أخلاق وآداب

)احفظ اهللا حيفظك: (حديث

دراســــة عقـــــدية

حممد بن عبد العزيز بن أمحد العلي. د

الرياض-بكلية أصول الدين -أستاذ مساعد بقسم العقيدة واملذاهب املعاصرة

جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية

ملخص البحث

يف وصيته البن عباس رضي اهللا عنـهما هذا البحث هو شرح حلديث رسول اهللا احفظ اهللا حيفظـك، احفـظ اهللا : يا غالم إين أعلمك كلمات : ( حينما قال له وهو رديفه

جتده جتاهك، إذا سألت فاسأل اهللا، وإذا استعنت فاستعن باهللا، وأعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء مل ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهللا لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك

فت الصحــف ، ويف )بشيء مل يضروك إال بشيء قد كتبه اهللا عليك، رفعت األقالم وجاحفظ اهللا جتده أمامك، تعرف إىل اهللا يف الرخاء يعرفك يف الشدة، واعلم أن مـا : (رواية

أخطأك مل يكن ليصيبك، وما أصابك مل يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصـرب، وأن ) .الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا

وهذا احلديث، وإن سبق شرحه قدميا وحديثا، إال أين مل أقف على من درســه دراسـة عقدية تربز ما فيه من مسائل كثرية تتعلق بأساس الدين وأصله، إذ فيه من املسائل املتعلقــة

.بألوهية اهللا وربوبيته وأمسائه وصفاته وحنو ذلك مما يؤكد احلاجة الضرورية لدراسته وهلذا كتبت فيه هذا البحث الذي بدأته مبقدمة ذكرت فيها أمهيته وسبب اختيـاره، مث كتبت متهيدا ضمنته ذكر احلديث برواياته، مث شرحه إمجاال، مع بيان مكانتـه ومــا قالــه العلماء فيه، مث قسمت البحث إىل اثين عشر مبحثا، جعلت كل فقرة من فقراته يف مبحث خاص، مث ختمته خبامتة ذكرت فيها أهم نتائجه، مث وضعت فهرسا ألهم املصادر واملراجـع

.اليت أفدت منها وإين ألنبه إىل أن هذا احلديث ال يزال حباجة إىل عناية خاصة بالتأليف ملا اشتمل عليـه

.من مسائل عظيمة

.أسأل اهللا إخالص النية، وصالح العمل وصلى اهللا على نبينا حممد وآله وسلم

:املقدمة

احلمد هللا رب العاملني، والصالة والسالم على خامت األنبياء واملرسلني نبينا حممد وعلـى .آله صحبه ومن سار على جه إىل يوم الدين

.أما بعد

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ١صفحة

٢٠/٠٧/١٤٢٧file://D:\٢-٣٠٠٠٠٢٤\٣٠٠٠٠٢٤\التدقيق.htm

، ويتضح ذلك لكل )]١[() فواتح الكالم وجوامعه وخوامته (أعطي فإن رسول اهللا حريصا كل احلرص على جناة أمته، بتعليمها وتربيتها من تتبع سنته واقتفى أثره، وكان

التربية النبوية العقدية القومية، يفعل ذلك يف كل أوقاته، حىت أثناء تنقــله من مكان إىل عندما كان رديفـه البن عباس رضـي اهللا عنهما آخر، كما يف أحاديث، منها وصيته

ــة، وهــو موضــوع هــذا البحــث، وهــــذا احلديـــــــث علــى الدابإىل ابن عبـاس رضـي اهللا العظيــــــم وإن كان موجـها من رسـول اهللا

إال أنه وصية عظيمة القدر لألمة مجعاء، وإرشاد نبوي لكل من أراد النجاة يف الدنيا عنهما .واآلخرة

هذا وقد اعتىن العلماء ذا احلديث، قدميا وحديثا، شرحا وتفصيال، فتتبعت ما كتـب فيه فرأيت أنه حباجة إىل دراسة عقدية تظهر ما فيه من مسائل عظيمة تتعلق بأشرف العلوم

وأجلها قدرا، وأوجبها مطلبا، وهو علـم التوحيــد، ألنــه مفتــاح الطريــق إىل اهللا ولقد بعثنا في كل أمة رسـوال أن اعبـدوا اللـه : وأســاس الشرائـع قال تعاىل

وا الطاغوتنبتاجو )]٢[(.

فإن كثريا مما كتب يف شرح هذا احلديث اعتىن ببسط مسائله الوعظية، ويف هذا خـري عظيم، واألمة حباجة ماسة إىل من يذكرها ويعظها مبا جاء يف كتاب اهللا تعاىل وثبت يف سنة

.، إال أن التركيز على مسائله العقدية من أهم املهماترسوله

وهذا ال يعين أن من كتب يف شرحه أغفل مسائل العقيدة لكنه أمجل يف ذكرها مقارنـة .مع ما يف احلديث من مسائل كبرية

ومن أفضــل مـا قرأتــه اململكــة العربيـة الســــعودية مـا كتبـــه شـرح (يف كتابه ) هـ٧٠٢ت (أســــالفـــنا شــرح ابن دقيـق العيـد

جامع العلـوم (يف كتابــه ) هـ ٧٩٥ت (، وشرح ابن رجب )األربعني حديثا النووية وغريمها، وخباصـة ممــن ) البن عباس نور االقتباس يف مشكاة وصية النيب (و ) واحلكم

.كتب يف شرح األربعني النووية

إال أنه كما ذكرت آنفا رأيت أن احلديث حباجة إىل دراسة عقدية تربز مــا فيــه مـن مسائل أمجل يف ذكرها، وخباصة أنه قد تناوله بالشرح ممن هو ليس على عقيدة السلـف،

.فظهرت آثار ذلك يف شرحه

وقد بدأت البحث مبقدمة ذكرت فيها أمهية وسبب الكتابة يف هذا املوضوع، مث متهيدا .ذكرت فيه احلديث ومكانته وشرحه إمجاال

بعد ذلك قسمت البحث إىل اثين عشر مبحثا، كل فقرة يف احلديث جعلتها يف مبحث .مستقل

.مث ختمت هذه الدراسة خبامتة كتبت فيها أهم ما توصلت إليه إمجاال

اهللا إخالص النية وصالح العمل وصلى اهللا وسلم على نبينا حممد وعلـى آلــه أسأل

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٢صفحة


.وصحبه أمجعني

:التمهيد

:منت احلديث

يوما كنت خلف النيب : قال –رضي اهللا عنهما -عن أيب العباس عبد اهللا بن عباس احفظ اهللا حيفظك، احفظ اهللا جتده جتاهك، إذا سألت : يا غالم إين أعلمك كلمات : (فقال

فاسأل اهللا، وإذا استعنت فاستعن باهللا، واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء مل ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهللا لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء مل يضــروك إال

.)]٣[() بشيء قد كتبه اهللا عليك، رفعت األقالم وجفت الصحف

احفظ اهللا جتده أمامك، تعرف إىل اهللا يف الرخاء يعرفك يف الشدة، واعلم : ( ويف رواية أن ما أخطأك مل يكن ليصيبك، وما أصابك مل يكن ليخطئك،واعلم أن النصر مع الصــرب،

).وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا

يا فىت أال أهب لك أال أعلمك كلمات ينفعـك اهللا ـن، احفـظ اهللا : ( ويف رواية حيفظك، احفظ اهللا جتده أمامك، وإذا سألت فاسأل اهللا، وإذا استعنت فاستعن باهللا، واعلم أنه قد جف القلـــــم مبا هو كائن، واعلــــــم بأن اخلالئـــــق لـو أرادوك بشيء مل يردك اهللا به مل يقدروا عليه، واعلم أن النصر مع الصرب، وأن الفرج مــع

.)]٤[() الكرب، وأن مع العسر يسرا

:مكانة احلديث

-عظيمة وشــريفة وكل أحاديث الرسول –حديث ابن عباس هذا حديث عظيم فهو أمر نبوي كرمي حبفظ الدين، وبيان لنتيجة ذلك، وهو نصر اهللا وتأييده وحفظــه ملــن حفظ دينه، وقد اشتمل هذا احلديث على مسائل عقدية تعد أصوال عظيمة ، من اإلميـان باهللا واإلخالص له بالعبادة والتوكل عليه واالسـتعانة به ، والقضاء والقـدر ، واالتبـاع

.ملا جاء به رسوله

له أن يكون ضمن األربعني حديثا ) هـ٦٧٦ت (ومما يدل على مكانته اختيار النووي وقد استخرت اهللا : (( اليت مجعها، وكان رقمه التاسع عشر، وذكر سبب اختياره هلا بقوله

، مث من العلماء من مجع األربعني يف أصول الدين، وبعضهـم …تعاىل يف مجع أربعني حديثا يف الفروع، وبعضهم يف اجلهاد، وبعضهم يف الزهد، وبعضهـم يف اآلداب، وبعضهــم يف اخلطب، وكلها مقاصد صاحلة، رضي اهللا عن قاصديها، وقد رأيت مجع أربعني أهم من هذا مة مــن كله، وهي أربعون حديثا مشتملة على مجيع ذلك، وكل حديث منها قاعدة عظيقواعد الدين، قد وصفه العلماء بأن مدار اإلسالم عليه، أو هو نصف اإلسالم، أو ثلثه، أو

، وينبغي لكل راغب يف اآلخرة أن يعرف هذه األحاديث ملا اشتملت عليه من … حنو ذلك .)]٥[()) املهمات، واحتوت عليه من التنبيه على مجيع الطاعات، وذلك ظاهر ملن تدبره

، ووضعه يف الباب )رياض الصاحلني (كما اختاره النووي أيضا ليكون ضمن كتابه القيم

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٣صفحة


اخلامس، باب املراقبة، من الكتاب األول، فكان رقمه الثاين والستني من مجلة األحاديث فرأيت أن أمجع خمتصــرا مــن : (( حديـــثا، وقد قال يف مقدمتها ١٨٩٦اليت بلغت

األحاديث الصحيحة، مشتمال على ما يكون طريقا لصاحبه إىل اآلخرة، وحمصـال آلدابــه الباطنة والظاهرة، جامعا للترغيب والترهيب، وسائر أنواع آداب السالكني، من أحاديــث الزهد، ورياضات النفوس، وذيب األخالق، وطهارات القلـوب وعالجهــا، وصـيانة

.)]٦[()) اجلوارح، وإزالة اعوجاجها،وغري ذلك من مقاصد العارفني

وقد وجد هذان الكتابان قبوال عظيما عند العلماء، وطلبة العلم بعد النووي، إذ كثـر .انتشارمها، واعتين ما بالشرح والتعليق

وقد اعتىن العلماء ذا احلديث خاصة، وشرحوه، وبينوا مرتلته، ومن ذلك ما ذكـره هـذا احلـديث يتضمــن وصـايا : (( حيــث قــال ) هـ٧٩٥ت (ابن رجب احلنبلي

عظيمة،وقواعد كلية من أهــم أمــــور الدين، وأجلها، حىت قال اإلمام أبو الفرج تدبرت هذا احلديث، فأدهشين، وكدت أطيش، فوا أسفي مــن ): صيد اخلاطر (يف كتابه

.)]٧[()) اجلهل ذا احلديث، وقلة التفهم ملعناه

بأن هذا احلديث اشـــتمل علـى ) هـ٩٧٤ت (وقــال ابن حجــر اهليتمي ما (( هذه الوصايا اخلطرية القـــدر، اجلامعــــة من األحكام واحلكم واملعارف

.)]٨[()) يفوق احلصر

فهذا احلديث الذي أوصى به عبد اهللا بن عباس ينبغي لإلنسان أن : (( وقال ابن عثيمني ابن يكون على ذكر له دائما، وأن يعتمد على هذه الوصايا النافعة، اليت أوصى ا النيب

.)]٩[()) عمه عبد اهللا بن عباس رضي اهللا عنهما

:شرح احلديث إمجاال

.أي راكبا معه، ورديفه) كنت خلف النيب : (قوله

؛ ألن ابن عباس رضي اهللا عنــهما كــان )يا غالم : (قال له ) …يا غالم : فقال: (قولهمخس عشرة ســنة : تويف وعمر ابن عباس ثالث عشرة سنة، وقيل صغريا، فإن الرسول

)]١٠[(.

ذكر له ذلك قبل ذكر الكلمات، ليكون ذلك أوقـــع ) إين أعلمك كلمات : (قوله .)]١١[(يف نفســـه، وجاء ا بصيغة القلة؛ ليؤذنه أا قليلة اللفظ؛ فيسهل حفظها

.أي احفظ حدوده، وحقوقه، وأوامره ونواهيه) احفظ اهللا : (قوله

وحفظ ذلك يكون بالوقوف عند أوامره باالمتثال، وعند نواهيه باالجتنـاب، وعنـد حدوده فال يتجاوز ما أمر به، وأذن فيه إىل ما ى عنه، فمن فعل ذلك فهو من احلافظــني

.حلدود اهللا

وأعظم ما جيب حفظه التوحيد، وسالمة العقيدة، فهي األصل واألساس لبقية أركـان اإلميان واإلسالم، اليت جيب حفظها، باإلميان ا قوال وعمال واعتقادا، إخالصا هللا تعـاىل،

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٤صفحة


.واتباعا ملا جاء به رسول اهللا

ومعناه كن مطيعا لربك، ): (( احفظ اهللا (يف معىن ) هـ٧٠٢ت ( قال ابن دقيق العيد .)]١٢[()) مؤمترا بأوامره، منتهيا عن نواهيه

وكذلك من حفظ اهللا أن يتعلم املسلم من دينه ما يقوم به عباداته ومعامالته، ويدعو به .إىل اهللا

يعين أن من حفظ حدود اهللا، وراعى حقوقه حفظه اهللا، يف الدنيا من ) حيفظك: (وقوله .اآلفات واملكروهات، ويف اآلخرة من أنواع العقوبات، جزاء وفاقا

.فكلما حفظ اإلنسان دين اهللا حفظه اهللا

:وحفظ اهللا لعبده احلافظ لدينه، يكون يف أمرين

حفظ اهللا للعبد يف دينه وإميانه، فيحفظه يف حياته من الشبهات املضلـة، ومــن : األول .الشهوات احملرمة، وحيفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على اإلميان

من الزيــغ هذا هو األمر األول، وهو أعظمهما وأشرفهما، وهو أن حيفظ اهللا عبده .والضالل؛ ألن اإلنسان كلما اهتدى زاده اهللا هدى، وكلما ضل ازداد ضالال

حفظ اهللا للعبد يف مصاحل دنياه، كحفظه يف بدنه وولده وأهله وماله، ومن حفظ : الثايناهللا يف صباه وقوته حفظه اهللا يف حال كربه وضعف قوته، ومتعه بسمعه وبصـره وحولــه

.)]١٣[(وقوته وعقله

.إذن من حفظ حدود اهللا حفظه اهللا يف دينه، ويف بدنه وولده وأهله وماله

أي احفظ اهللا أيضا، حبفظ حدوده وحقوقه، وشريعته ) احفظ اهللا جتده جتاهك : (قوله .بالقيام بأمره واجتناب يه

، ومعنامها واحد، أي من حفظ حدود اهللا وجد اهللا )أمامك: (، ويف رواية )جتده جتاهك (جتاهـــــه وأمامــــه، يف كل أحواله حيث توجه، حيوطه وينصــره ويوفقـه

( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون : ويسدده، كما قال تعاىل]١٤[(.

نعم من حفظ اهللا وجد اهللا أمامه يدله على كل خري، ويذود عنه كل شر، وال سيما إذا حفظ اهللا باالستعانة به؛ فإن اإلنسان إذا استعان باهللا، وتوكل على اهللا كـان اهللا حسبــه

)]١٥[(. وكافيه، ومن كان اهللا حسبه؛ فإنه ال حيتاج إىل أحد بعد اهللا، فلن يناله سوء

أي اعمل لــه بالطاعــة، وال يــراك يف : (( يقول ابن دقيق العيد يف شرح هذه العبارة .) ]١٦[()) خمالفته؛ فإنك جتده جتاهك يف الشدائد

سؤال اهللا تعاىل هو دعاؤه والرغبة إليه، فــدل هـذا ) إذا سألت فاسأل اهللا : (قوله دون خلقـه ، وال يسأل غريه، فسؤال اهللا اهللا التوجيه النبوي الكرمي على أن يسأل

هو املتعني؛ ألن السؤال فيه إظهار الذل من السائل، وفيه االعتراف بقدرة املسؤول علــى .رفع هذا الضرر، وجلب املنافع، ودفع املضار، وال يصلح الذل واالفتقار إال هللا وحده

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٥صفحة


واهللا سبحانه حيب أن يسأل، ويلح يف سؤاله، واملخلوق خبالف ذلك، يكره أن يسأل، .)]١٧[(وحيب أن ال يسأل؛ لعجزه وفقره وحاجت

دل هذا احلديث على أن يستعـان بـاهللا دون ) وإذا استعنت فاستعن باهللا : (قوله غريه، وأن ال يعتمد على خملوق، فاالستعانة هي طلب العون، وال يطلب العـون مــن أي

إال للضرورة القصوى، ومع ذلك إذا اضطررت إىل االستعانة باملخلوق فاجعـل (( إنسان .)]١٨[()) … ذلك وسيلة وسببا، ال ركنا تعتمد عليه

دون غريه من اخللق؛ فألن العبد عاجز عن وأما االستعانة باهللا : (( يقول ابن رجب ، االستقالل جبلب مصاحله، ودفع مضاره، وال معني له على مصاحل دينه ودنيـاه إال هللا

، فالعبد حمتاج إىل االستعانة باهللا يف فعل املـأمورات، وتـرك …فمن أعانه اهللا فهو املعان .)]١٩[()) احملظورات

واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء مل ينفعوك إال بشيء قـد : (قوله كتبه اهللا لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء مل يضروك إال بشـيء قـد كتبـه اهللا

املراد أن كـــل ما يصيب اإلنســــان يف دنياه، مما يضره أو ينفعه، فهو ). عليكمقدر عليه، فال يصيب اإلنسان إال ما كتب له من ذلك يف الكتاب السابق، ولو اجتهــد

.على ذلك اخللق كلهم مجيعا

خيرب يف هذا احلديث أن األمة لو اجتمعت كلها على نفع أحد مل ينفعوه إال فالرسول بشيء قد كتبه اهللا له، وإذا وقع منهم نفع له فهو من اهللا تعاىل؛ ألنه هــو الـذي كتبــه،

)]وكذلك لو اجتمعوا على أن يضروا أحدا بشيء مل يضروه إال بشيء قد كتبه اهللا عليــه

)]٢٠.

إن لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة اإلميـان حىت يعلـم : (وهلذا جاء يف احلديث .)]٢١[() أن ما أصابه مل يكن ليخطئـه، وما أخطـأه مل يكن ليصيبه

عن تقـدم كتابـة هذا إخبار من الرسول ) رفعت األقالم وجفت الصحف : (قولهاملقادير، وأن ما كتبه اهللا فقد انتهى ورفع، والصحف جفت من املداد، ومل يبق مراجعة، فما

.)]٢٢[(أخطأك مل يكن ليصيبك، وما أصابك مل يكن ليخطئك

) واعلم أن النصر مع الصرب، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسـرا : (قوله يعين أن ما أصاب العبد من املصائب املؤملة املكتوبة عليه، إذا صرب عليها نصره اهللا، وجعل

.يف صربه خريا كثريا

يعين اعلم علم اليقني أن : (( يقول صاحب شرح رياض الصاحلني يف شرح هذا احلديث النصر مع الصرب، فإذا صربت، وفعلت ما أمرك اهللا به من وسائل النصر ؛ فإن اهللا تعـاىل

.ينصرك

])) (والصرب هنا يشمل الصرب على طاعة اهللا ، وعن معصيته ، وعلى أقـداره املؤملـة

]٢٣ .(

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٦صفحة


أي كلما اشتدت األمور واكتربت وضــاقت؛ فـإن ) وأن الفرج مع الكرب : (قوله مـع (حيصل ســريعا ) وأن الفرج (… : ( الفرج من اهللا قريب ، يقول ابن حجر اهليتمي

فال دوام للكرب ، وحينئذ فيحسن ملن نزل به أن يكون صابرا، حمتسبا، راجيـا ) الكربأرحم به من كل راحم، سرعة الفرج مما نزل به، حسن الظن مبواله يف مجيع أموره، فاهللا

.)]٢٤[()) أرحم الرامحني حىت أمه وأبيه، فهو

أي أن كل عسر فإن بعده يسرا، بل إن العسر حمفـوف ) وأن مع العسر يسرا : (وقولهإن مـع العسـر * فإن مع العسر يسرا : بيسرين، يسر سابق، ويسر الحق، لقوله تعاىل

فالعسر ال يدوم ملن احتسب وصرب، وعلم أن ما أصابه مبقدور اهللا . )]٢٥[( يســـرا .)]٢٦[(تعاىل، وأنه ال مفر له من ذلك، واستقام كما أمر ربه؛ إخالصا وحسن اتباع

املبحث األول

)إين أعلمك كلمات: يا غالم : ( يف قوله

:األمور التالية مما يؤخذ من هذا اجلزء يف حديث الرسول

وجوب تعليم الناس العقيدة الصحيحة، وتربيتهم عليها، وعل العلم النافع، ويكــون ذلــك -١ بأسلوب خمتصر، وكلم جامع واضح، فلو تأملت هذا احلديث لوجدته جامعا ملسائل عقدية

.كثرية بأسلوب موجز

احلرص على تربية الناشئة على العلم النافع، ويبدأ بتربيتهم على العقيدة الصافية اخلالصة؛ فإن -٢ : يا غالم : (وجه هذه الكلمات النافعات إىل ابن عباس وهو صغري؛ إذ قال له الرسول

؛ ليترىب الشاب املسلم على معرفة اهللا وتوحيده، وحفظ حدوده، يلجأ )إين أعلمك كلمات ، فيصبـح شـجاعا إىل اهللا يف الرخاء والشدة، ويسأله ويســتعني به، ويتوكل عليه

مقداما؛ ألنه يعلم أنه ال ميلك أحد من البشر له نفعا وال ضرا إال بإذن اهللا تعاىل، وألن اهللا .معه ينصره ويؤيده وييسر له أموره، ما دام متمسكا بشرع اهللا إخالصا واتباعا

فعلى اجلميع احلرص على غرس اإلميان يف نفوس األبناء، وتربيتهم على فهم أصــول اإلميان، والعمل بأحكام اإلسالم، وتعويدهم على املراقبة واحملاسبة منذ الصغــر، قبـل أن تصلهم الفلسفات اإلحلادية والشبهات البدعية والشهوات املغرضة، وغري ذلك مما تشنــه تلك احلمالت املسعورة من حرب ضروس ضد شباب األمة ذكورا وإناثــا، مـرة باســم

.التثقيف، وباسم التسلية والترفيه مرات أخرى

استحباب تشويق املتعلم، ويئته بلطف العبارة، وتنبيهه إىل أمهية ما يلقــى إليــه، وإشــعاره -٣ بسهولة حفظه ووعيه ليسهل عليه تلقيه واستيعابه، وبالتايل حفظه ووعيه، وخباصة املسائل

عندما قــال العقدية اليت حيتاج إىل دقة يف حفظها ونقلها، ويؤخذ هذا من فعل الرسول ).إين أعلمك كلمات: يا غالم: (البن عباس مقدما له هذه املسائل

على توجيه األمة، وتنشئة اجليل املسلم علــى ومما يؤخذ من هذا احلديث حرص الرسول -٤ لقد جاءكم رسـول :العقيدة الصحيحة والشرع القومي، وقد قال اهللا تعاىل يف وصفه

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٧صفحة


حيمر وفؤر مننيؤكم بالمليع ريصح منتا عه مليع زيزع أنفسكم نم ) ]أي يعز عليه الشيء الذي )]٢٧ ،يعنت أمته، ويشق عليها، حريص على هدايتكم، ووصول النفع الدنيوي واألخروي إليكم

وما طائر يقلب جناحيه يف تركنا رسول اهللا : أنه قال ، وهلذا ورد عن أيب ذر )]٢٨[(ما بقي شيء يقرب من اجلنـة : (فقال رسول اهللا : اهلواء إال وهو يذكرنا منه علما، قال .)]٢٩[() ويباعد من النار إال وقد بين لكم

املبحث الثاين

)احفظ اهللا: (يف قوله

:ومما يؤخذ يف هذا اجلزء ما يلي

، فهنا أثبت أن )احفظ اهللا حيفظك : (إثبات صفة احلفظ هللا تعاىل، أخذا من قوله -١متصف بأنه حيفظ عباده الذين حيفظون حدوده، فدل على إثبات صــفة احلفـظ هللا اهللا

يف القـرآن تعاىل، وأا تتعلـــق بإرادته ومشيئــــته، وهذه الصفة ثابتــة هللا ، وقولـه (]٣٠[) فالله خير حافظا وهو أرحـم الـراحمني :الكرمي ، لقـوله تعاىل

. )]٣١[( إن ربي على كل شيء حفيظ : ســبحانه

؛ أخــذا مــن اآليتــني )احلفيـظ (و) احلافظ(وقد ذكر العلماء أن من أمساء اهللا تعاىل السابقتني، ومن املعلوم أن باب الصفات أوسع من باب األمساء؛ وذلك ألن كــل اســم

:متضمن لصفة، وأمساء اهللا تعاىل إن دلت على وصف فقد تضمنت ثالثة أمور

.ثبوت ذلك االسم هللا : أحدها

.ثبوت الصفة اليت تضمنها هللا : الثاين

.)]٣٢[(ثبوت حكمها ومقتضاها: الثالث

امسا هللا تعاىل، وإثبات احلفظ صـفة لـه، ) احلافظ(يتضمن إثبات ) احلافظ(مثال ذلك .وإثبات حكم ذلك ومقتضاه، وهو أنه سبحانه حيفظ عباده، الذين حيفظونه

والذين اتخذوا من دونه أولياء : ومن األدلة أيضا على تسمية اهللا باحلفيظ قوله تعاىل وربك على كل شيء حفيظ : ، وقوله )]٣٣[( الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل

)]٣٤[(.

احلفيظ من أمساء اهللا احلسىن، واشتقاقه مــن ): (( هـ١٤١٠ت (يقول صاحل البليهي … احلفظ، واحلفظ لغة هو احلراسة والصيانة واحلياطة، واهللا جل وعال مسى نفسه حفيظـا

فاهللا تقدس امسه هو احلافظ واحلفيظ، هو تعاىل على كل شيء حفيظ، أي شاهد وحـافظ، ، …حيفظ على عباده أقواهلم وأفعاهلم، فيجازي كال بعمله، إن خريا فخري، وإن شرا فشر

واهللا تعاىل من فضله ولطفه ورمحته وإحسانه حيفظ عباده املؤمنني، وهو خــري احلــافظني، وربك على كل شيء حفيـظ حيفظهم من كل شر، ومن كل حمنة وبالء، حيفظهم تعاىل

حيفظهم بشرط أن حيافظوا على ما أوجب اهللا عليهم يف شريعة اإلسالم، وبشرط أن حيفظوا ، ودعاء اهللا بأمسائه مشروع، وكيفيته يا غفور اغفر يل، يا …جوارحهم عن كل ما حرم اهللا

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٨صفحة


رمحن ارمحين، يا رزاق ارزقين، يا معايف عافين، وحنو ذلك، فاهللا تعـاىل هـو احلافـظ .)]٣٥[()) اللهم يا حافظ ويا حفيظ احفظنا وأنت خري احلافظني … واحلفيظ

لك أعظـم - ٢ وجوب حفظ العقيدة، واحلرص على سالمتها مما قد يشوا، وأن ذأسباب حفظ اهللا للعبد، كما جيب حفظ الشريعة، وذلك بالعمل ـا، والــدعوة إليهـا،

.والدفاع عنها

يعين حفظ حدوده، وحقوقه ، وأوامره ونواهيه، فـإن ) احفظ اهللا : (فإذا كان قوله

أعظم حقوقه توحيده يف ألوهيته وربوبيته وأمسائه وصفاته، واتباع كتاب اهللا تعــاىل وســنة ، املصدرين لتلقي العقيدة، واحلذر من االنزالق مع اهلوى، أو تقدمي العقل علـى رسوله

.النص الشرعي مما أوقع كثريا من الفرق والنحل يف الشرك والبدع واملخالفات .وحفظ العقيدة يكون بتعلمها واإلميان ا والعمل مبقتضاها،وتعليمها والدعوة إليها

أمر حبفظ توحيده، وأوامره ونواهيه، وحقوقه وحدوده، كما أنه أمر ) احفظ اهللا : (فقوله .حبفظ اجلوارح كالسمع والبصر واللسان والبطن والفرج

) ٣١(وأزلفت الجنة للمتقني غير بعيـد : وهلذا يقـــــول اهللا تعـــاىل من خشي الرحمن بالغيــب وجـاء ) ٣٢(هذا ما توعدون لكل أواب حفيـــــظ

( بقلب منيب هذا ما توعدون لكل أواب : (يقال للمتقني على وجـــه التهنئة )]٣٦[

أي هذه اجلنة وما فيها ، هي اليت وعد اهللا لكل أواب ، أي رجـاع إىل اهللا ، يف ) حفيظ أي حمافظ على ما أمر ) حفيظ(مجيع األوقات ، بتوحيده وذكره ، وحبه ، واالستعانة به ،

اهللا به، من توحيده وشرعه ، على وجه اإلخالص، واإلكمال له على أمت الوجوه، حفيـظ

(حلدوده ]٣٧[

.(

األعمـــال بالتنصــــــيص علـى حفظهـا اعتـــــناء وخصت بعض حافظوا على الصلوات والصالة الوسطى : بشـــــــأا، ومن ذلك قوله تعاىل

)يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فـروجهم ذلــك قل للمؤمنني : وقوله تعاىل . )]٣٨[

مكى لهأز )والحافظني فروجهم والحافظات والذاكرين اللـه كثـريا : ، وقوله )]٣٩[

( والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما والذين هم لفروجهم : ، وقوله )]٤٠[

( حافظون( واحفظوا أيمانكم : ، وقوله)]٤١[

.، إىل غري ذلك من اآليات)]٤٢[

من وقــاه : (، ويف رواية )]٤٣[() من حفظ ما بني حلييه ورجليه دخل اجلنة : (وقوله ولن حيافظ على : ( ، وقوله )]٤٤[() اهللا شر ما بني حلييه، وشر ما بني رجليه دخل اجلنة

.)]٤٥[() الوضوء إال مؤمن

فظ إذن من فعل الواجبات وترك احملرمات فقد حفظ حدود اهللا تعاىل، ومن مث فقد ح

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٩صفحة


اهللا، وأعظم ما أوجبه اهللا على عباده، توحيده، وعبادته سبحانه إخالصا له ، ومتابعة ملا ومـا خلقـت : ، فهي الغاية اليت من أجلها خلق اهللا اخللق، قال تعاىل جاء به رسوله

( الجن واإلنس إال ليعبدون]٤٦[(.

فمن آمن بذلك وعمل به فهو من احلافظني حلدود اهللا تعاىل، الذين أثـىن اهللا عليهـم

( والحافظون لحـدود اللــه وبشــر المــؤمنني : ســـبحانه بقولــه ]٤٧[( ،

( هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ: وقولـــه سبحانـــه ]٤٨[(.

االستحياء من : (ومن األدلة على حفظ اجلوارح ما جاء يف حديث ابن مسعود املرفوع ).]٤٩[() أن حيفظ الرأس وما وعى، وحيفظ البطن وما حوى : اهللا حق احلياء

يدخل فيه حفظ اللسان من الكــذب والغيبــة، والنميمـة، : وحفظ الرأس وما وعى وشهادة الزور، والقول احلرام، وحفظ السمع عن األصوات احملرمة، وحفظ البصر عـن

.النظر إىل ما حرم اهللا تعاىل النظر إليه، وحنو ذلك

يدخل فيه حفظ القلب عن االعتقاد الباطل، واإلصرار علـى : وحفظ البطن وما حوى ](احملرم، وحفظ البطن من إدخال ما حرم اهللا من املأكوالت واملشروبات املمنوعة شـرعا

(]٥٠.

وال تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولـــئك : قال تعاىل

( كان عنه مسؤوال ؛ أي وال تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت يف كل ما تقولــه )]٥١[

وتفعله، فال تظن ذلك يذهب ال لك وال عليك، فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مســؤول عما قاله وفعله، وعما استعمل به جوارحه اليت خلقها اهللا لعبادته أن يعد للسؤال جوابـا، وللجواب صوابا، وذلك ال يكون إال باستعماهلا بعبودية اهللا تعاىل، وإخالص الـدين لــه،

.)]٥٢[(وكفها عما يكرهه اهللا جل وعال

وكما هو معروف اجلزاء من جنس العمل فمن حفظ اهللا حفظه اهللا، وحفـظ اهللا ال (( حيصل إال بفعل الواجبات وترك احملرمات، فمن فعل مجيع ما أوجب اهللا عليه، وترك مجيع ما حرم اهللا عليه حفظه اهللا مبا حيفظ به عباده الصاحلني، ومن املعروف أن هذه احلياة يف غالب

)]٥٣[())األزمان متوج بالشرور والفنت، واحلروب الطاحنة، ولكن من حفظ اهللا حفظه اهللا .

اهللا عزوجل ليس حباجة إىل أحد حىت حيفظه، ولكن املـراد (( ومما يلزم التنبيه عليه أن

يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصــركم : حفظ دينه وشرعه، كما قال تعاىل [(

ية ، وليس املعىن تنصرون ذات اهللا؛ ألن اهللا ٥٤[( غين عن كل أحد، وهلذا قـال يف آ

ــرى ــم : أخـــ همن ــر صالنت ــه ــاء الل شي ــو ــك ول ( ذل، وال )]٥٥[

ـزه مــن شــيء فــي يعجـــــــزونـــــه وما كان الله ليعجـــ

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ١٠صفحة


ـموات وال في األرض ( الســــ]٥٧[( )) )]٥٦[(.

وهذا الفهم اخلاطئ قد يفهمه اجلهلة أو يثريه األعداء، فإن اليهود عندما مسعوا قول اهللا

( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثرية : تعاىل: ، قالوا )]٥٨[

نا : يا حممد افتقر ربك فسأل عباده القرض، ما بنا إىل اهللا من حاجة، وإنه إلينا لفقري، وإفأنزل اهللا – )]٥٩[(كما نقل ذلك عنهم –عنه ألغنياء، ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا

قوله : ا قــالوا لقدم بكتناء سأغني نحنو فقري قالوا إن الله ل الذينقو الله معس )]٦٠[(.

املبحث الثالث

)حيفظك (يف قوله

إذا حفظ العبد توحيده، وراعى حقوق ربه، فعندئذ حيفظه اهللا؛ يف دينه، ويف بدنه وماله .وأهله

وأعظم هذه األمور حفظ اهللا تعاىل دين العبد، بأن يسلمــه مـن الزيــغ والضــالل، واالحنراف، ألن اإلنسان كلما حرص على حفظ توحيده، وسالمة عقيدتــه مــن البــدع ية زاده اهللا واخلرافات والضالالت، حفظ اهللا عليه عقيدته وتوحيده، وكلما الـتزم اهلدا

( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم : هدى، قال تعاىل ، وكلما ضــل )]٦١[

أولئك الذين : اإلنسان، والعياذ باهللا، فإنه يزداد ضالال، وهلذا قال اهللا تعاىل عن املنافقني

ماءهووا أهعباتو لى قلوبهمع الله عطب )ختم على قلوم، وسد أبــواب : ، أي )]٦٢[

.)]٦٣[(اخلري اليت تصل إليه بسبب اتباعهم أهواءهم، اليت ال يهوون فيها إال الباطل

إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت يف قلبه نكتة سوداء؛ فإذا هو : (وهلذا جاء يف احلديث نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حىت تعلـو قلبـــه، وهـو الــران

) كال بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبـون : الــــذي ذكــــر اهللا [(

)]٦٤.

عبده احلافظ لدينه يف حياته، وعند موته، فيتوفاه على اإلميان، إذ اجلـزاء حيفظ اهللا

( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم : من جنس العمل، ومنه قوله تعاىل : ، وقوله تعاىل )]٦٥[

كموني أذكرفاذكر )( إن تنصروا الله ينصركم : ، وقوله )]٦٦[

، وقوله )]٦٧[

إذا قام أحدكم عن فراشه مث رجع إليه فلينفضه بصنفة إزاره ثالث مرات؛ فإنه ال يدري : (بامسك ريب وضعت جنيب، وبك أرفعــه، فــإن : ما خلفه عليه بعده، وإذا اضطجع فليقل

.)]٦٨[() أمسكت نفسي فارمحها، وإن أرسلتها فاحفظها مبا حتفظ به عبادك الصاحلني

حفظه فمن حفظ اهللا يف حياته، بإخالص العبادة له سبحانه، وحسن االتباع لرسوله

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ١١صفحة


قول عمر بن اخلطــاب اهللا باإلسالم ونصره وأيده؛ وقد علم رسول اهللا : أن ياللهم احفظين باإلسالم قائما، واحفظين باإلسالم قاعدا، واحفظين باإلسالم راقـدا، وال (

تشمت يب عدوا وال حاسدا، اللهم إين أسألك من كل خري خزائنه بيدك، وأعوذ بك مـن .)]٦٩[() كل شر خزائنه بيدك

ـف : (وقال أسـتودعكم اهللا : من أراد أن يسافر فليـــــقل ملن خيلـــ .)]٧٠[()الذي ال تضيع ودائعه

ادن مني أودعــك كمــا : وكان ابن عمر رضي اهللا عنهما يقول للرجل إذا أراد سفرا .)]٧١[() أستودع اهللا دينك وأمانتك وخواتيم عملك: (يودعنا، فيقول كان رسول اهللا

)]٧٢[() إن اهللا إذا استودع شيئا حفظه : ( أنه قال وجاء يف احلديث عن رسول اهللا

.

حيفظ العبد احلافظ لدينه، املخلص يف عبادته، وحيول بينه وبني ما يفسد عليــه فاهللا دينه من مفسدات الشبهات والشهوات، من البدع واخلرافات، وأنواع املغريات، فيحفظه اهللا منها بأنواع احلفظ، قد خيفى بعضها عليه؛ إذ يكون يف ظاهرها بـالء، ويف حقيقتهـا

ذلك لنصرف عنــه السـوء ك : صرف السوء عنه، كما قال تعاىل يف قصة يوسف

( والفحشاء إنه من عبادنا المخلصني ]٧٣[(.

: يف حديثــه عــن قصــــة يوسـف ) هـ١٣٧٦ت (يقول الســعدي فصرب عن معصية اهللا مع وجود الداعي القوي فيه، ألنه قد هم فيها مها تركه هللا، وقـدم ((

وهو ما معــه مــن العلــم -مراد اهللا على مراد النفس األمارة بالسوء، ورأى برهان ربه ما أوجب له البعد واالنكفاف عن هذه املعصية -واإلميان، املوجب لترك كل ما حرم اهللا

أي أعوذ باهللا أن أفعل هذا الفعل القبيح؛ ألنه ممـا يسخـط اهللا، ) قال معاذ اهللا (الكبرية، ، واحلاصل أنه جعل املوانع له من هذا الفعل تقوى اهللا، ومراعـاة ســيده، …ويبعد عنه

الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم، الذي ال يفلح من تعاطاه، وكذلك ما من اهللا عليــه من برهان اإلميان الذي يف قلبه، يقتضي منه امتثال األوامر، واجتناب الزواجر، واجلامــع

أن اهللا صرف عنه السوء والفحشاء؛ ألنه من عباده املخلصني له يف عبــادام، : لذلك كله الذين أخلصهم اهللا، واختارهم واختصهم لنفسه، وأسدى عليهم من النعم، وصرف عنهم

.)]٧٤[()) املكاره، ما كانوا به من خيار خلقه

يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعـاكم لمــا يحييكــم : وقال تعاىل

( واعلمــوا أن الله يحــول بين المرء وقلبــه وأنه إليه تحــشرون]٧٥[(.

حيول بني املؤمن وبني الكفر، وبـني الكــافر وبـني : (( روي عن ابن عباس أنه قال .)]٧٦[()) اإلميان

فمن حافظ على سالمة توحيده من الشبهات واالحنرافات، وقام حبقوق اهللا عليه؛ فـإن

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ١٢صفحة


اهللا حيفظه حبفظ مجيع مصاحله يف الدنيا واآلخرة، فمن أراد أن يتوىل اهللا حفظه يف أموره كلها فلرياع حقوق اهللا عليه، وأعظمها حق توحيده، وإفراده بالعبادة، والعمل بشريعتـه ،

: وقد أخرب اهللا تعاىل بأنه ويل املؤمنني وكافيهم وحسبهم، قال تعــاىل ، اتباعا لرسوله

( لله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور اذلك بأن : ، وقال تعاىل )]٧٧[

ملى لهوال م أن الكافرينوا ونآم لى الذينوم الله )ومـن : ، وقال سـبحانه )]٧٨[

( يتوكل على الله فهو حسبه( أليس الله بكاف عبده : ، وقال)]٧٩[

]٨٠[(.

فاحلافظ لدينه حيفظه اهللا يف دينه ودنياه، وحيييه حياة طيبة يف الدنيا واآلخرة، قــال اهللا

( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونـه مــن أمـر اللـه : تعاىلروى )]٨١[

هم مالئكة حيفظونه بأمـر (( عن ابن عباس قوله بأن املعقبات ) هـ٣١٠ت (الطــربي .)]٨٢[()) اهللا، فإذا جاء القدر خلوا عنه

ما من عبد إال له ملك موكل : (( قوله) هـ١٠٤ت ( وروى الطربي أيضا، عن جماهد وراءك، : حيفظه يف نومه ويقظته من اجلن واإلنس واهلوام، فما من شيء يأتيه يريده إال قال

.)]٨٣[()) إال شيئا يأذن اهللا فيه فيصيبه

يدع هؤالء الـدعوات مل يكن النيب : -رضي اهللا عنهما -وقال عبد اهللا بن عمر اللهم إين أسألك العافية يف الدنيا واآلخرة، اللـهم إين أسـألك : (حني ميسي وحني يصبح

العفو والعافية يف ديين ودنياي وأهلي ومايل، اللهم استر عورايت، وآمن روعــايت، اللهــم احفظين من بني يدي، ومن خلفي، وعن مييين، وعن شــمايل ، ومن فوقـي ، وأعــوذ

.]٨٤[)() بعظمتك أن أغتال من حتيت

من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيـاة طيبـة :ويقول اهللا

( ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون وعد من اهللا تعاىل ملن (( ، فهذه اآلية )]٨٥[

، من ذكر أو أنثى، من بين عمل صاحلا، وهو العمل املتابع لكتاب اهللا تعاىل وسنة رسوله آدم، وقلبه مؤمن باهللا ورسوله، أن هذا العمل املأمور به مشروع من عند اهللا، بأن حيييه اهللا حياة طيبة يف الدنيا، وأن جيزيه اهللا بأحسن ما عمله يف الدار اآلخرة، واحلياة الطيبة تشمــل

، وذلك بأن يوفق اهللا عبده إىل مـا يرضــيه، )]٨٦[()) وجوه الراحة من أي جهة كانت .)]٨٧[(ويرزقه العافية والرزق احلالل

فلو أن األمة رعاة ورعية حفظوا شرع اهللا تعاىل، واحتكموا إىل كتاب اهللا وسنة رسوله وحكمومها يف مجيع جماالت احلياة، لسلمت األمة من كثــري مـن األخطــار والفــنت

واالبتالءات كاجلوع واخلوف والغزو وحنو لك؛ إذ إن ما أصاا من تشتت وفرقـة هــو .بسبب اوا يف حفظ حدود اهللا تعاىل والقيام بشرعه

وإن انتصار األمة مرهون بنصرها دين اهللا تعاىل، بالعمل به والدعوة إليه، والدفاع عنه،

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ١٣صفحة


( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز : يقول تعاىل ففي هذه اآليــة )]٨٨[

أنه أقسم لينصرن من ينصره، ومعلوم أن نصر اهللا إمنا هو باتباع ما (( الكرمية يبني اهللا تعاىل شرعه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ونصرة رسله واتباعهم، ونصرة دينــه، وجهـاد جل أعدائه، وقهرهم، حىت تكون كلمته هي العليا، وكلمة أعدائه هي السفلى، مث إن اهللا وعال بين صفات الذين وعدهم بنصره؛ ليميزهم عن غريهم، فقال مبينا من أقســم أنه

الذين إن مكناهم في األرض أقاموا الصـالة وآتــوا : ينصره ؛ ألنه ينصر اهللا جل وعال

( الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر الـذين إن : اآليـة، ويف قولــه )]٨٩[

ــاهم في األرض دليل على أنه ال وعد من اهللا بالنصر إال مع إقامة الصالة، وإيتاء مكنالزكاة، واألمر باملعروف،والنهي عن املنكر، فالذين ميكن اهللا هلم يف األرض، وجيعل الكلمة فيها والسلطان هلم، ومع ذلك ال يقيمون الصــالة، وال يؤتــون الزكـاة، وال يـأمرون باملعروف، وال ينهون عن املنكر، فليس هلم وعد من اهللا بالنصر؛ ألم ليسوا من حزبه، وال من أوليائه، الذين وعدهم بالنصر، بل هم حزب الشيطان وأولياؤه ، فلو طلبوا النصر من اهللا بناء على أنه وعدهم إياه فمثلهم كمثل األجري الذي ميتنع من عمل ما أجر عليـه، مث

.)]٩٠[()) يطلب األجرة، ومن هذا شأنه فال عقل له

وخالف ذلك، من كفر بأنعم اهللا تعاىل وضيع حدوده، فقد عرض نفسه للهالك، يقول وضرب الله مثال قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا مـن كــل مكــان : تعاىل

ولقـد ) ١١٢(فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون

( جـاءهم رسول منــهم فكذبوه فأخـذهم العذاب وهم ظـالمون قـال . )]٩١[

وعلى كل حال، فيجب على كـل : (( بعد تفسريه هذه اآلية ) هـ١٣٩٣ت (الشنقيطي عاقل أن يعترب ذا املثل، وأال يقابل نعم اهللا بالكفر والطغيان؛ لئال حيل به ما حــل ــذه القرية املذكـــورة، ولكن األمـثال ال يعقـــلهــا عن اهللا إال من أعطـــاه

ــربها للنـــاس ومــــا : اهللا علما؛ لقوله وتلك األمثـــــال نضــ

ــــلها إال العالمون ( يعقـ]٩٣[( )) )]٩٢[(.

ومن حفظ اهللا يف صباه وقوته حفظه هللا يف حال كربه، وضعف قوته، ومتعه بسمعـه (( .)]٩٤[()) وبصره وحوله وقوته وعقله

ت (أن أبا الطيب طاهر بن عبد اهللا الطربي الشـافعي ) هـ٧٧٤ت (ذكر ابن كثري ، قد جاوز املائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله، فوثب يوما وثبة شديدة، فعوتب يف )هـ٤٥٠

)) هذه جوارح حفظناها عن املعاصي يف الصغر، فحفظها اهللا علينا يف الكرب : (( ذلك فقال )]٩٥[(.

وعكس هذا أن بعض السلف رأى شيخا يسأل الناس، فقال بأن هذا الشيخ مل حيفـظ ) ]٩٦[(اهللا يف صغره، فلم حيفظه اهللا يف كربه

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ١٤صفحة


وقد حيفظ اهللا العبد بـصــــالحــه بعد موتــه، يف ذريته، بــدليل قولـه وأما الجدار فكان لغالمين يتيمين في المدينة وكان تحته كرت لهما وكان أبوهما :تعاىل

( صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كرتهما رحمة من ربك]٩٧[(.

فيه دليل على أن الرجــل الصــاحل ) وكان أبوهما صالحا : ( وقوله: (( قال ابن كثري حيفظ يف ذريته، وتشمل بركة عبادته هلم يف الدنيا، واآلخـرة بشفاعتـه فيهــم، ورفــع

.)]٩٨[())درجتهم

)])) حفظا بصالح أبيهما، ومل يذكر هلما صــالحا : (( وروي عن ابن عباس أنه قال

)]٩٩.

حاهلمــا تقتضــي الرأفــة مــا : أي: (( وقال السعدي يف تفسري اآليــة السابقــة )])) ورمحتهـــما؛ لكوما صغريين عدما أبامها، وحفظهما اهللا أيضا بصالح والـدمها

)]١٠٠.

من أجلـك ؛ : (( وذكر ابن رجب أن سعيد بن املسيب قال البنه ألزيدن يف صاليت .وكان أبومها صاحلا مث تال هذه اآلية ) ]١٠١[))(رجاء أن أحفظ فيك

ما من مؤمن ميوت إال حفظه اهللا يف عقبـه : (( ونقل عن عمر بن عبد العزيز أنه قال ).]١٠٢[)) (وعقب عقبه

إن اهللا ليحفـظ : (( قال ) هـ١٣٠ت(بأن ابن املنكدر ) هـ٤٣٠ت(وقال أبو نعيم بالرجل الصاحل ولده، وولد ولده، والدويرات اليت حوله، فما يزالون يف حفـظ مــن اهللا

.)]١٠٣[()) وستر

كانت امرأة يف بيت فخرجــت يف ســرية مـن : (قال وجاء يف احلديث أن النيب ففقـدت : كانت تنسج ا، قال )]١٠٤[(املسلمني، وتركت ثنيت عشرة عرتا، وصيصيتها

يا رب ، إنك قد ضمنت ملن خرج يف سبيلك أن حتفظ عليه ، : عرتا هلا وصيصيتها، فقالت وجعـل : قـال ) وإين قد فقدت عرتا من غنمي وصيصييت ، وإين أنشدك عرتي وصيصييت

فأصــبحت : (يذكر شدة مناشدا را تبارك وتعاىل ، مث قال رسول اهللا رسول اهللا . )]١٠٥[()عرتها ومثلها، وصيصيتها ومثلها

ومن حفظ اهللا تعاىل لعبده احلافظ حلدود اهللا أن جيعل احليوانات املؤذية، حافظة له مـن ، حيث كسر به املركب، وخرج إىل جزيرة، فرأى األذى، كما حدث لسفينة موىل النيب

أسدا، فجعل ميشي معه حىت دله على الطريق، فلما أوقفه عليها جعل يهمهم كأنه يودعه، .)]١٠٦[(مث رجع عنه

ومن ضيع حدود اهللا واتبع الشبهات أو غرق يف الشهوات، ومل حيفظ اهللا، مل حيفظه اهللا، وكان عرضة لعقاب اهللا وسخطه، ودخل عليه الضرر واألذى، ورمبا أصابه ذلك ممن كان

: ((أنه قـال ) هـ ١٨٧ت (يرجو نفعه من أهله وماله، كما نقل عن الفضيل بن عياض .)]١٠٧[()) إين ألعصي اهللا فأعرف ذلك يف خلق خادمي ودابيت

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ١٥صفحة


املبحث الرابع

)احفظ اهللا جتده جتاهك : (يف قوله

)احفظ اهللا جتده أمامك: (ويف الرواية األخرى

من حفظ اهللا حبفظ توحيده وشريعته، وقام بأوامر اهللا تعاىل، واجتنب نواهيه وجـد اهللا جتاهه وأمامه، ومعنامها واحد، أي وجد اهللا أمامه يدله على كل خري، ويذود عنه كل شر، وخباصة إذا حفظ اهللا باالستعانة به والتوكل عليه، فإن اإلنسان إذا استعان باهللا، وتوكــل على اهللا كان اهللا حسبه وكافيه، ومن كان اهللا حسبه؛ فإنه ال حيتاج إىل أحد بعد اهللا، قـال

( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك مــن المــؤمنني : اهللا تعـاىل أي (( ، )]١٠٨[

حسبك وحسب من اتبعك من املؤمنني هو اهللا، فهو كافيكم كلكم، وليس املــراد أن اهللا واملؤمنني حسبك كما يظنه بعض املغالطني؛ إذ هو وحده كاف نبيه، وهو حسبه، ليس معه

.)]١٠٩[( ))من يكون هو وإياه حسبا للرسول

( وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله : وقال تعاىل ؛ فإذا كـان اهللا )]١١٠[

: حسب اإلنسان، أي كافيه؛ فلن ينالوه بسوء، وال يزال عليه من اهللا حافظ، وهلذا قال ).احفظ اهللا جتده جتاهك(

أي جتده معك باحلفظ، واإلحاطة والتأييد واإلعانة، حيثمـا : (( قال ابن حجر اهليتمي

أن الله مع المتقني : ، على حد قوله تعاىل …كنت، فتأنس به، وتستغين به عن خلقه )

، )]١١١[

ابرينالص عم إن الله )

]١١٢[(

، املعىن جتده حيثما توجهـت وتيممــت …

)) وقصدت من أمر الدين والدنيا )

]١١٣[(

.

:ومعية اهللا خللقه نوعان

املعية اخلاصة باملؤمنني، احلافظني حدود اهللا، وهي تقتضي النصر والتأييـد، :األولـىودليـل هـذه املعيــة . واحلفظ واإلعانة، وتوجب ملن آمن ا كمال الثبـات والقـوة

إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون : اخلاصـــــة قولــــه تعاىل )

]١١٤[(

إنني معكما أســمع وأرى : ، وقولـــــه تعالـى )

]١١٥[(

، وقولـه

إن معي ربي سيهدين : تعاىل عن موسى أنه قال )

]١١٦[(

أليب بكر ومها ، وقول النيب

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ١٦صفحة


(ال تحزن إن اهللا معنا ما ظنك باثنني اهللا ثالثهما؟ : يف الغـــار ]١١٧[

(، وقوله

وأن الله مع المؤمنني : تعاىل)

]١١٨[(

.

.فمن حفظ اهللا حفظه اهللا وأيده ونصره

املعية العامة جلميع اخللق، وهي تقتضي اإلحاطة جبميع اخللق من مؤمن وكافر، : الثانية .وبر وفاجر، يف العلم، والقدرة، والتدبري، والسلطان،وغري ذلك من معاين الربوبية

.وهي توجب ملن آمن ا كمال املراقبة هللا

وهو معكم أينما كنتم : ومن أمثلة هذا النوع قوله تعاىل ]١١٩[

: ، وقوله تعاىل )( ى من ذلــكنال أدو مهادسس وة إال هسمال خو مهابعر وى ثالثة إال هوجكون من نا يم

وال أكثر إال هو معهم أين ما كانوا )

]١٢٠[(

وال يستخفون من الله وهــو : ، وقوله

معهم إذ يبيتون ما ال يرضى من القول )

]١٢١[(

.

قول اهللا :والكتاب والسنة يدالن على قرب اهللا تعلى من عبده احلافظ لدينه، ي أجيـــــــب ــي قريـــب ـ ــي فإنـــــ نــــادي ععب ــألك إذا سو

دعـــــوة الداع إذا دعان )

]١٢٢[(

.

وما يزال عبدي يتقرب إيل بالنوافل حىت أحبـه، : ( وقول اهللا تعاىل يف احلديث القدسي فإذا أحببته كنت مسعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده اليت يبطش ا ورجلــه

) اليت ميشي ا ولئن سألين ألعطينه ولئن استعاذين ألعيذنه )

]١٢٣[(

.

يسدد هذا الويل يف مسعه وبصره وعمله، حبيث يكون إدراكه بسمعه واملراد أن اهللا وبصره، وعمله بيده، كله هللا تعاىل، إخالصا، وباهللا تعاىل استعانة، ويف اهللا تعــاىل شــرعا

واتباعا، فيتم له بذلك كمال اإلخالص واالستعانة واملتابعة، وهذا غاية التوفيق]١٢٤[

()(

.

من تقــرب مــين شــربا تقربــت منـه : ( فيما يرويه عن اهللا تعاىل أنه قال وقوله

) ذراعــــا، ومن تقرب مين ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاين ميشي أتيته هرولـة [

)

]١٢٥(

.

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ١٧صفحة


يقرب من عبده كيف يشاء مع علوه جل وعال، ويأيت عبده كيف يشاء بدون فاهللا وأما دنوه نفسه وتقربه ): (( هـ ٧٢٨ت (تكييف وال متثيل، قال شيخ اإلسالم ابن تيمية

من بعض عباده، فهذا يثبته من يثبت قيام األفعال االختيارية بنفسه، وجميئه يـوم القيامــة ونزوله واستواءه على العرش، وهذا مذهب أئمة الســلف، وأئمــة اإلســــــالم

)) املشهورين، وأهل احلديث، والنقل عنهم بذلك متواتر ]١٢٦[

)(.

من يتق اهللا يكن معه، ومـن : (( أنه قال ) هـ ١١٨ت (وروى ابن رجب عن قتادة )).يكن اهللا معه فمعه الفئة اليت ال تغلب، واحلارس الذي ال ينام، واهلادي الذي ال يضل

أما بعد، فإن كان اهللا معك فممــن : (( وذكر أن بعض السلف كتب إىل أخ له يقول

)) والسالم ! وإن كان عليك فمن ترجو؟! ختاف ؟)

]١٢٧[(

.

وال شك أن الذي حيفظ عقيدته من االحنراف، وعمله من الشرك، ويتقي اهللا يكون اهللا معه، بنصره وتأييده، يهديه وحيفظه، ويؤمنه، ومن اتبع الشبهات، أو ضيع حدود اهللا فقــد

.عرض نفسه للهالك

فمن أراد أن يتوىل اهللا حفظه ورعايته يف أموره كلها، فلرياع حقوق اهللا عليه، ومن أراد أال يصيبه شيء مما يكره، فال يأت شيئا مما يكرهه اهللا منه، وعلى قدر اهتمام العبد حبقـوق اهللا ومراعاة حدوده وحفظه هلا، يكون حفظ اهللا له ونصره وتأييده، ومن كان غايــة مهــه هو ســبحانه توحيد اهللا ومعرفته وطلب قربه ورضاه؛ فإن اهللا يكون له حسب ذلك، بل عا، أكرم األكرمني، فهو جيازي باحلسنة عشرا ويزيد، ومن تقرب منه شربا تقرب منه ذرا

.ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعا، ومن أتاه ميشي أتاه هرولة

املبحث اخلامس

)وإذا سألت فاسأل اهللا : ( يف قوله

أي ال تعتمد على أحد من املخلوقني، وإذا احتجت فاسأل ) إذا سألت فاسأل اهللا : (قولهاهللا وحده، يأتيك رزقك من حيث ال حتتسب، أما إذا سأل اإلنسان احملتاج النـاس فرمبــا

ألن يأخذ أحـدكم حبلـه فيحتــــطب مث : (أعطوه أو منعوه، وهلذا جاء يف احلديث

) يبيـــــعه لكان خريا له من أن يســــأل الناس أعطـــوه أو منعـوه )

[

]١٢٨(

.

، )اللهم ارزقين : (فعلى املسلم أن يتجه بسؤاله هللا وحده، ويدعوه بإحلاح، مثل أن يقول

وما أشبه ذلك من الكلمات ) اللهم أغنين بفضلك عمن سواك (و)

]١٢٩[(

إذا : (ويف قوله .

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ١٨صفحة


.بالسؤال، وي عن سؤال غريه أمر بإفراد اهللا ) سألت فاسأل اهللا

واسألوا الله من فضله :وقال اهللا )

]١٣٠[(

وقـال ربكـم : ، وقال جل وعال

ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنـم داخــرين )

[

]١٣١(

.

وهذا من لطفه بعباده، ونعمته العظيمة، حيث دعاهم إىل ما فيــه صـالح دينهـم (( ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة، ودعاء املسألة، ووعدهم أن يستجيب هلم، وتوعد

)) من استكرب عنها )

]١٣٢[(

.

فيجب على املســــــلم أن يتوجه بسؤاله هللا وحـــده، السيما يف األمور اليت ال يقدر عليها إال اهللا، فمن طلبها من غري اهللا فقد أشرك مع اهللا غريه، كمـن يدعــو

ومن أضل ممن يدعو من دون الله من ال يستجيب : أصحاب القبور وحنوهم، قال تعاىل

له إلى يوم القيامة )

]١٣٣[(

.

أما سؤال الناس يف األمور اليت يقدرون عليها، فقد وردت نصوص كثرية تذم طلبهــا للفقراء : منهم، وتثين على املتعففــــني الذين ال يســــألون الناس، قال تعاىل

اء مـناهل أغنيالج مهبسحض يا في األربرون ضطيعتسبيل الله ال يوا في سأحصر الذين

التعفف تعرفهم بسيماهم ال يسألون الناس إلحافا)

]١٣٤[(

.

أبو بكر الصديق : مجاعة من أصحابه عل أال يسألوا الناس شيئا منهم وقد بايع النيب ، وأبو ذر ، وثوبان ، وكان أحدهم يسقط سوطه أو خطام ناقته فال يسأل أحدا أن يناوله

إياه (

)]١٣٥[

(.

وقد أجاد شيخ اإلسالم ابن تيمية يف تفصيل احلكــــم يف هـذه املســـــألة أن مطلوب العبد إن كان يف األمور اليت ال يقدر عليهــا إال اهللا : وتفصيل القول : (( فقال

تعاىل، مثل أن يطلب شفاء مريضه من اآلدميني والبهائم، أو وفاء دينه من غري جهة معينة، أو عافيته، أو عافية أهله، وما به من بالء الدنيا واآلخرة، وانتصاره على عدوه، وهدايــة قلبه، أو غفران ذنبه، أو دخول اجلنة، أو جناته من النار، أو أن يتعلم القرآن والعلم، أو أن يصلح قلبه، وحيسن خلقه، ويزكي نفسه، وأمثال ذلك، فهذه األمور كلــها ال جيـوز أن تطلب إال من اهللا تعاىل، وال جيوز أن يقول ال مللك وال نــيب، وال شـــــــــيخ،

ـف : ســـــواء كان حيا أو ميتا اغفر ذنيب ، وال انصرين على عـدوي ، والاش

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ١٩صفحة


مريضي ، وال عافين وعايف أهلي ودوايب، وما أشـبه ذلك ، ومن ســــأل ذلـك فهو مشرك بربه، من جنس املشركني، الذين يعبدون املالئكــة -كائنا من كان –خملوقا

واألنبياء والتماثيل، اليت يصوروا على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه، وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلــهين : وقال تعاىل

من دون الله )

]١٣٦[(

اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللـه : ، وقال تعاىل ناب سيحالما واحدا ووا إلـهدبعوا إال ليا أمرمو ميرــا ممع هانحـبس ــوإال ه ال إلـه

يشركون)

]١٣٧[(

.

وأما ما يقدر عليه العبد، وجيوز أن يطلب منه يف بعض األحوال دون بعض؛ فإن مسألة ) ٧(فإذا فرغت فانصــب : املخلوق قد تكون جائزة، وقد تكون منهيا عنها، وقال تعاىل

غبفار كبإلى ر٨(و( )

]١٣٨[(

إذا سألت فاسـأل اهللا، : (ابن عباس ، وأوصى النيب طائفة من أصحابه أال يسألوا النـاس شـيئا، ، وأوصى النيب )وإذا استعنت فاستعن باهللا

، ومن األمر املشروع …ناولين إياه : فكان أحدهم يسقط السوط من يده، فال يقول ألحد بالصالة عليه، وطــلب الوســيلة يف الدعاء دعاء غائب لغائب؛ وهلذا أمرنا النيب

له ، وأخربنا مبالــنا بذلك من األجر إذا دعونا بذلك )

]١٣٩[(

ويشرع للمسلم أن … ملا أمرنا بـالصالة عليـه ، لكن النيب … يطلب الدعاء ممن هو فوقه ، وممن هو دونه

وطلب الوسيلة له ، ذكر أن من صلى عليه مرة صلى اهللا ا عليه عشرا ، وان من سأل اهللا له الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة ، فكان طلبه منا ملنفعتنا يف ذلك ، وفرق بني مــن

)) طلب من غريه شيئا ملنفعة املطلوب منه، ومن يسأل غريه حلاجته إليه فقط )

]١٤٠[(

.

: ، قال تعاىل وكيف يطلب من غري اهللا كشف الضر أو جلب النفع، وذلك كله بيده

لــهلفض آدر فـال ريبخ كردإن يو وإال ه له فال كاشف ربض الله كسسمإن يو )

[

]١٤١(

ما يفتح الله للناس من رحمة فال ممسك لها وما يمسك فـال : ، وقال سبحانه

مرسل له من بعده )

]١٤٢[(

.

حيب أن يسأل ويرغب إليه يف احلوائج، ويلح يف سؤاله ودعائه، ويغضب على واهللا

)من مل يدع اهللا سبحانه يغضب عليه : ( من ال يسأله، قال )

]١٤٣[(

، ويستدعي مــن .

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٢٠صفحة


عباده سؤاله، وهو قادر على إعطاء خلقه كلهم سؤهلم من غري أن ينقص مـن ملكـه .شيء، واملخلوق خبالف ذلك

وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعـوة الــداع إذا دعــان : وقال تعاىل

فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )

]١٤٤[(

يرتل ربنــا : (، ويقول الرسول من يدعونـــي : تبارك وتعاىل كل ليلة إىل مساء الدنيا حني يبقى ثلث الليل اآلخر، يقول

) فأســـتجيب له، من يسألين فأعطيه، من يســـتغفرين فأغفر له)

]١٤٥[(

.

يا عبادي لو أن : (فيما روى عن اهللا تبارك وتعاىل أنه قال عن النيب وعن أيب ذر أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا يف صعيد واحد فسألوين، فأعطيت كــل إنسـان

) مسألته ما نقص ذلك مما عندي إال كما ينقص املخيط إذا أدخل البحر]١٤٦[

((.

وهذا كله حتقيق للتوحيــد : (( يف شرح هذه املسألة ) هـ ٧٥١ت (يقول ابن القيم والقدر، وأنه ال رب غريه، وال خالق سواه، وال ميلك املخلوق لنفسه، وال لغريه ضرا وال نفعا، وال موتا وال حياة وال نشورا، بل األمر كله هللا، ليس ألحد سواه منه شيء، كما قال

ـر شيء : تعاىل ألكرم خلقه عليه، وأحسنهم إليه ليس لك من األمــــ)

]١٤٧[(

هل لنا من األمر من شيء : وقال جـــوابا ملن قال)

)]١٤٨[

كله رقل إن األم

لله)

]١٤٩[(

، فامللك كله له، واألمر كله له، واحلمد كله له، والشفاعة كلها له، واخلري قـل كله يف يديه، وهذا حتقيق تفرده بالربوبية واأللوهية، فال إله غريه، وال رب سواه،

أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضــره أو أرادنــي

برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلـون )

) ]١٥٠[

ربــض الله كسسمإن يإن وو ـــو ــف لــــه إال هـــ فـال كاشـــ

يرء قديلى كل شع ور فهيبخ كسـس يمـ)،

)]١٥١[

ما يفتح الله للناس من رحمة

كيمالح زيزالع وهده وعمن ب سل لهرفال م سكما يما وله سكمفال م )

]١٥٢[(

فاستعذ به منه، وفر منه إليه، واجعل جلاك منه إليه، فاألمر كله له، ال ميلك أحد معه منه شيئا، فال يأيت باحلسنات إال هو، وال يذهـــــب بالسيئات إال هــــو، وال تتحرك ذرة فما فوقها إال بإذنه، وال يضر سم وال سحر وال شيطان وال حيوان وال غــريه إال بإذنــه

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٢١صفحة


.)]١٥٣[())ومشيئته، يصيب بذلك من يشاء، ويصرفه عمن يشاء

: أنه قال لقــومـــــه ولــذلك قــال تعاىل ؛ خمــربا عن نوح كــمروا أممعفـأج كلــتولى الله تات الله فعذكريي بآيتقامي وكم مليع رإن كان كب

وشركاءكم ثم ال يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي وال تنظرون)

]١٥٤[(

.

إن كان عظم عليكم مقامي فيكم بني أظهــركم، وتـذكريي : قال لقومه فنوحسواء فعلى الله توكلت إياكم حبجج اهللا وبراهينه، ؛ فإين ال أبايل، وال أكف عنكم،

عظم عليكم، أوال، فاجتمعوا أنتم وشركاؤكم، الذين تدعون من دون اهللا، من صنم ووثن، ةغم كمليع كمرأم كنال ي ثم أي وال جتعلوا أمركم عليكم ملتبسا، بل افصلوا حالكم ،

معي، فإن كنتم تزعمون أنكم حمقون فاقضوا إيل وال تتأخروا ساعة واحدة، مهما قــدرمت . )]١٥٥[(فافعلوا ؛ فإين ال أباليكــم ، وال أخاف منكم؛ ألنكم لستم على شيء

قال إني أشهد الله واشـهدوا أنـي بـريء ممــا : وقال تعاىل، خمربا عن هود إني توكلت على الله ربي ) ٥٥(من دونه فكيدوني جميعا ثم ال تنظرون ) ٥٤(تشركون

وربكم ما من دآبة إال هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم)

]١٥٦[.(

أنه واثق غاية الوثوق أنه ال يصيبه منهم، وال من آهلتــهم أذى؛ وهلــذا يبني هود فكيدونـي : بريء من مجيع األنداد واألصنام، مث قال هلم أشهد اهللا وأشهدهم أنه

أي اطلبوا يل الضرر كلكم، أنتم وآهلتكم، إن كانت حقا، بكل طريق تتمكنــون جميعا واعتمدت عليه يف أمري كله، فهو إني توكلت على الله ا مين وال متهلون طرفة عني،

خالق اجلميع، ومدبرنا وإياكم، وهو الذي ربانا، فال تتحرك دابة وال تسكن إال بإذنه، فلوا اجتمعتم مجيعا على اإليقاع يب، واهللا مل يسلطكم علي، مل تقدروا على ذلك؛ فإن سـلطكم

أي علــى عــــدل وقســط إن ربي على صـراط مستقيــم فلحكمة أرادها، وحكمــــة، ال خترج أفعـــــاله عن الصراط املستقيم، اليت حيمد، ويثىن عليه

. )]١٥٧[(ا

أما سؤال الناس فيما يقدرون عليه فتركه أوىل، وذلك أن يف طلب الناس وسؤاهلم ذلة . وخضوعا، واملسلم مطالب بإظهار كمال الذل واخلضوع هللا وحده ال شريك له

واعلم أن سؤال اهللا تعاىل، دون خلقه هو املتعني، ألن السؤال فيه : (( يقول ابن رحب إظهار الذل من السائل واملسكنة واحلاجة واالفتقار، وفيه االعتراف بقدرة املســـؤول على دفع هذا الضرر، ونيل املطلوب، وجلب املنافع، ودرء املضــار، وال يصلح الـذل

.)]١٥٨[()) واالفتقار إال هللا وحده، ألنه حقيقة العبادة

واعلم أن سؤال اهللا تعاىل دون خلقه هو املتعني عقال وشرعا، : (( وقال يف كتاب آخر أن السؤال فيه بذل ماء الوجه وذلة للسائـل، وذلــك ال : وذلك من وجوه متعددة، منها

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٢٢صفحة


يصلح إال هللا وحده، فال يصلح الذل إال له بالعبادة واملسألة، وذلك من عالمات احملبة . الصادقة

ومنها أن يف سؤال اهللا عبودية عظيمة؛ ألا إظهار لالفتقار إليه، واعتراف بقدرته على قضاء احلوائج، ويف سؤال املخلوق ظلم، ألن املخلوق عاجز عن جلب النفع لنفسه، ودفع . الضر عنها فكيف يقدر على ذلك لغريه ؟ وسؤاله إقامة له مقام من يقدر، وليس هو بقادر

ومنها أن اهللا حيب أن يسأل، ويغضب على من ال يسأله، فإنه يريد من عباده أن يرغبوا إليه ويسألوه، ويدعوه ويفتقروا إليه، وحيب امللحني يف الدعاء، واملخلوق غالبا يكــره أن

…يسأل لفقره وعجزه،

هل من سائل فأعطيه؟ : أن اهللا تعاىل يستدعي من عباده سؤاله، وينادي كل ليلة : ومنها، فأي وقت دعاه العبد وجده مسيعا قريبا جميبا، ليـس بينــه …هل من داع فاستجيب له

وبينه حجاب وال بواب، وأما املخلوق؛ فإنه ميتنع باحلجاب واألبواب، ويعسر الوصول إليه . )]١٥٩[()) يف أغلب األوقات

وهلذا كان عقوبة من سأل الناس تكثرا أن يأيت يوم القيامة وليس يف وجهه مزعة حلـم، ما يزال الرجل يسأل الناس حىت يأيت يوم القيامة ليس يف : ( أنه قال كما ثبت عن النيب

.)]١٦٠[()وجهه مزعة حلم

رجل حتمل محالة فحلــت لـه : يا قبيصة إن املسألة ال حتل إال ألحد ثالثة : (وقال املسألة، حىت يصيبها مث ميسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له املسألة حــىت يصيب قواما من عيش، أو قال سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة، حىت يقوم ثالثة مــن

لقد أصابت فالنا فاقة، فحلت له املسألة، حىت يصيب قوامــا مـن : ذوي احلجا من قومه عيش، أو قال سدادا من عيش، فما سواهن من املسألة يا قبيصة سحتا يأكلـها صـاحبها

. )]١٦١[()سحتا

األول صاحب : أن من حيل له املسألة من الناس ثالثة يف هذا احلديث يبني الرسول احلمالة، وهو أن يكون بني القوم تشاحن، يف دم أومال، فيسعى رجـل يف إصـالح ذات بينهم، ويضمن ماال يبذل يف تسكني ذلك التشاحن، فإنه حيل له السـؤال، ويعطــى مــن

أن يكون معروفــا باملــال، : الصدقة قدر ما تربأ ذمته عن الضمان، وإن كان غنيا، والثاين فيهلك ماله بسبب ظاهر كاجلائحة، فهذا حيل له الصدقة، حىت يصيب ما يسد خلته بــه،

: ويعطى من غري بينة، تشهد على هالك ماله؛ ألن سبب ذهاب ماله أمر ظاهر، والثالــث صاحب مال هلك ماله بسبب خفي من لص، أو خيانة، أو حنو ذلك، فهذا حتل له املسألة، ويعطى من الصدقة بعد أن يذكر مجاعة من أهل االختصاص به، واملعرفة بشأنه أنه قد هلك

).]١٦٢[()) ماله

، اتفاق العلماء على النهي عن السؤال إذا مل تكــن )هـ ٦٧٦ت (وقد ذكر النووي واختلف أصحابنا يف مسألة القادر على الكسب على وجهني أصحهما : (( ضرورة، مث قال

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٢٣صفحة


أن ال يذل نفسه، : أا حرام؛ لظاهر األحاديث والثاين حالل مع الكراهية بثالثة شروط وال يلح يف السؤال، وال يؤذي املسؤول؛ فإن فقد أحد هـذه الشــروط فهــي حـرام

.)]١٦٣[()) باالتفاق

، ترىب علــى األنفـة وإذا علم املسلم أن الغين القادر الذي بيده اخلري كله هو اهللا واالستغناء عن املخلوقني، وعلم أن السبيل الوحيد إىل ذلك هو التعلق باهللا تعاىل والتوكل عليه، وعبادته وااللتجاء إليه، مع األخذ بأسباب اجلد والعمل، وبذلك حيفظ املسلم مــاء وجهه من التذلل والسؤال، وخفض األكف واالنكسار لألشخاص مهما كانوا، فيحفــظ

. كرامته، وتبقى له عزته ومكانته

املبحث السادس

)وإذا استعنت فاستعن باهللا : ( يف قوله

: االستعانة طلب العون من اهللا تعاىل، بلسان املقال، كأن تقول، عند شروعك بالعمــل اللهم أعين، أو ال حول وال قوة إال باهللا، أو بلسان احلال، وهي أن تشعر بقلبك أنك حمتاج إىل اهللا تعاىل أن يعينك على هذا العمل، وأنه إن وكلك إىل نفسـك وكلـك إىل ضـعف وعجز، أو طلب العون ما مجيعا، والغالب أن من استعان بلسان املقال فقد استعان بلسان

.)]١٦٤[(احلال

فتجب االستعانة باهللا تعاىل على حتمل الطاعات، وترك املنهيات، كما جتب االستعانة به سبحانه على الصرب على املقدورات؛ فإن العبد عاجز عن االستقالل بنفسه يف اإلتيان ذه

، وال معني للعبد على مصاحل دينه ودنياه إال األمور، وال بد له من طلب اإلعانة من ربه . ، فمن أعانه اهللا فهو املعان، ومن فرط يف حق اهللا تعاىل، مل يعنه اهللا، فهو املخذولاهللا

أن الدين كله يرجع إىل العبادة واالستعانة، فالعبادة ) هـ ٧٧٤ت ( يذكر ابن كثري ، وهذا املعــىن يف تربؤ من الشرك، واالستعانة تربؤ من احلول والقوة والتفويض إىل اهللا

غري آية من القرآن )

]١٦٥[(

فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل : ، مثال ذلك قوله تعاىل

عما تعملون )

]١٦٦[(

قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا : ، وقوله تعاىل )

]١٦٧[(

،

رب المشرق والمغـرب ال إله إال هو فاتخذه وكيال : وقوله)

]١٦٨[(

وما : ، وقوله

ه أنيبإليو كلتوه تليفيقي إال بالله عوت )

]١٦٩[(

. ، وحنو ذلك من اآليات

سؤال : ((، أن معىن االستعانة )هـ ١٢٠٦ت (وهلذا أشار اإلمام حممد بن عبد الوهاب ) ]١٧٠[)) (اهللا اإلعانة وهو التوكل والتربي من احلول والقوة

واالستعانة هي االعتماد على اهللا تعـاىل ، يف : (( ويعرف أحد العلماء االستعانة بقوله

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٢٤صفحة


)]١٧١[))(جلـــب املنافع ، ودفع املضـــار ، مع الثقة به يف حتصيل ذلك

)]١٧٢[ (إياك نعبد وإياك نستعني : ويؤكد هذا التعريف قوله تعاىل

هذه اآلية العظيمة اليت يتلوها املسلم يف كل ركعة من ركعات صلواته، وهي آية مـن )]١٧٣[() هي أعظم السور يف القرآن ( سورة الفاحتة، اليت

أي خنصك وحدك يا إهلنا بالعبادة واالسـتعانة ، : إياك نعبد وإياك نستعني ومعىن وذلك ألن تقدمي املعمول يفيد احلصر ، وهو إثبات احلكم للمذكور وفيه عمــا عـداه ،

نعبدك ،وال نعبد غريك ، ونستعني بك ، وال نستعني بغريك ، أي نوحـدك : انه يقول :ف](ونطيعك خاضعني ، ونطلب منك وحدك املعونة على عبادتك وعلـى مجيـع أمورنـا

]١٧٤. (

وللقيام بعبادة اهللا تعاىل، واالستعانة به مها الوسيلة للسعادة األبدية، والنجاة من مجيع (( الشرور، فال سبيل إىل النجاة إال بالقيام ما ، وإمنا تكون العبادة عبادة إذا كانت مأخوذة

، مقصودا ا وجه اهللا ، فبهذين األمرين تكون عبادة ، وذكر االســتعانة عن رسول اهللا بعد العبادة مع دخوهلا فيها ، الحتياج العبد يف مجيع عباداته إىل االستعانة باهللا تعاىل ؛ فإنــه

)]١٧٥[))(إن مل يعنه اهللا مل حيصل له ما يريده من فعل األوامر واجتناب النواهي

])(احرص على ما ينفعك واستعن باهللا والتعجز : ( وجاء يف احلديث الصحيح قوله

من اهللا )١٧٦[ ، أي احرص على طاعة اهللا تعاىل ، والرغبة فيما عنده ، واطلب اإلعانـة ).]١٧٧[(تعاىل على ذلك ، وال تعجز وال تكسل عن طلب الطاعة، وال عن طلب اإلعانة

أن احلمد هللا حنمده ونستعينه : ( يعلم أصحابه خطبة احلاجة ، وهي وهلذا كان النيب .احلديث ) ]١٧٨[)(… ونستغفره

وتستحب هذه اخلطبة يف افتتـاح جمــالس التعليـم ، : ( قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ).]١٧٩[( )والوعظ ،واادلة ، وليست خاصة بالنكاح

يا معاذ إين : (أخذ بيده ، وقال وعن معــاذ بن جبل رضي اهللا عنه أن رسول اهللا اللهم أعين على ذكـرك وشــكرك : (واهللا ألحبك فال تدعن يف دبر كل صالة أن تقول

).]١٨٠[) (وحسن عبادتك

.احلديث ) ]١٨١[) (رب أعين ، وال تعن علي: (يدعو ويقول وكان النيب

.فاملسلم مطالب باالستعانة باهللا تعاىل يف فعل املأمورات ، واجتناب املنهيات وكل واحد من : ((إياك نعبد وإياك نستعني : يقول ابن تيمية عند تفسري قوله تعاىل

العبادة واالستعانة دعاء ، وإذا كان قد فرض علينا أن نناجيه وندعوه اتني الكلمتـني يف

، كما أمر ما يف …صالة، فمعلوم أن ذلك يقتضي أنه فرض علينا أن نعبده وأن نستعينه

، واألمر له وألمته، وأمره بذلك يف أم القرآن، ويف غريها، فاعبده وتوكل عليه : قوله

ألمته؛ ليكون فعلهم ذلك طاعة هللا، وامتثاال ألمره، ال تقدما بني يدي اهللا ورسـوله، وإىل

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٢٥صفحة


يقصد يف عبادته وأذكــاره ومناجاتـه، مثـل قولـه يف هذين األصلني كان النيب

منــك ، هــو معــىن : ؛ فإن قوله )]١٨٢[() اللهم هذا منك ولك وإليك : ( األضحية

.)]١٨٣[()) لك، هو معىن العبادة : التوكـــل واالستعانــة ، وقولــه

فإن اإلخالص والتوكل مجاع صالح اخلاصة والعامــة، كمــا : (( وقال يف موضع آخر

، فهــاتان الكلمتــان قد قيــل إياك نعبد وإياك نستعني : أمرنا أن نقول يف صالتنا

.)]١٨٤[()) إــما جتمعان معانــي الكتب املرتلة من السماء

متضمنة ألجل الغايات وأفضل (( إياك نعبد وإياك نستعني ويذكر ابن القيم أن آية

الوسائل، فأجل الغايات عبوديته، وأفضل الوسائل إعانته، فال معبود يستحق العبـادة إال

، وقــد …هو، وال معني على عبادته غريه، فعبادته أعلى الغايات، وإعانته أجل الوسائل

اشتملت هذه الكلمة على نوعي التوحيد، ومها توحيد الربوبية وتوحيد األلوهية، وتضمنت

التعبد باسم الرب، واسم اهللا، فهو يعبد بألوهيته، ويستعان بربوبيته، ويهدي إىل الصـراط

، وهو املنفرد بإعطاء ذلك كله، ال يعني على عبادته سواه، وال يهـدي …املستقيم برمحته

.)]١٨٥[()) سواه

كما أن العبد مطالب بالصرب واالستعانة باهللا تعاىل عند وقوع املصائب واالبتــالءات،

فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون : ، عند وقوع مصيبته وهلذا قال يعقوب

)]١٨٦[( .

واهللا ما أجد يل ولكـم : (( وملا قال أهل اإلفك ما قالوا يف عائشة رضي اهللا عنها قالت

، فربأها اهللا مما فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون : مثال إال أبا يوسف إذ قال

. )]١٨٧[()) قالوا

قال موسى لقومه استعينوا بالله واصـبروا وعندما هدد فرعون موسـى وقومـه ،

قنيتة للماقبالعاده وعب اء منشن يا مورثهلله ي ضإن األر)

]١٨٨[(

، فجاء األمــر علــى

. )]١٨٩[(خالف ما أراد فرعون؛ إذ أعزهم اهللا وأذله، وأرغم أنفه، وأغرقه وجنوده

بـالحق وربنــا قال رب احكم : أنه ملا كذبه قومه وأخرب اهللا تعاىل عن الرسول

الرحمن المستعان على ما تصفون )

]١٩٠[(

، أي واهللا املستعان عليكم فيمــا تقولـون .)]١٩١[(وتفترون من التكذيب واإلفك

اللهم إنا نستعينك، ونـؤمن بــك، : ( يدعو يف قنوته بقوله وكان عمر بن اخلطاب .)]١٩٢[() ونتوكل عليك

اللهم : ((باجلنة، مع بلوى تصيبه، قال عثمان بن عفان وملا بشر الرسول . )]١٩٣[()) صربا، اهللا املستعان

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٢٦صفحة


قل ال حول وال قوة إال باهللا؛ فإا كرت من كنوز : ( ألحد الصحابة وقد قال الرسول تسمى هذه الكلمة كـرتا؛ ألـا (( ، )هـ ٨٥٢ت (يقول ابن حجر . )]١٩٤[() اجلنة

ال حتويـل للعبـد ) ال حول ( ؛ ألن معىن …كالكرت يف نفاسته، وصيانته عن أعني الناس ، وحاصله أن …عن معصية اهللا إال بعصمة اهللا ، وال قوة له على طاعة اهللا إال بتوفيق اهللا

: ويقـول النــووي . )]١٩٥[()) املراد أا من ذخائر اجلنة، أو من حمصالت نفائس اجلنة سبب ذلك أا كلمة اســتسالم وتفــويض إىل اهللا تعــاىل، واعــتراف : قال العلماء ((

فهــي كلمـة عظيــمة تتضمن اعتراف العبد بأنه . )]١٩٦[()) … باإلذعـان له فاالســتعانة ال . ال حتول له من حال إىل حال، وال قوة له على ذلك إال بإعانة اهللا وحــده

تطلب من أي إنسان، إال عند الضرورة، وفيما يقدر عليه فقط، وإذا اضطر العبد االستعانة باملخلوق فيما يقدر عليه، فعليه أن جيعل ذلك وسيلة وسببا، ال ركنا يعتمد عليـه، وإمنــا

. الركن األصيل الذي يعتمد عليه يف الدعاء والسؤال واالستعانة هو اهللا وحده ال شريك له كما أن على العبد إذا احتاج إىل االستعانة باملخلوق، كحمل صندوق مثال، أن ال يشعــر نفسه أن هذه استعانة كاستعانته باخلالق، وإمنا عليه أن يشعر أا كمعونة بعــض أعضائــه

](لبعض، كما لو عجز عن محل شيء بيد واحدة، فإنه يستعني على محله باليد األخــرى ـة ببعــض . )١٩٧[ وعلى هذا فاالستعانة باملخلوق، فيما يقدر عليـه، كاالستعانــ

فإذا وقع العبد يف مكروه وشدة فــال ). فاستعن باهللا : ( األعضاء، فال ينايف ذلك قوله عاىل، وال بأس أن يستعني مبن له قدرة على ختليصه، أو اإلخبار حباله بعد االستعانة بـاهللا تيكون هذا شكوى للمخلوق؛ فإنه من األمور العادية، اليت جرى العرف باستعانة النـاس،

للذي ظن أنه ناج من الفتيني بعضهم ببعض، وهلذا قال يوسف ):

)]١٩٨[

اذكرني

كبر عند )

]١٩٩[(

واملصيبة العظيمة، واخلطر اجلسيم فيمن يسأل أو يستعني بأصحاب . القبور، أو غريهم ممن يسمون باألولياء والصاحلني، سواء أكانوا أمواتــا أم أحيــــاء فيسأهلـــم ويستعني م فيما ال يقدرون عليه من جلب نفع أو دفع ضر، أو رزق ولد، أو دخول اجلنة، أو النجاة من النار، وحنو ذلك مما هو واقع يف بعض البالد، فإن هذا شرك باهللا تعاىل، إذ هو وحده القادر على كل شيء، وما دونه من نيب أو ويل ال ميلـك لنفســه

قـل ال أملـك : لنبيه حممد ، وهلذا قال اهللا جلب اخلري أو دفع الشر إال بإذنه لنفسي نفعا وال ضرا إال ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب الستكثرت من الخيــر ومـا

مسني السوء )

]٢٠٠[(

، ويــدعوه حلصـول ، فهذه اآلية تبني جهل من يقصد النيب نفع، أو دفع ضر، فإنه ليس بيده شيء من األمر، وال ينفع من مل ينفعه اهللا، وال يدفع الضر

:ويقـول . عمن مل يدفعـه اهللا عنــه ، وال لــه من العلــم إال ما علمه اهللا ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على

بنيان المرسالخ وه ة ذلكاآلخرا وينالد سرهه خج١١(و ( هرضا ال يون الله مو من دعدي

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٢٧صفحة


عيدالل البالض وه ذلك هنفعا ال يم١٢(و ( فعـه لبئـسمن ن بأقر هرن ضو لمعدي

شريالع لبئسلى ووالم )

]٢٠١[(

نه ال ، هذه صفة كل مدعو ومعبود مـن دون اهللا، فإالذي بلغ يف البعد حــد ذلك هو الضالل البعيد ميلك لنفسه، وال لغريه، نفعا وال ضرا

النهاية، حيث أعرض عن عبادة النافع الضار، الغين املغين، وأقبل على عبادة خملوق مثلــه، أو دونه، ليس بيده من األمر شيء، بل هو إىل حصول ضد مقصوده أقرب؛ وهلذا قـال

ـل والبــــــــدن، يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ؛ فإن ضـرره يف العقـأي لبئس هذا املعبــود لبئس المولى ولبئس العشري والدنــــيا واآلخرة معلوم،

والقرين، املالزم على صحبته، فإن املقصود من املوىل والعشري حصول النفع، ودفع الضر، وهلذا ينبه اهللا تعاىل على حقــارة . )]٢٠٢[(فإذا مل حيصل شيء من هذا، فإنه مذموم ملوم

يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن :: األصنام، وسخافة عقول عابديها بقوله تعاىل الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شـيئا ال

طلوبالمو الطالب فعض همن نقذوهتس٧٣(ي ( زيزع لقوي ره إن اللهقد قح وا اللهرا قدم )]يقول ابن دقيق العيد يف شرح هذا اجلزء من توجيه رسـول اهللا . )]٢٠٣ البـن

أرشده إال التوكل على مواله، و أن ال يتخذ إهلا سواه، وال يتعلق بغريه، يف مجيع : (( عباس

ومن يتوكل على اللــه فهـو حسبــه : أموره، ما قل منها وما كثر، وقال اهللا تعاىل )

[

، فبقدر ما يركن الشخص إىل غري اهللا تعاىل، بطلبه، أو قلبه، أو بأمله، فقد أعرض )٢٠٤[ومما يــدل . )]٢٠٥[()) عن ربه، مبن ال يضره وال ينفعه، وكذلك اخلوف من غري اهللا

احفظ اهللا حيفظك، احفظ اهللا جتده جتاهك، وإذا سألت فسـأل اهللا، وإذا : ( عليه قوله أن اإلميان يشمل العقائد القلبية، واألقوال، واألعمال، كمــا هـو ) استعنت فاستعن باهللا

اإلميان بضع وسبعون شعبة، أعالهـا (املذهب احلق، وهو قول أهل السنة واجلماعة؛ فإن ، )]٢٠٦[()إماطة األذى عن الطريق، واحلياء شعبة من اإلميان : قول ال إله إال اهللا، وأدناها

ويدل هذا احلديث . وهذه الشعب اليت ترجع إىل األعمال الباطنة والظاهرة كلها من اإلميان العظيم على أنه من نقص التوحيد أن اإلنسان يسأل غري اهللا، وهلذا قال العلماء بكراهيــة

إذا أراد إعانة أحد يسر له العـون، ســواء ، يف قليل أو كثري، واهللا املسألة لغري اهللا أكان بأسباب معلومة أو غري معلومة، فقد يعني اهللا العبد بسبب غري معلوم له، فيدفع عنــه من الشر ما ال طاقه ألحد به، وقد يعينه اهللا على يد أحد من اخللق يسخره له، ويذلله لــه حىت يعينه، ولكن مع ذلك ال جيوز للعبد إذا أعانه اهللا على يد أحد أن ينسى املسبب وهو

.)] )]207اهللا

املبحث السابع واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء مل ينفعوك إال بشـيء : (يف قوله

قد كتبه اهللا لك، وإن اجتمعـوا على أن يضروك بشيء مل يضروك إال بشيء قد كتبه اهللا

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٢٨صفحة


يف هذا الكلمات أن األمة لو اجتمعت واتفقت كلها علــى يبني الرسول ) عليك نفــــع إنســــان بشيء مل يستطيعــــوا نفعه إال بشيء قــد كتبــه اهللا

لذي كتبـه وقـدره . وقدره له، وإن وقع منهم نفع له فإمنا هو من اهللا تعاىل؛ ألنه هو امل : (مل يقل لو اجتمعت األمة على أن ينفعوك بشيء مل ينفعوك، وإمنـا قـال فالرسول

، فالناس ينفع بعضهم بعضا، لكن كل هذا مما كتبه اهللا )ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهللا لك أوال، فهو الذي سخر لك من ينفعك، وحيسن إليك، ويزيـل لإلنسان، فالفضل فيه هللا

وكذلك لو اجتمعت األمة على أن يضروك بشيء مل يضروك إال بشيء قد كتبــه . كربتكواإلميان ذا يستلزم أن يكون اإلنسان متعلقا بربه، ومتكال عليه، ال يهتــم (( اهللا عليك،

بأحد؛ ألنه يعلم أنه لو اجتمع كل اخللق على أن يضروه بشيء مل يضروه إال بشيء قد كتبه اهللا عليه، وحينئــــذ يعلق رجاءه باهللا، ويعتصم به، وال يهمه اخللق، ولو اجتمعـوا عليه، وهلذا جند الناس يف سلف هذه األمة ملا اعتمدوا على اهللا وتوكلوا عليـه مل يضرهــم

ـــوا ال : كيد الكائدين، وال حسد احلاسدين ـبروا وتتقــــ وإن تصـــــــون ـم شــــــيئا إن الله بما يعملـ ـم كيدهــــــ يضركــــ

محــــيط)

]٢٠٩[()) …

)]٢٠٨[(

فاإلميان بالقضاء والقدر، واالعتماد على . اهللا وحده، يف كل الشؤون، سكينة واطمئنان للعبـد، إذ ال يبــايل مبــا يدبـــــره اخللــــق أو يهددونه به، ألنه يعلم أن اخلري والشر بتقدير اهللا تعاىل، والنفع والضـر بإرادته وحكمته سبحانه، فال يســـتطيع أحد من اخللــــق أن حيقـــق للعبد أذى أو ابتالء إال بإذن اهللا تعاىل حلكم يريدها سبحانه، بل اهللا يدافع عنه وينصره ويؤيـده،

كما أن اإلميــان . وكذلك ال يستطيع أحد من اخللق حتقيق منفعة للعبد مل يأذن ا اهللا تعاىل بالقضاء والقدر، ومبا جاء يف هذا اجلزء من احلديث، من أعظم أسباب الشجاعة واإلقـدام واجلهاد، فلن يستطيع األعداء أن يضروا أحدا بشيء مهما خططوا وتآمروا إال بشيء قــد

والشجاعة ليست هي قوة البدن، فقد يكون الرجل قــوي . كتبه اهللا وقدره حلكم أرادها البدن، ضعيف القلب، وإمنا الشجاعة قوة القلب وثباته، فإن القتال مداره على قوة البدن، وصنعته للقتال، وعلى قوة القلب وخربته به، واحملمـــود منــهما مـا كـان بعلــم ومعرفــــة، دون التهـــــور الذي ال يفكر صاحبه، وال مييز بـني احملمــود

فهذا احلديث العظيم يوجب اإلميان بالقضاء والقدر ، وهــو الركــن . )]٢١٠[(واملذموم املرتبـة : السادس من أركان اإلميان، واإلميان به يتضمن اإلميان مبراتبــه األربـع، وهــي

اإلميان بعلم اهللا احمليط بكل شيء، الذي ال يعزب عنه مثقال ذرة يف السمـوات : األولـىوال يف األرض، وأنه تعاىل قد علم مجيع خلقه قبل أن خيلقهم، وعلم أرزاقهــم وأقواهلــم وأعماهلم ومجيع حركام وسكنام، وإسرارهم وعالنيام ومن هو منهم من أهل اجلنــة،

هو الله الذي ال إلــه إال هــو عــالم الغيـب : ومن هو منهم من أهل النار، قال تعاىل

والشهادة)

]٢١١[(

عالم الغيب ال يعـزب عنــه مثقــال ذرة فـي : ، وقال سبحانه

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٢٩صفحة


رال أكبو من ذلك رغال أصض وال في األرات وومالس )

]٢١٢[(

وأن الله : ، وقال

قد أحاط بكل شيء علما )

]٢١٣[(

إن اهللا خلق للجنة أهال خلقهــم هلــا : ( ، وقال ، وملا )]٢١٤[()وهم يف أصالب آبائهم وخلق للنار أهال خلقهم هلا وهم يف أصالب آبائهم

، يقـول شــيخ )]٢١٥[()اهللا أعلم مبا كانوا عـاملني : (عن أوالد املشركني قال سئل نه : (( اإلسالم ابن تيمية يف هذا احلديث أي يعلم من يؤمن منهم ومن يكفر لو بلغوا، مث إ

إذا كان يوم القيامــة : (قال عن النيب جاء يف حديث إسناده مقارب عن أيب هريرة فإن اهللا ميتحنهم، و يبعث إليهم رسوال يف عرصة القيامة، فمن أجابه أدخله اجلنــة، ومــن

فهنالك يظهر فيهم ما علمه اهللا سبحانه، وجيزيهم على ما ظهـر مــن ) عصاه أدخله النار اإلميان بأن اهللا : املرتبة الثانية . )]٢١٦[()) العلم، وهو إميام وكفرهم، ال على جمرد العلم

قال . تعاىل قد كتب مجيع ما سبق به علمه أنه كائن، ويف ضمن ذلك اإلميان باللوح والقلم

وكل شيء أحصيناه في إمام مبني : تعاىل)

]٢١٧[(

إن ذلــك فــي : ، وقال سبحانه

كتاب)

]٢١٨[(

وما تحمل من أنثى وال تضع إال بعلمــه وما يعـمر مـن : ، وقال معــمر وال ينقــــــص من عــــــــمره إال في كـــــتاب

سريلى الله يع إن ذلك )

]٢١٩[(

ما من نفس منفوسة إال وقد كتــب اهللا : (، وقال اإلميــان : املرتبة الثالثة . )]٢٢٠[()مكاا من اجلنة والنار وإال وقد كتب شقية أو سعيدة

مبشيئة اهللا النافذة، وقدرته الشاملة، ومها متالزمتان من جهة ما كان ومـا ســيكون، وال مالزمة بينهما من جهة ما مل يكن وال هو كائن، فما شاء اهللا تعاىل فهو كـائن بقدرتــه ال حمالة، وما مل يشأ اهللا تعاىل مل يكن لعدم مشيئة اهللا إياه، ال لعدم قدرة اهللا عليه، تعاىل اهللا عن

وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات وال في األرض إنه كان عليما قديرا : ذلك

)

]٢٢١[(

وما تشاؤون إال أن يشاء الله : ومن أدلة هــــذه املرتبة قوله . )

]٢٢٢[(

من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صـراط : ، وقولـــه تعالــى

مستقيم)

]٢٢٣[(

إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكــون : ، وقوله تعاىل )

[

إن قلوب بين آدم كلها بني أصبعني من أصابع الرمحن كقلب واحد : (، وقوله )٢٢٤[]()اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتـك : (، مث قال )يصرفه حيث يشاء

ما مـن ذرة يف : املرتبة الرابعة .)٢٢٥[ اإلميان بأن اهللا تعاىل خالق كل شــيء، وأنـه ال السموات وال يف األرض وال فيما بينهما إال واهللا خالقها وخالق حركاا وسكناا،

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٣٠صفحة


الله خالــــق : خالق غريه وال رب ســــواه ، قــــــال تعاىل

كل شيء وهو على كل شيء وكيل )

]٢٢٦[(

هل من خالق غير الله : ، وقال سبحانه

يرزقكم من السماء واألرض )

]٢٢٧[(

الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم : ، وقال تعاىل

يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكــم من يفعل من ذلكــم من شـيء )

]٢٢٨[(

والله خلقكم وما تعملون : ، وقال تعاىل )

]٢٢٩[(

إن اهللا : (مرفوعــا ، وعن حذيفة ظام التوحيـد، كمـا أن اإلميـان . )]٢٣٠[()يصنع كل صانع وصنعته واإلميان بالقدر ن

باألسباب اليت توصل إىل خريه وحتجز عن شره هي نظام الشرع، وال ينتظم أمــر الديــن ويستقيم إال ملن آمن بالقدر وامتثل الشرع، فمن نفى القدر زاعما منافاته للشرع فقد عطل اهللا عن علمه وقدرته، وجعل العبد مستقال بأفعاله خالقا هلا، فأثبت مع اهللا تعاىل خالقا، بل أثبت أن مجيع املخلوقني خالقون، ومن أثبت القدر حمتجا به على الشرع، نافيا عن العبـد

الـذي أمرنــا باإلميـان وليعلم أن اهللا . قدرته واختياره فقد نسب اهللا تعاىل إىل الظلم وقل اعملوا فسيرى اللـه : بالقضاء والقدر، أمرنا بالعمل واألخذ باألسباب، فقال تعاىل

لكممع )

]٢٣١[(

)اعملوا فكل ميسر ملا خلق لــه : (، وقــال الرســـول )

[

، ويف هذا رد على املتخاذلني، املستسلمني ألهوائهم وشهوام، حمتجني بتقدير اهللا )٢٣٢[، مـع تعاىل ذلك عليهم، فعلى املسلم أن حيرص على حسن االتباع ملا جاء به الرسول

إخالص العمل هللا تعاىل، وسالمة العقيدة، واالجتهاد باألخذ باألسباب، والسعـي وبــذل واملؤمنون حقا . اجلهد، فمن ترك األسباب حمتجا بالقدر فقد عصى اهللا تعاىل وخالف شرعه

يؤمنون بالقدر خريه وشره وأن اهللا خالق أفعال العباد، وينقادون للشـرع أمــره ويــه، وحيكمونه يف أنفسهم سرا وجهرا، وأن للعباد قدرة على أعماهلم، وهلــم مشيئـة وإرادة، وأفعاهلم تضاف إليهم حقيقة، وحبسبها كلفوا، وعليها يثابون ويعاقبون، ولكنهم ال يقدرون

قال أبو بكر حممد بن . ]٢٣٣[)(إال على ما أقدرهم اهللا عليه، وال يشاؤون إال أن يشاء اهللا يف اللوح احملفوظ مبا يكون، قد جرى القلم بأمره ): (( هـ٣٦٠ت (احلسنب اآلجري

من بر أو فجور، يثين على من عمل بطاعته من عبيده، ويضيف العمل إىل العباد، ويعدهم ذلك فضل الله عليه اجلزاء العظيم، ولوال توفيقه هلم ما عملوا ما استوجبوا به منه اجلزاء

يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )

]٢٣٤[(

، وكذا ذم قومـا عملــوا مبعصيتـه، وتوعدهم على العمل ا وأضاف العمل إليهم مبا عملوا، وذلك مبقدور جرى عليهم، يضل

.)]٢٣٥[())من يشاء، ويهدي من يشاء

واعلم أن ما أخطأك مل يكن ليصيبك وما أصابك مل يكن : (يف الرواية الثانية وقوله

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٣١صفحة


واعلم أن مــا : (، هو توجيه إىل اإلميان بالقضاء والقدر، خريه وشره، فقوله )ليخطئك؛ ألنه بان بكونه )ليصيبك(مقدرا عليك ) مل يكن (أي من املقادير فلم يصل إليك، ) أخطأك

، )ليخطئــك(مقدرا على غريك ) مل يكن (منها ) وما أصابك (أخطأك أنه مقدر على غريك، أنه قد فرغ ممـا : وإمنا هو مقدر عليك؛ إذ ال يصيب اإلنسان إال ما قدر عليه، ومعىن ذلك

أصابك أو أخطأك من خري وشر، فما أصابك فإصابته لك حمتومة ال ميكن أن خيطئك ومـا ما أصاب من مصيبة في : أخطأك فسالمتك منه حمتومة، فال ميكن أن يصيبك، قال تعاىل

األرض وال في أنفسكم إال في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على اللـه يسـري )

[

]٢٣٦(

قل لن يصيبنا إال ما كتب الله لنا : ، وقال تعاىل )

]٢٣٧[(

: وقال ســبحانه .

اجعهمضــل إلى مالقت هــمليع كتب الذين زرلب وتكــميفي ب ـمكنت قـل لو يا رسول اهللا فيم العمل اليوم ؟ أفيما : وثبت يف احلديث الصحيح أن رجال قال . )]٢٣٨[(

ال بل فيما جفت به األقـالم : (جفت به األقالم، وجرت به املقادير، أم فيما يستقبل ؟ قال .)]٢٣٩[()اعملوا فكل ميسر ملا خلق لـه : (ففيم العمل ؟ قال : قال) وجرت به املقادير

فالبد من اإلميان بأن كل ما يصيب العبد مما يضره وينفعه يف دنياه فهو مقدر عليه، وأنه ال . ميكن أن يصيبه ما مل يكتب له ومل يقدر عليه ولو اجتهد على ذلك اخللق كلهــم مجيعا

ما أصاب من مصيبة إال بإذن الله ومن يؤمن بالله يهـد قلبـه واللـه : قــال تعاىل

ليمء عيبكـل ش )

]٢٤٠[(

يعين أن من أصـابته مصـيبة فعلم أـا بقضـاء اهللا . وقدره، فصرب واحتسب، واستسلم لقضاء اهللا، هدى اهللا قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى يف قلبه ويقينا صادقا، وقد خيلف عليه ما كان أخذ منه، أو خريا منه، روى ابن كثري

يعين يهد قلبه : ومن يؤمن بالله يهــد قلبه : عن ابن عباس أنه قــال، يف قوله تعاىل ](لليقني، فيعلم أن ما أصابه مل يكن ليخطئه، وما أخطـأه مل يكــن ليصيـــــــبه

هذا هو اإلميان بالقدر، واإلميان به واجـــــب، : (( يقول ابن دقيق العيد . )٢٤١[]()) خريه وشــره، و إذا تيقن املؤمن هذا، فما فائدة سؤال غري اهللا واالســتعانة بــه

ومما جيب أن يعلم أن القدر السابق ال مينع العمل، وال يوجب االتكال عليه، بـل . )٢٤٢[يوجب اجلد واالجتهاد، واحلرص على العمل الصاحل وحسن االتباع، وهلذا ملا أخرب النــيب

ا، قال بعضهم ا وجفوف القلمأفال نتكل على كتابنـا : أصحابه بسبق املقادير وجريا

)اعمـــلوا فكل ميسر (وندع العمل؟ فقال )

]٢٤٣[(

فأما : ، مث قــــــرأ ـى واتقى ــنى ) ٥(من أعطـــــ ـدق بالحسـ فسنيسـره ) ٦(وصــــ

لليسرى)

]٢٤٤[(

قدر املقادير وهيأ هلا أسبابا، وهو احلكيم مبا نصبه مــن فاهللا (( .

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٣٢صفحة


األسباب يف املعاش واملعاد، وقد يسر كال من خلقه ملا خلقه له يف الدنيا واآلخرة، فهو مهيأ له ميسر له؛ فإذا علم العبد أن مصاحل آخرته مرتبطة باألسباب املوصلة إليها كان أشد اجتهادا يف فعلها والقيام ا، وأعظم منه يف أسباب معاشه ومصاحل دنياه، وقد فقه هذا كل

]()) ما كنت أشد اجتهادا مــين اآلن : الفقه من قال من الصحابة ملا مسع أحاديث القدر ]()احرص على ما ينفعـك واستعن بــاهللا وال تعجــز : ( وقد قال النبـي . )٢٤٥[أرأيت دواء نتداوى به ورقى نسترقيها هل ترد من : أنه ملا قيل له ، وروى عنه )٢٤٦[

قـدر اخلــري والشـر، ، يعين إن اهللا )]٢٤٧[()هي من قدر اهللا : (قدر اهللا شيئا ؟ قال واألسباب وإن عظمت إمنا تنفــع إذا مل يعارضـها القـدر . )]٢٤٨[(وأسباب كل منهما

والقضاء، فإذا عارضها القدر مل تنفع شيئا، بل ال بد أن ميضي اهللا مــا كتــب يف اللـوح احملفوظ من املوت واحلياة، وعموم املصائب اليت تصيب اخللق، من خري وشر، فكلـهــا

وهذا أمر عظيم ال حتيط به العقول، بــل (( قد كتب يف اللوح احملفوظ، صغريها وكبريها، وهلذا جاء يف احلديـث .)]٢٤٩[()) تذهل عنه أفئدة أويل األلباب، ولكنه على اهللا يسري

ال يؤمن عبد حىت يؤمن بالقــدر خـريه : (قال رسول اهللا : عن جابر بن عبد اهللا قال ]()وشره، حىت يعلم أن ما أصابه مل يكــن ليخطئه، وأن ما أخطـأه مل يكــن ليصيبـه

البن عبـاس واعلم أن مدار مجيع هذه الوصية من النيب : (( يقول ابن رحب . )٢٥٠[نه لــن على هذا األصل، وما بعده وما قبله متفرع عليه وراجع إليه، فإنه إذا علم العبد أيصيبه إال ما كتب اهللا له، من خري أو شر، أو نفع أو ضر، وأن اجتهاد اخللق كلهم مجيعـا على خالف املقدور غري مفيد شيئا البتة، علم حينئذ أن اهللا تعاىل وحده هو الضار النافع ،

، وإفراده باالستعانة والسؤال والتضرع واملعطي املانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه واالبتهال، وإفراده أيضا بالعبادة والطاعة، ألن املعبود إمنا يقصد بعبادته جلب املنافع ودفع

من يعبــد ما ال ينفــع وال يضر، وال يغين عن عابده شــيئا، املضار، وهلذا ذم اهللا وأيضا فكثري ممن ال حيقق اإلميان وقلبه يقدم طاعة خملوق على طاعة اهللا رجاء نفعه أو دفعا لضره، فإذا حتقق العبد تفرد اهللا وحده بالنفع والضر، وبالعطاء واملنع، أوجب ذلك إفراده ضا بالطاعة والعبادة، ويقدم طاعته على طاعة اخللق كلهم مجيعــا، كما يوجب ذلك أي

مث قال أيضا شـارحا .)]٢٥١[()) إفــراده ســبحانه باالســتعانة به والطلب منه باالستعانة، وذلك مث عقب ذلك بذكر إفراد اهللا بالسؤال و إفراده : (( حديث ابن عباس

يشمل حال الشدة وحال الرخاء، مث ذكر بعد هذا كله األصل اجلامع الذي تنبين عليه هذه بالضر والنفع والعطاء واملنع، وإنه ال يصيـب العبـد يف املطالب كلها ،وهو تفرد اهللا

ذلك كله إال ما سبق تقديره و قضاه له، و أن اخللق كلهم عاجزون عن إيصال نفع أو ضر غري مقدر يف الكتاب السابق، و حتقيق هذا يقتضي انقطاع العبد عن التعلق باخللق، وعــن سؤاهلم واستعانتهم ورجائهم جبلب نفع أو دفع ضر، وخوفهم من إيصال ضر أو منع نفع، وذلك يستلزم إفراد اهللا سبحانه بالطاعة و العبادة أيضا، وأن يقدم طاعته على طاعة اخللق

. )]٢٥٢[()) كلهم مجيعا، وأن يتقي ســــخطه، ولو كان فيه سخط اخللق مجيعــا سائر ) وما أصابك مل يكن ليخطئك : (ويف قوله أعظم وقاية ضد القلـق النفسـي، و

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٣٣صفحة


اهلواجس واالضطرابات النفسية، اليت يشتكي منها كثري من الناس، حىت مساها بعضهم مبرض العصر، فمن آمن ذا احلديث اطمأن قلبه وانشرح صدره، وعلم أن كـل ذلـك بقضاء اهللا وقدره، وأنه خري له، فيبتعد عن التضجر والزفرات واحلسرات، جاء يف احلديث

املؤمن القوي خري وأحب إىل اهللا من املؤمن الضعيف، ويف كل خـري، : (الصحيح قوله لو أين فعلت : احرص على ما ينفعك، واستعن باهللا، وال تعجز، وإن أصابك شيء فال تقل

]() قدر اهللا وما شاء فعل؛ فإن لو تفتــح عمـل الشيطـان : كان كذا وكذا، ولكن قل ]٢٥٣(.

املبحث الثامن أي تركت الكتابة يف الصحف، لفراغ )رفعت األقالم وجفت الصحف :( يف قوله

األمر وانربامه منذ أمد بعيد، فقد تقدم كتابة املقادير كلها، فما كتبه اهللا فقد انتهى ورفع، فما أخطئك مل يكن ليصيبك، وما أصابك مل . والصحف جفت من املداد، ومل يبق مراجعة

وهذا يدل على أن ما يف علم اهللا تعاىل، أو ما أثبته سبحانه يف أم الكتـاب . يكن ليخطئك )]٢٥٤[(ثابت ال يتبدل وال يتغري وال ينسخ، وما وقع وما سيقع كله بعلمه تعاىل وتقديره

، وهذه اجلملة من احلديث تأكيد ملا سبق من اإلميان بالقدر، والتوكل على اهللا وحده، وأن ال يتخذ إهلا سواه، فإذا تيقن املؤمن هذا فما فائدة سؤال غري اهللا واالســتعانة به ، وهلذا

أي ال يكون خالف ما ذكرت لك بنسـخ وال ): رفعت األقالم وجفت الصحف : ( قال .)]٢٥٥[(تبديل

ما أصاب من مصيبة في األرض وال في أنفسكـم إال فـي : ويشهد هلذا قوله تعاىل

كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسري)

]٢٥٦[(

: يارب، وما أكتب ؟ قال : اكتب، قال : إن أول ما خلق اهللا القلم، فقال له (وقوله .)]٢٥٧[() اكتب مقادير كل شيء حىت تقوم الساعة

]()كتب اهللا مقادير اخلالئق قبل أن خيلق السموات واألرض خبمسني ألف سنة : (وقوله]٢٥٨(.

من أجله، : فرغ اهللا إىل كل عبد من مخس : (أنه قال عن النيب وعن أيب الدرداء .)]٢٥٩[() ورزقه، وأثره، ومضجعه، وشقي أو سعيد

يا رسول اهللا فيم العمل اليوم ؟ أفيما جفت بــه األقــالم : أن رجال قال وعن جابر ال، بل فيما جفت بـه األقـــــــالم : ( وجرت به املقادير، أم فيما يستقبل ؟ قال

اعملــــوا : ( ففيـــــم العمــــل ؟ قال : قال) وجرت به املقاديـــر .)]٢٦٠[() فكل ميسر

خلق اهللا كل نفس، وكتب حياا، ورزقهـا، : ( قال عن النيب وعن ابن مسعود .)]٢٦١[()ومصائبها

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٣٤صفحة


يف هذا احلديث ويف غــريه، جمموعــة، ) األقالم ( جاءت ) رفعت األقالم : ( ويف قوله :)]٢٦٢[(فدل ذلك على أن للمقادير أقالما، وقد ذكر العلماء أقساما لألقالم، وهي

العام الشامل جلميع املخلوقات، وهو القلم الذي خلقه اهللا وكتب بــه يف : القلم األول اللوح احملفوظ مقادير اخلالئق، وهذا أول األقالم وأفضلها وأجلها، كما دل على ذلك قوله

) : اكتب : يارب، وما أكتب ؟ قال : اكتب، قال : أول ما خلق اهللا تعاىل القلم، فقال له ) .مقادير كل شيء حىت تقوم الساعة

وهو الذي يكتب به وحي اهللا إىل أنبيائه ورسله، وقـد رفــع : قلم الوحي : القلم الثاين ، فهذه األقالم هي )]٢٦٣[(ليلة أسري به إىل مستوى يسمع فيه صريف األقالم النيب

.اليت تكتب ما يوجبه اهللا تبارك وتعاىل من األمور اليت يدبر ا أمر العامل العلوي والسفلي

.، وهو قلم عام أيضا، لكن لبين آدمحني خلق آدم : القلم الثالث

حني يرسل امللك إىل اجلنني يف بطن أمه، فينفخ فيه الروح، ويأمر بأربـع : القلم الرابع إن أحدكم جيمع :( يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، كما قال : كلمات

خلقه يف بطن أمه أربعني يوما، مث يكون علقة مثل ذلك، مث يكون مضغة مثـل ذلــك، مث يكتب رزقه، وأجلــه، وعملــه، : يرسل إليه امللك فينفخ فيه الروح، ويأمر بأربع كلمات

.احلديث )]٢٦٤[() وشقي أم سعيد

املوضوع على العبد، الذي بأيدي الكرام الكاتبني، الذين يكتبــون مـا : القلم اخلامسيعلمون ) ١١(كراما كاتبني ) ١٠(وإن عليكم لحافظني :يفعله بنو آدم، كما قال تعاىل

ما تفعلون )

]٢٦٥[(

.

عن النائم حىت يستيقظ، وانون حىت يعقل، وعــن : رفع القلم عن ثالثة : ( وقوله .)]٢٦٦[() الصيب حىت حيتلم

وقد اختلف العلماء هل القلم أول املخلوقات أو العرش ؟

فقيل بأن العرش قبل القلم لقوله - ) : كتب اهللا مقادير اخلالئق قبـل أن، فهـذا صـريح أن )خيلق السموات واألرض خبمسني ألف سنة، وكان عرشه على املـاء .التقدير وقع بعد خلق العرش، والتقدير وقع عند أول خلق القلم

أول ما خلـق اهللا تعــاىل : ( وقيل بأن القلم أول املخلوقات بدليل قوله - اكتب مقادير كل شيء حىت تقــوم : يا رب وما أكتب ؟ قال : اكتب، قال : القلم فقال له

).الساعة

ولعل القول األول أصح للحديث الصريح الصحيح السابق الذي يدل على أن العرش قال لــه : ( خملـوق قبل تقدير اهللا مقادير اخللق، أما قوله أول ما خلق اهللا القلـم ف

أول ما خلق اللــه : ( عند أول خلقه قال له اكتب، ويدل عليه لفظ : فإن معناه ) اكتب ) القلـم ( و) أول( ، ومحلت رواية الرفع )القلم(و ) أول(، بنصب )القـلم قال له اكتب

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٣٥صفحة


على أن القلم أول املخلوقات من هذا العامل، فيتفق احلديثان؛ إذ حديث القـول األول يدل على أن العرش سابق على التقدير، وحديث القول الثاين يدل على أن التقدير مقارن

.)]٢٦٧[(خللق القلم

]()) كثري يف السلف واخللف (( وقد رجح القول األول ابن تيمية، وذكر أنه مذهب ]٢٦٨(.

إن أول شيء ( :هذا وقد رجح بعض أهل العلم أن القلم أول خملوق، واستدل برواية وفيه : (( ، قال األلباين )]٢٦٩[() خلقه اهللا تعاىل القلم، وأمره أن يكتب كل شيء يكون

، … رد على من يقول بأن العرش هو أول خملوق، وال نص يف ذلك عن رســول اهللا أوىل؛ ألنه نص يف املسألة، وال اجتهاد –ويف معناه أحاديث أخرى –فاألخذ ذا احلديث

يف مورد النص، كما هو معلوم، وتأويله بأن القلم خملوق بعد العرش باطل؛ ألنه يصح مثل هذا التأويل لو كان هناك نص قاطع على أن العــرش أول املخلوقــات كلـها ، ومنهـا

.)]٢٧٠[()) القلـــم ، أما ومثل هذا النص مفقـود، فال جيــوز هذا التأويل

واإلميان باللوح والقلم هو من اإلميان بالقضاء والقدر، وهلذا يذكرمها هل العلم ضمن اإلميان باملرتبة الثانية من مراتب اإلميان بالقدر، وهي مرتبة اإلميان بكتابة املقادير، ويدخـل

: يف هذه املرتبة مخسة من التقادير هي

وهو كتابة املقادير قبل خلق السموات واألرض خبمسني ألــف : التقدير األزيل : األولما أصاب من مصيبة في األرض وال في أنفسكم : سنة، عندما خلق اهللا القلم، قال تعاىل

كتب اهللا : ( ، وقال الرسول إال في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسري وكــان : مقادير اخلالئق قبل أن خيلق السموات واألرض خبمسني ألـف سـنة ، قـال

أكتـب، : أول ما خلق اهللا القلم، فقال له : ( ، وقال )]٢٧١[() عرشـه على املـاء .)]٢٧٢[() أكتب مقادير كل شيء حىت تقوم الساعة : يا رب وماذا أكتب ؟ فقال: فقال

وإذ أخذ ربك من بني آدم من : التقدير العمري، حني أخذ امليثاق، قال تعاىل : الثاين مـوقولـوا يا أن تنهدلى شقالوا ب كمببر تألس لى أنفسهمع مهدهأشو مهتيذر ورهمظه

القيامة إنا كنا عن هذا غافلني )

]٢٧٣[(

، وعن ابن عباس رضي اهللا عنهما عن النيب فأخرج من صلبه كل -يعين عرفه -بنعمان إن اهللا أخذ امليثاق من ظهر آدم : ( قال

ألست بربكم قــالوا بلــى : ذرية ذرأها، فنشرها بني يديه، مث كلمهـم قبال، قال

املبطلون : إىل قولـه تعاىل شهدنا)

]٢٧٤[(

.

هـو :التقدير العمري أيضا، عند ختليق النطفة يف الرحم، قـــال تعاىل : الثالث ــوه كمكوا أنفسزفال ت اتكمهطون أمة في بأجن مإذ أنتض واألر نأكم مإذ أنش بكم لمأعأعلم بكم إذ أنشأكم من األرض وإذا أنتم أجنة يف بطون أمهاتكم فال تزكوا أنفسكم هـو

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٣٦صفحة


أعلم مبن اتقى )

]٢٧٥[(

إن أحدكم جيمع خلقه يف بطن أمه أربعني يوما : ( وقوله نطفة ، مث يكون علقة مثل ذلك ، مث يكون مضغة مثل ذلك ، مث يرسل إليه امللك ، فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربـــع كلمـــات ، يكتب رزقــه ، وأجلـه ، وعملـه ،

) …وشقي أو سعيد )

]٢٧٦[(

.احلديث

أمرا ) ٤(فيها يفرق كل أمر حكيم : احلويل، يف ليلة القدر، قال تعاىل التقدير : الرابع

من عندنا]٢٧٧[

) (.

) كل يوم هو في شأن : التقدير اليومي، قال تعاىل: اخلامس]٢٧٨[

).

وكل هذه التقادير كالتفصيل يف القدر السابق، وهو األزيل الذي أمر اهللا تعاىل القلم (( عمـــر وابن عـــباس عند خلقه أن يكتبه يف اللوح احملفوظ، وبذلك فسر ابن

إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون :قولـــه تعالــى ]٢٧٩[

، وكـل ذلــك )( .)]٢٨٠[()) صادر عن علم اهللا الذي هو صفته تبارك وتعاىل

املبحث التاسع

)تعرف إىل اهللا يف الرخاء يعرفك يف الشدة :(يف قوله

يعين أن العبد إذا اتقى اهللا وحفظ حدوده وراعى حقوقه يف حال رخائه، فقد تعـرف بذلك إىل اهللا، فعرفه ربه يف الشدة، ورعى له تعرفه إليه يف الرخاء، فنجاه من الشدائد ذه

. املعرفة

املعرفة العامة، وهي معرفـة –أحدمها : (( يذكر ابن رجب أن معرفة العبد لربه نوعان . اإلقرار به واإلميان، وهذه عامة للمؤمنني

)).معرفة خاصة تقتضي ميل القلب إىل اهللا بالكلية، واالنقطاع إليه -والثاين

معرفة عامة، وهي : األول :كما يذكر ابن رجب أن معرفة اهللا لعبده نوعان، أيضا، مها هو أعلم بكم إذ أنشأكم من األرض وإذ : علمه تعاىل بعباده واطالعه عليهم، قال تعاىل ـم ـم أجــنة في بطون أمهاتكــ ولقد خلقنا اإلنسان ونعلـم : وقال تعاىل أنتـ

هفسبه ن وسسوا تم .

معرفــــــة خاصــــة، وهــي تقتضـــــي احملبـــــة : والثاين . )]٢٨١[(وإجابة الدعاء وحنو ذلك

أي حتـب : بتشديد الــراء) تعرف ( ، …(( ):هـ ١٠٥٧ت ( ويقول ابن عالن بالدأب يف الطاعات، واإلنفاق يف وجوه القرب واملثوبات، حىت تكون ) إىل اهللا يف الرخاء (

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٣٧صفحة


بتفرجيها عنك، وجعله لك من كل ) يعرفك يف الشدة ( متصفا عنده بذلك، معروفا به، .)]٢٨٢[()) ضيق فرجا، ومن كل هم خمرجا، بواسطة ما سلف منك من ذلك التصرف

أي املعرفة اخلاصة اليت تقتضي النصر والتأييـد ): يعرفك يف الشدة ( واملراد بقوله وما يزال عبدي يتقرب إيل بالنوافل حىت أحبه، : ( فيما يرويه عن ربه والقرب، قال

فإذا أحببته كنت مسعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده اليت يبطش ا ورجلــه .)]٢٨٣[() اليت ميشي ا، ولئن سألين ألعطينه، ولئن استعاذين ألعيذنه

فمىت تعرف العبد إىل اهللا يف الرخاء املعرفة التامة اخلاصة، وذلك حبرصه على إكمــال ، عرفه اهللا يف كل وقت، وخباصة يف إخالص عبادته، وخضوعه هللا تعاىل، واتباعه لرسوله

وقت الشدائد والكرب، فينصره اهللا ويؤيده، ويسدده يف مسعه وبصره، ويـده ورجلــه، . ويعطيه سؤاله، ويعيذه وحيفظه

من سره أن يستجيب اهللا له عند الشدائد والكرب؛ فليكــثر الــدعاء يف : ( يقول .)]٢٨٤[() الرخاء

وإن يونــس : إمنا جناه اهللا بـسبب ذكــره اهللا يف الرخاء، قال تعاىل ويونس لنيسرالم ١٣٩(لمن ( ونحشإلى الفلك الم قإذ أب)١٤٠ ( ضنيحدالم فكان من ماهفس

)١٤١ ( ليمم وهو وتالح هقمفالت)١٤٢ ( حنيبسالم كان من هال أنفلو)للبث في ) ١٤٣

بطنه إلى يوم يبعثون )

]٢٨٥[(

.

يعين يونس كان من املصلني هللا، قبــل ) فلوال أنه : (يقول تعاىل ذكره : (( يقول الطربي ... البالء، الذي ابتلي به من العقوبة باحلبس يف بطن احلوت، للبث يف بطنه إىل يوم يبعثون

قذه وجنــاه ]()) ، ولكنه كان من الذاكرين اهللا قبل البالء، فذكره اهللا يف حال البالء؛فأنقيل لوال ما تقدم لــه مـن العمـل يف : (( ، وأشار إىل هذا القول ابن كثري بقوله )٢٨٦[

بن عبــاس )]٢٨٧[(. مت نسبه إىل بعض أهل العلم )) الرخاء ](واستدل عليه حبـديث ا، وقيل معناه لوال أنه سبح اهللا يف بطن احلوت، وقال ما قال من التهليل والتسبيح، )٢٨٨[

. )]٢٨٩[(والتوبة إىل اهللا

قال آمنت أنه ال إلـــه إال الـذي وفرعون كان طاغيا باغيا، فلما أدركه الغرق

آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمني )

]٢٩٠[(

آآلن وقـد : فقال اهللا تعاىل لـه

فسدينالم من كنتل وقب تيصع )

]٢٩١[(

، أي أهذا الوقت تقول، وقد عصيـت اهللا قبل هذا فيما بينك وبينه، وكنت من املفسدين يف األرض الذين أضلوا الناس، فهو سبحانه

.)]٢٩٢[(يبني أن هذا اإلميان يف هذه احلالة غري نافع له

ومن اتقــــى اهللا يف مجيـــتع أحواله جعل اهللا له خمرجا من املضائق واحملــن،

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٣٨صفحة


ويرزقه من حيث ال يحتسب ) ٢(ومن يتق الله يجعل له مخرجا : يقول اهللا تعاىل أي من يتق اهللا جيعل له خمرجا وجناه من كل كرب يف الدنيا واآلخرة، ومن كــل )]٢٩٣[(

أنه شيء ضاق على الناس، ويرزقه من جهة ال ختطر بباله، وهلذا يروى عن ابن مسعود فكل من اتقـى اهللا والزم (( ، )]٢٩٤[(قال عن هذه اآلية بأا أكرب آية يف القرآن فرجا

مرضاته يف مجيع أحواله، فإن اهللا يثبته يف الدنيا واآلخرة، ومن مجلة ثوابه أن جيعل له فرجـا ، ويســــوق اهللا الـــــرزق … وخمرجا من كل شــــدة ومشـــــقة ، .)]٢٩٥[()) للمتقــــي من وجه ال حيتسبه وال يشعر به

وإذا كان من يتقي اهللا جيعل له فرجا وخمرجا، فإن مـن مل يتـق اهللا يقــع يف اآلصـار ، قـال )]٢٩٦[(واألغالل والشدائد اليت ال يقدر على التخلص منها، واخلروج من تبعاا

إن ينصركم الله فال غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده : تعاىل )

[

]٢٩٧( .

إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم المالئكة أال تخـافوا : وقال تعاىل نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي ) ٣٠(وال تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون

نزال من غفور رحيم ) ٣١(اآلخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون )

[

]٢٩٨(.

ــتقاموا فــال : وقوله سبحانه ـوا ربنا اللــه ثــم اســــ إن الذين قالـــون ـوف عليهم وال هم يحزنـ أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما ) ١٣(خـ

كانوا يعملون)

]٢٩٩[(

.

فمن عــــرف اهللا واســــتقام على شرعه ترتلت عليه املالئكــة بأن ال خياف وال حيزن، ويبشرونه باجلنة، وذلك عند موته ويف قربه وحني يبعث، وقيل بأن هـذا الترتل عند االحتضار، والصحيح بأنه يف األحوال الثالثة املذكورة آنفا؛ وهلذا قال ابن كثري

: بعد ذكره أن البشارة من املالئكة للعبد تكون عند املوت، ويف القـرب، وحـني البعــث .)]٣٠٠[())وهذا القول جيمع األقوال كلها، وهو حسن جدا، وهو الواقع ((

عرف إىل ) تعرف إىل اهللا يف الرخاء يعرفك يف الشدة : ( وإذا علم من قوله أن التاهللا يف الرخاء يؤدي إىل معرفة اهللا لعبده يف الشدة، وعلم بأن شدة املـوت مـن أعظــم الشدائد اليت يلقاها العبد املؤمن، فالواجب املبادرة باالستقامة واالستعداد للموت باألعمال الصاحلة وإخالصها هللا وحده ال شريك له، فهي السبيل إىل ترتل املالئكة على العبد املؤمن عند االحتضار بأال خياف وال حيزن والبشارة له باجلنة؛ كل ذلك يف وقت الشدائد والكرب عند املوت، ويف القرب، وحني البعث، فال بد من االستعداد لتلك األهوال العظيمة؛ فإن املرء

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٣٩صفحة


.ال يدري مىت يفاجئه املوت، ويقبل على تلك الشدائد

إن : يقول تعــاىل ذكــره : (( يقول الطربي يف تفسري اآليات السابقة يف سورة فصلت الذين قالوا ربنا اهللا وحده ال شريك له، وبرئوا من اآلهلة واألنداد، مث استقاموا على توحيد

، تتهبــط …اهللا، ومل خيلطوا توحيد اهللا بشرك غريه به، وانتهوا إىل طاعته فيما أمر وـى ال ختافوا ما تقدمون عليه من بعد مماتكم، : ، قائلة …عليهم املالئكة عند نزول املوت م

وأبشـروا : ، وقيل إن ذلك يف اآلخرة، وقولـه …وال حتزنوا على ما ختلفونه وراءكم وسروا بأن لكم يف اآلخرة اجلنة اليت كنتم توعدوـا : يقول بالجنة التي كنتم توعدون

)]٣٠١[()) يف الدنيا على إميانكم باهللا واستقامتكم على طاعته

إن الذين قالوا ربنا اهللا الذي ال : يقول تعاىل ذكره : (( ويقول يف تفسري آية األحقاف إله غريه مث استقاموا على تصديقهم بذلك فلم خيلطوه بشرك، ومل خيالفوا اهللا يف أمره ويه، فال خوف عليهم من فزع يوم القيامة وأهواله، وال هم حيزنـــون على ما خلفـــوا

: يقول تعاىل ذكره أولئك أصحاب اجلنة : وراءهــــم بعد ممام، وقولـه تعاىل ماكثني : يقول خالدين فيها هؤالء الذين قالوا هذا القول واستقاموا أهل اجلنة وسكاا

ثوابــا منـا هلــم، آتينـاهم ذلـك علــى : يقول جزاء مبا كانوا يعملون فيها أبدا، .)]٣٠٢[()) أعمالــــهم الصاحلة، اليت كانوا يف الدنيا يعملوا

فال بد من االستقامة على شرع اهللا، واحلرص على سالمة التوحيد مما قد يشوبــه، يف حال الصحة والرخاء، ويف مجيع األحوال، واالستعداد للقاء اهللا، فمن عرف اهللا يف هــذه األحوال عرفه اهللا عند الشدائد فكان معه بتأييده وتوفيقه، يعينه ويتـواله، ويثبتــه علــى التوحيد، يف احلياة وعند املمات، ومن نســي اهللا يف حال صحته ورخائــــــه،

يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللـه :ولــــم يستعد للقائه نســــيه اهللا، قال تعاىلوال تكونوا كالذين ) ١٨(ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبري بما تعملون

نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون )

]٣٠٣[(

.

وجيب التعرف إىل اهللا يف رخاء العيش، وتكاثر األموال، وذلك بأن تكـون مصادرهــا حالال، بعيدة عن الربا، وحنوه، وأن تؤتى زكاا، وينفق على أوجه اخلري منها، وحيذر مـن الطغيان واإلنفاق على احملرمات واملنهيات، فمن تعرف إىل اهللا يف أمواله، وتصرف فيها وفق الشرع احلكيم عرفه اهللا يف الشدة، و ذلك بأن يسهل له أبواب الرزق، ويسدده الستعماله

ومن يتق الله : على الوجه املطلوب شرعا، ويلهمه شكره ومحد اهللا تعاىل عليه، قال تعاىل

ويرزقه من حيث ال يحتسب ) ٢(يجعل له مخرجا )

]٣٠٤[(

وألـو : ، وقال سـبحانه

استقاموا على الطريقة ألسقيناهم ماء غدقا )

]٣٠٥[(

ولـو : ، وقال عن أهل الكتـاب ـم ألكلوا من فوقهم ومن أنهم أقاموا التوراة واإلجنيل وما أنزل إليهــم من ربهـــ

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٤٠صفحة


تحت أرجلهم)

]٣٠٦[(

، أي لو أم عملوا مبا يف الكتب اليت بأيديهم عن األنبيـاء على ما هي عليه، من غري حتريف وال تبديل، وال تغيري، لقادهم ذلــك إىل اتبــاع احلـق،

؛ فإن كتبهم ناطقة بتصديقه، واألمر باتباعه، حتما والعمل مبقتضى ما بعث اهللا به حممدا يعين بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء، والنابت ) …ألكلوا ( ال حمالة، ومن مث .)]٣٠٧[(هلم من األرض

يـا : ( فقـال أقبل علينا رسول اهللا : قال وعن عبد اهللا بن عمر رضي اهللا عنهما مل تظهر الفاحشة يف قوم : معشر املهاجرين، مخس إذا ابتليتم ن، وأعوذ باهللا أن تدركوهن

قط، حىت يعلنوا ا، إال فشا فيهم الطاعون واألوجاع اليت مل تكن مضت يف أسالفهم الذين .مضوا

.ومل ينقصوا املكيال وامليزان، إال أخذوا بالسنني، وشدة املؤونة، وجور السلطان عليهم

.ومل مينعوا زكاة أمواهلم، إال منعوا القطر من السماء، ولو ال البهائم مل ميطروا

ومل ينقضوا عهد اهللا وعهد رسوله، إال سلط اهللا عليهم عدوا من غريهم، فأخذوا بعض .ما يف أيديهم

]() وما مل حتكم أئمتهم بكتاب اهللا، ويتخريوا مما أنزل اهللا، إال جعل اهللا بأسهم بينــهم ]٣٠٨(

ما نقض قوم العهد قط إال كان القتل بينهم، وما ظهرت فاحشة يف قـوم : ( ويف رواية ]() عليهم املوت، وال منع قوم الزكاة، إال حبس اهللا عنهم القطــر قط إال سلط اهللا

]٣٠٩(.

فمن عمل هللا بالطاعة يف مجيع أوقاته، وال سيما يف الرخاء، عرفه اهللا يف الشدة ووجـده جتاهه ينصره ويؤيده ويفرج عنه، كما جرى للثالثة الذين أصام املطـر فــأووا إىل غــار

انظروا ما عملتم من األعمال الصاحلة، فاسألوا : فاحندرت صخرة فانطبقت عليهم، فقالوا اهللا تعاىل ا، فإنه ينجيكم، فذكر كل واحد منهم سابقة سبقت له مع ربـه يف الرخــاء،

.)]٣١٠[(فاحندرت عنهم الصخرة، فخرجوا ميشون

املبحث العاشر

)واعلم أن النصر مع الصرب :( يف قوله

جيب على كل مسلم أن يعلم علم اليقني أن النصر مع الصرب، فإذا صرب وفعل ما أمره اهللا به من وسائل النصر؛ فإن اهللا تعاىل ينصره؛ ألن العدو يصيب اإلنسان من كل جهة فقد يشعر اإلنسان أنه لن يطيق عدوه فيستحسر ويدع اجلهاد، وقد يشرع يف اجلهـاد، فـإذا أصابه األذى استحسر، وتوقف، وقد يستمر، فيصيبه األمل من عدوه، فيكون عرضة لليأس واخلذالن، فهذه األمور كلها جيب الصرب عليها، واحلذر من اليأس وأسبابه، وليعلم املسلم

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٤١صفحة


أن الصرب من أعظم أسباب النصر )

]٣١١[(

والتهنوا وال تحزنوا وأنتم : ، قال تعاىل مننيؤم من إن كنتلو١٣٩(األع ( اماألي تلكو ثلهم حقر مالقو سم فقد حقر كمسسمإن ي

الظالمني حبال ي اللهاء ودهش خذ منكمتيوا ونآم الذين الله لمعلياس والن نيا باولهدن)

[

]٣١٢(.

يف هاتني اآليتني خياطب اهللا تعاىل عباده املؤمنني ملا أصيبوا يوم أحد، وقتل منهم سبعون، وال حتزنوا وأنتـم أي ال تضعفـــوا بسبب ما جرى وال نوا : مسليا هلم قائال

إن ميسكم قرح فقــد أي العاقبة والنصر لكم أيها املؤمنون، األعلون إن كنتم مؤمنني أي إن كنتم قد أصابتكم جراح، وقتل منكم طائفة فقـد أصــاب مس القوم قرح مثله

وتلك األيام نداوهلا بني الناس : أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح، مث قال تعاىل أي نديل عليكم األعداء تارة، وإن كانت لكـــــم العاقبــــة ملا لنا يف ذلــك

أي لنرى من يصـرب علـى وليعلم اهللا الذين آمنوا : من احلكمــة؛ وهلذا قال تعاىل يعين يقتلون يف سبيله، ويبـذلون مهجهــم يف ويتخذ منكم شهداء مناجزة األعداء،

، أي )]٣١٣[(وليمحص اهللا الذين آمنوا وميحــق الكـافرين : مرضاته، مث قال تعاىل يكفر عنهم ذنوم، إن كانت هلم ذنوب، وإال رفع هلم يف درجام حبسب ما أصيبوا بــه، أما الكافرون فإم إذا ظفروا وبغوا وبطروا فيكون ذلك سبب دمارهم وهالكهم وحمقهم

)]٣١٤[(. وفنائهم

يقول تعاىل مشجعا لعباده املؤمنني، : (( ومن كالم السعدي يف تفسري هذه اآليات قوله وال نوا أو تضعفــوا يف : أي وال نوا وال حتزنوا ومقويا لعزائمهم، ومنهضا هلممهم،

أبدانكم، وال حتزنوا يف قلوبكم عندما أصابتكم املصيبة، وابتليتم ذه البلوى؛ فإن احلزن يف القلوب، والوهن على األبدان، زيادة مصيبة عليكم، وأعون لعدوكم عليكم، بل شـجعوا نه ال قلوبكم، وصربوها، وادفعوا عنها احلزن، وتصلبوا على قتال عدوكم، وذكر تعاىل أيليق م الوهن واحلزن، وهم األعلون يف اإلميان، ورجاء نصر اهللا وثوابــه، فاملؤمـــن

)]٣١٥[()) …املبتغــي ما وعد اهللا من الثواب الدنيوي واألخروي ال ينبغي له ذلك

وال تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تـألمون : وقال تعاىل

وترجون من الله ما ال يرجون وكان الله عليما حكيما)

]٣١٦[(

أي ال تضعفوا يف طلب عدوكم، بل جدوا فيهم، وقاتلوهم، واقعدوا هلم كل مرصـد، فكما يصيبكم اجلراح والقتل، كذلك حيصل هلم، وأنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم وإياهم صر والتأييـد كمـــــا من اجلراح واآلالم، ولكن أنتم ترجون من اهللا املثوبة والن

، وهم ال يرجون شيئا من وعدكـــــم إياه يف كتابــــه وعلى لسان رسوله ا، وهــو ذلك، فأنتم أوىل باجلهاد منهم، وأشد رغبة فيه، ويف إقامة كلمة اهللا وإعال

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٤٢صفحة


أعلم وأحكم فيما يقدره ويقضيه، وينفذه وميضيه يف أحكامه الكونية والشرعية، فــإذا .)]٣١٧[(صرب اإلنسان وصابر ورابط؛ فإن اهللا سبحانه ينصره

فهذه النصائح والتوجيهات توجب للمؤمن املصدق زيادة القوة، وتضاعف النشـاط، والشجاعة التامة؛ ألن من يقاتل ويصرب على نيل عزه الدنيوي، إن ناله، ليس كمن يقاتـل

. )]٣١٨[(ويصرب لنيل السعادة الدنيوية واألخروية، والفوز برضوان اهللا وجنته

تنبيه على أن النـاس يف هــذه الـدار ) واعلم أن النصر مع الصرب : ( ويف قوله معرضون للمحن واملصائب وطروق املنغصات واملتاعب، ال سيما الصاحلون منهم، فينبغي للمسلم أن يصرب وحيتسب، ويرضى بالقضاء والقدر، وينتظر وعد اهللا تعاىل له بأن عليــه

ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع : صلوات من ربه ورمحة وبأنه املهتدى، قال تعاىل ابرينر الصشبات ورالثماألنفس وال وواألم نقص منة ) ١٥٥(وصيبم مهتابإذا أص الذين

أولـئك عليهـــم صلوات من ربهم ورحمة ) ١٥٦(قالوا إنا لله وإنـا إليه راجعون

أولـئكون ودتهالم مه)

]٣١٩[(

، فالنصر من اهللا تعاىل للعبد على مجيع أعـداء دينــه على طاعته، وعن معصيته، فهو سبب للنصر، وهلــذا فـإن ) مع الصرب ( ودنياه إمنا يوجد

الغالب على من انتصر لنفسه عدم النصر والظفر، وعلى من صرب ورضي بقضاء اهللا تعاىل . )]٣٢٠[(وحكمه تعجيلهما له كما هو املعهود من مزيد كرمه وإحسانه

ولئن صبرتم لهو خير للصابرين : وهلذا يقول اهللا تعاىل )

]٣٢١[(

؛ ألنــه ســبب لنصرهم على أعدائهــم وأنفســهـــم وإعـــالء لدرجاـــم ، وقـال

كم من فئة قليلة غلبــت فئة كثرية بإذن الله والله مع الصابرين : تعاىل)

]٣٢٢[(

.

.…ولنبلونكم بشيء من اخلوف واجلـوع : يقول السعدي يف تفسري قوله تعاىل أخرب تعاىل أنه ال بد أن يبتلي عباده باحملن؛ ليتبني الصادق من الكاذب، واجلازع : (( اآليات

من الصابر، وهذه سنته تعاىل يف عباده؛ ألن السراء لو استمرت ألهل اإلميان، ومل حيصــل معها حمنة، حلصل االختالط الذي هو فساد، وحكمة اهللا تقتضي متييز أهل اخلري من أهـل

، فهذه األمور ال بد أن تقع، ألن العليم اخلبري أخرب ا فوقعــت …الشر، هذه فائدة احملن جازعني وصابرين، فاجلـازع حصلـت لـه : كما أخرب، فإذا وقعت انقسم الناس قسمني

املصيبتان، فوات احملبوب، وهو وجود هذه املصيبة، وفوات ما هو أعظم منها، وهو األجر بامتثال أمر اهللا بالصرب، ففاز باخلسارة واحلرمان، ونقص ما معه من اإلميان، وفاته الصــرب

. والرضا والشكران، وحصل له السخط الدال على شدة النقصان

وأما من وفقه اهللا للصرب عند وجود هذه املصائب، فحبس نفسه عن التسخــط قـوال وفعال، واحتسب أجرها عند اهللا، وعلم أن ما يدركه من األجر بصربه أعظم من املصيبــة اليت حصلت له، بل املصيبة تكون نعمة يف حقه؛ ألا صارت طريقا حلصول ما هو خري له

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٤٣صفحة


…وبشر الصابرين : وأنفع منها؛ فقد امتثل أمر اهللا، وفاز بالثواب؛ فلهذا قال تعاىل م يوفون أجرهم بغري حساب، فالصابرون هم الذين فـازوا بالبشــارة : أيرهم بأبش

.. …، فكون العبد هللا، وراجعا إليه، من أقوى أسباب النصر…العظيمة، واملنحة اجلسيمة

ودلت هذه اآلية على أن من مل يصرب فله ضد ما هلم، فحصل له الذم من اهللا، والعقوبة ، فقد اشتملت هاتان اآليتان علــى …والضالل واخلسارة، فما أعظم الفرق بني الفريقني

توطني النفوس على املصائب قبل وقوعها؛ لتخف وتسهل إذا وقعت، وبيان ما تقابل به إذا وقعت، وهو الصرب، وبيان ما يعني على الصرب، وما للصابرين من األجر، ويعلم حال غــري

. )]٣٢٣[()) … الصابر بضد حال الصابر

إن أمره كله خري، وليس ذاك ألحد إال للمؤمن، إن . عجبا ألمر املؤمن : ( ويقول . )]٣٢٤[ ()أصابته سراء شكر فكان خريا له، وإن أصابته ضراء صرب فكان خريا له

إن اهللا إذا أحب قوما ابتالهم، فمن صرب فله الصرب، ومــن جــزع فلــه : ( وقال ، يدل هذا احلديث على أن صاحب البالء يكون حمبوبا عند اهللا تعاىل إذا )]٣٢٥[()اجلزع

. صرب على البالء ورضي بقضاء اهللا

ومن األدلة اليت تؤكد أن النصر مع الصرب كثرة اآليات واألحاديث اليت تأمر بالصـرب يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا اللــه : قوله تعاىل : عند لقاء العدو، منها

كثريا لعلكم تفلحون)

]٣٢٦[(

فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتيـن وإن : ، وقوله

ابرينالص عم اللهن بإذن الله ووا ألفيلبغي ألف نكمكن مي )

]٣٢٧[(

، وقوله تعاىل يف قصة فلمـا جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا ال طاقة لنا اليوم بجالوت وجنـوده : طالوت

ــعم اللــهة بإذن الله وفئة كثري تن فئة قليلة غلبالقو الله كم مم مهون أنظني قال الذين

الصابرين)

]٣٢٨[(

بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكــم من فورهـــم : ، وقولـه

منيوسآلئكة مالم نة آالف مسمكم بخبر كمددمـذا يه)

]٣٢٩[(

يا أيهــا : ، وقوله

الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)

]٣٣٠[(

.

.)]٣٣١[() ال متنوا لقاء العدو، فإذا لقيتموهم فاصربوا : ( وقوله

واملسلم يف هذه احلياة معرض لفنت كثرية، ومعارك متنوعة، وابتــالءات يف األمــوال واألنفس، وأذى من املشركني واملخالفني، وأعظم أسباب االنتصار على كل هذا العقيـدة

لتبلــون فــي : السليمة، والعمل الصـــاحل، والصرب واالحتسـاب، قــال تعــاىل لكــممن قب ابوا الكتأوت الذين من نعـم ـم وأنفسكم ولتســـــ أموالكـــ

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٤٤صفحة


ـبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم األمــور ومن الذين أشركوا أذى كثريا وإن تصـــ )]٣٣٢[(.

سببا لعلو الدرجة، وعظيم األجر، كما (( وإذا عظمت احملنة كان الصرب للمؤمن الصاحل األنبياء، مث الصاحلون، مث األمثل فاألمثل، يبتلى : ( أي الناس أشد بالء ؟ قال سئل النيب

الرجل على حسب دينه؛ فإن كان يف دينه صالبة زيد يف بالئه، وإن كان يف دينه رقة خفف ، )]٣٣٣[() عنه، وما يزال البالء باملؤمن حىت ميشي على األرض وليس عليــه خطيئـة

وحينئذ حيتاج من الصرب إىل ما ال حيتــــــاج إليه غيـــــره، وذلــك هــو وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمـا : ســـــبب اإلمامة يف الدين كما قال تعاىل

صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )

]٣٣٤[(

، فالبد من الصرب على فعل احلسن املأمور، وتـرك السيئ احملظور، ويدخل يف ذلك الصرب على األذى، وعلى ما يقال، والصرب على ما يصيبه من املكاره، والصرب عن البطر عند النعم، وغري ذلك من أنواع الصرب، وال ميكن العبـد أن

؛ فاحلاجة إىل السماحة والصرب ..يصرب إن مل يكن له ما يطمئن له، ويتنعم به، وهو اليقني، فالــذي . )]٣٣٥[ ())عامة جلميع بين آدم، ال تقوم مصلحة دينهم وال دنياهم إال مــا

يستقيم على شرع اهللا وحيفظ حدوده ، ويصرب على العبادة ، وعلـى مــا يصيبـه مــن االبتالءات ، ويرضى بقضاء اهللا وقدره ، يتواله اهللا ، ويوصل إليه مصاحله، وييســر لــه منافعه الدينية والدنيوية ، وينصره على عدوه ، ويدفع عنه كيد الفجار وتكالب األشرار ،

فاعلموا أن الله موالكم نعم المولى ونعم النصري : قال تعاىل )

]٣٣٦[(

، ومن كان اهللا ](مواله وناصره فال خوف عليه، ومن كان اهللا عليه فال عز له، وال قائمــة تقـوم لــه

]٣٣٧(.

فالصرب أمر واجب ال بد منه ؛ فإن اهللا تعاىل أمر بالصرب ووعد عليه األجــر العظيــم ،

إنما يوفى الصابرون أجرهم بغيـر حسـاب : قــال تعالــى )

]٣٣٨[(

، وقــال الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على مــا ) ٣٤(وبشر المخبتني : سبحانه

مهابأص )

]٣٣٩[(

والصابرين في البأساء والضراء وحني البأس أولـئــك : ، وقال

ـقون ــــــوا وأولـئك هــم المتـ الذين صدقـ)

]٣٤٠[(

: ، وقـال

كماربأخ لوبنو ابرينالصو منكم اهدينجالم لمعى نتح كمنلوبلنو )

]٣٤١[(

.

من يتصبر يصبره اهللا ، وما أعطى أحد عطاء خريا وال أوسع من : ( ويقول الرسول .)]٣٤٢[() الصرب

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٤٥صفحة


.)]٣٤٣[()) وجدنا خري عيشنا الصرب: (( وهلذا قال عمر بن اخلطاب

: كما جيب أن يكون الــــصرب عند الصدمة األوىل للمصيبة أو احلادثة، قال .)]٣٤٤[() إمنا الصرب عند الصدقة األوىل (

واملعىن إذا وقـــع الثبات أول شــيء يهجـــم على : (( قــال ابن حجر القلب من مقتضــيات الـجـــزع فذلك هو الصــرب الكامـــــــل ،

ـ ٣٨٨ت(، مث نقل قول اخلطايب )]٣٤٥[()) الذي يترتــب عليه األجـــر ): هـاملعىن أن الصرب الذي حيمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة املصيبة، خبالف ما بعد ذلك ((

. )]٣٤٦[()) فإنه على األيام يسلو

فالصرب واجب يف كل األحوال، فيجب الصرب على العبادة وإقامة شــرع اهللا تعــاىل، وجيب الصرب وحبس النفس عن احملرمات واملنهيات، وجيب الصرب عند وقــوع املصائـب

. واالبتالءات، ويف ميادين القتال ومنازلة الكفار

أما بالنسبة إىل الرضا بالقضاء، فيختلف حكمه باختالف األمور السابقة؛ فإن الرضــا بالواجبات الشرعية واجب من حيث إنه قدر اهللا وقضاؤه، ومن حيث املقضي إذ الرضـا من حيــث بالواجبات الشرعية والعمل ما واجب، أما بالنسبة للمعاصي واحملرمـات فالقضاء الذي هو فعل اهللا فيجب الرضا و أن اهللا تعاىل حكيم ولـوال حكمتــه اقتضـت

وهو معصية اهللا والوقوع يف احملرمات فيجـب وجودها ما وقعت، وأما من حيث املقضي ا عدم الرضا ا والسعي إلزالتها، أما املصائب واالبتالءات فيجب الرضا ا من حيث إهل قضاء اهللا وفعله، أما الرضا من حيث وقوعها على العبد فإنه مستحب عند مجهـور أ

. )]٣٤٧[(العلم

وأما الفرق بني الصرب والرضا؛ فإن الصرب كف النفس و حبسها عن التسخـط مـع وجود األمل، والرضا يوجب انشراح الصدر وسعته، وإن وجد اإلحساس بأصل األمل، لكن

.)]٣٤٨[(الرضا خيفف اإلحساس باألمل

أم بـأي : بأي كتـاب : أوال: فيقال) الرضا بالقضاء ( وأما حديث : (( يقول ابن القيم سنة، أم بأي معقول علمتم وجوب الرضا بكل ما يقضيه ويقدره ؟ بل جبواز ذلك، فضــال

شيء منـها األمـر عن وجوبه ؟ هذا كتاب اهللا وسنة رسوله ، وأدلة العقول ليس يف كل بذلك، وال إباحته، بل من املقضي ما يرضى به، ومنه ما يسخطه وميقته، فال نرضى ب

وهــو فعل قائم بذات الرب تعــاىل ؛ و ) قضاء ( هاهنا أمران : ثانيا: ، ويقال ..قضاء وهو املفعول املنفصل عنه، فالقضاء خري كله، وعدل وحكمة، فريضى به كله، ) مقضي (

القضــاء لــه : ثالثا: ، ويقال …واملقضي قسمان، منه ما يرضى به، ومنه ما ال يرضى به تعلقه بالرب تعاىل، ونسبته إليه، فمن هذا الوجه يرضى به كله، الوجـه : أحدمها: وجهانتعلقه بالعبد، ونسبته إليه، فمن هذا الوجه ينقسم إىل ما يرضى به، وإىل ما ال يرضى : الثاين

)]٣٤٩[()) به

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٤٦صفحة


هل هو (( ويف موضــع آخر ذكر ابن القيم أن الناس تنازعــوا يف الرضا بالقضاء واجب أو مستحب ؟ على قولني، ومها وجهان ألصحاب أمحد، فمنهم من أوجبه واحتــج

، ومنــهم مــن قـال هــو …على وجوبه بأنه من لوازم الرضا باهللا ربا، وذلك واجب مســـتحب غري واجب؛ فإن اإلجياب يستلزم دليال شرعيا، وال دليـل يــدل علــى هي مـن أعلــى الوجوب، وهذا القول أرجح؛ فإن الرضا من مقامات اإلحسان، اليت

، ولعل مراده هنا الرضا باملصـائــب من حيث وقوعـــها )]٣٥٠[()) املندوبات ديين وكوين، فالديـين : احلكم والقضاء نوعان : (( على العبــد، بدليل قوله بعد ذلك

جيب الرضا به، وهو من لوازم اإلسالم، والكوين منه ما جيب الرضا به كالنعم، اليت جيـب الرضا ا، ومنه ما ال جيوز الرضا به كاملعايــب : شكرهــا، ومن متام شكرهــــا

حب الرضــا بــه والذنوب اليت يسخطها اهللا، وإن كانت بقضائه وقدره، ومنه مــا يستكاملصائب، ويف وجوبه قوالن، هذا كله يف الرضاء بالقضاء الذي هو املقضي، وأما القضاء الذي هو وصفه سبحانه وفعله، كعلمه وكتابته وتقديره ومشيئته فالرضا به من متام الرضا

)]٣٥١[()) باهللا ربا وإهلا ومالكا ومدبرا

املبحث احلادي عشر

)واعلم أن الفرج مع الكرب : ( يف قوله

كلما اشتدت األمور واكتربت وضاقت؛ فإن الفرج بإذن اهللا تعاىل قريب؛ يدل علـى أمن يجيب المضطر إذا دعــاه ويكشـف الســــوء ويجعلكـم : ذلك قوله تعاىل

خلفــاء األرض أإله مع الله قليال ما تذكرون )

]٣٥٢[(

فكلما اشتدت األمـور (( . .)] (( )]353فانتظر الفرج من اهللا

هل جييــب املضطـرب، الــذي أقلقتــه : أي: (( يقول السعدي يف تفسري هذه اآلية الكروب، وتعسر عليه املطلوب، واضطر للخالص مما هو فيه إال اهللا وحده ؟، ومن يكشف

إال اهللا وحده؟، ومن جيعلكم خلفــاء األرض ، البالء، والشر، و النقمة : الســوء، أي ميكنكم منها ، وميد لكم بالرزق ، ويوصل إليكم نعمه ، وتكونون خلفاء من قبلكم ، كما

أنه سيميتكم ويأيت بقوم بعدكم ، أإله مع اهللا ، يفعل هذه األفعال ؟

الأحد يفعل مع اهللا شيئا من ذلك ، حىت بإقراركم أيها املشركون ؛ وهلذا كــانوا إذا مسهم الضر، دعوا اهللا خملصني له الدين، لعلمهم أنه وحده املقتدر على دفعه و إزالتــه،

قليل تذكركم وتدبركم لألمور الـيت إذا تـذكرمتوها ادكـرمت، : أي قليال ما تذكرون ()شامل لكم، فلذلك ما ارعويتم وال اهتديتم ورجعتم إىل اهلدى، ولكن الغفلة واإلعراض

]٣٥٤[(.

والكرب إذا اشتد و أيس العبد من مجيع املخلوقني، وتعلق قلبه باهللا وحده، وهذا هـو ](به احلوائج، ومن توكل على ربه كفاه حقيقة التوكل على اهللا، وهو من أعظم ما تطلب

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٤٧صفحة


، )]٣٥٥

ومن يتوكل على الله فهو حسبه )

]٣٥٦[(

.

فالفرج حيصل سريعا مع الكرب، فال دوام للكرب، وحينئذ فيحسن ملن نزل به كرب أن يكون صابرا حمتسبا، راجيا سرعة الفرج مما نزل به، حسن الظن مبواله، يف مجيع أموره،

.أرحم الرامحني أرحم به من كل راحم، حىت أمه وأبيه؛ إذ هو فاهللا

وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته : ويشهد هلذا املعىن قوله تعاىل

ميدالح ليالو وهو )

]٣٥٧[(

الله الذي يرسل الرياح فتثـري ســحابا : ، وقوله تعاىل فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خـــالله فـإذا

وإن كانــوا مـن ) ٤٨(أصاب به من يشــاء من عباده إذا هم يستبشـــــرون

لسنيبلــه لمن قبهــم مليل عزنــل أن يقب )

]٣٥٨[(

، فهؤالء القــوم الذيــن أصام هذا املطر كانوا قانطني من نزوله إليهم قبل ذلك، فلما جاءهم جاءهم على كــرب

.وشدة وفاقة فوقع منهم موقعا عظيما، فكان فرجا وتيسريا

وقد قص اهللا تعاىل يف كتابه قصصا كثرية تتضمن وقوع الفرج بعد الكرب والشــدة، كقصة جناة نوح عليه الصالة والسالم، ومن معه، يف الفلك من الكرب العظيم، مع إغراق سائر أهل األرض، وقصة جناة إبراهيم عليه الصالة والسالم من النار اليت ألقاه املشركـون فيها، وأنه سبحانه جعلها عليه بردا وسالما، وقصة إبراهيم عليه الصالة والسالم مع ولده الذي أمر بذحبه، مث فداه اهللا بذبح عظيم، وقصة موسى عليه الصالة والسالم مع أمـه ملـا ألقته يف اليم حىت التقطه آل فرعون، وقصته مع فرعون ملا جنى اهللا موسى يف البحر وأغرق

عدوه، وقصص أيوب ويونس ويعقوب ويوسف عليهم الصالة والسالم، وقصص حممد يف نصره على أعدائه وجناته منهم يف عدة مواطن، مثل قصته يف الغار، ويوم بـدر، ويـوم أحد، ويوم حنني، وكذا قصة عائشة يف حديث اإلفك، والرباءة منه، وقصة الثالثة الذيــن

.)]٣٥٩[(خلفوا، وغري ذلك من قصص القرآن الكرمي وأخباره

ويف السنة أخبار كثرية من تفريج الكرب عند اشتدادها، كقصة الثالثة الذين دخلـوا ، وقصــة )]٣٦٠[(الغار فانطبقت عليهم الصخرة، فدعوا اهللا بأعماهلم الصاحلة ففرج عنهم

إبراهيم عليه الصالة والسالم وسارة مع اجلبار الذي طلبها من إبـراهيم عليــه الصــالة ، وهو قائم خيطب ، وعندما اشتكى رجل إىل النيب )]٣٦١[(والسالم فرد اهللا كيد الظامل

يديه فاستسقى هلـم، فنشـأ يوم اجلمعة، احتباس املطر وجهد الناس، فرفع رسول اهللا وطلبوا منه أن يستصحي هلــم، السحاب ومطروا إىل اجلمعة األخرى، حىت قاموا إليه

.، إىل غري ذلك من القصص و األخبار الثابتة )]٣٦٢[(ففعل فأقلعت السماء

والعبد معرض للمصائب والفنت، فقد تشتد عليه األمور، وتضيق عليه الدنيا، ويتمكن منه اهلم واحلزن؛ فإذا صرب واحتسب، ومل ييأس من نصر اهللا وفرجه، والتجــأ إىل مــواله

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٤٨صفحة


.بالدعاء والتضرع، يف مجيع أحواله، جاءه النصر والتأييد والفرج

:قوله ) هـ٢٠٤ت (يروى عن الشافعي

من راقـــــــب اهللا يف األمور جنـا صربا مجيال ما أقرب الفرجا

ومن رجـــــــاه يكــون حيــث من صدق اهللا مل ينـــــله أذى )]٣٦٣[(رجـا

املبحث الثاين عشر

)وإن مع العسر يسرا :( يف قوله

أي أن كل عسر بعده يسر، بل إن العسر حمفوف بيسرين ، يسر سـابق ويســـر

إن مع العسر يسرا) ٥(فإن مع العسر يسرا : الحـــق ، قال تعاىل )

]٣٦٤[(

بشـارة : إن مع العسر يسرا ) ٥(فإن مع العسر يسرا : وقوله: (( يقول السعدي ) العسـر ( وتعريف … عظيمة أنه كلما وجد عسر وصعوبة؛ فإن اليسر يقاربه ويصاحبه

يدل على تكراره، فلـن يغلـب عسـر ) اليسر (يف اآليتني يدل على أنه واحد، وتنكري .يسرين

ويف تعريفه باأللف والالم، الدال على االستغراق والعمــوم داللـة علـى أن كــل

عــــســر، وإن بلــغ من الصعوبـــــــــة ما بلــغ ، فإنــه يف

.)]٣٦٥[()) آخـــــره اليــــسر مالزم له

سيجعل الله بعد عسر يسرا : ويـــدل على ذلك أيضـا قوله تعاىل )

]٣٦٦[(

،

](ففي هذه اآلية بشارة للمعسرين بأن اهللا تعاىل سيزيل عنهم الشدة، ويرفع عنهم املشقــة

]٣٦٧(.

والكرب والعسر والشدة أمور تصقل العبد وتصفيه من الشوائب؛ إذ تزيد من تعلقـه

بربه وااللتجاء إليه بإخالص وحسن اتباع، فتطهره من ذنوبه إذا صرب واحتسب، وأخلص

.وتابع، والعسر ال يدوم بالعبد بل معه اليسر والفرج

، جاء يف على هذه املسألة، حبديث عن رسول اهللا )]٣٦٨[(وقد استدل ابن كثري

أصاب رجال حاجة، فخـرج إىل الربيــة، فقالـت : قال إحدى رواياته، عن أيب هريرة

اللهم ارزقنا ما نعتجن، وما خنتبز، فجاء الرجل واجلفنة مألى عجينا، ويف التنـور : امرأته

من رزق اهللا، فكنس ما حول : من أين هذا ؟ قالت : حبوب الشواء، والرحى تطحن، فقال

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٤٩صفحة


مة : ( الرحى، فقال رسول اهللا ]() لو تركها لدارت أو طحنــت إىل يــوم القيا

]٣٦٩(.

: و يدل على أن العسر إذا اشتد بالعبد؛ فإن بعده اليسر بإذن اهللا تعاىل، قوله سبحانه

حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنـا )

]٣٧٠[(

أم :وقولـه .

حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضـراء

وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله أال إن نصر الله قريــب )

[

، فهنا يذكر اهللا تعاىل أن نصره يرتل على رسله صلوات اهللا وسالمه عليهم أمجعني )٣٧١[

عند ضيق احلال وانتظار الفرج من اهللا، يف أحرج األوقات، وكما تكون الشدة يرتل مــن

.)]٣٧٢[(النصر مثلها

خيرب تبارك وتعاىل أنه ال بد : (( يقول السعدي عند تفسري اآلية السابقة من سورة البقرة أن ميتحن عباده بالسراء والضراء واملشقة، كما فعل مبن قبلهم، فهي سنته اجلارية، اليت ال تتغري وال تتبدل، أن من قام بدينه وشرعه ال بد أن يبتليه؛ فإن صرب على أمر اهللا، ومل يبـال باملكاره الواقعة يف سبيله، فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كماهلا، ومــن السيـادة آلتها، ومن جعل فتنة الناس كعذاب اهللا؛ بأن صدته املكاره عما هو بصدده، وثنته احملن عن مقصده، فهو الكاذب يف دعوى اإلميان؛ فإنه ليس اإلميــان بــالتحلي والتمـين، وجمــرد الدعاوى، حىت تصدقه األعمال أو تكذبه، فقد جرى على األمم األقدمني ما ذكر اهللا عنهم

مستهم البأساء والضراء ،مأي الفقر واألمراض يف أبدا وزلزلوا بأنواع املخاوفمن التهديد بالقتل والنفي، وأخذ األموال، وقتل األحبة، وأنواع املضار، حىت وصلت ـم احلال، وآل م الزلزال إىل أن استبطؤوا نصر اهللا مع يقينهم به، ولكــن لشـدة األمــر

، فلما كان الفرج عند الشدة، يقول الرسول والذين آمنوا معه مىت نصر اهللا وضيقهفهكذا كل من قام باحلـق أال إن نصر اهللا قريب : وكلما ضاق األمر اتسع، قال تعاىل

انقلبـت –إذا صابر وثابر على ما هو عليــه –فإنه ميتحن، فكلما اشتدت عليه وصعبت احملنة يف حقه منحة، واملشاق راحات، وأعقبه ذلك االنتصار على األعداء، وشفاء مـا يف

.)]٣٧٣[()) قلبه من الداء

عن يعقوب عليه الصالة والسالم أنه مل ييأس من لقاء يوسف عليه الصـالة وأخرب

عسى الله أن يأتيني بهم جميعا :والسالم وأخيه، وقال )

]٣٧٤[(

: ، وقال لبنيــه ــأسيال ي ـهح الله إنووا من رأسيال تأخيه وو ـــفوسوا من يسسحوا فتباذه نيا بي

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٥٠صفحة


مــن روح الله إال القـــوم الكافرون)

]٣٧٥[(

.

أن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا؛ فإنه ملـا طــال (( فمن فوائد هذه القصة احلزن على يعقوب، واشتد به إىل أى ما يكون، مث حصل االضطرار آلل يعقوب، ومسهم الضر، أذن اهللا حينئذ بالفرج، وحصل التالقي يف أشد األوقات إليه حاجة واضطرارا، فتم بذلك األجر، وحصل السرور، وعلم من ذلك أن اهللا يبتلي أوليـاءه بالشـدة والرخــاء والعسر واليســـر، ليمتحن صربهـــم وشكرهم، ويزداد بذلك إميام ويقينهــم

.)]٣٧٦[()) وعرفام

وقد ذكر بعض أهل العلم أمورا عدوها من حكم اقتران الفرج باشــتداد الكـرب، :واقتران اليسر بالعسر، فمن ذلك

أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وجد اإلياس من كشفه من جهـة املخلـوقني، -١، فحينئذ يستجيب اهللا له ويكشف عنه ما به، فإن التوكل هو ووقع التعلق باهللا وحده،

قطع االستشراف باليأس من املخلوقني، واالعتماد على اهللا وحده ال شريك له، والتوكــل على اهللا من أعظم األسباب اليت تطلب ا احلوائج؛ فإن اهللا يكفي من توكل عليه، كما قال

.ومن يتوكل على الله فهو حسبه : تعاىل

أن العبد إذا وقع يف عسر، واشتد عليه الكرب؛ فإنه حيتــاج إىل جماهــدة نفسـه، -٢ثواب والشيطان، ألن الشيطان قد يأتيه فيقنطه، فيحتاج العبد إىل جماهدته ودفعه، فيكون

يستجـاب : ( ذلك دفع البالء عنه، وتيسري أمره، وتفريج كربته، وهلذا جاء يف احلـديث .)]٣٧٧[() قد دعوت فلم يستجب يل، فيدع الدعاء : ألحدكم ما مل يعجل، فيقول

أن العبد إذا استبطأ الفرج، وال سيما بعد الدعاء والتضرع، رجـع بالالئمــة إىل -٣ .)]٣٧٨[(نفسه، وحبث عن تقصريه، فأصلح خطأه، وعاجل نقصه

اخلامتة

.احلمد هللا رب العاملني، والصالة والسالم على إمام املتقني، وخامت األنبياء واملرسلني

.وبعد

، فإنه من خالل دراسة هذا احلديث العظيم، وهذه الوصية الكرمية من رســول اهللا :يتبني ما يلي

.ضرورة تربية الناس، وخباصة النشء على التعلق باهللا تعاىل، وحفظ حقوقه -١

أن أعظم حقوق اهللا تعاىل توحيده يف ألوهيته وربوبيته وأمسائه وصفاته، واحلــرص -٢على سالمة العقيدة مما قد يشوا من الشرك والبدع والضالالت، إذ إن سالمة العقيــدة

هي شروط قبول العبـادة؛ الــيت إن وإخالص العمل هللا تعاىل مع حسن املتابعة لرسوله .تأخر أحدها حبط العمل

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٥١صفحة


أن من حفظ حدود اهللا، بفعل املأمورات واجتناب املنهيات فإن اهللا حيفظه يف دينه -٣ .ودنياه

عن -٤ أن حتقيق هذا احلديث والعمل به يقتضي انقطاع العبد عن التعلق بـاخللق وسؤاهلم، واستعانتهم، ورجائهم جبلب نفع أو دفع ضر، وخوفهم من إيصال ضــر أو منــع

بالطاعة والعبادة، وتقدمي طاعته على طاعة اخللق كلهـم نفع، وذلك يستلزم إفراد اهللا .مجيعا، واحلذر مما يسخطه ولو كان فيه سخط اخللق مجيعا

وجـــوب تربيــــــة الناس وتعليمهــم اإليــمان بالقضــاء -٥ .والقدر وأن ذلك ال يناقض العمل واالجتهاد يف العبادة، بل يوجبه ويدعو إليه

وجوب التعرف إىل اهللا وااللتزام بشرعه يف مجيع األوقات، وخباصـة يف أوقــات -٦الرخاء، الذي هو مظنة الفتور والنسيان، وأن ذلك التعرف هو سبب نصر اهللا وتأييـده يف

.الشدة وعند الكرب والعسر

فهم هذا احلديث والعمل به من أعظم أسباب الشجاعة واإلقدام واجلهاد يف سبيل -٧اهللا، وذلك أن املسلم يعلم أن الضر و النفع بيد اهللا، وأن العبد ال يصيبه ضر وال نفع إال ما

.قدر عليه

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٥٢صفحة


احلواشي والتعليقات

F[١]E א١L٤٠٨،١L٤٣٧Kאא٣אL٤٧٢١٤٨٣K

F[٢]E א،א٣٦K F[٣]E ،אאW،אאא،

٥٩،٢٥١٦א،١L٢٩٣،٣٠٣אאא،١٢٩٨،א١L٣١٤Kאא א،א٢L١٣١٨

٧٩٥٧K F[٤]E אא١אL٢٩٣،١L٣٠٣،٣٠٧٢L٦٦٥،

א٣L٥٤١אאאא،٣L١٢١KאWא،א١אL١٣٨،١٣٩א،

א٦٣אא،٥L٤٩٦،٤٩٧٢٣٨٢K F[٥]E אא١١١٢K F[٦]E א٢٨K F[٧]E אא٤٦٢K F[٨]E אא١٧٢K F[٩]E א٤٥٦K F[١٠]E אא١٠אL٥٣K F[١١]E אא١٧١אK F[١٢]E אא٥٥K F[١٣]E אא٢٤٨א،٢٤٩Kא٢L٤٥١K F[١٤]E א،א١٢٨K F[١٥]E אא٢٥١אא،٢L٤٥١،٤٥٢K F[١٦]E אא٥٥K F[١٧]E אא٢٥٦א،٢٥٧K F[١٨]E א٢אL٤٢٥،٤٥٣K F[١٩]E אא٢٥٧K F[٢٠]E אא٢٥٨אא،٢L٤٥٤K F[٢١]E אא٦L٤٤١אא،٢٤٦K

אאא،٢١٥٠אK F[٢٢]E א٢אL٤٥٥K F[٢٣]E א٢אL٤٥٥K F[٢٤]E אא١٧٧K F[٢٥]E א،א٥،٦K F[٢٦]E אאאא١٧٨אK F[٢٧]E א،א١٢٨K

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٥٣صفحة


F[٢٨]E אא٢אL٣٨٥K F[٢٩]E א٥L١٥٣،١٦٢אא،١٤٧אאאא،١٦٤٧،

אאא٤L٤١٦١٨٠٣K F[٣٠]E א،٦٤K F[٣١]E א،٥٧K F[٣٢]E אאאאא١٠א،١٥،٢١K F[٣٣]E א،א٦K F[٣٤]E א،٢١K F[٣٥]E אאאא٢L٣٧–٤١K F[٣٦]E א،٣١٣٣K F[٣٧]E ،אאא١٣٦٤אK F[٣٨]E א،א٢٣٨K F[٣٩]E א،א٣٠K F[٤٠]E א،אא٣٥K F[٤١]E FאEא،٥K F[٤٢]E א،א٨٩K F[٤٣]E אאא٤L٣٥٧אא،،٢٤٠٩،

א٥٧٠٣אאא،٢L٢٣K F[٤٤]E אא٢L٦٦،Wא، א

א٢אL٢٢٥١٠K F[٤٥]E אא٥L٢٨٢אא،١L١٦٨א،١٠٣٧،

אאא،א١٩٢،١L٨٦K F[٤٦]E א،אא٥٦K F[٤٧]E א،א١١٢K F[٤٨]E ~א،٣٢K F[٤٩]E אא١L٣٨٧א،٢٤٥٨אF٢٤E،

א٤L٣٢٣אא،٢٠٠٠K F[٥٠]E אWא١٠K F[٥١]E א،אא٣٦K F[٥٢]E אאא٤٠٩אK F[٥٣]E אאאא٢L٣٨K F[٥٤]E א،٧K F[٥٥]E א،٤K F[٥٦]E א،٤٤K

F[٥٧]E א٢אL٤٥٠،٤٥١K F[٥٨]E א،א٢٤٥K F[٥٩]E אא١אL٤١٠א،٩٨،٩٩K

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٥٤صفحة


F[٦٠]E א،א١٨١K F[٦١]E א،١٧K F[٦٢]E א،١٦K F[٦٣]E אאא٧٣١אK F[٦٤]E ،אאW،א٣٣٣٤א،א

א،٤٢٤٤،٢L٢٩٧K F[٦٥]E א،א٤٠K F[٦٦]E א،א١٥٢K F[٦٧]E א،٧K F[٦٨]E אאא،א،אא١١L١٠٧، א،

א،א٢٧١٤K F[٦٩]E אאא١L٥٢٥אא א،

١٥٤٠K F[٧٠]E א٢L٤٠٣א،٢٨٢٥אא،א

،אאא،א١٦K F٧١E ،אא،אא٤٥،٣٤٣٩،٢L٧٢٥٣٨،

،א٢٣٧٦،אאא،١٤K

F[٧٢]E אא٢L٨٧א،٣٣٧٦א،א،א١אL٢١K

F[٧٣]E א،٢٤K F[٧٤]E אאא٣٥١،٣٥٢K F[٧٥]E א،א٢٤K F[٧٦]E א٢L٢٨٥،WאאKא

٢אL٣٢٨K F[٧٧]E א،א٢٥٧K F[٧٨]E א،١١K F[٧٩]E א،א٣K F[٨٠]E א،א٣٦K F[٨١]E א،א١١K F[٨٢]E אא١٣אL٧٧K F[٨٣]E אא٧٨אK F[٨٤]E א،אא٥٠٧٤א،א،٣٨٧١א،

١L٥١٧אא،٢L٣٣٢K F[٨٥]E א،א٩٧K F[٨٦]E אא٢L٥٦٦K F[٨٧]E אאא٣אL٣٥٢٣٥٥K F[٨٨]E א،א٤٠K

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٥٥صفحة


F[٨٩]E א،א٤١K F[٩٠]E אאא٥L٧٠٣،٧٠٤K F[٩١]E א،א١١٢،١١٣K

F[٩٢]E א،٤٣אK F[٩٣]E אאא٣L٣٧٧K

F[٩٤]E ،אא٤٦٦אK

F[٩٥]E אאא١٢אL٨٥א،١٧L٦٦٨–٦٧١א،،א٤٦٦K

F[٩٦]E ،אא٤٦٦אK F[٩٧]E א،א٨٢K F[٩٨]E אא٣L٩٧K F[٩٩]E אאאאא،אאאF٣٣٢Eא،

א١٦אL٧א،٢L٣٦٩

F[١٠٠]Eאאא٤٣٢K F[١٠١]E،אא٤٦٧K F[١٠٢]E א،אאK F[١٠٣]E٣אL١٤٨אאאא،F٣٣٠Eא،F٣٧٣Eא،

אאK F[١٠٤]EאWאאK א٢אL٥٠١א،

אא٥٣٣K F[١٠٥]Eאאא٥L٦٧אאא،٥L٢٧٧W

אK F[١٠٦]EאאאאF٦٤٣٢Eא،٣L٦٠٦אא،١L٣٦٩K F[١٠٧]Eא٨L١٠٩אא،٤٦٨K F[١٠٨]Eא،א٦٤K F[١٠٩]Eאא١٥٣אK F[١١٠]Eא،א٦٢K F[١١١]Eא،א١٩٤K F[١١٢]Eא،א١٥٣K F[١١٣]Eאא١٧٢K F[١١٤]Eא،א١٢٨K F[١١٥]Eא،٤٦K F[١١٦]Eא،אא٦٢K F[١١٧]Eא،א٤٠،א،אאא،

،٣٦٥٣א،א،א،٢٣٨١K

F[١١٨]Eא،א١٩K

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٥٦صفحة


F[١١٩]Eא،א٤K F[١٢٠]Eא،א٧K F[١٢١]Eא،א١٠٨K F[١٢٢]Eא،א١٨٦K F[١٢٣]Eאא،א،אא٦٥٠٢K F[١٢٤]Eאאאאא٦٩אK F[١٢٥]Eאאא،אאאא،א

א٢٦٨٧ א،אא،Wא٧٤٠٥K

F[١٢٦]Eא٥L٤٦٦K F[١٢٧]Eא٢٢אK F[١٢٨]Eא،אא١٤٧١K F[١٢٩]Eא٢אL٤٥٢K F[١٣٠]Eא،א٣٢K F[١٣١]Eא،٦٠K F[١٣٢]Eאאא٦٨٧K F[١٣٣]Eא،א٥K F[١٣٤]Eא،א٢٧٣K F[١٣٥]Eאא،אאF١٠٤٣KE

F[١٣٦]Eא،א١١٦K F[١٣٧]Eא،א٣١K F[١٣٨]Eא،א ٧،٨K F[١٣٩]Eא א،א١אL٢٨٨،٢٨٩K F[١٤٠]Eאא٢٢א٢٦א،٢٧L٦٧–٦٩K F[١٤١]Eא،١٠٧K F[١٤٢]Eא،٢K F[١٤٣]E،אאאאF٣E٣٣٧٠،٢L٤٤٢א،

٣٨٢٧א، א،W،אא٢٦٥٤א،٣٠٨٥K

F[١٤٤]Eא،א١٨٦K F[١٤٥]E،אאא،א،אא١١٤٥K F[١٤٦]E،א،אאאאא٢٥٧٧K F[١٤٧]Eא،א١٢٨

F[١٤٨]Eא،א١٥٤K F[١٤٩]Eא،א١٥٤K F[١٥٠]Eא،א٣٨K F[١٥١]Eא،א١٧K

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٥٧صفحة


F[١٥٢]Eא،٢K F[١٥٣]Eאאאאא٢٧٣K

F[١٥٤]Eא،٧١K

F[١٥٥]Eאא٢אL٤٠٧K

F[١٥٦]Eא،٥٤٥٦K F[١٥٧]Eאא٢אL٢٣١אאא،٣٤٠

K F[١٥٨]Eאא٤٨١K

F[١٥٩]Eא٣١אאאאא١٢٧؛K

F[١٦٠]E،אא،א،אא F١٤٧٤KE،א،אא،אF١٠٤٠KE

F[١٦١]E،א،אא١٠٤٤K

F[١٦٢]Eא٦אL١٢٥،١٢٦K

F[١٦٣]Eא٧L١٢٧K

F[١٦٤]Eאאא٣אL١٣٠K F[١٦٥]Eאא١אL٢٤K

F[١٦٦]Eא،١٢٣K F[١٦٧]Eא،א٢٩K

F[١٦٨]Eא،א٩K

F[١٦٩]Eא،٨٨K

F[١٧٠]E،א٥٢K F[١٧١]E،אאא٢٢K

F[١٧٢]Eא،א٥K

F[١٧٣]Eא،א،אK F[١٧٤]EאWא١L٤١אא،١L٢٤،٢٥K

F[١٧٥]E،אאא٢٢K

F[١٧٦]E،א،אא،א،א٢٦٦٤K

F[١٧٧]Eא١٦L٢١٥K

F[١٧٨]E،א،א،אא٢١١٨،אא،١١٠٥،א،א،א،٣L١٠٥،א،א،

،א١٨٩٢א،Wא١L٣١٩،١٥٣K

F[١٧٩]Eא١٨L٢٨٧K

F[١٨٠]E،א،א،אא١٥٢٢،א،א،א٣L٥٣אא،٥L٢٤٥ א،Wא א

،١١٥אא،٢L١٣٢٠،٣٠٦٣K

F[١٨١]E، אא،א،אא١٥١٠א،

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٥٨صفحة


א،אא ،٣٥٤٦،Wא،אWא٣L٤٦١،٣٥٥١א،٢L٣٢٤،٣٨٣٠K

F[١٨٢]E،א،א،אא٢٧٩٥K

F[١٨٣]Eא١L١٧٣،١٧٤אא،٤L٢٤٤K F[١٨٤]E،א٢١٢K F[١٨٥]E،א١٠٤K F[١٨٦]Eא،١٨K F[١٨٧]E،א،אא،א٢٦٦١K F[١٨٨]Eא،אא١٢٨K

F[١٨٩]Eאא٢אL٢٢٩K

F[١٩٠]Eא،א١١٢K

F[١٩١]Eאא٣אL١٩٧K

F[١٩٢]Eא٢L٦١L١١٢L٤٢L١א،א،Wאאא٢L١٧٠٤٢٨K

F[١٩٣]E،א،٢٤٠٣K

F[١٩٤]E،אא،אא،אא٦٣٨٤K

F[١٩٥]Eאא١١אL١٨٨،٥٠٠،٥٠١K

F[١٩٦]Eא١٧L٢٦K

F[١٩٧]Eאאא٣אL١٣٠א،٢L٤٥٢،٤٥٣K

F[١٩٨]Eאאא٣٦٥אK

F[١٩٩]Eא،٤٢K

F[٢٠٠]Eא،אא١٨٨K

F[٢٠١]Eא،א١١١٣K

F[٢٠٢]Eאאא٤٨٤אK

F[٢٠٣]Eא،א٧٣٧٤K

F[٢٠٤]Eא،א٣K

F[٢٠٥]Eאא٥٥K

F[٢٠٦]E،א،א،א٣K F[٢٠٧]Eא٢אL٤٥٣K

F[٢٠٨]Eא،א١٢٠

F[٢٠٩]Eא٢אL٤٥٤٤٥٥ F[٢١٠]Eא٢אL٢٧١K

F[٢١١]Eא،א٢١K

F[٢١٢]Eא،٣K

F[٢١٣]Eא،א١٢K F[٢١٤]E،א،א،٢٦٦٢K

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٥٩صفحة


F[٢١٥]E،אא،א،א٦٥٩٧،،א א ،א

،٢٦٥٩אK F[٢١٦]Eא٤L٢٤٦K F[٢١٧]Eא،١٢K

F[٢١٨]Eא،א٧٠K

F[٢١٩]Eא،١١K

F[٢٢٠]E،א،אא א א،٤٩٤٨،،א،א،٢٦٤٨K

F[٢٢١]Eא،٤٤K F[٢٢٢]Eא،א٣٠ K F[٢٢٣]Eא،א٣٩K

F[٢٢٤]Eא،٨٢K

F[٢٢٥]E،אא،א،א٢٦٥٤K F[٢٢٦]Eא،א٦٢K

F[٢٢٧]Eא،٣K

F[٢٢٨]Eא،א٤٠K F[٢٢٩]Eא،א٩٦K

F[٢٣٠]Eאאא٧٣אא،٣٥٧،٣٥٨،אאא٤L١٨١،١٦٣٧K

F[٢٣١]Eא،א١٠٥ F[٢٣٢]EK F[٢٣٣]Eא٨אL٤٤٩،٤٥٩אא،

١٣٩،١٤١K F[٢٣٤]Eא،א٢١K F[٢٣٥]E،١٥٢אK

F[٢٣٦]Eא،א٢٢K

F[٢٣٧]Eא،א٥١K

F[٢٣٨]Eא،א١٥٤K F[٢٣٩]E،א،א،א٢٦٤٨K

F[٢٤٠]Eא،א١١K

F[٢٤١]Eאא٤אL٣٧٥K

F[٢٤٢]Eאא٥٥K

F[٢٤٣]EK F[٢٤٤]Eא،א٥٧K

F[٢٤٥]Eאא١٣٤K F[٢٤٦]EK

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٦٠صفحة


F[٢٤٧]E،א، אא،א،אא،א،٢٠٦٥אא،K

F[٢٤٨]Eאא١٣٤١٣٥אK

F[٢٤٩]Eאאא١٢١א،٧٨١K

F[٢٥٠]E،א،א،אא٢١٤٤،אא٢L٤٤٦אא،

٢٤٣٩K

F[٢٥١]Eא٤٦،

F[٢٥٢]Eא٤٧א

F[٢٥٣]E،א،אא،א،א،٢٦٦٤אK

F[٢٥٤]Eא٢אL٤٥٥، אא١L١٣٦K

F[٢٥٥]Eאא٥٥אK F[٢٥٦]Eא،א٢٢K

F[٢٥٧]E،א،אאא٤٧٠٠،אא،٢١٥٥،٥L٣١٧אא،٢L٤٥٠٢١٥٥K

F[٢٥٨]E،אא،אא٢٦٥٣K F[٢٥٩]Eא٥L١٩٧אא،٣٠٤א،

אא٢L٧٧٤٤٢٠١K

F[٢٦٠]EK F[٢٦١]Eא،،א،אא

١L٤٤٠אא،٢L٤٤٦٢١٤٣K F[٢٦٢]Eאא٣٤٥٣٤٨אK F[٢٦٣]E،אאאא،א،א٣٤٩،

אאא،א،٢٦٣K

F[٢٦٤]E،א،א،א٣٢٠٨،،،א،٢٦٤٥אK

F[٢٦٥]Eא،א١٠١٢K

F[٢٦٦]E،אא، א،א،אאW،א،א٤٣٩٩א،

،אW،א١٤٢٣،א،،אW،אא٢٠٤٢א،

٢אL١١٧،١٤٢٣K F[٢٦٧]Eאא٣٤٥אK

F[٢٦٨]E א٢אL٢٧٥١٦L١٣٩א،١אL٣٦١،٣٦٢K

F[٢٦٩]E،אאא١٠٨אאא،٩L٣،

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٦١صفحة


אא١אL٢٥٧١٣٣K

F[٢٧٠]Eאא١L٢٥٨K

F[٢٧١]EK F[٢٧٢]EK F[٢٧٣]Eא،אא١٧٢K

F[٢٧٤]Eאא١אL٢٧٢ א،٢٠٢א ،א١٦٢٣אK

F[٢٧٥]E،א،אאא٤٧٠٠،אא،٢١٥٥א،٥L٣١٧א،Wא٢L٤٥٠،٢١٥٥K

F[٢٧٦]E،אא،אא٢٦٥٣K

F[٢٧٧]Eא،א٤،٥K F[٢٧٨]Eא،א٢٩K F[٢٧٩]Eא،א٢٩K F[٢٨٠]Eאא١٣٣K F[٢٨١]E،אא٢٥٢אK F[٢٨٢]E،אא١L٢٣٢K F[٢٨٣]EK F[٢٨٤]E،אאאאF٩E،٣٣٧٩א،١L٥٤٤،

אא٢אL١٤٠٥٩٣K F[٢٨٥]Eא،א١٣٩–١٤٧K F[٢٨٦]Eאא٢٣L٦٤K F[٢٨٧]Eאא٤אL٢٢K F[٢٨٨]Eאאא١אL٢١٩K F[٢٨٩]Eא،אאאK F[٢٩٠]Eא،٩٠K F[٢٩١]Eא،٩١K F[٢٩٢]Eאא٢אL٤٢١K F[٢٩٣]Eא،א٢،٣K F[٢٩٤]Eא٥אL٨١٠אא،٤L٣٨٠K F[٢٩٥]E،אאא٨٠٦K F[٢٩٦]Eא،אאאK F[٢٩٧]Eא،א١٥٩K F[٢٩٨]Eא،٣٠٣٢K

F[٢٩٩]Eא،א١٣١٤K

F[٣٠٠]Eאא٤אL١٠١K F[٣٠١]Eאא٢٤L٧٣،٧٤K F[٣٠٢]Eא٢٦אL١١K

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٦٢صفحة


F[٣٠٣]Eא،א١٨١٩K

F[٣٠٤]Eא،א٢٣K

F[٣٠٥]Eא،א١٦K

F[٣٠٦]Eא،א٦٦K

F[٣٠٧]EאWאא٢L٧٢K F[٣٠٨]E،א،א،אא٤٠١٩א،٤L٥٤٠ ،

א،אWא٢L٣٧٠،٣٢٤٦אא،١L٢١٦،٢١٧،١٠٦K

F[٣٠٩]Eאא٢L١٢٦א،٣L٣٤٦אא،١אL٢١٩،١٠٧K

F[٣١٠]EאW אא،א،אא،٢٢١٥،אא،א،،

٢٧٤٣K F[٣١١]EאWא٢L٤٥٥K F[٣١٢]Eא،א١٣٩،١٤٠K

F[٣١٣]Eא،א١٤١K

F[٣١٤]EאWאא١L٣٨٥،٣٨٦K F[٣١٥]E،אאא١١٧K

F[٣١٦]Eא،א١٠٤K

F[٣١٧]EאWאא١L٥٢١K F[٣١٨]E،אאא١٦٣K F[٣١٩]Eא،א١٥٥١٥٧K

F[٣٢٠]EאW،אא٥٥،٥٦،אא،١٧٧K

F[٣٢١]Eא،א١٢٦K

F[٣٢٢]Eא،א٢٤٩K

F[٣٢٣]E،אאא٥٨،٥٩K

F[٣٢٤]E،א،אא،א٢٩٩٩K

F[٣٢٥]E،אא،א،אא٢٣٩٦،א،،אא،א٤٠٣١אאא،١L

٢٧٦،١٤٦אא،١L٣٥١،١٧٠٦ K F[٣٢٦]Eא،א٤٥K F[٣٢٧]Eא،א٦٦K

F[٣٢٨]Eא،א٢٤٩K

F[٣٢٩]Eא،א١٢٥K F[٣٣٠]Eא،א٢٠٠K F[٣٣١]E،אא،אא،אא٣٠٢٦K

F[٣٣٢]Eא،א١٨٦K F[٣٣٣]E،אא،א،אא٢٣٩٨،

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٦٣صفحة


א?Wא?،אא،א،אא،٣٢٤٩אא،٢L٣٧١،٤٠٢٣K

F[٣٣٤]Eא،א٢٤K

F[٣٣٥]EאW٢אL٢٦٠٢٦٣K F[٣٣٦]Eא،א٤٠K

F[٣٣٧]Eאאא٢٨٢אK

F[٣٣٨]Eא،א١٠K

F[٣٣٩]Eא،א٣٤،٣٥K

F[٣٤٠]Eא،א١٧٧K

F[٣٤١]Eא،٣١K

F[٣٤٢]E،אא،א،אא١٤٦٩،א،،א٦٤٧٠אK

F[٣٤٣]Eא،אא،אאא?WאW? א،

١١אL٣٠٣א،١١٧K

F[٣٤٤]E،א،א،אא١٢٨٣K

F[٣٤٥]Eאא٣L١٤٩،١٥٠K

F[٣٤٦]Eאא١٥٠אK

F[٣٤٧]Eאאא١אL٦١K F[٣٤٨]Eא،אא٥٥אK

F[٣٤٩]EאאFE١L٢٥٦K F[٣٥٠]E،אאאאא٢٧٨אK F[٣٥١]Eא،אאK F[٣٥٢]E ،א٦٢K F[٣٥٣]Eא٢ אL٤٥٦K F[٣٥٤]Eאאא٥٥٧K

F[٣٥٥]Eאא١٧٨אא،١٣٦K

F[٣٥٦]Eא،א٣K F[٣٥٧]Eא،א٢٨K F[٣٥٨]Eא،א٤٨٤٩K F[٣٥٩]Eא٦٥אאא، ٤٩١K F[٣٦٠]EאK F[٣٦١]Eאאא ،א،אאא

،٢٢١٧K F[٣٦٢]E،אא،א،אא٩٣٢K F[٣٦٣]Eא٢אL٣٦٢K F[٣٦٤]Eא،א٤٥K

F[٣٦٥]Eאאא٨٥٩אאא،٤L٥٢٧K

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٦٤صفحة


F[٣٦٦]Eא،א٧K F[٣٦٧]Eאאא٨٠٨אK F[٣٦٨]Eאא٤אL٣٨٤K F[٣٦٩]Eאאא٢L٤١אא،٦L١٠٥אא،٤L

٢٦٧،٢L٥١٣،٤٢١אאא،א١٠L٢٠٧،אאא٦L١٠٥١،١٠٥٢،٢٩٣٧K

F[٣٧٠]Eא،١١٠K F[٣٧١]Eא،א٢١٤K F[٣٧٢]Eאא١אL٢٣٩،٢L٤٧٨א،٣L٣٠١،٣٠٣K

F[٣٧٣]Eאאא٧٩K F[٣٧٤]Eא،٨٣K F[٣٧٥]Eא،٨٧K F[٣٧٦]Eאאא٣٦٦K F[٣٧٧]E،،אא،אא٦٣٤٠،،

،אאאא،אא٢٧٣٥K F[٣٧٨]Eא٧٦،٧٧אאא،٤٩٤،٤٩٥K

املصادر واملراجع

إرواء الغليل يف ختريج أحاديث منار السبيل، ناصر الدين األلباين، املكتب اإلســالمي، بـريوت، -١ .هـ١٣٩٩الطبعة األوىل،

.أسباب الرتول، أبو احلسن علي بن أمحد الواحدي، عامل الكتب، بريوت -٢ االستقامة، أبو العباس أمحد بن تيمية، أشرف على طباعته جامعة اإلمام، الرياض، الطبعــة األوىل -٣

.هـ١٤٠٤١٤٠٣أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن، حممد األمني الشنقيطي، املطابع األهلية، الريــاض، -٤

.هـ .هـ١٤٠٨أعالم السنة املنشورة، حافظ بن أمحد احلكمي، مكتبة السوادي، جدة، الطبعة الثانية، -٥ .م١٩٧٦األعالم، خري الدين الزركلي، دار العلم للماليني، بريوت، الطبعة السابعة -٦ إيضاح املعاين اخلفية يف األربعني النووية، حممد تاتاي، دار الوفاء املنصورة مبصــر، الطبعــة األوىل -٧

.هـ١٤١٨ .هـ١٣٤٨البداية والنهاية، أبو الفداء إمساعيل بن كثري، مطبعة كروستان، مصر، الطبعة األوىل، -٨ جة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار يف شرح جوامع األخبار، السعـدي، مكتبـة املعـارف، -٩

.هـ١٤٠٤الرياض، الطبعة الثالثة جة الناظرين شرح رياض الصاحلني، سليم بن عيد اهلاليل، دار ابن اجلوزي، الدمام، الطبعــة -١٠

.هـ١٤١٥األوىل حتفة األحوذي شرح جامع الترمـــــذي، حممد عبــد الــرمحن بــن عبــد الرحيــم -١١

.هـ١٤١٠دار الكتب العلمية، بريوت، الطبعة األوىل املباركفــوري، التحفة الربانية يف شرح األربعني حديثا النووية، إمساعيل بن حممد األنصاري، مكتبـة اإلمــام -١٢

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٦٥صفحة


.هـ١٤١٥الشافعي، الرياض، الطبعة األوىل، .هـ١٤٠٩تفسري الفاحتة، حممد بن عبد الوهاب، مكتبة احلرمني، الرياض، الطبعة الثالثة، -١٣ تفسري القرآن العظيم، أبو الفداء إمساعيل بن كثري، مؤسسة الكتب الثقافية، بــريوت، الطبعــة -١٤

.هـ١٤١٦اخلامسة، تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان، عبد الرمحن بن ناصر السعدي، مؤسسة الرسـالة، -١٥

.هـ١٤١٧بريوت، الطبعة الرابعة، جامع البيان يف تفســــري القرآن، أبو جعفر حممد بن جرير الطربي، دار الفكر، بريوت، -١٦

.هـ١٣٩٨ جامع العلــــوم واحلكم، ابن رجب احلنبلي، مؤسسة الرسالة، بريوت، الطبعة السابعــة -١٧

.هـ١٤١٩ . حلية األولياء وطبقات األصفياء، أبو نعيم األصبهاين، دار الكتب العلمية، بريوت -١٨

. خلق أفعال العباد، حممد بن إمساعيل البخاري، مكتبة التراث اإلسالمي، القاهرة -١٩

١٤٠٤دقائق التفسري، أبو العباس أمحد بن تيمية، مؤسسة علوم القرآن، دمشق، الطبعة الثانية، -٢٠ .هـ

دليل الفاحلني لطرق رياض الصاحلني، حممد بن عالن، نشر وتوزيع إدارات البحوث العلميــة -٢١ .واإلفتاء والدعوة واإلرشاد، الرياض

ابن رجب احلنبلي وأثره يف توضيح عقيدة السلف، عبد اهللا الغفيلي، دار املسري، الرياض، الطبعة -٢٢ .هـ١٤١٨األوىل،

١٤٠٠الرسالة التدمرية، أبو العباس أمحد بن تيمية، املكتب اإلسالمي، دمشق، الطبعة الثالثــة، -٢٣ .هـ

رياض الصاحلني، أبو زكريا حييي بن شرف النووي، مؤسسة الرسالة، بريوت، الطبعــة األوىل، -٢٤ .هـ١٤١٧

.هـ١٤٠٣الزهد، أمحد بن حنبل، دار الكتب العلمية، بريوت، الطبعة األوىل، -٢٥ . الزهد، عبد اهللا بن املبارك، دار الكتب العلمية، بريوت -٢٦

١٣٩٢سلسلة األحاديث الصحيحة، حممد ناصر الدين األلباين، املكتب اإلسالمي، بـريوت، -٢٧

.هـ السنة، البن أيب عاصم، حتقيق حممد ناصر الدين األلباين، املكتب اإلسالمي، بريوت، الطبعــة -٢٨

.هـ١٤٠٠األوىل، ، أبو عيــسى حممـــــد بــن عيـــــسى بــن )اجلامع الصحيح (سنن الترمذي -٢٩

.هـ١٤٠١ســـــورة الترمذي، دار الدعوة، إستانبول، سنن أيب داود، أبو داود ســـليمان بن األشعث السجستــاين، دار الــدعوة، إســتانبول، -٣٠

.هـ١٤٠١ .هـ١٤٠١سنن ابن ماجة، أبو عبد اهللا حممد بن يزيد بن ماجة، دار الدعوة، إستانبول، -٣١ .السنن الكربى، البيهقي، دار الفكر -٣٢١٤٠١سنن النسائي، أبو عبد الرمحن أمحد بن شـــعيب النسائي، دار الدعوة، إستانبول، -٣٣

.هـ

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٦٦صفحة


سري أعالم النبالء، مشس الدين حممد بن أمحد الذهيب، مؤسسة الرسالة، بريوت، الطبعة الثالثــة -٣٤ .هـ١٤٠٥

.هـ١٤٠٣شرح األربعني حديثا النووية، ابن دقيق العيد، مؤسسة الطباعة، جدة، -٣٥١٤١٥شرح رياض الصاحلني، حممد بن صاحل العثيمني، دار الوطن، الرياض، الطبعــة األوىل، -٣٦

.هـ١٣٩٠شرح السنة، احلسني بن مسعود البغوي، املكتب اإلسالمي، بريوت، الطبعــة األوىل، -٣٧

.هـ١٤١٣شرح العقيدة الطحاوية، ابن أيب العز احلنفي، مؤسسة الرسالة، بريوت، الطبعة الثانيــة، -٣٨

.هـ الشريعة، أبو بكر حممد بن احلسني اآلجري، دار الكتب العلميــة، بــريوت، الطبعــة األوىل، -٣٩

.هـ ١٤٠٣

.شفاء العليل يف مسائل القضاء والقدر واحلكمة والتعليل، ابن قيم اجلوزية، دار املعرفة، بريوت -٤٠ صحيح البخاري، أبو عبد اهللا حممد بن إســــماعيل البخاري، دار الدعوة، إســتانبول، -٤١

.هـ١٤٠١ صحيح الترغيب والترهيب للمنذري، حممد ناصر الدين األلباين، املكتب اإلسالمي، بـريوت، -٤٢

.هـ١٤٠٢الطبعة األوىل،

صحيح اجلامع الصغري وزيادته، حممد ناصر الدين األلباين، املكتب اإلسالمي، دمشق، الطبعــة -٤٣

.هـ١٣٩٩الثانية،

.صحيح ابن حبان، حتقيق حممد محزة، دار الكتب العلمية -٤٤

صحيح سنن الترمذي، حممد ناصر الدين األلباين، مكتبة املعارف، الريــاض، الطبعــة األوىل، -٤٥

.هـ١٤٢٠

صحيح سنن ابن ماجة، حممد ناصر الدين األلباين، املكتب اإلسالمي، بريوت، الطبعــة األوىل، -٤٦

.هـ١٤٠٧

صحيح الكلم الطيب البن تيمية، حممد ناصر الدين األلباين، املكتب اإلسالمي، بريوت، الطبعة -٤٧

.هـ١٤٠٠الرابعة،

.هـ١٤٠١صحيح مسلم، أبو احلسني مسلم بن حجاج القشريي، دار الدعوة، إستانبول، -٤٨

صحيح مسلم بشرح النووي، أبو زكريا حييي بن شرف النووي، نشر وتوزيع إدارات البحوث -٤٩

.العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد، الرياض

عقيدة املسلمني والرد على امللحدين واملبتدعني، صاحل بن إبراهيم البليهي، املطــابع األهليــة، -٥٠

.هـ١٤٠٤الرياض، الطبعة الثانية،

. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقالين، دار املعرفة، بريوت -٥١

.هـ١٣٩٨فتح املبني لشرح األربعني، أمحد بن حجر اهليتمي، دار الكتب العلمية، بريوت، -٥٢

. الفتوحات الوهبية بشرح األربعني حديثا النووية، إبراهيم بن مرعي الشربخييت، دار الفكر -٥٣

فيض القدير شرح اجلامع الصغري ، عبد الرؤوف املناوي، دار املعرفة، بريوت، الطبعــة الثانيــة -٥٤

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٦٧صفحة


.هـ١٣٩١ القواعد املثلى يف صفات اهللا وأمسائه احلسىن، حممد الصاحل العثيمني، مطابع السلمان، بريـدة، -٥٥

.هـ١٤٠٥ قواعد وفوائد من األربعني النووية، ناظم حممد سلطان، دار اهلجرة، اململكة العربية السعوديــة، -٥٦

.هـ١٤١٩الطبعة السادسة، ١٤١٥القول املفيد على كتاب التوحيد، حممد بن صاحل العثيمني، دار العاصمة، الطبعة األوىل، -٥٧

.هـ .كتاب الصالة وحكم تاركها، ابن قيم اجلوزية، إدارة ترمجان السنة، باكستان -٥٨ الكتاب املصنف يف األحاديث واآلثار، ابن أيب شيبة، الدار السلفيــة، اهلنــد، الطبعــة األوىل، -٥٩

.هـ١٤٠١ .لسان العرب احمليط، ابن منظور، دار لسان العرب، بريوت -٦٠ اللمعة يف األجوبة السبعة، شيخ اإلسالم ابن تيمية، دار الصميعي، الريــاض، الطبعــة األوىل ، -٦١

.هـ١٤١٩ منت األربعني النووية، أبو زكريا حيىي بن شرف النووي، ضبط ألفاظها وشرح غريبـها حميــي -٦٢

.هـ١٣٩٨الدين مستو، مؤسسة الرسالة، بريوت، الطبعة الثالثة، وهو امش شرح [ االس السنية يف الكالم على األربعني النووية، أمحد بن حجازي الفشين، -٦٣

].الشربخييت

.هـ١٤٠٢جممع الزوائد، اهليثمي، دار الكتاب العريب، بريوت، الطبعة الثالثة، -٦٤ جمموع فتاوى شيخ اإلسالم أمحد بن تيمية، مجع وترتيب ابن قاسم، الرئاسة العامــة إلدارات -٦٥

.البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد، الرياض

، ابن قيم اجلوزيــة، دار الكتـاب إياك نعبد وإياك نستعني مدارج السالكني بني منازل -٦٦ .هـ١٣٩٢العريب، بريوت،

.مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح، علي بن سلطان حممد القاري، مكتبة إمدادية، باكستان -٦٧

.املستدرك على الصحيحني، أبو عبد اهللا النيسابوري احلاكم، مكتبة النصر احلديثة، الرياض -٦٨

.م١٩٧٨املسند، أمحد بن حنبل الشيباين، املكتب اإلسالمي، بريوت -٦٩

.املسند، احلميدي، حتقيق األعظمي، عامل الكتب، بريوت -٧٠

مسند أيب يعلى، أبو يعلى املوصلي، حتقيق حسني سليم، دار املأمون، بريوت، الطبعــة األوىل، -٧١ .هـ١٤٠٤

١٤٠٧معامل الترتيل، أبو حممد احلسني بن مسعود البغوي، دار املعرفة، بريوت، الطبعة الثانية، -٧٢ .هـ

املعجم الكبري، احلافظ أبو القاسم الطرباين، مطبعة الوطن العريب يف بغداد، حتقيق محدي عبــد -٧٣ . ايد السلفي

.هـ١٣٩١مناقب الشافعي، البيهقي، حتقيق أمحد صقر، مكتبة دار التراث، القاهرة، -٧٤

منهاج السنة، أبو العباس أمحد بن تيمية ، أشرفت على طباعته جامعة اإلمام، الطبعــة األوىل، -٧٥

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٦٨صفحة


.هـ١٤٠٦

.هـ١٤١٢نور االقتباس، ابن رجب احلنبلي، مكتبة دار البيان، دمشق، الطبعة األوىل -٧٦

.هـ١٤١٧الوايف يف شرح األربعني النووية، مصطفى البغا وحميي الدين مستو، دار ابن كثري، دمشق، الطبعة العاشرة، -٧٧

احفظ اهللا يحفظك٦٩من ٦٩صفحة


Documents

أخلاق وآداب