i

مقدمة املؤلف

احلمد هلل الذي أرسل رسله ابلبينات واهلدى، ليخرجوا الناس من الظلمات إىل النور، ويهدوهم إىل صراط العزيز احلميد.

والصالة والسالم على أفضل رسله، وأشرف دعاته، سيدان دمحم ملسو هيلع هللا ىلص الذي ختم هللا به رسله، شؤون احلياة صغريها وكبريها، وختم بدينه الشرائع، فجعل فجعل سريته قدوة لكل مؤمن يف مجيع

رسالته أكمل الرساالت وأوفاها حباجات الناس يف خمتلف بيئاهتم وعصورهم، صلى هللا وسلم عليه وعلى أصحابه اهلداة الربرة الذين علم هللا فيهم سالمة الفطرة، وصدق العقيدة، وعظيم التضحية،

ىل أمم األرض، فأراقوا يف سبيلها دماءهم، وفارقوا من أجلها دايرهم، فشرفهم حبمل رسالة اإلسالم إحىت أدوا األمانة، وبلغوا الرسالة، ونصحوا هلل ورسوله، فكان هلم فضل على اإلنسانية ال يعرف مداها، ودين يف عنق كل مسلم حىت يرث هللا األرض ومن عليها، رضوان هللا عليهم وعلى من أحبهم

ة إىل هللا من بعدهم حىت يوم الدين.ومحل لواء الدعو

فهذه مذكرات كتبتها على عجل وشدة من املرض بعد أن ألقيتها حماضرة مفصلة على .وبعدطالب السنة األوىل يف كلية الشريعة توخيت فيها أن أبرز أوضح مظاهر األسوة يف سرية الرسول

إىل هللا عز وجل، وعامل ابلشريعة، وحامل لفقهها، أن الكرمي ملسو هيلع هللا ىلص، مما ينبغي على كل مسلم وداعية يتدبره وجيعله نصب عينيه، ليكون له شرف االقتداء برسوله ملسو هيلع هللا ىلص، وليفتح أمامه ابب النجاح يف دعوته بني الناس، وابب القبول والرضى من هللا جل شأنه، وليكتب له شرف اخللود مع رسوله صلى هللا

ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تري من جنات النعيم، فإن هللا تعاىل يقول: }عليه وسلم يف [.31{ ]النساء: تتها األن هار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم

هذا وقد جعلت البحث وفق املنهج التايل: مقدمة وتشتمل على حبثني: -أ

ة السرية النبوية والفائدة من دراستها.يف ميز -3 يف مصادر السرية النبوية ومراجعها الصحيحة. -2 :يف فقه سريته ملسو هيلع هللا ىلص ويشتمل على عشرة فصول -ب

ii

يف حياته ملسو هيلع هللا ىلص قبل البعثة. -الفصل األول يف حياته بعد البعثة إىل اهلجرة إىل احلبشة. -الفصل الثاين يف حياته بعد هجرة احلبشة إىل اهلجرة للمدينة. -الثالفصل الث يف هجرته حىت استقراره ابملدينة. -الفصل الرابع يف معاركه احلربية منذ غزوة بدر حىت فتح مكة. -الفصل اخلامس يف انتشار اإلسالم يف جزيرة العرب بعد الفتح. -الفصل السادس يف حياته بعد الفتح إىل الوفاة. -الفصل السابع يف خصائص التشريع اإلسالمي يف املدينة. -الفصل الثامن يف أخالقه وافرتاءات املستشرقني واملبشرين. -الفصل التاسع يف أثره وأثر رسالته يف العامل. -الفصل العاشر

وهللا أسأل أن يوفقين يف مثل هذه العجالة القصرية املستعجلة إىل إمعان النظر يف السرية إىل الغرض املتوخى من تدريس هذه املادة يف كلية الشريعة حبيث حيمل طالهبا النبوية مبا يؤدي

وطالباهتا على أن يتعشقوا دراسة سريته الطاهرة، فيحملوا من معانيها ودروسها يف نفوسهم ما جيعلهم قدوة للناس يف استقامتهم وصالح سريهتم، وحسن هديهم يف الدعوة إىل اإلصالح حىت يعود الرسول

للمسلمني ددسا منرية تبدد لمات حياهتم، و ةدهم ابحلرارة والدفء يف قلوهبم وعقوهلم وسلوكهم ملسو هيلع هللا ىلصفيعود للمجتمع اإلسالمي صفاؤه واستقامته ومثاليته اليت جتعله من جديد يف مكان الصدارة والقيادة

ة أخرجت } لشعوب العامل، ويتحقق بذلك قول هللا فينا حنن املسلمني مرة أخرى: ر أم كنتم خي هون عن المنكر وت ؤمنون بلله [.333{]آل عمران:للناس تمرون بلمعروف وت ن

هـ3133دمشق رمضان

مصطفى السباعي

iii

الفهرس i ...................................................................... مقدمة املؤلف

iii ...................................................................... الفهرس

3 ............................................................... ميزة السرية النبوية 5 ............................................................... مصادر السرية النبوية

9 ........................................................ تطور التأليف يف السرية

31 ................................................. الفصل األول يف حياته قبل البعثة 31 ............................................................... الوقائع التارخيية 32 ........................................................ الدروس والعظات

31 ............................ يف السرية منذ البعثة حىت اهلجرة إىل احلبشة الفصل الثاين 31 ............................................................... الوقائع التارخيية

39 ........................................................ الدروس والعظات

22 ..................... للمدينةيف السرية بعد هجرة احلبشة إىل اهلجرة الفصل الثالث 22 ............................................................... الوقائع التارخيية

22 ........................................................ الدروس والعظات

22 ............................ منذ اهلجرة حىت استقرار النيب يف املدينة الفصل الرابع 22 ............................................................... الوقائع التارخيية

11 ........................................................ الدروس والعظات

12 .......................................... يف معارك الرسول احلربية الفصل اخلامس 12 ............................................................... الوقائع التارخيية

12 ...................................................... غزوة بدر الكربى 19 ........................................................ غزوة أحد 23 ........................................................ غزوة بين النضري

iv

22 ........................................................ غزوة األحزاب 21 ........................................................ غزوة بين قريظة 25 ........................................................ غزوة احلديبية 22 ........................................................ غزوة خيرب 23 ........................................................ غزوة مؤتة 29 ........................................................ غزوة الفتح 51 ........................................................ غزوة حنني 53 ........................................................ غزوة تبوك

52 ........................................................ الدروس والعظات

11 ....... أهم األحداث اليت وقعت بعد فتح مكة إىل وفاة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص الفصل السادس 11 ............................................................... غزوة حنني 29 ............................................................... حتطيم األصنام 31 ............................ غزوة تبوك وأهم ما يف هذه الغزوة من عرب ودروس 35 ............................................................... حجة الوداع 33 ............................................................... بعث أسامة 39 ........................................................ ة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلصوفا 91 ........................................................ درسان ابلغان

93 ...................................................................... مالحظة

1

ميزة السرية النبوية

جتمع السرية النبوية عدة مزااي جتعل دراستها متعة روحية وعقلية واترخيية، كما جتعل هذه الدراسة ضرورية لعلماء الشريعة والدعاة إىل هللا واملهتمني ابإلصالح االجتماعي، ليضمنوا إبالغ الشريعة إىل الناس

ن به عند اضطراب السبل واشتداد العواصف، ولتتفتح أمام أبسلوب جيعلهم يرون فيها املعتصم الذي يلوذو الدعاة قلوب الناس وأفئدهتم، ويكون اإلصالح الذي يدعو إليه املصلحون، أقرب جنحا وأكثر سدادا.

وجنمل فيما يلي أبرز مزااي السرية النبوية.

رسول هللا صلى هللا فقد وصلت إلينا سرية ,إهنا أصح سرية لتاريخ نيب مرسل، أو عظيم مصلح :أوالا يرتك جماالا مما ال - كما سنرى يف حبث مصادر السرية - عليه وسلم عن أصح الطرق العلمية وأقواها ثبوات

للشك يف وقائعها البارزة وأحداثها الكربى، ومما ييسر لنا معرفة ما أضيف إليها يف العصور املتأخرة من اهل الراغب يف إضفاء الصفة املدهشة على رسول هللا أحداث أو معجزات أو وقائع أوحى هبا العقل اجل

ملسو هيلع هللا ىلص أكثر مما أراد هللا لرسوله أن يكون عليه من جاللة املقام وقدسية الرسالة، وعظمة السرية.

إن امليزة من صحة السرية صحة ال يتطرق إليها شك ال توجد يف سرية رسول من رسل هللا م قد اختلطت عند ا وقائع سريته الصحيحة اما أدخل عليها اليهود من زيف السابقني، فموسى عليه السال

وحتريف، وال نستطيع أن نركن إىل التوراة احلاضرة لنستخرج منها سرية صادقة ملوسى عليه السالم، فقد أخذ كثري من النقاد الغربيني يشكون يف بعض أسفارها وبعضهم جيزم أبن بعض أسفارها مل يكتب يف حياة

وسى عليه السالم وال بعده بزمن قريب، وإمنا كتب بعد زمن بعيد من غري أن يعرف كاتبها، وهذا وحده مكاف للتشكيك يف صحة سرية موسى عليه السالم كما وردت يف التوراة، ولذلك ليس أمام املسلم أن يؤمن

بشيء من صحة سريته إال ما جاء يف القرآن الكرمي والسنة النبوية الصحيحة.

ثل ذلك يقال يف سرية عيسى عليه السالم، فهذه األ اجيل املعرتف هبا رمسيا لدى الكنائس وم –بدون مسوغ علمي –املسيحية إمنا أقرت يف عهد متأخر عن السيد املسيح امئات السنني، وقد اختريت

جيل لكاتبيها مل من بني مئات األ اجيل اليت كانت منتشرة يف أيدي املسيحيني يومئذ. مث إن نسبة هذه األ ايثبت عن طريق علمي تطمئن النفس إليه، فهي مل ترو بسند متصل إىل كاتبيها، على أن اخلالف قد وقع

أيضا بني النقاد الغربيني يف أمساء بعض هؤالء الكاتبني من يكونون؟ ويف أي عصر كانوا؟

2

الشك أقوى يف سرية وإذا كان هذا شأن سري الرسل أصحاب الداي ات املنتشرة يف العامل، كان أصحاب الداي ات والفالسفة اآلخرين الذين يعد أتباعهم امئات املاليني يف العامل، كبوذا وكونفوشيوس، فإن الرواايت اليت يتناقلها أتباعهم عن سريهتم ليس هلا أصل معترب يف نظر البحث العلمي، وإمنا يتلقفها الكهان

اما هو من قبيل األساطري واخلرافات اليت ال يصدقها العقل النري فيما بينهم، ويزيد فيها كل جيل عن سابقه املتحرر اخلايل من التعصب لتلك الداي ات.

وهكذا جند أن أصح سرية وأقواها ثبوات متواترا هي سرية دمحم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص.

هللا أبمه ع مراحلها، منذ زواج أبيه عبدإن حياة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص واضحة كل الوضوح يف مجي :ااثنيا آمنة إىل وفاته ملسو هيلع هللا ىلص، فنحن نعرف الشيء الكثري عن والدته، وطفولته وشبابه، ومكسبه قبل النبوة، ورحالته

وضح وأكمل كل أحواله سنة فسنة، ما أخارج مكة، إىل أن بعثه هللا رسوال كرميا، مث نعرف بشكل أدق و ا )عليه يه الصالة والسالم واضحة وضوح الشمس، كما قال بعض النقاد الغربيني: إن حممدا جيعل سريته عل

الصالة والسالم( هو الوحيد الذي ولد على ضوء الشمس.

وهذا ما مل يتيسر مثله وال قريب منه لرسول من رسل هللا السابقني، فموسى عليه السالم ال نعرف قبل النبوة، ونعرف الشيء القليل عن حياته بعد النبوة، مما ال شيئا قط عن طفولته وشبابه وطرق معيشته

يعطينا صورة مكتملة لشخصيته، ومثل ذلك يقال يف عيسى عليه السالم، فنحن ال نعرف شيئا عن طفولته إال ما تذكره األ اجيل احلاضرة، من أنه دخل هيكل اليهود، و اقش أحبارهم، فهذه هي احلادثة الوحيدة اليت

ا عن طفولته، مث نحن ال نعلم من أحواله بعد النبوة إال ما يتصل بدعوته، وقليال من أسلوب معيشته، يذكروهن وما عدا ذلك فأمر يغطيه الضباب الكثري.

فأين هذا مما تذكره مصادر السرية الصحيحة من أدق التفاصيل يف حياة رسولنا الشخصية، كأكله، ، ومنطقه، ومعاملته ألسرته، وتعبده، وصالته، ومعاشرته ألصحابه، وقيامه، وقعوده، ولباسه، وشكله، وهيئته

بل بلغت الدقة يف رواة سريته أن يذكروا لنا عدد الشعرات البيض يف رأسه وحليته ملسو هيلع هللا ىلص.

ته، ومل إن سرية رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حتكي سرية إنسان أكرمه هللا ابلرسالة، فلم خترجه عن إنساني :اثلثاتلحق حياته ابألساطري، ومل تضف عليه األلوهية قليال وال كثريا، وإذا قار ا هذا اما يرويه املسيحيون عن سرية عيسى عليه السالم، وما يرويه البوذيون عن بوذا، والوثنيون عن آهلتهم املعبودة، اتضح لنا الفرق جليا بني

3

د املدى يف السلوك اإلنساين واالجتماعي التباعهم، فادعاء سريته عليه السالم وسرية هؤالء، ولذلك أثر بعياأللوهية لعيسى عليه السالم ولبوذا جعلهما أبعد مناال من أن يكو ا قدوة منوذجية لإلنسان يف حياته

عيش ثل النموذجي اإلنساين الكامل لكل من أراد أن يالشخصية واالجتماعية، بينما ظل وسيظل دمحم ملسو هيلع هللا ىلص امللقد كان لكم في رسولي اللهي سعيدا كرميا يف نفسه وأسرته وبيئته، ومن هنا يقول هللا تعاىل يف كتابه الكرمي: }

ر [.21{]األحزاب:أسوة حسنة ل يمن كان ي رجو الله والي وم الخي

النواحي اإلنسانية يف اإلنسان، فهي حتكي لنا سرية دمحم إن سرية رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص شاملة لكل :رابعاالشاب األمني املستقيم قبل أن يكرمه هللا ابلرسالة، كما حتكي لنا سرية رسول هللا الداعية إىل هللا املتلمس أجدى الوسائل لقبول دعوته، الباذل منتهى طاقته وجهده يف إبالغ رسالته، كما حتكي لنا سريته كرئيس

ضع لدولته أقوم النظم وأصحها، وحيميها بيقظته وإخالصه وصدقه اما يكفل هلا النجاح، كما حتكي دولة يلنا سرية الرسول الزوج واألب يف حنو العاطفة، وحسن املعاملة، والتمييز الواضح بني احلقوق والواجبات

ذي يشرف على تربية أصحابه لكل من الزوج والزوجة واألوالد، كما حتكي لنا سرية الرسول املريب املرشد التربية مثالية ينقل فيها من روحه إىل أرواحهم، ومن نفسه إىل نفوسهم، مما جيعلهم حياولون االقتداء به يف دقيق األمور وكبريها، كما حتكي لنا سرية الرسول الصديق الذي يقوم بواجبات الصحبة، ويفي ابلتزاماهتا

م ألنفسهم وأكثر من حبهم ألهليهم وأقرابئهم، وسريته حتكي لنا وآداهبا، مما جيعل أصحابه حيبونه كحبه سرية احملارب الشجاع، والقائد املنتصر، والسياسي الناجح، واجلار األمني، واملعاهد الصادق.

وقصارى القول: إن سرية رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص شاملة جلميع النواحي اإلنسانية يف اجملتمع، مما جيعله القدوة الصاحلة لكل داعية، وكل قائد ، وكل أب، وكل زوج، وكل صديق، وكل مريب، وكل سياسي، وكل رئيس

دولة، وهكذا..

ونحن ال جند مثل هذا الشمول وال قريبا منه فيما بقي لنا من سري الرسل السابقني، ومؤسسي ذ أمته من العبودية، ووضع هلا الداي ات والفالسفة املتقدمني واملتأخرين، فموسى ميثل زعيم األمة الذي أنق

من القواعد واملبادئ ما يصلح هلا وحدها، ولكننا ال جند يف سريته ما جيعله قدوة للمحاربني، أو املربني أو السياسيني، أو رؤساء الدول أو اآلابء، أو األزواج مثال، وعيسى عليه السالم ميثل الداعية الزاهد الذي غادر

وال دارا، وال متاعا، ولكنه يف سريته املوجودة بني أيدي املسيحيني، ال ميثل القائد الدنيا وهو ال ميلك ماال،وال املشرع، وال غري ذلك مما متثله سرية - ألنه مل يتزوج-احملارب، وال رئيس الدولة، وال األب، وال الزوج

4

ن، و ابليون، وغريهم من عظماء التاريخ، دمحم ملسو هيلع هللا ىلص. وقل مثل ذلك يف بوذا، وكونفوشيوس، وأرسطو، وأفالطو إال لناحية واحدة من نواحي احلياة وبرزوا فيها واشتهروا هبا، -إن صلحوا-فإهنم ال يصلحون للقدوة

واإلنسان الوحيد يف التاريخ الذي يصلح أن يكون قدوة جلميع الفئات ومجيع ذوي املواهب ومجيع الناس هو دمحم ملسو هيلع هللا ىلص.

إن سرية دمحم ملسو هيلع هللا ىلص وحدها تعطينا الدليل الذي ال ريب فيه على صدق رسالته ونبوته، إهنا :اخامسا سرية إنسان كامل سار بدعوته من نصر إىل نصر ال عن طريق اخلوارق واملعجزات، بل عن طريق طبيعي

وكان حكيما، موفقا يف دعا فأوذي، وبلغ فأصبح له األنصار، واضطر إىل احلرب فحارب، دحبت، فلققيادته، فما أزفت ساعة وفاته إال كانت دعوته تلف اجلزيرة العربية كلها عن طريق اإلميان، ال عن طريق القهر والغلبة، ومن عرف ما كان عليه العرب من عادات وعقائد وما قاوموا به دعوته من شىت أنواع املقاومة

بينه وبني حماربيه يف كل معركة انتصر فيها، ومن عرف قصر حىت تدبري اغتياله، ومن عرف عدم التكافؤ املدة اليت استغرقتها رسالته حىت وفاته، وهي ثالث وعشرون سنة، أيقن أن دمحما رسول هللا حقا، وأن ما كان مينحه هللا من قوة وثبات وأتثري ونصر ليس إال ألنه نيب حقا، وما كان هلل أن يؤيد من يكذب عليه هذا

الفريد يف التاريخ، فسرية رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص تثبت لنا صدق رسالته عن طريق عقلي حبت، وما وقع له التأييدملسو هيلع هللا ىلص من املعجزات مل يكن األساس األول يف إميان العرب بدعوته، بل إ ا ال جند له معجزه آمن معها الكفار

حجة على من شاهدها، ومن املؤكد أن املسلمني الذين مل يروا املعاندون، على أن املعجزات املادية تكونالنيب ملسو هيلع هللا ىلص، ومل يشاهدوا معجزاته، إمنا آمنوا بصدق رسالته لألدلة العقلية القاطعة على دعواه النبوة، ومن هذه

ملسو هيلع هللا ىلص يف دعوى األدلة العقلية: القرآن الكرمي، فإنه معجزة عقلية، تلزم كل عاقل منصف أن بصدق دمحم الرسالة.

وهذا خيتلف متاما عن سري األنبياء السابقني احملفوظة لدى أتباعهم، فهي تدلنا على أن الناس إمنا آمنوا هبم ملا رأوا على أيديهم من معجزات وخوارق، دون أن حيكموا عقوهلم يف مبادئ دعواهتم فتذعن هلا،

يه السالم، فإن هللا حكى لنا يف القرآن الكرمي أنه جعل الدعامة األوىل وضح مثل لذلك السيد املسيح علأو يف إقناع اليهود بصدق رسالته أنه يربئ األكمه واألبرص، ويشفي املرضى، وحييي املوتى، وينبئهم اما أيكلون

هي ويدخرون يف بيوهتم، كل ذلك إبذن هللا جل شأنه، واأل اجيل احلاضرة تروي لنا أن هذه املعجزات وحدها اليت كانت سببا يف إميان اجلماهري دفعة واحدة به، ال على أنه رسول كما حيكي القرآن الكرمي، بل

-واملسيحية بعد املسيح انتشرت ابملعجزات وخوارق العادات -حاشا هلل من ذلك-على أنه إله وابن إله

5

ى املسيحية اليت يؤمن هبا حىت ليصح لنا أن نطلق عل –ويف سفر أعمال الرسل أكرب دليل على ذلك أتباعها أهنا دين قام على املعجزات واخلوارق، ال على اإلقناع العقلي ومن هنا نرى هذه امليزة الواضحة يف سرية الرسول ملسو هيلع هللا ىلص، أنه ما آمن به واحد عن طريق مشاهدته ملعجزة خارقة، بل عن اقتناع عقلي وجداين،

وله ابملعجزات اخلارقة، فما ذلك إال إكرام له ملسو هيلع هللا ىلص وإفحام ملعانديه املكابرين ومن وإذا كان هللا قد أكرم رستتبع القرآن الكرمي وجد أنه اعتمد يف اإلقناع على احملاكمة العقلية، واملشاهدة احملسوسة لعظيم صنع هللا،

ن الكرمي دليال على صدق رسالته صلى هللا واملعرفة التامة اما كان عليه الرسول من أمية جتعل إتيانه ابلقرآا اليت عيند عليه وسلم، يقول هللا تعاىل يف سورة العنكبوت: } وقالوا لول أنزيل عليهي آيت م ين رهب يهي قل إينه

م أنه أنزلنا عل ا أن نذيير مبيني ، أول يكفيهي م إينه في ذليك لرحة وذيكرى اللهي وإينه لى عليهي يك الكيتاب ي ت [، وملا اشتط كفار قريش يف طلب املعجزات من رسول هللا صلى هللا 55،51{ ]العنكبوت: ليقوم ي ؤمينون

رب ي هل كنت إله بشرا قل سبحان عليه وسلم كما كانت تفعل األمم املاضية، أمره هللا أن جييبهم بقوله: }وقالوا لن ن ؤمين لك حته [. استمع إىل ذلك يف قوله تعاىل يف سورة اإلسراء: }33]اإلسراء: {رهسول

ر األن هار نب ف ت فج ي ريا، أو ت فجر لنا مين األرضي ينبوعا ، أو تكون لك جنهة م ين نهييل وعي اللا ت فجي خيلل ي والمآلئيكةي قبييال، أو يكون لك ب يت بي نا كيسفا أو تتي م ين زخرف أو تسقيط السهماء كما زعمت علي

نا كيتاب قل سبحان رب ي هل كنت إله بشرا ت رقى في السهماء ولن ن ؤمين ليرقيي يك حته ت ن ز يل علي ن هقر [.33-31{ ]اإلسراء: رهسول

هكذا يقرر القرآن بصراحة ووضوح أن دمحما ملسو هيلع هللا ىلص إنسان رسول، وأنه ال يعتمد يف دعوى الرسالة على {الل أن ي هدييه يشرح صدر ليإليسالمي فمن يريدي اخلوارق واملعجزات، وإمنا خياطب العقول والقلوب، }

[.125]األنعام:

:مصادر السرية النبوية

تنحصر املصادر الرئيسة املعتمدة للسرية النبوية يف أربعة مصادر: القرآن الكرمي: -1

ييدك أل } وهو مصدر أساس نستمد منه مالمح السرية النبوية، فقد تعرض القرآن الكرمي لنشأتهوإينهك لعلى [ كما تعرض ألخالقه الكرمية العالية }6-5{ ]الضحى: يتييما فآوى ، ووجدك ضالا ف هدى

6

[. وقد حتدث القرآن عما لقيه عليه الصالة والسالم من أذى وعنت يف سبيل 4]القلم: {خلق عظييم ن السحر واجلنون صدا عن دين هللا عز وجل، وقد تعرض دعوته، كما ذكر ما كان املشركون ينعتونه به م

القرآن هلجرة الرسول كما تعرض ألهم املعارك احلربية اليت خاضها بعد هجرته، فتحدث عن معركة بدر، وأحد، واألحزاب، وصلح احلديبية، وفتح مكة، وغزوة حنني، وحتدث عن بعض معجزاته، كمعجزة اإلسراء

واملعراج.

دث عن كثري من وقائع سرية الرسول ملسو هيلع هللا ىلص، وملا كان الكتاب الكرمي أوثق كتاب على وابجلملة فقد حتوجه األرض، وكان من الثبوت املتواتر اما ال يفكر إنسان عاقل يف التشكيك بنصوصه وثبوهتا التارخيي، فإن

ما تعرض له من وقائع السرية يعترب أصح مصدر للسرية على اإلطالق.

املالحظ أن القرآن مل يتعرض لتفاصيل الوقائع النبوية، وإمنا تعرض هلا إمجاال، فهو حني ولكن منيتحدث عن معركة ال يتحدث عن أسباهبا، وال عن عدد املسلمني واملشركني فيها، وال عن عدد القتلى

لقرآن يف كل واألسرى من املشركني، وإمنا يتحدث عن دروس املعركة وما فيها من عرب وعظات، وهذا شأن اما أورده من قصص عن األنبياء السابقني واألمم املاضية، ولذلك فنحن ال نستطيع أن نكتفي بنصوص

القرآن املتعلقة ابلسرية النبوية لنخرج منها بصورة متكاملة عن حياة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص.

السنة النبوية الصحيحة: -2كتب أئمة احلديث املعرتف بصدقهم والثقة هبم يف العامل السنة النبوية الصحيحة اليت تضمنتها

اإلسالمي هي:داود، والنسائي، والرتمذي، وابن ماجه. ويضاف إليها: موطأ الكتب الستة: البخاري، ومسلم، وأبو

اإلمام مالك، ومسند اإلمام أمحد، فهذه الكتب وخاصة البخاري ومسلم يف الذروة العليا من الصحة والثقة يق، أما الكتب األخرى، فقد تضمنت الصحيح واحلسن، ويف بعضها الضعيف أيضا.والتحق

من هذه الكتب اليت حوت القسم األكرب من حياة النيب ملسو هيلع هللا ىلص، ووقائعه وحروبه، وأعماله، نستطيع أن ومما يزيد الثقة هبا واالطمئنان عن سرية الرسول ملسو هيلع هللا ىلص، -وإن كانت غري متكاملة أحيا ا -نكون فكرة شاملة

إليها أهنا رويت ابلسند املتصل إىل الصحابة رضوان هللا عليهم، وهم الذين عاشروا الرسول والزموه، ونصر هللا هبم دينه، وقد رابهم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص على عينه، فكانوا أكمل أجيال التاريخ استقامة أخالق وقوة إميان،

7

ومسو أرواح، وكمال عقول، فكل ما رووه لنا عن الرسول ابلسند الصحيح املتصل جيب أن وصدق حديث، نقبله كحقيقة اترخيية ال خياجلنا الشك فيها.

وحياول املستشرقون املغرضون وأتباعهم من املسلمني الذين رق دينهم، وفتنوا ابلغرب وعلمائه أن تمدة، لينفذوا منها إىل هدم الشريعة، والتشكيك بوقائع يشككوا يف صحة ما بني أيدينا من كتب السنة املع

السرية، ولكن هللا الذي تكفل حبفظ دينه قد هيأ هلم من يرد سهام ابطلهم، وكيدهم إىل نحورهم وقد إىل جهود علمائنا يف متحيص السنة النبوية، « السنة ومكانتها يف التشريع اإلسالمي » تعرضت يف كتايب

ني ومن اتبعهم، و اقشتها نقاشا علميا، أرجو هللا أن يثيبين عليه، وجيعله يف صفحات وسردت شبه املستشرق حسنايت يوم العرض عليه.

الشعر العريب املعاصر لعهد الرسالة: -3مما ال شك فيه أن املشركني قد هامجوا الرسول ودعوته على ألسنة شعرائهم، ما اضطر املسلمني إىل

هللا ابن رواحة، وغريمها، وقد تضمنت كتب هم، كحسان بن اثبت، وعبدالرد عليهم على ألسنة شعرائاألدب، وكتب السرية اليت صنفت فيما بعد قسطا كبريا من هذه األشعار اليت نستطيع أن نستنتج منها

ل قيامها.حقائق كثرية عن البيئة اليت كان يعيش فيها الرسول ملسو هيلع هللا ىلص، واليت ترعرعت فيها عقيدة اإلسالم أو

كتب السرية: -4كانت وقائع السرية النبوية رواايت يرويها الصحابة رضوان هللا عليهم إىل من بعدهم، وقد اختص بعضهم بتتبع دقائق السرية وتفاصيلها، مث تناقل التابعون هذه األخبار ودونوها يف صحائف عندهم، وقد

هـ( وعروة بن الزبري بن 155-32ان بن عفان هنع هللا يضر )اختص بعضهم ابلعناية التامة هبا، أمثال أابن بن عثمهـ( ودمحم بن مسلم 135هـ( ومن صغار التابعني عبد هللا بن أيب بكر األنصاري )تويف سنة 33-23العوام )

هـ( الذي مجع السنة يف عهد عمر بن عبد العزيز أبمره، وعاصم بن عمر بن 124-55بن شهاب الزهري ) هـ(.123يف سنة قتادة األنصاري )تو

مث انتقلت العناية ابلسرية إىل من بعدهم، حىت أفردوها ابلتصنيف، ومن أشهر أوائل املصنفني يف هـ( وقد اتفق مجهور العلماء واحملدثني على توثيقه، إال ما 152السرية دمحم بن إسحاق بن يسار )تويف سنة

ل كثري من العلماء احملققني جتريح هذين روي عن مالك، وهشام بن عروة بن الزبري من جترحيه، وقد مح العاملني الكبريين له بعداوات شخصية كانت قائمة بينهما وبني ابن إسحاق.

8

من أحاديث ورواايت مسعها بنفسه يف املدينة ومصر، ومن « املغازي»ألف ابن إسحاق كتابه العلمي الزاخر، ولكن مضمون الكتاب املؤسف أن هذا الكتاب مل يصل إلينا، فقد فقد فيما فقد من تراثنا

بقي حمفوظا اما رواه عنه ابن هشام يف سريته عن طريق شيخه البكائي الذي كان من أشهر تالمذة ابن إسحاق.

:سرية ابن هشام هـ على اختالف 218أو 213هو أبو دمحم عبد امللك بن أيوب احلمريي، نشأ ابلبصرة وتويف سنة

مما رواه شيخه البكائي عن ابن إسحاق، ومما رواه هو « السرية النبوية»ابه الرواايت، ألف ابن هشام كتشخصيا عن شيوخه، مما مل يذكره ابن إسحاق يف سريته، وأغفل ما رواه ابن إسحاق مما مل يتفق مع ذوقه

ل ما العلمي وملكته النقدية، فجاء كتااب من أوىف مصادر السرية النبوية، وأصحها، وأدقها، ولقي من القبو جعل الناس ينسبون كتابه إليه، فيقولون: سرية ابن هشام وشرح كتابه هذا عاملان من األندلس: السهيلي

هـ(.654-535هـ( واخلشين )558-581)

:طبقات ابن سعد هـ كان كاتبا 235هـ وتويف ببغداد سنة 168هو دمحم بن سعد بن منيع الزهري، ولد ابلبصرة سنة

هـ( سار ابن سعد يف كتابه 257-135ؤر الشهري يف املغازي والسرية )حملمد بن عمر الواقدي املحبسب طبقاهتم، –بعد ذكر سرية الرسول عليه السالم -على ذكر أمساء الصحابة والتابعني « الطبقات»

من أوثق املصادر األوىل للسرية، وأحفظها بذكر الصحابة « الطبقات»وقبائلهم، وأماكنهم، ويعترب كتابه بعني.والتا

:اتريخ الطربي هـ( إمام، فقيه، حمدث، صاحب مذهب يف الفقه 315-224هو أبو جعفر دمحم بن جرير الطربي )

مل ينتشر كثريا ألف كتابه يف التاريخ غري مقتصر على سرية الرسول عليه الصالة والسالم، بل ذكر اتريخ ديث عن اتريخ الدول اإلسالمية حىت قرب األمم قبله، وأفرد قسما خاصا لسريته عليه السالم، مث اتبع احل

وفاته.

يعترب الطربي حجة ثقة فيما يروي، ولكنه كثريا ما يذكر رواايت ضعيفة أو ابطلة، مكتفيا إبسنادها إىل رواهتا الذين كان أمرهم معروفا يف عصره، كما يف رواايته عن أيب خمنف، فقد كان شيعيا متعصبا، ومع

3

ثريا من أخباره إبسنادها إليه، كانه يتربأ من عهدهتا، ويلقي العبء على أيب ذلك فقد أورد له الطربي ك خمنف.

تطور التأليف ف السرية:

لألصبهاين، « دالئل النبوة»مث تطور التأليف يف السرية، فأفردت بعض نواحيها ابلتأليف خاصة، كـاملواهب »للقاضي عياض، و« لشفاءا»البن قيم اجلوزية، و« زاد املعاد»للرتمذي، و« الشمائل احملمدية»و

هـ.1122للقسطالين وهي مشروحة يف مثاين جملدات بقلم الزرقاين املتوىف سنة « اللدنية

هذا وال يزال العلماء يؤلفون يف سرية الرسول عليه الصالة والسالم أبسلوب حديث يتقبله ذوق « ور اليقني يف سرية سيد املرسلنين» أبناء العصر، ومن أشهر الكتب املؤلفة يف العصر احلديث كتاب

للشيخ دمحم اخلضري رمحه هللا، وقد لقي كتابه قبوال حسنا، وقررت دراسته يف املعاهد الدينية يف أكثر أنحاء العامل اإلسالمي.

15

الفصل األول ف حياته قبل البعثة

الوقائع التارخيية

ل البعثة على احلقائق التالية:تدلنا األخبار الثابتة عن حياته ملسو هيلع هللا ىلص قب

أنه ولد يف أشرف بيت من بيوت العرب، فهو من أشرف فروع قريش، وهم بنو هاشم، وقريش -1أشرف قبيلة يف العرب، وأزكاها نسبا وأعالها مكانة، وقد روي عن العباس هنع هللا يضر، عن رسول هللا صلى هللا

ين من خريهم من خري فرقهم، وخري الفريقني، مث ختري إن هللا خلق اخللق فجعل»عليه وسلم أنه قال: القبائل، فجعلين من خري قبيلة، مث ختري البيوت، فجعلين من خري بيوهتم، فأن خريهم نفسا، وخريهم

)رواه الرتمذي بسند صحيح(. «بيتا

التضاح نسبه بينهم، ولقد وملكانة هذا النسب الكرمي يف قريش مل جندها فيما طعنت به على النيب ملسو هيلع هللا ىلص طعنت فيه أبشياء كثرية مفرتاة إال هذا األمر.

أنه نشأ يتيما، فقد مات أبوه عبد هللا وأمه حامل به لشهرين فحسب، وملا أصبح له من العمر ست -2فله بعد ذلك سنوات ماتت أمه آمنة فذاق ملسو هيلع هللا ىلص يف صغره مرارة احلرمان من عطف األبوين وحناهنما، وقد ك

جده عبد املطلب، مث تويف ورسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ابن مثان سنوات، فكفله بعد ذلك عمه أبو طالب حىت نشأ [.6{ ]الضحى:أل ييدك يتييما فآوىواشتد ساعده، وإىل يتمه أشار القرآن الكرمي بقوله: }

األربع األوىل من طفولته يف الصحراء يف بين سعد، فنشأ قوي البنية، أمضى رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص السنوات -3سليم اجلسم، فصيح اللسان، جريء اجلنان، حيسن ركوب اخليل على صغر سنه قد تفتحت مواهبه على

صفاء الصحراء وهدوئها، وإشراق مشسها ونقاوة هوائها.

الذكاء الذي حيببه إىل كل من رآه، كانت تعرف فيه النجابة من صغره، وتلوح على حمياه خمايل -4فكان إذا أتى الرسول وهو غالم جلس على فراش جده، وكان إذا جلس عليه ال جيلس معه على الفراش

11

أحد من أوالده )أعمام الرسول(، فيحاول أعمامه انتزاعه عن الفراش، فيقول هلم عبد املطلب: دعوا ابين، .فوهللا إن له لشأ اا

والسالم كان يرعى يف أوائل شبابه ألهل مكة أغنامهم بقراريط أيخذها أجرا على أنه عليه الصالة -5« وأن»قالوا: وأنت اي رسول هللا؟ قال: « ما من نيب إل قد رعى الغنم»ذلك، وقد ثبت عنه ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال:

ه: وأنت اي رسول هللا؟ فقال له أصحاب« ما بعث هللا نبيا إل رعى الغنم»ويف رواية أخرى أنه قال: مث ملا بلغ من عمره مخسا وعشرين، عمل خلدجية بنت « وأن رعيتها ألهل مكة على قراريط»فأجاب:

خويلد يف التجارة اما هلا على أجر تؤديه إليه.

مل يشارك عليه الصالة والسالم أقرانه من شباب مكة يف هلوهم وال عبثهم، وقد عصمه هللا من ذلك، -6اض يف كتب السرية أنه مسع وهو يف سن الشباب غناء من إحدى دور مكة يف حفلة عرس، فأراد فقد استف

أن يشهدها، فألقى هللا عليه النوم، فما أيقظه إال حر الشمس، ومل يشارك قومه يف عبادة األواثن، وال أكل و هجر ]قبح[ يف شيئا مما ذبح هلا، ومل يشرب مخرا، وال لعب قمارا، وال عرف عنه فحش يف القول، أ

الكالم.

وعرف عنه منذ إدراكه رجحان العقل، وأصالة الرأي، ويف حادثة وضع احلجر األسود يف مكانه من -7الكعبة دليل واضح على هذا، فقد أصاب الكعبة سيل أدى إىل تصدع جدراهنا، فقرر أهل مكة هدمها

فيها اختلفوا اختالفا شديدا فيمن يكون له وجتديد بنائها، وفعلوا، فلما وصلوا إىل مكان احلجر األسودشرف وضع احلجر األسود يف مكانه، وأرادت كل قبيلة أن يكون هلا هذا الشرف، واشتد النزاع حىت تواعدوا للقتال، مث ارتضوا أن حيكم بينهم أول داخل من ابب بين شيبة، فكان هو رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، فلما رأوه قالوا:

مني، رضينا حبكمه، فلما أخرب بذلك، حل املشكلة اما رضي عنه مجيع املتنازعني، فقد بسط رداءه هذا األمث أخذ احلجر فوضعه فيه، مث أمرهم أن أتخذ كل قبيلة بطرف من الرداء، فلما رفعوه وبلغ احلجر موضعه،

ن تسفك إىل مدى ال أخذه ووضعه بيده، فرضوا مجيعا، وصان هللا بوفور عقله وحكمته دماء العرب من أ يعلمه إال هللا.

عرف عليه الصالة والسالم يف شبابه بني قومه ابلصادق األمني، واشتهر بينهم حبسن املعاملة، -8والوفاء ابلوعد، واستقامة السرية، وحسن السمعة، مما رغب خدجية يف أن تعرض عليه االجتار اماهلا يف

ام على أن تعطيه ضعف ما تعطي رجال من قومها، فلما عاد القافلة اليت تذهب إىل مدينة )بصرى( كل ع

12

إىل مكة وأخربها غالمها ميسرة اما كان من أمانته وإخالصه، ورأت الربح الكثري يف تلك الرحلة، أضعفت له من األجر ضعف ما كانت أمست له، مث محلها ذلك على أن ترغب يف الزواج منه، فقبل أن يتزوجها وهو

عشر عاما، وأفضل شهادة له حبسن خلقه قبل النبوة قول خدجية له بعد أن جاءه الوحي أصغر منها خبمسة يف غار حراء وعاد مرتعدا: كال وهللا ال خيزيك هللا أبدا، إنك لتصل الرحم، وحتمل الكل )الضعيف(،

وتكسب املعدوم، وتقري الضيف، وتعني على نوائب احلق.

ه أيب طالب حني كان عمره اثنيت عشرة سنة، واثنيتهما حني سافر مرتني خارج مكة، أوالمها مع عم -3كان عمره مخسا وعشرين سنة، متاجرا خلدجية اماهلا، وكانت كلتا الرحلتني إىل مدينة )بصرى( يف الشام، ويف كلتيهما كان يسمع من التجار أحاديثهم، ويشاهد آاثر البالد اليت مر هبا، والعادات اليت كان عليها

سكاهنا.

وهو جبل يقع يف -حبب هللا إليه عليه الصالة والسالم قبل البعثة بسنوات أن خيرج إىل غار حراء -15 -وكان يف شهر رمضان -خيلو فيه لنفسه مقدار شهر -اجلانب الشمايل الغريب من مكة، على قرب منها

القرآن الكرمي.ليفكر يف آالء هللا، وعظيم قدرته، واستمر على ذلك حىت جاءه الوحي، ونزل عليه

الدروس والعظات

يستطيع الباحث أن خيرج من دراسة الوقائع السالفة ابلدروس والنتائج التالية:

أنه كلما كان الداعية إىل هللا، أو املصلح االجتماعي يف شرف من قومه، كان ذلك أدعى إىل -1كانوا من بيئة مغمورة، أو نسب وضيع، استماع الناس له، فإن من عادهتم أن يزدروا ابملصلحني والدعاة إذا

فإذا جاءهم من ال ينكرون شرف نسبه، وال مكانة أسرته االجتماعية بينهم، مل جيدوا ما يقولونه عنه إال افرتاءات يتحللون هبا من االستماع إىل دعوته، واإلصغاء إىل كالمه، ولذلك كان أول ما سأل عنه هرقل أاب

هرقل كتااب يدعوه فيه إىل اإلسالم هو وقومه: كيف نسبه فيكم؟ فأجاب سفيان بعد أن أرسل الرسول إىلأبو سفيان وهو يومئذ على شركه: هو من أشرفنا نسبا، وملا انتهى هرقل من أسئلته أليب سفيان، ومسع جوابه

ل له هرقل: سألتك فقا« رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص» عنها، أخذ يشرح له سر األسئلة اليت توجه هبا إليه حول دمحم

13

كيف نسبه فيكم؟ فزعمت أنه من أشرفكم نسبا، وكذلك ال خيتار هللا النيب إال من كرام قومه، وأوسطهم نسبا.

صحيح أن اإلسالم ال يقيم وز ا لشرف األنساب جتاه األعمال، ولكن هذا ال مينع أن يكون الذي جناحا، كما قال ملسو هيلع هللا ىلص يف احلديث جيمع بني شرف النسب وشرف الفعل، أكرم وأعلى مكا ا وأقرب

«.خياركم ف اجلاهلية خياركم ف اإلسالم إذا فقهوا» الصحيح:

أن يف حتمل الداعية آالم اليتم أو العيش، وهو يف صغره ما جيعله أكثر إحساسا ابملعاين اإلنسانية -2أو املعذبني، وأكثر عمال إلنصاف هذه الفئات النبيلة، وامتالءا ابلعواطف الرحيمة نحو اليتامى أو الفقراء

والرب هبا والرمحة هلا، وكل داعية حيتاج ألن يكون لديه رصيد كبري من العواطف اإلنسانية النبيلة اليت جتعله يشعر آبالم الضعفاء والبائسني، وال يوفر له هذا الرصيد شيء مثل أن يعاين يف حياته بعض ما يعانيه أولئك

ن كاليتامى والفقراء واملساكني.املستضعفو

كلما عاش الداعية يف جو أقرب إىل الفطرة، وأبعد عن احلياة املعقدة، كان ذلك أدعى إىل صفاء -3ذهنه، وقوة عقله وجسمه ونفسه، وسالمة منطقه وتفكريه، ولذلك مل خيرت هللا العرب ألداء رسالة صدفة وال

اورهم من األمم املتمدنة أصفى نفوسا، وأسلم تفكريا، وأقوم أخالقا، عبثا، بل ألهنم كانوا ابلنسبة إىل من جي وأكثر احتماال ملكاره احلروب يف سبيل دعوة هللا ونشر رسالته يف أنحاء العامل.

ال يتأهل ملركز الدعوة وقيادهتا إال الذكي النبيه، فاألغبياء واملتوسطون يف جنابتهم أبعد الناس عن -4ية، أو اإلصالحية، أو الروحية، بل إن من سنن احلياة أال يتمكن من القيادة يف أي جدارة القيادة الفكر

احية من نواحي احلياة عن جدارة واستحقاق األغبياء واملضطربون يف تفكريهم، والشاذون يف آرائهم، وإذا احلضيض واتت الصدفة أو الظروف واحدا من هؤالء، فحملته إىل مركز القيادة، فسرعان ما يهوي إىل

ويتخلى عنه قومه بعد أن تدهلم أفعاله على غباوته، أو شذوذه، أو اضطراب تفكريه.

ينبغي للداعية أن يعتمد يف معيشته على جهده الشخصي، أو مورد شريف ال استجداء فيه، وال ذلة -5 وال مهانة.

اهتم، وأية كرامة تكون إن الدعاة الصادقني الشرفاء يربؤون أبنفسهم أن يعيشوا من صدقات الناس وأعطيا. فإذا هلم يف نفوس قومهم بعد أن يهينوا أنفسهم بذل السؤال واالستجداء ولو مل يكن صرحيا مكشوفا

14

وجد ا من يدعي الدعوة واإلرشاد، وهو يستكثر من أموال الناس بشىت أنواع احليل، فإننا جنزم امهانة نفسه ى لنفسه املهانة، فكيف يستطيع أن يدعو إىل مكارم يف نفسه، فكيف يف نفوس قومه وجريانه؟ ومن ارتض

األخالق، ويقف يف وجه الطغاة واملفسدين، وحيارب الشر والفساد، ويبعث يف األمة روح الكرامة والشرف واالستقامة؟

إن استقامة الداعية يف شبابه وحسن سريته أدعى إىل جناحه يف دعوته إىل هللا، وإصالح األخالق، -6ملنكرات، إذ ال جيد يف الناس من يغمزه يف سلوكه الشخصي قبل قيامه ابلدعوة، وكثريا ما رأينا أ اسا وحماربة ا

قاموا بدعوة اإلصالح، وخباصة إصالح األخالق، وكان من أكرب العوامل يف إعراض الناس عنهم ما يذكرونه ك يف صدق هؤالء هلم من ماض ملوث، وخلق غري مستقيم، بل إن املاضي السيء يكون مدعاة للش

الدعاة، حبيث يتهمون ابلتسرت وراء دعوة اإلصالح ملآرب خاصة، أو يتهمون أهنم ما بدؤوا ابلدعوة إىل اإلصالح إال بعد أن قضوا لبانتهم ]حاجتهم[ من ملذات احلياة وشهواهتا، وأصبحوا يف وضع أو عمر ال

مال أو شهرة أو جاه. أمل هلم فيه ابالستمرار فيما كانوا يبلغون فيه من عرض أو

أما الداعية املستقيم يف شبابه، فإنه يظل أبدا رافع الرأس اصع اجلبني، ال جيد أعداء اإلصالح سبيال إىل غمزه اماض قريب أو بعيد، وال يتخذون من هذا املاضي املنحرف تكأة للتشهري به، ودعوة الناس

إىل االستخفاف بشأنه.

املقبل عليه بصدق وإخالص، وميحو حبسناته احلاضرة سيئاته املنصرمة، نعم إن هللا يقبل توبة التائب ولكن هذا شيء غري الداعية الذي ينتظر لدعوته النجاح إذا استقامت سريته وحسنت مسعته.

إن جتارب الداعية ابلسفر، ومعاشرة اجلماهري، والتعرف على عوائد الناس وأوضاعهم ومشكالهتم، -7اح دعوته، فالذين خيالطون الناس يف الكتب واملقاالت دون أن خيتلطوا هبم على خمتلف هلا أثر كبري يف جن

اجتاهاهتم، قوم خمفقون يف دعوة اإلصالح، ال يستمع الناس إليهم، وال تستجيب العقول لدعوهتم، ملا يرى م يف فيهم الناس من جهل أبوضاعهم ومشكالهتم، فمن أراد أن يصلح املتدينني عليه أن يعيش معه

مساجدهم، وجمالسهم، وجمتمعاهتم، ومن أراد أن يصلح حال العمال والفالحني، عليه أن يعيش معهم يف قراهم، ومصانعهم، ويؤاكلهم يف بيوهتم، ويتحدث إليهم يف جمتمعاهتم، ومن أراد أن يصلح املعامالت اجلارية

وأنديتهم، وجمالسهم، ومن أراد أن بني الناس، عليه أن خيتلط هبم يف أسواقهم، ومتاجرهم، ومصانعهم، يصلح األوضاع السياسية، عليه أن خيتلط ابلسياسيني، ويتعرف إىل تنظيماهتم، ويستمع خلطبهم، ويقرأ هلم

15

براجمهم وأحزاهبم، مث يتعرف إىل البيئة اليت يعيشون فيها، والثقافة اليت هنلوا من معينها، واالجتاه الذي طبهم اما ال تنفر منه نفوسهم، وكيف يسلك يف إصالحه معهم اما ال يندفعون نحوه، ليعرف كيف خيا

يدعوهم إىل حماربته عن كره نفسي، واندفاع عاطفي.

وهكذا جيب أن يكون للداعية من جتاربه يف احلياة، ومعرفته بشؤون الناس، ما ميكنه من أن حيقق ليكمةي و قول هللا تعاىل:} سنةي ادع إيلي سبييلي رب يك بي [، وما أبدع القول املأثور: 125{ ]النحل: الموعيظةي ال

خاطبوا الناس على قدر عقوهلم؛ أتريدون أن يكذب هللا ورسوله؟

جيب على الداعية إىل هللا أن تكون له بني الفينة والفينة أوقات خيلو فيها بنفسه، تتصل فيها روحه -8رات األخالق الذميمة، واحلياة املضطربة من حوله، ومثل هذه ابهلل جل شأنه، وتصفو فيها نفسه من كدو

اخللوات تدعوه إىل حماسبة نفسه إن قصرت يف خري، أو زلت يف اجتاه، أو جانبت سبيل احلكمة، أو أخطأت يف سبيل ومنهج أو طريق، أو انغمست مع الناس يف اجلدال والنقاش حىت أنسته ذكر هللا واألنس

تها و ارها، واملوت وغصصه وآالمه، ولذلك كان التهجد وقيام الليل فرضا يف حق به وتذكر اآلخرة، وجنالنيب ملسو هيلع هللا ىلص، مستحبا يف حق غريه، وأحق الناس ابحلرص على هذه النافلة هم الدعاة إىل هللا وشريعته وجنته،

من أكرمه هللا هبا، وقد كان إبراهيم وللخلوة والتهجد والقيام هلل ابلعبودية يف أعقاب الليل لذة ال يدركها إال بن أدهم رمحه هللا يقول يف أعقاب هتجده وعبادته: نحن يف لذة لو عرفها امللوك لقاتلو ا عليها.

صفه ي أي ها المزهم يل ، قمي اللهيل إيله قلييال، ني وحسبنا قول هللا تبارك وتعاىل خماطبا رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص: }ئة اللهيلي أوي انقص مينه قلييال ، أو زيد عليهي ورت يلي القرآن ت رتييال، إينه سن لقيي عليك ق ول ثقييال ، إينه نشي

[.7-1{ ]املزمل: هيي أشد وطءا وأق وم قييال

16

الفصل الثاين الجرة إل البشة ف السرية منذ البعثة حت

التارخيية: الوقائع

يف هذه الفرتة تثبت لنا الوقائع التارخيية التالية:

ثنني نزول الوحي على الرسول ملسو هيلع هللا ىلص: ملا مت للنيب ملسو هيلع هللا ىلص أربعون سنة، نزل عليه جربيل ابلوحي يف يوم اال -1ابلسند املتصل إىل عائشة أم « صحيحه»خاري هنع هللا يضر يف لسبع عشر خلت من رمضان، وحيدثنا اإلمام الب املؤمنني اهنع هللا يضر عن كيفية نزول الوحي عليه، فتقول:

أول ما بدئ به رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص الرؤاي الصاحلة يف النوم، فكان ال يرى رؤاي إال جاءت مثل فلق الليايل ذوات العدد قبل أن -وهو التعبد -حراء يتحنث فيه الصبح، مث حبب إليه اخلالء، وكان خيلو بغار

ينزع إىل أهله، ويتزود لذلك مث يرجع إىل خدجية، فيتزود ملثلها، حىت جاءه احلق وهو يف غار حراء، فجاءه امللك فقال له: اقرأ. فقال: ما أ ا بقارئ. قال: فأخذين فغطين حىت بلغ مين اجلهد مث أرسلين فقال: اقرأ.

: ما أ ا بقارئ. فأخذين فغطين الثانية حىت بلغ مين اجلهد مث أرسلين فقال: اقرأ. فقلت: ما أ ا بقارئ. فقلتنسان مين علق، اق رأ فأخذين فغطين الثالثة مث أرسلين فقال: } سمي رب يك الهذيي خلق، خلق اإلي اق رأ بي

نسان ما ل ي علم وربك األكرم، الهذيي علهم لقلمي ، علهم اإلي [، فرجع هبا رسول هللا صلى 6 -1{ ]العلق: بيهللا عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خدجية بنت خويلد اهنع هللا يضر، فقال: زملوين، زملوين، فزملوه حىت

فقالت خدجية: وهللا ال خيزيك هللا ذهب عنه الروع، فقال خلدجية وأخربها اخلرب: لقد خشيت على نفسي، أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وحتمل الكل ]الضعيف[، وتكسب املعدوم، وتقري الضيف، وتعني على نوائب احلق. فانطلقت به خدجية حىت أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وكان ابن عم خدجية، وكان

ين، فيكتب من اإلجنيل ابلعربانية ما شاء هللا أن يكتب، امرءا تنصر يف اجلاهلية، وكان يكتب الكتاب العرباوكان شيخا كبريا قد عمي، فقالت له خدجية: اي ابن عم، امسع من ابن أخيك، فقال له ورقة: اي ابن أخي

-صاحب الوحي وهو جربيل -ماذا ترى؟ فأخربه رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص خرب ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس ليتين أكون حيا إذ خيرجك قومك، فقال رسول –شااب قواي -لذي نزل على موسى، اي ليتين فيها جذعا ا

17

هللا ملسو هيلع هللا ىلص: أو خمرجي هم؟ قال: نعم، مل أيت رجل قط امثل ما جئت به إال عودي، وإن يدركين يومك أنصرك «.نصرا مؤزرا، مث مل ينشب ]يلبث[ ورقة أن تويف وفرت الوحي

من -وعاء -يف رواية ابن هشام عن ابن إسحاق: أن جربيل جاءه وهو ائم يف غار حراء بنمط و ديباج ]حرير[ فيه كتاب، فقال: اقرأ..إخل. قال: فقرأهتا، مث انتهى فانصرف عين وهببت من نومي، فكأمنا

ء يقول: اي كتبت يف قليب كتااب، قال: فخرجت حىت إذا كنت يف وسط من اجلبل مسعت صوات من السمادمحم أنت رسول هللا، وأ ا جربيل. قال: فرفعت رأسي إىل السماء أنظر، فإذا جربيل يف صورة رجل صاف قدميه يف أفق السماء يقول: : اي دمحم أنت رسول هللا، وأ ا جربيل. قال: فوقفت أنظر إليه، فما أتقدم وما

احية منها إال رأيته كذلك، فما زلت واقفا أأتخر، وجعلت أصرف وجهي عنه يف آفاق السماء فال أنظر يف .. إخل..ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي، حىت بعثت خدجية رسلها يف طليب

كان أول من آمن به ودخل يف اإلسالم زوجه خدجية اهنع هللا يضر، مث ابن عمه علي هنع هللا يضر وهو ابن عشر -2الصديق هنع هللا يضر، وكان أول من أسلم من العبيد بالل بن رابح سنني، مث مواله زيد بن حارثة، مث أبو بكر

ثنني، احلبشي وعلى ذلك تكون خدجية أول من آمن به إطالقا، وقد صلى رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص معها آخر يوم اال وهو أول يوم من صالته، وكانت الصالة ركعتني ابلغداة وركعتني ابلعشي.

لك فرتة من الزمن اختلفت الرواايت يف تقديرها، فأقصاها ثالث سنوات، مث فرت الوحي بعد ذ -3وأد اها ستة أشهر وهو الصحيح، وقد شق انقطاع الوحي على الرسول ملسو هيلع هللا ىلص، وأحزنه ذلك كثريا، حىت كاد

لشرف الرسالة، مث عاد ى من رؤوسها، ظنا منه أن هللا قد قاله بعد أن اختاره دخيرج إىل اجلبال فـيـهم أبن يرت عن جابر بن عبد هللا األنصاري عن النيب « صحيحه» إليه الوحي بعد ذلك كما يروي اإلمام البخاري يف

بينما أن أمشي إذ مسعت صوات من السماء، فرفعت بصري فإذا امللك الذي جاءين حبراء » ملسو هيلع هللا ىلص: ي : }، فرجعت فقلت: زملوين، فأنزل هللا تعالجالس على كرسي بني السماء واألرض، فرعبت منه

ث ير ، قم فأنذير { فحمي الوحي وتتابع.الرجز فاهجر و{ إىل قوله: }أي ها المده

بدأ رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بعد ذلك يدعو إىل اإلسالم من وثق بعقله ثالث سنوات كاملة، حىت أسلم عدد -4 النساء ممن عرفوا برجحان الرأي وسالمة النفس.من الرجال و

18

أمر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بعد أن بلغ عدد الداخلني يف اإلسالم نحوا من ثالثني أن يبلغ الدعوة جهرا، -5ا ت ؤمر وأعريض عني المشريكيني } وذلك يف قوله تعاىل: [.34{ ]احلجر: فاصدع بي

مرحلة اإليذاء للمؤمنني اجلدد ولرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، فقد هال املشركني أن يسفه الرسول ابتدأت بذلك -6أحالمهم، ويعيب آهلتهم، وأيتيهم بدين جديد يدعو إىل إله واحد ال تدركه العيون واألبصار، وهو يدرك

األبصار، وهو اللطيف اخلبري.

هذه الفرتة جيتمع ابملؤمنني سرا يف دار األرقم بن أيب األرقم الذي دخل يف كان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يف -7اإلسالم أيضا، وكان الرسول يتلو عليهم ما ينزل عليه من آايت القرآن الكرمي، ويعلمهم من أحكام الدين

وشرائعه ما كان ينزل حينئذ.

، فوقف على الصفا، و ادى بطون قريش بطنا أمر الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يومئذ أبن ينذر عشريته األقربني -8بطنا، ودعاهم إىل اإلسالم وترك عبادة األواثن، ورغبهم يف اجلنة وحذرهم من النار، فقال له أبو هلب: تبا

لك، أهلذا مجعتنا؟.

رغبت قريش يف أن تنال من الرسول، فحماه عمه أبو طالب، وامتنع عن تسليمه إليهم، مث طلب -3وهللا لو وضعوا الشمس » ن خيفف من دعوته، فظن أن عمه خاذله، فقال كلمته املشهورة: بعد ذهاهبم أ

«.ف مييين، والقمر ف يساري على أن أترك هذا األمر حت يظهر هللا أو أهلك دونه، ما تركته

اشتد أذى املشركني بعد ذلك للرسول وصحابته، حىت مات منهم من مات حتت العذاب وعمي -15 من عمي.

ملا رأت قريش ثبات املؤمنني على عقيدهتم، قررت مفاوضة الرسول على أن تعطيه من املال ما -11 يشاء، أو متلكه عليها، فأىب ذلك كله.

لو خرجتم إل أرض »ملا رأى الرسول تعنت قريش واستمرارها يف تعذيب أصحابه، قال هلم: -12فهاجر للمرة « هللا لكم فرجا وخمرجا مما أنتم فيه البشة، فإن فيها ملكا ل يظلم أحد عند حت يعل

األوىل اثنا عشر رجال، وأربع نسوة، مث عادوا بعد أن علموا إبسالم عمر وإظهار اإلسالم، لكنهم ما لبثوا أن

13

عادوا ومعهم آخرون من املؤمنني، وقد بلغ عددهم يف اهلجرة الثانية إىل احلبشة ثالثة ومثانني رجال، ومن حدى عشرة.النساء إ

مقاطعة املشركني لرسول ملسو هيلع هللا ىلص وبين هاشم وبين املطلب أال يبايعوهم، وال يناكحوهم وال خيالطوهم، -13وال يقبلوا منهم صلحا أبدا، واستمرت املقاطعة سنتني أو ثالاث، لقي فيها الرسول ومن معه يف هذه املقاطعة

الء قريش.جهدا شديدا، مث انتهت املقاطعة امسعى عق

:الدروس والعظات

إن هللا إذا أراد لعبد أن يوجهه لدعوة اخلري واإلصالح، ألقى يف قلبه كره ما عليه جمتمعه من ضالل -1 وفساد.

إن دمحما عليه الصالة والسالم مل يكن يستشرف للنبوة، وال حيلم هبا، وإمنا كان يلهمه هللا اخللوة -2لتحمل أعباء الرسالة، ولو كان عليه الصالة والسالم يستشرف للنبوة، ملا فزع للعبادة تطهريا، وإعدادا روحيا

من نزول الوحي عليه، وملا نزل إىل خدجية يستفسرها عن سر تلك الظاهرة اليت رآها يف غار حراء، ومل أن أكد وإال بعد « اي دمحم أنت رسول هللا، وأ ا جربيل»يتأكد من أنه رسول إال بعد رؤية جربيل يقول له:

له وخلدجية ورقة بن نوفل أن ما رآه يف الغار هو الوحي الذي كان ينزل على موسى عليه الصالة والسالم.

إن دعوة اإلصالح إذا كانت غريبة على معتقدات اجلمهور وعقليته، ينبغي أال جيهر هبا الداعية حىت -3احب الدعوة أذى، قام أتباعه املؤمنون يؤمن هبا عدد يضحون يف سبيلها ابلغايل والرخيص، حىت إذا ال ص

بدعوته بواجب الدعوة، فيضمن بذلك استمرارها.

إن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قد فاجأ العرب اما مل يكونوا أيلفونه، وقد استنكروا دعوته أشد االستنكار، وكان -4القومية الذين زعموا أن دمحما كل مههم القضاء عليه وعلى أصحابه، فكان ذلك ردا اترخييا على بعض دعاة

عليه الصالة والسالم إمنا كان ميثل يف رسالته آمال العرب ومطاحمهم حينذاك، وهو زعم مضحك ترده وقائع التاريخ الثابتة كما رأينا، وما محل هذا القائل وأمثاله على هذا القول إال الغلو يف دعوى القومية وجعل

عرب وتفكريهم، وهذا إنكار واضح لنبوة الرسول وخفض عظيم لرسالة اإلسالم أمرا منبثقا من ذاتية ال اإلسالم.

25

إن ثبات املؤمنني على عقيدهتم بعد أن ينزل هبم األشرار والضالون أنواع العذاب واالضطهاد، دليل -5على صدق إمياهنم وإخالصهم يف معتقداهتم، ومسو نفوسهم وأرواحهم، حبيث يرون ما هم عليه من راحة

مري واطمئنان النفس والعقل، وما أيملونه من رضا هللا جل شأنه أعظم بكثري مما ينال أجسادهم من الض تعذيب وحرمان واضطهاد.

إن السيطرة يف املؤمنني الصادقني، والدعاة املخلصني تكون دائما وأبدا ألرواحهم ال ألجسامهم، وهم ا تتطلبه جسومهم من راحة وشبع ولذة، وهبذا يسرعون إىل تلبية مطالب أرواحهم من حيث ال يبالون ام

تنتصر الدعوات، وهبذا تتحرر اجلماهري من الظلمات واجلهاالت.

إن يف قول الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ذلك القول لعمه أيب طالب، ويف رفضه ما عرضته عليه قريش من مال -6س،وكذلك ينبغي أن يكون الداعية وملك، دليال على صدقه يف دعوى الرسالة، وحرصه على هداية النا

مصمما على االستمرار يف دعوته مهما أتلب عليه املبطلون، معرضا عن إغراء املبطلني ابجلاه واملناصب، فاملتاعب يف سبيل احلق لدى املؤمنني راحة لضمائرهم وقلوهبم، ورضى هللا وجنته أعز وأغلى عندهم من كل

مناصب الدنيا وجاهها وأمواهلا.

على الداعية أن جيتمع أبنصاره على فرتات يف كل هنار أو أسبوع، ليزيدهم إميا ا بدعوهتم، إن -7وليعلمهم طرقها وأساليبها وآداهبا، وإذا خشي على نفسه ومجاعته من االجتماع هبم علنا وجب عليه أن

يف تعذيبهم واضطهادهم. يكون اجتماعه هبم سرا لئال جيمع املبطلون أمرهم فيقضوا عليهم مجيعا، أو يزدادوا

إن على الداعية أن يهتم أبقرابئه فيبلغهم دعوة اإلصالح، فإذا أعرضوا، كان له عذر أمام هللا والناس -8 عما هم عليه من فساد وضالل.

إن على الداعية إذا وجد مجاعته يف خطر على حياهتم أو معتقداهتم من الفتنة، أن يهيئ هلم مكا ا -3دوان املبطلني، وال ينايف ذلك ما جيب على دعاة احلق من تضحية، فإهنم إذا كانوا قلة أيمنون فيه من ع

استطاع املبطلون أن يقضوا عليهم قضاء مربما، فيتخلصوا من دعوهتم، ويف وجودهم يف مكان آمن ضمان الستمرار الدعوة وانتشارها.

، ما يدل على أن رابطة الدين بني إن يف أمر الرسول أصحابه أوال واثنيا ابهلجرة إىل احلبشة -15املتدينني ولو اختلفت داي اهتم هي أقوى وأوثق من رابطتهم مع الوثنيني وامللحدين، فالداي ات السماوية يف

21

مصدرها وأصوهلا الصحيحة متفقة يف األهداف االجتماعية الكربى، كما هي متفقة يف اإلميان ابهلل ورسله ائج ]روابط[ القرىب بينها أوثق من أية وشيجة من قرابة أو دم أو موطن مع واليوم اآلخر، وهذا ما جيعل وش

اإلحلاد والوثنية والكفر بشرائع هللا.

إن املبطلني ال يستسلمون أمام أهل احلق بسهولة ويسر، فهم كلما أخفقت هلم وسيلة من وسائل -11ينتصر احلق انتصاره النهائي ويلفظ املقاومة والقضاء على دعوة احلق، ابتكروا وسائل أخرى وهكذا حىت

الباطل أنفاسه األخرية.

22

الفصل الثالث ف السرية بعد هجرة البشة إل الجرة للمدينة

:الوقائع التارخيية

تتميز أحداث هذه الفرتة ابلوقائع البارزة التالية:

شديد الدفاع عن ابن أخيه طالب عم الرسول يف السنة العاشرة من البعثة، وكان يف حياته مات أبو -1رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، وكانت قريش ال تستطيع أن تنال النيب أبذى يف نفسه طيلة حياة أيب طالب احرتاما له وهيبة، فلما مات أبو طالب جرؤت قريش على تشديد األذى للنيب ملسو هيلع هللا ىلص، ولذلك كانت وفاته مبعث حزن

، وقد حرص النيب أن يقول أبو طالب كلمة اإلسالم وهو على فراش املوت، فأىب خشية أن عميق للنيب ملسو هيلع هللا ىلص يلحقه العار من قومه.

ماتت خدجية اهنع هللا يضر يف تلك السنة نفسها، وقد كانت خدجية ختفف عن الرسول مهومه وأحزانه ملا -2ومسي ذلك العام الذي مات فيه عمه أبو طالب يلقاه من عداء قريش، فلما ماتت حزن عليها حز ا شديدا،

«.عام احلزن»وزوجه خدجية

وملا اشتد على الرسول كيد قريش وأذاها بعد وفاة عمه وزوجه، توجه إىل الطائف لعله جيد يف ثقيف -3 حسن اإلصغاء لدعوته واالنتصار هلا، ولكنهم ردوه ردا غري مجيل، وأغروا به صبياهنم فقذفوه ابحلجارة حىت

سال الدم من قدميه الطاهرتني، مث التجأ إىل بستان من بساتني الطائف، وتوجه إىل هللا هبذا الدعاء اللهم إليك أشكو ضعف قوت، وقلة حيليت، وهواين على الناس ي أرحم الراحني، أنت رب »اخلاشع:

مري؟ إن ل يكن بك املستضعفني، وأنت رب، إل من تكلين؟ إل بعيد يتجهمين؟ أو إل عدو ملكته أغضب علي فال أبيل، ولكن عافيتك هي أوسع يل، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والخرة من أن تنزل ب غضبك، أو حتل ب سخطك، لك العتىب حت ترضى،

«.ول حول ول قوة إل بك

ون أن تستجيب ثقيف لدعوته، اللهم إال ما كان من إسالم عاد رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص من الطائف د -4غالم عتبة وشيبة ابين ربيعة، وكان غالما نصرانيا، طلب منه سيداه أن يقدم قطفا من العنب إىل « عداس»

23

الرسول وهو يف البستان ملا رأاي من إعيائه وهتجم ثقيف عليه، فلما قدم عداس العنب للرسول صلى هللا عليه خذ الرسول يبدأ يف أكله قائال: بسم هللا، فلفت ذلك نظر عداس، إذ ال يوجد يف القوم من يقول وسلم أ

مثل هذا. وبعد حديث بني عداس والنيب أسلم عداس.

وقعت معجزة اإلسراء واملعراج وقد اختلف يف اتريخ وقوعها، واملؤكد أهنا وقعت قبل اهلجرة يف السنة -5، والصحيح الذي عليه مجاهري العلماء أهنما وقعا يف ليلة واحدة يقظة ابجلسد العاشرة من بعثته أو بعدها

والروح، أسري به من املسجد احلرام إىل املسجد األقصى، مث عرج به إىل السماوات العلى، مث عاد إىل بيته ن.بكر وأقوايء اإلميا يف مكة تلك الليلة، وأخرب قريشا أبمر املعجزة، فهزئت وسخرت، وصدقه أبو

ويف هذه الليلة فرضت الصلوات مخسا على كل مسلم ابلغ عاقل. -6

لدعوهتم إىل اإلسالم -كعادته يف كل عام-الرسول ملسو هيلع هللا ىلص على القبائل يف موسم احلج ويف أثناء مرور -7زرج، فدعاهم وترك عبادة األواثن، وبينما هو عند العقبة اليت ترمى عندها اجلمار، لقي رهطا من األوس واخل

إىل اإلسالم، فأسلموا، وكان عددهم سبعة، مث عادوا إىل املدينة، فذكروا لقومهم لقياهم النيب ملسو هيلع هللا ىلص، وما دانوا به من اإلسالم.

ويف العام التايل الثنيت عشرة سنة من البعثة واىف موسم احلج اثنا عشر رجال من األنصار، فاجتمعوا -8 وابيعوه، فلما عادوا أرسل معهم مصعب بن عمري إىل املدينة ليقرئ املسلمني فيها القرآن، ابلنيب ملسو هيلع هللا ىلص

ويعلمهم اإلسالم، فانتشر اإلسالم يف املدينة انتشارا كبريا.

انوا ويف العام الذي يليه حضر من األنصار مجاعة يف موسم احلج فاجتمعوا ابلنيب ملسو هيلع هللا ىلص مستخفني، وك -3سبعني رجال وامرأتني، وابيعوه على النصرة والتأييد، وعلى أن مينعوه مما مينعون منه نساءهم وأبناءهم، وعادوا

إىل املدينة بعد أن اختار منهم اثين عشر نقيبا يكونون على قومهم.

24

:الدروس والعظات

للدعوة حني تكون مستضعفة، قد حيمي الداعية أحد أقرابئه ممن ليسوا على دعوته، ويف ذلك فائدة -1إذ مينع األشرار من العدوان على حياته أو مسه أبذى، فعصبية القبيلة والعائلة قد يستفيد منها الداعية يف

محايته ومحاية دعوته إذا مل يسايرها على ما هي عليه منكرات.

إذا شاركته يف مهومه الزوجة الصاحلة املؤمنة بدعوة احلق تذلل كثريا من الصعاب لزوجها الداعية -2وآالمه، وبذلك ختفف عنه عبء هذه اهلموم، وتبث يف نفسه االستمرار والثبات، فيكون هلا أثر يف جناح الدعوة وانتصارها، وموقف السيدة خدجية اهنع هللا يضر من رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص هو املثل األعلى ملا تستطيع الزوجة املؤمنة

به من دور كبري يف جناح زوجها الداعية، وثباته واستمراره يف دعوته، وفقد مثل هذه بدعوة اخلري أن تلع الزوجة يف احتدام معركة اإلصالح خسارة كبرية ال ميلك معها زوجها الداعية إال أن حيزن وأيسى.

ة، حزن واحلزن على فقد القريب احلامي لدعوة احلق غري املؤمن هبا، وعلى فقد الزوجة املؤمنة املخلص -3تقتضيه طبيعة اإلخالص للدعوة، والوفاء للزوجة املثالية يف تضحيتها وأتييدها، ولذلك قال الرسول ملا مات

فاقتدى املسلمون برسوهلم « رحك هللا وغفر لك، ل أزال أستغفر لك حت ينهاين هللا»أبو طالب: كان ليلنهيبي ي والهذيين آمنوا أن يست غفيروا مايستغفرون ملواتهم املشركني حىت نزل قول هللا تبارك وتعاىل: }

يمي لم أن ههم أصحاب اجلحي [ فامتنع النيب 113{ ]التوبة: ليلمشريكيني ولو كانوا أويلي ق رب مين ب عدي ما ت ب نيه واتهم.عن االستغفار أليب طالب، كما امتنع املسلمون عن االستغفار مل

ولذلك أيضا ظل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص طيلة حياته يذكر فضل خدجية، ويرتحم عليها، ويرب صديقاهتا، حىت لكثرة ما كانت تسمع من ثناء النيب ملسو هيلع هللا ىلص عليها، فقد روى -وهي متوفاة -كانت عائشة تغار منها

لى أحد من نساء النيب ملسو هيلع هللا ىلص ما غرت على خدجية، وما رأيتها، البخاري عنها اهنع هللا يضر أهنا قالت: ما غرت ع -صديقات -ولكن كان النيب ملسو هيلع هللا ىلص يكثر ذكرها، ولراما ذبح الشاة مث يقطعها أعضاء، مث يبعثها يف صدائق

وكانت، وكان يل منها خدجية، فراما قلت له: كأن مل يكن يف الدنيا امرأة إال خدجية؟ فيقول: أهنا كانت، ولد.

يف توجه الرسول ملسو هيلع هللا ىلص إىل الطائف بعد أن أعرضت عنه مكة، دليل على التصميم اجلازم يف نفس -4الرسول على االستمرار يف دعوته، وعدم اليأس من استجابة الناس هلا، وحبث عن ميدان جديد للدعوة بعد

25

ول، كما أن يف إغراء ثقيف صبياهنا وسفهاءها ابلرسول، دليال على أن قامت احلواجز دوهنا يف ميداهنا األأن طبيعة الشر واحدة أينما كانت، وهي االعتماد على السفهاء يف إيذاء دعاة اخلري، ويف سيل الدماء من

واضطهاد، أما ، أكرب مثل ملا يتحمله الداعية يف سبيل هللا من أذى -وهو النيب الكرمي -قدمي النيب ملسو هيلع هللا ىلص دعاء النيب ملسو هيلع هللا ىلص يف البستان ذلك الدعاء اخلالد، ففيه أتكيد لصدق الرسول يف دعوته، وتصميم على االستمرار فيها مهما قامت يف وجهه الصعاب، وأنه ال يهمه إال رضا هللا وحده، فال يهمه رضا الكرباء

كما أن فيه استمداد القوة من « ن بك غضب علي فال أبيلإن ل يك» والزعماء، وال رضا العامة والدمهاء هللا ابللجوء إليه واالستعانة به عندما يشتد األذى ابلداعية، وفيه أن خوف الداعية كل اخلوف هو من

سخط هللا عليه وغضبه، ال من سخط أي شيء سواه.

يف معجزة اإلسراء واملعراج أسرار كثرية نشري إىل ثالثة منها فحسب: -5

بقضية العامل اإلسالمي إذ أصبحت -فلسطني -ففيها ربط قضية املسجد األقصى وما حوله :أوالا مكة بعد بعثة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مركز جتمع العامل اإلسالمي ووحدة أهدافه، وأن الدفاع عن فلسطني دفاع عن

فريط يف الدفاع عنها وحتريرها، تفريط اإلسالم نفسه، جيب أن يقوم به كل مسلم يف شىت أنحاء األرض، والت يف جنب اإلسالم، وجناية يعاقب هللا عليها كل مؤمن ابهلل ورسوله.

فيها رمز إىل مسو املسلم، ووجوب أن يرتفع فوق أهواء الدنيا وشهواهتا، وأن ينفرد عن غريه :اواثنيا العليا دائما وأبدا.من سائر البشر بعلو املكانة، ومسو اهلدف، والتحليق يف أجواء املثل

فيها إشارة إىل إمكان ارتياد الفضاء واخلروج عن نطاق اجلاذبية األرضية، فلقد كان رسولنا يف :واثلثاحادثة اإلسراء واملعراج أول رائد للفضاء يف اتريخ العامل كله، وأن رايدة الفضاء والعودة إىل األرض بسالم،

عصره؛ فإنه من املمكن أن يقع للناس عن طريق العلم والفكر . أمر ممكن إن وقع لرسول هللا ابملعجزة يف

يف فرض الصالة ليلة اإلسراء واملعراج إشارة إىل احلكمة اليت من أجلها شرعت الصالة، فكأن هللا -6يقول لعباده املؤمنني: إذا كان معراج رسولكم جبسمه وروحه إىل السماء معجزة، فليكن لكم يف كل يوم

اج تعرج فيه أرواحكم وقلوبكم إيل، ليكن لكم عروج روحي حتققون به الرتفع عن أهوائكم مخس مرات معر وشهواتكم، وتشهدون به من عظميت وقدريت ووحدانييت، ما يدفعكم إىل السيادة على األرض، ال عن طريق

لصالة.االستعباد والقهر والغلبة، بل عن طريق اخلري والسمو، عن طريق الطهر والتسامي، عن طريق ا

26

ويف عرض الرسول نفسه على القبائل يف موسم احلج، دليل على أن الداعية ال ينبغي أن يقتصر يف -7دعوة الناس إىل اخلري ضمن جمالسه ويف بيئته فحسب، بل جيب أن يذهب إىل كل مكان جيتمع فيه الناس

بعد أخرى، فقد يهيئ هللا له أو ميكن أن جيتمعوا فيه، وأنه ال ينبغي له أن ييأس من إعراضهم عنه مرة أنصارا يؤمنون بدعوته اخلرية من حيث ال يفكر وال حيتسب، وقد يكون هلذه القلة اليت هتتدي به يف بعض املناسبات شأن كبري يف انتشار دعوة احلق واخلري، ويف انتصارها النصر النهائي على الشر وأعوانه، فلقد كان

الذين التقوا برسول هللا أول مرة ما أدى إىل تغلغل اإلسالم يف املدينة، إلميان السبعة األوائل من األنصار وكان هلذا التغلغل أثر يف انتشار اإلسالم وسيطرته عليها، مما مهد للمؤمنني املضطهدين يف مكة أن جيدوا يف

، ويبث منه دعوته، وينطلق منه املدينة مهاجرا يتمركزون فيه، ولرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص موئال أمينا يقيم فيه دولتهأصحابه إىل مقاومة الشرك واملشركني ابحلروب واملعارك اليت كانت هنايتها انتصارا خالدا لإلميان، وهزمية أبدية للشرك، فرضي هللا عن األنصار من أوس وخزرج، كم كان هلم على اإلسالم واملسلمني والعامل كله من

إخواهنم املهاجرين الذين سبقوهم إىل اإلميان، وضحوا يف سبيله ابلغايل فضل ال ينتهي خريه، ورضي هللا عن من األموال واألوطان، وأحلقنا هبم مجيعا يف جنة الرضوان.

27

الفصل الرابع منذ الجرة حت استقرار النيب ف املدينة

:الوقائع التارخيية

امكة، فأمرهم النيب ملسو هيلع هللا ىلص ابهلجرة إىل علمت قريش إبسالم فريق من أهل يثرب، فاشتد أذاها للمؤمنني -1املدينة، فهاجروا مستخفني، إال عمر هنع هللا يضر، فإنه أعلم مشركي قريش هبجرته ]التحرير أن عمر هنع هللا يضر هاجر سرا

د.كسائر الصحابة[، وقال هلم: من أراد أن تثكله أمه فليلحق يب غدا ببطن هذا الوادي، فلم خيرج له أح

وملا أيقنت قريش أن املسلمني قد أصبحوا يف املدينة يف عزة ومنعة، عقدت مؤمترا يف دار الندوة -2للتفكري يف القضاء على الرسول نفسه، فقر رأيهم على أن يتخريوا من كل قبيلة منهم فىت جلدا، فيقتلوه

فريضوا ابلدية، وهكذا اجتمع الفتيان مجيعا، فيتفرق دمه يف القبائل، وال يقدر بنو مناف على حرهبم مجيعا، املوكلون بقتل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص على اببه ليلة اهلجرة ينتظرون خروجه ليقتلوه.

مل ينم الرسول ملسو هيلع هللا ىلص تلك الليلة على فراشه، وإمنا طلب من علي هنع هللا يضر أن ينام مكانه، وأمره إذا أصبح -3 كان أودعها كفار قريش عنده إىل أصحاهبا، وغادر الرسول ملسو هيلع هللا ىلص بيته دون أن يشاهده أن يرد الودائع اليت

املوكلون بقتله، وذهب إىل بيت أيب بكر، وكان قد هيأ من قبل راحلتني له وللرسول ملسو هيلع هللا ىلص، فعزما على يلي وكان مش ركا ليدهلما على طريق املدينة، على أن اخلروج، واستأجر أبو بكر عبد هللا بن أريقط الد

يتجنب الطريق املعروفة إىل طريق أخرى ال يهتدي إليها كفار قريش.

خرج رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وصاحبه أبو بكر يوم اخلميس أول يوم من ربيع األول لسنة ثالث ومخسني من -4ي هنع هللا يضر وآل أيب بكر هنع هللا يضر، وعملت عائشة وأمساء مولده عليه الصالة والسالم، ومل يعلم أبمر هجرته إال عل

فربطت به على -وهو ما يشد به الوسط -بنتا أيب بكر يف هتيئة الزاد هلما، وقطعت أمساء قطعة من نطاقها فسميت لذلك: ذات النطاقني، واجتها مع دليلهما عن طريق اليمن حىت وصال -وعاء الطعام -فم اجلراب

« حاذق»، فكمنا فيه ثالث ليال يبيت عندمها عبد هللا بن أيب بكر وهو غالم شاب ثقف «ر ثورغا»إىل ، فيخرج من عندمها ابلسحر، ويصبح مع قريش امكة كأنه كان ائما فيها، فال يسمع «سريع الفهم»لقن

تونه هلما إال وعاه حىت أيتيهما يف املساء خبربه.يمن قريش أمرا يب

28

ريش لنجاة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص من القتل، وخرجوا يطلبونه من طريق مكة املعتاد، فلم جيدوه قامت قيامة ق -5يقول بعضهم: لعله وصاحبه يف هذا الغار. فيجيبه « غار ثور»واجتهوا إىل طريق اليمن، ووقفوا عند فم

فيه الطيور، مما يدل اآلخرون: أال ترى إىل فم الغار كيف تنسج عليه العنكبوت خيوطها، وكيف تعشعشعلى أنه مل خيل هذا الغار أحد منذ أمد، وأبو بكر هنع هللا يضر يرى أقدامهم وهم واقفون على فم الغار، فريتعد خوفا على حياة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ويقول له: وهللا اي رسول هللا، لو نظر أحدهم إىل موطئ قدمه لرآ ا، فيطمئنه

«.ي أب بكر ما ظنك بثنني هللا اثلثهما؟» بقوله: الرسول ملسو هيلع هللا ىلص

أرسلت قريش يف القبائل تطمع كل من عثر على الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وصاحبه، أو قتله، أو أسره، يف دفع -6مبلغ ضخم من املال يغري الطامعني، فانتدب لذلك سراقة بن جعشم ، وأخذ على نفسه أن يتفقدمها

ابجلائزة. ليظفر وحده

بعد أن انقطع طلب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وصاحبه، خرجا من الغار مع دليلهما وأخذا طريق الساحل -7وقطعا مسافة بعيدة أدركهما من بعدها سراقة، فلما اقرتب منهما، ساخت قوائم « ساحل البحر األمحر»

ملها على السري جهة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص، عندئذ فرسه يف الرمل فلم تقدر على السري، وحاول ثالث مرات أن حيأيقن أنه أمام رسول كرمي، فطلب من الرسول ملسو هيلع هللا ىلص أن يعده بشيء إن نصره، فوعده بسواري كسرى

يلبسهما، مث عاد سراقة إىل مكة فتظاهر أبنه مل يعثر على أحد.

نة يف اليوم الثاين عشر من ربيع األول وبعد أن طال انتظار وصل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وصاحبه املدي -8أصحابه له، خيرجون كل صباح إىل مشارف املدينة، فال يرجعون إال حني حتمى الشمس وقت الظهرية،

فلما رأوه فرحوا به فرحا عظيما، وأخذت الوالئد ينشدن ابلدفوف: من ثـنـيـات الـوداع طلع البدر عـلـيـنـا

مـا دعــا هلل داع كر عـلـيـناـوجب الش طاعـت ابألمر املـجئ أيها املبعوث فـيـنـا

وهي قرية جنوب املدينة على بعد « قباء»كان الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وهو يف طريقه إىل املدينة قد وصل إىل -3أايم، مث سار صباح اجلمعة إىل ميلني منها، فأسس فيها أول مسجد بين يف اإلسالم، وأقام فيها أربعة

املدينة، فأدركته صالة اجلمعة يف بين سامل بن عوف، فبىن مسجدا هناك وأقام أول مجعة يف اإلسالم، وأول خطبة خطبها يف اإلسالم، مث سار إىل املدينة، فلما وصلها كان أول عمل عمله بعد وصوله أن اختار

23

ه، وكان املكان لغالمني يتيمني من األنصار، فساومهما على املكان الذي بركت فيه اقته ليكون مسجدا لمثنه، فقاال: بل هنبه لك اي رسول هللا، فأىب إال أن يبتاعه منهما بعشرة د انري ذهبا أداها من مال أيب بكر،

عهم اللب مث ندب املسلمني لالشرتاك يف بناء املسجد، فأسرعوا إىل ذلك، وكان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ينقل م ]الطوب[، حىت مت بناء املسجد جدرانه من لب، وسقفه من جريد النخل مقاما على اجلذوع.

مث كان أن آخى املهاجرين واألنصار، فجعل لكل أنصاري أخا من املهاجرين، فكان األنصاري -15 يذهب أبخيه املهاجر إىل بيته، فيعرض عليه أن يقتسم معه كل شيء يف بيته.

مث كتب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص كتااب بني املهاجرين واألنصار، وادع فيه اليهود، وأقرهم على دينهم وأمواهلم، -11وقد ذكر ابن هشام هذا الكتاب بطوله يف سريته، وهو يتضمن املبادئ اليت قامت عليها أول دولة يف

الديين والتعاون على مصلحة اجملتمع ما جيدر اإلسالم، وفيها من اإلنسانية والعدالة االجتماعية والتسامح بكل طالب أن يرجع إليه ويتفهمه وحيفظ مبادئه.

ونحن نذكر املبادئ العامة اليت تضمنتها هذه الوثيقة التارخيية اخلالدة:

وحدة األمة املسلمة من غري تفرقة بينها. -1 تساوي أبناء األمة يف احلقوق والكرامة. -2 اإلمث والعدوان.تكاتف األمة دون الظلم و -3 اشرتاك األمة يف تقرير العالقات مع أعدائها ال يسامل مؤمن دون مؤمن. -4 أتسيس اجملتمع على أحدث النظم وأهداها وأقومها. -5 مكافحة اخلارجني على الدولة ونظامها العام، ووجوب االمتناع عن نصرهتم. -6 ظلمهم والبغي عليهم. محاية من أراد العيش مع املسلمني مساملا متعاو ا، واالمتناع عن -7 لغري املسلمني دينهم وأمواهلم، ال جيربون على دين املسلمني وال تؤخذ منهم أمواهلم. -8 على غري املسلمني أن يسهموا يف نفقات الدولة كما يسهم املسلمون. -3

على غري املسلمني أن يتعاونوا معهم لدرء اخلطر عن كيان الدولة ضد أي عدوان. -15 نفقات القتال ما دامت الدولة يف حالة حرب. وعليهم أن يشرتكوا يف -11 على الدولة أن تنصر من يظلم منهم، كما تنصر كل مسلم يعتدى عليه. -12 على املسلمني وغريهم أن ميتنعوا عن محاية أعداء الدولة ومن يناصرهم. -13

35

إذا كانت مصلحة األمة يف الصلح، وجب على مجيع أبنائها مسلمني وغري مسلمني أن -14 ح.يقبلوا ابلصل

ال يؤاخذ إنسان بذنب غريه، وال جيين جان إال على نفسه وأهله. -15 حرية االنتقال داخل الدولة وخارجها مصونة حبماية الدولة. -16 ال محاية آلمث وال لظامل. -17 اجملتمع يقوم على أساس التعاون على الرب والتقوى، ال على اإلمث والعدوان. -18 هذه املبادئ حتميها قواتن: -13

:إميان الشعب ابهلل ومراقبته له، ورعاية هللا ملن ]عاهد[ ووىف. قوة معنوية، وهي .وقوة مادية، وهي رائسة الدولة اليت ميثلها دمحم ملسو هيلع هللا ىلص

:الدروس والعظات

إن املؤمن إذا كان واثقا من قوته ال يستخفي يف عمله، بل جياهر فيه، وال يبايل أبعداء دعوته ما دام -1ب عليهم، كما فعل عمر هنع هللا يضر حني هاجر، ويف ذلك دليل أيضا على أن موقف القوة يرهب واثقا من التغل

أعداء هللا، ويلقي اجلزع يف نفوسهم، وال شك أهنم لو أرادوا أن جيتمعوا على قتل عمر الستطاعوا، ولكن ه، وأهل الشر موقف عمر اجلريء ألقى الرعب يف نفس كل واحد منهم، فخشي إن تعرض له أن تثكله أم

ضنينون ]خبالء[ حبياهتم حريصون عليها.

حني ييأس املبطلون من إيقاف دعوة احلق واإلصالح، وحني يفلت املؤمنون من أيديهم ويصبحون -2يف منجى من عدواهنم، يلجؤون آخر األمر إىل قتل الداعية املصلح، ظنا منهم أهنم إن قتلوه ختلصوا منه،

و تفكري األشرار أعداء اإلصالح يف كل عصر، وقد شاهد اه ورأينا مثله يف وقضوا على دعوته، وهذا ه حياتنا.

إن اجلندي الصادق املخلص لدعوة اإلصالح، يفدي قائده حبياته، ففي سالمة القائد سالمة -3ملسو هيلع هللا ىلص تضحية للدعوة، ويف هالكه خذالهنا ووهنها، فما فعله علي هنع هللا يضر ليلة اهلجرة من بياته على فراش الرسول

حبياته يف سبيل اإلبقاء على حياة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، إذ كان من احملتمل أن هتوي سيوف فتيان قريش على رأس

31

ه أن يسلم علي هنع هللا يضر انتقاما منه، ألنه سهل لرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص النجاة، ولكن عليا هنع هللا يضر مل يبال بذلك، فحسب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص نيب األمة وقائد الدعوة.

ويف إيداع املشركني ودائعهم عند رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص مع حماربتهم له وتصميمهم على قتله، دليل على أن -4سرية، وأنقى أعداء اإلصالح يوقنون يف قرارة نفوسهم ابستقامة الداعية وأمانته ونزاهته، وأنه خري منهم

سريرة، ولكن العماية واللجاجة واجلمود على العادات والعقائد الضالة، هو الذي حيملهم على حماربته، ونصب الكيد له، والتآمر على قتله إن استطاعوا إىل ذلك سبيال.

إن تفكري قائد الدعوة، أو رئيس الدولة، أو زعيم حركة اإلصالح يف النجاة من آتمر املرتبصني -5واملغتالني، وعمله لنجاح خطة النجاة ليستأنف حركته أشد قوة ومراسا يف ميدان آخر، ال يعترب جبنا وال

فرارا من املوت، وال ضنا ابلتضحية ابلنفس والروح.

يف موقف عبد هللا بن أيب بكر ما يثبت أثر الشباب يف جناح الدعوات، فهم عماد كل دعوة -6الفداء، تتقدم الدعوات سريعا نحو النصر والغلبة. ونحن نرى يف املؤمنني إصالحية، وابندفاعهم للتضحية

السابقني إىل اإلسالم كلهم شبااب، فرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص كان عمره أربعني سنة عند البعثة، وأبو بكر هنع هللا يضر كان أصغر اجلميع، وعثمان هنع هللا يضر كان أصغر من أصغر منه بثالث سنني، وعمر هنع هللا يضر أصغر منهما، وعلي هنع هللا يضر

رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، وهكذا كان عبد هللا بن مسعود، وعبد الرمحن بن عوف، واألرقم بن أيب األرقم، وسعيد بن على زيد، وبالل بن رابح، وعمار بن ايسر، مهنع هللا يضر، وغريهم، كل هؤالء كانوا شبااب، محلوا أعباء الدعوة

كواهلهم، فتحملوا يف سبيلها التضحيات، واستعذبوا من أجلها العذاب واألمل واملوت، وهبؤالء انتصر اإلسالم، وعلى جهودهم وجهود إخواهنم قامت دولة اخللفاء الراشدين، ومتت الفتوحات اإلسالمية الرائعة،

ة والوثنية والكفر والفسوق.وبفضلهم وصل إلينا اإلسالم الذي حرر ا هللا به من اجلهالة والضالل

ويف موقف عائشة وأمساء رضي هللا عنهما أثناء هجرة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ما يثبت حاجة الدعوات -7اإلصالحية إىل النساء، فهن أرق عاطفة، وأكثر اندفاعا، وأمسح نفسا، وأطيب قلبا، واملرأة إذا آمنت بشيء

وبة، وعملت على إقناع زوجها وأخوهتا وأبنائها به، وجلهاد املرأة يف مل تبال بنشره والدعوة إليه بكل صعسبيل اإلسالم يف عهد الرسول ملسو هيلع هللا ىلص صفحات بيضاء مشرقة، تؤكد لنا اليوم أن حركات اإلصالح اإلسالمي

على اإلميان ستظل وئيدة اخلطأ، قليلة األثر يف اجملتمع حىت تشرتك فيها املرأة، فتنشئ جيال من الفتياتواخللق والعفة والطهارة، هؤالء أقدر على نشر القيم اليت حيتاج إليها جمتمعنا اليوم يف أوساط النساء من

32

الرجال، عدا أهنن سيكن زوجات وأمهات، وأن الفضل الكبري يف تربية كبار الصحابة مث التابعني من بعدهم لى أخالق اإلسالم وآدابه، وحب اإلسالم ورسوله، يعود إىل نساء اإلسالم الاليت أنشأن هذه األجيال ع

فكانت أكرم األجيال اليت عرفها التاريخ يف علو اهلمة، واستقامة السرية، وصالح الدين والدنيا.

إن علينا اليوم أن ندرك هذه احلقيقة، فنعمل على أن حتمل الفتيات والزوجات لواء دعوة اإلصالح ثر من نصف األمة، وذلك يقتضينا أن نشجع بناتنا وأخواتنا على اإلسالمي يف أوساط النساء، وهن أك

تعلم الشريعة يف معهد موثوق حبسن تدريسه لإلسالم، مثل كلية الشريعة يف جامعتنا، وكلما كثر عدد هؤالء ، الفتيات العاملات ابلدين، الفقيهات يف الشريعة، امللمات بتاريخ اإلسالم، احملبات لرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص

املتخلقات أبخالقه وأخالق أمهات املؤمنني، استطعنا أن ندفع حركة اإلصالح اإلسالمي إىل األمام دفعا قواي، وأن نقرب اليوم الذي خيضع فيه جمتمعنا اإلسالمي ألحكام اإلسالم وشريعته، وإن ذلك لواقع إن شاء

هللا.

وهم عنده، وفيما حتكيه لنا « غار ثور»يف ويف عمى أبصار املشركني عن رؤية رسول هللا وصاحبه -8الرواايت من نسيج العنكبوت وتفريخ الطري على فم الغار، مثل ختشع له القلوب من أمثلة العناية اإلهلية برسله ودعاته وأحبابه، فما كان هللا يف رمحته لعباده ليسمح أن يقع الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يف قبضة املشركني فيقضوا

وعلى دعوته وهو الذي أرسله رمحة للعاملني، وكذلك يعود هللا عباده الدعاة املخلصني أن يلطف هبم يف عليه أبصار املرتبصني هلم -يف كثري من األحيان -ساعات الشدة، وينقذهم من املآزق احلرجة، ويعمي عنهم

إال تصديق قول « غار ثور»ابلشر والغدر، وليس يف جناة الرسول وصاحبه بعد أن أحاط هبما املشركون يف ن يا وي وم ي قوم األشهاد هللا تبارك وتعاىل: } [ 51{ ]غافر:إينه لننصر رسلنا والهذيين آمنوا في الياةي الد

يدافيع عني الهذيين آمنوا} وقول هللا تبارك وتعاىل: [.38{ ]احلج:إينه الله

بكر وهو يف الغار من أن يرامها املشركون مثل ملا جيب أن يكون عليه جندي الدعوة ويف خوف أيب -3الصادق مع قائده األمني حني حيدق به اخلطر من خوف وإشفاق على حياته، فما كان أبو بكر ساعتئذ

رة اخلطرية وهو يعلم ابلذي خيشى على نفسه من املوت، ولو كان كذلك، ملا رافق الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يف هذه اهلجأن أقل جزائه القتل إن أمسكه املشركون مع رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، ولكنه كان خيشى على حياة الرسول الكرمي،

وعلى مستقبل اإلسالم إن وقع الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يف قبضة املشركني.

33

« بكر، ما ظنك بثنني هللا اثلثهما ي أب» ه على قلقه ويف جواب الرسول ملسو هيلع هللا ىلص أليب بكر تطمينا ل -15مثل من أمثلة الصدق يف الثقة ابهلل واالطمئنان إىل نصره، واالتكال عليه عند الشدائد، وهو دليل واضح على صدق الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يف دعوى النبوة، فهو يف أشد املآزق حرجا ومع ذلك تبدو عليه أمارات االطمئنان

إىل أن هللا ]الذي[ بعثه هدى ورمحة للناس لن يتخلى عنه يف تلك الساعات، فهل مثل هذا االطمئنان يصدر عن مدع للنبوة، منتحل صفة الرسالة؟ ويف مثل هذه احلاالت يبدو الفرق واضحا بني دعاة اإلصالح

عن هللا، والثقة بنصره، وهؤالء وبني املدعني له واملنتحلني المسه، أولئك تفيض قلوهبم دائما وأبدا ابلرضى يتهاوون عند املخاوف، وينهارون عند الشدائد، مث ال جتد هلم من دون هللا وليا وال نصريا.

ويبدو لنا من موقف سراقة حني أدرك الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وعجزه عن الوصول إليه دليل على نبوة الرسول -11رسه تسيخ يف الرمل وهي متجهة صوب الرسول، حىت إذا نزل عنها ووجهها شطر ملسو هيلع هللا ىلص، فقد كانت قوائم ف

مكة نشطت من كبوهتا، فإذا أراد أن يعيدها كرة يف اجتاه الرسول ملسو هيلع هللا ىلص عادت إىل عجزها وكع ها ]ضعفها[، اقة، فنادى الرسول أفرتى هذا يقع إال لنيب مرسل مؤيد من هللا ابلنصر والعون؟ كال، وهذا ما أدركه سر

ابألمان، وأدرك أن للرسول ملسو هيلع هللا ىلص من العناية اإلهلية ما تعجز عن إدراكه قوى البشر، فرضي أن خيسر اجلائزة ويفوز ابلوعد.

ويف وعد الرسول ملسو هيلع هللا ىلص لسراقة بسواري كسرى معجزة أخرى، فاإلنسان الذي يبدو هاراب من وجه -12مل يف فتح الفرس واالستيالء على كنوز كسرى، إال أن يكون نبيا مرسال، ولقد حتقق وعد قومه ال يؤ

الرسول ملسو هيلع هللا ىلص له، وطالب كسرى عمر بن اخلطاب إبنفاذ وعد الرسول ملسو هيلع هللا ىلص له حني رأى سواري كسرى يف د هلل الذي سلب كسرى سواريه الم»الغنائم، فألبسهما عمر سراقة على مأل من الصحابة، وقال:

وهكذا تتواىل املعجزات يف هذه اهلجرة واحدة بعد أخرى ليزداد « وألبسهما سراقة بن جعشم األعراب املؤمنون ويستيقن الذين أوتوا الكتاب من املرتددين واجلاحدين أنه رسول من رب العاملني.

بقدوم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ووصوله إليهم كانت فرحة املؤمنني من سكان يثرب من أنصار ومهاجرين -13ساملا فرحة أخرجت النساء من بيوهتن والوالئد، ومحلت الرجال على ترك أعماهلم، وكان موقف يهود املدينة موقف املشارك يف الفرحة ظاهرا، واملتأمل من منافسة الزعامة اجلديدة ابطنا، أما فرحة املؤمنني بلقاء رسوهلم،

فيها وهو الذي أنقذهم من الظلمات إىل النور إبذن رهبم إىل صراط العزيز احلميد، وأما موقف فال عجباليهود فال غرابة فيه وهم الذين عرفوا ابمللق والنفاق للمجتمع الذي فقدوا السيطرة عليه، وابلغيظ واحلقد

34

سم القروض، وسفك دمائها األسود ممن يسلبهم زعامتهم على الشعوب، وحيول بينهم وبني سلب أمواهلا ابابسم النصح واملشورة، وما زال اليهود حيقدون على كل من خيلص الشعوب من سيطرهتم، وينتهون من احلقد إىل الدس واملؤامرات، مث إىل االغتيال إن استطاعوا، ذلك ديدهنم، وتلك جبلتهم، وقد فعلوا مثل ذلك

ولكن اليهود ,دينة، برغم ما أمضاه بينه وبينهم على التعاون والتعايش بسالمبرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بعد استقراره ابمل [.64{ ]املائدة:كلهما أوقدوا نرا ل يلحربي أطفأها الل قوم يشعلون ار احلروب دائما وأبدا، و}

امكان إال كان أول ما يفعله بناء مسجد من وقائع اهلجرة إىل املدينة تبني لنا أنه ملسو هيلع هللا ىلص ما أقام -14قام فيها أربعة أايم، وبىن مسجدا يف منتصف الطريق بني قباء أجيتمع فيه املؤمنون فقد أقام مسجد قباء حني

«.وادي رانو اء» واملدينة ملا أدركته صالة اجلمعة يف بين سامل بن عوف يف بطن الوادي

عمله بناء مسجد فيها.فلما أن وصل إىل املدينة، كان أول عمل

وهذا يدلنا على أمهية املسجد يف اإلسالم، وعبادات اإلسالم كلها تطهري للنفس، وتزكية لألخالق، وتقوية ألواصر التعاون بني املسلمني، وصالة اجلماعة واجلمعة والعيدين، مظهر قوي من مظاهر اجتماع

والتقوى، ال جرم أن كان للمسجد رسالة اجتماعية املسلمني، ووحدة كلمتهم، وأهدافهم، وتعاوهنم على الرب وروحية عظيمة الشأن يف حياة املسلمني، فهو الذي يوحد صفوفهم، ويهذب نفوسهم، ويوقظ قلوهبم

وعقوهلم، وحيل مشاكلهم، وتظهر فيه قوهتم ومتاسكهم.

األرض ولقد أثبت اتريخ املسجد يف اإلسالم أنه منه انطلقت جحافل اجليوش اإلسالمية لغمرهبداية هللا، ومنه انبعثت أشعة النور واهلداية للمسلمني وغريهم، وفيه ترعرعت بذور احلضارة اإلسالمية ومنت، وهل كان أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وخالد، وسعد، وأبو عبيدة وأمثاهلم من عظماء التاريخ

لنبوي.اإلسالمي إال تالمذة املدرسة احملمدية اليت كان مقرها املسجد ا

وميزة أخرى للمسجد يف اإلسالم أنه تنبعث منه يف كل أسبوع كلمة احلق مدوية جملجلة على لسان خطيبه، يف إنكار منكر أو أمر امعروف، أو دعوة إىل خري أو إيقاظ من غفلة، أو دعوة إىل جتمع، أو

ملساجد مراكز االنطالق احتجاج على ظامل، أو حتذير لطاغية، ولقد شاهد ا يف عصر الطفولة كيف كانت اللحركات الوطنية ضد املستعمرين الفرنسيني، يلجأ إليها زعماء اجلهاد ضد االستعمار وضد الصهيونية، وإذا كنا نرى تعطيلها اليوم عن القيام بوظيفتها الكربى، فما ذلك إال ذنب بعض اخلطباء من املوظفني املرتزقني،

35

برها ويؤم حماريبها دعاة أشداء يف احلق، علماء ابلشريعة، خملصون هلل أو اجلاهلني الغافلني، ويوم يعتلي مناولرسوله، اصحون ألئمة املسلمني وعامتهم، يعود للمسجد يف جمتمعنا اإلسالمي مكان الصدارة يف مؤسساتنا االجتماعية، ويعود املسجد ليعمل عمله يف تربية الرجال، وإخراج األبطال، وإصالح الفساد،

ملنكر، وبناء اجملتمع على أساس من تقوى هللا ورضوانه.وحماربة ا

وإ ا لنأمل ذلك إن شاء هللا حني حتتل هذه الطليعة الطاهرة من شبابنا املؤمن املثقفة بدين هللا املتخلقة أبخالق رسول هللا منابره وأرجاءه.

سالم اإلنسانية خاة الرسول بني املهاجرين واألنصار أقوى مظهر من مظاهر عدالة اإلايف مؤ -15األخالقية البناءة، فاملهاجرون قوم تركوا يف سبيل هللا أمواهلم وأراضيهم، فجاؤوا املدينة ال ميلكون من حطام الدنيا شيئا، واألنصار قوم أغنياء بزروعهم وأمواهلم وصناعتهم، فليحمل األ أخاه، وليقتسم معه سراء احلياة

متسع هلما، وليعطه نصف ماله ما دام غنيا عنه، موفرا له، فأية عدالة وضراءها، ولينزله يف بيته مادام فيه اجتماعية يف الدنيا تعدل هذه األخوة؟

إن الذين ينكرون أن يكون اإلسالم عدالة اجتماعية، قوم ال يريدون أن يبهر نور اإلسالم أبصار ه الناس وكان يف اإلسالم الناس ويستويل على قلوهبم، أو قوم جامدون يكرهون كل لفظ جديد ولو أحب

مدلوله، وإال فكيف تنكر العدالة االجتماعية يف اإلسالم ويف اترخيه هذه املؤاخاة الفذة يف التاريخ، وهي اليت عقدها صاحب الشريعة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص بنفسه، وطبقها إبشرافه، وأقام على أساسها أول جمتمع ينشؤه، وأول دولة

يبنيها؟

هم هذا هبتان عظيم..سبحانك الل

ويف الكتاب الذي عقد فيه الرسول األخوة بني املهاجرين واألنصار، والتعاون بني املسلمني وغريهم -16مجلة من األدلة اليت ال ترد على أن أساس الدولة اإلسالمية قائم على العدالة االجتماعية، وأن أساس

وا، وأن مبدأ احلق والعدل والتعاون على الرب والتقوى والعمل العالئق بني املسلمني وغريهم هو السلم ما ساملخلري الناس، ودفع أذى األشرار عن اجملتمع، هو أبرز الشعارات اليت تنادي هبا دولة اإلسالم، وبذلك تكون الدولة اإلسالمية أينما قامت، ويف أي عصر نشأت قائمة على أقوم املبادئ وأعدهلا، وهي تنطبق اليوم على

م املبادئ اليت تقوم عليها الدول، وتعيش يف ظلها الشعوب، وإن العمل يف عصر ا هذا إلقامة دولة يف أكر

36

جمتمعنا اإلسالمي تركز قواعدها على مبادئ اإلسالم عمل يتفق مع تطور الفكر اإلنساين يف مفهوم الدولة، وأرقاها. عدا أنه حيقق للمسلمني بناء جمتمع من أقوى اجملتمعات وأكملها وأسعدها

وأاي ما كان فإن من مصلحتنا أن تبىن الدولة عند ا على أساس اإلسالم، ويف ترك ذلك خرابنا ودمار ا، واإلسالم ال يؤذي غري املسلمني يف الوطن اإلسالمي، وال يضطهد عقائدهم، وال ينتقص من

الم، وإقامة أحكامه وهي كلها حقوقهم، ففيم اخلوف من إلزام الدول يف البالد اإلسالمية بتنفيذ شرائع اإلسعدل وحق وقوة وإخاء وتكافل اجتماعي شامل على أساس من اإلخاء واحلب والتعاون الكرمي؟ إننا لن

ولو أنه أهل القرى آمنوا خنلص من االستعمار، إال ابملناداة ابإلسالم، ويف سبيل ذلك فليعمل العاملون }راطيي مستقييما [ }36{ ]األعراف: يهيم ب ركات م ين السهماء واألرضي وات هقوا لفتحنا عل وأنه ه ذا صي

ومن ي تهقي الله يعل لهه خمرجا [ }153{ ]األنعام: فاتهبيعو ول ت تهبيعوا السبل ف ت فرهق بيكم عن سبييليهي ليكل ي وي رزقه مين حي ب ومن ي ت وكهل على اللهي ف هو حسبه إينه الله بليغ أمريي قد جعل الله شيء ث ل يتسي

ر عنه [ }ومن ي تهقي الله يكف ي 4ومن ي تهقي الله يعل لهه مين أمريي يسرا{ ]الطالق: [ }2{ ]الطالق: قدرا [.5{ ]الطالق: سي يئاتيهي وي عظيم له أجرا

37

الفصل اخلامس ف معارك الرسول الربية

:الوقائع التارخيية

ما كاد يستقر النيب ملسو هيلع هللا ىلص يف املدينة حىت بدأت املعارك احلربية بينه وبني قريش ومن واالها من قبائل خون واملسلمون على أن يسموا كل معركة بني املسلمني واملشركني وحضرها النيب العرب، وقد اصطلح املؤر

وقد بلغ عدد غزوات « سرية» وكل مناوشة حصلت بني الفريقني ومل حيضرها الرسول ملسو هيلع هللا ىلص « غزوة»بنفسه ونقتصر يف هذه العجالة على أشهر الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ستا وعشرين غزوة، وبلغ عدد سراايه مثانيا وثالثني سرية،

غزواته، وهي إحدى عشرة غزوة:

غزوة بدر الكربى:

وكانت يف اليوم السابع عشر من رمضان للسنة الثانية من اهلجرة، وسببها أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ندب القافلة اليت كان يقودها أصحابه للتعرض لقافلة قريش العائدة من الشام إىل مكة، ومل يكن يريد قتاال، ولكن

أبوسفيان جنت بعد أن كان أرسل إىل قريش يستنفرها حلماية القافلة، فخرجت قريش يف نحو من ألف مقاتل، منهم ستمائة دارع )البس للدرع( ومائة فرس عليها مائة درع سوى دروع املشاة، وسبعمائة بعري،

ومعهم القيان يضربن ابلدفوف، ويغنني هبجاء املسلمني.

أما املسلمون فكانت عدهتم ثالمثائة وثالثة عشر أو أربعة عشر رجال، وأكثرهم من األنصار، وكان معهم سبعون مجال، وفرسان أو ثالثة أفراس فحسب، وكان يتعاقب النفر اليسري على اجلمل الواحد فرتة بعد

وض املعركة، فأشار عليهم أخرى، وقبل أن خيوض املعركة، أراد أن يستشري أصحابه، وخاصة األنصار، يف خاملهاجرون خبوضها، وتكلموا خريا، مث علم األنصار أنه يريدهم، فقال له سعد بن معاذ وهو سيد األنصارمجيعا: ايرسول هللا قد آمنا بك وصدقناك، وشهد ا أن ما جئت به هو احلق، وأعطيناك على ذلك

ملا أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك ابحلق لو عهود ا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض ايرسول هللا استعرضت بنا هذا البحر خلضناه معك، ما ختلف منا رجل واحد، ما نكره أن تلقى بنا عدو ا غدا، وإ ا

38

لصرب عند احلرب، صدق عند اللقاء، لعل هللا يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة هللا. وقال غريه سريوا على بركة هللا، وأبشروا، فإن هللا وعدين إحدى لذلك، وقال: مثل ذلك، فسر الرسول ملسو هيلع هللا ىلص

، مث سار الرسول ملسو هيلع هللا ىلص حىت وصل أدىن ماء من بدر فنزل به، فقال احلباب الطائفتني، إما العري، وإما النفريتتأخر عنه، أم هو الرأي واحلرب واملكيدة؟ بن املنذر: ايرسول هللا! هذا منزل أنزلكه هللا تعاىل: ال تتقدمه وال

، فأشار عليه احلباب بن املنذر أن يسري إىل مكان آخر بل هو الرأي والرب واملكيدةفقال الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ، فنهض الرسول ملسو هيلع هللا ىلصملسو هيلع هللا ىلص هو أصلح وأمكن للمسلمني من قطع ماء بدرعن املشركني، فنهض الرسول

وأصحابه حىت وصلوا إىل املكان الذي أشار به احلباب، فأقاموا فيه، مث أشار سعد بن معاذ أن يبين للرسول ملسو هيلع هللا ىلص عريشا وراء صفوف املسلمني، فإن أعزهم هللا كان ما أحب، وإال جلس على ركائبه وحلق امن يف

أبشد لك حبا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حراب ملا ختلفوا املدينة، فقد ختلف عنا أقوام اي نيب هللا ما نحن عنك، فدعا له النيب ملسو هيلع هللا ىلص، وأمر أن يبىن له العريش، وملا التقى اجلمعان، أخذ الرسول يسوي صفوف

والذي نفسي بيد، ل يقاتلهم اليوم » املسلمني، وحيرضهم على القتال، ويرغبهم يف الشهادة، وقال: ورجع إىل عريشه ومعه أبو بكر، وحيرسه « تل صابرا حمتسبا، مقبال غري مدبر إل أدخله هللا اجلنةرجل، فيق

اللهم أنشدك عهدك ووعدك، »سعد بن معاذ متوشحا بسيفه، وأخذ الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يف الدعاء، ومن دعائه: وأطال يف سجوده حىت قال له أبو « ضاللهم إن هتلك هذ العصابة )املؤمنون احملاربون( ل تعبد ف األر

بكر: حسبك، فإن هللا سينجز لك وعدك، مث محي القتال، وانتهت املعركة ابنتصار املسلمني، وقد قتل من املشركني نحو من السبعني، فيهم أشركهم أبو جهل وبعض زعمائهم، وأسر منهم نحو السبعني، مث أمر بدفن

استشار أصحابه يف أمر األسرى، فأشار عليه عمر بقتلهم، وأشار عليه القتلى مجيعا، وعاد إىل املدينة، مث أبو بكر بفدائهم، فقبل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مشورة أيب بكر، وافتدى املشركون أسراهم ابملال.

ولقد وقد نزل يف معركة بدر آايت من كتاب هللا الكرمي، قال هللا تعاىل يف سورة آل عمران: }يكم أن مييدهكم ربكم كم الل بيبدر وأنتم أذيلهة فات هقوا الل لعلهكم تشكرون، إيذ ت قول ليلمؤمينيني ألن يكفي نصر

وا وت ت هقوا ويتوكم مسةي بيثالثةي آلف م ين المآلئيكةي منزليني، ب لى إين تصربي م ين ف وريهيم ه ذا ميديدكم ربكم بي إيله بشرى لكم وليتطمئينه ق لوبكم بيهي وما النه صر إيله مين عيندي آلف م ين المآلئيكةي مسو يميني، وما جعله الل

، ليي قطع طرفا -123{ ]آل عمران: م ين الهذيين كفروا أو يكبيت هم ف ينقليبوا خآئيبيني الل ي العزييزي الكييمي127.]

33

أن يكون كما نزل العتاب لرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص على قبوله فداء األسرى، فقال هللا تعاىل: } ما كان لينيبين في األرضي تري ن له أسرى حته ي ثخي عزييز حكييم، لهول كيتاب م ي رة والل يرييد الخي ن يا والل يدون عرض الد

إينه الل غفور الل ي سبق لمسهكم فييما أخذت عذاب عظييم، فكلوا مميها غنيمتم حالل طي يبا وات هقوا الل يم [.68-67{ ]األنفال: رهحي

:غزوة أحد

وكانت يوم السبت خلمس عشرة خلت من شوال يف العام الثالث للهجرة، وسببها أن قريشا أرادت أن تثأر ليوم بدر، فما زالت تستعد حىت جتهزت لغزو الرسو ل ملسو هيلع هللا ىلص يف املدينة، فخرجت يف ثالثة آالف

ة دارع ومائتا فارس، ومعهم سبع عشرة امرأة، فيهن هند بنت عتبة مقاتل، ما عدا األحابيش فيهم سبعمائزوج أيب سفيان، وقد قتل أبوها يوم بدر، مث ساروا حىت وصلوا بطن الوادي من قبل أحد ) وهو جبل مرتفع يقع مشال املدينة على بعد ميلني منها( مقابل املدينة، وكان من رأي الرسول وعدد من الصحابة أال خيرج

مون إليهم، بل يظلون يف املدينة، فإن هامجهم املشركون صدوهم عنها، ولكن بعض شباب املسلمني املسلوبعض املهاجرين واألنصار، وخاصة من مل حيضر منهم معركة بدر ومل حيصل له شرف القتال فيها، حتمسوا

ودخل بيته ولبس ألمته )درعه(، وألقى للخروج إليهم ومنازلتهم يف أماكنهم، فنزل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص عند رأيهم،الرتس يف ظهره، وأخذ قناته بيده، مث خرج إىل املسلمني، وهو متقلد سيفه، فندم الذين أشاروا عليه ابخلروج إذ كانوا سببا يف محله على خالف رأيه، وقالوا للرسول: ما كان لنا أن خنالفك فاصنع ما شئت أو اقعد إن

ما كان ينبغي لنيب إذا لبس ألمته أن يضعها حت يكم هللا بينه وبني » بقوله: شئت، فأجاهبم الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ، مث خرج واملسلمون معه يف نحو ألف بينهم مائة دارع وفرسان.«عدو

وملا جتمع املسلمون للخروج، رأى الرسول مجاعة من اليهود يريدون أن خيرجوا مع عبد هللا بن أيب بن قالوا: ال اي رسول هللا، قال: أو قد أسلموا؟»نافقني للخروج مع املسلمني، فقال الرسول: سلول رأس امل

، ويف منتصف الطريق اخنذل عن املسلمني عبد «مروهم فلريجعوا؛ فإن ل نستعني بملشركني على املشركنيل فحسب، مث مضى هللا بن أيب بن سلول ومعه ثالمثائة من املنافقني، فبقي عدد املسلمني سبعمائة رج

الرسول حىت وصل إىل ساحة أحد، فجعل ظهره للجبل ووجهه للمشركني، وصف اجليش، وجعل على كل فرقة منه قائدا، واختار مخسني من الرماة، على رأسهم عبد هللا بن جبري األنصاري ليحموا ظهر املسلمني

45

من خلفنا، وارشقوهم بلنبل؛ فإن اخليل احوا ظهورن، ل يتون»من التفاف املشركني وراءهم، وقال هلم: وقال هلم يف رواية « ل تقوم على النبل، إن ل نزال غالبني ماثبتم مكانكم، اللهم إين أشهدك عليهم

إن رأيتمون ختطفنا الطري فال تربحوا مكانكم هذا حت أرسل إليكم، وإن رأيتمون هزمنا القوم »أخرى: «.حوا مكانكم حت أرسل إليكمأو ظاهرنهم وهم قتلى، فال ترب

مث ابتدأ القتال، ونصر هللا املؤمنني على أعدائهم، فقتلوا منهم عددا، مث ولوا األدابر، فانغمس املسلمون يف أخذ الغنائم اليت وجدوها يف معسكر املشركني، ورأى ذلك من وراءهم من الرماة فقالوا: ماذا

أمكنتهم ليناهلم نصيب من الغنائم، فذكرهم رئيسهم عبد هللا بن نفعل وقد نصر هللا رسوله؟ مث فكروا يف تركجبري بوصية الرسول، فأجابوا أبن احلرب قد انتهت، وال حاجة للبقاء حيث هم، فأىب عبد هللا ومعه عشرة

آخرون أن يغادروا أمكنتهم، ورأى خالد بن الوليد وكان قائد ميمنة املشركني خلو ظهر املسلمني من الرماة، كر عليهم من خلفهم، فما شعر املسلمون إال والسيوف تناوشهم من هنا وهناك، فاضطرب حبلهم، وأشيع ف

أن الرسول قد قتل، ففر بعضهم عائدا إىل املدينة، واستطاع املشركون أن يصلوا إىل الرسول، فأصابته وكسرت اخلوذة حجارهتم حىت وقع وأغمي عليه، فشج وجهه، وخدشت ركبتاه، وجرحت شفته السفلى،

على رأسه، ودخلت حلقتان من حلقات املغفر يف وجنته، وتكاثر املشركون على الرسول يريدون قتله، فثبت ملسو هيلع هللا ىلص وثبت معه نفر من املؤمنني، منهم: أبو دجانة، ترتس على الرسول ليحميه من نبال املشركني، فكان

ص رمى يومئذ نحو ألف سهم، ومنهم: نسيبة أم عمارة النبل يقع على ظهره، ومنهم سعد بن أيب وقااألنصارية، تركت سقاء اجلرحى، وأخذت تقاتل ابلسيف، وترمي ابلنبل، دفاعا عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حىت أصاهبا يف عنقها، فجرحت جرحا عميقا، وكان معها زوجها وابناها، فقال هلم الرسول صلى هللا

اللهم »فقالت له نسيبة: ادع هللا أن نرافقك يف اجلنة، فقال: « عليكم أهل بيتبرك هللا»عليه وسلم: وقد قال ملسو هيلع هللا ىلص يف « ما أابيل ما أصابين من أمر الدنيا»فقالت اهنع هللا يضر بعد ذلك: « اجعلهم رفقائي ف اجلنة

وقد جرحت يومئذ اثين عشر جرحا، ما « ما التفت ميينا ومشال يوم أحد، إل ورأيتها تقاتل دوين»حقها: بني طعنة برمح وضربة بسيف.

وقد حاول يف ساعة الشدة أن يصل أيب بن خلف إىل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ليقتله، وأقسم أال يرجع عن ذلك، فأخذ عليه السالم حربة ممن كانوا معه، فسددها يف نحره، فكانت سبب هالكه، وهو الوحيد الذي

يف مجيع معاركه احلربية.قتله ملسو هيلع هللا ىلص

41

مث استطاع ملسو هيلع هللا ىلص الوقوف والنهوض على أكتاف طلحة بن عبيد هللا، فنظر إىل املشركني، فرأى مجاعة « ل ينبغي لم أن يعلون، اللهم ل قوة لنا إل بك»منهم على ظهر اجلبل، فأرسل من ينزهلم قائال:

أبو سفيان مظهرا تشفيه واملشركني من هزميتهم يوم بدر: يوم بيوم بدر.وانتهت املعركة، وقال

وممن قتل يف هذه املعركة محزة عم الرسول ملسو هيلع هللا ىلص، ومثلت به هند زوج أيب سفيان، واحتزت قلبه لئن أظهرين هللا على »ومضغته، فرأت له مرارة مث لفظته، وقد حزن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ملشهده حز ا عظيما فقال:

«.قريش ف موطن من املواطن ألمثلن بثالثني رجال منهم، ولكن هللا هنى عن املثلة بعد ذلك

وقد بلغ عدد قتلى املسلمني يف هذه املعركة نحوا من السبعني، وقتلى املشركني ثالثة وعشرين.

ني، وينبههم إىل سبب اهلزمية وقد أنزل هللا تعاىل يف هذه املعركة عدة آايت يضمد هبا جراح املؤمنول هتينوا ول حتزنوا وأنتم األعلون إين كنتم مؤمينيني، إين اليت حلت هبم، فيقول يف سورة آل عمران: }

م نداويلا ب ني النها ث له وتيلك األيه ذ ميسسكم ق رح ف قد مسه القوم ق رح م ي الهذيين آمنوا وي تهخي سي وليي علم الل ص الل الهذيين آمنوا وميحق الكافيريين، أم ح تم أن مينكم شهداء والل ل ييب الظهاليميني، ولييمح ي ب سي

الهذيين جاه [ مث يقول 142-133{ ] آل عمران: دوا مينكم وي علم الصهابيريين تدخلوا اجلنهة ولمها ي علمي الل إيذ حتسون همبعد آايت: } لتم وت نازعتم في األمري ولقد صدقكم الل وعد )تقتلوهنم( بييذنيهي حته إيذا فشي

تم م ين ب عدي ما أراكم مها حتي هم وعصي رة مثه صرفكم عن ن يا ومينكم مهن يرييد الخي بون مينكم مهن يرييد الد ذو فضل على المؤمينيني ، إيذ تصعيدون تلييكم ولقد عفا عنكم والل )أي هتربون إىل اجلبل صاعدين( ليي ب

ا بيغم ول ت لوون على أحد و ل يكيال )أي فجازاكم غما على غم( الرهسول يدعوكم في أخراكم فأاثبكم غمها ت عملون خبيري بي [.153-152{ ]آل عمران: حتزنوا على ما فاتكم ول ما أصابكم والل

:غزوة بين النضري

رون املدينة، وكانوا حلفاء للخزرج وبينهم وبني املسلمني عهد سلم وتعاون وهم قوم من اليهود جياو كما قدمنا، ولكن طبيعة الشر والغدر املتأصلة يف اليهود أبت إال أن حتملهم على نقض عهدهم، فبينما

ا على قتله إبلقاء كان الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وبعض أصحابه يف بين النضري وقد استند إىل جدار من بيوهتم، إذ آتمرو صخرة من ظهر البيت، فعلم ملسو هيلع هللا ىلص بذلك فنهض سريعا كأنه يهم حباجة، فتوجه إىل املدينة، وحلقه أصحابه مث

42

أرسل إليهم دمحم ابن مسلمة أن اخرجوا من بلدي فال تساكنوين هبا، وقد مهمتم اما مهمتم به من الغدر، مث أايم للخروج، وجتهز بنو النضري للخروج يف هذا اإلنذار، ولكن عبد هللا بن أيب رأس أمهلهم ملسو هيلع هللا ىلص عشرة

املنافقني أرسل إليهم ينهاهم عن اخلروج، ويعدهم إبرسال ألفني من مجاعته يدافعون عنهم، فعدلوا عن ن داير ا، فاصنع ما بدا لك، فخرج النزوح، وحتصنوا يف حصوهنم، وأرسلوا إىل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص: إ ا ال خنرج م

إليهم ملسو هيلع هللا ىلص يف أصحابه حيمل لواءه علي بن أيب طالب، فلما رآهم اليهود أخذوا يرموهنم ابلنبل واحلجارة، ومل يصل إليهم املدد الذي وعدهم به رأس املنافقني، فحاصرهم عليه الصالة والسالم، فصربوا فاضطر إىل قطع

عندئذ: خنرج من بالدك، واشرتط عليهم ملسو هيلع هللا ىلص أال خيرجوا معهم السالح، وهلم أن خيرجوا معهم خنيلهم، فقالوامن أمواهلم ما محلته اإلبل، ودماؤهم مصونة ال يسفك منها قطرة، فلما أرادوا اخلروج أخذوا كل شيء

من نزل خيرب على بعد مائة ميل من يستطيعونه، وهدموا بيوهتم كيال يستفيد منها املسلمون، وساروا، فمنهم جبنوب الشام، ومل يسلم منهم إال اثنان.« جرش» املدينة، ومنهم من نزل يف احية

هو الهذيي أخرج الهذيين كفروا مين أهلي وقد نزلت يف هذه الغزوة سورة )احلشر( ومنها قوله تعاىل: }وهلي ال ن اللهي فأاتهم الله الكيتابي مين دييريهيم ألي شري ما ظننتم أن خيرجوا وظنوا أن ههم مهانيعت هم حصون هم م ي

يدييهيم وأيديي المؤمينيني بوا وقذف في ق لوبييم الرعب خيريبون ب يوت هم بي وامين حيث ل يتسي ي أويلي فاعتربيرةي عذاب ن يا ولم في الخي ب هم في الد ن ههم األبصاري، ولول أن كتب الله عليهيم اجلالء لعذه النهاري، ذليك بي

شدييد العيقابي فإينه الله ورسوله ومن يشاق ي الله [.3-2حلشر:{ ]اشاقوا الله

:غزوة األحزاب

وتسمى غزوة )اخلندق(، وقد وقعت يف شوال من السنة اخلامسة للهجرة، وسببها أنه ملا مت إجالء بين النضري، قدم عدد من حلفائهم إىل مكة يدعون قريشا وحيرضوهنا على قتال الرسول، فأجابت قريش

فزارة وبنو مرة، وأشجع واجتهوا نحو املدينة، لذلك، مث ذهب رؤساء اليهود إىل غطفان، فاستجابت هلم بنوفلما مسع ملسو هيلع هللا ىلص خبروجهم، استشار أصحابه فأشار عليه سلمان حبفر خندق حول املدينة، فأمر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص

ال حبفره وعمل فيه بنفسه، وملا وصلت قريش ومن معها من األحزاب راعها ما رأت من أمر اخلندق، إذعهد للعرب امثله، وكانت عدهتم عشرة آالف، وعدة املسلمني ثالثة آالف، وكان حيي بن أخطب أحد اليهود الذين هيجوا قريشا واألحزاب ضد املسلمني، وقد ذهب إىل كعب بن أسد سيد بين قريظة يطلب

43

حلة بين قريظة على ثلث مثار املدينة، إليه نقض عهد السلم بينه وبني املسلمني، وفكر النيب ملسو هيلع هللا ىلص يف مصاولكن األنصار رفضوا اعتزازا بدينهم من أن يعطوا الدنية هلؤالء اخلائنني للعهود واملواثيق، وبدأ القتال ابقتحام بعض فرسان املشركني للخندق من إحدى نواحيه الضيقة، فناوشهم املسلمون وقاتلوهم، مث جاء نعيم بن

سول ملسو هيلع هللا ىلص، فأخربه أنه قد أسلم، وأن قومه ال يعلمون إبسالمه، وأنه صديق لبين مسعود ابن عامر إىل الر إنا أنت فينا رجل واحد، »فقال له الرسول: « مرين اما شئت»قريظة أيمتنونه ويثقون به، وقال للرسول:

حلفائها، وبني فاستعمل نعيم دهاءه حىت فرق بني قريش و « فخذل عنا إن استطعت، فإن الرب خدعةبين قريظة، وأوقع يف نفوس كل من الفريقني الشك يف اآلخر، وأرسل هللا على األحزاب رحيا شديدة يف ليلة شاتية شديدة الربد، فجعلت تكفئ قدورهم ومتزق خيامهم، فامتألت نفوس األحزاب ابلرعب ورحلوا يف

تلك الليلة، فلما أصبح الصباح نظر املسلمون فلم يروا أحدا.

ي أي ها الهذيين آمنوا اذكروا نيعمة اللهي عليكم إيذ ويف هذه الغزوة أنزل هللا تعاىل يف كتابه الكرمي: }ا ت عملون بصيريا، إيذ وكم م ين ف وقيكم جا جاءتكم جنود فأرسلنا عليهيم رييا وجنودا له ت روها وكان الله بي

للهي الظنون، ه ر وتظنون بي ناليك اب تليي ومين أسفل مينكم وإيذ زاغت األبصار وب لغتي القلوب الناجيذيلهم وانسحاهبم من [ ، مث يصف موقف املنافقني وخت11-3{ ]األحزاب: المؤمينون وزلزيلوا زيلزال شدييدا

ولمها رأى المؤمينون األحزاب قالوا هذا ما وعدن الله ورسوله املعركة، مث يقول يف وصف املؤمنني: }ا ما عاهدوا الله عليهي وصدق الله ورسوله وما زادهم إيله إيميان وتسلييما، مين المؤمينيني ريجال صدقو

دقيهي لوا ت بدييال، لييجزيي الله الصهاديقيني بيصي هم مهن ينتظير وما بده هم مهن قضى نبه ومين م وي عذ يب فمين را المنافيقيني إين شاء أو ي توب عليهيم إينه الله كان غفورا رهحي م ل ي نالوا خي الهذيين كفروا بيغيظيهي يما، ورده الله

قوييا عزييزا المؤمينيني القيتال وكان الله [.25-22{ ]األحزاب: وكفى الله

:غزوة بين قريظة

ملسو هيلع هللا ىلص بعد أن رأى ما وقد وقعت يف السنة اخلامسة للهجرة عقب غزوة األحزاب، وذلك أن رسول هللاانطوت عليه نفوس يهود بين قريظة من اللؤم والغدر والتحزب مع قريش وحلفائها، وبعد أن أعلنت له إابن اشتداد معركة األحزاب أهنا نقضت عهدها معه، وكانت وهي تساكن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يف املدينة هتم بشر عظيم

مني مجيعا لوال انتهاء معركة األحزاب امثل ما انتهت إليه، رأى رسول هللا صلى هللا عليه قد يقضي على املسل

44

وسلم أن يؤدب هؤالء اخلائنني الغادرين، ويطهر منهم املدينة مقر جهاده ودعوته حىت ال تواتيهم الظروف للئيم.مرة أخرى، فينقضوا على جرياهنم املسلمني ويبيدوهم كما هي طبيعة الغدر اليهودي ا

وروى البخاري عن عائشة اهنع هللا يضر، أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ملا رجع يوم اخلندق ووضع السالح واغتسل، أاته قال: ههنا، وأومأ إىل فأين؟جربيل وقد عصب رأسه الغبار فقال: وضعت السالح، فوهللا ما وضعته. قال:

.بين قريظة، قالت: فخرج إليهم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص

أمر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص من ينادي يف الناس أبن ال يصلني أحد العصر إال يف بين قريظة، مث خرج فيهم وقد محل رايته علي هنع هللا يضر، وقد اجتمع من املسلمني ثالثة آالف، ومن اخليل ست وثالثون، فلما د ا علي

قبيحة يف حقه ملسو هيلع هللا ىلص وحق أزواجه، فأخرب النيب ملسو هيلع هللا ىلص بذلك، وطلب إليه من حصن بين قريظة، مسع منهم مقالة أال يدنو من أولئك األخباث، فأجابه عليه السالم أبهنم إذا رأوه مل يقولوا من ذلك شيئا ملا يعلم من

، مث أخذ املسلمون يف حصارهم مخسا وعشرين أخالقهم يف النفاق وامللق، فلما رأوه تلطفوا به كما تنبأ ملسو هيلع هللا ىلصليلة، فلما ضاق هبم األمر نزلوا على حكم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، فحكم فيهم سعد بن معاذ سيد األوس، وكان بنو قريظة حلفاء األوس، فحكم سعد أبن تقتل مقاتلتهم، وأن تسىب ذراريهم، وأن تقسم أمواهلم، فنفذ

بذلك قضى على مؤامرات اليهود ودسائسهم وآتمرهم على رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ودعوته قضاء الرسول حكمه، و مربما يف املدينة وما حوهلا.

ويف هذه الغزوة نزلت آايت من القرآن الكرمي تبني غدر اليهود، ونقضهم للعهود، وختذيلهم لصفوف عوا ويستأذين فرييق وإيذ قالت طهائيف املسلمني يف غزوة األحزاب: } هم ي أهل ي ثريب ل مقام لكم فارجي ة م ين

ه ي قولون إينه ب يوت نا عورة وما هيي بيعورة إين يرييدون إيله فيرارا ، ولو دخي هم النهيبي ن أقطاريها م ين لت عليهيم م يريا ، ولقد كانوا عاهدوا الله مين ق بل مثه سئي ا إيله يسي نة لت وها وما ت لب هثوا بي )إشارة إىل عهد النيب لوا الفيت

ن ينفعكم الفيرار إين ف ررت ل ي ولون األدبر وكان عهد اللهي مسؤول ، قل له ملسو هيلع هللا ىلص معهم يوم استقر ابملدينة(وأنزل الهذيين [. إىل أن يقول: }16 -13{ ]األحزاب: م ين الموتي أوي القتلي وإيذا له تت هعون إيله قلييال

يهيم )أهل األحزاب( ظاهروهم لوبييم الرعب فرييقا وقذف في ق )حصوهنم( م ين أهلي الكيتابي مين صياصيرون فرييقا، وأورثكم أرضهم ودييرهم وأموالم وأرضا له تطؤوها وكان الله على كل ي شيء ت قت لون وتسي

[.27 -26]األحزاب: {قدييرا

45

:غزوة الديبية

السادسة للهجرة، وكان من أمرها أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص رأى يف منامه وقعت يف ذي القعدة من السنة أنه دخل البيت هو وصحابته آمنني حملقني رؤوسهم ومقصرين ال خيافون شيئا، فأمر الناس أن يتجهزوا

لشوق للخروج إىل مكة معتمرين، ال يريد حراب لقريش وال قتاال، فخرج معه املهاجرون واألنصار حيدوهم اإىل رؤية بيت هللا احلرام بعد أن حرموا من ذلك ست سنوات، وخرج معهم من شاء من األعراب، وساق أمامه ملسو هيلع هللا ىلص وهو ما يساق إىل البيت احلرام من اإلبل والنعم تعظيما للبيت وتكرميا، وأحرم ابلعمرة من مكان

يريد قتاال، وكان عدد من خرج معه نحوا من ألف يسمى بذي احلليفة، ليعلم الناس وقريش خاصة أنه الومخسمائة، ومل خيرجوا معهم بسالح إال سالح املسافر يف تلك العهود: السيوف يف أغمادها، وسار حىت

جاء من يقول له: هذه قريش قد مسعت امسريك، فخرجوا وقد لبسوا جلود النمور « عسفان»وصل إىل ي ويح قريش لقد أكلتهم الرب! ماذا عليهم لو خلوا "، فقال ملسو هيلع هللا ىلص: حيلفون ابهلل ال تدخلها عليهم أبدا

بيين وبني سائر العرب، فإن هم أصابوين، كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرين هللا عليهم دخلوا ف ي بعثين اإلسالم وافرين، وإن ل يفعلوا قاتلوا وبم قوة، فما تظن قريش؟ فوهللا ل أزال أجاهد على الذ

."هللا حت يظهر هللا، أو تنفرد هذ السالفة

جاءه بعض رجال -وهي مكان قريب من مكة بينها وبني طريق جدة اآلن -فلما وصل احلديبية من خزاعة يسألونه عن سبب قدومه، فأخربهم أنه مل أيت إال ليزور البيت ويعتمر، فرجعوا وقالوا هلم: إنكم

قتال، إمنا جاء زائرا هلذا البيت. فقالوا: ال وهللا ال يدخلها عليهم عنوة أبدا، وال تعجلون على دمحم، مل أيت ل يتحدث العرب عنا بذلك.

مث بعثوا عروة بن مسعود الثقفي ليتحدث إىل الرسول هبذا الشأن، وبعد حديث وأخذ ورد بني عروة ملسو هيلع هللا ىلص، وهيبتهم له، ورغبتهم وبعض الصحابة، عاد إىل قريش وحدثهم عما رأى من حب الصحابة لرسول هللا

يف الصلح معه، فأبوا ذلك، مث بعث الرسول ملسو هيلع هللا ىلص عثمان بن عفان إىل أهل مكة ليؤكد هلم الغرض من جميء ل نربح حت نناجز الرسول وصحابته، وأبطأ عثمان، فأشيع بني املسلمني أنه قد قتل، فقال الرسول عندئذ:

اتلهم( ودعا املسلمني إىل البيعة على اجلهاد، والشهادة يف سبيل هللا، فبايعوه حتت شجرة هناك من )نق القومأشجار الطلح على عدم الفرار، وأنه إما الصلح، وإما الشهادة، وملا علمت قريش أبمر البيعة، خافوا ورأوا

الراكب: الرماح والسيوف يف الصلح معه على أن يرجع هذا العام ويعود من قابل فيقيم ثالاث معه سالح

46

أغمادها، وأرسلت قريش لذلك سهيل بن عمرو ليتم هذا الصلح، وأخريا مت هذا الصلح، على ما رغبت قريش، وعلى وضع احلرب بني الفريقني عشر سنني، وأن من أتى من عند دمحم إىل مكة مل يردوه، وأن من

، وأخذ بعضهم جيادل النيب ملسو هيلع هللا ىلص فيما جاء من أتى دمحما من مكة ردوه إليهم، فعز ذلك على املسلمنيمث أمر الرسول « إين عبد هللا ولن يضيعين»شروطها، ومن أشدهم يف ذلك عمر، حىت قال رسول هللا:

أصحابه ابلتحلل من العمرة فلم يفعلوا ذلك يف موجة من األمل، ملا حيل بينهم وبني دخول مكة، وملا شق لصلح فبادر عليه السالم بنفسه، فتحلل من العمرة، فتبعه املسلمون مجيعا، وقد ظهرت عليهم من شروط ا

فيما بعد فوائد هذه الشروط اليت صعبت على املسلمني ورضي هبا الرسول، لبعد نظره ورجحان عقله، وإمداد الوحي له ابلسداد يف الرأي والعمل.

: }هذا وقد مسى هللا هذه الغزوة فتحا مبينا، حيث قال إينه ف تحنا لك ف تحا مبيينا ، ليي غفير لك اللهراطا مستقييما ، وينصرك ا يك صي ر ويتيمه نيعمته عليك وي هدي م مين ذنبيك وما تخه نصرا عزييزاما ت قده { لله

ا ي باييعون الله يد اللهي ل ملسو هيلع هللا ىلص، فقال: }[ مث حتدث عن مبايعة الرسو 3-1]الفتح: إينه الهذيين ي باييعونك إينها عاهد عليه الله فسي ؤتييهي هي ومن أوف بي ا ينكث على ن فسي { أجرا عظييماف وق أيدييهيم فمن نهكث فإينه

ي الله عني المؤمينيني إيذ [ ورضي عن أصحاب بيعة الرضوان حتت الشجرة فقال: }15]الفتح: لقد رضي[ 18{ ]الفتح: اي باييعونك حتت الشهجرةي ف عليم ما في ق لوبييم فأنزل السهكيينة عليهيم وأاثب هم ف تحا قرييب

ي ل ملسو هيلع هللا ىلص اليت كانت سببا يف غزوة احلديبية، فقال: }وحتدث عن رؤاي الرسو لقد صدق الله رسوله الرريين ل ختاف د الرام إين شاء الله آمينيني حمل يقيني روسكم ومقص ي لق ي لتدخلنه المسجي ون ف عليم ما ل بي

[ ولعل هذه إشارة إىل فتح مكة الذي كان مثرة من 27{ ]الفتح: لموا فجعل مين دوني ذليك ف تحا قرييبات ع مثار صلح احلديبية، كما سنذكره يف الدروس والعظات إن شاء هللا، مث أتبع ذلك بتأكيد غلبة هذا الدين

ل وانتصاره، فقال: } يداهو الهذيي أرسل رسوله بي للهي شهي { دى ودييني الق ي لييظهير على الد ييني كل يهي وكفى بي [ وصدق هللا العظيم.28]الفتح:

47

:غزوة خيرب

وكانت يف أواخر احملرم للسنة السابعة من اهلجرة.

و)خيرب( واحة كبرية يسكنها اليهود على مسافة مائة ميل من مشال املدينة جهة الشام.

وسببها أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص بعد أن أمن جانب قريش ابلصلح الذي مت يف احلديبية، قرر تصفية مشكلة التجمعات اليهودية فيما حول املدينة بعد أن صفى اليهود من املدينة نفسها، وقد كان لليهود يف خيرب

برية من السالح والعتاد، وكانوا حصون منيعة، وكان فيها نحو من عشرة آالف مقاتل، وعندهم مقادير كأهل مكر وخبث وخداع، فال بد من تصفية مشكلتهم قبل أن يصبحوا مصدر اضطراب وقلق للمسلمني يف عاصمتهم )املدينة( ولذلك أمجع الرسول ملسو هيلع هللا ىلص على اخلروج إليهم يف أواخر احملرم، فخرج إليهم يف ألف

واستنفر من حوله ممن شهد احلديبية، وسار حىت إذا أشرف على خيرب وستمائة مقاتل، منهم مائتا فارس، اللهم رب السماوات وما أظللن، ورب األرضني وما أقللن»، مث عاد فقال: قفواقال ألصحابه:

ورب الشياطني وما أضللن، ورب الريح وما ذرين، إن نسألك خري هذ القرية وخري أهلها، ]محلن[، «.أهلها وشر ما فيها، أقدموا بسم هللا ونعوذ بك من شرها وشر

وملا وصلوا إليها نزل النيب ملسو هيلع هللا ىلص قريبا من أحد حصون خيرب يسمى )حصن النطاة( وقد مجعوا فيه مقاتلتهم، فأشار احلباب بن املنذر ابلتحول، ألنه يعرف أهل النطاة معرفة جيدة، وليس قوم أبعد مدى وال

مرتفعون على مواقع املسلمني، فالنبل منهم سريع االنحدار إىل صفوف املسلمني، مث أعدل رمية منهم، وهمإهنم قد يباغتون املسلمني يف الليل مسترتين أبشجار النخيل الكثرية، فتحول الرسول مع املسلمني إىل موضع

رغب أهلها يف آخر وابتدأت املعارك، يفتح املسلمون منها حصنا بعد حصن، إال احلصنني األخريين، فقد الصلح على حقن دماء املقاتلة، وترك الذرية واخلروج إىل أرض خيرب بذراريهم، وأال يصحب أحد منهم إال ثواب واحدا، فصاحلهم على ذلك، وعلى أن ذمة هللا ورسوله بريئة منهم إن كتموا شيئا، مث غادرومها فوجد

، فجاء اليهود بعد ذلك يطلبوهنا، فأمر بردها املسلمون فيهما أسلحة كثرية، وصحائف متعددة من التوراة إليهم، وقد بلغ عدد قتلى اليهود يف هذه املعركة ثالثة وتسعني، واستشهد من املسلمني مخسة عشر.

48

:غزوة مؤتة

كانت يف مجادى األوىل للسنة الثامنة من اهلجرة، و )مؤتة( قرية على مشارف الشام، تسمى اآلن مري األزدي بكتاب حر امليت، وكان سببها أن الرسول كان قد أرسل احلارث بن عبـ)الكرك( جنوب شرق الب

وكان ذلك من -إىل أمري بصرى من جهة هرقل، وهو احلارث بن أيب مشر الغساين يدعوه فيه إىل اإلسالم فلما نزل مؤتة أحد -مجلة كتبه اليت بعث هبا عليه السالم غلى ملوك العامل وامراء العرب بعد صلح احلديبية

قال له أين تريد؟ لعلك من رسل دمحم؟ قال: نعم. فأوثقه األمراء العرب الغساسنة التابعني لقيصر الروم؛ وضرب عنقه، فبلغ ذلك رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، فاشتد عليه األمر إذ مل يقتل له رسول غريه، وجهز هلم جيشا من

وصاهم إن أصيب زيد فليؤمروا جعفر بن أيب أاملسلمني عدته ثالثة آالف، وأمر عليهم زيد بن حارثة، و هللا بن رواحة، وطلب من زيد أن أييت مقتل احلارث بن عمري، وأن ب، فإن أصيب فليؤمروا عليهم عبدطال

أوصيكم بتقوى »يدعو من هناك إىل اإلسالم، فإن أجابوا وإال فليستعينوا ابهلل وليقاتلوهم، وأوصاهم بقوله: من كفر بهلل، ل تغدروا ول تغلواهللا وبن معهم من املسلمني خريا، اغزوا بسم هللا، وف سبيل هللا،

ول تقطعوا معة، ول تقربوا نالتقتلوا وليدا ول امرأة ول كبريا فانيا، ول منعزل بصو ول)الغلول السرقة( مث سار اجليش على بركة هللا، وقد شيعهم الرسول بنفسه، ومل يزالوا سائرين حىت « ءشجرا ول هتدموا بنا

ن هرقل قد مجع هلم مجعا عظيما، ونزل يف مآب من أرض البلقاء )هي كورة من وصلوا معان، فبلغهم أأعمال دمشق قصبتها عمان( وكان جيش الروم مؤلفا منهم ومن العرب املنتصرة، فتشاور املسلمون فيما

إن بينهم، ورأوا أن يطلبوا من الرسول مددا، أو أيمرهم أبمر آخر فيمضون له، فقال عبد هللا بن رواحة: وهللاالذي تكرهون هو ما خرجتم له، تطلبون الشهادة، ونحن ما نقاتل الناس بعدد وال كثرة وال قوة، وإمنا نقاتلهم هبذا الدين الذي أكرمنا هللا به، فإمنا هي إحدى احلسنيني؛ فإما الظفر وإما الشهادة، فوافقه الناس على

ستلم اللواء بعده جعفر بن أيب طالب، فقاتل على خوض املعركة، وابتدأ القتال، فقاتل زيد حىت قتل، مث افرسه، مث اضطر للنزول عنها فقاتل مرتجال، فقطعت ميينه ، فأخذ اللواء بيساره، فقطعت يساره، فاحتضن اللواء حىت قتل هنع هللا يضر، ووجد فيه بضع وسبعون جرحا ما بني ضربة بسيف وطعنة برمح، مث أخذ اللواء عبد

وكانت هذه أول -قاتل حىت قتل، مث اتفق املسلمون على إمرة خالد بن الوليد للجيش هللا بن رواحة، ففما زال يستعمل دهاءه احلريب حىت أنقذ اجليش اإلسالمي من الفناء، مث عاد به -معركة حيضرها يف اإلسالم

إىل املدينة.

43

ابلغزوة وإن مل كانت هذه أول معركة خيوضها املسلمون خارج جزيرة العرب ضد الروم، ومسيت حيضرها رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، لكثرة احملاربني فيها، حيث بلغوا ثالثة آالف مما خيالف عدد احملاربني يف السرااي.

وقد أطلق رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص على خالد بن الوليد يف هذه املعركة: )سيف هللا(.

:غزوة الفتح

للسنة الثامنة من اهلجرة، وسببها أن صلح احلديبية أابح لكل وهي فتح مكة، وكانت يف رمضانقبيلة عربية أن تدخل يف عقد رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إن شاءت، أو تدخل يف عقد قريش، فارتضت بنو بكر أن

منة( اعتدت تدخل يف عقد قريش، وارتضت خزاعة أن تدخل يف عقد سول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، ويف تلك السنة )الثابنو بكر على خزاعة، فقتلت منها نحو عشرين رجال، وأمدت قريش بين بكر ابملال والسالح، فلما بلغ ذلك الرسول ملسو هيلع هللا ىلص غضب غضبا شديدا، وجتهز لقتال قريش إال أنه مل يرد أن خيرب الناس عن وجهته، لئال

جاؤه أبشالء القتلى، ولكن حاطب بن أيب بلتعة البدري تستعد قريش، فتستباح حرمة البلد احلرام، ومتتلئ أر أرسل كتااب سراي إىل مكة خيربهم فيه بتوجيه الرسول إليهم، فأطلع هللا رسوله على أمر الكتاب، فأرسل إىل

ما املرأة اليت حتمله بعض أصحابه ليفتشوها، فعثروا على الكتاب، فدعا رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حاطبا، فقال له:فقال: اي رسول هللا أما إين ملؤمن ابهلل ورسوله، ما غريت وال بدلت، ولكين كنت امرءا حلك على هذا؟

ليس يل يف القوم من أصل وال عشرية، وكان يل بني أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليه. فقال عمر: اي إنه شهد بدرا وما يدريك »: رسول هللا دعين أضرب عنقه، فإن الرجل قد افق، فقال له رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص

«.لعل هللا قد اطلع على أصحاب بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم

مث سار رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص من املدينة لعشر مضني من رمضان، ويف الطريق أفطر وأفطر الناس معه ملا خروجهم من املدينة عشرة آالف، مث انضم إليهم يف لقوا من اجلهد واملشقة يف سفرهم، وكان عددهم حني

الطريق عدد من قبائل العرب، ويف )مر الظهران( عثر حرس رسول هللا على أيب سفيان واثنني معه، فأسروهم ىل الذي لقيه الرسول يف الطريق مسلما مهاجرا إ -وجاؤوا هبم إىل النيب ملسو هيلع هللا ىلص، فأسلم أبو سفيان، وقال العباس

من دخل دار أب سفيان »: إن أاب سفيان رجل حيب الفخر، فاجعل له شيئا يفتخر به، فقال: -املدينة، مث وصل اجليش مكة، فأعلن منادي الرسول: من دخل داره وأغلق اببه فهو آمن، ومن دخل «فهو آمن

عظمت جريرهتم املسجد فهو آمن، ومن دخل دار أيب سفيان فهو آمن واستثىن من ذلك مخسة عشر رجال

55

يف حق اإلسالم ورسوله، مث دخل رسول هللا مكة وهو راكب راحلته، منحن على الرحل، حىت لتكاد جبهته متس قتب الراحلة شكرا هلل على هذا الفتح األكرب، مث طاف الرسول ابلبيت، وأزال ما حوهلا من أصنام

فق على ابهبا وقريش تنظر ما هو فاعل هبا، بلغت ثالمثائة وستني، مث دخل الكعبة وصلى ركعتني فيها، مث و قالوا خريا؛ أ كرمي وابن أ كرمي، ي معشر قريش، ما تظنون أين فاعل بكم؟»فقال فيما قال ساعتئذ:

ل ت ث ريب عليكم الي وم ي غفير الل : }قول لكم ما قال أخي يوسف من قبلأاليوم فقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص: «.اذهبوا فأنتم الطلقاء ,[32{ ]يوسف: لكم وهو أرحم الرهاحييني

مث اجتمع الناس حول الصفا ليبايعوا رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص على اإلسالم، فجلس إليهم الرسول على ، مث النساء، ومل الصفا، وأخذ بيعتهم على السمع والطاعة هلل ولرسوله فيما استطاعوا، ابيع الرجال أوال

يصافح واحدة منهن، وكان فيمن ابيعهن هند زوجة أيب سفيان اليت أهدر الرسول دمها فيمن أهدر يوم الفتح، فلما علمها، عفا عنها بيعتها.

أن يؤذن لصالة الظهر على ظهر الكعبة، فاستعظم ذلك ويف يوم الفتح أمر رسول هللا بالالا عد، ولكن رسول هللا أراد ذلك عمدا لسر عظيم وحكمة ابلغة.احلاضرون من قريش ومل يسلموا ب

:غزوة حنني

وكانت يف العاشر من شوال للسنة الثامنة من اهلجرة بعد فتح مكة أبايم، وسببها أن هللا ملا فتح مكة لرسوله ظن زعماء هوازن وثقيف أن رسول هللا سيتوجه إليهم بعد االنتهاء من أمر مكة، فعزموا على أن

دؤوه ابلقتال، فأمروا عليهم مالك بن عوف وهو يومئذ ابن ثالثني سنة، فأمرهم أن يسوقوا معهم إىل يباملعركة أمواهلم ونساءهم وأبناءهم ومواشيهم ليكون ذلك أدعى إىل ثباهتم يف القتال، وقد بلغت عدة املقاتلني

ول هللا عزمه على اخلروج لقتاله، فخرج كل منهم يف املعركة املرتقبة ما بني عشرين ألفا إىل ثالثني، فأعلن رسمن كان امكة؛ أصحابه الذين قدموا معه يف املعركة، ومن انضم إليهم بعد ذلك ممن أسلم حديثا وسار رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حىت إذا كان يف وادي حنني خرجت عليهم هوازن وحلفاؤها يف غبش الصبح، فحمل عليهم

هنزموا، فانشغل املسلمون جبمع الغنائم فاستقبلهم املشركون ابلسهام فانفرط عقدهم، املسلمون فانكمشوا واأن النيب ل كذب أن ابن »وفر أهل مكة واملسلمون اجلدد، وبقي رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص اثبتا على بغلته يقول:

ا، ولكن قد قتل، فألقى كثري منهم سالحه ايئسا ، وكان قد أشيع بني املسلمني أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص «عبد املطلب

51

ينادي يف املسلمني: إن -وكان جهوري الصوت -نفرا من املهاجرين واألنصار ثبتوا حوهلن وأخذ العباس ا، وتكاثر املؤمنون حىت استطاعوا أن ينتصروا كرة أخرى، ا، فعاد إليه من كان مدبرا رسول هللا ما زال حيا على املؤلفة قلوهبم من حديثي والا أن وأيسرون، وبلغت غنائم العدو مبلغا كبريا، فرقه وتبعهم املسلمون يقتلو

اإلسالم، ومل يعط منها األنصار شيئا اعتمادا على إمياهنم وصدق إسالمهم.

أعجب تكم لقد نصركم الل في مواطين كثيرية وي وم حن ني إيذ وقد نزل من القرآن يف هذه املعركة: }تم مدبيريين مثه أ ا رحبت مثه ولهي ئا وضاقت عليكم األرض بي رتكم ف لم ت غني عنكم شي ته كث نزل الل سكيين

{] ين كفروا وذليك جزاء الكافيريين على رسوليهي وعلى المؤمينيني وأنزل جنودا له ت روها وعذهب الهذي [.25التوبة:

وكانت هذه الغزوة آخر معركة ذات شأن بني اإلسالم واملشركني، مل يلبث العرب من بعدها أن كسروا األصنام ودخلوا يف دين اإلسالم.

:غزوة تبوك

وتسمى غزوة العسرة، وكانت يف رجب سنة تسع من اهلجرة.

بني وادي القرى من أرض احلجاز وبني الشام، وسببها أن الروم قد مجعت مجوعا و)تبوك( موضع كثرية ابلشام ضمت قبائل خلم، وجذام، وعاملة، وغسان، وهي من نصارى العرب، وكان قصد هرقل من ذلك، اهلجوم على املدينة والقضاء على الدولة الناشئة يف جزيرة العرب اليت أخذت أخبارها وأخبار

هتا تثري جزع هرقل وخوفه، فندب رسول هللا الناس للخروج، وكان الوقت وقت عسر شديد وحر انتصاراقون عن طيب نفس، وختلف ثالثة منهم من صادقي اإلميان، وندب رسول دشديد، فانتدب املؤمنون الصا

اله كله، وجاء عمر بنصف ماله، هللا ملسو هيلع هللا ىلص األغنياء لتجهيز جيش العسرة، فجاؤوا أبموال كثرية؛ جاء أبوبكر امما ضر عثمان ما »وتصدق عثمان يومئذ امال كثري، وجهز ثلث اجليش، حىت دعا له الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وقال:

ل »وجاءه عدد من فقراء الصحابة ال جيدون ما يركبون عليه، فقال هلم الرسول ملسو هيلع هللا ىلص: «. عمل بعد اليوم، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حز ا أال جيدوا ما ينفقون، وختلف من املنافقني «ليهأجد ما أحلكم ع

بضعة ومثانون رجال، واعتذر إليه عدد من األعراب أبعذار غري صحيحة، فقبلها منهم ملسو هيلع هللا ىلص.

52

ف، وكان هذا أعظم ما سار رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ابلناس ومعه ثالثون ألف مقاتل، ومن اخليل عشرة آالرأته العرب حىت ذاك، مث واصل سريه حىت بلغ تبوك، فأقام فيها نحوا من عشرين ليلة، ومل يلق فيها كيدا، ومل

يدخل حراب.

ب هللا على النهيبي ي وكانت هذه آخر غزواته ملسو هيلع هللا ىلص، ويف هذه الغزوة نزل قول هللا تبارك وتعاىل: } لقد اتههم وال ريين واألنصاري الهذيين ات هب عو في ساعةي العسرةي مين ب عدي ما كاد يزييغ ق لوب فرييق م ين مثه اتب مهاجي

يم، وعلى الثهالثةي الهذيين خل يفوا حته إيذا ضاقت عليهيم ا رحبت عليهيم إينهه بييم روف رهحي األرض بيتوبوا م ليي إينه الل هو الت هوهاب وضاقت عليهيم أنفسهم وظنوا أن له ملجأ مين الل ي إيله إيليهي مثه اتب عليهي

يم [.113 -118] التوبة: { الرهحي

فقني واملعتذرين من األعراب يف هذه الغزوة، وفيها كما أنزلت آايت كثرية تتحدث عن موقف املنا عتاب من هللا لرسوله على قبول معذرهتم، وهي آايت كثرية جتدها يف سورة التوبة.

:الدروس والعظات

عن مشروعية القتال يف اإلسالم وأسبابه وقواعده العامة. نتكلم أوالا

وعظة، يتلو على قومه ما يتنزل عليه من كتاب هللا وحيدثهم من بدأ رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص دعوته ابحلسىن واملقلبه وعقله ما يفتح عيوهنم على ما هم عليه من وثية وخرافة وضاللة وجهل، ولكن قومه قابلوه ابلصد

ه والسخرية أوال، مث ابالفرتاء واألذى اثنيا، مث ابلتآمر على قتله أخريا، إىل أن هيأ هللا لدعوته مكا ا تستقر فيآمنة مطمئنة، ولكن واجه يف مكانه اجلديد قوتني ترتبصان به الدوائر: قريشا اليت أقض مضجعها هجرة النيب ملسو هيلع هللا ىلص وصحابته إىل املدينة اليت آمن أصحاهبا بدعوته أيضا، فغدت له قوة تتمزق هلا مرائرة قريش، وقوة اليهود

يقيم عالقة سلم معها منذ استقراره، ولكن طبيعة اليهود طبيعة حاقدة ماكرة اليت حرص النيب ملسو هيلع هللا ىلص على أنمتآمرة، فما كاد النيب ملسو هيلع هللا ىلص يستقر ابملدينة، وتتم له زعامة املهاجرين واألنصار، حىت شرق زعماء اليهود

ابحلسد والغيظ من هذه الزعامة اليت افستهم وسيطرت على املدينة سيطرة اتمة.

..كان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص مدة مقامه ابملدينة تتنزل عليه آايت القرآن الكرمي ابلصرب على ما يقولون على ما ي قولون واهجرهم هجرا جييال } [ وكان املشركون كلما تنزلت آايت الصرب 15]املزمل: {واصربي

53

عدوان، ومل يكن املسلمون يومئذ قادرين على صد األذى لقلتهم على أذاهم ازدادوا يف األذى والكيد والواستضعافهم، فلما استقر النيب ملسو هيلع هللا ىلص يف املدينة، وأصبحت للمسلمني شوكة ومنعة، واجهتم قوة قريش وعداوهتا، وضغينة اليهود وخبثهم، ابحتمال العدوان عليهم يف كل حني، واإلسالم دين واقعي ال يغمض

ه عن الواقع، ويتبع األوهام واملثل العليا إزاء قوم ال يؤمنون هبذه املثل، وال حيرتموهنا، فكان ال بد له أن عينحيتمي ابلقوة، ويستعد لرد العدوان، ويقضي على قوة الباطل وشوكته، لينفسح اجملال أمام دعوته اخلرية

ا يهتدى هبا، ومنارات تضيء للخري أعالما احملررة، ختاطب العقول، وتزكي النفوس، وتصلح الفساد، وجتعل الطريق ملبتغي اخلري واهلداية والرشاد.

هلذا كله وما يشبهه شرع هللا القتال للمؤمنني يف السنة الثانية للهجرة، حني نزلت اآلايت التالية: ن ههم ظليموا وإينه الله على نصريهيم } لقديير، الهذيين أخريجوا مين دييريهيم بيغريي حق إيله أذين ليلهذيين ي قات لون بي

د يمت صواميع وبييع وصلوا د يذكر أن ي قولوا رب نا الله ولول دفع اللهي النهاس ب عضهم بيب عض له ت ومساجينصرنه الله من ينصر إينه الله لقويي عزييز، الهذيين إين مهكهنهاهم في األرضي أقاموا فييها اسم اللهي كثيريا ولي

لمعروفي ون هوا عني المنكري ولليهي عاقيبة األموري [.41-33]احلج: {الصهالة وآت وا الزهكاة وأمروا بي

ىل اآلايت اليت نزلت يف شأن القتال واإلذن فيه، وجدير بنا أن نقف عندها قليال هذه هي أو لنتعرف منها حكمة اإلذن ابلقتال وفائدته وأهدافه:

ذكر يف صدر اآلية أنه أذن للمؤمنني ابلقتال، ويالحظ أنه عرب عن املؤمنني بلفظ: )الذين يقاتلون( -1احلكم امشتق يفيد علية ما منه االشتقاق، فـ)يقاتلون( مشتق من ومن القواعد اللغوية املعروفة أن تعليق

املقاتلة، أي إن هؤالء املؤمنني الذين أذن هلم ابلقتال، كانوا يقاتلون أي: يضطهدون ويعذبون، ويعلن عليهم دوان القتال، فهذا صريح يف أن العلة يف اإلذن هلم ابلقتال وقوع االضطهاد عليهم من قبل، فهو امثابة رد الع

[ 134{ ]البقرة: فاعتدوا عليهي بييثلي ما اعتدى عليكم عنهم، ومعاملة املثل ابملثل، كما يف قوله تعاىل: }لهاوقوله: } [.45{ ]الشورى: وجزاء سي يئة سي يئة م يث

وعدوا ا ال مسوغ له، وذلك ويف اآلية تصريح أبن هذا القتال الذي كانوا يقاتلون به إمنا كان ظلما -2ن ههم ظليموايف قوله يف اآلية: } { فاملؤمنون يف مكة مل يكونوا ظاملني وال متعسفني، إمنا كانوا يدافعون عن بي

العقيدة، ويدعون قومهم إىل التحرر من األوهام واخلرافات، ومساوئ األخالق.

54

وقع فيها االضطهاد، ذلك أن هؤالء املؤمنني الذين ويف اآلية الثانية تصريح ابحلقائق التارخيية اليت -3أذن هلم ابلقتال كانوا قد أخرجوا من دايرهم، وليس هنالك ظلم أشد من إخراج اإلنسان من وطنه،

وتشريده عن أرضه.

ويف اآلية نفسها بيان للسبب الذي من أجله أخرج هؤالء املؤمنون من دايرهم، وهو أهنم خالفوا -4اق الوثنية، وعبادة اآلهلة الباطلة، وعبدوا هللا الواحد األحد، فالقوم كانوا مضطهدين من أجل قومهم يف اعتن

العقيدة، ال تريد قريش أن تكون هلم حريتهم فيها.

وما دام املؤمنون كانوا ال ميلكون حرية االعتقاد، فالقتال الذي شرع إمنا هو لتأمني هذه احلرية اليت -5 نسان من قيم هذه احلياة.هي أغلى ما يعتز به اإل

مث بني هللا أن هذا القتال الذي شرعه للمؤمنني ليست فائدته يف أتمني احلرية الدينية هلم وحدهم، بل -6يستفيد منها أتباع الداي ات السماوية األخرى، وهي اليهودية والنصرانية، فإن املسلمني يومئذ كانوا يقاتلون

كتهم استطاعوا أن حيموا أماكن العبادة لليهود والنصارى مع محايتهم وثنيني ال دين هلم، فإذا قويت شو للمساجد، كيال يستويل الوثنيون وامللحدون فيحاربوا الداي ات اإلهلية، ويغلقوا أماكن العبادة هلا، وذلك

د يمت واضح يف قوله يف تلك اآلية: } صواميع وبييع وصلوات ولول دفع اللهي النهاس ب عضهم بيب عض لهد يذكر فييها اسم اللهي كثيريا {.ومساجي

والصوامع: هي أماكن اخللوة للرهبان، وتسمى األديرة. والبيع: هي منائس النصارى، والصلوات: هدم هي كنائس اليهود. وبذلك يتبني بوضوح أن القتال يف اإلسالم ليس حملو الداي ات السماوية، و

معابدها، بل حلماية هذه الداي ات السماوية من استعالء امللحدين والوثنيني عليها، ومتكنهم من تدمريها وإغالقها.

ويف اآلية الثالثة تصريح ابلنتائج اليت ترتتب على انتصار املؤمنني يف هذا القتال املشروع، فهي ليست -7ائج يف مصلحة تواهتا، وال إذالل كراماهتا، وإمنا هي ناستعمار الشعوب، وال أكل خرياهتا، وال انتهاب ثر

اإلنسانية، ولفوائد اجملتمعات، فهي:

{.أقاموا الصهالة فهي لنشر السمو الروحي يف العامل عن طريق العبادة } -أ {.وآت وا الزهكاة العدالة االجتماعية بني الشعوب عن طريق الزكاة } -ب

55

لمعروفي ى خري اجملتمع وكرامته ورقيه }ولتحقيق التعاون عل -ج {. وأمروا بي {.ون هوا عني المنكري وللتعاون على مكافحة الشر واجلرمية والفساد } -د

تلك هي النتائج اليت ترتتب على انتصار املؤمنني يف قتاهلم مع أعدائهم، من إقامة دولة إسالمية تعمل ع، ورقي اإلنسان عن طريق اخلري، ومنع انحداره عن طريق الشر، فأية غاية على مسو الروح، وتكافل اجملتم

إنسانية أنبل من هذه الغاية اليت شرع من أجلها القتال يف اإلسالم، وأي قتال عرفته األمم يف القدمي تطورها واحلديث يساوي هذه الغاية يف عموم الفائدة للناس مجيعا وبناء اجملتمعات على ما يؤدي إىل رقيها و

تطورا إنسانيا بناء، ال رجوع فيه إىل عهد اجلاهلية األوىل، من اإلابحية، واالنحالل، واإلحلاد واحلروب، وسفك الدماء، كما هو شأن التطور الذي يتم يف ظل هذه احلضارة الغربية املادية.

، فاجلهاد يف سبيل وإذا عرفنا أهدف اإلسالم وغاايته من إابحة القتال، عرفنا معىن أنه يف سبيل هللاهللا هو جهاد لتحقيق اخلري والسالم والسمو والعدل يف اجملتمعات، وسبيل هللا طريقه، والطريق إىل هللا ال

يكون إال عن طريق اخلري واحلب والتعاون على الرب والتقوى، ال على اإلمث والعدوان.

ب التارخيية لإلذن به. مث نتكلم عن هذه كلمة موجزة عن أهداف اإلسالم يف مشروعية القتال واألسباهللا عليه وسلم، وقد كنت أود أن الدروس والعظات يف معارك اإلسالم األوىل، أي يف عهد الرسول صلى

اتكلم عن دروس كل معركة على حدة، ولكن الوقت ضيق وذلك أيخذ عشرات الصفحات، مما محلين على ا من كل معركة أكثر من درس واحد، ولعلي أفص ل أن أمجع هذه العظات كلها يف مرة واحدة، مستفيد

القول يف دروس كل معركة على حدة يف العام املقبل إن شاء هللا، وفسح يف األجل، وتفضل بتخفيض املرض.

كانت أوىل املعارك بدرا، وكان النيب ملسو هيلع هللا ىلص قد خرج العرتاض قافلة قريش يف عودهتا من الشام إىل -1القافلة جنت، وكان املشركون قد صمموا على القتال، فكان من أمر املعركة ما ذكر اه. واعرتاض مكة، ولكن

قافلة قريش ال يدل على الرغبة يف أخذ األموال وقطع الطريق، كما يدعي األفاكون من املستشرقني، بل كان ملهاجرين، فقد أجربهتم أو من بواعثه االقتصاص من قريش ألخذ أمواهلا لقاء ما أخذت من أموال املؤمنني ا

أكثرهم على ترك دورهم وأراضيهم وأمواهلم، ومن علمت هبجرته بعد غيابه عن مكة ابعت له دوره واستولت على أمواله، فشريعة املعاملة ابملثل املعرتف هبا اليوم يف القوانني الدولية تبيح مثل هذا العمل، كما هو الشأن

ن نالحظ أنه سبقت غزوة بدر سبع حماوالت العرتاض عري قريش، وكان بيننا وبني إسرائيل. ومن املهم أ

56

الذين خيرجون فيها من املهاجرين فحسب، ومل يرسل فيها أنصاراي واحدا، ذلك ألن هؤالء املهاجرين إن اعرتضوا قافلة قريش واستولوا عليها، فإمنا يفعلون ذلك عن حق مشروع يف مجيع القوانني اإلهلية، والشرائع

ضعية، ونشري إىل هذه احملاوالت السبع وهي:الو

بعث محزة على رأس سبعة أشهر من اهلجرة، وسرية عبيدة بن احلارث على رأس مثانية أشهر منها، وسرية سعد بن أيب وقاص على رأس تسعة أشهر منها، و)غزوة ودان( على رأس اثين عشر شهرا منها،

ة بدر األوىل( يف الشهر الثالث عشر أيضا، و)غزوة و)غزوة بواط( على رأس ثالثة عشر منها، و)غزو العشرية( على رأس ستة عشر من اهلجرة. وكل هذه السرااي والغزوات كانت مؤلفة من املهاجرين فحسب،

ليس فيهم أنصاري واحد، وهذا يؤكد ماقلناه.

وح املعنوية لدى إن النصر يف املعارك ال يكون بكثرة العدد، ووفرة السالح، وإمنا يكون بقوة الر -2اجليش، وقد كان اجليش اإلسالمي يف هذه املعارك، ميثل العقيدة النقية واإلميان املتقد، والفرح ابالستشهاد، والرغبة يف ثواب هللا وجنته، كما ميثل الفرحة من االنعتاق من الضالل، والفرقة والفساد، بينما كان جيش

ق، وتفكك الروابط االجتماعية، واالنغماس يف امللذات، املشركني ميثل فساد العقيدة، وتفسخ األخال والعصبية العمياء للتقاليد البالية، واآلابء املاضني، واآلهلة املزيفة.

انظر إىل ما كان يفعله اجليشان قبل بدء القتال، فقد حرص املشركون قبل بدء معركة بدر على أن القيان، وتضرب هلم الدفوف، وتشعل عندهم النريان لتسمع يقيموا ثالثة أايم يشربون فيها اخلمور، وتغين هلم

العرب اما فعلوا فتهاهبم، وكانوا يظنون ذلك سبيال إىل النصر، بينما كان املسلمون قبل بدء املعركة يتجهون إىل هللا بقلوهبم، يسألونه النصر، ويرجونه الشهادة، ويشمون روائح اجلنة، وخير الرسول ساجدا مبتهال يسأل

أن ينصر عباده املؤمنني، وكانت النتيجة أن انتصر األتقياء اخلاشعون، واهنزم الالهون العابثون.هللا

والذي يقارن بني أرقام املسلمني احملاربني، وبني أرقام املشركني احملاربني يف كل معركة، جيد أن ، حىت يف معركيت أحد املشركني أكثر من املؤمنني أضعافا مضاعفة، ومع ذلك فقد كان النصر للمسلمني

وحنني حيث انتصر فيها املسلمون، ولوال ما وقع من أخطاء املسلمني يف هاتني املعركتني وخمالفتهم ألمر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، ملا لقي املسلمون هزمية قط.

57

داما يف تنفيذ إن شدة عزائم اجليش واندفاعه يف خوض املعركة، وفرحه بلقاء عدوه مما يزيد القائد إق -3 خطته، وثقته ابلنجاح والنصر، كما حدث يف معركة بدر.

إن على القائد أال يكره جيشه على القتال، إذا كانوا غري راغبني ومتحمسني حىت يتأكد من رضاهم -4 وحتسسهم، كما فعل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص من استشارة أصحابه يوم بدر قبل خوض املعركة.

ط اجلنود حلياة قائدهم أمر حتتمه الرغبة يف جناح املعركة والدعوة، وعلى القائد ان يقبل إن احتيا -5 ذلك، ألن يف حياته حياة الدعوة، ويف فواهتا خسارة املعركة.

وقد رأينا يف معركة بدر كيف رضي النيب ملسو هيلع هللا ىلص ببناء العريش له، ورأينا يف بقية املعارك: )أحد( قون واملؤمنات الصادقات يلتفون مجيعا حول رسوهلم، وحيمونه من دكان املؤمنون الصا و)حنني(، كيف

سهام األعداء، بتعريض أنفسهم هلا، ومل يعرف عنه ملسو هيلع هللا ىلص أنه أنكر ذلك مع شجاعته وأتييد هللا له، بل أثىن عائه هلا أبن تكون هي وزوجها على هؤالء امللتفني حوله، كما رأينا يف ثنائه على نسيبة أم عمارة، ود

وأوالدها رفقاءه يف اجلنة.

إن هللا تبارك وتعاىل حييط عباده املؤمنني الصادقني يف معاركهم جبيش من عنده، كما أنزل املالئكة -6يوم بدر، وأرسل الريح يوم األحزاب. ومادام هؤالء املؤمنون حياربون يف سبيله، فكيف يتخلى عنهم وهو

نا نصر المؤمينيني و الذي قال: } { إينه الله يدافيع عني الهذيين آمنوا[ وقال: }47{ ]الروم:كان حقاا علي [.38]احلج:

إن من طبيعة الداعية الصادق أن حيرص على هداية أعدائه، وأن يفسح هلم اجملال لعل هللا يلقي يف -7 ملسو هيلع هللا ىلص إىل فداء األسرى يوم بدر، فقد كان يرجو أن يهديهم هللا قلوهبم اهلداية، ومن هنا نفهم ميل رسول هللا

وأن تكون هلم ذرية من بعدهم تعبد هللا وتدعو إليه، وإذا كان القرآن الكرمي قد عاتب الرسول على ذلك، ضاللة، ولو عداء هللا والقضاء على رؤوس الفتنة والأفألن هناك مصلحة أخرى لإلسالم يومئذ، وهو إرهاب

قتل األسرى يوم بدر لضعفت مقاومة قريش للقضاء على زعمائه ومؤججي ار الفتنة ضد املؤمنني.

ويلوح يل سر آخر يف قبول الرسول أمر الفداء، وهو أن العباس عم الرسول ملسو هيلع هللا ىلص كان من بني الن إسالمه، فقد شهد معه بيعة العقبة الثانية سرا، األسرى، وللعباس مواقف يف نصرة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص قبل إع

وكان خيرب الرسول عن كل حتركات قريش، مما يؤكد عندي أنه كان مسلما يكتم إسالمه، فكيف يقتله

58

الرسول وهذا شأنه معه؟ ولو استثناه الرسول من بني األسرى خلالف شرعته يف حترمي قتل املسلم إن كان ركا فشريعته ال تفرق بني قريب وبعيد يف الوقوف موقف احلزم والعداء من كل العباس مسلما، و إن كان مش

من حيارب هللا ورسوله، والغتنمها املشركون واملنافقون فرصة للتشهري به، وإلضعاف الثقة بعدالته وجترده عن اهلوى يف كل ما يصدر عنه، وليس ذلك من مصلحة الدعوة يف شيء.

ازم البصري يؤدي إىل خسارة املعركة، كما حصل يف وقعة أحد، فلو أن رماة إن خمالفة أمر القائد احل -8أن النبل الذين أقامهم الرسول ملسو هيلع هللا ىلص خلف جيشه ثبتوا يف مكاهنم كما أمرهم الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ملا استطاع املشركون

ها، وكذلك يفعل العصيان يف ضياع الفرص، يلتفوا من حوهلم، ويقلبوا هزميتهم أول املعركة إىل نصر يف آخر ف ليحذري الهذيين خياليفون عن ونصر األعداء، وقد أنذر هللا املؤمنني ابلعذاب إن خالفوا أمر رسوهلم، فقال: }

هم عذاب ألييم يب نة أو يصي يب هم فيت .[63{ ]النور:أمريي أن تصي

غا م وغريها يؤدي إىل الفشل فاهلزمية، كما حصل يف معركة أحد حينما ترك والطمع املادي يف امل -3الغنائم، وكما حصل يف معركة حنني حني انتصر املسلمون يف أوهلا، فطمع الرماة مواقفهم طمعا يف إحراز

لوال ثبات بعضهم يف الغنائم، وتركوا تتبع العدو، مما أدى إىل عودة العدو وهجومه على املسلمني، فاهنزموا، و الرسول ملسو هيلع هللا ىلص واملؤمنني الصادقني حوله، ملا حتولت اهلزمية بعد ذلك إىل نصر مبني، وكذلك الدعوات يفسدها ويفسد أثرها يف النفوس طمع الداعني إليها يف مغا م الدنيا، واستكثارهم من ماهلا وعقارها وأراضيها. إن

عية، فيما يدعو إليه، واهتامه أبنه ال يقصد من دعوته وجه هللا ذلك حيمل الناس على الشك يف صدق الداوجل، وإمنا يقصد مجع حطام الدنيا ابسم الدين واإلصالح، ومثل هذا االعتقاد يف أذهان الناس صد عز

عن دين هللا، وإساءة إىل كل من يدعو إىل اإلصالح عن صدق وإخالص.

ا وأوالدها حول رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حني انكشف املسلمون ويف ثبات نسيبة أم عمارة، ووقوفها وزوجه -15يوم أحد. دليل من األدلة املتعددة على إسهام املرأة املسلمة بقسط كبري من الكفاح يف سبيل دعوة اإلسالم، وهو دليل على حاجتنا اليوم إىل أن حتمل املرأة املسلمة عبء الدعوة إىل هللا من جديد، لتدعو

يف أوساط الفتيات والزوجات واألمهات، ولتنشئ يف أطفاهلا حب هللا ورسوله، واالستمساك إىل هللا ابإلسالم وتعاليمه، والعمل خلري اجملتمع وصالحه.

وما دام ميدان الدعوة شاغراا من الفتاة املسلمة الداعية، أو غري ممتلئ ابلعدد الكايف منهن، فستظل دعوة –ركة اإلصالح عرجاء حىت يسمع نصف األمة وهن النساء الدعوة مقصرة يف خطاها، وستظل ح

53

اخلري ويستيقظ يف ضمائرهن وقلوهبن حب اخلري واإلقدام على الدين، واإلسراع إىل االستمساك بعروته الوثقى.

ذى يف ويف إصابة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ابجلراح يوم أحد عزاء للدعاة فيما يناهلم يف سبيل هللا من أ -11عدام واالغتيال، وقد قال هللا أجسامهم، أو اضطهاد حلرايهتم ابلسجن واالعتقال، أو قضاء على حياهتم ابإل

نون ولقد ف ت نها الهذيين مين }تعاىل يف كتابه الكرمي: ركوا أن ي قولوا آمنها وهم ل ي فت ب النهاس أن ي ت ال أحسي الهذيين صدقوا ولي علمنه الكاذيبيني ق بليهيم .[3و 2] العنكبوت {ف لي علمنه الله

وفيما فعله املشركون يوم أحد من التمثيل بقتلى املسلمني، وخباصة محزة عم الرسول صلى هللا عليه -12ابلقتيل ال يؤمل القتيل نفسه، وسلم، دليل واضح على خلو أعداء اإلسالم من كل إنسانية وضمري، فالتمثيل

إذ الشاة املذبوحة ال تتأمل من السلخ، ولكنه دليل على احلقد األسود الذي ميأل نفوسهم، فيتجلى يف تلك األعمال الوحشية اليت يتأمل منها كل ذي وجدان حي، وضمري إنساين.

ود يفعلون بقتال ا يف معارك كذلك رأينا املشركني يفعلون بقتلى املسلمني يوم أحد، وكذلك رأينا اليهفلسطني، وكال الفريقني يصدرون عن ورد واحد ابع من حنااي نفوسهم اليت ال تؤمن ابهلل واليوم اآلخر،

ذلك هو احلقد على املستقيمني يف هذه احلياة من املؤمنني إميا اا صحيحاا صادقاا ابهلل ورسله واليوم اآلخر.

إشارة احلباب بن املنذر ابلتحول من منزله الذي اختاره للمعركة يوم بدر، ويف قبول الرسول ملسو هيلع هللا ىلص -13وكذلك يف قبول استشارته يوم خيرب، ما حيطم غرور الديكتاتوريني املتسلطني على الشعوب بغري إرادة منها

حيملهم على وال رضى، هؤالء الذين يزعمون ألنفسهم من الفضل يف عقوهلم وبعد النظر يف تفكريهم ما احتقار إرادة الشعب، والتعايل عن استشارة عقالئه وحكمائه ومفكريه، إذ كان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص الذي علم هللا منه أكمل الصفات ما أهله حلمل أعباء آخر رساالته وأكملها يقبل رأي أصحابه اخلبريين يف الشؤون

ها طبيعة املعركة دون أن يقول هلم: إين رسول هللا، وحسيب أن آمر العسكرية، ويف طبيعة األراضي اليت تتطلببكذا، وأهنى عن كذا، إذ قبل منهم مشورهتم، وآراءهم فيما مل ينزل عليه وحي، فكيف ابملتسل طني الذين

واتيه رأينا كثرياا منهم ال يتفوق عل الناس بعقل وال علم وال جتربة، بل بتسلطه على وسائل احلكم بعد أن تالظروف يف ذلك؟ كيف هبؤالء الذين هم أدىن ثقافة وعلماا وجتربة من كثري ممن حيكموهنم، أال جيب عليهم

أن يستشريوا ذوي اآلراء، ويقبلوا بنصيحة الناصحني وحكمة اجملربني.

65

إن حوادث التاريخ القريب والبعيد دلتنا على أن غرور الديكتاتوريني قضى عليهم وعلى أمتهم، وى ابألمة إىل منحدر سحيق يصعب الصعود منه إال بعد عشرات السنني أو مئاهتا، ففيما فعله الرسول وه

ملسو هيلع هللا ىلص من قبول مشورة احلباب يف بدر وخيرب قدوة لكل حاكم خملص، ولكل قائد حكيم، ولكل داعية صادق.

ن هم وأمرهم } :وإن من أبرز شعارات احلكم يف اإلسالم هو الشورى [ 38]الشورى: {شورى ب ي وأبرز صفات احلاكم املسلم اخلالد يف التاريخ هو الذي يستشري وال يستبد، ويتداول الرأي مع ذوي

فاسألوا أهل الذ يكري }[. 153]آل عمران: {وشاويرهم في األمري }ه ر االختصاص يف كل موضوع يهمه أمتم ل ت علم [.7واألنبياء: 43]النحل: {ون إين كن

ويف تقدمه الصفوف يف كل معركة وخوضه غمارها معهم إال فيما يشري به أصحابه، دليل على أن -14مكان القيادة ال حيتله إال الشجاع املتثبت، وأن اجلبناء خائري القوى ال يصلحون لرائسة الشعوب، وال

عوات اخلري، فشجاعة القائد والداعية بفعله وعمله يفيد يف صالح ودلقيادة اجليوش، وال لزعامة حركات اإلجنوده وأنصاره يف إاثرة محاسهم واندفاعهم ما ال يفيده ألف خطاب محاسي يلقونه على اجلماهري. ومن عادة اجلنود واألنصار أن يستمدوا قوهتم من قوة قائدهم ورائدهم، فإذا جب يف مواقف اللقاء، وضعف يف

ضر ابلقضية اليت حيمل لواءها ضرراا ابلغاا.مواطن الشدة، أ

على اجلنود وأنصار الدعوة أال خيالفوا القائد احلازم البصري يف أمر يعزم عليه، فمثل هذا القائد وهو -15حيمل املسؤولية الكربى، جدير ابلثقة بعد أن يبادلوه الرأي، ويطلعوه على ما يرون، فإن عزم بعد ذلك على

ة، فقد اختار الرسول ملسو هيلع هللا ىلص شروط الصلح، يأن يطيعوه، كما حصل ابلرسول يوم صلح احلديب أمر، كان عليهموتبني أهنا كانت يف مصلحة الدعوة، وأن الصلح كان نصراا سياسياا له، وأن عدد املؤمنني بعد هذا الصلح

هذه الشروط، حىت خرج ازداد يف سنتني أضعاف من أسلم قبله، هذا مع أن الصحابة شق عليهم بعض بعضهم عن حدود األدب الالئق به مع رسوله وقائده وقد حصل مثل ذلك أبيب بكر يوم بدأت حوادث الر دة، فقد كان رأي الصحابة مجيعاا أال خيرجوا لقتال املرتدين، وكان رأي أيب بكر اخلروج، وملا عزم أمره على

سالم زم عليه أبو بكر من قتال املرتدين هو الذي ثبت اإلذلك أطاعوه، فنشطوا للقتال، وتبني أن الذي ع يف جزيرة العرب، ومكن املؤمنني أن ينساحوا يف أقطار األرض فاحتني هادين مرشدين.

61

ومما طلبه الرسول ملسو هيلع هللا ىلص من نعيم بن مسعود، أن خيذ ل بني األحزاب ما استطاع يف "غزوة األحزاب" -16ىل النصر إخلديعة يف حرب األعداء مشروعة إذا كانت تؤدي إىل النصر، وأن كل طريق يؤدي دليل على أن ا

سالم، ما عدا الغدر واخليانة، وهذا من حكمته السياسية وإىل اإلقالل من سفك الدماء مقبول يف نظر اإلقالل من عدد ضحااي يف اإلسالمية، فإن املصلحة والعسكرية ملسو هيلع هللا ىلص، وهو ال ينايف مبادئ األخالق اإل

احلروب مصلحة إنسانية.

واملصلحة يف اهنزام الشر والكفر والفتنة مصلحة إنسانية وأخالقية، فاللجوء اىل اخلدعة يف املعارك نسانية اليت ترى يف احلروب شراا كبرياا، فإذا اقتضت الضرورة قيامها، كان من الواجب يلتقي مع األخالق اإل

ق كان، ألن الضرورة تقدر بقدرها، وهللا مل يشرع القتال إال حلماية دين أو أمة أو أرض، إهناؤها عن أي طريفاخلدعة مع األعداء اما يؤدي إىل هزميتهم، تعجيل ابنتصار احلق الذي حياربه أولئك املبطلون. ولذلك أثر

خدعة" وهذا مبدأ مسلم به يف مجيع عن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يف "غزوة األحزاب" قوله لعروة ابن مسعود: "احلرب الشرائع والقوانني.

ويف قبوله ملسو هيلع هللا ىلص إشارة سلمان حبفر اخلندق، وهو أمر مل تكن تعرفه العرب من قبل، دليل على أن -17سالم ال يضيق ذرعاا ابالستفادة مما عند األمم األخرى من جتارب تفيد األمة وتنفع اجملتمع فال شك أن اإلفر اخلندق أفاد إفادة كربى يف دفع خطر األحزاب عن املدينة، وقبول رسول هللا هذه املشورة، دليل على ح

مرونته ملسو هيلع هللا ىلص، واستعداده لقبول ما يكون عند األمم األخرى من أمور حسنة، وقد فعل الرسول مثل ذلك لرؤساء قيل له: إن من عادة امللوك أال يقبلوا كتاابا إال كتبه إىل امللوك واألمراء وا ذأكثر من مرة، فلما أراد إنفا

إذا كان خمتوماا ابسم مرسله، فأمر على الفور بنقش خامت له كتب عليه: دمحم رسول هللا، وصار خيتم به كتبه، وملا جاءته الوفود من أنحاء العرب بعد فتح مكة تعلن إسالمها، قيل له: اي رسول هللا إن من عادة امللوك والرؤساء أن يستقبلوا الوفود بثياب مجيلة فخمة، فأمر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أن تشرتى له حلة، قيل: إن مثنها بلغ أربعمائة درهم، وقيل: أربعمائة بعري، وغدا يستقبل هبا الوفود، وهذا هو صنيع الرسول الذي أرسل آبخر

صلحة أتباعه يف كل زمان ويف كل بيئة أن أيخذوا أبحسن ما األداين وأبقاها إىل أبد الدهر، فان مما حتتمه معند األمم األخرى، مما يفيدهم، وال يتعارض مع أحكام شريعتهم وقواعدها العامة، واالمتناع عن ذلك مجود

بادي الهذيين يستميعون القول ف }سالم الذي يقول يف دستوره اخلالد: ال تقبله طبيعة اإل ر عي ي تهبيعون ف بش ي[ وال طبيعة رسوله الذي رأينا أمثلة عما أخذ من األمم األخرى، وهو القائل: 18و 17]الزمر: { أحسنه

" ويوم غفل املسلمون يف العصور األخرية، وخاصة بعد عصر الكمة ضالة املؤمن يتلمسها أنه وجدها"

62

اوموا كل إصالح مأخوذ عن غريهم مما هم يف أشد سالم، وقوروبية عن هذا املبدأ العظيم يف اإلالنهضة األ [.41]احلج: {ولليهي عاقيبة األموري }ليه، أصيبوا ابالهنيار، وأتخروا من حيث تقدم غريهم إاحلاجة

نسانية يف قتال سالمي يف "غزوة مؤتة" تلمس طابع الرمحة اإلومن وصااي رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص للجيش اإل -18سالم، فهو ال يقتل من ال يقاتل، وال خيرب ما جيده يف طريقه إال لضرورة ماسة، وقد التزم أصحابه من اإل

بعده واملسلمون يف خمتلف العصور بعد ذلك هذه الوصااي، فكانت حروهبم أرحم حروب عرفها التاريخ، خ قد سجل للمسلمني وكانوا هم حماربون أدمث أخالقاا، وأشد رمحة من غريهم وهم مساملون، والتاري

صفحات بيضاء يف هذا الشأن، كما سجل لغريهم صفحات سوداء، وال يزال يسجلها حىت اليوم، ومن منا نسانية الرحيمة اليت عامل هبا صالح الدين ال يعرف الوحشية اليت فتح هبا الصليبيون بيت املقدس، واإل

نود الصليبيني حني استولوا على بعض العواصم الفرجنة حني اسرتدها، ومن من ال يذكر وحشية األمراء واجلسالمية، كطرابلس، واملعرة وغريمها، مع رمحة األمراء واجلنود املسلمني حني اسرتدوا تلك البالد من أيدي اإل

نسانية وحب اخلري حمتليها الغاصبني، ونحن اليوم نعيش يف عصر النفاق األورويب يف اد عاء احلضارة والرمحة اإلبكل –هم خيربون البالد، ويسفكون دماء العزل من الشيو والنساء واألطفال، ولقد عشنا للشعوب، و

عصر قيام إسرائيل على أرض فلسطني السليبة، وعلمت الدنيا فظائع اليهود اهلمجية الوحشية يف –أسف نسانية، يدعون اإلدير ايسني، وقبية، وحيفا، وايفا، وعكا، وصفد، وغريها من املدن والقرى، ومع ذلك فهم

نسانية، وال نتشدق هبا، ذلك أ ا شعب نحمل يف نفوسنا حقاا أمجل ويعملون عكسها، ونحن نعمل لإلاملبادئ األخالقية يف السلم واحلرب، وننفذها براحة ضمري واطمئنان، بينما هم جمردون من هذه املبادئ يف

ديراا، نحن شعب نؤمن ابهلل القوي الرحيم، فال تكون قوتنا داخل نفوسهم، فال جيدون إال املناداة هبا نفاقاا وختإال رمحة، وهم شعب يرون من النفاق أن ينكروا علينا وصف هللا ابلقوة والبطش، زاعمني أهنم ينعتونه ابحلب والرمحة، فما كان لعالقتهم مع الشعوب وحروهبم مع املسلمني ومع أعدائهم من أبناء ملتهم أثر هلذا احلب

نسانية، فكنا أبر الناس هبا، وهم قوم ما كانت حروهبم ه الرمحة، نحن شعب ما كانت حروبنا إال خلري اإلوهلذ إال للغزو والسلب والتسلط واالستعمار، فكانوا أعدى الناس هلا.

ومع ذلك فنحن اليوم يف حروبنا معهم إمنا ندافع عن أرض وحق وكرامة، فلن جيدينا التغين امبادئنا نسانية، بل جيب علينا أن نستمر يف كفاحنا هلم، متمسكني م ال يفهمون مبادئ الرمحة والشرف واإلمع قو

يف معاركنا معهم امبادئ رسولنا وشريعتنا حىت حيكم هللا بيننا وبينهم، وهو أحكم احلاكمني.

63

ن واملرتزقة ميان واإلخالص، بل كان فيه املتخاذلو إن اجليش إذا كان غري متساو يف احلماس واإل -13واملتهاونون، ال ميكنه أن يضمن النصر على أعدائه، كما حصل يف "غزوة حنني"، وكذلك شأن الدعوات ال

ميكنها أن تعتمد على كثرة املصفقني هلا، بل على عدد املؤمنني هبا املضحني يف سبيلها.

هود، وموقف اليهود ودرس آخر نستفيده من سرية الرسول يف حروبه ومعاركه، هو موقفه من الي -25منه ومن دعوته، فلقد حرص الرسول أول مقامه يف املدينة أن يقيم بينه وبينهم عالئق سلم، وأن يؤم نهم على دينهم وأمواهلم، وكتب هلم بذلك كتاابا، ولكنهم قوم غدر، فما لبثوا غري قليل حىت آتمروا على قتله، مما كان

عهده يف أشد املواقف حرجاا "يوم األحزاب" مما كان سبباا يف "غزوة سبباا يف "غزوة بين النضري" مث نقضوا بين قريظة"، مث جتمعوا من كل جانب يهي ئون السالح ويبي تون الدسائس، ويتجمعون ليقضوا يف غدر وخسة

على املدينة واملؤمنني فيها، مما كان سبباا يف "غزوة خيرب".

يصدق هلم وعد، وال يستقيم هلم عهد وكلما وجدوا غرة هؤالء قوم ال تنفع معهم احلسىن، والاهتبلوها، فهل كان على النيب من حرج فيما فعله هبم؟ وهل كان عليه أن يتحمل دسائسهم وخيا اهتم ونقضهم للعهود فيعيشوا وأصحابه دائماا يف جو من القلق واحلذر وانتظار الفتنة واملؤامرات؟ لقد ضمن النيب

حبزمه معهم حدود دولته اجلديدة، وانتشار دعوته يف اجلزيرة العربية كلها، مث من بعد ذلك إىل أرجاء ملسو هيلع هللا ىلصالعامل وال يلوم النيب على حزمه معهم إال يهودي أو متعصب أو استعماري وها هي سرية اليهود يف التاريخ

؟ مث ها هي سريهتم يف عصر ا احلديث هل هي بعد ذلك، أمل تكن كلها مؤامرات ودسائس وإفساداا وخيانةا سرائيل فيها من خيدع امعسول كالمهم فيدعوا إىل إغري ذلك؟ ولقد كان فينا قبل حرب فلسطني وقيام

التعاون معهم، وكان فينا من يساق إىل دعوة التعاون معهم من قبل أصدقائهم من الدول الكربى، وكانت معاجلة قضية فلسطني، أما بعد ذلك فال يوجد من يغرت هبم، وليس نتيجة ذلك التخاذل وفسولة الرأي يف

لنا سبيل إىل التخلص من شرهم إال حزم كحزم الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يف معاملتهم لنطمئن على بالد ا ولنتفرغ لدور ا سالم والسالم إىل شعوب األرض قاطبة.اجلديد املقبل يف محل رسالة اإل

بصدق وإميان إىل اجليل اجلديد عساه يستطيع أن يفعل ما مل يستطع فعله جيلنا تلك أمانة نؤديها املتخاذل.

ويف غزوة مؤتة كان أول لقاء بني املسلمني والروم، ولوال أن العرب الغساسنة قتلوا رسول رسول هللا -21ى يعترب عمالا عدائياا إىل أمري بصرى، لكان من املمكن أن ال يقع الصدام، ولكن قتل رسوله إىل أمري بصر

64

يف مجيع الشرائع، ويدل على عدم حسن اجلوار، وعلى تثبيت الشر من هؤالء عمال الروم وصنائعهم، ولذلك رأى رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إرسال جيش مؤتة ليكون فيه إنذار هلم ولسادهتم الروم بقوة الدولة اجلديدة

روا ابلعدوان عليها، وملا وصل املسلمون إىل مؤتة وجدوا مجوعاا واستعدادها للدفاع عن نفسها حىت ال يفكمن الروم ومن العرب املتنصر ة اخلاضعة حلكمهم قدرها املؤرخون امائيت ألف، وكان أخو هرقل قد قاد اجليش وعسكر يف "مآب" قرب عم ان اليوم، مما يؤكد ما توقعه الرسول منهم يف تصميمهم على مناجزة الدولة

يدة والقضاء عليها توجساا من قيام دولة عربية مستقلة داخل اجلزيرة العربية تكون نذيراا ابنتهاء اجلداستعمارهم لبالدهم واستعبادهم لعرهبا القاطنني على حدودها مما يلي احلجاز، وهكذا بدأت املعارك بني

املسلمني والروم.

ه اإلميان الصادق يف نفوس املؤمنني من إاثرة وة تبوك أو العسرة آايت بينات على ما يفعلز ويف غ -22عزائمهم للقتال واندفاع أيديهم يف بذل املال ومن استعذاهبم احلر والعناء والتعب الشديد يف سبيل هللا ومرضاته، ولذلك ملا ختلف ثالثة من املؤمنني الصادقني يف إمياهنم عن هذه الغزوة من غري عذر، أمر الرسول

امقاطعتهم، فامتنع أزواجهم وآابؤهم عن مكاملتهم فضالا عن مجهور املسلمني، مما اضطر بعضهم إىل ملسو هيلع هللا ىلصربط نفسه بعمد املسجد، وآخر إىل احتباس نفسه يف البيت، حىت اتب هللا عليهم بعد أن أخذ املسلمون

ى التعب، والظل الظليل على درساا بليغاا فيمن يتخلف عن أداء الواجب لغري عذر، إال أن يؤثر الراحة عل حر الشمس وشدهتا.

أما فتح مكة، ففيها من الدروس والعظات ما تضيق عن شرحه هذه الصفحات القالئل، ففيها -23جند طبيعة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص الداعية الذي ال جيد احلقد على مقاوميه إىل نفسه سبيالا، فقد من عليهم بعد كفاح

هم إحدى وعشرين سنة مل يرتكوا فيها طريقاا للقضاء عليه وعلى أتباعه وعلى دعوته إال استمر بينه وبينسلكوها، فلما مت له النصر عليهم، وفتح عاصمة وثنيتهم، مل يزد على أن استغفر هلم، وأطلق هلم حريتهم،

وال سيطرة، وإمنا أراد وما يفعل مثل هذا وال فعله يف التاريخ، ولكنما يفعله رسول كرمي مل يرد بدعوته ملكاا له هللا أن يكون هادايا وفاحتاا للقلوب والعقول، وهلذا دخل مكة خاشعاا شاكراا هلل، ال يزهو كما يفعل

عظماء الفاحتني.

وفيما فعله الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مع أهل مكة حكمة أخرى، فقد علم هللا أن العرب سيكونون محلة رسالته -24قى على حياة أهل مكة وهم زعماء العرب ليدخلوا يف دين هللا، ولينطلقوا بعد ذلك إىل محل إىل العامل، فأب

65

رسالة اهلدى والنور إىل الشعوب، يبذلون من أرواحهم وراحتهم ونفوسهم ما أنقذ تلك الشعوب من ىل النور.إعمايتها، وأخرجها من الظلمات

ليه دعوة هللا إة ملسو هيلع هللا ىلص، هي العربة البالغة اما انتهت وآخر ما نذكره من دروسها ودروس معاركه احلربي -25سالم من نصر يف أمد ال يتصوره العقل، وهذا من أكرب األدلة على أن دمحماا رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، وعلى أن اإل

هللا أن يتخلى عن دعوته دعوة هللا اليت تكفل بنصرها ونصر دعاهتا واملؤمنني هبا واحلاملني للوائها، وما كان وهي حق ورمحة ونور، وهللا هو احلق وهو الرمحن الرحيم الذي وسعت رمحته كل شيء، وهللا نور السماوات واألرض، فمن يستطيع أن يطفئ نور هللا!. وكيف يرضى للباطل أن ينتصر النصر األخري على احلق،

على الرمحة والصالح. وللهمجية والقسوة والفساد أن تكون هلا الغلبة النهائية

ولقد أصاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص واملسلمني جراح يف معركيت أحد وحنني، وال بد يف الدعوة من ابتالء لقويي عزييز }وجراح وضحااي من ي نصر إينه الله نصرنه الله [.45]احلج: {ولي

66

الفصل السادس إل وفاة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وقعت بعد فتح مكةأهم األحداث اليت

:غزوة حنني

بعد أن فتح هللا مكة على رسوله واملسلمني فاهنارت بذلك مقاومة قريش اليت استمرت إحدى وعشرين سنة منذ بدء الرسالة، جتمعت هوازن لقتال الرسول ملسو هيلع هللا ىلص، فكانت معركة حنني اليت جتد تفاصيلها يف

سرية ابن هشام.

ونذكر من دروس هذه املعركة ما يلي:

ما كان من غرور مالك بن عوف وعدم استماعه لنصيحة دريد ابن الصمة حرصاا منه على الرائسة، -1اا عن أن يقول قومه : قد استمع إىل نصيحة -وهو الشاب القوي املطاع –واغرتاراا منه بصواب فكره، وتكرب

رمق من قوة، ولو أنه أطاع نصيحة دريد جلنب قومه اخلسارة الكبرية يف أمواهلم، والعار شيخ كبري مل يبق فيهالشنيع يف سيب نسائهم، ولكنه الغرور وكربايء الزعامة يوردان موارد اهللكة وجيعالن عاقبة أمرها خسراا، فقد

فاح وشديد بالء، وظن أنه اما سالم اليت ذلت هلا كربايء قريش بعد طول كأىب له غروره أن يستسلم لقوة اإلسالم اجلديدة يف روحها، ويف أهدافها، معه من رجال وما عنده من أموال، يستطيع أن يتغلب على قوة اإل

ويف تنظيمها عليه وعلى قومه، مث أىب له غروره إال أن خيرج معه نساء قومه وأمواهلم ليحول ذلك دون املنهزم ال يرده شيء، فإنه غفل عن أن املسلمني الذين هزميتهم، وعدا نصيحة دريد الذي قال له: إن

سيحارهبم ال يستندون يف رجاء النصر على مال وال عدد وال عدة، وإمنا يستندون إىل قوة هللا العزيز اجلبار، ووعده هلم ابلنصر واجلنة، وال ميتنعون عن اهلزمية رغبة يف االحتفاظ بنسائهم وأمواهلم، بل رغبة يف ثواب هللا

ومن ي ول ييم ي ومئيذ }وخوفاا من عقابه الذي توعد املنهزمني يف ميادين اجلهاد أبليم العذاب وشديد االنتقام جهنهم {ري وبيئس المصي دب ر إيله متحر يفا ليقيتال أو متحي يزا إيل فيئة ف قد بء بيغضب مين اللهي ومأوا

[.16]األنفال:

وهكذا حلت اهلزمية امالك وقبيلته هوازن ومن معه، ومل يقتصر شؤم غروره وكربايئه عليه وحده، بل أصاب قومه مجيعاا، ألهنم أطاعوه يف هذا الغرور، وملا أنذرهم أبهنم إن مل يستجيبوا له، بقر بطنه ابلسيف،

67

اجملرب، وكفكفوا من كربايء زعيمهم الشاب، ملا أصاهبم سارعوا إىل طاعته، ولو أهنم اتبعوا نصيحة شيخهم ما أصاهبم، لقد خافوا من غضب هذا الزعيم املغرور عليهم، ولو أهنم سألوا أنفسهم: ماذا يكون لو أغضبناه؟ لكان اجلواب: اهنم يفقدون زعيمهم! وماذا يف هذا؟ ماذا يف ذهاب زعيم مغرور أ اين يريد أن

دون من هم أقدم وأخرب منه ابملعارك وشؤوهنا؟ وهل توازي حياة شخص حياة قبيلة أو يستأثر بشرف املعركةأمة من الناس أبكملها؟ لقد حذر ا هللا يف القرآن من نتيجة هذا االستسالم اجلماعي ألهواء املغرورين من

فأطاعوه إنـهم كانوا قـوماا فاستخف قـومه }الكرباء والزعماء، يقول هللا تعاىل يف قصة موسى مع فرعون: هم فأغرق ناهم (عراضهم عن احلق واتباعهم لطاغيتهم املغرورأغضبو ا إب)فاسقني فـلما آسفو ا ان ت قمنا مين

ريين (قدوة للعقاب) فجعلناهم سلفا أجعيني [.56 – 54]الزخرف: {ومثال ليآلخي

ما كان من استعارة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص من صفوان وهو مشرك مائة درع مع ما يكفيها من السالح، ففيه -2عدا وجوب االستعداد الكامل لقتال األعداء، جواز شراء السالح من الكافر، أو استعارته على أن ال

سلمني وإيقاع الضرر هبم، فقد ىل قوة الكافر واستعالئه، واختاذه من ذلك وسيلة ألذى املإيؤدي ذلك استعار الرسول من صفوان السالح بعد فتح مكة، وكان صفوان من الضعف واهلوان حبيث ال يقوى على فرض الشروط على رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، يدل على ذلك قوله للرسول حني طلب منه ذلك: أغصباا اي دمحم؟

عاريةا مضمونةا حىت نؤديها إليك. فأجابه الرسول ملسو هيلع هللا ىلص: بل

ويف هذا أيضاا مثل من أمثلة النبل يف معاملة املسلمني ألعدائهم املنهزمني، فلو أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أراد أن أيخذها منه غصباا الستطاع، وملا قدر صفوان أن يقول شيئاا، ولكنه هدي النبوة يف

ف عن أمواهلم بعد أن تنتهي املعركة ويلقوا السالح، وما علمنا أن أحداا فعل النصر ومعاملة املغلوبني، والعهذا قبل حممد ملسو هيلع هللا ىلص وال بعده، وفيما شهد اه من معاملة اجليوش املنتصرة للمغلوبني والتسلط على أمواهلم

قه وهو }وكراماهتم وحقوقهم أكرب أتييد ملا قلناه ي قول ال [.4]األحزاب: {ي هديي السهبييل والله

حني خرج رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص للقتال يف هذه املعركة، كان معه اثنا عشر ألفاا: عشرة آالف ممن خرجوا -3معه من املدينة فشهدوا فتح مكة، وهم املهاجرون واألنصار، والقبائل اليت كانت جتاور املدينة، أو يف طريق

سالم يف قلوهبم بعد، وممن ان ممن أسلموا بعد الفتح، وكان أكثر هؤالء ممن مل تتمكن هداية اإلاملدينة، وألفدخلوا يف اإلسالم بعد أن اهنارت كل آماهلم يف مقاومته وإمكان التغلب عليه، ففي هذا اجليش كان

ن الضعاف يف دينهم، املؤمنون الصادقون الذين ابعوا هللا أرواحهم وأنفسهم يف سبيل إعزاز دينه، وفيه كا

68

واملوتورون الذين أسلموا على مضض وهم ينطوون على احلقد على اإلسالم والتأمل من انتصاره، فلم يكن اجليش كله يف مستوى واحد من قوة الروح املعنوية، واإلميان ابألهداف اليت حيارب من أجلها، وفيه الراغبون

أول األمر شيئاا غري مستغرب، ولذلك قال رسول هللا صلى يف غنائم النصر ومكاسبه، ولذلك كانت اهلزمية أي: إن مثل هذا اجليش يف كثرة عدده ال 1لن نغلب اليوم من قلةهللا عليه وسلم حني رأى كثرة من معه:

يغلب إال من أمور معنوية تتعلق بنفوس أفراده، تتعلق إبمياهنم وقوة أرواحهم واخالصهم وتضحياهتم، وقد هللا ملسو هيلع هللا ىلص بذلك قاعدة جليلة، وهي أن النصر ال يكون بكثرة العدد، وال جبودة السالح، وإمنا وضع لنا رسول

يكون بشيء معنوي يغمر نفوس احملاربني، ويدفعهم إىل التضحية والفداء، وقد أكد القرآن الكرمي على هذا ]البقرة: {فيئة كثيرية بييذني اللهي والله مع الصهابيريين كم مين فيئة قلييلة غلبت }يف غري موضع، فقال تعاىل:

243.]

تكم ويف اآلايت اليت نزلت بعد انتهاء املعركة ما يشري بصراحة إىل هذا املعىن: وي وم حن ني إيذ أعجب ئا وضاقت عليكم األ رتكم ف لم ت غني عنكم شي تم مدبيريين كث ا رحبت مثه ولهي سكيين ته ، رض بي مثه أنزل الله

]التوبة: {افيريين على رسوليهي وعلى المؤمينيني وأنزل جنودا له ت روها وعذهب الهذيين كفروا وذليك جزاء الك 25-26.]

ملسلمني لرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وهم يف طريقهم إىل املعركة: اي رسول هللا اجعل لنا ذات ويف قول بعض ا -4كما قال قوم موسى – والذي نفس دمحم بيد –أنواط كما هلم ذات أنواط، ويف جواب الرسول ملسو هيلع هللا ىلص: قلتم

ة قال }ملوسى: [ إهنا السنن، لرتكب سنن 138]األعراف: {إينهكم ق وم تهلون اجعل لهنا إيلا كما لم آلي من كان قبلكم.

يف هذا إشارة من رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إىل ما ستسلكه هذه األمة من تقليد األمم السابقة هلا، وفيه حتذير وجوه اخلري والفساد، وطريق الضرر من ذلك، وأهنا ال تسلكه إال من غلبة اجلهالة عليها، فاألمم اليت تعرف

والنفع، أتخذ اخلري وتتمسك به، وتعرض عن الفساد وتفر منه، وأتىب أن تسلك أي طريق يضر هبا ولو سلكته األمم وسارت فيه، فإذا سارت يف طريق التقليد غري عابئة بنتائجه، كانت قد وضعت الشيء يف غري

، واألمة الواثقة بنفسها، املعتزة {إينهكم ق وم تهلون }ه: موضعه، وهذا هو اجلهل الذي قال هللا عن

1سحاق في المغازي، وفي سنده انقطاع وجهالة، وقبل: القائل ذلك، سلمة بن سالممة بالن إلم يثبت هذا من قوله ملسو هيلع هللا ىلص، فقد رواه ابن

يق، وقيل: العباس، وقيل: رجل من بني بكر.وقش، وقيل: أبو بكر الصد

63

بشخصيتها، املطمئنة إىل ما عندها من حق وخري أتىب أن تسري وراء غريها فيما يؤذيها وينايف مبادئها، فإذا ك قلدت، كانت ضعيفة الشخصية، مضطربة التفكري، مستسلمة لألهواء، مرتدية يف الضعف واالنحالل، وتل

صالح مها هي اجلاهلية اليت أنقذ ا هللا منها برسوله وكتابه وشريعته، ليس العلم واجلهل يف نظر دعوات اإلالقراءة واألمية، وإمنا مها اهلدى والضالل، والوعي والغباوة، فاألمة الواعية ملا يفيدها وما يضرها، هي األمة

ري سبيالا منهجاا، هي األمة اجلاهلة ولو كانت تعرف العاملة ولو كانت أمية، واألمة اليت ال هتتدي إىل اخل شىت العلوم، وحتيط امختلف الثقافات.

منا هو استيالء اجلاهلية على عواطف أبنائها إ –أي أمة كانت –ن الذي هوى ويهوي ابألمم إ ال بسيطرة اجلاهلية عليها.إوأهوائهم، واسألوا التاريخ: هل اهنارت حضارة اليو ان والرومان

ن املقلدين جهال مهما تعلموا، أطفال مهما كربوا، وسيظلون أوالداا جهاالا حىت يتحرروا.إ

يف هذه املعركة بعد أن اهنزم املسلمون أول األمر، وتفرقوا عن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، ظن شيبة بن عثمان -5ل يف معركة أحد، قال شيبة: فلما اقرتبت من رسول هللا أنه سيدرك أثره من رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، وكان أبوه قد قت

ملسو هيلع هللا ىلص ألقتله أقبل شيء تغشى فؤادي، فلم أطق ذلك، وعلمت أنه ممنوع مين.

ولقد تكررت يف السرية مثل هذه احلادثة، تكررت مع أيب جهل، ومع غريه يف مكة، ويف املدينة، و من الرهبة أفزع الذين كانوا يتآمرون على قتله، وهذا دليل على وكلها تتفق على أن هللا قد أحاط رسوله جب

صدق الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يف دعوى الرسالة، وعلى أن هللا قضى حبفظ نبيه من كل كيد، وببقائه حياا، حىت يبلغ علمون، مانة، وينقذ جزيرة العرب من جاهليتها، ويقذف أببنائها يف وجه الدنيا، يالرسالة، ويؤدي األ

بون، وينقذون، ولوال محاية هللا لرسوله، لقضى املشركون على حياته منذ أوائل الدعوة، وملا كمل الدين، ويهذ نسانية ومتت النعمة، ووصل إلينا نور الرسالة وهدايتها ورمحتها، وملا حتول جمرى التاريخ حتوله الذي خلص اإل

عهود التحكم ابلشعوب، واالستبداد بتصريف شؤوهنا، من سالم، وانتهاء من عمايتها وشقائها ابنتشار اإلملوك ورؤساء أقاموا سلطاهنم على البغي والظلم، ومنع الشعوب من أن تشعر بكرامتها، أو تثأر لظالمتها،

ولقد مت كل هذا بفضل محاية هللا لرسوله، حىت أدى األمانة كاملة غري منقوصة.

[. 113]النساء: {وكان فضل اللهي عليك عظييما }اا ال جرم أن فضل هللا كان على رسوله عظيم [.157]األنبياء: { وما أرسلناك إيله رحة ل يلعالميني }وأن فضل رسوله على البشرية كان عظيماا،

75

عظيم وال جرم يف أن جناة دعاة احلق من كيد أعدائه ومن تربصهم هبم، هو استمرار لذلك الفضل ال الذي ابتدأ حبماية رسوله.

إىل كنف هللا، وحيتموا بعزته وسلطانه، –بعد االحرتاس واحلذر –وأن على الدعاة أن يلجؤوا دائماا ويثقوا أبن هللا معهم نصري، وهلم حفيظ، وأن من أراد هللا له النجاة من كيد أعداء اهلداية سينجو مهما يكن

والتآمر واإلجرام، فاحلماية محاية هللا، والنصر نصره، واخلذالن خذالنه، سلطاهنم شديد الوطأة، عظيم الكيد [ ومهما يعظم 165]آل عمران: { إين ينصركم الله فال غاليب لكم وإين خيذلكم }والنافذ قضاؤه وأمره،

ف مصلح، وال يتأخر عن أتدية كيد االنسان الظامل، فان نصر هللا العادل أعز وأعظم، فال جيب داعية وال خينا نصر المؤمينيني }احلق مؤمن ابهلل، واثق بعونه وأتييده إينه الهذيين يادون }[ 47]الروم: {وكان حق ا علي

[ وال 21-25]اجملادلة: { قويي عزييز الله ورسوله أولئيك في األذل يني كتب الله ألغليبه أن ورسليي إينه الله صالح، ومتكنهم من القضاء عليهم، ينايف هذا جناح أعداء هللا يف الوصول إىل بعض أئمة اهلدى من دعاة اإل

يقاع األذى هبم، فان املوت حق، وهو نصيب ابن آدم ال حمالة، فمن يكتب عليه املوت أبيدي إأو مه هللا هبا، وفضل أنعم به عليه، وكل موت يف سبيل هللا شهادة، وكل أذى يف منا هي كرامة أكر إالظاملني، ف

يب هم ظمأ ول نصب ول خممصة }دعوة احلق شرف، وكل بالء بسبب اإلصالح خلود ن ههم ل يصي ذليك بي ي نالون مين عدو ن هيال إيله كتيب لم بيهي عمل صاليح إينه في سبييلي اللهي ول يطؤون موطيئا يغييظ الكفهار ول

نيني يع أجر المحسي ل يضي [.125]التوبة: { الله

فوجئ املسلمون أول املعركة بكمني أعدائهم هلم، مما أدى إىل وقوع اخللل يف صفوف املسلمني -6أيها الناس! ال القليل، مث أخذ رسول هللا ينادي: إهللا ملسو هيلع هللا ىلص، ومل يثبت معه واضطراهبم وتفرقهم عن رسول

وكان –، فلم يسمع الناس صوته، فطلب من العباس يل ، أن رسول هللا، أن دمحم بن عبد هللاإ اهلمو وا: لبيك أن ينادي يف الناس: اي معشر األنصار، اي معشر أصحاب السمرة! فأجاب –جهوري الصوت

لبيك، فيذهب الرجل ليثين بعريه، فال يقدر على ذلك، فيأخذ درعه، فيقذفها يف عنقه، وأيخذ سيفه ليه إىل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، حىت إذا اجتمع إوترسه، ويقتحم عن بعريه وخيلي سبيله، مث يؤم الصوت حىت ينتهي

.منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا مث كان النصر

يف هذا املوقف عدة من العرب والدروس جيدر بدعاة احلق وجنوده أن يقفوا عندها طويال، فإن اهنزام خالصهم للحق، وعدم إالدعوة يف معركة قد يكون اشئاا من وهن يف عقيدة بعض أبنائها، وعدم

71

ابهلل ونصره، له أثر كبري ين يف سبيله، كما أن ثبات قائد الدعوة يف األزمات، وجرأته، وثقته ااستعدادهم للتفىل نصر، ويف تقوية قلوب الضعاف واملرتددين ممن معه، وللثابتني الصادقني من جنود احلق إيف حتويل اهلزمية

والتفافهم حول قائدهم اجلريء املخلص، أثر كبري أيضاا يف حتويل اهلزمية إىل نصر، إن الذين ثبتوا مع رسول زمية أول املعركة، مث الذين استجابوا لنداء الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مل يتجاوزوا مائة، وعندئذ ابتدأ التحول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بعد اهل

يف سري املعركة، وابتدأ نصر هللا لعباده املؤمنني، وابتدأ ختاذل أعدائه، ووقوع الوهن يف قلوهبم وصفوفهم، مع املؤمنني الصادقني، ازدادت معنوايهتم قوة، وكلما تذكر قائد الدعوة وجنودها أهنم على حق، وأن هللا

وازداد إقدامهم على الفداء والتضحية.

، ويف رواية غري ابن هشام أنه قال:أن رسول هللاويف قوله ملسو هيلع هللا ىلص:

أن النيب ل كذب، أن ابن عبد املطلب

ة وثقته بنصر ربه، وهكذا ينبغي أن يكون القائد داللة على صدق رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يف دعوى الرسالدائماا وأبداا يف الشدائد، واثقاا من نفسه، ملتجئاا إىل ربه، متأكداا من نصره له وعنايته به، فإن لثقة القائد هبدفه وغايته ورسالته أكرب األثر يف جناحه والتفاف الناس حوله، وهلا أكرب األثر يف ختفيف الشدائد عن

مل آالمها راضياا مطمئناا.نفسه وحت

سالم، فقد كانت يف ويف موقف أم سليم بنت ملحان مفخرة من مفاخر املرأة املسلمة يف صدر اإل -7املعركة مع زوجها أيب طلحة وهي حازمة وسطها بربد هلا وهي حامل، ومعها مجل أليب طلحة وقد خشيت

جتعل يف أنف البعري( مع اخلطام، فرآها أن يفلت منها، فأدخلت يدها يف خزامته )وهي حلقة من شعر؟ قالت: نعم أبيب أنت وأمي اي رسول هللا! أقتل هؤالء الذين ينهزمون أم سليمرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، فقال هلا:

وكان ! أو يكفي هللا ي أم سليمعنك كما تقاتل الذين يقاتلونك، فإهنم لذلك أهل، فقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص: معها خنجر، فسأهلا زوجها أبو طلحة عن سر وجوده معها! فقالت: خنجر أخذته، إن د ا مين أحد من

املشركني بعجته به! فأعجب هبا أبو طلحة، ولفت نظر الرسول إىل ما تقول.

هكذا كانت املرأة املسلمة، وهكذا ينبغي أن تكون: جريئة تسهم يف معارك الدفاع حبضورها ليها أو د ا منها األعداء، ردت عدوانه بنفسها كيال تؤخذ أسرية مغلوبة، وللمرأة إذا احتيج بنفسها، حىت إ

سالم حني نشوئه صفحات مشرقة من الفداء والبالء والتضحية والشجاعة، مما يصفع املسلمة يف اتريخ اإلم يهني املرأة وحيتقرها، سالأولئك املتعصبني من املستشرقني وغريهم من الغربيني الذين زعموا لقومهم أن اإل

72

ىل االد عاء أبن إوال جيعل هلا مكاهنا الالئق يف اجملتمع يف حدود رسالتها الطبيعية، بل متادى هبم اإلفك سالم ال يفسح جماالا للمرأة يف اجلنة، فال تدخلها مهما عملت من خري، وقدمت من عبادة وتقوى!!اإل

سالم نفسه، قد رحية يف رد هذا االفرتاء، فإن اتريخ اإلوبقطع النظر عن نصوص القرآن والسنة الصليه، والتضحية يف سبيله ما مل يسجله للمرأة دين من إسجل للمرأة املسلمة، من املآثر يف نشره، والدعوة

األداين قط، وما وقع من أم سليم يف هذه املعركة )معركة حنني( مثال من مئات األمثلة الناطقة بذلك، سالم املتعصبني يف هذا املوضوع بقدر ما يهمنا أن نتخذ من حادثة أم الرد على أعداء اإل ونحن ال يهمنا

سالم، سليم هنا درساا بليغاا حيف ز ا على دعوة املرأة املسلمة من جديد للقيام بدورها الطبيعي يف خدمة اإلاحلة مستقيمة تكتفي من صالحها وتربية أجيالنا املقبلة على هدية ومبادئه، إن املرأة املسلمة اليوم، بني ص

قامة الصلوات، وقراءة القرآن، والبعد عن احملرمات، وبني منحرفة يف تيار احلضارة الغربية، قد استبدلت إبسالم آداهبا، وأبخالق املرأة العربية املسلمة أخالق املرأة الغربية اليت جرت عليها وعلى أسرهتا آبداب اإل

كان بعض الناس قد أخذوا على عاتقهم جتريد املرأة العربية املسلمة من أخالقها وشعبها البالء والشقاء، وإذاوخصائصها اليت ربت هبا أكرم أجيال التاريخ مسواا ونبالا وخلوداا يف املآثر واملكرمات، فإن اإلسالم واترخيه

سالمي يف حدود سالم واجملتمع اإلإلوخباصة اتريخ رسوله ملسو هيلع هللا ىلص، يهيب هبا اليوم أن تتقدم من جديد لتخدم اوظيفتها الطبيعية، ورسالتها الرتبوية، وخصائصها الكرمية، من نبل، وعفة، وحشمة، وحياء، ترى هل تعيد فتياتنا املسلمات املتدينات اتريخ خدجية، وعائشة، وأمساء، واخلنساء، وأم سليم، وأمثاهلن؟ هل يعدن إلينا

خلالدات، والنجوم الساطعات؟ هل يصعب أن يوجد فيهن اليوم عشرات من اليوم اتريخ هؤالء املؤمنات اخدجية، وعائشة، وأمساء، وأم سليم؟ كال، ولكن التوجيه الصحيح، واإلميان الواعي املشرق، كفيل بذلك وأكثر منه، فمن اليت تفتح سجل اخللود للمرأة العربية املسلمة يف عصر ا احلاضر، غري عابئة بتضليل

، واستهزاء املستهزئني من أعداء اخلري واحلق والفضيلة والدين؟املضللني

ويف هذه املعركة مر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ابمرأة وقد قتلها خالد بن الوليد، والناس متقصفون )مزدمحون( -8أدرك خالدا لبعض من معه: قالوا: امرأة قتلها خالد بن الوليد، فقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ما هذا؟عليها، فقال:

)أجرياا(. فقل له: إن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ينهاك أن تقتل وليدا، أو امرأة، أو عسيفا

ال شك يف أن النهي عن قتل الضعفاء، أو الذين مل يشاركوا يف القتال، كالرهبان، والنساء، سالم يف الحني، واألجراء )العمال( شيء تفرد به اإلوالشيو ، واألطفال، أو الذين أجربوا على القتال، كالف

73

سالم وال بعده حىت اليوم مثل هذا التشريع الفريد املليء ابلرمحة اتريخ احلروب يف العامل، فما عهد قبل اإلنسانية، فلقد كان من املعهود واملسلم به عند مجيع الشعوب أن احلروب تبيح لألمة احملاربة قتل مجيع واإل

نسان، وقامت ب من أعدائها احملاربني بال استثناء، ويف هذا العصر الذي أعلنت فيه حقوق اإلفئات الشعأكرب هيأة دولية عاملية ملنع العدوان، ومساندة الشعوب املستضعفة كما يقولون، مل يبلغ الضمري اإلنساين من

بني العامليتني األوىل والثانية السمو والنبل حداا يعلن فيه حترمي قتل تلك الفئات من الناس، وعهد ا ابحلر تدمري املدن فوق سكاهنا، واستباحة تقتيل من فيها تقتيالا مجاعياا، كما كان عهد ا ابحلروب االستعمارية

ضد ثورات الشعوب اليت تطالب حبقها يف احلياة والكرامة.

كاهنا ابآلالف إن املستعمرين يستبيحون يف سبيل إمخاد تلك الثورات ختريب املدن والقرى وقتل سوعشرات اآلالف، كما فعلت فرنسا أكثر من مرة يف اجلزائر، وكما فعلت إجنلرتا يف أكثر من مستعمرة من

مستعمراهتا، وكما تفعل اليوم الربتغال يف مستعمراهتا يف إفريقيا.

كما أننا مل نعهد قط يف التاريخ شعب من شعوب العامل القدمي واحلديث النهي عن قتل العمال سالم جاء قبل أربعة عشر قر اا ابلنهي الصريح عن والفالحني الذين جيربون على احلرب جرباا، ولكن اإل

قتلهم، ومل يقتصر األمر على جمرد النهي تشريعاا، بل كان ذلك حقيقة وواقعاا، فهنا يف معركة حنني ترى الناس، يغضب لقتل امرأة، ويرسل إىل بعض الرسول ملسو هيلع هللا ىلص نفسه وهو صاحب الشريعة ومبلغها عن هللا إىل

–قبل وفاته أبايم –قواده أن ال يتعرض للنساء واألطفال واألجراء، وحني جهز جيش أسامة لقتال الروم كان مما أوصاهم به: االمتناع عن قتل النساء، واألطفال، والعجزة، والرهبان الذين ال يقاتلون، أو ال يعينون

خليفته أبو بكر الصديق هنع هللا يضر حني أنفذ بعث أسامة، وحني كان يوجه اجليوش على قتال، وكذلك فعلللقتال يف سبيل هللا: يف سبيل احلق واخلري واهلدى والعدالة، وكذلك فعل سيف هللا خالد بن الوليد هنع هللا يضر يف

بسوء، وهكذا أصبح من فتوحه ابلعراق، فلم يتعرض لألكارين )الفالحني( العاكفني على زراعة أراضيهمنسانية النبيلة اليت مل يعرفها اتريخ تقاليد اجليش اإلسالمي يف كل مكان، ويف خمتلف العصور هذه املبادئ اإل

جيش من جيوش األرض، ويدلك على حرص اجليش اإلسالمي على هذه التقاليد معاملة صالح الدين دس، فقد أعطى األمان للشيو ، ورجال الدين، للصليبيني بعد أن انتصر عليهم، واسرتد منهم بيت املق

والنساء، واألطفال، بل وللمحاربني األشداء، فأوصلهم إىل مجاعاهتم حبراسة اجليش اإلسالمي، مل ميسسهم سوء، بينما كان موقف الصليبيني حني فتحوا بيت املقدس يتجلى فيه الغدر، واخلسة، والوحشية، والد اءة،

بيت املقدس املسلمني على أرواحهم وأمواهلم، إذا رفعوا الراية البيضاء فوق فقد أمن الصليبيون سكان

74

املسجد األقصى، فاحتشد فيه املسلمون خمدوعني هبذا العهد، فلما دخل الصليبيون بيت املقدس ذحبوا كل هاد، من التجأ إىل املسجد األقصى تذبيحاا عاماا، وقد بلغ من ذحبوا فيه سبعني ألفاا من العلماء، والز

والنساء، واألطفال، حىت إن كاتباا صليبياا رفع البشارة هبذا الفتح املبني إىل البااب، وقال فيه مباهياا: لقد سالت الدماء يف الشوارع حىت كان فرسان الصليبيني خيوضون يف الدماء إىل قوائم خيوهلم.

وجيوشنا اليت قال فيها لوبون: ما إننا ال نقول اليوم هذا للمفاخرة واملباهاة بتاريخ فتوحاتنا وقواد انسانية وأبر هبا من ىل أننا كنا أرحم ابإلإعرف التاريخ فاحتاا أرحم وال أعدل من العرب وإمنا نقول هذا لننبه

لينا عن حقوق االنسان ويوم إهؤالء الغربيني وهم يف القرن العشرين، واىل أن هؤالء الغربيني حني يتحدثون منا خيدعوننا نحن، بل خيدعون السذج إات، تدليالا منهم على مسو حضارهتم األطفال، ويوم األمه

والسخفاء، وفاقدي الثقة أبمتهم واترخيهم، ممن يزعمون أهنم أبناؤ ا ومثقفو ا.

نساين النبيل، فال نريد أن يكون جيلنا املعاصر واعياا هلذه الدسائس، واثقاا بدينه وتراثه احلضاري اإليني خضوع الفقري الذليل أمام الغين القوي، وال يتهافت على زادهم الفكري دون متييز بني خيضع هلؤالء الغرب

غثه ومسينه، هتافت الفراش على النار ليحرتق هبا.

ىل فطرة اإلنسان، وأضمنها لصالح الناس، وأثبت إسالم خري األداين، وأقرهبا لقد أثبت العلم أن اإلب، وأقلها بالءا، وأكثرها خرياا، وأنبلها هدفاا، ويف كل يوم جديد سالم أرحم احلرو التاريخ أن حروب اإل

برهان جديد على أن اإلسالم دين هللا، وأن دمحماا رسول هللا، وأن املسلمني الصادقني صفوة عباد هللا وخريهتم }من الناس أمجعني. هيم حته ي ت ب نيه م آيتينا في الفاقي وفي أنفسي لم أنهه الق أول يكفي بيرب يك أنهه سنرييهي

[.53]فصلت: {على كل ي شيء شهييد

ىل ثقيف ابلطائف، وحاصرها أايماا فلم إبعد أن تبع رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص واملسلمون من اهنزم من هوازن -3معركة حنني، وكانت ستة آالف من الذراري والنساء، ىل املدينة ويف الطريق قسم غنائم إتفتح عليه، عاد

سالم، ماال يدرى عدته، وقد أعطى قسماا كبرياا منها ألشراف من العرب يتألفهم على اإل ءبل والشاومن اإلوأعطى كثرياا منها لقريش، ومل يعط منها لألنصار شيئاا، وتكلم بعضهم يف ذلك متأملني من حرماهنم من هذه

ال بعضهم: لقي رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قومه، أي إنه مل يعد يذكر ا بعد أن فتح هللا مكة ودانت الغنائم، حىت قي معشر قريش ابالسالم، فجمع رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص األنصار وخطب فيهم فقال بعد أن محد هللا وأثىن عليه:

75

لي ف أنفسكم؟ أل تكونوا ضال ل فهداكم وجدتوها ع)أي عتب( األنصار! مقالة بلغتين عنكم، وجدة بلى! هللا ورسوله أمن وأفضل. هللا؟ وعالة فأغناكم هللا؟ وأعداء فأل ف هللا بني قلوبكم؟

قالوا: اماذا جنيبك اي رسول هللا؟ هلل ولرسوله املن والفضل، أل تيبونين ي معشر األنصار؟مث قال :لو شئتم لقلتم فلصدقتم: أتيناك مكذب فصدقناك، وخمذول فنصرنك، وطريدا : أما وهللا،قال ملسو هيلع هللا ىلص

من الدنيا )البقية اليسرية( فآويناك، وعائال فآسيناك، أوجدت ي معشر األنصار ف أنفسكم ف لعاعة لشاة تلفت با قوما ليسلموا، وتركتكم إل إسالمكم، أل ترضون ي معشر األنصار أن يذهب الناس ب

والبعري، وترجعوا برسول هللا إل رحالكم؟ فو الذي نفس دمحم بيد، لول الجرة لكنت امرءا من وسلك األنصار شعبا لسلكت شعب األنصار، )هو الطريق بني جبلني( سلك الناس شعبا األنصار، ولو

أخضلوا )بللوا( حلاهم، وقالوا: فبكى القوم حىت .اللهم ارحم األنصار، وأبناء األنصار وأبناء أبناء األنصار رضينا برسول هللا قسماا وحظاا.

وها هنا مسائل ميكن التعليق عليها:

سالم، وقد اختذها أعداؤه وسيلة للطعن فيه على أوالا: قضية الغنائم كجزء من نظام احلرب يف اإلىل التضحية إ يدفعهم أهنا ابعث مادي من بواعث إعالن احلرب يف اإلسالم، ومنشط فعال للجنود املسلمني

والفداء، ولذلك يتهافتون عليها بعد احلرب، كما يف هذه املعركة، وال ريب يف أن كل منصف يرفض هذا سالم معنوية هتدف إىل نشر احلق، ودفع األذى والعدوان، وهذا ما صرحت االدعاء، فبواعث احلرب يف اإل

يضحي اإلنسان حبياته، ويعرض مستقبل أسرته به آايت وأحاديث كثرية صرحية، ومن الغرابة امكان أن ىل البطوالت اخلارقة إللضياع، طمعاا يف مغنم مادي مهما كرب، والطمع يف املغا م املادية ال ميكن أن يؤدي

ليها إىل النتائج املذهلة اليت انتهت إسالم، وال ميكن أن يؤدي اليت بدت من احملاربني املسلمني يف صدر اإلليها معاركه مع فارس والروم فيما بعد، على إع العرب يف حياة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص، واليت انتهت سالم ممعارك اإل

سالم مل تكن تنقصهم املطامع املادية، فغنيمة أموال املسلمني ورقاهبم يف حال هزميتهم كانت من أن أعداء اإلن أموال أعدائهم ورقاهبم عند االنتصار نصيب أعدائهم حتماا، ومل يكن املسلمون وحدهم هم الذين يقتسمو

عليهم، بل كان هذا شأن كل جيشني متحاربني، فلماذا مل تؤد املطامع املادية عند األعداء إىل البطوالت سالمية؟ ويف اخلارقة، والنتائج املذهلة اليت كانت تبدو من اجلنود املسلمني، واليت أسفرت عنها احلروب اإل

ما ينفي نفياا قاطعاا أبن الدوافع املادية كانت هي الباعث الرئيسي يف نفس اجلندي سالمية وقائع احلروب اإل

76

ىل املعركة مؤمالا يف إحراز شرف إاملسلم، ففي معارك بدر، وأحد، ومؤتة، وغريها كان البطل املسلم يتقدم اء ابجلنة، الشهادة ونعيم اجلنة، حىت كان أحدهم يقذف ابلتمرة من فمه حني يسمع وعد الرسول للشهد

، ما بيين وبني أن أدخل اجلنة إال هذه التمرات، وهللا إهنا ملسافة بعيدة، مث وخيوض املعركة وهو يقول: بخ بخما يزال يقاتل حىت يقتل، وكان أحدهم يربز لقتال األعداء، وهو يقول: اجلنة! اجلنة! وهللا إين ألجد رحيها

معركة أحد(. دون أحد )أي أقرب من جبل أحد، وكان ذلك يف

ويف معارك الفرس كان جواب قائد الوفد املسلم لرستم حني عرض أن يدفع للمسلمني أمواالا أو ىل بالدهم، وهللا ما هذا الذي خرجنا من أجله، وإمنا نريد إنقاذكم من إثياابا ليعدلوا عن احلرب ويرجعوا

عنكم ويبقى ملككم لكم، وأرضكم لكم، ال عبادة العباد إىل عبادة الواحد القهار، فان أنتم أسلمتم رجعنا موال.راضي واألننازعكم يف شيء منها.. فهل هذا جواب مجاعة خرجوا للمغا م واالستيالء على األ

أما أن يستشهد لتلك الدعوى الباطلة اما حصل عند تقسيم الغنائم بعد معركة حنني من استشراف ار حلرماهنم منها، فذلك تعام عن واقع املعركة واملتحاربني، نفوس كثريين من احملاربني إليها، وموجدة األنص

سالم الذين مل تتمكن هداية االسالم من فقد كان الذين استشرفوا لتلك املغا م من حديثي العهد ابإلنفوسهم كما متكنت من السابقني إليه، ولذلك مل يستشرف هلا أمثال أيب بكر، وعمر، وعثمان, وعلي،

سالم، وما حصل من األنصار إمنا والزبري، من كبار الصحابة السابقني إىل دعوة اإلوابن عوف، وطلحة، كانت مقالة بعضهم ممن رأوا يف تقسيم الغنائم يومئذ تفضيل بعض احملاربني على بعض يف مكاسب النصر،

مثل وهذا يقع من أكثر الناس يف كل عصر، ويف كل مكان، وهذا املعىن مما جيده كل إنسان يف نفسه يف تلك الظروف.

وليس أدل على إرادة هللا وثوابه وجنته، وطاعة رسوله عند األنصار، من بكائهم حني خطب النيب أل تريدون أن يرجع الناس بلشاة والبعري وترجعوا برسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إل ملسو هيلع هللا ىلص فيهم، وكان مما قاله هلم:

له وقرهبم منه وسكناه بينهم على األموال واملكاسب، أيصح أن يقال فمن فضلوا صحبة رسو رحالكم؟ فيهم: إهنم إمنا جاهدوا لألموال واملكاسب؟

سالم الغنائم من نصيب احملاربني، ومل جيعلها من نصيب الدولة وال معىن ألن يقال: ملاذا جعل اإلحلروب يف تلك العصور، فلم يكن كما يف عصر ا هذا؟ ألن القول بذلك غفلة عن طبيعة الناس، وتقاليد ا

الذي يقتسم أفراده أربعة أمخاس الغنائم، بل كان سالمي وحده دون اجليش الفارسي أو الرومي هواجليش اإل

77

سالمي يف عصر ا احلاضر تعطى ذلك شأن اجليوش كلها، ولو أن جمتهداا اليوم ذهب إىل أن غنائم اجليش اإل سالم وروحه.ملسألة وفق مبادئ اإلللدولة، ملا كان بعيداا عن فقه هذه ا

اثنياا: أن إغداق العطاء للذين أسلموا حديثاا، يدل على حكمة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، ومعرفته بطبائع قومه، وبعد نظرة يف تصريف األمور، فهؤالء الذين ظلوا حياربون رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، وميتنعون عن قبول دعوته،

مكة، والذين أظهر بعضهم الشماتة هبزمية املسلمني أول املعركة، ال بد من أتليف قلوهبم على حىت فتح يف –سالم، وإشعارهم بفضل دخوهلم فيه من الناحية املادية اليت كانوا حياربونه من أجلها، إذ كانوا اإل

احلهم املادية، فلما خضد إمنا حياربونه وهم أشراف القوم إبقاء على زعامتهم، وحفاظاا على مص –احلقيقة سالم من شوكتهم بفتح مكة، كان من املمكن أن يظلوا يف قرارة أنفسهم حاقدين على هذا النصر، اإل

سالم دين هداية وإصالح، فال يكتفي بفرض سلطانه ابلقهر والغلبة، واجدين من هزميتهم وانكسارهم، واإلها على القوة دون استجابة النفوس والقلوب، بل ال بد كما تفعل كثري من النظم اليت تعتمد يف قيامها وبقائ

من تفتح القلوب له، واستبشارها هبدايته، وتعشقها ملبادئه ومثله، وما دام العطاء عند بعض الناس مفيداا يف استصالح قلوهبم وغسل عداواهتم، فاحلكمة كل احلكمة أن تعطى حىت ترضى، كما فعل رسول هللا صلى

هللا عليه وسلم.

ىل شرق الدنيا إلقد علم هللا أن دعوته اليت انتصرت أخرياا يف جزيرة العرب، ال بد من أن متتد و وغرهبا، فال بد من إعداد العرب مجيعهم حلمل هذه الرسالة، والتضحية يف سبيلها فإذا صلحت نفوس

نه إالذي حصل، ف أشرافهم هبذه األعطيات، تفتحت قلوهبم بعد ذلك لنور الدعوة، ومحل أعبائها، وهذا هوسالم بعد أن أتلف رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قلوب هؤالء الزعماء، زالت من نفوسهم كل موجدة وحقد على اإل

سالم، وإخراج الناس من ظلمتهم إىل سالمي يف األرض للتبشري امبادئ اإلودعوته، فلما انساح اجليش اإلالتارخيي العظيم، وكان هؤالء الرؤساء املؤلفة قلوهبم يف أوائل نوره، كانت اجلزيرة العربية مستعدة هلذا العمل

الراضني املندفعني خلوض معركة التحرير، وقد أثبت التاريخ بالء كثري منهم يف الفتوحات بالءا حسناا، كما دة سالم خارج اجلزيرة، وإرادة مملكته الواسعة، وقياكان لكثري منهم بعد ذلك فضل كبري يف تثبيت دعائم اإل

جيوشه املتدفقة.

سالم، أو أتخر وال يضر هؤالء اجملاهدين أهنم كانوا يف أول إسالمهم ممن ألفت قلوهبم على اإلدخوهلم فيه عن فتح مكة، فكثرياا ما يلحق املتأخر ابلسابق، ويدرك الضعيف فضل القوي، وخيلص العمل

78

لم لغري هللا، فأىب إال أن يكون هلل. وقال غريه: من مل يبدأه خملصاا، وقد قال احلسن رمحه هللا: طلبنا هذا العطلبنا هذا العلم ومل تكن لنا فيه نية، مث حضرتنا النية بعد. وحسب املتأخرين أن هللا وعدهم ابحلسىن، كما

ن الهذيين أنفقوا مين ل يستويي مينكم مهن أنفق مين ق بلي الفتحي وقاتل أولئيك أعظم درجة م ي }قال تعاىل: ا ت عملون خبيري بي السن والله [.15]احلديد: { ب عد وقات لوا وكال وعد الله

اثلثاا: ويف مجع رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص لألنصار واسرتضائهم على حرماهنم من املغا م، دليل على حسن ، ودماثة خلقه، فهو حني بلغه ما قاله بعضهم بشأن الغنائم، اهتم ابسرتضائهم ومجعهم لذلك، سياسته ملسو هيلع هللا ىلص

وقال هلم ذلك القول احلكيم، مع أنه يعلم أهنم حيبونه ويتبعونه، وقد بذلوا يف سبيل هللا دماءهم وأمواهلم، كنه أحب أن يزيل ما علق يف فليس خيشى عليهم ما ينقص من إمياهنم، أو يوقعهم يف غضب هللا ورسوله، ول

أذهان بعضهم حول هذا املوضوع، وتلك سنة محيدة جيب أن يتبعها القادة والزعماء مع أنصارهم وحمبيهم، فان األعداء مرتبصون الستغالل كل حادثة أو قول يضعف تعلق احملبني بقادهتم، والشيطان خبيث الدس،

مهما وثقوا هبم.سريع املكر، فال يهمل القادة اسرتضاء أنصارهم

مث انظر إىل ذلك األسلوب احلكيم املؤثر الذي سلكه عليه الصالة والسالم السرتضائهم وإقناعهم سالم، ونصرهتم لرسوله، ومبادرهتم إىل التصديق به حيث حبكمة ما فعل، فقد ذكر فضلهم على دعوة اإل

من الضاللة والشتات والعداوة، ليسهل كذبه قومه وطاردوه، بعد أن ذكرهم بفضل هللا عليهم يف إنقاذهم عليهم كل ما فاهتم من مال الدنيا جبانب ما رحبوه من السعادة واهلداية، وبذلك أكد هلم أمرين: أنه مل ينحز إىل قومه وينسى هؤالء األنصار كما زعم بعضهم، وأنه كان حني حرمهم الغنائم، إمنا كان يعتمد على قوة

هذا األسلوب أسلوب أبلغ يف اسرتضاء ذوي دهم هلل ولرسوله، ولعمري ليس بعدينهم، وعظيم إمياهنم، وحبالفضل والسبق يف الدعوة ممن آمنوا هبا خملصني صادقني، ال يرجون جزاءا وال شكوراا. فصلى هللا وسلم عليه

[.4]ن: { وإينهك لعلى خلق عظييم }ما أصدق قول هللا فيه:

ميان، ورقة القلوب، نصار بعد أن مسعوا كالمه، أروع األمثلة يف صدق اإلرابعاا: إن يف موقف األوتذكر فضل هللا يف اهلداية والتقوى، فقد ذكروا أن الفضل هلل ولرسوله فيما قاموا به من النصرة والتأييد

م ملا مجع هللا سالواجلهاد، وأهنم لوال هللا ملا اهتدوا، ولوال رسوله ملا استضاءت قلوهبم وبصائرهم، ولوال اإلسالم وخالصهم من مشلهم بعد الشتات، وصان دماءهم بعد اهلدر، وأنقذهم من سيطرة اليهود إىل عز اإل

جرياهنم املستغلني، مث أعلنوا إيثارهم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص على كل ما تفيض به الدنيا من مال ومتاع، وملا دعا

73

ة هلم، وألوالدهم وألوالد أوالدهم، سالت مدامعهم فرحاا بعناية رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص هبم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ابلرمحميان، وهل هناك حب أمسى وأروع من هذا احلب؟ ودعوته املستجابة هلم، فهل بعد هذا دليل على صدق اإل

لنعيم، مع رسوله احلبيب العظيم، والذين مهنع هللا يضر وأرضاهم، وخلد ذكراهم يف العاملني، وأحلقنا هبم يف جنات ا أنعم هللا عليهم من النبيني والصديقني والشهداء واملقربني.

وأخرياا فان هذا املوقف وما جرى بني رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص واألنصار، مما جيب أن يتذكره كل داعية، وأن ج احلب والشوق إىل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وصحابته ميان، ويهيج لواعحيفظه كل طالب علم، فانه مما يزيد يف اإل

رضوان هللا عليهم أمجعني.

حتطيم األصنام

ممن حارب الوثنية يف قومه، حىت حاول –وهو أبو األنبياء بعد نوح –كان إبراهيم عليه السالم اعيل عليه السالم فيها مع قومه إحراقه ابلنار. كما حيكي القرآن الكرمي، وملا جاء إىل مكة أودع ولده إمس

ليه، وتكاثر إمساعيل عليه السالم بنيا الكعبة معاا لتكون بيتاا يعبد هللا عنده، وحيج الناس إأمه، فلما شب واستمروا ال يعرفون عبادة األواثن –وهم العرب املستعربة، كما يسميهم املؤرخون –مساعيل إولد

يظعن من مكة ظاعن، إال احتمل معه حجراا من حجارة احلرم، ، مث كان من عبادهتم أنه كان ال2واألصنامتعظيماا للحرم، وصبابة امكة، فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم ابلكعبة، تيمناا منهم هبا، وحباا منهم

وكان ذلك قبل البعثة –ابن حلي عبادة األواثن ليه، واستمروا كذلك حىت أدخل فيهم عمروإللحرم، وشوقاا فهو أول من غري دين إمساعيل عليه السالم، وكان من أمره أن توىل –ائة سنة على ما يقولون منبوية خبمسال

حجابة البيت بعد إجالء جرهم عن مكة وما حوهلا، مث مرض مرضاا شديداا، فقيل له: إن ابلبلقاء من الشام ستحم هبا فربأ، ووجد أهلها يعبدون إن أتيتها برأت، فأاتها فا –وهي اليت يقال هلا احلمة اآلن –محة

األصنام فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستسقي هبا املطر، ونستنصر هبا على العدو، فسأهلم أن يعطوه منها، , وانتشرت بعد ذلك عبادة األصنام يف جزيرة العرب، حىت 3ففعلوا، فقدم هبا مكة، ونصبها حول الكعبة

2 نصاب: هي أحجار يعبدونها وينحرون عندها.ألصنام: هي ما كان من المعبودات على هيئة تماثيل، وااأل

3 .8صنام لهشام بن دمحم بن السائب الكلبي: ص كتاب األ

85

دارهم، فإذا أراد أحدهم السفر، كان آخر ما يصنع يف منزله أن كان ألهل كل دار يف مكة صنم يعبدونه يف يتمسح به، وإذا قدم من سفره، كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضاا.

مث أولعت العرب بعبادة األصنام، فمنهم من اختذ بيتاا، ومنهم من اختذ صنماا، ومن مل يقدر عليه وال وكان الرجل م احلرم، وأمام غريه مما استحسن، مث طاف به كطوافه ابلبيت، على بناء بيت، نصب حجراا أما

، أخذ أربعة أحجار فنظر إىل أحسنها فاختذه رابا، وجعل ثالث أاثيف لقدره، وإذا ارحتل إذا سافر فنزل منزالا .4تركه، فإذا نزل منزالا آخر فعل مثل ذلك

، وتنحر هلا الذابئح: أقدمها مناة وكان منصوابا وكانت للعرب ثالثة أصنام كربى تعظمها، وحتج إليهاعلى ساحل البحر من احية املشلل بقديد، بني املدينة ومكة، وكانت العرب مجيعاا تعظمه، وأشدهم إعظاماا له األوس واخلزرج، فلما خرج رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص لفتح مكة يف السنة الثامنة للهجرة، أرسل إليه علياا

، فهدمه، وأخذ ما كان له، وأقبل به اىل النيب ملسو هيلع هللا ىلص، فكان فيما أخذ: سيفان، كان احلارث بن أيب مشر هنع هللا يضرالغساين ملك غسان أهدامها له، واحلارث هذا هو الذي قتل شجاع بن وهب األسدي هنع هللا يضر حني سلمه

يقتل للنيب ملسو هيلع هللا ىلص رسول غريه.سالم، وملكتاب النيب ملسو هيلع هللا ىلص يدعوه لإل

واثنيها الالت وكانت ابلطائف، وهي صخرة مربعة، وكانت قريش ومجيع العرب تعظمها، فلما جاء وفد ثقيف بعد عودة النيب ملسو هيلع هللا ىلص من فتح مكة إىل املدينة، طلب وفدها منه عليه الصالة والسالم أن يدع هلم

ال يهدمها، فأىب ذلك عليهم، فما برحوا يسألونه سنة سنة وهو أيىب عليهم، حىت سألوا الالت ثالث سنني شهراا واحداا، فأىب عليهم.

قال ابن هشام: وإمنا يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا برتكها من سفهائهم، ونسائهم، ل هللا ملسو هيلع هللا ىلص إال أن يبعث أاب سالم، فأىب رسو وذراريهم، ويكرهون أن يروعوا قومهم هبدمها حىت يدخلهم اإل

ا سفيان بن حرب واملغرية بن شعبة فيهدماها، فلما أخذ املغرية يضرهبا ابملعول، خرج نساء ثقيف حسرا يبكني عليها ويقلن:

لتبكني دفاع أسلمها الرضاع

4 .33األصنام للكلبي ص

81

مل حيسنوا املصاع

تدافع عنا أعداء ا، وتدفع عنا البالء، قد أسلمها اللئام يردن بذلك: واحسرات على اليت كانت للهدم، فلم يدافعوا عنها، ومل جيالدوا ابلسيوف يف سبيلها.

واثلثتها العزى كانت عن ميني املسافر من مكة إىل العراق، وكانت قريش ختصها ابإلعظام، فلما نزل و أحيحة وهو سعيد بن العاص ب، وملا مرض أالقرآن يندد هبا وبغريها من األصنام، اشتد ذلك على قريش

بن أمية بن عبد مشس بن عبد مناف مرضه الذي مات فيه، دخل عليه أبو هلب يعوده، فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك اي أاب أحيحة؟ أمن املوت تبكي وال بد منه؟ قال: ال، ولكين أخاف أال تعبد العزى

جلك، وال ترتك عبادهتا بعدك ملوتك، فقال أبو أحيحة: بعدي! قال أبو هلب: وهللا ما عبدت حياتك أل .5اآلن علمت أن يل خليفة!.. وأعجبه شدة نصبه يف عبادهتا

فلما كان عام الفتح دعا النيب ملسو هيلع هللا ىلص خالد بن الوليد، وأمره أن ينطلق هبدمها، فلما جاءها خالد، قال سادهنا ديبة بن حرمي الشيباين:

شدة ال تكذيب على خالد ألقي اخلمار ومشريأعزاء شد ي

فانك إال تقتلي اليوم خالدا تبوئي بذل عاجل وتنصري

فقال خالد: ين رأيت هللا قد أهانكإاي عز كفرانك ال غفرانك

قد وقد زعموا أهنا كنت حبشية، افشة شعرها، واضعة يدها على عاتقها يف داخل شجرة كانذا هي محمة )أي كالفحم( فلما أخرب رسول إقطعها خالد، فربزت له هبذا الشكل، فضرهبا ففلق رأسها، ف

تلك العزى، ول عزى بعدها للعرب، أما إهنا لن تعبد هللا ملسو هيلع هللا ىلص أبداء مهمته، قال عليه الصالة والسالم: ت }هي اليت ذكرها القرآن الكرمي بقوله: . تلك هي أشهر أصنام العرب يف اجلاهلية، و بعد اليوم أف رأي تم الاله

[.25 – 13]النجم: {ومناة الثهاليثة األخرى والعزهى

5 .23األصنام للكلبي: ص

82

براهيم عليه إوملا دخل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص البيت احلرام يوم فتح مكة، رأى صور املالئكة وغريهم، فرأى قاتلهم هللا جعلوا شيخنا يستقسم بألزلم، ما شأن زالم يستقسم هبا، فقال: السالم مصوراا يف يده األ

ن } !إبراهيم واألزلم؟ ما كان إيب راهييم ي هوديي ول نصرانيي ا ولكين كان حنييفا مسليما وما كان مي ت.[ مث أمر بتلك الصور كلها، فطمس68، ]آل عمران: {المشريكيني

قال ابن عباس: دخل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص مكة يوم الفتح على راحلته، فطاف عليها، وحول البيت جاء الق وزهق }ىل األصنام ويقول: إأصنام مشدودة ابلرصاص، فجعل النيب ملسو هيلع هللا ىلص يشري بقضيب يف يده

ىل صنم منها يف وجهه إال وقع لقفاه، وال أشار إ[ فما أشار 81سراء: ]اإل {الباطيل إينه الباطيل كان زهوقا إىل قفاه إال وقع لوجهه، حىت ما بقي منها صنم إال وقع.

على فتح مكة إال شهور، حىت كانت أصنام جزيرة العرب كلها قد سقطت عن عروشها، ومل متض ن تفاهة رأيه إذ كان يعبد حجراا ال يضر وال ينفع وكفر هبا عبادها، وأصبح من كان يعبدها ابألمس خيجل م

وال يغين عن حوادث الدهر شيئاا.

لقد قامت رسالة اإلسالم أول ما قامت على التشهري هبذه األصنام اآلهلة، والتشنيع على عبادهتا ا قريش والدعوة إىل دين الفطرة: عبادة هللا خالق الكون ورب العاملني، وقاومت جزيرة العرب ويف مقدمته

دا إينه هذا لشيء عجاب }هذه الدعوة، ورأت فيها عجباا عجاابا ة إيلا واحي [.5]ص: {أجعل اللي

وماجت جزيرة العرب واضطربت هلذا الدين اجلديد، وحاولت وأده والقضاء على رسوله بكل بعد نضال استمر إحدى وعشرين سنة، فافتتح عاصمة وسيلة، ولكن النصر كان أخرياا لرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص

الوثنية، وحطم آهلتها، وهزم جيوشها، وتغلب على مؤامرات زعمائها، هل يصدق العقل آن ذلك كله قد مت خالل هذه الفرتة القصرية، ومل يكن مع رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حني ابتدأ هذه الدعوة إنسان لوال أن يكون هللا من

[.17]األنفال: {وما رميت إيذ رميت ولكينه الله رمى}كتائبها، ويوجه معاركها؟ ئا، يهيورائه

لقد أهنى دمحم بن عبد هللا مأساة العرب الفكرية اليت استمرت زهاء مخسمائة عام أو تزيد، وحرر مهانة الوثنية وحقارهتا، وفتح أبواب اخللود العقل العريب من أغالل الوثنية وخرافاهتا، وأنقذ الكرامة العربية من

، إما إهنا ل عزى بعدها للعربللعرب يدخلون منه مث ال خيرجون، ولقد صدق رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حني قال: لن تعبد بعد اليوم فقد ودعت جزيرة العرب حياة الوثنية إىل األبد، وبلغ العقل العريب سن الرشد، فلم يعد

83

ودته إىل طفولته: طفولة الوثنية اليت حتمل صاحبها على أن يضع جبهته عند أقدام حجارة صماء يرضى بعبكماء، ولقد قامت بعد وفاة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص حروب وفنت، وادعى النبوة من ادعاها، وعارض القرآن من

تها، ذلك أن الراشد لن يعود طفالا، عارضه، ولكنا مل نسمع أن عربياا واحداا فكر يف العودة إىل الوثنية وآهلوكل ذلك إمنا مت بفضل دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ورسالته، فله على كل عريب إىل انتهاء الدنيا فضل اإلنقاذ والتحرير، مث

هو الهذيي ب عث }فضل زايدة اهلدى لشعوب األرض من اتبع اهلدى ومن أعرض عنه، وجل هللا حني يقول: م وي عل يمهم الكيتاب واليكمة وإين كانوا مي في األم ي م آيتيهي وي زك ييهي لو عليهي هم ي ت ن ن ق بل لفيي ي يني رسول مي

[.2]اجلمعة: {ضالل مبيني

:غزوة تبوك وأهم ما ف هذ الغزوة من عرب ودروس هو ما نوجز الكالم عنه

ذه الغزوة أن الروم قد مجعت مجوعاا كثرية ابلشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه كان سبب ه :أوالا كورة –سنة، وانضمت اليه من القبائل العربية، خلم، وجذام، وغسان، وعاملة، مث قدموا طالئعهم إىل البلقاء

لناس للخروج إىل تبوك، من أعمال دمشق بني الشام ووادي القرى، فلما بلغ ذلك رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، ندب ا ودعاهم إىل التأهب واالستعداد، ودعا األغنياء إىل البذل واإلنفاق.

سالم، فهي ليست عدوانية، وال استفزازية، ولكنها للدفاع عن وهذا يفسر لنا طبيعة احلرب يف اإلمن القرآن الدين والبالد، وردع املعتدين، ومنعهم عن األذى والفساد، وهذا ما صرحت به آايت كثرية

سالم، وأهدافه، وطرائقه، يف مذكرات السنة األوىل. الكرمي، وقد تكلمنا عن أسباب مشروعية احلرب يف اإل ويف خروج رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إىل تبوك بعد أتهب الروم ومجعهم للجموع أتييد ملا قلناه هناك.

، دليل على أهنم كانوا بعيدين عن فهم ويف انضمام بعض القبائل العربية إىل الروم ضد املسلمنيسالم ورسالته التحريرية للناس عامة وللعرب خاصة، ولو كانوا يعلمون ذلك ألبوا أن يكونوا أعوا اا للروم اإل

على أبناء قومهم من العرب املسلمني.

مار، فأما املؤمنون لقد كانت دعوة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص للتأهب يف وقت عسر وحر وموسم جلين الث :اثنياا الصادقون، فقد سارعوا إىل تلبيتهم للرسول غري عابئني امشقة وال حرمان، وأما املنافقون، فقد ختلفوا، وأخذوا يعتذرون بشىت األعذار، وهكذا يتبني املخلصون من املنافقني يف أايم الشدائد، وينكشف أمر

84

نون أ ال}األدعياء يف أايم احملن، وقد قال هللا تعاىل: ركوا أن ي قولوا آمنها وهم ل ي فت ب النهاس أن ي ت حسي الهذيين صدقوا ولي علمنه الكاذيبيني نها الهذيين مين ق بليهيم ف لي علمنه الله [.3-1]العنكبوت: {ولقد ف ت

ها من املنافقني واملخادعني، وال يثبت للشدة إال وإمنا تقوم الدعوات، وتنهض األمم بتطهري صفوفصالح يف كل صادق العزمية، خملص النية، اثبت املبدأ، وكثرياا ما عوق الضعاف واملخادعون سري دعوات اإل

األمة، وحالوا بينها وبني النصر، أو أخروها ولو إىل حني، ولقد ختلص جيش العسرة يف غزوة تبوك من أمثال اح أمرهم، وانكشاف ضعف إمياهنم، وخور عزائمهم، وإن جيشاا مرتاص الصف، متحد هؤالء بفضل افتض

وأدعى الكتساب النصر من –ولو كان قليل العدد –الكلمة، قوي اإلميان، صادق العهد، أجدى لألمة ة بييذني اللهي والله مع كم مين فيئة قلييلة غلبت فيئة كثيري }جيش كثري العدد، متفاوت الفكرة والقوة والثبات

[.243]البقرة: {الصهابيريين

ن يف مسارعة املوسرين من الصحابة إىل البذل واإلنفاق، كأيب بكر، وعمر، وعثمان، إ :اثلثاا وغريهم، دليالا على ما يفعله اإلميان يف نفوس املؤمنني من مسارعة إىل فعل اخلري ومقاومة ألهواء النفس

ها، مما حتتاج إليه كل أمة، وكل دعوة، لضمان النصر على أعدائها، وأتمني املوارد الالزمة هلا، وهذا ما وغرائز جند أمتنا اليوم أشد احلاجة إليه، فاألعداء كثر، واألعباء ثقيلة، واملعركة رهيبة، والعدو قوي ماكر، فال

س واألهواء والشهوات، وال حيقق ذلك إال نستطيع التغلب عليه إال امزيد من التضحيات يف األموال واألنفنفاق والتعب يف سبيل األمة الدين الصحيح املفهوم على حقيقته الذي يريب النفوس على احتساب اإل

جهاداا يثيب هللا عليه كما يثيب اجملاهدين يف ميادين النضال.

كرمياا، وكل وخري ما يفعله املصلحون وزعماء النهضات، هو غرس الدين يف نفوس الناس غرساا مقاومة للدين، أو دعوة إىل التحرر منه، أو تظاهر ابالستخفاف من شأنه، جرمية وطنية تؤدي إىل أسوأ النتائج، وأخطر اآلاثر، كذلك علمنا هللا، وكذلك أثبت لنا التاريخ يف املاضي، وأثبتت التجربة يف احلاضر،

لذين مل ختلص للحق نفوسهم، ومل تتفتح للخري أفئدهتم، ليها إال اإنكار هلذه احلقيقة مغالطة ال يلجأ إوكل ومل تتحل ابلسمو والنبل طباعهم.

هم معه إىل اجلهاد، فردهم ألنه مل جيد ما ذويف قصة الذين جاؤوا اىل رسول هللا يطلبون أن أيخ :رابعاا ول هللا صلى هللا حيملهم عليه. فولوا وأعينهم تفيض من الدمع حز اا على حرماهنم من شرف اجلهاد مع رس

عليه وسلم. يف هذه القصة اليت حكاها هللا يف كتابه أروع األمثلة على صنع اإلميان للمعجزات، فطبيعة

85

نسان أن يفرح لنجاته من األخطار، وابتعاده عن احلروب، ولكن هؤالء املؤمنني الصادقني بكوا من أجل اإلهللا والتعرض للشهادة يف سبيله، فأي مبدأ يعمل يف ذلك، إذ اعتربوا أنفسهم قد فاهتم حظ كبري من ثواب

!النفوس كما فعل اإلميان يف نفوس هؤالء؟ وأي خسارة تلحق ابألمة حني ختلو من أمثال هؤالء؟

ويف قصة الثالثة الذين ختلفوا عن اجلهاد إيثاراا للراحة على التعب، والظل على احلر، :خامساا ن صادقون، درس اجتماعي من أعظم الدروس، فقد استيقظ اإلميان يف واإلقامة على السفر، مع أهنم مؤمنو

نفوسهم بعد قليل، فعلموا أهنم ارتكبوا بتخلفهم عن رسول هللا واملؤمنون إمثاا كبرياا، ومع هذا فلم يعفهم ذلك –جاهتم حىت زو –من العقوبة، وكانت عقوبتهم قاسية رادعة، فقد عزلوا عن اجملتمع عزالا اتماا، وهني الناس

عن كالمهم والتحدث إليهم، وملا علم هللا منهم صدق التوبة، وبلغ منهم الندم واألمل واحلسرة مداه، اتب هللا عليهم، فلما بشروا بذلك كانت فرحتهم ال تقدر، حىت انسلخ بعضهم عن ماله وثيابه شكراا هلل على نعمة

الرضى والغفران.

يف إميانه عن أن يتخلف عن عمل يقتضيه الواجب أو يرضى إن مثل هذه الدروس متنع املؤمن الصادقلنفسه ابلراحة والناس يتعبون، والنعيم والناس يبتئسون، وتلك هي طبيعة اإلميان: أن تشعر دائماا وأبداا أنك فرد من مجاعة، وجزء من كل، وأن ما يصيب اجلماعة يصيبك، وما يفيدها يفيدك، وأن النعيم ال معىن له

ألمة وبؤسها، والراحة ال لذة هلا مع تعب الناس وعنائهم، وأن التخلف عن الواجب نقص يف مع شقاء ا ابة.اإلميان، وخلل يف الدين، وإمث ال بد فيه من التوبة واإل

كما تعطينا القصة درساا أبن العقيدة فوق القرابة، وأن تنفيذ النظام املشروع مقدم على طاعة اهلوى هم }ال تغين شيئاا إزاء غضب هللا ومقته والعاطفة، وأن القرابة يب ف ليحذري الهذيين خياليفون عن أمريي أن تصي

يب هم عذاب ألييم نة أو يصي [.63]النور: {فيت

:حج ة الوداع

وملا تسامع الناس أن كانت حجة الوداع هي احلجة الوحيدة اليت أداها رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بعد البعثة،كما قال –رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص سيحج يف تلك السنة، توافدوا إىل احلج من خمتلف أنحاء اجلزيرة العربية حىت بلغوا

86

مائة وأربعة عشر ألفاا، ونحسب أن هذا العدد تقديري، وإال فكيف أمكن إحصاؤهم –بعض املؤرخني وحتديد عددهم هبذا القدر؟

ته الشهرية اليت جيب أن حيفظها كل طالب علم، ملا تضمنته من بب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص خطوقد خط إعالن املبادئ العامة لالسالم، وهي آخر خطبه ملسو هيلع هللا ىلص، وقد جاء فيها:

وهذا –" أيها الناس، امسعوا قويل، ل أدري لعلي ل ألقاكم بعد عامي هذا بذا املوقف أبدا "أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إل أن تلقوا ربكم، كحرمة –من معجزات رسوله ملسو هيلع هللا ىلص

يومكم هذا، وحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت، فمن كانت وس أموالكم ل تظلمون عند أمانة فليؤدها إل من ائتمنه عليها، وإن كل رب موضوع، ولكن لكم ر

ول تظلمون، قضى هللا أنه ل رب، وإن رب عباس بن عبد املطلب موضوع كله، وإن كل دم ف اجلاهلية وكان مسرتضعاا يف بين ليث – موضوع، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الارث بن عبد املطلب

فهو أول ما أبدأ به من دماء اجلاهلية. –فقتلته هذيل

أما بعد أيها الناس، فان الشيطان قد يئس من أن يعبد برضكم هذ أبدا، ولكنه إن يطع فيما .سوى ذلك فقد رضي به مما حتقرون من أعمالكم، فاحذروا على دينكم

أيها الناس إن النسيء زيدة ف الكفر، يضل به الذين كفروا يلونه عاما، ويرمونه عاما، ، فيحلوا ما حرم هللا، ويرموا ما أحل هللا، وإن الزمان قد استدار كهيأته يوم ليواطئوا عدة ما حرم هللا

خلق هللا السماوات واألرض، وإن عدة الشهور عند هللا اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثالثة متوالية، ورجب مضر الذي بني جادى وشعبان.

ليكم حقا، لكم عليهن أن ل يوطئن أما بعد أيها الناس فان لكم على نسائكم حقا، ولن عفرشكم أحدا تكرهونه، وعليهن أن ل يتني بفاحشة مبينة، فان فعلن فان هللا قد أذن لكم أن هتجروهنه ف املضاجع وتضربوهنه ضرب غري مربح، فان انتهني فلهن رزقهن وكسوهتن بملعروف،

نفسهن شيئا، وإنكم إنا أخذتوهن بمانة هللا، ن ألهنن عندكم عوان، ل ميلكإواستوصوا بلنساء خريا، ف واستحللتم فروجهن بكلمات هللا.

87

ين قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به، فلن تضلوا إفاعقلوا أيها الناس قويل، فسلم، أبدا، أمرا بينا، كتاب هللا وسنة نبيه، أيها الناس امسعوا قويل واعقلو، تعلمن أن كل مسلم أخ للم

وأن املسلمني إخوة، فال يل لمرئ من أخيه إل ما أعطا عن طيب نفس منه، فال تظلمن أنفسكم، ".اللهم هل بلغت؟

إن أول ما يلفت النظر يف حجة الوداع هذا اجلمهور الضخم الذين حضروا مع الرسول ملسو هيلع هللا ىلص من سالته، مطيعني ألمره، وقد كانوا مجيعاا قبل ثالثة وعشرين خمتلف أنحاء اجلزيرة العربية، مؤمنني به، مصدقني بر

ىل التوحيد، وينفرون من إسنة فحسب على الوثنية والشرك، ينكرون مبادئ رسالته، ويعجبون من دعوته حالمهم، بل كان كثري منهم قد اصبوه العداء، وتربصوا به الشر، وبيتوا تنديده آبابئهم الوثنيني، وتسفيهه أل

، وألب وا عليه اجلموع، وجالدوه ابلسيوف والرماح، فكيف مت هذا االنقالب العجيب يف مثل هذه على قتلهىل توحيد هللا إاملدة القصرية، وكيف استطاع ملسو هيلع هللا ىلص أن حيول هذه اجلموع من وثنيتها وجاهليتها وترديها وتفرقها

ة؟ وكيف كسب حب هذه القلوب بعد عداوهتا، وعلم ذاته وصفاته، واجتماع الكلمة، ووحدة اهلدف والغايوهي املعروفة بشدة الشكيمة وعنف اخلصام؟ أال إن إنسا اا مهما بلغت عبقريته، ودهاؤه، وقوة شخصيته ليستحيل أن يصل إىل هذا يف مئات السنني، وما مسعنا هبذا يف األولني واآلخرين، إن هو إال صدق

ومعجزة الدين الشامل الكامل الذي أمت هللا به نعمته على عباده، وختم الرسالة، وأتييد السماء، ونصرة هللا،به رساالته للناس، وأراد أن ينهي به شقاء أمة كانت اتئهة يف دروب احلياة، مستذلة لألهواء العصبيات،

لتاريخ، وأن يدهلا على طريق اهلداية، ويفتح أعينها ألشعة الشمس، ويقلدها قيادة األمم، وحيول هبا جمرى ا نسان، ويورثها احلكمة والكتاب هدى وذكرى ألويل األلباب.هبا مهانة اإل ووميح

مائة وأربعة عشر ألفاا كانوا له مكذبني، فأصبحوا له مصدقني، وكانوا له حماربني، فأصبحوا له ذلك يف مذعنني، وكانوا له مبغضني، فأصبحوا له حمبني، وكانوا عليه متمردين، فأصبحوا له طائعني، كل

ثالث وعشرين من السنني.. ذلك هو صنع هللا احلق املبني، فتعاىل هللا عما يشركون، وتنزهت ذات رسوله عما يقول امللحدون، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسالم على املرسلني، واحلمد هلل رب العاملني.

ي خاطب به رسول هللا الناس واثين ما يلفت النظر يف حجة الوداع هذا اخلطاب القوي احلكيم الذأمجعني، وتلك املبادئ اليت أعلنها بعد إمتام رسالته وجناح قيادته، مؤكدة للمبادئ اليت أعلنها يف أول دعوته، يوم كان وحيداا مضطهداا، ويوم كان قليالا مستضعفاا، مبادئ اثبتة مل تتغري يف القلة والكثرة، واحلرب والسلم،

88

ض الدنيا وإقباهلا، وقوة األعداء وضعفهم، بينما عرفنا يف زعماء الدنيا تقلباا يف العقيدة واهلزمية والنصر، وإعراواملبدأ، وتبايناا يف الضعف والقوة، وتغرياا يف الوسائل واألهداف، يظهرون خالف ما يبطنون، وينادون بغري

ذلك إال ألن هؤالء رسل ما يعتقدون، ويلبسون يف الضعف لبوس الرهبان، ويف القوة جلود الذائب، وما املصلحة، وأولئك رسل هللا وشتان بني من حيوم فوق اجليف، وبني من يسبح يف حبار النور، شتان بني الذين

الهذيين }يعملون ألنفسهم، وبني الذين يعملون إلنسانيتهم، شتان بني أولياء الشيطان وأولياء الرمحن ويلي اللههم الطهاغوت خيريجون هم مين النوري إيل الظلماتي آمنوا خيريجهم مين الظلماتي إيل النوري والهذيين كفروا أولييا

[.257]البقرة: {أولئيك أصحاب النهاري هم فييها خاليدون

:بعث أسامة

الدعوة ومحايتها، ورد غارة املعتدين على الدولة اجلديدة إن آخر ما فعله رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص لنشر ىل الشام حتت قيادة أسامة بن زيد وأمره أن يوطئ اخليل ختوم البلقاء والداروم إواملرتبصني هبا أن جهز جيشاا

من أرض فلسطني، وقد كان يف هذا اجليش مجيع املهاجرين واألنصار، ومن كان حول املدينة من املسلمني، خلف منهم أحد، وملا كان اجليش يف ظاهر املدينة يتأهب للمسري ابتدأ مرض رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص الذي تويف مل يت

فيه، فتوقف اجليش عن السري انتظاراا لشفاء الرسول، ورغبة يف تلقي تعاليمه وهديه، ولكن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بعد أن أدى األمانة وبلغ الرسالة، وهيأ جزيرة العرب كلها حلمل لواء تويف بعد أايم، واختاره هللا إىل جواره

سالم، ونشر حضارته وتعاليمه يف أنحاء األرض، وبعد أن تكون اجليش الذي يقوم حبمل أعباء هذه اإلاألمانة العظيمة األثر يف التاريخ، بعد أن هتيأ جنوده الصاحلون خلوض معاركها، والقادة األكفاء لقيادة

دارة دولتها، فصلى هللا وسلم على رسوله، وجزاه هللا عنا وعن وهبا، والرجال العظماء الصاحلون إلحر نسانية خري اجلزاء، فلواله ولوال جنوده األوفياء الذين أد وا األمانة من بعده لكنا اآلن يف ضالل مبني.اإل

رأى مثرة دعوته وكفاحه تلف لقد أكرم هللا رسوله اما مل يكرم نبياا من قبله، إذ طالت حياته حىتاجلزيرة كلها، فتطهرها من األواثن تطهرياا أبدايا، وجتعل الذين حطموا هذه األصنام أبيديهم فرحني بنعمة هللا يف إنقاذهم من الضالل، هم الذين عبدوها من قبل، وعف روا هلا وجوههم ابلسجود هلا، وطلب الزلفى

رض، حيملون إىل الناس نور اهلداية اليت االستعداد لالنسياح يف األعندها، مث جتعل هؤالء مستعدين متام ها، ويعيش يف جاهليته مهالا مبعثراا أنعم هللا عليهم هبا، إنه جيل واحد هو الذي كان يعبد األصنام ويؤهل

83

ليت حتمل الكفاءات واملواهب، مث هو الذي حطم األواثن، وأقام الدولة العربية األوىل يف اتريخ العرب كله، ارسالة وحتدد هدفاا، وتقف من أقوى أمم األرض حوهلا موقف املعلم املنقذ، والرائد املعتز اما حيمل من هدى

ليها إظرون نونور وخري املشفق على ما كانت ترتدى فيه األمم من جهالة وظالم وانحالل، بينما كان العرب يالتبعية السياسية والفكرية واالجتماعية، إنه حدث سالم نظر اإلكبار واإلعظام، ويقفون منها موقفقبل اإل

فريد يف التاريخ قدميه وحديثه، وليس بعث أسامة إال عنوان هذا احلدث ونتائج هذه الرسالة امليمونة املباركة.

مث يتجلى من جعل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قيادة اجليش ألسامة بن زيد وهو شاب يف سن العشرين وحتت سالم، ىل اإلإيو املهاجرين واألنصار، كأيب بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وهم من هم يف سبقهم لوائه ش

سالم يف ن يف هذا سنة محيدة من سنن اإلإوحسن بالئهم فيه، وتقدمهم يف السن واملكانة على أسامة، ه ومكانته، مث يف لغاء الفوارق بني الناس من جاه وسن وفضل، وتقدمي الكفء الصاحل هلا مهما يكن سن إ

رضى هؤالء العظماء الذين أثبت التاريخ من بعد أن التاريخ مل ينجب مثلهم يف عظمتهم وكفاءاهتم، على أن ليه بفضل إيكونوا حتت إمرة أسامة الشاب، ما يدل على مدى التهذيب النفسي واخللقي الذين وصلوا

.رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وهدايته وتربيته وإرشاده

إن يف أتمري أسامة على مثل أيب بكر وعمر وعثمان وعلي، سابقة عظيمة مل تعهدها أمة من األمم، تدل على وجوب فسح اجملال لكفاءات الشباب وعبقرايهتم، ومتكينهم من قيادة األمور حني يكونون

م حمن سالصاحلني لذلك، وهذا درس عظيم لو بقي املسلمون يذكرونه من بعد الختفت من اتريخ اإلوكوارث، ومن اتريخ دولته عواصف وفنت زعزعت أركاهنا وأضعفت من قوهتا، فنعم ما فعل رسول هللا صلى

مل هللا عليه وسلم املؤيد بوحي السماء، املوهوب من احلكمة والسداد، وبعد النظر، وعظيم السياسة، مارضي هللا عن أسامة الشاب، وهنيئاا له يوهب نيب قبله، ومل يعرف عن عظيم يف التاريخ من قبله ومن بعده، و

ثقة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بكفاءة قيادته وصدق عزميته، وحسن إسالمه، هنع هللا يضر وجعله قدوة لشبابنا املؤمنني العاملني.

:وفاة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص

الوحي بقرب أجله، فودع الناس يف حجة الوداع، تويف رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بعد أن كان قد علم من طريق وكانت قلوب الصحابة واجفة هلعة خشية أن يكون أجل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قد اقرتب، ولكن أجل هللا إذا جاء

زاهلا، ال يؤخر، فلما أشيع عن وفاة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص اضطرب الصحابة مجيعاا هلول الكارثة، وزلزلت املدينة زل

35

سالم، فمنهم من عقل لسانه، ومنهم من أقعد عن ىل اإلإوطاشت عقول كثري من كبار الصحابة والسابقني احلركة، ومنهم وهو عمر من شهر سيفه ينهى الناس أن يقولوا: إن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص مات، ويزعم أنه غاب،

اجلأش، فدخل على رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وهو مسجى ليهم، ولكن أاب بكر وحده هو الذي كان اثبت إوسريجع على فراشه، فقبله وقال له: أبيب أنت وأمي اي رسول هللا! ما أطيبك حياا وميتاا! أما املوتة اليت كتب هللا

عليك فقد ذقتها، مث لن تصيبك بعدها موتة أبداا، اي رسول هللا اذكر ا عند ربك.

فخطب فيهم وقال: أيها الناس! من كان يعبد دمحماا، فان دمحماا قد مات، ىل الناس، إمث خرج أبو بكر وما حممهد إيله رسول قد خلت مين ق بليهي }ومن كان يعبد هللا، فان هللا حي ال ميوت، مث تال قوله تعاىل:

تم على أعقابيكم ن مات أو قتيل ان قلب قليب على عقيب يهي ف لن يضره الله شيئا وسيجزيي الرسل أفإي ومن ي ن [. فلما تالها أبو بكر أفاقوا من هول الصدمة، وكأهنم مل يسمعوها من 144]آل عمران: {الله الشهاكيريين

أي دهشت وحتريت –ت ال أن مسعت أن أاب بكر تالها فعقر إقبل، قال أبو هريرة: قال عمر: فوهللا ما هو ىل األرض وما حتملين رجالي، وعرفت أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قد مات.إحىت وقعت –

وهنا درسان بلغان:

أوهلما: أن الصحابة دهشوا ملوت رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، حىت لكأن املوت ال ميكن أن أيتيه، مع أن املوت بهم لرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حباا امتزج بدمائهم وأعصاهبم، والصدمة بفقد األحباب هناية كل حي، وما ذلك إال حل

تكون على قدر احلب، ونحن نرى من يفقد ولداا أو أابا كيف يظل أايماا ال يصدق أنه فقده، وأي حب يف به، وأنقذهم من الظلمات إىل الدنيا يبلغ حب هؤالء الصحابة األبرار لرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، وقد هداهم هللا

النور، وغري حياهتم، وفتح عقوهلم وأبصارهم، ومسا هبم إىل مراتب القادة العظماء، مث هو يف حياته مربيهم ليه يف النكبات، ويسرتشدونه يف احلوادث، وأيخذون منه خطاب هللا هلم إوقاضيهم ومرشدهم يلجؤون

ول هللا ملسو هيلع هللا ىلص انقطع ذلك كله، فأي صدمة أبلغ من هذه الصدمة ليهم وتعليمه هلم، فلما مات رسإوحديثه وأشدها أثراا.

اثنيهما: أن موقف أيب بكر دل على أنه يتمتع برابطة جأش وقوة أعصاب عند النكبات ال يتمتع ك يف حركة الردة يف جزيرة هبا صحايب آخر. وهذا ما جعله أوىل الناس خبالفة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص، وقد أثبت ذل

العرب.

31

:مالحظة

إىل هنا ينتهي ملخص ما ألقي من حماضرات يف فقه السرية على طالب السنة الثانية، وقد بقي من بر امج هذه احملاضرات أربعة فصول، ومل يتسع الوقت إلمالء بقية الفصول املقررة يف املنهاج، كما ذكر اه يف

لك لضيق الوقت، فنرجو أن يوفق هللا لكتابة بقية هذا املنهاج. وآخر دعوا ا مقدمة مذكرة السنة األوىل، وذ أن احلمد هلل رب العاملني.