34
ﺍﻟﻨﻈﺮ ﳏﻚ ﺍﻟﻐﺰﺍﱄ ﺣﺎﻣﺪ ﺃﺑﻮ ﻭﺃﻗﺴﺎﻣﻪ ﻭﺗﺮﺗﻴﺒﻪ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﻘﺼﻮﺩ ﲢﺼﺮ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺭﺑﺎﻁ ﻓﺈ ﺍﻷﻣﺮﻳﻦ، ﺑﲔ ﻟﻠﺠﻤﻊ ﻭﻗﻔﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻐﻠﻂ ﻣﺜﺎﺭﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻭﺍﳊﺪ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺷﺮﻁ ﺍﻟﺘﻤﺴﺖ ﺇﻥ ﺃﻧﻚ ﺍﻋﻠﻢ ﻛﻠﻬﺎ. ﻭﺍﳊﺮﻛﺔ ﺍﳉﺴﻢ ﲟﻌﲎ ﻛﻌﻠﻤﻚ ﺍﳌﻔﺮﺩﺓ ﺍﻟﺬﻭﺍﺕ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻓﺈﻥ ﺍﳌﻔﺮﺩﺍﺕ ﻫﺬﻩ ﻧﺴﺒﺔ ﻭﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﳌﻔﺮﺩﺍﺕ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﻭﺍﻟﻘﺪﱘ ﻭﺍﳊﺎﺩﺙ ﻭﺍﻟﻌﺎﱂ ﻭﺍﻹﺛﺒﺎﺕ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺇﱃ ﺑﻌﻀﻬﺎ. ﺃﻣﺮﺍﻥ ﺃﻳﻀﺎ ﻭﳘﺎ ﺍﻟﻘﺪﱘ ﻟﻔﻆ ﻭﻣﻌﲎ ﺍﳊﺎﺩﺙ ﻟﻔﻆ ﻭﻣﻌﲎ ﻣﻔﺮﺩ ﺃﻣﺮ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﺎﱂ ﻟﻔﻆ ﻣﻌﲎ ﺃﻭﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﻓﺈﻧﻚ ﺍﻟﻌﺎ ﺇﱃﺪﻡ ﺍﻟﻘ ﺗﻨﺴﺐ ﻛﻤﺎ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ ﻣﻔﺮﺩ ﺇﱃ ﻣﻔﺮﺩﺍ ﺗﻨﺴﺐ ﻣﻔﺮﺩﺍﻥ، ﻓﺘﻘﻮﻝﺛﺒﺎﺕ ﺑﺎﻹ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﳊﺎﺩﺙ ﻭﺗﻨﺴﺐ ﻗﺪﳝﺎ ﺍﻟﻌﺎﱂ ﻟﻴﺲ ﻓﺘﻘﻮﻝ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ، ﻭﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ، ﺍﻟﺘﻜﺬﻳﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﻳﺘﻄﺮﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻷﺧﲑ ﻭﺍﻟﻀﺮﺏ ﺣﺎﺩﺙ ﺍﻟﻌﺎﱂ ﲟﻔ ﺇﻻ ﺧﱪ ﻳﻨﺘﻈﻢ ﻭﻻ ﺍﳋﱪ ﺇﱃ ﺫﻟﻚ ﻳﺘﻄﺮﻕ ﺇﳕﺎ ﺑﻞ ﺍﳌﻔﺮﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﻜﺬﻳﺐ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺇﺫ ﻭﺗﻜﺬﻳﺐ، ﺗﺼﺪﻳﻖ ﻳﺪﺧﻠﻪ ﻓﻼ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﺄﻣﺎ ﺮﺩﻳﻦ ﳐﺘﻠﻔﺘﲔ ﺑﻌﺒﺎﺭﺗﲔ ﺍﻟﻀﺮﺑﲔ ﻫﺬﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻌﺒﲑ ﻋﻠﻰﺼﻄﻠﺢ ﺃﻥ ﺑﺄﺱ ﻓﻼ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺃﻭ ﺑﻨﻔﻲ ﺍﳌﻮﺻﻮﻑ ﺇﱃ ﺍﻟﻮﺻﻒ ﻧﺴﺐ ﻓﺈﺫﺍ ﻭﻭﺻﻒ، ﻣﻮﺻﻮﻑ. ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻠﻨﺴﻢ ﺍﳌﻌﲎ ﳛﺎﺫﻱ ﺃﻥ ﻓﺤﻘﻬﺎ ﺍﳌﻌﺎﱐ ﻣﺜﻞ ﺍﻷﻟﻔﺎﻅ ﺇﺫ ﺃﻟﻔﺎﻇﻬﺎ ﲣﺘﻠﻒ ﺃﻥ ﺍﳌﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺣﻖ ﻓﺈﻥ ﻣﺘﺄ ﹶ، ﻋﻠﻤﺎ ﺍﻟﺜﺎﱐ ﻭﻟﻨﺴﻢ ﺍﻟﻨﺤﺎﺓ ﺑﻘﻮﻝ ﻓﻴﻪ ﺳﲔ: ﺗﻘﻮﻝ ﺇﺫ ﻣﻔﻌﻮﻟﲔ ﺇﱃ ﻳﺘﻌﺪ ﻭﺍﻟﻈﻦ ﹰ، ﺯﻳﺪﺍ ﻋﺮﻓﺖ ﺗﻘﻮﻝ ﺇﺫ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻔﻌﻮﻝ ﺇﱃ ﺗﺘﻌﺪ ﺍﳌﻌﺮﻓﺔ ﺇﻥ ﻋﺎﳌﺎ ﺯﻳﺪﺍ ﻇﻨﻨﺖ. ﺍﳌﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻦ ﺑﺎﺏ ﻣﻦ ﻓﻬﻮ، ﻋﺪﻻ ﺯﻳﺪﺍ ﻋﻠﻤﺖ ﻓﺘﻘﻮﻝ ﻣﻔﻌﻮﻟﲔ ﺇﱃ ﻳﺘﻌﺪﻯ ﺃﻳﻀﺎ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ. ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻫﻮ ﻫﺬﺍ ﺃﻫﻞ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﻭﺇﻥ ﺍﻵﺧﺮ ﻋﻦ ﺑﺪﻻ ﺃﺣﺪﳘﺎ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﲣﺎﻟﻔﻪﻤﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ. ﺗﻨﺤﺼﺮ ﺍﳌﻌﻠﻮﻣﺔ ﺍﻹﺩﺭﺍﻛﺎﺕ ﻓﻨﻘﻮﻝ ﺍﻻﺻﻄﻼﺡ ﻫﺬﺍ ﺍﺳﺘﻘﺮ ﻓﺈﺫﺍ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﳌﻌﺮﻓﺔ. ﻭﻣﻦ، ﺍﳌﺮﻛﺐ ﻳﻌﻠﻢ ﻛﻴﻒ ﺍﳌﻔﺮﺩ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻓﺈﻥ، ﻣﻌﺮﻓﺘﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺘﻘﺪﻡ ﺃﻥ ﺿﺮﻭﺭﺗﻪ ﻓﻤﻦ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﺇﻟﻴﻪ ﻳﺘﻄﺮﻕ ﻋﻠﻢ ﻭﻛﻞ ﺍﻟﻌﺎﱂ ﻣﻌﲎ ﻳﻔﻬﻢ ﺣﺎﺩﺙ ﺍﻟﻌﺎﱂ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻢ ﻛﻴﻒ ﺍﳊﺎﺩﺙ ﻣﻌﲎ. ﻗﺴﻤﺎﻥ ﻭﺍﳌﻌﺮﻓﺔ: ﻏﲑ ﲨﻠﻲ ﺃﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻪ ﺍﲰﻪ ﻳﺪﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻫﻮ ﻭﻣﻄﻠﻮﺏ، ﺑﺎﳊﺲ ﺍﳌﺪﺭﻛﺔ ﻛﺎﳌﻔﺮﺩﺍﺕ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻳﻄﻠﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻫﻮ ﺃﻭﱃ ﺗﻔﺼﻴﻠﻪ ﻓﻴﻄﻠﺐ ﻣﻔﺼﻞ. ﻣﻄﻠﻮﺏ ﻭﺇﱃ ﺃﻭﱄ ﺇﱃ ﻳﻨﻘﺴﻢ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﻛﺬﻟﻚ. ﺑﺎﳊﺪ ﺇﻻ ﻳﻘﺘﻨﺺ ﺍﳌﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﻓﺎﳌﻄﻠﻮﺏ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﺇﻟﻴﻪ ﻳﺘﻄﺮﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻭﺍﳌﻄﻠﻮﺏ ﻛﻠﻬﺎ ﻭﺍﳌﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺗﻘﺘﻨﺺ ﺍﻟﱵ ﺍﻵﻟﺔ ﻃﺎﻟﺐ ﻭﺍﳊﺪ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﻃﺎﻟﺐ ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ؛ ﻭﻫﻮ ﻭﺍﻟﱪﻫﺎﻥ ﺑﺎﳊﺠﺔ ﺇﻻ ﻳﻘﺘﻨﺺ ﺍﻟﺘﻜﺬﻳﺐ. ﻓﻠﻴﻜﻦ ﺍﳊﺪ ﳏﻞ ﻫﻮ ﻭﻗﺴﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﳏﻞ ﻫﻮ ﻗﺴﻢ ﻗﺴﻤﲔ ﻛﺘﺎﺑﻨﺎ. ﺍﻟﻘﻴ ﺃﻥ ﺍﻋﻠﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻣﻨﻪ ﻳﻠﺰﻡ ﳐﺼﻮﺹ ﺑﺸﺮﻁ ﳐﺼﻮﺻﺎ ﻧﻈﻤﺎﻈﻤﺖ ﻭﻧ ﳐﺼﻮﺻﺎ ﺗﺄﻟﻴﻔﺎ ﹸﻟﻔﺖ ﳐﺼﻮﺻﺔ ﺃﻗﺎﻭﻳﻞ ﻋﻦ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﺎﺱ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻣﻦ ﻭﺃﺧﺮﻯ ﺷﺮﻭﻃﻬﺎ ﻋﻦ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺇﺫ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﻣﻘﺪﻣﺎﺕ ﻫﻲ ﺍﻟﱵ ﺍﻷﻗﺎﻭﻳﻞ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﺓ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺪﺧﻞ ﻭﺍﳋﻠﻞ، ﺍﻟﻨﺎﻇﺮ ﻣﻄﻠﻮﺏ ﻫﻮ ﺭﺃﻱ ﻭﻣ، ﻳﻘﻴﻨﻴﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﺍﳌﻘﺪﻣﺎﺕ ﻛﺎﻧﺖ ﻭﺇﻥ ﻭﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻟﺘﺮﺗﻴﺐ ﲨﻴﻌﺎ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺮﺓ. ﺑﺴﺒﺐ ﳜﺘﻞ ﺗﺎﺭﺓ ﹼﺐ ﻣﺮﻛ ﺃﻣﺮ ﻓﺈﻧﻪ ﺍﳌﺒﲏ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﶈﺴﻮﺱ ﻭﻣﺜﺎﻟﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻭﺃﻥ، ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺣﻴﺚ ﻣﻦ ﻓﺎﺳﺪﺍ ﻓﻴﻜﻮﻥ، ﺍﻷﺭﺽ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻮﺿﻊ ﺇﱃ ﻣﻨﺨﻔﻀﺎ ﻭﺍﻟﺴﻘﻒ ﻣﻌﻮﺟﺔ ﺍﳊﻴﻄﺎﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺄﻥ، ﺍﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻫﻴﺌﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﺍﻵﻻﺕ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﻭﺍﳉﺰﻭﻉ ﺍﻷﺣﺠﺎﺭ. ﺻﺤﻴﺢ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﺗﺎﺭﺓ ﺍﻻﺧﺘﻼﻝ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﻟﻜﻦ، ﻭﺳﻘﻔﻬﺎ ﺣﻴﻄﺎ ﻭﻭﺿﻊ ﺗﺮﺑﻴﻌﻬﺎ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﺕ ﻭﺗﺸﻌﺚ ﺍﳉﺰﻭﻉ ﺭﺧﺎﻭﺓ ﻣﻦ. ﻭﺗﺮﺗﻴﺒﻪ ﺗﺮﻛﻴﺒﻪ ﻫﻴﺌﺔ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻥ ﺇﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﺍﳋﻠﻞ ﻓﺈﻥ، ﻣﺮﻛﺐ ﺃﻣﺮ ﻭﻛﻞ ﻭﺍﳊﺪ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺣﻜﻢ ﻓﻬﺬﺍ ﻗﻲ ﻭﺍﳋﺸﺐ ﺍﻟﻘﻤﻴﺺ ﻛﺎﻟﺜﻮﺏ، ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻷﺻﻞ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻥ ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺴﻘﻒ ﻭﺍﳉﺬﻭﻉ ﺍﳊﺎﺋﻂ ﻭﺍﻟﻠﱭ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ. ﺇﻋﺪﺍﺩ ﺇﱃ ﻳﻔﺘﻘﺮ ﺍﻟﻠﱭ ﺃﺭﺍﺩ ﺇﺫﺍ، ﻭﺍﻟﻄﲔ ﻭﺍﻟﻠﱭ ﻛﺎﳉﺬﻭﻉ، ﺃﻭﻻ ﺍﳌﻔﺮﺩﺓ ﺍﻵﻻﺕ ﻳﻌﺬ ﺃﻥ ﺇﱃ ﻳﻔﺘﻘﺮ ﺍﳋﻠﻞ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﺑﻴﺖ ﺑﻨﺎﺀ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻭﻛﻤﺎ ﺑﺎﻷﺟﺰﺍﺀ ﺃﻭﻻ ﻓﻴﺒﺘﺪﺉ ﻳﻀﺮﺏ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺍﻟﻘﺎﻟﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺍﳌﺎﺀ ﻭﻫﻮ ﻣﻔﺮﺩﺍﺗﻪ. ﺍﳌﻔ، ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺁﺧﺮ ﺇﱃ ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﺍﳌﺮﻛﺐ ﹼﺐ ﻳﺮﻛ ﻓﲑﻛﺒﻬﺎ ﺮﺩﺓwww.fiseb.com

محك النظر في المنطق - الغزالي

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: محك النظر في المنطق - الغزالي

حمك النظر أبو حامد الغزايل

مقدمة حتصر مقصود الكتاب وترتيبه وأقسامهاعلم أنك إن التمست شرط القياس الصحيح واحلد الصحيح والتنبيه على مثارات الغلط فيها وقفت للجمع بني األمرين، فإهنا رباط العلوم

والعامل واحلادث والقدمي وسائر املفردات وإدراك نسبة هذه املفردات فإن العلوم إدراك الذوات املفردة كعلمك مبعىن اجلسم واحلركة . كلهافإنك تعلم أوال معىن لفظ العامل وهو أمر مفرد ومعىن لفظ احلادث ومعىن لفظ القدمي ومها أيضا أمران . بعضها إىل البعض بالنفي واإلثبات

مل بالنفي، فتقول ليس العامل قدميا وتنسب احلادث إليه باإلثبات فتقول مفردان، مث تنسب مفردا إىل مفرد بالنفي كما تنسب القدم إىل العا العامل حادث والضرب األخري هو الذي يتطرق إليه التكذيب والتصديق،

ردين فأما األول فال يدخله تصديق وتكذيب، إذ يستحيل التصديق والتكذيب يف املفردات بل إمنا يتطرق ذلك إىل اخلرب وال ينتظم خرب إال مبف . موصوف ووصف، فإذا نسب الوصف إىل املوصوف بنفي أو إثبات فال بأس أن يصطلح على التعبري عن هذين الضربني بعبارتني خمتلفتني

فإن حق األمور املختلفة أن ختتلف ألفاظها إذ األلفاظ مثل املعاين فحقها أن حياذي هبا املعىن فلنسم األول معرفة إن املعرفة تتعدى إىل مفعول واحد إذ تقول عرفت زيدا، والظن يتعدى إىل مفعولني إذ تقول : سني فيه بقول النحاة ولنسم الثاين علما، متأ

هذا هو الوضع اللغوي . والعلم أيضا يتعدى إىل مفعولني فتقول علمت زيدا عدال ، فهو من باب الظن ال من باب املعرفة . ظننت زيدا عاملا فإذا استقر هذا االصطالح فنقول اإلدراكات املعلومة تنحصر . النظر هبما ختالفه يف استعمال أحدمها بدال عن اآلخر وإن كانت عبارة أهل

وكل علم يتطرق إليه التصديق فمن ضرورته أن تتقدم عليه معرفتان ، فإن من ال يعلم املفرد كيف يعلم املركب ، ومن ال . يف املعرفة والعلم . معىن احلادث كيف يعلم أن العامل حادث يفهم معىن العامل و

أوىل وهو الذي ال يطلب بالبحث كاملفردات املدركة باحلس ، ومطلوب وهو الذي يدل امسه منه على أمر مجلي غري : واملعرفة قسمان . مفصل فيطلب تفصيله

واملطلوب من العلم الذي يتطرق إليه التصديق أو فاملطلوب من املعرفة ال يقتنص إال باحلد . وكذلك العلم ينقسم إىل أويل وإىل مطلوب فليكن . التكذيب ال يقتنص إال باحلجة والربهان وهو القياس؛ وكأن طالب القياس واحلد طالب اآللة اليت هبا تقتنص العلوم واملعارف كلها

.كتابنا قسمني قسم هو حمل القياس وقسم هو حمل احلد

اس عبارة عن أقاويل خمصوصة ألفت تأليفا خمصوصا ونظمت نظما خمصوصا بشرط خمصوص يلزم منه القول يف شروط القياس اعلم أن القي رأي هو مطلوب الناظر ، واخللل يدخل عليه تارة من األقاويل اليت هي مقدمات القياس إذ تكون خالية عن شروطها وأخرى من كيفية

ومثاله يف احملسوس البيت املبين فإنه أمر مركب تارة خيتل بسبب . رة منهما مجيعا الترتيب والنظم وإن كانت املقدمات صحيحة يقينية ، وم يف هيئة التأليف ، بأن تكون احليطان معوجة والسقف منخفضا إىل موضع قريب من األرض ، فيكون فاسدا من حيث الصورة ، وأن كانت

الصورة يف تربيعها ووضع حيطاهنا وسقفها ، ولكن يكون االختالل وتارة يكون البيت صحيح . األحجار واجلزوع وسائر اآلالت صحيحة فهذا حكم القياس واحلد وكل أمر مركب ، فإن اخللل فيه إما أن يكون يف هيئة تركيبه وترتيبه . من رخاوة يف اجلزوع وتشعث يف اللبنات

. الكرسي واللنب يف احلائط واجلذوع يف السقف وأما أن يكون يف األصل الذي يرد عليه التركيب ، كالثوب يف القميص واخلشب قي وكما أن من يريد بناء بيت بعيد من اخللل يفتقر إىل أن يعذ اآلالت املفردة أوال ، كاجلذوع واللنب والطني ، مث إذا أراد اللنب يفتقر إىل إعداد

ردة فريكبها مث يركب املركب ، وهكذا إىل آخر العمل ، املف.مفرداته وهو املاء والتراب والقالب الذي فيه يضرب فيبتدئ أوال باألجزاء

www.fiseb.com

Page 2: محك النظر في المنطق - الغزالي

وأقل ما ينتظم . فكذلك طالب القياس ينبغي أن ينظر يف نظم القياس ويف صورته ويف األمر الذي يضع الترتيب والنظم فيه، وهي املقدمات معرفتان توضع إحدامها مخربا عنه واألخرى واقل ما حتصل منه مقدمة . منه قياس مقدمتان أعين علمني يتطرق إليهما التصديق والتكذيب

فقد انقسم القياس إىل مقدمتني، وانقسمت كل مقدمة إىل معرفتني تنسب إحدامها إىل األخرى، وكل مفرد فهو معىن ويدل . خربا أو وصفا مث إذا فهمنا اللفظ مفردا واملعىن . جوه داللتها فيجب ضرورة أن ينظر يف املعاين املفردة وأقسامها، ويف األلفاظ املفردة وو . عليه ال حمالة بلفظ

مفردا ألفنا معنيني وجعلنامها مقدمة، وننظر يف حكم املقدمة وشرطها مث جنمع مقدمتني فنصوغ منهما قياسا، وننظر يف كيفية الصياغة أن يكتب اخلطوط املنظومة وهو ال وكل من أراد أن يعرف القياس بغري هذا الطريق فقد طمع يف حمال، وكان كمن طمع يف . الصحيحة

فإن أجزاء املركب . حيسن كتبة الكلمات، أو يطمع أن يكتب الكلمات وهو ال حيسن كتبة احلروف املفردة، وهكذا القول يف كل مركب رة على تعليم تتقدم على املركب بالضرورة حىت ال يوصف اهللا تعاىل بالقدرة على خلق العامل املركب دون اآلحاد، كما ال يوصف بالقد

:القياس على ثالثة فنون. كتبة اخلطوط املنظومة دون تعليم الكلمات واحلروف، فهذه الصورة ينبغي أن تشمل كالمناوهو النظر يف األلفاظ مث يف املعاين مث يف تأليف مفردات املعاين إىل أن تصري علما تصديقيا يصلح أن جيعل يف السوابق : الفن األول •

. مقدمةويشتمل هذا . لينصاغ منها صحيح النظم وهو يف املقاصد، فإن ما قبله استعداد له النظر يف كيفية تأليف املقدمات : الثاين الفن •

. الفن على مدارك العلوم اليقينية األولية اليت منها التأليف ونسبتها إىل القياس نسبة الثوب إىل القميص . وشروطها عند الفراغ منها تبتدي بالنظر يف احلدوديف لواحق ينعطف عليها بالكشف : الفن الثالث •

الفن األول .يف السوابق وفيه ثالثة فصول فصل يف األلفاظ

.فصل يف املعاين .حىت تصري علما يتطرق إليه التصديق والتكذيب. فصل يف تأليف املعاين

يف داللة األلفاظ على املعاين :الفصل األولهذا الفن يطول ولكن ال أتعرض ملا أظنك مستقال بإدراكه من نفسك، وأقتصر على التنبيه على تقسيمات تثور إعلم وفقك اهللا أن الكالم يف

. من إمهاهلا أغاليط كثريةفإن لفظة البيت تدل على معىن البيت .وهي املطابقة والتضمن وااللتزام : إن داللة اللفظ على املعىن ينحصر يف ثالثة أوجه : القسم األول

وكما يدل . فإن البيت يتضمن السقف ألن البيت عبارة عن السقف واجلدران . ملطابقة، وتدل على السقف وحده بطريق التضمن بطريق ا فلنصطلح على تسمية هذا الوجه تضمنا . لفظ الفرس على اجلسم إذ ال فرس إال وهو جسم، إذ وجدنا اجلسمية يف الفرسية مهما قلنا فرس

فهو كداللة لفظ السقف على احلائط، فإنه غري موضوع للحائط وضع لفظ حلائط : و أما طريق االلتزام . ابقةوعلى تسمية الوجه األول مط إذ ليس احلائط جزءا من السقف كما كان السقف جزءا من نفس البيت، وكما كان احلائط جزءا من . حىت يكون مطابقا له، وال بتضمن

فلنخترع له لفظا آخر وهو . ذات السقف الذي ال ينفك السقف عنه، فداللته على منط أخر نفس البيت، لكنه كالرفيق الالزم اخلارج من و إياك أن تستعمل يف نظر العقل من األلفاظ ما يدل بطريق االلتزام أو متكن خصمك بل اقتصر على ما يدل بطريق . االلتزام واالستتباع حصر يف حد، إذ احلائط يلزم السقف واألس يلزم احلائط واألرض تلزم األس ويتداعى فإن الداللة بطريق االلتزام ال تن . املطابقة أو التضمن . هذا إىل غري هناية

إن اللفظ باإلضافة إىل خصوص املعىن ومشوله ينقسم إىل لفظ يدل على عني واحدة نسميه معينا و إىل ما يدل على أشياء كثرية : القسم الثاين مثال األول قولك زيد وهذا الفرس وهذه الشجرة، فإنه ال يدل إال على شخص معين، وكذلك قولك هذا تتفق يف معىن واحد نسقيه مطلقا،

فإن قصد اشتراك غريه فيه منع نفس مفهوم . السواد وهذه احلركة وحده إنه اللفظ الذي ال ميكن أن يكون مفهومه إال ذلك الواحد بعينه

Page 3: محك النظر في المنطق - الغزالي

مفهوم اللفظ من وقوع االشتراك يف معناه، كقولك السواد واحلركة واإلنسان، وباجلملة وأما املطلق فهو الذي ال مينع نفس . اللفظ منه وقد يسقى لفظا عاما، ويقال األلف والالم للعموم، فإن قيل . اإلسم املفرد يف لغة العرب إذا أدخل عليه األلف والالم كان الستغراق اجلنس

. رض فقد أدخل األلف والالم، وال يدل اللفظ إال على وجود معين خاص ال شركة فيه كيف يستقيم هذا ومن يقول اإلله أو الشمس أو األ فاعلم أن هذا الوهم غلط فان امتناع الشركة هاهنا ليس لنفس اللفظ بل الذي وضع اللغة لو جوز يف اآلهلة عددا لكان يرى هذا اللفظ عاما

ستحالة وجود إله ثان، فلم يكن املانع نفس مفهوم اللفظ يل املانع يف الشمس أن يف االهلة، فحيث امتنع الشمول مل يكن لوضع اللفظ بل ال فإن من له . فإن فرضنا عوامل ويف كل واحد مشس وأرض كان قولنا الشمس واألرض شامال للكل فتأمل هذا . الشمس يف الوجود واحدة

شمس وبني قوله هذه الشمس عظم شهوة يف النظريات من حيث ال قدم يف مجلة األمور النظرية وال يفرق بني قوله السواد وبني قوله ال . يدري

ويف املترادفة واملتباينة : إن األلفاظ املتعددة باإلضافة إىل املسميات املتعددة على أربعة منازل، فلنخترع هلا أربعة ألفاظ : القسم الثالث فة يف الصيغة املتواردة على مسمى واحد كاخلمر والعقار والليث واألسد والسهم فنعين هبا األلفاظ املختل : أما املترادفة . واملتواطئة واملشتركة

فنعين هبا األسامي املختلفة املعاين كالسواد والقدرة : وأما املتباينة . والنشاب، وباجلملة كل إمسني عبرت هبما عن معىن واحد فهما مترادفان فهي األسامي اليت تطلق على أشياء متغايرة بالعدد : وأما املتواطئة . ي، وهي األكثر واألسد واملفتاح والسماء والشجر واألرض وسائر األسام

ولكنها متفقة باملعىن الذي وضع له، كاسم الرجل فإنه يطلق على زيد وعمرو وبكر وخالد وكاسم اجلسم فإنه يطلق على اإلنسان والسماء فكل اسم مطلق ليس مبعني كما سبق فانه يطلق على آحاد مسمياته . ائهاواألرض الشتراك هذه األعيان يف معىن اجلسمية اليت وضع بإز

فاسم اللون للبياض والسواد بطريق التواطئ، فأهنا متفقة يف املعىن الذي سقي به اللون لونا وليس بطريق االشتراك . الكثرية بطريق التواطئ تلفة ال تشترك باحلد واحلقيقة، كاسم العني للعضو الباصر وللميزان وللموضع فهي األسامي اليت تطلق على، مسميات خم : وأما املشتركة . البتة

الذي ينفجر منه املاء، وهي العني الفوارة، وللذهب والشمس وكاسم املشتري لقابل عقد البيع والكوكب الذي هو يف السماء املعدود عند غلط كثري يف العقليات، حىت ظن مجاعة من ضعفاء العقول أن السواد ال يشارك ولقد ثار من التباس املشتركة باملتواطئة . املنجمني من السعود

البياض يف اللونية إال من اإلسم، وأن ذلك كمشاركة الذهب للحدقة إلباصرة يف اسم العني وكمشاركة قابل البيع للكوكب يف اسم ونقول اإلسم املشترك قد يدل على املختلفني كما ذكرنا وقد . شرطاوباجلملة االهتمام بتمييز املشتركة عن املتواطئة مهم فلرتد له . املشتري

بدل على املتضادين وال شركة بينهما البتة، كاجلليل للحقري واخلطري والناهل للعطشان والريان واجلون لألسود واألبيض والقرء للطهر ق على الذهن وإن كان يف غاية الصفاء، ولنسم ذلك واحليض، وأيضا املشترك قد يكون مشككا قريب الشبه من املتواطئ ويعسر الفر

متشاهبا، وذلك مثل اسم النور الواقع على الضوء الذي يدرك حباسة البصر من الشمس والنار والواقع على العقل الذي به يهتدي يف الغوامض اجلسمية فيهما ال ختتلف البتة مع أنه ذايت وال مشاركة بني حقيقة ذات العقل والضوء إال كمشاركة السماء لإلنسان يف كونه جسما، إذ

هلما ويقرب من لفظ النور لفظ احلي على النبات واحليوان، فإنه باالشتراك احملض، إذ يراد به من النبات املعىن الذي به مناؤه ويراد به من وأمثال . عرفت بأنه لوجه ثالث خيالف األمرين مجيعا احليوان املعىن الذي به حيس ويتحرك باإلرادة وإطالقه على الباري جل وعال إذا تأملت . هذه ينابيع األغاليط وساشرحه زيادة شرح يف اللواحق عند حصر مدارك الغلط يف القياس

قد تلتبس املتباينة باملترادفة وذلك مهما أطلقت أسامي خمتلفة على شيء ولكن باعتبارات خمتلفة رمبا ظن أهنا مترادفة " مغلطة أخرى "سيف واملهند والصارم، فإن املهند يدل على السيف مع زيادة نسبة إىل اهلند، خيالف إذا مفهومه مفهوم السيف والصارم والصارم يدل كال

على السيف مع صفة احلدة والقطع، ال كالليث واألسد فإن ثبت ان الليث يدل على صفة ليست يف األسد التحق باملتباينة ومل يكن مع وهذا كما أنا يف اصطالحاتنا النظرية نفتكر إىل تبديل األسامي على شيء واحد عند تبديل اعتباراته، كما إنا نسمي العلم املترادفة،

التصديقي الذي هو نسبة بني مفردين دعوى إذا حتدى به املتحدي ومل يكن عليه برهان وكان يف مقابلة القائل خصم فان مل يكن يف مقابلته ألنه قض على شيء بشيء، فإن خاض يف ترتيب قياس الدليل عليه سقيناه نتيجة، فإن استعمله دليال يف طلب آمر آخر خصم سقيناه قضية

. ورتبه يف أجزاء قياس سقيناه مقدمة وهذا ونظائره مما يذكر كثريتعارا منه لآلخر أو منقوال منه إىل املشترك يف األصل هو االسم الذي يعبر به عن مسميني ال يكون موضوعا ألحدمها ومس " مغلطة أخرى "

اآلخر بل ال يكون أحدمها بأن جيعل أصال واألخر منقوال إليه أو مستعارا منه باوىل من نقيضه كلفظ املشتري، إذ ال ميكن أن يقال استعري

Page 4: محك النظر في المنطق - الغزالي

فعول والفاعل فيما ال خيتلف ، وكذلك لفظ امل .الكوكب من العاقد أو العاقد من الكوكب أو وضع ألحدمها أوال مث حدث الثاين بعده تصريفه كقولك اختار خيتار اختيارا فهو خمتار وذلك خمتار، فالفاعل واملفعول هلما صيغة واحدة وليس اللفظ بأحدمها هو أوىل من اآلخر،

وال كذلك األلفاظ . تعارة فإهنا أم البشر، واألرض فإهنا تسقى أم البشر ولكن األول بالوضع والثاين باالس )حواء(وليس كذلك لفظ األم ل اليت نقلت وغيرت كلفظ املنافق والفاسق والكافر وامللحد والصوم والصالة وسائر األلفاظ الشرعية فإهنا مشتركة ألمرين خمتلفني، ولكن

شتراك وإن كان وقد حصل مقصود اال . فاألول منقول عنه والثاين منقول إليه . لبعضها أول ولبعضها ثان، أي منقول من البعض إىل البعض على الترتيب، كما حصل يف لفظ العاقد والكوكب وإن مل يكن على الترتيب، مثال الغلط يف املشترك حىت تستدل به على غريه إن احلال

اد الذهن ويك. م أما مسعت الشافعي رضي اهللا عنه يف مسألة ملكره يقول يلزم القصاص ألنه مكره خمتار . ليس حيتمل استقصاء هذه املفاضة فنرى الفقهاء يعثرون فيه وال يهتدون إىل حله و إمنا ذلك ألن لفظ املختار مشترك، إذ قد حيمل لفظ . ينبو عن التصديق بالضدين فإنه حمال

ا خمتار قادر املختار مرادفا للفظ القادر ومساويا له إذا قوبل بالذي ال قدرة له على احلركة املوجودة، كاحملمول فنقول هذا عاجز حممول هذ وقد يعرب باملختار عمن ختلى يف استعمال قدرته ودواعي ذاته . ويراد باملختار القادر الذي يقدر على الفعل والترك، وهذا يصدق على املكره

ليس مبختار وال حترر دواعيه من خارج، وهذا يكذب على املكره ونقيضه وهو أنه ليس مبختار يصدق عليه، فإذا صدق أنه خمتار وصدق أنه وهلذا نظائر يف النظريات ال حتص تاهت بسببها عقول الضعفاء . ولكن بشرط أن يكون مفهوم املختار املنفي غري مفهوم املختار املثبت

. سواهفإن اخلال ليس حيتمل التطويل وأقنع هبذا القدر من النظر يف دالالت األلفاظ و إن كان فيها مباحث . فاستدل هبذا اليسري على الكثري

:الفصل الثاين :يف النظر يف املعاين املفردة ولنقتصر فيه على ثالث تقسيمات جلية

إن املعاين اليت يدل عليها باأللفاظ إذا نسب بعضها إىل بعض وجد إما مساويا هلا وإما أعم منها و إما أخص منها، وهذا مما : التقسيم األول

فإذا نسبت اجلسم إىل املتحيز وجدته مساويا ال يزيد وال ينقص، إذ كل جسم متحيز وكل متحيز جسم، هذا . حيتاج إىل معرفته يف القياس وأما إذا نسبنا الوجود إىل اجلسم . وأما حنن فننسب التحيز إىل اجلوهر فنرى التحيز مساويا له . على رأي من يقول إن كل متحيز منقسم وأما إذا نسبنا احلركة إىل اجلسم وجدناها أخص منه، مرب جسم ليس مبتحرك بالفعل كاألرض . وجدناه أعم منه، فرب موجود ليس جبسم

. عند عدم الزلزلةاملعىن إذا نسب إىل املعىن وجدناه إما ذاتيا له ويسقى صفة النفس وإما الزما ويسقى وصفا الزما وإما عارضا له ال يبعد أن : التقسيم الثاين

فإين أعين به كل شيء داخل يف حقيقة : أما الذايت . وال بد من إتقان هذه النسبة فإهنا نافعة يف القياس واحلد مجيعا . ودينفصل عنه يف الوج فإن من فهم الشجر فقد فهم . الشيء وماهيته دخوال ال يتصور فهم املعىن دون فهمه، وذلك كاللونية للسواد وكاجلسمية يف الفرس والشجر

ن اجلسمية داخلة يف ذات الشجرية دخوال به قوامها يف الوجود والعقل على وجه لو قدر عدمها لبطل وجود الشجر فتكو. جسما خمصوصا فما ال : وأما االلتزام . وال بد من إدراجه يف حد الشيء فمن حيد النبات يلزمه أن يقول إنه جسم نامي ال حمالة . والفرس وما جيري هذا اجملرى

فإن هذا أمر . ولكن فهم احلقيقة واملاهية غري موقوف عليه، كوقوع الظل لشخص الفرس والنبات عند طلوع الشمس يفارق الذات البتة الزم ال يتصور أن يفارق وجوده عند من يعتر عن جماري العادات باللزوم ويعتقده، ولكنه من توابع الذات ولوازمه وليس بذايت له، وأعين به

على فهم ذلك، بل الغافل عن وقوع الظل يفهم الفرس والنبات بل اجلسم الذي هو أعم منه، ومل خيطر أن فهم كنه حقيقته غري موقوف بباله ذلك، وكذلك كون األرض خملوقة وصف الزم لألرض ال تتصور مفارقته هلا، ولكن فهم األرض غري موقوف على كوهنا خملوقة فقد

فإنا نعلم أوال حقيقة اجلسمية مث نطلب بالدليل كونه خملوقا ومل ميكنا أن نعلم . لوقتانيدرك حقيقة األرض والسماء من مل يدرك بعد أهنما خم وإما العارض فأعين به ما ليس من ضرورته أن يالزم بل تتصور مفارقته إما سريعا كحمرة اخلجل أو . السماء واألرض ما مل نعلم اجلسم

وأما كون األرض خملوقة وكون . العواد وسواد الزجني، ولكن ميكن رفعه يف الوهم بطيئا كصفرة الذهب، ورمبا ال يزول يف الوجود كزرقة

Page 5: محك النظر في المنطق - الغزالي

ومن مثارات األغاليط الكثرية التباس الالزم التابع بالذايت فإهنما مشتركان . اجلسم الكثيف ذا طل مانع نور الشمس فالزم ال تتصور مفارقته . البتةيف استحالة املفارقة واستقصاؤه يف هذه العجالة غري ممكن

ولنصطلح على تسمية سبب اإلدراك قوة فنقول يف . إن املعاين باعتبار أسباهبا املدركة هلا ثالثة حمسوسة ومتخيلة ومعقولة : التقسيم الثالث ار حدقتك معىن تتميز به احلدقة عن اجلبهة حىت صرت تبصر به، وإذا بطل ذلك من األعمى بطل اإلبصار، واحلالة اليت تدركها عند اإلبص

فلو انعدم املبصر بقيت صورته يف دماغه وتلك الصورة ال تفتقر إىل وجود املتخيل وعدمه ال ينفي احلالة املسماة ختيال . شرطها وجود املبصر أ للتخيل وينفي احلالة املسماة إبصارا، وملا كنت حتس يف التخيل يف دماغك ال يف فخذك وبطنك فاعلم أن يف هذا الدماغ غريزة وصفة هبا هتي

والصيب يف أول نشؤه تقوى به قوة اإلبصار . وهبا باين البطن والفخذ كما باينت العني اجلبهة والعقب يف اإلبصار مبعىن اختص به ال حمالة ل وال ولذلك إذا أولع بشيء فغيبته عنه وشغلته بغريه اشتغل به، ورمبا حيدث يف الدماغ مرض يفسد القوة احلافظة للخيا . دون قوة التخيل

يفسد اإلبصار فريى الشيء، ولكن كلما يغيب عن عينه فينساه، وهذه القوة تشارك البهيمة فيها اإلنسان، ولذلك مهما رأى الفرس الشعري نيا تذكر صورته اليت كانت له يف دماغه فعرف أنه موافق وأنه مستلذ لديه فبادر إليه، ولو كانت الصورة ال تثبت يف خياله لكانت رؤيته له ثا

كرؤيته له أوال، حىت ال يبادر إليه ما مل جيده بالذوق مرة أخرى مث فيك قوة ثالثة شريفة هبا يباين اإلنسان البهيمة تسمى عقال، وحمله إما اين إلدراك دماغك أو قلبك وعند من يرى النفس جوهرا قائما بذاته غري متحيز حمله النفس وهلا أعين قوة العقل إدراك وتأثري بالتخيالت مب

التخيل مباينة اشد من مباينة إدراك التخيل إلدراك البصر، إذ مل يكن بني التخيل واإلبصار فرق إال أن وجود املبصر وحضوره كان شرطا لبقاء اإلبصار ومل يكن شرطا لبقاء التخيل، وإال فصورة الفرس تدخل يف اإلبصار مع قدر خمصوص ولون خمصوص وبعد منك خمصوص، ويبقى يف التخيل ذلك القدر وذلك البعد وذلك الشكل والوضع، حىت كأنك تنظر إليه ولعمري فيك قوة رابعة تسمى املفكرة شأهنا أهنا تقدر على تفصيل الصور اليت يف اخليال وتقطيعها وتركيبها وليس هلا إدراك شيء آخر، ولكن إذا حضر يف اخليال صورة اإلنسان قدر أن

فيصور نصف إنسان، ورمبا ركب شخصا نصفه من إنسان ونصفه من فرس، ورمبا صور إنسانا يطري إذ ثبت يف اخليال صورة جيعله بنصفني اإلنسان وحده وصورة الطريان وحده، وهذه القوة جتمع بينهما كما تفرق نصفي اإلنسان وليس يف وسعها البتة اختراع صورة ال مثال هلا

واملقصود أن مباينة إدراك العقل األشياء إلدراك التخيل أشد من . بالتفريق والتأليف يف الصورة احلاصلة يف اخليال يف اخليال، بل كل تصرفاهتا مباينة التخيل لإلبصار، إذ ليس للتخيل أن يدرك املعاين اجملردة العرية عن القرائن العربية اليت ليست داخلة يف ذاهتا، أعين الذي ليست ذاتية هلا

فإنك ال تقدر على ختيل السواد إال يف مقدار خمصوص من اجلسم ومعه شكل خمصوص من اجلسم ووضع خمصوص منك بقرب . كما سبق ومعلوم أن الشكل غري اللون والقدر غري الشكل، فإن املثلث له شكل واحد صغريا كان أو كبريا، و إمنا إدراك هذه املفردات اجملردة . أو بعد

نا على تسميتها عقال فيدرك ويقضي بقضايا ويدرك اللونية جمردة ويدرك احليوانية واجلسمية جمردة، وحيث ليس إال بقوة أخرى اصطلح يدرك احليوانية قد ال حيضره التفات إىل العاقل وغري العاقل، وإن كان احليوان ال خيلو عن القسمني، وحيث يستمر يف نطره قاضيا على

وادية والبياضية و غريمها، وهذا من عجيب خواصهما وبديع أفعاهلما، فإذا رأى فرسا واحدا أدرك األلوان بقضية قد ال حيضره معىن الس الفرس املطلق الذي يشترك فيه الصغري والكبري واألشهب والكميت والبعيد منك يف املكان والقريب، بل يدرك الفرسية اجملردة املطلقة مرتها

ملخصوص واللون املخصوص ليس للفرس ذاتيا بل عارضا أو الزما يف الوجود، إذ خمتلفات القدر فإن القدر ا . عن كل قرينة ليست ذاتية له وهذه املطلقات اجملردة الشاملة ألمور متخيلة هي اليت يعبر عنها املتكلمون بالوجوه أو األحوال أو . واللون تشترك يف حقيقة الفرسية

وتارة يعبرون عنها بأهنا غري . ية اجملردة، ويزعمون أهنا موجودة يف األذهان ال يف األعيان األحكام، ويعرب عنها املنطقيون بالقضايا الكل ويقول أرباب األحوال أهنا أمور ثابتة مث تارة يقولون أهنا موجودة معلومة . موجودة يف خارج بل يف داخل يعين خارج الذهن وداخله

جمهولة، وقد دارت فيه رؤوسهم وتاهت عقوهلم، والعجب انه أول مرتل ينفصل به وأخرى يقولون ال موجودة وال معدومة وال معلومة وال إذ من ها هنا يأخذ العقل أإلنساين يف التصرف وما كان قبله كان يشارك هذا التخيل البهيمي التخيل اإلنساين ومن . املعقول عن احملسوس

فاته الغامضة، ومن التبس عليه قول القائل إن السواد والبياض حتير يف أول مرتل من منازل تصرف العقل كيف يرجى فالحه يف تصر إذ ليس هذا اشتراكا يف . يشتركان يف أمر معقول هو اللونية والوجود وخيتلفان يف أمر ذايت، وما فيه االختالف بالضرورة غري ما فيه االشتراك

معلومة على القطع إىل أن يبحث عن حقيقتها أهنا تباين يف الوجود جمرد االسم كاشتراك العائد والكوكب يف اسم املشتري، وان هذه الغريية

Page 6: محك النظر في المنطق - الغزالي

فمن التبس عليه هذا كيف يتضح له أمر من الغوامض ولنتجاوز هذه املغاصة فإن كشف غطائها . أو تباين يف العقل، وهو من خواص العقل . من االختصاريقرع أبوابا مغلقة على أكثر التضاد وال ميكن التكفل ببيانه مع ما حنن بصدده

:الفصل الثالثكقولنا مثال العامل حادث والبارئ تعاىل قدمي، فإن هذا من فن السوابق يف أحكام السوابق املعاين املؤلفة تأليفا يتطرق إليه التصديق والتكذيب

قلت العامل ليس بقدمي والباري ليس حبادث يرجع إىل تأليف القوة املفكرة بني معرفتني لذاتني مفردين ونسبة أحدمها إىل اآلخر باإلثبات، فإن وقد التئم هذا القول من جزئني يسمي النحويون أحدمها مبتدأ واآلخر خربا، ويسمي املتكلمون أحدمها موصوفا . كانت النسبة نسبة النفي

ا وهو املخرب عنه واآلخر حمموال وهو واآلخر صفة، ويسمي الفقهاء أحدمها حكما واآلخر حمكوما عليه، ويسمي املنطقيون أحدمها موضوع اخلرب، ولنصطلح حنن على تسمية الفقهاء فنسميهما حكما وحمكوما عليه ولنسم جمموع احلكم واحملكوم عليه قضية ولنسميهما إذا

إن كان لنا خصم ومطلوبا إن مل وما دام غري مستنتج من القياس دعوى . استعملنامها يف سياق قياس مقدمة، فإذا استفدنامها من قياس نتيجة فإن . فإن هذه االصطالحات إذا مل تتحرر اختبطت املخاطبات والتعليمات بل رمبا اضطرب الفكر على الناظر املنفرد بنفسه . يكن لنا خصم

ا اإلجياز ويتضح الغرض ولنذكر من أحكام القضايا وأقسامها ما يليق هبذ . فكر الناظر أيضا ال ينتظم إال بألفاظ وآمال يرتبها يف نفسه : بتفصيالت أربعةإن القضية بعد انقسامها إىل النافية مثل قولنا العامل ليس بقدمي وإىل املثبتة مثل قولنا العامل حادث تنقسم باإلضافة إىل احملكوم التفصيل األول

قضية يف عني كقولنا زيد كاتب وهذا السواد املشار إليه : األوىل: عليه إىل التعيني واخلصوص والعموم واإلمهال والقضايا هبذا االعتبار أربعة قضية مطلقة عامة كقولك كل جسم : الثالثة. قضية مطلقة خاصة كقولك بعض الناس كاتب وبعض األجسام ساكن : الثانية. باليد عرض

لقسمة أن احملكوم عليه إما أن يكون قضية مهملة كقولنا اإلنسان يف خسر، وعلة هذه ا : الرابعة. متحيز وكل سواد لون وكل حركة عرض فإن مل يكن عينا فإما أن حيصر بسور بني مقداره بكلية فتكون مطلقة عامة أو جبزئية فتكون مطلقة خاصة . عينا مشارا إليه أو ال يكون عينا

ية مهملة، ومن طرق املغالطني والسور هو قولك كل وبعض وما يقوم مقامهما، فإن سكت عنهما بقيت القض . أو ال حيصر بسور بل مبهمل فإن املهمالت قد يعين هبا اخلصوص فيصدق طرف النقيض فيها إذ قد يقال ليس . احملتالني يف النظر استعمال املهمالت بدل القضايا العامة

فإياك وأن تسامح هبذا . اخللقاإلنسان يف خسر ويراد به األنبياء والذين آمنوا وعملوا الصاحلات، وقد يقال اإلنسان يف خسر ويراد به أكثر . يف النظريات فتغلط، ومثاله من الفقه إن طلبت استيضاحا أن يقول الشافعي مثال معلوم أن املطعوم ربوي والسفرجل مطعوم فليكن ربويا

فينبغي أن يقال له قولك العموم فإذا قيل فلم قلت إن املطعوم ربوي فيقول الدليل عليه أن البر والشعري والتمر والرز مطعومات وهي ربوية، إذ ميكن أن يكون السفرجل من البعض الذي ليس بربوي، . ربوي أردت به كل املطعومات أو بعضها، فإن أردت به البعض مل تلزم النتيجه ا وليس يظهر هذا مبا وإن أردت به الكل فمن أين عرفت هذ . ويكون هذا خلال يف نظر القياس مخرجا له عن كونه منتجا كما سيأيت وجهه

ذكرته من البر والشعري والتمر والرز ما مل تبتني أن كل املطعومات ربوية، وهذا املثال وإن كان يف هذا املقام واضحا فإنه يتفق يف أمثاله عند . تراكم األقيسة صور غامضة جيب االحتراز عنها

مثال احلكم . وهي اإلمكان والوجود واالستحالة : قضية ال خيلو عن ثالثة أقسام إن احلكم املنسوب إىل احملكوم عليه يف ال : التفصيل الثاين ومثال الواجب قولك السواد . الذي نسبته نسبة اإلمكان قولك اإلنسان كاتب اإلنسان ليس بكاتب، إذ الكتابة باإلضافة يف حيز اإلمكان

ومثال املمتنع قولك السواد علم والسواد ليس بعلم واإلنسان . وجوب والضرورة لون والسواد ليس بلون، إذ نسبة اللون إىل السواد نسبة ال فإن قلت ال استحالة يف قولك اإلنسان ليس حبجر بل هو واجب وال وجوب يف قولك السواد ليس بلون بل هو . حجر واإلنسان ليس حبجر

ع والوجوب يف مجلة القضية املسلمة على احلكم واحملكوم عليه ولكين ممتنع فكيف مجعت بني النفي واإلثبات؟ فاعلم أين مل أقصد ذكر االمتنا مث القضية قد تتضمن النفي واإلثبات ويكون بعضه صادقا وبعضه كاذبا وليس الغرض . أخذت احلكم مفردا وبينت نسبته إىل احملكوم عليه

. ذلك رب مطلوب ال يقوم على نفسه دليل ولكن يقوم الدليل على بطالن نقيضه وهذا مما حيتاج إليه، إذ يف بيان نقيض الفضية :التفصيل الثالث

ورمبا يظن أن نقيض القضية جلي ال حيتاج إىل البيان، ومع ذلك فإنه مثار جلملة من . فيتسلق من إبطاله إىل إثبات نقيضه، فال بد من معرفته يهتم الناظر بتنقيحها وحتقيقها اعتاص عليه التفصيل بني القضيتني األغاليط ال حتصى، فإن األمور يف أوائلها تلوح جلية ولكن إذا مل

Page 7: محك النظر في المنطق - الغزالي

وأعين بالقضيتني املتنافيتني كل قضيتني إذا صدقت إحدامها كذبت األخرى بالضرورة، كقولنا العامل حادث العامل ليس حبادث، . املتنافيتني . كذب األخرى بستة شروطومها قضيتان تصدق إحدامها وتكذب األخرى، و إمنا يلزم صدق إحدامها من

أن يكون احملكوم عليه يف القضيتني واحدا بالذات ال مبجرد اللفظ، فإن احتد االسم دون املعىن مل يتناقضا، كقولك النور مدرك بالبصر : األول. قهاء املضطر خمتار املضطر النور ليس مبدرك بالبصر، فهما صادقان إن أردت بأحدمها الضوء وباآلخر نور العقل، وكذلك ال يتناقض،قول الف

ليس مبختار يف مسئلة املكره، وقوهلم املضطر آمث املضطر غري آمث إذ املضطر قد يعبر به عن املدعو بالسيف إىل الفعل فاالسم متحد واملعىن . خمتلفكالعرجون (حد القدميني ما أراد اهللا تعاىل بقوله أن يكون احلكم واحدا واإلمث متناقضا كقولك العامل قدمي العامل ليس بقدمي، وأردت بأ : الثاين . وكذلك أيضا مل يتناىف قول اخلصمني املكره خمتار واملكره ليس مبختار، إذ ذكرتا أن املختار عبارة عن معنيني خمتلفني)القدمي إذ يكون أبا لبكر وال يكون أبا خلالد، أن تتحد اإلضافة قي األمور اإلضافية فإنك لو قلت زيد أب زيد ليس بأب مل يتناقض، : الثالث

وليست . وكذلك تقول زيد أب، زيد ابن، فيكون أبا لشخص وابنا آلخر، والعشرة نصف والعشرة ليست بنصف أي هي نصف العشرين مبولى عليها ومها صادقتان ويف النظريات الفقهية والعقلية أغاليط كثرية هذا منشأها كقولك املرأة مولى عليها املرأة ليس . نصف الثالثني

. باإلضافة إىل النكاح والبيع و إىل العصبة واألجنيبأن يتساويا يف القوة والفعل فإنك تقول املاء يف الكوز مرو بالقوة وليس مبرو بالفعل ومها صادقتان، والسيف بالغمد صارم وليس : الرابع

ا خلط املختلفون يف أن اهللا تعاىل يف األزل خالق وأن اهللا تعاىل يف األزل ليس ومن هذ . بصارم ومها صادقتان، والفاسق شاهد وليس بشاهد . خبالق

وعن هذا . التساوي يف اجلزء والكل فإنك تقول الزجني أسود الزجني ليس بأسود أي أسود البشرة ليس بأسود األسنان فيصدقان : اخلامسد إذا قلنا زيد عامل وزيد عبارة عن مجلته، ومل يعرف أنا إذا قلنا زيد يف بغداد مل الغلط ختيل من بعد عن التحصيل أن العاملية حال جبملة زي

ولكن أعين بالعادة واحلس بيان أن زيدا يف بغداد يف مكان . نرد به أنه يف كل البلد بل يف بعضه، وان كانت بغداد عبارة عن كل البلد . دا عامل حبر ال جيري من قلبه أو دماغهيساوي مساحة بدنه، وكذلك أعين وضوح األمر إذ تقول إن زي

التساوي يف الزمان واملكان فإنك تقول العامل حادث العامل ليس حبادث ومها صادقان، ولكنه حادث عند أول وجوده وليس : السادسبأحدمها السنة األوىل وباآلخر حبادث قبله وال بعده بل قبله معدوم وبعده باق، وتقول الصيب ينبت له أسنان الصيب ال ينبت له أسنان ونعين

بعده وال ينبغي أن نطول بتحديد الشروط واألمثلة فلنجمل له ضبطا وهو أن القضية املناقضة هي اليت تسلب مثال ما تثبته األوىل بعينه أو القوة وبالفعل إن كان ذلك تثبت ما سلبته األوىل ونفته، ويف ذلك الوقت واملكان واحلال وتلك اإلضافة بعينها، وبالقوة إن كان ذلك ب

وحيصل ذلك بان ال ختالف القضية النافية املثبتة إال يف تبديل النفي باإلثبات فقط هذا إذا كانت القضية قضية . وكذا يف اجلزء والكل . بالفعلر أن جيتمعا يف الصدق يف عني، فإن كانت عامة زادت شريطة أخرى وهي أن تكون إحدامها عامة واألخرى خاصة ليلزم التناقض وأال يتصو

أو الكذب وال يكون التناقض ضروريا، فإن القضيتني العامتني يف نسبة املمكنات كاذبتان، كقولنا كل إنسان كاتب ال أحد من الناس كاتب تفصيل ال. واخلاصتان صادقتان، كقولك بعض الناس كاتب بعض الناس ليس بكاتب، فتأمل هذه الشروط واستخرج من نفسك بقية األمثلة

وهذا أيضا حيتاج إليه ورمبا ال يصادف الدليل على نفس املطلوب ويصادف على عكسه، فيمكن التوصل منه الرابع يف بيان عكس القضية إىل املطلوب، وأعين بالعكس أن جتعل احلكم حمكوما عليه واحملكوم عليه حكما وال تتصرف فيه إال هذا القدر وتبقى القضية صادقة، فعند

: والقضايا هبذا االعتبار أربع. تقول هذه قضية منعكسة، أي عكسها أيضا صادقذلك فالنافية العامة تنعكس مثل . نافية عامة ولسنا نتكلم يف قضية العني فإهنا ال تستعمل يف النظريات بل يف األعمال والصناعات والعادات : األوىل

وإذا صدق قولنا ال سواد واحد علم صدق . ض صدق قولنا ال عرض واحد متحيز نفسها نافية عامة، فمهما صدق قولنا ال متحيز واحد عر . قولنا ال علم واحد سواد، فإن ما يسلب عن الشيء فمسلوب عنه الشيء بالضرورة

و ال النافية اخلاصة وال يصدق عكسها البتة، فإنك إذا قلت بعض اللون ليس بسواد مل ميكن إن تقول وبعض السواد ليس بلون : الثانية . أمكنك أن تقول كل السواد ليس بلون

Page 8: محك النظر في المنطق - الغزالي

املثبتة العامة وال تنعكس مثل نفسها فانك مهما قلت بعض األلوان سواد صدق قولك بعض السواد لون، فإن كون كل سواد لون ال : الثالثةارج عن غرضنا هذا و خيرج عن الصدق قولنا بعض السواد لون وال يلتفت إىل فحوى اخلطاب فليس ذلك من مقتض وضع اللفظ وهو خ

. إن كان صحيحا يف موضعهواقتصر من السوابق على . املثبتة اخلاصة وهي تنعكس كنفسها فإنك مهما قلت بعض اجلماد جسم صدق قولك بعض اجلسم مجاد : الرابعة

. هذا القدر فالزيادة غلبة ال تليق حبجم هذا الكتابواعلم أىن أعين . ن أحدمها يف نظم القياس واآلخر يف حمك النظم وشرطه وهو املقدمات من حمك القياس يف املقاصد وهو طرفا الفن الثاين

بالقياس قضايا ألفت تأليفا يلزم من تسليمها بالضرورة قضية أخرى وهذا ليس يتحد منطه بل يرجع إىل ثالثة أنواع خمتلفة املأخذ والبقايا . ترجع إليها

: فنظمه من ثالثة أوجه: أما النمط األولأن تكون العلة حكما يف إحدى املقدمتني حمكوما عليه يف األخرى، ممل قولنا كل جسم مؤلف وكل مؤلف حادث فيلزم منه : النظم األول

وعادة الفقهاء يف الصيغة أن يقولوا . أن كل جسم حادث، وقولنا يف الفقه كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام فيلزم منه أن كل نبيذ حرام ومثل هذه األقيسة إذا . نبغي أن يكون حراما قياسا على اخلمر، وال ينكشف الغطاء وال تنقطع الطالبة إال بالنظم الذي ذكرناه النبيذ مسكر في

. فإذا فهمت صورة هذا النظم فاعلم أن يف هذا القياس مقدمتني . مل ميكن ردها إىل هذا النظم مل تكن النتيجة الزمة ومل تنقطع املطالبة ا كل نبيذ مسكر واألخرى قولنا كل مسكر حرام وكل مقدمة تنقسم إىل جزئني بالضرورة مبتدأ وخرب وحكم وحمكوم عليه قولن: إحدامها

فيكون جمموع أجزائها أربعة أمور تتكرر يف املقدمتني فتعود إىل ثالثة بالضرورة، ألهنا لو بقيت أربعة مل تشترك املقدمتان يف شيء وبطل . لد النتيجة، فإنك إذا قلت النبيذ مسكر ومل تتعرضاالزدواج بينهما وال تتو

فبالضرورة ال بد من أن . ال للنبيذ وال للمسكر ولكن قلت والقتل حرام أو العامل حادث فال ترتبط إحدامها باألخرى : يف املقدمة الثانية ملكرر يف املقدمتني علة وهو الذي ميكن أن ميرن يكون أحد األجزاء األربعة متكررا يف املقدمتني فريجع إىل ثالثة، فلنصطلح على تسمية ا

فإنه إذا قيل لك لم قلت إن النبيذ حرام فتقول ألنه مسكر وال تقول ألنه حرام فما يقترن به ألن هو العلة، . بقولك ألنه يف جواب املطالبة نتيجة نقول فالنبيذ حرام فنحكم على النبيذ بأنه حرام ولنسم ما جيري جمرى النبيذ حمكوما عليه وما جيري جمرى احلرام حكما، فإنا يف ال

ونشتق للمقدمتني امسني خمتلفني من األجزاء واملعاين اليت تشتمل عليها لتسهل علينا اإلشارة إليهما يف التفهيم واملخاطبة، وال ميكن اشتقاق زئني اآلخرين، فاملقدمة اليت فيها تعرض للمحكوم عليه نسقيها املقدمة فإن العلة داخلة فيهما مجيعا فنشتقه من اجل . امسني خمتلفني هلما من العلة

. فإنا نقول يف النتيجة فالنبيذ حرام فيكون النبيذ أوال واحلرام ثانيا. األوىل واليت فيها احلكم نسقيها الثانية اشتقاقا من ترتيب أجزاء النتيجة فيها احلكم، وهي مقدمة، واليت فيها احلكم ال يتصور أن يكون فيها احملكوم عليه، وهي واملقدمة اليت فيها احملكوم عليه ال يتصور أن يكون

واعلم أن النتيجة إمنا تلزم من هذا القياس إذا كانت املقدمتان مسلمتني يقينا إن كان املطلوب عقليا أو . مقدمة بل مها خاصتان للمقدمتني فإن مل تتمكن من " كل مسكر حرام "يف قولك كل مسكر حرام فإثباته بالنقل وهو قوله فإن نازعك اخلصم . ظنا إن كان املطلوب فقهيا

حتقيق تلك املقدمة حبس وال غريه وال من إثبات الثاين بنقل أو غريه مل ينفعك القياس، ومهما سلمنا مل يتصور الرتاع يف النتيجة البتة، بل كل وحاصل وجه الداللة يف هذا النظم . ما أحضرمها يف الذهن وأحضر جمموعهما بالبال عقل صدق املقدمتني فهو مضطر للتصديق بالنتيجة مه

أن احلكم على الصفة حكم على املوصوف، فإنك إذا قلت النبيذ مسكر فقد جعلت املسكر وصفا فإذا قلت املسكر حرام فقد حكمت على سكر حرام وبطل قولنا النبيذ حرام مع انه مسلم أنه مسكر الوصف، فبالضرورة يدخل فيه املوصوف، فإنك إذا قلت النبيذ مسكر وكل م

ومهما صدقت القضية العامة مل ميكن أن خيرج منها بعض املسقيات، وهذا . بطل قولنا إن كل مسكر حرام، إذ ظهر لنا مسكر ليس حبرام فية مل ينتج ألنك إذا نفيت شيئا عن شيء مل النظم له شرطان حىت يكون منتجا، شرط يف املقدمة األوىل وهو أن تكون مثبتة، فإن كانت نا

يكن احلكم على املنفي حكما على املنفي عنه، فإنك إذا قلت ال خل واحد مسكر وكل مسكر حرام مل يلزم منه حكم يف اخلل، إذ وقعت . املباينة بني اخلل واملسكر فحكمك على املسكر بالنفي أو اإلثبات ال يتعدى إىل اخلل البتة

أن تكون املقدمة الثانية عامة حىت يدخل بسبب عمومها احملكوم عليه فيه، فإنك لو قلت كل سفرجل مطعوم وبعض املطعوم : الثاينالشرط ربوي مل يلزم منه كون السفرجل ربويا، إذ ليس من ضرورة احلكم على بعض املطعوم أن يتناول السفرجل بل رمبا كان الربوي بعضا اخر،

Page 9: محك النظر في المنطق - الغزالي

أو مبدرك " ال تبيعوا الطعام بالطعام " مطعوم ربوي لزم حكم الربا يف السفرجل، ولكن حيتاج إىل إثبات املقدمة بعموم قوله نعم إذا قلت وكل آخر، وسنذكر مدارك املقدمات يف الطرف الثاين من هذا الفن، فإن قلت مباذا فارق هذا النظم النظمني بعده فاعلم أن العلة إما أن توضع

املقدمتني أو حمكوما عليه يف املقدمتني أو توضع حبيث تكون حكما يف إحدى املقدمتني حمكوما عليه يف األخرى وهذا حبيث تكون حكما يف اآلخر هو النظم األول، وهو األوضح، فإن الثاين والثالث ال يتضح غاية االتضاح بالربهان احملقق إال بالرد إليه فلذلك قدمته وسقيته النظم

. األول األوضحمن نظم القياس أن تكون العلة، أعين املعىن املتكرر يف املقدمتني حكما يف املقدمتني، أعين أن يكون خربا فيهما وال يكون مبتدأ : النظم الثاين

لف فالباري يف أحدمها خربا يف اآلخر، وال مبتدأ فيهما مجيعا، مثاله قولنا إن الباري تعاىل ليس جبسم ألن الباري ليس مبؤلف وكل جسم مؤ ليس جبسم، فها هنا ثالثة معان الباري واملؤلف واجلسم واملتكرر يف املقدمتني هو املؤلف فهو العلة وتراه خربا يف املقدمتني غري مبتدأ به

أما . وحمققا خبالف املسكر يف النظم األول، إذ كان خربا يف إحدامها مبتدأ يف األخرى ووجه لزومه النتيجة ميكن تفهيمه جممال ومفصال اجململ فهو أن كل شيئني ثبت ألحدمها ما انتفى عن اآلخر وال يكون بينهما التقاء واتصال ال جيوز أن خيرب بأحدمها عن اآلخر، فالتأليف

بالتحقيق وأما . ثابت للجسم ومنفي عن الباري، فال يكون بني معىن اجلسم والباري التقاء، فال يقال الباري جسم وال يقال اجلسم باري فإن قول القائل إنه ليس . ولنعدل إىل مثال اخر تصاونا عن ترديد لفظ الباري . والتفصيل فينبغي أن يرد إىل النظم األول بعكس املقدمة النافية

صرح جبسم كأنه سوء أدب كما أن قوله هو جسم كفر، فإن من قال للملك أنه ليس حبجام وال حبائك فقد أساء األدب إذا وهم إمكان ما بنفيه، إذ ال يتعرض إال لنفي ما له إمكان يف املادة واجلسمية أشد استحالة يف ذاته تعاىل عن قول الزائغني من احلياكة واحلجامة يف امللك، فنقول مثال األجسام ليست أزلية، إذ كل جسم مؤلف وال أزيل واحد مؤلف فيلزم منه ال جسم واحد أزيل، إذ صار املؤلف ثابتا للجسم

وتفصيله بأن تنعكس املقدمة النافية فإهنا نافية عامة، وقد قدمنا أن النافية . مسلوبا عن األزيل وال يبقى بني األزيل واجلسم ارتباط اخلرب واملخرب كل العامة تنعكس مثل نفسها فإذا صدق قولنا وال أزيل واحد مؤلف صدق قولنا وال مؤلف واحد أزيل وهو عكسه، فنضيف إليه قولنا و

وخاصية هذا النظم أنه ال ينتح إال القضية النافية، أما اإلثبات . جسم مؤلف فيعود إىل النظم االول، فيكون وجه داللته ولزوم نتيجته ما سبق ومل نفرد تفصيل . اصةوأما النظم األول فهو أكمل ألنه ينتح القضايا األربعة، أعين املثبتة العامة واملثبتة اخلاصة والنافية العامة والنافية اخل . فال

هذه اآلحاد استثقال التطويل فإن قلت فلم ال ينتج هذا النظم اإلثبات فاعلم أن هذا ال ينتج إال النفي، ومن شرطه ان ختتلف املقدمتان أيضا يس من ضرورة كل شيئني يف النفي واإلثبات، فإن كانتا مثبتتني مل ينتجا ألن حاصل هذا النظم يرجع إىل احلكم بشيء واحد على شيئني ول

حيكم عليهما بشيء واحد أن خيرب بأحدمها عن اآلخر، فإنا حنكم على السواد والبياض مجيعا باللونية وال يلزم أن خيرب عن السواد بأنه بياض اللون هو املتكرر وال عن البياض بأنه سواد، ونظم القياس فيه أن يقال كل سواد لون وكل بياض لون فكل سواد بياض أو كل بياض سواد و

وقد جعل خربا يف املقدمتني، ومل ينتح بني املعنيني ال اتصاال وال انفصاال، نعم كل شيئني أخرب عن أحدمها مبا خيرب عن اآلخر بنفيه جيب أن . يكون بينهما انفصال وهو النفي، وبرهانه عكس املقدمة النافية ليعود إىل النظم األول

فهذا إذا مجع شروطه كان منتجا، ولكن نتيجة خاصة ال عامة، مثاله كل سواد عرض . العلة مبتدأ يف املقدمتني مجيعا أن تكون : النظم الثالث وكل سواد لون فيلزم منه أن بعض العرض لون، وكذلك إذا قلت كل بر مطعوم وكل بر ربوي فيلزم منه بالضرورة أن بعض املطعوم

جة منه باإلمجال إن الربوي واملطعوم حكمنا هبما على شيء واحد وهو البر فيلزم بالضرورة بينهما وبيان وجه داللته ولزوم النتي . ربويالتقاء، وأقل درجات االلتقاء أن يوجب حكما خاصا وإن مل يكن عاما فأمكن أن يقال بعض املطعوم ربوي حكما خاصا، دان مل يكن عاما

وأما تفصيل تفهيمه فهو بأن . مبجرد هذا كل واحد مطعوم ربوي أو كل ربوي مطعوم وبعض الربوي مطعوم، وان مل ميكن أن يف ل تعكس املقدمة اليت ذكرناها أوال وهو قولنا كل بر مطعوم، وقد ذكرنا أن املثبتة العامة تنعكس مثبتة خاصة، فإن صدق قولنا كل بر مطعوم

ن كل بر ربوي ويرجع إىل النظم األول، إذ يصري املطعوم الذي هو املتكرر مبتدأ يف صدق قولنا بعض املطعوم بر فتبقى املقدمة الثانية، وهو أ إحدى املقدمتني خربا يف األخرى، وشرط اإلنتاج يف هذا النظم أن تكون املقدمة األوىل اليت فيها احملكوم عليه مثبتة وال تكون نافية كما

فيه كل نظم أمران أحدمها أنه ال بد . النتيجة وال يضر أن تكون خاصة، والذي يشترك شرطنا ذلك يف النظم األول، فان كانت نافية مل تلزم والثاين أن يكون فيهما مثبتة فال تلزم نتيجة من نافيتني قط، وهلذا . أن يكون يف مجلة املقدمتني قضية عأمة فال تلزم نتيجة من خاصتني البتة

فان عليك وظيفتني إحدامها تأمل هذه . اجلد يف التأمل واملثابرة على املمارسة شرح لكن ال أظنك هتتدي إىل ذلك بنفسك مهما ساعدك

Page 10: محك النظر في المنطق - الغزالي

فأين اخترعت أكثرها من تلقاء نفسي ألن االصطالحات يف هذا الفن ثالثة اصطالح . األمور الدقيقة، واألخرى األنس هبذه األلفاظ العربية م فيقصر فهمك عليه، وال تفهم اصطالح الفريقني اآلخرين، ولكن استعملت من املتكلمني والفقهاء واملنطقيني، وال أؤثر أن أتبع واحدا منه

األلفاظ ما رأيته كاملتداول بني مجيعهم واخترعت ألفاظا مل يشتركوا يف استعماهلا ؛ حىت إذا فهمت املعاين هبذه األلفاظ فما تصادفه يف سائر . الكتب ميكنك أن ترده إليها وتطلع على مرادهم منها

من القياس أال يكون فيه علة وحكم وحمكوم عليه كما سبق بل تكون فيه مقدمتان واملقدمة األوىل تشتمل على قضيتني : الثاين النمطولنسم هذا النمط منط التالزم، ومثاله قولنا إن كان العامل حادثا فله . واملقدمة الثانية تشتمل على ذكر واحد من تينك القضيتني أو نقيضها

فاملقدمة األوىل قولنا إن كان العامل حادثا ومها قضيتان إن حذف . علوم أنه حمدث فتلزم منه نتيجة وهو أن له محدثا بالضرورة محدث وم قولنا إن،كان أحدمها قولنا العامل حادث ولنسقه املقدم، والثاين قربلنا فله محدث ولنسقه الالزم أو التابع، واملقدمة الثانية اشتملت على

ومثاله يف . سليم عني القضية اليت سقيناها مقدما وهو قولنا معلوم أن العامل حادث فتلزم منه نتيجة وهو أن العامل محدث ؛ وهو عني الالزم ت،وهذا النمط .الفقه قولنا إن كان الوتر يؤدى على الراحلة بكل حال فهو نفل، ومعلوم أنه يؤدى على الراحلة بكل حال فثبت أنه نفل

أما املنتج فتسليم عني القضية اليت سقيناها مقدما فإنه ينتج عني الالزم، مثاله قولنا . يتطرق إليه أربع تسليمات ينتج منها اثنتان وال ينتج اثنتان ان هذا ومثاله من احلس قولنا إن ك . إن كانت هذه الصالة صحيحة فاملصلي متطهر ومعلوم أن هذه الصالة صحيحة فيلزم منه املصلي متطهر

وأما املنتج اآلخر فهو تسليم نقيض الالزم فانه ينتج نقيض املقدم، ومعاله قولنا إن كانت هذه . سوادا فهو لون ومعلوم أنه سواد فهو إذا لون نقيض الصالة صحيحة فاملصلي متطهر ومعلوم أن املصلي غري متطهر فينتج أن الصالة ليست صحيحة، فانظر كيف أنتج تسليم نقيض الالزم

املقدم، ومثاله أيضا فولنا إن كان بيع الغائب صحيحا فهو يلزم بصريح اإللزام ومعلوم إن هذا الالزم باطل فإنه ليس يلزم بصريح اإللزام فيلزم أو أصغر أو ومثاله أيضا قولنا إن كان الباري تعاىل على العرش فهو مقدر ألنه مساو للعرش . منه نقيض املقدم، وهو إن البيع غري صحيح

ووجه داللة هذا أن املؤدي إىل احملال حمال وقول اخلصم أنه على العرش . أكرب، ومعلوم أن الالزم حمال وهو كونه مقدرا فيكون املقدم حماال واملؤد إىل احملال مؤدي إىل احملال فهو حمال، وقوله إن بيع الغائب صحيح مؤد إىل احملال، وهو أن يلزم بصريح اإللزام على خالف اإلمجاع

فإنا إذا قلنا إن كانت هذه الصالة صحيحة فاملصلي متطهر ومعلوم أن املصلي متطهر فيلزم . فأما الذي ال ينتج فهو تسليم عني الالزم . حمالتج ال عني وكذلك تسليم نقيض املقدم ال ين . أن الصالة صحيحة، وهو غري صحيح، إذ رمبا تكون الصالة باطلة بعلة أخرى سوى الطهارة

والفرق بني هذا . فانك لو قلت ومعلوم أن الصالة ليست بصحيحة فال يلزم من هذا أن املصلي متطهر وال أنه غري متطهر . الالزم وال نقيضه األخري، النمط والنمط األول أن األول ترتيبه خرب عن شيء مت حكم على اخلرب بشيء فلزم منه نتيجة وهو االلتقاء بني املبتدأ األول واخلرب

وأما هذا فإنه إظهار تالزم بني قضيتني غري . وكل واحد من األجزاء الثالثة يصلح أن جيعل وصفا وخربا وحكما لآلخر يف نظم هذا الكالم فإن قولنا إن كانت الصالة صحيحة فاملصلي متطهر بيان أن كون املصلي متطهرا الزم لكون الصالة صحيحة، فال ميكن أن . متداخلتني

وأما وجه الداللة فهو أنه مهما . والفرق من حيث الترتيب والنظم ظاهر . جيعل كون املصلي متطهرا ال وصفا للصالة وال وصفا للصحة ومهما كان أخص فبثبوت األخص يلزم . جعل شيء الزما لشيء فينبغي أن ال يكون امللزوم أعم من الالزم، بل إما أخص وإما مساويا

وانتفاء األعم يوجب انتفاء . إذ يلزم من ثبوت السواد وجوده ووجود اللون، وهو الذي عنيناه بتسليم عني املقدم . عمبالضرورة ثبوت األ فأما ثبوت األعم فال يوجب ثبوت األخص، فإن . األخص، إذ يلزم من انتفاء اللون انتفاء السواد وهو الذي عنيناه بتسليم نقيض الالزم

السواد، فلذلك قلنا تسليم عني الالزم ال ينتج ال نفي الالزم وال ثبوته، وأما انتفاء األخص فال يوجب انتفاء ثبوت اللون ال يدل على ثبوت . األعم، فإن انتفاء السواد ال يوجب انتفاء اللون وال ثبوته، وهو الذي عنيناه بقولنا إن تسليم نقيض املتدم ال ينتج ال عني الالزم وال نقيضه

: زما لألعم فهو خطأ، كمن يقول إن كان هذا لونا فهو سواد وإن كان الالزم مساويا للمتقدم أنتج منه أربع تسليمات وأما جعل األخص ال كقولنا إن كان زنا احملصن موجودا فالرجم واجب ومعلوم أنه موجود فإذن الرجم واجب، أو معلوم أنه غري موجود فإذا الرجم غري واجب،

وكذلك كل معلول له علة وهو . فإذا زنا احملصن موجود، أو معلوم أن الرجم غري واجب فإذا الزنا غري موجود أو معلوم أن الرجم واجب مساو لعلته ويلزم أحدمها اآلخر فينتج فيه التسليمات األربع، ومثاله من احملسوس إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود لكنها طالعة فهو

النمط الثالث . موجود، ولكن النهار موجود فالشمس طالعة، ولكن النهار غري موجود فالشمس غري طالعة موجود لكنها غري طالعة فهو غري وهو على ضد منط التالزم واملتكلمون يسقونه السرب والتقسيم واملنطقيون يسمونه الشرطي املنفصل، وحنن مسيناه التعاند، ومثاله : منط التعاند

Page 11: محك النظر في المنطق - الغزالي

قدمة ومها قضيتان، حيذف إما األوىل قولنا العامل قدمي أو الثانية قولنا العامل حادث، فتسليم إحدى القضيتني العامل إما قدمي وإما حادث فهذه م فانا نقول ومعلوم أنه حادث فيلزم منه نقيض املقدمة األخرى وهو أنه ليس : أو نقيضها يلزم منه ال حمالة نتيجة وينتج فيه أربع تسليمات

أو نقول ومعلوم أنه قدمي فيلزم منه نقيض األخرى وهو أنه ليس . يس حبادث فيلزم منه عني املقدمة األخرى أو نقول ومعلوم أنه ل . بقدميفباجلملة كل قسمني متناقضني متقابلني إذا وجد فيهما شرائط التناقض كما . أو نقول ومعلوم أنه ليس بقدمي فيلزم منه عني األخرى . حبادث

ونفي أحدمها إثبات اآلخر، وال يشترط إن تنحصر املقدمة يف قسمني بل شرطه أن تستوىف أقسامه وإن سبق فينتج إثبات أحدمها نفي اآلخر فإنا نقول هذا الشيء إما مساو وإما أقل و إما أكثر فهذه ثالثة ولكنها حاصرة، فاثبات واحد ينتج نفي اآلخرين وإبطال اثنني . كان ثالثا

احنصار احلق يف اآلخرين أحدمها ال بعينه، والذي ال ينتج فهو أن ال يكون حمصورا، كقولك زيد إما ينتج إثبات الثالث و إبطال واحد ينتج وأما إبطال واحد فال ينتج . بالعراق و إما باحلجاز وهذا مما يوجب إثبات واحد نفي اآلخر، فإنه إن ثبت أنه بالعراق انتفى عن احلجاز وغريه

لث ويكاد يكون كالم من يستدل على إثبات رؤية الباري بإحالة تصحيح الروية على الوجود غري إثبات اآلخر إذ رمبا يكون يف صقع ثا حمصور، إال أن نتكلف حلصره وجها بان نقول تصحيح الرؤية ال خيلو إما أن يكون بكونه جوهرا فيبطل بالعرض أو كونه عرضا فيبطل

تبقى شركة هلذه املختلفات إال يف الوجود فهو املصحح، إذ ميكن إن يكون قد بقي أمر فال . باجلوهر أو كونه سوادا أو لونا فيبطل باحلركة فإن أبطل هذا أيضا فلعل مث معىن أخر، إال أن نتكلف . آخر مشترك مل يعثر عليه الباحث سوى املوجود، ممل كونه جبهة من الرائي مثال

فكل استدالل ال ميكن . بد منه فعند ذلك حتصل النتيجة، فهذه ضروب األقيسة حصر املعاين ونتكلف نفي مجيعها ونبني أن طلب مصحح ال . رده إىل هذه الضروب فهو غري منتج وسرتيده شرحا يف حق اللواحق

الفن الثالثطة من يف بيان املقدمات اجلارية من القياس جمرى الثوب من القميص واخلشب من السرير، فان ما ذكرناه جرى جمرى اخليا من املقاصد

القميص وشكل السرير من اخلشب، وكما ال ميكن أن يتخذ من كل جسم سيف وسرير وقميص، إذ ال يتأتى من اخلشب قميص وال من الثوب سيف وال من السيف سرير فكذلك ال ميكن أن يتخذ من كل مقدمة وقضية قياس منتج ، بل القياس املنتج ال ينصاغ إال من مقدمات

ب يقينيا أو ظنيا إن كان املطلوب فقهيا، فلنذكر معىن اليقني يف نفسه لتفهم ذاته ولنذكر مدركه لتفهم اآللة اليت هبا يقينية إن كان املطلو إما اليقني فال تعرفه إال مبا أقوله وهو أن النفس إذا . وهذا وإن كان القول يطول فيه ولكنا حنرص على اإلجياز بقدر اإلمكان . نقتنص اليقني

أن تتيقن وتقطع به وينضاف إليه قطع ثان وهو أن يقطع بأن قطعه : احدها: ق بقضية من القضايا وسكنت فلها ثالثة أحوال أذعنت للتصدي به صحيح ويتيقن بأن يقينه ال ميكن أن يكون فيه سهو وال غلط وال التباس، وال جيوز الغلط ال يف تيقنه بالقضية وال يف تيقنه الثاين بصحة

منا مطمئنا قاطعا بأنه ال يتصور أن يتغري فيه رأيه وال أن يطلع على دليل غاب عنه فيغري اعتقاده، ولو حكى نقيض يقينه، ويكون فيه آ اعتقاده عن أفضل الناس فال يتوقف يف جتهيله وتكذيبه وخطأه، بل لو حكى له أن نبيا مع معجزة قد ادعى أن ما يتيقنه خطأ ودليل خطأه

فإن خطر بباله أنه ميكن أن يكون اهللا قد اطلع نبيه على سر . ري هبذا السماع إال أن يضحك منه، ومن احملكي عنه معجزته فال يكون له تأث ومثال هذا العلم قولنا إن الثالثة أقل من الستة، وإن شخصا واحدا ال يكون يف مكانني، وإن . انكشف له نقيض اعتقاده، فليس اعتقاده يقينا

. موضع ونظائر ذلكشخصني ال جيتمعان يف أن يصدق به تصديقا جزما ال يتمارى فيه وال يشعر بنقيضه البتة ولو أشعر بنقيضه عسر عليه اذعان نفسه لإلصغاء إليه ولكنه : احلالة الثانية

ينه توقفا ما ولنسم لو ثبت وأصغى وحكى له نقيض معتقده عمن هو أعلم الناس وأعدهلم عنده، وقد نقله مثال عن النيب أورث ذلك يف يق هذا اجلنس اعتقادا جزما وهو أكثر اعتقاد عوام املسلمني واليهود والنصارى يف معتقداهتم وأدياهنم ومذاهبهم، بل أكثر اعتقاد املتكلمني يف

ن حسن فيهم اعتقادهم بكثرة نصرة مذاهبهم بطريق األدلة، فإهنم قبلوا املذاهب واألدلة مجيعا حبسن الظن والتصديق من أرباب مذاهبهم الذي مساعهم الثناء عليهم وتقبيح خمالفتهم ونشؤهم على مساع ذلك منذ الصبا، فإن املستقل بالنظر الذي يستوي مثيله يف أول نظره إىل الكفر

. واإلسالم وسائر املذاهب عزيز أو ال يشعر ولكنه إن أشعر به مل ينفر طبعه عن قبوله، وهذا أن يكون له سكون نفس إىل شيء والتصديق به وهو يشعر بنقيضه : احلالة الثالثة

يسمى ظنا وله درجات يف امليل إىل الزيادة والنقصان ال حتصى، فمن مسع من عدل شيئا سكنت إليه نفسه، فإن انضاف إليه ثان زاد السكون

Page 12: محك النظر في المنطق - الغزالي

على اخلصوص زادت القوة، فإن انضافت إليه قرينة حال وقوي الظن، فإن انضاف إليه ثالث زادت القوة، فإن انضافت إليه جتربة بصدقهم كما إذا أخربوا عن أمر خموف وهم على صورة مذعورين صفر الوجوه مضطريب األحوال زاد الظن، وهكذا ال يزال يترقى قليال قليال يف

يسقون أكثر هذه األحوال علما ويقينا حىت يطلقون واحملدثون . القوة إىل أن ينقلب الظن على التدريج يقينا إذا انتهى اخلرب إىل حد التواتر بأن األخبار اليت تشتمل عليها الصحاح يوجب العلم العمل هبا على كافة اخللق إال آحاد احملققني، فإهنم يسقون احلالة الثانية يقينا وال مييزون

فمهما ألفت القياس من مقدمات يقينية حقيقية يف صورة تأليف .بني احلالة الثانية واألوىل، واحلق أن اليقني هو األول والثاين مظان الغلط . الشروط اليت قدمناها كانت النتيجة احلاصلة يقينية ضرورية حبسب ذوق املقدمات

الفصل الثاين يف مدارك اليقني واالعتقاد

فاعلم أن . ثل هذا اليقني وما آلته ومدركه لعلك تقول قد استقصيت يف شروط اليقني استقصاء مؤنسا عن نيله والظفر به فمن أين يقتنص م مدارك الظنون لست أذكرها فإهنا واضحة للفقهاء والناس كافة، ولكن أذكر مدارك اليقني واالعتقادات اليت يظن هبا اليقني وجمامعها فيما

: حضرين اآلن ينحصر يف سبعة أقسام، ولنخترع لكل واحد منها امسا مشتقا من سببه واعين هبا العقليات احملضة اليت اقتضى ذات العقل مبجرد حصوهلا من غري استعانة حبس التصدير هبا مثل علم اإلنسان بوجود :األول أوليات

وباجلملة هذه . ذاته، وبان الواحد ال يكون قدميا حادثا، وأن النقيض إذا صدق أحدمها كذب اآلخر، وان اإلثنني أكثر من الواحد ونظائره تبة يف العقل منذ وجوده حىت يظن العاقل أنه مل يزل عاملا به، وال يدري مىت حصل وال يقف حصوله على وجود أمر القضايا تصادف مر

سوى العقل، إذ يرتسم فيه الوجود مفردا والقدمي مفردا واحلادث مفردا والقوة املفكرة جتمع هذه املفردات وحتسب بعضها إىل بعض، مثل ذب العقل به أو أن القدمي ليس حبادث ويصدق العقل به، وال حنتاج إال إىل ذهن ترتسم فيه املفردات واىل أن حتضر أن القدمي حادث ويك

. قوة مفكرة تنسب بعض هذه املفردات إىل البعض فيتربص العقل على البديهة إىل التصديق أو التكذيبفرحه وسروره ومجيع احواله الباطنة اليت يدركها من ليس له وذلك كعلم اإلنسان جبوع نفسه وعطشه وخوفه و :الثاين املشاهدات الباطنة

ال يكفي يف إدراكها بل البهيمة تدرك هذه األحوال من نفسها بغري . وهذه ليست مدركة باحلواس اخلمس وجمرد العقل . احلواس اخلمس ايا قطعية مثل قطعه بأنه جائع ومسرور وخائف، فإذا حيصل من هذا املدرك يقينيات كثرية وقض . عقل و األوليات ال تكون للبهائم والصبيان

ومن عرف نفسه وعرف السرور وعرف حلول السرور فيه ينظم من هذه املعارف قضية حيكم على نفسه بأهنا مسرورة، فكانت القضية . املنظومة منه عند العقل قضية حقيقة

ستديرة وهذا الفن واضح، ولكن يتطرق الغلط إىل اإلبصار كقولك امللح ابيض والقمر مستدير والشمس م :الثالث احملسومات الظاهرة وأسباب الغلط يف اإلبصار الذي على االستقامة مثانية، واإلبصار . بعوارض فتغلط ألجلها مثل بعد مفرط أو قرب مفرط أو ضعف يف العني

اعف فيه أسباب الغلط ومداخل الغلط يف هذه والذي باالنعطاف كما يرى ما وراء البلور والزجاج تتض . الذي باالنعكاس كما يف املرآة وال ميكن أن جيعل عالوة على هذه احلالة وان أردت أمنوذجا من أغاليط البصر فانظر . احلالة على اخلصوص ال ميكن استقصاؤه يف جملدات

الصيب والنبات يف أول النمو وهي إىل طرف الظل فتراه ساكنا والعقل يقضي بأنه ستحرك وإىل الكواكب فتراها ساكنة وهي متحركة واىل . يف النمو يف كل حلطة تتزايد على التدريح ويراه واقفا و أمثال ذلك مما يكثر

ويعبر عنها باطراد العادات وذلك مثل حكمك بأن النار حمرقة واحلجر هاو إىل جهة األرض والنار متحركة إىل جهة :الرابع التجريبات اخلمر مسكر ومجيع املعلومات بالتجربة عند من جرهبا، فإن معرفة الطبيب بان السقمونيا مسهل كمعرفتك فوق وأخلبز مشبع واملاء مرو و

وهذا غري احملسوسات ألن مدرك احلس هو . بان اخلبز مشبع، فإنه انفرد بالتجربة وكذلك احلكم بأن املغناطيس جاذب للحديد عند من عرفه بأن كل حجر هاو إىل األرض فهو قضية عامة ال قضية يف عني فليس للحس إال قضية يف عني، فأما احلكم . أن هذا احلجر هوى إىل األرض

وكذلك إذا رأى مائعا وقد شربه فسكر مل حيكم بأن جنس هذا املائع مسكر، فإن احلس مل يدرك إال شربا وسكرا عقيبه وذلك يف شراب س وبتكرر اإلحساس مرة بعد أخرى إذا املرة الواحدة ال حتصل العلم فمن تأمل له واحلكم الثاين هو حكم العقل بواسطة احل . معني مثار إليه

إذ قد خيطر بباله إن زواله كان . موضع فصب عليه مائعا فزال مل حيصل له علم بأنه مزيل بل هو كما لو قرأ عليه سورة اإلخالص مرة فزال

Page 13: محك النظر في المنطق - الغزالي

كذا لو جرب قراءة سورة اإلخالص مثال على املرض األول وكان يزول كل مرة و. باالتفاق، فإذا تكرر زواله مرات كثرية حصل له العلم . أو يف األكثر حيصل له يقني بأنه مزيل كما حصل اليقني بأن اخلبز مزيل للجوع والتراب غري مزيل له بل زائد فيه

قياس خفي ارتسم فيه، ومل يثبت شعوره بذلك وإذا تأملت هذا القن حق التأمل عرفت أن العقل نال هذه بعد اإلحساس والتكرر بواسطة . وكان العقل يقول لو مل يكن هذا السبب يقتضيه ملا اطرد يف اكثر، ولو كان باالتفاق لتخلف . القياس ألنه مل يلتفت إليه ومل يشكله بلفظه

بينهما وهو أن اإليالم حيمله على سبب فإن اإلنسان يأكل اخلبز فيتأمل رأسه ويزول جوعه فيقضي على اخلبز بأنه مشبع وليس مبؤمل لفرق وهذا األمر حيرك أصال عظيما يف معىن تالزم األسباب . آخر اتفق اقترانه باخلبز، إذ لو كان، باخلبز لكان دائما مع اخلبز أو يف األكثر كالشبع

. الفالسفة ما ينبه عن غورهوقد ذكرنا يف كتاب هتافت. واملسببات والتعبري عنها باطراد العادات، وأن ذلك ما حقيقتهواملقصود أن القضايا التجريبية زائدة على احلسية ومن مل ميعن يف جتربة األمور تعوزه مجلة من القضايا العينية فيتعذر عليه درك ما يلزم منها

لتجربة، وهذا كما أن األعمى واألصم من النتائج، ولذلك نرى أقواما يتفردون بعلم ويستبعده آخرون جلهلهم مبقدماته اليت ال حتصل إال با يعوز مجلة من العلوم النظرية اليت تستنتج من مقدمات حمسوسة وال يفرق األعمى قط باليقني الربهاين، أن شكل الشمس مثل شكل األرض

قص العقل مقدماهتا إال بشبكة أو أكرب منها، فإهنا تعرف بأدلة هندسية تبىن على مقدمات مستفادة من البصر وكثري من العلوم النفيسة ال يتن . البصر وسائر احلواس، ولذلك قرن اهللا السمع والبصر بالفؤاد يف أ لقرآن

كعلمنا بوجود مكة ووجود الشافعي وبعدد الصالة اخلمس، بل كعلمنا بأن مذهب الشافعي أن املسلم ال يقتل :اخلامس املعلومات بالتواتر سوس، اذ ليس للحس إال أن يسمع صوتا، املخرب بوجود مكة، فأما احلكم بصدقه فهو للعقل والته فإن هذه أمور وراء احمل . بالذمي وغريه

وال ينحصر العدد املوجب للعلم يف عدد، ومن تكلف حصر ذلك فهو يف شطط بل هو لتكرر . السمع وال جمرد السمع بل تكرير السماع فان ترقي الظن فيه ويف التواتر خفي . يدري مىت ينقلب الظن احلاصل منه يقينا التجربة، فإن كل مرة فيها شهادة أخرى تنضم إىل اآلخر فال

التدريج ال تشعر به النفس البتة، كما أن منو الشعر خفي التدريج ال يشعر بوقته ولكن بعد زمان يدرك التفاوت فكذا هذه العلوم، فهذه وذلك ممل قضاء الوهم : السادس الومهيات . منها النفس وما بعده ليس كذلك مدارك العلوم اليقينية احلقيقية الصاحلة للرباهني اليت تطيب

فإن إثبات شيء . بان،كل موجود ينبغي أن يكون مشارا إىل جهته، وأن موجودا ال متصال بالعامل وال منفصال وال خارجا وال داخال حمال يف اآلخر من الدماغ تسمى ومهية شأهنا مالزمة احملسوسات اليت مع القطع بأن اجلهات الست خالية عنه حمال، وهو عمل قوة يف التجو

وهاتان قضيتان . ألفها، فليس يف طبعها إال النبوة عنها وانكارها ومن هذا القبيل نفرة الطبع عن قول القائل ليس وراء العامل ال خالء وال مالء ة ممارستك األدلة العقلية املوجبة إلثبات موجود ليس يف جهة، والثانية ومهيتان كاذبتان، واألوىل منهما رمبا وقع كل األنس بتكذيبها لكثر

وإذا تأملت عرفت أن ما أنكره الوهم من نفي اخلال واملال غري ممكن فإنك إن اثبت . رمبا مل تأنس بتكذيبها لقلة ممارستك األدلة املوجبة له ال ينعدم، وألنك تعرف أن ال قدمي سوى اهللا وصفاته وإذا جعلته حمدثا لزمك أن فإن اخلال ينعدم باملال والقدمي . خالء فما أراك جتعله قدميا

وهذه القضايا الومهية مع أهنا كاذبة فهي يف النفس . يكون متناهيا فينقطع، و إذا جاوزت املنقطع كنت معترفا بأنه ليس بعده ال خال وال مال وليس كل . خص يف مكانني، بل تشهد به أول الفطرة كما تشهد باألوليات القطعية ال تتميز عن األوليات القطعية، مثل قولك ال يكون ش

وهذه الومهيات ال يظهر كذهبا . ما تشهد به الفطرة قطعا هو صادق بل الصادق ما تشهد به قوة العقل فقط ومداركه اخلمسة املذكورة فان قلت فبماذا أميز بينها وبني الصادقة . الوهم بل تبقى على نزاعها للنفس إال بدليل العقل مث بعد معرفته الدليل أيضا ال تنقطع منازعة

والفطرة قاطعة بالكل، ومىت حيصل يل األمان منها فأقول إن هذه ورطة تاه فيها مجاعة فتسفسطوا وأنكروا كون النظر مفيدا لليقني فقال ليس حيصل لنا األمان وقال لبعضهم لسنا نتيقن أيضا تكافؤ األدلة بل بعضهم طلب اليقني غري ممكن، وقالوا بتكافؤ األدلة وادعوا النفس، و

وهو : األول مجلي . هذا أيضا ال ندريه، وكشف الغطاء عن هذا صعب ويستدعي تطويال ولكن أفيدك أالن طريقني تثق هبما يف كذب الوهم من النظريات، ولو عرضت الوهم على نفس الوهم أنك ال تشك يف وجود الوهم والقدرة والعلم واإلرادة وهذه الصفات وليس هذا

فانه يطلب له مسكا ومقدارا ولونا فإذا مل جيده إياه، ولو كلفت الوهم إن يقابل ذات القدرة والعلم واإلرادة لتصور لكل واحد قدرا . ألنكرهنطبقا على البعض كأنه ستر مرسل على ومكانا مفردا، ولو فرضت له اجتماع هذه الصفات يف جزء واحد وجسم واحد لقدر بعضها م

وجهه، ومل يقدر على تقدير إدخال البعض يف البعض اآلخر باسره، فانه إمنا يشاهد األجسام ويراها متميزة يف الوضع فيقضي على كل الوهم ليست كاذبة فأهنا وهو معيار يف آحاد املسائل وهو أن تعلم إن مجيع قضايا : الطريق الثاين . شيئني بانه متميز يف الوضع عن اآلخر

Page 14: محك النظر في المنطق - الغزالي

توافق العقل يف استحالة وجود شخص يف مكانني، بل ال تنازع يف مجيع العلوم اهلندسية واحلسابية وما يدرك باحلس، الهنا تنازع فيما وراء وبقضاياه مهما نظر يف غري فحيلة العقل يف أن يعق بكذبه . احملسوسات ألهنا متثل غري احملسوس باحملسوس، إذ ال تقبله إال على حنو احملسوسات

فإن الوهم يساعد على أن اليقينيات إذا نظمت . حمسوس أن يأخذ مقدمات يقينية يساعد الوهم عليها وبنظمها بنظم املقياسني اليت ذكرناها إذا رأى الوهم قد كاع ف. كذلك كانت النتيجة الزمة كما سبق من األمثلة وكما يف سائر اهلندسيات فيتخذ ذلك ميزانا وحاكما بينه وبينه

عن قبول نتيجة دليل قد ساعد على مقدماته وساعد على صحة نظمه وساعد على أن مثل هذا النظم منتج يالضرورة وان تلك املقدمات فاكتف. صحيحة بالضرورة مث أخذ ميتنع عن قبول النتيجة علم أن ذلك من نفور يف طباعها عن إدراك هذا الشيء اخلارج عن احملسوسات

وهي أراء جمموعة : السابع املشهورات . هبذا القدر فإن متام اإليضاح ال حيصل إال باالمتحان يف أمثلة كثرية، وذلك مما يطول فيه الكالم أوجب التصديق هبا، إما شهادة الكل واكثر أو شهادة اجلماهري أو األفضل، كقولك الكذب قبيح واإلنعام حسن وشكر املنعم حسن

فان هذه القضايا ليست أولية وال . بيح وهذه قد تكون صادقة وتكون كاذبة، فال جيوز أن يعول عليها يف مقدمات القياس وكفران النعمة ق ومهية، فإن الفطرة األوىل ال يقضي هبا بل ينغرس قبوهلا يف النفس بأسباب كثرية تعرض من أول الصيب، وذلك بتكرير ذلك على الصيب

نده، ورمبا يضطر إليها يف حب التسامل وطيب املعاشرة، ورمبا نشا من احلياء ورقة الطبع، فنرى أقواما وتكليفه اعتقاده وحتسني ذلك ع يصدقون بأن ذبح البهائم قبيح وميتنعون من أكل حلومها وما جيري هذا اجملرى، فالنفرة من اجملبولة على اجلنب والرقة أطوع لقبوهلا، ورمبا محل

الكثري، ورمبا كانت القضية صادقة ولكن بشرط دقيق ال يفطن الذهن لذلك الشرط ويستمر على تكرير التصديق على التصديق هبا االستقراء فيترشح يف نفسك كمن يقول مثال التواتر ال يورث العلم ألن قول الواحد ال يورث، وكذلك الثاين، فقد انضم ما ال يوجب إىل ما ال

وله الواحد ال يوجب العلم، إذ جيوز عليه الغلط، وهذه قضية يظن أهنا صادقة باإلطالق وليس يوجب واجملموع ال يزيد على اآلحاد، ألن ق كذلك، بل الصادق أن قول الواحد املنفرد بقوله حيتمل الغلط واجلمع خيرجه عن االنفراد، وكل واحد ال يوجب قوله العلم بشرط أن ال

ه من املثارات العظيمة الغلط وللتصديق باملشهورات أسباب كثرية يطول إحصاوها وهذ. يكون معه اآلخرون، فإذا اجتمعوا بطل هذا الشرط وال ينبغي إن تتخذ مقدمات القياس اليقيين منها البتة، واكثر أقيسة اجلدليني من املتكلمني والفقهاء يف جمادالهتم وتصانيفهم مؤلفة من

ولذلك نرى أقيستهم تنتج نتائح متناقضة فيتحيرون فيها وتتخبط . ن سببها مقدمات مشهورة فيما بينهم، سلموها جملرد الشهرة وذهلوا ع فإن قلت فيما أدرك الفرق بني املشهور والصادق فاعرض قول القائل الصدق مجيل والكذب قبيح على العقل األويل . عقوهلم يف تنقيحها

تأنس مبسموع ومل تؤدب باصطالح ومل هتذب بتعليم أستاذ الفطري املوجب لألوليات، وقد رانك مل تعاشر أحدا ومل ختالط أهل ملة ومل فإن تقدير اجلوع يف حال . وأب ومرشد وكلف نفسد أن تشكك فيه، فإنك تقدر عليه وتراه متأتيا، و إمنا الذي يعسر عليك هذه التقريرات

التشكك، ولو كلفت نفسك الشك يف أن ولكن إذا حتدقت فيه أمكنك . الشبع عسري وكذا تقدير كل حالة أنت منفك عنها يف احلال االثنني أكثر من الواحد مل يكن الشك متأتيا بل ال يتأتى الشك يف أن العامل ينتهي إىل خال وهو كاذب ومهي، ولكن فطرة الوهم تقتضيه

لفه اإلنسان من العادات واألخالق فأما كون الكذب قبيحا فال تقضي به ال فطرة الوهم وال فطرة العقل بل ما آ . واآلخر تقتضيه فطرة العقل وقل من ال يتغري هبذه املقدمات وال تلتبس عليه باليقينيات، ال سيما يف . واالصطالحات، وهذه أيضا مغاصة مظلمة جيب التحرز عنها

واملستفاد من . التأليفوهذا القدر كاف يف املقدمات اليت هي جاملة للنظم والترتيب و . تضاعيف األقيسة مهما كثرت املراتب واملقدمات . غلط الوهم ال يصلح البتة واملشهورات تصلح للفقهيات الظنية وال تصلح لغريها ولنختم هذا يف املقاصد

الفن الثالث من القياس يف اللواحق وفيه فصول الفصل األول

يف بيان كل ما تنطق به األلسنة يف العادات واحملاورات والفقهيات والعقليات. معرض الدليل والتعليل وميكن أن يقرن به ألن، ويذكر يف جواب لم، فذلك بالضرورة يرجع إىل ضروب النظم اليت ذكرناها مما يذكر يف

وذلك إما قصور علم الناظر بتمام نظم القياس، وإما : وال بد منها البتة، وان ما ترى تأليفه وإطالقه على غري ذلك النظم فله أربعة أسباب دمات لكوهنا واضحة، وإما إمهاله كل لكوهنا مشتملة على موضع التلبيس فيحذر من أن يصرح به فيطلع على تلبيسه، وإما إمهاله بعض املق

فإنا مل نذكر إال املفردات من النظم، فان تلك املفردات إذا . تركيب الضروب اليت ذكرناها ومجع مجلة من احادها يف سياق كالم واحد

Page 15: محك النظر في المنطق - الغزالي

األول فيما ترك إحدى مقدمتيه لوضوحه : ولنورد لكل واحد منها مثاال . كثرية أعرضنا عن تفصيلها لإلجياز تداخلت حصل منها تأليفات وهو أكثر األدلة العقلية والفقهية، إذ حيترز عن التطويل، وكذا يف احملاورات كما يقول القائل هذا جيب عليه الرجم وهذا قد زنا وهو حمصن

لوجوده سبب فيقال لم . رك مقدمة احلكم وذكر مقدمة احملكوم عليه ألنه يراه مشهورا، وكذلك يقال العامل ولكن ت . فإذا جيب عليه الرجم ومتامه أن نقول كل منهي عنه فهو فاسد . وكما يقال نكاح الشغار فاسد فيقال لم فنقول ألنه منهي عنه . فنقول ألنه حادث فإذا له سبب

فاسد ولكن ترك ذلك للشهرة والتلبيس أيضا حىت ال يقول اخلضم أسلم أنه منهي عنه ولكن ال أسلم أن ونكاح الشغار منهي عنه فهو إذا وأما مثال ما يترك ألجل التلبيس فأن تقول فالن خائن يف حقك فيقال لم فيقول ألنه يناجي . كل منهي عنه فاسد فيترك املقدمة املمنوعة

العدو فهو خائن وهذا يناجي العدو فهو خائن، ولكن ترك مقدمة احلكم فانه لو صرح به رمبا يذكر عدوك، ومتامه أن يقول كل من يناجي أنه رمبا يناجي العدو جلدعه أو يستميله أو ينصحه، وال يسلم أن كل من يناجي العدو فهو خائن فيترك ذلك حىت ال يتذكر حمل الكذب،

ومتامه أن نقول احلساد ال خيالطون وهذا . نا فيقال لم فيقول ألن احلساد ال تؤمن خمالطتهم ورمبا يترك مقدمة احملكوم عليه فيقول ال ختالط فال حاسد فينبغي أن ال خيالط، فتركت مقدمة احملكوم عليه وهو قولك هذا حاسد وكل من يقصد التلبيس يف اجملادالت فطريقه إمهال إحدى

وهذا كله . فيه أو استغفاال للخصم واستجهال له، فإنه رمبا يتنبه للحاجة إىل املقدمة الثانية املقدمتني إيهاما بأنه واضح ورمبا يكون الكذب كمن يقول مثال كل شجاع ظامل فيقال لم فيقول ألن احلجاج كان شجاعا وظاملا، فهذا متامه إن . أمثلة النظم األول، وقد يقع يف غريه أيضا

شجاع ظامل وهو غري منتج ألنه طلب نتيجة عامة من النظم الثالث، وقد ثبت إن النظم الثالث ال فكل. يقول احلجاج شجاع واحلجاج ظامل ينتج إال قضية خاصة، له إمنا كان من النظم الثالث ألن العلة هي احلجاج، فانه متكرر يف املقدمتني وال يلزم منه إال أن بعض الشجعان ظلمة،

املتفقهة سيئة اآلداب واملتصوفة كلهم فسقة، فيقال لم فيقول ألين رأيت متصوفة الرباط الفالين . وكذلك يقول العامي . إما الكل فغري الزم ومتفقهة املدرسة الفالنية يفعلون كيت وكيت وهو خطأ ألنه طلب نتيجة عامة من النظم الثالث وهو حمال، وباجلملة مهما كانت العلة

زم إال نتيجة جزئية، وهو معىن النظم الثالث، ومهما كانت العلة أعم من احملكوم عليه وأخص أخص من احلكم واحملكوم عليه يف النتيجة مل يل من احلكم أو مساويا للحكم كان من النظم األول وأمكن أن تستنتج منه القضايا األربعة، ومهما كانت العلة أعم من احلكم واحملكوم عليه

ومثاله من العادات أن تقول هذه املرأة حبلى فيقال لم فتقول ألهنا عظيمة . في، إما اإلثبات فال مجيعا كان من النظم الثاين ومل ينتج منه إال الن ومتامه أن يقول هذه املرأة عظيمة البطن وكل عظيمة البطن فهي حبلى فهذه املرأة إذا . البطن فهذا دليل فاسد وقد حذف إحدى مقدمتيه

املقدمتني، وهو أعم من احملكوم عليه فإنه املرأة املعينة وعظيمة البطن، إذ قد يعظم بطن غريها، حبلى، والعلة عظيمة البطن وقد جعل خربا يف والغلط من هذا الوجه يف . واعم أيضا من احلكم فإن احلكم هو احلبل وعظم البطن أعم منه إذ قد يكون باالستسقاء والسمن واالنتفاخ

ثال املختلطات املركبة من كل منط فكقولك الباري تعاىل إن كان على العرش فهو إما معل وأما م . الفقهيات والكالميات أكثر من أن حيصى أو أكرب أو أصغر أو مساو، وكل مساو أو أكرب أو أصغر مقدر وكل مقدر إما أن يكون جسما أو ال يكون جسما، كل وباطل أن ال يكون

وهكذا جتري أكثر . حمال أن يكون جسما فمحال أن يكون على العرش جسما و . جسما فثبت أنه جسم فيلزم أن يكون الباري تعاىل املقاييس يف التصانيف واحملاورات وبه تتيسر التلبيسات، إذ ميكن أن يهمل يف وسط هذه الكثرة مقدمة فيها غلط، فمن ال يقدر على حتليل

وقد اشتمل هذا على النمط األول وعلى . التصديق به هذا التركيب ورده إىل ما سبق رمبا غلط من حيث ال يدري وصدق بقياس ال جيب النمط الثاين وهو التالزم وعلى النمط الثالث وهو التقسيم والتعاند، مل إذا أتقنت املفردات أمكنك رد املختلطات إليها فلست أطول بتعليم

. إال ورجع إىل ما ذكرناهوجه التحليل فقد الح لك هبذه األمثلة أنه ال يتصور أن ينطق أحد يف معرض دليل بكلمة

الفصل الثاين يف بيان إن ما يسمى استقراء ومتثيال يرجع بالضرورة إىل ما ذكرناه

إما االستقراء فهو عبارة عن تصفح أمور جزئية ليحكم حبكمها على أمر يشتمل تلك اجلزئيات، كقولنا يف الفقه الوتر ليس بفرض ألنه يؤدى تم إن الفرض ال يؤدى على الراحلة؟ فنقول عرفنا ذلك باالستقراء، فإنا رأينا القضاء واألداء واملنذور وسائر على الراحلة، فيقال ولم قل

ووجه داللة هذا ال تتم إال بالرد إىل النظم األول وهو . أصناف الفرائض ال تؤدى على الراحلة، فعلمنا أن كل فرض ال يؤدى على الراحلة داء أو نذر، وكل قضاء وأداء ونذر فال يؤدى على الراحلة فإذا كل فرض ال يؤدى على الراحلة، وهذا أن نقول كل فرض إما قضاء أو أ

Page 16: محك النظر في المنطق - الغزالي

فإن الوتر . والكذب حتت قوله إما أداء فإن حكمه بان كل أداء ال يؤدى على الراحلة ال يسلمه اخلصم . خميل يصلح للظنيات دون القطعيات فنقول وهل استقريت حكم الوتر يف تصفحك . م اخلصم الصالة اخلمس، إما السادس فما سلمه أيضا أداء كالعصر والصبح، و إمنا سل

وكيف وجدته؟ فان قلت وجدته ال يؤدى على الراحلة فاخلصم ال يسلم وإن مل تتصفحه فلم يتبني لك إال بعض األداء، فخرجت املقدمة قول بعض الفرض ال يؤدى على الراحلة، وذلك ال ينتج فإثا بينا أن املقدمة الثانية عن أن تكون عامة وصارت خاصة، وكان الواجب أن ت

وهذا غلط من قال إن صانع العلم تعاىل عن قوله جسم، إذ يقال له . الثانية يف النظم األول ينبغي أن تكون عامة، فإن كانت خاصة مل تنتج الستقراء، إذ تصفحت الفاعلني من خياط وبناء واسكاف وحجام وحداد لم فيقول ألن كل فاعل جسم، فيقال له فبما عرفت هذا فيقول با

وغريهم فوجدهتم أجساما، فيقال وهل تصفحت صانع العامل، فإن قلت نعم فوجدته جسما فهو حمل الرتاع، فكيف أدخلته باملقدمة؟ وإن تاما مستوعبا مل يقدران استوعب دخلت فيه النتيجة قلت ال فقد ظهر لك بعض الفاعلني ال كلهم، فظهر بذلك أن االستقراء إذا مل يكن

. املطلوبة، وال يصح ذلك إال يف الظنيات ألنه مهما وجد األكثر على منط واحد غلب على الظن أن اآلخر كذلك

الفصل الثالثال يتحققون أن وجه الدليل عني من وجه لزوم النتيجة من املقدمات وهو الذي يعبر عنه بوجه الدليل، ويلتبس األمر فيه على الضعفاء و

فيقول كل مفردين مجعتهما القوة املفكرة ونسبت أحدمها إىل اآلخر بنفي أو إثبات وعرضته على العقل مل خيل العقل فيه من . املدلول أو غري لوم بغري دليل وبغري علة وبغري حيلة أمرين إما أن يصدق به أو ميتنع عن تصديقه، فان صدق به فهو األوىل املعلوم بغري واسطة، و يقال انه مع

وهذه العبارات تؤدي معىن واحدا يف هذا املقام، و إن امتنع عن املبادرة إىل التصديق وال يطمع بعد ذلك يف تصديقه إال . وبغري نظر وتأمل احلكم فبجعل احلكم خربا عنه بواسطة، وتلك الواسطة هي اليت تنسب احلكم إىل احملكوم عليه فيجعل خربا عنه فيصدق به وينسب إىل

فيصدق به فيلزمه من ذلك بالضرورة التصديق بنسبة احلكم إىل احملكوم عليه، وبيانه أنا إذا قلنا للعقل هل النبيذ حرام؟

دق العقل قال ال أدري ومل يصدق به، فعلمنا أنه ليس يف الذهن طرف هذه القضية وهو احلرام والنبيذ، فال بد وأن يطلب واسطة، رمبا يص . بوجوده يف النبيذ ويصدق بوجود وصف احلرام لتلك الواسطة فيلزمه التصديق باملطلوب

فيقول وهل النبيذ مسكر فيقول نعم، إذا كان قد حصل له ذلك بالتجربة، فإن صدقت هباتني .قلنا نعم " يعمل حبكمه "فيقول وهل املسكر حرام فيقول نعم إذا حصل له ذلك بالسماع، فيقول وهل املدرك بالسمع . القضيتني لزمك التصديق بالثالث وهو أن النبيذ حرام بالضرورة، فيلزمه ذلك ويذعن للتصديق به

إما وجه الغلط . فإن قلت هذه القضية ليست خارجة عن القضيتني وليست زائدة عليهما، فاعلم أن ما تومهته حق من وجه وغلط من وجه نك تقول النبيذ حرام وتقول النبيذ مسكر وتقول املسكر حرام، فليس قولك النبيذ حرام تكرار يف املقدمتني فهو أن هذه القضية ثالثة بدليل أ

بعدمها بل هذه ثالث مقدمات متباينة اللفظ واملعىن، فعرفت أن النتيجة الالزمة غري املقدمات امللزم هبا، ا فهو أن قولك املسكر حرام شامل لعموم النبيذ الذي هو أحد املسكرات، وأما وجه كونه حق . وأن امللزمة اثنتان والنتيجة ثالثة سوامها

فقولك النبيذ حرام منطو فيه ولكن بالقوة ال بالفعل، إذ قد حيضر العام يف الذهن وال حيضر اخلاص، فمن قال اجلسم متحيز ال خيطر بباله ا النتيجة موجودة يف إحدى املقدمتني بالقوة ومعلومة بالفعل، ذكر القطب فضال عن أن خيطر بباله مع ذلك حكمه بأنه متحيز، فإذ

واملوجودة بالقوة القريبة رمبا يظن أهنا موجودة بالفعل تومها، فاعلم أن هذه النتيجة ال خترج من القوة إىل الفعل مبجرد العلم مبقدمتني ما مل قدمة بالقوة، وإذا تأملت ذلك صارت النتيجة بالفعل، إذ ال يبعد أن ينظر حتضر املقدمتني يف الذهن وخيطر بباله وجه وجود النتيجة يف امل

الناظر إىل بغلة منتفخة البطن فيتوهم أهنا حامل ولو قيل له هل تعلم أن البغلة عاقر فيقول نعم، فإن قيل له فهل تعلم أن هذه بغلة فيقول نعم، مه باملقدمتني، أي علمه أن كل بغلة عاقر وهذه بغلة فهي إذا عاقر والعاقر فيقال كيف تومهت أهنا حامل فيتعجب هو من توهم نفسه مع عل

وانتفاخ البطن له أسباب سوى احلمل فإذا انتفاخها من سبب اخر، وملا كان السبب اخلاص القريب . هي اليت ال حتمل، فإذا هي ال حتمل . أشكل على الضعفاء، فلم يعرفوا أن وجه الدليل عني املدلول أو غريهحلصول النتيجة يف الذهن التفطن لوجود النتيجة بالقوة يف املقدمة

Page 17: محك النظر في المنطق - الغزالي

واحلق أن املدلول هو املطلوب املنتج وأنه عني التفطن لوجوده يف املقدمة بالقوة، لكن هذا التفطن هو سبب حصوله على سبيل التولد عند لفيضان النتيجة من عند واهب الصور املعقولة الذي هو العقل املعتزلة وعلى سبيل استعداد الذهن حبضور هذه املقدمات مع هذا التفطن

الفعال عند الفالسفة، وعلى سبيل تضمن املقدمات للنتيجة بطريق اللزوم الذي ال بد منه عند أكثر أصحابنا احملالف للتولد الذي ذكره فطن لوجه تضمنه له بطريق إجراء اهللا العادة على وجه املعتزلة، وعلى سبيل حصوله بقدرة اهللا تعاىل عقيب حصول املقدمتني يف الذهن، والت

يتصور خرقها بأن ال خيلق عقيب متام النظر عند بعض أصحابنا، مث ذلك من غري نسبة له إىل القدرة احلادثة عند بعضهم بل حبيث ال تتعلق هبا فأما صريورة . جة على معىن وجودها فيها بالقوة فقط قدرة العبد، و إمنا قدرته على استحضار املقدمتني ومطالعة وجه تضمن املقدمة للنتي

النتيجة بالفعل فال تتعلق به القدرة، وعند بعضهم تتعلق به القدرة احلادثة فيكون العلم النظري كسب العبد، وإيضاح الرأي احلق من مجلة و إمنا الكشف حيصل . لفاظ من غري شفاء ذلك ال يليق مبا هو النظر الفاسد ما هو، وترى الكتب مشحونة بتطويالت يف معىن هذه األ

. بالطريق الذي سلكناه فقط ال ينبغي أن يكون شغفك بالكالم املعتاد املشهور بل بالكالم املفيد املوضح، وان خالف املعتادجهلته فإذا وجدته، وهو أن يقول ما تطلبه بالنظر هو معلوم لك أم ال، فإن علمته فكيف تطلبه وأنت واحد وان :مغالطة من منكري النظر

فبم تعرف أنه مطلوبك، وكيف يطلب العبد اآلبق من ال يعرفه فإنه لو وجده مل يعرف أنه مطلوبه، وحتها أن تقول أخطأت يف نظم دليلك، ملعرفة غري فإن تقسيمك ليس حباصر، إذ قلت تعرفه أو ال تعرفه بل هاهنا قسم ثالث وهو إين أعرفه من وجه وأجهله من وجه، وأعين أالن با

فإين أفهم مفردات أجزاء املطلوب بطريق املعرفة والتصور وأعلم مجلة النتيجة املطلوبة بالقوة ال بالفعل، ولو كنت أعلمه بالفعل ملا . العلم أدركه طلبته ولو مل أعلمه بالقوة ملا طمعت يف أن أعلمه، إذ ما ليس يف قوة عليه يستحيل حصوله كالعلم باجتماع الضدين، ولوال أين

باملعرفة والتصور ألجزائه املفردة ملا كنت أعلم بالظفر مبطلويب إذا وجدته، وهو كالعبد اآلبق فإين أعرف ذاته بالتصور، و إمنا أنا طالب بالقوة، أي يف مكانه وأنه يف البيت الفالين أم ال، وكونه يف البيت أعلمه باملعرفة والتصور أي لفهم البيت مفردا وأفهم الكون مفردا وأعلمه

قوة أن أصدق بكونه يف البيت ولكن لست مصدقا بالفعل، وإمنا أطلب حصوله بالفعل من جهة حاسة البصر، وإذا رأيته يف البيت باملشي العبد، إليه صدقت بكونه يف البيت بالفعل، فلوال معرفيت البيت والكون والعبد بطريق التصور للمفردات ملا عرفت وجه املطلوب عند رؤية

بالفعل، فكذلك أطلب أن العامل حادث فأفهم العامل مفردا باملعرفة والتصور واعلم احلادث باملعرفة ويف قوة ولوال أنه يف قوة التصديق ملا صار . التصديق بأن العامل حادث فإذا صار بالفعل علمت أنه مطلويب ولو كان بالفعل ملا طلبته

م، أتعلم كل اثنني زوج فقيل نعم، فقال فما يف يدي زوج أم ال، فإن قلت نعم فبم أعرفه والكف قال بعض منكري العل :مغالطة أخرى جمموع، وإن قلت ال فقد ناقضت قولك، إذ قلت عرفت إن كل اثنني زوج وما يف يدي اثنان فكيف مل تعلم أنه زوج، فاجيب عن هذا بأنا

وهذا اجلواب . ا زوج، وما يف يدك مل أعرف أنه اثنان، ولو عرفت أنه اثنان لقلت أنه زوج عنينا مبا ذكرنا أن كل اثنني عرفنا أهنما اثنان فهم مع وضوحه خطأ فإنا إذا قلنا كل اثنني زوج إن أردنا به أن كل االثنني زوج سواء عرفنا أن ما يف يده اثنان أو مل نعرف كان خطأ بل كل

رة زوج، لكن اجلواب احلق أن ما بيدك زوج إن كان اثنني، وقويل ال اعرف أنه اثنان ال ما هو اثنان يف نفسه ويف علم اهللا تعاىل فهو بالضرو هاتان املغالطتان . يناقض قويل كل اثنني زوج بل نقيض قويل كل اثنني زوج قويل كل اثنني فليس بزوج أو بعض ما هو اثنان ليس بزوج

كالم يف حل اإلشكاالت، فإن األغاليط يف النظريات كلها ثارت من إمهال وإن كانتا من اجلليات فإمنا أوردهتما ليقع األنس بتحرير ال اجلليات والتسامح فيها، ولو أخذت اجلليات وحررت مث تطرق منها إىل ما بعدها تدرجييا حىت ال خيفى قليال قليال فيتضح الشيء مبا قبله على

شكال وطلب األمر اخلفي البعيد عن األوائل اجللية بعد أن ختللت بينه القرب لطاحت املغالطات، ولكن عادة النظار اهلجوم على غمرة األ وبيين األوائل درجات كثرية فال متتد شهادة اجللي وال يقوى الذهن على الترقي يف املراقي الكثرية دفعة فتزل األقدام وتعتاص املطالب وتنحط

. هداهم اهللا تعاىل بنوره وأرشدهم إىل طريقهالعقول، ولذلك ضل أكثر النظار وأضلوا إال عصابة احلق الذين

Page 18: محك النظر في المنطق - الغزالي

الفصل الرابع يف انقسام القياس إىل قياس داللة وقياس علة

إما قياس الداللة فهو أن يكون األمر املكرر يف املقدمتني معلوال ومسببا، فإن العلة واملعلول يتالزمان وإن شئت قلت السبب واملسبب وان ان استدللت بالعلة على املعلول فقياسك قياس علة و إن استدللت باملعلول على العلة فهو قياس داللة، ف. شئت قلت املوجب واملوجب

وكذلك إن استدللت بأحد املعلولني على اآلخر مثال قياس العلة من احملسوس بأن تستدل على املطر بالغيم وعلى شبع زيد باكله، فتقول كل . د أكل كثريا فهو إذا شبعانمن أكل كثريا فهو باحلال شبعان وزيد ق

ونعين بالعلة هاهنا السبب االعتباري، إذ العرض التمثيل، وال تطلب احلقائق من األمثلة، املسوقة لتفهيمات مقاصد بعيدة عن األمثلة، وإن ن نظم قياسك أن كل استدللت بالشبع على األكل كان قياسك قياس داللة فانك إذا عرفت إن زيدا شبعان حكمت عليه بأنه أكل، فكا

شبعان فقد ممل من قبل وزيد شبعان فإذا قد ممل، وكذا ترى امرأة ذات لنب فتقول كل امرأة ذات لنب فهي قد ولدت وهذه ذات لنب فهي . إذا ولدت

داللة، ولذلك جيوز أن ومثاله من الكالم أن تقول كل فعل حمكم ففاعله عامل والعامل حمكم ففاعله عامل واألحكام مسبب العلم ال سببه فهو ومثال قياس العلة يف الفقه االستدالل . يتأخر الدليل عن املدلول حىت يستدلون بالتيمم على حكم الوضوء، وال تتأخر العلة عن املعلول

مة املصاهرة ألنه بالسكر على التحرمي كما مضى، وممال االستدالل بإحدى النتيجتني على األخرى يف الفقه قولنا يف الزنا إنه ال يوجب حر وطىء ال يوجب احملرمية وما ال يوجب احملرمية ال يوجب احلرمة وهذا ال يوجب احملرمية فإذا ال يوجب احلرمة، واملشترك يف املقدمتني

يدل على وحصول إحدى النتيجتني . نتيجتا علة واحدة . املقرون بقولنا ألن احملرمية وهي ليست علة احلرمة وال احلرمة علة هلا، بل مها . األخرى بواسطة العلة، فإهنا تالزم علتها والنتيجة الثانية أيضا تالزم علتها ومالزم املالزم مالزم ال حمالة

وأما مثاله يف العادات فجميع األدلة يف علم الفراسة، فإنه يستدل . فإن ظهر أن احملرمية علة احلرمة مل يكن هذا صاحلا ألن يكون مثاال لغرضنا واملزاج على اخللق ال ألن أحدمها علة اآلخر ولكن كالمها حبكم جريان العادة نتيجة علة واحدة، حىت يقال يف علم الفراسة اإلنسان باخللقة

إذا انضم عظم أعايل يديه وصدره ووجهه إىل عظم عرضه واتساعه كان شجاعا قياسا على األسد، والشجاعة واتساع الصدر ليس أحدمها عرف باستقراء احليوانات تالزمهما فعلم إن علتهما واحدة وأن أحدمها يدل على اآلخر عند شروط آخر مضمومة إليه علة لآلخر ولكن

. كما يستقص يف ذلك العلموقد كان الشافعي رضي اهللا عنه ماهرا فيه وصادق احلدس يف التفرس، وهذا العلم يتداعى إىل عجائب عظيمة حىت إن الناظر يف كتف الشاة

ل مبا فيها من اخلطوط احلمر على جريان سفك الدماء يف السنة وما فيها من النقط على كثرة األمطار والنبات ويصيب فيها ويعلم قطعا يستدأن محرة خطوط كتف الشاة ال تكون علة تقاتل السالطني وال النقط فيها علة كثرة النبات واألمطار وال معلوال هلا، ولكن ال يبعد من

اهللا تعاىل إذ يكون يف األسباب السماوية سبب واحد يتفق يف تلك السنة فيكون علة حبكم إجراء العادة حلياة يف أعضاء عجائب صنع احليوانات وتشكالهتا ويف أسباب كثرة الغيوم ويف أسباب تواحش القلوب اليت هي أسباب التقاتل اليت هي أسباب سفك الدماء، و إمنا

. لذين ال خربة هلم بعجائب صنع اهللا تعاىل واتساع قدرتهيستنكر هذه العلوم اجلهال ا

الفصل اخلامسفبعزتك (يف حصر مدارك الغلط يف القياس اعلم أن الشيطان مسلط على كل ناظر ومشغوف بتلبيس احلق وتغطيته ومصر على الوفاء بقوله

جعلنا اهللا واياك منهم )إال عبادك منهم املخلصني (ائه حيث قال والتحذر منه شديد وال يتيسر إال ملن هو يف حمل استثن )ألغوينهم أمجعني . فعليك أن تأخذ يف نظرك من الشيطان ووسواسه حذرك

فإن قلت كيف يل به مع ما أنا عليه من الضعف وقع ما هو عليه من التسلط والتمكن حىت أنه ليجري من ابن آدم جمرى الدم، فاعلم أن ذكره وجند من جنوده ما أنعم به عليك إال لتستعني به على أعدائه ووجه االستعانة أن تتفقد بنور العقل العقل حزب من أحزاب اهللا تعاىل

وسراجه الزاهر مداخل الشيطان يف النظر، وتعلم أن حصن النظر والدليل ما مل ينثلم ركن من أركانه مل جيد الشيطان مدخال فإنه ال يدخل

Page 19: محك النظر في المنطق - الغزالي

بنور العقل وسددهتا وأحكمت معاقلها انصرف الشيطان خائبا خاسرا واهتديت إىل احلق ونلت مبعرفة احلق إال من امللم، فإذا أبصرت امللم ومجيع الثلم اليت هي مداخل الغلط ترجع يف القياس إىل سبع مجل مل إن كان لكل واحد تفصيل طويل وحنن . درجة القرب من رب العاملني

إن املقدمات القياسية إذا كانت صادقة يقينية وكالت مفردات معارفها وهي األجزاء األول نومي إىل اجلمل، وذلك، أنك بالضرورة تعلم حمصلة يف العقل حبقائق معانيها دون ألفاظها وكانت املقدمات اليت هي األجزاء الثواين أيضا متمايزة مفصلة وكانت غري النتيجة وكانت

لة ما ذكرناه وكان بعد وقوعه يف منط واحد جامعا للشروط اليت شرطناها يف ذلك اعرف من النتيجة وكان تأليفها داخال يف منط من مج . النمط، كان احلكم الذي يلزم منه حقا وصدقا ال حمالة، فإن مل يكن حقا فهو خللل وقع يف هذه األمور، فلنفصلها

ية أو مأخوذة من احلس يف مظان غلطه، وذلك عند بعد أن ال تكون املقدمات صادقة بل تكون مقبولة حبسن الظن أو ومه :املدخل األول مفرط أو قرب مفرط أو اختالل شرط من الشروط الثمانية اليت فيها، وأكثر أغاليط النظار من التصديق باملألوفات واملسموعات يف الصيب

بان احلروف اليت ينطقون هبا يف احلال قدمية . قوامن األب واألستاذ وأهل البلد واملشهورين بالفضل، وقد انتهى هذا الداء بطائفة إىل أن صد ولو سؤلوا عن السنتهم لقالوا هي حادثة، ولو قيل له كيف كان كالمك أكان قبل لسانك أو بعده لقال بعده، فإذا قيل فما هو بعد لسانك

. كيف يكون قدميا وكيف يكون قدمي متأخرا عن حادث مل ينفع هذا معهمما فطر فطرة تسارع إىل قبول كل مسموع مث ينصبغ به انصباغا ال ميكن البتة اجنالؤه عنه ويكون مثاله كالكاغد واعلم إن من األذهان

فهؤالء . الرخو الذي يغوص احلرب يف عمقه، فإن أردت حموه لزمك إفساد الكاغد وخرقه، وما دام الكاغد موجودا كان السواد فيه موجودا . كانت هذه الضالالت فيها موجودة ال يقدر البشر على إزالتهاأيضا ما دامت أدمغتهم موجودة

وأما الذين كذبوا بوجود موجود ال يشار إىل جهته وال يكون داخل العامل وال خارجه فهم اظهر عذرا وأقرب امرا من هؤالء ولكنهم أيضا ومهما قصد رسوخ مثل هذا االعتقاد يف النفوس أعين . لعادلون عن احلق باإلذعان ملقتضى الوهم والعجز عن التمييز بني حكمه وحكم العق

قدم احلروف ينبغي أن يكرر ذلك على السمع يف الصبا وخيتم الوجه عند ذكر منكره ويستعاذ باهللا تعاىل ويطلق اللسان يف ذمه ويقال إن مثل أن يقال إن فالنا كان ممن يعتقده ذلك فوىل بعض الكفرة، أعين الذين يفعل هبم يف النار كيت وكيت وخيترع على ذلك حكايات،

فأصبح وقد مسخه اهللا كلبا وان فالنا يسمع من قربه صياح الكالب لقوله بكذا وكذا فال يزال يترسخ يف نفس الصيب ذلك على التدريج من اليت جتاوز معاجلتها قدرة الطبيب، حيث ال يشعر كما يرسخ النقش يف احلجر ويتعذر على كل العلماء دواه بعد الكرب مثل العلة املستحكمة

. وال فرق بني مرض القلوب ومرض األبدان نعوذ باهللا منهماوأما أنت وإن مل ينته تقليدك إىل هذا احلد فأحذر أن تكون من مجلة من يعتقد شيئا خفيا استحسنته وصدقت به من غري دليل واستبشعت

فإن . واعلم أن احلق غري احلسن و الشنيع غري الباطل، إذ رب شنيع حق ورب حممود باطل . خالفه فأبيت التصديق بضده لكونه شنيعا قبيحا إنكار كون اهللا على العرش وكون احلروف قدمية شنيع عند أهله وجتويز ذبح احليوانات شنيع عند طائفة كما أن أيالم الربيء من غري غرض

. دى مكايد الشيطان واعرض ما صدقت به على نفسكشنيع عند اجلماهري، فاحترز من هذه املغاصة تسلم من إح . فإن كان امتناع التشكك فيه مثل امتناع التشكك يف إن االثنني أكثر من الواحد فاعلم أنه وجه حق

وبة من أن يكون اخللل يف الصورة وهو أن ال يكون وضعه داخال يف منط من اجلملة املذكورة، وذلك بأن تكون النتيجة مطل :املدخل الثاين مقدمة واحدة باحلقيقة، وأعين هبا ما ليست من مقدمتني أصال أو تكون من مقدمتني بالقوة ولكن ليس فيهما واسطة مكررة يقع هبا

. االزدواج واالشتراكإهنما مقدمتان ال وعدم االشتراك إن كان يف اللفظ واملعىن يسهل دركه، إذ يعلم أنه ال حتصل نتيجة إن قلنا السماء فوقنا والشمس أصغر ف

وإذا كان االشتراك باللفظ ال باملعىن فال يكون ذلك إال بسبب استعمال لفظ مشترك كلفظ املختار وسائر أقسامه اليت ذكرناها . يتداخالن : وان أمهلنا بعضها وننبه اآلن على أمور خفية مما أمهلناه ليستدل هبا على ذلك وهي أربعة

داة من األدوات أو ما يستعمل رابطة يف نظم الكالم، كقوله كل ما يعلمه اهللا فهو كما يعلمه واهللا يعلم أن يكون االشتراك يف أ :األولاجلوهر فهو إذا كاجلوهر، ووجه الغلط أن هو مشترك الداللة جبن أن يرجع إىل كل ما تبتني أنه يرجع إىل العامل وبني أن يرجع إىل اهللا

. واضحا فإنه ختفى أمثاله يف مواضعوهذا وإن كان هاهنا. سبحانه وتعاىل

Page 20: محك النظر في المنطق - الغزالي

بأن تكون املقدمة حبيث تصدق جمتمعة فيظن أهنا تصدق مفترقة بسبب حروف النسق بأن يصدق أن يقال اخلمسة زوج وفرد، أي فيه :الثاين اإلنسان حيوان وجسم وقد اثنان وثالثة فيظن أنه يصدق أن يقال هو زوج أيضا، ألن الواو قد تطلق ويراد هبا مجيع االجزاء، كما يقال

. وكما يقال العامل جواهر وأعراض أي بعضه جواهر وبعضه أعراض. تطلق ويراد هبا بعض األجزاء، كاملثال السابق ما يصدق مفترقا، فيظن أنه يصدق جمتمعا، كما يصح أن يقال زيد بصري أي يف اخلياطة وزيد جاهل أي يف الطب، فقد صدق كل :الثالث

. ، ولو قلت زيد بصري جاهل كان متناقضاواحد مفردا ألفاظ تواطىء املتواطئة من وجه وهو الذي تتناوله األشياء املتعددة اليت ختتلف ين احلقائق وتتفق يف عوارض الزمة إما قريبة أو بعيدة، :الرابع

واحد يشترك يف أنه يسقى مقدورا عليه أعي مقدورا كقولك أن فعل العبد مقدور عليه للعبد وهللا تعاىل أي للعبد كسبا وهللا اختراعا، فكل للعبد ومقدورا له سبحانه وتعاىل، ولكن تعلق قدرة اهللا تعاىل خمالفة لتعلق قدرة العبد وقدرة اهللا تعاىل خمالفة لقدرة العبد، فإن شبهت هذا

يف اللفظ، إذ عربنا بالشترك عن املختلفات يف احلد باملشترك احملض فقد أخطأت، إذ ال شركة بني املسميني كاملشترى ولفظ العني إال . واحلقيقة املتساوية يف التلقيب فقط، وها هنا ال بد من اعتقاد مشاركة ما

وإن شبهت باملتواطئة فقد ظلمت، فإن املتواطئة هي املتساوية يف احلد، فإن السماء واإلنسان والشجر مشترك يف اجلسمية اشتراكا واحدا من وأما هاهنا فوجه تعلق القدرة باملقدور خمتلف فقد عرفت أن االسم الواحد يعتر . تفاوت البتة إال يف أمر خمتلف خارج اجلسمية وحدها غري

اظ به عن شيئني إما بالتواطؤ وإما باالشتراك، و إما هذا القسم الثالث فبينهما فلنخترع له اسم املردد ليكون بإزاء األقسام الثالثة املعقولة ألف فهذا وأمثاله إذا وقعت الغفلة عنه خرج القياس عن النمط الذي ذكرناه فلم يكن منتجا، إذ بطل به ازدواج املقدمتني حيث . ثالثة معقولة

. جعل احلد املشترك ما هو مشترك باللفظ ال باحلقيقة املقدمتني بأن ألف من مقدمتني نافيتني أو جزئيتني، أو أن ال يكون نظمه جامعا للشروط اليت ذكرنا بعد وقوع االشتراك بني :املدخل الثالث

كان من النظم األول ومقدمة احملكوم عليه نافية أو مقدمة احلكم غري عامة، أو كان من النظم الثاين وقد طلب منه نتيجة مثبتة، أو من النظم . وقد ذكرنا أمثلة هذا. الثالث وقد طلب منه نتيجة عامة

تكون مفردات املعارف، أعين األجزاء األول متمايزة منفصلة باحلقيقة بل ملتفة خمتلطة متضمنة ألمور متعددة، كان أن ال :املدخل الرابع تقول مثال يف مسالة ضمان املنافع باإلتالف أهنا تضمن ألن كل من أتلف ماال ضمنه وغاصب الدار قد أتلف ماال فيضمنه، فقوله الغاصب

ن املال واإلتالف وطوى حتتهما أمورا كثرية تلبيسا، إذ ال تصدق هذه املقدمة ما مل يبين أن املنافع أوال موجودة أتلف ماال ذكر فيه مفردي . وقد أنكر وجودها بعض الناس وال يتلف إال موجود، وثانيا أن يبني أهنا باقية إذ اإلتالف يستدعي البقاء وإال متا يفين بنفسه كيف يتلف

ال وان كل ما يتلف يضمن، فإن من فوت منافع بضائع األمة كمن غصب بضاعة تاجر وحبسها سنة فمد فوت الربح وال وثالثا أهنا أمو وخامسا أن يبني أن كل مال مضمون، فإن احلبة الواحدة مال . ورابعا أن يبين أنه مال فإن ذلك ال يسلم وذلك بأن يذكر حد املال . يضمن

ضمانه ممكن فما ال ميكن ضمانه ال ميكن احلكم به والضمان مثل واملنافع أعراض فال ميكن مقابلتها هبا، وسادسا أن يبني أن . وال تضمن ومثاله من الكالم من .ولقوله قد أتلف ماال مفردان تضمنا هذه األمور الكثرية فال يدري لعل التلبيس تطرق إىل واحد من هذه املراتب،

ل كلما رأيناه اآلن يف حمل ورأينا من قبله ضده فهو حادث، وبياض الشعر مثال رأيناه اآلن ونرى قبله يثبت حدوث األعراض مثال، فإنا نقو ضده فهو أيضا حأدث، فهذا غري كاف ما مل يبني أوال أن ما يدرك حباسة البصر فهو كما يدرك، وذلك بان يعرف مجيع شروط صحة

وثانيا أن يبني إن العرض مل يكن كامنا مستورا فظهر للبصر اآلن فظهوره هو احلادث .اإلبصار بالبحث عن األسباب واستقراء املشاهدات وثالثا أن يبين أنه مل يكن يف موضع آخر وال كان قد انتقل فرأى اآلن ألنه انتقل اآلن فيبطل انتقال العرض وكمونه حىت يتم . دون نفسه

. النظرقدمة بل عينها ولكن استعمل فيها للتلبيس لفظني مترادفني، كقولك كل بشر إنسان كأنك قلت أن ال تكون النتيجة غري امل : املدخل اخلامس

كل إنسان إنسان، فاهنما مترادفان فيصري قولك كل إنسان مكلف وهو مقدمة عني قولك فكل بشر مكلف وهو النتيجة، ومثاله يف الفقه أن فال يفتقر إىل التبييت كالتطوع، ونظمه أن كل ما هو صوم عني فال يفتقر إىل يقول احلنفي يف تبييت النية يف زمان رمضان أنه صوم عني

وبيانه أن يقال ماذا أردت بقولك . وقوله صوم عني يف األصل مقدمة طويت فيها بعض أجزاء النتيجة . التبييت وهذا صوم عني فال يفتقر إليه

Page 21: محك النظر في المنطق - الغزالي

أصبح غري ناو بالليل صلح يومه للتطوع ومل يصلح لغريه وما يصلح للشيء صوم التطوع صوم عني، فانه ال يسلم فيقول الذليل عليه أن من إما قولك ال يصلح لغريه فال يوجب التعيني فإن الليل ال يصلح للصوم وال يقال إنه : ال لغريه فهو عني يف حقه فكان هذا صوم عني فيقال

ر إىل التبييت، أي تصح نيته من النهار، وهذا عني احلكم وقد احتجت عني ولكن نضيف إليه أنه يصلح للتطوع وليس له معىن إال أنه ال يفتق وقولك تصح نيته من . إىل طلب علته وينبغي أن ال تكون العلة عني احلكم ألن احلكم نتيجة والعلة منتجة واملنتج ينبغي أن يكون غري النتيجة

. النهار جزء من تفسري قولك أنه صوم عني فصار احلكم جزء من نفس العلةاألول أن ال تكون أجزاء احملكوم به : أن تكون املقدمات وهي األجزاء الثواين متمايزة مفصلة وينطوي حتت هذا أمران : املدخل السادس

واحملكوم متمايزة بأن يوجد هناك شيء من املوضوع يتوهم أنه من احملمول أو بالعكس، كقولك اجلسم مبا هو جسم إما أن يكون متحركا والثاين أن تكون أجزاء احملكوم عليه واحملكوم متمايزة ال يشتبه . فقولك مبا هو جسم ال يدري أهو من احملكوم عليه أو من احملكوم أو ساكنا،

منها شيء، إال أهنا غري متمايزة يف االتساق، وذلك كما مثلنا به آنفا من قولنا كل ما علمه الآلله فهو كما علمه واإلله يعلم اجلوهر فهو إذا . وقد قدمنا لك كيف دخل اخللل يف اتساقه. جوهر

أن ال تكون املقدمات أعرف من النتيجة بان تكون مساوية هلا باملعرفة كالنسب اإلضافية إذا اخذ بعضها دليال على بعض، : املدخل السابع أو . و يف املعرفة لكون زيد أبا له وهو النتيجة فإن كون عمرو ابنا لزيد وهو املقدمة مسا . وذلك كأن تقول زيد أب لعمرو ألن عمرا ابنه . أخفى منها سواء كانت مبينة يف النتيجة أو ال

إما الثاين فكما يقال يف االستدالل على ثبوت واجب الوجود من حدوث العامل وعدم صحة استناد التأثري إىل احلوادث، وغري ذلك مما ثبوت . واجب الوجود أظهر منه

فإذا قيل لك وملا قلت أن كل متحيز يقيل التحول . تقول كل جسم متحيز وكل متحيز يقبل التحول فاجلسم يقبل التحول وأما األول فكان قلت ألن األجسام تقبل التحول وهي متحيزة فحكمت بأن كل متحيز يقبل التحول، فقد جعلت النتيجة دليال على الكربى وقد كانت

. لبيان الدوري و حاصله يرجع إىل بيان الشيء بنفسه وهو حمالوهذا هو ا. النتيجة مدلوال عليهافان قلت فهذا مع . فهذه جمامع مداخل الغلط من غري تطويل بالتفصيل وإن كان ال يدرك كنهه إال بالتفصيل، ولكن اإلجياز أليق باحلال

عزيز والطريق إليه وعر وأكثر األبصار مظلمة، والعوائق اإلجياز اشعر مبثارات عظيمة للغلط فكيف األمان منها مع تراكمها، فاعلم أن احلق الصارفة كثرية واملشوشات للنظر متظاهرة، وهلذا ترى اخللق يتالطمون تالطم العميان، وقد انقسموا إىل فرقتني فرقة سابقة بأذهاهنا إىل

مثرة، فهؤالء يعتقدون أهنم يعلمون احلقائق كلها و املعتقدات على سرعة فيعتقدها يقينا ويظن كل شبهة ودليل برهانا وحيسب كل سوداء . إمنا العميان خصومهم

وطائفة تنبهوا لذوق اليقني وعلموا أن ما يف الناس فيه يف اكثر عمى مث قصرت قوهتم من سلوك سبيل احلق ومعرفة شروط القياس إما لبالدة فهؤالء يعتقدون أن الناس كلهم . السراب يطلع على مجيع شروط الربهان يف الفهم وإما لفقد أستاذ مرشد بصري باحلقائق غري منخدع بالمع

و إمنا . عميان يتالطمون وأنه ال ميكن أن يكون يف القوة البشرية االطالع على احلق وسلوك طريقه، فال ذاك األول حق وال هذا الثاين صدق ذلك الطريق لو صادف مرشدا بصريا، ولكن الطريق طويل واملهالك فيها احلق أن األشياء هلا حقيقة وإىل دركها طريق ويف قوام البشر سلوك

وهكذا يكون مثل هذا األمر، فإنه مهما عظم املطلوب قل . كثرية واملرشد عزيز فألجلها صار الطريق عند اكثر مهجورا، إذ صار جمهوال املطلوبة يف أسرار صفات اهللا تعاىل و أفعاله تنبين على أدلة املساعد ومهما كثرت املخاوف راع اجلبان اخلائف، وكيف ال وأكثر العلوم

حتقيقها يستدعي تأليف مقدمات لعلها تزيد على ألف وألفني، فأين من يقوى ذهنه لالحتواء على مجيعها أو حفظ الترتيب فيها، فعليك أيها . ىلفإن ما أوردته يهديك إىل أوائل الطريق إن شاء اهللا تعا. األخ باجلد والتشمري

الفصل السادس من القياس يف حصر مدارك األقيسة الفقهية والتنبيه على مجل يزيد االنتفاع هبا على جملدات حتفظ من األصول الرمسية

فاملعلوم بأصل العلم كالعلم بوجوب الكفارة . فنقول احلكم الشرعي تارة يكون مدركه أصل العلم وتارة يكون مدركه ملحق بأصل العلم ى من أفطر باجلماع يف هنار رمضان، وبكون األصل فيه إما قول أو فعل أو إشارة أو تقدير من صاحب الشرع صلوات اهللا عليه، وليس عل

Page 22: محك النظر في المنطق - الغزالي

ذلك تفصيله من غرضنا، و إما امللحق باألصل فله أقسام وتشترك يف أمر واحد وهو أن من ضرورته حذف بعض أوصاف األصل عن درجة م، فإن اتساع احلكم حبذف األوصاف وأن نقصان الوصف يزيد يف املوصوف، أي يف عمومه، فإن غري البر ال يلحق االعتبار حىت يتسع احلك

بالبر ما مل يسقط اعتبار كونه برا يف حكم الربوي، واحلمص ال تلتحق به املكيالت ما مل حتذف اعتبار كونه مطعوما، والثوب على مذهب : هذا فاعلم أن لإلحلاق طريقني. فإذا عرفت. يسقط اعتبار كونه مقدرا، وهكذا كل من زاد إحلاقه زاد حذفهأبن املاجشون ال يعترب به ما مل

. أال يتعرض امللحق إال حلذف الوصف الفارق بني امللحق وامللحق به، فإما العلة اجلامعة فال يتعرض هلا البتة، ومع ذلك فيصخ إحلاقه أحدمهاا أن يكون احلكم يف امللحق أوىل كما إذا قلت جامع األعرايب أهله فلزمته الكفارة، فمن يزين أوىل بان تلزمه، وهذا له ثالث درجات أعاله

أن يكون والدرجة الثانية ألن الفارق بني مجاع األهل واألجنيب كونه حالال وهذا أوىل باإلسقاط واحلذف من وجوب الكفارة يف االعتبار فقلنا األمة كذلك من غري أن نبين هاهنا علة سراية العتق ، كما مل " من اعتق شركا من عبد قوم عليه الباقي " يببطريق املساواة كما قال الن

. نبني يف املثال السابق علة وجوب الكفارة ذلك كما لو حكم عليه ولكن نعلم أنه ال فارق إال األنوثة وان األنوثة ال مدخل هلا يف التأثري فيما يرجع إىل حكم الرق وهو ظاهر ، بل

وإذا سجد رسول اهللا لسهوه . السالم بالعتق يف غالم كبري ، لكنا نقضي يف الصغري ولو قضى يف عريب لقضينا يف اهلندي وعلمنا أنه مساو له لقد زل من قال إن إحلاق و. يف الصبح نعلم أن الظهر وسائر األوقات يف معناه ، إذ اختالف الوقت نعلم قطعا أنه ال يؤثر يف جرب النقصان

. األمة بالعبد للقرب ، فإن القرب من اجلانبني على وترية واحدة ولكن مأخذ هذا العلم ما تكرر على أفهامنا من . ولو ورد نص يف أن األمة جترب على النكاح وهو ثابت بالإمجاع لكنا نقول العبد يف معناه

ولو . نه يسلك بالذكر واألنثى فبه مسلكا واحدا كما يسلك باألبيض واألسود مسلكا واحدا أحكام الشرع وعادته يف قضية الرق والعتق أ مل نعرف هذا من عادته بطول ممارسة أحكام العتق والرق لكان ال يتضح ذلك البتة ومل يظهر أنه يسلك بالذكر مسلك األنثى يف عقد

. النكاح ، فلذلك مل يكن العبد يف معىن األمة يف اإلجبار أن يكون احنذاف الوصف الفارق مظنونا ال مقطوعا به كما تقول إن سراية العتق إىل نصف معني من العبد عند إضافته إىل "الرتبة الثانية "

ب على ويكاد يغل . نصف آخر أو إىل عضو معني كسرايته عند الإضافة إىل اجلزء الثائي، فإنه ال يفارقه إال يف كون املضاف معينا وشائعا الظن أن هذا الوصف وهو كون املضاف إليه شائعا غري مؤثر يف احلكم ، ولكن ليس هذا معلوما كحذف وصف األنوثة ، إذ فرق الشرع يف إضافة التصرفات إىل احملال بني الشائع واملعني يف البيع واهلبة والرهن وغريها ، وهذا يعارض أن الشائع يف العتق والطالق على اخلصوص

ملعين يف إباء الشرع االقتصار فيه على البعض واعتبار هذا الوصف كي غري العتق والطالق ، كاعتبارنا األنوثة يف غري الرق والعتق من كاالشهادات والنكاح والقضاء وغريه ، فيصري األمر مظنونا حبسب هذه التخمينات ، وعلى اجملتهد أن يتبع فيه ظنه ويقرب منه حذف وصف

. تبقى الكفارة منوطة باإلفطار كما قاله مالك اجلماع حىتإذ كونه مجاعا يضاهي كونه خبزا وحلما ، ولو أوجب الشرع بأكل اخلبز لكنا نقول اللحم والفاكهة واملاء يف معىن اخلبز ، إذ اختالف

ح والنشاب والسكني يف معىن السيف ، آالت اإلفطار ال ينبغي أن يكون هلا مدخل يف الكفارة وحذف موجب اإلزهاق ، حىت يكون الرم واجلماع مما ولكن يعارضه أن هذه الكفارة شرعت ألن تكون للزجر فيختص مبحل احلاجة . مهما ورد النص بوجوب القصاص يف السيف

وم ودرجات الشهوة يشتد الشبق إليه ويعسر الصرب عنه وال يرتجر مالبسه عنه إال بوازع شرعي، ولكن يعارضه أن اخلز أيضا يشتهي يف الص ال متكن مراعاهتا ، إذ يلحق مجاع العجوز الشوهاء بالصبية املشتهاة مع التفاوت ، فيجاب عنه بأن ضبط مقادير الشهوات خيتلف

. باألشخاص واألحوال فال ميكن ضبطه ، وقد ضبط الشرع جنس اجلماع بتخصيصه باحلد وفساد احلج ، فكان ذلك سورا فاصال اذب الظنون ويتنازع به اجملتهدين ، فكل ذلك من املسالك املرضية وان مل يذكر اجلامع أصال ولكين أقول هذا وان مل يتعرض فهذا مما يتج

فال يتجرأ الذهن على احلكم حلذف الفارق وال بد من وصف يف األصل يكون املعىن اجلامع . للجامع ، وإمنا تعرض حلذف الفارق فقط . رعه املعترب واستنشاق مشه من ف

ولكن على اإلمجال ال على التجريد والتفصيل فلوال أنا عرفنا أن الكفارة وجبت باجلماع ملا فيه من هتك احلرمة على اجلملة ملا جتاسرنا على فهمنا أن فلوال أن . إحلاق الزنا به ، إذ االفتراق يف وصف احلل واحلرمة مؤثر يف أكثر أحكام الشرع ، ولكن يف التغليظ ال يف التخفيف

ال بطريق اإلنعام وشكر النعمة ملا أحلقنا الزنا به ، أال ترى أن الشارع ملا علق حترمي أمر املوطوءة وابنتها . الكفارة وجبت بطريق التغليط

Page 23: محك النظر في المنطق - الغزالي

نكاح سنة ومل بوطئ املرأة يف النكاح مل يلحق به الزنا ، مع أن حترمي النكاح نوع حجر ميكن أن جيعل عقوبة ، ولكن ملا كان الوطىء يف ال تكن العقوبة هبا الئقة وصلح هذا احلجر ألن يكون نعمة ، وهو أن يسلك بابنتها وأمها مسلك امرأة نفسه وابنته لتتداخل العشائر وتسهل

ملا جترأ على فبهذا يتحقق أن الذهن لو مل يتطلع على املعاين املعتربة مجلة . املخالطة وتنقطع داعية الشهوة محلناه عليه ومل نلحق الزنا به احلذف، ولكن املتعرض للجمع يف العلة حيتاج إىل تلخيص العلة، وهذا له أن حيكم قبل أن يلخص العلة ويكون عدم التلخيص يف العلة من

عناها، أن يعلم أصل العلة وال يعلم خصوص صفاته، كما إنا حنكم أن السهوة يف غري الصالة اليت سهي فيها رسول اهللا يف م أحدمها: وجهنيوإن مل نعرف بعد أن علة السجود جرب النقصان من حيث أنه نقصان أو من حيث أنه سهو فإنه إن كان للنقصان فلو ترك شيئا من األبعاض عمدا ينبغي أن يسجد، وإن كان من حيث أنه سهو مل يسجد يف العمد وقبل أن يتلخص لنا خصوص هذه الصفات نعلم أن العصر يف معىن

. الظهر فهو أن ال يتعين ال أصل العلة وال وصفها ولكن نعلمها مبهمة من مجلة من املعاين، كما أن يف الربوي رمبا نبني أن الزبيب ما الوجه الثاين وأ

ه إال يف يف معىن التمر قبل أن يتضح أن العلة هي الكيل أو الطعم أو املالية أو القوت، إذ نعلم أنه كيف كان فالزبيب مشارك له فيه وال يفارق وهذا ال ينبغي أن يؤثر قطعا، والدليل على أنه ال بد من استشعار حيال املعىن عن بعد وإمجال، حىت ميكن اإلحلاق بأنه نص . كونه زبيبا

ا ننازع صاحب الشرع صلوات اهللا عليه وعلى آله على أن الثوب إذا أصابه بول الصيب كفى الرش عليه، فلوال أنه ذكر إن الصبية خبالفه لكن . إىل أهنا يف معناه، ولكن ملا ذكر الصبية وإهنا خبالفه حسم علينا باب توهم املعىن

إما ترانا كيف حنكم مبنع املرأة من البول يف املاء الراكد أخذا من قوله ال يبولن احدكم يف املاء الراكد، واخلطاب مع الرجال وإن خطر لك لكنا نقول ذلك للمرأة لعلمنا بان الشرع بني فضالت . أنه لو قال لرجل ال تبل يف املاء الراكد أن النساء يدخلن حتت هذا اخلطاب، فقدر

بدن الرجال والنساء يف النجاسات فما رأينا لألنوثة مدخال يف النجاسات، وعرف ذلك من الشرع وكان جراءتنا على الشرع لإلحلاق هلذا . فهذه أقسام الطريق األول وهو أن ال يتعرض امللحق إال للحذف. ف فال ينبغي أن خيتلط بهولتومهنا أن البول مستقذر وأن املاء معد للتنظي

األول أن يكون املعىن مناسبا : فأن يتعرض للمعىن املعترب بعينه وعند ذلك ال حنتاج إىل التعرض للفوارق وهذه ثالثة أقسام إما الطريق الثاين مؤثرا كقول أيب حنيفة رضي اهللا عنه أن بيع املبيع قبل القبض باطل ملا فيه من الضرر، وذلك كوصف اإلسكار يف التحرمي واآلخر أن يكون

وهذا قد قدرنا وجهه . ال جيري يف العقار، وزعم أن التعليل بالضرر أوىل ألن ذلك ظهر أثره يف موضع آخر بالنص وهو بيع الطري يف اهلواء وأما أقسام املناسب واملؤثر والفرق بينهما فقد ذكرناه يف كتاب شفاء العليل يف . بادي والغايات يف مسألة بيع العقار قبل القبض يف كتاب امل

القسم الثالث أن ال يكون اجلامع مناسبا وال مما ظهر تأثريه بالنص يف موضع آخر، ولكنه توهم االشتمال على معىن . بيان التشبيه واملخيل فإنا ال حنصر الفوارق وال نتعرض حلذفها بل تعرضنا ملعىن . طهارة حكمية فتفتقر إىل النية كالتيمم مناسب مل يطلع على عينه، كقولنا الوضوء

جامع، والفوارق كثرية وليس اجلامع مناسبا وال مؤثرا وال يغرنك ما توهم من التخيالت يف معرض اإلخالة من ال يدري ذوق اإلخالة، وقدر صل غلبة الظن وهذا أخفى أنواع القياس وأدقها، فرمبا خيص باسم الشبه، لران كان كل قياس ال أن تلك التخييالت مل تكن، فبدوهنا حت

ينفك عن شبه من الفرع واألصل ووجه جواز اجلكم ملثل هذا يطول حتقيقه فاطلبه إن رغبت فيه يف مسئلة الربوي من كتاب املبادي لفقهية ففيه على اجيازه من الفوائد ما ال يعرف قدره إال من طال يف املقاييس وهذا القدر كاف يف األقيسة ا . والغايات ومن شفاء الغليل

. الفقهية تعبه

القسم الثاين من الكتاب يف حمك احلد

أحدمها ما جيري جمرى ": فنني"قد ذكرنا أن أحد قسمي اإلدراك هو املعرفة، أعين العلم باملفردات، وان ذلك ال ينال إال باحلد فلنورد فيه إن احلد يذكر جوابا عن : ما جيري جمرى القوانني واألصول القانون األول . وانني واألصول واآلخر ما جيري جمرى االمتحانات للقوانني الق

سؤال يف احملاورات وال يكون احلد جوابا عن كل سؤال بل عن بعضه، والسؤال طلب وله ال حمالة مطلب وصيغة والصيغ واملطالب كثرية : الب أربعولكن أمهات املط

Page 24: محك النظر في المنطق - الغزالي

مطلب هل، إذ يطلب هبذه الصيغة أمران إما أصل الوجود، كقول القائل هل اهللا موجود، أو يطلب املوجود حبال وصفة، :املطلب األول . كقوله هل اهللا خالق البشر وهل اهللا حي

بدري العقار ما العقار، فيقال له اخلمر األول أن يطلب به شرح اللفظ كما يقول من ال : مطلب ما، ويطلق على ثالثة أوجه :املطلب الثاين الثاين أن يطلب لفظا مميزا يتميز به املسؤول عنه عن غريه بكالم جامع مانع كيف ما كان الكالم سواء كان عبارة . إذا كان يعرف اخلمر

لزبد مث يستحيل إىل احلموضة و حيفظ يف عن لوازمه أو ذاتياته، كقول القائل ما اخلمر أي ما حد اخلمر، فيقال هو املائع الذي يقذف با الدن، واملقصود أن ال يتعرض لذاتياته، ولكن جتمع من عوارضه ولوازمه ما يساوي جبملته اخلمر حبيث ال خيرج عنه مخر وال يدخل فيه ما

قيقته الذاتية، ويتبعه أيضا أنه الثالث أن يقال ما اخلمر فيقال هو شراب مسكر معتصر من العنب، فيكون ذلك كاشفا عن كنه ح . ليس خبمر واسم احلد يف العادة قد يطلق على هذه . متييز جامع مانع ولكن ليس املقصود التمييز بل تصور كنه الشيء وحقيقته، مث التميز يتبعه ال حمالة

ل ليس يطلب إال شرح اللفظ، ولنسم الثاين فلنخترع لكل واحد امسا ولنسئم األول حدا لفظيا، إذ السائ . األجوبة الثالثة على سبيل االشتراك حدا رمسيا وهو طلب مترسم بالعلم غري متشوف إىل درك حقيقة الشيء، ولنسم الثالث جدا حقيقيا إذ مدرك الطالب فيه درك حقيقة

جسم فقد جاء بوصف كاف لو فإنه لو سئل عن حد احليوان فقال . وهذا الثالث شرطه أن يكون مشتمال على مجيع ذاتيات الشيء . الشيءفإن كنه حقيقة احليوان يدركه العقل مبجموع . كان ذلك كافيا يف اجلمع واملنع، ولكنه ناقص بل حقه أن يضيف إليه املتحرك باإلرادة

. فأما املترسم الطالب للتمييز فيكفيه قولك حساس وإن مل تقل جسم أيضا. األمرينفهو مطلب أي وهو الذي يطلب متييز ما : وأما الرابع . هو سؤال عن العلة وجوابه بالربهان وقد سبق فمطلب لم، و :وأما الطلب الثالث

وأما مطلب كيف وأين . عرف مجلته عما اختلط به، كما إذا قيل ما الشجر فقلت إنه جسم، فينبغي أن يقال أي جسم هو فنقول هو نام . به صفة املوجودومىت وسائر صيغ السؤال فداخل يف مطلب بل املطلوب

إن احلاد ينبغي أن يكون بصريا بالفرق بني الصفات الذاتية والالزمة والعرضية كما ذكرناه يف الفن األول من الكتاب، أعين :القانون الثاين لبه قانع باجلمع والقنع بأي إما األول اللفظي فيتعلق بساذج اللغة، وأما الرمسي فمؤنته قليلة واألمر فيه سهل، فإن طا . به طالب احلد احلقيقي

لفظ كان، لص إمنا الغويص العزيز احلد الذي مسيناه حقيقيا، وليس ذلك إال ذكر كمال املعاين اليت هبا قوام ماهية الشيء، أعين باملاهية ما ايت ينقسم إىل عام يسمى جنسا وان هذه صيغة طالب حلقيقة الشيء فال يؤخذ يف جواب املاهية إال الذايت، والذ . يطلب القائل بقوله ما هو

فإن كان الذايت العام ال أعتم منه يسمى جنس األجناس وان كان الذايت اخلاص ال . وإىل أخص ويسقى فصال، و إىل خاص ويسمى نوعا . أخص منه يسمى نوع األنواع

مل أيضا يف علومنا، ومثاله إذا قلنا اجلسم ينقسم إىل نام فإنه كاملستع . وهذا اصطالح املنطقيني ولنصاحلهم على هذا االصطالح فال ضري فيه فاجلسم جنس األجناس، . وغري نام، والنامي ينقسم إىل حيوان وغري حيوان، واحليوان ينقسم إىل عاقل وهو اإلنسان وإىل غري عاقل كالبهائم

إىل، اجلسم ألنه أخص منه وجنس باإلضافة إىل احليوان ألنه إذ ال أعم فوقه واإلنسان نوع األنواع، إذ ال أخص حتته، والنامي نوع باإلضافة فإن قيل كيف ال يكون شيء أخص من اإلنسان وقولنا شيخ وصيب وطويل . وكذا احليوان بني النامي األعم وبني اإلنسان األخص . أعم منه

. وقصري وكاتب وحجام أخص منهنا به األعم الذي هو ذايت الشيء، أي هو داخل يف جواب ما هو حبيث لو بطل عن قلنا مل نعن يف هذا االصطالح باجلنس األعم فقط بل عني

الذهن التصديق بثبوته بطل احملدود وحقيقته عن الذهن وخرج عن كونه مفهوما للعقل، وعلى هذا االصطالح فاملوجود ال يدخل يف املاهية، ل ما حد املثلث فقلنا سلك حتيط به ثالثة أضالع، أو قال ما حد املسبع فقلنا إذ بطالنه عن الذهن ال يوجب زوال املاهية بيانه إذا قال القائ

فبطالن العلم بوجوده ال يبطل من ذهنه . شكل حتيط به سبعة اضالع، فهم السائل حد املسبع ولو مل يعلم إن املسبع موجود أم ال يف احلال ما عنده، فقد أدركت التفرقة بني نسبة الوجود إليه وبني نسبة الشكل إليه، فهم حقيقة املسبع، ولو بطل من ذهنه الشكل مل يبق املسبع مفهو

. إذ زوال أحدمها عن الذهن مبطل حقيقته وزوال اآلخر غري مبطل، فهذا هو املراد هبذا االصطالحاألعم عندنا هو اجلوهر وينقسم إىل وأما اجلوهر فعلى ما نعتقده داخل يف املاهية ؟ فأنا نفهم منه املتحيز وهو حقيقة ذاتية، فيكون اجلنس

وإذا مل يكن الوجود ذاتيا فبأن يضاف إليه . وأما املنطقيون فيعبرون باجلوهر عن املوجود ال يف موضع . جسم وغري جسم وهو اجلوهر الفرد وأما ما هو أخص من . امهناال يف موضع ال يصري ذاتيا ألنه سلب حمض فيصح اصطالحهم حبسب تفامههم واعتقادهم ال حبسب اعتقادنا وتف

Page 25: محك النظر في المنطق - الغزالي

فإن قيل . اإلنسان من كونه طويال وقصريا وكاتبا وحمترقا وأبيض وأسود فهو ال يدخل يف املاهية، إذ ال يتغري بتغيريه اجلواب عن طلب املاهية . بعينهلنا ما هذا قلنا إنسان وكان صغريا فكرب وطال وأمحر وأصفر، فسئل مرة أخرى أنه ما هو؟ كان اجلواب ذلك

ولو أشري إىل ما ينفصل من اإلحليل عند الوقاع وميل ما هو قلنا نطفة، فإذا صار جنينا مث مولودا فقيل ما هو؟ تغير اجلواب ومل حيسن أن فإذا . ري اجلواب وكذلك املاء إذا سخن فقيل ما هو قلنا إنه ماء كما يف حالة الربودة، ولو استحال خبارا بالنار تغ . يقال نطفة بل يقال إنسان

. فإذا، قد عرفت هبذا معىن اجلنس والنوع والفصل. انقسمت الصفات إىل ما يتبدل اجلواب عن املاهية بتبدهلا وإىل ما ال يتبدلركتها إن ما وقع السؤال عن ماهيته وأردت أن حتده حدا حقيقا فعليك فيه وظائف ال يكون احلد حقيقيا إال هبا، فإن ت :القانون الثالث

سقيناه رمسيا أو لفظتا وخرج عن كونه معربا عن حقيقة الشيء ومصورا كنه معناه يف نفس السائل األول أن جتمع أجزاء احلد من اجلنس فإذا قيل لك مشريا إىل ما ينبت من األرض ما هو فال بد وأن تقول جسم، ولكن لو اقتصرت عليه بطل عليك باحلجر فتحتاج . والفصول

لزيادة فتقول نام فتحترز عن ما ال ينمو، فهذا االحتراز يسمى فصال، إذ فصلت به احملدود عن غريه، مث شرطك أن تذكر مجيع ذاتياته و إىل ا . ولكن ينبغي أن تقدم األعم على األخص، فال تقول نام جسم بل بالعكس. إن كان ألفا وال تبايل بالتطويل

وهو إن . رج احلقيقة عن كوهنا مذكورة مع اضطراب اللفظ واإلنكار عليك يف ذلك أقل مما يف األول وهذا لو تركته تشوش النظم ومل خت والثالث انك إذا وجدت اجلنس القريب فإياك أن تذكر البعيد معه فيكون مكررا كما تقول مائع شراب، أو تقتصر على . تقتصر على اجلسم

و إذا ذكرت هذا فقد ذكرت ما هو ذايل و مطرد . تقل جسم مسكر مأخوذ من العنب البعيد فيكون مبعدا كما إذا قيل ما اخلمر فال بل ينبغي أن . بل لو قلت مائع مسكر كان أقرب من اجلسم، وهو أيضا ضعيف . ومنعكس ولكنه خميل قاصر عن تصور كنه حقيقة اخلمر

ذكرت اجلنس فاطلب بعده الفصل، إذ الشراب يتناول سائر فإذا. تقول شراب مسكر، فإنه األقرب األخص وال جتد بعده جنسا أخص منه األشربة، واجتهد أن تفصل بالذاتيات إال إذا عسر عليك، وهو كذلك يف أكثر احلدود، فاعدل بعد ذكر اجلنس إىل ذكر اللوازم واجتهد أن

يكون ما ذكرته من اللوازم الظاهرة املعروفة؟ األسد قلت سبع أخبر يتمتز بالبخر عن الكلب، فان البخر من خواصه ولكنه من اخلواص اخلفية، ولو فإن اخلفي ال يعرف به كما إذا قيل ما

قلت شجاع عريض األعايل لكانت هذه اللوازم واألعراض اقرب إىل الفهم ألهنا أجلى وأكثر ما يرى يف الكتب من احلدود رمسية، إذ احلقيقة فإنك رمبا تقول يف األسد إنه حيوان شجاع . بل األعم عسمري، وطلب اجلنس األقرب عسري عزيزة ورعاية الترتيب حىت ال يبتدي باألخص ق

. وال حيضرك لفظ السبع، فتجتمع أنواع من العسر، وأحسن الرمسيات ما وضع فيها اجلنس االقرب، وأتتم باخلواص املشهورة املعروفةدة واملشتركة املترددة، واجتهد يف اإلجياز ما قدرت ويف طلب اللفظ النص ما أن حتترز عن األلفاظ الغريبة الوحشية واجملازية البعي الرابع

فما كل أمر . أمكنك، فان أعوزك النص وافتقرت إىل االستعارة فاطلب من االستعارات ما هو اشد مناسبة للغرض واذكر مرادك به للسائل ى بلفظ مشترك وعرف مراده بالتصريح أو عرف بالقرينة، فال معقول له عبارة صرحية موضوعة ولو طول مطول أو استعار مستعري أو أت

ينبغي أن يستعظم صنيعه ويبالغ يف ذمه إن كان قد كشف احلقيقة بذكر مجيع الذاتيات، فانه املقصود وهذه املزايا حتسينات وترتيبات . كاألبازير من املقصود

ار مليل طباعهم القاصرة عن املقصود لألصل والتوابع، حىت رمبا أنكروا قول و إمنا املتجادلون يستعظمون مثل ذلك ويستنكرونه غاية االستنك القائل يف حد العلم إنه الثقة باملعلوم أو إدراك املعلوم من حيث أن الثقة مرددة بني العلم واألمانة، وهذا املعترض مهوس، فإن الثقة إذا قرنت

ا يدرك حباسة العني على وجه كذا وكذا فال ينبغي أن ينكر هذا ألن العني قد يراد هبا باملعلوم تعيق فيه جهة الفهم، ومن قال حد اللون م واللفظ غري مراد بعينه يف احلد احلقيقي إال عند . الذهب والشمس، فإنه مع قرينة احلاسة ذهب اإلمجال وحصل التفهم الذي هو طلب السؤال

. وشغفه هبااملترسم الذي حيوم حول العبارات فيكون اعتراضه عليهااعلم أن احلد ال حيصل بالربهان ألنا إذا قلنا حد اخلمر أهنا شراب مسكر فقيل لنا مل كان حماال أن : يف طريق اقتناص احلد :القانون الرابع

ضية وهذه الق . تطلب صحته بالربهان، ألن قولنا حد اخلمر أهنا شراب مسكر دعوى هي قضية حمكومها اخلمر وحكمها أهنا شراب مسكر إن كانت معلومة بغري وسط فال حاجة إىل الربهان وان مل تعلم وافترقنا إىل وسط وهو الربهان كان صحة ذلك الوسط للمحكوم عليه

وصحة احلكم للوسط كل واحدة قضية واحدة، فبماذا نعرف صحتها ؟

Page 26: محك النظر في المنطق - الغزالي

رف يف ذلك املوضع صحته فلنتخذ ذلك طريقا يف فإن احتيج إىل وسط آخر تداعى إىل غري هناية وان وقف يف موضع بغري وسط فبماذا نع مثاله لو قلنا حد العلم إنه معرفة فقيل لم، فقلنا ألن كل علم فهو اعتقاد مثال وكل اعتقاد فهو معرفة فيقال ولم قلتم كل علم . إدراك األمر

. فهو اعتقاد ولم قلتم إن كل اعتقاد فهو معرفة فيصري السؤال سؤالني. عى، بل الطريق أن الرتاع إن كان فيه من خصم فيقال صحته عرفت باطراده وانعكاسه فهو الذي يسلم اخلصم به بالضرورة وهكذا يتدا

وأما كونه معربا عن متام احلقيقة فرمبا يعاند فيه وال يعترف به، فان منع اطراده وانعكاسه على أصل نفسه طالبناه بأن يذكر حد نفسه، آلخر وعرفنا الوصف الذي فيه يتفاوتان من زيادة أو نقصان وجردنا النظر إىل ذلك الوصف وأبطلناه بطريقة أو أثبتناه وقابلنا أحد احلدين با

بطريقة، مثاله إذا قلنا املغصوب مضمون وولد املغصوب مغصوب فكان مضمونا، فيقول اخلصم نسلم أن املغصوب مضمون ولكن ال نسلم على أنه منصوب أن حد الغصب قد وجد فيه، فإن حد الغصب إثبات اليد العادية على مال الغري وقد أن الولد مغصوب، فنقول الدليل

وجد، ورمبا مينع كون اليد عادية وكونه إثباتا بل يقول هو ثبوت، ولكن ليس ذلك من غرضنا بل رمبا قال أسلم أن هذا موجود يف الولد إقامة الربهان عليه إال أنا نقول هو مطرد منعكس فما احلد عندك، فال بد من ذكره حىت ولكن ال أسلم أن هذا حد العصب، فهذا ال ميكن

فلننظر هل ميكننا أن . ننظر إىل موضع التفاوت فيقول بل حد الغصب إثبات اليد املبطلة املزيلة لليد احملقة، فنقول قد زدت وصفا وهو اإلزالة وصف، فان قدرنا عليه كان يقول الزيادة حمذوفة، وذلك بأن يقول الغاصب من الغاصب نقدر اعتراف اخلصم بثبوت الغصب مع عدم هذا ال

يضمنه املالك، وقد أثبت اليد العادية وما أزال احملقة بل املزال ال يزال، وكان األول قد أزال اليد احملقة فهذا طريق قطع الرتاع، وأما الناظر . مع نفسه فإذا حترر له الشيء

وهي ثالثة فإنه تارة : يف حصر مداخل اخللل يف احلدود : القانون اخلامس . الدال على ما حترر يف ذهنه علم أنه واجد للحد وتلخص له اللفظ إما اخللل يف اجلنس فأن يؤخذ الفصل بدله كما يقال يف . يدخل من جهة اجلنس وتارة من جهة الفصل وتارة من جهة أمر مشترك بينهما

ومن ذلك إن يؤخذ احملل بدل اجلنس، . ة، وينبغي أن يقال احملبة املفرطة، فاإلفراط يفصلها عن سائر أنواع احملبة حد العشق أنه إفراط احملب كقولك حد الكرسي أنه خشب جيلس عليه، والسيف أنه حديد يقطع به بل ينبغي أن يقال للسيف أنه آلة صناعية من حديد يقطع به، بل

د مستطيلة مع تقوس ويقطع هبا كذا، فاآللة جنس واحلديد حمل للصورة ال جنس وأبعد منه أن يؤخذ ينبغي أن يقال للسيف أنه آلة من حدي بدل اجلنس ما كان وأالن ليس مبوجود، كقولك الرماد خشب حمترق والولد نطفة مستحيلة، فإن احلديد موجود يف السيف يف احلال

ن يؤخذ اجلزء بدل اجلنس كما يقدر حد العشرة أهنا مخسة ومخسة، ومن ذلك ومن ذلك أ . والنطفة واخلشب غري موجودين يف الولد والرماد أن يوضع القوة موضع امللكة كما يقال حد العفيف هو الذي يقوى على اجتناب الشهوات واللذات وهو فاسد، بل هو الذي يترك، وإال

. فالفاسق أيضا يقوى على الترك واالجتناب وال ترك اليت ليست ذاتية بدل اجلنس كالواحد واملوجود إذا أخذته يف حد الشمس أو األرض، ومن ذلك أن يضع النوع ومن ذلك أن توضع اللوازم

وأما من جهة الفصل فبأن يأخذ اللوازم والعرضيات يف االحتراز بدال عن . مكان اجلنس كقولك الشر هو ظلم الناس والظلم نوع من الشره أما القوانني املشتركة فمن ذلك أن حتد الشيء مبا هو مساو له يف اخلفاء أو فرع له، كقولك العلم ما و. الذاتيات وأن ال يورد مجيع الفصول

ومن ذلك أن يعرف الضد بالضد فنقول حد العلم ما ليس بظن، وال شك وال جهل، وهكذا حىت . يعلم به أو العلم ما تكون الذات به عاملة األمر وال حيصل به بيان، ومن ذا أن يوجد املضاف يف حد املضاف ومها متكافئان يف حتصر األضداد وحد الزوج ما ليس بفرد فيدور

اإلضافة، كقول القائل حد األب من له ابن، مث ال يعجز أن يقول وحد االبن ما له أب بل ينبغي أن يقول األب حيوان يولد من نطفته . فإهنما يف اجلهل واملعرفة يتساويانحيوان هو من نوعه فهو أب من حيث هو كذلك، وال حييله على االبن،

ومن ذلك أن يؤخذ املعلول يف حد العلة مع أنه ال حيد املعلول إال بان تدخل العلة يف حده، كمن يقول حد الشمس أنه كوكب يطلع هنارا ولذلك نظائر يكثر إحصاؤها وسرتيدها فيقال وما حد النهار فيلزم أن يقول النهار هو زمان طلوع الشمس إىل غروهبا إن أراد احلد الصحيح

وأما احلد . أن املعىن الذي ال تركيب فيه البتة ال ميكن حده إال بطريق شرح اللفظ أو بطريق الرسم : القانون السادس . شرحا يف االمتحانات تكون قد أبدلت امسا باسم مرادف له فإذا قيل لك ما حد الوجود فغايتك إن تقول هو الشيء أو الثابت، ف . فال، ومعىن الفرد مثل املوجود

. رمبا يتساويان يف التفهيم ورمبا يكون أحدمها أخفى يف وضع اللسان

Page 27: محك النظر في المنطق - الغزالي

وهذا أيضا إمنا حيسن بشرط أن يكون املذكور يف اجلواب أشهر عند . كما تقول ما العقار فيقول هو اخلمر وما القسورة فيقول هو األسد ال يكون إال شرحا للفظ، وإال فمن يطلب تلخيص ذات األسد فال يتلخص ذلك يف عقله إال بأن يقول السائل من املذكور يف السؤال، مث

فأما تكرر األلفاظ املترادفة فال يغنيه، ولو قلت حد املوجود أنه املعلوم أو املذكور وقيدته بقيد احترزت به عن . سبع من صفته كيت وكيت . فكان حدك رمسيا غري معرب عن الذات، فال يكون حقيقيا. بعهاملعدوم كنت ذكرت شيئا من لوازمه وتوا

و إمنا قلنا املعىن الفرد ليس له حد حقيقي ألن معىن قول القائل ما حد . فإذا املوجود ال حد له فإنه مبتدأ كل شرح فكيف يشرح يف نفسه يكون حتديد الدار بذكر جهاهتا املتحدة املتعددة اليت هي، أعين الشيء كقولك ما حد هذه الدار والدار جهات معدودة إليها ينتهي احلد، ف

فإن السواد سواد ولون . الدار حمصورة متسورة هبا، فإذا قيل ما حد السواد فكان يطلب به املعاين واحلقائق اليت بائتالفها تتم حقيقة السواد كدر وغري ذلك مما يوصف به من األصناف، وهذه وموجود وعرض ومرين ومعلوم وموصوف ومذكور وواحد وكغري ومشرق وبراق و

الصفات بعضها عارض يزول وبعضها الزم ال يزول، ولكن ليست ذاتية ككونه معلوما وواحدا وكثريا، وبعضها ذايت ال يتصور فهم السواد املعاين املتعددة بتلخيص، بان نبدأ فطالب احلد كأنه يقول إىل كم معىن تنتهي حدود حقيقة السواد لنجمع له تلك . دون فهمه ككونه لونا

فإذا مل يكن املعىن مركبا من ذاتيات . باألعم وخنتم باألخص وال نتعرض للعوارض، ورمبا طلب أن ال يتعرض أيضا للوازم بل للذاتيات فقط لى شكل كرة، فلو سئل عن حده متعددة كالوجود كيف يتصور حتديده وكان السؤال عنه كقول القائل ما حد الكرة ولنقدر العامل كله ع

كما سئل عن حدود الدار كان حماال، إذ ليس له حدود وإمنا حده منقطعه ومنقطعه سطحه الظاهر وهو سطح واحد متشابه وليس بسطوح منه مقصدي من هذا خمتلفة وال هي منتهية إىل خمتلف، حىت يقال أحد حدوده ينتهي إىل كذا واآلخر إىل كذا، فهذا املثال احملسوس رمبا يفهم

الكالم وال يفهم من قويل إن السواد مركب من معىن اللونية والسوادية مل إن اللونية جنس والسوادية نوع إن يف السواد ذات متباينة متفاصلة ة مطلقا وال ختطر فال نقول السواد لون وسواد، بل هو لون ذلك اللون بعينه هو سواد، بل معناه يتركب ويتعدد عند العقل حىت يعقل اللوني

له الزرقة مثال مث يعقل الزرقة فيكون العقل قد عقل أمرا زائدا ال ميكن أن جتحد تفاصيله يف الذهن، وال ميكنه أن يعتقد تفاصيله يف الوجود ز فيقال الزيادة عني األول وال يظنن إن منكر احلال يقدر على حد شيء البتة، ألنه إذا ذكر اجلنس واقتصر بطل عليه، وإذا زاد شيئا لالحترا

. وإذا قال يف حد اجلوهر إنه موجود قلنا بطل بالعرض. أو غريه، فان كان عينه فهو تكرر فاطرحه وان كان غريه فقد اعترفت بآمرينرادفة كاملتكررة وإذا قال متحيز قلنا قولك متحيز مفهومه غري مفهوم املوجود أو عينه، فإن كان عينه فكأنك قلت موجود موجود فإن املت

ألن كل لفظ ال يدفع نقضا، . وإن تولك موجود ال يدفع النقض، وقولك متحيز فهو عينه باملعىن ال باللفظ . فهو مل إذا باطل بالعرض أن فقد عرفت . فتكراره ال يدفع ومرادفه ال يدفع، فمهما انتقض قولك أسد بشيء مل يندفع النقض بقولك ليث كما ال يندفع بقولك أسد

املفرد ال ميكن أن يكون له حد حقيقي إال لفظي، كقولك يف حد املوجود إنه الشيء ؛ أو رمسي كقولك يف حد املوجود إنه املنقسم إىل املوجود الفاعل واملفعول أو اخلالق واملخلوق أو القادر واملقدور أو الواحد والكثري أو القدمي واحلادث أو الباقي والفاين أو ما يشبه من لوازم

واعلم أن املركب إذا حددته بذكر آحاد الذاتيات توجه . فكل ذلك ليس نبأ عن ذات الوجود بل عن تابع الزم ال يفارق البتة . وتوابعه . السؤال عن حد اآلحاد

اجلسم فتقول جواهر فإنك إذا قيل لك ما حد الشجر فقلت نبات قائم على ساق فقيل لك ما حد النبات فتقول جسم نام، فيقال وما حد فإن كان مؤلف فيه مفردان وكل مفرد فله حقيقة وحقيقته أيضا تأتلف من مفردين فال تظن أن هذا . مؤتلفة، فيقال وما حد اجلوهر وهكذا

م التصديقية تطالب كما إن العلو . يتمادى إىل غري هناية بل ينتهي إىل مفردات يعرفها العقل واحلس معرفة أولية ال حيتاج إىل طلبه بصيغة احلد بالربهان عليها وكل برهان من مقدمتني وال بد لكل مقدمة أيضا برهان من مقدمتني وهكذا يتسلسل إىل أن ينتهي إىل أوليات، وكما أن يف

. فطالب حدود األوليات إمنا يطلب شرح اللفظ ال احلقيقة. العلوم أوليات فكذا يف املعارفه بالفطرة األوىل كثبوت حقيقة الوجود يف العقل، فإن طلب احلقيقة فهو معاند وكان كمن يطلب الربهان فإن احلقيقة تكون ثابتة يف عقل

على إن االثنني أكثر من الواحد، فهذا ما أردنا إيراده من القوانني باالمتحانات ولنشتغل حبدود ذكرت يف فن الكالم والفقه لتحصل هبا . الدرية بكيفية استعمال القوانني

الثاين الفن

Page 28: محك النظر في المنطق - الغزالي

يف االمتحانان من حمك احلد اختلف الناس يف حد احلد فمن قائل يقول حد الشيء هو حقيقته ونفسه وذاته، ومن قائل يقول حد الشيء هو اللفظ :االمتحان األول

ظر كيف ختبط عقل هذا املفسر ملعناه على وجه جيمع ومينع، ومن قائل ثالث يقدر هذه مسألة خالفية فينصر أحد احلدين على اآلخر وان الثالث فلم يعلم أن االختالف إمنا يتصور بعد التوارد على شيء واحد، وهذان قد تباينا وتباعدا وما تواردا و إمنا منشأ هذا الغلط الذهول

ده بأنه الذي خلى ورأيه، فان من حيد املختار بأنه القادر على ترك الشيء وفعله ليس خمالفا ملن حي . عن معرفة اإلسم املشترك الذي ذكرناه كما أن من حد العني بأنه العضو املدرك لأللوان بالرؤية مل حيالف من حيد العني بأنه اجلوهر املعدين الذي هو أشرف النقود، بل حد هذا أمرا

فان قلت فما الصحيح عندك يف حد احلد . عمتباينا حبقيقة األمر اآلخر، وإمنا اشتركا يف اسم العني واملختار فافهم هذا فإنه قانون كثري النف ومن قرر املعاين أوال يف عقله بال لفظ مث أتبع . فاعلم أن من طلب املعاين من األلفاظ ضاع وهلك وكان كمن استدبر املغرب وهو يطلبه

: فلنقرر املعاين فنقول الشيء له يف الوجود أربع مراتب. املعاين األلفاظ فقد اهتدى ة يف نفسه، حقيقاألوىل . ثبوت مثال حقيقته يف الذهن، وهو الذي يعتر عنه بالعلمالثانية . تأليف مثاله حبروف تدل عليه وهي العبارة الدالة على املثال لذي يف النفسالثالثةاللفظ تبع العلم، إذ يدىل عليه، تأليف رقوم تدرك حباسة البصر دالة على اللفظ، وهي الكتابة، والكتابة تبع اللفظ، إذ تدل عليه، و والرابعة

. والعلم تبع املعلوم، إذ يطابقه ويوافقهوهذه األربعة متوافقة متطابقة متوازنة إال أن األولني وجودان حقيقيان ال خيتلفان باألعصار واآلخريان ومها اللفظ والكتابة ختتلف باألعصار

ومعلوم أن احلد . اختلفت صورها فهي متفقة يف أهنا موضوعة قصد هبا مطابقة احلقيقة ولكن األوضاع وإن . واألمم ألهنا موضوعة باالختيار فإن ابتدأت باحلقيقة مل تشك يف أهنا . مأخوذ من املنع، وإمنا استعري هلذه املعاين للمشاركة يف معىن املنع، فانظر أين جتده يف هذه األربعة

فان نظرت إىل مثال احلقيقة يف . فإذا احلقيقة جامعة مانعة . اليت له وليست لغريه حاصرة للشيء خمصوصة به، إذ حقيقة كل شيء خاصيته وإن نظرت إىل العبارة عن العلم . واملطابقة توجب املشاركة يف املنع . الدهن وهو العلم وجدته أيضا كذلك، ألنه مطابق للحقيقة املانعة

وإن نظرت إىل الكتابة وجدهتا مطابقة للفظ املطابق للعلم . قة واملطابق للمطابق مطابق وجدهتا أيضا حاصرة، فإهنا مطابقة للعلم املطابق للحقي املطابق للحقيقة، فهي أيضا مطابقة، وقد وجد املنع يف الكل إال إن العادة مل جتر بإطالق اسم احلد على الكتابة اليت هي الرابعة وال على العلم

فإذا عند اإلطالق على . فال بد وأن يكون له حدان خمتلفان كلفظ العني، واملختار ونظائرمها . نيالذي هو الثانية، بل هو مشترك بني حقيقت نفس الشيء يكون حد احلداثة حقيقة الشيء وذاته وعند اإلطالق الثاين يكون حد احلد إنه اللفظ اجلامع املانع إال أن الذين أطلقوه على

فحد احلد عند من يقنع بتكرير اللفظ كقوله املوجود هو . احلد اللفظي والرمسي واحلقيقي اللفظ أيضا اصطالحهم خمتلف كما ذكرناه يف وأما حد احلد عند من يقنع . الشيء واحلركة هي النقلة والعلم هو املعرفة هو تبديل اللفظ ملا هو واقع عند السائل على شرط جيمع ومينع

وأما حده عند من ال يطلق . لذاتية والالزمة على وجه مييزه عن غريه متييزا يطرد وينعكس بالرمسيات أنه اللفظ الشارح للفظ بتعديد صفاته ا وال حيتاج يف هذا أن يذكر الطرد والعكس ألن ذلك يتبع املاهية بالضرورة . اسم احلد إال على احلقيقي أنه القول الدال على متام ماهية الشيء

. ملاهية إال الذاتياتوال يتعرض لالزم والعرضي، فإنه ال يدل على اوهذه أربعة أمور خمتلفة . فقد عرفت أن اسم احلد مشترك يف االصطالحات بني احلقيقة وشرح اللفظ واجلمع بالعوارض والداللة على املاهية

عنده املعاين اليت فإذا ذكر لك اسم وطلب حده فانظر، فإن كان مشتركا فاطلب . كما دل لفظ العني على أمور خمتلفة فيعلم صياغة احلد فإذا قيل ما اإلنسان فال تطمع يف . فيها االشتراك، فإن كانت ثالثة فاطلب ثالثة حدود، ألن احلقائق اذا اختلفت فال بد من اختالف احلدود

نسان املصنوع حد واحد، فإن اإلنسان مشترك بني أمور، إذ يطلق على إنسان العني وله حد وعلى اإلنسان املعروف وله حد آخر وعلى اإل . على احلائط املنقوش وله حد آخر وعلى اإلنسان امليت وله حد آخر

فإن الذكر املقطوع واليد املقطوعة تسقى يدا وذكرا ال باملعىن الذي كان يسمى به، إذ كان يسمى به من حيث أهنا آلة البطش وآلة الوقاع، و صنع شكله من خشب أو حجر أعطي امسه، وكذلك يقال ما حد العقل فال تطمع يف وبعد القطع يسمى به من حيث أن شكله له اسم و ل

Page 29: محك النظر في المنطق - الغزالي

أن حيد حبد واحد وهو هوس ألنه مشترك يطلق على الغريزة اليت يتهيأ هبا اإلنسان لدرك العلوم الضرورية، ويطلق على العلوم املستفادة من سمى عاقال، ويطلق على من له وقار وهيبة وسكينة يف جلوسه وكالمه وهو عبارة التجربة، حىت أن من مل حتنكه التجارب هبذا االعتبار ال ي

عن اهلدوء، فيقال فالن عاقل أي فيه هدوء، وقد يطلق على من مجع إىل العلم العمل حىت أن الفرس وإن كان يف غاية من الكياسة مينع عن فر وإن كان فاضال يف مجلة من علوم الطب واهلندسة إنه عاقل، بل إما داهية تسميته عاقال ويقال للحجاج إنه عاقل بل داهية، وال يقال للكا

فهكذا ختتلف االصطالحات فيجب بالضرورة أن تتعدد احلدود يف حد العقل فباعتبار أحد مسمياته إنه بعض العلوم . و أما فاضل داما كبري فإن قلت . إنه غريزة يتهيأ هبا النظر يف املعقوالت، وهكذا بقية االعتبارات وباالعتبار الثاين . الضرورية جبواز احلائزات واستحالة املستحيالت

فاعلم أن اخلالف يف احلد . يف احلد افترى أن املتنازعني فيه ليسوا عقالء . فأرى الناس خيتلفون يف احلدود وهذا الكالم يكاد حييل اخلالف ة رسوله أو قول إمام من األئمة، ويكون ذلك اللفظ مشتركا فيقع الرتاع يف أحدمها أن يكون اللفظ بكتاب اهللا أو سن : يتصور يف موضعني

ولذا فال نزاع بني من يقول السماء قدمي . مراده به، فيكون قد وجد التوارد على مراد القائل والتباين بعد التوارد، فاخلالف تباين بعد التوارد احلد من كتاب اهللا تعاىل أو كتاب إمام جيوز التنازع يف مراده ويكون إيضاح وبني من يقول املغصوب مضمون، إذ ال توارد، ولو كان لفظ

الثاين أن يقع اخلالف يف مسألة أخرى على وجه حمقق ويكون املطلوب حده أمرا بائنا . ذلك من صنعة التفسري ال من صناعة النظر بالعقل لعلم اعتقاد الشيء، وحنن خنالفه يف ذكر الشيء، فان املعدوم عندنا ليس بشيء، كما يقول املعتزيل حد ا . وال حيد حده على املذهبني فيختلف

فاخلالف يف مسالة أخرى تتعدى إىل احلد، ولذلك يقول القائل حد العقل بعض العلوم الضرورية على وجه كذا، وخيالف من يقول يف حده ه، بل يقول ليس يف اإلنسان إال جسم وفيه حياة وعلوم ضرورية إما غريزية انه غريزة يتهيأ هبا إدراك املعقوالت من حيث أنه ينكر وجود غري

. أو مكتسبة وعلوم نظرية، فال يتميز هبا القلب عن العقب واإلنسان عن الذباب يف معرض االمتحان فهذا وإن أوردناه . فإن اهللا قادر على خلق العلوم النظرية يف العقب ويف الذباب فيثري اخلالف يف غري احلد خالفا يف احلد

. فقد أفدناك به ما جيري على التحقيق جمرى القواننيكما . اختلف يف حد العلم فقيل هو املعرفة وهذا حد لفظي وهو أضعف أنواع احلدود، فإنه تكرير لفظ بذكر ما يرادفه :االمتحان الثاين

وم على ما هو به ألنه يف حكم التطويل والتكرير، إذ املعرفة ال تطلق يقال حد احلركة النقلة وال خيرج عن كونه لفظيا بأن يقال معرفة املعل إال على ما هو كذلك، فهو كقول القائل حد املوجود الشيء الذي له ثبوت ووجود، فان هذا التطويل ال خيرجه عن كونه لفظيا ولست

فلو مسى قلنسوة حدا . تعريه من يريده ملا فيه نوع من املنع فلفظ احلد لفظ يف اللغة املنع وهو مباح فيس . أمنع من أن تسمى مسمى هذا حدا من حيث أنه مينع الربد مل مينع من هذا أن كان احلد عنده عبارة عن لفظ مانع، فإن كان عنده عبارة عن قول شارح ملاهية الشيء مصور

ومليل أيضا إنه الذي يعلم به وإنه الذي تكون الذات به . كنه حقيقته يف ذهن السائل فقد ظلم بإطالق هذا االسم على قوله العلم هو املعرفة . عاملة، وهذا احلد أبعد من األول فإنه مساو له يف اخللو عن الشرح والداللة على املاهية

علم فهو إما العامل وي . ولكن قد يتوهم يف األول شرح اللفظ بأن يكون أحد اللفظيني عند السائل أشهر من اآلخر، فشرح األخفى باألشهر مشتق من نفس العلم ومن أشكل عليه املصدر كيف يتضح لديه املشتق منه واملشتق أخفى من املشتق منه، وهو كقول القائل يف حد الفضة

وهذا ذكر ألزم من لوازم العلم فيكون . وقيل إنه الوصف الذي يتأتى للمتصف به إتقان العلم وإحكامه . إنه الذي تصاغ منه األواين الفضية مسيا وهذا أبعدمها قبلة من حيث أنه أخص من العلم، فإنه يتناول بعض العلوم ولكن أقرب بوجه اخر مما تبله وهو أنه ذكر الزم قريب من ر

فإن قلت فما طريق حتديد العلم عندك فاعلم أن العلم اسم . الذات بعيد شرحا وبيانا خبالف قوله ما يعلم به وما تكون الذات به عاملة قد يطلق على اإلبصار واإلحساس، وله حد حبسبه، وبطلق على التخيل، وله حد آخر حبسبه ويطلق على الظن، وله حد اخر حبسبه مشترك

ويطلق على إدراك العقل . ولست أعين أنه أشرف جملرد العموم فقط بل بالذات واحلقيقة . ويطلق على علم اهللا على وجه آخر أعلى وأشرف . نقدح يف احلال أنه سكون الذهن جزما عن بصرية إىل األمر بانه كذا أو ليس كذا واألمر كذلكوحده على اخلصوص كما ي

. وال يبعد أن حيتاج هذا اجلدال إىل مزيد حترير وتنقيح ليس يتسع القلب أالن لتضييع الوقت به فعليك بإمتامه، وغرضي ذكر الطريق للحد السكون وهو مشترك ولفظ الذهن وهو غريب ولفظ البصرية، وكأنه يشري إىل االتصال تقول يعترضون على هذا احلد بأنك استعملت لفظ

. وال يلتفت إىل املشغوفني بالعبارات املصدوفني بغري احلق عن احلقائق

Page 30: محك النظر في المنطق - الغزالي

ن ال يعرفه، فاعلم أن السكون إذا قرن بالذهن زال منه اإلمجال، وأن الذهن ذكرته ألين أظنه مفهوما عندك وال أمنع من إبداله يف حق م : فقصد احلد احلقيقي تصور كنه املاهية يف نفس املستفيد الطالب باي لفط كان، فإن قلت فهل يتصور أن يكون للشيء الواحد حدان قلت

وأما . إما احلد اللفظي فيتصور أن يكون له ألف، وذلك خيتلف بكثرة األسامي يف بعض اللغات وقلتها يف البعض وخيتلف باختالف األمم وأما احلد احلقيقي فال يتصور إال واحدا ألن الذاتيات حمصورة، فإن مل . د الرمسي أيضا فيجوز أن يتعدد ألن لوازم األشياء ليست حمصورة احل

. يذكرها مل يكن حقيقيا وإن ذكر بعضها فاحلد ناقص وان ذكر مع الذاتيات زيادة فالزيادة حشو، فإذا ال يتعدد هذا احلد قيل يف حد العرض ما ال يبقى أو ما يستحيل بقاؤه أو ال يقوم بنفسه، وهذا خمتل ألنه ذكر الزم ليس يتعرض للذات، مث :الثاالمتحان الث

وقيل إنه الذي يعرض يف اجلوهر، وقولك يعرض كأنه مأخوذ منه العرض وفيه إدخال اجلوهر يف . هو الزم سليب واإلثبات أقرب إىل التفهيم فليس هذا الفن مرضيا بل نقول طالب هذا احلد . طلب حده، فيمكن إحالته على العرض بأن يقال الذي يقوم به العرض حده وهو أيضا مما ي

كأنه يطلب أن يتفهم ما نريده يف اصطالحنا هبذا االسم، وإال فالعرض ما ثبتت حقيقته يف النفس ثبوتا أوليا ال حيتاج إىل طلبه بصناعة احلد، فنقول له اعلم إن العقل أدرك الوجود مث أدرك . عارف ما يستغىن يف تفهمها عن احلد وإال يتسلسل األمر إىل غري هناية إذ بتنا أن من امل

انقسامه إىل ما يستدعى حمال يقوم به وإىل ما ال يستدعيه، مث أدرك انقسام القائم بالعني إىل ما يطرأ بعد أن مل يكن وإىل ما ال يكون طارئا . فالعرض عبارة عن الذي يطرأ بعد أن مل يكن ويستدعي يف حتديده يف الوقت أنه حادث يستدعي وجوده حمال يقوم به . عاىلكصفات اهللا ت

. واملعتزلة إذ نفوا صفات الباري كان اصطالحهم ال يستدعي التقييد باحلادث بل ميكن أن يعبروا به عن كل موجود يقوم بغريهفهو هوس، كقول القائل القدمي الذي هو ليس حبادث فهو حد الضد بالضد، .حلادث إنه الذي ليس بقدمي قيل يف حد ا :االمتحان الرابع وأما احلادث فمفهوم جلي بغري نظر . وقيل إنه الذي تتعلق به القدرة القدمية وهو ذكر الزم غامض مل يدرك إال باألدلة . ويدور األمر فيه

وكذا . ولعمري من يطلق اسم احلد على كل لفظ جامع مانع فهذا عنده ال حمالة حد . بالغامضواستدالل، ومن الضالل البعيد بيان اجللي ولكنا نقول العقل أدرك الوجود مث أدرك انقسامه إىل ما له أول مبعىن أنه مل يكن موجودا مث وجدوا يل ما ال أول . قوله احلادث ما ليس بقدمي

. ث اآلخرله، فالقدمي عبارة عن أحد القسمني واحلادوهذه ليست حدودا بل . فنقول احلادث هو املوجود بعد العدم أو الكائن بعد أن مل يكن أو املوجود أو املسبوق بعدم أو املوجود عن عدم

احلدود ال كقول القائل إنه متعلق القدرة احلادثة ألنه حد آخر مفهومه األول غري مفهوم هذه . الكل حد واحد والعبارات متكررة دون املعىن . يلزم ذلك املفهوم، إذ يلزم متعلق القدرة أن يكون حادثا وفرق بني املتالزمني وبني الشيء الواحد الذي عنه عبارتان

فهذا أمر . وقول القائل املوجود عن عدم ليس بصحيح ألنه يقال السرير من اخلشب، مبعىن أنه جعل اخلشب سريرا والعدم ال جيعل وجودا فإنا ال ننكر بأن لفظ عن مشترك، ولكن بينا أن املشترك إذا فهم بالقرينة التحق بالنص وهو معلوم هاهنا، ولست أمنع . درةاالعتراضات النا

. من االجتهاد يف االحتراز عن املشترك فذلك أحسن، وإمنا أمنع من استعظام هذا الصنيع الذي ال يعظم عند احملصلبل األمر أهون، فما الظنون . هم، وال ذلك حممود كل ذلك احلمد؛ السيما إذا مل يفد الشرج فال هذا مذموم كل ذلك الذم بعد حصول الف

. بل قول القائل موجود عن عدم أمحت إيل من قوله هو متعلق القدرةيف عينت . اختلف يف حد املتضادين وليس من غرضي غري احلدود، ولكن العرض أن أفيدك طريق التحديد بعد أن :االمتحان اخلامس

التماسك ذلك، فليكن نظرك يف احلدود كما أقوله، وهو أن املتضادين داالن على شيئني ال حمالة وكل شيئني فينقسمان إىل ما هلما حمل و إىل قة فينقسم إىل ما خيتلف باحلد واحلقي . ما ال حمل هلما، وكل ما هلما حمل فينقسمان إىل ما جيتمعان كالسواد واحلركة و إىل ما ال جيتمعان

والذي ال خيتلف أيضا ينقسم إىل ما ال جيوز أن يكون لواحد عارض أو الزم ليس لآلخر بل يسد . كالسواد والبياض وإىل ما ال خيتلف واىل ما يتحد يف احلدود واحلقيقة وال ختتلف طباعهما، ولكن ال . أحدمها مسد اآلخر يف كل حال، كالبياضني والسوادين، وباجلملة كاملثلني

دمها مسد اآلخر، كالكونني يف مكانني وليس كالكونني يف مكان واحد، إذ ال جيتمع يف اجلوهر يف حالة واحدة ال كونان يف مكان يسد أح والذي بينهما اختالف ينقسم إىل ما بينهما غاية اخلالف الذي ال ميكن أن يكون وراءه خالف كالسواد . واحد وال كون يف مكانني واحلركة اهلابطة واىل ما ليس يف الغاية، كمخالفة املاء احلار الفاتر، فإنه أقل من خمالفته للبارد والشديد الربودة، والبياض واحلركة الصاعدة

. وكمخالفة احلركة ميينا الصاعدة، فإهنا أقل من خمالفتها للحركة يسارا، أعين املقابل

Page 31: محك النظر في المنطق - الغزالي

وأقل الدرجات يف املتضادين مها املعنيان اللذان . يف وضع االصطالح فيه فإذا متهدت يف عقلك هذه األقسام فانظر إىل لفظ املتضادين وأنه ك . على إطالق االسم على هذا، فيوضع هذا االسم . وقد اصطلح فريق . يتعاقبان على حمل واحد ال جيتمعان سواء كانا خمتلفني أو متماثلني

ال يسد أحدمها مسد اآلخر فلم يطلقوه على الكونني يف حيز سقوا املثلني متضادين، وفريق أخر شرطوا زيادة إلطالق هذا االسم وهو أن وفريق ثالث شرطوا زيادة أمر وهو أن يكون بينهما اختالف يف احلد واحلقيقة، أي ال يدخل أحدمها . واحد وأطلقوه على الكونني يف حيزين

ليس بني االحياز اختالف بالطبع وال بني األكوان بل هي يف حد اآلخر، فإنا إذا حدينا الكون بأنه اختصاص باحليز دخل فيه مجيع اكوان، ف .فهؤالء مل يسقوا األكوان متضادة لكن املختلفات كاحلرارة والربودة. متشاهبة

وفريق رابع شرطوا زيادة، وهو أن يكون بينهما غاية اخلالف املمكن يف ذلك النوع من التضاد، حبيث ال يكون وراءه خالف، وهؤالء هم ونرى مجاعة . وهذا اصطالحهم، فزعموا أن البياض ال يضاد العودي بل السواد واحلار ال يضاد الفاتر بل البارد، فهذا هو الشرح الفالسفة،

من العميان يتعاورون يف هذه احلدود ظانني أن فيها نزاعا وال يدركون أن النظر نظران أحدمها يف احلقائق اجملردة دون األلفاظ وهؤالء فإن . يت ذكرناها أوال وليس يف العقالء من ينكر شيئا منها، والثاين يف إطالق األلفاظ واالصطالحات، وذلك يتعلق بالشبيه االنقسامات ال

. األلفاظ طافحة مباحة مل يثبت من جهة الشرع وقفها على معىن معين حىت مينع من استعماهلا على وجه آخرصل فهو وقف عليه باحلقيقة ولغريه استعارته هذا ال أمنع منه، ولكن اخلوض فيه ال يليق ولعمري لو قيل إن واضع اللغة وضعه لشيء يف األ

وقد ترى الواحد يغتاظ ويقول كيف يستجيز العاقل أن يقول الكونان ال . باحملصل الناظر يف املعقوالت بل باألدباء الناظرين يف اللغات فسه من القياس اخلطأ الذي ال يشعر به، ونظم ذلك القياس أن قولنا يتضادان وقولنا يتضادان ومعلوم أهنما ال جيتمعان وإمنا ذلك ملا يف ن

جيتمعان واحد فكيف يقال جيتمعان وال جيتمعان، إذ يظهر أن كل ما ال جيتمعان فواجب تسميتهما متضادين، ومعلوم أن الكونيني ال .تمعان متضادين غري ثابت بل التسمية إىل أهل االصطالحجيتمعان فوجب تسميتهما متضادين، ومن يدري أن وجوب تسمية ما ال جي

قيل يف حد احلياة إهنا املعىن الذي يستحق من قام به أن يشتق له منه اسم احلي، وهذا من طوايف احلدود فإنه تعريف :االمتحان السادس وقيل ما أوجب كون احلي حيا أو ما كان . قشورهااملعىن بلفظ يطلق على املعىن، ومن قنع مبعل هذا يف فهم احلياة فقد رضي من العلوم ب

وقيل ما يصح بوجودها العلم أو ما تصح بوجودها القدرة أو اإلرادة، وهذا تعريف للشيء بذكر . وقد عرفت ما يف هذا اجلنس . احملل به حيا احلياة والروح : ظر يف األلفاظ وهي ثالثة فإن قلت فما اختيارك فيه فاعلم أن ذكر ذلك ال حيتمله هذا الكتاب فإن هاهنا ن . بعض توابعه

فإن يف الناس من يقول ليس يف اإلنسان إال حياة وهو عرض قائم جبسمه، واسم النفس والروح يرجع . والنفس، ونظر يف املعاين واحلقائق غ جيري إىل سائر البدن يف ومنهم من يقول إنه ال بد سوى هذا العرض من شيء هو الروح وهو جسم، لطيف يف داخل القلب والدما . إليه

. العروق الضوارب، وأما النفس فليس هلا مسمى ثالثومنهم من قال هاهنا أمر ثالث وهو موجود قائم بنفسه غري متحيز، والروح الذي هو اجلسم اللطيف ومنبعه القلب مدير لسائر أعضاء البدن

ين أنبهك على أوائله وإن مل حيتمل الكتاب اخلوض يف غوائله، فاعلم بواسطته، وانظر كيف اختلف الطريق هبم وكيف يشاهد االختالف، فإ أن الناظر ملا نظر إىل النطفة وهي مجاد ال حيس وال يتحرك مث استحال يف أطوار اخللق حىت صار حيس ويتحرك عه مل انه حدث فيه ما مل

كان مجادا فخلق اهللا فيه اإلحساس وقدرة احلركة فلم تتحدد يكن من اإلحساس واحلركة اإلرادية، فظن أنه ليس يف هذا الوجود إال اجلسم . فكانت احلياة عبارة عن اإلحساس والقدرة فقط. إذا إال القدرة واحلس، وعند ذلك يسمى حيا، ويتجدد له هذا االسم

سم ومخن يف نفسه بالوهم الظاهر قبل وملا نظر إىل اللغات فرأى هذا اجلنني وهذا اإلنسان يف حال السكتة يسمى حيا ويصدق عليه اال التحقيق بالربهان إن هذا اإلنسان يف سكتته ليس معه إحساس البتة وال قدرة، وطلب له مسمى فظن أنه ليس هاهنا إال إمكان خلق

د استقر يف اعتقاده أن اإلحساس فيه وخلق القدرة، فهو من حيث أنه مستعد لقبوله مسي حيا واحلياة عبارة عن استعداد فقط، ولكن كان ق اهللا يقدر أن خيلق احلياة يف كل جسم، وال يوصف اهللا تعاىل بالقدرة على خلق احلس واحلركة يف اجلماد، فسنح له أن ال بد من صفة يفارق

له صفة هي هبا صاحب السكتة اجلماد حىت تصور خلق احلس و القدرة فيه بسببه دون اجلماد، فقال احلياة عبارة عن تلك الصفة وأثبت . احلياة

فمنهم من قنع هبذا النظر وقدر مع نفسه أنه ال موجود إال اجلسم وصفة يتهيأ احملل هبا لقبول احلس والقدرة، ومنهم من جاوز هذا اخلرب به فإن يف القلب . طفخبار لطيف يف غاية الل .بصناعة الطب واالكتفاء به إىل أمور شرعية من صناعة الطب، فدل على أن األخالط األربعة هبا

Page 32: محك النظر في المنطق - الغزالي

حرارة غريزية تنضح ذلك البخار وتلطفه وتسرحه قوة يف القلب يف جتاويف العروق الضوارب إىل سائر البدن، وأن القوة احلساسة تنتهي إىل لقوى جيري يف العني واألذن وسائر احلواس اخلمسة يف هذا البخار اللطيف السائر بلطفه يف سيال األعصاب، فكان هذا البخار محاال هلذه ا

. سلك العروق وميد األجسام اللطيفة اليت فيها قوى اإلحساسوقالوا لو وقعت سدة يف بعض اجملاري يف هذا البخار إما يف عصب أو عرق لبطلت احلياة واإلحساس من الذي حالت السدة بينه وبني

فثبت عندهم جسم . ا أنه سبب بقاء احلياة يف أحاد األعضاء القلب حىت انقطع عنه إمداده فعبروا عن هذا اهلواء اللطيف بالروح، وزعمو أرواح ( :وأما التفاهتم إىل الشرع، من حيث قال رسول اهللا . لطيف عبروا عنه بالروح وحكموا بأنه سبب العرض الذي يسقى حياة

. ) اهللا أمواتا بل أحياء عند رهبم يرزقون وال حتسنب الذين قتلوا يف سبيل (: ولقوله تعاىل ).الشهداء يف حواصل طيور معلقة حتت العرش فزعموا أنه مل يكن إال حياة هي عرض وقد انعدم باملوت وجسد امليت بني أيدينا، فما الذي يف حواصل طيور خضر وكيف وصف الشهداء

إن أمسكتها فاغفر هلا و إن "يف دعائه عند النوم ؟وكذلك التفتوا إىل قوله . بأهنم أحياء والبدن ميت نشاهده واحلياة عرض وقد انعدم والتفتوا أيضا . ما الذي ميسك ويرسل والبدن حاضر واحلياة عرض ال ميكن إرساهلا : فقالوا" أرسلتها فاعصمها مبا تعصم به عبادك الصاحلني

يكن هاهنا إال جسم فلم مل يذكر هلم أنه عرض كالقدرة واحلياة إن مل )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ريب (إىل قوله تعاىل وثار عند هذا فريق ثالث وتغلغلوا زيادة تغلغل، وقالوا هذا صحيح ولكن هذه الروح يف بدنه، وهناك موجود آخر يعبر عنه بالنفس . وعرض

. من صفته أنه قائم بنفسه ال متحيز نسبته إىل البدن نسبة اهللا تعاىل إىل العامل، ال هو داخل يف العامل وال هو خارج عنهفلو كان هو املدبر املدرك من اإلنسان لكان لكل شخص أرواح كثرية، واحتمل أن . والتفتوا إىل أن الروح جسم منقسم وأجزاؤه متشاهبة

فالبد من شيء هو نافذ ال ينقسم، وكل . يكون يف بعض أجزائها علم بالشيء ويف بعضها جهل بالشيء، فيكون عاملا بالشيء جاهال به زعموا أن اجلسم الذي ال يتجزأ حمال مث التفتوا مع ذلك إىل أن هذه الروح كيف ترسل أو متسك يف حالة النوم، ولو و. جسم منقسم

وملا كانت التخيالت واألحالم ومعرفة الغيب بطريق الرؤية صحيحة زعموا أنه ليس . خرجت الروح من البدن يف النوم لكان ميتا ال حيا . ه، فإنه لو عاد إليه لدخل يف منفذخيرج من النائم جسم ينفصل عن

فإن األجسام ال تتداخل ولو شد فم النائم وأنفه أوال مث نبه لتنبه والحظوا فيه أمورا آخر ال ميكن احصاؤها وقالوا لو مل يكن إال اجلسم اخله واألولون أحالوا هذا، فالنافية فإن اجلسم اللطيف مفهوم و إمنا الذي ال يفهم موجود ال خارج البدن وال د . والروح لذكره الشارع

فإن قلت فما الصحيح من ذلك فاعلم أن املسؤول فيه . فهذا ترتيب نظرهم . إثبات موجود حادث ال داخل البدن وال خارجه وهو حمال . ليس خيلو إما أن يكون غري عامل، فال ميكن البيان، وإما أن يكون عاملا فال حيل له اخلوض فيه

وكان من أوصافه يف التوراية أنه ال جييب عن . باخلوض يف شرحه ؟هللا تعاىل كما أن القدم سر اهللا ومل يرخص رسول اهللا فإن الروح سر ا واجلاهل . وال يظن أن اهللا تعاىل مل يطلعه عليها، فإنه عرف أمورا أعظم منها . كذا وكذا، أي ال يشرح عن أسرارها، ومن مجلته الروح

يظن أنه عرف اهللا ومالئكته وأحاط بعلم األولني واآلخرين، وما عرف نفسه، ولكنه كان عبدا فأمر بأمر فاتبع بالروح جاهل بنفسه فكيف وال يبعد أن يكون يف أمته من األولياء والعلماء . األمر، فعلى كل مؤمن به ومصدق له أن يتبعه ويسكت عما سكت عنه عرفه أو مل يعرفه

. الشرع برهان على استحالة ذلك، فإن قلت فما الصحيح من العبارات يف حد احلياة اليت هي عرض من كشف له سر هذا األمر وليس يف وأما على مذهب من يثبت . إما عند من ال يثبت إال العرض فاقرب لفظ يف تفهيمها أهنا الصفة اليت هبا يتهيأ احملل لقبول احلس واحلركة : قلنا

ضا فيوافقون يف احلد، وقد يقولون ليس للحياة معىن سوى كون البدن ذا روح ونفس، فإنه يستعد النفس والروح فقد يثبتون احلياة أيضا عر لقبول القدرة والعلم من حيث أنه ذو روح ونفس فقط ال من حيث صفة أخرى، وكونه كذلك ال يزيد على ثبوت النسبة بينه وبني الروح

وكما أن كون العامل عاملا عند . ه ذا فعل ووجود رجل، وانطباق النعل على الرجل كما أن كون اإلنسان متنعال ال يزيد على كون . والنفسمن ينكر املعلول والعلة وهو احلق ليس إال وجود علم يف ذات فهذا قدر ما ميكن أن يذكر من أمر احلياة عالمة على احلد كمن يبتغي مجال

. مسوقا على عالمة باقية من أثر خفه استدعيت كالما يف حد احلركة واخلائضون فيه ضبطهم كثري، فقيل انه الذي حملله به اسم املتحرك، وقيل إنه الذي قد :االمتحان السابع

تكون الذات به متحركة، وقيل إنه اخلروج عن املكان وقد فهمت ما يف هذا النمط من فائدة أو غائلة، فإن أردت احلقيقة فعليك باملنهج

Page 33: محك النظر في المنطق - الغزالي

المتحان مرة بعد أخرى إال لتألف هذا املسلك البعيد وهو أن حتصل األلفاظ املشهورة وتضعها يف جانب من الذي ذللته لك فلم أكرره با الكون واحلركة والسكون، وتنظر يف املعاين املعقولة اليت تدل هذه العبارات عليها من غري التفات إىل األلفاظ، فتقول : ذهنك، وهاهنا ثالثة

واختصاص . ، وحنن نعلم أن العرض ينقسم إىل ما يعبر عنه بأنه اختصاص جوهر حبيزه وإىل ما ال يعبر عنه به هذا املنظور فيه من فن األعراض والذي يكون أكثر ينقسم إىل ما يزيد على حالتني وإىل . اجلوهر حبيزه ينقسم بالضرورة إىل ما يكون يف حالة واحدة واىل ما يكون فن أكثر

. ما ال يزيدتني ينقسم إىل ما يكون يف حيز واحد وإىل ما يكون يف حيزين، وكذا ما يكون يف ثالثة أحوال فصاعدا ينقسم إىل ما والذي يكون يف حال

فقد حصل هاهنا للعقل مخسة أقسام كون يف حالة وكون يف حالتني يف حيز واحد . يكون يف حيز واحد وإىل ما يكون يف ثالثة أحياز وكانت األلفاظ ثالثة واألقسام . ثة أحوال يف حيز واحد و كون يف ثالثة أحوال يف ثالثة احياز وكون يف حالتني يف حيزين وكون يف ثال

فقال فريق وهو األقرب إىل احلق، واعين باحلق هاهنا تقريب التعريف . مخسة فاختلف الناس يف إطالق تلك األلفاظ على هذه األقسام ا هو حبث عن اللفظ الفاشي يعرب بالسكون عن االختصاص حبيز يف حالتني واالصطالح، وإال فليس يف هذا النظم رسم معنوي و إمن

متواصلتني فصاعدا، وباحلركة عن االختصاص حبيزين يف حالتني متواصلتني فصاعدا، وهؤالء مل يسقوا اجلوهر يف أول حدوثه ال ساكنا وال . متحركا فثار عليهم من يأخذ األمور من بعد

يكون جوهر غري ساكن وال متحرك وهذا حمال، واملؤدي إىل احملال حمال فسلم الكالم املشهور بني املتكلمني أن فقال هذا يؤدي إىل أن ومل يعرف أن الذين قالوا ذلك أرادوا به الذي يبقى مدة يدركه احلس، فالثاين ال خيلو . احلركة والسكون يتقابالن ال ينفك اجلوهر عنهما

ن السكون أشياء، فكيف مسوا االختصاص يف احلاة األوىل سكونا، فإن كان يسمى به باعتبار أنه ليس عن حركة وسكون فإهنم فهموا م مبتحرك فليكن متحركا باعتبار أنه ليس بساكن، أي ليس بال لبث، وهذا خوض يف فصول بال طائل بعد معرفة املعىن، وثار من بعد خيال

ألن الكون يف مكانني . املكانني فال تكون احلركة قط موجودة يف حال من األحوال آخر وهو أن احلركة إن كانت عبارة عن الكون يف . يكون يف آنني، فإن نظرت إىل أالن األول فالكون الثاين غري موجود وإن نظرت إىل الثاين فال يكون إال بعد عدم األول

وإذا وجد البياض بعد عدم . ما دام السواد موجودا فال تبدل وهذا كما إن تبذل السواد والبياض ال يكون موجودا، أعين نفس التبدل ألنه فقالوا احلركة ال وجود هلا بالفعل يف آن . فيكون التبدل عبارة أطلقت على أمر معقول يستدعي ثبوته زيادة على إن واحد . السواد فال تبدل

. لذي قبله، فال يصادف وجودا إال يف الوهم إما يف اخلارج فال البتة وإمنا وجودها يف زمان ممتد، والزمان ال يوجد منه جزء ما مل يفن ا . وهؤالء هم الفالسفة

وقال أهل احلق لسنا نطلق اسم احلركة عليه من حيث انه كونان يف مكانني بل من حيث انه كون يف مكان مل يكن قبله و بعده فيه، فألزموا وهذا اإلطالق يستدعي صدقه ثالثة . ه فيه فزادوا مع وجود اجلوهر لالحتراز أن اجلرم الذي وجد يف حالة واحدة مل يكن قبله وال بعد

فهو . أحوال، فمن يكتفي حبالتني وتكون احلركة عنده عبارة عن كون اجلوهر يف حيز مل يكن قبله فيه مع وجوده ، وأعين به الفصل القريب ومن أراد أن يغير هذه . ن فهو كون يف مكان كان قبله فيه وأما السكو . مسمى حركة من حيث أنه شغل حبيز حصل به مع فراغ اآلخر

العبارات فال حجر عليه بعد أن يقرر يف عقله األقسام اخلمسة األول، فإنه بعد ذلك سنة اللغوي الناظر يف األلفاظ ال املتكلم الباحث عن . ولنختم االمتحانات بذكر حد واحد من حدود الفقهاء واألصوليني. املعاين اختلفوا يف حد الواجب فقيل الواجب ما تعلق به اإلجياب، وقيل ما ال بد من فعله، وقيل ما يثاب على فعله ويعاقب على :تحان الثامن االم

ولو . تركه، وقيل ما جيب بتركه العقاب، وقيل ما ال جيوز اإلقدام على تركه، وقيل ما يصري املكتف بتركه عاصيا، وقيل ما يالم تاركه شرعا عت هذه احلدود طال األمر ففيما قدمته ما يعرفك وجه اخللل يف املختل منها، لكن أهديك إىل احلق الواضح بتمهيد سبيل السلوك، وهو تتب

فدع األلفاظ جانبا وجز بالنظر . أن تستنهج ما هنجته لك فتعلم أن األلفاظ يف هذا الفن مخسة الواجب واحملظور واملندوب واملكروه واملباح املعىن أوال، وأنت تعلم أن الواجب اسم مشترك، إذ يطلقه املتكلم يف مقابلة املمتنع، ويقول وجود اهللا واجب، واللغوي على السقوط إىل

. يقول وجبت جنوهبا ويقول وجبت الشمس، فله بكل اعتبار حد آخرعلى األعراض، ومن األعراض على األفعال فقط، ومن واملطلب أالن مراد الفقهاء، وهذه األلفاظ ال نشك أهنا ال تطلق على اجلواهر بل

فإذا نظرك إىل أقسام الفعل ال من حيث كونه مقدورا أو حادثا أو معلوما أو مكتسبا أو خمترعا، . األفعال على أفعال املكلفني ال أفعال البهائم

Page 34: محك النظر في المنطق - الغزالي

ا، ولكن إطالق هذا االسم عليها من حيث نسبتها إىل وله حبسب كل نسبة انقسامات، إذ عوارض األفعال ولوازمها كثرية فال ننظر فيه خطاب الشرع يعلم أن األفعال تنقسم إىل ما ال يتعلق هبا خطاب الشرع كأفعال البهائم واجملانني واىل ما يتعلق به، والذي يتعلق به ينقسم

باحا، وإىل ما رجح فعله على تركه، وإىل ما رجح تركه إىل ما تعلق به على وجه التخيري والتسوية بني اإلقدام عليه واإلحجام عنه، ويسمى م والذي رجح فعله على تركه ينقسم إىل ما أشعر بأنه ال عقاب على تركه ويسمى مندوبا و إىل ما أشعر بأنه يعاقب على تركه يف . على فعله

على هذا الوجه قطعا كالصلوات اخلمس املكتوبة ورمبا اصطلح فريق على ختصيص الواجب مبا علم ترجيحه . الدار اآلخرة ويسمى واجبا دون ما هو خمري فيه، وخصصوا ذاك باسم الفرض وال حرج يف هذا االصطالح، فإننا ال ننكر انقسام املرجح بالعقاب إىل املعلوم واملظنون

. واالصطالح مباح فال مشاحة فيهه ويسقى مكروها، وقد تكرر ما أشعر عليه بعقاب يف الدنيا، كما قال عليه وأما املرجح تركه فينقسم إىل ما أشعر بأنه ال عقاب على فعل

وإىل . وقوله من نام بعد العصر فاختلس عقله فال يلومن إال نفسه . السالم إما خيشى الذي يرفع رأسه قبل اإلمام أن حيول اهللا رأسه رأس محار أو حراما أو معصية، فإن قلت ما معىن قولك أشعر، فمعناه أنه عرف بداللة من ما أشعر بعقاب يف اآلخرة على فعله وهو املسمى حمذورا

فاإلشعار يعم مجيع املدارك، فان قلت ما معىن قولك عليه عقاب فمعناه أن إجرائه . خطاب صريح أو قرينة أو معىن مستنبط أو فعل أو إشارة قولنا اسل سبب الشبع وحز الرقبة سبب املوت والضرب سبب . ما يفهم من سبب للعقاب يف اآلخرة، فان قلت ما املراد بكونه سببآ فاملراد

فأقول ليس كذلك إذ ال يفهم من قولنا الضرب سبب . األمل، فان قلت فلو كان سببا لكان ال يرجى العفو بل كان جيب أن يعاقب ال حمالة وز أن يفرض يف احملل أمور تدفع املسبب، وال يدل ذلك األمل والدواء سبب الشفاء أن ذلك واجب يف كل شخص معين مشار إليه، بل جي

على بطالن السببية، فرب دواء ال ينفع ورب ضرب ال يدرك املضروب أمله لكونه مشغول النفس بأمر هام، كمن جيرح يف حال قتال وهو شخص وباطنه أخالق رضية وخصال ال حيس يف احلال به، وكما أن العلة قد تستحكم فتدفع أثر الدواء فكذلك قد يكون يف سريرة ال .حممودة عند اهللا مرضية يوجب ذلك العفو عن جرميته وال يوجب خروج اجلرمية عن كوهنا سبب العقاب

خامتة الكتابمث أحلق به أن قال اعلم أن القدر الذي حررته يف هذا الكتاب مع صغر حجمه حركت به أصوال عظيمة إن أمعنت يف تفهم الكتاب تشرفت

إال أنين مل أفش . مزيد إيضاح يف بعض ما أمجلته واشتغلت حلكم احلال عن تفصيله، وذلك التفصيل قد أودعت بعضه كتاب معيار العلومإىلتلك النسخة ومل تتداوهلا إال يدي بعد، ألهنا كانت مفتقرة إىل مزيد هتذيب وتنقيح حبذف وزيادة وحتريف، وفد دفعت األقدار دون هتذيبها

خر األجل واندفعت العوائق وانصرفت إليه اهلمة وانقطعت على عمارته بتهذيب ما جيب أن يهذب صادفت فيه ما أعوزك ين هذا فإن استأوأنا اآلن جمدد وصيتك باملواظبة على الدعاء سائال من اهللا تعاىل أن يصلح نييت فيما أتعاطاه من تصنيف كتاب و إفادة علم ألقصد . الكتاب

دعا اخللق - غري ممزوج حبظ من حظوظ الدنيا، وما أخس حال من مهد للخلق سبيل اآلخرة وهو إىل الدنيا ملتفت، أو به خالص وجه اهللا . إىل اهللا وهو عنه معرض

حلمد فنعوذ باهللا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ونسأل اهللا تعاىل إصالح أحوالنا وأقوالنا وأفعالنا، فهو ويل اإلجابة بفضله وسعة جوده وا

. هللا رب العاملني االلكترونية العربيةاملكتبة com.fiseb.www