361
ة وري ه م ج ل ا ة ري ئ ا ز ج ل ا ة ي طزا مق ي الد ة ي ب ع ش ل ا ارة ور م ي ل ع ت ل ا ي ل عا ل ا و ث ح ب ل ا ي م ل ع ل ا عة م ا ج5 ن ب ا5 لدون ج- ارت ي ت لة ج م سات درا ي ف وم ل ع ل ا ة ي ت سا نلا اK وم ل ع ل وا ة ي ع ما ت جلا ا ة دوري ة ي م ي كاد ا مة ك ج م صدر ت5 ن ع ة ي ل ك داتW لا ا و ات ع ل ل ا عة م ا ج5 ن ب ا- ارت ي ت-5 لدون ج

مجلة الدراساتfll.univ-tiaret.dz/fichiers_joints/revues/dirasset01... · Web viewوقد خص ص الجاحظ (ت 256 هـ) بابا للبيان، تحد ث فيه عن

  • Upload
    others

  • View
    32

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

مجلة الدراسات

مجلة دراسات

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

وزارة التعليم العالي و البحث العلمي

جامعة ابن خلدون - تيارت

مجلة دراسات في العلوم الانسانية

والعلوم الاجتماعية

دورية أكاديمية محكمة تصدر عن كلية الآداب و اللغات

جامعة ابن خلدون- تيارت-

- العدد الاول - 2011

رقم الاداع القانوني: issn : 2170 -1758

مجلة دراسات في العلوم الانسانية و العلوم الاجتماعية

دورية أكاديمية محكمة تصدر عن كلية الآداب و اللغات

جامعة- تيارت –

المدير الشرفي للمجلة : الاستاذ الدكتور : رحموني مصطفى

مدير جامعة ابن خلدون – تيارت -

مــديـــــر المجـلــــــة : الدكتور: شاكر عبد القادر

رئيس هيئة التحرير : الأستاذ الدكتور : عرابي أحمد

أعضاء هيئة التحرير :

· اللغة والادب العربي

أ.د-عقاق قادة

جامعة سيدي بلعباس

أ.د- منقور عبد الجليل

المركز الجامعي عين تموشنت

د- بن شريف محمد

جامعة تيارت

· الحقوق والعلوم القانونية

د- بلقنيشي الحبيب

جامعة تيارت

د- عليان بوزيان

جامعة تيارت

· العلوم الاقتصادية

أ- دحو عبد الكريم

جامعة تيارت

أ- بلكرشة رابح

جامعة تيارت

· العلوم الاجتماعية

أ- وهراني قدور

جامعة تيارت

أ- موهوب مراد

جامعة تيارت

· اللغة الفرنسية

د- قيدوم محمد

جامعة تيارت

د- زكري عبد الرحمان

جامعة تيلرت

مجلة دراسات

المواصفات و القواعد العامة للنشر :

· مجلة أكاديمية علمية محكمة

· المجلة تعني بنشر البحوث العلمية الأصيلة المقدمة إليها في مجال الدراسات اللغوية و العلوم الانسانية . والعلوم الاجتماعية

· تخضع البحوث المرسلة إلى إدارة المجلة للتقويم و المراجعة والتحكيم السري من قبل الهيئة العلمية المحكمة .

· إذا ارتأت الهيئة العلمية المحكمة إجراء أي تعديل في مضمون البحث ومنهجيته يعاد البحث إلى صاحبه لإجراء التعديلات للازمة قبل النشر .

· إن ظهور البحث و ترتيبه في المجلة يخضع لاعتبارات فنية فقط.

خطوات إعداد البحث:

يتقيد الباحث في إعداد بحثه بالخطوات التالية :

· أن يكون البحث أصيلا وجديدا ولم يسبق نشره في أية دورية أخرى

· يلتزم الباحث بقواعد النشر العلمي من حيث المنهجية العلمية وتوثيقه المصادر

و المراجع .

· يراعي الباحث سلامة اللغة و حسن صياغتها

· لا يزيد عدد صفحات البحث عن 15 صفحة، ولا يقل عن 10 صفحات .

· يرفق البحث بملخص عنه يكتب في الأول.

· يطبع البحث على الحاسوب ويقدم إلى إدارة المجلة من ثلاثة نسخ ومعه"قرص مضغوط" ( CD)

· يكتب عنوان البحث واسم الباحث ولقبه العلمي و الجهة التي يعمل لديها على صفحة البحث الأولى.

· يثبت في أواخر البحث الهوامش حسب ورودها المرقم تسلسليا في متن البحث.

· الأبحاث التي ترد إلى المجلة لا ترد إلى أصحابها نشرت أم لم تنشر.

· لا تتحمل ادارة المجلة مسؤولية البحث اذا كان مستلا من مراجع اخرى.

· المجلة منبر أكاديمي حر وليس كل ما ينشر فيها معبراً بالضرورة عن موقف إدارة المجلة.

· ترسل البحوث إلى إدارة مجلة دراسات على العنوان التالي :

كلية الآداب واللغات - جامعة ابن خلدون - تيارت - أو على البريد الالكتروني الاتي :

البريد الالكتروني: [email protected]

الهاتف 0779190157

كلمة رئيس هيئة التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم :

اختار ت هيئة التحرير لهذه الدورية " عنوانا : مجلة دراسات في العلوم الاجتماعية والعلوم الانسانية لتكون منبرا حرا لكل باحث جاد في الجامعات الجزائرية وفي الخارج

و لتكون قناة علمية أكاديمية تعبر عن ندوة خطية مطبوعة، وذلك للتأكيد على أهمية البحث باعتباره الوظيفة الأساسية للأستاذ الجامعي، في مجال العلم و الثقافة و الترشيد واستيعابا للتراكمات العلمية ، ومستحدثاتها في أنواع العلوم والفنون والآداب وتأطيرها باللغة العربية وجميع اللغات المسايرة للعولمة و العلوم الجديدة .

إننا نحاول قدر الإمكان أن تكون هذه المجلة قراءة تجمع بين مجموعة من العلوم المختلفة إثراء للثقافة والبحث الأكاديمي، ونسعى من خلالها إلى تحقيق الأهداف الآتية :

1-تبيان دور الأستاذ الباحث في شتي هذع العلوم .

2- ترقية البحث العلمي باللغة العربية التي اتسمت بأعلى درجات البلاغة وقدرتها على تحليل الخطاب .

3-تأطير الكفاءات في مجال الفكر و القراءة و التحليل، والقراء القادرين على ممارسة القراءة الإستراتيجية كسلاح دفاعي عن الحضارة العربية الإسلامية .

4- انجاز مشروع يقوم على منهجية التعديل و الحذف والتغير وتبيان الغث من السمين بالاعتماد على التراث وما أنتجته الحداثة في هذه العلوم.

5- اكتساب آليات القراءة لدى الآخر و الإطلاع على مواطن الضعف و القوة لديه، لإن معرفة الخصم من أسباب الغلبة، في مجال الفكر والثقافة و الصراع والهيمنة .

6- الابتعاد عن ظاهرة التكرار و النأي عن الحشو و الاجترار ومحاولة الإبداع في الطرح

و المعالجة ومراعاة واقع الأمة.

7- وفي الأخير فإنني أسدي شكري وعرفاني الخالصين لجميع الأساتذة الباحثين وذلك لما بذلوه من جهد في إخراج هذه المدونة الي النور.

مدير المجلة

الأستاذ الدكتور : عرابي أحمد

والله ولي السداد

محتويات العدد

الصفحة

عنوان البحث

اسم الباحث

01

دور اللغة في إيصال أحسن المعارف

د. شاكر عبد القادر، جامعة ابن خلدون – تيارت

14

فتنة القراءة بين الحقيقة والرّمز

د. مكيكة محمد، جامعة ابن خلدون – تيارت

20

تحسين دافعية التعلم في الوسط المدرسي

د. عابد بوهادي جامعة ابن خلدون - تيارت

51

المعنى النحوي الدلالي

أحمد مباركي، جامعة الاغواط

67

إشكالية الـدلالة المجـازية

خليل فاطمة جامعة ابن خلدون – تيارت

80

الصورة الفنيَّة في شعر البحتري من مستوى الخطاب النفعي إلى مستوى الخطاب الشِّعري

الأستاذ عبد القادر شارف، جامعة ابن خلدون

99

بلاغة الوصف ودلالاته الإيحائية في قَصص سورة الكهف

نور الدين دحماني جامعة مستغانم

116

آليات الاشتغال اللساني في الخطاب السردي ،

بوشيبة عبد السلام* جامعة ابن خلدون – تيارت –

121

مداخلة في : دلالة التأويل عند علماء الأصول، معنى التأويل ومجاله وأنواعه،

رابة عبد القادر/ماجستير.جامعة وهران

130

الْبَحْرُ المُتَــدَارَكُ بَيْنَ الخْلِيلِ وَالْأَخْفَشِ

أ. دواح أحمد جامعة تلمسان – الملحقة الجامعية بمغنيـة

142

بين المقصدية والتداولية، تكييفات الحجاج

أ. نعار محمد جامعة ابن خلدون –تيارت- الجزائ

147

نمط العمارة القصورية، ومراحل الاستيطان البشريفي إقليم توات بالجنوب الغربي الجزائري.

للأستاذ: أ. ثياقة الصديق، جامعة الاغواط

163

ضوابط الإيقاع في اللغة

أ. الميـر بومديـن.أستـاذ اللسانيـات العامـة. جامعـة بشـار

181

أثر استخدام الأساليب الكمِّية في تحسين فعالية اتخاذ القرارات الإدارية مع التطبيق على بعض المؤسسّات الصناعية والخدمية الجزائرية

د. دحو عبد الكريم* جامعة ابن خلدون - تيارت.

195

حاسبة التكاليف مفهوم وطرق،

أ. بلكرشة رابح، جامعة تيارت

210

الحماية الصحية للعامل القاصر في القانون الجزائري

د.مكي خالدية، أستاذة محاضرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية- جامعة ابن خلدون-تيارت

232

الطبيعة القانونية للدفع بسقوط الخصومة ونظامه الإجرائي

في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد

د. بلقنيشي حبيب، جامعة ابن خلدون تيارت

دور اللغة في إيصال أحسن المعارف

الدكتور شاكر عبد القادر

جامعة ابن خلدون – تيارت

ملخص المقال:

يتناول المقال ظاهرة اللغة وقيمتها الوظيفية في العملية التواصلية في الحياة الإنسانية في زمن شهد فيه التقدّم العلمي والتكنولوجي تطوّرا مذهلا لم يعرفه من قبل. ومهما يكن تبقى اللغة من أصعب ما يواجه الإنسان في عملية التعلم؛ لأنّها تصدر عن جهاز معقد وهو الدّماغ.

ولمّا كانت اللغة مسألة حتمية في عملية الخطاب اليومي بين أبناء البشر فلايمكن للإنسانية الاستغناء عنها لحظة واحدة ، فقد أعطت الشعوب المتحضرة في العصور الغابرة والعصر الحديث أهمية بالغة لتعلّمها، وخير دليل على ذلك ما قامت به الدراسة الهندية والإغريقية والرومانية والعرب في عصورهم الذهبية، وما تقوم به الدراسات الغربية ، وحتى العربية في العصر الراهن في ظل ما أستحدث من مناهج دراسية علمية ولغوية على يدي ثلة من باحثين ولغويين غربيين وعرب.

وبفضل جهود هؤلائي الباحثين المهرة الكبار تم تقسيم اللغة إلى قسمين: منطوق، ومكتوب،

وجعلوا المنطوق من اختصاص الفونيتيك ، والمكتوب من نصيب علم الفونولوجيا.

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية ظهر علم جديد هو اللسانيات التطبيقية، حمل تحت لوائه علوما عدة، منها: علم النفس النفسي، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم النفس التربوي، وعلم اللغة اللغوي إلى غير ذلك.

وكانت الغاية من تأسيسه هو تعلّم الترجمة، والترجمة معناها تعلم لغة أجنبية غير لغة الأم ، وتعلم اللغة ليس بالأمر السهل، فلابد من تضافر عدة علوم مختلفة كالتي ذكرناها، والهدف منها مجتمعة العمل على تبسيط فنيات التعليم، وبخاصة للمتعلمين المبتدئين الصغار منهم عند تعلّمهم اللغة الأصلية أو اللغة الأجنبية.

من هاهنا فكان لزاما أن تتدخل البيداغوجية التعليمية وطرائق التدريس وعلم النّفس، وما إلى ذلك بما يدخل تحت موضوع التّعليمية بهدف البحث عن الفنيات البيداغوجية وآلياتها من أجل توصيل أحسن المعارف العلمية للمتعلمين، وهذا لايتحقق إلاّ عندما تتوفر الشروط الآتية:

- المعلّم الكفء علميا، العالم بعلم النفس النفسي والتربوي وطرائق التدريس.

- ثم البرنامج الملائم للمستوى العلمي لكلّ صفّ، والطريقة المثالية، والوسائل اللازمة التربوية والتعليمية، ووسائل الإيضاح المناسبة لكلّ طور ولكلّ مادة.

· ثمّ المتعلم، وهنا يتم التّركيز على النّاشئة من المتعلمين منهم في المقام الأوّل.

فإذا توفت هذه العناصر كان تعليم اللغة ميسورا سهل الفهم، والإدراك والتّحصيل جيّدا ، وكلّ هذا يدخل في مجال ما يسمى بالتّعليمية التي هي فرع من اللسانيات التطبيقية. وتبقى اللغة هي الوسيلة المثلى في عملية التعليم عموما ، وتعليم كافة المعارف العلمية العقلية والنّقلية ، وخصوصا الأكثر تداولا بين أبناء الإنسانية في عملية الخطاب والتبليغ والتواصل،و وصف المشاعر النفسية والأحاسيس النفسية، كلّ هذا لايتم إلا بواسطة اللغة، فهي خير معبر ومترجم لهذه التصورات.

إن عنوان المقال الموسوم بـ " دور اللغة من أجل إيصال أحسن المعارف " هو موضوع يتناول إشكالية جديرة بالاهتمام والبحث، إنها تتمثل في اللغة وأهميتها في العملية التواصلية وإيصال المعارف على مختلف أنواعها ودرجاتها، سواء أكانت تلك المعارف علمية ذات صلة بالعلوم العقلية أم غير علمية كالعلوم النّقلية، وأنواع الاتصال في مختلف المجالات التي تهم الإنسان في حياته الاجتماعية، والاقتصادية، والتجارية، والسياسية، والعسكرية، وما إلى ذلك.

وهنا تظهر أهمية اللغة في الاتصال بين أفراد البشر على الرغم من تعدد الوسائل والتقنيات الحديثة التي بدورها تقدم خدمات جليلة للإنسانية في إطار المجال المذكور؛ إلا أن اللغة تبقى خاصية اجتماعية تحتل المكانة الرئيسة في عملية التواصل، والتعليم في مختلف المدارس والمستويات الدراسية هو بدوره يعتمد على تعليم اللغة وتعلّمها، فباللغة يتم توصيل أحسن المعارف العلمية في مختلف المواد المقررة في العملية التعليمية، هذا معناه فإن موضوعنا المطروح في هذا المقال يصب في محور ما يسمى بالتّعليمية في منظور اللسانيات التطبيقية المعاصرة.

وبإمكاننا أن نتناول في هذا المقال: البحث اللغوي في العصر الحديث؛لأنّ اللغة كونها خاصية إنسانية في جميع الاتصال والتّواصل الذي يتمّ بين الجنس البشري، وبأيّ لغة كانت. من هنا أعطى الباحثون والدارسون اهتمامهم لدراسة اللغة من حيث ماهيتها، ووظيفتها التّواصلية في الحياة اليومية، وكان للنهضة الأوربية في العصر الحديث دور فعال وإيجابي على مسار تطور البحث اللغوي. لقد حدث تطور خطير في تاريخ الدرس اللغوي - كما يذكر ذلك د/ محمود سليمان ياقوت ،() حين تم اكتشاف اللغة السنسكريتية لغة الهند المقدسة، على يد سير وليم جونز (Sir William Jones) ت 1794م الذي كان يعمل قاضيا في المحكمة العليا بالبنغال، بحيث وجد الأوربيون في التراث الهندي الكثير من الدراسات العلمية الدقيقة المنظمة ، وهي دراسات تعتمد على المنهج الوصفي، هذا ما مهد فيما بعد لظهور المنهج المقارن الذي يعود إليه الفضل في اكتشاف اللغة السنسكريتية عن طريق المقارنة .

وهكذا اكتشف اللغويون إمكان مقارنة اللغات فيما بينها تحت ما يسمى بفقه اللغة في مسار البحث اللغوي الحديث، ثم أكمل عدد من الباحثين الألمان مسيرة البحث المقارن والتاريخي فيما بعد أمثال:3 فرانز بوب (1791 – 1832م) (Franz Bopp) مؤسس المنهج

المقارن، وراموس راسك (1787 – 1832م) الدانمركي؛ وغريم (J.LGrimm) (ت 1863م)، وشلايشير ( 1821 – 1867م)،(Scileicher) وغيرهم.()

ومع مجيء إمام الباحثين اللغويين المعاصرين الملقب بسيبويه الغرب كما يطلق عليه بعضهم هو: فارديناند دي سوسير (1857 – 1913م) نهض بالبحث اللغوي نهضة لم يسبقه إليها أي عالم أو باحث غربي، وكتابه علم اللغة العام يمثل ثمرة مجهوده العلمي في حقل الدراسات اللغوية المعاصرة، يعد رائد الدراسات اللغوية في عصره، و زعيم المدرسة اللغوية الوصفية التشكيلية ومؤسس الاتجاه البنيوي في أوروبا، وأوّل لغوي تجرأ على القيام بدرس في علم اللغة العام. نظر إلى اللغة على أنها ظاهرة اجتماعية لا تخص شخصا بعينه بل إن كل فرد في المجتمع خاضع لها. وهو أوّل من وطد المنهج الوصفي للغة في فترة زمنية معينة وله الفضل في الفصل بين المنهجين الوصفي و التاريخي، وصاحب الثنائيات: ثنائية اللسان ≠ الكلام، وثنائية الدال ≠ والمدلول، وثنائية تزامن ≠ وتعاقب، وصاحب ثنائية المحور الاستبدالي والمحور النظمي.()

أما الدرس اللغوي عند العرب فقد نشأ في القرون الأولى من تأسيس الدولة الإسلامية، وبلغ الدرس اللغوي قمة ذروته، كان ذلك في رحاب الدراسات الدينية،والقرآنية وسنة النبي المصطفى خليل الله. فألّفت كتب في تفسير كلام الله ، وجمع اللغة ، و ألفت مؤلفات في النحو واللغة و البلاغة و النقد ، وبرع العرب في تأليف أول معجم عربي بحسب مخارج الحروف. كان ذلك من إبداع الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 - 175هـ) - رحمه الله تعالى- ، وكان للعرب مكانة عالية في دراسة الأصوات العربية دراسة وصفية لم يسبقهم في البراعة والتفوق سوى الهنود، والدليل على هذا ما أدلى به بعض علماء الغرب، من بينهم المستشرق الألماني (برجشتراسر) يقول عن تفوق العرب في مجال الدراسات الصوتية إنه: "لم يسبق الأوربيين في هذا العلم إلا قومان: العرب والهنود".()

أما فيرث الإنجليزي فقد قال: "لقد نشأت الدراسات الصوتية ونمت في أحضان لغتين مقدستين: العربية والسنسكريتية".() كما نوه دي سوسير بمجهودات العرب في مجال البحث الصوتي في قوله: "ولكن لا بد لنا- بادئ ذي بدء - أن نعترف بوجود هذا العلم في الأصوات، وأنه علم فذ ممتاز".() إذا كان للغة دور مهم ورئيس في إيصال المعارف على أحسن وجه فما هي اللغة في تعاريف الباحثين اللغويين ؟.

وحديثا منذ عهد أرسطو إلى زمننا الحاضر()، فلا يسعنا إلا أن نلم بكل ما قيل من أراء تخص اللغة وتعار يفها؛ و إنما نحاول أن نوجز الكلام ، ونبدأ بأول تعريف في التراث العربي قد عرف اللغة تعريفا علميا دقيقا، وظلت الدراسات الحديثة تعتمد و تعترف بشموليته وإحاطته الدقيقة في تعريف اللغة، زيادة على ذلك أن التعريف هو من مصدر عربي عريق ذو صلة تاريخية توحي بتقدم العرب في الدراسات اللغوية دراسة علمية بدرجة عالية، هذا ما أعطى لتعريف ابن جني البقاء و الاستمرار في الحياة و العالمية في الدراسة .

قال ابن جني(ت 392 هـ): "أما حدها (فإنها أصوات) يعبر بها كل قوم عن أغراضهم".() إنّ هذا التعريف يشتمل على أربعة خصائص كلها هي محور الدرس اللغوي الحديث وهي : اللغة أصوات، واللغة تعبير، واللغة خاصية إنسانية يعبر بها كل قوم ، ثم كونها تعبير عن أغراض أي: معاني، ورغبات المرء أو الإنسان وهذا يتقاطع مع ما ذهب إليه اللغوي الكبير والمعاصر فارديناند دي سوسير بحيث قال: "موضوع علم اللغة الوحيد والصحيح هو اللغة معبرة في ذاتها ومن أجل ذاتها".()

وفي العصر الحديث حظي الدرس اللغوي باهتمام متزايد من قبل الباحثين بصفة خاصة، فأعطى له العلماء الغربيون اهتمامهم، وبذلوا جهودهم في رفع قيمة البحث اللغوي، كان ذلك بخاصة بعد ما رسم لهم دي سوسير الطريق الواضح، وحدد لهم مناهج البحث الخاصة باللغة، فجاءت تعاريفهم متقاربة أحيانا ومتباينة مرة أخرى، والسّبب في ذلك يعود لاختلاف المدارس، بين مدارس إنجليزية، وفرنسية، وأمريكية، وألمانية وغيرها. وكثرة التعاريف التي جاء بها علماء الغرب حاول كثير من اللغويين العرب أن يلخصوها ويصوغونها في تعريف تكاد تكون متشابهة متقاربة المعنى، و مختصرة من حيث السّياق، وهذا أحد تلك التعاريف: "وعلم اللغة: هو العلم الذي يدرس اللغة، أو اللهجة، دراسة موضوعية، غرضها الكشف عن خصائصها وعن القوانين اللغوية التي تسير عليها ظواهرها: الصوتية،

والصرفية،والنحوية، والدلالية، والاشتقاقية. والكشف عن العلاقات التي تربط هذه الظواهر بعضها ببعض، وتربطها بالظواهر النفسية، وبالمجتمع، والبيئة الجغرافية".()

والأهمّ في هذا المقال هو دور اللغة في عملية توصيل وإيصال المعارف إلى المتعلم والسامع، هذا ما يجبرنا على رصد طرق وقنوات التوصيل، ثم تحديد أنجع وأفضل هذه القنوات مع تبيان العلة.

يتفق اللغويون على أن اللغة في شكلها الملفوظ والمكتوب، هي أداة عجيبة تنتقل بها الأشياء التي تقع عليها حواسنا إلى أذهاننا وعقولنا، وهذا الانتقال يخضع لمثيرات خارجية يتم على ضوئها التأثير في العقل عن طريق اللفظ ، وقد يكون عن طريق الكتابة ، أوعن طريق الرّسم والنّحت ، وما إلى ذلك. وتبقى اللغة هي العنصر الرئيس في عملية نقل المشاعر، والأحاسيس، والرغبات إلى الآخرين. سواء أكانت اللغة لفظية أم خطية،على الرّغم من وجود بعض قنوات الإيصال والاتصال عما يرغب فيه المرسل نحو المرسل إليه من كلام ، أو تعبير ما، مثل : الإيماءات والإشارات الضوئية وغير الضوئية والرموز وما إلى ذلك.() كما يدخل ضمن الإيماءات والإشارات التعبيرات التي تتم عن طريق الوجه وحركات الجسم التي نستغلها في نشاطنا اليومي، مثل الإشارة باليد ، والغمز بالعين أو رفع الحاجبين وغيرهما. وكل هذه الإشارات،والإيماءات توصل كمية كبيرة من المعلومات وكثيرا ما نلتفت بشدة إلى ملامح أي شخص أكثرمما نلتفت إلى الطريقة التي يتكلم بها، غير أن اللغة تبقى هي أكثر وسيلة اتّصال بين أبناء البشر استعمالا، وأعظمها تطورا ؛ لأنها تقوم أساسا بنقل المعلومات بطريقة ما.()

فإذا كانت اللغة تمثل أحسن وسيلة في الاتصال وإيصال المعارف إلى الآخرين في شكلها المنطوق والمكتوب ، فإننا نبدأ الحديث بالمنطوق ، ثم المكتوب، وهذا أمر منطقي وحتمي، فاللغة المنطوقة أسبق من الكتابة.

ظلّت اللغات الإنسانية دهرا من الزّمن تعتمد على المشافهة فقط ، ولم تعرف الكتابة إلاّ في زمن متأخر جدّا لا يزيد على ستة آلاف سنة، أما الخط العربي فقد ورد اختلاف في شأنه، بعض المصادر ترجمع تاريخه إلى عصور سحيقة قبل الميلاد، ويعرف بالخط المسند عند اليمنيين، وأراء أخرى ترجع بداية تاريخ الخط العربي إلى القرن الرابع الميلادي (382م)، وقد يكون بعد ذلك بقليل.() هذا ما يثبت أسبقية اللغة المنطوقة على المكتوبة والدليل على ذلك ظل العرب يعتمدون على نقل أخبارهم وأيامهم وأشعارهم عن طريق الرّواية والسّماع إلى فترة ما بعد صدر الإسلام، تم ذلك عند ما عمّت الكتابة معظم بيوت العرب والمسلمين أصبح للكتابة دورعظيم في تدوين العلوم الدينية والأدبية واللغوية والعلمية.

والكتابة عبارة عن رموز مرئية حسية، بينما الكلام المنطوق هو عبارة عن موجات صوتية مسموعة تتم بين باث ومتلقي وقناة ناقلة. من هاهنا كانت اللغة المنطوقة تحتل أولوية البحث اللغوي؛ لأنها تحدث من المتكلم ، وقد يكون يباشر عملا آخر يدويا، ويمكن أن يحدث في الظلام عكس اللغة المكتوبة، ثم اللغة المنطوقة تمثل أهم وسائل الاتصال الإنساني وأوسعها انتشارا مقارنة باللغة المكتوبة ، والمتعلم في صباه يبدأ بتعلم اللغة المنطوقة قبل المكتوبة لأسباب عضوية وعقلية ونفسية، كما تستدعي شخصين على الأقل باث ومتلقي.

إن اللغة المنطوقة هي عبارة عن أصوات أي لغة الكلام تنتج وتستقبل عن طريق أجهزة الجسم الإنساني أو ما يسمى بالجهاز الصوتي أو النطقي الذي يتكون من الرئتين والقصبة الهوائية والفم واللسان والأنف والشّفتين. وهنا لابد من الإشارة عند إحداث الصوت اللغوي في شكله الفونتيكي و الفنولوجي إلى المتلقي الذي يستقبل النص الخطابي أن يكون على دراية وفهم ما نقل إليه وفق العرف والمحيط الذي يعيش فيه.() فإذا تكاملت العناصر مجتمعة فيما بينها وخلت من أية ظواهر سلبية أو عيوب ما، من باث ومتلقي ونص وقناة ناقلة كانت اللغة المنطوقة ذات فائدة في التّحصيل.

والدراسات اللغوية الحديثة تعتمد في المقام الأول على نظام النطق ،أي: النّظام الصّوتي؛ لأن الكلام عبارة عن أصوات تسير وفق نظام معين في كلّ لغة، وهذه الأصوات المنظمة في شكل تناسق نستطيع من خلالها أن نفهم الدلالات والمعاني، والصوت والمعنى هما جوهر اللغة الإنسانية.

وإذا كانت اللغة المنطوقة تعبّر بصورة أوضح عن المعاني والأفكار والانفعالات والمشاعر، وتوفر الجهد العضلي والمادي والزمني في عملية الكتابة، فإن اللغة المكتوبة هي الأخرى تنفرد بعدة خصائص تميزها عن اللغة المنطوقة وهي على سبيل المثال:

1- إن اللغة المكتوبة تتميز بالبقاء والدوام بحيث تحفظ التراث الإنساني الفكري والعلمي والحضاري والاجتماعي، وهذا ما لا نجده في اللغة المنطوقة.

2- اللغة المكتوبة تنقل عبر مسافات بعيدة، وتصون أخبار الأمم والشعوب والأجيال الغابرة، وهذا ما لا تقوم به اللغة المنطوقة في زمن قبل التوصل إلى اختراع الوسائل السمعية البصرية العلمية المختصة لهذا الغرض.

3- إن اللغة المكتوبة سمة من سمات التعلم والقراءة والتحضر، والله - سبحانه وتعالى – قد أمر نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – بالقراءة والمراد به دعوة كلّ إنسان بشكل عام والمؤمن بشكل خاص بالقراءة والكتابة. والقراءة تكون مقرونة بالكتابة وهي مفتاح اكتساب المعارف الدينية والعلمية، والقراءة والكتابة لابدّ لها من معلّم، ووسائل تعليمية، ومقرّر دراسي، ومنهجية تدريس ، وهياكل للتّدريس، وهذا ما هو شائع في زمننا هذا.

4- وقد خصّص الجاحظ (ت 256 هـ) بابا للبيان، تحدّث فيه عن اللغة المنطوقة والمكتوبة، وعبر عن اللغة المكتوبة بالقلم استعارة للخط أو (المكتوب) مستدلا ومستشهدا بأهمية القلم الذي أقسم به الله عز وجل في سورة "العلق". ووقف عند معنى كلمة القلم قال: "إنها أحد اللسانين، وكأن اللسانين لسانان منطوق و مكتوب. و قال الجاحظ: موضحا الفرق بين اللسانين و مبينا خصائص كل منهما قائلا:

( القلم أبقى والمراد به اللغة المكتوبة، واللسان أكثر هدرا وكان يعني به اللغة المنطوقة، ثم استطرد قائلا: اللسان مقصورا على القريب الحاضر، والقلم مطلق في الشاهد والغائب، وهو للغابر الحائن، مثله للقائم الراهن، والكتاب يقرأ بكل مكان، ويدرس في كل زمان، واللسان لا يعد و سامعه، ولا يتجاوزه إلى غيره).()

وهذا ما يدل على أن أجدادنا العرب قد تطرقوا إلى كل شاردة وواردة تتعلق بالقراءة والكتابة إلا وقفوا على دراستها، وأبدوا أرائهم فيها قبل الباحثين وعلماء اللغة المعاصرين؛ كيف ولا ؟ وأنّ أوّل آية من الّذكر الحكيم نزلت على الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم- تأمره بالقراءة، والقراءة تكون مقرونة بالكتابة كما هو معلوم.

واللغة في شكلها المنطوق والمكتوب هو ما يطلق عليه في الدراسات الحديثة باللسانيات أو علم اللغة (Linguistique)، فاللسانيات أو علم اللغة علم كلي يتناول ما يتعلق بالظواهر اللغوية وما يتصل بها من نواحي الاتصال بالعلوم الأخرى على اختلافها.

إن علم اللغة في جانبه المنطوق والمكتوب فهو يتكون في الأصل من أصوات. وقد قسم الباحثون اللغويون المعاصرون علم اللغة أو اللسانيات إلى قسمين هما:

أ – علم اللغة العام أو اللسانيات العامة هو أقدم من حيث النشأة.

ب – وعلم اللغة التطبيقي أو اللسانيات التطبيقية علم حديث العهد لم يتعد خمسة عقود منذ تأسيسه.

وقد سبق لنا أن أشرنا إلى تعريف ابن جني (ت 392 هـ) للغة، فهي عنده عبارة عن أصوات تخص الإنسان دون غيره منذ أن يولد إلى أن يموت، والدراسات اللغوية الحديثة والمعاصرة تركز في أبحاثها على دراسة الصوت الصادر عن الفكر الظاهر نطقه المفيد دلالته.()

كما توصل الباحثون اللغويون إلى تقسيم الأصوات اللغوية إلى قسمين اثنين هما: علم الأصوات العام، (phonétique)، وعلم الأصوات الوظيفي (phonologie)، وعلم الأصوات العام هو أقدم نشأة من علم الأصوات الوظيفي.

و علم الأصوات العام أو الفونيتيك يدرس مخارج الأصوات، وطريقة نطقها ويبيّن جهاز النطق عند الإنسان، ويصفه. كما يحدد مخارج الأصوات، ويحدد وظائفها في التجويف الصوتي، وهذا النوع من الدراسة عرفه أجدادنا العرب منذ عهد الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ)، وتلميذه سيبويه (ت 180 هـ)، والمبرد (ت 285 هـ)، وابن السراج (ت 316 هـ)، وابن جني (ت392 هـ). وغيرهم.

ويندرج تحت علم الأصوات العام علم الأصوات الفيزيائي، وهذا العلم الحديث يختص بدراسة الموجات الصوتية الصادرة عن جهاز النطق، وانتقالها إلى الأذن، والعوامل المؤثرة في ذلك من النواحي الفيزيائية. ثم علم الأصوات السمعي، ويهتم بدراسة الجهاز السمعي عند الإنسان، وأثره من حيث قوة و ضعف استقبال الأصوات أثناء سماعها. ثم علم الأصوات التجريبي أوالمعملي وهو يعتمد على الدراسة الخبرية ويعمل على تحويل الصوت إلى صورة مسجلة مكتوبة مبينا خصائص الأصوات الكلامية.()

أما القسم الثاني والمّهم في دراسة الأصوات اللغوية، فإنه علم الأصوات الوظيفي أوالفونولوجي أوعلم الأصوات التشكيلي. فتعدد الأوصاف مردّه يرجع إلى تعدد المدارس والمذاهب فقط. وهذا القسم من الدراسة الصوتية يختص في دراسة الأصوات "الحروف" في تآلفها وتراكبها أثناء الأداء الفعلي للكلام،إذْ يدرس الخصائص الوظيفية للأصوات في الخطاب

أو داخل السياق الكلامي، و يدرس الظواهر الصوتية من ناحية وظيفتها التاريخية بعيدة عن الناحية التاريخية للأصوات أو الناحية الفيزيولوجية، وأساس الوحدة في الدراسة هو "الفونيم" (phonème).()

وبعد هذا المسار التاريخي الطويل في حياة علم اللغة العام أو اللسانيات العامة، ظهر إلى الوجود علم جديد منافس عنيد للسانيات العامة لم يتعد عمره خمسة عقود من الزمن وهو ما يطلق عليه "اللسانيات التطبيقية" أو علم اللغة التطبيقي.

فإذا كانت اللسانيات النظرية أو ما يسمى بعلم اللغة العام، يهتم بالظواهر اللغوية كدراسة الأصوات وعلم النحو والصرف وعلم الدلالة، فإن اللسانيات التطبيقية تضم كلّ العلوم التي تطبق الدرس اللساني، بالإضافة إلى تعليم اللغات القومية والأجنبية وصناعة المعاجم، ودراسة أمراض الكلام.

إن علم اللغة التطبيقي كما يصفه عبده الراجحي() فهو متعدد الجوانب، يستثمر نتائج علوم أخرى كثيرة تتصل باللغة كالتي يحتضنها علم اللغة العام، وعلوم نفسية واجتماعية وتربوية تخص المناهج الدراسية وطرائق التعليم؛ لأن سبيل التحصيل التواصلي عند المتعلم والسامع يتطلب تضافر هذه العلوم كلّها.

كان ظهور علم اللغة التطبيقي مقترنا بالعالمين الإنجليزيين في سنة 1946م وهما: تشارلز فريز (Charles Fries)، وروبرت لادو (Robert Lado) ولقي هذا العلم معارضة شديدة من أنصار اللغة المحافظين غير أن علم اللغة التطبيقي أصبح يكتسي الطبعة العالمية بعد ما تم تأسيس "الاتحاد الدولي لعلم اللغة التطبيقي". (A.I.L.A) في سنة 1964م. فمنذ تأسيس هذا العلم والباحثون اللغويون مختلفون في شأنه (معناه ومجالاته)، بالإضافة إلى بعض المجالات التي سبق ذكرها من قبل. فإن هذا العلم يهتم في المقام الأول بتعلم اللغة الأولى وتعليمها أي اللغة الأصلية للأمة أو المجتمع كالعربية، أوالإنجليزية ، أو الفرنسية، أو الروسية ، مثلا لأبناء هذه المجتمعات، ثم تعلم لغة أجنبية غير اللغة الأصلية، وهي اللغة الثانية للعربي لمن أراد أن يتعلم لغة أخرى كالإنجليزية أو الألمانية. كما يهتم هذا العلم بالتّعدد اللغوي، والتخطيط اللغوي، وعلم اللغة الاجتماعي، وعلم اللغة النفسي، والترجمة، وعلم اللغة التقابلي، وعلم اللغة الحاسوبي، وأنظمة الكتابة، والتحليل الأسلوبي، ووسائل الاتصال اللفظية.غيرأن الأهم عند عبده الراجحي هي أربعة أركان أساسية بالنسبة للسانيات التطبيقية والأخرى فروعها وهي: علم اللغة، وعلم اللغة النفسي، وعلم اللغة الاجتماعي، وعلم التربية. ويتفرع عن كل علم من هذه العلوم إلى فرع.()

والقصد من علم اللغة التطبيقي عند أهل هذا الاختصاص هو تطبيق نتائج المنهج اللغوي وأساليبه الفنية في التحليل والبحث على ميدان غير لغوي.

إن دور اللغة وبخاصة المنطوقة تلعب دورا هاما في إيصال المعارف على أحسن وجه؛ولا سيماإذا تكاملت الشروط المهمة والأساسية في العملية التبليغية، أو التعليمية في المرحلة الابتدائية من التعليم. وعلى هذا أولى اللغويون عناية كبرى للتعليم في مراحله الأولى؛ لأن التعليم في هذه المرحلة يمثل قطب الرحى في العملية التواصلية والخطابية وإيصال المعارف العلمية كالعلوم العقلية والتجريبية، وحتى العلوم الإنسانية إلى المتعلمين بطرق سليمة وصحيحة، وهذا ما ينعكس على درجة الفهم والتفوق وامتلاك الملكة اللسانية. هنا لا يحصل إلا إذا كانت المناهج الدراسية ملائمة نفسيا، واجتماعيا وعلميا مع تطبيق الطرق العلمية الحديثة في التدريس.

ويعطي اللغويون الأولوية لتدريس علم اللغة اللغوي، وبعض المبادئ في الحساب والتربية، ثم تقدم بعض الجزئيات في العلوم الدينية والعلوم الاجتماعية؛ لكن مع تقدم النمو الزمني والعقلي ترقى المواد المقدمة في مجال التربية والتعليم نحو التعمق أكثر فأكثر.

و تبقى اللغة هي عمدة التدريس التي تخضع لها كل الأنشطة المراد تعلمها، هذه المواد لا تدرس إلا باللغة ومتى اكتسب المتعلم لغة سليمة صحيحة كانت عملية اكتساب المعارف جيدة.

وهنا يرى الساهرون على ميدان تعليم اللغة والمربون منهم أهل البيداغوجية على أن تعليم أي لغة وتعملّها تعليما جيدا يبنى على أربعة أركان هي: المعلم، والمتعلم، والبرامج، وطرائق التدريس. وقد تكون ثلاثة إذا حصل الجمع بين المناهج وطرائق التدريس، فإذا توفرت هذه الشروط كانت اللغة لغة توصيل وتواصل بدرجة جيدة أو بشكل مثالي رائع.

وقد يكون التعليم أيسر وأسهل على المتعلم بالنسبة لمن يدرس لغة الأم عكس الذي يتعلم لغة ثانية؛ واللغة الثانية بالنسبة للمتعلم تكون أصعب في الفهم والتحصيل مقارنة بلغته الأصلية: أي لغة المنشأ.

وأشار ابن خلدون – في وقت مبكر – إلى هذه القضية عند تناوله مسألة علم النحو، ودرجة التحصيل والتفوق التي تظهر عند المتعلمين الذين يتعلمون اللغة العربية التي هي أصل لغتهم،

خلافا للأعاجم، قال: "وكانت الملكة الحاصلة للعرب من ذلك أحسن الملكات وأوضحها إبانة عن المقاصد".()

أهمية تعليم لغة الأم واللغات الأجنبية

إن العالم اليوم يمثل قرية صغيرة وذلك بفضل التقدم التكنولوجي المتطور الذي لم تر القرون والأزمنة الفارطة مثله، وصارت المسافات بين قاراته وأقطاره قريبة جدا بفضل الاتصالات الفضائية الهائلة، وعصرا لإذاعة والمذياع والأنترنات والهاتف وما إلى ذلك. كانت وسائل الاتصال هذه خادمة الإنسان وللبشرية جمعاء، فبفضلها اختصرت المسافات في وقت وجيز وفي لحظات مثل وميض البرق، فكان على الإنسان مهما كان انتماؤه الديني أو الإيديولوجي أو العرقي أن يتعلم ويتفتح على العالم، فبدون إتقان لغته الأصلية ومعرفته على الأقل للغة أو لغات أجنبية كي يسهل عليه التواصل مع غيره، ومعرفة ماذا يجري من حوله في هذا الكوكب الذي يعيش فيه.

أين مكانة اللغة العربية بين تعلم اللغات العالمية؟ .

إن العالم اليوم أخذ يتكتل في مجموعات وأحلاف سياسية وعسكرية، وتجارية اقتصادية؛ زيادة على وجود منظمات دولية وجهوية، فكان على اللغة العربية إلا أن تفرض وجودها، وتقتحم هذا العالم الجديد في المحافل الدولية والمنظمات القارية. وقد تحقق للغة العربية مكانة مرموقة معترف بها بعد اللغات العالمية المعروفة كالإنجليزية والفرنسية والروسية و الإسبانية، ودخلت إلى الأمم المتحدة في سنة 1974م، حين قدم الرئيس الراحل الهوا ري بومدين – رحمه الله – خطابه باللغة العربية لأول مرة في هذه الدورة بصفة الجزائر كانت تترأسها.

كما أصبحت العربية تلعب دور الاتصال بين الدول الإفريقية عندما أصبحت تحتل المكانة الأولى بين اللغات المتداولة داخل منظمة الوحدة الإفريقية، ففرضت العربية نفسها على منظمة "اليونسكو" وما يتبعها من هيئات ومنظمات عالمية كالمنظمة العالمية للتغذية والزراعة، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة الصحة العالمية.()

ومن الدراسات المعاصرة جدا حول جهود المؤسسات العلمية المتخصصة والمنظمات والهيئات العربية والمؤسسات الإسلامية، ما قام به أستاذنا الدكتور صالح بلعيد في بحثه القيم المعد لنيل درجة دكتوراه دولة بعنوان: "دور المجامع والمؤسسات العلمية العربية في ترقية اللغة العربية" تناول مكتب تنسيق التعريب في الرباط والمعهد الذي تأسس في 7 أفريل 1961م وما قدمه من خدمات للغة العربية في مجال اختصاصه. كما تناول المنظمة العربية للمواصفات والمقاييس ASMO هذه المنظمة العربية وهي من أجهزة الجامعة الملحقة بالأليسكو، قامت وتقوم بوضع المصطلحات العربية للمواصفات.

ولا ننسى ما قدّمه معهد الخرطوم الدولي للغة العربية لغير الناطقين بها، وهو من أجهزة الأليسكو، تم إنجازه في عام 1974 م،إذْ أسهم بخدمات الجليلة للطلاب الأجانب من مختلف الجنسيات بغرض التعريب أو دراسة اللغة العربية كلغة ثانية بالنسبة هؤلائي للطلاب الأجانب، بالإضافة إلى تأسيس معهد علوم اللسان، و التكنولوجيا اللغوية الذي تم تأسيسه في الجزائر في بداية الثمانينات() كل هذه المؤسسات قد قدمت خدمات جليلة لخدمة اللغة العربية.

قائمة المصادر و المراجع المعتمدة:

1- ماريو باي، أسس علم اللغة تأليف ، ترجمة وتعليق الدكتور أحمد مختار عمر، ط03، ( 1408 هـ- 1987م)، الناشر عالم الكتب القاهرة.

2- أحمد زرقة ،أصول اللغة العربية حروف المعاجم، منشورات دار علاء الدين، ط 1، دمشق.

3- أحمد مختار عمر، البحث اللغوي عند العرب، دار المعارف مصر، 1971م.

4- عثمان بن بحر الجاحظ، البيان والتبيين، تأليف ، دار الفكر للجميع، 1968م.

5- عبد الرحمن بن خلدون ، تاريخ ابن خلدون ، مؤسسة جمال للطباعة والنشر بيروت لبنان، بدون تاريخ.

6- جورج مونن، تاريخ علم اللغة منذ نشأتها حتى القرن العشرين، ترجمة الدكتور بدر الدين القاسم، مطبعة دمشق الجامعية (1392 هـ - 1972م)،

7- رمضان عبد التواب، التطور النحوي للغة العربية، ، مكتبة الخانجي، القاهرة ،1982م.

8- دافيد كريستل، التعريف بعلم اللغة،ترجمة وتعليق الدكتور حلمي خليل، ط 2، 1993م، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية.

9- عثمان بن جني أبو الفتح، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، المكتبة العلمية.

10- عبده الراجحي، علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية، دار المعرفة الجامعية 1992م، الإسكندرية.

11- عبد العزيز مطر، علم اللغة وفقه اللغة تجديد وتوضيح،دارقطرالفجاءة، قطر، (1405 هـ - 1985م).

12- محمود السعران، علم اللغة مقدمة للقارئ العربي، دار الفكر العربي (1420هـ- 1999م)، القاهرة.

13- محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان، ط7.

14- عبده الراجحي فقه اللغة في الكتب العربية، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية، 1988م.

15- محمد بن أبي يعقوب إسحاق ابن النديم، الفهرست ، ضبطه وشرحه وعلق عليه وقدم له يوسف علي الطويل، ووضح فهارسه أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية ط 1، (1416 هـ - 1996م)، بيروت لبنان.

16- أحمد حساني، مباحث في اللسانيات مبحث صوتي، مبحث دلالي، مبحث تركيبي، ديوان المطبوعات الجامعية، 1994، الجزائر.

17- أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، دار الفكر المعاصرة بيروت لبنان، دار الفكر دمشق سورية، ط 02، ( 1419 هـ - 1999م).

18- درار مكي، المجمل في المباحث الصوتية ، دار الأديب للنشر والتوزيع، ط 2، 2006م، وهران الجزائر.

19- فارديناند دي سوسير، محاضرات في الألسنية العامة، ترجمة يوسف غازي، مجيد النصر، المؤسسة الجزائرية للطباعة والنشر، 1986م،

20- أحمد مختار عمر، محاضرات في علم اللغة الحديث، ط 1، 1995م، عالم الكتب.

21- محمود سليمان ياقوتن محمود سليمان ياقوت، دار المعرفة الجامعية للطباعة والنشر والتوزيع، الأزريطة الإسكندرية، 2002م.

22- غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث، دار العودة بيروت لبنان، ط 1، 1982م.

المخطوطات:

01- صالح بلعيد، دور المجامع والمؤسسات العلمية في ترقية اللغة العربية، مخطوط أطروحة الدكتوراه، جامعة الجزائر، 2003م.

﴿ فتنة القراءة بين الحقيقة والرّمز ﴾

الأستاذ : مكيكة محمد

جامعة ابن خلدون

تسعى القراءة الناقدة في طرحها الحداثي، إلى محاولة ابتكار كم من المناهج والآليات التي فرضتها أطر القراءة المعاصرة، تلك التي اعتبرت الفعل القرائي ممارسة بالغة القيمة والخطورة، ولعل مثل هذا الوعي ذو الرؤية التي كلّت وملّت من عناء الأفكار السابقة، تلك التي صهرت قصدية القراءة بقصدية المؤلف، وبقصدية ما يصاحبها من ظروف ومثيرات، كون أي عمل أدبي سيبقى أولا وأخيرا وليد نظفة أمشاج متقاسمة بين شخصية المبدع ومايحيط به من عوالم، ناهيك عن كون هذه الأخيرة بمثابة أنوار كاشفة لخبايا النص، إلا أنها بدل أن تضيء ما في جنبات النص وضفافه ساعية إلى عالمه اللجي، نلفيها لا تتخذ في آخر المطاف هذا العالم سوى وثيقة إما اجتماعية أو تاريخية...، تحاول من خلالها إثبات فكرة ما تخبر عنه الدّلالة الزمنية ليس إلا، و أن أي مقاربة نفسية تخفي رغبة مبطنة لا يتعدى همها التفكيك والتشريح، لكشف شفرة كل رمز وفتح كل موحد في نفسيته. فلا يغدو كل هذا في الأخير سوى من قبيل الأمور الخارجة عن عالم النص، الذي تتحول فيه هذه المعطيات إلى برهان وحجة دامغة في وجه كل من يدّعي ويزعم الخلاف.

لعلّ جوهر الأسباب التي مثلت المنطلقات الفاعلة لإحداث هذا التوجه وتبني هذا المسار، هو اعتبار أي عملية قرائية أو مساءلة نصية، إذا لم تكن منصبّة في الأساس على الحقيقته الأدبية، فإنها للأسف لن تكون سوى اجترارا لما سبق، وأصداءا للأصوات الأولين، إنها القصور والتلاشي بعينه.

إن مكمن الأدبية مكمن بعيد المنال والطريق إليه وعر، كثير المزالق محفوف بالمخاطر، ذلك أنّه ينأى عن كلّ ما هو سطحي مرئي، حاضر، متجانس موغل في عالم بله عوالم لجية، لا مسعى لها سوى إبقائه حيا سرمديا، محافظة على هويته تلك التي تميزه عن كل ماعداه، إنها أدبيته أو شاعريته، ويبقى التغافل عن هذا الجوهر سببا كفيلا لإسقاط وطمس "القيم الجمالية للنص، فحين تكون قراءتنا للنص هادفة إلى استنتاج ما يصور من ظروف البيئة وملابساتها مثلا، لا يكون ثمة مجال لتقييم فنّية النص من وجهة النظر الجمالية، إذ يتساوى الجيد والقبيح، ما دامت مهمتنا في قراءة النص متجهة إلى التوثيق على وجه الخصوص".

إن من تمام مفهوم الأدبية، هو حصول نمط من الإدراك الواعي، الذي يحيلنا إلى اعتبار النص شاردة تسبح في فلك رحب، قوامه الوجود اللغوي ذو الأبعاد الإستطيقية، التي يغيب فيها الانتظام والرتوع لقداسة القوانين والضوابط، ويغيب فيها الثابت لينجلي المتحرك، الذي لطالما كانت صفته – الكر والفر–، هذه الصّفة التي تتنقل فيها الكلمة من مستواها الخطي القار، إلى مستوى المقروء المتحول، مولّدة بذلك كومة من المعاني التي كان عليها في مستواها الأول، أن تتدافع متجهة نحو إثبات ما أراده المبدع، نلفيها في مستواها الثاني، تنشد الجديد وتناشد المتنوع للحضور، متملّصة فاّرة نحو كل الاتجاهات تلك التي تتقاطع فيها الخطوط والحدود، حيث الهيام والضياع.

إنّ الوثيرة التي تسلكها الكلمة بشكل خاص، واللّغة بشكل عام في ضوء أدبية النص، هي في واقع الأمر رهان القراءة الحديثة، تلك التي تحاول أن تشقّ دروبا جديدة، يتقاطع فيها الزمن بكل أبعاده، حيث يكون الماضي فيه خير مطعم للحاضر، ويغدو فيه الحاضر إلى هاجس للمستقبل، الذي يؤكّد بدوره إمكانيته وطواعيته للتداخل والتزاوج مع نصوص أخرى مستقلة، يصبح فيها حدثا ماضيا وهكذا دواليك، إنّها أعجوبة الزّمن تلك التي تجعل من المستقبل لبنة ينبثق من رحمها الماضي، ويتحول فيها اللاحق إلى سابق.

لعلّ هذه المعطيات المختصرة، هي التي ستجعلنا نرى النص برؤية أخرى ونلامسه ملامسة جديدة، تلك التي تبعث إلى الجمالية من خلال ضرورة الإنحراف، هذا الفعل الذي يدفعنا إلى الإنتهاك، إلى ارتكاب خروقات على مستوى القراءة، خروقات من حقّها أن تنأى بنا عن الخطاب العادي، منتهكين بذلك سننه ممارسين ضربا من العنف المتعمّد عليه، الأمر الذي يجعل الكلمة في ظلّ هذه الإستراتيجية ليست مجّرد إشارة تحيل إلى معنى، وإنمّا وجدت "لتثير في الذهن إشارات أخرى، وتجلب إلى داخلها صورا لا يمكن حصرها" وكأنه انتفال من نحو الجملة إلى نحو النص، وبعبارة أخرى انتقال من استعارة الجملة إلى استعارة النص كتطور نوعي جديد، ذلك الذي يرتقي فيه الوعي نحو آفاق جديدة، يتم فيها تجاوز البنية السطحية، تلك التي تشكّلها اللّغة الحرفية، إلى البنية العميقة، التي تبني صرحها اللّغة المجازية "لذلك فإن الشاعرية انتهاك لقوانين العادة، ينتج عنها تحويل اللّغة من كونها انعكاسا للعالم أو تعبيرا عنه أو موقفا منه، إلى أن تكون هي نفسها عالما آخر، ربما بديلا عن ذلك العالم".

إنّ تبني مثل هذه الفكرة الجديدة للنص، هذه التي سيغدو في نسيجها هذا الأخير رحلة همّها المعاينة، والتفحص في الشقوق والصدوع لاكتشاف البواطن، التي خال العديد من القراء أن مواطنها النص، إلاّ أنّها في ضوء ما سبق غدت تسكن الخارج، ذلك الذي أسماه النقد الحديث: باللاّمقول بالمسكوت عنه، بالمفهوم لا المنطوق، إنّه العالم الإفتراضي le lieu virtuelle ، ذلك الذي لا ينتمي إلى النص، ولا ينتسب إلى عالم القارئ، ولكنّه يمثل نقطة التقاطع والإلتقاء بينهما، كلّ هذا بفعل آلية التأويل، التي كانت في غياب هذه النظرة، مجرّد أداة يتم استدعاؤها لإضافة معنى آخر غير المعنى الحرفي للنص، والتي صارت بفضل هذا التوجّه الجديد، إجراءا فضّاحا لنظم التقليد التي كانت سائدة من قبل، إذ أنّها غدت عملية بناء وهدم في آن واحد "إنّه يحفر وأثناء الحفر يحطّم، يحفر هذا التأويل وراء النص، ليصل إلى النّص التحتي Subtexte الذي هو النّص الحقيقي، فللفهم لابدّ من إعادة شرح الظاهرة للعثور على مقابل لها، وهكذا فإنّ التأويل ليس قيمة مطلقة كما يعتقد الكثير، ولا بادرة ذهنية تنتمي إلى مملكة القدرات الخالدة، بل يجب تقييم التأويل في إطار نظرة تاريخية للوعي البشري".

وبالتالي تصبح دعوة النص الجوهرية، من خلال إحالته لنا إلى عوالم الغياب، هي ليست مجّرد رصد لمكامن المعاني وينابيع الدلالات، بقدر ما أنه يرقى بتوجيهنا إلى منابر السحر فيه، وإلى تلك الآثار التي يحاول تركها في نفس الآخر واللّغة معا."لا يكون النّص نصا إن لم يخفى على النظرة الأولى وعلى القادم الأول قانون تأليفه وقاعدة لعبه، ثم إنّ نصا ليظلّ يمضي في الخفاء أبدا، وليس يعني هذا أن قاعدته وقانونه يحتميان في امتناع السّر المطوي، بل أنّهما وببساطة لا يسلمان أبدا نفسيهما في الحاضر لأي شيء مما تمكن دعوته بكامل الدقة إدراكا".

إنّ تمظهر مفهوم القراءة بكلّ هذه التشكّلات الجديدة، ومن ثمّ مفهوم النص على اعتبار هدا الأخير نداء، وما القراءة سوى استجابة وتلبية لهذا النداء، سيعكس لنا بلا شك عدولا وانحرافا على المسعى والمطلب الأساسي لهذه المعطيات ومن ثم آلياتها، مسعى فرضته الرّؤية النّقدية الجديدة، تلك التي غيّرت مسار النقد من كونه مجرد نقد ذو أبعاد شكلية تلك التي تحاول استبدال فكرة بأخرى، أو مفهوم بآخر، نقد لم ينجح في تجاوز الإكراهات الميتافيزيقية الكلاسيكية، التي اعتبرت الذات غير بريئة في حيازة العالم، وتمثّل الأشياء فيه، وأن الخطاب في تمثيله للمعاني خطاب ضبابي متماهي غائب الهوية، لقد تحول النقد من كلّ هذا، نقدا يؤمن بضرورة التفكيك، كأداة لامناص منها لكشف ما تشابك من علاقات وأنسجة معقّدة، قائمة في جوهرها على المراوغة والمخاتلة والإيهام، فما تصورناه من قبل نقدا للآخرهو في الحقيقة احتواء و تستّر، وما حسبناه قطيعة بين الأصل والفرع، إنماهوامتداد وإعادة تأسيس، وما اعتبرناه غيابا للأوّل– الأصل– في حضور الثانيا – لفرع، إنّما هو تغييب الثّاني للأوّل وحجب لأصوليته.

إنّها بحق لمفارقة عجيبة، تلك التي تجعل مهمتنا في النص تقف بين المعنى وظلاله، بين الحاضر والغائب بين الصوت والصدى وبالتالي" إذا كان النص لا يقول الحقيقة، بل يخلق حقيقته، فلا ينبغي التعامل مع النصوص بما تقوله وتنص عليه وبما تعلنه وتصرح به، بل بما تسكت عنه ولا تقوله بما تخفيه وتستبعده" .

ولكن من بين كلّ هذا الرّكام يلوح لنا سؤال لجوج، ترسو به قواعد الحداثة، وينقشع به فجر جديد للنص وللقراءة معا،إنّه سؤال الغاية والمبتغى، وسؤال المطية والوسيلة في آن واحد، ما الذي نلهث وراءه في النص؟ وهل بالإمكان الوصول إلى هذا الشيء؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، فما هي الإستراتيجية التي سيعتمدها النص لجعلنا دائما بمنأى عن هذه الغاية؟

لطالما كان مسعى كلّ قراءة، تلك التي تراهن بكلّ جمالي في كينونتها، محاولة إرغام النّص وإقناعه بضرورة المبدأ النفعي البراغماتي، هذا المعيار الذي تنتظر منه القراءة انفتاحا وبوحا واستجلاءا لكلّ مغيب خفي، حيث يكشف هذا المفهوم عن نظام متكامل، همّه استخراج الكائن من بواطن النّص، إنّها رحلة اقتفاء أثر الحقيقة، تلك الرّحلة الشاقّة الفاتنة، ولعلّ ما يجعلها كذلك هو وعينا التام أنّ الحقيقة التي نبحث عنها هي ليست تلك التي شكلّها المؤلف، أو تلك التي تعكس الواقع، ذلك لأن النصوص التي تحاكي هذا الأخير وتنقل حقائقه داخل أحشائها، نصوص ميّتة خائرة القوى لأنها تنتهي بانتهاء الواقع الذي تخبر عنه، وبالتالي فإن الحقيقة التي نروم تصيّدها هي تلك التي تنبع من النّص تلك التي تفرزها اللّغة كيف لا وقد غدت هده الأخيرة هي المرجع الذي استطاع أن يثبت تفرّده المطلق، وكأنها في هذا المقام أقرب ما تكون إلى قول المتنبي: – فيك الخصم والحكم–.

إن محاولة احتواء الحقيقة داخل النص، برؤية كلاسيكية ساذجة، تلك التي تسعى لصياغة مفهوم الحقيقة بصبغة الخطأ والصواب، لمحاولة بائسة ذلك أنّها تصريح مباشر ورغبة جامحة لإهدار كينونة النص، وطمس لهويته وتغافل عن جوهر الحقيقة فيه.

لاجرم أن سعيا منا لتتبع هذه المعطيات، ورصد أهمّ اللّبنات التي غدى بها حقل النقد مظهراداثيا ستجعلنا نفهم أن ما نبغي الوصول إليه هو من قبيل الأمور العصية المتفلّة المتملصة، إذ تحول مفهوم البحث عن الحقيقة ليس إلى مجرد بحث، بل إلى مطاردة مفتوحة الجبهات، لأننا أدركنا في الأخير قدرة امتلاك النص لحقيقته هو، تلك التي خلقها واعتبرها صوتا يعلو على كلّ الأصوات، والتي لن يفرط فيها بسهولة، ممارسا علينا عنفه وتمرده ووطأته وبصمته، وأثرا بيّنا لإثباث حضوره بله كينونته

إنّ رؤية كهذه من حقّها أن تضعنا أمام حقيقة أخرى، سبق وأن طرحناها بصورة إشكال ثاني، وهو ما سبيل النص في احتواء حقيقته؟ أو بمعنى آخر ماهي الآلية التي سيراهن عليها ليكّرس من خلالها المفهوم الجديد للنّقد، ذلك الذي حصل الإنتقال فيه من نص الحقيقة إلى حقيقة النص.

يتجلى لنا مفهوم الرمز، كقوة فاعلة وناشطة داخل عوالم النص، باعتبارها سياجا وحصنا منيعا يخفي بداخله النفيس من المعاني والحقائق، مشكلا بذلك حجبا تواري ظلال المعنى، وبهذا لا يحضر أمامنا الرمز كمفهوم بقدر ما يتجسد لنا كوظيفة، همّها التستّر والاحتجاب، خالقا بذلك عوالم لجية من الوهم والتمويه المفتعل الذي يكرس من خلاله -الرمز- سلطته المطلقة، سلطة التفاعل والفضاء والكثافة، حتى لايغدو الغائب هو تلك الحقيقة المندسّة داخل دهاليز النص فحسب، بل حتى من توكل إليه هذه الوظيفة، هو غائر في عالم الحجب، فتغدو مواطن الحضور في الأخير –أنا- مواطن للغياب –هو- فيتشكل الماضي بصورة الحاضر والحاضر بصورة الماضي، ولعلّ هذا أقرب لما كان يطلق عليه قديما في الدرس البلاغي: مدح أريد به ذم وذم أريد به مدح، إننا أشبه ما نكون أمام لعبة تدور بيننا وبين الرمز في وساطة القراءة، لعبة الحضور والغياب، لعبة الرغبة والتمنّع، ذلك أنّ "فتح النّص على إمكانية الفهم، التي لا تتوزّع إلا بشكل أنطولوجي لتحفظ استمراريتها لا يمكن أن يتخذ بعدا تأويليا إلا بتوسط الرموز".

وبهذا فإن شحنات التأويل تبقى مغيبة وبمنأى عن أي توظيف قرائي، إلاّ إذا تبدّت همسات الرمز وانكشفت إيماءاته، مصدرة صوتا خافتا مغريا يحيل إلى الصدى، وتغدو الكتابة في ضوء هذه المعطيات قطيعة بين دلالة اليقين ودلالة الشك، ذلك أنّ الرمز وهو يمارس حجبه، يسعى إلى الإنتقال من عالم البرهان إلى عالم التأويل وقد يكون هذا ما أشار إليه العسكري بقوله "....فدلالة البرهان هي الشهادة للمقالة بالصحة، ودلالة الكلام إحضار المعنى النفيس من غير شهادة له بالصحة...".

إنّ عملية الإحضار هذه أو للاستدعاء، من حقّها أن تجعل الرمز "يفتح المسار الإبستيمولوجي عبر أزواجه (الفهم/الشرح) (التفسير/التأويل) على زوايا انكسار للحقيقة، ومنه وعبر تحويل الحقيقة إلى معنى إلى نصوص أخرى هي عوالم أخرى".

وبهذا تنفتح وظيفة الرمز داخل النص على فضاءات أرحب وأوسع من ذي قبل، فبعد أن تجلّت الوظيفة الأولى في التستر والتكتم، ظهرت الوظيفة الثانية التي كرست من صرح الأولى ورسخت مقولاتها، جاعلة منها بعدا جماليا لا مناص منه، إنها قضاء الكتابة على نفسها من خلال ميلاد كتابة أخرى جديدة، هي القراءة في رأي جاك دريدا أو "إشتغال النص على ذاته"، على حد تعبير بول ريكور.

وبالتالي ندرك حسب ديريدا أنّه إذا كانت القراءة الثانية هي إلغاء للأولى، وقضاء على الكتابة السابقة، وإذا كان هناك تعاقب لا نهائي لسيرورة البناء والهدم، فإنّنا سنجد أنفسنا أمام استراتيحية جديدة للتفكيك، تلك التي أثارتها سلطة الرمز، إذ أن هذه الأخير لا يكتفي بما سبق ذكره من صلاحيات، بقدر ما أنه يغور بنا إلى رؤية جديدة، تستلزم تحقيق نظاما معين تسير بمقتضاه عملية التفكيك، هذا النظام ذو الطبيعة المتحولة، والقادر مع كلّ قراءة أن ينحرف بوعينا نحو تعديلات وإحداث ترميمات داخله –الرمز-، حينها تتكشّف لنا سلطته تلك التي أضحى في ضوئها المثير والإستجابة في آن واحد، وبهذا فما يفرز النص "رموزا مهمتها تخريج المعنى وليس بناء الحقيقة".

لقد تحول النص ليس مجرد حقل نبسط على أرضه نفوذنا، بل إلى فضاء مفتوح يمتص كل معرفة، وتغدو فيه عملية البسط هذه وهما ليس إلا.لا يتيح الرمز فقط قراءة لنفسه، أو بناء علاقة معينة للتعامل والإنخراط مع الحقيقة، ومن ثمّ الإندماج مع الغير، بقدر ما أن القراءة تصبح داخل نسيجه رؤية مستجدة لكلّ ما سبق، تفتح فيها المغاليق وتستحدث فيها الآليات، ويشع فيها التفاعل ويتحرر فيها الآخر من سلطة كل سلطة واضعا بذلك نهاية لعبادة الأوثان.

قائمة الإحالات

1. عفت الشرقاوي، قراءة النص الأدبي في الجامعات العربية، مشكلة المصطلح ونقد النقد، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس، العدد 04، 1988، ص42.

2. الغذامي عبد الله محمد، الخطيئة والتكفير من البنوية إلى التشريحية قراءة نقدية لنموذج لسان معاصر، جدة النادي الثقافي الأدبي، ص25.

3. حبيب موسي، نظرية القراءة في النقد المعاصر، منشورات دار الآداب، الطبعة 2007، ص97، سوزان نيونطاج 03، ضد التأويل ومقالات اخرى، نيويورك 1966، أورده وولفينغ أيزر، وضعية التأويل، م.م.س، ص41.

4. جاك دريدا، صيدلية أفلاطون، تر: كاظم جهاد، دار الجنوب للنشر، تونس، 1998، ص13.

5. علي حرب، نقد النص، المركز الثقافي العربي، ط03، 2002، ص15.

6. عمارة ناصر، اللغة والتأويل، مقاربات في الهرمنوطيقا الغربية والتأويل العربي الإسلامي، منشورات الإختلاف، ط01، 2007، ص41.

7. العسكري، الفروق في اللغة، دار الآفاق الجديدة بيروت، ط07، 1991، ص61.

8. عمارة ناصر، اللغة والتأويل، مقاربات في الهرمنوطيقا الغربية والتأويل العربي الإسلامي، ص41.

9. عمارة ناصر، اللغة والتأويل مقاربات في الهرمنوطيقا الغربية والتأويل العربي الإسلامي، ص.39.

10. Jack Dirida : de la grammatologie, édit : minuit Paris, 1967, P.229.

Paul Ricoeur : « lectures/// aux frontières de la philosophie », édit seuil, Paris 1994, P.307.

تحسين دافعية التعلم في الوسط المدرسي

د. عابد بوهادي

أستاذ محاضر بكلية الآداب واللغات - قسم اللغة والأدب العربي

جامعة ابن خلدون - تيارت

ملخص:

يفرض التعلم نفسه في كل موضوع يرتبط باللسانيات التطبيقية بشكل عام وبتعليمية اللغات بوجه خاص، وتكمن أهمية التعلم في كونه موضوعا يتعلق بالعملية التعليمية وبالجانب النفسي للمتعلم. فطبيعة التعلم تجعله أقرب ما يكون إلى حقل اللسانيات التعليمية وعلم النفس التربوي، إذ يرى بعض العلماء أن مجال التعلم مجال نفسي بحت، يتعلق بنفس المتعلم وما يدور في عالمه الداخلي. ومن هنا كان للتعلم أهمية كبرى في حياة الفرد وتأمين مستقبله.

إن التعلم عملية معقدة متداخلة العناصر لها من الخصائص ما يجعلها تتقاطع مع كثير من العوامل ذات التأثير الداخلي والخارجي. فأما المؤثرات الداخلية، فهي تتعلق بميدان علم النفس التربوي والسيكولوجي وغيره مما له صلة بدراسة الملكات الذاتية والقدرات النفسية، وأما المؤثرات الخارجية، فتتعلق بالوسط المدرسي والعائلي والبيئة بشكل أوسع.

فنجاح العملية التعلمية إنما يتوقف على تضافر عوامل معينة ينبغي أن تحظى بالدراسة والعناية، ومنها دافعية التعلم، تلك الطاقة التي يشتكي من ضعفها كل أطراف العملية التعليمية- التعلمية. ولمعاجلة هذه الظاهرة يجب أن نبحث عن أسبابها ومؤثراتها، فنخضعها للدراسة والتحليل حتى نتمكن من فهمها ووصف العلاج الملائم لمواجهة المشكلات الناتجة عنها وبالتالي تقديم البدائل المناسبة لها.

إن الاهتمام بدوافع المتعلمين وميولهم واتجاهاتهم من قبل المعلمين يكتسي أهمية كبرى في إنجاح العملية التعليمية. فالدوافع تنشط السلوك نحو تحقيق الهدف. ويمكن للمعلم الكفء توجيه هذا النشاط نحو أداءات أفضل والعمل على استمراريته وتنوعه في وضعيات التعلم المختلفة .وتعتبر إثارة ميول المتعلمين نحو أداء معين واستخدام المنافسة بقدر مناسب بينهم، من الأمور الهامة التي تستخدم لتحقيق الأهداف التربوية والتعليمية. غير أن دفع المتعلم إلى القيام بأداء مهام لا تتناسب مع قدراته وإمكانياته قد يؤدي به إلى التعثر والإحباط نحو التعلم، ومن ثم، التراجع في الدراسة. لذلك ينبغي للمعلم أن يعمل على رفع مستوى طموح المتعلمين بدرجة تعادل درجة استعدادهم وميولهم وقدراتهم نحو الأنشطة المختلفة حتى يتسنى للمتعلمين النجاح والاستمرارية في الأداء وعدم التعرض للإحباط. كما على المعلم والأولياء كذلك ألا ينسوا الفروق الفردية ودورها في إنجاح الإنجاز حيث يختلف الطلاب في القدرات والاستعدادات كما يختلفون في الأوصاف الجسمية.

وهذا ما نحن بصدد بحث عناصره في هذه المحاولة وتحليلها بغية الوقوف على أنجع الأساليب لتفعيل دافعية التعلم لدى المتعلم الذي يعتبر المحور الأساس في العملية.

.

مقدمة

يكاد يجمع علماء التربية على أن العملية التعليمية - التعلمية تتكون من ثلاثة أركان أساسية تشكل فيما بينها ما يصطلح على تسميته بالمثلث البيداغوجي الشهير، وهذه الأركان هي: المعلم والمتعلم والمادة التعليمية. فلا يمكن للعملية أن تتم إلا بهذه العناصر مجتمعة. ويسعى المنظرون في هذا الحقل المعرفي إلى معرفة مبادئ التعلم وآلياته المختلفة، حيث تحاول كل نظرية أن تحدد الأولويات التي يجب الاهتمام بها وتقديمها على غيرها. كما يتفق أغلبية المنظرين في هذا المجال على أن المتعلم هو الركن الأولى بالعناية والاهتمام لأن عليه يتوقف تحقيق الهدف من العملية وبه تقاس نسبة نجاحها.

فالمعلم، يفترض فيه أن يتوفر على مواصفات معينة ضرورية تساعده على أداء مهمته، كما يفترض أن يكون قد خضع لعملية انتقاء مسبق وفقا لمعايير موضوعية مهنية، وتلقى تكوينا متخصصا لذلك.

والمادة التعليمية، تكون قد خضعت هي الأخرى إلى دراسة علمية وتربوية متخصصة، عادة ما يراعى فيها توفر معايير علمية وتربوية وضوابط تسعى إلى تحقيق التلاؤم بين الهدف التعليمي والمبادئ والغايات التي تخدم اتجاهات المجتمع بحسب ما يراه واضعو البرنامج ووفق منهاج تربوي سليم. (ينبغي أن تخضع طبيعة المادة (من حيث الصعوبة والسهولة)، لمبدأ التدرج الذي يراعى فيه عوامل التعلم المعروفة والمستوى العلمي لكل مرحلة من مراحل العملية).

أما المتعلم (الطالب)، فهو الركن الذي لا يسمح واقع الحال بإخضاعه للمعايير العلمية نفسها التي يخضع لها المعلم والمادة التعليمية، بحيث نجعله يستجيب لمتطلبات علمية مرغوب فيها أو مواصفات نأمل أن تتوفر فيه، وذلك لأن المتعلم عادة ما يكون طفلا أو مراهقا نشأ في بيئة طبيعية وبشرية لا نملك أن نجعلها تتوفر على شروط ضرورية واحدة لجميع المتعلمين فضلا عن الاختلاف الطبيعي في المؤثرات الخارجية والداخلية وما يأتي عن طريق الوراثة وغيرها..

وإذا سلمنا بأن المتعلم هو الركن الأساسي الأول في العملية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل نركز العناية على سلوكه أم على بناء معارفه، وإذن فما أسس هذه العناية الضرورية وما مبادئها؟ ومتى، وكيف يمكننا تقديم هذه الطريقة أو تلك؟ وما البدائل التي يمكن أن نقدمها للعاملين في الميدان، إذا ما اكتشفنا نقائص معينة تشوب أركان العملية...؟

كل ذلك يستدعي ضرورة الاهتمام بالبحث والدراسة لكل ما يتعلق بالمتعلم والمعلم والمادة التعليمية، بل حتى بمعدي البرامج والمناهج التربوية أنفسهم. ومن هنا ينبغي للبحوث السيكولوجية أن تظل متواصلة وأن تكون في متناول كل المتعاملين التربويين حتى يستفيدوا من النتائج المتوصل إليها وبالتالي يتمكنون من تجديد معارفهم وتعزيزها باستخدام الوسائل والأدوات الحديثة بغية ضمان تحسن مستمر لوضعيات التعلم المختلفة.

من أجل ذلك نلفي الأمم المتقدمة تحرص على تنمية ثروتها البشرية وتبذل كل ما في وسعها من أجل الاهتمام بحاضر

أبنائها ومستقبلهم، فالبلد الأقوى هو الذي يستغل ثروته البشرية استغلالا كاملا، ولا يتأتى له ذلك في تقديرنا إلا بإعداد أفراده إعدادا متميزا يحرر بواسطته مخزون كل فرد من قدرات وطاقة كامنة، ويمكنهم من تحقيق ذواتهم لمصلحتهم ومصلحة مجتمعهم. ومن مظاهر هذا الاهتمام أيضا عنايتها بالنظام التربوي والمناهج الخاصة التي تعتمدها المدارس في برامجها التعليمية، من أجل الارتقاء بمستوى المتعلمين فيها، ومساعدتهم على تجاوز الصعوبات التي تواجههم، حيث نجد العلماء من لغويين ولسانيين ونفسانيين ومهتمين بتربية الطفل، يستميتون في البحث المتواصل لاكتشاف أنجع الأساليب العلمية وأيسر الطرائق التربوية وأحدث الوسائل البيداغوجية وأكثرها تطورا من أجل مساعدة الفرد على التعلم والعناية بدراسة مشاكله التعليمية وتقديم الحلول المناسبة لها.

ومن ج�