليه وسلم ، وقد أكمل اهللا الدين وأمت النعمة !!؟) مصلحة الدعوة(وهل ردوا علينا إال بالرأي . وهل رددنا عليهم إال بالوحي ؟

: الوجه الثانيلجهــاد مواصـلة لو ، الرسـول صـلى اهللا عليـه وســلم فعـل هـذا الصـلح ســعيا لنشـر اإلسـالم أن

نشر التوحيد ، والكفر بالطاغوت ، والرباءة من : وحتقيقا ألصول اإلسالم من يف سبيل اهللا ، نكايــة بااهــدين ، وال إخــالدا إىل الكفــار علــى اخــتالف حنلهــم ، فإنــه مل يقبــل هــذا الصــلح

مـن ذلـك كلـه مع كفار مكة ، و ال حتالفا معهم ، وحاشـاه ) تعايشا (كونا إليها ، وال الدنيا ور إال لصاحل اإلسالم واملسلمني ، وليتفرغ للدعوة إىل اهللا تعاىل ، واجلهاد يف سـبيله ، بل ما قبله

، ونشـــر اإلســـالم ، ففـــتح خيـــرب ، وغـــزا عـــدة غـــزوات ، وراســـل امللـــوك يف عصـــره فـــدعاهم إىل فتحــا ) الصــلح(فســمى اهللا ســبحانه هــذا . م ، وغــري ذلــك مــن املصــاحل الدينيــة الظــاهرةاإلســال

ألمور كثرية ؛ منها أن النيب صلى اهللا عليه وسلم غفر له ما تقدم مـن ذنبـه ومـا تـأخر ، ومنهـا بيعة الرضوان ، ومنها فتح خيرب ، ومنها دخول الناس يف اإلسالم ، كما قال الشعيب رمحه اهللا

مل لقـد أصـاب ـا مــا، فــتح احلديبيـة هـو : " قـال )إنـا فتحنـا لــك فتحـا مبينـا(لـه تعـاىل يف قو " . وبويع بيعة الرضوان، غفر اهللا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؛ يصب يف غزوة

، ويــدعوهم إىل ) التشــنج(و ) الصــدام(و ) تــرك الصــراع(وأيــن هــذا ممــن يطلــب مــن الكفــار ، ) اإلرهــــابيني(، ويؤيــــد الكفـــار يف محلــــتهم علــــى ) أجـــل التعــــايشاحلــــوار مــــن (و ) االحـــرتام(

هم إىل اإلسالم و ويشاركهم شعورهم ، وغري ذلك مما سبق تفصيله ، وهم يف ذلك كله مل يدع !!.حبرف واحد

: الوجه الثالث

Page 93: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٩٨

أن الرسول صلى اهللا عليه وسلم مع اتفاقـه معهـم علـى أن يـرد مـن أتـاه مـنهم مسـلما ، فإنـه طــع مواالتــه ونصــرته عــن هــؤالء ااهــدين ، فلــم يؤيــد الكفــار ، أو ينصــرهم علــيهم حــىت مل يق

بـــالكالم ، أو يســـمي ااهـــدين باإلرهـــابيني ، أو املتشـــددين ، بـــل كـــان يـــدعو للمستضـــعفني ملـا ) أيب بصـري(أشـار إىل بالفرج ، وكان خيرب أصحابه بأن اهللا سيجعل هلـم فرجـا وخمرجـا ، بـل

مبــا فيــه عالمــة لــه -يف ذلــك الوقــت ) األعمــال اإلرهابيــة(وهــو مــن -) لكفــاررســول ا(قتــل وفيــه إشــارة إليــه : "١قــال احلــافظكمــا ، ) ويــل أمــه مســعر حــرب لــو كــان لــه أحــد(حيــث قــال

. "بالفرار لئال يرده إىل املشركني ، ورمز إىل من بلغه ذلك من املسلمني أن يلحقوا به : الوجه الرابعوهم الذين شرط اهدين ملا هربوا من كفار مكة وذهبوا إىل سيف البحرأن هؤالء ا ،

:على الرسول صلى اهللا عليه وسلم أن يردهم وقطعوا الطريق عليهم ، وأرهبوهم ، وسلبوا أمواهلم ، ، فسفكوا دماءهم ، أرهقوا قريشا

ع أن قريشا كانوا ، م) قوافل التجارة(هلم من ) العصب االقتصادي(و ) األمن املدين(وضربوا ومل ، النيب صلى اهللا عليه وسلم مع ذلك لم ينههم معاهدين للرسول صلى اهللا عليه وسلم ، ف

: جيعل عملهم إرهابا ، ومل يشجبها ، ومل يستنكرها ضرورة الدخول يف حوار من أجل (يطالب فيه املثقفني من كفار مكة بـ) بيانا (ومل يكتب

!). اع الال إنساين الذي أحدثه اإلرهابيون يف سيف البحرالتعايش والقضاء على الصر ) .حنن معنيون حبملتكم على اإلرهابيني مسلمني أو غري مسلمني (ومل يقل لكفار مكة

هؤالء الشعور وحىت املوقف يف رفض ضرب كممن املمكن أن نشارك(ومل يقل هلم . )ألمن املدين اإلرهابيني الذين مع أيب بصري ل

إم صورة (، أو ) إن هؤالء مشكلة حقيقية يف العامل ال بد هلا من عالج( هلم ومل يقل ) . من صور االعتداء الظامل على األنفس واملمتلكات

:وحاشاه من ذلك كله

. ٥/٣٥٠: الفتح ١

Page 94: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٢٩٩

لو كان يراهم خمطئني يف فعلهم لنهاهم ، ولو اهم عن فعل شيء النتهوا عنه ، فلما مل و وتأييده و مواالته هلم ، وكمال براءته ضاه بعملهم ، يفعل شيئا من ذلك فقد دل على ر

.صلى اهللا عليه وسلم من الكفار : ١قال ابن حزم رمحه اهللا

فهذا أبو بصري وأبو جندل ومن معهم من املسلمني قد سفكوا دماء قريش املعاهدين "انوا بذلك ، وأخذوا أمواهلم ، ومل حيرم ذلك عليهم ، وال كصلى اهللا عليه وسلم لرسول اهللا

كان قادرا على منعهم من ذلك لو صلى اهللا عليه وسلم عصاة ، وال شك يف أن رسول اهللا " .اهم فلم يفعل

: الوجه الخامسأن الرسـول صـلى اهللا عليـه وسـلم مل يتنـازل عـن ثوابـت الـدين أبـدا ، ومل يـداهنهم ، أو يـركن

.إليهم ، أو يتودد هلم ، أو يسرتضيهم ، وحنو ذلك حـىت هـاجر منهـا إال بسـبب كفـره بالطـاغوت وبراءتـه ) مكـة(وهل حصل عليه ما حصل يف

وهو يف صلح احلديبية أقوى وأمكن وأكثر أصحابا وعددا وعدة منـه قبـل . منهم ومن آهلتهم؟ !.اهلجرة ، فلو كان مث تنازل لكان يف الفرتة املكية

السادســـة مــــن الفصــــل األول ، وقـــد ســــبق تفصـــيل الكــــالم علـــى هــــذه الشـــروط يف املقدمــــة :٢النووي رمحه اهللا تعاىل على هذه الشروط حيث قال ونقلت فيه كالم

وافقهـم النـيب صـلى اهللا عليـه وسـلم يف تـرك كتابـة بسـم اهللا الـرمحن الـرحيم : قال العلماء " اهللا وكذا وافقهم يف حممد بن عبـد اهللا وتـرك كتابـة رسـول اهللا صـلى ، وأنه كتب بامسك اللهم

وإمنا وافقهـم ، وكذا وافقهم يف رد من جاء منهم إلينا دون من ذهب منا إليهم ، عليه وسلم أمـا ، مع أنه ال مفسدة في هـذه األمـور ، يف هذه األمور للمصلحة املهمة احلاصلة بالصلح

رسـول اهللا: حممد بـن عبـد اهللا هـو أيضـا : وكذا قوله ، البسملة وبامسك اللهم فمعنامها واحد ولـــيس يف تـــرك وصـــف اهللا ســـبحانه وتعـــاىل يف هـــذا املوضـــع بـــالرمحن ،صـــلى اهللا عليـــه وســـلم

.٥/١٢٦: األحكام ١ . ١٤٠، ١٣٩/ ١٢: شرح النووي لصحيح مسلم ٢

Page 95: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٠٠

، صلى اهللا عليه وسلم هنا بالرسالة مـا ينفيهـا وصفه أيضا وال يف ترك، الرحيم ما ينفي ذلك . فال مفسدة فيما طلبوه

ونحـو وإنما كانت المفسدة تكـون لـو طلبـوا أن يكتـب مـا ال يحـل مـن تعظـيم آلهـتهم وأمــا شــرط رد مــن جــاء مــنهم ومنــع مــن ذهــب إلــيهم فقــد بــني النــيب صــلى اهللا عليــه ، ذلــك

ومــن جاءنــا ، مــن ذهــب منــا إلــيهم فأبعــده اهللا (وســلم احلكمــة فــيهم يف هــذا احلــديث بقولــه فجعـل اهللا ؛ مث كـان كمـا قـال صـلى اهللا عليـه وسـلم ، ١)منهم سـيجعل اهللا لـه فرجـا وخمرجـا

".وهذا من املعجزات ، منهم وردهم إليهم فرجا وخمرجا وهللا احلمد للذين جاءونا

هة الثانيــة مــن الفصــل الثالــث مــن يف اجلــواب علــى الشــب -إن شــئت - انظــر الكــالم علــى هــذا الشــرط بالتفصــيل ١

).التبيان يف كفر من أعان األمريكان(كتاب

Page 96: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٠١

الشبهة الثانية إن عدم ذكر األصول ال يلزم منه عدم االعتبار

: وقال بعضهم

، وجــوب الــدعوة إىل التوحيــد ، مــن ن عــدم الــذكر لــبعض األصــول الشــرعية يف البيــانإ(أو ذكرهــا جمملــة ، أو ذكــر بعــض ، ســبيل اهللا يف ، و شــعرية اجلهــاد ، و الــرباء وعقيــدة الــوالء

فـــإن املقـــام يـــذكر ؛ ، أو قصـــدها مقاماـــا دون بعـــض ال يـــراد منـــه ، وال يلـــزم عـــدم اعتبارهـــا ) .حبسب ما يناسبه ، وهذا قدر يقع فيه اجتهاد ، وتردد

:والرد عليه من ثالثة وجوه : قلت

: الوجه األولاملنطــوق (، بــل حملــه ) املســكوت عنــه(يكــن حمــل االنتقــاد أن هــذا لــيس حمــل االنتقــاد ، فلــم

، أو ) توحيــد األمســاء والصــفات(، فلــم أر أحــدا انتقــد هــذا البيــان بــأم ســكتوا عــن بيــان ) بــه، أو اإلميـان باألحكـام القطعيـة ) اإلميان باملالئكة والرسل واليوم اآلخـر(، أو ) توحيد الربوبية(

!.ن اخلمسة مثال ، وهذه كلها من األصوليف الشريعة اإلسالمية كاألركاالسـكوت عـن (ال علـى ) ذكـر الباطـل(وكل من قرأ الردود يعلم جيدا أن االنتقـاد كـان علـى

.١، فالسكوت عن احلق شيء ، والكالم بالباطل شيء آخر كما سبق تفصيله ) احلق :أن يقال : الوجه الثاني

مــن ): بيــان املثقفــني(مــل النصــوص الــواردة يف مــن الكفــار حت) بــراء(علــى أي عقيــدة : أوال الدعوة إىل االحرتام ، ونبذ التشنج ، واالنطالق من القيم املشرتكة لتحقيق األهـداف املشـرتكة اليت تتبناها احلكومات ، واحلوار من أجل التعايش مع الكفار ، والكرامة اإلنسـانية املشـرتكة ،

، ومشـــاركتهم يف ) األخـــالق الكرميـــة(علـــى ) فـــارالك(والتقـــرب إلـــيهم ، وبنـــاء العالقـــات مـــع مشـكلة حقيقـة يف العـامل ، ) اإلرهـاب(شعورهم ، وتأييدهم على اإلرهـابيني ، واالعـرتاف بـأن

.أن الكالم بالباطل أعظم من السكوت عن احلق : عن واقرأ ما ذكرته يف املقدمة الرابعة من الفصل األول ١

Page 97: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٠٢

نوع مـن أنـواع االعتـداء -) اجلهاد(عند ملخاطبني ويقصد به -) اإلرهاب االصطالحي(وأن !!.تلكات ، وغري هذا مما سبق تفصيلهعلى األنفس واملم

مــن الــدعوة للنــأي ) : بيــان املثقفــني(حتمــل النصــوص الــواردة يف ) جهــاد (وعلــى أي : ثانيــا بالشعوب عن التطاحن والصراع ، واستنكار الصدام واإلرهاب والتطرف ، واالدعاء بأنه ليس مـــن شـــريعتنا أن نلـــزم اآلخـــرين مبفاهيمنـــا اخلاصـــة ، وأن مـــن تعـــاليم اإلســـالم أن العـــدوان علـــى

ملستضــعفة وــب ثرواــا وخرياــا مــن اإلفســاد يف األرض ، وعــدم إكــراه أي شــعب الشــعوب ا !!.على ترك قيمه اخلاصة ، وغري ذلك مما سبق تفصيله أيضا

: الوجه الثالثــــرد علــــى شــــبهام حمــــل اجتهــــاد فعــــال، ولكــــن أن طريقــــة دعــــوة الكفــــار إىل اإلســــالم أو ال

، كأن جيتهد إنسـان ) التحريف(و ) التغيري(، ال يف ) العرض(و ) طريقة التناول(االجتهاد يف يف الدعوة إىل اإلسالم عن طريق الكـالم علـى بعـض األصـول مـثال ، بغيـة التـدرج بالكـافر إىل اإلسالم ، أو يف املقارنـة بـني اإلسـالم وغـريه مـن األديـان ، أو بـذكر عـدل الشـريعة ، أو بـالرد

وقـد يـرى باجتهـاده أن الـدعوة تكـون ، ، وحنـو هـذا على بعض الشبه اليت تثار حول اإلسـالم يف فـــرتة باحلكمـــة ، ويف فـــرتة باملوعظـــة احلســـنة ، ويف فـــرتة باجلـــدال ، ويف فـــرتة بـــاجلالد ، فهـــذا وحنوه هو حمل االجتهاد ، أما أصول اإلسالم وشرائعه فليست ملكا ألحد ليحرف فيها كيف

بــا أخــرى ، أو حيــرف نصوصــا ، حبجــة املصــلحة أو يشــاء ، أو يلغــي منهــا أبوابــا ، أو مييــع أبوا .وقد سبق بيان هذا يف الفصل األولالدعوة ، فهذا وحنوه ال جيوز ألحد فعله ،

Page 98: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٠٣

الشبهة الثالثة أن هذا البيان من باب التقية

: قال بعضهمو لكفار إن املسلمني اآلن يف حال استضعاف ، وقد أباح اهللا يف حالة االستضعاف مواالة ا(

ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك (تقية يف قوله تعاىل ) ) .فليس من اهللا في شيء إال أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم اهللا نفسه وإلى اهللا المصير

:واجلواب عن هذا من ثالثة وجوه : قلت

: الوجه األولعف بـني ظهـراين الكفـار ويف سـلطام ، وخيشـى مـنهم ، أن التقية إمنا تكون ملن هو مستضـ

فــال يقــدر أن جيهــر بدينــه بيــنهم ، وال يقــدر علــى اهلجــرة ، فيتقــيهم بــرتك إظهــاره ، وأصــحاب .هذا البيان ليسوا يف سلطان الكفار ، وال بني أظهرهم ، فال جتوز هلم التقية حبال

: الوجه الثاني : ان سلمنا أن هلم التقية يف هذا البي

فاالستضعاف مسألة غري مسألة اإلكراه ، فاإلكراه يبـيح النطـق بالباطـل ، أمـا االستضـعاف ، وليســــت يف ) الســـكوت عـــن احلـــق(، وهـــي يف ١التقيـــة -عنـــد وجـــود شـــرطه -فقـــد يبـــيح

يف الفصــل األول ، وســبق أن ذكــرت كــالم ) املقدمــة الثالثــة (كمــا ســبق يف ) الكــالم بالباطــل( :٢قاله رمحه اهللا تعاىل ال هناك ، ومما شيخ اإلسالم مفص

نحــل بآيــة آل عمــران ، مرادفــة لإلكــراه ، وفســر آيــة ال) التقيــة(أن مــن العلمــاء مــن جعــل : علــى أن هنــا تنبيهــا وهــو ١

ألا إكراه ، وشرط للتقية ما شرط لإلكراه ، وهناك مـن فـرق بينهمـا ، وهـو الظـاهر ، فالتقيـة جيـوز فأجاز الكفر بالتقية فيها كتمان الدين دون إظهار الكفر ، أما اإلكراه فيجوز فيه إظهار الكفر ، والتقية جتوز مبجرد اخلوف مع االستضعاف

الكافرين ، أما اإلكراه فال يكون مبجرد اخلـوف ، وهلـذا كلـه تفصـيل ، حملـه يف حبـث اإلكـراه إن شـاء إذا كان يف سلطان .اهللا تعاىل

. ٤٢٥ – ٤٢٤/ ٦: منهاج السنة ٢

Page 99: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٠٤

ولكن إن ، فاملؤمن إذا كان بني الكفار والفجار مل يكن عليه أن جياهدهم بيده مع عجزه "إمـا أن يظهـر ؛ مع أنه ال يكذب ويقول بلسانه ما ليس يف قلبـه ، وإال فبقلبه ، أمكنه بلسانه

بـــل غايتـــه أن يكـــون ، ديـــنهم كلـــه وهـــو مـــع هـــذا ال يـــوافقهم علـــى، وإمـــا أن يكتمـــه ، دينـــه وال كـــان ، وهـــو مل يكـــن موافقـــا هلـــم علـــى مجيـــع ديـــنهم ، كمـــؤمن آل فرعـــون وامـــرأة فرعـــون

، وكتمــان الــدين شــيء ، بـل كــان يكــتم إميانــه ،وال يقــول بلســانه مــا لــيس يف قلبــه ، يكـذب ".فهذا مل يبحه اهللا قط إال ملن أكره، وإظهار الدين الباطل شيء آخر

:١قال ابن جرير رمحه اهللا و إال أن تكونـوا يف سـلطام فتخـافوهم علـى أنفسـكم فتظهـروا ) : إال أن تتقوا منهم تقاة( "

هلـم الواليـة بألســنتكم ، وتضـمروا هلــم العـداوة ، وال تشــايعوهم علـى مــا هـم عليــه مـن الكفــر ، ".وال تعينوهم على مسلم بفعل

:٢وقال ابن القيم رمحه اهللا أن التقاة ليست مبواالة ، ولكن ملا اهم عن مواالة الكفار اقتضي ذلـك معـادام ومعلوم"

والــرباءة مــنهم وجمــاهرم بالعــدوان يف كــل حــال ، إال إذا خــافوا مــن شــرهم ، فأبــاح هلــم التقيــة ".وليست التقية مواالة هلم

. ليس يف سكوم عن احلق ، بل يف كالمهم بالباطل) البيان(وكالمنا على : الوجه الثالث

:سلمنا أن هلم التقية يف هذا البيان ، وأن هلم أن يتكلموا بالباطل يقــدر األمــر (، و جيــب أن ) انشــراح الصــدر هلــذا العمــل(فإنــه يف هــذه احلالــة مشــروط بعــدم

فقـــط ، فـــال ينشـــر بـــني املســـلمني ، وال ) الكفـــار(بيـــنهم وبـــني ) البيـــان(، فيكـــون هـــذا ) بقـــدرهواقيـع ، وال توضـع لـه النـدوات ، وال تكتـب لـه املالحـق يف الصـحف ، وال املواقـع جتمع له الت

انشــراح الصــدر ــذا (يف الشــبكة ، وال جتــرد لــه الــردود الــيت تــدافع عنــه ، فــإن هــذا كلــه عنــوان ! .، وهذا ال جتيزه التقية وال غريها ) البيان

. ٣/٢٢٧: ي رب تفسري الط ١ . ٥٧٥/ ٣: ع الفوائد بدائ ٢

Page 100: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٠٥

Page 101: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٠٦

الشبهة الرابعة أن هذا البيان من باب المداراة

: وقال بعضهم

إن هذا البيان من باب املداراة الشرعية اجلائزة لدفع شر الكفـار عـن املسـلمني ، كمـا ثبـت (بــئس أخــو (يف الصــحيح عــن النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم أنــه الطــف رجــال بعــد أن قــال فيــه

نــا إنــا لنكشــر يف وجــوه أقــوام وإن قلوب(الــدرداء رضــي اهللا عنــه روي عــن أيب، وكمــا ) العشــرية ) ) .لتلعنهم

: والجواب

شـيء آخـر ، فتجـوز املـداراة ) املداهنـة(شـيء ، و بـاب ) املـداراة(أن هذا باطل ، فإن بـاب خبـــالف املداهنـــة ، فاملـــداراة مـــن بـــاب التلطـــف بـــالقول مـــع املخـــالف ، واللـــني ، والرفـــق ، وال

عة ، وحنــو ذلــك ، يكــون فيهــا إقــرار باطــل ، أو تقريــر لــه ، أو حتريــف نصــوص ، أو تغيــري شــري )!.املداهنة(فإن حصل شيء من هذا فقد انتقل إىل باب

والرسول صلى اهللا عليه وسلم مل يـتكلم بباطـل ، ومل يقـر شـيئا بـاطال ، ومل يفعـل معصـية يف ، وكــذلك أبــو الــدرداء ، ومــا فعلــوه قــد يكــون مــن –وحاشــاه صــلى اهللا عليــه وســلم –عملــه

و من بـاب دفـع الشـر ، أو غـريه ، ولكنـه بطريقـة مشـروعة ، مل باب التأليف على اإلسالم ، أختــالط مبعصــية ، وقــد وردت أحاديــث يف مــدح مــداراة النــاس ألــا قــد تكــون مــن بــاب حســن

.اخللق يف بعض األحيان :١)مداراة الناس صدقة(قال ابن حبان رمحه اهللا بعد أن روى حديث

لــق اإلنســان األشــياء املستحســنة ، مــع مــن خت: املــداراة الــيت تكــون صــدقة للمــداري هــي "هـــي اســـتعمال املـــرء اخلصـــال الـــيت : يـــدفع إىل عشـــرته ، مـــا مل يشـــبها مبعصـــية اهللا ، واملداهنـــة

".تستحسن منه يف العشرة وقد يشوا ما يكره اهللا جل وعال

.، واحلديث فيه نظر ٢١٨/ ٢: صحيح ابن حبان ١

Page 102: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٠٧

:١وقال ابن بطال رمحه اهللا ــــاح ل: املــــداراة " ــــرك مــــن أخــــالق املــــؤمنني ؛ وهــــي خفــــض اجلن ــــني الكلمــــة ، وت ــــاس ، ول لن

وظـــن بعضـــهم أن املـــداراة هـــي . اإلغـــالظ هلـــم يف القـــول ، وذلـــك مـــن أقـــوى أســـباب األلفـــة من الدهان : املداهنة فغلط ؛ ألن املداراة مندوب إليها ، واملداهنة حمرمة ، والفرق أن املداهنة

عاشـــرة الفاســــق ، م: وهـــو الـــذي يظهـــر علـــى الشـــيء ويســــرت باطنـــه ، وفســـرها العلمـــاء بأـــا هــي الرفــق باجلاهــل يف التعلــيم ، : وإظهــار الرضــا مبــا هــو فيــه مــن غــري إنكــار عليــه ، واملــداراة

وبالفاسق يف النهي عن فعله ، وترك اإلغالظ عليه حيث ال يظهر ما هو فيه ، واإلنكار عليه ".احتيج إىل تألفه وحنو ذلكبلطف القول والفعل ، والسيما إذا

:٢نقال عن القرطيب وعياض رحم اهللا اجلميع وقال ابن حجر : الفرق بني املدارة واملداهنة و "

ورمبـــا ، وهـــي مباحـــة ، أو مهـــا معـــا ، أو الـــدين ، بـــذل الـــدنيا لصـــالح الـــدنيا : املـــداراة أنإمنــا بــذل لــه ، والنــيب صــلى اهللا عليــه وســلمتــرك الــدين لصــالح الــدنيا : واملداهنــة ، اســتحبت

ومـع ، والرفـق يف مكاملتـه ، مـن دنيـاه حسـن عشـرته) ]بـئس أخـو العشـرية(ل عنـه يعين ملن قا[وفعلــه معــه ، يــه قــول حــق ، فــإن قولــه ففلــم ينــاقض قولــه فيــه فعلــه ، ذلــك فلــم ميدحــه بقــول

".فيزول مع هذا التقرير اإلشكال حبمد اهللا تعاىل ، حسن عشرة !.فإنه مداهنة ، ال مداراة ) الدين(وهذا يدل على أنه إذا كان األمر املبذول للعدو من

وهــذا كلــه يعــود إىل مــا جيــوز بذلــه للكــافر ومــا ال جيــوز يف وقــت االستضــعاف ، وقــد تقــدم .الكالم عليه يف املقدمة السادسة من الفصل األول

. ٥٢٨/ ١٠: فتح الباري ١ . ٤٥٤/ ١٠: فتح الباري ٢

Page 103: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٠٨

الشبهة الخامسة أن هذا البيان من باب التورية

: بعضهم قالو معىن ، وتريد به معىن آخر يتناوله اللفظ لكنـه خـالف أن تطلق لفظا ظاهرا يف: و التورية (

حيــث اســتخدمت فيــه ألفــاظ حتتمــل أكثــر مــن ) بيــان املثقفــني(ظــاهره ، وهــذا مــا حصــل يف كان املقصود منها للموقعني املعىن البعيد الشرعي ، واملراد إفهامه للغرب املعىن القريب : معىن

؛ فـإن النـيب صـلى اهللا عليـه وسـلم كـان إذا ) شرعيةالسياسة ال(املستنكر ، وهذا جائز يف باب ) .أراد غزوة ورى بغريها

:من ثالثة وجوه :على هذا والجواب

: الوجه األولفــإن البيــان وإن كانــت فيــه كلمــات جمملــة قــد تفســر علــى أكثــر مــن تفســري ، إال أن : بــاملنع

ة طلبـا لالختصـار ، ومــن أراد فيـه كلمـات لـيس هلـا إال تفســري واحـد ، سـأذكر منهـا أربعــة أمثلـ :التفصيل فلرياجع الفصل الرابع

كالعـدوان علـى الغيـر مـن الشـعوب المستضـعفة :وعليه فإن اإلفساد فـي األرض ( -١ومنازعتها في ثرواتها وخيراتها الخاصة التي تملكها أو تلويث البيئة ، مـن الفسـاد الـذي

صــــلى اهللا عليــــه وســــلم يف األســــس الــــيت وهــــذا منســــوب إىل تعليمــــات النــــيب) : ال يحبــــه اهللابالنســـبة للمســـلمني هـــم ) الغـــري(، و مـــع األمـــم األخـــرىاملســـلمني تحكم عالقـــاتأرســـاها لـــ

و ) الشـــــعوب املستضـــــعفة(وهـــــو أن غـــــزو املســـــلمني لــــــ: ، فهـــــذا لـــــه تفســـــري واحـــــد ) الكفـــــار(غيـري الشـرع ، يف بـاب ، وهـذا يلـزم منـه ت) الفساد الذي ال حيبه اهللا(من ) منازعتها يف ثرواا(

!.اجلهاد ، وباب الفيء والغنائم ، والقدح يف الفتوحات اإلسالمية فمن الممكن أن نشاركه الشعور وحتى الموقف فـي رفـض ضـرب األمـن المـدني ( -٢

وهو مشاركة للكفار يف شعورهم ، فهـل : وهذه هلا تفسري واحد كما هو ظاهر ) : في العالم !.خر ؟تفسري آ) شعور(ملثل كلمة

Page 104: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٠٩

) : إننــا معنيــون بالحملــة علــى اإلرهــاب ســواء أتــى مــن مســلمين أو غيــر مســلمين( -٣وهــذا تصــريح بتأييــد احلملــة علــى اإلرهــابيني ، بــل وقطعــوا أي تفســري آخــر بزيــادة يف التأكيــد

)!.سواء أتى من مسلمني أو غري مسلمني(بقوهلم ا هـو صـورة واحـدة مـن صـور إن اإلرهاب بالمعنى االصـطالحي الشـائع اليـوم إنمـ( -٤

وهـذا تصـريح بـأن اإلرهـاب صـورة مـن صـور : ) االعتداء الظالم على األنفـس والممتلكـاتبثالثـــــة قيـــــود منعـــــا الحتمـــــال معـــــىن آخـــــر وهـــــي ) اإلرهـــــاب(االعتـــــداء الظـــــامل ، وقـــــد قيـــــدوا

) الشــائع) (االصــطالحي) (اإلرهــاب(، وهــل هــذا ) اليــوم(و) الشــائع(و ) االصــطالحي( !.إال اجلهاد يف سبيل اهللا يف أفغانستان وكشمري والفلبني وحنوها ؟) : ماليو (

: الوجه الثاني، ولـيس فيهـا لفـظ صـريح ، فـال نسـلم ) التوريـة(كلـه علـى سـبيل ) البيـان(سلمنا بأن مـا يف

:١أن أصول الدين من الكفر بالطاغوت و الوالء والرباء جتوز فيها التورية يه وسلم إمنا كان يوري يف مثـل جهـة الغـزوة ، وهـو أمـر واسـع ، لكنـه فإن النيب صلى اهللا عل

أن ما وجب بيانه فالتعريض أو التوريـة (ال يوري يف شيء من شرائع الدين ، والقاعدة يف هذا ، لذا جتد أن توريته هذه بعد اشتداد قوة املسـلمني وبدايـة اجلهـاد يف سـبيل اهللا ٢)فيه ال جيوز

شــــرائعه فــــال جتــــوز التوريــــة يف بياــــا إذا بينــــت حــــىت يف وقــــت ضــــعف ، وأمــــا أصــــول الــــدين و املســـــلمني ، وقلـــــتهم ، وتســـــلط الكفـــــار ، يف مكـــــة ، فقـــــد كـــــان جيهـــــر بالتوحيـــــد ، والكفـــــر بالطاغوت ، ويصرح بإبداء العـداوة للمشـركني وآهلـتهم ، مـع كـل مـا حصـل لـه وألصـحابه مـن

إلــيهم ، ولــو مــن بــاب ) الركــون القليــل(، أو هلــم) املداهنــة(أذى ، وقــد ــاه اهللا ســبحانه عــن

:يف الفصل األول هنا أمران كما سبق التنبيه عليه ١

أومطلقــا ، ولكــن بــدون حتريــف وحنــوه بــدون تعــرض ألصــل الــوالء والــرباء ، الــرد علــيهم وأ خماطبــة الكفــار ،: األول .، أو رد لبعض أباطيل الكفارالشريعة أصول تغيري للشرع ، بل عرض لبعض

ومسـخها ، ولـبس احلـق فيهـا بالباطـل ، مـن ، مسـائل الـوالء والـرباء وحنوهـا بعـض األصـول الشـرعية ، كذكـر : الثاني . وحنو ذلك ) مصلحة الدعوة(أو ) السياسة الشرعية(أجل

روجا مـن فاألول جيوز ، ألن فيه كالما حقا بدون لبسه بباطل ، والثاين ال جيوز ، بل هو باطل ، وقد يكون كفرا وخ .يف بعض احلاالت اإلسالم

. ٢٣٥/ ٣ :وقعني إعالم امل: انظر ٢

Page 105: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣١٠

، وقصـة ) سـورة عـبس(، بل وتأمـل قصـة ابـن أم مكتـوم رضـي اهللا عنـه يف ) السياسة الشرعية(، وكلهــا ســبق تفصــيلها يف ) ســورة الكــافرون(، وقصــة ) الــذين يــدعون رــم بالغــداة والعشــي(

يء مـن أمـور الـدين مطلقـا ، الفصل السابق ، فإا كلهـا تـدل علـى عـدم جـواز التنـازل عـن شـ، و النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم كــان ميكنــه أن يــوري هلــم حببــه ) مصــلحة دعويــة(ولـو حصــلت

آلهلــتهم ، أو حبــه هلــم ، أو عــدم عدائــه هلــم ، أو برغبتــه يف التعــايش معهــم ، أو حنــو ذلــك ، ما خري بني أمـرين ولكنه مل يفعل ، بل اه اهللا سبحانه ، وهو احلريص على أصحابه ، الذي

!.إال اختار أيسرمها ما مل يكن إمثا : الوجه الثالث

:سلمنا أن التورية جتوز مطلقا حىت يف أصول الدين ، وال ينشـر بـني املسـلمني ، بـل يقتصـر فيـه ) الضـرورة(فإنه جيب أن يقتصر هـذا األمـر علـى

.بني كاتيب البيان و كفار أمريكا فقط ني ، وعقد الندوات واملؤمترات من أجله ، ونشـره يف الصـحف والشـبكة أما نشره بني املسلم

: ، والسعي جلمع التواقيع عليه ، فهو من لبس احلق بالباطل فيها إرادة معنيني ، أحدمها حق ، واآلخـر باطـل ، وكاتـب البيـان يريـد احلـق ، ) التورية(ألن

س عليه املعـىن احلـق بالباطـل ، وهـذا وقاريء البيان سيفهم الباطل ، أو على أقل أحواله سيلتبال جيوز ، ألنه لبس احلق بالباطل ، وهو من باب إضالل املسلمني ، وهو من صـفات اليهـود

!.كما جاء يف وصفهم ، وهذا ظاهر جدا :١قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا

: وهلـذا قـال تعـاىل فيمـا خياطـب بـه أهـل الكتـاب علـى لسـان حممـد صـلى اهللا عليـه وســلم "يــا بنــي إســرائيل اذكــروا نعمتــي التــي أنعمــت علــيكم وأوفــوا بعــدي أوف بعهــدكم وإيــاي (

فارهبون ، وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم وال تكونوا أول كافر به وال تشتروا بآيـاتي ، ) ثمنــا قلــيال وإيــاي فــاتقون ، وال تلبســوا الحــق بالباطــل وتكتمــوا الحــق وأنــتم تعلمــون

خلطه به حىت يلتبس أحدمها باآلخر : ولبسه به ، وكتمانه ، بالباطل حلق فنهاهم عن لبس اومنــه ، ) ولــو جعلنــاه ملكــا لجعلنــاه رجــال وللبســنا علــيهم مــا يلبســون(كمــا قــال تعــاىل ؛

. ٢٠٩/ ١: درء التعارض ١

Page 106: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣١١

ألن املغشوش من النحاس تلبسه فضة ختالطـه وتغطيـه ؛ وهو الغش : وهو التدليس : التلبيس ، فالظــاهر حــق يف صــورة احلــق ، يكــون قــد أظهــر الباطــل :بالباطــل ، كــذلك إذا لــبس احلــق

".والباطن باطل

Page 107: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣١٢

الشبهة السادسة أن هذا البيان من باب الدعوة والحوار ال الرد واإلبطال

: وقال بعضهم

إن هـدف هــذا البيــان هــو الــدعوة واحلــوار ال الــرد واإلبطــال ، فجــاء علــى أســلوب رشــيد يف (تفــق عليــه إىل املختلــف فيــه ؛ إذ إن هــذا هــو الســبيل الســتمرار احلــوار ، وهــو االنطــالق مــن امل

قــل مــن يــرزقكم مــن الســماء واألرض قــل (احلـوار وحتقيــق التـأثري ، علــى حــد قولـه عــز وجـل اهللا وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضالل مبين ، قـل ال تسـئلون عمـا أجرمنـا وال نسـئل

) ) .عما تعملون

:ثة وجوه واجلواب على هذا من ثال: قلت : الوجه األول

واالستشــهاد ) االنطــالق مــن املتفــق عليــه إىل املختلــف فيــه(وهــو ) احلــوار(أن هــذا القــول يف : ١؛ كما قال شيخهم ) التقريبيني(و ) العصرانيني(مبثل هذه اآليات إمنا خرج من مشكاة

ه ليكـون ســبيال إىل إذا أردت أن حتـاور اآلخــرين فابـدأ بـاملتفق عليـ: وهـذا مبـدأ مهـم جـدا " نصــل إىل قاســـم مشـــرتك بـــني الفــريقني ، ال نـــأيت إىل الشـــيء املختلـــف فيــه ، ونقـــول بـــه ، فـــال

نبحث فيما جيمع بيننا ؟ حنن معا نؤمن بـاهللا ، ولـو إميانـا إمجاليـا ، : نقول ...ميكن أن نلتقي قيـة ، وبثبـات هـذه القـيم ، نؤمن باآلخرة واجلزاء األخروي ، نؤمن بعبادة اهللا ، وبـالقيم األخال

نــأيت بأشــياء ميكــن أن جتمــع بــني ...نــؤمن بوحــدة اإلنســانية ، وبــأن اإلنســان خملــوق مكــرم ، املختلفــني ، فــإذا وضــعنا هــذه األشــياء املتفــق عليــه ، ميكــن أن نقــرب بــني املختلفــني بعضــهم

.٢"بعضا ، من جهتنا حنن املسلمني مستعدون للتقارب

.القرضاوي: ، والقائل هو شيخ العصرانيني ٧٤٤/ ٢ :دعوة التقريب ١ومـن ": م ١٩٩٩/ ٧/ ١١بتـاريخ ) احلوار مع الغرب(ويقول نفسه يف حلقة من برناجمه الشريعة واحلياة بعنوان ٢

، الشك أنك مـع املخـالفني هنـاك نقـاط متـايز ونقـاط أهم األشياء يف احلوار واجلدال وهي الرتكيز على القواسم املشرتكة، إذا أردت أن تقرب ، فال تركز يف احلوار على هذه النقاط اليت متيز بينك وبني غريك ألن هذا يبعد وال يقرب اختالف

Page 108: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣١٣

: الوجه الثانيهــذه اآليــات مــن أقــوى احلجــج يف الــرد علــيهم يف هــذه املســألة ، بــل لعلــك لــو حبثــت يف أن

:القرآن للرد على هذه الشبهة ما وجدت أقوى منها ، وذلك من وجهني أن اهللا سبحانه ذكر قبل هذه اآليات مباشرة ، وبعدها مباشـرة ، آيـات عظيمـة يف : األول

قـل ادعـو الـذين زعمـتم مـن دون (فقـال تعـاىل قبلهـا الدعوة إىل التوحيد ، وبطالن الشـرك ، اهللا ال يملكون مثقال ذرة في السماوات وال في األرض وما لهم فيهما من شـرك ومـا لـه

قل أرونـي (وقال بعد هذه اآليـات ) منهم ظهير ، وال تنفع الشفاعة عنده إال لمن أذن لهومــا أرســلناك إال كافــة للنــاس الــذين ألحقــتم بــه شــركاء كــال بــل هــو اهللا العزيــز الحكــيم ،

، وسياق اآليات واحد ، فأي اشرتاك مزعوم ، وأي انطالق من املسائل املتفق ) بشيرا ونذيرا، بــل كــان االنطــالق مــن الــدعوة إىل التوحيــد وإقامــة احلجــة علــيهم !عليهــا إىل املختلــف فيهــا

.ببطالن ما هم عليه من الشرك :١هللا تعاىل على هذه اآليات قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه ا

وبـــني أن مـــا يدعونـــه مـــن دون اهللا ال ميلـــك مثقـــال ذرة يف ، فإنـــه ملـــا دعـــاهم إىل التوحيـــد "نفـى ، وال ينفـع شـفيع إال بإذنـه ، وال هـو ظهـري ، وال هو شـريك ، السماوات وال يف األرض ، شـريك يف امللـك أو ، إمـا أن يكـون لـه ملـك : فإن ما يشرك به ، بذلك مجيع وجوه الشرك

لك وت، ومسألة فإذا انتفت الثالثة مل يبق إال الشفاعة اليت هي دعاء لك ، معينا به أو يكون أنــه ال رازق يــرزق مــن الســماء واألرض إال : مث ذكــر بعــد هــذا .ال تنفــع عنــده إال ملــن أذن لــه

وعلى هذا األساس نقول أن هناك قواسم مشـرتكة، : "احللقة ، ويقول يف نفس " االتفاقاآلخرين منك فركز على نقاط

!!."النزعة املاديةادية يف العامل، تعالوا نقف على هذه األرضية املشرتكة أننا نريد أن نقف ضد النزعة اإلحل؛ احلوار اإلسالمي املسيحي ولذلك حنن ندعو إىل : "م ١٩٩٨/ ٩/ ١٣ :بتاريخ القاألخيف حلقة بعنوان ويقول

وال جتادلوا أهل الكتاب إال باليت هـي أحسـن وقولـوا آمنـا بالـذي أنـزل إلينـا وأنـزل (ألن هناك أرضيه مشرتكة بيننا وبينهم ونـؤمن بـاآلخرة ، ونؤمن بالعبـادات ، ونؤمن بالفضائل، فنحن نؤمن باهللا ) إليكم وإهلنا وإهلكم واحد وحنن له مسلمون

". م مشرتكة بيننا وبينهمهذه قواس، وحنـن اسـتجبنا هلـم يف دعـوة احلـوار : "م ١٩٩٨/ ٦/ ٢٨ بتـاريخ إلسـالم وشـبكة اإلنرتنـتويقول يف حلقة بعنوان

وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينـا وأنـزل إلـيكم وإهلنـا وإهلكـم (، كما قال اهللا تعاىل اإلسالمي املسيحي، عندنا أرضية مشرتكة ".ا القواسم املشرتكة بينكم وبينهم ال نقاط االختالف والتمايزاذكرو : يعين ..) . ٨٣ -٨١/ ٢: اجلواب الصحيح ١

Page 109: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣١٤

اهللا ثم إذا مسكم وما بكم من نعمة فمن ( ، كما يف قولـهدل ذا وهذا على التوحيد ، اهللا الضر فإليه تجأرون ، ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ، ليكفروا

وبيـان أن ، فلما ذكر ما دل على وجـوب توحيـده ،) بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون وإنـا أو وإيـاكم لعلـى : ( ، قال وأن أهل الشرك على الضالل، أهل التوحيد هم على اهلدى

أهـل التوحيـد الـذين ال يعبـدون إال اهللا : إن أحد الفريقني : يقول )دى أو في ضالل مبينهيف اخلطـاب الـذي كـل وهـذا مـن اإلنصـاف ى هدى أو يف ضالل مبـني ،لعل ،وأهل الشرك ،

كما يقول العادل الذي ، قد أنصفك صاحبك : وعدو قال ملن خوطب به من مسعه من ويل، ال للشـك يف األمـر الظـاهر ، الظامل إما أنـا وإمـا أنـت : هر ظلمهظهر عدله للظامل الذي ظ

ل التوحيـد الـذين أهـ: فإنه إذا قيـل ، ولكن لبيان أن أحدنا ظامل ظاهر الظلم وهو أنت ال أنا ن يعبـــدون مـــا ال يضـــر وال وأهـــل الشـــرك الـــذييعبـــدون اهللا علـــى هـــدى ، أو يف ضـــالل مبـــني ،

وأهـــل الشـــرك علـــى ، أن أهـــل التوحيـــد علـــى اهلـــدى تبـــني ينفـــع علـــى هـــدى أو يف ضـــالل ،يعلمـــون أن أهـــل ؛ وهـــذا ممـــا يعلمـــه مجيـــع امللـــل مـــن املســـلمني واليهـــود والنصـــارى ، الضـــالل

". وأهل الشرك على الضالل، التوحيد على اهلدى : فالمقصود

لعكـس كمـا يـزعم هـذا ، بـل ا) املختلف فيـه(إىل ) املتفق عليه(أنه مل يكن هنا انطالق من هــو الصـــحيح ، فـــإن اهللا ســـبحانه بعـــد أن ذكـــر التوحيـــد وبطـــالن الشـــرك ، ذكـــر هـــذه اآليـــة ،

:، وهذا هو الوجه ) متفق عليه(وليس فيها أيضا وهــو إن اهللا ســبحانه أخــرب يف هــذه اآليــات مبــا يــدل علــى املفاصــلة التامــة واملباينــة : الثــاني

:أو قيم أو أهداف مشرتكة جتمع بيننا مطلقا احلقيقية بني الفريقني ، وأنه ليس مث أمور :١قال احلافظ ابن كثري رمحه اهللا يف هذه اآليات

أيضـا ، فكمـا كـانوا يعرتفـون بأنـهوانفـراده باإلهليـة ، تفرده باخللق والـرزق يقول تعاىل مقررا " فكـذلك ، إال اهللا -أي مبا ينزل من املطر وينبت مـن الـزرع -ال يرزقهم من السماء واألرض

هـذا : )وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضالل مبين(وقوله تعاىل . فليعلموا أنه ال إله غريه ســـبيل إىل أن ال، واآلخـــر حمـــق مبطـــل ، الفـــريقنيواحـــد مـــن : أي ، مـــن بـــاب اللـــف والنشـــر

. ٥٣٩/ ٣: تفسري ابن كثري ١

Page 110: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣١٥

وحنـــن قـــد أقمنـــا ، بـــل واحـــد منـــا مصـــيب ، تكونـــوا أنـــتم وحنـــن علـــى اهلـــدى أو علـــى الضـــالل وإنا (وهلذا قـال ؛ فدل على بطالن ما أنتم عليه من الشرك باهللا تعاىل ، ن على التوحيد الربها

قـد قـال ذلـك أصـحاب حممـد صـلى : قال قتـادة ) أو إياكم لعلى هدى أو في ضالل مبين واهللا ما نحن وإياكم على أمر واحد ، إن أحد الفريقين لمهتـد: اهللا عليه وسلم للمشركني

. وإنكـم لفـي ضـالل مبـني ، إنـا حنـن لعلـى هـدى :معنـاه : د بن أيب مـرمي وقال عكرمة وزيا. التـربي مـنهم ، أي : معنـاه ) قل ال تسألون عما أجرمنا وال نسئل عما تعملون(وقوله تعاىل

لستم منا ، وال حنن منكم ، بل ندعوكم إىل اهللا تعـاىل وإىل توحيـده وإفـراد العبـادة لـه ، فـإن : كمـا قـال تعـاىل ؛ ن منكم ، وإن كذبتم فـنحن بـرآء مـنكم وأنـتم بـرآء منـاأجبتم فأنتم منا وحن

فإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنـا بـريء ممـا تعملـون (قل يا أيها الكافرون ، ال أعبد ما تعبدون ، وال أنتم عابدون مـا أعبـد (وقال عز وجل ، )

)".نتم عابدون ما أعبد ، لكم دينكم ولي دين، وال أنا عابد ما عبدتم ، وال أ : قلت

وهذا أمر عجيب ، فـإن هـؤالء أتـوا إىل اآليـات الـيت فيهـا متـام الـرباءة مـن املشـركني وأعمـاهلم ، فعكســوا األمــر متامــا ، وهــي يف حقيقتهــا أبلــغ ) حــوارا منطلقــا مــن األمــور املشــرتكة(فجعلوهـا

ينتزعوــا مــن القــرآن الــيت لــى جهلهــم بتفســري اآليــات وهــذا ال يــدل إال عرد علــى هــذا القــول علــى املســلم أن ، فوهــذا دأــم يف أكثــر األدلـة الــيت يستشــهدون ــا ، ١نكــوس علـى فهمهــم امل

: ذلكيتنبه الستدالالم ويرجع إىل أقوال األئمة يف :٢قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا

هذه براءة منه ملن خياطب بذلك : ) لكماهللا ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعما( وقوله "وإن كـذبوك فقـل لـي عملـي ولكـم عملكـم أنـتم ( ؛ كقوله تعاىلمن املشركني وأهل الكتاب

قل أتحاجوننا فـي اهللا وهـو ( ، ومثل قوله تعاىل) بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون قـل يـا أيهـا ( ذلك قولـه ، وك ) ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون

الكافرون ، ال أعبد ما تعبدون ، وال أنتم عابدون ما أعبد ، وال أنا عابد ما عبـدتم ، وال

.العصرانيني الذين أفسدوا الدين بتحريفام للنصوص وبفتاواهم الساقطة موأعين ١ . ٣٢، ٣١/ ٢: اجلواب الصحيح ٢

Page 111: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣١٦

لي عملي ولكم ( قولـهفإن هذه الكلمة ك، ) أنتم عابدون ما أعبد ، لكم دينكم ولي دينه مــن وهــي كلمــة توجــب براءتــ ؛) عملكــم أنــتم بريئــون ممــا أعمــل وأنــا بــريء ممــا تعملــون

، يف لغـــة العــرب يــدل علــى االختصـــاص )الــالم(فــإن حــرف ؛ وبــراءم مــن عملـــه ، عملهــم ــنكم ولــي ديــن(فقولــه وأنــا ، يــدل علــى أنكــم خمتصــون بــدينكم ال أشــرككم فيــه : )لكــم دي

لـي عملـي ولكـم عملكـم أنـتم بريئـون ممـا أعمـل ( ؛ كمـا قـالخمتص بديين ال تشـركوين فيـه ) :قـل يـا أيهـا الكـافرون(يف صلى اهللا عليـه وسـلم وهلذا قال النيب )وأنا بريء مما تعملون

". هي براءة من الشرك : الوجه الثالث

أن هـــذا البيـــان ســـواء كـــان حـــوارا ودعـــوة ، أو ردا وإبطـــاال ، أو غـــري ذلـــك ، فإنـــه ال يســـوغ ذلك مما سـبق مسخ الشرع ، وحتريف النصوص ، والرباءة من اجلهاد ، ومواالة الكفار ، وغري

١.تفصيله

، كمــا أنــه يف )اإلســالم(يــدعوهم إىل أصــال تنــزل ، وإال فهــذا البيــان لــيس فيــه حــرف واحــد بــاب ال مــنهــذا كلــه ١

!.على بيان املثقفني األمريكان كما ذكر ذلك من نشره ) رد(حقيقته

Page 112: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣١٧

الشبهة السابعة أن أصول التعايش في القرآن

: وقال بعضهم

لقــد تضــمن القــرآن الكــرمي أصــول التعــايش مــع الكفــار يف األحــوال املختلفــة ، ففــي مرحلــة (الـدعوة جــاءت النصــوص بـاألمر بــاللني ، وإقامــة الرباهـني الــيت يــتمكن املخاطـب مــن فهمهــا ،

رة مبا يدل على بطالن سحرهم ، وخطـاب قـوم عـاد مبـا يـدل علـى أن كخطاب موسى للسحاهللا أشــد مــنهم قــوة ، مث معجــزة الرســالة اخلامتــة مــن جــنس مــا متيــزت بــه ثقافــة العــرب اللغويــة ، وهـــذا كلـــه نـــوع مـــن إقامـــة اجلســـور الفكريـــة مـــع املخـــالف ، كمـــا جـــاء القـــرآن مبراعـــاة مصـــاحل

نهـا ، فتجـارة قـوم شـعيب عليـه السـالم جـاء معهـا قـول املدعوين واإلشـادة بشـرعية الصـحيح م، وقـال مـؤمن آل ) ١محـيطإني أراكم بخيـر وإنـي أخـاف علـيكم عـذاب يـوم (اهللا سبحانه

، ويف القـرآن مواضـع ال حتصـى تقـرر ) يا قوم لكم الملك اليوم ظـاهرين فـي األرض(فرعون أكثرهـا بيانـا يف هـذا السـياق قولـه أصول التعايش مع الكفار يف األحوال املختلفة ، ورمبـا كـان

ــذين لــم يقــاتلوكم فــي الــدين ولــم يخرجــوكم مــن ديــاركم أن ( تعــاىل الينهــاكم اهللا عــن الفإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إلـيكم (، وقوله تعاىل ) اآلية...تبروهم وتقسطوا إليهم

) ).السلم فما جعل اهللا لكم عليهم سبيال

:ا من وجوه واجلواب على هذ: قلت : الوجه األول

صحيح ) لقد تضمن القرآن الكرمي أصول التعايش مع الكفار يف األحوال املختلفة(أن قوله من الكفار ، و التحذير منهم ، ) الرباء(يف : ، فإن أكثر آيات القرآن بعد التوحيد كما سبق

ســـوى بـــني املســـلمني ومـــن مـــواالم ، ويف بيـــان عـــداوم للمـــؤمنني ، ويف اإلنكـــار علـــى مـــن ، وقصــص األنبيــاء كانــت يف ) جهــاد الكفــار(وبيــنهم ، كمــا أن أكثــر آيــات األحكــام هــي يف

.، وهو خطأ عظيم عذاب يوم : ) الوطن: (صل يف األجاء ١

Page 113: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣١٨

، وكيــف توعـــدوا ) مهــت كــل أمــة برســوهلا ليأخــذوه(، وكيــف ) تعايشــهم مــع أقــوامهم(طريقــة بــدا بــني الرســل وبــني أقــوامهم (، وكيــف ) لنخــرجنكم مــن أرضــنا أو لتعــودن يف ملتنــا(رســلهم

تقاســم الكفــار بــاهللا ليبيــنت رســوهلم (، وكيــف ) اوة والبغضــاء أبــدا حــىت يؤمنــوا بــاهللا وحــدهالعــد، وكيــــف ) أخرجــــوا آل لــــوط مــــن قــــريتكم إــــم أنــــاس يتطهــــرون(، وكيــــف قــــالوا ) مصــــبحني

قـــالوا أتـــذر موســـى وقومـــه ليفســـدوا يف األرض ويـــذرك وآهلتـــك قـــال (، و ) أتبعـــوهم مشـــرقني(زلــزل (، وكيــف ) ولــوال رهطــك لرمجنــاك(، وكيــف قــالوا ) ســاءهم ســنقتل أبنــاءهم ونســتحيي ن

نتـــائج تعـــايش الرســـل مـــع (، وهـــذا كلـــه غـــري ) الرســـل وأتبـــاعهم حـــىت يقولـــوا مـــىت نصـــر اهللا ؟ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومـنهم مـن خسـفنا بـه ) : (أقوامهم

أصـول التعـايش مـع الكفـار ، وقـد : لقـرآن هـي ، فهـذه وحنوهـا يف ا) األرض ومنهم من أغرقنـا .سبق ذكر اآليات يف ذلك ، فال نطيل يف هذا

: الوجه الثانيـــه إن كـــان يقصـــد ـــذه ) وهـــذا كلـــه نـــوع مـــن إقامـــة اجلســـور الفكريـــة مـــع املخـــالف(أن قول

طريقـة دعـوة األنبيـاء ألقـوامهم إىل التوحيـد والكفـر بالطـاغوت ونبـذ الشـرك كمـا هـو) اجلسور( –كما هو الظاهر –يف القرآن فهذا صحيح وال مشاحة يف االصطالح ، وإن كان يقصد به

فباطل ، ودليله هـذا ) بيان املثقفني(متلق الكفار ومداهنتهم ومسخ الشريعة إلرضائهم كما يف عليه ال له ، فإن جمرد التأمل يف القرآن الكرمي ، ويف قصص األنبياء ، ويف أي سورة مـن سـوره

.فالعربة باحلقيقة )ثقافيةأنفاقا (أو )جسورا فكرية(قوله ، وسواء مساها يبطل : الوجه الثالث

أن اللـــني والرفـــق يف الـــدعوة ال يعـــين التنـــازل عـــن الثوابـــت أو لـــبس احلـــق بالباطـــل مـــن أجـــل .إرضاء الكفار ، كما سبق بيانه يف الفصل األول

: الرابعالوجه

Page 114: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣١٩

ن مبراعـــاة مصـــاحل املـــدعوين واإلشـــادة بشـــرعية الصـــحيح منهــــا ، كمـــا جـــاء القـــرآ(أن قولـــه إنـي أراكـم بخيـر وإنـي أخـاف (فتجارة قوم شعيب عليه السـالم جـاء معهـا قـول اهللا سـبحانه

:دليل عليه ال له من وجوه )) محيطعليكم عذاب يوم د والكفـر أن شعيبا عليه السالم يف هذه اآلية نفسها جاهرهم بـدعوم إىل التوحيـ: أحدها

!.، فلم يداهنهم يف ذلك ) يا قوم اعبدوا اهللا ما لكم من إله غيره(بالطاغوت وال تنقصـوا المكيـال (أنه أنكر فيها ما هم عليـه مـن التطفيـف يف الكيـل وامليـزان : وثانيها ).والميزان ) .وإني عليكم عذاب يوم محيط(أنه حذرهم من عذاب اهللا : وثالثها) : وهــذا مــن أصــول التعــايش يف القــرآن(شــعيب قــالوا لــه بعــد دعوتــه هلــم أن قــوم : ورابعهــا

وإنــا لنــراك فينــا ضــعيفا ولــوال رهطــك لرجمنــاك ومــا أنــت علينــا را ممــا تقــوليــمــا نفقــه كث(ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا (، مث جاءت نتيجة هذا التعايش يف قوله تعاىل بعد ذلك ) بعزيز

ـــوا معـــه برحمـــة منـــا وأ ـــارهم والـــذين آمن خـــذت الـــذين ظلمـــوا الصـــيحة فأصـــبحوا فـــي دي ).جاثمين

فإنـه لـيس إشـادة مبصـاحلهم كمـا يـزعم ، ولـيس مـدحا ، بـل ) : إني أراكـم بخيـر(وأما قوله إخبـارا بـواقعهم ، واخلـري هنـا ال يقصـد بـه أـم علــى أمـر حممـود ؛ مـن اخلـري مقابـل الشـر ، بــل

:وهذا معروف يف القرآن املال و سعة الرزق ، : املقصود باخلري هنا :١قال ابن عبد الرب رمحه اهللا

ـــرا الوصـــية (ول اهللا عـــز وجـــل قـــ" كتـــب علـــيكم إذا حضـــر أحـــدكم المـــوت إن تـــرك خيومثـل قولـه عـز وجـل ، ال خـالف بـني أهـل العلـم يف ذلـك ، املـال : واخلـري ههنـا) : للوالدين

،) إنــي أحببــت حــب الخيــر(وقولــه ، )وإنــه لحــب الخيــر لشــديد(قولــه ) :إن تــرك خيــرا(وكـذلك قولـه ، املـال : ات كلهـا يـيف هـذه اآل و اخلـري) فكاتبوهم إن علمـتم فيـه خيـرا(وقوله

)". إني أراكم بخير: ( صلى اهللا عليه وسلم عن شعيب عز وجل حاكيا : الوجه الخامس

: ، تفسـري ابـن كثـري ٨٥/ ٩: تفسـري القـرطيب : انظـر: ، وعلى هذا مجيع كتـب التفسـري ٢٩٥/ ١٤: التمهيد ١

٤٥٦/ ٢.

Page 115: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٢٠

ليــل د)) يــا قــوم لكــم الملــك اليــوم ظــاهرين فــي األرض(وقــال مــؤمن آل فرعــون (أن قولــه :عليه ال له من وجوه

وكان يكتم إميانه ، يف وسـط الكفـار ، وعنـد فرعـون ) مؤمن آل فرعون(أن القائل : أحدها، وقد عرف بتسلطه وجربوته وإسرافه ، ومع ذلك جاهرهم ذه النصائح ملا مسـع قـول فرعـون

يـف مبـن ، مـع أنـه معـذور بالسـكوت تقيـة الستضـعافه ، فك) أقتل موسى وليـدع ربـه ذروني( ! .؟ ١ليس كهيئته بل يف بالد املسلمني

.)فمن ينصرنا من بأس اهللا إن جاءنا(أنه قال بعد هذا حمذرا هلم من عذاب اهللا : ثانيهاوقـال الـذي آمـن يـا قـوم إنـي أخـاف علـيكم (أنه قال بعـد ذلـك ردا علـى فرعـون : ثالثها

مــن بعــدهم ومــا اهللا يريــد مثــل دأب قــوم نــوح وعــاد وثمــود والــذين، مثــل يــوم األحــزاب يـوم تولـون مـدبرين مـا لكـم مـن اهللا ، ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد، ظلما للعباد

ولقـد جـاءكم يوسـف مـن قبـل بالبينـات فمـا ، من عاصم ومن يضلل اهللا فما لـه مـن هـاد زلتم في شك ممـا جـاءكم بـه حتـى إذا هلـك قلـتم لـن يبعـث اهللا مـن بعـده رسـوال كـذلك

، مث دعـــاهم بعـــدها إىل اإلميـــان والنجـــاة وحـــذرهم مـــن ) اهللا مـــن هـــو مســـرف مرتـــاب يضـــل .الكفر والنار

فوقاه اهللا سـيئات مـا (فقال ) نتائج هذا التعايش (أن اهللا سبحانه ذكر بعد ذلك : رابعهامكــروا وحــاق بــآل فرعــون ســوء العــذاب ، النــار يعرضــون عليهــا غــدوا وعشــيا ويــوم تقــوم

) .آل فرعون أشد العذاب الساعة أدخلواإنـي (فهو من جنس قول شعيب لقومه ) لكم الملك اليوم ظاهرين في األرض(وأما قوله .، فهو ليس من باب املدح ، بل ذكر الواقع وختويفهم من زواله ) أراكم بخير

: الوجه السادس

بلـــغ فـــيهم اجلـــربوت والتســـلط مبلغـــا وصـــفه اهللا مستضـــعف ، بـــني أقـــوام كـــافرين ، واحـــد ، رجـــل : وهـــذا عجيـــب ١، مث يهددون بقتل موسى ) اآلية...إن فرعون عال يف األرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم (سبحانه بقوله

.لسالم فيتكلم هذا الرجل وال يهاب سطوته ويطيل يف نصحهم وختويفهم والدفاع عن موسىعليه امن املسـلمني ، فيكاتبونـه ) اإلرهابيني(هذا العصر بقتل ) فرعون(ورجال يف بالد املسلمني ، وبني ظهرانيهم ، ويهدد

.إم معنيون حبملتهم على اإلرهابيني من مسلمني وغريهم : ومما يقولون له !!.فأي مقارنة بني الفريقني ، وأي استشهاد من هذا ذا الدليل ؟

Page 116: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٢١

هللا عــن الــذين لــم الينهــاكم ا( ورمبــا كـان أكثرهــا بيانـا يف هــذا السـياق قولــه تعـاىل (أن قولـه ) ) : اآليـة...يقاتلوكم في الـدين ولـم يخرجـوكم مـن ديـاركم أن تبـروهم وتقسـطوا إلـيهم

.السابق فراجعه الفصلسبق اإلجابة عليه مفصال يف : الوجه السابع

فــإن اعتزلــوكم فلــم يقــاتلوكم وألقــوا إلــيكم الســلم فمــا جعــل اهللا (وقولــه تعــاىل (أن قولــه :اجلواب عليه من وجهني ) . )لكم عليهم سبيال

:باإلمجاع ١)وهو رفع الظاهر : املعىن العام (أن هذه اآلية منسوخة على : األول :٢قال اجلصاص رمحه اهللا تعاىل

وال نعلم أحدا من الفقهاء حيظر قتال من اعتزل قتالنا من املشركني ، وإمنا اخلالف يف " " .جواز ترك قتاهلم ال يف حظره

:٣خ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهللا وقال شيفكان النيب صلى اهللا عليه وسلم يف أول األمـر مـأمورا أن جياهـد الكفـار بلسـانه ال بيـده ؛ "

فيدعوهم ويعظهـم وجيـادهلم بـاليت هـي أحسـن وجياهـدهم بـالقرآن جهـادا كبـريا ، قـال تعـاىل يف ، وكان مأمورا ) ه جهادا كبيرا ع الكافرين وجاهدهم بطفال ت( -وهي مكية -سورة الفرقان

بــالكف عــن قتــاهلم لعجــزه وعجــز املســلمني عــن ذلــك ، مث ملــا هــاجر إىل املدينــة وصــار لــه ــا أعوان أذن له يف اجلهاد ، مث ملا قووا كتب عليهم القتال ومل يكتـب علـيهم قتـال مـن سـاملهم ؛

كـة وانقطـع قتـال قـريش ووفـدت ألم مل يكونـوا يطيقـون قتـال مجيـع الكفـار ، فلمـا فـتح اهللا م

أو تقييد مطلق ، وحنو ذلك ، ، بتخصيص عام : النسخ مبعناه اخلاص رفع احلكم ، وأما مبعناه العام فرفع الظاهر ١

، واملقصــود هنــا أن واألول مصــطلح للمتــأخرين ، أمــا املتقــدمون فيــذكرون النســخ ويقصــدون بــه يف الغالــب املعــىن الثــاين ا منسوخة بسورة براءة وآيات السيف كما يقول به ذا هذه اآلية ال أحد يأخذ حبكمهااإلطالق ، بل إما أن يقول إ

وأحكـام .ع فيه املسلمون قتـال مجيـع الكفـار، أو يقول إا خمصوصة حبالة الضعف الذي ال يستطي أهل العلممجلة من :القتال جاء على مراحل

د أمروا بالكف أوال ، مث أذن هلم بالقتال ومل يؤمروا ، مث أمروا بقتال من يعتدي عليهم ، مث أمروا بقتال الكفـار إال فقومن مل يعرف الناسخ واملنسوخ من القرآن واألحكـام فإنـه قـد يسـتدل . من اعتزل قتاهلم ، مث أمروا بقتال الكفار مطلقا

) !! .اجلهادمشروعية (باألمر بكف األذى على نفي . ٢/٣١٥: أحكام القرآن ٢ . ٢٣٧/ ١: اجلواب الصحيح ٣

Page 117: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٢٢

إليه وفود العرب باإلسالم أمره اهللا تعاىل بقتال الكفار كلهم إال من كان له عهد مؤقت وأمـره بنبذ العهود املطلقة فكان الذي رفعه ونسخه ترك القتال وأما جماهدة الكفار باللسان فما زال

".مشروعا من أول األمر إىل آخره :١ قال الشوكاين رمحه اهللاو ".وما ورد يف موادعتهم أو تركهم إذا تركوا املقاتلة فذلك منسوخ بإمجاع املسلمني"

ومجيـــع الفقهـــاء مـــن مجيـــع املـــذاهب يـــذكرون أبـــواب اجلهـــاد وحكمـــه وأنـــه فـــرض كفايـــة وهـــو جهـــاد الطلـــب ، وال يـــذكرون مـــن الـــذين حيـــرم قتـــاهلم إال املعاهـــد واملســـتأمن والـــذمي ، ولـــيس

! .للكافرين ) ت الدمعاصما(االعتزال من .وراجع ما ذكر يف آيات وأحاديث اجلهاد يف املبحث الثاين من الفصل السابق

:قد يراد به أمران ) السلم: (إن يقال : الثاني، فـريد عليـه أن النـيب صـلى اهللا عليـه ) السـالم(ما اصـطلح عليـه يف عصـرنا هـذا بــ: أحدهما

سـاملهم كمـا يف كثـري مـن غـزوات النـيب صـلى اهللا عليـه وسلم والصحابة قـد قـاتلوا مـن اعتـزهلم و وسلم كغزوة املصطلق وغزوات جند وغريها ، وكما يف فتوح الصحابة للبلدان ، كبالد خراسان

.، ومصر ، وقربص ، وغريها، واستمر العمل عليه عند التابعني ومن بعدهمذا من مقاصد اجلهـاد ، فـإذا ، فه ٢االستسالم واالنقياد) : السلم(أن يكون معىن : ثانيها

.انقادوا ألحكام املسلمني مل يبق جلهادهم معىن

.٥١٩/ ٤: السيل اجلرار ١ .استسلموا لكم وانقادوا : أي ) : وألقوا إليكم السلم( ١/٤٩٦) فتح القدير(قد فسر الشوكاين يف ٢

Page 118: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٢٣

الشبهة الثامنة أن القرآن كتاب حوار

: قال بعضهمو إذا نظرنــا إىل القــرآن الكــرمي جنــد أنــه كتــاب حــوار مــن الطــراز األول ، وقــد حــاور األنبيــاء (

، لــــذلك فــــنحن نقتــــدي بــــالقرآن )الشــــيطان(أقــــوامهم ، وحــــاور اهللا ســــبحانه أعــــدى أعدائــــه . ١)ونتحاور مع من خالفنا

:واجلواب على هذا من وجهني : قلت

: الوجه األول :جمملة ، قد يراد ا أمران كما سبق ) حوار(أن كلمة

أن حياور الكافر ، أو املبتدع ، أو الفاسق ، أو اتهد املخطيء ، أو غريهم : األمر األولتعد عنه كثـريا أو قلـيال بـالطرق الشـرعية ، وبطريقـة األنبيـاء يف حـوارهم مـع ممن خالف احلق فاب

أقوامهم ، على حسب املخالفة ، واملخالف ، فهذا صحيح ، بل هو ما عليه عمـل املسـلمني إىل هذا اليـوم ، ومـا دخلـت األمـم يف وقـت الصـحابة ومـن بعـدهم ) من أهل السنة واجلماعة(

حلوار ، بـل مـا دخـل الصـحابة أنفسـهم رضـي اهللا عـنهم يف اإلسـالم يف اإلسالم إىل مبثل هذا ا .إال به

تقريـب وجهـات (يف املتفـق عليـه ، و ) التعـاون(و ) التعايش(أن يراد باحلوار : األمر الثاني، والـدعوة ) التطـاحن والصـراع(، و ) نبذ التعصـب الـديين(، و) املعاداة يف اهللا(، وترك ) النظر

ك التشـــنج ، وحتريــف النصـــوص إرضــاء للمتحـــاورين ، وحنــو هـــذا ، فهــذا مـــن إىل االحــرتام وتــر ، وليســـت مـــن شـــريعة الـــرمحن ، بـــل هـــي منهـــا بـــراء ، ومـــا ســـبق يف الفصـــل الشـــيطانشـــريعة

.السابق من أدلة ترد هذا

: وهـــو مـــن كـــالم شـــيخ العصـــرانيني ،) مشـــافهة(هـــداهم اهللا ملـــا نوقشـــوا ) بعـــض املـــوقعني(هـــذا الكـــالم احـــتج بـــه ١

، ص ٨٦: ملعاصــر عــدد منشــورة يف جملــة املســلم ا) احلــوار اإلســالمي املســيحي (القرضــاوي كمــا يف حماضــرة لــه بعنــوان . ٧١٩/ ٢ :دعوة التقريب : ، انظر ١٤٤

Page 119: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٢٤

:هو أبلغ رد عليهم يف ما ذهبوا إليه) القرآن(يف ) حوار(أن ما ذكره من : الوجه الثانييـا قـوم اعبـدوا اهللا مـا لكـم مـن إلـه غـريه إين (نوح عليـه السـالم مـع قومـه ) حوار(فانظر إىل

، مث ) جهــارا وإســرارا(و ) لــيال وــارا(، و دعــاهم إىل هــذا ) أخــاف علــيكم عــذاب يــوم عظــيمال تـذرن آهلـتكم ( ، وقالوا ) إنا لنراك يف ضالل مبني (، وقالوا ) مكروا مكرا كبارا (إن الكفار ، مث قــال نــوح عليــه السـالم بعــد هــذا احلــوار ) ودا وال ســواع وال يغــوث ويعــوق ونسـراوال تـذرن

رب ال تـــذر علـــى األرض مـــن الكـــافرين ديـــارا ، إنـــك إن تـــذرهم يضـــلوا عبـــادك وال يلـــدوا إال ( ).مما خطيئام أغرقوا فأدخلوا نارا) (احلوار(، مث كانت نتيجة هذا ) فاجرا كفارا

، فـرد ) يا قوم اعبـدوا اهللا مـا لكـم مـن إلـه غـريه (السالم مع قومه وانظر إىل حوار هود عليهأجئتنــا لنعبــد اهللا (، ) إنــا لنــراك يف ســفاهة وإنــا لنظنــك مــن الكــاذبني(قومــه علــى هــذا بقــوهلم

قد وقع علـيكم رجـس وغضـب أجتـادلونين (، فأجام بقوله ) وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا ، مث كانــت نتيجــة هــذا احلــوار ) ؤكم مــا نــزل اهللا ــا مــن ســلطان يف أمســاء مسيتموهــا أنــتم وآبــا

) .فأجنيناه والذين آمنوا معه برمحة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا (إذ قـــالوا لقـــومهم إنـــا بـــرءاء مـــنكم وممـــا (وانظـــر إىل حـــوار إبـــراهيم عليـــه الســـالم والـــذين معـــه

يـــنكم العـــداوة والبغضـــاء أبـــدا حـــىت تؤمنـــوا بـــاهللا تعبـــدون مـــن دون اهللا كفرنـــا بكـــم وبـــدا بيننـــا وب ) .وحده

األنبيــاء علــيهم الســالم مــع أقــوامهم ، وكيــف كانــت ) حــوار(ولــوال خشــية اإلطالــة لــذكرت .نتيجة كل حوار

وتركــوا ) بعــض األمــر(ولــو جامــل األنبيــاء علــيهم الســالم أقــوامهم ، أو داهنــوهم ، ورضــوا بـــ !.أقوامهم بعضه ، ما حصل عليهم ما حصل من

ومـا فيـه مـن االدهـان ألعـداء اهللا ومـواالم ) بيـان املثقفـني(فأين هذه احلـوارات النورانيـة مـن !.وحتريف النصوص إرضاء هلم وغري ذلك مما سبق بيانه ؟

Page 120: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٢٥

الشبهة التاسعة االستشهاد بكالم لشيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهللا تعالى

: وقال بعضهم

!) :وهذا ما قاله ابن تيمية ومل أقله أنا(اإلسالم ابن تيمية رمحه اهللا يشهد له قول شيخ (ال تكــــون إال مــــع ظهــــور الــــدين وعلــــوه كاجلهــــاد، –للكــــافرين : أي –ن املخالفــــة هلــــم أ "

، شـرع املخالفـة هلـم املسـلمون يف أول األمـر ضـعفاء مل تفلمـا كـان ، وإلزامهم باجلزية والصغار أو ، لو أن املسلم بدار حرب : ومثل ذلك اليوم .، شرع ذلك فلما كمل الدين وظهر وعال

باملخالفــة هلــم يف اهلــدي الظــاهر ملــا عليــه يف ذلــك مــن مل يكــن مــأمورا ، دار كفــر غــري حــرب ، يف هــديهم الظــاهر أن يشــاركهم أحيانــا ، أو جيــب عليــه ، بــل قــد يســتحب للرجــل ، الضــرر

رهم و واإلطـــالع علـــى بـــاطن أمـــ، م إىل الـــدين مـــن دعـــو: مصـــلحة دينيـــة إذا كـــان يف ذلـــك .قاصـد الصـاحلة وحنـو ذلـك مـن امل، أو دفع ضـررهم عـن املسـلمني ، إلخبار املسلمني بذلك

وجعـــل علـــى الكـــافرين ـــا الصـــغار ، الـــيت أعـــز اهللا فيهـــا دينـــه ، فأمـــا يف دار اإلســـالم واهلجـــرة بـــاختالف الزمـــان ختتلـــف واملخالفـــة املوافقـــة ، وإذا ظهـــر أنففيهـــا شـــرعت املخالفـــة ، واجلزيـــة ".). ظهرت حقيقة األحاديث يف هذاواملكان

: قلت

:واجلواب على هذا من وجوه : الوجه األول

اقتضــاء الصــراط المســتقيم لمخالفــة أصــحاب (أن هــذا النقــل مــأخوذ مــن كتــاب الشــيخ فيــه ، فضــال عــن مبــا ) إبطــال بيــان املثقفــني(الكتــاب فقــط يف ) عنــوان(، ويكفــي ١)الجحــيم

مـــن خمالفـــة الكفـــار ، وحتـــرمي التشـــبه ـــم ، وجـــوب اجتنـــاب ســـبيلهم ، : تقريراتـــه البليغـــة فيـــه

فوضـع مكـان ...") ماقتضاء الصراط املستقي" وحبسبه أن يأيت يف أميز كتبه (العجيب أن من نقل هذا النص قال ١

.!!نقطا ) خمالفة أصحاب اجلحيم(

Page 121: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٢٦

واحلذر مـن موافقـة أهـوائهم ، وحشـد األدلـة مـن الكتـاب والسـنة واإلمجـاع واالعتبـار يف هـذا ، ) !.معاملة الكفار(يف باب ) عمدة(وغري ذلك ، مما جعل هذا الكتاب

: يالوجه الثانأن الغريــب أن تنتـــزع أســـطر يف وســـط الكتـــاب وتعــرض يف الصـــحافة ، ويطبـــل هلـــا املطبلـــون

، ويغفــل عــن الكتــاب كلــه ، وهــو مجيعــه شــوكة يف !) هــذا مــا قالــه شــيخ اإلســالم ومل أقلــه أنــا(، يهــدم مــا يســعون إىل بنائــه ، وســأنقل فيمــا يلــي بعــض مــا جــاء يف هــذا ) التعايشــيني(حلــوق

:يف هذه املسألة ومن خالله يفهم هذا النص املنقول الكتاب العظيم :١قال رمحه اهللا يف مسألة تقرير اإلمجاع على خمالفة الكفار

واألئمـــة مـــا ذكـــره عامـــة علمـــاء اإلســـالم مـــن املتقـــدمني: لوجـــه الثالـــث يف تقريـــر اإلمجـــاع ا "وهـــو ، ة األعـــاجم املتبـــوعني وأصـــحام يف تعليـــل النهـــي عـــن أشـــياء مبخالفـــة الكفـــار أو خمالفـــ

ومــا مــن أحــد لــه أدىن نظــر يف الفقــه إال وقــد بلغــه مــن ذلــك ، أكثــر مــن أن ميكــن استقصــاؤه باتفــاق األئمــة علــى النهــي عــن موافقــة ضــروريا وهــذا بعــد التأمــل والنظــر يــورث علمــا ، طائفــة

. " واألمر مبخالفتهم، الكفار واألعاجم : ٢وقال أيضا

اهلــــدى الظــــاهر مصــــلحة ومنفعــــة لعبــــاد اهللا املــــؤمنني ، ملــــا يف أن نفــــس املخالفــــة هلــــم يف "خمالفتهم من اانبة واملباينة اليت توجب املباعدة عـن أعمـال أهـل اجلحـيم ، وإمنـا يظهـر بعـض املصلحة يف ذلك ملن تنور قلبه حىت رأى مـا اتصـف بـه املغضـوب علـيهم والضـالون مـن مـرض

" .ألبدان القلب الذي ضرره أشد من ضرر أمراض ا :٣وقال أيضا

ولقـد ، وتـرك التشـبه ـم ، ظـاهرا ضي إمجـاع املسـلمني علـى التميـز عـن الكفـاروذلك يقت" ". حتقيق ذلك مبا يتم به املقصودرين وغريمها يبالغون يفمكان أمراء اهلدى مثل الع

:٤وقال أيضا

. ١/٣٥٠: االقتضاء ١ . ١٧٦/ ١: االقتضاء ٢ . ١/٣٢٧: االقتضاء ٣ . ١٧٧/ ١: االقتضاء ٤

Page 122: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٢٧

يهـا منفعـة وصـالح لنـا وال يتصـور أن يكـون شـيء مـن أمـورهم كـامال قـط ، فـإذا املخالفـة ف"يف كل أمورنا ، حىت ما هم عليه من إتقـان أمـور دنيـاهم قـد يكـون مضـرا بآخرتنـا ، أو مبـا هـو

فـالكفر مبنزلـة مـرض القلـب أو : وباجلملـة . أهم منه من أمر دنيانـا ، فاملخالفـة فيـه صـالح لنـاالصـالح أن أشد ، ومىت كان القلب مريضا مل يصح شيء من األعضـاء صـحة مطلقـة ، وإمنـا

ال تشــابه مــريض القلــب يف شــيء مــن أمــوره ، وإن خفــي عليــك مــرض ذلــك العضــو ، لكــن ومن انتبه هلذا قد يعلـم بعـض احلكمـة الـيت . يكفيك أن فساد األصل ال بد أن يؤثر يف الفرع

".أنزهلا اهللا :١وقال أيضا

وــاه عــن ، اعهــا وأمــره باتب، جعــل حممــدا صــلى اهللا عليــه وســلم علــى شــريعة شــرعها لــه " .وقد دخل يف الذين ال يعلمون كل من خالف شريعته ، اتباع أهواء الذين ال يعلمون

الــــذي هــــو مــــن ، ومــــا عليــــه املشــــركون مــــن هــــديهم الظــــاهر ؛ مــــا يهوونــــه هــــو: وأهــــواءهم وهلــذا ، ومــوافقتهم فيــه اتبــاع ملــا يهوونــه ، وتوابــع ذلــك فهــم يهوونــه ، موجبــات ديــنهم الباطــل

ويســـرون بـــه ويـــودون أن لـــو بـــذلوا مـــاال ، الكـــافرون مبوافقـــة املســـلمني يف بعـــض أمـــورهم يفـــرح ولو فرض أن ليس الفعـل مـن اتبـاع أهـوائهم فـال ريـب أن خمـالفتهم يف . عظيما ليحصل ذلك

وأن ، ذلــــك أحســــم ملــــادة متــــابعتهم يف أهــــوائهم وأعــــون علــــى حصــــول مرضــــاة اهللا يف تركهــــا حـام حـول احلمـى أوشـك فـإن مـن، ريعـة إىل مـوافقتهم يف غـريه موافقتهم يف ذلك قد تكون ذ

".أن يواقعه يــا –والنقــول كثــرية جــدا ، ولــو أردت أن اســتطرد لنقلــت الكتــاب كــامال ، فــانظر : قلــت

إىل هــذه التقريــرات مــن ذكــر األدلــة مــن الكتــاب والســنة واإلمجــاع واالعتبــار علــى –رعــاك اهللا وال يتصور أن يكون شـيء مـن " التشبه م ، بل وانظر إىل قوله وجوب خمالفة الكفار وحترمي

أمورهم كامال قط ، فإذا املخالفة فيها منفعة وصالح لنا يف كل أمورنا ، حىت ما هم عليه من إتقان أمور دنياهم قد يكون مضرا بآخرتنا ، أو مبا هو أهم منه من أمر دنيانا ، فاملخالفة فيـه

تهم حـىت يف أمـور دنيـاهم أصـلح لنـا ، فكيـف يـزعم الزاعمـون بـأن فـنفس خمـالف" . صالح لنا !.ما يف بيان التعايش من عظائم ؟ )بعض(هذا الشيخ رمحه اهللا قد يقر

.١/٨٦: االقتضاء ١

Page 123: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٢٨

!! .سبحانك هذا تان عظيم : الوجه الثالث

إذا تقرر لك ما مضى من كـالم شـيخ اإلسـالم يف إجيابـه خمالفـة الكفـار ، وحتـرمي التشـبه ـم :لإلمجاع على ذلك ، تبني لك جبالء معىن هذا النقل ، وهو مبتور من وجهني ، ونقله

أن هذه األسطر منزوعة مـن كتـاب كامـل يف بيـان وجـوب خمالفـة الكفـار ، فهـي : أحدهما ) !.فويل للمصلين(كما لو استشهد أحد بقول اهللا تعاىل

كــن ألحــد أن يفهمــه حقــا أن هــذا النقــل مبتــور عــن ســياقه الــذي هــو فيــه ، وال مي: ثانيهمــاإال بوضــعه يف الســياق الــذي وضــعه شــيخ اإلســالم ابــن تيميــة رمحــه اهللا فيــه ، فإنــه قــرر مســألة

وهــي قــول مــن ) شــبهة(وجــوب خمالفــة الكفــار وحتــرمي التشــبه ــم باألدلــة واإلمجــاع ، مث ذكــر نـا مـا مل يـدل ما ذكرمتوه معارض مبا يدل علـى خالفـه وذلـك أن شـرع مـن قبلنـا شـرع ل: يقول

مث ذكــر أدلــتهم علــى قــوهلم ومنهــا أن النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم كــان ١شــرعنا علــى خالفــه حيب موافقة أهل الكتاب فيما مل يؤمر فيه بشيء ، كسدل الشعر ، واستقبال بيت املقدس ،

:٢ويوم عاشوراء ، فأجاب الشيخ رمحه اهللا ".ع له خمالفة أهل الكتاب وأمره بذلك ، وشر ثم نسخ اهللا ذلكبأن هذا كان متقدما "

مث تكلم على مسألة استقبال بيت املقدس ، واستحباب خمـالفتهم يف صـيام عاشـوراء بصـوم :يوم التاسع معه ، مث قال

ثـم نسـخ إنما كان في صدر الهجرةن التشبه م أن كل ما جاء م: ومما يوضح ذلك"ال ، و وال يف لبـاس ، ال يف شـعور : ن املسـلمني ميزون عتألن اليهود إذ ذاك كانوا ال ي؛ ذلك

الـذي كمـل ظهـوره -مث إنه ثبت بعد ذلك يف الكتاب والسنة واإلمجـاع . ، وال غريها بعالمة رين ومفــارقتهم يف مــا شــرعه اهللا مــن خمالفــة الكــاف -يف زمــن عمــر بــن اخلطــاب رضــي اهللا عنــه

.الشعار واهلدي

.وما بعدها ٤١٢/ ١: االقتضاء ١ .٤١٦/ ١: االقتضاء ٢

Page 124: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٢٩

تكــون إال بعــد ظهــور الــدين وعلــوه كاجلهــاد وإلــزامهم أن املخالفــة هلــم ال : ١ وســبب ذلــك مــا كمــل باجلزيــة والصــغار فلمــا كــان املســلمون يف أول األمــر ضــعفاء مل يشــرع املخالفــة هلــم فل

".مث ذكر باقي النص املنقول...الدين وظهر وعال شرع ذلك :فهو تكلم هنا على أمرين

سلم ألهل الكتاب صدر اهلجرة مث نسـخ تعليل موافقة النيب صلى اهللا عليه و : األمر األول، كما لو عللت سـبب التـدرج يف حتـرمي اخلمـر ، أو ) تقرير(ال ) تعليل(ذلك فيما بعد ، وهذا

التــدرج يف فــرض اجلهــاد ، وحنــو ذلــك ، ألن الشــريعة اكتملــت بعــد ذلــك وال جيــوز ألحــد أن ومعلــوم أن املشــروع لنــا ، ..." فلمــا كمــل الــدين وظهــر وعــال " يأخــذ باملنســوخ ؛ لــذلك قــال

.هو الدين الكامل الذي مات عليه النيب صلى اهللا عليه وسلم التنظـري والتمثيـل علـى املسـلم الـذي يف بـالد الكفـار وخيشـى علـى نفسـه أو : واألمر الثـاني

أو دار كفـر ، لـو أن املسـلم بـدار حـرب : ومثل ذلـك اليـوم (كان وجوده ملصلحة دينية بقوله بـل ، باملخالفة هلم يف اهلدي الظـاهر ملـا عليـه يف ذلـك مـن الضـرر يكن مأمورا مل ، غري حرب

إذا كــان يف ، يف هــديهم الظــاهر أن يشــاركهم أحيانــا ، أو جيــب عليــه ، قــد يســتحب للرجــل ، أو املســلم الــذي ) التقيــة(، وقــد ســبق ذكــر هــذا األمــر يف مســألة ...) مصــلحة دينيــة ذلــك

ن مســلمة رضــي اهللا عنــه ، وحنـو ذلــك ، فهــذه قضــايا جزئيــة جيـس للمســلمني ؛ كفعــل حممــد بـفرعيــة اســتثنائية ، وليســت أحكامــا كليــة ، كاســتثناء املضــطر مــن حتــرمي امليتــة فإنــه ال يقــدح يف

.حترمي امليتة ، فاحلكم الكلي قد توجد له استثناءات ال خترجه من أن يكون كليا :ويبني هذا

: الوجه الرابع :٢محه اهللا بعد هذا النص بأسطر وهو قول الشيخ ر

، ومن املعلوم أن التعليل ليس كالتقرير ، ألن الشيخ ) وسبب ذلك( وقد برت النص عن أوله فلم يذكر قول الشيخ ١

األخــري ، وال يــذكره كحكــم مقــرر ، فــإذا ذكــرت هنــا يلــتمس العلــة يف ســبب مــوافقتهم للكفــار أول األمــر مث نســخه يفإن املخالفة (يخ قال الش: تفيد غري ما يفيده قولك ...) أن املخالفة هلم ال تكون : وسبب ذلك ( كالمه كله مث قوله

!!.، فاألول يفيد تعليل حكم منسوخ ، والثاين يقرر حكما شرعيا ...) هلم ال تكون . ٤٢١/ ١: االقتضاء ٢

Page 125: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٣٠

يستحب لنا موافقة أهل الكتاب املوجودين يف زماننا لكان قـد خـرج عـن : ولو قال رجل " ".دين األمة

:فامجع هذا القول مع قوله يف النص املنقول املبتور احملتج به على بيان املثقفني إذا ، يف هــديهم الظــاهر أن يشــاركهم أحيانــا ، أو جيــب عليــه ، بــل قــد يســتحب للرجــل "

". مصلحة دينية كان يف ذلكيتضح لك األمر ، فانظر إىل تكفريه من قال بأنـه يسـتحب موافقـة أهـل الكتـاب املوجـودين

، جتــد أن ) قــد يســتحب مشــاركة الكفــار يف اهلــدي الظــاهر(يف زماننــا ، مث انظــر إىل ذكــره أنــه م االلتزام به ، والثاين حكـم عـارض يف األول هو احلكم الكلي األصلي الذي جيب على املسل

.بعض األحوال يعرف حكمه أهل العلم :الوجه الخامس

:أن مشاة الكفار يف اهلدي الظاهر على قسمني ما ورد فيه ي خاص ، كالنهي عن لبس املعصـفر الـوارد يف الصـحيح مـن حـديث : األول

.عبد اهللا بن عمرو رضي اهللا عنهما يرد فيه ي خاص ، وإمنـا يـدخل يف األمـر مبخالفـة الكفـار يف هـديهم علـى ما مل : والثاني

. وجه العموم فـــاألول ال جيـــوز فعلـــه إال يف حـــال الضـــرورة ، والثـــاين قـــد جيـــوز للمصـــلحة الدينيـــة الظـــاهرة

.وحنوها ، وعليها حيمل كالم الشيخ رمحه اهللا هنا :الوجه السادس

بـــاقي كـــالم شـــيخ اإلســـالم رمحـــه اهللا ، وال لـــبس فيـــه وال أن الـــنص علـــى أنـــه يتفـــق متامـــا مـــع غمــوض لــو أنــه نقــل كــامال غــري مبتــور ، فإنــه مــع بــرته واإليهــام يف نقلــه ال يــدل علــى مــا أرادوا

:ألمور .فهذا يف دار الكفار) : أو دار كفر غري حرب ، لو أن املسلم بدار حرب (قوله : أولها

.وهذا حال ما يوجب التقية ) من الضرر ملا عليه يف ذلك(قوله : ثانيهاـــه : ثالثهـــا فهـــي مقيـــدة بقيـــود يفـــيت ـــا العلمـــاء يف ) مصـــلحة دينيـــة إذا كـــان يف ذلـــك(قول

.ال كلية عامة ) معينة) (جزئية(حاالت ضيقة جدا معروفة ، فاملسألة

Page 126: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٣١

على الكافرين وجعل، اليت أعز اهللا فيها دينه ، فأما يف دار اإلسالم واهلجرة (قوله : رابعهافأين مـا . فهذا حال املسلمني يف دار اإلسالم ) : ففيها شرعت املخالفة، ا الصغار واجلزية

.١!؟) البيان(حيتج به على مثل هذا

إن كل أحد يؤخذ من قوله ويرتك إال الرسول صلى اهللا عليه وسلم ، فلو خالف : على أن القاعدة الشرعية تقول ١

ل الرجـال حيـتج هلـا وال حيـتج ـا ، وإمنـا أطلـت يف هـذا املبحـث ألبـني هلـم أن شـيخ أحد الدليل الشرعي لرد قوله ، فـأقواوإمنا عرف رمحه اهللا تعاىل بقوتـه يف هـذا البـاب : ، كيف اإلسالم رمحه اهللا تعاىل من أبعد الناس عن تقرير مثل كالمهم

.!؟

Page 127: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٣٢

الشبهة العاشرة

حسن القصد

إن النية إذا صلحت ، والقصد إذا حسن ؛ ضاق اخلالف ، وما قصد أصحاب هـذا (قالوا صرة اإلسـالم واملسـلمني ، وكـف شـر الكـافرين ، فينبغـي النظـر يف مقصـدهم البيان إال اخلري ون

.(

: قلت :واجلواب من وجهني

: الوجه األول :أن الكالم يف هذا البيان على قسمني

.واامهم يف مقاصدهم ) بإطالق(الكالم على نية أصحابه : األول .الكالم على ما يف البيان من أباطيل ظاهرة : والثاني

فهذا االعرتاض قد يتوجه على القسم األول ، فإذا تكلم أحد عن مقاصد املوقعني وامهم يف دينهم وحنو ذلك توجه عليه مثل هذا ، فقد يكون من املوقعني من هو جمتهد مأجور ، أو

.خمطيء معذور ، أو آمث مأزور ، وهذا فيما بينهم وبني اهللا سبحانه بيـان مـن أباطيـل فـال دخـل للنيـة فيـه أصـال ، وإمنـا هـو رد علـى أما الكالم على ما يف هـذا ال

:باطل ظهر بغض النظر عن قصد قائله وهذا هو : الوجه الثاني

وهو أن املعصية ال تنقلب طاعة باملقصد احلسن ، والباطل ال ينقلب حقـا بالنيـة الصـاحلة ، اص ، أمـا مبجـرد النيـة فـال ؛ بل يبقـى الباطـل بـاطال ، واملعصـية معصـية ، إال بـدليل شـرعي خـ

كمـا هـو معلـوم ، فمـن أبـدى بـاطال رد ) الظـاهر(فإن احلكم يف الشريعة اإلسالمية مبين علـى عليـه باطلــه كائنـا مــن كــان بغـض النظــر عــن مقصـده ، ومــن جــاء حبـق قبــل منــه كائنـا مــن كــان

.بغض النظر عن مقصده

Page 128: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٣٣

شرعية واضحة جيب الرد عليها وبياا للنـاس فإن ما يف البيان من خمالفات : فإذا تقرر هذا والتحذير منها ، والكالم فيها إمنا هو كالم على الظاهر املنشور بني الناس ، ال كالم على مـا

!.غاب من مقاصد أصحابه يؤخـــذون كـــانوا إن أناســـا : (وقـــد ثبـــت يف صـــحيح البخـــاري عـــن عمـــر رضـــي اهللا عنـــه قـــال

وإمنا نأخذكم اآلن ، وإن الوحي قد انقطع ، عليه وسلم صلى اهللا بالوحي يف عهد رسول اهللااهللا ، أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء فمن أظهر لنا خريا ، مبا ظهر لنا من أعمالكم

).إن سريرته حسنة: مل نأمنه ومل نصدقه وإن قال ومن أظهر لنا سوءا ، حياسبه يف سريرته :١وقال الشافعي رمحه اهللا

ومن حكم على الناس باإلزكان جعل لنفسه ما ، واهللا ويل املغيب ، ألحكام على الظاهر ا"ألن اهللا عــــز وجــــل إمنــــا يــــويل الثــــواب ؛ حظـــر اهللا تعــــاىل عليــــه ورســــوله صــــلى اهللا عليــــه وســـلم

وكلـف العبـاد أن يأخـذوا مـن العبـاد ، ألنه ال يعلمه إال هو جـل ثنـاؤه ؛ والعقاب على املغيب لــو كــان ألحــد أن يأخــذ ببــاطن عليــه داللــة كــان ذلــك لرســول اهللا صــلى اهللا عليــه و ، بالظــاهر

". وما وصفت من هذا يدخل يف مجيع العلم ،وسلم

. ١٢٠/ ٤: األم ١

Page 129: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٣٤

الشبهة الحادية عشرة المحافظة على وحدة الصف

ضرورة ، والرد يف مثل هذه املسألة يشق الصفوف ) وحدة الصف(إن احملافظة على : (قالوا

، ويوغر الصـدور ، وال يسـلم املـتكلم فيـه مـن اهلـوى ، وهـذه املسـألة أيضـا قـد ، ويوقع اإلحن يكون اخلطأ فيها ال يستحق هذا التضـخيم ، وقـد تكـون مسـألة اجتهاديـة ، وال ينبغـي تغلـيط

. ١)الكبار من الصغار ، وال ينبغي أن يتكلم يف املسائل الكبار إال الكبار

: قلت :واجلواب على هذا من وجوه

: الوجه األول .هل ما يف البيان حق أو باطل ؟: أن يقال لصاحب هذا الكالم

فـــالكالم معـــك لـــه مقـــام آخـــر ؛ إذ ال بـــد مـــن شـــرح اعتقـــاد : حـــق ، قلنـــا لـــه : فـــإن قـــال .املوحدين وأصوهلم يف الوالء والرباء وشعائر الدين

صــدر البيـــان ال يتوجــه علــى مــن أ) وحــدة الصـــف(فكالمــك يف : باطــل ، قلنــا : وإن قــال :على من رد الباطل من ثالثة وجوه

بعــد كــالم علــى أمهيــة الــرد علــى املخــالف واحلــذر مــن ٧٨ص : )الــردود(قــال الشــيخ بكــر أبــو زيــد حفظــه اهللا يف ١

دعـــوة إىل وحـــدة تصـــدع كلمـــة (أم أـــا " : ! عنـــد الـــرد علـــى املخـــالفني ) شـــق الصـــفوف(املخـــذلني الـــذين حيـــذرون مـــن ارج ، ال ال تصدعوا الصف من الداخل ، ال تثريوا الغبار من اخل: فاحذروا ، وما حجتهم إال املقوالت الباطلة ) التوحيد

وأضـعف اإلميـان . حتركوا اخلالف بني املسلمني ، نلتقي فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنـا فيـه ، وهكـذا هــل ســكت املبطلــون لنســكت ، أم أــم يهــامجون االعتقــاد علــى مــرأى ومســمع ويطلــب الســكوت ؟ : أن يقــال هلــؤالء

حجــة يهـود ، فهــم خمتلفـون علـى الكتــاب ، خمـالفون للكتــاب ، ومـع هــذا ونعيـذ بــاهللا كـل مســلم مـن تسـرب . اللهـم ال ، وكان من أسـباب ) تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى(حدة واالجتماع ، وقد كذم اهللا تعاىل فقال سبحانه يظهرون الو

.انتهى ) " كانوا ال يتناهون عن منكر فعلوه(لعنتهم ما ذكره اهللا بقوله

Page 130: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٣٥

يتفـق فيـه أهـل احلـق علـى حماربـة أن يف وقت كـاد هو الذي ظهر أوال ، ) البيان(أن : أولهـاتصـدع (فهـو سـبب ، فخـرج هـذا البيـان وشـق الصـف وأشـغلهم عـن مواجهـة الباطـل ، الدمج

.الذي تدعيه) الصفوف . ل كما تقول باط) البيان(أن ما يف : اوثانيه، وتــرجم ) مليــون توقيــع(مجعــت لــه عشــرات التواقيــع ، وكــانوا يريــدون ) البيــان(أن : اوثالثهــ

إىل اللغة اإلجنليزية ، ونشر يف الشبكة على نطاق واسـع ، وعقـدت لـه النـدوات واللقـاءات يف تؤصـل لـه القنوات الفضائية ، وكتبت فيه املقاالت اليت تدافع عنه ، ووضعت لـه املالحـق الـيت

.، وال يزال إىل وقتنا هذا : فيا هللا العجب

بيـان ملـيء بالباطـل ، يصـدر أوال ، وجتمـع لـه التواقيـع ، و ينشـر علـى العـاملني ، وبعـدد مـن اللغات ، وتتناقله وسـائل اإلعـالم املرئيـة واملسـموعة واملقـروءة ، وحتشـد لـه الطاقـات ، ال يقـال

!).إنه أثر يف صف (فيه ردود ال تتجـــاوز أصـــابع اليـــد الواحـــدة ، ومل تصـــدر ابتـــداء ، وإمنـــا صـــدرت انتصـــارا وبضـــعة

للحق ، وردا على الباطـل ، ومل تنتشـر إال يف الشـبكة ، ومل تـذكرها وسـيلة إعـالم مطلقـا ، ومـا فيهــا مســتند إىل الكتــاب والســنة وأقــوال أهــل العلــم ، ومــع هــذا تكــون هــذه الــردود هــي الــيت

)!.شقت الصف( !.اهللا إا لقسمة ضيزىت

: الوجه الثاني :يفضي إىل الزندقة ، وبيان ذلك ) باب الردود(أن طرد هذا الكالم يف

أن من قال يف مثل هذا املوضع دع الباطل حىت ال يفرتق الناس ببيان احلق ، يلزمه أن يـرتك سائل أحكـام النسـاء من مسائل مواالة الكفار واحتواء العلمانيني وم(أيضا أباطيل العصرانيني

هلذه العلـة ، مث يـرتك بعـد ذلـك الـرد علـى الـروافض واألشـاعرة والقبوريـة لـئال ) واملالهي وغريها

Page 131: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٣٦

يتصدع صف املسـلمني ، مث يـرتك بعـد ذلـك الـرد علـى اليهـود والنصـارى لـئال تتصـدع صـفوف !!.١)اإلحلاد واإلباحية(من أجل مواجهة ) الديانات السماوية(

.الردود يف املسائل االجتهادية أقصد: فإن قال فاملســألة هــذه ليســت اجتهاديــة ، بــل مســألة اجتمــع املســلمون عليهــا ، ودلــت عليهــا : قلنــا

٢.الدالئل العظيمة من الكتاب والسنة وهدي الصحابة والسلف : الوجه الثالث

) األكابر(أن بعض املوقعني على هذا البيان قد قاموا قبل أكثر من عشر سنوات بالرد على ، وذلــك عنــدما أفــىت كبــار العلمــاء يف اجلزيــرة جبــواز االســتعانة بقــوات أعــداء اهللا األمريكــان ، فخالفهم هؤالء ، وألفوا يف ذلـك مـذكرات يف الـرد علـيهم ، ونشـروا هـذه الـردود يف احملاضـرات

يف حلقة من الشريعة ) يف الروافض(، فهو واقع فعال ، فقد قال شيخ العصرانيني القرضاوي ال تستغرب هذا املثال ١

أنـا شخصـيا ممـن ينـادون بالتقريـب بـني أبنـاء األمـة : " م ١٩٩٩/ ٩/ ١٢: واحلياة بعنوان االختالف الفقهي بتـاريخ املســـلمني مهمــا كــان بيننـــا وبــني الشــيعة مـــن اإلســالمية وأنــه ال يســتفيد مـــن إيقــاظ اخلــالف بيـــنهم إال أعــداء اإلســالم و

: يف حلقـة بعنـوان اإلسـالم وشـبكة اإلنرتنـت بتـاريخ ) اإلباضـية والـروافض (، وقـال عـن " خالفات فهم من أبنـاء األمـة ليس مهمتنا أن نثري القضـايا املختلـف فيهـا بـل حنـاول مجـع النـاس علـى القضـايا املتفـق عليهـا، : "م ١٩٩٨/ ٦/ ٢٨

رحبنـــا بـــاحلوار اإلســـالمي املســـيحي، فكيـــف نـــدعو ألن حيـــارب املســـلمون بعضـــهم بعضـــا؟ حنـــن عنـــدنا القاعـــدة إذا كنـــاالذهبية اليت طاملا دعوت إليها، وهي قاعدة الشيخ رشيد رضا واليت تبناهـا الشـيخ حسـن البنـا وهـي قاعـدة تقـول نتعـاون

هـذا األسـاس أنـا سـافرت إىل إيـران والتقيـت أعضـاء جممـع وعلـى . فيم اتفقنا عليـه ويعـذر بعضـنا بعضـا فيمـا اختلفنـا فيـهالتقريب بني املذاهب اإلسالمية، ألنين أرى أن حىت السنة والشيعة رغم اخلالف بيننـا وبيـنهم هنـاك قـدر ميكـن أن نتفـق

د األقصى، عليه ونتعاون فيه، حنن مجيعا نقف ضد الصهيونية العاملية، نقف ضد إسرائيل واعتداءاا، حنامي عن املسجنقف ضد اإلحلـاد واإلباحيـة يف العـامل، نقـف ضـد الظلـم وضـد االسـتعباد واالسـتكبار فهنـاك ألـف قضـية وقضـية نتعـاون

ألنـه سـيكون متـزق يف اجلانـب اإلسـالمي وتكتـل يف اجلانـب املعـادي ...فيها، فيجب أن يضع كـل منـا يـده يف يـد أخيـه ." سلحوا هلذا أبداوهذا خطر على األمة وال جيوز للمسلمني أن يت

أولويـات (يف ، فقـال هـذا الرجـل) انات السـماويةالـدي(، بـل تعـداها إىل ) الفـرق اإلسـالمية(ومل يقف هذا األمر عند الوقـوف يف وجــه تيــار اإلحلـاد واملاديــة ، الــذي : " عـن أهــداف احلــوار اإلسـالمي املســيحي ١٧٥ص ) احلركـة اإلســالمية

. ٨٢٤/ ٢) دعوة التقريب. ( ..."، ويسخر من اإلميان بالغيب ةيعادي كل الرساالت السماويهــذه هــي دعوتنــا اليــوم ، أن نقــيم جبهــة : " ٥ص ) احلــوار بــني األديــان التحــديات واآلفــاق(ويقــول الــرتايب كمــا يف

جتـاوز وحنن اليوم مواجهون بتحدي الـدفاع عـن أصـل التـدين يف األرض ، وهـذا التحـدي يـدفعنا حنـو) ...أهل الكتاب( . ٧٣٣/ ٢) دعوة التقريب". (الشكوك والتوجسات ، لنتعاون على الرب املشرتك بني األديان

. ل البدع يوافقون أهل السنة يف مسائل الوالء والرباء كما سبق بيانه بل وحىت أه ٢

Page 132: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٣٧

واألشـــرطة وغريهـــا ، وحصـــل تصـــدع يف الصـــفوف ذلـــك الوقـــت ال يـــزال أثـــره إىل اليـــوم ، ومـــع . ذلك جعلها أتباعهم من مناقبهم وحمامدهم

.مل شققتم الصفوف ؟: فهال قالوا آنذاك .؟) وحدة الصف(وهال نشروا مقاالت يف

، فالعــــدو البعثــــي يف ) االحتــــاد(يف ذلـــك الوقــــت أحــــوج مــــا يكـــون إىل ) الصــــف(وقـــد كــــان نصف مليون مـن جنـود الشمال ، وقد حالفته بعض الدول الشمالية واجلنوبية ، باإلضافة إىل

.الكفار بني أظهرنا ، هذا غري املنافقني والعلمانيني واملخذلني واملرجفني كمــا يــذكر فقهيــة خالفيــة، وتركــوا املســألة تلــك مــع أــا مســألة ) وحــدة الصــف(فهــال راعــوا !!.؟)االستعانة باملشركني(وهي مسألة –وهم معروفون بالعلم والدين والورع –من أفىت ا

!. وهال تركوا املسائل الكبار للكبار ؟ .١!وملاذا يغلط الصغار الكبار ؟

!.وجودا وعدما ؟) الباطل(تدور مع ) الرد (فهل علة !.وجودا وعدما ؟) بعض األمساء(أم أا تدور مع

، وإن ) شـقا للصـفوف(كان الـرد علـى كالمهـم وإن كـان بـاطال ) أمساء معينة(فإذا وجدت ٢!.أمساؤهم فاألمر واسع مل توجد

:الوجه الرابع واعتصـموا بحبـل (االجتماع والوحدة االعتصام حببـل اهللا كمـا قـال تعـاىل أعظم أسباب أن

، ومــن ذلـك الـرد علـى الباطــل ، ألنـه جيعـل الصــف حمميـا مـن تســرب ) اهللا جميعـا وال تفرقـوا

عنـد األكـابر ، بـل قـد أحد الذين أبلوا بالء حسنا يف أزمة اخللـيج تكلـم يف حماضـرة لـه عـن أن احلـق لـيس حمصـورا ١يكون عند الصغار ما ليس عند الكبار ، واستشهد يف كالمه بابن عباس وابن عمر رضي اهللا عنهم ، وكيف علموا وهم

!!.من صغار الصحابة ما جهله البدريون

ر يف وحنــن حــني نــدعو إىل إعــادة النظــ: " ٤٩ص ) اإلســالم واحلضــارة الغربيــة(يقــول حممــد حممــد حســني رمحــه اهللا ٢تقومي الرجال ، ال نريد أن ننقص من قدر أحد ، ولكننا ال نريد أن تقوم يف جمتمعنا أصنام جديدة معبـودة ألنـاس يـزعم الزاعمــون أــم معصــومون مــن كــل خطــأ ، وأن أعمــاهلم كلهــا حســنات ال تقبــل القــدح والنقــد ، حــىت إن املخــدوع ــم

ا وصف أحد إماما من أئمتهم باخلطأ يف رأي من آرائه ، يف الوقت الـذي واملتعصب هلم واملروج آلرائهم ليهيج وميوج إذال يهيجون فيه وال ميوجون حني يوصف أصحاب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم مبا ال يقبلون أن يوصف به زعماؤهم

".املعصومون

Page 133: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٣٨

مــاء اإلســالم رد الباطــل بــاحلق األباطيــل إليــه ، وهــذا ســبب االجتمــاع ، ومل جيعــل أحــد مــن علمن أسباب الفرقة أبدا قبل هذا الوقت ، بل ترك الباطل هو الذي يؤدي إىل فساد دين الناس ودنيـــاهم ومـــن مث تفـــرقهم ، هلـــذا كـــان أعظـــم املســـلمني اجتماعـــا أهـــل الســـنة واجلماعـــة لـــردهم

الســنة مــنهم كــان أقــل الباطـل واعتصــامهم بالســنة ، وأمــا أهــل األهــواء فكــل مـن كــان قريبــا إىلتفرقــا وحتزبــا مــن غــريهم ، وإمنــا تعــددت الفــرق وحتزبــت اجلماعــات بســبب نشــر األباطيــل بــني

.الناس دون ردها : الخامسالوجه

أن جعل رد الباطـل بـاحلق مفرقـا للصـفوف مـن مسـائل اجلاهليـة ، فـإن مـن تعيـري كفـار مكـة ، فلو حصل تفريق بـني "، وشتت أمرنا ق مجاعتنافر " للرسول صلى اهللا عليه وسلم قوهلم عنه

املمـــدوح ال ) التمييـــز(و ) التمحـــيص(الصـــفوف عنـــد بيـــان احلـــق و رد الباطـــل فهـــو مـــن بـــاب .املذموم

: الوجه السادسيف املســـائل واألحكـــام ، أو يف الرجـــال ، مصـــطلح غـــري ) الصـــغار(و ) الكبـــار(أن مصـــطلح

بــل هــذا الــذي يطالــب ــذا األمــر ملــاذا تكلــم يف هــذه منضــبط ، وال ميكــن ألحــد أن يطــرده ، . املسألة ومل يرتكها للكبار ؟

.؟) صغرية(؟ أو املسألة ) كبري(هل هو إن كان كبريا فلكل أحد أن يزعم هذا األمر لنفسه ، وإن كانـت املسـألة صـغرية ، فـاخلالف

!.فيها يسري يف النسـائي مـن حـديث قتيلـة ، كمـا والرسول صـلى اهللا عليـه وسـلم قبـل احلـق مـن اليهـودي

إنكـم : فقـال صـلى اهللا عليـه وسـلمأن يهوديا جاء إىل النيب ( : بنت صيفى رضي اهللا عنها، فـــأمرهم النـــيب صـــلى اهللا عليـــه مـــا شـــاء اهللا وشـــئت ، وتقولـــون والكعبـــة: تقولـــون ؛ تشـــركون

.)ما شاء اهللا مث شئت: ولوا وأن يق، ورب الكعبة : وسلم إذا أرادوا أن حيلفوا أن يقولوا :فانظر إىل هذا احلديث

، واملســألة مــن ) أنــاس مــن الصــحابة رضــي اهللا عــنهم(، واملــردود عليــه ) يهــودي كــافر(فــالراد .يف أصول الدين ) الكبار(

Page 134: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٣٩

، ومــع ذلــك قبــل النــيب ) الصــحابة(، ولــن جتــد أكــرب مــن ) اليهــودي(مــن ) أصــغر(فلــن جتــد ، وال ألن ) صـــغري(، وال ألن املـــردود عليـــه ) كبـــري(منـــه ، ال ألنـــه صـــلى اهللا عليـــه وســـلم هـــذا

) .احلق(، بل ألن كالمه وافق ) صغرية(املسألة ) !.الصغار(و ) الكبار(، ال ) الباطل(و ) احلق(فاألمر املنضبط هو

فإذا كان املتكلم جاء حبق قبل منه ولو كان صغريا ، وإن جاء بباطل رد عليه ولو كان كبريا .١، واحلق ما وافق الكتاب والسنة ، والباطل ما خالفهما

أن الـذين انتقـدوا صاغر ، والصحيح وهذا كله على التسليم بأن املوقعني على البيان من األكابر واملنتقدين من األ ١

ليسوا أقل من املوقعني علما وفضال ، بل منهم من هو أكرب مـن عامـة مـن فيـه –من غري كاتب هذه السطور –البيان . !

Page 135: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٤٠

الشبهة الثانية عشرة

)إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل(قوله تعالى عن هارون وحـــدة (حتـــت عنـــوان –وهـــي مـــن أعجـــب الشـــبهات الـــيت وقفـــت عليهـــا – بعضـــهمقـــال و

:١)الصف ضرورة :واحلاجة إليه ومثة أمور ا تتضح أمهية وحدة الصف "

:أن هذا مما بعث به األنبياء : األمر الثاين : مث قال كــان األنبيــاء صــلوات اهللا وســالمه علــيهم دعــاة لوحــدة الصــف ومجــع الكلمــة ، قــال اإلمــام

وقــد ". بعــث اهللا األنبيــاء كلهــم بإقامــة الــدين واأللفــة واجلماعــة وتــرك الفرقــة واملخالفــة"البغــوي قـال يـا هـارون مـا منعـك إذا (: يف الرأي ، فاختلف موسى وهـارون اختلف األنبياء من قبل

رأيتهم ضلوا ، أال تتـبعن أفعصـيت أمـري ، قـال يـا بنـؤم ال تأخـذ بلحيتـي وال برأسـي إنـي ، ولـو وقـع مثـل هـذا األمـر يف ) خشيت أن تقول فرقت بين بني إسـرائيل ولـم ترقـب قـولي

كـار الشـرك األكـرب ، وأن املسـألة خلـل يف عصرنا فقد جتد من يتهم هارون بأنه سكت عـن إنإخل ، وبغـض النظـر عـن األصـوب مـن االجتهـادين فـاخلالف ...االعتقاد ، واحنراف يف املنهج

" .حصل ، وعذر كل منهما اآلخر

:والجواب أن يقال :إن هذا الكالم ساقط ، ويظهر سقوطه من وجوه

: الوجه األول

الردود اجلائرة (من ) شق الصف(؛ حبيث يكون ) بيان املثقفني(وقد فصلت مقاالت يف وحدة الصف على مقاس ١

.!وال هم حيزنون) صفا (مظلوما قد افرتي عليه مل يشق ) البيان املسكني(رج منها ، وخي) الظاملة

Page 136: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٤١

و ) حتقيق التوحيـد(أهم من ) الوحدة الوطنية(فاظ على أن هذه شبهة العصرانيني يف أن احلممـــن ال يـــتهم علـــيهم أثنـــاء كـــالم لـــه عـــن ١، وإليـــك كـــالم أحـــد اخلـــرباء ـــم) إنكـــار الشـــرك(

: ٢الصحفي الذي صار مفكرا إسالميا فهمي هويدي ، حيث قالب أن ولكنــه مــا زال يتشــبث بفتــوى أخــرى ملخصــها أنــه إذا كانــت الوحــدة الوطنيــة تتطلــ"

!! يكفــر املســلمون بــاهللا وخيرجــوا مــن ديــن اإلســالم فليكفــروا وليخرجــوا محايــة للوحــدة الوطنيــةالــيت استشــهدت ــا –قصــة النــيب موســى عليــه الســالم وأخيــه هــارون : " ودليلــه بــنص كالمــه

النــيب موســى ٣)ج..كتبــت مــرر حبــروف ســوداء ومعناهــا فــوت (وفيهــا مــرر –أكثــر مــن مــرة حفاظــا –مؤقتــا –) ج..الشــرك أيضــا كتبــت ســوداء (ين إســرائيل إىل الشــرك انــزالق بعــض بــ

فيه أشـياء حسـنة وغـرية علـى ، والكتاب ١٣٨ص ) أال يف الفتنة سقطوا(القائل هو حممد جالل كشك يف كتابه ١

تعامـل مـع الكفـار وأحكـام أهـل كبرية وختبيطات كثـرية مـن جهـة العليه مؤاخذات اإلسالم ورد على االزاميني ، إال أن .ليس هذا موضعها الذمة وغري ذلك و

بعد أن ذكر منتحلي صفة الكتاب اإلسالميني ممـن عرفـوا بعـدائهم لإلسـالميني ) فهمي هويدي(يقول كشك عن ٢س الذي وسأتناول هنا واحدا منهم يعد من املتخصصني يف هذا اللون من الد" : -وما بني معقوفتني مين للتوضيح -

فهــو ككاتــب للســلطة يتمتــع : ولنضــرب علــى ذلــك مــثال ! يــتم حتــت الشــعار املطلــوب مجاهرييــا ويــؤدي إىل العكــس بتســهيالت خاصـــة يف النشـــر يف كـــربى الصــحف احلكوميـــة املصـــرية ، وكـــان وال يـــزال مــن أقـــرب املقـــربني ألســـتاذه حممـــد

عــرش الناصــرية ، وعالقتهمــا مســتمرة إىل اليــوم ، فهمــا حســنني هيكــل ، وأقــرم لرضــاه يف عهــد تربــع فيــه هيكــل علــى، وهيكـل ) أسـتاذه(يسافران معا للتفتيش على الثورة اإليرانية ، ويتبادالن اامالت واإلشادة واالقتباسات ، هو يـدعوه

قــة بــني هيكــل ، ويرتافقــان يف املهــام الصــحفية ، وال يســتطيع أشــد فقهــاء الســلطان لوانيــة أن جيــد عال) زميلــي(يــدعوه واحلركة اإلسالمية إال النفور والعداء والتاريخ املرير ، أما الصداقة احلميمة بني كاتب إسـالمي وهيكـل الناصـري العلمـاين

عمل يف الكويت حتت -فرتة -فهو ما يستحيل تفسريه بكل حسن النية املتوافرة عند البلهاء ، مث ملا عاش يف اخلارج ، الذي مكنه من مواصلة اجلهاد ] وهو علماين معروف[أمحد اء الدين (!) اإلسالمي املتطرف رعاية السلفي األصويل

، ومـا زال يكتـب يف الصـحف السـعودية ، ] الشـرق األوسـط[، ويف لندن عمـل يف صـحيفة سـعودية ! يف سبيل الدعوة أال يف الفتنـــة ]" (ويال عــن هويــديمث تكلــم طــ...[وهــو ناصــري حــىت النخــاع ، وإىل اليــوم يشــهد لعبــد الناصــر بالثوريــة

هـل يريــد : إـا سـألت هــذا اهلويـدي ) ص(روت يل الكاتبــة اإلسـالمية : " ١٧٦، وقـال أيضـا ص ١٢٩ص ) سـقطواال ، تبقـى يف املصـحف ، لكـن ال تتلـى يف : إلغاء اآليات الـيت تتعـرض لعقائـد املسـيحيني واليهـود يف القـرآن ؟فـرد قـائال

!".ن واالجتماعات العامة اإلذاعة والتلفزيو .قه باإلشارة إىل أول حرف من امسهما بني القوسني تعليقات من جالل كشك على كالم هويدي ، وخيتم تعلي ٣

Page 137: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٤٢

يف ] والكـالم ال يــزال لكشــك[وقـد مجــع هـذا اخلبــث . ١"علـى هــدف أمسـى هــو وحـدة القــوم وهــو مــا : " كتــاب وأضــاف إليــه ، فبعــد أن حكــى واقعــة بــين إســرائيل والعجــل افــرتى اآليت

، سـكت القوم ، وسدا لباب الفـراق والشـقاق سكت عنه هارون مؤقتا ، من أجل وحدةأمــال إيــه الشــرك نفســه ..عبــادة العجــل مظهــر (هــارون علــى هــذا املظهــر مــن مظــاهر الشــرك

وهي حجة قدرها النيب موسى وأقرها ، إذ مل يشـر الـنص القـرآين إىل أنـه رد : " ويتابع ) ج؟..بـــين إحبـــاط الـــدعوة إلـــى لمـــا خيـــراحلجــة أو اعـــرتض عليهـــا ، أي أن هـــارون عليــه الســـالم وبين السكوت المؤقت على بـادرة الشرك باهللا واحتمال تفتيت المجتمع وشق وحدته ،

، ومل يعـرتض ، فإنـه اختـار الموقـف الثـاني الشرك فـي سـبيل دوام الوحـدة والتئـام الصـفا قـراءة النيب موسى ، وجاء النص القرآين حممال ذه اإلشارة ذات الداللة املهمة ، وإذا أحسـن

الـــنص ، وتـــدبرنا معنـــاه ، فقـــد نضـــيف بعـــدا آخـــر شـــرعيا ، يســـتزيد اإلســـالميون بـــه يف تقـــدير األمهيــة البالغــة لوحــدة القــوم والــوطن واألمــة ، خصوصــا إن املالبســات الراهنــة أخــف كثــريا مــن

.انتهى ٢"تلك اليت أحملت إليها النصوص القرآنية يف قصة موسى وهارون : الوجه الثاني

تــرك (أن مــا استشــهد بــه مــن قصــة هــارون وموســى مــن أبلــغ مــا ميكــن أن يــرد بــه علــى دعــاة :، ويظهر هذا من وجوه ) !وحدة الصف(من أجل ) الباطل

إن هارون عيه السالم أنكر علـيهم يف نفـس اآليـات الـيت سـاقها حيـث قـال تعـاىل : أحدهاه وإن ربكــم الــرحمن فــاتبعوني ولقــد قـال لهــم هــارون مـن قبــل يــا قـوم إنمــا فتنــتم بـ(قبلهـا

) .وأطيعوا أمريإن هارون عليه السالم بالغ يف اإلنكار حـىت كـادوا أن يقتلـوه كمـا قـال تعـاىل عنـه : والثاني

) .إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني(أن موســى عليــه الســالم ملــا رأى هــذا املنكــر رجــع غضــبان أســفا ، مث تكلــم علــى : والثالــث –، وأخــذ بــرأس أخيــه وحليتــه ) الــيت كتــب اهللا لــه فيهــا مــن كــل شــيء(لقــى األلــواح قومــه ، و أ

ص ) أال يف الفتنــة ســقطوا. (م ٩/٥/١٩٨٩) : بيــان مــن أجــل الوحــدة الوطنيــة(: هلويــدي بعنــوان مقــال : األهــرام ١

١٧٣. . ١٧٣ص ) أال يف الفتنة سقطوا. (تأليف هويدي ) تكون فتنة حىت ال(كتاب : ٢٧١، ٢٧٠ص ٢

Page 138: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٤٣

، وقـــام جيـــره إليـــه ، وكـــان هـــذا أمـــام املـــأل مـــن بـــين –نـــيب ، وشـــقيق ، وأكـــرب منـــه ســـنا : وهـــو ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسـفا قـال بئسـما خلفتمـوني (إسرائيل ، كما قال تعـاىل

م وألقـى األلـواح وأخـذ بـرأس أخيـه يجـره إليـه قـال ابـن أم إن من بعدي أعجلتم أمـر ربكــــي األعـــالقـــوم استضـــعفوني ـــال تشـــمت ب ـــونني ف ـــع القـــوم وكـــادوا يقتل ـــي م داء وال تجعلن

).الظالمينأن موسى عليه السالم قام بإحراق العجل ونسفه ، والدعاء على السـامري الـذي : والرابع

ن لك في الحياة أن تقول ال مساس وإن لك قال فاذهب فإ(أضل قومه ، كما قال تعاىل موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفـا لنحرقنـه ثـم لننسـفنه فـي الـيم

).نسفايا قوم إنكـم ظلمـتم أنفسـكم باتخـاذكم ( أن موسى عليه السالم قال لقومه : والخامس

) . العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكمقــــوة الغضــــب هللا ، واالنتصــــار للتوحيــــد ، والغــــرية لــــه ، : ن يــــأيت حبجــــة يف فلــــو أراد أحــــد أ

واستكمال مراتب اإلنكار ، فلعله ال جيد أبلغ من هذه اآليات اليت أرادوا أن حيتجوا ـا علـى !!.عكس ما تدل عليه

: الوجه الثالثكت عــن ولــو وقــع مثــل هــذا األمــر يف عصــرنا فقــد جتــد مــن يــتهم هــارون بأنــه ســ(أن قولــه

) :إخل...إنكار الشرك األكرب ، وأن املسألة خلل يف االعتقاد ، واحنراف يف املنهج ، ومعاذ اهللا أن يسكت هارون عليه السالم عـن إنكـار ! جهل مبقام األنبياء عليهم السالم

. هذا الشرك !. سبحان اهللا

وم إنمـا فتنـتم بــه ولقـد قــال لهـم هـارون مــن قبـل يـا قــ(كيـف وقبلـه بآيـة يقـول تعــاىل عنـه إن القـوم (، وقـال تعـاىل عنـه يف اآليـة األخـرى ) وإن ربكم الرحمن فـاتبعوني وأطيعـوا أمـري

. ؟ )وكادوا يقتلوننياستضعفوني . أهذا حال من سكت عن إنكار هذا الشرك؟

.سبحانك هذا تان عظيم

Page 139: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٤٤

:١)اآليات...ن قبل ولقد قال لهم هارون م(قال ابن كثري رمحه اهللا تعاىل يف قوله تعاىل ، وإخبـاره إيــاهم العجـل هـارون عليــه السـالم هلـم عـن عبــادةخيـرب تعـاىل عمـا كــان مـن ـي "

ذو العــرش ، تقــديرا الــذي خلــق كــل شــيء فقــدره) وإن ربكــم الــرحمن(، لكــم إمنــا هــذا فتنــةا أــاكم واتركــوا مــ، فيمــا آمــركم بــه : أي )فــاتبعوني وأطيعــوا أمــري(، فعــال ملــا يريــد ، ايــد ال نــرتك عبادتــه حــىت : أي )قــالوا لــن نبــرح عليــه عــاكفين حتــى يرجــع إلينــا موســى(، عنــه

" .ك ، وحاربوه ، وكادوا أن يقتلوهوخالفوا هارون يف ذل، نسمع كالم موسى فيه : الوجه الرابع

ليس كما ) إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي(أن قوله تعاىل م هــذا الكاتــب وأمثالــه مــن أن املــراد أن هــارون عليــه الســالم تــرك اإلنكــار علــيهم وســكت تــوه، وبقـراءة اآليـات قبـل هـذه اآليـة يعلـم ) وحـدة الصـف(حرصـا منـه علـى ) الشـرك األكـرب(عن

فرقـــت بـــين بنـــي (هـــذا جيـــدا ، و لـــو رجـــع إىل كـــالم أهـــل التفســـري لعلـــم املقصـــود مـــن قولـــه ملفسرون على إنكار هارون عليهم واعتزاله لعبادم العجل وأم كادوا ، فقد أمجع ا) إسرائيل

فرقـت بـين (أن يقتلوه بسبب هذا ، وهذا ما دل عليه القرآن ، وكلهـم جممعـون علـى أن قولـه نــه إ: هــذه الزيــادة ، فمــنهم مــن قــال أمــر زائــد علــى اإلنكــار وإن اختلفــوا يف) بنــي إســرائيل

أن يـــرتكهم ويلحـــق موســـى مبـــن معـــه مـــن : ، ومـــنهم مـــن قـــال يقـــاتلهم مبـــن معـــه مـــن املـــؤمننيأنــه خشــي علــى -ومــن اتبعــه -) فهمــي هويــدي(املــؤمنني ، وحنــو هــذا ، ومل يقــل أحــد قبــل

!!. ٢فآثر السكوت على ذلك) عبادة العجل(عند إنكار ) وحدة الصف(

. ١٦٤/ ٣: تفسري ابن كثري ١: -ومـا بـني معقـوفتني مـين - ١٣٩ص ) أال يف الفتنـة سـقطوا(هـذه ) هويـدي(يقول كشك يف كالمه على دعوة ٢

سري ، ويبدو أنه هـو وحـده الـذي أحسـن والغريب أن أحدا من شيوخنا مل يرد على هذا اإلفك والتزوير يف الوقائع والتف"رسـول اهللا ملـا أنـزل عليـه هـذا الـنص مل حيسـن ] ــه يلـزم علـى كالمـه هـذا أن [بأنــ: قراءة النص ، ونستغفر اهللا قبل القـول

استيعابه مثلما فعل هذا ، ألن الرسول آثر رفض الشرك على وحدة قومه وعشريته ، فشاققهم وفرق بينهم ، بل وقاتلهم عاما حىت احتدوا على وحدانية اهللا ، وال أبو بكر استوعب الـنص ؛ ألنـه خـاض حربـا أهليـه مـن أجـل ٢٣ل منهم ، وقت

هـل ميكـن القـول : ١٤١إىل أن قال ص !!...االلتزام بنص اهللا يف الزكاة ، حىت رزئنا باهلويدي فأحسن استيعاب النصحمـال عقـال ونقـال ، فاهلـدف األمسـى للـدين ! د من ؟ نيب بأن وحدة القوم هدف أمسى من التوحيد ورفض الشرك ، وعن

!".توحيد اهللا : واألنبياء ، بل اهلدف األمسى لإلنسان والوجود كله

Page 140: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٤٥

:قال ابن جرير رمحه اهللاه ابــن عبــاس مــن أن موســى عــذل أخــاه وأوىل القــولني يف ذلــك بالصــواب القــول الــذي قالــ"

إين خشــيت أن : فقــال لــه هــارون ، هــارون علــى تركــه اتبــاع أمــره مبــن اتبعــه مــن أهــل اإلميــان يف قـول هـارون وذلـك بـني ، تقول فرقت بني مجاعتهم فرتكت بعضهم وراءك وجئت ببعضـهم

ويف جواب القوم له ) يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري(للقوم ) ".لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى(هلم وقو

):فرقت بين بني إسرائيل(وقال ابن اجلوزي رمحه اهللا يف قوله بقتــايل لبعضــهم : باتبــاعي إيــاك ومــن معــي مــن املــؤمنني ، والثــاين : أحــدمها : وفيــه قــوالن "

" .ببعض :وقال ابن كثري رمحه اهللا

مل تـــركتهم وحـــدهم وفرقـــت : أن أتبعـــك فـــأخربك ـــذا ، فتقـــول يل ) خشـــيتإنـــي (قـــال " ".بينهم ؟

: الوجه الخامسباطـل ، أ فيختلـف ) وبغض النظر عن األصـوب مـن االجتهـادين فـاخلالف حصـل(أن قوله

النبيـــان عليهمـــا الســـالم يف إنكـــار الشـــرك حـــىت جتعـــل هـــذه مســـألة اختلفـــا فيهـــا ؟ وهـــل حتتـــاج وهــــل يريــــد بــــذلك أن جيعــــل مســــألة إنكــــار الشــــرك األكــــرب مســــألة . ؟) جيحتــــر (املســــألة إىل

. ؟ ) خالفية(إن هـذا القــول جهـل بالتوحيــد ، وبــدعوة األنبيـاء ، وبــالقرآن ، فكــال النبيـني عليهمــا الســالم

كما يـزعم ) وحدة الصف(أنكرا الشرك كما نص على ذلك القرآن ومل يسكتا عنه خوفا على ، ومل حيصـل بينهمـا خـالف يف حقيقـة األمـر ، وإمنـا ظـن ) اجتهاديـة(ألة هؤالء ، وليست املسـ

عـن اإلنكـار ) سـكت(موسى عليه السالم ملا رأى عبادة العجل أن أخيه هارون عليـه السـالم ) إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني(كما يظن هؤالء ، فلما قال له هارون عليه السـالم

.ه وعذره ودعا له ، فأين اخلالف وكلهم متفقون؟وأخربه عن يه هلم قبل ذلك من

كاتــب هــذا الكــالم اجلميــل يف الــرد علــى دعــاة وحــدة الصــف مبثــل هــذه ) جــالل كشــك(يبقــى أن تعــرف أن : قلــت

!!. ٢٣ذلك يف كتابه هذا ص يف شبابه كما نص على ) شيوعيا (كان ) التخبيطات(

Page 141: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٤٦

:١قال ابن كثري رمحه اهللا قــال يف ، كمــا أن يكــون قــد قصــر يف ــيهم خوفــا ) وأخــذ بــرأس أخيــه يجــره إليــه(وقولــه "

قال يا هارون ما منعك إذا رأيتهم ضلوا ، أال تتبعن أفعصيت أمـري ، قـال (اآلية األخرى ال برأسي إني خشـيت أن تقـول فرقـت بـين بنـي إسـرائيل ولـم يا ابن أم ال تأخذ بلحيتي و

ابـن أم إن القـوم استضـعفوني وكـادوا يقتلـونني فـال تشـمت (وقال هـا هنـا ، ) ترقب قولي ، معهم وال ختلطين مساقهم ،قين ال تس: أي )بي األعداء وال تجعلني مع القوم الظالمين

فلما حتقق موسـى ، ال فهو شقيقه ألبيه وأمه وإ، وأجنع عنده أرأفليكون )ابن أم(وإمنا قال ولقد قال لهم هـارون مـن قبـل (عليه السالم براءة ساحة هارون عليه السالم كما قال تعـاىل

فعنـد ذلـك قـال موسـى ،) يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الـرحمن فـاتبعوني وأطيعـوا أمـري ) ".رب اغفر لي وألخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين(

!!.فليس هنا خالف أصال حىت يذكر فيها قولني ، فصارا متفقني أوال وآخرا : الوجه السادس

: ختليط ) فاخلالف حصل ، وعذر كل منهما اآلخر(أن قوله .عذر يريد ؟ خالف ، وأي فأي

:فقصة موسى وهارون عليهما السالم كما يف اآليات هلا جانبان وســى الشــديد علــى هــارون وجــره بلحيتــه وبرأســه ؛ ألنــه ظــن أنــه إنكــار م: الجانــب األول

.خالفه وسكت عن إنكار مثل هذا الشرك دعــاء موســى ألخيــه وعــذره لــه ملــا أخــربه أنــه مل خيالفــه وأنــه أنكــر علــيهم : والجانــب الثــاني .حىت كادوا يقتلونه

.فأين اخلالف والعذر الذي يريده ؟عليه السالم إنه خالف موسى عليـه السـالم وسـكت إن كان اخلالف كما يزعم عن هارون

عن إنكـار الشـرك األكـرب مـن أجـل وحـدة الصـف فـإن موسـى عليـه السـالم ملـا ظـن أن هـارون عليه السالم فعل هذا مل يعذره ، بـل فعـل معـه مـا رواه القـرآن لنـا ، أ فرييـد إنكـارا عليـه أعظـم

. ٢/٢٤٩: تفسري ابن كثري ١

Page 142: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٤٧

وحليتــه بالشــمال وجــره إليــه أمــام املــأل حــىت مــن إلقــاء األلــواح املباركــة و األخــذ برأســه بــاليمني !.خشي هارون من مشاتة األعداء ؟

فهو يف احلقيقة دليل عليه ال له ؛ فإن موسى عليـه السـالم مل يعـذر هـارون عليـه السـالم إال !.ملا تبني له أنه مل خيالفه وأنه أنكر ومل يسكت

: الوجه السابعالسالم وحاشاه من ذلك ، وأن املسألة اختلفا فيها لو سلمنا ما يقوله من فعل هارون عليه

عليــه الســالم وخليفــة لــه وتــابع ، ) موســى(، فــإن هــارون عليــه الســالم وزيــر لصــاحب الرســالة .يف فعل موسى عليه السالم -لو اختلفا -فاحلجة

: الوجه الثامنشــــرك ، ومل إذا تبــــني لــــك أن موســــى وهــــارون عليهمــــا الســــالم متفقــــان متامــــا علــــى إنكــــار ال

يسكت هارون عن إنكـاره لـه خوفـا علـى وحـدة الصـف كمـا يـزعم هـؤالء ، فيقلـب عليـه قولـه ولو وقع مثل هـذا األمـر يف عصـرنا فقـد جتـد مـن يـتهم هـارون بأنـه سـكت عـن إنكـار الشـرك (

.) إخل...األكرب ، وأن املسألة خلل يف االعتقاد ، واحنراف يف املنهج :فيقال

: ا األمر يف عصرنا و لو وقع مثل هذ )ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ( -١ )قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم ( - ٢ )وألقى األلواح ( - ٣ )وأخذ برأس أخيه يجره إليه ( - ٤ )وكادوا يقتلونني قال ابن أم إن القوم استضعفوني ( - ٥ ) داء وال تجعلني مع القوم الظالمينفال تشمت بي األع( - ٦

متعجـل ، متشـنج ، ضـخم : بأنـه من فعل مثل فعل موسى عليـه السـالمد من يتهم فقد جتوال آداب اخلـــالف ، وفـــرق الصـــف ، وألـــزم مبـــا ال يلـــزم ، وليســـت لديـــه أخالقيـــات احلـــوار ،

عبـادة (و املواقـف ) هارون عليه السالم وبين إسـرائيل(ومل يفصل بني األشخاص االختالف ،

Page 143: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٤٨

، ) مــن موســى عليــه الســالمســنا فهــارون عليــه الســالم نــيب أكــرب(ر ، ومل يــوقر األكــاب) العجــل . وغري هذا

وحاشـا هـارون صـلوات اهللا وسـالمه عليـه وهـو مـن أويل العـزم مـن هـذا كلـه ، وحاشا موسىمـن بـاب قلـب الـدليل علـى الكـالم وإمنا هذا عليه السالم مما ذكر من السكوت عن الشرك ،

.املستدل

Page 144: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٤٩

شرةالشبهة الثالثة ع أنه من باب المصلحة

:وهي أكرب شبهة هلم ، ومـنهم مـن قـال ) محاية األقليات: (، ومنهم من قال ) مصلحة الدعوة: (فمنهم من قال

، ومـنهم مـن ) حتسني صورة اإلسالم(، ومنهم من قال ) كسب هؤالء الكفار أو حتييدهم: (مصــلحته : (، ومــنهم مــن قــال ) دفــع شــر الكفــار: (، ومــنهم مــن قــال ) درء املفاســد: (قــال

، وغــري ) ســحب البســاط مــن العلمــانيني: (، ومــنهم مــن قــال ) عميقــة ال يفهمهــا الســطحيون ) !.مصلحة معينة(اليت يعارض ا الوحي ، وال تكاد جتد اثنني يتفقان على ) املصاحل(هذه

.فريد ا النصوص ) مصلحة) (كيسه(كل خيرج من : وهكذا عريضـــة ، وليســـت خمتصـــة ـــذا البيـــان فقـــط ، بـــل إـــا أصـــبحت يف شـــبهة هـــذهاعلـــم أن و

عصــرنا هــذا ســالحا لكــل مفلــس ، مــن مغــرض ، أو جاهــل ، أو عصــراين ، أو علمــاين ، أو بعـد أن تـذكر لـه النصـوص -سياسي ، أو غريهم ، يبـارز ـا النصـوص الشـرعية ، فـال حيتـاج

) !!.املصلحة: (ة فقط إال أن يقول كلمة واحد -الصرحية يف إبطال مذهبه وألن هــذه الشــبهة هــي أكــرب شــبهة يف هــذا البيــان ، والنتشــارها يف هــذا الزمــان يف معارضــة

الــذي ردت بــه النصــوص ، فقــد جعلتــه يف ) الطــاغوت(الكتــاب والســنة ، وألمهيــة كســر هــذا . مل يكتمل بعد ) املصلحة(فصل آخر ، وقد خلصته من كتاب مستقل يف

Page 145: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٥٠

الفصل السادس ) :المصلحة(كسر طاغوت حجة المفلسين

:أنواع املصاحل: المبحث األول :أول من قدم املصاحل على النصوص : المبحث الثاني

:على النصوص ) املصاحل(إبطال تقدمي : الثالثالمبحث :تنبيهات يف مسألة املصلحة : الرابعالمبحث

Page 146: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٥١

تمهيد

:١ه لطواغيت أهل األهواء يف زمانه قال ابن القيم رمحه اهللا تعاىل عند كسر األربـــع الـــيت هـــدم ـــا أصـــحاب التأويـــل يف ذكـــر الطواغيـــت: الفصـــل الرابـــع والعشـــرون "

:، وحموا ا رسوم اإلميان وهي وانتهكوا ا حرمة القرآن ، الباطل معاقل الدين .منها يقنيوال حيصل إن كالم اهللا وكالم رسوله أدلة لفظية ال تفيد علما : قوهلم -١ .الصفات وأحاديث الصفات جمازات ال حقيقة هلاإن آيات : وقوهلم -٢إن أخبـــار رســـول اهللا الصـــحيحة الـــيت رواهـــا العـــدول وتلقتهـــا األمـــة بـــالقبول ال : وقـــوهلم -٣

.فيد العلم وغايتها أن تفيد الظنت .يإذا تعارض العقل ونصوص الوحي أخذنا بالعقل ومل نلتفت إىل الوح:وقوهلم -٤

:األربع فهذه الطواغيتوهــدمت ، وأزالــت معاملــه ، وهــي الــيت حمــت رســومه ، هــي الــيت فعلــت باإلســالم مــا فعلــت

وجــت طريــق الطعــن فيهــا لكــل زنــديق ، وأســقطت حرمــة النصــوص مــن القلــوب ، قواعــده رســوله إال جلــأ إىل طــاغوت مــن احملــتج حبجــة مــن كتــاب اهللا أو ســنة فــال حيــتج عليــه، وملحــد

.واعتصم به واختذه جنة يصد به عن سبيل اهللا ه الطواغيت هذعلــى ألســنة طاغوتــا طاغوتــا منــه وفضــله قــد كســر هــذه الطواغيــتواهللا تعــاىل حبولــه وقوتــه و

، فلم يزل أنصار اهللا ورسوله يصيحون بأهلها من أقطار األرض ، وورثة أنبيائه ، خلفاء رسله مث شـرع : طاغوتـا وحنن نفرد الكالم عليها طاغوتـا ، ول وأدلة املعق، ويرمجوم بشهب الوحي

".يف كسرها رمحه اهللا تعاىل وجزاه عن اإلسالم وأهله خري اجلزاء : قلت

رمحــك اهللا يــا أبــا عبــد اهللا ، فلقــد أحــدثت طواغيــت مــن بعــدك ، ومــن هــذه الطواغيــت الــيت حرمـــة النصـــوص مـــن وأســـقطت، وهـــدمت قواعـــده ، وأزالـــت معاملـــه ، حمـــت رســـوم اإلســـالم(

ال (والــذي ) : املصــلحة(طــاغوت ) وجــت طريــق الطعــن فيهــا لكــل زنــديق وملحــد، القلــوب

. ٦٣٢/ ٢: الصواعق املرسلة ١

Page 147: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٥٢

) املصــلحة(رســوله إال جلــأ إىل هــذا الطــاغوت حبجــة مــن كتــاب اهللا أو ســنةحيــتج علــى املبطــل !).واختذه جنة يصد به عن سبيل اهللا، واعتصم به

ه بني مستقل ومستكثر ؛ كباقي الطواغيت اليت ذكرها وهذا أمر ملسناه وحتققناه ، والناس فيابن القيم رمحه اهللا ؛ فإن الناس الذين يتسلحون ا ليسوا على حد سواء ، بل هم بني الغايل

.واملقتصد وهــذه مســألة عظيمــة ، جليلــة ، ال يعــرف خطرهــا إال مــن عــرف فروعهــا ، ومــا حلــق األمــة

النصـــوص برأيـــه يف هـــذا الزمـــان إال ويـــرد عليـــك إذا منهـــا ، فإنـــك ال تكـــاد جتـــد أحـــدا عـــارض، و األمــر يف كســر هــذا الطــاغوت قــد مجعــت فيــه حبمــد اهللا ) هــذه املصــلحة(بينــت لــه بقولــه

مل يكتمل بعد، ذكرت يف كسره األدلة النقلية والعقلية وكالم أهل العلم ، مع ذكر مـا ) كتابا (هذا الفصل خمتصرا ملا مجعته ملناسـبة الـرد ترتب على ذلك من مفاسد بالتفصيل ، وسأذكر يف

).شبهة االستدالل باملصلحة(على

Page 148: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٥٣

المبحث األول المصالح الكالم على أنواع

مــــن املعلــــوم لــــدى كــــل مســــلم أن الشــــريعة اإلســــالمية ال تــــأمر إال مبــــا مصــــلحته خالصــــة أو

قـد قامـت عليـه راجحة ، وال تنهى إال عما مفسدته خالصة أو راجحة ، وهذا أمر معروف ،الــدالئل ، فــال حيتــاج إىل اســتطراد ، ولكــن هــذا األمــر ال يعــين أن كــل مصــلحة يــدركها العقــل فال بد أن تكون مشروعة ؛ فإن العقل ال يستقل مبعرفة املصاحل لقصور العقـل البشـري ونقصـه ، بل قـد يتـوهم ويـرى مصـلحة مـا حقيقتـه مفسـدة ، أو مـا يرتتـب عليـه مفسـدة ، لـذا كـان ال

.بد له من دليل يهديه إىل ذلك ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه وقــد عمــل الصــحابة والتــابعون ومــن بعــدهم مــن األئمــة ــذا األمــر ، فكــانوا يقــرون املصــاحل الشرعية ويفتون ا ، إال أم كانوا يف استدالالم علـى النـوازل ال يسـتدلون مبجـرد املصـاحل ،

. تثبت وجود هذه املصلحة ، و تثبت اعتبارها بل باألدلة اليت :مث إن األصوليني قسموا املصاحل إىل ثالثة أنواع

وهي ما قامت األدلـة الشـرعية املعينـة علـى رعايتهـا ، وشـهد : مصاحل معتربة : النوع األول .الشرع لألوصاف اليت بنيت عليها بالقبول

الــيت دلــت األدلــة الشــرعية املعينــة علــى إلغائهــا وهــي املصــاحل : مصــاحل ملغــاة : النــوع الثــاني .وعدم اعتبارها ، بأن وضع الشارع أحكاما تدل على عدم االعتداد ا

وهي ما مل يشهد هلا دليل خاص باعتبار وال بإلغاء وكانت : مصاحل مرسلة : النوع الثالث .١مالئمة لتصرفات الشرع

/ ٣) اإلــاج(واعلـم أن هـذه األقسـام فيهــا خـالف بـني األصـوليني ، قــد صـرح ابـن السـبكي بــذلك حيـث قـال يف ١املظهـر الوحيـد يف خالفهـم يف هـذه اهــ ولـيس هـذا هـو".وعبارات املصنفني يف التعبري عن هذه األقسام مضـطربة: " ٦٩

:املسألة ، بل اختلفوا يف أمور كثرية فيها ، ومن هذه املظاهر أــم اختلفــوا يف مواضــع التقســيم مــن أبــواب األصــول لســبب نــذكره فيمــا بعــد إن شــاء اهللا ، فمــن : المظهــر األول

الستصالح ، ومنهم من ذكره يف باب القياس األصوليني من ذكر هذا التقسيم حتت باب القياس ومل يذكره حتت باب اوأحـال عليـه يف بــاب االستصـالح ، ومــنهم مـن ذكــره يف بـاب القيــاس ومل يـذكر لالستصــالح بابـا مســتقال ، ومـنهم مــن قســم املصــاحل يف بــاب االستصــالح ، مث ذكــر أقســام املصــاحل مــرة أخــرى يف بــاب القيــاس ولكــن مل يــذكر فيهــا املصــاحل

Page 149: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٥٤

المظهــر . رهم ذكــروا أقســام املصــاحل يف بــاب القيــاس مث ذكروهــا مــرة أخــرى جمملــة يف بــاب االستصــالح املرســلة ، وأكثــ

إىل ثـالث مراتـب ، ويقسـمون ذلـك ) املصـاحل املعتـربة(أم اختلفوا يف نفس التقسـيمات ، فكثـري مـنهم قسـموا : الثانيوهـو الـذي يكـون ) : املؤثر(هو الوصف املسمى بـو : على حسب الوصف الذي بين عليه احلكم ، فجعلوا املرتبة األوىل

احلكم فيه قد جاء على وفقه مـع ثبـوت الـنص واإلمجـاع علـى عليتـه لـه ، مبعـىن أنـه قـد قـام الـدليل مـن الـنص أو اإلمجـاع ) .مؤثر(على اعتبار عني الوصف علة لعني احلكم ، ومثاله ترتيب حكم التحرمي على وصف اإلسكار ، فهذا الوصف

وهــو الوصــف الــذي مل يتعــرض الشــارع لعليتــه بــنص أو إمجــاع ، ولكــن ) : املالئــم(الوصــف املســمى بـــ: تبــة الثانيــة واملر ما اعترب فيه عني الوصف علة جلنس احلكم ، أو جنس الوصف : ثبت حكم شرعي بنص أو إمجاع على وفقه ، أو هو

.وله أمثلة يطول ذكرها . مجاع يف الثالثة علة لعني احلكم ، أو جنس الوصف علة جلنس احلكم ، بالنص أو اإلوهو أن يعترب عني الوصف علة يف عني احلكم على وفق الوصف فقـط ) : الغريب(الوصف املسمى بـ: واملرتبة الثالثة

وميثــل لــه مبثــال اختلــف . ، وال يعتــرب فيــه عــني الوصــف يف جــنس احلكــم وال عينــه وال جنســه يف جنســه بــنص أو إمجــاع وهو توريث املطلقة ثالثا يف مرض املوت معاملة بنقيض قصد الزوج ، وهذا النوع وهو املعاملة بنقـيض : يه األصوليون ف

.القصد الفاسد مل يعهد اعتباره يف غري هذا املوضع إذا دل الدليل اخلـاص علـى اعتبـار الوصـف علـة للحكـم فهـو املـؤثر واملالئـم علـى التقسـيم السـابق : ومنهم من يقول

واملالئــم ، وإذا دل الـدليل علــى إلغائهــا فهـو الغريــب ، وإذا مل يــدل دليـل علــى اعتبارهــا أو إلغائهـا فهــو املرســل ، للمـؤثر وهـي املصـلحة الـيت مل يعلـم اعتبارهـا أو : الغريـب املرسـل : وجيعلـه قسـمني ) املرسـل(ومنهم مـن يـدخل الغريـب يف قسـم

وهي املصلحة اليت مل يعلم اعتبارها أو إلغاؤها بنص معني ولكن علم : إلغاؤها بأي وجه من الوجوه ، واملصلحة املرسلة ) مصلحة مرسلة(اعتبارها يف اجلملة، ومنهم من قسم املصاحل إىل معتربة وغري معتربة ، وجعلوا القسم الثاين ثالثة أقسام

.، ومنهم من قال غري هذا ) الغريب املرسل(، و ) مصلحة ملغاة(، و أــم اختلفــوا يف نســبة األقــوال واملــذاهب ، فمــنهم مــن نســب القــول باملصــاحل املرســلة إىل مالــك ، : المظهــر الثالــث

ومنهم من نفاه عنه ، ومنهم من فصل فيه ، ومن املالكية من أثبت قول مالك باملصاحل وادعـى اإلمجـاع عليـه مـن مجيـع ! منسوبة إليه وإىل الشافعية بعضها ينقض بعضا املذاهب ، وهكذا احلال يف الشافعي أيضا فقد وقفت على أربعة أقوال

. أـــم اختلفـــوا يف التمثيـــل ، فقـــد زعـــم بعضـــهم أن مالكـــا جييـــز قطـــع اللســـان يف اهلـــذر اســـتنادا إىل : المظهـــر الرابـــع

االستصالح ، ونفاه علماء مذهبه ، وكذلك نسبوا إليه أنه جييز قتل الثلث الستصالح الثلثني ، ونفاه آخـرون ، مـع أن !.هذه األمثلة أمثلة ملصاحل مهدرة ال مرسلة

املصـاحل املرسـلة ، املعـىن : أم اختلفوا يف تسمية هذه املصاحل ، ومن األمساء اليت وقفـت عليهـا : المظهر الخامس الح ، املرسل ، املصلحة املستندة إىل كلي الشرع ، املناسب املرسل ، املالئم املرسل ، املرسل ، غريب املرسل ، االستصـ

االستدالل املرسل ، االستدالل ، االستدالل باألقيسـة املرسـلة ، االستصـواب ، االستصـحاب ، القيـاس املرسـل ، قيـاس .املعىن ، الرأي املرسل

ومــا يرتتــب علــى ذلــك مــن تصــور هلــا ، ومل أجــد يف مباحــث ) حقيقــة هــذه املصــاحل(هــذا باإلضــافة إىل اخــتالفهم يف تالفهم يف هذا الباب ، وليس املقصود يف االختالف اختالفهم يف احلكم أو احلد فهذا كثري كتب األصول اختالفا كاخ

! .، بل اختالفهم يف التصور والتقسيم ونسبة األقوال والتمثيل عليها

Page 150: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٥٥

:اال ، أحب أن أنبه إىل ما يلي وبعد أن ذكرت تقسيم األصوليني للمصاحل إمجأن كثـــريا مـــن التقســـيمات قـــد يفرتضـــها العقـــل وال يكـــون هلـــا وجـــود إال يف الـــذهن ، : أوال

خـالق ، وخملـوق : وليس هلا وجود يف الواقع ، فقد يقسم العقل األشياء مثال إىل ثالثة أقسـام حـالل ، وحـرام ، ومـا لـيس : ام ، وما ليس خبالق وال خملوق ، وتقسم األحكام إىل ثالثة أقس

حبالل وال حرام ، وحنو هذا ، فهـذه قسـمة عقليـة وتقـديرات ذهنيـة ، إال أن القسـم الثالـث ال .وجود له يف الواقع

قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا يف الرد على األشاعرة يف زعمهم بوجود من ال داخـل العـامل وال ن لـه وال حمايـث بـأن هـذه قسـمة عقليـة معروفـة خارجه وال متصل به وال منفصـل عنـه وال مبـاي

١: ، ومــــا لـــيس مببـــاين وال حمايــــث ، وحمايـــث ، ن العقـــل يقســـم املعلــــوم إىل مبـــاين إ: فقولـــه "

، ومــا لــيس بواجــب وال ممكــن ، وممكــن ، املعلــوم إىل واجــب التقســيم: فيقــال لــه . ونظــائره وما لـيس ، وقائم بغريه ، ائم بنفسه ىل ق، وإوما ليس بقدمي وال حمدث ، وحمدث ، ىل قدمي وإ

تقديرات الذهن ، ومعلوم أن مثل ذلك ال يدل علـى وأمثال ذلك من ، بقائم بنفسه وال غريه مـــن األقســـام والتقـــديرات يف األذهـــان ، فلـــيس كـــل مـــا فرضـــه الـــذهنمكـــان ذلـــك يف اخلـــارج إ

، واجـب وممتنـع وممكـن يقسم ما خيطر له إىل ، بل الذهن يف األعيان أو موجودا يكون ممكنا املمتنعـات ومعلـوم أن يف ذلـك مـن ، فالذهن يقدر كل ما خيطر بالبـال ، ىل موجود ومعدوم وإ

".الذهن ما ال جيوز وجوده خارج :فإذا تقرر هذا ، فاعلم أن قسمة املصاحل ذه الصورة قد يراد ا أمران

، حبيــث مــا اعتــربه الشــارع بــدليل أن يــراد ــا ترتيبهــا حبســب القــوة والضــعف: األمــر األول، ومــا مل يعتــربه ) اعتبــار الوصــف(خــاص فهــو مــن املصــاحل املعتــربة علــى اخــتالف املراتــب يف

بــدليل خــاص بــل شــهدت لــه العمومــات فهــو مصــاحل مرســلة ، ومــا ألغــاه الشــارع فهــو مصــاحل ال شــك أن ملغــاة ، فهــذا أمــره واســع ، واخلــالف فيــه قريــب ، وال مشــاحة يف االصــطالح ، و

.اعتبار الشارع للمصاحل خيتلف قوة وضعفا ، كما أن املصاحل نفسها ختتلف ظهورا وخفاء

. ٢٩٦/ ٥: الفتاوى ١

Page 151: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٥٦

وهــي أن مــن املصــاحل مــا اعتــربه الشــرع ) القســمة العقليــة اــردة (أن يــراد بــه : األمــر الثــانيإلطـالق ، ، ـذا ا) مرسـل(، وما مل يعتربه ومل يلغه فهو ) ملغى(، وما ألغاه فهو ) معترب(فهو يف احلقيقـة ال وجـود لـه إال يف الـذهن ، وال وجـود لـه يف الواقـع ، فـال ميكـن أن ) الثالـث(فهذا

توجـــد مصـــلحة يف الوجـــود مل يعتربهـــا الشـــرع أو مل يلغهـــا ، وال ميكـــن أن ميثـــل هلـــذه املصـــلحة مبثــال صـــحيح كمـــا ســـيأيت إن شـــاء اهللا ، وال يوجـــد أحــد مـــن كبـــار األصـــوليني جعـــل املصـــاحل املرسلة ذا اإلطالق ، بل ال بد أن جيعلهـا إمـا قـد شـهدت هلـا عمومـات الشـرع ، أو مالئمـة

.١)االعتبار(لتصرفات الشرع ، وحنو ذلك مما يدخلها يف مزامحـة ) املصـاحل املرسـلة(أو ) االستصالح(أن كبار األصوليني مل يقصد ذا األصل : ثانيا

:ية استنباط األحكام والتماسه منهماالكتاب والسنة ، بل أراد به بيان كيف :٢) وقد ذكر االستصالح يف األصول املوهومة (قال الغزايل رمحه اهللا

قـد ملـتم يف أكثـر هـذه املسـائل إىل القـول باملصـاحل ، مث أوردمت هـذا األصـل يف : فإن قيـل " تـــاب مجلـــة األصـــول املوهومـــة ، فليلحـــق باألصـــول الصـــحيحة ليصـــري أصـــال خامســـا بعـــد الك

. والسنة واإلمجاع والعقل هــذا مــن األصــول املوهومــة ؛ إذ مــن ظــن أنــه أصــل خــامس فقــد أخطــأ ، ألننــا رددنــا : قلنــا

املصلحة إىل حفظ مقاصد الشرع ، ومقاصد الشـرع تعـرف بالكتـاب والسـنة واإلمجـاع ، فكـل ملصــاحل مصـلحة ال ترجــع إىل حفـظ مقصــود فهـم مــن الكتـاب والســنة واإلمجـاع ، وكانــت مـن ا

الغريبة اليت ال تالئم تصرفات الشرع فهي باطلة مطرحة ، ومن صار إليها فقد شرع ، كمـا أن ".من استحسن فقد شرع

ــــا يف حكمهــــا وحــــدها : واعلــــم أن ســــبب اضــــطراب األصــــوليني يف املصــــاحل املرســــلة : ثالث :إىل أمرين –بعد البحث والتتبع –وتقسيمها ونسبة املذاهب فيها إىل أصحاا يعود

: االختالف يف تصور هذه املصاحل : أولهما

ويف نســـبتها إىل املصـــاحل املرســـلة ، ) تصـــور(فـــاعلم أن أحـــد أســـباب اضـــطراب األصـــوليني يف : تبـــني لـــك هـــذا إذا ١

.أصحاا ، هو هذان األمران ،كما سيأيت إن شاء اهللا لبناء احلكم علـى املصـاحل ) االستصالح(، وللفائدة فقد ذكر أنه أول من اخرتع مسمى ١٤٣/ ١: فى صاملست ٢

.نوان املرسلة ، وقد أشار إىل هذا املصطلح شيخه اجلويين يف الربهان ولكنه مل يعقد له فصال ذا الع

Page 152: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٥٧

بإطالق عن أي اعتبار أو إلغاء أنكرها ، ورد على من قـال ) مرسلة(فمن تصورها على أا ا ، وهذا التصور يف حقيقته ال يوجد إال يف الذهن كما سبق ، وال وجـود ملثـل هـذه املصـاحل

اة فشــنع علــى مــن قاهلــا ــا بــذكر أمثلــة عليهــا ال يف الواقــع ، ومــنهم مــن تصــورها مصــاحل ملغــ .تصح

، ولكنهـا مالئمـة ) الـدليل اخلـاص(عن االعتبار أو اإللغـاء بــ) مرسلة(ومن تصورها على أا لتصــرفات الشــارع ، وتشــهد هلــا عمومــات األدلــة ، قــال ــا ، ونســب العمــل ــا إىل األئمــة ،

.ملصاحل فعال ، وقد عمل الصحابة ا وبعضهم ادعى اإلمجاع عليها لوجود مثل هذه االكتــاب ، والســنة ، : أن األصــول املعتــربة الــيت يرجــع إليهــا يف اســتنباط األحكــام : ثانيهمــا

، فكــــــان االســــــتدالل مبثــــــل هــــــذه األصــــــول علــــــى األحكــــــام ظــــــاهرا ، ١واإلمجــــــاع ، والقيــــــاسحيمل فرع معني على أصـل فاالستدالل بالنص واإلمجاع أمره معلوم ، واالستدالل بالقياس أن

معـــني يف الكتـــاب أو الســـنة لوصـــف مشـــرتك ، إال أن هنـــاك مـــن أنـــواع االســـتدالل مـــا يشـــبه أن تدل جمموع النصوص الشـرعية علـى مراعـاة أمـر : القياس وليس به على املعىن اخلاص وهو

كلــي ، مث يوجــد فــرع معــني يف واقعــة معينــة مل يشــهد لــه نــص معــني ولكــن علــم مــن النصــوص لشـــرعية أـــا مالئمـــة هلـــا ، فيحمـــل هـــذا الفـــرع املعـــني علـــى ذلـــك األمـــر الكلـــي ، وهـــذه هـــي ا

املصاحل املرسلة عند احملققني ، فهو ليس قياسـا مبعنـاه املعـروف ألنـه مل حيمـل علـى أصـل معـني من الكتاب والسنة ؛ لذا فمن رأى أنه استدالل بأصل غـري ) خاص (، وليس استدالال بدليل

ألربعــــة خــــالف فيــــه وأنكــــره ، ومــــن رآه يف حقيقتــــه اســــتدالل بعمومــــات النصــــوص األصــــول ا .٢الشرعية احتج به ونسبه إىل األئمة

: ٣قال الغزايل رمحه اهللا عن املصاحل املرسلة

أمجعــوا وجـد مسـألة فــال تالكتـاب والسـنة ، : علـى أنـك إذا حققــت فـإن هـذه األصــول األربعـة ترجـع إىل األصــلني ١

. ، والقياس الصحيح يتناوله عموم النص املعنوي على دليل منهمامبنيا إال وكان اإلمجاع فيها عليها واب القيـاس ، ألنـه يف حقيقتـه محـل فـرع معـني علـى لذلك فهو يبحـث يف مسـلك املناسـبة مـن مسـالك العلـة يف أبـ ٢

مســـتقال يف ألن هنـــاك مـــن ظنـــه دلـــيال ) االستصـــالح(أصـــل كلـــي لوصـــف مشـــرتك ، ويبحـــث يف األدلـــة املختلـــف فيهـــا .استنباط األحكام ، وليس كذلك ، والكالم على هذا يطول ، ولتفصيل القول فيه موضع آخر

. ١٤٤/ ١: املستصفى ٣

Page 153: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٥٨

وكــــل مصــــلحة رجعــــت إىل حفــــظ مقصــــود شــــرعي علــــم كونــــه مقصــــودا بالكتــــاب والســــنة " يســمى قياســا ؛ بــل مصــلحة مرســلة ؛ إذ واإلمجـاع فلــيس خارجــا عــن هــذه األصــول ، لكنــه ال

القيــاس أصــل معــني ، وكــون هــذه املعــاين مقصــودة عرفــت ال بــدليل واحــد ، بــل بأدلــة كثــرية ال حصر هلا من الكتاب والسـنة ، وقـرائن األحـوال ، وتفـاريق األمـارات ، تسـمى لـذلك مصـلحة

" .مرسلة :١ويقول الشاطيب رمحه اهللا

د لـه نــص معــني ، وكـان مالئمــا لتصـرفات الشــرع ، ومــأخوذا إن كـل أصــل شـرعي مل يشــه" يعين [ويدخل حتت هذا ضرب االستدالل املرسل ...معناه من أدلته ؛ فهو صحيح يبىن عليه

الذي اعتمده مالك والشـافعي ؛ فإنـه وإن مل يشـهد للفـرع أصـل معـني ، فقـد ] املصاحل املرسلة ".شهد له أصل كلي

:فإذا تقرر هذا ، وإال فاالستدالل يف هـذه الواقعـة يف حقيقتـه إمنـا هـو ) اصطالحية(أن هذه القسمة فاعلم

إـا (بعمومات أدلة الكتاب والسنة ؛ فإن من أراد أن حيتج هلذه املصـلحة ال يكفيـه أن يقـول ؛ ألن هــذه يســتطيعها كــل أحــد ، وال تفيــد ) االستصــالح(أو دل عليهــا ) مــن املصــاحل املرســلة

بربهان وال حجة مبجردها ، كمـا أن مـن أراد أن حيـتج بالقيـاس فـال يكفيـه أن علما ، وليستيقــول حكــم هــذه الواقعــة كــذا بالقيــاس ، بــل ال بــد أن يــذكر األصــل املقــيس عليــه ، والوصــف اجلامع ، وكذلك صاحب املصلحة ال بد أن يستدل هلذه املصلحة مبـا يبـني أـا مـرادة للشـارع

.، فيكون دليله حينئذ النص ، وأا مالئمة لتصرفاته ، ومردهـا إىل القيـاس ، إال ) االسـتدالل بـالنص(داخلـة يف ) املصاحل املرسلة(فظهر ذا أن

أن األصـــــوليني رمحهـــــم اهللا أولعـــــوا بالتقســـــيمات ، فهـــــم يريـــــدون أن مييـــــزوا بـــــني مجيـــــع أنـــــواع إىل املــؤثر واملالئــم االســتدالل ، فقســموا محــل الفــروع علــى األصــول جبــامع األوصــاف املشــرتكة

٢.واملرسل والغريب ، ومسألة التقاسيم أمرها واسع إذا مل حتدث بسببها مفسدة

. ٣٢/ ١: فقات املوا ١ومثل هذه التقسيمات قد تكون نافعة يف باب الرتجيح عند التعـارض ، إال أن مـن مسـاوئها أنـه قـد يبـىن عليهـا مـا ٢

.يؤدي إىل باطل ، وهذا قد وقفت عليه يف كثري من مسائل أصول الفقه ، ولدي أمثلة كثرية غري املصاحل املرسلة

Page 154: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٥٩

كمـا ) هلـا مـا شـهدت عمومـات الشـرع(وألن املصاحل املرسلة يف حقيقتها يقصـد ـا : رابعا وأن ســــبق ؛ فقــــد ذكــــر كثــــري مــــن أهــــل العلــــم أن مجيــــع املــــذاهب متفقــــون علــــى العمــــل ــــا ،

.١الصحابة قد أمجعوا على ذلك ، فلـم أر ) املصـاحل املرسـلة(وقد تتبعت مجيع األمثلة اليت مثل ا األصوليون علـى : خامسا

عن االعتبار أو اإللغاء ؛ فإا إما أن تكون مصلحة ملغاة ، أو ) النصوص(شيئا منها أرسلته ليلـني ، وسـأمثل علـى ذلـك بثالثـة مصلحة معتربة ، أو تكون مسألة قائمة على تعارض بـني د

:أمثلة من أشهر ما ميثل ا األصوليون إن مالكا أجاز قتل ثلـث األمـة الستصـالح الثلثـني اسـتنادا إىل : إم قالوا : المثال األول

٢.االستصالح وهــذه مصــلحة ملغــاة مهــدرة ، وأي عــامل بالشــرع يعلــم بطــالن هــذا األمــر ، واألدلــة : قلــت

.٣لظلم و حرمة دم املسلم ال حتصى على حرمة اإن مالكـــــــا أجــــــاز قطـــــــع اللســــــان يف اهلـــــــذر اســـــــتنادا إىل : إـــــــم قــــــالوا : المثــــــال الثـــــــاني

.٤االستصالح

ين والشـنقيطي وغـريهم رمحهـم اهللا ، وهـذا يـدل علـى أن مـن نفاهـا مل يتصـورها ذكر هذا القـرايف والشـاطيب والشـوكا ١

.التصور الصحيح ، وظنها عمل مبجرد املصلحة ال رجوع فيها إىل النصوص ، وقــد ١/٤١٨البــن قدامــة ) الروضــة(، و ٣٥٤للغــزايل ص ) املنخــول(ذكــر هــذا عــدد مــن كتــب األصــول مثــل ٢

.إلمامهم ، وهذا حال كثري من األمثلة يف كتب األصول ؛ فإا ينبغي أن حترر هذا األمرنسبة نكر املالكية أيـة والنهايـة يف ترمجـة نـور الـدين زنكـي رمحـه اهللا يف وفيـات ادابـن كثـري رمحـه اهللا تعـاىل يف الب هذكـر ومما يشبه هذا مـا ٣

، ملفســدين قــد كثــروا وحيتــاج إىل سياســةإن ا: ( الشــيخ عمــر بــن املــال ]يعــين إىل نــور الــدين[ كتــب إليــه: " ٥٦٩عــام ليـه امللـك نـورفكتب إ، ) وإذا أخذ إنسان يف الربية من جييء يشهد له ، ومثل هذا ال جييء إال بقتل وصلب وضرب

ولــو علــم أن يف الشــريعة ، وهــو أعلــم مبــا يصــلحهم ، وشــرع هلــم شــريعة ، إن اهللا خلــق اخللــق : (الــدين علــى ظهــر كتابــه فمن زاد فقد زعم أن الشريعة ناقصة ، فال حاجة بنا إىل الزيادة على ما شرعه اهللا تعاىل ، صلحة لشرعها لنا زيادة يف امل

واهللا سبحانه يهدينا وإياك ، والعقول املظلمة ال تدي ، وهذا من اجلرأة على اهللا وعلى ما شرعه ، فهو يكملها بزيادته وجعـل يقـول ، شيخ عمر املال مجع الناس باملوصل وقرأ عليهم الكتاب فلما وصل الكتاب إىل ال، ) إىل صراط مستقيم

".وكتاب امللك إىل الزاهد، انظروا إىل كتاب الزاهد إىل امللك : .، وأنكر ذلك علماء املالكية ٣٠٤ص ) املنخول(ذكر ذلك بعض األصوليني كالغزايل يف ٤

Page 155: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٦٠

وهذه مصلحة ملغاة ، دل على بطالا أدلة كثرية ، منها على سبيل املثال ما ثبت : قلت .وقطع اللسان من املثلة يف الصحيح أن النيب صلى اهللا عليه وسلم ى عن املثلة ،

، ) مسـألة التـرتس(وهـو أشـهر مثـال تقريبـا تـذكره كتـب األصـول وأعـين بـه : المثال الثالـث :وهي كما يذكرها األصوليون

حبيـــث لـــو كففنـــا عـــنهم لغلـــب الكفـــار علـــى دار ؛ الكفـــار جبماعـــة مـــن املســـلمني لـــو تـــرتسكافــة س وقتلنــاهم انــدفعت املفســدة عــنولــو رمينــا الــرت ، اإلســالم واستأصــلوا شــأفة املســلمني

يف هـذه الصـورة فهذا القتل وإن كان مناسبا زم منه قتل مسلم ال جرمية له ،يل املسلمني ولكنه . صورةهذه الأنه مل يظهر من الشارع اعتبارها وال إلغاؤها يف إال واملصلحة ضرورية كلية

لني ، ويقع هذا كثريا ، وله شـواهد وهذه املسألة يف حقيقتها تعارض بني إعمال دلي: قلت :من الكتاب والسنة

أدلة فرضية جهـاد الـدفع ، ورد الكفـار عـن بـالد اإلسـالم ، وحفـظ الـدين : فالدليل األول .والبالد منهم ، واألدلة على ذلك كثرية جدا ، وأمجع عليها أهل العلم

.ة حرمة دم املسلم ، واألدلة على ذلك معروف: والدليل الثانيومثــل هــذا يقــع كثــريا يف حيــاة النــاس ، حبيــث قــد جيــد املــرء نفســه أمــام عملــني قــام علــى كــل منهمــا دليــل وال بــد لــه مــن أحــدمها ، فــال بــد يف مثــل هــذه احلالــة مــن الرتجــيح بــني الــدليلني ، وإمنــا يعــرف هــذا باملرجحــات الشــرعية املعروفــة ، وال شــك أن العمــل بالــدليل األول أقــوى يف

ذه املسألة ؛ إذ فيه محاية الدين والعرض والنفس والبالد والعباد من شـر الكفـر والكفـار مثل ه، وقد ثبت يف النصوص تقدمي حفظ الدين على حفظ الـنفس ومـن أجـل هـذا شـرع اجلهـاد ، وقــرر أهــل العلــم أنــه جيــوز التغريــر بـــالنفس يف القتــال يف ســبيل اهللا ، فكيــف وقــد اجتمــع فيـــه

س ، وألحكام االضطرار استثناء حبيث جيوز فيه ما ال جيـوز يف غـريه ، وغـري حفظ الدين والنفهــذه املرجحــات ، ولــيس املقصــود هنــا االســتدالل هلــذه املســألة ، بــل املقصــود بيــان أن هــذه

.املسألة مل ترسل شرعا بال اعتبار أو إلغاء :يتضح من مجيع ما سبق : سادسا

:أن املصاحل قسمان

Page 156: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٦١

، وإمنـا ) املعتربة واملرسـلة(مصاحل حقيقية قامت األدلة على اعتبارها ، وهي : القسم األول .تتفاوت يف مراتب القوة ، ال يف أصل االعتبار

مصاحل موهومة أو ملغاة أو مهـدرة ، وهـي الـيت قامـت األدلـة علـى إهـدارها : القسم الثاني .١، وهي كل مصلحة يلزم من العمل مبجردها معارضة النص

جيــب : لــبعض امللـوك ملــا جــامع يف ــار رمضـان وهــو صــائم قـول بعــض العلمــاء ميثـل األصــوليون للمصــلحة امللغــاة ب ١

لو أمرته بذلك لسهل : قال ، فلما أنكر عليه حيث مل يأمره بإعتاق رقبة مع اتساع ماله عليك صوم شهرين متتابعني ،هـذه ومثـل . فكانت املصلحة يف إجياب الصوم مبالغة يف زجـره، عليه ذلك واستحقر إعتاق رقبة يف قضاء شهوة فرجه

.املصلحة مهدرة ألا معارضة للنص

Page 157: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٦٢

بحث الثانيالم

على النص الحأول من قدم المص

اعلم أنه قد أمجع العلماء بأنه إذا تعارضت املصلحة مع النص فـإن الـنص يقـدم ، ويسـمون كمـا سـبق ، وال جييـزون األخـذ ـا ، وحـىت مـن ) املهدرة(أو ) املصلحة امللغاة(هذه املصلحة بـ

.قدم يف املبحث السابقكما ت) النص(فإن رتبته متأخرة عن ) االستصالح(قال بـ، وهــو ) حجــة ســاقطة(مث إن رجــال واحــدا يف أوائــل القــرن الثــامن خــرج عــن اإلمجــاع هــذا بـــ

؛ إذ لكل قوم وارث ، إال أن اإلنصـاف يقتضـي ) الطاغوت(الذي ورث أهل هذا الزمان هذا ســليمان جنــم الــدين (أن نشــهد لــه بأنــه مل يســرف يف ذلــك إســرافهم اليــوم ، وهــذا الرجــل هــو

شـــرح (مـــن ) ال ضـــرر وال ضـــرار(، حيـــث قـــرر يف شـــرحه حلـــديث ١)بـــن عبـــد القـــوي الطـــويف :أن النص إذا تعارض مع املصلحة فإن املصلحة تقدم ، وخالصة نظريته ٢)األربعني للنووي

.أن العقل يستقل مبعرفة املصاحل يف العادات واملعامالت -١ا ، فـإذا تعارضـت املصـلحة مـع الـنص معارضـة ال وأن املصاحل من أدلة الشرع وهي أقواه-٢

ــــك يف أبــــواب العــــادات ميكــــن اجلمــــع بينهمــــا قــــدمت املصــــلحة عليهمــــا بشــــرط أن يكــــون ذل .واملعامالت

وكـان مـع ذلـك كلـه شـيعيا " : ٣٦٨/ ٣ ، ومما قالـه عنـه )طبقات احلنابلة(يف لهابن رجب رمحه اهللا ترمجةانظر ١

، ووجد له يف ) هذه إحدى العرب*** حنبلي رافضي أشعري : (منحرفا يف االعتقاد عن السنة ، حىت إنه قال عن نفسه ، ) العذاب الواصب علـى أرواح النواصـب(صائد ، وهو يلوح يف كثري من تصانيفه ، حىت إنه صنف كتابا مساه الرفض ق

اعلـــم أن مـــن أســـباب اخلـــالف الواقـــع بـــني العلمـــاء تعـــارض : ومـــن دسائســـه اخلبيثـــة أنـــه قـــال يف شـــرح األربعـــني للنـــووي ".اخل...اخلطاب الروايات و النصوص ، وبعض الناس يزعم أن السبب يف ذلك عمر بن

مـن األربعـني النوويـة وهـي الـيت قـرر ) ال ضـرر وال ضـرار(وكالمه الذي نقله ابن رجـب هـذا عنـد شـرح حـديث : قلت !.فيها تقدمي املصلحة على النص عند التعارض

) فيه مصادر التشريع اإلسالمي فيما ال نص(كتاب واملوجود لدي مطبوع ضمنوشرحه هلذا احلديث طبع مرارا ، ٢ ) .١٤٤ – ١٠٥ص ( -الكويت –دار العلم – ١٤٠٢ – ٥ط –لعبد الوهاب خالف

Page 158: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٦٣

وقد دفعته هـذه النظريـة إىل القـدح يف اإلمجـاع ، فـذكر أدلتـه ورد عليهـا ، مث أورد أن مـن -٣فصـــارت املصـــاحل متفقـــا عليهـــا ، واإلمجـــاع خـــالف يف اإلمجـــاع مل خيـــالف يف اعتبـــار املصـــاحل ،

!.اختلف فيه ، فثبوت املصاحل أقوى ودفعتــه هــذه النظريــة إىل القــدح يف عمــر رضــي اهللا عنــه ؛ وذلــك حــني أراد أن يســتدل -٤

وبعـض النـاس يـزعم أن : "١على تقدمي املصلحة علـى النصـوص بـأن النصـوص متعارضـة فقـال لــك أن أصــحابه اســتأذنوه يف تــدوين الســنة يف ذلــك الســبب يف ذلــك عمــر بــن اخلطــاب ، وذ

فلو تـرك الصـحابة يـدون كـل واحـد مـنهم مـا : قالوا : إىل أن قال ...الزمان فمنعهم من ذلك ...".روى عن النيب صلى اهللا عليه وسلم النضبطت السنة

:وقد استدل ملذهبه الباطل بأدلة متناقضة ، هي يف اجلملة ثالثة أدلة -٥منكري اإلمجاع قالوا باملصـاحل ، فاملصـاحل حمـل وفـاق ، واإلمجـاع حمـل خـالف ، أن: األول

!.والتمسك باملتفق عليه أوىل من التمسك باملختلف فيه أن النصوص متعارضة فهي سـبب اخلـالف املـذموم شـرعا ، أمـا املصـاحل فهـي أمـر : والثاني

شــــرعا ، وقــــد قــــال تعــــاىل حقيقــــي يف نفســــه ال خيتلــــف فيــــه ، فهــــي ســــبب االتفــــاق املطلــــوب ).واعتصموا بحبل اهللا جميعا وال تفرقوا(

:أنه قد ثبت معارضة النصوص باملصاحل يف السنة ، وذكر منها : والثالثمعارضة ابن مسعود رضي اهللا عنه للنص واإلمجاع يف التـيمم للجنـب ملصـلحة االحتيـاط -١

.يف العبادة .يف بين قريظة ملصلحة الوقت معارضة بعض الصحابة لظاهر حديث الصالة-٢ .وحديث بعثه ملن ينادي من قال ال إله إال اهللا دخل اجلنة ، فرده عمر لئال يتكلوا-٣وحـــديث أمـــره صـــلى اهللا عليـــه وســـلم بـــأن يقتـــل الصـــحابة الرجـــل الـــذي دخـــل املســـجد -٤

) .نلو قتل مل خيتلف من أميت اثنا(يصلي ، فرتكه الصحابة ألجل إعجام بصالته وقوله .ومنها ملا أمرهم جبعل احلج عمرة توقفوا من أجل العادة -٥ .وملا أمرهم بالتحلل يوم احلديبية توقفوا متسكا بالعادة-٦

!.وحنو هذه النصوص ، وقال إا من تقدمي املصلحة على النص

. ١٣٣ص : مصادر التشريع ١

Page 159: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٦٤

وقــد رد كثــري مــن املعاصــرين علــى الطــويف ، وحجتــه ســاقطة ، والكــالم علــى إبطاهلــا يطــول ، : أنين أريد هنا أن أبني أنه متناقض يف كل دليل ادعاه إال

فقد احـتج فيـه باإلمجـاع علـى اعتبـار املصـاحل ، بعـد أن قـدح يف حقيقـة : أما الدليل األول !.ثبوت اإلمجاع ، فاحتج بدليل قدح فيه

فإنـه قـد اسـتدل بـاألمر باالعتصـام حببـل اهللا علـى تـرك ذلـك؛ إذ حبـل : وأما الدليل الثـانياهللا هو دينه القائم على الكتاب والسنة ، فكيـف يسـتدل بـاألمر بـالرجوع إليـه علـى تركـه عنـد

!.معارضته باملصلحة :فإن التناقض فيه يظهر من وجهني : وأما الدليل الثالث

أنه يستدل بالنص يف معارضة النص ، فإن كانت احلجـة فيـه فيلزمـه هـدم نظريتـه : أحدهما !.يه ، فال قيمة الستدالله ، وإن كانت ال حجة ف

أنــه قــرر يف نظريتــه أن العبــادات يقتصــر فيهــا علــى الــنص ، مث أراد أن يســتدل : وثانيهمــا على تقدمي املصلحة علـى الـنص يف املعـامالت ، بأحاديـث إن صـح احتجاجـه ـا فهـو تقـدمي

بـين قريظـة ، للمصلحة على النص يف العبـادة ، فحـديث ابـن مسـعود يف التـيمم ، والصـالة يف ــــرك الصــــالة ، واحلــــج ، والتحلــــل ، كلهــــا يف العبــــادات ، فإمــــا أن يكــــون ودخــــول اجلنــــة ، وتاحتجاجـه خاطئــا مــن أصــله وهــو الصــحيح ، أو يكــون تقــدمي املصــلحة علــى الــنص يف العبــادة

١!!.أيضا وال يقول به : والمقصود

مصــــلحة (صــــحاب أن مــــذهب هــــذا الرجــــل الــــذي شــــذ وخــــرق اإلمجــــاع وإن كــــان ســــلفا أل :اليوم الذين يقدموا على النصوص إال أنه يفضل عليهم من وجوه ) الدعوة

أنه اعرتف بتقدمي املصلحة على الـنص عنـد التعـارض ، ومل حيـاول االلتفـاف : الوجه األول .على النصوص كما يفعل كثري منهم

، ولكن املقصود يف هذا املوضع ، فالكالم على هذا يف املبحث الثالث وليس املقصود هنا مناقشة نظريته وإبطاهلا ١

!.يف هذا العصر ) املصاحل(أصحاب ) مورث(بيان

Page 160: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٦٥

مالت فقط ، أما كثـري أنه قصر تقدميه للمصلحة على النص بالعادات واملعا: الوجه الثانيو أصــــول الــــدين ، فضــــال عــــن العبــــادات ) التوحيــــد(مــــن هــــؤالء فيقــــدم املصــــلحة حــــىت علــــى

!.وغريهاأن هذه املسألة قررها نظرا ، وال أعلم له تطبيقـات عليهـا ، بـل ذكـر بعـض : الوجه الثالث

يف كثـــري مـــن مــن تـــرجم لـــه مـــن املعاصـــرين أنـــه رجـــع عنهــا ، أمـــا اليـــوم فقـــد انتشـــرت تطبيقاـــا .األصول والفروع

Page 161: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٦٦

المبحث الثالث إبطال تقديم المصالح على النصوص

إن األدلة على إبطال هذا املذهب ، وهو تقدمي املصلحة علـى الـنص ، أشـهر مـن أن تـذكر ؛ من الكتاب ، والسنة ، وأقوال الصحابة ، والتابعني ، واألئمة ، وأهل العلـم قـدميا وحـديثا ،

، ولو ١ى ذلك أهل املذاهب ؛ إذ ال خالف بينهم يف أن النص مقدم على غريهوقد أمجع علأردت أن أسرد األدلة وأذكر أقوال أهل العلم يف هذا الباب لطال بنا املقام ، وهناك أكثر مـن مخسني دليال على هـذه املسـألة ، وذكـر هـذه األدلـة بالتفصـيل لـه موضـع آخـر ، لـذا سأقتصـر

:يف إبطال هذا املذهب لالختصار ، فأقول ) ملعقولا(على دليل واحد من :يلزمه أحد ثالثة أمور ) النص (اليت رآها على ) املصلحة(إن من قدم

.أن يطرد مذهبه يف ذلك حىت خيرج به إىل الزندقة واالنسالخ من الدين : أولهما .أن يرتك مذهبه هذا ويلتزم بالنص يف مجيع أموره : وثانيهما

.، والتناقض دليل فساد األصل األمر الثالثسيكون متناقضا وهو وإال فإنه :فأقول ) بيان املثقفني(ولبيان هذا األمر سأمثل بـ

قـــد ســـبق ذكـــر خمالفـــات هـــذا البيـــان للكتـــاب والســـنة واإلمجـــاع بالتفصـــيل ، فمـــن احـــتج لـــه لكفـار ، أو أن تكـون حتسـني صـورة اإلسـالم ، أو درء شـر ا: باملصلحة ؛ وتلك املصـلحة إمـا

) النصـوص(كسبهم ، أو حتييدهم ، أو غري هذا ، وهذا يف حقيقته تقدمي هلذه املصلحة على ، فإنه يلزمهم طرد مذهبهم هذا حىت خيرج إىل الزندقة ، أو ترك هذا املذهب وإبطـال مـا جـاء

:يف البيان والتزام النص ، وإال وقعوا يف التناقض مــــن املشــــوهات لــــدين اإلســــالم عنــــد الغــــربيني مســــألة كمــــا إن : فلــــو جــــاء آخــــرون وقــــالوا

واليت حاول البيان أن يدفعها عن اإلسالم ، فإن ) الرباء=كراهية اآلخر(و ) اجلهاد=اإلرهاب(كـالقطع يف السـرقة أو احلرابـة ، و ) بـرت األطـراف(؛ فـإن ) احلدود(من املشوهات أيضا مسألة

وهــذا ال ينــايف أن تكــون هنــاك خمالفــة يف بعــض املفــردات مــن أهــل العلــم ، ولكنهــا ليســت تقــدميا للمصــلحة علــى ١

، أو لتضعيفه له ، أو ختصيصه ، أو نسخه ، أو غري ذلك من األعذار اليت ذكرها إليه النص ، بل إما لعدم بلوغ النص .فيها أحد ، أما قاعدة تقدمي النص على غريه فال خيالفأهل العلم

Page 162: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٦٧

كــالرجم ) العقوبــات الوحشــية(، و مــا يســمونه بـــ كاجللــد يف القــذف والزنــا) العقوبــات البدنيــة(، وملصـلحة الـدعوة ) حقـوق اإلنسـان(للزاين احملصن ، وحنوها ، هي عنـدهم مـن االنتهاكـات لــ

، وحتسني صورة اإلسالم ، وجعله بصورة مقبولة لديهم حيسن بنا أن نرتك مثل هذه احلـدود ، ، وهــذا املقصــود مــن املمكــن أن ) الزجــر(ــا وال ننكرهــا معــاذ اهللا ، بــل نتأوهلــا علــى أــا أريــد

.١حنققه بدوا ، فنحقق مراد الشارع بدون هذه العقوبات ، وهذه مصلحة ظاهرة !.فماذا يقول أصحاب البيان ؟

:هم بني أحد جوابني .إنه مناقض للنص واإلمجاع ، وال جيوز : أن يردوا هذا الكالم ، ويقولوا : األول

وأنتم كالمكم مناقض للنص واإلمجاع ، بل إن النصوص اليت وردت يف : فيقول هلم أولئك ، -وال مقارنة -الوالء والرباء واجلهاد يف سبيل اهللا أكثر من النصوص اليت وردت يف احلدود

!.فكيف يسوغ لكم ما ال يسوغ لنا ؟ .ولكننا مل نكتب هذا البيان إال ملصلحة ظاهرة : فإن قال أصحاب البيان

وحنن مل نقل هذا الكالم إال ملصلحة ظاهرة ، فما الذي جيعل مصلحتكم : م أولئك قال هل !.جتيز لكم خمالفة النص واإلمجاع ، وال جيعل مصلحتنا كذلك ؟

بلغــة ال يفهمهــا إال املثقــف الغــريب ) كــالم مكتــوب(ولكــن هــذا : فــإن قــال أصــحاب البيــان ).نعمل به(وال نريد أن

بلغــة ال يفهمهــا إال املثقــف ) كــالم مكتــوب(يــد أن نقــرر هــذا يف وحنــن نر : قــال هلــم أولئــك ).نعمل به(الغريب وال نريد أن

.ولكن كالمكم مغري لشرع اهللا : فإن قال أصحاب البيان .وكالمكم مغري لشرع اهللا : قال هلم أولئك

ضــد ولكننـا مل نكتـب هـذا البيـان ابتـداء ، بـل لـرد محلـة موجهـة: فـإن قـال أصـحاب البيـان .اإلسالم

.هذا الكالم ليس خياال ، بل هو كالم إحدى املدارس العصرانية احلديثة ، وكالمهم هذا موثق لدي ١

Page 163: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٦٨

وحنــن مل نقــل هــذا الكــالم ابتــداء ، بــل لــرد محلــة موجهــة ضــد اإلســالم ، : قــال هلــم أولئــك والعقوبــات الوحشــية ) بــرت األطــراف(فهــذه تقــارير منظمــات حقــوق اإلنســان تشــن محلــة علــى

.كما يقولون لبيــام فــال ميكــن أن يــرد أصــحاب البيــان علــى هــؤالء بــأمر إال لــزمهم نظــريه ، وال حيتجــون

حبجـة إال كــان هلــؤالء أن حيتجــوا مبثلهــا ، وال ميكـن أن يســكتوهم إال بــالتزامهم بــالنص وتــركهم :ملذهبهم هذا ، أو أن يوافقوهم يف مذهبهم وهو

) احلـدود(وهو أن يقر أصحاب البيان بصحة كالم أولئك فيما قـالوه يف : الجواب الثاني :يأيت آخرون ويقولون وأنه ال بأس بذلك يف سبيل املصلحة ، ف

إن ممــا يشــوه صــورة اإلســالم يف الغــرب أيضــا بعــض القضــايا املوجــودة لــدى املســلمني ممــا ال املالئكة ، واجلن ، والشياطني ، وما يتعلق بذلك ) : الغيب(تتسع هلا عقول الغرب ، كعقيدة

ملالئكـة يقصـد ، ولتحسني صورة اإلسالم لديهم فال بد مـن تأويـل هـذه األمـور ، فنقـول إن ا .، وحنو ذلك ١) قوى الشر(، واجلن ) قوى اخلري(ا

فـــال يـــرد علـــيهم أصـــحاب البيـــان بشـــيء إال لـــزمهم نظـــريه ، وال حيتجـــون لفعلهـــم بشـــيء إال .احتج أولئك مبثله ، متاما كالفريق الذي قبله

بعـــض الشـــريعة بنحـــو هـــذا) هـــدم(وإن أقـــروهم علـــى كالمهـــم جـــاء فريـــق آخـــر أيضـــا ورأى الكالم حىت خيرج األمر كله إىل الزندقـة الصـرحية واالنسـالخ مـن الـدين ، وإال فـإم يقعـون يف التنـــاقض ؛ إذ لـــيس مـــا يذكرونـــه مـــن مصـــلحة تســـوغ هلـــم خمالفـــة الـــنص واإلمجـــاع بـــأوىل مـــن مصلحة يراها آخر ويريد ـا خمالفـة نـص ثـان ، وليسـت هاتـان املصـلحتان بـأوىل مـن مصـلحة

.ويريد ا خمالفة نص ثالث ، وهكذا يراها ثالث وال ميكن أن يرد على اجلميع إال من التزم الـنص يف مجيـع أمـوره ، وتـربأ مـن مجيـع مـا خيـالف

٢.ذلك ، واحلمد هللا رب العاملني

.، بل موجود من كالم بعض العصرانيني أيضا وهذا الكالم ليس خياال ١حيرتم النصوص الشـرعية االجتهاد الذي : " ٥٣ص ) اإلسالم واحلضارة الغربية(يقول حممد حممد حسني رمحه اهللا ٢

.ويبحثها يف حيدة ونزاهة شيء ، والتطوير الذي يهدف إىل تسويغ قيم احلضارة الغربية شيء آخر االجتهاد الذي يتمسك مبباديء اإلسالم يقوم ا عوج احلياة شيء ، والتطوير الـذي ينـزل علـى األمـر الواقـع ويسـوغ

.عوج احلياة بنصوص الشريعة شيء آخر

Page 164: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٦٩

المبحث الرابع

في مسألة المصلحة تنبيهات

:نها سأذكر هنا بعض األمور اليت جيب أن تراعى يف النظر إىل املصلحة وم

: األمر األول : أن النظر إلى المصلحة يكون عند عدم وجود الدليل الشرعي المعارض

ومـا كـان لمـؤمن (وذلك أن املسلم مأمور باالمتثال للشرع يف مجيع أمـوره ، كمـا قـال تعـاىل

وال مؤمنة إذا قضى اهللا ورسـوله أن يكـون لهـم الخيـرة مـن أمـرهم ومـن يعـض اهللا ورسـوله ، فــإذا نزلــت نازلــة فــال بــد أن يرجــع يف حكمهــا إىل األدلــة الشــرعية ) مبينــافقــد ضــل ضــالال

) اخلاصــة(كمــا هــو حــال العلمــاء الربــانيني وأهــل االســتقامة ، فــإذا مل جيــد مــن األدلــة الشــرعية حكما معينا هلا باعتبار أو إلغاء ، فينظر حينئذ يف املصاحل واملفاسـد ، فـإن املصـاحل إذا كانـت

راجحــة فــال بــد أن تكــون معتــربة يف الشــرع ، للعمومــات الدالــة علــى ذلــك ، ولكــن ظــاهرة أو، وال ميكـــن أن ) ملغـــاة(بشـــرط عـــدم وجـــود الـــنص الشـــرعي املعـــارض ؛ وإال كانـــت املصـــلحة

.تكون املصلحة ظاهرة أو راجحة عند ذلك) مصاحل مهـدرة(؛ فإن مجيع ما ذكر من املصاحل فيه إمنا هي ) بيان املثقفني(ومن أمثلة هذا

.ألا معارضة للنصوص من الكتاب والسنة واإلمجاع كما سبق تفصيله) ملغاة(و

ما هو حكم اإلسالم : هل يصح هذا األمر شرعا أو ال يصح ؟ أو : بدء يف اجتهاد اتهد هي هذا السؤال نقطة ال

.يف هذا األمر ؟ مـا هـي النصـوص : مـا هـي النصـوص الشـرعية الـيت تثبـت صـحة هـذا األمـر ؟ أو : ونقطة البدء يف تطوير املطـور هـي .".الشرعية اليت تثبت حرمة هذا األمر ؟

Page 165: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٧٠

:١قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا ، الفعل جيلب منفعة راجحة وهو أن يرى اتهد إن هذا :املصاحل املرسلة "

ا ، فالفقهـــاء يســـموفهـــذه الطريـــق فيهـــا خـــالف مشـــهور ، ٢ولـــيس فـــي الشـــرع مـــا ينفيـــهوقريب منهـا ، وبعضهم يقرب إليها االستحسان ، ومنهم من يسميها الرأي املصاحل املرسلة ،

ن حاصــلها أــم جيــدون يف القــول والعمــل مصــلحة يف ، فــإذوق الصــوفية ووجــدهم وإهلامــام ، لكن بعض الناس خيص املصاحل املرسلة ويذوقون طعم مثرته وهذه مصلحة ، قلوم وأديام

يف ، ولــيس كــذلك بــل املصــاحل املرســلة لنفــوس واألمــوال واألعــراض والعقــول واألديـان حبفـظ ا: األمـور اخلمسـة فهـو أحـد وما ذكروه من دفع املضار عن هـذه، جلب املنافع وىف دفع املضار

ت واألعمــال المكاملعــا: الــدنيا ففــي، وجلــب املنفعــة يكــون يف الــدنيا وىف الــدين القســمني ،ككثــري مــن املعــارف : وىف الــدين ، ٣مــن غيــر حظــر شــرعيصــلحة للخلــق الــيت يقــال فيهــا م

، فمـن ٤من غير منع شرعيواألحوال والعبادات والزهادات اليت يقال فيها مصلحة لإلنسان حــوال لــيحفظ اجلســم فقــط علــى العقوبــات الــيت فيهــا دفــع الفســاد عــن تلــك األ قصــر املصــاحل

.فقد قصر ، ن مــن جهتــه حصــل يف الــدين اضــطراب عظــيم ؛ فـإبــه وهـذا فصــل عظــيم ينبغــي االهتمــام

وقــد يكــون وكثــري مــن األمــراء والعلمــاء والعبــاد رأوا مصــاحل فاســتعملوها بنــاء علــى هــذا األصــل خبـالف كالمـا علـى املصـاحل املرسـلة ورمبـا قـدم ، ٥ومل يعلمـوه منها ما هو محظـور فـي الشـرع

٦بنـاء علـى أن الشـرع مل يـرد ـا هـا شـرعا وكثري منهم من أمهـل مصـاحل جيـب اعتبار ، النصوص

.، وما بعدها ٣٤٢/ ١١: اوى الفت ١ !.وليس يف الشرع ما ينفيه : انظر إىل هذا القيد ٢ !.من غري حظر شرعي : انظر إىل هذا القيد ٣ !.من غري منع شرعي : انظر إىل هذا القيد ٤حمظـور يف ؛ فإم يرون مصاحل فيقدموا ومنهـا مـا هـو على الدليل) مصلحة الدعوة(جنس من يقدم منوهؤالء ٥

!. الشرعهنا انتقد الشيخ من ترك املصلحة بناء على عدم ورود الـدليل اخلـاص ـا ، كمـا انتقـد قبلـه مـن أخـذ مبصـلحة قـد ٦

!.قام الدليل الشرعي على حظرها

Page 166: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٧١

يكـون الشـرع ورد بـذلك وقـد، ففوت واجبات ومسـتحبات أو وقـع يف حمظـورات ومكروهـات .ومل يعلمه

بـل قـد دل الكتـاب والسـنة ، والشـرع ال يهمـل املصـاحل ،ن هذه مصـلحة أ: ١وحجة األول .واإلمجاع على اعتبارها

.وال قياسا يرد به الشرع نصا ن هذا أمر مل إ: ٢وحجة الثاينوهــى تشــبه مــن بعــض ،٣ مل يــأذن بــه اهللا غالبــا يشــرع مــن الــدين مــاوالقــول باملصــاحل املرســلة

ن االستحســـان طلـــب ؛ فـــإالوجــوه مســـألة االستحســـان والتحســـني العقلـــي والــرأي وحنـــو ذلـــك ، ح رؤيته قبيحا كما أن االستقبا ، وهو رؤية الشيء حسنا ، كاالستخراج ؛ احلسن واألحسن

والتحسـني العقلـي قـول بـأن ، فاالستحسـان واالستصـالح متقاربـان ، هـو املصـلحة : واحلسن ".لكن بني هذه فروق، العقل يدرك احلسن

.وهو من عمل باملصلحة مع قيام الدليل احلاظر ١ . أن الشرع مل يرد ا الذي ترك املصلحة بناء على ٢أن هنـــاك شـــرعا آخـــر ووحيـــا نظـــر إىل هـــذا الكـــالم ، وانظـــر إىل الواقـــع جتـــد كـــالم الشـــيخ رمحـــه اهللا يف حملـــه ، فكـــا ٣

.جديدا

Page 167: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٧٢

:األمر الثاني

:مصلحة الحفاظ على الدين : أن أعظم مصلحة ينظر إليها

ن ، ويليهـــا احلفـــاظ علـــى بـــاقي فـــإن أعظـــم املصـــاحل يف الوجـــود مصـــلحة احلفـــاظ علـــى الـــديالضـــروريات كـــالنفس والعقـــل والعـــرض واملـــال ، فاملصـــلحة الشـــرعية املعتـــربة حتفـــظ للمســـلمني

. دينهم ودنياهم ، فإن خيف على دينهم فيحفظ ولو كان هذا بزوال دنياهم :١قال الشاطيب رمحه اهللا

املضـار حمفوفـة بـبعض املنـافع إن املنافع احلاصلة للمكلف مشـوبة باملضـار عـادة ، كمـا أن" إن النفوس حمرتمة حمفوظة ومطلوبـة اإلحيـاء ، حبيـث إذا دار األمـر بـني إحيائهـا : ، كما نقول

وإتــالف املــال عليهـــا ، أو إتالفهــا وإحيــاء املـــال ؛ كــان إحياؤهــا أوىل ، فـــإن عــارض إحياؤهـــا ا جـــاء يف جهـــاد الكفـــار ، إماتـــة الـــدين ؛ كـــان إحيـــاء الـــدين أوىل وإن أدى إىل إماتتهـــا ، كمـــ

" .وقتل املرتد ، وغري ذلك

.٢/٦٤ :املوافقات ١

Page 168: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٧٣

: الثالثاألمر : أن المصالح الشرعية المعتبرة ليست منوطة بأهواء الناس وشهواتهم

بــل مبنيــة علــى النظــر الشــرعي الصــحيح القــائم علــى األدلــة ، والنظــر إىل اليــوم اآلخــر ، وإال

. ئهم الضطرب الناس يف تقدير املصاحل الختالف أهوا :١قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا

علــــى اتبــــاع اإلنســــانفمــــىت قــــدر ، املصــــاحل واملفاســــد هــــو مبيــــزان الشــــريعة عتبــــار مقــــادير ا"تعـوز النصـوص أنوقـل ، اجتهـد برأيـه ملعرفـة األشـباه والنظـائر وإال، النصوص مل يعـدل عنهـا

". ا وبداللتها على األحكام من يكون خبريا : ٢رمحه اهللا قال الشاطيب و

إن املصاحل إمنا اعتربت من حيث وضعها الشارع كـذلك ، ال مـن حيـث إدراك املكلـف ؛ " ". إذ املصاحل ختتلف عند ذلك بالنسب واإلضافات

: ٣وقال أيضا املصــاحل اتلبــة شــرعا واملفاســد املســتدفعة إمنــا تعتــرب مــن حيــث تقــام احليــاة الــدنيا للحيــاة "

" لعاديـة ، أو درء مفاسـدها العاديـةيث أهواء النفوس يف جلـب مصـاحلها ااألخرى ، ال من ح .

: ٤وقال أيضا واملصاحل واملفاسد األخروية مقدمة يف االعتبار على املصاحل واملفاسد الدنيوية باتفاق ؛ إذ "

ال يصــح اعتبــار مصــلحة دنيويــة ختــل مبصــاحل اآلخــرة ، فمعلــوم أن مــا خيــل مبصــاحل اآلخــرة غــري " .افق ملقصود الشارع ؛ فكان باطال مو

. ١٢٩/ ٢٨: الفتاوى ١ . ٥/٤٢ : املوافقات ٢ . ٢/٦٣ :املوافقات ٣ . ٣/١٢٤ :املوافقات ٤

Page 169: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٧٤

: الرابعاألمر : على الوقائع ال يسوغ) قاعدة المصالح(أن االستدالل بمجرد

ملا سبق بيانه يف املبحث األول من أن هذا ال يفيد علما ، ولـيس حجـة وال برهانـا ، ولكـل

، بل ال بـد أن يثبـت أحد أن يستدل مبثل هذه القاعدة ولو كان من أجهل الناس أو أخبثهم .أن هذه مصلحة مالئمة لتصرفات الشارع

واالســـتدالل عمومـــا بالقواعـــد األصـــولية أو الفقهيـــة علـــى النـــوازل والفـــروع ال يســـوغ ألحـــد :سببني

أن تكون هذه القواعد أغلبية ليست كليـة ، فـال يصـح أن تكـون دلـيال للمسـتجد : األولال جيـــوز الفتـــوى مبـــا تقتضـــيه القواعـــد : "نفـــي رمحـــه اهللا مـــن النـــوازل ، كمـــا قـــال ابـــن جنـــيم احل

. ١" والضوابط ؛ ألا ليست كلية ، بل أغلبية فحكــام الشــرع مــا مل يقفــوا علــى نقــل صــريح ال : " ٢وجــاء يف شــرح جملــة األحكــام العدليــة

" .حيكمون مبجرد االستناد إىل واحدة من هذه القواعد ليـة تعـم مجيـع فروعهـا ، وقائمـة علـى االسـتقراء التـام ؛ إال أن تكون هذه القواعد ك: الثاني

أن التحقق من اندراج هـذا الفـرع بعينـه حتـت هـذه القاعـدة حيتـاج إىل دليـل مسـتقل ، كقاعـدة املصاحل ؛ فإن الشرع أتى لتحقيق املصاحل وتكميلها ، وإبطال املفاسد وتقليلها ، وهذه قاعدة

تحقق من املصلحة الشـرعية يف الفـرع حتتـاج إىل دليـل يثبـت كلية ال يشذ عنها فرع ، إال أن الوجودها ؛ ألن العقل قد يتخيل ويتوهم وجود املصلحة وهـي يف حقيقتهـا مفسـدة ، أو تكـون

.مصلحة إال أا حيصل بسببها مفسدة أعظم منها

. ٢٩٣ص :للندوي :القواعد الفقهية : انظر ١ .نفس املرجع ٢

Page 170: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٧٥

: الخامساألمر دل وحيث وجدت المصلحة فقد، أن الدليل الشرعي حيث وجد فهناك المصلحة

١: عليها الدليل

وال ميكــن أن توجــد مصــلحة ال يــدل عليهــا دليــل ، أو دليــل ال مصــلحة فيــه ، وحيــث تــوهم :أحد وجود ذلك فألحد سببني

.أن تكون املصلحة موهومة ال حقيقية : األول .أن يكون الدليل غري صحيح ؛ إما يف ثبوته أو يف داللته : الثاني

ال يستقل مبعرفة املصاحل ، شرع اهللا سبحانه وتعاىل له الشرائع وملا كان عقل اإلنسان قاصرا اليت توصله إىل مصاحله الدنيوية واألخروية ؛ وبني له األدلة اليت تدله على ذلـك ؛ لـذلك كـان

.ال بد من الرجوع إىل الكتاب والسنة لالستدالل على النوازل :٢قال شيخ اإلسالم رمحه اهللا

، بــل اهللا تعــاىل قــد أكمــل لنــا الــدين ، الشــريعة ال مــل مصــلحة قــط ن إ: والقــول اجلــامع "، فمــا مــن شــيء يقــرب إىل اجلنــة إال وقــد حــدثنا بــه النــيب صــلى اهللا عليــه وســلم ، وأمت النعمــة

، لكـــن مـــا اعتقـــده العقـــل وتركنـــا علـــى البيضـــاء ليلهـــا كنهارهـــا ال يزيـــغ عنهـــا بعـــده إال هالـــك :فأحد األمرين الزم له الشرع مل يرد به ن كانمصلحة وإ

. مل يعلم هذا الناظرمن حيث إما أن الشرع دل عليه .ن اعتقده مصلحة وإ أو أنه ليس بمصلحة

وكثــري مــا يتــوهم النــاس أن الشــيء ينفــع يف ، هــي املنفعــة احلاصــلة أو الغالبــة : ألن املصــلحة قـــل (يف اخلمـــر وامليســـر كمـــا قـــال تعـــاىل ؛ الـــدين والـــدنيا ويكـــون فيـــه منفعـــة مرجوحـــة باملضـــرة

) .فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما

وطواعيـة اهللا ، انـا رسـول اهللا صـلى اهللا عليـه وسـلم عـن أمـر كـان لنـا نافعـا : (رضي اهللا عنـه قال رافع بن خديج ١

.رواه مسلم ) ورسوله أنفع لنا . ٣٤٤/ ١١: الفتاوى ٢

Page 171: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٧٦

وأهـل ، وأهل التصـوف ، وكثري مما ابتدعه الناس من العقائد واألعمال من بدع أهل الكالم بــل ، ومل يكــن كلــك ، وصــوابا وحقــا حســبوه منفعــة أو مصــلحة نافعــا ، وأهــل امللــك ، الــرأي

عــن اإلســالم مــن اليهــود والنصــارى واملشــركني والصــابئني واــوس حيســب كثــري مــن اخلــارجني هـــم عليـــه مـــن االعتقـــادات واملعـــامالت والعبـــادات مصـــلحة هلـــم يف الـــدين كثـــري مـــنهم أن مـــاوقـد ، فقد ضل سعيهم يف احلياة الدنيا وهم حيسبون أم حيسنون صنعا ، والدنيا ومنفعة هلم

ما هو سيء كان استحسانه فإذا كان اإلنسان يرى حسنا ، زين هلم سوء عملهم فرأوه حسنا ". أو استصالحه قد يكون من هذا الباب

Page 172: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٧٧

الخاتمة

:وبعد هذا فاحرص أخي املسلم على حتقيق التوحيد ، والرباءة من الكفر وأهله ، ومعادام ، والتقـرب

إذ قــالوا لقــومهم إنــا (ا معــه إىل اهللا ببغضــهم ، وحتقيــق ملــة إبــراهيم عليــه الســالم والــذين آمنــو بــرءاء مــنكم وممــا تعبــدون مــن دون اهللا كفرنــا بكــم وبــدا بيننــا وبيــنكم العــداوة والبغضــاء

. )أبدا حتى تؤمنوا باهللا وحده :ستستهدف أمرين ) احلملة القادمة(واعلم أن

، ) مـــــؤمترات(، بتكثيـــــف املـــــؤامرات الـــــيت تســـــمى ) الـــــوالء والـــــرباء(عقيـــــدة : األمـــــر األولواحملاضـــرات ، واملقـــاالت ، والنـــدوات ، والبيانـــات ، والفتـــاوى ، وغريهـــا ، مـــع تعـــديل منـــاهج

، واملـودة هلـم ) الكفـار(دين التسـامح مـع اآلخـرين : التعليم ، واإلعالم ، واليت تظهر اإلسالم بغـــض غـــري(و ) معـــاداة األديـــان(و ) الكراهيـــة(، واحملبـــة ، واالحـــرتام ، والتعـــايش ، وأنـــه ضـــد

مــن نفــوس ) الــوالء والــرباء (، وحنــو هــذا ، علــى وتــرية يــراد مــن خالهلــا نــزع عقيــدة ) املســلمني .املؤمنني ، وإزالة احلاجز النفسي بني املسلمني والكفار

، وذلــــــك بتســــــمية اجلهــــــاد باإلرهــــــاب ، ) اجلهـــــاد يف ســــــبيل اهللا(عقيــــــدة : األمــــــر الثــــــانيشـوهة يف شـىت بقـاع العـامل ، وأـم يقـودون العـامل وااهدين باإلرهابيني ، وإظهـارهم بصـورة م

، و أــم جمرمــون ال يراعــون األخــالق ، وال يرمحــون ، وأــم أصــحاب ) صــراع ال إنســاين(إىل مــؤامرات لزعزعــة اســتقرار الشــعوب ، إىل غــري هــذه الشــعارات املألوفــة ، كمــا سيصــورون هــذا

ـــــه عصـــــر ـــــأنفون مـــــن ، و ) صـــــراع(و ) صـــــدام(ال عصـــــر ) حـــــوار(العصـــــر بأن أن املتحضـــــرين ي

Page 173: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٧٨

،كما سيصور االزاميـون اجلهـاد يف اإلسـالم بأنـه وسـيلة دفـع لـردع املعتـدين عليـه ١الصراعات .، ومل يشرع لنشر اإلسالم يف األرض ، إىل غري هذا

فاحــذر أخــي املســلم مــن االنــزالق وراء هــذه الشــعارات ، واعتصــم بالتوحيــد ، وتأمــل آيــات فى صلوات اهللا وسـالمه عليـه ، وقصـص األنبيـاء ، والسـرية النبويـة ، القرآن ، وأحاديث املصط

.وسري الصحابة والصاحلني ، ليظهر لك بطالن ما يدعون إليه أســأل اهللا ســبحانه أن ينصــر دينــه ، وأن يعلــي كلمتــه ، وأن حيفــظ علــى املســلمني ديــنهم ،

اهــدين يف ســبيله يف وأن يكفــيهم شــر أعــداءهم ، وأن يهــدي ضــال املســلمني ، وأن ينصــر ا .كل مكان ، وأن يرينا يف األمريكان والكفار عجائب قدرته ، إنه ويل ذلك والقادر عليه

.وصلى اهللا وسلم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني

كتبه ناصر بن حمد الفهد

الرياض ١٤٢٣ –ربيع اآلخر

للمسلمني يف مجيع أحناء العامل فليس من فقط من أجل وأد اجلهاد ، أما قتل األمريكان واليهود والكفار كله هذا ١

!!.، بل هو من أرقى أبواب احلوارات املزعومة الال أخالقي باب الصراع وال الصدام

Page 174: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٧٩

المالحق

: الملحق األول ) :دةأصول الصحوة الجدي(

علي بن خضير الخضير حفظه اهللا تعالى/ فضيلة الشيخ

: الملحق الثاني ) :لسنا أغبياء بدرجة كافية(

ألبي البراء

Page 175: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٨٠

الملحق األول

أصول الصحوة الجديدة

علي بن خضير الخضير حفظه اهللا تعالى: لفضيلة الشيخ

بسم اهللا الرمحن الرحيم

ة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا حممد وعلى آله احلمد هللا رب العاملني والصال : وصحبه أمجعني ، وبعد

إن الصحوة األم يف اآلونة األخرية بدأت تعيش أزمات متالحقة ، وال بد أن نعي أن هذه األحداث اليت تعصف بالصحوة األم ودد بتفككها ليست أحداثا فردية وليست أيضا من

بوة فارس ، بل هي توجه حيمل يف طياته أصوال وركائز خترج لنا بني الفينة باب الزالت أو كواألخرى ، فبعد أن كانت الصحوة األم تعيش متماسكة قوية انشق منها اآلن توجهان وال

: حول وال قوة إال باهللا وهؤالء أول فرقة انشقت وهم علمانيون بثياب إسالمية ، وسبق أن كتبت : عصرانيون - ١ . م رسالة تبني أصوهلم ومراحلهم فيه

وما زال هذا التيار املنشق عن الصحوة األم يعيش فرتة منو ، وما بني :تيار انهزامي - ٢الفينة والفينة يستحدث من األصول ما يناسب العصر والواقع ، مث يلبسه لباس أهل السنة

ال يتجاوز السنتني تقريبا ال واجلماعة ، ولباس االجتهادات املسموح فيها ، وعمر هذا التيار . حتديدا

بالصحوة اجلديدة ، : ونبدأ بالفرقة الثانية اليت انشقت عن الصحوة األم ، وهي ما يسمى أو الصحوة الثانية ، أو الصحوة الواقعية ، أو تصحيح الصحوة ، أو الصحوة املعتدلة ، أو

Page 176: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٨١

التيار الوسطي املعتدل ، كل : ريا تيار جتديد اخلطاب اإلسالمي ، أو ما مسوا به أنفسهم أخ :وهلم أطروحات جديدة منها ، هذه أمساء مرتادفة هلذا التيار

األصل األول يف باب األميان والكفر ، ففي باب اإلميان يتجهون إىل اإلرجاء ويف باب - ١د التكفري إىل التجهم ، ولذا ال يكفرون الساب حىت يعتقد ، وال احلاكم بالقوانني حىت يعتق

، وال من توىل الكفار حىت يعتقد ، وال من يتحالف مع الكفار حىت يعتقد ، وهذه املفردات :انقلبت إىل أصل هو اإلرجاء ، ومن أصوهلم يف باب التكفري

. أ ـ التحذير املطلق من التكفري عموما دون تفصيل مسألة سواء أكانت ب ـ إطالق التفريق بني القول والقائل والفعل والفاعل دائما ويف كل

يف باب الشرك األكرب أم يف املسائل الظاهرة ملن قامت عليه احلجة ، مع أنه اجتمعت األسباب وانتفت املوانع ، ولذا فليس عندهم أعيان يكفروم إال من جاء ذكرهم يف الكتاب

. والسنةه وترك كتبه ج ـ هجر علم وفقه باب التكفري والتحذير من تعلمه والتفقه فيه وعدم تدريس

، والتحذير من كتب أئمة الدعوة النجدية ، واعتبار تعلم أصول التوحيد وتكرار كتاب التوحيد للشيخ حممد بن عبد الوهاب ال داعي له ، وهجر دراسة نواقض اإلسالم واعتبار

. دراستها فتنة وجرأة على التكفري اة وعدم االهتمام مبسألة الكفر د ـ عدم االهتمام مبسائل الوالء والرباء والبغض واملعاد

بالطاغوت ، ويرددون أننا غري متعبدين بذلك ولن يسألنا اهللا عنها ، وليس يف علم ذلك . فائدة

هـ ـ اإلطالق يف مسائل العذر باجلهل والتوسع فيه حىت يف اجلهال املعاندين واملفرطني ، . ى وحىت وصل األمر عند بعضهم إىل إعذار جهال اليهود والنصار

. و ـ الدعوة إىل التسامح والسالم العاملي وترديد ذلك . ز ـ التحذير من تكفري الطغاة املبدلني ونبذ من كفرهم وعاداهم على هذا األصل

ح ـ جعل أشخاص معينني من السياسيني هم املعيار وامليزان ، فمن كفرهم ـ مع أم أتوا هو حروري وتكفريي وصاحب فتنة وليس من أهل بأسباب الكفر الصراح وانتفت املوانع ـ ف

. السنة

Page 177: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٨٢

ويف باب اجلهاد معطلة للجهاد املسلح ، وخمذ◌◌لة ومرجفة ، وجيعلون مراحل تعجيزية - ٢( للجهاد املسلح حقيقتها تنتهي إىل تعطيل اجلهاد ، ويستبدلونه جبهاد الكلمة أو الشبكة

اليت أفسدوا ا الناس و أفسدوا ا شباب أو جهاد الرتبية ، أو جهاد الفضائيات) االنرتنتالصحوة ، وبعضهم يرون أنه ال جهاد طلب ، ويهامجون ااهدين ويلمزوم ويتهموم باالستعجال والغلو وعدم فهم الواقع ، وأم تكفرييون وخوارج وأهل ردود أفعال فقط ،

ن املصاحل واملفاسد ، وأضاعوا مكاسب وأم افتاتوا على األمة ومل يشاوروا العلماء ، وال يراعو الدعوة ، وجروا األمة إىل صراع غري متكافئ ، إىل غري ذلك من اجلور والظلم العظيم الذي

١.ظلموا به إخوام يف هذا الباب أن األمة غري مهيأة للجهاد ، وال جيوز جر األمة إىل معركة ومن شبهاتهم

ويتهمون اجلهاديني بأم ، اجلهاد وأن يسبقه الرتبية غري متكافئة ، ويشرتطون التكافؤ يف أضاعوا مكاسب الصحوة مثل إغالق مجعيات اإلغاثة يف الغرب واملراكز اإلسالمية فيها ،

وقد يفصلون أو ، وكذا قلة الدروس العلمية والتأليف وتسلط الغرب على االنرتنت وهكذا م ويؤمثوم ، وينفون عنهم األجر واملثوبة يطردون اجلهاديني من حلقام وجتمعام ومنازهل

. والقبول من اهللا وجيعلون قتالهم ليسوا شهداء بفقه التيسري - زورا وتانا - ويف باب الفقه فتحوا باب الرتخص واستحدثوا ما يسمى - ٣

مما اختلف فيه أهل العلم ، -زعموا -، وهو اختيار ما يوافق العصر وفيه يسر على الناس تا بأن األصل يف مثل هذا أن ما اختلف فيه أهل العلم يرجح الراجح بناءا على ما دلعلم

النصوص عليه ، وهؤالء عكسوا فكانوا يرجحون على أساس يسره على الناس ، وذا األصل الباطل أفتوا بأشياء يف احلج والبيوع واللباس والفضائيات وما يتعلق باملرأة واحلجاب

اعة يف البيت والسفر بدون حمرم ، والتساهل يف مساع الغناء واملوسيقى واللحية وصالة اجلمحبجة أن هناك فرقا بني السماع واالستماع ، والسفر من أجل االستمتاع بالنساء بعقد ظاهره اجلواز وحقيقته حيلة من أجل االستمتاع فقط فحقيقته نكاح متعة من غري نية االستقرار

. فأصبحوا أهل أهواء وترخصات يف باب الفقه ، اخل ...معها أو اإلجناب

Page 178: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٨٣

سياسة االحتواء واملوازنات بني مويف باب املوقف من أهل البدع واألهواء استخدا- ٤ . احلسنات والسيئات

والسياسيني استخدام أسلوب احلوار ومد اجلسور ، ويف باب املوقف من العلمانيني- ٥ . لسلف فيهم وترك جماهدم واالحتساب عليهم وهجر أصول ا

الرتكيز من الناحية السياسية على قضايا معينة ال خيتلف فيها أحد لكسب رضا اجلميع - ٦، مع إمهال قضايا مهمة كالتوحيد وأصول الوالء والرباء ومسائل الكفر بالطاغوت ومسائل

. تبين اجلهاد وااهدين واألمر والنهي واالحتساب يف ذلك ت أو التحالف مع العلمانيني أو السياسيني أو الرتبية استخدام أسلوب الربملانا- ٧

.والتثقيف والوعي واختاذ ذلك طريقا إلقامة الدولة اإلسالمية تعظيم جانب املصلحة والسياسة الشرعية يف ظنهم ولو خالفت الشرع ، فإن أكثر - ٨

ة اإلمارة استدالهلم يف مواقفهم باملصلحة ، ولذا انتقدوا تكسري أصنام بوذا من قبل حكوماإلسالمية يف أفغانستان حبجة أن املصلحة تقتضي التمهل وعدم االستعجال يف تكسريها ،

-مع العلم بأن أعظم املصاحل إقامة التوحيد وكسر الشرك - مث خيرتعون املفاسد الظنية ويعارضون أعمال ااهدين باسم املصلحة ، ويتنازلون عن أشياء يف العقيدة واألصول باسم

ملصلحة ، ويستخدمون املناورات السياسية باسم املصلحة والسياسة الشرعية ، ويكون هلم اكالم خاص خيالف الكالم املعلن باسم املصلحة والسياسة الشرعية، وتركوا بيان احلق ورد

، وتركوا الرتاجع عن اخلطأ الذي يعرتفون سرا -زعموا -اخلطأ باسم مصلحة االجتماع يه من باب املصلحة ووحدة الصف مع أن التلبيس به باق وال زال نشره ساري أم اخطأوا ف

. املفعول ، واستغالل أهل الباطل له باق

مث أحدثوا مسألة التعايش مع األمريكان عن طريق األرض املشرتكة واألصول املتفق - ٩لوقت الذي عليها مع نبذ العنف واإلرهاب والتعاون على ذلك ، وأحدثوا هذا األصل يف ا

كثرت فيه الدعوات إىل احلوار والتعايش مع الغرب وخصوصا مع األمريكان ، مسايرة هلذا الواقع ، وأيضا رسالة إىل بعض السياسيني من باب االسرتضاء ، وهذا األصل وعدوا بنشره

. وإشاعته ، واىل كتابة هذه األسطر وهو منشور

Page 179: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٨٤

تهجوا وروجوا إللغاء باب الردود واعتباره ـ وملا ظهرت الردود على مسألة التعايش ان ١٠مفرقا للجماعة ومبعثرا للصف ، وأنه من أسباب الفرقة والضياع ، ناسفني بذلك طريقة السلف يف الردود املبينة للحق املزيلة للخطأ ، مع أم يف القدمي ردوا على فتاوى مشهورة

! . فرقة للجماعة مبعثرة للصف وعلى علماء مشهورين ومل يلتفتوا إىل مسألة أن الردود م

سوف أذكر لك أيها القارئ احلبيب مناذج من ردود السلف بقصد بيان وبهذه المناسبة : احلق ورد اخلطأ

كتاب السري لألوزاعي وهو رد على سري أيب حنيفة ، وكتاب الرد على سري األوزاعي أليب . كتاب الرد على حممد بن احلسن للشافعي . يوسف لإلمام أمحد والدارمي وأيب داود يف سننه وابن ماجة : املسماة بالرد على اجلهمية الكتب

. يف سننه ، والرد على بشر املريسي للدارمي املصنف البن أيب شيبة يف فصل الرد على أيب حنيفة رمحه اهللا ، وفصل يف السنة لعبد اهللا

إىل أهل زبيد يف الرد على من رسالة السجزي. بن أمحد فصل بعنوان الرد على أيب حنيفة .رسالة ابن قدامة املقدسي يف الرد على ابن عقيل احلنبلي . أنكر احلرف والصوت

ردود البيهقي على من رد على الشافعي مثل كتاب بيان خطأ من أخطأ على الشافعي ، ردود أيب يعلى مثل كتاب الرد على ابن اللبان الشافعي. وكتاب االنتقاد على الشافعي

. وكتاب الرد على الكرامية ، وكتاب الرد على الساملية ردود ابن تيمية مثل الرد على األخنائي ، وكتاب الرد على البكري ، قاعدة يف الرد على

كتاب الصارم املنكي يف الرد على السبكي حملمد بن أمحد بن عبد اهلادي . الغزايل يف التوكل . وكتب ابن القيم يف الردود .

وكتاب الرد الوافر على من زعم بأن من مسى ابن تيمية شيخ اإلسالم كافر البن ناصر .الدين الدمشقي

كتاب مفيد املستفيد ردا على أخيه سليمان ، : ردود الشيخ حممد بن عبد الوهاب مثل منهاج التأسيس يف : ردود عبد اللطيف بن عبد الرمحن مثل . رسالة يف الرد على الرافضة

بهات داود بن جرجيس ، وكتاب اإلحتاف يف الرد على الصحاف ، وكتاب دالئل كشف شكتاب . الرسوخ يف الرد على املنفوخ ، وكتاب الرباهني اإلسالمية يف رد الشبه الفارسية

Page 180: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٨٥

االنتصار حلزب اهللا املوحدين والرد على اادل عن املشركني لعبد اهللا أبا بطني ، كتاب تنبيه سحمان نردود اب. الرد على املدراسي والسندي واحلليب ألمحد بن عيسى النبيه والغيب يف

األسنة احلداد يف الرد على علوي حداد ، والصواعق املرسلة الشهابية على الشبه : مثل الداحضة الشامية ، وتأييد مذهب السلف وكشف شبهات من حاد واحنرف ودعي باليماين

كتاب غاية األماين يف الرد على النبهاين حملمود .دي شرف ، والبيان املبدي لشناعة القول اكتاب نقض املباين يف فتوى اليماين وحتقيق املرام فيما يتعلق باملقام للشيخ . اآللوسي

وعبد الرمحن املعلمي يف كتابه التنكيل مبا يف تأنيب الكوثري من . سليمان بن محدان كتب الشيخ محود . الرد على ابن حممود الشيخ عبد اهللا بن محيد يف كتابه. األباطيل

الرد القوي على الرفاعي واهول وابن علوي وبيان أخطائهم يف املولد : التوجيري ومنها النبوي ، السراج الوهاج يف الرد على شليب يف اإلسراء واملعراج ، كتابه يف الرد على أهل

. يدة الصواعق الشديدة على اتباع اهليئة اجلد: الفلك املسمى : القسم الثاني الذي انشق من الصحوة األم

وهؤالء هم الغالة وهم ما يسمى بالعصرانيني وهؤالء أطروحتهم مثل أطروحات العلمانيني يف املرأة واالقتصاد والسياسة واملال والغناء والفن والتمثيل ، وهم مرجئة يف باب اإلميان

. مانيني يف باب السياسة واحلكموعلجهمية يف باب التكفري مع رقة يف الدين ،

:تنبيه هناك من أهل الصحوة من يوافق التيار االزامي بأصل أو أصلني فهذا ال يكون منهم ، وال حيسب عليهم ، لكنه خيشى عليه االخنراط يف سلكهم إن مل يتدارك أمره ، وهذا يقال

. م فيه أخطأ يف هذا فقط ، ويبقى على ما كان عليه واهللا أعلوما عدا القسمني السابقني بقيت الصحوة األم وهللا احلمد على أصول أهل السنة يف اإلميان والتوحيد والتكفري والفقه واجلهاد والسياسة واملوقف من الكفار والعلمانيني والضالني

العلمانية وغري ذلك ، وهم مجهور الصحوة تواملبتدعني ورفض التعايش ورفض واألطروحا احلمد ومل يشذ عنها إال أولئك النفر القليل الذين أحدثوا الفرقة والشقاق ، نسأل اليوم وهللا

Page 181: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٨٦

اهللا أن يهدينا وإياهم وأن يردهم إىل احلق وأن جينب املسلمني الفرقة واخلالف والعداوة . وصلى اهللا على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم . والبغضاء املخالفة للشريعة

كتبه الخضير علي بن خضير

بريدة - القصيم هـ١٤٢٣

Page 182: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٨٧

الملحق الثاني

بالدرجة الكافية أغبياء لسنا

بـن عبـد د لصـالة والسـالم علـى رسـول اهللا حممـاحلمد هللا رب العاملني خـالق اخللـق أمجعـني وا :د وعلى آله وصحبه أمجعني مث أما بعاهللا

اىل قبـل حفظهـم اهللا تعـالبيان التوضـيحي الـذي أصـدره املشـايخ ل لقد علمت ببعض تفاصيحــداث بعــض عبــارات نقلــت عــن مســودة البيــان ، فاســتبقت األ صــدوره بيــومني ، ولقــد ســرين

م معلومــات ســارة خطــاب شــكر هلــم برجــوعهم للحــق وبيــان وكتبــت بنــاء علــى مــا وصــلين مــبيان املثقفني ، وهذا كفيل بإغالق باب شر فتحه علينا هـذا م ألوجه اخلطأ اليت تضمنها بيا

قــد مزقــت خطــاب الشــكر الــذي اســتبقت بــه بيــان التوضــيح ، ف ن ، ولكــين مــع كــل أســالبيــاللثنـاء علـى أصدروه ، ألين وجدت أنه ال داعي للشكر وال جمال وبكيت حالنا فور قراءيت ملا

أذكــره ، ورأيــت بعــد طــول تأمــل أن أكتــب هــذه األســطر لعلهــا تنفــع ف بيــان التوضــيح ملــا ســو فاضـل هـدانا اهللا مـن أرجـو أن ينتفـع ـا أوال وعلـى رأسـهم مشـاخينا األ فعاملنصفني ، إذا مل تن

، وقد قصدت تأخري هذه الرسالة حىت دأ الزوبعة ليأخذ املعنيون وقتا كافيـا ق وإياهم إىل احل .جكتبته هلم بأعصاب هادئة ودون تشنما لقراءة

العبـارات تلـك عقـوال وعلمـا نفهـم بـهبالدرجة الكافية ، ألننا من أغبياء نعم أيها الكرام لسنا .ل، وندرك مناورات األقوال واألفعاونقرأ األسطر ونعي معاين ألفاظها

بكتابـة مـا نـدين وبيـان التوضـيح جنـد أنفسـنا ملـزمني ولذا فبسبب مـا قرأنـاه يف بيـان املثقفـنيائنا من كان فـال بالدليل كه رعي ، فمن أخطأ ال بد أن يرد خطأاهللا به وما نرى أنه مطلب ش

بالــدليل فــإن فعلــه ال يكــون إال عصــمة إال لألنبيــاء ، والــدين ديــن اهللا ومــن ذب عــن الــدين .ا حسن

، ولكـين ! ميكـن لقارئـه أن يعـرف هـو توضـيح ملـاذا إن بيان التوضيح الذي صـدر ال: أوال ثقفــني ، يــان امليناقشــوا مــا انتقــد علــيهم مــن أخطــاء يف بن رأيــت أــم يف بيــان التوضــيح بــدل أ

الكثري بأنـه خطـأ ، وتراجـع عنـه أيضـا عـدد ممـن وقعـوا البيـان معهـم ، ه فيرتاجعوا عما اتفق علي

Page 183: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٨٨

ليصـلوا إىل اسـتعراض -رمبـا لضـعف مـوقفهم –أم خرجوا من هـذا كلـه ت فبدل الرتاجع رأي .ة السنة واجلماع بعض عقيدة أهل

جنـرح يف اعتقـادهم ، بـل قـدحنا فيمـا ى البيـان وملعلما أننا مل ننتقد عقائد املـوقعني بنـاء علـنظـن يف عقيـدم خـالف مـا بينـوا مـن أصـول ا رنـا خمالفتـه للـدليل ، ولـو أنـا كنـكتبوا فقط وذك

فاقد األصول يعد مرتـدا اليصـلح النقـاش معـه يف بيام التوضيحي ملا خاطبناهم أصال ، ألنن مل نكن نظـن مبشـاخينا هـذا والعيـاذ بـاهللا ، وحن وال نصحه بل يستتاب فإن تاب و إال قتل ،

خطأنـاهم كمـا خطـأ العلمـاء مـن قبلنـا مـن هـم خـري بل إننـا نعـرف حسـن اعتقـادهم ، ولكننـارضـي اهللا عـنهم أمجعـني ، و رغـم ختطئـة العلمـاء منـا ومـنهم كـأيب بكـر وعمـر وعثمـان وعلـي

ليبينــه دون داع دعــت لــه مــنهم فــزع إىل معتقــده م لــبعض علــى مــر القــرون مل نــر أحــدابعضــه .فمسائل اخلال

واضحا ، فإن قدحنا يف بيـان املثقفـني كـان ألجـل خمالفتـه للـدليل الشـرعي ، ر إذا ليكن األمأعــين بــذلك العلمــاء مــنهم ال منطلقــا مــن تصــورنا لســوء معتقــد مــن كتــب البيــان و ومل يكــن

.عالرعا وعـــدم ش أخطـــاء بيـــان املثقفـــنينقـــا إن اهلـــروب مـــن: ووضـــعا للنقـــاط علـــى احلـــروف أقـــول

العقائد ، ض عالقة هلا باملوضوع ، وهي استعرااإلقرار باخلطأ صراحة ، والدخول يف مسألة ال أخطاء بيان ح ال من قريب وال من بعيد يف تصحي ال يسمن وال يغين من جوع ، وال فائدة له

املشــكلة ، إن مــا اجل يعــاملثقفــني ، وصــدور بيــان التوضــيح ــذا الشــكل أصــبح مثــل عدمــه وملهــو أن يبينــوا وجــه م فــني أو بعضــهم و خاصــة العلمــاء مــنهأردنــا أن يوضــحه كتــاب بيــان املثق

معتقـــدهم ليشـــفع ذلـــك هلـــم ، ا احلجـــة والـــدليل ، ال أن يكتبـــوا لنـــاخلطـــأ والصـــواب يف البيـــان بمني مجيعــا ، ديننــا وباســم املســل ويسـكتنا عمــا لبســوا بــه علـى األمــة ، وغــروا بــه الكــافرين باسـم

واجلماعــة لنســكت عنــه ملــا اتضــح ة يف اخلطــأ اســتعرض عقيــدة أهــل الســن فلــو أن كــل مــن وقــع . حق وال دحض باطل أبدا

باخلطـأ ، ويـنص أيضــا املفـرتض أن يـنص يف بيــان التوضـيح علـى االعــرتاف ن كـان مــ: ثانيـاله صـــلى اهللا عليـــه وســـلم بعينهـــا الـــيت وردت يف بيـــان املثقفـــني نصـــحا هللا ولرســـو ء علـــى األخطـــا

املســـلمني ، فقـــد تلقـــف العامـــة بيـــان املثقفـــني الـــذي نشـــر عـــرب الصـــحف والقنـــوات ولعامـــة

Page 184: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٨٩

تلقفــوه بــالقبول لتوقيــع أصــحاب ســابقة الفضــل عليــه ، فكــان مــن الواجــب أن واإلذاعــات ،والعلـم أن بيـان املثقفـني فيـه هـذه األخطـاء وتصـحيحها هـو كـذا وكـذا ينص أصـحاب الفضـل

.اليل كذوالدالشـرع ولـه ف وأرجو أال يقول قائل ال تلزم غريك برأيك ، فهذا لـيس رأيـي ، بـل كـل مـن عـر

بـالرجوع الصـريح ن لشبهة من قلوب العامة ، إمنـا يكـو عقل يعرف أن الرجوع عن اخلطأ ورفع االســبيل الوحيــد لنصــح و همهــا اجلاهــل قبــل العــامل ، وهــذا هــعــن اخلطــأ وبيــان احلــق بعبــارات يف

راجت يف أوساطهم تلـك د مع علته ، فالعلة هي أن الناس ق ة املسلمني ، و احلكم يدورعامإزالتهـا بصـراحة ووضـوح بـال ب قلوم من بيان املثقفني ، فوجـاألخطاء والشبه اليت قذفت يف

.فمواربة وال استنكامـر انتهـى وليت األ التوضيح مل ينص على نقد أخطاء بيان املثقفني ، قدمنا أن بيان: ثالثا

محــل أخطــاء بيــان املثقفــني ولكــن ممــا زاد الطــني بلــة أن البيــان التوضــيحي قــد، عنــد هــذا احلــد د ومــا تبــع ذلــك مــن الــردو ( التوضــيح عليــه ، ال ملــن كتبــه وروجــه ، حيــث قــالوا يف بيــاند ملـن ر

ح أن نوضـــوالتســـاؤالت مـــن بعـــض اإلخـــوان عـــن طبيعـــة هـــذا البيـــان ، ولغتـــه ، ولـــذلك أحببنـــا ن نعـم بيـا) علـق علـى هـذه التسـاؤالت إلخواننا هـذا األمـر ، ونسـتدرك مـا جـاء مـن لـبس ، ون

التوضــيح مل خيــرج لالعتــذار عــن أخطــاء بيــان املثقفــني كمــا تــدل عليــه هــذه العبــارات وخــرج

.ط لتوضيح اللبس والتعليق على التساؤالت وبيان امل من العبارات فقال يكون من الكاتب إمنـا يكـون مـن القـارئ ، فأصـبح فاللبس) لبس ( معىن كلمة ظ فالح

وهـو املخطـئ ، ) اللـبس ( صـاحب علـى البيـان أو نقـده أو فهـم منـه اخلطـأ أنـه هـو الـذي ردف الــنقض أيضــا ، إمنــا حيتــاج إىل كشــالبيــان فلــيس فيــه مــا يســتحق الرتاجــع وال النقــد وال ا أمــ

.سبيان وتفصيل حىت يزول اللباللبس ، وما جاء من عبارات جمملة فيه حتتاج إىل غـري مباشـرة ة املثقفـني ملـن رد عليـه فحسـب بطريقـفعبارات بيان التوضيح حتمل أخطاء بيان

والقــارئ فقــط ، د مــن الناقــ -بــالطبع -الــذي حصــل ) اللــبس( ، فجــاء هــذا البيــان ليوضــح . نواألمريكا أما الكاتب فلديه فن التعبري واألسلوب الذي ال يفهمه إال هم

دعموهـا جبملـة هـي أصـرح منهـا ومل يقفـوا عنـد تلـك العبـارة الـيت حتمـل الناقـد اخلطـأ ، حـىتفبعـد حتميـل الناقـد أخطـاء ) ، وتـردد دوهذا قـدر يقـع فيـه اجتهـا( ثقفني فقالوا عن لغة بيان امل

Page 185: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٩٠

تــأيت هــذه اجلملــة لتحيــل املشــكلة برمتهــا ، )لــبس( بيــان املثقفــني ألنــه ال يفهــم وحصــل عنــده .بإللزامنا بآراء اآلخرين يف لغة اخلطاي وع أسلوب تتجاذبه اآلراء وال داعىل موضإ

مـع أن عـدم الـذكر لـبعض األصـول الشـرعية يف البيـان ، أو ( قـالوا يف بيـان التوضـيح: رابعـا مقاماـا دون بعـض ال يـراد منـه ، وال يلـزم عـدم اعتبارهـا ، أو ذكرهـا جمملـة ، أو ذكـر بعـض

).هحبسب ما يناسب قام يذكرقصدها فإن املالصـراحة والصـدق مـع الـنفس أوال مث مـع عفوا أيهـا العلمـاء الكـرام إننـا حنتـاج إىل شـيء مـن

املثقفـــني وردوه وحـــذروا النـــاس منـــه ، مل يكـــن ن ل ثانيـــا ، فنقـــد الـــذين رفضـــوا بيـــاالقـــارئ العاقـــكرها ، كمســائل األمســاء الــيت مل تــدع املناســبة لــذ ة بســبب عــدم إيــرادكم لــبعض األصــول الشــرعي

الـدجال ، فلـم ينتقـدكم مـن يعـول عليـه بـأنكم مل تـذكروا والصفات مثال أو أخبـار املهـدي أو .هينتقدكم أحد مبا هو خارج ما كتبتمو أصوال ال مناسبة لذكرها ، ومل

ألنكــــم أخطــــأمت يف عــــرض بعــــض األصــــول وقلبــــتم م بــــل إن جــــل مــــن انتقــــدكم إمنــــا انتقــــدكأو ذكـره جممـال لعـدم املناسـبة أو عـدم احلاجـة ق ، فهنـاك فـرق بـني عـدم ذكـر احلـيها املفاهيم ف

الــدين وذكــر األدلــة يف غــري موضــعها ، فهــذا هــو للتفصــيل ، وبــني قــول اخلطــأ وقلــب حقــائقفمن انتقد عليكم إمنا انتقد الباطـل الـذي سـطرمتوه ، اخلالف وهو السبب الرئيس للنقد أصل

موضعها إىل غري ذلك من األمور اليت سـبق ذكرهـا يف ردود ت يف غرياالستدالل باآليا وانتقد أغبيــاء واعرفــوا مــوطن اخلــالف وأصــله ، وثقــوا أننــا لســنا متفرقــة ، فاصــدقوا مــع أنفســكم

تومهــوا بالدرجــة الكافيــة ، حــىت حتولــوا القضــية إىل خــالف يف مســائل فرعيــة واجتهاديــة ، والتتحـدثون ذه العبـارات ، فكـل عاقـل يفهـم أنكـمأنفسكم أنكم خـرجتم مـن تلـك األخطـاء ـ

.ه عن مسائل هي خارج موطن النزاع أو ثانوية فياملثقفني وال ينقضه ، بيان التوضيح أن هذا البيان يوضح ما جاء يف بيان جاء يف: خامسا أشد االستغراب ، كيف يكون بيان توضيح فقـط ، ولـيس بيـان تراجـع ونقـض ، ب وأنا أستغر :ا كن اجلمع بينها حبال أبدا فمنهالبيانني متناقضات ال مي ويوجد يف

مث يـأيت يف ) فاهيمنـا اخلاصـة وليس مـن شـريعتنا أن نلـزم اآلخـرين مب( املثقفني قوهلم يف بيان واملقصود من اجلهاد هو نشر دين اهللا يف أرض اهللا ،( التوضيح ما يناقض هذا فيقولون ن بيا

و لعباد إىل عبـادة رب العبـاد فمـن دخـل يف اإلسـالم عصـم مالـه ،و إخراج العباد من عبادة ا

Page 186: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٩١

وذاك دمــه ، و مــن أىب ذلــك ، وأدى اجلزيــة ، فهــو معصــوم املــال ، والــدم ، ومــن أىب هــذا ، فكيـف يكــون وضـع الكــافر أمـام خيــارات ثـالث هــي اإلسـالم أو) وجـب مــع القـدرة قتالــه

.اجلزية أو السيف ليس إلزاما لآلخرين ؟فكرين األحـرار ثل هذا املفصل املهم من التاريخ فإننا ندعو املم ويف( يف بيان املثقفني وجاء

) التطـاحن والصـراع الفهـم األفضـل للفـريقني ، وينـأى بشـعوبنا عـن دائـرة ق إىل حوار جـاد حيقـبـالقوة فقـط ، وقد تعلمنا من التاريخ أن الضمانات لتحقيـق األمـن ال تفـرض) وجاء فيه أيضا

ن مث يــــأيت يف بيــــا) لفشــــل وااليــــار مانات الــــيت تفــــرض بــــالقوة حتمــــل معهــــا بــــذور االضــــن أل إن اجلهــــاد يف ســــبيل اهللا مــــن أهــــم وســــائل نشــــر التوحيــــد حتقيقــــا لقــــول اهللا تعــــاىل( التوضــــيح

وقول ) الظاملني وقاتلوهم حىت ال تكون فتنة ويكون الدين هللا فإن انتهوا فال عدوان إال على(اهللا وحــده ال بعثــت بالســيف بــني يــدي الســاعة حــىت يعبــد( عليــه وســلم الرســول صــلى اهللا

) مــري أ شــريك لــه وجعــل رزقــي حتــت ظــل رحمــي ، و جعــل الــذل و الصــغار علــى مــن خــالفالكفــار فكيــف تقــرون بــأن الصــراع والتطــاحن مــن أهــم وســائل نشــر التوحيــد ، وقــد دعــومت

والصـراع ، وكمـا وب عـن دائـرة التطـاحناألحرار قبل ذلك بأن يتعـاونوا معكـم لالبتعـاد بالشـعقـررمت بـأن األمـن ال أنكم تقرون بأن اجلهاد من أهـم وسـائل نشـر التوحيـد إال أنكـم سـبق وأن

.؟فكيف جنمع بني ذلك يفرض بالقوة وإذا فرض بالقوة فهو حيمل بذور الفشل وااليارالعقائـد ، واألصـول للنـاس بيـان هـذه ن أننـا نـرى أ نؤكد إلخواننـا( و جاء يف بيان التوضيح

طريقــة القــران ، ومــنهج الرســل الكــرام ، ي كــافرهم واجــب متحــتم ، و أن هــذه هــ مــؤمنهم ، وواملتأمل يف بيان املثقفني ال يـرى هـذه الصـفات فيـه ) وال نرتدد يف ذلك ، و هللا احلمد ، واملنة

نا إليــه بالــدليل ؟ أو فــأين هــو مــن بيــان املثقفــني أرشــدو ك ، فبمــا أنكــم ال تــرتددون ببيــان ذلــ، وقـد .. ) جـواب األمـريكيني ( عبد الكـرمي احلميـد املسـمى بــ تعلموه من بيان فضيلة الشيخ

اعتــداء علــى احلــق ويف بيــان األمريكــان ( يف بيــان التوضــيح بقــولكم وصــفتم بيــان األمــريكيني )لوضالل عن السبي

، لـى هـذا االعتـداء والضـالل بوضـوحوالعجيب أن من يقـرأ بيـان املثقفـني ال جيـد فيـه الـرد ع بــل جنــد احلــرص علــى الوصــول إىل قواســم مشــرتكة ، والتعســف يف إجيــاد قــيم متفــق عليهــا

ث مـن اعتـداء وضـالل ، لتـذهبوا للبحـ كأرضية للتعاون ، فكيف ترتكون الرد على ما جاء فيه

Page 187: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٩٢

للنـاس إيصـاهلاعن أرضية للتفاهم ، وأنـتم الـذين تقـرون أن بيـان العقائـد واجـب متحـتم جيـب .مؤمنهم وكافرهم ؟

الـوالء والـرباء هـو مضـمون ، ومقتضـى ال إلـه فإننا نقول ونؤكد أن( وجاء يف بيان التوضيح بتحقيقـه الـوالء للمـؤمنني والـرباءة مـن الكـافرين وأن مـن إال اهللا ، وأنـه ال يقـوم إسـالم عبـد إال

بيـان وسـبق أن قلـتم يف) هـو مـنهم وأن من تـوىل الكـافرين ف يشك يف كفر الكافر فهو كافر ،العالقـات بـني املسـلمني وغـريهم يف األصـل هـو العـدل واإلحسـان س وهلذا فـإن أسـا( املثقفني

ال ينهــاكم اهللا عــن : ( الــذي حيبــه اهللا وأمرنــا بــه ، قــال اهللا تعــاىل والــرب ، وهــذا مــن القســط م وتقسـطوا إلـيهم إن اهللا حيـبيقـاتلوكم يف الـدين ومل خيرجـوكم مـن ديـاركم أن تـربوه الذين مل

التوضـيح ، فعبـاراتكم يف بيـان املثقفـني ومنهـا مـا تقـدم ختـالف مـا جـاء يف بيـان) ) املقسـطني الكـافرين ، وقبـل ففـي بيـان التوضـيح مـن يتـوىل الكـافر فهـو كـافر ، وال إسـالم إال بـالرباءة مـن

والـرب واإلحسـان ، وهـذه عـدلذلك قلتم يف بيان املثقفني أسـاس العالقـة و األصـل فيهـا هـو ال .التناقض ؟ املعاين تفسر مبا يفهمه املخاطب ألا موجهة إليه ، فما هذا

ال إكـراه يف ( قولـه تعـاىل إن عـدم اإلكـراه يف الـدين الـذي جـاء يف( جاء يف بيـان التوضـيح وسـبق أن )املرتـد عـن اإلسـالم علـى ردتـه ال يعـين تـرك اجلهـاد يف سـبيل اهللا وال إقـرار) الـدين

اإلنسان من حيث هو كينونته خملـوق ( بقولكم جاء يف بيان املثقفني ما خيالف هذا ، وذلكولقــد : (لونــه أو عرقــه أو دينــه ، قــال اهللا تعــاىلن فــال جيــوز أن يعتــدى عليــه مهمــا كــا مكــرم ،

جـاءت يتجتيـز االعتـداء عليـه مهمـا كـان دينـه ، والعبـارة الـ فهذه العبـارة ال) ) كرمنا بين آدم احلكم ، فبيان التوضيح ال جييز إقرار املرتد وال جييز تـرك اجلهـاد ، ا يف بيان التوضيح تبطل هذ

يعارضه وال جييـز االعتـداء عليـه مهمـا كـان دينـه ، ومعلـوم أن اجلهـاد شـرع ضـد وبيان املثقفنيمـع بـني أجل دينهم ، ووجب قتل املرتد أيضـا مـن أجـل تبديلـه لدينـه ، فكيـف اجل الكفار من .؟ النقيضني

ميكــن الكــافر أن ن حــد ممــن بســط اهللا يــده يف األرض أال جيــوز أل( جــاء يف بيــان التوضــيح قــررمت يف بيــان املثقفــني د وقــ.. ) س ، بــل جيــب قمعــه ، وردعــه ينشــر دينــه ، أو فكــره بــني النــا

ه ، وقـد لونـه أو عرقـه أو دينـن ا كـاكما سبق ذكـره أنـه ال جيـوز أن يعتـدى علـى اإلنسـان مهمـبأنــه طــرح جــرئ وغــري مســبوق ، املؤيــدة لكــم بيــانكم بيــان املثقفــنيوصــفت بعــض األوســاط

Page 188: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٩٣

لنشـر بعــض القــيم واملفــاهيم املتفــق ا ية للتفـاهم املشــرتك والتعــاون معــليصـل مــع الغــرب إىل أرضــيـــتم التعـــاون مـــع الكـــافر لنشـــر القـــيم ف اضـــح أيضـــا مـــن ألفـــاظ البيـــان ، فكيـــعليهـــا ، وهـــذا و

التطاحن والصراع ، وأنتم الذين تقرون أنـه ال ة تفق عليها للنأي بالشعوب عن دائر يم املواملفاهعجبا لذلك ، ولعـل قائـل يقـول بـأن !! بني الناس ؟ه متكني الكافر من نشر دينه أو فكر جيوز

ال ختـــالف الشـــرع ، فيقـــال لـــو طابقـــت مفـــاهيم الكـــافر فـــاهيم املقصـــودة هـــي املفـــاهيم الـــيتاملم ، بـل ينشـرها يتـاح لـه نشـرها ألنـه ال ينشـرها باسـم اإلسـال سـالم فإنـه ال جيـوز أنمفـاهيم اإل

.ته ذا بالتايل دعوة إىل دينه وحضار وقوانينه الوضعية وهه بامسه وباسم حضارت إن من ضـروريات الـدين أن السـيادة واحلكـم يف اتمـع اإلسـالمي( التوضيح ن وجاء يف بيا

، واالســتنكارات علــى بيــان املثقفــني مث بعــد تــوايل الــردود ) أو كثــرة دون اعتبــار لقلــة لشــرع اهللاللبيـان يوضع صفحة يف موقع اإلسالم اليوم املروج لبيان املثقفني ، جلمع أصوات مليون مؤيـد

فـإذا كـان االعتبـار ، ة ، فمـا الـداعي جلمـع مليـون مؤيـد ، فإذا كان الشرع ال يعترب لقلـة أو كثـر ويطبق فاحلق أحـق أن يتبـع الدليل ممن اعرتض ويعتىن به ويناقش ويلتزم بالدليل فلم مل يطلب

، والقــول بأنــه متشــنج أو عباراتــه ؟ أمــا القــدح يف نوايــا املنتقــدين و يف نقــدهم املعــزز بالــدليلتـدخل يف املقاصـد أو هـو مبـين شـديدة أو أنـه صـدر ممـن تسـرت خلـف اسـم مسـتعار ، أو أنـه

يغــين عــنكم شــيئا ، فــالنيب ذلــك مــن القــوادح ، فكــل ذلــك ال علــى خلفيــات تارخييــة ، وغــريالنـاس عنهـا ، وهـو أيضـا الـذي صلى اهللا عليه وسـلم قبـل نقـد اليهـودي لـبعض األلفـاظ وـى

الكرسـي ، فطالـب احلـق ال يهمـه مـن أقـر خـرب الشـيطان أليب هريـرة رضـي اهللا عنـه بفضـل آيـة . احلق هل وافق النقد للدليل أم ال طالب م عندجاء باحلق أو ما هي ألفاظه وخلفياته ، امله

املثــال ال احلصــر الــيت وردت يف البيــانني ، وهــي مــن فهــذه بعــض التناقضــات علــى ســبيلعلــم ، فإمــا أن يكــون البيــان األول صــوابا والثــاين خطــأ ب ملتناقضــات الــيت ال جتتمــع عنــد طالــا

رمبــا هــذا مــا أراده أصــحاب بيــانالثــاين هــو الصــواب ، و ن لــى أأو العكــس ، والــدليل يــدل عتاب بيـان عن بيان املثقفني ، ولكن املشكلة ملاذا أعرض كن التوضيح ليكون مبثابة تراجع مبط

أ ، ملـــاذا األمـــة علــى الشــجاعة يف تقبــل النقـــد والرجــوع عــن اخلطــب التوضــيح الــذين ربــوا شــبا! ون عــن اخلطــأ بصــراحة ؟عليــه ، وملــاذا يتبنــون النقيضــني وال يرجعــب أعرضــوا عمــا ربــوا الشــبا

.؟إىل شجاعة أم السبب شيء آخر فهل املسألة حتتاج

Page 189: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٩٤

بعــد صــدور بيــان التوضــيح إلغــالق بــاب م لقــد مسعنــا مــن بعــض العلمــاء دعــو : سادســا مــع بــالغ تقــديرنا ملــن دعــا إلغــالق البــاب ن فــني واالهتمــام مبــا هــو أوىل ، وحنــنقــاش بيــان املثق

نــرى أن احلــق لــيس للمــوقعني علــى بيــان الــرمحن الــرباك ، وعلــى رأســهم فضــيلة الشــيخ عبــداحلق هللا تعاىل ولدينه ، فمن رد علـى بيـان ا ألصحاب بيان التوضيح أيضا ، إمناملثقفني وليس

وتفسـيق الرجـال ، وحينمـا يتضـح احلـق فالسـكوت إمنا مقصده إيضاح احلق ال تكفـرياملثقفنيفالسكوت باطل ، وال يالم من كتب ألـف ألـف ل ، ولكن إذا ألبس احلق بالباطهو الصواب

مائـة صـفحة يف بيــان أصـول الـدين والــرد ب بيـان حـق واحــد ، فكيـف يـالم مــن كتـ صـفحة يفوحيـذروا األمـة ممـا أخطـأوا فيـه ويبينـوا وجـه أ هها ، فإمـا أن يرتاجـع أصـحاب اخلطـعلى مـن شـو

يه من باطل حىت يتضح احلق الردود على ما جاء فر اخلطأ حفاظا على دين الناس ، أو تستماحلـــق للعلمــاء الثالثــة ، وحينمــا كــان يظــن الــبعض أن س جليــا للعــام قبــل اخلــاص ، فــاحلق لــي

دهم ، حنــن مل العلمــاء معتقــدهم وقــالوا كفــوا فقــد بينــوا معتقــ للرجـال نــادى بــالكف عنــدما بــنينـوع شـدة مل ا ولكن كنا نقدح يف بيام ، وما جاء مـن ألفـاظ فيهـم ، نكن نقدح يف معتقده .الرجال ، بل املقصود ا رد ما جاء يف بيام من باطلح يكن املقصد منها جتري

الــردود الــيت توالــت علــى بيــان املثقفــني املقصــد الوحيــد منهــا هــو رد ه وال يظــن أحــد أن هــذوإن كان هذا جدير بكل تلك الردود وضعفها ، ولكن املقصد منهـا أيضـا ط أخطاء البيان فق

بيانـات ومقـابالت مماثلـة لـه ، الـذي أفـرز لنـا هـذا البيـان الـذي جـاء قبلـه بعـدة ملـنهجهـو رد ا املنهج كفيل أيضا أن يفرز لنـا بيانـات أخـرى إذا مل يـتم توضـيح وجـه خطـأ هـذا املـنهجا وهذ

ولإلعـالم الـدافع ملثـل ذلـك بالـدليل ، ونقـول ملـن طلـب توقـف الـردود ، هـل بـان لعامـة النـاسأصـحابه ملثـل ن أقوال بيان املثقفني ؟ و هل تشـعرون بـأن املـنهج الـذي دفـعخاصة وجه بطال

.تراجعات ؟ هذا البيان ونشره ، هل تشعرون حبصول مراجعات هلم يف املنهج وليسوال حيمـل ( وهـي قـولكم لقد جاء يف بيان التوضيح عبارة حتتـاج إىل طلـب إيضـاح: سابعا

العبـارة املطاطـة ؟ ومـن املقصـود ه فمـا معـىن هـذ) ين هاد على ااهـدخطأ من أخطأ باسم اجلعــــن اســــتنادا علــــى مــــا ســــبق أن كتبتمــــوهن و اخلطــــأ بالــــدليل ؟ ولــــن نفســــرها حنــــــــا ؟ ومــــا هــــال تقصدون ما يفهم مـن هـذه العبـارة اسـتنادا م بل إننا نظن فيكم خريا ونرى أنكااهدين ،

ننا نطلب اإليضاح لعلنا ال نفهم العبارات ، بل إ، من قولكم يف حق ااهدين على ما سبق

Page 190: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٩٥

ااهـدين وخطـر ذمهـم هـل طبقـتم ذلـك مـن قبـل ؟ وسـؤال حـول علمكـم خبطـورة القـدح يفباسـم اجلهـاد فضـرب الكفـار وقـاتلهم اجتهـادا منـه أ ىن هذه العبارة أن املسلم لـو أخطـوهل مع

.؟منه ، كما يفيد بيان املثقفني أتسميته باإلرهايب ونترب ز ه وجيو فإنه حيوز إعانة الكفار عليللعلماء األفاضل الذين وقعوا علـى بيـان املثقفـني وعلـى رأسـهم مـن وقعـوا بيـان ل نقو : ثامنا

إن احلـق أحـق أن يتبـع ، ولقـد بلغنـا أن مـنكم مـن هـو علـى قناعـة تامـة باألخطـاء التوضـيح ،لســان مقالـــه أو حالــه لـــو يف بيـــان املثقفــني ، بــل لقـــد علمنــا أن بعضـــكم قــال ب الــيت وردترتف باخلطـأ ، فلـم ال أمري ما استدبرت ما وقعت ، فمـع أن بعضـكم نـادم ومعـن استقبلت م أنــتم فتحتمــوه علــى األمــة ، وترتاجعــوا تراجعــا صــرحيا وتنقضــوا مــا جــاء يف بيــانا تغلقــوا بابــ

أن لمني أمــااملثقفـني مــن أخطــاء بعبــارات واضــحة ومباشــرة ، نصــحا هللا ولرســوله ولعامــة املسـبالباطـل ، وإذا رد ق ت ، وختلطوا فيـه احلـتكتبوا بيانا ال حاجة لألمة مبثله يف هذا الوقت بالذا

الصف ، ولو كنـتم أصـال عليكم العلماء ، قلتم أخطأ من رد وكان عليه أال يرد حىت ال يشقا لرتاجعــتم توحيــد الصــف أيضــ خــرجتم مثــل هـذا البيــان ، ولــو أردمتتريـدون توحيــد الصــف ملــا أ

اخلطـأ علـى مـن رد ألنـه حصـل صـراحة عنـدما اتضـح لكـم وجـه اخلطـأ يف بيـانكم ، أمـا إلقـاءالصفوف إال فرقة ، وكان مـن املفـرتض أن د يزيد األمر إال تعقيدا وال يزي عنده لبس ، فهذا ال

د الباطـل الذي بان لكم بالدليل ، أما رمي من ر ق طأ وتعتذروا عنه وتدعوا إىل احلتتحملوا اخلبأنـه ال يراعـي وحـدة الصـف فهـذا ظلـم لـه ، فالـذي ي ظهـر قرنـه مـن خـالل بيـان املثقفـنيالذ

جبميـل العبـارات وبأسـلوب ملتـو ومل يرتاجـع عنـه صـراحة فتح باب الفتنة واستمر بدعم خطئـه .هالتهمة ال سوا رغم وضوحه له ، هو األوىل ذه

املثقفني بسوء فهمه للبيان ، فـأقول د على بيانولعل املدافع عنكم أيضا حتمس وام من ر إىل فهـــم الكفـــار وفهـــم العلمـــانيني لـــه اتـــرك فهمنـــا وفهمكـــم اآلن وانظـــر لآلخـــرين ، انظـــر

املثقفــــني ، ومــــا الســــبب الــــذي جعلهــــم ن وأذنــــاب الطواغيــــت ، كيــــف فهمــــوا بيــــاواحلــــداثيني ل هــذا ألنــه صــدع بــاحلق واإلنرتنــت ، هــف القنــوات ويف اإلذاعــات ويف الصــحيشــيدون بــه يف

الـرمحن ؟ ال واهللا ولـو كــان كـذلك مل جتـدوا مــن ء وبـني وجـه الفرقـان بــني أوليـاء الشـيطان وأوليــاطـاب منهم سابقا ، فمدح الكافر و العلماين وإشادته خبم مثال هؤالء إال اللعن كما كان لكأ

ن نقـدكم فقـط ذا فهم مـعبارات توافق مذهبه الباطل ، فليس هه كهذا مل يأت إال ألنه قرأ في

Page 191: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٩٦

روا بـذلك ويكفـي أعـداءكم سـابقا ولـذا وقعـوا معكـم ، ففرحـوا واستبشـا ، بل هو فهم من كانو اجلهلة العقالنيني يف إحدى الصحف بقوله بأن بيان املثقفني هـو سـري د أن يصف بيانكم أح

فـع لـواء الـدفاع ، أمـا را حممد عبده وجتديد هلا ، فهنيئـا للبيـان هـذا الوصـف على طريقة اإلمامفـــني ووصـــفه باالعتـــدال والعلـــم واملشـــركني الزيـــدي اجللـــد فقـــد أثـــىن علـــى بيـــان املثقك عـــن الشـــر

حبتهم كمعاويـــة وعمـــرو بـــه ، وهـــو الـــذي ال يتحمـــل أن يقـــر بفضـــل الصـــحابة وال صـــد وأشـــا رضي اهللا عنهم ، فكيف به ميدح بيان املثقفني وماذا فهم منه ؟ ، وخرج أحدم وخالد وغريه

ب ضــائيات ويشــجليــدافع عــن البيــان يف إحــدى الف -وهــو يفتخــر ــذا الوصــف –ليرباليــني ال ويستنكر على من رد عليه ، ويقول آخر وهو يدعي أنه وقع علـى بيـان املثقفـني يف مقـال لـه

الكـافر ة أي بلغـ –آن بـل كتـب بلغـة املخاطـب يف جريدة احلياة بأن البيان مل يكتب بلغة القـر البيــان ، سـلوب ، ناهيـك عـن ثنـاء اجلهـات الرمسيـة وغـري الرمسيـة علـى هـذاوميتـدح هـذا األ -

إىل مصـنف لـذلك ، ا مـانيني وغـريهم علـى البيـان الحتجنـولو تتبعنا ثناء اخلبثـاء والكفـار والعلعلــى مــن رد عليــه ومـع كــل هــذا يــأيت مــن يـدافع ويقــول إن اخلطــأ يف الفهــم للبيــان هـو حكــر

مـن نقـده يف قـراءة ع هلـوى ، متناسـني اشـرتاك اآلخـرين مـطـق عـن افقط ، وكـأن مـن تبنـاه ال ينواجلهلــة والعلمــانيني ســوء البيــان ولــو علــى ســبيل املــدح مــن الطــرف اآلخــر ، فمــدح الفســقة

آخـر ، والـدليل علـى ذلـك ه لبيـان ، هـو يعـين املذمـة لـه مـن وجـوالكفار والطواغيت جمتمعـني لاإلعـــالم كمـــا تعـــرض لـــألول ، ه حوه ومل يتعـــرض لـــره هـــؤالء ومل ميـــدأن بيـــان التوضـــيح مل يـــذك

كــل مــن أثنــوا علــى بيــان ه معتقــد أهــل الســنة وهــذا الــذي حياربــوالســبب هــو أنــه جــاء بــبعض .املثقفني من هذا الصنف الضال

:أوجد بيان املثقفني يف قلوبنا حسرات علماؤنا األفاضل لقديف وجــه املـــد العلمـــاين الكلمـــة وتوحيــد الصـــفوف أن مـــن كــان يرجـــى مــنهم مجـــع: منهــا

إنكـار املنكـرات ومـؤازرة مـن أنكرهـا بكـل السـبل ، فـإذا والتخـرييب لـبالد املسـلمني ، و انتظـاركــانوا حباجــة لــذكره فضــال عــن االشــتغال بــه ، وهــم الــذين ــم يطرحــون طرحــا ليســت األمــة

قــوة إال بــاهللا ، مبعــارك جانبيــة تبعــدنا عــن أهــدافنا وال حــول والل ينــادون األمــة بعــدم االنشــغااملهــم الســعي الــدؤوب يف إقــراركم يف بيــان التوضــيح بــأنكم تعتقــدون أن مــن ة وزاد األمــر حســر

صـة لألعـداء املرتبصـني ، فهـل وقطـع دابـر الفتنـة والتفـرق واالخـتالف وإعطـاء الفر ة مجع الكلمـ

Page 192: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٩٧

هـل غـريكميف بيان التوضيح شيئا من ذلك واعرتفـتم أم أنكـم محلـتم أخطـاءكم علـى كام فعلت

.ومتاديتم يف اخلطأ ؟األمس ولكنه أصبح حليـف اليـوم عندما اكتشفنا للمشايخ حليفا جديدا هو عدو: ومنها

إذا بــــه يتصــــدر قائمــــة أهــــل فالعلمــــاين الــــذي كــــان بــــاألمس خبيثــــا دون أن يتــــوب ويرجــــع ، .لعلمانيةاألوساط اإلعالمية ا اإلصالح ، وال حول وال قوة إال باهللا وهذا ما فرحت به

الكثـريين ، فكـم كنـا نظـن أننـا علـى قناعـة بـأن عندما أظهر البيان اخللـل يف منهـاج: ومنها يؤكـد أن الكثـري يعرفـون احلـق بالرجـال ، رغـم رد العلمـاء الرجـال يعرفـون بـاحلق ، فـإذا بالبيـان

.عليه بالدليلن أكثـر مـن حـرب علـى ورق عندما أكد بيان املثقفني أن كثريا مما كان يدرس مل يكـ : ومنها

كالم على أشرطة ، وعند التطبيق العملي فإذا بكثري منه يتبخر ، وقد أكد بيـان التوضـيح أو .والتطبيق ؟ ثقفني ، فهل هناك فرق بني التنظريذلك أيضا فأين معتقد أهل السنة يف بيان امل

ة األسـطر علنـا لنصـح بكتابـن عنـدما رأينـا أننـا انشـغلنا مضـطري ولقد خـيم احلـزن علـى قلوبنـاوحتـريض النـاس علـى املطالبـة م لـدفاع عـنهم وعـن قضـيتهمن كنـا نكتـب األسـطر يف نصـرم وا

.باإلفراج عنهمعـرتاف مـن بلغنـا أن مسـودة البيـان التوضـيحي قـد ورد فيهـا ا وكان بالغ احلـزن حصـل عنـدما

بيـان ، ففرحنــا هلـذا الرجــوع وأـم توضــيحا هلـذه األخطــاء كتبـوا هــذا ال، املـوقعني عليهـا باخلطــأ ة النهائيـة للبيـان تصـدر ويسـري وراءه ويغلـق بـاب الشـر والفتنـة ، فـإذا بالنسـخ الذي يـؤثر احلـق

لبيــان علــى خــالف نيــة مــن االعــرتاف باخلطــأ ، وضــع اللــوم علــى عــاتق مــن فهــم ال وفيهــا بــد .دا وضر وما سرفاحتاج األمر إىل توضيح اللبس ببيان آخر زاد األمر تعقي، ومقصد كاتبه

كتـب بلغـة وحزنا أيضا حينما عرفنا أم أقروا يف املسودة بعبارة صرحية أن بيان املثقفـني قـديناســب املخاطــب ا فيهــا عــن لغــة اخلطــاب أــا تــذكر مــ ازاميــة ، فــإذا بالنســخة النهائيــة كتــب

.على حسب املقام ، متناسني كل شيء خيالف هذا التعليل الضعيفبالدرجــة الكافيــة ، فإننــا خدمــة لكــم أغبيــاء العلمــاء األفاضــل ومبــا أننــا لســناولكــن أيهــا

اجع واعتذار ونقـض لبيـان املثقفـني ، حـىت تر ودفاعا عنكم سنعترب بيانكم التوضيحي هو بيان، وهذا ليس قـويل بـل هـو قـول ألحـد العلمـانيني ال تتهموا بانفصام الشخصية بتبين النقيضني

Page 193: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٩٨

ار التوضيح ، فإذا كنتم ختافون من الرتاجع واإلقر ن صيب باإلحباط من بيال له بعدما أيف مقا سنؤدي هذه املهمة عنكم وسنخدمكم فنحن ال خناف منا باخلطأ حتت ضغوط النقد ، فإنن

إن ذلــــك يرفــــع مكــــانتكم عنــــدنا ويعلــــي قــــدركم وتطمــــئن ل تــــراجعكم وال إقــــراركم باخلطــــأ ، بــــليـــتكم فعلـــتم وحنـــن لكـــم مـــن معـــه حيـــث دار ، فيـــا نفوســـنا ملـــن ال يســـتحي مـــن احلـــق ويـــدور

.الشاكرين ، فرفقا بنا رمحكم اهللا تعاىل وآخر دعوانا أن احلمد هللا رب العاملني

أبو البراء/ أخوكم

.هـ ١٤٢٣/ ١٥/٣

الفهرس

القسم األول

٣ : المقدمة ٩ :التعليق على البيان التوضيحي ١١ :ما شاكله متهيد يف خطورة هذا البيان و

الفصل األول مقدمات ضرورية

١٥ الكفر بالطاغوت ومنه الرباءة من الكفار نصف التوحيد: المقدمة األولىرضا الكفار لن حيصل إال باتباع ملتهم ، والزجر وقع يف اتبـاع : المقدمة الثانية

:أهوائهم يف قليل أو كثري ٢١

Page 194: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٣٩٩

نة ال يعـــين تغيـــري الشـــرع مبـــا يوافـــق هـــوى اللـــني واملوعظـــة احلســـ: المقدمـــة الثالثـــة :املدعو

٢٣

٢٦ :أن الكالم بالباطل أعظم من السكوت عن احلق : المقدمة الرابعة ٣١ :أن اهللا أكمل الدين وأمت النعمة : المقدمة الخامسة ٣٥ :يف ما جيوز بذله للكفار وقت الضعف وما ال جيوز : المقدمة السادسة ٣٩ :أن اجلهاد شرع رمحة للعاملني : المقدمة السابعة ٤١ :أن ترك اجلهاد وقت الضعف ال يعين إلغاء التشريع : المقدمة الثامنة

٤٦ :أن الصراع بني احلق والباطل واجب شرعا دائم قدرا : المقدمة التاسعة ٤٨ :أن الفرتة املكية أشق من الفرتة املدنية : المقدمة العاشرة

٥١ :أن الرد عند التنازع إىل الكتاب والسنة : عشرةالمقدمة الحادية ٥٤ :أن احلق يقبل ممن أتى به : المقدمة الثانية عشرة ٥٦ :أن السابقة والفضل ال يعين ترك الباطل : المقدمة الثالثة عشرة ٥٨ :أن مسائل اخلالف ينكر فيها : المقدمة الرابعة عشرة

٦٠ :لالزم لبيان فساد القول جادة مطروقة أن ذكر ا: المقدمة الخامسة عشرة الفصل الثاني

مقارنات ٦٣ ) :تعايش اليوم(و ) جهاد األمس(مقارنة بني : المبحث األول ٦٤ ) :بيان األمريكيني(و ) بيان املثقفني(مقارنة بني : المبحث الثاني ٧١ ) :بيان الليرباليني(و ) بيان املثقفني(مقارنة بني : المبحث الثالث

ــــع وبعــــض مــــا جــــاء يف مــــؤمترات ) بيــــان املثقفــــني(مقارنــــة بــــني : المبحــــث الراب :التقريب بني األديان

٧٣

ورسالة شيخ اإلسالم ابـن تيميـة ) بيان املثقفني(مقارنة بني : المبحث الخامس :إىل ملك قربص

٨١

الفصل الثالث نقض بيان المثقفين عقال

Page 195: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٤٠٠

٨٩ : تمهيد ٩٠ :بالنظر إىل األمريكان : المبحث األول ١٠٠ :بالنظر إىل التاريخ : المبحث الثاني

١٠٠ :بالنظر إىل تاريخ اإلسالم : القسم األول ١٠٢ :بالنظر إىل تاريخ بعض املوقعني يف البيان : القسم الثاين

١٠٦ :بالنظر إىل الواقع : المبحث الثالث ١٠٦ :املعاصر بالنظر إىل الواقع الدويل: القسم األول ١٠٧ :بالنظر إىل واقع بعض املوقعني : القسم الثاين

١١١ :بالنظر إىل طبيعة البيان : المبحث الرابع ١١١ :الدعوة إىل احلوار والتعايش : املسألة األوىل ١١٣ :الكالم على العلمانية : املسألة الثانية

١١٥ :بالنظر إىل مؤيدي البيان : المبحث الخامس الفصل الرابع

نقض بيان المثقفين شرعا ١٢٣ : تمهيد

١٢٤ :منكرات بيان املثقفني : المبحث األول ١٢٥ :بيان املثقفني والسياسة : أوال ١٣٣ :بيان املثقفني واألسس املنسوبة إىل الشريعة : ثانيا ١٤٩ :بيان املثقفني والتقريب بني األديان : ثالثا

١٤٩ :تاريخ التقريب بني األديان وبعض رموزه : األمر األول ١٤٩ :وحدة األديان : القسم األول ١٥٠ :توحيد األديان : القسم الثاين

١٥١ :التقريب بني األديان : القسم الثالث ١٥٢ :أسس التقريب بني األديان وبيان املثقفني : األمر الثاني

١٥٢ :التعاون احلوار من أجل التعايش و : األساس األول

Page 196: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٤٠١

١٥٥ :االنطالق من املسائل املشرتكة : األساس الثاين ١٥٨ :نبذ التعصب الديين : األساس الثالث

١٦٢ :بيان املثقفني وحتريف النصوص : رابعا ١٦٢ ) :ال إكراه يف الدين(قوله تعاىل : النص األول ١٧١ ) : ولقد كرمنا بين آدم(قوله تعاىل : النص الثاني ١٧٤ ) :أنه من قتل نفسا بغري نفس (قوله تعاىل : النص الثالث ١٧٨ ) :إمنا بعثت ألمتم مكارم األخالق(حديث : النص الرابع

١٨١ ) :لقد أرسلنا رسلنا بالبينات(قوله تعاىل : النص الخامس ١٨٤ ) :ال ينهاكم اهللا عن الذين مل يقاتلوكم(قوله تعاىل : النص السادس

١٨٧ ) :هو الذي خلق لكم ما يف األرض مجيعا (قوله تعاىل : لسابعالنص ا ١٩٠ ) :وإذا توىل سعى يف األرض ليفسد فيها(قوله تعاىل : النص الثامن ١٩٣ ) :لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا(قوله تعاىل : النص التاسع

١٩٦ :بيان املثقفني والرباءة من اجلهاد وأهله : خامسا ٢٠٠ :بيان املثقفني ومواالة الكفار : دسا سا

القسم الثاني ٢٠٦ ) :بيان املثقفني(األدلة الشرعية على نقض : المبحث الثاني

٢٠٩ ) :فاصدع مبا تؤمر(قوله تعاىل : الدليل األول ٢١٢ ) :فال تطع املكذبني(قوله تعاىل : الدليل الثاني ٢١٥ ) :دوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليكوإن كا(قوله تعاىل : الدليل الثالث ٢١٩ ) :ولو تقول علينا بعض األقاويل(قوله تعاىل : الدليل الرابع

٢٢١ :نصوص البالغ : الدليل الخامس ٢٢٥ ) :فاستقم كما أمرت(قوله تعاىل : الدليل السادس ٢٢٨ :سورة الكافرون : الدليل السابع ٢٣٣ :سورة عبس : الدليل الثامن ٢٣٦ ) :واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك(قوله تعاىل : الدليل التاسع

Page 197: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٤٠٢

٢٤٠ :قصة حاطب بن أيب بلتعة رضي اهللا عنه : الدليل العاشر ٢٤٤ ) :يسألونك عن الشهر احلرام(قوله تعاىل : الدليل الحادي عشر

٢٤٩ :نصوص النهي عن مواالة الكفار : الدليل الثاني عشر ٢٥٦ :نصوص عداوة الكفار للمسلمني : لثالث عشرالدليل ا

٢٥٨ :النصوص اآلمرة مبخالفة الكفار : الدليل الرابع عشر ٢٦٢ :النصوص املفرقة بني املسلمني والكفار : الدليل الخامس عشر ٢٦٦ :نصوص مواالة املؤمنني : الدليل السادس عشر ٢٧٠ :واالبتالء نصوص التالزم بني احلق : الدليل السابع عشر ٢٧٤ :نصوص اجلهاد يف سبيل اهللا : الدليل الثامن عشر ٢٧٨ :النصوص الدالة على بقاء اجلهاد إىل يوم القيامة : الدليل التاسع عشر

٢٨١ :قصص األنبياء : الدليل العشرون ٢٨٤ :السرية النبوية : الدليل الحادي والعشرون

٢٨٩ :الصحابة سرية : الدليل الثاني والعشرون الفصل الخامس شبهات وردود

٢٩٥ :تمهيد ٢٩٦ :صلح احلديبية : الشبهة األولى ٣٠١ :أن عدم ذكر األصول ال يلزم منه عدم االعتبار : الشبهة الثانية ٣٠٣ :أن هذا البيان من باب التقية : الشبهة الثالثة ٣٠٦ :أن هذا البيان من باب املداراة : الشبهة الرابعة

٣٠٨ :أن هذا البيان من باب التورية : الشبهة الخامسة ٣١٢ :أن هذا البيان من باب الدعوة واحلوار ال الرد واإلبطال : الشبهة السادسة ٣١٧ :أن أصول التعايش يف القرآن : الشبهة السابعة ٣٢٣ :أن القرآن كتاب حوار : الشبهة الثامنة

٣٢٥ :د بكالم لشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهللا االستشها: الشبهة التاسعة

Page 198: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٤٠٣

٣٣٢ :حسن القصد : الشبهة العاشرة ٣٣٤ :احملافظة على وحدة الصف : الشبهة الحادية عشرةإين خشـيت أن تقـول فرقـت بـني (ه تعاىل عن هـارون قول: الشبهة الثانية عشرة

) :بين إسرائيل٣٤٠

٣٤٩ :ان من باب املصلحة أن هذا البي: عشرة الثالثةالشبهة الفصل السادس

)المصلحة(كسر طاغوت حجة المفلسين ٣٥١ : تمهيد

٣٥٣ :أنواع املصاحل : المبحث األول ٣٦٢ :أول من قدم املصاحل على النصوص : المبحث الثاني ٣٦٦ :إبطال تقدمي املصاحل على النصوص : المبحث الثالث ٣٦٩ :سألة املصلحة تنبيهات يف م: المبحث الرابعأن النظـــر إىل املصـــلحة يكـــون عنـــد عـــدم وجـــود الـــدليل الشـــرعي :األمـــر األول

:املعارض ٣٦٩

٣٧٢ :مصلحة احلفاظ على الدين : أن أعظم مصلحة ينظر إليها :األمر الثاني ـــــر الثالـــــث أن املصـــــاحل الشـــــرعية املعتـــــربة ليســـــت منوطـــــة بـــــأهواء النـــــاس :األم

:وشهوام٣٧٣

٣٧٤ :على الوقائع ال يسوغ ) قاعدة املصاحل(أن االستدالل مبجرد :األمر الرابع أن الدليل الشرعي حيث وجد فهناك املصلحة وحيث وجدت :األمر الخامس

: املصلحة فقد دل عليها الدليل٣٧٥

٣٧٧ : الخاتمة ٣٧٩ :المالحق

٣٨٠ علي اخلضري : لفضيلة الشيخ : أصول الصحوة اجلديدة : الملحق األول ٣٨٧ أليب الرباء : لسنا أغبياء بدرجة كافية : الملحق الثاني

٣٩٩ الفهرس

Page 199: التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل(2).pdf

٤٠٤