أنثروبولوجیا البغاء في العالم العربي XIXتونس في القرن

عبد الحمید األركشتألیف: محمد أسلیــمترجمـة:

تقدیـــم

وھو نسیان .نرى أن البغاء األنثوي في المجتمع التونسي ما قبل االستعماري، یشكل قسما من التاریخ المكبوت في النسیان الجمعي وتضطلع .بھ مجموع العناصر النشیطة التي تؤثر في تكوین الذاكرة الجماعیةتنظمھ بمھارة

فھي ال تحجم عن الحدیث نكیفیة شبھ مطلقة تقریبا، ولكنھا .تتألق المصار المكتوبة بصمتھا شبھ المطلق حول أقدم مھنة في العالملتالي للدعوة إلى نسیان تلك الممارسات السافلة التي تذكر جمیع أنواع االستدالل األرتذكسي النقائي لإلسالم السني لتبریر الصمت، وبا

«[1].نساء المتعة»تصدر عن نساء عاھرات أو بید أن ھذا التقلید ال یمدنا سوى بعناصر .والحالة ھذه، یظل التقلید الشفھي مالذا أخیرا للمؤرخ الذي یبحث عن الماضي المفقود

.ل البغاء ظاھرة غیر معروفة بشكل جید، وبالتالي قلما یطالھا البحثوبذلك یظ .مربكة یبقى من الضروري إعادة تركیبھاشأنھ شأن الموضوع األعم المتعلق بالحیاة الجنسیة )وھذا الفراغ ال یعود فقط إلى الموضوع نفسھ الذي ینظر إلیھ باعتباره محرما

إلى أن االقتناع الزال ھشا -مكتوبة تساعد في ھذا وندرة الوثائق ال -، بل یرجع كذلك (والممارسات الجنسیة في المجتمع اإلسالميال یمكن استیعاب ما ھو .بخصوص األھمیة التي یمكن أن تكتسیھا دراسة ظاھرة ھامشیة من أجل فھم أفضل للفضاء االجتماعي المركزي

رؤیة آلیة -في مجال البحث -إنتاج وبذلك یجرى تصنیف اعتباطي وذاتي یعید .المجتمع «مفاتیح»بنیوي ومركزي إال عبر قطاعات تسمى ، مثل العمل والملكیة والعائلة «الشریفة»وحدھا المؤسسات والقطاعات .التاریخي -للمركزیة والھامشیة، ولعالقتھما في الحقل االجتماعي

.والزواج المؤسسي، وقیم أخرى قائمة ھي القادرة على الكشف لنا عن أسرار بنیة التكوین المعنیةنسى أن ثمة رؤیة أكثر تاریخیة تقبل وتدمج جدال خصبا بین الھامشیة والمركزیة، جدال مالزما للتاریخ الواقعي الذي ینتج وبذلك ی

.فیھ كل مجتمع ھامشیتھ النوعیة، والتي غالبا ما توضح بطریقة مفارقة الممیزات المسماة مركزیة للمجتمع المعطىتاریخیة أن تعید تكوین الجدول العام لمختلف المجتمعات، الذي كان العلم التاریخي یتحفظ على ھذا النحو استطاعت األنثروبولوجیاال

.علیھ من قبل، بالغرف من األفكار الدقیقة ورمزیات الممارسات والطقوس الثقافیة الیومیةللمؤرخ، وذلك لیس فقط ألن ما لقد أعید االعتبار للشأن الیومي، فصارت دراسة الحیاة الیومیة حدیثا أحد أكثر المواضیع جاذبیة

ر باعتباره أفضل مدخل لما ھو بنیوي ولعمق الدینامیة االجتماعیة، بل وكذلك ألنھ یعید خلق توازني اإلنسان ھو یومي غالبا ما یتصو .ي كل تنوعھ وثرائھتوازن الفرد والجماعة؛ وفي النھایة ألنھ یعید بناء الواقع التاریخي ف :باعتباره فردیة وباعتباره كائنا نوعیا

ثمة جانب آخر ال یقل أھمیة، ویرتبط بالظواھر الھامشیة باعتبارھا حقال مفضال لمتابعة سیرورة تشكل البنیات الذھنیة والسلوكات بین جمیع أعضاء الجسد االجتماعي، .االجتماعیة لمختلف الجماعات كل یضع معناه، أنھ في قطاع محدد من الحیاة، تربط الھامشیة الصلة

یضطلع .فیھ شیئا مما لھ تبعا للوظیفة الموكلة إلیھ، لكن مع اختالف أن الجمیع ال یتماھى في ھذا الجسد االجتماعي نفسھ بكیفیة واحدةھؤالء بذلك شعوریا أو ال شعوریا حسب موقعھم ووضعھم االعتباري في ما یسمى بفضاءات المجتمع المركزیة، بینما یربط أولئك عالقات

.فیة وعابرة بالھامشیة، مع نبذھا في الخطاب أو الوعيظرتعتبر الھامشیة أیضا حقال خصبا للمساھمة في كتابة تاریخ من ال تاریخ لھم، والذین في ھامشیتھم كانوا في مركز القضایا

.اإلنسانیة األكثر شائكةمن طرح سلسلة من األسئلة والفرضیات التي تمس من خالل دراسة الدعارة األنثویة في وسط حضاري ما قبل استعماري، تمكننا

مختلف الجوانب المذكورة جزئیا أعاله، وتندرج في جوھرھا ضمن إشكالیة العالقة بین الظواھر االجتماعیة الھامشیة والفضاءات .المركزیة للمدینة

عاداتھ، تقنیناتھ التي تربطھا صلة قربى فمن جھة، كشفت لنا دراسة البغاء في ذاتھا عن قطاع من المجتمع، بإیقاعاتھ النوعیة، و .بالمھن والقطاعات األقل ھامشیة في الحیاة االجتماعیة

دة التي تنسجھا ومن جھة أخرى، إن ھامشیة ظاھرة البغاء تتالشى بقدر ما نحفر من أجل البحث وإزاحة الستار عن الروابط المتعد .ة السیاسیة تتبادالن الكراھیة بالتأكید، لكنھما تتغذیان من بعضیھما وتلتقیانالدعارة والسلط .الدعارة مع مجموع الجسد االجتماعي

فالھامشیة .إذا كان البغاء یشكل التعبیر األشد انحطاطا عن الدنیوي، فإنھ یتقاطع مع الصالح بوصفھ الرمز األكثر وضوحا للمقدستصیر في الواقع منتوج رؤیة .ولھذا السبب ال تعود ھامشیة [لمقدسمن لدن ا]التي یقصیھا الجسد االجتماعي تجد نفسھا مستثمرة ثانیة

بحدود وحواجز دقیقة بین عالمین، ببید أن الواقع یقدم مشھدا اجتماعیا أكثر تعقیدا تكون تكون فیھ العالمات والحدود الفاصلة «ثنائیة» .متحركة ومبھمة في أغلب األحیان

:ومجحفةوثائق متشظیة :مصادر تاریخ البغـاءمنھا بالخصوص ندرة، بل وفي أغلب األحیان .إن إعداد متن من مصادر تاریخ البغاء لیس بالمھمة السھلة، وذلك ألسباب عدیدة

وبذلك نجد أنفسنا أمام وثائق متشظیة یتعین إعادة تكوینھا من خالل عناصر متناثرة .الغیاب شبھ الكلي للوثائق المتعلقة مباشرة بالظاھرة

ووضعیة ھذه الوثائق تجعل كل محاولة للتكمیم المنھجي فیما یخص المرحلة .، إشارات غیر مباشرة بل وحتى من مجرد تلمیحاتومتشذرة .الحدیثة محاولة مستحلیة

م بظھورت XIولذا تنحصر دراسة الظاھرة في حدود المقاربات الكیفیة، باستثناء المرحلة التي تبدأ من النصف الثاني للقرن .التحكم االجتماعي كالشرطة البلدیةمؤسسات

فاألدب الفقھي، ومصنفات الفتاوي بالخصوص تتضمن بطبیعتھا إشارات .تعود المصادر القدیمة لتاریخ البغاء إلى العصر الحفصيمس بالتوازن ومعلومات عن الظاھرة مادامت ھذه المؤلفات تذكر حاالت وأوضاعا متعددة كالزنى، وحاالت من االنحراف، وسائر أشكال ال

.الخلقي والقیم االجتماعیة، وفي وقت متأخر فتاوي قاسم [3]، فتاوي البرزولي[2]فتاوي الونشریسي :ویمكن أن نذكر ثالثة مصادر مھمة من ھذا النوع

[4].عزومعن األشكال النوعیة إن الدراسة الدقیقة المتأنیة ال تتیح متابعة وسائل العقاب فحسب، بل وكذلك إعادة تكوین الجداول الكشافة

.للبغاءھنا أیضا، بحكم طبیعتھا ونزعتھا .م18و 17ھناك نوع آخر من المصادر الكالسیكیة تشكلھ المصنفات التاریخیة للقرنین

ل األساسیتین، تقتصر ھذه المؤلفات على إیراد معلومات متقطعة وعرضیة؛ لكنھا في سیاق الحدیث عن إنجازات ھذا األمیر أو ذاك، تذكر كوھكذا، بمواربة جملة واحدة، یجشب البغاء باعتباره شرا یجب اجتنابھ أو شرا البد .ما یتعلق بالنظام والتحكم االجتماعي داخل الحاضرة

.منھأو المجون في سیاق ذكر صراع داخل المدینة بین «نساء المتعة»من الزركشي إلى ابن أبي ضیاف، مرورا بابن أبي دینار، تذكر

.وجزء من الجسد االجتماعي، أو وصف ھذه المؤسسة أو تلك التي تساھم في تنظیم المدینةالسلطة النشغال ھؤالء .على النقیض من التاریخ المحلي، یبدو أدب الرحالة األوروبیین في تونس والمغرب العربي أكثر سخاء وإفصاحا

بما ھو غرائبي، فھم ال یضیعون عموما أي فرصة للحدیث عن المرأة الرحالة بوصف العادات والتقالید المحلیة وحذق فضولھم وافتتانھم .العربیة عموما وعن العاھرة بشكل خاص

أدب یجب تقصیھ بحذر ألنھ ما لك یكن متحیزا فھو ال یخلو على األقل من مبالغات؛ لكنھ بفضل تقاطعات ضروریة، یتیح [ثمة] .ي المدینةاإلحاطة أفضل باألوساط والمشاھد ومساحة الدعارة ف

ھة الستھالك واسع بإشارات مفیدة في الفصول المتعلقة باألمراض التناسلیة أو طرق منع الحمل تمدنا بعض مصنفات الطب الموج [5].التقلیدیة

یة یتعلق األمر بالوثائق المال .ثمة فئة أخرى من الصادر غیر المبشارة أیضا، لكنھا أكثر موضوعیة وقابلة إلفادتنا حول الدعارةالجزیة )وھي تتألف أساسا من سجالت وإیرادات ومصاریف الدولة وسجالت الدوایة والخطایا .مVIIالتي تعود إلى نھایة القرن

، مما یدل على تقنین ضریبي «المنازل المغلقة»المفروضة على (الضرائب)ففي ھذه السجالت نجد الجبایات أو اللزمات .(والغرامات [6].بالصفة نفسھا التي یخضع بھا باقي قطاعات األنشطة الخاضعة لقضایا الضرائبیخضع لھ قطاع البغاء

، تم إنشاء مؤسسة حضریة 1860ففي سنة .، التغییر الظرفي وزمن اإلصالحات، تصیر وثائقنا أكثر وضوحا ودقةXIمع القرن ، تم خلق شرطة 1858ر المؤسسة البلدیة التي أنشئت عام جدیدة في زمرة اإلصالحات اإلداریة والسیاسیة التي أجرتھا الدولة على غرا

[7] .مجلس الشرطة الحضریة المكلف، في إطار التحكم االجتماعي، بضمان أمن المواطنین وقمع الجنح والمخالفات :حضریة في تونسوھي السشمة :د غروب الشمسكان المجلس یتوفر على فرق دوریة تقوم بجوالت تفتیشیة لیلیة منتظمة طوال مرحلة حضر التجول بع

غیر أن اھتماما خاصا كان یوجھ لألحیاء .كانت الدوریات تجرى في جمیع أحیاء المدینة تقریبا .التي تبدأ ساعة ونصف بعد غروب الشمسصحون منزلیة )كاالتھم المحیطیة بالضواحي حیث كانت تتجمع األمكنة األقل أمنا في المدینة، وفیھا بخمارات یدیرھا مالطیون أو یھود، و

«األحیاء المخصصة»وفنادقھم، أمكنة سكن مخفوظي الطبقة والعابرین القادمین من كل أنحاء الوصایة، وكذلك (تكرى غرفة للعائلة .المنحشرة داخل الممرات المغلقة المحصنة وراء أسوار المدینة

رتھا عناصره وو ھذه التقاریر تخبر .قعھا رئیسھ لكي ترسل إلى السطة الوصیةتحتوي أرشیفات ھذا المجلس على تقاریر یومیة حرعن جمیع القضایا المعالجة والقرارات التي اتخذھا المجلس، وفیھا یمكن أن نعثر على معلومات غنیة مكثفة ومرقمة حول البغاء األنثوي

.في مدینة تونس أواسط القرن التاسع عشر

هـوامــش

.، تونسMTE ،1989، 221 .، ص4، ج. ...............اإلتحافابن أبي ضیاف أحمد، [1] .1983أجمد بن یحیى الونشریسي، المعیار المغرب، دار الغرب اإلسالمي، [2] .8268 :نوازل البرزولي، مخطوطة بالخزانة الوطنیة، رقم [3] .4854أجوبة قاسم عزوم، الخزانة الوطنیة، مخطوط رقم [4] .لطب والحكمة، لجالل الدین السیوطي، مطبعة دار المنار، تونسانظر: الرحمة في ا [5] :انظر مثال [6]

- Registre et dépenses de l’Etat, n° 1, 1676 (p. 120). :نظر دراستناا [7]

- L’institution municipale, la restructuration urbaine et la dépendance à Tunis dans la seconde moitié du 19ème siècle: Larguèche Abdelhamid, Revue d’Histoire Maghrébine, n° 47-48, 1987, pp. 15-59.

قطاع ھامشي، منظم ومقنن :البغــاء "مـزوار"مؤسسـة عبد الحمید األركشتألیف:

محمد أسلیــمترجمـة:

تقدیـــم

یقف الفراغ المالحظ في الوثائق التاریخیة وراء فكرة واسعة االنتشار، حتى وسط الرأي العالم، تقول بأن تقنین الدعارة في تونس بالتأثیرات األوروبیة في الوصایة خالل النصف الثاني من -على أبعد تقدیر -أو یرتبط 1881یعود إلى قیام الحمایة الفرنسیة بعد سنة

ن، ھو ظاھرة قدیمة جدا .سع عشرالقرن التا بید أنھ تبعا الستقصاء أولي بات یتأكد أكثر فأكثر أن البغاء المتساھل بشأنھ، بل وحتى المقنربما یجب توضیح أن األمر ھنا یتعلق بشكل مقنن من الدعارة ینظم في .وتعود في المغرب الحدیث على األقل إلى بدایة الفترة العثمانیة

.في بیوت ال یجب مع ذلك الخلط بینھا وبین الدار المغلقة من النوع العصري والتي قامت داخل الوصایة مع االستعمار أحیاء خاصة أوكانت الدعارة السریة أو التلقائیة وحتى المقنعة دائما موجودة بأشكال مختلفة في قاع األوساط الحضریة كما في الحریم واإلقامات

.ة المعروفة بمیولھا الصریحة للحیاة المدنیة والفاسقـةالخصوصیة لألرستقراطیة الحضریكما تشھد رحالت .[1]تزخر فتاوي الونشریسي بمعلومات وقضایا غالبا ما تتعاطى فیھا النساء للدعارة العلنیة أو السریة

، بتقنین للبغاء األنثوي بطریقة صریحة في أغلب األحیان، وغیر مباشرة ف 18یین، والفرنسیین بالخصوص انطالقا من القرن األوروب .یبعض األحیان

، إذا وصلتنا شھادات عن كیفیة تنظیم ھذا النشاط واندماجھ في قضایا 16لقد تم تسجیل الظاھرة في مدینة الجزائر منذ القرن .، وصف المؤلف بتفصیل تنظیم ھذه المھنة1853دشین حول البغاء في مدینة الجزائر المنشور سنة .ففي كتاب أ .العثمانیةالضرائب

كان القاضي المسمى مزوار ھو الذي یقوم بعملیة التسجیل من خالل » :وضمن فقرات عدیدة مخصصة لھذا الوصف، نقرأ بالخصوصوكان دائما مغربي ھو الذي یشغل ھذا المنصب الذي وإن كان یذر على صاحبھ أمواال طائلة، .نإثبات أسماء البنات العمومیات وجنسیتھ

ومن ثمة یشنق ویخنق أو یغرق المجرمین من .فإنھ یعد من أبشع المھن، ذلك أن ھذا المغربي نفسھ كان یقوم أیضا بوظیفة الجالد «...[2].الجنسین

أن یقوم المسؤول العام للشرطة شخصیا بمراقبة ھذا القطاع، فھذا یبدو أمرا عادیا بالنظر إلى كون الدعارة دخلت على الدوام في العاھرات، «حامي»وظیفة :ا في الوضعیة التي نحن بصددھا ھو دمج وظیفتینلكن ما یبدو لنا خاصا وداال مع .اختصاص شرطة األخالق

وإذا علمنا أن التمییز بین الوضعین .«للزانیات»ووظیفة الجالد الذي یمكنھ، بالتالي، أن یشنقھن في أیة لحظة بمنحھن الوضع االعتباري بینھ بدقة، اتضح أن المجال كان مفسوحا لمزاولة كل أشكال االعتباط في الفقھ الشرعي غالبا ما یصعب ت [العاھرة والزانیة]االعتباریین

.والشططكیف كان ھذا الموظف السامي للدولة العثمانیة یزاول مھمتھ؟ بحسب المصادر نفسھا، كان یملك قائمة بأسماء النساء العمومیات

فیما ال یتلقى من (دورو إسبانیین في تلك المرحلة 2عادل ما ی)فرنكا 11اللواتي كانت الجمیالت منھن تدفعن لھ غرامة شھریة تصل إلى .األخریات سوى نصف ھذا المبلغ

ال تذكر المصادر، لألسف، معاییر للجمال واضحة ودقیقة، وھو عنصر قد یكون نفیسا لدى محاولة إعادة تكوین، ولو جزئیا على قدیرات واألحكام المختلفة بخصوص الجمال األنثوي، المستمدة من مصادر لكن تقاطع الت .األقل، األذواق الجمالیة ومالمحھا في ذلك العصر .أخرى، سیتیح لنا ال حقا أن نقف على ھذا الجانب

فیما یخص تونس، تعود بنا المصادر إلى الفترة الحفصیة حیث كان المجتمع الحضري یعرف أشكاال خاصة من البغاء األنثوي «[3].كمركز كبیر للفجور»ت تونس العاصمة الحفصیة معروفة في مجموع أنحاء الممكلة كان .وحتى الذكوري متمثال في المخنثین

ود مثل تلك األنشطة في لقد قبلت الدولة الحفصیة أن تدمج في نظامھا الضریبي المداخیل المتأتیة من ھذه األوساط، وبالتالي وج .الحاضرة

لكن فحص مختلف المصادر یتیح لنا العثور على ھذا .من الصعب إعادة رسم صورة دقیقة جدا لتطور البغاء عبر مختلف العصورجاه بلورة ویبقى أن ھذه األشكال ستدعى للتطور الحقا في ات .النشاط بطریقة شبھ متواصلة وبأشكال تنظیمیة موروثة من الحقبة الحفصیة

.أفضل وإدماج أفضلففي معرض الحدیث عن وظیفة مزوار وعالقتھ بالبغاء، .یثبت المؤرخ التونسي ابن أبي ضیاف عالقة التنظیم في الفترة العثمانیة

عود المؤلف إلى المذھب الحنفي الذي أدخلھ العثمانیون إلى إفریقیا الشمالیة، وھو یعتبر أكثر لیونة من المذھب المالكي المنتشر في ی .[4]مجموع أنحاء المغرب العربي

الذي لم «زواج المتعة»في الواقع، كان المذھب الحنفي أكثر تسامحا بكثیر من المذھب المالكي بخصوص بعض الممارسات مثل في ھذا الصدد، یمكننا تقدیم فرضیة أنھ بنوع من المواربة .قة سوى شكل مقنع من البغاء المتساھل معھ في الوسط اإلسالميیكن في الحقی

لذین لھذه الممارسة، الخاضعة مع ذلك القواعد والضوابط، كان البغاء یتمتع بحق اإلقامة في مدینة إفریقیا الشمالیة في ظل احتالل األتراك ا .في غمرة الفترة العثمانیة 17سنجد إذن ھذه الدعارة المقننة في القرن .المذھب الحنفي كانوا كلھم على

، یذكر المؤلف أشكال التنظیم والتقنین التي تذكرنا بنظیرتھا في 17في الكتاب الصادر حدیثا لبول صباغ حول تونس في القرن كان مالزم أول بالشرطة یسمى مزوار یقوم بدور .ت تخضع لمراقبة صارمةالنساء العمومیات كان ...»مدینة الجزائر، ویمكننا أن نقرأ أن

اللواتي كن یدفعن ضریبة على قدر جمالھن وسنھن، وكان یعاقب بشدة اللواتي كن یتاجرن بجمالھن دون الحصول على «بنات المتعة» «[5].ترخیص بذلك

:، تسجل الظاھرة نفسھا بنمط التنظیم نفسھ، إذ نقرأ في مذكرات سان جرفي، بالخصوص، شھادات بلیغة18وبخصوص القرن من [بدوره]فھن ال یستطعن ممارسة البغاء إال إذا سجلن أنفسھن لدى تركي یؤدي .، بما في ذلك متعة البنات العمومیات«كل شيء منظم»وصاحب المكوس ھذا یستخلص حقا من كل واحدة من ھذه النساء ویصب جام غضبھ، عن .بیاسترة للباي 4000ذه الـجبایة الضریبیة ھ

«[6].طریق السجن والعقاب، على اللواتي یباغثھن وھن یمارسن ھذه المھنة الدنیئة بدون ترخیصعند دولة الباشوات والبایات بتونس كما في الجزائر، وكانت األھمیة الضریبیة للدولة كانت تبدو في «وبذلك لم یكن للمال رائحة

معارضة الفقھاء لكن بتعمیق التحلیل سنرى أن .مقام أسبق من تصور النظام والتوازن األخالقي الذي یدافع عنھ علماء الحاضرة اإلسالمیة .ھاتھ، كانت مجرد نسبیة، بل وظاھریة ال غیر، وأن تنظیم البغاء كان یساھم كذلك في االنشغاالت األمنیة وفي نظام السلطة السیاسیة

، نقف على شھادة حیة حول الدعارة 1744في مذكرات سان جرفي نفسھا، وفي فصل یتحدث عن الطاعون الذي اجتاح تونس عام بعد مضي وقت قلیل عن ھذا الطاعون، جر طیش بضعة شباب » :دت في معرض الحدیث عن القنصلیة الفرنسیة بالمدینةاألنثویة، ور

فرنسیین متاعب على حیاة جمیع مواطنیھم؛ إذ عاد ھؤالء الشباب المتھورون لیال إلى الفندق مرفوقین بعاھرات مسلمات، فكان ھذا وحده ھجمت على أبواب الفندق عصابة من المتزمتین الذین اقتحموه بقوة، واقترفوا فیھ كل أشكال الشطط .یھمكافیا لتألیب قسم من السكان عل

بعیدا عن المبالغة التي تنطوي علیھا ھذه الشھادة، فإنھا «[7] .ولتھديء سعارھم، فقد تطلب األمر رشھم بأیادي مملوءة بالذھب .والتعدي .تطرح بشكل غیر مباشر مشكلة الوضع االعتباري للعاھرة المسلمة وتصورھا من قبل الجماعة

ة ولم یعد لھا أي ارتباطات معلنة، فإنھا ال تعود تلطخ الشرف إطالقا وال تلحق مسا بالھویة األخالقیة للجماعة التي بما أنھا مقصافھي تحدیدا المرأة التي تمنح نفسھا عمومیا .والوضع االعتباري للعاھرة نفسھ یضعھا على ھذا الصعید في موقع من الحیاد .تنحدر منھا

لكن ما یالحظ في ھذا السیاق الخاص أن .ألجل النقود دون أن تختار الشریك الذي ال یكون عادة سوى زبون عابر بین آخرین عدیدینفالعاھرة المسلمة كانت المجال المحفوظ للمسلمین وحدھم، وبذلك كان یمنع علیھا منعا قاطعا كل اتصال مع .ان بخالف ذلكاألمـر ك

.مسیحیین أو یھود، وإال فإنھا تتلقى عقوبات شدیدةفي «یعاد إدماجھا» لذا كانت العاھرة تكف في بعض األحیان عن أن تكون مدركة باعتبارھا موضوع لذة محاید ال ھویة لھ، وكان

نظرا .وھذا یطرح مشكلة تمثل العاھرة وصورتھا في الذھنیة الجماعیة المسلمة .الجماعة على نحو ما یتم مع كل عنصر محدد الھویةكما لضرورة حمایتھا من مراودات المسیحیین ورغباتھم، فإنھا كانت تشارك بصفتھا امرأة في الحفاظ على شرف الجماعة أو تھدیده تماما

نظر للعاھرة باعتبارھا بغیة، أي موضوعا لالحتقار والشفقة، إال داخل الجماعة .تشارك كل امرأة في شرف العائلة .ومن ثمة، فإنھ لم یكن ی .رجوعا إلى تنظیم الدعارة وتقنینھا، نسجل وفرة الشھادات الخاصة بأشكال الرقابة التي كانت تقیمھا الدولة

د مزوارضور تتفق أغلب المصادر على ح في جمیع المستویات، وبذلك یخامرنا االنطباع بأننا أمام قطاع تحتكره الدولة التي تحد .أسعار البنات وتقسیمھن وتصنیفھن بكل أشكال الشطط والتجاوزات التي یمكن أن نتخیلھا

ص لھ عددا من المرات في السنة بتنظیم نوع من »نقرأ على الخصوص االستعراء الكرنفالي لتلك النساء في حفالت أنھ كان یرخوتذكرنا ھذه الحفالت الراقصة العمومیة ذات الطبیعة الدنیویة ببعض االحتفاالت «[8] .رقص عمومیة، كان یستأثر منھا بجمیع األرباح

.قدیمة قلیلة الشیوع في التقالید اإلسالمیة المعروفة، وتدعونا إلى التفكیر في أصلھا وعالقتھا بعالم الھامشیة والبغاءالشعبیة ال، حفال ربیعیا ینظم مرة واحدة في كل عام، 17یصف ابن أبي دینار، وھو مؤرخ تونسي شھیر عاش في القرن المؤنـسفي كتاب

.باب الخضراءھو :ة تسمى ساحة الوردة، وتقع على مقربة من أحد األبواب األساسیة للمدینةابتداء من فاتح ماي، في ساحة عمومی، عرفت إحدى ساحاتھم تقع .ھـ10 50بعد عام » :[9]یتحدث المؤلف عن ھذه العادة باحتقار واندھاش في آن واحد، إذ یقول ما مضمونھ

كان شعارھم ھو المالھي الدنیئة؛ نجد .وھي نقطة التقاء أھل االنحراف والفجور والبطالة ."الوردة"بجانب باب الخضراء، ویسمونھا الفجور على بعد صالة عصر من كل یوم، یھجم أھل .فیھا المغنون، والراقصون والمشعوذون، وتباع فیھا الفاكھة الجافة والحلویات

وقد انتقلت ھذه العادة جیال عن جیل إلى .یوما كل عام 15الساحة حیث ینظمون فرجات أكثر بھجة من فرجات أیام العید، وذلك على طوال «...[10] .نظام األستا مراد الذي منعھا؛ لكن ما مضى وقت طویل حتى ظھرت من جدید لیمنعھا الداي أحمد خوجة منعا نھائیا

أول ما یلفت انتباھنا في ھذا الحفل ھو عالقتھ بفصل الربیع، بفصل الخصوبة؛ ثم التعابیر التي یستعملھا المؤلف لنعت السلوك ونمط تسمیة .ذاتھ مؤشرا یكشف عن وسط یذكرنا بعالم البغاء وھذا یشكل في .«البطالة»، و«الشعوذة»، «الفجور» :السائد في الحفل

؛ الوردة رمز◌ لجمال الطبیعة، لكنھا أیضا رمز لجمال المرأة؛ «الباب الخضراء»ساحة الوردة على مقربة من :األمكنة ھو اآلخر لھ داللتھأما موقف .«امرأة خضراء»في التقلید الشفوي بلقب الخضرة رمز لخصوبة الطبیعة، لكنھا كذلك رمز للمرأة المومس التي الزالت تنعت

دد من التسامح إلى المنع، فیذكرنا بسیاستھا المتناقضة تجاه البغاء .السلطة الذي تأرجح في ھذا الصي تتیح ھذه المؤشرات مجتمعة تقدیم فرضیة تأویلیة، وھي أننا فعال إزاء مھرجان یتردد علیھ أھل البغاء والفجور، حیث یعرون ف

تثیر ھذه الساحات بأسمائھا الجمال واألنوثة والخصوبة، ومن ثمة ال یستبعد أن یكون .في ساحات عمومیة «بنات المتعة»احتفال راقص .تجارتھ في ھذا النوع من االحتفاالت «تنمیة»یتمتع برخصة مزوار

دمھ .ھناك مالحظة أخیرة تفرض نفسھا بخصوص أصل ھذا الحفل، وھو مصدر یجھلھ المؤلف یؤكد كل من إلحاحھ على قوالمعلومات النادرة التي یذكرھا، كارتباطھ في متخیل ذلك العصر بفراعنة مصر القدیمة، یؤكد فكرة أننا إزاء رواسب ثقافیة لحضارات

.[11]متوسطیة تھیمن علیھا سمة إغریقیة أو مصریة

رجوعا إلى األشكال الخاصة للتنظیم، تفیدنا بعض اإلشارات المستمدة من مصادر أخرى، في آن واحد، حول أنماط التنظیم والطرق بتقدیم ضریبة سنویة أوال، كان المزوار ملزما یشتري امتیازاتھ .البولیسیة المستعملة كما تطرح في اآلن نفسھ قضیة تجاوزات الموظفین

نحن ھنا إزاء إوالیات .للدولة التي كان یضع في صنادیقھا مبلغا تعرض قدره لالختالف نظرا لتبعیتھ لعدد البنات الخاضعات لھذه الضریبةالوصایة إبان ، وھي ممیزات للنظام الجبائي الذي اقامھ العثمانیون فياللزمةاالشتغال نفسھا السائدة في مختلف الجبایات الضریبیة أو

شبیھة كانت مفروضة على أنشطة أخرى ممنوعة نظریا في مجتمع إسالمي؛ مثل صناعة الخمر لزماتثم یسجل أن .العصر الحدیث .[12]والكحول وتوزیعھما

.ھذه القطاعات وتنظیمھا لالستفادة منھا مادیا وسیاسیا بدل قمعھا طبقا لرغبات وأماني رجال الدین لقد فضلت الدولة مراقبةـوادة»وعلى ھذا النحو دفعت الدولة الضریبیة منطقھا ھذا، وھو منطق االبتزاز الضریبي، إلى حد انتھى بإقامة نوع من .الدولة «ق

قتھ بالتنظیم المفروض على وسط البغاء، ھو مسألة تجاوز الموظفین المكلفین بمراقبة لكن المشكل الذي نود اإللحاح علیھ، في عالفھذه التجاوزات لم تكن شائعة فحسب، بل وكانت تشكل مكونا أساسیا لصالحیات المراقبة نفسھا واختصاصاتھا على نحو ما .ھذه المھنة

.كانت تمارس -وفي استقالل عن شخصبة جامع ھذه الضریبة أو الملزم -ا، تتحول في اشتغالھا كانت الجبایة الضریبیة، بحكم التصور المقام عنھ

بما أن ثمن الجبایة الضریبیة » :ففي المصادر التي سبق أن أحلنا إلیھا، نقرأ التأكیدات التالیة بالخصوص .إلى عامل لتوسیع عالم البغاءة تتزاید بتزاید عدد الم لزمات، فإنھ كان في مصلحة مزوارا أن تتزاید أعدادھن، ونتیجة لذلك فإنھ كان یظل ثابتا وضریبة الدولة المستحق

''القاضي''یبحث ویدفع عناصره للبحث في أوساط النساء عن المشتبھ في سلوكھن مع كونھن معروفات باالستقامة، لیقدم الحجة أمام بمثابة عاھرات، ومن ثمة یسجلھن ویلزمھن بأداء قد اقترفن أخطاء، أنھن -أرامل كن أو مطلقات أو متزوجات -على أنھن

«[13].الضریبةأكثر من كونھا تجاوزات، تكشف أشكال الشطط المذكورة أعاله عما ھو أساسي في النظام الضریبي الذي ال یمكن أن یتحدد في

.سیاق ذلك العصر إال بـأشكال شطط تدعو إلى تعسفات أخرىلذلك، عندما كان مزوار یوسع دائرة المومسات بطریقة .كان تثقیل الضرائب أحد ثوابت السیاسیة الضریبیة لكل دولة جبائـیة

.قانونیة أو غیر مشروعة، فإنھ لم یكن یفعل سوى التطابق مع منطق متماسك في إطار ذلك النظامعمل توسیع عالم البغاء لغایات ضریبیة، كانت السلطة السیاسیة ممثلة ھنا في المزوار تضع في خدمة ھذا األخیر جمیع في

.ذلك أن القاضي الشرعي لم یكن بإمكانھ في ھذه األوضاع سوى االمتثال لإلرادة السیاسیة .المؤسسات بما في ذلك الشرعل الشأن الدیني إلى مجرد غطاء لیس لتبریر ھذا الشطط أو التجاوز، ولكن بالتأكید لتشجیع، بل وحتى ھكذا، وبشكل مفارق، تحو

.لشرعنة البغاء ولو بشكل غیر مباشریمدنا «البغاء في مدینة الجزائر»فمؤلف .تقدم لنا تفاصیل حول الطرق البولیسیة التي یستخدمھا مزوار للوصول إلى أغراضھ

وللوصول إلى ذلك، فإنھ كان یملك عددا من العناصر المشغولة .على التسرب إلى داخل المنازل نفسھاكانت لھ القدرة » :بشھادات إضافیةولتجنب المرأة .كان مزوار ینقض على المرأة كأنھ یستحوذ على بضاعة تجاریة محظورة ...دائما باكتشاف كل المغامرات الغرامیة

«...[14].التسجیل، فإنھا كانت تضطر لتقدیم مبلغ مالي ضخموإذن فإلى مزوار كان یتجھ المرء عندما یرید مرافقة فتاة عمومیة، وكان مزوار نفسھ ھو الذي یحدد الثمن الواجب أداؤه مقابل

بحوزتنا كذلك تأكید بلیغ حول شیوع التجاوزات، یتمثل في حذف باي تونس ھذه .قضاء یوم واحد أو عدة أیام مع البغیة، تبعا لجمالھا .[15]فقد اشتھر مزوار كثیرا بالفساد والتغریر بالقاصرات .1836المھنة سنة

تكن ظاھرة واقعیة في كبریات مدن إفریقیا الشمالیة ما قبل االستعماریة فحسب، بل وكانت كذلك وإذن ال شك في أن الدعارة لم .قطاعا منظما یخضع لتقنین اجتماعي وضریبي صارم یناظر مثیلھ في الحرف األخرى

الجنسیة، من جھة، وتتیح فالدعارة في ذاتھا توضح تطور اآلداب والممارسات .وبذلك فلدراسة البغاء أبعادھا ودالالتھا المتعددة .متابعة وتوضیح ظواھر أخرى من الحیاة االجتماعیة مثل ظواھر الھجرة وتأثیرھا في الوسط الحضري للحقبة، من جھة ثانیة

ھـوامـش

.2 .، ج408 .-411الونشریسي، المصدر السابق، صص[1] , Paris, 19853.depuis la conquêteDe la prostitution dans la ville d’Alger E. Duschene, [2]

:انظر[3] - La société citadine en Ifriquia à l’époque hafside, Ibrahim Jadla, Thès de D.R.A., Tunis 1989, p. 265.

.47 .، ص5 .، ج.س .م ،...ابن أبي ضیاف، إتحاف :انظر[4] p. 209., Paris, 1989, Tunis au 18ème sièclePaul Sebag, [5]

: Marcel Gandolphe, Tunis, 1914.L’histoire de la ville de TunisSaint Grevais, cité in: [6] ., p. 68.op. citSaint Grevais, [7] , p. 64.op. cit.E. Duschene, [8]

.(م) .نقول ما مضمونھ ألننا نفتقر إلى األصل العربي لنسوق منھ مباشرة نص اإلحالة[9] 308 .-.309، ص1967، تونس المؤنس في أخبار إفریقیة وتونسابن أبي دینـار، [10] :، وانظر كذلك309 .-310، ص.س .ابن أبي دینار، م[11]

- Joceline Dakhlia, L’oubli de la cité, Paris, 1990 p. 53-54. :انظر[12]

- Larguèche Dalinda, Fiscalité, Etat et Société dans la Tunisie moderne: Le Caïda de Monastir 1776-1856, Thèse de Doctorat du 3ème cycle, Tunis 1986. ., p. 65.op. citE. Duschene, [13] ., p. 66.op. citE. Duschene, [14]

.187 .، ص3 .، ج.س .م، ..ابن أبي ضیاف، إتحاف[15]

ـاء م البغـ ـي عـالـ ة ف رحـلـ األصـل واألسبـابإشكالیة عبد الحمید األركشتألیف:

محمد أسلیــمترجمـة:

یتیح التفریغ المنھجي للتقاریر التي كانت تحررھا یومیا البلدیة لمدینة تونس استخراج فئات مختلفة من القضایا بحب أنواع .[1]المخالفات أو أنواع المس بالملكیة، بالنظام العام أو النظام األخالقي

النساء المتھامات؛ ومعناھا البغي في الخطاب «عاھرة»وبمتابعة القضایا، استطعنا مالحظة تواتر القضایا التي تطلق فیھا كلمة عل .الشائع آنذاك

استخرجنا أسماء .ا معلومات عن أمكنة سكنى المتھمات وكذلك عن موضوع الشكایاتاستطعنا أن نستخرج من التقاریر نفسھوبذلك نجحنا في تكوین عینة أولى تتألف من .1865-1864، و1861النساء العمومیات اللواتي كن معروفات عند الشرطة خالل سنوات

في الحاالت التي تقدم فیھا المعلومة، وھو أمر نادر، و .عاھرة، غالبا بمكان السكن، وموضوع الشكایة واسم المشتكي 200حوالي .استطعنا استخراج المبالغ المؤداة من قبل بعض الزبناء

تتیح القراءة السریعة لجدول ھذه العینة األولى معالجة األصل الجغرافي أو العرقي للنساء العمومیات بتونس انطالقا من دراسة وفي غیاب معاییر أخرى للتصنیف، فإن أسماء األعالم، رغم حدودھا وما یحف بھا من شكوك، تتیح لنا بالتأكید أن .[2]أسماء األعالم

.نتعرف على األصل الحضري، القروي، القبیلي أو الجغرافي للمرأة، كلما أشار اإلسم إلیھمن مجموع عاھرات %25إلى 20فھي، من جھة، تشكل حوالي .لعینة تمثیلیة بما فیھ الكفایة لترخص ببعض االستنتاجاتوا

.[3]المدینة؛ ومن جھة أخرى، إنھا مأخوذة من حقبة زمنیة واحدة ومن فضاء واحد :یتیح الجدول استخراج خمس مجموعات حسب أصول واضحة

، وكذلك الطرابلسیات المشار سوسيأو غربيفي قمة الجدول، سجلنا المغاربیات من أصل جزائري أو مغربي المشار إلیھن اسم وتفسر ھذه النسبة الكبیرة من .والوصایةعلى األقل ھن أجنبیات عن المدینة %5,17امرأة في المجموع، أي 35 .إلیھن باسم طرابلسي

المغاربیات غیر التونسیات بسھولة عندما نعلم أن الجماعات المستقرة في تونس والمنحذرات من الھجرات المغاربیات كانت تشكل الفئات .الوضیعة في المجتمع الحضري التونسي

األحیاء الضاحیاتیة، غیر مندمجة جیدا في المھن الحضریة أو وھذه الجماعات المنحطة التي كانت مكدسة في وكاالت أو فنادقتعیش على حرف صغیرة بدون تأھیل محدد، تنحذر في األصل من مناطق فقیرة كالجنوب المغربي أو الشوف الجزائري، وبذلك فإنھا كانت

.[4]تشكل أوساطا مساعدة على الفساد والھامشیةفي ھذا المستوى، یبدو أن الظروف االجتماعیة البئیسة للجماعات العرقیة المنفصلة عن أوساطھا األصلیة، ھي األسباب الرئیسیة

.للبغاءتمثل العاھرة من أصل العبید نسبة تبلغ .ھناك مصدر آخر للبغاء شبیھ باألول، یھم العاھرات الزنجزیات اللواتي كن في األصل إماء

م تشكیلة من األلوان لعالم البغاء %8حوالي إلى شوشانیشیر اسم .من العدد اإلجمال ألفراد العینة، وبذلك فھي ممثلة بما فیھ الكفایة وتقد تورد منھا العبید، كما یشیر اسم كحلةبمملكة بیرنو، وھي منطقة إفریقیة كانت تونس تس بورناويانحدار من عبید معتقین، ویرتبط اسم

غالبا ما تحتفظ .إلى وظیفة خادمة منزلیة، وھو وضع اعتباري عام تقریبا لقدماء عبید الوصایة الخادمإلى لون البشرة األسود، ویشیر .[5]العاھرة السوداء باسم أسیادھا القدماء مثل شوشان بنت ابراھیم التركي

لقد وجدنا في بعض وثائق األرشیفات إشارة نفیسة تتعلق بدرب كانت تسكنھ عاھرات، یقع خارج أسوار المدینة، بجانب باب الجدید ھذه .فریقیة التي أدخلتھا األقلیات السوداءوبوسعدیة ھذا شخصیة شعبیة جدا في تونس، ترتبط بالتقالید اإل .بوسعدیةالمعروف باسم درب

اإلشارة دالة على تجمع فئة سكانیة سوداء في ھذا الدرب، ال سیما أن أسماء أماكن تونس القدیمة كانت ترتبط في أغلب األحیان بتموقع .[6]نشاط أو جماعة اجتماعیة أو عرقیة في المكان

ر إلغاء العبودیة في تونس، ابتداء من .[7]، المدینة من حشود العبید التي ذھبت لتعزز صفوف فئات المجتمع الدنیا1841لقد حر .فقد كان بغاء السود من إفراز ھذه األوساط، في عالقة بظرفیة اإللغاء ونتائجھ االجتماعیةومن ثم،

عب تقدیر الوضع االعتباري للعاھرات السود بتونس بین مجموع فئات المومسات وھذا یفترض القیام .عالوة على ذلك، من الصتقلید الشفوي یمنح موقعا متمیزا للنساء السوداوات، إذ یعتبر أن تشفي من لكن، ال .ببحث دقیق حول األذواق والمیول الجنسیة لذلك العصر

قد یكون اختالقا محضا نابعا من .بعض األمراض الجنسیة شدیدة االنتشار في ذلك العھد، وھو اعتقاد ال یستند على أي أساس علمي .السوداواتعبقریة العاھرة السوداء، وضعتھ كي تجذب إلیھا الزبناء القلیلي المیل إلى

ھذا الوضع االعتباري المنفصل للعاھرة السوداء في المتخیل الجمعي یجب ربطھ أیضا بتصور األسود عموما في المجتمع التقلیدي، وتتأكد .، التي تجعلھ یتكفل بالمصائب ویغیر وجھتھا نحو ذاتھ«والصرع»، «الوقایة من األمراض»حیث كان یعزى لھ بصة عامة وظیفة

وھي صورة .ة المتعارضة وجدانیا في كثرة حضور األسود في طقوس الزواج كما في تفضیل خادمات البیوت السوداواتھذه الصوروالمجتمع، مع إبقائھ » .تعكس في آن واحد موقفي االحتقار والعطف، وقد غذاھا أدب◌ غني في ترسیخھا في نظر المجتمع المسلم األبیض

إنھ أخالقیا لیس بغیور، ال شرف .األسود جسدیا قوي وخصب :یعترف لھ ببعض الصفات العملیةاألسود في وضع اعتباري ناقص، فھو أما من الناحیة الدینیة، فھو ورع جدا وشدید اإلیمان بالخرافات على ..ومن الناحیة الفكریة ھو قلیل الذكاء ..لھ، ال شخصیة لھ

وعموما، یؤكد اشتھار الطوائف السوداء في تونس والمدن المغاربیة بالوظیفتین العالجیة والتطبیبیة، عالقة األسود «...[8] .الخصوص .بإبعاد الشر واألمراض

علینا في الوقت نفسھ مشكلة األصل كانت العاھرات من أصل أھالي طبعا تشكل أغلبیة الحاالت؛ وھو أمر◌ یبدو عادیا ویطرح .االجتماعي والجغرافي للعاھرات المحلیات وكذلك ألسباب البغاء

تفیدنا األسماء المشیرة ألصل جغرافي أو عشائري، في آن واحد،بمعلومات حول حركة الھجرة القرویة نحو المدن، وكذلك حول وأسماء مثل الفرشیشي، الورغمي، الحمامي والوسالتي، .إلى التعاطي للبغاءالعواقب الثانویة التي تؤدي بالبنات القرویات المتمردات

دد.الخ .[9]، تعتبر دالة في ھذا الصیتعین البحث عن األسباب .حة لجمیع األزمنة واألمكنةلكن، قد ال یكفي في ھذا المستوى االكتفاء بإثارة األسباب العامة الصال

.الخاصة في كل حالة بكیفیة واضحة، دون إقصاء األسباب العامة طبعافي الواقع، تشكل تونس ما قبل االستعماریة إطارا شدید التقلب، یتمیز ف یأغلب األحیان بقطیعات .ھذه المھمة لیست سھلة دائما

.عنیفةترافقھا في الغالب حركات ھجرة واسعة نحو المناطق الت یسودھا رخاء النسبي، متمثلة في المدن الساحلیة فسنوات الجفاف كانت

ویقدم لنا المؤرخ .وكانت الظروف في المجتمع التقلیدي موقعة دوریا بسنوات الجفاف مع ما یواكبھا من مجاعات وأوبئة .بالخصوصرة والجائعة نحو العاصمة في أعقاب عصیان التونسي ابن أبي ضیاف شھادة دامغة في موضو ع التحرك الواسع الذي قامت بھ القبائل المفق

العاصمة بعد أن فقدوا كل شيء بما في ذلك (البدو، الرحالة)، أغرقت أمواج العربان 1248في ھذا الشھر من عام :، إذ یقول1864عام تشبعھم، فكان مصیرھم الیومي ھو االستجداء، وطعامھم األعشاب خیامھم، فضاقت بھم أزقة الحاضرة، وكانت الصدقات دون أن

...[10].والنفایاتفي .ر، الھجرة والبغاءبذلك قد یكون من المفید إعادة تكوین منحنى دورة األزمات في البوادي التونسیة وآثارھا على تقدم الفق

، نحن في غمرة ظروف أزمة تمس على الخصوص القرى المسحوقة تحت وطأة 19السیاق الذي یھمنا، وھو النصف الثاني من القرن ومن المؤكد أن النسبة القویة للعاھرات المنحدرات .1864الضرائب الثقیلة والسنوات العجاف، في آن واحد، مما أفضى إلى قیام انتفاضة

من مجموع المومسات المشموالت باإلحصاء، وبذلك یأتین %30فالقرویات یمثلن نسبة .من أصل بدوي لیست مستقلة عن ھذه الظروف .على رأس سائر جماعات ھذه الفئة من النساء

مثل جبل یقدم لنا التاریخ السیاسي للوصایة، والصراعات القائمة بین الدولة الحسینیة وبعض بعض القبائل غیر الخاضعة،، فیما بعد، لعقاب 1728فقد تعرض الوسالتیون حلفاء علي باشا خالل الحرب األھلیة التي اشتعلت عام .وسالت، عناصر ذات داللة عمیقة

حصنھم؛ وھو ما وجد ترجمتھ في مأساة حقیقیة جماعیة ذكرھا أغلب مؤرخو المرحلة، ومنھم الصغیر -الحسین بن علي والطرد من جبلھمالذي ساق حكایتھا في جنس سردي أصیل یخبرنا فیھ أن المحلة اضطھدت الوسالتیین، وأذلتھم، وطردتھم، 18مؤرخ القرن بن یوسف

...[11].فأرغمتھم على النزول من أعالي جبالھم، فتشتتوا إلى أن باعوا بناتھمفالحرب التي شنت على القبیلة والتنقل اإلجباري لجمیع .ندرك من خالل ھذه الشھادة البلیغة المعنى العمیق لبیع بنات قبیلة ما

وبذلك .السكان كسرا الروابط القبلیة، وخلخل األنماط العائلیة القدیمة، وخلط مختلف الفروع، في فضاءات جدیدة، مدینیة بالخصوص، بدون أزواج، وال إخوان وال آباء، فلم یكن أمامھن أي اختیار آخر عدا التیھ «مھمالت »ء أنفسھن بین عشیة وضحاھا وجدت النسا

.والمتسكع وتعاطي البغاءوھي تراجیدیا لم یستطع الزمن محوھا من الذاكرة الجمعیة، إذ ال زال تراث .السیاسیة مصدر بؤس وبغاء-كانت المأساة االجتماعیة

ج شیطان ھذا الواقع الحزین األغاني .الشعبیة یحفظ ھذه الذكریات الحزینة في صیاغات فنیة داخل أشكال وتعابیر تخفي أو تخرفاألغنیات الشعبیة للمغنیة صلیحة التي تعتبر دیوانا حقیقیا للذاكرة الجمعیة، عرفت كیف تترجم في أنغام حزینة في أغلب األحیان

التي لم تكن سوى الصدى المؤلم لتراجیدیا بشریة یصعب نسیانھا، ما «مع العزابة»مثل األغنیة الشھیرة لقطات مؤلمة من ھذا المعیش، «[12].الملعونة»دام موضوعھا بالضبط ھو إعادة رسم المغامرة الشقیة لبنات القبیلة

لكن أال یمكن أن یواخذ على تحلیلنا لألسباب واألصول المحتملة لبغاء البنات القرویات المستقرات في الحاضرة، كونھ بقي سجین ترتكز على الحتمیة االجتماعیة واالقتصایة؟ «موضوعانیة-عقالنیة»خطاطة

فمن الصعب على األقل، فصلھا عن سیاقھا؛ بتعبیر یبدو لنا أن ھذه األشكال من االنحراف الجماعي، إن لم یكن من غیر المتصور آخر من الصعب فصلھا عن أسبابھا االجتماعیة الموضوعیة التي تجعل الذعارة تبدو بمثابة منعطف فظ تفرضھ على جماعات من النساء

اصة من البغاء تنفرد بھا بعض إال أن ھذا ال ینفي إمكانیة الوقوف على أشكال خ .والبنات ظروف االستئصال العنیف من وسطھن الطبیعي .الجماعات أو بعض القبائل المغاربیة، مشكلة باألحرى ظواھر ثقافیة معزولة عن عوامل تقلب الظروف

فقد وصف لنا أمیل درمنغھاین بدقة شكال من البغاء تنفرد بھ نساء نیلیات الجزائر وعزریاتھا باعتباره ظاھرة ثقافیة ولیس تجل األمر فیھ بشكل من البغاء والممارسات المعترف بھا والمندمجة في قیم القبیلة التي كانت ترخص لبناتھا بممارسة ویتعلق .ألزمة ما

.[13]الدعارة عددا من األعوام، بالتیھ في حواضر الجزائر والمغرب العربي، لیندمجن بعد ذلك في قراھن ویتزوجن

رأینا أن مثل ھذه السلوكات الفریدة كانت تشكل باألحرى ظاھرة نادرة في تونس التي تعد بلدا إسالمیا أكثر تجانسا بشریا من ویتعلق األمر .ئیةبید أن بعض الفروع من قبائل الوسط أو الشمال الغربي كانت معروفة بإسنادھا لبعض النساء وظائف استثنا .الجزائر

الرجال، واللواتي اشتھرن باسم الدكازات «قراءة طوالع»بأولئك النساء اللواتي كن یجبن في فصل الصیف المدن والقرى لـ لقد ظل الشفھي والمعیش، إلى وقت حدیث، یقدم ھتھ البنات باعتبارھن ذوات سلوك جنسي متحرر جدا بحیث ال .(الشوافات/العرافات)

.جا في سحر ومراودة أول من یعجبھن من الرجالیجدن حرومع أن ھذه الظواھر الخاصة ال یمكنھا إال أن تغني وتعمق معرفتنا بالبغاء النسوي من أصل بدوي، فإنھ یصعب علینا تتبع تأثیرھا

إطار أنثروبولوجیا ثقافیة لبعض سیكون من المفید متابعة ھذه الظواھر وتقییمھا في .على عالم البغاء عموما أو تقدیم إحصائیات بصددھا .المجتمعات البدویة، ال سیما أن ھذا المجال یقتضي تحاشي كل تعمیم

یتعلق األمر باألھمیة العددیة للنساء العمومیات من أصل حضري، اللواتي كن .عالوة على ذلك، ثمة ظاھرة أخرى یجب تسجیلھاس، أو من مدینة تونس نفسھا، وقد كن ینحدرن أحینا من عائالت متمیزة من أصل ینحدرن إما من إحدى مدن الوصایة كالقیروان أو صفاق

.تركي أو بلديومع أن الوثائق لم تتضمن إشارات صریحة ألصل مجموعة من الحاالت، فقد أتیح لنا الوقوف على أن األمر یتعلق بأصل حضري،

:وذلك باعتماد معیارینالخ، یسھل تمییزھا عن نظیرتھا الشائعة في ...ساء حضریات، مثل زلیخة وفونة ودادوفي المقام األول، إن األسماء الشخصیة لن

.العالم البدوي أو القروي كما عن نظیرتھا الشائعة أو العامة، مثل فاطمة، خدیجة، الصالحة، محبوبة، حلیمة، الشلبیة، الخفأسماء عائلیة مثل خبایر، حنفي، التونسي، .یق تصنیفنافي المقام الثاني، ومن خالل األلقاب بالخصوص، توصلنا إلى إكمال وتدق

وفي -تشھد فعال على االنتماء الحضري، كما تشھد .القروي، الصفاقسي، التركي، بنرمضان، الموناستیري، بالغة، الشاھد، جوادي، الخ .على انتماء إلى أوساط اجتماعیة مختلفة، وفئات متوسطة أو حتى جد میسورة -آن واحد ، وھي نسبة تشكك كلیا في الفكرة المنتشرة التي ترى أن [14]من مجموع عاھرات المدینة %20نت ھذه الفئة تشكل حوالي كا

فقد كان العالم الحضري ھو اآلخر یفرز بغاءه انطالقا .دوي أو أجنبيالبغاء في المدینة العربیة التقلیدیة كان مقصورا على نساء من أصل بفي ھذا المستوى، تعتبر العوامل االجتماعیة واقعیة ومؤثرة على نحو ما ستسنح لنا الفرصة التحقق منھ .من تناقضاتھ وأزماتھ الخاصة

بجانب األسباب البنیویة واالجتماعیة، یجب في رأینا .تعقیدھامرات عدیدة، بید أنھا ال تكفي وحدھا لفھم وتفسیر مجموع الظاھرة في اجتماعي بلویناتھ والدفع بالبحث في اتجاه من شأنھ أن یتیح لنا إثارة مآسي الحیاة العائلیة والزوجیة في الوسط -البحث في الحقل المیكو

من الترمل إلى الطالق، مرورا بالمشاكل العاطفیة التي فقد كانت مآسي الحیاة العائلیة الحمیمیة في المدینة متعددة، تمضي .الحضري .سجلتھا الحكایات واألغاني الشعبیة بشكل جید

ھل فقدن أزواجھن بعد .[15]تقدم وثائق األرشیف عاھرات درب محروق الكائن بمقربة من سیدي بومندیل، باعتبارھن أرامل؟ أم أنھن اجتمعن ھنالك في الحي، «المتاجرة بأجسادھن»، وھو شرط كاف لكي یجدن أنفسھن أمام ضرورة 19األوبئة التي اجتاحت القرن

بعد تجارب من الحیاة التعیسة شكل نقطتھا المشتركة موت الزوج مبكرا، موتا مفاجئا أو طبیعیا؟یث فارق األعمار ھو الذي یفصل غالبا بین جیلین، كان یمكن ألشكال المقاومة والتمرد یمكن أن تمضي من في مجتمع مغلق، ح

تمارس خفیة مع الجار والبائع المتجول إلى البغاء المفتوح بعد موت زوج غیر مرغوب فیھ أو طالق یتم الحصول علیھ «مغازلة»مجرد .(منزل لتقویم وإعادة تربیة النساء اللواتي ال تطعن أزواجھن) بعد معانات طویلة عبر اللجوء إلى دار الجواد

11ففي یوم .تمتلئ ملفات شرطة المدینة في ذلك العھد بقضایا تشھد على نھایة فقدان األمل الذي اختارتھ العدید من نساء المدینة، «الحي»أن تصل إلى حد البحث عن ملجأ في .[16]، ھربت فاطنة بنت أحمد العوني من بیت الزوجیة لكي تحتمي عند بغیات1862فبرایر

وفي شھر شتنبر من السنة ذاتھا، تعرضت العاھرة فاطمة بنت محمد الغربي لعوقبة السجن .فذلك یقول الكثیر عن بؤس حیاتھا الزوجیة .[17]ت بزوجة محمد الجزیري وأدخلتھا في عالم البغاءألنھا غرر

المومس (recrutement) «توظیف»یدعونا ھذان المثاالن وأمثلة أخرى عدیدة، إلى التفكیر مجددا في مسألة معرفة كیفة .القرن الماضي في المدینةحوالي منتصف

رات حیثما تكون اإلشارات والمعلومات صریحة، ، اعتقلت وسجنت 1862ففي شھر ینایر .فإن األمر یتعلق في أغلب األحیان بالمغرالوثائق حاالت تذكر .العاھرتان خدوجة بنت محمد المنزلي وحلیمة بنت عمور، على إثر شكایة مواطن اتھمھما بتشجیع ابنتھ على الفساد

وإذن كان .في السنة نفسھا، اعتقلت ثالث عاھرات بمدینة بتونس ألنھن غررن بفتاتین بكرتین وأدخلتھما في أوساط الفساد .أخرى شبیھة .ھناك تعلم للبغاء یفترض اإلغواء واإلغراء

للفساد لدى التي ستصیر بغیا في لكن ھذه األشكال من القوادة ما كانت لتنجح لوال وجود تربة صالحة واستعدادات مسبقة الفقر، والیتم، وانحالل .فالمراھقة، أو حتى العازب، ال تقع بھذه السھولة في البغاء إال إذا كانت مھیئة لھ اجتماعیا ونفسیا .الممستقبل

وادة .األطر العائلیة للجماعات الشعبیة داخل المدینة، كلھا عوامل كان تشجع على القى ذلك، أن المومسات الحضریات كن في أغلب األحیان ال یقمن بالضرورة في األحیاء المخصصة أو األزقة الحظنا، عالوة عل

وبذلك، تشھد حاالت عدیدة على وجود شكل من البغاء نصف .«المواعید الغرامیة»، بل كن یسكن في منازل معدة خصیصا للـ «الساخنة»كرماء؛ ومنزل امرأة تسمى شلبیة الحنفي «زبناء»كائنة في قلب األسواق ذاتھا، والتي أعدھا سري، منھا الدار التي تذكرھا أرشیفاتنا، ال

.الذي تحول إلى وكر للفسادذلك أن .لكن ھذه الحاالت المعزولة ال ترخص إطالقا استنتاج أن العاھرات من الفئة البلدیة لم یكن یندمجن في األحیاء المخصصة

.كات، عن طریق اإلرث مثال، كن یتدبرن أمرھن لممارسة حیاة الفساد داخل حمیمیة منازلھناللواتي منھن كن یصرن مال

مة لـ تدبیر »لكن تواتر القضایا التي وجدت فیھا العاھرات أنفسھن مرغمات على مغاردة مساكنھن، وكذلك السیاسة المنظینا اتباعھما وھما یفضیان باألحرى إلى اعتبار األغلبیة الساحقة ، یشكالن مؤشرین یتعین عل19خالل النصف الثاني من القرن «وظیفتھن

.من مومسات الحاضرة لم یكن مالكات لمساكنھنوھي تشكل نسبة ضعیفة داخل مجتمع المومسات المشموالت .أما الفئة األخیرة من العاھرات في عینتنا، فتمثلھا النساء الیھودیات

، وبذلك فھي تبدو أقلیة في ھذا العالم، وھو ما یدعو للتعجب للوھلة األولى في مدینة تعد %5ي باإلحصاء، إذ ال تمثل سوى نسبة حوال .أكبر «فسادا»فیھا الجماعة الیھودیة كبیرة العدد وبئیسة، وبالتالي یفترض أن تفرز

لة تشھد على انتماء إلى المجموعة الیھودیة المحلیة التي كانت تشكل األغلبیة الساحقة المعدمة والحال أن فئة واألسماء المسجالسلم االجتماعي -من الیھود -أخرى وأسماء مثل تیتة، وبنت حي، وكمونة الیھودیة، وسلمى بنت حي، ویتسیر بنت .كانت تحتل أعل

.«زیتون، وعزیزة الیھودیة، تحمل بالتأكید طابع التونسةحي إقامة )كان البغاء الیھودي یحترم تموقعا جغرافیا دقیقا، وھو ما كان نتیجة منطقیة لحصر مجموع ھذه الجماعة في الحارة

جمیع البغیات التونسیات كن یسكن في حي سیدي عبد هللا كرش الواقع في ھوامش الحارة وعند مدخل .(الیھود، معادل المالح في المغرب .ة السفلىالحي اإلفرنجي بالمدین

.یمكن لضعف نسبة البغیات الیھودیات أن تعطي االنطباع، كما سبق أن لمحنا بھ، بأنھن كن أقلیات في عالم البغاء المتعدد األعراق، 1879ففي عام .بید أن ھذه الفرضیة تغدو غیر ثابتة بالنظر إلى أنھ ورد في بعض شھادات ذلك العصر ما یفید أنھن كن كثیرات العدد

یعوض النقص الظاھري للمومسات المسلمات في تونس، بالعدد الكبیر » :نرش فون مالزان، وھو رحالة ألماني، المعاینات التالیةسجل وویؤكد المؤلف األھمیة العددیة «...[18] .من العاھرات الیھودیات، اللواتي یتردد علیھن المسلمون والمسیحیون والیھود على السواء

.للیھودیات مرات عدیدة من خالل شھادات أخرى أكثر تفصیال یذكرھا في سیاق الحدیث عن تیھھ في الحي الیھودي بتونسنھ یدل على تعذر ولوج لكن حكمھ بخصوص الغیاب الظاھري للمومسات المسلمات في المدینة ال یرتكز على أساس فضال عن أ

.، األمر الذي حال بین المؤلف، وھو الشدید االنتباه، وقیاس حجم الظاھرة وأھمیتھا«الساخنة»المسیحیین لھذه األزقة د «البؤس األزرق»إن اتفاق مالحظات أغلب شھود ذلك العصر حول الذي كان یسود في الحي الیھودي بتونس، یؤكد لنا أن المحد

.اء في ھذه األوساط كان طبعا ذا طبیعة اجتماعیةاألساسي للبغعالم .كان عالم البغاء یعرض نفسھ، على العموم، بمثابة فسیفساء من األلوان واألعراق والجماعات؛ عالم متعدد رغم تجانسھ

ل، وتفكك التضامنات القدیمة كشاف عن عدة جوانب من حیاة الفئات السفلى بالمدینة، وعاداتھا، والنتائج االجتماعیة للھجرة، واالستئصا .تحت تأثیر اإلفقار الذي صعدتھ أزمة منتصف القرن الماضي

وبذلك طرح تقدم الظاھرة في فضاء المدینة مشاكل جدیدة على السلطة السیاسیة التي ظلت إلى ذلك الحین متعودة على مصادفة .االحترام الصارم للتراتبیة والتقطیع الدقیق لفضاء المدینة

نحاول اإلحاطة بجغرافیة البغاء المتحركة في المدینة وتتبعھا، وجدنا أنفسنا مضطرین الستخراج وحصر المظاھر الدالة ونحن .الجدیدة لألزمة الحادة التسي شھدھا المجتمع التقلیدي حوالي نھایة الحقبة ماقبل االستعماریة

4 - *** م خریطة جغرافیة للبغاء في المدینة العربیة عملیة ال غنى عنھا لكل دراسة ما ھي األمكنة التي كانت تأوي البغاء؟ تعتبر عملیة رس

تسعى إلى اإلحاطة بالظاھرة في الزمان والمكان، في آن واحد، ولكنھا تظل عملیة صعبة التحقیق بالدقة المطلوبة نظرا للحالة التي توجد .علیھا الوثائق

وحررت بشأنھا محاضر، یمكن إبداء بعض المعاینات واستخالص بعض من خالل مواقع القضایا التي تدخلت فیھا الشرطة، .االستنتاجات األولیة

.ضاحیة باب الجزیرة، ثم المدینة السفلى :یرتسم محوران، والتي تورطت المومسات فیھا في جنح المشاجرات، وإقالق راحة 1861إن جدول التقسیم الجغرافي للقضایا المحددة طوال سنة

قضیة من ھذا 17النائمین، وجنح أخرى، یضع على رأس األمكنة درب سیدي زھیر الذي یقع على مقربة من سیدي منصور، وذلك بـ ، وھو یقع في حي الحجامین غیر بعید من قضایا 7ویحتل درب سیدي بلحسن الرتبة الثانیة بـ .63النوع من مجموع عدد القضایا البالغ

.درب سیدي زھیر .[19]في المجموع، أكثر من نصف القضایا الـمحصورة في المدینة في ذلك العام، وقعت في ضاحیة باب الجزیرة

فالتراتبیة، ونظام .نھ لیس ھناك ما یدعوا للتعجب في أن یقع البغاء في الھامش، في ضواحي المدینة العربیةللوھلة األولى، یبدو أ .القیم المھیمن، وربط لبغي بأسافل المجتمع، كلھا عوامل تتداخل لتفسیر نبذھا خارج أسوار المدینة

ة المكان المفضل للبغاء قبل ضاحیة باب السقایة الكبیر، بید أن ثمة مجال للتساؤل عن العوامل التي جعلت من ضاحیة باب الجزیرویمنح جدول .بالنسبة لضاحیة الجنوب في ذلك الوقت 2270منزل سكني مقابل 3500بوقت طویل، والذي كان مأھوال بكثافة تبلغ حوالي

.وبإحصاء المنازل وأمكنة األنشطة االقتصادیة، لباب السویقة امتیازا واضحا على ضاحیة الجنالحلفاوین الذي صار مكان إقامة [واسمھ]في مقارنة أولى بین ضاحیتي تونس، تبدو ضاحیة باب السویقة أقل فقرا بحیھا السكني

فیھ باإلضافة إلى ذلك، فموقع ھذا الحي .جزء من األرستقراطیة التونسیة، خصوصا بعد أن بنى یوسف الصاحب وزیر حمودة باشا قصرهلقد كان باب علیوة یشكل، في .لھجرة آلتیة من وسط بالد تونس أو جنوبھا وكذلك من باقي أنحاء المغرب العربيیفتحھ على حركة ا

.الواقع، منفذ دخول أمواج المھاجرین إلى تونس

ولذا، نجد أنفسنا أمام إغراء اعتبار ھذه الضاحیة كانت تشتمل على الفئة األكثر انحطاطا، وتتضمن أقوى نسبة من األجانب .القادمین من باقي بلدان المغرب الغربي

یتیح لنا ھذا الوضع الرئیسي تقدیم عناصر أولى للتفسیر، ال سیما أن أكبر جزء من المومسات كان یتجند داخل األوساط البدویة االندماج المتألفة من البدو ، وجماعاتھا الفقیرة وسیئة50فضاحیة باب الجزیرة، بفنادقھا ووكاالتھا التي یفوق عددھا الـ .وأوساط الھجرة

وفوق ذلك، ال یدخل في باب الصدفة أن أشھر المومسات المعروفات لدى الشرطة كن نساء .واألجانب، كانت تأوي أكبر عد من العاھرات .تنحدرن من أصل مغاربي وتقطن في الشوارع الصغیرة بالضاحیة .اإلحاطة بھا جیدالنحاول إلقاء نظرة عن كثب على األماكن قصد مقاربتھا و

، مثل درب سیدي بلحسن، وبوسعدیة، (زنقات أو صابات)كانت األمكنة السكنیة التي یتردد ذكرھا تأخذ شكل دروب أو أزقة مغطاة بعیدا عن الطرق الكبرى، بمنأى عن -داخل زنقات مغلقة ...أم أنھا كانت تحمى؟ -وبذلك، كانت المومس تنزوي، تدخل .وسیدي زھیر

والدرب ھنا مرادف لالنزواء ونصف السریة داخل المدینة، في آن واحد، كما أنھ كذلك خط فاصل◌، مكان◌ یقع على .الساحات العمومیةوالزنقة أو الدریبة مكانان ینتمیان عموما إلى عائلة أو جماعة .حدود الفضاءات الخصوصیة والفضاءات العمومیة في قلب المدینة العربیة

.إنھا فضاءات شبھ مفتوحة، ضبابیة، وغامضة .ا بینھا بعالقات خاصةترتبط فیمویتأكد حصر المومس في فضاءات مغلقة عندما نعلم، من المصادر، أن الظھور العمومي للمومسات في الفضاءات المفتوحة لم

ب الخضراء، والتي ترتبط بتقلید آل إلى یكن في الواقع سوى ظاھرة استثنائیة على نحو ما نجده في الكرنفاالت التي كانت تنظم بالبا .18االنقراض في نھایة القرن

لكن األمر، في ھذه المرة، یتعلق بدروب في داخل المدینة تأوي .یرد ذكر محاور على مقربة من باب الجزیرة وباب الجدید .ذلكویشكل درب سیدي عاید الذي یقع في حي العسلي وصابة زیاتین أحسن مثالین على .العاھرات

.وبذلك، فالبغي لم تكن غائبة عن المدینة، كانت حاضرة فیھا ولكن منبوذة في محیطھا ؟«الحي المخصص»أي شكل كان یأخذه ما یسمى بـ

من خالل األرشیفات یتضح أن الدروب واألزقة التي تأوي المومسات لم تكن فضاءات مقصورة علیھن وحدھن، بل على العكس كثیرا ما كانت تنشب خصومات، وكانت العائالت تقدم شكایة .نساء اللذة والنساء الصالحات، كما تشھد الوثائق بذلكغالبا ما كانت تتعایش

.ضد ھذه المومس أو تلك إلرغامھا على الرحیللفساد ، اتھمت خدوجة بنت علي الغربي، القاطنة في حومة العسلي، با1862ففي شھر یونیو عام :واألمثلة في ھذا الباب ال تنقص

من قبل جیرانھا، فأرغمت على مغادرة مسكنھا بقرار من مجلس الشرطة، وبذلك فقدت حق اإلقامة في أحد طوابق «الحیاة الفضائحیة»و .الحي «بغي»وبذلك، ربح السكان القضیة ضد .المنزل

ومعنى ذلك .«عائالت محترمة» ،35في درب بوسعدیة، كانت أربع منازل تأوي مومسات، فیما كانت تسكن بباقي البیوت، وعددھا منازل تنتمي 9في مكان آخر، ھو زنقة بونعیم المخصص للبغاء منذ سنوات، كانت .أن تلك العاھرات قد استغلت فضاء لم یكن موجھا لھن

.[20]لمومسات 13و «عائالت صالحة»لـ تذكر حاالت مماثلة في دربین .یبدو في ھذه الحالة أن عائالت معروفة بأخالقھا الصالحة، ربما استثمرت فضاء مخصصا للبغاء

.آخرین بحومة العسلي في الجنوب الغربي داخل المدینةیقدم الجدول متغیرات عدیدة ولوینات جغرافیة متحركة للبغاء تشیر إلى وجود حاالت لالختالط تفسر، في آن واحد، تعددیة ھكذا

.الصراعات لكن أیضا قبول العاھرة في المدینةالعاھرة في المدینة إن رفض المجاورة الذي یبرر في أغلب األحیان بانعدام األمن واإلخالل بنظام الحي وھدوءه، لم یمنع مبدإ قبول

.ھذا واقع ال یقبل الجدل في جوھره .droit de citéكان للعاھرة حق المدینة .والتكفل بھا من لدن مجموع الجسد االجتماعيما ھي سیاسة السلطات أمام تصاعد االحتجاجات والصراعات من ھذا النوع، بالخصوص حوالي نھایة المرحلة ما قبل

االستعماریة؟لطات البلدیة واألمنیة مواقف شدیدة التعقید، تغلب فیھا غالبا حس الواقع والبراغماتیة على الرؤیة الفقھیة التي واجھت الس

فعندما كانت شكایات تتأكد بشھود عدیدین، .تدل الوثائق على وجود مسعى تجریبي یعالج كل حالة في خصوصیتھا .یصوغھا العلماءتلبس بالمشاجرة واإلخالل بالنظام في أمسیات غنائیة تتحول إلى مشاجرات بین السكارى، فإن وعندما كانت الضنینة تكتشف في حالة

.رئیس مجلس الشرطة كان یتخذ بنفسھ قرار ترحیل المتھمة، ویرغمھا على مغادرة الحياحیة باب ، أرغمت مجموعة من العاھرات على الرحیل من منزلین كن یسكن بھما في رأس الدرب بض1862ففي شھر ینایر

وفي أبریل من العام نفسھ، تعرضت یامنة بنت حسن السوسي للترحیل .[21]الجزیرة، وذلك على إثر عدة شكایات تقدم بھا الجیران ضدھن .[22]الكائنة بقلب المدینة، وذلك لألسباب نفسھا من المنزل الذي كانت تكتریھ في حومة األندلس

.بید أن الرئیس كان یحترز من اتخاذ قرارات تعسفیة لدى افتقار الشكایات إلى أساس ترتكز علیھ ولدى غیاب الشھودالمسألة للشأن الیومي، كانت السلطات تواجھ مواقف أشد تعقیدا تقتضي تدخالت أكثر حزما، وذلك للتحكم في لكن، بجانب ھذه

.البغاء وتوزیعھ في فضاء المدینة، یثبت رئیس المجلس البلدي محضر معاینة میدانیة أجریت في حي 1873ففي رسالة موجھة إلى الوزیر خیر الدین، في شھر ماي

.[23]نة السفلى، على مقربة من الحي الیھوديسیدي بیان بالمدیوأمام المشاكل التي تطرحھا مسألة التعایش، خصوصا احتجاجات العائالت، وبالنظر إلى النسبة المرتفعة للمنازل التي تأوي

«الغیتو»ار المجلس حال توافقیا عن طریق إنشاء باب یفصل شطري الحي، خالقا بذلك فضاء مخصصا ھو نوع من العاھرات، فقد اخت

لنسجل أن ھذا الحي كان یأوي العاھرات المسلمات .، معزول عن الفضاء العام«النساء العمومیات»وبذلك نشأ حي مخصص للـ .للبغاء .والیھودیات في آن واحد

حیث تم فتح درب محروق الكائن بحومة التنور التي تأوي .1872ھة في المدینة السفلى، خالل شھر ینایر وقد حدثت حالة مشاب .عاھرات، تم فتح رأسھ الثاني بعد انھیار جزء آخر من السور محاذ لسیدي بومندیل، خالقا بذلك وضعیة تتعارض مع التنظیمات العرفیة

.زء السور إلغالق الدرب الجدیدومن ثمة، كان الحل المقترح ھو إعادة بناء جفبعد أن :1862أمام قضایا أخرى أكثر تعقیدا، وجدت السلطات نفسھا موزعة بین متطلبات متناقضة كما كان الحال في شھر ینایر

عدم ، وفي آن واحد، [السلطة نفسھا]اضطرت السلطة إلسكان عاھرات في المنازل المجاورة للحي األوروبي بمدینة بیزرطة، أظھرت اكتراثھا لما یمكن أن یترتب عن ذلك في حي یتردد علیھ باستمرار مالحون مسیحیون صیادو المرجان، وعجزھا عن التحرك بكیفیة

وفوق ذلك، فقد أكدت المراسلة الخاصة .أخرى، خاصة أن سكان األحیاء األخرى للمدینة كانوا یرفضون قبول إقامة العاھرات بجوارھنإلى ضرورة إعادة -فیما یبدو -أربعة الكائنة على مقربة من الحي اإلفرنجي كانت ھي حیھم األصلي، ملمحین بذلك بھذه القضیة أن حومة

.ترحیلھن إلى منطقتھن األصلیةیستخلص من مختلف الوثائق والمراسالت المذكورة سابقا أن السلطات كانت تواجھ بعض الصعوبات في التحكم في حیاة الترحل

ر في حاالت عدیدة، بالعبارة التالیة .رفھا البغاء داخل المدینةالتي كان یع ر ب تبعا » :وقد كان اللجوء إلى إیواء العاھرات في أحیاء خاصة، ی .، والتي تعود إلى قواعد سلفیة غیر مدونة في نصوص مكتوبة«للقواعد العرفیة الجاري بھا العمل منذ سنوات عدیدة

عا في فضاءات مغلقة، لكن ھذا بالضبط ھو ما كان یتیح لھ أن یحظى بالقبول في المدینة شریطة أن كان البغاء دائما محصورا، م جم .ال یستثمر الفضاء العمومي

كان مجلس الشرطة البلدیة والسلطات البلدیة،، یتوصالن دائما، في حدود ما یملكان من وسائل ، إلى أشكال من التدخل والمصالحة .للتسویة ترتكز على إعادة رسم الحدود الدقیقة بین العالمین داخل فضاء المدینةفیجدان بذلك حلول

ففي مراسلة .غیر أن الوضع سیعرف، بمجيء االستعمار، تصعیدا في اتجاه عجز معلن للسلطات البلدیة عن التحكم في الوضعخطھ وعجزه، في آن واحد، أمام إنشاء أحد ، موجھة للوزیر األول، عبر رئیس المجلس البلدي لتونس عن س1882مؤرخة في غشت

الفرنسیین لماخور في منزل یقع بزنقة المختار، اكتراه األجنبي وسط المدینة، وقد عبر السكان في مرات عدیدة عن استیائھم واحتجاجاتھم في الوثیقة، «ماخور»وقد استعملت كلمة .، على النمط األوروبي، في مدینة تونس«المنزل المغلق»ألول مرة استقر .[24]بدون جدوى

.لتشیر بذلك إلى أن األمر یتعلق بحصول عدوان موصوف داخل المدینة .، الموجودة في الزنقة نفسھا«رةالدار الكبی»الشھیر، الذي سیعرف فیما بعد باسم «بالمنزل المغلق»ربما تعلق األمر ھناك

بتتبع مناطق انتشار البغاء وتجمعھ، عن كثب، فإن المكانین اآلخرین اللذین یلفتان انتباھنا ھما المدینة السفلى في اتجاه الحي .اإلفرنجي ثم الحي الیھودي بتونس الذي یعرف باسم الحارة

دول الذي أقمناه لتوزیع قضایا االعتقاالت بحسب األحیاء، یبدو في موقع في الج (منطقة البغاء الیھودي)یبدو حي عبد هللا الكرش للبغاء الیھودي، «األمكنة العلیا»وباعتبار ھذا الحي أحد .1861جید، إذ كانت زنقة سیدي عبد هللا الكرش تحتل المرتبة الثالثة خالل سنة

.تتوظف المومسات من داخل المجموعة الیھودیة الفقیرة بتونسوفي ھذا المكان كانت .فإنھ كان یقع بین الحارة والحي اإلفرنجيبأھم األزقة والدروب التي تأوي البغاء في ھذه المناطق، یمكننا أیضا أن نذكر دروب المحروق، وسیدي بیان، وسیدي مردوم،

.وزنقة القرامد، ثم زنقة المكتار التي التحقت بھا بعد وقت طویلفي منطقتھا الشرقیة أحد أحیاء البغاء المعروفة، ولو أن المصادر ال تشیر إلیھ إال في وقت الحق، كانت ضاحیة باب السویقة تأوي

كان الوضع .ونجد اسم ھذا الحي في وثائق نھایة القرن مرفوقا بمعلومات عن النساء اللواتي كن یسكن فیھ .وھو زنقة سیدي بونعیم .یفسر طبیعتھ المختلطة، حیث كانت تقیم فیھ مسلمات ویھودیات في آن واحد -موقعھ على حدود الحارة والضاحیة -الخاص لھذا الحي

وقد ساھم .كانت خصوصیة ھذه المناطق تكمن في تعددیة الحانات باعتبارھا األمكنة المفضلة للفساد، واللقاءات ومواعید الدعارة .ھذه األحیاء انفتاحا واسعا على استھالك الخمر األوروبي القوي انفتاح -الحضور الیھودي

فحي سیدي القرامد الذي كان یشكل فضاء مسیحیا بھذا .، كانت الـحانات في المدینة السفلى تعد بالعشرات18في نھایة القرن ویستنتج من األرشیفات التي اطلعنا علیھا أن قضایا االعتقال داخل 1862[25] .حانة سنة 16الجزء من المدینة، كان یتوفر بمفرده على

، تعرضت عائشة بنت محمد الصفاقسي لالعتقال في مدخل إحدى 1861یونیو 18ففي یوم .الحانات ووفي ضواحیھا كانت شائعة جداماي من العام نفسھ، اعتقلت عاھرتان مسلمتان 13وفي یوم .[26]یوم في االعتقال 14ر علیھا قضاء حانات الحي الیھودي، األمر الذي ج

.[27]في حانة قرب الخالدینیونیو 10ففي یوم :والحاالت المذكورة كانت شائعة .وحتى المقاھي والفنادق والمخازن كانت تشكل نقطا مفضلة لالصطیاد والفساد

.[28]، تعرضت فاطنة بنت عمور الغربي لالعتقال رفقة عمور بلحاج جلول، وكانا سكرانین، داخل مقھى بصابة الملح1861، في فنادق ووكاالت أو حانات، وھو ما یؤكد كثرة تردد البغایا على %5,14منھا، أي حوالي 9محصورة، وقعت 62ومن مجموع

.ھذه األماكنومناطق للتركز، فإنھا ال تعكس الواقع إال جزئیا، إذ غالبا ما كان منزل لكن جغرافیة البغاء ولو أنھا تتیح استخراج نقط قویة

.اللقاءات الغرامیة یكون معزوال في منأى عن أحیاء البغاء المشھورة في المدینة وحتى داخل الضاحیةء بعیدة عن معاقل منازل كانت تضرب فیھا المواعید مع أنھا تقع في أحیا 5نفسھا، استطعنا تحدید مواقع 1861وبخصوص سنة

، اقتحمت الشرطة منزل ابن عائلة من األعیان، اسمھ یوسف جلولي، العتقال جماعة من المومسات 1861اكتوبر 18ففي یوم .البغاء .[29]وقد لقي صاحب المنزل حتفھ على إثر سقوطھ وھو یحاول أن یلوذ بالفرار .والزبناء بعد أمسیة من احتساء الخمر والتشاجر والعراك

.یتیح توزیع فضاء المدینة استخراج ظاھرتین، ھما التمركز والنزوع إلى التشتتالسلطات على أن فھو بنبذه العاھرات خارج األحیاء السكنیة، كان یجبر :كان الجسد االجتماعي مسؤوال على نزعتین متعارضتین

، لكن ھذا الجسد االجتماعي نفسھ كان، بسبب حاجیات «األحیاء المخصصة»سیاسة العزل أو الحصر خالقا -تدریجیا -تتصور وتشغل .المجتمع الذكوري، یخلق الشروط المادیة الستقبال العاھرات في منازل سریة تضرب فیھا المواعید في قلب المدینة ذاتھا

.یتمدد في الفضاء الحضري ویتقلص بحسب تقلبات الظروف واألوضاع ومبادرات السلطة كما كان البغاءر عن واقع أن المجتمع الحضري وسلطتھ 19لكن النزعة العامة التي نسجلھا بالنسبة للنصف الثاني من القرن ، والتي كانت تعب

الظاھر والمتزاید للسلطات العمومیة عن تدبیر ومراقبة ھذه الفضاءات كانا یستقران في أزمة تتجاوز إمكانیاتھما، تلك النزعة تظھر العجز .والقطاعات

بالمعنى العصري، تدل، في «للحي المخصص»كانت استراتیجیة العزل أو الحصر بالنتیجة المترتبة عنھا، وھي الظھور التدریجي مستحیل احتواء العاھرات داخل زنقات ودروب للتعایش مع باقي آن واحد، على أن الظاھرة كانت تأخذ أبعادا من الكبر بحیث صار من ال

، ثم ظھور «الحي المخصص»قد فرضت نفسھا بما أتاح ظھور 19كانت الظروف االجتماعیة والسیاسیة في النصف الثاني للقرن .السكان .أو الماخور، بعد بضع سنوات، مع االستعمار تحدیدا «المنزل المغلق»

التي وجدت نفسھا تدریجیا منحطة (القدیمة)كانت الظروف قد نضجت، بشكل مفارق، في ظل سیاسة أزمة التبعیة، وإفقار المدینة .ومھمشة بالمقارنة مع المركز الجدید الذي احتلھ المدینة األوروبیة

لتطابق مع المیوالت المتفاعلة في كان تخصیص مدینة تونس بمؤسسات عصریة، كالمجلس البلدي أو الشرطة الحضریة، طریقة اتجاه الحداثة واالعترف بأزمة المدینة التي أدت بعد سنوات إلى جعل شطرھا القدیم حاضرة، فضاء تاریخیا منحطا بجانب المركز الجدید

.االستعماري الصاعدي مجموعھ، ھو الذي كان سیحتضن وھذا المركز بالضبط، الذي سیصیر من اآلن فصاعدا مركزا تاریخیا وھامشیا بشكل متزاید، ف

.، التنظیم البلدي الجدید حول الوقایة واألمكنة غیر الصحیة1885األحیاء المخصصة التي سیحكمھا، ابتداء من عام ، مكملھا في سیاسة الحكم نفسھ تجاه ظواھر أخرى 19لقد وجدت نفسھا ھذه السیاسة الرسمیة تجاه البغاء، منذ منتصف القرن

، كانت السلطة السیاسیة قد وصلت إلى 19إلى حدود منتصف القرن .كنة المتاجرة واستھالك المشروبات الكحولیة، ولعب القمارمثیلة، كأمضمان نوع من التوازن بین متطلبات متناقضة والحفاظ على األماكن والفضاءات المحفوظة لبیع واستھالك الخمور والمشروبات الروحیة

.19ھذه المراقبة صارت تدریجیا مستحیلة في النصف الثاني من القرن لكن .في الحدود المقبولةلكن، بعد ذلك، .في زمن أحمد باي، كانت صرامة السلطات العمومیة جلیة في تحدید ھذه الفضاءات واألمكنة التي یدبرھا أوروبیون

لتي شھدھا منتصف القرن، اجتاحت حانات بیع الخمور مع رسوخ القوى األوروبیة وتزاید أعداد األجانب في المدینة بعد الھجرة الكثیفة ابالتقسیط جمیع األحیاء، بالخصوص تلك التي تقع في ضواحي المدینة، إذ تجاوز عددھا بكثیر الحصة المتوقعة، كما صارت ألعاب القمار

.تجذب التونسیین بشكل متزاید في الحاناتبدون نتیجة؛ فالشرطة الحضریة كانت إمكانیاتھا وقدراتھا أقل من أن صارت مراسلة القناصلة واإلعراب عن االحتجاجات لدیھم

فالزواویون الذین كانوا ینظمون ألعاب القمار، كانوا محمیین فرنسیین، وجغرافیة الحانات وأماكن اللعب .تسمح لھا بالتحكم في الوضع .كانت موازیة لجغرافیة أحیاء البغاء

خاصة واضحة أكثر كما عرفت صیاغة أفضل، لكن فعالیتھا وإجرائیتھا تناقصا بشكل صارت سیاسة التطویق والحصر في أماكنوبذلك، عبرت ھامشیة البغاء عن نفسھا في فضاء المدینة وفي جغرافیتھا، لكن األمر لم یكن یتعلق إطالقا بھامشیة جامدة، ثابتة أو .متزاید

ج مختلف الظرفیات معبرة عن الشرط االجتماعي لقطاعات أوسع داخل كانت ھامشیة متحركة، عبر الفضاء الحضري، تعید إنتا .قارة .المجتمع المدیني، وكذلك عن مختلف مواقف السلطات ومجموع الجسد االجتماعي تجاه الظاھرة .كیف كان ھذا العالم یعیش یومیا؟ یجد السؤال جوابھ في متابعة رحلتنا في قلب ھذا العالم

هوامــش

[1] A. N. Font Zaptiés.

.81 .انظر الجدول في الملحق، ص [2]بحسب دشین. لقد ضاعفنا ھذا العدد، مرتكزین على كون تونس 1830، المقدم في الجزائر حوالي 500، رجعنا إلى عدد 1860لتقدیر عدد عاھرات تونس حوالي [3]

.peupléكانت مدینة أكثر تفتحا من الجزائر وأكثر :انظـر [4]

- A. N. Registre 3968. Recensement des algériens installés à Tunis 1876. [5] A. N. fonds Zaptiés année 1278 / 1861-62: Doc 105.

[6] P. Pellegrin, Les noms de rues du vieux Tunis, Tunis. [7] Viviane Plâaques, L’arbre cosmique, Paris, 1964, p. 205.

[8] Viviane Pâques, L’arbre cosmique, Paris 1964, p. 205. [9] Cf. Fonds Zaptié, op. cit.

.262 .، ص3 .ابن أبي ضیاف، إتحاف...، ج [10] .3537، الخزانة الوطنیة، مخطوطة رقم المشرع الملكي في سالطین أوالد التركيالصغیر بن یوسف، [11]

التونسیة بعد الحرب العالمیة الثانیة بالخصوص. تشكل أغنیاتھا بموضوعاتھا كما بالصوت الذي یغنیھا، األغنبیة» لقد طبعت المغنیة الشعبیة الكبیرة "صلیحة [12])، التي تعید رسم ھروب فتاة مع 79مع العزابة (الواردة في ملحق الكتاب، ص. «الروح العمیقة لتونس بألوانھا ولویناتھا الجھویة، قصصھا وذاكراتھا. وأغنیة

.(؛ راجع بھذا الصدد: الرزكي، األغاني التونسیة، (بالفرنسیة»وسالت«لرحل [تلك األغنیة] مستوحاة من الملحمة التراجیدیة لقبائل جبل جماعة من الرعاة ا[13] Emile Dermenghem, Le pays d’Abel, Paris 1960, pp. 67-70.

.، بالملحق1انظر: الجدول رقم [14][15] A. N. T., Dossier 634, carton 58, Doc. 1.2.3.4.5.

[16] A. N. T., Fonds Zaptiés, année 1861. [17] A. N. T, Fonts Zaptiés, op. cit.

[18] Heinrich Von Malzar, Reize in den Regeschaften Tunis und Tripoli (Leipzig 1870), t. 1, p. 26-27. .في الملحق 2راجع الجدول رقم [19]

[20] A. N. T., Dossier 634, Carton 58, Doc. 1.2.3.4.5. [21] A. N. Fonds Zaptié. Dossier 4, Carton 2 (rapports du troisième trimestre ed l’année 1862, Doc. 95).

[22] A. N. Dossier 634, Carton 58, Document 1. 2. 3. 4. 5. [23] A. N. Dossier 634, op. cit. [24] A. N., Dossier 634, op. cit.

[25] A. N., Fonds Zaptié, Rég. 59. [26] A. N., Fonds Zaptié, Dossier 1278, Doc. 105. [27] A. N., Fonds Zaptié, Dossier 1278, Doc. 110. [28] A. N., Fonds Zaptié, Dossier 1278, Doc. 111.

[29] A. N., Fonds Zaptié, (1861) Doc. 105.