141
أيوب بن بكر أبي بنحمد م عبد أبي الدين شمسيلجل الامم ل الزرعيمّ القي بابن المعروفيق تحقجمل ال علي كمال الرزاق عبد منصور ماھرلمساعد ا الحديث سّ مدرعلومه و الحديث سّ مدرزھر ا جامعة

بدائع الفوائد - إبن قيم الجوزية

  • Upload
    rajaejj

  • View
    120

  • Download
    6

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

لالمام الجليل شمس الدين أبي عبد هللا محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي

المعروف بابن القيم

تحقيق

ماھر منصور عبد الرزاق كمال علي الجمل مدرس الحديث وعلومه مدرس الحديث المساعد

جامعة األزھر

Page 2: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

2

أبو عبد هللا الشھير بابن القيم الجوزية رحمه هللا ، سنة قامع البدعةمحي ال، قال الشيخ االمام :ورضي عنه

******************

قاعدة جليلة] ١[ االنتفاع بالقرآن وشروطه

احضر حضور من ، ،وألف سمعك، اذا أردت االنتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تالوته وسماعه

ان { :قال تعال، على لسان رسوله، فانه خطاب منه لك، نه اليهيخاطبه به من تكلم به سبحانه م .٣٧سورة ق . }في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وھو شھيد

، وشرط لحصول األثر، ومحل قابل، وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض

.وادله على المراد، لك كله بأوجز لفظ وأبينهتضمنت اآلية بيان ذ، وانتقاء المانع الذي يمنع منه اشارة الى ما تقدم من أول السورة الى ھا ھنا وھذا ھة } ان في ذلك لذكرى{ :فقوله تعالى

.المؤثر كما ، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن هللا، فھذا ھو المل القابل} لمن كان له قلب{ :وقوله

.أي حي القلب. ٧٠-٦٩يس } لينذر من كان حيا. ذكر وقرآن مبينان ھو اال{ :قال تعالى

وھذا شرط التأثر ، أي وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه الى ما يقال له} أو ألقى السمع{: وقوله .بالكالم

.أي شاھد القلب حاضر غير غائب} وھو شھيد{: وقوله وھو اشارة الى ". ليس بغافل وال ساه، والفھماستمع كتاب هللا وھو شاھد القلب : " قال ابن قتيبة

فاذا . والنظر فيه وتأمله، وغيبته عن تعقل ما يقال له، وھو سھو القلب، المانع من حصول التأثيروانتقى ، ووخد الشرط وھو االصغاء، والمحل القابل وھو القلب الحي، حصل المؤث وھو القرآن

حصل األثر ، وانصرافه عنه الى شئ آخر، الخطابالمانع وھو اشتغال القلب وذھوله عن معنى .وھو االنتفاع والتذكر

أو ألقى "في قوله " أو"فما وجه دخول أداة ، اذا كان التأثير انما يتم بمجموع ھذه: فان قيل

.التي ھي ألحد الشيئين" أو"والموضع موضع واو الجمع ال موضع ، "السمع باعتبار حال المخاطب المدعو" أو"خرج الكالم ب: ن يقالھذا سؤال جيد والجواب عنه أ: قيل دله قلبه ، وجال بفكره، فاذا فكر بقلبه، تام الفطرة، فان من الناس من يكون حي القلب واعيه،

فكان ورود القرآن على قلبه ، وشھد قلبه بما أخبر به القرآن، وأنه الحق، وعقله على صحة القرآنويرى الذين أؤتوا العلم الذي أنزل اليك من : ا وصف الذين قيل فيھموھذ، نورا على نور الفطرة

هللا نور السموات واألرض مثل نوره كمشكاة فيھا { :وقال في حقھم. ٦سبأ } ربك ھو الحقمصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنھا كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زستونة ال

لو لم تمسسه نار نور على نور يھدي هللا لنوره من يشاء يكاد زيتھا يضئ و، شرقية وال غربية .٣٥النور }ويضرب هللا األمثال للناس وهللا بكل شئ عليم

Page 3: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

3

.وھذا حال صاحب القلب الحي الواعي، فھذا نور الفطرة على نور الوحي الجيوش اجتماع"وقد ذكرنا ما تضمنت ھذه اآلية من األسرار والعبر في كتاب : قال ابن القيم

، فصاحب القلب يجمع بين قلبه وببن معاني القرآن. ٨- ٧ص " االسالمية لغزو المعطلة والجھمية، ومن الناس من ال يكون تام االستعداد. فھو يقرؤھا عن ظھر قلب، فيجدھا كأنھا قد كتبي فيه

حياة قلبه ونوره ولم تبلغ، فيحتاج الى شاھد يميز له بين الحق والباطن، كامل الحياة، واعي القلب، فطريق حصول ھدايته أن يفرغ سمعه للكالم، وذكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الواعي الحي

.فيعلم حينئذ أنه الحق، وتعقل معانيه، والتفكر فيه، وقلبه لتأملهوقال ، من علم صدق المخبر وتيقنه: والثاني. حال من رأى بعينه ما دعى اليه وأخبر به: فاألول، وھذا قد وصل الى علم اليقين. واألول من مقام االحسان، فھو في مقام االيمان، خبرهيكفيني

وذاك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل ، وترق قلبه منه الى منزلة عين اليقين .به في االسالم

ه الى القلب كنسبة فالحاصل في الدنيا نسبت، ونوع في اآلخرة، نوع في الدنيا: فعين اليقين نوعان

وفي الدنيا ، وما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في اآلخرة باألبصار. الشاھد الى العين .فھو عين اليقين في المرتبتين، بالبصائر

جامعة ألصول االيمان) ق(سورة ] ٢[

، ويغني عن كالم أھل الكالم، وقد جمعت ھذه السورة من أصول االيمان ما يكفى ويشفى ، فانھا تضمنت تقرير المبدأ والمعاد والتوحيد والنبوة وااليمان بالمالئكة، ومعقول أھل المعقول

وتضمنت اثبات صفات . وأوصاف ھؤالء وھؤالء، وفائز سعيد، وانقسام الناس الى ھالك شقي، صغرىوذكر فيھا القيامتان الكبر وال. وتنزيھه عما يضاد كماله من النقائص والعيوب، الكمال

وذكر فيھا خلق االنسان ووفاته . واألصغر وھو عالم الدنيا، وھو عالم اآلخرة، األكبر: والعالمين، واقامة الحفظة عليه، حتى علم بوساوس نفسه، واحاطته سبحان به من كل وجه، واعادته

يشھد وشاھد، ومعه سائق يسوقه اليه، وأنه يوافيه يوم القيامة، يحصون عليه كل لفظة يتكلم بھاأي ھذا الذي أمرت باحضاره قد . ٢٣ق }،ھذا ما لدي عتيد{: فاذا أحضره الشاھد قال، عليه

كما يحضر الجاني الى . ٢٤ق}، ألقيا في جھنم كل كفار عنيد{ :فيقال عند احضاره، أحضرته .هاذھبوا به الى السجن وعاقبوه بما يستحق : فيقول، ھذا فالن قد أحضرته: حضرة السلطان فيقال

وتأمل كيف دلت السورة صريحا على أن هللا سبحانه وتعالى يعيد ھذا الجسد بعينه الذي أطاع

ال أنه ، ويعذب التي كفرت بعينھا، كما ينعم الروح التي آمنت بعينھا، فينعمه ويعذبه، وعصىأخبرت به سبحانه يخلق روحا أخرى غير ھذه فينعمھا ويعذبھا كما قال من لم يعرف المعاد الذي

، عليه يقع النعيم والعذاب، حيث زعم أن هللا سبحانه يخلق بدنا غير ھذا البدن من كل وجه، الرسلوبدنا غير ھذا البدن ، فيخلق روحا غير ھذه الروح، والروح عندھم عرض من أعراض البدن

.وھذا غير ما اتفقت عليه الرسل ودلك عليه القرآن والسنة وسائر كتب هللا تعالى فانھم لم ينكروا قدرة هللا على ، وھذا في الحقيقة انكار للمعاد وموافقة لقول من أنكره من المكذبين

كيف وھم يشھدون النوع االنساني يخلق شيئا بعد ، خلق أجسام غير ھذه األجسام يعذبھا وينعمھابون من فكيف يتعج ، فكل وقت يخلق هللا سبحانه أرواحا وأجساما غير األجسام التي فنيت! شئ

، شئ يشاھدونه عيانا؟ وانما تعجبوا بعودتھم بأعيانھم بعد أن مزقھم البلى وصاروا عظاما ورفاتا

Page 4: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

4

} أئذا متنا وكنا ترابا أئنا لمبعوثون{ :لھذا قالوا ، فتعجبوا أن يكونوا ھم بأعيانھم مبعوثين للجزاء .٣ق } ذلك رجع بعيد{: وقالوا. ١٦الصافت

ولم يكن ، بل يكون ابتداء، لم يكن ذلك بعثا وال رجعا، نما ھو ألجسام غير ھذهولو كان الجزاء ا

فانه سبحانه جعل ھذا جوابا لسؤال . كبير معنى. ٤ق}،قد علمنا من تنقص األرض منھم{ :لقولهانه يميز تلك األجزاء التي اختلطت باألرض واستحالت الى العناصر بحيث ال : وھو، مقدروأنه كما ، انه بأنه قد علم ما تنقصه األرض من لحومھم وعظامھم وأشعارھمفأخبر سبح، تتميز

وھو ، فھو قادر على تحصيلھا وجمعھا بعد تفرقھا وتأليفھا خلقا جديدا، ھو عالم بتلك األجزاءفان شبه المنكرين له كلھا ، وكمال حكمته، وكمال قدرته، سبحانه يقرر المعاد بذكر كمال علمه

:أنواعتعود الى ثالثة اختالط أجزائھم بأجزاء األرض على وجه ال يتميز وال يحصل معه تميز شخص عن ): أحدھا(

.شخص آخر .أن القدرة ال تتعلق بذلك): الثاني(، أو أن الحكمة اقتضت دوام ھذا النوع االنساني شيئا بعد شئ، أن ذلك أمر ال فائدة فيه): الثالث(

فأما أن يميت النوع االنساني كله ثم يحييه فال حكمة في . آخركلما مات جيل خلفه جيل ، ھكذا أبدأ .ذلك

براھين المعاد في القرآن مبنية على أصول ثالث] ٣[

من يحي العظام وھي { :تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال في جواب من قال) أحدھا(

ن الساعة آلتية إو{ :وقال .٧٩-٧٨يس }قل يحييھا الذي أنشأھا أول مرة وھوبكل خلق عليم.رميمقد علمنا ما تنقص {:وقال. ٨٦-٨٥الحجر }.ان ربك ھو الخالق العليم.فاصفح الصفح الجميل

.٤ق }األرض منھم أوليس الذي خلق السموات واألرض بقادر على أن يخلق { :تقرير كمال قدرته كقوله) والثاني(

ذلك بأن هللا ھو { :وقوله. ٤القيامة } انهبلى قادرين على أن نسوي بن{ :وقوله. ٨١يس} مثلھم .٦الحج}الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شئ قدير

أوليس الذي خلق السموات واألرض بقادر على أن { :ويجمع سبحانه بين األمرين كما في قوله

. ٨١يس}يخلق مثلھم بلى وھو الخالق العليم

. ٣٨الدخان }لسماوات واألرض وما بينھما العبينوما خلقنا ا{ :كمال حكمته كقوله: الثالثأيحسب االنسان أن يترك { :وقوله. ٢٧ص }وما خلقنا السماء واألرض وما بينھما باطال{ :وقولهفتعالى هللا الملك . أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا ترجعون{ :وقوله. ٣٦القيامة } سدىالذين اجترحوا السيئات أن نجعلھم كالذين آمنوا أم حسب { :وقوله. ١١٦-١١٥المؤمنون }الحق

.٢١الجاثية }وعملوا الصالحات سواء محياھم ومماتھم ساء ما يحكمون وأن كمال الرب تعالى وكمال أسمائه ، ولھذا كان الصواب أن المعاد معلوم بالعقل مع الشرع

له عن سائر العيوب وأنه منزه عما يقوله منكروه كما ينزه كما، وصفاته تقتضيه وتوجبه .والنواقص

} فھم في أمر مريج{ثم أخبر سبحانه أن المنكرين لذلك لما كذبوا بالحق اختلط عليھم أمرھم .مختلط ال يحصلون منه على شئ. ٥ق

Page 5: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

5

ثم الى العالم ، ثم دعاھم الى النظر في العالم العلوي وبنائه وارتفاعه واستوائه وحسنه والتئامه

وكيف بسطھا وھيأھا بالبسط لما يراد منھا وثبتھا بالجبال وأودع فيھا ، رضالسفلي وھو األالمنافع وأنبت فيھا من كل صنف حسن من أصناف النبات على اختالف أشكاله وألوانه ومقاديره

وأن ذلك تبصرة اذا تأملھا العبد المنيب وتبصر بھا تذكر ما دلت عليه مما ، ومنافعه وصفاتهوأن ھذا ، ثم يتذكر ثانيا، فالناظر فيھا يتبصر أوال، من التوحيد والمعاد أخبرت به الرسل

.اليحصل اال لعبد منيب الى هللا بقلبه وجوارحه ثم دعاھم الى التفكر في مادة أرزاقھم وأقواتھم ومالبسھم ومركبھم وجناتھم وھو الماء الذي

ما بين أبيض وأسود ، ة الثمار والفواكهحتى أنبتت به جنات مختلف، أنزله من السماء وبارك فيهوأنبتت به ، وبين ذلك مع اختالف منافعھا وتنوع أجناسھا، وأحمر وأصفر وحلو وحامض

ثم أفرد النخل لما فيه . الحبوب كلھا على تنوعھا واختالف منافعھا وصفاتھا وأشكالھا ومقاديرھا، ١٦٤البقر} أحيا به األرض بعد موتھاف{ : من موضع العبرة والداللة التي ال تخفى على المتأمل

أي مثل ھذا االخراج من األرض الفواكه والثمار واألقوات . ١١ق } كذلك الخروج{ :ثم قال .خروجكم من األرض بعد ما غيبتم فيھا: والحبوب

أنظر أعالم " المعالم"وقد ذكرنا ھذا القياس وأمثاله من المقاييس الواقعة في القرآن في كتابنا .بينا ما فيھا من األسرار والعبر. موقعين عن رب العالمينال فأخبر ، وأبعده عن كل شبھة وشك، وأوجز لفظ، ثم انتقل سبحانه الى تقرير النبوة بأحسن تقرير

فأھلكھم بأنواع ، أنه أرسل الى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم فرعون رسال فكذبوھموذا تقرير لنبوة من أخبر بذلك ، أوعدتھم به رسله ان لم يؤمنوا وصدق فيھم وعيده الذي، الھالكبل أخبر به اخبارا مفصال مطابقا لما عند ، من غير أن يتعلم من معلم وال قرأه في كتاب، عنھم

.أھل الكتاب ، بأنه لم يكن شئ من ذلك، وال يرد على ھذا اال سؤال البھت والمكابرة على جحد الضروريات

وصاحب ھذا السؤال يعلممن نفسه أنه ، وادث الدھر ونكباته أصابتھم كما أصابت غيرھمأو أن حفانكاره بمنزلة انكار وجود ، وتناقلته القرون قرنا بعد قرن، باھت مباھت جاحد لما شھد به العيان

.المشھورين من الملوك والعلماء والبالد النائية يقال لكل من عجز عن ، ١٥ق} أفعيينا بالخلق األول {: ثم عاد سبحانه الى اقرار المعاد بقوله

قال الشاعر ، عيي به فالن بھذا األمر: شئ كما، عيوا بأمرھم

عيت ببيضتھا الحمامة قال وكذلك، يريد أفعجزنا: قال ابن عباس . ٣٣األحقاف}بخلقھن ولم يعي { :ومنه قوله تعالى

.مقاتل أعياني أن أعرف كذا : فان العرب تقول، وحقيقتھا أعم من ذلك، ھذا تفسير بالزم اللفظة: قلت

، أعياني دواؤك اذا لم تھتد له: وعييت به اذا لم تھتد لوجھه ولم تقدر على معرفته وتحصيله فتقولفان ، شاھد لھذا المعنىوالبيت الذي استشھدوا به . والزم ھذا المعنى العجز عنه. ولم تقف عليه

فھي تدور ، ولكن أعياھا اذا أرادت أن تبيض أين ترمي بالبيضة، الحمامة لم تعجز عن بيضتھافھي تنقلھا من ، فاذا باضت أعياھا أين تحفظھا وتودعھا حتى ال تنال، وتجول حتى ترمي بھا

Page 6: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

6

ر من أين يقصد له كما ھو حال من وعى بأمره فلم يد، مكان الى مكان وتحار أين تجعل مقرھا، كما يظنه من لم يعرف تفسير القرآن، وليس المراد باالعياء في ھذه اآلية التعب، ومن أين يأتيه

} وما مسنا من لغوب{: بل ھذا المعنى ھو الذي نفاه سبحانه عن نفسه في آخر السورة بقوله .٣٨ق لتبس عليھم اعادة الخلق خلقا أي أنھم ا. ١٥ق} في لبس من خلق جديد{ :ثم أخبر سبحانه أنھم

، ثم نبھھم على ما ھو أعظم آيات قدرته وشواھد ربوبيته وأدلة المعاد وھو خلق االنسان، جديدا .فانه من أعظم األدلة على التوحيد والمعاد

وما فيھا من اللحم ، وأي دليل أوضح من تركيب الصورة اآلدمية بأعضائھا وقواھا وصفاتھا

كل ، واألعصاب والرباطات والمنافذ واآلالت والعلوم واالرادات والصناعات والعظم والعروق .ذلك من نطفة ماء

واستدل بوجوده على جميع ما أخبرت به الرسل عن ، فلو أنصف العبد الكتفى بفكره في نفسه

.هللا وأسمائه وصفاته أخبر عن قربه اليه بالعلم ثم ، حتى علم ما توسوس به نفسه، ثم أخبر سبحانه عن احاطة علمه به

فھو أقرب اليه بالقدرة عليه والعلم به ، واالحاطة وأن ذلك أدنى اليه من العرق الذي داخل بدنه .من ذلك العرق

ونحن أقرب اليه من حبل الوريد " نحن"المراد بقول : وقال شيخنا وھو شيخ االسالم بن تيمية . أي اذا قرأه عليك رسولنا جبريل. ١٨القيامة}قرآنه فاذا قرأناه فاتبع{: كما قال، أي مالئكتنا،

فال حجة في ، فقيد القرب المذكور بتلقي الملكين. ١٧ق} اذ يتلقى المتلقيان{: ويدل عليه قوله: قال .اآلية لحلولي وال معطل

ونبه باحصاء األقوال ، ثم أخبر سبحانه أن على شماله ويمينه ملكين يكتبان أعماله وأقواله وھي غايات األقوال ، وأعظم أثرا من األقوال، التي ھي أقل وقوعا، كتابتھا على كتابة األعمالو

. ونھايتھا

صغرى وكبرى: القيامة قيامتان] ٤[

وھو لقاؤه سبحانه ، وأنھا تجيء بالحق، وھي سكرة الموت، ثم أخبر عن القيامة الصغرى ثواب والعقاب الذي تعجل لھا قبل القيامة وال، وعرض الروح عليه، والقدوم عليه، وتعالى .الكبرى

ثم أخبر عن أخبار . ٢٠ق} ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد{: ثم ذكر القيامة الكبرى بقوله

وشھيد ، وأن كل أحد يأتي هللا سبحانه وتعالى ذلك اليوم ومعه سائق يسوقه، الخلق في ھذا اليوموغير شھادة ، دة األرض التي كان عليھا له وعليهوغير شھا، وھذا غير جوارحه، يشھد عليه

.رسوله والمؤمنين

Page 7: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

7

فان هللا سبحانه وتعالى يستشھد على العباد الحفظة واألنبياء واألمكنة التي عملوا عليھا الخير وھو أعدل العادلين وأحكم ، وال يحكم بينھم بمجرد علمه، والجلود التي عصوه بھا، والشر

.الحاكمين ال بمجرد علمه من ، وشھادة البينة، أخبر نبيه أنه يحكم بين الناس بما سمعه من اقرارھمولھذا

غير بينة وال اقرار؟ ثم أخبر سبحانه أن االنسان في غفلة من ھذا الشأن الذي ھو حقيق بأن ال كما ، ولم يقل عنه، ٢٢ق}في غفلة من ھذا{ :وقال، وأن ال يزال على ذكره وباله، يغفل عنه

وجاء ھذا في المصدر وان لم ، ولم يقل في شك فيه، ٢٢ھود}وانھم لفي شك منه مريب{ :لقافھو مبدأ غفلته ، يجئ في الفعل فال يقال غفلت منه وال شككت منه كأن غفلته وشكه ابتداء منه

فانه جعل ما ينبغي أن يكون مبدأ التذكرة ، وھذا أبلغ من أن يقال في غفلة عنه وشك فيه، وشكهثم أخبر أن غطاء الغفلة والذھول يكشف عن ذلك اليوم كما . قين ومنشأھما مبدأ للغفلة والشكوالي

فنسبة كشف ھذا الغطاء عن العبد عند . وعن العين فتنفتح، يكشف غطاء النوم عن القلب فيستيقظ .المعاينة كنسبة كشف غطاء النوم عنه عند االنتباه

وقوله يقول لما . يكتب عمله، قرن به في الدنيا من المالئكةوھو الذي ، ثم أخبر سبحانه أن قرينه

.ھذا قول مجاھد، ھذا الذي كنت وكلتني به في الدنيا قد أحضرته وأتيتك به: يحضره والتحقيق أن . ھذا ما كتبته عليه وأحصيته من قوله وعمله حاضر عندي: المعنى: وقال ابن قتيبة

فحينئذ . خص الذي وكلت به وھذا عمله الذي أحصيت عليهأي ھذا الش، اآلية تتضمن األمرينأو خطابا للملك الموكل ، وھذا اما أن يكون خطابا للسائق والشھيد، ٢٤ق}ألقيا في جھنم{ :قال

أو تكون األلف ، وھو مذھب معروف من مذاھب العرب في خطابھا. بعذابه وان كان واحدا .صل مجرى الوقفثم أجرى الو، منقلبة عن نون التأكيد الخفيفة

:ثم ذكر صفات ھذا الملقى فذكر له ست صفات ، كفار برسله ومالئكته، كفار بدينه وتوحيده وأسمائه وصفاته، أنه كفار لنعم هللا وحقوقه) أحدھا(

.كفار بكتبه ولقائه .أنه معاند للحق يدفعه جحدا وعنادا) الثانية(خير الذي ھو احسان الى نفسه من الطاعات والقرب وھذا يعم منعه لل، أنه مناع للخير) الثالثة(

وال لبني جنسه كما ھو حال ، فليس فيه خير لنفسه، الى هللا والخير الذي ھو احسان الى الناس .أكثر الخلق

.ظلوم غشوم معتد عليھم بيده ولسانه، أنه مع منعه للخير معتد على الناس) الرابعة(اذا ، فالن مريب: يقال، ومع ھذا فھو آت لكل ريبة، أي صاحب ريب وشك، أنه مريب) الخامسة(

.كان صاحب ريبةويرضى ، ويغضب له، ويحبه، قد اتخذ مع هللا الھا آخر يعبده، أنه مع ذلك مشرك با) السادسة(ويحيل ، فيختصم ھو وقرينه من الشيطان، ويعادي فيه، ويوالي فيه، وينذر له، ويحلف باسمه، له

ولكن ، لم يكن لي قوة أن أضله وأطغيه: فيقول قرينه. و الذي أطغاه وأضلهوأنه ھ، األمر عليهوما كان لي {: كما قال ابليس ألھل النار، وآثره على الحق، واختاره لنفسه، كان في ضالل بعيد

.٢٢ابراھيم } عليكم من سلطان اال أن دعوتكم فاستجبتم لي بل قرينه ھا ھنا ھو : وقالت طائفة. عند هللايختصمان ، فالقرين ھنا ھو شيطانه، وعلى ھذا

وأنه أعجله ، وأنه لم يفعل ذلك كله، فيدعي عليه أنه زاد عليه فيما كتبه عليه وطغى، الملكما زدت في الكتابة على ما عمل وال : فيقول الملك، ولم يمھله حتى يتوب، بالكتابة عن التوبة

Page 8: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

8

ال تختصموا { :فيقول الرب تعالى. ٢٧ق} ولكن كان في ضالل بعيد{: أعجلته عن التوبة] الصافات[وقد أخبر سبحانه عن اختصام الكفار والشياطين بين يديه في سورتي . ٢٨ق}لدي. ٦٠-٥٦]الزمر[وأخبر عن اختصام الناس بين يديه في سورة . ٣٩-٣٧]األعراف[و ، ٣٨-٢٧

.٦٥-٥٩] ص[ة وسور، ١٠٤-٩٦] الشعراء[وأخبر عن اختصام أھل النار فيھا في سورة ألمألن جھنم من الجنة والناس { :المراد بذلك قوله: فقيل، ثم أخبر سبحانه أنه ال يبدل القول لديه

يريد : قال ابن عباس. وأن ھذا ال يبدل وال يخلف، ووعده ألھل االيمان بالجنة. ١١٩ھود}أجمعينوھذا أصح . يت ما أنا قاضقد قض: قال مجاھد. ما لوعدي خلف ألھل طاعتي وال أھل معصيتي

.القولين في اآلية . ان المعنى ما يغير القول عندي بالكذب والتلبيس كما يغير عند الملوك والحكام: وفيھا قول آخر

المعنى مايكذب : قال الفراء، وھو اختيار الفراء وابن قتيبة، فيكون المراد بالقول قول المختصمين: قال. أي ما يحرف القول عندي وال يزاد فيه وال ينقص منه: قتيبةوقال ابن . عندي لعلمي بالغيبفعلى القول األول يكون . وھذا كما قال ال يكذب عندي، ولم يقل قولي، ألنه قال القول عندي

أي ، في المعنى. ٢٩ق} بدل القول لدي ما ي {: من تمام قوله، ٢٩ق} وما أنا بظالم للعبيد{ :قولهوعلى الثاني يكون قد . ومع ھذا فھو عدل ال ظلم فيه وال جور. بد من فعله ما قلته ووعدت به ال .وصف نفسه بأمرين

.أن كمال علمه واطالعه يمنع من تبديل القول بين يديه وترويج الباطل عليه: أحدھما .أن كمال عدله وغناه يمنع من ظلمه لعبيده: والثاني وأخطأ من قال . ٣٠ق}وتقول ھل من مزيد{: قى فيھا فوجثم خبر عن سعة جھنم وأنھا كلما أل

عن أنس رضي : الحديث. والحديث الصحيح يرد ھذا التأويل، أي ليس من مزيد، ان ذلك للنفيحتى يضع قدمه ، يلقى في النار وتقول ھل من مزيد: "هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم

وعن أبي ھريرة . وكذلك في صحيح مسلم ٤٨٤٨,٤٨٤٩رقم ٤٦٠\٨البخاري " قط قط:فتقوليقال لجھنم ھل امتألت؟ وتقول ھل من مزيد؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليھا " ،يرفعه ". قط قط: فتقول

الصفات األربع ألھل الجنة] ٥[

:وأن أھلھا اتصفوا بھذه الصفات األربع، ثم أخبر عن تقريب الجنة من المتقين .ومن الغفلة عنه الى ذكره، أي رجاعا الى هللا من معصيته الى طاعته، ن اواباأن يكو) األولى(

ھو الذي اذا ذكر ذنبه : وقال مجاھد.األواب الذي يتذطر ذنوبه ثم يستغفر منھا: قال عبيد بن عمير .ھو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب: زقال سعيد بن المسيب. في الخفاء استغفر منه

حافظ لما : وقال قتادة. أن يكون حفيظا لما ائتمنه هللا عليه وافترضه: قال ابن عباس) ةالثاني(

.استودعه هللا من حقه ونعمته كان األواب مستعمال لقوة الطلب في ، قوة الطلب وقوة االمساك: ولما كانت النفس لھا قوتان

ظ في االمساك عن معاصيه والحفيظ مستعمال لقوة الحف. رجوعه الى هللا ومرضاته وطاعته .ونواھيه

.واألواب المقبل على هللا بطاعته، فالحفيظ الممسك نفسه عما حرم عليه

Page 9: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

9

يتضمن االقرار بوجوده وربوبيته وقدرته ، ٣٣من خشي الرحمن بالغيب ق{ :قوله) الثالثة(

. يهويتضمن االقرار برسله وكتبه وأمره ونھ. وعلمه واطالعه على تفاصيل أحوال العبد .فال تصح خشية الرحمن بالغيب اال بعد ھذا كله، ويتضمن االقرار بوعده ووعيده ولقائه

مقبل على طاعة ، راجع عن معاصي هللا: قال ابن عباس. ٣٣ق}وجاء بقلب منيب{قوله : الرابعة

ن ثم ذكر سبحانه جزاء م. وحقيقة االنابة عكوف القلب على طاعة هللا ومحبته واالقبال عليه. هللالھم ما يشاءون فيھا ولدينا . ادخلوھا بسالم ذلك يوم الخلود{ :قامت به ھذه األوصاف بقوله

.٣٥و٣٤ق }مزيد ثم خوفھم بأنه يصيبھم من الھالك ما أصاب من قبلھم وأنھم كانوا أشد منھم بطشا ولم يدفع عنھم

ل يجدون محيصا ومنجى من وھ، وأنھم عند الھالك تقلبوا وطافوا في البالد، الھالك شدة بطشھم . عذاب هللا؟

طوفوا وفتشوا فلم يروا : وقال الزجاج. حاص أعداء هللا فوجدوا أمر هللا لھم مدركا: قال قتادة

.وحقيقة ذلك أنھم طلبوا المھرب من الموت فلم يجدوه. محيصا عن الموت ألقى السمع وھو لذكرى لمن كان له قلب أو { :ثم أخبر سبحانه أن في ھذا الذي ذكر

.٣٧ق}شھيد وتكذيبا ، ثم أخبر أنه خلق السموات واألرض وما بينھما في ستة أيام ولم يمسه تعب وال اعياء

.حيث قالوا انه استراح في اليوم السابع، ألعدائه اليھود ه كما أنه سبحان، ثم أمر نبيه بالتأسي به سبحانه وتعالى في الصبر على ما يقول أعداؤه فيه

جزء من حديث ".وال أحد أصبر على أذى يسمعه منه: "صبر على قول اليھود انه استراح، ٥١رقم ٤/٢١٦٠ومسلم في صفات المنافقين ، ٦٠٩٩رقم ١٠/٥٢٧أخرجه البخاري في األدب

.جميعا من حديث ابي موسى األشعري ٤٠١,٤٠٥، ٤/٣٩٥وأحمد في المسند

التسبيح بحمد ربه قبل طلوع الشمس وقبل غروبھا ثم أمره بما يستعين به على الصبر وھو ، واألول قول ابن عباس. الركعتان بعد المغرب: وقيل. فقيل ھو الوتر. وبالليل وأدبار السجود

وعن ابن . والثاني قول عمر وعلي وأبو ھريرة والحسن بن علي واحدى الروايتين عن ابن عباس .لصلوات المكتوباتعباس رواية ثالثة أن التسبيح باللسان أدبار ا

وأخبر أن ھذا . ونداء المنادي برجوع األرواح الى أجسادھا للحشر، ثم ختم السورة بذكر المعاد

{ :بالبعث ولقاء هللا، ٤٢ق} يوم يسمعون الصيحة بالحق{ :النداء من مكان قريب يسمعه كل أحد: مھلة وال بطءمن غير } سراعا{: فيخرجون، كما تشقق عن النبات} يوم تشقق األرض عنھم

.ذلك حشر يسير عليه سبحانه وذلك يتضمن مجازاته لھم بقولھم اذا لم يخف ، ثم أخبر سبحانه وتعالى أنه عالم بما يقول أعداؤه

.وھو سبحانه يذكر علمه وقدرته لتحقيق الجزاء، عليه

Page 10: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

10

وأمره ، رھھم عليهثم أخبره أنه ليس بمسلط عليھم وال قھار ولم يبعث ليجبرھم على االسالم ويك وأما من ال يؤمن بلقائه وال يخاف ، أن يذكر بكالمه من يخاف وعيده فھو الذي ينتفع بالتذكير

.فال ينتفع بالتذكير، وعيده وال يرجو ثوابه

فائدة] ٦[ فضيلة ألھل بدر

ا ما اعملو: وما يدريك أن هللا اطلع على أھل بدر فقال:" قول النبي صلى هللا عليه وسلم لعمر

ومسلم في باب ، )٤٢٧٤( ٥٩٢\٧البخاري في المغازي باب غزوة الفتح " شئتم فقد غفرت لكموالترمذي وأحمد من حديث االمام ، أبو داود، ١٩٤١\٤فضائل الصحابة باب من فضل أھل بدر

وأحمد في ، ٢٧٦١رقم ٤٠٤\٢الدرامي في الرقاق باب أھل بدر ،وومن حديث أبو ھريرة ، عليفان ظاھره اباحة مل األعمال لھم وتخييرھم ، أشكل على كثير من الناس معناه، .١٠٩\٢المسند

، وانما ھو للماضي، االستقبال" اعملوا"ليس المراد من قوله . وذلك ممتنع، فيما شاؤوا منھا :ويدل على ذلك شيئان: قال: أي عمل كان لكم فقد غفرته: وتقديره

.فسأغفر لكم: ن جوابه قولهأنه لو كان للمستقبل كا): أحدھما( .أنه كان يكون اطالقا في الذنوب وال وجه لذلك): والثاني( لكنه ضعيف من ، وحقيقة ھذا الجواب اني قد غفرت لكم بھذه الغزوة ما سلف من ذنوبكم

:وجھين د أن ال يوج" قد غفرت لكم" وقوله. فانه لالستقبال دون الماضي، يأباه" اعملوا"أن لفظ ) أحدھما(

أتى أمر {: تحقيق لوقوع المغفرة في المستقبل كقوله" قد غفرت:" فان قوله: مثله" اعملوا "يكون .ونظائره. ٢٢الفجر }جاء ربك{و، ١النحل} هللا فان سببه قصة حاطب وتجسسه على النبي صلى هللا عليه ، أن الحديث نفسه يرده) ثانيھما(

فالذي ، فھو مراد منه قطعا، وھو سبب الحديث، قبلھاوذلك ذنب وقع بعد غزوة بدر ال، وسلمبل ، وهللا أعلم أن ھذا خطاب لقوم قد علم هللا سبحانه وتعالى أنھم ال يفارقون دينھم، نظن في ذلك

ولكن ال يتركھم ، وأنھم قد يقارفون بعض ما يقارفه غيرھم من الذنوب، يموتون على االسالمويكون . ھم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تمحو اثر ذلكبل يوفق، سبحانه مصرين عليھا

وال يمنع ذلك كون . وأنھم مغفور لھم، تخصيصھم بھذا دون غيرھم ألن قد تحقق ذلك فيھمفلو ، كما ال يقتضي ذلك أن يعطلوا الفرائض وثوقا بالمغفرة، المغفرة حصلت بأسباب تقوم بھم

ألوامر لما احتجوا بعد ذلك الى صالة وال صيام كانت قد حصلت بدون االستمرار على القيام با .وھذا محال، وال حج وال زكاة وال جھاد

ونظير ، فضمان المغفرة ال يتوجب تعطيل أسباب المغفرة، ومن أوجب الواجبات التوبة بعد ذلك

ثم مكث ، فغفر له، أى رب أذذنبت ذنبا فاغفر لي: أذنب عبد ذنبا فقال: "ھذا قوله في حديث آخرثم مكث ما شاء ، رب أصبت ذنبا فاغفر لي فغفر له، ما شاء هللا أن يمكث ثم أذنب ذنبا آخر فقال

علم عبدي أن له ربا : فقال هللا، رب أصبت ذنبا فاغفر لي: هللا أن يمكث ثم أذنب ذنبا آخر فقالقم ر ٤٧٤\١٣البخاري باب التوحيد " قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء، يغفر الذنوب ويأخذ به

أبو ، ،وأحمد في المسند ٢٩رقم ٢١١٢\٣ومسلم في التوبة باب قبول التوبة من الذنوب ، ٧٥٠٧، فليس في ھذا اطالق واذن منه سبحانه له في المحرمات والجرائم. من حديث ابو ھريرة،يعلى

.وانما يدل على أنه يغفر له ما دام كذلك اذا أذنب تاب

Page 11: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

11

حكم يعم كل ، وأنه كلما أذنب تاب، علم أنه ال يصر على ذنبواختصاص ھذا العبد بھذا ألنه قد

.لكن ذلك العبد مقطوع له بذلك كما ھو مقطوع ألھل بدر، من كانت حالته حاله لم يفھم منه وال ، وكذلك من بشره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بالجنة أو أخبره بأنه مغفور له

بل كانوا ھؤالء أشد ، ي له ومسامحته بترك الواجباتغيره من الصحابة اطالق الذنوب والمعاص .كالعشرة المشھود لھم بالجنة، اجتھادا وحذرا وخوفا بعد البشارة منھم قبلھا

فانھم علموا أنھم البشارة المطلقة مقيدة ، وطذلك عمر، وقد كان الصديق شديد الحذر والمخافة

، ولم يفھم أحد منھم من ذلك االطالق، فاء موانعھاومقيدة بانت، بقيود االستمرار عليھا الى الموت .االذن فيما شاؤوا من األعمال

فائدة] ٧[ :نظرة صائبة في تفسير قوله تعالى

٥١الملك}ھو الذي جعل لكم األرض ذلوال فامشوا في مناكبھا وكلوا من رزقه واليه النشور{

ولم ، ا وحفرھا وشقھا والبناء عليھاأخبر سبحانه أنه جعل األرض ذلوال منقادة للوطئ عليھ وأخبر سبحانه أنه جعلھا مھادا وبساطا وفراشا . يجعلھا مستصعبة ممتنعة على من أراد ذلك منھا

) أخرج منھا الماء(وأخبر أنه دحاھا ). بطنھا ألمواتكم وظھرھا ألحيائكم من قول الشعبي(وكفاتا الطريق الواسع بين (ونھج فيھا الفجاج ، جبالوثبتھا بال، وطجاھا وأخرج منھا ماءھا ومرعاھا

ومن بركتھا أن ،وبارك فيھا وقدر فيھا أقواتھا، وأجرى فيھا األنھار والعيون، والطرق) الجبلينومن بركتھا أنھا تحمل األذى على ظھرھا وتخرج . الحيوانات كلھا وأقواتھا وأرزاقھا تخرج منھا

ومن بركتھا أنھا . رى منه كل قبيح وتخرج له كل مليحفتوا، لك من بطنھا أحسن األشياء وأنفعھافھي أحمل ، وتخرج له طعامه وشرابه، تستر قبائح العبد وفضالت بدنه وتواريھا وتضمه وتؤويه

فال كان من التراب خيرا منه وال أبعد عن األذى منه وأقرب من ، شئ لألذى وأعوده بالنفع .الخير

وحسن التعبير . رض كالجمل الذلول الذي كيفما يقاد ينقادوالمقصود أنه سبحانه جعل لنا األ

فالماشي عليھا يطأ على مناكبھا ، بمناكبھا عن طرقھا وفجاجا لما تقدم من وصفھا بكونھا ذلوال .ولھذا فسرت المناكب بالجبال كمناكب االنسان وھي أعاليه، وھو أعلى شئ فيھا

.أيسر وذلك تنبيه على أن المشى في سھولھا:قالوا والذي يظھر أن ، ومنه مناكب االنسان لجوانبه، بل المناكب الجوانب والنواحي: وقالت طائفة

وھذا الوجه الذي يمشي عليه الحيوان ھو العالي من األرض دون الوجه . المراد بالمنكب األعاليبالمناكب لما وحسن التعبير عنه، والمش انما يقع في سطحھا، فان سطح الكرة أعالھا، المقابل له

.تقدم من وصفھا بأنھا ذلول وفتق فيھا السبل والطرق ، فذللھا لھم ووطأھا، ثم أمرھم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيھا

، وأودعھا رزقھم فذكر تھيئة المسكن لالنتفاع والتقليب فيھا بالمجئ والذھاب، التب يمشون فيھا

Page 12: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

12

على أنا في ھذا المسكن ، ١٥الملك } واليه النشور{ :بقولهثم نبه . واألكل مما أودع فيه للساكنوانما ، غير مستوطنين وال مقيمين بل دخلناه عابري سبيل فال يحسن أن نتخذه وطنا ومستقرا

وال ، ومعبر وممر، )سرور(فھو منزل عبور ال مستقر حبور ، دخلناه لنتزود منه الى دار القرار .وطن مستقر

والتذكير بنعمه ، وقدرته وحكمه ولطفه، داللة على ربوبيته ووحدانيتهفتضمنت اآلية ال

بل نسرع فيھا السير الى ، واتخاذھا وطنا ومستقرا، والتحذير من الركون الى الدنيا، واحسانه .داره وجنته

، والحث على السير اليه، والتذكير بنعمته، فلله ما في ضمن ھذه اآلية من معرفته وتوحيده

وأنه يحيى ، واالعالم بأنه سبحانه يطوي ھذه الدار كأنھا لم تكن، والقدوم عليه، تعداد للقائهواالس .أھلھا بعدما أماتھم واليه النشور

فائدة] ٨[

نظرة الى سورة الفاتحة

وسعادته التامة موقوفة على استكمال . وقوة عملية ادارية، قوة علمية نظرية: لالنسان قوتان واستكمال القوة العلمية انما يكون بمعرفة فاطره وبارئه ومعرفة أسمائه . واالداريةقوتيه العلمية

.وصفاته ومعرفة الطريق التي توصل اليه ومعرفة آفاتھا ومعرفة نفسه ومعرفة عيوبھا . وأعلم الناس أعرفھم بھا وأفقھھم فيھا. فبھذه المعارف الخمسة يحصل كمال قوته العلمية

والقيام بھا ، لعملية االدارية ال يحصل اال بمراعات حقوقه سبحانه على العبدواستكمال القوة افھو . وتقصيره ھو في أداء حقه، اخالصا وصدقا ونصحا واحسانا ومتابعة وشھودا لمنته عليه

.مستحيى من مواجھته بتلك الخدمة لعلمه أنھا دون ما يستحقه عليه ودون ذلك فھو يھديه الى الصراط المستقيم الذي . ل ھاتين القوتين اال بمعونتهوأنه ال سبيل له الى استكما

اما بفساد في قوته العلمية ،، وأن يجنبه الخروج عن ذلك الصراط، ھجى اليه أولياءه وخاصت .واما بفساد في قوته العملية فيوجب له الغضب، فيقع في الضالل

وقد تضمنتھا سورة الفاتحة وانتظمتھا ، األمورفكمال االنسان وسعادته ال تتم اال بمجموع ھذه

الفاتحة }مالك يوم الدين. الرحمن الرحيم. الحمد رب العالمين{ :فان قوله تعالى. كمال انتظام .يتضمن األصل األول وھو معرفة الرب تعالى ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله، ٤- ٢ هللا والرب ( وھي اسم ، سماء الحسنىواألسماء المذكورة في ھذه السورة ھي أصول األ

).والرحمن ) الرحمن(واسم ، متضمن لصفات الربوبية) الرب(واسم ، متضمن لصفات األلوھية) هللا(فاسم

.ومعاني أسمائه تدور على ھذا. متضمن لضفات االحسان والجود والبر وأنھا ، الطريق الموصلة اليهيتضمن معرفة ، ٥الفاتحة} ياك نستعينإ ياك نعبد وإ{ :وقوله

.واستعانته على عبادته، ليست اال عبادته وحده بما يحبه ويرضاه

Page 13: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

13

يتضمن بيان أن العبد ال سبيل له الى سعادته اال ، ٦الفاتحة }اھدنا الصراط المستقيم{ :وقوله . دايتهوأنه ال سبيل له الى االستقامة على الصراط اال بھ، باستقامه على الصراط المستقيم

يتضمن بيان طرفي االنحراف عن ، ٧الفاتحة} غير المغضوب عليھم وال الضالين{ :وقولهوأن االنحراف الى أحد الطرفين انحراف الى الضالل الذي ھو فساد العلم ، الصراط المستقيم

.واالنحراف الى الطرف اآلخر انحراف الى الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل، واالعتقاد وحظ العبد من النعمة على قدر حظه من . أول السورة رحمة وأوسطھا ھداية وآخرھا نعمةف

.فعاد األمر كله الى نعمته ورحمته، وحظه منھا على قدر حظه من الرحمة، الھداية فھو ، فال يكون اال رحيما منعما وذلك من موجبات ألوھيته، والنعمة والرحمة من لوازم ربوبيته

.وان جحده الجاحدون وعدل به المشركون، الحقاالله وصارت ، فمن تحقق بمعاني الفاتحة علما ومعرفة وعمال وحاال فقد فاز من كماله بأوفر نصيب

.وهللا المستعان، عبوديته عبودية الخاصة الذين ارتفعت درجتھم عن عوام المتعبدين

فائدة] ٩[ لمعرفته تعالى طريقان

:عباده في القرآن الى معرفته من طريقينالرب يدعو

.النظر في مفعوالته: أحدھما .فتلك آياته المشھودة وھذه آياته المسموعة المعقولة، التفكير في آياته وتدبرھا: ثانيھما

ان في خلق السموات واألرض واختالف الليل والنھار والفلك التي تجري { :فالنوع األول كقوله

ينفع الناس وما أنزل هللا من السماء من ماء فأحيا به األرض بعد موتھا وبث فيھا في البحر بما } من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء واألرض آليات لقوم يعقلون

.١٦٤البقرةآل } ان في خلق السموات واألرض واختالف الليل والنھار آليات ألولي األلباب{ :وقوله

.وھو كثير في القرآن، ١٩٠عمران .٨٢النساء} أفال يتدبرون القرآن{ :والثاني كقوله .٦٨المؤمنون}أفلم يدبروا القول{ :وقوله .وھو كثير في القرآن، ٢٩ص} كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته{ :وقوله .صفاتواألفعال دالة على ال، فأما المفعوالت فانھا دالة على األفعال وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه الستحالة صدور ، فان المفعول يدل على فاعل فعله

.الفعل االختياري من معدوم أو موجود ال قدرة له وال حياة وال علم وال ارادة وأن فعله ليس بالطبع ، ثم ما في المفعوالت من التخصيصات المتنوعة دالة على ارادة الفاعل .يث يكون واحدا غير متكرربح

.وما فيھا من المصالح والحكم والغايات المحمودة دال على حكمته تعالى .وما فيھا من النفع واالحسان والخير دال على رحمته

.وما فيھا من البطش واالنتقام والعقوبة دال على غضبه .وما فيھا من االكرام والتقريب والعناية دال على محبته

Page 14: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

14

.ن االھانة واالبعاد والخذالن دال على بغضه ومقتهوما فيھا موما فيھا من ابتداء الشئ في غاية النقص والضعف ثم سوقه الى تمامه ونھايته دال على وقوع

.المعاد .وما فيھا من أحوال النبات والحيوان وتصرف المياه دليل على امكان المعاد

.دليل على صحة النبواتوما فيھا من ظھور آثار الرحمة والنعمة على خلقه .وما فيھا من الكماالت التي لو عدمتھا كانت ناقصة دليل على أن معطي تلك الكماالت أحق بھا

فالمصنوعات شاھدة تصدق ، فمفعوالته أدل شيء على صفاته وصدق ما أخبرت به الرسل عنه

سنريھم آياتنا في { :قال تعالى. منبھة على االستدال باآليات المصنوعات، اآليات المسموعاتأي أن القرآن حق فأخبر أنه ال بد أن . ٥٣فصلت }اآلفاق وفي أنفسھم حتى يتبين لھم أنھا الحق

ثم أخبر بكفاية شھادته على صحة . يريھم من آياته المشھودة ما يبين لھم أن آياته المتلوة حق .خبره بما أقام من الدالئل والبراھين على صدق رسوله

وھو الدليل ، فھو الشاھد والمشھود له، وھو شاھد بصدق رسوله بآياته، ه شاھدة بصدقهفآيات

كيف أطلب الدليل على ما : فھو الدليل بنفسه على نفسه كما قال بعض العارفين. والمدلول عليه .ھو دليل لي على كل شيء؟ فأي دليل طلبته عليه فوجوده أظھر منه

وأبين من ، فھو أعرف من كل معروف، ١٠ابراھيم } هللا شكأفي { :ولھذا قال الرسل لقومھم

.كل دليل . رف بھا في النظر واالستدالل بأحكامه وأفعاله عليهرفت به في الحقيقة وان كان ع فاألشياء ع

فائدة ] ١٠[ كيف يفعل من أصابه ھم أو غم

رسول هللا صلى هللا عليه قال : قال، في المسند وصحيح أبي حاتم من حديث عبدهللا بن مسعود

ناصيتي ، ابن أمتك، وابن عبدك، اني عبدك: فقال اللھم ، ما أصاب عبدا ھم وال حزن: "وسلمأو أنزلته في ، أسألك بكل اسم ھم لك سمت به نفسك، عدل في قضاؤك، ماضى في حكمك، بيدك

، وجالء حزني ،ونور صدري، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، كتابك أو علمته أحدا من خلقكقالوا يارسول هللا أفال ".. وأبدله مكانه فرحا، اال أذھب هللا ھمه وغمه، وذھاب ھمي وغمي

.٨١و صححه األلباني في الكلم ص".ينبغيلمن سمعھن أن يتعلمھن، بلى: "نتعلمھن؟ قال داعي به صدر منھا أن ال. فتضمن ھذا الحديث العظيم أمورا من المعرفة والتوحيد والعبودية

وھذا يتناول من فوقه من آبائه وأمھاته الى أبويه ، "اني عبدك ابن عبدك ابن أمتك: "سؤاله بقولهله واستخذاء بين يديه واعترافه بأنه مملوكه وآبائه ) تودد وتلطف(وفي ذلك تملق ، آدم وحواء

ده ان أھمله وتخلى عنه وأن سي ، مماليكه وان العبد ليس له باب غير باب سيده وفضله واحسانهأني ال غنى : وتحت ھذا االعتراف. بل يضيع أعظم ضيعة، ولم يؤوه أحد ولم يعطف عليه، ھلك

وفي ضمن ذلك ، وليس لي أن أعوذ به وألوذ به غير سيدي الذي أنا عبده، عنك طرفة عين .م االختيار لنفسهانما يتصرف بحكم العبودية ال بحك، االعتراف بأنه مربوب مدبر مأمور منھي

.فليس ھذا في شأن العبد بل شأن الملوك واألحرار

Page 15: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

15

وأما العبيد فتصرفھم على محض العبودية فھؤالء عبيد الطاعة المضافون اليه سبحانه في وعباد الرحمن الذين يمشون على { :وقوله، ٤٢الحجر } ان عبادي ليس لك عليھم سلطان{ :قوله

فاضافتھم اليه كاضافة سائر ، ومن عداھم عبيد القھر والربوبية، ٦٣نالفرقا} األرض ھوناواضافة ناقته اليه وداره التي ھي ، واضافة أولئك كاضافة البيت الحرام اليه، البيوت الى ملكه

.١٩الجن . }وأنه لما قام عبد هللا يدعوه{ : واضافة عبودية رسوله اليه بقول، الجنة اليه

وديةمن معاني العب] ١١[

وامتثال أمر ، التزام عبوديته من الذل والخضوع والنابة" اني عبدك"وفي التحقيق بمعنى قوله وعياذ العبد ، والتوكل عليه، واالستعانة به، واللجوء اليه، ودوام االفتقار اليه، واجتناب نھيه، سيده .أن ال يتعلق قلبه اال بغيره محبة وخوفا ورجاء، ولياذه به، به معافى ، مطيعا وعاصيا، حيا وميتا، صغيرا وكبيرا: وفيه أيضا أني عبد من جميع الوجوه

.ومبتلى القلب واللسان والجوارح .فان العبد وما يمتلك لسيده، وفيه أيضا أن مالي ونفسي ملك لك .مك على عبدكوفيه أيضا انك أنت الذي مننت علي بكل ما أما فيه من نعمة فذلك كله من انعا كما ال يتصرف العبد اال ، وفيه أيضا اني ال أتصرف فيما خولتني من مالي ونفسي اال بأمرك

فان صح له شھود . واني ال أملك لنفسي نقعا وال ضرا وال موتا وال حياة وال نشورا، باذن سيده .ذلك فقد قال لي اني عبدك حقيقة

لست أنا المتصرف في ، لمتصرف في تصرفي كيف تشاءأي أنت ا، "ناصيتي بيدك" ثم قال

.نفسي وكيف يكون له في تصرف من نفسه بيد ربه وسيده وناصيته بيده وقلبه بين أصبعين من

ليس الى العبد منه ، وموته وحياته وسعادته وشقاؤه وعافيته وبالؤه كله اليه سبحانه، أصابعهمالك ، ناصيته بيد سلطان قاھر، لوك ضعيف حقيربل ھو في تصرف سيده أضعف من مم، شيء

.له تحت تصرفه وقھره بل األمر فوق ذلك لم يخفھم بعد ، ومتى شھد العبد أن ناصيته ونواصي العباد كلھا بيد هللا وحده يصرفھم كيف يشاء

ھم المتصرف في، ولم ينزلھم منزلة المالكين بل منزلة عبيد مقھورين مربزبين، ولم يرجھم، ذلكصار فقره وضرورته الى ربا وصفا ، فمن شھد نفسه بھذا المشھد، سواھمو والمدبر لھم غيرھم

، فاستقام توحيده، ولم يعلقالأمله ورجاءه بھم، ومتى شھد الناس كذلك لم يفتقر اليھم، الزما لهة اال ھو آخذ اني توكلت على هللا ربي وربكم ما من داب { :ولھذا قال ھود لقومه. وتوكله وعبوديته

.٥٦ھود} بناصيتھا ان ربي على صراط مستقيم مضاء حكمه : أحدھما:تضمن ھذا الكالم أمرين" عدل في قضاؤك، ماض في حكمك:"وقوله

.في عبدهما من { :وھذا معنى قول نبيه ھود، يتضمن حكمه وعدله وھو سبحانه له الملك وله الحمد: ثانيھم

أي مع كونه قاھرا مالكا } ان ربي على صراط مستقيم{: ثم قال}، يتھادابة اال ھو آخذ بناص .نواصيھم بيده فھو على صراط مستقيم، متصرفا في عباده

Page 16: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

16

وھو العدل الذي يتصرف به فيھم فھو على صراط مستقيم في قوله وفعله وقضائه وقدره ونھيه

.وثوابه وعقابه وثوابه ، والذي نھى عنه كله مفسدة، كله مصلحة وأمره، وقضاؤه كله عدل، فخبره كله صدق

.ورحمته وعقابه لمن يستحق له العقاب بعله وحكمته، لمن يستحق الثواب بفضله

القضاء والحكم والفرق بينھما] ١٢[

فان حكمه سبحانه يتناول ، والعدل للقضاء، وجعل المضاء للحكم، وفرق بين الحكم ولبقضاء .مه الكوني القدريوحك، حكمه الديني الشرعي

، ونفذا فيه، قد مضيا فيه، وھو مقھور تحت الحكممين، والنوعان نافذان في العبد ماضيان فيه

.أما الديني الشرعي فقد يخالفه، لكن الحكم الكوني ال يمكنه مخالفته، شاء أم أبى عدل في :" قال ، وذلك انما يكون بعد مضيه ونفوذه، ولما كان القضاء ھو االتمام واالكمال

.أي الحكم الذي أكملته وأتممته ونفذته في عبدك عدل منك فيه" قضاؤك فان كان حكما دينيا فھو ماض في ، أما الحكم فھو يحكم به سبحانه وقد يشاء تنفيذه وقد ال ينفذه

ما فھو سبحانه يقضي، وان لم ينفذه اندفع عنه، وان كان كونيا فان نفذه سبحانه مض فيه، العبدوھو سبحانه يقضي ويمضي فله . وغيره قد يقضي بقضاء ويقدر أمرا ال يستطيع تنفيذه. يقضي به

.القضاء واالمضاء ، من صحة وسقم، يتضمن جميع أقضيته في عبده من كل الوجوه" عدل في قضاؤك:" وقوله

ما أصابكم من و{: قال تعالى. وعقوبة وتجاوز وغير ذلك، وحياة وموت، ولذة وألم، وغنى وفقروان تصبھم سيئة بما قدمت أيديھم فان االنسان { :وقال، ٣٠الشورى } مصيبة فبما كسبت أيديكم

.٤٨الشورى } كفور .فكل ما يمضي على العبد فھو عدل فيه

فما وجه العدل في قضائھا؟ فان العدل في العقوبة ! فالمعصية عندكم بقضائه وقدره: فان قيل

والظلم ، ومن أجله زعمت طائفة أن العدل ھو المقدور، ھذا سؤال له شأن: لقي. عليھا غير ظاھرفال يكون تصرفه في . ألن الظلم ھو التصرف في ملك الغير وهللا له كل شيء: قالوا. ممتنع لذاته

.عبده اال عدال الذنب فلما حسن منه العقوبة على، بل العدل أنه اليعاقب على ما قضاه وقدره: وقالت طائفة فيكون العدل ھو جزاؤه على الذنب بالعقوبة والذم اما في الدنيا واما في ، لم أنه ليس بقائه ورهع

فزعموا أن من أثبت القدر لم يمكنه أن ، وصعب على ھؤالء الجمع بين العدل والقدر. اآلخرةبين التوحيد كما صعب عليھم الجمع . ومن قال بالعدل لم يمكنه أن يقول بالقدر، يقول بالعدل

فصار توحيدھم ، فزعموا أنھم ال يمكنھم اثبات التوحيد اال بانكار الصفات، واثبات الصفات .تعطيال وعدلھم تكذيبا بالقدر

والظلم عندھم ھو وضع الشيء في غير موضعه كتعذيب ، وأما أھل السنة فھم مثبتون لألمرين

في غير موضع من كتابه كقوله تعالى في وھذا قد نزه هللا نفسه عنه، المطيع ومن ال ذنب له

Page 17: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

17

وھو سبحانه وان ، .}ان هللا ال يظلم شيئا ولكن الناس أنفسھم يظلمون{ :٤٤سورة يونس اآلية ألنه وضع االضالل ، فذلك محض العدل فيه، وقضى بالمعصية وألغى من شاء، ضل من شاء

الذي كل أفعاله وأحكامه سداد ، .وكيفالومن أسمائه الحسنى العدل،والخذالن في موضعه الالئق به، وأزاح العلل، وأنزل الكتاب، وأرسل الرسل، وھو سبحانه قد أوضح السبل، وصواب وحق

ووفق من يشاء ، وھذا عدله، ومكن من أسباب الھداية والطاعة باألسماع واألبصار والعقول، يس بأھل لتوفيقه وفضلهوخذل من ل، فھذا فضله، وأراد من نفسه أن يعينه ويوفقه، بمزيد عناية

. ولم يحرمه عدله، فقطع عنه فضله، ولم يرد سبحانه من نفسه أن يوفقه، وخلى بينه وبين نفسه :وھذا نوعان

، والموافقة عليه، وايثاره عدوه في الطاعة، ما يكون جزاء منه للعبد على اعراضه عنه) أحدھما(

.فھو أھل أن يخذله ويتخلى عنه، وتناسي ذكره وشكره وال يشكره ، أن ال يشاء له ذلك ابتداء لما يعلم منه أنه ال يعرف قدر نعمة الھداية) ثانيھما(

.فال يشاؤھا له لعدم صالحية محله، وال يحبه،وال يثني عليه بھا،عليه وكذلك فتنا بعضھم ببعض ليقولوا أھؤالء من هللا عليھم من بيننا أليس هللا أعلم { :قال تعالى

.٢٢األنفال} ولو علم هللا فيھم خيرا ألسمعھم ولو أسمعھم { :وقال، ٥٣األنعام } ينبالشاكركما قضى على الحية بأن ، كان ذلك محض العدل، فاذا قضى بھذه النفوس بالضالل والمعصية

. وان كان مخلوقا على ھذه الصفة، وكان ذلك عدل فيه، تقتل وعلى العقرب وعلى الكلب العقورشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر "اسمه ، ا الكالم في ھذا في كتابنا القضاء والقدروقد استوفين

.والحكمة والتعليل رد على ، "عدل في قضاؤك، ماض في حكمك:" والمقصود أن قوله صلى هللا عليه وسلم

عن كونھا ويخرجون أفعال العباد، القدرية الذين ينكرون عموم أقضية هللا في عبده، الطائفتين، كل مقدور عدل: وعلى الجبرية الذين يقولون. ويردون القضاء الى األمر والنھي، بقضائه وقدرهفان العدل عندھم كل ما يمكن فعله والظلم ھو المحال ، فائدة" عدل في قضاؤك" فال يبقى لقوله

.وھذا ھو األول بعينه. ماض ونافذ في قضاؤك: فكأنه قال، لذاته وھذه . توسل اليه بأسمائه كلھا ما علم العبد منھا وما لم يعلم، الى آخره" سألك بكل اسمأ"وقوله

.فانھا وسيلة بصفاته وأفعاله التي ھي مدلول أسمائه، أحب الوسائل اليه شبه . المطر الذي يحيي به األرض: الربيع " أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري: "وقوله

، وجمع بين الماء الذي تحصل به الحياة، وكذلك شبھه هللا بالمطر. لوب بهالقرآن به لحياة القأنزل من السماء { :كما جمع بينھما سبحانه في قوله، والنور الذي تحصل به االنارة واالشراق

ماء فسالت أودية بقدرھا فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار وابتغاء مثلھم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذھب هللا { :وقوله، ١٧الرعد}...حلية

هللا نور السموات { :وفي قوله ، ١٩البقرة } أو كصيب من السماء{ :ثم قال، ١٧البقرة } بنورھمألم ترى أن هللا يجزي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما { :ثم قال، ٣٥النور } ....واألرض

خالله وينزله من السماء من جبال فيھا من برد فيصيب به من يشاء فترى الودق يخرج منفتضمن الدعاء أن يجيي قلبه ، ٤٣النور} ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذھب باألبصار

أو من كان ميتا فأحييناه { : قال تعالى. بربيع القرآن وأن ينور به صدره فتجتمع له الحياة والنور .١٢٢األنعام} ي به بين الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منھاوجعلنا له نورا يمش

Page 18: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

18

ألنه قد حصل ، كان النور الحاصل له يسري منه الى القلب، ولما كان الصدر أوسع من القلب تسري الحياة منه الى ، كلھا بحياة القلب، ولما كانت حياة البدن والجوارح. لما ھو أوسع منه

ولما كان الحزن والھم والغم . سأل الحياة له بالربيع الذي ھو مادتھاثم الى الجوارح ، الصدروأما أنھا ذھبت ، فانھا أحرى أال تعود، سأل أن يكون ذھابھا بالقرآن، يضاد حيا ة القلب واستنارته

والمكروه الوارد . فانھا تعود بذھاب ذلك، بغير القرآن من صحةأو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولدوان كان من ، وان كان من مستقبل أحدث الھم، ن كان من أمر ماض أحدث الحزنعلى القلب ا

.وهللا أعلم، أمر حاضر أحدث الغم

فائدة] ١٣[ أنزه الموجودات وأشرفھا عرش الرحمن جل جالله

أنزه الموجودات وأظھرھا وأنورھا وأشرفھا وأعالھا ذاتا وقدرا وأوسعھا عرش الرحمن جل

وكل ما كان أقرب الى العرش كان أنور وأنزه وأشرف مما . ح الستوائه عليهولذلك صل. جاللهولھذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنان وأشرفھا وانورھا وأجلھا لقربھا من عرش . بعد عنه

ولھذا كان أسفل سافلين شر األمكنة . وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق، الرحمن الذي ھو سقفھا .كل خير وأضيقھا وأبعدھا من

فھي عرش المثل األعلى الذي ھو ، وخلق هللا القلوب وجعلھا محال لمعرفته ومحبته وارادته

للذين ال يؤمنون باآلخرة مثل السوء و المثل األعلى { :قال هللا تعالى. معرفته ومحبته وارادتهه وھو أھون عليه وله وھو الذي يبدأ الخلق ثم يعيد{ "وقال تعالى، ٦٠النحل} وھو العزيز الحكيم

ليس كمثله { :وقال تعالى، ٢٧الروم } المثل األعلى في السموات واألرض وھو العزيز الحكيمفھذا من المثل األعلى وھو مستو على قلب المؤمن فو عرشه وان لم يكن . ١١الشورى } شيء

لى عليه معرفة أطھر األشياء وأنزھھا وأطيبھا وأبعدھا من كل دنس لم يصلح الستواء المثل األعفضاق ، فاستوى عليه مثل الدنيا األسفل ومحبتھا ومعرفتھا وارادتھا والتعلق بھا، ومحبة وارادة

قلب ھو عرش الرحمن ففيه النور : وأظلم وبعد من كماله وفالحه حتى تعود القلوب على قلبينق والظلمة والموت فھناك الضي، وقلب ھو عرش الرحمن، والحياة والفرح والبھجة وذخائر الخير

.مغموم في الحال، مھموم بما يستقبل، فھو حزين على ما مضى، والحزن والغم والھم انفسح ، اذا دخل النور القلب:" وقد روى الترمذي وغيره عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال

والتجافي عن دار ، االنابة الى دار الخلود:" قالوا فما عالمة ذلك يا رسول هللا؟ قال" وانشرحوالبغوي في شرح ، ٢٠\٨أخرجه ابن جرير في التفسير " واالستعداد للموت قبل نزوله، الغروروضعفه األلباني في السلسلة ، ١٥٦والبيھقي في األسماء والصفات ص، وأبو نعيم، ٧٢\٦السنة

.٩٦٥الضعيفة بقم واذا لم يكن فيه ، لذلك ينفسح وينشرحوالنور الذي يدخل القلب انما ھو من آثار المثل األعلى ف

.فحظه الظلمة والضيق، معرفة هللا ومحبته

فائدة] ١٤[ عظمته سبحانه وتعالى

ومصدرھا ، وله الحمد كله أزمة االمور كلھا بيده، تأمل خطاب القرآن تجد ملكا له الملك كله عالما بما في ، ية في أقطار مملكتهال تخفى عليه خاف، مستويا على سرير ملكه، ومردھا اليه، منه

Page 19: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

19

يمنع ، يسمع ويرى، منفردا بتدبير المملكة، مطلعا على أسرارھم وعال نيتھم، نفوس عبيده .ويقدر ويقضي ويدبر، ويميت ويحيي، يخلق ويرزق، ويكرم ويھين، ويثيب ويعاقب، ويعطي

وال تسقط ورقة ، ك ذرة اال باذنهوصاعدة اليه ال تتحر ، األمور نازلة من عندھا دقيقھا وجليلھا

ويدلھم ، وينصح عباده، ويحمد نفسه، ويمجد نفسه، فتأمل كيف تجده يثني على نفسه. اال بعلمهويتعرف اليھم بأسمائه ، ويحذرھم مما فيه ھالمھم، ويرغبھم فيه، على ما فيه سعادتھم وفالحھم

، ويأمرھم بما يستوجبون به تمامھا، مه عليھمفيذكرھم بنع، ويتحبب اليھم بنعمه وآالئه، وصفاتهوما أعد لھم من العقوبة ان ، ويحذرھم من نقمه ويذكرھم بما أعد لھم من الكرامة ان أطاعوه

ويثني على أوليائه ، وكيف كابت عاقبة ھؤالء، ويخبرھم بصنعه في أوليائه وأعدائه، عصوه، ويضرب األمثال. وقبيح صفاتھم، أعمالھمويذم أعدائه بسيء ، وأحسن أعمالھم، بصالح أعماله

ويكذب ، ويصدق الصادق، ويجيب عن شبه أعدائه أحسن األجوبة، وينوع األدلة والبراھينويذكر أوصافھا وصفاتھا وحسنھا ، ويدعو الى دار السالم، ويھدي السبيل، ويقول الحق، الكاذبويذكر عباده فقرھم اليه وشدة ، المھاويذكر عذابھا وقبحھا وآ، ويحذر من دار البوار، ونعيمھا

ويذكر غناه عنھم وعن جميع ، وأنھم ال غنى لھم عنه طرفة عين، حاجتھم اليه من كل وجهوأنه ال ينال أحد ، وكل ما سواه فقير اليه بنفسه، وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه، الموجودات

. ن الشر فما فوقھا اال بعدله وحكمتهوال ذرة م، ذرة من الخير فما فوقھا اال بفضله ورحمتهوأنه مع ذلك مقيل عثراتھم وغافر زالتھم ومقيم ، ويشھد من خطابه عتابه ألحبابه ألطف عباد

، والكفيل بمصالحھم، والناصر لھم، والمحامي عنھم، ومصلح فاسدھم والدافع عنھم، أعذارھمالذي ال ولي لھم سواه فھو موالھم وأنه وليھم ، والموفي لھم بوعده، والمنجي لھم من كل كرب

. فنعم المولى ونعم النصير، ونصيرھم على عدوھم، الحق وتنافس ، فاذا شھدت القلوب من القرآن ملكا عظيما رحيما جوادا جميال ھذا شأنه فكيف ال تحبه

آثر ورضاه، ويكون أحب اليھا من كل ما سواه، وتنفق أنفاسھا في التودد اليه، في القرب منهويصير الحب والشوق اليه واألنس به ، عندھا من رضا كل ما سواه؟ وكيف ال تلھج بذكره

.ولم تنتفع بحياتھا؟، بحيث ان فقدت ذلك فسدت وھلكت، غذاؤھا وقوتھا ودواؤھا

فائدة] ١٥[ ال بد من قبول المحل لما يوضع فيه أن يفرغ من ضده

وھذا كما أنه في الذوات واألعيان فكذلك . من ضده قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه

لم يبق فيه العتقاد الحق ، فاذا كان القلب ممتلئا بالباطل اعتقادا ومحبة. ھو واالعتقادات والراداتلم يتمكن صاحبه من النطق بما ،، كما أن اللسان اذا اشتغل بالتكلم بما ال ينفع، ومحبته موضع

وكذلك الجوارح اذا اشتغلت بغيرالطاعة لم يمكن . من النطق بالباطلاال اذا فرغ لسانه ، ينفعهوالشوق ، شغلھا بالطاعة اال اذا فرغھا من ضدھا فكذلك القلب المشغول بمحبة غير هللا وارادته

وال . ال يمكن شغله بمحبة هللا وارادته وحبه والشوق الى لقائه اال بتفريغه من تعلقه بغيره، اليهفاذا امتالء القلب . والجوارح بخدمته اال اذا فرغھا من ذكر غيره وخدمته، ذكرهحركة اللسان ب

لم يبق فيھا موضع للشغل با ومعرفة أسمائه وصفاته ، والعلوم التي ال تنفع، بالشغل بالمخلوق .وأحكامه

، اءلم يبق فيه اصغ، فاذا صغى الى غير حديث هللا، أن اصغاء القلب كاصغاء األذن: وسر ذلك

فاذا نطق القلب بغير . لم يبق فيه ميل الى محبته، كما اذا مال الى غير محبة هللا، وال فھم لحديثه .لم يبق فيه محل للنطق بذكره كاللسان، ذكره

Page 20: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

20

ألن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن :" ولھذا في الصحيح عن النبي أنه قال ، وأبو داود، ومسلم في الشعر ، )٦١٥٥( ٥٦٤\١٠األدب أخرجه البخاري في ". يمتلئ شعرا .وجميعا من حديث ابو ھريرة، والترمذي

فبين أ، الجوف يمتلئ بالشعر فكذلك يمتلئ بالشبه والشكوك والخياالت والتقديرات التي ال وجود ب بذلك واذا امتالء القل. والمفكھات والمضحكات والحكايات ونحوھا، والعلوم التي ال تنفع، لھا

فتعدته ، جاءته حقائق القرآن والعلم الذي به كماله وسعادته فلم تجد فيه فراغا لھا وال قبوالكما اذا بذلت النصيحة لقلب مآلن من ضدھا ال منفذ لھا فيه فانه ال ، وجاوزته الى محل سواه

:ولذلك قيل، لكن تمر مجتازة ال مستوطنة، وال تلج فيه، يقبلھا انا تلقنا فجنابنا حل لكل منزهنزه فؤادك عن سو

والصبر طلسم لكنز وصالنا من حل ذا الطلسم فاز بكنزه .وبا التوفيق

فائدة] ١٦[

الكالم قي ألھاكم التكائر{ :فقوله تعالى. ا موعظة لمن عقلھاوكفى بھ، أخلصت ھذه السورة للوعد والوعيد والتھديد

فان كان . أي شغلكم على وجه ال تعذرون فيه فان االلتھاء عن الشيء ھو االشتغال عنه} ألھاكم انھا :" وان كان بغير قصد كقوله صلى هللا عليه وسلم في الخميصة، بقصد فھو محل التكليفكان صاحبه . وأبوداود ٣٩١\١ومسلم، ٥٧٥\١البخاري في الصالة " ألھتني آنفا عن صالتي

أي ذھل " فلھا صلى هللا عليه وسلم عن الصبي" وفي الحديث . معذورا وھو نوع من النسيان ١٦٩٢\٣ومسلم في اآلداب ، ٦١٩١رقم ٥٩١\١٠البخاري كتاب األدب ، جزء من حديث، عنه . والبيھقي، ٢٩رقم ، واللھو للقلب واللعب للجوارح. هاذا انصرف عن: ولھا عنه. أي اشتغل به، لھا بالشيء: ويقال

فان العامل قد . أبلغ في الذم من شغلكم} ألھاكم التكاثر{ :ولھذا كان قوله. ولھذا يجمع بينھماوالتكاثر تفعل من الكثرة . فاللھو ھو ذھول واعراض. يستعمل جوارحه بما يعمل وقلبه غير اله به

رادة الطالقه وعمومه أن كل ما يكاثر اي مكاثرة بعضكم لبعض وأعرض عن ذكر المتكاثر به ا. به العبد غيره سوى طاعة هللا ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فھو داخل في ھذا التكاثر

وال سيما اذا لم يحتج ، فالتكاثر في كل شيء من جاه أو مال أو رئاسة أو نسوة أو حديث أو علموالتكاثر أن يطلب الرجل . وتفريعھا وتوليدھاوالتكاثر في الكتب والتصانيف وكثرة المسائل . اليه

فالتكاثر فيه منافسة للخيرات ، وھذا مذموم اال فيما يقرب الى هللا، أن يكون أكثر من غيره .ومسابقة اليھا

انتھى الى النبي صلى هللا عليه وسلم وھو : وفي صحيح مسلم من حديث عبدهللا بن الشخير أنه

وھل لك من مالك اال ما تصدقت به ، مالي مالي: يقول ابن آدم" :قال} ألھاكم التكاثر{يقرأ كما أخرجه ، ٣رقم٢٢٧٣\٤الزھد والرقائق . أو لبست فأبليت، أو أكلت فأفنيت، فأمضيت .والنسائي وأحمد، الترمذي

تنبيه] ١٧[

من لم ينتفع بعينه لم ينتفع بأذنه

.من لم ينتفع بعينه لم ينتفع بأذنه •ھتك ، فمن ھتك الستر الذي بينه وبين هللا ، وستر بينه وبين الناس، وبين هللا للعبد ستر بينه •

.الستر الذي بينه وبين الناس

Page 21: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

21

فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه ويعمر بيته قبل ، للعبد رب ھو مالقيه وبيت ھو ساكنه • .انتقاله اليه

والموت ، والدار اآلخرة ألن اضاعة الوقت تقطعك عن هللا، اضاعة الوقت أشد من الموت • .يقطعك عن الدنيا وأھلھا

.فكيف بغم العمر، الدنيا من أولھا الى آخرھا ال تساوي غم ساعة • .ومكروه اليوم يعقبه المحبوب غدا، محبوب اليوم يعقبه المكروه غدا • .أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما ھو أولى بھا وأنفع في معادھا • .ال من باع الجنة بما فيھا شھوة ساعةكيف يكون عاق • .وثناؤه على ربه، بكاؤه على نفسه: يخرج العرف من الدنيا ولم يقضي وطره من شيئين • .والرب تعالى اذا خفته أنست به وقربت اليه، المخلوق اذا خفته استوحشت منه وھربت منه •نفع العمل بال اخالص لما ذم لو نفع العلم بما عمل لما ذم هللا سبحانه أحبار أھل الكتاب ولو •

.المنافقين، فحاربھا. فان لم نفعل صارت شھوة، فدافع الفكرة. فان لم تفعل صارت فكرة، دافع الخطرة •

فان لم تتداركه بضده صار ، فان لم تدافعھا صارت فعال، فان لم تفعل صارت عزيمة وھمة .عادة فيصعب عليك االنتقال عنھا

:التقوى ثالث مراتب • .حمية القلب والجوارح عن اآلثام والمحرمات: ھااحدا .حميتھا عن المكروھات: الثانية .الحمية عن الفضول وما ال يعني: الثالثة

والثالثة تكسبه سروره وفرحه ، والثانية تفيد صحته وقوته، فاألولى تعطي العبد حياته

.وبھجته قغموض الحق حين تذب عنه يقلل ناصر الخصم المح

تضل عن الدقيق فھوم قوم فتقضي للمجل على المدق با أبلغ ما أسعى وأدركه ال بي وال بشفيع لي من الناس

اذا أيست وكاد اليأس يقطعني جاء الرجاء مسرعا من جانب اليأس ومن خلقه هللا للنار لم تزل ھداياھا تأتيه ، همن خلقه هللا للجنة لم تزل ھداياھا تأتيه من المكار •

.من الشھواتمن ٢٤-١٩اقرأ اآليات . لما طلب آدم الخلود في الجنة من جانب الشجرة عوقب بالخروج منھا

.سورة األعرافاقرأ . ولما طلب يوسف الخروج من السجن من جھة صاحب الرؤية لبث فيھا بضع سنين

.٤٢يوسف آية :مقدور يكرھه فله فيه ستة مشاھد اذا جرى على العبد •

.وما شاء هللا كان وما لم يشأ لم يكن، وأن هللا ھو الذي قدره وشاءه وخلقه، مشھد التوحيد: األول .عدل فيه قضاؤه، وأنه ماض فيه حكمه، مشھد العدل: الثاني

حشوه أي ورحمةه ، وأن رحمته في ھذا المقدور غالبه لغضبه وانتقامه،مشھد الرحمة: الثالث .ظاھره بالء وباطنه رحمة

.لم يقدره سدى وال قضاه عبثا، وأن حكمته سبحانه اقتضت ذلك، مشھد الحكمة: الرابع .وان له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوھه، مشھد الحمد: الخامسبحكم وأنه عبد محض من كل وجه تجري عليه أحكام سيده وأقضيته ، مشھد العبودية: السادس

فھو محل ، فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية، كونه ملكه وعبده .لجريان ھذه األحكام عليه

Page 22: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

22

ونفرة ، واضاعة الوقت، وخمول الذكر، وفساد القلب، وخفاء الحق، قلة التوفيق وفساد الرأي •

ومحق البركة في ، وة القلبوقس، ومنع اجابة الدعاء، والوحشة بين العبد وبين ربه، الخلقواالبتالء بقرناء ، وضيق الصدر، واھانة العدو، ولباس الذل، وحرمان العلم، الرزق والعمر

وكسف ، وضنك المعيشة، وطول الھم والغم، السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقتواالحراق عن ، ءكما يتولد الزرع عن الما، تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر هللا... البال . النار

.وأضداد ھذه تتولد عن الطاعة

فصل - ]١٨[ من معاني االنصاف له تعالى

، والعيوب في نفسه، وأآلفات في عمله، طوبى لمن أنصف ربه فأقر بالجھل في عامه

وان لم يؤاخذه بھا رأى ، فان آخذه بذنوبه رأى عدله. والظلم في معاملته، والتفريط في حقه .فضله

وان ردھا فلكون ، فان قبلھا فمنة وصدقة ثانية، وان عمل حسنة رآھا من منته وصدقته عليه

.كثلھاال يصلح أن يواجه به فيرى ، وذلك عدله فيه، وامساك عصمته عنه، وخذالنه له، وان عمل سيئة رآھا من تخليه عنه

.احسانه وجوده وكرمه فان غفرھا له فبمحض، وظلمه في نفسه، في ذلك فقره الى ربه ونكتة المسألة وسرھا أنه ال يرى ربه اال محسنا وال يرى نفسه اال مسيئا أو مفرطا أو

مقصرافيرى كل ما يسره من فضل ربه عليه واحسانه اليه وكل ما يسوؤه من ذنوبه وعدل هللا .فيه

ك المحب اذا أتت عليه األعوام وكذل. سقيا لسكانھا: المحبون اذا خربت منازل أحبائھم قالواتحت التراب ذكر حينئذ حسن طاعته له في الدنيا وتودده اليه وتجد رحمته وسقياه لمن كان

.ساكما في تلك األجسام البالية

فائدة] ١٩[ الغيرة نوعان

، فالغيرة على المحبوب حرصك عليه، غيرة على الشيء وغيرة من الشيء: الغيرة غيرتان

، فالغيرة على المحبوب ال تتم اال بالغيرة من المزاحم. المكروه أن يزاحمك عليه والغيرة منوأما من تحسن المشاركة ، وھذه تحمد حيث يكون المحبوب تقبح المشاركة في حبه كالمخلوق

في حبه كالرسول والعالم بل الحبيب القريب سبحانه وتعالى فال يتصور غيرة المزاحمة عليه .بل ھو حسد

أو يغار عليھا ، الغيرة المحمودة في حقه أن يغار المحب على محبته له أن يصرفھا الى غيرهو

أو ، أو يغار على أعماله أن يكون فيھا شيء لغير محبوبه، أن يطلع عليھا الغير فيفسدھا عليهه يغار عليھا أن يشوبھا ما يكره محبوبه من رياء أو اعجاب أو محبة الشراف غيره عليھا أو غيبت

.عن شھود منته عليھا فيھا

Page 23: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

23

وكذلكبغار على أوقاته أ، . فغيرته يقيضي أن تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلھا ، وبالجملة

فھذه الغيرة من جھة العبد وھي غيرة من المزاحم له ، يذھب منھا وقت في غير رضى محبوبه .المعوق القاطع له عن مرضاة محبوبه

بحيث ، يه فھي كراھية أن ينصرف قلبه عن محبته الى محبة غيرهوأما غيرة محبوبه عل

وألجل غيرته سبحانه حرم ، ولھذا كانت غيرة هللا أن يأتي العبد ما حرم عليه، يشاركه في حبهفھو يغار على امئه كما يغار السيد على ، الفاحشة ما ظھر منھا وما بطن؛ ألن الخلق عبيده واماؤه

بحيث تحملھم تلك المحبة ، ويغار على عبيده أن تكون محبتھم لغيره. ألعلىو المثل ا، جواريه .على عشق الصور ونيل الفاحشة منھا

.وقره هللا في قلوب الخلق أن يذلوه، من عشق وقار هللا في قلبه أن يعصيه* فاذا تمكنت وقويت أثمرت، نبتت فيه شجرة المحبة، اذا علقت شروش المعرفة في أرض القلب* .}تؤتي أكلھا كل حين باذن ربھا{ :فال تزال الشجرة، الطاعة*. ٤٢-٤١األحزاب } وسبحوه بكرة وأصيال. اذكروا االه ذكرا كثيرا{ :أول منازل القوم*. ٤٣األحزاب } ھو الذي يصلي عليكم ومالئكته ليخرجكم من الظلمات الى النور{وأوسطھا * .٤٤حزاب األ} تحيتھم يوم يلقونه سالم{ :وآخرھا*فان غرست شجرة االيمان والتقوى أورثت حالوة ، أرض الفطرة رحبة قابلة لما يغرس فيھا*

.وان غرست شجرة الجھل والھوى فكل الثمر مر ، األبدفما ، وال تشرد عنه من ھذه األربعة، ارجع الى هللا واطلبه من عينك وسمعك وقلبك ولسانك*

ماموفق يسمع ، وما شرد من شرد عنه بخذالنه اال منھا، رجع من رجع اليه بتوفيقه اال منھا .والمخذول يصدر ذلك عنه بنفسه وھواه، ويبصر ويتكلم ويبطش بمواله

ثم أثمرت فأكلت ، فصارت شجرة، كمثل نواة غرستھا، مثال تولد الطاعة ونموھا وتزايدھا*وكذلك تداعي .وغرست نواه، جنيت ثمره، فكلما أثمر منھا شيء، وغرست نواھا، ثمارھا

ومن عقوبة السيئة السيئة ، فمن ثواب الحسنة الحسنة بعدھا. فليتدبر اللبيب ھذا المثال، المعاصي .بعدھا

انما العجب ، ليس العجب من مملوك يتذلل ويتعبد له وال يمل خدمته مع حاجته وفقره اليه* .احسانه مع غناه عنهمن مالك يتحبب الى مملوكه بصنوف انعامه ويتودد اليه بأنواع

كفى بك عزا أنك له عبد وكفى بك فخرا أنه لك رب

فوائد قيمة] ٢٠[

اياك والمعاصي .}أسكن{وأخرجت قطاع } اسجدوا{اياك والمعاصي فانھا أذلت عز •طور الحزن في يا لھا من لحظة أثمرت حرارة القلق ألف سنة ما زال يكتب بدم الندم س •

.}فتاب عليه{ويرسلھا مع أنفاس األسف حتى جاءه توقيع ، القصصكم . وما علم أن ھبوط الغائص في اللجة خلف الدر صعود، فرح ابليس بنزول آدم من الجنة •

} اذھب فمن تبعك منھم{وقوله لك ، ٣٠البقرة }اني جاعل في األرض خليفة{: بين قوله آلدم .٦٣السراء

جزء من حديث أخرجه مسلم في .." لو لم تذنبوا"، ھو المراد من وجوده ما جرى على آدم •والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذھب هللا بكم ولجاء بقوم يذنبون . "٢٧٣٩رقم ٢١٠٦\٤التوبة

".ويستغفرون فيغفر لھم

Page 24: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

24

فلك ولصالح ، ٢٤األعراف } اھبطوا بعضكم لبعض عدو{: يا آدم ال تجزع من قوله لك • .ھاذريتك خلقت

واليوم تدخل علي دخول العبيد على ، يا آدم كنت تدخل علي دخول الملوك على الملوك • .الملوك

.٢١٦البقرة } ..وعسى أن تكرھوا{ :يا آدم ال تجزع من قولي لك •وليبعث الى العمال ، انما نحيتك عنه ألكمل عمارته لك، يا آدم لم اخرج اقطاعك الى غيرك •

.١٦السجدة }..تتجافى جنوبھم{ :نفقة لما { :وال خصيصت } ..وعلم آدم{ :وال شرف } اسجدوا{تا ما نفعه عند معصية عز •

وانما انتفع . ٢٩الحجر } ..لما نفخت فيه من روحي{ :وال فخر، ٧٥ص }..خلقت بيديلما لبس درع التوحيد على بدن الشكر وقع سھم ، ٢٣األعراف } ...ربنا ظلمنا أنفسنا{ :بذل

في غير مقتل فجرحه فوضع عليه جبار االنكسار فعاد كما كان فقام الجريح كأن لم العدو منه ).أي علة.(يكن به قلبة

)حديث شريف(سلمان منا آل البيت ] ٢١[

. سنده ضعيف: وسكت عنه الذھبي في تلخيصه ٥٩٨\٣أخرجه الحاكم في المستدرك

والبيھقي في دالئل . ٢٣٤\٥سنة والبغوي في شرح ال ٢٦١\٦والطبراني في المعجم الكبير لعمرك ما االنسان اال ابن دينه فال تترك التقوى اتكاال على النسب. النبوة

فقد رفع االسالم سلمان فارس وقد وضع الشرك الحسيب أبا لھب .قة بالقيودوأقدام المطرود موثو، نجائب النجاة مھيأة للمراد •

فلما ركدت الريح اذا ، قتقلب الوجود ونجم الخير، ھبت عواصف األقدار في بيداء األكوان .وسلمان علٮاحل السالمة، أبو طالب غريق في لجة الھالك

والنجاشي في أرض ، وصھيب قد قدم بقافلة الروم، والوليد بن المغيرة يقدم قومه في التيهوأبو جھل في رقدة ، الصالة خير من النوم: وبالل ينادي، لبيك اللھم لبيك: الحبشة يقول

.المخلفةلما قضى في القدم بسابقة سلمان عرض به دليل التوفيق عن طريق آبائه في التمجس

. فلما عاله بالحجة لم يكن له جواب اال القيد، فأقبل يناظر أباه في دين الشرك، )المجوسية(لئن اتخذت الھا {:وبه أجاب فرعون موسى، م عرفوهوھذا جواب يتداوله أھل الباطل من يو

وبه أجاب . االمام أحمد لما عرضوه على السياط: وبه أجاب الجھمية، ٢٩الشعراء } غيريفنزل به ضيف -وھا نحن على األثر–أھل البدع شيخ االسالم حين استودعوه السجن

، "سلمان منا أھل البيت" فنال باكرامه مرتبة. سورة البقرة ١٥٥جزء من اآلية } لنبلونكم{فركب رحالة العزم يرجو ، فسرق نفسه من أبيه والقطع، فسمع أن ركبا على نية السفر

فوقف نفسه على خدمة ، فغاص في بحر البحث ليقع بدرة الوجود، ادراك مطلب السعادةلى فلما أحس الرھبان بانقراض دولتھم سلموا اليه أعالم االعالم ع، األدالء وقوف األذالء

فرحل مع رفقة لم ، فاحذر أن تضل، ان زمانه قد أطل: نبوة نبينا صلى هللا عليه وسلم وقالوافلما ، فابتاعه يھودي بالمدينة، ٢٠يوسف } وشروه بثمن بخس دراھم معدودة{يرفقوا به

فبينا ھو يكابد ساعات . ولم يعلم رب المنزل بوجد النازل، رأى الحرة تولد حرا شوقهوكاد القلق يلقيه لوال أن الحزم ، وسلمان في رأس نخلة، البشير بقدوم البشير االنتظار قدم

فعجل ، ١٠القصص } ان كانت لتبدي به لوال أن ربطنا على قلبھا{:أمسكه كما جرى يوم :النزول لتلقي ركب البشارة ولسان حاله يقول

Page 25: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

25

لك الديار نسيمخليلي من نجد قفا بي على الربا فقد ھب من ت

فقال . مالك؟ انصرف الى شغلك: فصاح به سيده

كيف انصرافي ولي في داركم شغل

.ثم أخذ لسان حاله يترنم لو سمع األطروش

اذا علم من آل ليلى بداليا خليلي ال وهللا ما أنا منكما .فلما لقى الرسول عارض نسخة الرھبان بكتاب األصل فوافقه أبو طالب اذا سئل عن اسمه قال عبد ، يا محمد أنت تريد أبا طالب ونحن نريد سلمان

ن اسمه وسلمان اذا سئل ع. واذا ذكرت األموال عد االبل، واذا انتسب افتخر باآلباء، مناف، وعن حانوته قال المسجد، الفقر: وعن ماله قال، ابن االسالم: وعن نسبه قال، عبدهللا: قال

وعن ، وعن وساده قال السھر، التقوى والواضع: وعن لباسه قال، وعن كسبه قال الصبروعن سيره قال الى ، ٥٢األنعام } يريدون وجھه{ :وعن قصده قال" سلمان منا: "فخره قال

.امام الخلق وھادي األمة: ن دليله في الطريق قالوع، الجنة

اذا نحن أدجلنا وأنت امامنا كفى بالمنايا طيب ذكرك حاديا كفانا نور وجھك ھاديا، وان نحن أضللنا الطريق ولم نجد دليال

.أدخلنا= أدجلنا

.جرح وقع في مقتل ورب، الذنوب جراحات* .عادت الدولة له، لو خرج عقلك من سلطان ھواك*، اذا عرضت نظرة ال تحل فاعلم أنھا مسعر حرب.*دخلت دار الھوى مقامت بعمرك*

وكفى هللا {: فقد سلمت من األثر، ٣٠النور } ...قل للمؤمنين{: فاستتر منھا بحجابوأخوف المنافذ على السابح فتح ، رقبحر الھوى اذا مد أغ. ٢٥الحزاب } المؤمنين القتال .البصر في الماء

أعماله تؤنسه، ما أحد أكرم من مفرد في قبره منعما في القبر في روضة ليس كعبد قبره محبسه

على قدر فضل المرء تأتي خطوبه وتعرف عند الصبر فيما يصيبه فقد قل مما يرتجيه نصيبه ومن قل فيما يتقيه اصطباره

فالسوق قائمة والثمن ، اشتر نفسك، كم قطع زرع قبل التمام فما ظن الزرع المستحصد*: ولكن كن خفيف النوم فحراس البلد يصيحون، ال بد من سنة الغفلة ورقاد الھوى. موجود

.دنا الصباح ح البصير في ذلك النور فيتلم، فتلوح جادة الصواب، نور العقل يضيء في ليل الھوى* ماال "أخرج بالعزم من ھذا الفناء الضيق المحشو باآلفات الى ذلك الفناء الرحب الذي فيه *

.فھناك ال يتعذر مطلوب وال يفقد محبوب،"عين رأت

Page 26: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

26

اء، ووصله أذى، يا بائعا نفسه بھوى من حبه ضنى* ياء ، وحسنه الى فن د بعت أنفس األش لقبن ، لعة وال خسة الثمنكأنك لم تعرف قدر الس، بثمن بخس ك الغ حتى اذا قدمت يوم التغابن تبين ل

ة، هللا مشتريھا، ال اله اال هللا سلعة، في عقد التبايع ا الجن دالل الرسول، وثمنھ ا ، وال ترضى ببيعھ .بأذن يسير مما ال يساوي كله جناح بعوضة

ض عند من صرت عبدهاذا كان شيء ال يساوي جميعه جناح بعو

ويملك جزء منه كلك ما الذي يكون على ذي الحال قدرك عنده وبعت به نفسا قد استامھا بما لديه من الحسنى وقد زال وده

.عرض السلعة للبيع= السوم

ن أنت* زم أي ا مخنث الع ه آدم، ي ق تعب في ق طري اح، والطري وح ون ه ن ار ، ألجل ي الن ورمى ف

ثمن بخس، وأضجع للذبح اسماعيل، الخليل نين، وبيع يوسف ب ونشر ، ولبث في السجن بضع سوب، وذبح السيد الحصور يحيى، بالمنشار زكريا اء داود، وقاسى الضر أي دار بك ى المق ، وزاد عل

ل، وسار مع الوحش عيسى ه وس اللھو وعالج الفقر وأنواع األذى محمد صلى هللا علي ا أنت ب م تزھ .واللعب

ولكن دون ذلك أھوال، فيا دارھا بالحزن ان مزارھا قريب

.فان حركت ركابك فللھزيمة، الحرب قائمة وأنت أعزل في النظارة* في ) القيلولة(في طالب المجد لم يقل ) نصف النھار عند اشتداد النھار(من لم يباشر حر الھجير *

. ل الشرفظال

تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ولم تدر أني للمقام أطوف .فقال راحتھا أريد!! الى كم تتعب نفسك: قيل لبعض العباد

ال تنكر السلب؛ ، في مخالفة الخالق) يبليھما(يا مكرما بحلة االيمان بعد حلة العافية وھو يخلقھما *

.م فيما يكره أن يسلبھايستحق من استعمل نعمة المنع فمن عرف ، عرائس الموجودات قد تزينت للناظرين؛ ليبلوھم أيھم يؤثرھن على عرائس اآلخرة*

.قدر التفاوت آثر ما ينبغي ايثاره الي : وقالت لى، وحسان الكون لما أن بدت أقبلت نحوي

عندما أبصرت مقصودي لدي فتعاميت كأن لم أرھا .كواكب ھم العارفين في بروج عزائمھم سيارة ليس فيھا زحل* ى الطريق* م اذا نمت عل ادتھم كن فى أواخر الركب ون األمير يراعي ، يا من انحرف عن ج ف

).ساقة الجيش أي المؤخرة(الساقة م : قيل للحسن* رة) أي سود(سبقنا القوم على خيل دھ ى حمر معق ال ان ، )مجرحة( ونحن عل فق

.كنت على طريقھم فما أسرع اللحاق بھم

Page 27: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

27

فائدة] ٢٢[ المحب الصادق من وجد أنسه با بين الناس ووجده في الوحدة

ومن وجده بين الناس ووجده في . من فقد أنسه بين الناس ووجده في الوحدة فھو صادق ضعيف*

ومن وجده في الخلوة وفي . و ميت مطرودومن فقده بين الناس وفي الخلوة فھ. الخلوة فھو معلولومن . ومن كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده اال منھا. الناس فھو المحب الصادق القوي في حاله

زمن كان فتحه في وقوفه مع مراد هللا . كان فتحه بين الناس ونصحھم وارشادھم كان مزيده معھمفأشرف األحوال ان ال . ته ومع الناسوفي أي شيء استعمله كان مزيده في خلو، حيث أقامه

.فكن مع مراده منك وال تكن مع مرادك منه، تختار لنفسك حالة سوى ما يختاره لك ويقيمك فيه يكاد زيتھا يضيء ولو لم تمسسه {مصابيح القلوب الطاھرة في أصل الفطرة منيرة قبل الشرائع * .٣٥النور } نار

قس بن ساعدة أحد حكماء . ي وقد صلى معه بالمسجدوكفر ابن أب، وحد قس وما رأى الرسول*

".يحشر أمة وحدة:" سئل عن الرسول صلى هللا عليه وسلم فقال، العرب ومن خطبائھم .وكم من عصشان في اللجة، مع الصب ري وال ماء* الى امرأة، فجاء طفل منفرد عن أم، سبق العلم بنبوة موسى وايمان آسية فسيق تابوته الى بيتھا*

ولسان ، كم ذبح فرعون في طلب موسى من ولد. فلله كم من القصة من عبرة. خالية عن ولد .ال نربيه اال في حجرك: القدر يقول

فنازعته نفسه الى اتباع الرسول صلى هللا عليه ، فكفله عمه، كان ذو البجادين يتيما في الصغر

نفذ الصبر ، فلما تكاملت صحته، العمفاذا بقية المرض مانعة فقعد ينتظر ، فھم بالنھوض، وسلم :فناداه ضمير الوجد

الى كم حبسھا تشكو المضيقا أثرھا ربما وجدت طريقا

فقال وهللا لئن أسلمت ألنتزعن كل ما . فقال ياعم طال انتظاري السالمك وما أرى منك نشاطا

.ليه وسلم أحب الي من الدنيا وما فيھانظرة من محمد صلى هللا ع: فصاح لسان الشرق. أعطيتك

ليلى ووصلھا تريد أم الدنيا وما في طواياھا: ولو قيل للمجنون غبار من تراب نعالھا ألذ الى نفسي وأشفى لبلواھا: لقال

، فناولته األم بجادا، فلما تجرد للسير الى الرسول صلى هللا عليه وسلم جرده عمه من الثياب

فلما نادى صائح الجھاد قنع أن ، وارتدى اآلخر، اتزر بأحدھما، فقطعه لسفر الوصل نصفين :ألن المقصود بعينه، والمحب ال يرى طول الطريق، يكون في ساقه األحباب

أال أبلغ هللا الحمى من يريده وبلغ أكناف الحمى من يريدھا

اللھم اني أمسيت :" نحبه نزل الرسول صلى هللا عليه وسلم يمھد له لحده وجعل يقول فلما قضى

أخرجه ابن اسحاق . فصاح ابن مسعود يا ليتني كنت صاحب القبر" عنه راضيا فارض عنه ).٤٧٩٥(وابن حجر في االصابة رقم، ١٧١\٤

Page 28: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

28

.فلما نھض تفرزن، فيا مخنث العزم أقل ما في البرقعة البيذق* ، ھذا) انقاد(فقال لو ھملج ، يسقى عليه) فرس غير عربي ھجين(بعض الحكماء برذونا رأى *

.لركب .أقدام العزم بالسلوك اندفع من بين أيديھا سد القواطع* فاذا خضتھا انقلبت أعوانا لك توصلك الى ، القواطع محن بتبين بھا الصادق من الكاذب*

.المقصود

مثل الدنيا] ٢٣[

انما تخطب األزواج ليستحسنوا عليھا فال ترضى اال ، رأة بغي ال تثبت مع زوجالدنيا كام* .بالدياثة

ميزت بين جمالھا فعالھا فاذا المالحة بلقباحة ال تفي حلفت لنا اال تخون عھودنا فكأنھا حلفت لنا أال تفي

المفروح به ، والسباحة فيھا سباحة في غدير التمساح، أرض مسبعةالسير في طلبھا سير في

.وأحزانھا من أفراحھا، آالمھا متولدة من لذاتھا. منھا ھو عين المحزون عليه

فصارت في المشيب عذابا، مآرب كانت في الشباب في أھلھا عذابا .ن عين الھوى عمياءغير أ، وعين العقل ترى الشرك، طائر الطبع يرى الحبة*

وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا ووقع تابعوھا في بيداء ، فغض عنھا الذين يؤمنون بالغيب، تزخرفت الشھوات ألعين الطباع*

وھؤالء يقال ، ٥البقرة } أولئك على ھدى من ربھم وأولئك ھم المفلحون{ : ف، الحسرات .٤٦المرسالت } كلوا وتمتعوا قليال انكم مجرمون{ :لھم

ولما ، أماتوا فيھا الھوى طلبا لحياة األبد، لما عرف الموفقون قدر الحياة الدنيا وقلة المقام فيھافلما طالت عليھم ، استرجعوا بالجد ما انتھبه العدو منھم في زمن البطالة، استيقظوا من نوم الغفلة

ھذا {:حلى لھم تذكر ، وكلما أمرت لھم الحياة، فقرب عليھم البعيد، مقصدتلمحوا ال، الطريق .١٠٣األنبياء } يومكم الذي كنتم توعدون

والليل ملق رواقه على كل مغبر المطالع قاتم، وركب سروا

حدوا عزمات ضاعت األرض بينھا فصار سراھم في ظھور العزائم وھام النعائم، يل ما تبتغونه على عاتق الشعريتريھم نجوم الل

اذا اطردت في معرك الجد قصفوا رماح العطايا في صدور المكارم

.المقدمة والجانب: الرواق، الود واللطف: ملق

Page 29: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

29

فصل

وأن تعرف قدر . ابةثم تتأخر عن االج، وأن تسمع داعيه، من أعجب األشياء أ، تعرفه ثم ال تحبه*وأن تذوق عصرة . ثم تتعرض له، وأن تعرف قدر غضبه. ثم تعامل غيره، الربح في معاملته

ثم ال تشتاق الى انشراح الصدر بذكره ، القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنهواالنابة ، هوال تھرب منه الى نعيم االقبال علي، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره. ومناجاته

.اليه وفيما ، وأنت عنه معرض، وأنك أحوج شيء اليه، وأعجب من ھذا علمك أن ال بد لك منه*

.يبعدك عنه راغب

فائدة] ٢٤[

وأنه لو أطاعه وآثره لم ، سوء ظنه بربه: احداھما: ما أخذ العبد ما حرم عليه اال من جھتين •وأن من ترك شيئا أعاضه خيرا منه ، لكأن يكون عالما بذ: والثانية، يعطه خيرا منه حالل

والثاني ، فاألول من ضعف علمه. وھواه عقله، لكن تغلب شھوته صبره، )أعطاه خيرا منه( .من ضعف عقله وبصيرته

فال يكاد ، وقوي رجاؤه، وصدقت ضرورته وفاقته، من جمع هللا عليه قلبه: قال يحيى بن معاذ

.يرد دعاؤه )فصل(

، وتملك الشيطان قياد النفوس، وخداع األمل ألربابه، ون سطوة الدنيا بأھلھالما رأى المتيقظ •

كما يأوي العبد المذعور ، لجأوا الى حصن التضرع وااللتجاء، ورأوا الدولة للنفس األمارة .الى حرم سيده

فأما ذو العقل فيرى ما ، ونظر الجاھل مقصور على الظاھر، "لعب الخيال"شھوات الدنيا ك •

.الستروراء فطاروا بأجنحة ، فلما مدوا أيدي التناول بأن ألبصار البصائر خيط الفخ، الح لھم المشتھى •

، تلمح القوم الجود، ٢٦يونس } يا ليت قومي يعلمون{: وصوبوا الى الرحيل الثاني، الحذرفالناس مشتغلون ، فأجمعوا الرحيل وشمروا للسير في سواء السبيل، ففھموا المقصود

.وعصافير الھوى في وثاق الشبكة ينتظرون الذبح، وھم في قطع الفلوات ،بالفضالت .بعد يومين في الدباغة: أين الملتقى بعد ھذا؟ فقال: فقال أحدھم لآلخر، وقع ثعلبان في شبكة • .فاستيقظوا وقد حصلوا على الظفر، تا ما كانت األيام اال مناما • .والوقت ضائع بينھما، مانيوما بقي منھا أ، ما مضى من الدنيا أحالم •

Page 30: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

30

، وصاحب ال ينصحه، وجار ال يأمنه، وولد ال يعذره، كيف يسلم من له زوجة ال ترحمه •وھوى ، ودنيا متزينة، ونفس أمارة بالسوء، وعدو ال ينام عن معاداته، وشريك ال ينصفه

فان تواله هللا. وضعف مستول عليه، وشيطان مزين، وغضب قاھر، وشھوة غالبة له، مرد .وان تخلى عنه ووكله الى نفسه اجتمعت عليه فكانت الھلكة، وجذبه اليه انقھرت له ھذه كلھا

، واعتقدوا عدم االكتفاء بھما، لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة اليھما •

عرض لھم من ذلك فساد في ، وعدلوا الى اآلراء والقياس واالستحسان وأقوال الشيوخوعمتھم ھذه ھذه األمور . ومحق في عقولھم، وكدر في أفھامھم، وظلمة في قلوبھم، فطرھم

فجاءتھم دولة . فلم يروھا منكرا، وھرم عليھا الكبير، حتى ربي فيھا الصغير، وغلبت عليھموالضالل مقام ، والھوى مقام الرشد، والنفس مقام العقل، أخرى قامت فيھا البدع مكان السنن

والباطل مقام ، والرياء مقام االخالص، والجھل مقام العلم، ام المعروفوالمنكر مق، الھدىوالظلم مقام ، والمداھنة مقابل النصيحة، والكذب مقام الشرك، والباطل مقام الحق، االخالص

وأھلھا ھم المشار اليھم فاذا رأيت دولة ھذه ، فصارت الدولة والغلبة لھذه األمور. العدلفبطن األرض وهللا خير من ، وجيوشھا قد ركبت، ه قد نصبتورايات، األمور قد أقبلت

.ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس، وقلل الجبال خير مكن السھول، ظھرھا وذھبت ، وظھر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، اقشعرت األرض وأظلمت السماء

بكى ضوء النھار ، ن فسق الظلمةوتكدرت الحياة م، وھزلت الوحوش، وقلت الخيرات، البركاتوشكا الكرام الكاتبون والمعقبات الى ربھم من ، وظلمة الليل من األعمال الخبيثة واألفعال الفظيعة

ومؤذن ، وھذا وهللا منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه. كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائحوكأنكم . لسيل بتوبة ممكنة وبابھا مفتوحفاعزلوا عن الطريق ھذا ا. بليل بالء قد أدلھم ظالمه

} وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون{وبالرھن وقد غلق وبالجناح وقد علق ، بالباب وقد أغلق .٢٢٧الشعراء

وسيأتي على تلك ، والبضائع رخيصة، والثمن موجود، فان السوق قائمة، اشتر نفسك اليوم •

ويوم يعض ، { ٩التغابن } وذلك يوم التغابن..{ : كثيرالبضائع يوم ال تصل فيه الى قليل وال .٢٧الفرقان } الظالم على يديه

اذا أنت لم ترحل بزاد من التقى وأبصرت يوم الحشر من قد تزودا ندمت على أن ال تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا

.ء كالمسافر يمالء جرابه رمال يثقله وال ينفعهالعمل بغير اخالص وال اقتدا •كنت ، وتھاونت بأورادھا التي ھي قوته وحياته، اذا حملت على القلب ھموه الدنيا وأثقالھا •

.فما أسرع ما تقف به، كالمسافر الذي يحمل دابته فوق طاقتھا وال يوفيھا علفھا

وال اخفاق ومشتت العزمات ينفق عمره حيران ال ظفران ھل السائق العجالن يملك أمره فما كل سير اليعمالت وخيد رويدا بأخفاف المطى فانما تداس جباه تحتھا وخدود

.خد البعير اذا أسرعت في المشي: العذرة ، الناقة التي تعمل كثيرا: اليعمل

.برمن تلمح حالوة العافية ھانت عليه مرارة الص • .منتھى في منازل الوصول، مبدأ في نظر العقل، آخر في الوجود، الغاية أول في التقدير •

Page 31: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

31

.فلو علت بك ھمتك ربا المعالي الحت لك أنوار العزائم، ألفت عجز العادة • .انما تفاوت القوم بالھمم ال بالصور • وكذلك ، فناء البيتالعذرة ، داء يصيب االبل: الكساح. نزول ھمة الكساح داله في جب العذرة

.يقال للغائط .تلحق بالقوم، فاطو فصل منزل، نزلوا بين يديه ونزلت خلفه، بينك وبين الفائزين جبل الھرم •والناس في المضمار بين فارس وراجل ، وقد انعقد الغبار وخفى السابق، الدنيا مضمار سباق •

.وأصحاب حمر معقرة

أفرس تحتك أو حمار سوف ترى اذا انجلى الغبار .والحمية أوفق، في الطبع شره • .لص الحرص ال يمشي اال في ظالم الھوى • .فتفكر الذبح وقد ھان الصبر، حبة المشتھى تحت فخ التلف • .وشدة الحذر من فوت المأمول، قوة الطمع في بلوغ األمل توجب االجتھاد في الطلب • .البخيل فقير ال يؤجر على فقره • .وال الشرب من شرعة من ، الضر الصبر على عطش • .وال تأكل بثدييھا، تجوع الحرة • .فسؤال العبد غير سيده تشنيع عليه، ال تسأل سوى موالك • .غرس الخلوة يثمر األنس • .واستأنس بمن ال يفارقك، استوحش مما ال يدوم معك • .وأما عزلة العالم فمعھا حذاؤھا وسقاؤھا، عزلة الجاھل فساد • :واستحضر الفكر وجرت بينھم مناجاة، اليقين في بيت العزلةاذا اجتمع العقل و • أتاك حديث ال يمل سماعه شھى الينا نثره ونظامه

اذا ذكرته النفس زال عناؤھا وزال عن القلب المعنى ظالمه .ذمومونسل الخصام نسل م، فال تلحقھا بمثلھا تلقحھا، اذا خرجت من عدوك لفظة سفه • .فلو عرفتھا حق معرفتھا أعنت الخصم عليھا، حميتك لنفسك أثر الجھل بھا • .اذا اقتدحت نار االنتقام من نار الغضب ابتدأت بحراق القادح • .فانه كلب ان أفلت أتلف، أوثق غضبك بسلسلة الحلم • .دل على الدليل قبل الطلب، من سبقت له سابقة السعادة •ثم أقام ، ثم سقاه بماء الرغبة والرھبة، أرض قلبه بذر التوفيقاذا أراد القدر شخصا بذر في •

.فاذا الزرع قائم على سوقه، واستخدم له حارس العلم، عليه بأطوار المراقبةأشرقت أرض القلب بنور ، وردفه قمر العزيمة، اذا طلع نجم الھمة في ظالم ليل البطالة •

.ربھاوالكسل والتواني ، الشوق في مقدم عسكر اليقظةفالخوف و، اذا جن الليل تغالب النوم والسھر •

فما يطلع الفجر ، فاذا حمل العزم حمل على الميمنة فانھزمت جنود التفريط، في كتيبة الغفلة .اال وقد قسمت السھمان وبردت الغنيمة ألھلھا

.وحامالت الزاد في األخير، النجائب في األول، سفر الليل ال بطيقه اال مضمر المجاعة •

Page 32: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

32

فان فتح الباب ، وال تقطع االعتذار ولو ردت، أم الوقوف على الباب ولوطردتال تس •} وتصدق علينا{للمقبولين دونك فاھجم ھجوم الكذابين وادخل دخول الطفيلية وابسط كف

. ٨٨يوسف كيف توسع طريق الخطايا وتشكو ، )أي مفتاحھا(يا مستفتحا باب المعاش بغير اقليد التقوى •

.ضيق الزرع .قفت عند مراد التقوى لم يفتك مرادلو و •جزء من حديث ، "ان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" و، المعاصي سد في باب الكسب •

.عن ثوبان، ٢٧٧\٥وأحمد ، ٤٠٢٢رقم ١٣٣٤\٢أخرجه ابن ماجه

تا ما جئتكم زائرا اال وجدت األرض تطوي لي ن بابكم اال عثرت بأذياليوال انثنى عزمي ع

. وليس ما أعد لالستفراخ كمن ھيىء للسباق، األرواح ھي األشباح كاألطيار في األبراج •من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شغل •

.يشغله .فان الوليد يتبع األم ،كن من أبناء اآلخرة وال تكن من أبناء الدنيا • .فكيف تعدو خلفھا؟، الدنيا ال تساوي نقل أقدامك اليھا • :االجتماع بالخوان قسمان. واألوطار انما تطلب من األوطان، الدنيا مجاز واآلخرة وطن •وأقل ما فيه ، فھذا مضرته أرجح من منفعته، اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت: أحدھما

.ويضيع الوقتأنه يفسد القلب فھذا من أعظم ، االجتماع بھم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر: ثانيھما

:ولكن فيھا ثالث آفات، الغنيمة وأنفعھا .تزين بعضھم لبعض: األولىأن يصير ذلك شھوة وعادة ينقطع بھا عن : الثالثة. الكالم والخلطة أكثر من الحاجة: الثانية

.دالمقصو

والنتيجة ، فاالجتماع والخلطة لقاح امل للنفس األمارة واما للقلب والنفس المطمئنة، وبالجملة، وھكذا األرواح الطيبة لقاحھا من الملك، فمن طاب لقاحه طابت ثمرته، مستفادة من اللقاح

للطيبات والطيبين، وقد جعل هللا سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين، والخبيثة لقاحھا من الشيطان . من سورة النور ٢٦اقرأ اآلية . وعكس ذلك

)قاعدة] (٢٥[

األسباب المشھودة واألسباب الغائبة

بل ال يؤثر سبب البتة اال بانضمام سبب ، ليس في الوجود من الممكن سبب واحد مستقل بالتأثير وفي األسباب الغائبة و ، ھذا في األسباب المشھودة بالعيان. آخر اليه وانتفاء مانع يمنع تأثيره

من وجود ، األسباب المعنوية كتأثير الشمس في الحيوان والنبات فانه موقوف على أسباب أخروكذلك حصول الولد موقوف على عدة أسباب . اسباب أخر تنضم الى ذلك السبب، ،محل قابل

وقات فكل ما يخاف ويرجى من المخل، وكذلك جميع األسباب مع مسبباتھا، غير وطء الفحلفأعلى غاياته أن يكون جزء سبب غير مستقل بالتأثير وحده دون توقف تأثيره على غيره اال هللا

وھذا برھان قطعي على أن تعلق الرجاء . فال ينبغي أن يرجى وال يخاف غيره، الواحد القھارره ال فانه لو فرض أن ذلك سبب مستقل وحده بالتأثير لكانت سببيته من غي، والخوف بغيره باطل

Page 33: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

33

فانه ال حول وال قوة اال با فھو الذي بيده الحول كله والقوة ، فليس له من نفسه قوة يفعل بھا، منهفكيف . فالحول والقوة التي يرجى ألجلھما المخلوق ويخاف انما ھما وبيده في الحقيقة، كلھا

لحرمان ونزول بل خوف المخلوق ورجاؤھٮأحد أسباب ا، يخاف ويرجى من ال حول له وال قوةوعلى قدر رجائك ، فانه على قدر خوفك من غير هللا يسلط عليك، المكروھةبمن يرجوه ويخافه

فما شاء هللا ، وان ذھب عن أكثرھم علما وحاال، وھذا حال الخلق أجمعه، لغيره يكون الحرمان .كان وال بد وما لم يشأ لم يكن ولواتفقت عليه الخليقة

ه وأوليائهالتوحيد مفزع أعدائ] ٢٦[

فاذا ركبوا في {: فأما أعدائه فينجيھم من كرب الدنيا وشدائدھا: التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه

وأما . ٦٥العنكبوت } الفلك دعوا هللا مخلصين له الدين فلما نجاھم الى البر اذا ھم يشركونفنجاه هللا من تلك ، ونسولذلك فزع اليه ي. أولياؤه فينجيھم من كربات الدنيا واآلخرة وشدائدھا

وفزع اليه أتباع الرسل فنجوا به مما عذب به المشركون . ٨٨-٨٧اقرأ األنبياء آية رقم ، الظلمات لم ، عند معاينة الھالك وادراك الغرق، ولما فزع اليه فرعون. في الدنيا وما أعد لھم في اآلخرة

ھذه سنة هللا في . ن عند المعاينة ال يقبلألن االيما، من سورة يونس ٩٢- ٩٠اقرأ اآلية رقم ، ينفعه * بالتوحيد ودعوة ذي النون* ولذلك كان دعاء الكرب. مما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد. عباده

فال يلقى في الكرب العظام اال الشرك وال . التي ما دعا بھا مكروب اال فرج هللا كربه بالتوحيد .وبا التوفيق. يقة وملجؤھا وحصنھا وغياثھافھو مفزع الخل، ينجي منھا اال التوحيد

. ومسلم والترمذي وأحمد، ٦٣٤٥برقم ١٤٩\١١دعاء الكرب أخرجه البخاري في الدعوات *

ال اله اال هللا العظيم : " كان النبي صلى هللا عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: عن ابن عباس قال ".ورب العرش العظيمال اله اال هللا رب السموات واألرض ، الحليم

ال اله اال أنت سبحانك اني {وھو سيدنا يونس عليه السالم والدعاء المقصود ھو قوله تعالى *

شھدت رسول هللا صلى : وقد صح في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال} ، كنت من الظالمينكلمة أخي يونس عليه اني ألعلم كلمة ال يقولھا مكروب اال فرج هللا عنه:" هللا عليه وسلم يقول

.}أن ال اله اال أنت سبحانك اني كنت من الظالمين{:السالم فنادى في الظلمات

)فائدة] (٢٧[ اللذة تابعة للمحبة

فكلما كانت الرغبة في المحبوب والشوق اليه ، تقوى بقوتھا وتضعف بضعفھا، اللذة تابعة للمحبة

فكلما كان العلم به أتم ، بة والشوق تابع لمعرفته والعلم بهأقوى كانت اللذة بالوصول اليه أتم والمحفمن كان يؤمن ، فاذا رجع كمال النعيم في اآلخرة وكمال اللذة الى العلم والحب، كلنت محبته أكمل

وكانت لذته بالوصول اليه ومجاورته والنظر ، كان له أحب، با وأسمائه وصفاته ودينه أعرف، وكل لذة ونعيم وسرور وبھجة باالضافة الى ذلك كقطرة في بحر. الى وجھه وسماع كالمه أتم

! فكيف يؤثر من له عقل لذة ضعيفة قصيرة مشوبة باآلالم على لذة عظيمة دائمة أبد اآلباد؟، وأعلى الحب الحب له، وأفضل العلم العلم با، العلم والحب: وكمال العبد بحسب ھاتين القوتين

. المستعانوهللا. وأكمل اللذة بحسبھما

)قاعدة] (٢٨[ حبسان منجيان

Page 34: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

34

، حبس قلبه في طلبه ومطلوبه. طالب الھه والدار اآلخرة ال يستقيم له سيره وطلبه اال بحبسين وحبسه على ذكر هللا وما يزيد في ، زحبس لسانه عما ال يفيده. وحبسه عن االلتفات الى غيرة

، وحبسھا على الواجبات والمندوبات، لشھواتوحبس جوارحه عن المعاصي وا. ايمانه ومعرفتهومتى لم يصبر . فال يفارق الحبس حتى يلقى ربه فيخلصه من السجن الى أوسع فضاه وأطيبه

على ھذين الحبسين وفر منھما الى فضاء الشھوات أعقبه ذلك الحبس الفظيع عند خروجه من .وبا التوفيق. الى الحبسفكل خارج من الدنيا اما متخلص من الحبس واما ذاھب ، الدنيا

.فان المتقى ليست عليه وحشة، عليك بتقوى هللا: ودع ابن عون رجال فقال

.من اتقى هللا أحبه الناس وان كرھوا: كام يقال: وقال زيد بن أسلموان اتقيت الناس لن يغنوا عنك من هللا ، ان اتقيت هللا كفاك الناس: وقال الثوري البن أبي ذئب

.شيئاوعلمنا مما علم الناس ومما لم ، أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوا: وقال سليمان بن داود

، والعدل في الغضب والرضا، فلم نجد شيئا أفضل من تقوى هللا في السر والعالنية، يعلموا .والقصد في الفقر والغنى

دونى اال قطعت أسباب ما من مخلوق اعتصم بمخلوق : " وفي الزھد لالمام أحمد أثر الھي. وان استغفرني لم أغفر له، وان دعاني لم أجبه، فان سألني لم أعطه، السموات واألرض دونه

فان سألني ، وما من مخلوق اعتصم بي دون خلقي اال ضمنت له السموات واألرض رزقهلكبير ذكره السيوطي في مسانيد الجامع ا" وان استغفرني غفرت له، وان دعاني أجبته، أعطيته

١٢٣\٢.

)فائدة جليلة] (٢٩[

ألن تقوى هللا تصلح ما بين العبد ، جمع النبي صلى هللا عليه وسلم بين تقوى هللا وحسن الخلق وحسن الخلق ، قتقوى هللا توجب له محبة هللا. وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، وبين ربه

.يدعو الناس الى محبته

)فائدة جليلة] (٣٠[ :اعظ وحكممو فيسقط ، وخطوة عن الخلق، خطوة عن نفسه: بين العبد وبين هللا والجنة قنطرة تقطع بخطوتين

فال يلتفت اال الى من ، ويسقط الناس ويلغيھم فيما بينه وبين هللا، نفسه ويلغيھا فيما بينه وبين الناس} ب للناس حسابھماقتر{ :صاح بالصحابة واعظ. دله على هللا وعلى الطريق الموصلة اليه

.١٧الرعد } فسالت أودية بقدرھا{فجرت من الحذر العيون ، فجزعت للخوف قلوبھم، ١األنبياء وكانت تكفيه واحدة ". أنت طالق ثالثا ال رجعة لي فيك: "تزينت الدنيا لعلي رضي هللا عنه فقال

يح وطبعه السليم يأنفان ودينه الصح. لكنه جمع الثالث لئال يتصور للھوى جواز المراجعة، للسنة، ١٠٧,١٢١، ٨٧\١أحمد في المسند " لعن هللا المحلل"كيف وھو أحد رواة حديش ، من المحللال بد . ما في ھذه الدار موضع خلوة فاتخذه في نفسك. والبيھقي، الترمذي، وأبو يعلى، والنسائي

خلوت منھا وأنت وال تضرك الشواغل اذا ، أن تجذبك الجواذب فاعرفھا وكن منھا على حذر .فيھا

.فيحق لخفافيش البصائر أن تعشو عنه، نور الحق أضوأ من نور الشمس

Page 35: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

35

وھو معمور بأھل اليقين ، الطريق الى هللا خال من أھل الشك ومن الذين يتبعون الشھوات

ا وجعلنا منھم أئمة يھدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتن{ وھو على الطريق كاألعالم ، والصبر .٢٤السجدة } يوقنون

)قاعدة] (٣١[

تأثير شھادة أن ال اله اال هللا عند الموت في تكفير السيئات

ألنھا شھادة من ، لشھادة أن ال اله اال هللا عند الموت تأثير عظيم في تكفير السيئات واحباطھا نقادت بعد وا، قد ماتت منه الشھوات والنت نفسه المتمردة، عبد موقن بھا عارف بمضمونھا

وخرج منھا حرصھا على الدنيا ، ابائھا واستعصائھا وأقبلت بعد اعراضھا وذلت بعد عزھاواستخذت بين يدي ربھا فاطرھا وموالھا الحق أذل ما كانت له وأرجى ما كانت لعفوه ، وفضولھا

ك فزالت منھا تل، وتجرد منھا التوحيد بانقطاع أسباب الشرك وتحقق بطالنه، ومغفرته ورحمتهفوجه ، واجتمع ھمھا على من أيقنت بالقدوم عليه والمصير اليه، المنازعات الي كانت مشغولة بھا

واستوى ، فاستسلم وحده ظاھرا وباطنا. وأقبل بقلبه وروحه وھمه عليه، العبد وجھه بكليته اليهره وااللتفات وقد تخلص قلبه من التعلق بغي. مخلصا من قلبه" ال اله اال هللا: "سره وعالنيته فقال

وشارف القدوم على ، قد خرجت الدنيا كلھا من قلبه. قد خرجت الدنيا كلھا من قلبه. الى ما سواهوصارت الدنيا ، فصارت نصب عينيه، وامتالء قلبه من اآلخرة، وخمدت نيران شھوته، ربه

، ى ربهوأدخلته عل، فطھرته من ذنوبه، فكانت تلك الشھادة الخالصة خاتمة عمله، وراء ظھرهفلو حصلت له ، وافق ظاھرھا باطنھا وسرھا عال نيتھا، ألنه لقي ربه بشھادة صادقة خالصة

وأنس ، وفر الى هللا من الناس، الشھادة على ھذا الوجه في أيام الصحة الستوحش من الدنيا وأھلھاوءة ونفس ممل، لكنه شھد بھا بقلب مشحون بالشھوات وحب الحياة وأسبابھا، به دون ما سواه

فلوتجردت كتجردھا عند الموت لكان لھا نبأ آخر وعيش . بطلب الحظوظ وااللتفات الى غير هللا .آخر سوى عيشھا البھيمي وهللا المستعان

وقلبه بين اصبعين من أصابعه يقلبه كيف "، ماذا يملك من أمره من ناصيته بيد هللا ونفسه بيده

عن عبدهللا بن عمرو بن ٢٦٥٤قدر برقم جزء من حديث صحيح أخرجه مسلم في ال" يشاءان قلوب بني آدم كلھا بين اصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه : " ونصه، العاص

وحياته بيده وموته بيده وسعادته بيده وشقاوته بيده وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله ". حيث يشاء .بمشيئتهواليفعل اال ، فال يتحرك اال باذنه. باذنه ومشيئته

وكله ، وان وكله الى غيره. وتفريط وذنب وخطيئة، ان وكله الى نفسه وكله الى عجز وضيعة

وان تخلى عنه استولى عليه عدوه . الى من ال يملك له ضرا وال نفعا وال موتا وال حياة وال نشورافاس في كل بل ھو مضطر اليه على مدى األن، فھو ال غنى له عنه طرفة عين. وجعله أسيرا له

يتبغض ، ومع ذلك فھو مختلف عنه معرض عنه. فاقته تامة اليه، ذرة من ذراته ظاھرا وباطنا، واتخذه وراءه ظھريا، قد صار لذكره نسيا، مع شدة الضرورة اليه من كل وجه، اليه بمعصيته

.ھذا واليه مرجعه وبين يديه موقفه . فان الرزق واألجل قرينان مضمزنان، لك فرغ خاطرك للھم بما أمرت به وال تشغله بما ضمن

فتح لك برحمته ، كان الرزق آتيا واذا سد عليك بحكمته طريقا من طرقه، فما دام األجل باقيامن طريق واحدة وھو السرة ، وھو الدم، فتأمل حال الجنين يأتيه غذاؤه. طريقا أنفع لك منه

فتح له طريقين اثنين وأجرى ، ك الطريقوانقطعت تل، فلما خرج من بطن األم، )الحبل السري(فاذا تمت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان . لبنا خالطا سائغا، له فيھما رزقا أطيب وألذ من األول

Page 36: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

36

والشرابان ، فالطعامان من الحيوان والنبات، طعامان وشرابان: بالفطام فتح طرقا أربع أكمل منھافاذا مات انقطعت عنه ھذه الطرق . افع والمالذمن المياه واأللبان وما يضاف اليھما من المن

وھي أبواب الجنة الثمانية يدخل من ، طرقا ثمانية -ان كان سعيدا–لكنه سبحانه فتح له . األربعة .أيھا يشاء

وليس . فھكذا الرب سبحانه ال يمنع عبده المؤمن شيئا من الدنيا اال ويؤتيه أفضل منه وأنفع له

وال يرضى له به ليعطيه الحظ األعلى ، يمنعه الحظ األدنى الخسيسفانه . ذلك لغير المؤمن .النفيس

ال يعرف التفاوت بين ما منع منه ، وجھله بكرم ربه وحكمته ولطفه، والعبد لجھله بمصالح نفسه

. وبقلة الرغبة في اآلجل وان كان عليا، بل ھو مولع بحب العاجل وان كان دنيئا. وبين ما ادخر لهلعلم أن فضله عليه فيما منعه من الدنيا ولذاتھا ونعيمھا ، وأنى له بذلك، العبد ربهولو أنصف

وال امتحنه ، وال ابتاله اال ليعافيه، فما منعه اال ليعطيه، وأعظم من فضله عليه فيما آتاه من ذلكيه وليسلك وال أخرجه الى ھذه الدار اال ليتأھب منھا للقدوم عل، وال أماته اال ليحييه، اال ليصافيه

الفرقان } جعل الليل والنھار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا{ ف . الطريق الموصلة اليه .وهللا المستعان، ٩٩االسراء } فأبى الظالمون اال كفورا{ و ، ٦٢

.ومن عرف ربھاشتغل به عن ھوى نفسه، من عرف نفسه اشتغل باصالحھا عن عيوب الناس* فال ترى فيه نفسك وال ، وعن نفسك بشھود المنة، غيب فيه عن الناس بالخالصأنفع العمل أن ت

.ترى الخلق :دخل الناس النار من ثالث أبواب* . وباب شھوة أورثت تقديم الھوى على طاعته ومرضاته. باب شبھة أورثت شكا في دين هللا

.وباب غضب أورث العدوان على خلقه وھو الذي : والحرص. وھو الذي أصار ابليس الى ما أصاره: كبرال: أصول الخطايا كلھا ثالث*

.وھو الذي جرأ أحد ابني آدم على أخيه: والحسد. أخرج آدم من الجنة والبغي ، والمعاصي من الحرص، فالكفر من الكبر. فمن وقي شر ھذه الثالثة فقد وقى الشر

.والظلم من الحسد آله لشيء اذا استعمل فيه فھو ، ظاھرة وباطنة، ن آدمجعل هللا بحكمته كل جزء من أجزاء اب*

. والفرج للنكاح. واللسان للنطق. واألنف آلة للشم. واألذن آلة للسماع. فالعين آلة للنظر. كمالهوالعقل آلة للتفكر . والروح للمحبة. والقلب للتوحيد والمعرفة. والرجل للمشي. واليد للبطش

.الدنيوية وايثار ما ينبغي ايثاره واھمال ما ينبغي اھمالهوالتدبر لعواقب األمور الدينية و .بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس، أخسر الناس صفقة من اشتغل عن هللا بنفسه* : تقول، اذا أصبح ابن آدم فان األعضاء كلھا تكفر اللسان"في السنن من حديث أبي سعيد يرفعه *

حديث حسن أخرجه " وان اعوججت اعوججنا، ت استقمنافان استقم، فانما نحن بك، اتق هللا

Page 37: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

37

والبيھقي ، وأبو نعيم، وابن السني، وأحمد وابن المبارك، ٢٤٠٧رقم ٥٢٣\٤الترمذي في الزھد .والسيوطي

ان الصحابة لما دخلوا على النجاشي : وفي الحديث، معناه تخضع له: قيل، "تكفر اللسان:" قوله

، ٢٩٠\٥، ٢٠٢\١ابة على النجاشي أخرجه أحمد في المسند حديث دخول الصح، لم يكفروا لهولذلك قال له . أي لم يسجدوا له ويخضعوا. وابن ھشام في السيرة، عن أم سلمة باسناد صحيح

.أيھا الملك انھم ال يكفرون لك: عمرو بن العاص انما نحن :"لھاوقو. وانما خضعت للسان ألنه بريد القلب وترجمانه والواسطة بينه وبين األعضاء

".فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا:" ولھذا قالت ، أي نجاتنا بك وھالكنا بك، "بك

فاتقوا هللا وأجملوا الطلب] ٣٢[

أخرجه ابن ماجه " فاتقوا هللا وأجملوا في الطلب:" جمع النبي صلى هللا عليه وسلم في قوله •ونعيمھا ولذاتھا انما ينال بتقوى ، ا واآلخرةبين مصالح الدني). ٢١٤٤( ٧٢٥\٢في الكفارات

وترك االھتمام والحرص الشديد والتعب والعناد والكد والشقاء في ، وراحة القلب والبدن. هللاومن ، فمن اتقى هللا فاز بلذة اآلخرة ونعيمھا، انما ينال باالجمال في الطلب، طلب الدنيا

.فا المستعان، أجمل في الطلب استراح من نكد الدنيا وھمومھا

قد نادت الدنيا على نفسھا لو كان في ذا الخلق من يسمع كم واثق بالعيش أھلكته وجامع فرقت ما يجمع

)فائدة(

، خرةفان المأثم يوجب خسارة اآل، جمع النبي صلى هللا عليه وسلم في تعوذه بين المأثم والمغرم .والمغرم يوجب خسارة الدنيا

)فائدة] (٣٣[

، علق سبحانه الھداية بالجھاد. ٦٩العنكبوت } والذين جاھدوا فينا لنھدينھم سبلنا{: قال هللا تعالى

، وجھاد الشيطان، وجھاد الھوى، وأفرض الجھاد جھاد النفس، فأكمل الناس ھداية أعظمھم جھاداومن ترك ، ربعة في هللا ھداه هللا سبل رضاه الموصلة الى جنتهوجھاد الدنيا فمن جاھد ھذه األ

.الجھاد فاته من الھدى بحسب ما عطل من الجھادوال يتمكن من جھاد ، والذين جاھدوا أھواءھم فينا بالتوبة لنھدينھم سبل االخالص: قال الجنيد

ومن ، على عدوهفمن نصر عليھا نصر ، عدوه في الظاھر اال من جاھد ھذه األعداء باطنا .نصرت عليه نصر عليه عدوه

العداوة بين الخير والشر] ٣٤[

والعداوة بين ، والعداوة بين العقل وبين الھوى، ألقى هللا سبحانه العداوة بين الشيطان وبين الملك

، وأمد كل حزب بجنود وأعوان، وابتلى العبد بذلك وجمع له بين ھؤالء. النفس األمارة وبين القلبويكون اآلخر ، الى أن يستولي أحدھما على اآلخر، تزال الحرب سجاال ودوال بين الفريقينفال

فاذا كانت النوبة للقلب والعقل والملك فھناك السرور والنعيم واللذة والبھجة والفرح . مقھورا معه .قرة العين وطيب الحياة وانشراح الصدر والفوز بالغنائم

Page 38: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

38

لھوى والشيطان فھنالك الغموم والھموم واألحزان وأنواع المكاره واذا كانت النوبة للنفس وا

فما ظنك بملك استولى عليه عدوه فأنزله عن سرير ملكه وأسره . وضيق الصدر ةحبس الملكومع ھذا فال يتحرك الملك لطلب ، وحبسه وحال بينه وبين خزائنه وذخائره وخدمه وصيرھا له

وغالب ، وفوق ھذا الملك ملك قاھر ال يقھر. تنجد بمن ينجدهوال يس، وال يستغيث بمن يغيثه، ثأرهوان ، وان استغثت بي أغثتك، ان استنصرتني نصرتك: فأرسل اليه، وعزيز ال يذل، ال يغلب

.وان ھربت الي وأويت الي سلطتك على عدوك جعلته تحت أسرك، التجأت الي أخذت بثأرك ومنعني ، واستوثق مني بالقيود، قي وأحكم رباطيقد شد عدوي وثا: فان قال ھذا الملك المأسور

، فان أرسلت جندا من عندك يحل وثاقي، والمسير الى بابك، والفرار اليك، من النھوض اليكوال ، واال لم يمكنني مفارقة محبسي، أمكنني أن أوافي بابك، ويخرجني من حبسه، ويفك قيودي .كسر قيودي

خاله ، ورضا بما ھو فيه عند عدوه، ودفعا لرسالته، طانفان قال ذلك احتجاجا على ذلك السل

وأنه ، واظھارا لعجزه وذله، وان قال ذلك افتقارا اليه. السلطان األعظم وحاله وواله ما تولى، ويتخلص منه بحوله وقوته، ويخرج من حبس عدوه، أضعف وأعجز من أن يسير اليه بنفسه

أن يمده من جنده ومماليكه بمن يعينه ، ھذه الرسالة كما أرسل اليه، وأن من تمام نعمة ذلك عليه .ويفك قيوده، ويكسر باب محبسه، على الخالص

وأن ، وال منعه حقا ھو له، فلم يظلمه، وان تخلى عنه، فان فعل به ذلك فقد أتم انعامه عليه

ھذا وأن ، وال سيما اذا علم أن الحبس حبيه، رحمته وحكمته اقتضى منعه وتخليته في محبسهناصيته بيده ال يتصرف اال باذنه ، وعبد من عبيده، العدو الذي حبسه مملوك من مماليكه

وال بيده نفع وال ، وال معتقد أن له شيئا من األمر، وال خائف منه، فھو غير ملتفت اليه، ومشيئته ،وقد أفرده بالخوف والرجاء، ومتولى أمره ومن ناصيته بيده، بل ھو ناظر الى مالكه، ضر

.فھناك تأتيه جيوش النصر والظفر، والرغبة والرھبة، والتضرع اليه وااللتجاء وعلم ، والفھم عن هللا ورسوله نفس المراد، طلب علم الكتاب والسنة، أعلى الھمم في طلب العلم

وال ، وما لم ينزل، قصر ھمته على تتبع شواذ المسائل، وأخس ھموه طالب العلم. حدود المنزلوليس له ھمة الى معرفة الصحيح ، وتتبع أقوال الناس، أو كانت ھمته معرفة االختالف، ھو واقع

.وقل أن ينتفع واحد من ھؤالء بعلمه. من تلك األقوال وأعلى الھمم في باب االرادة أن تكون الھمة متعلقة بمحبة هللا والوقوف مع مراده الديني

فھو انما يعبد لمراده منه ال ، راد صاحبھا من هللاوأسفلھا أن تكون الھمة واقفة مع م. األمري .يريد من هللا وھو فارغ عن ارادته: والثاني، فاألول يريد هللا ويريد مراده، لمراد هللا منه

، علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون اليھا الناس بأقوالھم ويدعونھم الى النار بأفعالھم

فلو كان ما دعوا اليه حقا كانوا . ال تسمعوا منھم:قالت أفعالھم: واھلم: فكلما قالت أقوالھم للناساذا كان هللا وحده حظك . فھم في الصورة أدالء وفي الحقيقة قطاع طرق، أول المستجيبين له

، واذا كان حظك ما تنال منه، أي أنواعه تبدأ به، ومرادك فالفضل كله تابع لك يزدلف اليكحصل لك الفضل بطريق ، فاذا حصل لك، فعل من أفعاله، ه تابع لهفالفضل موقوف عنك ألنه بيد

فان كنت قد ، لم يحصل هللا بطريق الضمن والتبع، واذا كان الفضل مقصودك، الضمن والتبع .حرمك اياه عقوبة لك ففاتك هللا وفاتك الفضل، ثم سقطت الى طلب الفضل، وأنست به، عرفته

Page 39: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

39

لم وانتصارهصبر الرسول صلى هللا عليه وس] ٣٥[

فبعثت أيدي ، لما خرج رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من حصر العدو دخل في حصر النصر

:فصار الخلق معه ثالثة أقسام، فطار ذكره في اآلفاق، سراياه بالنصر في األطراف فاصبر كما صبر أولوا العزم من { :ألقى الصبر في مزرعة. وخائف منه، ومسالم له، مؤمن به .١٩٤البقرة } والحرمات قصاص{: فاذا أغصان النبات تھتز بخزامى، ٣٥األحقاف } رسلال حوله المھاجرون واألنصار ال يبين منھم اال ، فدخل مكة دخوال ما دخله أحدا قبله وال بعده

.الحدق وقد أباح له، وجبريل يتردد بينه وبين ربه، والمالئكة فوق رؤوسھم، والصحابة على مراتبھم

واذ يمكر بك الذين كفروا { :فلما قايس بين ھذا اليوم وبين يوم، حرمه الذي لم يحله ألحد سواهدخل وذقنه تمس قربوس سرجه . فأخرجوه ثاني اثنين، ٣٠األنفال}ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك

ك خضوعا وذال لمن ألبسه ثوب ھذا العز الذي رفعت اليه فيه الخليقة رؤوسھا ومدت اليه الملو .فدخل مكة مؤيدا منصورا. أعناقھا

فنشر بزا طوى عن ، وعال بالل فوق الكعبة بعد أن كان يجر في الرمضاء على جمر الفتنة

فأقبلوا يؤمون ، فأجابته القبائل من كل ناحية، ورفع صوته باألذان". أحد أحد:" القوم من يوم قوله .يأتون آحادافدخلوا في دين هللا أفواجا وكانوا قبل ذلك ، الصوت

مدت الملوك أعناقھا ، وما نزل عنه قط، فلما جلس الرسول صلى اله عليه وسلم على منبر العز

ومنھم من ، ومنھم من سأله الموادعة والصلح، فمنھم من سلم اليه مفاتيح البالد. بالخضوع اليهلم يزد على جمع ولم يدر أنه، ومنھم من أخذ في الجمع والتأھب للحرب. أقر بالجزية والصغار

.الغنائم وسوق األساري اليه انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك {: فلما تكامل نصره وبلغ الرسالة وأدى األمانة ةوجاءه منشور

هللا ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويھديك صراطا مستقيما وينصرك هللا نصرا ا جاء نصر هللا والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين هللا اذ{ : وبعده توقيع. ٣- ١الفتح} عزيز

فاختار لقاء ربه ، جاءه رسول ربه يخيره بين المقام في الدنيا وبين لقائه. ١,٢النصر } أفواجا .فتزينت الجنان ليوم قدوم روحه الكريمة ال كزينة المدينة يوم قدوم الملك، شوقا اليه

فكيف بقدوم ، فرحا واستبشارا بقدوم روحه*ت بعض أتباعهاذا كان عرش الرحمن قد اھتز لمو

ستعلم يوم الحشر ، ويا واقفا بغير ھذا الباب، روح سيد الخالئق؟ فيا منتسبا الى غير ھذا الجنابالذي اھتز له عرش الرحمن ھو . * ٩الطارق }يوم تبلى السرائر{: أي سريرة تكون عليھا

اھتز عرش :" ي الحديث عن النبي صلى هللا عليه وسلمالصحابي الجليل سعد بن معاذ فقد جاء فومسلم في فضائل ، )٣٨٠٣( ١٥٤\٧البخاري في مناقب األنصار ". الرحمن لموت سعد بن معاذ

.وابن ماجه وأحمد، والترمذي) ١٢٤-١٢٣( ١٩١٥\٤الصحابة

يا مغرور باألماني] ٣٦[

Page 40: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

40

وأخرج آدم من الجنة بلقمة ، بھالعن ابليس وأھبط من منزل العز بترك سجدة واحدة أمر وأمر بقتل الزاني أشنع القتالت ، وحجب القاتل بعد أن رآھا عيانا بملء مف من آدم، تناولھا

وأبان ، وأمر بايساع الظھر سياطا بكلمة قذف أو بقطرة من مسكر، بايالج قدر األنملة فيما ال يحلفال تأمنه أن ، )ما مقداره ثالثة دراھمقطع يد السارق اذا سرق (عضوا من أعضائك بثالثة دراھم

.١٥الشمس } وال يخاف عقباھا{:يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيك ٤٠٩\٦أخرجه البخاري في بدء الخلق ، جزء من حديث صحيح" دخلت امرأة النار في ھرة" .وابن ماجه وأحمد من حديث أبو ھريرة، )٢٠( ٢١١٠\٤ومسلم في التوبة ، )٣٣١٨( ، "وان الرجل ليتكلم بالكلمة ال يلقي لھا باال يھوي بھا في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب"

ان العبد :" عن أبي ھريرة) ٦٤٧٧(رقم ٣١٤\١١معنى حديث أخرجه البخاري في الرقاق .٢٩٨٨ومسلم في الزھد ، "ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيھا يزل بھا في النار أبعد ما بين المشرق

في الوصية فيختم له ) ظلم(فاذا كان عند الموت جار، وان الرجل ليعمل بطاعة هللا ستين سنة"

من ، ٢١١٨والترمذي رقم ، ٢٨٦٨أخرجه أبو داود في الوصايا برقم ".بسوء عمله فيدخل النارن ان الرجل ليعمل والمرأة بطاعة هللا ستين سنة ثم يحضرھما الموت فيضارا: "حديث أبو ھريرة

".في الوصية فتجب لھما النار

*العمل بآخره والعمل بخاتمته] ٣٧[

ومن أفطر قبل غروب الشمس ذھب صيامه ، من أحدث قبل السالم بطل ما مضى من صالته .ومن أساء في آخر عمره لقي ربه بذلك الوجه، ضائعا

.ولكن يؤذيك الشره، لو قدمت لقمة وجدتھا

".سوف ولعل وعسى"فوقف بالباب فرده بواب كم جاء الثواب يسعى اليك وعقل ، وھوى مستيقظ، ومرض ال طبيب له وال عائد، وأمل زائد، كيف الفالح بين ايمان ناقص

مستأنسا ، مستوحشا من ربه، سابحا في لجة جھله، عھما في سكرته، ساھيا في غمرته، راقدوقلبه ، منه جزء يسير من ظاھره، وذكر هللا حبسه وموته، ذكر الناس فاكھته وقوته، بخلقه

.ويقينه لغيره ال كان من اسواك بقية يجد السبيل بھا اليه العذل

.٣٣٥\٥وأحمد في المسند ، ٦٦٠٧رقم ٥٠٧\١١جزء من حديث أخرجه البخاري في القدر

لماذا كان أول المخلوقات القلم وآخرھا آدم عليه السالم] ٣٨[

أخرجه أبو داود في السنة ، "أن أول ما خلق هللا القلم" ورد بلفظ، لمخلوقات القلمكان أول ا ، ليكتب المقادير قبل كونھا، وأحمد في المسند عن عبادة بن الصامت ٢١٥٦والترمذي ، ٤٧٠٠

.وجعل آدم آخر المخلوقات وفي ذلك حكم .تمھيد األرض قبل الساكن: األولى .ألجلھا ما سواه من السموات واألرض والشمس والقمر والبر والبحرأنه الغاية التي خلق : الثانية

Page 41: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

41

.أنه أحذق الصناع يختم عمله بأحسنه وغايته كما يبدؤه بأساسه ومبادئه: الثالثة: ولھذا قال موسى عليه السالم للسحرة، أن النفوس متطلعة الى النھايات واألواخر دائما: الرابعة . فلما رأى الناس فعلھم تطلعوا الى ما يأتي بعده، ٨٠سيون}ألقوا ما أنتم ملقون{ أوال

أن هللا سبحانه أخر أفضل الرسل واألنبياء واألمم الى آخر الزمان وجعل اآلخرة خيرا : الخامسةما أنا { :فيقول، فكم بين قول الملك للرسول اقرأ، والنھايات أكمل من البدايات، من األولى .٣المائدة } يوم أكملت لكم دينكمال{: وبين قوله تعالى}، بقارىء .فھو العالم الصغير وفيه ما في العالم الكبير، أنه سبحانه جمع ما فرقه في العالم في آدم: السادسة .فناسب أن يكون خلقه بعد الموجودات، أنه خالصة الوجود وثمرته: السابعة، ت معيشته وأسباب حياتهأن من كراماته على خالقه أنه ھيأ له مصالحه وحوائجه وآال: الثامنة

.فما رفع رأسه اال وذلك كله حاضر عتيدولھذا ، أنه سبحانه أراد أن يظھر شرفه وفضله على سائر المخلوقات عليه في الخلق: التاسعة

فلما خلق آدم وأمرھم بالسجود له . ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقا أكرم عليه منا: قالت المالئكةفلما وقع في الذنب ظنت المالئكة أن ذلك الفضل قد ، ھم بالعلم والمعرفةظھر فضله وشرفه علي

علمت المالئكة ، وأتى بتلك العبودية، فلما تاب الى ربه، نسخ ولم تطلع على عبودية التوبة الكامنة .أن في خلقه سرا ال يعلمه سواه

المناسبة أن يختمه بخلق أنه سبحانه لما اقتتح خلق ھذا العالم بالقلم كان من أحسن: العاشرةولھذا أظھر سبحانه فضل آدم على المالئكة الذي . واالنسان ھو العالم، فان القلم آلة العلم، االنسان

.اختص به دونھم

كتابة عذر آدم قبل ھبوطه الى األرض] ٣٩[ وتأمل كيف كتب سبحانه عذر آدم قبل ھبوطه الى األرض ونبه المالئكة على فضله وشرفه .٣٠البقرة } اني جاعل في األرض خليفة{ :وه باسمه قبل ايجاده بقولهون

: وأقام عذره قبل الھبوط بقوله، وتأمل كيف وسمه بالخالفة وتلك والية له قبل وجودهفلما صوره على باب الجنة أربعين سنة . والمحب يقيم عذر المحبوب قبل جنايته -}في األرض{

لئال ، ١االنسان} لم يكن شيئا{:ورمى به طريق الذل، وقوف على باب حبيبهألن دأب المحب الثم يدخل ، ألمر قد خلقت: وكان ابليس يمر على جسده فيعجب منه ويقول. }اسجدوا{يعجب يوم

ولم يعلم ، لئن سلطت علي ألھلكنك ولئن سلطت علي ألعصينك: من فيه ويخرج من دبره ويقول .مجموعا فاحتقره رأى طينا. أن ھالكه على يده

فلما بسط له بساط . فلما نفخ فيه الروح مات الحاسد، فلما صور الطين صورة دب فيه داء الحسد

وقد . }أنبئوني{الى حاكم } ونحن نسبح {فاستحضر مدعي ، عرضت عليه المخلوقات، العزادي فقام من. فنكسوا رؤوس الدعاوى على صدور االقرار} وعلم{أخفى الوكيل عنه بينة

بماء العذر في } ونحن{تطھروا من حدث دعوى }، اسجدوا{ :التفضيل في أندية المالئكة يناديوقد تلون ، ألنه خبث، وقام ابليس ناحية لم يسجد، فسجدوا على طھارة التسليم}، ال علم لنا {آنية

ال بد : م قيلفلما تم كمال آد، ألنھا عينية، وما كانت نجاسته تتالفى بالتطھير. بنجاسة االعتراض .ليتبين أثر العبودية في الذل، فجرى القدر بالذنب}، اسجدوا{من خال جمال على وجه

. كيف فضل ذو شره لم يصبر على شجرة: لو عفى لك عن تلك اللقمة لقال الحاسدون! يا آدم

ولعله يقصد " *ھل من سائل"وال نزلت رسائل ، لوال نزولك ما تصاعدت صعداء األنفاس ٤٧٣\١٣البخاري في التوحيد .." ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا" :حديثوال فاحت روائح ). ٧٥٨(عن أبي ھريرة ومسلم في صالة المسافرين رقم ، ٧٤٩٤برقم

Page 42: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

42

جزء من حديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه " ولخلوف فم الصائم" .فتبين حينئذ أن ذلك التناول لم يكن عن شره، .)٤٠٧,٤٥٧، ٣٩٣ ،٢٣٢\٢أحمد (والدرامي و

.وبكاؤك في دار التكليف لنا، ضحكك في الجنة لك، يا آدم أنا عند المنكسرة . اذا جبره فضلي انما تليق خلعة العز ببدن االنكسار، ما ضر من كسره عزي

فأرسل اليھم اللطيف ، اؤه على أوالدهما زالت تلك األكلة تعاده حتى استولى د. قلوبھم من أجليفاما يأتينكم مني ھدى فمن اتبع ھداي فال يضل وال { :الخبير الدواء على أيدي أطباء الوجود

واستفرغ أخالطھم الرديئة ، وحفظ القوة باألمر، فحماھم الطبيب بالمناھي. ١٢٣طه } يشقى .فجاءت العافية من كل ناحية، بالتوبة

، وال صبر على مرارة االستفراغ، وخلط في مرضه وما احتمى، ة ولم يحفظھافيا من ضيع القو

لو ساعد القدر فأعنت الطبيب على نفسك بالحمية . فالداء مترام الى الفساد، ال تنكر قرب الھالكولكن بخار الشھوة غطى عين . من شھوة خسيسة ظفرت بأنواع اللذات وأصناف المشتھيات

، جزعت من صبر ساعة، يا لھا من بصيرة عمياء. بيع الوعد بالنقدفظننت أن الحزم ، البصيرةوقعدت عن السفر الى األخرة وھي ، سافرت في طلب الدنيا وھي عنھا زائلة. واحتملت ذل األبد

.اليھا راحلة .فاعلم بأنه سفيه، اذا رأيت الرجل الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير

دهفائدة االيمان با وح] ٤٠[

لة لقيتني بقراب األرض خطايا ثم ، ابن آدم:" لما سلم آدم أصل العبودية لم يقدح فيه الذنب ) ٢٢( ٢٠٦٨\٤أخرجه مسلم في الذكر والدعاء " لقيتك بقرابه مغفرة، لقيتني ال تشرك بي شيئا

.بكسر القاف، وقراب األرض ھو ما يقارب مألھا، وابن ماجه الترمذي وأحمد. عن أبي ذر : علمه كيف يعتذر اليه، لما علم السيد أن ذنب عبده لم يكن قصدا لمخالفته وال قدحا في حكمته

العبد ال يريد بمعصيته مخالفة سيده وال . ٣٧البقرة }فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه { ، عفووالثقة بال، وقھر الھوى، وتزيين النفس والشيطان، ولكن غلبات الطبع، الجرأة على محارمه

.ھذا من جانب العبد، ورجاء المغفرة ، واظھار عز الربوبية وذل العبودية وكمال االحتياج، وأما من جانب الربوبية فجريان الحكم

والمنتقم ، لمن جاء تائبا نادما، كالعفو والغفور والتواب والحليم: وظھور آثار األسماء الحسنى ).االثم والجناية(عرة والعدل وذي البطش الشديد لمن أصر ولزم الم

ويشھده كمال قدرته . ونقص العبد وحاجته اليه، فھو سبحانه يريد أن يري عبده تفرده بالكمال

وأن ، وحلمه وتجاوزه وصفحه، وكمال بره وستره، وكمال مغفرته وعفوه ورحمته، وعزتهلما * ،الك ال محالةوأنه ان لم يتغمده برحمته وفضله فانه ھ، رحمته به احسان اليه ال معارضة

لن يدخل :" عن أبي ھريرة يرفعه، ١٠٩\١٠ورد في الحديث الذي أخرجه البخاري في المرض .قال وال أنا اال أن يتغمدني هللا برحمته. قالوا وال أنت، أحد منكم عمله الجنة

من التوبة. وكم فيه مع تحقيق التوبة للعبد من مصلحة ورحمة، كم في تقدير الذنب من حكمة

.ورب علة كانت سبب الصحة، الذنب كشرب الدواء للعليل

Page 43: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

43

لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت األجساد بالعلل

.لوال تقدير الذنب لھلك ابن آدم من العجب .ذنب يذل به أحب اليه من طاعة يدل بھا عليه .شمعة النصر انما تنزل من شمعدان االنكسار :كما قيل، وال يريحھا بمثل تعبھا، وال يعزھا بمثل ذلھا، العبد نفسه بمثل اھانتھاال يكرم

سأتعب نفسي أو أصادف راحة فان ھوان النفس في كرم النفس وال يؤنسھا بمثل وحشتھا من كل ما سوى ، وات يؤمنھا بمثل خوفھا، وال يشبعھا بمثل جوعھا

:كما قيل، بمثل اماتتھابارئھا وفاطرھا وال يميتھا

موت النفوس حياتھا من شاء أن يحيا يمت منم تذكر خنق الفخ ھان عليه ، )الغصة من الحلق(شراب الھوى حلو ولكنه يورث الشرق

.ھجران الحبة .عزم وقد خرقت الشبكة)! العدو السريع(يا معرقال في شرك الھوى جمزة ، واستقرض منك حبة فبخلت بھا، له ملك السموات لألرض. القدر فاجنح للسلم ال بد من نفوذ

.وخلق سبعة أبحر وأحب منھا دمعة فقحطت عينيك بھا والمعبود ال يرضى بمزاحمة ، والقلب كعبة، اطالق البصر ينفش في القلب صورة المنظور

.األصنام غير أن ، يعجبن من سوء اختيارك عليھنوالحور العين ، لذات الدنيا كسوداء وقد غلبت عليك

.زوبعة الھوى اذا ثارت سفت في عين البصيرة فخفيت الجادة وتعرف رب العزة الى المحبين ، تزينت الجنة للخطاب فجدوا في تحصيل المھر، سبحان هللا

.بأسمائه وصفاته فعملوا على اللقاء وأنت مشغول بالجيف

ولك اللسان مع الوداد الكاذب ال مكن من لسواك منه قلبه .والمحبة نشيد ال يطرب عليه اال محب مغرم، المعرفة بساط ال يطأ عليه اال مقرب .فلھذا قل وارده، الحب غدير في صحراء ليست بھا جادة المحب يھرب الى العزلة والخلوة بمحبوبه واألنس بذكره كھرب الحوت الى الماء والطفل الى .أمه

Page 44: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

44

وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك القلب بالسر خاليا

اشتغل به في الحياة . وال للمحب قرار اال يوم المزيد، ليس للعابد مستراح اال تحت شجرة طوبى

.يكفك ما بعد الموت .يك منهليس في أعدائك أضر عل، يا منفقا بضاعة العمر في مخالفة حبيبه والبعد منه

ما يبلغ األعداء من جاھل ما يبلغ الجاھل من نفسه فاستبشر عند ، وقدم التقادم بين يدي الملتقى، الھمة العلية من استعد صاحبحه للقاء الحبيب

.٢٢٣البقرة } وقدموا ألنفسكم واتقوا هللا واعلموا أنكم مالقوه وبشر المؤمنين{ :القدوم ولكن الحافظ ، فال تظن أن الشيطان غلب، يك العدو اال بعد أن تولى عنك الوليتا ما عدا عل

.أعرض وال أعزھا ، وال تھادنھا فوهللا ما أكرمھا من لم يھنھا، فما أصابك بالء قط اال منھا، احذر نفسك

وال ، وال أمنھا من لم يخوفھا، وال أراحھا من لم يتعبھا، وال جبرھا من لم يكسرھا، من لم يذلھا .فرحھا من لم يحزنھا

فكلما طيبت ، لخمر الھوى) اناء(وباطنك باطية، ظاھرك متجمل بلباس التقوى، سبحان هللا

.وانحاز اليك الفاسقون، فتباعد منك الصادقون، الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته ل بك حتى فال يزا، يدخل عليك لص الھوى وأنت في زاوية التعبد فال يرى منك طردا له

.يخرجك من المسجد .أصدق في الطلب وقد جاءتك النعونة .المحبة ال تجيء بالتعليم: فقال، علمني المحبة: قال رجل لمعروف

ھو الشوق مدلوال على مقتل الفتى اذا لم يعد صبا بلقيا حبيبه .انما العجب من قوله يحبھم، ليس العجب من قوله يحبونه .انما العجب من محسن يحب فقيرا مسكينا، العجب من فقير مسكين يحب محسنا اليهليس

هللا يتجلى لعباده بصفاته في كالمه] ٤١[

، ليس على ظاھره(فتارة يتجلى في جلباب ، وقد تجلى هللا فيه لعباده بصفاته، القرآن كالم هللا ، فتخضع األعناق، والعظمة والجاللالھيبة ) وانما المراد بالجلباب الھيئة والصورة والصفة

وتارة يتجلى في ، كما يذوب الملح في الماء، ويذوب الكبر، وتخشع األصوات، وتنكسر النفوسوجمال األفعال الدال على كمال ، وجمال الصفات، وھو كمال األسماء، صفات الجمال والكمال

ونعوت ، من صفات جماله بحسب ما عرفه، فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلھا، الذات

Page 45: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

45

فاذا أراد منه الغير أن يعلق تلك المحبة به أبى قلبه ، فيصبح فؤاد عبده فارغا اال محبته، كماله :كما قيل، وأحشاؤه ذلك كل االباء

يراد من القلب نسيانكم وتأبى الطباع على الناقل

رحمة والبر واللطف واالحسان انبعثت قوة واذا تجلى بصفات ال. فتبقى المحبة له طبعا ال تكلفا

. وحادي الرجاء يحدو ركاب سيره، وسار الى ربه، وقوى طمعه، وانبسط أمله، الرجاء من العبد، كما أن الباذر كلما قوي طمعه في المغل غلق أرضه بالبذر، وكلما قوي الرجاء جد في العمل

.واذا ضعف رجاؤه قصر في البذر انقمعت النفس األمارة وبطلت ، عدل واالنتقام والغضب والسخط والعقوبةواذا تجلى بصفات ال

انقبضت أعنة ، أو ضعفت قواھا من الشھوة والغضب واللھو واللعب والحرص على المحرمات .فأحضرت المطية حظھا من الخوف والخشية والحذر، رعوناتھا

وانزال الكتب وشرع واذا تجلى بصفات األمر والنھي والعھد والوصية وارسال الرسل

وذكرھا ، والتواصي بھا، والتبليغ لھا، والتنفيذ ألوامره، انبعثت منھا قوة االمتثال، الشرائع .واالجتناب للنھي، واالمتثال للطلب، والتصديق بالخير، وتذكرھا

فيستحي من ربه أن يراه، انبعثت من العبد قوة الحياء، واذا تجلى بصفات السمع والبصر والعلم

فتبقى حركاته وأقواله ، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه، أو يسمع منه ما يكره، على ما يكره .غير مھملة وال مرسلة تحت حكم الطبيعة والھوى، وخواطره موزونة بميزان الشرع

ودفع ، وسوق أرزاقھم اليھم، والقيام بمصالح العباد، واذا تجلى بصفات الكفاية والحسب

انبعثت من العبد قوة التوكل ، ومعيته الخاصة اھم، وحمايته لھم، ونصره ألوليائه، مالمصائب عنھويقيمه فيه مما يرضى به ھو ، والرضا به في كل ما يجريه على عبده، والتفويض اليه، عليه

ورضاه بما ، وثقته به، وحسن اختياره لعبده، والتوكل معنى يلتئم من علم العبد بكفاية هللا. سبحانه .له ويختاره لهيفع ، أعطت نفسه المطمئنة ما وصلت اليه من الذل لعظمته، واذا تجلى بصفات العز والكبرياء

فتعلوه السكينة والوقار في ، وخشوع القلب والجوارح له، والخضوع لكبريائه، واالنكسار لعزته .ويذھب طيشه وقوته وحدته، قلبه ولسانه وجوارحه وسمته

فيوجب ، وبصفات ربوبيته تارة، انه يتعرف الى العبد بصفات الھيته تارةأنه سبح: وجماع ذلك

والسرور ، واألنس والفرح به، والشوق الى لقائه، له شھود صفات االلھية المحبة الخاصةويصير ، والفرار من الخلق اليه، واللھج بذكره، والتودد اليه بطاعته، والمنافسة في قربه، بخدمته

، واالفتقار اليه، ويوجب له شھود صفات الربوبية والتوكل عليه. سواه ھو وحده ھمه دون ما .والذل والخضوع واالنكسار له، واالستعانة به

، وعزه في عفوه، وحمده في ملكه، والھيته في ربوبيته، وكمال ذلك أن يشھد ربوبيته في الھيته

ه ولطفه واحسانه ورحمته وبر، وعطاءه في منعه، ونعمته في بالئه، وحكمته في قضائه وقدرهويشھد حكمته ونعمته . وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتجاوزه، وعدل في انتقامه، في قيوميته

وغناه في ، وكرمه في اقباله، وحلمه في امھاله، وعزه في رضاه وغضبه، في أمره ونھيه .اعراضه

Page 46: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

46

اء المتكلمين وأفكار وأن تقضي عليه بآر، وأنت اذا تدبرت القرآن وأجرته من التحريف

ويرسل ، يأمر وينھي، يدبر أمر عباده، أشھدك ملكا قيوما فوق سماواته على عرشه، المتكلفينويخفض ، ويعز ويذل، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويرضى ويغضب، وينزل الكتاب، الرسل، بكل كمالموصوف ، فعال لما يريد، ويعلم السر والعالنية، ويرى من فوق سبع ويسمع، ويرفع

وال يشفع أحد ، وال تسقط ورقة اال بعلمه، ال تتحرك ذرة فما فوقھا اال باذنه، منزه عن كل عيب . ليس لعباده من دونه ولي وال شفيع، عنده اال باذنه

تقوى القلب" ال تحزن ان هللا معنا] "٤٢[

فضائل ومسلم في، )٣٦٥٢(١٠\٧جزء من حديث أخرجه البخاري في فضائل الصحابة

.٣\١وأحمد في المسند ، )١(١٨٥٤\٤الصحابة فعلمت ، لما بايع الرسول صلى هللا عليه وسلم أھل العقبة أمر الصحابة بالھجرة الى المدينة

فمنھم من ، فأعملت آراءھا في استخراج الحيل، قريش أن أصحابه قد كثروا وأنھم سيمنعونهفجاء البريد بالخبر من السماء ، رأيھم على القتلثم اجتمع . ومنھم من رأى النفي، رأى الحبس

فلما فارقا بيوت مكة . فبات علي مكانه ونھض الصديق لرفقة السفر، وأمره أن يفارق المضجعوتارة ، اشتد الحذر بالصديق فجعل يذكر الرصد فيسير أمامه وتارة يذكر الطلب فيتأخر وراءه

فبدأ الصديق بدخوله ليكون وقاية له ان كان ، الغار عن يمينه وتارة عن شماله الى أن انتھيا الىوجاءت عنكبوت ، فأظلت المطلوب وأضلت الطالب، وأنبت هللا شجرة لم تكن قبل. ثم مؤذ

فأحكمت الشقة حتى عمي على القائف ، فحازت وجه الغار فحاكت ثوب نسجھا عن منوال الستروھذا أبلغ في ، على أبصار الطالبين غشاوة وأرسل هللا حمامتين فاتخذتا ھناك عشا جعل، المطلب

.االعجاز من مقاومة القوم بالجنود قال ، فلما وقف القوم على رؤوسھم وصار كالمھم بسمع الرسول صلى هللا عليه وسلم والصديق

لو أن أحدھم نظر الى ما تحت قدميه ألبصرنا تحت ، يا رسول هللا: الصديق وقد اشتد به القلقلما رأى " يا أبا بكر ما ظنك باثنين هللا ثالثھما؟: "رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال. قدميه

ال تحزن ان {قوي قلبه ببشارة ، لكن ال على نفسه، رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حزنه قد اشتد اذ، كما ظھر حكما ومعنى، فظھر سر ھذا االقتران في المعية لفظا. ٤٠التوبة اآلية } هللا معنافلما مات صلى هللا ، رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وصاحب رسول هللا رضي هللا عنه: يقال

.أمير المؤمنين: ثم انقطعت اضافة الخالفة بموته فقيل، خليفة رسول هللا : عليه وسلم قيل وال لتدخلنھا دخوال لم يدخله أحد قبلك : فأقاما في الغار ثالثا ثم خرجا منه ولسان القدر يقول

فلما شارف الظفر أرسل ، فلما استقال على البيداء لحقھما سراقة بن مالك. ينبغي ألحد من بعدكفساخت قوائم فرسه في األرض الى ، عليه الرسول صلى هللا عليه وسلم سھما من سھام الدعاء

قدم فلما علم أنه ال سبيل له عليھما أخذ يعرض المال على من قد رد مفاتيح الكنوز وي، بطنھا ٢٣٤\٤أخرجه البخاري في الصوم ، "أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" الزاد الى شعبان

.عن عائشة ١٢٦\٦عن أبي سعيد و ٨\٣ومسلم وأحمد في المسند ، )١٩٦٤-١٩٦١( فھو الثاني في االسالم وفي بذل النفس ، دون الجميع، كانت تحفة ثاني اثنين مدخرة للصديق

وفي سبب الموت؛ ألن الرسول صلى هللا عليه ، وفي الخالفة وفي العمر وفي الزھد وفي الصحبةكان رسول هللا صلى هللا : يروي البخاري تعليقا عن عائشة قالت*،وسلم قد مات عن أثر السم

، يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر:"عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه

Page 47: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

47

روى ابن جرير الطبري (وأبو بكر سم فمات ". ع ابھري من ذلك السموھذا أوان ما وجدت انقطا ..... .وكان سبب وفاته أن اليھود سمته في أرزة: قال ٤١٩\٣في التاريخ

عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي : أسلم على يديه من العشرة

فلھذا جلبت ، ا أحوج ما كان االسالم اليھاوكان عنده يوم أسلم أربعون ألف درھم فأنفقھ. وقاصجزء من حديث أخرجه ابن ماجه في " ما نفعني مال أبي بكر، ما نفعني مال" نفقته عليهفھو خير من مؤمن آل فرعون؛ ألن ذلك كان يكتم ايمانه . وأحمد والسيوطي) ٩٤(٣٦\١المقدمة

.ة والصديق جاھد سنين؛ ألن ذلك جاھد ساع}يس{وخير من مؤمن آل ، والصديق أعلن به } من ذا الذي يقرض هللا قرضا حسنا{ :عاين طائر الفاقة يحوم حول حب االيثار ويصيح

فنقل الطائر ، فألقى له حب المال على روض الرضى واستلقى على فراش الفقر، ٢٤٥البقرةم في ثم قا، الحب الى حوصلة المضاعفة ثم عال على أفنان شجرة الصدق يغرد بفنون المدح

نطقت بفضله . ١٨و١٧الليل }الذي يؤتي ماله يتزكى، وسيجنبھا األتقى{ :محاريب االسالم يتلو .اآليات واألخبار؛ واجتمع على بيعته المھاجرون واألنصار

أترى لم يسمع . كلما تليت فضائله عال عليھم الصغار، فيا مبغضيه في قلوبكم من ذكره نار

، دعي الى االسالم فما تلعثم وال أبى. ٤٠التوبة } اذ ھما في الغار ثاني اثنين{الروافض الكفار وأكثر في ، وصبر في مدته من مدى العدى على وقوع الشبا، وسار على المحجة فما زال وال كبا

).أي لقي وجه ربه تعالى(االنفاق فما قاا حتى تخلل بالعبا من كان قرين النبي في } ثنين اذ ھما في الغارثاني ا{تا قد زاد على السبك في كل دينار دينار

من ، من الذي أفتى بحضرته سريعا في جوابه. من ذا الذي سبق الى االيمان من أصحابه. شبابهدفن بجوار (أول من صلى معه؟ ومن آخر من صلى به؟ من الذي ضاجعه بعد الموت في ترابه

.فاعرفوا حق الجار، )الرسول في حجرة السيدة عائشة فالمحب ، وأبان من نص الكتاب معنى دق عن حديد االلحاظ، نھض يوم الردة بفھم واستيقاظ

كم . ولكن أين الفرار؟، يفرح بفضائله والمبغض يغتاظ حسرة الرافضي أن يفر من مجلس ذكره). تراب القبر(وكان أخص به في حياته وھو ضجيعه في الرمس، وقى الرسول بالنفس والمال

لقد ، من يغطي عين ضوء الشمس في نصف النھار! يا عجبا. ة وھي خلية عن اللبسفضائله جليفقال الرسول صلى هللا عليه ، فاستوحش الصديق من خوف الحوادث، دخال غارا ال يسكنه البث

فزال القلق وطاب .فنزلت السكينة فارتفع خوف الحادث". ما ظنك باثنين وهللا الثالث:" وسلمثاني اثنين اذ ھما في {: مؤذن النصر ينادي على رؤوس منائر األمصارفقام . عيش الماكث

.}الغار والحجة ، فھو خير الصحابة والقرابة. وبغضه يدل على خبث الطوية، حبه وهللا رأس الحنيفية

.فان دم الروافض قد فار!! مھال مھال ... لوال صحة امامته ما قال ابن الحنفية. على ذلك قوية كفانا : "ولكن أخذنا بقول علي رضي هللا عنه، وال نعتقد في غيره ھوانا، أحببناه لھوانا وهللا ما

اعجاز القرآن " أفال نرضاك لدنيانا تا لقد أخذت من الروافض بالثأر، رضيك رسول هللا لديننافنحن نقضي بمدائحه ونقر بما نقر به من ، تا لقد وجب حق الصديق علينا. ١٤٥- ١٤٣ص . لي أعذار: فمن كان رافضيا فال يعد الينا وليقل، عينا) الضوء الذي يصحب اليرق(نىالس

)تنبيه] (٤٣[

Page 48: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

48

اجتناب من يعادي أھل كتاب هللا وسنة رسوله

احترز من عدوين ھلك بھما أكثر . اجتنب من يعادي أھل الكتاب والسنة لءال يعديك خسرانه .ومفتون بدنياه ورئاسته، ف قولهصاد عن سبيل هللا بشبھاته وزخر: الخلق

فلذة من خلقت فيه قوة ، كانت لذته في استعمال تلك القوة فيه، من خلق فيه قوة واستعداد لشيء

ولذة من خلقت فيه قوة الغضب والتوثب استعمال قوته ، واستعداد للجماع واستعمال قوته فيهومن خلقت . ذته باستعمال قوته فيھماومن خلقت فيه قوة األكل والشرب فل، الغضبية في متعلقھا

، ومن خلقت فيه قوة الحب . فيه قوة العلم والمعرفة فلذته باستعمال قوته وصرفھا الى العلمفلذته ونعيمه استعمال ھذه القوة ، واألنس به، والشوق اليه، والعكوف بالقلب عليه، واالنابة اليه

.وأحمد عاقبتھا أن تكون ال له وال عليه، انيةوسائر اللذات دون ھذه اللذة مضمحلة ف. في ذلك

)تنبيه] (٤٤[ من المواعظ والحكم

" اتقوا فراسة المؤمن"فانه يرى عورة عملك من وراء ستر ، يا أيھا األعزل احذر فراسة المتقى

).٣١٢٧(٢٧٨\٥أخرجه الترمذي في التفسير :سبحان هللا واستطالة ، وجرأة نمرود، وطغيان ثمود، و عادوعت، وحسد قابيل، في النفس كبر ابليس

عراف أرسله ملك ليلعن بني (وھوى بلعام ، )أي لؤم(وقحة ھامان ، وبغى قارون، فرعون .وجھل أبي جھل، وتمرد الوليد، وحيل أصحاب السبت، )اسرائيل فبارك ولم يلعن

، ودناءة الجعل، سورعونة الطاوو، وشره الكلب، وفيھا من أخالق البھائم حرص الغراب

وعبث ، وخبث الحية، وفسق الفأرة، وصولة األسد، ووثوب الفھد، وحقد الجمل، وعقوق الضب .ونوم الضبع، وخفة الفراش، ومكر الثعلب، وجمع النملة، القرد

وال تصلح ، فمن استرسل مع طبعه فھو من ھذا الجند. غير أن الرياضة والمجاھدة تذھب ذلك

فما اشترى اال سلعة ھذبھا ، ١١١التوبة } اشترى من المؤمنين أنفسھمان هللا{: سلعته لعقد .فخرجت من طبعھا الى بلد سكانه التائبون العابدون، االيمان

قد علم المشتري بعيب السلعة قبل أن ، سلم المبيع قبل أن يتلف في يدك فال يقبله المشتري

.فسلمھا لك واألمان من الرد، يشتريھا فاذا كان المشترى ، والمنادي عليھا، والثمن المبذول فيھا، لعة يعرف بقدر مشتريھاقدر الس

.كانت السلعة نفيسة، والمنادي جليال، والثمن خطيرا، عظيما

لم تخب، لو اس ترجعت ذا البيع قبل الفوات، يا بائعا نفسه بيع الھوان ف عيش من اآلالم منتھببطي، وبائعا طيب عيش ماله خطر

ولدى يوم التغابن تلقى غاية الحرب، غبنا فاحشا!! غبنت وهللا أمامك الورد حقا ليس بالكذب، وواردا صفو عيش كله كدر

تدني من العطب، وحاطب الليل في الظلماء منتصبا لكل داھية

Page 49: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

49

فھل سمعت ببرء جاء من عطب ترجو الشفاء بأحداق بھا مرض ثر أقبحھم وصفا للطخ جمال فيه مستلبإومفنيا نفسه في

لو كنت تعرف قدر النفس لم تھب، وواھبا نفسه من مثل ذا سفھا وضاع وقتك بين اللھو والعب، والتصابي بعد لم يشب، شاب الصبا

والفيء في األفق الشرقي لم يغب، حان الغروب لھا وشمس عمرك قد وانقشعت عن أفقه ظلمات الليل والسحب، وفاز بالوصل من قد جد

ورسل ربك قد وافتك في الطلب، والدنيا قد ارتحلت، كم ذا التخلف للصب من شكر وال أرب، وقد سارت ركائب من تھواه، ما في الديار

وقل ما قاله صاحب األشواق والحقب، فأفرش الخد ذياك التراب أشھى له من ربعك الخرب، ما ربح مية محفوفا يطيف به غيالن

وال الخدود ولو أدمين من ضرج أشھى الى ناظري من خدك الترب كان منال الوصل عن كثب ويألفھا أيام، منازال كان يھواھا

يھوى اليھا ھوى الماء في الصبب ، فكلما جليت تلك الربوع له فلو دعا القلب للسلوان لم يجب، أحيي له الشوق تذكار العھود بھا

وكم منزل في األرض يألفه وما له في سواھا الدھر من رغب، ھذا فاغترب، د يريحك ان بثثته بعض شأن الحبما في الخيام أخو وج

ال بالعود والحطب، وأسر في غمرات الليل مھتديا بنفخة الطيب ال تلقيك في الحرب، وحارب النفس، وعاد كل أخي جبن ومعجزة

تبوخذ لنفسك نورا تستضيء به يوم اقتسام الورى األنوار بالر******

ان كان يوجب صبري رحمتي فرضا بسوء حالي وحل للضنا بدنى منحتك الروح ال أبغي لھا ثمنا اال رضاك ووافقري الى الثمن

****** أحن بأطراف النھار صبابة وبالليل يدعوني الھوى فأجيب

****** فمن العجز عشق غير الجميل واذا لم يكن من العشق بد

****** فلو أن ما أسعى لعيش معجل كفاني منه بعض ما أنا فيه ولكنكما أسعى لملك مخلد فوا أسفا ان لم أكن بمالقيه

****** .ھل عرفت قيمة نفسك؟ انما خلقت األكوان كلھا لك، يا من ھو من أرباب الخبرة وصورة وأنت ، كل األشياء شجرة وأنت الثمرة، وقلب بأيدي األلطاف، يا من غذى بلبان البر

.ومخيض وأنت الزبد، وصدف وأنت الدر، المعنى .ولكن استخراجك ضعيف، منشور اختيارنا لك واضح الخط رب وال تطلبني من غيرك فأنا أق، اطلبني منك تجدني قريبا، متى رمت طلبي فاطلبني عندك

.اليك منه وأنت في ، انما أبعدنا ابليس اذ لم يسجد لك، لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أھنتھا بالمعاصي

.لو كان في قلبك محبة لبان أثرھا على جسدك! فواعجبا كيف صالحته وتركتنا، صلب أبيك

Page 50: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

50

ولما ادعيت الحب قالت كذبتني ألست أرى األعضاء منك كواسيا

.لو تغذى القلب بالمحبة لذھبت عنه بطنة الشھوات

ولو كنت عذري الصبابة لم تكن بطينا وأنساك الھوى كثرة األكل ويحتاج الى ، واعجبا لمن يدعي المحبة. لو صحت محبتك الستوحشت ممن ال يذكرك بالحبيب

.المحبة أنھا ال تنسيك تذكر المحبوبأقل ما في . فال يذكره اال بمذكر، من يذكره بمحبوبه

ذكرتك ال أني نسيتك ساعة وأيسر ما في الذكر ذكر لساني والرجاء يحدو ، فكان الحب في مقدمة العسكر، ركبت جنوده معه، اذا سافر المحب للقاء محبوبه

خرجت ، ف قدوم بلد الوصلفاذا شار، والخوف يجمعھا على الطريق، والشوق يسوقھا، بالمطى .تقادم الحبيب باللقاء

فداو سقما بجسم أنت متلفه وأبرد غراما بقلب أنت مضرمه

وال تكلني على بعد الديار الى صبري الضعيف فصبري أنت تعلمه األشواق تقدمهتلق قلبي فقد أرسلته عجال الى لقائك و

أم ، ليمتحن أيسكن اليھا فتكون حظه، فاذا دخل على الحبيب أفيضت عليه الخلع من كل ناحية

.يكون التفاته الى من ألبسه اياھا ، فلما ھبت رياح السحر أقلعت تلك المراكب، مألوا مراكب القلوب متاعا ال تنفق اال على الملك

.فما طلع الفجر اال وھي بالميناء فأعقبھم الراحة في ، فما كان اال القليل حتى قدموا من السفر، قطعوا بادية الھوى بأقدام الجد

.فدخلوا بلد الوصل وقد حازوا ربح األبد، طريق التلقي فأقاموا العيون تحرس تارة ، فرغ القوم قلوبھم من الشواغل فضربت فيھا سرادقات المحبة

.وترش أخرى .يضرب اال في قاع نزه فارغسرداق المحبة ال

نزه فؤادك من سوانا وألقنا فجنابنا حل لكل منزه فاز بكنزه، والصبر طلسم لكنز وصالنا من حل ذا الطلسم

.اعرف قدر ما ضاع منك وابك بكاء من يدري مقدار الفائت .قمت المأتم على بعدكلو تخيلت قرب األحباب أل .لو استنشقت ريح األسحار ألفاق منك قلبك المخمور .من استطال الطريق ضعف مشيه

أو بعيد المفاوز، ان قلت بيننا طوال الليالي، وما أنت بالمشتاق

Page 51: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

51

.اذا ھم ألقى بين عينيه عزمه: أما علمت أن الصادق .ل آذار في العيناذا نزل آب في القلب ح .ھان سھر الحراس لما علموا أن أصواتھم بسمع الملك .اذا الح للباشق الصيد نسي مألوف الكف. من الح له حال اآلخرة ھان عليه فراق الدنيا .تذكر حالوة الوصال يھن عليك مر المجاھدة. يا أقدام الصبر احملي بقي القليل وقدم ، أعلى الھمم ھمة من استعد صاحبھا للقاء الحبيب. تسرقد علمت أين المنزل فاحد لھا

الجنة ترضى منك بأداء . }وقدموا ألنفسكم{ :فاستبشر بالرضا عند قدوم، القادم بين يدي الملتقى .والمحبة ال تقنع منك اال ببذل الروح، والنار تندفع عنك بترك المعاصي، الفرائض

.الطاعة على أرض االشتياقما أحلى زمان تسعى فيه أقدام !! ، علمھا الوفاق على خالف الطبع فاستقامت مع الطاعة، لما سلم القوم النفوس الى رائض الشرع

.كيف دارت معھا

واني اذا اصطكت رقاب مطيھم وثوب حاد بالرفاق عجول أخالف بين الراحتين على الحشا وأنظر أني ملثم فأميل

:وحكم أخرىمواعظ

وكم ، وخوفا من سطوتك، فھو يترك شھوته في تناول ما صاده احتراما لنعمتك، علمت كلبك .علمك معلم الشرع وأنت ال تفبل

.فما ظن الجاھل الذي أعماله لھوى نفسه، حرم صيد الجاھل والممسك لنفسه ان غلبت : ليك من الثالثةوأنت للغالب ع، وھوى الشيطان، وشھوة البھيمة، جمع فيك عقل الملك

.نقصت عن مرتبة كلب: وان غلبكك ھواك وشھوتك، شھوتك وھواك؛ زدت على مرتبة ملك .ولما أمسك على نفسه حرم ما صاده، لما صاد الكلب لربه أبيح صيده . مصدر ما في العبد من الخير والشر والصفات الممدوحة والمذمومة من صفة المعطي المانع

فحظ العبد الصادق من عبوديته بھما ، ه يصرف عباده بين مقتضى ھذين االسمينفھو سبحانفال يزال ، ويمنعه ليفتقر اليه، فھو سبحانه يعطيه ليشكره، واالفتقار عند المنع، الشكر عند العطاء

.شكورا فقيرا وأشرف ھذا من ألطف خطاب القرآن . ٥٥الفرقان } وكان الكافر على ربه ظھيرا{: قوله تعالى

وھذا معنى كونه من . و ان المؤمن دائما مع هللا على نفسه وھواه وشيطانه وعدو ربه،معانيهبحاربھم ويعاديھم ، فھو مع هللا على عدوه الداخل فيه والخارج عنه، حزب هللا وجنده وأوليائه

ن والبعيدون منه فارغو، كما يكون خواص الملك معه على حرب أعدائه. ويغضبھم له سبحانهوعبارات السلف على ھذا . والكافر مع نفسه وشيطانه وھواه على ربه، غير مھتمين به، من ذلك .تدور

Page 52: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

52

عونا للشيطان على ربه باعداوة : ذكر ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير قال .والشرك

ذكره ابن جرير في يظاھر الشيطان على معصية هللا يعينه عليھا: وقال الليث عن مجاھد قال

.١٧\١٩التفسير والمعنى أنه يوالي . ٣٢٢\٣ظھيرا أي مواليا ذكره ابن كثير في التفسير : وقال زيد بن أسلم

.فيكون مع عدوه معينا له على مساخط ربه، عدوه على معصيته والشرك به ع الشيطان ومع فالمعية الخاصة التي للمؤمن مع ربه والھه قد صارت لھذا الكافر والفاجر م

} ويعبدون من دون هللا ماال ينفعھم وال يضرھم{ :ولھذا صدر اآلية بقوله، نفسه وھواه وقربانه، وھذه العبادة ھي المواالة والمحبة والرضا بمعبوديھم المتضمنة لمعيتھم الخاصة، ٥٥الفرقان

فانه معه على نفسه ،بخالف وليه سبحانه، فظاھروا أعداء هللا على معاداته ومخالفته ومساخطه .وبا التوفيق، وھذا المعنى من كنوز القرآن لمن فھمه وعقله. وشيطانه وھواه

قال . ٧٣الفرقان } والذين اذا ذكروا بآيات ربھم لم يخروا عليھا صما وعميانا{: قوله تعالى

ولكنھم سمعوا ،وعميانا لم يبصروه، اذا وعظوا بالقرآن لم يقعوا عليه صما لم يسمعوه: مقاتلوقال . بل كانوا خائفين خاشعين، لم يكونوا صما وعميانا: وقال ابن عباس. وأبصروا وأيقنوا به

واذا تلي عليھم القرآن لم يقعدوا على حالھم : وقال الفراء. يخرون عليھا سمعا وبصرا: الكلبي، قام يشتمني: كقولك، قعد يشتمني: وسمعت العرب تقول. فذلك الخرور، األولى كأنھم لم يسمعوه

اذا : المعنى: وقال الزجاج. لم يصيروا عندھا صما وعميلنا: والمعنى على ما ذكر: وأقبل يشتمنيأي لم يتغافلوا : وقال ابن قتيبة: تليت عليھم خروا سجدا وبكيا سامعين مبصرين كما أمروا به

.عنھا كأنھم صم لم يسمعوھا وعمي لم يروھا وھل ھو خرور القلب أو خرور البدن ، وتسليط النفي عليه، ر الخرورھا ھنا أمران ذك: قلت

أو ، لم يكن خرورھم عن صمم وعمه فلھم عليھا خرور القلب خضوعا: للسجود؟ وھل المعنى أو ليس ھناك خرور وعبر عن القعود؟، البدن سجودا

، ة القوة الغضبيةوطاع، تعلق القلب بغير هللا: ثالثة، كبارھا وصغارھا، أصول المعاصي كلھا

فغاية التعلق بغير هللا شرك وأن يدعى معه اله . وھي الشرك والظلم والفواحش، والقوة الشھوانيةولھذل جمع هللا سبحانه بين . وغاية طاعة القوة الشھوانية الزنا. وغاية القوة الغضبية القتل. آخر

لون النفس التي حرم هللا اال بالحق وال والذين ال يدعون مع هللا الھا آخر وال يقت{ :الثالثة في قوله . ٦٨الفرقان } يزنون

كما أن االخالص ، قالشرك يدعو الى الظلم والفواحش، وھذه الثالثة يدعو بعضھا الى بعض

كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا { :قال تعالى، والتوحيد يصرفھما عن صاحبه .الزنا: والفحشاء، قالعش: فالسوء. ٢٤يوسف } المخلصين

. كما أن أعدل العدل التوحيد، فان الشرك أظلم الظلم، وكذلك الظلم يدعو الى الشرك والفاحشة

شھد { :أما األول ففي قوله. ولھذا يجمع سبحانه بينھما، والظلم قرين الشرك، فالعدل قرين التوحيد: وأما الثاني فكقوله تعالى. ١٨آل عمران }سطهللا أنه ال اله اال ھو والمالئكة وأولوا العلم قائما بالق

وال سيما اذا قويت ، والفاحشة تدعو الى الشرك والظلم. ١٣لقمان } ان الشرك لظلم عظيم{وقد جمع سبحانه بين الزنى . ارادتھا ولم تحصل اال بنوع من الظلم واالستعانة بالسحر والشيطان

Page 53: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

53

مشركة والزانية ال ينكحھا اال زان أو مشرك الزاني ال ينكح اال زانبة أو{ : والشرك في قوله .٣النور } وحرم ذلك على المؤمنين

ولھذا كلما كان القلب أضعف توحيدا . فھذه الثالثة يجر بعضھا الى بعض ويأمر بعضھا ببعض

فما { :ونظير ھذا قوله تعالى. وأعظم شركا كان أكثر فاحشة وأعظم تعلقا بالصور وعشقا لھافمتاع الحياة الدنيا وما عند هللا خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربھم يتوكلون أوتيتم من شيء

فأخبر أن . ٣٧- ٣٦الشورى } والذين يجتنبون كبائر االثم والفواحش واذا ما غضبوا ھم يغفرون*والذين يجتنبون كبائر االثم { :ثم قال. وھذا ھو التوحيد، ماعنده خير لمن آمن به وتوكل عليه

فھذا }، واذا ما غضبوا ھم يغفرون{: ثم قال. فھذا اجتناب داعي القوة الشھوانية} والفواحش . فجمع بين التوحيد والعفة والعدل التى ھي جماع الخير كله، مخالفة القوة الغضبية

)فائدة] (٤٥[

ھجر القرآن أنواع

.ھجر سماعه وااليمان به واالصغاء اليه: أحدھما .وان قرأه وآمن به، الوقوف عند حالله وحرامهھجر العمل به و: والثاني وأن ،، ھجر تحكيمه والتحاكم اليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه ال يفيد اليقين: والثالث

.أدلته لفظية ال تحصل العلم .ھجر تدبره وتفھمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه: والرابع فيطلب شفاء دائه من ، في جميع أمراض القلوب وأدوائھاھجر االستشفاء والتداوي : والخامس

وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا ھذا { :زكل ھذا داخل في قوله ، ويھجر التداوي به، غيره .وان كان بعض الھجر أھون من بعض. ٣٠الفرقان } القرآن مھجورا

.وكذلك الحرج الذي في الصدر منه .اله وكونه حقا من عند هللافانه تارة يكون حرجا من انز .أو كونه مخلوقا من بعض مخلوقاته ألھم غيره أن تكلم به، وتارة يكون من جھة المتكلم به با ھممحتاجون معه الى المعقوالت ، وتارة يكون من جھة كفايتھا وعدمھا وأنه اليكفي العباد

.أو اآلراء أو السياسات، واألقيسة، أو أريد بھا تأويلھا، وما أريد به حقائقه المفھومة منه عند الخطاب، هوتارة يكون من جھة داللت

.واخراجھا عن حقائقھا الى تأويالت مستكرھة مشتركةأو أوھم أنھا ، فھي ثابتة في نفس األمر، وتارة يكون من جھة كون تلك الحقائق وان كانت مرادة

.مرادة لضرب من المصلحةوھم يعلمون ذلك من نفوسھم ويجدونه في ، القرآن فكل ھؤالء في صدورھم حرج من

كما أنك . وال تجد مبتدعا في دينه قط اال وفي قلبه حرج من اآليات التي تخالف بدعته. صدورھم .ال تجد ظالما فاجرا اال وفي صدره حرج من اآليات التي تحول بينه وبين ارادته

.تدبر ھذا المعنى ثم ارضى لنفسك بما تشاء

)فائدة] (٤٦[ كمال النفس المطلوب

:كمال النفس المطلوب ما تضمن أمرين .أن يصير ھيئة راسخة وصفة الزمة لھا: أحدھما

Page 54: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

54

فال يليق بمن يسعى في ، فاذا لم يكن كذلك لم يكن كماال. أن يكون صفة كمال في نفسه: الثاني

معرفة بارئھا وفاطرھا ومعبودھا وذلك ليس اال ، وال األسف على فوته، كمال نفسه المنافسة عليهوسلوك الطريق ، وارادة وجھه، والھھا الحق الذي ال صالح لھا وال نعيم وال لذة اال بمعرفته

وما عدا ذلك . وأن تعتاد ذلك فيصير لھا ھيئة راسخة الزمة. والى رضاه وكرامته، الموصلة اليهوما يعود بضررھا ونقصھا ، يكملھامن العلوم واالرادات واألعمال فھي بين ما ال ينفعھا وال

.فانھا تتعذب وتألم به بحسب لزومه لھا، وال سيما اذا صار ھيئة راسخة لھا، وألمھا فتلك في الحقيقة ، وأما الفضائل المنفصلة عنھا كالمالبس والمراكب والمساكن والجاه والمال

وال ، فيھا بحسب تعلقھا بھا فتتألم وتتعذب برجوعه، ثم يرجع فيھا المعير، عوار أعيرتھا مدةفاذا سلبتھا أحضرت أعظم النقص واأللم والحسرة فليتدبر من ، سيما اذا كانت ھي في غاية كمالھافأكثر ھذا الخلق انما يسعون في حرمان نفوسھم وألمھا وألمھا ، يريد سعادة نفسه ولذتھا ھذه النكتة

.نعيمھاوحسرتھا ونقصھا من حيث يظنون أنھم يريدون سعادتھا و وحسرتھا بحسب ما فاتھا من . فلذتھا بحسب ما حصل لھا من تلك المعرفة والمحبة والسلوك

التي بھا ، لم يبقى فيه اال القوى البدنية الفسانية، وخال منه، ومتى عدم ذلك. ومتى عدم ذلك. ذلكھا شرف وال وال يلحقه من جھت. ومرافق حياته، وينال شائر لذاته، وينكح ويغضب، يأكل ويشرب

اذا كان انما يناسب بتلك القوى البھائم ويتصل بجنسھا ويدخل في . بل خساسة ومنقصة، فضيلةحقيق أن ، وربما زادت في تناولھا عليھا واختصت دونه بسالمة العاقبة. جملتھا ويصير كأحدھا

.وبا التوفيق، تھجره الى الكمال الحقيقي الذي ال كمال سواه

)لةفائدة جلي] (٤٧[ من أصبح وليس ھمه اال هللا تعالى

وحمل عنه كل ما ، اذا أصبح العبد وأمسى وليس ھمه هللا وحده تحمل هللا سبحانه حوائجه كلھا

وان أصبح وأمسى والدنيا ھمه حمله . وجوارحه لطاعته، ولسانه لذكره، وفرغ قلبه لمحبته، أھمهولسانه عن ، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ووكله الى نفسه! هللا ھمومھا وغمومھا وأنكادھا

، فھو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره، وجوارحه عن طاعته بخدمتھم وأشغالھم، ذكره بذكرھمفكل من أعرض عن عبودية هللا وطاعته . كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضالعه في نفع غيره

يعش عن ذكر الرحمن نقيض له ومن{: قال تعالى. ومحبته بل بعبودية المخلوق ومحبته وخدمتهال تأتون بمثل مشھور للعرب اال جئتكم : قال سفيان بن عيينة. ٣٦الزخرف } شيطانا فھو له قرين

فقال " أعط أخاك تمرة فان لم يقبل فأعطه جمرة؟"فأين في القرآن : فقال له قائل. به من القرآن .}ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا{: في قوله

)فائدة] (٤٨[

العلم والعمل وما ھما

.نقل صورة المعلوم من الخارج واثباتھا في النفس: العلم فان كان الثابت في النفس مطلقا . نقل صورة علمية من النفس واثباتھا في الخارج: والعمل

وكثيرا ما يثبت ويتراءى في النفس صورة ليس لھا وجود . للحقيقة في نفسھا فھو علم صحيحوأكثر علوم الناس من . وانما ھي مقدرة ال حقيقة لھا، فيظنھا الذي قد أثبتھا في نفسه علما، حقيقي

نوع تكمل النفس بادراكه والعلم : وما كان منھا مطابقا للحقيقة في الخارج فھو نوعان. ھذا الباب

Page 55: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

55

، للنفس به كمال ونوع ال يحصل. وھو العلم با وأسمائه وصفاته وأفعاله وكتبه وأمره ونھيه، به .وھو كل علم ال يضر الجھل به فانه ال ينفع العلم به

جزء من حديث أخرجه مسلم في ، وكان النبي صلى هللا عليه وسلم يستعيذ با من علم ال ينفع

وھذا أكثر حال . والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد، وأبو داود،)٧٣(٢٠٨٨\٤الذكر والدعاء وعدد ، كالعلم بالفلك ودقائقه ودرجاته، لمطابقة التي ال يضر الجھل بھا شيئاالعلوم الصحيحة ا .والعلم بعدد الجبال وألوانھا ومسحتھا وما نحو ذلك. الكواكب ومقاديرھا

وأما . وليس ذلك اال العلم با وتوابع ذلك. فشرف العلم بجسب شرف معلومه وشدة الحاجة اليه

، ويكون ذلك من فساد العلم تارة، راد هللا الديني الذي يحبه هللا ويرضاهالعلم فآفته عدم مطابقته لمأو ، ففساده من جھة العلم أن يعتقد أن ھذا مشروع محبوب وليس كذلك. ومن فساد االرادة تارة

وان لم يعلم أنه، فيظن أنه يتقرب الى هللا بھذا العمل، يعتقد أنه يقربه الى هللا وان لم يكن مشروعا .مشروع

.بل يقصد به الدنيا والخلق، وأما فساده من جھة القصد فانه ال يقصد به وجه هللا والدار اآلخرة وھاتان اآلفتان في العلم والعمل ال سبيل الى السالمة منھما اال بمعرفة ما جاء به الرسول في

فمتى خال من ھذه . الرادةباب العلم والمعرفة وارادة وجه هللا والدار اآلخرة في باب القصد وا .المعرفة وھذه االرادة فسد علمه وعمله

ومن ھنا . وھما يورثان االيمان ويمدانه، وااليمان واليقين يورثان صحة المعرفة وصحة االرادة

.يتبين انحراف أكثر الناس عن االيمان النحرافھم عن صحة المعرفة وصحة االرادة وتجريد االرادة عن شوائب الھوى وارادة ، معرفة من مشكاة النبوةوال يتم االيمان اال بتلقي ال

فھذا أصح الناس علما ، وارادته والدار اآلخرة، فيكون علمه مقتبسا من مشكاة الوحي، الخلق .وعمال وھو من األئمة الذين يھدون بأمر هللا ومن خلفاء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في أمته

اھر وباطنااليمان له ظ] ٤٩[

وباطنة تصديق القلب وانقياده . وظاھرة قول اللسان وعمل الجوارح، االيمان له ظاھر وباطن

وال يجزىء ، فال ينفع ظاھر ال باطن له وان حقن به الدماء وعصم به المال والذرية. ومحبتهمع عدم المانع فتخلف العمل ظاھرا . باطن ال ظاھر له اال اذا تعذر بعجز أو اكراه أو خوف ھالك

.وقوته دليل قوته، ونقصه دليل نقصه، دليل على فساد الباطن وخلوه من االيمان وكل علم وعمل ال يزيد االيمان واليقين . واليقين قلب االيمان ولبه. فااليمان قلب االسالم ولبه

يقولون فيه رد على المتصوفة الذين. (وكل ايمان ال يبعث على العمل فمدخول، قوة فمدخول ).بالشريعة والحقيقة ويفصلون بينھما وفيه كذلك رد على الشيعة الذين يقولون بالتقية

)قاعدة] (٥٠[

التوكل على هللا نوعان

أو دفع مكروھاته ومصائبه ، توكل عليه في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية: أحدھما .الدنيوية

Page 56: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

56

به ھو ويرضاه من االيمان واليقين والجھاد والدعوة التوكل على هللا في حصول ما يح: والثاني .اليه

فمتى توكل عليه العبد في النوع الثاني حق توكله . وبين النوعين من الفضل ماال يحصيه اال هللا

لكن ال ، ومتى توكل عليه في النوع األول دون الثاني كفاه أيضا. كفاه النوع األول تمام الكفاية .ل فيما يحبه ويرضاهيكون له علقبة المتوك

ومتابعة الرسول صلى هللا عليه وسلم ، وتجريد التوحيد، فأعظم التوكل عليه التوكل في الھداية

. فھذا توكل الرسل وخاصة أتباعھم، وجھاد أھل الباطل كما ، بحيث ال يجد العبد ملجأ وال أزرا اال التوكل، والتوكل تارة يكون توكل اضطرار والجاء

وھذا ال يتخلف عنه ، اقت عليه األسباب وضاقت عليه نفسه وظن أن ال ملجأ من هللا اال اليهاذا ضوذلك التوكل مع وجود السبب المفضى الى ، وتارة يكون توكل اختيار. الفرج والتيسير البتة

ذم على تركه ، وترك التوكل، وان قام بالسبب. فان كان السبب مأمور به ذم على تركه، المرادوان كان . والجمع بينھما، والواجب القيام بھما، فانه واجب باتفاق األمة ونص القرآن، أيضا

فان ، فلم يبق سبب سواه، وتوحد السبب في حقه في التوكل، حرم عليه مباشرته، السبب محرمابل ھو أقوى األسباب على ، ودفع المكروه، التوكل من أقوى األسباب في حصول المراد

.االطالق كان السبب مباحا نظرت ھل يضعف قيامك به التوكل أو ال يضعفه؟ فان أضعفه وفرق وان

وان لم يضعفه فمباشرته أولى؛ ألن حكمة أحكم الحاكمين ، عليك قلبك وشتت ھمك فتركه أولىفتكون ، وال سيما اذا فعلته عبودية، اقتضت ربط المسبب فال تعطل حكمته مھما أمكنك القيام بھا

والذي يحقق التوكل . وعبودية الجوارح بالسبب المنوي به القربة، دية القلب بالتوكلقد أتيت بعبوفمن عطلھا لم يصح توكله كما أن القيام باألسباب المفضية الى ، القيام باألسباب المأمور بھاكما أن من عطلھا يكون توكله ، فمن لم يقم بھا كان رجاؤه تمنيا، حصول الخير يحقق رجاءه

.جزه توكالعجزا وع فال يضره مباشرة األسباب مع خلو القلب ، وسر التوكل وحقيقته ھو اعتماد القلب على هللا وحده

مع اعتماده على غيره وركونه ، توكلت على هللا: كما ال ينفعه قوله، من االعتماد والركون اليھالسان مع اصرار القلب كما أن توبة ال، فتوكل السان شيء وتوكل القلب شيء آخر، اليه وثقته به

مع اعتماد قلبه ، توكلت على هللا: فقول العبد. وتوبة القلب وان لم ينطق اللسان شيء آخر، شيء .وھو مصر على معصيته مرتكب لھا، تبت الى هللا: مثل قوله، على غيره

)فائدة] (٥١[

شكوى الجاھل من هللا

فانه لو عرف ربه لما ، مشكو والمشكو اليهوھذا غاية الجھل بال، الجاھل يشكو هللا الى الناس ورأى بعض السلف رجال يشكو الى رجل فاقته . ولو عرف الناس لما شكا اليھم، شكاه

وفي ذلك ، وهللا ما زدت على أن شكوت من يرحمك الى من ال يرحمك، يا ھذا: فقال، وضرورته :قيل

حيم الى الذي ال يرحمواذا شكوت الى ابن آدم انما تشكو الر

Page 57: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

57

وأعرف العارفين من جعل شكواه الى هللا من نفسه ال من . والعارف انما يشكو الى هللا وحده

وما أصابكم من { :فھو ناظر الى قوله تعالى، فھو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه، الناس، ٧٩النساء } نفسكوما أصابك من سيئة فمن {:وقوله، ٣٠الشورى } مصيبة فبما كسبت أيديكم

آل عمران } أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليھا قلتم أنى ھذا قل ھو من عند أنفسكم{ :وقوله١٦٥.

وأوسطھا أن ، وأعالھا أن تشكو نفسك الى هللا، أخسھا أن تشكو هللا الى خلقه: فالمراتب ثالثة

.تشكو خلقه اليه

)قاعدة جليلة] (٥٢[ لكريمةحول اآلية ا

}يا أيھا الذين آمنوا استجيبوا وللرسول{

يا أيھا الذين آمنوا استجيبوا وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن هللا { : قال هللا تعالى أن : أحدھا، فتضمنت ھذه اآلية أمورا، ٢٤األنفال } يحول بين المرء وقلبه وأنه اليه تحشرون

، فمن لم تحصل له ھذه االستجابة فال حياة له، صل باالستجابة له ورسولهالحياة النافعة انما تحفالحياةالحقيقية الطيبة ھي حياة من . وان كانت له حياة بھيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات

وغيرھم أموات وان كانوا ، فھؤالء ھم األحياء وان ماتوا. استجاب والرسول ظاھرا وباطنا، ولھذا كان أكمل الناس حياة وأكملھم استجابة لدعوة الرسول صلى هللا عليه وسلم. أحياء األبدان

وفيه من الحياة بحسب ما ، فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة، فان كل ما دعا اليه ففيه الحياة .استجاب للرسول صلى هللا عليه وسلم

ھذا القرآن فيه الحياة والثقة والنجاة ھو : وقال قتادة، يعني للحق} لما يحييكم{: قال مجاھد

وقال ابن . ھو االسالم أحياھم بعد موتھم بالكفر: وقال السدي. والعصمة في الدنيا واآلخرةيعني } لما يحييكم{:واللفظ له: عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير: اسحاق

ومنعكم بھا من عدوكم بعد القھر منھم ، وقواكم بعد الضعف، للحرب التي أعزكم هللا بھا بعد الذلوكل ھذه عبارات عن حقيقة واحدة وھي القيام بما جاء به . ٢٩٧\٢كلھا من ابن كثير . لكم

.الرسول ظاھرا وباطنا وھو قول ابن اسحاق . ھو الجھاد} لما يحييكم{ :واألكثرون على أن معنى قوله: قال الواحدي

.واختيار أكثر أھل المعاني فلو ، اذا دعاكم الى احياء أمركم بجھاد عدوكم يريد انما يقوي بالحرب والجھاد: الفراء قال

.تركوا الجھاد ضعف أمرھم واجترأ عليھم عدوھم

Page 58: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

58

أما في الدنيا فان قوتھم . الجھاد من أعظم ما يحييھم به في الدنيا وفي البرزخ وفي اآلخرة: قلت .وقھرھم لعدوھم بالجھاد

وال تحسبن الذين قتلوا في سبيل هللا أمواتا بل أحياء عند ربھم {: زخ فقد قال تعالىوأما في البر

.١٦٩آل عمران } يرزقون ولھذا . وأما في اآلخرة فان حظ المجاھدين والشھداء من حياتھا ونعيمھا أعظم من حظ غيرھم

. يعني الجنة} ييكملما يح{ : وقال بعض المفسرين. يعني الشھادة} لما يحييكم{: قال تبن قتيبة .حكاه أبو علي الجرجاني. فانھا دار الحيوان وفيھا الحياة الدائمة الطيبة

وكمال الحياة . فان االيمان والقرآن والجھاد تحيي القلوب الحياة الطيبة، واآلية تناول ھذا كله

واالنسان . ا واآلخرةفھو داع الى الحياة في الدني، والرسول داع الى االيمان والى الجنة، في الجنةحياة بدنه التي بھا يدرك النافع والضار ويؤثر ما ينفعه على ما : مضطر الى نوعين من الحياة

ولذلك كانت حياة المريض . ومتى نقصت فيه ھذه ناله من األلم والضعف بحسب ذلك. يضرهوحياة . لكوالمحزون وصاحب الھم والغم والخوف والفقر والذل دون حياة من ھو معافى من ذ

فيختار الحق ، قلبه وروحه التي بھا يميز بين الحق والباطل والغي والرشاد والھوى والضاللوتفيد . فتفيد ھذه الحياة قوة التمييز بين النافع والضار في العلوم واالرادات واألعمال. على ضده

.وقوة البغض والكراھة للباطل، قوة االيمان واالرادة والحب للحق

كما أن البدن الحي يكون شعوره ، ه وتمييزه وحبه ونفرته بحسب نصيبه من ھذه الحياةفشعور فھذا بحسب حياة . ويكون ميله الى النافع ونفرته عن المؤلم أعظم، واحساسه بالنافع والمؤلم أتم

وان كان له نوع تمييز لم يكن فيه . فاذا بطلت حياته بطل تمييزه. وذاك بحسب حياة القلب، البدنالذي ھو رسول ، كما أن االنسان ال حياة له حتى ينفخ فيه الملك. وة يؤثر بھا النافع على الضارق

وكان قبل . فيصير حيا بذلك النفخ، من روحه، )الملك الذي ينفخ الروح في االنسان بأمر هللا(هللا عليه وسلم وكذلك ال حياة لروحه وقلبه حتى ينفخ فيه الرسول صلى هللا. ذلك من جملة األموات

} ينزل المالئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده{: قال تعالى، من الروح الذي ألقى اليهوكذلك { :وقال، ١٥غافر } يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده{ :وقال ، ٢النحل

ھدي به من أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب وال االيمان ولكن جعلناه نورا نفالحياة واالستنارة موقوفة على نفخ ، فأخبر أن وحيه روح ونور. ٥٢الشورى } نشاء من عبادنا .فمن أصابه نفخ الرسول الملكي ونفخ الرسول البشري حصلت له الحياتان، الرسول الملكي

قال ، ومن حصل له نفخ الملك دون نفخ الرسول حصلت له احدى الحياتين وفاتته األخرى

أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس { :تعالىفجمع له بين النور والحياة كما جمع لمن أعرض عن كتابه بين ، ١٢٢األنعام }بخارج منھا

تفسير ابن كثير . كان كافرا ضاال فھديناه: قال ابن عباس وجميع المفسرين. الموت والظلمة١٧٢\٢. :يتضمن أمورا} وجعلنا له نورا يمشي به في الناس{ :وقوله

فمثله ومثلھم كمثل قوم أظلم عليھم الليل ، أنه يمشي في الناس بالنور وھم في الظلمة: أحدھما .وآخر معه نور يمشي في الطريق ويراھا ويرى ما يحذره فيھا. فضلوا ولم يھتدوا للطريق

.فھم يقتبسون منه لحاجتھم الى النورأنه يمشي فيھم بنوره : وثانيھا

Page 59: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

59

أنه يمشي بنوره يوم القيامة على الصراط اذا بقي أھل الشرك والنفاق في الظلمات : وثالثھا .شركھم ونفاقھم

المشھور في اآلية أنه يحول بين . ٢٤األنفال } اعلموا أن هللا يحول بين المرء وقلبه{ :وقوله

وبين أھل ، ويحول بين أھل طاعته وبين معصيته. وبين االيمانوبين الكافر ، المؤمن وبين الكفر .وھذا قول ابن عباس وجمھور المفسرين، معصيته وبين طاعته

فھو بينه وبين ، وفي اآلية قول آخر أن المعنى أنه سبحانه قريب من قلبه ال تخفى عليه خافية

االستجابة أصلھا بالقلب فال تنفع ألن ، وكان ھذا أنسب بالسياق، ذكره الواحدي عن قتادة. قلبهفان هللا سبحانه بين العبد وبين قلبه فيعلم ھل استجاب له قلبه وھل ، االستجابة بالبدن دون القلب .أضمر ذلك أو أضمر خالفه

فوجه المناسبة أنكم ان تثاقلتم عن االستجابة وأبطأتم عنھا فال تأمنوا أن ، وعل القول األول

ين قلوبكم فال يمكنكم بعد ذلك من االستجابة عقوبة لكم على تركھا بعد وضوح يحول هللا بينكم وباألنعام } ونقلب أفئدتھم وأبصارھم كما لم يؤمنوا به أول مرة{ :فيكون قوله، الحق واستبانته

فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من { :وقوله. ٥الصف } فلما زاغوا أزاغ هللا قلوبھم{ :وقوله. ١١٠ .ففي اآلية تحذير عن ترك االستجابة بالقلب وان استجاب بالجوارح. ١٠١عراف األ} قبل

وبين القدر ، وھو االستجابة، وھو أنه جمع لھم بين الشرع واألمر به: وفي اآلية سر آخر

وما تشاءون اال أن يشاء هللا رب * لمن شاء منكم أن يستقيم{ : فھي كقوله تعالى، وااليمان به} وما يذكرون اال أن يشاء هللا. فمن شاء ذكره{ :وقوله، ٢٨,٢٩كوير الت} العالمين .وهللا أعلم، ٥٥,٥٦المدثر

)فائدة جليلة] (٥٣[ }وعسى أن تكرھوا شيئا وھو خير لكم{

كتب عليكم القتال وھو كره لكم وعسى أن تكرھوا شيئا وھو خير لكم وعسى أن { :قوله تعالى

فان { :وقوله عز وجل ، ٢١٦البقرة } يعلم وأنتم ال تعلمونتحبوا شيئا وھو شر لكم وهللافاآلية األولى في . ١٩النساء } كرھتموھن فعسى أن تكرھوا شيئا ويجعل هللا فيه خيرا كثيرا

والثانية في النكاح الذي ھو كمال القوة ، الجھاد الذي ھو كمال القوة الغضبية خشية على نفسه منه .الشھوانية

وھذا المكروه خير له في معاشه ، ره مواجھة عدوه بقوته الغضبية خشية على نفسه منهفالعبد يك

.وھذا المحبوب شر له في معاشه ومعاده، ويجب الموادعة والمتاركة، ومعاده ويحب المرأة . وكذلك يكره المرأة لوصف من أوصافھا وله في امساكھا خير كثير ال يعرفه

فاالنسان كما وصفه به خالقه ظلوم . كھا شر كثير ال يعرفهلوصف من أوصافھا وله في امسابل المعيار ، فال ينبغي أن يجعل المعيار على ما يضره وينفعه ميله وحبه ونفرته وبغضه، جھول

.على ذلك ما اختاره هللا له بأمره ونھيه

Page 60: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

60

ى االطالق وأضر األشياء عليه عل، فأنفع األشياء له على االطالق طاعة ربه بظاھره وباطنه فاذا قام بطاعته وعبوديته مخلصا له فكل ما يجري عليه مما يكره ، معصيته بظاھره وباطنه

فمن . واذا تخلى عن طاعته وعبوديته فكل ما ھو فيه من محبوب ھو شر له، يكون خيرا لهعلم يقينا أن المكروھات التي تصيبه والمحن ، صحت له معرفة ربه والفقه في أسمائه وصفاته

بل مصلحة العبد ، تي تنزل به فيھا ضروب من المصالح والمنافع التيال يحصيحا علمه وفكرهال .فيما يكره أعظم منھا فيما يحب

. كما أن عامة مضارھا وأسباب ھلكتھا في محبوباتھا، فعامة مصالح النفوس في مكروھاتھا

السقي واالصالح حتى فانظر الى غارس جنة من الجنات خبير بالفالحة غرس جنة وتعاھدھا بفأقبل عليھا يفصل أوصالھا ويقطع أغصانھا لعلمه أنھا لو خليت على حالھا لم ، أثمرت أشجارھا

حتى اذا اتحدت بھا والتحمت وأعطت ثمرتھا أقبل ، فيطعمھا من شجرة طيبة الثمرة، تطب ثمرتھا، الحديد لمصلحتھا وكمالھاويذيقھا ألم القطع و، يقلمھا ويقطع أغصانھا الضعيفة التي تذھب قوتھا

بل ، ثم ال يدعھا ودواعي طبعھا من الشرب كل وقت. لتصلح ثمرتھا أن تكون بحضرة الملوك. وال يترك عليھا الماء دائما وان كان ذلك أنضر لورقھا وأسرع لنباتھا، يعطشھا وقتا ويسقيھا وقتا

ألن تلك الزينة تحول ، كثيرا منھا ثم يعمد الى تلك الزينة التي زينت بھا من األوراق فيلقي عنھافھو يقطع أعضاءھا . بين ثمرتھا وبين كمال نضجھا واستوائھا كما في شجر العنب ونحوه

فلو أنھا ذات تمييز وادراك . وذلك عين مصلحتھا، ويلقي عنھا كثيرا من زينتھا، بالحديد .ھاوانما ھو عين مصلحت، لتوھمت أن ذلك افساد لھا واضرار بھا، كالحيوان

، اذا رأى مصلحته في اخراج الدم الفاسد عنه، وكذلك األب الشفيق على ولده العالم بمصلحته

وان رأى شفاءه في قطع عضو من أعضائه أبانه . بضع جلده وقطع عروقه وأذاقه األلم الشديدوان رأى مصلحته في أن يمسك عنه العطاء لم . كل ذلك رحمة به وشفقة عليه، )أي قطعه(عنه

وكذلك يمنعه كثيرا من . لعلمه أن ذلك أكبر األسباب الى فساده وھالكه، عطه ولم يوسع عليهي .شھواته حمية له ومصلحة ال بخال عليه

الذي ھو أرحم بعباده منھم بأنفسھم ومن ، فأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأعلم العالمين

نظرا منه لھم ، ھم من أن ال ينزله بھماذا أنزل بھم ما يكرھون كان خيرا ل، آبائھم وأمھاتھمولو مكنوا من االختيار ألنفسھم لعجزوا عن القيام بمصالحھم علما ، واحسانا اليھم ولطفا بھم

أحبوا أم ، لكنه سبحانه تعالى تولى تدبير أمورھم بموجب علمه وحكمته ورحمته، وارادة وعمالوخفى ذلك على ، ه في شيء من أحكامهفعرف ذلك الموقنون بأسمائه وصفاته فلم يتھمو، كرھوا

وعارضوا ، ولم ينقادوا لحكمه، وقدحوا في حكمته، فنازعوه تدبيره، الجھال به وبأسمائه وصفاتهوال لمصالحھم ، فال لربھم عرفوا، حكمه بعقولھم الفاسدة وآرائھم الباطلة وسياساتھم الجائرة

.وهللا الموفق، حصلوا ة سكن في الدنيا قبل اآلخرة في جنة ال يشبه نعيمھا اال نعيم جنة ومتى ظفر العبد بھذه المعرف

فانه طيب النفس ، والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفين، فانه ال يزال راضيا عن ربه، اآلخرةوھذا ھو ، وطمأنينته الى أحكامه الدينية، بما يجري عليھا من المقادير التى ھي عين اختيار هللا له

وھذا . وما ذاق طعم االيمان من لم يحصل له ذلك. وباالسالم دينا وبمحمد رسوال الرضا با ربافكلما كان بذلك كان به ، الرضا ھو بحسب معرفته بعدل هللا وحكمته ورحمته وحسن اختياره

ال يخرج ، فقضاء الرب سبحانه في عبده دائر بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة. أرضى، ابن عبدك، اللھم اني عبدك: " صلى هللا عليه وسلم في الدعاء المشھور عن ذلك البتة كما قال

سميت به ، أسألك بكل اسم ھو لك، عدل في قضاؤك، ماض في حكمك، ناصيتي بيدك، ابن أمتكأن ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، نفسك

Page 61: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

61

ما قالھا أحد قط اال ، وذھاب ھمي وغمي، وجالء حزني، ونور صدري، تجعل القرآن ربيع قلبيبلى ينبغي لمن : " أفال نتعلمھن يا رسول هللا؟ قال: قالوا". أذھب هللا ھمه وغمه وأبدله مكانه فرجا

وابن السني في عمل اليوم والليلة ، ٣٩١,٤٥٢\١أخرجه أحمد في المسند ، ."يسمعھن أن يتعلمھن .وغيرھم، ٣٣٩,٣٤٠رقم ١٠٤ص

وھذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده من عقوبة أو ألم ، "عدل في قضاؤك"والمقصود قوله

وھذا القضاء . فھو الذي قضى بالسبب وقضى بالمسبب وھو عدل في ھذا القضاء، وسبب ذلكان والذي نفسي بيده ال يقضي هللا للمؤمن قضاء اال ك:" خير للمؤمن كم قال صلى هللا عليه وسلم

.عن أنس بن مالك، ١١٧,١٨٤\٣أحمد في المسند ." وليس ذلك اال للمؤمن، خيرا له ھل يدخل في ذلك قضاء الذنب؟ " االمام الجليل ابن تيمية"فسألت شيخنا : قال العالمة ابن القيم

ما يترتب على الذنب من اآلثار المحبوبة من " بشرطه"فأجمل في لفظة ، نعم بشرطه: فقال .ة واالنكسار والندم والخضوع والذل والبكاء وغير ذلكالتوب

)فائدة] (٥٤[

الرغبة في اآلخرة تقتضي الزھد بالدنيا

وال يستقيم الزھد في الدنيا اال بعد نظرين ، ال تتم الرغبة في اآلخرة اال بالزھد في الدنيا :صحيحين

وألم المزاحمة عليھا ، ا وخستھاالنظر في الدنيا وسرعة زوالھا وفنائھا واضمحاللھا ونقصھ

وآخر ذلك الزوال واالنقطاع مع ، وما في ذلك من الغصص والنغص واألنكاد، والحرص عليھا، وھم في حال الظفر بھا، فطالبھا ال ينفك من ھم قبل حصولھا، ما يعقب من الحسرة واألسف

.فھذا أحد النظرين. وغم وحزن بعد فواتھا وشرف ما فيھا من ، ودوامھا وبقائھا، خرة واقبالھا ومجيئھا وال بدفي اآل) النظر الثاني(

واآلخرة خير { :الخيرات والمسرات والتفاوت الذي بينه وبين ما ھا ھنا فھي كما قال سبحانهفاذا تم له . وھذه خياالت ناقصة منقطعة مضمحلة، فھي خيرات كاملة دائمة. ١٧األعلى } وأبقى

فكل أحد مطبوع على . وزھد فيما يقتضي الزھد فيه، ي العقل ايثارهھذين النظران آثر ما يقتضاال اذا تبين ، أن ال يترك النفع العاجل واللذة الحاضرة الى النفع اآلجل واللذة الغائبة المنتظرة

وكل واحد من األمرين يدل على ضعف االيمان ، واما لعدم رغبته في األفضل، الفضل لهالراغب في الدنيا الحريص عليھا المؤثر لھا اما أن يصدق بأن فان . وضعف العقل والبصيرة

، فان لم يصدق بذلك كان عادما لاليمان رأسا، واما أن ال يصدق، ھناك أشرف وأفضل وأبقى .وان صدق ذلك كان فاسد العقل سيء االختيار لنفسه

دنيا على اآلخرة اما فايثار ال. وھذا تقسيم حاضر ضروري ال ينفك العبد من أحد القسمين منه

ولھذا نبذھا رسول هللا صلى هللا . وما أكثر ما يكون منھما. واما من فساد العقل، من فساد االيمانوھجروھا ، واطرحوھا ولم يألفوھا، عليه وسلم وراء ظھره ھو وأصحابه وصرفوا عنھا قلوبھم

ولو أرادوھا لنالوا منھا كل ، دفزھدوا فيھا حقيقة الزھ. وعدوھا سجنا ال جنة، ولم يميلوا اليھاوفاضت على ، فقد عرضت عليه مفاتيح كنوزھا فردھا. محبوب ولوصلوا منھا الى كل مرغوب

وعلموا أنھا معبر وممر ال دار مقام ، أصحابه فآثروا بھا ولم يبيعوا حظھم من اآلخرة بھاوخيال طيف ما ، لوأنھا سحابة صيف تنقشع عن قلي، وأنھا دار عبور ال دار سرور، ومستقر

.استتم الزيارة حتى آذن الرحيل

Page 62: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

62

انما أنا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح ، مالي وللدنيا: " قال النبي صلى هللا عليه وسلم

ما :" وقال. وابن ماجه وأحمد والسيوطي، )٢٣٧٧(٥٠٨\٤أخرجه الترمذي في الزھد " وتركھاأخرجه مسلم في الجنة ". اليم فلينظر بما ترجع الدنيا في اآلخرة اال كما يدخل أحدكم اصبعه في

.والترمذي وابن ماجه، ]٢٨٥٨[ ٥٥رقم ٢١٩٣\٤ انما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات األرض مما {: وقال خالقھا سبحانه

ون عليھا أتاھا يأكل الناس واألنعام حتى اذا أخذت األرض زخرفھا وازينت وظن أھلھا أنھم قادروهللا * أمرنا ليال أو نھارا فجعلناھا حصيدا كأن لم تغن باألمس كذلك نفصل اآليات لقوم يتفكرون

فأخبر عن خسة الدنيا ، ٢٤,٢٥يونس } يدعو الى دار السالم ويھدي من يشاء الى صراط مستقيم .وأخبر عن دار السالم ودعا اليھا، وزھد فيھا

لھم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات األرض واضرب { :وقال تعالى

المال والبنون زينة الحياة الدنيا * فأصبح ھشيما تذروه الرياح وكان هللا على كل شيء مقتدرا .٤٥,٤٦الكھف } والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أمال

عب ولھو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في األموال واألوالد اعلموا أن الحياة الدنيا ل{ :وقال تعالى

كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يھيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي اآلخرة عذاب شديد .٢٠الحديد } ومغفرة من هللا ورضوان وما الحياة الدنيا اال متاع الغرور

لبنين والقناطير المقنطرة من الذھب زين للناس حب الشھوات من النساء وا{ :وقال تعالى

قل * والفضة والخيل المسومة واألنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا وهللا عنده حسن المآب أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربھم جنات تجري من تحتھا األنھار خالدين فيھا وأزواج

.١٤,١٥عمران آل } مطھرة ورضوان من هللا وهللا بصير بالعباد .٢٦الرعد } وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في اآلخرة اال متاع{ :وقال تعالى وقد توعد سبحانه أعظم الوعيد لمن رضى بالحياة الدنيا واطمأن بھا وغفل عن آياته ولم يرج

بھا والذين ھم عن آياتنا ان الذين ال يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا { :فقال، لقاءه .٧,٨يونس } أولئك مأواھم النار بما كانوا يكسبون* غافلون

يا أيھا الذين آمنوا ما لكم اذا قيل لكم { : فقال، وعير سبحانه من رضي بالدنيا من المؤمنين

ا في اآلخرة انفروا في سبيل هللا اثاقلتم الى األرض أرضيتم بالحياة الدنيا من اآلخرة فما متاع الدني .٣٨التوبة } اال قليل

ويكفي في ، وعلى قدر رغبة العبد في الدنيا ورضاه بھا يكون تثاقله عن طاعة هللا وطلب اآلخرة

ما أغنى * ثم جاءھم ما كانوا يوعدون * أفرأيت ان متعناھم سنين { :الزھد في الدنيا قوله تعالى .٢٠٧-٢٠٥الشعراء } عنھم ما كانوا يمتعون

.٤٥يونس } ويوم يحشرھم كأن لم يلبثوا اال ساعة من النھار يتعارفون بينھم{ :وقوله كأنھم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا اال ساعة من نھار بالغ فھل يھلك اال القوم {: وقوله

.٣٥األحقاف } الفاسقون

Page 63: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

63

انما . الى ربك منتھاھا . فيم أنت من ذكراھا . يسألونك عن الساعة أيان مرساھا { :وقوله تعالى .٤٦-٤٢النازعات } كأنھم يوم يرونھا لم يلبثوا اال عشية أو ضحاھا. أنت منذر من يخشاھا

.٥٥الروم } ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة{ :وقوله * العادين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل * قال كم لبثتم في األرض عدد سنين { : وقوله

.١١٤-١١٢المؤمنون }قال ان لبثتم اال قليال لو أنكم كنتم تعلمون يتخافتون بينھم ان لبثتم اال عشرا * يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا { :وقوله

.١٠٤-١٠٢طه } نحن أعلم بما يقولون اذ يقول أمثلھم طريقة ان لبثتم اال يوما* . يه التكالنوهللا المستعان وعل

)قاعدة] (٥٥[ أساس الخير أن تؤمن بما شاءه تعالى

فتيقن حينئذ أن الحسنات من . وما لم يشأ لم يكن، أساس كل خير أن تعلم أن ما شاء هللا كان

فتبتھل ، وأن السيئات من خذالنه وعقوبته، وتتضرع اليه أن ال يقطعھا عنك، فتشكره عليھا، نعمهوقد أجمع . وال يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات الى نفسك، وبينھااليه أن يحول بينك

وأجمعوا أن ، وكل شر فأصله خذالنه لعبده، العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق هللا للعبدفاذا كان كل خير ، وأن الخذالن ھو أن يخلي بينك وبين نفسك، التوفيق أن ال يكللك هللا الى نفسك

فمفتاحه الدعاء واالفتقار وصدق اللجأ والرغبة والرھبة ، ھو بيد هللا ال بيد العبدو، فأصله التوفيقومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير ، فمتى أعطى العبد ھذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له. اليه

.مرتجا دونه ، كن ھم الدعاءول، اني ال أحمل ھم االجابة: قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي هللا عنه

وعلى قدر مية العبد وھمته ومراده ورغبته في ذلك يكون . فاذا ألھمت الدعاء فان االجابة معهفالمعونة من هللا تنزل على العباد على قدر ھممھم وثباتھم ورغبتھم . توفيقه سبحانه واعانته

، أعلم العالمينفا سبحانه أحكم الحاكمين و، والخذالن ينزل عليھم على حسب ذلك، ورھبتھموما أتي من أتى اال من قبل اضاعة ، وھو العليم الحكيم، يضع التوفيق في مواضعه الالئقة به

وال ظفر من ظفر بمشيئة هللا وعونه اال بقيامه بالشكر وصدق ، الشكر واھمال االفتقار والدعاءفاذا قطع الرأس ، سدومالك ذلك الصبر فانه من االيمان بمنزلة الرأس من الج. االفتقار والدعاء .فال بقاء للجسد

****** .ماضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن هللا • .خلقت النار الذابة القلوب القاسية • .أبعد القلوب من هللا القلب القاسي • .اذا قسا القلب قحطت العين •كما أن . م والمخالطةاألكل والنوم والكال: قسوة القلب من أربعة أشياء اذا جاوزت قدر الحاجة •

فكذلك القلب اذا مرض بالشھوات لم ينفع فيه ، البدن اذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب .المواعظ

Page 64: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

64

.من أراد صفاء قلبه فليؤثر هللا على شھوته • .القلوب المتعلقة بالشھوات محجوبة عن هللا بقدر تعلقھا بھا • .صلبھا وأصفاھافأحبھا اليه أرقھا وأ، القلوب آنية هللا في أرضه •ولو شغلوھا با والدار اآلخرة لجالت في معاني كالمه وآياته المشھودة ، شغلوا قلوبھم بالدنيا •

.ورجعت الى أصحابھا بغرائب الحكم وطرف الفوائد .ورأى العجائب وألھم الحكمة، ونقي من الدغل، وسقي بالتفكر، اذا غذي القلب بالتذكر •بل أھل المعرفة والحكمة الذين ، لحكمة وانتحلھا كان من أھلھاليس كل من تحلى بالمعرفة وا •

فالمعرفة والحكمة عارية على ، وأما من قتل قلبه فأحيى الھوى. أحيوا قلوبھم بقتل الھوى .لسانه

.وعمارته من الخشية والذكر، خراب القلب من الزمن والغفلة •واذا رضيت ، بين أھل تلك الدعوةاذا زھدت القلوب في موائد الدنيا قعدت على موائد اآلخرة •

.بموائد الدنيا فاتتھا تلك الموائد .الشوق الى هللا ولقائه نسيم يھب على القلب يروح عنه وھج الدنيا • .من أرسله في الناس اضطرب واشتد به القلق، سكن واستراح، من وطن قلبه عند ربه • .مل في سم االبرةال تدخل محبة هللا في قلب فيه حب الدنيا اال كما يدخل الج •ولسانه ، فشغل ھمه به، واستخلصه لعبادته، اذا أحب هللا عبدا اصطنعه لنفسه واجتباه لمحبته •

.وجوارحه بخدمته، بذكره

مرض القلب] ٥٦[

ويصدأ كما تصدأ المرآة وجالؤه ، وشفاؤه في التوبة والحمية، القلب يمرض كما يمرض البدن وطعامه ، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وزينته التقوى ،ويعرى كما يعرى الجسم، بالذكر

.وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل واالنابة والخدمة .اياك والغفلة عمن جعل لحياتك أجال وأليامك وأنفاسك أمدا ومن كل سواه بد وال بد لك منه

ترك االختيار] ٥٧[

جاه أو في خوف نقصان أو في التخلص من من ترك االختيار والتدبير في طلب زيادة دنيا أو ، وسلم األمر اليه، فألقى كنفه بين يديه، توكال على هللا وثقة بتدبيره له وحسن اختياره له، عدو

.استراح من الھموم والغموم واألحزان، ورضي بما يقضيه له وال ، يش يصفوفال ع، وقع في النكد والنصب وسوء الحال والتعب، ومن أبى اال تدبيره لنفسه

.وال راحة تدوم، وال أمل يقوم، وال عمل يزكو، قلب يفرح وسكن الى ، فمن رضي بتدبير هللا له، وهللا سبحانه سھل لخلقه السبيل اليه وحجبھم عنه بالتدبير

.واطمأن اليه وسكن، فأفضى القلب الى ربه، أزال ذلك الحجاب، وسلم لحكمه، اختياره

أل غير هللا وال يرد على هللا وال يدخر مع هللالمتوكل ال يس] ٥٨[

.ومن شغل بربه شغل عن نفسه، من شغل بنفسه شغل عن غيره • .االخالص ھو ما ال يعلمه ملك فيكتبه وال عدو فيفسده وال يعجب به صاحبه فيبطله •

Page 65: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

65

.الرضا سكون القلب تحت مجاري األحكام • . الناس في الدنيا معذبون على قدر ھممھم بھا • .وثالثة عالية، ثالثة سافلة: قلب ستة مواطن يجول فيھا ال سابع لھالل •

فھذه مواطن األرواح السافلة التي ال . وعدو يوسوس له، ونفس تحدثه، دنيا تتزين له: فالسافلة .تزال تجول بھا .والقلوب جوالة في ھذه المواطن. واه يعبده، وعقل يرشده، علم يتبين له: والثالثة العالية

، فان اتباع الھوى يعمي عن الحق معرفة وقصدا، باع الھوى وطول األمل مادة كل فسادات •

.ويصد عن االستعداد لھا، وطول األمل ينسي اآلخرة .أو يداھن غيره، ال يشم عبد رائحة الصدق ويداھن نفسه •ھدا فيما زا، جوادا بما عنده، ممسكا عن ذنب غيره، اذا أراد هللا بعبد خيرا جعله معترفا بذنبه •

.وان أراد به شرا عكس ذلك عليه، محتمال ألذى غيره، عند غيره :الھمة العلية ال تزال حائمة حول ثالثة أشياء •

.تعرف لصفة من الصفات العليا تزداد بمعرفتھا محبة وارادة فاذا تعلقت الھمة بسوى ھذه الثالثة جالت في أودية. ومالحظة لمنة تزداد بتذكره توبة وخشية

.الوساوس والخطرات ومن أعرض عنھا . من عشق الدنيا نظرت الى قدرھا عند فصيرته من خدمھا وعبيدھا وأذلته •

.نظرت الى كبر قدره فخدمته وذلت له، فاذا حاد المسافر عن الطريق، انما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادة وسير الليل •

فمتى يصل الى مقصده؟، ونام الليل كله

)فائدة جليلة] (٥٩[ قبول فتوى العابد الزاھد في دنياه

، فال بد أن يقول على هللا غير الحق في فتواه وحكمه، كل من آثر الدنيا من أھل العلم واستحبھا

وال سيما ، ألن أحكام الرب سبحانه كثيرا ما تأتي على خالف أغراض الناس، في خبره والزامه، الشھوات فانھم ال تتم لھم أغراضھم اال بمخالفة الحق ودفعه كثيراوالذين يتبعون . أھل الرئاسة

لم يتم لھما ذلك اال بدفع ما يضاده من ، متبعين للشھوات، فاذا كان العالم والحاكم محبين للرئاسة، فيخفى الصواب، ويثور الھوى، فتتفق الشبھة والشھوة، وال سيما اذا قامت له شبھة، الحق

لي : أقدم على مخالفته وقال، ن كان الحق ظاھرا ال خفاء به وال شبھة فيهوا. وينطمس وجه الحقفخلف من بعدھم خلف أضاعوا الصالة {: وفي ھؤالء وأشباھھم قال تعالى. مخرج من التوبة .٥٩مريم } واتبعوا الشھوات

فخلف من بعدھم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض ھذا األدنى { :وقال تعالى فيھم أيضا

لون سيغفر لنا وان يأتھم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليھم ميثاق الكتاب أن ال يقولوا على ويقو .١٦٩األعراف } هللا اال الحق ودرسوا ما فيه والدار اآلخرة خير للذين يتقون أفال تعقلون

وان ، فأخبر سبحانه أنھم أخذوا الغرض األدنى مع علمھم بتحريمه عليھم وقالوا سيغفر لنا وذلك ھو الحامل لھم على أن يقولوا على ، لھم عرض آخر أخذوه فھم مصرون على ذلك عرض

فيقولون ھذا حكمه وشرعه ودينه وھم يعلمون أن حكمه وشرعه ودينه خالف ، هللا غير الحق

Page 66: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

66

وتارة ، أو ال يعلمون أن ذلك دينه وشرعه وحكمه؟ فتارة يقولون على هللا ما ال يعلمون، ذلكفال ، وأما الذين يتقون فيعلمون أن الدار اآلخرة خير من الدنيا، علمون بطالنهيقولون عليه ما ي

وطريق ذلك أن يتمسكوا . يحملھم حب الرئاسة والشھوة على أن يؤثروا الدنيا على اآلخرةواآلخرة ، ويتفكروا في الدنيا وزوالھا وخستھا، ويستعينوا بالصبر والصالة، بالكتاب والسنةفان ، وھؤالء ال بد أن يبتدعوا في الدين مع الفجور في العمل فيختمع لھم األمران، اقبالھا ودوامھا

والسنة ، أو ينكسه فيرى البدعة سنة، فال يميز بين السنة والبدعة، اتباع الھوى يعمى عين القلب . بدعة

: لي قولهوھذه اآليات فيھم ا. واتبعوا الرئاسات والشھوات، فھذه آفة العلماء اذا آثروا الدنيا ولو شئنا * واتل عليھم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منھا فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين {

لرفعناه بھا ولكنه أخلد الى األرض واتبع ھواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلھث أو تتركه .هفھذا مثل عالم السوء الذي يعمل بخالف علم. ١٧٦-١٧٥األعراف } يلھث

:وذلك من وجوه، وتأمل ما تضمنته ھذه اآلية من ذمه

.واختار الكفر على االيمان عمدا ال جھال، أنه ضل بعد العلم: أحدھاكما تنسلخ ، فانه انسلخ من اآليات بالجملة، أنه فارق االيمان مفارقة من ال يعود اليه أبدا: وثانيھا

.نسلخ منھالم ي، ولو بقي معه منھا شيء، الحية من قشرھاولم }، فأتبعه الشيطان{: ولھذا قال، بحيث ظفر به وافترسه، أن الشيطان أدركه ولحقه: وثالثھا .وھو أبلغ من تبعه لفظا ومعنى، فان معنى أتبعه أدركه ولحقه، يقل تبعهوھوأخص بفساد القصد والعمل ، الضالل في العلم والقصد: والغي. أنه غوي بعد الرشد: ورابعھاوان اقترنا فالفرق ، فاذا أفرد أحدھما دخل فيه اآلخر. الضالل أخص بفساد العلم واالعتقاد كما أن .ما ذكر

ألنه لم يرفع به فصار وباال ، أنه سبحانه لم يشأ أن يرفعه بالعلم فكان سبب ھالكه: وخامسھا .فلو لم يكن عالما لكان خيرا له وأخف لعذابه، عليه

.وأن اختار األسفل األدنى على األشرف األعلى، خسة ھمتهأنه سبحانه أخبر عن : وسادسھا، ولكنه كان عن اخالد الى األرض، أن اختياره لألدنى لم يكن عن خاطر وحديث نفس: وسابعھا

، لزم الميل الى األرض: كأنه قيل، وأصل االخالد اللزوم على الدوام، وميل بكليته الى ما ھناكمرتد قتله ضرار بن (قال مالك بن نويرة ، اذا لزم االقامة به أخلد فالن بالمكان: ومن ھذا يقال

):األزور بأبناء حي من قبائل مالك وعمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا

ألن الدنيا ھي األرض وما فيھا وما يستخرج منھا ، وعبر عن ميله الى الدنيا باخالده الى األرض .من الزينة والمتاع

.يقتدي به ويتبعه، فجعل ھواه اماما له، واتبع ھواه، أنه رغب عن ھداه: وثامنھا، وأبخلھا وأشدھا كلبا، وأسقطھا نفسا، أنه شبھه بالكلب الذي ھو أخس الحيواناتھمة: وتاسعھا

.ولھذا سمي كلبا، وحرصه على تحصيلھا، وجزعه لفقدھا، وعدم صبره عنھا، أنه شبه لھثه على الدنيا: وعاشرھا

وان ، ھذا ان ترك فھو لھثان على الدنيا. وھكذا، الكلب في حالتي تركه والحمل عليه بالطردبلھث .فاللھث ال يفارقه في كل حال كلھث الكلب. وعظ وزجر فھو كذلك

، )األكل(كل شيء يلھث فانما يلھث من اعياء أو عطش اال الكلب في حال الكالل : قال ابن قتيبة

ان وعظته فھو : فضربه هللا مثال لھذا الكافر فقال، وحال العطش، وحال الري، وحال الراحةوان تركته على حاله ، وان تركته فھو ضال كالكلب ان طردته لھث، وان تركته فھو ضال، ضال . وذلك أخس ما يكون وأشنعه، وانما وقع بالكلب الالھث، وھذا التمثيل لم يقع بكل كلب. لھث

Page 67: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

67

ر وفتنة العابد الجاھلاحذروا فتنة العالم الفاج] ٦٠[

وأما العبد الجاھل فآفته من اعراضه عن العلم ، فھذا حال العالم المؤثر الدنيا على اآلخرة

احذروا : ولھذا قال سفيان بن عيينة وغيره. وأحكامه وغلبة خياله وذوقه ووجده وما تھواه نفسهفھذا بجھله يصد عن العلم ، كل مفتونفان فتنتھما فتنة ل، وفتنة العابد الجاھل، قتنة العالم الفاجر

.وذاك بغيه يدعو الى الفجور، وموجبه كمثل الشيطان اذ قال لالنسان أكفر فلما كفر { : وقد ضرب هللا سبحانه مثل النوع اآلخر بقوله

فكان عاقبتھما أنھما في النار خالدين فيھا وذلك * قال اني بريء منك اني أخاف هللا رب العالمين ، فانه بنى أساس أمره على عبادة هللا بجھل، وقصته معروفة، ١٧- ١٦الحشر } الظالمينجزاء

وذاك امام كل ، فھذا امام كل عابد جاھل يكفر وال يدري. وكفره بجھله، فأوقعه الشيطان بجھله .يختار الدنيا على اآلخرة، عالم فاجر

، وتدبرھا والعمل بھا، معرفة آياته وطمأنينته وغفلته عن، وقد جعل سبحانه رضى العبد بالدنيا

أعني الرضا بالدنيا والغفلة عن آيات الرب اال في قلب من ، وال يجتمع ھذان، سبب شقائه وھالكهلما رضي ، واال فلو رسخ قدمه في االيمان بالمعاد، وال يرجو لقاء رب العباد، ال يؤمن بالمعاد

.وال أعرض عن آيات هللا، وال اطمأن اليھا، الدنيا وأقل . وأنت اذا تأملت أحوال الناس وجدت ھذا الضرب ھو الغالب على الناس وھم عمار الدنيا

علمه ، لھم شأن وله شأن، وھو من أشد الناس غربة بينھم، الناس عددا من ھو على خالف ذلك: قال تعالى، فھو في واد وھم في واد، وطريقه غير طريقھم، وارادته غير ارادتھم، غير علومھم

* ان الذين ال يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بھا والذين ھم عن آياتنا غافلون { .٨,٧يونس }أولئك مأواھم النار بما كانوا يكسبون

ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يھديھم {: ثم ذكر وصف ضد ھؤالء ومآلھم وعاقبتھم بقوله

.٩يونس }ار في جنات النعيم ربھم بايمانھم تجري من تحتھم األنھفھذه ، ودوام ذكر آياته، فھؤالء ايمانھم بلقاء هللا أورثھم عدم الرضا بالدنيا والطمأنينة اليھا

. وتلك مواريث عدم االيمان به والغفلة عنه، مواريث االيمان بالمعاد

)فائدة عظيمة] (٦١[ العلم االيمان أفضل ما تكسبه النفس ويحصله القلب

ھو العلم ، ونال به العبد الرفعة في الدنيا واآلخرة، وحصلته القلوب، فضل ما اكتسبته النفوسأ

وقال الذين أوتوا العلم وااليمان لقد لبثتم في { : ولھذا قرن هللا سبحانه بينھما في قوله، وااليمانمنوا منكم والذين يرفع هللا الذين آ{ :وقوله. ٥٦الروم }كتاب هللا الى يوم البعث فھذا يوم البعث

، والمؤھلون للمراتب العالية، وھؤالء ھم خالصة الوجود ولبه، ١١المجادلة }أوتوا العلم درجاتوفي ، ولكن أكثر الناس غالطون في حقيقة مسمى العلم وااليمان اللذين بھما السعادة والرفعة

، لذي به تنال السعادةحتى أن كل طائفة تظن أن ما معھا من العلم وااليمان ھو ھذا ا. حقيقتھمابل قد سدوا على نفوسھم طرق العلم ، وليس كذلك بل أكثرھم ايس معھم ايمان ينجي وال علم يرفع

وكان عليھما ھو ، وااليمان اللذين جاء بھما الرسول صلى هللا عليه وسلم ودعا اليھما األمة .وأصحابه من بعده وتابعوھم على منھاجھم وآثارھم

Page 68: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

68

فتقطعوا أمرھم بينھم زبرا كل حزب بما لديھم {ت أن العلم معھا وفرحت به فكل طائفة اعتقد والعلم وراء الكالم كما قال حماد ، وأكثر ما عندھم كالم وآراء وخرص، ٥٣المؤمنون} فرحون !الكالم اليوم أكثر والعلم فيما تقدم أكثر: العلم اليوم أكثر أو فيما تقدم؟ فقال: قلت أليوب: بن زيد

فالكتب كثيرة جدا والكالم والجدال والمقدرات الذھنية . ق ھذا الراسخ بين العلم والكالمففر

{ :وھو ما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم عن هللا سبحانه، والعلم بمعزل عن أكثرھا، كثيرةلئن اتبعت أھواءھم بعد { :وقال، ٦١آل عمران } ..فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم

أي وفيه ، ١٦٦النساء} أنزله بعلمه{ :وقال في القرآن، ١٢٠البقرة } ..لذي جاءك من العلما .علمه

ولما بعد العھد بھذا العلم آل األمر بكثير من الناس الى أن يتخذوا ھواجس األفكار وسوانح

ومألوا ، نفضيعوا فيھا الزما، وأنفقوا فيھا األنفاس، ووضعوا فيھا الكتب، الخواطر واآلراء علماحتى صرح كثير من الناس منھم أنه ليس في القرآن والسنة ، والقلوب سوادا، بھا الصحف مدادا

وأذن بھا بين ، وصرخ الشيطان بھذه الكلمة فيھم. وأن أدلتھما لفظية ال تفيد يقينا وال علما، علمكانسالخ الحية من فانسلخت بھا القلوب من العلم وااليمان، حتى أسمعھا دانيھم لقاصيھم، أظھرھم .والثوب عن البسه، قشرھا

ولقد أخبرني بعض أصحابنا عن بعض أتباع أتباع : قال االمام العالمة شمس الدين ابن القيم

لو حفظت القرآن أوال : فقال له، تالميذ ھؤالء أنه رآه يشتغل في بعض كتبھم ولم يحفظ القرآن .وھل في القرآن علم: فقال، كان أولى

اننا نسمع الحديث ألجل البركة ال لنستفيد منه العلم : وقال لي بعض أئمة ھؤالء: ابن القيمقال

وال شك أن من كان ھذا مبلغه من ، ألن غيرنا قد كفانا ھذه المؤونة فعمدتنا على ما فھموه وقرروه :العلم فھو كما قال القائل

منزل نزلوا بمكة في قبائل ھاشم ونزلت بالبطحاء أبعد

:وقال لي شيخنا مرة في وصف ھؤالء: قال ويكفيك دليال على أن ھذا الذي عندھم ، انھم طافوا على أرباب المذاھب ففازوا بأخس الطلب

ولو {: قال تعالى، ما ترى فيه من التناقض واالختالف ومصادمة بعضه لبعض، ليس من عند هللاوھذا يدل على أن ما كان من عنده ، ٨٢النساء} ثيراكان من عند غير هللا لوجدوا فيه اختالفا ك

وكيف تكون اآلراء والخياالت ، وأن ما اختلف وتناقض فليس من عنده، سبحانه ال يختلف .سبحانك ھذا بھتان عظيم، وسوانح األفكار دينا يدان به ويحكم به على هللا ورسوله

ء المختلفين الخراصين كما حكى وقد كان علم الصحابة الذي يتذاكرون فيه غير علوم ھؤال

كان أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم اذا : قال، الحاكم في ترجمة أبي عبد هللا البخاري :ولقد أحسن القائل. ليس بينھم رأي وال قياس، اجتمعوا انما يتذاكرون كتاب ربھم وسنة نبيھم

بالتمويه ليس، العلم قال هللا قال رسوله قال الصحابة ما العلم نصبك للخالف سفاھة بين الرسول وبين رأي فقيه

وال جحد الصفات ونفيھا حذرا من التمثيل والتشبيه، كال

Page 69: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

69

االيمان المفصل معرفة وعلم واقرار ومحبة] ٦٢[

سف يو} وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين{ : يدعونه، أو كلھم، وأما االيمان فأكثر الناس

وأما االيمان المفصل بما جاء به الرسول صلى ، وأكثر المؤمنين انما عندھم ايمان مجمل، ١٠٣فھذا ايمان خواص ، هللا عليه وسلم معرفة وعلما واقرارا ومحبة ومعرفة بضده وكراھيته وبغضه

.وھو ايمان صادق وحزبه، األمة وخاصة الرسول وأنه وحده ھو الذي خلق السموات ، بوجود الصانع وكثير من الناس حظھم من االيمان االقرار

.وھذا لم يكن ينكره عباد األصنام من قريش ونحوھم، واألرض وما بينھما وسواء وافق ، سواء كان معه عمل أو لم يكن، وآخرون االيمان عندھم ھو التكلم بالشھادتين

.تصديق القلب أو خالفه قلب بأن هللا سبحانه خالق السموات واألرض وأن وآخرون عندھم االيمان مجرد تصديق ال

بل ولو سب هللا ورسوله وأتى بكل ، محمدا عبده ورسوله وان لم يقره باللسان ولم يعمل شيئا .وھو يعتقد وحدانية هللا ونبوة رسوله فھو مؤمن، عظيمة

ته وآخرون عندھم االيمان ھو جحد صفات الرب تعالى من علوه على عرشه وتكلمه بكلما

، وغير ذلك مما وصف به نفسه، ومتبه وسمعه وبصره ومشيئته وقدرته وارادته وحبه وبغضهووصفه به رسوله صلى هللا عليه وسلم فااليمان عندھم انكار حقائق ذلك كله وجحده والوقوف مع ما تقتضيه آراء المتھوكين وأفكار المخرصين الذين يرد بعضھم على بعض وينقض بعضھم قول

:ذين ھم كما قال عمر بن الخطاب واالمام أحمدال، بعض ".متفقون على مفارقة الكتاب، مخالفون للكتاب، مختلفون فى الكتاب" وآخرون عندھم االيمان عبادة هللا بحكم أذواقھم ومواجيدھم وما تھواه نفوسھم من غير تقييد بما

.جاء به الرسول بل ايمانھم ، ءھم وأسالفھم بحكم االتفاق كائنا ما كانوآخرون االيمان عندھم ما وجدوا عليه آبا

.أن ما قالوه فھو الحق: والثانية. أن ھذا قول أسالفنا وأبائنا: احداھما، مبني على مقدمتين وآخرون عندھم االيمان مكارم األخالق وحسن المعاملة وطالقة الوجه واحسان الظن بكل أحد

.وتخلية الناس وغفالتھم فاذا رأوا . عندھم االيمان التجرد من الدنيا وعالئقھا وتفريغ القلب منھا والزھد فيھاوآخرون

وأعلى من . وان كان منسلخا من االيمان علما وعمال، رجال ھكذا جعلوه من سادات أھل االيمان .ھؤالء من جعل االيمان ھو مجرد العلم وان لم يقارنه عمل

منھم من جعل : وھو أنواع، وال قاموا به وال قام بھم وكل ھؤالء لم يعرفوا حقائق االيمان

ومنھم من جعله ما ھو ، ومنھم من جعل االيمان ما ال يعتبر في االيمان، االيمان ما يضاد االيمانومنھم من ، ومنھم من اشترط في ثبوته ما يناقضه ويضاده، شرط فيه وال يكفي في حصوله .اشترط فيه ما ليس منه بوجه

Page 70: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

70

، وھو حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم، وراء ذلك كله وااليمان

، والعمل به باطنا وظاھرا، واالنقياد له محبة وخضوعا، واالقرار به نطقا، والتصديق به عقداوالعطاء والمنع ، وتنفيده والدعوة اليه بحسب االمكان وكماله في الحب في هللا والبغض في هللا

، والطريق الى تجريد متابعة رسوله ظاھرا وباطنا. وأن يكون هللا وحده الھه ومعبوده، .وبا التوفيق، وتغميص عين القلب عن االلتفات الى سوى هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم

ة كفاه هللا مؤون، ومن اشتغل با عن الناس، كفاه هللا مؤونة نفسه، من اشتغل با عن نفسه

. وكله هللا اليھم، ومن اشتغل بالناس عن هللا، وكله هللا الى نفسه، ومن اشتغل بنفسه عن هللا، الناس

)فائدة جليلة] (٦٣[ ال مشقة في ترك المألوف ارضاء تعالى

أما من تركھا صادقا مخلصا . انما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركھا لغير هللا

، فانه ال يجد في تركھا مشقة اال في أول وھلة ليمتحن أصادق ھو في تركھا أم كاذبفي قلبه .فان صبر على تلك المشقة قليال استحالت لذة

.سمعت شريحا يحلف با ما ترك عبدهللا شيئا فوجده فقده: قال ابن سيرين وأجل ما يعوض ، اع مختلفةوالعوض أنو، حق" من ترك شيئا عوضه هللا خيرا منه:" وقولھم

.وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى، وطمأنينة القلب به، به االنس با ومحبته .أغبى الناس من ضل في آخر سفره وقد قارب المنزل العقول المؤيدة بالتوفيق ترى أن ما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم ھو الحق الموافق للعقل

.والعقول المضروبة بالخذالن ترى المعارضة بين العقل والنقل والحكمة والشرع . والحكمة

، ودوام االفتقار الى هللا، والوقوف معھا في الظاھر والباطن، أقرب الوسائل الى هللا مالزمة السنة وما وصل أحد الى هللا اال من ھذه الثالثة وما انقطع عنه، وارادة وجھه وحده باألقوال واألفعال .أحد اال بانقطاعه عنھا أو عن أحدھا

فمن فقد ذلك األصل حصل ، ولكل واحد منھما ضد، األصول التي انبنى عليھا سعادة العبد ثالثة

.والطاعة وضدھا المعصية، والسنة وضدھا البدعة، التوحيد وضده الشرك. على ضده ومن الرھبة منه ومما ، فيما عندهوھو خلو القلب من الرغبة في هللا و: ولھذه الثالثة ضد واحد

.عنده

)قاعدة جليلة] (٦٤[

ومن يشاقق { :وقال، ٥٥األنعام }وكذلك نفصل اآليات ولتستبين سبيل المجرمين{ :قال تعالى وهللا . ١١٥النساء} هللا والرسول من بعد ما تبين له الھدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى

، وعاقبة ھؤالء مفصلة، وسبيل المجرمين مفصلة، به سبيل المؤمنين مفصلةنعالى قد بين في كتا، وأولياء ھؤالء وخذالنه لھؤالء وتوفيقه لھؤالء، وأعمال ھؤالء وأعمال ھؤالء وأولياء ھؤالء

Page 71: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

71

وجال سبحانه االمرين في كتابه ، واألسباب التي خذل بھا ھؤالء، واألسباب التي وفق بھا ھؤالءحتى شاھدتھما البصائر كمشاھدة األبصار للضياء ، وبينھما غاية البيان، ماوكشفھما وأوضحھ

.والظالم وسبيل المجرمين معرفة ، فالعالمون با وكتاب ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة يفصيلية

والطريق ، فاستبانت لھم السبيالن كما يستبين للسالك الطريق الموصل الى مقصوده، تفصيليةوبذلك ، وھم األدالء الھداة، فھؤالء أعلم الخلق وأنفعھم للناس وأنصحھم لھم. الى الھلكة الموصل

.برز الصحابة على جميع من أتى بعدھم الى يوم القيامة ، فانھم نشأوا في سبيل الضالل والكفر والشرك والسبل الموصلة الى الھالك وعرفوھا مفصلة

فخرجوا ، وصراط هللا المستقيم، مات الى سبيل الھدىثم جاءھم الرسول فأخرجھم من تلك الظلومن الغي الى ، ومن الجھل الى العلم، ومن الشرك الى التوحيد، من الظلمة الشديدة الى النور التم

فعرفوا مقدار ما نالوه ، ومن الحيرة والعمي الى الھدى والبصائر، ومن الظلم الى العدل، الرشاد. وانما تتبين األشياء بأضدادھا، فان الضد يظھر حسنة الضد. يهومقدار ما كانوا ف، وظفروا به

وكانوا أحب الناس للتوحيد ، ونفرا وبغضا لما انتقلوا عنه، فازدادوا رغبة ومحبة فيما انتقلوا اليه . عالمين بالسبيل على التفصيل، وااليمان واالسالم وأبغض الناس لضده

فالتبس عليه ، من نشأ في االسالم غير عالم تفصيل ضدهفمنھم ، وأما من جاء من بعد الصحابة

فان اللبس انما يقع اذا ضعف العلم بالسبيلين أو ، بعض تفاصيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمينانما تنتقض عرى االسالم عروة عروة اذا نشأ في االسالم :" أحدھما كما قال عمر بن الخطاب

فانه اذا لم يعرف الجاھلية ، لم عمر رضي هللا عنهوھذا من كمال ع" من ال يعرف الجاھليةفانھا منسوبة ، وحكمھا وھو كل ما خالف ما جاء الرسول صلى هللا عليه وسلم فانه من تاجاھلية

.وكل ما خالف الرسول فھو من الجھل، الى الجھل بيل أوشك أن يظن في بعض سبيلھم أنھا من س، ولم تستبن له، فمن لم يعرف سبيل المجرمين

كما وقع في ھذه األمة من أمور كثيرة في باب االعتقاد والعلم والعمل ھي من سبيل ، المؤمنينودعا ، أدخلھا من لم يعرف أنھا من سبيلھم في سبيل المؤمنين، المجرمين والكفار وأعداء الرسل

من الجھمية كما وقع ألكثر أھل البدع، واستحل منه ما حرمه هللا ورسوله، وكفر من خالفھا، اليھا .وكفر من خالفھا، ودعا اليھا، ممن ابتدع بدعة، والقدرية ولخوارج والروافض وأشياھھم

:والناس في ھذا الموقع أربع فرق

وھؤالء ، من استبان له سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين على التفصيل علما وعمال: الفرقة األولى .أعلم الخلقولھا ، وھؤالء بسبيل المجرمين أحضر، لسبيالن من أشباه األنعاممن عميت عنه ا: الفرقة الثانية

.أسلكمن صرف عنايته الى معرفة سبيل المؤمنين دون ضدھا فھو يعرف ضدھا من : الفرقة الثالثة

وأن كل ما خالف سبيل المؤمنين فھو باطل وان لم يتصوره على ، حيث الجملة والمخالفة، ولم يشغل نفسه بفھمه، سبيل المؤمنين صرف عنه سمعه بل اذا سمع شيئا مما خالف، التفصيل

وھو بمنزلة من سلمت نفسه من ارادت الشھوات فلم تخطر بقلبه ولم تدعه ، ومعرفة وجه بطالنه .فانھم يعرفونھا وتميل اليھا نفوسھم ويجاھدونھا على تركھا ، بخالف الفرقة األولى، اليھا نفسه

رجل لم تخطر له : ب يسألونه عن ھذه المسألة أيھما أفضلوقد كتبوا الى عمر بن الخطا

؟ فكتب عمر، الشھوات ولم تمر بباله ان الذي تشتھي نفسه : أو رجل نازعته اليھا نفسه فتركھا

Page 72: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

72

}، الذين امتحن هللا قلوبھم للتقوى لھم مغفرة وأجر عظيم{ : المعاصي ويتركھا عز وجل منوعزاه لالمام أحمد في كتاب الزھد واسناده منقطع ألن مجاھد ٢٠٧\٤ذكره ابن كثير في التفسير

.بن جبر لم يسمعه عن عمر بن الخطاب ودفعھا عن ، وحذرھا وحذر منھا، وھكذا من عرف البدع والشرك والباطل وطرقه فأبغضھا

رة في بل يزداد بمعرفتھا بصي، وال تورثه شبھة وال شكا، ولم يدعھا تخدش وجه ايمانه، نفسهفانه كلما . أفضل ممن ال تخطر بباله وال تمر بقلبه، وكراھة لھا ونفرة عنھا، الحق ومحبة له

كما أن . فيقوى ايمانه بھا، مرت بقلبه وتصورت له ازداد محبة للحق ومعرفة بقدره وسرورا بهصاحب خواطر الشھوات والمعاصي كلما مرت به فرغب عنھا الى ضدھا وازداد محبة لضدھا

فما ابتلى هللا سبحانه عبده المؤمن بمحبة الشھوات ، وطلبا له وحرصا عليه، رغبة فيهو، وخير له وأنفع وأدوم، والمعاصي وميل نفسه اليھا اال ليسوقه بھا الى محبة ما ھو أفضل منھا

فكلما . فتورثه تلك المجاھدة الوصول الى المحبوب األعلى، وليجاھد نفسه على تركھا له سبحانهصرف ذلك الشوق والمحبة : عته نفسه الى تلك الشھوات واشتدت ارادته لھا وشوقه اليھاناز

بخالف النفس الباردة ، فكان طلبه له أشد وحرصه عليه أتم، واالرادة الى النوع العالي الدائمأال ترى أن من مشى . فانھا وان كانت طالبة لألعلى لكن بين الطلبين فرق عظيم، الخالية من ذلك

فليس من آثر محبوبه ! محبوبه على الجمر والشوك أعظم ممن مشى اليه راكبا على النجائب الى، فھو سبحانه يبتلي عبده بالشھوات، على منازعه مع نفسه كمن آثره مع عدم منازعتھا الى غيره

.أو حاجبا له يوصله الى رضاه وقربه وكرامته، اما حجابا له عنه وھذا ، سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة وسبيل المؤمنين مجملةفرقة عرفت : الفرقة الرابعة

فعرفھا على التفصيل ولم يعرف ما جاء ، حال كثير ممن اعتنى بمقاالت األمم ومقاالت أھل البدع. بل عرفه معرفة مجملة وان تفصلت له بعض األشياء، به الرسول صلى هللا عليه وسلم كذلك

كذلك من كان عارفا بطريق الشر والظلم والفساد على و. ومن تأمل كتبھم رأى ذلك عيانااذا تاب ورجع عنھا الى سبيل األبرار يكون علمه بھا مجمال غير عارف بھا ، التفصيل سالكا لھا

.على التفصيل معرفة من أفنى عمره في تصرفھا وسلوكھا ب أن تعرف كما يج، والمقصود أن هللا سبحانه يحب أن تعرف سبيل أعدائه لتتجنب وتبغض

وفي ھذه المعرفة من الفوائد واألسرار ما ال يعلمه اال هللا من معرفة . سبيل أوليائه لتحب وتسلكعموم ربوبيته سبحانه وحكمته وكمال أسمائه وصفاته وتعلقھا بمتعلقاتھا واقتفائھا آلثارھا

وهللا ، وابه وعقابهوذلك من أعظم الداللة على ربوبيته وملكه والھيته وحبه وبغضه وث. وموجباتھا .أعلم

وأولياؤه تامحبون له الذين ھو ھمھم ، أرباب الحوائج على باب الملك يسألون قضاء حوائجھم

فاذا أراد قضاء حاجة واحد من أولئك أذن لبعض جلسائه وخاصته ، ومرادھم جلساؤه وخواصهضروبون بسياط وسائر الناس مطرودون عن الباب م، أن يشفع فيه رحمة له وكرامة للشافع

. البعد

عشرة أشياء ضائعة ال ينتفع بھا] ٦٥[

ومال ال ينفق منه فال يستمتع به جامعه في ، وعمل ال اخالص فيه وال اقتداء، علم ال يعمل به وبدن ، وقلب فارغ من محبة هللا والشوق اليه واألنس به، وال يقدمه أمامه الى اآلخرة، الدنيا

ووقت معطل عن ، وامتثال أوامره، ومحبة ال تتقيد برضاء المحبوب ،معطل من طاعته وخدمته

Page 73: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

73

وخدمة من ال تقربك خدمته الى ، وفكر يجول فيما ال ينفع، أو اغتنام بر وقربة، استدراك فارط، وھوأسير في قبضته، وال تعود عليك بصالح دنياك وخوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد هللا، هللا

.سعي ضائع، عا وال موتا وال حياة وال نشوراوال يملك لنفسه ضرا وال نف ، اضاعة القلب واضاعة الوقت: وأعظم ھذه االضاعات اضاعتان ھما أصل كل اضاعة

فاجتكع الفساد كله ، واضاعة الوقت من طول األمل، فاضاعة القلب من ايثار الدنيا على اآلخرة .وهللا المستعان، واالستعداد للقاءوالصالح كله في اتباع الھدى ، في اتباع الھوى وطول األمل

العجب ممن تعرض له حاجة فيصرف رغبته وھمته فيھا الى هللا ليقضيھا له وال يتصدى

ولكن اذا مات ، للسؤال لحياة قلبه من موت الجھل واالعراض وشفائه من داء الشھوات والشبھات .القلب لم يشعر بمعصيته

حقوق هللا على العباد] ٦٦[

ونعمة ينعم بھا عليه فال ينفك من ھذه ، وقضاء يقضيه عليه، بحانه على عبده أمر أمره به س

.الثالثة .اما مصائب واما معائب: والقضاء نوعان فأحب الخلق اليه من عرف عبوديته في ھذه المراتب ، وله عليه عبودية في ھذه المراتب كلھا

دھم منه من جھل عبوديته في ھذه المراتب فعطلھا علما وأبع. فھذا أقرب الخلق اليه، ووفاھا حقھا .وعمال

.برسول هللا صلى هللا عليه وسلم فعبوديته في األمر امتثاله اخالصا واقتداء وعبوديته في قضاء المصائب والصبر عليھا ثم ، وفي النھي اجتنابه خوفا منه واجالال ومحبة

وھذا انما يتأتى مه اذا تمكن ، ا وھو أعلى من الرضاثم الشكر عليھ، الرضا بھا وھو أعلى منهحبه من قلبه وعلم حسن اختياره له وبره ولطفه به واحسانه اليه بالمصيبة وان كره منھا والتبرأ

وأنھا ، وال يقيه شرھا سواه، عالما بأنه ال يرفعھا اال ھو، والوقوف في مقام االعتذار واالنكسارحتى انه ، فيراھا من الضر الذي ال يكشفه غيره، طردته من بابهو، ان استمرت أبعدته من قربه .ليراھا أعظم من ضر البدن

يعلم أنه ، وملتجىء منه اليه، وبه منه مستجير، وبعفوه من عقوبته، فھو عائذ برضاه من سخطه

والتوبة وأنه ال سبيل له الى االقالع ، اذا تخلى عنه وخلى بينه وبين نفسه فعنده أمثالھا وشر منھافھو أعجز وأضعف وأقل من أن يوفق ، وأن ذلك بيده سبحانه ال بيد العبد، اال بتوفيقه واعانته

متضرع ذليل ، فھو ملتجىء اليه، يرضى بمرضاة سيده بدون اذنه ومشيئته واعانته، نفسه أ، ليهوأفقره وأحوجه ا، أذل شيء وأكسره له، مستخذ له، طريح ببابه، ملق نفسه بين يديه، مسكين

يعلميقينا أنه ال خير فيه ، وقلبه ساجد بين يديه، بدنه متصرف في أشغاله، وأحبه له، وأرغبه فيهومبتدئه بھا من ، فھو ولي نعمته، وأن الخير كله وفي يديه وبه ومنه، وال له وال به وال منه

حانه الحمد فحظه سب، ومجريھا عليه مع تمقته اليه باعراضه وغفلته ومعصيته، غير استحقاقوولى العبد ، قد استأثر بالمحامد والمدح والثناء، وحظ العبد الذم والنقص والعيب، والشكر والثناء

والفضل كله له والثناء كله له ، فالحمد كله له والخير كله في يديه، المالمة والنقائص والعيوب

Page 74: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

74

ومن العبد ، العبد بنعمه ومنه التودد الى، ومن العبد االساءة، فمنه االحسان، والمنة كلھا له .ومن العبد الغش له في معاملته، ومنه النصح لعبده، التبغض اليه بمعاصيه

ثم العياذ به أن يقع في قلبه نسبتھا واضافتھا ، وأما عبودية النعم فمعرفتھا واالعتراف بھا أوال

ثم ، بكل وجه اعتبارفالنعمة منه وحده ، وان كان سببا من األسباب فھو مسببه ومقيمه. الى سواه .الثناء بھا عليه ومحبته عليھا وشكره بأن يستعملھا في طاعته

ويعلم أنھا وصلت ، ويستقل كثير شكره عليھا، ومن لطائف التعبد بالنعم أن يستكثر قليلھا عليه

نھا وأ، وال استحقاق منه لھا، وال وسيلة منه توسل بھا اليه، اليه من سيده من غير ثمن بذله فيھاوكلما جدد له . فال تزيده النعم اال انكسارا وذال وتواضعا ومحبة للمنعم، في الحقيقة ال للعبد

وكلما ، كلما أحدث له قبضا أحدث له رضى، نعمة أحدث لھا عبودية ومحبة وخضوعا وذال، كفھذا ھو العبد الكيس والعاجز بمعزل عن ذل. أحدث ذنبا أحدث له توبة وانكسارا واعتذارا

.وبا التوفيق

توكل على هللا حق توكله] ٦٧[

، من ترك االختيار والتدبير في رجاء زيادة أو خوف أو نقصان أو طلب صحة أو فرار من سقم وأن تدبيره لعبده خير من ، وأنه المتفرد باالختيار والتدبير، وعلم أن هللا على كل كل شيء قليل

وأنصح ، وأقدر على على جلبھا وتحصيلھا منه، لحته من العبدوأنه أعلم بمص، تدبير العبد لنفسهوعلم مع ذلك أنه ال يستطيع أ، يتقدم . وأبر به منه بنفسه، وأرحم به منه لنفسه، للعبد منه لنفسه

فال متقدم له بين يدي قضائه ، بين يدي تدبيره خطوة واحدة وال يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدةوانطرح بين يديه انطراح عبد ، وسلم األمر كله اليه، نفسه بين يديه فألقى، وقدره وال متأخر

وليس للعبد ، له لبتصرف في عبده بكل ما يشاء، مملوك ضعيف بين يدي ملك عزيز قوي قاھروحمل كله ، فاستراح حينئذ من الھموم والغموم واألنكاد والحسرات، التصرف بوجه من الوجوه

فتوالھا دونه وأراه لطفه وبره ، بحملھا وال يثقله وال يكترث بھاوحوائجه ومصالحه من ال يبالي ألنه قد صرف اھتمامه ، ولطفه واحسانه فيھا من غير تعب من العبد وال نصب وال اھتمام منه

فما ، وفرغ قلبه منھا، فصرف عنه اھتمامه بحوائجه ومصالح دنياه، كله اليه وجعله وحده ھمه .م سروره وفرحهأطيب عيشه وما أنعم قلبه وأعظ

، خاله وما اختاره، دون حق ربه، واھتمامه بحظه، واختياره لھا، وان أبى اال تدبيره لنفسه

، فحضره الھم والغم والحزن والنكد والخوف والتعب وكسف البال وسوء الحال، وواله ما تولىبل قد حيل ، ة يھنأ بھاوال لذ، وال راحة يفوز بھا، وال أمل يحصل، وال عمل يزكو، فال قلب يصفو

، وال يظفر منھا بأمل، فھو يكدح في الدنيا كدح الوحش، حيل بينه وبين مسرته وفرحه وقرة عينه .وال يتزود منھا لمعاد

فان قام بأمره بالنصح والصدق واالخالص ، وضمن له ضمانا، وهللا سبحانه قد أمر العبد بأمر

فانه سبحانه ، من الرزق والكفاية والنصر وقضاء الحوائج قام هللا سبحانه بما ضمنه له، واالجتھادوالكفاية لمن كان ھو ھمه ، والنصر لمن توكل عليه واستنصر به، ضمن الرزق لمن عبده

وقوي رجاؤه ، ووثق به، وقضاء الحوائج لمن صدقه في طلبھا، والمغفرة لمن استغفره، ومرادهفان الوفي ، م بأمره واقامته وتوفيته ال بضمانهفالفطن الكيس انما يھت. وطمعه في فضله وجوده

فمن عالمات السعادة صرف اھتمامه الى أمر . ١١١التوبة } ومن أوفى بعھده من هللا، { الصادقومن عال مات الحرمان فراغ قلبه من االھتمام بأمره وحبه وخشيته واالھتمام . هللا دون ضمانه

.وهللا المستعان، بضمانه

Page 75: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

75

، فالعابد يعبد هللا مع العالئق، عابد وزاھد وصديق: أھل اآلخرة ثالثة: حارثقال بشر بن ال

ان أراه أخذ الدنيا ، والصديق يعبده على الرضا والموافقة، والزاھد يعبده على ترك العالئق .وان أراه تركھا تركھا، أخذھا

فان كان ، انب اآلخراذا كان هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم في جانب فاحذر أن تكون في الج

فان المشقة أن يكون في شق ومن ، وھذا أصلھا ومنه اشتقاقھا، ذلك يفضي الى المشاقة والمحادة .والمحادة أن تكون في حد ويكون ھو في حد، يخالفه في شق

.وقليله يدعو الى كثيره، وال تستسھل ھذا فان مبادئه تجر الى غايته وان كان الناس كلھم في الجانب ، ورسوله صلى هللا عليه وسلموكن في الجانب الذي فيه هللا

وليس للعبد شيء أنفع من ذلك في دنياه قبل ، فان لذلك عواقب ھي أحمد العواقب وأفضلھا، اآلخرفھناك ، وال سيما اذا قويت الرغبة والرھبة، وأكثر الخلق انما يكونون في الجانب اآلخر، آخرته

بل يعده الناس ناقص ، نب الذي فيه هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلمال تكاد تجد أحدا في الجا .وذلك من مواريث أعداء الرسل، وربما نسبوه الى الجنون، العقل سيىء االختيار لنفسه

.فانھم نسبوھم الى الجنون لما كانوا في شق وجانب والناس في شق وجانب آخر الى علم راسخ بما جاء به الرسول صلى هللا عليه ولكن من وطن نفسه على ذلك فانه يحتاج

وال ، والى صبر تام على معاداة من عاداه ولومة من المه، وسلم يكون يقينا له ال ريب عنده فيهبحيث تكون اآلخرة أحب اليه من الدنيا وآثر عنده ، يتم ذلك اال برغبة قوية في هللا والدار اآلخرة

وليس شيء أصعب على ، عليه وسلم أحب اليه مما سواھماويكون هللا ورسوله صلى هللا، منھافان نفسه وھواه وطبعه وشيطانه واخوانه ومعاشريه من ذلك ، االنسان من ذلك في مبادىء األمر

فاذا صبر وثبت جاءه العون من هللا ، فاذا خالفھم تصدوا لحربه، الجانب يدعونه الى العاجلويريه ، فال بد أن يزيقه لذة تحيزه الى هللا ورسوله ،وذلك األلم لذة، وصار ذلك الصعب سھال

ويبقى من ، ويظفر بقوته وفرحه وسروره، ويبتھج به قلبه، فيشتد به سروره وغبطته، كرامة ذلكويضعف جند ، ويقوى جنده، بين ھائب له ومسالم له ومساعد وتارك -على ذلك-كان محاربا له

.العدو فان هللا معك وأنت بعينه ، يز الى هللا والرسول ولو كنت وحكوال تستصعب مخالفة الناس والتح

وأعظم األعوان لك على ھذا بعد عون هللا . وانما امتحن يقينك وصبرك، وكالءته وحفظه لكوكنت دائما ، فمتى تجردت منھما ھان عليك التحيز الى هللا ورسوله، التجرد من الطمع والفزع

متى قام بك الطمع والفزع فال تطمع في األمر وال تحدث و، في الجانب الذي فيه هللا ورسوله فبأي شيء أستعين على التجرد من الطمع ومن الفزع؟: فان قلت . نفسك به

وال يذھب بالسيئات ، وعلمك بأنه ال يأتي بالحسنات اال ھو، بالتوحيد والتوكل والثقة با: قلت

.وأن األمر كله ليس ألحد مع هللا شيء، اال ھو

)نصيحة] (٦٨[ ھلم الى الدخول على هللا ومجاورته في الجنة

Page 76: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

76

ھلم الى الدخول الى هللا ومجاورته في دار السالم بال نصب وال تعب وال عناء بل من أقرب وھو وقتك الحاضر بين ، وھو في الحقيقة عمرك، وذلك أنك في وقت بين وقتين، الطرق وأسھلھا

وذلك شيء ال تعب عليك ، تصلحه بالتوبة والندم واالستغفارفالذي مضى ، ما مضى وما يستقبل، وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب، انما ھو عمل قلب، وال معاناة عمل شاق، فيه وال نصب

وانما ھو عزم ونية جازمة ، وامتناعك ترك وراحة وليس ھو عمال بالجوارح يشق عليك معاناته، وما يستقبل تصلحه باالمتناع والعزم والنية، توبةفما مضى تصلحه بال، تريح بدنك وقلبك وسرك

ولمن الشأن في عمرك وھو وقتك الذي بين الوقتين ، وليس للجوارح في ھذين نصب وال تعبوان حفظته مع اصالح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكر ، ونجاتك، فان أضعته أضعت سعادتك

فان حفظه أن ، ن اصالح ما قبله وما بعدهوحفظه أشق م. نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيموفي ھذا تفاوت الناس أعظم . تلزم نفسك بما ھو أولى بھا وأنفع لھا وأعظم تحصيال لسعادتھا

فان ، اما الى الجنة واما الى النار، فھي وهللا أيامك الخالية التي تجمع فيھا الزاد لمعادك، تفاوتوالفوز األكبر في ھذه المدة اليسيرة التي ال ، عظمىاتخذت اليھا سبيال الى ربك بلغت السعاد ال

، انقضت عنك بسرعة،واللھو واللعب، وان آثرت الشھوات والراحات، نسبة لھا الى األبدوأعقبتك األلم العظيم الدائم الذي مقاساته ومعاناته أشق وأصعب وأدوم من معاناة الصبر عن

.ألجلهومخالفة الھوى ، والصبر على طاعته، محارم هللا

عالمة صحة االرادة] ٦٩[

وحزنه على وقت مر في ، عالمة صحة االرادة أن يكون ھم المريض رضا ربه واستعداده للقائه .وجماع ذلك أن يصبح ويمسي وليس له ھم غيره. وأسفه على قربه واألنس به، غير مرضاته

استغن عن الناس با تعالى] ٧٠[

واذا أنسوا بأحبابھم ، واذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت با، ستغن أنت بااذا استغنى الناس بالدنيا ا

واذا تعرفوا بملوكھم وكبرائھم وتقربوا اليھم لينالوا بھم العزة والرفعة فتعرف ، فاجعل أنسك با .وتودد اليه تنل بذلك غاية والرفعة، أنت الى هللا

نة والنار تأتي عليه ساعة ال يطيع هللا فيھا بذكر ما علمت أن أحدا سمع بالج: قال بعض الزھاد

انك ان تضحك وأنت مقر : فقال. اني أكثر البكاء: فقال له الرجل. أو بصالة أو قراءة أو احسان: فقال. فان المدل ال يصعد عمله فوق رأسه، بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك

ان أكلت ، وكن في الدنيا كالنحلة، اآلخرة ألھلھادع الدنيا ألھلھا كما تركوا ھم : فقال. أوصني .وان سقطت على شيئ لم تكسره ولم تخدشه، وان أطعمت أطعمت طيبا، طيبا

أقسام الزھد] ٧١[

فان ، وزھد في الشبھات؛ وھو بحسب مراتب الشبھة. زھد الرام؛ وھو فرض عين: الزھد أقسام

وزھد فيما ال يعني من الكالم والنظر . وان كان ضعيفا كان مستحبا، قويت التحقت بالواجبوزھد . وزھد في النفس بحيث تھون عليه نفسه في هللا. وزھد في الناس. والسؤال واللقاء وغيره

.وفي كل ما شغلك عنه، جامع لذلك كله وھو الزھد فيما سوى هللا أن الزھد والفرق بينه وبين الورع. وأصعبه الزھد في الحظوظ، وأفضل الزھد اخفاء الزھد

والقلب معلق بالشھوات ال . والورع ترك ما يخشى ضرره من اآلخرة، ترك ماال ينفع في اآلخرة .يصح له زھد وال ورع

Page 77: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

77

ورجل ، رجل يرائي بعمله مخلوقا مثله ويترك أن يعمله : عجبت من ثالث: قال يحي بن معاذ

غب في صحبة المخلوقين ورجل ير، يبخل بماله وربه يستقرضه منه فال يقرضه منه شيئا .وهللا يدعوه الى صحبته ومودته، ومودتھم

)فائدة جليلة] (٧٢[

ترك األمر عند هللا أعظم من ارتكاب النھي

ألن آدم نھي عن أكل الشجرة ، ترك األمر عند هللا أعظم من ارتكاب النھي: قال سھل بن عبدهللا .لم يسجد فلم يتب عليهوابليس أمر أن يسجد آلدم ف، فأكل منھا فتاب عليه

وذلك ، قلت ھي مسألة عظيمة لھا شأن وھي أن ترك األوامر أعظم عند هللا من ارتكاب المناھي

:من وجوه عديدة .ما ذكره سھل من شأن آدم وعدو هللا ابليس): الوجه األول( ك األمر وذنب تر، ان ذنب ارتكاب النھي مصدره في الغالب الشھوة والحاجة): الوجه الثاني(

، "ال يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"و ، مصدره في الغالب الكبر والعزة .ويدخلھا من مات على التوحيد وان زنى وسرق

كما دل على ذلك النصوص ، ان فعل المأمور أحب الى هللا من ترك المنھي): الوجه الثالث(

أخرجه البخاري في " هللا الصالة على وقتھاأحب األعمال الى :" كقوله صلى هللا عليه وسلمأال أنبئكم بخير : وقوله. ١٤٠- ١٣٧رقم ٩٠ ٨٩\١ومسلم في االيمان ، ٥٢٧رقم ١٢\٢المواقيت وخير ، وخير لكم من انفاق الذھب والورق، وأرفعھا في درجاتكم، وأزكاھا عند مليككم، أعمالكم

: قال. بلى يا رسول هللا: قالوا". ا أعناقكمويضربو، فتضربوا أعناقھم، لكم من أن تلقو عدوكم ١٢٤٥\٢وابن ماجه في األدب ، )٣٣٧٧( ٤٢٨\٥أخرجه الترمذي في الدعوات ،" ذكر هللا"واعلموا أن خير أعمالكم : "وقوله). ٢٤(٢١١\١١ومالك في الموطأ كتاب القرآن ) ٣٧٩٠(

وغير ذلك . ٢٧٧ ٢٧٦\٢وأحمد ، ٦٦١والدرامي برقم) ٢٧٧(أخرجه ابن ماجه برقم ، "الصالة .من النصوص

: ولھذا علق سبحانه المحبة بفعل األوامر كقوله، وترك المناھي عمل فانه كف النفس عن الفعل آل عمران }وهللا يحب المحسنين، {٤الصف }، ان هللا يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا{

آل } وهللا يحب الصابرين{، ٩الحجرات }وأقسطوا ان هللا يحب المقسطين{ :وقوله، ١٣٤ .١٤٦عمران

، ٢٠٥البقرة }وهللا ال بحب الفساد{ :أما في جانب المنھي فأكثر ما جاء النفي للمحبة كقوله

وال تعتدوا ان هللا ال يحب { : وقوله، ٢٣الحديد} وهللا ال يحب كل مختال فخور{ : وقولهالنساء }سوء من القول اال من ظلم ال يحب هللا الجھر بال{ :وقوله، ١٩٠البقرة } المعتدين . ٣٦النساء } ان هللا ال يحب من كان مختاال فخورا{ :وقوله،١٤٨

} كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروھا{: كقوله، وأخبر في موقع آخر أنه يكرھھا ويسخطھا

.٢٨محمد } ذلك بأنھم اتبعوا ما أسخط هللا{ :وقوله، ٣٨االسراء

Page 78: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

78

ولھذا يقدر ما يكرھه ويسخطه الفضائه الى . يحبه سبحانه مقصود بالذاتاذا عرف ھذا ففعل ما كما قدر المعاصي والكفر والفسوق لما ترتب على تقديرھا مما يحبه من لوازمھا من ، ما يحب

وحصول التوبة من العبد والتضرع اليه واالستكانة واظھار عدله وعفوه . الجھاد واتخاذ الشھداءوغير ذلك من اآلثار التي وجودھا بسبب ، المواالة والمعاداة ألجله وحصول. وانتقامه وعزه

وھو سبحانه ال يقد ما يحب الفضائه الى ، تقديره لما يكره أحب اليه من ارتفاعھا بارتفاع أسبابھاحصول ما يكرھه ويسخطه كما يقدر ما يكرھه الفضائه الى حصول ما يكرھه ويسخطه كما

.فعلم أن فعل ما يحبه أحب اليه مما يكرھھه، ما يحبهيقدر ما يكرھه الفضائه الى ان فعل المأمور مقصود لذاته وترك المنھي مقصود لتكميل فعل : يوضحه الوجه الرابع

كما نبه سبحانه على ، فھو منھي عنه ألجل كونه يخل بفعل المأمور أو يضعفه وينقصه، المأمورن عن ذكر هللا وعن الصالة كما قال تعالى في ذلك في النھي عن الخمر والميسر بكونھما يصدا

، فالمنھيات قواطع وموانع صادة عن فعل المأمورات أو عن كمالھا، من سورة المائدة ٩١اآلية .واألمر بالواجبات من باب المقصود لنفسه، فالنھي عنھا من باب المقصود لغيره

االيمان وبقائھا وترك المنھيات ان فعل المأمورات من باب حفظ قوة : يوضحه الوجه الخامس

، وحفظ القوة مقدم على الحمية، من باب الحمية عما يشوش قوة االيمان ويخرجھا عن االعتدالفالحمية مرادة لغيرھا ، فان القوة كلما قويت دفعت المواد الفاسدة واذا ضعفت غلبت المواد الفاسدة

ة االيمان دفعت المواد الرديئة ومنعت من ولھذا كلما قويت قو، وھي حفظ القوة وزيادتھا وبقاؤھا .فتأمل ھذا الوجه. واذا ضعفت غلبت المواد الفاسدة، غلبتھا وكثرتھا بحسب القوة وضعفھا

ان فعل المأمورات حياة القلب وغذاؤه وزينته وسروره وقرة عينه ولذته : الوجه السادس

فانه لو ترك جميع المنھيات ولم ،وترك المنھيات بدون ذلك ال يحصل له شيء من ذلك، ونعيمه .يأت بااليمان واألعمال المأمور بھا ولم ينفعه ذلك الترك شيئا وكان خالدا مخلدا في النار

ان من فعل المأمورات والمنھيات فھو اما ناج ان غلبت حسناته : وھذا يتبين بالوجه السابع

.اته فمآله الى النجاة وذلك بفعل المأمورواما ناج بعد أن يؤخذ منه الحق ويعاقب على سيئ، سيئاته .ومن ترك المأمورات والمنھيات فھو ھالك غير ناج وال ينجو اال بفعل المأمور وھو التوحيد يكفي في الھالك ترك نفس التوحيد : قيل، فھو انما ھلك بارتكاب المحظور وھو الشرك: فان قيل

بل متى خال قلبه من التوحيد رأسا فلم يوحد هللا ،المأمور به وان لم يأت بضد وجودي في الشركفاذا انضاف اليه عبادة غيره عذب على ترك التوحيد المأمور ، فھو ھالك وان لم يعبد معه غيره

.به وفعل الشرك المنھي عنه ال أصدق وال أكذب وال أحب وال أبغض : أن المدعو الى االيمان اذا قال: يوضحه الوجه الثامن

أنا أصدق : بخالف ما اذا قال، كان كافرا بمجرد الترك واالعراض، وال أعبد غيره وال أعبدهولكن شھوتي وارادتي وطبعي حاكمة علي ال تدعني ، الرسول وأحبه وأؤمن به وأفعل ما أمرني

فھذا ال ، أترك ما نھاني هللا عنه وأنا أعلم أنه قد نھاني وكره لي فعل المنھي ولكن ال صبر لي عنهوتارك المأمور جملة ال يعد ، وال حكمه حكم األول؛ فان ھذا مطيع من وجه، لك كافرايعد بذ

.مطيعا بوجهفالمطيع ، وبالنھي تبعا، ان الطاعة والمعصية انما تتعلق باألمر أصال: يوضحه الوجه التاسع

وقال ، ٦التحريم } ال يعصون هللا ما أمرھم{:قال تعالى، والعاصي تارك المأمور، ممتثل المأمور .٩٣ ٩٢طه } أال تتبعن أفعصيت أمري* ما منعك اذ رأيتھم ضلوا {: موسى ألخيه

Page 79: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

79

.ولكن ال اله اال أنت، أنا الذي أمرتني فعصيت: وقال عمرو بن العاص عند موته :وقال الشاعر

أمرتك أمرا حازما فعصيتني واجتناب المناھي ، ل أوامرهوالمقصود من ارسال الرسل اطاعة المرسل وال تحصل اال بامتثا

ولھذا لو اجتنب المناھي ولم يفعل ما أمر به لم يكن مطيعا وكان . من تمام امتثال األوامر ولوازمهفانه وان عد عاصيا مذنبا فانه مطيع . بخالف ما لو أتى المأمورات وارتكب المناھي، عاصيا

.د مطيعا باجتناب المنھيات خاصةعاص بارتكاب النھي بخالف األمر فانه ال يع، بامتثال األمر

وتلك العبادة التي خلق ألجلھا الخلق كما ، أن امتثال األمر عبودية وتقرب وخدمة: الوجه العاشرفأخبر سبحانه أنه انما خلقھم ،٥٦الذاريات} وما خلقت الجن واالنس اال ليعبدون{ : قال تعالى

فالعبادة ھي الغاية التي خلقوا . م كتبه ليعبدوهوكذلك انما أرسل اليھم رسله وأنزل عليھ، للعبادة بخالف امتثال المأمور ، لھا ولم يخلقوا لمجرد الترك فانه أمر عدمي ال كمالفيه من حيث ھو عدم

.فانه أمر وجودي مطلوب الحصول ، وھو أن المطلوب بالنھي عدم الفعل وھو أمر عدمي: وھذا يتبين بالوجه الحادي عشر

ومتعلق النھي االعدام أو ، فمتعلق األمر بااليجاد، ر ايجاد فعل وھو أمر وجوديوالمطلوب باألمفان العدم من حيث ھو عدم ال كمال فيه ، العدم وھو أمر ال كمال فيه اال اذا تضمن أمرا وجوديا

وذلك األمر الوجودي مطلوب مأمور به فعادت ، وال مصلحة اال اذا تضمن أمرا وجوديا مطلقا .وأن المطلوب به ما في ضمن النھي من األمر الوجودي المطلوب به، الى األمر حقيقة النھي

:وھو أن الناس اختلفوا في المطلوب بالنھي على أقوال: وھذا يتضح بالوجه الثاني عشر ألن : قالوا. وھو أمر وجودي، وحبسھا عنه، أن المطلوب به كف النفس عن الفعل: أحدھا

.وھذا قول الجمھور. والعدم المحض غير مقدور، لمقدورالتكليف انما يتعلق با ، ولھذا يحصل المقصود من بقائه على العدم، بل المطلوب عدم الفعل: وقال أبو ھاشم وغيره

ولو كان المطلوب الكف لكان عاصيا اذ لم ، فضال أن يقصد الكف عنه، وان لم يخطر بباله فعلوھذا أحد قولي . قبيح من لم يخطر بباله فعله والكف عنهوألن الناس يمدحون بعدم فعل ال، يأت به

وألجله التزم ان عدم الفعل مقدور للعبد وداخل ) صاحب كتاب اعجاز القرآن( القاضي أبي بكر . والمقصود بالنھي االبقاء على العدم األصلي وھو مقدور: قال، تحت الكسب

فانه انما نھاه ، قدور وھو المقصود للناھيالمطلوب بالنھي فعل الضد فانه ھو الم: وقالت طائفة

وعن الكذب ، ونھاه عن الظلم طلبا للعدل المأمور به، عن الفاحشة طلبا للعفة وھي المأمور بھافعند ھؤالء أن حقيقة النھي الطلب لضد المنھي . طلبا للصدوق المأمور به وھكذا جميع المنھيات

.ل المأمورفعاد األمر الى أن الطلب انما تعلق بفع، عنه

ومطلوب اعدامه لمضدته المأمور ، مطلوب لنفسه وھو المأمور به: والتحقيق أن المطلوب نوعانفاذا لم يخطر بباله المكلف وال . لما فيه من المفسدة المضادة للمأمور به، به وھو المنھي عنه

Page 80: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

80

وكف نفسه عنه وان خطر بباله ، دعته نفسه اليه بل استمر على العدم األصلي لم يثب على تركه .فانه فعل وجودي، وتركه اختيارا أثيب على كف نفسه وامتناعه

والثواب انما يقع على األمر الوجودي دون العدم المحض وان تركه مع عزمه الجازم على فعله

فھذا وان لم يعاقب عقوبة الفاعل لكن يعاقب على عزمه وارادته الجازمة التي ، لكن تركه عجزا .مرادھا عجزا انما تخلف

وان تبدوا ما في { :كقوله تعالى، وقد دلت على ذلك النصوص الكثيرة فال يلتفت الى ما خالفه

.٢٨٤البقرة } أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به هللا فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } سبت قلوبكمولكن يؤاخذكم بما ك{ :وقوله، ٢٨٣البقرة} فانه آثم قلبه{ :وقوله في كاتم الشھادة

.٩الطارق } يوم تبلى السرائر{ :وقوله، ٢٢٥البقرة : قالوا}، اذا تواجه المسلمان في سيفھما فالقاتل والمقتول في النار{ : وقوله صلى هللا عليه وسلم

، ٣١رقم ١٠٦\١البخاري في االيمان " انه أراد قتل صاحبه: "فما بال المقتول؟ قال، ھذا القاتل .١٥-١٤رقم ٢٢١٣\٤تن ومسلم في الف

لو أن لي ماال لعملت بعمل فالن فھو بنيته وھما في : ورجل قال:" وقوله في الحديث اآلخر

. وابن ماجه وأحمد، ٢٣٢٦الترمذي في الزھد رقم " الوزر سواء فان المقصود عدم الفعل والتلبس ، ان المطلوب بالنھي فعل الضد ليس كذلك: وقول من قال

وان كان المقصود بالقصد ، ماال يتم الواجب اال به فھو غير مقصود بالقصد األول فان، بالضدفالمنھي عنه مطلوب اعدامه طلب الوسائل ، األول المأمور الذي نھى عما يمنعه ويضعفه

.والمأمور به مطلوب ايجاده طلب المقاصد والغايات، والذرائع فان أراد بحمده أن ال يذم . يخطر بباله كف النفسان تارك القبائح يحمد وان لم : وقول أبي ھاشم

فان الناس ال . وان أراد أن يثني عليه بذلك ويجب عليه واستحق الثواب فغير صحيح، فصحيح، على ترك الزنا وال األخرس على عدم الغيبة والسب) أي مقطوع الذكر(يحمدون المجبوب

.لوانما يحمدون القادر الممتنع عن قدرة وداع الى الفع وان ، فان أراد به كف النفس ومنعھا فصحيح، وقول القاضي االبقاء على العدم األصلي مقدور

.أراد مجرد العدم فلبس كذلك وھو ان األمر بالشيء نھي عن ضده من طريق اللزوم العقلي : وھذا يتبين بالوجه الثالث عشر

اذا كان من لوازمه ترك الضد صار ف. فان األمر انما مقصوده فعل المأمور، ال القصد الطلبي وھذا ھو الصواب في مسألة األمر بالشيء ھل ھو نھي عن ضده أم ال؟، تركه مقصودا لغيره

مقصود ، وكذلك النھي عن الشيء. فھو نھي عنه من جھة اللزوم ال من جھة القصد والطلب، جھة اللزوم العقلي الناھي بالقصد األول االنتھاء عن المنھى عنه وكونه مشتغال بضده جاء من

فكان المأمور ھو المقصود بالقصد األول في ، لكن انما نھى عما يضاد ما أمر به كما تقدم .الموضعين

Page 81: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

81

والنھي عن ، أن طلب الشيء طلب له بالذات ولما ھو من ضرورته باللزوم: وحرف المسألة طلوب في الموضعين والم، الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل ما ھو من ضرورة الترك باللزوم

.وكالھما أمر وجودي، فعل وكف ، ان األمر والنھي في باب الطلب نظير النفي واالثبات في باب الخبر: الوجه الرابع عشر

فان النفي كاسمه عدم ال كمال فيه ، والمدح والثناء ال يحصالن بالنفي المحض ان لم يتضمن ثبوتاونفي . كنفي النسيان المستلزم لكمال العلم وبيانهفاذا تضمن ثبوتا صح المدح فيه ، وال مدح

ونفي السنة والنوم المستلزم لكمال الحياة . اللغوب واالعياء والتعب المستلزم لكمال القدرة والقوةونفي الشريك والولي . ونفي الولد والصاحبة المستلزم لكمال الغنى والملك والربوبية، والقيومية

زم لكمال التوحيد والتفرد بالكمال وااللھية والملك ونفي الظلم والشفيع بدون االذن المستلونفي ادراك األبصار له المتضمن لعظمته وأنه أجل من أن يدرك وان . المتضمن لكمال العدل

.فان العدم المحض كذلك، واال فليس في كونه ال يرى مدح بوجه من الوجوه، رأته األبصار ولم يستحق ، لم يتضمن أمرا وجوديا ثبوتيا لم يمدح بتركهفالمنھي عنه ان ، واذ عرف ھذا

.كما ال يستحق المدح والثناء بمجرد الوصف العدمي، الثواب والثناء بمجرد الترك وجزاء المنھيات ، ان هللا سبحانه جعل جزاء المأمورات عشرة أمثال فعلھا: الوجه الخامس عشر

ولو كان األمر . حب اليه من ترك ما نھى عنهمثل واحد وھذا يدل على أن فعل ما أمر به أ .بالعكس لكانت السيئة بعشرة أمثالھا والحسنة بواحدة أو تساويا

سواء نوى ذلك ، وأن ال يدخل في الوجود، ان المنھي عنه المقصود اعدامه: الوجه السادس عشر

مور به فالمقصود وأما المأ. فالمقصود أن ال يكون. وسواء خطر بباله أو لم يخطر، أو لم ينوه .كونه وايجاده والتقرب به نية وفعال

وعدم ما أحبه أكره ، وسر المسألة أن وجود ما طلب ايجاده أحب اليه من عدم ما طلب اعدامه

.فمحبته لفعل ما أمر به أعظم من كراھته لفعل ما نھى عنه، اليه من وجود ما يبغضه واالعانة عليه وجزاءه وما يترتب عليه من المدح ان فعل ما يحبه : يوضحه الوجه السابع عشر

. وفعل ما يكرھه وجزاءه وما يترتب عليه من الذم واأللم والعقاب من غضبه. والثناء من رحمتهوكل ما كان من صفة الرحمة فھو غالب لما كان من صفة ، ورحمته سابقة على غضبه غالبة له

زم ذاته كعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره ورحمته من لوا، فانه ال يكون اال رحيما، الغضبفانه ليس من لوازم ذاته وال ، وليس كذلك غضبه. فيستحيل أن يكون على خالف ذلك، واحسانه

ان : "بل يقول رسله وأعلم الخلق به يوم القيامة، يكون غضبان دائما غضبا ال يتصور انفكاكهجزء من حديث أخرجه " بعد مثلهربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب

رقم ٤٢٨\٦} ولقد أرسلنا نوحا الى قومه{البخاري في تاب األنبياء باب قول هللا عز وجل ورحمته . من حديث أبو ھريرة عن الرسول ٣٢٧رقم ١٨٤\١ومسلم في االيمان ، ٣٣٤٠

ع كل ووس، وھو سبحانه كتب على نفسه الرحمة ولم يكتب على نفسه الغضب، وسعت كل شيء .شيء رحمة وعلما ولم يسع كل شيء غضبا وانتقاما

فوجود ما كان . فالرحمة وما كان بھا ولوازمھا وآثارھا غالبة على الغضب وما كان منه وآثاره

ولھذا كانت الرحمة أحب اليه من . بالرحمة أحب اليه من وجود ما كان من لوازم الغضبوال سيما اذا ، جود محبوبه أحب اليه من فوات مكروھهفو. والعفو أحب اليه من االنتقام، العذاب

Page 82: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

82

فانه يكره فوات تلك اللوازم المحبوبة كما يكره ، كان في فوات المكروه فوات ما يحبه من لوازمه .وجود ذلك الملزوم المكره

ان آثار ما يكرھه وھو المنھيات أسرع زواال بما يحبه من زوال آثار ما : الوجه الثامن عشر

وتزول بالتوبة ، فآثار كراھته سريعة الزوال وقد يزيلھا سبحانه بالعفو والتجاوز، ما يكرھهيحبه بولو ، واالستغفار واألعمال الصالحة والمصائب المكفرة والشفاعة والحسنات يذھبن السيئات

ثم لقيه ال ، بلغت ذنوب العبد عنان السماء ثم استغفره غفر له ولو لقيه بقراب األرض خطايافيبطلھا ، به شيئا ألتاه بقرابھا مغفرة وھو سبحانه يغفر الذنوب وان تعاظمت وال يبالي يشرك

وما ذاك اال لوجود ما يحبه ، ويبطل آثارھا بأدنى سعي من العبد وتوبة نصوح وندم على ما فعل وما ذاك اال لوجود ما يحبه من توبة العبد وطاعته، من توبة العبد وتوبة نصوح وندم على ما فعل

.فدل على أن وجود ذلك أحب اليه وأرضى له، وتوحيده وھو أنه سبحانه قدر ما يبغضه ويكرھه من المنھيات لما يترتب : يوضحه الوجه التاسع عشر

والعقيم ، فانه سبحانه أفرح بتوبة عبده من الفاقد الواجد. عليھا مما يحبه ويفرح به من المأموراتفي (ضرب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لفرحته لتوبة العبد مثال وقد . والظمآن الوارد، الوالد

عن أنس ) ٧(رقم ٢١٠٤\٤صحيح مسلم في كتاب التوبة باب في الحض على التوبة والفرح بھا ليس .) وھو في صحيح البخاري بلفظ آخر..." أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب اليه" بن مالك

فقدر الذنب لما يترتب ، ا الفرح انما بفعل المأمور به وھو التوبةوھذ، في المفروح به أبلغ منهولبس المراد بذلك أن كل . عليه من ھذا الفرح العظيم الذي وجوده أحب اليه من فوات ما يكره

فرد من أفراد ما يحب أحب اليه من فوات كل فرد مما يكره حتى تكون ركعتي الضحى أحب اليه ، المراد أن جنس فعل المأمورات أفضل من جنس ترك المحظوراتوانما ، من فوات قتل المسلم

.فالمراد الجنس ال عموم األعيان، كما اذا فضل الذكر على األنثى واالنس على الملك والمقصود أن ھذا الفرح الذي ال فرح يشبھه بفعل مأمور التوبة يدل على أن ھذا المأمور أحب

.لتوبة وأثرھا ومقتضاھااليه من فوات المحظور الذي تفوت به ا فان الترك ، ليس كذلك: قيل، انما الفرح بالتوبة ألنھا ترك المنھى فكان الفرح بالترك: فان قيل

وان كان الترك من ، وليست التوبة تركا. المحض ال يوجب ھذا الفرح بل وال الثواب وال المدحومن . انابته اليه والتزام طاعتهوانما ھي فعل وجودي يتضمن اقبال التائب على ربه و، لوازمھا

. ٣ھود} وأن استغفروا ربكم ثم توبوا اليه{ :ولھذا قال هللا تعالى، لوازم ذلك ترك ما نھى عنهفان من ترك الذنب تركا مجردا ولم يرجع عنه الى ما يحبه ، فالتوبة رجوع عما يكره الٮما يحب

.ة ال ترك محضفالتوبة رجوع واقبال واناب، الرب تعالى لم يكن تائبا وھي التي قال هللا تعالى ، ان المأمور به اذا فات فاتت الحياة المطلوبة للعبد: الوجه العشرون

أو من { : وقال، ٢٤األنفال }يا أيھا الذين آمنوا استجيبوا وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم{ :فيھاوقال ، ١٢٢األنعام } ثله في الظلماتكان ميتا فأحييناه وجعلتا له نورا يمشي به في الناس كمن م

.٨النحل }انك ال تسمع الموتى{ : وقال، ٢١النحل } أموات غير أحياء{ :في حق الكفار .وحياة مع السقم خير من موت، وأما المنھي عنه فاذا وجد فغايته أن يوجد المرض .ومن المنھي عنه ما يوجب الھالك وھو الشرك: فان قيل

Page 83: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

83

فما ھلك ، فلما فقد حصل الھالك، انما حصل بعدم التوحيد المأمور به الذي به الحياة الھالك: قيل .اال من عدم اتيانه بالمأمور به

وھو أن في المأمورات ما يوجب فواته الھالك والشقاء : وھذا وجه حاد وعشرون في المسألة

.وليس في المنھيات ما يقتضي ذلك، الدائم ان فعل المأمور يقتضي ترك المنھي عنه اذا فعل على وجھه من : نالوجه الثاني والعشرو

ان الصالة تنھى عن الفحشاء { :قال تعالى، االخالص والمتابعة والنصح فيه .ومجرد ترك المنھي ال يقتضي فعل المأمور وال يستلزمه. ٤٥العنكبوت }والمنكر

وما يكرھه من ، متعلق بصفاته ان ما يحبه من المأمورات فھو: الوجه الثالث والعشرون

:وھذا وجه دقيق يحتاج الى بيان فنقول، المنھيات فمتعلق بمفعوالته والخير بيديه ، والمأمورات خير وتفضي الى الخيرات، المنھيات شرور وتفضي الى الشرور

ا ھو في وانم، فان الشر ال يدخل في صفاته وال في أفعاله وال في أسمائه، سبحانه والشر ليس اليهواال من حيث اضافته ونسبته الى الخالق ، المفعوالت مع أنه شر باالضافة والنسبة الى العبد

فغاية ارتكاب المنھي أن يوجب شرا باالضافة الى العبد مع أنه . سبحانه فليس بشر من ھذه الجھةوكلما ، لشروأما فوات المأمور فيفوت به الخير الذي بفواته يحصل ضده من ا. في نفسه ليس بشر

.كان المأمور أحب الى هللا سبحانه كان الشر الحاصل بفواته أعظم كالتوحيد وااليمان ووقوع محبوبه أحب اليه من ، والمنھي مكروھه، أن المأمور به محبوبه: وسر ھذه الوجوه

.وهللا أعلم، وفوات محبوبه أكره اليه من وقوع مكروھه، فوات مكروھه

قاعدتين الذكر والشكر مبني الشكر على] ٧٣[

فاذكروني أذكركم واشكروا لي وال { :وقال تعالى، الذكر والشكر: مبني الدين على قاعدتين وهللا اني ألحبك فال تنسى أن تقول دبر :" وقال النبي صلى هللا عليه وسلم. ١٥٢البقرة }تكفرون

٨٦\٢في الصالة أخرجه أبو داود" كل صالة اللھم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .والنسائي وأحمد، )١٥٢٢(رقم

وذكره يتضمن ذكر اسمائه . وليس المراد بالذكر مجردالذكر اللسان بل الذكر القلبي واللساني

وذلك يستلزم معرفته وااليمان به وبصفاته كمال ونعوت ، وصفاته وذكر أمره ونھيه وذكر كالمهفذكره الحقيقي يستلزم ذلك كله ويستلزم . يتم اال بتوحيدهوذلك ال. جالله والثناء عليه بأنواع المدح

.ذكر نعمه وآالئه واحسانه الى خلقه وھذان األمران ھما ، وأما الشكر فھو القيام له بطاعته والتقرب اليه بأنواع المحبة ظاھرا وباطنا

لتي خلق ألجلھا وھذان ھما الغاية ا، وشكره متضمن لطاعته، فذكره مستلزم لمعرفته، جماع الدينوأرسل ، وأنزل الكتاب، ووضع ألجلھا الثواب والعقاب، الجن واالنس والسموات واألرض

وضدھا ھو الباطل والعبث ، وھي الحق الذي به خلقت السموات واألرض وما بينھما، الرسل .وھو ظن أعدائه به، الذي يتعالى ويتقدس عنه

، ٢٧ص} بينھما باطال ذلك ظن الذين كفروا وما خلقنا السموات واألرض وما{ :قال تعالى

٣٨الدخان } ما خلقناھما اال بالحق* وما خلقنا السموات واألرض وما بينھما العبين { :وقال

Page 84: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

84

، ٨٥الحجر }وما خلقنا السموات واألرض وما بينھما اال بالحق وان الساعة آلتية{ :وقال، ٣٩{ :وقال، ٥يونس } ذلك اال بالحقوما خلق هللا{ :وقال بعد ذكر آياته في أول سورة يونس

أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا ال { :وقال، ٣٦القيامة } أيحسب االنسان أن يترك سدى{ :وقال، ٥٦الذاريات } وما خلقت الجن واالنس اال ليعبدون{ :وقال، ١١٥المؤمنون } ترجعون

ينھن لتعلموا أن هللا على كل شيء هللا الذي خلق سبع سموات ومن األرض مثلھن يتنزل األمر بجعل هللا الكعبة البيت الحرام قياما { :وقال، ١٢الطالق } قدير وأن هللا قد أحاط بكل شيء علما

للناس والشھر الحرام والھدي والقالئد لتعلموا أن هللا يعلم ما في السموات وما في األرض وأن .٩٧المائدة } هللا بكل شيء عليم

. ويشكر فال يكفر، يذكر فال ينسى. أن يذكر وأن يشكر* أن غاية الخلق واألمر فثبت بما ذكره

وشكره سبب لزيادته من ، فذكره سبب لذكره، شاكر لمن شكره، وھو سبحانه ذاكر لمن ذكره .فضله

وصدق هللا في خبره فله الخلق ، ٥٤األعراف } أال له الخلق واألمر{ :يشير الى قوله تعالى • .١٤٢\٧تفسير القرطبي . وھذا األمر يقتضي النھي، مرھم بما أحبخلقھم وأ، واألمر

. وللجوارح طاعة وخدمة، وللسان ثناء وحمد، والشكر للقلب محبة وانابة، فالذكر للقلب واللسان

من سار نحو الھداية يسر هللا له سبلھا] ٧٤[

فيقوم القلب ، ية واالضاللتكرر في القرآن جعل األعمال القائمة بالقلب والجوارج سبب الھدا فأعمال ، وكذلك الضالل. والجوارح أعمال تقتضي الھدى اقتضاء السبب لمسببه والمؤثرة أثره

وذلك أن هللا سبحانه يحب ، وأعمال الفجور بالضد. وكلما ازداد منھا ازداد ھدى، البر تثمر الھدىويجازي عليھا بالضالل ويبغض أعمال الفجور، أعمال البر فيجازي عليھا بالھدى والفالح

.والشقاء ويبغض الفجور ، وأيضا فانه البر ويحب أھل البر فيقرب قلوبھم منھبحسب ما قاموا به من البر

* الم {: فمن األصل األول قوله تعال، وأھله فيبعد قلوبھم منه بحسب ما اتصفوا به من الفجور :ا يتضمن أمرينوھذ، ٢ -١البقرة } ذلك الكتاب ال ريب فيه ھدى للمتقين

فان الناس على اختالف مللھم ، أنه يھدي من اتقى مساخطه قبل نزول الكتاب: األمر األول

ونحلھم قد استقر عندھم أن هللا سبحانه يكره الظلم والفواحش والفساد في األرض ويمقت فاعل فلما .ويحب فاعل ذلك، ويحب العدل واالحسان والجود والصدق واالصالح في األرض، ذلك

وخذل ، أثاب سبحانه أھل البر بأن وفقھم لاليمان به جزاء لھم على برھم وطاعتھم، نزل الكتاب .أھل الفجور والفحش والظلم بأن حال بينھم وبين االھتداء به

وكان ذلك ، أن العبد آمن بالكتاب واھتدى به مجمال وقبل أوامره وصدق بأخباره: واألمر الثاني

، فان الھداية ال نھاية لھا ولو بلغ العبد فيھا ما بلغ. تحصل له على التفصيلسببا لھداية أخرى فكلما اتقى العبد ربه . ففوق ھدايته ھداية أخرى وفوق تلك الھداية ھداية أخرى الى غير غاية

وكلما فوت حظا من . فھو من مزيد ھداية ما دام في مزيد من التقوى، ارتقى الى ھداية أخرى{ :قال تعالى. وكلما اھتدى زادت تقواه، فكلما اتقى زاد ھداه، ظ من الھداية بحسبهالتقوى فاته ح

قد جاءكم من هللا نور وكتاب مبين يھدي به هللا من اتبع رضوانه سبل السالم ويخرجھم من هللا يجتبي { :وقال تعالى، ١٦,١٥المائدة } الظلمات الى النور باذنه ويھديھم الى صراط مستقيم

، ١٠األعلى } سيذكر من يخشى{ :وقال تعالى، ١٣الشورى } شاء ويھدي اليه من ينيباليه من ي

Page 85: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

85

ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يھديھم { :وقال، ١٣غافر } وما يتذكر اال من ينيب{ :وقال .٩يونس } ربھم بايمانھم

ويزيد { :ھذا قوله تعالىونظير ، فلما آمنوا ھداھم لاليمان ھداية بعد ھداية، فھداھم أوال لاليمان

يا أيھا الذين آمنوا ان تتقوا هللا يجعل لكم فرقانا { :وقوله تعالى، ٧٦مريم }هللا الذين اھتدوا ھدىوالنصر والعز ، ومن الفرقان ما يعطيھم من النور الذي يفرقون به بين الحق والباطل، ٢٩األنفال

ان في ذلك { :وقال تعالى. لقرآن ھذا بھذافسر ا، الذي يتمكنون به من اقامة الحق وكسر الباطل، من سورة لقمان ٣١}ان في ذلك آليات لكل صبار شكور{ :وقال، ٩سبأ} آلية لكل عبد منيب

. من سورة الشورى٣٣من سورة سبأ و ١٩واآلية ، من سورة ابراھيم٥واألية كما أخبر عن آياته ، كرفأخبر عن آياته المشھودة العيانية أنھا انما ينتفع بھا أھل الصبر الش

، االيمانية القرآنية أنھا انما ينتفع بھا أھل التقوى والخشية واالنابة ومن كان قصده اتباع رضوانهطه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى اال تذكرة لمن { :وأنھا انما يتذكر بھا من يخشاه سبحانه كما قال

.٤٥النازعات } خشاھاانما أنت منذر من ي{ :وقال في الساعة، ٣-١طه }يخشى ولھذا ذكر . وأما من ال يؤمن بھا وال يرجوھا وال يخشاھا فال تنفعه اآليات العيانية وال القرآنية

قال ، هللا سبحانه في سورة ھود عقوبات األمم المكذبين للرسل وما حل بھم في الدنيا من الخزيأن في عقوباته للمكذبين عبرة فأخبر ، ١٠٣ھود } ان في ذلك آلية لمن خاف عذاب{ :بعد ذلك

.لمن خاف عذاب اآلخرة لم : واذا سمع ذلك قال، وأما من ال يؤمن بھا وال يخاف عذابھا فال يكون ذلك عبرة وآية في حقه

وربما أحال ذلك على أسباب . والسعادة والشقاوة، والنعيم والبؤس، يزل في الدھر الخير والشرألن االيمان يبني ، الصبر والشكر سببا النتفاع صاحبھما باآلياتوانما كان . فلكية وقوى نفسانيةفعلى حسب صبر العبد وشكره تكون قوة ، فنصفه صبر ونصفه شكر، على الصبر والشكر

فان ، وال يتم له االيمان اال بالصبر والشكر، وآيات هللا انما ينتفع بھا من آمن با وآياته. ايمانهفاذا كان مشركا متبعا ھواه لم يكن . صبر ترك اجابة داعي الھوىورأس ال، رأس الشكر التوحيد . فال تكون اآليات نافعة له وال مؤثرة فيه ايمانا، صابرا وال شكورا

وھواقتضاء الفجور والكبر والكذب للضالل فكثير أيضا للقرآن كقوله : وأما األصل الثاني

ال الفاسقين الذين ينقضون عھد هللا بعد يضل به كثيرا ويھدي به كثيرا وما يضل به ا{ :تعالى-٢٦البقرة } ميثاقه ويقطعون ما أمر هللا به أن يوصل ويفسدون في األرض أولئك ھم الخاسرون

يثبت هللا الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي اآلخرة ويضل هللا { :وقال تعالى، ٢٧فما لكم في المنافقين فئتين وهللا أركسھم { :قال تعالىو، ٢٧ابراھيم } الظالمين ويفعل هللا ما يشاء

} وقالوا قلوبنا غلف بل لعنھم هللا بكفرھم فقليال ما يؤمنون{ : وقال تعالى، ٨٨النساء} بما كسبوا .١١٠األنعام} ونقلب أفئدتھم وأبصارھم كما لم يؤمنوا به أول مرة{ :وقال تعالى، ٨٨البقرة

لفھم عن االيمان لما جاءھم وعرفوه وأعرضوا عنه بأن قلب أفئدتھم فأخبر أنه عاقبھم على تخ

يا أيھا الذين آمنوا استجيبوا وللرسول { :كما قال تعالى، وأبصارھم وحال بينھم وبين االيمانفأمرھم باالستجابة له ، ٢٤األنفال } اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن هللا يحول بين المرء وقلبه

ثم حذرھم من التخلف والتأخر عن االستجابة الذي ، يدعوھم الى ما فيه حياتھمولرسوله حين فلما زاغوا أزاغ هللا قلوبھم وهللا ال يھدي { :قال تعالى. يكون سببا ألن يحول بينھم وبين قلوبھم

، ٨المطففين }كال بل ران على قلوبھم ما كانوا يكسبون{ :وقال تعالى، ٥الصف} القوم الفاسقين

Page 86: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

86

أساطير { :فقالوا، سبحانه أن كسبھم غطى على قلوبھم وحال بينھا وبين االيمان بآياتهفأخبر .}األولين

فجازاھم على نسيانھم له أن نسيھم فلم ، ٦٧التوبه } نسوا هللا فنسيھم{ :وقال تعالى في المنافقين

لنافع والعمل الصالح وأخبر أنه أنساھم أنفسھم فلم يطلبوا كمالھا بالعلم ا، يذكرھم بالھدى والرحمة، فأنساھم طلب ذلك ومحبته ومعرفته والحرص عليه عقوبة لنسيانھم له، وھما الھدى ودين الحقأولئك الذين طبع هللا على قلوبھم واتبعوا أھواءھم والذين اھتدوا زادھم { :وقال تعالى في حقھمل الذي ھو ثمرته وموجبه فجمع لھم بين اتباع الھوى والضال، ١٧\١٦محمد} ھدى وآتاھم تقواھم

.كما جمع للمھتدين بين التقوى والھدى

)فصل] (٧٥[ والضالل والشقاء -بين الھدى والرحمة

فكذلك يقرن بين الھدى والرحمة ، وكما يقرن سبحانه بين الھدى والتقى والضالل والغي

، ٥البقرة} فلحونأولئك على ھدى من ربھم وأولئك ھم الم{ :فمن األول قوله، والضالل والشقاء .١٥٧البقرة }أولئك عليھم صلوات من ربھم ورحمة وأولئك ھم المھتدون{ :وقال أيضا

آل } ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ ھديتنا وھب لنا من لدنك انك أنت الوھاب{ :وقال عن المؤمنين

.٨عمران { :وقال، ١٠الكھف } داربنا آتنا من لدنك رحمة وھيئ لنا من أمرنا رش{ :وقال عن أھل الكھف

لقد كان في قصصھم عبرة ألولي األلباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وما أنزلنا عليك الكتاب اال { :وقال، ١١١يوسف }وتفصيل كل شيء وھدى ورحمة لقوم يؤمنون

ا عليك الكتاب ونزلن{ :وقال، ٦٤النحل } لتبين لھم الذي اختلفوا فيه وھدى ورحمة لقوم يؤمنونيا أيھا الناس قد جاءتكم موعظة من { :وقال}، تبيانا لكل شيء وھدى ورحمة وبشرى للمؤمنين

.٥٧يونس } ربكم وشفاء لما في الصدور وھدى ورحمة للمؤمنين .٥٨يونس } قل بفضل هللا ورحمته فبذلك فليفرحوا{ :ثم أعاد سبحانه ذكرھما فقال ففضله ، والصحيح أنھما الھدى والنعمة، في تفسير الفضل والرحمة وقد تنوعت عبارات السلف

، فضل هللا القرآن: وقال أبو سعيد الخدري وابن عباس رضي هللا عنھما( ورحمته نعمته ، ھداه، وعن الحسن، فضل هللا القرآن ورحمته أن جعلكم من أھله: وعنھما أيضا، ورحمته االسالم

ولذلك ) ٢٢٦\٨تفسير القرطبي . ورحمته القرآن، االيمان:ومجاھد وقتادة فضل هللا، والضحاكاھدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت { :يقرن بين الھدى والنعمة كقوله في سورة الفاتحة

.٦-٥}عليھم ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضاال فھدى ووجدك عائال { :ومن قوله لنبيھيذكره بنعمته عليه

.ع له بين ھدايته له وانعامه عليه بايوائه واغنائهفجم، ٨-٦الضحى }فأغنى } يا قوم أرأيتم ان كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا{ :ومن ذلك قول نوح

} فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما{ :وقال عن الخضر، ٨٨ھود .٦٥الكھف

Page 87: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

87

انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر هللا ما تقدم من ذنبك وما تأخر { :ه وسلموقال لرسوله صلى هللا علي وأنزل { :وقال، ٣-١الفتح} ويتم نعمته عليك ويھديك صراطا مستقيما وينصرك هللا نصرا عزيزا

، ١١٣النساء }هللا عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل هللا عليك عظيما، ففضله ھدايته، ٢١النور} هللا عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداولوال فضل { :وقال

.ورحمته انعامه واحسانه اليھم وبره بھم والھدى منعه من ، ١٢٣طه } فاما يأتينكم مني ھدى فمن اتبع ھداي فال يضل وال يشقى{ :وقال

طه ما أنزلنا { :ورة في قولهوھذا ھو الذي ذكره في أول الس، والرحمة منعته من الشقاء، الضاللكما قال في ، فجمع له بين انزال القرآن عليه ونفى الشقاء عنه، ٢- ١طه }عليك القرآن لتشقى

.١٢٣طه } فال يضل وال يشقى{ :آخرھا في حق أتباعه كما أن الضالل ، فالھدى والفضل والنعمة والرحمة متالزمات ال ينفك بعضھا عن بعض

} ان المجرمين في ضالل وسعر{ :قال تعالى، ينفك أحدھما عن اآلخروالشقاء متالزمان ال ولقد ذرأنا لجھنم { :وقال تعالى. والسعر جمع سعير وھو العذاب الذي في غاية الشقاء، ٤٧القمر

كثيرا من الجن واالنس لھم قلوب ال يفقھون بھا ولھم أعين ال يبصرون بھا ولھم آذان ال يسمعون وقالوا لو { :وقال تعالى عنھم، ١٧٩األعراف } بل ھم أضل أولئك ھم الغافلونبھا أولئك كاألنعام

.١٠الملك } كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ومن ھذا أنه سبحانه يجمع بين الھدى وانشراح الصدر والحياة الطيبة وبين الضالل وضيق

ھديه يشرح صدره لالسالم ومن يرد أن فمن يرد هللا أن ي{ :قال تعالى، الصدر والمعيشة الضنكأفمن شرح هللا صدره لالسالم فھو على { :وقال، ١٢٥األنعام } يضله يجعل صدره ضيقا حرجا

.٢٢الزمر}نور من ربه هللا يجتبي اليه من يشاء { :قال تعال، وكذلك يجمع بين الھدى واالنابة والضالل وقسوة القلب

فويل للقاسية قلوبھم من ذكر هللا أولئك في { :قال تعالىو، ١٣الشورى}ويھدي اليه من ينيب .٢٢الزمر } ضالل مبين

الھدى والرحمة وتوابعھما من صفة العطاء] ٧٦[

، واالضالل والعذاب، كله من صفة العطاء، وتوابعھما من الفضل واالنعام، والھدى والرحمة

وذلك كله صادر عن ، ه ومنعهوھو سبحانه يصرف خلقه بين عطائ، وتوابعھما من صفة المنع .فال اله اال هللا، وحمد تام، وملك تام، حكمة بالغة

التعلق في المطالب العليا] ٧٧[

اذا رأيت النفوس المبطلة الفارغة من االرادة والطلب لھذا الشأن قد تشبث بھا ھذا العالم السفلي

وال تنقش عليھا ذلك فانه سريع االنحالل ،فانه الالئق بھا لفساد تركيبھا، وقد تشبثت به فكلھا اليهقتبقى شھوتھا وارادتھا ، ويبقى تشبثھا به مع انقطاعه عنھا عذابا عليھا بحسب ذلك التعلق، عنھافلو تصور . وقد حيل بينھا وبين ما تشتھي على وجه يئست معه من حصول شھوتھا ولذتھا، فيھا

، قطع ھذا التعلق كما يبادر الى حسم مواد الفساد العاقل ما في ذلك من األلم والحسرة لبادر الى .وهللا المستعان، ومع ھذا فانه ينال نصيبه من ذلك وقلبه وھمه متعلق بالمطلب األعلى

اياك والكذب] ٧٨[

Page 88: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

88

ويفسد عليك تصويرھا ، اياك والكذب فانه يفسد عليك تصور المعلومات على ما ھي عليه

والباطل ، والحق باطال، ور المعدوم موجودا والموجود معدومافان الكاذب يص، وتعليمھا للناسونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة . فيفسد عليه تصوره وعلمه، والشر خيرا، والخير شرا، حقا

واذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه التي ھي مبدأ كل. الموجودة نزاعة الى العدم مؤثرة للباطلال وسرى حكم الكذب اليھا فصار صدورھا عنه كصدور فسدت عليه تلك األفع، فعلى ارادي

.فال ينتفع بلسانه وال بأعماله، الكذب على اللسان ان الكذب يھدي الى { :ولھذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النبي صلى هللا عليه وسلم

و وأب، ومسلم ٦٠٩٤رقم ٥٠٧\١٠البخاري في األدب } الفجور وان الفجور يھدي الى النارثم يسري الى الجوارح فيفسد ، وأول ما يسري الكذب من النفس الى اللسان فيفسده. داود وأحمد

فيستحكم عليه ، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله، عليھا أعمالھا كما أفسد على اللسان أقواله .ن أصلھاالفساد ويترامى داؤه الى الھلكة ان لم يتداركه هللا بدواء الصدق يقلع تلك المادة م

وأضدادھا من الرياء والعجب والكبر والفخر ، ولھذا كان أصل أعمال القلوب كلھا الصدق

فكل عمل . والخيالء والبطر واألشر والعجز والكسل والجبن والمھانة وغيرھا أصلھا الكذب، عهوهللا تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومناف. ظاھر أو باطن فمنشؤه الكذب

فما استجلبت مصالح الدنيا واآلخرة بمثل ، ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرتهيا أيھا الذين آمنوا اتقوا هللا وكونوا { :قال تعالى. وال مفاسدھما ومضارھما بمثل الكذب، الصدق

فاذا { :وقال، ١١٩المائدة } ھذا يوم ينفع الصادقين صدقھم{ :وقال، ١١٩التوبة} مع الصادقينوجاء المعذرون من األعراب { :وقال، ٢١محمد} عزم األمر فلو صدقوا هللا لكان خيرا لھم

.٩٠التوبة } ليؤذن لھم وقعد الذين كذبوا هللا ورسوله سيصيب الذين كفروا منھم عذاب أليم

في ظالل اآلية الكريمة ] ٧٩[

ير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وھو شر لكم وهللا وعسى أن تكرھوا شيئا وھو خ{ :في قوله تعالى .}يعلم وأنتم التعلمون

، فان العبد اذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، في ھذه اآلية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد

ولم ييأس أن تأتيه ، لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، والمحبوب قد يأتي بالمكروهفان هللا يعلم منھا ماال يعلمه العبد أوجب له ذلك ، نب المضرة لعدم علمه بالعواقبالمسرة من جا

:أمورا ألم عواقبه كلھا خيرات ، أنه ال أنفع له من امتثال األمر وان شق عليه في االبتداء: منھا

وكذلك ال شيء أضرعليه من . ومسرات ولذات وأفراح وان كرھته نفسه فھو خير لھا وأنفع، فان عواقبه كلھا آالم وأحزان وشرور ومصائب، النھي وان ھويته نفسه ومالت اليه ارتكاب

واجتناب اللذة ، وخاصية العقل تحمل األلم اليسير لما يعقبه من اللذة العظيمة والخير الكثير، فنظر الجاھل ال يجاوز المبادئ الى غاياتھا. اليسيرة لما يعقبھا من األلم العظيم والشر الطويل

. لعاقل الكيس دائما ينظر الى الغايات من وراء تلك الستور من الغايات المحمودة والمذمومةوا

Page 89: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

89

. فكلما دعته لذته الى تناوله نھاه ما فيه من السم، فيرى المناھي كطعام لذيذ قد خلط به سم قاتلعن تناوله وكلما نھاه كراھة مذاقه، ويرى األوامر كدواء كريه المذاق مفضى الى العافية والشفاء

وقوة صبر ، ولكن ھذا يحتاج الى فضل علم تدرك به الغايات من مبادئھا. أمره نفعه بالتناولفاذل فقد اليقين والصبر تعذر عليه ، يوطن به نفسه على تحما مشقة الطريق لما يؤمل عند الغاية

.واللذة الدائمةواذا قوي يقينه وصبره ھان عليه كل مشقة يتحملھا في طلب الخير الدائم ، ذلك والرضا بما ، ومن أسرار ھذه اآلية أنھا تقتضي من العبد التفويض الى من يعلم عواقب األمور

.لما يرجو فيه من حسن العاقبة، يختاره له ويقضيه له فلعل مضرته وھالكه ، أنه ال يقترح على ربه وال يختار عليه وال يسأله ما ليس له به علم: ومنھا

فال يختار على ربه شيئا بل يسأله حسن االختيار له وأن يرضيه بما يختاره فال ، يعلمفيه وھو ال .أنفع له من ذلك

أنه اذا فوض أمره الى ربه ورضي بما يختاره له أمده فيما يختاره له بالقوة عليه : ومنھا

ه من حسن وأرا، التي ھي عرضة اختيار العبد لنفسه، وصرف عنه اآلفات، والعزيمة والصبر .بما يختاره ھو لنفسه، عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل الى بعضه

ويفرغ قلبه من التقديرات ، أنه يريحه من األفكار المتعبة في أنواع االختيارات: ومنھا

، ومع ھذا فال خروج له عما قدر عليه، والتدبيرات التي يصعد منھا في عقبة وينزل في أخرىواال جرى عليه القدر ، أصابه القدر وھو محمود مشكور ملطوف به فيهفلو رضي باختيار هللا

اكتنفه في ، ومتى صح تفويضه ورضاه، ألنه مع اختياره لنفسه. وھو مذموم غير ملطوف به فيهولطفه يھون ، فعطفه يقيه ما يحذره، المقدور والعطف عليه واللطف به فيصير بين عطفه ولطفه

.عليه ما قدره فال أنفع له من االستسالم ، نفذ القدر في العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تحيله في ردهاذا

. فان السبع ال يرضى بأكل الجيف، والقاء نفسه بين يدي القدر طريحا كالميتة

شروط االنتفاع بااليمان والعلم] ٨٠[ ولم يتجاوزه الى ما ، عند قدرھا ووقف بھا، ال ينتفع بنعمة هللا بااليمان والعلم اال من عرف نفسه

فھو المان به ابتداء وادامة ، وتيقن أنه ومن هللا وبا، ولم يتعد طوره ولم يقل ھذا لي، ليس لهفتذله نعم هللا عليه وتكسره كسرة من ال يرى لنفسه وال فيھا ، بال سبب من العبد وال استحقاق منه

فتحدث له النعم ذال وانكسارا عجيبا ال ، فھو وبه ومنهوأن الخير الذي وصل اليه ، خيرا البتة .يعبر عنه

: وھذا نتيجة علمين شريفين، فكلما جدد له نعمة ازداد له ذال وانكسارا ومحبة وخوف ورجاء

وھو ملكه يؤتي ، وأن الخير كله في يديه، علمه بربه وكماله وبره وغناه وجوده واحسانه ورحمتهوعلمه بنفسه ووقوفه . وھذا أكمل حمد وأتمه، وله الحمد على ھذا. يشاء منه من يشاء ويمنع من

، وأنھا ال خير فيھا البتة وال لھا وال بھا وال منھا، على حدھا وقدرھا ونقصھا وظلمھا وجھلھافما فيھا من الخير تابع ، وأنھا ليس لھا من ذاتھا اال العدم الذي ال شيء أحقر منه وال أنقص

.س اليھا وال بھالوجودھا الذي لي

Page 90: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

90

واألمر ، فاذا صار ھذان العلمان صبغة لھا ال صبغة على لسانھا علمت حينئذ أن الحمد كله وأنھا ھي أولى بالذم ، وأنه ھو المستحق للحمد والثناء والمدح دونھا، كله له والخير كله في يديه

ه وأعماله وأحواله وتخبطت عليه ومن فاته التحقق بھذين العلمين تلونت به أقوال. والعيب واللوم .ولم يھتد الى الصراط المستقيم الموصل له الى هللا

من : وھذا معنى قولھم. وانقطاعه بفواتھما، فايصال العبد تحقيق ھاتين المعرفتين علما وحاال

فانه من عرف نفسه بالجھل والظلم والعيب والنقائص والحاجة والفقر ، عرف نفسه عرف ربهوأثنى ، عرف ربه بضد ذلك فوقف بنفسه عند قدرھا ولم يتعد بھا طورھا، المسكنة والعدموالذل و

، وانصرفت قوة حبه وخشيته ورجائه وانابته وتوكله اليه وحده، على ربه ببعض ما ھو أھله .وهللا المستعان، وھذا ھو حقيقة العبودية، وكان أحب شيء اليه وأخوف شيء عنده وأرجاه له

انه لن ينتفع بحكمتنا اال من عرف نفسه ووقف : بعض الحكماء كتب على باب بيتهويحكى أن

.فمن كان كذلك فليدخل واال فليرجع حتى يكون بھذه الصفة، بھا عند قدرھا

الصبر عن الشھوة أسھل من ألم عقوبتھا] ٨١[

، ما وعقوبةفانھا اما ان توجب أل، الصبر عن الشھوة أسھل من الصبر على ما توجبه الشھوة واما أن تلثم عرضا ، واما أ، تضيع وقتا اضاعته حسرة وندامة، واما أن تقطع لذة أكمل منھاواما أن تضع قدرا وجاھا ، واما أن تذھب ماال بقاؤه خير له من ذھابه، توفيره أنفع للعبد من ثلمه

ا أ، تطرق وام، واما أن تسلب نعمة بقاؤھا ألذ وأطيب من قضاء الشھوة، قيامه خير وضعهواما أن تجلب ھما وغما وحزنا وخوفا ال يقارب لذة ، لوضيع اليك طريقا لم يك يجدھا قبل ذلك

واما أ، ، واما أن تشمت عدوا وتحزن وليا، واما أن تنسي علما ذكره ألذ من نيل الشھوة، الشھوةال تورث فان األعم، واما أ، تحدث عيبا يبقى صفة ال تزول، تقطع الطريق على نعمة مقبلة

. الصفات واألخالق

حدود األخالق] ٨٢[

فللغضب حد ، ومتى قصرت عنه كان نقصا ومھانة، لألخالق حد متى جاوزته صارت عدوانا تعدى ، فاذا جاوز حده. وھذا كماله، واألنفة من الرذائل والنقائص، وھو الشجاعة المحمودة

.جبن ولم يأنف من الرذائل، وان نقص عنه، صاحبه وجار فمتى نقص من ذلك كان ، وحصول البالغ منھا، وھو الكفاية في أمور الدنيا، وللحرص حد

.كان شرھا ورغبة فيما ال تحمد الرغبة فيه، ومتى زاذ عليه، مھانة واضاعة فمتى تعدى ذلك صار ، واألنفة أن يتقدم عايه نظيره، وللحسد حد وھو المنافسة في طلب الكمال

، ومتى نقص عن ذلك، ويحرص على ايذائه، معه زوال النعمة عن المحسود بغيا وظلما يتمنى: ال حسد اال في اثنتين:" قال النبي صلى هللا عليه وسلم. كان دناءة وضعف ھمة وصغر نفس

ورجل آتاه هللا الحكمة فھو يقضي بھا ويعلمھا ، رجل آتاه هللا ماال فسلطه على ھلكته في الحقفھذا حسد ، ومسلم) ١٤٠٩( ٢٧٦\٣وفي الزكاة ، ) ٧٣( ١٦٥\١ البخاري في العلم" الناس

ال حسد مھانة يتمنى به زوال النعمة عن ، منافسة يطالب الحاسد به نفسه أن يكون مثل المحسود .المحسود

Page 91: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

91

وھو راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل واالستعانة بقضائھا ، وللشھوة حد ومتى ، ى ذلك صارت نھمة وشبقا والتحق صاحبھا بدرجة الحيواناتفمتى زادت عل، على ذلك

.نقصت عنه ولم يكن فراغا في طلب الكمال والفضل كانت ضعفا وعجزا ومھانة وللراحة حد وھو اجمام النفس والقوى المدركة والفعالة لالستعداد للطاعة واكتساب الفضائل

فمتى زاد على ذلك صار توانيا ، ويضعف أثرھاوتوفرھا على ذلك بحيث ال يضعفھا الكد والتعب ومى نقص عنه صار مضرا بالقوى موھنا لھا ، وفات به أكثر مصالح العبد، وكسال واضاعة

.وربما انقطع به كالمنبت الذي ال أرضا قطع وال ظھرا أبقى ومتى نقص عنه كان بخال، فمتى جاوز حده صار اسرافا وتبذيرا، والجود له حد بين طرفين

.وتقتيرا وحدھا االقدام ، ومتى نقصت عنه صار جبنا وخورا، وللشجاعة حد متى جاوزته صار تھورا

أعياني أن : كما قال معاوية لعمرو بن العاص، واالحجام في مواضع االحجام، في مواضع االقدام، لناسوتجبن حتى أقول من أجبن ا، أعرف أشجاعا أنت أم جبانا تقدم حتى أقول من أشجع الناس

:فقال

شجاع اذا أمكنتني فرصة فان لم تكن لي فرصة فجبان واذا قصرت عنه كانت تغاقال ، والغيرة لھا حد اذا جاوزته صارت تھمة وظنا سيئا بالبرئ

.ومبادئ دياثة .والفخر ومن قصر عنه انحرف الى الكبر، وللواضع حد اذا جاوزه كان ذال ومھانة .وان قصر عنه انحرف الى الذل والمھانة، وللعز حد اذا جاوزه كان كبرا وخلقا مذموما وعليه بناء ، وھو األخذ بالوسط الموضوع بين طرفي االفراط والتفريط، وضابط ھذا كله العدل

عن العدل فانه متى خرج بعض أخالطه . بل ال تقوم مصلحة البدن اال به، مصالح الدنيا واآلخرةوكذلك األفعال الطبيعية كالنوم والسھر . وجاوزه أو نقص عنه ذھب من صحته وقوته بحسب ذلك

اذا كانت وسطا بين ، واألكل والشرب والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك .الطرفين المذمومين كانت عدال وان انحرفت الى أحدھما كانت نقصا وأثمرت نقصا

فأعلم الناس . وال سيما حدود الشرع المأمور والمنھي، أشرف العلوم وأنفعھا علم الحدود فمن

قال . حتى ال يدخل فيھا ما ليس منھا وال يخرج منھا ما ھو داخل فيھا، أعلمھم بتلك الحدود. ٩٧التوبة }األعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أال يعلموا حدود ما أنزل هللا على رسوله{ :تعالى

.وبا التوفيق، عدل الناس من قام بحدود األخالق واألعمال والمشروعات معرفة وفعالفأ

)فصل] (٨٣[

يا حبذا نوم األكياس وفطرھم كيف يغبنون به قيام الحمقى :" قال أبو الدرداء رضي هللا عنه وھذا من". والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين، وصومھم

رضي هللا ، وتقدمھم على من بعدھم في كل خير، وأدله على كمال فقه الصحابة، جواھر الكالم .عنھم

Page 92: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

92

والتقوى في الحقيقة تقوى . فاعلم أن العبد انما قطع منازل السير الى هللا بقلبه وھمته ال ببدنه

} وى القلوبذلك ومن يعظم شعائر هللا فانھا من تق{ :قال تعالى. القلوب ال تقوى الجوارحوقال النبي ، ٣٧الحج}لن ينال هللا لحومھا وال دماؤھا ولكن ينالھا التقوى منكم{ :وقال، ٣٢الحج

مسلم في كتاب البر والصلة واآلداب ، وأشار الى صدره" التقوى ھاھنا:" صلى هللا عليه وسلم، لقصدوتجريد ا، وعلو الھمة، فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة. ٣٢رقم ١٩٨٦\٤

أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير ، وصحة النية مع العمل القليلوالتقدم والسبق الى هللا سبحانه ، وتطيب السير، فان العزيمة والمحبة تذھب المشقة. والسفر الشاقير فيتقدم صاحب الھمة مع سكونه صاحب العمل الكث، وصدق الرغبة والعزيمة، انما ھو بالھمم

وھذا موضع يحتاج الى تفصيل يوافق فيه االسالم ، فان ساواه في ھمته تقدم عليه بعمله، بمراحل .االحسان

فكان مع كماله وارادته وأحواله ، وكان موفيا كل واحد منھما حقه، فأكمل الھدي ھدي رسول هللا

ويخالط أصحابه ، هللاويجاھد في سبيل ، ويصوم حتى يقال ال يفطر، مع هللا يقوم حتى ترم قدماهوال يترك شيئا من النوافل واألوراد لتلك الواردات التي تعجز عن حملھا قوى ، وال يحتجب عنھم

.البشر ، وهللا تعالى أمر عباده أن يقوموا بشرائع االسالم على ظواھرھم وحقائق االيمان على بواطنھم

االسالم عالنية وااليمان في :" رفوعاوفي المسند م. وال يقبل واحدا منھما اال بصاحبه وقرينهفكل اسالم ظاھر ال ينفذ صاحبه منه الى حقيقة االيمان الباطنة فليس بنافع حتى . ١٣٤\٣"القلب

وكل حقيقة باطنة ال يقوم صاحبھا بشرائع االسالم الظاھرة ، يكون معه شيء من االيمان الباطنوالخوف ولم يتعبد األمر وظاھر الشرع لم فلو تمزق القلب بالمحبة. ال تنفع ولو كانت ما كانت

كما أنه لو قام بظواھر االسالم ولي في باطنه حقيقة االيمان ولم ينجه من . ينجه ذلك من النار .النار

: فالصادقون السائرون الى هللا والدار اآلخرة قسمان، واذا عرف ھذا فل البدنية وجعلوھا دأبھم من غير قسم صرفوا ما فضل من أوقاتھم بعد الفرائض الى النوا

وان لم يكونوا خالين من أصلھا ولكن ، حرص منھم على تحقيق أعمال القلوب ومنازل أحكامھا .ھممھم مصروفة الى االستكثار من األعمال

وقسم صرفوا ما فضل من الفرائض والسنن الى االھتمام بصالح قلوبھم وعكوفھا على هللا

وجعلوا قوة تعبدھم بأعمال القلوب من . فظ الخواطر واالرادات معهوحده والجمعية عليه وحوالخوف والرجاء والتوكل واالنابة ورأوا أن أيسر نصيب من الواردات التي ، تصحيح المحبة

فاذا حصل ألحدھم جمعية ، ترد على قلوبھم من هللا أحب اليھم من كثير من التطوعات البدنيةاال أن يجيء األمر ، لم يستبدل به شيئا سواه البتة، انكسار وذل ووارد أنس أو حب أو اشتياق أو .واال بادر الى األمر ولو ذھب الوارد، فيبادر اليه بذلك الوارد ان أمكنه

واال نظر في األرجح ، فان أمكن القيام اليھا به فذاك، فاذا جاءت النوافل فھاھنا معترك التردد

تلك النافلة ولو ذھب وارده كاغاثة الملھوف وارشاد ضال ھل ھو القيام الى، واألحي الى هللاومتى قدمھا ، فھاھنا ينبغي تقديم النافلة الراجحة، وجبر مكسور واستفادة وايمان ونحو ذلك

وان كان ، رغبة فيه وتقربا اليه فانه يرد عليه ما فات من وارده أقوى مما كان في وقت آخر

Page 93: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

93

له االستمرار في وارده حتى يتوارى عنه فانه يفوت والنافلة ال الوارد أرجح من النافلة فالحزم .تفوت

وهللا ، وھذا موضع يحتاج الى فضل فقه في الطريق ومراتب األعمال وتقديم األھم منھا فاألھم

.الموفق لذلك ال اله غيره وال رب سواه

األخالق المحمودة واألخالق المذمومة] ٨٤[

وأصل األخالق المحمودة كلھا الخشوع ، لھا الكبر والمھانة والدناءةأصل األخالق المذمومة ك فالفخر والبطر واألشر والعجب والحسد والبغي والخيالء والظلم والقسوة والتجبر . وعلو الھمة

واالعراض واباء قبول النصيحة واالستئثار وطلب العلو وحب الجاه والرئاسة وأن يحمد بما لم وأما الكذب والخسة والخيانة والرياء والمكر والخديعة ، ناشئة من الكبركلھا ، يفعل وأمثال ذلك

والطمع والفزع والجبن والبخل والعجز والكسل والذل لغير هللا واستبدال الذي ھو أدنى بالذي ھو .فانھا من المھانة والدناءة وصغر النفس، خير ونحو ذلك

المروءة والعفة والصيانة والجود والحلم وأما األخالق الفاضلة كالصبر والشجاعة والعدل و

وعزة النفس عن الدناءات والتواضع والقناعة والصدق . والعفو والصفح واالحتمال وااليثاروالتغافل عن زالت الناس وترك االشتغال بما ال ، أفضل، واالخالص والمكافأة واالحسان بمثله أ

. فكلھا ناشئة عن الخشوع وعلو الھمة، لكيعنيه وسالمة القلب من تلك األخالق المذمومة ونحو ذوهللا سبحانه أخبر عن األرض بأنھا تكون خاشعة ثم ينزل عليھا الماء فتھتز وتربو وتأخذ زينتھا

.فكذلك المخلوق منھا اذا أصابه حظه من التوفيق، )٣٩يشير الى سورة فصلت آية (وبھجتھا فھي . ير أحقر شيء وأذله وكذلك المخلوق منھاوأما النار فطبعھا العلو واالفساد ثم تخمد فتص

.وبين الخسة والدناءة اذا خمدت وسكنت، دائما بين العلو اذا ھاجت واضطربت واألخالق الفاضلة تابعة لألرض والمخلوق ، واألخالق المذمومة تابعة للنار والمخلوق منھا

مته وطغت نفسه اتصف ومن دنت ھ، فمن علت ھمته وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل. منھا .بكل خلق رذيل

المطلب األعلى يحتاج الى ھمة عالية ونية صحيحة] ٨٥[

فمن فقدھما تعذر عليه ، المطلب األعلى موقوف حصوله على ھمة عالية ونية صحيحة

واذا كانت النية صحيحة سلك . فان الھمة اذا مانت عالية تعلقت به وحده دون غيره، الوصول اليهفاذا توحد مطلوبه ، فالنية تفرد له الطريق والھمة تفرد له المطلوب، لطريق الموصلة اليهالعبد ا

واذا كانت ھمته سافلة تعلقت بالسفليات ولم تتعلق . والطريق الموصلة اليه كان الوصول غايتهفمدار الشأن على . واذا كانت النية غير صحيحة كانت طريقه غير موصلة اليه. بالمطلب األعلى

:ھمة العبد ونيته ھما مطلوبه وطريقه ال يتم اال بترك ثالثة أشياء .العوائد والرسوم واألوضاع التي أحدثھا الناس): األول( .ھجر العوائق التي تعوقه عن افراد مطلوبه وطريقه وقطعھا): الثاني(يشير رحمه هللا وكأنه(قطع عالئق القلب التي تحول بينه وبين تجريد التعليق بالمطلوب ): الثالث(

وعالئق القلب وقبل ذلك بعه عن كل البدع والخرافاتالتي ، الى تجرد المسلم عن كل عوائق الدنيا، والفرق بينھما أن العوائق ھي الحوادث الخارجية) وما أكثرھا في زماننا، أحدثھا الناس

Page 94: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

94

ي تشغل عن وأصل ذلك ترك الفضول الت. والعالئق ھي التعلقات القلبية بالمباحات ونحوھافيأخذ من ذلك ما يعينه على طلبه ويرفض منه ، المقصود من الطعام والشراب والمنام والخلطة

.وهللا المستعان، ما يقطعه عنه أو يضعف طلبه

)فصل] (٨٦[ من حكم ابن مسعود رضي هللا عنه

اب ما أحب أن أكون من أصح: قال رجل عنده، من كالم عبدهللا بن مسعود رضي هللا عنه

يعني . لكن ھاھنا رجل ود أنه اذا مات لم يبعث: فقال عبدهللا، أحب أن أكون من المقربين، اليمين .نفسه

: قال، ولكن أردنا أن نمشي معك، ألكم حاجة؟ قالوا ال: وخرج ذات يوم فاتبعه ناس فقال لھم

.فانه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع، ارجعوا : حبذا المكروھان: قال. من نفسي لحثوتم على رأسي التراب لو تعلمون مني ما أعلم: وقال

أرجو هللا في كل واحد ، وأيم هللا ان ھو اال الغنى والفقر وما أبالي بأيھما بليت، الموت والفقر .وان كان الفقر ان فيه للصبر، ان كان الغنى ان فيه للعطف، منھما

فمن ، والموت يأتي بغتة، وأعمال محفوظة، انكم في ممر الليل والنھار في آجال منقوصة: وقال

وال يدرك ، ولكل زارع مثل ما زرع ال يسبق بطىء بحظه، زرع خيرا فيوشك أن يحصد ندامة .ومن وقى شرا فا وقاه، من أعطى خيرا فا أعطاه. حريص ما لم يقدر له

فأفضل الكالم ، ھدى والكالمال: انما ھما اثنتان، ومجالستھم زيادة، والفقھاء قادة، المتقون سادة

وشر األمور محدثاتھا وكل محدثة ، وأفضل الھدي ھدي محمد صلى هللا عليه وسلم، كالم هللاأال وان البعيد ما ليس ، فال يطولن عليكم األمد وال يلھينكم األمل فان كل ما ھو آت قريب، بدعة .غيرهوان السعيد من وعظ ب، أال وان الشقي من شقي في بطن أمه، آتيا وال يحل لمسلم أن يھجر أخاه فوق ثالثة أيام حتى يسلم ، أال وان قتال المسلم كفر وسبابه فسوق

اال وان ، أال وان شر الروايا روايا الكذب، ويعوده اذا مرض، ويجيبه اذا دعاه، عليه اذا لقيهأال وان الكذب يھدي ، الكذب ال يصلح منه جد وال ھزل وال أن يعد الرجل صبيه شيئا ثم ال ينجزه

وانه يقال ، والبر يھدي الى الجنة، والصدق يھدي الى البر، والفجور يھدي الى النار، الى الفجوروان محمدا صلى هللا عليه وسلم حدثنا أن الرجل ، ويقال للكاذب كذب وفجر، للصادق صدق وبر

. ليصدق حتى يكتب عند هللا صديقا ويكذب حتى يكتب عند هللا كذابا وأحسن النن ، وخير الملل ملة ابراھيم، وأوثق العرى كلمة التقوى، ان أصدق الحديث كتاب هللا

وخير ، وخير القصص القرآن، وأشرف الحديث ذكر هللا، وخير الھدي ھدي األنبياء، سنة محمدونفس تنجيھا ، وما قل وكفى خير مما كثر وألھى، وشر األمور محدثاتھا، األمور عوازمھا

، وشر الندامة ندامة يوم القيامة، وشر المعذرة حين يحضر الموت، من امارة ال تحصيھاخيروخير ما وقر ، وخير الزاد التقوى، وخير الغنى غنى النفس، وشر الضاللة الضاللة بعد الھدى

والنساء حبائل ، والخمر جماع االثم، وشر العمى عمى القلب، والريب من الكفر، في القلب اليقين .والنوح من عمل الجاھلية، الشباب شعبة من الجنون، انالشيط

Page 95: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

95

ومن أعظم الخطايا اللسان ، ومن الناس من ال يأتي الجمعة اال دبرا وال يذكر هللا اال ھجرا ومن يصبر ، ومن يغفر يغفر له، ومن يكظم الغيظ يأجره هللا، ومن يعف يعف هللا عنه، الكذاب

وانما يكفي أحدكم ما ، وشر المأكل مال اليتيم، سب كسب الرباوشر المكا، على الرزية يعقبه هللاوأشرف ، ومالك العمل خواتمه، وانما يصير الى أربعة أذرع واألمر الى آخرة، قنعت به نفسه

.ومن يعص هللا يطع الشيطان، ومن يستكبر يضعه هللا، الموت قتل الشھداء وبحزنه اذا ، وبنھاره اذا الناس مفطرون، مونينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله اذا الناس نائ

وبخشوعه اذا الناس ، وبصمته اذا الناس يخوضون، وببكائه اذا الناس يضحكون، الناس يفرحون .يختالون

وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا وال ينبغي لحامل القرآن أن

.صياحا وال حديدا يكون جافيا وال غافال وال سخابا وال فلمة ، وان للملك لمة وللشيطان لمة، ومن تواضع تخشعا رفعه هللا، من تطاول تعظما حطه هللا

ولمة الشيطان ايعاد بالشر . فاذا رأيتم ذلك فاحمدوا هللا، وتصديق بالحق، الملك ايعاد بالخيرفمن وافق قوله فعله فذاك ، سنوا القولان الناس قد أح. فاذا رأيتم ذلك فتعوذوا با، وتكذيب بالحق

.ومن خالف قوله فعله فذاك انما يوبخ نفسه، الذي أصاب حظه اني ألبغض الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء ، نھار) دويبة(ال ألفين أحدكم جيفة ليل قطرب

يزدد بھا ومن لم تأمره الصالة بالمعروف وتنھه عن المنكر لم ، من عمل الدنيا وال عمل اآلخرة .من هللا اال بعدا

وال تلوم أحدا على ما ، وال تحمد أحدا على رزق هللا، من اليقين أن ال ترضي الناس بسخط هللا

وان هللا بقسطه وحلمه ، فان رزق هللا ال يسوقه حرص حريص وال يرده كراھة كاره. لم يؤتك هللا .الحزن في الشك والسخطوجعل الھم و، وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا

اني ألحسب الرجل . ومن يقرع باب الملك يفتح له، ما دمت في صالة فأنت تقرع باب الملك

.ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملھا ، خلقان الثياب، جدد القلوب، سرج الليل، أحالس البيوت، مصابيح الھدى، كونوا ينابيع العلم

.لى أھل األرضتعرفون في السماء وتخفون ع .ودعوھا عند فترتھا وادبارھا، ان للقلوب شھوة وادبارا فاغتنموھا عند شھوتھا واقبالھا .ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم بالخشية وتلقون المؤمن من أصح الناس قلبا ، انكم ترون الكافر من أصح الناس جسما وأمرضھم قلبا

لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أھون على هللا من ،وأيم وهللا، وأمرضھم جسما .الجعالن

وال يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب اليه من ، ال يبلغ العبد حقيقة االيمان حتى يحل بذروته

وان الرجل ليخرج ، والتواضع أحب اليه من الشرف وحتى يكون حامده وذامه عنده سواء، الغنى

Page 96: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

96

، يأتي الرجل وال يملك له وال لنفسه ضرا وال نفقعا، رجع وما معه منه شيءمن بيته ومعه دينه في .فيرجع وما حبى من حاجته بشيء وبسخط هللا عليه، فيقسم له با انك لذيت وذيت

.لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا .االثم حواز القلوب ، وما منكم اال ضيف وماله عارية -مع كل فرحة ترحة وما ملىء بيت حبرة اال ملىء عبرة

.والعارية مؤداة الى أھلھا، فالضيف مرتحل يكون في آخر الزمان أقوام أفضل أعمالھم التالوم بينھم يسمون األنتان اذا أحب الرجل أن

.ينصف من نفسه فلؤت الى الناس الذي يحب أن يؤتى اليه .ورث حزنا طويالرب شھوة ت، والباطل خفيف وبيء، الحق ثقيل مريء .ما على وجه األرض شيء أحوج الى طول سجن من لسان .اذا ظھر الزنا والربا في قرية أذن في ھالكھا فان ، من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء حيث ال يأكله السوس وال يناله السراق فليفعل

.قلب الرجل مع كنزه ، وان كنتم ال بد مقتدين فاقتدوا بالميت، آمن أمن وان كفر كفرفا ، ال يقلدن أحدكم في دينه رجال

.فان الحي ال تؤمن عليه الفتنة يقول أنا مع الناس ان اھتدوا اھتديت وان ضلوا : قالوا وما األمعة؟ قال، ال يكن أحدكم امعة

.أال ليطن أحدكم نفسه على أنه ان كفر الناس ال يكفر، ضللت وزل مع القرآن ، اعبد هللا ال تشرك به شيئا: فقال، كلمات جوامع نوافععلمني : وقال له رجل

ومن جاءك بالبطل فاردد عليه ، ومن جاءك بالحق فاقبل منه وان كان بعيدا بغيضا، حيث زاليا رب من أين وقد ذھبت : فيقول، أد أمانتك: يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له. وان كان حبيبا قريبا

، فينزل ويأخذھا فيضعھا على عاتقه فيصعد بھا، على ھيئتھا يوم أخذھا في قعر جھنمالدنيا فتمثل .حتى اذا ظن أنه خارج بھا ھوت وھوى في أثرھا أبد اآلبدين

فان لم . وفي أوقات الخلوة، وفي مجال الذكر، عند سماع القرآن: أطلب قلبك في ثالثة مواطن

.فانه ال قلب لك، يك بقلبتجده في ھذه المواطن فسل هللا أن يمن عل أن تنصب : فقلت، فسألني عن حقيقتھا، دخلت على شاب فسألني عن التوبة فأجبته: قال الجنيد

فما حقيقة التوبة : فقلت له، ما ھذه حقيقة التوبة، مه: فقال لي. ذنبك بين عينيك حتى يأتيك الموتالقول : عندك يا أبا القاسم؟ فقلتفكيف ھو ، وتركني ومضى. أن تنسى ذنبك: عندك يا فتى؟ قال

، اذا كنت معه في حال ثم نقلني من حال الجفاء الى حال الوفاء: قلت، كيف: قال. ما قال الفتى .فذكري للجفاء في حال الوفاء جفاء

Page 97: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

97

االخالص ومحبة المدح ال يجتمعان في قلب] ٨٧[

عند الناس اال كما يجتمع الماء ال يجتمع االخالص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما فاذا حدثتك نفسك بطلب االخالص فأقبل على الطمع أوال فاذبحه بسكين . والنار والنصب والحوت

فاذا استقام لك ذبح ، وأقبل على المدح والثناء فازھد فيھما زھد عشاق الدنيا في اآلخرة، اليأس .الطمع والزھد في الثناء والمدح سھل عليك االخالص

أما ذبح الطمع فيسھله : وما الذي يسھل علي ذبح الطمع والزھد في المدح والثناء؟ قلت: فان قلت

وال يؤتى ، عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه اال وبيد هللا وحده خزائنه ال يملكھا غيرهأحد ينفع مدحه وأما الزھد في المدح والثناء فيسھله عليك علمك أنه ليس . العبد منھا شيئا سواه

ان : كما قال ذلك األعرابي للنبي صلى هللا عليه وسلم، ويضر ذمه ويشين اال هللا وحده، ويزينوأحمد في ، ٣٢٦٣الترمذي في السنن رقم " ذاك هللا عز وجل:" فقال، مدحي زين وشتمي شين

، ذمهوفي ذم من ال يشينك ، فازھد في مدح من ال يزينك مدحه. ٣٩٤ ٣٩٣\٦، ٤٨٨\٣المسند ولن يقدر على ذلك اال بالصبر ، وكل الشين في ذمه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه

قال هللا ، فمتى فقدت البصر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب، واليقينا وجعلن{ :وقال تعالى، ٦٠الروم} فاصبر ان وعد هللا حق وال يستخفنك الذين ال يوقنون{ :تعالى

.٢٤السجدة} منھم أئمة يھدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون

أشرف الناس من كانت لذته في معرفة هللا تعالى ومحبته] ٨٨[

فأشرف الناس نفسا وأعالھم ھما وأرفعھم ، لذة كل أحد على حسب قدره وھمته وشرف نفسه فلذته في . قائه والتودد اليه بما يحبه ويرضاهقدرا من لذته في معرفة هللا ومحبته والشوق الى ل

حتى تنتھي الى من لذته في ، اقباله عليه وعكوف ھمته عليه ودون ذلك مراتب ال يحصيھا اال هللافلو عرض . أخس األشياء من القاذورات والفواحش في كل شيء من الكالم والفعال واألشغال

كما أن األول اذا ، التفت اليه وربما تألمت من ذلكعليه ما يلتذ به األول لم تسمح نفسه بقبوله وال .عرض عليه ما يلتذ به ھذا لم تسمح نفسه به ولم تلتفت اليه ونفرت نفسه منه

فھو يتناول لذاته المباحة على . وأكمل الناس لذة من جمع له بين لذة القلب والروح ولذة البدن

فھذا ممن . ه لذة المعرفة والمحبة واألنس بربهوجه ال ينقص حظه من الدار اآلخرة وال يقطع عليقل من حرم زينة هللا التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل ھي للذين آمنوا { :قال تعالى فيه

وأبخسھم حظا من اللذة من تناولھا على وجه ، ٣٢األعراف} في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامةأذھبتم طيباتكم في { :من يقال لھم يوم استيفاء اللذاتفيكون م، يحول بينه وبين لذات اآلخرة، وأولئك تمتعوا بالطيبات، فھؤالء تمتعوا بالطيبات. ٢٠األحقاف} حياتكم الدنيا واستمتعتم بھافجمع لھم بين لذة الدنيا ، فأولئك تمتعوا بھا على الوجه الذي أذن لھم فيه، وافترقوا في وجه التمتع

وسواء أذن لھم فيه أم ، بھا على الوجه الذي دعاھم اليه الھوى والشھوةوھؤالء تمتعوا ، واآلخرةوال لذة اآلخرة حصلت ، فال لذة الدنيا دامت لھم، فانقطعت عنھم لذة الدنيا وفاتتھم لذة اآلخرة، البأن ، فمن أحب اللذة ودوامھا والعيش الطيب فليجعل لذة الدنيا موصال له الى لذة اآلخرة. لھم

فيتناولھا بحكم االستعانة والقوة على طلبه ال ، ا على فراغ قلبه في ارادته وعبادتهيستعين بھ .بحكم مجرد الشھوة والھوى

ويجم ، وان كان ممن زويت عنه لذات الدنيا وطيباتھا فليجعل ما نقص منھا زيادة في لذة اآلخرة

تھا نعم العون لمن صح طلبه و فطيبات الدنيا ولذا. نفسه ھاھنا بالترك ليستوفيھا كاملة ھناك، وحولھا يدندن، وبئس القاطع لمن كانت ھي مقصوده وھمته، الدار اآلخرة وكانت ھمته لما ھناك

Page 98: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

98

. وبئس القاطع النازع من هللا والدار اآلخرة، وفواتھا في الدنيا نعم العون لطالب هللا والدار اآلخرة .ن اآلخرة ظفر بھما جميعا واال خسرھما جميعافمن أخذ منافع الدنيا على وجه ال ينقص حظه م

لو لم يكن في ترك الذنوب والمعاصي وال اقامة المروءة وصون . سبحان هللا رب العالمين

ومحبة الخلق ، العرض وحفظ الجاه وصيانة المال الذي جعله هللا قواما لمصالح الدنيا واآلخرةقوة القلب وطيب النفس ونعيم القلب وانشراح وجواز القول بينھم وصالح المعاش وراحة البدن و

وعز النفس عن احتمال ، وقلة الھم والغم والحزن، واألمن من مخاوف الفساق والفجار، الصدروحصول المخرج له مما ضاق على الفساق ، وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية، الذل

عسر على أرباب الفسوق وتيسير ما، وتيسير عليه الرزق من حيث ال يحتسب، والفجار، وكثرة الدعاء له، وتيسير العلم والثناء الحسن في الناس، وتسھيل الطاعات عليه، والمعاصي

وانتصارھم وحميتھم له اذا ، والمھابة الي تلقى له في قلوب الناس، والحالوة التي يكتسبھا وجھهوزوال الوحشة التي بينه ، وسرعة اجابة دعائه، وذبھم عن عرضه اذا اغتابه مغتاب، أوذي وظلموتنافس الناس على خدمته ، وبعد شياطين األنس والجن منه، وقرب المالئكة منه، وبين هللا

بل يفرح به لقدومه على ، وعدم خوفه من الموت، وخطبتھم لمودته وصحبته، وقضاء حوائجهعلى الملك الكبير وكبر اآلخرة عنده وحرصه، وصغر الدنيا في قلبه، ربه ولقائه له ومصيره اليه

ودعاء حملة العرش ومن حوله ، ووجد حالوة االيمان، وذوق حالوة الطاعة، والفوز العظيم فيھاوالزيادة في عقله وفھمه وايمانه ، وفرح الكاتبين به ودعاؤھم له كل وقت، من المالئكة له

فرح وسرور ال وھكذا يجازيه ب، وفرحه بتوبته، وحصول محبة هللا له واقباله عليه، ومعرفته .نسبة له الى فرحه وسروره بالمعصية بوجه من الوجوه

وبأنه ، فاذا مات تلتقه المالئكة بالبشرى من ربه بالجنة. فھذه بعض آثار ترك المعاصي في الدنيا

وينتقل من سجن الدنيا وضيقھا الى روضة من رياض الجنة ينعم فيھا ، ال خوف عليه وال حزنفاذا . وھو في ظل العرش، ذا كان يوم القيامة كان الناس في الحر والعرقفا. الى يوم القيامة

ذلك فضل هللا { و:انصرفوا بين يدي هللا أخذ به ذات اليمين مع أوليائه المتقين وحزبه المفلحين . ٢١الحديد } يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم

من مزايا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز] ٨٩[

ذكر ابن سعد في الطبقات عن عمر بن عبد العزيز أنه كان اذا خطب على المنبر فخاف على

اللھم اني أعوذ بك من شر : ويقول، واذا كتب كتابا فخاف فيه العجب مزقه. نفسه العجب قطعه .٣٣٠\٥طبقات ابن سعد . نفسي

عا فيه منة هللا عليه به وتوفيقه اعلم أن العبد اذا شرع في قول أو عمل يبتغي به مرضاة هللا مطال

بل ھو الذي أنشأ له اللسان والقلب ، له فيه وأنه با ال بنفسه وال بمعرفته وفكره وحوله وقوتهفاذا لم يغب ذلك عن ، فالذي من عليه بذلك ھو الذي من عليه بالقول والفعل. والعين واألذن

نفسه وغيبته عن شھود منة ربه وتوفيقه مالحظته ونظر قلبه لم يحضره العجب الذي أصله رؤيةفوقع العجب ففسد ، فاذا غاب من تلك المالحظة وثبت النفس وقامت في مقام الدعوى. واعانته

فتارة يحال بينه وبين تمامه ويقطع عليه ويكون ذلك رحمة به حتى ال يغيب ، عليه القول والعملوان أثمر أثمر ثمرة ضعيفة غير ، يكون له ثمرةوتارة يتم له ولكن ال . عن مشاھدة المنة والتوفيق

ويتولد له منه مفاسد شتى بحسب ، وتارة يكون ضرره عليه أعظم من انتفاعه. محصلة للمقصود .غيبته عن مالحظة التوفيق والمنة ورؤية نفسه وأن القول والفعل به

Page 99: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

99

تھا أو يفسدھا عليه ومن ھذا الموضع يصلح هللا سبحانه أقوال عبده وأعماله ويعظم له ثمر فاذا أراد هللا بعبده خيرا أشھده ، فال شيء أفسد لألغعمال من العجب ورؤية النفس. ويمنعه ثمرتھا

ثم أشھده تقصيره فيه وأنه ال . منته وتوفيقه واعانته له في كل ما يقوله ويفعله فال يعجب بهواذا لم يشھده ذلك . ه أجراويستحيي أن يطلب علي، يرضى لربه به فيتوب اليه منه ويستغفره

لم يقع ذلك العمل منه موقع القبول ، وغيبه عنه فرأى نفسه في العمل ورآه بعين الكمال والرضا، معتذرا منه اليه، فالعارف يعمل العمل لوجھه مشاھدا فيه منته وفضله وتوفيقه. والرضا والمحبة

يمن به على ، وھواه ناظرا فيه الى نفسه والجاھل يعمل العمل لحظه. مستحييا منه اذ لم يوفقه حقه .فھذا لون وذاك لون آخر، ربه راضيا بعمله

من الحكم والمواعظ] ٩٠[

فالعوائد السكون الى الدعة . الوصول الى المطلوب موقوف على ھجر العوائد وقطع العوائق

بل ، ة الشرع المتبعوالراحة وما ألفه الناس واعتادوه من الرسوم واألوضاع التي جعلوھا بمنزلفانھم ينكرون على من خرج عنھا وخالفھا ما ال ينكرون على من . ھي عندھم أعظم من الشرع

، أو ھجروه وعاقبوه لمخالفة تلك الرسوم، وربما كفروه أو بدعوه وضللوه. خالف صريح الشرع. يھا ويعادونونصبوھا أندادا للرسول صلى هللا عليه وسلم يوالون عل، وأماتوا لھا السنن

.فالمعروف عندھم ما وافقھا والمنكر ما خالفھا وھذه األوضاع والرسوم قد استولت عليھا طوائف من بني آدم من الملوك والوالة والفقھاء

فربي فيھا الصغير ونشأ عليھا الكبير واتخذت سننا بل . والمطوعين والعامة، والصوفية والفقراء، عم بھا المصاب. والواقف معھا محبوس والمتقيد بھا منقطع. نھي أعظم عند أصحابھا من السن

.وھجر ألجلھا السنة والكتاب ومن اقتدى بھا دون كتاب هللا وسنة رسول هللا فھو عند ، من استنصر بھا فھو عند هللا مخذول

هللا عليه وھذا أعظم الحجب والموانع بين العبد وبين النفوذ الى هللا ورسوله صلى. هللا غير مقبول .وسلم

من العوائق] ٩١[

فانھا تعوق القلب عن سيره الى هللا وتقطع ، وأما العوائق فھي أنواع المخالفات ظاھرھا وباطنھا

، فيزول عائق الشرك بتجريد التوحيد، شرك وبدعة ومعصية: وھي ثالثة أمور، عليه طريقهوھذه العوائق ال تتبين للعبد حتى . توبةوعائق المعصية بتصحيح ال، وعائق البدعة بتحقيق السنة

فحينئذ تظھر له ھذه العوائق يحسس . يأخذ في أھبة السفر ويتحقق بالسير الى هللا والدار اآلخرة .واال فما دام قاعدا ال تظھر له كوامنھا وقواطعھا، بتعويقھا له بحسب قوة سيره وتجرده للسفر

من العالئق] ٩٢[

ما تعلق به القلب دون هللا ورسوله من مالذ الدنيا وشھواتھا ورئاستھا وأما العالئق فھي كل

وال سبيل له الى قطع ھذه األمور الثالثة ورفضھا اال بقوة التعلق ، وصحبة الناس والتعلق بھمفان النفس ال تترك مألوفھا . واال فقطعھا عليه بدون تعلقه بمطلوبه ممتنع، بالمطلب األعلى

وكلما قوي تعلقه بمطلوبه ضعف تعلقه . وب ھو أحب اليھا منه آثر عندھا منهومحبوبھا اال لمحبوذلك على قدر معرفته به وشرفه . وكذا بالعكس والتعلق بالمطلوب ھو شدة الرغبة فيه. بغيره

.وفضله على ما سواه

Page 100: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

100

حاجة الناس الى الرسول صلى هللا عليه وسلم] ٩٣[

مقام االفتقار الى هللا سبحانه أحوج الخالئق كلھم اليه في لما كمل للرسول صلى هللا عليه وسلم

أما حاجتھم اليه في الدنيا فأشد من حاجتھم الى الكعام والشراب والنفس الذي به . الدنيا واآلخرةوأما حاجتھم اليه في اآلخرة فانھم يستشفعون بالرسل الى هللا حتى يريحوھم من . حياة أبدانھمفي صحيح . وھو الذي يستفتح لھم باب الجنة، ر عن الشفاعة فيشفع لھمفكلھم يتأخ. ضيق مقامھم

آتي باب الجنة يوم القيامة :" مسلم كتاب االيمان حديث عن أنس بن مالك عن رسول هللا أنه قال" لك أمرت ال أفتح ألحد قبلك: فيقول. فأقول محمد، من أ،ت: فأستفتح فيقول الخازن

).٣٣٣(رقم١٨٨\١

السعادة والفالح من عالمات] ٩٤[

وكلما زيد . من عالمات السعادة والفالح أن العبد كلما زيد في علمه زيد في تواضعه ورحمته وكلما زيد في ماله زيد . وكلما زيد في عمره نقص من حرصه. في عمله زيد في خوفه وحذره

ھم والتواضع وكلما زيد في قدره وجاھه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائج. في سخائه وبذله .لھم وكلما زيد في عمل زيد في فخره ، وعالمات الشقاوة أنه كلما زيد في علمه زيد في كبره وتيھه

وھذه األمور . وكلما زيد في قدره وجاھه زيد في كبره وتيھه، واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه .أقوامابتالء من هللا وامتحان يبتلي بھا عباده فيسعد بھا أقوام ويشقى بھا

.كالملك والسلطان والمال، وكذلك الكرامات امتحان وابتالء } ھذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر{ :قال تعالى عن نبيه سليمان لما رأى عرش بلقيس

كما أن المحن بلوى . فالنعم ابتالء من هللا وامتحان يظھر بھا شكر الشكور وكفر الكفور. ٤٠النملفأما االنسان اذا ما ابتاله ربه { :قال تعال، يبتلي بالنعم كما يبتلي بالمصائب فھو، منه سبحانه

} ..كال* وأما اذا ما ابتاله فقدر عليه رزقه فيقول ربي أھانن * فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وال كل ، أي ليس كل ما وسعت عليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك اكراما مني له، ١٧-١٥الفجر

أي ليس األمر كما زعم ال في ھذا وال . ( قت عليه رزقه وابتليته يكون ذلك اھانة مني لهمن ضي ، في ھذا فان هللا تعالى يعطي المال من يحب ومن ال يحب ويضيق على من يحب ومن ال يحب

وانما المدار في ذلك على طاعة هللا في كل من الحالين اذا كان غنيا بأن يشكر هللا على ذلك وان ).٥٠٩\٤ن فقيرا بأن يصبرأنظر تفسير ابن كثير كا

األعمال درجات وأساسھا االيمان] ٩٥[

فان علو البنيان على قدر . من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه واحكامه وشدة االعتناء به ومتى كان األساس وثيقا ، فاألعمال والدرجات بنيان وأساسھا األيمان. توثيق األساس واحكامهواذا كان األساس غير وثيق ، واذا تھدم شيء من البنيان سھل تداركه. حمل البنيان واعتلى عليهفالعارف ھمته . واذا تھدم شيء من األساس سقط البنيان أو كاد، لم يرتفع البنيان ولم يثبتل قا. والجاھل يرفع في البناء من غير أساس فال يلبث بنيانه أن يسقط، تصحيح األساس واحكامه

أفمن أسس بنيانه على تقوى من هللا ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف ھار { :تعال .١٠٩التوبة } فانھار به في نار جھنم

Page 101: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

101

فاذا كانت القوة قوية حملت البدن ودفعت عنه كثيرا ، فاألساس لبناء األعمال كالقوة لبدن األنسان

فاحمل ، ھا للبدن وكانت اآلفات اليه أسرع شيءواذا كانت القوة ضعيفة ضعف حمل، من اآلفاتفاذا تشعث شيء من أعالي البناء وسطحه كان تداركه أسھل عليك ، بنيانك على قوة أساس االيمان

.من خراب األساس تجريد االنقياد له : والثاني. صحة المعرفة با وأمره وأسمائه وصفاته: وھذا األساس أمران

. وبحسبه يعتلي البنيان ما شاء، ھذا أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانهف، ولرسوله دون ما سواهوالقصد القصد وقد ، واستفرغ اذا زاد بك الخلط، ودم على الحمية، واحفظ القوة، فاحكم األساس :واال فما دامت القوة ضعيفة والمادة الفاسدة موجودة واالستفراغ معدوما، بلغت المراد

ة فانھا قد آذنتك بسرعة التوديعفاقر السالم على الحيا ال يقتحمه ، ثم حطه بسور من الحذر، فاذا كمل البناء فبيضه بحسن الخلق واالحسان الى الناس

ثم أقفل الباب األعظم بالسكوت عما ، ثم أرخ الستور على أبوابه، وال تبدو منه العورة، عدوفان فتحت فتحت بالمفتاح وان ، كر هللا به تفتحه وتغلقهثم ركب له مفتاحا من ذ، تخشى عاقبته

فتكون حينئذ قد بنيت حصنا تحصنت فيه من أعدائك اذا طاف به العدو لم ، أغلقت الباب أغلقته بهفان العدو اذا لم يطمع في الدخول من ، ثم تعاھد بناء الحصن كل وقت. يجد منه مدخال فييأس منك

فاذا العدو ، فان أھملت أمره وصل اليك النقب، يد بمعاول الذنوبالباب نقب عليك النقوب من بع :وتكون معه على ثالث خالل، معك في داخل الحصن فيصعب عليك اخراجه

واما أن يشغلك بمقابلته عن ، واما أن يساكنك فيه، ويستولي عليه، اما أم يغلبك على الحصن

.وتعود الى سد النقب ولم شعث الحصن، تمام مصلحتك ، واالغارة على حواصله وذخائره، افساد الحصن: واذا دخل نقبه اليك نالك منه ثالث آفات

فال تزال تبتلي منه بغارة بعد غارة حتى يضعفوا . وداللة السراق من بني جنسه على عورته .قواك ويوھنوا عزمك فتتخلى عن الحصن وتخلي بينھم وبينه

بل برضا ، ولھذا تراھم يسخطون ربھم برضا أنفسھم ،وھذه حال أكثر النفوس مع ھذا العدو

ويھلكون أنفسھم ، ويضيعون كسب الدين بكسب األموال، مخلوق مثلھم ال يملك لھم ضرا وال نفعاويزھدون في اآلخرة وقد ھجمت ، ويحرصون على الدنيا وقد أدبرت عنھم، بما ال يبقى لھم

ويذكرون ، لى الحياة وال يذكرون الموتويتكلون ع، ويخالفون ربھم باتباع أھوائھم، عليھمويھتمون بما ضمنه هللا لھم وال يھتمون بما أمرھم ، شھواتھم وحظوظھم وينسون ما عھد هللا اليھم

ويفرحون بالدنيا ويحزنون على فوات حظھم منھا وال يحزنون على فوات الجنة وما فيھا وال ، بهون حقھم بباطلھم وھداھم بضاللھم ومعروفھم ويفسد، يفرحون بااليمان فرحھم بالدرھم والدينار

ويترددون في حيرة آبائھم ، ويخلطون حاللھم بحرامھم، ويلبسون ايمانھم بظنونھم، بمنكرھمومن العجب أن ھذا العدو يستعمل صاحب . ويتركون ھدى هللا الذي أھداه اليھم، وأفكارھم

. الحصن في ھدم حصنه بيديه

أركان الكفر] ٩٦[

.الكبر والحسد والغضب والشھوة: لكفر أربعةأركان ا

Page 102: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

102

والشھوة ، والغضب يمنعه العدل، والحسد يمنعه قبول النصيحة وبذلھا، فالكبر يمنعه االنقياد واذا انھدم ركن الحسد سھل عليه ، فاذا انھدم ركن الكبر سھل عليه االنقياد. تمنعه التفرغ للعبادةواذا انھدم ركن الشھوة ، لغضب سھل عليه العدل والتواضعواذا انھدم ركن ا، قبول النصح وبذله

.سھل عليه الصبر والعفاف والعبادة وال سيما اذا صارت ، وزوال الجبال عن أماكنھا أيسر من زوال ھذه األربعة عمن ابتلي بھا

ھا فانه ال يستقيم له معھا عمل البتة وال تزكو نفسه مع قيام، ھيئات راسخة وملكات وصفات ثابتةواذا استحكمت في . وكل اآلفات متولدة منھا، وكلما اجتھد في العمل أفسدته عليه ھذه األربعة. بھا

، والمعروف في صورة المنكر، والحق في صورة الباطل، القلب أرته الباطل في صورة الحقواذا تأملت كفر األمم ، وبعدت عنه اآلخرة، وقربت منه الدنيا، والمنكر في صورة المعروف

فمن فتحھا على . وتكون خفته وشدته بحسب خفتھا وشدتھا، وعليھا يقع العذاب، أيته ناشئا منھارومن أغلقھا على نفسه أغلق عنه أبواب ، نفسه فتح عليه أبواب الشرور كلھا عاجال وآجال

فانھا تمنع االنقياد واالخالص والتوبة واالنابة وقبول الحق ونصيحة المسلمين ، الشرور . ولخلقهوالتواضع

فانه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت ، ومنشأ ھذه األربعة من جھله بربه وجھله بنفسه

لم يتكبر ولم يغضب لھا ولم يحسد أحدا على ما أتاه ، وعرف نفسه بالنقائص واآلفات، الجالل، وقد أحبھا هللا فانه يكره نعمة هللا على عبده، فانه الحسد في الحقيقة نوع من معاداة هللا، هللا

ولذلك كان ، فھو مضاد في قضائه وقدره ومحبته وكراھته. ويحب زوالھا عنه ويكره هللا ذلك، فقلع ھاتين الصفتين بمعرفة هللا وتوحيده. ابليس عدوه حقيقة ألن ذنبه كان عن كبر وحسد

أن يغضب لھا وينتقم وقلع الغضب بمعرفة النفس وأنھا ال تستحق ، واالنابة اليه، والرضا به وعنهوأعظم ما تدفع به ھذه اآلفة أن ، فان ذلك ايثار لھا بالغضب والرضا على خالقھا وفاطرھا، لھا

فكلما دخلھا شيء من الغضب والرضا له خرج منھا ، يعودھا أن تغضب له سبحانه وترضى له .وكذا بالعكس، مقابله من الغضب والرضا لھا

علم والمعرفة بأن اعطاءھا شھواتھا أعظم أسباب حرمانھا اياھا وأما الشھوة فدواؤھا صحة ال

فكلما فتحت عليك باب الشھوات منت ساعيا ، وحميتھا أعظم أسباب اتصالھا اليھا. ومنعھا منھا .وكلما أغلقت عنھا ذلك الباب كنت ساعيا في ايصالھا على أكمل الوجوه، في حرمانھا اياھا

والشھوة مثل النار اذا أضرمھا صاحبھا بدأت ، صاحبه بدأ بأكلهفالغضب مثل السبع اذا أفلته

والحسد بمنزلة معاداة من ، والكبر بمنزلة منازعة الملك ملكه فان لم يھلكك طردك عنه، بحرقهومن تغلبه شھوته وغضبه . والذي يغلب شھوته وغضبه يفرق الشيطان من ظله، ھو أقد منك

).أي يخاف(يفرق من خياله

)ل عظيم النفعفص] (٩٧[ الجھال بأسماء هللا وصفاته

ويقطعون عليھم طريق ، الجھال بأسماء هللا وصفاته المعطلون لحقائقھا يبغضون هللا الى خلقه

:ونحن نذكر من ذلك أمثلة تحتذى عليھا. محبته والتودد اليه بطاعته من حيث ال يعلمون وان طال زمانھا وبالغ ، انه ال تنفع معه طاعةفمنھا أنھم يقررون في نفوس الضعفاء أن هللا سبح

بل شأنه سبحانه أن ، وأن العبد ليس على ثقة وال أمن من مكروه. العبد وأتى بھا بظاھره وباطنه. ومن التوحيد والمسبحة الى الشرك والمزمار، يأخذ المطيع المتقي من المحراب الى الماخور

Page 103: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

103

وباطلة لم ، ويروون في ذلك آثارا صحيحة لم يفھموھا. ويقلب قلبه من االيمان الخالص الى الكفروال يسأل عما { :ويتلون على ذلك قوله تعالى، ويزعمون أن ھذا حقيقة التوحيد، يقلھا المعصوم

، ٩٩األعراف}أفأمنوا مكر هللا فال يأمن مكر هللا اال القوم الخاسرون{ :وقوله، ٢٣األنبياء } يفعلويقيمون ابليس حجة لھم على ھذه ، ٢٤األنفال }ين المرء وقلبهواعلموا أن هللا يحول ب{ :وقوله

وال في األرض بقعة اال وله ، وأنه لم يترك في السماء رقعة، المعرفة وأنه كان طاووس المالئكةوجعلھا ، فقلب عينه الطيبة، وسطا عليه الحكم، لكن جنى عليه جاني القدر، فيھا سجدة أو ركعة

انك ينبغي أن تخاف هللا كما تخاف األسد الذي يثب عليك : فيھمحتى قال بعض عار، أخبث شيءان أحدكم ليعمل :" ويحتجون بقول النبي صلى هللا عليه وسلم. بغير جرم منك وال ذنب أتيته اليه

فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أھل النار ، بعمل أھل الجنة حتى ما يكون بينه وبينھا اال ذراعوفي ) ١(رقم ٢٠٣٦\٤ومسلم في القدر ) ٣٢٠٨(رقم ٣٠٣\٦ء الخلق البخاري في بد" فيدخلھا

.أكبر الكبائر األمن من مكر هللا والقنوط من رحمة هللا: ويروون عن بعض السلف. غير مواقع ، اللھم تؤمني مكرك: وذكر االمام أحمد عن عون بن عبد هللا أو غيره أنه سمع رجال يدعو

وبنوا ھذا على أصلھم الباطل وھو انكار . لني ممن يأمن مكركاللھم ال تجع: فأنكر ذلك وقالوأنه يجوز عليه أن يعذب أھل طاعته أشد ، فال يفعل لشيء وال بشيء، الحكمة والتعليل واألسباب

وال يعلم ، وأن األمرين بالنسبة اليه سواء، وينعم أعدائه وأھل معصيته بجزيل الثواب، العذابال ، فحينئذ يعلم امتناعه لوقوع الخبر بأنه ال يكون. صادق أنه ال يفعلهامتناع ذلك اال بخبر من البل ھو بمنزلة جعل . فانه غير ممكن، فان الظلم في نفسه مستحيل، ألنه في نفسه باطل وظلم

من : فاذا رجع العالم الى نفسه قال. فھذا حقيقة الظلم عندھم. الجسم الواحد في مكانين في آن واحدكيف يوثق بالتقرب اليه؟ وكيف يعول على طاعته واتباع ، وال يؤمن له مكر، رال يستقر له أم

وليس بنا سوى ھذه المدة اليسيرة؟ فاذا ھجرنا فيھا اللذات وتركنا الشھوات وتكلفنا أثقال ، أوامرهوالطاعة ، والتوحيد شركا، وكنا مع ذلك على غير ثقة منه أن يقلب علينا االيمان كفرا، العبادات .كنا خاسرين في الدنيا واآلخرة، ويديم علينا العقوبات، والبر فجورا، ةمعصي

صاروا اذا مروا بالطاعات وھجر ، وتخمر في نفوسھم، فاذا استحكم ھذا االعتقاد في قلوبھم

معلمك ان كتبت وأحسنت وتأدبت ولم تعصه ربما أقام لك : اللذات بمنزلة انسان جعل يقول لولدهفيودع بھذا ، كسلت وبطلت وتعطلت وتركت ما أمرك به ربما قربك وكرمكوان ، حجة وعاقبك

وان ، وال وعده على االحسان، القول قلب الصبي ما ال يثق بعده الى وعيد المعلم على االساءةھذا سلطان بلدنا يأخذ اللص من الحبس فيجعله : كبر الصبي وصلح للمعامالت والمناصب قال له

فاذا قال له ذلك أوحشه من . س المحسن فيخلده في الحبس ويقتله ويصلبهويأخذ الكي ، وزيرا أميراوجعله يخافه مخافة الظالم ، وأزال محبته من قلبه، وجعله على غير ثقة من وعد ووعيده، سلطانه

فأفلس ھذا المسكين من اعتقاد كون األعمال نافعة ، والبريء بالعذاب، الذي يأخذ المحسن بالعقوبةوھل ھو تنفير عن هللا وتبغيضه ، وال بفعل الشر يستوحش، بفعل الخير يستأنس فال، أو ضارة

الى عباده أكثر من ھذا؟ ولو اجتھد المالحدة على تبغيض الدين والتنفير عن هللا لما أتوا بأكثر من . ھذا

، ويرد على أھل البدع وينصر الدين، وصاحب ھذه الطريقة يظن أنه يقرر التوحيد والقدر وكتب هللا المنزلة كلھا ورسله كلھم . لعمر هللا العدو العاقل أقل ضررا من الصديق الجاھلو

فلو سلك الدعاة المسلك الذي دعا هللا ورسوله به الناس لصلح . شاھدة بضد ذلك وال سيما القرآنسبھم أنه انما يعمل الناس بك: فا سبحانه أخبر وھو الصادق الوفي، العالم صالحا ال فساد معه

وال ، وال يخاف بخسا وال رھقا، ويجازيھم بأعماللھم وال يخاف المحسن لديه ظلما وال ھضماوان تك حسنة يضاعفھا ، وال يظلمھا، وال يضيع على العبد مثقال ذرة، يضيع عمل محسن أبدا

وأنه . وان كان مثقالحبة من خردل جازاه بھا وال يضيعھا عليه، ويؤت من لدنه أجرا عظيما

Page 104: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

104

ويجزي بالحسنة ، بالسيئة مثلھا ويحبطھا بالتوبة والندم واالستغفار والحسنات والمصائب يجزي . عشر أمثالھا ويضاعفھا الى سبعمائة ضعف الى أضعاف كثيرة

وأنقذ ، وھدى الضالين، وھو الذي أصلح المفسدين وأقبل بقلوب المعرضين وتاب على المذنبين

واذا أوقع عقابا . وآوى الشاردين، وذكر الغافلين، متحيرينوبصر ال، وعلم الجاھلين، الھالكينودعوة العبد الى الرجوع اليه واالقرار بربوبيته وحقه مرة ، أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه

أخذه ببعض كفره وعتوه ، واالقرار بربوبيته ووحدانيته، حتى اذا أيس من استجابته، بعد مرةكما ، وأنه ھو الظالم لنفسه، ويعترف بأنه سبحانه لم يظلمه، نفسه بحيث يعذر العبد من، وتمرده

وقال عمن أھلكھم في الدنيا ، ١١الملك} فاعترفوا بذنبھم فسحقا ألصحاب السعير{ :قال تعالىفما زالت تلك دعواھم حتى * قلوا يا ويلنا لنا كنا ظالمين { :وأحسوا بعذابه، انھم لما رأوا آياته

وھم أصحاب الحديقة أو (وقال أصحاب الجنة ، ١٤,١٥األنبياء } ينجعلناھم حصيدا خامدالبستان التي حكى القرآن قصتھم في سورة القلم وكانت الجنة لرجل يؤدي حق هللا تعالى منھا فلما

الجامع ألحكام القرآن . مات صار الى بنيه فمنعوا الناس خيرھا وبخلوا بحق هللا فيھا فأھلكھا هللاسبحان ربنا انا كنا { :التي أفسدھا عليھم لما رأوھا قالوا) ٤٠٦\٤ابن كثير وتفسير ، ١٥٦\١٨

لقد دخلوا النار وان حمده لفي قلوبھم ما وجدوا عليه حجة وال : وقال الحسن، ٢٩القلم}ظالمين .٤٥األنعام } فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد رب العالمين{ :ولھذا قال تعالى. سبيال

فقطع دابرھم ، لجملة في موضع الحال أي قطع دابرھم كونه سبحانه محمودا على ذلكفھذه ا

فھو قطع واھالك يحمد عليه الرب تعالى لكمال حكمته وعدله ووضعه ، قطعا مصاحبا لحمدهال : فوضعھا في الموقع الذي يقول من علم الحال. العقوبة في موضعھا الذي ال يليق به غيرھا

ولھذا قال عقيب اخباره عن الحكم بين . وال يليق به اال العقوبة، ھذا المحلتليق العقوبة اال بقضي بينھم بالحق وقيل الحمد { :وأھل الشقاء الى النار، ومصير أھل السعادة الى الخنة، عباده

الحمد { :فحذف فاعل القول اشعارا بالعموم وأن الكون كله قال، ٧٥الزمر} رب العالمينقيل { :ولھذا قال في حق أھل النار. لما شاھدوا من حكمة الحق وعدله وفضله} رب العالمين

كأن الكون كله يقول ذلك حتى تقوله أعضاءھم وأرواحھم ، ٧٢الزمر }ادخلوا أبواب جھنموھو سبحانه يخبر أنه اذا أھلك أعداءه نجى أولياءه وال يعمھم بالھالك ، وأرضھم وسماؤھم .بمحض المشيئة

ولم يقل اني أغرقه بمحض ، له نوح نجاة ابنه أخبره أنه يغرقه بسوء أعماله وكفرهولما سأ

وقد ضمن سبحانه زيادة الھداية للمجاھدين في سبيله ولم . مشيئتي وارادتي بال سبب وال ذنب .يخبر أنه يضلھم ويبطل سعيھم

يضل اال الفاسقيت وأخبر أنه ال ، وكذلك ضمن زيادة الھداية للكتقين الذين يتبعون رضوانه

فيطبع ، وأنه انما يضل من آثر الضالل واختاره على الھدى، الذين ينقضون عھده من بعد ميثاقه، ودفعه ورده، وانه يقلب قلب من لم يرض بھداه اذا جاءه ولم يؤمن به، حينئذ على سمعه وقلبه

انه لو علم في تلك وأنه سبح، فيقلب فؤاده وبصره عقوبة له على رده ودفعه لما تحققه وعرفهولكنھا ال تصلح لنعمته وال تليق ، المحال التي حكم عليھا بالضالل والشقاء خيرا ألفھمھا وھداھا

.بھا كرامته وأنه ال يضل اال الفاسقين ، ومكن من أسباب الھداية، وأقام الحجج، وقد أزاح سبحانه العلل

، وال يركس في الفتنة اال المنافقين بكسبھم، وال يطبع اال على قلوب المعتدين، الضالين الظالمينكال بل ران على { :وأن الرين الذي غطى به قلوب الكفار ھو عين كسبھم وأعمالھم كما قال

وقولھم قلوبنا غلف بل طبع { :وقال عن أعدائه اليھود، ١٤المطففين } قلوبھم ما كانوا يكسبون

Page 105: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

105

فيختار ، ل من ھداه حتى يتبين له ما يتقىوأخبر أنه ال يض، ١٥٥النساء } هللا عليھا بكفرھمويكون مع نفسه وشيطانه وعدو ، لشقوته وسوء طبيعة الضالل على الھدى والغي على الرشاد

.ربه عليه فيقابل مكرھم السيء ، فھو مجازاته للماكرين بأوليائه ورسله، وأما المكر الذي وصف به نفسه

وكذلك . ومنه أحسن شيء ألنه عدل ومجازاة ،فيكون المكر منھم أقبح شيء، بمكره الحسن .فال أحسن من تلك المخادعة والمكر، المخادعة منه جزاء على مخادعة رسله وأوليائه

، وأما كون الرجل يعمل بعمل أھل الجنة حتى ما يكون بينه وبينھا اال ذراع فيسبق عليه الكتاب

لحا مقبوال للجنة قد أحبه هللا ورضيه ولم ولو كان عمال صا، فان عمل أھل الجنة فيما يظھر للناس .يبطله عليه

لما كان العمل بآخره : فيقال، يشكل على ھذا التأويل" لم يبق بينه وبينھا اال ذراع:" وقوله

ونكتة خذل بھا في ، بل كان فيه آفة كامنة، وخاتمته لم يصبر ھذا العامل على عمله حتى يتم له، فرجع الى موجبھا وعملت عملھا، لداھية الباطنة في وقت الحاجةفخانته تلك اآلفة ا، آخر عمره

لقد أورده مع صدقه فيه واخالصه بغير سبب منه ، ولو لم يكن ھناك غش وآفة لم يقلب هللا ايمانه .وهللا يعلم من سائر العباد ما ال يعلمه بعضھم من بعض، يقتضي افساده عليه

فالرب ، ٣٠البقرة} اني أعلم ما ال تعلمون{ :للمالئكة فان هللا سبحانه قال: وأما شأن ابليس

فلما أمروا ، تعالى كان يعلم ما في قلب ابليس من الكفر والكبر والحسد ما ال يعلمه المالئكةوظھر ، فبادروا الى االمتثال، ظھر ما في قلوبھم من الطاعة والمحبة والخشية واالنقياد، بالسجود

.وكان من الكافرين، فأبى واستكبر، ش والحسدما في قلب عدوه من الكبر والغ فانھم يخافون أن يخذلھم بذنوبھم وخطاياھم فيصيرون الى ، وأما خوف أوليائه من مكره فحق

انما ھو ، ٩٩األعراف } أفأمنوا مكر هللا{ :وقوله، فخوفھم من ذنوبھم ورجاؤھم لرحمته، الشقاء .حق الفجار والكفار

. صي ويأمن مقابلة هللا له على مكر السيئات بمكره اال القوم الخاسرونفال يع: ومعنى اآلية

، والذي يخافه العارفون با من مكره أن يؤخر عنھم عذاب األفعال فيحصل منھم نوع اغترار .فيجيئھم العذاب على غرة وفترة، فيأنسوا بالذنوب

فيسرع ، تخلوا عن ذكره وطاعته وھو أن يغفلوا عنه وينسوا ذكره فيتخلى عنھم اذا: وأمر آخر

.اليھم البالء والفتنة فيكون مكره بھم تخليه عنھم فيأتيھم المكر من حيث ال ، أن يعلم من ذنوبھم وعيوبھم ما ال يعلمونه من نفوسھم: وأمر آخر

.يشعرون . وذلك مكر، فيفتنون به، أن يمتحنھم ويبتليھم بما ال صبر لھم عليه: وأمر آخر

التوحيد والسنة شجرة في القلب فروعھا األعمال] ٩٨[

Page 106: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

106

فمن . واألنفاس ثمرھا، والساعات أوراقھا، واأليام أغصانھا، والشھور فروعھا، السنة شجرة وانما يكون . ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، فثمرة شجرته طيبة، كانت أنفاسه في طاعة

.لثمار من مرھافعند الجذاذ يتبين حلو ا، الجذاذ يوم المعاد وثمرھا طيب الحياة في الدنيا والنعيم ، فروعھا األعمال، واالخالص والتوحيد شجرة في القلب

فثمرة التوحيد واالخالص في ، وكما أن ثمار الجنة ال مقطوعة وال ممنوعة. المقيم في اآلخرةلخوف والھمم والغم ثمرھا في الدنيا ا، والشرك والكذب والرياء شجرة في القلب. الدنيا كذلك

وثمرھا في اآلخرة الزقوم والعذاب المقيم وقد ذكر هللا ھاتين ، وضيق الصدر وظلمة القلب .الشجرتين في سورة ابراھيم

وعزم على ، فاذا أخذ عھده بقوة وقبول، اذا بلغ العبد أعطى عھده الذي عھده اليه خالقه ومالكه

فاذا ھز نفسه عند أخذ ، ي يصلح لھا الموفون بعھودھمصلح للمراتب والمناصب الت، تنفيذ ما فيهفمن أولى بقبوله وفھمه وتنفيذه مني؟ فحرص أوال ، قد أھلت لعھد ربي: وانتخاھا وقال، العھد

والعمل ، ثم وطن نفسه على امتثال ما في عھده، على فھم عھده وتدبره ومعرفة وصايا سيده له، فاستحدث ھمة أخرى، بقلبه حقيقة العھد وما تضمنهفأبصر ، وتنفيذه حسبما تضمن عھده، به

فاستقال من ظلمة غرة الصبا ، قبل وصول العھد، وعزيمة غير العزيمة التي كان فيھا وقت الصبافأدرك بقدر ، وصبر على شرف الھمة وھتك ستر الظلمة الى نةر اليقين، واالنقياد للعادة والمنشأ

.ن فضلهصبره وصدق اجتھاده ما وھبه هللا له م ، فاذا سمع وعقل. وقلب يعقل ما تعيه األذن، فأول مراتب سعادته أن تكون له أذن واعية

ورأى أكثر الناس منحرفين عنھا يمينا وشماال ، ورأى عليھا تلك األعالم، واستبانت له الجادةولم ، بكرهأو قبلوه ، ولم ينحرف مع المنحرفين الذين كان سبب انحرافھم عدم قبول العھد، فلزمھا

بل ، وتنفيذ وصاياه، والعمل بما فيه، وال حدثوا أنفسھم بفھمه وتدبره، يأخذوه بقوة وال عزيمةفتلقوا ، وما ألفوا عليه اآلباء واألمھات، عرض عليھم العھد ومعھم ضراوة الصبا ودين العادةمه وقلبه على وعادته ال تكفي من يجمع ھ، العھد تلقي من ھو مكتف بما وجد عليه آباءه وسلفه

فاذا ، تأمل ما فيه ثم اعمل بموجبه: وقيل له، حتى كأن ذلك العھد أتاه وحده، فھم العھد والعمل بهوما استمرت عليه عادة أھله وأصحابه وجيرانه ، لم يتلق عھده ھذا التلقي أخلد الى سيرة القرابة

التفات الى تدبر العھد فان علت ھمته أخلد الى ما عليه سلفه ومن تقدمه من غير، وأھل بلده .فرضي لنفسه أن يكون دينه دين العادة، وفھمه

وزين ، رماه بالعصبية والحمية لآلباء وسلفه، فاذا شامه الشيطان ورأى ھذا مبلغ ھمته وعزيمته

والضالل في صورة ، ومثل له الھدى في صورة الضالل، له أن ھذا ھو الحق وما خالفه باطل، فرضاه أن يكون مع عشيرته وقومه، والحمية التي أسست على غير علم بتلك العصبية، الھدى

فلو جاءه كل ھدى يخالف قومه ، فخذل عن الھدى وواله هللا ما تولى، وعليه ما عليھم، له ما لھمأقبل على حفظ ، واذا كانت ھمته أعلى من ذلك وأشرف وقدره أعلى. وعشيرته لم يره اال ضاللة

فأخذ نفسه بمعرفته من العھد ، علم أن لصاحب العھد شأنا ليس كشأ، غيرهو، عھده وفھمه وتدبرهفعرف من ذلك العھد ، فوجده قد تعرف اليه وعرفه نفسه وصفاته وأسماءه وأفعاله وأحكامه، نفسه

مستو على عرشه فوق ، وكل ما سواه فقير اليه، غنيا عن كل ما سواه، مقيما لغيره، قيوما بنفسهوھو فوق ، ويدبر أمر مملكته، ويحب ويبغض، ويرضى ويغضب، سمعيرى وي، جميع خلقه، يرسل رسله الى أقطار مملكته بكالمه الذي يسمعه من يشاء من خلقه، آمر ناه، عرشه متكلم

موصوف ، شكور جواد محسن، وأ،ه حليم غفور، مجاز باالحسان واالساءة، وأنه قائم بالقسط .ال مثل لهوأنه ، منزه عن كل عيب ونقص، بكل كمال

Page 107: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

107

، غير مضادة لعدله وحكمته، وكيف يقدر مقاديره بمشيئته، ويشھد حكمته في تدبير مملكته وفھم عن هللا سبحانه ما وصف ، فصدق كل منھما صاحبيه، وتظاھر عنده العقل والشرع والفطرة

وبھا ، ولھا أثبت وحقق، وبھا نطق، به نفسه في كتابه من حقائق أسمائه التي نزل بھا الكتاب . وشھدت به الفطر، حتى أقرت به العقول، تعرف الى عباده

، فصارت له كالمعاينة، أشرقت أنوارھا على قلبه، فاذا عرف بقلبه وتيقن صفات صاحب العھد

وسريان آثارھا في العالم الحسي والعالم ، وارتباطھما بھا،فرأى حينئذ تعلقھا بالخلق واألمر، وأعطت ومنعت، وقربت وأبعدت، كيف عمت وخصت، لخالئقورأى تصرفھا في ا، الروحي

مع نفوذ ، واجتمع له االيمان بلزوم حجته، فشھد بقلبه مواقع عدله سبحانه وقسطه وفضله ورحمته، مع احاطته ومعيته،ونھاية علوه على جميع خلقه، مع كمال عدله وحكمته، وكمال قدرته، أقضيته

، مع رحمته وبره ولطفه وجوده وعفوه وحلمه، وانتقامه وكبريائه وبطشه، وعظمته وجاللهوكيف اصطحاب الصفات . ورأى لزوم الحجة مع قھر المقادير التي ال خروج لمخلوق عنھا

وانعطاف الحمة التي ھي نھاية وغاية على المقادير التي ھي ، وشھادة بعضھا لبعض، وتوافقھاحتى كأنه يشاھد مبادىء ، الى غاياتھا ومبادئھا، ورجوع فروعھا الى اصولھا. أول وبداية

ال تخرج ، وتأسيس القضايا على وفق الحكمة والعدل والمصلحة والرحمة واالحسان، الحكمةوظھور عدله ، وانفصال األحكام يوم الفصل بين العباد، قضية عن ذلك اال انقضاء األكوان

.مؤمنھا وكافرھا، ھاانسھا وجن ، وصدق رسله وما أخبرت به عنه لجميع الخليقة، وحكمته حتى ان ، وحينئذ يتبين من صفات جالله ونعوت كماله للخلق ما لم يكونوا يعرفونه قبل ذلك

أعرف خلقه به في الدنيا يثني عليه يومئذ من صفات كماله ونعوت جالله ما لم يكن يحسنه في وانقطع ، وضل الضالون، وكما يظھر ذلك لخلقه تظھر لھم األسباب التي زاغ بھا الزائغون، الدنيا

فيكون الفرق بين العلم يومئذ بحقائق الصفات والعلم بھا في الدنيا كالفرق بين العلم ، المنقطعون .بالجنة والنار ومشاھدتھما أعظم من ذلك

وكذلك يفھم من العھد كيف اقتضت أسماؤه وصفاته لوجود النبوة والشرائع وأن ال يترك خلقه

وكيف اقتضت وقوع الثواب والعقاب ، ا تضمنته من األوامر والنواھيوكيف اقتضت ك، سدى، بحيث ينزه عما زعم أعداؤه من انكار ذلك، وأن ذلك من موجبات أسمائه وصفاته، والمعاد

ويرى أنه لو كان ، حتى ال يشذ عنھا مقال ذرة، واحاطتھا بجميع الكائنات، ويرى شمول القدرة .فكانت تفسد السموات واألرض ومن فيھن، ممعه اله آخر لفسد ھذا العال

ويرى . ولم يثبت طرفة عين، وأنه سبحانه لو جاز عليه النوم أو الموت لتدكدك ھذا العالم بأسره

، كيف انبعاثھما من الصفات المقدسة، مع ذلك االسالم وااليمان الذين تعبد بھما جميع عبادهويرى مع ذلك أنه ال يستقيم قبول ھذا العھد والتزامه . وكيف اقتضيا الثواب والعقاب عاجال وآجال

كما ال يستقيم قبوله لمن أنكر ، وأنكر علوه على خلقه وتكلمه بكتبه وعھوده، لمن جحد صفاتهوأن من ، وأن ھؤالء ھم الذين ردوا عھده وأبوا قبوله، حقيقة سمعه وبصره وحياه وارادته وقدرته

. وبا التوفيق، قبله منھم لم يقبله بجميع ما فيه

خلق بدن آدم من األرض وروحه من ملكوت السماء] ٩٩[

فاذا أجاع بدنه وأسھره . وقرن بينھما، خلق بدن آدم من األرض وروحه من ملكوت السماء واشتاقت الى ، فتاقت الى الموضع الذي خلقت منه، وجدت روحه خفة وراحة، وأقامه في الخدمةأخلد البدن الى الموضع الذي ، ونعمه ونومه واشتغل بخدمته وراحته واذا أشبعه. عالمھا العلوي

Page 108: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

108

فلوال أنھا ألفت السجن الستغاثت من ألم ، فصارت في السجن، فانجذبت الروح معه، خلق منه .مفرقتھا وانقطاعھا عن عالمھا الذي خلقت منه كما يستغيث المعذب

.ت عالمھا العلويوخفت وطلب، فكلما خف البدن لطفت الروح، وبالجملة وكلما ثقل وأخلد الى الشھوات والراحة ثقلت الروح وھبطت من عالمھا وصارت أرضية

فيكون نائما على فراشه وروحه عند ، فترى الرجل روحه في الرفيق األعلى وبدنه عندك، سفليةول وآخر واقف في الخدمة ببدنه وروحه في السفل تجول ح، سدرة المنھى تجولحول العرش

فعند الرفيق األعلى كل قرة ، التحقت برفيقھا األعلى أو األدنى، فاذا فارقت الروح البدن. السفلياتوضيق ، وعند الرفيق األسفل كل ھم وغم، وحياة طيبة، وبھجة ولذة، وكل نعيم وسرور، عين

} ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا { :قال تعالى، ومعيشة ضنك، وحياة نكدة، وحزن .١٢٤طه

والمعيشة . واألعراض عنه ترك تدبره والعمل به، فذكره كالمه الذي أنزله على رسوله

قاله ابن مسعود وأبو ھريرة وأبو سعيد ، فأكثر ما جاء في التفسير أنھاعذاب القبر، الضنكذكره ابن كثير في تفسيره عن أبي سعيد الخدري . ( وفيه حديث مرفوع. الخدري وابن عباس

:" قال} فان له معيشة ضنكا{ :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في قول هللا عز وجل :قال .١٦٩\٣تفسير ابن كثير ". ضمة القبر له

منزل ضنك وعيش : يقال، وكل ما ضاق فھو ضنك، الضيق والشدة: وأصل الضنك في اللغة

. بالشھوات واللذات والراحةفي مقابلة التوسيع على النفس والبدن ، فھذه المعيشة الضنك، ضنكوكلما ضيقت عليھا ، فان النفس كلما وسعت عليھا ضيقت على القلب حتى تعيش معيشة ضنكا

فضنك المعيشة في الدنيا بموجب التقوى سعتھا في . وسعت على القلب حتى ينشرح وينفسحفآثر أحسن ، رةوسعة المعيشة في الدنيا بحكم الھوى ضنكھا في البرزخ واآلخ، البرزخ واآلخرة

.المعيشتين وأطيبھما وأدومھا ، فان نعيم الروح وشقاءھا أدوم وأعظم، فأشق البدن بنعيم الروح وال تشق الروح بنعيم البدن

.وهللا المستعان، ونعيم البدن وشقاءه أقصر وأھون الذنوب مع ولكن يأمرھم بترك، العارف ال يأمر الناس بترك الدنيا فانھم ال يقدرون على تركھا

فكيف يؤمر بالفضيلة من لم يقم . وترك الذنوب فريضة، فترك الدنيا فضيلة، اقامتھم على دنياھمفاجتھد أن تحبب هللا اليھم بذكر آالئه وانعامه واحسانه ، فان صعب عليھم ترك الذنوب! بالفريضة

ھان عليك ترك فاذا تعلقت بحبه. فان القلوب مفطورة على محبته، وصفات كماله ونعوت جاللهطلب العاقل لدنيا خير من :" وقد قال يحي بن معاذ، واالستقالل منھا، واالصرار عليھا، الذنوب

".ترك الجاھل لھا والزاھد يدعوھم الى هللا بترك ، فتسھل عليھم االجابة، العارف يدعو الناس الى هللا من دنياھم

الذي ما عقل االنسان نفسه اال وھو يرتضع منه فان الفطام عن الثدي. فتشق عليھم االجابة، الدنيا، فان للبن تأثيرا في طبيعة المرتضع، ولكن تخير من المرضعات أزكاھن وأفضلھن، شديد

فان قويت على ، وأنفع الرضاعة ما كان من المجاعة. ورضاع المرأة الحمقى يعود بحمق الولد .فان من البشم ما يقتل، مرارة الفطام واال فارتضع بقدر

رعاية الحقوق مع الضر ورعايتھا مع العافية] ١٠٠[

Page 109: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

109

يا أيھا الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا { :ان عبدي كل عبدي الذي يذكرني وھو مالق قرنه

، ليس العجب من صحيح فارغ واقف مع الخدمة. ٤٥األنفال} واذكروا هللا كثيرا لعلكم تفلحونغير ، وقلبه في الخدمة، وتختلف عليه األحوال، شغالانما العجب من ضعيف سقيم تعتوره األ

.متخلف بما يقدر عليه

معرفة هللا تعالى نوعان] ١٠١[

.والمطيع والعاصي، البر والفاجر، وھي التي اشترك فيھا الناس، معرفة واقرار: النوع األول

، وخشيته، ق الى لقائهوالشو، وتعلق القلب به، والمحبة له، معرفة توجب الحياء منه: النوع الثانيوھذه ھي المعرفة الخاصة الجارية على لسان . والفرار من الخلق اليه، واألنس به، واالنابة اليه

وكشف لقلوبھم من معرفته ما أخفاه عن ، وتفاوتھم فيما ال يحصيه اال الذي عرفھم بنفسه، القوم:" وقد قال أعرف الخلق به .وكل أشار الى ھذه المعرفة بحسب مقامه وما كشف له منھا، سواھم

وأخبر انه . ٢٢٢رقم ٣٥٢\١مسلم في الصالة " أنت كما أثنيت على نفسك، ال أحصي ثناء عليك .سبحانه يفتح عليه يوم القيامة من محامده بما ال يحسنه اآلن

والفھم الخاص عن هللا، باب التفكر والتأمل في آيات القرآن كلھا: ولھذه المعرفة بابان واسعان

، وتأمل حكمته فيھا، التفكر في آياته المشھودة: والباب الثاني. ورسوله صلى هللا عليه وسلمالفقه في معاني أسمائه : وجماع ذلك. وقيامه بالقسط على خلقه، واحسانه وعدله، وقدرته ولطفه

امره فيكون فقيھا في أو، وتعلقھا بالخلق واألمر، وتفرده بذلك، وجاللھا وكمالھا، الحسنىفقيھا في الحكم الديني الشرعي ، فقيھا في أسمائه وصفاته، فقيھا في قضائه وقدره، ونواھيه

.٢١الحديد} ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم{ :و، والحكم الكوني القدري

أنواع الكسب] ١٠٢[

ودرھم اكتسب ، ك خير الدراھمفذا، وأخرج في حق هللا، درھم اكتسب بطاعة هللا: الدراھم أربعة وأخرج في ، ودرھم اكتسب في أذى مسلم، فذاك شر الدراھم، وأخرج في معصية هللا، بمعصية

.وأنفق في شھوة فذاك ال له وال عليه، ودرھم اكتسب بمباح، أذى مسلم فھو كذلك ودرھم ، طلمنھا درھم اكتسب بحق وأنفق في با: ھذه أصول الدراھم ويتفرع عليھا دراھم أخر

ودرھم اكتسب من شبھة فكفارته أن ينفق في طاعة ، اكتسب بباطل وأنفق في حق فانفاقه كفارته .هللا وكذلك يسأل . وكما يتعلق الثواب والعقاب والمدح والذم باخراج الدرھم فكذلك يتعلق باكتسابه

.عن مستخرجه ومصروفه من أين اكتسبه وفيما أنفقه

ن وأنواعھامواساة المؤم] ١٠٣[

ومواساة ، ومواساة بالبدن والخدمة، ومواساة بالجاه، مواساة بالمال: المواساة للمؤمنين أنواع وعلى قدر االيمان . ومواساة بالتوجع لھم، ومواساة بالدعاء واالستغفار لھم، بالنصيحة واالرشادوكان رسول هللا ، توكلما قوى قوي، فكلما ضعف االيمان ضعفت المواساة. تكون ھذه المواساة

.فألتباعه من المواساة بحسب اتباعھم له، صلى هللا عليه وسلم أعظم مواساة ألصحابه بذلك كله

Page 110: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

110

ما ھذا يا أبا نصر؟ : فقالوا، ودخلوا على بشر الحافي في يوم شديد البرد وقد تجرد وھو ينتفض

.ھم في بردھمفأحببت أن أواسي، ذكرت الفقراء وبردھم وليس لي ما أواسيھم: فقال

الجھل بالطريق يورث التعب] ١٠٤[

فان صاحبه اما أن ، الجھل بالطريق وآفاتھا والمقصود يوجب التعب الكثير مع الفائدة القليلة أو عمل بالباطن ، أو في عمل الجوارح لم يواطئه عمل القلب، يجتھد في نافلة مع اضاعة الفرض

أو عمل لم ، الى عمل لم ترق صاحبھا الى مالحظة المقصود أو ھمة، والظاھر لم يتقيد باالقتداءفلم يتجرد عن ، عمل غفل فيه عن مشاھدة المنة، أ، يحترز من آفاته المفسدة له حال العمل وبعده

أو عمل لم ، فيقوم بعده في مقام االعتذارمنه، أو عمل لم يشھد تقصيره فيه، مشاركة النفس فيه، فھذا كله مما ينقض الثمرة مع كثرة التعب، وھويظن أنه وفاه، نيوفه حقه من النصح واالحسا

. وهللا الموفق

الرحلة الى هللا تعالى وما يكتنفھا من الخوادع والقواطع] ١٠٥[

فيتخدع أوال ، عرضت له الخوادع والقواطع، اذا عزم العبد على السفر الى هللا تعالى وارادته وان رفضھا ولم يقف ، فان وقف معھا انقطع، والمناكح والمالبسوالمالذ ، بالشھوات والرئاسات

، والتوسعة له في المجلس، وتقبيل يده، )كثير األتباع(معھا وصدق في طلبه ابتلي بوطء عقبهفان وقف معه انقطع به عن هللا وكان حظه . ونحو ذلك، ورجاء بركته، واالشارة اليه بالدعاء

فان وقف معھا انقطع بھا عن هللا ، بالكرامات والكشوفات وان قطعه ولم يقف معه ابتلي، منهوان لم يقف معھا ابتلي بالتجريد والتخلي ولذة الجمعية وعزة الةحدة والفراغ من ، وكانت حظه

، وسار ناظرا الى مراد هللا منه، وان لم يقف معه، فان وقف مع ذلك انقطع به عن المقصود. الدنياتعب بھا ، ده الموقوف على محابه ومراضيه أين كانت وكيف كانتبحيث يكون عب، وما يحبه منهال يختار لنفسه غير ما يختاره له ، أخرجته الى الناس أو عزلته عنھم، تنعم أو تألم، أو استراحونفسه عنده أھون عليه أن يقدم راحتھا ولذتھا ، واقف مع أمره ينفذ بحسب االمكان، سيده ووليه

، ونفذ ولم يقطعه عن سيده شيء البتة، فھذا ھو العبد الذي قد وصل .على مرضاة سيده وأمره .وبا التوفيق

نعم هللا تعالى وأنواعھا] ١٠٦[

، ونعمة ھو فيھا ال يشعر بھا، ونعمة منتظرة يرجوھا، نعمة حاصلة يعلم بھا العبد: النعم ثالثة

وأعطاه من شكره قيدا يقيدھا به حتى ال فاذا أراد هللا اتمام نعمته على عبده عرفه نعمته الحاضرة وبصره ، ووفقه لعمل يستجلب النعمة المنتظرة. وتقيد بالشكر، فانھا تشرد بالمعصية، تشرد

، واذا بھا قد وافت اليه على أتم الوجوه. ووفقه الجتنابھا، بالطرق الي تسدھا وتقطع طريقھا .وعرفه النعم التي ھو فيھا وال يشعر بھا

فقال يا أمير المؤمنين ثبت هللا عليك النعم التي أنت فيھا ، أن أعرابيا دخل على الرشيد ويحكى

وعرفك النعم التي ، وحقق لك النعم التي ترجوھا بحسن الظن به ودوام طاعته، بادامة شكرھا .ما أحسن تقسيمه: فأعجبه ذلك منه وقال. أنت فيھا وال تعرفھا لتشكرھا

Page 111: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

111

)قاعدة جليلة(

ر واألفكار مبدأ كل علم نظريالخواط

، فانھا توجب التصورات، مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري ھو الخواطر واألفكار. وكثرة تكراره تعطي العادة، واالرادات تقتضي وقوع الفعل، والتصورات تدعو الى االرادات

بأن تكون فصالح الخواطر. وفسادھا بفسادھا، فصالح ھذه المراتب بصالح الخواطر واألفكارومن ، فانه سبحانه به كل صالح، دائرة على مرضاته ومحابه، مراقبة لوليھا والھھا صاعدة اليه

فيظفر العبد . ومن توليه واعراضه عنه كل ضالل وشقاء، ومن توفيقه كل رشد، عنده كل ھدىطرق و، وطرق معرفته، بقدر اثبات عين فكرته في آالئه ونعمه وتوحيده، بكل خير وھدى ورشد

مطلعا على خواطره ، رقيبا عليه، ناظرا اليه، مشاھدا له، وانزاله اياه حاضرا معه، عبوديتهويجله أن يطلعه منه على عورة يكره أن يطلع عليھا مخلوق ، وارادته وھمه فحينئذ يستحيي منه

.أو يرى في نفسه خاطرا يمقته عليه، مثله وبقدر ذلك يبعد عنه ، وأكرمه واجتباه ووااله، به منهفمتى أنزل ربه ھذه المنزلة منه رفعه وقر

كما أنه كلما بعد منه وأعرض عنه قرب . األوساخ والدناءات والخواطر الرديئة واألفكار الدنيئة . ويقطع عنه جميع الكماالت ويتصل بجميع النقائص، من األوساخ والدناءات واألقذار

وآثره ، وعمل بمرضاته، والتزم أوامره ونواھيه، ن بارئهاذا تقرب م، فاالنسان خير المخلوقات

فمتى . وشر المخلوقات اذا تباعد عنه ولم يتحرك قلبه لقربه وطاعته وابتغاء مرضاته. على ھواه، فقد حكم قلبه وعقله وايمانه على نفسه وشيطانه، وآثره على نفسه وھواه، اختار التقرب اليه

ومتى اختار التباعد منه فقد حكم نفسه وھواه وشيطانه . لى ھواهوھداه ع، وحكم رشده على غيه .على عقله وقلبه ورشده

. فيأخذھا الفكر فيؤديھا الى التذكر، واعلم أن الخطرات والوساوس تؤدي متعلقاتھا الى الفكر

فتستحكم، فتأخذھا االرادة فتؤديھا الى الجوارح والعمل، فيأخذھا الذكر فيؤديھا الى االرادةفانھا تھجم عليه ھجوم . فردھا من مبادئھا أسھل من قطعھا بعد قوتھا وتمامھا، فتصير عادة

وعلى دفع ، ومساكنته له، ورضاه به، اال ان قوة االيمان والعقل تعينه على قبول أحسنھا، النفسحدنا يجد ان أ، يا رسول هللا: ونفرته منه كما قال الصحابة رضوان هللا عليھم، وكراھته له، أقبحھا

: قالوا" أوقد وجدتموه؟:"فقال، في نفسه ما ألن يحترق حتى يصير حممة أحب اليه من أن يتكلم بهالحمد الذي رد "وفي لفظ . ٢٠٩رقم ١١٩\١مسلم في االيمان " ذاك صريح االيمان: "قال، نعم

.٥١١٢رقم ٣٣٠ ٣٢٩\٤أبو داود في األدب باب رد الوسوسة ". كيده الى الوسوسة أن وجوده والقاء الشيطان له في : والثاني. أن رده وكراھته صريح االيمان: أحدھما: وفيه قوالن

.فانه انما ألقاه في النفس طلبا لمعارضة االيمان وازالته به، النفس صريح االيمان فان ، وقد خلق هللا سبحانه النفس شبيھة بالرحى الدائرة التي ال تسكن وال بد لھا من شيء تطحنه

فاألفكار والخواطر التي تجول . وان وضع فيھا تراب أو حصى طحنته، وضع فيھا حب طحنتهبل ال بد من ، وال تبقى تلك الرحى معطلة قط، في النفس ھي بمنزلة الحب الذي يوضع في الرحى

وأكثرھم ، فمن الناس من تطحن رحاه حبا يخرج دقيقا ينفع به نفسه وغيره، شيء يوضع فيھا .فاذا جاء وقت تاعجن والخبز تبين له حقيقة طحينه، ال وحصى وتبنا ونحو ذلكيطحن رم

Page 112: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

112

فاستخدم ، وان قبلته صار فكرا جواال، فاذا دفعت الخاطر الوارد عليك اندفع عنك ما بعده قان تعذر استخدامھا رجعا الى القلب بالتمني ، االرادة فتساعد ھي والفكر على استخدام الجوارح

، ومن المعلوم أن اصالح الخواطر أسھل من اصالح األفكار. وتوجھھوالى جھة المراد، والشھوة، واصالح االرادات أسھل من تدارك فساد العمل، واصالح األفكار أسھل من اصالح االرادات

، فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما ال يعنيك. وتداركه أسھل من قطع العوائدواشتغل عن أنفع ، فاته ما يعنيه، ومن فكر فيما ال يعنيه، ما ال يعني باب كل شرفالفكر في

واالرادة والھمة أحق شيء باصالحه من ، فالفكر والخواطر، األشياء له بما ما ال منفعة له فيهفان ھذه خاصتك وحقيقتك التي تبتعد بھا أو تقرب بھا من الھك ومعبودك الذي ال سعادة ، نفسك

ومن كان في خواطره ، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ي قربه ورضاه عنكلك اال ف .ومجاالت فكره دنيئا خسيسا لم يكن في سائر أمره اال كذلك

، فانه يفسدھا عليك فسدا يصعب تداركه، واياك أ، تمكن الشيطان من بيت أفكارك واراداتك

وأنت الذي ، يحول بينك وبين الفكر فيما ينفعكو، ويلقي اليك أنواع الوساوس واألفكار المضرةفمثلك معه مثال صاحب رحى يطحن . بتمكينه من قلبك وخوطرك فملكھا عليك، أعنته على نفسكفان طرده ، فأتاه شخص معه حمل تراب وبعر فحم وغثاء ليطحنه في طاحونه، فيھا جيد الحبوب

وان مكنه من القاء ذلك في ، ن ما ينفعهولم يمكنه من القاء ما معه في الطاحون استمر على طحوالذي يلقيه الشيطان في النفس ال . الطاحون أفسد ما فيھا من الحب وخرج الطحين كله فاسدا

وفيما لم يكن لو كان كيف ، يخرج عن الفكر فيما كان ودخل في الوجود لو كان على خالف ذلكأو في خياالت وھمية ال حقيقة لھا ، الحرامفيما يملك الفكر فيه من أنواع الفواحش و، أ. كان يكونفيلقيه في تلك الخواطر ، أو فيما ال سبيل الى ادراكه من أنواع ما طوى عنه علمه، أو في باطل

.فيجعل ذلك مجال فكره ومسرح ھمه، وال يقف منھا على نھاية، التي ال يبلغ منھا غاية لتصورات بمعرفة ما يلزمك من التوحيد أن تشغل فكرك في باب العلوم وا: وجماع اصالح ذلك

. وفي آفات األعمال وطرق التحرز منھا. وفي الموت وما بعده الى دخول الجنة والنار، وحقوقهوطرح ارادة ما يضرك ، وفي باب االرادات والعزوم أن تشغل نفسك بارادة ما ينفعك ارادته

لقلب بھا أضر على القلب من نفس وعند العارفين أن تمنى الخيانة واشغال الفكر وا. ارادتهفان تمنيھا يشغل القلب بھا ويملؤه منھا ، وال سيما اذا فرغ قلبه منھا بعد مباشرتھا، الخيانة

.ويجعلھا ھمه ومراده وأنت تجد في الشاھد أن الملك في البشر اذا كان في بعض حاشيته وخدمه من ھو متمن لخيانته

فاذا اطلع على ، وھو مع ذلك في خدمته وقضاء أشغاله، نھامشغول القلب والفكر بھا ممتلىء موكان أبغض اليه من رجل بعيد عنه ، وقابله بما يستحقه، وأبغضه، مقته غاية المقت، سره وقصده

جنى بعض الجنايات وقلبه وسره مع الملك غير منطو على تمني الخيانة ومحبتھا والحرص والثاني يفعلھا وقلبه كاره لھا ، بما ھو فيه وقلبه ممنلىء بھافاألول يتركھا عجزا واشتغاال ، عليھا

.فھذا أحسن حاال وأسلم علقبة من األول، ليس فيه اضمار الخيانة وال االصرار عليھا واما في مصالح دنياه ، فالقلب ال يخلو قط من الفكر اما في واجب آخرته ومصالحھا، وبالجملة

وقد تقدم أن النفس مثلھا . ي الباطلة والمقدرات المفروضةواما في الوساوس واألمان، ومعاشهوان ألقيت فيھا حصى وزجاجا ، فان ألقيت فيھا حبا دارت به، كمثل رحى تدور بما يلقى فيھا

وهللا سبحانه ھو قيم تلك الرحى ومالكھا ومصرفھا وقد أقام لھا ملكا يلقي فيھا ما ، وبعرا دارت به، فالملك يلم مرة والشيطان يلم بھا مرة، يلقي فيھا ما يضر فتدور بهوشيطانا ، ينفعھا فتدور به

والحب الذي يلقيه الشيطان ايعاد بالشر ، فالحب الذي يلقيه الملك ايعاد بالخير وتصديق بالوعد

Page 113: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

113

وصاحب الحب المضر ال يتمكن من القائه اال اذا وجد ، والطحين على قدر الحب. وتكذيب بالوعد .فحينئذ يبادر الى القاء ما معه فيھا، وقيمھا قد أھملھا وأعرض عنھا الرحى فارغة من الحب

فقيم الرحى اذا تخلى عنھا وعن اصالحھا وعن القاء الحب النافع فيھا وجد العدو ، وبالجملة

وفاسدھا ، وأصل صالح ھذه الرحى باالشتغال بما يعنيك. السبيل الى افسادھا وادارتھا بما معهلما وجدت أنواع الذخائر منصوبة : وما أحسن ما قال بعض العقالء، ا ال يعنيككله االشتغال بمانصرفت عن جميعھا الى ما ال ينازع ، ورأيت الزوال حاكما عليھا مدركا لھا، غرضا للمتالف

.وهللا المستعان، فيه ذو الحجا أنه أنفع الذخائر وأفضل المكاسب وأربح المتاجر

من أقوال شفيق البلخي] ١٠٨[

. اشتغالھم بالنعمة عن شكرھا: أغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء: قال شفيق بن ابرھيم واالغترار بصحبة . والمسارعة الى الذنب وتأخير التوبة. وتركھم العمل، ورغبتھم في العلم

ھم وھم واقبال اآلخرة علي. وادبار الدنيا عنھم وھم يتبعونھا. الصالحين وترك االقتداء بفعالھم .معرضون عنھا

وأصله ، وأصله ضعف البصيرة، وأصله ضعف اليقين، وأصل ذلك عدم الرغبة والرھبة: قلت

واال فلو مانت النفس شريفة كبيرة لم ترض . مھانة النفس ودناءتھا واستبدالھا بالذي ھو خيروأصل الشر خستھا . وشرف النفس وكبرھا ونبلھا -بتوفيق هللا ومشيئته - فأصل الخير كله. بالدون

أي ، ١٠ ٩الشمس } وقد خاب من دساھا* قد أفلح من زكاھا { :قال تعال، ودناءتھا وصغرھا .وخاب من صغرھا وحقرھا بمعاصي هللا، أفلح من كبرھا وكثرھا ونماھا بطاعة هللا

وس الدنيئة والنف، فالنفوس الشريفة ال ترضى من األشياء اال بأعالھا وأفضلھا وأحمدھا عاقبة

فالنفس الشريفة العلية ال ترضى . تحوم حول الدناءات وتقع عليھا كما يقع الذباب على األقذاروالنفس المھينة الحقيرة . ألنھا أكبر من ذلك وأجل، بالظلم وال بالفواحش وال بالسرقة والخيانة

قل { :ى قوله تعالىوھذا معن، فكل نفس تميل الى ما يناسبھا ويشاكلھا. الخسيسة بالضد من ذلكفھو يعمل على طريقته التي ، أي على ما يشاكله ويناسبه، ٨٤االسراء } كل يعمل على شاكلته. وكل انسان يجري على طريقته ومذھبه وعاداته الي ألفھا وجبل عليھا، تناسب أخالقه وطبيعته

والمؤمن ، نعمواالعراض عن الم، فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي، والمراقبة له، والتودد اليه والحياء منه، ومحبته والثناء عليه، يعمل بما يشاكله من شكر النعم

. وتعظيمه واجالله

اعرف نفسك تعرف ربك] ١٠٩[

، كيف يعرف خالقه؟ فاعلم أن اللع تعالى قد خلق في صدرك بيتا وھو القلب، من لم يعرف نفسه فھو مستو على عرشه بذاته بائن ، يستوي عليه المثل األعلى، رفتهووضع في صدره عرشا لمع

وعلى السرير ، والمثل األعلى من معرفته ومحبته وتوحيده مستو على سرير القلب، من خلقهوفتح اليه بابا من جنة ، ووضع عن يمينه وعن شماله مرافق شرائعه وأوامره. بساط من الرضا

، ما أنبت فيه أصناف الرياحين. وأمطره من وابل كالمه، ئهوالشوق الى لقا، واألنس به، رحمتهوالتھليل والتسبيح والتحميد والتقديس وجعل في وسط ، واألشجار المثمرة من أنواع الطاعات

من المحبة واالنابة ، ٢٥ابراھيم } تؤتي أكلھا كل حين باذن ربھا{ :فھي، البستان شجرة معرفةوأجرى الى تلك الشجرة ما يسقيھا من تدبر كالمه وفھمه . والخشية والفرح به واالبتھاج بقربه

فھو . وااليمان به وتوحيده، أسرجه بضياء معرفته، وعلق في ذلك البيت قنديال. والعمل بوصاياه

Page 114: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

114

} شجرة مباركة زيتونة ال شرقية وال غربية يكاد زيتھا يضيء ولو لم تمسسه نار{: يستمد منفال يلحقه ، نعه من دخول اآلفات والمفسدين ومن يؤذي البستانثم أحاط عليه حائطا يم. ٣٥النور لم صاحب البيت والبستان ’ثم أ، وأقام عليه حرسا من المالئكة يحفظونه في يقظته ومنامه، أذاھم

واذا أحس بأدنى . ليرضاه السكن منزال، بالساكن فيه فھو دائما ھمه اصالح السكن ولم شعثه .فنعم السكن ونعم المسكن، ولمه خشية انتقال السكن منه، هبادر الى اصالح، شعث في السكن

وصار مأوى ، كم بين ھذا البيت وبيت قد استولى عليه الخراب، فسبحان هللا رب العالمين

فمن أراد التخلي وقضاء الحاجة وجد . ومحال اللقاء األنتان والقاذورات فيه، للحشرات والھوامقد ، منتنة الرائحة، مظلمة األرجاء، وھي معدة لقضاء الحاجة، اوال حافظ لھ، خربة ال ساكن فيھا

وال ينزل فيھا اال من يناسبه سكنھا من ، فال يأنس بھا، ومألتھا القاذورات، عمھا الخراب، وعلى السرير بساط من الجھل، الشيطان جالس على سريرھا. والديدان والھوام، الحشرات

وقد فتح اليه باب من حقل الخذالن ، ه مرافق الشھواتوعن يمينه وشمال، وتخفق فيه األھواءوأمطر من وابل الجھل ، والزھد في اآلخرة، والطمأنينة بھا، والركون الى الدنيا، والوحشة

واألشجار المثمرة بأنواع ، والھوى والشرك والبدع ما أنبت فيه أصناف الشوك والحنظلواألشعار ، لنوادر والھزليات والمضحكاتوا، من الزوائد والتنديبات ، المعاصي والمخالفات

وجعل في وسط . وتزھد في الطاعات، والخمريات التي تھيج على ارتكاب المحرمات، الغزلياتواللھو ، فھي تؤتي أكلھا كل حين من الفسوق والمعاصي، الحقل شجرة الجھل به واالعراض عنه

ثمرھا الھموم والغموم واألحزان ومن . واتباع كل شھوة، والمجون والذھاب مع كل ريح، واللعبفاذا أفاقت من سكرھا أحضرت كل ھم ، ولكنھا متوارية باشتغال النفس بلھوھا ولعبھا. واآلالموأجرى الى تلك الشجرة ما يسقيھا من اتباع الھوى وطول ، ومعيشة ضنك، وحزن وقلق، وغم

.األمل والغرور وال حيوان وال مؤذ وال ، ال يمنع منه مفسدة بحيث، وخراب حيطانه، ثم ترك ذلك البيت وظلماته

فمن عرف بيته وقدر ما فيه من الكنوز والذخائر ، فسبحان خالق ھذا البيتوذاك البيت، قذر .وبا التوفيق، ومن جھل ذلك جھل نفسه وأضاع سعادته، واآلالت انتفع بحياته ونفسه

أكل : فأكلتين؟ قال: قيل له، كل الصديقينأ: الرجل يأكل في اليوم أكلة؟ قال: سئل سھل التستري

.قل ألھله يبنوا له معلفا: قيل له ثالث أكالت؟ فقال، المؤمنين : فقال، ھذا خطأ: فقيل له. ركعتين اصليه أحب الي من الجنة بما فيھا: قال األسود بن سالم

لي من ورضى ربي أحب ا، والركعتان رضى ربي، الجنة رضى نفسي، دعونا من كالمكم .رضى نفسي

.اذا شمھا المريد اشتاقت نفسه الى الجنة، العارف في األرض ريحانة من رياحين الجنة واذ الحظ ، فاذا الحظ جالله ھابه وعظمه، قلب المحب موضوع بين جالل محبوبه وجماله

.جماله أحبه واشتاق اليه

من أنواع معرفة هللا تعالى] ١١٠[

، ومنھم من يعرفه بالعفو والحلم والتجاوز، هللا بالجود واالفضال واالحسانمن الناس من يعرف ومنھم من يعرفه بالعزة ، ومنھم من يعرفه بالعلم والحكمة، ومنھم من يعرفه بالبطش واالنتقام

Page 115: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

115

ومنھم من ، ومنھم من يعرفه بالقھر والملك، ومنھم من يعرفه بالرحمة والبر واللطف، والكبرياء .دعوته واغاثة لھفته وقضاء حاجتهيعرفه باجابة

فانه يعرف ربا قد اجتمعت له صفات الكمال ونعوت ، واعلم ھؤالء معرفة من عرف من كالمه

فعال ، له كل اسم حسن وكل وصف كمال، بريء من النقائص والعيوب، منزه عن المثال، الجاللآمر ناه متكلم ، لكل شيءومقيم ، وقادر على كل شيء، فوق كل شيء ومع كل شيء، لما يريد

وأقدر ، أرحم الراحمين، وأجمل من كل شيء، أكبر من كل شيء، بكلماته الدينية والكونيةوبحال ، وبصراطه الموصل اليه، فالقرآن أنزل لتعريف عباده به. وأحكم الحاكمين، القادرين

.السالكين بعد الوصول اليه

:حول قوله تعالى] ١١١[ }بقوم حتى يغيروا ما بأنفسھمان هللا ال يغير ما {

فيملھا العبد ، من اآلفات الخفية العامة أن يكون العبد في نعمة أنعم هللا بھا عليه واختارھا له

وربه برحمته ال يخرجه من تلك ، ويطلب االنتقال منھا الى ما يزعم لجھله أنه خير له منھااق ذرعا بتلك النعمة وسخطھا وتبرم بھا حتى اذا ض، ويعذره بجھله وسوء اختياره لنفسه، النعمة

، فاذا انتقل الى ما طلبه ورأى التفاوت بين ما كان فيه وصار اليه. واستحكم ملله لھا سلبه هللا اياھافاذا أراد هللا بعبده خيرا ورشدا أشھده أن ما ھو فيه ، اشتد قلقه وندمه وطلب العودة الى ما كان فيه

استخار ربه ، فاذا حدثته نفسه باالنتقال عنه، وأوزعه شكره عليه، نعمة من نعمه عليه ورضاه به .مفوض الى هللا طالب منه حسن اختياره له، استخارة جاھل بمصلحته عاجز عنھا

، وال يفرح بھا، وال يشكره عليھا، فانه ال يراھا نعمة، وليس على العبد أضر من ملله لنعم هللا

فأكثر الناس أعداء نعم هللا ، ھذا وھي من أعظم نعم هللا عليه .ويشكو ويعدھا مصيبة، بل يسخطھافكم سعت . وھم مجتھدون في دفعھا وردھا جھال وظلما، وال يشعرون بفتح هللا عليھم نعمه، عليھم

وكم وصلت اليه وھو ساع في دفعھا وزوالھا ، وھو ساع في ردھا بجھده، الى أحدھم من نعمةبأن هللا لم يك مغيرا نعمة أنعمھا على قوم حتى يغيروا ما ذلك { :قال تعالى، بظلمه وجھله

.١١الرعد} ان هللا ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسھم{ :وقال تعالى، ٥٣األنفال }بأنفسھم فعدوه يطرح النار في نعمه ، فھو مع عدوه ظھير على نفسه، فليس للنعم أعدى من نفس العبد

فاذا اشتد ضرامھا استغاث من ، مكنه من طرح النار ثم أعانه بالنفخ فھو الذي، وھو ينفخ فيھا :الحريق وكان غايته معاتبة األقدار

وعاجز الرأي مضياع لفرصته حتى اذا فات أمر عاتب القدرا

معرفة هللا سبحانه وتعالى بالجمال] ١١٢[

، وھي معرفة خواص الخلق، لمن أعز أنواع المعرفة معرفة الرب سبحانه وتعالى بالجما

وجماله سبحانه ليس ، وأتمھم معرفة من عرفه بكماله وجالله، وكلھم عرفه بصفة من صفاتهلو فرضت الخلق كلھم على أجملھم صورة وكلھم على تلك ، كمثله شيء في سائر صفاته

ج ونسبت جمالھم الظاھر والباطن الى جمال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سرا، الصورة .ضعيف الى قرص الشمس

Page 116: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

116

أنه لو كشف الحجاب عن وجھه ألحرقت سبحاته ما انتھى اليه بصره من "ويكفي في جماله ويكفي في جماله أن كل جمال ظاھر وباطن في . ١٦١\١أخرجه مسلم في كتاب االيمان " خلقه

.فما الظن بمن صدر عنه ھذا الجمال، الدنيا واآلخرة فمن آثار صنعته ، والعالم كله، واالحسان كله، والجود كله، والقوة جميعا، في جماله أن له العزة جميعا ويكفي

أعوذ بنور :" ولنور وجھه أشرقت الظلمات كما قال النبي صلى هللا عليه وسلم، والفضل كلهالھيثمي في مجمع الزوائد ". وصلح عليه أمر الدنيا واآلخرة، وجھك الذي أشرقت له الظلمات

٣٥\٦. ، ض من نور وجھه{نور السموات واأل، ليس عند ربكم ليل وال نھار: وقال عبد هللا بن مسعود

. ويوم القيامة اذا جاء لفصل القضاء تشرق األرض بنوره، فھو سبحانه نور السموات واألرضان هللا جميل يحب :" وفي الصحيحعنه صلى هللا عليه وسلم". الجميل"ومن أسمائه الحسنى

.٤٠٩١رقم ٥٩\٤و داود كتاب اللباس باب ما جاء في الكبر أب". الجمال وجمال ، وجمال األفعال، وجمال الصفات، جمال الذات: وجماله سبحانه على أربعة مراتب

وأفعاله كلھا حكمة ومصلحة وعدل ، وصفاته كلھا صفات كمال، فأسماؤه كلھا حسنى. األسماءوليس عند ، وال يعلمه غيره، ال يدركه سواه فأمر، وأما جمال الذات وما ھو عليه. ورحمة

فان ذلك الجمال مصون عن ، المخلوقين منه اال تعريفات تعرف بھا الى من أكرمه من عبادهالكبرياء :" كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم، محجوب بستر الرداء واالزار، األغيار

ولما كانت . ٤٠٩رقم ٥٩\٤جاء في الكبر أبو داود كتاب اللباس بال ما " ردائي والعظمة ازاريفانه سبحانه الكبير المتعال فھو سبحانه العلي ، الكبرياء أعظم وأوسع كانت أحق باسم الرداء

.العظيم فما ظنك بجمال حجب ، وحجب الصفات باألفعال، حجب الذات بالصفات: قال ابن عباس

.وستر بنعوت العظمة والجالل، بأوصاف الكمال فانه العبد يترقى من معرفة األفعال الى معرفة ، ھذا المعنى يفھم البعض معاني جال ذاتهومن

ومن معرفة الصفات الى معرفة الذات فاذا شاھد شيئا من جمال األفعال استدل به على ، الصفاتومن ھاھنا يتبين أنه سبحانه له الحمد . جمال الصفات ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات

وأنه يستحق أن يعبد ، بل ھو كما أثنى على نفسه، وأن أحدا من خلقه ال يحصي ثناء عليه، هكل، وأن محبته لنفسه، ويحمد نفسه، ويثني على نفسه، وأنه سبحانه يحب نفسه، ويشكر لذاته، لذاته

، دھو في الحقيقة الحمد والثناء والحب والتوحي، وتوحيده لنفسه، وثناءه على نفسه، وحمده لنفسهوھو سبحانه كما يحب ذاته يحب ، وفوق كا يثني به عليه خلقه، فھو سبحانه كما أثنى على نفسه

فليس في ، فكل أفعاله حسن محبوب وان كان في مفعوالته ما يبغضه ويكرھه، صفاته وأفعالهويحمد لذاته اال ھو سبحانه ، وليس في الوجود ما يحب لذاته، أفعاله ما ھو مكروه مسخوط

فمحبته ، وكل ما يحب سواه فان كانت محبته تابعة لمحبته سبحانه بحيث يحب ألجله، وتعالىفان هللا الحق ھو الذي يحب لذاته ويحمد ، وھذا ھو حقيقة االلھية، واال فھي محبة باطلة، صحيحة

وحلمه وتجاوزه وعفوه وبره ورحمته؟، فكيف اذا انضاف الى ذلك احسانه وانعامه. لذاته وأن يعلم أنه ال محسن على ، بد أن يعلم أنه ال اله اال هللا فيحبه ويحمده لذاته وكمالهفعلى الع

، ويحمده على ذلك، فيحبه الحسانه وانعامه، الحقيقة بأصناف النعم الظاھرة والباطنة اال ھووالمحبة مع الخضوع . وكما أمه ليس كمثله شيء فليس كمحبته محبة. فيحبه من الوجھين جميعا

Page 117: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

117

. وال يصلح ذلك اال له سبحانه، فانھا غاية الحب بغاية الذل، عبودية التي خلق الخلق ألجلھاھي ال .واالشراك به في ھذا ھو الشرك الذي ال يغفره هللا وال يقبل لصاحبه عمال

فمن أخبر بمحاسن ، والمحبة له عليھا، االخبار بمحامده وصفات كماله: وحمده يتضمن أصلين

ومن أحبه من غير اخبار بمحاسنه لم يكن حامدا حتى يجمع . له لم يكن حامدا غيره من غير محبةوھو سبحانه يحمد نفسه بما يجريه على ألسنة الحامدين له من مالئكته وأنبائه ورسله ، األمرين

فانه ھو ، فان حمدھم له بمشيئته واذنه وتكوينه، فھو الحامد لنفسه بھذا وھذا، وعباده المؤمنينفمنه ابتدأت النعم واليه ، الحامد حامدا والمسلم مسلما والمصلي مصليا والتائب تائباالذي جعل

، وھو الذي أألھم عبده التوبة وفرح بھا أعظم فرح، فابتدأت بحمده وانتھت الى حمده، انتھتوما سواه فقير اليه بكل ، وھو سبحانه غني عن كل ما سواه بكل وجه. وھي من فضله وجوده

وما ال يكون له ، فان ما ال يكون به ال يكون، مفتقر اليه لذاته في األسباب والغايات والعبد، وجه .ال ينفع

ان هللا جميل يحب الجمال] ١١٣[

يتناول جمال ، الترمذي باب ما جاء في النظافة" ان هللا جميل يحب الجمال"وقوله في الحديث

يق العموم الجمال من كل شيء كما في ويدخل فيه بطر. الثياب المسؤول عنه في نفس الحديث .٢٧٩٩رقم١١١\٥" ان هللا نظيف يحب النظافة:" الحديث اآلخر

.٦٥رقم ٧٠٣\٢مسلم كتاب الزكاة "ان هللا طيب ال يقبل اال طيبا:" وفي الصحيح رقم ١٢٣\٥الترمذي في األدب " ان هللا يحب أ، يرى أثر نعمته على عبده:" وفي السنن

٢٨١٩. :" فقال، رآني النبي صلى هللا عليه وسلم وعلى أطمار:" قال، فيھا عن أبي األحوص الجشميو

:" قال، من كل مل أتى هللا من االبل والشاء: من أي مال؟ قلت: قال، قلت نعم" ھل لك من مال؟ .٤٠٦٣رقم ٥١\٤أبوداود في اللباس ".فلتر نعمته وكرامته عليك

وذلك من شكره على ، فانه من الجمال الذي يحبه، ته على عبدهفھو سبحانه يحب ظھور أثر نعم

وھو جمال باطن فيحب أن يرى على عبده الجمال الظاھر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر ، نعمهوتقوى تجمل ، ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواھرھم. عليھا

لنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك يا بني آدم قد أنز{ :بواطنھم فقالوجزاھم بما صبروا جنة . ولقاھم نضرة وسرورا{ :وقال في أھل الجنة، ٢٦األعراف }خير

.وأبدانھم بالحرير، وبواطنھم بالسرور، فجمل وجوھھم بالنضرة، ١٢-١١االنسان }وحريرا يبغض القبيح من األقوال ، فعال واللباس والھيئةوھو سبحانه كما يحب الجمال في األقوال واأل

ولكن ضل في ھذا . فيبغض القبيح وأھله ويحب الجمال وأھله، واألفعال والثياب والھيئةونحن نحب جميع ما ، فھو يحب كل ما خلقه، فريق قالوا كل ما خلقه جميل: الموضوع فريقان

:وأنشد منشدھم. رآھا كلھا جميلة ومن رأى الكائنات منه: قالوا، خلقه فال نبغض منه شيئا

واذا رأيت الكائنات بعينھم فجميع ما يحوي الوجود مليح

Page 118: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

118

صنع هللا الذي أتقن { :وقوله، ٧السجدة} الذي أحسن كل شيء خلقه{ :واحتجوا بقول هللا تعال ندھم والعارف ع، ٣الملك} ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت{ :وقوله، ٨٨النمل } كل شيء

.وال يرى في الوجود قبيحا، ھو الذي يصرح باطالق الجمال والجھاد ، وانكار المنكر، والمعاداة فيه، والبغض في هللا، وھؤالء قد عدمت الغيرة في قلوبھم

، ويرى جمال الصور من الذكور واالناث من الجمال الذي يحبه هللا! واقامة حدوده، في سبيله. ما غال بعضھم حتى يزعم أن معبوده يظھر في تلك الصورة ويحل فيھاورب، فيتعبدون بفسقھمھي مظھر من مظاھر : قال) ومعناه من يقول أن الخالق ھو عين المخلوق( وان كان اتحاديا

.ويسميھا المظاھر الجمالية، الحق

نظرات في الجمال] ١١٤[

فقال ، وتمام القامة والخلقة، جمال الصورقد ذم هللا سبحانه وتعالى : وقابلھم الفريق الثاني فقالوا وكم أھلكنا قبلھم من قرن {: وقال، ٤المنافقون} واذا رأيتھم تعجبك أجسامھم{ :عن المنافقين

ھو الصور تفسير ابن كثير : قال الحسن. أي أمواال ومناظر، ٧٤مريم}أحسن أثاثا ورءياهللا ال ينظر الى صوركم ان:" وفي صحيح مسلم عن النبي صلى هللا عليه وسلم . ١٣٤\٣

ومعلوم أنه لم : قالوا. ١٩٨٦\٤كتاب البر والصلة " وأموالكم وانما ينظر الى قلوبكم وأعمالكموقد حرم علينا لباس الحرير والذھب وآنية : وانما نفى نظر المحبة قالوا، ينف نظر االدراكيك الى ما متعنا به أزواجا وال تمدن عين: [وقال، وذلك من أعظم جمال الدنيا، الذھب والفضة

النھاية في " البذاذة من االيمان"وفي الحديث ، ١٣١طه } منھم زھرة الحياة الدنيا لنفتنھم فيهوالسرف كما يكون في الطعام والشراب يكون في . وقد ذم هللا المسرفين. ١١٠\١غريب الحديث

.اللباس ومنه ما ، منه ما يحمد: الھيئة ثالثة أنواعالجمال في الصورة واللباس و: وفصل النزاع أن يال وتنفيذ ، وأعان على طاعة هللا، فالمحمود منه ما كان . ومنه ما ال يتعلق به مدح وال ذم، يذم

وھو نظير آلة الحرب . كما كان النبي صلى هللا عليه وسلم يتجمل للوفود، واالستجابة له، أوامرهونصر ، فان ذلك محمود اذا تضمن اعالء كلمة هللا. ء فيهللقتال ولباس الحرير في الحرب والخيال

، والمذموم منه ما كان للدنيا والرئاسة والفخر والخيالء والتوسل الى الشھوات. وغيظ عدوه، دينهوأما . فان كثيرا من النفوس ليس لھا ھمة في سوى ذلك. وأن يكون ھو غاية العبد وأقصى مطلبه

.وتجرد عن الوصفين، خال عن ھذين القصدين ما ال يحمد وال يذم فھو ما . وآخره سلوك، فأوله معرفة: والمقصود أن ھذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين

ويعبد بالجمال الذي يحبه من األقوال ، فيعرف هللا سبحانه بالجمال الذي ال يماثله فيه شسءوقلبه باالخالص والمحبة واالنابة ، لصدقفيحب من عبده أن يحمل لسانه با. واألعمال واألخالق

وتطھيره له من األنجاس ، وبدنه باظھار نعمه عليه في لباسه، وجوارحه بالطاعة، والتوكلفيعرفه بصفات الجمال الذي ، واألحداث واألوساخ والشعور المكروھة والختان وتقليم األظافر

.المعرفة والسلوك: يث قاعدتينفجمع الحد، ويعبده بالجمال الذي ھو شرعه ودينه، ھو وصفه

صدق العبد مع ربه] ١١٥[

فيصدقه في عزمه وفي ، ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه في جميع أموره مع صدق العزيمة فسعادته في صدق ، ٢١محمد } فاذا عزم األمر فلو صدقوا هللا لكان خير لھم{ :قال تعالى، فعله

معھا وجزمھا وعدم التردد فيھا بل تكون عزيمة ال فصدق العزيمة ج، العزيمة وصدق الفعل

Page 119: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

119

وھو استفراغ الوسع وبذل ، فاذا صدقت عزيمته بقي عليه صدق الفعل. يشوبھا تردد وال تلومفعزيمة القصد تمنعه من ضعف االرادة ، وأن ال يتخلف عنه بشيء من ظاھره وباطنه، الجھد فيهومن صدق هللا في جميع أموره صنع هللا له فوق . وصدق الفعل يمنعه من الكسل والفتور، والھمة

فأصدق الناس من ، وھذا الصدق معنى يلتئم من صحة االخالص وصدق التوكل. ما يصنع لغيره .صح اخالصه وتوكله

في القدر] ١١٦[

وان . فان وفقه وأراد من نفسه أن يعينه ويلھمه فعل ما أمر به، رب ذو ارادة أمر عبدا ذا ارادة

فھو من ، وھو من ھذه الحيثية ال يختار اال ما تھواه نفسه وطبعه، خذله وخاله وارادته ونفسهولذلك ذمه هللا في كتابه من ھذه الحيثية ولم يمدحه اال بأمر زائد . حيث ھو انسان ال يريد اال ذلك

. ذلك ونحو، وھو كونه مسلما ومؤمنا وصابرا ومحسنا وشكورا وتقيا وبرا، على تلك الحيثيةولكن ال يكفي مجرد صالحيتھا ان لم ، وھذا أمر زائد على مجرد كونه انسانا وارادته صالحة

كما أنه ال يكفي في الرؤية مجرد صالحية العين لالدراك ، تؤيد بقدر زائد على ذلك وھو النوفيق .ان لم يحصل سبب آخر من النور المنفصل عنھا

لتعظيم لتفسك وقلبك خال من تعظم هللا تعالىأعظم الظلم والجھل أن تطلب ا] ١١٧[

من أعظم الظلم والجھل أن تطلب التعظيم والتوقير لك من الناس وقلبك خال من تعظيم هللا

{ :قال تعالى، فانك توقر المخلوق وتجله أن يراك في حال ال توقر هللا أن يراك عليھا، وتوقيرهومنه . العظمة: والتوقير، تعاملونه معاملة من توقرونه أي ال، ١٣نوح}مالكم ال ترجون وقارا

ما لكم ال تعرفون هللا حقا وال تشكرونه؟ : قال الحسن، ٩الفتح من اآلية} وتوقروه{ :قوله تعالىال تعرفون : وقال ابن عباس. ال ترون طاعة: وقال ابن زيد. ال تبالون فظمة ربكم: وقال مجاھد .١٩٦\١٨القرآن الجامع ألحكام. حق عظمته

وھو أنھم لو عظموا هللا وعرفوا حق عظمته وحدوه ، وھذه األقوال ترجع الى معنى واحد

. بحسب وقاره في القلب، والحياء منه، واجتناب معاصيه، فطاعته سبحانه، وأطاعوه وشكروهفيقرن ، ليعظم وقار هللا في قلب أحدكم أ، يذكره حين يستحي من ذكره: ولھذا قال بعض السلف

.فھذا من وقار هللا، قبح هللا الكلب والخنزير والنتن ونحوذلك: اسمه به كما تقول مالي اال هللا ، وهللا وحياتك: بحيث تقول، ال في اللفظ، ومن وقاره أن ال تعدل به شيئا من خلقه

المخلوق فتطيع ، وال في الطاعة، وال في الحب والتعظيم واالجالل، وما شاء هللا وشئت، وأنت. وال في الخوف والرجاء، كما عليه أكثر الظامة والفجرة، بل أعظم، في أمره ونھيه كما تطيع هللاوال يجعله على ، ھو مبني على المسامحة: وال يستھين بحقه ويقول، ويجعله أھون الناظرين اليه

، س في ناحية وحدوالنا، وال يكون هللا ورسوله في حد وناحية، ويقدم حق المخلوق عليه، الفضلةوال يعطي ، ويكون في الحد والشق الذي فيه الناس دون الحد والشق الذي فيه هللا ورسوله

وال يجعل ، المخلوق في مخاطبته قلبه ولبه ويعطي هللا في خدمته بدنه ولسانه دون قلبه وروحه .مراد نفسه مقدما على مراد ربه

كان كذلك فان هللا ال يلقي في قلوب الناس وقارا وال ومن ، فھذا كله من عدم وقار هللا في القلب

وان وقروه مخافة شره فذاك وقار بغض ال وقار حب ، بل يسقط وقاره وھيبته من قلوبھم، ھيبةومن وقاره . ومن وقار هللا أن يستحي من اطالعه على سره وضميره فيرى فيه ما يكره، وتعظيم

.من أكابر الناس أن يستحي منه في الخلوة أعظم مما يستحي

Page 120: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

120

. وما آتاه من العلم والحكمة كيف يطلب من الناس توقيره، والمقصود أن من ال يوقر هللا وكالمه وتنبيھات وروادع ، القرآن وتاعلم وكالم الرسول صلى هللا عليه وسلم صالت من الحق

وال ما قام بك ! فال ما ورد اليك وعظك، والشيب رادع وموقظ قائم بك، وزواجر واردة اليكفأنت مصاب لم تؤثر فيه مصيبته وعظا ! ومع ھذا تطلب التوقير والتعظيم من غيرك! نصحك

فالضرب لم يؤثر فيه . وھو يطلب من غيره أ، يتعظ وينزجر بالنظر الى مصابه، وانزجارا .وھو يريد االنزجار ممن نظر الى ضربه، جزرا

فكيف بمن ، ي حق غيره ليس كمن رآھا عيانا في غيرهمن سمع بالمثالت والعقوبات واآليات ف

فآياته في اآلفاق مسموعة ، ٥٣فصلت } سنريھم آياتنا في اآلفاق وفي أنفسھم{ :وجدھا في نفسه؟ان الذين حقت { :قال تعالى. فعياذا با من الخذالن، وآياته في النفس مشھودة مرئية، معلومة

، ٩٦,٩٧يونس } ءتھم كل آية حتى يروا العذاب األيمولو جا. عليھم كلمت ربك ال يؤمنون ولو أننا أنزلنا اليھم المالئكة وكلمھم الموتى وحشرنا عليھم كل شيء قبال ما كانوا ليؤمنوا { :وقال

.١١١األنعام } اال أن يشاء هللا فكلما ، ويتمم نقائص خلقته بفضائل أخالقه وأعماله، والعاقل المؤيد بالتوفيق يعتبر بدون ھذا

زاد في قوة ايمانه ويقينه ، وكلما نقص من قوى بدنه، زاد ايمانه أثر، امتحى من جثمانه أثروان لم يكن ھكذا فالموت خير له؛ ألنه ال يقف به على حد معين ، ورغبته في هللا والدار اآلخرة

ھمه وغمه فانھا زيادة في ألمه و، بخالف العيوب والنقائص مع طول العمر، من األلم والفسادوانما حسن طول العمر ونفع ليحصل التذكر واالستدراك واغتنام الغرض والتوبة ، وحسرته

فمن لم يورثه التعمير ، ٣٧فاطر } أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر{ :النصوح كما قال تعالى، ة قلبهفيعمل على حيا، واغتنام بقية أنفاسه، وتدارك فارطه، وطول البقاء اصالح معائبه

.واال فال خير له في حياته، وحصول النعيم المقيم كان طول ، وحسن عمله، فاذا طال عمره. فان العبد على جناح سفر اما الى الجنة واما الى النار

، فانه كلما طال السفر اليھا كانت الصبابة أجل وأفضل، سفره زيادة له في حصول النعيم واللذة: ونزوال له الى أسفل، ه كان طول سفره زيادة في ألمه وعذابهوساء عمل، واذا طال عمره

، خيركم من طال عمره وحسن عمله:" وفي الحديث المرفوع، فالمسافر اما صاعد واما نازل .٢٣٣٠رقم ٥٦٦\٤الترمذي في السنن " وشركم من طال عمره وقبح عمله

وكلما نقص ، ة لقلبه وروحهجعله عمار، فالطالب الصادق في طلبه كلما خرب شيء من ذاته

جعله زيادة في لذات ، وكلما منع شيئا من لذات دنياه، جعله زيادة في آخرته، شيء من دنياهفنقصان بدنه ودنياه ولذته وجاھه ورئاسته ان زاد في حصول ذلك وتوفيره عليه في . آخرتهأو ترك ، رة أو باطنةواال كان حرمانا وعقوبة على ذنوب ظاھ، كان رحمة به وخيرا له، معاده

.وبا التوفيق، فن حرمان خير الدنيا واآلخرة مرتب على ھذه األربعة، واجب أو باطن

)فائدة( مثل المرء في الحياة الدنيا كمثل مسافر] ١١٨[

والعاقل . وليس لھم حط رحالھم اال في الجنة أو في النار، الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين

ومن المحال عادة أ، يطلب فيه نعيم ولذة . فر مبني على المشقة وركوب األخطاريعلم أ، السكل آ، من آنات السفر غير ، أ، ومن المعلوم أن كل وطأة قدم. انما ذلك بعد انتھاء السفر، وراحة

Page 121: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

121

وقد ثبت أ،ه مسافر على الحال التي يجب أن يكون المسافر عليھا من ، وال المكلف واقف، واقفة .واذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدم االستعداد للسير، لزاد الموصلتھيئة ا

)فائدة] (١١٩[

االشتغال بالمشاھدة

ألنه في زمن المشاھدة ، عند العارفين أن االشتغال بالمشاھدة عن الجد في السير في السر وقوفه فان اللطيفة ، ولى بهباطن أو ازدياد من معرفة وايمان مفصل كان أ، لو كان صاحب عمل ظاھر أ

والبدن يحشر على صورة عمله ، االنسانية تحشر على صورة عملھا ومعرفتھا وھمتھا وارادتھاوعلى قدر قرب قلبك من هللا تبعد . واذا انتقلت من ھذه الدار شاھدت حقيقة ذلك. الحسن أو القبيح

ومال ذلك صحة . فظهوعلى قدر صيانتك لسرك وارادتك يكون ح، من األنس بالناس ومساكنتھموالحذر كل الحذر من قصد . ثم صحة العمل، ثم صحة االرادة، ثم صحة العلم بالطريق، التوحيد

.الناس لك واقبالھم عليك وأن يعثروا على موضع غرضك؛ فانھا اآلفة العظمى

)فائدة] (١٢٠[ الحذر من طريق الشيطان

:ن ثالث جھاتكل ذي لب يعلم أنه ال طريق للشيطان عليه اال م

فيزيد على قدر الحاجة فتصير فضلة وھي حظ الشيطان ومدخله الى ، التزيد واالسراف: أحدھا. اعطاء النفس تمام مطلبھا من غذاء أو نوم أو لذة أو راحة] عدم[وطريق االحتراز منه ، القلب

.فمتى أغلقت ھذه األبواب حصل األمان من دخول العدو منهفمتى غفل فتح باب الحصن فولجه العدو فيعسر عليه ، ن الذاكر في حصن الذكرفا، الغفلة: الثانبة

.أو يصعب اخراجه .تكلف ما ال يعنيه من جميع األشياء: الثالثة

)فائدة] (١٢١[

طلب النفوذ الى هللا والدار اآلخرة

سا في ذلك طالب النفوذ الى هللا والدار اآلخرة بل والى كل علم وصناعة ورئاسة بحيث يكون رأ ، غير مقھور تحت سلطان تخيله، يحتاج أن يكون شجاعا مقداما حاكما على وھمه، مقتدى به فيه

عارفا بطريق الوصول اليه والطرق ، عاشقا لما توجه اليه، زاھدا في كل ما سوى مطلوبهكثير ،وال عذل عاذل، ال يثنيه عن مطلوبه لوم الئم، ثلبت الجأش، مقدام المھمة، والقواطع عنه

، قائما بما يحتاج اليه من أسباب معونته، غير مائل مع لذة المدح وال ألم الذم، دائم الفكر، السكونال ، حافظا لوقته، محبا لمكارم األخالق، وراحته التعب، شعاره الصبر، ال تستفزه المعارضات

، بالرغبة والرھبة قائما على نفسه، كالطائر الذي يلتقط الحب بينھم، يخالط الناس اال على حذروال مسرحا ، غير مرسل شيئا من حواسه عبثا، طامعا في نتائج االختصاص على بني جنسه

، وقطع العالئق الحائلة بينك وبين المطلوب، ومالك ذلك ھجر العوائد. خواطره في مراتب الكون .خير من اطرح األدب مع الكشف، وعند العوام أ، لزوم األدب مع الحجاب

)ئدةفا] (١٢٢[

تواطؤ اللسان والقلب على ذكر هللا

Page 122: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

122

ثم ال يزال فيه حتى يحضر قلبه ، من الذاكرين من يبتديء بذكر اللسان وان كان على غفلة ومنھم من ال يرى ذلك وال يبتديء على غفلة بل يسكن حتى حتى يحضر قلبه . فيتواطأ على الذكر

فاألول ينتقل الذكر من لسانه الى . آ جميعافاذا قوي استتبع لسانه فتواط، فيشرع في الذكر بقلبهبل يسكن أوال حتى يحس ، من غير أن يخلو قلبه منه، والثاني ينتقل من قلبه الى لسانه. قلبه

فاذا أحس بذلك نطق قلبه ثم انتقل النطق القلبي الى الذكر اللساني ثم يستغرق . بظھور الناطق فيهلذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان وكان من وأفضل ا، في ذلك حتى يجد كل شيء منه ذكرا

.األذكار النبوية وشھد الذاكر معانيه ومقاصده

فصل] ١٢٣[ أنفع الناس لك

فانه نعم العون ، أو تصنع اليه معروفا، أنفع الناس لك رجل مكنك من نفسه حتى تزرع فيه خيرا

وأضر الناس عليك من . عه بك أو أكثرفانتفاعك به في الحقيقة مثل انتفا. لك على منفعتك وكمالك .مكن نفسه منك حتى تعصي هللا فيه فانه عون لك على مضرتك ونقصك

فصل

اللذة المحرمة ممزوجة بالقبح] ١٢٤[

فاذا اشتدت الداعية منك ، مثمرة لأللم بعد انقضائھا، اللذة المحرمة ممزوجة بالقبح حال تناولھا وانظر ما بينھما من ، ثم وازن بين األمرين، وبقاء قبحھا وألمھا، ففكر في انقطاعھا، اليھا

ففكر في ، فاذا ثقلت على النفس، مثمر للذة والراحة، والتعب بالطاعة ممزوج بالحسن، التفاوت، وآثر الراجح على المرجوح، ووازن بين األمرين، وبقاء حسنھا ولذتھا وسرورھا، انقطاع تعبھا

وان ، يھن عليك مقاساته، الى ما في السبب من الفرحة والسرور واللذة فانظر، فان تألمت بالسببوخاصية العقل ، ووازن بين األلمين، فانظر الى األلم الذي يعقبه، تألمت بترك اللذة المحرمة

.تحصيل أعظم المنفعتين بتفويت أدناھما واحتمال أصغر األلمين لدفع أعالھما فمن ، والى عقل يختار به األولى واألنفع له منھا، قتضياتھاوھذا يحتاج الى علم باألسباب وم

ومن نقص حظه منھما أو من أحدھما اختار ، وفر قسمه من العقل العلم اختار األفضل وآثرهفليتحمل المشقة ، ومن فكر في الدنيا واآلخرة علم أنه ال ينال واحدا منھما اال بمشقة، خالفه

.لخيرھما وأبقاھما

فصل على العبد في كل عضو من أعضائه أمر] ١٢٥[

وله به منفعة ، وله فيه نعمة، وله عليه فيه نھي، على العبد في كل عضو من أعضائه أمر

وسعى ، فقد أدى شكر نعمته عليه فيه، واجتنب فيه نھيه، فان قام في ذلك العضو بأمره. ولذة، عطله هللا من انتفاعه بذلك العضو، هللا ونھيه فيهوان عطل أمر ، في تكميل انتفاعه ولذته به

.وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته ، فان شغل وقته بعبودية الوقت، وتقربه منه، وله عليه في كل وقت من أوقاتته عبودية تقدمه اليه

وال ، أخرفالعبد ال يزال في تقدم أو ت، وان شغله بھوى أو راحة وبطالة تأخر، تقدم تاى ربه .٣٧المدثر } لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر{ :قال تعالى. وقوف على الطريق البتة

Page 123: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

123

فصل }فريق في الجنة وفريق في السعير{] ١٢٦[

: فافترقوا فرقتين. والعطاء والمنع، أقام هللا سبحانه ھذا الخلق بين األمر والنھي

وھؤالء ، وعطاءه بالغفلة عن الشكر ومنعه بالسخط، ونھيه باالرتكاب، فرقة قابلت أمره بالترك .وفيھم من العداوة بحسب ما فيھم من ذلك، أعداؤه

وكففناھا ، وان نھيتنا أمسكنا نفسنا، فان أمرتنا سارعنا الى االجابة، انما نحن عبيدك: وقسم قالوا

فليس بين . وذكرناكوان منعتنا تضرعنا اليك ، وان أعطيتنا حمدناك وشكرناك، عما نھيتنا عنه .صاروا الى الحسرة واأللم، فاذا مزقه عليه الموت، ھؤالء وبين الجنة اال ستر الحياة الدنيا

فانظر مع ، وأردت أن تعلم من أي الفريقين أنت، فاذا تصادمت جيوش الدنيا واآلخرة في قلبك

. نت مع أحدھما ال محالةفأ، اذ ال يمكنك الوقوف بين الجيشين، ومع من تقاتل، من تميل منھماوفرغوا قلوبھم للفكر فيما ، واستنصحوا بالعقل فشاوروه، فالفريق األول استغشوا الھوى فخالفوه

، وأوقاتھم لعمارتھا بما يعمر منازلھم في اآلخرة، وجوارحھم للعمل بما أمروا به، خلقوا له، يا وقلوبھم مسافرة عنھاوسكنوا الدن، واستظھروا على سرعة األجل بالمبادرة الى األعمال

وتزودوا لآلخرة على ، واھتموا با على قدر حاجتھم اليه، واستوطنوا اآلخرة قبل انتقالھم اليھا، وأقبل بقلوبھم اليه، فجعل لھم سبحانه من نعيم الجنة وروحھا أن آنسھم بنفسه، قدر مقامھم فيھا

فرغ قلوبھم مما مأل قلوب غيرھم من و، ونعمھم بقربه، وشوقھم الى لقائه، وجمعھا على محبته، فاستالنوا ما استرعوه المترفون، والغم من خوف ذھابھا، محبة الدنيا والھم والحزن على فوقھا .والمأل األعلى بأرواحھم، صحبوا الدنيا بأبدانھم، وأنسوا بما استوحش منه الجاھلون

فصل

صفات التوحيد] ١٢٧[

فھو ، فأدنى شيء يخدشه ويدنسه ويؤثر فيه، ه وأصفاهالتوحيد ألطف شيء وأنزھه وأنظف ولھذا . أدنى شيء يؤثر فيھا، وكالمرآة الصافية جدا، يؤثر فيه أدنى أثر، كأبيض ثوب يكون

واال اساحكم ، فان بادر صاحبه وقلع ذلك األثر بضده، تشوشه الحظة واللفظة والشھوة الخفية .وصار طبعا يتعسر عليه قلعه

ومنھا ما ، منھا ما يكون سريع الحصول بطيء الزوال: ثار والطبوع التي تحصل فيهوھذه اآل

ولكن من . ومنا ما يكون بطيء الحصول بطيء الزوال، يكون بطيء الحصول سريع الزوالويستحيل فيه بمنزلة الماء ، ينغمر فيه كثير من تلك اآلثار، الناس ما يكون توحيده كبيرا عظيما

فيغتر به صاحب التوحيد الضعيف بما خلط به صاحب ، طه أدنى نجاسة أو وسخالكثير الذي يخالوأيضا فان . فيظھر من تأثيره فيه ما لم يظھر في التوحيد الكثير، التوحيد العظيم الكثير توحيده

المحل الصافي جدا يظھر لصاحبه مما يدنسه ما ال يظھر في المحل الذي لم يبلغ في الصفاء بالزالة دون ھذا فانه ال يشعر به أيضا فان قوة االيمان والتوحيد اذا كانت قوية فيتداركه ، مبلغه

وأيضا فان صاحب المحاسن الكثيرة ، بخالف القوة الضعيفة، جدا أحالت المواد الرديئة وقھرتھاكما ، والغامرة للسيئات ليسامح بما ال يسامح به من أتى مثل تلك السيئات وليست له مثل المحاسن

:قيل

واذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع

Page 124: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

124

وكمال االنقياد يحيل تلك العوارض والغواشي الغريبة ، وقوة االرادة، وأيضا فان صدق الطلب

وضعف االنقياد يحيل األقوال واألفعال ، وفساد القصد، كما أن الكذب، الى مقتضاه وموجبهواحالتھا لصالج األغذية الى ، ما يشاھد ذلك في األخالط الغالبةك، الممدوحة الى مقتضاه وموجبه

. طبعھا

)فائدة] (١٢٨[ ترك الشھوات

ولذة ، وكنوز البر، فذخائر هللا، ترك الشھوات وان أنجى من عذاب هللا وأوجب الفوز برحمته

وان كان من أھل العبادة ، ال تحصل في قلب فيه غيره، والفرح واالبتھاج به، والشوق اليه، األنسوانما ، وھمته متعلقة بغيره، فان هللا سبحانه أبى أ، يجعل ذخائره في قلب فيه سواه، والزھد والعلم

والذل عزا ، والغنى فقرا دون هللا والعز ذال دونه، يودع ذخائره في قلب يرى الفقر غنى مع هللا، اذا لم يكن معه، واأللم والھم والغم والحزن والموت، فال يرى الحياة اال به ومعه، وبالجملة، معه

.وجنة يوم القيامة مؤجلة، فھذا له جنتان جنة في الدنيا معجلة

)فائدة] (١٢٩[ االنابة اليه تعالى

وحقيقة ذلك . االنابة ھي عكوف القلب على هللا عز وجل كاعتكاف البدن في المسجد ال يفارقه

باالخالص ، وعكوف الجوارح على طاعته، جالل والتعظيموذكره باال، عكوف القلب على محبتهعكف على التمائيل ، ومن لم يعكف قلبه على هللا وحده، والمتابعة لرسوله صلى هللا عليه وسلم، له

. ٦٧آل عمران } ما ھذه التماثيل التي أنتم لھا عاكفون{ :كما قال امام الحنفاء لقومه، المتنوعةوكان حظه العكوف ، فكان حظ قومه العكوف على التماثيل، وففاقتسم ھو وقومه حقيقة العك

واشتغاله ، فتعلق القلب بغير هللا. وھي الصور الممثلة، والتماثيل جمع تمثال. على الرب الجليلوھو نظير العكوف على تماثيل ، عكوف منه على التمائيل التي قامت بقلبه، والركون اليه، به

فاذا ، األصنام بالعكوف بقلوبھم وھممھم وارادتھم على تماثيلھمولھذا كان شرك عبادة ، األصنامفھو نظير عكوف األصنام ، كان في القلب تماثيل قد ملكته واستعبدته بحيث يكون عاكفا عليھا

تعس :" ولھذا سماه النبي صلى هللا عليه وسلم عبدا لھا ودعا عليه بالتعس والنكس فقال، عليھاالبخاري في كتاب الجھاد " تعس وانتكس واذا شيك فال انتقش، ھمتعس عبد الدر، عبد الدينار

).٢٨٨٧(رقم ٨١\٦ وكل مسافر فھو ظاعن مقصده ونازل على من يسر ، والناس في ھذه الدار على جناح سفر كلھم

وطالب هللا والدار اآلخرة انما ھو ظاعن الى هللا في حال سفره ونازل عليه عند ، بالنزول عليهارجعي الى ربك * يا أيتھا النفس المطمئنة { :فھذه ھمته في سفره وفي انقضائه، ليهالقدوم ع

{ :وقالت امرأة فرعون. ٣٠- ٢٧الفجر }وادخلي جنتي* فادخلي في عبادي * راضية مرضية فطلبت كون البيت عنده قبل طلبھا أن يكون في ، ١١التحريم } رب ابن لي عندك بيتا في الجنة

.قبل الدار فان الجار، الجنة

من كالم أحد الصالحين] ١٣٠[

.قيل لي في نوم كاليقظة أو يقظة كالنوم

Page 125: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

125

.ال تبد فاقة الى غيري فأضاعفھا عليك مكافأة لخروجك عن حدك في عبوديتك .ابتليتك بالقر لتصير ذھبا خالصا فال تزيفن بعد السبك وان وصلتھا بغيري حسمت ، تك بالغنىفان وصلتھا بي وصل، حكمت لك بالفقر ولنفسي الغنى

.عنك مواد معونتي طردا لك عن بابي وان ، وان ركنت الى العمل ردنناه عليك. وقاتل لك، ال تركنن الى شيء دوننا فانه وبال عليك

وان ركنت الى العمل ، وان ركنت الى الوجد استدرجناك فيه، ركنت الى المعرفة نكرناھا عليك .ارضنا لك ربا نرضاك لنا عبدا، كنت الى المخلوقين وكلناك اليھموان ر، أوقفناك معه

)فائدة] (١٣١[

الشھقة التي تعرض عند سماع القرآن أو غيره

:لھا أسباب .فھذه شھقة شوق، فتحدث الشھقة، فيرتاح اليھا، أن يلوح له عند السماع درجة ليست له: أحدھا .وھذه شھقة خشية، شھق خوفا وحزنا على نفسهفي، أنيلوح له ذنب ارتكبه: وثانيھا .فيشھق شھقة حزن. فيحدث له ذلك حزنا، أن يلوح له نقص فيه ال يقدر على دفعه عنه: وثالثھا فيحدث ذلك شھقة أسف ، ويرى الطريق اليه مسدودة عنه، أن يلوح له كمال محبوبه: ورابعھا

.وحزن فالح له ، فذكره السماع محبوبه، واشتغل بغيره، بهأن يكون قد توارى عنه محبو: وخامسھا

.فشھق فرحا وسرورا بما الح له، ورأى الباب مفتوحا والطريق ظاھرة، جماله والقوة أن يعمل ذلك الوارد . وضعف المحل عند االحتمال، وبكل حال فسبب الشھقة قوة الوارد

. ا أظھره ضعف أثره وأوشك انقطاعهفانه اذ، وذلك أقوى له وأدوم، عمله داخال وال يظھر عليه .فان الشاھق اما صادق واما سارق واما منافق، ھذا حكم الشھقة من الصادق

)قاعدة نافعة] (١٣٢[

الفكر مبدأ االرادة وھو أصل الخير والشر

فن الفكر مبدأ االرادة والطلب في الزھد والترك والحب ، أصل الخير والشر من قبل التفكر نفع الناس الفكر الفكر في مصالح المعاد وفي طرق اجتالبھا وفي دفع مفاسد المعاد وأ. والبغض

فكر في مصالح الدنيا : ويليھا أربعة. فھذه أربعة أفكار من أجل األفكار، وفي طرق اجتنابھافعلى ھذه األقسام الثمانية دارت ، وفكر في مفاسد الدنيا وطرق االحتراز منھا، وطرق تحصيلھا

وطرق العلم به ، وأمره ونھيه، ورأس القسم األول الفكر في آالء هللا ونعمه. لعقالءأفكار اوھذا الفكر يثمر لصاحبه ، وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم وما واالھما

ك أثمر له ذل، وفي الدنيا خستھا وفنائھا، فاذا فكر في اآلخرة وشرفھا ودوامھا. المحبة والمعرفة

Page 126: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

126

أورثه ذلك الجد ، وضيق الوقت، وكلما فكر في قصر األمل، والزھد في الدنيا، الرغبة في اآلخرة .وبذل الوسع في اغتنام الوقت، واالجتھاد

وبازاء . وتجعله في واد والناس في واد، وسفولھا، وتحييھا بعد موتھا، وھذه األفكار تعلي ھمته

وال ، كالفكر فيما لم يكلف الفكر فيه، وب أكثر ھذا الخلقھذه األفكار الرديئة التي تجول في قلمما ال ، كالفكرفي كيفية ذات الرب وصفاته، أعطى االحاطة به من فضول العلم الذي ال ينفع

كالفكر في ، ومنھا الفكر في الصناعات الدقيقة التي ال تنفع بل تضر، سبيل للعقول الى ادراكه .والتصاوير الشطرنج والموسيقى وأنواع األشكال

كالفكر ، ومنھا الفكر في العلوم التي لو كانت صحيحة لم يعط الفكر فيھا النفس كماال وال شرفا

وأكثر علوم الفالسفة التي لو بلغ االنسان غاياتھا لم ، في دقائق المنطق والعلم الرياضي والطبيعي .يكمل بذل ولم يزك بنفسه

وھذا وان كان للنفس فيه لذة لكن ال عاقبة ، ق تحصيلھاومنھا الفكر في الشھوات واللذات وطر ومنھا الفكر فيما لم يكن لو كان كيف . ومضرته في عاقبة الدنيا قبل اآلخرة أضعاف مسرته، له

ماذا يصنع؟ وكيف ، أو ملك ضيعة، أو وجد كنزا، كالفكر فيما اذا صار ملكا، كان يكونومنھا الفكر في جزئيات أحوال . ن أفكار السفلوينتقم؟ نحو ذلك م، ويعطي، ويأخذ، يتصرف

الناس ومداخلھم ومخارجھم وتوابع ذلك من فكر النفوس المبطلة الفارغة من هللا ورسوله والدار ومنھا الفكر في أنواع الشعر وصروفه وأفانينه في المدح والھجاء والغزل والمراثي . اآلخرةومنھا الفكر في المقدرات . ه سعادته وحياته الدائمةفانه يشغل االنسان عن الفكر فيما في، ونحوھا

وذلك موجود في كل علم حتى ، الذھنية التي ال وجود لھا في الخارج وال بالناس حاجة اليھا البتةفكل ھذه األفكار مضرتھا أرجح من منفعتھا ويكفي في مضرتھا ، في علم الفقه واألصول والطب

.عود عليه بالنفع عاجال وآجالشغلھا عن الفكر فيما ھو أولى به وأ

)قاعدة] (١٣٣[ الطلب لقاح االيمان

وحسن الظن با لقاح . فاذا اجتمع االيمان والطلب أثمرا العمل الصالح، الطلب لقاح االيمان

فاذا اجتمعا أثمرا ، والخشية لقاح المحبة. فاذا اجتمعا أثمرا اجابة الدعاء، االفتقار واالضطرار اليهقال ، فاذا اجتمعا أورثا االمامة في الدين، والصبر لقاح اليقين. األوامر واجتناب المناھيامتثال وصحة . ٢٤السجدة} وجعلنا منھم أئمة يھدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون{ :تعالى

.فاذا اجتمعا أثمرا قبول العمل واالعتداد به، االقتداء بالرسول لقاح االخالص . وان انفرد أحدھما عن اآلخر لم يفد شيئا، فاذا اجتمعا كان الفالح والسعادة، لقاح العلموالعمل

وان انفرد ، فاذا اجتمعا حصلت سيادة الدنيا واآلخرة حصل االنتفاع بعلم العالم، والحلم لقاح العلمبھما خير فاذا اجتمعا نال صاح، والعزيمة لقاح البصيرة. أحدھما عن صاحبه فات النفع واالنتفاع

.الدنيا واآلخرة وبلغت به ھمته من العلياء كل مكان .فتخلف الكماالت اما عن عدم البصيرة واما عن عدم العزيمة . فاذا فقدا فقد الخير كله واذا اجتمعا أثمرا أنواع الخيرات، وحسن القصد لقاح لصحة الذھن

وان ، وان فقدا فالخذالن والخيبة، فرفاذا اجتمعا كان النصر والظ، وصحة الرأي لقاح الشجاعة

Page 127: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

127

والصبر . وان حصلت الشجاعة بال رأي فالتھور والعطب، وجد الرأي بال شجاعة فالجبن والعجز .فاذا اجتمعا فالخير في اجتماعھما، لقاح البصيرة

واذا شئت أن ترى صابرا ال بصيرة له ، اذا شئت أن ترى بصيرا ال صبر له رأيته: قال الحسن

.فاذا رأيت صابرا بصيرا فذاك، هرأيت والتذكر والتفكر كل منھما . فكلما قويت النصيحة قوي العقل واستنار، والنصيحة لقاح العقل

فاذا ، والتقوى لقاح التوكل. اذا اجتمعا أنتجا الزھد في الدنيا والرغبة في اآلخرة، لقاح اآلخرفاذا اجتمعا فالخير كله في ، لقصر األمل ولقاح أخذ الھبة االستعداد. اجتمعا استقام القلب

فاذا اجتمعا بلغ العبد غاية ، ولقاح الھمة العالية النية الصحيحة. اجتماعھما والشر في فرقتھما .المراد

)قاعدة] (١٣٤[

موقفان للعبد بين يدي هللا تعالى

فمن قام بحق . يوم لقائهوموقف بين يديه ، موقف بين يديه في الصالة: للعبد بين يدي هللا موقفان شدد عليه ذلك ، ومن استھان بھذا الموقف ولم يوفه حقه، الموقف األول ھون عليه الموقف اآلخر

ان ھؤالء يحبون العاجلة ويذرون . ومن الليل فاسجد له وسبحه ليال طويال { :قال تعالى. الموقف .٢٧_٢٦االنسان } وراءھم يوما ثقيال

)قاعدة] (١٣٥[

جھة كونھا لذة وإنما تذم اعدة اللذة من حيث ھي مطلوبة لإلنسان بل ولكل حي فال تذم من ق

عظم منھا وأكمل أو أعقبت ألما حصوله أويكون تركھا خيرا من نيلھا وانفع إذا تضمنت فوات لذة اعظم من ألم فواتھا فھھنا يظھر الفرق بين العاقل الفطن واألحمق الجاھل ضمن عرف العقل بين

متى عالف التفاوت بين اللذتين واأللمين وأنه ال نسبة ألحدھما إلى اآلخر ھان عليه ترك أدنى فاللذتين لتحصيل أعالھما واحتمال أيسر األلمين لدفع أعالھما وإذا تقررت ھذه القاعدة فلذة اآلخرة

على اإليمان أعظم وأدوم ولذة الدنيا أصغر واقصر وكذلك ألم اآلخرة وألم الدنيا والمعول في ذلكواليقين فإذا قوى اليقين وباشر القلب آثر األعلى على األدنى في جانب اللذة واحتمل األلم األسھل

.على األصعب وهللا المستعان

)فائدة] (١٣٦[ في قصة أيوب

.٨٣األنبياء } وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين {:فائدة قوله تعالى ھذا الدعاء بين حقيقة التوحيد وإظھار الفقر والفاقة إلى ربه ووجود طعم المحبة في مع في ج

المتملق له واإلقرار له بصفة الرحمة وإنه أرحم الراحمين والتوسل إليه بصفاته سبحانه وشدة حاجته وھو فقره ومتى وجد المبتلى ھذا كشف عنه بلواه وقد جرب أنه من قالھا سبع مرات وال

.ھذه المعرفة كشف هللا ضره سيما مع

)فائدة جليلة] (١٣٧[ في قصة يوسف

Page 128: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

128

أنت ولي في الدنيا واآلخرة توفني مسلما والحقني {:فائدة قوله تعالى عن يوسف نبيه أنه قال

جمعت ھذه الدعوة اإلقرار بالتوحيد واالستالم للرب وإظھار االفتقار ،١٠١يوسف } بالصالحينغيره سبحانه وكون الوفاة على اإلسالم اجل غايات العبد وان ذلك بيد هللا إليه والبراءة من مواالة

.ال بيد العبد واالعتراف بالمعاد وطلب مرافقة السعداء

)فائدة] (١٣٨[ متضمن لكنز من الكنوز وھو ، ٢١الحجر } وان من شيء اال عندنا خزائنه{ :قوله هللا تعالى

ده خزائنه ومفاتيح تلك الخزائن بيديه وأن طلبه من غيره أن يطلب كل شيء ال يطلب إال ممن عنطلب ممن ليس عنده وال يقدر عليه وقوله وإن إلى ربك المنتھى متضمن لكنز عظيم وھو أن كل مراد إن لم يرد ألجله ويتصل به وإال فھو مضمحل منقطع فإنه ليس إليه المنتھى وليس المنتھى

ا فانتھت إلى خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه فھو غاية كل إال إلى الذي انتھت إليه األمور كلھمطلوب وكل محبوب ال يحب ألجله فمحبته عناء وعذاب وكل عمل ال يراد ألجله فھو ضائع

وباطل وكل قلب ال يصل إليه فھو شقي محجوب عن سعادته وفالحه فاجتمع ما يراد منه كله في راد له كله في قوله وان إلى ربك المنتھى فليس قوله وإن من شيء إال عندنا خزائنه واجتمع ما ي

.وراءه سبحانه غاية تطلب وليس دونه غاية إليھا المنتھى وتحت ھذا سر عظيم من أسرار التوحيد وھو أن القلب ال يستقر وال يطمئن ويسكن إال

واحد بالوصول إليه وكل ما سواه مما يحب ويراد فمراد لغيره وليس المراد المحبوب لذاته إالإليه المنتھى ويستحيل أن يكون المنتھى إلى اثنين كما يستحيل أن يكون ابتداء المخلوقات من

اثنين فمن كان انتھاء محبته ورغبته وإرادته وطاعته إلى غيره بطل عليه ذلك وزال عنه وفارقه ه ولذته أحوج ما كان إليه ومن كان انتھاء محبته ورغبته ورھبته وطلبه ھو سبحانه ظفر بنعم

وبھجته وسعادته أبد اآلباد العبد دائما متقلب بين أحكام األوامر وأحكام النوازل فھو محتاج بل مضطر إلى العون عند

األوامر وإلى اللطف عند النوازل وعلى قدر قيامه باألوامر يحصل له من اللطف عند النوازل وباطنا وإن قام بصورھا دون حقائقھا ظاھرا فإن كمل القيام باألوامر ظاھرا وباطنا ناله اللطف

.وبواطنھا ناله اللطف في الظاھر وقل نصيبه من اللطف في الباطن

فإن قلت وما اللطف الباطن فھو ما يحصل للقلب عند النوازل من السكينة والطمأنينة وزوال به ساكنا إليه القلق واالضطراب والجزع فيستخذى بين يدي سيده ذليال له مستكينا ناظرا إليه بقل

بروحه وسره قد شغله مشاھدة لطفه به عن شدة ما ھو فيه من األلم وقد غيبه عن شھود ذلك معرفته بحسن اختياره له وأنه عبد محض يجري عليه سيده أحكامه رضى أو سخط فإن رضى ھا نال الرضا وإن سخط فحظه السخط فھذا اللطف الباطن ثمرة تلك المعاملة الباطنة يزيد بزيادت

.وينقص بنقصانھا

)فائدة جليلة] (١٣٩[ محبة هللا تعالى واالتصال به

ألعلى والمراد بھذا االتصال أن ايزال منقطعا عن هللا حتى تتصل إرادته ومحبته بوجه ال تفضي المحبة إليه وتتعلق به وحده فال يحجبھا شيء دونه وأن تتصل المعرفة بأسمائه وصفاته

نورھا ظلمة التعطيل كما ال يطمس نور المحبة ظلمة الشرك وأن يتصل ذكره وأفعاله فال يطمس

Page 129: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

129

به سبحانه فيزول بين الذاكر والمذكور حجاب الغفلة والتفاته في حال الذكر إلى غير مذكوره فحينئذ يتصل الذكر به ويتصل العمل بأوامره ونواھيه فيفعل الطاعة ال أنه أمر بھا وأحبھا ويترك

نھى عنھا وابغضھا فھذا معنى اتصال العمل بأمره ونھيه وحقيقة زوال العلل المناھي لكونه الباعثة على الفعل والترك من األغراض والحظوظ العاجلة ويتصل التوكل والحب به بحيث .يصير واثقا به سبحانه مطمئنا إليه راضيا بحسن تدبيره له غير متھم له في حال من األحوال

سبحانه دون سواه ويتصل خوفه ورجاؤه وفرحه وسروره وابتھاجه به ويتصل فقره وفاقته به وحده فال يخاف غيره وال يرجوه وال يفرح به كل الفرح وال يسر به غاية السرور وإن ناله

بالمخلوق بعض الفرح والسرور فليس الفرح التام والسرور الكامل واالبتھاج والنعيم وقرة العين وما سواه إن أعان على ھذا المطلوب فرح به وسر به وإن حجب القلب إال به سبحانه وسكون

عنه فھو بالحزن به والوحشة منه واضطراب القلب بحصوله أحق منه بأن يفرح به فال فرحة وال .سرور إال به أو بما أوصل إليه وأعان على مرضاته

ه ورحمته وھو وقد أخبر سبحانه أنه ال يحب الفرحين بالدنيا وزينتھا وأمر بالفرح بفضل .اإلسالم واإليمان والقرآن كما فسره الصحابة والتابعون

والمقصود أن من اتصلت له ھذه األمور با سبحانه فقد وصل وإال فھو مقطوع عن ربه .متصل بحظه ونفسه ملبس عليه في معرفته وإرادته وسلوكه

)قاعدة جليلة](١٤٠[ عالىنعم الطاعات واللذات كلھا من عند هللا ت

كلھا من هللا وحده نعم الطاعات ونعم اللذات قد فكرت في ھذا األمر فإذا أصله أن تعلم أن النعم وما بكم من نعمة فمن هللا ثم إذا مسكم الضر {:فترغب إليه أن يلھمك ويوزعك شكرھا قال تعالى

{:وقال ،٦٩ األعراف} فاذكروا آالء هللا لعلكم تفلحون {:وقال ،٥٣النحل } فإليه تجأرونوكما أن تلك النعم منه ومن ومجرد فضله ،١١٤النحل } واشكروا نعمة هللا إن كنتم إياه تعبدون

فذكرھا وشكرھا ال ينال إال بتوفيقه والذنوب من خذالنه وتخليه عن عبده وتخليته بينه وبين نفسه لى التضرع وإن لم يكشف ذلك عن عبده فال سبيل له الى كشفه عن نفسه فإذا ھو مضطر إ

واالبتھال إليه أن تدفع عنه أسبابھا حتى ال تصدر منه وإذا وقعت بحكم المقادير ومقتضى البشرية فھو مضطر إلى التضرع والدعاء أن يدفع عنه موجباتھا وعقوباتھا فال ينفك عن العبد عن

.النصوح ضرورته إلى ھذه األصول الثالثة وال فالح له إال بھا الشكر وطلب العافية والتوبة

ثم فكرت فإذا مدار ذلك على الرغبة والرھبة وليسا بيد العبد بل بيد مقلب القلوب ومصرفھا كيف يشاء فإن وفق عبده اقبل بقلبه إليه ومأله رغبة ورھبة وأن خذله له تركه ونفسه ولم يأخذ

.بقلبه إليه ولم يسأله ذلك وما شاء هللا كان وما لم يشاء لم يكن

ل للتوفيق والخذالن سبب أم ھما بمجرد المشية ال سبب لھما فإذا سببھما أھلية المحل ثم فكرت ھ وعدمھا فھو سبحانه خالق المحال متفاوتة في االستعداد والقبول أعظم تفاوت فالجمادات ال تقبل ما يقبله الحيوان وكذلك النوعان كل منھما متفاوت في القبول فالحيوان الناطق يقبل ما ال يقبله

البھيم وھو متفاوت في القبول أعظم تفاوت وكذلك الحيوان البھيم متفاوت في القبول لكن ليس بين النوع الواحد م ن التفاوت كما بين النوع اإلنساني فإذا كان المحل قابال للنعمة بحيث يعرفھا

محض ويعرف قدرھا وخطرھا ويشكر المنعم بھا ويثني عليه بھا ويعظمه عليھا ويعلم أنھا من الجود وعين المنة من غير أن يكون ھو مستحقا لھا وال ھي له وال به وإنما ھي وحده وبه وحده فوحده بنعمته إخالصا وصرفھا في محبته شكرا وشھدھا من محض جوده منه وعرف

Page 130: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

130

قصوره وتقصيره في شكرھا عجز أو ضعفا وتفريطا وعلم أنه أن أدامھا عليه فذلك محض .نه وإن سلبه إياھا فھو أھل لذلك مستحق لهصدقته وفضله وإحسا

وكلما زاده من نعمه ازداد زاللة وانكسارا وخضوعا بين يديه وقياما بشكره وخشيته له سبحانه أن يسلبه إياھا لعدم توفيته شكرھا كما سلب نعمته عمن لم يعرفھا ولم يرعھا حق رعايتھا فإن لم

وكذلك فتنا بعضھم {:به سلبه إياھا وال بد قال تعالى يشكر نعمته وقابلھا بضد ما يلق أن يقابلوھم الذين عرفوا ،٥٣األنعام }ليقولوا أھؤالء من هللا عليھم من بيننا أليس هللا بأعلم بالشاكرين

وإذا {:قدر النعمة وقبلوھا وأحبوھا وأثنوا على المنعم بھا وأحبوه وقاموا بشكره وقال تعالىاألنعام } تى نؤتي مثل ما أوتى رسل هللا هللا أعلم حيث يجعل رساالتهجاءتھم آية قالوا لن نؤمن ح

١٢٤.

) فصل] (١٤١[ في بيان سبب الخذالن

وافته النعم لقال ھذا لي وسبب الخذالن عدم صالحية المحل وأھليته وقبوله للنعمة بحيث لو . ٧٨القصص } علم عندي قال إنما أوتيته على {:وإنما أوتيته ألني أھله ومستحقه كما قال تعالى

الفراء أي على فضل عندي إني أي على علم علمه عندي استحق به ذلك وأستوجبه واستأھله قال .كنت أھله ومستحقا له إذ أعطيته وقال مقاتل يقول على خير علمه هللا عندي

ھذا {:الىوذكر عبد هللا بن الحارث بن نوفل سليمان بن داود فيما أوتي من الملك ثم قرأ قوله تع ولم يقل ھذا من كرامتي ثم ذكر قارون ،٤٠النمل } من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر

يعني أن سليمان رأى ما أوتيته من فضل هللا ،٧٨القصص إنما أوتيته على علم عندي {:وقوله {:عليه ومنته وأنه ابتلى به شكره وقارون رأى ذلك من نفسه واستحقاقه وكذلك قوله سبحانه

أي أنا أھله وحقيق به ،٥٠فصلت } ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن ھذا لي .فاختصاصي به كاختصاص المالك بملكه

والمؤمن يري ذلك ملكا لربه وفضال منه من به على عبده من غير استحقاق منه بل صدقة ن قد منعه شيئا ھو له يستحقه عليه تصدق بھا على عبده وله أن ال يتصدق بھا فلو منعه إياھا لم يك

فإذا لم يشھد ذلك رأي فيه أھال ومستحقا فأعجبه نفسه وطغت بالنعمة وعلت بھا واستطالت على ولئن أذقنا اإلنسان منا رحمة ثم نزعتاھا {:غيرھا فكان حظھا منھا الفرح والفخر كما قال تعالى

ليقولن ذھب السيئات عني إنه لفرح منه إنه ليؤس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته .١٠-٩ \ھو} فخور

فذمه باليأس والكفر عند االمتحان بالبالء وبالفرح والفخر عند االبتالء بالنعماء واستبدل بحمد لو أنه قال اذھب هللا }ذھب السيئات عني {:هللا وشكره والثناء عليه إذ كشف عنه البالء قوله

ذم على ذلك بل كان محمودا عليه ولكنه غفل عن المنعم بكشفھا السيئات عني برحمته ومنه لما .ونسب الذھاب إليھا فرح وافتخر

فإذا علم هللا سبحانه ھذا من قلب عبد فذلك من أعظم أسباب خذالنه وتخليه عنه فإن محله ال ين ال يعقلون إن شر الدواب عند هللا الصم البكم الذ {:تناسبه النعمة المطلقة التامة كما قال تعالى

فاخبر ،٢٣- ٢٢األنفال } ولو علم هللا فيھم خيرا ألسمعھم ولو أسمعھم لتولوا وھم معرضونسبحانه أن محلھم غير قابل لنعمته ومع عدم القبول ففيھم مانع آخر يمنع وصولھا إليھم وھو

.توليھم وإعراضھم إذا عرفوھا وتحققوھا

Page 131: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

131

بقاء النفس على ما خلقت عليه في األصل وإھمالھا ومما ينبغي أن يعلم أن أسباب الخذالن من وتخليتھا فأسباب الخذالن منھا وفيھا وأسباب التوفيق من جعل هللا سبحانه لھا قابلة للنعمة فأسباب

التوفيق منه ومن فضله وھو الخالق لھذه وھذه كما خلق أجزاء األرض ھذه قابلة للنبات وھذه الثمرة وھذه ال تقبلھا وخلق النحلة قابلة ألن يخرج من غير قابلة له وخلق الشجر ھذه تقبل

بطونھا شراب مختلف ألوانه والزنبور غير قابل لذلك وخلق األرواح الطيبة قابلة لذكره وشكره وحجته وإجالله وتعظيمه وتوحيده ونصيحة عباده وخلق األرواح الخبيثة غير قابلة لذلك بل

خ اإلسالم بحر العلوم مفتي الفرق أبو العباس احمد بن شي معناه لضده وھو الحكيم العليم قال .تيمية رحمه هللا

حول قوله تعالى] ١٤٢[

ولقد فتنا الذين من .أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وھم ال يفتنون.ألم {:قال هللا تعالى يئات أن يسبقونا ساء أم حسب الذين يعملون الس .قبلھم فليعلمن هللا الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين

ومن جاھد فإنما يجاھد .من كان يرجو لقاء هللا فإن أجل هللا آلت وھو السميع العليم .ما يحكمونوالذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنھم سيئاتھم ولنجزينھم .لنفسه إن هللا لغني عن العالمين

جاھداك لتشرك بي ما ليس لك به ووصينا اإلنسان بوالديه حسنا وإن .احسن الذي كانوا يعملونوالذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنھم .علم فال تطعھما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعلمون

ومن الناس من يقول آمنا با فإذا أوذى في هللا جعل فتنة الناس كعذاب هللا ولئن .في الصالحينوليعلمن هللا .بأعلم بما في صدور العالمين جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس هللا

.١١- ١العنكبوت } الذين آمنوا وليعلمن المنافقين

أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستھم البأساء {:وقال هللا تعالى } هللا قريبوالضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر هللا أال إن نصر

.٢١٤البقرة

قال ،١٠٦النحل } من كفر با من بعد إيمانه {:وقال هللا تعالى لما ذكر المرتد والمكره بقوله ثم إن ربك للذين ھاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاھدوا وصبروا إن ربك من بعدھا لغفور {:بعد ذلك .١١٠النحل } رحيم

أمرين إما أن يقول أحدھم آمنا وإما أن ال يقول آمنا بل يستمر فالناس إذا أرسل إليھم الرسل بين على عمل السيئات فمن قال آمنا امتحنه الرب عز وجل وابتاله وألبسه االبتالء واالختبار ليبين الصادق من الكاذب ومن لم يقل آمنا فال يحسب أنه يسبق الرب لتجربته فإن أحدا لن يعجز هللا

وكذلك جعلنا {:سل الرسل إلى الخلق فيكذبھم الناس ويؤذنھم قال تعالىتعالى ھذه سنته تعالى يري الذين من قبلھم تكذلك ما أ {:وقال تعالى ،١١٢األنعام } لكل نبي عدوا شياطين األنس والجنما يقال لك إال ما قد قيل {:وقال تعالى ،٥٢الذاريات } من رسول إال قالوا ساحر أو مجنون

.٤٣فصلت } للرسل من قبلك

ومن آمن بالرسل وأطاعھم عادوه وآذوه فابتلى بما يؤلمه وإن لم يؤمن بھم عوقب فحصل ما يؤلمه أعظم وأدوم فال بد من حصول األلم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت لكن المؤمن يحصل له

م يصير األلم في بد من الدنيا ابتداء ثم تكون له العاقبة واآلخرة والكافر تحصل له النعمة ابتداء ث .في األلم

Page 132: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

132

ل رجل الشافعي فقال يا أبا عبد هللا أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلي فقال الشافعي ال يمكن أس حتى يبتلي فإن هللا ابتلي نوحا وإبراھيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات هللا وسالمه عليھم

.أجمعين فلما صبروا مكنھم فال يظن أحد أنه يخلص من األلم البتة

ا اصل عظيم فينبغي للعاقل أن يعرفه وھذا يحصل لكل أحد فإن اإلنسان مدني بالطبع ال بد وھذ له من أن يعيش مع الناس والناس لھم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقھم عليھا وإن لم

يوافقوھم آذوه وعذبوه وإن وافقھم حصل له األذى والعذاب تارة منھم وتاره من غيرھم ومن ولھم أقوال ، واله وأحوال الناس وجد من ھذا شيئا كثيرا كقوم يريدون الفواحش والظلماختبر أح

قل إنما {:باطلة في الدين أو شرك فھم مرتكبون بعض ما ذكره هللا من المحرمات في قوله تعالىحرم ربي الفواحش ما ظھر منھا وما بطن واإلثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا با ما لم ينزل

وھم في مكان مشترك كدار جامعة .٣٣األعراف } سلطانا وأن تقولوا على هللا ما ال تعلمون بهأو خان أو قيسرية أو مدرسة أو رباط أو قرية أو درب أو مدينة فيھا غيرھم وھم ال يتمكنون مما

لسكوت ال يريدون إال بموافقة ألئك أو بسكوتھم عن اإلنكار عليھم فيطلبون من أولئك الموافقه أو افإن وافقوھم أو سكتوا سلموا من شرھم في االبتالء ثم قد يتسلطون ھم أنفسھم على أولئك

يھينونھم ويعاقبونھم أضعاف ما كما أولئك يخافونه ابتداء كمن يطلب منه شھادة الزور أو الكالم م يجبھم آذوه في الدين بالباطل إما في الخبر وإما في األمر أو المعاونة على الفاحشة والظلم فإن ل

وعادوه وإن أجابھم فھم أنفسھم يتسلطون عليه فيھينونه ويؤذونه أضعاف ما كان يخافه وإال عذب .بغيرھم

ىمن أرض :"فالواجب ما في حديث عائشة الذي بعثت به إلى معاوية ويروي موقوفا ومرفوعا عنه الناس ومن رضي هللا عنه وأرضي :"وفي لفظ "هللا بسخط الناس كفاه هللا مؤنة الناس

" اعاد حامده من الناس ذام :"وفي لفظ "أرضي الناس بسخط هللا لم يغنوا عنه من هللا شيئا .٢٤١٤رقم ٦٠٩\٤) ٦٤(الترمذي في السنن كتاب الزھد باب

وھذا يجري فيمن يعين الملوك والرؤساء على أغراضھم الفاسدة وفيمن يعين أھل البدع المنتسبين

على بدعھم فمن ھداه هللا وأرشده امتنع من فعل المحرم وصبر على أذاھم إلى العلم والدينوعداوتھم ثم تكون العاقبة في الدنيا واآلخرة كما جرى للرسل واتباعھم مع من آذاھم وعاداھم

.مثل المھاجرين في ھذه األمة ومن ابتلي من علمائھا وعبادھا وتجارھا ووالته

الموافقة وإبطان المخالفة كالمكره على الكفر كما ھو مبسوط ا وقد يجوز في بعض األمور إظھار في غير ھذا الموضع إذ المقصود ھنا أنه ال بد من االبتالء بما يؤذي الناس فال خالص ألحد مما

انه ال بد أن يبتلي الناس واالبتالء يكون بالسراء يؤذيه البتة ولھذا ذكر هللا تعالى في غير موضع .بتلى اإلنسان بما يسره وبما يسوؤه فھو محتاج إلى أن يكون صابرا شكوراوالضراء وال بد أن ي

وقال ،٧الكھف ] إنا جعلنا ما على األرض زينة لھا لنبلوھم أيھم احسن عمال {:قال تعالى فأما {:وقال تعالى ،١٦٨األعراف } وبلوناھم بالحسنات والسيئات لعلھم يرجعون {:تعالى

ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة . ع ھداي فال يضل وال يشقىيأتينكم مني ھدى فمن اتبأم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما {:وقال تعالى ،١٢٤-١٢٣طه } ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى

.١٤٢ ھذا في آل عمران }يعلم هللا الذين جاھدوا منكم ويعلم الصابرين

أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم {:نوقد قال قبل ذلك في البقرة نزل أكثرھا قبل آل عمرا مثل الذين خلوا من قبلكم مستھم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه

.٢١٤البقرة } متى نصر هللا إال إن نصر هللا قريب

Page 133: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

133

وذلك أن النفس ال تزكو وتصلح حتى تمحص بالبالء كالذھب الذي ال يخلص جيده من رديئه تى يفتن في كبر االمتحان إذ كانت النفس جاھلة ظالمة وھي منشأ كل شر يحصل للعبد فال ح

.يحصل له شر إال منھا

وقال ،٧٩النساء } ما أصابك من حسنة فمن هللا وما أصابك من سيئة فمن نفسك {:قال تعالى } من عند أنفسكم أو لما أصابتكم مصيبة من مصيبة قد أصبتم مثليھا قلتم أنى ھذا قل ھو{:تعالى

الشورى } وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيدكم ويعفو عن كثير {:وقال ،١٦٥آل عمران } ذلك بأن هللا لم يك مغيرا نعمة أنعمھا على قوم حتى يغيروا ما بأنفسھم {:وقال تعالى ،٣٠

.٥٣األنفال

كر عقوبات األمم من آدم إلى وإذا أراد هللا بقوم سوءا فال مرد له ومالھم من دونه من وال وقد ذ آخر وقت وفي كل ذلك يقول إنھم ظلموا أنفسھم فھم الظالمون ال المظلومون وأول من اعترف

األعراف ] ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين {:بذلك أبواھم قاالإنما وإبليس ،٨٥ ص} ألمألن جھنم منك وممن تبعك منھم أجمعين {:وقال إلبليس ،٢٣

بما أغويتني ألزينن لھم في األرض وألغوينھم أجمعين إال {:اتبعه الغواة منھم كما قالليس لك عليھم سلطان إال إن عبادي {:وقال تعالى ،٤٠ -٣٩الحجر } عبادك منھم المخلصين .والغي اتباع ھوى النفس ،٤٢الحجر } من اتبعك من الغاوين

بذلك كقول أبي بكر وعمر وابن مسعود أقول فيھا برأبي فإن يكن وما زال السلف معترفون .صوابا فمن هللا وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان وهللا ورسوله بريئان منه

يا عبادي إنما ھي :"وفي الحديث اإللھي حديث أبي ذر الذي يرويه الرسول عن ربه عز وجل ا فليحمد هللا ومن وجد غير ذلك فال يلومن إال أعمالكم أحصيھا لكم ثم أوفيكم إياھا فمن وجد خير

سيد االستغفار :"وفي الحديث الصحيح حديث ،٢٥٧٧رقم ١٩٩٤\٤مسلم في الصحيح " نفسهأن يقول العبد اللھم أنت ربي ال آله إال أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عھدك ووعدك ما

وء بذنبي فاغفر لي أنه ال يغفر استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي وأبالذنوب إال أنت من قالھا إذا أصبح موقنا بھا فمات من يومه دخل الجنة ومن قالھا إذا أمسى موقنا

.٦٣٠٦رقم ١٠٠\١١البخاري في الدعوات " بھا فمات من ليلته دخل الجنة

ل هللا علمه ما أن رسو :"وفي حديث أبي بكر الصديق من طريق أبي ھريرة وعبد هللا بن عمرو يقوله إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه اللھم فاطر السماوات واألرض عالم الغيب والشھادة

رب كل شيء ومليكه اشھد أن ال إله إال أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وان " جعكأقترف على نفسي سوأ أو أجرة إلى مسلم قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مض

.٣٣٨٩الترمذي في الدعوات رقم

الحمد نستعينه ونستغفره ونعوذ با من شرور أنفسنا ومن :"وكان النبي يقول في خطبته إني أخذ بحجركم عن النار وأنتم :"وقد قال النبي .٢١١٨أبو داود في النكاح رقم " سيئات أعمالنا

شبھھم بالفراش لجھله وخفة ،٦٤٨٣رقم ٣٢٣\١١البخاري في الرقاق " تھافتون تھافت الفراش .حركته وھي صغيرة النفس فإنھا جاھلة سريعة الحركة

وفي .٨٨ابن ماجه في المقدمة رقم " مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فالة :"وفي الحديث ا ومعلوم .٢٤\٦أحمد في المسند " للقلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليان :"حديث آخر

قال عن .حركة الريشة والقدر مع الجھل ولھذا يقال لمن أطاع من يغويه أنه استخفه سرعة

Page 134: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

134

فاصبر إن وعد هللا حق وال {:وقال تعالى ،٥٤الزخرف } استخف قومه فأطاعوهف {:فرعون إنهوصاحب اليقين ثابت يقال . فإن الخفيف ال يثبت بل يطيش. ٦٠الروم } يستخفنك الذين ال يوقنون

ن مستقرا واليقين واستقرار إليمان في القلب علما وعمال فقد يكون علم العبد جيدا لكن أيقن إذا كا .نفسه ال تصبر عند المصائب بل تطيش

إذا شئت أن ترى بصيرا ال صبر له رأيته وإذا شئت أن ترى صابرا ال :قال الحسن البصري نا منھم أئمة يھدون بأمرنا لما وجعل {:قال تعالى .بصيرة له رأيته فإذا رأيت بصيرا صابرا فذاك

ولھذا تشبه النفس بالنار في سرعة حركتھا وإفسادھا ،٢٤السجدة } صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون .وغضبھا وشھوتھا من النار والشيطان من النار

الغضب من الشيطان والشيطان من النار وإنما تطفأ النار بالماء :"وفي السنن عن النبي أنه قال الغضب جمرة :"وفي الحديث اآلخر .٤٧٨٤أبو داود في األدب " أضغضب أحدكم فليتو فإذا

أال ترى إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه وھو ،٢١٩٢الترمذي في الفتن " توقد في جوف ابن آدم .غليان دم القلب لطلب االنتقام

البخاري في " مإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الد :"وفي الحديث المتفق على صحته وفي الصحيحين أن رجلين استبا عند النبي وقد اشتد غضب ،٢٠٣٥رقم ٣٢٦\٤االعتكاف

أعوذ با من الشيطان :إني ألعلم كلمة لو قالھا لذھب عنه ما يجد لو قال :"أحدھما فقال النبيد وق ،٢٤-٢٣رقم ١٧١٢\٤وسلم في السالم ٦١١٥رقم ٥٣٥\١٠البخاري في األدب " الرجيم

وما يلقاھا إال . ادفع بالتي ھي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {:قال تعالىوإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ با إنه ھو . الذين صبروا وما يلقاھا إال ذو حظ عظيم

خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاھلين {:وقال تعالى .٣٦- ٣٤فصلت } السميع العليمادفع بالتي ھي أحسن {:وقال تعالى .} وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ با إنه سميع عليم

السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من ھمزات الشياطين وأعوذ بك رب أن .٩٨-٩٦المؤمنون } يحضرون

األمي وعلى آله وصحبه تم الكتاب والحمد أوال وآخرا وصلى هللا على رسولنا محمد النبي

.وتابعيه والمقتدين بآثارھم إلى يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد رب العالمين

Page 135: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

135

:الفھرس

٣.............................................................................االنتفاع بالقرآن و شروطه

٤....................................................................جامعة ألصول اإليمان) ق(سورة

٥...................................................براھين المعاد في القرآن مبنية على أصول ثالث

٧.....................................................................صغرى و كبرى: القيامة قيامتان

٨.............................................................................ات األربع ألھل الجنةالصف

٩...........................................................................................فضيلة أھل بدر

:نظرة صائبة في تفسير قوله تعالى

٥١الملك}األرض ذلوال فامشوا في مناكبھا وكلوا من رزقه واليه النشورھو الذي جعل لكم {

……………………………………………………………………….١١

١١.................................................................................نظرة الى سورة الفاتحة

١٢..................................................................................لمعرفته تعالى طريقان

١٣........................................................................كيف يفعل من أصابه ھم أو غم

١٤.......................................................................................من معاني العبودية

١٥..........................................................................القضاء والحكم والفرق بينھما

١٧...............................................أنزه الموجودات وأشرفھا عرش الرحمن جل جالله

١٧..................................................................................عظمته سبحانه وتعالى

١٨............................................ال بد من قبول المحل لما يوضع فيه أن يفرغ من ضده

١٩.................................................................................الكالم قي ألھاكم التكائر

١٩........................................................................من لم ينتفع بعينه لم ينتفع بأذنه

٢٠..........................................................................من معاني االنصاف له تعالى

٢١.............................................................................................الغيرة نوعان

Page 136: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

136

٢٢............................................................................................اياك والمعاصي

٢٢................)....................................................حديث شريف(سلمان منا آل البيت

٢٤...................................المحب الصادق من وجد أنسه با بين الناس ووجده في الوحدة

٢٦.....................................................................................................مثل الدنيا

٢٦...........................................................................................................فائدة

٢٩.....................................................................األسباب المشھودة واألسباب الغائبة

٣٠.............................................................................التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه

٣٠............................................................................................اللذة تابعة للمحبة

٣١...............................................................................................حبسان منجيان

٣١.............................................................................................- ١-)فائدة جليلة(

٣١.............................................................................................- ٢-)فائدة جليلة(

٣٢...........................................اال هللا عند الموت في تكفير السيئات تأثير شھادة أن ال اله

٣٣...................................................................................فاتقوا هللا وأجملوا الطلب

٣٤.................................................)........................................................فائدة(

٣٤...................................................................................العداوة بين الخير والشر

٣٥.........................................................صبر الرسول صلى هللا عليه وسلم وانتصاره

٣٦..........................................................................................يا مغرور باألماني

٣٦*............................................................................العمل بآخره والعمل بخاتمته

٣٧..............................................آدم عليه السالملماذا كان أول المخلوقات القلم وآخرھا

٣٧.................................................................كتابة عذر آدم قبل ھبوطه الى األرض

٣٨....................................................................................فائدة االيمان با وحده

٤٠......................................................................هللا يتجلى لعباده بصفاته في كالمه

٤٢.....................................................................تقوى القلب" ال تحزن ان هللا معنا"

Page 137: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

137

٤٣.................................................ل كتاب هللا وسنة رسولهاجتناب من يعادي أھ)تنبيه(

٤٣.........................................................................................من المواعظ والحكم

٤٨...........................................................................................ھجر القرآن أنواع

٤٩.......................................................................................كمال النفس المطلوب

٤٩.......................................................................من أصبح وليس ھمه اال هللا تعالى ٤٩.......................................................................................لعلم والعمل وما ھماا

٥٠.....................................................................................االيمان له ظاھر وباطن

٥٠.......................................................................................التوكل على هللا نوعان

٥١...................................................................................شكوى الجاھل من هللا

حول اآلية الكريمة ٥٢............................................................}يا أيھا الذين آمنوا استجيبوا وللرسول{ ٥٤.................................................................}وعسى أن تكرھوا شيئا وھو خير لكم{

٥٥...................................................................الرغبة في اآلخرة تقتضي الزھد بالدنيا

٥٧..................................................................أساس الخير أن تؤمن بما شاءه تعالى

٥٨..................................................................................................مرض القلب

٥٨..............................................................................................ترك االختيار

٥٩..........................................................................قبول فتوى العابد الزاھد في دنياه

٦٠..........................................................احذروا فتنة العالم الفاجر وفتنة العابد الجاھل

٦١....................................................العلم االيمان أفضل ما تكسبه النفس ويحصله القلب

٦٢.............................................................االيمان المفصل معرفة وعلم واقرار ومحبة

٦٣..............................................................ء تعالىال مشقة في ترك المألوف ارضا

٦٤).................................................................................................قاعدة جليلة(

٦٥...........................................................................عشرة أشياء ضائعة ال ينتفع بھا

Page 138: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

138

٦٦.........................................................................................حقوق هللا على العباد

٦٧....................................................................................توكل على هللا حق توكله

٦٨...........................................................ھلم الى الدخول على هللا ومجاورته في الجنة

٦٩........................................................................................عالمة صحة االرادة

٦٩...............................................................................استغن عن الناس با تعالى

٦٩...................................................................................................أقسام الزھد

٦٩............................................................ترك األمر عند هللا أعظم من ارتكاب النھي

٧٥................................................................مبني الشكر على قاعدتين الذكر والشكر

٧٦...................................................................من سار نحو الھداية يسر هللا له سبلھا

٧٧.................................................................لضالل والشقاءوا -بين الھدى والرحمة

٧٩............................................................الھدى والرحمة وتوابعھما من صفة العطاء

٧٩...................................................................................التعلق في المطالب العليا

٧٩.................................................................................................اياك والكذب

وعسى أن تكرھوا شيئا وھو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وھو شر { في ظالل اآلية الكريمة ٨٠......................................................................... .}نلكم وهللا يعلم وأنتم التعلمو

٨٠.........................................................................شروط االنتفاع بااليمان والعلم

٨١.............................................................الصبر عن الشھوة أسھل من ألم عقوبتھا

٨١............................................................................................حدود األخالق

٨٢)....................................................................................................فصل(

٨٤...............................................................ودة واألخالق المذمومةاألخالق المحم

٨٤...............................................المطلب األعلى يحتاج الى ھمة عالية ونية صحيحة

٨٤...................................................................من حكم ابن مسعود رضي هللا عنه

٨٧.........................................................االخالص ومحبة المدح ال يجتمعان في قلب

٨٧..........................................أشرف الناس من كانت لذته في معرفة هللا تعالى ومحبته

Page 139: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

139

٨٨........................................................من مزايا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز

٨٩......................................................................................من الحكم والمواعظ

٨٩................................................................................................من العوائق

٩٠.................................................................................................من العالئق

٩٠.........................................................حاجة الناس الى الرسول صلى هللا عليه وسلم

٩٠..............................................................................من عالمات السعادة والفالح

٩٠........................................................................األعمال درجات وأساسھا االيمان

٩١..................................................................................................أركان الكفر

٩٢................................................................................الجھال بأسماء هللا وصفاته

٩٥.....................................................التوحيد والسنة شجرة في القلب فروعھا األعمال

٩٧................................................من األرض وروحه من ملكوت السماء خلق بدن آدم

٩٨........................................................رعاية الحقوق مع الضر ورعايتھا مع العافية

٩٨..................................................................................معرفة هللا تعالى نوعان

٩٨...............................................................................................أنواع الكسب

٩٨.................................................................................مواساة المؤمن وأنواعھا

٩٩............................................................................طريق يورث التعبالجھل بال

٩٩............................................الرحلة الى هللا تعالى وما يكتنفھا من الخوادع والقواطع

٩٩....................................................................................نعم هللا تعالى وأنواعھا

٩٩................................................................الخواطر واألفكار مبدأ كل علم نظري

١٠١...................................................................................من أقوال شفيق البلخي

١٠٢.................................................................................عرف نفسك تعرف ربكا

١٠٣...............................................................................من أنواع معرفة هللا تعالى

:حول قوله تعالى

Page 140: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

140

١٠٣..................................................}يغيروا ما بأنفسھمان هللا ال يغير ما بقوم حتى {

١٠٣....................................................................معرفة هللا سبحانه وتعالى بالجمال

١٠٥..............................................................................ان هللا جميل يحب الجمال

١٠٦.......................................................................................نظرات في الجمال

١٠٦......................................................................................صدق العبد مع ربه

١٠٦...................................................................................................في القدر

١٠٨..............................................................مثل المرء في الحياة الدنيا كمثل مسافر

١٠٨......................................................................................االشتغال بالمشاھدة

١٠٨..............................................................................الحذر من طريق الشيطان

١٠٩....................................................................طلب النفوذ الى هللا والدار اآلخرة

١٠٩...................................................................تواطؤ اللسان والقلب على ذكر هللا

١٠٩............................................................................................أنفع الناس لك

١٠٩.........................................................................اللذة المحرمة ممزوجة بالقبح

١١٠....................................................... على العبد في كل عضو من أعضائه أمر

١١٠................................................................}فريق في الجنة وفريق في السعير{

١١٠...........................................................................................صفات التوحيد

١١١.........................................................................................ترك الشھوات

١١٢.................................................................................من كالم أحد الصالحين

١١٢.....................................................الشھقة التي تعرض عند سماع القرآن أو غيره

١١٢..........................................................الفكر مبدأ االرادة وھو أصل الخير والشر

١١٣.....................................................................................الطلب لقاح االيمان

١١٤.....................................................................موقفان للعبد بين يدي هللا تعالى

١١٤.......................................................................)..........................قاعدة(

Page 141: بدائع الفوائد -  إبن قيم الجوزية

141

١١٤........................................................................................في قصة أيوب

١١٤......................................................................................في قصة يوسف

١١٥).................................................................................................فائدة(

١١٥.....................................................................محبة هللا تعالى واالتصال به

١١٦...................................................ت كلھا من عند هللا تعالىنعم الطاعات واللذا

١١٦.............................................................................في بيان سبب الخذالن

حول قوله تعالى١١٧.......................١١-١العنكبوت } ...أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا.ألم {