حوارات:جيد ال�شر عبد ا فهمي جدعانأحمد عدنا اد:ب العد من كتالعانعبد ام ب عبد ال�ششم �شالح ها�ديمد جدي قي اأن�س الطريي بغوره الزواوبي النهي ماجدول الزينمد �شوقي فح�س ها مو�شى برهومةملم ا ب�شا خالد حاجيأمهال ابراهيم اد:ف العد ملة . ثقافيةة. فكري ف�صليريةمح والت�شا ا2013 ربيع)1( د عد

يتفكرون

Embed Size (px)

DESCRIPTION

مجلة فصلية

Citation preview

حوارات: • عبد املجيد ال�شريف

فهمي جدعان •

• اأحمد عدناين

من كتاب العدد:

• عبد ال�شالم بنعبد العايل• ها�شم �شالح

• حممد جديدي • اأن�س الطريقي • الزواوي بغوره

• ماجدولني النهيبي• حممد �شوقي الزين

• هاين فح�س • مو�شى برهومة

• ب�شام اجلمل • خالد حاجي

• ابراهيم اأمهال

ملف العدد:

ف�صلية. فكرية . ثقافية

الت�شامح واحلرية

عدد )1( ربيع 2013

ف�صلية. فكرية . ثقافية

يتفكرون

املواد املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي مؤسسة »مؤمنون بال حدود«جميع احلقوق محفوظة

1

مجلة فصلية فكرية ثقافية تصدر عن مؤسسة مؤمنون بال حدود للدراسات واألبحاث

رئيس التحرير: حسن العمراني

تنفيذ وتصميم: رنا عالونهالتحرير اللغوي: د. رانيا عموري

إشراف عام: د. أحمد فايز

املراسالت:

7 RUE GABES(CENTRE-VILLE)P.O. BOX 10596

RABAT, MOROCCO

Tel:+212537730450/ Fax:+212537730408

[email protected] :بريد إلكترونيwww.mominoun.com

مجلة يتفكرون [email protected]

لوحتا الغالف األمامي واخللفي بريشة الفنانة جوليا عبيني، األردن.

2

كان فعل التنوير يقت�سي خروج الإن�سان من حال الو�ساية واجلمود العقائدي فاإن النه�سة بالأ�سا�س

املت�سابكة الذات، و�سد كل �سور ال�ستالب احلا�سرة يف عالقاتنا املا�سي وت�سنيم ثورة �سد عبادة

لنظام تغيريا اأن تكون قبل الثورة اأن املعلوم فاإنه من العربية، الثورات وقع زمن نعي�س على ومادمنا بالآخر.

احلكم، اإمنا هي فعل فكري خال�س يخلخل املعارف اجلامدة، ويخل�س من �سرنقات الأحكام، اجلاهزة، ويورث

القدرة على افرتاع املعاين البكر، واإبداع املفاهيم التي ت�سعف يف قراءة مبتكرة للذات والعامل.

انطالقا من هذه الروؤية واإميانا بالدور ال�سرتاتيجي للثقافة والفكر يف �سناعة احلياة ونه�سة الإن�سان وارتقائه، ويف

ظل املتغريات الإقليمية اخلطرية التي تع�سف باملنطقة العربية، والتي ت�ستوجب اإحداث تغيري نوعي وعقالين

يف ثقافتنا ك�سرط لإ�سالح واقعنا املرتدي، ووعيا باأن املجتمعات العربية ت�سكو من فقر مهول يف املعارف واآليات

التفكر التي بو�سعها اأن تقدر على البتكار، تاأتي موؤ�س�سة موؤمنون بال حدود لت�سطلع، مع غريها، برفع التحديات

من حتد اأن دون الثقايف والتغيري بالإ�سالح املهجو�سة امل�ستنرية الفكرية الطاقات وح�سد الهمم وا�ستنها�س

حيويتها اأ�سنام اأيديولويجية اأو �سياجات مذهبية.

يف �سياق هذه الدينامية التنويرية التي اأطلقتها املوؤ�س�سة، والرامية اإىل فتح اأورا�س جديدة للدرا�سة والبحث يف

كل جمالت املعرفة، ودعم البحوث والدرا�سات وت�سجيعها ق�سد الرتقاء مب�ستوى املعرفة، ومن اأجل امل�ساهمة

يف ن�سر قيم التنوير ونبذ التع�سب والنغالق وتر�سيخ قيم احلوار والنفتاح، جاء اإ�سدار جملة يتفكرون، التي

القول نافل ومن املوؤ�س�سة. �ست�سدرها التي والعلمية الفكرية املجالت من ل�سل�سلة الأوىل الباكورة �ستكون

التاأكيد اأن الهاج�س الأكرب من وراء كل ذلك هو توفري منابر للتوا�سل بني الباحثني امل�ستغلني يف جمال الفكر

مهما اختلفت مرجعياتهم وتباينت روؤاهم يف البحث.

اإن من يجرد النظر يف الواقع العربي ويتابع املجريات ل يلبث اأن يتبني عودة حممومة لظاهرة الت�سدد والتع�سب

على وهيمنتها والإرهابية التكفريية احلركات دور ا�ستفحال خالل من الأحداث واجهة حتتل �سارت التي

امل�سهد ال�سيا�سي. ولي�س ثمة من �سك اأن هذه العودة حتمل تهديدا لقيم الت�سامح و احلوار والتعاي�س. لذا فاإن

حاجتنا اليوم اإىل الت�سامح، يف عامل خمتلف متاما عن ذلك الذي ابتكر فيه هذا املفهوم، ل تقل اأهمية وحيوية.

فاإذا كان الزمن احلديث هو الذي د�سن التفكري يف الأ�س�س الفل�سفية للت�سامح، فاإن اإعادة التفكري فيه وم�ساءلته

وتفكيكه، اأ�سحت يف عاملنا اليوم �سرورة ملحة؛ لأنه، رغم التبخي�س الذي تعر�س له وجعل بع�س الفال�سفة

املعا�سرين ينظرون اإليه اإما بو�سفه قيمة �سغرى اأو جمرد هدنة بني �سدامني وفتنتني اأو �سربا من التعايل والتف�سل

على الغري، يظل وحده القادر على تزويدنا بالقواعد التي ت�سمن التعاي�س بني اجلماعات والطوائف وال�سعوب.

وغري خاف اأن املفهوم احلديث للت�سامح، رام حلظة ت�سكله اإيجاد حلول مل�ساألة دينية خم�سو�سة: كيف ال�سبيل

لتحقيق التعاي�س بني مذاهب وديانات خمتلفة بعد حروب دينية طاحنة؟ واحلال اأن هذا املفهوم �سمح بالتفكري

إذا

كلمة رئي�س التحرير

3

يف التعاي�س الديني عرب نقل ال�سوؤال من احلقل الديني اإىل احلقل ال�سيا�سي. اإذ غدا التعاي�س بني الأديان ق�سية

الآن هو هل الذي يطرح وال�سوؤال املعتقد. والدولة واعرتافا بحرية الكني�سة افرت�س ف�سال بني ما مدنية، وهو

ينح�سر مفهوم الت�سامح يف جمال الالهوت ال�سيا�سي؟ األ يتيح بناء مفهوم �سيا�سي للتعاي�س بني ب�سر باعدت

باحلدود بني فيه مرتبطا التمزق يعد التعاي�س داخل عامل مل ي�ستقيم الأعراق والأديان والآراء؟ كيف بينهم

الدول، واإمنا يتعلق باحلدود الإثنية والذهنية والإيديولوجية؟

ولكن، ما الت�سامح؟ حول ماذا نت�سامح؟ ومع من؟ هل ميكننا الت�سامح مع اأعداء الت�سامح؟ هل يجوز الت�سامح

مع الكراهية والعن�سرية وحروب الإبادة؟ األ يوؤدي الت�سامح الالحمدود اإىل تبخر مفهوم الت�سامح نف�سه؟ وهل

القول باأن ثمة ما ل يقبل الت�سامح هو �سرب من الوقوع يف اأحابيل الالت�سامح؟ هل الت�سامح مرادف للحرية

يف لالآخر مطلقة حرية منح الت�سامح يعني األ فوقي؟ ب�سكل اختالفهم على الآخرين مع ت�ساهل جمرد اأم

تفكريه واعتقاده واآرائه، اأم اأنه ل بد من خ�سوع هذه احلرية ملجموعة من ال�سوابط والقواعد؟ هل للت�سامح جذور

اإ�سالمية؟ اإذا كان الت�سامح وليد حركة الإ�سالح الديني الأوروبي، فكيف اهتم الفكر الإ�سالحي الإ�سالمي

بق�سية الت�سامح؟ هل ثمة اأوجه �سبه بينهما؟

تلك اإ�سكالت واأ�سئلة حيوية جعلتنا ل نرتدد يف تخ�سي�س ملف عددنا الأول مل�ساءلة تيمة الت�سامح واحلرية يف

ت�سعباتها وتوتراتها بالعتماد على مقاربات متتح من حقول معرفية متنوعة. فاملراهنة على الت�سامح واحلرية مراهنة

على الإتيقا، وعلى الإميان باإن�سانية متجددة تن�سد قيم اخلري، وتتطلع اإىل غر�س مبادئ الحرتام وحرية العتقاد

والنتقاد.

فيه لنحاور لقاءات باب �سنخ�س�س الفكر اأهل مع التوا�سل ج�سور مد على منا وحر�سا اأخرى، ناحية من

مفكرين عرب وعامليني حول ق�سايا تتعلق مب�ساريعهم الفكرية والعلمية، وحول روؤيتهم للتحديات الثقافية التي

تواجه الإن�سانية يف عاملنا الراهن. كما �سنفرد، خارج ملف العدد، ركنا نقدم فيه مقالت فكرية ر�سينة تالم�س

ق�سايا الو�سع الب�سري يف خمتلف م�ستوياته. وي�سم هذا العدد، عالوة على قراءات يف بع�س الكتب، ملفات

غنية ومتنوعة بدءا من الرتحال عرب اأروقة الأدب والفنون، مرورا بالعلوم والثقافة وم�سكاة املفاهيم و�سخ�سيات

واأعالم...و�سول اإىل ح�ساد موؤ�س�سة موؤمنون بال حدود الذي �سيعنى بالتعريف باإ�سدارات املوؤ�س�سة، والر�سد

الدقيق ملختلف الندوات العلمية التي نظمتها يف العديد من املدن العربية، وعرفت م�ساركة مكثفة لباحثني من

خمتلف دول العامل العربي.

نختم موجهني الدعوة لكل املفكرين والباحثني للم�ساهمة يف اإغناء هذه املجلة يف ملفاتها اخلا�سة، ويف اإثراء باقي

الأبواب الأخرى التى توؤلف ن�سيج املجلة. اأملنا اأن نكون قد وفقنا يف تقدمي عدد متكامل يرقى اإىل تطلعات قرائنا

الكرام، يف انتظار م�ساهماتكم ومالحظاتكم واقرتاحاتكم.

حسن العمراني

حمور العدد: الت�سامح واحلرية

الت�سامح واحلرية ............................................................................................. 6

حول الت�سامح واحلرية الدينية يف الفكر الأوروبي .......................................................... 8

حوار مع الدكتور عبد املجيد ال�سريف حول الت�سامح واحلرية ................................................. 18

حدود الت�سامح ............................................................................................... 26

من يد الت�سامح اإىل عناق ال�سماحة ......................................................................... 36

مفهوم الإرادة العامة والتاأ�سي�س الأخالقي والقانوين للت�سامح واحلرية ...................................... 40

يف الدين والت�سامح واحلرية ................................................................................... 48

جدل الت�سامح واحلرية بني الفكر الأوروبي والفكر الإ�سالمي .............................................. 50

جتليات التع�سب والت�سامح يف الفكر الإ�سالمي ............................................................. 62

الإ�سالم والت�سامح ........................................................................................... 78

التاأ�سي�س الإ�سالحي ملفهوم الت�سامح ....................................................................... 88

ل ت�سامح الن�سق ؛ من اأجل نقد ثقايف ....................................................................... 94

لهذه الأ�سباب، ن�ساأ العنف والتطرف عند امل�سلمني ......................................................... 102

حوار: فهمي جدعان ........................................................................................ 106

مقاالت

كيف نقارب الثقافة من وجهة نظر فل�سفية ؟ ................................................................ 112

نقد اإرادة الكونية ............................................................................................. 124

الدولة الوطنية على اأ�سا�س املواطنة .......................................................................... 136

فن ال�سيا�سة و ح�سن التدبري ................................................................................ 142

تاأويل اخلطاب وفق اأغرا�س منفعية .......................................................................... 146

ابن ر�سد وقلق عبارة اأر�سطو ................................................................................. 150

العرب و�سوؤال احلرية ......................................................................................... 158

مراجعة كتب

تقدمي كتاب حممد حمزة: اأفق التاأويل يف الفكر ال�سالمي ................................................ 174

حماولة لتطوير الروؤية الإ�سالمية:الر�سالة الثانية من الإ�سالم منوذجا ....................................... 178

6

املحتويات

106

174

112

اأدب وفنون

�سعر .......................................................................................................... 184

ق�سة ق�سرية .................................................................................................. 188

نقد ............................................................................................................ 192

�سينما ......................................................................................................... 226

ت�سكيل ....................................................................................................... 236

حوار مع الفنان اأحمد عدناين ................................................................................ 238

علوم وثقافة

عالقات العلم بالتقنية ........................................................................................ 244

التقنية حتري�س للطبيعة ....................................................................................... 246

الفوؤاد والقلب والعقل بني العلم والقراآن ..................................................................... 248

قطوف

م�سروع الأنوار ................................................................................................ 245

م�سكاة املفاهيم

احلرية منعرجات املفهوم ..................................................................................... 260

�سخ�سيات و اأعالم

طه عبد الرحمن »فقيه الفل�سفة« .............................................................................. 266

ح�ساد موؤ�س�سة موؤمنون بال حدود .................................................................... . 274

ال�سفحة االأخرية:

ملاذا خلق اهلل الذباب؟ ........................................................................................ 292

184

244

245

260

266

274

292

6

اأن ن�ستذكر املقابالت العربية التي و�سعها بع�س رواد النه�سة ملفهوم التولريان�س، كي نتبني اأن الت�سامح

اأنطون( )فرح »الت�ساهل« اإىل اللفظ نقل فقد وبالفعل احلرية. من حد اأنه على اأ�سا�سا اإليه ينظر كان

اأت�سامح معك لأنني ينال من حريتي: قد التغا�سي عما نوعا من يعني عند هوؤلء املفهوم كان كاأن و»التنازل«.

اأحتمل اختالفك معي، ففي ت�ساحمي نوع من الت�سحية. الت�سامح تقبل لكيفيات مغايرة يف التفكري وال�سلوك قد ل

اأر�سى عنها، ول اأ�سادق عليها، اإل اأنني »اأتنازل« واأغ�س الطرف عما يجعلها تخالفني، حتى واإن كان يف خالفها ما

ينال من حريتي.

وقد كان ا�ستقاق اللفظ الالتيني ي�سمح بهذا املعنى ويوؤكده. فالكلمة الفرن�سية tolérance كما نعلم، اآتية من الفعل

tolerare الذي يعني التحمل supporter. الت�سامح حتمل ملا يف الآخر يخالفنا وقد ي�سايقنا وينال من حريتنا.

رمبا ابتداأت فكرة الت�سامح انطالقا من هذا املعنى، الأمر الذي جنده حتى عند بع�س املوؤ�س�سني. كان هوؤلء يقولون:

حيلة، فتغا�س عنه، حتى اإن كنت تراه كذلك، فذلك هو ال�سبيل لتحمل الآخر والعي�س اإذا مل ت�ستطع اأمام ال�سر

اإىل جانبه. وا�سح اأن من �ساأن هذا الفهم اأن يوقعنا يف ن�سبية ثقافية ت�سدر اأ�سا�سا، ل عن عدم اإقرار براأي الآخر، واإمنا

عن النطالق من اأن الأنا ت�سع نف�سها جهة احلقيقة واخلري، مبدية نوعا من »الت�ساهل« اإزاء الآخر.

ل تكفي لتفنيد هذا املعنى، العودة باملفهوم اإىل اأ�سوله، وربطه بال�سياق الذي تولد فيه، والدللة الدينية التي اتخذها

حينئذ كمحبة لالآخر. معروف اأن اأ�سول املفهوم تعود اإىل حركة الإ�سالح الديني الأوروبية، فهو قد تولد ليعرب عن

تغري يف الذهنية نتج عن عالقة جديدة هي عالقة العرتاف املتبادل بني القوى التي ا�ستمرت تت�سارع طوال القرن

ال�ساد�س ع�سر داخل الدين الواحد، وقد ظل املفهوم يحمل روا�سب هذه الإ�سكالية الدينية التي ن�ساأ يف ح�سنها،

والتي جعلت منه، قبل كل �سيء نداء »للمحبة والرحمة والإح�سان للنا�س بعامة« كما عرب عن ذلك جون لوك،

وبال�سبط يف ر�سالته »يف الت�سامح«. �سحيح اأن املفهوم مل يلبث اأن �سحن فيما بعد بحمولت جتاوزت احلقل الديني

لتطال املجال ال�سيا�سي والجتماعي والثقايف، فاأدى يف النهاية اإىل الت�سليم باحلق يف الختالف يف العتقاد والراأي،

التي والفل�سفية وال�سيا�سية الدينية الآراء عن املدين الف�ساء داخل التعبري يف باحلق املواطن للفرد والعرتاف

ال�سيا�سي، وظهور الأقليات ال�سراع اأن ظروف اإل ال�سيا�سية والفكرية، يختارها، وليغدو دعامة من دعائم احلداثة

الت�سامح واحلرية

عبد السالم بنعبد العالي*

ملف العدد: التسامح واحلرية

*اأ�ستاذ تاريخ الفل�سفة، جامعة حممد اخلام�س، الرباط، املغرب.

يكفي

7 العدد األول، ربيع 2013

التسامح واحلرية

عرب ربوع العامل، وانت�سار الأ�سكال املختلفة للهجرة، كل

اإعادة اإىل املفهوم يف حاجة باأن الإقتناع اإىل اأدى ذلك،

نظر، واإىل اإقامته على اأ�س�س فل�سفية تعيد النظر يف عالقة

الذات بالآخر، بل يف عالقتها حتى بنف�سها.

مبفهوم رهني للمفهوم نعطيه الذي املعنى اأن تبني وقد

التمييز مت الإطار هذا ويف عليه. نقيمه الذي الإختالف

بني مفهومني عن الإختالف. يف هذا ال�سياق، كان املفكر

»التباين �سماه ما ميز قد اخلطيبي الكبري عبد املغربي

ال�ساذج« عن الإختالف، فقال :» ما زال الكثري منا يعي�س

ال�ساذج التباين ال�ساذج«، »التباين اأ�سميه ما ميدان يف

انف�سام وهمي بني الأنا والآخر: يتوهم الكثري منا اأن الآخر

يكون خارج ذاتيتنا متاما، واأن »الأنا« وحدة موحدة تخ�سع اأ�سا�سا ملقيا�س احلرية الفردية«.

يهمنا هنا اأمران: كون هذه الأنا التي ترمي بالآخر يف خارج مطلق، تخ�سع ملقيا�س احلرية الفردية، اأو على الأ�سح

اأن هناك معنى اآخر لالإختالف ل ينحل اإىل هذا »التباين ال�ساذج« ملعنى معني عن احلرية الفردية. الأمر الثاين،

ب بني املتخالفني اللذين يف�سل بينهما. فبينما يتم »التباين الذي يجعل التباين بني الأنا والآخر بونا �سا�سعا، واإمنا يقر

ال�ساذج« بني هويات متباعدة وكيانات منف�سلة، فاإن الختالف ينخر الكائن ذاته لي�سع الآخر يف �سميمه.

اإنه ل يعني الذات اإل مبا هي اآخر. على هذا اأو قل فكما لو اأن الإختالف هنا ليعني الآخر، واإمنا يعني الذات،

النحو فقبل اأن يكون الت�سامح حركة توجهنا نحو الآخر، فهو حركة تبعدنا عن ذواتنا، فتحول بينها وبني كل اأ�سكال

ب لآراء، وت�سبث باأفكار، وتعلق بنماذج بعينها. »الإعجاب بذاتها«: من �سباحة يف اليقينيات، وتع�س

نتفهم اأن يتنافى هذا املفهوم املغاير للت�سامح مع مقيا�س احلرية الفردية الذي اأ�سرنا اإليه منذ قليل، اأولنقل اإنه ي�ستدعي

معنى »خمالفا« للحرية.

فحينما يغدو الختالف، لي�س جمرد بون وتباين، واإمنا اختالفا اأنطولوجيا ي�سع م�سافة بني الذات وبني نف�سها، فاإنه

يف�سح املجال لالبتعاد والإنف�سال، ويفتح هام�س الت�سكك واإعادة النظر، بل وال�سخرية من الذات. هنا، وهنا فقط

بلغتنا لنقل اأو باخلطاأ، ربطه حينما للمفهوم الفعلي املوؤ�س�س فولتري، اأعطاه الذي للتعريف مكانا جند اأن ن�ستطيع

املعا�سرة، بعد روزا لوك�سامبورغ، بـ»احلق يف اخلطاأ«. هذا التخطيء للذات قبل تخطيء الآخر، وهذا الإح�سا�س باأن

»علينا ب�سكل دائم اأن نكون م�ستعدين لكت�ساف اأننا قد اأخطاأنا« كما يقول كارل بوبر، هو الذي ميكننا من اأن نخالف

اأنف�سنا، ونكون على ا�ستعداد كي نقبل يف اأنف�سنا الآخر، فنقبل من ثمة على الآخرين.

ما كان لذات تدعي امتالك احلقيقة، بل اخلري واجلمال، فرتمي بالآخر يف ال�سفة الأخرى، اأن تف�سح لنف�سها جمال

احلركة والتهوية، والذهاب والإياب، والرتدد والت�سكك، وال�ستقالل والتحرر، ما كان لها اأن »تت�ساهل« حتى مع

نف�سها، وبالأحرى مع الآخر!

ملف العدد: التسامح واحلرية

حركة الت�سامح يكون اأن قبل

حركة فهو الآخر، نحو توجهنا

بينها فتحول ذواتنا، عن تبعدنا

»الإع��ج��اب اأ�سكال كل وب��ن

بذاتها«: من �سباحة يف اليقينيات،

باأفكار، ب لآراء، وت�سبث وتع�س

وتعلق بنماذج بعينها.

8

ن�ستنتج من كالم املفكر الإبي�ستمولوجي ال�سهري اأن الت�سامح ل يعني النفالت اأو الت�سيب الكامل، بل اإنه ل يعني

ال�سماح باأي �سيء وكل �سيء، واإل فقد معناه، وميكن اأن نت�سامح مع الأ�سياء الإيجابية بل ون�سجعها، ولكن ل ميكن

اأن نت�سامح مع الأ�سياء ال�سلبية ال�سارة.فهناك تخوم للت�سامح يف كل جمتمع ل ميكن تعديها، فال ميكن اأن نت�سامح

اإنه م�ساد لإعالن اأو العن�سري لأنه ي�سعل الفنت واحلروب الأهلية داخل املجتمع. ثم مثال مع التع�سب الطائفي

حقوق الإن�سان وكرامته، فكل �سخ�س له احلق يف الكرامة الإن�سانية اأيا يكن اأ�سله وف�سله ودينه اأو عرقه اأو مذهبه.

وبالتايل فال ميكن اأن نت�سامح مع املتع�سبني اأعداء الت�سامح واإل فقدت كلمة الت�سامح معناها. ل ميكن اأن نت�سامح

معهم لأنهم يوؤججون امل�ساعر الطائفية والتق�سيمية يف املجتمع ويوؤلبون النا�س بع�سهم على البع�س الآخر.انظر ما

يفعله التكفرييون عندنا، اأو ما تفعله اأحزاب اليمني املتطرف يف الغرب �سد اجلاليات املهاجرة من عربية اأو اإفريقية.

اأول حرية الت�سامح، اأعداء مع ت�سامح ل �سان جو�ست: الفرن�سية الثورة قادة لأحد ال�سهرية العبارة ي�سبه وهذا

الع�سور اأ�سا�سيني:الأول يخ�س موقفني الديني نالحظ وجود الت�سامح فيما يخ�س ولكن عموما احلرية، لأعداء

الو�سطى الالهوتية، والثاين يخ�س الع�سور احلديثة املدنية، فلنتوقف قليال عند كل منهما قبل اأن ن�ستعر�س فكرة

الت�سامح يف الفكر الأوروبي منذ بداياتها وحتى اليوم.

الت�سامح واحلرية الدينية

يف الفكر االأوروبي

هاشم صالح*

حتى مطلق ب�سكل مت�ساحمن كنا فاإذا الت�سامح. على الق�ساء اىل حتما يوؤدي »الالحمدود

مع املتع�سبن، واإذا كنا ل ندافع عن املجتمع �سد هجماتهم، فاإنه �سيتم الق�ساء على الت�سامح

)1(واملت�ساحمن يف اآن معا«

*مفكر من �سوريا

)1( كارل بوبر، املجتمع املنفتح واأعداوؤه، اجلزء الأول، الف�سل ال�سابع، مفارقة الت�سامح، �س 651.

Karl Popper :The tolerance paradox، in : The open society and its enemies ;Vol.I،Chapt.7،P 265.

التسامح

ملف العدد: التسامح واحلرية

9 العدد األول، ربيع 2013

: معنى الت�سامح يف ظل االأديان اإبان الع�سور الو�سطىاأوال

كان هناك �سقف حمدد للت�سامح يف الع�سور الو�سطى ل ميكن جتاوزه ومفاده اأنه ل ميكن اأن يوجد اإل دين

واحد �سحيح اأو حتى مذهب واحد �سحيح داخل هذا الدين. فاإذا كنا نعي�س يف املجتمعات امل�سيحية

فاإن الدين الوحيد ال�سحيح ل ميكن اأن يكون اإل الدين امل�سيحي. واملذهب الوحيد ال�سحيح ل ميكن اأن

. واإذا )2(

يكون اإل املذهب الكاثوليكي البابوي الروماين الذي ي�سكل الأغلبية العددية داخل امل�سيحية

كنا نعي�س يف جمتمع اإ�سالمي فالدين الوحيد ال�سحيح هو الإ�سالم، واملذهب الوحيد ال�سحيح هو اأهل

ال�سنة واجلماعة الذين ي�سكلون الأغلبية ال�ساحقة داخل الإ�سالم... الخ. واملوؤرخون �سمن هذا املقيا�س

يرون اأن الإ�سالم كان اأكرث ت�ساحما مع الآخرين من امل�سيحية. فقد كان يعطي حقوقا كبرية لغري امل�سلمني

القاطنني على اأرا�سيه، يف حني اأن امل�سيحية الأوروبية كانت ت�سطهد اأتباع الأديان الأخرى ول تعطيهم

اأية حقوق تقريبا. وهذا ل يعني بالطبع اأن ال�سالم كان يعامل امل�سلم وغري امل�سلم على قدم امل�ساواة فهذا

م�ستحيل �سمن منظور الع�سور الو�سطى، وبالتايل ففكرة الت�سامح باملعنى الوا�سع واحلديث للكلمة كانت

ت�سكل الالمفكر فيه، اأو امل�ستحيل التفكري فيه بالن�سبة لتلك الع�سور.

ا: معنى الت�سامح يف الع�سور احلديثةثاني

اأول تو�سيح م�ساألة �سيمانتية تخ�س معنى الكلمات، فكثريا ما ت�ستخدم كلمة الت�سامح كمرادف لكلمة ينبغي

احلرية، ولكن يف بع�س الأحيان جند اأن عددا من املفكرين يفرقون بينهما ب�سكل وا�سح، بل وي�سكلون عن الت�سامح

فكرة �سلبية، فهو يف راأيهم ل يعني احلرية واإمنا م�ساحمة الآخرين على اختالفهم الديني ب�سكل فوقي:اأي ال�سفح

عنهم وعدم معاقبتهم لأنهم يختلفون عنا يف الدين اأو املذهب، اإنه يعني الت�ساهل معهم ولكن ب�سكل اأبوي ا�ستعالئي

واأحيانا احتقاري، بل ويعني اأحيانا الالمبالة بهم وبعقائدهم التي تعد دونية اأو �ساذة عن راأي الأغلبية، وهذا الفهم

الذي �سرخ يف و�سط اجلمعية )3(

املتعجرف للت�سامح غالبا ما ي�سكو منه مثقفو الأقليات. ومثال ذلك رابو �سانت اإتيني

التاأ�سي�سية الفرن�سية قائال وموجها كالمه لنواب الأغلبية الكاثوليكية: اأيها ال�سادة نحن ل نطلب منكم الت�سامح واإمنا

احلرية. مبعنى: ملاذا نرتجاكم لكي تت�ساحموا معنا؟ ماذا فعلنا حتى ل تت�ساحمون معنا؟ هل اأجرمنا اذ اختلفنا معكم

يف تف�سري امل�سيحية وانت�سبنا اىل مذهب اآخر غري مذهبكم؟

الت�سامح منذ بداياتها الأوىل ملعرفة �سبب ا�ستعرا�س فكرة تاريخية عن املو�سوع �سوف نحاول لكي ن�سكل فكرة

ن�ساأتها والغاية املتوخاة منها. و�سوف نبتدئ باملفكر الفرن�سي بيري بايل قبل اأن ننتقل اىل جون لوك، املفكر الآخر

الذي مهد الطريق لفال�سفة التنوير الأوروبي، واأحب اأن اأنبه منذ البداية اىل اأن هذا الغط�س يف املا�سي الأوروبي

البعيد عني يعني الغط�س يف احلا�سر العربي والإ�سالمي القريب مني اأو الراهن بكل ب�ساطة، فحا�سرنا ي�سبه ما�سيهم

يف الواقع ل حا�سرهم، فحا�سرهم متقدم علينا، وبالتايل فميزة هذه العودة اإىل املا�سي الأوروبي الطائفي واملذهبي

والأديان الأول:ال�سالم الف�سل باري�س، من�سورات فالماريون، الفرن�سية، الطبعة ال�سالم، اأر�س كتابه:يهود يف انظر بذلك. لوي�س يعرتف برنارد مثل )2( حتى مفكر

الأخرى، �س17 وما بعدها.

Bernard Lewis :Juifs en terre d’Islam، Flammarion، Paris، Chap.1، L’Islam et les autres religions، P.17.

)3( هو اأحد قادة الثورة الفرن�سية. كان متحم�سا جدا لها لأنها األغت الطائفية وجعلت الربوت�ستانتيني مت�ساوين يف احلقوق مع اأبناء الأغلبية الكاثوليكية لأول مرة يف تاريخ فرن�سا.

Rabaut de Saint - Etienne )1743 -1793(.

ملف العدد: التسامح واحلريةالتسامح واحلرية الدينية في الفكر األوروبي

10

واإذا كانوا هم قد العربي الإ�سالمي الذي ليقل عنه طائفية ومذهبية. اأ�سواء �ساطعة على احلا�سر اأنها تلقي هي

جتاوزوا ذلك منذ زمن بعيد وحققوا وحدتهم الوطنية الرا�سخة، فاإننا ل نزال نتخبط يف املعمعة ول نعرف متى �سنخرج

. وذلك لأن م�سافة التفاوت التاريخي بيننا )4(

منها، حلظة اخلال�س لي�ست قريبة على ما يبدو ول تلوح يف الأفق اأ�سال

وبينهم تتجاوز املئتي �سنة، ورمبا اأكرث كما �سيتو�سح من هذه املقالة.

ثالثا: ملحة تاريخية عن كيفية ن�سوء الت�سامح يف اأوروبا

)Pierre Bayle 1647-1706( )5(ا

بيري بايل اأمنوذج

مبا اأن اأوروبا جتاوزت حروب الطوائف واملذاهب امل�سيحية منذ زمن بعيد، ومبا اأنها اأ�سبحت مدنية علمانية بالكامل،

فاإننا نتوهم اأنها كانت دائما هكذا ومل تعان مثلنا من الن�سقاقات الدينية اأو املذهبية، وقد �سهدت احلروب املذهبية

ال�سارية على مدار اأكرث من قرن اأو قرنني قبل اأن تتطور وت�ستنري، ولأن مثقفيها عانوا كثريا من التع�سب املذهبي

فاإنهم بلوروا فكرة الت�سامح بو�سفها عالجا، وهذا يعني اأن الفكر مرتبط بالواقع وحاجياته امللحة واإل فال معنى له،

ويف هذا املقام نذكر املفكر الفرن�سي بيري بايل الذي عانى ما عاناه من التع�سب الديني اإىل درجة اأنه اأم�سى حياته

اإنه الرائد الذي �سبق فال�سفة التنوير يف مكافحته وحتليله وتفكيكه بغية اخلال�س منه، فمن هو بيري بايل يا ترى؟

الكبار واأره�س لقدومهم، فقد جاء قبلهم بقرن من الزمن، وقد مات عام 1706 يف حني اأن فولتري ولد عام 1664،

اأي بعد ع�سر �سنوات من موته اأو اأكرث قليال. ومعلوم اأنه كان يحبه كثريا وي�ست�سهد به مرجعية فكرية كربى، لقد

كان بيري بايل مع الفيل�سوف الإنكليزي جون لوك اأحد املفكرين الكبار الذين �ساهموا يف انبثاق الت�سامح الديني

)4( الفرق الأ�سا�سي بني الثورة الفرن�سية وثورات الربيع العربي وكذلك الثورة الإيرانية من قبل هو اأنها كانت �سد الالهوت الديني ورجال الدين بكل و�سوح. اأما ثوراتنا

فهي خا�سعة لهم اىل حد كبري. والدليل على ذلك اأن الإخوان امل�سلمني قطفوا ثمار الثورات ولي�س القوى الليربالية امل�ستنرية التي د�سنتها. وهذا معاك�س ملا ح�سل يف فرن�سا

بعد الثورة الكربى. فرجال الدين اختفوا عن الأنظار اأو نزلوا حتت الأر�س خوفا من العقاب. واأما القوى الليربالية والتنويرية فقد ا�ستلمت مقاليد الأمور. ولذلك كان التغيري

اىل الأمام ل اىل اخللف. ولذلك ا�ستطاعوا ت�سكيل دولة القانون املدنية وحقوق الإن�سان على اأنقا�س الدولة الثيوقراطية الطائفية والقانون املقد�س لل�سريعة امل�سيحية. هذا

ل يعني اأن ثورات الربيع العربي لي�ست م�سروعة �سد اأنظمة الطغيان والف�ساد واحلزب الواحد واملخابرات املت�سخمة واإرهاب املواطنني! اإنها اأكرث من م�سروعة وبخا�سة �سد

الأنظمة املركبة على الطريقة البولي�سية ال�ستالينية التي تكمم الأفواه كما وتعطل اجلدلية التاريخية اخلالقة للمجتمع. ولكنها ثوراتنا لن تعطي ثمارها يانعة اإل بعد اأن تنت�سر

الأفكار اجلديدة على الأفكار القدمية للتقليديني ورجال الدين. وهذا يعني اأننا �سنحتاج لحقا اىل ثورة اأخرى تنقلب على حكم الإخوان بغية ت�سحيح امل�سار. ولكن هذا لن

يح�سل قبل انت�سار الفكر الديني التنويري اجلديد على الفكر الديني القدمي. وهذه عملية �سعبة جدا قد ت�ستغرق �سنوات طويلة.ما فعله فال�سفة الأنوار واملو�سوعيون يف اأوروبا

مل يح�سل حتى الآن يف العامل العربي. اإنارة العقول مل حت�سل بعد وبخا�سة على م�ستوى اجلماهري ال�سعبية التي ت�سكل الحتياطي الكبري لالأ�سوليني.

)5( ظهرت كتب عديدة مهمة عن بيري بايل يف ال�سنوات الأخرية. نذكر من بينها �سريته ال�سخ�سية التي كتبها الربوفي�سور هوبري بو�ست ون�سرتها دار فايار يف اأكرث من

�ستمئة �سفحة. وهي مرجع ل غنى عنه للتعرف على حياته وموؤلفاته يف اآن معا. كما اأنها مفيدة جدا للتعرف على ال�سراعات املذهبية التي كانت ت�سغل فرن�سا بل وت�سعلها

يف ذلك الزمان.انظر:

Hubert Bost :Pierre Bayle، Fayard.2006.

والباحث املذكور ي�سغل يف املدر�سة التطبيقية للدرا�سات العليا بباري�س كر�سي:املذاهب الربوت�ستانتية والثقافة يف اأوروبا احلديثة.

هناك اأي�سا مرجع مهم يتحدث عن بيري بايل من جملة مفكرين اآخرين حتت عنوان: الأ�س�س الفل�سفية للت�سامح. وهو كتاب جماعي �سدر عن املطبوعات اجلامعية الفرن�سية عام 2002.

Les fondements philosophiques de la tolérance .Collectif .PUF.2002.

واأخريا نذكر كتابا جماعيا اآخر بعنوان: بيري بايل وحرية ال�سمري واملعتقد، باري�س، 2012.

Pierre Bayle et la liberté de conscience، Collectif، Anacharsis، Paris، 2012.

التسامح واحلرية الدينية في الفكر األوروبي ملف العدد: التسامح واحلرية

11 العدد األول، ربيع 2013

يف اأوروبا، وكان ذلك اإبان احتدام ال�سراعات املذهبية بني

الربوت�ستانتيني والكاثوليكيني، وكان اأول منظر يدعو اىل

الت�سامح مع اجلميع مبن فيهم املالحدة، وبالتايل فقد كان

�سابقا لع�سره بكثري.ومعلوم اأن الرواد يجيئون قبل الأوان

لكي ي�سقوا لالآخرين الطريق ولكنهم يعانون كثريا ب�سبب

ذلك ويدفعون الثمن غاليا.

الفرن�سية الربوت�سانتية الأقلية اإىل ينتمي بايل بيري كان

بل وكان اأبوه رجل دين، اأي ق�سا بروت�ستانتيا، ولكن بايل

يف طالبا اأ�سبح عندما 1669 عام مذهبه غري ال�ساب

ا فقط. وهكذا املعهد الي�سوعي مبدينة تولوز، ثم اكت�سف بعدئذ اأنه اأخطاأ فعاد اإىل مذهبه الأ�سلي بعد ثمانية ع�سر �سهر

الر�سمي التي ت�سكل املذهب الكاثوليكية ارتداد عن اأي الرابع ع�سر كان يرف�س بنف�سه لأن امللك لوي�س خاطر

من جديد. وعندما �سعر باخلطر هرب اإىل )6(

للبالد.وبالتايل فقد اأ�سبح الرجل مرتدا لأنه عاد اإىل ح�سن »الهرطقة«

هولندا الربوت�ستانتية مثله وا�ستقر يف مدينة روتردام، وهناك وجد وظيفة كمدر�س ملادتي الفل�سفة والتاريخ، وراح ين�سر

جملة اأي�سا حتت عنوان: اأخبار جمهورية الآداب، ومعلوم اأن هولندا كانت يف ذلك الزمان اأكرث بلدان اأوروبا ت�ساحما

وحرية. واإليها كان يلجاأ الفال�سفة لكي يعربوا عن اأفكارهم بحرية كما فعل ديكارت مثال، نقول ذلك على الرغم من

اأنه كان كاثوليكيا ل يعاين يف فرن�سا من ال�سطهاد الطائفي الذي اأ�ساب بيري بايل وبقية اأبناء الأقليات. ولكنه ما

كان ي�ستطيع اأن يتنف�س بحرية ويبلور فل�سفته اجلديدة داخل جدران اململكة الفرن�سية الكاثوليكية البابوية املتع�سبة.

لكن لنعد اإىل بيري بايل.

اإن جتربته ال�سخ�سية يف تغيري مذهبه واعتناق املذهب املعادي ثم العودة اإىل مذهبه من جديد برهنت له على عبثية

الإكراه يف الدين، فالإن�سان يعتقد اأن دينه هو وحده ال�سحيح، ولكنه لو ولد يف دين اآخر اأو مذهب اآخر لعتقد ذات

ال�سيء اأي�سا، ولهذا ال�سبب اعترب بايل اأن الأمور ن�سبية وراح يتبنى مبداأ حرية ال�سمري فيما يخ�س املعتقد بل وراح

يقول اإنه يحق للمرء تغيري دينه اأو مذهبه اإذا ما اأملى عليه �سمريه ذلك.وكان هذا املوقف �سابقا لعقلية الع�سر بكثري.

ومل يتحقق يف اأوروبا اإل بعد مئتي �سنة من موته.

راح فقد الكبري، التنوير اأي ع�سر الثامن ع�سر، القرن �سهرته وجعلته مقروءا طيلة بايل عدة كتب بيري األف لقد

فال�سفة التنوير ي�ست�سهدون بها لدعم مواقفهم امل�سادة للتع�سب الديني والأ�سولية الكاثوليكية، ونذكر من بينها:»ما

)6( ينبغي العلم باأن املذهب الربوت�ستانتي يف فرن�سا الكاثوليكية كان ميثل اأقلية كبرية اآنذاك: حوايل الع�سرين باملئة. ولكنه كان يعد زنديقا مهرطقا ب�سبب بع�س اخلالفات

الالهوتية مع الكاثوليك ثم ب�سبب كرهه ال�سديد لبابا روما. ولذلك كانوا يكفرونه ويكفرون اأتباعه ويحلون دمهم. وقد عانوا من املجازر ما عانوه ثم ا�سطروا اإىل الفرار مبئات

الألوف اإىل الدول املجاورة. وبالتايل فقد عانت فرن�سا كثريا من احلروب الهلية الطائفية قبل اأن تعقل وت�ستنري وتتو�سل اإىل تف�سري اآخر للم�سيحية. عندما اأرى ما يح�سل

حاليا يف دول امل�سرق العربي واإىل املهجرين من ال�سعب ال�سوري العظيم مبئات الألوف اأي�سا اأكاد اأقول: ما اأ�سبه الليلة بالبارحة !عندما اأرى املجازر الطائفية التي حت�سل يف

العراق وغري العراق ب�سكل دوري منذ �سنوات اأكاد اأقول:اأما لهذا الليل من اآخر؟ متى �سنت�سالح مع اأنف�سنا، مع بع�سنا البع�س؟ متى �سينبثق تف�سري اآخر للدين الإ�سالمي

غري التف�سري التقليدي الرا�سخ منذ مئات ال�سنني؟متى �سينت�سر التنوير العربي الإ�سالمي على الظالمية العربية الإ�سالمية؟

كل يف للت�سامح تخوم هناك

جمتمع ل ميكن تعديها، فال ميكن

التع�سب مع مثال نت�سامح اأن

الطائفي اأو العن�سري لأنه ي�سعل

داخل الأهلية واحل��روب الفنت

املجتمع.

ملف العدد: التسامح واحلريةالتسامح واحلرية الدينية في الفكر األوروبي

12

. وفيه ي�سن حملة �سعواء على املذهب الكاثوليكي الذي )7(

تعنيه فرن�سا الكاثوليكية املتع�سبة يف عهد لوي�س الكبري«

كان ي�سطهد الربوت�ستانتيني والذي ي�سكل الأغلبية يف فرن�سا، ثم ن�سر كتابا اآخر بعنوان: »تف�سري فل�سفي لهذه العبارة

املن�سوبة اإىل ي�سوع امل�سيح: اأجربهم على الدخول!« اأي اأجربهم على الدخول يف الدين امل�سيحي وبالأخ�س املذهب

الكاثوليكي، وفيه يربهن على اأن امل�سيح ل ميكن اأن يقول هذه العبارة لأنه كان �سد الإكراه يف الدين على عك�س

الكهنة الكاثوليكيني وبابوات روما. وبالتايل فالعبارة من�سوبة اإليه زورا، اأو اإذا كانت �سحيحة ينبغي اأن نف�سرها ب�سكل

جمازي ل ب�سكل حريف، ويف هذا الكتاب ينتقد بعنف التع�سب املذهبي ال�سائد يف فرن�سا اآنذاك على يد الكاثوليك

الذين يكفرون اأتباع املذهب الآخر ويتهمونهم بالهرطقة. كما وينتقد رف�س التعددية املذهبية والعقائدية يف اململكة

الفرن�سية واإجبار النا�س كلهم على اعتناق مذهب واحد غ�سبا عنهم، ثم ن�سر كتابا اآخر بعنوان: »مرافعة من اأجل

اأي ال�سمري احلر يف الواقع...الخ)8(

الدفاع عن حقوق ال�سمري التائه«

كل هذه الكتب اأزعجت امللك الكاثوليكي وال�سلطات الكن�سية اأميا اإزعاج فانتقموا منه عن طريق قتل اأخيه يعقوب

يف ال�سجن لأنهم كانوا عاجزين عن الو�سول اإليه �سخ�سيا ب�سبب التجائه اىل املنفى. والواقع اأنهم عر�سوا على اأخيه

اعتناق املذهب الكاثوليكي يف اآخر حلظة لكي ينجو بجلده، وعندما رف�س قتلوه. قلت قتلوا اأخاه لأنهم كانوا عاجزين

عن الو�سول اإليه. ولكن يف اأيامنا هذه كانت خمابرات الأنظمة العربية قد و�سلت اإليه حتى ولو يف اأقا�سي الأر�س،

فليحمد ربه على هذه النعمة. ولكن امل�سكلة اأنهم قتلوا اأخاه ب�سببه فعا�س م�سكلة تعذيب ال�سمري طيلة حياته كلها.

الذي لعب دورا كبريا يف تنوير العقول امل�سيحية، وقد )9(

ثم ن�سر اأخريا كتابه الأ�سهر »القامو�س التاريخي والنقدي«

�سدرت الطبعة الأوىل منه عام 1696 والثانية عام 1701.

ا، اأي حتت املعطف، اإىل اململكة الفرن�سية حيث اأخريا ينبغي التاأكيد على اأن موؤلفات بيري بايل كانت تدخل �سر

كانت ممنوعة منعا باتا ، ومل ي�سمح بها اإل عام 1720 اأي بعد موت لوي�س الرابع ع�سر بب�سع �سنوات، ولكن كفاها

با �سارية على الكني�سة ا اأنها زرعت البذور ومهدت الطريق، و�سوف ي�ستلم فولتري ال�سعلة بعد بايل وي�سن حر

فخر

الكاثوليكية والتع�سب الديني الأعمى.

)John Locke 1632 - 1704( جون لوك والت�سامح

1689. وقد حذف ا�سمه فلم يظهر على غالف الكتاب، كما )10(

ن�سر جون لوك كتابه »ر�سالة عن الت�سامح« عام

اأو اأفكاره من كان خائفا اأنه على دليل وهذا العموم، لغة بالنكليزية والعلماء، ل اخلا�سة لغة بالالتينية، ن�سرها

اأفكاره كانت �سد التيار ال�سائد لدى املوؤمنني امل�سيحيني ول ي�ستطيع حتمل م�سوؤوليتها، وهذا ما فعله �سبينوزا اأن

اآنذاك الأوروبيون املفكرون كان لقد واحدا. عدا ما توقيع بدون موؤلفاته جميع ن�سر فقد تقريبا. الفرتة نف�س يف

لي�س باأنه القول ي�ستطيع من اليوم. العرب املثقفني حالة عليه هي كما متاما امل�سيحيني الأ�سوليني من خائفني

)7( Pierre Bayle: Ce que la France toute catholique sous le règne de Louis le Grand.

)8( Plaidoyer pour les droits de la conscience errante.

)9( Dictionnaire historique et critique.

)10( انظر الطبعة الفرن�سية للكتاب عام 2010، وهي مرفقة ب�سروحات الباحثة الفرن�سية كري�ستني كورم- توبري، من�سورات فرنان ناثان، باري�س.

John Locke: Lettre sur la tolérance، Commentaire Christine Courme – Thaubert، Fernand Nathan، Paris، 2010.

التسامح واحلرية الدينية في الفكر األوروبي ملف العدد: التسامح واحلرية

13 العدد األول، ربيع 2013

هذه يف اخلمينيني؟ اأو ال�سلفيني و اأ الإخوان من خائفا

الر�سالة بلور الفيل�سوف الإنكليزي ال�سهري عالقة جديدة

بني الدين وال�سلطة ال�سيا�سية. وقد دافع فيها عن موقف

هوبز الآخر:توما�س الكبري الفيل�سوف ملوقف م�ساد اآخر

ا له. ومعلوم اأن هوبز كان يرى اأن وجود الذي كان معا�سر

اأف�سل من وجود اأو حتى مذهب واحد دين واحد فقط

عدة اأديان اأو مذاهب، وكان يعترب ذلك �سرطا �سروريا من

اأن يعترب فكان لوك جون اأما وقوي. فعال جمتمع اأجل

ذلك يف ويرى بل اأف�سل. مذاهب اأو اأديان عدة وجود

و�سيلة لتحا�سي ال�سطرابات داخل املجتمع. فهو يرى اأن

ال�سطرابات واحلروب الأهلية تنتج عن اإرادة ال�سلطة يف فر�س دين واحد اأو مذهب واحد على اجلميع ومنع بقية

املجتمع. من املذهبية احلروب لنتفت مذاهب بعدة الدولة �سمحت لو اأنه لوك جون ويرى الأخرى. املذاهب

وبالتايل فالتعددية اأف�سل من الواحدية اأو الأحادية. فكرة جون لوك تقول ما معناه: مبا اأن معظم املجتمعات الب�سرية

موؤلفة من عدة اأديان اأو مذاهب فمن الأف�سل اأن نتبع �سيا�سة التعددية والت�سامح لكي نتحا�سى احلروب الطائفية

والقالقل. خا�سة اأنه ي�ستحيل جمع الب�سر كلهم على عقيدة واحدة اأو مذهب واحد.

ي�ساف اىل ذلك اأن جون لوك هدف من ر�سالته التمييز بني جمال احلكومة املدنية من جهة، وجمال الدين من جهة

اأخرى. وقد ر�سم بدقة احلدود الفا�سلة بينهما.فهو يرى اأن ال�سلطة والدين يوؤديان وظائف خمتلفة وبالتايل ل ينبغي

اخللط بينهما.

املعتنقني ما جلذب دين ي�ستخدمها اأن ينبغي التي الوحيدة الو�سيلة وهي: الر�سالة، هامة يف ثالثة فكرة وهناك

اجلدد اإليه ينبغي اأن تكون الإقناع ل الق�سر والإكراه. ول ينبغي اأن تتدخل احلكومة اأو ال�سلطة ال�سيا�سية يف ذلك،

فخال�س الأرواح يف الدار الآخرة لي�س من �ساأنها، واإمنا خال�سها و�سعادتها يف هذه احلياة الدنيا فقط.

اثنتني: فئة الرائع جلون لوك له حدود ولي�س مفتوحا على م�سراعيه. فهو ي�ستبعد منه فئتني الت�سامح ولكن هذا

الكاثوليكيني وفئة املالحدة. نعم لقد و�سع الكاثوليكيني واملالحدة يف خانة واحدة، وهذا دليل على مدى �سراوة

ال�سراعات املذهبية الكاثوليكية – الربوت�سانتية يف ذلك الزمان. ملاذا ا�ستثنى هاتني الفئتني من رحمة الت�سامح؟

لأن الكاثوليكيني يقدمون الطاعة ل�سخ�س اآخر غري ملك انكلرتا هو: بابا روما، وبالتايل فال ميكن الت�سامح معهم. واأما

املالحدة فهم اإذ ينكرون وجود اهلل ينق�سون الرابطة الجتماعية للمجتمع املدين. ولكن ال�سيء العجيب الغريب هو

اأنه كان مت�ساحما مع امل�سلمني واليهود بل حتى مع الوثنيني ولكن لي�س مع الكاثوليكيني الذين هم م�سيحيون مثله

يف نهاية املطاف. وهذا اأكرب دليل على اأن ال�سراع داخل الدين الواحد اأخطر من ال�سراع بني دينني خمتلفني. وهذا

ما نالحظه حاليا يف اجلهة ال�سالمية بني ال�سنة وال�سيعة. فهم قد يت�ساحمون مع امل�سيحيني ولكن لي�س مع بع�سهم

البع�س. هذا ل يعني بالطبع اأن امل�سيحيني ل يتعر�سون لال�سطهاد يف اأنحاء �ستى من العامل العربي والإ�سالمي.

ولكن �سراوة ال�سراعات املذهبية اأخطر.

اإىل اأوروب��ا فال�سفة يتو�سل مل

الكاملة واحلرية الفعلي الت�سامح

وتفكيك وت�سريح حتليل بعد اإل

منذ التقليدية امل�سيحية العقائد

وحتى ع�سر ال�ساد�س القرن

اليوم.

ملف العدد: التسامح واحلريةالتسامح واحلرية الدينية في الفكر األوروبي

14

على الرغم من هذا النق�س الذي يعرتي نظرية الت�سامح

ونظرية املدنية الدولة مفهوم اأ�س�س اأنه اإل لوك جلون

هو دليل على ذلك واأكرب احلديثة. الع�سور الت�سامح يف

اأفكاره الكثري من ياأخذ اإعالن ال�ستقالل الأمريكي اأن

بل وي�ستعيدها اأحيانا باحلرف الواحد. وهذا ما فعله اإعالن

جلان بالن�سبة الفرن�سية للثورة واملواطن الإن�سان حقوق

جاك رو�سو. فهو اأي�سا ا�ستعار اأفكار الفيل�سوف ال�سوي�سري

املثقفني ل باأن يقولون لك بعد كل ذلك ثم الفرن�سية. الثورة اإجنيل مبثابة العقد الجتماعي كان الكبري. وكتابه

ينفعون يف �سيء، واإمنا هم جمرد اأ�سخا�س يرثثرون يف الفراغ، ولكننا نتحدث هنا عن املثقفني احلقيقيني اأو الفال�سفة

الكبار ل عن اأ�سباه املثقفني العرب.

هكذا نالحظ اأن بيري بايل وجون لوك هما منظرا الت�سامح الديني يف نهايات القرن ال�سابع ع�سر: اأي يف اأوج ال�سراعات املذهبية

التي مزقت اأوروبا، و ينبغي اأن ن�سيف اإليهما �سبينوزا واآخرين عديدين، فقد مهدوا الطريق جميعا للتنوير الذي �سيظهر بعدهم

له عن اأول كتاب لبايل ظهر بالن�سبة تقريبا. اللحظة نف�س املو�سوع ظهرت يف موؤلفاتهما عن اأن التايل. ونالحظ القرن يف

1686، وبالن�سبة جلون لوك عام 1689 كما ذكرنا اآنفا. بل والتقيا �سخ�سيا يف روتردام بهولندا.)11(

املو�سوع عام

برجه يف منعزل يكن ومل لع�سره والدينية ال�سيا�سية ال�سراعات يف منخرطا كان لوك جون اأن ندرك اأن ينبغي

العاجي كما يقال، فقد كان �سديقا لأحد كبار ال�سيا�سيني الإنكليز اآنذاك: اللورد اآ�سلي، وقد حلقه عام 1683 يف

منفاه الهولندي اإبان ا�ستعار احلرب الأهلية الإنكليزية بني الكاثوليكيني والربوت�ستانتيني. ويف هولندا األف كتابه:

النتيجة »مقالة عن ال�سلطة املدنية« وفيه مييز بني جمالني خمتلفني: املجال الديني، واملجال املدين، والت�سامح هو

املبا�سرة لهذا الف�سل. ثم يو�سح الفيل�سوف الكبري فكرته على النحو التايل: اهلل مل مينح اأحدا احلق يف التدخل يف

روح �سخ�س اآخر اأو معتقده. ل ي�ستطيع اأن يفتح قلبه اأو �سدره لكي يرى ما فيه ، وعليه فكل �سخ�س حر يف اأن

يعتنق الدين الذي ي�ساء وميار�س الطقو�س التي ي�ساء، والقوانني القمعية اأو العقوبات ل جتدي نفعا يف هذا املجال،

ملاذا؟ لأنها ل ت�ستطيع اأن تولد اقتناعا داخليا حقيقيا يف روح الإن�سان، فالدين، اأي دين، لي�ست له و�سيلة جلذب

النا�س اإليه اإل عن طريق احلجج املنطقية والكالم املقنع دون اإكراه ، وينتج عن كل ذلك اأن الإميان م�ساألة داخلية

بني الإن�سان وربه ول يحق لأي خملوق على وجه الأر�س اأن يتدخل فيها حتى ولو كان رئي�س الدولة. وهذا الكالم

يعني اإدانة لت�سرف لوي�س الرابع ع�سر الذي اأجرب الربوت�سانتيني على اعتناق املذهب الكاثوليكي بالقوة بل وعن

اأو اأجربه على الفرار. وهذا ال�سطهاد الديني الرهيب هو الذي جعل طريق التعذيب، ومن مل يقبل بذلك قتله

فكرة الت�سامح تنبثق على يد بيري بايل الآنف الذكر. ولوله ملا كانت هناك حاجة اإىل التنوير اأ�سال، فالتنوير ل ينبثق

اإل عندما تكون الأر�س عط�سى له: اأي عندما يكون الظالم مطبقا والتع�سب الطائفي واملذهبي يهدد ن�سيج الوحدة

الوطنية للبالد.

اإن الت�سامح ناجت عن ا�ستغال الذات

على ذاتها، فكل الثقافات التي مل

تقم بذلك ظلت انغالقية متع�سبة

من الناحية الدينية.

)11( كتاب بايل كان بعنوان: عن الت�سامح. واأما كتاب جون لوك فكان بعنوان: ر�سالة عن الت�سامح.

Pierre Bayle :De la tolérance 1686. John Locke :Lettre sur la tolerance.1689.

هكذا نالحظ اأن الت�سامح الديني كان ال�سغل ال�ساغل ملفكري اأوروبا يف ذلك الزمان متاما كما هو عليه احلال بالن�سبة للمثقفني العرب اليوم.

التسامح واحلرية الدينية في الفكر األوروبي ملف العدد: التسامح واحلرية

15 العدد األول، ربيع 2013

يف اخلتام نوؤكد باأن بيري بايل وجون لوك برهنا على �سرورة

لقد املجتمع. داخل الدينية التعددية وفائدة الت�سامح

�سكل فكرهما خطوة اأوىل نحو حرية ال�سمري واملعتقد التي

التاريخ، التنوير بعد قرن من ذلك �سين�س عليها فال�سفة

ولولهما ملا كان فولتري ومونت�سكيو ورو�سو وديدرو... الخ.

وهكذا نالحظ اأن الفكر الأوروبي م�سى خطوة خطوة باجتاه

دفعة اإليها الو�سول ي�ستطع ومل الكاملة الدينية احلرية

واحدة. واحلرية الدينية اأهم من الت�سامح لأنها تعني اأنه ل

اأحد يتف�سل بالت�سامح على اأحد واإمنا كل واحد حر يف اأن

يعتقد الدين الذي ي�ساء اأو ل يعتقد اأي دين على الطالق. ومع ذلك فاإنه يظل مواطنا له كل احلقوق وعليه كل

الواجبات. والواقع اأن اأغلبية �سكان البلدان املتقدمة اأ�سبحوا موؤمنني بالفل�سفة الإن�سانية احلديثة، اأي فل�سفة الأنوار،

ل بالأديان التقليدية كامل�سيحية اأو �سواها. هذا الف�سل الكامل بني املواطن واملتدين ما كان ممكنا يف عهد بيري بايل

وجون لوك، ولكنه اأ�سبح ممكنا يف عهد فولتري وجان جاك رو�سو وديدرو، وهذا يعني اأن التحرير الفكري من الأ�سولية

امل�سيحية مل يح�سل دفعة واحدة واإمنا على مراحل متتابعة ومتدرجة كما ذكرنا.

اأزمة احلقيقة الدينية مع ذاتها )12(

اأن احلقيقة الدينية اأ�سا�سية؛ هي اأن نتوقف هنا حلظة عند نقطة اإىل هذه النقطة اأن و�سلنا يف احلديث ينبغي بعد

املطلقة دخلت يف اأزمة مع ذاتها بدءا من ع�سر التنوير، ماذا يعني كل ذلك؟ اإنه يعني اأن الأ�سولية الدينية ابتداأت

تفقد م�سداقيتها، فالفال�سفة راحوا يت�ساءلون:كيف ميكن للدين اأن يربر املذابح واملجازر الطائفية التي ذهبت مباليني

امل�سيحيني من بروت�ستانتيني اأو كاثوليكيني؟ هل يعقل اأن يربر الدين الإلهي كل هذه الفظائع؟ بدءا من تلك اللحظة

اأخذ ال�سك يت�سرب اىل النفو�س، وراحوا اأول ي�سكون يف رجال الدين الذين كانوا يوؤلبون النا�س بع�سهم على بع�س

لكي يذبح بع�سهم بع�سا ، ثم راحوا ي�سكون يف �سحة الفتاوى »الإلهية« التي يطلقها رجال الدين هوؤلء مبن فيهم

العقيدة ذاتها. ي�سكون يف �سحة ثم راحوا الربوت�سانتيني. املرعبة �سد بارتيليمي �سانت الذي �سفق ملجزرة البابا

فعقيدة ت�سرع كل هذه املجازر ل ميكن اأن تكون اإلهية ول خرية. وهكذا تو�سل الفال�سفة اإىل عمق املو�سوع وقالوا:

اإن احلقيقة الدينية ذاتها اأ�سبحت على املحك، ففي املا�سي، اأي قبل ع�سر التنوير، كان الدين يفر�س نف�سه حقيقة

مطلقة ل تقبل النقا�س، وكان يفر�س ذاته عقيدة اإلهية مطلقة مع�سومة، ولكن الفال�سفة اأ�سبحوا ي�سكون يف ذلك

بعد كل ما ح�سل من فظائع با�سم الدين. ولذا راحوا يفككون الأ�سولية امل�سيحية من جذورها، يف عمق اأعماقها.

احلقيقة ميثل باأن مذهبه بروت�ستانتيا، ولعتقد بروت�سانتية لأ�سبح اأر�س ولد يف الكاثوليكي اأن لو يقولون: راحوا

املطلقة للم�سيحية، واأن اأتباع املذهب الآخر زنادقة اأو كفار. والعك�س �سحيح . بل وجتروؤوا يف الت�ساوؤل اأكرث وقالوا: لو

اأن امل�سيحي ولد يف بالد اإ�سالمية لعتقد جازما باأن الإ�سالم على حق وامل�سيحية على �سالل . وق�س على ذلك...

بدءا من تلك اللحظة دخلت احلقيقة الدينية املطلقة يف اأزمة مع ذاتها. بدءا من تلك اللحظة راح النا�س ي�سكون

يف اأنها حقيقة مطلقة. وراحوا يلمحون لأول مرة ن�سبيتها وحمدوديتها. وبدءا من تلك اللحظة اأي�سا راح الفال�سفة

)12( ا�ستعرت هذا امل�سطلح من الفيل�سوف الفرن�سي الكبري بول ريكور.انظر مقالته يف كتاب جماعي بعنوان : التع�سب.من�سورات غرا�سيه .باري�س.1998 .

L’Intolerance،Grasset،Paris،1998.

العربية ال���ذات ا�ستغال اإن

الإ�سالمية على ذاتها هو ال�سرط

ال�سروري امل�سبق حل�سول التحرير

احلقيقي: اأق�سد التحرير الفكري

وال�سيا�سي يف اآن معا.

ملف العدد: التسامح واحلريةالتسامح واحلرية الدينية في الفكر األوروبي

16

يعتقدون باأن هناك عدة اأديان �سحيحة ل دين واحد. وهناك عدة طرق اىل اهلل ل طريق واحد. ملاذا يكون ديني

وحده �سحيحا وكل الأديان خاطئة؟ بل وهناك عدة مذاهب �سحيحة داخل نف�س الدين ل مذهب واحد فقط، كما

حاول اأن يقنعنا حديث الفرقة الناجية مثال. وهو موجود يف امل�سيحية اأي�سا ولي�س فقط يف الإ�سالم . بل وموجود

يف اليهودية اأي�سا لأن اليهود الأ�سوليون يعتقدون باأنهم �سعب اهلل املختار واأن كل الأديان الأخرى على �سالل.

بعد اأن ا�ستطاع فال�سفة التنوير اإدخال احلقيقة الدينية يف اأزمة مع ذاتها، بعد اأن ك�سفوا عن ن�سبيتها، واأ�سبح مفهوم

الت�سامح ممكنا، واأ�سبح عبارة عن حت�سيل حا�سل، واأخذ كل واحد يقول بينه وبني نف�سه: لو اأنني ولدت يف دين

الآخر لعتقدت حتما باأن دينه هو احلق باإطالق. بناء على ذلك راح الفال�سفة يقولون باأن كل الأديان واملذاهب

حتتوي على نواة من احلقيقة ولي�س فقط ديني اأو مذهبي. وانطالقا من ذلك اأ�سبح الآخر �سخ�سا ي�ستحق الحرتام

ول ينبغي بعد اليوم اأن اأكرهه ب�سكل م�سبق، لأنه ينتمي اىل دين اآخر غري ديني اأو مذهب اآخر غري مذهبي. فقد

يكون �سخ�سا �ساحلا طيبا م�ستقيما، فلماذا اأكرهه اإذا مل يكن ينتمي اإىل طائفتي اأو مذهبي؟

يف البداية كان التع�سب ال الت�سامح

ولكن على الرغم من ذلك فاإن معظم املوؤرخني يعتقدون باأن التع�سب ل الت�سامح هو الذي ي�سكل املوقف العفوي

والطبيعي لالإن�سان، وبالتايل فالإن�سان متع�سب بطبيعته وجوهره، اإنه يحب اأبناء دينه اأو طائفته بالدرجة الأوىل ويثق

. ملاذا؟ )13(

اأو الطائفة األ يتجاوز احلدود يف النغالق على املذهب بهم. وهذا موقف طبيعي ول غبار عليه ب�سرط

ا على الآخرين.وبالتايل فالت�سامح ناجت عن ا�ستغال الذات لأنه عندئذ قد يتحول اىل تع�سب اأعمى وي�سبح خطر

على ذاتها، فكل الثقافات التي مل تقم بذلك ظلت انغالقية متع�سبة من الناحية الدينية، انظر الفرق بني اأوروبا

حون ويفككون العقائد امل�ستنرية وبقية العامل ولي�س فقط العامل الإ�سالمي، ففال�سفة اأوروبا ما انفكوا يحللون وي�سر

امل�سيحية التقليدية منذ القرن ال�ساد�س ع�سر وحتى اليوم، ولهذا ال�سبب تو�سلوا اىل الت�سامح الفعلي واحلرية الكاملة

فيما يخ�س ال�سوؤون الدينية، فالفرن�سي اأو الإنكليزي اأو الأملاين... الخ ل يخ�سى على نف�سه اإطالقا اإذا مل ميار�س

الطقو�س وال�سعائر امل�سيحية. بل ول اأحد يخطر على باله اأ�سال اأن يح�سر اأنفه بهذه امل�ساألة ال�سخ�سية ، ولكن اإذا

اإىل املعارك الفكرية التي خا�سها فاإن الف�سل يف ذلك يعود كان الإن�سان الأوروبي يتمتع بكل هذه احلرية حاليا

اأ�سالفه العظام كجيوردانو برينو وغاليليو وديكارت وبيري بايل وجون لوك و�سبينوزا وفولتري وع�سرات غريهم. هوؤلء

�سحوا بطماأنينتهم ال�سخ�سية واأحيانا بحياتهم لكي ت�ستمتع الأجيال الالحقة بحرية ال�سمري واملعتقد. هذا هو معنى

ب�سكل يتم وهو عمل املقد�س، الديني ملوروثها اأي لذاتها، الذات مراجعة يعني اإنه ذاتها: الذات على ا�ستغال

انغالقاتها اأوتفكيك الذات نقد ولكنه معقد جدا لأن مراهقات فكرية. اأو ا�ستهتاري ب�سكل عقالين حتريري ل

املزمنة من اأ�سعب ما يكون.لهذا ال�سبب اأقول باأن ا�ستغال الذات العربية الإ�سالمية على ذاتها هو ال�سرط ال�سروري

امل�سبق حل�سول التحرير احلقيقي: اأق�سد التحرير الفكري وال�سيا�سي يف اآن معا. وهي م�ساألة قد ت�سغلنا طيلة الأربعني

اأو اخلم�سني �سنة القادمة، ولأجل ذلك فليعمل العاملون.

)13( يف الواقع اأن هذا املوقف يختفي ويفقد م�سروعيته عندما تت�سكل الدولة الوطنية الدميقراطية احلديثة التي حتمي اجلميع وتعاملهم على قدم امل�ساواة. وعندئذ ي�سبح

الولء للوطن ككل ل للطائفة اأو القبيلة والع�سرية. هذا ما ح�سل يف فرن�سا وعموم اأوروبا بعد انت�سار التنوير و الثورة الفرن�سية. فالفرن�سي مل يعد ولوؤه للطائفة الكاثوليكية

اأملانيا وهولندا وبقية الدول بروت�ستانتي. وقل الأمر ذاته عن اأحد يف فرن�سا يعرف من هو كاثوليكي ومن هو الفرن�سية مبجملها. واأ�سال مل يعد اأو الربوت�ستانتية وامنا لالأمة

املتح�سرة...

التسامح واحلرية الدينية في الفكر األوروبي ملف العدد: التسامح واحلرية

17

بري�سة الفنانة ملياء منهال، املغرب

مقدمة من »جممع اأبوظبي للفنون«

18

حوار مع املفكر التون�سي

عبد املجيد ال�سريف

حول »الت�سامح واحلرية«

حاوره: حمادي ذويب*

الدكتور عبد املجيد ال�سريف اأ�ستاذ تعليم عال تون�سي متقاعد موؤلف كتب كثرية من

اأهمها »الفكر الإ�سالمي يف الرد على الن�سارى« وهذا الكتاب هو يف الأ�سل اأطروحة

دكتورا دولة ، ومن موؤلفاته كذلك »الإ�سالم واحلداثة« و»لبنات« و»الثورة واحلداثة والإ�سالم«.

وقد اأ�سرف هذا الباحث التون�سي على عدد كبري من ر�سائل الطلبة �سواء يف م�ستوى الكفاءة يف

البحث اأو املاج�ستري اأو دكتوراه املرحلة الثالثة اأو دكتوراه الدولة مما جعله راأ�س مدر�سة خا�سة

يف درا�سة الفكر الإ�سالمي ل مثيل لها تقريبا يف الوطن العربي. واإ�سافة اإىل ذلك �ساهم الأ�ستاذ

ال�سريف من خالل �سل�سلة كتب »الإ�سالم واحدا ومتعددا« التي األفها اأ�ساتذة تون�سيون باجلامعة

التون�سية يف اإثارة كثري من الق�سايا املت�سلة بالفكر الإ�سالمي بوا�سطة مناهج تاريخية ومقارنية

اأنتجه ما قراءة بتحديث ال�سريف الدكتور نادى لقد التقليدية. الدرا�سات تعهد يف ونقدية مل

امل�سلمون عرب الع�سور يف خمتلف املجالت املعرفية وظل هاج�س الو�سل بن الإ�سالم وامل�سلمن

واحلداثة حمورا اأ�سا�سيا يف اأعماله حتى يكون للم�سلم املعا�سر مكان يف حا�سره ويف م�ستقبله

ي�سنعه اعتمادا على مكت�سبات الع�سر احلديث، ولن يكون ذلك ممكنا من دون التخل�س من اأ�سر

املا�سي والرتاث الذي حب�س الكثريون عقولهم بن اأ�سواره. وكان من ال�سروري من هذا املنطلق

يف راأي الأ�ستاذ ال�سريف اأن ينهل امل�سلم املعا�سر من منظومة حقوق الإن�سان احلديثة،ومن القيم

الب�سرية. وعلى هذا املجتمعات اإجماع يف كل ب�سبه اأ�سبحت حتظى التي الكونية الإن�سانية

الأ�سا�س ارتاأينا اأن جنري هذا احلوار مع الدكتور ال�سريف يف م�ساألة ال�سلة بن الت�سامح واحلرية.

*اأ�ستاذ حما�سر بكلية الآداب والعلوم الإن�سانية ب�سفاق�س، تون�س.

األستاذ

ملف العدد: التسامح واحلرية

19 العدد األول، ربيع 2013

من باحلرية �سلته يف الت�سامح اأن املعلوم من

الباحثن. بن وا�سعا جدل اأثارت التي املباحث

لكن لنبداأ بال�سوؤال املنطقي ما هو مفهوم الت�سامح

يف نظرك؟ هل لك مفهوم خم�سو�س للت�سامح؟

لي�س يل مفهوم خا�س للت�سامح، لكن هذا املفهوم له

تاريخ، وهو مرتبط مبا ح�سل يف اأوروبا من حروب دينية.

وقد انت�سر هذا املفهوم باخل�سو�س خالل القرن 18م

اأن واأ�سبح يدل على حاجة املجتمعات الأوروبية اإىل

يقبل اأتباع نحلة دينية ما اأتباع نحل اأخرى. اأما اليوم

ب في�ستعمل الت�سامح باخل�سو�س باعتباره �سدا للتع�س

وح�سب. والت�سامح معناه على كل حال القبول بالآخر،

ل�ست �سخ�سيا فاأنا ذلك ورغم اإيجابي. موقف وهذا

من دعاة الت�سامح ل لأنني اأعتربه �سلبيا ولكن لأنني

اأعتربه غري كاف. ففي الت�سامح اإ�سمار لفكرة اأ�سا�سية،

وهي اأن املت�سامح معه هو اأقل قيمة من املت�سامح لذلك

ل مفهوم الحرتام املتبادل. اأنا اأحرتمك واأحرتم اأف�س

اأن حترتمني واأن حترتم املقابل اآراءك واأطلب منك يف

الت�سامح من اأف�سل نظري يف فهذا ومواقفي. اآرائي

باعتبار اأن الحرتام يوؤدي اإىل الت�ساوي يف احلقوق ويف

الواجبات، بينما الت�سامح فيه اأف�سلية ل�سق على �سق

اأف�سل الت�سامح هو اأن اآخر. يبقى يف جميع احلالت

ب والت�سبث بفكرة وحيدة اأي التع�س من الالت�سامح

يراد فر�سها على الآخرين.

وماذا عن احلرية اأ�ستاذي الكرمي؟

احلرية �ساأنها اأعقد بكثري من الت�سامح. احلرية قيمة مل

تكن موجودة يف القدمي باملعنى الذي نطلقه عليها الآن.

ميتافيزيقي اأحدهما معنيان لها كان القدمي احلرية يف

كالمي، حرية الإن�سان اأو عدم حريته يف خلق اأفعاله،

املفهومني هذين وكال العبودية. مقابل يف احلرية ثم

للحرية يف القدمي لي�س هو املفهوم الذي �ساد يف ع�سرنا

بحقوق متمتعا الإن�سان يكون اأ�سا�سه على والذي

طبيعية منها احلرية، اأي حريته ل يف اأن يعتقد فقط ما

ي�ساء لكن اأن يقول ما ي�ساء واأن يفعل ما ي�ساء، ول حد

لهذه احلرية اإل حرية الآخرين. فما دام يف معتقده ويف

يته مطلقة. فحر الآخرين مي�س حرية فعله ل قوله ويف

التي اجلديدة القيمة هي احلديث باملعنى احلرية

على قادرين يكونوا ومل القدماء فيها يفكر يكن مل

قبولها، ذلك اأن املفهوم الذي كان �سائدا يف القدمي هو

الطاعة ل احلرية. ومفهوم الطاعة هذا له �سلة بالرتكيبة

اأهم كان املجتمع نطاق يف فالن�سجام الجتماعية.

بكثري من قيمة الفرد يف حد ذاته.

به النزياح مت قد الإ�سالم اأن توا�سع بكل اأعتقد اأنا

نحو هذه املقت�سيات الجتماعية وتغليبها على احلرية

الفردية نظرا اإىل ظروف تاريخية، لكن يف الأ�سل الر�سالة

املحمدية تركز على الفرد وتخاطب الفرد وتعطي اأهمية

التي القيمة هذه حترتم ومل ال�سخ�سية. احلرية لهذه

للفرد يف تاريخنا لأن طبيعة النظام القبلي ومقت�سيات

الدكتور عبد املجيد ال�سرفـي: مفكر واأكادميي من تون�س

ملف العدد: التسامح واحلريةحوار: عبد املجيد الشرفي

20

احلديثة قبل املجتمعات يف الجتماعي الن�سجام

املنع كثرية ومنها واأ�سباب هذا كانت متنع من ذلك.

باخل�سو�س اأن املوؤ�س�سات املجتمعية كانت ت�ستند اإىل

نواحي كل ت�سمل املوؤ�س�سات وهذه دينية. مربرات

احلياة من العالقات اجلن�سية اإىل العالقات القت�سادية

اإىل العالقات ال�سيا�سية اإىل غري ذلك. فهذه املوؤ�س�سات

كانت حمتاجة اإىل �سرعنة دينية. احلداثة قد ك�سفت

القناع عن حقيقة هذه املوؤ�س�سات باعتبارها موؤ�س�سات

هذه بحقيقة فالوعي لذلك ون�سبية. وب�سرية تاريخية

املوؤ�س�سات يعطي حرية لالإن�سان �سواء كان �سخ�سا يف

اأو فردا من جمموعة ، يعطيه قيمة مل تكن حد ذاته

بالت�سامح مرتبطة لي�ست احلرية وهذه القدمي، يف له

بقيمة وباخل�سو�س اأخرى بقيم واإمنا هي مرتبطة فقط

امل�ساواة. فال حرية اليوم دون م�ساواة، ول م�ساواة بني

الذين يوؤمنون بدين ما والذين ل يوؤمنون به فقط، اأي

حرية ال�سمري وحرية العقيدة، بل امل�ساواة كذلك بني

الرجال والن�ساء، وامل�ساواة بني الأغنياء والفقراء وبني

احلكام واملحكومني يف احلقوق والواجبات، وامل�ساواة

فاإننا ولذلك ذلك. وغري والثقافات، الأجنا�س بني

على الظاهر يف الغريبة الظواهر بع�س اليوم نالحظ

الن�ساء بحجاب يت�سبثون الذين اأن مثل من الأقل،

ي�ستندون اإىل هذه القيمة احلديثة التي هي من حقوق

الإن�سان وهي احلرية، حرية املراأة يف اأن تلب�س ما ت�ساء،

اإذن فتغطية �سعرها من �سميم حريتها.

ال�ستنجاد هذا لكن ذاته، حد يف جيد اأمر وهذا

بحقوق اإميان عدم احلقيقة يف يخفي احلرية مبفهوم

الإن�سان باعتبارها منظومة متكاملة ل ميكن اأن نف�سل

من نطلب اأن يوم اأي وامل�ساواة، احلرية بني فيها

امل�ساواة نحقق فاإذاك �سعورهم يحجبوا اأن الرجال

اأما الآخر. دون لأحدهما ل اجلن�سني لكال واحلرية

التامة بامل�ساواة نوؤمن ول اللبا�س حرية نطلب اأن

يدل وهو ي�ستقيم، ل فهذا والواجبات احلقوق يف

التنبوؤ دائما ميكن ل املجتمعات تطور اأن على فقط

بالأ�سكال التي ي�سلكها وبالطرق التي ي�سري فيها. اإن

بتعلة اليوم امل�سلمات الن�ساء ترتديه الذي احلجاب

اأو بتعلة ال�ستناد اإىل قيمة احلرية هو يف الوقت دينية

للمراأة بامل�ساواة �سمح اإميان الذي يدل فيه على عدم

باخلروج اإىل ال�سارع، اإىل الف�ساء العمومي، بينما املراأة

قبل ذلك مل يكن ي�سمح لها بهذا اخلروج على هذا

الإ�سالمية للجاليات �سمح وهوما الوا�سع. النطاق

باأن اأ�سا�سا امل�سيحية التقاليد ذات الغربية البالد يف

املجتمع هذا على هويتها تفر�س باأن اأي ذاتها تثبت

ة اإىل اخل�سوع فقط ملا متليه الأغلبية. ول تكون م�سطر

ويف راأيي اإننا نعي�س مرحلة انتقالية، فاإثبات الذات مير

وعندما منقو�س. اإثبات لكنه املظاهر هذه عرب الآن

للمراأة ت�سييء فيها التي الطريقة بهذه ذاتنا ل نثبت

باعتبارها عورة، ولكن باكت�ساب اأدوات املعرفة احلديثة

والأمنية وغري ذلك، والع�سكرية القت�سادية وباملناعة

اإذاك ي�سبح اللتجاء اإىل هذه التربيرات الدينية لهذا

حيل البع�س ي�سميها فهذه معنى. ذي غري ال�سلوك

اأن مبعنى ،Les ruses de )l’histoire( التاريخ

املجتمعات بهذه املرحلة التي مل تكن منتظرة منذ متر

نا�سلت اأن بعد املراأة حجاب اإىل العودة اأي جيل،

الن�ساء لنزع هذا احلجاب، فهذه من حيل التاريخ، ورمبا

تكون مرحلة من مراحل التطور. وهي على كل حال

التي هي العامة الظروف لأن الزوال اإىل اآيلة ظواهر

�ساعدتها. وعندما تتغري هذه الظروف فاإن هذه الظواهر

�ستتغري كذلك.

اأوؤكد باخل�سو�س احلرية �سوؤالك عن اإىل بالعودة اإذن

اأنه ل ميكن اأن نف�سل فيها بني قيمة وقيمة اأخرى من

قيم منظومة حقوق الإن�سان. لذلك ل ميكن لالإن�سان

ا اأو اأن يوؤمن باحلرية دون اأن يوؤمن اليوم اأن يكون حر

باحلرية يوؤمن ل فهو واإل الكاملة، واملواطنة بامل�ساواة

ل واحلرية الت�سامح يتبنى من

حرية ل مقولة: يتبنى اأن ميكن

لأعداء احلرية.

حوار: عبد املجيد الشرفي ملف العدد: التسامح واحلرية

21 العدد األول، ربيع 2013

بل يوظفها لغايات اأخرى. وهذه احلرية باملعنى الذي

الآخرين حرية اإل لها حدود ل التي اأي ذكرته

�سيكون لها ب�سفة طبيعية انعكا�س على ظاهرة التدين.

فالتدين احلديث ل ميكن اأن يكون التدين الذي يقوم

يف احلديث التدين والتقليد. والطاعة المتثال على

الإ�سالم ويف غريه من الأديان يخ�سع اليوم ملا ميكن اأن

ن�سميه ترميقا )Bricolage( اأي اإنه مزيج من احلرية

ال�سخ�سية - القيمة التي فر�ست نف�سها اأوهي ب�سدد

فر�س نف�سها على ال�سمري الإ�سالمي وغري الإ�سالمي-

ظواهر نالحظ لذلك نف�سه. الآن يف المتثال ومن

وخمتلفة، متناق�سة مرجعيات من تاأتي لأنها غريبة

لكن امل�سلم اأو امل�سلمة يف الع�سر احلا�سر م�سطر اإليها

التي يعي�س فيها ل ت�ساعده على اأن الظروف باعتبار

اأ�سبه احلرية الكاملة وعلى امل�ساواة وعلى املواطنة وما

ذلك. اإذن فم�ساألة احلرية م�ساألة معقدة، ول ميكن اأن

بالظروف ارتباطها يف واإمنا فقط، ذاتها يف اإليها ننظر

العامة وكذلك بالقيم الأخرى.

اإ�سالمية جذورا للت�سامح اأن يعترب من هناك

يف ويحتجون 16م القرن خالل ظهوره �سبقت

الإم��ام ق��ول منها كثرية بحجج ال�سدد ه��ذا

وراأي اخلطاأ يحتمل �سواب »راأي��ي ال�سافعي:

واب« وهذا القول بالن�سبة غريي خطاأ يحتمل ال�س

اإليهم منتهى الت�سامح؟

اأي فيه جانب كبري من ال�سحة ل لأن ال�سافعي هذا الر

التاريخ لأن ولكن به �سبيها قال وغريه هذا قال

كان امل�سيحية البالد بتاريخ قارناه ما اإذا الإ�سالمي

فلم املخالفة، العقائد اإزاء الت�سامح من بكثري مت�سما

يفر�س امل�سلمون طيلة تاريخهم ب�سفة مطردة على اأتباع

الديانات الأخرى الدخول يف الإ�سالم. وهذا ي�سمل

القدماء كان فقد الكتابية. غري الديانات اأتباع اأي�سا

يقولون : لهم �سبهة كتاب كما هو ال�ساأن بالن�سبة اإىل

املجو�س مثال. وهذا العرتاف ما زالت اآثاره موجودة

التي الدينية الأقليات اأي املعا�سرة، املجتمعات يف

ي�سطهدوها ومل معها مت�ساحمني امل�سلمون كان

يف خمالفيهم امل�سيحيون بها ا�سطهد التي بالطريقة

العقيدة يف اأوروبا امل�سيحية ويف البالد امل�سيحية ب�سفة

لكن �سحيح، القول هذا الناحية هذه فمن عامة.

ب من ناحية ثانية توجد يف تاريخنا مظاهر من التع�س

ومن قلة الت�سامح. لنذكر مثال ما يرويه ابن اجلوزي يف

كتابه »املنتظم« على �سبيل املثال عن حممود الغزنوي

و�سلوكه مع املعتزلة يف البالد التي يحكمها، وكذلك

ونالحظ كذلك احلكام. اإىل غريه من بالن�سبة الأمر

املذهبي، ب التع�س وجود الجتماعي ال�سعيد على

فحتى الفقهاء اأنف�سهم مل يكونوا يت�ساحمون يف بع�س

الفرتات التاريخية مع املخالف يف املذهب ل يف الدين.

لهذا فالت�سامح موجود حقا لكن هناك مظاهر عديدة

الأقدمني نحا�سب اأن لنا ينبغي ل ب. التع�س من

عندما عليهم اأو لهم نحكم ولكن ع�سرنا، مبعايري

اأنواع من نقارنهم مبعا�سريهم وهم ي�سرتكون معهم يف

بالن�سبة الت�سامح ب وميتازون عليهم بكثري من التع�س

من احلا�سر اإىل بالن�سبة لكن املا�سي. معايري اإىل

امل�سلمني باأن الإقرار اإىل اأن نكون م�سطرين املوؤ�سف

قارناهم بهذه ما اإذا بون وغري مت�ساحمني اليوم متع�س

فامل�سيحيون م�سيحية، دينية �سنن لها التي ال�سعوب

الغربيون �سواء كانوا من الأوروبيني اأو من الأمريكيني

امل�سلمني ت�سامح من اأكرث خمالفيهم مع مت�ساحمون

يف لهم املخالفني امل�سلمني مع حتى اأو غريهم، مع

بع�س الأمور. وميكن اأن نقول ب�سفة عامة اإن الت�سامح

مع الت�سامح من اأوفر هو امل�سلمني لدى الآخر اإزاء

امل�سلمني املخالفني. هذه الظاهرة جديرة باأن تالحظ،

واأناأ اأف�سرها مبا كان يقوم به الدين من وظيفة اجتماعية

تتمثل يف توفري الن�سجام الجتماعي.

الإ�سالمي الفكر عن احلديث اإىل يجرنا هذا

النه�سة ع�سر مفكرو تاأثر مدى اأي فاإىل احلديث

للت�سامح الغربية باملرجعية الإ�سالمية البالد يف

ابن الطاهر ال�سيخ حممد راأينا اإن ة واحلرية خا�س

الت�سامح يف كتابه املثل يعرف عا�سور على �سبيل

ملف العدد: التسامح واحلريةحوار: عبد املجيد الشرفي

22

»اأ�سول النظام الجتماعي يف الإ�سالم« باأنه »اإبداء

ال�سماحة للمخالفن للم�سلمن بالدين، وهو نوع

من الأديان عن الباحثون العلماء عليه ا�سطلح

املتاأخرين من اأواخر القرن املا�سي«.

اأنا ل اأعتقد اأن امل�سلمني اأخذوا الت�سامح من الغربيني

رجعوا هم ــا واإمن بالغرب، عالقة لها قيمة باعتباره

على غلب الذي ال�سلوك اإىل الأحيان من كثري يف

املمار�سة الإ�سالمية عرب التاريخ، ووظفوا هذا الت�سامح

ما يفوق ب�سكل موجودا كان والذي لحظناه الذي

هذه خدمة يف امل�سيحية املجتمعات يف موجود هو

ال�سيخ كثريا بها يوؤمن يكن مل التي اجلديدة القيم

حممد الطاهر ابن عا�سور لأنه كان من الذين يدعون

يعترب وهو عمدا. دينه يغري الذي اأي املرتد قتل اإىل

اأن تقدم اأن �سمان �سالمة اجل�سم الجتماعي ينبغي

يف هذا املجال على �سدق العتقاد وعلى عمق هذه

العتقاد. ولذلك فال ال�سيخ حممد الطاهر ابن عا�سور

ول الإ�سالحيني يف الع�سر احلديث كانوا متاأثرين بكل

باعتباره الت�سامح املنظومة التي يدخل يف نطاقها هذا

من حقوق الإن�سان احلديثة، واإمنا هو بحث عن توازن

اجتماعي يقل�س اأكرث ما ميكن من العنف. وهذا توجه

�سليم يف حد ذاته لأن قلة الت�سامح ينتج عنها ممار�سة

العنف، وهم مل يكونوا من دعاة هذا العنف. ولذلك

التاأثر بالغرب بقدر فالق�سية ل تتعلق يف نظري مبدى

ما هي من مقت�سيات الجتماع احلديث ل �سيما اأنهم

عا�سوا هذا النتقال من و�سع اإىل و�سع اآخر مغاير على

وال�سيا�سية والقت�سادية الجتماعية الأ�سعدة جميع

وغريها. فكانوا يبحثون عما يحقق هذا الن�سجام وما

هذه من مت�ساحمني كانوا ولذلك العنف عن يبعده

الناحية وهذا اأمر طبيعي.

ممثلي ت�سور يف الن�سجام عدم تف�سر كيف

الت�سامح بن لل�سلة احلديث الإ�سالمي الفكر

واحلرية فهم من جهة يقرون بحرية غري امل�سلم يف

للم�سلم يرتكون ل املقابل يف لكنهم دينه ممار�سة

احلرية يف العتقاد؟

�سبق اأن ذكرت اأن ما يف�سر هذه الظاهرة حر�س العلماء

على الن�سجام الجتماعي، لكن اأ�سيف اإىل ذلك اأن

الكثري من الإ�سالحيني مل يكونوا موؤهلني ذهنيا وثقافيا

لإعادة النظر يف ما ي�سمى اليوم ثوابت الإ�سالم. والردة

من امل�سائل التي كانت مثلما هو معلوم حمل اتفاق بني

الفقهاء. وهي من الثوابت. وكذلك الأمر بالن�سبة اإىل

تطبيق احلدود. فهم مل يكونوا موؤهلني لإعادة النظر يف

هذه الثوابت مما جعل مواقفهم غري من�سجمة داخليا.

ومن للت�سامح دعاة يكونوا األ ميكن ل ناحية فمن

ناحية ثانية ل ميكن األ يتخل�سوا من هذا الإرث الذي

ال�سامية. القيم ولكل والعدل للحق يعتربونه حمتويا

ميكن حمــاولت هي التذبذب. هذا يف�سر ما هذا

و�سفها بالتلفيقية ما دامت اجلراأة على اإعادة النظر يف

الثوابت غري متوفرة فاإن املواقف التي كانت موجودة ل

ميكن اأن تكون اإل مواقف تلفيقية ودفاعية. فهم كانوا

ي�سعرون باأنهم مهاجمون وباأن اإ�سالمهم مهدد، ولذلك

يردون الفعل وهذا التهديد كان حقيقيا، لأن الإ�سالم

ورثوها التي التدين واأ�سكال عليه ن�سوؤوا الذي

وتعلموها كانت مهددة بالجتماع احلديث وبالظروف

التاريخية احلديثة. لكن ل يعني هذا اأن الدين يف حد

ذاته مهدد اإمنا طريقة فهمه وتاأويله التي كانت بالن�سبة

اإليهم بديهية هي التي كانت مهددة. اأنا اأف�سر اإذن هذه

املواقف بالنظر اإىل كل هذه املعطيات التي ذكرتها وهي

ذات طابع تاريخي واجتماعي وثقايف بالأ�سا�س.

يف الأوىل اخلطوة خطوا املفكرين هوؤلء لكن

جمال ويف جزئيا واإن احلديثة القيم تبني جمال

على القدمية الدينية املنظومة عنا�سر بع�س نقد

غرار موقف حممد عبده وغريه من احلجاب.

اأما الالت�سامح، من �سك دون من اأف�سل مواقفهم

موقف عبده من احلجاب فهو يدل على تاأثري الظروف

ن�سبيا املنفتحة الدينية النخبة هذه وعي يف احلديثة

على مقت�سيات مل تكن موجودة من قبل. فمقت�سيات

حوار: عبد املجيد الشرفي ملف العدد: التسامح واحلرية

23 العدد األول، ربيع 2013

العامة احلياة يف وم�ساركتها ال�سارع اإىل املراأة خروج

كما تبدو من خالل موؤلفات قا�سم اأمني هي مقت�سيات

جديدة كل اجلدة مل يكن القدماء واعني بها، ل �سيما

اأنهم كانوا يعي�سون يف جمتمعات عبودية ل حتتاج اإىل

اآثار بف�سل البيت من خرجت فاملراأة املراأة. عمل

احلروب التي اندلعت يف اأوروبا وفر�ست على الن�ساء

اأن يعملن يف احلقول ويف امل�سانع ويف غري ذلك، لأنه

ر املراأة عن ا�ستقاللها القت�سادي. ل ميكن ف�سل حتر

ما دامت املراأة يف حاجة اقت�سادية اإىل الرجل فهي ل

اأن تكون متحررة رة، ول يكفي اأن تكون متحر ميكن

اقت�ساديا لكي تكون متحررة ذهنيا يف توجهها. فهناك

التاريخي امل�ستوى على لكن خمتلفة، عوامل دوما

العام هناك مقت�سيات تنطبق على اجلميع.

هل يعني الت�سامح منح حرية مطلقة لالآخر يف

تفكريه وتعبريه واعتقاده اأم اإن هذه احلرية ينبغي

يف وجدته مما نابع ال�سوؤال هذا مقيدة. تكون اأن

هذا يف فهناك الت�سامح تعريف يف لرو�س معجم

حرية احرتام يف يتمثل اأولهما معنيان التعريف

فهو الثاين املعنى اأما تفكريه. وطرائق الآخر

بع�س يف ما �سخ�س اإىل متنح حم��دودة حرية

الظروف.

اأن احلرية يف مفهومها اأوؤكد على ما ذكرته �سابقا من

احلديث ل حد لها اإل حرية الآخر يف اأي جمال من

حرية مع تتعار�س ل حريتي دامت ما املجالت.

ا يف ما اأ�ساء وما اأعتقد الآخرين فينبغي اأن اأكون حر

وما اأفعل، لكن هذه احلرية واإن كانت نظريا مطلقة ول

حتدها اإل حرية الآخرين فاإن احلياة يف املجتمع تفر�س

على النا�س جمموعة من ال�سوابط واحلدود واحلواجز

التي ل ميكن لل�سمري اجلماعي اأن يتجاوزها ب�سهولة.

وهذه ل �سلة لها دائما بالدين واإمنا قد تكون لها �سلة

بال�سيا�سة. فالفرن�سيون يعي�سون �سئنا اأم اأبينا يف جمتمع

دميقراطي يتوفر فيه هام�س كبري من احلرية، ورغم ذلك

يف �سكه عن التعبري يف ا حر لي�س اليوم فالفرن�سي

املحرقة النازية. وهو اأمر ل �سلة له بالدين بل بظروف

جمتمعات يف احلرية هذه تتوفر بينما املجتمع، هذا

اأخرى دميقراطية اأو اأقل دميقراطية من فرن�سا. ولهذا ل

ينبغي اأن ننظر اإىل التحديد من جمال احلرية على اأنه

�سبب ديني فقط، ف�سببه يف الغالب اجتماعي اأكرث مما

هو ديني. فالدين قد يكون غطاء لكن يف حقيقة الأمر

ب والت�سامح قلما يكون هو الدافع الأ�سا�سي. فالتع�س

اأو ذاك بح�سب الظروف. اإىل هذا لهما عوامل توؤدي

مزدهرة اقت�سادية اأو�ساع بني مثال الأمور وتختلف

كبريا يف ت�ساحما ننتظر ل متاأزمة. اقت�سادية واأو�ساع

ول الأ�سعدة، جميع على متاأزمة اقت�سادية اأو�ساع

با �سامال بالعك�س يف الأو�ساع القت�سادية ننتظر تع�س

املزدهرة.

هل ميكن اأن ننظر يف �سلة الت�سامح باحلرية من

هو الت�سامح يبدو فاأحيانا والفرع الأ�سل منظور

من اأن ذلك احلرية منه تتفرع ال��ذي الأ�سل

لالآخر يرتك اأن املرء ا�ستعداد الت�سامح تعريفات

حرية التعبري عن الراأي.

دائما احلرية الأ�سل. احلرية هي احلالة حتى يف هذه

هي الأ�سل، فالت�سامح مظهر من مظاهر ممار�سة احلرية

اأو تكري�سها على اأر�س الواقع.

اأنت تلتقي مع ن�سيف ن�سار الذي يقول: اإذن

الليربايل الفكر تاريخ يف الت�سامح اإىل الدعوة اإن

ول احلرية اإىل الدعوة من يتجزاأ ل جزءا كانت

الذي الن�سقاق وبعد الديني املجال يف �سيما

ح�سل يف امل�سيحية.

لفكرة اإ���س��م��ار الت�سامح يف

معه املت�سامح اأن وهي اأ�سا�سية،

لذلك املت�سامح قيمة من اأقل هو

اأف�سل مفهوم الحرتام املتبادل.

ملف العدد: التسامح واحلريةحوار: عبد املجيد الشرفي

24

اأي �سحيح يف نظري وين�سجم مع الواقع بالفعل هذا الر

ما مع وين�سجم الأوروبية، املجتمعات عا�سته الذي

مل فلو اجلديدة واملفاهيم القيم هذه تطور عن نعرفه

يكن الإميان باحلرية ملا اأمكن للت�سامح اأن يوجد. لذلك

فال�سطهاد الديني وليد انعدام احلرية. ومما يع�سد هذا

واجلنوبية ال�سرقية اأوروبا تاريخ يف ح�سل ما الراأي

ة، وما ح�سل للكاتار )Les Cathares( وهي خا�س

اأفرادها قتل فرن�سا جنوب يف موجودة كانت فرقة

)Bogomiles( للبوقوميل ح�سل وما وعذبوا.

فقد والهر�سك. البو�سنة يف موجودين كانوا الذين

يقع مل ال�سطهاد. اأ�سكال باأب�سع وا�سطهدوا قتلوا

موجودا. يكن مل احلرية مفهوم لأن معهم الت�سامح

هو الت�سامح ل احلرية هو الأ�سل اأن اأعتقد ولذلك

الأ�سل. والذين يدعون اليوم اإىل الت�سامح قد يدعون

اإليه لأ�سباب اإيديولوجية اقتناعا بهذه القيمة، لكن قد

بحتة، اختبارية براغماتية لأ�سباب اأي�سا اإليه يدعون

لأن الت�سامح عمليا اأف�سل من ممار�سة العنف، وعك�س

فالدعوة والفو�سى. ولهذا العنف اإىل يوؤدي الت�سامح

اإىل الت�سامح اأ�سعها يف نف�س ال�سياق الذي هو موجود

هو اأي احل�سارات، بحوار �سنوات منذ ي�سمى ما يف

العنف من التقلي�س اإىل عامة ب�سفة الإن�سان �سعي

العالقات يف اأو الأوطان داخل �سواء العالقات يف

الدولية. والتقلي�س من العنف هو يف نهاية الأمر معيار

ر. لهذا فاإننا ل جند املجتمعات املتح�سرة اليوم التح�س

يف موجود هو اإمنا اليوم العنف بينها. فيما تتحارب

املجتمعات الفقرية واملتخلفة �سواء فيما بينها اأو م�سلطا

رة فلي�س هناك حروب. عليها، اأما يف املجتمعات املتح�س

فالت�سامح هو خالل الثورة الفرن�سية برز موقف �سلبي

للتب�سري هنا ل�ست اأنا : يقول فمريابو الت�سامح من

احلرية مع متاما يتعار�س نظره يف والت�سامح بالت�سامح

وامل�ساواة احلرية مفهوم وليد باعتباره الدينية.القاعدة

واملواطنة وغري ذلك.

الت�سامح �سلة اإن يقول من راأي ت�ساطر هل

باحلرية هي �سلة تعار�س من ذلك مثال اأنه خالل

الت�سامح من �سلبي موقف برز الفرن�سية الثورة

بالت�سامح. للتب�سري هنا ل�ست اأنا : يقول فمريابو

احلرية مع متاما يتعار�س نظره يف والت�سامح

الدينية.

الثورة زعماء وهم جي�ست، و�سان وروب�سبيار مريابو

الفرن�سية، كانوا من الذين ميار�سون الإرهاب. وكانت

.)La terreur( عب الر بفرتة ت�سمى الفرتة تلك

فال ميكن عند ممار�سة الإرهاب احلديث عن الت�سامح.

والثورة الفرن�سية ت�سرتك يف هذا مع كثري من الثورات

قبلها وبعدها. فكرومويل مثال حل الربملان الأجنليزي

ويف كذلك. العنف مور�س عهده ويف مرات ثالث

اأنهارا، الدماء العنف و�سالت الفرن�سية مور�س الثورة

�سمحت فاإنها عنف من فيها ما رغم الثورات لكن

العقليات يغريوا اأن يريدون العقليات، والذين بتطور

بالقوة يعتربون متع�سبني. ول يعني ذلك اأن اأهدافهم

ل اأنهم واحلق مت�ساحمني. غري لكنهم نبيلة، غري

يوؤمنون باحلرية رغم اأنهم قد يت�سدقون بها.

والهجمات الهائج العنف تنامي اأم���ام

اأع��داء مع الت�سامح ميكن هل ال�ستئ�سالية

الت�سامح؟

انطالقا من مبداإ قراآين : الت�سامح معهم، نعم ميكن

ادفع بالتي هي اأح�سن فاإذا الذي بينك وبينه عداوة

كاأنه ويل حميم. فالن�سياق وراء رد الفعل العنيف ل

ميكن اأن يولد اإل عنفا م�سادا وهكذا. ل بد يف وقت

من الأوقات من قطع هذه احللقة اجلهنمية وتكون بقرار

�سجاع لعدم الن�سياق وراء رد الفعل العنيف. فدائما

ت�سامح مواجهته يف يكون اأن ينبغي الت�سامح عدم

مربع اإىل ه يجر اأن ميكن الذي هو لأنه منه، اأف�سل

الذي اأنت فاإنك اإليه ان�سقت ما اإذا بينما الت�سامح،

ن�سوي اأن ينبغي ول الت�سامح. عدم نطاق اإىل جتر

وعدم الت�سامح بني م�ساواة هناك وكاأن الأمرين بني

اإىل بالن�سبة حتى اأف�سل دائما فالت�سامح الت�سامح.

حوار: عبد املجيد الشرفي ملف العدد: التسامح واحلرية

25 العدد األول، ربيع 2013

الذين يدعون اإىل عدمه. فمن يتبنى الت�سامح واحلرية

ل ميكن اأن يتبنى مقولة : ل حرية لأعداء احلرية. اأنا ل

اأوؤمن بذلك واأعتقد اأن احلرية ينبغي اأن تكون متاحة

للجميع، لكن ل بد من عدم اخللط بني امل�ستويات. اأنا

اأقبل اأن يعرب عدو احلرية عن راأيه، لكن قد ل اأ�سمح

حريتي. يعادي باأن املمار�سة م�ستوى يف بالقانون له

اأي وبني الفعل. فال ميكن احلد من هناك فرق بني الر

احلرية اإل بالن�سبة اإىل الأفعال التي تخرج عن القانون

اأي التي مت�س من حرية الآخرين.

اأن رف�س الدميقراطية على امل�ستوى يعني هذا

النظري مقبول لكن املرور عمليا اإىل اإف�ساد عملية

انتخابية غري مقبول.

نعم هو كذلك. وهنا ياأتي دور القانون ملعاقبة من يلجاأ

اإف�ساد العملية الدميقراطية، على ال�سعيد العملي اإىل

هو فالن�سجام الآخرين. من حرية م�سا هذا لأن يف

الإميان الن�سجام هو باحلرية مطلقة، وعدم الإميان يف

اإل يحدها فال مطلقة كانت اإذا لأنها مقيدة، بحرية

حرية الآخر واإن كانت مقيدة فاهلل اأعلم مبن �سيقيدها

من فالكثري امل�سكلة، هي وهذه وكيف. ومتى ومباذا

الذين يت�سدقون باحلرية ل يوؤمنون باأنه ل حدود لها اإل

حرية الآخرين، ومتى اآمنوا بذلك فاإنهم ل ي�ستطيعون

اأن ميار�سوا العنف على الآخر. فاإن كنت توؤمن باحلرية

عليه لتفر�س الآخر على العنف متار�س اأن ميكن ل

اأن لكن فات. ال�س من �سفة باأي توجهك اأو راأيك

تعرب عن راأيك لك مبدئيا مطلق احلرية يف ذلك.

القانوين امل�ستوى يف احلرية يقيد الذي ما

والد�ستوري ؟

احلرية الآن يف الد�ساتري ويف القوانني لها تقريبا قيدان

مكفولة التعبري يف املطلقة فاحلرية عليهما. متفق

للمواطنني ما داموا ل يدعون اإىل ممار�سة العنف اأو اإىل

التباغ�س بني الأجنا�س اأو اإىل الالم�ساواة والتمييز.

ملف العدد: التسامح واحلريةحوار: عبد املجيد الشرفي

26

اإ�سكالية الت�سامح:

لكن من جهة وعدليته من جهة املبداأ يف خرييته وفاح�س جلوانب م�ستنري تنظري بني تتاأرجح الت�سامح اإ�سكالية

اأخرى ت�سطدم بواقع معقد يحتم التعامل معه عالوة على اأ�سا�س التنظري الأويل املثايل باإجراءات ميدانية تاأخذ بعني

العتبار ما يعج به الواقع املحلي من معتقدات وعادات، ويف هذا تاأتي امل�ساءلة النقدية حول الت�سامح.

ل يدور جدل املفكرين حول الت�سامح من جهة كونه مبداأ اإن�سانيا �ساميا وقيمة مثلى ينبغي اأن ت�سود فكر و�سلوك

الإن�سان فردا وجماعة، اإمنا ين�سب النقا�س حول حدود املبداأ: فهل للت�سامح حدود ؟ الت�ساوؤل الكبري يطرح اإن كان

يجب اأن تكون له حدود اأم ل ؟ من الذي ي�سعها ؟ وما هي اآليات جت�سيدها ؟ مبعنى هل من ال�سروري فر�س الت�سامح

مبا ميكن ت�سميته »عنف الإقناع« اأو »الإقناع العنيف« اأم اأنه وعي ذاتي واقتناع باأهمية املبداأ يف حياة ال�سعوب ؟ تلكم

هي اإ�سكالية الت�سامح يف واقعنا الراهن ويف التجارب الب�سرية املا�سية. حينما عاد بول ريكورPaul Ricœur اإىل

حتليل اأ�سل كلمة الت�سامح �سمن معاجم اللغة الفرن�سية راأى اأنها مهددة باأمرين هما الب�ساطة والغمو�س. و�سمن

هذين التهديدين تطرح م�ساألة احلدود التي يتطرق اإليها الفيل�سوف حيث ل يجد اأنها وا�سحة ومف�سلة، واإىل من

.)1(

ترجع ال�سالحيات وامل�سوؤوليات فيما طرحته املعاجم

هل يكفي الت�سامح حلل ال�سراعات ؟

من الناحية النظرية، يبدو اأن اللجوء اإىل الت�سامح ك�سرط اأويل للتعاي�س وال�سلم كفيل مبدئيا بتحقيق غاية الهدوء

والت�ساكن. لكن من الناحية العملية ، وبالنظر اإىل ال�سلوكات - وهي بالطبع املوؤ�سر اأو مقيا�س تطبيق ف�سيلة الت�سامح-

حــدود الت�ســامح

محمد جديدي*

مبختلف ومرورا الت�سامح مفهوم مدلول من بدءا واملفارقات الإ�سكاليات من العديد الت�سامح م�ساألة

الإ�سكاليات املت�سلة بروؤى ووجهات نظر حتى الذين دعوا اإىل الت�سامح ونظروا له وانتهاء باملفارقات الكثرية

التي حتيط بحدود الت�سامح وكيفيات ممار�ساته وتطبيقاته.

تـــــثــيـر

*اأ�ستاذ الفل�سفة يف جامعة ق�سنطينة 2، اجلزائر.

)1( ملزيد من الطالع على حتليل ريكور ملبداأ الت�سامح وموقفه من دللته املعجمية يرجى العودة اإىل موؤلفه املعنون:Lectures 1 : Autour du politique يف

.Tolérance، intolérance، intolérable:اجلزء الذي يقع من ال�سفحة 295 اإىل ال�سفحة 312 ويحمل عنوان

ملف العدد: التسامح واحلرية

27 العدد األول، ربيع 2013

الواقع تنافر دليال على الت�سامح و خطاب يتخذها منظر ما غالبا �سلوكات ذاتها التواءات جمة هي بحد ت�سادف

الجتماعي اأو انت�سار الالت�سامح. من هنا نرى �سرورة عدم اعتبار حادثة بعينها اأو حالة منفردة، منعزلة دليال على

ف�سل اأو خطورة مبداأ الت�سامح، اإمنا قد تتخذ منوذجا حتلل فيه اأخطاء عدم جت�سد الت�سامح واقعيا واحلث على بحث

اأف�سل الإجراءات املو�سلة اإىل ذلك. اإن اخرتاق ميثاق اأو خرق مر�سوم تعد عنيف من قبل فرد اأو جماعة ل يجب

الإرادات جتتهد اأن ينبغي العك�س على بل العليا، الإن�سانية وقيمته الت�سامح قد�سية من للنيل ذريعة يكون اأن

وال�سعادة، وهي والت�سامن والتعاون الأمن الب�سري يف التجمع غاية لبلوغ قدما به الدفع واملوؤ�س�ساتية يف الفردية

نف�سها املهمة والغاية التي من اأجلها قامت الدولة ككيان اأو كما قال جون لوك J. Locke : »الدولة جمتمع من

اأعني باخلريات املدنية احلياة، واحلرية، اأنا الب�سر يت�سكل بهدف توفري اخلريات املدنية واحلفاظ عليها، وتنميتها. و

)2(

وال�سحة، وراحة اجل�سم، بالإ�سافة اإىل امتالك الأ�سياء مثل املال، والأر�س، والبيوت، والأثاث، وما �سابه ذلك.«

فالدولة ككيان اجتماعي و�سيا�سي قامت لتي�سر وتنظم �سبل حت�سيل الإن�سان للخريات وتفادي ال�سدام والتوتر يف

العالقات الإن�سانية.

مفارقات الت�سامح

يثري الت�سامح مفارقات عدة، ناجتة عن ثنائيات مباطنة ملاهية الت�سامح فبني الإيجاب وال�سلب يف حقيقة الت�سامح )اأي

فهم الت�سامح من خالل عدم املنع اأو احلرية يف الفعل والت�سرف اأو يف �سرورة التقييد والتدخل اإن كان الأمر يتطلب

Ricoeurبا�سم الأخالق عدم قبول هذا ال�سلوك واعتباره غري مت�سامح اأو ل ي�سمح به( ورمبا هذا ما عرب عنه ريكور

بثنائية الب�ساطة والغمو�س منطلقا يف ذلك من زاوية معجمية �سارحا موقفه من الت�سامح الذي ل يخلو يف راأيه من

الرجوع اإىل غري امل�سموح حبه اأو اإ�سافة الالمقبول l’intolérable. وهنا يطرح ال�سوؤال كيف بالإمكان اأن يتحول

اأو ما ن�سلك اإىل خمالفته، ومن اإىل قبول ما ل يتفق مع ما نعتقد الت�سامح من ف�سيلة اأخالقية يف حتليلها الب�سيط

ثم منعه وعدم العرتاف له بحرية الختالف ؟ فهل يتعني علينا اأخالقيا حتى ل نناق�س مبادئنا الأخالقية ومنها

بالتاأكيد الت�سامح، والقبول مببداأ غري من�سجم مع معتقداتنا واأحكامنا لي�س من باب عدم معرفة خريية الت�سرف من

�سريته اإمنا من زاوية معيارية مو�سوعية لل�سلوك. »اإن كان الت�سامح -تقول مونيك كانتو �سبريبر- ف�سيلة فهو بالفعل

)3(

ء اأخالقيا هو اأمر جيد اأخالقيا.«

ف�سيلة حتمل ما ل نحبه حقا، واأن نعترب اأن قبول �سيء نحكم عليه باأنه �سي

ج-الت�سامح قبول م�ستنري

فهل يتعني علينا اأخالقيا حتى ل نناق�س مبادئنا الأخالقية، ومنها بالتاأكيد الت�سامح، القبول مببداأ غري من�سجم مع

)4(

معتقداتنا واأحكامنا، لي�س من باب عدم معرفة خريية الت�سرف من �سريته اإمنا من زاوية معيارية مو�سوعية لل�سلوك،

»اإن هذا الت�سميم على الت�سامح ل ياأتي من موقف �سكوكي قائم على اأننا ما دمنا ل نعلم بال�سبط ما هو خري وما هو

)2( جون لوك، ر�سالة يف الت�سامح، ترجمة ، منى اأبو�سنه مراجعة، د. مراد وهبه، املجل�س الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأوىل، �سنة 1997م.، �س. 23.

)3( مونيك كانتو-�سبريبر و روفني اأدجيان، الفل�سفة الأخالقية، ترجمة جورج زيناتي، دار الكتاب اجلديد املتحدة، �س.103.

)4( يف هذا ال�سياق مييز اأحد الباحثني بني نوعني من الت�سامح ي�سميهما الت�سامح والت�سامح احلديث الأول ذو دللة �سلبية اأي حتمل املعاناة اأو عدم منع ما ل ينبغي اأن يتم اأما

الثاين فقد تطور مع منعطف النه�سة الأوربية وبروز الذات تبعا لطروحات فال�سفة تلك املرحلة بحيث عد الت�سامح قرينا للحرية.

Ghislain Waterlot، La tolérance et ses limites : un problème pour l’éducateur، in، Spirale، revue de Recherches

en Education، N° 21، 1998، PP. 183. 184

ملف العدد: التسامح واحلريةحدود التسامح

28

�سر، نقرر عدم التدخل، وبالتايل اأن نت�سامح؛ ولكنه ياأتي

باأن �سيئا اأننا حني نعلم على العك�س من ذلك من واقع

معينا �سيء، نعترب اأن ف�سيلة الت�سامح هي بال�سبط قبوله،

الداخلية القيمة ب�سبب جيد، اأمر هو القبول هذا لأن

اأو اآخر، �سخ�س اأعمال التدخل يف عدم بواقعة اخلا�سة

ولعل هذه املفارقة الكامنة يف �سميم الت�سامح )5(

يف اآرائه.«

ب�سرورة الآخر واإقناع تربير ال�سعب من يجعل ما هي

هو ال�سر مع الت�سامح اأن يعترب من هناك لأن الت�سامح،

M.-C.لتجاوز هذه املفارقة ترى مونيك كانتو �سبريبر .)6(

بدوره �سر بعينه يكاد يوازي يف خطورته ارتكابنا له باأنف�سنا

Sperber اأن هناك عدة ردود كفيلة بتخطي هذه العقبة حتددها يف:

1. كل الأ�سياء التي تهدد الت�سامح نف�سه ل ت�ستطيع ال�ستفادة منه »ل تكن متع�سبا حتى ت�ستحق الت�سامح« فاإذا مل تكن مت�سفا بالت�سامح ل تطمح يف اأن ينالك منه حظ واأنت اأكيد بحاجة اإليه.

اأو الرق املثال، اأخالقي، على �سبيل اأي �سك اأن يطالها التي ميكن 2. مطابقة بني الالت�سامح وبني نفي احلقائق التمييز العن�سري هما �سران. الت�سامح املبني على احلقيقة يت�ساوى معه الالت�سامح املوؤ�س�س على اخلطاأ.

3. النتقال من مبداأ الت�سامح نظريا اإىل تفعيله واقعيا بحيث يت�سف الفرد )املواطن/ الفاعل( بقوة التحمل على جعل الت�سامح �سفة تالزم �سلوكه ل جمرد مبداأ يدافع عنه يف حلقة نقا�س اأو �سمن اإطار نظري بعيد عن احلياة اليومية.

لكن مع ذلك نتفق على األ نت�سامح مثال مع التمييز العن�سري، الظلم، الإذلل والإهانة، ال�ستبداد، فهذه يف اعتقاد

كل فرد �سفات منبوذة ومذمومة اأخالقيا؛ فعلينا األ نقبلها من الحرتام حتى واإن خالفنا مبداأ الت�سامح املطلق. هنا

يعود بنا ريكور اإىل معيار الالت�سامح والذي راأى اأنه يكمن الحرتام . يت�ساءل الفيل�سوف ريكور: ما معيار ما ل يطاق؟

ل ميكن اأن يكون �سوى واحد فقط: هو ما ل ي�ستحق الحرتام، اإذا كان الحرتام هو ف�سيلة الت�سامح على امل�ستوى

الثقايف. ما ل ي�ستحق الحرتام ، لأنه يبنى بال�سبط على عدم الحرتام، اأي رف�س افرتا�س احلرية لالن�سمام اإىل

.فهل يكون الدين مت�ساحما يف ترك ف�سحة لالآخر املختلف عقديا ؟ وينزع عنه �سورة العدو لأنه )7(

املعتقد املخالف

بب�ساطة مغاير يف الدين ويتميز بحق ي�سمى حرية املعتقد ؟ هل يرقى الدين اإىل هذا امل�ستوى من الت�سامح؟

الت�سامح اإ�سكالية دينية

قد ل نبالغ اإن جعلنا اجلدل حول الت�سامح مقرتنا يف جزء كبري منه بالدين ورمبا ر�سخت املوؤلفات التي تناولت مبداأ

الت�سامح بالنظر الفل�سفي هذا الت�سور �سواء عند لوك اأو بايل اأو فولتري اأو غريهم. فهل حقيقة طبع الدين الت�سامح

)5( مونيك كانتو-�سبريبر و روفني اأدجيان، الفل�سفة الأخالقية، �س.103.

)6( املرجع نف�سه، ال�سفحة نف�سها.

)7( Paul Ricoeur، Lectures 1 : Autour du politique، Editions du Seuil، Paris، 1991،p ; 306.

حدود التسامح

ل نت�سامح مع التمييز العن�سري،

والإه��ان��ة، الإذلل ال��ظ��ل��م،

كل اعتقاد يف فهذه ال�ستبداد،

ومذمومة منبوذة �سفات ف��رد

اأخالقيا.

ملف العدد: التسامح واحلرية

29 العدد األول، ربيع 2013

بطابعه واقرتن به اأم هو اأحد اأوجهه الأ�سا�سية؟

الدين من الت�سامح اإىل الالت�سامح

الدين )Edit de Nantes( يظهر )8(

نانت يف مر�سوم

�سرورة على ين�س فاملر�سوم الالت�سامح. اأ�سل اأنه لو كما

باأن علما ور�سمية، تعاقدية �سبغة اأعطاه وقد الت�سامح

يعلن عنها وعن ما ل ال�سراعات واحلروب غالبا خلفيات

عواملها، اأ�سبابها واأهدافها احلقيقية، بل اإنها كثريا ما تعمد

اإىل الت�سليل، وفيه تلب�س ثوب الدين وهو منها براء.

فقد ا�ستغل الدين بوجه بارز ليحقق رافعي رايته ماآرب �ستى ول يزال اإىل اليوم ي�ستغل من طرف ال�سيا�سيني لك�سب

التاريخ الإن�ساين اأحداث اأن الدين كان بعيدا عن م�سرح اأنه ل يعني مطلقا الدعم والراأي العام يف �ساحلهم. كما

فكثرية هي احلروب والنزاعات التي حملت عنوان احلروب الدينية مثل احلروب ال�سليبية بني امل�سيحيني وامل�سلمني،

اأو احلروب التي رفعت فيها رايات اجلهاد ملحاربة اأعداء الأمة الإ�سالمية وهذه ال�سعارات الدينية مل تختف ونعتقد اأنها

�ستبقى متداولة.

يحمل الدين يف طياته معاين الرحمة والت�سامن والتقوى، وهي املعاين التي تعج بها ن�سو�س الدين، بيد اأن فهوم

الب�سر وتاأويلهم لها جعلتها حتيد عن هذا الإدراك، واإذا ما تبني لنا اأن الت�سامح هو العرتاف لالآخر كما راأى ذلك

فاإن وبالتايل عينه. الت�سامح هو بل الت�سامح قرين الدين اإكراه يف مبداأ ل ي�سبح واملعتقد التعبري بحرية �سبينوزا

احلكم باملروق والهرطقة والزندقة �سيعمل على حمو مبداأ الت�سامح وتعطيله ويحل حمله مبداأ التكفري الذي يف�سي

ل حمالة اإىل العنف، لأن من ل يقر بحرية املعتقد لالآخر �سيحمله على اعتناق ما يعتقده لي�س باحلوار واملحادثة

اإمنا با�ستعمال القوة كحجة ترهيب ملماثلة الفكر والعقيدة اإذا مت�سك بالوجود واحلياة اأو الندثار واملوت يف الهادئة

احلالة املخالفة.

اإذن ل منا�س من البدء يف �سبيل تعاي�س م�سرتك من نبذ التع�سب، لأنه كما قال جيفر�سون: »هو علة اجلهل والعقول

لقد حاول فال�سفة اأوربا بدءا من نهاية )9(

املري�سة وحما�سة الطائ�سني. اأما التعليم والنقا�س احلر فهما عالج هذا كله.«

القرون الو�سطى جتاوز حالة التمازج الديني والدنيوي، التي ميزت احلياة يف تلك املرحلة. وبدا من ال�سروري ف�سل

اجلانبني وحترير الإن�سان واملجتمع من ربقة الكني�سة حيث لحت يف الأفق اإرها�سات التفكري العلماين الفا�سل بني

اإىل الربوت�ستانتية الذي حتول من الرابع امللك هرني 1598 يف عهد �سنة الفرن�سية- �سدر نانت ا�سم مدينة املر�سوم Edit de Nantes - حمل نانت مر�سوم )8(

الكاثوليكية جاء هذا املر�سوم ليعلن حالة من التهدئة تتمتع فيها كل املذاهب الدينية بحرية العبادة واملعتقد ومعلنا يف الوقت نف�سه عن نهاية احلروب الدينية يف فرن�سا واإ�ساعة

اأجواء الت�سامح مع اأتباع الربوت�سانت الكالفنيني. لكن هذا امليثاق مل يحرتم واألغي يف �سنة 1685 حتت حكم لوي�س الرابع ع�سر بحجة الوحدة الدينية وعادت ال�سراعات

الدينية جمددا بني خمتلف الطوائف واملذاهب.

)9( جون ديوي، اآراء توما�س جيفر�سون احلية، ترجمة، حممود يو�سف زايد، مراجعة د. جربائيل جبور، دار الثقافة بريوت، بال�سرتاك مع موؤ�س�سة فرانكلني للطباعة والن�سر،

بريوت – القاهرة – نيويورك، 1957م، �س. 169.

حدود التسامح

معاين طياته يف الدين يحمل

الرحمة والت�سامن والتقوى وهي

ن�سو�س بها تعج التي املعاين

الب�سر فهوم اأن بيد ال��دي��ن،

وتاأويلهم لها جعلتها حتيد عن هذا

الإدراك.

ملف العدد: التسامح واحلرية

30

ال�سلطتني الزمنية والروحية. وهو ما ك�سف عنه جون لوك

يف ر�سالته املعنونة بالت�سامح.

حتييد الدين

ف�سيف�سائية، جمتمعات يف احلل؟ هو الدين حتييد هل

كان )10(

تتنوع وتتعدد فيها العقائد والثقافات والأجنا�س

ل بد من اإزالة اأ�سباب ال�سدام وعلى راأ�سها الدين - اأو

على الأقل كما بدا لبع�س املحللني اأن اأ�سل امل�سكلة هو

عمومها يف اتخذت التي ال�سراعات على بناء الدين-

مظهرا دينيا جرى تفكري الفال�سفة على الربط بني الت�سامح

والدين، وكاأن الواقع اآنذاك حتم مثل هذا الربط وهو كذلك فعال اإل اأن الدين لي�س هو اجلانب الوحيد الذي يجب

.فقد اأ�سار لوك يف ر�سالته حول الت�سامح اإىل )11(

اأن ينح�سر فيه الت�سامح حتى واإن بدا مظهره و�سكله الأكرث بروزا

وجوب الف�سل بني مهام ال�سلطتني املدنية والدينية حيث قال:»...ومن اأجل األ ي�سعى اآخرون، بدعوى الدين، اإىل

اأو على غريه اإباحية وانحالل، ومن اأجل األ يفر�س اأحد على نف�سه اأن يجدوا يف الدين خال�سا ملا يرتكبونه من

اأي �سيء حتت دعاوى الولء والطاعة لالأمري، اأو الإخال�س والوفاء يف عبادة اهلل، اأقول اإنه من اأجل هذا كله ينبغي

التمييز بدقة وو�سوح بني مهام احلكم املدين وبني الدين، وتاأ�سي�س احلدود الفا�سلة والعادلة بينهما. واإذا مل نفعل

هذا فلن تكون هناك نهاية للخالفات التي �ستن�ساأ على الدوام بني من ميلكون الهتمام ب�سالح نفو�س الب�سر، من

)12(

جهة ومن يهتمون ب�سالح الدولة من جهة اأخرى.«

من غريه مثل ي�سري بحيث املوؤ�س�ساتي الطابع وهو الت�سامح مبداأ �سيطبع مهم جد اأمر اإىل هنا لوك فكرة ت�سري

الأمور التي اأخذتها الدولة على عاتقها بعدما ت�سكلت ككيان ينظم البناء الجتماعي وينظم العالقات بني الأفراد

واجلماعات.

مثلما )13(

اإن فكرة لوك هذه كان لها الأثر على املثقفني الأمريكيني الباحثني عن احلرية وقد تلقاها توما�س جيفر�سون

)10( وهي ال�سمة الغالبة على معظم من املجتمعات املعا�سرة يف تركيبتها- بحيث يندر اأن جند جمتمعا يت�سم بالن�سجام العقدي والفكري واللغوي والثقايف والعرقي وبالنظر

اإىل هذا التكوين املتنوع جتتهد الدول وحتى املنظمات الإقليمية والدولية يف و�سع ت�سريعات ومواثيق من �سانها اأن حتفز الأفراد واجلماعات على التم�سك بالت�سامح واحرتام

حقوق الإن�سان و�سمان متثيل الأقليات �سيا�سيا ومتكينهم من حرية التعبري وحرية املعتقد وحرية التنقل وما اإىل ذلك من حقوق باتت موثقة د�ستوريا.

)11( ل يق�سد بال�سراع الديني ما يفهم عادة من خ�سومات بني دين ودين اآخر )�سراع الأديان( اإمنا ما قد يكون من تنازع داخل الدين الواحد كما هو احلال بني امل�سيحيني

اإميان بعقائد معينة يحمل بني طياته فكرة الوفاء والتع�سب اأو بني امل�سلمني )�سنة و�سيعة(. فالدين بطبيعته دغمائي dogmatique ومن حيث )كاثوليك وبروت�ستانت(

للمعتقد م�ساف اإليه الفهوم والتاأويالت الب�سرية التي يدعي كل منها ال�سواب واحلقيقة وهو ما يدفع لي�س دائما باجتاه الالت�سامح وحمل الآخرين على اتباع هذا املذهب وتخطيء

الآخر. الدليل على هذا اأن اأغلب النزاعات يف التاريخ �سنت با�سم الدين وحتى تلك التي لي�ست يف الأ�سل كذلك األب�ست ثوبا دينيا حتى ي�سمن �سناعها قدرا اأكرب من �سحن

النا�س وتعبئتهم اأو لإ�سفاء امل�سروعية على حقوقهم وبالتايل فاملرجعية الدينية تذكي وتوؤجج نار الفنت والعنف وتخفي وراءها م�سالح غري معلنة يف العادة �سيا�سية واقت�سادية.

)12( جون لوك، ر�سالة يف الت�سامح، �س. 23.

)13( توما�س جيفر�سون �سخ�سية �سيا�سية وثقافية اأمريكية بارزة ، ثالث رئي�س للوليات املتحدة الأمريكية لعهدتني من �سنة 1801 اإىل �سنة 1809 اأحد حمرري وثيقة

ال�ستقالل واأحد منظري الأنوار الأمريكية ورئي�س للجمعية الفل�سفية الأمريكية وعي حلقة للنقا�س اأ�س�سها بنجامني فرانكلني.

حدود التسامح

الت�سامح حول النقا�س يكن مل

ل ال�سيا�سي بعده من ليخلو

�سيما بعدما �سار الفكر ال�سيا�سي

اهتمامات ع��ل��ى م�ستحوذا

القومية الدول الفال�سفة وت�سكل

يف الع�سر احلديث.

ملف العدد: التسامح واحلرية

31 العدد األول، ربيع 2013

تلقى اأفكار الأنواريني الأوربيني من كانط وفولتري ورو�سو

الأنوار �سناع اأحد تلقي يف متثل ما هذا ورمبا بها وتاأثر

وعمل )14(

كانط نداء جيفر�سون توما�س وهو الأمريكية

على تلبيته حينما اأعلن:»لقد اأق�سمت اأمام هيكل اهلل اأن

الت�سلط على اأ�سكال اأبديا لكل �سكل من اأحمل عداء

اعتقاده حبي�س جيفر�سون يبق مل )15(

الإن�سان.« عقل

املدافع عن العقل بل اإنه و�سع اخلطوات ال�سرورية لتج�سيد

هذا التوجه. وذلك بو�سعه لثالث اأفكار قيد التطبيق مهدت لتج�سيد الأنوار عمليا، هذه الأفكار هي: 1. امل�ساهمة

يف حترير وثيقة ال�ستقالل. 2. �سن قانون فرجينيا حلرية املعتقد. 3. اإن�ساء وتاأ�سي�س اجلامعات وت�سجيع العلم.

يف هذا الإطار جاء مر�سوم نانت �سنة 1598 يف حماولة لو�سع حد للنزاع الديني واأي�سا يف هذا ال�سياق و�سع توما�س

جيفر�سون ت�سريعا ين�س على �سمان حرية املعتقد للفرد الأمريكي واأل تكون املواطنة على اأ�سا�س ديني فبعد اأن حترر

من ربقة الحتالل الإجنليزي باإعالن ال�ستقالل ال�سهري يردف ذلك بخطوتني هامتني اإحداهما تخ�س حرية املعتقد

واأخرى ت�سجع التعليم وحتفز عليه لأنه مفتاح ال�سلم والتقدم هكذا كانت روؤية اأنواريي اأمريكا اإىل بلدهم كنموذج

لبقية البلدان وال�سعوب »لقد قدر لنا اأن نكون حاجزا يحول دون عودة اجلهل والهمجية .....ول �سك اأننا يف هذه

منوذج كما اأراده جيفر�سون والرباغماتيون من بعده )16(

احلالة �سنكون �سندا مانعا للفكر احلر واحلرية يف العامل كله.«

ل يلتفتون اإىل املا�سي بقدر حر�سهم على امل�ستقبل والتوجه اإليه بكل قوة و�سغف.

الت�سامح اإ�سكالية �سيا�سية

على م�ستحوذا ال�سيا�سي الفكر �سار بعدما �سيما ل ال�سيا�سي بعده من ليخلو الت�سامح حول النقا�س يكن مل

واإجنليزية )فرن�سية هامة ثورات وقيام بارزا اأمرا احلديث الع�سر يف القومية الدول وت�سكل الفال�سفة اهتمامات

للت�سامح ح�سور اأهدافها و�سعاراتها على ع�سب العالقات الجتماعية داخليا وخارجيا، وكان واأمريكية( فر�ست

قوي فيها.

اأ�س�س مع بداية ن�سوء وتبلور فكرة الدولة ككيان تنظيمي لعالقات الأفراد واجلماعات، بداأ التفكري والبحث عن

البناءات الجتماعية املثلى والتنظري لإقامة هذه العالقات الإن�سانية على اأفكار متينة جتنب حدوث ال�سراعات اأو

تف�سل فيها. كان الوعي يف تنامي متزايد ب�سرورة ت�سخي�س الواقع الإن�ساين املمزق بخلفيات احلروب والنزاعات

لذلك كان نظر الفال�سفة واحلكماء وامل�سرعني بدءا من ع�سر النه�سة �ساخ�سا باجتاه اأفق دائم لل�سالم كغاية ينبغي

اأن تتحقق على اأر�س الواقع ولكن بداية بالك�سف عن اأ�سباب وعوامل تي�سر الطريق لطرح الو�سائل الكفيلة ببلوغ

حالة ال�ستقرار املن�سود الذي ل يكون ممكنا اإل بالت�سامح واحلرية.

)14( نق�سد بنداء كانط هو ت�سخي�سه لق�سور الإن�سان يف عدم جراأته على ا�ستعمال عقله اإىل اأق�سى مداه وذلك يف اإجابته عن ال�سوؤال: ما الأنوار ؟

)15( جون ديوي، اآراء توما�س جيفر�سون احلية،جيفر�سون، �س. 151.

)16( املرجع نف�سه، �س. 169.

ملف العدد: التسامح واحلريةحدود التسامح

التع�سب هو علة اجلهل والعقول

اأما الطائ�سن. وحما�سة املري�سة

التعليم والنقا�س احلر فهما عالج

هذا كله.

32

الت�سامح واحلرية

قد ل نختلف فيما يوجد بني الت�سامح واحلرية من تداخل

بينهما الف�سل معه ن�ستطيع ل الذي احلد اإىل وتالزم

ت�سامح ت�سامح ول اأن ل حرية دون الإقرار بحيث ميكن

من دون حرية، وهذا بال�سبط ما متثل يف الثورات احلديثة

الأخرية هذه والأمريكية، والإجنليزية الفرن�سية �سيما ل

الرقعة الأكرث ، فبدت وكاأنها التي تقم�ست ثوب احلرية

جت�سيدا لقيم احلرية والت�سامح وباتت حلما م�سخ�سا واأفقا

لكل حامل بحياة كرمية و�سعيدة. وتزداد اإ�سكالية الت�سامح

اإذا كان كل منهما �سروريا لالآخر باأنه اأقررنا تعقيدا متى

فاإنهما يف الوقت نف�سه ي�سبحان خ�سمان و�سدان عند الغلو والتطرف.

يف هذا ال�سياق وحينما ن�ساأت دولة الوليات املتحدة الأمريكية دولة فتية حتقق فيها مطمح الإن�سان احلر، وبدت

اأمريكا كحلم اإن�ساين جت�سدت معه قيمتان اإن�سانيتان ا�ستهلكتا حربا وجهدا كبريين من ع�سور �سابقة على جت�سيد

النظرية اأعباء من - الربيطانية الإمرباطورية ال�ستقالل عن – واقع اجلديد الواقع تخل�س فقد الواقع. احللم يف

تاركا وراءه زخما كبريا من الأفكار والت�سورات التي اأثقلت كاهل العقل الكال�سيكي بالتواءات وتفا�سيل اأغرقت

الإن�سان يف ممار�سات املا�سي ومل جتد �سبيال اإىل حتويرها ل�سالح حرية حقيقية ب�سرت الإن�سانية بواقع وفجر جديد.

فجر الدميقراطية الذي لن يكون ممكنا من دون حرية ول حرية، من دون حترر، ول حترر من دون ت�سامح. هكذا �سارت

اأمريكا يف القرنني الثامن ع�سر والتا�سع ع�سر بخطى ثابتة نحو اأمريكا العامل اجلديد، بلد احلرية والدميقراطية. اأمريكا

التي �ستتقم�س احلرية وتتج�سد على اأر�سها لتغدو رمزا ومنوذجا اأول، يراد له اأن يحتذى وحتاكيه باقي ال�سعوب والأمم،

حتى واإن لقي ا�ستهجانا ومتردا واحتجاجا؛ لي�س من خارج الوليات املتحدة الأمريكية فح�سب بل من داخلها اأي�سا،

يف �سورة نقد يندر اأن جند له مثيال يف بلدان تتقا�سم مع اأمريكا قيم احلرية وحقوق الإن�سان واحل�سارة اجلديدة بل

وتناف�سها بغر�س تقدمي النموذج الأف�سل، وذلك هو حال الدميقراطيات الغربية. فالوعي بتحقيق قيم احلرية والت�سامح

مل يكن وعيا حمليا اأمريكيا فح�سب بل كان اإن�سانيا وعامليا وهذا ما متثل لدى رواد التنوير الأمريكي.

احلقوقية �سبغته ويعطيه املوؤ�س�سة اأفق اإىل به يدفع بل اأخالقي؛ منظور من لي�س الت�سامح مفهوم ريكور يناق�س

وال�سيا�سية مع ربطه بالأفق الديني والالهوتي، وهو ما اأو�سحه ووجد له �سندا يف حتليله للت�سامح �سمن نظرية العدالة

لـ راول�س، اإذ ربط الت�سامح والالت�سامح بروؤية يف العدل واحلقيقة.

حقوق االإن�سان والت�سامح

اأ�سبح مبداأ الت�سامح من ركائز حقوق الإن�سان فمنذ �سنة 1948 اأي ال�سنة التي مت فيها الإعالن عن حقوق الإن�سان

ثابتا من حقوق والتعبري حقا والراأي املعتقد واأ�سبحت حرية الإن�ساين التاريخ يتجزاأ من ل الت�سامح جزءا �سار

الإن�سان.

حدود التسامح

الإعالن فيها مت التي ال�سنة منذ

عن حقوق الإن�سان �سار الت�سامح

التاريخ م��ن يتجزاأ ل ج���زءا

الإن�ساين واأ�سبحت حرية املعتقد

من ثابتا حقا والتعبري وال��راأي

حقوق الإن�سان.

ملف العدد: التسامح واحلرية

33 العدد األول، ربيع 2013

لقد �سرع فال�سفة العقد الجتماعي يف حتليل ومعاجلة مظاهر العنف وال�سلطة وتو�سيح روابط احلياة الجتماعية،

تقاربت اأحيانا روؤاهم واختلفت، لكنهم وجدوا يف الت�سامح مبداأ اأخالقيا ل حميد عنه لتخطي حالة التوتر ال�سراع.

الأفراد حياة الق�سوى يف واأهميته الديني الت�سامح �سرورة فيها اأو�سح بر�سالة الت�سامح مو�سوع لوك فقد خ�س

واملجتمعات. كما ميكن اأن نقراأ يف ر�سائل هوبز ورو�سو بالرغم من اختالفهما يف حتديد الطبيعة الأ�سلية للفرد بني

اخلري وال�سر اإل اأن تاأكيدهما على الرتبية وال�سيا�سة كعاملني مهمني لتهذيب ال�سلوك ودفع الفرد باجتاه الت�سامح جلي

يف طروحاتهما.

وهو الأمر نف�سه الذي نادى به بايل Bayle وغريه من فال�سفة الع�سر احلديث بل �سددوا عليه يف �سبيل اأن ي�سعر

الفرد بحريته ويتمتع بحقوقه يف ظل حكم مدين يف�سل فيه القانون والق�ساء بني املتنازعني.

فقد حمل البند الأول ملنظمة اليوني�سكو هذه الت�سورات الفل�سفية حول اإعالن مبادئ الت�سامح ل�سنة 1995 والذي

والتي متثلت يف )17(

مت تبنيه يف الدورة الثامنة والع�سرين للجمعية العامة للمنظمة بتاريخ 16 نوفمرب 1995 بباري�س

)18(

�سرورة العمل على اتخاذ الإجراءات والتدابري الكفيلة بتج�سيد وتعزيز الت�سامح بني الأفراد واملجتمعات:

اإن الت�سامح يعني الحرتام والقبول والتقدير للتنوع الرثي لثقافات عاملنا ولأ�سكال التعبري ولل�سفات الإن�سانية لدينا.

ويتعزز هذا الت�سامح باملعرفة والنفتاح والت�سال وحرية الفكر وال�سمري واملعتقد. واأنه الوئام يف �سياق الختالف،

قيام تي�سر التي الف�سيلة والت�سامح، هو اأي�سا، وقانوين �سيا�سي واإمنا هو واجب اأخالقيا فح�سب، واجبا لي�س وهو

ال�سالم، وي�سهم يف اإحالل ثقافة ال�سالم حمل ثقافة احلرب.

اإن الت�سامح ل يعني امل�ساواة اأو التنازل اأو الت�ساهل بل الت�سامح هو قبل كل �سئ اتخاذ موقف اإيجابي فيه اإقرار بحق

الآخرين يف التمتع بحقوق الإن�سان وحرياته الأ�سا�سية املعرتف بها عامليا. ول يجوز باأي حال الحتجاج بالت�سامح

لتربير امل�سا�س بهذه القيم الأ�سا�سية. والت�سامح ممار�سة ينبغي اأن ياأخذ بها الأفراد واجلماعات والدول.

يراه الذي فال�سلب كذلك حقيقة يكن واإن مل – حتى �سلبي مدلول من جمرد الت�سامح يتحول املعنى بهذا

البع�س �سعفا اإمنا هو يف الواقع قوة من ي�سدر منه الت�سامح عدا اإن اعتباره منة اأو هبة - قد يرادف ال�سفح والعفو اإىل

معنى اإيجابي يفيد القبول املتبادل �سمن ف�ساءات تتميز بالتعدد يف كل األوانه واأ�سكاله العرقية، الدينية واللغوية

والثقافية، واأكرث من هذا ي�سبح املت�سامح كذلك اأو الإن�سان املعتقد بهذا املبداأ املت�سف به والباحث عن ن�سره، لأنه

يرى فيه �سمانا لوجوده ذاته؛ ذلك اأن الإقرار بالتعددية والتنوع يكفل لكل واحد حق التمتع باحلقوق من خالل

اآلية وف�سيلة الت�سامح. »فالتوتر اخلا�س مبفهوم الت�سامح ياأتي من هذا: لي�س حتمل الكريه اأو املنفر هو الذي يحول

)19(

الت�سامح اإىل ف�سيلة، ولكن حتمل ما ي�سعب قبوله، بل حتى ما ل يحتمل.«

)17( مت تبني هذا اليوم اأي 16 نوفمرب من كل �سنة يوما عامليا للت�سامح.

www.unesco.org :18( ميكن ت�سفح بنود الإعالن العاملي ملبادئ الت�سامح على موقع منظمة اليوني�سكو(

)19( مونيك كانتو-�سبريبر و روفني اأدجيان، الفل�سفة الأخالقية ، �س. 106.

ملف العدد: التسامح واحلريةحدود التسامح

34

الدور الفل�سفي

ت�ستطيع الفل�سفة وهي اجلهد الفكري احلر وامل�ستنري بامتياز اأن تكون اأداة م�ساهمة وفعالة يف ن�سر الت�سامح ويف ف�سح

جيوب الالت�سامح وجعلها مدانة وم�ستهجنة بالعقل واخللق، كما ت�ستطيع الفل�سفة والت�سامح من جوهرها و�سميمها

اأن ت�ساعد على خلق اأجواء الهدوء وال�سكينة التي تتيح ممار�سة الت�سامح يف الواقع وجتعله ي�سري بني النا�س فيحفزهم

اأكرث على جت�سيد قيم التفاهم والعي�س امل�سرتك والت�سامن.

التربير الفل�سفي

الت�سامح وقيمته للفرد واملجتمع ولكن للفال�سفة اأهمية التاأكيد على التاأكيد واإعادة اأنه من باب البداهة قد يبدو

راأي اآخر ذلك اأن تربيرهم الفل�سفي له »يثبت احلدود وهي نف�سها املتعلقة بالوجود احلقيقي جلماعة اإن�سانية ب�سكل

عام اأو ب�سكل خا�س فل�سفية، امل�سمونة يف الوجود ... بف�سل طابعها ذاته جلماعة مت�ساحمة. فالالمت�سامح، هو عدم

)20(

الت�سامح، وعدم الت�سامح مع الالت�سامح ل يعني مطلقا، بالن�سبة للمت�سامح، تناق�سا، اإمنا اأن يظل وفيا لذاته.«

الواقع، اأن ت�سورات الفال�سفة لي�ست جمرد اأمنيات ليوتوبيا قادمة اأو �سعارات نرفعها هروبا من واقع موؤ�سف وخمز، اإمنا

هي لبنات حتقق منها الكثري واأخرى تنتظر التحقيق يف �سبيل اإجناز عامل �سوي، متوازن حتفه العدالة واحلرية حتت مظلة

الت�سامح. فقد بدا الفال�سفة املحدثون – من مر�سوم نانت )1598( اإىل فولتري )بحث يف الت�سامح 1763( مرورا بـ

بايل)يف الت�سامح 1686( �سبينوزا)الر�سالة الالهوتية - ال�سيا�سة 1670(، لوك )ر�سالة يف الت�سامح 1689( رو�سو

)يف العقد الجتماعي 1762(- بتعبيد هذا الطريق واأناروا بروؤاهم درب من تالهم – من مل )يف احلرية 1850(

اإىل راول�س )نظرية العدالة 1971( مرورا بـ ديوي)املبادئ الأخالقية يف الرتبية 1909( ورا�سل)املجتمع الب�سري

يف الأخالق وال�سيا�سة 1954( وهابرما�س )الأخالق والتوا�سل 1983( وولتزر )حماولة يف الت�سامح 1997 ( من

الذين- وثقوا حقوق الإن�سان وجعلوا منها �سرائع حترتم وتبجل ويعاقب من يخالفها ت�سهر عليها منظمات وهيئات

ويدافع عنها جمعيات ونوادي املجتمع املدين الواعي بها وبرهاناتها.

هذه احلقوق التي ر�سخت بف�سل الت�سامح اأو ميكن القول اأنه ج�سدها بحيث احتواها تاأ�سي�سا وتوجها عمليا، فغدت

احلقوق واحلريات من�سوية داخل مبداأ الت�سامح تنهل، وت�ستق منه وجودها وقيمتها.

الفل�سفة بهذا، هي عني �ساهرة على جت�سيد ومراقبة ما هدفت اإليه. فهي من هذه الزاوية ن�سال دائم �سد التع�سب

والنغالق والدغمائية التي هي كلها اأ�سكال من الالت�سامح.

مواجهة الالت�سامح

منذ الفرتة التي كتب فيها مفكرو الع�سور احلديثة عن اأهمية الت�سامح و�سرورته بل حاولوا الت�سريع له حتى ي�سبح

ملزما وحمرتما بقوة القانون وهو ما حتقق بعد اأكرث من قرنني من الزمن وبعد اأن �سهد العامل حروبا مدمرة و�سحايا

يعدون باملاليني، كانوا يف حم�سلة املطاف وبعيدا عن اأ�سباب النزاع واحلرب �سحايا لالت�سامح.

حدود التسامح ملف العدد: التسامح واحلرية

)20( Bernard Bourgeois ، Philosophie et tolérance، in Philosophica، N° 65، 2000،1، P. 60.

35 العدد األول، ربيع 2013

اإذ يكفي يف هذا املقام التذكري مببادئ الت�سامح التي اأعلن عنها عامليا و�سارت بنودا �سددت وعززت من قناعات

املرتددين حيال الت�سامح وت�سييجه بحدود هي نف�سها مقيدة للحريات. اإن احلدود التي تقف عائقا اأمام الت�سامح هي

نف�سها التي يخو�س الفيل�سوف معارك �سدها وهي التي تعيق حرية الإن�سان ول حترتم حقوقه وتهني كرامته.

خال�ســة :

اإن املجهودات التي قام بها الفال�سفة واأهل النظر على مدى التاريخ الإن�ساين يف �سبيل حتقيق ال�سلم والوئام بني

الإن�سان وما حتقق منها على امل�ستوى املوؤ�س�ساتي و�سار موؤكدا يف مواثيق وحمرتما من قبل هيئات ومنظمات تعمل

جاهدة على احرتامه وتطبيقه لهو ت�سريف لبني الب�سر وقدرتهم على جتاوز حالت الالن�سجام والتوتر واخل�سومات،

وهو كذلك عامل حمفز كي يبذل املفكرون واملثقفون عامة جهودا اأخرى على درب اإ�ساعة الت�سامح وتفعيل مبدئه

اآليات تعزز مواجهة الالت�سامح ومناه�سته بتدعيم اإىل التنظري بحاجة اأن بني اجلماعات والأفراد، ونعتقد جازمني

عرب الت�سامح مبداآ وبتكري�س العن�سري والتمييز العنف اأ�سكال كل حتارب التي القانونية والإجراءات الت�سريع

الرتبية والتعليم فهما اأداتان وقناتان مثليان لغر�س قيم التاآزر والت�سامح وتنميتها ولبلوغ ذلك ل بد من امل�سارحة

من الأفراد ومتكني املعلومات اإىل احلر للو�سول املجال فتح ينبغي وعنفها الأحداث ق�سوة تكن فمهما واحلقيقة

الطالع عليها، لأن هذا يعمل بدوره على ن�سر ثقافة ال�سلم، ولتفادي الأخطاء، ودرءا للمخاطر والنزلقات يتوجب

العمل على ن�سر الوعي بها وبنتائجها ال�سلبية على نطاق وا�سع .

ملف العدد: التسامح واحلرية حدود التسامح

36

من يد الت�سامح

اإىل عناق ال�سماحة

محمد اخلراط*

اأتى على الإن�سان حني من الدهر مل يدع فيه اإىل ماأدبة الت�سامح؟ �سن�سمي الت�سامح ماأدبة لأن فيه امتالء

بال�سهوة وخواء يف النخوة. اأن ت�سامح معناه اأن متن، اأن تكون من ف�سلك املتف�سل، اأن تكون يدك العليا ويد

غريك هي ال�سفلى، واأن تقبل الت�سامح لي�س يعني �سيئا غري اأن تعرتف بالذنب وتقتعد كر�سي العرتاف، فاإذا مل اأمد

يدي اإليك لأقتلك فعالم ت�ساحمني؟

الت�سامح بني الأديان وحوار احل�سارات ولقاء الثقافات وم�سافحات وقبالت...وتنف�س املجال�س على ل �سيء. هناك

احلرية يف احلرية. ف�ساء تقفز يف واإمنا الت�سامح على ج�سر مت�سي ل بالآخر العالقة لعبة قواعد يف تاأ�سي�سية، اأمور

معانيها املطلقة الراحلة يف اآفاق التخييل ومنعرجات الواقع، املت�سربة اإىل �سجف النف�س واأهازيج الجتماع. احلرية

قيمة ولكنها اأي�سا اأ�س اأنطولوجيا الإن�سان واأك�سيوم مرجعي للب�سرية. لي�س الإن�سان كما يقولون كائنا عاقال، ناطقا،

�ساحكا، �سيا�سيا، اجتماعيا، موؤمنا اأو جاحدا... اإنه الكائن احلر بامتياز... اإذا �سعر بغري ذلك نزل من عر�س الإن�سانية،

كل قذى يف عني احلرية تنكر لطبيعة الإن�سان، كل اأمل يف خا�سرتها انزياح عن �سرعة احلرية بل توقيف وتعطيل

وت�سبيه. والوعي عماد احلرية ومديتها التي ت�سبط عالقة الفعل باملبداأ.

كانت امليتافيزيقا بكل تلويناتها قد حددت اأفق الإرادة الب�سرية منذ القدم، وما اإن �سار الإن�سان يف موكب احلرية

. طعنه يف كربياء وعيه وهدد �سفينة حريته بالغرق. )1(

حتى طلع عليه من يقول له »اأنت ل�ست �سيدا حتى يف بيتك«

واآمن باإرادته الدفاقة التي تنفتح على الداخل وت�سيح يف اخلارج. لكن حريته )2(

ثم اخرتع الإن�سان نف�سه من جديد

تدخل يف �سجال عنيف دائم حيوي بني حجرات النف�س الفرويدية، الواقع واللذة، الهو والأنا الأعلى، جمتمع اجلن�س

هل

*اأ�ستاذ يف كلية الآداب والعلوم الإن�سانية ب�سفاق�س، تون�س.

)1( هذه اجلملة لفرويد وهي بالتحديد قوله »لي�س الإن�سان �سيدا حتى يف بيته« كناية عن طغيان جانب الالوعي فيه.

)2( العبارة ملي�سال فوكو يف كتابه »الكلمات والأ�سياء« حني قال »اإن الإن�سان اخرتاع حديث« راجع كتابه ترجمة مطاع �سفدي، مركز الإمناء القومي 1990 �س 313.

ملف العدد: التسامح واحلرية

37 العدد األول، ربيع 2013

وجن�س املجتمع... يريد اخلارج تطويع املكبوت واملدفون فيتمرد هذا املكبوت بني الفينة والفينة يت�سلل وي�سهر �سالح

. هل من جمال للت�سامح مع من يعلن ولئم الإخ�ساء؟ )3(

الكربياء معلنا عظمة الغا�سق اإذا وقب

كان كانط – وهو ي�سطر مدى احلرية الب�سرية ومقدار ا�ستطاعاتها يف الفكر والعمل والقيم – ينذر راأ�سا باملخاطر التي

تهدد احلرية الفكرية وت�ستهدف الكينونة وقد ح�سرها يف حزمة من الإكراهات: الإكراهات ال�سيا�سية والإكراهات

اإق�ساء يف الذات اإنه اإىل منع التفكري . يبداأ جمتمع ال�سيا�سة مبنع الكتابة وينتهي )4(

الدينية والإكراهات القانونية

اأ�سبه ما يكون بوح�س هوب�س الذي ل يبقي ول يذر. وكان مي�سال فوكو قد بني اأنه واإق�ساء مع الذوات، احلقيقة

اإنها بالفعل بحذق الفيل�سوف ونباهة العامل كيف تت�سلل الدولة كالأخطبوط يف كل �سرايني الجتماع الب�سري،

اأخطر جهاز ابتدعه الإن�سان، ل يعرف للرحمة اأو الت�سامح �سبيال فكيف يفقه معنى ال�سماحة.

اأما القهر الديني فمعلومة �سوره، حمفوظة اأبجدياته يف كتب التاريخ با�سم الو�ساية على ال�سمائر واإلزام العقائد. با�سم

قانون الفقهاء واحلاخامات والق�ساو�سة الذين جعلوه قانون اهلل – تنزه البارئ عن الظلم – ي�ستلب الإن�سان وتقدم

حريته قربانا يف حمرقة الدعاة والأو�سياء.

واأما الإكراه القانوين فدعوة �سادقة اإىل اأن ت�سن الذات ت�سريعها الذي ترت�سيه لنف�سها بنف�سها لتدخل بعد ذلك

حرم القانون وقد خلعت نعلها احرتاما لقد�سية ما �سنت. اأن ي�سطر الإن�سان �سرائع حياته بنف�سه و يتحمل م�سوؤولياته

و اأوزاره فتلك حجة اأهليته لال�ستخالف.

اإغراءات عن لتعر�س اجلراأة متالأك اأن ،)5(

عقلك ت�ستخدم اأن يف ال�سجاعة لك تكون اأن كانط، بعبارات احلرية

التوجيه والإقناع والأدجلة مبا يف ذلك مراوغة الكليانية الب�سعة التي ما فتئت متار�سها اأجهزة الدولة مبحاكم تفتي�سها

حتت فرو النظام.

جوهر لعلها الدولة. بح�سون املتمرت�سة الكليانية كهوف يف املوت لقرا�سنة يت�سدى اإذ الإن�سان هو �سندباد اأي

وحقيقة تلك املغامرة و حقيقتها، لعل اإبداعه يف معاناة التجربة، لعل الأمل هو ال�سبيل الرئي�س للخلق. هل ت�سطع

اأنوار احلرية يف بلد ل ي�سيل فيه الدم، اأميكن احلديث عن م�سروع للت�سامح اأو فل�سفة لل�سماحة دون ت�سحيات. هل

ميكن للمرء اأن يفي بنذره اإذا مل يقبل مبداأ القربان؟

لقد اأتعبت حروب الإن�سان عقل الإن�سان وخد�ست روحه، ذللت رقاب وك�سرت اأ�سوار وانفطرت قلوب من اأجل

الت�سلط وال�ستقواء، فاإذا رمنا الت�سامح ون�سدنا ال�سماحة فلي�س لنا اإل اأن ندفع الثمن، هكذا قيل، الت�سامح يطلب

العرتاف وال�سماحة تطلب نف�سا ل تعرف الكراهية و ل تنب�سط لأمل ، فما معنى دفع الثمن؟

)3( بع�س التفا�سري جعلت لهذه الآية معنى جن�سيا على اعتبار اأن الغا�سق اذا وقب هو الذكر اإذا ولج اأو انت�سب.

)4( راجع كتاب كانط »ما معنى اأن نتوجه يف التفكري؟«.

)5( كانط، جواب عن ال�سوؤال : ماهي الأنوار؟ ترجمة ح�سني حرب، جملة الفكر العربي عدد 48 اأكتوبر 1987.

ملف العدد: التسامح واحلريةمن يد التسامح إلى عناق السماحة

38

كل املحا�سبات التي تطلبها الدول بعد الثورات و م�سرعة الدماء ،كناية عن حماكم انتقام يف �ستائر املخادع و زبانية

يف �سفوف احلور. با�سم القانون يدعوننا للت�سامح. لكن القانون ل يعرف الت�سامح.

لي�س يف القانون غري وخز العقاب و�سرك العذاب. لعل اأهم واأف�سح ما يف جتارب الأنبياء اأنها جتارب ت�سامح و�سماحة،

وما اأجدر الإن�سان باأن يكون يف �سعبه نبيا كما قال جربان خليل جربان و من بعده ال�سابي. النبوة احلقيقية هي يف

قدرتك على ال�ستدلل باأنك اإن�سان مهما ا�ستبد بك الغ�سب واأخذ مبجامع قلبك الغيظ، هي يف اأن تكون قادرا

على اأن جتعل خدك موطئا للرتقي بالب�سرية بنف�س كف�سيح الفيايف.

اإذا اأردت مقا�سد الت�سامح فاآمن باحلرية واعتنق �سعائرها، ومن اأركان �سعائرها الإميان بالختالف، اأن تعترب الآخر

خيطا يف ن�سيج الذات، اأن ميتد بينكما اعرتاف بينذاتي بعبارة هيغل، �سياق الوجود امل�سرتك والعي�س امل�سرتك بلغة

ريكور، من اأجل �سلم دائم بكالم كانط.

الت�سامح الذي رف�سناه م�سطلحا نعو�سه باحلرية اأو بال�سماحة، هذه ال�سماحة التي توؤ�س�س لأخالق الواجب الكانطية،

ال�سماحة التي تبحر يف قوارب احلرية التي �سطرها جون �ستيوارت ميل حني دعانا اإىل األ نكتفي مبحاربة القهر الذي

يفر�سه ا�ستبداد الدولة واأن متتد مقاومتنا اإىل جمابهة العنف الذي ميار�سه الآخرون لفر�س اآرائهم اأو ما �سماه ميل

.)6(

ا�ستبداد الأغلبية

يف واأرت�سيك اأنا كما لنف�سك ترت�سيني اأن ال�سماحة وعمادها. ال�سماحة اأ�س هما التعبري وحرية التفكري حرية

. ال�سماحة لي�س يف اأن اأرف�س اإق�ساءك )7(

�سمريي كما اأنت، اأ�سنع من ذاتي اأفقا يحت�سن اأفقك كما يقول غادمري

فقط بل يف اأن اأق�سي التفكري يف اإق�سائك اأي�سا، ال�سماحة هي ال�ستعداد لال�سرتاك مع الآخر يف جتارب الوجود، اأن

تكون هناك تبادلية يف احلقوق والواجبات بني اجلميع دون ا�ستثناء، ال�سماحة هي اأن نوؤمن بالدميقراطية، والدميوقراطية

. ال�سماحة هي اأنا واأنا ال�سماحة لأين اأنا اأنت، واأنت اأنا لأننا )8(

هي اأن توؤمن مبتعة الوجود كما يقول روبرت م�سراحي

نحن العقل والإرادة، والعقل والإرادة نحن لأننا احلرية واحلرية هي كل �سيء.

ينزع الت�سامح اإىل التذاوت وتنزع ال�سماحة اإىل التذاوب من اأجل اإن�سان يح�سن العي�س بو�سفه اإن�سانا.

)6( راجع مقال »يف احلرية« جلون �ستيوارت ميل، ترجمة حممد اخلراط، جملة الأزمنة احلديثة، �سيف 2012 �س 8.

)7( هذا الكالم ذكره غادمري يف كتابه "احلقيقة واملنهج" مبنا�سبة حديثه عن الهرمنيوطيقا التي اعتربها لقاء اآفاق بني الكاتب والقارئ وبني كل ن�س وكل متلقي.

)8( Robert Mesrahi، Existence et Démocratie، PUF 1995.

من يد التسامح إلى عناق السماحة ملف العدد: التسامح واحلرية

39

لوحة للفنان حممد البنا، الإمارات العربية املتحدة

مقدمة من »جممع اأبوظبي للفنون«

40

�سيما وهما بها، ل الإن�ساين الفكر تعلق ي�ستمر التي الإ�سكالية املفاهيم اأبرز والت�سامح من احلرية مفهوما

.

للدميقراطية، منظورا اإليهما �سقفا اأعلى للوجودين الفردي و اجلماعي

يو�سعان يف قاعدة البناء الهرمي

اإن اإ�سكالية املفهومني نابعة من طبيعتهما املفهومية اأول، اأي من اخلا�سية الختزالية للمفهوم بال�سرورة، فهو حتما

املزدوج لتعلقها تبعا تت�سخم اإ�سكالية ا. وهي اإليها مرجعي يحيل التي الدللية لالإمكانات مقل�سة تب�سيط عملية

دة الأوىل دة، اأول، و لرتباطها بالإن�سان ثانيا. اإن نتيجة الواجهة الذهنية املجر

بو�سف م�ساألة معنوية ذهنية و جمر

ذو القوالب املنطقية

اأن املفهومني يبقيان مائعني قابلني جلميع احتمالت التعريف التي يو�سل اإليها النظر العقلي

.)1(

املتعددة

يف تاأ�سي�س احلرية والت�سامح

أنس الطريقي*

*اأ�ستاذ جامعي وباحث من تون�س.

ف على خمتلف ة التي اأفردت لكليهما مقال مركزا جممعا لتعريفاتهما، و يف هذا ال�سياق ميكن التعر )1( راجع تعدد تعريفات الت�سامح و احلرية يف خمتلف املو�سوعات املخت�س

�سني له يف معجم للند الفل�سفي، و يف مو�سوعة »اأنيفر�سالي�س«، اأما مفهوم احلرية ففي املو�سوعة الفل�سفية الكونية، و يف تعريفات الت�سامح بنظرة اإدماجية بني املقالني املخ�س

مو�سوعة »اأنيفر�سالي�س«، و يف معجم للند، من املقالت اأو املواد ما يفي بهذا الغر�س.

راجع فيما يخ�س مفهوم الت�سامح:

- Article : Tolérance، in André Lalande، Vocabulaire technique et critique de la philosophie، Quadrige/P.U.F، 1ère

édit.، 1991، V2، p-p 1133 - 1138.

- Bernard Guillemain، Tolérance، in Encyclopaedia Universalis، S.A. éditions، Paris، 1996، corpus 22، p-p 712 -714.

و فيما يخ�س مفهوم احلرية:

- Paul Ricoeur، Liberté، in Encyclopaedia Universalis، S.A. éditions، Paris، 1996، corpus 13، p-p 729- 735.

- Article : Liberté، in Encyclopédie philosophique universelle، T1، P.U.F، 1ère édit.، 1990، p-p 1470- 1480.

- Article : Liberté، in André Lalande، Vocabulaire technique et critique de la philosophie، Quadrige/P.U.F، 1ère

édit.، 1991، V1، p-p 558- 567

ملف العدد: التسامح واحلرية

يعد

41 العدد األول، ربيع 2013

فاأما نتيجة الواجهة الثانية فهي تزيد على الأوىل يف توزع

اء الوجود الفردي بني الفردية و اجلماعية، وذلك من جر

اأن الواجهتني من يتولد و الإن�سان. يف املدين الطبع

مفهومي احلرية والت�سامح ميكن تعريفهما من زوايا عديدة

.)3(

، والتعار�س)2(

متنوعة اإىل درجة الت�سعب، و التداخل

،

والأخالقي ،

النف�سي التعريف فان يعر ال�سورة فبهذه

تعريفات احلرية ع عن تتفر . بل

وال�سيا�سي ،

والجتماعي

، ال�سبينوزي(،

ت�سنيفات للحرية اإىل ما ي�سمى حرية ميتافيزيقية، وحرية احلكيم )الرواقي

يف جمال التنظري الفل�سفي

.)liberté d’indifférence( و حرية الالمبالة ،)libre arbitre( و حرية احلكم اأو الختيار

زئبقية ؛ وهي املفهومني، لهذين اإ�سكاليات كربى ثالث الواقع الإ�سكالية يف الوجوه هذه تفرغ اأن املمكن من

، و م�سكلة تاأ�سي�سهما. هذا على امل�ستوى النظري، اأما على امل�ستوى العملي

هذين املفهومني، و تعار�سهما الداخلي

اإ�سكالية هي رئي�سية واحدة اإىل الثالث الإ�سكاليات هذه فتوؤول الفعل، بفل�سفة املقرتن

ال�سيا�سي

الجتماعي

التاأ�سي�س. و تتلخ�س يف �سوؤال موؤداه : كيف نوؤ�س�س احلرية و الت�سامح و نحن ناأخذ بعني العتبار الطبعني الفردي

واجلماعي للوجود الإن�ساين؟

اإن الرتابط بني الت�سامح و احلرية ح�سب تعريفاتهما املعرو�سة على درجة من الت�سعب ت�سمح بالقول باأن تاأ�سي�س

»ت�سامح باأنه القول بني الت�سوية لتجوز الرتتيب، حتى بقلب هذا ت�سمح متاما كما الثاين، بتاأ�سي�س مرتبط الأول

.)4(

�سعب« لـ »حرية �سعبة« و القول بعك�س هذا الرتتيب

ة وارتباطهما مبفهوم االإرادة العامة: للت�سامح واحلري

والقانوين

التاأ�سي�سني االأخالقي

اإن الإجابة عن هذا ال�سوؤال الذي يتعلق يف النهاية ب�سبط نوعية املعايري التي حتدد حدود احلرية، وتعني الفوارق بني ما ميكن

الت�سامح معه و ما ل ميكن فيه ذلك، تتطلب تفعيل نوعني من العقالنية: اأولهما عقالنية اأخالقية قيمية تاأملية، و ثانيتهما

عقالنية اجتماعية ح�سب الأهداف. تتمثل الأوىل يف جمموع القيم الأخالقية اأو الدينية اأو الثقافية التي ي�سكل ا�ستبطانها

الفردي و اجلماعي اإ�سمنت جمموعة ثقافية ما. و تتمثل الثانية يف الأهداف التي حترك هذه املجموعة و تعني اآفاق م�سروعها

.)5(

اجلماعي، كاملنفعة العامة، اأو ال�سلم الجتماعي، اأو احلرية، اأو امل�ساواة، اأو ال�ستجابة ملبادئ اإ�سكاتولوجية ما

، مقال للند حول احلرية، ال�سابق، �س 562.

واقي)2( من مناذج هذا التداخل التداخل بني تعريفيها الكانطي و الر

)3( راجع يف هذا ال�سياق العرتا�س املمكن على التعريف )a( للحرية يف مقال للند ال�سابق حول احلرية، �س 365، والعرتا�سات املمكنة على تعريف غوبلو للت�سامح

للت�سامح، مبقابلتها باآراء كوندور�سي، و ماريبو، ورنوفيي يف املو�سوع، يف مقال للند ال�سابق حول الت�سامح، �س 1133 - 1136.

ني يف مو�سوعي احلرية و الت�سامح، هما على التوايل: ب لعنواين كتابني خمت�س)4( العبارتان: »حرية �سعبة«، و»ت�سامح �سعب« اقتبا�س معر

Yves Charles Zarka، et Cynthia Fleury، Difficile tolérance، P.U.F.، 1ere édit.، Paris، 2004.

Emmanuel Levinas، Difficile liberté، Albin Michel، 3eme édit.، Paris، 2003.

)5( Hamadi Redissi، le paradoxe de la tolérance en islam contemporain، in Monothéismes et modernités، OROC

et Fondation Naumann، )colloque de Carthage(، 1986، p- p 225- 257، p 239.

مفهوم اإلرادة العامة للحرية والتسامح

والت�سامح احلرية نوؤ�س�س كيف

العتبار بعن ن��اأخ��ذ ون��ح��ن

واجلماعي ال��ف��ردي الطبعن

للوجود الإن�ساين؟

ملف العدد: التسامح واحلرية

42

ميكن احلديث، ح�سب هذه ال�سروط، يف الفكر الإن�ساين

اأولهما احلرية، و للت�سامح تاأ�سي�سيتني نظريتني عن

املوؤطر ال�سياج القانونية القاعدة تعد قانونية، اأو موؤ�س�سية

ملجال احلرية، والفي�سل بني ما ميكن الت�سامح معه و ما ل

ميكن فيه ذلك.

وينطلق هذا الت�سور الذي ميثله الأمبرييقيون و على راأ�سهم

جون لوك )ت 1704م( من عملية تقلي�س للحرية تربطها

املادية. اأو الفيزيائية باحلرية ت�سمى الفعل، على بالقدرة

للبنية الق�سدية للفعل، تف�سره

ويعتمد على تف�سري �سببي

يربط بني الدافع، و النية، و منطق الفعل، وتخيريات الفاعل، و ذلك ب�سرف النظر عن حرية الإرادة.

مبنوال �سببي

.)6(

و يبني لوك على اأ�سا�س هذا الت�سور نظريته يف امل�سوؤولية واجلزاء و العقاب

لكن هذا الت�سور الختزايل للحرية غري مقنع، اإذ ل ميكن اإهمال حرية الإرادة لتكوين نظرية يف امل�سوؤولية. و رغم

ا اأي ذا عقل، اأن لوك يدخل يف تعريفه للحرية، اإىل جانب احلرية املادية الفيزيائية، حرية الإن�سان بو�سفه كائنا عقالني

، متكنه من توجيه فعله و تنظيمه، فاإن ممار�سة

ا لأنه ميلك �سلطة الختيار، و قدرة على التعريف الذاتيويعد الإن�سان حر

. يكفي هنا اأن ن�ستح�سر ال�سلطة الذاتية على القرار، و القدرة على التعريف الذاتي، ل تكفيان للقول باأن الإن�سان حر

لالإكراه الذي بني فيه اأر�سطو اأن الأفعال املنجزة قد تخلو من اأية اإرادة، و اإذن فهي

الكال�سيكي

التحليل الأر�سطي

رغم اأخطائه هو مما ين�سب مفهوم امل�سوؤولية الذي

. هذا التحليل الأر�سطي)7(

ة رغم اأنها توحي بذلكلي�ست اأفعال حر

.)8(

ره لوك على اأ�سا�س تعريفه للحريةقر

ة و الت�سامح؟ اإذن لتاأ�سي�س احلري

ما احلل

اأنه ل يكون اإل بتوفيق اأعمق بني جميع الأبعاد التي يثريها مفهوما احلرية والت�سامح، من الزاويتني الفردية نتوقع

لهذا الوجود،

الأخالقي

واجلماعية، وهي الأبعاد املتمثلة يف الوجود الإن�سان الفردي واجلماعي، والتاأ�سي�س النف�سي

والعقالنية القيمية الأخالقية العقالنية بني التوفيق يف عامة ب�سفة �سابقا ر قر مما ،

وال�سيا�سي

اجلماعي وتاأ�سي�سه

الجتماعية. و ما نق�سده بتوفيق اأعمق هو اأن ي�ستفرغ هذا التوفيق كل معاين الت�سامح واحلرية يف م�ستوى العقالنية

الأوىل، وهو ينقلها اأو يرتجمها مبعايري العقالنية الثانية.

اأ�سا�سية للحرية يف م�ستواها اإنه يف النهاية التاأ�سي�س الذي يجعل حرية الإرادة يف امل�ستوى الأخالقي متثل قاعدة

)6( راجع، حول الأفكار ال�سابقة:

John Locke، Essai sur l’entendement humain، Pierre Mortier، 3éme édit.، Amsterdam، 1735.

Et Essai et lettre sur la tolérance، et traité sur le gouvernement civil، Flammarion، 2008.

)7( مقال املو�سوعة الفل�سفية الكونية، ال�سابق حول احلرية، �س1471.

)8( راجع اأي�سا نقدا لهذا الت�سور املادي الفيزيائي الإمبرييقي للحرية الذي يتبناه جون لوك، يف جتاهله حلرية الإرادة، مقال املو�سوعة الفل�سفية الكونية ال�سابق حول احلرية،

�س 1471.

مفهوم اإلرادة العامة للحرية والتسامح

هناك نظريتان تاأ�سي�سيتان للت�سامح

اأو موؤ�س�سية اأولهما واحلرية،

القانونية القاعدة تعد قانونية،

احلرية، ملجال املوؤطر ال�سياج

الت�سامح ميكن ما بن والفي�سل

معه وما ل ميكن فيه ذلك.

ملف العدد: التسامح واحلرية

43 العدد األول، ربيع 2013

الت�سامح. تاأ�سي�س يكون اأي�سا اأ�سا�سه وعلى .

ال�سيا�سي

ا عند واحد اأ�سا�سي هذا ما يظهر على الأقل ب�سفته مطلبا

امليالدي، ع�سر التا�سع القرن يف احلرية منظري اأبرز من

م( 1873 ت ( ميل �ستيوارت جون الأجنليزي نق�سد

ال�سيا�سي و الأخالقي التعريفني احلرية ف يعر وهو .

ال�سيا�سي

الجتماعي تعريفها ميثل بحيث ،

الجتماعي

. يقول ميل يف تعريف

ا ملعناها الأخالقي تطبيقا اجتماعي

باحلرية الإح�سا�س بال�سبط هو التغيري، ذلك اأردنا اإذا طبعنا، تغيري على بقدرتنا اإح�سا�سنا »اإن ا: اأخالقي احلرية

ا عندما ي�سعر اأن عاداته و نزواته ل تتحكم فيه، و اإمنا هو الذي اأخالقيالأخالقية الذي نعيه. ي�سعر ال�سخ�س اأنه حر

. وميد )9(

يهيمن عليها... و اأنه اإذا رغب يف قمع نزواته ل يلزمه من اأجل ذلك قوة رغبة اأكرب مما يعرف اأنه قادر عليها«

ا، و ا، حني يقيد هذا التعريف حتققها �سيا�سي لي�سبح جزءا من تعريف احلرية �سيا�سي

ميل هذا التعريف الأخالقي

ا يف اإخ�ساع ال�سلوك لقواعد قانونية وعرفية حني يعترب ميل اأن ل معنى لهذه احلرية الأخالقية ما مل تتج�سد �سيا�سي

.)10(

اأو قواعد الراأي العام

ون�سل اإىل التاأ�سي�س الثاين للحرية و الت�سامح يف التاريخ الإن�ساين، اأي التاأ�سي�س الأخالقي القانوين. و نعتقد اأن اأبرز

عملية تاأ�سي�س للحرية و الت�سامح ت�ستجيب لهذين البعدين ال�سابقني، هي التي اأجنزها جون جاك رو�سو)ت1778م(

يف �سياق فل�سفته العقدية مبفهوم الإرادة العامة ، و وا�سلها جون راول�س )ت2008م( يف حماولته تعميم النظرية

.)11(

العقدية و الرتفاع بها اإىل اأرفع درجة ممكنة من التجريد

ة والت�سامح للحري

و، والتاأ�سي�س االأخالقي ال�سيا�سي مفهوم االرادة العامة عند رو�س

اإل بربطه و�سوي الر العامة مبفهوم الإرادة

وال�سيا�سي

للحرية ببعديه الأخالقي

التاأ�سي�سي ل ميكن فهم هذا الدور

)9( John Stuart Mill، système de logique déductive et inductive…، trad. Louis peisse، version numérique par Jean

marie Tremblay، collection les classiques des sciences sociales، livre 6، chap.2 ،S3 ،p15.

)10( John Stuart Mill، de la liberté، version numérique par Jean marie Tremblay، collection les classiques des

sciences sociales، introduction، p-p 514.

)11( John Rawls ،in F. Chatelet، E. Pisier، O. Duhamel، Dictionnaire des œuvres politiques، P.U.F، 1ere édition،

1986، p-p 971- 982.

نتحدث هنا عن احلرية والت�سامح باملعنى املق�سود يف ما ي�سميه بول ريكور م�ستوى اخلطاب الثاين للحديث عن احلرية، و هو م�ستوى احلرية املعقلنة الذي ميثله يف نظره هيغل

ة، اإىل درجة اأن احلرية متثل مادته و غايته، واأن وحاين ب�سفة عامة. و يف هذا املجال قاعدته ال�سرف و نقطة بدايته هي الإرادة التي هي حر

يف قوله التايل: »جمال احلق هو الر

منظومة احلق هي امرباطورية احلرية املنجزة، فعامل الفكر ينتج ما ي�سبه الطبيعة الثانية انطالقا من نف�سه«. يعلق ريكور على مفهوم احلرية يف فل�سفة هيغل للحق بقوله، اإن املثال

القانوين للعقد الذي يبداأ به فل�سفته للحق، يبني اأن احلرية العتباطية تتحول اإىل حرية مفكر فيها، عندما تتواجه اإرادتان حول مو�سوع واحد، و تعرتف كل واحدة منهما

تني مبعنى جديد، لي�س هو القدرة على الفعل، واإمنا القدرة بالأخرى، و تكونان اإرادة م�سرتكة. و هكذا فبالتزامهما الواحدة جتاه الأخرى، فاإن الإرادتني ترتابطان فت�سبحان حر

غبات والعرتاف مبعيار.على ال�ستقالل عن الر

Paul Ricœur، Liberté، op.cit، p732.

مفهوم اإلرادة العامة للحرية والتسامح

ما الأخالقية للحرية معنى ل

اإخ�ساع يف �سيا�سيا تتج�سد مل

وعرفية قانونية لقواعد ال�سلوك

اأو قواعد الراأي العام.

ملف العدد: التسامح واحلرية

44

احلرية على احلفاظ كيفية هو رو�سو منه انطلق الذي املركزي فال�سوؤال العقدية. فل�سفته كامل احلرية يف مبركزية

. و رغم اأن رو�سو )12(

الطبيعية لالإن�سان عند النتقال به من احلالة الطبيعية الفردية اإىل احلالة الجتماعية ال�سيا�سية

حول احلرية، فالإ�سكال الأ�سا�سي

ا يف �سوؤاله الرئي�سي مل يهتم مبفهوم الت�سامح، فاإن هذا املفهوم مثل هاج�سا مبدئي

عنده هو التوفيق بني احلرية الذاتية و احلرية اجلماعية، اأو يف العثور على الإجابة املقنعة لل�سوؤال: متى تبداأ حريتي

يات الفردية، و القوى الفردية الكامنة يف كل و تنتهي حرية غريي؟ و لكنه اأي�سا �سوؤال عن كيفية التوفيق بني احلر

اإن�سان، فيما بينها، ملا تنقالن اإىل حالة الجتماع الب�سري، فتتواجه احلريات املتعار�سة اأ�سال بقواها، ولكنها تتعاي�س،

.)13(

وهو ما ل يخرج عن معنى الت�سامح يف النهاية

وههنا ميثل مفهوم الإرادة العامة عند رو�سو اجلواب التاأ�سي�سي لهذا الإ�سكال التوفيقي بني النية واجلماعية، و بني

الأخالقية و القانونية باعتبارها اأبعادا اأ�سا�سية للوجود الإن�ساين. فهو يتمثل يف عملية حتول اأخالقية باطنية من النية

ة. فيوقف اإىل الغريية. اإنه عقد يجريه الإن�سان على نف�سه، اأو معها، ت�سكت من خالله اإرادته اجلماعية اإرادته اخلا�س

لطبيعة جديدة

حب امل�سلحة العامة حب امل�سلحة ال�سخ�سية. اإن مفهوم الإرادة العامة، بهذا املعنى، هو خلق ذاتي

.)14(

بني ميولته الذاتية وواجباته الجتماعية

يف الإن�سان، متكنه من جتاوز التناق�سات املرتبطة بوجوده الجتماعي

،

للحرية، �سواء منه الأفالطوين، اأم الرواقي

قد يبدو املفهوم بهذا الو�سف اأخالقيا �سرفا، يوافق التعريف الأخالقي

ا لقوى النف�س حتت هيمنة العقل اجلماعي احلكيم، اإل اأن فرادة مفهوم الإرادة اأم ال�سبينوزي، بو�سفه ان�سباطا عقلي

ال�سروري.

ال�سرف ملفهوم احلرية، و طابعه ال�سيا�سي

العامة عند رو�سو اأنه ميكن من الو�سل بني الطابع الأخالقي

اأو الإرادة العامة و القانون، ينظر هنا اإىل القانون ويجري الأمر عنده عرب الربط الذي ينجزه بني ال�سعور اجلمعي

بو�سفه الأداة التي متنح اجل�سد الجتماعي املت�سكل بالعقد القدرة على البقاء وعلى احلركة. ولذا فهو يرى تعبريا عن

يريده الإن�سان لأنه

هذه الإرادة الباحثة عن احلفاظ على نف�سها. يتحول القانون بهذه ال�سورة اإىل اإنتاج فردي جماعي

اأراد النتقال من حالة الطبيعة اإىل حالة الجتماع، واأراد احلفاظ على هذه احلالة، ولأنه ل يفقد فيها حريته الطبيعية

ا، فاإنه يف كل مكان قابع يف الأغالل...فاأما كيف حدث : »رغم اأن الإن�سان ولد حر

)12( يقول رو�سو يف م�ستهل الف�سل الأول، من الكتاب الأول، من عقده الجتماعي

هذا التحول، فاإين جاهل بذلك. و اأما ما يجعله �سرعيا فاإين اأظن اأنني قادر على حل هذا ال�سوؤال«.

Jean-Jacques Rousseau، Du contrat social، Cérès Editions، Tunis، 1994 ،p 7.

)13( يقول رو�سو: اإن النتقال اإىل حالة الجتماع يتم عندما يوظف كل فرد قوته للحفاظ على حالة الجتماع �سد القوى التي ت�سده اإىل حالة الطبيعة، و لكن مبا اأن الب�سر

ل ي�ستطيعون خلق قوى جديدة فيهم، و اإمنا ح�سبهم اأن يوجهوا قواهم املوجودة فيهم و يوحدوها، فلي�س مبقدورهم للحفاظ على حالة الجتماع اإذن، اإل اأن يجعلوا هذه القوى

بنف�سه؟. هذه ال�سعوبة ميثل تتجه وجهة واحدة جتمعهم. ولكن الإ�سكال كيف يوجه الإن�سان احلرية و القوة بو�سفهما و�سيلتيه الأولتني للحفاظ على وجوده، دون اأن ي�سر

، و يتمثل يف »العثور على �سكل لالجتماع يدافع فيه بكل القوة اجلماعية عن الفرد و عن خري كل �سريك، بطريقة جتعل كل واحد –وهو

حلها م�سروع العقد الجتماعي

حله«. املرجع ال�سابق، الكتاب الأول، الف�سل

الذي يقدم العقد الجتماعي

ا كما كان �ساأنه �سابقا. هذا هو امل�سكل الأ�سا�سييتحد بالكل- ل يخ�سع اإل لنف�سه، و يبقى حر

ال�ساد�س، �س .16

)14( يقول رو�سو: »اإن هذا النتقال من حالة الطبيعة اإىل احلالة املدنية يحدث يف الإن�سان تغريا جد ملحوظ، و ذلك باإبدال الفطرة يف �سلوكه بالعدالة، و باأن ي�سفي على

اأفعاله ال�سبغة الأخالقية التي كانت تفتقراإليها هذه الأفعال يف الأ�سل. وهنا فقط عندما يعو�س �سوت الواجب النفعال اجل�سدي، و يعو�س احلق ال�سراهة، يجد الإن�سان،

ف ح�سب مبادئ خمتلفة، و على الإن�سات اإىل عقله بدل ميولته.«، املرجع ال�سابق، الكتاب الأول، الف�سل الذي مل ينظر �سابقا اإل اإىل نف�سه، يجد نف�سه جمربا على الت�سر

الثامن، �س21.

مفهوم اإلرادة العامة للحرية والتسامح ملف العدد: التسامح واحلرية

45 العدد األول، ربيع 2013

الأ�سلية التي عدلت �سورة حتقيقها يف حالة الجتماع. اإن

رية للقانون املنتج لالإرادة العامة، تتجاوز كونه الطاقة التحر

ال�سامن حلرية كل فرد داخل احلرية اجلماعية، لتظهر يف

لأنه التعبري عن

كونه معربا عن �سيادة كل واحد اجتماعي

اأي تهديد متثل ثم فطاعته ل العامة. ومن الإرادة �سيادة

انقلبت وقد ة اخلا�س لالإرادة طاعة فهي ة، اخلا�س لل�سيادة

.)15(

اإىل اإرادة جماعية

بني

ال�سيا�سي الأخالقي التوفيق هذا يف ما يخفى ل

تاأ�سي�سية اإمكانيات من العامة والإرادة ة اخلا�س الإرادة

الإرادة بني معني ربط عرب رو�سو وجدها للحرية، عملية

ملفهوم الت�سامح، يحتفظ فيه بالإرادة، وهي

�سيا�سي

والقانون، ولكنه توفيق ميكن من جهة اأخرى من تاأ�سي�س اأخالقي

القانوين.

يف احلرية عند نقلها اإىل امليدان العملي

بعد اأ�سا�سي

و قد يكفي هنا اكت�ساف ال�سلة بني مفهوم الدين املدين املرافق لهذا التاأ�سي�س ومفهوم وحدة احلقيقة الدينية الذي

عد عند بع�س النقاد املعا�سرين ملفهوم الت�سامح اأهم و�سائل تاأ�سي�سه، لالإقناع مبدى �سالحية هذا التاأ�سي�س للحرية

لتاأ�سي�س الت�سامح.

ف اإل بقدر قدرته على ويتبع مفهوم الدين املدين عند رو�سو مفهوم الإرادة العامة من جهة كونه م�سطلحا ل يتعر

اأي حريته وجماعيته. ولذلك يركب رو�سو من هذين ال�سرطني دينا يحمي حرية حماية طبيعة الإن�سان الأ�سلية

الإن�سان بقدر حفاظه على تالحم املجتمع. وبهذا يجعل رو�سو الدين املدين دين الإرادة العامة، فهو دين فردي

. تتقدم هذه القدا�سة جميع القدا�سات فت�سريه اإميانا

اأهم ما مييزه اأنه يقوم على قدا�سة الرباط الجتماعي

جماعي

.)16(

بوحدة احلقيقة الدينية

اإن هذا املعنى للدين ال�سامن للحرية يف الجتماع املدين الدولوي، ح�سب رو�سو، يقوم على مبداأ اأ�سا�سي يعده

برنار غيمان بو�سفه اأبرز نقاد مفهوم الت�سامح، اأهم املبادئ املوؤ�س�سة للت�سامح، فانطالقا من نظرة نقدية ملختلف املعاين

ا للت�سامح، يتمثل يف ت�سويته بحرية املت�سورة ملفهوم الت�سامح، وملبادئ تاأ�سي�سه مييز غيمان بني ما ي�سميه تعريفا �سلبي

ا يتمثل يف احرتام الآخر وبذل جمهود يف فهمه على اعتبار اأن حقيقته التعبري عن الراأي، وما ي�سميه تعريفا اإيجابي

جزء من احلقيقة الكلية. ويجد غيمان يف فكرة وحدة احلقيقة الدينية واختالف الأفهام يف متثلها، اأ�سا�سا دينيا ممكنا

ا يف التاريخ، . اإن هذا املبداأ الذي يجده غيمان يف ت�سورات دينية متباعدة زمني)17(

لتاأ�سي�س هذا املفهوم اجتماعيا

من كليمنت الإ�سكندري )ت215م( و�سول اإىل روين غنون )ت1951(، ل يبعد يف الواقع عن املبداأ املت�سمن يف

)15( يراجع حول الأفكار ال�سابقة، املرجع ال�سابق، الكتاب الثاين، الف�سل الأول، �س29-30، والف�سل ال�ساد�س، �س-�س 42-39.

.144 - )16( انظر حول مفهوم الدين املدين عند رو�سو، املرجع ال�سابق، الكتاب الرابع، الف�سل الثامن، �س- �س 134

)17( راجع مقال، ت�سامح، ال�سابق، يف مو�سوعة »اأنيفر�سالي�س«.

مفهوم اإلرادة العامة للحرية والتسامح

دين املدين الدين رو�سو يجعل

فردي دين فهو العامة، الإرادة

جماعي اأهم ما مييزه اأنه يقوم على

قدا�سة الرباط الجتماعي. تتقدم

القدا�سات جميع القدا�سة هذه

احلقيقة بوحدة اإمي��ان��ا فت�سريه

الدينية.

ملف العدد: التسامح واحلرية

46

ا العرتاف بالآخر متاما كالعرتاف بالذات، فيوؤ�س�سان ا واجتماعي ت�سور رو�سو للدين املدين. كالهما يوؤ�س�س اأخالقي

الت�سامح على احلرية.

وقد ل تتمتع نظرية رو�سو يف»احلرية والت�سامح بال�ستتباع« بكل �سروط ال�سالحية النظرية و التطبيقية التي جتعلها

للحرية و الت�سامح، خ�سو�سا وهي مبنية على فر�سية رئي�سية هي فر�سية حالة الطبيعة،

ا فوق تاريخي اأمنوذجا تاأ�سي�سي

اإل اأن قوتها تكمن يف قدرتها على التوفيق بني جمموعة الثنائيات املكونة جلوهر الوجود الإن�ساين، كثنائية الذاتي

واجلماعي. وهي الثنائيات التي تبدو يف قلب الحتجاج ما بعد احلداثي

واملادي، وال�سخ�سي

واملو�سوعي، والنف�سي

اإفقار الإن�سان من املعنى. هذا الو�سع الإن�ساين على اأحادية التوجه الذي �سلكته احلداثة العلموية، و قادت اإىل

اء تراكبه مع م�ساكل بناء املعا�سر، الذي يتحول يف حالة الدول العربية والإ�سالمية اإىل ماأزق ح�ساري عوي�س، جر

للحرية والت�سامح كل �سالحيته

و�سوي التاأ�سي�سي، يبقي للحل الر

الدولة الدميقراطية ومع�سالت التجديد الديني

التاريخية.

املراجع

- Article : Tolérance، in André Lalande، Vocabulaire technique et critique de la philosophie، Quadrige/P.U.F، 1ère

édit.، 1991.

- Article : Liberté، in Encyclopédie philosophique universelle، T1، P.U.F، 1ère édit.،

1990.

- Article : Liberté، in André Lalande، Vocabulaire technique et critique de la philosophie، Quadrige/P.U.F، 1ère

édit.، 1991.

- Guillemain Bernard، Tolérance، in Encyclopaedia Universalis، S.A. éditions،

Paris، 1996.

- Levinas Emmanuel، Difficile liberté، Albin Michel، 3eme édit.، Paris، 2003.

- Locke John، Essai sur l’entendement humain، Pierre Mortier، 3éme édit.،

Amsterdam، 1735.

Et Essai et lettre sur la tolérance، et traité sur le gouvernement civil،

Flammarion، 2008.

- Mill John Stuart، système de logique déductive et inductive…، trad. Louis peisse، version numérique par Jean marie Tremblay، collection les classiques des sciences sociales.

- Mill John Stuart، de la liberté، version numérique par Jean marie Tremblay،

collection les classiques des sciences sociales.

- RAWLS John، in F. Chatelet، E. Pisier، O. Duhamel، Dictionnaire des œuvres politiques. P.U.F، 1ere édition، 1986.

مفهوم اإلرادة العامة للحرية والتسامح ملف العدد: التسامح واحلرية

47 العدد األول، ربيع 2013

- Redissi Hamadi، le paradoxe de la tolérance en islam contemporain، in Monothéismes et modernités، OROC et Fondation Naumann، )colloque de Carthage(، 1986.

- Ricoeur Paul، Liberté، in Encyclopaedia Universalis، S.A. éditions، Paris، 1996.

- Rousseau Jean-Jacques، Du contrat social، Cérès Editions، Tunis، 1994.

- Zarka Yves CHarles، et Fleury Cynthia، Difficile tolérance، P.U.F.، 1ere édit.،

Paris، 2004.

ملف العدد: التسامح واحلرية مفهوم اإلرادة العامة للحرية والتسامح

48

بزمن �سدة ومتزق هذه املقاربة الفل�سفية التاأويلية من الفر�سية التالية : وهي اأن الثقافة العربية الإ�سالمية متر

un temps de détresse بني حدثني: حدث ما ذهب اإىل غري رجعة، وحدث ما مل يحن بعد؛ حدث ا�ستحالة تكرار التجربة الروحية التاأ�سي�سية الأوىل لالإ�سالم، وما يولده ذلك من اإح�سا�س حاد باخليبة وال�سغينة �سد

، وما قد ينجم عن ذلك من بداية فقدان )1(

»الزمن« يف �سيغته »لقد كان«؛ وحدث »ان�سحاب« اأو » اأفول املتعايل«

يف الدين والت�سامح واحلرية،

الدين اال�سالمي منوذجا*

محمد أندلسي*

»اإن الطريق املوؤدي اإىل ك�سف اأ�سول الأ�سياء يوؤدي دائما اإىل البدائية والهمجية«. فريدريك نيت�سه

»اإن اإحكام اإغالق »اأ�سوار العقيدة« يعني اإدماج واحتواء بالقوة من هم بالداخل، ويف الوقت نف�سه هو اإق�ساء

اإىل »غريية جذرية متوح�سة«، لكل من يقاوم الإدماج وي�سده«. بول ريكور

تنطلق

*�سروط اإمكان مقاربة فل�سفية تاأويلية للدين: الدين الإ�سالمي اأمنوذجا

**باحث واأ�ستاذ للفل�سفة احلديثة واملعا�سرة، جامعة مولي اإ�سماعيل، مكنا�س، املغرب.

)1( على عك�س ما مت ترويجه وملدة طويلة جدا، ل تعني �سيغة »موت اهلل«- للفيل�سوف الأملاين نيت�سه- القول باأن اهلل غري موجود. اإنها لي�ست باأي حال من الأحوال �سيغة

اإحلادية. لكنها على العك�س من ذلك، اإذ توؤكد على قوة وحيوية »الغريزة الدينية«، تعلن بداية خلخلة جذرية للمعتقدات الدينية الأرثدوك�سية وموؤ�س�ساتها الر�سمية. فرتاجع

العتقاد الديني مل ولن يقود اإىل خمود جذوة »الغريزة الدينية«، ولكنه يوؤدي اإىل خلخلة كل املفاهيم الوثوقية، والت�سورات اجلاهزة، والتفا�سري وال�سروحات النهائية واملغلقة،

عة التي �سنفته �سمن املواقف ويفتح الباب على م�سراعيه اأمام احلوار بني التاأويالت. قارئ نيت�سه يجب اأن يتعلم احلذر واحليطة، على غرار احلذر من تلك التاأويالت املت�سر

الإحلادية املناه�سة لالإميان. كما يجب اأي�سا اتخاذ احليطة مما اأ�سبح ي�سكل اليوم، وعلى نطاق الكرة الأر�سية، »عقيدة اأو عقائد جديدة« غري قابلة للنقا�س. اإن �ساحب »هكذا

تكلم زراد�ست«، يعلن عرب �سيغة »اأفول املتعايل«، لي�س عن بداية هيمنة لأنوار جديدة، واإمنا على العك�س، انت�سار وتو�سيع لبقع من الظالل ال�سخمة، وتهاوي املثل العليا

الأخالقية والقيم الغربية يف كليتها. فاإذا كانت بع�س اأ�سعة هذا »ال�سروق اجلديد« �ستوؤثر ل حمالة على بع�س »العقول احلرة«، اإل اأن هذا »ال�سروق« هو اأ�سبه بليل طويل مليء

بالقالقل والكوارث والآلم. فمالحدة »الف�ساء العمومي« الذين ا�ستهزاأوا باإعالن »خمبول العلم املرح«، يعي�سون يف غيبوبة الالوعي، جاهلني لرهانات الع�سر التي ل تعلن

عن اأي موؤ�سرات على قدوم »الإن�سان اجلديد«. بل اإن امنحاء الإحالت واملرجعيات النهائية التي كانت توجه النا�س يف حياتهم والتي يختزلها اإ�سم »الإله«، مبا هو رمز ملركز

اجلاذبية الكونية، �سيمتد تاأثريه متجاوزا بذلك الدائرة الدينية لي�سمل كل العالقات املجتمعية، بل كل قيم الغرب احلديث. فلي�ست القيم الدينية التقليدية وحدها هي التي

�ست للبلبلة، بل الوجود الإن�ساين برمته قد فقد مرجعيته. اإن »فقدان املعامل«)اأي حلول العدمية اجلذرية( قد م�س كل قطاعات الكينونة، وكان وراء كل هذا ال�سطراب، تعر

والتلف، واحلرية، والتيه، والتمزق الذي طال اجلماعات والأفراد والقيم، والذي عو�سا من اأن يوؤدي بالكائن الإن�ساين اإىل حتقيق ال�ستقالل الذاتي، وحتقيق مملكة احلرية، اإذا

به يوؤدي اإىل اللتبا�س واخللط والعدم، وعدم القدرة على اإيجاد اإحداثيات يتم الرتكاز عليها لتنظيم احلياة والوجود.

ملف العدد: التسامح واحلرية

ء

49 العدد األول، ربيع 2013

الن�سو�س الدينية املقد�سة لطابعها ال�سحري وامليثولوجي

.)2(

باعتبارها م�سدرا للحقيقة املطلقة

للن�س تناولها يف جتمع اأن التاأويلية املقاربة هذه تريد

»الفهم«، التوايل: على هي مفاهيم ثالثة بني الديني

ب�سكل توظف فهي لهذا و«التفكيك«. و»الت�سخي�س«،

متكامل ثالث اآليات منهجية: اآلية »الفينومينولوجيا«، من

اأجل »فهم« الدين فهما �سموليا يوؤدي اإىل ك�سف بنيته اجلوهرية وا�ستخال�س معناه يف ماهيته و�سموليته، بغ�س النظر

اآلية » اإ�سدار اأحكام قيمة حول الدين من خالل عن جتليات الدين واأ�سكاله املختلفة. كما تتحا�سى هذه الآلية

الإبوخي« اأو »التعليق الفينومينولوجي«، لكنها حتر�س يف الوقت ذاته اأن تتبنى موقفا متعاطفا مع اجلانب الإن�ساين

يف الدين.

القيم عن الأقنعة اإزالة عرب الدينية« »التجربة »ت�سخي�س« اأجل من »اجلينيالوجيا«، اآلية املقاربة هذه توظف كما

مزاعمها وف�سح عليها، تنطوي التي الأوهام اللثام عن اإماطة بهدف الدين، ال�سائدة حول والت�سورات واملفاهيم

الوثوقية، وادعاءاتها اخلال�سية، وامتالكها للحقيقة املطلقة. كما متكننا- عرب ال�سعود اجلينيالوجي اإىل �سروط انبثاقها

وظهورها- من الك�سف عن م�سمراتها، وطبيعة »القوى« التي ت�ستثمرها وتوجد وراءها.

)3(

كما توظف اآلية »التفكيكية«، للوقوف على »لمفكر« الن�سو�س واخلطابات الدينية، والك�سف عن عملية »املباينة«

la différance التي ت�ستغل داخل الن�س الديني، والتي تنتهي بجعل املعنى يت�سظى، والدللة تتاأجل، والت�سمية ت�ستحيل.

اإن توظيف هذه الآليات املنهجية يف مقاربة الن�س الديني، اقت�سى �سرورة حتديد املظاهر والأوجه الأ�سا�سية املختلفة

التي تتجلى من خاللها »التجربة الدينية« اليوم، وحماولة فهم، وت�سخي�س، وتفكيك، دللتها واأبعادها الفل�سفية من

خالل ربطها بال�سياق التاريخي والفكري والعلمي املعا�سر. ولقد اأظهر التحليل اأن هناك ثالثة مظاهر اأ�سا�سية تتخذها

.)4(

التجربة الدينية اليوم، وهي على التوايل: »عودة ملكبوت«، و»انفتاح جلرح«، و»تفعيل لأثر من�سي«

)2( يرى اأركون اأن العوملة باعتبارها مرحلة تاريخية جديدة من مراحل الفكر تفتح لأول مرة املجال من اأجل املقارنة بني اأنظمة احلقيقة التي �سيطرت على الب�سر عرب التاريخ،

وهي اإذ تفعل ذلك تخ�سع كل نظام ملنهجية احلفر الأركيولوجي العميق من اأجل الك�سف عن البنيات التحية املدفونة التي انبنت عليها احلقائق ال�سطحية الظاهرة، وهذه

املرة ل ميكن ا�ستثناء اأي نظام من اأنظمة احلقيقة بحجة اأنه اإلهي منزل وغريه ب�سري زائل، اأو دنيوي عر�سي. جميع الرتاثات الدينية يجب اأن تخ�سع ملنهجية النقد التاريخي

واحلفر الأركيولوجي يف الأعماق.) »القراآن من التف�سري املوروث اإىل حتليل اخلطاب الديني«، �س10(.

)3( نختار لفظ »املباينة« كرتجمة للكلمة الفرن�سية La différance التي ترتبط بالفيل�سوف الفرن�سي الراحل »جاك دريدا«، وهي ترجمة دقيقة وموفقة قام بها الفيل�سوف

اللفظ اأ�سا�س يوجدان يف اللذان املعنيان وهما »التاأجيل« ومعنى »التف�سيء«، معنى معا: يفيد العربي اللفظ لأن دقيقة ترجمة وهي العايل. بنعبد ال�سالم عبد املغربي

الفرن�سي.

)4( راجع »الدين يف عاملنا«، حتت اإ�سراف جاك دريدا وجياين فاتيمو.. ترجمة حممد الهاليل وح�سن العمراين.دار توبقال للن�سر2004.

الدينية الن�سو�س اإىل العودة اإن

يقت�سي من�سيا«، »اأثرا باعتبارها

»الت�سامح« النظر يف مفهوم اإعادة

وجعله اأ�سا�س الدين والعقيدة.

ملف العدد: التسامح واحلريةفي الدين والتسامح واحلرية

50

ميكن اعتبار التجلي الأول »عودة ملكبوت« باعتباره الأقرب اإىل املظهر الذي تتخذه »التجربة الدينية« لدى اجلماعات

العربية املجتمعات يف اجلارية العنيفة التحديث عملية �سد فعل رد عن يعرب وهو الأ�سولية، الدينية واحلركات

.)5(

والإ�سالمية باعتبارها تعمل على ا�ستئ�سال قيمها الروحية والثقافية وهويتها الإ�سالمية

اأما التجلي الثاين »انفتاح جلرح«، فله عالقة مبا�سرة »باملخاوف القيامية« املنت�سرة يف العامل احلديث، وهي خماوف

تثريها خماطر عدة، اأهمها: خطر »اندلع حرب نووية«، وخطر »التلوث الذي يهدد الإيكولوجيا«، وخطر »ال�ستن�ساخ«

. هذه املخاطر غري امل�سبوقة بداأت تهدد الإن�سانية اليوم جمعاء، لأن )6(

الذي قد يوؤدي اإىل »التالعب بال�سفرة الوراثية«

ما مييزها هو طابعها اجلذري وال�سمويل، اإذ هي ل تهدد جمتمعا اأو ح�سارة بعينها، واإمنا هي ت�ستهدف »النوع الب�سري«

برمته ويف ماهيته اخلا�سة، حيث يروج احلديث عن اإمكانية اإحداث تغيريات جذرية تطال »ال�سفرة الوراثية« ذاتها.

اأما املظهر الثالث املتمثل يف عودة الدين » كاأثر من�سي«، فيمكن اأن ننظر اإليه باعتباره ميثل اأحد النعكا�سات الإيجابية

حلدث »اأفول املتعايل«، والذي قد نعرث على اأ�س�سه الفل�سفية يف مقولة »موت اهلل« التي اأعلنها نيت�سه يف فل�سفته، ويف

مفهوم »ان�سحاب الآلهة« الهايدغري، وكذا يف مفهوم »اأفول املحكيات الكربى« الذي بلوره فران�سوا ليوتار يف موؤلفه

»ال�سرطية مابعد احلداثية«. لقد جت�سد هذا املظهر الأخري يف ال�سعي لنزع الطابع القد�سي والأ�سطوري عن الن�س

الديني، والتعامل مع معانيه ودللته »كاآثار من�سية« يجب تفعيلها. وهو الذي يعني تفعيل للمبداأ النيت�سوي الذي

للن�س اللغوية امل�سروطية على ال�سوء ت�سليط يعني الذي وهو تاأويالت«. د جمر واإمنا وقائع هناك »لي�ست يقول:

، مما يعني ا�ستحالة ا�ستنفاذ كل معانيه، وبالتايل ا�ستحالة )7(

التاريخية وال�سو�سيولوجية والثقافية املقد�س واإكراهاته

ادعاء امتالك حقيقته املطلقة.

اأنها توؤدي اإىل م�ساءلة الكثري من الأحكام امل�سبقة، والت�سورات من اأهم نتائج مثل هذه املقاربة الفل�سفية للدين،

اأو من احلقول الأخرى، مثل احلقل واملفاهيم املتعلقة مباهية الدين، �سواء تلك ال�سادرة من داخل احلقل الديني

والإميان والوحي، والت�سامح، والتقدم، والتنوير، الب�سري، الفكر وتاريخ الإن�سان، ماهية مفاهيم: نظري الفل�سفي،

والكفر، وم�ساألة البعث..اإلخ.

)5( ما يطبع اللحظة املعا�سرة، هو فقدان »الأنا الإ�سالمي« لبداهته وتالحمه. مما يجعلنا ل نرتدد يف الإقرار باأزمة »الهوية الإ�سالمية«. ي�ساف اإىل »اأزمة الهوية« هاته، »اأزمة

املعنى«، فالإ�سالم املعا�سر يعي�س »ا�سطرابا يف املعنى« )معنى العامل، والأ�سياء، واحلياة، واملوت، واحلقيقة، والزمان، والإميان..اإلخ(، وذلك بحكم عملية الرتجمة اجلارية -

ب�سكل غري منظم، ومراقب، وحتت �سغط العوملة والطلب الإيديولوجي املتزايد للتنظيمات الدينية- من اللغة القراآنية املقد�سة اإىل اللغة »العلمية « والإيديولوجية، مما اأدى اإىل

تفكيك منطق »الرمز الديني« ل�سالح »املنطق العلمي« اأو »املنطق الإيديولوجي«. اإنه تفكيك وهدم ذاتي ملنطق »املقد�س« ل�سالح منطق »املدن�س«. ففيما يتعلق مثال، بعالقة

امل�سلم باملوت، مت النتقال من »املوت« املتحكم فيه والذي مت احتواوؤه داخل النظام الرمزي للمقد�س، اإىل »املوت« املنفلت من قب�سة وتوجيه هذا النظام. وفيما يتعلق مثال،

بعالقة امل�سلم باحلقيقة، مت النتقال من »احلقيقة« ال�ستعارية والرمزية واخلفية وامل�ستحيلة)»ل يعلمه اإل اهلل«-»اللوح املحفوظ« )القراآن الكرمي((، اإىل »احلقيقة« ال�سفافة واليقينية

واملطلقة، حيث مت تكني�س دور التجربة والتجريب يف تكوين و�سحذ اإميان الإن�سان امل�سلم ل�سالح التكوين التلقيني، والدغمائي، والإيديولوجي.

)6( راجع »الدين يف عاملنا«، مرجع �سابق.

)7( ميكن الرجوع ب�سدد اإكراهات الن�س الديني اإىل موؤلف الدكتور حممد اأركون: »القراأن من التف�سري املوروث اإىل حتليل اخلطاب الديني«، ترجمة وتعليق ها�سم �سالح،

دار الطليعة بريوت، 2005. واإىل موؤلف الدكتور عبد اهلل العروي »ال�سنة والإ�سالح«. وكتاب الدكتور ن�سر حامد اأبو زيد »التجديد والتحرمي والتاأويل - بني املعرفة العلمية

واخلوف من التكفري«.

في الدين والتسامح واحلرية ملف العدد: التسامح واحلرية

51 العدد األول، ربيع 2013

فيما يتعلق »مباهية الإن�سان« مل يعد ينظر اإليها باعتبارها �سابقة على وجوده، بل لقد �سار ينظر اإليه باعتباره كائنا »مل

تتحدد ماهيته بعد«، واأن وجوده �سابق على ماهيته. وبالتايل ل وجود لطبائع اأولية مفطورة لدى الإن�سان مثل: اخلري

وال�سر، والكفر والإميان، وال�ستقامة وال�سالل..اإلخ.

»تدرجية ولنظرة التاريخ« لهذا »اخلطي الت�سور اإىل وا�ستنادا الب�سري، الفكر لتاريخ ال�سائد بالت�سور يتعلق فيما

. حيث نظر اإىل )8(

للتقدم«، مت تق�سيم تاريخ الفكر الب�سري اإىل مراحل، و�سع الدين يف اأدناها، وو�سع العلم يف اأعالها

الدين ك�سكل اأدنى من اأ�سكال النظر العقلي، ونظر اإىل الفل�سفة والعلم ك�سكلني اأرقى لذلك النظر- كما ذهبت

واملذهب الو�سعي.)9(

اإىل ذلك »فل�سفة الأنوار«

غري اأن ما نراه اليوم من عودة عنيفة وم�ستحدثة للدين، واملقاومة العنيدة التي يبديها داخل كل ثقافة من ثقافات

العامل احلديث، يجعل من تق�سيم تاريخ الفكر الب�سري اإىل مراحل اأربع يتوجها العلم، واعتبار الدين �سكال اأدنى من

التفكري، اأو �سكال ماقبل علمي، كل هذا يعترب بحق »فر�سية« ل ميكن الدفاع عنها.

ما نروم التاأكيد عليه هنا، هو اأنه اإن بدا باأن الوعي بـ »ماهية الديني« هو وعي متاأخر جدا، وبطيء يف ح�سوله وتبلوره،

»التقدم« اخلطي الإيديولوجي«، ومن وهم »�سباته الوعي احلديث من ي�ستيقظ زمنا طويال لكي الأمر اقت�سى اإذ

الدين »فورة« واأن البائدة، اأو املوؤقتة اأو العابرة امل�سائل من لي�ست الدينية« »امل�ساألة باأن يكت�سف لكي املتدرج،

وعودته يف اأ�سكال م�ستحدثة غري م�سبوقة يف الوقت الراهن، لها اأ�سباب متجذرة يف التجربة الوجودية والتاريخية

لالإن�سان، وتزداد تر�سخا يف التجربة احلداثية. لهذا لن يت�سنى لنا فهم احلا�سر الثقايف، وحا�سر ما يحدث ويجري

هنا والآن، اإذا نحن اأبقينا على هذا الدين يف »منطقة الظل«، اأو يف »غياهب الكبت والن�سيان«، اأو اإن اأ�سررنا الإبقاء

عليه �سجينا واأ�سريا يف معتقالت »الوثوقيات الدينية«، اأو النظر اإليه وفقا لأحكام »ع�سر التنوير الغربي«. اإذ يف كال

النظرتني ؛الأ�سولية والتنويرية يبدو الدين: »عزوفا« اأو»ق�ساء وقدرا« اأو »اإكراها«، اأو »عقابا«، اأو »كبتا« اأو »خال�سا«

اأو »ظالما« اأو »ا�ستيالبا« اأو »وهما« اأو »مر�سا« يتم ال�سعود باأعرا�سه اإىل »طفولة« اجلن�س الب�سري ويتم الإلقاء به يف

.)10(

�سجل »الأمرا�س الع�سابية«

اأما فيما يتعلق مبفهوم »الوحي« فلقد بينت املقاربة التفكيكية �سرورة التمييز يف الدين بني م�ستويني: م�ستوى الوحي

»الن�سو�س يف املتمثل للوحي والثقايف واللغوي التاريخي التجلي وم�ستوى ومتعال، واأزيل اأبدي ماهو ميثل وهو

. فالوحي واحد بالن�سبة جلميع الأديان وهذا ما يفيده مفهوم »التوحيد« الذي هو اأحد الأركان امل�سرتكة )11(

املقد�سة«

لعقائد الديانات ال�سماوية الثالث، اليهودية وامل�سيحية والإ�سالم. اأما التجلي التاريخي الثقايف للوحي فهو خمتلف

ومتعدد وبالتايل فهو يعك�س الفهم التاريخي الن�سبي للوحي والذي يعرب يف اآخر املطاف عن التعدد اللغوي والثقايف

والتنوع احل�ساري والختالف الفكري يف ا�ست�سافة »املقد�س« )الوحي( والتعامل معه.

)8( ميكن للقارئ ب�سدد هذه امل�ساألة اأن يطلع على ت�سور التنوير ملفهوم »التقدم«، وعلى » قانون احلالت الثالث« لأوغ�ست كونت، وعلى ت�سور »املادية التاريخية« للتاريخ.

)9( راجع »الدين يف عاملنا«، حتت اإ�سراف جاك دريدا وجياين فاتيمو. �س37. ترجمة حممد الهاليل وح�سن العمراين.دار توبقال للن�سر 2004.

.) Totem et Tabou ( »راجع موؤلفي رائد التحليل النف�سي �سيغموند فرويد: »مو�سى والتوحيد«، و»الطوطم والتابو )10(

)11( الدكتور حممد اأركون: »القراآن من التف�سري املوروث اإىل حتليل اخلطاب الديني«، �س 109.

ملف العدد: التسامح واحلريةفي الدين والتسامح واحلرية

52

اأما فيما يتعلق مبفاهيم مثل:احلياة واملوت، واخلري وال�سر، والإميان والكفر، واحلقيقة والعنف، اأي كل الأ�سئلة البدئية

الرتاث �سها كر التي والأخالقية وامليتافيزيقية الالهوتية التحديدات اأن املعروف فمن وجودنا، ب�سروط املتعلقة

التف�سريي الدغمائي عنها، انتهت اإىل تق�سيم الكائن الإن�ساين اإىل منطني: الإن�سان الكامل اخلري التقي من جهة،

والإن�سان الناق�س ال�سرير والكافر من جهة اأخرى، فانتهت – كما يقول الأ�ستاذ حممد اأركون- اإىل جعل الطبائع

ق�ساء وقدرا، حيث ر�سخت قيم الإميان والورع واخلري وكاأنها طبائع اأولية لدى البع�س، والكفر وال�سر والزندقة وكاأنها

اأي�سا طبائع را�سخة عند البع�س الآخر، دون الكرتاث باملعاين القراآنية لتلك الألفاظ و�سياقاتها. يف حني اأن املعاين

الدنيا واخلوف من الآخرة، بني الأمل يف وتوتر م�ستمر التعار�سات، هي عبارة عن جدل لتلك القراآنية الأ�سيلة

بني الإميان والكفر، بني اخلري وال�سر، وهو يف عمقه توتر يخرتق الفرد الواحد، والهدف منه هو اإثارة يف نف�س الفرد

. وهذا يعني اأن القيم واملفاهيم )12(

»الإح�سا�س بوخز ال�سمري والذنب، ولي�س تر�سيخ هذا الإح�سا�س وتثبيته اإىل الأبد«

القراآنية لي�ست معطيات اأولية، اأو طبائع ثابتة ونهائية، بل هي ما يجب ال�سعي اإليه وغزوه وحتقيقه، اأو ما يجب البتعاد

اأنها طاملا ب�سكل مطلق، مثبتة، وغري م�سمونة �سلفا، وغري ومفاهيم غري حمددة قيم فهي ولهذا منه، ر والتحر عنه

. فعلى �سبيل املثال ل احل�سر، يقت�سي مفهوم »الإميان« )13(

تعتمد على »حاكمية هيئة عليا« ل �سلطة لالإن�سان عليها

اأن يتم تو�سيعه ليتجاوز معناه العتقادي-التعبدي- الذي يجعل الإميان مرادفا للعبادة اخلال�سة فح�سب، في�سعى

ف املوؤمن مع ماهو حمدد �سلفا- اإىل جمال ما ي�سميه الفيل�سوف الأملاين »اإمانويل كانط« »بالإميان اإىل تكييف ت�سر

التفكري« الذي يحث على العمل والجتهاد الدائمني، ويدعو املوؤمن اإىل التفكري فيما يجب فعله يف امل�ستقبل لنيل

ا ودائما على الذات.. الإميان هنا والتقوى لي�س معطى واإمنا �سريورة تقت�سي ا�ستغال م�ستمر

)14(

ر�سى اهلل

تكمن اليوم املهمة النقدية للفكر الفل�سفي يف اإبراز الطابع الإيجابي للعودة »ال�ستك�سافية« اإىل الن�س الديني يف

التاريخية على »التجربة الدينية« كما حتدث الآن نوعا من الأ�سالة واخل�سو�سية العلم والتقنية. فما ي�سفي ع�سر

وهنا، يتمثل يف كون اأن البعد اجلذري لـ »جتربة ال�سر« وحدة »ال�سعور بالذنب« »غري قابلني لالنف�سال عن »ميتافيزيقا

الذاتية« اأو»ميتافيزيقا التقنية« مبا هي »ماهية« احلداثة اليوم بامتياز؛ وعن »لهوت احل�سور« اأو »ميتافيزيقا اخلال�س« مبا

هي »ماهية« الفهم الر�سمي ال�سائد اليوم للدين الإ�سالمي.

لهذا كانت هذه الدعوة اإىل »ا�ستلهام املقد�س«، دعوة للرجوع اإىل الن�سو�س التاأ�سي�سية يف »كثافتها«، دعوة »تاأويلية«

تريد اأن تكون قراءة يف »عالمات الأزمنة« واإ�سغاء لنداءات »املقد�س«. لهذا ففل�سفة الدين اليوم، الفل�سفة التي تريد

اأن متيط اللثام عن املقد�س، مطالبة بالتخلي احلا�سم عن مقولة »احل�سور« ومفهوم »الأ�سل الأول«، واأن تنخرط يف

. ففي »الفراغ« الذي يخلفه »ان�سحاب )15(

د تاأويالت«املبداأ النيت�سوي الذي يعلن اأنه »لي�ست هناك وقائع واإمنا جمر

املتعايل«، ينبثق »وعد« باإمكانية قيام »تفكري جديد يف الدين«، و»تاأويل جديد للن�س الديني«.

)12( »القراآن من التف�سري املوروث اإىل حتليل اخلطاب الديني«، �س 143.

)13( "قراءات يف م�سروع حممد اأركون الفكري".ندوة فكرية. د. حممد اأندل�سي: »نحو قراءة جديدة للن�س الديني-الن�س القراآين منوذجا«، �س 119. منتدى املعارف،

كلية الآداب والعلوم الإن�سانية بنم�سيك، �سعبة الفل�سفة، الدار البي�ساء، منتدى املعارف، بريوت، 2011.

)14( Emmanuel Kant، » La religion dans les limites de la raison «، p9 et p149، traduction de André Tremesaygues،

ED. Félix Alcan، Paris، 1913.

)15( ميكن للقارئ الراغب يف الطالع على مفهوم التاأويل لدى نيت�سه، اأن يرجع اإىل كتاب، الدكتور حممد اأندل�سي:»نيت�سه و�سيا�سة الفل�سفة«، دار توبقال للن�سر، الطبعة الأوىل، 2006.

في الدين والتسامح واحلرية ملف العدد: التسامح واحلرية

53 العدد األول، ربيع 2013

ما الأقنعة عنها وف�سح اإماطة اإىل في�سعى ،)16(

الت�سمية« »اآلية الوعي بخطورة يقت�سي اليوم الدين التفكري يف اإن

ينطوي عليه »ال�سم« من تزييف، كاأن يتم اخللط بني الدين واملذهب الديني، مثال بني الإ�سالم وبني تنظيم من

التنظيمات الدينية التي ت�ستعمل الإ�سالم وتتحدث با�سمه.

كما اأن التفكري الفل�سفي يف الدين يجب األ يتم انطالقا من موقع ديني كاملوؤ�س�سة الدينية، اأو من اعتقاد ديني معني.

كما يجب األ ينطلق من موقف مناه�س للدين: كاملوقف الأنواري، اأو املوقف الو�سعي..اإلخ.

دا من اأي اإحالة، بل اإنه ينطلق من تف�سيل وا�سح ملا ومع ذلك لن يكون هذا التفكري الذي ندعو اإليه حمايدا وجمر

ر ميكن اأن نطلق عليه »النموذج الدميوقراطي« مبا هو منوذج مثايل قابل للتعميم على ال�سعيد الكوين، ومبا هو اإطار يحر

املفكر والباحث من كل �سلطة قهرية خارجية، كالأرثذوك�سية، والوثوقية، والأ�سولية، مبختلف اأنواعها واأ�سكالها ميينية

كانت اأم ي�سارية.

هكذا اإذا كانت »احلاجة« اليوم اإىل الدين هي يف جانب منها نظري ما كانت عليه بالأم�س، ترتبط بعدم قابلية »املوت«

للعقلنة والفهم، اإل اأن هذه »احلاجة« ذاتها يف جانبها الآخر ال�سلبي تنطوي على »نزعة تدمريية جذرية« ملا هو دنيوي

املقد�س، تاأوي التي والأماكن امل�سرتك، والعي�س الإن�سان، ومبادئ حقوق القوانني، مثل ديني: هو وملا اإن�ساين،

ل مبا تثبت التي والقرائن بال�سهادات زاخر واملعا�سر احلديث فالتاريخ الدين. اأ�سا�س يوجد يف الذي والت�سامح

يقبل الرد، تورط »الديني« فهما و�سلوكا وممار�سة، وبن�سبة عالية، يف العنف امل�ستفحل يف العامل وخا�سة يف العامل

الإ�سالمي.

لكن العودة اإىل الدين »كاأثر من�سي« يجب تفعيله، تنطوي على بعد اآخر اإيجابي، اإنه »نداء« لتحرير »جتربة املقد�س«

من هيمنة املثيولوجيا، وامليتافيزيقا، والإيديولوجيا؛ كما تنطوي على موقف يروم »حت�سني« الدين من الداخل �سد

العنف، عرب اإ�ساعة »روح الت�سامح« و»التاآخي« و»الت�سامن« بني معتنقي الدين الواحد، وبني هوؤلء ومعتنقي الديانات

الأخرى لدى خمتلف ال�سعوب، بغ�س النظر عن الختالفات املوجودة بني الأديان.

ا من�سيا«، يقت�سي اإعادة النظر يف مفهوم »الت�سامح« وجعله اأ�سا�س الدين والعقيدة. اإن العودة اإىل الن�سو�س الدينية باعتبارها »اأثر

فالت�سامح لي�س و�سفة جاهزة و�سلوكا ب�سيطا و�سهال، بل هو م�سار يتهياأ بكيفية متدرجة وعرب ارتقاء و�سعود �ساقني:

ففي درجة ال�سفر، التي هي اأدنى درجة يف �سلم الت�سامح. نكون اأمام ت�سامح يقت�سي »الت�سامح مع ما هو غري قابل

للت�سامح«. وميكن �سياغته على النحو التايل: »اأنا ل اأطيق ما تعتقد فيه، بل اأكرث من ذلك اإنني اأ�سجبه حتى واإن

كنت ل اأ�ستطيع منعه. حتدوين الإرادة مل�سادرة اعتقادك ولكن لي�ست لدي القدرة على فعل ذلك«. هذه ال�سيغة

.)17(

اإذن ل متنع العنف ب�سكل نهائي بل جتيزه

)16( راجع »الدين يف عاملنا«، حتت اإ�سراف جاك دريدا وجياين فاتيمو. �س 14.

)17( Aller voir la conférence de Paul Ricoeur sur » La croyance religieuse «، in site Internet » L’université de tous les

savoirs.com «.

ملف العدد: التسامح واحلريةفي الدين والتسامح واحلرية

54

اأعرتف بحق اأملك »احلقيقة«، ولكنني وبتوافق اأنني وحدي اأحتفظ بقناعة الت�سامح، الثانية من �سلم يف الدرجة

الآخر يف البوح باعتقاده، حتى واإن كنت اأعتربه يف قرارة نف�سي اعتقادا خاطئا. واأفعل ذلك با�سم مبداأ »عدالة« يقر

بامتالك الآخر حلق مماثل حلقي يف اجلهر مبعتقده. يف هذا امل�ستوى الثاين بداأت اأعرتف بحق الآخر يف اخلطاأ والغلط.

اأحادي، وبني »العدالة« التي اأزعم امتالكها ب�سكل التي )18(

متزقا داخليا، ما بني »احلقيقة« اأعي�س لكن مع ذلك

تقت�سي مني العرتاف بحق الآخر يف الختالف.

يف الدرجة الثالثة من عملية الرتقاء يف �سلم الت�سامح، اأقول ما يلي: من املمكن اأن يكون موقف خ�سمي املناق�س يل

يف الدين والعقيدة، ينطوي على جزء من »احلقيقة« حتى واإن كنت ل اأعرف ماهية هذه احلقيقة. يتعلق الأمر يف هذا

امل�ستوى، بالنظر اإىل الت�سامح من زاوية »منظورية«: حيث اأفرت�س اأن الآخر يرى وجها لالأ�سياء ل اأ�ستطيع اأنا روؤيته،

لأن مواقفنا وزوايا نظرنا غري قابلة لال�ستبدال. يف هذه الدرجة الأخرية من الت�سامح نكون قد جتاوزنا مرحلة النزاع

بني »احلقيقة« و»العدالة«، باجتاه مرحلة متقدمة حيث تتاأزم »احلقيقة« وتدخل يف نزاع مع نف�سها. يف هذا امل�ستوى

فح�سب اأ�ستطيع ت�سعيد »العنف الرمزي« الذي يوجد يف اأ�سل اأ�سكال كثرية من العنف الفيزيولوجي، حيث اأقول

ما يلي: يف ثنايا اعتقادي، اأعرتف بوجود »عمق« ل اأ�ستطيع التحكم فيه، ل بوا�سطة اللغة، ول بوا�سطة ال�سعور، ول

بوا�سطة الفعل. اإنني اأتبني واأب�سر، يف عمق انتمائي العقدي واإمياين، منبعا لالإلهام يفي�س ويتجاوز قدرتي على الفهم،

وال�ستقبال، والحت�سان. ولي�س »منبع الإلهام« هذا غري ما اأطلق عليه الفيل�سوف الأملاين »ماك�س �سيلر« »العمق

بدون عمق«، اأو »الأ�سا�س الذي هو متزق« والذي يعتربه هو »نبع احلياة«، » غري القابل للق�سمة يف دفقه، واملنق�سم يف

.)19(

ا�ستقباله«

هذه اجلدلية، »جدلية الدفق الذي يفي�س، وحمدودية ف�ساء الحت�سان وال�ستقبال«، تعا�س على �سعيد اجلماعات

والتنظيمات واحلركات الدينية، كتمزق، اأو قلق، اأو توتر، ميكن اأن يوؤدي اإىل الت�سامح والنفتاح على من هم خمتلفون

ا لكون �سدهم. ونظر

)20(

ب معهم يف العقيدة، كما ميكن اأن يتحول اإىل خوف ه�ستريي، اأو اإىل �سغينة، اأو اإىل تع�س

فاإنها تقوم بعمليتي »اإدماج« اأن حتتوي وت�ستوعب كل »الدفق«، اأو التنظيمات الدينية ل ت�ستطيع هذه اجلماعات

و«اإق�ساء« ق�سريني، هما، كما راأى ذلك القدي�س »اأوغ�سطني«، وجهان لعملة واحدة: فحينما ل ي�ستطيع »الإناء« اأو

»الوعاء« احتواء وا�ستيعاب »تدفقات النبع«، يحاول الإن�سان عبثا تقوية ال�سفاف الداخلية لالإناء جلعله قادرا على

»مقاومة« الدفق وحما�سرته، هنا يبداأ العنف. فتقوية »اأ�سوار العقيدة« يعني اإدماج واحتواء بالقوة من هم بالداخل،

.)21(

ويف الوقت نف�سه هو اإق�ساء اإىل »غريية جذرية متوح�سة«، لكل من يقاوم الإدماج وي�سده

اإن ذلك »العمق بدون عمق« الذي قلنا عنه اإنه ي�سكل »م�سدر احلياة«، هو مبثابة »النبع امل�سرتك« الذي تغرتف منه

)18( ميكن الرجوع ب�سدد هذه امل�ساألة اإىل احلوار الذي اأجرته معي جريدة "الأحداث املغربية" حول الفل�سفة والدين واجلامعة واملجتمع..اإلخ، وذلك يوم اجلمعة ربيع الثاين

1428 املوافق ل20 اأبريل2007/العدد 2998.

)19( Paul Ricoeur : » La croyance religieuse «.Op.Cit.

ب الديني ل يعرب اأبدا عن قوة اإميان �ساحبه، بقدر ما ي�سي ب�سعفه، وبه�سا�سة اإعتقاده، من حيث عدم قدرته على اإقناع خ�سمه ب�سدقية عقيدته، وتفعيل )20( اإن التع�س

م�سمون الآية الكرمية »اأدع اإىل �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احل�سنة وجادلهم بالتي هي اأح�سن« )�سورة النحل، الآية 125(.

)21( Paul Ricoeur : » La croyance religieuse «.Ibid

في الدين والتسامح واحلرية ملف العدد: التسامح واحلرية

55 العدد األول، ربيع 2013

كل الأديان، والذي يحول توا�سل دفقه، و�سخاء عطائه، دون اأن ي�ستنفذ ذاته يف ديانة بعينها، اأو عقيدة واحدة. لهذا

وجدنا اأن الديانات املختلفة تقت�سم حالة التعدد والتنوع واللب�س املميزة للغات والثقافات كما جتلي ذلك »اأ�سطورة

.)22(

بابل«

يختتم »بول ريكور« حما�سرته حول »العتقاد الديني« بعقد مقارنة بني الأديان من جهة، واأن�ساق اللغات والثقافات

من جهة اأخرى. فاإذا كانت امل�سافة الفا�سلة بني الأديان ت�سبه امل�سافة الفا�سلة بني اللغات، بني اللغة الأم واللغات

الأجنبية الأخرى، واإذا كان ل وجود للغة واحدة �سمولية وكونية، اإل اأن كل كائن قادر على اأن يتعلم، اإىل جانب

النا�س يف كل مكان وزمان، كانوا ول زالوا يقومون بعملية »الرتجمة«، اأخرى، لأن لغته الأ�سلية، لغة بل ولغات

، فتعلموا كيف يجتازون )23(

لأنهم ي�سافرون، ويتاجرون، و»يتبادلون الن�ساء والأ�سياء«، على حد تعبري »لفي �سرتاو�س«

احلدود اللغوية والثقافية من خالل تو�سل لغات اأخرى.

مفهوم لنقل الوقت يحن اأمل اللغوية«؟ »ال�سيافة بهذه �سبيهة الدينية« »التجربة األي�ست ريكور«: »بول يت�ساءل

»ال�سيافة« من جمال اللغات اإىل رحاب الأديان؟.

)22( Ibid.

)23( Aller voir » L’anthropologie structurale « de Claude Levi-Strauss، Plon، 1973.

ملف العدد: التسامح واحلريةفي الدين والتسامح واحلرية

56

من الغريب اأن نبحث يف �سلة مبداأي الت�سامح واحلرية، فالرتباط بينهما وطيد يف م�ستويات خمتلفة ابتداء

من امل�ستوى املفهومي. والت�سامح يف اأكرث تعريفاته رواجا: هو احرتام حرية الآخر وطرائق تفكريه و�سلوكه

. ويق�سد بالحرتام يف هذا ال�سياق قبول الراأي املختلف حتى اإن كان خالف راأيك، دون )1(

واآرائه ال�سيا�سية والدينية

.

اأن يعني ذلك اعتناق هذا الراأي املخالف اأو التنازل عن الراأي ال�سخ�سي

وظاهر الأمر اأن مفهوم الت�سامح يف اأ�سل تداوله اللغوي يحمل معنى ترك احلرية لالآخر ب�سكل غري مريح، وفيه قدر

من ال�سغط على النف�س ، وهذا ما نفهمه من دللة فعل ت�سامح )tolérer(، فقد ا�ستعري من الالتينية �سنة 1393م

وكان يدل وقتها على املعنيني؛ حمل وحتمل، وانتقل الفعل اإىل اللغة الفرن�سية حامال معه املعنى الالتيني »حتمل

يف عناء« ، ثم خرج هذا املعنى عن نطاق التداول وال�ستعمال وعو�س معنى ال�سرب معنى العناء والأمل واكت�سب

الفعل دللت التحمل مع الت�سامح مع ما ل نحبذه لدى �سخ�س ما يف عام 1611م، وحتمل �سخ�س ل نحبذه عام

1689م ، وحتمل ما جنده غري عادل ب�سرب عام 1690م ، ويف الع�سر الكال�سيكي طور فعل ت�سامح اعتمادا على الدللة املكت�سبة خالل القرن ال�ساد�س ع�سر معنى خا�سا اأكرث حيوية هو؛ الربهنة على النفتاح يف املجال الديني

عام 1640م . ويف اأواخر القرن التا�سع ع�سر ا�ستعاد الفعل » ت�سامح« دللة ا�ستخدامه الأوىل وهي » حتمل �سيء ما«

.)2(

عام 1872م

اأن الت�سامح« ميكن »فكرة مقال كاتب فح�سب املعاين، هذه العاملية عن املو�سوعة الت�سامح يف تعريف يبتعد ول

بني الفكر االأوروبي

والفكر اال�سالمي

جدل الت�سامح واحلرية

حمادي ذويب*

ء

*اأ�ستاذ حما�سر بكلية الآداب والعلوم الإن�سانية ب�سفاق�س، تون�س.

)1( انظر معجم لرو�س ال�سغري، باري�س، 1990، �س 968.

)2( voir le robert français dictionnaire historique de la langue française ،Paris، 1995،t2،p2127.

ليـــــــــس

ملف العدد: التسامح واحلرية

57 العدد األول، ربيع 2013

ف الت�سامح باأنه: �سلوك يتمثل يف اأن نرتك لالآخر حرية نعر

يعي�س نرتكه واأن فيها، ن�ساركه ل التي اآرائه عن التعبري

)Goblot( قوبلو ويقرتح . )3(

نتبناها ل مبادئ ح�سب

)Vocabulaire philosophique( تعريفا يف كتابه

يتمثل ل الت�سامح اأن يفيد )Lalande( به للند ينوه

اأو يف اإظهارها المتناع عن اأو املعتقدات التخلي عن يف

الو�سائل كل عن المتناع يف بل ون�سرها، عنها الدفاع

.)4(

العنيفة، وهو يف كلمة خمت�سرة اقرتاح الآراء دون البحث عن فر�سها

ومن ال�سروري للباحث، يف �سلة الت�سامح باحلرية، اأن ي�ستح�سر ال�سياق التاريخي الذي تر�سخت فيه هذه ال�سلة

يف اأوروبا بعد احلروب الدينية التي تقاتل خاللها اأتباع املذهبني الكاثوليكي والربوت�ستانتي. فقد ذاق الأوروبيون

ويالت التع�سب الديني ودفعوا �سريبة غالية للو�سول اإىل مرحلة القتناع باأن احلل الوحيد يكمن يف الت�سامح مع

الختالفات الفكرية والعقائدية وال�سيا�سية. ويف هذا ال�سدد يذهب علي اأومليل اإىل اأن مفهوم »تولريان�س« هو وليد

حركة الإ�سالح الديني الأوروبي. وقد ن�ساأ ليعرب عن تغري يف الذهنية ناجت عن عالقة جديدة. وهي عالقة العرتاف

ت تت�سارع طوال القرن ال�ساد�س ع�سر للميالد، اأي اإبان احلروب الدينية الأوروبية. املتبادل بني القوى التي ا�ستمر

لقد حدث ان�سقاق داخل الدين الواحد ثم حدث جتاوزه بالعرتاف باحلق يف الختالف يف العتقاد ثم يف حرية

.)5(

التفكري بوجه عام«

ل الت�سامح واحلرية الدينية قيمتني �ساميتني يف الفكر ويف املجتمع وما كان حلركة الإ�سالح الديني الأوروبي اأن توؤ�س

الأوروبي دون ذلك الإ�سهام الرئي�سي لأعالم هذه احلركة على اأكرث من �سعيد نظري وعملي. وهذا ما جلب لهم

النقد تارة والحرتام تارة اأخرى، يف حياتهم وبعد مماتهم. وهو ما يف�سر ما كتب على ال�ساهد الذي يعلو قرب فولتري:

»حارب امللحدين واملتزمتني. اأوحى يف كتاباته بروحية الت�سامح. طالب بحقوق الإن�سان �سد العبودية ونظام الإقطاع.

.)6(

�ساعر موؤرخ وفيل�سوف جعل اآفاق النف�س الب�سرية تت�سع وتتعلم معنى احلرية

�س فولتري جانبا كبريا من حياته للدفاع عن حرية املعتقد والتعبري باعتباره من وجوه الت�سامح الأ�سا�سية ، وهو لقد كر

الذي اأطلق ال�سعار امل�سهور »اإنني م�ستعد اأن اأموت من اأجل اأن اأدعك تتكلم بحرية مع خمالفتي الكاملة ملا تقول«.

ول �سك يف اأن هذا املوقف يتاأ�س�س على اأر�سية الإميان باأن الت�سامح يقت�سي حتما حترير العقول والأل�سنة واإطالقها

. ومن هذا املنطلق فولتري �سعى اإىل تر�سيخ الرتباط الوثيق بني الت�سامح واحلرية اإن على ال�سعيد النظري اأو على

ال�سعيد العملي.

Traité sur la( الت�سامح اأ�سهرها ر�سالة الت�سامح ففي امل�ستوى الأول كتب فولتري عدة كتابات حول مو�سوع

.714-713/Bernard Guillemain ، idée de tolérance، Universalis، 22 3( انظر(

)4( امل�سدر نف�سه، ال�سفحة نف�سها.

)5( علي اأومليل، الإ�سالحية العربية والدولة الوطنية، ط 3، بريوت، دار التنوير، 1985، �س 111.

.www.Tahayati.com 6( اأوزجان ب�سار، وم�سات من حياة فولتري، مقال ن�سر يوم 2006/02/28 على املوقع(

الت�سامح يف اأكرث تعريفاته رواجا:

وطرائق الآخر حرية احرتام هو

تفكريه و�سلوكه واآرائه ال�سيا�سية

والدينية.

ملف العدد: التسامح واحلريةجدل التسامح واحلرية بني الفكر األوروبي والفكر اإلسالمي

58

Tolérance à l’occasion de la mort de Jean Calas( التي ن�سرت �سنة 1763م ، ويف كتابه »الر�سائل الفل�سفية« تطرق اإىل الت�سامح الديني يف اإجنلرتا ، ويف كتابه » يف العادات« )Essai sur les mœurs( الذي ظهر

�سنة 1765م ، ف�سول عن الت�سامح وفيه مدح الإ�سالم واأ�ساد بالر�سول الكرمي وبالقراآن الكرمي مرتاجعا بذلك عما

ت�سمنه كتابه » التع�سب اأو النبي حممد« من نقد يندرج يف �سياق الت�سدي للفكر الديني املتع�سب عامة ولالأفكار

dictionnaire( امل�سيحية خا�سة ، التزاما مببادئ التنوير العقلي والنقدي. وقد ت�سمن كذلك معجمه الفل�سفي

philosophique( مقالت خا�سة بالدين والت�سامح . كما وتعد ر�سالته حول الت�سامح اأهم كتاباته التي خلدت ن�ساله العملي يف جمال الدفاع عن الت�سامح واحلرية الدينية ، فهي توثق اأطوار ق�سية جان كال�س ، وهو تاجر متوا�سع

يقطن يف تولوز ويعتنق املذهب الربوتا�ستنتي .

وتتمثل جمريات هذه الق�سية يف اأنه يف الثالث ع�سر من اأكتوبر 1761م �سنق البن الأكرب مارك انطوان نف�سه ومل

تعلم اأ�سرة كال�س ال�سلطات بالظروف الدقيقة التي حفت بوفاة ابنها وادعت اأنها وجدته خمنوقا لأنها مل ترغب يف

ا مما يوؤدي اإىل عدم القيام بجنازة لئقة به. واإثر �سائعات اأ�سارت اإىل اأن البن املنتحر كان يرغب يف اعتباره منتحر

التحول اإىل الكاثوليكية اأمرت ال�سرطة مبزيد من التحقيق يف الق�سية، ووقعت م�ساءلة والده واعرتف حتت التعذيب

باأنه اجلاين ثم تراجع، لكن املحكمة اأدانته وحكمت عليه بالإعدام يف التا�سع من مار�س 1762م. وكان جلان كال�س

ابن اآخر ا�سمه دونات )donat( ، وكان منفيا فتوجه اإىل العا�سمة الكالفينية جينيف حيث التقى فولتري.

وكان فولتري يعتقد يف البدء اأن التهام املوجه اإىل جان كال�س له م�ستندات قوية فكتب ر�سالة �سديدة اللهجة �سد

ال�ساخر ق�سد اأ�سلوبه اأ�سدقائه وا�ستخدم اقتنع برباءته، فكون فريق �سغط مع له دونات كال�س لكنه بعدما رواه

حتقيق العدالة، ويف �سنة 1765 جنح فولتري يف مراجعة الق�سية مما اأدى اإىل اإعالن براءة كال�س.

لقد برهن فولتري من خالل مرافعته عن جان كال�س على وعيه العميق ب�سرورة الت�سامح واحلرية الدينية يف اأوروبا،

لذلك دافع عن عائلة م�سطهدة وعن حق الآخر الربوتا�ستنتي يف الوجود ويف ممار�سة معتقداته، على الرغم من اأن

فولتري ينتمي اإىل عائلة كاثوليكية، واأن املذهب الكاثوليكي هو مذهب الأغلبية. ويكفي اأن نعلم اأن فولتري مل يكن

تبلغ اأن يوقع معظم كتبه ب�سبب قوة بط�س املتع�سبني للكاثوليكية لكن الأمر يف نظره مل يكن مهما لأن مق�سده

احلقيقة اإىل النا�س بقطع النظر عن م�سدرها.

واإذا كان اأمر الرتباط بني الت�سامح واحلرية يف الفكر الأوروبي مفروغا منه، فكيف هو احلال يف بحث الفكر الإ�سالمي

احلديث؟

الطاهر التون�سي حممد ال�سيخ هو الإ�سالمي الفكر مناذج اأمنوذج من امل�ساألة من خالل ندر�س هذه اأن �سنحاول

مت�سبع �سك فهو من دون ، م�ساألة جوهرية لديه الت�سامح واحلرية ال�سلة بني تعترب اإذ بن عا�سور )ت1973م(.

اأن الت�سامح هو »اإبداء ال�سماحة للمخالفني للم�سلمني بالدين وهو لفظ ا�سطلح باملفهوم الغربي للت�سامح لذلك يقر

. اإن الت�سامح يف راأيه يدور حول حرية )7(

عليه العلماء الباحثون يف الأديان من املتاأخرين من اأواخر القرن املا�سي«

الآخر غري امل�سلم يف عقيدته، ول يتعلق برتك احلرية للم�سلم يف ما يعتقده، لكن هل من �سند لهذا ال�ستنتاج الذي

)7( حممد الطاهر ابن عا�سور ، اأ�سول النظام الجتماعي يف الإ�سالم،ط1، القاهرة ، دار ال�سالم ، 2005، �س 131

جدل التسامح واحلرية بني الفكر األوروبي والفكر اإلسالمي ملف العدد: التسامح واحلرية

59 العدد األول، ربيع 2013

ا�ستنتجناه من تعريفه؟

ميكن اأن نعرث على هذا ال�سند يف ف�سل مو�سوم بـ »احلرية

يف الجتماعي النظام »اأ�سول كتابه �سمن املن�سودة«

اأربعة اإىل لديه احلرية م�ستويات تنق�سم الإ�سالم« حيث

هي: حرية العتقاد، وحرية التفكري، وحرية القول، وحرية

الفعل. وهذه احلريات لي�ست مطلقة يف نظره على �ساكلة

الت�سريعية باملرجعية مقيدة هي واإمنا لها الغربي الت�سور

والعملية الإ�سالمية فيقول :» وكل هذه احلريات الأربع حمدودة يف نظام الجتماع الإ�سالمي مبا حددت به �سريعة

.)8(

الإ�سالم اأعمال الأمة الإ�سالمية يف ت�سرفاتهم الفردية واجلماعية «

وقد اأوىل حلرية العتقاد مكانة اأثرية تتبدى من خالل اعتبارها اأو�سع احلريات دائرة، على اأ�سا�س اأن �ساحب العتقاد

مطلق التفكري فيما يعتقده . وقد ارتاأى �ساحب » التحرير والتنوير« اأن يقارب حرية العتقاد من جانبني؛ اأحدهما

جانب حظ امل�سلم منها، والآخر جانب حظ غري امل�سلم الذي يعي�س يف كنف الدولة الإ�سالمية.

فعلى �سعيد امل�سلم مييز ال�سيخ التون�سي بني اأمرين اأولهما حرية اعتقاد امل�سلم من ناحية تبني معتقدات اأي مذهب

اإ�سالمي، ويرتتب على هذا يف نظره » التحذير ال�سديد من اأن يكفر بع�س امل�سلمني بع�سا ، لأن تكفري بع�سهم بع�سا

.)9(

يت�سبب يف اإخراج جزء من اجلامعة الإ�سالمية عنها فيف�سي ذلك اإىل تفتت اجلامعة باأيدي اأهلها«

ول يبدو لنا هذا املوقف من نتائج التاأثر باملفهوم الغربي حلرية العتقاد، وذلك لأن دافعه ال�سريح يف خطاب ال�سيخ

ليحافظوا للم�سلمني الداخلية اجلبهة تقوية يفر�س كان التاريخي ال�سياق لأن امل�سلمني، على وحدة احلر�س هو

على وجودهم وعلى بلدانهم وعلى هويتهم . وتعد هذه القراءة الرباغماتية للواقع الإ�سالمي من القراءات املتجاوزة

نقاط عن البحث فبدل الإ�سالمية، واملذاهب الفرق ممثلي بني املتبادل التكفري مبواقف امل�سحون القدمي للرتاث

ق وتفر املجتمع ان�سقاق مما عمق الإ�سالمية الفرق الفرتاق هو هاج�س كثري من نقاط الرتكيز على اللتقاء كان

مكوناته وت�سادمها يف اأكرث من منا�سبة.

اأما الأمر الثاين يف بحث ابن عا�سور م�ساألة حرية العتقاد لدى امل�سلم فهو منع هذه احلرية اإن تعلقت بالن�سالخ

عن الدين الإ�سالمي بحجة احلديث املعروف »من بدل دينه فاقتلوه« وهذا املوقف خمالف بال �سك للمفهوم الغربي

حلرية العتقاد لأن ما يحكم فكر ال�سيخ يف املقام الأول هو قواعد الإ�سالم لذلك ي�سرح منذ البداية باأن » حرية

. ومن )10(

اأ�سوله« اعتقاد امل�سلم حمدودة له مبا جاء به الدين الإ�سالمي مما تتكون جامعة امل�سلمني بالتفاق على

الوا�سح اأنه اختار الحتماء ب�سلطة ال�سلف يف هذه امل�ساألة ملا يف اخليار املخالف من خطورة على اجل�سم الجتماعي

وعلى الهوية الإ�سالمية.

)8( امل�سدر نف�سه ، �س 602

)9( امل�سدر نف�سه ، �س 161

)10( امل�سدر نف�سه ، �س 161

اإن الت�سامح مع الختالف واإطالق

ال�سيخ ت�سور يف العتقاد حرية

طاهر بن عا�سور ل ميكن اأن ي�سمل

احلق يف اخلروج عن الدين.

ملف العدد: التسامح واحلريةجدل التسامح واحلرية بني الفكر األوروبي والفكر اإلسالمي

60

اإن الت�سامح مع الختالف واإطالق حرية العتقاد يف ت�سور ال�سيخ ل ميكن اأن ي�سمل احلق يف اخلروج عن الدين

م نق�سه، اأما ما عدا ذلك فاإنه متاح للم�سلم، و�سمن هذا باعتبار الدخول يف الإ�سالم مبثابة العهد الأبدي الذي يجر

املتاح يخول للم�سلم اعتناق ما �ساء من مذاهب » فللم�سلم اأن يكون �سنيا �سلفيا اأو اأ�سعريا اأو ماتريديا واأن يكون

معتزليا اأوخارجيا اأو زيديا اأو اإماميا . وقواعد العلوم و�سحة املناظرة متيز ما يف هذه النحل من مقادير ال�سواب واخلطاأ

.)11(

اأو احلق والباطل«

وقد عمد كثري من الباحثني اإىل نقد املوقف املحافظ من الردة لتعار�سه مع مبداأ حرية العتقاد ف�سال عن غياب ن�س

قراآين يع�سد هذا املوقف ، وهذا ما جعل هوؤلء الباحثني ينتقدون الأ�سانيد الدينية التي اعتمد عليها املدافعون عن

قتل املرتد ويف �سدارتها الإجماع.

من نظره احلكم يف فهذا .)12(

املرتد قتل على الإجماع لدعوى الراف�سني من العلواين جابر طه ال�سيخ كان وقد

العنا�سر الفقهية املقعدة لالأمة واملعيقة حلركيتها، فب�سبب هذه العنا�سر زاد الغلو يف العقيدة ويف الت�سريع، و�ساع رف�س

فاقتلوه« دينه بدل »من ال�سيخ على حديث اعرت�س هذا وبناء على هذا والكونية. الإلهية بال�سنن واجلهل الآخر

م�ستثمرا يف ذلك اآلية الهيمنة بالقراآن على احلديث، اأي عدم تقدمي احلديث على القراآن اأو جعله م�ساويا له، وهو ما

يعني اإ�سقاط ما يدعيه بع�سهم من اأن ال�سنة قا�سية على الكتاب. وف�سال عن ذلك يعرت�س هذا ال�سيخ على احلديث

.)13(

�سادر عن الر�سول

املذكور بالتاريخ الذي اأثبت اأن الر�سول ما قتل مرتدا طيلة حياته، مما ينفي اأي دليل فعلي

وقد ذهب العلواين اإىل اأن »�سيف الإجماع« اتخذ منذ وقت بعيد و�سيلة للحيلولة دون مناق�سة بع�س الق�سايا اخلطرة

مثل مو�سوع الردة، وذلك لأنه حدث خالف يف القرون الثالثة الأوىل يف حكم املرتد فلم يتحقق الإجماع يف تلك

الع�سور على ذلك احلكم، وراأى اأن الزعم بح�سول اإجماع يف هذه امل�ساألة يرمي اإىل اإغالق الباب دون التفكري يف اأي

مراجعة لهذا احلد. ويعد هذا الإغالق نوعا من اأنواع ال�ستغالل ال�سيا�سي حلد الردة. وهكذا �سهد التاريخ الإ�سالمي

اإعدام اأحمد بن ن�سر اأي القتل بدعوى الردة ومن ذلك عدة حوادث تربهن على التوظيف ال�سيا�سي لهذا احلد

.)14(

اخلزاعي )ت 231هـ( بحد الردة من قبل اخلليفة العبا�سي الواثق باهلل)ت 232هـ( يف اإطار فتنة خلق القراآن

وهكذا ل ميكن احلديث عن الت�سامح من دون و�سله باحلرية ، فهما ، اأي الت�سامح واحلرية، �سريبة ثقيلة ينبغي دفعها

لإر�ساء اأ�س�س التعاي�س بني كل مكونات املجتمع . ولن يكون هذا الهدف املن�سود مي�سور التحقيق من دون التخلي

عن ادعاء امتالك احلقيقة، فالفهم الب�سري حمدود ون�سبي وقا�سر واملعنى الذي قد يتو�سل اإليه العقل لي�س �سوى

اأي ن�س مهما كانت قدا�سته جممدا يف دللة واحدة ثابتة. بناء على التاأويلية، لذلك مل يبق ممكن من املمكنات

هذا ل منا�س من اإر�ساء عالقة تفاعلية بناءة واإيجابية بني الت�سامح واحلرية رغم كل النقد الذي ميكن توجيهه اإىل

املفهومني.

)11( امل�سدر نف�سه ، �س 1611

)12( انظر كتابه : ل اإكراه يف الدين، اإ�سكالية الردة واملرتدين من �سدر الإ�سالم اإىل اليوم، �س 147.

)13( م ن ، �س 309.

www.almultaka.net 14( انظر : عبد الرحمان حلي، ل اإكراه يف الدين، اإ�سكالية الردة واملرتدين، موقع امللتقى الفكري(

جدل التسامح واحلرية بني الفكر األوروبي والفكر اإلسالمي ملف العدد: التسامح واحلرية

61

بري�سة الفنانة Maria Pera ، اأ�سرتاليا

مقدمة من »جممع اأبوظبي للفنون«

62

ب والت�سامح يف تراثنا العربي الإ�سالمي بحياد تاريخي، وقد طالعتنا فل�سفة الأنوار ال�سبيل اإىل در�س التع�س

مببادئها العقلية وت�سريعها للت�سامح؟ اإنها ما تنفك تثقل وعينا املعريف مببادئها ومقولتها، فرنى الرتاث عرب

قنواتها ناقدين �ساخطني . هل ت�سح حماكمة الرتاث بقوانني الت�سامح تلك؟ األي�س من مبادئ العدالة القانونية األ

يكون تطبيق القانون رجعيا؟ ثم كيف نتخل�س من وطاأة واقعنا الذي بداأ فيه تاريخنا يقفز من املتخيل الإ�سالمي اإىل

د حدث تاريخي حتمله الذاكرة الإ�سالمية، فيف�سد تلك ال�سورة �ساحات ال�سراع ال�سيا�سي؟ هل كانت الفتنة جمر

النا�سعة، لب�سر ل يخطئون ، واإن اأخطوؤوا فاإمنا هم جمتهدون؟ اأم هي عينة تاريخية ميكن بت�سريحها اإدراك عللها؟

ملاذا نختار هذه العينة بالذات؟ هل نت�سيد للرتاث اأخطاءه �سعيا لتجاوزه؟ اأم نحن ن�سائله وعيا مب�سكالته ؟ األ نتفق

اإجماع األ يوجد العلل؟ اإدراك الدواء دون يدرك اإ�سالح ودواء ؟ وهل اإىل :اإن حا�سرنا يحتاج القول اليوم يف

ب منذر بالعنف والهالك؟ اإن�ساين باأن الت�سامح وحده ي�سمن اإن�سانية الإن�سان واأن التع�س

األي�س الت�سامح م�سكونا مب�سروع القطيعة مع الدين؟ األ يظهر الت�سامح يف املجال ال�سيا�سي اأكرث من ظهوره يف املجالني

ومن هنا تاأتي م�سروعية البحث يف ال�سراعات ال�سيا�سية باعتبارها اأر�سية الت�سامح احلقيقية )1(

الأخالقي والديني؟

ي ، واتباع ال�ستدلل �سبيال للو�سول اإىل نتائج مت�سادة ، اأمل ين�ساأ خطاب الت�سامح بدل الحتماء وراء التاأويل الن�س

د من عقلية عداء فكيف ال�سبيل اإىل التجر

)2(

يف �سياق الوقوف �سد �سلطة الكني�سة وحتديدا الكني�سة الكاثوليكية؟

جتليات التع�سب والت�سامح

يف الفكر اال�سالمي:

عمار حمودة*

كتاب »وقعة �سفني«

لن�سر بن مزاحم املنقري

*اأ�ستاذ يف كلية الآداب والعلوم الإن�سانية ب�سفاق�س، تون�س.

» pour une théologie de la tolérance،Michel Barlow، édition desclée de،1999،France،p11« 1( انظر كتاب(

)2( املرجع نف�سه ، �س12.

ملف العدد: التسامح واحلرية

ء

كـــــــــيف

63 العدد األول، ربيع 2013

الدين، وحماولة اإظهار ال�سنة بثوب الأورثوذك�سية؟ هل نحن مت�ساحمون اأول يف تعاملنا مع تراثنا حني نقارب مفهوم

.)3(

الت�سامح، وقد �سار من ال�سائد القول اإن »الإ�سالم خمتلط يف اأذهان الكثريين برف�س احلداثة وحقوق الإن�سان«

لـماذا نقارب هذه املفاهيم؟ هل نحمل يف وعينا غايات علمية �سرفة حتاول البحث عن مدى ح�سور كل مفهوم

يف �سجل امل�سلمني؟ اأم اأن غايات اإيديولوجية تدفعنا اإىل جلد هذا الرتاث لننتزع منه اعرتافا بالت�سامح، اأو و�سعه

ب ت�سريعا لإدانته، وبيانا لف�سل اخللف على ال�سلف بوعي اأو غري وعي، تدفعنا اإليه موجة يف قف�س التهام بالتع�س

ال�سائد من الدعوات اإىل الت�سامح العاملي يف زمن العوملة ، ويف خلفياتنا اأن تراثنا خال من الت�سامح وفق الأمنوذج

املعا�سر الذي �ساغته فل�سفة الأنوار، وترجم مبادئه الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان؟

ولهذا فمن مقت�سيات البحث العلمي التي نروم اتباعها النظر اإىل الظاهرتني بحياد قد يبدو خمال بهويتنا و�سروط

الهيئة تتنزل يف ع�سرها، على غري الداخلية لكل فكرة املنظومة لفهم ،ولكنه �سروري

العربي الإ�سالمي انتمائنا

ب والت�سامح نروم درا�سة الأن�سجة التي نتلقاها يف ع�سرنا. ويف هذا الفلك املعريف الذي ن�ساأت �سمنه مفاهيم التع�س

اللغوية التي ت�سكل بها املعنى وفرز اخليوط التي حيكت بها، حتى ل تتداخل الأثواب الفكرية التي نلب�سها يف

وتت�سابك املفاهيم فنلب�سهم ثوب وعينا، وقد نزعنا عنهم ثوب وعيهم. فاجلابري يتبنى تعريفا

ع�سرنا بغزلهم الرتاثي

للت�سامح باأنه:»عدم الغلو يف الدين الواحد و�سلوك �سبيل الي�سر، )�سبيل التي هي اأح�سن( من جهة، واحرتام حق

الأقليات الدينية يف ممار�سة عقائدها و�سعائر دينها دون ت�سييق اأو �سغط ... وبالتايل فالت�سامح هنا هو التخفيف اإىل

اأق�سى حد ممكن من الهيمنة املق�سودة اأو غري املق�سودة التي ميار�سها مذهب الأغلبية داخل الدين الواحد، ودين

يجعل لأنه الت�ساهل ل العدل الت�سامح منطلق يكون اأن اجلابري وي�سرتط ،)4(

الواحد. املجتمع داخل الأكرثية

ف ، ويف ذهن اجلابري اأنه ي�سنع من الت�سامح م�سادات حيوية للتطر

)5(

»الـم�سامح يف و�سعيه اأعلى من امل�سامح له «

بكل اأ�سكاله، فهو لي�س وليد اأ�سباب داخلية ول هو بال�سناعة الإ�سالمية ال�سرفة، بل هو يف الوعي الديني ذاته،

،)6(

ب العرقي.« كها امل�سالح ال�سيا�سية والقت�سادية ويغذيها التع�سوهو نتاج »املواقف الفكرية وال�سلوكية التي حتر

ب نتجت عن حركية تاريخية يحتمي فيها ال�سعفاء ب�سور متخيلة عن الهوية، ا للتع�سفالأ�سولية باعتبارها جتليا معا�سر

حني �سار تيار العوملة يجرف كل املختلفني عنه �سرقا وغربا ول يقيم يف اأطروحاته القت�سادية �سوى نظرة براغماتية،

تبحث عن اأ�سواق ل�سلعها ، وتق�سي على اأ�سكال الختالف واملناف�سة القت�سادية والفكرية.

ب والت�سامح؟ ولكن هل لعينة من الرتاث اأن ت�سوغ اأحكاما مطلقة عن التع�س

من الطبيعي اأن الأحكام تظل مرتبطة بتلك العينة املدرو�سة وهي »كتاب وقعة �سفني« لن�سر بن مزاحم املنقري. واإذا

�سئنا اأن ن�ستعري من ابن خلدون ت�سنيفه للحروب بح�سب اأ�سبابها اعتربنا هذه احلرب من النوع الأول الذي ي�سن

.)7(

طلبا لالنتقام، متييزا عن الأنواع الأخرى القائمة على العدوان اأو اجلهاد اأو حروب الدول مع اخلارجني عليها

ا امل�سلمني بع�سهم على بع�س، و�سار فريق منهم عدو رفعت فيها �سيوف الرتاث الإ�سالمي لقد اخرتنا عينة من

)3( اأركون )حممد( الفكر الإ�سالمي نقد واجتهاد،طبعة دار ال�ساقي ،لندن، ط1 1990- .�س310.وهذا التعليق هو ملرتجم ها�سم �سالح.

)4( اجلابري)حممد عابد(، ق�سايا يف الفكر املعا�سر ، طبعة مركز درا�سات الوحدة العربية ، ط2،بريوت ، 2003.�س29.

)5( نف�س املرجع ،�س31.

)6( املرجع نف�سه ، �س32.

)7( انظر ، مقدمة ابن خلدون ، �س �س150-149.

ملف العدد: التسامح واحلريةجتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي

64

لالآخر، ولكنها يف النهاية عينة، ل حتمل احلقيقة يف بعدها املطلق، بل هي زاوية نظر للحرب تقارب الواقع من جهتها

، وقد تكون وجوه احلقيقة الأخرى غائبة عن الن�س ولكنها حا�سرة يف )8(

وحتمل بني طيات اخلطاب موقف �ساردها

الواقع، فالكتاب ير�سد وقائع احلرب، ولكنه ل ي�ستطيع النفاذ اإىل الف�ساءات التي حتت�سن الراف�سني للحرب والهاربني

ع والن�ساء، ثالوث ال�سعف القتايل يف ذلك الع�سر، فالإخراج لعبة الكاتب، منها طوعا اأو كراهية كال�سيوخ والر�س

ولذلك فالأحكام التي نطلقها على هذه العينة ل تتوجه للواقع بقدر ما تتوجه اإىل �سدى الواقع يف كتاب ن�سر بن

مزاحم، اإن الأحكام مرتبطة بالن�س ل بالواقع، فقد يكون الواقع خمتلفا عن الن�س بحكم الدوافع الإيديولوجية اأو

، ويظل خطاب املنقري مهما ادعى احلياد واملو�سوعية زاوية نظر اإىل الواقع، قد )9(

انت�سار الكاتب اإىل فريق دون اآخر

ل تر�سد فيه عني الكاتب واأذنه اأ�سياء غاب ذكرها يف الأخبار التي اعتمدها ليوؤلف كتابه، لعلها ما يقع خارج ف�ساء

احلرب، وهو اأمر يحتاج اإىل بحث اأنرثوبولوجي يرى التاريخ يف حركة الهام�سيني وامل�ست�سعفني مثلما يراه التاريخ

الر�سمي يف حركة القادة و�سلوك املحاربني.

�سكان ال�سلمي بني للتعاي�س فيه �سرورة يرى ملنظور معا�سر �سار الت�سامح تظل خا�سعة اإن كل عملية بحث يف

القرية الكونية رغم اختالف عقائدهم واألوانهم واأجنا�سهم، بل ل يخفى اأن التع�سب ي�سبح هو ال�سبب الرئي�سي

ل�ستح�سار مفهوم الت�سامح وحماولة تاأ�سيله يف الثقافة العربية الإ�سالمية، ولهذا فمن مزالق البحث يف هذه امل�ساألة

اأيدي فال�سفة الأنوار، و�سيغت يف نظم قانونية �سمنت لها اإ�سقاط مفاهيم معا�سرة للت�سامح تبلورت على حماولة

دى اأو�سع يف الأو�ساط ال�سيا�سية والفكرية، ولكي نتجنب هذه املزالق ها �س ـ الـمـــــاأ�س�سة وقوة الطرف الـمطالب ب

كان من خيارات البحث الجتاه اإىل ر�سد مفهوم التع�سب والت�سامح يف مرجعياته اللغوية القدمية، اأي قبل اأن تهب

رياح التاأثر بالدعوات العاملية حلقوق الإن�سان، وقبل اأن ي�سري النظر اإىل الرتاث يتخذ روؤية ت�سعر بالنق�س كلما قاربت

مفاهيم الت�سامح وفت�ست عنها زمن اتقاد احلروب، وبروز الع�سبيات، وتفاقم ال�سراعات بني امللل والنحل �سعيا اإىل

ال�سرعية الدينية وال�سيا�سية. وهو ما قاد بع�س املفكرين اإىل اإنكار وجود الت�سامح يف الع�سور الو�سطى ، مثل حممد

اأركون فقد اعتربه من الالمفكر فيه فكرا وممار�سة ، وهو ل يجعل تلك ال�سمة من خا�سيات الفكر الإ�سالمي فقد

بال�سياج ي�سميه اإب�ستيمولوجي اإىل عائق اأركون ذلك الفتقار ويرجع ينكرون، امل�سيحية وهم ل القول على حق

الدوغمائي وم�سادرات العقل الأرثوذك�سي. ولكن من الطبيعي اأن تكون نتيجة البحث اإعداما للت�سامح يف الرتاث

العربي الإ�سالمي مادام مطلب الباحث اإيجاد ما يالئم ثوب الت�سامح الذي خاطه م�سبقا مقتديا بنماذج معا�سرة

للمفهوم، في�سري غياب الت�سامح ناجتا عن اإ�سقاط تاريخي �سببه مطلب الباحث عن اأمنوذج لحق �ساغته فل�سفة

الأنوار وحتول اإىل موؤ�س�سات تدعو اإليه يف ع�سور تختلف ت�سوراتها واآفاقها الذهنية عن ت�سورات القدامى، اأما اإذا قاربنا

املفهوم يف اإطاره التاريخي اأي وفق ممكنات املوجود تاريخيا، ل وفق فر�سيات حديثة متار�س الإ�سقاط على غري ع�سرها

، وتطلب من التاريخ اأن ي�ستجيب ملا تطلبه واإل �سار مدانا فاإن ذلك �سيجنبنا ال�سقوط يف مزالق الإيديولوجيا وجمانبة

املو�سوعية يف در�س العلوم الإن�سانية ، ولهذا ال�سبب اآثرنا النطالق من املعاجم القدمية حتى ن�سمن مقاربة املفهوم

يف اإطار ممكنات الفهم التاريخي التي نر�سدها يف الواقع التاريخي وال�سقف الإب�ستمولوجي للعينات املدرو�سة، اإننا

ه جريار جينات )gérard genette( حينما حتدث عن املنظور ال�سردي ويق�سد به )8( اإن ما نعتربه وجهة نظر الراوي هو يف احلقيقة اأقرب اإىل املفهوم ال�سردي الذي اأقر

gérard genette، figure3، édition céres 1er édition ، tunisie، édition céres ،1996. وجهة نظر ال�سخ�سية التي توجه املنظور ال�سردي. انظر

.p310

واإن ترجمنا ذلك اإىل لغة الفرق الدينية قلنا ت�سيعه.

)9( يبدو جليا من خالل نقل الوقائع تعاطف املنقري مع علي

جتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي ملف العدد: التسامح واحلرية

65 العدد األول، ربيع 2013

بهذا املعنى نتبنى طرح اجلابري الذي يرى �سرورة تاأ�سيل مفهوم الت�سامح يف احل�سارة العربية والرتاث الإ�سالمي

انطالقا من»تبيئة املفاهيم احلديثة يف ثقافتنا« ويق�سد بذلك فهمها داخل �سياقاتها التاريخية.

وتكون هذه التبيئة جتنبا للقراءة املتحاملة التي تنفي الت�سامح نفيا قطعيا، وهي ت�ستح�سر الأمنوذج الغربي املعا�سر يف

مقاربتها ،اأو القراءة التربيرية التي حتاول انتقاء احلجج التاريخية والن�سو�سية، وهي تظهر الإ�سالم دينا مت�ساحما، فيه

كل املبادئ العاملية املعا�سرة حلقوق الإن�سان قبل اأن ي�سدر امليثاق العاملي ذاته، هذه القراءة التي تقفز اإىل ال�ستدلل

على وجود كل املنجزات العلمية يف �سرية ال�سلف ال�سالح ويف اخلطاب القراآين واحلديث النبوي.

التع�سب مفهوم ت�سد التي الأع�ساب وت�سريح العميقة، البنى ر�سد اإىل تتجه اخرتناها التي البحث اآلية اإن

ته دون اأن نحد من قيمته بدعوى اأنه ل يتطابق مع ي وتوؤ�س�س كيانه،اأما الت�سامح مبا هو ت�ساهل فقد حاولنا ر�سده يف ذر

ت�سورات م�سبقة وم�سقطة ويف الن�س اجلامع بينهما حماولة لفهم اجلدل القائم بني املفهومني، عمال باأحكام اللغة و

التعريف باخللف ، ولهذا ق�سمنا العمل اإىل مرحلتني متكاملتني:

اأول: ر�سد احلدود اللغوية لكل مفهوم يف املعاجم اللغوية القدمية، والقيمة املعجمية لي�ست غاية يف حد ذاتها واإمنا

ب والت�سامح دون اإ�سقاط . بحثا فيما وراء اللغة من فهم تاريخي ير�سد اآفاق وعي العربي امل�سلم للتع�س

ثانيا: ر�سد اآ ثار تلك املفاهيم يف كتاب » وقعة �سفني« لن�سر بن مزاحم املنقري .

حتديد لغوي ملفهومي التع�سب والت�سامح:

ب والت�سامح من خالل بع�س املعاجم القدمية حتى ن�سمن نحاول يف هذا امل�ستوى من العمل حتديد مفهومي التع�س

يف هذا امل�ستوى تفكيكا للعنا�سر الدللية التي �سكلت حدود كل مفهوم �سعيا اإىل ر�سدها يف وقعة �سفني، فتكون

احلدود الدللية مواطن الر�سد يف امل�ستوى الثاين .

: التع�سب .1بالنظر اإىل جذر )ع �س ب( ، ميكن اأن نالحظ وجود املعاين التالية:

- معنى الئتالف والوحدة :

اإذا عليهم بوا تع�س ويقول:»وقد )10(

بحبل« منها ق تفر ما �سم با ع�س بها يع�س ال�سجرة ب »وع�س منظور ابن يقول

جتمعوا«.

ب كما يورد ابن منظور يف لها ابن خلدون يف مقدمته، والتع�س ب بالع�سبية كما متث ومن هنا جاء ارتباط مفهوم التع�س

بته ، والتاألب معهم ، على من يناويهم ، ظاملني كانوا ة ع�سر الل�سان :»من الع�سبية . والع�سبية اأن يدعو الرجل اإىل ن�س

)12(

بنا له ومعه: ن�سرناه.« ب :املحاماة واملدافعة .. وتع�س . والع�سبية و التع�س)11(

اأو مظلومني

ولهذا فالع�سبية هي التزام مبيثاق اأخالقي يوؤديه الفرد للمجموعة التي ينتمي اإليها ل�سمان بقائهم وتاأمني م�ساحلهم،

بة الع�س بها توؤمن التي النوامي�س وفق هنا ي�ساغ فاحلق بون، يتع�س يتفق اأم مل اأتفق ذلك مع احلق �سواء عليهم

)10( امل�سدر نف�سه ، �س603.

)11( ابن منظور ، ل�سان العرب ، ج1، �س606.

)12( امل�سدر نف�سه ، ج1، �س606.

ملف العدد: التسامح واحلريةجتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي

66

لنف�سها ل وفق ما يحقق العدل بني الفرق املت�سارعة و قد يكون الزعيم هم املوجه لتلك

اخليارات وفق ما يراه.

- معنى القناعة والر�سا بالراأي :

وهو ما يجعل هذا التحديد مرادفا للدوغمائية )13(

».

ي ع به ور�س ب بال�سيئ واعت�سب :تقن يقول ابن منظور :»وتع�س

، ذلك اأن القناعة والر�سا بالراأي، يعني النقطاع عن )14(

باعتبارها »مواقف فكرية يرى اأ�سحابها اأنها ل تقبل النقا�س«

البحث يف راأي غريه يخالفه اأو قبول تعديل يف املواقف.

- معنى الفقر:

يا�سة اأو تو�سيع ب هو الفقري. ولعل الفقر ل ميكن اأن يفهم هنا باملعنى املتداول واإمنا مبعنى احلاجة اإىل الر فالرجل املع�س

املجال اأو الهيمنة. اإنه اأقرب اإىل معنى الفتقار مبعناه ال�سيا�سي اأو القت�سادي بحثا عن املجال وال�سيادة وامل�سلحة.

- معنى القيادة وال�سيادة:

. ومن هنا معنى القيادة واحلكم.)15(

ب.« ب وقد تع�س بوه، فهو مع�س ده قومه، قد ع�س »ويقال للرجل الذي �سو

ة: - معنى ال�سد

ب والعنف. ولعله من هذا املعنى تولد الرتباط الوثيق بني التع�س)16(

فالأمر الع�سيب هو ال�سديد.

ب هو الوحدة القائمة على اأ�سا�س اللحمة القبلية وبذلك يت�سح من خالل هذا العر�س اللغوي اأن املق�سود بالتع�س

اأو الفكرية، وهو يرتبط بفواعل يف �سيغة اجلمع يتفقون حول مبداأ احلماية اجلماعية وجدل ن�سرة الفرد واملجموعة،

بة، وثقت ببع�سها والتحمت بفعل روابط القرابة اأو الن�سب اأو احللف اأو ب يف الأ�سل فعل جماعي متار�سه ع�س فالتع�س

ب الدين اأو الراأي،حتى �سارت يف حكم الفاعل الواحد اإميانا بفكرها ودفاعا عن اأرواح منظوريها وم�ساحلهم. والتع�س

ة ت�سوغها اجلماعة بالنظر اإىل ت�سوراتها عي مولد للعنف الذي ل يظهر بوجهه العدواين ال�سريح واإمنا يتخذ ثوب �سر

بة نحو حتقيق م�ساحلها، وهو داخل البناء القبلي �سيخ القبيلة، وم�ساحلها وترتكز تلك العنا�سر حول حمور يقود الع�س

اإماما يجمع بني الوظائف الدينية وال�سيا�سية ول مينعه ذلك من اأو و�سار ي�سمى يف ال�سطالح الإ�سالمي خليفة

تكليف قادة ع�سكريني بتحقيق الأهداف التي يطمح اإليها �سحبة ع�سبته، �سواء اأكانت احلرب �سد عدو خارجي

اأم اقتتال داخليا بني امل�سلمني اأنف�سهم.

الت�سامح: .2اأما املحاور الدللية التي يدور يف فلكها جذر )�س م ح( فهي الآتية:

)17(

- معنى اجلود، يقال »�سمح واأ�سمح اإذا جاد و اأعطى عن كرم و�سخاء«

ماح رباح اأي الـم�ساهلة يف الأ�سياء تربح - امل�ساحمة: الـم�ساهلة، وت�ساحموا: ت�ساهلوا، ويف احلديث امل�سهور: »ال�س

دللة على الوظيفة الأخالقية والقت�سادية. )18(

ل فيه« �ساحبها. و�سمح وت�سمح: فعل �سيئا ف�سه

)13( امل�سدر نف�سه ، ج1، �س603.

)Dictionnaire encyclopédique universel-édition hachette Italie-1996 )14.�س397.

)15( امل�سدر نف�سه ، �س606.

)16( امل�سدر نف�سه ، �س605.

)17( امل�سدر نف�سه ، ج2،�س489.

جتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي ملف العدد: التسامح واحلرية

67 العدد األول، ربيع 2013

)19(

عان وال�سراب والعدو.« -»وامل�ساحمة: امل�ساهلة يف الط

وهذا املعنى يوؤكده »رايرن فور�ست يف كتابه)الت�سامح يف النزاع(

الذي يرى اأن الت�سامح يرتبط �سميما بالنزاع، بل يذهب اإىل

القول اإن الت�سامح ابن النزاع«

عليك العرب: وتقول باحلق:» الت�سامح مفهوم ويرتبط -

محا، اأي مت�سعا«.

�سمـــــ

، فاإن فيه لـــــــ باحلق

- وقيل: الت�سميح، ال�سري ال�سهل.

بني ظاهرا تقابال املعجمي العر�س هذا خالل من ن�ستنتج

ب والت�سامح، وهو يف احلقيقة تقابل بني ال�سدة مفهوم التع�س

واحلق العادل الإن�ساين مفهومه يف احلق وبني والت�ساهل،

الذي ت�سنعه الع�سبة لذاتها، وتراه من زاوية م�ساحلها ل غري.

اإنه التقابل بني اجلود باعتباره عطاء وتنازل طوعيا عن امللكية الفردية حتقيقا لوجوده، واحلرب باعتبارها �سلبا واأخذا

من ملكية الآخر ت�سريعا بعدمه، وعلى اأ�سا�س هذه العنا�سر �سنحاول ر�سد مظاهر التع�سب والت�سامح يف كتاب »وقعة

�سفني« لن�سر بن مزاحم الـمنقري ويبدو ا�ستعمال »الوقعة« من الناحية اللغوية دال على احلرب والقتال، متييزا عن

اهية والنازلة من �سروف الدهر، اأو القيامة ، فا�ستعمال »الوقعة« تاأكيد على اأن الفعل اإن�ساين على الواقعة وهي الد

اأر�س الواقع، اأما ا�ستعمال »الواقعة« فيعرب عن فعل �سماوي تاأتيه قوة غيبية، وتبدو اأهمية هذا الكتاب يف كونه ينقل

اأطوار حرب، اأحرجت الفكر الإ�سالمي وات�سلت بفتنة جعلت دم امل�سلم يراق ب�سيف امل�سلم، وقد تويف املوؤلف �سنة

اثنتي ع�سر ومئتني هجريا ،كتابه اأ�سبه بفلم وثائقي، ينقل �سهادات واأخبارا �سردها من �سهدوا تلك احلرب و�سمعوا

اأقوال املتنازعني فيها ترا�سال وتفاخرا ، وهي حرب دامت »مئة يوم و ازدادت ع�سرا، بلغت فيها الوقائع ت�سعني وقعة

ا. ولهذا فهو ن�س جامع فيما يذكر املوؤرخون.« ول يكتفي بنقل الأحداث، بل ينقل الأقوال ترا�سال وخطابة و�سعر

زاوية اإليه من فالنظر وبذلك الع�سر، التاريخ يف ذلك كتابة مع تتعار�س يف جوهرها ، ل اأدبية خمتلفة لأجنا�س

ب ح�سارية لي�س يف احلقيقة �سوى زاوية ممكنة من زوايا نظر اأخرى تتيح لنا التعامل معه، غايتنا ر�سد جتليات التع�س

والت�سامح، انطالقا مما �ساغته اللغة من حدود معرفية للمفهومني.

وق�سمنا خطة عملنا اإىل مرحلتن :

رها ن�سر بن مزاحم املنقري. بينما ب التي جتلـت يف وقعة �سفني كما �سو اأما املرحلة الأوىل فر�سد جتليات التع�س

ميثل ر�سد مظاهر الت�سامح وما انتهت اإليه الوقعة من حتكيم املرحلة الثانية. ويتجه العمل يف امل�ستويني اإىل تفكيك

بنية كل منظومة انطالقا من الأفعال والأقوال والأحوال التي نقلها املنقري، ننـزلق فيه �سيئا ف�سيئا من فل�سفة الفعل

، مع حماولة ك�سف املحركات اخلفية التي تتحكم يف هذه املفاهيم )20(

اإىل فل�سفة الل�سان على حد عبارة بول ريكور

ب واآليات الت�سامح لأنهما يف وتغذيها ، وجتدر الإ�سارة منذ البداية اإىل اأن الف�سل يبقى منهجيا بني اآليات التع�س

)18( امل�سدر نف�سه ، ج2،�س489

)19( امل�سدر نف�سه ، ج2،�س490.

)20( انظر كتابه ، �سراع التاأويالت ،�س14، ترجمة منذر عيا�سي ،دار الكتاب اجلديدة املتحدة، لبنان ، ط1، 2005

مفهوم بن ظاهر تقابل هناك

يف وه��و والت�سامح، ب التع�س

ال�سدة ب��ن تقابل احلقيقة

يف احل��ق وب��ن والت�ساهل،

مفهومه الإن�ساين العادل واحلق

لذاتها، الع�سبة ت�سنعه الذي

وتراه من زاوية م�ساحلها.

ملف العدد: التسامح واحلريةجتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي

68

احلقيقة يدخالن يف عالقات جدل �سيحاول البحث بيانها يف مرحلة الن�س اجلامع.

ب: اآثرنا يف هذه املرحلة من العمل فهم التع�سب باعتباره ائتالفا لأع�ساب ت�سده ، هذه الأع�ساب اأ. تفكيك التع�س

ب« وتفكيكه مع املجازية هي ال�سيا�سة والقبيلة والدين والثقافة ونقوم يف هذه املرحلة من العمل بت�سريح »التع�س

الوعي بال�سلة القائمة بني تلك الأع�ساب املكونة له يف عمليات الفعل والبناء.

- ع�سب ال�سيا�سية: يقوم اخلالف يف هذه الوقعة بني مع�سكرين، مع�سكر اأهل ال�سام بقيادة معاوية ومع�سكر اأهل

بة اأطروحة ع�س اأطروحتني توؤمن بكل ب على وجود اأبي طالب، وقد تاأ�س�س مفهوم التع�س العراق بقيادة علي بن

�سيا�سية ل تعرتف بالع�سبة الأخرى، وذلك لأن الأطروحة الأوىل ترى اأحقية معاوية باحلكم ، وبداأ هذا احلق على

باأن عليا قتل خليفتهم علق قمي�سه على منرب م�سجد ال�سام، وخطب معاوية يف النا�س اأنقا�س مقتل عثمان، يوم

وبداأ معاوية الباحث عن من�سب اخلالفة من وراء قمي�س )21(

عثمان »وهو اأمر بقتله واألب النا�س عليه واآوى قتلته.«

عثمان ي�سعى اإىل حتقيق حلمه ال�سيا�سي عن طريق حملة ع�سكرية بداأت باعرتا�س �سبيل الوايل اجلديد الذي اأر�سل

اإىل ال�سام ، وقيادة حملة ع�سكرية ثانية �سد علي تاأتي يف نف�س اخلط ال�سيا�سي الذي بداأته عائ�سة زوجة

به علي

النبي �سلى اهلل عليه و�سلم، على جملها مع طلحة والزبري وقد �ساروا اأ�سحابها بعد اأن كانوا �سحابة للر�سول الكرمي

وعلي بن اأبي طالب.

ينتظر دوره يف اخلالفة وقد فاتته الفر�سة الأوىل

فكانت الدفاع عن �سرعيته يف احلكم، فقد ظل علي

اأما اأطروحة علي

والثانية والثالثة، ف�سار يف الرابعة واثقا مع جماعته من هذا احلق ال�سيا�سي الذي ت�سنعه عالقته املتينة بالنبي الكرمي

على معاوية رد الباحث عن توطيد اأركان حكمه،

من جهة القرابة والن�سب والأ�سبقية يف الإ�سالم ، وكان رد علي

عن نف�سه التهم املوجهة اإليه. ولكن احلرب كانت ق�ساء حمتوما دفع اإليه فريق

وهو اأ�سبه مبرافعة دفاع نفى فيها علي

وفق �سرعية قمي�س عثمان، فقد كانت الدماء التي تلطخه حجة

يوؤمن اإميانا را�سخا ب�سرورة تويل ال�سلطة بدل من علي

لإراقة مزيد من الدماء يتوافق يف ذلك منطق قانون اجلاهلية والإ�سالم واإن اختلفت الت�سميات؛ فالثاأر والق�سا�س

وجهان للعملة ذاتها.

ب يقوم على ركيزة اأوىل هي ال�سراع على ال�سلطة يف زمن مل تكن فيه اآليات ومن وراء الأطروحتني جند اأن التع�س

انتقالها خا�سعة لالئتالف قدر خ�سوعها لالختالف واخلالف. وهي اأزمة بداأت بعد وفاة النبي الكرمي، وتوا�سلت

ف�سولها كلما مات خليفة اأو اغتيل، وف�سلها الأكرث دموية كان زمن خالفة علي، فقد نازعه فيها معاوية وا�ستطاع اأن

يظفر اأخريا بها. وهي نتيجة لعقلية التخا�سم على حد عبارة اإبراهيم حممود » وهي عقلية لها ن�سب موغل يف القدم،

وقد )22(

�سلطانها« وتقوية تعزيزها ي�ساهم يف الذي القدمي وتراكم مرياثها ، راأ�سمالها تنامى الزمن، بها م تقد ما كل

وجدت هذه الرغبة املاكييفيلية يف ال�سلطة ما يغذيها بقوة الع�سبية التي �سلف احلديث عنها ، اأو الدين الذي يقيم

،)23(

بناءه اخلطابي على ثنائية »الكافرين و املوؤمنني و املنافقني وال�سادقني واأهل اجلنة واأهل النار و التقاة والع�ساة «

)21( املنقري )ن�سر ابن مزاحم( ، وقعة �سفني ،�س137.

، طبعة كتب ريا�س الري�س ، بريوت ،ط1،1999. )22( ابراهيم حممود ، الفتنة املقد�سة ، �س59

)23( املرجع نف�سه ، �س59.

جتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي ملف العدد: التسامح واحلرية

69 العدد األول، ربيع 2013

ب، وفق التحليل النف�سي، من »ترافق ال�سعور بالقدرة الكلية مع حما�س نرج�سي ومتجيد لفكرة وين�ساأ هذا التع�س

»وهي منظومة ذهانية ...توجه العدوانية نحو عدو ... )24(

النتماء اإىل هذه اجلماعة ممن ا�سطفاهم الأزل اأو التاريخ«

)25(

بية التي يوظفها اعتقادا.« ويجد الأمن ...يف املنظومة التع�س

)autorité( ب املنقاد، فالأول بيده الأمر وال�سلطان ويفرق بولتورير »بني املتع�سب الأ�سليي –العا�سب- واملتع�س

الذي ي�سمح له باأن يعطي جلماعته )جحافل املتع�سبني املنقادين( الإذن بالتغلب على النواهي املفرو�سة من الأنا

.)26(

الأعلى. «

- ع�سب القبلية: قد يبدو لكثري من القراءات التي ترى يف الإ�سالم ثورة على اجلاهلية اأن ذلك اأدى اإىل تفكيك

ك الع�سبية، ولكن هذه احلقيقة البنى الجتماعية التي قام عليها املجتمع اجلاهلي القائم على �سلطة القبيلة وحمر

فرعي القدمية بني بها اخلالفات ا�ستفاقت اأ�سا�سيا حلرب �سفني، القبلية كانت حمركا الأ�سوات ن�سبية لأن تظل

ل القول يف العقل ال�سيا�سي العربي حني حتدث عن القبيلة قري�س بني ها�سم وبني �سفيان، ولعل اجلابري قد ف�س

ب ، فلقد ك�سفت حمركا للفكر ال�سيا�سي العربي، ولكن الذي يعنينا من هذا الأثر هو عالقة الع�سبية القبلية بالتع�س

براأ�س واحد ال�سام، القادمة من )27(

»ال�سفيانية« الزعامة فيه اأثر بدت الع�سبية من ما لهذه اأحداث وقعة �سفني،

روؤو�س كثرية كها التي حتر القبائل مزيجا من الها�سمي، املع�سكر بينما ظل ، والغلبة الن�سرة لها ي�سمن خري من

بة الواحدة موؤتلفة حول ب ي�سري اأقوى كلما كانت الأجزاء املكونة للع�س اأدت يف النهاية اإىل �سعفه وف�سله . فالتع�س

ة التي تهم اجلماعة، وهو ما كان اأقوى يف جي�س معاوية . فقد ظلت ريي رئي�س واحد يعود اإليه النظر يف القرارات امل�س

�سوكة عمرو ابن العا�س على قوتها مرتبطة بقوة القرار ال�سيا�سي الذي كان يديره معاوية . اأما يف اجلي�س الآخر فقد

عف، ته ت�س بي ا يف ارتباك املواقف وجعال ع�س كان الأ�سعث و الأ�سرت - وكالهما له وزنه الع�سكري- قد اأوقعا علي

فقد اختلف القائدان حول الحتكام للقراآن بعد رفع امل�ساحف على الأ�سنة ويف الوقت الذي مال فيه الأ�سرت اإىل

الأ�سعث على اإيقاف احلرب فكان له ما اأراد رغم القتال وح�سم النزاع ع�سكريا _وقد كان واثقا من ذلك_ اأ�سر

ب �سالبة ة تزيد عود التع�س بي ة الع�س . وبذلك فقو

، و�سار قراره مينحه ال�سيادة بدل علي

معار�سة الأ�سعث وعلي

عف الع�سبية يوؤدي اإىل الت�سامح وتغليب لغة احلوار، و�سعف ع�سب القبيلة عند علي اأدى اإىل هزميته يه، و�س وتغذ

ال�سيا�سية.

- ع�سب الدين و ال�سراع حول تاأويله:اإذا كانت الوظيفة الأ�سلية للدين ح�سب الت�سور الظاهراتي »طرد اخلوف،

، فاإن ال�سوؤال يظل )28(

وم�ساحلة الإن�سان مع القدر القا�سي، والتعوي�س عن القلق الذي جتعله غريزة املوت ع�سال«

ملحا حول كيفية توظيف الدين ليخرج من طور طرد اخلوف اإىل طور طرد الآخر من �سياج الإميان عرب �سناعة

ب وت�سريعه، وحتويل امل�ساحلة مع القدر اإىل خالف مع الآخر املختلف. التع�س

)24( كتاب جماعي ، �سيكولوجية التع�سب ، �س10.)دار ال�ساقي ،لندن، ط1،1990.(

)25( املرجع نف�سه ، �س 10.

)26( املرجع نف�سه ، �س 11.

)27( ن�سبة اإىل اأبي �سفيان ، ول يخفى اأنه كان من األد اأعدائه ، ومل يدخل الإ�سالم اإل زمن فتح مكة.

)28( بول ريكور ، �سراع التاأويالت ، �س �س 376-377.ترجمة منذر عيا�سي ، طبعة دار الكتاب اجلديدة املتحدة، ط1، 2005.

ملف العدد: التسامح واحلريةجتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي

70

كل وراأى والباطل احلق حمور حول الوقعة دارت لقد

الفريق واأن الإلهي، احلق �ساحب اأنه الثقة بعني فريق

الآخر واقع يف الكفر والظلم والبغي، ومن اأقوال الفريقني

املتنازعني ميكن اأن نر�سد كثريا من ال�سواهد التي توؤكد اأن

حمرك التع�سب هو الختالف يف التاأويل الديني، وبذلك

كانا ما بقدر ح�سم عن�سري يكونا مل وال�سنة فالقراآن

ب، فكل فريق يرى راأيا قطعيا باحلق عن�سري تغذية للتع�س

»فاإين اأقاتلكم لأن

ول يتزحزح عنه، فهذا فتى من جي�س معاوية يلعن عليا ، ويقول لها�سم بن عتبة وهو من اأن�سار علي

)29(

�ساحبكم ل ي�سلي كما ذكر يل واأنكم ل ت�سلون واأقاتلكم اأن �ساحبكم قتل خليفتنا واأنتم وازرمتوه على قتله«.

ب على اأ�سا�س مت�سك كل فريق بكونه على حق، ول ريب اأن ذلك احتاج اإىل ن�سق حجاجي يعول تاأ�س�س التع�س

كثريا على املرجع الديني باعتباره املوؤ�س�س لل�سرعية املقد�سة واحلديث النبوي ، فقد عجت اخلطب الواردة يف كتاب

»وقعة �سفني« مبثل هذه ال�سواهد ، ون�سرب لذلك مثال من الفريقني: فمن اأقوال علي يف خطبه يجمع اأن�ساره

اأوىل نبيكم، الذين هم اأهل بيت اأطاع اهلل من واأتباعه:»عليكم بتقوى اهلل وطاعة من ويحفزهم على قتال معاوية

نا، نا وينازعونا حق مر

لون بف�سلنا، ويجاحدونا اأ بطاعتكم فيما اأطاعوا اهلل فيه، من املنتحلني املدعني املقابلني اإلينا يتف�س

ا، األ اإنه قد قعد عن ن�سرتي منكم رجال فاأنا عليهم عاتب حوا ف�سوف يلقون غي ويدافعون عنه، فقد ذاقوا وبال ما اجرت

ومن الي�سري فهم الربط )30(

زار. فاهجروهم واأ�سمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا، ليعرف بذلك حزب اله عند الفرقة .«

ل بفعل اخلطاب اإىل ذات تلعب الدور الإلهي يف حتديد منازل النا�س الذي يقيمه علي بني طاعته وطاعة اهلل، ويتحو

بالهجر واإ�سماع املتخاذلني عن احلرب ما يكرهون ليكونوا اأعوانه يف )31(

بني اجلنة واجلحيم، ومتار�س العنف الرمزي

احلرب. فاحلرب تدار بثوب مقد�س ا�سمه اجلهاد.

اأما معاوية وعمرو فقد خاطبا اأهل املدينة بقولهما:» اأما بعد فاإنه مهما غابت عنا من الأمور فلن يغيب عنا اأن عليا قتل

فالقتال �سد )32(

عثمان . والدليل على ذلك مكان قتله منه . واإمنا نطلب بدمه حتى يدفعوا اإلينا فنقتلهم بكتاب اهلل«

ه اهلل يف القراآن. كما ي�سوره مع�سكر معاوية، وق�سا�س اأقر

جي�س علي تطبيق ل�سرع اهلل

ومل يكتف الفريقان مبجرد تربير احلرب باملقد�س الديني واإمنا �سار اخلطاب الديني فاحتة احلرب، فبا�سم اهلل تراق

ب. الدماء، وبا�سمه ميتلئ قلب املقاتل وثوقا من اأنه على حق واأن اأعداءه على باطل، وتلك ذروة التع�س

يقول علي يف بداية كل حرب:» اهلل اأكرب، اهلل اأكرب، لاإله اإل اهلل، واهلل اأكرب يا اهلل، يا اأحد يا �سمد، يا رب حممد،

ا باأ�س با�سم اهلل الرحمن الرحيم، ل حول ول قوة اإل باهلل العلي العظيم، ويقراأ الفاحتة، ويدعو بقول: اللهم كف عن

)33(

الظاملني ...«

)29( ن�سر بن مزاحم املنقري ، وقعة �سفني ، �س354.

)30( املنقري )ن�سر ابن مزاحم( ، وقعة �سفني ،�س4.

)31( لفهم م�سطلح العنف الرمزي انظر ، بيار بورديو ، العنف الرمزي، ترجمة نظري جاهل ، طبعة املركز الثقايف العربي ،بريوت/الدار البي�ساء،ط1،1994.

)32( املرجع نف�سه ،�س63.

)33( املرجع نف�سه ، �س230.

ل عذر لالإن�سان اليوم يف م�سادرة

احلياة اأو التفكري يف غريه حق

با�سم اأو الإ�سالم با�سم �سواء

احلداثة.

جتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي ملف العدد: التسامح واحلرية

71 العدد األول، ربيع 2013

ومل يكتف علي مبجرد ال�ستعانة بكتاب اهلل و�سنته، بل وظف كل الو�سائل لريفع من درجة القدا�سة الروحية التي

عليه ال�سالم فر�سه الذي كان لر�سول اهلل ، وكان يقال له »املرجتز«

طبع بها حربه، يقول املنقري : »فقد ركب علي

مت له بغلة ر�سول اهلل �سلى اهلل عليه »ال�سهباء« فركبها ثم تقدم اأمام ال�سفوف ثم قال: بل البغلة بل البغلة . فقد

، اإن )34(

ب بعمامة ر�سول اهلل ال�سوداء ثم نادى : اأيها النا�س، من ي�سر نف�سه هلل يربح . ..« عليه ال�سالم ثم تع�س

باإرث حكمه يف امل�سلمني، فهذه اأحقيته النبي الكرمي، تعنيان �سيميولوجيا وعمامته املوروثتني عن

علي ركوب

الرمزية التقابل بني هذه احلركة نفهم لراأيهم . وهنا بهم اأن�ساره، وتقوي تع�س القدا�سة عند العنا�سر ترفع درجة

راع بني القمي�س والعمامة �سراعا ا للمقاتلني. فيكون ال�سوحركة القمي�س املعلق على منرب ال�سام حتمي�سا ديني

ة.رمزيا على ال�سرعي

مها اعتقادا لت�سري حاملة لرايات احلق كما تت�سوره ولو ب اجلماعة فيجمعها، ويع�س فالدين بجميع و�سائله �سار يع�س

كان ذلك مغالطة، قال رجل ا�سمه اأبو اليقظان - ويف ال�سم اأكرث من دللة رمزية - لعمار بن يا�سر »اإين خرجت

اأ�سك يف �ساللة هوؤلء القوم، واأنهم على الباطل، فما زال على ا يف احلق الذي نحن عليه ل من اأهلي م�ستب�سر

باح يومنا هذا ، فتقدم منادينا، ف�سهد اأن ل اإله اإل اهلل حممد ر�سول اهلل ا حتى كان ليلتي هذه �سذلك م�ستب�سر

الة ف�سلينا �سالة واحدة، ودعونا دعوة واحدة، وتلونا ونادى بال�سالة، فنادى مناديهم مبثل ذلك ، ثم اأقيمت ال�س

لعله ال�سك املنهجي الذي يرفع عن الأعني غ�ساوة )35(

كتابا واحدا ور�سولنا واحد، فاأدركني ال�سك يف ليلتي هذه .«

ب. ولكنه ل الدغمائية فرييها ما يختفي وراء ال�سعارات الدينية من اأطماع �سيا�سية لين�ساأ الت�سامح بديال من التع�س

يخرج عن كونه ت�سامح الغالب مع املغلوب.

اإن ال�سك الذي انتاب هذا الرجل، لهو ال�سك الذي يفكك بنية اخلطاب ال�سيا�سي الـمتدثر بعباءة الدين، فال�سراع

د ك الأهواء نحو احلرب وتقوي الع�سبية، وهي جتد يف الدين طاقة تزوعلى ال�سلطة يظل احلقيقة اجلوهرية التي حتر

ب للتاأثري يف املتع�س ال�سيا�سية اأ�سحاب امل�سالح العا�سب من الع�سبية ب�سحنة ي�ستعملها املتع�سب الأ�سلي تلك

املنقاد من العامة، حتى تكون وقود حرب ظاهرها مقد�س �سماوي وباطنها دنيوي. اإن الدين بهذا املعنى عدة حربية

كالدروع وال�سيوف والرماح ي�ستعملها املقاتل ليهزم خ�سمه ويحقق ن�سره.

ومل تكن �سدمة ال�سك التي اأ�سابت هذا الرجل هي الوحيدة يف حرب �سفني، ففي قتال يبدو حمال لدللت

رمزية تختزل الفتنة يف مبارزة ، كاد الأخ يقتل اأخاه، وكان كل واحد منهما يف �سف جي�س من اجليو�س املتقاتلة،

ني – فخرج اإليه رجل من ف »قال عمر: وخرج رجل ي�ساأل املبارزة، من اأهل ال�سام فنادى: من يبارز ؟ -وهو بني ال�س

اعتنقه فوقعا جميعا حتت قوائم فر�سيهما، فجل�س على

اأهل العراق فاقتتال بني ال�سفني قتال �سديدا، ثم اإن العراقي

: اأجهز على

عنه يريد ذبحه، فلما راآه عرفه فاإذا هو اأخوه لأبيه واأمه. ف�ساح به اأ�سحاب علي�سدره وك�سف املغفر

بذلك ، فاأر�سل اإليه: دعه،

خرب عليالرجل. فقال اإنه اأخي . قالوا فاتركه. قال: ل، حتى ياأذن يل اأمري املوؤمنني. فاأ

)36(

كه، فقام فعاد اإىل �سف معاوية.« فرت

)34( املرجع نف�سه ، �س 403

)35( املرجع نف�سه �س321.

)36( املرجع نف�سه ، �س272-271.

ملف العدد: التسامح واحلريةجتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي

72

ب اأن �سار و�سيلة تفكك اخلاليا لقد و�سل الأمر بالتع�س

يتغذى الذي الوقت يف فهو عليها، قام التي ال�سغرى

فيه على احلمية القبلية اأو الدينية يفككها من حيث اأراد

متتينها. اإنه حرج اأ�ساب ال�سمري الإ�سالمي فهذه احلكاية

التي اجلراح تك�سف �سارت رمزية دللت حتمل التي

اأ�سابت اجل�سد الإ�سالمي الواحد، وق�سمته اإىل فرق �سار

احلوار بينها يدور بحد ال�سيف، بل �سار ال�سراع على احلق

ي�سنع تل اجلماجم، فهذا املنقري يحدثنا عن تل ب�سفني

اجلماجم، تل يدعى وكان الرجال، جماجم عليه تلقى

جتد ل حني تخمد حتى والياب�س الأخ�سر تلتهم كالنار واحلرب املوت. �سناعة هي ب للتع�س احلتمية فالنتيجة

، وي�سري الت�سامح يف هذه احلالة حتمية ب حني ي�سل حده الأق�سى ينحدر نحو ال�سد اأمامها ما تلتهمه، وكذا التع�س

تقت�سيها ال�سرورة واإكراها متار�سه ق�سوة احلرب على اأج�ساد املقاتلني واأنف�سهم، فامل�ساهد الدموية توقظ يف الأنف�س

خمة ، غبة يف القتل حد التاملهتاجة وامل�سكونة بالنفعال بريقا من عقل، تتداعى فيه الأفعال العدوانية، وت�سبع الر

ب تثري ال�سمئزاز وحتمل النف�س عن النقطاع، وي�سري املقاتلون كالأطفال ري �سهوة القتل التي ي�سنعها التع�س فت�س

ي�ستنفدون كل طاقاتهم بالأعمال العدوانية املمكنة، ففي ليلة الهرير »متادى النا�س يف القتال فا�سطربوا بال�سيوف

كبات فتحاثوا تها ثم جثوا على الر رت وتناثرت اأ�سن حتى تعطفت و�سارت كاملناجل، وتطاعنوا بالرماح حتى تك�س

األي�س )37(

اب، ثم تعانقوا وتكادموا بالأفواه، وتراموا بال�سخر واحلجارة.« هم يف وجوه بع�س الرت بالرتاب، يحثو بع�س

ب بهذه ال�سورة �سكال من اأ�سكال الطفولة الب�سرية العابثة؟ التع�س

ومقابل ذلك يقع �سلب �سفة الإ�سالم واحلق من الفريق املقابل يف اتهامات ترتاوح بني العتاب يف حدها الأدنى

والتكفري يف حدها الأق�سى يقول املنقري:»فقيل لعلي حني اأراد اأن يكتب الكتاب بينه وبني معاوية واأهل ال�سام:

ملعاوية ول لأ�سحابه اأنهم موؤمنون ول م�سلمون، ولكن يكتب معاوية ما اأنهم موؤمنون م�سلمون فقال علي: ما اأقر

اأتقر

)38(

مبا �ساء لنف�سه واأ�سحابه .« �ساء، ويقر

كة للتع�سب ب، ويك�سف العلة احلقيقية املحر ولعل اعرتاف عمرو بن العا�س هو الذي ينزع الق�سر الديني عن التع�س

نا وحجهم، وقبلتنا وقبلتهم وديننا ودينهم واحد، بقوله :»اأول تعلمون اأن �سالتنا و�سالتهم ، و�سيامنا و�سيامهم، وحج

لي�س ذلك فح�سب بل كان للحديث النبوي دور مركزي يف حتديد ثنائية الكفر والإميان )39(

ولكن الأهواء م�ستتة.«

التي حتمل وجها اآخر لها ، هي ثنائية الولء والقتال، فقد قال عمار بن يا�سر لعمرو بن العا�س :»اأيها الأبرت ، األ�ست

تعلم اأن ر�سول اهلل )�سلى اهلل عليه و�سلم( قال لعلي :من كنت موله فعلي موله ، اللهم وال من واله وعاد من

هذا احلديث الكثيف يف دللته الذي �سي�سنع الع�سبية ال�سيعية لحقا.)40(

عاداه .«

)37( املرجع نف�سه ، �س304.

)38( املرجع نف�سه ، �س509.

)39( املرجع نف�سه ، �س 317.

)40( املرجع نف�سه ، �س339.

جتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي

وراء غاب الذي العقل �سوت

النفعال بالدين واحلمية، ا�ستفاق

ف�سار بالهالك الوعي وقع على

بديال واحل��وار بالت�سامح ينادي

عن التع�سب ال�سانع للعدم.

ملف العدد: التسامح واحلرية

73 العدد األول، ربيع 2013

ونقل املنقري هذا احلديث، الذي يكفر فيه معاوية : عن جعفر الأحمر ، عن ليث، عن جماهد، عن عبد اهلل بن عمر

)41(

قال: قال ر�سول اهلل)�سلى اهلل عليه و�سلم(:»ميوت معاوية على غري الإ�سالم.«

لقد كان �سالح التكفري الديني خري و�سيلة لإظهار اخل�سم يف �سورة املارق على الدين ل�ستباحة قتاله وقتله، ويف

الوقت الذي يعتقد فيه كل فريق اأنه يقيم حدود اهلل جنده ي�سيع طقو�سه وراء الندفاع امل�سعور اإىل احلرب، فحني

)42(

ت مواقيت اأربع �سلوات مل ي�سجد هلل فيهن اإل تكبريا.« احتدم القتال يف �سفني »مر

- ع�سب الثقافة : �سعر احلما�سة واخلطابة:

1. �سعر احلما�سة:كان ح�سور ال�سعر احلما�سي يف وقعة �سفني كثيفا، فلو جمعنا اأ�سعار �سفني لكونا ديوانا، وللحما�سة اأثر كبري يف تقوية

�س الأنف�س على القتال ، وتذكي نار القيم يف ذاتها ، فيكون اإيقاع ه ، حتم ب فهي الأوتاد الثقافية التي ت�سد التع�س

ا يف احلروب يك�سف بقاء بنى ذهنية من الع�سر اجلاهلي ل يزال ا موؤثر

الكالم على وقع احل�سام . وبقاء ال�سعر عن�سر

اإهمال الدور الذي العربي يجد فيها الو�سيلة الأمثل للتاأثري يف الأنف�س وحتمي�س املقاتلني، ولهذا فمن الإجحاف

ب وفتح واجهة اأخرى للقتال بالكالم .وقد كانت الأطراف املتقابلة يف احلرب على تلعبه الأ�سعار يف تقوية التع�س

وعي باأهمية الدور الذي يلعبه �سعر احلما�سة يف احلرب ، اإنه اأ�سبه باحلرب الإعالمية كما هي يف ع�سرنا. ولهذا فقد

كان ال�سا�سة يف ذلك الع�سر ، يهتمون بال�سعراء ويقدرونهم حق قدرهم، فحني �سمع معاوية ق�سيدة خفاف، »ذعر من

وملا �سمع )43(

ا غري به حايل يف عثمان ، وعظم به عليا عندي .«قوله ، وقال حاب�س : اأيها الأمري لقد اأ�سمعني �سعر

)44(

، اأخرجه عنك ل يف�سد اأهل ال�سام.«

ق�سيدته »انك�سر معاوية وقال : يا حاب�س، اإين ل اأظن هذا اإل عينا لعلي

وخ�سية معاوية يف حملها لأن لل�ساعر قدرة على تغيري الراأي العام وتاأليب العامة �سد طرف من اأطراف النزاع.

2. اخلطابة:النا�س للتاأثري يف الزعماء و�سيلة فقد كانت قام على اخلطابة، فقد الثقافة ب ع�س ل �سك الذي الثاين العن�سر اأما

على والرد اأطروحته تاأييد اإىل طرف كل فيه ي�سعى حجاجي اأ�سا�س على اخلطب قامت وقد ن�سرتهم. وك�سب

اأطروحة ثبات كل مينع من اأن�ساق احلجاج وفق منطق اجلدل، مل انفتاح والربهان، ولكن باحلجة العدو اتهامات

ويقينها باأن متتلك احلق املقد�س الذي ل يقبل الطعن. فالنفتاح اخلطابي بني الطرفني مل مينع النغالق الفكري.

وتختلف اخلطب باختالف املخاطب، فهي حني توجه لالأن�سار تكون حتمي�سا لهم و�سحذا للهمم ، ولكنها حني تتوجه

.

لالأعداء تكون جدل، ودعوة اإىل »احلق« وفق الفهم الذاتي

- ع�سب احلرب:

ب، فالإميان الوثوقي باأن كل فريق ميتلك احلقيقة يجعل احلرب تعو�س احلوار تعترب احلرب النتيجة الطبيعية للتع�س

واجلدل حول امل�سائل التي تثري اخلالف.

)41( املرجع نف�سه ، �س217.

)42( املرجع نف�سه ، �س479.

)43( املرجع نف�سه ، �س66.

)44( املرجع نف�سه ، �س68.

ملف العدد: التسامح واحلريةجتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي

74

ويف وقعة �سفني جتلت احلرب يف �سور خمتلفة:

�سراع جيو�س تاأتلف بح�سب القادة يف قطبني، اأتباع علي

من جهة واأتباع معاوية من جهة ثانية، ولكن تفكيك بنية

القبائل من مزيجا اجليو�س يجعل الع�سكري ب التع�س

الن�سب اأو الدم اأ�سا�س ت�سمها ع�سبية على التي كانت

اأو الولء اأو الأحالف . وقد كان لكل فريق قادته الذين

اإ�سعافه، يف �ساهموا مثلما ب التع�س وا يقو اأن ا�ستطاعوا

ا مهم عامال كانت القائد وحدة اأن الوقعة ك�سفت فقد

ب ، ون�سرب مثال عمرو بن العا�س الذي كان العقل املدبر للحرب وبف�سله جنحت لنجاح الع�سبية وتقوية التع�س

ى اإىل تفكيك الع�سبية ، وا�سطراب املواقف ، اأد اأما انق�سام جي�س علي واختالف م�ساربه فقد حمالت معاوية،

فتوالد من رحمه عداء اخلوارج وقد انتهى به الأمر اإىل اأن يكون �سيف احل�سم يف اغتيال علي.

ول تعني ع�سبية احلرب اأنها تقوم على ذات القائد الأقوى بل على ذات القائد الأدهى، فحني طلب علي املواجهة

املبا�سرة بينه وبني معاوية ، تخاذل معاوية ورف�س املواجهة لعلمه بالقدرة القتالية التي يتمتع بها علي، وجناح معاوية

ة التع�سب ي�سنعها ائتالف على الن�سر، ولكن قو

يف حربه مل يكن لأن جي�سه هو الأقوى فقد �سارف اأن�سار علي

املحاربني حتت راية واحدة وقرار موحد والقدرة على ال�ستجابة مل�سالح الأطراف املوؤتلفة داخل املجموعة الواحدة

وتفادي التناق�سات الداخلية بينها.

ها تظل خمتلفة ولكنها متكاملة، ولهذا ب اأن الأع�ساب التي تالئم بينها وت�سد فيظهر من خالل تفكيك بنية التع�س

ب يف عنا�سره يهدف اإىل فهم اأعمق لظاهرة اأراقت كثريا من الدماء، وحولت لغة الكالم اإىل لغة فاإن تفكيك التع�س

ح�سام . ولكنها ا�ستطاعت اأن تكون عامل توحيد لبناء منظومة �سيا�سية وفكرية حتافظ على م�سالح جمموعة ب�سرية

يف اإطار منطق ال�سراع على البقاء.

ب. اآليات الت�سامح: نحاول يف هذا الق�سم بيان الآليات التي حتقق الت�سامح، وهي:

- احلوار ي�سنع الت�سامح: �سهدت وقعة �سفني حربا قامت بني جي�س علي وجي�س معاوية ، ولكن الناظر اإىل هذه

احلرب يرى اأنها مل تكن غاية يف حد ذاتها، واإمنا هي و�سيلة للو�سول اإىل حتقيق غايات �سيا�سية، ميكن ح�سرها يف

رغبة رجلني يف نيل ال�سلطة، واإذا و�سعنا دائرة امل�سلحة وجدنا اأن من اأ�سباب وقوف اأطراف وراء كل قائد احلفاظ

على م�ساحلها، اأو اعتبار اأن الدفاع عن القائد ورايته دفاع عن الدين وحرب �سد اأعدائه الذين خرجوا عن حدوده،

ول يعني ذلك انف�سال تلك الغايات، فقد يكون القتال لجتماع �سببني اأو اأكرث. ومادامت الغايات بهذا اجلالء فاإن

احلرب هي و�سيلة من �سمن و�سائل اأخرى اعتمدتها الأطراف املتنازعة لتحقيق اأهدافها ومقا�سدها.

ب، و�سرب الأ�س�س التي قام عليها: ومن الو�سائل التي اأظهرت وجه الت�سامح، وحاولت تفكيك عنا�سر التع�س

اأبا مو�سى - الت�سامح باحلياد: وجود فريق اختار احلياد بدل النت�سار لفريق على ح�ساب الآخر، ون�سرب مثال

ا ومعاوية الأ�سعري، وقد وجد هذا الفريق يف اخلطاب الديني ما يربر حياده ، فهذا �سعد بن اأبي وقا�س قد اعتزل علي

ين�سح ابنه عمر بقوله مهال يا عمر ، اإين �سمعت ر�سول اهلل )�سلى اهلل عليه و�سلم( يقول :»يكون من بعدي فتنة

جتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي

تاأ�سيل �سرورة اجلابري ي��رى

مفهوم الت�سامح يف احل�سارة العربية

تبيئة من انطالقا والإ�سالمية

املفاهيم احلديثة يف ثقافتنا، بفهمها

داخل �سياقاتها التاريخية.

ملف العدد: التسامح واحلرية

75 العدد األول، ربيع 2013

ي �سنعته رواية ر�سمية تربئ الأ�سعري وتظهره بثوب الربيء د حياد ن�س ولعله جمر

)45(

»

خري النا�س فيها اخلفي التقي

.)46(

املنخدع فيما ي�سعب اأن ي�سدقه العقل

- الت�ساهل باحلوار: وذلك بوجود و�ساطات �سعت لل�سلح بني الفريقني، فلم تنقطع الر�سل بني علي ومعاوية، وقد

اء دورا مهما يف تقريب وجهات النظر وكف اأذى احلرب عن املع�سكرين. وبذلك �سار الرت�سل من عالمات لعب القر

الت�سامح، لأنه يعتمد لغة احلوار وينزع اإىل احلجاج من اأجل اإقناع اخل�سم باأطروحة غري التي يتبناها، وقد قادت بع�س

ة، فلم تكن لغة ال�سيوف هي الوحيدة التي لت احلرب اأكرث من مر ج

املرا�سالت اإىل اإيقاف احلرب جزئيا اأو كليا، واأ

تداولها الفريقان فيما بينهما.

تداعى احلجة ذو م�سى ا فلم ه، كل احلجة ذا النا�س »اقتتل فقد القتال: والتناهي عن التاأويل الت�ساهل يف -

النا�س اأن يكف بع�سهم عن بع�س اإىل اأن ينق�سي املحرم، لعل اهلل اأن يجزي �سلحا واجتماعا. فكف النا�س بع�سهم

وبذلك فاخلطاب الديني و�سيلة مزدوجة به تدق طبول احلرب املقد�سة وبف�سله ينت�سر ال�سلم بني )47(

عن بع�س.«

املتحاربني .»فبقدر ما يزرع الدين الثقة والطماأنينة والأخالق احلميدة يف النفو�س ميكن اأن يزرع بذور العنف وال�سقاق

)48(

وكره الآخر واحلروب املذهبية، مبعنى اآخر اإنه �سالح ذو حدين.«

ولقد اأبدى فريق من امل�سلمني وعيهم باأن الأمر ل يعدو اأن يكون �سراعا على التاأويل:

ب واحلرب، واأن احلقيقة تكمن يف اإ�سالم الفريقني فهذا عمرو بن العا�س يعرتف باأن الأهواء هي التي حترك التع�س

التهم، التنا و�س اإذ يقول :»اأول تعلمون اأن �س راع دون حجب املتنازعني، فيناأى مبقاربته عن التكفري ويج�سد ال�س

وهذا ،)49(

». م�ستتة الأهواء ولكن ، واحد ودينهم وديننا وقبلتهم وقبلتنا ، وحجهم وحجنا و�سيامهم، و�سيامنا

العرتاف الذي ينزع القدا�سة عن املتحاربني من �ساأنه اأن يرفع عن الأعني غ�ساوة العتقاد باأنه يحارب با�سم اهلل و

بامتالك احلقيقة الإلهية املطلقة، واإمنا هو يحارب اأخاه امل�سلم.

ويف اجلي�س الآخر جند عمار بن يا�سر ين�سد �سعرا يعرتف فيه باأ�سل النزاع على التاأويل:

نحن �سربناكم على تنزيله فاليوم ن�سربكم على تاأويله .

ومادام الأمر تاأويال، فقد �سار القتال ب�سريا قابال للنقا�س والتعديل، ولي�س خطابا �سماويا يقف فيه كل جي�س وراء

عباءة الإ�سالم ال�سحيح ول�سان حاله يقول :»اهلل يف جي�سي، يقاتل ال�سيطان يف جي�سكم اأيها الكافرون«.

)45( املرجع نف�سه �س538.

،

، وما م�سرحية التحكيم �سوى اإخراج فني يربئه من تهمة التاآمر على علي

)46( يف القراءة التي قدمتها ناجية الورميي بوعجيلة ترى اأن اأبا مو�سى متورط يف التاآمر �سد علي

.انظر كتابها :"الإ�سالم

ويجعله �سحية موؤامرة قد ل تنطلي على الأطفال وفد ا�ستندت اإىل كثري من احلجج التي تدين اأبا مو�سى وتوؤكد تورطه يف التاآمر مع معاوية �سد علي

اخلارجي ، دار الطليعة ،بريوت ،ط1،2006،�س �س 99-79.

)47( املرجع نف�سه ، �س 196.

)48( ها�سم �سالح ، الإ�سالم والنغالق الالهوتي ، طبعة دار الطليعة بريوت ط1، 2010.

)49( املرجع نف�سه ، �س317.

ملف العدد: التسامح واحلريةجتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي

76

اأخالقي: الت�سامح فعل .1 التي تروي ق�سة ا�ستيالء جي�س علي عليه بعد اأن كان يف يد جي�س معاوية ، و�سماحه رغم ذلك

)50(

فحادثة املاء

التي تعترب �سببا من اأ�سباب الكاريزما ال�سيعية التي ن�ساأت حوله من �ساأنها

لأعدائه بالورد من بعده . فاأخالق علي

ب وتهد اأركانها وقد تكون الرواية بدورها �سناعة ملفهوم الإمام. اأن ت�سعف بنى التع�س

الوجود: فالتع�سب كما �سلف عليه الذكر وقود احلرب والقتال يف وقعة �سفني، والت�سامح اأجل الت�سامح من .2ة كما ى اإىل الكف عن القتال مل يكن رفع امل�ساحف على الأ�سن قيمة تقف في�سال بني الوجود والعدم فالذي اأد

د و�سيلة، فامل�ساحف مل توقف احلرب وهي يف �سدور املقاتلني، �ساد يف كثري من الروايات فرفع امل�ساحف كان جمر

فكيف بها توقف احلرب حني ترفع على الأ�سنة التي تقطر دما؟ اإنه ال�سبب الوجودي الذي جتلى يف اإيفاد معاوية

ة اأي اأبقوا علينا ول ة«، يعنى الإبقاء، والعرب تقول للعدو اإذا غلب »البقي اأخاه »عتبة« اإىل الأ�سعث يدعوه اإىل »البقي

)51(

ت�ستاأ�سلونا .«

وقد خطب الأ�سعث ليلة الهرير :»فو اهلل لقد بلغت من ال�سن ما �ساء اهلل اأن اأبلغ فما راأيت مثل هذا اليوم قط. األ

فليبلغ ال�ساهد الغائب، اإنا اإن نحن توافقنا غدا فاإنه لفناء العرب و�سيعة احلرمات اأما واهلل ما اأقول هذه املقالة جزعا

د مناورة ومل يكن هذا الطلب جمر

)52(

من احلتف ، ولكني رجل م�سن اأخاف على الن�ساء و الذراري غدا اإذا فنينا .«

يقوم بها معاوية فقد تاأكدت هذه احلقيقة من خالل وقائع املعركة ، فبعد ليلة الهرير الدامية ، »قام الطفيل بن اأدهم

، وقام اأبو �سريح اجلذامي حيال امليمنة ، وقام ورقاء بن املعمر حيال املي�سرة ثم نادوا : يا مع�سر العرب، اهلل

حيال علي

)53(

يف ن�سائكم وبناتكم، فمن للروم والأتراك واأهل فار�س غدا اإذا فنيتم .«اهلل

بالدين النفعال وراء غاب الذي العقل ف�سوت ال�سد، اإىل الأ�سياء به انقلبت حدا ب التع�س ذروة كانت لقد

ب الذي ي�سنع واحلمية، ا�ستفاق على وقع الوعي بالهالك والفناء ف�سار ينادي بالت�سامح واحلوار بديال عن التع�س

العدم. ف�سار الت�سامح بذلك بوابة حتقيق الوجود. لقد عال �سوت العقل اأمام م�ساهد القتل الدموية، حني تناثرت

اجلثث و�سار الوقعة اأ�سبه بالواقعة يوم يكون النا�س كالفرا�س املبثوث.

والت�سامح : ب التع�س اجلامع : جدلية الن�س .3اإن »وقعة �سفني« كما نقلها ن�سر بن مزاحم املنقري، عينة من الرتاث الإ�سالمي ، ل حتمل احلقيقة يف بعدها املطلق،

،

واإمنا هي زواية نظر تاريخية ترى احلرب من منظورها، وحتمل بني طيات خطابها موقف �ساحبها املتعاطف مع علي

وقد تكون وجوه احلقيقة الأخرى غائبة عن الن�س ولكنها حا�سرة يف الواقع، فالكتاب ير�سد وقائع احلرب، ولكنه

ل ي�ستطيع النفاذ اإىل الف�ساءات التي حتت�سن الراف�سني للحرب والهاربني منها طوعا اأو كراهية كال�سيوخ اإ�سافة اإىل

الراف�سني للحرب ، ولكنهم بحيادهم �سنعوا الت�سامح وكانوا به فاعلني.

)50( فبعد اأن ا�ستوىل جي�س علي على ال�سريعة ، قال اأ�سحابه :" واهلل ل ن�سقيهم ، فاأر�سل اإليهم علي : خذوا من املاء حاجتكم ، وارجعوا اإىل ع�سكركم ، وخلوا بينهم وبني

املاء ، فاإن اهلل قد ن�سركم ببغيهم وظلمهم . "املرجع نف�سه ، �س162.

)51( املرجع نف�سه ، �س410-409.

)52( املرجع نف�سه ، �س481-480.

)53( املرجع نف�سه ، �س478.

جتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي ملف العدد: التسامح واحلرية

77 العدد األول، ربيع 2013

ومع ذلك فاإن كل حماولة لإخفاء القمي�س امللطخ بالدم، واإظهار الإ�سالم بعني املتخيل القد�سي، اأو ردم تل اجلماجم

ب، واعتباره اجتهاد اإلهي �سناعة للوهم وجتاهل للموجود ، فاحلفريات التي قمنا بها على هذا الن�س لت�سريح التع�س

تهدف اإىل الرتقاء بالوعي الإ�سالمي املفتون باملا�سي كي ل يقع يف ما وقع فيه اأ�سالفه .فقيمة الإن�سان تكمن يف

اإميانه الرا�سخ باحلياة يف عامل يوؤمن بالختالف فعال، ويت�سامح مع املختلفني مهما كان موقعه احل�ساري فاإذا كان عذر

امل�سلمني الأوائل اأنهم فكروا بلغة ع�سرهم ، فال عذر لالإن�سان اليوم يف اأن ي�سادر حق غريه يف التفكري اأو احلياة،

�سواء اأكان ذلك با�سم الإ�سالم اأو با�سم احلداثة، فالإن�سان يحتاج اليوم اأكرث من اأي وقت م�سى اإىل الت�سامح لأنه

ب يقوم على ت�سابك اأع�ساب في�سل التفرقة بني الوجود والعدم. وقد تبينا من خالل العينة املدرو�سة اأن بناء التع�س

الت�سارب بني ت�ساربها، مثل اأو الأع�ساب تعطل وظيفة تلك الت�سامح على يقوم بينما متنوعة، ولكنها متكاملة،

الع�سب القبلي وال�سيا�سي. كما اأن ا�ستنفاد ع�سب احلرب لطاقته، يوؤدي اإىل الت�سامح وتغليب لغة احلوار ، فع�سب

بالت�سامح املتحاربني لإقناع كافيا �سببا وجوديا » ة »البقي ، وقد كان �سعار ينطفئ ما مل يجد حطبا احلرب كالنار

والكف عن القتال.

قد يبدو اختيارنا للعينة غري بريء، ل يرى يف الثوب الأبي�س �سوى النقطة ال�سوداء ولكن يف احلقيقة كانت غاية

ب، وتن�سيط خاليا الت�سامح. اإن اجلراحة بطبعها الت�سريح �سبط مواطن العلة لنتمكن من اخرتاع لقاح م�ساد للتع�س

ل تتجه اإىل املواطن ال�سليمة من اجل�سد، فهي تفت�س دوما يف مواطن الداء ، ولكن تظل غايتها الأ�سمى ا�ستئ�سال

العلة وحتديد الدواء.

والعينة التي خ�سعت للجراحة والت�سريح، جتمع بني �سماحة الأخالق والت�سدد يف الدفاع على مقد�سات القبيلة،

واأهمها ال�سيادة و �سارت املرجعيات الدينية ت�سمن للت�سامح اأر�سية يف الوقت الذي ت�سمن فيه �سرعية ل�ستعمال

الأع�ساب فتاأتلف ، �سوتها ليقوى الدين توظف التـي الأوتار اأكرث يظل ال�سيا�سي الوتر ولعل املقد�س، العنف

القبلية وامل�سالح القت�سادية باأ�سماء اإ�سالمية وت�سري اللغة و�سيلة متار�س قناعا تيولوجيا للرغبات الباطنية وللع�سبيات

املوؤتلفة، يلعب اخلطاب الديني دور اجللد لتلك الأع�ساب حتى ي�سمن لها اللحمة اخلارجية والوجه امل�سرق.

الأفغاين الدين قاله جمال ما لعله يف ينزف؟ يزال اإذن واجلرح ل الدواء اأين : املطروح ال�سوؤال يظل : اأخريا

ن طباء ، وعلم اأ

حذق الأ

جهل اجلهالء، فاإذا مر�س ابنه اختار له اأ

فيق يكون من اأ ل�سكيب اأر�سالن :»اإن الوالد ال�س

.)54(

روري .« نه �سه على حياة ابنه اأ �س

ه يعلم ب�سائق حر ئا منه ، ولكن

ئا نافعا هو العلم ل يعلم هو �سي

هناك �سي

)54( �سكيب اأر�سالن ، ملاذا تاأخر امل�سلمون و ملاذا تقدم غريهم؟،دار املعارف ، تون�س، ط1،،2006.�س154.

ملف العدد: التسامح واحلريةجتليات التعصب والتسامح في الفكر اإلسالمي

78

يقبل فالت�سامح للتع�سب، اإذا و�سع �سدا اإل فهمه اإن�ساين ل ميكن و�سيا�سية وموقف اأخالقية قيمة

بالختالف والتنوع، ولذا يعد �سرطا اأ�سا�سيا ملمار�سة الدميقراطية، اإنه:»يولد قبول التباينات ويت�سمن

املعاي�سة، وال�سداقة. ويف جمتمع يت�سف باملعاي�سة، يكون الن�سان �سيد نف�سه، متحكم يف عواطفه، ولي�س يف حاجة

ملحة اإىل الق�ساء على الآخرين. ومن هذه الزاوية فان جمتمعا من هذا النوع يتطلب من الإن�سان امل�سيطر اأن يحد

.)1(

من دوافعه العنيفة حتى يتم التفاهم وي�سعف الت�سلط و يتحقق الت�سال، ويحيا الآخر يف هدوء«

و لأن املتعددة. والقيم الأن�ساق املجتمعات ذات اأي يف املتعددة، املجتمعات ويربز يف يظهر الت�سامح فاإن وعليه

اإن كان من الت�سامح مفهوم ككل املفاهيم الإن�سانية، فان له حد هو التع�سب الذي هو درجة ال�سفر للت�سامح، و

ت�سامح . ولذا فاإن م�سكلة الت�سامح تنبع من كونه ينطوي على نقي�سه و هو الال)2(

ال�سعب حتديد درجات الت�سامح

اأن اأن من م�سكالته ا�ستقرار، وحرب. كما اإليه من عنف، وا�سطراب، وعدم يوؤدي التع�سب و ما الذي ي�ستلزم

الت�سامح الالحمدود يدمر الت�سامح.

: يف االأ�سل اأوال

جند هذه املعاين وغريها حا�سرة يف تاريخ الكلمة، اإذ يوؤرخ لها ابتداء من ع�سر النه�سة، حيث يعتقد اأن الربوت�ستانتية

كانت م�سدرا للت�سامح يف القرنني ال�ساد�س ع�سر وال�سابع ع�سر، ولعل اأول من ا�ستعمل كلمة الت�سامح هو امل�سلح

الربوت�ستانتي مارتن لوثر )Martin Luther( يف حدود العام 1541، وذلك عندما ربط الت�سامح بحرية املعتقد

Michel(و مي�سال دو لو�سبتاليي ،)Erasme(وتزامن ذلك مع ظهور النزعة الإن�سانية عند اإرازم .)3(

والإميان وال�سمري

de L'hospital(، ومنتان)Montaigne(، الذين اأ�س�سوا فكرة الت�سامح يف ع�سر النه�سة، وهم فال�سفة اإن�سانيون ولهوتيون يدعون اىل امل�ساحلة بني الكنائ�س.

اال�سالم والت�سامح

موقف االمام عبد احلميد بن بادي�س

الزواوي بغوره*

التسامح

ء

ء

*ق�سم الفل�سفة، كلية الآداب، جامعة الكويت.

)1( ليليا �سابي ، التباينات واملعاي�سة، يف: الت�سامح الثقايف، حترير مراد وهبة، مكتبة الأجنلو امل�سرية، القاهرة-م�سر، 1987، �س 73.

)2( اندريه مر�سييه ، الت�سامح كاأمر فل�سفي، املرجع نف�سه، �س 52.

)3( Olivier Christian، Aux origines de la tolérance moderne، in، Magazine littéraire، N°363، mars 1998، p. 21.

ملف العدد: التسامح واحلرية

79 العدد األول، ربيع 2013

كتب اإرازم حول �سرورة الوئام املدين )la concorde civile( يف العام 1523، فاأكد على حرية الختيار لكل

فرد يف النت�ساب اإىل اأي كني�سة ي�ساء، وذلك من اأجل جتنب احلرب والقتتال. و لقد عربت معاهدة و �سلح )1598

édit de Nantes( اأو امل�ساحلة التي وقعت بني الكاثوليك و بني الربوت�ستانت ب�سكل من الأ�سكال على هذه الدعوة، و ذلك عندما اأقرت اأن امل�ساحلة مل تكن على ح�ساب املعتقد، و اإمنا من اأجل العي�س امل�سرتك.

ويف هذا ال�سياق التاريخي جند ال�سيا�سي الفرن�سي جان بودان )Jean Bouden( ين�سح ملكه ب�سرورة ال�ستعانة

، لأن اململكة مكان جلميع املواطنني الذين يطيعون القانون رغم اختالف مللهم )4(

باأهل اخلربة ممن لي�سوا من ملته

ونحلهم، وحيث اجلميع يتخلى عن معتقداته من اأجل القانون اجلمهوري الكلي. وهكذا جند اأن فكرة الت�سامح قد

اأدت اإىل فكرة التمييز بني الطاعة العامة للقانون ال�سيا�سي لل�سخ�س العام اأو املواطن، واحلرية الداخلية لكل ع�سو

يف املجموعة.

يف ر�سالة كتابه: يف )Spinoza( ا�سبينوزا عند وبخا�سة املحدثني، الفال�سفة عند الت�سامح فكرة جند كما

اإىل حرية دعوته يظهر ذلك يف رئي�سية، مكانة فل�سفته الت�سامح يف فكرة احتلت وال�سيا�سة، حيث الالهوت

. اأي )5(

التعبري والدميقراطية، اإذ يقول: »يف جمهورية حرة كل فرد م�سموح له اأن يفكر كما ي�ساء و اأن يعرب كما ي�ساء«

اأن ا�سبينوزا اأكد على ما ن�سميه اليوم ب�سرورة حرية التفكري والتعبري وذلك منذ العام 1670 تاريخ ن�سر ر�سالته يف

ا على التقوى اأو على ال�سالم يف الدولة، بل الالهوت و ال�سيا�سة، وبرهن على اأن : »حرية التفل�سف ل متثل خطر

. واأن فكرة الدميقراطية ذاتها تقوم على الت�سامح يف ظل )6(

اإن الق�ساء عليها يوؤدي اإىل �سياع ال�سالم والتقوى ذاتها«

عقد اجتماعي. من هنا اأ�سبحت فكرتا النقد العقلي والت�سامح من الأفكار الأ�سا�سية عند فال�سفة التنوير يف القرن

الثامن ع�سر.

،)7(

ولقد تزامنت دعوة ا�سبينوزا اإىل الت�سامح مع �سدور ر�سالة جون لوك ) 1632م- 1704م(حول املو�سوع نف�سه

وذلك يف العام 1689م، حيث اأكد فيها على بع�س القيم التي اأ�سبحت اأ�سا�س فكرة الت�سامح، اإذ يقول: »اإنه لي�س

من حق اأحد اأن يقتحم با�سم الدين، احلقوق املدنية والأمور الدنيوية )ولهذا فاإن( فن احلكم ينبغي األ يحمل يف

. ملاذا؟ لأنه يعتقد:» اأن خال�س النفو�س من �ساأن اهلل وحده، ثم اإن اهلل مل يفو�س )8(

طياته اأية معرفة عن الدين احلق«

اإن قوة الدين احلق كامنة يف اقتناع العقل، اأي كامنة يف باطن اإن�سان دينا معينا. ثم اأن يفر�س على اأي اأحدا يف

، وهذا يعني اأن جون لوك قد اأكد على �سرورة الف�سل بني العتقاد الديني و بني ت�سيري احلكم.)9(

الإن�سان«

كما عرفت فكرة الت�سامح تطورا على يد فال�سفة التنوير، وبخا�سة عند كانط و فولتري، حيث اأكد الأول يف ن�سني

)4( Ibid.، p. 23.

)5( Spinoza، Tolérance et liberté d’expression، in، Magazine littéraire، op-cit.، p. 26.

)6( ا�سبينوزا، ر�سالة يف الالهوت و ال�سيا�سة، ترجمة وتقدمي ح�سن حنفي، مراجعة فوؤاد زكريا، دار الطليعة، ط2، بريوت-لبنان، 1981، �س 12 .

)7( امل�سدر نف�سه، �س 43 .

)8( جون لوك، ر�سالة يف الت�سامح، ترجمة منى اأبو �سنة، تقدمي ومراجعة مراد وهبة، املجل�س الأعلى للثقافة،القاهرة-م�سر، 1997، �س 7 .

)9( امل�سدر نف�سه، �س 7.

ملف العدد: التسامح واحلريةموقف اإلمام عبد احلميد بن باديس من اإلسالم والتسامح

80

هما: ال�سلم الدائم، و:الدين يف حدود العقل الب�سيط، على اأنه من غري املمكن احلديث عن اأديان خمتلفة وكتب

�سماوية خمتلفة، فلي�س هنالك يف نظره اإل دين واحد �سالح جلميع النا�س ويف جميع الأوقات، األ وهو دين العقل.

وكتب فولتري كذلك ر�سالة: يف الت�سامح عام 1763م، حتدث فيها عن ال�سراعات الدينية الناجتة عن النزاعات

الالهوتية، وخل�س اإىل اأن الت�سامح مل يحر�س اأبدا على احلرب، يف حني اأن الالت�سامح كان وراء احلروب والقتتال.

كما كتب جون ا�ستورت ميل عن مفهوم الت�سامح يف كتابه: احلرية عام 1859م، اأ�سار فيه اإىل اأن الت�سامح مينع معه

.)dogmatisme (العتقاد باحلقيقة املطلقة، اأي متتنع معه الوثوقية اأو العتقادية

تتمثل وم�ستويات خمتلفة لها م�سامني عديدة وفل�سفية و�سيا�سية دينية فكرة الت�سامح يكون املوجز التاريخ بهذا

اأ�سا�سا يف حرية املعتقد والعقل والتعبري، والإقرار بالختالف والتنوع مع �سرورة التعاي�س والتعاون. ولكن هل يعقل

القول اأن الب�سرية قبل هذا التاريخ، تاريخ الع�سر احلديث، مل تكن مت�ساحمة ومل تعرف الت�سامح؟ �سحيح اأننا ل

جند عند اليونان كلمة مرادفة للت�سامح، ولكن من الوا�سح اأن حياتهم الجتماعية والفكرية مل تخل من الت�سامح،

.)10(

وكذلك احلال بالن�سبة للرومان والعرب وامل�سلمني

التاريخي بال�سياق تتعلق م�سكلة اأولها م�سكلة؛ اأكرث من احلديث الإ�سالمي العربي التاريخ الت�سامح يف ويطرح

للمفهوم، فكيف ميكن ترجمة كلمة )tolérance( اإىل ت�سامح؟ لي�س باملعنى القامو�سي، واإمنا باملعنى الدليل، وهل

هنالك تكافوؤ يف املعنى بني اللفظني؟ فاإذا كان الت�سامح وليد حركة الإ�سالح الديني الأوروبي، فكيف اهتم الفكر

الإ�سالحي الإ�سالمي احلديث اأي�سا بق�سية الت�سامح؟ األ ميكن ا�ستخراج اأوجه الت�سابه بني الإ�سطالحني الأوروبي

و الإ�سالمي؟ اإننا جند عندهما مثال نف�س العودة اإىل الأ�سول الأوىل، ونبذ الو�سائط، اأي تخطي التف�سري القائم، وجتاوز

ق و املذاهب واتخاذ : »موقع يكون يف م�ستوى الن�س - الأ�سل، بدعوى اأنه هو وحده القادر على مواجهة التغري للفر

. كما ميكن القول اأن العدو امل�سرتك بينهما هو ال�سعوذة. ولكن يجب عدم الن�سياق وراء الت�سابهات )11(

وتدبريه«

واملماثالت، لأن هنالك اختالفات كبرية بينهما اأقلها الو�سع التاريخي، فاحلركة الإ�سالحية الإ�سالمية كانت تواجه

و�سعا م�ساعفا اأو مزدوجا، يتمثل يف اإ�سالح العقيدة واملجتمع والدفاع عنهما �سد ال�ستعمار، فباأي معنى ميكن اأن

)12(

نتحدث عن الت�سامح يف الو�سط الإ�سالمي؟

اإن املو�سوعية تفر�س علينا، اإذا ما اأردنا اأن نحلل ومن ثم جنيب عن هذه الأ�سئلة اأن نتقدم بخطوة منهجية اأ�سا�سية،

و ذلك بغر�س: »حتا�سي يف الوقت نف�سه املغالطات التاريخية ال�سهلة واملبالغات التبجيلية التي ي�ستخدمها امل�سلمون

منهجية بخطوات القيام وجب ذلك، اأجل ومن .)13(

الغربية« والحتقارية التهامية الت�سورات تلك على للرد

اأ�سا�سية منها:

معرفة كيفية ا�ستخدام م�سطلح الت�سامح. .12. الرتكيز على الفرق بني الإ�سالم والو�سط الإ�سالمي و الفكر الإ�سالمي.

)10( املرجع نف�سه، �س 45 .

)11( املرجع نف�سه، �س 104 .

)12( حممد اركون، من في�سل التفرقة اإىل ف�سل املقال: اأين هو الفكر ال�سالمي املعا�سر؟ ترجمة وتعليق ها�سم �سالح، دار ال�ساقي، بريوت-لبنان، 1995، �س 109.

)13( املرجع نف�سه، �س 110.

موقف اإلمام عبد احلميد بن باديس من اإلسالم والتسامح ملف العدد: التسامح واحلرية

81 العدد األول، ربيع 2013

وا�سعة معرفة اإطار يف خا�سة حالة حتليل كل و دمج .3ذات اأبعاد فل�سفية. وبناء على هذا �سنحاول مقاربة ن�سو�س

الإمام عبد احلميد بن بادي�س، ويف �سياق هذا الفهم العام

ما املركزي: ال�سوؤال هذا على الإجابة نحاول للم�ساألة،

تبني التي املمار�سات وما للت�سامح؟ بادي�س ابن مفهوم

مت�ساحما؟ اأم متع�سبا بادي�س ابن كان وهل ت�ساحمه؟

مفهوم عن باحلديث ت�سمح ون�سو�سه ممار�ساته وهل وعرقيا؟ دينيا عنه املختلف ومن املتع�سبني، من موقفه وما

للت�سامح؟

ا: يف التجلياتثاني

يتعني علينا اأن نبني بداية قاعدة منهجية مفادها عدم تطويع ويل ن�سو�س الإمام امل�سلح عبد احلميد بن بادي�س اإىل

كل ظرف ومنا�سبة و�سياق و�سيا�سة ونداء، و اإمنا يجب النظر اإىل ن�سو�سه يف �سياقها التاريخي و كليتها، وبعيدا عن

الإ�سقاط وال�ستغالل الأيديولوجي الذي عانى منه اأكرث من اأربعني �سنة، هذا احتياط منهجي �سروري يف نظرنا.

وعمال على تقدمي اإجابة اأولية على هذه الأ�سئلة، يتعني علينا اأن ن�سائل مفهوم الإ�سالم عند عبد احلميد بن بادي�س،

فما هو هذا الإ�سالم الذي دعا اإليه؟ مييز ابن بادي�س بني �سكلني من اأ�سكال الإ�سالم؛ اإ�سالم وراثي، واإ�سالم ذاتي.

اأما الإ�سالم الوراثي فهو اإ�سالم:» تقليد، ل نظر فيه ول تفكري، اإ�سالم العوام، حفظ لالأمم ال�سعيفة �سخ�سيتها ولغتها،

له جانب اأن اإل يفكر اإ�سالم ل الزوايا، اإ�سالم اإنه .)14(

والنظر« بالتفكري تنه�س الأمم بالأمم، لأن ينه�س لكنه ل

اإيجابي يتمثل يف حفظ ال�سخ�سية، و لكنه ل ي�ستطيع القيام بالنه�سة، لأن الذي يقوم بهذا هو الإ�سالم الذاتي،

الإ�سالم القائم على فهم القواعد واملوؤ�س�س على الفكر والنظر، اإ�سالم م�سروط بالتعلم والعلم : » فال يكون امل�سلم

حتى يتعلم الإ�سالم، فامل�سلمون اأفرادا وجماعات م�سوؤولون عن تعلم الإ�سالم، للبنني والبنات، للرجال والن�ساء،

. اإنه اإ�سالم م�سروط بالتعلم والعلم واملعرفة وقائم على الفكر والنظر. و هذا الإ�سالم )15(

والقليل من ذلك خريه كثري«

. و بذلك فهو دين الإن�سانية ويحب الإن�سانية، وهو يف الوقت ذاته اإمكانية )16(

كما يقول هو: » الدين العقلي الروحي«

لرف�س التماثل والندماج و قدرة على التميز والختالف، اأي اأن هذا الإ�سالم الذاتي عن�سر لالختالف وللح�سور

الإيجابي يف عامل يت�سم بال�سطراب وال�سراع وحتكمه عالقات القوى والتغلب.

اإذا كان هذا الت�سور يطرح م�سكلة يقوم الإ�سالم على اأ�سول ثالثة هي القراآن وال�سنة و�سرية ال�سلف ال�سالح، و

معقدة متعلقة بعمليات التاأويل و التف�سري التي قام بها ابن بادي�س، فاإن بع�س النتائج التي تو�سل اإليها من خالل

الدعوة اإىل الإ�سالم الذاتي ذات اأهمية كبرية، و منها :

1. كما يدعو اإىل الأخوة الإ�سالمية بني جميع امل�سلمني يذكر بالإخوة الإن�سانية بني الب�سر اأجمعني.2. ي�ساوي يف الكرامة الب�سرية واحلقوق الإن�سانية بني جميع الأجنا�س و الألوان.

3. ميجد العقل ويدعو اإىل بناء احلياة كلها على التفكري.

ول �سحريا، خامتا الت�سامح لي�س

ولكنه م�ستغلق، لكل مفتاح هو

نحو اأوىل وخطوة بداية ي�سكل

جمتمع ال�سلم والتعاي�س.

. )14( ابن بادي�س، حياته واآثاره،اعداد وت�سنيف عمار طالبي، دار اليقظة العربية ، 1968، ج1 ، جملد 2 ، �س 242

)15( امل�سدر نف�سه، �س 242 .

)16( امل�سدر نف�سه، �س 265 .

ملف العدد: التسامح واحلريةموقف اإلمام عبد احلميد بن باديس من اإلسالم والتسامح

82

4. ين�سر دعوته باحلجة والإقناع ل باحليل و الإكراه ..

)17(

5. يرتك لأهل كل دين دينهم يفهمونه ويطبقونه كما ي�ساءون

كما اأننا نقراأ يف اأحد نداءات جمعية العلماء، وهذا يف اإطار �سيا�سة التمييز والحتاد مع فرن�سا يف زمن اجلبهة ال�سعبية،

دين، واأي اأي جن�س متع�سب �سد فيه:»كن كلك �سد كل يقول بادي�س بن احلميد موقعا من طرف عبد نداء

اأنك �سعب ل تريد ال�سريفة الإن�سانية. كن م�ستيقظا منظما، لتربهن على كن متحدا، فبالحتاد فقط تبلغ غايتك

والق�سوة والأ�ساليب العنف ي�ستعملون الذين بالحتجاج �سد جميع وال�سالم.ارفع عقيدتك العي�س واحلرية اإل

.)18(

ال�سيطانية اخلفية ليحدثوا الفتنة وال�سغب �سد فرن�سا و اجلزائر«

ولعل من اأهم النتائج املرتتبة على هذا الفهم اجلديد لالإ�سالم، الإ�سالم الذاتي القائم على العقل هو العي�س وفق

ولغتك وجميل بحياة قومك ووطنك ودينك اإل يقول: »حافظ على حياتك، ول حياة لك الع�سر. م�ستلزمات

عاداتك، واإذا اأردت احلياة لهذا كله، فكن ابن وقتك ت�سري مع الع�سر الذي اأنت فيه مبا ينا�سبه من اأ�سباب احلياة

التعامل، كن ع�سريا يف فكرك ويف عملك ويف جتارتك ويف �سناعتك ويف فالحتك ويف متدنك املعا�سرة و وطرق

.)19(

ورقيك، كن �سادقا يف معامالتك بقولك وفعلك«

ا فاإن ال�سرط الأول لذلك هو �سرورة الإقرار والعي�س بحرية التي ي�سفها بقوله: »حق كل ولكي يكون امل�سلم معا�سر

اإن�سان يف احلرية كحقه يف احلياة ، ومقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية، املتعدى عليه يف �سيء من

حريته )ك( املتعدى عليه يف �سيء من حياته ، وكما جعل اهلل للحياة اأ�سبابها واآفاتها جعل للحرية اأ�سبابها واآفاتها،

.)20(

ومن �سنة اهلل املا�سية اأنه ل ينعم بواحدة منهما اإل من مت�سك مبا لها من اأ�سباب وجتنب وقاوم ما لها من اآفات«

ممار�سة احلرية تفرت�س معرفة اأنها تقوم بني الأنا وبني الآخر، واأنها عالقة بني اأطراف خمتلفة. ولعل اأهم قيمة ي�سيفها

ابن بادي�س لهذا الت�سور هو اإقراره مببداأ الختالف قاعدة وقانونا للتعامل واملمار�سة، وخ�سه مبقال كامل جاء حتت

عنوان : نظر امل�سلمن اإىل غري امل�سلمن ونظر غريهم اإليهم. يقول فيه:»لأجل اأن يقتلع الإ�سالم جذور احلقد

فهم اأن اختالف الأمم وتباينهم يف نحلهم الديني والتع�سب على املخالف من قلوب اأتباعه ويزرع فيها الت�سامح. عر

. ثم ي�ستطرد، )21(

هو مب�سيئة اهلل وما كانت م�سيئته اإل حكمة و�سوابا فقال تعاىل : )ولو �ساء اهلل جلعلكم اأمة واحدة(«

تباين اأن وهي الختالف احلكمة يف بوجه »وعرفهم : قائال والتباين والختالف التعدد يف احلكمة م�ستخل�سا

اأعمالهم بتباين م�ساربهم ومداركهم مما هو �سروري لنمو العمران وتقدم الإن�سان وظهور حقائق الأفراد والأمم بالبتالء

.)22(

والختبار فيما اأتيت من عقول واإرادات وقوى واأعمال«

)17( امل�سدر نف�سه، �س 131 .

)18( امل�سدر نف�سه، اجلزء الثالث، �س 120.

)19( امل�سدر نف�سه، �س 178 .

)20( امل�سدر نف�سه، �س 480 .

)21( امل�سدر نف�سه، �س 488 .

)22( امل�سدر نف�سه، �س 488 .

موقف اإلمام عبد احلميد بن باديس من اإلسالم والتسامح ملف العدد: التسامح واحلرية

83 العدد األول، ربيع 2013

والدليل على ذلك اأن القراآن قد اأقر للمخالفني اأديانا و�سماها، كما اأقر معابدهم، واأكد على وجوب احرتامها. من هنا

خل�س اإىل موقف عام واأ�سا�سي وهو اأن الإ�سالم قد اأبقى على كل كيان ديني وطالب ب�سرورة احرتامه. وعليه فان

الإ�سالم: »ربى امل�سلمني على الت�سامح وكون نظرهم لغريهم من اأهل امللل، فهم ل يرون يف اختالف تلك امللل اإل

�سيئا قد ق�ساه اهلل واقت�سته حكمته لعمارة هذه الدار وتلك الدار وظهور اأثار عدله وف�سله واإح�سانه ورحمته، ف�سلمت

قلوبهم من احلقد الديني املمقوت والتع�سب املذموم، وجرت معاملتهم لهم يف اأيام قوة امل�سلمني واأيام �سعفهم على

�سنن الت�سامح والحرتام، اللهم اإل وقائع نادرة جدا كانت اأيام �سعف امل�سلمني وطغيان غريهم عليهم فانتقموا انتقام

.)23(

املظلوم املهان، ل انتقام احلقود املتع�سب«

واإذا كان حق احلرية والختالف ميار�س داخل جمتمعات وبلدان واأوطان، فاإنه من ال�سروري اأن نتعرف على مفهوم

الت�سامح على القائمة ال�سلمية الجتماعية عالقاته يحقق وفيه وف�ساوؤه ومكانه الإن�سان �سكن هو الذي الوطن

واحلرية والختالف، و لكن ذلك متوقف يف نظر ابن بادي�س، على نوعية ومفهوم الوطن الذي نحمله، وهكذا جند

ابن بادي�س، وبعيدا عن ال�سوفينية والتطرف، يق�سم الوطن اإىل الأوطان ال�سغرية و الأوطان الكبرية. و يقول: »وق�سم

اعرتف بهذه الوطنيات كلها واأنزلها منازلها غري العادية ول معدو عليها ، ورتبها ترتيبها الطبيعي يف تدرجها ، كل

واحدة منها مبنية على ما قبلها ودعامة ملا بعدها ،واآمن هذا الق�سم باأن الإن�سان يجد �سورته وخريه و�سعادته يف بيته

ووطنه ال�سغري، وكذلك يجدها يف اأمته ووطنه الكبري ويجدها يف الإن�سانية كلها وطنه الأكرب. وهذا الرابع هو الوطنية

الإ�سالمية العادلة. اإذ هي حتافظ على الأ�سرة بجميع مكوناتها وعلى الأمة بجميع مقوماتها وحترتم الإن�سانية يف جميع

.)24(

اأجنا�سها واأديانها«

اإن مفهوم الإ�سالم الذاتي والوطن والتقدم واحلرية والختالف قد مت التعبري عنها بخطاب قائم على احلجة واحلكمة

هي بالتي وجادلهم احل�سنة واملوعظة باحلكمة ربك �سبيل اإىل »ادع القراآنية: الآية ذلك يف م�ستلهما والبيان،

ما منها ا�ستخرج اأنه قلنا اإن نبالغ ول والدعوة. والتخاطب للتعامل اأخالقية قواعد منها م�ستخل�سا ،)25(

اأح�سن«

ميكن ت�سميته باأخالق احلوار، وهو ما يلخ�سه هذا الن�س الذي يبني اأن الت�سامح اأو التع�سب والعتدال اأو التطرف

يبداأ من الكلمة، لذلك جنده يكتب مقال خا�سا باأخالق احلوار جاء بعنوان: القول احل�سن، يقول فيه:»الل�سان اأداة

اأممه، وبريد عقله ووا�سطة تفاهمه. اأفراد النوع الإن�ساين وع�سائره، و البيان وترجمان القلب والوجدان ، فهو رابطة

فاإذا ح�سن قويت روابط الألفة، ومتكنت اأ�سباب املحبة، وامتد رواق ال�سالم بني الأفراد والع�سائر والأمم. و تقاربت

التعاون والتاآزر، وجنا العامل من وراء ذلك ال�ستقرار والأمن بالتفاهم، وت�سابكت الأيدي على العقول والقلوب

واطراد العمران. و اإذا قبح كان احلال على �سد ذلك. فالكالم ال�سيئ قاطع لأوا�سر الأخوة، باعث على البغ�ساء

والنفرة، يبعد بني العقول فتحرم ال�سرت�ساد وال�ستمداد والتعاون بني القلوب فتفقد عواطف املحبة وحنان الرحمة.

وهما اأ�سرف ما تتحلى به القلوب، واإذا بطلت الألفة والتعاون ، حلت الق�سوة والعداوة ، وتبعها التخا�سم والتقاتل،

.)26(

ويف ذلك كل ال�سر لأبناء الب�سر«

)23( امل�سدر نف�سه، �س 490 .

)24( امل�سدر نف�سه، �س 368 - 367 .

)25( �سورة النحل، الآية 125.

)26( امل�سدر نف�سه، اجلزء الأول، �س 282.

ملف العدد: التسامح واحلريةموقف اإلمام عبد احلميد بن باديس من اإلسالم والتسامح

84

ت�سامح يبداأ اأول باخلطاب و اللغة واحلديث ثم ينتقل اإىل اإن هذا يعني اأن احلرب والعنف والتع�سب والتطرف و الال

الفعل، واأن املدينة امل�ساملة املت�ساحمة تعرب بلغة م�ساملة ومت�ساحمة وت�ستبعد من قامو�سها وحواراتها واأحاديثها اللغة

املت�سنجة والأ�ساليب الدعائية املتطرفة واخلطابات املحر�سة، اإنها تهتم بلغتها وتعبرياتها واأحاديثها ال�سلمية و العنيفة

مدعومة بالأخالق و قوة القانون.

نعتقد اأن هذا الت�سور النظري للت�سامح عند ابن بادي�س والقائم، كما اأ�سلفنا على مفهوم معني لالإ�سالم مزود بنظرة

عقلية نقدية، وقائم على احلرية والتقدم وح�سن املخاطبة ل يكتمل من دون احلديث عن املمار�سات املت�ساحمة لبن

بادي�س، اأو اإن �سئنا قلنا تطبيقه لهذا املفهوم �سواء يف �سلوكه اأو يف مواقفه.

ميكن القول اأن ابن بادي�س ميتلك منظورا وت�سورا لالإ�سالم وللوطن وللحرية ي�سمح باإقامة عالقات مت�ساحمة، بل ل

نبالغ اإن قلنا اأنه يوفر اإطارا نظريا واإمكانية للحديث عن الت�سامح وعن ثقافة الت�سامح التي حاول ن�سرها طيلة عمله

العلمي والرتبوي والن�سايل، ولعل ما ي�سجعنا على هذه النتيجة هو م�ساندة وتطابق ودعم ممار�سته بل خمتلف ممار�سته

و�سلوكه اليومي لهذا الت�سور والتوجه معا، اإذ اإن م�سلكه وعالقاته وممار�ساته تدعم هذا التم�سي واملنحى الإن�ساين.

ل القول يف خمتلف املمار�سات واملواقف البادي�سية، ولذا فاإننا �سنكتفي بالإ�سارة ل ي�سمح جمال هذا البحث اأن نف�س

ق اإىل كيفية تعامله مع احل�سور الفرن�سي يف اأر�س اجلزائر وبع�س مواقفه من الأطراف والجتاهات اجلزائرية. فمثال فر

نفرق »اإننا يقول: كولونيالية، كقوة ال�ستعمار وبني وح�سارية، دولية كقوة فرن�سا بني وا�سح ب�سكل بادي�س ابن

جيدا بني الروح الإن�سانية والروح ال�ستعمارية يف كل اأمة، فنحن بقدر ما نكره هذه ونقاومها نوايل تلك و نوؤيدها،

لأننا نتيقن كل اليقني اأن كل بالء العامل هو من هذه، وكل خري يرجى للب�سرية اإمنا يكون يوم ت�سود تلك، فلت�سقط

الكثري من حججه من ي�ستمد اإننا جنده بل .)27(

ولتنت�سر« الإن�سانية الروح ولتندحر، ولرتتفع ال�ستعمارية الروح

الثقافة الفرن�سية، و من مبادئ الثورة الفرن�سية، و قيم اجلمهورية التي تلتقي يف نظره مع قيم الإ�سالم. كما رحب

كثريا باجلانب التقني والعلمي للح�سارة الغربية، و اإن اأبدى تخوفا اأو حذرا من القيم الغربية، وحتفظا من احل�سور

امل�سيحي الكن�سي يف اجلزائر، لأنه كان يرى اأن ممثلي امل�سيحية يف اجلزائر ل ميثلون الروح احلقيقية للم�سيح بقدر ما

ميثلون ال�سيا�سة ال�ستعمارية. وكانت له مالحظات نقدية على الكاثوليكية، ولكنها مالحظات بعيدة عن التع�سب

اأو التطرف اأوالعنف.

اإن هذه النظرة العقلية النقدية التي متيز بني الأ�سياء، وتف�سل بني امل�ستويات، ول تقوم باخللط واجلزم والقطع بغر�س

اإ�سدار اأحكام نهائية، تبينها طريقة تعامله مع خمتلف الأطراف والجتاهات اجلزائرية، وبخا�سة خ�سومه من الطرقيني

والندماجيني، فعلى الرغم من نقده للطرقية اإل اأنه حافظ على عالقات ح�سنة معها، وكان يزور الزوايا ويقدر دورها

يف احلفاظ على الإ�سالم. و اإذا كان من غري املمكن ا�ستيفاء احلديث عن موقفه من الطرقية، فاإنه من ال�سروري اأن

نبني جانبا اأ�سا�سيا، وهو ما عرب عنه يف هذا الن�س.

يقول: »حاربنا الطرقية ملا عرفنا فيها ، علم اهلل ، من بالء على الأمة من الداخل ومن اخلارج فعملنا على ك�سفها

وهدمها مهما حتملنا يف ذلك من �سعاب ، وقد بلغنا غايتنا واحلمد هلل وقد عزمنا اأن نرتك اأمرها لالأمة هي التي تتوىل

)27( امل�سدر نف�سه، �س 406 .

موقف اإلمام عبد احلميد بن باديس من اإلسالم والتسامح ملف العدد: التسامح واحلرية

85 العدد األول، ربيع 2013

الق�ساء عليها، ثم مند يدنا ملن كان على بقية من ن�سبته اإليها لنعمل معا يف ميادين احلياة على �سريطة واحدة وهي اأن

ل يكونوا اآلة م�سخرة يف يد نواح اعتادت ت�سخريهم ، فكل طرقي م�ستقل يف نف�سه عن الت�سخري فنحن مند يدنا له

. وكذلك احلال بالن�سبة للحركة الإندماجية، اإذ ارتبط معها بعالقات طيبة، وما يقوله )28(

للعمل يف ال�سالح العام«

على �سبيل املثال عن فرحات عبا�س بعد �سدور مقال هذا الأخري: اأنا فرن�سا، ورد ال�سيخ عليه مبقال حتت عنوان:

كلمة �سريحة، دليل عل روح الت�سامح.

يقول: »اإن كلمتنا ال�سريحة قد و�سعت الكثري من الرجال على املحك، فمنهم من ظهرت نف�سه من در مكنون،

ومنهم من انطوت جوانبه على حماأ م�سنون . و اإنا لن�سهد اأن من اأكمل الرجال الذين راأينا فيهم بهذه املنا�سبة، الهمة

العالية، و�سرف النف�س، وطهارة ال�سمري، الأ�ستاذ فرحات عبا�س ال�سيديل والع�سو البلدي والعمايل ب�سطيف)...(.

فال�سيد فرحات عبا�س مل يتاأمل ومل يتكدر، و�سلك م�سلك رجال ال�سيا�سة الذين يحبذون النقد وين�ساعون لكلمة

احلق، فزار اإدارة ال�سهاب، و اأكد لها تقديره جلهودها، وجرت له مع �ساحب ال�سهاب حمادثة دلت على �سمو اأدبه

.)29(

وعلو كعبه يف عامل ال�سيا�سة والتفكري«

وعلى الرغم من انتماء ابن بادي�س اإىل املذهب املالكي اإل اأنه اعتمد على خمتلف املدار�س الفقهية، و�ساند اقرتاح

م�سر بتوحيد الت�سريع الإ�سالمي. كما تعاون مع الإبا�سية و�سارك اأعالمهم يف جمعيته. يقول يف هذا املعنى: »كنت

ومازلت اأقول يف جمال�سي ودرو�سي اأن املذاهب الفقهية غري الأربعة امل�سهورة هي كالأربعة تتفق وتختلف عن نظر

. ياأتي هذا الت�سريح اإثر اخلالف الذي وقع بني الإبا�سية واملالكية يف غرداية يف م�ساألة الأذان، حيث )30(

واجتهاد«

منعت الإبا�سية املالكية من الأذان يف م�سجدين من م�ساجدهما م�ستن�سرين بال�سلطة القائمة هنالك، فتدخل عبد

احلميد بن بادي�س وانتهت و�ساطته اإىل ما كتبه يف مقال بعنوان: للحق والن�سفة، حول منع الأبا�سية اإخوانهم

املالكية من الأذان بغرداية.

يقول: »قد ثبت عندنا اأن بع�س الأبا�سية بغرداية منذ زمان بعيد بنا م�سجدا وعال له مئذنة واأحدث فيه اأذانا ثانيا

اأن الإبا�سية مل مينعوا مالكية غرداية من الأذان فاتفقت جماعة الإبا�سيني على منعه وهدم مئذنته. فعلمنا بهذا

تع�سبا عليهم لأنهم مالكية)...(. واإمنا منعوهم لأنهم يرون الكتفاء يف البلد باأذان واحد. فنحن بهذا قد براأنا الإبا�سية

من تع�سبهم على املالكية لأنهم مالكية. و لكننا من ناحية اأخرى نرى اأنه من حق عليهم اأن يرجعوا يف هذه امل�ساألة

عن راأيهم وي�سمحوا لإخوانهم املالكية بالأذان. اأول، اإ�سالحا لذات البني بني امل�سلمني، وهي يف الإ�سالم من اأول

ما يجب القيام به و تتاأكد املحافظة عليه. و ثانيا، حفظا للوحدة الإ�سالمية بحفظ القلوب غري مت�سدعة بداء الفرقة

القتال املعدود يف الإ�سالم من اأكرب املحرمات املهلكات. و ثالثا ، جماملة لبقية اإخوانهم املالكية بالقطر الذين تربطهم

.)31(

بهم رابطة الدين والوطن وامل�سلحة«

)28( امل�سدر نف�سه، اجلزء الرابع، �س 369 .

)29( امل�سدر نف�سه، اجلزء الثالث، �س 317.

)30( امل�سدر نف�سه، �س 500.

)31( امل�سدر نف�سه ، �س 504 .

ملف العدد: التسامح واحلريةموقف اإلمام عبد احلميد بن باديس من اإلسالم والتسامح

86

. من )32(

وعموما فاإنه كان يرى اأن الختالف بني مذاهب وفرق الدين الإ�سالمي، اختالف يف الجتهاد ل غري

هنا دعا اإىل الجتهاد واإىل اإدراك قيم التقدم والتطور والرقي، ومن هنا اأي�سا كان موقفه الإيجابي من تعليم املراأة،

ومن جتربة كمال اأتاتورك، و تعامله مع خمتلف الأحزاب ال�سيا�سية، وتعاونه معهم مثل ما يف موؤمتر 1936م. اإل اأنه،

ولظروف �سيا�سية معروفة ومفهومة، جند ابن بادي�س يتخذ مواقف حادة، كموقفه من املجن�س و هل جتوز ال�سالة عليه

و دفنه يف مقابر امل�سلمني اأم حترم؟ ولقد اأقر بتحرمي �سالة اجلنازة عليه، و اأن ل يدفن يف مقابر امل�سلمني. ومن الوا�سح

هنا اأن اجلن�سية غري الدين وهو نف�سه يفرق بني اجلن�سية ال�سيا�سية واجلن�سية القومية، ولكن الو�سع ال�سيا�سي للجزائر

.)33(

هو املقرر يف هذه احلالة

ولعل اقتناعه ب�سرورة الختالف واحرتامه واإميانه باحلرية يتاأكد من موقفه مما عرفته ق�سنطينة يف العام 1934، و ما

كتب عنه وو�سفه ابن بادي�س بعنوان: فاجعة ق�سنطينة، و�سفا امتد لأربعة اأيام و اأنتهى فيه اإىل القول:» كتبنا هذا

التقرير عن احلالة كما �ساهدناها، وكما حتققنا فيما بلغنا من الثقات عندنا، واإننا بعد ذلك ناأ�سف و ناأمل على ما ي�سيب

الإن�سان وعلى اأن جتري هذه احلوادث بني عن�سرين �ساميني اإبراهيميني عا�سا قرونا يف وطن واحد دون اأن ي�سهدا

مثلها ون�سال اهلل تعاىل اأن يبطل كيد الظاملني، ويرد �سر املعتدين عن اخللق اأجمعني واأن يرحم امل�ست�سعفني وين�سر

.)34(

املظلومني من جميع العاملني«

اإنها اأيام الفاجعة اأو ما عرف باأحداث اليهود التي وقف فيها ابن بادي�س وقفة ت�ستدعي النظر والتفكري والتذكري،

و ذلك ملا عربت عنه من ت�سامح وتذكري بالقيم الإن�سانية امل�سرتكة التي جتمع بني الأجنا�س على اختالف اأعراقها

وعقائدها واجتاهاتها.

ثالثا: نتائج اأولية:

ل�سياقها ن�سر التي مل ا�سرتاتيجيته وحتى ورهاناته وعالقاته بادي�س ابن املختلفة خلطاب الوظائف اإن

ا للمجال املحدد لهذه الدرا�سة، اإل اأن م�سلكه العام و�سريته وعالقاته التاريخي اإل اإ�سارة خفية، وذلك نظر

تدعم هذا التوجه املنهجي الذي نقراأ به ن�س ابن بادي�س، ولذا ميكن القول اإجمال:

1. من بني الأ�سباب التي اأدت اإىل ما هي عليه اجلزائر هو غياب الت�سامح ثقافة وم�سلكا،و قلة املغايرة وانعدام التعدد والختالف، و�سيطرة الفكر و الثقافة الأحادية وال�ستبعادية وفق تاأويل للتاريخ والرتاث يحتكم يف جوانبه العديدة

اإىل ما يدعم وي�ساند التع�سب والتطرف.

اأوىل نحو الت�سامح خامتا �سحريا، ول هو مفتاح لكل م�ستغلق، ولكنه ي�سكل يف اعتقادنا، بداية وخطوة 2. لي�س جمتمع ال�سلم والتعاي�س. و اأنه اإذا كان �سحيحا القول اأن للت�سامح م�سامني خمتلفة ومعامل غري حمددة، فاإنه من

ال�سحيح كذلك اأن قيما اأ�سا�سية وثقافة معينة هي اأ�سا�س الت�سامح، و منها النظرة العقلية النقدية، واحلرية، واحرتام

تقت�سي التي ال�سلوك ووجهة ال�سري خط يعترب املعنى بهذا وهو للت�سامح. اجلوهرية القيم من وهي الختالف،

)32( لالطالع اأكرث انظر:

- Ali Merad، Le réformisme musulman en Algérie de 1925 à 1940، Alger، Les éditions El Hikma،1999، p.195.

)33( ابن بادي�س، امل�سدر نف�سه، اجلزء الرابع، �س 422 .

)34( امل�سدر نف�سه، �س 56 .

موقف اإلمام عبد احلميد بن باديس من اإلسالم والتسامح ملف العدد: التسامح واحلرية

87 العدد األول، ربيع 2013

فيما تقت�سي ترك الآخر يعرب بحرية عن معتقداته وقناعته واأفكاره دون �سرط م�سبق من اأن تكون موافقة اأو م�ساندة

لأفكارنا وقناعتنا ومعتقداتنا. ل بد من متكينه من العي�س يف اأمن و�سالم ووئام ووفقا ملبادئه التي ل نقا�سمها. من هنا

تظهر �سرورة الإجماع يف جمتمع متعدد، اأي ذلك املجتمع الذي ي�سمن عدم التخلي عن القناعات والتعبري احلر

عن الأفكار دون اللجوء اإىل العنف اأو و�سائله بل يفر�س ويحتم اإدانة العنف الكالمي والفيزيائي وجميع الأ�سكال

التي يعرب عنها �سواء باأيديولوجيات وثوقية دوغماتية اأو عن�سرية متطرفة.

3. لقد بينت لنا التجربة الإن�سانية احلديثة، اأن الب�سرية قد نا�سلت من اأجل ن�سر ثقافة الت�سامح، وما حقوق الإن�سان والعربي الغربي التاريخ بني الفارق بينا قد كنا اإذا و الت�سامح، لفكرة املبا�سرة النتائج نتيجة من اإل والدميقراطية

الإ�سالمي وخ�سو�سا اجلزائري، فالأننا نعتقد اأن ما قدمه ابن بادي�س ت�سورا وممار�سة، يعد م�ساهمة اأ�سا�سية يف اإر�ساء

ثقافة الت�سامح التي من دونها ل ميكن احلديث عن ال�سالم وال�سلم الجتماعيني.

4. اإن تر�سيخ قيمة الت�سامح يقت�سي يف كل مكان توافر �سرطني اأ�سا�سيني: الأول هو اإرادة الفرد يف الت�سامح، والثاين .

)35(

ارتباط هذه الإرادة الفردية بالإرادة ال�سيا�سية على م�ستوى الدولة

5 �سرورة اإقامة دولة احلق والقانون التي ت�سمن احل�سانة املت�ساوية حلرية التعبري لكل املواطنني على اختالف اأرائهم ومواقع الفكرية والعقائدية دون ا�ستثناء، اأي لكل الأديان والفل�سفات واملذاهب .

.)36(

6. قيام جمتمع مدين متما�سك ومتقدم و قادر على اأن يوؤدي دوره ال�سيا�سي و الأخالقي7. اإن الت�سامح موقف ح�ساري ومدين فعال، ولي�س موقفا عفويا، فالإن�سان مييل بطبعه وطبيعته اإىل رف�س خمالفه ويكرهنا يخالفنا الذي مع العي�س على وتكوينا تربية الت�سامح يتطلب لذا . والعقيدة والل�سان اللون يف ومغايره

ويختلف معنا ، من هنا �سرورة تعليم الت�سامح وقيمه يف املنظومة الرتبوية ، ولقد كان ابن بادي�س اأول وقبل كل �سيء

معلما لقيم الت�سامح .

الفال�سفة من عنه غريه ما عرب مثل بادي�س، ابن عنه متكامال عرب منظورا بل وموقفا قيمة لي�س الت�سامح اإن .8واحلرية والتقدم بالعقل الأخذ اإىل الداعية وقيمه الذاتي الإ�سالم مفهوم النظرية يف قاعدته يجد و وامل�سلحني،

والختالف والإن�سانية، وم�سلك عرب عنه �ساحبه يف العديد من املواقف �سواء مع من مياثله يف الدين واجلن�س واللغة

اأو من يغايره، لذلك فان الت�سامح هو اأول وقبل كل �سيء ثقافة واقتناع وم�سلك .

9. اإن العي�س يف جمتمع مت�سامح هو العي�س يف جمتمع يقبل النقد ويوفر الحرتام و التقدير، بحيث يحق لكل فرد اأن يعرب بحرية عن فكره دون اأن يفر�سه على الآخرين، كما اأن الت�سامح يفرت�س احلذر والفكر النقدي اإذ ل ميكن

الت�سامح مع العن�سرية والتع�سب والعنف، فمنطق الت�سامح هو امل�ساواة واحلق يف احلرية و الأمن وال�ستقرار وال�سلم

والعرتاف املتبادل بني اأفراد املجتمع.

)35( حممد اركون، مرجع �سبق ذكره، �س 115.

. )36( حممد اركون، ق�سايا يف نقد العقل الديني، كيف نفهم ال�سالم اليوم؟ ترجمة وتعليق ها�سم �سالح، دار الطليعة، بريوت-لبنان، 1998، �س 245

ملف العدد: التسامح واحلريةموقف اإلمام عبد احلميد بن باديس من اإلسالم والتسامح

88

جدل املرجعيات يف الفكر الإ�سالمي اليوم اأبعادا جديدة، خا�سة يف �سياق م�سارات النتقال الدميقراطي

الذي تت�سوف اإليه دول الثورات العربية الراهنة، وما اأفرزته هذه امل�سارات من اإ�سكالت تتعلق بالعالقة بني

الإ�سالم والدميقراطية وباملرجعيات املذهبية والجتهادية الإ�سالمية التي ميكن اأن ت�سهم اليوم بدور تاأ�سي�سي اإيجابي

وفاعل يف حتقيق الطموح الدميقراطي املن�سود. �سمن هذا ال�سياق املو�سوعي تربز اأهمية الت�ساوؤل عن قيمة الرتاث

ميكن التي العنا�سر وعن املا�سيني، القرنني يف احلديثة الإ�سالمية الإ�سالحية احلركة لنا خلفته الذي الفكري

ا�ستيعابها منه وا�ستثمارها اأو تطويرها من اأجل بناء اخللفية الثقافية العامة واخللفية الإيديولوجية للنخب القادرتني

على قيادة م�سروع النتقال الدميقراطي يف اأقطار الثورات العربية الراهنة. وتنخرط هذه الورقة يف هذا الإطار باعتبارها

�ستقارب مو�سوع الت�سامح من حيث هو مفهوم اأ�س�سه رواد الإ�سالح الديني من مفكري النه�سة العربية احلديثة، اإذ

�سنعود اإىل هذا التاأ�سي�س من خالل مدونتني خم�سو�ستني لكل من امل�سلح امل�سري ال�سيخ حممد عبده )1849-

1905( وامل�سلح التون�سي ال�سيخ حممد الطاهر ابن عا�سور )1879-1972(، حماولني ا�ستقراء م�سامني مفهوم الت�سامح عندهما وقابليتها للتطور يف �سوء طموح النتقال الدميقراطي املت�سوف اإليه عربيا اليوم.

الت�سامح يف مفهومه االإ�سالحي وو�سع املفارقة

يعود ال�سيخ حممد الطاهر ابن عا�سور اإىل الدللة اللغوية لدال »الت�سامح« يف العربية، في�سري اإىل اأن »الت�سامح م�سدر

�ساحمه اإذا اأبدى له �سماحة قوية ... واأ�سل ال�سماحة ال�سهولة يف املخالطة واملعا�سرة، وهي لني يف الطبع يف مظان

ل هذا اللفظ يف جذور اللغة العربية ل ينفي اأنه مل يكت�سب �سفة املفهوم . غري اأن تاأ�س)1(

تكرث يف اأمثالها ال�سدة«

به ابن عا�سور يف قوله: »واأنا الفكري الدال على قيم عملية و�سلوكية خم�سو�سة اإل يف ع�سر احلديث.وهذا ما يقر

اأريد بالت�سامح اإبداء ال�سماحة للمخالفني للم�سلمني بالدين وهو لفظ ا�سطلح عليه العلماء الباحثون عن الأديان من

التاأ�سي�س االإ�سالحي للت�سامح

والتحول الدميقراطي عربيا

سهيل احلبيب*

يتخذ

*اأ�ستاذ حما�سر مبركز الدرا�سات الإ�سالمية بالقريوان.

)1( حممد الطاهر ابن عا�سور، اأ�سول النظام الجتماعي يف الإ�سالم )تون�س: دار �سحنون والقاهرة: دار ال�سالم، 2006(، �س 213.

ملف العدد: التسامح واحلرية

89 العدد األول، ربيع 2013

املتاأخرين من اأواخر القرن املا�سي - القرن التا�سع ع�سر- اأخذا من احلديث »بعثت باحلنفية ال�سمحة«، قد �سار

.)2(

هذا اللفظ حقيقة عرفية يف هذا املعنى«

اأ�سحاب الأديان والعقائد والت�سامح، بهذا املعنى، هو عالقة ذات طبيعة مناق�سة ملا �ساد تاريخيا من عالقات بني

واملختلفة، اإذ »كان اأهل الأديان منذ عرف التاريخ يجعلون الدين جامعة ومانعة، اأي : كما يجعلونه جامعا للمتدينني

به يف املودة وح�سن املعا�سرة والع�سبية، كذلك يجعلونه مانعا من المتزاج واملعا�سرة واملودة مع املتدينني بغري دينهم،

ثم ت�سب بينهم بحكم التولد والتدرج �سدف الكراهية ثم البط�س باأولئك املخالفني، و�سواهد التاريخ على ذلك

ب باعتباره حالة نف�سية تتملك �ساحب العقيد . وي�سخ�س ال�سيخ حممد الطاهر ابن عا�سور موقف التع�س)3(

كثرية«

جتاه من يخالفه فيها، فاملت�سيع لعقيدة ما »رمبا اأح�س من �سالل خمالفه باإح�سا�س ي�سيق به �سدره ومتتلئ منه نف�سه

.)4(

تعجبا من قلة اهتداء املخالفني اإىل العقيدة احلقة وكيف يغيب عليهم ما يبدو له هو وا�سحا بينا«

ب باعتباره ثمرة عمل تربوي اأخالقي مقاوم لتلك من هنا يطرح ال�سيخ ابن عا�سور �سلوك الت�سامح امل�ساد للتع�س

احلالة النف�سية التي ت�ستبد باملتدين واملوؤمن بعقيدة ما ب�سورة عامة، »فيكون من الن�ساأة على مكارم الأخالق معدل

لذلك احلرج و�سارح لذلك ال�سدر ال�سيق، حتى يتدرب على تلقي خمالفات املخالفني بنف�س مطمئنة و�سدر رجب

. اإن ال�سيخ الطاهر يجعل من موقف الت�سامح )5(

ول�سان طلق لإقامة احلجة والهدى اإىل املحجة دون �سجر ول �ساآمة«

موقفا اأخالقيا رفيعا )من مكارم الأخالق( يقوم على قبول واقع الختالف، وعلى �سرورة التعاي�س ال�سلمي بني

الذي بالختالف والقبول بينهم. ما للتعامل يف اأوحدا �سبيال الفكرية املحاججة وجعل وفكريا دينيا املختلفني

والفكرية وحرية الدينية التعددية مببداأي القبول بالتبعية، يت�سمن، الأخالقي الت�ساحمي املوقف هذا له يوؤ�س�س

الختيار.

يرتبط، اإذن، مفهوم الت�سامح، من حيث هو مدلول يفيد العالقة الإيجابية بني املتخالفني دينيا وفكريا، ب�سياق الفكر

الإ�سالحي العربي الإ�سالمي احلديث منذ القرن التا�سع ع�سر، حتى واإن �سعى املنظرون له من رواد هذا الفكر ـ

كما �سرنى يف قادم ال�سطور ـ اإىل تاأ�سيل دللته يف ن�سو�س الإ�سالم التاأ�سي�سية وجتذير قيمه العملية يف ممار�سات

اأوائل امل�سلمني. ومن ثمة مل تكن ن�ساأة هذا املفهوم مبعزل عن املي�سم الإ�سكايل العام الذي طبع فكر النه�سة العربية

الأول، مفارقة بني و�سع اأ�سا�سيني، فهي، يف وجهها املرتكبة من وجهني املفارقة والذي مداره على فكرة احلديثة

لعوامل امل�سلمني امتالك بني مفارقة الثاين، امل�سيحيني، وهي، يف وجهها الغربيني تقدم وو�سع امل�سلمني تخلف

النهو�س التي يتوفر عليها دينهم وافتقاد امل�سيحيني ملثل هذه العوامل التي ل اأ�سول لها يف عقيدتهم.

ميثل الت�سامح اأمنوذجا لهذه املفارقة املركبة التي ا�ستبدت بالتفكري النه�سوي الإ�سالحي العربي الإ�سالمي احلديث.

فامل�سلح ل ينكر »اأن من بني الأمم الأوروبية اأمة تعرف كيف حتكم من لي�س على دينها، وتعرف كيف حترتم عقائد من

)2( امل�سدر نف�سه، ال�سفحة نف�سها.

)3( امل�سدر نف�سه، �س 214 - 215.

)4( امل�سدر نف�سه، �س 215.

)5( امل�سدر نف�سه، �س 216.

ملف العدد: التسامح واحلريةالتأسيس اإلصالحي والتحوال الدميوقراطي عربيا

90

الفكر الإ�سالحي بتج�سم حقيقة الت�سامح يف جمتمعات . وكما يقر

)6(

ت�سو�سهم وعوائدهم، وهي الأمة الأجنليزية«

كذلك باأن »كثريا من العلماء ومن املفكرين من امل�سلمني وغريهم ل يت�سور معنى �سماحة غربية م�سيحية، فاإنه يقر

الإ�سالم حق ت�سورها ورمبا اعتقدوا اأنها غري موجودة يف الإ�سالم، ورمبا اعتقد مثبتوها اأحوال لها تزيد يف حقيقتها

اأو تنق�سها عما هي عليه، ولقد جند بع�س العذر لهوؤلء يف هذا اخلطاأ املختلف، لأنهم قد ي�ساهدون من اأحوال عامة

امل�سلمني يف كثري من ع�سور التاريخ ما يكون �سورة يجعلونها حقيقة للتاريخ، فيخالفون بذلك �سورة حقيقية ماثلة

.)7(

يف اخلارج قائمة عليها �سواهدها«

الت�سامح باعتباره اأ�سال اإ�سالميا والتع�سب انحرافا عنه

مثل و�سع املفارقة هذا الإطار العام الذي حكم عملية التاأ�سي�س ملفهوم الت�سامح يف الفكر الإ�سالحي الإ�سالمي

احلديث. من هذا املنطلق اتخذ هذا التاأ�سي�س منحى تاأ�سيليا واأ�سوليا يهدف اإىل اإبراز اأن هذه اخل�سلة التي تت�سم

بها جمتمعات غربية م�سيحية اإمنا هي اأ�سل من اأ�سول الإ�سالم الذي »مع ما دعا اإليه اأتباعه من جعله الدين هو

اجلماعة العظمى التي ت�سمحل اأمامها �سائر اجلماعات اإذا خالفتها ، فهو مل يجعل تلك اجلامعة �سببا العتداء على

.)8(

غري الداخل غيها، ول لغم�س حقوقه يف احلياة واإجراء الأحكام فجعل الت�سامح من اأ�سول نظامه«

ي�ستخل�س امل�سلح مبداأ الت�سامح من املنت الن�سي التاأ�سي�سي يف الإ�سالم، وي�ستعر�س من الآيات القراآنية والأحاديث

النبوية ما يجعله ي�ستفيد باأن »القراآن وكالم الر�سول �سلى اهلل عليه و�سلم يف منا�سبات يعلم امل�سلمني اأن الختالف

�سروري يف جبلة الب�سر واأنه من طبع اختالف املدارك وتفاوت العقول يف ال�ستقامة، وهذا املبداأ اإذا تخلق به املرء

، ل نظره اإىل الأمر العدواين املثري اأ�سبح ينظر اإىل الختالف نظرة اإىل تفكري جبلي تتفاوت فيه املدارك اإ�سابة وخطاأ

ترجمته فاإن امل�سلح، اإىل بالن�سبة التاأ�سي�سية، الإ�سالم ن�سو�س موؤ�سال يف اأ�سال الت�سامح كان وملا .)9(

للغ�سب«

العملية جت�سدت يف �سلوكات اأوائل امل�سلمني جتاه غريهم من اأ�سحاب الديانات الأخرى، وحتديدا ملا » مازج امل�سلمون

اأمما خمتلفة الأديان دخلوا حتت �سلطانهم من ن�سارى العرب وجمو�س الفر�س ويعاقبه القبط و�سابئة العراق ويهود

اأريحاء، فكانوا مع اجلميع على اأح�سن ما يعامل به الع�سري ع�سريه، فتعلموا منهم وعلموهم وترجموا كتب علومهم

وجمعوا لهم احلرية يف اإقامة ر�سومهم، وا�ستبقوا لهم عوائدهم املتولدة من اأديانهم، ورمبا �ساركوهم يف كثري منها بعنوان

.)10(

عوائد، كما كان عملهم يف عملهم يف عيد النريوز وعيد الغم�س يف م�سر«

اأوائل امل�سلمني جتاه من عاي�سوهم من معتنقي الأديان ول يتجلى اأ�سل الت�سامح يف الإ�سالم عمليا يف �سلوكات

الأخرى فح�سب، بل اإن املمار�سة الت�ساحمية متج�سمة يف �سلوكات علماء الإ�سالم الأوائل جتاه بع�سهم البع�س،

حيث »ي�سافح الفقيه املتكلم واملحدث الفقيه واملجتهد الريا�سي واحلكيم، وكل يرى يف �ساحبه عونا على ما ي�ستغل

هو به. وهكذا اأدخل به بيتا من بيوت العلم فاأجد جميع هوؤلء �سواء يف ذلك البيت يتحدثون ويتباحثون، والإمام

)6( حممد عبده، الإ�سالم والن�سرانية مع العلم واملدنية )بريوت: دار احلداثة، 1988(، �س 196.

)7( ابن عا�سور، �س 214.

)8( امل�سدر نف�سه، �س 215.

)9( امل�سدر نف�سه، �س 216 - 217.

)10( امل�سدر نف�سه، �س 219

التأسيس اإلصالحي والتحوال الدميوقراطي عربيا ملف العدد: التسامح واحلرية

91 العدد األول، ربيع 2013

البخاري حافظ ال�سنة بني يدي عمران بن قحطان اخلارجي ياأخذ عنه احلديث، وعمرو بن عبيد رئي�س املعتزلة بني

. ومن عالمات الت�سامح الذي �ساد عالقات اأوائل )11(

يدي احل�سن الب�سري �سيخ ال�سنة من التابعني يتلقى عنه«

علماء امل�سلمني اأن »ل يقول اأحد منهم لآخر اإنه زنديق اأو كافر اأو مبتدع، اأو ما ي�سبه ذلك. ول تناول اأحد منهم يد

باأذى، اإل اإذا خرج على نظام اجلماعة، وطلب الإخالل باأمن العامة، فكان كالع�سو املجذوم فيقطع ليذهب �سرره

.)12(

عن البدن كله«

ولكن اإذا كان الت�سامح اأ�سال يف ن�سو�س الإ�سالم ويف ممار�سات اأوائل امل�سلمني، فكيف ميكن تف�سري و�سع املفارقة

الذي يتجلى عيانيا يف الع�سور احلديثة؟ من اأجل حل لغز هذه املفارقة، يرجع امل�سلح انتفاء الت�سامح و�سيوع ظواهر

ب عند امل�سلمني اإىل عدم مت�سكهم ب�سحيح الإ�سالم، لأن ولع امل�سلمني بالتكفري والتف�سيق ورمي زيد باأنه التع�س

من الب�سرية اأهل الفنت واأكلت بينهم، يظهر الدين يف ال�سعف بداأ عندما فيهم »بداأ زنديق باأنه وعمرو مبتدع

ب عندما »حدث الغلو يف الدين، وا�ستعرت نريان العداوات بني النظار فيه، و�سهل . وا�ستفحل داء التع�س)13(

اأهله«

على كل منهم جلهله بدينه اأن يرمي الآخر باملروق منه لأدنى �سبب، وكلما ازدادوا جهال بدينهم ازدادوا غلوا فيه

بالباطل ودخل الفكر والعلم والنظر )وهي لوازم الدين الإ�سالمي( يف جملة ما كرهوه، وانقلب عندهم ما كان واجبا

.)14(

من الدين حمظورا فيه«

ب الذي يقف وراء ظواهر واإذا كان الأ�سل يف الإ�سالم، بالن�سبة اإىل الفكر الإ�سالحي، هو الت�سامح، وكان التع�س

التكفري والتبديع والتف�سيق ناجما عن انحراف امل�سلمني عن الإ�سالم، فاإن الو�سع خالف ذلك بالن�سبة اإىل بقية

ما احرتام مع فرائ�سه باأداء يتمتعون الدين لأهل احلرية اإطالق »خ�سلة ال�سريفة اخل�سلة هذه اأن ذلك الأديان،

باأن الإ�سالم ياأبى القول اأجد من يحرتمون، هي من اأجل اخل�سال التي ورثها غري امل�سلمني عن امل�سلمني، وهل

.)15(

ال�سليم من البدع هو اأ�ستاذ الأجنليز وعنه اأخذوا هذه اخللة«

ر مفهوم الت�سامح اال�سالحي اإىل فكرة التعددية الدميقراطيةاإمكانات تطو

حينما نعود اليوم اإىل مفهوم الت�سامح عند امل�سلحني املحدثني، من منظور مقت�سيات م�سروع النتقال الدميقراطي

املاأمول حتقيقه عربيا، لبد اأن نت�ساءل عما ينطوي عليه من عنا�سر قادرة على اأن تكون روافد يف هذا امل�سروع. ولعل

عوا، من خالل العن�سر الأبرز الذي نرى من الواجب تثمينه يف هذا ال�سياق اأن رواد الفكر الإ�سالمي احلديث قد �سر

بنا تاأ�سي�سهم ملفهوم الت�سامح، لفكرة التعدد والختالف اإىل درجة اعتباره »�سروري يف جبلة بني الب�سر«، كما مر

يف قول ال�سيخ حممد الطاهر ابن عا�سور. لقد وقع الرتقاء بقبول مبداأ الختالف اإىل درجة املوقف الأخالقي، فهو

اإن املوؤمن »يتدرب على تلقي خمالفات املخالفني بنف�س مطمئنة و�سدر رحب«. التي جتعل من مكارم الأخالق

مزية مفهوم الت�سامح الإ�سالحي اأنه قدم قراءات يف ن�سو�س الإ�سالم ويف جتارب امل�سلمني التاريخية من زاوية اإبراز

)11( حممد عبده، �سبق ذكره، 176.

)12( امل�سدر نف�سه، �س 178.

)13( امل�سدر نف�سه، �س 179.

)14( امل�سدر نف�سه، �س 179 - 180.

)15( امل�سدر نف�سه، �س 197.

ملف العدد: التسامح واحلريةالتأسيس اإلصالحي والتحوال الدميوقراطي عربيا

ء

92

فكرة التعدد ل فكرة الوحدة وتثمني مبداإ الختالف ل مبداإ الإجماع، والنت�سار ل�سلوكات التعاي�س والتحاور بني

املتخالفني ل ل�سلوكات ال�سراع والنفي املتبادل بينهم.

للممار�سة املنا�سبة وال�سروط الديني الفكر يف بالتعددية القبول منزع بني وثيقة عالقة نوجد اأن ع�سريا لي�س

الدميقراطية �سيا�سيا. فال �سك يف اأن فكرة التعددية الدينية ت�سكل رافدا من روافد التاأ�سي�س الدميقراطي، ثم مظهرا

من مظاهر الدميقراطيات امل�ستقرة. ويف �سريورة التحديث والدمقرطة démocratisation التي قطعتها املجتمعات

الغربية قام الإ�سالح الربوت�ستانتي بدور الكبري حينما اأدخل فكرة التعددية الدينية وقو�س النزعة الكونية للكني�سة

اأن تراث مفهوم الت�سامح عند امل�سلحني امل�سلمني يف القرنني املا�سيني . من هذا املنطلق يبدو لنا )16(

الكاثوليكية

قادر اأن يكون عن�سرا من العنا�سر الفاعلة اإيجابيا اليوم يف الثقافة اجلمعية عامة، ويف ثقافة النخب الدينية على وجه

اخل�سو�س.

عا�سور بن الطاهر ال�سيخ حممد به قام الذي التاأويل اليوم ميثلها اأن ميكن التي الهامة القيمة ننكر اأن ميكن ل

لن�سو�س من القراآن وال�سنة والذي اأف�سى به اإىل ا�ستنتاج موؤداه »اأن الختالف �سروري يف جبلة الب�سر واأنه من طبع

اختالف املدارك وتفاوت العقول يف ال�ستقامة«. كما ل ميكن اأن نقلل من �ساأن املجهود الفكري الذي قام به ال�سيخ

حممد عبده والذي يوؤدي اإىل تطبيع فكرة التعدد العقدي واملذهبي يف التاريخ الإ�سالمية وتاأ�سيلها باعتبارها اأ�سا�سا

اإىل الت�سامح باعتباره موقفا اأخالقيا فح�سب، بل اأن يقود اأ�س�س الإ�سالم. فهذا املخزون الإ�سالحي ل ميكن من

د الت�سليم كذلك اإىل التعددية باعتبارها مبدءا فكريا وثقافيا، وكما يقول مار�سيل غو�سيه: »ل اأعني بالتعددية جمر

امل�سروع الوجود املوؤمن يف عقيدته اخلا�سة يدرج اأن بها اأعني واإمنا يفكرون مثلك، الفعلي لأ�سخا�س ل بالوجود

. اإن هذه التعددية تقوم على فكرة »ن�سبية الإميان اخلا�سة« التي هي ـ ح�سب غو�سيه ـ »النتاج )17(

ملعتقدات اأخرى«

.)18(

املميز لع�سرنا احلايل، اإنها ثمرة تغلغل الروح الدميقراطية داخل فكرة الإميان نف�سها«

واإذا كان غو�سيه يرى، ا�ستنادا اإىل ال�سريورة الأوروبية احلديثة، اأن التعددية الدينية نتاجا للروح الدميقراطية ال�سيا�سية،

اأن تتخذ ال�سريورة العربية الراهنة، يف وجه من وجوهها، منحا معاك�سا، وذلك باأن تكون فكرة فال �سيء مينع من

التعددية الدينية امل�سمنة يف مفهوم الت�سامح الإ�سالحي رافدا من روافد التاأ�سي�س الدميقراطي لو قدر لها اأن تغلغل

يف الثقافة اجلمعية لأو�سع امل�سلمني واأن حتكم اخللفيات املرجعية للتيارات الدعوية وحلركات الإ�سالم ال�سيا�سي. اإن

نواة مفهوم الت�سامح الإ�سالحي قابلة للتطور يف اجتاه التاأ�سي�س ملا هو اأبعد من التعددية الدينية القائمة على فكرة

للتعددية التاأ�سي�س اجتاه للتطور يف قابلة النواة اإن هذه املختلفة. الأديان اأتباع بني اإيجابيا، ترتيبا العالقة، ترتيب

املذهبية والإيديولوجية وال�سيا�سية بني اجلماعات املختلفة داخل الإ�سالم نف�سه.

لو يقدر ملفهوم الت�سامح اأن يتطور على هذا النحو يف الفكر الإ�سالمي الراهن، فاإن هذا الفكر �سيلعب دورا طليعيا يف

اإجناح م�سروع النتقال الدميقراطي العربي. ففي هذه احلالة �ستكون فاعلية الإ�سالم املعا�سر اإيجابية يف املجال العام،

)16( خو�سيه كازانوفا، الأديان العامة يف العامل احلديث، ترجمة: ق�سم اللغات احلية والرتجمة يف جامعة البلمند )بريوت: املنظمة العربية للرتجمة، 2005(، �س 37.

)17( مار�سيل غو�سيه، الدين يف الدميقراطية، ترجمة: �سفيق حم�سن )بريوت: املنظمة العربية للرتجمة، 2007(، �س 119.

)18( املرجع نف�سه، ال�سفحة نف�سها.

التأسيس اإلصالحي والتحوال الدميوقراطي عربيا ملف العدد: التسامح واحلرية

93 العدد األول، ربيع 2013

�ساأنه �ساأن جتارب م�سيحية معا�سرة، اإذ »حني يدخل الدين النطاق العام ل حلماية حريته الدينية وح�سب بل حلماية

كل احلريات واحلقوق احلديثة، ول�سيما حق قيام املجتمع املدين الدميقراطي �سد دولة �سلطوية ا�ستبدادية. ولعل

الدور النا�سط للكني�سة الكاثوليكية يف امل�سريات الدميقراطية التي �سهدتها كل من اإ�سبانيا وبولندا والربازيل، اأف�سل

.)19(

مثال لتو�سيح هذه احلالة«

خامتة:

اإننا، واإن كنا نتحدث هنا عن اإمكانات تطور قائمة بالقوة، فاإننا نعي جيدا اأن حواجز واإ�سكالت عديدة حتف بتحقق

هذا التطور فعليا. اأولها اأن املرجعية الإ�سالحية قد انقطعت تقريبا عن العطاء والتطور منذ عدة عقود، اأي منذ بروز

جماعات الإ�سالم ال�سيا�سي التي تنت�سب تاريخيا اإىل املرجعية الإخوانية )ن�سبة اإىل الإخوان امل�سلمني(، ومعلوم اأن

هذه املرجعية الإخوانية قد اأحدثت قطيعة مع املرجعيات النه�سوية الإ�سالحية التي عرفها فكرنا العربي الإ�سالمي

املجال وف�سح الإ�سالحية املرجعية وهج خفت ملاذا ولكن للميالد. ع�سر التا�سع القرن من الثاين الن�سف منذ

الفكرة اإىل الت�سامح مفهوم تطور ومنها الأر�س، على تطوره اإمكانات تتج�سم ملاذا مل امل�سلمني؟ الإخوان لفكر

التعددية الدميقراطية؟ وهل ميكن جلماعات الإ�سالم ال�سيا�سي التي حتاول اليوم اأن تعيد ج�سور التوا�سل مع الرتاث

اأن تنجز مثل هذا التطور؟)20(

الإ�سالحي

تلك اإ�سكالت كربى ي�سيق مقام هذه الورقة على النظر فيها، ولكنها تبقى جديرة باملعاجلة.

)19( خو�سيه كازانوفا، �س 90.

اإطار مراجعاتها الفكرية ال�سمنية، اأن متد ج�سور توا�سل مع تراث التيار )20( ونخ�س بالذكر على وجه التحديد حركة النه�سة التون�سية التي حاولت منذ �سنوات، ويف

الإ�سالحي واأن جتعله رافدا من روافدها املرجعية. وقد تعمق هذا الجتاه بعد ثورة 14 جانفي 2011 بتون�س واأثناء احلملة الدعائية لنتخابات املجل�س الوطني التاأ�سي�سي

التي جرت اأكتوبر 2011 والتي فازت فيها احلركة باأكرث من ثلث مقاعد املجل�س. انظر يف هذا ال�سدد مثال: را�سد الغنو�سي، من جتربة احلركة الإ�سالمية يف تون�س )تون�س:

دار املجتهد، 2011(، �س 75، و برنامج حركة النه�سة من اأجل تون�س احلرية والعدالة والتنمية )حركة النه�سة، �سبتمرب 2011(.

ملف العدد: التسامح واحلريةالتأسيس اإلصالحي والتحوال الدميوقراطي عربيا

94

الدرا�سات النقدية ب�سيوع وا�سع يف الت�سعينات، وقد جاءت بعد انح�سار النظريات النقدية الن�سو�سية

والأل�سنية وحتولت ما بعد البنيوية. واإذا كانت الدرا�سات اجلدلية قد اأعلنت موت الن�س، والدرا�سات

البنيوية قد اأعلنت موت الإن�سان، فاإن الدرا�سات الثقافية مل تعد تنظر اإىل الن�س مبا هو ن�س، ول اإىل الأثر الجتماعي

الذي قد يظن اأنه من اإنتاج الن�س، بل �سارت تاأخذ الن�س من حيث ما يتحقق فيه وما يتك�سف عنه من اأنظمة ثقافية،

واأمناط تعبريية واإيديولوجية واأن�ساق متثيلية، متار�س �ستى اأنواع الهيمنة والتحكم يف املتلقي الفردي اأو اجلماعي، بطرق

متخفية، وتر�سم متثالته الذهنية واآفاقه التاأويلية جغرافيا، وت�سلبه حريته، وتر�سخ قيما ومقولت و�سلوكات قد تكون

�سد الإن�سان و�سد وجوده، اأي التاأ�سي�س لن�سق ثقايف ل اإن�ساين، وغري مت�سامح.

حتليل منهج مهم يف تغيري من اأحدثه مبا الثقافية، الدرا�سات داخل حيويا مبحثا باعتباره الثقايف، النقد وا�ستهر

اخلطاب، وا�ستثمار املعطيات النظرية واملنهجية حلقول معرفية متداخلة كال�سو�سيولوجيا والتاريخ وال�سيا�سة والفل�سفة

والآداب.

اأنظمة اخلطاب واأنظمة الإف�ساح الن�سو�سي كما هي لدى بارت ودريدا وفوكو وغريهم ويرتكز النقد الثقايف على

من رواد الدرا�سات الثقافية. كما يويل النقد الثقايف اأهمية كبرية لدور املوؤ�س�سة العلمية والثقافية، كيفما كانت، يف

توجيه اخلطاب والقراء نحو مناذج واأن�ساق وت�سورات يتاأ�س�س معها الذوق العام وتتخلق بها ال�سياغة الذهنية والفنية،

)1(

وت�سبح معيارا يحتذى اأو يقا�س عليه.

وقد برز يف العامل العربي والإ�سالمي النقد الثقايف ب�سكل خجول، ول يزال يف بدايته اأمام هيمنة املوؤ�س�سة وجربوتها

اإدوارد �سعيد وعبد اجلواد يا�سني وعبد اهلل الغذامي، مما فتح وقوة دفاعاتها. وقد برز يف هذا املجال ثالثة رواد هم

جمالت جديدة للخطاب النقدي العربي و�سمح بتنويعه واإك�سابه فعاليات القراءة والتحليل والنقد؛ نقد الدرا�سات

الت�سامح الن�سق؛

من اأجل نقد ثقايف

محمد همام*

حظيت

*اأ�ستاذ بكلية العلوم القانونية والقت�سادية والجتماعية بجامعة ابن زهر، اأكادير، املغرب.

امي، املركز الثقايف العربي، الدار البي�ساء، الطبعة الأوىل، 2000م: 34. )1( ينظر: النقد الثقايف، قراءة يف الأن�ساق الثقافية العربية، عبد اهلل الغد

ملف العدد: التسامح واحلرية

95 العدد األول، ربيع 2013

العلمية، ونقد اخلطاب النقدي القائم موؤ�س�سة وانحيازات.

الثقافة قراءة منهج �سيتطور النقدي اخليار هذا وبتعميق

العربية كفعل حي.

معنى على للوقوف الرواد اأولئك اإ�سهامات و�سنعتمد

النقد الثقايف والتعريف به و�سط القراء يف العامل العربي

والإ�سالمي، كما �سنقف عند دور هذا النوع من النقد يف

الك�سف عن الأن�ساق الثقافية الإ�سالمية والتي تعيق اأية رغبة حقيقية يف التاأليف وحتقيق عمل جماعي م�سرتك نافع

قائم على احلرية يف الإبداع والفعل املنتج.

اأطروحة النقد الثقايف؛ من نقد الن�سو�س اإىل نقد االأن�ساق:

Secular( املدين« »النقد م�سطلح ،)1983( والناقد« والن�س »العامل كتابه يف �سعيد اإدوارد املفكر طرح

Criticism(؛ هذا النقد الذي يزاوج بني نقد املوؤ�س�سة ونقد الثقافة، وم�ساءلة اخلطاب النقدي ذاته، مع انفتاحه على املهم�س واإقحامه يف املنت، والتخلي عن كل النتماءات والتحيزات التي قد تعرقل عمل الناقد املدين وت�سيء

اإىل مقارباته واإىل حريته، اإل اأن هذا امل�سطلح مل يكت�سب �سهرة مثل ما اكت�سبها نقده خلطاب ال�ست�سراق رغم اإ�سرار

اإدوارد �سعيد على العودة اإىل املفهوم يف جل اأعماله والتذكري به وباأهميته يف التحليل والدرا�سات الثقافية، وباأهمية

. ويعد كتابه »الثقافة والإمربيالية« مو�سوعة يف النقد الثقايف، نقد �سجل )2(

امل�سطلحات التي يقرتحها يف نقده الثقايف

)3(

املحفوظات الغربي، برغبة يف ال�ستنها�س وال�ستنفار واملقاومة.

العربية. هذه الثقافية الثقايف« كاآلية حتليلية لالأن�ساق الباحث عبد اهلل الغذامي م�سطلح »النقد ويف املقابل اقرتح

الأن�ساق التي تر�سخ التجزيء وتباعد بني عنا�سر الأمة الفكرية وال�سلوكية، بل وثبت كل عنا�سر التع�سب والنتماء

ال�سيق والتعامل بعنف وق�سوة مع املخالف، وبث روح الحرتاب والالت�سامح يف �سخ�سية امل�سلم املعا�سر.

متكامل ن�سقي بناء فيها يتحكم والإ�سالمية العربية الثقافة اأن من الغذامي عند الثقايف النقد اأطروحة وتنطلق

.)4(

العنا�سر ومتداخلها، يخلق ح�سا ا�ست�سالميا م�سلوب احلرية و غري نقدي لدى جمهور الثقافة

الإجرائية كفاياته على والوقوف اجلديد املفهوم والنقدية لختبار الأدبية الدرا�سات من جمال الغذامي وانطلق

والتحليلية والنقدية؛ فالنقد الثقايف هو بديل متجاوز للنقد الأدبي والذي ظل يرزح حتت قيود املوؤ�س�سة-الن�سق. اأما

النقد الثقايف فيعي�س حالة حترر وا�ستقالل عن هذه املوؤ�س�سة-الن�سق، بل ويخ�سعها هي ذاتها للنقد وامل�ساءلة.

ويف ذاته، امل�سطلح يف اإجرائية؛ نقالت اأربع يحقق بكونه الأدبي النقد عن الغذامي، بنظر الثقايف، النقد يتميز

املفهوم، ويف الوظيفة، ويف التطبيق. فنقلة امل�سطلح ت�سمل عنا�سر الر�سالة اأو الوظيفة الن�سقية، واملجاز والتورية الثقافية

)2( ينظر: الثقافة والإمربيالية، اإدوارد �سعيد، نقله اإىل العربية وقدم له كمال اأبو ديب، دار الآداب، بريوت، الطبعة الأوىل، 1997م: 47.

)3( نف�سه: 12.

)4( النقد الثقايف: 60.

تر�سيخ اإىل اليوم حاجة يف اإننا

الثقايف النقد يف فاعلة نظرية

اآث��اره وتك�سف الن�سق تالحق

وتف�سح عالماته ول ت�ساحمه.

ملف العدد: التسامح واحلريةالتسامح النسق؛ من أجل نقد ثقافي

96

اإدخال هو ال�سطالحية النقلة هذه يف للنظر ملفت �سيء واأهم املزدوج. واملوؤلف النوعية واجلملة الدللة ونوع

واملرجعية والتعبريية النفعية ياكوب�سون، يف رومان كما حددها للغة، ال�ست الوظائف اإىل اإ�سافة الن�سقية الوظيفة

. فاإ�سافة الوظيفة الن�سقية ي�سمح لنا بتوجيه النظر نحو الأبعاد الن�سقية )5(

واملعجمية والتنبيهية وال�ساعرية اأو اجلمالية

التي تتحكم فينا ويف خطاباتنا. والك�سف عن هذه الوظيفة هو مبداأ اأ�سا�سي من مبادئ النقد الثقايف، بل هي منطلقه

النقدي واأ�سا�سه املنهجي؛ ويتحول الن�س عندها، من جمرد جتل اأدبي اإىل حادثة ثقافية، اأي ن�س، كيفما كان انتماوؤه

احلقلي والتخ�س�سي.

ال�ستعمال فعل اأن اإليه من منطلق وينظر النقدية كاملجاز، املفاهيم لبع�س قراءة جديدة الثقايف النقد يقدم كما

عمومي جمعي ولي�س فعال فرديا، اأي اأن املجاز ي�سبح عندها فعال ثقافيا فيتو�سع جماله ويخرج من �سيق اخلطاب

البالغي املحدود، بل وي�سبح مفهوما حموريا يف البديل اجلديد اأي »النقد الثقايف« عو�س النقد الأدبي. هذا الأخري

حكمته املقولت البالغية القدمية التي مل تكن تتجاوز عمليات التف�سري وال�سرح والتلخي�س، فانح�سرت البالغة

العربية يف اجلمايل البحت ومل تتجاوز جماليات اللغة، وحرمت من القدرة على اأن تكون اأداة نقد اأو قراءة اأن�ساق

اخلطاب وك�سف مع�سالته. واإذا كان النقد الأدبي ينح�سر يف �سبط عالقة الن�س مع اإنتاج الدللة بنوعيها ال�سريح

وال�سمني، فاإن النقد الثقايف يركز على الدللة الن�سقية التي ترتبط من خالل عالقات مت�سابكة ن�ساأت مع الزمن

ا فاعال ، لكنه وب�سبب ن�سوئه التدريجي متكن اأ�سبح عن�سر اأن ا ثقافيا اأخذ بالت�سكل التدريجي اإىل

لتكون عن�سر

اللغة والذهن الب�سري فاعال اأعماق اخلطابات، وظل ينتقل ما بني من التغلغل غري امللحوظ وظل كامنا هناك يف

)6(

اأفعاله من دون رقيب نقدي لن�سغال النقد باجلمايل اأول، ثم لقدرة العنا�سر الن�سقية على الكمون والتخفي ثانيا.

وي�ستغل النقد الثقايف وفق مفهوم »اجلملة الثقافية« متجاوزا املفهوم الذي تكر�س مع النقد والبالغة الكال�سيكيني

وهو »اجلملة النحوية« و»اجلملة الأدبية«؛ فاجلملة الثقافية، بنظر الغذامي، مفهوم مي�س الذبذبات الدقيقة للت�سكل

)7(

الثقايف الذي يفرز �سيغه التعبريية املختلفة.

واإكراهاته ولت�ساحمه، وحد الن�سق ال�سيق، هو حترر من البالغي-اجلمايل اللغوي، مبفهومه التحرر من هيمنة اإن

الثقايف فالنقد حريته. وت�سلبه ومقاربته واأحكامه ذوقه توجه الناقد، يف واملتحكمة ال�ساربة الهيمنة ذات ل�سلطة

فاعلة اإىل عنا�سر املغلقة وتوجه حركتها، فيها الأن�ساق ثقافية تتحكم القارئ-الناقد من جمرد �سنائع يحول مهام

ومنتجة وفاح�سة لكل ن�س وفق ان�سباطات منهجية �سارمة. ول ميكن حتقيق هذا دون النتباه اإىل ما ي�سميه الغذامي

بـ»املوؤلف املزدوج«، والزدواج يكون بني املوؤلف املعهود، �سواء اأكان �سمنيا اأم اأمنوذجيا اأم فعليا. واملوؤلف الآخر، وهو

الأخطر، اأي الثقافة ذاتها، اأو ما ي�سمى بـ»املوؤلف امل�سمر«، وهو املوؤلف الن�سقي وفق نظرية النقد الثقايف، فهو حا�سر

يف ل وعي املوؤلف املعهود، ميار�س كل اأ�سكال التحكم والهيمنة والتوجيه، اأو ما �سماه بع�س الباحثني بالقاهرية، وهي

اأو قاهرية احلا�سر )الغرب(، وتعيق كل عمليات التي تاأ�سر العقل امل�سلم املعا�سر، �سواء قاهرية املا�سي )ال�سلف(

)8(

التحرر والإبداع والنقد.

)5( ينظر: الأ�سلوبية والأ�سلوب، عبد ال�سالم امل�سدي: 154.

)6( ينظر: النقد الثقايف: 72.

)7( النقد الثقايف: 73.

)8( ينظر: »حول اخلطاب الإ�سالمي املاأ�سور؛ قاهرية ال�سلط املعرفية«، ميمون النكاز، جملة املنعطف، ف�سلية فكرية ثقافية ت�سدر باملغرب، العدد 11، 1416هـ/ 1995م: 5-4.

التسامح النسق؛ من أجل نقد ثقافي ملف العدد: التسامح واحلرية

97 العدد األول، ربيع 2013

ميل خالل من ن�س، اأي يف الن�سقية الوظيفة وتتحقق

الثقافة اإىل مترير اأن�ساقها حتت اأقنعة وو�سائل خفية؛ كاحليل

ن�سقان؛ الن�س يتنازع وعندها والأخالقية... اجلمالية

القيم من يحمل علني، لآخر نقي�س م�سمر اأحدهما

الثقافة- قيم بغر�س له ي�سمح ما والأخالقية اجلمالية

النت�سار، ووا�سع مقروءا يكون اأن من بد ول الن�سق.

الثقايف على النقد اآلية الوقوف من خالل وبذلك ميكن

ما لالأن�ساق من فعل موؤثر و�سارب يف الذهن الجتماعي

والثقايف، مبا ير�سخ الأحادية والعنف والالت�سامح.

اإن الن�سق من حيث هو دللة م�سمرة لي�س م�سنوعا من

موؤلف ما، ولكنه منكتب ومنغر�س يف ثنايا اخلطاب، موؤلفه

العقول والأزمنة. ومن �سدة اأقنعة كثرية، ويقتحم الثقافة ذاتها، يتحرك يف حالة تخف دائم وي�ستخدم الأول هو

تاأثريها وامتدادها يف القارئ، اأي قارئ، نلحظ كيف يقبل اجلمهور على ا�ستهالك الثقافة-الن�سق، والطرب لها، ولو

كانت �سد ما يوؤمن به عقليا؛ كاحلرية والإبداع غري املحدود. ويرى الغذامي اأنه كلما راأينا منتجا ثقافيا اأو ن�سا يحظى

بقبول جماهريي عري�س و�سريع فنحن يف حلظة من حلظات الفعل الن�سقي امل�سمر واملكثف الذي ل بد من ك�سفه

. ويظهر ذلك كثريا يف نوع من الكتب الدينية، )9(

والتحرك نحو البحث عنه، والوقوف على حبكته الن�سقية الفاعلة

ويف الأ�سعار والأغاين والأزياء واحلكايات والأمثال والنكت.

اإن النقد الثقايف هو نظرية يف نقد امل�ستهلك الثقايف، اأي ال�ستقبال والتلقي، للوقوف على ال�سروط التي يخ�سع فيها

قارئ لن�س ما اأو خطاب ما لتغييب العقل وفقدان احلرية، وتغليب الوجدان وعزل اللغة عن الفكر. فالنقد الثقايف

ممار�سة نقدية متطورة ودقيقة و�سارمة، يبحث يف علل اخلطاب وي�ستخرج الأن�ساق امل�سمرة، كما هي يف خطاب ال�سعر

مثال اأو يف خطاب العلوم الدينية، مما طبع ذاتنا الثقافية والإن�سانية بعيوب ن�سقية فادحة ما زلنا نتحرك بح�سب �سروطها

ومتطلباتها، بل اإن الغذامي يذهب اإىل اأن ال�سعر )وهو ديوان العرب( مثال لي�س اإل جرثومة مت�سرتة باجلماليات،

اأفرزت مناذجها يف كل جتلياتنا الثقافية والجتماعية. كما اأن الن�سق الفقهي، اأي العلوم الدينية، ولد هو الآخر مناذجه

ورعاها وعززها عرب التاريخ، وكل هذا يعيق حترر ال�سخ�سية امل�سلمة، ومينعها من التوا�سل والفعل ال�سالح واملت�سامح

يف احلياة، فتميل اإىل نوع من النطواء الأناين، اأو احتقار الآخرين، �سواء داخل الدائرة الإ�سالمية اأو خارجها، فتتعقد

م�سالك التاأليف والتوا�سل واحلوار بني امل�سلمني اأول، وبني النا�س اأجمعني ثانيا، وتغتال كل قيم الت�سامح و التاأليف

والتعارف والتعاون بني النا�س، مما يحبل به القراآن الكرمي وتزكيه التجربة النبوية.

ا ونرثا، وقف على وملا عمل د. عبد اهلل الغذامي على اختبار نظريته يف النقد الثقايف يف جمال الأدب العربي، �سعر

.)10(

العلل الن�سقية التي جتعل اخلطاب الثقايف العربي خطابا منافقا ومزيفا، غري واقعي وغري حقيقي وغري عقالين

)9( ينظر: النقد الثقايف: 80.

)10( ينظر: النقد الثقايف: 93.

نقد يف نظرية هو الثقايف النقد

ال�ستقبال اأي الثقايف، امل�ستهلك

ال�سروط للوقوف على والتلقي،

التي يخ�سع فيها قارئ لن�س ما اأو

خطاب ما لتغييب العقل وفقدان

وعزل الوجدان وتغليب احلرية،

اللغة عن الفكر.

ملف العدد: التسامح واحلريةالتسامح النسق؛ من أجل نقد ثقافي

98

وحيوية حمورية �سخ�سية فيه تن�سط الذي اخلطاب هذا

هي �سخ�سية ال�سحاذ والكذاب واملنافق والطماع. ويرى

تر�سيخها على م�سوؤول كان العربي ال�سعر اأن الغذامي

ر�سم الغذامي ا�ستطاع وقد امل�سمرة. اأن�ساقه خالل من

التي املعار�سات برغم العربية لل�سخ�سية ال�سلبية املعامل

»لأن و�سلم: عليه اهلل �سلى الر�سول كقول لها، تعر�س

ميتلئ اأن من خري يريه حتى قيحا اأحدكم جوف ميتلئ

، وقول بع�سهم اإن ال�سعر مزية العقول، وبابه ال�سر واإذا دخل يف اخلري �سعف اأو لن، بح�سب الأ�سمعي. )11(

ا« �سعر

اإىل م�ستوى نظرية ثقافية ناقدة للخطاب العربي وكا�سفة لأن�ساقه وم�سمراته، اأي اأن هذه املعار�سات مل تتطور اإل

على الأقل مل ت�سل اإىل م�ستوى اإن�ساء علم علل يف نقد اخلطاب ال�سعري، فظل ال�سعر اأحد م�سادر اخللل الن�سقي

يف تكوين الذات ويف عيوب ال�سخ�سية الثقافية التي اأ�سبحت منطية من خالل �سخ�سية ال�سحاذ البليغ )ال�ساعر

ال�سرير و�سخ�سية الفحولية(، )الأنا الطاغية و�سخ�سية اأي�سا(، املداح )ال�ساعر املثقف املنافق و�سخ�سية املداح(،

املرعب )ال�ساعر الهجاء(.

لقد كر�س ال�سعر العربي قيما يف البغي وال�ستكبار والفخر بالأ�سل القبلي؛ فعمرو بن كلثوم يتباهى بالظلم والت�سلط،

وال�ساعر احلكيم زهري بن اأبي �سلمى يقول: ومن ل يظلم النا�س يظلم. فاخلطاب الن�سقي الثقايف ورث قيم القبيلة

التي زرعها ال�سعر وخلدها، وحتولت اإىل قيم فردية، بل اأ�سبحت قيما منطية لل�سخ�سية الثقافية لالإن�سان العربي. ومبا

اأن الن�سق هو ن�سق التاأثري ل ن�سق الإقناع فاإن النف�س العربية والإ�سالمية قد جرى تدجينها لتكون نف�سا انفعالية

ت�ستجيب لدواعي الوجدان اأكرث من ا�ستجابتها لدواعي التفكري، بل �سارت الذات العربية، ورمبا الإ�سالمية اأي�سا،

وما كانت باحلقيقة، له غري عابئة الذي تطرب ال�سعري املعنى ب�سبب اإل تتحرك لل�سعر ول ت�سكن �سعريا، كائنا

ر للدرا�سات ! وهذا ما اأ�ساب الذات العربية والإ�سالمية بنوازع التقوقع والنطواء، مما وف)12(

احلقيقة يوما قيمة �سعرية

ا النقدية والجتماعية، املحايدة حينا واملتحيزة اأحيانا كثرية، مربرات الإ�ساءة لل�سخ�سية الإ�سالمية وت�سويرها ت�سوير

.)13(

منطيا وع�سابيا

ومل يقل دور النرث عن دور ال�سعر يف تر�سيخ الن�سق واإفراز مناذجه ولت�ساحمه، برغم حماولت بع�س الفال�سفة الأدباء

اخلروج عن الن�سق كاأبي حيان التوحيدي، ولكن القاعدة التي تر�سخت هي اأن النرث العربي مل يكن هو الآخر خطابا

حرا وعقالنيا، بل كان مادة اأ�سا�سية يف الرتبية الذوقية والثقافية وفق الن�سق وحدوده، وهذا ما جت�سده املقامات مثال،

)11( هذه رواية ابن حبان يف �سحيحه، حتقيق: �سعيب الأرنوؤوط، موؤ�س�سة الر�سالة، بريوت، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م: 13/ 93، 95. واأخرجه ال�سيخان كذلك

)ينظر: �سحيح البخاري، حتقيق: م�سطفى ديب البغا، دار ابن كثري-اليمامة، بريوت، الطبعة الثالثة، 1407هـ/1987م: 5/ 2279، �سحيح م�سلم، حتقيق: حممد فوؤاد

عبد الباقي، دار اإحياء الرتاث العربي، بريوت، دون تاريخ: 4/ 1769(.

)12( ينظر: النقد الثقايف: 105.

)13( تنظر العالقة مع الغري من منظور علم النف�س الجتماعي يف: الق�سد يف الغريية، بحث حول التجارب العربية الإ�سالمية،عبد الوهاب بوحديبة، الو�سيطي للن�سر،

دون تاريخ: 19 وما بعدها. وينظر اأي�سا: »الق�سد يف الغريية، جتارب يف التعددية يف التجارب العربية الإ�سالمية«،عبد الوهاب بوحديبة، جملة ق�سايا اإ�سالمية معا�سرة، ال�سنة

ال�سابعة، العدد 22، �ستاء 1423هـ/2003م: 250-221.

بارز يف تر�سيخ ال�سعر والنرث دور

الن�سق واإفراز مناذجه ول ت�ساحمه،

الفال�سفة بع�س حماولت برغم

الأدباء اخلروج عن الن�سق.

التسامح النسق؛ من أجل نقد ثقافي ملف العدد: التسامح واحلرية

99 العدد األول، ربيع 2013

حيث ت�سافرت حبكات الكذب والبالغة وال�سحاذة لتكون قيما يف اخلطاب الثقايف، وهذا ما نلحظه اليوم يف اخلطاب

ال�سيا�سي واحلزبي والإعالمي وهو خطاب م�سبوغ بالكذب والزيف، تتحكم فيه الأنا املتوحدة وامللغية لالآخر، فاإما

وجن�سه الواحد، ب�سوته وعنفه، املتوح�س الفحويل اخلطاب ق�سوة ير�سخ ما وهذا متفحلة؛ اأنانية اأو مدح اأو هجاء

للتدوين، تدوين اإطار عمليات �سخمة الن�سق وتر�سيخه، يف الواحد. وجرى تدوين الثقايف الواحد، ومنطه اخلطابي

الن�سق الكبري، من خالل جمع اأن�ساق �سغرية، كالن�سق ال�سعري والن�سق الفقهي، وفق �سروط املوؤ�س�سة الثقافية.

اخرتع الذي هو اإذ الإ�سالمية، الثقافية ال�سخ�سية عيوب عن الغذامي، بنظر م�سوؤول، كان ال�سعري الن�سق اإن

الفحل، يف اإطار �سعر املديح الذي ر�سخ كل اأ�سكال الأنانية واجلنون الذاتي والالت�سامح. والفحل ياأتي على راأ�س

الهرم الطبقي، وي�سبح ذاتا منطية متعاظمة ل مكان فيها لالآخر، ولحرية؛ فجرير يعترب نف�سه هو الدهر، والفرزدق يعترب

نف�سه هو املوت، وعمرو بن كلثوم يقول:

لنا الدنيا ومن اأم�سى عليها ونبط�س حن نبط�س قادرينا

ولكن �سنبداأ ظاملينا بغاة ظاملن وما ظلمنا

فنجهل فوق جهل اجلاهلينا األ ل يجهل اأحد علينا

فت�سخم الذات واإلغاء الآخر، هو ال�سلوك الدارج عند ال�سخ�سية الن�سقية، قدميا وحديثا، وذلك كله من �ساللة ثقافية

واحدة. لقد انتقل الن�سق وترحل من ال�سعر اإىل اخلطابة ومنها اإىل الكتابة لي�ستقر بعد ذلك يف الذهنية الثقافية لالأمة

.)14(

ويتحكم يف كل خطاباتنا و�سلوكاتنا

وحتول حرا�س الن�سق �سواء من ال�سعراء اأو الفقهاء اإىل ف�سيلة ب�سرية متعالية على �سروط الواقع والعقل وحتى احلق،

. وهوؤلء احلرا�س ما زلنا نراهم )15(

يف حني ل مقد�س فوق النقا�س يف املعرفة الدينية اأو يف اأي نوع من اأنواع املعارف

يف كافة البنيات الفكرية والجتماعية وال�سيا�سية والإعالمية. فالن�سق يعرب كل احلدود وميتد يف كل الأزمنة. فاملتنبي

ا وعنوة. والفقيه ي�سبح حرب العلوم، والعالمة النحرير، وغريها من �سور ال�ساعر كامللك اجلبار الذي ياأخذ ما بدا له قهر

ا اأو فقيها، والتي حتولت اأ�ساليب الت�سخيم والإكراه الرمزي على القارئ واملتلقي؛ اإنها �سخ�سية الفحل املتفرد، �ساعر

اإىل اأمنوذج الطاغية وامل�ستبد.

وزاد هذا الأمنوذج الن�سقي تر�سخا بفعل الرتبية الثقافية التي عززت فكرة املا�سي والأوائل، واآلية احلفظ يف التعامل

مع اإنتاجهم؛ فما لدى الأوائل هو اأرقى من كل ما ميكن اأن يفعله الالحقون، وهذا ما جاء م�سروع التدوين الثقايف

كله يف هذا و�ساهم والنقد. الك�سف وقل وال�سرح التف�سري وكرث التاأويل، و�ساع احلفظ فانت�سر ويحفظه، ليحميه

ئوا من العيوب. فت�سكل هوا عن النقد، وبر تخليق اأ�سنام ثقافية، فت�سخمت اأنا الفحول، واأعطوا و�سفات متعالية، ونز

الأمنوذج الذهني الثقايف للطاغية بكل مربراته الأخالقية ل�سلوكه الأناين واملتجرب واملتعايل، ل يقيم اعتبارا لالآخر،

وو�سيلته مع املخالف هي �سحقه واإق�ساوؤه واحتقاره، وهذا �سد لقيم القراآن الكرمي التي جعلت الكلمة ال�سواء قاعدة

م�سرتكة مع كل النا�س، كما اأن القيم الأخالقية الإ�سالمية العظمى منفتحة على الإن�سان من حيث هو اإن�سان، هذه

)14( ينظر: النقد الثقايف: 123.

)15( ينظر: »ال�سراطات امل�ستقيمة«، عبد الكرمي �سرو�س، جملة ق�سايا اإ�سالمية معا�سرة، العددان 20-21، ال�سنة 1423هـ/2002م: 137.

ملف العدد: التسامح واحلريةالتسامح النسق؛ من أجل نقد ثقافي

100

اأ�ساليب القيم التي حتث على الأ�سلوب ال�سلمي الإن�ساين يف معاجلة العالقة مع الإن�سان املختلف كاأ�سلوب من

. عندها ي�سبح الدين بتعريف فيتغن�ستاين، هو ال�سعور بالأمن بني النا�س )16(

الت�سامح و التعارف والتاأليف والتعاون

.وهذه ال�سمات كانت يف اأغلبها �سعرية، كنا ننظر اإليها مبنظار املتعة اجلمالية، اأو كانت فقهية ننظر اإليها )17(

يف العامل

مبنظار الأخالق وال�سرع، وكاأن ل �سيء غري ذلك، غري اأن ما فيها اأفدح بكثري من جمرد اجلمالية اأو الأخالقية.

هذا ما لعب فيه فن املديح دورا كبريا، فاأ�سبحت العالقات بني املادح واملمدوح هي اأمنوذج ال�سلوك ونظام اخلطاب

ا ونرثا، ووقع حتول رهيب يف املنظومة يف احلياة الثقافية كلها، فظهر املثقف ال�سحاذ وانت�سرت ثقافة ال�ستجداء �سعر

الأخالقية العربية والإ�سالمية، بل ت�سكلت »حكومة للبالغة«، ل تقبل يف منتداها اإل من كان وفيا وخمل�سا للثقافة-

الن�سق. ن�سق ل ميكن التخل�س منه اإل بعمل �سجاع ومتوا�سل، وهذا ما يحققه النقد الثقايف يف ك�سف م�سمرات

الن�سق ورموزه كاملتنبي واأبي متام ونزار قباين واأدوني�س يف ال�سعر العربي، وهي النماذج التي ا�ستغل عليها عبد اهلل

الغذامي، ومناذج الفقهاء وثقافة التقليد التي حتتل حياتنا اليومية عرب الإعالم.

فاملتنبي واأبو متام ونزار واأدوني�س �ساهموا جميعا، قدميا وحديثا، يف تعزيز الن�سق وتر�سيخه وغر�سه يف ال�سمري الثقايف

حتت �ستار البالغة واملجاز ودعاوى التجديد واخلروج على الن�سق مما اأوهمنا بحداثتهم! ملا اأ�سبنا نحن املتلقني بداء

العمى الثقايف الذي يبثه الن�سق نف�سه.

لقد ر�سخ ال�سعر العربي )ديوان العرب( بنظر الغذامي كل معاين الرفث الثقايف، بوا�سطته مت تزييف املداحني لكل

القيم، ف�سار معهم الأبلغ هو الأكذب وهو الأظلم وهو الأكرث ذاتية واأنانية وتعاليا ودو�سا على قيم العمل والفعل.

)18(

فحل العقل ال�سنيع حمل العقل الذاتي، بتعبري ابن املقفع.

فمن خالل �سعر املدح فقدت ال�سفات قيمتها احلقيقية و�سدقيتها وعمليتها، لأن اخلطاب املدحي يعتمد الكذب

للممدوح متنح فال�سفات وتباركه؛ ترعى ذلك الثقافية واملوؤ�س�سة املدح، اأطراف عملية كافة بني باتفاق واملبالغة،

واأ�سنام مطلقة كعنا�سر وفقيها ا �ساعر الفحل« « ذهنيتنا يف تر�سخ كله بهذا الفردية. امل�سلحية املقاي�سة مقابل

بالغية واأخالقية، تولدت عنها �سيغ اأمنوذجية مكرورة اجتماعيا و�سيا�سيا وفكريا وحر�ستها املوؤ�س�سة الثقافية وحرمت

القرتاب منها نقدا اأو ك�سفا.

باإ�سكات الآخر، اأو مثقفا، �سمح اأو حاكما اأو فقيها ا العربية، �سواء كان �ساعر الثقافة اإن ت�سكل ظاهرة الفحل يف

ون�سوء اأعراف ثقافية متحكمة يف موا�سفات اخلطاب، فتولدت املمنوعات الثقافية واخرتع داء ال�سمت ورغب فيه

. وهذا كله من )19(

ق ال�سمت، بنظر الغذامي، كقيمة عليا تفوق الكالم وتف�سله حينا، وفر�س اأحيانا كثرية. و�سو

اأجل اخل�سوع للفحل والت�سليم لكل موا�سفاته وطاقاته الأ�سطورية؛ حتى لو اأخطاأ فخطوؤه �سواب جمازي؛ اإذ يجوز

له ما ل يجوز لغريه، فهو اأمري الكالم، يت�سرف يف اللغة كيف ي�ساء، وهو الفقيه املجتهد، واملرجح، وهو الناطق با�سم

)16( ينظر: »الكلمة ال�سواء قاعدة للتعاي�س«، حممد ح�سني ف�سل اهلل، جملة ق�سايا اإ�سالمية معا�سرة، العددان 21-20: 23، 33، 37.

)17( ينظر: »التدين العقالين، مقاربات يف ال�سمات واملرتكزات املعنوية للتدين«، م�سطفى ملكيان، جملة ق�سايا اإ�سالمية معا�سرة، العددان 21-20: 9.

)18( ينظر: النقد الثقايف: 189.

)19( نف�سه: 205.

التسامح النسق؛ من أجل نقد ثقافي ملف العدد: التسامح واحلرية

101 العدد األول، ربيع 2013

)20( ينظر: »الأ�سول املنهجية لفقه التعارف والتعاون وثقافة التعاي�س«، حوار مع طه جابر العلواين، جملة ق�سايا اإ�سالمية معا�سرة، العدد 22: 24.

)21( ينظر: »ال�سراطات امل�ستقيمة«: 150.

)22( ينظر: »ال�سراطات امل�ستقيمة«: 144، 145.

ال�سماء وبا�سم النا�س، حتر�سه الثقافة بكل و�سائل احلماية، وتتخذه اأمنوذجا للقدوة الجتماعية والفكرية ون�سقا يثبت

ويرت�سخ؛ فقيم العنف ر�سخها الن�سق الثقايف باإغرائه اجلمايل وحجاجيته ال�سطالحية، خ�سو�سا بعد حتويل )النحن

»الطاغية«.ومل اأمنوذج فاأخرجت اأزهرت والتي وامل�ستبدة املفردة الفحولية الذات اإىل العربية الثقافة يف القبيلة(

ت�ستطع بع�س املجهودات الذكية خرق الن�سق بتقوية ثقافة الهام�س برغم املربرات التي ا�سطنعها اجلاحظ لنف�سه،

فكتب عن ال�سودان والرب�سان والن�ساء واجلواري واحليوان.. ومل تفلح كل اأ�سكال التمزيق والت�سييق والطرد التي

مار�سها اجلاحظ على املنت الثقايف-الن�سق-املركز.

اإننا يف حاجة اليوم اإىل تر�سيخ نظرية فاعلة يف النقد الثقايف تالحق الن�سق وتكت�سف اآثاره وتف�سح عالماته ولت�ساحمه.

هذا الن�سق الذي يعيق كل حترر اأو اإبداع يف الذات، وير�سخ النزعات الأنانية، ومينع اأية عملية توا�سل اأو تالحم بني

عنا�سر الذات-الأمة، ليغرق يف الذات-الأنا، وحتى الختالف ل ي�ستوعبه اإل يف اإطار الوحدة الوهمية امل�سبعة

بروح التع�سب وادعاء الأف�سلية، مما اأحدث ثقوبا كبرية يف فل�سفة الختالف الإ�سالمية؛ ذلك اأن الختالف الذي

اأقره القراآن الكرمي لي�س اأبدا اختالف اأف�سلية اأو ا�ستعالء قبلي اأو مذهبي، بل هو اآية من اآيات اهلل العظمى يف النف�س

. وذهب بع�س الفال�سفة الدينيني املعا�سرين، يف التفاتة جديرة بالتاأمل العميق، اإىل اأن فل�سفة التاأليف )20(

والكون

الإ�سالمي تقت�سي عدم النظر اإىل العامل باعتباره خطا واحدا م�ستقيما ومئات اخلطوط معوجة ومتك�سرة، بل يتوجب

النظر اإليه كمجموعة من اخلطوط امل�ستقيمة تتقاطع وتتوازى وتتطابق. ثم األي�س هذا هو معنى اإ�سارة القراآن الكرمي

»ال�سراط ولي�س امل�ستقيمة ال�سراطات اأحد على منهم واحد اأن كل اأي م�ستقيم«؟ »�سراط على باأنهم لالأنبياء

. وي�سيف الفيل�سوف عبد الكرمي �سرو�س اأن اهلل تعاىل هو الذي بذر التعددية والختالف يف )21(

امل�ستقيم« الوحيد

.)22(

العامل؛ فبعث اأنبياء خمتلفني، وكان له جتل لكل واحد منهم، واأر�سل كل واحد منهم اإىل جمتمع

وبهذا نف�سر هذا الت�سرذم الذي تعي�سه اأمتنا، وهذا الزمن الرديء الذي تتخبط فيه. فهذا الن�سق املجزئ لذاتيتنا ظل

متجذرا يف وعينا ومتثالتنا الذهنية، وعنا�سره الفكرية متر من دون نقد حتى �سكلت اأ�سا�سا ثقافيا وذهنيا متحكما يعيق

الإبداع واحلرية وكل عمليات التاأليف بني عنا�سر الأمة.

وما زال رموز الن�سق قدميا وحديثا، �سواء يف ال�سعر اأو الفقه واملعرفة، اأو الثقافة ب�سكل عام، يجدون جتاوبا وجدانيا عاما

داخل الف�ساء العربي الإ�سالمي، ميار�سون كل عمليات الزيف والت�سليل وال�سغط، حتت دعاوى الهوية اأو ال�سلفية

اأو احلداثة.. مكر�سني خطابات �سحرية تركز على الذاتية واملطلقية والتعايل والأنا املت�سخمة، وحتويل القيم من بعد

اإن�ساين اإىل بعد ذاتي م�سلحي �سيق حتكمه ال�سلطة والقوة وا�ستذلل الفرد للح�سول على ماآرب �سخ�سية حقرية.

مل يكن ال�سعر العربي يوما تعبريا عن الذات ال�ساعرة القلقة، ولكن كان تعبريا عن الن�سق املهيمن الذي ميار�س

عنفه ولت�ساحمه على الذهن، كما مل يكن قطاع وا�سع من املعرفة الإ�سالمية تعبريا عن طموحات الإن�سان امل�سلم

يف التحرر والفعل التاريخي املوؤثر، بقدر ما كان تعبريا عن م�سالح ذاتية وفئوية وحزبية متخفية حتت غطاء ال�سرعية اأو

العلوم ال�سرعية اأو القد�سية، اأو غريها من الأغطية، مما يقت�سي اإزالتها وممار�سة النقد الثقايف عليها.

ملف العدد: التسامح واحلريةالتسامح النسق؛ من أجل نقد ثقافي

102

النا�س يت�ساءلون يف الآونة الأخرية عن �سبب ن�ساأة ظواهر العنف لدى عدد من التيارات املنت�سبة اإىل الإ�سالم،

وتنا�سلت الأ�سئلة احلائرة حول مفاهيم كال�سرك والكفر واجلهاد وغريها. وهي مفاهيم كانت وا�سحة لدى عامة

امل�سلمني يف كافة بقاع الأر�س، اإل اأنها طاملا ا�ستغلت لإ�سعال فتيل ال�سقاقات الطائفية لغايات اأهمها طلب احلكم

القرون منذ عرفت بل اليوم، وليدة لي�ست امل�سلمني بني والقتتال العنف اأحداث اأن التاريخ وينبئنا وال�سلطة.

الأوىل للهجرة، وكان اأ�سا�سها دائما تكفري طائفة اأو جماعة اأو فرد من اأجل نزع امل�سروعية عنه واإك�سابها لغريه طلبا

لل�سلطة والمتيازات املادية املغلفة بالنهي عن املنكر واإ�سالح الأمة.

قد عربت املظاهر هذه لكون ونظرا الدين، با�سم امل�سلم على امل�سلم واعتداء العنف ظواهر ا�ستمرار اإىل وبالنظر

من�سئها يف التنقيب عن لها، وحماولة ك املحر الفكر البحث يف اأخرى، كان لبد من وتنه�س تارة تخبو القرون،

القراءات املتعددة واملختلفة للدين الإ�سالمي طيلة القرون املا�سية.

لت، يف كثري من اإن املتمعن يف ما ح�سل من تراكم يف العلوم ال�سرعية، يجد اأنها يف جمملها قراءات لالإ�سالم �سك

الأحيان، فكرا مغايرا حلقيقته، اإذ هي اجتهادات لعلماء وفقهاء وحمدثني ومف�سرين حاول كل منهم ا�ستجالء جزء

من هذه احلقيقة. ولقد عرف التاريخ، بعد ال�سحابة ر�سي اهلل عنهم، علماء كبارا قادهم اإخال�سهم الرباين وبعدهم

عن الأطماع املادية اأو ال�سيا�سية اإىل اإر�ساء اللبنات الأ�سا�س لكل للعلوم ال�سرعية احلقة، خا�سة يف القرون الثالثة

الأوىل للهجرة. ومما طبع فكر هوؤلء العلماء من اأمثال الأئمة الأربعة ومن �سار يف ركبهم اأنهم األفوا فيما يفقه امل�سلم

يف دينه ويعينه على فهمه، ومل يوؤلفوا يف العقيدة لأنها اأمر بني العبد وربه، ولأنها حال قلبي ل يعلمه اإل اهلل.

النا�س، عقائد على اأو�سياء اأنف�سهم تن�سيب اأرادوا اأنا�س الأمة على طلع الهجري، الرابع القرن من ابتداء لكن

فابتدعوا علما اأ�سموه علم التوحيد اأو علم العقيدة، حاولوا من خالله ت�سنيف امل�سلمني اإىل موحدين وغري موحدين،

يف الت�سكيك اأ�سا�س على للم�سلم امل�سلم قتل جواز اأمام م�سراعيه على الباب فتحت حتول نقطة تلك فكانت

توحيده هلل تعاىل ويف عقيدته.

لهذه االأ�سباب،

ن�ساأ العنف والتطرف عند امل�سلمني

ماجدولني النهيبي*

بــــــدأ

*باحثة يف الل�سانيات ويف الرتاث الديني من املغرب.

ملف العدد: التسامح واحلرية

103 العدد األول، ربيع 2013

حول لفظ التوحد

اأن لفظ »التوحيد« ب�سيغته تلك مل يرد يف القراآن الكرمي، ول يف احلديث اأ�سل هذه الت�سمية جند واإذا بحثنا يف

النبوي ال�سريف الذي ورد فيه الفعل »وحد« فقط، يف قوله �سلى اهلل عليه و�سلم ملعاذ بن جبل ر�سي اهلل عنه )اإنك

دوا اهلل تعاىل(. فالتوحيد اإذن لفظة م�ستحدثة تقدم على قوم من اأهل الكتاب، فليكن اأول ما تدعوهم اإىل اأن يوح

د اهلل« هنا هو: عرف اأنه اإله واحد ل �سريك له، ول لت معنى خمالفا جلوهر الإميان باهلل وحده، لأن معنى »وح حم

معبود من دونه. واملعرفة هنا قلبية. وهو بهذا املعنى دال على حال معنوي ل على حدث ح�سي. ومعلوم اأن الأفعال

الدالة على احلالة ترد لزمة يف اللغة العربية، ويف جل اللغات اأي�سا. وينتج عن ذلك اأن الفعل وحد ذو اأ�سل لزم،

واأن ا�ستعماله املتعدي ا�ستعمال م�ستق ل اأ�سلي. ولقد اأدى اخللط يف فهم البنية الدللية لهذا الفعل وم�سدره، من

لدن اأ�سحاب علم التوحيد اإىل حدوث انزياحات يف فهم اأمور عميقة مت�سلة بعقيدة امل�سلم. وما ا�ستعمال ر�سول

اهلل �سلى اهلل عليه و�سلم يف حديثه الفعل »وحد« اإل ا�ستعمال متعد، لأن الأمر يتعلق مب�سركني ما زال املعبود بعيدا

عنهم خارجا من قلوبهم. وهومل يق�سد بهذا الفعل الدللة النف�سية ال�ساكنة التي تدل عليها اأفعال احلالت غالبا.

اأما م�سدر الفعل وحد، اأي التوحيد، فلم يكن متداول على عهد النبي �سلى اهلل عليه و�سلم، خا�سة واأن لغته

�سلى اهلل عليه و�سلم كانت هي لغة القراآن. ومبا اأن اللفظ مل يرد يف القراآن، فمن امل�ستبعد اأي�سا اأن يرد يف كالمه

�سلى اهلل عليه و�سلم.

ولغياب لفظ التوحيد يف القراآن ويف احلديث ارتباط وثيق بروح اللغة العربية وبعبقريتها، اإذ اأن التفعيل �سيغة تدل

يف العربية على احلركية والتكرار، ولذلك فهي غالبا ما ترتبط باأفعال دالة على اأحداث حركية حم�سو�سة وملمو�سة

)مثل الت�سبيح، التقليد، التاأييد، التقييد...(، بينما الإميان بوحدانية اهلل فعل قلبـي وجداين ل ميكن اأن يدل عليه

ع، لكن �سيغة هذا امل�سدر . ومن �سمات فعل احلالة المتداد يف الزمن ب�سفة من�سجمة دون تقط)1(

اإل فعل للحالة

»توحيد« تدل على التقطع والتكرار كما راأينا اأعاله، وقد تدل على التكثري والت�سديد اأي�سا. اأما الإميان باهلل فهو فعل

نف�سي ل يقت�سي جعل اهلل تعاىل مو�سوعا خارجيا مفعول به، بل يقت�سي اأن يكون املعبود حا�سرا يف قلب العابد

وباطنه، م�ستقرا فيه، ولذلك وجدنا الفعل اآمن فعال لزما، اأي ل مفعول له كقولنا اآمن الرجل، واآمنت باهلل على

. ولذلك فا�ستعمال امل�سدر »توحيد« ل ميكنه اأن يكون دال على الإ�سافة ل على املفعولية، اإذ ل يجوز قول اآمنت اهلل

حالة الإقرار القلبي بوحدانية اهلل لأن بنيته ال�سرفية والدللية، التي هي بنية حدثية حركية تفيد التكرار اأو التكثري،

تتعار�س مع هذا املعنى ال�ساكن امل�ستمر املن�سجم. وا�ستعمال التوحيد بهذا املعنى ا�ستعمال م�ستحدث ن�ساأ يف بنية

لغوية وعلمية بداأت تفقد معامل الدقة وال�سبط اللذين ميزا فكر ال�سلف يف القرون الف�سلى.

اإميان الت�سديق واإميان املقام

لقد اأدى اخللط يف فهم البنى ال�سرفية والدللية لعدد من الألفاظ امل�ستعملة يف القراآن الكرمي اإىل خلق التبا�سات يف

فهم اأمور اأ�سا�سية مت�س العقيدة، ومنها لفظة الإميان وم�ستقاتها. فالفعل »اآمن« يف قوله تعاىل »يا اأيها الذين اآمنوا« فعل

لزم دال على حال الت�سديق القلبي بر�سالة �سيدنا حممد �سلى اهلل عليه و�سلم، فهو اإذن فعل �ساكن دال على حالة

النهيبـي، انظر الخ. اآمن، فرح، حزن، مثل ،)states( وحالت الخ. �سرب، وقف، اأكل، مثل ،)events( اأحداث اإىل اللغات يف الأفعال اللغويون ق�سم )1(

ماجدولني:2004، مقاربة جهية للتناوب احلركي يف اللغة العربية، �سمات الفعل وطرق بنائها، من�سورات معهد الدرا�سات والأبحاث للتعريب، الرباط.

ملف العدد: التسامح واحلريةلهذه األسباب نشأ العنف والتطرف عند املسلمني

104

نف�سية من�سجمة غري حركية، وغري قابلة للتجزيء، بعك�س الأفعال الدالة على الأحداث. والإميان بهذا املعنى يرادف

الإ�سالم، اإذ اأن فعل الت�سديق يكون واحدا غري قابل للتجزيء، وغري قابل للنق�سان اأي�سا. وعلى هذا فقد خلطوا بني

الت�سديق الذي هو �سرط الإ�سالم، وهو حال مفرد من�سجم وقطعي، وبني مقام الإميان الذي هو مرحلة فيها ارتقاء

وتدرج، واأدى بهم هذا اخللط اإىل فهم خاطئ للحديث ال�سريف القائل»اإن الإميان يزيد وينق�س«، قا�سدا بذلك اأن ما

ينق�س اأو يبلى هو املقام الإمياين الذي يكون عليه امل�سلم، هذا املقام الذي يقت�سي املواظبة على الذكر والجتهاد يف

العبادة حتى ل تت�سلل الغفلة اإىل القلب فيرتاجع الرتقاء الروحي يف مراتب الإميان. اأما فعل الت�سديق الذي يكون

اأول �سرط لالإ�سالم فال يبلى ول ينق�س ولو باقرتاف الذنوب. وقد فهم البع�س، اأو اأرادوا اأن يفهموا، اأن ما ينق�س هو

الت�سديق، ف�سقطوا يف اتهامات باطلة مت�س امل�سلمني يف اإميانهم وعقيدتهم، وفتحوا باب التفاوت بني امل�سلمني على

.)2(

اأ�س�س خارجية ل عالقة لها بحقيقة الت�سديق الإمياين التي يبقى احلكم فيها هلل تعاىل ل للب�سر

وقد نتج عن ذلك ت�سكيكهم اأي�سا يف �سدق قائل عبارة »ل اإله اإل اهلل«، التي اأ�سبحت يف نظرهم غري كافية لدخول

قائلها يف الإ�سالم، وق�سموا التوحيد على هذا الأ�سا�س اإىل توحيد األوهية وتوحيد ربوبية، متعمدين ذلك لتن�سنيف

امل�سلمني اإىل موؤمنني وكفار، اأو اإىل موحدين وم�سركني. واحلال اأن ل اإله اإل اهلل جتمل كل معاين الإميان باهلل وحده،

.)3(

وحرمتها جتعل مال قائلها ودمه حراما واإن قالها كاذبا

ن�سوء ال�سالفة الذكر ت�سكل اجلوهر الأ�سا�س لن�سوء فكر عن�سري ميزي بني امل�سلمني، تولد عنه املثارة النقط اإن

جماعات ن�سبت نف�سها و�سية على العقيدة، واأجازت القتتال بني امل�سلمني. ول بد يف هذا ال�سدد من الإ�سارة اإىل

اأن اأي جماعة اأو طائفة اأو توجه يتبنى فكرة الإ�سالح على الأ�سا�س امليزي املذكور يكون ماآله النزلق املحتوم نحو

العنف. ول عجب اأننا جند الفكر العنيف املتطرف يخرج من رحم جماعات تدعي ن�سر الدعوة بو�سيلة �سلمية، لأن

الو�سيلة لي�ست هي الأهم، بل الأهم هو الفكر الذي يقود هذه الو�سيلة ويغذيها.

اإىل كل ما �سبق، علينا التاأمل يف �سبب انتفاء �سفة العنف والتطرف عن الجتاه ال�سويف عموما، بكل ما وبالنظر

ين�سوي حتته من طرق، لأن اأ�سا�س هذا التوجه هو اإ�سالح النفو�س بالذكر، وتهذيب القلوب باملحبة. اإذ يدعى املريد

اإىل النظر يف عيوبه ل يف عيوب الآخرين، واإ�سالح نف�سه بالن�سغال باحلق عن اخللق، ويتعلم اأن املقامات ل يعلمها

اإل اهلل تعاىل، واأن الأعمال اأ�سباب تتغيى الإقبال على اهلل، ولي�ست دواع للعجب والتباهي وجلب الإطراء، واأنه مهما

عمل العبد فهو �سغري ذليل، ومهما عبد فهو �سعيف حقري، واأن العبد ال�سالح هو الهني اللني املتحلي بالأدب مع اهلل

ومع املخلوقات، ل ال�سخاب املدعي. اإن طريق الت�سوف تدعو اإىل ا�ست�سغار النف�س وخ�سوعها يف باب اهلل عو�س

النفخ فيها وتن�سيب �ساحبها داعية وم�سلحا وو�سيا على الآخرين ملجرد كونه مطلق اللحية مكتحل العينني.

)2( �سنف�سل يف هذه النقطة عند مناق�سة بع�س الطروحات ال�سلفية يف ف�سول لحقة.

)3( نذكر يف هذا ال�سدد اأن �سيدنا اأبا بكر ر�سي اهلل عنه ملا اأراد اأن يقاتل مانعي الزكاة يف حرب الردة بعد وفاة النبي �سلى اهلل عليه و�سلم ن�سحه �سيدنا عمر ابن اخلطاب

ر�سي اهلل عنه اأن ل يقاتل اإل املرتدين، واأن ل يقاتل اأهل ل اإله اإل اهلل، حتى واإن مل يدفعوا الزكاة، وذكره بحديث �سيدنا ر�سول اهلل �سلى اهلل عليه و�سلم عن ع�سمة دم

ومال من قال ل اإله اإل اهلل. اأما اإ�سرار �سيدنا اأبي بكر على مقاتلة كل مانعي الزكاة فله ما يربره يف تلك الظرفية احلرجة التي مل تكن ت�سمح بالت�ساهل يف اأي ركن تفاديا

للتهاون يف باقي الأركان، خا�سة واأن ال�سك قد غزا القلوب، فحنت اإىل ال�سرك والوثنية، ت�ساف اإىل ذلك احلاجة املا�سة اإىل اأموال الزكاة ل�ستمرار الفتوحات واإر�ساء قواعد

الدولة الإ�سالمية التي بداأت تت�سع اأطرافها.

لهذه األسباب نشأ العنف والتطرف عند املسلمني ملف العدد: التسامح واحلرية

105

بري�سة الفنان عمر الفيومي ، م�سر

106

فهمي جدعان:

»اال�سالم ال�سيا�سي« بدعة اإيديولوجية

وانحراف عن غائية الدين

حاوره: موسى برهومة*

الف�سل اإىل املفكر فهمي جدعان يف تاأ�سي�س اجتاه يف الفكر العربي املعا�سر، يقوم على

اأن�سنة املقاربات الفل�سفية، ومنحها طابعا كونيا، يف اإطار ما ي�سميه »العقل الوجداين«

ويف هذا امل�سعى، فاإنه يناويء العقل التجريبي الختباري املجرد بوجود الإن�سان، ومب�سريه على

تكنولوجيا، وعقال اأداتيا، عقال لي�سبح انحرف املعريف العقل اأن املقابل يف ويعتقد الأر�س.

يطلب القوة والغلبة والتحكم وال�سيطرة، ويف اعتقاده اأن الفيل�سوف اأو املفكر الذي يريد اأن يكون

»عبدا« للعقل املعريف املجرد والعقل الأداتي �سيفقد اجلناح الإن�ساين التوا�سلي، و�سيتحول اإىل

اآلة مادية م�ستبدة.

ويرى جدعان، يف هذا احلوار، اأن »الإ�سالم ال�سيا�سي« »بدعة« اإيديولوجية حديثة، ون�سج على

منوال الأحزاب ال�سيا�سية احلديثة. وهو يف اعتقاده انحراف �سريح عن غائية الإ�سالم احلقيقية

التي هي غائية اأخالقية ح�سارية، ل حركة �سيا�سية مكيافيلية تطلب ال�سلطة والغلبة والإق�ساء

للمختلف.

دكتوراة على حا�سل املحتلة، بفل�سطن غزال عن بلدة مواليد من جدعان فهمي والدكتور

الدولة يف الآداب يف الفل�سفة الإ�سالمية وعلم الكالم من جامعة ال�سوربون عام 1968. در�س يف

عدة جامعات يف الأردن، والكويت، وعمان، وفرن�سا. اأجنز العديد من الكتب، من بينها:

1. اأ�س�س التقدم عند مفكري الإ�سالم يف العامل العربي احلديث 1979.

يعود

*اأ�ستاذ جامعي وباحث من الأردن.

حــــــــــــــــــــــوار

ء

107 العدد األول، ربيع 2013

2. نظرية الرتاث، ودرا�سات عربية واإ�سالمية اأخرى 1985.3. املحنة؛ بحث يف جدلية الديني وال�سيا�سي يف الإ�سالم 1989.

4. الطريق اإىل امل�ستقبل : "اأفكار – قوى" لالأزمنة العربية املنظورة 1996.5. املا�سي يف احلا�سر: درا�سات يف ت�سكالت وم�سالك التجربة الفكرية العربية 1997.

6. رياح الع�سر: ق�سايا مركزية وحوارات كا�سفة 2002.7. يف اخلال�س النهائي: مقال يف عودة الإ�سالمين والعلمانين والليربالين 2006.

8. املقد�س واحلرية.. واأبحاث ومقالت اأخرى من اأطياف احلداثة ومقا�سد التحديث 2009.9. خارج ال�سرب: بحث يف الن�سوية الإ�سالمية الراف�سة واإغراءات احلرية 2010.وي�سدر له قريبا كتاب جديد بعنوان »حترير الإ�سالم - ور�سائل زمن التحولت«.

التقينا الدكتور فهمي جدعان، فكان هذا احلوار:

اأم حداثة حقا ثمة هل مرة: غري ت�ساءلت

والبناء ا�ستلهامها ميكن ح�سارتنا يف حداثات

عليها. اأم اأنها كانت دوما ذات روح »اتباعية« تنفر

من »البتداع« وتتعلق دوما ب�»التقليد«؟

يف كتابي )حترير الإ�سالم – ور�سائل زمن التحولت(

الذي يو�سك اأن ي�سدر عن »ال�سبكة العربية لالأبحاث

اأبنت العربية( واحلداثات )احلداثة يف قول والن�سر«

للحداثات مفهوميا تاريخا يكون اأن ي�سبه ما فيه عن

العربية، بدءا من »احلداثة النبوية« اإىل املنعطف العقلي

وا�ستقالل العقل الإن�ساين عند املعتزلة والفال�سفة، ثم

ال�سخ�سانية« »الذات فتفجر »العلمية«، احلداثة بزوغ

العربي التنوير ع�سر اإىل ... ال�سوفية الف�ساءات يف

احلديث.

اإل تقليدية، اتباعية روح ذات تكن ح�سارتنا ل، مل

والتيار والكالمية الفقهية املذاهب بع�س اأو�ساط يف

الذي ميكن نعته بالتيار ال�سلفي التباعي الذي ج�سده

»اأهل ال�سنة الأوائل« و»اأ�سحاب احلديث« وال�سلفيون

املتاأخرون: ابن تيمية ومدر�سته. ومن املوؤكد اأن الت�سيع،

بعد اأن تبلور يف نظام عقيدي �سارم، يلتحق اأي�سا بهذه

الجتهاد مببداأ اأخذه من الرغم على وذلك الروؤية،

اأنا الأحوال جميع ويف الأئمة. ميار�سه الذي العقلي

ل�ست ممن يوؤمنون مببداأ »ال�ستلهام« بقدر ما اأ�سع يدي

اأو املفاهيم التي حتتفظ بدللة اأو الروؤى على املواقف

اأن مبداأ »البتداع« هو واأرى اليوم. لنا نحن »حالية«

بع، واأن »احلا�سر« هو البو�سلة التي الذي ينبغي اأن يت

ينبغي اأن توجه اأفعالنا.

ذات اإن�سانية بناء حداثة اإعادة بالإمكان وهل

والرفاهية والأمن بالعدالة مرتبطة وغايات قيم

والأمل والعالقات الإن�سانية التوا�سلية؟

عنه والتخلي م�سريي. حيوي جوهري مطلب هذا

مع و»ت�سوية« الوجود من ا�ستقالة مبثابة �سيكون

الفو�سى واخلراب والزوال.

متناول يف لي�س املطلب هذا اإدراك اأن نعلم لكننا

القائمة الفو�سى بت�سفية واإمنا هو منوط الفوري، اليد

ال�سديدة وبال�سيا�سات امل�ستع�سية، وامل�سكالت

واإدراك »الدولة العادلة« النزيهة، واإعادة بناء الإن�سان.

وهذا مطلب ع�سري، لكنه لي�س م�ستحيال.

ينظر اإليك باعتبارك من رواد التيار الإ�سالمي

حــــــــــــــــــــــوار حوار: فهمي جدعان

108

الكبرية لعنايتك نظرا احل�ساري، الإن�ساين

واحل�سارية، التاريخية الإ���س��الم مب�سكالت

وحماولة مو�سعة الإ�سالم يف معر�س احلداثة التي

العالقة اأن ترى هل وجودنا. من جزءا اأ�سحت

بن الإ�سالم واحلداثة عالقة �سدية، اأم اأن مبقدورها

اأن تكون تكاملية وتوافقية و�سجالية؟

اأول: اأنا »م�سلم« ل اأكرث ول اأقل. ول�ست اأنتمي اإىل اأي

ويل املعا�سر. الإيديولوجي الإ�سالم تيارات من تيار

طريقتي يف متثل الإ�سالم من حيث هو اأحد املركبات اأو

املكونات الأ�سا�سية للوجود العربي التاريخي والقابل.

واأنا اأرى اأنه لي�س ثمة فهم اأو ت�سور اأو متثل واحد لدين

الإ�سالم، اللهم اإل ذاك املحفوظ يف »اللوح الإلهي«.

اأما يف الواقع فلدينا »اإ�سالمات« ل اإ�سالم واحد. واأنا

منظومة هو مبا الإ�سالم نتمثل اأن ن�ستطيع اأننا اأعتقد

يف تتج�سد اأن ميكن التي ــالق والأخ العقائد من

واأقول »البديهية« للحداثة، املبادئ توافقية مع عالئق

»البديهية« لأن احلداثة »حداثات«، وفيها ت�سورات اأو

معطى لي�ست احلداثة با�ستمرار. جتاوزها يتم مواقف

ولها م�ستقرة، غري متحولة هي واإمنا جاهزا، نهائيا

بني جذريا، ربطا نربط، اأن علينا ولي�س م�ساداتها،

للحداثة. عابرة »تاريخية« �سورة اأية وبني الإ�سالم

وعلى احلداثة« »مابعد على اليوم نتكلم اأننا ومعلوم

»مابعد بعد احلداثة« اأكرث مما نتكلم على احلداثة التي

باتت »كال�سيكية«.

اللتبا�س. الكثري من »ال�سلفية« يثري م�سطلح

التاريخي، ال��ت��داويل مفهومه عن خ��رج فقد

والتزمت والإرهاب. هل للت�سدد واأ�سحى �سنوا

واإيديولوجية فكرية بطبيعة حمددة �سلفية هناك

ناجزة، اأم �سلفيات. اأم اأنها يف جمموعها تاأتي ردا

بط�س اأو املعتدلة، الإ�سالمية التوجهات على

ال�سلطة احلاد؟

بحثي ويف ــدة. واح �سلفية ل �سلفيات، ال�سلفية

يف ن�سره اأعيد الذي وحتولتها( حدودها )ال�سلفية:

كتابي الآنف الذكر )حترير الإ�سالم....( ، ميزت بني

اأعني - التاريخية ال�سلفية ال�سلفية: من اأنواع ثالثة

ثة، املحد وال�سلفية ، الأول- الإ�سالمي اجليل �سلفية

اأعني �سلفية »الإ�سالحيني« امل�سلمني: جمال الدين

وال�سلفية الدين...، وخري والطهطاوي عبده وحممد

ي�سمى ملا »متهيدا« اعتبارها ميكن التي املتعالية،

نف�سها تن�سب اجلهادية«. وهي جميعا »ال�سلفية اليوم

عقول تعك�س »مواقف جميعا لكنها »ال�سلف« اإىل

اأ�سحابها« وظروفهم واأو�ساعهم التاريخية. ويف اعتقادي

اأن امل�سلمني مطالبون اأو مدعوون اإىل اأن يقيموا حياتهم

ويقوموا وجودهم التاريخي ل بالرجوع اإىل جيل �سابق

التاريخية اأو�ساعهم اإىل بالرجوع واإمنا اآخرين، وب�سر

املبا�سرة واإىل معطيات وجودهم امل�سخ�س واعتبار ذلك

»املقا�سد« اأعني لدينهم، العليا »املقا�سد« �سوء يف

امل�ستقة من القراءة ال�سمولية اأو )الهول�ستية( للن�سو�س

الدينية، ل من الأفكار والروايات والأخبار التي تنتقل

عن هذا ال�سخ�س اأو ذاك ممن جنحوا يف تاريح الإ�سالم.

وبالطبع ينبغي اأن تكون هذه القراءة موافقة ملتطلبات

الواقع املبا�سر ولأحكام الزمن الذي يجري.

»الإ�سالم م�سطلح ي��ربز ذات��ه، ال�سياق يف

ما �سوء يف امل�سطلح هذا تقراأ كيف ال�سيا�سي«.

يعرف ب�» ثورات الربيع العربي«؟

اإيديولوجية »بدعة« راأيي يف ال�سيا�سي« »الإ�سالم

حديثة، ون�سج على منوال الأحزاب ال�سيا�سية احلديثة.

حوار: فهمي جدعان

لي�س ثمة فهم اأو متثل واحد لدين

املحفوظ ذاك اإل اللهم الإ�سالم،

الواقع اأما يف الإلهي«. »اللوح يف

اإ�سالم ل »اإ�سالمات« فلدينا

واحد.

حــــــــــــــــــــــوار

109 العدد األول، ربيع 2013

الإ�سالم غائية عن �سريح انحراف اعتقادي يف وهو

حركة ل ح�سارية، اأخالقية غائية هي التي احلقيقية

والإق�ساء والغلبة ال�سلطة تطلب مكيافيلية �سيا�سية

كتابي يف اأي�سا امل�ساألة هذه عاجلت لقد للمختلف.

)حترير الإ�سالم ...(، بقدر من التدقيق والتحديد ول

اأريد اأن اأكرر هنا ما جاء هناك.

فتجيب: الإ�سالميون، يريده ماذا تت�ساءل

وتفرد، باإطالق ال�سريعة حتكمها اإ�سالمية دولة

وتتمثل دين الإ�سالم يف روؤية كونية �ساملة تغلب

اإق�سائية، انف�سالية، روح بها وت�ستبد عليها

تتقبل ول »الختالف« تنكر اأحادية �سدامية،

حرفية �سيقة ب��ق��راءة وتتعلق »الع����رتاف«،

للن�سو�س الدينية، وبروؤية قتالية اأو جهادية م�ستقة

حكمت اأن �سبق قراآنية لآيات ظاهرية قراءة من

روؤية ابن تيمية يف ظروف تاريخية اأوجبت ذلك.

انتقلوا بعدما الإ�سالميون، يريده ما يزال هذا اأما

اإىل احلكم، اأم اأن ال�سورة تغريت قليال؟

ومل وغدا، اليوم الإ�سالميون يريده ما هذا ... نعم

امل�سخ�سة القرائن وكل الروؤية. هذه يف راأيي اأغري

مرحلة انتظار يف وهم ذلك. على تدل وال�ساخ�سة

ومكوناتها. ومفا�سلها بالدولة وال�ستبداد »التمكني«

لكن وتتجذر، تتعمق هي بل ل تتغري، مل ال�سورة

تبذل جهدها من اأو متحالفة »قوى خارجية«، حليفة

اأن الإ�سالميني اإىل وتطلب النزعة هذه كبح اأجل

ا�سرتاتيجية اإطار »يتفاهموا« مع خ�سومهم، وذلك يف

اإقليمية ودولية خا�سة بهذه القوى. وامل�سكلة الكربى

يف حقيقة الأمر، يف �ساأن الإ�سالميني، تكمن يف اأنهم

يجور على �سيا�سي« اإىل »حزب الإ�سالم دين حولوا

يف ويدخل الدين، لهذا الكونية العميقة الغائيات

عقابيل واألعيب ول اأخالقيات العامل ال�سيا�سي.

تقوية روحية، اإميانية، »دعوة« الإ�سالم دين اأن ترى

مقا�سد حتقق اأن ت�ستطيع العادلة والدولة رحيمة.

اأكتاف على حممولة تكون اأن دون العليا ال�سريعة

يف ر وتق�س الأ�سول على الفروع تقدم دينية اأحزاب

والعدل الرحمة وهي الأ�سا�سية، الدين غائية حق

والتقوى. ويف اعتقادي اأن على اجلماعة )تق�سد جماعة

ال�سيا�سي املطلب تتخلى عن اأن امل�سلمني( الإخوان

وتعود اإىل نهج )الدعوة( التقوية الرحيمة.

هل ما تزال عند دعوتك؟

نعم، مازلت عند اعتقادي هذا. على )جماعة الإخوان

امل�سلمني( اأن ترحم نف�سها، وترحم امل�سلمني، وترحم

دين الإ�سالم نف�سه، وتعود اإىل الغائية اجلوهرية لدين

القا�سي م�سروعها عن نهائيا تتخلى واأن الإ�سالم،

قاهرة ق�سرية �سيا�سية« »�سلطة اإىل الإ�سالم بتحويل

تطلب »قيادة العامل« اأجمع وحتول )الأمة الإ�سالمية(

اإىل نظرته اأجمع العامل اإليه ينظر كا�سر« »�سبع اإىل

»العدو الأبدي« الذي ينبغي قهره وتدمريه.

يف دينهم ا�ستقر اأن بعد حاجة، يف لي�سوا امل�سلمون

هذا يف لوجودهم يخططوا لأن العامل، وقلوب اأفئدة

والقتتال ال�سراع يف ال�سيا�سة ملبادئ وفقا العامل

واحلرب الدائمة. نعم ل�سنا يف حاجة اإىل هذا املنظور.

نحن يف حاجة اإىل »اإ�سالح الإن�سان« باملعنى، والقيمة،

واملبادئ الأخالقية والإن�سانية الرحيمة. بذلك وحده

�سنتميز عن ح�سارات الإ�ستبداد والهيمنة وال�ستعباد،

ومثال ومنوذجا قدوة نكون اأن ميكن وحده وبذلك

حوار: فهمي جدعان

اأن اإىل مدعوون امل�سلمن اإن

يقيموا حياتهم ويقوموا وجودهم

جيل اإىل بالرجوع ل التاريخي

�سابق، واإمنا بالرجوع اإىل اأو�ساعهم

التاريخية املبا�سرة والراهنة.

حــــــــــــــــــــــوار

110

لنا يتحقق وحده وبذلك الآخرين، لدى يحتذى

ولأبنائنا ول�سعوبنا اخلري وال�سعادة والرفاهية والطماأنينة

والأمن، ل العذاب والمتحان الدائم والو�سع ال�سقي.

طريق هو العادل، التوا�سلي الرحيم، التقي الإميان

باإغراءات امل�سكون امل�ستعلي« »الإميان ل اخلال�س،

التفرد وال�سلطة وال�ستبداد والنف�سال.

اجلدران، التنويري فكرك بقب�سة تدق بقيت

نعد حل�سور اإن مل اأننا من اجلر�س، وحتذر وتعلق

احلا�سر التاريخ يف وف��اع��ل معنى ذي ذات��ي

نيت�سة، قال كما ف�سنكون، املنظور، وامل�ستقبل

خرجنا هل العبودية«.. مع »ت�سوية يعقد كمن

من هذا الربزخ، اأم اأننا ما نزال عالقن فيه؟

وعقدنا �سوءا، ازدادت والأحــوال �سيء. يتغري مل

للقوى والرتهان والقتتال والدمار املوت مع ت�سوية

الذاتي، والتدمري وال�ستبداد، الهيمنة، و�سيا�سات

والكراهية، والتمزق، واملجهول.

ال�سورة تك�سر اأن العديدة، كتبك يف حتاول

وتذهب بالفل�سفة، امل�ستغل اأو للمفكر النمطية

طابعا ومنحها الفل�سفية، مقارباتك اأن�سنة اإىل

كونيا.. يف اإطار ما ت�سميه »العقل الوجداين«. األ

عن الفل�سفية الكتلة ف�سل مغبة من تخ�سى

والعقل التقعيدي، النظري واإطارها منهجها

املعريف؟

يكمن ال�ساأن هذا يف الأ�سا�سي، اإ�سهامي اأن اأعتقد

على وجه التحديد يف اأنني اأرف�س، من منظور اإن�ساين

واقعي، اأن ي�ستبد العقل التجريبي الختباري املجرد

ل�ست اأنا الأر�ــس. على ومب�سريه الإن�سان، بوجود

اإليه يف واأحتكم واأقدره به اأعرتف اأنا للعقل، خ�سما

اأ�ستطيع ل اأي�سا لكنني ال�سخ�سية، امل�سكالت حل

وجود ويف وجودي يف الوجدانية للكينونة اأتنكر اأن

اأي اإن�سان اآخر. العقل املعريف، وحده، انحرف لي�سبح

والغلبة القوة يطلب تكنولوجيا، عقال اأداتيا، عقال

»النزعة اإىل تاريخيا، واأدى، وال�سيطرة، والتحكم

الأخرية. الثالثة القرون �سهدناها التي ال�ستعمارية«

الفيل�سوف اأو املفكر الذي يريد اأن يكون »عبدا« للعقل

املعريف املجرد والعقل الأداتي �سيفقد اجلناح الإن�ساين

الفرق م�ستبدة. مادية اآلة اإىل و�سيتحول التوا�سلي،

الآخرين، والعقالنيني اجلابري وبني بيني الأ�سا�سي

الراديكاليني، اأنني اأريد »الإن�سان التكاملي«، الإن�سان

والعدالة امل�ساواة يطلب الذي الرحيم، التوا�سلي،

الإن�ساين« »الو�سع جمابهة يف والت�سارك والتعاطف

البائ�س على الأر�س.

الإعالم يكونها التي ال�سور تلك عن حتدثت

ميثل وجدانية ذهنية نف�سية كتلة عن الغربي

ومعطى »ط��اردا« ح�سورا فيها واأهله الإ�سالم

يبعث على النفور واخلوف والكراهية. وتتمو�سع

من جمموع ويف املقد�س، رموز يف هذه ال�سور

الديني: بالن�س املتعلقة امل�سخ�سة املفردات

كاملراأة، واجلهاد، والت�سلب، وكراهية »املخالف«،

وال�ستفراد باحلقيقة وغري ذلك، ف�سال عن �سورة

للح�سارة معاديا باعتباره الإ�سالم عن ترت�سخ

الأ�سا�سية. الإن�سان حلقوق ومتنكرا والتقدم،

لتلك ذرائع على ال�سور هذه ت�ستمل األ ولكن،

"املزاعم" والتخر�سات؟

بكل تاأكيد. هذه ال�سور ت�سكل ذرائع قوية لهذه املزاعم.

اإننا نقدم لهم كل امل�سوغات لإ�ساعة هذه ال�سورة. مرة

اأخرى، اأحيلك اإىل كتابي اجلديد )حترير الإ�سالم ...(

حيث عر�ست من جديد لهذه امل�سكلة.

حوار: فهمي جدعان حــــــــــــــــــــــوار

111

بري�سة الفنان عمر الفيومي ، م�سر

112

الثقافة املبحث الغالب يف تداولتنا اليومية

وت�سحى والفكرية، وال�سيا�سية والإعالمية

يقلق يزال ل الذي املجهول« »املعلوم ذلك رغم

لأن لي�س ويفرز. يربز ما املع�سالت ومن وي�ستفز،

الثقافة غائبة، بل هي حا�سرة ح�سور ال�سم�س بوهجها؛

لكن من فرط وهجها فهي تعمي ول تتيح النظر. فقط

رمبا ميكن ال�سم�سي، بالوهج ولي�س القمري، بال�سياء

األن الفيل�سوف قاله مبا اأ�سوة حقيقتها على الوقوف

باديو يف كتابه »العالقة امللغزة بني الفل�سفة وال�سيا�سة«

ياأتي الذي املعريف الفرع هي »الفل�سفة اأن ،)2011(

كيف نقارب الثقافة

من وجهة نظر فل�سفية؟

نحو نقد العقل الثقايف

محمد شوقي الزين*

»اأخربيني اأي�تها القريحة عن ذلك الرجل اللبق الذي �ساح طويال

نة يف طروادة«. بعدما اأطاح بالقلعة املح�س

هومريو�س، الأودي�سا، الن�سيد الأول.

)1(

بعد نـهار املعرفة والتجارب واحلياة احلقيقية، يف بداية

الليل«. مبا اأنني اأعالج هنا فل�سفة الثقافة، فاإنني اأبتدئ

»فل�سفة ملاذا الثقافة. على اأعرج اأن قبل بالفل�سفة

الثقافة«؟ ميكن احلديث مثال عن »�سيا�سة الثقافة« اأو

»ال�سيا�سة الثقافية« يف �سكل برامج اأو اأفكار اأو م�ساريع

بدونه الذي احليوي القطاع بـهذا للنهو�س ت�سعى

ي�سبح اجلو معكرا وغري قابل للتنف�س كما قال مي�سال دو

�سارتو. بدل من الختناق اإذن بغياب الثقافة، ي�سحى

وجودها تنفي�سا عن النفو�س املهمومة، مبا ت�ستمل عليه

ونحت ر�سم من التعبري واأ�سكال واآداب فنون من

*جامعة بروفون�س )فرن�سا(.

)1( هذا املقال هو خطة بحث لكتاب قيد الإعداد »الثقاف يف الأزمنة العجاف: فل�سفة الثقافة يف الغرب وعند العرب«، والذي و�سل اإىل حد ال�ساعة اإىل 250 �سفحة من

التدوين. اأحاول اأن يكون كتابا جامعا واأ�سيال لأن الثقافة من وجهة نظر فل�سفية )ولي�س فقط �سو�سيولوجية اأو اأنرثوبولوجية( مل ترع اهتمام الباحثني. وياأتي هذا الكتاب ملالأ

الفراغ و�سد احلاجة حول مبحث من اأهم املباحث راهنية وتاأثريا، وعلى امل�ستوى الهيكلي للتنظيم الب�سري لدينا »وزارة الثقافة« ولي�س حتما وزارة التاأويل اأو وزارة العقل...

فهي املبحث املرتبط بتاريخ النوع الب�سري وم�ساره وم�سريه..

تشكل

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

113 العدد األول، ربيع 2013

ة وم�سرح ورق�س وت�سوير ومو�سيقى وغناء و�سعر وق�س

فوتوغرايف وغريها من الأ�ساليب والألوان، ويعود على

بزمام الأخذ عناية وقنواتـها، مبوؤ�س�ساتـها ال�سيا�سة،

الثقافة ور�سم معاملها وتو�سيح م�سامينها.

باإبراز الثقافة« »اأنرثوبولوجيا عن اأي�سا احلديث ميكن

وبربط والأذواق، واحل�سا�سيات العرقيات يف التنوع

وباأ�سولها التاريخية بجذورها الثقافية التعبريات

بالهيكل اأي والرمزية، الت�سورية وبرتبتها الجتماعية

العام للثقافة الذي يظهر الهيئة التي تكون عليها يف هذا

الإقليم اأو ذاك، يف هذه النتماء اأو ذاك. ميكن احلديث

اإنتاج �سروط بتبيان الثقافة« »�سو�سيولوجيا عن اأي�سا

الثقافة واأمناط توزيعها يف املجتمع عرب النوادي الأدبية

واأ�سكال والت�سال الإعالم قنوات اأو الثقافة دور اأو

التلفزة عرب واملرئي واملكتوب باملقروء ا�ستهالكها

الأنرتنت. مثل الأثريية التكنولوجيا يف اأو والإذاعة

الثقافة تتخذها التي الجتماعية املالمح تر�سم فهي

وتناولها. بثها يف التقنية وال�سيغ العملية والأبعاد

الثقافة ح�سور على معلم اأقوى ي�سكل الفن ولعل

يعرب التي الت�سورية الأ�سكال املجتمع من خالل يف

الرتبوية والأهداف يحملها التي الرمزية والقيم عنها

واملعامل املتاحف عرب اإليها ي�سبو التي والتداولية

ي�سبو التي والنفعية القت�سادية والأغرا�س والآثار،

اإليها عرب �سفقات ال�ستثمار.

ميكن احلديث اأي�سا عن »التاريخ الثقايف« بالتقليل من

ال�سروط الجتماعية والقت�سادية والتوكيد على الأطر

بلورة هذا اأتاحت التي الزمنية النظرية والت�سكيالت

الأ�سلوب الفني )الواقعية، التكعيبية( اأو ذاك، بروز هذا

الأ�سلوب ال�سيا�سي يف احلكم )»الأمري« مع ماكيافيل،

املذهب هذا طلوع ذاك، اأو مارك�س( مع »الراأ�سمال«

ذاك، اأو الربوت�ستانتية( الكاثارية، )املعتزلة، الديني

ظهور هذه النظرية العلمية )نيوتن، غاليلي، اأين�ستاين(

اأو تلك، انبثاق فكرة اأو ثورة، �سناعة طريقة اأو مو�سة،

ترميم ذاكرة اأو حا�سرة، اإلخ. اإن التاريخ املرتبط بالثقافة

الرمزية اأو البنيوية التاأ�سي�سات معظم لي�سمل يتو�سع

والت�سكيالت املدنية واحل�سارية. ميكن احلديث اأخريا

الأجنلو-�ساك�سوين باملعنى الثقافية« »الدرا�سات عن

)Cultural Studies( بو�سفها »ثقافة م�سادة«، تقع

الفنون من وتتغذى والتقعيد، التنميط هام�س على

الثقافات يف وتتجلى املتداخلة، اأو املجاورة واملعارف

ال�سعبية اأو اجلماهريية اأو الفئات املهم�سة اأو الأقليات

امل�ستبعدة، ويف املباحث املتنوعة مثل درا�سات ما بعد

)gender( ال�ستعمار والدرا�سات الن�سوية واجلن�سية

والعرقية مثل الزجنية، اإلخ.

كل هذه الفروع وغريها تغذي بال �سك الثقافة وتدر�سها

يف وتبحث وا�ستعرا�سي، ومتكامل متنوع ب�سكل

واأ�ساليب توزيعها وغر�سها جذورها وعروقها عن بذور

اإحدى الدللت ال�ستقاقية ح�سادها وقطافها، وهي

اأمناط وتدر�س لحقا؛ عندها �ساأتوقف التي للثقافة

اأو النظرية التي تنبني تر�سيخها وتثبيتها جلعلها املبداأ

عليها ال�سروح الت�سورية اأو العملية للمجتمع؛ واأدوات

تو�سيلها وتن�سيقها ماديا وعمليا عرب الذخائر املتداولة

اأقرتح اأن جهتي من اأود امل�سونة. املمتلكات اأو

اأو الفردية الروؤية، على بـها لأدل الثقافية« »الفل�سفة

اإدراك احلياة و�سناعة والعملية، يف النقدية اجلماعية،

مقومات هذه احلياة. يتطلب هذا التحديد الإ�سارة اإىل

املفاهيم الكربى امل�سكلة له وعنيت بـها الروؤية واحلياة

الأزمنة يف »الثقاف كتابي يف �ساأتوقف وال�سناعة.

العجاف«، وهو قيد الإعداد، عند ثالث حمطات تخ�س

اأول العالقة بالذات يف �سكل »تـهذيب الطبع«؛ ثانيا

العالقة ثالثا العامل«؛ »روؤية بالآخر يف �سكل العالقة

كحو�سلة واأخريا ال�سناعة«، »اإتقان �سكل يف بالأداة

اأمام الكلمة لها تعد مل لثقافة العجاف ال�سنوات

ال�ستات الإيديولوجي والتخ�سب ال�سيا�سي.

يف التفكري الفل�سفي: حبائك الن�س.

لب ترتبط هذه الثالثية )الذات، الآخر، ال�سناعة( ب�س

األن بتعبري اأو والغايات املبادئ كدرا�سة يف الفل�سفة

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت نحو نقد العقل الثقافي

114

النهار نـهاية يف تاأتي اأنـها �سابقا، اأوردته الذي باديو

به و�سف الذي النعت وهو مينريفا، بومة حتليق بعد

هيغل الفل�سفة بـهذه العبارات: »بقي اأن ن�سوق كلمة

اأخرى حول العامل الذي ينبغي اأن يكون والذي يقال

اإن الفل�سفة تب�سر به. اإذ يبدو اأن الفل�سفة ت�سل متاأخرة

بو�سفها فهي املهمة. لهذه بالن�سبة ينبغي مما اأكرث

)فكرة( العامل ل تظهر اإل حني يكتمل الواقع الفعلي

وتنتهي عملية تطوره )...( حني ين�سج الواقع الفعلي

فعندئذ فقط يبداأ املثل الأعلى يف الظهور ليجابه عامل

لنف�سه يف �سورة مملكة عقلية، وليبني ويواجهه الواقع

الواقعي ذاته مدركا يف وجوده اجلوهري العامل ذلك

لون فوق رمادي لون من الفل�سفة ت�سعه ما )...(

رمادي ل ميكن اأن يجدد �سباب احلياة، ولكنه يفهمها

بعد اإل الطريان تبداأ يف مينريفا ل بومة اإن فح�سب.

مدح هذا هل ندري ل .)2(

�سدوله« الليل يرخى اأن

التاأويالت كانت اأيا هيغل. به قام للفل�سفة هجاء اأو

يف تبداأ ل مينريفا بومة »اإن الهيغلية املقولة حول

الطريان اإل بعد اأن يرخى الليل �سدوله«، وهي كثرية

ومتنوعة، ميكن اعتبار اأن التفكري ياأتي يف درجة متاأخرة

الفعل، النظر يف ثم الفعل فهناك الواقع. مع باملقارنة

اأو التخمني اأ�سكال ثم الوجود يف احلركة هناك اأي

التفكري يف م�سامينها. واإذا كان التفكري ل ي�سيف اأي

�سيء اإىل الفعل، »لون رمادي فوق لون رمادي«، فاإنه

يكتفي بتف�سريه وفهمه، لأن الفعل، مهما كان، يتميز

بالكتمال، ل الكمال، اأي بالإمتام يف الأداء حتى واإن

اإيجاد هو التفكري به يقوم ما ال�سيغة. يكتمل يف مل

اأو الفعل هذا اإدراك يف العقلية اأو النظرية ال�سيغ

اكتناه اأطواره ومراحله. قد يكون للتفكري بع�س املبادئ

ال�سورية يف �سكل مفاهيم اأو ت�سورات يحتفظ بـها من

وت�سكل ال�سابقة، الأفعال اأو للوقائع تف�سريه اء جر

كلها روؤى قبلية واأفكار م�سبقة يحكم بـها اأو يقيم على

اأو الأمر وقع اإذا لكن، �سيقع؛ ما اأو يقع ما اأ�سا�سها

حدث الفعل، فاإن ذلك يتطلب تف�سريا جديدا يراعي

قيمة اإىل املحلي بالفعل يرتقي ولكن الأداء �سياق

كونية يف �سكل مبداأ اأو قانون.

لكن اإذا قمت بربط املقولة الهيغلية، »اإن بومة مينريفا

�سدوله« الليل يرخى اأن بعد اإل الطريان تبداأ يف ل

التفكري فاإن الثقافة، وهو هنا يهمني الذي باملبحث

ميهد الذي التفكري هو النهار نـهاية يف ياأتي الذي

الدائرية امل�ساألة هذه جديد. ملنطلق جديد، لفجر

انعكا�س هي البداية على النهاية فيها تنعطف التي

الذي جعل الأمر ما لكن رمته. يف الهيغلي للن�سق

هيغل ياأخذ بالطابع الليلي للتفكري الفل�سفي، نوع من

وال�سو�ساء النهارية الأ�سواء بـنهاية التي »امل�سامرة«

وللحوا�س ي�ستغل اأن للعقل تتيح الب�سرية يف احلركة

اأن تنتبه، نوع من »اليقظة« الليلية التي تربز يف الوعي

انتباهه العفوي ونباهته النظرية؟ ما م�سوغ هذه املوؤان�سة

�سابقة: فقرة يف اأي�سا هيغل عنها قال التي )3(

الليلية

ليال يتم الفل�سفة هو عمل تن�سجه ما اأن يفرت�س »اإذ

مثله مثل غزل بينيلوب Pénélope يبداأ من جديد

مينريفا« بـ»بومة الأمر تعلق �سواء .)4(

�سباح« مع كل

اأو بـ»غزل بينيلوب« مع بداية النهار، مع بداية الليل،

)2( هيغل، اأ�سول فل�سفة احلق، ترجمة اإمام عبد الفتاح اإمام، القاهرة، مكتبة مدبويل، 1996، �س. 120-119

)3( �سبيهة مبا هو معروف عند اأبي حيان التوحيدي، »الإمتاع واملوؤان�سة«.

)4( هيغل، اأ�سول فل�سفة احلق، �س. 95-94

نحو نقد العقل الثقافيمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

يف الأويل حتديدها الفل�سفة جتد

التي الفكرية املمار�سة كون�ها

تفكيكها وتعيد ن�سو�سا تن�سج

كبداية عمل جديد، ليوم جديد،

ل ينفك عن املعاودة واملراجعة.

115 العدد األول، ربيع 2013

الإغريقية يف و�سف الأ�ساطري يغرتف من فاإن هيغل

واإن حتى والتي الفل�سفي، للتفكري العقلية العملية

بدت يف �سيغة التناق�س )الليل والنهار(، فاإنـها تتبدى

بالأحرى يف �سيغة التناق�س الظاهري اأو »الأك�سيمور«

كقولنا الأ�سداد، بني يجمع الذي )oxymoron(

مثال: »�سم�س حالكة« اأو »جرح لذيذ«.

بني جتمع ظاهري«، »تناق�س بالتعريف هي الفل�سفة

الأ�سداد، يف �سكل تناغم اأو ان�سجام عرب عنه الكاردينال

Nicolas الكو�سي نيقول )اأو الكو�سي نيكول�س

de Cues( يف بداية ع�سر النه�سة بامل�سطلح »تواطوؤ ،)coincidentia oppositorum( الأ�سداد«

اخلالق الطابع يتبدى التناق�سي الن�سجام ويف

جيل دولوز، هي »فن ت�سكيل للفل�سفة التي، كما اأقر

. و�سي�ساعدنا هذا التحديد )5(

وابتكار و�سناعة املفاهيم«

يف الإملام مبا �ساأعاجله ب�ساأن الثقافة والعالقة بالذات اأي

وي�سدق الفردي. والت�سكيل الذاتي التكوين م�ساألة

ذلك املقولة الهيغلية التي اأوردتـها ب�ساأن الفل�سفة التي،

يف نـهاية النهار كبداية التاأمل ويف مطلع النهار كبداية

باجلمع بني اأو املبتداأ املنتهى على بعطف اأي الأداء،

غرار على وابتكار ك�سناعة تتجلى فاإنـها النقي�سني،

الغزل نف�سه اللفظي وبالتواطوؤ بينيلوب، عند الغزل

وم�سامرة، �سناعة الليلية، واملغازلة الن�سج كحدين:

فربكة ومتعة. يف الأ�سطورة الإغريقية، بينيلوب، ذات

جمال �ساحر، ابنة امللك اإيكاريو�س، يلتم�سها الرجال

بكل احليل واملغامرات املمكنة، ويظفر بـها يف النهاية

يطلبونـها الذين كل بني حادة مناف�سة بعد اأولي�س

للزواج. يتغيب اأولي�س مدة ع�سرين �سنة لقيادة احلروب

ويزداد ال�سغط على بينيلوب لكي تتزوج رجال اآخر.

ترجئ حيلة اإىل اهتدت امللح، اللتما�س لدرء لكن

باأنـها تغزل بـها الزواج من متناف�س اإىل اآخر، وعللت

كفنا لعمها ال�سائخ. ما كانت تن�سجه يف النهار، كانت

تفكه يف الليل، لتعاود الكرة كل يوم، وهمها اأن يعود

اإليها اأولي�س.

يف والتفكيك النهار يف بالن�سج بينيلوب �سنيعة اإن

هي التي الفل�سفة مهمة عن بارز ب�سكل تعرب الليل

ية؛ ن�س ن�سيجية، غزلية، ،)après-coup( بعدية

.)6(

»الن�سيج« معناه اللغوي ال�ستقاق يف الن�س لأن

ما تن�سجه الفل�سفة هو خطاب حول الواقع اأو الوجود،

وعملية الن�سج هي ابتكار اأو �سناعة يف املفاهيم الناجتة

اأ�سار دريدا اإىل فكرة الن�سيج عن هذا اخلطاب. ولقد

يف تقطيع الن�س بـهذه الفقرة من »�سيدلية اأفالطون«:

»اإن حجب الن�سيج ميكنه اأن ي�ستغرق قرونا عديدة يف

وي�ستغرق حله اآخر ن�سيج الن�سيج على ينطوي حله.

)...( ل يتعلق

قرونا عديدة باإعادة ت�سكيله كج�سم حي

الأمر بالتطريز، اإل اإذا ما اعتربنا اأن معرفة التطريز هي

جتد .)7(

املمدود« اخليط متابعة من نتمكن اأن اأي�سا

الفكرية املمار�سة كونـها يف الأويل حتديدها الفل�سفة

وتعيد تفكيكها النهار، تن�سج ن�سو�سا التي، يف ختام

كبداية عمل جديد، ليوم جديد، ل ينفك عن املعاودة

واملراجعة. لي�ست هذه املهمة روتينية بل هي تكرارية

ر ال�سيء نف�سه، بل كل يوم هو مبفهوم دولوز، اإذ ل يتكر

.)8(

يف �ساأن جديد وهيئة خمتلفة، ويتمتع بفرادة متميزة

)5( جيل دولوز وفليك�س غاتاري، ماهي الفل�سفة؟ باري�س، من�سورات مينوي، 1993، �س. 8

)6( رولن بارت، لذة الن�س، ، باري�س، من�سورات �سوي، 1973، �س. 100 )»الن�س هو الن�سيج... فاإننا ن�ستطيع اأن نعرف نظرية الن�س باأنـها علم �سناعة ن�سيج العنكبوت«،

)ترجمة منذر عيا�سي، دم�سق، مركز الإمناء احل�ساري، 1992، �س. 108-109(. واأي�سا: دونيه توار، » ت�سورات حول الن�س: �سراع تاأويلي«، يف كري�ستيان برنر و دونيه توار

)اإ�سراف(، املعنى والتاأويل: نحو مدخل اإىل الهريمينوطيقا، فيلنوف دا�سك، املن�سورات اجلامعية �سيبتوتريون، 2008، �س. 100-99.

)7( جاك دريدا، »�سيدلية اأفالطون«، يف كتابه الت�ستت، باري�س، �سوي، 1972، �س. 79؛ الرتجمة العربية لكاظم جهاد، تون�س، دار اجلنوب للن�سر، 1998، �س. 13

)ترجمتي معدلة عن ترجمة كاظم جهاد(.

)8( جيل دولوز، الختالف والتكرار، باري�س، املطبوعات اجلامعية الفرن�سية، 1968، �س. 260

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت نحو نقد العقل الثقافي

116

وتكرار الفعل هو ربطه ب�سياق اأدائه، وبالتايل هو يف كل

ة جديد ومتجدد. مر

وما تبتكره الفل�سفة لي�س دائما »عينه«، ولكن يف كل

مرة »�سنوه«، ويتعار�س هذا الأمر مع العبارة الهيغلية:

»ما ت�سعه الفل�سفة من لون رمادي فوق لون رمادي ل

ميكن اأن يجدد �سباب احلياة، ولكنه يفهمها فح�سب«.

بل بالعك�س، هناك جتديد متفاين يف احلياة، وابتكار ل

ر يعني ين�سب يف الأ�ساليب والأمناط والأذواق: »اأن نكر

اأو فريد، اإىل �سيء وحيد بالن�سبة ف، ولكن نت�سر اأن

ل �سبيه له ول معادل. ورمبا يحدث هذا التكرار –مبا

�سرية، اأكرث برتداد �سدى �سلوك خارجي- جلهته هو

.)9(

وبتكرار داخلي اأكرث عمقا يف الفرد الذي ينع�سه«

التكوين م�ساألة يف

ب�سكل جلي الأمر و�سيت�سح هذا

املختلفة الأوجه اأي ال�سخ�سي، التثقيف اأو الذاتي

يف ابتكار احلياة اليومية للفرد نف�سه، حيث يبقى ذاته

ولكن يتجدد يف اأعرا�سه؛ يبقى عينه لكن يرتقي يف

اأحواله واأطواره، وهذه الأمور الذاتية والت�سورية ترتبط

وعملية. نظرية كم�سكلة الثقافة ب�سوؤال وثيق ب�سكل

عليه هو ما حول خطابا تن�سج الفل�سفة كانت اإذا

الثقافية الفل�سفة فاإن وارتقائه، حتوله واأ�سكال الوجود

هي اخلطاب الذي يدر�س ما هو عليه الإن�سان واأمناط

اإن والب�سرية ذاتـها. النف�سية تغريه وتنوعه يف وحدته

الفل�سفة ت�ستغل يف نـهاية النهار، عند الغ�سق، لتتاأمل

يف �سمت ال�سخب الآفل، ولت�ستغل بحزم على الآتي

العاجل الذي يبزغ يف الأفق كالفجر الطالع. اإن البومة

والفنون والعلوم احلكمة عنوان هي اإليها ترمز التي

وال�سنائع اأي كل الأوجه املتنوعة التي ت�ستمل عليها

تنطوي التي والعملية النظرية الوجوه وكل الثقافة

عليها الفل�سفة بحذافريها.

وا�ستغال الفل�سفة يف الليل باأدوات احل�سافة واليقظة

بتعبري »املنار« اأو اأ�سميه، القمري« كما »ال�سياء دليله

مالك بن نبي. ي�ست�سهد املفكر اجلزائري بعامل النف�س

�سغرية جزيرة »الوعي القائل: يونغ غو�ستاف كارل

مالك يعقب الال�سعور«. ميثل حمدود غري جمال يف

يغمر منارا حتمل ال�سغرية »اجلزيرة بقوله: نبي بن

ب�سوئه امتداد املياه حوله، فاملنار هو �سعورنا، وامل�ساحة

التي يغمرها ال�سوء هي جمال �سعورنا )...( فكل ما

يف داخل وهو الظالم، يغمره املجال هذا خارج يقع

.)10(

الباطن« ذواتنا لعامل بالن�سبة الال�سعور جمال

حتى واإن كان مالك بن نبي يورد هذا املثال يف �سياق

الوجودي، الإبـهام به يحيط الذي املعريف الإدراك

الفل�سفية املقاربة يف الأوىل العتبة منه يجعل فاإنه

اإذ جمال الإنارة هو املجال الذي تلد مل�سكلة الثقافة.

املنارة مبثابة له وتكون الوعي وي�ستوعبها الفكرة فيه

يف التوجه على �سطح اليم نحو الوجهة التي يتولها.

ويحيلنا هذا الأمر اأي�سا اإىل ما كتبه اإميانويل كانط حول

التفكري، التي يتولها اإيجاد الوجهة التمييز يف ملكة

الوعي القريبة من الإنارة اأو الذاتية ال�سعلة تلك اأي

التي ل تفارقه مادام يتقدم باملعنى اجلغرايف يف امل�سار

»اإن والتقدم: ر التح�س يف الثقايف وباملعنى وال�سلوك،

من انطالقا اأنه يعني للكلمة باملعنى احلقيقي التوجه

اجلهات حتديد هو املطلوب ال�سماء، من معينة جهة

يف ال�سم�س راأيت فاإذا امل�سرق. �سيما ل الأخرى،

ال�سماء واإذا علمت اأنه الآن منت�سف النهار، اأ�ستطيع

ولهذا وال�سرق. وال�سمال والغرب اجلنوب حتديد

بفارق يف �سخ�سي ال�سعور اإىل لزوما اأحتاج الغر�س،

بالذات )...( اإذن ل اأتوجه جغرافيا رغم كل املعطيات

ذاتي مبداأ اأ�سا�س على اإل ال�سماء عن املو�سوعية

. والأمر نف�سه ينطبق على العقل )11(

ي�سمح بالتمييز«

يف متييزه الذاتي باأنواره اجلوانية، اأي باملبداأ الذي يخول

)9( املرجع نف�سه، �س. 46 )الرتجمة العربية من اإعداد وفاء �سعبان، املنظمة العربية للرتجمة/مركز درا�سات الوحدة العربية، 2009(.

)10( مالك بن نبي، م�سكلة الثقافة، ترجمة عبد ال�سبور �ساهني، دم�سق-بريوت، دار الفكر، 2000، �س. 21

)11( اإميانويل كانط، »ما التوجه يف التفكري؟« )1786(، يف: ثالثة ن�سو�س لإميانويل كانط، ترجمة حممود بن جماعة، �سفاق�س-تون�س، دار حممد علي للن�سر، 2005 �س. 100

نحو نقد العقل الثقافيمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

117 العدد األول، ربيع 2013

بذلك انية كما اأقر

له التفكري بذاته مبعزل عن �سيادة بر

الأنوار؟« »ماهي ال�سهرية ر�سالته يف قبل من �سنتني

.)1784(

تفوق قدرته عرب مفارقة العقل بحقائق ي�سطدم لكن

عنها كانط بالفقرة التالية: »تتدخل الآن اأحقية احلاجة

لدى العقل، من حيث هي مبداأ ذاتي، يف اأن يفرت�س

مبادئ بوا�سطة معرفته ادعاء ي�ستطيع ل �سيئا ويقبل

ة وحدها اأن مو�سوعية، وبالتايل وبحكم حاجته اخلا�س

يتوجه يف التفكري، يف ف�ساء ل نـهاية له مفعم بالن�سبة

. الليل )12(

اإلينا بليل بـهيم، وهو ف�ساء املافوق ح�سي«

اجتيازه، العقل ي�ستطيع ل الذي احلد هو البهيم

الذاتية بالإنارة حافته على ال�ستغال ميكن ولكن

التي يحملها يف اأح�سائه، وباملنارة الربانية التي تتيح له

التمييز. الإنارة الذاتية هي ال�ستعمال الوجيه والنبيه

هي اخلارجية واملنارة النظري، ال�سعيد على للعقل

امل�ستوى على للعقل وال�سديد احل�سيف ال�ستعمال

العملي. وهذه الأوجه النظرية والعملية، الإنارة واملنارة،

واملتعالية، املو�سوعية املعطيات، هي والآخر الذات

التي ت�سكل كلها ما اأنعته بالفل�سفة الثقافية.

يف الثقافة: زراعة، �سناعة، حذاقة

العريقة اللغات يف اللغوي، ا�ستقاقها يف الثقافة اإن

لها والعربية، والالتينية الغريقية وهي الثالث

دللت متباينة. مل تكن الثقافة موجودة كمقولة، بل

،)13(

كنعت، مل تكن ا�سما بل ر�سما، والر�سم هو الأثر

التي والب�سمات املمار�سات بتعدد متعددة والآثار

تكون �سببا يف وجودها كالفن والرتاجيديا وال�سعر عند

الإغريق. لقد لحظ مالك بن نبي اأن الثقافة مل تكن

موجودة كم�سطلح: »كل ما كان يف روما اأو اأثينا اإمنا هو

ح�سور ثقافة ما، ل حتديد وت�سخي�س لواقع اجتماعي

يف الأمر كان اأي�سا وهكذا الثقافة. لفكرة تعريف اأو

هنا اأق�سد ل ال�سبب لهذا .)14(

بغداد« ويف دم�سق

اأي�سا اإليه اأ�سار الذي باملعنى ر�سمها بل الثقافة اإ�سم

مقابل ف املعر هو جزء من الر�سم اأن على التهانوي،

. ل ميكن تعيني حد الثقافة لأن حدها مل يكن )15(

احلد

الوقوف بل ميكن .)16(

وم�ستقال ذاتيا وجودا موجودا

وال�سنائع البتكارات عرب اآثارها اأو ر�سومها على

اأن وتقريبية اأولية كعتبة لنقل املتنوعة. والتعبريات

»الثقافة« باملعنى الإغريقي ت�سري اإىل ال�سناعة، وباملعنى

الالتيني اإىل الزراعة، وباملعنى العربي اإىل احلذاقة. لأن

ل اجلذور اللغوية تعرب بالفعل عن هذه احلدود و�ساأف�س

احلدود اختلفت واإن حتى قليل. بعد اجلذور تلك

نظر عملية، الأقل من وجهة بينها، ميكن، على ما يف

نف�سه الت�سور لطبيعة نظرا الرتابطات بع�س اإيجاد

الذي يقت�سي اأن ال�سناعة يف املدلول الإغريقي ميكن

)املحراث(، الأداة عرب الزراعة نطاق يف تتدخل اأن

الأر�س تـهيئة يف معينة مهارة ت�ستدعي الزراعة واأن

تتطلب اأنـها اأي واحل�ساد، البذر يف املوا�سم ومراعاة

على املدلولت هذه تتمف�سل الأداء. يف احلذاقة

امل�ستوى العملي. لكن على ال�سعيد النظري، ي�ستقل

كل حد بدللته ول ي�سكل مفهوم الثقافة �سوى من

بعيد، اأي اأنه ي�سكل ر�سمها ل حدها اأو جوهرها.

)12( املرجع نف�سه، �س. 103-102

)13( ثنائية الإ�سم والر�سم تعود بالأحرى اإىل املعجم الأ�سويل وال�سويف : طالع مثال: عبد الرزاق القا�ساين، ا�سطالحات ال�سوفية، حتقيق وتعليق عبد العايل �ساهني، القاهرة،

دار املنار، 1992: »الر�سم هو اخللق و�سفاته لأن الر�سوم هي الآثار«، �س. 167

)14( مالك بن نبي، م�سكلة الثقافة، املرجع نف�سه، �س. 24

)15( التهانوي، ك�ساف ا�سطالحات الفنون، اجلزء الأول، كلكته )الهند(، 1862، �س. 590

)16( طالع مثال: ابن �سينا، ت�سع ر�سائل يف احلكمة والطبيعيات، القاهرة، دار العرب، الطبعة الثانية، 1989. قوله يف احلد: »اإنه القول الدال على ماهية ال�سيء اأي على كمال

ل له من جن�سه القريب وف�سله«، �س. 78 وجوده الذاتي وهو ما يتح�س

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت نحو نقد العقل الثقافي

118

الإحاطة هي واإن النقطة، يحدد الذي هو املحيط اإن

موجودة الثقافة فكرة تكن ومل الفكرة. حتدد التي

�سوى يف اإحاطة وجودية وعملية وا�سعة. كانت الإحاطة

يف ال�سياق الالتيني هي الزراعة بحكم اأن البيئة التي

املوا�سي تربية يف طبيعية بيئة كانت فيها تواجدت

)cultura( »كولتورا« الكلمة اإذ بالأر�س. والعناية

)colere( »كولريي« الفعل عن تنحدر الالتينية يف

اإلخ، اأقام، اعتنى، �سان، احتفظ، مبعنى زرع، ح�سد،

بالطبيعة مبعنى اإىل عالقة الإن�سان »وحتيل يف الأ�سل

لالإقامة �ساحلة لتكون بـها والعناية الطبيعة زراعة

. ترتبط »كولتورا« يف هذا ال�سياق بالطبيعة )17(

الب�سرية«

وبعملية ال�ستغال عليها وحتويلها من اأجل بقاء النوع

�سي�سرون اأدرجها التي والإزاحة واحليواين. الب�سري

تقام التي بال�سعرية عالقة لها »كولتورا« اأن هو مثال

بالنف�س وتغذيتها العناية الإله، وتت�سمن على لأجل

كون اإىل ذلك �سي�سرون ويعزي الروحية. باحلاجات

. فهو )18(

اأن املجتمع الروماين يعتني بالزراعة وبالعبادة

وبالقيا�س، بالأر�س. الرتباط وثيق فالحي جمتمع

العناية تعادل وريها وزرعها بحرثها بالأر�س العناية

وتربيتها بتقوميها )cultura animi( بالنف�س

وتثقيفها، وهي قيم �ستكون فاعلة يف احل�سارة الغربية

يف رمتها: »اإن اأي حقل، مهما كان خ�سبا، ل ميكنه اأن

دون للروح بالن�سبة نف�سه والأمر الزراعة، بدون ينتج

)cultura animi( بالنف�س العناية )...(اإن تعليم

هي الفل�سفة: عليها اأن تقلع الرذائل واأن جتعل النفو�س

يف و�سعية احل�سول على البذور، واأن تزرع ما من �ساأنه

.)19(

اأن ينتج املحا�سيل الوافرة عندما يتطور«

اإ�سارة بليغة ذات اإن املنا�سبة بني احلقل والنف�س هي

ويعود وتـهذيبها. بالأخالق العناية يف رواقية �سبغة

على الفل�سفة الهتمام بـهذه العملية يف قلع الرذائل

مثل قلع الأع�ساب ال�سارة ويف زرع الف�سائل يف النف�س.

اأنـها على الفل�سفة �سي�سرون نعت ملاذا يف�سر وهذا

»العناية بالنف�س« اأو حرفيا: »الفل�سفة هي زراعة النف�س«

.)cultura autem animi philosophia est(

والإزاحة التي اأحدثها يف هذا ال�سياق هو نقل الفل�سفة

من الت�سور اخلال�س اإىل املمار�سة اخللقية، واأن الفل�سفة

هي )الـ(ثقافة، باملعرفة وبالنكرة: الفل�سفة هي »ثقافة«

القيم والروؤى والأفكار لأنـها عبارة عن جمموعة من

وتـهذيبها؛ برتبيتها وتعتني النف�س تكت�سبها التي

احلياة يف روؤية اأنـها حيث من الثقافة هي والفل�سفة

على بال�ستغال واحل�ساد الزرع اأدوات للذات توفر

اأي املعريف، الرتبية وال�ستطالع والف�سول ذاتـها عرب

تو�سلها اأن �ساأنـها من التي والأ�ساليب التدابري كل

اإىل الظفر بال�سعادة كما كان يقول القدماء. وجعل ابن

مثال ال�سوق اإىل املعارف والعلوم اإحدى )20(

م�سكويه

واإحدى الذات، على ال�ستغال يف التجليات هذه

الر�سوم التي بنيت عليها الثقافة، من حيث اأن الرغبة

ك الأ�سا�سي لكل اإرادة يف ال�سناعة يف املعرفة هي املحر

والتكوين.

جذري ب�سكل ترتبط الالتينية الدللة كانت اإذا

فاإن الدللة الإغريقية اأو املعي�س، اأي باحلياة بالأر�س

كانت ت�ستمل على ال�سنائع، اأي اأن الفنون يف جمملها

الأ�سل لأن )technè( »تكني« عن عبارة هي

كان »بينما الآلة: اأو الأداة معناه للفن ال�ستقاقي

كعناية الزراعة، من ك�سكل الفن يعتربون الرومان

الزراعة كعن�سر يعتربون كانوا الإغريق فاإن بالطبيعة،

)17( حنه اأرندت، اأزمة الثقافة، الرتجمة الفرن�سية من اإعداد باتريك ليفي، باري�س، غاليمار/فوليو، 1972، طبعة جديدة 2009، �س. 271؛ واأي�سا: دني�س كو�س، مفهوم

الثقافة يف العلوم الجتماعية، ترجمة منري ال�سعيداين، املنظمة العربية للرتجمة/مركز درا�سات الوحدة العربية، 2007، �س. 17

)18( �سي�سرون، يف »طبيعة الآلهة«، 2، يف: الرواقية، ن�سو�س من ترجمة اإمييل بريهييه، حتت اإ�سراف بيري ماك�سيم �سول، غاليمار، مكتبة البلياد، 1962، �س. 412

)19( �سي�سرون، حمادثات )Tusculanes(، فقرة 5، يف: اأعمال �سي�سرون الكاملة، اجلزء الثاين، ترجمة وحتقيق نيزار، باري�س، من�سورات دوبو�سيه، 1840.

)20( ابن م�سكويه، تـهذيب الأخالق وتطهري الأعراق، د.ت، �س. 43-42

نحو نقد العقل الثقافيمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

119 العدد األول، ربيع 2013

من الفربكة، ك�سيء ينتمي اإىل املهارات )التقنية( التي

غريه من اأكرث مهموم ككائن الإن�سان يقوم بف�سلها

.)21(

وال�سيطرة عليها« الطبيعة الكائنات برتوي�س من

اأن اأرندت حنه اأوردته الذي الفارق هذا من يت�سح

اأو الرباعة اليدوية هي درء الغر�س من املهارة التقنية

الإن�سان، خلدمة وت�سخريها بتذليلها الطبيعة خماطر

بدرجات اليوم فاعال يزال ول تاريخيا وقع ما وهو

متفاوتة من خالل ا�ستغالل الرثوات الطبيعية )النفط

النقل وو�سائل ال�سيارات وحتريك الوقود اإنتاج يف

من املاء والتدفئة، الطبخ اأجل من الغاز املختلفة،

اأجل اإنتاج الكهرباء وحتريك الآلت والأجهزة، اإلخ(.

اتخذ هذا الت�سخري نوعا من الهند�سة امليكانيكية التي

اأبرزتـها كما الأنوار ع�سر يف حا�سما منعطفا �سهدت

مع وتريتـها وتفاقمت وداملبري، ديدرو »اأن�سيكلوبيديا«

رواية ولعل ع�سر. التا�سع القرن يف ال�سناعية الثورة

القرن من )1719( كروزو« »روبن�سون ديفو دانيال

يف الكربى املعامل وا�سح ب�سكل تبني ع�سر الثامن

العناية يف الالتيني املدلول من باحلداثة النتقال

بالأر�س واملا�سية اإىل �سناعة الأدوات وال�سيطرة على

ف بالأداة. الطبيعة، اأي ا�ستعمال العقل يف الت�سر

هذا العقل الأداتي الذي تطور ب�سكل مذهل وانتقل

اأرندت، من الت�سنيع اإىل ال�سيا�سة كما لحظت حنه

وبراعة يدوية مهارة عبارة عن العريقة اأ�سوله كان يف

ال�سياقات ح�سب الالحقة، ا�ستعمالته ويف تقنية،

والإرادات، اإىل مناورة وحيلة يف ب�سط الهيمنة، لي�س

الإن�سان على اأي�سا ولكن فح�سب، الطبيعة على

با�ستعباده واإذلله، كما تنم عنه التجارب املوؤملة لالأنظمة

ال�ستبدادية يف املنت�سف الأول من القرن الع�سرين.

املراحل يف تاريخية مبحاولة القيام هنا الغر�س لي�س

ال�سناعة اأن لتبيان لكن اآخر، �ساأن فهذا العقلية،

باملعنى التقني وباجلذر الإغريقي كانت رهينة جدلية

التقنية الو�سائل اأف�سل اقتناء اأي والغايات، الو�سائل

لبلوغ اأ�سمى الأهداف التي قد حتيد عن م�سارها من

العدالة يف احلكم اإىل العدول عن ال�سبيل. قد يكون

ال�ستعمال ذهنيا باقتناء اأف�سل الو�سائل اخللقية لبلوغ

باملعنى ال�سعادة كتح�سيل الروحية الأهداف اأرقى

الذي جنده يف الكتابات الرواقية ويف الفكر الإ�سالمي

هذه وتدخل �سينا؛ وابن والفارابي م�سكويه ابن مع

القيم كلها يف تكوين الذات. ما حتدده الثقافة هو تلك

املمار�سات التي، يف الزراعة اأو يف ال�سناعة، توؤول اإىل

و�سعية وجودية كالإقامة يف الأر�س )املعنى الالتيني(

الأ�سياء فربكة يف والكد باجلهد الدين ت�سديد اأو

)املعنى الإغريقي(، ولي�س الدين )بفتح الدال( �سوى

�سيغة اأ�سلوبية وفكرية عميقة للدين )بك�سر الراء( عرب

العبادات وتقدمي الأ�ساحي والقرابني كما كان �سائعا

يف معابد الدلف اأو الأوملب يف امليثولوجيا الإغريقية.

وبال�سعائر املحيطة بالأ�سياء كعالقة الثقافة تتبدى

كان التي والذوقية الفنية الروح على بناء املقامة،

يتمتع بـها احل�س الإغريقي والالتيني على حد �سواء.

»بـهذا الثقافة: اأرندت حنة ف تعر العبارات وبـهذه

املعنى نفهم من الثقافة على اأنـها املوقف اأو منط العالقة

التي حتددها احل�سارات مع الأ�سياء الأقل نفعا والأكرث

املو�سيقيني، ال�سعراء، الفنانني، اأعمال اعتيادية:

. الثقافة هي اإذن موقف من الأ�سياء، )22(

الفال�سفة، اإلخ«

)21( حنه اأرندت، اأزمة الثقافة، املرجع نف�سه، �س. 272

)22( املرجع نف�سه، �س. 273

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت نحو نقد العقل الثقافي

الثقافة هي اإذن موقف من الأ�سياء،

والتعامل اإليها النظر وطريقة

اأو النمط معها، وهذه الطريقة،

يف الأ�سياء تخ�س العالقة، يف

و�سعيتها املاألوفة اأو ال�سائعة.

120

طريقة يف النظر اإليها والتعامل معها، وهذه الطريقة، اأو

النمط يف العالقة، تخ�س الأ�سياء يف و�سعيتها العادية،

تخ�س فهي املبتذلة؛ واأحيانا ال�سائعة، اأو املاألوفة اأي

احلياة يف اأبـهى جتلياتـها اجلمالية والفنية، ويف تكرارها

ف. الت�سر وح�سن الأداء ملهارة تبعا واخلالق اليومي

الأداء، وح�سن باخلري الرتباط وثيق اجلميل كان

.)23(

تاأملية منها اأكرث خلقية الغاية كانت وبالتايل

اتخذ والذي بالأ�سياء العالقة من التاأمل ينتف مل

،)thaumazein( »التعجب« اأو »الده�سة« �سورة

بل ويجعل منه اأر�سطو دليل التفكري الفل�سفي بقوله:

الذي هو )dia to thaumazein( التعجب »اإذ

التاأمالت اإىل الأوائــل املفكرين اليوم، مثل دفع،

التاأملية، املعرفية، القيمة وهــذه .)24(

الفل�سفية«

الثقافية العملية بكثافة جوهرية يف تتواجد الف�سولية

احلكم يف بالإح�سان �سوى تكتمل ل لكن ذاتـها؛

املهارة يكت�سي )eû( الإح�سان حيث ،)eûteleia(

وال�سطارة، وينطوي على الأداء اجلميل لالأفعال، على

اأي الذوق يف بالأ�سياء وبالأدوات، اخلربة يف العالقة

التعاطي مع الوجود. وبالتايل ل ينح�سر الذوق داخل

البعد النفعي لالأداة، ل ين�سجن يف القيمة الذرائعية

نحو ذلك يتعدى فهو والغايات. الو�سائل جلدلية

احلكم ال�سليم اأو ما ي�سميه اأر�سطو احل�سافة اأو التعقل

)phronimos( فالإن�سان احلكيم .)phronesis(

،)philokalein( هو الذي له عالقة جمالية بالوجود

هذه على بناء ولباقة بلياقة ف ويت�سر ويتدبره، يتاأمله

العالقة اأو هذا املوقف.

مادته يف يحوي فاإنه العربي، الل�سان اإىل انتقلت اإذا

الفهم، الفطنة، احلذاقة، التالية: القيم على اللغوية

�سرعة التعلم، العثور والظفر بال�سيء، اإدراك ال�سخ�س،

ا�س القو مع تكون حديدة قاف: و»الث .)25(

الت�سوية

قاف: »والث ،» الـمعوج ال�سيء بـها م يقو ماح والر

العرب ل�سان يف نقراأ ما على ماح«، الر به ى ت�سو ما

لبن منظور. ل �سك اأن هذه الر�سوم ل حتدد الثقافة

باملعنى الذي نتداوله اليوم، لكن ت�ستمل على القيم

املدلول يف اأي�سا ناألفها التي وال�سلوكية الذهنية

والذكاء والنباهة املهارة مثل والإغريقي الالتيني

ف. فهي ذخائر نف�سية يف طريقة احلكم وح�سن الت�سر

الل�سان وينفرد منها. موقف وت�سكيل الأ�سياء على

�سوؤال يف حا�سم دور ريب بال لهما مبقولتني العربي

وردت والت�سوية. بال�سيء الظفر بـهما وعنيت الثقافة

كما لحظ والقتال للحرب مالزمة القراآن يف املفردة

يكونوا يثقفوكم »اإن الآية مثل ،)26(

امليالد زكي مثال

لكم اأعداء ويب�سطوا اإليكم اأيديهم واأل�سنتهم بال�سوء«

يتطلب املوقف اأن ذلك يف والعلة .)2 )املمتحنة،

هجومية با�سرتاتيجيات العمل اأي واحلذاقة، النباهة

وبتكتيكات دفاعية، لدرء املخاطر والفوز على اخل�سم.

باملعنى احل�سري، بل لي�ست فقط حربية بالتايل وهي

الإغريقية املقولة اإىل جلاأنا اإذا العام باملعنى كفاحية

ملقولة »بوليمو�س« )polemos( وتعني ال�سراع، تبعا

هريقليط�س ال�سهرية: »ال�سراع هو اأب الأ�سياء جميعا«

فهي .)polemos pantôn mèn patèr esti(

التي الن�ساطات والريا�سة وكل اللعبة اإىل متتد بذلك

فيها »املثاقفة« بني اخل�سوم للظفر بالفوز. ويكون يف ذلك

ال�ستعانة بالثقاف، اأي الأمر الذي ت�سوى به الرماح اأو

اأي اأداة يتم اإدراجها يف اللعبة من كرة اأو م�سرب.

)23( طالع مثال: هان�س جيورج غادامري، جتلي اجلميل، ترجمة �سعيد توفيق، القاهرة، املجل�س الأعلى للثقافة، 1997، �س. 85-84

)24( اأر�سطو، امليتافيزيقا، اجلزء الأول، 2، 982 ب، 12-13، ترجمة جون تريكو، باري�س، فران، 1986.

)25( جممع اللغة العربية، املعجم الو�سيط، الطبعة الرابعة، القاهرة، مكتبة ال�سروق الدولية، 2004، �س. 98

)26( زكي امليالد، »هل توجد لدينا نظرية يف الثقافة؟«، جملة »الكلمة«، ال�سنة العا�سرة، عدد 40، 2003، �س. 18-33 ؛ طالع اأي�سا: زكي امليالد، امل�ساألة الثقافية: من

اأجل نظرية يف الثقافة، املركز الثقايف العربي، 2005.

نحو نقد العقل الثقافيمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

121 العدد األول، ربيع 2013

والت�سوية ل تنح�سر يف الو�سيلة التي تتم بـها اللعبة،

ورفع املجابـهة على قادرا ليكون الطبع اأي�سا ولكن

تقومي عملية يف الذات ت�سمل فامل�ساألة التحديات.

الوافرة بالن�ساطات اأي والكد باجلهد اعوجاجها

ي�ستوي فالإن�سان الطبع. بـها ي�ستقيم التي والعنيفة

اآلته من بدء وي�ستعملها، يدبرها التي بالأداة اأي�سا

اأن »واعلم ال�سفا: اإخوان لفكرة تبعا ذاتـها الع�سوية

اآلة اأو كل �سانع من الب�سر ل بد له من اأداة واأدوات

واآلت ي�ستعملها يف �سنعته، والفرق بني الآلة والأداة،

والعني والراأ�س والرجل والأ�سابع اليد هي الآلة اأن

خارجة كانت ما الأداة واأن اجل�سد، اأع�ساء وباجلملة

واإبرة احلداد ومطرقة النجار كفاأ�س ال�سانع ذات عن

اخلياط وقلم الكاتب )...( وما �ساكل هذه من الأدوات

التي ي�ستعملها ال�سناع يف �سنائعهم ول يتم �سناعتهم

. فالإن�سان ينخرط يف املوقف الذي يقوم )27(

اإل بـها«

الإن�سان ب�سياغة املوقف هذا يقوم ما بقدر ب�سياغته

واملحن والتجارب بالألعاب معدنه وتقومي بت�سويته

واملغامرات التي تفتحه على الرهان ورمبا الهزمية، ولكن

تقوي العزمية وجتعله يف يقظة دائمة جتاه الوجود لإعادة

يتعلق ال�سانحة. الظروف يف بالفوز والظفر اخلربات

والأدوات بالآلت الوجودي، بالنخراط اإذن الأمر

والأ�سخا�س، بالأ�سياء العالقة يف وال�ستعمالت،

الفطنة بو�سفها »الثقافة« هذه من بتوجيه والكل

ك الق�سور واأعني بذلك واحلذاقة، اأي اللب الذي يحر

بالفنون العناية يف �سببا يكون الذي الثقافة جوهر

وال�سنائع والآداب والعلوم.

من جهته اأ�سار زكي امليالد اإىل اأن الثقافة كمقولة كانت

التالية: املختلفة بال�سيغ خلدون ابن عند حا�سرة

»الثقافة« )بفتح الثاء( للدللة على النباهة يف اختالفها

على للدللة الثاء( )بك�سر »الثقافة« الفظاظة؛ عن

ال�سدة وال�سوكة، »الثقاف« للدللة على جمموعة من

القيم الذهنية والفكرية واللغوية يف الك�سب والتعلم؛

املهام ببع�س القيام يف واخلربة الدراية على واأي�سا

للبحر ممار�ستهم رت »وتكر املالحة: مثل الوظائف اأو

؛ و»التثقيف« للدللة على اكت�ساب امللكة )28(

وثقافته«

يف البالغة اأرفع �ساأنا من املرحلة ال�سابقة على الإ�سالم

وبعلومه بالقراآن ات�سال من الك�سب ذلك يف ملا

للجذر املختلفة ال�ستعمالت هذه لكن واأ�سوله.

»ث ق ف« ظلت عند ابن خلدون يف حدود التداول

اللغوي ومل ترتقي اإىل م�ساف الت�سور املفهومي. ولئن

توقف زكي امليالد على حتديد املدلولت للجذر اللغوي

كما ا�ستعملها ابن خلدون: احلذق، املهارة، التهذيب،

الظفر، التعديل، التقومي؛ ومل ير فيها �سوى ا�ستعمالت

لغوية بحتة ل تقول حد الثقافة، فاإنني اأختلف معه من

اأن الثقافة هي اأن ابن خلدون اأ�ساب اللب وهو كون

بالفعل احلذاقة يف الل�سان العربي، ول ميكن الذهاب

يف ال�سقوط خمافة ذلك من اأكرث اإىل التنقيب يف

اإ�سابته دون املنطوق والدوران على رحى ال�ستطراد

اأق�سد بع�سارته! والظفر »ثقفه« اأي دون ال�سميم، يف

اأن جوهر الثقافة هو هذه املهارة واملوهبة يف التفاين يف

كانت ميادين اأيا تروي�سه اأو قيادته اأو ال�سيء �سناعة

كانت اأيا عاملي مفهوم وهو الكفاءة، اأقاليم اأو اللعبة

اجلغرافيات اأو النتماءات، وهو ما تبدى لنا مع املقولة

يف �سياقها الالتيني والإغريقي.

يورد 1070م( )ت. الأندل�سي �ساعد اأن واملالحظ

ب�سريح العبارة يف »طبقات الأمم« مقولة الثقافة )بك�سر

فيها برعوا التي )الرتك( »وف�سيلتهم بقوله: الثاء(

واأحرزوا خ�سلتها معاناة احلروب ومعاجلة اآلتـها، فهم

بالطعن واأب�سرهم والثقافة بالفرو�سية النا�س اأحذق

املقولت ترا�س اأن ومعلوم .)29(

والرماية« وال�سرب

)27( اإخوان ال�سفا، الر�سائل، اجلزء الأول، الر�سالة الثامنة، �س. 27

)28( ابن خلدون، املقدمة، �س. 239

)29( �ساعد الأندل�سي، كتاب طبقات الأمم، ن�سره الأب لوي�س �سيخو، بريوت، املطبعة الكاثوليكية، 1912، �س. 8

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت نحو نقد العقل الثقافي

122

حتيل )الفرو�سية-الثقافة-الطعن-ال�سرب-الرماية(

كلها اإىل نظام احلرب الذي ظهرت فيه الثقافة كمقولة،

مادي كعنف تاريخية، كواقعة احلرب لي�ست ولكن

لها كانت وتدريبية، تربوية كموؤ�س�سة ولكن ورمزي،

العرب قبل والفر�س الإغريق لدى الفائقة العناية

من جزء هي احلرب كانت حيث ــراك، الأت وقبل

احلياة الفردية والجتماعية، لي�س فقط كتهيئة نف�سية

للطوارئ وللمباغتات )الواقعية وجتنيد ج�سدي حت�سبا

جمابـهة يف احلياة يف كمدر�سة ولكن املفرت�سة(، اأو

النوازل، كتدريب ذاتي يف مواجهة العوائق، كتعنيف

ملاذا يف�سر املعدن. هذا وت�سوية الطبع تقومي البدن يف

جاءت الثقافة مالزمة للحرب، لأنـها تنطوي يف مقولتها

على كل القيم وال�سيم التي حتتملها احلرب خ�سو�سا،

ت�سديد ولقافة يف ونباهة وال�سراع عموما، من حذاقة

ال�سربة والظفر بالغاية. وما اأورده �ساعد الأندل�سي عن

الأمم التي اعتنى بذكر خ�سالها اأو ف�سائلها هو ما برعت

فيه من �سنائع وعلوم و�سيا�سات، اأي ثقافتها بالذات.

يف والرتك ال�سني الأندل�سي �ساعد اأورد واإن حتى

�سياق الأمم التي مل تعن بالعلوم، فالعلة يف ذلك اأنه مييز

بني العلوم كمعارف نظرية، وال�سنائع كمعارف عملية

اأفالطون العريق منذ بالتمييز الإغريقي اآخذا ويدوية

بني العلم باملعنى النظري )epistémè( والفن باملعنى

التطبيقي )tekhnè(. ميكن كذلك القول اأن احلرب

هي مهد العلوم، لأن اأي ابتكار نظري اأو اخرتاع علمي

قبل كل �سيء باملوؤ�س�سة الع�سكرية قبل اأن ينتهي مر

اإىل املوؤ�س�سة املدنية.

كانت حيث الراهن، زمننا مع بالقيا�س ذلك اأقول

الخرتاعات تعتني بـها النخبة التي لها القوة يف الذود

يتم اأن قبل الجتماعية. احلياة و�سيا�سة الوطن عن

واجتماعية، اقت�سادية كظاهرة اجلوال الهاتف تعميم

كان قبل كل �سيء عبارة عن ظاهرة حربية يف التوا�سل

عن بعد وعرب الطرق الال�سلكية. كذلك هو احلال مع

املا�سي يف كان الذي )الأنرتنت( الأثريي الف�ساء

الع�سكرية. للموؤ�س�سة املنيعة الأ�سرار اأحد القريب

فطام اإىل ينتقل اأن قبل ال�سراع رحم يف العلم ولد

ولعل القت�سادي. وال�ستثمار الجتماعي التوا�سل

العالقة �سليل الأكرب جانبه يف هو احل�ساري التفوق

تدفع الغري �سرور الوقاية من الأمم، لأن املحمومة بني

اإىل حت�سني الذات بكل الو�سائل املمكنة، املادية منها

تعزيز يف الو�سائل هذه اأحد العلم ويعد والرمزية،

القريب املحيط على الهيمنة تو�سيع وحماولة الذات

وعلوم اأقوى �سنائع من الذات تنجزه مبا البعيد اأو

اأرقى، اأي بثقافة اأحذق واألبق. اإذا اأ�سحت احلرب يف

منها الوعي ر فيه لأنـها الظاهرة التي يفر نطاق الالمفك

تنفر التي »الرهبة املرغبة« اأي�سا ويدراأ خطرها، فالأنـها

الوعي وت�ستنفر اإرادته؛ يتجنبها ورغم ذلك يتجند لها

للدفاع عن الذات اأو ال�سيطرة على اإقليم. ل تـهمني

اخل�سوم، بني القتتال يف ب�سرية كظاهرة احلرب هنا

ولكن ما يربزه جوهرها من �سراع وكفاح، اأي اأنني اآخذ

بالدللة الوا�سعة يف ال�سراع �سد كل املظاهر الوجودية

البحث خمتربات األي�ست والجتماعية. والطبيعية

عوار�س �سد ال�سراع يف »ثكنات« اأي�سا هي العلمي

الوجود من اأمرا�س واأوبئة؟ األي�ست الأجهزة والتقنيات

�سن يف »اأ�سلحة« هي اإلكرتونية ومعدات جماهر من

حرب �سرو�س �سد ما يهدد احلياة الب�سرية يف جوهرها

واأعني بذلك الأمرا�س الفتاكة واملخاطر البيئية؟

الدفينة حفرياتـها جتد الثقافة باأن القول اإىل اأذهب

بال�سراع الكوين الذي مييز التجارب يف هذه العالقة

العربي ل�ساننا يف الثقافة ملاذا يف�سر وهذا الب�سرية.

هي وال�سنائع والفنون والعلوم احلرب. اأوجه ت�ساوق

اإثبات اأجل من الكوين ال�سراع اأوجه بع�س اأي�سا

الريا�سية واملناف�سات الغري. على التفوق اأو الذات

والألعاب هي اأي�سا بع�س مظاهر هذا ال�سراع من اأجل

التوكيد على القوة الذاتية يف تفادي الهزائم وح�ساد

املنظومة يف الثقافة مقاربة بالتايل ميكن ل الغنائم.

بـهذه الأوجه واملظاهر، العربية الإ�سالمية دون ربطها

تبني لأنـها كونية، اأو عاملية احلقيقة يف هي والتي

جت�سدها التي بال�سيئية والعالقة العقلية منو اأ�سكال

نحو نقد العقل الثقافيمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

123 العدد األول، ربيع 2013

احلال بطبيعة ميكن ل وجودها. عنوان هي والتي

ميول اأي الذات، يف الرا�سخ املعريف الف�سول نفي

والتنوير. التعلم ونحو والتفكري التاأمل نحو الإن�سان

فهي كلها قيم يتعاطاها الإن�سان. لكن ل تتجلى الثقافة

اإخراج اأي بال�سيئية، التي ترتبط فيها �سوى يف احلالة

�سيء ملمو�س اإىل الوجود هو مبثابة الأثر الذي ت�سعه،

الو�سيلة التي جتابه بـها. لهذا ال�سبب ل تنفك واأي�سا

الثقافة عن الأداة التي ت�سنعها اأو ت�سنع بـها. وبـهذه

العالقة بال�سناعة تتبدى احلذاقة يف الثقافة، اأي الثقافة

كحذاقة.

اأو مواهب يف الثقافة اأختزل اأنني ذلك معنى هل

للعتبة تبعا )idiosyncrasie( فردية ا�ستعدادات

يف انحبا�سا ذلك ي�سكل األ وال�ستقاقية؟ اللغوية

ال�سرتاط اإىل النتقال اإمكانية دون اللغوي ال�سرط

من ينبع اأو جوهرها الثقافة لب اأن اأعتقد املفهومي؟

هذه املهارة واملوهبة التي لولها ملا كانت �سنائع وفنون

تتحدد اإذ ثقافة وح�سارة. اأ�سال ملا كانت اأي وعلوم،

التخمني تتطلب والعالقة بالأ�سياء بالعالقة الثقافة

اأي العقل )العقل بالتعريف هو عالقة، �سلة، كالعقال

ال�سرود من الدواب ملنع ي�ستعمله العرب كان الذي

والهروب؛ فهو احلامي واملانع، اأي العقل هو املانع من

تفكك الروابط وال�سقوط يف اخلبل والتبعرث(. والعقل

مدحها التي احل�سافة تلك اأي التعقل اأ�سا�سا هو

واجلميلة، اجلليلة الأعمال ك حمر وجعلها اأر�سطو

حول للتداول )hexis( ال�ستعداد ملكة مبعنى

�سوؤون عملية تنتهي بالأداء اأو التنفيذ. وتتج�سد تلك

املوهبة يف �سنائع لها قيمة جمالية )تاأملية( وقيمة نفعية

اللباقة عن �سيئية )ا�ستعمالية(، فال ميكن ف�سل وهج

مثال، والت�سكيل. الرتكيب الثقاف عن اأو ال�سناعة،

هل ميكن اأن ندرك جوهر الثقافة يف الفن بدون اأن نقف

على موهبة الفنان وما ي�سدق هذه املوهبة من اأعمال

ملمو�سة يف �سكل لوحات مر�سومة اأو متاثيل منحوتة؟

هل ميكن اأن نقف على حقيقة الثقافة دون اأثر �سعري

الن�س ويربرها الل�سان ف�ساحة على يربهن بالغي اأو

القول اإىل اأميل لهذا امل�سموع؟ اخلطاب اأو املكتوب

يف ت�سع فهي تت�سياأ، اأو تتج�سد اأن بد ل املهارة باأن

لكن �ساحبها. عبقرية على وتدل ب�سمتها، الأ�سياء

تتجلى الثقافة بالفعل يف هذه العالقة بني ال�ستعداد

الذي باملعنى اأي، ال�سيئي والخت�سا�س الفردي

يكون التي احلالة اأو املوقف اأرندت، يف حنة طرحته

عليها الإن�سان باملقارنة مع الوجود اأو الغري.

اأميل اأي�سا اإىل القول اأنه من العبث البحث عن الثقافة

الزمني الرتف من اأي ر�سمها، يف ولي�س ا�سمها يف

الثقافة تتوهج اأن ع�سى اللغوية الطبقات يف احلفر

ل�سانا ومفهوما، بينما ما نبحث عنه هو بارز يف ج�سدها

التي املواهب من الذكية ال�سعلة تلك اأي بالذات،

ما وغالبا عليها. تدل التي الر�سوم لنعدمت لولها

بكالم واللقف واللقف، الثقف بني القوامي�س تقرن

اأو باليد اإليك يرمي ملا خذ الأ »�سرعة هو �سيده ابن

بالل�سان«. فهو ال�سرعة يف التناول مثلما اأن الثقف هو

العتبة هذه اأن اأظن وال�ستيعاب. الفهم يف ال�سرعة

اللغوية يف ال�سرعة الذكية بتناول الأ�سياء كما هو احلال

كما وفهمها الأفكار وبتناول والزخارف؛ ال�سنائع يف

هو ال�ساأن مع املقولت والنظريات، هي كفيلة باأن تبني

لنا ما املق�سود بالثقافة يف الت�سور العربي الإ�سالمي.

ففي العالقة بني املوهبة الفردية وال�سناعة ال�سيئية تنبع

الثقافة. وال�سناعة ال�سيئية تربط املوهبة الفردية باحلكم

العبقرية يف املوهبة هذه تنحب�س ل حتى اجلماعي،

اأن اأقول وبالتايل، الجتماعية. تربتها عن املنقطعة

الإ�سالمي العربي ال�سياق يف الثقافة يف نظرية بناء

الن�سو�س بطون بني الثقافة حد عن بالبحث لي�س

والقراطي�س، ولكن بال�ستغال على الر�سوم من فنون

وعلوم و�سنائع وذخائر، اأي اأن الثقافة هي ما نبنيه يف

يقراأ احلا�سر هي الثقافة املا�سي. تراث عن احلا�سر

املا�سي، هي الذات تتمعن يف اأ�سولها وجذورها، هي

الـ»نحن« يف عالقته بتاريخه وباأنظمته املعرفية. ينبغي

الثقافة كوحدة من الأنظمة املعرفية والفنية اإىل النظر

والت�سورية ولي�س كمقولة تكفي ذاتـها بذاتـها.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت نحو نقد العقل الثقافي

124

واخل�سو�سية الكونية حدود مل�ساألة م�ساءلتنا

م�سوؤغ جملة يتاأتى من الغربية، مل�سروع احلداثة

احلداثة، هذه جتربة حايثت التي الكربى التحولت

ونقلتها من كونها بديهية اأو حقيقة يقينية اإىل م�سكلة

وعائق وماآل عدمي وماأ�ساوي، اأو بعبارتنا : من معرفة

احلداثة معرفة اإن حقبة احلداثة. م�سكلة اإىل احلداثة

ومثال ومعايري واأ�س�س مبادئ نحو باجنذاب تخت�س

احلديث، الع�سر وانفعالت التنوير خطاطة ر�سمتها

مع انبج�ست التي النجاحات �سببه الجنذاب هذا

�سد والر العقالنية اأي جناح احلديث، الع�سر لت حتو

التجريبي للعامل، وم�سفوفة املنافع التي ح�سل عليها

الإن�سان الغربي من خالل غزوه العقلي للطبيعة.

واحلق اأنه جناح ل يقارن اإل باحلقبة التي �سبقت حقبة

الع�سور احلديثة، اإنه جناح يقارن ويفا�سل بني اأ�سلوبني

الزاهد الو�سطى الع�سور اأ�سلوب احلياة، اأ�ساليب من

احل�سية، لقيمتها واملحتقر العامل هذا خريات يف

مظاهر اخل�سو�سية يف

الكونية احلداثية الغربية

عبد الرزاق بلعقروز*

خروية، مفتتح : من معرفة احلداثة اإىل م�سكلة احلداثة الأ العوامل يف الكربى القيمة عن والباحث

وبني هذا الأمل والأفق اجلديد التي ا�ستعاد لالأر�س

ف�ساءه وللعقل ال�سائع، جمده املادي وللعامل قيمتها

امل�سعى لهذا ونظرا فيه، ي�ستغل الــذي احلقيقي

المتالكي اأ�سحت احلداثة مببادئها: الإن�سان والعقل

والدنيا، متار�س اإغواء ل نظري له يف اأفق العامل، وتبدلت

قيمة تبدلت اأي�سا، وقيمتها الأ�سياء لهذا معاين تبعا

العامل كافة ودللة الإن�سان ودللة العامل ودللة

اإىل العامل وفنون واأخالق الثقايف مبا يحتويه من روؤية

امللمح اجلوهري هو اأن اأي ونظم اجتماعية و�سيا�سية،

اأويل املادي املتحالف مع العقالين للعامل. الت

واأنا�سيد بريقه، على يحافظ مل التوهج هذا اأن اإل

الأمل الواثقة يف امل�ستقبل ا�ستحالت بكائيات حزينة،

وهذا ما اأ�س�س حلقبة اأخرى هي حقبة: م�سكلة احلداثة

متجد ل حقبة اإنها احلداثة، معرفة حقبة من بدل

احلداثة الغربية واأ�س�سها، بقدر ما تنق�س هذه الأ�س�س

وتب�سر فيها منابع املاآلت العدمية والطرق امل�سللة التي

ومرتنحا كربيائه يف معتقدا احلداثة اإن�سان عليها �سار

إن

*اأ�ستاذ ورئي�س فرع الفل�سفة، جامعة �سطيف 2، اجلزائر.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

125 العدد األول، ربيع 2013

بخيالئه الذي ظهر يف حقيقته، وذلك من جهة كونه

من تعب بائ�سا وعقال م�سطنعا، وكربياء زائفا، وعيا

الروؤية على مرتكزا كان اأن بعد بو�سلته وفقد احلياة

الدينية. اإنها اأعرا�س العدمية وثقافة النفي التي عربت

هنا من واملاأ�ساوية، الت�ساوؤم فل�سفات يف نف�سها عن

ا�ستفاق العقل على كوارثه الإيكولوجية والبيولوجية

ومنابع القدا�سة لكنوز اإ�ساعته على اأي�سا وا�ستفاق

وحي املعنى والقيم، ولالأوامر الأخالقية ذات اجلذر الر

الديني، و�سمن هذا الإطار ت�سكل جهاز ا�سطالحي

مليء بدللت الأفول والكتئاب كالنحطاط والأزمة

اجع والدروب املظلمة والقوى والكارثة والنهيار والرت

الالواعية و دوار العقل وغريها، وب�سبب هذا مل تعد

احلداثة الغربية منوذجا يحتذى يف العلم والعمل، وبدت

ع، حيث اأزمة الذات مع فرويد، واأزمة اأعرا�س الت�سد

الالعقالنية الفل�سفات وظهور احلديث العلم اأ�س�س

لن�ساطها الدين فل�سفة وا�ستعادة والوجودية، والعبثية

ة اأخرى.مر

احلداثة فقدت والإ�سكالت الأزمات هذه وب�سبب

وممكناتها ظرية الن مقولتها وتراجعت مرتكزاتها

ت�سائل امل�ستوى هذا اإىل م�ساءلتنا اأن اإل التاأويلية،

م�سارات الأ�س�س الب�ستمولوجية الكربى للحداثة،

اإىل ت�سعى والتي املختلفة احلداثة م�ساريع على واأن

وتبني الأ�س�س هذه تتجنب اأن واحلركة، النهو�س

عاجلها يف الإن�سانية بها تنتفع اأخرى اأ�س�سا لنف�سها

ب�سكل املتجه �ساوؤيل الت م�سلكنا بخالف واآجلها،

اإىل نقد فكرة الكونية التي تب�سر بها احلداثة مق�سود

نف�سهاـ ويب�سر بهذا الزعم املتبني ملقولتها يف اخلطاب

عن الك�سف هو متغيانا اأن املعا�سر،اأي العربي

انتماءاتها الغربية وعن جتذرها يف الكونية خ�سو�سية

وما احلداثة يف الكونية ن�سيب املقابل ويف الثقافية،

امل�سرتك احلداثي الذي لي�س خم�سو�سا غربيا خال�سا،

اأمة وعملوا بقدر ما هو الو�سيجة التي متى كانت يف

د. بها، قاموا اإىل احلركة والعطاء والتجد

رات املو�سوع: اأوال:مرب

هذا على �ساغل الت اإىل بنا دفعت جمة مربرات ثمة

املو�سوع، بحثا وا�ست�سكال ومن اأقوى هذه املربرات :

1. �سبابية مفهوم الكونية واخل�سو�سية على حد �سواء، احلداثة النموذج هيمنة بفعل العتقاد جرى حيث

الواقعي، احلداثي النموذج هي الكونية اأن الغربي،

الذي من الأقوم للثقافات الأخرى اأن ت�سلك م�سالكه

اأخذ مفهوم يف التحديث والقيام احل�ساري، يف حني

ترادف بو�سفها حممودة، لي�ست دللة اخل�سو�سية

مع توا�سلية اأو تثقافية �سيغة لأية ف�س والر الإنغالق

اخل�سو�سيات الأخرى.

2. تكاثر العتقاد باأن الكونية ت�ساد اخل�سو�سية، واإقامة تقت�سي الكونية اأن حيث بينهما، �سدية تقابالت

تقت�سي اخل�سو�سية اأن حني يف والعاملية، الكلية

اأو تعارفية �سالت اإقامة وعدم والنغالق النكفاء

تعاونية بني اأمناط الثقافات املختلفة.

3. هيمنة اأ�سكال من املمار�سة الثقافية حتت يافطة احلداثة، املمار�سات هي لها، هذه والت�سدي التفكيك تقت�سي

القيمي التوجيه عن منف�سلة اأي انف�سالية، ممار�سات

الهيمنة هذه بالإميان، وامل�سبعة املتعالية املقا�سد نحو

الثقايف والتخريب الثقايف ال�ستتباع : يف لنا تتمظهر

والتنميط الثقايف، وجميع هذه املظاهر.

4. معرفة املنظومة احلداثية على حقيققتها، بالك�سف عن جوانب الكونية اأو امل�سرتك الإن�ساين فيها وجوانب

اخل�سو�سية، لأن ما يتبدى لنا جمديا يف م�سروع احلداثة،

هو و�سفني اأ�سا�سني: الإنبثاق من الذات، والرتاكمية،

مل داخلية، حداثة كانت اأنها يعني الأول فالو�سف

ت�ستلف معياريتها من ثقافة اأخرى، اإمنا ا�ستخرجتها من

الو�سع ومبارحة النتقال فتعني الرتاكمية اأما ذاتها،

م. وهذا تقد يعلوه اآخر نحو و�سع ح�ساري احل�ساري

القيام تريد التي املجتمعات اإرادة به تتاأ�سى ما هو

والأخذ بقوة ذاتها نحو احل�سارة والرتقاء.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت نقد إرادة الكونية

126

ثانيا: الكونية يف احلداثة: داللة العبارة،

احلقيقة، التاريخ:

ثمة مدخل منهاجي �سروري من ثقابة الراأي وجودته

قافية الث دللتها يف الكونية مفهوم هو اإليه، الإ�سارة

احلداثة بتجربة املفهوم هذا يلتحم اأن قبل الروحية

خالله، من نف�سها عن وتعرب به مت�سك لكي الغربية

و�سن�سلك يف تعريفنا للكونية دللتها الإجرائية التي

يف ل املقالة، هذه يف التحليل م�سارات مع تن�سجم

وال�سطالحية، اللغوية املعاجم يف املت�سعبة معانيها

ذلك اأم معنى الكوين ي�ستتبع معه معنيني اثنني هما

والعاملية، »واملراد بالكلي ما ي�سدق )1(

تواليا : الكلية

على جميع اأفراد الإن�سان من حيث هي كائنات عاقلة،

على ي�سدق ما بالعاملي واملــراد اجلزئي؛... و�سده

جميع اأقطار الأر�س من حيث هي دول قائمة، و�سده

.)2(

املحلي«

واإذا ماثلنا هذه املحددات مع جتربة احلداثة، فاإننا نقول:

الإن�سان اأفراد جميع على ت�سدق كلية احلداثة اأن

مركز اأن هنا ووا�سح عاقلة، كائنات هي ما جهة من

خم�سو�س و�سف هو مبا العقل هو هنا الوحدة هذه

بالإن�سان، مياثل توحدهم يف الطبيعة الب�سرية. اأما القول

بالعاملية فمق�سوده الإ�سعاع من الغرب نحو بقية الأقطار

مانة يف العقل كاأ�سا�س يف الأخرى، لأنه ملا كانت ال�س

من�سئها يف فرق بني فاإنه ل الإن�سانية، الطبيعة وحدة

الغرب وتلقيها عند بقية الأقطار الأخرى، وهذا على

وجه التحديد ما ق�سده )جون بودريار ( يف مقالته اإىل

معنى للنا�س تفهيمه اأجل من الفل�سفية املو�سوعة

احلداثة من حيث هي »منط ح�ساري خا�س يتعار�س

مع النمط التقليدي، اأي مع كل الثقافات ال�سابقة عليه

مزي والر اجلغرايف التنوع هذا فمقابل التقليدية، اأو

�سيئا باعتبارها نف�سها احلداثة تفر�س الأخرية، لهذه

.)3(

واحدا متجان�سا، ي�سع عامليا من الغرب«

وا�سح من هذه الدللة للكونية، كيف ترى تاأ�سي�سها

والأ�سل العقل وحدة على الكونية- هذه اأي –الغربي لهذه احلداثة، حيث ت�سلك الثقافات الأخرى

هذه امل�سالك الغربية يف م�ساريعها التحديثية، وتكون

احل�ساري النمط هذا مع التماهي الكربى مقا�سدها

من تكون التي املا�سي بقيم كثريا يعتد ل الذي

مع الغرب جتربة واأن بخا�سة الإجنــاز، هذا معوقات

ما�سيه الثقايف هي جتربة »خميال الأمل«، لأنه مل يجد

يف هذه القيم منه�سات نحو الرتقاء يف �سلم الكمال

الإن�ساين بدللتيه املعرفية وال�سلوكية.

واحلداثة، والعقلية الكونية ابط بني الرت هذا من جهة

باملعنى الذي جرى تالزمه مع اأفق التجربة الغربية يف

)1( ياأخذ الكلي دللته، من املفهوم النطقي، باعتباره ي�سل بني الكلي وبني املنطقي يف العلوم، فالكلي »ترجمة العرب القدامى ملعنى كاثولو« To Katholou اليوناين،

»بالنظر اإىل الكل«، اأو»ما هو ماأخوذ يف كليته« اأو »على اجلملة« اأو »بعامة «. اأوردها : فتحي امل�سكيني، كما ترد يف ن�سو�س اأر�سطو، وهو لفظ ي�ستعمل ظرفا ويعني باحلرف

الهوية واحلرية ، نحو اأنوار جديدة، بريوت : دار جداول 211، �س 160.

)2( طه عبد الرحمن، احلق العربي يف الختالف الفل�سفي، املغرب بريوت : املركز الثقايف العربي، 2002، �س 52.3

)3( جون بودريار، احلداثة ، ترجمة حممد �سبيال وعبد ال�سالم بنعبد العايل، الدار البي�ساء : اأفريقيا ال�سرق، 2001، �س 320.4

نقد إرادة الكونيةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

ظاهرة الكونية نحو النزوع اإن

الثقايف ال��ت��اري��خ يف منت�سرة

له مالزمة اإنها بل لالإن�سان،

جتربة فاأية الوجودي، ولأفقه

اإن�سانية باإمكانها اأن تطور مفهومها

جتربتها ي�ساحب الذي للكوين

يف العامل.

127 العدد األول، ربيع 2013

احلداثة، لأن هذه احلداثة قد اأم�سكت بالكوين وعربت

عن نف�سها من خالله، يف حني اأن النزوع نحو الكونية

اإنها بل لالإن�سان، الثقايف التاريخ يف منت�سرة ظاهرة

مالزمة له ولأفقه الوجودي، فاأية جتربة اإن�سانية باإمكانها

يف جتربتها ي�ساحب الذي للكوين مفهومها تطور اأن

وحية، مبا يجعلها اأفقا وجوديا العامل، اأي خ�سو�سيتها الر

خم�سو�سا تنجذب نحوه الأمناط الثقافية املتعا�سرة له،

ومتاآلف ومتوادد خمتلف نحو على معه تتعاي�س اأو

غودمان اأفكار نتابع اأن هنا علينا ذلك، اأجل »من

Goodman عن اأن »العامل يكون على اأوجه عدة«، ومن ثمة اأن نقبل ب »تعدد العوامل«. فالب�سر ل ي�سفون

ما يحيط بهم على نحو خمتلف اإل لأنهم يرون العامل

اأمر يتغري ويتعدد. ب�سكل خمتلف، �سورة العامل هي

املنا�سب الأنطولوجي الأفق هو العوامل تعدد واإن

ملعنى الكوين ... ولذلك ل حتتمل اأية ثقافة من معنى

.)4(

الكوين اإل بقدر ما حتتمل من معنى التعدد«

كلي حداثي منوذج فر�س لي�ست فالكونية هنا، من

اإن الثقافية الأخرى، اخل�سو�سيات به تنفعل وعاملي،

الكوين جملة من اخل�سو�سيات الثقافية التي تتجدد

واأن والتحا�سد، والتباغ�س بالتنافر ومتوت بالتالقي

امللمح اجلوهري للكونية هو املقدرة على الكون �سمن

واحد، حمدد له لي�س الكون هذا الكوين، الأفق

والقت�سادي املادي النجاح لأن واحدة، معايري اأو

املعيار اأن اأوهم قد الغربية، احلداثة جتربة لزم الذي

اأجل من الهمم حفز هو الكونية م�ستوى يف للكون

اإل التحقيق ولي�س هذا على اقت�ساديا، العامل تاأويل

النموذج احلداثي الغربي الذي ربط بني الأفق الكوين

بالدروب تطالعنا واحلقيقة القت�سادي، والزدهــار

املادي التاأويل هذا اأنتجها، التي امل�سدودة وحية الر

للعامل.

الكونية دللة اإىل مفهوميا الولوج ميكن اإذن هكذا،

التي الغرب جتربة عن منف�سلة اأي املنف�سل، مبعناها

بيتها ورتبت معا�س، اإن�ساين كاأفق بالكونية اأم�سكت

التاأويلي تبعا لروؤيتها هي . اإن الكونية ل تعني الواحدية

الثقافية، واإمنا �سيغة من �سيغ الوجود يف العامل، ت�سبه

تقدم لكي تختلف التي اجلمالية، الفنية الف�سيف�ساء

اإنها والإعجاب، وعة الر على يبعث جماليا منوذجا

ت�سرتك اأي�سا يف ر�سيد القيم املعنوي، فهي تبعا لهذا،

كونية القيم املعنوية الإميانية.

اأي ثمة �سلة بني الكوين وامل�سرتك، عرب عنه فال�سفة

عن جوهرية ب�سورة تدل خمتلفة، بتعبريات اهن الر

كان الذي الغربي احلداثي الكوين النموذج اإخفاق

التعبريات هذه من الداخل، من ورة ال�س ي�ساهد

كانط الكونية«، وال�سيافة »الكو�سموبوليطيقية

و»الكينونة معا يف العامل« و» العي�س معا« و»امل�سوؤولية

principe »اإزاء الغري« )ليفينا�س( و»مبداأ ح�سن الظن

اللغوية و»اجلماعة النقا�س« و»اإيتيقا ،de charité.

)5(

املتكونة من متحاورين جيدين«

)4( فتحي امل�سكيني، الهوية واحلرية، نحو اأنوار جديدة، مرجع �سابق، �س 171.5

)5( لال�ستزادة : اأنظر ، فتحي امل�سكيني، الهوية و احلرية، مرجع �سابق.6

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت نقد إرادة الكونية

منوذج فر�س لي�ست الكونية

تنفعل وع��امل��ي، كلي حداثي

الثقافية اخل�����س��و���س��ي��ات ب��ه

جملة ال��ك��وين اإن الأخ���رى،

التي الثقافية اخل�سو�سيات من

بالتنافر ومتوت بالتالقي تتجدد

والتباغ�س والتحا�سد.

128

ثالثا: مظاهر خ�سو�سية الكونية احلداثية

1.الكونية احلداثية باعتبارها اإرادة قوة: نزوعها من غم

الر على الغربية احلداثية التجربة اإن

اإل بذلك، العاملي املجتمع واإيهام الكونية اأفق نحو

اأنها كانت ت�ستبطن اإرادة القوة والهيمنة، وال�سعي نحو

متثل يف لنماذجها الأخرى الثقافية الأمناط اإخ�ساع

املختلف وبني بينها العالقة ان�سطرت حيث الآخر،

الثقايف عنها ان�سطارا تفا�سليا، اأ�سحى الغرب مبوجب

هذا الو�سف هو الذات، والآخر املختلف هو املو�سوع،

والغرب بهذا ميار�س نوعا من القوامة الثقافية والعلمية

والأخالقية، منبعها الأ�سا�سي هو ال�سعور بهذا النف�سية

العامل اإىل �سالة الر �ساحبة ال�سطفائية املتعالية

امت«. »ال�س

يب�سر يف الذي الإن�سان اإن كونية احلداثة، هي كونية

الذات الأرقى والأف�سل، وهي كونية ت�سوير اأنه ذاته

باعتبارها متلك احل�سارة الأف�سل، واإنها ل تتوقف عند

التي النف�سية الأجواء تفر�س ما بقدر امل�ستوى، هذا

جتعل اخلا�سع لقوتها، يدرك ذاته، من خالل مقولتها

لة عنه، ومن خالل متثلها له، وبهذا يجري ترتيب ال�س

بينها وبينه، بو�سفها �سلة تعاي�س واختالف يف الأ�سل،

التقنية الإمكانات متتلك مهيمنة، قوة بني تعاي�س

منهكة، خائرة، قوى مقابل يف التحطيم، واأدوات

هذا، وموؤدا فيها، اأ�سلية طبيعة وكاأنه ب�سعفها �ساعرة

اأن الكونية التي اأتت بها احلداثة اإىل العامل، هي كونية

وؤية من جانب واحد، وبهذا الإجراء باخلط املائل، اأو بالر

اأ�ساعت هذه الكونية ما متتلكه الثقافات الأخرى من

ر�سيد القيم املعنوي، ومن روؤى للعامل متوازنة واأنظمة

مقا�سد جتمع ومن والف�سيلة، بيعة الط بني توحد قيم

بني م�سالح الإن�سان كلها.

الغربي الثقايف الن�سق بني املطابقة جرت هنا، من

الغربية، احل�سارة قية بتفو ت�سليما الكوين، وبني

وبدونية الأن�ساق احل�سارية الأخرى، من هنا، فاإن ثمة

هي لها، الإ�سارة منهجيا لنا الأقوم من منهجية لفتة

يف يتحدد الذي باملعنى احلداثة مفهوم بني التفريق

املو�سوعات، وبني احلداثة كما هي متحققة و املعاجم

بارد، مفهوم املعجمي فاملفهوم والواقع، التاريخ يف

يختزل املتنوع واملتعدد ا�ستجابة للبناء املفهومي، وقد

كان نيت�سه على حق، عندما قال باأن املفاهيم جتمد نهر

ريورة وتفرغ املوجود من دم احلياة، لأنها اختزالية ال�س

�سبيهة ثابتة، باهتة، املوجودات تظهر اإنها بطابعها،

ب�سحية العنكبوت املفرغة من دم احلياة، تتجلى وكاأنها

حية، يف حني اأن املوت قد زحف اإليها ومل يبقي منها

املعجمية، احلداثة ملفاهيم اأ�ساري لزلنا ونحن �سيئا،

باأن نعتقد بذاتها، وا�سحة وكاأنها مبادئها، وننافح عن

راع، جثة املفهوم حية، يف حني اأنها مليئة بالدماء وال�س

والإق�ساء الثقايف الرتاتب و الإخ�ساع«، »حداثة اإنها

واحلرية العقالنية حداثة الختالف.ولي�ست لعوامل

ول الداخل، من اإل قيما لي�ست التي والإن�سان،

ت�سيء اإل يف حدود الأطر الثقافية واجلغرافية الغربية،

اأما املناطق الأخرى: املظلمة، فهي عدمية القيمة، عدمية

املعنى، لكن ما هو موؤكد اأنها مو�سوفة بهذه املوا�سفات؛

كه اإرادة قوة، ترغب من خالل منظور، يريد �سيئا، حتر

ترغب تختلف، اأن ترغب يف وتهيمن، ت�سيطر اأن يف

اأي�سا يف ال�ستمتاع باختالفها، وتنفي ما يختلف، اإنها

خارج يقع من وبني بينها وم�سافة تراتب لنظام تقيم

دائرتها.

عن النف�سال كونية باعتبارها احلداثة كونية .2القيمة:

جهود نحوها تتجه كانت التي املحمودة املقا�سد اإن

التنويريني الأوائل، كالقول بال�ستقاللية عن ال�سلطة

نقد إرادة الكونيةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

الثقايف الن�سق بن املطابقة جرت

ت�سليما الكوين، وبن الغربي

قية احل�سارة الغربية، وبدونية بتفو

الأن�ساق احل�سارية الأخرى.

129 العدد األول، ربيع 2013

ا�ستكناه اأجل من العقل وت�سغيل للدين، ال�سيا�سية

التالية الأجيال اأن تدري تكن مل الأ�سياء، حقائق

�ستتجه وجتاوزا، حدة اأكرث �ستكون ل، الأو للتنوير

واأكرث م�ستوى اأبعد اإىل الأوائل التنويريني مبقولت

يف الدين لدور املتنكرة العقل مثل خلف ان�سياقا

اإنها لوحة تبدو على �سيماتها مالمح اأو القيم، املعرفة

وغري املنزلة الأديان كل ونقد والالروحانية »الإحلاد

املرتبطة وال�سيا�سية الأخالقية القيم ونقد املنزلة،

بالأ�سا�س الدينية وامليتافيزيقية، الذي يت�سمن بالقيم

بالوحدة واإقرارا للدين، ال�سيا�سي اخلداع يف نظرية

»املادية« للطبيعة، مبا يف ذلك املاهية الطبيعية لالإن�سان،

»اجلربية«، اآنذاك ي�سمى كان مما ذلك عن ينتج وما

روري الذي يحيط بكل ذلك املجال اأي التف�سري ال�س

التدمريية اللوحة هذه ،)6(

الطبيعة« هو الذي الوحيد

لكل روائح امليتافيزيقا والدين، جلبت معها قيما مقلوبة

للقيم التي كانت �سائدة يف الزمنية ال�سابقة، من اأجلى

هذه القيم : الجنذاب نحو مملكة النا�س بدل من مملكة

ب، والثقة املفرطة يف ثقتها يف العقل وقدرة الإن�سان الر

التقدمية والنظرة حيحة«، وال�س »اليقينية املعرفة على

يا�سي املفتوحة على الزمان، والتو�سل بادئا باملنهج الر

�سد التجريبي كقنوات اأ�سا�سية ووحيدة وثانيا مبنهج الر

يف كيفية فهم العامل واكت�سافه.

مزيد اإىل بالفكر دفعت قد مببادئها التنوير حركة اإن

وت�سكيل املادي، والقيم التفكري نظام خلف ال�سري

العجيبة »الطريقة اأي وا�سحة، اأعرا�سها بدت مفارقة

التي من خاللها جنح تقدمها عرب القرون التي اأعقبت

الثورة العلمية والنه�سة يف متكني الن�سان احلديث من

التو�سع، النفوذ، امتالك قدر غري م�سبوق من احلرية،

�سعة املعرفة، بعد النظر، النجاح امللمو�س، ولكنه اأ�سهم

ذلك- بعد ونقديا البداية يف مبكر نف�سه- الوقت يف

على الوجودي الب�سري املخلوق و�سع تقوي�س يف

جل الأ�سعدة : امليتافيزيقية والكوزمولوجية .املعرفية،

النف�سية، وحتى البيولوجية اأخري. ثمة توازن ل يعرف

.)7(

معنى الرحمة «

من هنا، جلبت كونية احلداثة، النف�سال عن القيمة،

الطبيعية الروؤية يف ال�سلوكية املمار�سات واإ�سكان

املظاهر اأقوى ومن والقوة، واملنفعة اللذة يف وتوابعها

الأ�سا�سية التي ميكن ر�سدها كمظاهر لنف�سال احلداثة

عن القيمة تاليا:

اأ. وحدانية ال�سوق اأو ثقافة ال�ستهالك :

اأفول القيم، هيمنة احلياة يعني هذا املظهر من مظاهر

ال�سوق قيم وانتقال الإن�سان، �سلوكات على املادية

تكن فال�سوق مل الإن�سانية، احلياة دائرة اإىل التجارية

مكانها للتجارة كان ممكنة، الأخالق بدوائر �سلته

للحياة اجلوهري امللمح لكن اأي�سا، مكانها وللحياة

املعا�سرة هو حتول جميع القيم الإن�سانية اإىل قيم جتارية،

مائر، »ومن املمكن لنا، مبا فيها قيم الفكر والفنون و ال�س

قي الوقت احلا�سر، اأن نتبع م�سار منوذج النمو الغربي

بدءا من اخلطاإ القاتل لتوجيه ع�سر النه�سة املزعومة،

املحاكمة الذرائعية، واملحاكمة الكم، ولدة اأي

الأول املعيار منه برت وقد الو�سائل دين الديكارتية،

اأ على ا�ستعمال عقلك«، بريوت : جداول، 2011، �س 58.7 )6( اأنظر، �سالح م�سباح، التنوير موجودا ومن�سودا »جتر

)7( ريت�سارد تارنا�س، اآلم العقل الغربي )فهم الأفكار التي قامت ب�سياغة تظرتنا اإىل العامل(، ترجمة فا�سل جكرت، اإ. ع. املتحدة، اململكة ال�سعودية : دار كلمة، العبيكان،

2010، �س 25.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت نقد إرادة الكونية

عن النف�سال احلداثة، كونية

املمار�سات واإ�سكان القيمة،

الطبيعية الروؤية يف ال�سلوكية

واملنفعة ال��ل��ذة يف وتوابعها

والقوة.

130

للحياة النهائية الغايات يف التفكري هو للمحاكمة:

.)8(

ومعناها«

اإنه هذا الدفع للتعلق ال�سديد باحلياة الدنيا، ون�سيان اأو

الغفلة عن البعد الغائي للحياة الإن�سانية، اأورث نتائج

كربى منها : املخدرات والت�سلح والف�ساد، فاملخدرات

وق، والت�سلح اأي�سا وحدانية ال�ساأ�سحت هي بخور معبد

كما يتجلى اأي�سا يف اإقدام الوليات املتحدة الأمريكية

ناعات اإقبال، على اعتبار �سناعة الت�سلح من اأكرث ال�س

كغايات وامل�سلحة بح الر اأجل من ت�سويقها ويجري

ماركيوز هربرت يقول كما اأن�ساأ ما وهــذا نهائية،

»الإن�سان ذو البعد الواحد«، وهو اإن�سان ترتكز اأحالمه

ذاته واأن عليها، احل�سول وكيفية ال�سلع وفكره حول

يحققها بقدر ما يح�سل على ال�سلع وي�سبع رغباته. اإن

وحدانية ال�سوق اأ�سحت �سبيهة بالفعل الإلهي الذي

القيمة اإىل مقا�سد النا�س ويوجهها اأذواق يتحكم يف

املادية وامل�سلحة ال�ستهالكية، �سمن هذا الإطار »يظن

الختيار فمجال وفرديته، يته حر ميار�س اأنه الإن�سان

ال�سلع وا�سع لأق�سى حد. ولكن هذا يخبئ يف عامل

الأمور الختيار يف اأن جمال وهي الأ�سا�سية احلقيقة

املهمة )امل�سريية والإن�سانية والأخالقية( قد تقل�س متاما

التجاوز فقد مقدرته على الإن�سان واأن هذا واختفى،

.)9(

وعلى نقد املجتمع«

اإن وحدانية ال�سوق هذه، وات�ساع تاأثريها هم�ست من

دائرة القدا�سة ور�سخت املعنى املادي للحياة واأفرغت

عظمت لقد الإميانية، ومقا�سده غاياته من الوجود

الو�سائل ورفعتها اإىل مرتبة الغايات.

ب. �سمور الأخالق يف الأ�سرة والثورة اجلذرية:

الأ�سرة اأمنــاط م�ستوى يف وخطري نوعي ل حتــو ثمة

انطالق حقيقته يف يعك�س حتول وهي الغرب، يف

الأخالقية واملقا�سد وابط ال�س من املعا�سر الإن�سان

للزواج، ففيما م�سى قد�ست التعاليم امل�سيحية الزواج

ابطة املكون من الأب والزوجة والأولد، واعتربت الر

من الطالق الكاثوليكية الكني�سة مت وحر مقد�سة،

العام، الجتماعي الكيان هذا على احلفاظ اأجل

مرحب غري اأ�سحى الأ�سرة من ال�سكل هذا لكن

»ما املعا�سرة، ودخول زمن الإن�سان اأمناط حياة به يف

معهودة باأ�سكال غري يوؤمن بات الذي احلداثة«، بعد

من الأ�سرة كالزواج املثلي، ولقد اأدى هذا التحول يف

القيم الأ�سرية اإىل تاآكل الأخالق الأ�سرية، هذا ف�سال

عن اأحادية الأ�سرة التي يكون فيها اأحد الطرفني غائبا،

لن التي بالقيم الإمداد مل�سادر فاقدا يعي�س حيث

يتلقاها اإل من الوالدين.

هذا ومن العوامل امل�ساعدة اأي�سا على تفكك الأ�سرة،

اأدت »ولقد املادية بدللته ر والتح�س بالت�سنيع الولع

ال�سريعة، ر التح�س بحركة مقرتنة الت�سنيع، عملية

والهجرة اإىل املدن الكربى وتزايد ال�سكان، اإىل جانب

يف تدريجية ب�سورة الغرب يف اأخرى عديدة عوامل

القرن الثالث الهجري/ التا�سع ع�سر ميالدي وبدايات

اإىل امليالدي، الع�سرين الهجري/ ع�سر الرابع القرن

انهيار كثري من الروابط الجتماعية التقليدية يف املدن

نقد إرادة الكونيةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

اإن و�سائل الإعالم بخا�سة املرئية

منها، اأ�سحت متار�س دورا مركزيا

النا�س، رغبات وتوجيه خلق يف

وقيم ال�ستهالك طاحونة نحو

ورة. املو�سة والن�سداد نحو ال�س

)8( روجيه غارودي، الوليات املتحدة الأمريكية طليعة النحطاط، )كيف جنابه القرن الع�سرين(، ترجمة �سياح اجلهيم ومي�سيل خوري، اجلزائر: من�سورات املوؤ�س�سة الوطنية

للفنون املطبعية، 2003، �س 29.

)9( عبد الوهاب امل�سريي، العلمانية واحلداثة والعلمنة، �سوريا : دار الفكر، 2009، �س 38.10

131 العدد األول، ربيع 2013

اإىل اأدى مما يفية الر املناطق يف اأقل وبدرجة الكربى

.)10(

متزق الأ�سرة و�سعفها ب�سورة تدريجية«

مبداأ وهو الذات، وطغيان الفردية مبداأ اإىل بالإ�سافة

الع�سر ركائز من قوية ركزة هيجل اعتربه حداثي

احلديث، حيث اأن الذات ل تقبل اإل ما يحقق ذاتها

وميجد قيمها، فال ميكن لإن�سان ي�سعه باحثا عن اللذات

يوؤمن كان اإذا اإل طفل، بكاء على ي�سرب اأن الفردية

بالأمومة وتوؤمن املادية القيمة تتجاوز اإن�سانية بنزعة

والأبوة.

ريورة: ج. هيمنة و�سائل الإعالم وتكري�س ثقافة ال�س

اأ�سحت منها، املرئية بخا�سة الإعــالم و�سائل اإن

النا�س، رغبات وتوجيه خلق يف مركزيا دورا متار�س

نحو والن�سداد املو�سة وقيم ال�ستهالك طاحونة نحو

ثقافة تقلي�س اأ�سهم وبحجم كبري يف ما ورة، هذا ال�س

القدا�سة عن�سر ومعها الأخالقية، بال�سوابط اللتزام

نحو التوجيه واأ�سا�س الكربى القيم منبع باعتبارها

يف الإعالمية الهيمنة جناح ويعد الأخالقية، القيم

اأ�سطع دليل على حتويل الوليات املتحدة الأمريكية،

وتهمي�س اقت�سادية وقيمة ا�ستعمالية مادة اإىل العامل

و-م-اأ، يف »فالإعالم الإن�سان، يف الإميانية الأبعاد

فاأتفه وم�سل، جدا ناجح فنيا واأنه خا�سة �سطوة، له

الأمريكي الإعالم الأ�سياء يجعلونها م�سلية وجميلة،

قام الإعالم الروؤية ال�ستهالكية، فقد تر�سيخ جنح يف

امللكة واإفقاده بتفريغ الإعالم الأمريكي من الداخل

فلك يف تدور التي الختيار بحرية واأوهمه النقدية

حتمية الختيار ال�ستهالكي والهدف املادي املنف�سل

.)11(

عن نظام القيم التوجيهي«

كتابه يف بــودريــار« »جــون ق�سده ما حتديدا وهــذا

املعنى يف لقيمة حتليليه اأثناء وال�سطناع«، »امل�سطنع

عامل يف نعي�س »نحن الإعالم و�سائل هيمنة دوائر

تزداد فيه املعلومات اأكرث فاأكرث، بينما ي�سبح املعنى فيه

.)12(

اأقل فاأقل«

وانح�سار املعنى موؤداه اأي�سا فقدان القيم قيمتها، وحتول

و�سائل الإعالم نف�سها اإىل واهبة للمعنى وخالقة للقيم،

على اجل�سماين البعد وتنمية ال�ستهالك قيم لكنها

وحاين، اأين يفقد الإح�سا�س بالبعد ح�ساب البعد الر

اجلوهري باعتباره مرتكز الكيان الب�سري مكانه، ومتالأ

حجب الغفلة عن القدا�سة قلب الن�سان وروحه ومتنعه

من الت�سال بالدين الذي من مقا�سده بناء الإن�سان

الروحي، والرتقاء الإميــان لقيم احلامل التزكوي،

وال�سالك م�سالك العبادة باملعنى احل�ساري، اأي العبادة

التي جتمع بني الإميان الروحي والإميان العمراين.

املمار�سات يف القيم«، »�سياع مظاهر اإذن، هي هذه

تعد مظاهر وهي املعا�سر، الغربي لالإن�سان ال�سلوكية

عالمات اأو اأعرا�س على تر�سخ نظام القيم ال�ستهالكي

وتو�سيع م�ساحات اللذة وتقوية املح�سو�سات، مبا يوؤول

وتدمري الإميــاين، الأخالقي القيم نظام حجب اإىل

الذي احلديدي القف�س ر�سادة يف والعي�س املعنى

مي�سك بدوائر احلياة برمتها نحو مقا�سد اللذة و اجلمع

ل التي ال�ستخالفية، الوظيفة ون�سيان املال« »جمع

الإميان واإن�سان التزكية اإن�سان اإل اإجنازها على يقدر

واإن�سان القدا�سة واملعنى.

اد و�سادق عودة، م�سر : ال�سروق الدولية، 2004، �س 292.11)10( �سيد ح�سني ن�سر، دليل ال�ساب امل�سلم يف العامل احلديث، ترجمة فارق جر

)11( عبد الوهاب امل�سريي، مرجع �سابق، �س 316.12

)12( جون بودريار، امل�سطنع وال�سطناع، ترجمة جوزيف عبد اهلل، بريوت : املنظمة العربية للرتجمة، 2008، �س 147.13

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت نقد إرادة الكونية

فيه ت��زداد عامل يف نعي�س نحن

بينما فاأكرث، اأك��رث املعلومات

ي�سبح املعنى فيه اأقل فاأقل.

132

تدمريا باعتبارها احلداثة كونية رابعا:

للخ�سو�سيات الثقافية

عندما التقليدي، ال�ستعمار مع متالزمة ظاهرة ثمة

عليها، الهيمنة يف يرغب التي ال�سعوب اإىل ي�سل

احل�سارية، واإمكانياتها ممتلكاتها نهب عن ف�سال هي

القيم ور�سيد الثقافية اخل�سو�سيات اإىل التعدي

مفاعيله، وتعطيل اإذابته اأجل من امل�سرتك، املعنوي

موروثها بني �سلة تربطها ل اأخرى اأجيال وتكوين

حتويل خالل من التاريخية، ورموزها املعنوي الثقايف

اأخرى اأدوار كامل�ساجد، لآداء الثقافية موز الر اأماكن

اجلزائر يف ح�سل مثلما الأ�سلية، وظيفتها وتعطيل

اإىل امل�ساجد ل حو الذي الفرن�سي، ال�ستعمار اأثناء

من رام ثقافية �سيا�سة و�سلك وكنائ�س، ا�سطبالت

خاللها اإقامة الف�سل بني ثقافة الإن�سان اجلزائري بكافة

الثقافة، هذه من ال�ستمداد وبني الدينية مركباتها

وت�سري القراءات التحليلية التاريخية اإىل حجم احل�سور

املكثف لهذه الأ�ساليب ال�ستعمارية التي �سعت نحو

اجلزائر وجتربة ، الأخرى الثقافية اخل�سو�سيات اإلغاء

ال�ستعمارية ال�سيا�سية لأن ال�ساطع، النموذج تقدم

بعد اأن امتلكت امل�سادر القت�سادية للجزائر ، اجتهت

للمجتمع ال�سرتاتيجي العمق اأو القوة م�سادر اإىل

مبتور جديد ثقايف كيان ولبلورة جهة، من لإ�سعافه

اإل لي�ست وهذه الأ�سلي، الثقايف بالكيان ال�سلة

تدمري اإىل �سعت التي �سورة من �سور كونية احلداثة

التي الأ�ساليب الثقافية الأخرى، ومن اخل�سو�سيات

ركزت عليها الدوائر ال�ستعمارية تواليا : اإنهاء الوظيفة

اجلزائر، يف الأوقاف ملوؤ�س�سة والثقافية الجتماعية

تدهور الإ�سالمية، واملعامل العبادة اأماكن تدهور

موؤ�س�سة دور تهمي�س الجتماعي، التكافل منظومة

للزوايا، الإيجابية الوظيفة اإيقاف الإ�سالمي، الق�ساء

به، اجلزائريني وجتهيل الإ�سالمي الدين حما�سرة

يف الق�سري ل التدخ الدينية، املرجعية على الق�ساء

اإ�ساعة التلويث اإ�سعاف اللغة العربية، احلياة الدينية،

بفر�س املحيط تغريب العام، املجتمع يف الأخالقي

.)13(

الطابع امل�سيحي

الالغي التقليدي ال�ستعمار �سعيد على هــذا

اليوم، عامل يف اأما الأخرى، الثقافية للخ�سو�سيات

اخل�سو�سيات اإلغاء ومقا�سد اآليات تغريت فقد

مبنطق واإمنا املبا�سرة، القوة مبنطق لي�س لكن الثقافية،

التي الواحدة الإن�سانية فكرة تر�سيخ نحو ال�سعي

تعرف اأقوى جتلياتها يف زمن العوملة، »ففكر العوملة هو

يف جوهره العودة اإىل هذا الإن�سان الطبيعي، الذي ل

يعرف احلدود اأو الهوية و لي�س عنده اأي اكرتاث بالقيم

بالأر�س والرتباط الكرامة مثل واملعنوية الأخالقية

هو الطبيعي الإن�سان اإن وحيث والت�سحية، والوطن

وتطلعاته مطالبه فكل لذا القت�سادي، الإن�سان ذاته

قرير يتقابل . وهذا الت)14(

تظل داخل ال�سقف املادي«

املتجاوز باملعنى الإن�ساين الإن�سان فكرة مع ديا �س

اإن�سان اأي احليوية، وافع والد املادية املطالب ل�سقف

»اخل�سو�سية املفارقة«، الذي يتوفر على بعد اآخر مينحه

العامل، مع احلياتي بيته ترتيب يف الق�سوى احلرية

الروؤية ويف احلقيقية، الهوية هي املفارقة واخل�سو�سية

بني التالزم هذا على تاأكيد لالإن�سان الإ�سالمية

على اأي�سا وتاأكيد احلرية، وبني املفارقة اخل�سو�سية

اجل�سماين باملعنى اأحاديته على ل الإن�سان تركيبة

الذي يرغب دعاته يف اأن تكون له الكلمة العليا، ذلك

اأن »لالإن�سان علما باأ�سماء الأ�سياء ومعرفة اهلل �سبحانه

وتعاىل، وان له اأجهزة روحية وعقلية للمعرفة والإدراك

مثل القلب والعقل، واأن له ملكات لل�سهود والتجربة

يف اأبعادها املادية والذهنية والروحية، وهو ذو نف�س لها

قدرة ذو اأنه كما واحلكمة، الهداية لتلقي ال�ستعداد

اإنه كذلك نقول ولكننا ذاته. مع العدل حتقيق على

�سواء حد على ففيه واجلهل، والظلم الن�سيان كثري

)13( اأنظر، الطاهر �سعود، احلركات الإ�سالمية يف اجلزائر )اجلذور التاريخية والفكرية( الإمارات العربية املتحدة : مركز امل�سبار 2012، �س من 223، 237

)14( عبد الوهاب امل�سريي، الهوية واحلركية الإ�سالمية، �سوريا : دار الفكر، 2009، �س 146.15

نقد إرادة الكونيةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

133 العدد األول، ربيع 2013

ال�سفات الإيجابية وال�سفات ال�سلبية التي تت�سارع من

اأجل ال�سيطرة وال�سيادة، ولكن فيه كذلك قد طبعت

و�سائل اخلال�س من خالل الدين احلق وال�ست�سالم

.)15(

ال�سادق«

ما�سيا، جلاأت ملاذا هو اإحلاحا الأكرث ال�سوؤال لكن

اخل�سو�سيات تدمري اإىل احلداثة كونية حا�سرا وتلجاأ

بدللتيها : اخل�سو�سية الثقافية واخل�سو�سية املفارقة؟

هل من اأجل اأن تعيد �سياغتها وفق روؤيتها الثقافية اأو

اإدماجها كيما تكون من جن�سها؟ هل هذه هي املقا�سد

احلقيقية؟

اإرادة نحو الغربية احلداثية الكونية نزوع اأن براأينا

العامل م�ستوى على بخا�سة الثقايف العامل تدمري

جتد لن املخ�سعة، املقهورة ال�سعوب اأن الإ�سالمي،

اإل رموزها الثقافية من اأجل الحتجاج واملقاومة، ومن

اأجل الت�سدي لإرادة الهيمنة الظافرة، ويعد الدين يف

ال�ستعمارية الدوائر تبداأ التي الثقافية الرموز طليعة

بخلخلة العتقادات حول تعاليمه، متهيدا لإفراغه من

امل�سامني التحررية و الإمدادية، ذلك اأن الدين لي�س

عن�سرا من عنا�سر الثقافة فقط، اإمنا هو النقطة املركزية

ميكن ل اإذ برمتها، الثقافية العنا�سر ت�سنع التي

ما بقدر للعامل، الإدراكية بالروؤية اإمداده يف اختزاله

هو منظومة من الطقو�س الجتماعية التي توطد �سبكة

العالقات الجتماعية ومتنح للوجود معنى، وللعالقات

تذهب وعندما ح�ساريا، دورا اأو وظيفة الجتماعية

هذه طم�س مبتغاها فاإن هنا، اإىل ال�ستعمار اإرادة

متنح طاقة اأية من واإفراغه للدين ربة التحر الوظيفة

الإن�سان امل�ستعمر همة املناه�سة والت�سدي.

الثقافية اخل�سو�سيات حمو اإرادة اإن فنقول، نلخ�س

التي اأتقنتها كونية احلداثة الغربية جتد مربرها اجلوهري

وجتفيف والقوة، املعنى منابع وجتفيف توقيف يف

ميتلك الذي ثقافيا، املختلف الآخر الوجود اإمكانية

�سيد املعنوي من القيم التي يتمثلها وميالأ بها العامل الر

باملعنى والأر�س باخلري.

هذا فيما هو مو�سول، باملرحلة التقليدية من ال�ستعمار،

اإلغاء نحو ال�سعي فاإن الكوين، العوملة واقع يف اأما

عن�سر اخل�سو�سية مب�سامينه املركبة : العقلية واملقد�سة،

يف م�ستوى فهم الإن�سان وبيان طبيعته الأ�سلية، فاملراد

منه حتوير املفاهيم وقلب الت�سورات من اأجل واقع اآخر

الواحد، البعد ذو والإن�سان ال�سوق وحدانية ا�سمه

واأي�سا يف:

اإطالق ت�سمية حرية على اقت�ساد �سوق بدون حدود

كمنظم وحيد للعالقات الإن�سانية.

التزايد امل�ستمر يف القوى م على تقد واإطالق ت�سمية

التقنية والعلمية لل�سيطرة على الطبيعة والب�سر.

لالإنتاج الهوجاء الزيادة على منو ت�سمية واإطــالق

. )16(

وال�ستهالك

اخل�سو�سيات بتدمري القول مربرات اإذن، هي هذه

كونية م�سروع واملتجلي يف امل�ستبطن ال�سعار املحلية،

)15( �سيد نقيب العطا�س، مداخالت فل�سفية يف الإ�سالم والعلمانية، ترجمة حممد طاهر مي�ساوي، املعهد العايل العاملي للفكر واحل�سارة الإ�سالمية، دار ماليزيا، الأردن:

دار الفجر، دار النفائ�س، �س 163.

)16( روجي غارودي، الوليات املتحدة الأمريكية طليعة النحطاط، مرجع �سابق، �س 120. )الت�سديد من املوؤلف(.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت نقد إرادة الكونية

اخل�سو�سيات حمو اإرادة اإن

الثقافية التي اأتقنتها كونية احلداثة

اجلوهري مربرها جتد الغربية

والقوة، املعنى منابع جتفيف يف

الآخر الوجود اإمكانية وجتفيف

املختلف ثقافيا.

134

ول الثقافية و�سيات باخل�س ياأبه ل الذي احلداثة،

ية حر اإنها للعامل، التاأويلي منوذجه مقام يف يجعلها

ح�ساب على اجل�سد ومنو التقهقر، وتقدم العبيد،

يف اإل يوجد ل احلقيقي النمو اإن واملفارقة. الإميانية

كافة تنمو الذي املركب، املتعدد الإن�سان الإن�سان،

اإن�سان الكونية التنمية، قواه اخلالقة، وتتوازن يف هذه

حيث من ينمو ومل اجل�سمية، قوته حيث من منى

الفكرية بالجتهادات دفع ما والعقلية. الروحية قواه

املعا�سرة الإح�سا�س باحلاجة اإىل تاأ�سي�س الأ�س�س من

احلاجة هذه اأي�سا، جديد من املعايري وو�سع جديد،

مركبة بني املقاومة والثورة يف هذه الأ�س�س، لأن كنور

العامل القدمي الدينية قد زحف املوت نحوها، ويو�سك

ت�سدعت اجلديد العامل واأ�س�س اإليها، ي�سل اأن

جدرانها التاأويلية ومل تعد قادرة على القيام والنهو�س

حتى قــادرة غري اإنها للم�سوغات، فقدانها ب�سبب

على مراجعة ذاتها، ت�سبه ال�سري اجلارف الذي انطلق

اأجل من واحدة حلظة التوقف على يقوى يعد ومل

التفكري، اإنها تخ�سى حتى التفكري يف م�سريها، واإدغار

مورانEdgar Morin ، يف م�ساءلته عن وجهة �سري

العامل، طور فكرة الأ�س�س التي تعني:

. تاأ�سي�س بوؤر املقاومة بكل ثقافة �ستكون يف الوقت نف�سه بوؤر انطالقة ثقافة جديدة .

. تاأ�سي�س ن�سيج جنيني من العالقات الجتماعية اجلديدة ومن عالقات حياة مغايرة.

. تاأ�سي�س جتمعات البحث، حيث يتم بذل جمهود من باتر وغري مبتور/ غري فكر مبادئ بلورة قد كبري

.)17(

اأجل فهم عاملنا، وزماننا وذواتنا

هو املمكن الأفق اأن مواربة دون ومن اإذن، لنقل

الأخرى، للح�سارات القيمية الثوابت اإمكانية جتديد

تفوقها من �سرعيتها ت�ستمد املهيمنة احل�سارة لأن

تردي اأن والثاين قيمها، قدا�سة من ولي�س املادي،

الأو�ساع القت�سادية للح�سارات الأخرى لي�س عامال

من عوامل فقدانها لدخول التاريخ، لأن قانون تداول

احل�سارات ميدها ب�سعة الأفق، ويوؤكد اأن امل�سروعية هي

لدوائر الناظمة العليا للقيم اأو الروحية، القيم ل�سرعة

عن املنف�سلة القت�سادية الوفرة ملعيار ولي�س احلياة،

ت�سديد القيم الإميانية التوجيهية، ف�سال عن اأن اخلروج

من نفق التخلف املظلم موقوف ح�سوله من جديد،

ب�سكل الروحية القيم منظومة اأي احلياة ن�سغ على

متوازن ومتكامل.

جتلى لنا، ا�ستح�سارا لتحاليلنا ال�سابقة، املتعلقة بر�سد

واقع الكونية العنيف، اأن هذا الواقع الكوين احلداثي

ل يعطي القيمة الفعلية للخ�سو�سيات الثقافية الأخرى

وقد احتقر �سرائعها القيمية، ونظمها الجتماعية ، ناهما

منوذجا الكوين، الغرب واقع ثقافة يف الإب�سار باإرادة

وجه اأو منوذجا باعتباره ولي�س واأقوم، واأ�سلم اأوحد

اأ�سكال ترتيب العامل و�سكل من تاأويل وجهات من

البيت العالئقي مع الذين يقعون �سمن دائرة الآخر

املختلف.

من اأجل هذا، وجب التفكري يف جتديد الكونية مفهوما

قيم من وقيمة ح�سارية، وف�سيف�ساء عالئقيا، ون�سقا

العي�س يف وفاق مع كافة النا�س على الأر�س، والكونية

وبيان عر�سها التحليلي املقام هذا يف نروم التي

التي اخل�سو�سية مع تتعار�س ل ونتائجها، مرتكزاتها

اإليها، بقدر ما تتعار�س مع واقع الكونية الذي ننتمي

عن الغرتاب نعاين وب�سببه ف�سائه، ن�سكن يف نحن

نقد إرادة الكونيةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

اإن النمو احلقيقي ل يوجد اإل يف

الإن�سان، الإن�سان املتعدد املركب،

اخلالقة، قواه كافة تنمو الذي

وتتوازن يف هذه التنمية.

)17( اإدغار موران، اإىل اأين ي�سري العامل، ترجمة اأحمد العلمي، بريوت : الدار العربية للعلوم، 2009، �س 84.18

135 العدد األول، ربيع 2013

منابع حياتنا، ونظام قيمنا ومفاهيمنا عن العامل حولنا.

التالقي وممكنات الكونية اأو الإ�سكال اآفاق خامتة

والتعارف:

اإذا كان واقع الكونية كما جرى ت�سقيقه يف التحاليل

ال�سابقة، اأي : كونية اإرادة القوة والنف�سال عن القيمة

اجلوهري امللمح فاإن الثقافية، اخل�سو�سيات وتدمري

نداءات اإىل الركون املختلفة، وعدم الدروب هو �سق

»وحدة التاريخ الب�سري« و»عاملية احل�سارة« و»الإن�سانية

الواحدة «، لأن من موا�سفات »مبداإ الكونية«: تالقي

اخل�سو�سيات وتوا�سجها يف ف�سيف�ساء ح�سارية، تقدم

الختاليف املق�سد هذا ويجد جليلة، جمالية �سورة

اأ�سله يف حقيقة العالقة بني الثقافات، فهي مبا تخت�س

به، من عوائد وفنون ونظم اجتماعية خمتلفة، و�سلوكات

اإىل م�سمومة يجعلها اأي�سا، خمتلفة تعبريية واأ�سكال

اإذا عرثنا على اأما ولي�ست منحلة يف غريها، بع�سها،

والحتواء، بالتبعية له يدان اأن يراد واحد ثقايف منط

فاإن هذه لي�ست من الكونية يف �سيء، اإذ الكونية تعرب

عن القيمة العليا التي ت�سدد اأمم الأر�س نحو التفاق

فيما بينها، وما جاء اآنفا، هو وجود خ�سو�سية اأمة بعينها

عممت على الأمم الأخرى.

من هنا، ثمة معيار كوين ن�ستخرجه من التحليل املعريف

يق�سي املعيار هذا وال�سلوكات، والذهنيات للظواهر

فل�سفية لها مدلولت »اخل�سو�سية �سمة ح�سارية باأن

�سرورة اإىل تدعو واخل�سو�سية عميقة... و�سيا�سية

ل والعاملية، الإن�سانية احل�سارات كل على النفتاح

على احل�سارة الغربية وحدها، واأن ننهل من معني كل

احل�سارات، هذا على عك�س ما يرى دعاة القانون العام

يدورون يف فهم اخل�سو�سية، ينكرون الذين والعوملة،

على احلق والنفتاح الغربية وحدها، احل�سارة حميط

يدعمها، اإنه بل اخل�سو�سية، فقدان يعني ل العامل

لأننا حينما ندرك تنوع النماذج احل�سارية الالمتناهية،

الغربي، للنموذج خ�سوعنا مــدى �سنكت�سف

احل�سارية لغتنا لنا تكون اأن اإمكانية و�سنكت�سف

.)18(

اخلا�سة «

مبداأ على الرتكاز لنا الأقــوم من اأنه اإذن، جلي

الختالف مع واقع الكونية، ومبداأ ت�سغيل اخل�سو�سية

ك�سمة ح�سارية واأداة نراهن عليها من اأجل الت�سال

احل�سارية الختالفات وجدت فما الكونية، مبداإ مع

والثقافية واللغوية؛ اإل بق�سد التعارف والتكامل.

)18( عبد الوهاب امل�سريي، الهوية واحلركية ال�سالمية، مرجع �سابق، �س 143.19

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت نقد إرادة الكونية

136

عليها نقيم التي الأر�س تتحول اأن هي

فيها يعي�س الذي والإن�سان وطن، اإىل

وي�سارك يف �سوغ حياتها اإىل مواطن، ويوثق هذا الواقع

املواطن م�ساركة اأي املواطنة، هي تلك د�ستور، يف

نظرة تكوين له يتيح ما القرارات، �سنع يف الأ�سيل

متوازنة اإىل ذاته وبلده و�سركائه يف �سفة املواطنة، على

اأ�سا�س امل�ساواة يف احلقوق والواجبات.

الياأ�س تعميم يف احلياة، اأعداء الأ�سرار، يجتهد اإذ

مبا هي معنى اأبناء احلياة من احلياة، لي�ستاأثروا ومينعوا

اأو نعمة ل يختزلها اخلبز.. بل ت�سارعها احلرية.. يجتهد

مكوناتهم عمارة يف يعت�سمون فيمانعون، الأخيار

واأفكارا، يعيدون بناء رجائهم واإرادتهم الأ�سلية، قيما

يف وتزهر الرحمن من تبداأ التي �سروطها، على

يف خال�سة لت�سرتيح الإن�سان من تبداأ اأو الإن�سان،

كنف الرحمن.

ولعله اأمل، فليكن اأمال، لأن الر�سوليني حمبي الر�سل

ومعهم م�ستثمريهم نقي�س اأو غري وهم واأحباءهم،

بر�سالة ولكن ر�سل، دون من اأو بر�سل النا�س حمبو

ة الدولة املدني

على اأ�سا�س املواطنة

هاني فحص*

يفرت�س اأن يتقبلها الر�سل ، لأن الإن�سان هو املق�سد،

قال ما على البيت، اإىل الطريق من اأهم والبيت

حممود دروي�س. هوؤلء جميعا واأحب اأن اأكون منهم،

ملزمون وملتزمون بالأمل، لعله اأمل لي�س يتيما، ولكنه

قد يكون �ساقا، يف هذا املناخ الذي يعمل عاملون من

والفقر الإحباط معه لي�سود وي�سود ي�سوء اأن اأجل

يكون اأن ي�سبه مبا وال�ستتباع، وال�ستحواذ واجلهل

ا�سرتقاقا ح�ساريا �سامال، اأمل اآخر اأن نلتقي منهمكني

اإمياننا دمنا وحربنا، من معريف من م�ستح�سر برتكيب

باهلل وحبنا لعياله، من توحيدنا ونزوعنا اإىل حتقيق معادله

يف الوحدة، ومن وحدتنا �سابطا لختالفنا، واختالفنا

لعل الدائم، وتثاقفنا وتعارفنا واإبداعنا حلوارنا ف�ساء

هذا املركب ي�سيء لنا ما تبقى مبهما من حقيقتنا اأو

ما تراكمت عليه اجلهالة املتبادلة فاأخفته، اأو ما هو اآخذ

نتقي موؤن�سة اأو املتواتر من حقائق جديدة الظهور يف

وح�ستها التي تت�سرب بع�س مالحمها بني ربيع عربي

واآخر، باملعرفة الهادفة، ون�ستحق اأن�سها بتبادل املعارف

وتداول احلقائق والقول باحلق الن�سبي دائما.

مواجعنا على ن�ستيقظ عندما اأننا كيف ترون، األ

*مفكر من لبنان.

املواطنة

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

137 العدد األول، ربيع 2013

ت�سبح الوطن، يف �سراكتنا نبدع امل�سروعة، واأحالمنا

الآخرين؛ على مطالت منا جماعة كل خ�سائ�س

الرحبة امل�سرتكات عن �سارف ي�سرفنا وعندما

واخل�سائ�س اجلميلة جمال ال�سرورة واحلرية داخلتني

الإلغاء، ونتبادل التقابل نرتكب اجلميل، اجلدل يف

ت�سبح اخل�سائ�س كهوفا و�سجونا رطبة ومعتمة، منار�س

يف اأقبيتها ودهاليزها حموا للذات يف الآخر والآخر يف

لة؟! اأي للذات بالذات يف الذات يف املح�س الذات،

يف اتكاأت اإن معذرة ليل!!! حاطبو وكاأننا نغدو

بعينه، دين اإىل اأنتمي باأنني ح ي�سر ما على مقالتي

اإن بالقبول. طمعا التخلي اإىل مدعوين غري كنا واإن

ذلك لن يكون مق�سودا من قبلي، بل هو اإيحاء متعمد

باأين اآتيكم كما اأنا، ول اأرغب اأن اأراكم اإل كما اأنتم،

الطائفي، انتمائي على للدللة كافية قيافتي اأن على

كعن�سر يدخل بل املركبة هويتي يختزل ل والذي

فيها ، يح�سر .. ولكنه ل يح�سر دائما واإن ح�سر فاإنه

ل يعطل العنا�سر الأخرى ، واإن كانت امل�سوح مت�سح

حمتوياتها يف كثري من الأحيان، فاإننا متعاقدون �سمنا

على تغليب امل�سمون الواحد على الأ�سكال املتعددة،

تنوع تقت�سي بل متنع، ل امل�سمون وحدة كانت واإن

من جزءا يكون كي مدعو فال�سكل اإذن التجليات.

امل�سمون، وامل�سمون ملزم باإغراء ال�سكل بذلك. ومن

اأن نحفر اأو كيان ، اإميان ووطن هنا فاإن ق�سارانا كاأهل

بالآخر، اأحدنا يلتب�س اأن اأي بيننا، اللتبا�س عوامل

يف الآخر يدخل اأن اأي لذاتياته، هجران دون من

قد الذات لتكون وتعينها، وتعيينها الذات تعريف

دخلت يف تعريف الآخر، وحينئذ ي�سح لنا اأن ندعي

هذا بعد منا ولكل وعا�سمنا، جامعنا التوحيد باأن

وخ�سائ�سه، ذاتياته اإىل يعود اأن اجلميل، اللتبا�س

يكون اأن اأو لتعددنا، اإلغاء وحدتنا تكون ل حتى

تعددنا هدما لعمارتنا، اإذن نف�سل وتذهب ريحنا.. ومن

دون وحدة رحبة وخ�سبة، اأنى لنا اأن نكدح اإىل الواحد

اأو نالقيه؟ غري اأن احل�سيف العارف بلحن اخلطاب، لن

وحاجة رغبة من ياأتي اإجنيليا اإيقاعا يعدم يف كالمي

كل بالأحياء، امل�سروطة امل�سروطة، احلياة على ودربة

اأن حني يف فيحيونك، فيك يحيون الذين الأحياء

تقييد احلياة باجلماعة الإثنية اأو املذهبية اأو ال�سيا�سية،

هو اإفقار لها من الرواء واحليوية وجتفيف ملنابع الإبداع..

دعاهم الذين املوؤمنني �سلك يف نف�سي اأ�سلك واأنا

حد على والآخــرة الدنيا يف يحييهم ما اإىل القراآن

ا�ستجيبوا اآمنوا الذين اأيها »يا طبعا وبال�سرورة �سواء

)يوحنا(: ومن يحييكم« ملا دعاكم اإذا وللر�سول هلل

»اأما اأنا فقد اأتيت لتكون لهم احلياة وتكون لهم بوفرة«

ننجزه اإذا مل تكن م�سروعا الدنيا؟ واإل فلماذا كانت

معا، واإذا ما كانت اآخرتي فردية، اأي خال�سي »ل تزر

وازرة وزر اأخرى« »كفى بنف�سك اليوم عليك ح�سيبا«

الآمن اإليها حمفوف بالآخر والآخرين، كل فاإن املمر

يف الأخ من اخللق كل اهلل، عيال باخللق الآخرين،

الدين اإىل النظري يف اخللق، كما يف ن�س نهج البالغة

فيما مفا�سلة دون من م�ساواة بالواو يعطف الذي

احلاكم... على املحكوم حق من ذلك على يرتتب

هذه الإن�سانية اأو الأن�سنة، تغريني بالعرتاف باأين، يف

حلظة يقظة ، وجدتني ملزما باحلد من تديني، اأي من

يف، يف تطبيق الأحكام ال�سرعية يف اأو احلر

الت�سدد احلر

مني على ديني، يت�سدد، حر�سا نبذ من ل اأو واإدانة

اأين م�سطر اىل احلد من الدين، كما انتمائي اىل اأي

الركون التمامي اإىل منظومتي العقدية الدينية، حر�سا

حلدود العابر اأي الكبري، الإميان ف�ساء يف موقع على

الأديان ، الذاهب اإىل اهلل والإن�سان، اأو الذاهب اإىل اهلل

من الإن�سان ومن اأجله، اأي من اأجل الإن�سان، ل من

اأجل اهلل املتفق اأنه غني عن العاملني .. ذلك الف�ساء

املوؤمنني، مع لالجتماع الوحيدة الفر�سة هو الرحب

وقد باحلب، العامرة القلوب ذوي اأي املوؤمنني، كل

يتورطون اأو يورطهم اأحد بالكراهية، ولكنهم �سرعان ما

يتوبون .. ول اأ�ستثني اإل من ي�ستثنون اأنف�سهم، اأي قلة

من الب�سر الظاملني، والذين مهما يكرثوا، يبقوا ا�ستثناء

.. ومن اأ�سباب ح�سرتي، اإين ق�سيت �سطرا من عمري

مري�سا عن طريق العدوى، بال�سعور باأين متفوق دينيا

الدين الآخر واأف�سل عند اهلل، من الآخر، يف واأقوى

واإخواين واأ�ساتذتي رفاقي حتى الآخر، املذهب اأو

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت الدولة املدنية على أساس املواطنة

138

بحذافريها، ال�سريعة اأحكام اأطبق لأين واأبي، واأمي

اأو بحروفها، حتى حروف العلة واجلر والن�سب ف�سال

اأن لأكت�سف للحقيقة، م�سيعة هو الذي اجلزم عن

العلم من دون الآخر ، اأي من دون قلب، اأي من دون

احلب، لي�س علما، بل هو اأجهل اجلهل، بل واإن العقل

من دون قلب لي�س عقال .. وتيقنت اأين كنت اأطبق

اأحكامي ل اأحكام اهلل الذي خلقنا خمتلفني راأفة بنا،

اأكملت حجتي قد بهذا اأكون هل .. نتكامل ولكي

وعبور املعريف لل�سفر اختياري �سواب على ودليلي

اأي الإميان، اأي الدين، يف املعنى معنى نحو احلدود

الإن�سان؟ اأرجو ذلك، واأرجو اأن تكون هذه الـ)ل( يف

التوحيد ذاهبة لـ)ل( معادلة )1(

)موؤمنون بال حدود(

اإىل معناها الأ�سمى يف كل م�سمياته .. واأ�ستذكر املاأثور

عن الر�سول )�س( : »بع�سكم ي�سلي وي�سوم ويزكي

ويحج ، اأكرث من بع�س ، ولكن اأقواكم اإميانا ، اأكرثكم

معرفة«.

كاأين األتم�س اأو اأتلم�س معنى املواطنة حتت اأو خلف

اأو يف عمق �سيغتها النظرية اأو الروحية ؟ بلى.. واإذا ما

كنا من اأهل الروح، اأي اأن الروح هي الأوىل يف ناظمنا

ل ل�ساأنه واإعالء للج�سد رعاية كينونتنا، يف الكوين،

يف

الروحي با�ستبيان دوما ملتزمون فاإننا منه، حطا

املادي »كان يف مكة حجر يكلمني وي�سلم علي« و»اإذا

بح�سب وميكن تنطق« �سوف احلجارة فاإن م متـ �س

احلجارة فاإن لإبراهيم بنوتنا نح�سن مل اإن الإجنيل

ففي اإذن.. البنوة. هذه واأعباء �سرف لتحمل جاهزة

اإىل املادي رفع ينبغي اأو ميكن وتوحد، توحيد حلظة

الثابت عن بحثا املادي جتريد اأي الروحي، م�ساف

اأو اجلوهري يف معناه، ويف الوقت ذاته ميكن اأو ينبغي

ومتثله بتمثيله اأي العيان، بتنزيله على الروحي اأن�سنة

هنا.. امللمو�س.. يف ،

اليومي يف والعالئق، احلياة يف

اأو ت�سكنه، ما ل ي�سكنك ما هو الوطن ي�سبح مثال

اأنك ت�سكنه في�سكنك. »رعته الفيايف بعد ما كان حقبة

من ذواتنا نعفي ل متام.. حتى اأبو يقول كما رعاها«

والأحباب، والأهل والهواء واملاء الرتاب م�ستحقات

وي�سعنا ن�سعه حيث لنا يكون اأي نتحيث، حتى

الذين الب�سر اأن طاملا فيه، اأنف�سنا ونحمي فنحميه

بع�سهم يغ�سي اأو اأغ�سى قد النجدين، اهلل هداهم

اأو كثري منهم عن جادة اخلري، فيعتدي ويغزو ويحتل

وي�ستعمر ويطرد ويق�سي ويلغي اأو ي�سادر، يقتل الروح

ترد اأن تفدي، اأن املواطن معنى فمن اإذن واجل�سد..

العنف، اأما عندما ي�سبح الوطن عقارا، فاإنه قد يهون،

�سافيا، ووطن مري�س هو وطن للمر�س، ل يعود عقارا

املكان وكما واملواطن، الوطن بني جدل والعافية

باملكني فاإن املكني باملكان »ال�سم�س اأجمل يف بالدي

من �سواها، والظالم...حتى الظالم، هناك اأجمل، فهو

يحت�سن العراق« )ال�سياب(.

يطمئن الوطن اإذ يطمئن املواطن، ويطمئن املواطن اإذ

يطمئن الوطن. كيف يطمئن الوطن الواحد اإذا ما �سار

اثنني اأو اأكرث؟ ومن اأين ياأتي وجع اجلرح؟ األي�س من

كان اأعمق اجلرح كان وكلما اثنني، الواحد �سريورة

الوجع اأوجع وكان الربء اأ�سعب واأبعد.. »اأفهمت عذاب

�سم�س ال�سطاآن« )حممد علي عنه اغرتبت اإذا النهر

الب�سر، املواطنني اأو املواطنني الب�سر اأن غري الدين(،

اأهل م�ساعر وخماوف ومطامح ومطامع ونوايا ح�سنة قد

ت�سوء و�سيئة قد حت�سن، وم�سارب وح�سا�سيات ومنا�سئ

و�ساللت وجهات واأقوام واأديان وعالئق ومذاهب

واأ�سواق و�سهوات ورغائب وغرائز واأمزجة وعواطف

ولذلك خمتلفني.. يزالون ول ــالم.. واأح ــام واأوه

خلقهم".. اإىل م�سرتكاتهم الإميانية والإن�سانية الوا�سعة،

ولكنها لي�ست مرتوكة لت�ستغل وحدها، ولذلك اأر�سل

ملا دونهم من ت�ستقيم الأمور كانت ولو الر�سل، اهلل

الإن�سان خلق من �سكوى هذه ولي�ست اأر�سلهم..

وخلقه، اإذ لول هذا اجلدل الدائم بني اخلري وال�سر، بني

احلركة وتعطلت ال�سكون ل�ساد واملختلف، املختلف

)1( موؤ�س�سة نا�سطة حديثا ا�ست�سافت الكاتب يف موؤمتر فكري لها يف )املحمدية( – املغرب – بني 25 و27 اأيار 2013 .

الدولة املدنية على أساس املواطنةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

139 العدد األول، ربيع 2013

والإبداع وبطل الثواب والعقاب.. اأي اختلت منظومة

القيم لختالل القانون اأو اختل القانون لختاللها ..

دائما؟ ناجع اأو ناجح حل من وهل احلل؟ فما اإذن

كل حل يحتاج اإىل حل اآخر، على اأن يكون هاج�س

احلل هو الختيار الدائم اأو التظهري الدائم لنوازع اخلري

ودوافعه، وتغليبها من دون عنف مبا�سر اأو غري مبا�سر،

اإبطال للعقاب العادل وللق�سا�س مبا فيه من من دون

حياة.. اإذن فالقانون.. احلق، هو ن�ساب املواطنة، التي

تتيح للكل اأن يحيا بالكل يف الكل وللكل.. القانون..

احلق، املواطنة.. اأي الدولة.. والتحدي الأعظم لدولتنا

انطالقا من كونها �سرورة اأن متار�س دورها احلديثة هو

اجتماع له اأو عليه اأن يحولها من �سيدة اإىل اأجرية، جتد

ل�سيادتها، اأجارتها جمال وحيدا اأداء الواجب من يف

جهة من تاأتي الطوعية وال�سيادة الطوعية، �سيادتها

امللتزمة الأجرية الدولة اأن اأي قناعته، من املحكوم،

بعقد اإجارتها ي�سبح قمعها مدخال مطلوبا ومقبول اإىل

�سيادتها.. واإذا ما كانت املواطنة هي التي ترقى بحالنا

من القبول بالتعدد على م�س�س ريثما.. اإىل رفعه اإىل

م�ستوى الأطروحة احل�سارية و�سرورة الوجود والعقل

واحل�سور، فاإن الدولة يف تكييفها املدين على موجبات

قانونية، تنتقل بهذه الدولة من اإطار املعتاد يف �سلوكنا

معها، بتاأثري من �سلوكها مع نف�سها ومعنا، اأي من املراوغة

واملفا�سلة الزبائنية ، اإىل اإطار نراها من خالله فينا وترانا

الق�سور ا�ستبعاد متع�سف لحتمالت فيها، من دون

تتيحه الذي احلرية، �سرط مي�سي وهنا التق�سري، اأو

ت�سديدا التبادلية، للعالقة حافظا حتفظه، او الدولة،

حا�سنة، لأنها اجلامعة والدولة املواطن بني ونقدا،

والعادلة عادلة لأنها والقادرة جامعة لأنها واحلا�سنة،

لأنها قادرة. األي�س من اأهم م�سكالتنا مع دولتنا احلديثة

اأغرت هنا ومن اجلامع؟ دورها اأداء يف رت ق�س اأنها

والأديان املذاهب فاإذا الجتماع، بعدم اجتماعنا

الأهلية واملوؤ�س�سات عموما، واجلماعات والطوائف

دائما ومفتوحة الكيانات يف كيانات املدنية، وحتى

الفرعية الكينونات من املزيد على اأي التكرث، على

اأو املخرتعة اأو املتحققة اخل�سو�سيات مقت�سى على

املتوهمة اأو امل�سخمة، األ ترون اإىل اأن هناك من يدققون

عليها ليوؤ�س�سوا خالفاتنا، وي�ستغلون اختالفاتنا يف

ن�سارف حلظة كل يف اإ�سافية، �سراعات اأو خالفات

ر والتقدم والنهو�س والوفاق فيها على التحرير والتحر

والت�سامن والتكامل والتنمية الناجعة.

اإن الدولة املعا�سرة، من دون خطاأ اعتبار املا�سي مثال

املا�سويني، ناجزا، كما يحلو لالأ�سوليني الإ�سالميني،

امل�ستقبل، في�ستدبرون املا�سي ي�ستقبلون الذين

اعتبار خطاأ دون ومن بالآخر، منهما كال ويقتلون

احلداثة اأو التحديث قطعا اأو بتا مع الذاكرة اأو املوروث،

الذي يحتاج اإىل نقد منهجي من دون �سك، اأي من

دون افتعال معركة �سارية و�ساملة بني الثابت واملتغري،

هذه الدولة رمبا كانت كفيلة بتحويل املواطنة من �سعار

اإىل واقع احتياطا من الوقيعة، ول اأعتقد اأن هناك جمال

اأن اإل وتقدمنا، الداخلي و�سالمنا ونهو�سنا رنا لتحر

نعود اإىل ت�سغيل اأواليات اجتماعنا، وهي ل ت�ستغل اإل

على فر�سية ح�سارية واإن�سانية قد تكون بالغة ال�سعوبة،

ولكنها هي احلل الذي يح�سننا من ال�ستحواذ علينا

ا�ستخدام احتمال من ذلك يعني مبا اأخــرى، مرة

اإعادة يف ، واحلرية باخلبز املهجو�س العربي الربيع

اإنتاج الإ�ستبداد والف�ساد .. ومب�ساعدة العامل احلر مرة

اأخرى ول�سالح نظام م�ساحله غري امل�سرتكة بيننا وبينه

، والتي يحتاج حتريرها اإىل روؤية م�سرتكة تو�سع جمال

التبادل بني املعرفة والرثوة . هذا مناخ يتيح لنا اأن نعود

مو�سوعي معادل الوحدة مبا هي توحيد ووحدة اأهل

اكت�ساف من ذلك يقت�سي ومبا للتوحيد، وتاريخي

اجلوامع بني املختلفات... بذلك تكف املواطنة عن اأن

اأي جماعة موؤ�س�سة اأو اأو املذهب تكون بديال للدين

على م�سرتكات موروثة اأو م�ستجدة، ويكف الدين اأو

املذاهب اأو اجلماعة الأهلية اأو املدنية بديال للدولة اأو

للوطن، لأن يف ذلك اإفراغا للوطن من مواطنيه، ومن

دون مواطنة قائمة على احلق والقانون والعدل واملحبة،

ي�سبح الوطن مفهوما اأو مكانا باردا وياب�سا، ي�سبح فراغا

وي�سهل التنازل عنه اأو ن�سيانه.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت الدولة املدنية على أساس املواطنة

140

اأكرث اأمام مو�سوع املواطنة وكاأين اأ�سعر اأدري ملاذا ل

رجل األأنني الآخرين؟ من كثري من للحرج �سا تعر

دين م�سلم؟ والإ�سالم ال�سيا�سي مطروح الآن اأكرث من

الإ�سالم اأن يعني مبا احلل. اأنه على وقت م�سى اأي

يجعل وقد اإ�سالمية، دولة م�سروع يحمل ال�سيا�سي

م�ستبعدا. اأمــرا وقانوين، عالئقي كناظم املواطنة

ح�سنا... ولكن املواطنة اإذا ما كانت اأطروحتنا امل�سرتكة

الوحدة يف الكرثة يحفظ لتعددنا، كناظم واملعا�سرة

ون�سو�سنا الدين اأدبياتنا يف فاإن الكرثة، والوحدة يف

التاأ�سي�سية، ت�سيء لنا امل�سار وامل�سري واملثال من خالل

مكا�سفتها لنا بروؤيتها الكا�سفة للتكوين يف نظام الكون

والإن�سان القائم على الختالف واحلوار �سرطا للوجود

تتعدى التي واحلياة والتجدد، والتجديد واحل�سور

�سكل الكينونة يف دنيا اأو وطن اإىل معنى احلياة ومعنى

الدنيا والدينونة والوطن.

واأنثى وجعلناكم اإنا خلقناكم من ذكر النا�س اأيها »يا

�سعوبا وقبائل لتعارفوا«، ويف يوحنا عن قيافا اأنه »تنباأ اأن

ي�سوع �سيموت عن الأمة، ولي�س عن الأمة فقط، بل

قني«.ليجمع اأي�سا يف الوحدة اأبناء الرب املتفر

قناعتي امل�ستندة اإىل الن�س الديني وامل�سلك التاريخي،

اأنه لي�س هناك و�سف اأو اقرتاح لدولة دينية يف الن�س

التاأ�سي�سي ال�سالمي ، واإمنا هو و�سف ملجتمع تعددي

ر بظروفها حيوي وعادل، والدولة من �سروراته، التي تقد

اأ�سكال من �سكل باأي ربنا يتعبدنا ومل ، املتغرية

الدولة ، ول تعبد اأ�سال يف جمالت التدبري اأو احلقوق،

الديني، والواجب احلرام جمال يف حم�سور والتعبد

اأي التكليف، اأي العبادة، ل العمل، ومن هنا ل تبقى

بل هي للن�س الإمامة- جمال –على عك�س الدولة

اأن يكون بد ليكون عقال، ل ، الذي ، للعقل جمال

متغريا ، اأي مطابقا للمتغريات يف احلياة واملعرفة . ومن

هنا فالدولة ب�سكلها احلديث، كما يف اإيران، على نقد

احلداثة و�سفتها كما دولة حديثة هي لالأداء، �سديد

الأوروبية .. ولي�ست دولة دينية ، بل هي دولة وطنية

الفقيه _اأي مركزة ويف د�ستورها الذي ت�سكل ولية

والد�ساتري القوانني روح تخفى ل ، عماده الدولة-

الغربية احلديثة والعلمانية ، ول بد من التذكري هنا باأن

)امل�سروطة( الد�ستورية احلركة اأنتجته الذي الد�ستور

كان ما مع متناغمة املا�سي القرن اأوائل اإيران يف يف

على م�سدريا مرتكزا كان قد ، ا�سطمبول يف يجري

وفقهاء . 1851 عام املكتوب البلجيكي الد�ستور

الإ�سالم املتقدمون علما وروؤية ل يكفون عن تذكرينا

باأن اأكرث اأحكامنا ال�سرعية هي اإم�سائية .. اإي اإم�ساء

معدل اأو غري معدل ل�سرع من قبلنا.

�سيعية بنكهة اإ�سالمية جمتمعية ثقافة ذات واإيران،

غاية لي�ست وال�سرع والت�سيع فيها والإ�سالم ، قوية

بذاتها بل رافعة اجتماع واإرادة ، تخطئ وت�سيب ، لأن

معرفة الدين ب�سرية وخالفية وغري ملزمة ، لأن الإلزام

مبعرفة ما ، بالدين اأو غريه ، هو تعطيل للمعرفة .. امللزم

الوحيد يف احلياة هو القانون . وقد يتغري بل هو متغري.

حما�سبة ملنع املدعاة ال�سرع باإلهية التذرع يجوز ول

يف احلرية لإنقا�س ارتكابها حالة يف خا�سة ال�سلطة

اإيران اأو خارجها.

اإل مذهبية اأن تكون اأن الدولة الدينية ل ميكن على

مرجعية وهي وفقهية عقدية مذهبية مرجعيتها لأن

خالفية اإىل اأبعد احلدود ، فهي اإذن مقام تفرقة اأو مفارقة

ما على بناء م�ستبعدا ولي�س اجتماع. مقام والدين

ح�سل يف التاريخ اأن يكون الإغراء ال�سيا�سي بال�سلطة

�سببا لتحويل املذهب الواحد اىل مذاهب متقاتلة.

من هنا ت�سبح خطابات الوحدة يف الإ�سالم ال�سيا�سي

قوام هو املذهبي التع�سب لأن ولغية، خادعة

املذهبية الدولة اأن يعني ما .. ال�سيا�سي الإ�سالم

غريها من اأ�سر�س ا�ستبدادية اإل تكون لن ، ح�سرا

ي�سبحان من والف�ساد ال�ستبداد ف�سادا، لأن واأعمق

مقد�سات املذهبية، اأي اأن الرذائل تتحول اإىل ف�سائل

وهذا امل�سلك ل يتفق مع فكرة الدولة اأو دورها ؟

الدولة املدنية على أساس املواطنةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

141 العدد األول، ربيع 2013

من دون �سرف النظر عن الأحداث والوقائع ، خا�سة

)الربيعي(، والواعد جدا ال�سائك املف�سل هذا على

وجتاربنا م�ساربنا اختالف وعلى معا ننجز اأن يح�سن

وح�سا�سياتنا، جمموعة تفاهمات مفتوحة على الزيادة،

مقدمة لبناء دولة مدنية جامعة، ل تلغي نف�سها والدين

باإنتاجها امل�ستحيل له ، ول يلغيها الدين ويلغي نف�سه

ل التي الأفراد دولة اأعني .. لها امل�ستحيل باإنتاجه

بل بالطوائف فيها التدبريي اأو ال�سيا�سي ال�ساأن مير

ال�سيا�سي حقهم الدين رجال فيها وميار�س باأفرادها،

حماية �سرورة مع فقط... املواطنة كاملي كمواطنني

هذه الطوائف كمتحدات اجتماعية وثقافية اختيارية.

يجري ل املذهب اأو الدين اأن اعتبارنا يف اآخذين

اأو للفرد وحا�سنة فارقة فرعية كهوية ا�ستح�ساره

األ اجلامعة. الدولة فكرة تراجع مبقدار اإل الأفــراد

يعني هذا الكالم اأن التنوير الذي يوؤول اإىل دولة هو

وال�سرب.. وبال�سجاعة والدقة باحلكمة امل�سروط احلل

متاما كما هو القول باأن الدولة ل يتم اإجنازها وا�ستمرار

اإجنازها اإل مبا تتيحه من تنوير .. كاأن هناك عالقة �سببية

متبادلة ومتعاقبة بني الدولة والتنوير الذي ل ي�ستبعد

عنفا ما .. ولكنه عنف من اأجل الالعنف ، ورمبا كان

اأو اأو الإ�سطرار الذي ميكن تفاديه هو عنف ال�سرورة

اإن اأو ح�سره مبزيد من احلكمة واملعرفة.ختاما تقليله

جدا �سروري اإلهية و�سنة كوين كقانون الختالف

اأي ، بالوحدة للحياة واحليوية والتعدد الذي يكتمل

يف الف�ساء الرحب واجلامع ال�سابط واملرن ، والوحدة

بالعام اخلا�س حماية وتتيح التعدد يف تتجلى التي

التعدد وهذا الإختالف هذا باخلا�س، العام واإثراء

على ن�ساب الوحدة، ل ميكن احلفاظ عليه اإل بقناعة

�سرط الآخر باأن حا�سنة، دولة عليها تقوم را�سخة

ول وجودي، و�سرط معريف �سرط ، للذات �سروري

اأو م�س�س على بالآخر العرتاف ي�سرنا بل يكفينا

كاأمر واقع ، ولكي يكون مفيدا وح�ساريا، فاإنه ل بد اأن

يكون اأطروحة ، متكننا من اأن ننتج معا، وبال�سراكة مع

تتكافاأ ح�ساريا م�سروعا ، وهنالك وهناك هنا اجلميع

فيه موؤهالتنا وذاكراتنا النقية واأحالمنا.

اإن الأن�سنة الآن ودائما هي التي اإذا ا�ستاأثرت بعقولنا

الإختالف موقع من التكامل �سرف متنحنا وقلوبنا

و�سرف تعزيز الروح يف اأنظمة عالئقنا وحياتنا .

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت الدولة املدنية على أساس املواطنة

142

ل اليوم ال�سيا�سيني غالبية اأن القول نافلة

على حا�سلة اأكادميية نخب من ينحدرون

ينتجون الذين ومعظم ، عالية وثقافة مميز تكوين

كاف علمي زاد على يحوزون ل �سيا�سيا خطابا

وافتكاك املناورة يف خربة لهم واإمنا ال�سيا�سة، يف

ويعدون القرار، م�سادر على والهيمنة املواقع

اأنف�سهم غري حمتاجني اإىل املطالعة وتثقيف اأنف�سهم

تلويث ذلك عن ترتب وقد اجلمهور. ملخاطبة

وتوجهات ثورية غري مبمار�سات ال�سيا�سية احلياة

ال�سيا�سي التحزب من النا�س وتنفري اإ�سالحية

وتزييف احلقائق والتفنن يف اإطالق الوعود الكاذبة

وتغطية اجلماهري طموحات من التن�سل ويف

الواقع مبع�سول الكالم وجمل اإن�سائية رائعة و�سور

من قر�سنتها متت للتحقق، قابلة غري تخييلية،

املدينة الفا�سلة وجمهورية اأفالطون.

فن ال�سيا�سة

وح�سن التدبري

زهير اخلويلدي*

)1(» ال�سيا�سة عبارة عن بناء. وهي املكان املف�سل الذي ياأوي اجلميع على قدم امل�ساواة«

النتقايل الزمن هذا يف ال�سيا�سة تعاين هكذا

فهو الأول اأما اأ�سا�سيني: مر�سني من الع�سيب

نفور ال�سيا�سيني من احلكمة العملية والأخالق

وامليكافيلية الرباغماتية اىل وجنوحهم واللتزام

والقوة والكذب واملغالطة ال�سف�سطة وا�ستعمال

اجلماهري وا�ستغفال العنف على والتحري�س

ابتعاد هو الثاين واملر�س العقول. وا�ستباله

النا�س عن الفكرة اجلديدة ونفورهم من التحليل

العلمي والبحث العقالين واخلطاب الر�سني

وكرهم املاألوفة غري وامل�ساريع املو�سوعية واللغة

وتف�سيلهم املري�س الفكر نحو والتوجه التنظري

ال�سحفية الب�ساعة وا�ستهالك املبا�سرة املمار�سة

املاألوف اخلطاب وتلقي ال�سائد والراأي املتداولة

الب�سيط املمتنع والت�سور ال�سهل التحليل واإيثار

اأدت التي الأ�سباب هي فما لالأمور. ال�ساذج

من

*كاتب من تون�س.

)1( األن باديو ، ف�سل الي�سار، ترجمة عزيز لزرق ومنري احلجوجي، دار توبقال للن�سر، الطبعة الأوىل، 2011، �س.16.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

143 العدد األول، ربيع 2013

وخطاب اخلطاب �سيا�سة بني التباعد هذا اىل

ال�سيا�سة؟ ومن هو امل�سوؤول عن ذلك؟ هل الأمر

يرجع اىل غياب املثقفني عن ال�ساأن ال�سيا�سي، اأم

وكيف والفكر؟ الثقافة عن ال�سيا�سيني لعزوف

ال�سيا�سيني؟ تدجني من ال�سيا�سة انقاذ ميكن

ال�سيا�سة يف الفكري احلديث بني الفرق وما

تتحدد األ ال�سيا�سة؟ يف ال�سيا�سي واحلديث

ال�سيا�سة بالتدبري والعناية والتعقل وجودة الروؤية

وح�سن التمييز؟ وهل الحتماء بالتدبري والعناية

نابعة ثورية دللة املفهوم هذا ي�سحن باأن كفيل

لغة عبقرية مع ومتفقة الوطنية الثقافة روح من

ال�ساد؟

اأن مفهوم ال�سيا�سة اأن نبني حري بنا يف البداية

بالدللت مليء والغمو�س باللتبا�س م�سبع

ذلك ويعود مفارقات، عدة على حمتو واملعاين

، واإىل ح�سوره الالفت لنتمائه اىل عدة حقول

اأحوال على وتاأثريه املجالت، من جمموعة يف

الب�سر وم�سريهم. وقد جاء يف خمتار ال�سحاح اأن

يجاورها ما واأن )2(

الرعية« �سا�س « من ال�سيا�سة

الطعام يف يقع الذي الــدود وهو ال�سو�س هو

ل�سان ويف البيت، عليه يقوم الذي والأ�سا�س

العرب »�سا�س الأمر ي�سو�سه �سيا�سة اذا دبر الأمر

.)3(

فاأح�سن التدبري«

مبا بالأمر القيام ال�سيا�سة لفظ يفيد وبالتايل

تدبري على كذلك ويدل النا�س، حال ي�سلح

تعني عندنا فال�سيا�سة ، والدولة احلكم �سوؤون

ح�سن التدبري، وهي من اأجل الأعمال لأنها من

الرغم على وال�ساحلني والأولياء الأنبياء عمل

من اإمكانية بلوغ امل�ستبدين والفا�سدين اىل �سدة

احلكم وممار�ستهم الدهاء واملكر.

على تدل �سيا�سة كلمة فاإن املنطلق هذا من

نحو وتوجيهها معينة جمموعة ــور اأم ت�سيري

وحتقيق والتفاعل والتمدن والتعاون التنظيم

بني التوفيق مبحاولة وذلــك امل�سرتك، اخلري

ويف املتباينة، والنزاعات املختلفة التوجهات

نف�س الوقت تقت�سي تتتبع جملة من الإجراءات

امل�سرتكة، امل�سلحة حتقيق اأجل من والطرق،

من جملة ال�سيا�سي يتخذ الأ�سا�س هذا وعلى

التدابري الناجعة والقرارات احلا�سمة بغية توزيع

فرد كل التجاء ومينع املجتمع يف والنفوذ القوة

اىل ا�ستعمال قدرته لفر�س رغباته على فرد اآخر.

فن جعل لي�ست ال�سيا�سة علم و�سع هو هكذا

التنظيم ول ممكنا، التعددي الدميقراطي احلكم

هي بل فح�سب، تاما امل�سرتك للعي�س املدين

العمل على التوحد حول روؤية �سيا�سية متحررة

.)4(

من الهيمنة الثقافية والقانونية للدولة

بلفظ العرب حكماء يعني كان مــاذا لكن

باملجال الدليل حقله ارتبط وكيف ؟ التدبري

ال�سيا�سي؟

غني عن البيان اأن التدبري يكون بالعقل واملعرفة

والرفق اللني تقت�سي وال�سيا�سة والــرتوي،

وت�سبط ال�سدة، مو�سع يف ال�سدة مع والتاأين،

ح�سن على وحتر�س الــذات وحتفظ امل�سلحة

بالكيا�سة وتق�سي حاجاتهم النا�س باأمور القيام

والذكاء، وت�سون الأعرا�س وتنقاد للعدل وت�سرب

على الأذى وتطرح ال�سهوات وتوؤثر احل�سن من

وت�ستعمل الف�سائل من والإن�ساف اللذات

)2( حممد اإبن اأبي بكر الرازي، خمتار ال�سحاح، دار الكتب العلمية، بريوت، الطبعة الأوىل، 1994، �س.171.

)3( ابن املنظور، ل�سان العرب، ن�سخة حمملة.

)4( األن باديو ، ف�سل الي�سار، �س.22.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت فن السياسة وحسن التدبير

144

ومقاومة الظلم ورفع ال�سعيف لنجدة القوة

والإنتاج ال�سيطرة على الرتبية وتقدم الف�ساد

حتت من ي�سبط كيف لكن ال�ستهالك. على

يده من قد عجز عن �سبط نف�سه؟ األي�س املحكوم

ب�سهوات نف�سه فاقدا لأمر احلكم لغريه؟

اأمر لزم التدبري هو اأن ومما ل يحتاج اىل برهان

و�سيلة واأنــه للجميع، �سيا�سة خلق اأجل من

النا�س بني التفاوت مع�سلة يف للتفكري ناجعة

التي الأمرا�س يعالج واأنه والرتب، ال�سفات يف

والرثوات، الأمالك يف بينهم املفا�سلة تخلفها

وينت�سر والتظامل، والتحا�سد التناف�س ويعقلن

اىل العدل والق�سط والإن�ساف.

عليه يجري ما بتاأمل واأولهــم النا�س »واأحق

تدبري العامل من احلكمة وح�سن واإتقان ال�سيا�سة

تعاىل اهلل جعل الذين امللوك التدبري واأحكام

البالد تدبري وملكهم البالد اأزمة باأيديهم ذكره

�سيا�سة اإليهم وفو�س الربية اأمر وا�سرتعاهم

ال�سيا�سي تدبري يختلف األ لكن .)5(

الرعية«

ل�سوؤون النا�س عن تدبري اهلل لأمور خلقه؟ األي�س

ثمة فرق بني التدبري الإلهي والتدبري الإن�ساين؟

الدينية ال�سيا�سة مع القطع اىل ال�سبيل كيف

وبناء �سيا�سة مدنية؟

اإن ما هو هام يف ن�س ابن �سينا ال�سابق هو دعوته

ال�سيا�سي اىل �سرورة التحلي بالأخالق والت�سلح

والتك�سف التفكري وكــرثة والتنبه بالتيقظ

الركون جتنب مع والتقومي، والتعديل والفح�س

والثقة والإ�سفاق والتكفري والتعنيف وا�ست�سعار

تقلب عند وال�ستعداد الحرتاز و�سدة اخلوف

الأقدار بغية بلوغ ح�سن ال�سيا�سة والتدبري. غري

عن اجلوهر حيث من يختلف املدينة تدبري اأن

واأكرب وبيته، وخرجه ودخله نف�سه املرء تدبري

بكثري من تدبري الأهل، ويقت�سي اإحداث قطيعة

واملماثلة ال�سلطانية والأحكام املنزيل التدبري مع

بني اهلل وامللك الأر�سي.

»واأ�سرف الأمور التي يقال عليها التدبري هو تدبري

املدن وتدبري املنزل. واأما تدبري الإله للعامل فاإمنا هو

تدبري بوجه اآخر، بعيد الن�سبة عن اأقرب املعاين

ت�سبها به، وهذا هو التدبري املطلق، واأ�سرفها، لأنه

اإيجاد بينه وبني املظنون لل�سبه له تدبري اإمنا قيل

.وي�ستنتج ابن باجة من ذلك )6(

الإله تعاىل للعامل«

اأن التدبري على الإطالق هو العلم املدين والذي

والقت�ساد واحلرب اجل�سد يف بالرتتيب يعتني

والإدارة والق�ساء واملنزل.

وعالوة على ذلك كان اأبو ن�سر الفارابي قد عقد

ال�سلة بني التدبري والراأي وامل�سورة و�سيا�سة املرء

على مدين علم قيام اىل ودعا ولغريه، لذاته

العدل بقوله »ولبد للمرء من امل�ساورة مع غريه

يف اآرائه وتدبريه فينبغي اأن ي�ستودعها ذوي النبل

وكرب الهمة وعزة النف�س وذوي العقول والألباب

.)7(

فاإن اأمثالهم ل يذيعونها«

عند الراأي وكمال النظر �سداد اأن املراد غاية

ال�سائ�س �سدة يف غري اإفراط ولني يف غري اإهمال،

النا�س ي�سو�س من على يجب اأخرى وبعبارة

عند العقوبة تاأخري على يعمل اأن اأمرهم ويدبر

الغ�سب تاركا املجال للعفو وتعجيل املكافاأة عند

الإح�سان ت�سريعا بالطاعة ويتاأنى يف القرار واحلكم

)5( اإبن �سينا، يف التدبري، ن�سر ميدياكوم ، تون�س 1995.�س.26.

.13 - )6( اأبو بكر ابن ال�سائغ ابن باجة، تدبري املتوحد، دار �سريا�س للن�سر، �سبتمرب2009، �س.�س. 12

)7( اأبو ن�سر الفارابي، ر�سالة يف ال�سيا�سة، علي حممد اإ�سرب، دار التكوين، دم�سق، 2006. �س.77.

فن السياسة وحسن التدبير مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

145 العدد األول، ربيع 2013

ابتالء من له يحدث فيما وي�سرب امل�سري على

ويف�سح املجال لتقلبات الزمان وقدوم الأح�سن.

فهل يقدر املدبر الإن�ساين ل�سيا�سة النا�س بالفكر

املطلق الإلهي التدبري ي�ساهي اأن من والتعقل

بالعلم والقدرة على ترتيب العامل وتن�سيق ظواهر

بهذه الإن�سان يخت�س اأن ينبغي األ ؟ الكون

هو الإلهي التدبري وهل التدبري؟ من ال�سفة

ومتى الناق�س؟ هو الإن�ساين والتدبري الكامل

ت�سبح املدينة وجودا �سيا�سيا كامال؟

املراجع:

تون�س، ميدياكوم، ن�سر التدبري، يف �سينا، ابن -

.1995- ابن املنظور، ل�سان العرب، ن�سخة حمملة.

دار املتوحد، تدبري باجة، بن ال�سائغ بن بكر اأبو -

�سريا�س للن�سر، �سبتمرب 2009.

ال�سيا�سة، علي حممد ر�سالة يف الفارابي، ن�سر اأبو -

اإ�سرب، دار التكوين، دم�سق، 2006.

- األن باديو ، ف�سل الي�سار، ترجمة: عزيز لزرق ومنري

احلجوجي، دار توبقال للن�سر، الطبعة الأوىل، 2011.

دار ال�سحاح، خمتار الرازي، بكر اأبي بن حممد -

الكتب العلمية، بريوت، الطبعة الأوىل، 1994،

- كاتب فل�سفي

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت فن السياسة وحسن التدبير

146

زيد( )اأبو م�سروع يف الن�س مفهوم عن الك�سف اإن

التاأويلي يعد اأمرا مركزيا تقت�سيه التحولت اللغوية اأو

البنيوية التي طراأت لي�س فقط على الن�س اأو اخلطاب

جعلت التي املتع�سفة التاأويالت على واإمنا القراآين،

فهمي هويدي يقر باأن »القراآن حمبو�س فعال يف قف�س

املعتمد واأن �سداد، غالظ رجال به يحيط حديدي

الكلمات بع�س بل ال�سفحات، بع�س هو فقط منه

ع خلدمة اأو�ساع قائمة، واأكرثها علينا التي توظف وتطو

.)1(

ولي�س لنا«

اخلطاب بتاأويل �سلة ذات وقائع هويدي عن وي�سدر

يف يحددها، عابرة اآنية منفعية اأغرا�س وفق القراآين،

الغالب، اأركان ال�سلطة ال�سيا�سية، وهو اأمر لي�س مقت�سرا

على فرتة زمنية حمددة، فقد رفع الأمويون القراآن على

روؤو�س الأ�سنة يف �سراعهم مع اخلليفة الرا�سدي الرابع،

م�ساألة يف العبا�سيني اخللفاء بع�س ذاته الأمر وفعل

اأجل من املعتزلة وظفوا خطاب حينما القراآن، خلق

التوظيف يزال وما ال�سيا�سيني، بخ�سومهم التنكيل

تاأويل اخلطاب القراآين وفق

اأغرا�س منفعية

موسى برهومة*

الإيديولوجي للقراآن م�ستمرا حتى الآن.

هذا ال�ستجار حول املعنى القراآين عائد اإىل اأن الن�س

الديني ما يزال يحتل مركز الدائرة يف الثقافة العربية

الن�س مفهوم عن الك�سف فاإن وبالتايل، الإ�سالمية،

الن�س اأن مبا املعرفة، اإنتاج اآليات عن »ك�سفا يعد

الديني �سار املولد لكل- اأو ملعظم - اأمناط الن�سو�س

.)2(

التي تختزنها الذاكرة/الثقافة «

اإن الأطروحة املركزية يف منهج التاأويل عند )اأبو زيد(

اإىل اإعادة حركة الوحي اإىل تنهد، يف بع�س وجوهها،

اإىل اهلل من النازلة الوحي حركة اأي الأول، �سياقها

والبيان، والإف�ساح الك�سف تعني والتي الإن�سان،

اإىل املتاأخر الديني الفكر »يف احلركة هذه حتولت اإذ

اإىل اهلل ذاته«، حركة �سعود من جانب الإن�سان �سعيا

فتعطلت بذلك حركة الوحي التي كانت ت�ستهدف،

ثم ومن ع�سو يف جماعة، هو مبا الإن�سان بدايتها، يف

الإن�سان الواقع لتحقيق م�سلحة بناء اإعادة ت�ستهدف

.)3(

واإ�سباع حاجاته املادية والروحية

*اأ�ستاذ جامعي وباحث من الأردن.

)1( فهمي هويدي، القراآن وال�سلطان،)ط2(، طرابل�س: من�سورات جمعية الدعوة الإ�سالمية، �س 20

)2( ن�سر حامد اأبو زيد، الن�س، ال�سلطة، احلقيقة، )ط 5(، بريوت، الدار البي�ساء: املركز الثقايف العربي،)2006(، �س 149

)3( ن�سر حامد اأبو زيد، مفهوم الن�س، درا�سة يف علوم القراآن، )ط 6(، بريوت، الدار البي�ساء: املركز الثقايف العربي،)2006(، �س 245

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

147 العدد األول، ربيع 2013

»من �سب�سرتي، وفق تنبثق، للدين احلقيقية فالروؤية

اآلم الب�سر وحاجاتهم، ومن التجارب الدينية لالإن�سان

املحتاج واحلائر ليحقق له الغنى، وال�سفاء، وال�سري يف

.)4(

خط الر�سالة وال�ستقامة«

اإل الديني، »اأن�سنة« اخلطاب اإىل زيد( )اأبو وما دعوة

خطوة نحو حترير هذا اخلطاب من التف�سريات التع�سفية

والروؤى الأ�سطورية التي رانت عليه، مما اأدى اإىل ن�سوء

املمار�سات الغيبية، والتاأويالت التي تخدم ال�سلطات

ال�سيا�سية، وتقدم لال�ستبداد واجلهل مربرات بقائهما

باأن يقر زيد( )ابو فاإن لذا وتغولهما. وا�ستمرارهما

مر التي التحولت ور�سد القراآن، تاريخ »البحث يف

خالل من بعدها وما التقعيد، مرحلة خالل من بها

فكرنا يف مة املحر املناطق من يعترب القراءات، م�ساألة

الديني ال�سائد. لكن ل بد مما لي�س منه بد، اإثباتا لأن

التناول العلمي للقراآن وتاريخه ل يهدد عقيدتنا بقدر

الأ�س�س. الرا�سخ اليقني العقيدة �سالبة مينح هذه ما

اإىل املزري اجلنوح هذا حقا عقيدتنا يهدد الذي اإمنا

التقليد، وت�سور اأن الإ�سالم من ال�سعف والهزال، واأن

اإميان النا�س على درجة من الإعياء والتهافت، بحيث

ل ي�سمدان لإجراءات البحث العلمي، ول ي�ستقيمان

.)5(

على هدى العقل وب�سريته«

�سوء يف تتم القراآين للخطاب »العلمية« والقراءة

املعتزلة مالحمها �ساغ التي العقل لقواعد المتثال

اأعلى كما اهلل، من هبة العقل اأن اعتربوا الذين

�ساأن من ر�سد، ابن وبخا�سة امل�سلمون، الفال�سفة

لأن ال�سريعة، مع تعار�س وقع العقلي يف حال النظر

الن�س الديني، بح�سب حممد عابد اجلابري، »مل ي�سد

ميكن درجة اإىل وذلك بالعقل، اإ�سادته اآخر ب�سيء

القول معها اإن القراآن يدعو اإىل دين العقل، اأعني اإىل

الدين الذي يقوم فيه العتقاد على اأ�سا�س ا�ستعمال

العقل، انطالقا من العتقاد يف وجود اهلل اإىل ما يرتبط

اأن ما مييز الإ�سالم، بذلك من عقائد و�سرائع. واحلق

ر�سول وكتابة، من غريه من الديانات هو خلوه من ثقل

تناول خارج تقع بالدين املعرفة جتعل التي الأ�سرار

.)6(

العقل«

م�سادر من الأول امل�سدر العقل جعل من وثمة

العقل »دللة لأن الغزايل. موقف بخالف الت�سريع،

التي الإن�سانية والتجارب ال�سرعية، الأحكام على

يعي�سها امل�سلمون يف هذا الع�سر باأزماته وحتدياته، حتتم

اأن يكون العقل هو امل�سدر الأول من م�سادر الت�سريع،

ل وحتى الجتهاد، على الأمــة ت�سجيع اأجل من

يف الواقع في�سيع والواقع العقل بني الن�س يحجب

.)7(

�سوء فهم الن�س لغة اأو تنزيال اأو ن�سخا«

لقد م�سى )اأبو زيد( ي�سع العقل يف التاريخ ل خارجه،

القراآن كون مفهوم و�ساءل الوحي، معنى فقارب

معنى عن وت�ساءل التاريخ، على متعاليا اأو مقد�سا،

بالتاريخ، الوعي عالقة وما التاريخ، ومعنى املقد�س،

ومل تناق�س، مل ال�سرورية الأ�سئلة هذه اأن معتربا

تخ�سع لآليات الفح�س املنهجي.

الوحي فهم يف حنفي ح�سن مع زيد( )اأبو ويتقاطع

وتاأويله، ويف اأن حتقق الوحي ل يكون اإل يف التاريخ، لأن

د الكلمة يف التاريخ. ويف �سوء ذلك فاإن »الوحي ق�س

من اهلل اإىل الإن�سان، يتوجه اإليه باخلطاب، ويتحول اإىل

جتربة مثالية يف اأقوال النبي، وجتربة جماعية يف اإجماع

الأمة، وجتربة فردية يف اجتهاد ال�سخ�س، ثم يتم فهمه

)4( حممد جمتهد ال�سب�سرتي، قراءة ب�سرية للدين، ترجمة: اأحمد القباجني، بغداد، بريوت: دار اجلمل، )2009(، �س 96

)5( ن�سر حامد اأبو زيد، اخلطاب والتاأويل، )ط 2(، بريوت، الدار البي�ساء: املركز الثقايف العربي،)2005(، �س 257

)6( حممد عابد اجلابري، مدخل اإىل القراآن الكرمي)ج1(،)ط2(، بريوت: مركز درا�سات الوحدة العربية،)2007(، �س429

)7( ح�سن حنفي، من الن�س اإىل الواقع، بريوت: دار املدار الإ�سالمي ،)ج1(، )2005(، �س30

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت تأويل اخلطاب القرآني وفق أغراض منفعية

148

باللغة الإن�سانية التي من خاللها يفهم الكالم، ثم يتم

.)8(

حتقيقه كمقا�سد اإن�سانية«

لإنطاق زيد( )اأبو يقدمها التي الأ�سئلة �سلب ويف

ما الدينية: والن�سو�س باخلطابات املحيط ال�سمت

معنى كالم اهلل؟ وهو ل ي�سعى اإىل اإجابة من منط تاريخ

الإ�سالم الأول، واإن كان كالم اهلل قدميا اأزليا، اأم حمدثا

خملوقا، بل اإنه ي�سع ال�سوؤال يف �سياق الدر�س العلمي

والفهم املو�سوعي لطبيعة الوحي وكيفيته، وما اإذا كان

توا�سال باللغة، اأم توا�سال بالإيحاء والإلهام.

يقول )اأبو زيد( اإن »القراآن نف�سه يتحدث عن الوحي

من كثري حلله ما وهذا لغوي، غري ات�سال بو�سفه

املفرو�س الأحمر اخلط يتجاوزوا اأن دون الباحثني

على القراءات الرتاثية لقوله تعاىل يف الآية رقم )51(

من �سورة ال�سورى )وما كان لب�سر اأن يكلمه اإل وحيا،

باإذنه ما اأو ير�سل ر�سول فيوحي اأو من وراء حجاب،

.)9(

ي�ساء(«

التي الطرق الآية لهذه الرتاثية القراءات وتق�سم

اإىل ثالث، الأوىل الب�سر يتوا�سل اهلل من خاللها مع

والثانية مو�سى، لأم اهلل كالم يف كما الإلهام، هي

اأو وراء حجاب: اجلبل هي كالم اهلل مع مو�سى من

النار، والثالثة هي منط الوحي يف الإ�سالم، عن طريق

وترى حممد. النبي اإىل )جربيل( الو�سيط الر�سول

وحممد جربيل بني »التوا�سل اأن الرتاثية القراءة

حممد اإىل حتدث جربيل اأن اأي لغويا، توا�سال كان

بالعربية، وهو تف�سري تتاأبى عليه الآية التي تن�س على

ومعنى اهلل، ي�ساء مبا الب�سر اإىل )يوحي( الر�سول اأن

ذلك اأن الت�سال بني جربيل وحممد كان ات�سال غري

.)10(

لغوي، كان بالوحي، اأي الإلهام«

الكثرية املرويات زيد(، )اأبو وفق القراءة، هذه وتعزز

التي تن�سب اإىل الر�سول، والتي يحكي فيها اأن الوحي

اأحيانا مثل »�سل�سلة اجلر�س«، واأحيانا مثل ياأتيه كان

»طنني النحل«، وبالتايل »ل ميكن اأن يكون هذا الو�سف

.)11(

دال على توا�سل لغوي باملعنى املعتاد«

القراآن نزول معنى عن كذلك زيد( )اأبو ويت�ساءل

جمع حينما وملاذا واحدة، دفعة نزوله وعدم ما، منج

النزول، زمان ح�سب يرتب مل م�سحف يف القراآن

اإلهي ترتيب هو وهل احلايل، ترتيبه من احلكمة وما

»توقيفي«، اأم ترتيب ب�سري »توفيقي«؟

الأ�سئلة هذه يدرج اأن يحاول زيد( )اأبو اأن ورغم

»الالمفكر اأركون حممد ي�سميه ما اإطار يف و�سواها،

يف وبخا�سة كثريا، طرحت الأ�سئلة هذه اإل فيه«،

كتب امل�ست�سرقني ودرا�ساتهم. لكن )اأبو زيد( يرى اأن

القراآن، ولن الت�ساوؤلت، »لن تلغي الإجابة عن هذه

تهدم الدين، ولن تزعزع اليقني، بل �ستفتح لنا جمال

للفهم يرى جتلي الإلهي يف الب�سري، وانك�ساف كلمة

اهلل على ل�سان الإن�سان. والتحقيق التاريخي �سيمكننا

من ا�ستعادة ال�سياق الغائب، فندرك فحوى كالم اهلل

.)12(

ودللته، ومنيز بني )التاريخي( و)الأزيل(«

التاأويل فال�سفة خطى اأ�سئلته يف زيد( )اأبو ويتتبع

)8( ح�سن حنفي، من الن�س اإىل الواقع، بريوت: دار املدار الإ�سالمي،)ج2(، )2005(، �س124

)9( ن�سر حامد اأبو زيد، واآخرون: غزاليون ور�سديون: مناظرات يف جتديد اخلطاب الديني، اإعداد وتقدمي: حلمي �سامل، القاهرة: مركز القاهرة لدرا�سات حقوق الإن�سان

)�سل�سلة ق�سايا الإ�سالح 8(، )2006(، �س 116

)10( املرجع ال�سابق، �س 117

)11( املرجع ال�سابق، �س 117

)12( املرجع ال�سابق، �س 118

تأويل اخلطاب القرآني وفق أغراض منفعيةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

149 العدد األول، ربيع 2013

املعا�سرين الذين يرون اأن املعرفة العميقة هي تلك التي

توجد حتت ال�سطح، وبالتايل، فاإن »احلقيقة �ستكون هي

اأن اأو هي ما قيل بطريقة غام�سة، ويجب ما مل يقل،

.)13(

تفهم يف ما هو اأبعد من ظاهر الن�س«

اأ�سئلة )اأبو زيد(، التي تهدف اإىل فهم اخلطاب الإلهي

الدينية اخلطابات لفهم كمقدمة الأ�سا�سية بالدرجة

ل ال�سحيحة، النبوية ال�سنة طليعتها ويف الأخرى،

تربح دائرة الإميان، بل اإن الإميان هو حمركها الأ�سا�سي،

لكنه لي�س اإميان اأولئك الذين تعاملوا، وما يزالون، مع

اخلطاب القراآين بو�سفه اأيقونة، م�سيا على الدرب التي

عبدها اأبو حامد الغزايل، حينما حول اخلطاب القراآين

اإل رموزها فك مقاربة ي�ستطيع ل خا�سة »�سفرة اإىل

يبق مل لذلك ونتيجة املتحقق، العارف ال�سويف

لالإن�سان العادي- امل�سلم العامي- اإل اأن يقنع بالتالوة

وفهم امل�ستوى الظاهر من دللة الن�س، وهو امل�ستوى

.)14(

النقلي اأو ما عرف بالتف�سري باملاأثور«

الفكر اإ�سالح اإىل يرمي زيد( )اأبو عند التاأويل اإن

اأمداء وتعميق وتعبرياته، حقوله خمتلف يف الديني

اخلطاب القراآين واإف�ساح املجال اأمام تعددية القراءات،

ودغمها يف اأفق الفهم احلداثي، بعيدا عن الت�سورات

غري الدقيقة التي ل متيز بني جوانب احلقيقة واملجاز يف

اخلطابات الدينية الرئي�سية، وهو يقدم روؤية يف التاأويل

العطب اأ�ساب بعدما العقالنية، احلداثة مع تتوافق

الروؤية التاأويلية التقليدية.

)13( اأمربتو اإيكو، التاأويل بني ال�سيميائيات والتفكيكية، )ط2(، ترجمة: �سعيد بنكراد، بريوت، الدار البي�ساء: املركز الثقايف العربي،)2004(، �س 30

)14( مفهوم الن�س، �س 296

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت تأويل اخلطاب القرآني وفق أغراض منفعية

150

ابن ر�سد

و»قلق عبارة اأر�سطو«

جمال حمود*

لقد اأدى دخول منطق اأر�سطو اإىل البيئة الفكرية الإ�سالمية اإىل اإحداث ما ا�سطلح على ت�سميته

م�سكلة اإثارة منها الق�سد ، وكان اأر�سطو« عبارة »قلق اأو اأر�سطو«، منطق الل�سانية يف »العقبة

التفاوت بن عبارات اللغة العربية وبن عبارات اللغة اليونانية من حيث املبنى واملعنى. وقد

تناول ابن ر�سد هذه العقبة من خالل �سروحه على منطق اأر�سطو. ونحن يف هذه الدرا�سة لن

تتناول العقبة يف حد ذاتها، ولكننا �سنتناولها من زاوية اأنها كانت حمكا حقيقيا ل�سخ�سية ابن

ر�سد الذي عرف بنزعته العقلية وا�ستخدامه العقل يف اأ�سد الأمور ح�سا�سية حتى لو كانت اأمور

الدين.

»ف�سل مثل امل�سهورة ر�سد ابن موؤلفات قراءة

الأدلة«، و»مناهج التهافت« و»تهافت املقال«،

تك�سف لنا عن جوانب هامة يف �سخ�سيته الفل�سفية،

حيث ميكننا ا�ستخال�س ثالث �سمات اأ�سا�سية هي:

احلكمة ات�سال م�ساألة عن �سديدة بحما�سة دفاعه -

بال�سريعة.

الكالم لعلم ونقده اأر�سطو فل�سفة عن دفاعه -

الإ�سالمي.

ح�سا�سية الأمور اأ�سد يف حتى العقل ا�ستعماله -

كق�سايا الدين، وهذا من خالل نظريته يف التاأويل.

ر�سد ابن عند تفاوت ح�سورها التي ال�سمات هذه

الكثري من اهتمام اآخر، كانت مو�سع اإىل موؤلف من

فاإننا لنا بالن�سبة اأما ر�سد، ابن فل�سفة يف الباحثني

�سنتبع يف هذه الدرا�سة طريقا اآخر يف ا�ستق�ساء �سمات

�سخ�سية ابن ر�سد تلك، حيث �سنتناول �سخ�سية ابن

موقف بعر�س وذلك ، اأر�سطو ملنطق ال�سارح ر�سد

الل�سانية بـ»العقبة �سمي مما العربي الفيل�سوف هذا

اخت�ست م�ساألة العقبة هذه لأن وذلك املنطق«، يف

موؤلفاته من �سواها دون املنطقية ر�سد ابن �سروح بها

الأخرى.

إن

*اأ�ستاذ حما�سر، ق�سم الفل�سفة، جامعة ق�سنطينة 2، اجلزائر.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

151 العدد األول، ربيع 2013

مل اإذ مرتجمة، اأر�سطو ن�سو�س ر�سد ابن قراأ لقد

اأر�سطو يف كتب يقراأ فلم اليونانية، اللغة يعرف يكن

غري الرتجمات التي قام بها من ال�سريانية » حنني ابن

بن عدي« يحيى و» ابن حنني« اإ�سحاق و» اإ�سحاق«

)1(

وغريهم.

وكانت معرفة هوؤلء املرتجمني باللغة العربية غري متينة،

كما اأن معرفتهم بالكثري من اللغات كانت حائال دون

امتالكهم اإحدى هذه اللغات امتالكا حقيقيا، ويوؤكد

اإنه وجد �سعوبات كبرية ابن ر�سد هذا الواقع بالقول

عن يقول حيث مرتجمة، اأر�سطو ن�سو�س قراءة يف

الكتاب معتا�س جدا »اإن هذا :» ال�سف�سطة « كتاب

.)2(

... من قبل الرتجمة ... «

فاإن العربية، للغة املرتجمني اإتقان عدم عن وف�سال

هوؤلء مل تكن معرفتهم بالفل�سفة معرفة املتخ�س�سني،

كما اأنها مل تكن مق�سودة لذاتها، واإمنا كانت، بالن�سبة

اإليهم، و�سيلة لإتقان الرتجمة، لذا مل تكن لدى هوؤلء

لغة فل�سفية متكنهم من جتريد م�سامني الفكر املنطقي،

)3(

ونقله اإىل امل�سلمني مبا يتنا�سب وروح ح�سارتهم .

وزيادة على هذا الواقع اللغوي ال�سعب الذي واجهه

عامة اليوناين والفكر اأر�سطو منطق فاإن ر�سد، ابن

واجه حتديات كبرية عند دخوله البيئة الفكرية العربية

ال�سعوبات هذه الرتجمة، حركة بفعل ، الإ�سالمية

ميكننا اإجمالها يف ثالث عقبات اأ�سا�سية هي:

بها واملق�سود الدينية: العقبة اأو املذهبية العقبة اأ.

هذه وتعار�س اليونانية بالعقيدة اأر�سطو منطق تعلق

هذه ت�سكلت وقد الإ�سالمية، العقيدة مع العقيدة

ويعك�سها امل�سلمني الفقهاء بع�س عند خا�سة العقبة

�سعار »من متنطق فقد تزندق«.

الفائدة اأو بها اجلدوى ونق�سد العملية: العقبة ب.

بع�س قبل من اتخذت وقد املنطق، ا�ستخدام من

»النوبختي )ت300هـ(«، اأمثال: واملتكلمني الفقهاء

728 403 هـ(«، وابن متيمية )ت والبـــاقالين )ت

هـ(« �سببا لرف�س منطق اأر�سطو بدعوى اأنه عقيم، واأنه

حت�سيل حا�سل، واأنه م�سادرة على املطلوب ، لذا قام

بع�س الفقهاء بو�سع » القيا�س الأ�سويل« بديال منه.

منطق ارتباط عن ناجتة وهي الل�سانية: العقبة ج.

عن الل�سان هذا واختالف اليوناين بالل�سان اأر�سطو

الل�سان العربي. وقد فر�ست هذه العقبة جمموعة من

التحديات ال�سعبة مثل:

يج�سد باعتباره املنطق عمومية بني التوفيق كيفية -

باعتباره العربي النحو وبني خ�سو�سية الفكر، قوانني

خا�سا بالأمة العربية.

هو الذي للعقل كنتاج املنطق بني التوفيق كيفية -

م�سرتك بني النا�س جميعا وبني النحو العربي الذي هو

نتاج لعادات العرب اللغوية.

النحو علماء بع�س الت�ساوؤلت هذه ــارت اأث لقد

يف ال�سريايف �سعيد اأبو اأ�سهرهم ولعل امل�سلمني،

يون�س والتي اأبي ب�سري متى بن م�ساجالته احلادة مع

نقلها لنا اأبو حيان التوحيدي يف كتابه ال�سهري »الإمتاع

واملوؤان�سة«.

يف والعملية املذهبية بالعقبتني يهتم ر�سد ابن وجند

موؤلفاته اخلا�سة، فنحن جنده يتناول العقبة املذهبية يف

)1( ارن�ست رينان: ابن ر�سد والر�سدية، ترجمة عادل زعيرت، دار اإحياء الكتب العربية، القاهرة، 1957، �س 36.

)2( ابن ر�سد: تلخي�س منطق اأر�سطو، كتاب اجلدل واملغالطة، حتقيق، جريار جيهامي، املجلد ال�سابع، دار الفكر اللبناين، بريوت، ط1، 1992، �س 729.

)3( طه عبد الرحمن: لغة ابن ر�سد الفل�سفية من خالل عر�سه لنظرية املقولت، اأعمال ندوة ابن ر�سد، جامعة حممد اخلام�س، كلية الآداب والعلوم الإن�سانية، املوؤ�س�سة

اجلامعية للدرا�سات والن�سر والتوزيع، ط1، �س 193.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت ابن رشد و»قلق عبارة أرسطو«

152

وال�سريعة احلكمة بني العالقة اإطار يف اأر�سطو منطق

بقوله: املقال« »ف�سل كتاب يف مثال يتناولها حيث

»اإن الغر�س من هذا القول اأن نفح�س على جهة النظر

ال�سرعي، هل النظر يف الفل�سفة وعلوم املنطق مباح...

من اأكرث �سيئا لي�س الفل�سفة فعل كان اإن فنقول

واعتبارها من جهة دللتها على املوجودات النظر يف

ال�سانع...فاإن ال�سرع دعا اإىل اعتبار املوجودات بالعقل

... اآية من كتاب اهلل ما به...يف غري وتطلب معرفتها

)4(

مثل قوله )فاعتربوا يا اأويل الأب�سار( «

كما يعالج ابن ر�سد العقبة العلمية من خالل دفاعه عن

فائدة ا�ستخدام القيا�س، حيث يقول: »واأما ال�ستنباط

يف وواجب العقل، يف جائز به فالتعبد القيا�س وهو

ال�سرع، والذي يدل على اأنه اأ�سل من اأ�سول ال�سرع

.)5(

الكتاب وال�سنة واإجماع الأمة... «

ر�سد ابن فاإن اأر�سطو منطق يف الل�سانية العقبة اأما

العقبة هذه تربز واإمنا اخلا�سة، موؤلفاته يف يعاجلها مل

ب�سكل خا�س يف �سروحه على املنطق، وب�سكل اأخ�س

يف كتابيه: »املقولت« و » العبارة «. لذا فاإننا ن�ستنتج

مالمح �سخ�سية ابن ر�سد من خالل موقفه من العقبة

الل�سانية يف هذين الكتابني.

من ر�سد، ابن �سخ�سية مالمح تتبع يف اعتمادنا اإن

اإىل ي�ستند بالذات، العقبة هذه من موقفه خالل

جمموعة عوامل نذكر منها:

بطابع خا�س ر�سد ابن عند الل�سانية العقبة ات�سام اأ.

اأر�سطو �سراح من �سواه ودون عنده، اتخذت حيث

العرب، طابعا ر�سميا، فقد واجه ابن ر�سد هذه العقبة

بناء على رغبة اخلليفة »يو�سف بن يعقوب املوحدي«

فقد كان هذا اخلليفة ي�ستكي )6(

وباإحلاح من ابن طفيل.

من قلق عبارة اأر�سطو وغمو�س اأغرا�سه.

ب. اأن نوع ال�سرح الذي اعتمده ابن ر�سد يف �سرحه

)Paraphraser( ملنطق اأر�سطو هو من النوع املتو�سط

حيث يبداأ فيه ابن ر�سد بعبارة » قال« اأو » قال اأر�سطو«

ثم يوا�سل كالمه حيث ل نعود نفرق بني كالم اأر�سطو

باملعاين مهتما الأخري هذا كان اإذ ر�سد، ابن وكالم

هذه فيها �سيغت التي بالألفاظ اهتمامه من اأكرث

املعاين، حيث يتحدث عن الغر�س من �سرحه ملنطق

ت�سمنتها التي املعاين »تلخي�س باأنه: قائال اأر�سطو

. وعليه فاإن هذا النوع من )7(

كتبه يف �سناعة املنطق«

ال�سرح الذي ل يتقيد فيه ابن ر�سد بحرفية ن�س اأر�سطو

يف حتررا اأكرث ر�سد ابن يجعل اأن نظريا فيه يفرت�س

اختيار الألفاظ التي يعرب بها عن معاين املنطق.

: مظاهر قلق العبارة: اأوال

اإن قراءتنا ملوؤلفات اأر�سطو املنطقية يف ترجمتها العربية

تك�سف لنا عن ظاهرة ل�سانية معقدة ، ويظهر هذا يف

عدة م�ستويات نذكر منها:

امل�ستوى هذا القلق يف ويظهر ال�سريف: امل�ستوى اأ.

اللغة اإىل اليونانية ال�سرفية ال�سيغ بع�س نقل ب�سبب

مو�سوع« يف لي�س « مثل: الأ�سلية ب�سيغتها العربية

وقد مو�سوع«، على »يقال و ، مو�سوع« يف »يقال و

و�سعت اأ�سال وعلى التوايل للتفرقة بني » اجلوهر« وبني

»العر�س« �سواء اأكان عاما اأم �سخ�سيا ، وبني العام �سواء

. يتجلى القلق كذلك يف هذا )8(

ا اأم عر�سا اأكان جوهر

ل التي املفردات بع�س اإقحام خالل من امل�ستوى

تخ�سع لل�سرف العربي مثل »املتى« و»املعا« وغريهما.

)4( ابن ر�سد: ف�سل املقال، تقدمي وتعليق ال�سيخ اأبو عمران، وجلول البدوي، ال�سركة الوطنية للن�سر والتوزيع، اجلزائر 1982، �س 23، �س 24.

)5( ابن ر�سد: مقدمات ابن ر�سد، مكتبة املثنى، بغداد، �س 19.

)6( ارن�ست رينان: ابن ر�سد والر�سدية، �س 36.

)7( ابن ر�سد: كتاب املقولت، �س 3.

)8( اأنظر ابن ر�سد: كتاب املقولت، �س9.

ابن رشد و»قلق عبارة أرسطو«مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

153 العدد األول، ربيع 2013

ب. امل�ستوى النحوي: ويظهر القلق يف هذا امل�ستوى

من ناحيتني:

1. من ناحية اإدخال بع�س الألفاظ الغريبة على اجلملة يف اللغة العربية مثل: )هو يوجد، املوجود يف، املوجود

لـ...( وغريها.

اليونانية الأمثلة بع�س ا�ستعمال ناحية من ثم .2الإناء« »املاء يف مثل املنطقية امل�سائل بع�س لتو�سيح

للدللة على معنى من معاين مقولة »له« . وغريها من

الأمثلة التي اأدى ا�ستعمالها اإىل اإحداث ا�سطراب يف

العرب لواقع ملخالفتها وهذا للن�س. املبا�سر الإدراك

وعاداتهم يف ا�ستعمال الأمثلة.

ثانيا: موقف ابن ر�سد من قلق العبارة:

الكبرية بالختالفات وعي على ر�سد ابن كان لقد

منه ووعيا العربي، والل�سان اليوناين الل�سان بني

كثرية عبارات ي�ستخدم جنده الختالفات بتلك

و»عندهم«، العرب، نحن عندنا اأي مثل:»عندنا«،

العربي« الل�سان « عبارات وكذلك اليونان، عند اأي

ال�ستحالة عن مثال فيتحدث اليوناين«، و»الل�سان

وهو املكان يف والتغري »وال�ستحالة قائال: والتغري

. ولعل ا�ستخدام ابن ر�سد )9(

امل�سمى يف ل�ساننا نقلة «

الدكتور اإليه ا�ستند التفرقة هي الأ�سا�س الذي لهذه

»ح�سن حنفي« حينما ذهب اإىل القول باأن ابن ر�سد

و�سرنى .)10(

ح�ساريا ا�ستخداما ال�سرح ي�ستخدم

خالل هذه الدرا�سة حدود هذا ال�ستخدام عند ابن

ا�ستبدال يف عنده الوعي ذلك اأي�سا ونلم�س ر�سد،

بع�س امل�سطلحات الأر�سطية وتعوي�سها با�سطالحات

وكذا »اجلوهر« مكان »احلد« كلمة و�سع مثل عربية

»امل�سار« مكان »مق�سود اإليه بالإ�سارة« و »ماهية« مكان

.)11(

»مائية« ...اإلخ

كما ي�ستبدل ابن ر�سد بع�س الأعالم اليونانية باأعالم

»اإن�سان »اأر�سطو«: عبارة مثال ي�ستبدل حيث عربية

جنده اإننا بل .)12(

البيت« يف »زيد بعبارة لوقني« يف

ب م�سامينها تقريبا اإ�سالميا حيث يجعل مثال من يقر

. غري اأن هذا ال�سرح )13(

»اأطل�س« الإله اليوناين »ملكا«

خالل من ر�سد ابن عند مل�سناه الذي احل�ساري

الأمثلة التي �سقناها تكاد تختفي معامله عندما يتعر�س

ابن ر�سد لبع�س امل�سائل يف منطق اأر�سطو، و�سنتناول

للتدليل على هذا بع�س هذه امل�سائل من مثل :

املنطقية الق�سية اأن معلوم املنطقية: الرابطة م�ساألة اأ.

عند اأر�سطو تتاألف من ثالثة حدود هي: حد املو�سوع

وحد املحمول و حد الرابطة، واإذا كنا جند هذه الرابطة

توجد فاإنها ل مثال والفار�سية اليونانية بها يف ح م�سر

�سراحة يف اللغة العربية. لذا فقد كانت الرابطة م�سكلة

اهتم فقد ر�سد، ابن قبل امل�سلمني للمناطقة بالن�سبة

بها الفارابي مثال حيث اأفرد لها ف�سال كامال يف »كتاب

احلروف« م�سريا اإىل عدم وجودها يف لغة العرب واإىل

اأر�سطو حيث منطق تف�سري تعرت�س التي ال�سعوبات

يقول: »ولي�س يف العربية منذ اأول و�سعها لفظة تقوم

اأ�ستني« يف « مقام ول الفار�سية « يف ه�ست « مقام

اليونانية ...وهذه اللفظة يحتاج اإليها �سرورة يف العلوم

.)14(

النظرية ويف �سناعة املنطق«

)9( ابن ر�سد: كتاب املقولت، 73.

)10( ح�سن حنفي: ابن ر�سد �سارحا اأر�سطو، موؤمتر ابن ر�سد، ج1، ال�سركة الوطنية للن�سر والتوزيع، اجلزائر 1983، �س 105.

)11( طه عبد الرحمان: لغة ابن ر�سد الفل�سفية من خالل عر�سه لنظرية املقولت، �س 196.

)12( ابن ر�سد: كتاب املقولت، �س 10.

)13( طه عبد الرحمان: لغة ابن ر�سد الفل�سفية من خالل عر�سه لنظرية املقولت، �س 196.

)14( اأبو ن�سر الفارابي: كتاب احلروف، حتقيق حم�سن مهدي، املطبعة الكاثوليكية، بريوت، 1970، �س 100.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت ابن رشد و»قلق عبارة أرسطو«

154

كتابه يف فذهب ــراأي ال هذا �سينا ابن تبنى وقد

ويجب ...« : القول اإىل والتنبيهات« »الإ�سارات

مع لها يكون اأن ق�سية حملية، اأن حق كل يعلم اأن

معنى املحمول واملو�سوع معنى الجتماع بينهما ...و

لغة يف تارة يحذف كما لغات، يف ذلك يحذف قد

العرب اأ�سال كقولنا زيد كاتب، وحقه اأن يقال زيد هو

.)15(

كاتب«

هذه �سينا يف وابن الفارابي من كال ر�سد ابن ويتبع

امل�سالة؛ فيقول يف » كتاب العبارة« : » ولي�س يف ل�سان

العرب لفظ على هذا النحو من الرباط وهو موجود يف

�سائر الأل�سنة واأقرب الألفاظ �سبها بها يف ل�سان العرب

هو ما يدل عليه لفظ »هو« يف مثل قولنا »زيد هو حيوان«

.)16(

حيوانا« موجود زيد « قولنا مثل »موجود« يف اأو

ومن خالل هذا الن�س نلحظ اأن ابن ر�سد ل يقف عند

حد اإقحام الرابطة على غرار الفارابي وابن �سينا فقط،

ولكنه يربط بينها وبني الوجود.

عند �سواء هنا الرابطة اإقحام من الغر�س اأن وا�سح

حاجات �سد هو ر�سد ابن اأو �سينا وابن الفارابي

اأدى ذلك اإىل جمموعة اأر�سطو، لذا فقد فر�ستها لغة

�سعوبات على م�ستوى طبيعة اجلملة يف اللغة العربية

نذكر منها:

وتتكون ،

ا�سمي العربية اللغة يف اجلملة طابع اإن .1ومن ،

)17(

عنه وخمرب خرب من الغزايل راأي ح�سب

ثم فاإنها ثنائية ، لذا فاإنه من غري ال�سروري لغويا زيادة

�سيئا اإن�سان« ل ي�سيف »زيد هو القول اأن اإذ الرابطة

اإىل املعنى الذي تفيده اجلملة« :» زيد اإن�سان«.

يثري والوجود »هو« الرابطة بني ر�سد ابن ربط اإن .2�سعوبة احلفاظ على معنى اجلملة مع ا�ستبدال الرابطة

موجود« »الإن�سان نقول اأن ميكننا اإذ ، الوجود بلفظ

اإذا ثم هو« »الإن�سان نقول عندما يختل املعنى لكن

ابن ذلك اإىل ذهب كما الوجود تفيد »هو« كانت

ر�سد فمعنى هذا اأنه من التكرار غري املفيد قول ق�سايا

مثل: »زيد هو موجود« مبا اأنه » هو« و » موجود « لهما

املعنى نف�سه، ف�سال عن عدم الت�ساق الذي يحدث

النفي كاأن نقول مثال:» اأداة يف اجلملة عندما ندخل

» غري » هو« ومعنى املعنى « لأن زيد هو غري موجود

موجود« يكونان متناق�سني يف ظل نظرية ابن ر�سد. لذا

فاإن اإقحام ابن ر�سد للرابطة يف اجلملة العربية ، بغ�س

يبني اإليها، اأ�سرنا التي املنطقية ال�سعوبات النظر عن

العربية اللغة يف اجلملة يكيف ر�سد ابن اأن بو�سوح

مع الطابع الثالثي للق�سية على النحو الذي جنده عند

اأر�سطو، ومنه ميكن القول اإن ابن ر�سد اإزاء هذه امل�سالة

اليوناين بالتقريب ت�سميته ميكن ما على يعمل كان

للغة العربية.

مقولت اإحدى هي املقولة هذه له«: « مقولة ب.

اأر�سطو الع�سر، وقد تناولها املناطقة امل�سلمون كابن �سينا

والغزايل وغريهما ، وتناولها ابن �سينا معطيا اإياها ا�سم

، ا�سم »اجلدة« الغزايل حتت تناولها كما )18(

»امللك«

لكن يف مقابل هذا جند ابن ر�سد يحتفظ مبقولة »له«

»امللك« م�سطلحي اأن لعتقاده وهذا الأر�سطية،

التي حتمل ح�سب »له« معنى من ي�سيقان و»اجلدة«

.)19(

راأيه دللة اأو�سع

)15( ابن �سينا: كتاب الإ�سارات والتنبيهات، حتقيق �سليمان دنيا، الق�سم الأول، دار املعارف، م�سر، 1960، �س 88.

)16( ابن ر�سد: كتاب العبارة، �س 88.

)17( الغزايل: معيار العلم، حتقيق �سليمان دنيا، دار املعارف، م�سر، �س 109.

)18( جعفر اآل ي�س: املنطق ال�سينوي، من�سورات دار الأفاق اجلديدة، بريوت، ط1، 1983، �س 36.

)19( طه عبد الرحمان: لغة ابن ر�سد الفل�سفية من خالل عر�سه لنظرية املقولت، �س 205.

ابن رشد و»قلق عبارة أرسطو«مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

155 العدد األول، ربيع 2013

ففي الوقت الذي جند فيه الغزايل يح�سر هذه املقولة

املنطبق على اإىل اجل�سم »ن�سبة اجل�سم اإنها : قوله يف

ينتقل املنطق كان اإذا بع�سه، على اأو ب�سيطه جميع

مثال فاإن ثم ومن عليه... املنطبق به املحاط بانتقال

املقولة، حيث الإناء« يخرج من هذه »املاء يف اأر�سطو

يقول: واأما املاء يف الإناء، فلي�س من هذا القبيل لأن

)20(

الإناء ل ينتقل بانتقال املاء«.

مقولة يربط الغزايل، ل ر�سد، على خالف ابن لكن

»له« بانتقال املحيط وانتقال املحاط به واإمنا ي�سمح بذكر

يقول: اأر�سطو حيث اعتمدها التي له« « معاين كل

»وله« تقال على اأنحاء �ستى اأحدها على طريق امللكة

واحلال، فاإنا نقول اإن لنا علما واإن لنا ف�سيلة، والثاين

على طريق الكم فاإنه يقال اإن له مقدار طوله كذا وكذا،

والثالث على ما ي�ستمل على البدن، اإما على كله مثل

الثوب ...واإما على جزء منه مثل اخلامت يف الإ�سبع...

يد له قولنا مثل الكل اإىل اجلزء ن�سبة على والرابع

هو الذي الوعاء اإىل ال�سيء ن�سبة ...هو ...واخلام�س

فيه مثل احلنطة يف الكيل ...وال�ساد�س مثل قولنا ...له

)21(

بيت... «.

ابن عند له« « معاين بني ب�سيطة مقارنة عقدنا واإذا

هذا اأن جند فاإننا الغزايل، عند »اجلدة« ومعنى ر�سد

املعنى �سوى املقولة هذه معاين من يبقي ل الأخري

الثالث يف قائمة املعاين التي جندها عند ابن ر�سد. من

هنا نالحظ اأن ابن ر�سد يحذو حذو اأر�سطو يف تعداد

معاين هذه املقولة، رغم اإدراكه اأن هذه املعاين لي�ست

مل ملاذا نت�ساءل وهنا العربية. اللغة يف حا�سرة كلها

املقولة هذه معاجلة يف العربية لغته ر�سد ابن يوظف

اأعطاها معنى واحدا على غرار ما فعل الغزايل الذي

كما راأينا ؟، حينما راأى اأن ل �سرورة يف متييز قيمة »له«

املقولية على الأدوات الأخرى مثل » من« و » عن« و

» مع« وغريها.

ثم ملاذا اهتم ابن ر�سد كل هذا الهتمام بهذه املقولة؟

يفعل« « مقولتي يعالج فيه جنده الذي الوقت يف

تتعدى ل فقرة يف ، البالغة اأهميتها رغم و»ينفعل«،

ابن اأن اأخرى فاإننا نالحظ مرة اأ�سطر؟ وعليه خم�سة

اللغة على اأر�سطو منطق للغة الأولوية يعطي ر�سد

العربية، فقد كان همه الأكرب اأن ينقل باأمانة ومو�سوعية

اآراء اأر�سطو دون مراعاة خل�سو�سية اللغة العربية.

وف�سال عن هذا فاإننا اإذا عدنا اإىل م�ساألة » قلق العبارة«

ر�سد ابن بعناية حتظى اأن املفرت�س من كان التي

اأر�سطو منطق �سرح على اإقدامه اإىل الدافع باعتبارها

ظل القلق هذا اأن على تدل كثرية �سواهد جند فاإننا

مالزما ل�سروح ابن ر�سد ونذكر بع�سا منها على �سبيل

الإ�سارة. فنحن جنده يقول مثال: »ولي�س يحمل على

جوهر اأنه جهة »من يقول: كما ،)22(

البتة« مو�سوع

من الذي يعرف ماهيته ولي�س بجزء جوهر من الذي

فبني « اآخر مو�سع يف ويقول )23(

ماهيته« يعرف ل

اأنه �سد للقول اأو مقابل له من اإمنا يقال يف القول اأنه

كما )24(

جهة تقابل العتقادات التي يف النف�س... «

. وما )25(

يقول:»اإذا كان لي�س ميكن اأن يكون حق... «

نالحظه على هذه التعابري من قلق وا�سطراب ناجت عن

تفاعل ابن ر�سد مع الن�س الأر�سطي، مما جعله ي�ستعري

)20( الغزايل: معيار العلم، �س �س 326، 327.

)21( ابن ر�سد: كتاب املقولت، �س 75.

)22( امل�سدر نف�سه، �س 8.

)23( امل�سدر نف�سه، �س 8.

)24( ابن ر�سد: كتاب العبارة، �س 127.

)25( امل�سدر نف�سه، �س 131.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت ابن رشد و»قلق عبارة أرسطو«

156

ما تخالف قواعد النطق من الرتجمة تعابريات كثريا

ال�سليم م�ستهينا باإيرادها على ركاكتها.

كما اأن ابن ر�سد يقابل بني مقولة » اأن ينفعل« والوزن

بدل )26(

»ينحرق« املهملة بال�سيغة العربي ال�سريف

التي جندها يف ن�س الرتجمة. وكان )27(

من »يحرتق«

لهذه واللغوي الفكري بالبعد عناية اأكرث الغزايل

املقولة، »حني ا�ستخدم كل الأمثلة على وزن »متفعل«

كـ »مت�سخن« و»متربد«، ويعرف هذه املقولة باأنها ن�سبة

.)28(

اجلوهر املتغري اإىل ال�سبب املغري«

ونخل�س من هذه الدرا�سة اإىل اأن ابن ر�سد مل ي�ستطع

انعك�س ذلك اأر�سطو« وقد التخل�س من » قلق عبارة

مقارنة عقدنا اأننا ولو املنطق. على �سروحه يف جليا

ب�سيطة بني لغة ابن ر�سد يف » ف�سل املقال« اأو »تهافت

مدى �سنلحظ فاإننا ال�سروح يف لغته وبني التهافت«

ال�سطراب اأو القلق اللغوي الذي واجهه ابن ر�سد.

وكان باإمكان ابن ر�سد اأن يحقق جناحا اأكرب اأمام العقبة

�سخ�سيته يحقق ثم ومن اأر�سطو منطق يف الل�سانية

ر�سم اأنه ل لو والنقدية العقلية مبالحمها الفل�سفية

يف اإجمالها ميكن بها.و وتقيد بها التزم ا اأطر لنف�سه

الآتي :

1. عدم اكرتاثه بالأبعاد امليتافيزيقية يف منطق اأر�سطو، التي باجلدية امل�ساألة لهذه اأخذه الأقل عدم على اأو

اأر�سطو منطق م�سائل مع يتعامل جعله مما ت�ستحقها،

على اأنها حقائق علمية مو�سوعية، وفاته مثال اأن نظرية

ولي�ست ميتافيزيقية نظرية هي املقولت يف اأر�سطو

نظرية منطقية خال�سة. وقد فطن ابن �سينا لهذه احلقيقة

لذلك جنده يرى اأن هذه النظرية تن�سم منهجيا اإىل علم

بينما مل يعر ابن ر�سد هذه امل�سالة )29(

ما بعد الطبيعة

جميعا اأر�سطو موؤلفات اإىل ينظر كان حيث اهتماما

ب�سدد احلديث وهو قوله يوؤكد هذا ومما واحدة، نظرة

عن الغر�س من �سرحه للمنطق: »اإنه تلخي�س املعاين

على املنطق...وذلك �سناعة يف كتبه ت�سمنتها التي

)30(

عادتنا يف �سائر كتبه «.

2. اإن موقف ابن ر�سد من �سروح ال�سراح �سواء اأكانوا ما اأو الإ�سالحية باحلركة ا

متاأثر يونانيني كان اأم عربا

تومرت، ابن قادها التي الثقافية« بـ»الثورة �سميت

اإىل والعودة التقليد »ترك لل�سعار كانت حاملة والتي

ابن عند اتخذت الأ�سول اإىل والعودة الأ�سول«.

اأر�سطو فل�سفة اإىل العودة اجلابري، ح�سب ر�سد،

اإهمال اتخذ عنده معنى الفروع اإهمال واأن بالذات،

ترك فاإن وعليه .)31(

�سينا وابن الفارابي تاأويالت

التقليد كما فهمه ابن ر�سد وطبقه حال دون ال�ستفادة

من اآراء الفارابي وابن �سينا يف فكر اأر�سطو رغم �سواب

بع�سها. هذا من جهة، اأما من جهة العودة اإىل الأ�سول

مل اإذ الأكرب ر�سد ابن هم العودة هذه �سكلت فقد

يكن يبغي من حياته فيل�سوفا �سوى بعث اآراء اأر�سطو

احلقيقية على النحو الذي فهمها عليه.

3. تقديره ال�سديد لفل�سفة اأر�سطو، ونظرته اإليها باعتبارها ، واأن اأر�سطو هو املفكر الأعظم

)32(

متثل احلقيقة املطلقة

)26( ابن ر�سد: كتاب املقولت، �س 127.

)27( اأر�سطو: منطق اأر�سطو، حتقيق عبد الرحمان بدوي، ج1، وكالة املطبوعات، الكويت، دار القلم بريوت، ط1، 1980، �س 36.

)28( الغزايل: معيار العلم، �س 327.

)29( جعفر اآل ي�س: املنطق ال�سينوي، �س 39-38.

)30( ابن ر�سد: كتاب املقولت، �س 3.

)31( حممد عابد اجلابري: املدر�سة الفل�سفية يف املغرب والأندل�س، اأعمال ندوة ابن ر�سد، جامعة حممد اخلام�س، كلية الآداب والعلوم الإن�سانية، املوؤ�س�سة اجلامعية للدرا�سات

والن�سر والتوزيع، ط 1 ، �س 129.

)32( ارن�ست رينان: ابن ر�سد والر�سدية، �س 70.

ابن رشد و»قلق عبارة أرسطو«مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

157 العدد األول، ربيع 2013

.)33(

الذي و�سل اإىل احلق الذي ل ي�سوبه باطل

وا�سح يف معاجلة ب�سكل الإعجاب انعك�س هذا وقد

ابن ر�سد مل�سائل املنطق وتبنيه لآراء اأر�سطو اإزاء هذه

جمال لنف�سه ر�سد ابن يرتك مل ثم ومن امل�سائل.

ي�ستقل براأيه عن اآراء املعلم الأول، واأن يتجاوز الأطر

التي و�سعها هذا الأخري، وكان باإمكانه فعل ذلك لو

تراثه له يوفرها التي الآليات يفعل كيف عرف اأنه

ببع�س ينتفع واأن العربية، ولغته الإ�سالمي الفكري

الآراء التي اأبداها بع�س املناطقة والفال�سفة امل�سلمون

قبله التي ثبت �سوابها يف زماننا. لكنه مل يفعل لأنه

وهذا وكامال تاما ولد اأر�سطو منطق اأن يعتقد كان

اأنف�سنا اأجهدنا فقد اأي�سا »ونحن بالقول: عنه ما عرب

وا�ستقرينا الأ�سياء، هذه على انكبابنا زمان ذلك يف

جميع الأقاويل فلم نلق �سيئا يخرج عنها ول ي�سذ اإل

اأو املجمل الب�سيط منزلة اأو الالحق منزلة يتنزل ما

)34(

كيف قال« .

)33( دي بور: تاريخ الفل�سفة يف الإ�سالم، ترجمة عبد الهادي اأبو ريدة، دار النه�سة العربية، بريوت، ط5، 1981، �س 385 -386.

)34( ابن ر�سد: كتاب اجلدل واملغالطة، �س 729 -730 .

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت ابن رشد و»قلق عبارة أرسطو«

158

الإ�سكاليات اإىل الرجوع املفيد من لي�س اأنه

على واملوؤ�س�سة الفل�سفي، الفكر يف التليدة

�سوؤال هل احلرية وهم اأم حقيقة؟.. لأن الفكر الفل�سفي

التي الثنائيات تلك مع اإب�ستيمية قطيعة اأحــدث

قل�ست من حظوظ تقدمه مقارنة مع العلوم التطبيقية.

وبالتايل نحن منذ البداية ل نريد اأن ننخرط يف م�سائل

امليتافيزيقا وعلم الكالم القدمية، خا�سة تلك الأ�سئلة

اأو جمرب؟ هل احلرية فعال الإن�سان حر التليدة: هل

موجودة؟؟ وق�س على ذلك. فنحن ننطلق من قاعدة

نظرية وممار�سة افرتا�سية تتمثل يف كون احلرية حقيقة

التعار�س فك لأجل وذلــك واحــد، اآن يف عملية

التاريخي بني احلتمية واحلرية. فامل�ساألة من حيث البعد

الإن�ساين ل ينبغي اأن تبنى على اأن اإحدى الق�سيتني

يجب اأن تفند الأخرى. اإذ اإن م�سكلة احلرية من خالل

اأنطولوجية كق�سية قدمت الزائف الوعي ت�سورات

يفر�س اإثبات وجودها نفي احلتمية ك�سرط. والفيل�سوف

هرني برغ�سون قد نبه العقل الب�سري اإىل �سرورة اإعادة

نحو العالقة توجيه اأفق �سمن احلرية م�ساألة تاأمل

العرب و�سوؤال احلرية

تاأمالت يف اأوهام الوعي العربي املعا�سر

عبد القادر بوعرفة*

التناغم والتنا�سق بني احلتمية واحلرية. ولذلك حاول يبدو

الذات مالحظة على الذاتي التاأمل بناء الأمر اأول

وبعد جناح لذاتها، الذات ا�ستبطان من خالل عملية

عملية التاأمل يتاأ�س�س الواجب الفل�سفي الذي يتجه

الفل�سفة »واجب الوهم: لعبة خارج احلرية فهم نحو

يظهر لنا من خالل ال�سروط العامة للمالحظة املبا�سرة

الباطنية املالحظة هذه اإن هي، كما للذات والآنية،

غري �سائبة لأنها م�سوهة بالعادات املدجمة. واأن الف�ساد

الرئي�س ح�سل بدون �سك من م�سكلة احلرية - احلرية

)1(

الوهمية - ولي�س من اللب�س بني الدميومة واملدة.«

يلغيها هو الذي تلغي احلرية بل الدميومة ل اإن فكرة

واأ�سبحت حياتنا، يف دجمت اأ التي العادات تلك

ت�سكل عقدا مربما بني الذات والعامل اخلارجي. هذا

قوانينه يفر�س للذات كقاهر املخيال يقدمه الأخري

عليها فر�سا. ولعل هذا العتقاد هو الذي دفع التفكري

الفل�سفي يف عمومه اإىل القول باحلتمية، وحماولة تقدميها

وجود عدم على القاطع الربهان كونها اأ�سا�س على

*اأ�ستاذ حما�سر، ورئي�س ق�سم الفل�سفة، جامعة وهران، اجلزائر.

)1( Henri Bergson، La pensée et le mouvant Essais et conférences، Paris : Les Presses universitaires de France،

collection : Bibliothèque de philosophie contemporaine 1969، P 16.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

159 العدد األول، ربيع 2013

احلرية اأ�سال. فلو تناظر �سخ�سان حول مو�سوع احلرية

اأغلب احلتمية يف لن�سري تكون عادة الدامغة فاحلجة

الأحيان:»لن�سمع نقا�سا بني فيل�سوفني، اأحد هما يوؤمن

باحلتمية والثاين باحلرية، يظهر دائما اأن ن�سري احلتمية

على �سواب، ويبدو دوما اأن الثاين جمرد مبتدئ واأن

يف تكمن الأول حجة قوة لأن )2(

خبري.« خ�سمه

�سل�سلة الوقائع وال�سروط التي تتجه �سوب تفنيد حرية

الذات. بينما حجج ن�سري احلرية تتجه �سوب الأحوال

ال�سعورية، وبالتايل ل تخرج هذه الأخرية عن الفعل

قدمت »احلرية متنوعة: بحتميات امل�سروط الب�سري

لنا دوما كفعل، ويف املقابل اأثبتت احلتمية الكونية من

قبل العلماء على اأنها قاعدة املنهج، ويف العموم قبلت

)3(

من لدن الفال�سفة كعقيدة علمية ل غري.«

حلظة ال�سعوري التوهم وليدا واجلرب احلرية وهم اإن

يفرزه ما وهذا ال�سطحي، الأنا تاأمالت النغما�س يف

واقع العامل العربي اليوم من خالل كرنولوجيا �سوؤال

احلرية، اإذ اأن اأناه ال�سطحي هي املحدد مل�ساألتي احلرية

من اأكرث املعا�سر واقعنا احلتمية يف فاأن�سار واحلتمية،

بينهم مربم ل�سعوريا عقدا هناك لأن احلرية، اأن�سار

التوكل بطابع تت�سم التي والعادات املعتقدات وبني

اأحوال كل على املتعالية القدرة وتغليب والت�سليم

مادية. اأحوال اأو روحية اأحوال كانت �سواء الإن�سان

لقد اأ�سبحت احلتمية يف حياتنا كامل�سطرة متاما، فكل

جهال اأو كفرا يعتربا امل�سطرة القواعد عن خروج

م�ستوى على ومتردا وع�سيانا العقيدة، م�ستوى على

ال�سيا�سة. ويف املقابل اأن توهم احلرية هو نف�سه ينبلج من

فاملراهنة على مقولة الأحوال ال�سطحي، الأنا جتليات

والأفعال الإرادية ي�سدم بظواهر املوت والعجز والهرم،

اأو بظاهرة احلظ والف�سل. والفكر العربي املعا�سر حني

ينخرط يف تاأمل احلتمية العلمية ينتج حتمية لل�سلوك

لقد العربي. املجتمع على �سلبا تنعك�س الب�سري

والقدر بالق�ساء املواطن اإميان العلمية احلتمية زادت

و�سلطة املكتوب واهلل غالب على اأمره. بينما كان من

احلتمية درا�سة عند العربي الفكر يتجه اأن الأف�سل

العلمية على اأنها ملزمة للحرية ل نافية لها، واأن لي�س

هناك تناق�س بني ما يفر�سه الفعل الب�سري من اختيار

للقانون الفيزيائي من جرب وانقياد وما يفر�سه احلدث

اأ. فتحي الرتيكي اأو ال�سرط. ونحن ن�ساند وجهة نظر

»ول واحلتمية: احلرية م�ساألة يعقلن اأن حاول حني

بد اأن ن�سري هنا اإىل اأن احلتمية العلمية املفندة لوجود

احلرية يجب األ نخلطها باجلربية على امل�ستوى الديني،

اأن احلتمية.اأي يف �سالتها جتد قد اجلربية كانت واإن

برون�س�سفيغ ح�سب اجلربية يف حتما ت�سب احلتمية

التي احلرية يف لنظريته اأعطى كانط اأن اعترب عندما

)4(

تريد اأن تكون كو�سمولوجية اجتاها ثيولوجيا.«

تلك نتخطى اأن ميكن ل العربي العامل يف ونحن

اجلدلية القدمية اإل اإذا نظرنا اإىل املو�سوع نظرة تركيبية

بحتة، اأي اأن نحل اإ�سكال التعار�س املوهوم بني احلرية

واحلتمية. ومن ناحية اأخرى ل بد اأن ن�ستفيد من الدر�س

الأ�سعري القدمي حني فك التعار�س بني احلرية واجلرب

من خالل نظرية الك�سب، ولكن قد ن�ستفيد اأي�سا من

جتربة هرني برغ�سون حني فك التعار�س احلا�سل بني

احلتمية واحلرية على اأ�سا�س املماثلة التقليدية:»العالقة

اإىل ي�سري فاجل�سم )5(

واجل�سم.« الروح بني القائمة

احلتمية والروح اإىل احلرية ، وبالتايل ل ميكن القول اأن

احلرية منافية للحتمية اأو العك�س، مثلما ل ن�ستطيع اأن

نف�سل بني اجل�سد والروح. فنحن نعلم جيدا اأن الروح

املكان، لها يوفر الذي اجل�سد دون تبقى اأن ل ميكن

)2( Ibid، P 22.

)3( Henri Bergson، La pensée et le mouvant Essais et conférences، P 45.

)4( الرتيكي، فتحي، العقل واحلرية، دار ترب الزمان، تون�س، 1998، �س90.

)5( Henri Bergson، La pensée et le mouvant Essais et conférences، P 45.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت العرب وسؤال احلرية

160

خ�سع اإذا اإل كذلك يكون اأن ميكن ل واجل�سد

للقواعد والقوانني التي ت�سطرها احلتمية ) البيولوجية،

الفزيولوجية..(

اإىل الفل�سفي الفكر يوجه اأن برغ�سون ا�ستطاع لقد

التناق�س م�ساألة طرح بعدم تتعلق جوهرية نقطة

التفكري لأن فل�سفية كم�سكلة واحلتمية احلرية بني

الفل�سفي املبني على احلد�س وال�ستبطان ح�سم الأمر

القول ميكن اأو كامال، تتنا�سقا متنا�سقان اأنهما على

اأنهما يعي�سان حالة تناغم.

ونحن يف العامل العربي ما اأحوجنا القول اأنه ل تناق�س

الختيار، على الإن�سان وقدرة والقدر الق�ساء بني

ذاتها الغاية نحو يتجهان امل�سري وتقرير املكتوب واأن

امل�سري تقرير اإن اخللق. فكرة حكمة �سمن املحددة

يجد الق�ساء اأن كما الق�ساء، يف مو�سوعه يجد

وبالتايل والأكل، متاما كاجلوع مو�سوعه يف الختيار

اجل�سد الروح.

ومن خالل ما �سبق فال�سوؤال الذي نفرت�سه كم�ساءلة

يتمثل يف مقولة ما مدى ممار�سة املواطن العربي للحرية؟

املعا�سة يف احلرية الأوهام؟ وهل وما مدى حترره من

اأن العرب اأم ال�سارع والواقع تعرب عن ماهية احلرية؟

مل ي�سعوا بعد �سوؤال احلرية �سمن التجربة اليومية؟ اأم

اأن الظروف ل زالت مل ترق باملواطن العربي اإىل اأفق

فهم م�سامني احلرية؟

1. �سوؤال احلرية واخلبث االإيديولوجينقر بكرثة الأ�سئلة املرتبطة مبفهوم احلرية �سمن بالزما

املخيال يف ارتبطت م�ساألة فاحلرية العربية، الثقافة

التي الكربى والثورات التحرر بحركات العربي

عرفها العامل العربي يف مطلع القرن الع�سرين، وبالتايل

من التحرر مب�ساألة غالبا يرتبط احلرية مفهوم اأ�سبح

العدو اخلارجي، فالإكراه الأوحد ب�سورة عامة يتمثل

قبل من املوجهة الثقافة وحتى الآخر، اإكراهات يف

قرنت العربية الدول من لكثري الر�سمية ال�سلطات

احلرية مبفاهيم ال�ستقالل، واأ�سبح ال�سارع العربي يربط

مفهوم احلرية بال�ستقالل فقط. وعليه كان هذا الفعل

الإيديولوجي من اأهم الأدوات التي جعلت احلرية ل

تتبلور يف م�سامني احلياة اليومية للمواطن العربي، لقد

قتلت الإيديولوجيا العربية كل وعي باحلرية، واأ�سبح

حرية ل الثوري، العمل بنتائج مرتبطا احلرية مفهوم

خارج الثورة، ول حرية خارج ال�سلطة، واحلرية جمرد

حلظة يف التاريخ تتوقف عند طرد الآخر.

يحمل اأوجه، احلرية جعلته حمال م�سطلح مرونة اإن

يف تقيدها اأو ح�سرها ميكن ل ما ــدللت ال من

املدونات املفاهيمية، ولقد �سدق مونتي�سكيو يف كتابه

)روح القوانني( حني قال: »لي�س هناك م�سطلح تلقى

من الدللت املختلفة اأكرث مما تلقاه م�سطلح احلرية«.

انزياحا املفاهيم اأكرث احلرية تعترب اأخرى جهة ومن

كرثة من النا�سئ الوهم نتيجة الكاذبة الفكرة نحو

التاآويالت الدينية لها واملمار�سات ال�سيا�سية :» وهناك

تتجه التي ) PSEUDO IDEE ( الكاذبة الفكرة

والوهم اللب�س يكون كما والالو�سوح الغمو�س نحو

اأبرز مظاهرها، واأغلب م�سادرها الفكر ال�سيا�سي املوؤدلج،

)6(

والتاآويالت الدينية لكثري من الن�سو�س املقد�سة.«

تكون الكاذبة الفكرة اأن الو�سع ماأ�ساة يف يزيد ومما

اأكرث انتقاما من معتنقيها، ثم اأكرث خذلنا ملروجها.

)6( عبد القادر ، بوعرفة ، احل�سارة ومكر التاريخ ، ريا�س العلوم للن�سر ، اجلزائر، ط 1، 2006، �س 16.

العرب وسؤال احلريةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

جعلته احلرية م�سطلح مرونة اإن

حمال اأوجه، يحمل من الدللت

يف تقيدها اأو ح�سرها ميكن ل ما

املدونات املفاهيمية.

161 العدد األول، ربيع 2013

الإن�سان تروي�س على الكاذبة الإيديولوجية تعمل

تروي�سا �سيا�سيا، لعتقادهم اأن من مقت�سيات احلكمة

العملية اأن يح�سن الرعية الطاعة واأن ميتثلوا للمت�سلط

امتثال مطلقا، لذا طفق بع�س املفكرين وال�سا�سة على

عن الرعية �سرف بغية العار�س احلرية وهم ا�ستثمار

كنه احلرية والتحرر، وبالتايل كانت الفكرة الكاذبة تقدم

احلرية ك�سعار منمق باللفظ ال�سحري والعبارات الرنانة

تئد كانت املمار�سة اأن بيد احلر، ال�سعب ومقولت

اإرادة الإن�سان حتت عتبات اأوهام الوثن ال�سيا�سي.

خارج نفهمها اأن ميكن ل فاحلرية اأخرى جهة ومن

التجربة الفردية، فكل فرد يتمثل اإما احلرية اأو نقي�سها،

اجلماعة جمال �سمن احلرية فهم فمحاولة وبالتايل

نتعامل اإننا احلرية. م�ساألة البحث يف م�سروعية يفقد

باروخ قال وكما خا�سة، طبيعة ذو اإن�ساين ذوق مع

�سبينوزا اأن فر�س الأذواق على النا�س عمل اعتباطي

ينم عن جهل بطبيعة الب�سر، فكذلك نقول اأن فر�س

مفهوم ما عن احلرية ينم عن جهل لي�س بطبيعة الب�سر

فح�سب بل ببنية �سعور الفرد كذلك.

اإىل واملثاقفة باملعاي�سة ترتقي فردية م�ساألة احلرية اإن

الدور واملخيال ال�سعور ويلعب واأمة، جمتمع م�ساألة

متنوعة، ممار�سات عنها تنتج كفكرة بلورتها يف الهام

الآخر والبع�س املوت بعد ما بفكرة بع�سها يرتبط

بلحظة احلياة. لكن لبد منذ البداية اأن ل ننخرط يف

لأن يريد، ما الإن�سان يفعل اأن هي احلرية اأن مقولة

هذا التعريف مناف للحرية، فهو يحاول اأن يقوي فكرة

نعلم ونحن املدين. احلق مقولة على الطبيعي احلق

هوبز توما�س العقد الجتماعي خا�سة عند نظرية اأن

اعتربت احلالة املدنية هي اأف�سل من احلالة الطبيعية،

البقاء لالأقوى الطبيعية تفر�س منطق اأن احلالة ذلك

يف حني اأن احلالة املدنية تفر�س البقاء لالأ�سلح.

انتقد اأفالطون احلرية الدمياغوجية واعتربها من مولدات

الف�ساد داخل املدينة، لأن ف�ساد الفرد يوؤدي اإىل ف�ساد

اجلماعة بال�سرورة، ومن جهة اأخرى يفقد الفرد كينونته

الإن�سانية نتيجة انخراطه الكلي يف عامل الفو�سى:»...

للرغبة اخل�سوع يف اأيامه من يوم كل يق�سي وهكذا

التي تعر�س له: فهو يف يوم يثمل على اأنغام املو�سيقى،

ويف يوم اآخر يقت�سر على �سرب املاء ويحاول يف غذائه

تدربا نف�سه يدرب تارة وهو وزنه. من �سيئا يفقد اأن

ريا�سيا عنيفا، وتارة اأخرى يركن اإىل اخلمول و ل يفعل

)7(

�سيئا...«

اإن ال�سارع العربي من خالل متثله ملفاهيم احلرية يكاد

ل يخرج عن الفهم ال�ساذج للحرية كم اأ�سار اأفالطون

تخرج مل للحرية الغربية الدعاية اأن ذلك اأعــاله،

الدولة مقومات كاأحد الفردية للحريات الرتويج عن

ملفهوم الرتويج يكون اأن الأمر والغريب يف احلداثية،

The wave of احلرية �سمن م�سروع موجة احلرية

الأمريكية، الأنتلجن�سيا قبل من املقدم freedomمبنيا على حرية الغريزة اأكرث من اأن يكون مبنيا على

هو الراهن الو�سع هذا ولعل والهمة. الإرادة حرية

نتمثل التايل: كيف ال�سوؤال علينا طرح فر�س الذي

احلرية �سمن حركية الوعي العربي و�سوؤال احلرية ؟؟

)7( اأفالطون، اجلمهورية ، تعريب : فوؤاد زكرياء، دار الوفاء لدنيا الطباعة والن�سر، الإ�سكندرية، 2004، �س 462.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت العرب وسؤال احلرية

ترتقي فردية م�ساألة احلرية اإن

م�ساألة اإىل واملثاقفة باملعاي�سة

ال�سعور ويلعب واأم��ة، جمتمع

بلورتها يف الهام الدور واملخيال

ممار�سات عنها تنتج كفكرة

متنوعة.

162

2. احلرية واملخيال العربي حني نعالج م�ساألة احلرية ل نريد اأن مناأ�س�سها – البناء-

فبني العرب، واملفكرون الفال�سفة له نظر ما على

التنظري واملعاي�سة مفارقة كبرية جدا، كما اأن اخلطاب

الفل�سفي بعيد بعدا تاما عما يدور يف ال�سارع العربي،

فلي�س هناك ح�سور ملفاهيم احلرية باملعنى الأنواري اأو

الراأ�سمايل احلايل ول حتى مبعناها العتزايل.. فاحلرية

اأن ميكن ول اجلماعي الوعي عن متعالية الفل�سفية

تفهم اإل من قبل اخلا�سة، فاحلديث عن احلرية �سمن

يفر�س اليومية احلياة ومنطق اجلماعات مقولت

احلديث عن التمثالت واملخيال. فاملخيال العربي مل

يتحرر بعد من مفاهيم احلرية كفعل دموي ينتهي يف

الأخري اإىل حترر من طرف ما، وبعدها يدخل امل�سروع

الوعي يذهب بل اخلانقة، الإيديولوجيا �سكونية يف

اللحظة مقولت يف جتديد اأي اأن اعتبار اإىل املزيف

الثورية هو خروج عن احلرية، فالتغيري والتجديد ي�سبح

من اأ�سداد احلرية لأن املخيال العربي يت�سبث باللحظة

هو الأمنوذج ذلك عن خروج اأي اأن ويرى املا�سوية

ت�سيع ملعنى احلرية وبالتايل فقدان احلرية.

اإن ربط احلرية باللحظة الثورية يف الوعي العربي لزال

هو الذي يقتل كل متثل جديد ملفهوم احلرية، فالتغيري

مرفو�س لأنه يف اعتبارات الوعي الزائف حركة م�سادة

ي�ستطع مل املنطلق هذا ومن ال�سرعية، احلرية �سد

ال�سارع العربي اأن يتمثل مفهوما جديدا للحرية، وحتى

اجلماعات املتمردة على وعي اللحظة الثورية ل تنتج

متثال جديدا للحرية فهي حتاول اأن متار�س خالل متردها

متثال للحظة ثورية اأخرى تختلف عن املتمرد عنها فقط

يف البعد الإيديولوجي. فعملية ال�ستبدال ل تنم عن

وعي متقدم كما يريد الداعون اإليه بل كل ا�ستبدال

مرهون بفهم منعك�س جراء �سرط اإيديولوجي خمالف.

اإحداث تغيري لكنه يف اإىل يوؤدي هذا ال�ستبدال قد

احلقيقة ل يرتجم بال�سرورة وجود وعي اإيجابي ملعنى

احلرية اأن نالحظ الدائرة هذه خالل ومن احلرية..

تبقى دوما �سمن نطاق الوعي ال�سلبي والرد النفعايل

ل باأخرى ثورية حلظة فا�ستبدال العربي، للمواطن

تعي�س دوما تظل العربية الذات لأن امل�سكلة يحل

�سمن اجلرب والإكراه، ل نق�سد باجلرب مقولت الق�ساء

وجرب الزائف الوعي اكراهات نق�سد بل والقدر

الإيديولوجيات القاتلة.

اإذن لي�س هناك حراك �سمن التجربة اليومية للمواطن

تعك�س لال�ستقراء قابلة باعتبارها فاملمار�سة العربي،

عدم ممار�سة لأي فعل حر، فاملواطن العربي من حيث

اللحم من كتلة جمرد يظهر واملمار�سات العادات

ت�سري دون اإرادة، فكل ما يقوم به الإن�سان العربي هو

منعك�سات �سرطية لإكراهات ال�سلطة احلاكمة واملتبقي

يعود اإىل اإكرهات البيت والغريزة.

فاحلرية معبودة، لأ�سنام الثورة( ( الزعماء لقد حتول

الزعيم فيه د�سن التي اللحظة بتلك مرتبطة عندئذ

املحلي حركة التمرد على الآخر، وبالتايل يتوقف نهر

احلرية يف ذلك امل�سب. اإن الرتباط بالأفراد منذ القدم

اأن ال�سنمية كان �سد الوعي الإيجابي للحرية، ذلك

الذكورية تفقد الذات روؤية العامل بعيون خمتلفة. ومبا

اأغلبها مبنية على �سلطة الأفراد اأن اجلماعات العربية

فهي ل تنتج متثالت عن احلرية. ولذا جند الدول العربية

منذ ع�سر اليقظة مل تتغري نظرتها للعالقات ال�سيا�سية،

مرتبطة تبقى اأن بد ل والرعية الراعي بني فالعالقة

املدونة يف احلرية وبالتايل واخلنوع، الطاعة مبفهوم

العرب وسؤال احلريةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

الثورية باللحظة احلرية ربط اإن

يف الوعي العربي لزال هو الذي

ملفهوم جديد متثل ك��ل يقتل

فالتغيري مرفو�س لأنه يف احلرية،

حركة الزائف الوعي اعتبارات

م�سادة �سد احلرية ال�سرعية.

163 العدد األول، ربيع 2013

احلاكم وتخلي ال�سلطة نهاية تعني العربية ال�سيا�سية

عن اأهم �سفاته واملتمثلة يف الطغيان الذي يقوم على

نزع العرتاف بالقوة من الآخر بالتبعية والطاعة. ولذا

اأنظمة احلكم العربية جند ما يربر ثورة الكواكبي على

للحرية �سلبا الأنظمة اأكرث اعتربها من والتي احلديثة

ومقومات الكرامة الإن�سانية ، لأنها تعمل مطلقة العنان

فعال اأو حكما ، وتت�سرف يف �سوؤون الرعية كما ت�ساء

)8(

بال خ�سية ح�ساب ول عقاب.

اإن املخيال ال�سعبي ل يجدد ول يتجدد، فاحلرية هي ما

يراها الزعيم فقط، وبتلك تفقد الذات العربية جاذبية

التمركز وتتجه نحو جاذبية املركز، والفرق بني التمركز

املو�سوع، الذات من يجعل التمركز فعل اأن واملركز

وت�سبح هي التي توجه انفعالتها نحو ما تريد اأن يكون

حتى ولو كان خمالفا ل�سلطان العادة والعرف والقانون،

اأما حالة املركز فهي اجنذاب الذات نحو مو�سوع خارج

عن تعرب نف�سها ل على دورانها الأر�س يف اإن عنها.

حركة اإرادية بل هي حركة حتمية تتحكم فيها عوامل

كونية.

وكذلك الإن�سان العربي يعتقد اأن دورانه امل�ستمر حول

ذاته من باب الفعل الإرادي ولكنه يف احلقيقة دوران

اأن ن�سبهه بدوران الثور حول الناعورة، ق�سري، ميكن

مو�سم بعد التقليدي الدر�س الدواب حلظة بع�س اأو

احل�ساد.

النقي�س؟ على دليال املخالف احلزبي النتماء هل

ملا نق�سا املتطرفة الإ�سالمية اجلماعات ظهور وهل

اأقول؟ وهل احتقان ال�سارع العربي �سورة مفارقة عم

هو كائن؟

اإن الذات العربية يف عملية ال�ستبدال ل تخرج عن

لالإيديولوجية خمالف حزب فوجود موجه، وعي

ملفهوم جديد متثل هناك بال�سرورة يعني ل ال�سلطة

احلزبي فالنتماء الت�سلطية، الأحادية من التحرر

نف�سه هو حماولة ا�ستمناء خارج اللعبة املحكمة، وقد

ت�سبح اللعبة ذاتها من �سناعة الوعي القهري، فاأغلب

من تخرج ل العربي العامل يف املعتمدة الأحــزاب

الثورية، اأبجديات حزب اللحظة حيث امل�سامني عن

فهي جمرد �سور جمهرية، جتذب اإليها بع�س املواطنني

يف لكن وامل�سلحة. واجلهة القبيلة اإكرهات نتيجة

والتقيد الب�سرية الأ�سنام عبادة �سمن تقع الأخري

بامل�سمون الإيديولوجي.

ذوات ينتج الأحيان غالب يف احلزبي النتماء اإن

اليومية اأن�سطتها يف تفقد موجهة ذات وكل موجهة،

النخراط ارتباط ذلك على والدليل احلرية، معنى

ممار�سة اأن ثم اأول، بالولء العربي الوطن يف احلزبي

احلمالت اأ�سهرها ق�سرية حلظات يف تتجلى النتماء

النتخابية.. ثم تنعدم وتركن للبيات ال�ستوي اإىل حني

موعد انتخابي اآخر.

�سح هل حقا اأن النتخاب دليل على احلرية؟ وهل الرت

مظهر من مظاهر التحرر ؟

اللعبة مظاهر خالل من يحاول القهري العقل اإن

واأن والتحرر، احلرية مقولت يبني اأن ال�سيا�سية

العملية خالل من تنعك�س احلرية اأن لالآخر يربهن

املبنية الدعائية املدونة ذلك يف ودليله ال�سيا�سية،

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت العرب وسؤال احلرية

اإن العقل القهري يحاول من خالل

يبني اأن ال�سيا�سية اللعبة مظاهر

واأن والتحرر، احلرية مقولت

تنعك�س احلرية اأن لالآخر يربهن

من خالل العملية ال�سيا�سية.

)8( الكواكبي، عبد الرحمن، الأعمال الكاملة للكواكبي، حتقيق: حممد جمال طحان، مركز درا�سات الوحدة العربية، بريوت، ط 1، 1995، �س 437.

164

العربي املواطن وكاأن والنتخاب، الرت�سح حق على

ل يعانق احلرية اإل حني ينتخب اأو يرت�سح، ولكن يف

كلتا احلالتني فالأمر معكو�س، فالرت�سح جمرد حتريك

جمرد العربي العامل يف فاملرت�سح ال�سطرجن، لأحجار

والإميان والنتماء الولء منطق �سمن يتحرك بيدق

مدفوع العربي والناخب كمرجعية. الثورية باللحظة

اأن خا�سة النتخاب، �سندوق اإىل والقهر باخلوف

املواطن مبواطنة وتوؤمن ورقية، اأنظمة العربية الأنظمة

حني تكون ورقة النتخاب حتمل دلئل الطاعة. ومن

جهة اأخرى هو مدفوع لالنتخاب نتيجة اجلهل والوعي

ر�سمها التي الب�سرية الأ�سنام بقدرة والإميان الزائف

واإعادة متكني الإيجابي التغيري اإمكانية يف خمياله يف

اللحظة الثورية من التجدد.

اإننا من خالل درا�سة التجارب اليومية لالأفراد نالحظ

حول الإيجابي الوعي مقومات لأدنى كلي غياب

م�سمون احلرية، بل الغرابة يف الأمر اأن حتى املفاهيم

ال�سطحية للحرية ل ميكن اأن ن�ستثمرها يف املمار�سات

اليومية، فمقولة اأن احلرية هي اأن يفعل الإن�سان )اأنا( ما

ي�ساء غري متبلورة متاما، فال�سارع العربي يعك�س مقولة

اأخرى هي اأن يفعل ما ي�ساء)هو(.

الأمر بل فقط، ال�سيا�سي باجلانب مقرتنا الأمر لي�س

بتاريخه العربي املواطن مرتبط بكل اجلوانب. فعالقة

البطولت اأن�سع ي�سور فالتاريخ �سحرية، عالقة

والأجماد، وبالتايل ال�سلف قمة الوعي احل�ساري. واأن

تاريخ الأمة العربية تاريخ م�سرف وتلك من م�سادات

مفهوما ت�سبح عندئذ احلرية لأن الإيجابي الوعي

مل�سكالت كحل املا�سي يتمثل اأن يحاول �سحريا

وعي هو احلرية من حيث مفهوم اأن ع�سرنا يف حني

بال�سرورة يفر�س التقدم نحو اأفق جديد.

يجب اليوم اأن نعيد ت�سكيل املخيال العربي والإ�سالمي

على النماذج املحركة والفعالة يف خلق همم الرجال،

فعمر بن اخلطاب ل بد اأن ن�ستدعيه اليوم يف خميالنا

الجتماعي لنوؤ�س�س جبهة الدفاع عن حقوق الإن�سان

املحروم من احلرية:»ول جند كلمة اأكرث دللة عن روح

الدميقراطية املنا�سلة يف الرتاث الإ�سالمي اأعظم مـن

قال حني اخلطاب ابن عمر العظيم اخلليفة كلمات

متى الأر�س: فوق واملعذبني امل�سحوقني عن دفاعا

.)9(

اأحرارا« اأمهاتهم ولدتهم وقد النا�س ا�ستعبدمت

جور على الثائر الغفاري ذر اأبي �سورة وا�ستح�سار

العربي املواطن لتحرير القبيلة �سروري الولة وحكم

من عقدة اخلوف التي ورثها الوعي العربي منذ حلظات

ال�ستبداد الأوىل التي �سجلها التاريخ واملخيال وكانت

اأعنفها حلظة �سيف احلجاج ثم �سيف املعز.

واملخيال ل يقف عن مرحلة متثل احلرية والدعوة اإليها

بل كذلك �سور احرتام احلرية كمفهوم وجتربة فردية،

التي تلك فقط لي�ست احلرية اأن ذلك من ونق�سد

تتعار�س التي كذلك احلرية بل وم�ساحلنا تتما�سى

وم�ساحلنا، عندئذ من احلرية احرتام ما تفر�سه احلرية

�سقراط ن�ستثمر اأن املجال ميكن هذا التزام، ويف من

احلكيم الذي رف�س احلرية والنجاة من الإعدام بحجة

اأن فراره من ال�سجن هو �سد مبداأ احلرية، فخيانة املبادئ

وجودها:»اإذن، فيقوي احرتامها اأما القيم كل تقتل

)9( النا�سر خالد، و اآخرون، الدميقراطية وحقوق الإن�سان يف الوطن العربي مركز درا�سات الوحدة العربية، ط 4، بريوت 1998، �س 91.

العرب وسؤال احلريةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

الكامل التاريخ م��ق��ولت اإن

العربية ال���ذات واق��ع م����ت اأز

تبني العربية ال��ذات وجعلت

على موؤ�س�سة �سحرية، ع��وامل

الأكرث التاريخية ال�سخ�سيات

تفعيال وح�سورا يف املخيال.

165 العدد األول، ربيع 2013

اإرادة غري على هنا من خرجنا اإذا هذا.. على بناء

اأهل املدينة، اأفلن نفعل �سوءا يف حق البع�س، يف حق

األ نفعل يف الواجب الذين كان من اأنف�سهم. هوؤلء

حقهم �سوءا على الإطالق اأم ل؟؟ وهل �سنبقى على

)10(

ما اتفقنا على اأنه عدل اأم ل؟«

الكامل التاريخ ومقولة احلرية .3مت واقع الذات العربية اإن مقولت التاريخ الكامل اأز

موؤ�س�سة تبني عوامل �سحرية، العربية الذات وجعلت

وح�سورا تفعيال الأكرث التاريخية ال�سخ�سيات على

يف املخيال، ف�سخ�سية �سالح الدين الأيوبي التحررية

ترتبط هي الأخرى باللحظة الدموية فقط، بيد اأن �سالح

الدين الأيوبي يعترب در�سا يف احلرية والتحرر لي�س فقط

يف بعده التاريخي بل يف بعده الإن�ساين والجتماعي.

اإن هذا الت�سور ل�سخ�سيات التاريخ العربي يقتل معنى

�سخ�سية يكون اأن يحاول عربي مواطن فكل احلرية

تاريخية ما، ل اأن يكون هو ال�سخ�سية املحورية.

اأول املدر�سية املدونات �سمن يقدم كما التاريخ اإن

الذوات يف يطم�س ثانيا الدينية املدونات و�سمن

العربية مالمح ال�سخ�سية املتحررة، لأن التاريخ يتمحور

العظماء يف قالب ي�سوق الكامل، وي�سور حول فكرة

حماكاته. با�ستحالة العتقاد اإىل له املتاأملة الذات

فالذات املتلقية ت�سعر بالنق�س واملو�سوع املقدم كامل،

وبالتايل كيف ميكن للناق�س اأن يتمثل الكامل يف بوؤرة

وعي حمكومة بالتوجيه القهري.

ملفاهيم واملمار�سة التحرر لفعل الواعية ال�سعوب اإن

احلرية تخلق يف ذاتها �سور البطولة بعيدا عن النماذج

اأطر �سمن التاريخ ير�سم املتقدم فالوعي التاريخية،

املمكن واملحتمل وكذا �سمن اأطر النق�س والكمال.

لي�س هناك يف التاريخ مثال كامل، فكل الأمثلة �سواء،

الفرق اأن املثال ا�ستطاع يف حلظة تاريخية حمدودة اأن

يفر�س �سروط الفعل احلر.

واملجتمعات الغربية لو اأخذنا بع�سها كمثال عن التمثل

الواعي مل�سامني احلرية نالحظ اأن ذلك التمثل لي�س

جملة عن ناجت هو بل فقط، الأنــوار ع�سر نتائج من

القطائع التي و�سعها العقل الغربي مع كثري من حقول

يف ممار�سة احلرية اأن اأقول اأن اأريد ل واحلياة. املعرفة

الغرب واأن ال�سارع الغربي يتنف�س احلرية كما ي�سورها

الغرب احلرية �سيقة يف ممار�سة اأن اأقول بل الإعالم،

احلرية ممار�سة لكن الأفــراد، جتاه الإكراهات لكرثة

لي�س املوؤ�س�ساتية. التجربة خالل من ن�ست�سفها قد

بال�سرورة ربط احلرية بالأفراد لكن من ال�سروري ربط

احلرية باملوؤ�س�سات. وبالتايل نحن اأمام ظاهرة �سحية يف

الغرب تنعدم ظواهرها يف بلدان العامل العربي.

اإن ربط احلرية كممار�سة باملوؤ�س�سة يتيح للدولة ت�سكيل

املوحدة يف حني الغايات نحو يتجه عقل كلي واعي

اأن احلرية عندما ترتبط بالأفراد ت�سكل عقال ذريا يتجه

امل�سلحة تفر�سها التي الكربى الغايات تفتيت نحو

العامة ملجموع املواطنني.

4. احلرية ورهانات الفكر الديني اإن اأكرب عائق يعيق عملية متثل احلرية كم�سروع فردي

الديني الوعي اأنتجه ما العربي ال�سارع يف وجماعي

غري املوؤ�س�س من ت�سورات عن احلياة وامل�سري، ونق�سد

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت العرب وسؤال احلرية

اإن ال�سعوب الواعية لفعل التحرر

تخلق احلرية ملفاهيم واملمار�سة

عن بعيدا البطولة �سور ذاتها يف

النماذج التاريخية.

)10( اأفالطون، حماورة اأقريطون ، تعريب : عزت قرين، دار قباء للطباعة والن�سر والتوزيع، القاهرة ، ط 2، 2001، �س159.

166

واحلتمية، اجلرب فكر على القائم ال�سعبي الإ�سالم

الإن�سان ي�سد منطق اأمره.« على غالب فمنطق:»اهلل

ل م�سكلة وتلك واحل�سارية، التاريخية العطالة نحو

على موؤ�س�سة كبنية هو حيث من بها للدين عالقة

ليحرر جاء فالدين التنويري، والتاأويل الن�سو�س

العباد، ومن اإىل عبادة رب العباد الإن�سان من عبادة

الأنا �سلطة اإىل الأ�سياد و�سلطة الأج�ساد عبودية

وال�سمري و�سوت احلق يف ذات كل اإن�سان. اإن الدين

امل�سلة ال�سقوط يف هاوية احلتمية الإن�سان يحرم على

لكل تفكري وفعل.

ونحن كلنا نتفق اأن احلرية من حيث العموم هي حالة

الإن�سان طاقات تكبل التي القيود بع�س من التحرر

معنوية، قيودا اأو مادية قيودا كانت �سواء واإنتاجه

كالتخل�س من العبودية ل�سخ�س اأو جماعة اأو حزب اأو

اأ�سرة، اأو التخل�س من ال�سغوط والإكراهات املفرو�سة

الإن�سان. يف الإرادي الفعل تعطيل نحو جتنح التي

اأ�سال، اأن مفهوم احلرية يقرتن مبيالد الإن�سان ونعتقد

هي كما الإن�سان حقوق من حق احلرية وت�سبح

ال�سيا�سي املجال يف كاحلريات التنوع، لظاهرة قابلة

والقت�سادي والثقايف...

من احلرية قتل هو املعا�سر واقعنا يف الغريب والأمر

قبل بع�س الدعاة واأئمة الفكر اأ�سال، وذلك عن طريق

بفتوى حقوله كل يف الديني التجديد فكرة رف�س

اأن الدين كامل، واأن ال�سلف ا�ستطاع اأن يقنن ويفهم

�سكل يف الدين، وبالتايل اأي اجتهاد هو جتروؤ اأ كل ما

على ال�سلف والدين. هذا املنطق املنغلق على ذاته ل

يفهم اأنه �سكل من اأ�سكال املحافظة على الدين بل هو

�سكل من اأ�سكال الوعي الزائف الذي ميار�س اجلربية

واحلتمية، وير�سم حياة الإن�سان ر�سما ريا�سيا. فالإتباع

بدون وعي الإتباع اأن بيد الناجح املنهج نظره هو يف

اخلطاب بن عمر كان لقد الإن�سان، م�سروع قتل هو

»اإن بقوله: املتحجرة العقول تلك يخاطب �س( (

اأن يعنى وهذا ع�سركم.« غري لع�سر خلقوا اأولدكم

قاعدة اأن حيث من مرفو�س منطق اللتزام منطق

القطعي. دائرة اأ�سمل من الإ�سالم والظني يف املباح

خا�سة اجتهادات يفر�س ع�سر كل ي�سبح وعندئذ

تتما�سى وقيم الع�سر.

من اكت�سبوها التي بثقافتهم مرتبط ال�سلف فهم اإن

من نابع واجتهاد تاأويل فكل وبالتايل ع�سرهم وحي

اأمة م�سري قيد اأ اأن يعقل فهل الفهم. حرية ممار�سة

بالكامل بفهم زيد اأو عمر. اإن التبعية لل�سلف تع�سف

ال�سلف( ال�سابق) ي�سور فهو للذات، وقتل تاريخي

على اأنه الكامل والالحق )اخللف( على اأنه الناق�س،

وتلك هي الو�ساية التاريخية، وكل و�ساية �سد م�سروع

احلرية.

ويقراأ ال�سلف تاأويالت عن يعزل عندما الدين اإن

الن�س اخرتاق بقوة الذات ميد م�ستقلة كن�سو�س

وفهمه، وبالتايل الن�س ذاته يفر�س على الإن�سان حترير

ذاته من الفهم املوجه.

اإن حركة التنوير والتثوير الديني يف مطلع القرن التا�سع

ع�سر كانت تهدف اإىل حترير العقل من اجلهل والتقليد.

ديني كم�سروع باحلرية الوعي بداية فعال هي وتلك

قبل اأن تكون م�سروع فردي اأو اجتماعي.

اإن احلرية يف الواقع املعا�سر ل بد اأن تتجلى من خالل

تقدمي فهم جديد للقراآن وال�سنة، فهم ل يلغي ما �سبق

بل يزيد وي�سيف اإليه ما ا�ستغلق على ال�سلف فهمه،

ثم يتجلى يف ترقية الجتهاد الدين وتفعيله على كل

اأن ميكن ل العربي الوطن يف احلرية اإن امل�ستويات.

ينية د ثورة ظل يف اإل كم�سروع النجاح لها يكتب

كربى لأن احلرية من حيث الق�سد هي نتيجة لثورة ما

ب�سرط اأن ل توقف م�سروع احلرية حلظة انت�سارها.

ل ميكن للفل�سفة اأن توؤ�س�س الوعي باحلرية لدى املواطن

العربي نظرا ملكانتها النخبوية، وبالتايل فالفكر الديني

العرب وسؤال احلريةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

167 العدد األول، ربيع 2013

اأن وميكن الأمة. ل�سالح وجه اإذا الرئي�س العامل هو

ابن نا�سل فلقد التاريخ، خالل من ذلك ن�ست�سف

تكون مدينة بناء اأجل من والفيل�سوف الفقيه ر�سد

الغاية الكربى فيها هي الإن�سان: »اإن ابن ر�سد يبحث

عن مدينة الإن�سان الكامل والنامو�س الفا�سل، وعن

املدينة التي يغيب عنها وحداين الت�سلط الذي اأنهك

النوامي�س والعقائد. مدينة بال واأف�سد العباد والبالد،

دين وعلماء بفال�سفة بل العامة، فقهاء ول متكلمة

متنورين، ل يجعلون ظاهر ال�سرع مق�سدهم. اإنها مدينة

والعدل، احلرية له وتوؤمن نف�سه، الإن�سان فيها يجد

)11(

وامل�ساواة الجتماعية.«

والقول ال�سابق يرجعنا اإىل فل�سفة املعتزلة والأ�ساعرة،

فاملعتزلة قد�سوا احلرية من منطق اأن ال�سيا�سة ارتبطت

لأن عليكم »اأنا منطق: من نحررها ولكي باحلتمية،

اهلل اأراد ذلك« كان ل بد اأن يفهم امل�سلم: »اأنت تريد

ونحن نريد وما يكون اإل ما نريد اإذ كنا نعي حقا معنى

يف �سميمي جوهر الإرادة ت�سبح وبالتايل الوجود.«

الإن�سان. كما اأن نظرية الك�سب عند الأ�ساعرة حتاول

اأن تتو�سط بني احلرية واجلرب.

احلرية، دعاة من والعلماء الفقهاء اأ�ساطني كان لقد

ومات بع�سهم وهو يدافع عن احلرية ويقاتل يف �سبيل

مبداأ �سبحانه وتعاىل:»ل اإكراه.«

مكونات درا�سته خالل من احلرية ر�سد ابن فهم لقد

العقل الإ�سالمي، واأدرك اأن تهافت العقل راجع بال�سرورة

اإىل تراجع احلرية يف الوعي، اإن ال�ستبداد والطغيان من

اأ�سد اأعداء احلرية، وبالتايل فكل م�سروع ح�ساري ل بد

اأن يوؤ�س�س عتباته الأوىل على معنى احلرية.

وابن ر�سد يربط بني نظرية الفعل ومفهوم ال�ستطاعة،

فما دام الإن�سان ي�ستطيع فهو قادر على اأن ينخرط يف

احلرية، وبالتايل ما دام قادرا فهو يريد، وبالتايل اإثبات

وجود الإرادة اإثبات حلرية الإن�سان.

5. ربيع احلرية بني اأزمة الوعي وعنفوان املوتوعي يف احلرية ملفهوم ال�سكونية احلالة من بالرغم

ذات العربية الأنظمة اأن نالحظ العربي، ال�سارع

الطابع القمعي يف جمملها وجدت نف�سها اأمام مفاهيم

ال�سارع حترير منها الغر�س لي�س للحرية براغماتية

العربي من الأنظمة العربية الإ�ستبداية ولكن الغر�س

احلقيقي هو تفعيل موجة العوملة واأمركة العامل. فلقد

اأحدثت عملية اأمركة العامل اأزمة يف مفهوم احلرية اإذ

اأ�سبح املواطن العربي متاأرجحا بني احلرية الثورية التي

اأفرزتها النزعات القومية وبني احلرية الغربية يف موجتها

باأوكرانيا الربتقالية الثورة ولعل احلالية. الأمريكية

خ�سعت التي مناطق عدة يف الثورات من وغريها

العامل دمقرطة م�سروع �سمن احليوي املجال ملنطق

جعل ال�سارع العربي يهفو لثورة بال�ستكية زمن الربيع

تغري من الواقع املزري للمواطن العربي.

يرتبط املعا�سر العربي واقعنا يف احلرية م�سطلح اإن

التوجه ال�سيا�سية ذات باملقولت اأ�سد الرتباط الآن

الليربايل، فاحلرية املتداولة يف ال�سارع العربي تتجه نحو

مفاهيم ت�سدير حتاول التي الأمريكية النظرة تغليب

احلرية احلرية، ثورات احلرية، موجة احلرية، كرياح

اأجل ومن احلياة، وجودة احلرية الإن�سان، وكرامة

العربي امل�ستكني بني احلرية وتغيري ذلك ربط الوعي

العامل بني القائم وال�سدام ال�سراع اأن بل الأنظمة.

)11( عبد القادر، بوعرفة، ال�سيا�سة واملدينة من خالل ال�سروري يف ال�سيا�سة، مركز الكتاب للن�سر، م�سر، ط 1، 2006، �س 179.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت العرب وسؤال احلرية

اإقرار �سوى حل للطائفية لي�س

احلرية كم�سروع وطني يهدف اإىل

مراعاة حقوق الطوائف والأقليات

يف التواجد املدين وال�سيا�سي.

168

والأوهام، القيم �سراع هو الإ�سالمي والعامل الغربي

من جعل الليربايل فامل�سروع احلرية، قيمة وخا�سة

احلرية ح�سان طروادة من اأجل الولوج ب�سهولة اإىل قلعة

القيم العربية بعد اأن تعذر ذلك باأ�سلوب املواجهة. اإذن

العوملة واحلداثة حتمل قيم اإيجابية لكنها حتمل كذلك

�سراع مربزا جدعان فهمي د. يقول لالآخر، اأوهاما

على هنا املق�سودة العوملة:»والقيمة زمن يف القمي

ال�سيا�سية الأ�سا�سية: بتجلياتها احلرية التحديد وجه

اأو ا�ستقت ومنها والقت�سادية. والعتقادية والفكرية

بها تعلقت قيم العقالنية واملو�سوعية وامل�ساواة والعدالة

واخلري والرفاهية واملنفعة والدميقراطية الجتماعية

العام، وحقوق الإن�سان. وغري قيم التي متثل اليوم ماهية

العراقية التجربة اأن غري )12(

وروحها.« الغربية الثقافة

املتاأزم يكفر مبفاهيم العربي الوعي باخل�سو�س جعلت

م�سروع لأن اأمريكا. ت�سدرها اأن حتاول كما احلرية

التغيري مالمح اأ�سواأ اأنتج العراق يف الأمريكية احلرية

النظام بقاء يف�سل العربي ال�سارع جعل مما املن�سود،

الديكتاتوري على م�سروع احلرية الأمريكي. اإن �سريبة

احللم العربي توجت بالدم املنهمر واملراق على معابد

الطائفية والتدافع القطري. ولقد خرب ح�سان طروادة

الدولة واملدينة، وقتل الإن�سان بكل عنجهية ومكر.

الأمــة كيان تنخر اليوم الطائفية اأ�سبحت لقد

اأبرز اأحد ال�سيا�سي الطغيان كان واإن الإ�سالمية،

البلدان من كثري يف الطائفية لبذور املنمية العوامل

العربية كلبنان والعراق وغريها. ونحن جنزم اأن ارتباط

الأقليات ل�سعور حم�سلة هو بالطائفية واملوت الدم

بالظلم والتهمي�س، و�سلب ال�سعور التاريخ، ذلك عرب

احلقوق الطبيعية واملدنية معا. ولي�س للطائفية حل �سوى

اإقرار احلرية كم�سروع وطني يهدف اإىل مراعاة حقوق

وال�سيا�سي: املدين التواجد يف والأقليات الطوائف

متار�س لكي والجتماعي، القانوين املجال »ف�سح

هذه الأقليات �سعائرها الدينية بعيدا عن ال�سغوطات

من اأن جميعا، ندرك اأن الأهمية ومن والتجاذبات.

عقائده ميار�س اأن اإن�سان، لكل الأ�سا�سية احلقوق

)13(

و�سعائره يف مناخ من احلرية والحرتام والقانون.«

اإن ما يحدث يف العراق من انتهاك حلقوق الإن�سان كان

بالحتقار املهم�سة الطوائف �سعور هو الأول اأ�سا�سه

ال�سيا�سي الذي ولد الحتقان الجتماعي. فوجدت

اأمريكا الرتبة مهياأة لزرع فل�سفة الفو�سى اخلالقة. والتي

حلد ال�ساعة مل تزد املجتمع العراقي اإل توح�سا وامتهانا

للموت و�سلب احلياة من الأخ، اإنها الق�سة نف�سها ق�سة

قابيل وهابيل تتكرر با�ستمرار يف تاريخ الآدميني.

دولة منوذج اإنتاج يف الأمريكي امل�سروع ف�سل لقد

الأمريكي يف احللم وحتول الو�سط، ال�سرق احلرية يف

بات اإذ اأ�سال. للحرية مقربة اإىل باخل�سو�س العراق

من ال�سروري جتاوز احلرية الأمريكية مبفاهيم يحت�سنها

املخيال العربي وجتد يف حناياه �سكينة الإميان. اإن الواقع

الثورية يف املفاهيم ر�سكلة اإعادة يتجه �سوب العربي

والقومية، والبعثية كالنا�سرية العربي، التحرر ع�سر

مفهوم اأ�سبح لقد الليربالية، القوى من التحرر بغية

احلرية مرتبطا بالدم واملوت، اإن تفجري الأج�ساد والعباد

التحرر، ل لعملية ممار�سة اأعظم املقاوم يعترب يف ذهن

يهم موت النا�س بل املهم اإنتاج الرعب يف نف�س املحتل

اأو العميل ال�سيا�سي. اإن احلرية اأ�سبحت يف كثري من

الأحيان مرتبطة باملوت، بينما يف الغرب احلرية مرتبطة

مفهوم بني الأخرى املفارقة تكمن هنا من باحلياة،

احلرية مفهوم وبني الغرب املقد�سة يف الفردية احلرية

ال�سمولية.

اإن العامل العربي مل ي�ستطع اأن يوجه وعيه نحو الإميان

اجلماعة للفرد خارج هناك حرية فلي�س الفرد، بحرية

زال ل العربي املجتمع اأن نالحظ وبالتايل الأمة، اأو

العرب وسؤال احلريةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

)12( فهمي جدعان واآخرون ، ، الإ�سالم والغرب، ) متى حتني حلظة احلوار؟؟( من�سورات العربي، الكويت، 2002، �س 163.

)13( حممد حمفوظ ) الأقليات وجدليات الوحدة واحلرية( جملة الكلمة، العدد 33، بريوت، 2000 ، �س 39.

169 العدد األول، ربيع 2013

يحافظ على املفاهيم التقليدية للحرية واملرتبطة بتحرير

كانت لقد ال�سكون، وبعدها الغازي، وطرد الأر�س

من مدينة حترير نف�سه املعنى تعني الغرب يف احلرية

�سلطة غازية، ولي�س حترير الفرد من جملة الإكراهات

بغية تفتيق قدراته الفكرية لكنها حتولت بفعل التطور

وات�ساع جمال حركة الوعي الفردي اإىل ممار�سة احلرية

كتجربة فردية.

املجتمعات كل يف احلرية وعي ذلك مع ويبقى

التقليدية ذات الطابع البطريكي وعيا جمعويا خال�سا

بينما اأمة. ي�سمى و�سعبا وطنا، ت�سمى اأر�سا يخ�س

الفرد جمرد تابع للقبيلة والع�سرية، يتحرك وفق مدارها

وي�ستكني وفق ا�ستكانتها.

الف�سل لها كان النف�سية الدرا�سات اأن نعلم ونحن

الكبري يف انبالج مفهوم احلرية الفردية، وبالتايل اأ�سبح

الفرد يعي اأن ذاته حتتاج اإىل حركة حتريرية من اأمرا�س

النف�س واأ�سكال الكبت املكبل للقدرات الفردية. لكن

ال�سارع العربي مل ت�ساعده املوؤ�س�سة على تطوير مفهوم

بقدر التوعية موؤ�س�سات الفردية لأننا ل منتلك احلرية

والرقابة وال�ستبداد ال�ستعباد موؤ�س�سات منتلك ما

والو�ساية، فنحن ن�سنع املوت واخلوف اأكرث من قدرتنا

على �سناعة الأمل واحلياة.

اإن ربيع احلرية كما حاول امل�سروع الأمريكي متريره مل

التقليدية املفاهيم نحو تراجعا اإل العربي الوعي يزد

اأن عربي مواطن كل خلد يف اأ�سبح لقد للحرية،

وال�سعب، الأر�س معانيها هي حترير اأ�سمى احلرية يف

واأ�سبحت احلرية الفردية من الكماليات ل غري.

اإن احلرية كحلم ي�سدم بالواقع املر الذي يفرزه الواقع

العربي، فاملواطن العربي اليوم ل ي�سعر بالأمن، فرتاه

يغلق بابه ويحكم غلقه، وي�سع ال�سياج احلديدي على

النوافذ واملداخل، ويتحا�سى ال�سفر والنزهة، ويخ�سى

من التعبري اأو التذمر، بل يخ�سى اأحيانا اأن يحلم بوطن

ترفرف عليه راية احلرية. لقد اأ�سبح حالنا كما عرب عنه

توما�س هوبز منذ عهود: »حينما يقوم الإن�سان برحلة،

وحينما امل�ساحبة ح�سن ويطلب نف�سه بت�سليح يقوم

يذهب اإىل النوم يو�سد الأبواب، وحينما يكون يف بيته

)14(

يغلق �سندوق ثيابه...«

6. اأفق احلرية بني املطالب واملقا�سدتفر�س املقدمات ال�سابقة طرح هواج�س الوعي العربي

يف املرتددة الأ�سئلة م�سامني يف واملتمثلة امل�سروعة،

واقعه على املتمرد احلركي املثقف ينتجه ما اأغلب

احلرية؟ �سوؤال نهاية ما نريد؟ ماذا ك�سوؤال: املرتدي،

وكيف نتمثل احلرية وعيا و�سلوكا؟؟

بعيدا عن كل احلرية م�ساألة فهم ننطلق يف اأن بد ل

املقدمات امليتافيزيقية الكربى، اأو التاآويالت الغام�سة،

ال�سريدة. الفل�سفة اأحاجي يف العوي�سة املطالب اأو

هي بردائيف** الرو�سي املفكر يقول كما فاحلرية

اأن اأو الوجود، من ن�ستخل�سها اأن ميكن ل م�ساألة

احلرية اأن ذلك من والق�سد الوجود. على �سها نوؤ�س

وهو النف�سي، ال�سعور من تنطلق الأوىل جتلياتها يف

متحرر من كل ديناميكي �سعور بل ثابت �سعور غري

الإكراهات، فهي اأقرب ما تكون اإىل التوهم الإيجابي،

تتحرر اأن نف�سيا ميكن �سعور باحلرية ال�ساعرة فالذات

على م�ستوى ال�سعور حتى يف ظروف اجلرب والإكراه،

وتلك هي حقيقة احلرية. ونتفق مع اأ. فتحي الرتيكي

جمال �سمن والتحرر احلرية م�سكلة يعالج حني

ف�ساءات يف املتكوثر التوهم ولي�س امل�ستنري التعقل

التثوير العتباطي، فاحلرية والتحرر هي ثقافة وم�سروع

اأ�سكال التاريخية مع كل اأن تكون معركتها اأمة تريد

)14( نقال عن : حممد علي حممد وعلي عبد املعطي حممد ، ال�سيا�سة بني النظرية والتطبيق، دار النه�سة العربية للطباعة و الن�سر، بريوت، د، ط، 1985، �س �س : 128،129.

**نقولي األك�سندروفت�س برديائيف )1874-1948(: فيل�سوف رو�سي.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت العرب وسؤال احلرية

170

التعقل ق�سية اأن اجزم امل�سروعة:»واأكاد غري التبعية

واحلرية هي اأ�سا�س كل الق�سايا املطروحة لأنها �ستنري

العربي الواقع حتريك على يعمل من لكل ال�سبيل

احلايل، وذلك اإذا حترر الإن�سان العربي من معاناة الآثار

الق�سية طرح اإىل ت�سده التي والجتماعية النف�سية

فكرة اأ�سا�س اإىل النتباه عدم في�ستمر مغلوطا طرحا

نحو والتنقيب بالدر�س ويتوجه جوهرها يف احلرية

)15(

الكيفيات والأنواع والنتائج فقط.«

�سميم من هو بل احلرية �سد لي�س احلرية توهم اإن

احلرية، فاملتوهم بوجودها �سيمار�س ذلك التوهم، ومن

اأن ن�ستثمر فكرة املراهنة لدى الفيل�سوف هناك ميكن

لرناهن القول ميكن وعليه الرب. م�ساألة يف با�سكال

فاإن ال�سعور، م�ستوى على موجودة احلرية اأن على

اكت�سبنا بل �سيئا نفقد مل فاإننا فعال موجودة كانت

�سعورا فعال تكون نتائجه يف �سالح الذات واجلماعة،

الأقل على فنحن اأ�سال موجودة غري كانت اإذا واأما

يعود والأمر الإكراه. وهم من بالتحرر �سعورا ربحنا

اإىل مبداأ اأن احلرية من حيث ال�سوؤال هي من املطالب

العوي�سة وال�سرورية للب�سر وبالتايل فاإن املطالب تفر�س

منحنى اإىل احلرية نوجه اأن نريد ل املقا�سد، حتديد

نربط اأن ذلك وراء من نريد ولكن فينومينولوجي

احلالة النف�سية للفرد باملو�سوعات التي تقت�سي التحرر

على م�ستوى الوجدان. اإن ال�سوؤال العربي عن احلرية

ل نريد اأن ن�سعه �سمن املقولت الفل�سفية بل ن�سعه

ال�سوؤال و�سعنا لو اأنا اأي احلياتية، املمكنات �سمن

املواطن لدى باحلرية ال�سعور �سنفقد الفل�سفة �سمن

العربي من اأفق اأن �سوؤال املواطن ل يبحث عن احلقيقة

و�سوؤال ما. اإنه �سوؤال ب�سيط يف م�سمونه الهاج�سي:»اأي

كيف اأعي�س حرا؟« ولعله ينطلق من هاج�س كانط ذاته

كيف املهم بل احلرية نفهم اأن املهم لي�س قال حني

�سوؤال اإن ب�سيط: مبثال ذلك و�ساأبني اأحرارا. نعي�س

احلرية ل يختلف عن �سوؤال ال�سعادة، فالإن�سان الذي

توهم ال�سعادة يف تعذيب اجل�سد ل يرى اللذة اإل يف

ممار�سة اأب�سع اأنواع التعذيب، وعندئذ ل ميكن اأن نفهمه

خطاأ ت�سوره. عك�س الذي يرى اأن ال�سعادة يف حتقيق

مع نتعامل ال�سعادة مو�سوع يف اإننا واللذة. الرغبة

اأن نتعامل مع �سعور خا�س وخال�س، وكذلك ينبغي

مو�سوع احلرية.

اأن�سار اجلربية باروخ �سبينوزا من الفيل�سوف مل يكن

على احلرية فهم بل الدرا�سية، املقرارات يف هو كما

اأنها حالة �سعورية حد�سية، فالإن�سان قد ي�سبح نتيجة

امتلك لو فاحلجر جمربا، اأو حرا ال�سعوري حد�سه

�سعورا عند �سقوطه من عل لظن اأن �سقوطه من ذاته و

لي�س تابعا لقانون اجلاذبية. واملهم يف املثال اأن ال�سعور

هو الذي يعطي للمو�سوع وجوده العيني.

اإننا فعال نحتاج يف العامل العربي اليوم اإىل هذا الوهم

اخلالق، فلو اعتقد كل مواطن عربي اأن اأفعاله من ذاته

الوهم. بفعل الأ�سياء من كثري تغيري بالإمكان لكان

يف فولتري قدمه الذي الفالح كحال حالنا ي�سبح

مزرعة له كانت فالحا اأن زعم فلقد الرائعة، ق�س�سه

جميلة وله ثالثة اأبناء اأ�سداء غري اأن الك�سل اأخذ منهم

حظا وافرا، فلما دنت �ساعته خ�سي �سياع املزرعة، فقال

احلديقة اأ�سجار �سجرة من اأ�سل اإين دفنت يف لبنيه

من الإخوة طفق مات وملا عنه. فابحثوا ثمينا كنزا

اأن اأثرا، غري له يجدوا فلم عنه، يبحثون الفجر طلوع

النتيجة التي تو�سلوا اإليها اأن الكنز الثمني فيما قاموا

به من اإ�سالح اأ�سول ال�سجر بالتنقيب ونزع احل�سائ�س

احلرية مو�سوع مناثل اأن اأحوجنا ما ونحن ال�سارة،

مبو�سوع الكنز. قد يقول البع�س اأننا بهذا منار�س جرم

لكننا العمومي، العقل والكذب على الذات طم�س

نقول اأي هما اأ�سد جرما الوهم الذي ت�سنعه الطغم اأم

الوهم الذي ت�سنعه النخب؟

)15( الرتيكي، فتحي ، العقل واحلرية، دار ترب الزمان، تون�س، 1998، �س8.

العرب وسؤال احلريةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

171 العدد األول، ربيع 2013

اإن ال�سلطة والأنظمة العربية عن طريق اإعالمها واأبواقها

قد اأدخلت يف �سعور املواطن العربي كونه مواطنا �سيدا

وحرا وعزيزا، ويف الوقت نف�سه ركبت يف ذاته ال�سعور

باخلوف من النظام. مما اأدى اإىل ال�سكون الذي نالحظه

العدالة اأمام فاأيهما عموما. العربي املواطن ي�سل

يقوي اأن يريد الذي املفكر جمرما، يعد ال�سماوية

ال�سيا�سي اأم الإيجابي بالتوهم ولو باحلرية ال�سعور

تنقاد ما�سية قطعان �سعبه من يجعل اأن يريد الذي

لرغباته بالقهر؟

باحلرية ال�سعور اأوغ�سطني م�ساألة القدي�س اأو�سح لقد

يف ذات اآدم عليه ال�سالم من خالل الأحوال الثالث

متلكه الإن�سان فاآدم املع�سية. فعل وبعد واأثناء قبل

وترجمها املع�سية، نحو باحلرية �سعور اخلطيئة قبل

املمنوعة ال�سجرة من الأكل على والعزم بالت�سميم

احلرية يولد ظل الذي هو ال�سعور وذلك )ال�سر(،

بحرية القول اإىل اآدم باأبناء جتنح التي امليتافيزيقية

الإن�سان يف اأن يفعل ما ي�ساء ) ال�سهوة، الرغبة، اللذة(.

واحلالة الثانية جت�سدت يف ممار�سة فعل الأكل، اأما احلالة

اإرادة قبول العقاب وامل�سوؤولية وتلك هي الثالثة فهي

حلظة ال�سعور باحلرية اخلريية.

فالإن�سان مزدوج، فهم ذات احلرية تكون اأن ينبغي

و�سيلة احلرية من يجعل اأن و�سعوره بفهمه ي�ستطيع

للخري وم�ساندة احلق، كما ي�ستطيع اأن يجعل منها و�سيلة

لتحقيق ال�سر. قد ل نتفق مع القدي�س اأوغ�سطني حني

ين�سب احلرية امليتافيزيقية اإىل ق�سدية ال�سر. لقد كانت

حريته الأوىل ح�سب القراآن لي�س يف حلظة املع�سية بل

اآدم الأ�سياء»وعلم اأ�سماء للمالئكة تعليمه حلظة يف

اآية فلما مار�س فعل التعليم كانت )16(

الأ�سماء كلها«

مل اأ قال �سماآئهم

باأ هم

نباأ

اأ ا »فلم املالئكة على وحجة

علم

واأ ر�س والأ ماوات ال�س ب

غي علم

اأ اإين كم ل قل

اأ

وكانت نتيجة ممار�سة )17(

دون وما كنتم تكتمون«ما تب

احلرية �سمن جمال العلم اأن اهلل زاد من نطاق حريته

»وقلنا يا اآدم اأ�سكن اأنت وزوجك اجلنة وكال منها رغدا

ت�سرف حتت اجلنة يف ما كل فاأ�سبح �سئتما« حيث

اإرادة اأدم، ومل يكن املنع بالأمر اإل يف نطاق �سيق »ول

تقربا هذه ال�سجرة«. لقد اأمر اهلل اآدم األ ياأكل من تلك

له ترك بل حركته يقيد اأو يجربه مل ولكن ال�سجرة

مبداأ تقرير امل�سري، فما كان من اأدم اإل اأن انقاد اإىل وهم

اخللود والبقاء »وعهدنا اإىل اآدم من قبل فن�سي ومل جند

اإن العزم املق�سود هو عزم اللحظة الكربى، )18(

له عزما«

فاأدم مل ي�ستطع اأن ميار�س حرية ال�سرب والمتثال، لكنه

يف املقابل مار�س عزم الوهم واللذة و�سهوة البقاء.

ولقد ورثنا عن اأبينا اآدم التاأرجح بني اإرادة العزم ووهمه،

فنوح واإبراهيم ومو�سى وعي�س ثم حممد حققوا العزم

لكن الإن�سان، يف يكون اأن اهلل اأراده الذي الإلهي

العزم ال�سيطاين حققه فرعون وهمان وقارون وغريهم.

جمبول لي�س العربي املواطن اأن نفهم اأن بد ول

بال�سرورة على اخلنوع واخل�سوع، بل هو جمبول على

اأن بيد الختيار، على والقدرة الذات ا�ستقاللية

الإكراهات اخلارجية هي التي حولته اإىل كائن �سلبي

م�ستوىل عليه وبالتايل مغلوب على اأمره. هذه الظاهرة

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت العرب وسؤال احلرية

وهو العربي الإن�سان اأ�سقى فما

ل التمدن ع�سر يف نف�سه يرى

زال من حيث قيم العي�س يخ�سع

لقوانن الغاب والطبيعة!

)16( البقرة: الآية رقم : 31.

)17( ال�سورة نف�سها الآية 33.

)18( �سورة طه : الآية 115.

172

ت�سبه ظاهرة ا�ستحمار الإن�سان للحمري، ومثلما ي�سبح

الإن�سان كذلك، ولقد �سرح احلمار م�ستحمرا ي�سبح

باروخ �سبينوزا عملية الإ�ستالء وال�ستعباد على النحو

التايل: »ي�ستويل �سخ�س على اأخر اإذا كبله بال�سال�سل،

اأو اإذا ا�ستحوذ على �سالحه ومنعه من و�سائل الدفاع

عن نف�سه اأو اللوذ بالفرار، اأو اإذا زرع يف قلبه الرعب،

اأ�سبح ي�ستجيب لرغبات اأغراه بح�سناته حتى اإذا اأو

موله بدل من ال�ستجابة لرغباته ال�سخ�سية، ويعي�س

حكمه مقت�سى على ل �سيده، حكم مقت�سى على

اأو اأن ي�ستويل على غريه بالطريقة الأوىل اخلا�س. اإل

الثانية اإمنا هو ي�ستويل على ج�سمه، ل على عقله، اأما

الذي ي�ستويل على غريه بالطريقة الثالثة اأو الرابعة فهو

نفوذه الفرد ويبقى معا، وج�سمه عقله على ي�ستويل

عليهما بقاء اخلوف اأو الأمل، فاإذا زال هذان ال�سعوران،

)19(

اأ�سبح امل�ستوىل عليه ويل اأمر نف�سه.«

اأن نثبت اأن نريد املي�سرة القراءة اإننا من خالل هذه

تتجلى يف ممار�سة هي بل يومية ممار�سة لي�ست احلرية

حلظات من عمرنا فقط. اإنها تلك اللحظات التي يبلغ

قال كما متاما هي ذروته، وال�سعور قمته الوعي فيها

احلقيقية احلرية برغ�سون هرني الفرن�سي الفيل�سوف

هي �سعور عميق قد ت�سعر به بع�س الذوات يف حلظات

ال�سعور املزيف باحلرية فهو اأما نادرة ) الأنا العميق(.

ما يفرزه ال�سعور ال�سطحي وهو الأكرث �سيوعا يف حياة

الب�سر) الأنا ال�سطحي(.

اأن العربي ال�سارع وحي خالل من نريد نحن اإذن

جنعل من �سوؤال احلرية �سعورا عميقا يف حلظات ت�سمية

الأ�سياء باأ�سمائها، ل نريد اأن يكون ال�سعور احلرية وليد

الأنا ال�سطحي املرتع بال�سعارات والدعوات، اإن احلرية

ال�سعور وليدة زالت ل العربي ال�سارع يتمثلها كما

املمجدة الثورية اللحظة خالل من �سواء ال�سطحي

وامل�ستمدة التاريخ اأ�سنام معابد على املراق للدم

من عزم قابيل على قتل هابيل، اأو هي وليدة اللحظة

الإغرائية التي متار�سها اأمريكا واملوؤ�س�سات الغربية، اإنها

ت�سبه حلظ الغواية كما حدث ليو�سف مع امراأة فرعون.

فهل يكون ال�سعب العربي ممتلكا لإرادة الرف�س راف�سا

لك« منطق»هيت مع يذهب اأم التاريخية، الغواية

وميار�س الغواية يف اأعتي �سورها ؟

الثالثة الألفية نعي�س يف اأن اأخرى نريد من جهة ول

ونحن ندور يف احلالة الطبيعية التي طلقها الإن�سان منذ

ع�سور خلت، والدليل على �سيطرة احلالة الطبيعية هو

وجود مظاهر الظلم والقهر وانعدام امل�ساعر الإن�سانية،

اأو كما و�سفها هيجل: »اإن حالة الطبيعة يغلب عليها

الظلم واجلور والعنف وت�سودها الدوافع الطبيعية التي

)20(

مل ترو�س والأعمال وامل�ساعر الالإن�سانية...«

فيها ت�سود الطبيعية، املدنية هي عك�س احلالة واحلالة

فيها وحترتم واملواطنة، احلرية وقيم الإن�سانية امل�ساعر

العربي الإن�سان اأ�سقى الإن�سان، فما املواطنة وحقوق

وهو يرى نف�سه يف ع�سر التمدن ل زال من حيث قيم

العي�س يخ�سع لقوانني الغاب والطبيعة!

العرب وسؤال احلريةمـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت

يف الغربي الإن�سان حت��ول لقد

اإىل والعوملة التكنولوجيا زمن

ريا�سية، معادلة يف رقم جمرد

فهو واإن كان تخطى بع�س القيود

حتت يرزح زال ل فهو التاريخية

قيود خفية.

)19( �سبينوزا، باروخ، كتاب ال�سيا�سة، تعريب : جالل الدين �سعيد، دار اجلنوب للن�سر، تون�س، 1999.، �س �س: 43،44.

)20( نقال: عن عبد الفتاح اإمام، توما�س هوبز: فيل�سوف العقالنية، دار الثقافة للن�سر والتوزيع، م�سرن، ط1، 1958، �س28.

173 العدد األول، ربيع 2013

)21( عبد القادر، بوعرفة ، مقدمات يف ال�سيا�سة املدنية ، ريا�س العلوم للن�سر والتوزيع ، اجلزائر، ط 1، 2005، �س 87.)22( ال�سورة نف�سها الآية 33.

)22( حنفي، ح�سن، فيخة فيل�سوف املقاومة، املجل�س الأعلى للثقافة، القاهرة، 2002، �س 470.

)23( جوينو ، جون ماري، نهاية الدميقراطية ن تعريب : ليلى غامن، دار الأزمنة احلديثة ، بريوت، 1998، �س 107.

اإن من جملة املقا�سد املرتبطة مبطلب احلرية متكني الإن�سان

القرارات اتخاذ يف ال�سرعي حقها ممار�سة من واجلماعة

بال�سرورة ولي�س والغاية، امل�سري لوحدة الدولة داخل

لختالف ملزمة القرار �سنع يف امل�ساركة تكون اأن

للمواطن يعطي ال�سابق التمكني ولكن النظر، وجهات

ال�سعور باملواطنة واأنه كائن له حيز يف الوجود. لقد نا�سل

جوهر واعتربوها احلرية، اأجل من قدميا ال�سف�سطائيون

الإن�سان، وجعلوا عالمة احلكم الرا�سد هي مدى م�ساركة

هاج�س »اإن املداولة: طريق عن القرار �سنع يف اجلميع

الذي بروتاغورا�س، فل�سفة يف تظهر املواطنني كل مدينة

يد. اأكد على �سرورة قيام ال�سيا�سة على فكرة املواطن ال�س

يد ل يعي�س اإل يف نظام �سيا�سي م�سيد على فاملواطن ال�س

فهو والغنى العقل �سفة ميتلك ومادام وامل�ساواة، احلرية

وال�سورى املداولة مبداأ �سمن للحكم بال�سرورة موؤهل

القرار ارتباط �سرورة تفر�س التي )Délibération(

)21(

ال�سيا�سي براأي جماعة املواطنني.«

واملق�سد الأخر هو حترير الإن�سان من اأوهام التحرر املعا�سر،

اأن يف لالأفراد املطلقة باحلرية الأحيان اأغلب يف املرتبط

يفعلوا ما ي�ساءون، وتلك هي احلرية الكاذبة التي ت�سللت

اأمام حالة حترر اإىل فكرنا عن طريق الآخر، وبالتايل نحن

مفهوم للحرية، مفهومني بني �سراع اإنه حترر، ظاهرة من

على قائم اأخالقي واأخر الذات �سلطة على قائم عبثي

�سلطة ال�سمري وروح اجلماعة، ولقد حاول د. ح�سن حنفي

العام الراأي ليوجه فيخته الفيل�سوف اأفكار ي�ستثمر اأن

املبا�سر احلرية يف عمقها:»التحرر فهم �سرورة اإىل العربي

وغري املبا�سر من ال�سلطة من غريزة العقل والالمبالة جتاه

الأ�سياء يف ع�سر الإباحية والنحالل، وهي حالة اخلطيئة

والأخــالق الفل�سفي الفعل يعادل ما وهو امل�ستمرة،

)22(

ال�سامية.«

التي للحرية الأ�سيلة املفاهيم عن انحرف الغرب اإن

�سيدها ع�سر الأنوار باخل�سو�س، وبات من ال�سروري فهم

يجب كما ل احلرية. متاهات يدور يف نف�سه الغرب اأن

واأن منتهاها، اإىل و�سلت الغرب يف احلرية اأن العتقاد

الإن�سان الغربي يتمتع باحلرية كما هو مروج له يف الإعالم

زمن يف الغربي الإن�سان حتول لقد الدعاية. وو�سائل

التكنولوجيا والعوملة اإىل جمرد رقم يف معادلة ريا�سية، فهو

التاريخية فهو ل زال يرزح القيود واإن كان تخطى بع�س

حتت قيود خفية، ولن�ستمع جلون ماري جوينو وهو يت�ساءل

عن معنى احلرية:»ما هي احلرية يف عامل حمكوم بالقواعد،

وكيف حتد ال�سلطة من �سلطتها يف عامل يخلو من املبادئ

؟ ... منذ قرنني ونحن يف اأوروبا نربط بني فكرة الدميقراطية

وفكرة احلرية، لكن احلرية لها معنيان �سديدا الختالف:

مت�سك اأن يف ما ب�سرية ملجموعة احلق تعني كانت فقد

اأن يف اإن�سان كل حق تعني اأي�سا وهي بيدها، م�سريها

تن�سحق األ ي�سمن مبا ال�سلطة، ا�ستعمال �سوء من ياأمن

)23(

الأقلية حتت وطاأة الأغلبية.«

ويف خامتة املقال ل ي�سعني اإىل اأن اأهيم باحلرية وعيا وممار�سة،

واأن اأحلم اأن يكون الوطن العربي وطن احلريات واحلقوق،

وجودة الكرامة فل�سفة هي امل�ستقبلية فل�سفته تكون واأن

احلرية جمال خارج تفهم ل الكرمية احلياة لأن احلرية،

والتحرر. فيا اأيها ال�سا�سة... رجاء نحن بحاجة لقليل من

احلرية.... ف�سعوا �سياطكم وم�سد�ساتكم وكلماتكم القاتلة

يف بوؤر الن�سيان.

مـقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاالت العرب وسؤال احلرية

174

�سدر عن موؤ�س�سة النت�سار العربي ببريوت ودار حممد

حمزة حممد الدكتور كتاب ب�سفاق�س احلامي علي

383( الإ�سالمي« الفكر يف التاأويل »اأفق بعنوان:

�سفحة( يف طبعة اأوىل �سنة 2011. واملوؤلف هو اأ�ستاذ

والعلوم الآداب بكلية واملعا�سرة احلديثة احل�سارة

الإن�سانية )جامعة �سفاق�س/ تون�س(. وهو مهتم بق�سايا

من �سل�سلة بعد الكتاب هذا وياأتي الديني. الفكر

املوؤلفات املن�سورة نذكر منها »احلديث النبوي ومكانته

العربي الثقايف الفكر الإ�سالمي احلديث« )املركز يف

)دار املجددين« و»اإ�سالم البي�ساء/2005( بالدار

الطليعة، بريوت/2007(.

رتب الكتاب، مو�سوع هذا التقدمي، على ثالثة اأبواب،

�س املوؤلف اإىل اإ�سافة اإىل متهيد مطول وخامتة، وفيه تعر

وذلك احلديث الإ�سالمي الفكر يف التاأويل ق�سية

من خالل تفح�س مرتكزات التاأويلية التقليدية وتدبر

الآفاق يف والنظر تخرتقها التي التحولت خمتلف

والبدائل التي ميكن اإيجادها من اأجل بناء ما ي�سميه

املعرفة ملقت�سيات ت�ستجيب جديدة »تاأويلية املوؤلف

احلديثة«.

بهذه الهتمام لدواعي عر�سا التمهيد يف جند

تقدمي كتاب حممد حمزة

»اأفق التاأويل يف الفكر اال�سالمي«

بســــــــــــــــــــام اجلمــــــــــــل*

روؤية وجهت التي املنهجية والعتبارات الإ�سكالية

املوؤلف وحددت م�سار بحثه، واأهمها تاريخية التف�سري

القراآين وظهور خطاب التف�سري باعتباره �سياغة حمددة

للمعاين ولطرق الإقناع مما يجعل هذا اخلطاب م�سدودا

اإىل التاأويلية مبفهومها الفل�سفي احلديث.

هو املوؤلف ا�ستعمال يف بالتاأويلية املق�سود اإن

احلديث الفل�سفي ال�سطالح يف »الهرمينوطيقا«

واملعا�سر. وقد اأقام الدكتور حممد حمزة الربهان على

متكنه من اخللفية الفل�سفية ومن الأ�س�س النظرية التي

قامت عليها التاأويلية. ول �سك يف اأن ت�سبعه املنهجي

*رئي�س ق�سم درا�سات املوروث الديني يف موؤ�س�سة »موؤمنون بال حدود« .

قراءة في كتاب

ء

175 العدد األول، ربيع 2013

واملعريف باملفهوم املذكور كان له عونا على تبني الآفاق

حماولة »اإن قوله: يجلوه ما وهذا بحثه. من املرجوة

الثقافة تاريخ يف ت�سكل الذي التاأويلي الأفق فهم

العربية الإ�سالمية يقت�سي قراءة تاريخية لهذا الأفق،

ت يف الأفهام وي�ستدعي بحثا يف امل�سلمات التي ا�ستقر

الديني للن�س وم�ساءلة القراآين، الن�س طبيعة عن

م�سروعية والتنزيل ومدى الوحي للحدود بني وفهما

الفهم الأحادي للن�س القراآين الذي مت تثبيته بحجج

ية ولهوتية، كما يتطلب نظرا فاح�سا يف ال�سالت ن�س

داخلها اندرج التي الإب�ستيمية احلدود بني القائمة

التاأويلية النظرية وطبيعة التقليدي الإ�سالمي الفكر

الإ�سالمية، وا�ستقراء لل�سريورة التاريخية التي انتهت

اإىل اإ�سناد احلق يف التاأويل جلماعة خم�سو�سة من اأهل

منزلة ت�سكل بني للعالقة وفهما غريها، دون العلم

ال�سلف وا�ستقرار ال�سنة التاأويلية يف الثقافة الإ�سالمية

.)1(

مرورا باإ�سفاء القدا�سة عليها وانتهاء اإىل حتجرها..«

»اأ�س�س لدرا�سة الأول الباب املوؤلف �س خ�س لقد

. وذلك بال�ستناد )2(

م�سروعية موؤ�س�سة التاأويل الر�سمية«

وفيه القراآين، التف�سري مقدمات من مناذج اإىل خا�سة

ق اإىل ثالث ق�سايا حمورية هي:تطر

اأول: �سيادة العامل املف�سر. فقد حتققت هذه ال�سيادة عرب

تاأويل ن�س امل�سحف. ومن ثم اكت�سب املف�سر �سالحية

وتكونت على املوؤمنني. �سائر وتاأويله دون الن�س فهم

اأن املوؤلف واأثبت الر�سمية. التاأويل موؤ�س�سة التدريج

الأحكام الدينية املقبولة من هذه املوؤ�س�سة تعك�س عند

الفح�س مواقف اجتماعية تاريخية. وخل�س اإىل القول:

�سلطة لتثبيت الدينية املوؤ�س�سة ا�سرتاتيجية »تنبني

العامل و�سلطة العلم على اخلطاب التمجيدي املاثل يف

الأخبار التي ت�سمها كتب احلديث ومقدمات التف�سري

هذه تدعيم يف امل�ستخدمة العديدة والآيات القراآين

مقنعة عديدة وجوها تتخذ �سيادة اإنها )...( ال�سيادة

تارة وحا�سرة تارة اأخرى، وهي يف كل وجوهها ت�سعى

من املتقبل لدى �سلطته وتر�سيخ القول تثبيت اإىل

.)3(

خالل تقدمي �سورة مثالية لهذا »الباث ال�سرعي«

اكت�سبه من ما التف�سري من خالل ن�س �سيادة ثانيا:

م�سروعية. وهذه امل�سروعية تولدت من عالقة التالزم

التي قامت بني ن�س امل�سحف والتفا�سري املنتجة حوله.

ال�سروط على يغلب الذي البداهة وهم املوؤلف وبني

الواجب توفرها يف كل من يروم ال�ستغال بالتف�سري.

وهذا ما خول له القول اإن تلك ال�سروط لي�ست �سوى

ال�سنية العقائد �س يكر ايديولوجي مق�سد عن تعبري

و»اإن حتليلنا ملرتكزات امل�سروعية الدينية يف الإ�سالم،

تلك التي تعتمد لتثبيت �سلطة العامل / املف�سر يظهر

تثبيت �سلطة موؤ�س�سة الديني يف الن�س مدى تدخل

اأي�سا لنا تبني مثلما العامة، على الر�سمية التاأويل

الطرائق التي يتخذها ال�سعي اإىل تر�سيخ هذه الأ�س�س

على التف�سريي الن�ساط يف حتكمت التي وال�سوابط

.)4(

امتداد التاريخ الإ�سالمي«

ن�س تاأويل بوا�سطة الدينية ال�سيادة تثبيت ثالثا:

امل�سحف من جهة وبجملة من الآليات الرمزية واملادية

ومن اأخرى. جهة من ال�سيادة تلك لفر�س املوظفة

من خالفه ما يهم�س اأن ال�سني للخطاب اأمكن ثم

خطابات اأخرى اأفرزتها ال�سيعة واأهل الراأي واملت�سوفة.

ثم »اإن كل اخلالفات التي كانت بني العلماء امل�سلمني

من و�سيلة الإجماع مثل خمتلفة باأدوات طم�سها مت

امل�سلمني العلماء لدى كانت التي الو�سائل جملة

)1( حممد حمزة: اأفق التاأويل يف الفكر الإ�سالمي، دار حممد علي للن�سر، طبعة اأوىل �سنة 2011، �س 38-37 .

)2( حممد حمزة : املرجع ذاته، �س 127-43.

)3( حممد حمزة، املرجع ذاته، �س 65.

)4( حممد حمزة، املرجع ذاته، �س 51.

قراءة في كتاب أفق التأويل في الفكر اإلسالمي

176

ي�ستقطبون بها من �ساوؤوا وما �ساوؤوا تو�سال بحجة الوفاء

. )5(

ملا وقع الإجماع عليه«

اأعاله املذكورة الثالث الق�سايا هذه جمموع ومن

تبني اأن التاأويل اتخذ من طرف املوؤ�س�سة الر�سمية اأداة

حلجب اأ�سكال ال�سراع بني خمتلف الفرق الإ�سالمية

واجتاهات التف�سري القراآين.

اأما الباب الثاين، فمداره على »اخلطاب التف�سريي يف

در�س وفيه ،)6(

واملاآزق« التحولت احلديث: الع�سر

اخلطاب على طراأت التي التحولت اأبرز املوؤلف

يف اأبرزها ولعل تناق�ساته. وحل احلديث التف�سريي

باإ�سالح قيام باإمكان العتقاد العمل �ساحب نظر

ي ا�ستنادا اإىل القراآن وحماولة النف�سال عن �سلطة ن�س

التف�سري التقليدي. وقد مت الرتكيز يف م�ستوى التحليل

على »تف�سري املنار« ق�سد الوقوف على ما �سماه املوؤلف

بـ»وجوه التجديد واخللخلة التي قد يكون اأحدثها يف

الوجوه تلك اأهم ومن التاأويلية«. التف�سريية ال�سنة

يف املف�سر ين�سدها كان التي احللول بتاريخية الوعي

اإ�سالح حال الأمة والتعامل مبا�سرة مع ن�س امل�سحف،

التي الثواين الن�سو�س �سلطة من التخل�س ثم ومن

مثلت حاجزا حقيقيا حال دون تعامل املف�سر احلديث

الإ�سالمية. الثقافة يف الأول التاأ�سي�سي الن�س مع

جزئية التاأويلي امل�سار هذا نتيجة بقيت ذلك ورغم

منهج قيام اإىل يف�س املن�سود مل التجديد اأن باعتبار

تاأويلي جديد.

ومن ذلك كله ا�ستنتج املوؤلف اأن »�سمة الالتاريخية«

احلديث الع�سر يف التقليدية التفا�سري على الغالبة

�سياغة يف الواقع تدخل على �سهادة تقديرنا يف هي

اإىل ان�سداده يف التقليدي املف�سر اأن ذلك التف�سري،

قيم املا�سي واإىل مثال قدمي يقتفي خطاه ويف اإعرا�سه

اإعرا�سا كليا عن م�ساغل ع�سره ويف رف�سه التكيف مع

مقت�سيات واقعه، اإمنا يعرب عن عجز مطبق عن التكيف

.)7(

وال�ستجابة احلية ل�سوؤال الواقع

وف�سال عن ذلك اعتنى املوؤلف ب�سبط ماآزق التف�سري

ل عنده وهي احلديث الع�سر يف التقليدي القراآين

تخرج عن اأربعة وهي اأول »ماأزق النغالق واملحافظة«

مثل القراآن علوم عن )الدفاع التربير« »ماأزق وثانيا

»ماأزق وثالثا والقراءات(، والن�سخ النزول اأ�سباب

اإىل )ا�ستنادا النابي« التف�سري حما�سرة اإىل ال�سعي

الإ�سهام »ماأزق ورابعا والإق�ساء(، اآليتي ال�ستقطاب

تف�سري على تعويال وذلك للقراآن«، التف�سري مبطابقة

املوؤلف باحلجة واأثبت القراآن«. �سيد قطب »يف ظالل

القاطعة اأن التف�سري امل�سار اإليه هو خطاب ايديولوجي

بامتياز يناأى عن املو�سوعية وينغر�س يف ذاتية �ساحبه

)..( وهو يف كل هذا ين�سئ خطابا ي�سنف فيه العامل

النا�س بجاهلية ويحكم اإ�سالم ودار حرب دار اإىل

فيه يتحول نحو على احلداثة م ويجر الغرب ويقبح

.)8(

التف�سري اإىل »ل تف�سري«

وجاء الباب الثالث والأخري من الكتاب حتت عنوان:

وفيه عر�س .)9(

والآفاق« الواقع تاأويلية جديدة: »نحو

لواقع التف�سري القراآين اليوم والعوائق التي حتول دون

قيام تاأويلية بديلة، وذلك يف �سوء ما تعي�سه املجتمعات

العربية والإ�سالمية من حداثة مبتورة من ناحية والرغبة

اأخرى. ناحية من الديني الن�س �سيادة تر�سيخ يف

)5( حممد حمزة، املرجع ذاته، �س 127.

)6( حممد حمزة، املرجع ذاته، �س 244-129.

)7( حممد حمزة، 2011 املرجع ذاته، �س 173.

)8( حممد حمزة، املرجع ذاته، �س 244.

)9( حممد حمزة، املرجع ذاته ، �س 361-245.

أفق التأويل في الفكر اإلسالمي قراءة في كتاب

177 العدد األول، ربيع 2013

وعالوة على ذلك حدد �ساحب العمل اأبرز امل�سارات

التي ينبغي التعويل عليها لتفكيك تلك ال�سيادة، وهو

الثقافة اخلرب يف نقد يقت�سيه، ما بني من يقت�سي، ما

الإ�سالمية وبيان تاريخية الرابط الوظيفي بني التف�سري

واخلرب من اأجل اإيجاد ن�س اآخر يتميز باحلياة والنفتاح

على ممكنات التاأويل. وهنا »تبدو اإعادة النظر يف �سورة

املف�سر التي نراها ماثلة يف املتخيل اجلمعي اأمرا متاأكدا،

ذلك اأن تاريخ رجال التف�سري بدوره تاريخ موؤ�سطر. اإن

نقد مادة التف�سري يت�سع حتما عرب اإعادة النظر يف املادة

املتوفرة يف كتب الرتاجم عن حياتهم )اأمنوذج الطربي

بد من النتقال من �سورة اأنه ل اأو ابن عا�سور( كما

اإنها اإن�سانية. اأكرث �سورة اإىل /العدل

التقي املف�سر

�سورة الفاعل الجتماعي قارئ الن�س والباحث عن

.)10(

املعنى وال�ساعي اإىل موقع عرب وظيفة الإخبار«

املوؤلف، اإليها يدعو التي البديلة التاأويلية الآفاق اأما

يحتل تاأويلي جديد اإنتاج خطاب فتتمثل خا�سة يف

فيه الإن�سان املركز، ويف الوعي بفقدان التف�سري القراآين

التقليدي لق�سم كبري من م�سداقيته ب�سبب املعطيات

العربية املجتمعات املعربة عن هموم املعرفية اجلديدة

والإ�سالمية وم�ساغلها على خمتلف الأ�سعدة، ف�سال

عن �سرورة تفعيل امل�سالك التاأويلية اجلديدة النا�سئة

على العلمية احلديث القارئ بقدرة ــرتاف )الع

القراآين... الن�س نقد الديني... الن�س مع التعامل

القراءة املقا�سدية اجلديدة للن�س(.

القراآن تاأويل اأن املعمق البحث هذا من واحلا�سل

ال�سلطة ميتلك اأحدهما م�سروعني: بني جتاذب حمل

التاأويلية �سياق يف ينخرط لأنه الدينية وال�سرعية

التحولت عن فيعرب الآخر، امل�سروع اأما التقليدية.

العميقة التي يعرفها الوعي الإ�سالمي حديثا يف نظرته

اإىل الن�س الديني ويف تعلقه مبطلب احلداثة.

على انفتح، قل بل حمزة، حممد كتاب انغلق لقد

ما »وبعد.. قوله: يجلوهما له موافق وجواب �سوؤال

الذي ينتظره امل�سلم املعا�سر من القراآن وماهي الوظيفة

احلياة يف الن�س هذا بها يقوم اأن املمكن من التي

يحلم احلديث الع�سر يف الإن�سان )...( املعا�سرة؟

اإن�سان على ل نز وكاأنه وهنا« »الآن القراآن مبواجهة

بعبارة ع�سرنا يف الإن�سان والع�سرين. الواحد القرن

دون لوجه« »وجها القراآن مع يكون اأن يروم النيفر

ت اخت�س فئة اأهلية بحجة للمعنى حجب اأو و�ساية

.)11(

بالقراءة«

وهكذا فاإن يف هذا الكتاب املهم دعوة من املوؤلف اإىل

�سياغة بدائل تفتح اآفاق التاأويل �سمن خطاب التف�سري

املعا�سر والعمل على تطبيقها من خالل م�ساريع بحث

جماعية، وذلك من نحو تطعيم التاأويلية اجلديدة باأفق

فل�سفي منفتح ومن قبيل النتقال من ن�ساط التف�سري

اإىل فعل القراءة، ومن نحو اإمكان اإعادة ترتيب الن�س

القراآين ح�سب ترتيب النزول...

اإن الق�سايا العديدة التي ر�سح بها كتاب »اأفق التاأويل

�سمن عوجلت حمزة ملحمد الإ�سالمي« الفكر يف

ن�سق منهجي من�سجم العنا�سر وخا�سع ملنطق التدرج

من ناحية ودعمت بال�سواهد والأمثلة املوافقة لها بعد

من الر�سني والنقد والتفكيك للتحليل اإخ�ساعها

لغة الق�سايا يف تلك املوؤلف وقد �ساغ اأخرى. ناحية

�سليمة وباأ�سلوب راق يف الكتابة ينم عن متثل دقيق لها

وعلى متكن منها، مما جعل عمله موافقا ملعايري البحث

الأكادميي.

)10( حممد حمزة، املرجع ذاته، �س 309.

)11( حممد حمزة، املرجع ذاته ، �س 368.

قراءة في كتاب أفق التأويل في الفكر اإلسالمي

178

يف مركزي ن�س القراآين الن�س اأن يف

ل الثقافة العربية الإ�سالمية فهو ن�س م�سك

مل�سلمات روؤية امل�سلم للكون و احلياة. و قد حتول منذ

انقطاع الوحي و توقف احلوار بني ال�سماء و الأر�س اإىل

الإ�سالمية اجلماعة فاأن�ساأت الأمة. به تهتدي نربا�س

حوله جملة من العلوم تروم تف�سريه للو�سول اإىل »مراد

ع ملقالتها العقدية، وت�ستنبط اهلل« وتلتم�س فيه ما به ت�سر

منه اأحكاما ت�سريعية بها تنظم املجموعة اأحوال عمرانها

وتقنن كيفية عالقتها مع الآخر املختلف. و بات الن�س

د�ستور اجلماعة يعودون اإليه كلما ا�ستجدت نازلة ذلك

على اأو لزم حكم ففيه بــم�سلم نزل مـا »كل اأن

.)1(

�ســبيل احلــق فيه دللة موجودة«

فحظي بذلك اجلانب الت�سريعي باأهمية بالغة فتعددت

اأن العمل املذاهب الفقهية و اختلفت الأحكام. غري

الت�سريعي يف الفقه الإ�سالمي كان رهني جدلية اأ�سا�سية

ل ميكن اإنكارها يقوم قطبها الأول على الن�س القراآين

و قد »اأعترب حامال جلميع الأحكام منها ما كان و منها

الثاين»فاملوا�سعات الجتماعية اأما قطبها ما �سيكون«

وتقوم هذه اجلدلية )2(

القائمة على ن�سيج متحرك دوما«

ة:حماولة لتطوير الروؤية اال�سالمي

»الر�سالة الثانية من اال�سالم« اأمنوذجا

باسم املكي*

معربة عن تاريخية الأحكام مربزة م�ساركة امل�سلم ربه

يف البحث عن معنى احلياة و الكون.

و قد �ساهمت جهود الفقهاء و املوؤ�س�سة الدينية الر�سمية

يف اإ�سفاء �سبغة القدا�سة على املنظومة الت�سريعية حتى

اأ�سبحت هذه الأحكام - يف ت�سور امل�سلم - »مطلقة

وخالدة« يجب تطبيقها يف كل ع�سر و م�سر مهما كان

ميكن و العمران. �سروط و احلياة منط يف الختالف

اجلانب تطوير ب�سرورة امل�سلم �سعور رغم اإنه القول

الت�سريعي و بحثه عن »احليل الفقهية« يجيب بها عن

الأ�سئلة و الأق�سية امل�ستجدة فاإن م�ساألة تطوير الت�سريع

الإ�سالمي مل حتتدم اإل بعد حدثني رئي�سيني:

ال شك

*اأ�ستاذ جامعي خمت�س يف احل�سارة العربية الإ�سالمية، تون�س.

)1( ال�سافعي: الر�سالة، ط2، القاهرة، 1979، �س 444.

)2( نائلة ال�سليني الرا�سوي، تاريخية التف�سري القراآين، املغرب، املركز الثقايف العربي، ج1، ط1، 2002، �س9

الرسالة الثانية من اإلسالم قراءة في كتاب

ء

ء

179 العدد األول، ربيع 2013

اخلالفة نظام )1938 ت ( اأتاتورك كمال اإلغاء .1واإقامة دولة علمانية يقوم ت�سريعها على قوانني مدنية.

2. انـخراط املجتمعات الإ�سالمية - بن�سق متفاوت- يف احلداثة. فاحلداثة مبا اأفرزته من تغيري يف النظامالتعليمي

وتفكيك للبنى الجتماعية والتقليدية وتغيري لالأنظمة

من طبقة ظهور يف �ساهمت وال�سيا�سية القت�سادية

املثقفني طالبوا ب�سرورة تطوير الت�سريع الإ�سالمي ولعل

تباينت تيارات ظهور يف �ساهما قد العاملني هذين

وتطويره. الإ�سالمي الت�سريع تطبيق �ساأن يف اآرائها

مواقف اأربعة التيارات يف هذه اإجمال ح�سر وميكننا

)3(

اأ�سا�سية:

1. موقف يدافع عنه الأ�سوليون و احلركات الإ�سالمية تطبيق من منا�س ل اأنه على يتفقون وهم املعا�سرة

ال�سريعة الإ�سالمية يف ع�سرنا و اإن كان من تغيري يجب

اأن يطراأ فهو تغيري الواقع و العودة به اإىل عهد ال�سلف

ال�سالح. و ل يخفى ل تاريخية هذا املوقف و طوباويته

اإذ هو ل ياأخذ باأ�سباب التقدم و ل يرى يف تغري �سروط

العمران �سنة احلياة.

2. موقف ال�سلفية اجلديدة و ميثله جملة من امل�سلحني الطاهر و م�سر يف )1905 ت ( عبده حممد اأمثال

1935( يف تون�س. حاولوا تطوير �سريعة احلداد ) ت

به ات�سم ما رغم و ال�سخ�سية. الأحوال و املعامالت

هذا املوقف من جراأة و ما اأثاره من جدل فاإنه مل يخل

من توفيقية و مل يحل الق�سية حال جذريا.

3. موقف ثالث انفرد به حممود حممد طه )ت 1985( الإ�سالم« من الثانية »الر�سالة كتابه يف خا�سة جتلى

.)1967(

4. موقف حتديثي ميثله جملة من املفكرين الذين لهم اإطالع وا�سع على الرتاث الإ�سالمي و املعارف احلديثة

اهتموا علمية درا�سة الإ�سالمي الفقه درا�سة حاولوا

ات�سم وقد ون�سبيتها. الأحكام تاريخية بتاأكيد فيها

يهمه وتدبر »تفكر عندهم فالجتهاد باجلراأة موقفهم

معار�سة يخ�سى ول املحمدية الر�سالة جلوهر الوفاء

امل�سلمات بدعوى اأنها من« املعلوم من الدين بال�سرورة

.)4(

»)...( متى كانت ت�ستوجب املعار�سة«

بالبحث حظيا قد والثاين الأول املوقفان كان واإذا

فاإننا الت�سكل طور يف الرابع املوقف وكان والدر�س

قد �سعينا يف هذا البحث اإىل تبني خ�سائ�س املوقف

الثالث الذي ميثله حممود حممد طه و ذلك لأ�سباب

اأهمها :

ظلت فقد لطه والعلمية الجتماعية املكانة رغم .وامل�سلم العربي القارئ لدى جمهولة وكتاباته حياته

بدعم من - التقليدية الدينية املوؤ�س�سة �ساهمت وقد

)3( ميكن الرجوع يف هذا ال�سدد اإىل: عبد املجيد ال�سريف، الإ�سالم و احلداثة، تون�س، الدار التون�سية للن�سر، ط2، 1991، الف�سل الرابع: الفقه

)4( عبد املجيد ال�سريف، الإ�سالم بني الر�سالة و التاريخ، �س 8

قراءة في كتاب الرسالة الثانية من اإلسالم

الفقهاء جهود �ساهمت وق��د

الر�سمية الدينية واملوؤ�س�سة

على القدا�سة �سبغة اإ�سفاء يف

املنظومة الت�سريعية حتى اأ�سبحت

امل�سلم هذه الأحكام - يف ت�سور

- »مطلقة وخالدة« يجب تطبيقها

كان مهما وم�سر ع�سر كل يف

الختالف يف منط احلياة و�سروط

العمران.

180

الرجل دور تهمي�س بال�سودان - يف احلاكمة ال�سلطة

بحث على قراأنا- ما يف - نعرث مل فنحن الفكري.

اللهم بفكره ل و الرجل بهذا يهتم جامعي خمت�س

ال�سريف املجيد لعبد املهمة ال�سفحات بع�س اإل

وقد .)5(

الثانية« »الر�سالة كتاب لعر�س �سها خ�س

و»النور طه« حممد حممود »اأ�سماء ابنته تكفلت

حممد حمد« باإ�سدار كتاب حتت عنوان »نحو م�سروع

موؤلفات ثالثة فيه جمعا )6(

لالإ�سالم« م�ستقبلي

الثانية و»الر�سالة )1966( ال�سالة« »ر�سالة لطه

الأحوال �سريعة و»تطوير )1967( الإ�سالم« من

مقدمة الكتاب ت�سمن وقد ال�سخ�سية«)1971(.

مهمة قدما من خاللها ملحة عن حياة الرجل وب�سطة

عن م�سمون فكره و هما بذلك قد �ساهما يف اإخراج

فكر الرجل اإىل النور.

اإذ ينفرد طه مبوقف حاول من خالله . طرافة موقفه ظل وقد الإ�سالمية ال�سريعة تطوير يف الإ�سهام

يتعهده و مل اأتباعه يطوره فلم ن�سري بال املوقف هذا

دفع طه اأن الإ�سارة من بد ل و بالدر�س. الباحثون

حياته من اأجل هذا املوقف اإذ مت اإعدامه يف عهد جعفر

منريي يف 18 جانفي 1985 بتهمة الردة.

لهذه الأ�سباب حاولنا درا�سة فكر الرجل انطالقا من

كتابه »الر�سالة الثانية يف الإ�سالم« وال�ستفادة من بقية

موؤلفاته ف�سعينا يف م�ستوى اأول اإىل تدبر منطلقات طه

الفكرية لتحليل م�سامني فكره اأما يف م�ستوى ثان فقد

حاولنا تبني حدود هذا املوقف.

نقد الروؤية الغربية:

يندرج �سمن الإ�سالمي عند طه الت�سريع تطوير اإن

م�سروع اأكرب هو تطوير الروؤية الإ�سالمية و ذلك باإعادة

قراءة لالإ�سالم وفق متطلبات الع�سر لذلك فاإن تطوير

الت�سريع اإن هو اإل جانب من تطوير الروؤية الإ�سالمية،

بثنائية النقد الروؤية عند طه يقرتن اأن تطوير هذه غري

على من�سبا كان طه عند والنقد البديل. تاأ�سي�س و

الروؤية الإ�سالمية ال�سائدة كما الروؤية الغربية باعتبارها

الروؤية املهيمنة و حاملة لواء التقدم و احلداثة.

بني التمييز من الغربية الروؤية نقد يف طه وينطلق

املدنية واحل�سارة »املدنية غري احل�سارة وهما ل يختلفان

فاملدنية مقدار اختالف يختلفان اإمنا و نوع، اختالف

.)8(

هي قمة الهرم الجتماعي واحل�سارة قاعدته «

ويتمثل هذا الختالف يف املقدار كون املدنية جتمع بني

وبعبارة اأخرى املدنية )9(

»حياة الفكر و حياة ال�سعور«

باحلياة تهتم فهي الروح و املادة بني لبقا جتمع جمعا

املادية قدر اهتمامها و احتفائها باحلياة الروحية لالأفراد

فتقيم بذلك نظاما اأخالقيا به يتمكن الفرد من »ح�سن

)5( اأنظر الإ�سالم و احلداثة، �س 156 اإىل �س 159 وكذلك الإ�سالم بني الر�سالة و التاريخ �س 56

)6( نحو م�سروع م�ستقبلي لالإ�سالم، بريوت، املركزي الثقايف العربي، الكويت، دار القرطا�س، ط1، 2002 و�سنعتمد هذه الطبعة يف اإحالتنا

)8( الر�سالة الثانية �س87

)9( نف�سه ال�سفحة نف�سها

الرسالة الثانية من اإلسالم قراءة في كتاب

الغربية الروؤية نقد يف طه ينطلق

واحل�سارة املدنية بن التمييز من

ل وهما احل�سارة غري »املدنية

واإمن��ا ن��وع، اختالف يختلفان

فاملدنية مقدار اختالف يختلفان

الجتماعي ال��ه��رم ق��م��ة ه��ي

واحل�سارة قاعدته.

181 العدد األول، ربيع 2013

فاملدنية عند طه )10(

الت�سرف يف احلرية الفردية املطلقة«

.)11(

هي الأخالق »من غري اأدنى ريب!!«

ويرى طه اأن احل�سارة الغربية بهذا املعنى مل ت�سل اإىل

مرحلة املدنية فاحل�سارة رغم منجزاتها العلمية املتطورة

وحتقيق الرفاهة لالإن�سان فاإن موازين القيم فيها خمتل

ذات وجهني: احلا�سرة عملة الآلية الغربية فـ»املدنية

وجه ح�سن م�سرق احل�سن، و وجه دميم، فاأما وجهها

احل�سن فهو اقتدارها يف ميدان الك�سوف العلمية حيث

الب�سرية احلياة املادية لإخ�ساب القوى تطوع اأخذت

وت�ستخدم الآلة لعون الإن�سان: و اأما وجهها الدميم فهو

)12(

عجزها عن ال�سعي الر�سيد اإىل حتقيق ال�سالم«

الو�سول عدم يف الغربية احل�سارة ف�سل طه ويرجع

وعملية فل�سفية نظرية اأ�س�س على لقيامها املدنية اإىل

عجزت عن تقدمي جواب �سليم عن حقيقة عالقة الفرد

باجلماعة و عالقة الفرد بالكون.

الفرد عالقة و باجلماعة الفرد عالقة جتلت فكيف

بالكون يف الروؤية الغربية من وجهة نظر طه؟

ا�ستثناء دون - الجتماعية الفل�سفات اأن طه يرى

»العالقة اإدراك ف�سلت يف قد ال�سيوعية اإىل حدود -

ال�سحيحة« بني الفرد واجلماعة لأنها اعتقدت اأن اإيالء

الفرد حرية مطلقة �سيكون حتما �سد م�سلحة اجلماعة

ممار�سة الفر�سة يف وجد اإذا الفرد اأن ظنت قد »فهي

اجلماعة، م�سلحة �سد �سيكون ن�ساطه فان حريته

م�سلحتها فــاإن الفرد من اأكرث اجلماعة كانت وملا

هذه �سلبت لذلك .)13(

م�سلحته« من بالرعاية اأوىل

الفل�سفات كلها الفرد حريته يف �سبيل �سالح اجلماعة

رغم - كلها الغربية الفل�سفات ميكن جمع هل لكن

الختالف والتعدد بل التناق�س بينها - يف خانة واحدة

املطلقة؟ وهل ميكن الفرد احلرية باإعطاء اإقرارها ونفي

دون )14(

الإقرار بهذه احلقيقة يف ب�سط �سريع و مقت�سب

تفح�س كل فل�سفة تفح�سا علميا �سارما؟

الإن�سان لعالقة الفل�سفات اإدراك خ�سو�س يف اأما

اأكرب من عجزها عن اأن عجزها فاإن طه يرى بالكون

اإدراك العالقة بني الفرد و اجلماعة. ذلك اأن الفل�سفات

قد زرعت يف »خلد الإن�سان اأن مكانه من الكون مكان

يف ال�سائد العتقاد فاأ�سبح )15(

واخل�سومة« اللدد

الغرب يكمن يف اأن الإن�سان يف عالقة �سراع دائمة مع

الكون وما من اكت�ساف علمي يحقق اإل ويعد انت�سارا

انت�سار على الكون ولي�س فهما له.

اعتبار اإىل بالفل�سفة دفع الذي هو املنطق هذا ولعل

الإن�سان يف هذا دام ما الإن�سان الدين مرحلة طفولة

)10( الر�سالة الثانية �س87

)11( نف�سه ال�سفحة نف�سها

)12( نف�سه �س 88

)13( نف�سه �س 93

)14( خ�س�س طه 3 �سفحات فح�سب ليخل�س اإىل هذه النتيجة !

)15( الر�سالة الثانية �س 97

قراءة في كتاب الرسالة الثانية من اإلسالم

يرى طه اأن احل�سارة الغربية بهذا

املعنى مل ت�سل اإىل مرحلة املدنية

العلمية منجزاتها رغم فاحل�سارة

املتطورة و حتقيق الرفاهة لالإن�سان

فاإن موازين القيم فيها خمتل.

182

الع�سر قد اكت�سف اأ�سرار الكون و و�سل اإىل القمة فلم

.)16(

»يجد ذلك الكائن الذي يدعونه اهلل «

اجلانب الغربية الفل�سفات اإهمال اإن القول وميكن

الروحي يف الإن�سان هو العن�سر الذي ي�ساهم يف اإفقار

هذه الفل�سفات فما ا�ستطاعت ت�سكيل ت�سور ين�سجم

فيه الفرد مع اجلماعة من جهة ول مع الكون من جهة

اأق�سى اأن يربط طه البديهي فاإنه من اأخرى. ولذلك

رتب ال�سالل يف فهم عالقة الإن�سان بالكون بال�سيوعية

وكيف ل يفعل ذلك وقد اقرتنت ال�سيوعية يف الأذهان

بالإحلاد وعدم اإيالء الدين كبري اأهمية! وبذلك ميكن

التاأكيد اأن بحث طه عن البديل كان مقرتنا بنقد الروؤية

الغربية، على اأنه يجب القول اإن هذا النقد كان ذاتيا

الغربية كما �سورها طه هي نظرته هو الروؤية اأن مبعنى

للغرب و لثقافة الغرب. واإذا كانت هذه الروؤية الغربية

فا�سلة يف تاأ�سي�س �سعادة الإن�سان فما البديل وعلى اأية

اأر�سية يجب اأن يتاأ�س�س؟

التاأ�سي�س للبديل:

1. روؤية الإ�سالم لعالقة الفرد باجلماعة :باجلماعة الفرد لعالقة الغربي الت�سور كان اإذا

-ح�سب طه - قائما على �سيطرة اجلماعة على الفرد فاإن

و هذه الفردية هي )17(

»الفرد يف الإ�سالم هو الغاية «

اإذ ل جزاء )18(

الت�سريف« »مدار و التكليف« »جوهر

الفردية احلرية و امل�سوؤولية اإطار يف اإل يقام اأن ميكن

القراآين الن�س اإىل طه ي�ستند الروؤية هذه لتدعيم و

ة ذر مثقال يعمل »من و ى« خر

اأ وزر وازرة تزر ل »و

ه« وانطالقا من ا ير

ة �سر ه و من يعمل مثقال ذر

ا ير

خري

هذه الآيات التي تن�س على م�سوؤولية الإن�سان ومبداأ

الفردية يف احل�ساب يرى طه اأنها خري دليل على احلرية

الفردية املطلقة يف الإ�سالم. و اإذا كان الفرد هو الغاية

يف الإ�سالم فكيف ميكن اأن يحل التعار�س بني حاجة

الفرد و حاجة اجلماعة؟.

ل يفك التعار�س ح�سب طه اإل بف�سل التوحيد الذي

جاءت �سريعته على م�ستويني:

م�ستوى الفرد وذلك يظهر يف العبادات مبا هي عالقة

مبا�سرة بني الفرد و خالقه وم�ستوى اجلماعة ويظهر يف

الفرد بني حمكم تنظيم هي التي املعامالت ت�سريع

بل امل�ستويني بني اختالفا طه يرى ول واجلماعة.

عبادات ت�سريع املعامالت »فت�سريع متكامالن هما

العبادات ت�سريع معامالت يف م�ستوى غليظ وت�سريع

اإن للعبادة قيمة اأنه لي�س »املقرر يف م�ستوى رفيع« و

. ويف اإطار هذا )19(

مل تنعك�س يف معاملتك اجلماعة«

احلرية ثمرتها �سجرة اجلماعة حرية تقوم التوحيد

الفردية.

ا »فالإ�سالم يرى اإن الفرد يف الإ�سالم ل يكون اإل حر

و اإمنا كان الإ�سالم )20(

اأن الأ�سل يف احلرية الإطالق«

)16( نف�سه ال�سفحة نف�سها

)17( نف�سه �س 99

)18( الر�سالة الثانية �س 99

)19( نف�سه �س 100

)20( نف�سه �س 101

الرسالة الثانية من اإلسالم قراءة في كتاب

اإن احلل كامن يف الإ�سالم ح�سب

بالإ�سالم؟ املق�سود ما لكن طه،

ويفهم ميار�س كما الإ�سالم اأهو

الآن اأم هو فهم خم�سو�س يحاول

طه تو�سيحه؟

183 العدد األول، ربيع 2013

ا ا باحلرية املطلقة لأنه »ل يرى يف ترقي الفرد حدمقر

يقف عنده فهو عنده )الإ�سالم( �ساير من املحدود اإىل

فالإن�سان يف تطوره نحو الأرقى اإمنا ي�سعى )21(

املطلق«

دوما اإىل التخل�س من القيود واخلوف اإىل احلرية املطلقة

اأو بالأحرى اإىل العبودية.

ول يفهمن من كالم طه املعنى ال�سائع للعبودية مبا هي

تتناهى »كالربوبية ل العبودية عند طه للحرية، �سلب

نفهم اأن ميكن ل ولعله )22(

» الأنبياء اإل يحققها مل

مفهوم العبودية عند طه اإل بالرجوع اإىل الفكر ال�سويف

الذي ميثل رافدا من روافد فكر طه. فالعبودية ت�سبح

بهذا املعنى احتادا باهلل و خروجا من اجلهل اإىل العلم،

من ال�سقاء اإىل ال�سعادة. و ل تكون احلرية عند طه اإل

واعية مقرتنة بح�سن الت�سرف فاإذا ما حاد الإن�سان عن

ا�ستخل�سه الفهم وهذا منه ال�سوي �سودرت ال�سلوك

ا حرية حر البدء كان يف فقد اآدم. طرد ق�سة من طه

لهذه ت�سيريه كيفية لريى اهلل امتحنه حتى مطلقة

يح�سن ومل ال�سراط عن باحلرية حاد فلما احلرية،

الختيار �سلبت منه.

ومن هنا نخل�س اإىل اأن عالقة امل�سلم بالكون تقوم على

يف امل�سوؤولية حتمل اأي ال�ستخالف مفهوم اأ�سا�س

الكون ق�سد تعمريه ول يكون ال�ستخالف اإل باحلرية

املطلقة التي ن�س عليها الإ�سالم دون الفل�سفات الغربية

ومع )23(

نف�سه« مع الإن�سان »�سالم الإ�سالم اأن ذلك

الكون ومع خالقه. فتقوم بذلك عالقة امل�سلم بالكون ل

على اخل�سومة وامل�ساولة واإمنا على الن�سجام والتـاآلف

حتقيقا يعمره الإن�سان ملغامرة ف�ساء الكون لي�ستحيل

خلالفة اهلل على الأر�س.

كامن يف احلل اأن ن�ستنتج اأن هذا وميكن من خالل

اأهو بالإ�سالم؟ املق�سود ما لكن الإ�سالم ح�سب طه

الإ�سالم كما ميار�س و يفهم الآن اأم هو فهم خم�سو�س

يحاول طه تو�سيحه؟ وكيف ميكن ح�سب هذا الفهم

املخ�سو�س اأن نحقق اإن�سانية الإن�سان و �سالمه مع ذاته

و كونه و خالقه؟

)21( نف�سه ال�سفحة نف�سها

)22( انظر يف هذا ال�سدد: ر�سالة ال�سالة، العبودية هي احلرية �س 245

)23( الر�سالة الثانية �س 138

قراءة في كتاب الرسالة الثانية من اإلسالم

184

اآلهة اجلنود ..اأنبياء احلنطة

محمد سالم العمري*

مثلما

ينه�س احلاملون من نومهم

فرحن باملعنى

نق�ستني الأ�سماء املجبولة بالغدران على وتر الليل

فرحت اأغازل جنمتها

واأر�سح من خ�سل املاء..

اأراهن كل ال�سمار على فتنتها

واأ�سهد جمع احلطابن على تربئة الفاأ�س

من كل ذنوب ال�سجر

الطالع مثل قرون الأيل

وما يدريك

لعل النهر ي�سيء قوافله

اأو يل�سعه م�س من �سمك �سهواين الرع�سة

فيفي�س مالئكة

عرائ�س من نيل

اأطفال يفرت�سون �سالل الق�سب

املنثور على �سفحته

في�سري اإليه

وقد ي�سعفه احلظ

فكل �ستاء الأر�س بكاء

ل يفهمه غري الع�ساق وهم موتى

لو اأملك – اأنا املذبوح على حجر القربان –

زورت الكلمات املن�سوبة للرب

واآخيت الذئب بح�سن احلمل

وناديت الراء

أدب وفنون: شعر

*�ساعر من الأردن

185 العدد األول، ربيع 2013

يا هذا ال�ساقط يف احلب

يا املجبول باأ�سياف لمعة وخيل وجنود

هل كنت بريئا

حن جعلت اخلوف على قدر اخلبز؟

وم�سيت ترتب غرف الغيم بال قلب

كاأن نهارا عاديا مر

وكاأن القهوة جاءت ينق�سها بع�س ال�سكر

هل حقا ت�سبهك اللوحة حد اخللط لكن املتحف خمتلف؟

لو كنت مكانك

مل اأخدع طفال اأعمى

مل ا�سبط طرق الفردو�س على خطوته

واألقيه على �سوك الثمرات بال ماأوى

لو كنت مكانك

لقلت: كتاب يكفي

فالأعمال الكاملة قد يلحقها احلذف وبع�س الرتقيع...

لو كنت مكانك

كنت �سنعت الإن�سان بال ذنب

وخرجت عليه

كنت �سحبت اجلوعى من دفرتي الكوين

ورميت بهم على مائدة الرق�س

كنت تهجاأت الطق�س

ونهيت املوت عن الكلمات

من حلم

اأنه�س باملعنى

واأ�سهق بامليالد

فيا للقف�س املقفل على رئتيك

يا لغمو�س الفكرة يف الإن�سان.

أدب وفنون: شعر

186

اعر تنويعات على م�ساألة ال�س

إميان عبد الهادي*

لي�س من اأحد يعرف اليوم كم مت

علمت منطق األ اأبوح �سوى بالكالم!

احتميت بوهم املنام

بتعبري روؤيا:

راأيت كاأن الق�سيدة تاأكل راأ�سي

وت�سرب خمر عظامي

�سكنت منازل ل ح�سر للبحر فيها

ها كاأن القوايف على نق�س

دفا فارغا لتمامي ح�سدت �س

وؤيا رت يف الر مذ �س

اين �سعوري بالكتابة حتد

كفاءة الأموات قلت يف

كيف اإذن اأموت

ويف مرياث الق�سيدة يف بهاء �سطوعها امللكي

يف مزاجها الت�سنيم والقلق املكثف

مزيف

اأنا �ساعر مبهم، ونبي

والق�سائد ملا تكن ذات يوم: تعاليم وحي نبي

كان دود لدود

يناكف حربي وي�سربه

ثم يكتبه يف احمائي

كان جذري عميقا

ائي وكان حل

م�ساء

أدب وفنون: شعر

*�ساعرة من الأردن

187 العدد األول، ربيع 2013

ول �سيء يحجبه

كوك عر علمني ال�س ال�س

ني فاأي نرث �سوف ياأتي كي يعاجل

رد ويجعلني اأطامن مذهبا يف ال�س

حيم كاملوت الر

وبداأت اأعرف بالق�سيدة

ما يكون من الربازخ

عراف واليمبو�س واملعنى الذي ما بن منزلتن اأعرف الأ

فا كنت كتبت �سيئا واحدا متطر

ات قلبي باجلحيم لأفوز يف جن

لت فيه رامبو هو امل�سوؤول عن »ف�سلي« الذي �سج

ماآثر الوطر القدمي ؛

تي

يح من�ساأ تاأكل الر

واأظل اإذن واقفا

نا كل عمري فاأ

خيم! كئا على الوزن الر ع�ست مت

أدب وفنون: شعر

188

الآدمين تهام�س كان ثقيلة، اأحا�سي�س رتني حا�س الدقائق، لعقرب دورة ربع مدى على

ي�سقط يف م�سمعي، واأنا ممددة يف ذلك ال�سندوق، تتقاذفني الأذرع يف الهواء.

كنت �سامتة م�سغية اإىل وقع خطواتهم تنداح م�سرعة مت�سارعة، ل اأعرف اأين يذهبون بي،

ت�سورت للحظة باأنني حممولة �سوب مقربة!

اأردت اأن اأنه�س واأ�ساألهم: ما خطبكم؟ اأو .. ما خطبي؟؟ وددت فقط لو اأعرف يف اأي وقت

من اأوقات النهار نحن، هل الوقت نهارا كان اأم ليال اأ�سال؟

بو�سعي جدا اأن اأقراأ اأفكارهم واأن اأرى اأ�سرارهم، وبقدر ما كنت اأرغب يف اأن اأنهمك بحديث

مع اأحدهم، كنت اأمنع نف�سي، ف� ف�سويل لأن اأتل�س�س على كل ما يدور يف تلك الأدمغة

التي ترفعني فوقها كامال، كان م�سيطرا..

ما اأرى بو�سوح اأن اأ�ستطيع ال�سائر، الذي مي�سي ببطء يف ذيل احل�سد العجوز هناك، ذلك

يتزاحم يف راأ�سه الأ�سلع من اأفكار، كان يخطو وظهره منحن اإىل الأمام بتعب، حمدقا يف

الطريق، اإنه يتلو يف قلبه مرثية كان قد نظمها ع�سية وفاة زوجته، يتلو ب�سمت، ل ال�سفاه

تتحرك ول العيون تدمع، هو فقط مفتقد لها وي�ستذكرها، اإنه الآن وحيدا، وها هي حا�سرة

هذه اللحظة، تثقل عليه عبء انحناءته.

من ثقب عن مييني يف هذا ال�سندوق اخل�سبي الذي اأرقد فيه، ا�سرتقت النظر اإىل ذلك ال�ساب

الأنيق، اإنه ي�سبه جارنا الذي ي�ستعد حلفل زفافه قريبا، رمبا اليوم هو موعد زفافه، قد يكون

الآن! هيئته تدل على ذلك!! هل كان عليه اأن يرتك زوجته وياأتي للم�سري مع هذا احل�سد

ال�سائر ول يدري اإىل اأين؟ يا للرجال! قلما ل ينكثون..

على ما يبدو اأن الطريق اأ�سبحت وعرة، اأ�سعر بال�سندوق وج�سدي يهتزان بعنف، ول اأقوى

على رفع راأ�سي اأو حتى �سوتي لأ�سرخ: األ حت�سنوا حملي اأيها الرجال؟؟

كان تابوتا

عال جميل العمري*

*قا�سة من الأردن

أدب وفنون: قصة قصيرة

189 العدد األول، ربيع 2013

اأميل براأ�سي لكي اأ�ستمع ملا يتهام�سان به ذانكا الرجالن عند اأق�سى جهة ال�سمال، البدين

موؤونة يجنوا مل باأنهم يخربه اإنه العام، لهذا التعي�س الزيتون قطاف مو�سم لرفيقه ي�سكو

كافية من الزيت، والرفيق يهز براأ�سه موا�سيا، كان يفكر بعد انهاء امل�سرية يف اأن يطلب اإىل

رفيقه باأن يبيعه قليال من الزيت، ولكن على كل حال هو ل ميلك ثمنا ملا يريد �سراءه.

ل اأعرف اإن كان حديثهما منا�سبا يف هذا الوقت! ل اأعرف اأ�سا�سا هذا الوقت لأي �سيء هو

منا�سب.

بالذكريات، وكانت عيونهم بائ�سة، عاب�سة، حزينة، مليئة النا�س من حويل كانت وجوه

اأين ول يعرفون، اإىل اأعرف باأي كلمة.. ومي�سون.. ل تائهة، غا�سبة، خائفة، ل يفوهون

وددت لو اأ�ساطرهم همومهم، فا�ست بي الرغبة لأن اأتدىل من هذا ال�سيء اخل�سبي واأغني

لهم..

�سرب عن الطعام اإن بقيت بن هوؤلء البوؤ�ساء وبقوا حويل على هذا احلال فرتة اأطول، �ساأ

�سمعهم اأنيني فقط، يخفت �سيئا ف�سيئا اإىل اأن اأموت..والكالم، �ساأ

ان�سرفت اأدون، على لفافة الورق الأبي�س التي تلفني، ما تدفق حويل من اأ�سرار، واأغلب ما

تقلب يف راأ�سي من اأفكار، فاأكرث هدوءا من هذه اللحظات ل اأظن اأن �ستمر بي ما حييت يف

هذا ال�سندوق ال�سغري.

الذي نهي اأ لأن و�سعي يف ما اأق�سى بذلت تتباطاأ، بداأت ال�سائرين خطوات باأن �سعرت

دونه، من اليمن اإىل الي�سار اأكتب، من الأعلى اإىل الأ�سفل، �سرت اأكتب بعجالة، ل اأظن اأ

ان خطي بات مفهوما، ل�ست متاأكدة اإن كان مرئيا يف الأ�سا�س!

حينما نتوقف وي�سعوين اأر�سا، �ساأعر�س عليهم ما كتبت، �ساأقراأ �سيئا منه، عل اأحدا ي�سفق

يل!

واأ�سعر العينن، مغم�سة اأين متاما اأدرك متيب�س، اأن ج�سدي ، غري حر ب� اأو بربد اأ�سعر ل

وكاأين اأجل�س اإىل من�سدتي واأن �سوتا قريبا هادئا ي�ساألني: هل غفوت يا بنيتي؟

اأفقت وهم�ست: لقد كان تابوتا..

واأجبت: ل يا جدتي، كنت فقط اأجرب جنازتي...

أدب وفنون: قصة قصيرة

190

ها منذ اأ�سابيع، مازالت يداه تقطران مباء الو�سوء حن تلم�س حليته امل�سرت�سلة، مل ي�سذب�

مل خلفه، الباب واأغلق يديه نف�س ويعلو، يعلو املاآذن �سوت حيث والتفت ا�ستغفر

يعتد بعد على هذه ال�سوارع والبيوت التي تناثرت بغري انتظام، فقد كانت �سوارعه اأكرث

ازدحاما، فيما رائحة العطور والبخور العابقة والتي كانت حتف طريقه اإىل امل�سجد تنع�س

�سدره و تبعث يف نف�سه الرتياح، اإل اأنه مل يتبق منها ال�ساعة اإل ذاكرة خمتزلة، تده�سه

عمومته، بيت اإىل التجاءه �سبقت التي الليلة على واقت�سارها ذاكرته انكما�س �سرعة

اللواتي فتياته النفجار عن فتقعده واحدة مرة اآلمه تزجمر اأن الهادئ بباله يخطر مل

ة، والغيوم ت�سح مطرها رحن يهرولن خلفه مت�سرتات بليل حالك، كانت ال�سماء مكفهر

، والتي التوى كاحلها اأ�سفل زيتونة الوادي الكبري ب�سرا�سة فيتفقدهن وياأخذ بيد اأ�سغرهن

زم اأعلى اجلبل ، العواء املتغول واملتالحق من اإياها قدر ا�ستطاعته، مل يقع بقلبه حامال

�سفتيه و�سد كوفيته والتفت اإليهن يح�سهن على امل�سري ب�سوت خفي�س مل يعتدنه، فيجنب

بخطى اأكرث عزمية اآمالت باخلال�س، وكزهور ذابالت يطالعنه بعتمة اعتدنها منذ اأ�سابيع،

رحن مي�سكن بتالبيب ثيابهن اإل اأن الربودة القار�سة اأوهنت عزميتهن ونخرت عظامهن بال

رحمة.

ها املبتل بحركة اآلية، اأرعبتها حال انتهائها فبكت م�سحت اأكربهن منخارها املرت�سح بكم

وبكت دون اأن ي�سمع خيط النمل املرجتف �سوت القهر القاتل.

تزجمر الريح وتعبث بثيابهن املبتلة ، تنغر�س اأقدامهن اللينة بالطن البارد فتم�سي اخلطى

. اأكرث ثقال والطريق الليلي اأكرث وعورة مما ظن

يدفعهن اإىل الأر�س اإثر مرور دورية خلفارة حدودية، مل يتوقع وجودها على ال�سفح املقابل،

غن بالطن ويقطعن اأنفا�سهن حلن . فيتمر

رة اإحداهن ، يتبعرث ما فيها، يلتمع الربق اخلاطف فينري اجلرف، وعلى ا�ستحياء تفلت �س

ونظر نظرة

هشام مقدادي*

*قا�س من الأردن

أدب وفنون: قصة قصيرة

191 العدد األول، ربيع 2013

متد يدها املت�سخة لتجمع ثيابها في�سيح بوجهه، يزلزل هزمي الرعد الأر�س من حتتهم فريتعدن

. ررهن مت�سبثات ب�س

ا ال�سري متغافال عن طرقات تراءت له املئذنة ال�ساهقة من خلف �سجرة الكينا فتمتم غاذ

لت�سع املراآة اأمام مرارا اأكربهن تقف املدر�سة فيما اإىل ليذهنب غرفهن باب خفي�سة على

مل�ساتها الآخرية قبل خروجها اإىل اجلامعة، ت�سقيه ال�سحكات الوادعة وتخاطف الب�سمات

قبلتها اأ�سغرهن وتطبع ، اأ�ساريرهن فتن�سرح اأعددن ما ياأكل بر�سى م�ساء، يعود حن

. هام�سة فيقهقه وميد يده اإىل جيبه : هذا لكن

امل�سجد باب عند الأقدام تتزاحم الثبوتية، اأوراقه عن باحثا خيالته م�سرفا راأ�سه يهز

ال�سفلي به�سترييا يحاول دفعها عنه، ه فك طك ليدلف متاأخرا، تهتز �سفتاه وي�س فيحجم

يده جاره ميد اأقدامهم، اأ�سفل مثبت قنب، خيط بفعل م�ستقيم ب�سف مرتعدا ي�سلي

لعابه العالق اآخر حلقه ويقف، فيما امل�سلون ي�ستغفرون يزدرد م�سافحا فيجيبه متاأخرا،

و ي�سبحون .

اأنا رجل م�سن كما ترون ، جئتكم فاآويتموين ويل بنات ب�سن الزواج ل قبل يل بالإنفاق

عليهن ولن اأرجو ممن �سيتقدم خلطبتهن اإل ال�سرت .

مل يقلها، غ�سة مزقت حلقه فمنعته، ارجتفت �سفتاه، تقطعت اأنفا�سه واأجه�س يف البكاء

ته، جر قدميه خارجا فاأع�ساه �سياء فحوقل اجلمع وطاأطاأ راأ�سه ما�سحا منخاره بطرف كوفي

ع يف الأفق ثم رفع عيناه ونظر نظرة يف ال�سماء. ال�سم�س اخلاطف، تطل

أدب وفنون: قصة قصيرة

192

خالد حاجي*

ظواهر اأدبية وفنية كثرية يف زمن العوملة

روايات اأو بوتر، هاري ظاهرة قبيل من

مو�سوع التي هي بروان دان روايات اأو فوليت، كني

هو الظواهر هذه يف للنظر امللفت ولعل هنا. حديثنا

اإذ الكتاب؛ اقتناء على القراء من املاليني اإقبال

دافينت�سي �سفرة براون دان رواية مبيعات جتاوزت

ثمانني مليون ن�سخة مثال ، وتوؤ�سر هذه الأرقام اخليالية

اإىل جملة من احلقائق، اأهمها اأن الكتاب ل يزال ميثل

الوعي و�سقل املعلومة نقل و�سائل من فعالة و�سيلة

جانب واإىل العوملة. اإن�سان خميلة وت�سكيل اجلماعي

مدى اأن مفادها اأخرى حقيقة هناك احلقيقة، هذه

بال�سرورة يعد مل النا�س بني و�سيوعه الكتاب جناح

يقا�س مبدى عبقرية الكاتب وقدرته على التميز بجودة

الأ�سلوب وعمق الأفكار؛ بل �سار جناح الكتاب مرهونا

�سوى الكاتب ميثل اأطراف عديدة، ل بت�سافر جهود

يوكل �سناعة الكتاب �سار لقد منها. واحد طرف

اأمرها اإىل وكالت اأدبية تعني طبيعة مو�سوعه وطرائق

�سياغته، واإىل �سركات جتارية تبلور ا�سرتاتيجية ت�سويقه

وحتدد زمن اإخراجه.

الأخرية الرواية خا�سة براون، دان روايات تدفعنا

»الرمز املفقود« اإىل الت�ساوؤل عما تالقيه من جناح مبهر،

اأهو جناح مرده اإىل عوامل ذاتية متعلقة بطبيعة العمل

جناح اأم والأدبية؟ الفنية الكاتب وقدرات الروائي

يح�سب لوكالت الكتاب و�سركات الت�سويق والإ�سهار

�سرد يف وفق واإن براون، دان اأن احلا�سل والدعاية؟

الأحداث وحبكها، يظل �ساحب اأ�سلوب متوا�سع اإذا

وبالزاك دو�ستيف�سكي نظراء الروائيني بكبار قورن ما

وت�سارلز ديكنز وغريهم. فقارئ الرمز املفقود ت�ستوقفه

لغة بني الأ�سلوب حيث من ترتاوح كثرية عبارات

تستوقفنا

الرمز املفقود:

اأو زمن ظهور

الباطنية

)قراءة يف رواية دان

براون:الرمز املفقود(

*كاتب وروائي واأ�ستاذ جامعي من املغرب.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد

193 العدد األول، ربيع 2013

فال لذلك املبتذلة. العبارات وبني اليومية ال�سحف

براون دان اأعمال جناح رد الوجوه، من بوجه ميكن،

اإىل جزالة يف اللغة اأومتانة يف الأ�سلوب اأو جديد على

اأن هذا من ن�ستفيد فهل واملبنى. ال�سكل م�ستوى

حتمله ما اإىل اإذن مرده املبهر بروان دان روايات جناح

يح�سب جناح اأنه اأم م�سامني؟ من وحتويه معاين من

لل�ساهرين على ت�سويق الكتاب والرتويج له فقط؟

مهما اختلفت الآراء بخ�سو�س قدرة دان براون الفنية

وملكاته الأدبية، تظل لرواياته جاذبية خا�سة ل �سبيل

اأ�سا�سا يف �سر هذه اجلاذبية يكمن اإنكارها. ولعل اإىل

قوة الفكرة التي اهتدى اإليها ومنا�سبتها لل�سياق الثقايف

اأن

واحل�ساري يف زمن العوملة الغربي. فمن غري اخلفي

روايات براون حمبوكة بطريقة تعاد معها قراءة التاريخ

الفني واملعماري والديني للغرب بغر�س فك ال�سفرات

يف باطنية حركات اأودعتها التي الرموز على والعثور

الغربيون. ورثها التي العظيمة واملنجزات الأعمال

يف التائهني القراء ماليني اإح�سا�س يذكي ما وهذا

اأفراد بني متداول باطني، تف�سري بوجود العوملة زمن

جماعات منغلقة على نف�سها، حلقائق قد تكون �ساخ�سة

اأمام اأعينهم وهم عنها غافلون. وبهذا يرد براون العتبار

للقراءة الباطنية وللحركات ال�سرية على امتداد التاريخ

الغربي، يف �سقيه الأوربي والأمريكي، ويف الوقت نف�سه

للتاريخ الر�سميني والتف�سري القراءة قدا�سة يخد�س

وللواقع. تك�سف لنا �سفرة دافن�سي، مثال، على خالف

الأوربية النه�سة فنان اأن الر�سمي، امل�سيحي اخلطاب

ا حر�ست دافينت�سي اأودع لوحته »الع�ساء الأخري« �سر

األ له، املروجني والتخل�س من اإخفائه الكني�سة على

وهو زواج امل�سيح عليه ال�سالم من ماجدولني. وما بطلة

الرواية التي تدور اأحداثها يف متحف اللوفر بباري�س اإل

امراأة من بقايا ذرية امل�سيح عليه ال�سالم.

الكني�سة حفيظة دافنت�سي �سفرة تثري اأن غريبا لي�س

اأركان اأكرث يف الت�سكيك باب يفتح فرباون والبابا؛

الأعمال اأعظم لنا وي�سور ر�سوخا، امل�سيحية العقيدة

الفنية الغربية وكاأنها م�ستودع للحقائق التاريخية املغيبة

الديني واخلطاب الكن�سية ال�سلطة طرف من ا ق�سر

الر�سمي، اإمنا الغريب هو موقفه من احلركة املا�سونية يف

رواية »الرمز املفقود«. لقد توقع القراء، على اإثر اإعالن

اأن املا�سونية، مو�سوعها رواية كتابة ب�سدد اأنه براون

واملوؤامرة« واخلبث القبح »وجوه عن الرواية تك�سف

املرتبطة يف الأذهان بهذه احلركة الباطنية، لكن الرواية

احل�سن »وجوه من كثريا لتربز ذلك بخالف جاءت

واحلكمة« التي تنطوي عليها �سريرة املا�سونيني. وبقدر

الكني�سة، على متحاملة براون دان رواية جاءت ما

جاءت متعاطفة مع املا�سونية، مما جعل كثريا من القراء

يت�ساءلون عن موقف الكاتب من هذه احلركة وطبيعة

عالقته بها.

اإن مل يكن دان براون ما�سونيا، فال اأقل من اأنه �ساهم

اإعادة العتبار للحركة املا�سونية. بعد رواية بروايته يف

�سفرة دافنت�سي التي اتخذت من اأوروبا ف�ساء لنب�ساط

اأحداثها ومن ال�سطلة واملوؤ�س�سة الكن�سيتني هدفا توجه

اإليه �سهام النقد والتفكيك، تاأتي رواية »الرمز املفقود«

اإىل وحتديدا الأمريكي، الف�ساء اإىل بالقارئ لتنتقل

وا�سنطن، م�ستودع الرمز املا�سوين الذي يختزل جوهر

الرمز الذي يبحث عنه خبري فك اإن الديانات كلها.

الرموز روبريت لجندن يعرث عليه يف ختام الرواية، بعد

فك �سفرات من و�سع حكماء املا�سونية، وهو كلمتان

اأو هلل«، »احلمد ومعناهما Laus Deo؛ �سغريتان:

»ال�سكر هلل«. الرمز املفقود اإذن هو كلمة، والطريق اإىل

هذه الكلمة هو هرم �سغري يحتوي �سفرات املا�سونية.

واحدة، بكلمة كله الرجاء يناط اأن املعقول من هل

»كلمة �سواء« جتتمع حولها كل الديانات؟ يجيب دان

بروان عن هذا ال�سوؤال من خالل اأحد اأهم �سخو�س

روايته كالتايل: » مل ل؟ يحتفظ لنا تراثنا الأ�سطوري

الطويل بكلمات �سحرية متنح قوى خارقة ربانية وتفتح

الأطفال يزال ما اليوم، اإىل حد والروؤيا. التاأمل اآفاق

ي�سرخون »اأبراكادابرا« اأمال يف اأن يخلقوا �سيئا من ل

�سيء. ن�سينا كلنا اأن اأ�سل هذه الكلمة لي�س لعبة، واإمنا

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد قراءة في رواية دان براون: الرمز املفقود

194

ومعناها: القدمي الآرامي الت�سوف اإىل بجذورها تعود

»اأخلق واأنا اأتكلم«. لكن اإذا كانت الكلمة ت�ستطيع اأن

تختزل حكم الأولني التي من املمكن اأن تنور العاملني،

حركة اأفراد �سدور يف الكتمان، طي يف ظلت ملاذا

احلوار طيات يف مبثوثا اجلواب ياأتي �سرية؟ باطنية

ال�سبب لنف�س الكلمة هذه »اأخفيت الآتي: على

الأولد عن الثقاب اأعواد اإخفاء وراء يكون الذي

املنا�سبة تكون الأيادي فالنار حني تكون يف ال�سغار.

هي اإن تدمري اأداة اإىل تتحول اأنها تنوير...غري اأداة

اأياد غري منا�سبة«. يف معر�س اإحدى وقعت يف قب�سة

حما�سراته عن الرموز املودعة يف املعمار داخل اأمريكا،

يقول عامل الرموز لجندن متب�سما: »اإن كلمة »غام�س«

عبادة ب�سور توحي اأنها من بالرغم »�سحري«، اأو

ال�سيطان، فمعناها يف احلقيقة هو »املخفي« اأو »املعتم«.

كل اإخفاء يتحتم كان الديني، ال�سطهاد اأوقات يف

اأنواع املعارف التي كانت تعترب منافية للمذهب، ولأن

تهديدا متثل املعارف هذه باأن ت�سعر كانت الكني�سة

لها، كانت ت�سمها ب�سمات ال�سر والف�ساد، وقد علقت

هذه ال�سمات بهذه املعارف اإىل الآن«.

لنفرت�س وجود حقيقة حية يف قلوب قلة من املنتمني

ب�سرهم، الآن يبوحون فلماذا معينة، �سرية اإىل حركة

ولي�س من قبل ول بعد؟ ينطق دان براون على ل�سان

بيرت �سليمان املا�سوين ليجيب عن هذا ال�سوؤال قائال:

النور بني التوازن يقت�سي للطبيعة قانونا هناك اإن

عامل يف الظالم قوى تعاظم اإىل فبالنظر والظالم؛

اليوم، يلزم اأن تتعاظم قوى التنوير كذلك، كا�ستجابة

من كل بني »من فـ لذلك التوازن. ملقت�سى طبيعية

اليوم اأنف�سنا الطويل...جند التاريخ عرب حقب عا�سوا

النه�سة على �سهداء لنكون الزمنية اللحظة قلب يف

�ستتجلى الظالم، من ال�سنني اآلف بعد الأخــرية.

وحتى وعقولنا علومنا بف�سل اأعيننا اأمام احلقيقة

دياناتنا«. كل �سيء يف رواية الرمز املفقود يب�سر بقدوم

املخل�س، مهدي العامل املنتظر، الذي يخرج من الباطن

ليظهر على الب�سرية في�سدح باحلقيقة العظمى، احلقيقة

التي ل تزيدها الكت�سافات العلمية اإل جتلية؛ اأو كما

العلوم: يف الباحثة لأخته املا�سوين �سليمان يقول

»رمبا احلاجة ملجاراة احلقائق املكنوزة يف حكم الأوائل

هي التي تدفعنا لال�ستغال بالعلوم«. هكذا تغدو كل

العلوم وكل اجتهادات الإن�سان واإبداعاته عرب الزمان

الكلمة. يف املودعة ال�سرمدية احلقيقة اأمام �سيء ل

يف القراآن مثل امل�سيحي، ال�سياق يف الإجنيل ويغدو

يفكها رموز على حتتوي ن�سو�سا الإ�سالمي، ال�سياق

اإنه زمن الإعجاز العلمي يف الن�سو�س الدينية العلم.

بامتياز، وزمن البوح بالكلمة ال�سر واإظهارها بعد العثور

يف هو الذي املا�سونية الرموز هرم فك بوا�سطة عليها

حوزة عامل الرموز لجندن، خريج جامعة هارفرد.

نفهم من �سياق احلديث بني �سليمان املا�سوين واأخته

الباحثة يف العلوم اأن احلقيقة معطاة، ل تكت�سف واإمنا

كل الكلمة. هي املثلى التذكري وو�سيلة بها، يذكر

املفقود« »الرمز براون رواية ف�ساء يف املبثوثة املعاين

ومن الديني الرتاث من ينهل الكاتب باأن ت�سعرنا

والقراآن، والإجنيل التوراة ومنها املقد�سة، الن�سو�س

الديانات كل عن غريبة بحقيقة النهاية يف لي�سدح

الكتابية، احلقيقة املا�سونية التي حترر الإن�سان من قب�سة

اإلها الإن�سان في�سري الألوهية، رتبة اإىل لرتفعه الدين

مبدعا. هكذا نفهم ملاذا ا�ستع�سى على احلركة الباطنية

نهلت من واإن لأنها قبل؛ وذلك باأ�سرارها من البوح

اأنها جاءت لتلغي اإل الدينية الكتابية، معني احلكمة

امل�سافة بني الإله والإن�سان. بهذا املعنى، تكون احلقيقة

امل�سفرة يف احلركة الباطنية امل�سطهدة حقيقة من طبيعة

الألوهية بنهاية وتب�سر للدين حد و�سع تروم دينية

لتنري الكلمة اإنها حركة تركب الديانات. فتها كما عر

الطريق وتذكرنا بحقيقة وجود الإله فينا، ولي�س بعيدا

عنا...

اإىل الباطن من املا�سونية احلركة خروج يف هل لكن

العوملة اليوم يف زمن التائهة الب�سرية الظاهر ما يحرك

باجتاه حمدد؟ وهل ت�ستطيع هذه احلركة اأن جتمع النا�س

قراءة في رواية دان براون: الرمز املفقودأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

195 العدد األول، ربيع 2013

حول كلمة �سواء فتبلغ وعيا كونيا جديدا يتحرك معه

العامل باجتاه وجهة حممودة العواقب؟ ل �سك اأن يف

اأي حركة �سرية، من املا�سونية، كما يف خروج خروج

الب�سرية يجنب ما الظاهر و�سوح اإىل الباطن غياهب

اخلا�سة بني الف�سل ويــالت اأقلها كثرية، ويــالت

منطق �سجينة تظل »تنويرية« حركة فكل والعامة.

تطلب متاآمرة، حركة بال�سرورة هي والعامة اخلا�سة

املنفعة الذاتية على ح�ساب املنفعة العامة. قد يكون يف

فك رموز املا�سونية وطرح اأفكارها علنا ما يغني النقا�س

الكوين بخ�سو�س موا�سيع عديدة. اأما بخ�سو�س قدرة

اأفكارها على الدفع باجتاه وعي كوين جديد، فهذا اأمر

مرتوك اإىل الغيب. الراجح اأن فكرة من قبيل »توحد

�سبيه علم كالم اإحياء ت�سب يف قد والإله« الإن�سان

املبنية الثقافات �سياق يف عرف الذي الكالم بعلم

ال�سياق يف اإن ال�سماوية، املقد�سة الن�سو�س على

اأن نح�سب ول الإ�سالمي. اأو اليهودي اأو امل�سيحي

براون، رواية يف بها التب�سري يتم كما املا�سونية، فكرة

تتجاوز اأن ت�ستطيع بحيث والأهمية اجلدة من فكرة

يف والنقا�س امل�ساءلة ب�ساط على املطروحة الأفكار

اأنها فكرة قادرة على اإدخال زمن العوملة. بل نح�سب

العقول يف جدالت عقيمة ل تنقطع بخ�سو�س معاين

فناء الإن�سان يف اهلل، ومعاين القرب من اهلل، اأو البتعاد

عن اهلل.

يفاجئ قارئ الرمز املفقود باأن نهاية الرواية مل تك�سف

موازين تقلب اأن باإمكانها جديدة ثورية فكرة عن

التاريخ. بل كل ما هنالك، بعد الأ�سياء وتغري وجهة

متعلقة ب�سيطة فكرة والإثــارة، الت�سويق عنا�سر كل

يف احللوليون اأ�سبعها فكرة بالإله، الإن�سان بعالقة

الدافع اأن والراجح وجدل. بحثا املختلفة ال�سياقات

اإىل كتابة« الرمز املفقود« واإىل كتابة �سفرة دافنت�سي من

قبل الكن�سية، املوؤ�س�سة مع احل�ساب ت�سفية هو قبل،

التب�سري بخروج حركة من الباطن اإىل الظاهر.

بني الرابط اخليط هو الكن�سية املوؤ�س�سة نقد يظل

هذه الروايات، كما يظل �سغف براون بعقد ال�سفرات

وحلها هو راأ�س مال فنه الروائي. لكن هذا ل مينع من

ا�ستيعاب على الفائقة بالقدرة براون لدان العرتاف

اللحظة التاريخية، وطبيعة الأ�سئلة والتحديات املرتبطة

بها. ومن الأ�سئلة اجلوهرية التي تطرحها رواية » الرمز

املفقود« �سوؤال متعلق مباآزق ثقافة ال�سورة و�سبل اخلروج

منها. كما ل يخفى على املتاأملني يف واقع الثقافة العاملية

الراهنة، فاإن كل الر�سائل والرموز وال�سفرات اأ�سبحت

املرء ي�سعر معها اإىل درجة �سار النظر، مترر عرب حا�سة

لها دور يف باأن حوا�سه الأخرى قد تعطلت، ومل يعد

قراءة الواقع وفهمه والتو�سل اإىل حقائق الأمور. يحاول

دان براون اأن يجلي حدود حا�سة النظر يف فك الرموز

املو�سلة اإىل حقائق الأ�سياء. يقف لجندن، وهو العامل

ال�سفرات هرم اأمام عاجزا وحلها، الرموز عقد بفنون

املا�سونية، حيث يتفوق �سخ�س ب�سري. ملا اأعيت لجندن

احليل و�سار اأقرب اإىل الياأ�س منه اإىل �سيء اآخر، �سد

العجوز الب�سري على يديه ليمرر اأنامله على ال�سندوق

»لقد يقول: وهو الذهبي الهرم يحتوي كان الذي

كما اأناملك، بوا�سطة تب�سر كنت لو عيناك؛ اأعمتك

اأنه ما يزال يف ال�سندوق �سيء تتعلم اأفعل، لأدركت

حا�سة وتتعطل اللم�س حا�سة تتدخل هكذا منه«.

النظر كي تخطو الإن�سانية خطوة هائلة مع لجندن نحو

حل ال�سفرة التي يتوقف عليها م�ستقبل الب�سرية.

اأنظار مالحقيه يختفي عن اأن ا�ستطاع لجندن وقبلها

فينجو بجلده ليوا�سل م�سرية البحث عن الرمز املفقود،

نت وذلك بالرغم من الأدوات التكنولوجية التي مك

حلا�سة النظر وجعلتها اأقدر من غريها من احلوا�س على

اقتفاء الأثر. »لقد اأ�سبحنا قادرين على النظر يف الظالم؛

وعلى اخرتاق اجلدران. والآن...اأ�سبحنا قادرين على

احلراري الت�سوير فاأدوات الزمن، الوراء يف اإىل النظر

من مكنها مما احلرارة، اإزاء احل�سا�سية مفرطة �سارت

اأمكنة بل فح�سب، الأ�سخا�س مكان لي�س حتديد

النظر �ساحة ات�ساع من بالرغم ال�سابقة...«. وجودهم

لتجلي الباطن وت�سيق عليه، متكن حرا�س �سر احلركة

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد قراءة في رواية دان براون: الرمز املفقود

196

الباطنية من موا�سلة الفرار نحو هدفهم الأ�سمى، �سعيا

اإىل الك�سف عن الرمز املختزل حلكمة الوجود.

فتح من ومتكنه مالحقيه من لجندن جناة وبعد واأخريا

املا�سوين العجوز م�ساعدة بف�سل ال�سفرات �سندوق

بيرت املا�سوين �سديقه اإنقاذ من متكن اأن وبعد الب�سري،

الرمز حقيقة على الوقوف �سوى اأمامه يبق �سليمان، مل

من وطلب �سوداء قما�س قطعة �سليمان اأخرج املفقود.

الأمام. اإىل يخطو اأن قبل راأ�سه على ي�سعها اأن لجندن

تع�سب التي القلن�سوة اأنها ليجد القطعة لجندن فح�س

عيني مريد املا�سونية اجلديد. توجه لجندن بال�سوؤال لبيرت

بالرحلة؟« القيام قبل عيني تع�سب اأن »اأتريد �سليمان:

وقوانيني،عوائدي«. ي، »�سر مبت�سما: �سليمان فاأجابه

قد احلقيقة، عن الأب�سار املنظور القريب يعمي ما بقدر

يكون تعطيل حا�سة النظر املدخل لفتح العقل على هذه

احلقيقة.

نخل�س هنا اإىل القول باأن ل �سيء يعدل جناح دان براون

يف و�سع اإ�سبعه على داء العوملة املوؤمل �سوى اإخفاقه يف

تعيني الدواء والإ�سارة اإىل املخرج. فداء ثقافة العوملة،

الذي بداأ �سغريا يف ع�سر النه�سة لي�ستفحل يف زمن

احلداثة، يتمثل، كما جاء يف رواية بروان، يف غلبة حا�سة

كتابات هناك والواقع. الوجود رموز قراءة يف النظر

فل�سفية ل تعد ول حت�سى ت�سرتك مع روايات دان براون

يف التنبيه اإىل خماطر ثقافة ال�سورة ووقوفها �سدا منيعا

بيد الب�سيطة. احلقائق واجنالء املعنى انت�سار وجه يف

حا�سة تغليب ومقابح ال�سورة ثقافة مباآزق الإقرار اأن

الب�سر ل يف�سي بال�سرورة اإىل القول باأن تعيني اخلروج

باطنية، حركة اأيدي يف بال�سرورة هو املاآزق هذه من

اإىل ال�سوء. قد يكون يف هذا الطرح تتحا�سى اخلروج

الثقافة خارج ما يعمي عن حقيقة وجود بدائل لهذه

البديل الباطني.

ل يخفى ما لروايات دان براون، ولغريها من الأعمال

الكوين الوعي ت�سكيل يف دور من الغربية، الفنية

والدفع به باجتاهات معينة. ونحن اإذ نقف منبهرين اأمام

حجم تداول هذه الأعمال بني القراء، ل ي�سعنا اإل اأن

نت�ساءل هل يحق لنا، يف ال�سياق العربي والإ�سالمي،

الثقافة اأ�سئلة ت�ستوعب وفنية اأدبية باأعمال نحلم اأن

النجاح لها فيكتب الراهنة، والإ�سالمية العربية

اأم براون؛ دان لرويات كتب كما والنت�سار والذيوع

اأن »اأمة اإقراأ« ما تزال بعيدة عن ثقافة القراءة، وبالتايل

بعيدة عن الإميان بقدرة الكتاب على �سنع املخيلة يف

زمن العوملة!

قراءة في رواية دان براون: الرمز املفقودأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

197

بري�سة الفنان عمر الفيومي ، م�سر

198

يف �سعر

االغتـراب

ح�سن االأمـراين

فريد أمعضشـو*

على من له اإملام بعامل ال�سعر املغربي املعا�سر،

ه اإىل اأن ثمة معان والعربي ب�سفة عامة، التنب

اعتبارات لعدة بكثافة، فيه حت�سر معينة ومو�سوعات

وما والغرتاب الغربة جتربة ومنها ومو�سوعية؛ ذاتية

يرتبط بها من معاين ال�سياع واحلزن والأمل واملقا�ساة،

ول �سيما حني تعا�س داخل الذات يف بعديها الفردي

واجلماعي.

ويعد د. ح�سن الأمراين من بني كبار �سعرائنا املحدثني

الذين عربوا، يف كثري من ق�سائدهم، عن هذا الغرتاب

الذي اأملته بواعث عدة، واتخذ �سورا �ستى. والرجل،

املغربية الق�سيدة اأعمدة من واحد معروف، هو كما

املعا�سرة وفر�سانها املربزين، بداأت عالقته بال�سعر قبل

اأزيد من اأربعة عقود، وخرب دروب ال�سعر العربي قدميه

الغربي، ال�سعر النفتاح على يغفل اأن وحديثه، دون

وجمامع دواويــن الآن ال�سعري »ريربتواره« وي�سم

املغاربة ال�سعراء اأكرث من واحدا �سعرية كثرية جعلته

1949 مواليد من ــراين والأم اإنتاجا. املعا�سرين

اأ�ستاذا ا�ستغل املغرب، �سرق الواقعة وجدة، مبدينة

جامعيا ردحا غري ي�سري من الزمن اإىل اأن غادر رحاب

اجلامعة طوعا قبل �سنوات قليلة، وهو ع�سو يف عدد من

الهيئات؛ مثل »رابطة الأدب الإ�سالمي العاملية«، وله

ع�سرات من الدرا�سات النقدية املن�سورة وطنيا وعربيا.

من قطبا املعا�سرين، نقادنا من كثري نظر يف ويعد،

اإىل جانب اأقطاب الأدب الإ�سالمي يف بالد املغرب،

رحمه بنعمارة وحممد الرباوي علي حممد ه �سديقي

عى هذه الدرا�سة اإىل ت�سليط ال�سياء

اهلل تعاىل. و�ست�س

خالل من الأمراين، �ساعرنا لدى الغربة جتربة على

ذلك ونحو وخملفاتها وجتلياتها بواعثها على الوقوف

مما له �سلة بها. و�سيكون �سبيلنا اإىل ذلك قراءة اأ�سعار

الرجل ومدار�ستها وحتليلها وتف�سريها لال�ستدلل على

ما ذكر وتو�سيحه.

الغربة بلهيب الأمــراين ح�سن ال�ساعر اكتوى لقد

اأن يكيف نف�سه واملعاناة داخل وطنه، لأنه مل ي�ستطع

الواجهات. خمتلف على املتخلف وطنه مع املرهفة

)املتقارب( )1(

يقول:

ن�ار البداي�ة ف�وق احتم��ال�ي

يسهل

*باحث من املغرب.

)1( الأمراين: �ساآتيك بال�سيف والأقحوان، موؤ�س�سة الر�سالة، بريوت، ط.1، 1996، �س �س 42-41.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد

ال�ساعر ح�سن الأمراين

199 العدد األول، ربيع 2013

وف�وق ظنوين

رجرين غربة الروح نحو ان�سطاري جت

وترم�ي �سظ�ايا دم�ي للم�س�اف�ات

به وتغر ده

ت�سر عن املوايل الن�س يف الأمراين ويعرب

اإليه. بانتمائه اعتز طاملا الذي وطنه داخل الذاتي

،ويبدو، ظاهـريا، اأنه قد اأ�سند اخلطاب اإىل خماطب اآخر

تها اأجرب التي العا�سقة ذاته يق�سد العمق، ولكنه،يف

بلدها. داخل الغربة م�ساق ل حتم على قاهرة ظروف

)املتدارك( )2(

يقول:

دت�ك البالد احلب�يبة �سر

نت�ك املنايف. واحت�س

ب يف الذات اأيها العا�سق املتغر

ة اأو يف البالد العري�س

دت�ك احلروف قد �سر

واأ�سلم�ك الأهل لل�يل

جون. نت�ك ال�س بك الع�سق واحت�س غر

اأينما ويظل �سبح الغربة وال�سياع واملعاناة يطارد ال�ساعر

حل وارحتل؛ اإذ يظهر اأن كل �سيء يف الوجود يعاك�سه،

)املتدارك()3(

قل رغباته:ويعر

طات العامل �بح كل حم ملاذا ت�س

حن اأجيء اإليها مغلقة؟

وملاذا حن اأمد الطرف اإليها

يرتد اإيل الطرف ح�س�ريا؟

رقات ف يف الط وملاذا حن اأطو

ة ريح بيدي؟ اأعود، ولي�س �سوى قب�س

تتهالك خلفي جثتي الغ�رباء

فمن يحمل عني ج�س�دي؟

وعادة ما يالزم احلزن الغربة يف �سعر الأمراين؛ فت�سود

فيه م�ساعر الأ�سى، وقهقهات البكاء والأنني، ومظاهر

)املتدارك()4(

القلق واملعاناة. يقول ال�ساعر:

بت تغ�ر

�فور احلزن الوردي فاأدركني ع�س

رت و�ساياك الع�سر تذك

بكيت على زمن مل اأدخل فيه اإليك

ومل اأم�سح ظهر جب�يني

يف اأعتابك،

كان اخلوف ي�ساكنني

والقلق الأخر�س

يدان الأخرى والد

وانفرطت حبات الكل�مات.

وحديث ــرتاب الغ حديث بني ــزج امل ظاهرة اإن

الورود يف الواحد كثرية ال�سعري الن�س الأحزان يف

ال�ساعرة تقول املعا�سر. فمن ذلك الإ�سالمي ال�سعر

)الوافر )5(

رب«: »يا ق�سيدتها يف العيباين ر�سمية

التام(

جراحي فاتها الآ�س�ي فرفق�ا

بها يا ليل.. رفق�ا بالقل�وب!

وما عجبي من الأحزان.. لكن

رب خف�اق عج�يب! عجبت ل�س

ع�ادة اإن قلب��ي فما يل وال�س

غريب يف غريب يف غ�ريب!!

ويف دواوين الأمراين وجمموعاته ال�سعرية القيمة ق�سائد عديدة

قلبه عن والتعبري الغربة واقع ت�سوير بني ال�ساعر فيها جمع

املكلوم الذي ينفطر حزنا واأ�سى على ما اآل اإليه حال جمتمعه

واأمته من تخلف وتقهقر وا�سحني يف خمتلف امليادين احليوية.

)2( الأمراين: الزمان اجلديد، دار الأمان، الرباط، ط.1، 1988، �س65.

)3( امل�سدر نف�سه، �س �س 19-18.

)4( نفــ�سه، �س �س 20-19.

)5( جملة »الأدب الإ�سالمي«، ع.19، مج.5، 1419هـ، �س108.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد االغتراب في شعر حسن األمراني

200

وتنامي اأمته، اأنحاء �ستى احلرية يف �سم�س غياب اإن

بغري حقوقهم على والإجهاز املواطنني، قمع درجة

الأمراين غربة تف�سر التي املبا�سرة الدوافع من حق،

مه من واقعه املعي�س. يقول ال�ساعر م�ستهال كالمه وترب

)6(

باأ�سلوب املفارقة )Ironie(: )الكامل(

، ل ت�ساألوا عنا، فنحن باألف خري

لي�س يعوزنا �سوى اأن ترفعوا عنا و�سايتكم

اأياديكم

لنغدو مثلما الأ�سماك ت�سبح يف حميطات

بغري مدى

لمات لتعرب هذه الأطيار بحر املوت والظ

نحو الفجر

ي وم�سري القرار ناع �س من يطلب ل فال�ساعر اإذا،

ال�سا�سع الإ�سالمي العامل اأقطار يف احلكم دواليب

اأيديهم عن �سعوبهم، ومتتيعهم بحريتهم تها اإل رفع رم

يري

التامة ليعي�س اأفرادها اأحرارا طلقاء قادرين على ت�س

الطني يزيد ومما الأمان. فجر نحو واقتيادها حياتهم،

ويعبثون �سعوبهم، يخونون امل�سلمني حكام اأن بلة

)الكامل()7(

باأرواحهم وممتلكاتهم ومعتقدهم. يقول:

فون وامل�رت

عب، يف ليلة حمراء باعوا ال�س

باعوا الأر�س

باعوا الدين، وا�ستلموا الثمن.

و�سيلة خري اجلهاد يبقى القائم، اجلو هذا ظل ويف

)8(

للخال�س.

دوا، يا اأيها الفقراء، اإن الزاد يف ليل املحن فتزو

البن�دقية والكفن.

ويزداد �سعور الأمراين بالغربة واملعاناة يف كنف وطنه،

هذا اأبناء على ال�سغوط تزايدت كلما ككل، واأمته

على وحملهم حريتهم، �سلبهم يف متمثلة الوطن

بلده يف وم�سطهدا هما مت الإن�سان اخلنوع… ويظل

يته، واخل�سوع لإرادة اإىل حني اإعالنه التنازل عن حر

)الوافر()9(

الآخر. يقول الأمراين:

يت مت�هم اأنت اإن غن

م�ت ومتهم اإذا اأجل

متهم وقفت اأو انطل�قت

�سرخت اأو اأعلنت موتك – قبل موتك - متهم

حتى تقول: نعم.. نع�م!

اآخر، �سخ�سا يخاطب ال�ساعر اأن الظاهر من يبدو

ه الكالم اإىل ذاته املغرتبة ولكنه، يف احلقيقة، اإمنا يوج

وكثريا الكئيب. واقعها على واأملا حزنا تنفطر التي

حالته لت�سوير ومعانيه القراآن ق�س�س اإىل ا�ستند ما

ا الأليمة، وحلمل ذاته على الفاأل واجللد. يقول متنا�س

)الكامل()10(

مع �سورة يو�سف املكية:

�سجني، نداء املوت من�ت�سر

يا �ساحبي

وهذا الليل معتكر

وت الفجر منتظر و�س

ففيم تراكما ت�ستفتيان؟

املوت وحال العذاب وير ت�س ال موا�س ال�ساعر ويقول

)11(

به:العام الذي يلف كل جوانب مغتـر

)12(ة م��س �سجني، هنا ظماأ وخم

يا �ساحبي

)6( الأمراين: الق�سائد ال�سبع، املطبعة املركزية، وجدة/ املغرب، ط.1، 1984، �س40.

)7( نف�ســه، �س �س 44-43.

)8( نفــ�سه، �س44.

)9( نفــ�سه، �س36.

)10( نف�ســه، �س25.

)11( نفــ�سه، �س27.

)12( اأي جـوع.

االغتراب في شعر حسن األمرانيأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

201 العدد األول، ربيع 2013

واإن�سان ميوت

( عمامة املوت يدنو من )غ�لو

اأو من جناح حمامة

حطت بباب الغار

اأو من خيط هذا العنكبوت

املوت يدنو يف الق�سيده

يف افتتاحية اجلريده

املوت يدنو من مواقفنا اجلديده.

ب الأمراين يف دنيا ال�سعر ردحا من الزمن طالبا ما وتغر

)املتقارب()13(

هو اأف�سل:

عر بت ع�سرين عاما مبملكة ال�س تغر

يف والأقحوان اأطلب مملكة ال�س

�لول واأوغلت حتى نعتني الط

ويف اآخر اخلطو، قبل انهياري

وجدت انت�ساري

لأين وجدتك يف ذلك الأرخب�يل.

عة ال�سعرية ثنائية )املوت ≠ احلياة(، حت�سر يف هذه املقط

اأو )النهيار≠ النت�سار(، اأو )ال�سيف ≠ الأقحوان(؛

والتي حتيل اإىل طائر العنقاء الذي يحرتق، ولكنه بعد

مدة معينة ينبعث من رماده حيا؛ كما تقول الأ�سطورة

ور املعروفة. وقد ا�ستغل الأمراين اأ�سطورة العنقاء – ب�س

بال�سيف »�ساآتيك ديوانه ق�سائد جل يف - خمتلفة

والأقحوان« كما قال د. حممد علي الرباوي يف تقدميه

اأن اإىل ن�سري اأن بنا ال�سعرية. ويح�سن املجموعة لهذه

ة يكرث من ا�ستخدام تقنية التنا�س/ ال�سعر املعا�سر بعام

احلديث من اأو الكرمي القراآن من �سواء القتبا�س

العربي والإن�ساين. ثم ه اأو من الرتاث ب�سقي ال�سريف

لهدفني ال�سعري الن�س يف ر يح�س التنا�س هذا اإن

اثنني؛ اأحدهما دليل بحيث ي�ساهم يف تو�سيح دللة

ذاته الن�س ي�سفي على فني والآخر واإثرائها، الن�س

جمال ورونقا، ويجعله اأكرث تاأثريا… كما اأن الأمراين

د ديوانه املذكور للحديث عن املراأة حديثا يختلف اأفر

عن حديثه عنها يف ال�سبعيـنيات.

ال�سعر يف بارزة ظاهرة وطنه يف امل�سلم اغرتاب اإن

الأ�سكال ــرب اأغ من وهــذا املعا�سر. الإ�سالمي

الغرتابية واأعجبها واأق�ساها كذلك. ففي مثل ذلك

بني غربته را م�سو الأن�ساري فريد املرحوم يقول

الطاغي، ال�سيوعي املد به الذي عبث اأح�سان وطنه

)الكامل التام()14(

فاأم�سى كل �سيء فيه غريبا:

-وطني- ففيك نفيت عنك.. ترى اأ قد

لك يف قب��ورك مرق�د؟ يبقى خل

ء في�ك ينك�ر ذات��ه:

ها كل �س�ي

جر الكئي�ب املج�ه�د املاء، وال�س

ب، واحل�جا �ون، وال�ذوق املغر والل

وؤى ت�ست��ورد والنوم، بل حتى الر

م�ت اأن�س����امه �ون ت�سم ه�ذا الل

مل�ا تث�اءب في�ه دب ملح���د

بح��ت بلدي احلبيب، اأ هك�ذا قد اأ�س

ك تعبد؟! )لت( و)عزى( فوق اأر�س

ا عن ويقول، اأي�سا، اأحمد مطر يف اإحدى لفتاته معرب

واقع القمع والغرتاب الذي يعي�سه امل�سلم حتت �سماء

)الرجز()15(

بلده:

املرء يف اأوطاننا

معتقل يف جلده

غر منذ ال�س

وحتت كل قطرة من دمه

تبئ كلب اأثر خم

ور ماته لها �س ب�س

ور اأنفا�سه لها �س

)13( الأمراين: �ساآتيك بال�سيف والأقحوان، �س34.

)14( فريد الأن�ساري: ديوان الق�سائد، مطبوعات الأفق، الدار البي�ساء، ط.1، 1992، 36-35/1.

)15( اأحمد رزيق: ومن ال�سعر ما قتل، جملة »امل�سكاة«، وجدة، ع.8، �س.2، �ســتاء 1988، �س54.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد االغتراب في شعر حسن األمراني

202

ور اأحالمه لها �س

املرء يف اأوطاننا

)16(

�بارة لي�س �سوى اإ�س

غالفها جلد ب�سر

؟ اأين امل�فر

الإطار يف ي�سوين، الر املنت�سر حممد املرحوم ويقول

بالده كنف يف اأفغاين مب�سلم حاق ما وا�سفا نف�سه،

الجتياح اأيام املعاناة روب و�س التعذيب نوف �س من

حمل فقد ذلك، كل ورغم لأفغان�ستان. ال�سوفياتي

من ــق رم ــر اآخ حتى مود وال�س التحدي م�سعل

)الوافر( )17(

حياته:

بالل يف كبول بات يف حب�س

بطاقته تقول باأنه م�سلم

�سهادته تقول باأنه م�سلم

بته تقول باأنه م�سلم حم

ده من الثوب اأبو جهل يجر

ربا ق جلده �س اأبو لهب ميز

بالل يف كبول بات يف حب�س

ج�س نوف الذل والر اأذاقوه �س

ر فما وهنت قواه وباح بال�س

حتدى ظلمة القهر

ر واأم�سى �ساهد ع�س

غربة ر ت�سو التي املعا�سر ال�سعر مناذج بع�س هذه

الأمراين عانى وقد ل. الأ�س وطنه داخل الإن�سان

كثرية موا�سع يف عنها وعرب الغربة، هذه مرارة نف�سه

)18(

الرائعة: كامليـته يف ال�ساعر يقول دواوينه. من

)الكامل التام(

طارد يف البالد كاأنني ما يل اأ

اقة اجل�رباء بي�ن اجلم�ال الن

ويقول يف ق�سيدته التفعيلـية »احلقيقة«، مفتتحا كالمه

)الرمل()19(

با�ستفهام ا�ستنكاري:

اأ غريب اأنا يف اأر�سي؟

ى ثراها هيهات.. اأبي رو

كل �سرب فوقها ي�سهد اأين من بناها

ورعاها

و�سقاها

لت من حلل الهدى اأقطارها واأنا الذي جم

الم بها و�سدت منارها ورفعت األوية ال�س

واأبي الذي من اأجلها اأعطى دمه

حى لتبقى م�س�لمه. �س

غيور ي�ستنكر

فمن الن�س ترتاءى لنا �سورة رجل اأبي

ى اأجداده بالنف�س الغرتاب داخل وطنه الذي �سح

ا �ساخما. ومل يكن م�ست�ساغا والنفي�س ليبقى م�سلما حر

ب داخل ذلك الوطن الذي ي�سهد قبول ال�ساعر التغر

كل ما فيه اأنه من حفظ احلياة له، واأعلى �ساأنه ولواءه،

و�سيد معامله. ولكن حلكة الواقع وقتامة الظرف تدفعان

بال�سياع الإح�سا�س اإىل كثرية اأحايني يف الأمراين

والغرتاب داخل وطنه الذي لي�س حاله باأح�سن من

)الكامل( )20(

حال ال�ساعر:

يع اأنت من اأعمى يا وطني، لأ�س

يفت��س يف دجى غرناطة

عن �ساحب يغ�نيه

اأو عن ملج�اإ يوؤويه

نارن. ى يف الز يا وطني امل�سج

)16( حزمة من ال�سحف اأو من ال�سهام. وجتمع على )اأ�سابري(.

)17( امل�سكاة، ع.12، �س.3، �ستــاء 1990، �س81.

)18( جملة »الأدب الإ�سالمي«، ع.19، مج.5، 1998، �س23.

)19( الأمراين: ج�سر على نهر درينا، مطبعة النجاح اجلديدة، البي�ساء، ط 1992، �س40.

)20( الأمراين: الق�سائد ال�سبع، �س19.

االغتراب في شعر حسن األمرانيأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

203 العدد األول، ربيع 2013

اأحد قولة من وا�سحا اقتبا�سا الن�س اأن يف واملالحظ

يف اأعمى من يع اأ�س اأحد من »ما الإ�سبان: ال�سعراء

انفتاح �ساعرنا على الأدب غرناطة«. وهذا دليل على

العاملي والإن�ساين؛ كما هو بالن�سبة اإىل غريه من رواد

الق�سيدة احلرة يف الوطن العربي.

وبالرغم من �سعور الأمراين بالتغرب بني اأح�سان وطنه،

وبالرغم من تخلف هذا الوطن وتخبطه يف دجى الآلم

اعتزاز؛ اأميا بوطنيته معتزا ال�ساعر نلفي فاإننا واملحن،

اأو خنجر الغ�سا جمر مبثابة عنده »الوطنية لأن ذلك

ليجد ال�سحيق قراره يف يغو�س ج�سده، يف ي�سعى

)الوافر()22(

. يقول:)21(

موطنه الأ�سلي وهو القلب«

وطن اآليت األ اأبيعه(

)ويل

ويل وطن

عني فاأطعمه �سرايي�ني يجو

�سقيه دمي املخبوء يف ليل امل�ساكنويظمئني فاأ

ومتقاطعتني بارزتني يتني د �س ثنائيتـني الن�س يف اإن

كه العميق اأ�سهمتا يف اإبراز مقدار اعتداد الأمراين ومت�س

بوطنيته؛ فاإذا كان وطنه ي�سيء اإليه، فاإنه يواجه اإ�ساءته

يح�س التي احلميدة اخلالل من وهذا بالإح�سان؛

عليها ديننا احلنيف. والبيان التايل يو�سح ذلك:

التجويع الإطعام

الإظماء ≠ الإ�سقاء

الإ�سـاءة الإح�سان

يبدو من اخلطاطة اأعاله اأن الوطن طرف �سلبي م�سيء،

طرف اإيجابي حم�سن. ورغم ذلك اأن�ساأ ال�ساعر وال�ساعر

عالقة حميمة مع وطنه. وقد ي�ستغرب الإن�سان من هذا

الأمر للوهلة الأوىل، ولكن الأمراين الذي عا�س جتربة

لذا جنده واحلرية؛ الوطن اأهمية يدرك واملعاناة الغربة

)23(

و�سعبه: لأر�سه وانتمائه بوطنيـته الت�سبث �سديد

)الرمل(

فاأنا ابن هذي الأر�س،

عب، اأعلنت انتمائي واأنا ابن هذا ال�س

يوم اأعلنت انبثاق الفجر من )طه( و)نون(

اأكرث فاإن الأحيان، اأغلب يف قا�سية الغربة كانت وملا

عن اأ�سعارهم يف عربوا قد املعا�سرين العرب ال�سعراء

املرحوم فهذا واأوطانهم. بوطنيتهم ال�سميم ثـهم ت�سب

اطمئنانه وعدم اغرتابه عن يك�سف اليمني الزبريي

)جمزوء )24(

�سوى يف وطنه احلبيب الذي غادره كرها:

الرمل(

واغرتاب بن غ�اب���ات

ف��س���اح في�ات … خم���راع وحي��اة يف �س

ون�س��ال وكف����اح

مل اأجد مل��عة ن����ور

يف اغت�رابي وانت��زاحي

��ي ل تنزل يف �سوى ع�س

��باح. ال�س ��واء … اأ�س

الذي بوطنه تعلقه م�سورا امل�سري العتباين ويقول

م�سدر يعد الذي الوطن هذا وقلبه؛ دمه من ن متك

)الكامل()25(

الرتياح والطمئنان:

وطن بعيد يف دمي…

ال�ساعر الوطن

)21( بلقا�سم اجلطاري: اأبواب ونوافذ )درا�سة(، دار الن�سر اجل�سور، وجدة، ط.1، 2001، �س140.

)22( الأمراين: الزمان اجلديد، �س70.

)23( الأمراين: الق�سائد ال�سبع، �س �س 31-30.

)24( حممد حممود الزبريي: ديوانــه، دار العودة، بريوت، ط.1، 1978، �س �س 223-222.

)25( طاهر العتباين: الطريق اإىل روما، من من�سورات جملة »امل�سكاة«، ع.30، مج.8، 1999، �س90.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد االغتراب في شعر حسن األمراني

204

وطن بعيد

وطن يطري بق�لبي العاري…

وين��سيه احلدود

در املت�عبن… وطن اإليه يلوذ �س

لقاب�سن على اجلم�ار

�سوقي اأحمد ال�سعراء باأمري الوطن حب بلغ وقد

�سينيـته يف يقول اخللد. جنة على له تف�سيله حد

)اخلفيف التام()26(

ال�سهرية:

وطني لو �سغلت باخللد عنه

نازعتني اإليه يف اخللد نف�سي

؛ كما )27(

ول غرو يف هذا، فـ»حب الوطن من الإميان«

يف القول املاأثور. وملا كانت »الغربة كربة«؛ كما يقال، فاإن

ومعنويا، ماديا قويا ارتباطا باأر�سه الأم الإن�سان يرتبط

وهيب يقول مكانيا. عنها غربته اإليها يف حالة ويحن

ده ارتباط الإن�سان مع الأر�س ميكن ر�س »اإن طنو�س:

اإىل بها، النبات كارتباط ع�سوي، مادي ارتباط من

بق�سايا احلرية: )ل وطن ات�سل ارتباط معنوي، حني

�سعور ي�سبح واأحيانا بال وطن(. بال حرية، ول حرية

والغنى: الفقر مبفهوم متعلقا مبا�سر ب�سكل الوطن

�سعور يزيل الغربة والغنى يف الوطن غربة، )الفقر يف

الغرتاب عن الأر�س(. لكن، بغ�س النظر عن هذا،

فاإن الأر�س التي ولد فيها الإن�سان وفيها ن�ساأ وترعرع،

الوطن، عن مفاهيمه تطورت مهما دوما، اإليها ت�سده

. ومن )28(

ومهما حاول الغرتاب والتنقل والرحتال«

مدى لإثبات هاهنا، ن�سوقها، اأن ميكن التي الأمثلة

املهجر �سعراء جتربة الأ�سلي، بوطنه الإن�سان تعلق

ثم فكان، املال وطلبوا فكانت، احلرية »طلبوا الذين

.)29(

ـ�سا« ا�ستاقوا اإىل الأوطان، فوجدوا يف ال�سعر متنف

ويكون الإن�سان �سعيدا ومطمئنا كلما كانت حياته يف

والقت�سادية، الجتماعية الناحيتني من كرمية وطنه

واإل فعليه الفرار والبحث عن وطن اآخر؛ اإذ »ل ميكن

ى ذلك موؤد .)30(

البيت« اإل حمار بالدنية �سى ير اأن

اأن الإن�سان ل يرتك وطنه اإل لوجود �سبب قاهر، وهذا

املعا�سر ال�ساعر امل�سري الإ�سالمي اإليه قول ما ي�سري

)الرجز التام()31(

�سابر عبد الدامي:

اأ يرح�ل العط�ر عن حدائ�قه

)32(

ب؟!! حيل الهوان.. والو�س ويف الر

لدعم نظرنا- –يف مفيدا ال�ستطراد هذا كان لقد

الإ�سالميني وال�سعراء خا�سة، الأمراين تعلق فكرة

، تبني وقد �سادقا. تعلقا بوطنيتهم عامة، املعا�سرين

من خالل منوذجات �سابقة، اأن الأمراين �سديد التعلق

غم من كل ما يالقيه بوطنه، كثري العتزاز بوطنيته، بالر

الذي بلده اأ�سوار داخل وتغريب وهموم اإ�ساءة من

ويح�سن الأبرار. اأبنائه حيات ت�س عن مرارا تغا�سى

اأن الباحث بلقا�سم اجلطاري كان قد اإىل اأن ن�سري بنا

�س حيزا من كتابه »اأبواب ونوافذ« للحديث عن خ�س

)26( اأحمد �سوقي: ال�ســوقيات، دار الكتاب العربي، بريوت، د.ت، 46/2.

)27( حديث مو�سوع كما قال ال�سنعاين وغريه. )الألباين: �سل�سلة الأحاديث ال�سعيفة واملو�سوعة، املكتب الإ�سالمي، بريوت، ط.4، 1398، حديث رقم36، 55/1(

)28( وهيب طنو�س: الوطن يف ال�سعر العربي من اجلاهلية اإىل نهاية القرن الثاين ع�سر امليالدي، �س331. نقال عن )عبد الرزاق اخل�سـروم: الغربة يف ال�سعر اجلاهلي، من

من�سورات احتاد الكتاب العرب، دم�سق، ط 1982، �س43(.

)29( كرمي جرب احل�سن: �سعراء املهجر…، جملة »العربي«، الكويت، ع.194، يناير 1975، �س172.

)30( اخل�ســروم: الغربة يف ال�سعر اجلاهلي، �س43.

)31( جملة »الأدب الإ�سالمي«، ع.22، مج.6، 1420هـ، �س48.

)32( املر�س والوجع الدائم ونحـول اجل�سم.

االغتراب في شعر حسن األمرانيأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

205 العدد األول، ربيع 2013

.)33(

مفهوم الوطنية عند �ساعرنا د. ح�سن الأمراين

يف الأمــراين، ث حتد الفردية«، »الغربة على وعالوة

على تقت�سر ل التي اجلماعية« »الغربة عن �سعره،

اأفراد بلده، �سخ�س ال�ساعر وحده، بل متتد لت�سمل �سائر

وكذا اأمته. وقد كان �سعر الأمراين مبثابة مراآة تعك�س

و�سياعهم. اغرتابهم وتربز واآمالهم، وطنه اأبناء اآلم

)الرمل()34(

يقول:

حراء ل يف ال�س �ساع منا الظ

�ساعت ق�سمات الوجه منا

وت�ساري�س اجل�سد

بع هر اإذا جف وغا�س الن ما الذي يحدث للن

ما يبقى؟ غ�ثاء وزبد..

هذه هي �سورة ال�سياع التام الذي يعي�سه ال�ساعر مبعية

البتعاد من اأ�سا�سا، تولدت، �سورة وهي جماعته،

ع ال�سايف املتدفق الذي يتمثل ب�سريعة املتزايد عن النب

الغربة حياة و�سف ال�ساعر ويوا�سل محة. ال�س اهلل

)35(

والت�سرد قائال:

دنا قرونا يف املجاهل وت�سر

وتعلقنا بباطل

ان ورماد فاإذا الكون دخ

واإذا الأمر جميعا قد تال�سى من يدينا

د غري البكاء. مل جن

ال�ساعر نظر و�سائعا، يف �سيء حالكا بدا كل وهكذا

واأبناء وطنه. ومل يلفوا، يف املاآل، �سوى البكاء والنحيب

من ول يغني من جوع. واإن الدمع املدرار

الذي ل ي�س

بها البتعاد ل يجدي يف هذه الغربة القا�سية التي �سب

املمار�سة يف وتغـييبه احلنيف، الإ�سالمي الدين عن

)36(

الواقعية:

وبكينا..

وبكينا..

ء اإلينا

مل يعد �سي

يف �سراديب الهزميه.

واإمعانا منه يف تاأكيد العالقة اجلدلية بني تغييب الدين

)37(

الأمراين: يقول القامتة، الغربة و�سيادة احلياة عن

)الكامل(

رم نوات من�س عمر من ال�س

و�سم�س اهلل غائبة

ن�سينا دفئها املوعود

نا اأ�سباه موتى اإنا قد ن�سينا اأن

جر الذي يزجي جر من ال�س اأننا غرباء مل ن�س

ائب�نا مبهماز الأ�سى. ع�س

اجلماعي والغرتاب الت�سرد هذا ي�سـم ما اأبرز ومن

)املتدارك()38(

ا. يقول:كونه م�ستمر

دت�نا الق�وايف �سر

ب: اأنت اأنا! اأيها العا�سق املتغ�ر

ك عرب دماء اجلماهري نتحر

عفاء قد ن�سرتيح قليال وناأوي اإىل اأذرع ال�س

لنعاود رحلت�نا

ويقول الأمراين يف التعبري عن ا�ستعال نار الغربة التي

املق�سودة واملراأة ال�ساعر كيان لت�سمل لهيبها ت مد

)الرمل( )39(

بكاف اخلطاب:

)33( ميكن الرجوع اإليه يف الكتاب املذكور، من �س120 اإىل �س143.

)34( الأمراين: الق�سائد ال�سبع، �س46.

)35( نفــ�سه، �س47.

)36( نفــ�سه.

)37( الأمراين: الزمان اجلديد، �س �س 62-61.

)38( نف�ســه، �س66.

)39( الأمراين: �ساآتيك بال�سيف والأقحوان، �س104.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد االغتراب في شعر حسن األمراني

206

وكالنا، يومها، اآن�س نارا ل ت�سيخ

لكل�ينا غربة م�ستعله

وو�ساح )40(

وعلينا من دم الع�ساق �سوؤر

و�س اجلناح واأنا دونك مق��س

تل، يا ابنة النور، �سويا: فل�ن

حولها، ومن النار من يف بورك اأن نودي )فلما جاءها

)41(

حان اهلل رب العاملني(و�سب

جميع ويف الن�س، هذا يف املــراأة عن�سر ح�سور اإن

ن�سو�س ديوان الأمراين »�ساآتيك بال�سيف والأقحوان«،

ج عفة وطهرا، ويغلب عليها النف�س حمفوف بلغة تتاأج

مبدح ته رم الديوان هذا ال�ساعر خ�س فقد ويف. ال�س

يف ت�سمد اأن ا�ستطاعت التي املخل�سة املوؤمنة املراأة

بة، غري مبالية مبظاهر احل�سارة وجه ريح التغريب املخر

متام الختالف يختلف التناول وهذا الزائفة. الغربية

عن كيفية تناول ال�ساعر نف�سه ملو�سوع املراأة يف �سنوات

بعـني. فال�ساعر ا�ستح�سر يف الن�س ال�سابق عن�سر ال�س

ظاهرة ا�ستفحال التعبري عن لغر�س نظري، املراأة، يف

ويف معا. والأنثى الذكر لت�سمل وامتدادها الغربة

ـنه اإ�سارة اإىل �سرورة الأخذ بخ�سي�سة خامتة الن�س عي

و�سيلتـني خري فهما بو�س بالقراآن ك والتم�س التفاوؤل

ب.لتجاوز حال الغربة والتغـر

الأ�سعار بع�س عند الوقوف خالل من تاأكد لقد

انية اأنه قد »تاآزرت هموم الذات وهموم اجلماعة الأمـر

داخل جغرافية الق�سيدة الإ�سالمية، لتخلق �سمـفونية

.)42(

الغربة واملعاناة لدى ال�ساعر الإ�سالمي املعا�سر«

واحلق اأن م�سدر الغربة الأ�سا�س يتجلى يف البعد عن

املعي�س.

احلياتي الواقع من وتغييـبها الإ�سالمية امللة

ر�سا علي عدنان املعا�سر الإ�سالمي ال�ساعر يقول

)الب�سيط التام(.)43(

النحوي:

اأن�ا الغ�ريب اإذا ف�ارقت حاني�ة

من الكت�اب واآي�ات م�ن احل�كم

اأن�ا الغريب اإذا جاوزت مع��تقدي

رب يف وهم ويف رج�م ورحت اأ�س

اأن�ا الغريب اإذا ا�ست�سلمت عبد هوى

وعربدت �سه�وات العمر ملء دمي

�ما نزعت ف�س ت�سقي كل وغ�ربة الن

ن�م نم يهوى اإىل �س نظرة اإل�ى �س

ويف غمرة املحن وا�ستداد وطاأة الغربة، ل يجد الإن�سان

)44(

ا من الفرار اإىل اهلل تعاىل. يقول الأمراين:

ملجاأ خري

)املتدارك(

ت يف القلب �سجريات احلزن لقد كرب

ن بني الط وعذ

واأنا اأحمل اأوزاري

رف اإىل اأنوارك: واأمد الط

دق يا اأهلل اأدخلني م�دخل �س

دق �رج �س واأخرجني خم

القطامي فرا�س اأبو املعا�سر الإ�سالمي ال�ساعر ويقول

)الب�سيط التام()45(

يف ق�سيدته »اأواه.. يا زمـن!!«:

من نيا وذا الز يا رب �ساقت بنا الد

ت املحن واللي�ل ط�ال بنا وا�ستد

)40( ما يبقى من املاء يف الإناء. اأو هو البقية مطلقا. وجتمع »�سوؤر« على »اأ�سـاآر«.

)41( �سورة النمل، الآية 8، رواية الإمام ور�س.

حي: جتليات الوعي يف الق�سيدة الإ�سالمية املعا�سرة، ر�سالة جامعية لنيل د.د.ع. مرقونة م�سجلة بخزانة كلية الآداب والعلوم الإن�سانية بوجدة )املغرب( حتت )42( عمر املال

رقم 50، نوق�ست يوم 1999/12/19، �س150.

)43( جملة »امل�سكاة«، ع.12، �س.3، �ستــاء 1990، �س44.

)44( الأمراين: الزمان اجلديد، �س �س 18-17.

)45( جملة »الأدب الإ�سالمي«، ع.19، مج.5، 1419هـ، �س73.

االغتراب في شعر حسن األمرانيأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

207 العدد األول، ربيع 2013

ج�اء ل�نا يا خي�ر ملتجاإ اأنت الر

ر واملن يا مالك امللك منك الن�س

اهلل؛ ذكر يف راحته الكيالين جنيب املرحوم ويجد

)جمزوء الوافر()46(

حيث يقول:

ي�ا ليل��ى ذك�رت اهلل

واآي��ات ل�ه غ���را

وق يف قلب�ي فم�اج ال�س

��را وجدب حياتي اخ�س

التحلي يف وغربته حلزنه �سا متنف ال�ساعر يجد وقد

ق�سيدة يف الزبريي املرحوم يقول والتجلد.

بال�سرب

)الرجز التام()47(

له:

اإن كانت الغربة ت�سجيني فما

��د جل رب ول الت يخذلني ال�س

هذا يف اإليها ه ننب اأن بنا حري بارزة مالحظة وثمة

والأ�سى احلزن ملعجم املكثف احل�سور وهي ال�سدد؛

نوف �س من ال�ساعر لقاه ملا نتيجة الأمراين �سعر يف

املعاناة واأنواع الهموم من جهة، وجند احلزن ينفلت من

قب�سة الذاتية من جهة اأخرى، و ذلك لأن احلزن الذي

يتحدث عنه ال�ساعر ح�سن الأمراين، ح�سب الباحث

اجلزائري عالوة وهبي، »لي�س حزنا ذاتيا، واإمنا هو حزن

اإن�ساين يحمله ال�ساعر على اأكتافه؛ لأنه يحمل هموم

.)48(

بني وطنه، ويحمل ق�ساياهم وم�ساكلهم«

لقد نظم �سعراء معا�سرون كرث ق�سائد من الوفرة مبكان

لالأحزان ف�ساء فها بو�س املدينة عن التعبري �سياق يف

والغربة والوحـ�سة. وهذا ما نلم�سه عند ال�ساعر اأحمد

عبد املعطي حجازي يف كثري من ق�سائد ديوانه الأول

عبد الدين �سالح ال�ساعر وعند قلب«، بال »مدينة

بالدي«، يف »النا�س ديوانه ق�سائد بع�س يف ال�سبور

من عدد يف ال�سياب �ساكر بدر املرحوم عند واأي�سا

ك قريته الأثرية )جيكور( ق�سائده، ول �سيما بعد اأن تر

ليتجه �سوب املدينة )بغداد(… وتعج املكتبة النقدية

غربة جتربة مو�سوع يف ومقالت بكتابات املعا�سرة

ال�ساعر املعا�سر يف عامل املدينة الذي �سار، يف الغالب،

.)49(

جن والوحدة درا للقلق وال�س م�س

التجربة هذه دق �س مدى حول حاد نقا�س اأثري وقد

امل�ساألة هذه حيال الدار�سون انق�سم زيفها؛ حيث اأو

اإىل فريقني اثنني؛ اأحدهما يقول ب�سدق هذه التجربة

القول اإىل الفريق الآخر واأ�سالتها، على حني يذهب

بزيف هذه التجربة… ويعد ال�ساعر ح�سن الأمراين

رون، يف واحدا من ال�سعراء املعا�سرين الذين ي�ستح�س

�سعرهم، املدينة احلديثة وجتربة احلياة داخلها. فاملدينة،

�س واخلوف واملتناق�سات؛ يف نظر �ساعرنا، ف�ساء للتوج

بالظالم، والنور عب، بالر الأمن فيها يختلط حيث

)املتدارك()50(

واحلق بالباطل:

نت�ساكن يف املدن اخلائف�ه

ن�م ولب�ية، يقتات من دمنا ال�س ك يف املدن الل نتحر

الفجر يختلط عب، بالر الأمن ويختلط ،

اجلاهلي

ي�ل، بالل

تختلط القي�م احلق بالقيم الزائ�فة.

)46( جنيب الكيالين: ديوان مهاجر، موؤ�س�سة الر�سالة، ط.1، 1986، �س59.

)47( الزبـــريي: ديوانه، م.�س، �س164.

)48( موؤخرة ديوان ح�سن الأمراين »الق�سائد ال�سبع«، �س73.

)49( مثل: )عز الدين اإ�سماعيل: »ال�سعر العربي املعا�سر: ق�ساياه وظواهره الفنية واملعنوية«، دار العودة، ط.3، 1981، الف�سل الأول من الباب الثالث – حممود الربيعي:

املجلة احلديث، الع�سر يف واملدينة ال�ساعر بدوي: عبده ال�ساعر واملدينة، جملة "عامل الفكر"، الكويت، ع.3، مج.19، خريف 1988، من �س 129 اإىل �س180– حممد

نف�سها، من �س181 اإىل �س226… اإلخ(.

)50( الأمراين: الق�سائد ال�سبع، �س71.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد االغتراب في شعر حسن األمراني

208

والقمع القتامة عدا املدينة يف �سيئا ال�ساعر يرى ول

)الرجز( )51(

امل�ستمر الذي يطال اجلميع:

متر بي عرب ربوع املدن احلم�راء

والبي��ساء

�راء واخل�س

فال اأرى غري �سريط داكن

جال والن��ساء ن الر يدج

وغري �سكن على الأعناق

�باح وامل�ساء. والثدي يف ال�س

هذا يف تندرج لالأمراين كثرية اأخرى ق�سائد وهناك

ملها، عن واقع ال�سياع والغرتاب الإطار، وتعرب ، يف جم

يف ف�ساء املدينة الذي اختلط فيه احلابل بالنابل، واجليد

بالرديء. وهكذا، فالأمراين عا�س جتربة الغربة واملعاناة

ر تفا�سيلها بخالف عالقة الرومان�سـيني يف املدينة، و�سو

�س العي الرومان�سيون ي�ستطع فلم باملدينة؛ العرب

واملتناق�سات بال�سو�ساء يعج الذي املدينة عامل يف

والغاب الطبيعة اإىل عامل بكياناتهم وا ففر والأ�سجان،

والريف حيث ال�سفاء والهدوء والتناغم مع الطبيعة.

�سعور ر تف�س التي الرئي�سة املو�سوعية الأ�سباب ومن

الأمراين بالغربة واملعاناة ما يعانيه امل�سلمون من حمن

املعمورة؛ اأنحاء خمتلف يف واعتداء واأزمات ورزايا

فيتعر�س اأبناء الأمة الإ�سالمية اإىل التعذيب والتقتيل

عن ويل الد النظام ويتغا�سى عدة. اأماكن ويف مرارا،

يوقعها الن�سارى واليهود بحق هذه العتداءات التي

اأحايني يف العربي، الإن�سان يلتزم كما امل�سلمني.

كثرية، موقف ال�سامت املتفرج، وكاأنه ل يعباأ مبا يجري

لإخوانه ولأمته. وهذا الأمر يزيد من اإح�سا�س ال�ساعر

اإن�سان لأنه ذلك واملعاناة؛ بالغربة املعا�سر الإ�سالمي

هف احل�س، واع بواقعه وواقع اأمته. »والإنتاج ال�سعري مر

الإ�سالمي املعا�سر اإنتاج يحكمه الوعي ب�ستى �سوره،

األ للوجود وا�سحة روؤية عن ي�سدر لإنتاج وكيف

.)52(

يكون واعيا بذاته وبتجربة �ساحبه ومقـ�سديته؟«

احل�سارية اللحظة يف الإ�سالمية، الأمة اأن ويالحظ

املتفاقم، تعي�س حالة من الأمل احلاد والأ�سى الآنية،

على يبعث وهذا املوت. �سبح اأجوائها على ويخيم

ال�ساعر لدى احلزن نف�س و�سيادة واملعاناة الغربة

)الرجز()53(

الإ�سالمي املعا�سر. يقول الأمراين:

لن تقدري حزين

ولن حتتملي بع�س همومي

در من اأ�سجان بع�س ما ي�سيق عنه ال�س

فعاملي قام على بركان

ء غري املوت يا اإن�سان

ل �سي

املوت يف دم�سق

يف بريوت

ان يف عم

املوت يف كابول، يف طهران

املوت يف بغداد

يف وجدة

يف اأ�سيوط

يف تون��س

يف وهران

ل�ستفحال نظرا الن�س؛ على طاغ احلزن معجم اإن

الإ�سالمية الأمة �سدر على يجثم �سار الذي املوت

امل�سلمني تخلف ر ع�س هــذا، ع�سرنا يف جميعها

اأن اإىل هنا، ون�سري، املجالت. وتقهقرهم يف خمتلف

املعا�سر العربي ال�سعر يف وبارزة عامة ظاهرة احلزن

ة بحد املعا�سرين ال�سعراء ق�سائد يف تظهر اإذ بعامة؛

ر واقع احل�سارة نتيجة تاأثرهم بال�سعر الغربي الذي �سو

)51( الأمراين: ثالثية الغيب وال�سهادة، املطبعة املركزية، وجدة، ط.1، 1989، �س �س 25-24.

)52( عمر املالحي: جتليات الوعي يف الق�سيدة الإ�سالمية املعا�سرة، �س37.

)53( الأمراين: الزمان اجلديد، �س �س 130-129.

االغتراب في شعر حسن األمرانيأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

209 العدد األول، ربيع 2013

الروحي اجلانب لتغييبها منها ونقم املادية، الغربية

واخللـقي؛ ف�ساد فيه جو من الأحزان والأ�سجان؛ هذا

املعاناة اأن ح�سور جتربة ثانية من جهة، وجند من جهة

الذي العام بالواقع يرتبط املعا�سر �سعرنا يف واحلزن

تعي�سه الأمة الإ�سالمية حاليا.

اأمتنا لواقع الأمراين ح�سن ال�ساعر يتاأمل ما وكثريا

تعد الآن قوية كما كانت، بل املزري. فهذه الأمة مل

اأ الأعداء على ال�سعف والونى، وجتر اأو�سالها دب يف

)الرمل( )54(

متها واملعابـثة بكيانها:امل�سا�س بحر

ة نحن تداعت اأم الأر�س علينا اأم

كتداعي الأك�له…

وهذا قا�سم الوزير؛ ال�ساعر اليمني الإ�سالمي املعا�سر،

وي�ستغرب احلا�سر، الوقت يف امل�سلمني حال ي�سف

)55(

منه، ل �سيما واأن القراآن ما يزال بينهم يتلى:

ء والكتاب باأيدينا ويعلي روؤو�سنا الإمي���ان اأ اأذل

رت الأر�س لنا والبحور والأكوان اأجياع ونحن �سخ

ل الق��راآن اأو جهل والعلم بع�س عطايانا وفينا تنز

اأو ظلم والعدل �سرع من اهلل فكيف اجلحود والنكران

لقد اأفرد ال�ساعر ح�سن الأمراين ديوانا باأكمله للتعبري

لمو

م�س يعي�سه الذي واملحنة والغربة املعاناة واقع عن

ا�سي بيني م�سر �سة ال�س

�سك ب�سبب غطر

البو�سنة والهر

الدماء واعتداءاتهم. ويتعلق الأمر بديوان »ج�سر على

نهر درينا« الذي ي�سم ثالث ع�سرة ق�سيدة يف ت�سوير

الغرتاب النف�سي واحلزن الدفني الذي يكتنف كيان

اء ما تتعر�س له هذه الأقلية امل�سلمة الأمراين من جر

على اأر�س اأوروبا من ت�سريد وتنكيل وتقتيل… ففي

وكرامة عز البو�سنة حياة امل�سلمون يف عا�س املا�سي،

و�سيادة مدة من الزمن. اأما الآن فاإنهم يعي�سون هناك

اأ�سكال خمتلف اإىل �سون يتعر اإذ نـك؛ �س حياة

الذين غاة الط ال�سربيني يد على والتقتيل التعذيب

مقارنا الأمراين يقول الهوادة. ول الرحمة ليعرفون

ر فيتح�س وحا�سرهم؛ البو�سنة م�سلمي ما�سي بني

)56(

على املا�سي امل�سرق، ويتاأمل من احلا�سر املرتدي:

)الرمل التام(

ي�ا ق��رونا خم���سة لألءة..

كرحيق الفجر م�ا بن الق�رون

راء؟ من من طوى اأعالمك اخل�س

زي�ن؟ ن�س�ج الأكف�ان للحق الر

ق�د غدا ن�هر )درينا( ظامئا

ي الظامئي��ن! ولكم ك�ان يرو

والع�س��افري التي ك��انت هنا

و�س وكحل الناظري�ن زينة الر

م��وا اأع�سا�س�ها ذبح�وها.. هد

�سادروا اأحلانها بن اللح��ون

بايا، عذب�وا هت���كوا �سرت ال�س

كل �سيخ.. قطع�وا ك�ل وتي�ن

���اتهم �سرقوا الأطف�ال من اأم

دوهم.. ي�ا لظلم الظاملي�ن �س�ر

لب���وا .. �س ل��وا ك�ل اأبي قت

يا �سراييف�و بني�ك املهت��دين

احلا�سر(. ≠ )املا�سي ثنائية حول كله الن�س يدور

الأفول اأما احلا�سر فهو زمن قويا، زاهرا فاملا�سي كان

يتعر�سون البو�سنيني امل�سلمني جند وهكذا والفتور.

فري�سة اأبناوؤهم ويقع والت�سريد، والتغريب القتل اإىل

عنا�سر بع�س ــراين الأم اأ�سرك وقد الغت�ساب.

ل من الطبيعة لت�سوير هذه املعاناة، وجت�سيد هذا التبد

لب؛ بحيث كان املا�سي/ الإيجاب اإىل احلا�سر/ ال�س

)54( الأمراين: الق�سائد ال�سبع، �س48.

)55( حممد اأبو بكر حميد: ال�سورة والت�سور يف �سعر قا�سم الوزير – درا�سة حتليلية، جملة »الأدب الإ�سالمي«، ع.22، مج.6، 1420هـ، �س54.

)56( الأمراين: ج�سر على نهر درينا، �س 26-24.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد االغتراب في شعر حسن األمراني

210

فيما م�سى متدفقا باملاء، اأما الآن فقد )57(

نهر )درينا(

الثنائية نو�سح اأن وميكن �سحيحا... ظامئا ا�ستحال

املذكورة اآنفا بالر�سم الآتي:

ال�سمو الهبوط

ال�سعادة ≠ املعاناة

الإيجاب ال�سلب

فقد مثلنا للما�سي ب�سهم متجه نحو اأعلى للتدليل على

اإ�سراقه و�سموه، على حني و�سعنا باإزاء احلا�سر �سهما

متجها نحو اأ�سفل للتدليل على هبوطه وانحطاطه. واإذا

احلا�سر، فاإن للما�سي، ا�ستمرارا عادة، احلا�سر، كان

يف هذه احلال، ل يبدو ا�ستمرارا للما�سي؛ بل اإن ثمة

لها بخط متقطع غري مثلنا بينهما، لذلك بارزة قطيعة

مت�سل.

يف امل�سلمة لالأقلية يقع ما حيال الأمراين ميلك ول

البكاء اإل والتقتيل التعذيب �سنوف من البو�سنة

)58(

والتجلد:

��حى جمرة مطفاأة �سم�س ال�س

�اء ح��زين وف�وؤاد اللي�ل بك

بح، فم�ن جنت الأر�س من الذ

قية من م�س اجلن��ون؟ ملك الر

ال يا دموع الأر�س كوين من��س

���دور املعتدين يتلظى يف �س

�ة يا �سراييف��و جراح�ي جم

ونداء القل�ب مكت��وم الأني�ن

حى خنجرا طباري فيك اأ�س وا�س

فن كلهي��ب يبع�ث ال�داء الد

اإن�ه�ا م�س��األ��ة واح�دة:

اأن نك�ون الآن اأو اأن ل نك�ون!

للكاتب �سهرية قولة اإىل الأخري البيت عجز ي�سري

)1564-1616م(، �سك�سبري وليام الإجنليزي

To be or not to be. That's the« وهي:

question«، ومعناها بالعربية: » نكون اأو ل نكون. فهذا هو الإ�سـكال«. وهذا يوؤكد مدى انفتاح الأمراين

على اقت�ساره وعدم والعاملي، الإن�ساين الأدب على

الن�س ويبدو من خالل والإ�سالمي. العربي الرتاث

العميق النف�سي حزنه ي�سور ــراين الأم اأن اأعــاله

والنطالق التغيري اإىل ويدعو املتزايدة، ومعاناته

اأو القتبا�س خالل من وذلك اأح�سن؛ اأفق نحو

التنا�س الوارد يف البيت الأخري. يقول املرحوم جنيب

نحيب اأدب لي�س الإ�سالمي الأدب »اإن الكيالين:

وبكاء وتعبد لالأمل، لكنه ت�سوير لهذا الأ�سى النف�سي،

على والثورة والتطهر املعاناة مبعاين يرتبط وت�سوير

اإىل وانطالق حتري�س نقطة واملعاناة، العذاب اأ�سباب

.)59(

اآفاق الن�سراح والبت�سام وال�سعادة«

نظمها التي »ال�سلب« ق�سيدته يف الأمراين ويقول

البو�سنة لمو

م�س يعي�سها التي القامتة املحنة ف لو�س

)الرمل()60(

اآء:البـر

روين حا�س

روين. اأنا ل اأدري ملاذا حا�س

وملاذا اعتقلوين

لبوين وملاذا فوق هذا اجل�سر ظلما �س

بوا اأختي حيايل اأنا ل اأدري ملاذا اغت�س

يا لعاري

يا لذيل وانك�ساري

ي واقتادوا اأبي لالعتقال بوا اأم وملاذا عذ

ال�سل. دونا بال�س اأنا ل اأدري ملاذا قي

احلا�سراملا�سـي

)57( نهر يوجد يف جمهورية البو�سنة والهر�سك.

)58( الأمراين: ج�سر على نهر درينا، �س �س 27-26.

)59( جنيب الكيالين: الإ�سالمية واملذاهب الأدبية، موؤ�س�سة الر�سالة، ط 1987، �س73.

)60( الأمراين: ج�سر على نهر درينا، �س �س 29-28.

االغتراب في شعر حسن األمرانيأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

211 العدد األول، ربيع 2013

احل�سار ب�سبب والنك�سار الذل حياة يحيون فهوؤلء

وتتعر�س والقتل. والتعذيب والقمع والعتقال

اإىل الغت�ساب والعتداء على امل�سلمني هناك بنات

اأن يف �سك ول ـر�سة. ال�س ال�سربية« »الذئاب يد

لأبناء يجري ما با�ستمرار يعاين الذي – الأمراين

)البو�سنة( الأوربي الركن هذا يف الإ�سالمية الأمة

نف�سه، يف كثري يجد - والقتل التعذيب من �سروب

اإىل الغرتاب وال�سعور باحلزن من الأحايني، مدفوعا

واملعاناة.

غم من كل املحن التي يالقيها هوؤلء امل�سلمون، وبالر

الوطن عن دفاعا واجلهاد ال�سمود على وا اأ�سر فاإنهم

اليوم اإذ �ساروا فهم، ين�س الزمان مل �س. ولكن والعر

)الرمل()61(

غرباء اأذلء:

نحن دافعنا عن الأر�س، عن العر�س، وعن جمد

الوطن

رنا غرباء؟ فلماذا اليوم �س

رنا كالوباء؟ وملاذا اليوم �س

ول مييز ال�سربيون بني الذكر الأنثى، ول بني ال�سغري

امل�سلمني لإبادة رو�سا �س حربا ي�سنون بل والكبري.

بو�سنية اأم ل�سان على الأمراين يقول اإبادة جماعية.

العتاة ال�سربيون ذبحه الذي �سغريها تبكي ثكلى

بني يديها دون اأن يرتكب ما يوجب مثل هذا العقاب

)الكامل( )62(

القا�سي:

ولدي احلبيب

نعت واأنت ما اأدركت بعد ماذا �س

�سن الفطام؟

ماذا اأتيت من الذنوب؟

بوا واغت�س اجليب، وا �سق ، ي��دي بن ذبحوك

دمي..

نع العتاة؟ اأبني ما �س

ر من الذئاب اجلائعات!كانوا اأ�س

نعت يداك؟ اأبني ما �س

يعتز م�سلم اأنه هو ذلك يف والأخري الأول وال�سبب

)63(

بعقيدته وانتمائه:

نب؟ ل ذنب �سوى اأن قيل: م�س�لم! والذ

وقد يقول قائل: هل تدفع املحن امل�سلم البو�سني اإىل

التخلي عن الدين الإ�سالمي والكف عن ن�سر دعوته،

ما دام هذا الأمر هو ال�سبب املبا�سر يف كل ما يتعر�س

والت�سييق؟ املعاناة اأ�سكال من امل�سلمون هوؤلء اإليه

امل�سلم البو�سني هذا ل�سان على ياأتينا واجلــواب

)64(

:

الأبي

اأنا م�سلم وحقيق�تي

اإىل الأنب�ياء وت �س ه جال الذي النور اأحمل اأن

الوجود

ويعقد الأمراين رباطا بني م�سريي الأندل�س و�سراييفو

لت�سابههما يف املحن. فلم تعد الأندل�س وحيدة، نظرا

البو�سنة. د يف هذا جم�س ع�سرنا تواأم يف لها ظهر بل

اأفل بعدما ة املر الذكريات عداد يف معا اأ�سبحتا فقد

)65(

جنم امل�سلمني يف كل منهما:

يا اأر�س اأندل�س �سالما

ما عدت وحدك جمرة الذكرى، �سالما

ة واخلتاما… حي هذي �سراييفو تبادلك الت

يا اأر�س اأندل�س �سالما…

)61( نف�ســه، �س29.

)62( نفــ�سه، �س45

)63( نفــ�سه، �س47.

)64( نف�ســه، �س50.

)65( نف�ســه، �س52.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد االغتراب في شعر حسن األمراني

212

مل حيث النور؛ �سعلة تنبج�س الواقع حلكة ومن

نراهم بل القامت، للو�سع البو�سنة م�سلمو ي�ست�سلم

لعتقادهم التفاوؤل؛ وم�سعل ال�سمود راية يحملون

�س، والتوج واملعاناة الغربة ليل طال مهما باأنه اجلازم

اأبو يقول حمالة. ل والعزة احلرية فجر �سياأتي فاإنه

القا�سم ال�سابي )1909-1934م( يف ق�سيدته »اإرادة

)املتقارب التام()66(

احلـياة«:

ول بد لليل اأن ينجلي

ول بد للقيد اأن ينك�سر

ال�سعادة. �ستعقبها اأمدها، طال مهما فاملحنة، اإذن،

الأ�سباب؛ ركوب اإىل الإن�سان يبادر اأن يجب ولكن

فال�سماء ل متطر ذهبا ول ف�سة كما يقال. والتفاوؤل اأمر

وهو عروي اإقبال حممد يقول الإ�سالم. يف مطلوب

الأديب عند التفاوؤل ة ـي�س خ�س عن احلديث ب�سدد

خا�سية ت�سكل الجتماعي امل�ستوى »على امل�سلم:

اآيات عليهم تذرها للم�سلمني روحية �سحنة التفاوؤل

ه امل�سطفى… اهلل واأحاديث نبي

)67(

را«

ر ي�س

را، اإن مع الع�س

ر ي�س

»اإن مع الع�س

)68(

ين«ر

ي�س

ر

»لن يغلب ع�س

يدرك و�سلم عليه اهلل �سلى الر�سول ل�سرية ل واملتاأم

هذه احلقيقة، حيث خول التفاوؤل له ولأ�سحابه فر�سة

الأذى �سنوف جميع على وال�ستعالء التحدي

)69(

والأمل…«

الذين �سراييفو اأطفال ل�سان على الأمــراين يقول

بالتفاوؤل والأمل مت�سلحني اأحلوا يف اجلهاد والتحدي

)70(

والأحزان: احل�سار ليل طال مهما م�سرق بغد

)الرمل(

طال واإن الأر���س يف الإ�سالم راية نعلي �سوف

ار احل�س

و�سنبني للح�ساره

هاهنا األف مناره

ومناره…

يا �سراييفو املجيده

هيده يا �سراييفو ال�س

باأن ترفع رايات اجلهاداأذن اهلل

نحن اأطفالك، حرا�س العقيده

لن يطول النتظار!

لن يطول النتظار!

نف�سية يف تركت اأخرى حمن تلوح ال�سام بالد ومن

الغربة م�سايق اإىل به فدفعت وا�سحا، اأثرا الأمراين

)املتدارك( )71(

واإىل الإح�سا�س بالأمل واملعاناة. يقول:

بت يوم عرفتك.. اإين تغر)72(

اآه مروان

ه كانت جراحك غ�س

ه فور حقل حزين يفارق اأر�س وكنت كع�س

ه؟ ه يندب بع�س فمن للمهاجر بع�س

اأن الأمراين من خالل النماذج امل�ستعر�سة، تبني لنا

كثري يف واملعاناة بالغرتاب ال�سعور عليه ي�ستحوذ

الإ�سالمية، الأمة جروح لتفاقم نظرا الأحيان، من

وتوايل حمنها يف الوقت احلا�سر. وقد وقفنا عند معاناة

امل�سلمني يف البو�سنة وال�سام فقط ل�سيق املجال، واإل

ف معاناة امل�سلمني فاإن الأمراين نظم �سعرا كثريا يف و�س

يف فل�سطني وغريها من مناطق العامل الإ�سالمي.

)66( اأبو القا�سم ال�سابي: الأعـــمال الكاملة، الدار التون�سية للن�سـر، ط 1984، 236/1.

)67( �سورة ال�سرح، الآيتان 6-5.

)68( رواه ابن جرير.

)69( حممد اإقبال عروي: جمالية الأدب الإ�سالمي، املكتبة ال�سلفية، الدار البي�ساء، ط.1، 1986، �س57.

)70( الأمراين: ج�سر على نهر درينا، �س �س60-59.

)71( الأمراين: الق�سائد ال�سبع، �س68.

)72( هو مروان حديد؛ اأحد �سهداء »حـــماة« ال�سورية.

االغتراب في شعر حسن األمرانيأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

213 العدد األول، ربيع 2013

ف الأمراين على ما اآل اإليه امل�سلمون يف وكثريا ما تاأ�س

مه الع�سر الراهن من تخلف وذلة، واأعلن ، باملقابل، ترب

�سبيل املاآل، واختار، يف عليه. وثورته الواقع هذا من

ق الن�سر املن�سود. التحدي وال�سالة وال�سرب حتى حتق

)املتقارب()73(

يقول:

ل كل الفوار�س ترج

وا�ستمراأ النا�س عي�س احلفر

لي ولكنني �ساأ�س

ول�سوف اأ�سابق ظلي

ريق واإن طال هذا الط

ى جوادي واأن�س

وخالط زادي

فر دمي وغبار ال�س

فاإن قيل: اأيام مت�سي

ودربك هذا فالة

رب يل �ساحبا اأقول: �ساأتخذ ال�س

الة وال�س

اإىل اأن يطالعني املوعد املن�تظر

بناء على ما قيل بخ�سو�س جتربة الغرتاب لدى �ساعرنا

الأمراين، ميكن اأن ن�سجل املالحظات وال�ستنتاجات

الآتية:

�سعر يف مهما حيزا واملعاناة الغربة مو�سوع ي�سغل -

ح�سن الأمراين؛ لأن الرجل عانى ، فعال، الغرتاب

اإن على امل�ستوى الفردي اأو اجلماعي، وما يزال يعاينه،

)74(

يقول: قائمة. اأ�سبابه دامت ما كذلك و�سيظل

)الرجز(

لكنني ما زلت مبعدا كاأن رحلتي

لي�س لها نهايه

الأمراين يلجاأ �سورتها، وا�ستداد الغربة ا�ستمرار ومع

)الكامل()75(

اإىل الت�سلح مبا يلزم ملقاومتها. يقول:

دا لكن يل يف كل عام رحلة وت�سر

اب اأودية واآفاق وكاأنني جو

ويل يف كل عام غربة،

متاأبطا �سيفي

ودمي على كفي!!

ق�سيد يف لالنتباه لفتة ب�سورة احلزن ثيمة حت�سر -

الأمراين. ول عجب يف ذلك؛ فواقع وطنه واأمته قامت

ب، ول يبعث على ومتدهور، يبعث على ال�سجن والتغر

الن�سراح والفرح. وبجانب هذه املو�سوعة، يربز معجم

عنده واملوت الأمراين. ق�سائد من عديد يف املوت

ان�سجاما وذلك وبداية؛ مناء هو بل ونهاية، فناء لي�س

)76(

يقول: للموت. ال�سليم الإ�سالمي الت�سور مع

)الكامل(

ويف املوت الولده

لقد »كان من الطبيعي اأن توؤثر الغربة على بنية الق�سيدة،

حادثا كانت واإمنا عار�سا، حادثا تكن مل لأنها ذلك

. ومن هذا املنطلق، فاإننا )77(

موجعا يف كثري من الأحيان«

مة يف هذا البحث ح�سور هذا نلم�س يف الأ�سعار املقد

التاأثري. فمو�سوع الغربة واملعاناة ترك ب�سمات وا�سحة

يف اجلانب ال�سكلي الفني للق�سيدة الأمرانية؛ ويظهر

ذلك، بالأ�سا�س، يف الأوزان ال�سعرية املختارة، وطبيعة

الأمراين اأن واملالحظ التعبري. يف بها ل املتو�س اللغة

ا�ستيعاب على القادرة البحور ا�ستعمال من يكرث

ر

الك�س وي�ستخدم والكامل، مل كالر الرقيقة امل�ساعر

النك�سار حال لت�سوير الأن�سب لأنه بارزة؛ ب�سورة

واملعاناة والغربة، كما اأنه ي�ستعمل لغة وا�سحة، جميلة

ر�سالة واإبالغه القارئ، مع ل التوا�س لتحقيق وقوية؛

الن�س… اإلخ.

)73( الأمراين: اأ�سجان النيل الأزرق، مطبعة الأحمدية للن�سر، البي�ساء، ط.1، 1998، بدون �سفحة.

)74( الأمراين: الق�سائد ال�سبع، �س64.

)75( الأمراين: الزمان اجلديد، �س170.

)76( الأمراين: الق�سائد ال�سبع، �س26.

)77( عبده بدوي: الغربة املـكانية يف ال�سعر العربي، عامل الفكر، ع.1، مج.15، ربيـع 1984، �س34.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد االغتراب في شعر حسن األمراني

214

الرواية املغربية خالل �سنوات الت�سعني من

ظهور اأبرزها حتولت، عدة املا�سي القرن

منط جديد من الكتابة الروائية، هو منط الرواية الرتاثية،

مقدمتهم الكتاب، يف من اأيدي جماعة على وذلك

�سامل حمي�س من خالل جمموعة من الروايات، منها:

،)1997( و«العالمة« ،)1993( احلكم« »جمنون

اأبي »جــارات رواياته: خالل من التوفيق واأحمد

،)1998( وقمر« حناء و«�سجرة ،)1997( مو�سى«

و«ال�سيل« )1999(.

وهذا ل يعني اأن الأدب املغربي مل يعرف هذا النمط

الرواية قدم قدمي النمط فهذا قبل، من الرواية من

املغربية، وتزامن ظهوره مع ظهور هذه الرواية. وتكفي

الهادي لعبد غرناطة« »وزير رواية اإىل هنا الإ�سارة

الق�سرية التاريخية الروايات واإىل ،)1950( بوطالب

التي كتبها عبد العزيز بن عبد اهلل، والتي جمعها حتت

عنوان »�سقراء الريف« )1973(.

الروايـة املغربيـة والتـراث:

مـة« ل�سـامل حميـ�س اأمنوذجـا

»العال

علـي صديقـي*

الرتاثية ظهرت يف املغربية الرواية اأن بالذكر واجلدير

�سياق حماولة الروائيني املغاربة تاأ�سيل الرواية املغربية،

التقليد والتجريب اللتني طبعتا الرواية

وجتاوز مرحلتي

املغربية ردحا غري ي�سري من الزمن، وجتاوز املاأزق الذي

من بالتحرر وذلك احلداثية، الرواية اإليه و�سلت

خا�سة اأ�ساليب وابتكار الغربية، ال�سردية الأ�سكال

ا�ستنادا وامل�سامني، التعبري، واأ�سكال البناء، يف

اأحمد يقول الرتاثية. العربية احلكائية الأمناط اإىل

على النغرا�س )2(

اليبوري: »يقوم هذا الجتاه الروائي

يف الرتاث العربي وال�سعبي مبختلف جتلياتهما، وعلى

يعني، اإنه احلديثة. ال�سرد لطرائق انتقائي توظيف

الكتاب بع�س لدى مزدوج وعي امتالك نظرنا، يف

املغاربة: وعي باملاأزق الذي و�سلت اإليه جتربة احلداثة

يف اإطارها الغربي يف جمال الإنتاج الروائي )الغمو�س،

يفتحه الذي بالأفق ووعي التعقيد(، ال�ستالب،

الرتاث الكال�سيكي والرتاث ال�سردي ال�سعبي على

خمتلف م�ستويات البناء والرتكيب، يف اإطار املحافظة

.)3(

على خ�سائ�س الذائقة اجلمالية املتوارثة«

شهدت

)1(

*باحث من املغرب.

)1( �سدرت الرواية يف طبعتها الأوىل عام 1997 عن دار الآداب ببريوت.

)2( يق�سد اجتاه »احلداثة الرتاثية«.

)3( اأحمد اليبوري: الكتابة الروائية يف املغرب، البنية والدللة، �سركة الن�سر والتوزيع املدار�س، الدار البي�ساء، ط1، 1427ه/2006م، �س20-19.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد

215 العدد األول، ربيع 2013

املغربية، الرواية يف الرتاث ح�سور اأ�سكال وتتعدد

وتختلف مظاهره وم�ستوياته، غري اأنه ميكن ح�سر هذه

الأ�سكال واملظاهر يف ثالثة، هي:

بها ويق�سد العربي: ــرتاث ال م�سامني -توظيف

الن�سو�س الرتاثية، والوقائع وال�سخ�سيات التاريخية.

وتقنياتها: العربية الرتاثية الكتابة اأ�سكال -توظيف

ويتعلق الأمر بطريقة بناء م�سامني الرتاث، وبالتقنيات

التي كانت م�ستخدمة يف الن�س النرثي الرتاثي عامة

وال�سردي خا�سة.

- توظيف معجم الرتاث ولغته: اأي ا�ستدعاء الألفاظ

وامل�سطلحات الرتاثية ذات احلمولة الدينية اأو احل�سارية

اأو ال�سيا�سية اأو الفل�سفية اأو العلمية اأو غريها، وا�ستخدام

لغة حتاكي لغة الرتاث من حيث اللفظ والرتكيب.

اأوال: رواية العالمة وم�سكلة التجني�س

اإن اأول م�سكلة تواجه قارئ رواية »العالمة« هي م�سكلة

اأن على �سراحة ن�س موؤلفها اأن �سحيح التجني�س؛

عمله رواية، اإل اأن ال�سوؤال الذي يطرح هو: ما نوع هذه

الرواية؟ اأهي رواية فل�سفية؟ اأم هي رواية تاريخية؟

واإىل جانب هذين ال�سوؤالني، ثمة �سوؤال ثالث يفر�س

ولكتابه عامة، حمي�س لأعمال قارئ كل على نف�سه

وهو: خا�سة، )4(

التاريخ« فل�سفة �سوء يف »اخللدونية

هل ميكن عد هذا العمل – اأعني العالمة - كتابا يف

فل�سفة التاريخ عند ابن خلدون، يندرج �سمن م�سروع

خلدون ابن وعند عامة التاريخ فل�سفة عن حلمي�س

اأن هو ال�سوؤال هذا نطرح يجعلنا والــذي خا�سة؟

املوؤلف يحيل اإىل هذا العمل يف كتابه املذكور، قائال،

الدول: ن�ساأة يف الع�سبية دور عن حديثه �سياق يف

اأن ذلك، اإىل اأ�سف )5(

العالمة(«! روايتنا »)راجع

بع�س الن�سو�س التي وردت يف هذا البحث الأكادميي

قد وردت يف الرواية اأي�سا، من ذلك - مثال - املبحث

باأ�سباب اخلا�س واملبحث ،)6(

الطاعون بنازلة اخلا�س

.)7(

انت�سار املذهب املالكي يف املغرب

ولي�س غر�سنا يف هذا املقال ا�ستعرا�س مواقف هوؤلء

فل�سفية الرواية اأن اإىل ذهبوا ممن النقاد من واأولئك

طبيعة حتديد الإ�سهام يف هو غر�سنا واإمنا تاريخية، اأو

املغربي الناقد موقف باإيراد �سنكتفي لذلك الرواية،

اأن ي�سلح لأنه معا، للموقفني املعار�س بنحدو ر�سيد

نتخذه منطلقا لنبني عليه موقفنا.

لقد رف�س بنحدو اعتبار رواية »العالمة« رواية فل�سفية،

»العالمة« لرواية اأول« فهم »�سوء مبثابة ذلك معتربا

خا�سة، ولروايات حمي�س عامة. يقول: »تنماز الرواية

الإبانة يف يلحف �سريح خلطاب بت�سمنها الفل�سفية

�سخ�سيات بوا�سطة لعقيدة الدعاية اأو فكرة عن

مت�سارعة بال�سرورة... واحلال اأن روايات حمي�س براء

كل الرباءة من هذه التهمة ال�سنيعة، تهمة الفل�سفوية

والأطروحوية، ف�سواء يف »جمنون احلكم« اأو يف »حمن

الفتى زين �سامة« اأو يف »العالمة«... فاإن الغاية املراهن

عليها... لي�ست اإطالقا هي »التب�سري« بفل�سفة اأو الدفاع

واإمنا هي اأو الإقناع مبوقف، اإ�سهار نظرية اأو عن ق�سية

.)8(

التاأمل يف واقع احلال العربي«

)4( دار الطليعة، بريوت، ط1، 1998.

)5( اخللدونية يف �سوء فل�سفة التاريخ، �س91.

وما يليها. )6( ورد هذا املبحث يف �س62 وما بعدها من الكتاب. اأما يف الرواية فقد حتدث عن الطاعون يف �س81

)7( انظر: �س85 - 86 من الكتاب، و�س70 - 71 من الرواية.

)8( ر�سيد بنحدو: »يف �سوء تدبري بن�سامل حمي�س«، يف كتاب: الرواية العربية يف نهاية القرن، روؤى وم�سارات، اأعمال ندوة �ستنرب 2003، من�سورات وزارة الثقافة، مطبعة دار

املناهل، 2006، �س131.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد الرواية املغربية والتراث

216

روايتا له تعر�ست الذي الثاين« الفهم »�سوء اأما

بنحدو، نظر يف خا�سة، و«العالمة« احلكم« »جمنون

– �سمن الروايات – من قبل النقاد فهو ت�سنيفهما

التاريخية. وهذا ما يرف�سه الناقد. يقول: »لقد ا�ستدعى

انتباهي اأن بع�س النقاد الذين اهتموا بـ»جمنون احلكم«

وبـ»العالمة« تخ�سي�سا، انطلقوا من موقف م�سبق، وهو

حتيل منهما كال اأن بحجة تاريخيتان روايتان اأنهما

عا�ست حقيقية �سخ�سية على والت�سمية بالت�سريح

– الإ�سالمي... العربي التاريخ من ما�سية فرتة يف

اإن روايات حمي�س لي�س لها من التاريخ �سوى ظاهره

هو حم�س من حيث التاريخ ت�ستح�سر فهي اخلادع.

مكون حكائي، اأي باعتباره منطلقا للتخييل ومو�سوعا

باعتباره بديال منهما... ف�سلة الروائيني، ل للتحريف

بل ا�ستن�ساخية، لي�ست بالتاريخ حمي�س روايــات

اإنتاجية، فهي ل تتعلق بالتاريخ لتعيد قول ما قاله، بل

.)9(

لتقول ما مل يقله«

حمي�س عند الروائية الكتابة اأن اإىل بنحدو وخل�س

»و�سل اأولهما، متكاملتني: ل�سرتاتيجيتني تخ�سع

التاريخ ت�ستعيد رواياته اإن اإذ باملا�سي«؛ احلا�سر

)املا�سي( لتاأمل الواقع املعا�سر )احلا�سر(، وهي بذلك

»حتقيق وثانيتهما، واملا�سي. احلا�سر بني ج�سرا تقيم

ال�سرد تقنيات يف التقليدي مع تقطع ن�سية حداثة

وطرائق الت�سخي�س يف الرواية املغربية والعربية ال�سائدة.

اإن رهان روايات حمي�س... هو التجريب. لكن اإذا كان

بع�س الروائيني قد اختاروا التجريب انطالقا من الآخر

حمي�س فاإن الغربية، الرواية يف ممثال الآخر، بوا�سطة

الذات، وبوا�سطة الذات من انطالقا التجريب اختار

.)10(

ممثلة يف التاريخ العربيني الإ�سالميني«

التمييز اإىل يقودنا موقف وهو بنحدو، موقف هو هذا

،)11(

بني الرواية التاريخية والرواية التي توظف التاريخ

وبني الرواية الفل�سفية والرواية التي توظف الفل�سفة.

اإن لفظة »التاريخية« يف الرواية التاريخية �سفة للرواية،

حتدد معاملها و�سماتها، وهذا يعني فر�س التاريخ هيمنته

على الرواية وطبعها بطابعه، وفقدان الرواية خ�سائ�سها

الأحداث م�ستوى على التاريخ خ�سائ�س ل�سالح

)اأحداث واقعية تاريخية يفرت�س اأنها حقيقية(، وعلى

بعد ذات �سطحية )�سخ�سيات ال�سخ�سيات م�ستوى

واحد(، وعلى م�ستوى طريقة ال�سرد )مراعاة الت�سل�سل

ت�ساعدي(. خط يف ت�سري التي لالأحداث الزمني

التاريخ ت�ستعيد التاريخية الرواية اأن اإىل ذلك اأ�سف

وت�ستنطقه ق�سد متجيده يف الغالب، ووظيفتها تعليمية

بالأ�سا�س، اإىل جانب وظيفة ت�سلية القراء واإمتاعهم.

،)12(

اأما الرواية التي توظف التاريخ فهي توؤول التاريخ

وتخ�سعه لهيمنتها، وتطبعه بطابعها، حيث تقدمه بطريقة

جديدة حتتفظ فيها الرواية بخ�سائ�سها و�سماتها، فتبدو

ت�سري يف واأحداثها ل فيها مركبة ومعقدة، ال�سخ�سية

خط ت�ساعدي، بل تقوم اأ�سا�سا على التخييل، حيث

حذفها اأو الأحداث بع�س اإ�سافة اإىل الروائي يعمد

التاريخ اأحداث يتخذ اأنه اأي تاأخريها؛ اأو تقدميها اأو

ال�سرد ملتطلبات يخ�سعها اأن بعد لل�سرد مو�سوعا

التي الرواية اأن ذلك اإىل اأ�سف وتقنياته. الروائي

توظف التاريخ اإمنا حتاول من خالل قراءة املا�سي قراءة

نقدية م�ساءلة احلا�سر ونقده.

وما قلناه عن الفرق بني الرواية التاريخية والرواية التي

)9( املرجع ال�سابق، �س134-132.

)10( املرجع ال�سابق، �س136-135.

بدم�سق، العرب الكتاب احتاد املعا�سرة، العربية الرواية الرتاث يف توظيف وتار: ريا�س الناقد حممد درا�سة من بنحدو، اإىل جانب بينهما، الفرق اأفدنا يف حتديد )11(

.2002

)12( العبارة مقتب�سة من عنوان كتاب في�سل دراج: الرواية وتاأويل التاريخ، نظرية الرواية والرواية العربية، املركز الثقايف العربي، الدار البي�ساء/بريوت، ط1، 2004.

الرواية املغربية والتراثأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

217 العدد األول، ربيع 2013

الرواية بني الفرق عن نقوله اأن ميكن التاريخ توظف

تلقني وحتاول معينة، لأطروحة تروج التي الفل�سفية

القارئ اإيديولوجية حمددة، الأمر الذي يجعل الرواية

اإىل الفل�سفة، فتتحول بذلك تفقد خ�سائ�سها ل�سالح

التي توظف معطيات الرواية فل�سفي، وبني ن�س �سبه

وامل�ساءلة النقد يف اأ�سا�سا املتمثلة واآلياتها الفل�سفة

والتحليل والتنظيم لنقد احلا�سر وم�ساءلته بعد حتليله

وم�ساءلته املا�سي نقد عرب وذلك تنظيمه، واإعــادة

وحتليله.

لي�ست العالمة رواية اإن نقول اأن ن�ستطيع هنا، من

الفج، فل�سفية مبفهومهما رواية تاريخية، ولي�ست رواية

واإمنا هي رواية توظف التاريخ، وت�ستعيد اأحداثه ووقائعه

ال�سيطرة على هائلة قدرة مع وحتولته، و�سخ�سياته

عليه والتحرر منه. كما اأنها رواية توظف روح الفل�سفة

واآلياتها املتمثلة يف التحليل والتنظيم والنقد وامل�ساءلة،

لتحليل التاريخ واحلكم عليه. ويبدو اأن هذين املطلبني

كتاباته يف حتى حتقيقهما حمي�س يحاول العزيزين

الأكادميية. يقول حمي�س: »يف هذا ال�ستبار حول البلد

تكرار لكل جتنبا ال�سائدة، التاريخية وحالته العميق

تنظيم غايتها حتليلية اإ�سافة نثبت اأن نريد غري جمد،

املعطى واحلكم يف �سوء اإ�سكالت جديدة وح�سا�سية

نظرية ومنهجية متفتحة. وعالوة على هذا، هناك مهمة

اأخرى وعرة بقدر ما هي �سرورية يلزم الإ�سهام فيها:

اأن نحكي التاريخ ق�سد ال�سيطرة عليه، وحتى اإىل حد

.)13(

ما التحرر منه«

واملتعلق الثالث، ال�سوؤال عن اأخريا، جنيب، اأن بقي

اجلواب التاريخ. يف كتابا »العالمة« اعتبار باإمكانية

هو وال�سبب بالنفي، بالتاأكيد، هو، ال�سوؤال هذا عن

فال باحلقيقة، فيه يلتزم املوؤرخ اأن يفرت�س التاريخ اأن

ي�سرد اإل الوقائع التي يفرت�س اأنها حقيقية و�سادقة، اأما

التخييل على اأحداثها من فتقوم جمموعة »العالمة«

والتاأويل، ول �سند تاريخي لها، فهي تعمد اإىل تخيل

�سكت التي الر�سمية« »غري الأحداث من جمموعة

ذكرها امتنع عن التي الأحداث وذكر التاريخ، عنها

ال�سعبي التاريخ اإ�ساءة حتاول بذلك وهي املوؤرخون،

التاأويل اأمــا الر�سمي. التاريخ عنه �سكت الــذي

فيتجلى يف التقاط حمي�س بع�س الإ�سارات التاريخية

الإن�سان، خلدون بابن املتعلقة تلك خا�سة وتاأويلها،

والروحية والأخالقية الفكرية العالمة �سخ�سية لبناء

والعاطفية.

الرتاث اإىل واالإحالة العالمة روايــة ثانيا:

العربي االإ�سالمي

العنوان والإحالة اإىل الرتاث: .1تفيد مبالغة �سيغة وهي »العالمة«، هو الرواية عنوان

الغاية وبلوغ العلم كرثة العربية اللغوية املعاجم يف

م »عال )ت711ه(: منظور ابن يقول فيه. والنهاية

ا، جد عامل اأي بالعلم. فه و�س يف بالغت اإذا مة وعال

من وهو ابة �س الن مة والعال م والعال للمبالغة... والهاء

.)14(

العلم«

العربي الرتاث اإىل يحيل فهو اإحايل، العنوان وهذا

ابن به عرف الذي اللقب اأن �سحيح الإ�سالمي.

الذي اللقب وهو الدين«، »ويل هو قدميا خلدون

لقب واأن الرواية، يف املوا�سع من كثري يف به يذكر

العالمة مل يكن وقفا عليه، واإمنا كاد ي�سري كذلك يف

اإىل يحيل فالعنوان ذلك مع اأنه اإل احلديث، الع�سر

الرتاث العربي من جهة اأن هذا الرتاث قد عرف عدة

اأو لقب ما، اإىل درجة �سخ�سيات ارتبط ا�سمها ب�سفة

اأن هذه ال�سفات والألقاب اكت�ست �سبغة ال�سطالح؛

حيث �سارت اإذا اأطلقت دلت على �سخ�سية حمددة.

املثال ل �سبيل –على والألقاب ال�سفات ومن هذه

)13( �سامل حمي�س: اخللدونية يف �سوء فل�سفة التاريخ، م.�س، �س50.

)14( ل�سان العرب، مادة علم

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد الرواية املغربية والتراث

218

احل�سر – لقب »الإمام« الذي اإذا اأطلق عند ال�سافعية

»القا�سي« ولقب ،)15(

اجلويني املعايل اأبو به فاملراد

القا�سي على دل احلديث كتب يف اأطلق اإذا الذي

عيا�س املالكي. اأما اإذا اأطلق يف كتب اأ�سول ال�سافعية

.)16(

فرياد به اأبو بكر الباقالين

وهكذا، ل �سك اأن الروائي حني اختار لروايته عنوان

العالمة، فاإنه انطلق من كون هذا اللقب �سار، يف الوقت

ال�سابق لقبه من واأ�سهر بابن خلدون األ�سق احلا�سر،

عليه. دل اأطلق اإذا م�سطلحا �سار الدين، حتى ويل

خلدون ابن كتب اأغلب اأن من ذلك على اأدل ول

التي حققت ون�سرت ل يكاد يرد فيها ا�سمه خلوا من

هذا اللقب.

2 . اأ�سكال ح�سور الرتاث يف الرواية::

)17(

1. توظيف م�سامني الرتاث يف الرواية . 2من جمموعة العالمة ــة رواي يف حمي�س ا�ستعاد

اآيات اإىل الن�سو�س هذه وتتوزع الرتاثية، الن�سو�س

نرثية، ن�سو�س واإىل �سريفة، نبوية واأحاديث قراآنية،

من املاأخوذة الن�سو�س هيمنة مع �سعرية، واأخــرى

، ومن كتابه »التعريف بابن )18(

كتب ابن خلدون عامة

خا�سة.)19(

خلدون ورحلته �سرقا وغربا«

وقد وظف حمي�س هذه الن�سو�س يف الرواية ب�سيغتني

اثنتني، هما:

�سكل على وذلك للرواية: الن�سي ال�سياق - خارج

عتبات يف بداية كل ف�سل من ف�سول الرواية الثالثة،

بداية ففي ن�سني. ف�سل كل بداية يف جند حيث

»الإحاطة من مقتطف اأولهما ن�سان، الأول الف�سل

يف اأخبار غرناطة« لل�سان الدين ابن اخلطيب، وثانيهما

التا�سع« القرن لأهــل الالمع »ال�سوء من ماأخوذ

الثاين الف�سل بداية ويف ال�سخاوي. الدين ل�سم�س

الع�سقالين حجر ابن اأورده اأحدهما كذلك، ن�سان

لبن والآخر م�سر«، ق�ساة عن الإ�سر »رفع كتابه يف

»الذيل يف �سهبة قا�سي ابن رواه )20(

نف�سه خلدون

جند الثالث الف�سل بداية ويف الإ�سالم«. تاريخ على

ن�سني اأي�سا، الأول ماأخوذ من كتاب »التعريف« لبن

خلدون، والثاين من »عجائب املقدور يف اأخبار تيمور«

ل�سهاب الدين اأحمد املعروف بابن عرب �ساه.

طول بينها فيما تتفاوت التي – الن�سو�س وهذه

الف�سل مو�سوع عن فكرة القارئ تعطي – وق�سرا

حيث اإيهامية؛ فنية وظيفة توؤدي اأنها كما واأحداثه،

�ستاأتي التي الأحــداث ب�سدق املتلقي توهم اإنها

اإيراد مثل هذه بعدها وبواقعيتها. ون�سري اأخريا اإىل اأن

الن�سو�س يف بداية كل ف�سل عادة من عادات حمي�س

يف الكتابة.

- داخل ال�سياق الن�سي للرواية: وظف حمي�س داخل

ال�سياق الن�سي للرواية جمموعة من الن�سو�س، وذلك

بثالث طرق، هي:

اأ. الطريقة الأوىل: حافظ فيها الروائي على الن�سو�س

التي نف�سها بالعبارة اأوردها حيث هي، كما الرتاثية

وردت بها يف امل�سادر الرتاثية، ويف �سياق ال�ست�سهاد

وقد واقعيته و�سدقه. وتاأكيد ال�سارد وتعزيز كالم بها

جاءت هذه الن�سو�س يف اأغلب الأحيان مو�سوعة بني

)15( ال�سريف اجلرجاين: كتاب التعريفات، حتقيق وزيادة: حممد عبد الرحمن املرع�سلي، دار النفائ�س، بريوت، ط2، 1428ه/2007م، �س93.

)16( املرجع ال�سابق، �س250.

)17( �سنقت�سر ل�سيق املجال وجتنبا لالإطالة على الن�سو�س دون الوقائع وال�سخ�سيات.

)18( هذه الكتب هي املقدمة و�سفاء ال�سائل وكتاب العرب

)19( عار�سها باأ�سولها وعلق حوا�سيها: حممد بن تاويت الطنجي، دار ال�سويدي للن�سر والتوزيع، اأبو ظبي/ املوؤ�س�سة العربية للدرا�سات والن�سر، بريوت، ط1، 2003.

)20( انظر تعليق ابن تاويت الطنجي على هذا الن�س يف التعريف �س413.

الرواية املغربية والتراثأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

219 العدد األول، ربيع 2013

اأو مكتوبة بخط بارز م�سغوط، اأو مزدوجني، معقوفني

مع اأ�سحابها اإىل من�سوبة وردت احلالت بع�س ويف

حتديد م�سادرها. ونظرا لكرثة هذه الن�سو�س، وب�ساطة

نكتفي الرتاثي، الن�س توظيف يف الطريقة هذه

بالتمثيل لها بقول ال�سارد: »فقمت لها مبا دفع اإيل من

ذلك املقام املحمود، ووفيت جهدي مبا اأمنني عليه من

اأحكام اهلل، ل تاأخذين يف احلق لومة، ول يزعني عنه

.)21(

جاه ول �سطوة، م�سويا يف ذلك بني اخل�سمني ...«

لبن »التعريف« كتاب من مقتطف الن�س فهذا

الرتاثية الن�سو�س اأن القارئ ويالحظ .)22(

خلدون

الطول متفاوتة الطريقة بهذه حمي�س وظفها التي

.)23(

والق�سر، ومتعددة امل�سادر

مع الرتاثي الن�س فيها يتماهى الثانية: الطريقة ب.

على ي�سعب بحيث معه، ويتداخل الروائي الن�س

القارئ متييز كالم ال�سارد من الكالم الذي اقتب�سه من

امل�سادر الرتاثية عامة، ومن كتب ابن خلدون خا�سة.

ومن هذه الن�سو�س ما ياأتي:

وفوده قبل للمغربي قيل »القاهرة، ال�سارد: يقول -

. فعبارة: )24(

عليها: من مل يرها مل يعرف عز الإ�سالم«

»من مل يرها مل يعرف عز الإ�سالم« ماأخوذة من كتاب

»التعريف« لبن خلدون، وهي من�سوبة فيه اإىل �ساحبه

له قالها املقري، اهلل عبد اأبي بفا�س اجلماعة قا�سي

. اأما يف الرواية فرتد )25(

حني �ساأله عن اأحوال القاهرة

اأو عالمات اأي ودون )قيل(، جمهول اإىل من�سوبة

موؤ�سرات تدل اأو توحي على اأنها لغري ال�سارد.

- يقول ال�سارد حمددا عنا�سر الدر�س الذي األقاه ابن

مدر�سا تعيينه د بعي ال�سلغتم�سية باملدر�سة خلدون

للحديث فيها: »رتبت يف ذهني عنا�سر الدر�س متوخيا

يف بنائها طرائق التعليم الوا�سحة، هي: اأول التعريف

ب�ساحب املوطاأ من حيث ترجمته وبالأخ�س اجتماع

�سروط الرواية فيه، من �سالمة البدن والعقل ور�سوخ

العلم اأهل عند احل�سنة واحلظوة والتدين الإميــان

الروايات ثانيا خرب الكتاب عند رواته واأي والتقوى؛

اأح�سن واأفيد بح�سب اأ�سانيدي فيها؛ ثالثا واأخريا منت

هذه اأن القارئ ويالحظ )26(

وم�سامينه.« الكتاب

العنا�سر جاءت غفال من اأي اإ�سارة تعني م�سدرها، اأو

متخيالت لي�ست من – باأنها الأقل – على توحي

اأن واحلقيقة الن�س. هذا بذلك يوهم كما ال�سارد

– من – بحذافريها العنا�سر هذه ا�ستوحى ال�سارد

، مع اإدخال بع�س التغيريات على )27(

كتاب التعريف

عباراتها باحلذف اأو الزيادة.

- وردت يف الف�سل الثالث، ويف التذييل الذي يليه،

جملة من الن�سو�س اخللدونية التي اأخذت من كتاب

الروائي الن�س مع متماهية جاءت والتي التعريف،

ال�سارد: قول الن�سو�س هذه ومن معه. ومتداخلة

ميهد اأن تيمور ظل من الفكاك عن الباحث »ارتاأى

الهدايا ببع�س اخلان باإحتاف الدقيق الرقيق للكالم

الرمزية املوؤثرة، كانت ن�سخة م�سحف فاخرة، و�سجادة

للبو�سريي الربدة ق�سيدة من ومنوذجا رائعة، بهية

.)28(

امل�سهورة« م�سر وب�سع علب حالوة ال�سنهاجي،

)21( العالمة، �س8.

)22( انظر التعريف، �س292-291.

)23( من هذه امل�سادر التعريف واملقدمة والعرب و�سفاء ال�سائل لبن خلدون، ونهج البالغة لالإمام علي ر�سي اهلل عنه، ومقنعة ال�سائل عن املر�س الهائل لبن اخلطيب.

)24( العالمة، �س9.

)25( التعريف، �س285.

)26( العالمة، �س141.

)27( التعريف، �س331.

)28( العالمة، �س233.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد الرواية املغربية والتراث

220

عبد قدم الأبلق بالق�سر الكبري الإيوان »يف وقوله:

كر�سيه من ينه�س فراآه تيمور، اإىل هداياه الرحمن

وي�سع امل�سحف على راأ�سه، ثم يجل�س على ال�سجادة

مظهرا اإعجابه بها. وحني قدم ق�سيدة الربدة طلب من

وب�ساحبها. بها تعريفه اخلان اإىل ينقل اأن الرتجمان

م�سيفه يطمئن حتى قدرا احلالوة من اأكل واأخريا

اإليه، تيمور اأخذها عندئذ و�سالمتها؛ خلو�سها على

– بعد ماأخوذان الن�سان فهذان .)29(

يزدردها« ف�سار

اإدخال بع�س التغيريات عليهما – من كتاب التعريف

.)30(

اأي�سا

لبن ن�سو�سا ال�سارد يورد قد الثالثة: الطريقة ج.

على ويدخل مبعناها يحتفظ اأو هي، كما خلدون

عبارتها بع�س التغيريات، كما قد ي�سع ن�سو�سا حتاكي

وين�سبها والرتكيب، اللفظ يف خلدون ابن ن�سو�س

اإليه، ويجعلها على ل�سانه، وقد ي�سعها – يف كثري من

باأنها القارئ اإيهام حماول مزدوجني، بني احلالت-

من لي�س هذا، كل له. لي�ست اأنها مع خلدون لبن

اأجل ال�ست�سهاد بها، واإمنا من اأجل نقدها ومعار�ستها

واإظهار زلت ابن خلدون فيها.

وترتكز اأغلب هذه الن�سو�س - املنتقدة واملعار�سة –

النتقادات اأمثلة ومن الرواية. من الأول الف�سل يف

الذي الن�س نقد خلدون لبن ال�سارد وجهها التي

والعبا�سة الر�سيد هارون عن خلدون ابن فيه دافع

. ونقد موقفه من الفرق امل�سيحية )31(

املوجود يف املقدمة

. ونقد مفهوم الع�سبية )32(

ورميه لها بالكفر وال�سالل

والثالث الثاين الباب يف خلدون ابن تناوله الذي

. ونقد ن�سه عن عوامل انت�سار املذهب )33(

من املقدمة

. اأما الن�سو�س املعار�سة يف الرواية )34(

املالكي باملغرب

فنمثل لها مبا ياأتي:

- يقول ال�سارد على ل�سان ابن خلدون بعد عودته من

احلانة حيث زار ابن �سديقه الطنبغا اجلوباين: »من اآثار

مغامرتي يف احلانة ليلة الأم�س اأن تيقظ يف هو�س ال�سعر،

املعلقات مراجعا الطوال ال�ساعات اأق�سي فاأم�سيت

واملعري. املتنبي اأ�سعار تتقدمها الدواوين، واأمهات

لكني كنت كلما جبت ربوع الن�سو�س العالية، احتد

عن وتاأخري احلق ال�سعر قر�س عن بعجزي وعيي

ال�سارد به عار�س الن�س وهذا )35(

و�سنعته.« ملكته

من ال�سلبي موقفه يت�سمن الذي خلدون ابن ن�س

جمرد �سعرهما اعترب حيث واملعري، املتنبي �سعر

كالم منظوم نازل عن طبقة ال�سعر. يقول ابن خلدون:

»وبهذا العتبار كان الكثري ممن لقيناه من �سيوخنا يف

هذه ال�سناعة الأدبية يرون اأن نظم املتنبي واملعري لي�س

. ويقول اأي�سا: »ول يكون )36(

هو من ال�سعر يف �سيء«

اإىل األفاظه ت�سابق معانيه كانت اإذا اإل �سهال ال�سعر

�سعر يعيبون �سيوخنا رحمهم اهلل ولهذا كان الذهن.

لكرثة الأندل�س �سرق �ساعر خفاجة بن اإ�سحق اأبي

معانيه وازدحامها يف البيت الواحد، كما كانوا يعيبون

الأ�ساليب على الن�سج بعدم واملعري املتنبي �سعر

العربية كما مر، فكان �سعرهما كالما منظوما نازل عن

)29( العالمة، �س234.

)30( التعريف، �س411.

)31( العالمة، �س37. املقدمة: 300/1.

)32( العالمة، �س37. املقدمة: 633/2.

)33( العالمة، �س37، 51، 52، 64، 66.

)34( العالمة، �س70. املقدمة: 954/3.

)35( العالمة، �س164.

)36( املقدمة: 3/ 1163.

الرواية املغربية والتراثأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

221 العدد األول، ربيع 2013

.)37(

طبقة ال�سعر؛ واحلاكم بذلك هو الذوق«

- يقول ال�سارد: »كانت اأ�سئلة تيمور عبارة عن ا�ستنطاق

منهجي حول ماأتى العالمة من اأين ومتى ومل وكيف،

عن ال�سوؤال وقع اأما حني مقت�سبة... اأجوبته فكانت

فطن واأقوامه، واأم�ساره موقعه وعن الداخلي املغرب

عينيه واحمرار ال�سائل اأوداج انتفاخ اإىل امل�سوؤول

اإىل منبها والدمغ، بالإ�سارة فاأجاب وطمعا، ف�سول

يفلح يف لكنه مل �ساكنيها. وباأ�س البالد تلك وعورة

�سد تيمور عن اهتمامه باملو�سوع، بل �سمع الرتجمان

ينقل اأمره قائال: »مولي ت�سوق اإىل قطر ح�سن الربوز

حتى عنه له تكتب اأن ويريد وقارتني، بحرين بني

جتعله وكاأنه يراه، ويخرتق اآفاقه، ويطوي �سهوله وجباله

بال�سمع مكرها العالمة واأجــاب قدميه«. حتت من

ورد الذي للن�س معار�سة الن�س فهذا .)38(

والطاعة«

تيمور �سد اأ�سال يحاول مل فهناك »التعريف«، يف

عن اأجوبته اأن كما املغرب، مبو�سوع الهتمام عن

اأنه كما مف�سلة، كانت بل مقت�سبة، تكن مل اأ�سئلته

امتعا�س. اأو اأو حتفظ تردد اأدنى ا�ستجاب لطلبه دون

يقول ابن خلدون يف رده على طلب تيمور: »يح�سل

ذلك ب�سعادتك، وكتبت له بعد ان�سرايف من املجل�س

خمت�سر يف فيه الغر�س واأوعبت ذلك، من طلب ملا

فة املن�س الكراري�س اثنتي ع�سرة من قدر يكون وجيز

اأيام يف »فكتبته اآخر: مو�سع يف ويقول .)39(

القطع«

.)40(

قليلة، ورفعته اإليه...«

غري اأن حمي�س رغم كل هذه النتقادات التي وجهها

املوا�سع، من كثري يف عنه يدافع فهو خلدون لبن

ويحاول اأن يرجع زلته واأخطاءه اإىل ف�ساد الزمن الذي

عا�س فيه. يقول ال�سارد على ل�سان ابن خلدون خماطبا

و�سجل حمو، يا تقاطعني »ل احليحي: حمو كاتبه

اأين ابن عهدي على اأي حال، رغم اأن يل يف التمل�س

وهي ابن ح�سناته، اأي ابن عهدي، ا�ستطاعة. والقفز

ل�سوء احلظ قليلة، وابن مثالبه، وهي ل�سوء الطالع كثرية،

. ويقول اأي�سا: )41(

نظرا لتفكك العهد و�سعف منحناه«

»جممل القول، يا حمو، اأين يف املعرفة ذو اأخطاء ويف

ال�سيا�سة كمن يكرث احلز ويخطئ املف�سل، ول كمال

.)42(

ملن انتمى اإىل زمن اأف�سد من ال�سو�س«

واإىل جانب هذه الن�سو�س املذكورة، حت�سر يف الرواية -

كما �سبقت الإ�سارة اإىل ذلك – جمموعة من الآيات

، والأبيات )44(

، والأحاديث النبوية ال�سريفة)43(

القراآنية

، والأمثال )46(

، والفار�سية)45(

ال�سعرية باللغتني العربية

.)48(

، والأغاين ال�سعبية)47(

ال�سائرة

)37( املرجع ال�سابق، �س1165.

)38( العالمة، �س222-221.

)39( التعريف، �س405.

)40( التعريف، �س408.

)41( العالمة، �س37.

)42( العالمة، �س41.

)43( انظر على �سبيل املثال ال�سفحات: 110، 126، 130، 132، 140، 179.

)44( تنظر ال�سفحات: 134، 164، 174، 176، 181، 197.

)45( تنظر ال�سفحات: 100، 153، 154، 162، 163،

)46( العالمة، �س160.

)47( العالمة، �س118، 181.

)48( العالمة، �س88 - 89.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد الرواية املغربية والتراث

222

2. توظيف اأ�سكال الكتابة الرتاثية العربية .2وتقنياتها:

املو�سوم الأول الف�سل الروائي ق�سم الرواية: بناء -

بـ«الإمالء يف الليايل ال�سبع« اإىل �سبع ليال، تتوزع على

�سبعة اأ�سهر، تبتدئ بليلة متم �سفر، وتنتهي بليلة متم

منها ليلة اأن كل الليايل هذه قارئ ويالحظ �سعبان.

الليلة مو�سوع اإن اإذ خا�س؛ مبو�سوع ت�ستقل تكاد

الأوىل )ليلة متم �سفر( هو نقد ابن خلدون احلكايات

العجيبة يف جمال التاريخ، وا�ستح�سانه لها يف �سياقات

متم )ليلة الثانية الليلة ومو�سوع واملوؤان�سة«. »الإمتاع

ربيع الأول( هو ا�ستعرا�س هفوات ابن خلدون وزلته

)ليلة الثالثة الليلة ومو�سوع وال�سيا�سة. التاريخ يف

الليايل التاريخ. ومو�سوع ربيع الآخر( هو مفهوم متم

متم وليلة الأوىل، جمادى متم )ليلة املوالية الثالث

مفهوم نق�س هو رجب( متم وليلة الآخرة، جمادى

الع�سبية لدى ابن خلدون، والبحث لها عن بديل، اإىل

جانب نقد اآرائه يف الكنازة، ويف عوامل انت�سار املذهب

املالكي باملغرب. اأما مو�سوع الليلة الأخرية )ليلة متم

�سعبان( فهو �سر خوف ابن خلدون من املوت.

يحيل الف�سل هذا عليه يقوم الذي البناء هذا اإن

بناء بطريقة ويذكرنا الإ�سالمي، العربي الرتاث اإىل

حكايات »األف ليلة وليلة«، وبكتب الأمايل واملجال�س

حيان لأبي )49(

واملوؤان�سة« »الإمتاع وبكتاب عامة،

التوحيدي )ت414ه( خا�سة.

ويكفي للتدليل على ذلك الإ�سارة اإىل اأن التوحيدي

ليلة، اأربعني بلغت الليايل من عدد اإىل كتابه ق�سم

فمو�سوع اخلا�س؛ مبو�سوعها ت�ستقل تكاد ليلة كل

�سليمان اأبي عن احلديث هو مثال، الثانية، الليلة

املقارنة بني ال�ساد�سة هو الليلة . ومو�سوع )50(

املنطقي

. ومو�سوع الليلة الثامنة هو املناظرة )51(

العجم والعرب

يون�س بن ومتى ال�سريايف �سعيد اأبي بني ال�سهرية

.)52(

القنائي حول النحو العربي ومنطق اأر�سطو

وهكذا، ت�سبه الرواية – على م�ستوى البناء – كتاب

الفوارق بع�س وجود رغم وحتاكيه، واملوؤان�سة الإمتاع

يقرتح كان الذي اأن يف اأ�سا�سا واملتمثلة بينهما،

مو�سوع الليلة يف كتاب الإمتاع هو الوزير ابن الفرات،

به عن اأجاب بتدوين ما التوحيدي فكان يكتفي اأما

الذي املو�سوع يف اإليه به حتدث ما اأو الوزير، اأ�سئلة

اقرتحه عليه. اأما يف الرواية، فالذي يتحكم يف ال�سرد،

الكاتب احليحي الليلة ويفر�سه على ويقرتح مو�سوع

هو ابن خلدون.

اأنها تتاألف واإىل جانب ما �سبق، يالحظ قارئ الرواية

من ثالثة اأق�سام، هي: املنت، واحلا�سية )خم�س حوا�س(

الأق�سام اإىل هذه الن�س وتق�سيم .)54(

والتذييل ،)53(

عادة قدمية و�سائعة يف الرتاث العربي الإ�سالمي، حيث

واحلا�سية الأول(، )الن�س الأ�سل على املنت يطلق

على الن�س الذي يلي ال�سرح، اأي على �سرح ال�سرح،

والذي يت�سمن بع�س الفوائد والتعليقات على املنت.

املنت، تكملة وظيفته امللحق، مبثابة فهو التذييل اأما

وا�ستدراك ما فات املوؤلف فيه.

العربية البالغة يف القتبا�س والت�سمني: -القتبا�س

)49( اأبو حيان التوحيدي: الإمتاع واملوؤان�سة، �سححه و�سبطه و�سرح غريبه: اأحمد اأمني واأحمد الزين، املكتبة الع�سرية، بريوت، )د.ت(.

)50( املرجع ال�سابق، �س29.

)51( املرجع ال�سابق، �س70.

)52( املرجع ال�سابق، �س104.

)53( العالمة، �س 24، 32، 87.

)54( العالمة، �س240.

الرواية املغربية والتراثأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

223 العدد األول، ربيع 2013

)55( العالمة، �س120.

)56( اآل عمران: 191.

)57( �س: 27.

)58( العالمة، �س250.

)59( ق: 22.

)60( العالمة، �س250.

)61( الن�سقاق: 6.

)62( العالمة، �س251.

)63( احلاقة: 7.

)64( العالمة، �س157.

)65( اأخرجه البخاري يف كتاب الإميان، باب من ا�سترباأ لدينه، وم�سلم يف كتاب البيوع، باب اأخذ احلالل وترك ال�سبهات.

)66( العالمة، �س174.

)67( اأخرجه اأبو داود يف كتاب العلم، باب احلث على طلب العلم.

)68( العالمة، �س28.

)69( نكتفي بهذا املثال عن الت�سمني لأن الن�سو�س الرتاثية التي ذكرت يف الطريقة الثانية، والتي تتماهى مع ن�سو�س ال�سارد، ت�سكل اأمثلة للت�سمني يف الرواية.

هو اأن ي�سمن املتكلم كالمه �سيئا من القراآن الكرمي اأو

اإىل �سريحة اإ�سارة غري من ال�سريف النبوي احلديث

ذلك، ويجوز للمقتب�س الت�سرف يف الأ�سل املقتب�س.

من �سيئا املتكلم كالمه ي�سمن اأن فهو الت�سمني اأما

كالم غريه من الأدباء وال�سعراء والكتاب.

والت�سمني يف كثري من القتبا�س وقد وظف حمي�س

املوا�سع، منها:

،)55(

باطال« خلقتها ما ربنا »احلياة، ال�سارد: قول -

قياما اهلل يذكرون »الذين تعاىل: قوله من مقتب�س

ال�سماوات ويتفكرون يف خلق وعلى جنوبهم وقعودا

.)56(

�سبحانك« باطال هذا خلقت ما ربنا والأر�س

وقوله تعاىل: » وما خلقنا ال�سماء والأر�س وما بينهما

.)57(

باطال«

، مقتب�س من قوله )58(

- قوله: »فب�سري الآن حديد«

عنك فك�سفنا هذا من غفلة يف كنت لقد « تعاىل:

. )59(

غطاءك فب�سرك اليوم حديد«

قريبا فاأنت كدحا، ربك اإىل »وكدحت قوله: -

، مقتب�س من قوله تعاىل : »يا اأيها الإن�سان )60(

مالقيه«

.)61(

اإنك كادح اإىل ربك كدحا فمالقيه«

، مقتب�س من )62(

- قوله: »واأنت كجذع نخل خاوية«

اأعجاز كاأنهم �سرعى فيها القوم فرتى « تعاىل: قوله

.)63(

نخل خاوية«

من مقتب�س ،)64(

بني« واحلرام بني »احلالل قوله: -

حديث ر�سول اهلل �سلى اهلل عليه و�سلم : »اإن احلالل

.)65(

بني، واإن احلرام بني، وبينهما اأمور م�ستبهات...«

من مقتب�س ،)66(

الأنبياء« ورثة »العلماء قوله: -

الأنبياء، ورثة العلماء »اإن ال�سريف: النبوي احلديث

.)67(

واإن الأنبياء مل يورثوا دينارا ول درهما...«

،)68(

واملوؤان�سة!« الإمتاع زاوية من »ونركبها قوله: -

ال�سارد �سمنها التي واملوؤان�سة« »الإمتاع فعبارة

»الإمتاع التوحيدي عنوان كتاب ماأخوذة من كالمه

.)69(

واملوؤان�سة«

بع�س �سرح اإىل الروائي عمد والتف�سري: ال�سرح -

الألفاظ وامل�سطلحات يف املنت جريا على عادة بع�س

الكتاب يف الرتاث العربي الإ�سالمي اأمثال اأبي العالء

ومن الغفران«وغريه. »ر�سالة يف )ت449ه( املعري

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد الرواية املغربية والتراث

224

م�سطلح الرواية يف امل�سروحة وامل�سطلحات الألفاظ

.)72(

، و»تيمور«)71(

، ولفظة »اجلرك�سي«)70(

»احلجابة«

كتب متيز �سمة وهي وال�سعر: النرث بني املزاوجة -

»ن�سوار مثل: الرتاثية، والق�س�س والنوادر الأخبار

)ت384ه(، للتنوخي املذاكرة« واأخبار املحا�سرة

والزوابع« و»التوابع للتوحيدي، والذخائر« و«الب�سائر

للمعري، و»الغفران« )ت426ه(، �سهيد لبــن

وغريها.

يذكر واأحيانا فيها: حدث ما ذكر ثم ال�سنة ذكر -

الأمثلة ومن وال�سهر. اليوم ال�سنة جانب اإىل ال�سارد

على ذلك قول ال�سارد: »فاحت رجب ت�سعني و�سبعمائة،

�سهر من تاريخ الفرح. ودمع الذهب مباء اأدونه تاريخ

منزيل بعثت من جديد لأجد يف معه كاأين مقد�س،

.)73(

عدلني...« نكاحها على اأ�سهدت وقد البنني اأم

وقوله: »خالل الن�سف الثاين من واحد وت�سعني لهذه

الف�سل اأنباء عن اأتعامى اأن بالإمكان يعد مل املائة

القلعة والق�سر الدائرة رحاها حول املاأ�ساة الثاين من

.)74(

الأبلق...«

وهذه الطريقة يف �سرد الأخبار طريقة تراثية اتبعها بع�س

املوؤرخني يف كتب التاريخ والرتاجم، اأمثال ابن الأثري

التاريخ«، يف »الكامل كتابه يف )ت630ه( اجلزري

كتابه القر�سي )ت738ه( يف اجلزري بكر اأبي وابن

»تاريخ حوادث الزمان واأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان

)ت764ه( الكتبي �ساكر بن وحممد اأبنائه«، من

الدم�سقي القر�سي كثري وابن التواريخ«، »عيون يف

)ت774ه( يف »البداية والنهاية«.

2 . 3. توظيف معجم الرتاث ولغته:احلمولة ذات الألفاظ من جمموعة الرواية يف حت�سر

والعلمية والفل�سفية وال�سيا�سية واحل�سارية الدينية

التي حتيل اإىل عدد من الأمكنة، مثل القاهرة، والنيل،

وفا�س، واملغرب، والكوفة. وال�سخ�سيات، مثل احلالج،

واملدار�س واجلاحظ. بطوطة، وابن برقوق، وال�سلطان

والأزهر، والقرويني، كالزيتونة، التاريخية، واجلوامع

املالكية، مثل الفقهية، واملذاهب وال�سلغتم�سية.

واملعارف، والعلوم واحلنفي. واحلنبلي، وال�سافعي،

والفعل، والقوة الأربعة، والعنا�سر ك�سيلج�سمو�س،

والإغريق، والرتك، كالعرب، والأعــراق، والقيا�س.

والترت واملغول. والأكالت كالر�ستة، وغري ذلك.

تاريخية تراثية لغة الرواية يف حمي�س وظف كما

70( العالمة، �س39.

)71( العالمة، �س138.

)72( العالمة، �س176.

)73( العالمة، �س118.

)74( العالمة، �س148. وانظر اأي�سا ال�سفحات: 169، 183، 242، 247.

الرواية املغربية والتراثأدب وفنون: نقـــــــــــــــد

لغة ال��رواي��ة يف حمي�س وظ��ف

ع�سر لغة حتاكي تاريخية تراثية

املماليك عامة، ولغة ابن خلدون

القول ميكن حيث خ��ا���س��ة،

ابن لغة »ت�سرب« حمي�س اإن

خلدون، وبرع يف حماكاتها لفظا

على ي�سعب اإنه حتى وتركيبا،

من ال�سارد كالم متييز القارئ

كالم ابن خلدون.

225 العدد األول، ربيع 2013

خلدون ابن ولغة عامة، املماليك ع�سر لغة حتاكي

لغة »ت�سرب« حمي�س اإن القول ميكن حيث خا�سة،

ابن خلدون، وبرع يف حماكاتها لفظا وتركيبا، حتى اإنه

ي�سعب على القارئ متييز كالم ال�سارد من كالم ابن

خلدون.

اخلامتة:

نخل�س مما �سبق، اإىل اأن رواية »العالمة« ت�سكل حماولة

من وحتريرها باملغرب، العربية الرواية لتاأ�سيل جادة

ال�سردية واأ�سكالها مب�سامينها، الغربية الرواية اأ�سر

وتقنياتها، وطرائق بنائها، واأ�ساليب تعبريها، وذلك عن

طريق ا�ستعادة التاريخ العربي الإ�سالمي. غري اأن هذه

ال�ستعادة مل تكن ا�ستن�ساخية، واإمنا متت بطريقة واعية

و�سياغته. ت�سكيله اإعادة اإىل التاريخ، اإحياء تتجاوز

اإحيائه اأجل التاريخ من ت�ستعيد العالمة ل رواية اإن

ومتجيده، اأو حتى اتخاذ موقف منه، واإمنا من اأجل نقد

املا�سي. �سوء يف احلا�سر وقراءة خالله، من احلا�سر

نقدية، قــراءة املا�سي قــراءة خالل من حتاول فهي

ال�سيا�سية الظواهر من جملة ونقد احلا�سر م�ساءلة

اأهمها: من لعل فيه، والقت�سادية والجتماعية

الرعية، والظلم، وقهر والت�سلط، والر�سوة، ال�ستبداد،

الدولة. رجال ل�سلطة واإخ�ساعهم العلماء، واإذلل

كما اأن توظيف الرتاث يف الرواية يتجاوز امل�سامني اإىل

التعبري، واأ�ساليب البناء، وطريقة ال�سردية، التقنيات

اأي اأنه توظيف �سامل ولي�س توظيفا جزئيا انتقائيا.

أدب وفنون: نقـــــــــــــــد الرواية املغربية والتراث

226

- 1 -

ثابتة دولوز جيل املغاير الفيل�سوف حياة تكن

فكرية، بل قلقة قدر اإ�سكالته الفل�سفية اخلالقة

الفل�سفة خمرجا الجتاهات كل نحو حركها التي

ذاتها، من الأكل حول املنكفئ الأزيل قمقمها من

كبري جتديدي فل�سفي بعمق حاول الذي املفكر فهو

وال�سينما )1(

الت�سكيل اإىل الفل�سفي القلق نقل

)3(

.. بل، مل تكن حياته اخلا�سة، والعائلية)2(

والأدب

اأي�سا، خالية من بع�س التوابل الدرامية، فبعد اأن عانى

ملدة تتجاوز خم�سا وع�سرين �سنة من م�ساكل التنف�س

انبناء التي يح�س معها الإن�سان بتفاهة احلياة، ومدى

النتحار على اأقبل الأوك�سجني، على احلي الوجود

كفعل حترري يخل�سه من فداحة الأمل، وين�سيه �سعف

ال�سينما واالنتحار

اأفكار حول ال�سينما

عند جيل دولوز

محمد اشويكة*

الكائن الذي كثريا ما ظلت الف�سلفة تبحث ب�سغف،

واإجهاد، عن تفوقه من خالل الوعي والعقل والأخالق

واللتزامات.. وغريها من الأمور ال�سطحية التي جتعله

وامليولت واللذة والأمل الرغبة جاذبيات خارج

والفنون ال�سينما، حتاول ما ذلك األي�س والأهــواء...

عامة، مقاربته؟ األي�س وعي جيل دولوز بقدرة ال�سينما

والفنون على تطوير الإي�ستيتيقا كان الدافع الأ�سا�سي

وراء انغما�سه يف م�سروع فل�سفي جتاوز من حيث قيمته

ورهافته ال�سرامة املركزية املفتعلة للعقل الغربي؟ كيف

�ساهمت ال�سينما يف بناء امل�سروع الدولوزي؟

- 2 -

كانت حياة جيل دولوز عبارة عن فيلم روائي طويل،

*كاتب وناقد �سينمائي من املغرب.

)1( Gilles Deleuze; Logique de la sensation; 2 tomes; éd. de la Différence; 1981.

)2( Gilles Deleuze; Kafka: Pour une littérature mineure; en collaboration avec Félix Guattari; Les éditions de

Minuit )coll. »Critique«(; Paris; 1975.

...Émilie Deleuze 3( ن�سري اإىل ابنة جيل دولوز، املخرجة الفرن�سية(

لم

أدب وفنون: سينما

227 العدد األول، ربيع 2013

ن�سج حبكته ال�سيناري�ستية واأخرجه �ساحبه ثم اكتفى

بالتاأمل...

اأو بالأحرى كلمة«، هكذا ي�سر دولوز على »اأنا �سورة

من فبالرغم لالآخر... �سورته ونقل ذاته، التفكري يف

حرف عن امل�سورة »األفبائيته« يف يتحدث مل اأنه

)C comme Cinéma( كـ»�سينما« »ال�سني«

،)C comme culture( مف�سال تعوي�سها بالثقافة

املبا�سر التفل�سف اأو امل�سور، الفل�سفي احلديث فاإن

اأمام الكامريا، يجعل منه �سخ�سا مدركا لقيمة التاأمل

والغو�س اللفظية ال�ستعرا�سية عن البعيد املبا�سر

املفاهيمي امل�سطنع...

من اإل ال�سينمائية للم�ساألة دولوز جيل يتطرق ل

خالل الإحالة على :

املرتبط والذاكرة« »املــادة برغ�سون هرني كتاب -

جذريا بكتابيه ال�سابقني »بحث حول املعطيات الفورية

دع«...للوعي« و«التطور املب

- كتاب »نقد ملكة احلكم« عند اإميانويل كانط...

حول التفكري اإمكانيات فتح له ليت�سنى وذلــك

خالل ومن ذاته، بالفكر ربطها خالل من ال�سينما

نظرية ال�ستناد على نظرية الإ�ستيتيقا الكانطية، لي�سرح

كان اإذا والفكر. ال�سينما عالقة حول احلازم ت�ساوؤله

برغ�سون قد تناول يف كتابه »التطور املبدع« امليكانيزم

ال�سينمائي للتفكري والوهم امليكانيكي، فاإن جيل دولوز

قد حاول اأن يعمق الفهم من خالل كتابه املثنى حول

الزمن«.. - و«ال�سورة احلركة« - »ال�سورة ال�سينما:

�سروريان �سرطان والزمن احلركة مقولتي اأن باعتبار

)فل�سفة الفكر تاريخ يف كبريتان وم�سكلتان للفهم،

وعلما( ا�ستثمرتها ال�سينما بطرق متعددة لفك الألغاز

والتاأطري.. والتقطيع املونتاج وما الكربى، الإن�سانية

اإل ذرائع فنية لتوهيم الواقع و�سناعة املجاز الفني عرب

اآليات �سينمائية تدمج الكتابة والعلوم والفنون يف قالب

جمايل ي�سمى »الفيلم«.

- 3 -

دولوز جيل عند ال�سينما حول احلديث ب ين�س

امل�ساهد اإ�سراك على الفيلم لقوة ر�سده خالل من

الإبداعية الزمنية و�سريورته واإدماجه �سمن منظومته

اأن املعروف فمن واحلركية. احل�سية وظائفه اإثارة عرب

ال�سينما ا�ستغال على تعاقب الليل والنهار، اأو ما ميكن

ومالءمة الزمن؛ يف ال�سخو�س بتحركات ن�سفه اأن

تلك مع مت�سقة تكون كي الكامريا حلركات املخرج

احلركات، فت�سبح ال�سينما بهذا املعنى ا�ستغال خال�سا

ال�سخو�س، حركة الزمن، حركة احلركة: حركة على

الكامريا... هكذا يربز اأن نعرث يف طيات الت�سور الب�سري

للفيلم – احلركة على �ستة اأنواع من ال�سور: ال�سورة

العاطفة، ال�سورة– –احلركة، ال�سورة الت�سور، –ك، ال�سورة – النعكا�س، ال�سورة – ال�سورة –املحر

على الأنواع هذه من واحد كل ميتلك ...)4(

العالقة

لت�سنيف عليها ال�ستناد ميكن فكرية موؤ�سرات عدة

الواقعية، ال�سينما كربى: اأنواع ثالثة اإىل ال�سينما

وال�سينما الطبيعية، وال�سينما احلديثة التي ت�سعى اإىل

واإعطاء واحلركية احل�سية الروابط مع قطيعة اإحداث

الأولوية لل�سور الذهنية، ويعترب املخرج األفريد هت�سكوك

)Alfred Hitchcock( رائد هذا الجتاه الأخري.

بالعالمات يرتبط كفن ال�سينما دولوز جيل يتناول

ت�ساهم )5(

املوؤ�سرة على الفكر ويلخ�سها يف �سبعة ع�سر

كل واحدة منها يف التعرف على الأمناط ال�ستة امل�سار

)4( Gilles Deleuze; Cinéma 1: L'image-mouvement; Les éditions de Minuit )coll. »Critique«(، Paris، 1983.

)5( نظرا ل�سعوبة ترجمة الكثري منها نقدمها كما هي:

Dicisigne، reume، engramme، icône، qualisigne، potisigne، fétiche، symptôme، synsigne، binôme، indice،

empreinte، vecteur، figure، marque، démarque et symbole.

أدب وفنون: سينما السينما واالنتحار

228

اإليها مع مراعاة حتولت الأ�سكال التي يعر�س لها من

اإيزن�ستاين �سريكي للرو�سي الفيلمية النماذج خالل

كينجي واليابانيان )Sergueï Eisenstein(

ميزوكي�سي )Kenji Mizoguchi( واأكريا كريوزوا

.)Akira Kurosawa(

- 4 -

الفيلمي الن�سق اإطار يف املخرج �سخ�سية تنمحي

الفيلمي النظام اأما ال�سخو�س، الكال�سيكي حل�ساب

احلديث فيعطي الأولوية للفن على ح�ساب اجلمال...

هناك �سيء ما يحدث يف ال�سينما احلديثة التي لي�ست

ال�سينما عليه كانت مما اأو �سدقا اأو عمقا اأكرث جمال

هو ما بني العالئقي املخطط يتك�سر الكال�سيكية.

�سمن �سخ�سيات تقدمي اأجل من وحركي ح�سي

اأو بالتيه حمكومة جتعلها و�سمعية ب�سرية و�سعيات

احلدود يف تقع ل م�سابيح عن عبارة التجوال...

يدفع الذي ال�سمو عزاء متتلك ول للحركة، الفا�سلة

لتحققها املعيق اليومي م�سريها مواجهة نحو بها

املفكر واحلر، وهنا يحدث النعكا�س الذي يتخذ من

الرئي�سية، فلي�س الزمن )6(

انحراف احلركة ق�سية الزمن

هو الذي يعتمد على احلركة، واإمنا احلركة املنحرفة هي

للزمن املبا�سرة ال�سورة اأن مبعنى الزمن، تعتمد التي

تتولد من خالل الو�سعية احلركية واحل�سية، اأما ال�سورة

املبا�سرة للزمن فتنجم عن الو�سعية الب�سرية وال�سمعية

مع مراعاة عالقات التبادل احلا�سلة بينهما.

- 5 -

Critique et« ال الد العنوان ذات كتبه اأحد يف

الذي ميكن ربطه بعدم انفكاك دولوز عن

»cliniqueاإدخال بع�س مفاهيم ومقاربات علم النف�س التحليلي

الال�سعور عن اتولوجي الب الك�سف اإىل الرامية

الإبداعي، واإعادة طرح الأ�سئلة حول بع�س البديهيات

التي يتداولها النقد الفل�سفي والأدبي معا... مل يتوان

دولوز يف طرح �سوؤال جذري حول »ما العمل الأدبي؟«،

وهو ال�سوؤال نف�سه الذي نح�س ب�سريانه يرتدد يف كتابيه

املبدع »هذيان عن الك�سف حماول ال�سينما، حول

احلقيقية باعتبار متاما، وذلك الأدب ومزالقه« كما يف

خ

�س الن على تتاأ�س�س ل الأدبية، كاحلقيقة الفيلمية،

التي اجلدلية العالقة عن تتولد واإمنا للواقع، الب�سيط

كاختالف. الوجود مع ين�سجها اأن للمبدع ميكن

فالزمن يخدم العامل يف الت�سور الدولوزي للوجود من

خالل �سل�سلة متالحقة من امل�سارات التي ل تخلو من

انفالت وترابط وتفكك.. وتلك فل�سفة ال�سينما التي

توحي باأنها حتاكي الواقع لرتاوغه منذ ال�سور الأوىل!

باب من الخــتــالف يخرت مل دولــوز اأن اأعتقد

يف اجلاحمة رغبته« »اآليات لتعدد واإمنا الختالف،

والتي اجلغرافيا.. »ريزومها« فكرية ل حتد اآفاق ارتياد

دون امللتوية الفكر حقيقة اإ�سكالياتها ت�سع اأن ميكن

حلياته حدا ي�سع جعلته التي ال�سجاعة يف التفريط

حني هم قافزا من نافذة �سقته الباري�سية كي يتخل�س

من احلياة ال�سطناعية التي بات ي�ستن�سقها عرب جهاز

التنف�س ال�سطناعي املالزم له يف اآخر اأيامه!

احلياة باب من اإل النهاية تلك اإىل النظر ميكن ل

الوا�سع... متاما كما نرى اأجمل الأفالم يف الظالم!

تلك مفارقة ال�سينما... مفارقة احلياة!

)7(

)6( Gilles Deleuze; Cinéma 2: L'image-temps; Les éditions de Minuit )coll. »Critique«(; Paris; 1985.

)7( Gilles Deleuze; Critique et clinique; Les éditions de Minuit )coll. »paradoxe«(; Paris; 1993.

السينما واالنتحارأدب وفنون: سينما

229

بري�سة الفنان عبد القادر ال�سعدي، اليمن

مقدمة من »جممع اأبوظبي للفنون«

230

محمد اشويكة*

رابع وهو عيو�س، لنبيل اهلل« خيل »يا فيلم

يف للمخرج، الرابع طويل ــي روائ �سريط

كليا، اأو جزئيا تناولت، التي املغربية الأفالم �سياق

املغربية، املدن بع�س التي طالت الإرهابية الأحداث

)2011 اأبريل 28( »اأركانة« مقهى واقعة واأ�سهرها

العمق متثل باعتبارها الفنا« »جامع ب�ساحة تقع التي

املغربية، وال�سياحة مراك�س ملدينة ال�سرتاتيجي

التي البي�ساء الدار يف 2003 ماي 16 واأحــداث

مومن« »�سيدي حي من ينحدرون �سباب ارتكبها

وم�ساكله ال�سكانية بكثافته املعروف الق�سديري

فمن املتفاقمة.. والإجرامية والقت�سادية الجتماعية

املعروف اأن مثل هذه الأحزمة الب�سرية ت�سكل م�ستال

تنعك�س التي ال�سو�سيولوجية الظواهر بع�س لتنامي

مدينة واأن للحي، خا�سة اجلغرايف املحيط على �سلبا

وعمرانية اجتماعية فــوارق تعرف البي�ساء الــدار

واقت�سادية وثقافية ل ح�سر لها، مما يجعلها مدينة جتمع

متناق�سات ل ح�سر لها.

الباحثني من ثلة انتباه والأحداث الوقائع هذه اأثارت

ماحي والت�سكيلي الروائي فكتب والفنانني، والأدباء

ا�ستعادة حماول )1(

مومن« �سيدي »جنوم رواية بنبني

املالمح ر�سم خالل من وذلك ، وقع ما وا�ستيعاب

الظروف را�سدا للمنتحرين، والنف�سية الجتماعية

واملالب�سات التي دفعت بهم اإىل ارتكاب تلك الأفعال

ال�سنيعة، وهي املحفزات نف�سها التي دفعت املخرج نبيل

عيو�س، بحكم احتكاكه الفيلمي امل�سبق » بكاريانات«

اإىل فيلم الرواية وحتويلها اقتبا�س البي�ساء، لتبني الدار

الإرهاب من منظور يجمع يف �سينمائي يالم�س ق�سايا

�سبق و�سو�سيولوجي وفني اإيديولوجي هو ما بوتقته

حينما منه تقرتب اإن�سانية نات عي لم�س اأن للمخرج

ال�سارع اأطفال )2000( زوا« »علي فيلمه يف تناول

مبدينة الدار البي�ساء، وذلك ما يوؤ�سر على اهتمام املخرج

النقا�س تفعيل على وانكبابه املهم�سة، الفئات بق�سايا

حولها رغم بع�س املنزلقات الإيديولوجية التي تقدمها

بع�س الأطراف بخ�سو�س هذا ال�سنف من الأفالم.

يأتي

فيلم »يا خيل الله« لنبيل عيو�س

جدل االرهاب

بني الرواية وال�سينماء

*كاتب وناقد �سينمائي من املغرب.

)1( Mahi Binebine; Les étoiles de Sidi Moumen; Editions Le Fennec; Casablanca 2010.

أدب وفنون: سينما

231 العدد األول، ربيع 2013

»حا�سرغائب« ي�ستغل باجلي�س، و»حميد« الذي يحمي

»يا�سني«، لعب كرة القدم املتاألق امل�سوؤول عن القوت

يف واجتاره اجل�سدي اندفاعه اأن اإل لأ�سرته، اليومي

حيث ال�سجن غياهب اإىل فجاأة �سيقودانه املخدرات

احلائر ذهنه و�ستمالأ ال�سلفية، اجلماعات �ست�ستغله

والفارغ ب�سرورة التوبة وتوجيه جمهوده اإىل حماربة من

من خروجه بعد اآماله.. وم�سادرة اإفقاره، يف يت�سبب

ال�سجن �سيعود »حميد« اإىل »الكاريان« بحلة اإ�سالمية

ومواجهة القربى ذوي دعوة يف يرتدد ولن جديدة،

ن من اإقناع اأخيه »يا�سني« وبع�س اأ�سدقائه حميطه: متك

لاللتحاق بجماعة »ال�سيخ اأبو الزبري« الزعيم الروحي

الذي �سيتكفل م�ساعديه باإيجاد عمل لهم، واإعدادهم

القائم اجلدل املخرج اأدار كيف

ــول ظــاهــرة الإرهــــاب داخــل ح

اللغة اأ�سافته الذي وما ال�سينما؟

ال�سينمائية اإىل املنت الروائي الذي

ا�ستند الفيلم اإليه؟

- 2 -

يعلن الفيلم ، من عنوانه ، عن نقده

الإ�سالمية احلركات لتوجهات

انطالقا من ا�ستثماره للغتها الداعية

اإىل اجلهاد، وتب�سري املقاتلني ب�سرعة

ونيل الأخروية، باملتعة اللتحاق

النعيم«؛ جنات يف العني »احلور

فقد وظف املخرج مقطعا ين�سب اإىل

يتم ما غالبا نبوي معروف حديث

اخت�ساره يف »يا خيل اهلل اركبي«،

الأدبيات على للدللة ــك وذل

اجلهادية، ورمزية الفر�س يف الثقافة

ب�سرد املخرج يبداأ الإ�سالمية.

اأ�سلوب وفق الفيلمية الأحــداث

كثريا يبتعد ل اقتحامي �سينمائي

اأن ول�سيما الوثائقي الر�سد عن

يهيمن الق�سديري احلي ديكور

على جممل الأحداث؛ اكتظاظ البيوت، طغيان لون

ال�سداأ على احلي، كرثة احلركة، ممرات �سيقة. تقتحم

الكامريا خمتلف الف�ساءات، وتكت�سح جممل جغرافيا

احلي، فرياه املتفرج خارجا من فوهة الكامريا عرب تقطيع

م�سهدي متوازن يدفع اإىل انتظار الكارثة يف اأية حلظة.

والجتماعية الأ�سرية العالقات ذلك بعد نكت�سف

التي تربط بني �سكان احلي، فيتم الرتكيز على الطفل

املتكونة اأ�سرته برفقة �سنوات ع�سر ابن وهو »يا�سني«

على يحافظ ب�سكل اليومية البيت اأزمة تدبر اأم من

من يعاين ب اأ بني التاآزر ودوام الروابط ا�ستمرار

الكاآبة، واأخ متوحد ل يفارق ال�ستماع للراديو، واآخر

أدب وفنون: سينما جدل اإلرهاب بني الرواية والسينما

232

بدنيا بتعلم ريا�سة الكونغ فو، وحت�سريهم نف�سيا. ا�ستغل

م�سغلهم، قتل يف و�سديقه »يا�سني« ورطة املحر�سون

ال�ساب وطره من ج�سد ق�ساء اأراد الذي امليكانيكي

الفتي، اإل اأن �سلوكه اأثار حقد »يا�سني« املرتبط عاطفيا

اكته«، واملوؤن�س وج�سديا ب�سديقه، واملتقا�سم لف�ساء »بر

مما قتيال اأردوه اأن اإىل الثنان عليه فانهار لوحدته،

ا�ستقدام »حميد« الذي �ساعدهم رفقة اإىل ا�سطرهما

القمامة، مكب يف اجلثة �سوءة مواراة على جماعته

وطي امللف نهائيا.. ماذا بقي اإذن؟

واحل�سرة، الندم وطرد القتل، كبرية عن التكفري

والنقياد لتوجيهات من اأنقذهم من ال�سجن املحقق،

الق�سم لأداء ال�سبان ف�سيحتهم...ا�سطف �سر وكتم

يف »الكفار« �سد الهجمات بتنفيذ للقيام ا�ستعدادا

عدة اأماكن من الدار البي�ساء.

- 3 -

�سفر من انطالقا الفيلم من الثاين اجلــزء �سيبداأ

اخللوة بغية وغابوي جبلي ف�ساء اإىل »املجاهدين«

كخطوة اأخرية لعزلهم عن العامل، والتاأكد من نواياهم

يف يجري كان ملا ا مغاير اجلزء هذا فكان و�سدقهم.

والإ�ساءة والألوان الف�ساءات لأن الق�سديري احلي

ال�سخ�سيات انبهار اأن كما كليا، خمتلفة واللبا�س..

مبغادرتهم لأول مرة يف حياتهم للدار البي�ساء جعلهم

اقرتافه.. على قادمون هم ما عواقب يف يفكرون ل

طويال، باقتنائها حلموا واأحذية األب�سة �سيلب�سون

اخليام، اأوتاد ون �سيدق الطبيعية، املياه اأقدامهم �ستطاأ

�سي�سلون جماعة يف الطبيعة، �سي�ستن�سقون هواء نقيا،

و�سيتدربون ب�سكل مكثف...

�سيتجاهل املخرج خالل هذه الفرتة احلي الق�سديري

،والرواية الفيلمية احلكاية اأن رغم كلي �سبه ب�سكل

اأي�سا، ت�سمح بخلق نوع من التوازي، و�ستجعل الفيلم

)Blocs visuels( ب�سريني جزئني اإىل مق�سم غري

متباينني ميكن م�ساهدة كل واحد منهما على حده...

اإىل انتهاء فرتة العتكاف والرتكيز �ستتم العودة بعد

النا�سف بحزامه منهم واحد كل فيتمنطق البي�ساء،

بعد اأن خرب تقنيات تفجريه فور بلوغ الهدف.. يوزعهم

من�سق العملية ، كما يتوزع الباعة املتنقلون يف اأماكن

ح�سا�سة من الدار البي�ساء، ويبداأ الرتدد لدى بع�سهم

الك�سف قدرته عدم املخرج على يعاب ما اأن اإل

على نف�سية املنتحر قبل النفجار، كما ا�ستطاع بع�س

الأحداث هذه مثل تناول الذين العرب املخرجني

2004 الآن« »اجلنة فيلم اإىل هنا واأ�سري �سينمائيا،

و»الهجوم« اأ�سعد، اأبو هاين الفل�سطيني للمخرج

2013 للمخرج اللبناين زياد الدويري.

- 4 -

جرى، ما مناق�سة اإىل ت�سعى نظر وجهة الفيلم يقدم

اأن - احلالت هذه مثل – يف ال�سعب من اأنه اإل

ي�سع فيلم �سينمائي واحد تلك الأحداث، واأن يتناول

خمتلف الأ�سباب الفاعلة يف اإحداثها، فاجلدل حولها

�سائك، تتجاذب اأطراف احلديث فيه اجتاهات متعددة

ميكن تلخي�سها يف تيارين اثنني؛ اأما التيار الأول يعتقد

النف�س قتل اإىل املوؤدي الديني التطرف �سبب اأن

يرتتب وما القت�سادية ال�سائقة اإىل يعود والآخرين

عليها من اإح�سا�س بالغنب وال�ستياء النف�سي. ويعتقد

اأ�سحاب التيار الثاين اأن �سبب ذلك يعود اإىل اجلذور

الإميانية املرتبطة بتغيري املنكر عرب اجلهاد. وبني هوؤلء

واأولئك يزداد التطرف يف املواقف اأو يقل، وي�ستكني

جدل اإلرهاب بني الرواية والسينماأدب وفنون: سينما

233 العدد األول، ربيع 2013

البع�س اإىل النظر وال�ستغفار.

�سار اخلط الدرامي للفيلم يف �سياق تزكية الراأي الأول،

فجاء اجلزء الأول من الفيلم وا�سفا حلياة الفقر، والفاقة،

وغريها الأ�سري، والتفكك واخل�سا�س، واملر�س،

»�سيدي �سكان منها يعاين التي التهمي�س اأنواع من

يف طويال وقتا املخرج ا�ستغرق فقد وبذلك مومن«.

ذلك الديكور اإىل درجة خلناه يعد فيلما وثائقيا مبوؤثثات

اكة« و»بر احلي اأزقة بني اللقطات فيه تتناوب درامية

القدم اأخيه حميد، ملعب كرة يا�سني و�سديق اأ�سرة

املرتب، مزبلة الدار البي�ساء، حمل اإ�سالح الدراجات

النارية، ف�ساءات حتيل على بنية حتتية واحدة اأ�سا�سها

الق�سدير والقمامة والرتاب والأو�ساخ وال�سداأ، فاحلي

الق�سديري مكان اأجدب ل ينبت خ�سرة.

املخرج بنا �سافر الق�سديري، احلي من النتقال بعد

اأن يعقد مقارنة اأماكن رحبة، ف�سيحة، وكاأنه يريد اإىل

واحدة نتيجة اإىل بنا لي�سل متناق�سني، جمالني بني

ات�سعت، اأو �ساقت مهما الف�ساءات، كل اأن مفادها

ت�سعف يف ا�ستنبات الإرهاب.

هل اأقنع الفيلم بذلك؟ لكي جنيب عن هذا ال�سوؤال

ل بد من مقاربة مفهوم الإرهاب رغم زئبقيته وابتذاله.

الإرهاب �سل�سلة ممنهجة من الأفعال العنيفة املتكررة،

يعتمدها اأ�سخا�س ن�سف مقنعني، جماعات اأو فاعلون

اأهداف حتقيق اأجل من الدولة اأجهزة اإىل ينتمون

احلقيقية الأهــداف تكون ل �سيا�سية، اأو اإجرامية

، وذلك عك�س )2(

فيها هي الأهداف احلقيقية للعنف

ل�سرب الفر�سة الإرهابي ينتهز لذلك الغتيال.

الدعاية اأجل من وح�سا�سة ا�سرتاتيجية اأهــداف

اإىل املادي الفعل يتجاوز الذي والتعنيف والإكراه

الأثر النف�سي وال�سيا�سي والإيديولوجي.

الفيلمية املكونة املعطيات الوقوف على جل ن�ستطيع

للحلقة املفاهيمية لالإرهاب اإل اأن املعاجلة ال�سيناري�ستية

والب�سرية ركزتا على الأ�سباب الجتماعية فقط.

- 5 -

من متميز خمرج عيو�س نبيل اأن يف ي�سك اأحد ل

الناحية التقنية، و�سغوف بالبحث عن املوا�سيع املثرية

للجدل. كل من قراأ رواية »جنوم �سيدي مومن« ملاحي

�سلفا قد حددها الكربى يمة الت اأن �سيالحظ بنبني،

املنت الروائي الذي مل ي�سف اإليه ال�سيناريو اإل احلوار

عمل نطاق يف تدخل التي امل�سهدية والت�سورات

ال�سيناري�ست )جمال بلماحي( واملخرج معا.. هذا اإذا

عنوان من اأي�سا، الفيلمي حمدد، الف�ساء اأن اعتربنا

واإمنا املكان، يفاجئه لن القارئ/املتفرج اإن الرواية.

بانق�سام حمكومة ظلت التي الب�سرية املعاجلة ينتظر

الف�ساء الفيلمي اإىل �سطرين متباينني )حي ال�سفيح،

)2( Alex Schmid، Michaël Dantinne et Vincent Seron dans la »Chronique de criminologie« au sein de la Revue de

droit pénal et de criminologie، pp. 840 à 875، éd. La Charte، 2003.

أدب وفنون: سينما جدل اإلرهاب بني الرواية والسينما

234

اأن املخرج والتدرب(. حاول اخللوة )مكان دونه وما

ينوع اللقطات الفيلمية واأن يخ�سعها لإيقاع تو�سيبي

يف التفكري قبل وحياتهم ال�سخو�س نف�سية يعك�س

واأثناء احلرية، وبعد القتناع ب�سرورة ذلك. النفجار،

Plans de( املو�سعية اللقطات بع�س زادت لقد

الكامريا/الطائرة بوا�سطة املاأخوذة )situationsوامتداداته احلي �س�ساعة من )Caméra flyer(

تطهريه »يجب« مكان فوق والتحليق اجلغرافية،

اأهله قلوب »تاأهيل« عرب والقاذورات الأو�ساخ من

املتلقي العلوي التحليق هذا يزود والتائهة.. الة ال�س

ال�سخو�س متنح التي املمكنة التخييل عنا�سر بكل

اختيارهم يف توفق قد املخرج اأن خا�سة معقوليتهم

اكم وح�سن اإدارتهم، وذلك لي�س بغريب عليه، وهو املر

برهن الذي زاوا« »علي فيلمه من انطلقت خلربة

ال�سعبة الأدوار هذه مثل يف الفنية قدراته على فيه

و�سع اإىل »العادي« و�سعه من الإن�سان تنقل التي

»التمثيل«.

ال�ستعاري التوظيف م�ستوى موفقاعلى املخرج كان

التي احلميمية العالقات ت�سوير اأثناء والتلميحي

قبل اليتيم ب�سديقهم ال�سخو�س بع�س جتمع كانت

التي الرابطة وهي العقدية، الإخوانيات عوامل ولوج

غ�سل اأو الروحي« »التطهر حلظات اأثناء ا�ستمرت

اختار اإذ و�سديقه؛ »يا�سني« بني النهائي الدماغ

املخرج اأن يرتك الفر�سة للتلميح اللفظي اأو الو�سو�سات

والآهات حتت رزح الظالم.

- 6 -

مل ي�ستطع الفيلم التخل�س من احلكاية الروائية الأم،

فقد حافظ على جل مقوماتها، و�سخو�سها الرئي�سة. اإل

اأن النهاية كانت خميبة لأفق انتظار املتلقي الذي كان

يطمح اإىل اأن تك�سف له تقنيات الت�سوير والدراما عن

فظاعة تلك املاأ�ساة كي ي�ستح�سر عربها ما حدث من

قتل وبرت وتفتيت لالأو�سال الب�سرية.. ويعيد التفكري

الظرفية واأن �سيما جديد، من العنف اإ�سكالية يف

حتركها عنيفة وقائع ت�سجل الراهنة العربية ال�سيا�سية

تع�سبات اإيديولوجية اإميانية اأو عقدية اأو �سيا�سية. بالغة

الرتكيب والتعقيد.

ينتهي ال�سريط على �ساكلة الأفالم امل�ستقاة من الوقائع

)Basé sur une vraie histoire( احلقيقية

امل�ستهدفة، وغري والأماكن ال�سحايا، كا�سفا عن عدد

ذلك من التفا�سيل.

الأحداث بع�س على امل�ستند الروائي للفيلم ن مك

يخلق جمال واأن لها، الوفاء من يتخفف اأن الواقعية

املخرج اأن اإل الدرامية، العنا�سر من�سجم تخييليا

العقيدة، بت�سويه �ستنعته التي النقا�سات ا�ستبق قد

فان�ساق خلف بع�س لغة الأرقام، وال�ست�سارة مع بع�س

وجوه احلركة ال�سلفية باملغرب.. وهي ذرائع ل ت�سمد

اأمام الفن باعتباره مراوغة للواقع...

- 7 -

اإذا كانت قوة ال�سينما، والفن عامة، تكمن يف قدرتهما

يف احل�سا�سة الق�سايا لبع�س اجلريء التناول على

خيل »يا فيلم قوة فــاإن يحتويهما، الــذي املجتمع

واملظلومني املهم�سني لق�سايا طرحه يف تتمثل اهلل«

جدل اإلرهاب بني الرواية والسينماأدب وفنون: سينما

والفن ال�سينما، قوة كانت اإذا

على قدرتهما يف تكمن عامة،

الق�سايا لبع�س اجلريء التناول

ال��ذي املجتمع يف احل�سا�سة

يحتويهما، فاإن قوة فيلم »يا خيل

لق�سايا طرحه يف تتمثل اهلل«

املهم�سن واملظلومن واملكلومن

واملن�سين واملهملن.

235 العدد األول، ربيع 2013

واملكلومني واملن�سيني واملهملني. وت�سليطه ال�سوء على

بع�س التمزقات الإن�سانية ؛ كاملر�س وال�سذوذ واليتم

جار والإدمان وال�سرقة. واإثارة واحلرمان والت�سكع وال�س

النتباه اإىل ا�ستغالل اجلماعات املتطرفة اإىل ا�ستغالل

�سعف هذه ال�سرائح الجتماعية التي ل �سوت لها،

امل�سوؤولني من بالق�سا�س التعجيل ب�سرورة واإيهامها

التي اجلنة �سمان مقابل يف ال�ست�سهاد، طريق عن

�ستعو�س »اجلهادي« عن كل ما حلقه من ماآ�س وويالت

يف الدنيا.

ما �سرعان حلظة جمرد الأفالم هذه تكون األ اأمتنى

�سيتم جتاوزها ، كما حدث مع مثيالتها التي تناولت،

�سينمائيا، �سنوات الر�سا�س، واأن تعرب، بالفعل، عن تيار

والختالف والعلمانية احلداثة قيم يدافع عن فكري

مقابل الرجعية والنغالق.

أدب وفنون: سينما جدل اإلرهاب بني الرواية والسينما

236

عبد املالك بومليك:

حفريات باألوان ترابية

معناه بومليك، املالك عبد الفنان عن تكتب

اأن تتحمل م�سوؤولية الرهان على جتربة يجب اأن

تعي�س تفا�سيل تطورها الزمني بكل حيثياته الدقيقة،

الثقافية بحمولتها املرجعيات كل ت�ستح�سر واأن

منذ جتربته يف ت�سب التي واجلغرافية، والتاريخية

ولدتها، ومبا اأننا ع�سنا البدايات اجلنينية لهذه املغامرة

التي ت�ستحق الهتمام واملتابعة، مل نرتدد ولو للحظة،

يف الك�سف عن اأغوارها وعن الأ�سئلة العميقة التي

اإح�سا�س من انطالقا متميز، اإبداعي بوعي تطرحها

باأهمية ونوعية اخلطاب الت�سكيلي الذي كانت موؤمنة

و وفية له منذ بداياتها.

التطورية، ملراحلها وا�ستنادا بومليك الفنان جتربة اإن

جتليات من وقوتها كينونتها ت�ستمد ولزالت كانت

الفعل التاريخي واجلغرايف لبداية الكون بكل روا�سبه

الطبيعية بتعريته وحفرياته، ا�ستنبطها الفنان من ذاكرته

لزالت لأمكنة انتمائه بت�ساري�س املت�سبعة الطفولية

ال�ستجابة يف نوعية جتربته فكانت بعذريتها، حتتفظ

ثم والطبيعي الوجودي بعده يف املكان، لهم�س

الرمزي، بروحانية بوهيمية، بحثا عن حقيقة غائبة بني

ثنايا احلفريات.

فمن جراء اخلد�س واحلفر الذي اأفرزته يد الفنان بفعل

شفيق الزكاري*

أن

اإبراز يف رغبته ا�ستنتجنا ال�سناد، على الغائر ال�سغط

فعل القوة للنفاذ من وراء امل�ساحة بحثا عن معطيات

غري ممكنة اإل بفعل موؤثرات التعرية الطبيعية، حيث مت

اختزال امل�سافات الزمنية بطرق تقنية اإرادية ومرغوب

فيها، اإحالة على ف�ساءات واأزمنة املغارات والكهوف،

حدود ر�سم يف والعفوية والتلقائية الفطرة حيث

امل�ساهد اليومية وتاأريخها، وقد توفق الفنان بومليك يف

ر�سد اأغلب هذه املكونات للتحفة الفنية، التي انتزعها

البديهية من الذاكرة اجلماعية، لي�سفي عليها مبعرفته

*ناقد وفنان ت�سكيلي من املغرب.

عبد املالك بومليك وحفريات بألوان ترابيةأدب وفنون: تشكيل

الفنان الت�سكيلي عبد املالك بومليك

237 العدد األول، ربيع 2013

روحا م�ستقلة، مبرجعيات ذاتية اكت�سبها بع�سامية من

جذور واقعه ومتخيله الفني.

م�ساحاته اأمكنة �سمت و�سامت الكالم، قليل

الت�سكيلية بنتوءاتها ال�سارخة يف �سكون، عمل اإيجازي

مبا يحمله من عنا�سر خمتزلة، �سمن ن�سق تركيبي مت

بناوؤه بناء تراتبيا، ق�سم ال�سناد مل�ساحات اأفقية واأخرى

تنقيبية عن انطالقا من اجلزء للكل، بطريقة عمودية،

اأركيولوجي عمل ترميمها، لإعادة الأجزاء تال�سي

املتعددة، وطبقاتها باأزمنتها املادة على حتولت �ساهد

الهوية �سوؤال و الت�سكيلي الطرح مفاهمية بني جمع

منذ القدم يف املوغلة بدللتها تاريخية مرجعية من

اأيقوين عمل الأن، حدود اإىل الكهوف ر�سم بداية

توفر فيه بعدين اأ�سا�سيني وهما : الطول والعر�س، ثم

العمق كبعد ثالث.

البنية ـــوان الأل ــدود ح قط يتجاوز مللونه مل ويف

كل فيها جتتمع �ساملة بنظرة لأر�سه الرتابية وويف

اأفقية بنظرة العمل نتاأمل تارة امل�ساهدة، منظور زوايا

تزيد فوقية بنظرة نحلق اأخــرى وتــارة عمودية، اأو

العمل تاألقا، لتعدد دللته ولتنوع اأ�سراره، من خالل

تقابالت �سوئية تزيد العمل بهاء، تعك�سه التدرجات

اللونية ال�سائلة لكل من اللون الأحمر والأ�سفر والبني

داعمني خللق والأبي�س كمكملني الأ�سود عن زيادة

اأعدت م�ساحة فلك يف ي�سبح كل الأ�سياء، ظالل

اأو دائرية كانت �سواء بتنوعاتها، الأ�سكال لت�ستقبل

مربعة اأو م�ستطيلة اأو ان�سيابية...

خرب�سات حتددها ... بارزة نتوءات تراب، ل�ساق،

على �سكل نذوب كاأنها جراح مت ترميمها، م�ساحات

والإبداعية التقنية الإمكانيات كل على مفتوحة

بحبكة مت�سل�سلة م�ساهد املتنوعة، ومعداتها باأدواتها

م�ستمر بحث عن ترتب �سخ�سي، واأ�سلوب لنمط

جدران من اقتلعت لوحات وكاأنها املــادة، لتطويع

مهرتئة، اأو انعكا�س لطباعة حفرية بخطوط غائرة حتيلنا

مل عمل لالاإرادي، كفعل التعرية مياه جمرى على

يتعر�س لعملية الهدم والبناء كجل عدد من التجارب

الفنية الأخرى، بل عمل حافظ على ن�سقه الرتكيبي،

انطالقا من عنا�سر موجودة اأ�سال يف الطبيعة، مع اإعادة

منها ف�سيف�ساء، جعل �سكل على وتوظيفها �سياغتها

يف الوجود اأهمية عن للتعبري مطية بومليك الفنان

عالقته باجلذور.

أدب وفنون: تشكيل عبد املالك بومليك وحفريات بألوان ترابية

بري�سة الفنان عبد املالك بومليك

238

الكثري من الفنانن والأدباء واملفكرين اإىل ال�ستغال يف هدوء و�سمت، اإذ غالبا ما يكون

مرد ذلك الختيار اإما اإىل القناعة الذاتية اأو اإىل طبيعة العمل اأو احلالة النف�سية للمبدع..

لكن، عندما تفر�س عليك الطبيعة العي�س بعيدا عن الأ�سواء، ويخفت �سوت الفن ويتال�سى

لي�سبح جزءا من �سراب ال�سحراء.. هل ت�سمد حينها تلك املقولت؟

املدخل اإنه الإن�سان، يوجد حيثما يوجد فالفن خاطئة، اأو �سائبة افرتا�ساتنا كانت �سواء

اأ�سياء اإىل العوائق كل يحول اأن املتعددة فعالياته خالل من ي�ستطيع لأنه للجمال الأ�سا�سي

فنية...

من الرا�سيدية، �ساءلنا جتربة فريدة متزج بن الت�سكيل والهند�سة والنحت، وتبتكر من حميطها

الذاتية واجلماعية، الإن�سانية باملعاناة الإح�سا�س فنية ل تخلو من تت�سم بجرعات فنية اأعمال

وبالن�سغال بالق�سايا الوطنية والقومية.. فلن�ستمع اإىل �سوت عدناين:

حاوره: محمد اشويكة*

مييل

حوار مع الفنان الت�سكيلي

اأحمد عدناين

أدب وفنون: تشكيل

*كاتب وناقد �سينمائي من املغرب.

239 العدد األول، ربيع 2013

اإذ فراغ، من توجد اأن ميكن فال الرتاكب عملية اأما

يعني التقاطع والتالحم يف اآن واحد، ويعني اأي�سا تنافر

�سياء وجتان�سها وتاآلفها.. وهذا ما يجعل عملية البناء الأ

ممكنة يف كل �سيء موجود يف هذا الكون.

كتظاظ كلمة وقحة تطرق اأ�سماعنا يف كل �سيء، يف الإ

زقة ال�سيقة �سواق، يف الأ ال�سكن، يف املدار�س، يف الأ

واملنتديات وال�ساحات الكربى ال�سوارع يف وحتى

حزان، والأ واملاآمت والحتفالت التظاهرات وخالل

ومزعجا خميفا �سيئا بال�سرورة لي�س الكتظاظ لكن

فهو ميالأ كوكبنا: بدءا بالنواة داخل اخللية وانتهاء بكل

خالل من فالطبيعة احلياة، يف وملمو�س مرئي هو ما

نباتاتها وحيواناتها اأكرب دليل على الكثافة والكتظاظ..

على يحيلنا الذي اجلميل ال�سباريات منظر مثال،

متعدد: فني اإط��ار يف ت�ستغل اأن��ك يالحظ

املعمارية...كيف الهند�سة الت�سكيل، النحت،

تت�ساكن وتتعالق وتتحاور يف ذاتك هذه الفنون؟

ما اأن اإل الجتاهات، متعددة فعال الت�سكيلية جتربتي

يجمع بينها يف امل�سمون هو البحث عن احلقيقة التي

�سفاد والقيود التي �سنعها هي مبثابة التحرر من كل الأ

الإن�سان لنف�سه، والعمل الفني بكل اأ�سكاله �سواء كان

نحتا اأم �سباغة اأم تخطيطا هو الوحيد الذي ميكن من

نه يزرع يف اأعماقنا خالله التعبد يف حمراب احلرية لأ

وعنا�سره مكوناته بكل الكون هذا حمبة �سفرات

اجلميلة واخلالبة واملده�سة.. والذي نحن جزء �سئيل

منه.. وهذا ما ي�سمن التاآخي بيننا. باخت�سار، يعي�س

كل هذا الزخم يف داخلي ب�سكل

خمتلف عما تعي�سه الب�سرية على

ر�س، وخ�سو�سا يف وقتنا وجه الأ

ت�سعهم �سكاين ن لأ احلا�سر،

والعناق والب�ساطة ــوداعــة ال

خاء والإ املحبة كنف ويجمعهم

ويحتويهم حمراب الفن.

من بنوع منحوتاتك تقدم

على وال�ستغال ال��رتاك��ب

الك��ت��ظ��اظ واخل�����س��ون��ة...

من تقرتب اأن حتاول وكاأنك

عنف ملالم�سة الطبيعة عنف

احلياة وق�ساياها...كيف ميكن

اأن نف�سر هذه املفارقة؟

جم�سماتي خالل من ــاول اأح

واأعمايل الت�سكيلية اإبراز ما حتاول

الطبيعة اإخفاءه، واآمل بكل �سغف

اأن اأرى نف�سي اأول كما هي! بال

اإقناع ال�سعب من اأنه رغم قناع

)هم!(... لي�سوا باأنهم خرين الآ

أدب وفنون: تشكيل حوار: أحمد عدناني

بري�سة الفنان اأحمد العدناين

240

التكاثف والتكافل، واملاء، والهواء الذي ن�ستن�سقه...

اأفال ي�ستحق منا الكتظاظ فينا ومنا ونحن جزء منه،

بع�س الهتمام؟

اأما اخل�سونة فمظهريا تعرب عن القوة وال�سالبة وال�سمود

اأي�سا، وقد تعني اله�سا�سة وال�سعف والقبح ال�سكلي

والنك�سار، اإذ ل وجود للمطلق يف احلياة لكنها احلقيقة

ودون اأقنعة دون احلقيقة روؤية يعنينا اأفال هي، كما

�سقل ودون تلميع يف عامل يئن من هذا وذاك؟!

يتميز �سحراوي( )�سبه ف�ساء يف تعي�س

بال�س�ساعة والتيه...فكيف تقب�س على هذا الكل

يف حيز اللوحة ال�سيق؟

الذهبية رمله بذرات الرائع ال�سحراوي الف�ساء هذا

وتيهه.. وب�س�ساعته حره.. ولفحات و�سوئه وبدفئه

فاألوانها اأعماقي. يف ع�سقه ي�ستقر و ذاتي، ي�سكن

البديعة الغارقة يف تيه احلرية والطالقة حترك يف كياين

كل امل�ساعر اجليا�سة واملتدفقة التي من خاللها اأقب�س

�سعه يف حيز اللوحة، فيتحول على هذا الكل بعمقه لأ

ف�سحة اإىل تلك الروحي التالم�س حلظة يف �سيقها

�سا�سعة تعرب عن حرية التيه... وت�سبح اللوحة اكتظاظا

الف�ساء ويرتهن الالمعة... الرمل حلبات ف�سيحا

ال�سا�سع لنغمات الألوان الراق�سة مع ال�سوء والظل.

الفكرة من جتعل التي الفنية العنا�سر اأهم ما

الفكرة �سغط ذهنك...هل يف تتبلور الت�سكيلية

اأم املادة البال�ستيكية...خ�سو�سا واأن بع�س املواد

اخلام �سكلها من انطالقا معينا �سكال تفر�س قد

قبل نحتها؟

عن البحث �سغف اأبرزها ولعل كثرية... العنا�سر

امل�ستحيل من التي املطلقة احلقيقة تلك احلقيقة،

هناك عدة الطويل، الدرب ففي ذلك عليها.. العثور

اأحيانا، وتتعانق وتتجاذب وتتقاذف تتناثر عنا�سر

ويغلب بع�سها على البع�س الآخر.. لذا ل ميكنني اإل

تعي�س الذي احلرية مبناخ اإخال�س، وبكل اأجزم، اأن

التاآلف العنا�سر، وهو جو ي�سوده وتنمو يف كنفه هاته

البال�ستيكية املادة تغلب قد والتجان�س: والت�سالح

حينا، والفكرة حينا اآخر، وقد تطغى املادة اخلام ب�سكلها

الطبيعي اخل�سن، اإل اأنها تتاآلف يف النهاية ككل.

هذا كل يثري قد معها، مبا�سر كمتعامل يل بالن�سبة

اجلميلة املفاهيم كل الأعماق يف ويحرك الزخم،

والأحا�سي�س الإن�سانية اخلالبة، وذلك اأقل ما ميكن اأن

تتولد فقد املتلقي(، )اأي لالآخر بالن�سبة اأما يتحقق.

وتطفو املعاناة، من م�ساهد عدة تختزل ورموز ر�سائل

ظواهر واأحداث �ساخنة تبلورت يف زمننا اأو خالل اأزمنة

غابرة اأو على مر التاريخ.. لكنها بالطبع تعالج وتعرب عن

الإن�سان وحميطه وما يعانيه من جربوت وطغيان اأخيه

الإن�سان، وتبني كيف يتفنن يف �سنع القيود والأغالل

له؟ كما اأنها تعرب اأي�سا عن الطرف الآخر )البع�س من

الكل( الذي ميثل الف�سيلة والوداعة والإح�سان ويرفع

الرائع العامل ذلك واملحبة: والن�سال امل�سوؤولية راية

الذي نحلم به ونتمناه.

ذات تيمات لوحاتك بع�س خالل من تتناول

بعد اإن�ساين كوين.. فهل توؤمن بر�سالة ما للفن؟

وهل العامل اليوم ي�ستمع للفنان؟ مبعنى اآخر: هل

الفنان يوؤثر اليوم، وخ�سو�سا يف جمتمع اأمي؟

قد اأكون، و بكل عفوية، قد تطرقت لهذا ال�سوؤال يف

ينطبق ر�سالة ل بدون الفن اأن اأوؤكد الرابع. اجلواب

يكون اأن اإل فال ميكن الفن، م�سمون ول ا�سم عليه

تربية، والرتبية ر�سالة مقد�سة وم�سوؤولية كربى... فالفن

ال�سكلي، القبح يجمل اأن ميكن وم�سمونا، �سكال

قبحا. وراءه يخفي الــذي الزائف اجلمال ويقبح

ت�سكيله يف للفنان ي�ستمع العامل كان لو لالأ�سف،

عامل يف لأ�سبحنا للمطرب اأو الأديب اأو لل�ساعر اأو

احلقيقي الفنان قدر لكن وعزا، ف�سيلة يفوح جميل

اأن ينا�سل بكل اأمانة، ب�سالم وحب، اآمال يف الو�سول

رغم مظاهر الأمية والطغيان وال�ستبداد والفقر... التي

تكبل املجتمعات الب�سرية.

حوار: أحمد عدنانيأدب وفنون: تشكيل

241 العدد األول، ربيع 2013

فيه يتقل�س حميط يف ت�ستغل باأنك ترى األ

اأخرى... اأولويات �سغط اأمام بالفن الإح�سا�س

كما اأنه يعاين من التهمي�س؟

ف�سحة ل�ساقت الأمــل ولــول ــل! الأم كل الأمــل

فهم حماول الفنان قدر اإن اأقول اأخرى مرة احلياة..

اجلميع وخلجات مب�ساعر والإح�سا�س الكل، و�سعة

رغم �سيق الآفاق... كل ذلك من اأجل الر�سالة ومن

اأجل الفن الذي ي�ستحق اأكرث.

�سر منحوتاتك...ما مواد حميطك من جتمع

هذا ال�سغف، وما رمزية ذلك؟

اأن هذا فاإمنا يدل على اإن دل هذا

جميل مكوناته بجميع الكون

ب لنا... ورحيم بنا اأكرث مما هو معذ

كما يدل على اأن اخلري فطري، وهو

لذلك ال�سر، من واأعلى اأ�سمى

جميع مع نت�سالح اأن بنا اأجدى

الأ�سياء، حتى املهملة منها، لنجعل

اأ�سياء - فنية مل�سات – عرب منها

جميلة ومثرية ومعربة يف اآن واحد.

من جتعل اأن الرموز تلك حتاول

الكوكب بنا يف هذا ما يحيط كل

الب�سرية، نفو�سنا وداخل الرائع،

ولكي ــا.. ــع رائ و جميال �سيئا

فاعلية اأكــرث الفن ر�سالة تكون

اأجل ومن �سخ�سيا، تاأثريا. واأكرث

الأر�س على البيئة على املحافظة

من الكثري اأوظف املعطاء(، )اأمنا

العنا�سر الهام�سية واملهملة لأحولها

فنيا اإىل اأ�سياء جميلة ومثرية. يجب

للحياة الرائع املعنى على احلفاظ

الذي البديع الف�ساء هذا داخل

نحن فيه.

م�سار الفنان:

مواليد من عدناين اأحمد مولي الت�سكيلي الفنان

الدار ثم و�سفرو ببوملان درا�سته تابع ببوملان. 1949البي�ساء.

الفالحي. لال�ستثمار اجلهوي باملكتب كتقني يعمل

بداأ العمل �سنة 1969 كر�سام تقني باملكتب اجلهوي

كانت التي وبولونيا ليوغو�سالفيا التقنية البعثات مع

ثم الهيدروفالحية واملن�ساآت امل�ساريع بت�سميم تقوم

كر�سام للخرائط وت�ساميم املن�ساآت الفالحية مب�سلحة

بنف�س الفالحي الإر�ساد القروي ثم م�سلحة التجهيز

املوؤ�س�سة. قام بر�سومات وت�ساميم لالإدارة التي يعمل

بها ول�سالح عدة موؤ�س�سات بالر�سيدية بعدة منا�سبات

وطنية. اأخد الفنان مولي اأحمد عدناين قواعد الر�سم

أدب وفنون: تشكيل حوار: أحمد عدناني

بري�سة الفنان اأحمد العدناين

242

الأوىل عن طريق املرا�سلة مع مدر�سة A B C بفرن�سا

من العديد اأقــام الفنية. اأعماله يف ع�ساميا وكان

املعار�س يف مدن خمتلفة منها:

• 1969 اأقام معر�سا بقاعة النادرة بالرباط.• 1969 �سارك يف معر�س جماعي بقاعة وزارة الثقافة

بالرباط.

والريا�سة ال�سبيبة بقاعة معر�سا اأقــام 1970 •بالر�سيدية.

ــة ــط راب ــة ــاع ــق ب ــا ــر�ــس ــع م ـــــام اأق 1971 •حــالــيــا«. ــة ــن ــدي امل الــ�ــســبــاب »دار ــني ــوظــف امل

• 1972 اأقام معر�سا بقاعة رابطة املوظفني باملكتب اجلهوي لال�ستثمار الفالحي.

�سارك يف عدة معار�س هنا وهناك بلوحاته دون ح�سوره نظرا

لطبيعة عمله التي مل تكن ت�سمح له بالتغيب عن العمل.

بعده اأهمها كثرية لظروف اأعماله عر�س عن توقف

عن املدن الكبرية وقلة الإمكانيات حتى �سنة 1982

حيث اأقام معر�سا بقاعة املركز الثقايف العراقي بالرباط.

حتت اإ�سراف جمعية ال�سباب والتقدم التي كان ع�سوا

بها.

!• 1984 اأقام معر�سا اآخر بالر�سيدية مبنا�سبة عيد العر�س.الــعــرو�ــس بــقــاعــة مــعــر�ــســا ــــام اأق 1985 •بالر�سيدية. التقليدية لل�سناعة الفنية

اإ�سراف حتت جماعي معر�س يف �سارك 1987 •بوتاملني ال�سباب دار بقاعة ال�سينمائي النخيل نادي

الر�سيدية.

دار ــة ــاع ــق ب ــا ــس ــر� ــع م ــــــام اأق 1993 •الثقايف. املــهــرجــان مبنا�سبة بوتاملني ال�سباب

بفناء اخل�سبية للمنحوتات معر�سا اأقام 2002 •دورة مبنا�سبة مبراك�س عيا�س القا�سي جامعة

املغاربة. املو�سيقيني نقابة الربيعية بدعوة من فل�سطني

بالإقليم الفني امل�سهد اإغناء يف الكبري لعطائه نظرا

من تقديرية �سهادة على ح�سل مبجهوداته، واعرتافا

والدرا�سات لالأبحاث زياد بن طارق مركز طرف

)دجنرب 2006(.

حوار: أحمد عدنانيأدب وفنون: تشكيل

243

بري�سة الفنان اأحمد العدناين، املغرب

244

�ساد العتقاد باأن التقنية تطبيق للعلم، واأن العلم

اإذا كان تاأمال خال�سا، فاإن التقنية �ستظهر بو�سفها

من العلم يفرزه وما املادي الواقع بني الت�سال نقطة

نتائج ، كما تظهر بو�سفها النتيجة التجريبية والتفعيل

العملي للرباهني التي �سنكيفها مع احلياة العملية.

هذه النظرة التقليدية باطلة ب�سورة جذرية لأنها ل تف�سر

زمانية مدة اإل تغطي ول العلوم من واحدا نوعا اإل

العلوم حقل يف اإل �سحيحة تكون ل فهي وجيزة:

الفيزيائية، ول تنطبق اإل على القرن التا�سع ع�سرلذلك

ل ميكننا على الإطالق اأن نبني عليها اعتبارات عامة

اأو نوؤ�س�س عليها نظرة راهنة للو�سع مثلما نفعل الآن.

وتكفي، من الزاوية التاريخية، مالحظة ب�سيطة لتقوي�س

الثقة التي تتمتع بها هذه احللول؛ فقد ظهرت التقنية

تاريخيا قبل العلم ،اإذ كانت لالإن�سان البدائي تقنيات

عديدة . ويف احل�سارة الهلينية تعترب التقنيات ال�سرقية،

دخل ما اأول هي الإغريقي، العلم من امل�ستقة غري

بني العالقة نعك�س اأن تاريخيا، يتعني، لهذا اإليها.

*عالقات العلم بالتقنية

جاك إلول قسم الترجمة في مؤسسة مؤمنون بال حدود

العلم والتقنية.لقد

التي اللحظة يف اإل حقيقة تزدهر مل التقنية اأن بيد

تدخل فيها العلم. لذا كان لزاما على التقنية اأن تنتظر

)1(

ح�سول التقدم يف العلم. ومل يجانب ال�سيد جيل

ال�سواب حني قال انطالقا من هذا املنظور التاريخي :

»لقد طرحت التقنية ،بف�سل جتاربها املتكررة، امل�ساكل

وا�ستخل�ست املو�سوعات والعنا�سر املرقمة، ولكن كان

يلزمها انتظار احللول التي �سيقدمها العلم «.

اأما يف وقتنا احلا�سر، فمن املوؤكد اأن نظرة �سريعة تكفي

اإىل ون�سل خمتلفة؛ اأخرى عالقة وجود نتبني لكي

العمل و التقني العمل بني تف�سل التي احلدود اأن

العلمي لي�ست وا�سحة متاما...

نحن نعلم ، عالوة على ذلك، اأن التقنية ت�سبق العلم

يف بع�س احلالت ، مبا يف ذلك الفيزياء ذاتها .واملثال

الأبرز على ذلك هو الآلة البخارية التي جت�سد التحقيق

اخلال�س للعبقرية التجريبية، اإذ يرتكز توايل البتكارات

)3(

وهيجن�س )2(

كو�س اأجنزها التي والتح�سينات

)1( فالري جيل ) 1867 - 1950(: كاتب بلجيكي.

1626( :مهند�س فرن�سي. - )2( �ساملون دي كو�س ) 1576

*Jacques Ellul، La technique ou l᾽ enjeu du siècle، Arman Colin، Paris،1954،P24.

)3( كر�ستيان هيجن�س )1626 - 1695( : فيزيائي وريا�سي هولندي.

علوم وثقافة

245 العدد األول، ربيع 2013

على حماولت عملية عديدة. ومل )5(

و�سافري)4(

وبابان

يقدم التف�سري العلمي للظواهر اإل بعد ان�سرام قرنني،

و�سيكون تقدميه �سعبا للغاية. ما اأبعدنا اإذن عن الرتابط

امليكانيكي بني العلم والتقنية، فالعالقة بينهما لي�ست

عن تك�سف اإذ البع�س، يت�سورها قد التي بال�سهولة

اإل وجود تفاعل متزايد بينهما. فما من بحث علمي

تقنية �سخمة )ينطبق بتجهيزات اليوم يتو�سل وجنده

ما النووية(.وغالبا الأبحاث على اأ�سا�سا الأمر هذا

تكون وراء التقدم العلمي تعديالت تقنية ب�سيطة.

وهكذا : الو�سيلة هذه غياب يف يتقدم ل العلم اإن

الأكرث الكت�سافات اأن حد�س )6(

لفرداي �سبق فلقد

جدة حول مكونات املادة ، غري اأنه مل يتو�سل ب�ساأنها

اإىل اكت�سافات دقيقة ، لأن تقنية خلق الفراغ مل تكن

التقنية هذه بف�سل اأنه واحلقيقة ع�سره. يف معروفة

نتائج اإىل التو�سل مت الغازات بتقليل تق�سي التي

علمية مبهرة. وباملثل ، فاإن القيمة الطبية للبن�سلني قد

اكت�سفت �سنة 1912 من طرف طبيب فرن�سي ، غري

�سيوؤدي عليها احلفاظ و لإنتاجها الو�سائل انعدام اأن

التخلي و الكت�ساف هذا حول ال�سكوك اإثارة اإىل

عنه.

)4( دني�س بابان ) 1647 - 1714(: فيزيائي فرن�سي.

)5( توما�س �سافري )1650 - 1716(: مهند�س اإجنليزي.

)6( مايكل فرداي )1791-1867(: كيميائي وفيزيائي اإجنليزي .

علوم وثقافة عالقات العلم بالتقنية

246

هي التقنية احلديثة؟ اإنها نوع من النك�ساف. وما

اإذا اأمعنا هو جديد يف التقنية احلديثة ل يربز اإل

النظر يف هذه اخلا�سية الأ�سا�سية.

ل احلديثة التقنية يحكم الذي النك�ساف اأن بيد

للكلمة. احلريف باملعنى اإنتاج �سكل على ينب�سط

حتري�س هو احلديثة التقنية يحكم الذي فالنك�ساف

اأن طاقة ميكن لت�سليم م�ستعدة الطبيعة مبوجبه تكون

ت�ستخرج وتراكم، لكن األ ينطبق هذا الكالم كذلك

تدور اأجنحتها القدمية ؟ ل، لأن الهواء على طاحونة

كانت اإذا اأنه .اإل لهبوبها مبا�سرة وت�ست�سلم بالريح

اأثناء الهواء طاقة ت�سرفنا حتت ت�سع الهواء طاحونة

حركته ، فاإن ذلك ل يتم بغر�س مراكمتها.

�س على ت�سليم فحمها ويف مقابل ذلك، جند منطقة حتر

و معادنها اإذ تنك�سف الق�سرة الأر�سية اليوم كحو�س

للمعادن، كمخزن الرتبة وتتجلى ، احلجري للفحم

زراعته يف يبا�سر الفالح الذي كان يظهر احلقل فيما

ا لهذا، ذلك اأن الزراعة كانت ل تزال ما م�سى مغاير

التقنية احلديثة

*و حتري�س الطبيعة

مارتن هايدغر قسم الترجمة في مؤسسة مؤمنون بال حدود

بالعناية واإحاطتها الأر�س حول حواجز و�سع تعني

القابلة الأر�س �س يحر ل الفالح .فعمل الالزمة

البذور اأمر يرتك ، احلبوب يزرع عندما فهو للزراعة.

لقوى النمو وي�سهر على ازدهارها . ويف غ�سون ذلك،

دخلت زراعة احلقول يف منط زراعي خمتلف ي�ستدعي

الطبيعة و يحر�سها.

ت�ستعمل غذائية �سناعة اليوم الفالحة اأ�سبحت

كة ، كما اأ�سحى الهواء ي�ستدعى لتزويدنا الآلت املحر

مطلوب، واملعدن معادنها، لتمنحنا والرتبة بالآزوت،

على �سبيل املثال ، لتزويدنا بالأورانيوم الذي يقدم لنا

ر لأجل غايات بدوره الطاقة النووية التي ميكن اأن حتر

رة اأو لال�ستعمال ال�سلمي... مدم

يرغمه الكهرباء لتوليد مركز الراين نهر يف اأن�سئ

بدوره يرغم الذي الهدروليكي، �سغطه ت�سليم على

اإىل توؤدي احلركة وهذه الــدوران. على التوربينات

الكهربائي، التيار ميكانزماتها تنتج التي الآلة دوران

ويف نقله. على و�سبكته املحلي املركز يعمل الذي

ما

*Martin Heidegger، La Question de la technique، in Essai et Conférence، 1953، p2022-.

علوم وثقافة

247 العدد األول، ربيع 2013

من انطالقا بع�سا بع�سها يتبع التي النتائج هذه اإطار

�سيئا بدوره النهر يظهر الكهربائية للطاقة مركز اإن�ساء

الراين تيار داخل املركز هذا ي�سيد ومل ا. ر م�سخ

د عليه اجل�سر اخل�سبي الذي يربط منذ قرون مثلما �سي

طه املركز . فاإذا حو�سفة باأخرى، بل اإن النهر هو الذي

فذلك ، الهدروليكية بالطاقة يزودنا اليوم النهر كان

ونعاين، نقف وحتى . املركز هذا ماهية مبوجب يتم

هنا، لبد ي�سيطر الذي الب�سع العن�سر بعيد، ولو من

يظهر الذي التقابل يف ننظر لكي حلظة التمهل من

ط داخل م�سنع بني هذين العنوانني : »الراين« املحو

الذي الفني العمل لهذا كعنوان و»الراين« للطاقة،

علينا يعرت�س قد لكن هولدرلني. ن�سيد يج�سده

بالقول: اإن الراين يبقى مع ذلك هو هذا النهر الذي

اأن يبقى يزين هذا املنظر الطبيعي. لكن كيف ميكنه

مو�سوعا بو�سفه اإل كذلك يظهر لن اإنه كذلك؟

لطلبات جتارية اأو مو�سوعا لزيارة منظمة ت�سرف عليها

وكالة اأ�سفار اأن�ساأت هناك �سناعة للعطل.

التقنية مطلقة ب�سورة يحكم الذي النك�ساف يربز

احلديثة على �سكل ا�ستنطاق يوؤخذ مبعناه التحري�سي.

يف نة املخز الطاقة حترر حينما يحدث الأخري وهذا

الطبيعة ويجري حت�سيلها وحتويلها، وما مت حتويله يراكم

والتحويل والتح�سيل جديد. من ف فيخف يوزع ثم

البارزة الأمنــاط هي والتخفيف والتوزيع واملراكمة

لالنك�ساف.

علوم وثقافة التقنية احلديثة وحتريض الطبيعة

248

التدقيق اإىل املقالة ــذه ه ــالل خ مــن

»الــفــوؤاد« من لكل الــقــراآين املعنى يف

اأ�سا�سيني من م�سادر باعتبارهما م�سدرين و»القلب«،

املعرفة ح�سب القراآن الكرمي، ثم �سنب�سط راأي العلم

يف العالقة بني الدماغ والعقل من جهة، وبني القلب

والعقل من جهة اأخرى.

: الفـوؤاد يف القـراآن الكرمي: اأوال

اأكرث من خم�س الكرمي يف القراآن الفوؤاد يف ورد ذكر

ع�سرة اآية، نذكر منها على �سبيل املثال ل احل�سر:

ل واأ به يوؤمنوا مل كما ارهم ب�س

واأ فئدتهم

اأ »ونقلب .1

)الأنعام:110(

ة ونذرهم يف طغيانهم يعمهون« مر

ة بالآخر يوؤمنون ل ذين ال فئدة

اأ ه

اإلي غى »ولت�س .2

)الأنعام:113(

فون« فوا ما هم مقرت وه وليقرت �سولري

به ت نثب ما �سل الر نباء

اأ من ك

علي نق�س »وكال .3

)هود:120(

فوؤادك «

ار ب�سمع والأ كم وجعل لكم ال�س

ن�ساأ

4. »قل هو الذي اأ

)امللك:23(

فئدة قليال ما ت�سكرون« والأ

تعلمون ل هاتكم ماأ بطون من جكم

خر

اأ

»واهلل .5

كم لعل فئدة والأ ار ب�س

والأ مع ال�س لكم وجعل ئا

�سي

الفوؤاد والقلب والعقل

بني القراآن والعلم

محمد سعيد صبار

)النحل:78(

ت�سكرون«

ر والب�س مع ال�س اإن علم به لك �س

لي ما تقف 6. »ول

.)ال�سراء:36(

وؤول« ولئك كان عنه م�س

والفوؤاد كل اأ

فئدة والأ ار ب�س

والأ مع ال�س لكم

ن�ساأ

اأ الذي »وهو .7

)املوؤمنون:78( .

قليال ما ت�سكرون«

اآن جملة واحدة ه القر

ل علي ذين كفروا لول نز 8. »وقال ال

)الفرقان:32(

تيال«لناه تر ت به فوؤادك ورت كذلك لنثب

مع اه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم ال�س . »ثم �سو 9.

)ال�سجدة:9(

فئدة قليال ما ت�سكرون«

ار والأ ب�سوالأ

لهم وجعلنا فيه اكم ن مك اإن فيما اهم ن مك »ولقد .10ول �سمعهم عنهم غنى

اأ فما واأفئدة ارا ب�س

واأ �سمعا

يجحدون كانوا اإذ ء

�سي من اأفئدتهم ول ارهم ب�ساأ

)الحقاف:26(

تهزئون«

وحاق بهم ما كانوا به ي�س

باآيات اهلل

)النجم:11(.

ى« 11. »ما كذب الفوؤاد ما راأ

دي لتب كادت ن اإ فارغا مو�سى م

اأ فوؤاد بح �س

»واأ .12

املوؤمنني« من لتكون قلبها على ربطنا ن اأ لول به

.)الق�س�س:10(

نخرج اأن ميكن الكرمية الآيات هذه تدبر خالل من

بالنتائج التالية :

نسعى

*وطبيب وباحث من املغرب.

علوم وثقافة

249 العدد األول، ربيع 2013

1. الفوؤاد م�سدر رئي�سي من م�سادر املعرفة، كما ي�ستنبط جكم من

خر

اأ

من الآيات القراآنية �سالفة الذكر: »واهلل

مع ال�س لكم وجعل ئا �سي تعلمون ل هاتكم م

اأ بطون

)النحل:78(.

كم ت�سكرون« فئدة لعل

ار والأ ب�سوالأ

2. اقرتن ذكر الفوؤاد بذكر احلوا�س كال�سمع والب�سر يف

اأغلب املوا�سع.

3. عندما يقرتن ذكر الفوؤاد بذكر حا�سة واحدة كالب�سر

كذب ما « املفرد، كقوله تعاىل: ياأتي يف �سيغة مثال،

، والروؤية من حا�سة الب�سر.)النجم:11(

ى« الفوؤاد ما راأ

اأكرث من حا�سة واحدة بذكر الفوؤاد يقرتن 4. عندما

ونفخ اه �سو ثم « تعاىل: اجلمع،كقوله �سيغة يف ياأتي

فئدة والأ ار ب�س

والأ مع ال�س لكم وجعل روحه من فيه

، وبالتايل فالإن�سان ل ميلك )ال�سجدة:9(

قليال ما ت�سكرون«

»فوؤادا« واحدا واإمنا »اأفئدة « كما يظهر يف الآيات �سالفة

الذكر.

بالأفئدة، يدلنا على املتكررللحوا�س 5. هذا القرتان ارتباط الأفئدة بها بعالقة ع�سوية من جهة ،كما يدلنا

حت�سيل و�سائل من و�سيلة الأفئدة، اأي اأنها، على

اأخرى. جهة من الكرمي القراآن يف والتعقل املعرفة

فاملعرفة تتحقق يف الفوؤاد بعد اأن تتحقق الروؤية بحا�سة

»واهلل ال�سمع: ال�سمع بحا�سة اأن يتحقق العني، وبعد

ئا وجعل هاتكم ل تعلمــون �سي م

جكم من بطون اأ

خر

اأ

ت�سكرون« كم لعل فئدة والأ ار ب�س

والأ مع ال�س لكم

)النحل:78(.

بح �س6. ويظهرالفوؤاد م�ستودعا للذكريات؛ قال تعاىل:»واأ

هذه تف�سري يف املف�سرون قال فارغا«. مو�سى م اأ فوؤاد

الآية، اأن اأم مو�سى ملا قذفت بوليدها يف اليم، فقدت

فارغا » »فوؤادها فاأ�سبح م�سابها، هول من ذاكرتها

اأ�سبح فوؤادها اأن ال�سواب، اإىل والأقــرب معطال.

فارغا من كل �سيء اإل من الهو�س مبو�سى وال�ستغال

بذكره، ولو تعطلت ذاكرتها ملا قال تعاىل :»اإن كادت

دي به«.لتب

دور يــوؤدي الكرمي القراآن يف الفوؤاد اأن واخلال�سة

من هو الذي ال�سعوري احل�سي باملعنى »العقل«

ال�سور ونــدرك »نب�سر« فبه »الدماغ«، اخت�سا�س

»الروؤية« بحا�سة اأن تتحقق ، بعد والألوان والأ�سكال

العني، وبه »ن�سغي« وندرك الأ�سوات بعد اأن يتحقق

»ال�سماع« بحا�سة ال�سمع. وله وظائف اأخرى كتخزين

املعلومات والتفكري.

وملا كان القراآن يربط بني الفوؤاد واحلوا�س ع�سويا، فاإننا

اأن مفهومه القراآين يحيل اإن قلنا لن جنانب ال�سواب

كمركز املختلفة؛ ومراكزه »بف�سو�سه الدماغ اإىل«

الب�سر، ومركز ال�سمع، وباحة الكالم، ومراكز الذاكرة

والتفكري املنطقي...الخ

بح �سالفـــوؤاد غري القــلب، بدليل قوله تعاىل: » واأ .7

ن ربطنا دي به لول اأ

م مو�سى فارغا اإن كادت لتب

فوؤاد اأ

ذكر فجاء ،)الق�س�س:10(

املوؤمنني« من لتكون قلبها على

الفوؤاد يف مقابل القلب، فدل ذلك على اأن الفوؤاد غري

القلب، ومعنى الآية كما بينا �سالفا اأن فوؤاد/دماغ اأم

مو�سى اأ�سبح فارغا اإل من الهو�س بالتفكري والن�سغال

اأمرها به من �سدة ال�سدمة والتاأثر، حتى كاد ينف�سح

لول اأن اهلل �سبحانه ربط على قلبها، فثبتت لكونها من

املوؤمنني.

اهلل اأوحى مبا اإمنا ح�سل مو�سى اأم قلب والربط على

نا وحي

»واأ مطمئنة: ب�سارة من قلبها اإىل به �سبحانه

يف لقيه فاأ ه

علي خفت فاإذا عيه ر�س

اأ ن

اأ مو�سى م

اأ اإىل

ك وجاعلوه من وه اإلي زين اإنا راد اليم ول تخايف ول حت

»القلب«، على يتنزل اإمنا فالوحي ،)الق�س�س7(

�سلني«املر

ال�سطور يف �سنبني كما احلد�سية، املعرفة م�سدر

القادمة، ل على الفوؤاد/الدماغ م�سدر املعرفة احل�سية

والتفكري املنطقي.

وما عالقتهما والفــوؤاد؟ القــلب اإذن بني الفرق فما

بالعــقل؟وهل يحمل معنى القلب على �سبيل املجاز،

خة اأن املق�سود به هو تلك الع�سلة ال�سنوبرية امل�س اأم

للدم التي تقع يف ال�سدور ؟

علوم وثقافة الفؤاد والقلب والعقل بني القرآن والعلم

250

ا: القـلب فـــي القـراآن: ثاني

ر�س فتكون لهم قلوب فلم ي�سريوا يف الأ

قال تعاىل:»اأ

ار ب�سمعون بها فاإنها ل تعمى الأ

و اآذان ي�س

يعقلون بها اأ

)احلج: 46(

دور« ولكن تعمى القلوب التي يف ال�س

يربز القلب هنا م�سدرا ثانيا من م�سارد املعرفة ، والآيات

القراآنية التي تظهره على اأنه اأحد م�سادراملعرفة والتعقل

كثرية، غري اأن القلب ح�سب القراآن الكرمي يحقق معرفة

احل�سية املعرفة من واأرقى الذوقية، املعرفة اإىل اأقرب

ال�سعورية التي تتحقق يف ف�سو�س الدماغ )الأفئدة(.

ثمة اأحوال للقلب يف القراآن الكرمي اأقرب اإىل اأحوال

النف�س منها اإىل اأحوال احلوا�س:

»اإل الردائل: عن متعففا �سليما قلبا يكون فقد • بقلب �سليم «

تى اهلل

من اأ

ب حمن بالغي

الر

• وقد يكون قلبا منيبا :»من خ�سي

نيب« وجاء بقلب م

بذكر قلوبهم :»وتطمئن مطمئنا قلبا يكون وقد •»

اهلل

اآتوا ما يوؤتون ذين وال اهلل:» من وجال قلبا اأو •نهم اإىل ربهم راجعون«

قلوبهم وجلة اأ و

من فاإنها

اهلل �سعائر م يعظ ومن تقيا:»ذلك قلبا • اأو

تقوى القلوب«

» قلبه يهد

باهلل يوؤمن :»ومن مهديا قلبا • اأو • اأو قلبا مري�سا متعلقا بحب ال�سهوات والرذائل:»فيطمع

الذي يف قلبه مر�س«

التي القلوب تعمى ليعترب:»ولكن اأعمى قلبا • اأو دور « يف ال�س

القلب غليظ فظا كنت :»ولو قا�سيا غليظا قلبا • اأو وا من حولك«.. لنف�س

»النف�س«؛ اأحوال تقارب هنا »القلب« اأحوال فكل

والتقوى: الفجور بني ترتاوح التي الأحــوال تلك

فلح اأ قد وتقواها، فجورها لهمها

فاأ اها، �سو وما »ونف�س

يجعل ما وهو ، اها« د�س من خاب وقد اها، زك من

ا حمل معنى القلب على النف�س على �سبيل املجاز اأمر

واردا.

بيت وهنا وهــو، ذوقية، معرفة يحقق اإذن القلب

الق�سيد، مركز »العقل الإمياين«، ذلك العقل الذي به

اآخرون ي�ستكرب بغيابه بل وبه البع�س ويخ�سع، يتعظ

وي�سلون.

ومن املفاجاآت التي اأحتفتنا بها بع�س الأبحاث الطبية

Paul »بري�سال »بول الدكتور ن�سره ما ــرية، الأخ

the heart's القلب« »�سيفرة كتابه Pearsall يف التي احلــالت من جمموعة وثــق اإنــه اإذ ، codeمن نوعا اأن كلها تظهر القلب، زرع لعملية خ�سعت

التغيري طراأ على اأذواق هوؤلء امل�ستقبلني. فيذكر مثال

حالة �سيدة )كلري �سيلفيا( كانت تكره اجلعة ول حتب

الفلفل والدجاج املقلي، فاأ�سبحت مدمنة عليهم بعد

العملية، وتاأكد لبول بري�سال اأنها كانت وجبة الواهب

اأده�س اأجلف �ساحنة �سائق حالة ويذكر املف�سلة.

حميطه برومن�سيته املفاجئة، ومبيله اإىل ال�ستمتاع بقراءة

قلب وهب اأنه فتبني العملية، بعد الأ�سعار وقر�س

فاأ�سبحت العنف تكره التي الوديعة �ساعر.وال�سيدة

ت�ستمتع باملباريات العنيفة وتتفاعل وت�ستم، فتبني اأنها

وهبت قلب مالكم...الخ.

ملتزمني نبقى ولكي كثرية، الباب هذا يف والأمثلة

بالدقة والتحرز العلمي، فاإنه من املبكر جدا ادعاء اأن

اأن هذه اأن القلب يعقل، لكن املوؤكد اأثبت العلم قد

ولقد الأقل، على ذاكرة للقلب اأن تظهر الأبحاث

cellular ذاكرة اجل�سم خاليا لكل اأن علميا ثبت

خلاليا اأن تظهر ال�سهادات هذه لكن ،memoryزالت ول الأذاوق. بتخزين تتفرد ذاكــرة القلب

اأجل من وكندا اأمريكا جامعات يف جارية الأبحاث

ت�سليط مزيد من ال�سوء حول هذا الك�سف املفاجئ.

الفؤاد والقلب والعقل بني القرآن والعلمعلوم وثقافة

251 العدد األول، ربيع 2013

ثالثا: راأي العلم يف عالقة االإميان،اأوالعقل

االإمياين، بالدماغ:

ب�سيغ ال�سوؤال هذا يطرحون الفال�سفة انفك ما

خمتلفة؛ فاأفالطون مثال ت�ساءل قدميا عن العن�سرالذي

بوا�سطته يعقل النا�س، ثم خل�س اإىل اأن مركز العقل،

تتولد منه الذي املخ يف يتجلى اإمنا ال�سامل مبفهومه

انتهى التي اخلال�سات التفكري.لكن وملكة الذاكرة

اإليها اأفالطون، على اأهميتها وموافقتها مل�سلمات الطب

احلديث، مل تكن ترتكز على براهني من العلم التجريبي

لنقد فتعر�ست التاأمل، على ترتكز كانت ما بقدر

�سديد من طرف فال�سفة وعلماء يونانيني وغري يونانيني،

من مثل اأر�سطو الذي جاء بعده وكان يرى اأن القلب

العلمي املنهج تطور ومع معا. والعقل الروح مركز هو

التجريبي بدا وكاأن اجلدل قد اأ�سبح مييل ل�سالح الروؤية

اأن�سطة ع�سارة العقل تت�سور التي املادية الو�سعية

بيوكيماوية حتدث على م�ستوى خاليا املخ.

اأبحاث الطب التجريبي على املخ فقد كانت اأول اأما

تعتمد اأ�سلوب املالحظة ودرا�سة احلالت الإكلينيكية

عامل حالة �سكلت 1848مثال، �سنة ففي الفارقة،

در�سا Phineas Gage »كيج« احلديدية ال�سكك

هاما اأثار ف�سول العلماء، اإذ تعر�س هذا العامل حلادث

خطري اأ�ساب مقدمة الف�س اجلبهي لدماغه بتلف، وملا

عاد اإىل عمله بعد جناته باأعجوبة، لحظ اجلميع ما طراأ

على �سلوكه من ا�سطراب؛ فبعد اأن كان عامال متفانيا

ي�ستهر بني زمالئه باجلدية ظهرت عليه عالمات الإهمال

واللطف بالوداعة يت�سم كان اأن وبعد وال�ستهتار،

اأرغمت زمالئه مع عنيفة م�سادات يف يدخل اأ�سبح

جعلت لقد العمل. عن ف�سله على اأخريا روؤ�ساءه

هذه احلالة الباحثني يربطون بني ال�سخ�سية وال�سلوك

والإرادة وبني مقدمة الف�س اجلبهي للدماغ)النا�سية(

بعالقة ع�سوية.

بروكا« »بول الفرن�سي الطبيب تابع 1861 �سنة ويف

Paul Broca حالة مري�س فقد القدرة على الكالم،

ثم قام بت�سريح دماغه بعد وفاته، فالحظ اأنه كان م�سابا

املنطقة الأي�سر. هذه اجلبهي ف�سه موؤخرة اأتلف بورم

ذلك منذ بباحة Broca باتت اليوم تعرف التي

احلني تعد امل�سوؤولة عن �سياغة الكلمات.

الطبيب Karl Wernicke فرينيكي« اأما »كارل

الأملاين فقد در�س بدوره حالة اأ�سخا�س فقدوا القدرة

الكالم، على القدرة يفقدوا اأن دون اللغة فهم على

الكلمات معاين اإدراك على القدرة فقدوا اأنهم اأي

بتلف م�سابون اأنهم الت�سريح بعد له فتبني واجلمل،

على م�ستوى الف�س ال�سدغي الأي�سر)باحة فرنيك(.

وهكذا، وبرغم قلة الإمكانيات، فقد متكن اأطباء القرن

بلورة خريطة الع�سرين من القرن وبداية التا�سع ع�سر

دقيقة لوظائف خمتلف باحات ومراكز الدماغ لزالت

معتمدة اإىل اليوم.

من العلمي، البحث تقنيات تطوير وبف�سل واليوم،

ت�سميم للخود الكهرومغنطي�سية،ومن ت�سوير بـ»الرنني

،»functional MRI/IRM»املغناطي�سي الوظيفي

PET البوزيرتوين« بالإ�سدار مقطعي و»ت�سوير

scan/TEP scanner، اأ�سحى ما تبقى من اأ�سرار يوم، بعد يوما للباحثني يتك�سف املخ وظائف وخبايا

ب�سكل علينا تطلع املتخ�س�سة املجالت واأ�سبحت

ا�ستثارتها توؤدي املخ دوري مبقالت حول مناطق من

اإىل ال�سعور بال�سعادة، واأخرى باحلب، واأخرى بالن�سوة

اجلن�سية ...الخ

مبا�سرة عالقة لها والتي ، الأبــحــاث هــذه اآخــر

الالهوت »علم بـ يعرف بات ما تتناول مبو�سوعنا،

يتناول علم وهو ،neurotheology»الع�سبي

»بيولوجيا الإميان«،اأو لنقل الإميان يف عالقته بالبحث

بن�ساط خاليا الدماغ.

وقد قام »اأندري نوبرك« Andrew Newberg من

علوم وثقافة الفؤاد والقلب والعقل بني القرآن والعلم

252

بتجارب العلم هذا اآباء اأحد وهو با�سيلفانيا، جامعة

وامل�سيحيني البوذيني الرهبان من جمموعة على

الفرن�س�سكانيني وهم يف حالة تاأمل، فتبني له بوا�سطة

املغناط�سي الرنني جهاز بوا�سطة الت�سوير تقنيات

الت�سامي درجات اأق�سى بلوغهم عند اأنهم الوظيفي

l،حينما ’extase /Ecstasy لروحية ا لن�سوة وا

اأو البوذيني، عند كما بالوجود، بالحتاد ي�سعرون

الف�س اأعلى فاإن الكاثولكيون، عند كما باخلالق،

اجلداري من دماغهم الأي�سر يتوقف متاما عن الن�ساط.

وبذلك يظهر وكاأن التاأمل قد اأدخل هذه املنطقة من

التام، والأمر التخدير واخلمول اأدمغتهم يف حالة من

العجيب هو اأن هذه املنطقة تعد امل�سوؤولة عن ال�سعور

املحيط وعن الآخرين ذوات »الذات«عن با�ستقالل

اخلارجي ب�سفة عامة، ومن ثم فاإن دخولها يف حالة من

اخلمول اأثناء طق�س التاأمل هو ما يولد ذلك الإح�سا�س

اأو البوذيني، تعبري ح�سب الوجود يف الذات بذوبان

بالحتاد باخلالق ح�سب تعبري امل�سيحيني، وهو ما يرتتب

عليه ن�سوة روحية غامرة.

Michael Persinger من اأما »مايكل بري�سنجر«

تر�سل خوذة طور فقد كندا يف كورنتيان جامعة

الف�س معينة من مراكز اإىل اإ�سارات كهرومغناطي�سية

ال�سدغي لدماغ متطوعني، فكانت النتيجة اأن عرب جل

اخلروج كتجربة خارقة جتارب عا�سوا اأنهم املتطوعني

عن اجل�سد، اأوالتحليق يف ف�ساء الغرفة، اأو روؤية �سوء

لبع�س وبالن�سبة مواز...الخ، عامل من يفي�س �ساطع

الأبحاث فاأن هذه العلماء من ذوي الجتاه الإحلادي

التي اخلارقة التجارب اأن على القاطع الدليل تقدم

باخلالق احتاد من واملت�سوفة والن�ساك الأنبياء يعي�سها

من »القرتاب جتارب ومثلها والإلهام، للوحي تلق

التي دون Near death experiences املوت«

raymond moody واآخرون مــودي« »راميوند

مئات احلالت منها، كل هذه، لي�ست يف نهاية املطاف

الطبيعي للن�ساط تعطل عن ترتتب »هالو�س« �سوى

الذات قهر طريق الأي�سرعن اجلداري الف�س لأعلى

زائد ن�ساط التاأمل والعزلة وال�سيام، مع بالنقطاع يف

يف و�سط الف�س ال�سدغي.

نحن هنا اإزاء »هالو�س« يقوم املوؤمنون ب�سياغتها �سياغة

فين�سبونها ، اخلال�س لإبداعهم ثمرة تكون منطقية

اعتقاده. ح�سب كل املختلفة والأديــان الآلهة ،اإىل

ون�ساط الإميان بني يربط مثال، بري�سنجر« فـ»مايكل

ا�ستطاع اأن بعد ع�سويا ربطا الأمين ال�سدغي الف�س

خوذته بوا�سطة التحفيز طريق عن خمربيا يولده اأن

حد اإىل وذهب الإلــه(، )خوذة الكهرومغناطي�سية

احلديث عن وجود مركز لالإله يف املخ.

Mario Beauregard من بوروكار« »ماريو اأما

التجارب نف�س اأعاد فقد كندا، يف موتريال جامعة

الن�سوة اأن حالة اإىل فخل�س كرمليات؛ راهبات على

الروحية )ecstasy( ت�ستدعي ن�ساط عدة مناطق يف

الدماغ ولي�س فقط نقطة معينة، فهي كاأي وظيفة عليا

ت�ستدعي ن�ساط �سبكة عنكبية من خاليا الدماغ، فال

God( جمال اإذن للحديث عن »مركز لالإله« يف املخ

.)spot

بدوره ) Andrew Newberg (نوبرك ويختلف

املادية التاأويالت ومع ،)Persinger( بري�سنجر مع

اإن له بالن�سبة فهي التجارب، هذه لنتائج املت�سرعة

اأن دماغ الإن�سان قد فاإمنا تدل على دلت على �سيء

اهلل واأن واخلالق، بالغيب الإميان جتربة ليعي�س برمج

قريبا ميوت لن اأنه كما ـ نيت�سه ادعى كما ـ ميت مل

»ملاذا كتبه اأحد عنون فقد ولذلك الأرجــح، على

.Why God won't go away ? »سيبقى اهلل؟�

فيها املت�سرعة املاديني الأطباء تاأويالت اأن واحلقيقة

منطقة اأن مثال املعروف فمن الت�سليل، من كثري

Occipital القذايل الف�س يف الب�سرية الرتابط

تراه ملا معنى وتعطي حتلل التي املنطقة هي ،lobeلكنهم يرون، املنطقة هذه بتلف يف فامل�سابون العني،

يعجزون عن الإب�سار اأي عن اإدراك واإعطاء اأي معنى

الفؤاد والقلب والعقل بني القرآن والعلمعلوم وثقافة

253 العدد األول، ربيع 2013

ملا يرون، فاإذا كان حتفيز هذه املنطقة يوؤدي اإىل هالو�س

اعتبار اإىل يدعو ذلك فهل ثبت خمربيا، ب�سرية كما

هذه بف�سل حولنا خارجي عامل من نب�سر ما كل

الباحة جمرد هالو�س؟

اإن اإذ مراكزاملخ، كل عن نف�سه ال�سيء قول ميكن

ميكن منه معينة ملناطق الكهرومغناطي�سي التحفيز

اأن يولد كما راأينا �سعورا باحلب مثال، اأو بال�سعادة، اأو

بالن�سوة اجلن�سية، اأوباخلوف، اأو بال�سحك...الخ، فهل

من العقل اإنكار وجود املحفزات اخلارجية ؟ األ يعني

هذا اأن الدماغ جمرد م�ستقبل يقوم برتجمة ما يقع يف

النف�س اإىل ن�ساط ع�سبي واإفراز هرموين فيوؤثر بوا�سطته

على اجل�سد؟

الدماغ، يف يتولد ل روحي ن�ساط الإميان فاإن وعليه

والعقل الإمياين لي�س من اإفرازات املخ، بل اإن دور هذا

الأخري اإمنا يقت�سر على ا�ستقبال ر�سائل العقل الإمياين

املحفزة خلالياه الع�سبية ولإفرازاته الهرمونية، ليرتجمها

بذلك اإىل لغة واأحا�سي�س مادية يعيها اجل�سد.

علوم وثقافة الفؤاد والقلب والعقل بني القرآن والعلم

254

م�سروع ماهية عن بدقة الإف�ساح الهني من

ع�سر اأن اأولهما، ل�سببني: وذلك ، الأنــوار

ولي�س وتركيب، تلخي�س، و تتويج، ع�سر هو الأنوار

يف الأفكار اأمهات اأن ذلك راديكايل. جتديد ع�سر

ع�سر؛ الثامن القرن يف اأ�سلها جتد ل الع�سر هذا

وحتى عندما ل تنحدر من الع�سر القدمي ، فهي حتمل

النه�سة وع�سر ال�سحيقة، الو�سطى القرون ب�سمات

والع�سر الكال�سيكي.

الآراء ومف�سلة امت�سا�س على هائلة قدرة فلالأنوار

هون ينب املوؤرخون فتئ ما لهذا املا�سي. يف املت�سارعة

اإىل �سرورة تبديد بع�س الأحكام ال�سطحية املتداولة،

نف�س يف وجتريبية عقالنية الأنوار اأن على والتاأكيد

جون وريثة هي كما متاما ديكارت وريثة وهي الآن،

الكونيني واملحدثني، القدامى حتت�سن اإنها لوك.

بالتاريخ �سغوفة اأنها مثلما اخل�سو�سية، واأن�سار

والفن، بالطبيعة والتجريد، بالتفا�سيل والأبدية،

اأن قدمية، غري العنا�سر اأن �سك وامل�ساواة. ل باحلرية

بينها بالرتتيب بينها جديد، فهي مل ت�سطلع التاأليف

اإىل الكتب من الأفكار هذه خروج اإن بل فح�سب،

العامل الواقعي مل يتحقق اإل يف زمن الأنوار.

يحمله الأنواري الفكر كون يف الثاين العائق يتمثل

*م�سروع االأنوار

إعداد قسم الترجمة في مؤسسة مؤمنون بال حدود

عدد هائل من الأفراد ، عو�س اأن ي�سعروا بالتوافق يف ليس

بلد ، من بينهم، دخلوا يف مناق�سات حادة وعنيفة ما

�ساأن من واإن الواحد. البلد داخل حتى اأو بلد اإىل

ما، حد اإىل ، يج�سد اأن عنهم يف�سلنا الذي الزمان

عامال م�ساعدا لنا يف عملية الفرز والغربلة : فخالفاتهم

القدمية اأثمرت مدار�س فكرية ل زالت معاركها حمتدمة

اإىل يومنا هذا. لذا حري بنا القول اإن ع�سر الأنوار كان

ع�سر �سجال اأكرث منه ع�سر توافق واإجماع. نحن اإذن

اإزاء تعدد خميف، بيد اأننا نتعرف بي�سر على وجود ما

ميكن ت�سميته بـ » م�سروع الأنوار«.

نلفي يف اأ�سا�س هذا امل�سروع ثالث اأفكار كربى تقوم

ال�ستقالل، وهي: ، العديدة مقت�سياتها عرب باإغنائه،

تكمن الكونية. واأخريا لأعمالنا، الإن�سانية الغائية

ما تف�سيله يف الأنواري للفكر املميزة الأوىل ال�سمة

علينا تفر�سه ما ح�ساب على باأنف�سنا، ونقرره نختاره

اأحدهما وجهان: التف�سيل ولهذا خارجية. �سلطة

نقدي، والآخر بناء؛ اإذ يتعني التخل�س من اأية و�ساية

بالقوانني والهتداء اخلارج، من الب�سر على تفر�س

رة من قبل التي ت�سبطها املعايري والقواعد املرادة واملقر

زمنني نان يعي لفظان وال�ستقالل فالتحرير الب�سر.

النخراط يقت�سي التي ال�سريورة، لنف�س �سروريني

فيها التمتع بحرية الفح�س وامل�ساءلة والنقد وال�سك، مما

*Tzvetan Todorov: L'esprit des lumières، édition Robert Laffont، SA Paris 2006، p 924-

مشروع األنوارقــــــــطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوف

255 العدد األول، ربيع 2013

ينزع طابع القدا�سة عن جميع املعتقدات واملوؤ�س�سات.

حا�سمة، لكنها الختيار، لهذا املبا�سرة غري النتيجة

ومبوجبه �سلطة؛ كل طابع يطال الذي التقييد هي

تكون طبيعية ل خارقة. وعلى هذا النحو تنتج الأنوار

عاملا »نزع طابعه ال�سحري«، يخ�سع يف جمموعه لذات

القوانني الفيزيائية، اأو يك�سف ، فيما يت�سل باملجتمعات

الإن�سانية نف�س اآليات ال�سلوك.

لو�ساية خ�سعوا ــوار، الأن قبل النا�س، اأن ومعلوم

دينية، يف املقام الأول اأ�سلها اإذن �سابق على املجتمع

احلايل)نتحدث هنا عن التبعية( متعال وخارق يف نف�س

النتقادات من العديد ب و �ست�س الدين فاإىل الآن.

الرامية اإىل جعل الإن�سانية مالكة لزمام اأمرها ومتحكمة

ذكي بنقد يتعلق ذلك مع الأمر اأن اإل م�سريها. يف

اإىل الفرد اأو املجتمع خ�سوع هو يرف�س فما ه: وموج

من�سوبة، كونها من الوحيدة �سرعيتها ت�ستمد تعاليم

ما اإن ال�سلف. اأو الآلهة اإىل معني، تراث طرف من

ه حياة النا�س، لي�س هو �سلطة املا�سي، ينبغي اأن يوج

واإمنا هي م�ساريعهم امل�ستقبلية. وباملقابل ، ل اعرتا�س

على التجربة الدينية من حيث هي كذلك، ول فكرة

يقول الذي الأخالقي املذهب هذا على اأو التعايل،

ه اإىل بنية املجتمع، به هذا الدين اأو ذاك؛ فالنقد موج

من الدين يخرج هذا وعلى العقائد. اإىل حمتوى ل

املهيمن الجتاه اإن الفرد. قلب يربح اأن دون الدولة

الدين يف بل الإحلاد يف نف�سه يجد ل الأنــوار على

الطبيعي، اأو قل يف الألوهية الطبيعية ب�سيغها املختلفة.

واإذا كانت الأنوار ت�سف وتفح�س العقائد التي يوؤمن

الت�سكيك بغر�س بذلك تقوم ل فاإنها النا�س، بها

الت�سامح روح اإ�ساعة بهدف واإمنا الأديان، والقدح يف

والدفاع عن حرية العتقاد.

�سيعني التحرر من نري ال�ستعباد، اأن حتقق لهم فبعد

النا�س لأنف�سهم قواعد ومعايري جديدة بوا�سطة و�سائل

اإن�سانية خال�سة- فلم يعد هنا مكان لل�سحر ول للوحي.

فقد ا�ستبدل النور النازل من فوق باأنوار كثرية �ستنت�سر

من �سخ�س اإىل �سخ�س. و اأول ا�ستقالل مت احل�سول

عليه هو ذلك الذي يتعلق باملعرفة. فهذه الأخرية تنطلق

من مبداأ مقت�ساه اأنه ل توجد �سلطة، مهما كان ر�سوخها

وو�سعها العتباري، ميكن اأن تخرج دائرة النقد. لي�س

معا وهما التجربة، و العقل م�سدرين: اإل للمعرفة

متاحان للجميع. وقد حظي العقل بالت�سريف بو�سفه

اأداة للمعرفة ، ولي�س كباعث لل�سلوك الإن�ساين؛ وغري

حتررت التي الأهواء مع ل الإميان مع تعار�سه خاف

بدورها من الإكراهات الآتية من اخلارج.

العلم. ازدهار اأمام امللكي الطريق املعرفة حترير يفتح

لي�س �سخ�س عباءة حتت يدخل اأن يريد فاجلميع

بالن�سبة لعب، نيوتن اأن عامل.واحلق ولكنه فيل�سوفا

داروين لعبه الذي لذلك مماثال دورا الأنوار، لع�سر

بالن�سبة للقرون املوالية. وقد حققت الفيزياء تقدمات

والبيولوجيا، الكيمياء العلوم، باقي ومعها مذهلة،

موؤ�س�سي اإن ال�سيكولوجيا. اأو ال�سو�سيولوجيا وحتى

اجلميع، اإىل الأنوار حمل يريدون اجلديد الفكر هذا

لأنهم مقتنعون باأنها م�سدر كل خري: املعرفة اأ�سل كل

حترير، هذه هي الق�سية التي يجري الت�سليم بها. ولهذا

واأ�سالكها، اأ�سكالها مبختلف الرتبية على �سي�سجعون

بدءا من حلظة التمدر�س الأوىل و�سول اإىل الأكادمييات

،عرب املعرفة ن�سر على العمل �سيجري كما العاملة،

مو�سوعات اإعداد طريق اأو عن متخ�س�سة اإ�سدارات

موجهة اإىل اجلمهور الوا�سع.

الفرد حياة �سيقلب ال�ستقالل مبداأ اأن يف لنزاع

اأجل من فال�سراع �سواء. حد على واملجتمعات

يف احلق اإن�سان لكل يرتك الذي العتقاد، حرية

ي�ستاأنف اأن اختيار دينه، لي�س جديدا، لكنه ينبغي

ويوا�سل على الدوام؛ وهو يجد امتداده يف املطالبة

باأن يكون القبول اإن الراأي والتعبري والن�سر. بحرية

القبول اأي�سا معناه قانونه، منبع الإن�ساين الكائن

به كما هو يف كليته، ولي�س وفق ما ينبغي اأن يكون.

اأنه ج�سم وروح، هوى وعقل، �سهوة وتاأمل. واحلال

قــــــــطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوف مشروع األنوار

256

التم�سك عو�س الواقعيني النا�س معاينة يكفي

الكبري اختالفهم لنالحظ ومثالية، جمردة ب�سورة

من اآخر، اإىل بلد من ننتقل جليا حني يظهر الذي

يف �ستفلح ما هذا ولعل اأي�سا. اآخر اإىل �سخ�س

العامل، الأدب من اأف�سل ب�سورة عنه، التعبري

الأجنا�س اجلديدة التي ت�سع الفرد مركز اهتمامها:

اأخرى. الذاتية من جهة وال�سرية الرواية من جهة،

اإىل تتطلع ل الأجنا�س هذه اأن البيان عن وغني

ال�سلوك حتكم التي الأزلية القوانني عن الك�سف

اأو التي ت�سبط الطابع املثايل لكل حركة، الب�سري،

و�سعيات يف منخرطني ون�ساء رجال ت�سور واإمنا

،الذي الر�سم فن عنه يعرب ما اأي�سا وهذا خا�سة.

والدينية امليثولوجية املو�سوعات عن بنف�سه ناأى

مزاولتهم اأثناء عاديني ب�سرا ر و لي�س الكربى،

ارتباطا الأكرث حركاتهم عرب املعتادة، لأن�سطتهم

باليومي.

اإطار ي�سم الذي ال�ستقالل يف الفرد ا�ستقالل ميتد

حياته كما يطبع اأعماله. ويوؤدي اإىل اكت�ساف الو�سط

وال�ساللت، الغابات يحت�سن الــذي الطبيعي

للمقت�سيات تخ�سع مل التي والتالل الغابات وفرج

الهند�سية اأوالعملية. ومبوازاة ذلك، مينح مكانة جديدة

والتمثيل الفن اأهل يعد فلم ولإبداعاتهم. للفنانني

والكتابة جمرد عنا�سر ل�سنع الت�سلية اأو تزيني املجال�س

اما للرب اأو امللك اأو ال�سيد، بل �ساروا التج�سيد اأو خد

املثايل لن�ساط يحظى بالتقدير والإعجاب؛ لقد اأ�سحى

تروم التي اأعماله ب�ساأن يقرر الذي هو املبدع الفنان

التقديران هذان ي�سهد خال�سة. اإن�سانية متعة خلق

على املكانة اجلديدة التي اأعطيت للعامل احل�سي.

يف للغاية عميقا حتول ال�ستقالل مطلب يحدث

الف�سل ويكمل يوا�سل وهو ال�سيا�سية، املجتمعات

الزمني والروحي.اإنه يثمر يف ع�سر الأنوار �سورة بني

اأوىل للعمل؛ ذلك اأن اأ�سحاب العديد من الأبحاث

املنجزة بكامل احلرية ، يجتهدون يف اإي�سال نتائجها اإىل

تعديل لهوؤلء يت�سنى ، حتى بالت�سامح حكام عرفوا

الثاين �سيا�ساتهم. وهذا ما كان منتظرا من فريدريك

يف برلني وكرثين الثاين يف �سان برت�سبورع ، اأو جوزيف

امل�ستنري، ال�ستبداد هذا وراء وفيما فيينا. يف الثاين

مع امللك عند العقل ا�ستقالل ويطور ينمي الذي

اإبقائه ال�سعب يف حالة خ�سوع، يف�سي هذا املطلب اإىل

مبداأ ، وهو بال�سيادة يتعلق الأول اأ�سا�سيني: مبداأين

قدمي ياأخذ م�سمونا جديدا ، مبوجبه ي�سبح ال�سعب هو

م�سدر كل �سلطة ، فال �سيء يعلو على الإرادة العامة.

، الدولة �سلطة اإزاء الفرد بحرية فريتبط ، الثاين اأما

�سرعية كانت اأم غري �سرعية ، يف حدود الدائرة اخلا�سة

بها ؛ ول�سمان هذه احلرية يجري احلر�س على التعددية

اأنه واملالحظ ال�سلط. خمتلف بني التوازن واإيجاد

الالهوتي بني الف�سل يتحقق احلــالت جميع يف

وال�سيا�سي، هذا الأخري بات من الآن ف�ساعدا ، ينتظم

وفق معايري خا�سة.

تنزع كل القطاعات اإىل اأن ت�سبح علمانية، يف الوقت

ومعروف باإميانهم. متم�سكني الأفراد فيه يظل الذي

بل ال�سيا�سية، ال�سلطة فقط يهم ل الربنامج هذا اأن

اإل مبن اقرتف ل العقاب ينز اأي�سا العدالة: فال يطال

عن متييزه يتعني هنا من املجتمع؛ حق يف جرما

الديني. املنظور اأخالقيا من تعترب خطاأ التي اخلطيئة

�سلطة خارج لتكون �ست �ساأ التي املدر�سة، وكذلك

تن�سر اجلميع، اأمام مفتوحا ف�ساء ولت�سبح الكني�سة،

فيه الأنوار ب�سورة جمانية واإلزامية يف نف�س الوقت.هذا

النقا�سات جتد حيث الدورية ال�سحف على عالوة

العمومية مكانها. اإ�سافة اإىل القت�ساد الذي ينبغي اأن

بالتداول وي�سمح ، العتباطية الإكراهات من يتحرر

قيمة على يتاأ�س�س اأن يتوجب كما ، للخريات احلر

العمل واملجهود الفردي، بدل اأن يكون حقال مزدحما

بجذورها عميقا ت�سرب التي والرتاتبات بالمتيازات

يف املا�سي.

املدينة هو التحولت هذه ملجموع الأن�سب واملو�سع

مشروع األنوارقــــــــطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوف

257 العدد األول، ربيع 2013

الكبرية التي ت�سجع حرية الأفراد وتتيح لهم ، يف نف�س

الآن، فر�سة التالقي والدخول يف �سجالت عمومية.

وملا كانت اإرادة الفرد واجلماعة قد انعتقت من اأنظمة

الآن نالت اأنها ذلك معنى فهل ، القدمية الو�ساية

حريتها كاملة غري منقو�سة ؟ طبعا ل. لأن روح الأنوار ل

تختزل يف مطلب ال�ستقالل وحده، لكنها تاأتي اأي�سا

الأعمال بغائية يتعلق اخلا�سة.اأولها تنظيمها بو�سائل

فهي الأر�س، اإىل بدورها هذه تنزل احلرة. الإن�سانية

يكون املعنى، بهذا الب�سر. اإىل واإمنا اهلل اإىل تتوجه ل

فكر الأنوار اإن�سانيا، اأو اإن �سئت قل ذا نزعة متمركزة

حول الإن�سان. فلم يعد �سروريا ، كما كان يطلب ذلك

الالهوتيون، اأن يظل على اأمت ال�ستعداد للت�سحية بحب

املخلوقات من اأجل نيل حب اخلالق؛ اإذ �سار بالإمكان

القت�سار على حب نظرائنا من الب�سر. وكيفما كانت

احلياة يف العامل الآخر ، يتعني على الإن�سان اأن يعطي

يحل ال�سعادة عن فالبحث الأر�سي. لوجوده معنى

ت�سع ل الدولة وحتى اخلال�س. عن البحث حمل

نف�سها يف خدمة املقا�سد الإلهية، لأن الدور املنوط بها

يعدوا لن وهوؤلء املواطنني. عي�س بح�سن العناية هو

للظفر نفو�سهم هفت ما اإذا ، مقيتة اأنانية يف واقعني

بال�سعادة يف املجال الذي يتبع اإراداتهم ، اإذ من حقهم

رعاية حياتهم اخلا�سة ، والبحث عن العواطف القوية

واللذات املبهجة ، وجني ثمار ال�سداقة واملحبة.

الأفراد واجلماعات يكمن الثاين حلرية عمل التقييد

طبيعتهم مبوجب الب�سر، جلميع اأن على التاأكيد يف

الإن�سانية اخلا�سة ذاتها، حقوقا م�سانة غري قابلة لل�سلب.

لقد امت�ست الأنوار هنا الإرث الذي تركه فكر احلق

والثامن ع�سر ال�سابع القرنني يف تبلور كما الطبيعي

املواطنون بها يتنعم التي احلقوق جانب فاإىل ع�سر:

داخل املجتمع، توجد حقوق اأخرى ي�سرتكون فيها مع

باقي �سكان املعمور، حقوق غري مكتوبة. لكنها لي�ست

اأقل اإلزامية من �سابقتها. فلكل اإن�سان احلق يف احلياة،

يطبق حني حتى الإعدام، حلكم �سرعية ل هنا من

جرمية، اخلا�س القتل كان اإذا لأنه قاتل، على جمرم

فكيف ل يكون القتل العمومي جرمية اأي�سا ؟ اإن لكل

مواطن احلق يف التمتع ب�سالمة ج�سمه ، وهو ما يجعل

التعذيب ممار�سة تقع خارج نطاق ال�سريعة ، حتى لو مت

با�سم امل�سلحة العليا للدولة.

ل �سك اأن النتماء اإىل النوع الإن�ساين، اإىل الإن�سانية

اإىل هذا املجتمع اأهمية من النتماء اأكرث الكونية، هو

و الكونية مطلب قلب يف اإذن احلرية توجد ذاك. اأو

املقد�س، الذي غادر تربة املقد�س ورفات القدي�سني ،

ليتج�سد ، من الآن ف�ساعدا، يف اإطار »حقوق الإن�سان«

التي حظيت حديثا بالعرتاف.

املتماثلة، احلقوق من جمموعة الب�سر لكل كان اإذا

فاإنهم، تبعا لذلك، مت�ساوون يف احلق : طلب امل�ساواة

نابع من الكونية، وهو الذي ي�سمح بالدخول يف معارك

ل زالت رحاها دائرة اإىل الآن: فالن�ساء ينبغي اأن يكن

نظائر للرجال اأمام القانون ، مثلما يتعني اإلغاء العبودية،

الإن�سان حريته، ي�سلب اأن �ساأنه من اأي عمل وحترمي

كما يجب �سيانة كرامة الفقراء والتابعني واملهم�سني،

والنظر اإىل الأطفال بو�سفهم اأفرادا.

د ل منا�س اأن هذا التاأكيد على الكونية الإن�سانية يول

اهتماما لدى باقي املجتمعات. فلي�س بو�سع امل�سافرين

اإطالق يتوقفوا، بني ع�سية و�سحاها، عن اأن والعلماء

الأحكام على ال�سعوب النائية بوا�سطة معايري م�ستمدة

ي�ستيقظ اأن ما ذلــك، ومع اخلا�سة. ثقافتهم من

ف�سولهم حتى يتح�سل عندهم الوعي بتعدد الأ�سكال

التي ميكن اأن تاأخذها احل�سارة ، في�سرعون يف مراكمة

املعلومات والتحليالت التي تغري، مع الزمن ، فكرتهم

يف التعددية عن يقال ال�سيء نف�س الإن�سانية. عن

اأو مفقود لفردو�س جت�سيدا يعود ل فاملا�سي الزمن:

خزانا لالأمثلة والعظات، بل ي�سبح تعاقبا حلقب تاريخية،

لكل واحدة منها متا�سكها وقيمها اخلا�سة. تتيح معرفة

اأن اإمكانية املالحظ جمتمع عن املختلفة املجتمعات

يوجه هذا الأخري ، �سوب ذاته ، نظرة غري �ساذجة ، فال

قــــــــطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوف مشروع األنوار

258

للعامل. الطبيعي والنظام تراثه بني اخللط اآفة يقع يف

وهكذا ا�ستطاع الفرن�سي مونت�سكيو انتقاد الفر�س، من

دون اأن يغفل تخيل الفر�س يف و�سعية الناقد احلاذق

للفرن�سيني. كانت هذه هي اخلطوط الكربى للم�سروع

الذي ارت�سمت معامله يف ع�سر الأنوار)...(.

الأنواري، الفكر يف �سندا جند اأن اليوم اأردنا ومتى

يعيننا على تخطي ال�سعوبات احلالية، فاإنه ل ينبغي اأن

نحت�سن، كما هي، الق�سايا املعرب عنها يف القرن الثامن

لأن ولكن تغري، العامل لأن فح�سب لي�س ع�سر.

هذا الفكر، لي�س اأحاديا، واإمنا متعدد الوجوه. فنحن،

الأنوار، تاأ�سي�س يعيد فعل اإىل حاجة يف بالأحرى،

للفح�س اإخ�ساعه بعد ولكن باملوروث، فيحتفظ

اأو النقدي، عرب جمابهته ال�سريحة مع نتائجه املطلوبة

الأنوار، نخون لن ال�سنيع، وبهذا فيها. املرغوب غري

واإمنا على العك�س، �سنبقى من خالل نقدها اأوفياء لها،

قائمني على تطبيق تعاليمها.

مشروع األنوارقــــــــطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوف

259

بري�سة الفنان اأنور �سونيا، �سلطنة عمان

مقدمة من »جممع اأبوظبي للفنون«

260

عبد اهلل العروي خطاب الدعوة اإىل احلرية

باأنه كان مدويا منذ عقود يف البالد العربية،

و لكنه منح�سر يف �سفحات اجلرائد و املجالت، و ل

الذي فما النا�س. لفئة من مطلبا ظرفيا �سوى يج�سد

خلف يتوارى الأهمية بهذه اإن�سانيا مطلبا يجعل

مطالب اأخرى مثل ال�سغل وال�سحة وال�سكن؟ و هل

هو جمرد ترف فكري و تاأمل وجودي لطائفة املثقفني؟

و ما الذي يجعله يطفو اإىل ال�سطح فجاأة و ي�سبح �سعار

اجلماهري الثائرة ، و �سرطا اأ�سا�سيا لتحقيق كل املطالب

الأخرى؟ هل كان ذلك ب�سبب خيبة اأمل النا�س من

اأن ميكن ل التي الفا�سدة و امل�ستبدة الأنظمة وعود

تعطي اخلبز ثمنا ل�سراء احلرية لأنها تريدهما معا؟ و هل

ميكن القول اإن اجلماهري جتاوزت تلك ال�سيغة املجردة

املثقفون بها ي�سحن التي العامة الفل�سفية واملقولت

حديثهم عن احلرية ؟ واإذن، هل تغني املمار�سة العملية

النظرية اإن اأم ؟ احلرية ملفهوم الفل�سفي التنظري عن

التاريخية الوقائع ا�ستيعاب باإعادة دللتها جتدد اإمنا

والتعبري عنها؟

اإن مفهوم احلرية يج�سد بحق اجلدل الدائم بني حركة

وصف

احلرية:

منعرجات املفهوم

إبراهيـم أمهال*

�سورة يف الفل�سفي التفكري وتراكم التاريخي الفعل

رحلة م�ستمرة ياأخذ فيها املفهوم جتليات جديدة حني

الفل�سفية النظرية تكاد فال ، معينة يعرب عن حتديات

حتى حــدوده لت�سع باملعنى الإم�ساك من تقرتب

ينفلت و ياأخذ اأبعادا جديدة يف �سياق خمتلف . و هذا

التفا�سيل الكثري من يفر�س يف مقال �سغري جتاوز ما

لنمط الرئي�سية املعامل بو�سف والكتفاء والآراء

. تاريخية ال�سائد حول احلرية يف كل مرحلة التفكري

لي�س من اأجل حتقيب جديد لأطوار التفكري الفل�سفي

الثقافية �سياقاتها يف املعنى رحلة لتتبع حماولة واإمنا

والجتماعية وانعطافاتها الدللية. يعرف يا�سربز احلرية

هي ال�سرورة هذه و ، ما �سرورة �سد دائما تتم باأنها

نف�سها حدود احلرية و �سروطها، بل اإن تعريف ال�سرورة

ل يتم اإل با�ستح�سار مفهوم احلرية، و يعني ذلك اأنها

القيود والإكراهات التي يواجهها اأ�سا�سا بنوع تتحدد

الإن�سان يف اأية مرحلة و يحاول النعتاق منها، ولذلك

معنى اأحيانا حملت خمتلفة دللت احلرية اأخذت

احلتميات اأو القدر فكرة او الأ�سطورة �سد ال�سراع

التحرر اأو وال�سيا�سية الجتماعية القيود اأو الطبيعية

الوجداين من الأهواء النف�سية واجل�سدية.

*رئي�س ق�سم درا�سات احلقوق واحلريات يف موؤ�س�سة موؤمنون بال حدود.

مشكاة املفاهيم

261 العدد األول، ربيع 2013

ــطــورة اىل ــس احلــريــة الــيــونــانــيــة: مــن االأ�

املدينة

مل يكن مت�سورا يف الع�سر اليوناين اأن يطالب الإن�سان

ال�سيا�سية، اأو القيود الجتماعية الفردي من بالتحرر

لل�سراع �ساحة كان الرحلة تلك يف الفكري فاملناخ

ال�سرورة فكرة يف تتمثل و جتريدا اأكرث عوائق �سد

العمياء ذات الأ�سل الأ�سطوري والتي ت�سور الكون

النا�س تتجاوز معقولة غام�سة غري لقوة وكاأنه خا�سع

ن�سوء مع تدريجيا الت�سور تطور ثم . معا والآلهة

املجتمع ال�سيا�سي لدولة املدينة لي�سبح للحرية معنى

الأخالق، تتحدد يف المتثال لقوانني املجتمع و الطبيعة

. وتعني الطبيعة يف ذلك الوقت ال�سفة الأ�سلية لكل

قد حتددت طبقيا املنق�سم املجتمع اإن الأ�سياء حيث

فيه مواقع الأفراد ب�سكل م�سبق ، فال�سيد �سيد والعبد

من بنوع اجتماعية فئة كل وتقرتن بالطبيعة، عبد

مل ولذلك اجل�سد، اأع�ساء مثل تتكامل و الف�سائل

اإطار الن�سجام مع املجتمع اإل يف يكن للحرية معنى

والطبيعة يف اإطار ت�سور اأخالقي عرب عنه �سقراط بكون

وتبعته اجلهل، هو املطلق ال�سر وكون ف�سيلة املعرفة

كل الجتاهات الأخالقية باأ�سكال خمتلفة �ساغتها يف

فكرة اأ�سا�سية مفادها اأن احلرية تتحقق حينما تتطابق

قوانني النف�س مع قوانني املجتمع و الطبيعة.

احلرية اال�سالمية: من ال�سيا�سة اىل العقيدة

املو�سوعات �سمن الإن�سانية احلرية ق�سية تنقل مل

الفل�سفي اليوناين املوروث من ترجمتها متت التي

واإمنا كانت نتاجا اأ�سيال للبيئة العربية الإ�سالمية التي

اآثار الر�سالة اجلديدة مع روافد املكونات تفاعلت فيها

ال�سعوب و العربية للجزيرة والجتماعية الثقافية

املجاورة لها، ومتثلت ذروة اندماج هذه العنا�سر يف اإطار

اإىل واأدت امل�سارب، متعددة الأطراف وا�سعة دولة

بروز م�سكلة �سرعية ال�سلطة ال�سيا�سية التي ميكن لها

. النا�سئة للجماعة الدينية امل�سروعية مع تن�سجم اأن

وقد جلاأت ال�سلطة الأموية اإىل تربير حكمها و�سلوكها

مبقولة اجلرب و القدر الإلهي ، مما ولد نقا�سا وا�سعا اتخذ

يف البداية طابع املعار�سة ال�سيا�سية ثم انكفاأ فيما بعد

يف نقا�سات كالمية عقائدية . وقاد اأن�سار احلرية الأوائل

ال�سيا�سي التمرد من اأ�سكال بالقدرية �سموا الذين

العتزال حركة فظهرت ، بهم بالتنكيل انتهى

مدر�سية كالمية حاولت �سياغة مواقفها ال�سيا�سية يف

قوالب فكرية، ثم تطور الأمر اإىل بروز النزعة الأ�سعرية

العام الوجدان اإىل طريقها وجدت التي التوفيقية

و احلرية و اجلرب ثنائية من اخلروج مبحاولة للجماهري

ذلك باإر�ساء ال�سمري الإن�ساين بن�سبة الأفعال اإىل اهلل،

ون�سبة الك�سب اإىل الإن�سان ب�سكل ير�سي كرامته دون

خ�سو�سا احلاكم على الثورة م�سوؤولية حد اإىل دفعه

بعد ف�سل كل املحاولت ال�سابقة.

اإذن من املجال التفكري يف مو�سوع احلرية انتقل لقد

املجرد العقائدي النقا�س اإىل الفعلي ال�سيا�سي

النظري يف النقا�س حول ذات اهلل و �سفاته، وتراجع

ال�سلطة من خوفا العام باملجال املتعلقة املو�سوعات

ال�سيا�سية، مما ولد ت�سخما يف ال�سنعة الفقهية التي تهتم

بال�سوؤون اخلا�سة لالأفراد كما اأفرز اجتاها تاأمليا جمردا يف

مو�سوع احلرية جتلى لدى املتاأثرين باملوروث اليوناين،

اإىل املنجذبني اأو والتوحيد م�سكويه ابن مثل؛ من

التجربة ال�سوفية والتحرر من �سهوات اجل�سد و رغبات

النف�س، من مثل؛ اجلرجاين والغزايل وابن �سبعني.

احلرية احلديثة: من الالهوت اىل النا�سوت

املجال يف احلرية حول اجلدل يبداأ اأن الغريب من

اإىل لينتهي �سيا�سي عملي منطلق من الإ�سالمي

ق�سايا عقائدية و كالمية يف حني بداأ النقا�س يف اأوروبا

امل�سيحية اأواخر الع�سر الو�سيط بق�سايا لهوتية ومنطقية

كان فقد . واملجتمع ال�سيا�سة يف اأ�سئلة اإىل لينتهي

مثقفو ذلك الع�سر، وهم رجال دين بالدرجة الأوىل،

الأر�سطي املــوروث بني التوفيق مبحاولة م�سغولني

باأنه و�سف نقا�سا اأنتجوا ولذلك امل�سيحي، واملعتقد

اللفظية بال�سياغات يتو�سل )�سكولئي( مدر�سي

واملنطقية حلل اإ�سكالت جمردة بعيدة عن التحولت

ء

ء

ءء

ء

مشكاة املفاهيم احلرية منعرجات املفهوم

262

القائمة يف املجتمع و الدولة. وكانت اأهم هذه الق�سايا

وبني الإلهية والعناية اللطف بني التوفيق حماولة

كون هو ال�سائد املعتقد اأن خا�سة الإن�سانية، الإرادة

الإن�ساين بالفعل م�سروطا لي�س النهائي اخلال�س

)العبادة( واإمنا هو حمدد ب�سكل اأزيل �سابق على وجود

الإن�سان ، وقد جتلى هذا النقا�س يف كتابات القدي�س

اأوغ�سطني وتوما�س الأكويني .

لقد كان من ال�سروري اإذن انتظار التحولت التاريخية

من احلرية حول النقا�س �ستخرج التي الكربى

ال�سيا�سي ال�سراع �ساحة اإىل امل�سيحي الكالم زاوية

والجتماعي . فبعد انهيار هياكل النظام القدمي انطلق

ال�سيا�سية اجلماعة لهوية جديد اأ�سا�س يف التفكري

و�سرعية ال�سلطة احلاكمة . فكان ت�سكل الرابطة القومية

مع القطع ملحاولة الجتماعي العقد لفال�سفة دافعا

تتحدث نظرية فر�سيات وو�سع الالهوتية الت�سورات

عن النتقال من حالة الطبيعة اإىل حالة الثقافة، اإذ اإنه

الطبيعية احلرية ممار�سة يف ال�ستمرار امل�ستحيل من

تفرزه من عنف مدمر، فكان لبد من ملا ا نظر املطلقة

النتقال اإىل احلرية املدنية املقيدة بالقانون و املراقبة من

�سرعيتها ت�ستمد نف�سها ال�سلطة وهذه ال�سلطة، طرف

ق�سد لالجتماع الأفــراد بني الإرادي التفاق من

لتاأ�سي�س مفهوم بداية . فكان ذلك حماية م�ساحلهم

جديد لالإن�سان يعرتف مبيوله و غرائزه و نزعاته الأنانية

التعريف الالهوتي . و قد انعك�س ذلك يف و يتجاوز

ت�سورات هوب�س و لوك و �سبيينوزا للحرية التي تعني

و الرغبات ل�سبط العقل ا�ستعمال اإجمال عندهم

توجيه اإ�سباعها ب�سكل يحافظ على احلياة و يحقق اأكرب

املكا�سب وا�ستبدال احلرية الطبيعية باحلرية املدنية.

فل�سفة االأنوار : �سورة الفرد احلر

مع اإل للحرية الأخالقي الفل�سفي الت�سور يربز مل

الفردية الذات �ساأن اأعلت من التي الوعي فل�سفات

املتميزة بالعقل والإرادة والقدرة على التمييز بني اخلري

وال�سر بناء على م�سوؤولية ال�سمري الأخالقي امل�ستقل.

و قد عرب ديكارت عن هذه الدللة حني عرف احلرية

اختيار بني الرتدد على القدرة جمرد لي�ست بكونها

ال�سئ و نقي�سه، بل هي الإرادة التي ت�ستعني باملعرفة

لتختار احلق، ومن ثم �سارت احلرية التي تبدو مطلقة

الأخالقية، املعايري باإطار حمدودة املبداأ حيت من

وهذا ما اأو�سحه كانط ب�سكل اأو�سع يف �سياق حديثه

عن مفهوم الواجب الذي يحمل دللة كونية قطعية،

وي�ستمد اإلزاميته من كون العقل و الإرادة احلرة �سوف

تختاره بال�سرورة، ورغم ما يبدو من قطيعة ظاهرية بني

اإل امل�سيحي الالهوت وتقاليد احلديث املفهوم هذا

ال�ستمرارية نوع بينت لنيت�سه النقدية املالحظة اأن

املتوارية خلف ال�سياغة اللفظية التي و�سفها بامل�سيحية

املتنكرة.

يف والإمعان املفهوم هذا جتريد عملية تتوقف ومل

الأنواري، الوعي فل�سفة حدود عند نظريا �سياغته

التي كان لها ف�سل يف النتقال من الت�سور ال�سيا�سي

فظهرت املجرد، الفل�سفي التعبري اإىل الجتماعي

الفردية حماولة هيغل الذي تخل�س من دللة احلرية

على املتعايل املطلق باملفهوم لي�ستبدلها الوجدانية

التاريخ و املجتمع ، و من ثم اأ�سبح التجلي الفعلي يف

التاريخ جمرد �سور جزئية للمطلق الكوين الذي ي�سل

املثلى ال�سورة باعتبارها الدولة يف هيغل عند مداه

للوجود الجتماعي . و ن�ساأت الفكرة املارك�سية كرد

على هذه ال�سياغة املثالية واأ�سرت على رف�س احلرية

املتمثلة يف التماهي مع الدولة والطبقة احلاكمة واإعادة

اأ�سكال كل من يتخل�س الذي الفرد حلرية العتبار

ال�سراع م�سار ا�ستكمال بعد وال�ستالب الهيمنة

�سورته اإىل احلرية مبفهوم اإذن الأمر وانتهى الطبقي.

املطلقة التي تو�سل �سمنيا اإىل نقي�س غايتها؛ اأي نفي

احلرية الفعلية املتعينة يف الواقع.

العلم احلديث : مع احلرية، �سد احلرية

كان الوعد الذي ب�سرت به النزعة العلمية خالل القرن

الإن�سانية يف احلرية املزيد من التا�سع ع�سر هو حتقيق

احلرية منعرجات املفهوم مشكاة املفاهيم

263 العدد األول، ربيع 2013

العلم على الإجابة عن كل الأ�سئلة وحل اإطار قدرة

جميع امل�سكالت ، وتخفيف خ�سوع الإن�سان حلتميات

الطبيعة القاهرة با�ستخدام النتائج التقنية للعلم.

ولكن هذا احللم انتهى اإىل نقي�سه و ذلك بازدياد معرفة

الإن�سان بحدود حريته كلما اكت�سف القوانني اجلديدة

وازداد . بوجوده حتيط التي احلتميات و الطبيعة يف

الأمر حدة بعد اأن امتد العلم خارج مو�سوع الطبيعة

لي�سمل الأن�سان نف�سه ويحوله بدوره اإىل مو�سوع قابل

التي احلتمية ال�سببية للعالقات وخا�سع للتف�سري

اإىل تقدمي العلوم الإن�سانية العلم . و�سارعت يك�سفها

عن والإرادة الوعي �سفات تنفي اأحادية تف�سريات

اأو �سيكولوجية عوامل اإىل �سلوكه ترجع و الإن�سان

مفهوم لي�سبح تاريخية اأو اقت�سادية اأو �سو�سيولوجية

احلرية جمرد جزء من الرتاث الفل�سفي امليتافيزيقي.

الفل�سفة املعا�سرة : ا�ستعادة املعنى

ومل يكن �سعار احلرية ليقبل الهزمية بهذه ال�سهولة رغم

اأن نتائج العلوم كان لها دور كبري يف توجيه اخلطابات

الفل�سفية املتعلقة مبو�سوع احلرية يف اجتاهات خمتلفة.

التي البنيوبة و التفكيكية الفل�سفات جانب فاإىل

تاأثرت بنتائج العلوم الإن�سانية واأجهزت على ما تبقى

من مفاهيم الذاتية و الوعي والإرادة، وذلك بتكري�س

وال�سريورة البنية مفاهيم تتبنى جديدة مقولت

والالمعنى، وحاربت على جبهات خمتلفة يف جمال

امليتافيزيقا، جذور لجتثاث والفن التاريخ و اللغة

ظهرت فل�سفات اأخرى يف حقل العلوم الطبيعية تعيد

العتبار لدور الذات العارفة يف �سياغة املعرفة الطبيعية

والقبول العلمي الإطالق حدة تخفيف اىل اأدى مما

املعرفة فيها اأ�سبحت التي والتغري والتعدد بالن�سبية

العلمية نتاجا لفاعلية الذات الإن�سانية.

كما ظهرت فل�سفات اأخرى اقرتنت ب�سعار احلرية اإىل

البحث عو�ست التي الوجودية مثل التطابق، درجة

عن مفهوم احلرية يف جمال الفعل الإن�ساين، وذهبت

اأبعد من ذلك اإىل تاأ�سيله يف الوجود الإن�ساين نف�سه

بحيث اأ�سبحت هويته احلقيقية هي حريته . ووجدت

احلرية ان�سارا لها حتى داخل حقل العلوم الإن�سانية،

�سمت التي فرانكفورت مدر�سة عند الأمر هو كما

اخللفية ذات املذاهب و الــروؤى من خمتلفة اأطيافا

ال�سيو�سيولوجية اأو ال�سيكولوجية اأو التاريخية ، واتفقت

الإن�سانية �سد اإعادة العتبار ملفهوم احلرية كلها على

والهيمنة والتقني العلموي ال�ستالب اأ�سكال كل

ال�سيا�سية والجتماعية والإيديولوجية.

الوقوف على ا�ستطاع اإىل مفكر متفرد الإ�سارة وجتدر

من الإن�سانية العلوم و جهة من احلقة العلوم اأر�سية

جهة ثانية، وهو كارل بوبر الذي واجه فل�سفات العلوم

و فل�سفات التاريخ دفاعا عن احلرية الإن�سانية ، و ما زال

ظواهر مع جديدة اأبعادا يتخذ املفهوم حول النقا�س

ال�سوق احلرة وثورة الت�سال مما يعطيه العوملة وات�ساع

م�سروعية اآنية يف كل وقت و اإمكانيات جديدة للتفكري

و الإبداع.

التلقي العربي: الفكر اأم الفعل

الإ�سالمي العربي الفكر يف احلايل اجلدل يتميز

وفق ذاتي تفاعل جمرد لي�س بكونه احلرية حول

هو واإمنا املجتمع، لهذا اخلا�سة احل�سارية ال�سروط

بني ما ان�سطارا ولدت التي التحديث ل�سدمة نتاج

التوجه نحو الذات املنك�سرة والتماهي الوجداين معها

و�سناأخد ، به ال�ستنجاد و الوافد باأمنوذج النبهار اأو

اأمنوذجني ملثقفي حلظة ال�سطدام ما زال �سبه نقا�سهما

بني احلاد النق�سام عاك�سا احلايل وقتنا اإىل ا م�ستمر

توجه حمافظ واآخر حداثي، عجز كالهما عن الإبداع

املتجاوز لهذه الثنائية احلدية.

يقول املوؤرخ النا�سري يف ال�ستق�ساء : »اعلم اأن احلرية

و�سع من هي ال�سنني هذه يف الفرجن اأحدثها التي

الزنادقة قطعا، لأنها ت�ستلزم اإ�سقاط حقوق اهلل و حقوق

احلرية اأن اعلم و ، راأ�سا الإن�سانية و حقوق الوالدين

مشكاة املفاهيم احلرية منعرجات املفهوم

264

ال�سرعية هي التي ذكرها اهلل يف كتابه، و بينها ر�سول

الذي ال�سلطان الفقيه راأي ...« وهذا هو اهلل لأمته

كان يف و�سعية تعر�س للغزو الأوروبي ال�ستعماري.

الوجه وراأى باري�س اإىل �سافر الذي الطهطاوي اأما

الإبريز« »تخلي�س كتابه يف فيقول لأوروبــا الآخر

1818:»�سائر الفرن�سي ل�سنة �سارحا مواد الد�ستور

ي�سمونه وما ... ال�سريعة قدام م�ستوون الفرن�سيني

عندنا عليه يطلق ما عني هو فيه ويرغبون احلرية

اأنواع �سرح يف وي�ستمر »... والإن�ساف العدل

احلريات املدنية وال�سيا�سية.

امل�ستوى هذا حدود يف توقف قد النقا�س وكاأن

من لعقود امتد وثقايف �سيا�سي جمود ظل حتت

الزمن وا�ستمر معه النقا�س ال�سطحي ملو�سوع احلرية

اأغلبها يكن مل التي املت�سارعة النخب طرف من

املطلوبة للحريات الواقعية الأوجه طرح على يجروؤ

من طمعا اأو خوفا والثقافة والقت�ساد ال�سيا�سة يف

الربيع انتفا�سات من لبد وكان . القائمة الأنظمة

لإعادة النقا�س حول املدلولت الواقعية للحرية من

خالل ا�سرتجاع اجلماهري للمبادرة، فاأ�سبح لزاما على

ل�ستئناف التاريخية اللحظة خيط التقاط املثقفني

هذا النقا�س، و�سناعة امل�ستقبل بدل النكفاء على

ركام اإىل ببع�سهم �ستنتهي التي املكررة املقولت

املا�سي ككل بقايا النظام القدمي.

اإن احلرية ، كما يقول العروي، قد تنتفي من الواقع

ومن املجتمع و لكنها لتنتفي اأبدا من التاريخ، حيث

ينخر واخليال دائما، اخليال اإىل تلجاأ اأن با�ستطاعها

ياأتي على با�ستمرار، وعندما و يوم بعد يوما الواقع

وب�سخب احلرية من جديد تلج ، به ويطيح اأ�سا�سه

حيز الواقع واملجتمع.

احلرية منعرجات املفهوم مشكاة املفاهيم

265

بري�سة الفنان حممد اأ�ستاد، الإمارات العربية املتحدة

مقدمة من »جممع اأبوظبي للفنون«

266

منتصر حمادة*

املفكرين �سنف اإىل الرحمن عبد طه

حمددة، معرفية خانة يف ت�سنفيهم ي�سعب

التي العلوم اأ�سناف الإبداع يف اأي�سا، بينهم ويجمع

يحررون فيها، ول تنق�س لئحة الأعالم الكبار يف هذا

كناقد �سواء، حد على والغرب ال�سرق من ال�سدد،

اأو �سعيد، اإدوارد الراحل ال�ست�سراقية، الدرا�سات

م�سطر اأو ت�سوم�سكي، نعوم الأملعي الل�سانيات عامل

م�سروع »الفكر املركب«، املفكر الفرن�سي اإدغار موران،

وغريهم كثري بالطبع.

ر حر اأنه الرجل، بحكم اإذن تلخي�س م�سروع ي�سعب

يف واألف )1(

الفل�سفة«، »فقه ويف الدين«، »فل�سفة يف

املنطق، مادام يو�سف برائد الدر�س املنطقي يف املجال

الأخالقيات، يف اأي�سا األف كما املغاربي، التداويل

حتى اأنه يلقب بـ»فيل�سوف الأخالق«، ويف هذه ال�سفة

غربيني فال�سفة مع الرحمن عبد طه يلتقي بالذات،

الذين من وغريهما، ريكور وبول ليفينا�س طينة من

رفعوا �سعار »الأخالق هي احلل«، ب�سكل اأو باآخر، يف

م�سامني اأعمالهم، اأو بني ثنايا �سطور هذه الأعمال.

ـ يف ال�سنف الأول من الت�سنيف، جند موؤلفات مرجعية،

وجتديد الديني »العمل ال�سهري كتابه بالذكر ونخ�س

؛ )3(

، »يف اأ�سول احلوار وجتديد علم الكالم« )2(

العقل«

ينتمي

طه عبد الرحمن

»فقيه الفل�سفة«

الذي يرفع �سعار »االأخالق هي احلل«

*باحث من املغرب.

)1( »فقه الفل�سفة« هو امل�سطلح الذي �سطر معامله طه عبد الرحمن يف م�سروع علمي �سدر منه حتى الآن جزءان، »الفل�سفة والرتجمة« و»القول الفل�سفي«.

)2( طه عبد الرحمن، العمل الديني وجتديد العقل، املركز الثقايف العربي، بريوت ـ الدار البي�ساء، الطبعة الثالثة، 2000.

)3( طه عبد الرحمن، يف اأ�سول احلوار وجتديد علم الكالم، املركز الثقايف العربي، بريوت ـ الدار البي�ساء، الطبعة الثانية، 2000.

طه عبد الرحمن الذي يرفع شعار »األخالق هي احلل«شخصيات وأعالم

طه عبد الرحمن

267 العدد األول، ربيع 2013

.)5(

، وخا�سة »روح الدين«)4(

و»روح احلداثة«

)اجلزء الفل�سفة« »فقه جند الثاين، ال�سنف ويف ـ

(، و«احلق العربي يف الختالف )7(

والثاين)6(

الأول

الختالف يف الإ�سالمي »احلق ثم ،)8(

الفل�سفي«

؛)9(

الفكري«

ـ جند يف ال�سنف الثالث كتابه ال�سهري، الع�سي على

وامليزان »الل�سان املتخ�س�سني، عند والفهم اله�سم

، ول ي�ستقيم اخلو�س يف واقع )10(

اأو التكوثر العقلي«

الدر�س املنطقي اليوم، يف جمالنا التداويل العربي، دون

ال�ست�سهاد بهذا العمل بالذات، على غرار ال�ست�سهاد

عن نتحدث عندما �سعيد اإدوارد الراحل باأعمال

يف دريدا جاك باأعمال ال�ست�سهاد اأو ال�ست�سراق،

معر�س احلديث عن التفكيك.

»�سوؤال الأخالق« الرابع، كتابه ال�سنف -واأخريا، يف

، حيث احل�سور اجللي للنزعة )12(

، و»�سوؤال العمل« )11(

الأخالقية: مع طه، يطال النقد الأخالقي العقل، كما

اإذا لأنه النظر اأ�سكال وكافة الفكرية املمار�سة يطال

كان الت�سرف الإن�ساين يتقوم بالقيمة وبالتايل يخ�سع

الإن�سان ينعت اأوىل، باب فاإنه، من للنقد الأخالقي،

بكونه »كائنا اأخالقيا«.

فيل�سوف »االأخالق هي احلل«

الإ�سالحي م�سروعه »اختزال« بالنتيجة، لنا، جاز لو

»الأخالق �سعار يرفع فيل�سوف عن احلديث ح ل�س

هي احلل« كما �سلف الذكر، يف معر�س تبني م�سروع

يرفعون الذين بخالف املرجعية، اإ�سالمي اإ�سالحي

الإ�سالمي التيار )من احلل« هو »الإ�سالم �سعار

التيار )من امل�سكلة« هو »الإ�سالم اأو احلركي(،

الأمور فاإن الفل�سفية، م�ساريعه يف اأما العلماين(،

وجد قد مادام لديه، بدهية اأنها رغم للغاية، معقدة

�سالته وراحته يف ثنائية »الكتابة ـ احلرية«، وهي براأيه،

نعمة، وراحة نف�سية وروحية ما بعدها نعمة.

عبد طه عليه ي�سطلح ما هي احلل«، هي »الأخالق

الرحمن بـ»العمل التزكوي«، كما جاء يف اآخر اأعماله

اأي ،2012 املا�سي العام مطلع غ�سون يف ال�سادرة

اأن هنا ونالحظ العمل«، و»�سوؤال الدين«، »روح

»العمل م�سطلح يعو�س التزكوي« »العمل م�سطلح

عقود منذ ذلك عن يتحدث كان الذي ال�سويف«

»العمل املوؤ�س�سة، اأعماله اأحد يف وخا�سة م�ست،

،)1987 �سنة يف )ال�سادر العقل« وجتديد الديني

حيث نعاين يف م�سامني هذا العمل املوؤ�س�س، انت�سارا

يف ال�سوفية(، )اأو الأخالقية للمرجعية �سريحا

�سواء عام، ب�سكل الإ�سالح مل�سروع التنظري معر�س

ال�سيا�سي الإ�سالح اأو الديني الإ�سالح عن حتدثنا

اإلخ، و�سوف تتجدد مطالب اأو الإ�سالح املجتمعي..

�سعار رفع على بناء الإ�سالحية، عبدالرحمن طه

فيها مبا الالئحة، اأعماله جميع يف التزكوي« »العمل

اأحداث اندلع مع موازاة �سدرت التي اأعماله اآخر

»الربيع العربي«.

)4( طه عبد الرحمن، روح احلداثة: املدخل اإىل تاأ�سي�س احلداثة الإ�سالمية، بريوت ـ الدار البي�ساء، ط 1، 2006.

يق العلمانية اإىل �سعة الئتمانية، املركز الثقايف العربي، بريوت ـ الدار البي�ساء، ط 1، 2012. ين.. من �س )5( طه عبد الرحمن، روح الد

)6( طه عبد الرحمن، فقه الفل�سفة ـ1ـ الفل�سفة والرتجمة، املركز الثقايف العربي، بريوت ـ الدار البي�ساء، ط 1، 1995.

)7( طه عبد الرحمن، فقه الفل�سفة: القول الفل�سفي ـ 2 ـ كتاب املفهوم والتاأثيل، املركز الثقايف العربي، بريوت ـ الدار البي�ساء، ط 1، 1999.

)8( طه عبد الرحمن، احلق العربي يف الختالف الفل�سفي، املركز الثقايف العربي، بريوت ــ الدار البي�ساء، ط 1، 2002

)9( طه عبد الرحمن، احلق الإ�سالمي يف الختالف الفكري، املركز الثقايف العربي، بريوت ـ الدار البي�ساء، ط 1، 2004.

)10( طه عبد الرحمن، الل�سان وامليزان اأو التكوثر العقلي، املركز الثقايف العربي، بريوت ـ الدار البي�ساء، ط 1، 1998.

)11( طه عبد الرحمن، �سوؤال الأخالق، م�ساهمة يف النقد الخالقي للحداثة، املركز الثقايف العربي، بريوت ـ الدار البي�ساء، ط 1، 2000.

)12( طه عبد الرحمن، �سوؤال العمل: بحث عن الأ�سول العملية يف الفكر والعلم، املركز الثقايف العربي، بريوت ـــ الدار البي�ساء، ط 1، 2012.

شخصيات وأعالم طه عبد الرحمن الذي يرفع شعار »األخالق هي احلل«

268

ورب م�ستف�سر عن موقف طه عبد الرحمن من احلراك

املجال يف احلاكمة الزمنية ال�سلطات اأداء واقع ومن

التداويل العربي الإ�سالمي، خا�سة اأنه مل ت�سدر عنه

ال�ساحة، اأحداث من وا�سحة نقدية مواقف �سابقا

بال�سلب كانت اأم بالإيجاب، مف�سال، كغريه من اأعالم

الفكر العربي الإ�سالمي املعا�سر، ال�ستغال على ق�سايا

نظرية والتفرغ اأكرث لإمتام م�ساريعه العلمية، ويف مقدمتها

»فل�سفة يف اأعماله مع موازاة الفل�سفة«، »فقه م�سروع

الدين«، لول اأن اآخر اأعماله، ت�سمن مواقف نقدية من

يف ال�سعبي احلراك اأحداث ومنها ال�ساحة، اأحداث

املعريف النقد �سهام توجيه اإىل اإ�سافة العربية، املنطقة

الر�سني اإىل جميع الفاعلني الذين ينهلون من مرجعية

مل�ساريع ويروجون يتحدثون هوؤلء مادام اإ�سالمية،

�سة على هذه املرجعية، واحلديث هنا اإ�سالحية، موؤ�س

عن املوؤ�س�سات الدينية الر�سمية، واحلركات الإ�سالمية،

والتيارات ال�سلفية والطرق ال�سوفية.

بالوجدان«، »املقاومة خيار الرحمن عبد طه يتبنى

الدين«، »روح كتابه جاء كما الروحي« »الإزعاج اأو

، يرادف )13(

الروحي« »الإزعاج م�سطلح اأن ونح�سب

اأو �سعيد اإدوارد اأو ت�سوم�سكي نعوم يوما، و�سفه ما

اأن اخليار هذا ويفيد احلقيقة«، بـ»قول )14(

زن هوارد

الو�سول اإىل احلكم، ل يتم كما يراهن على ذلك اخليار

النقالبي اأو الثوري )ي�سف طه هوؤلء باأهل »املقاومة

بال�سلطان«(، اأو الرهان على خيار املنخرطني يف اللعبة

،)15(

بالربهان( املقاومة باأهل )ي�سفهم ال�سيا�سية

ل�سبب ب�سيط، مفاده اأن م�سروع املقاومة بالوجدان، اأو

ـ احلاكم« تغيري اإىل ي�سعى ل الإزعاجي »العمل اأن

بالربهان املقاومة اأو بال�سلطان املقاومة اأهل يروم كما

اإذ التغيريين، بني و�ستان فيه؛ الإن�سان »تغيري واإمنا ـ

تغيري احلاكم ل ي�سمن اإزالة الظلم، فال يبعد اأن ياأتي

احلاكم الثاين الذي حل حمله من الظلم مثل ظلمه اأو

اأ�سواأ منه؛ اأما تغيري الإن�سان يف احلاكم، فاإنه ل بد اأن

يخرجه من ظلمه اإىل عدله؛ وعليه، فهذا التغيري اأجنع

مما اأكرث الوقت ي�ستغرق من اأنه ولو تغيري احلاكم من

.)16(

ي�ستغرقه النقالب«

وعلى اجلملة، يعد طه عبد الرحمن اأن املقاومة التزكوية

اأو التمرد اأو الثورة اإىل تلجاأ �سلطانية مقاومة لي�ست

اإىل تلجاأ برهانية ول النا�س، على للت�سيد النقالب

لرب التعبد تق�سد وجدانية مقاومة واإمنا النتخابات،

النا�س، وتلجاأ اإىل حب الإميان ووازع احلياء، مما يجعلها

.)17(

مقاومة اأ�سلية وجوهرية وكلية وم�ستغنية بذاتها

مرجعية اإ�سالمية مفارقة

مهام من ي�سعب اآخــر، نظري مــاأزق ثمة اأنه على

ت�سنيف اأعمال طه العلمية ومعها م�سروعه الإ�سالحي،

)13( يرى طه عبد الرحمن اأن الإزعاج يروم اإ�سالح للمجتمع، وهذا مربط الفر�س يهم �سعوب »الربيع العربي/ الإ�سالمي«، عندما اعترب اأنه »لو اأفراد املجتمع ميار�سون العمل

دوا النزعاج اإىل العدل يف معاملة بع�سهم لبع�س، لغدوا قادرين على اإزعاج احلكام اإىل العدل مبا يبعثونه، يف اأو�ساط املجتمع، من روح احلق وامل�سوؤولية؛ التزكوي اإىل اأن يتعو

بل لو غلب العمل التزكوي على املجتمع، لوجد من رجال احلكم من يكون قد حظي مبمار�سة هذا العمل، وانطبع وجدانه بهذه الروح«.

ين، مرجع �سابق، اأنظر: طه عبد الرحمن، روح الد

�س 302.

)14( هوارد زين )1922 - 2010( موؤرخ اأمريكي، ناقد اجتماعي، ومن اأ�سهر موؤلفاته: »التاريخ ال�سعبي للوليات املتحدة«، اأنظر: هوارد زن، ق�س�س ل ترويها هوليود مطلقا،

اإعداد وترجمة حمد العي�سى، منتدى املعارف، بريوت، ط 1، 2013.

العمل اأو بال�سلطان( العمل ال�سطرابي )املقاومة اأن الظلم، بحكم ناجع و�سريع يف دفع العمل الإزعاجي طريق باأن الت�سليم )15( ويف مقدمة هذه العرتا�سات، عدم

النتخابي )املقاومة بالربهان( اأجنع واأ�سرع.

ين، مرجع �سابق، �س 309. )16( طه عبد الرحمن، روح الد

ين، مرجع �سابق، �س 296. )17( طه عبد الرحمن، روح الد

طه عبد الرحمن الذي يرفع شعار »األخالق هي احلل«شخصيات وأعالم

269 العدد األول، ربيع 2013

اأنهما بيد ال�سرتاتيجي، امل�ستوى

ت�سريف م�ستوى على يختلفان

.)19(

هذه ال�سطرجة«

و�سواب �س�س اأ ا�ستيعاب ال�سعب من اأنه ونرى

احلديث عن التقاء طه عبد الرحمن مع عبد ال�سالم

يا�سني يف »الأفق ال�سرتاتيجي«، لأن ما مل يتفطن اإليه

الباحث يف هذه اجلزئية بالذات، كون امل�سروع املعريف

موازية لأعالم م�ساريع اإىل جانب الرحمن، لطه عبد

من طينة علي عزت بيغوفيت�س وعبد الوهاب امل�سريي،

توؤكد للناقد املتتبع اأنها لي�ست بال�سرورة موجهة فقط

يف ــي، الأوروب الإ�سالمي/ التداويل املجال لأبناء

بخالف اإ�سالمية، مرجعية من نهله عن ونتحدث

املجال يف العلمية امل�ساريع من العديد لدى ال�سائد

العقود خالل الإ�سالمية وامل�ساريع العربي التداويل

مرجعية من تنهل زالت اأو ل كانت والتي الأخرية،

اأو ي�سارية، اأو ليربالية علمانية

اأو حداثية.

نعاين اأننا املــاأزق، هذا ومرد

العديد من الفاعلني الدينيني

املرجعية من ينهلون الذين

معر�س يف ذاتها الإ�سالمية

الإ�سالح مل�ساريع الرتويج

هوؤلء مقدمة ويف املجتمعي،

التيارات الإ�سالمية )يف �سقيها

اإىل وال�سلفي(، الإخـــواين

الباحثني اأحد جعلت درجة

لأعمال قرب عن املتابعني

طه عبد الرحمن ـ وهو موؤلف

ـ امل�سروع بهذا التعريف يف املرجعية الأعمال اأحد

بني الرحمن عبد طه �سطره الذي التفريق اأن يرى

، اأفرز »خم�س نتائج )18(

»واقع احلداثة« و»روح احلداثة«

وهي اإ�سالمية«، حداثة »طلب ت�سرياإىل وم�سوغات

دعوى الظاهر، يف »تخالف الباحث، براأي دعوى،

اأحد اإليها دعا التي احلداثة باأ�سلمة تتعلق اأخرى

ال�سالم بعبد الأمر يتعلق الرحمن، عبد طه جمايلي

على يلتقيان فهما احلداثة«، »اأ�سلمة كتابه يف يا�سني

)18( والإحالة هنا على م�سامني كتاب »روح احلداثة« �سالف الذكر.

)19( اإبراهيم م�سروح.. طه عبد الرحمن.. قراءة يف م�سروعه الفكري، مركز احل�سارة لتنمية الفكر الإ�سالمي ، �سل�سلة اأعالم الفكر والإ�سالح يف العامل الإ�سالمي، بريوت،

ط 1، 2009، �س 235.

جاء الكتاب موزعا على ف�سول، ت�سمن الأول نهج �سرية وم�سار طه عبد الرحمن، قبل طرق احلفر البحثي، واملوجز يف اأهم حمطات م�سروع هذا الفيل�سوف، من خالل اأربع

ف�سول، وهي »املنعطف اللغوي املنطقي و�سوؤال الفكر«، »احلقيقة واملنهج يف تقومي الرتاث«، »فقه الفل�سفة و�سوؤال الإبداع«، واأخريا، »�سوؤال احلق وم�سروعية الختالف«.

ويوجز الباحث اأهم الدعاوى الرئي�سية يف امل�سروع الفكري لطه عبد الرحمن، يف جمالني اثنني: اأ ـ فقه الفل�سفة الذي طلب فيه حترير القول الفل�سفي من التبعية والتقليد

وذلك من اأجل حتقيق الإبداع الفل�سفي املن�سود باإنتاج فل�سفة عربية اأ�سيلة؛ ب ـ تاأ�سي�س احلداثة الإ�سالمية، بناء على النقد الأخالقي للحداثة الغربية، وذلك من خالل

تقدمي اجلواب الإ�سالمي على اإ�سكالت الع�سر.

شخصيات وأعالم طه عبد الرحمن الذي يرفع شعار »األخالق هي احلل«

270

الإ�سالمي/ التداويل املجال اأبناء اأو بيغوفت�س، حالة

العربي يف حالة امل�سريي، واإمنا لأبناء املجال التداويل

يتفطن مل لطيفة وهذه )20(

الإن�ساين الإ�سالمي/

اإليها اأغلب قراء هوؤلء الأعالم، فالأحرى األ نتوقع اأن

يتفطن لها من ركب موجة »النقد من اأجل املخالفة«.

اأغاين لظاهرة امل�سريي تفكيك �سمات يتاأمل ومن

املو�سوم: القيم مبحثه يف مثال، »الفيديوكليب«

»الفيديوكليب واجل�سد والعوملة«، �سيخل�س ل حمالة اإىل

اأن هذا التفكيك يفيد حتى املتلقي الياباين والربازيلي

والأوغندي والأ�سرتايل.. وبالتايل العاملي، يف معر�س

فهم الظاهرة وح�سن التعامل معها، وينطبق ذات الأمر

على طه عبد الرحمن، يف »�سوؤال الأخالق« مثال، اأو

املقا�سد هذه اختزال اأن نرى ولهذا احلداثة«، »روح

حركات مقا�سد خانة يف الطوىل«، »الأفكار وهذه

يف الإ�سالم »اختزل عليها يوؤاخذ اإ�سالمية واأحزاب

اإيديولوجيات حركية«، اأمر غري �سوي منهجيا ومعرفيا.

تروج التي وامل�ساريع الأعمال ميزة اإزاء اأننا لنقل

على تراهن التي امل�ساريع ولي�س الطوىل، لالأفكار

اأن لو كما اإيديولوجية، )21(

فكرانية م�ساريع خدمة

هذه »املرجعية الإ�سالمية« جاءت خ�سي�سا للمنتمني

يناق�س ما عني وهذا �سواها، دون الفكرانية هذه اإىل

رحمة اإل اأر�سلناك »وما القراآنية: الآيــة مقت�سى

، ولي�س وما اأر�سلناك اإل رحمة لآل قري�س )22(

للعاملني«

لآل اأو العربي الوطن لآل اأو العربية اجلزيرة لآل اأو

عند ال�سروري التوقف يتطلب مبا الإ�سالمي، العامل

اأحد الأ�سباب التي تف�سر احل�سار الذي طال م�سروع

الرجل يف املجال التداويل الإ�سالمي العربي.

اأ�سلمة ح�سار م�سروع اأخالقي

الإعالمي احل�سار تكري�س نعاين اأن مفارق اأمر اإنه

والبحثي على قلم ينهل من مرجعية اإ�سالمية )اأخالقية

حتديدا(، لي�س فقط من طرف التيارات التي تنهل من

مرجعية علمانية لها، ولكن اأي�سا من تيارات تنهل من

الأوىل، احلالة يف الأمور، اأن جند اإ�سالمية. مرجعية

امتدت اإىل درجة �سخ�سنة ال�سراع بني امل�ساريع، كما

�س خم�س بحثي عمل اأحدث باقتدار ذلك �س خل

، عندما توقف )23(

للتعريف مب�ساريع طه عبد الرحمن

عند اخلالف املعريف اجللي القائم بني عبد اهلل العروي

)20( اأو املجال التداويل الإن�ساين/ الإ�سالمي.

)21( م�سطلح »الفكرانية« يقابل م�سطلح »الإيديولوجية«، كما �سطر ذلك طه عبد الرحمن يف كتاب »جتديد املنهج يف تقومي الرتاث«.

)22( الأنبياء، 107.

)23( عبا�س اأرحيلة، فيل�سوف يف املواجهة، قراءة يف فكر طه عبد الرحمن، املركز الثقايف العربي، بريوت ـ الدار البي�ساء، ط 1، 2013.

تفرع الكتاب على متهيد ومقدمة ت�سعة ف�سول موزعة على بابني، حيث عنون الباب الأول بـ»طه عبد الرحمن الظاهرة الإبداعية يف عامل الفل�سفة«، وت�سمن الف�سول اخلم�سة

التالية: ريادته يف املنطق تدري�سا ومنهجا؛ الت�سدي للتبعية وك�سف حقيقة الفل�سفة؛ فيل�سوف وجهته التميز والإبداع؛ فيل�سوف يبدع فقها للفل�سفة؛ و�سع نظرية جديدة يف

تقومي الرتاث عامة؛ اأما الباب الثاين، فجاء حتت عنوان: »يف معرتك ال�سدام مع متفل�سفة الع�سر«، وت�سمن الف�سول الأربعة التالية: ت�سادمه مع تاريخانية عبد اهلل العروي؛

�سديني؛ ت�سادمه مع احلداثة واحلداثيني؛ يف معرتك الت�سادم مع فكر طه.�سدية والر

ت�سادمه مع الر

تكري�س نعاين اأن مفارق اأمر اإنه

على والبحثي الإعالمي احل�سار

اإ�سالمية مرجعية من ينهل قلم

)اأخالقية حتديدا(، لي�س فقط من

من تنهل التي التيارات طرف

ا مرجعية علمانية لها، ولكن اأي�س

مرجعية من تنهل تيارات من

اإ�سالمية.

طه عبد الرحمن الذي يرفع شعار »األخالق هي احلل«شخصيات وأعالم

271 العدد األول، ربيع 2013

يوؤ�سل اأن يريد منهما فــ»كل الرحمن، عبد وطه

املفاهيم، ويخرج الفكر من طور اإىل طور؛ وكل منهما

للتقليد؛ ت�سوره منطلق من بالتقليد �ساحبه يرمي

العروي وجمــددا: جمتهدا نف�سه يعترب منهما وكل

يفتحها اأن يريد وطه املا�سي، �سفحة يطوي اأن يريد

ويربط والتاريخانية، بالتاريخ يوؤمن العروي وين�سرها؛

حني الوحي بفاعلية يوؤمن وطه بالقطيعة، احلداثة

ي�سبح عمال، وحركة حياة«... حتى »ظل كل منهما

هاج�سا مقلقا لالآخر، ومل يخل ال�سدام من اآثار نف�سية

عميقة عند كل منهما، كانت املنطلقات والجتهادات

.)24(

والطموحات متباينة«

نعتقد، بالنتيجة، اأن اختالف الأر�سية الفكرانية لهذين

الهرمني، تف�سر وجود هذا اخلالف يف الروؤى واملفاهيم

وبالتايل امل�ساريع، ولكن الأمر ع�سي على الفهم عندما

جند نف�س اخلالف مع جممل التيارات التي تنهل من

اأو دفاعها عن م�سروع اإ�سالمية، وعدم تبنيها مرجعية

اأو الدولة« عن الدين »ف�سل اإىل يدعو ل اإ�سالحي

»ف�سل القيم عن الدولة«، ول يرفع �سعار »الإ�سالم هو

امل�سكلة«.

نعتقد اأن اخلالف بني م�سروع �ساحب »فقه الفل�سفة«

احلل«، هو »الإ�سالم �سعار ترفع التي والتيارات

اأن العتبار بعني اأخــذا وطبيعي بل متوقع خالف

بال�سالت اقتنع منذ عقود م�ست، الرحمن، طه عبد

الوطيدة التي تربط املنطق بباقي املعارف، من ل�سانيات

بني ال�سلة جتديد ر ليقر فل�سفيات، وطبعا وريا�سيات

علم املنطق وعلم الأ�سول مع فارق جوهري مقارنة مع

الإ�سالمي التداويل املجال فقهاء اأغلب عند ال�سائد

من الذين قزموا قيمة املنطق، حيث بيت الق�سيد مل

للغاية، عندما جعل تبني خيار معاك�س يرتدد طه يف

هذه ووحدها املنطق، علم من جزءا الأ�سول علم

اجلزئية، تخول ملجمل الف�سائل الإ�سالمية )اإخوانية اأو

م�سروع من تبني اأو النظر عن دعم ب�سرف �سلفية(،

هذه الطينة، دون احلديث عن اأ�سباب اأخرى وجيهة،

توقف عندها ب�سكل �سريح يف م�سامني احلوار الوحيد

من م�ستغربا م�ست، �سنني منذ معه اأجريناه الذي

�سدور هذا التحامل عن تيارات اإ�سالمية �سد م�سروع

يخدم الفكر الإ�سالمي مبا ل يتقدم لغريه من امل�ساريع

ال�سبب/ )منها اأ�سباب ثالثة مــوردا امل�ستحدثة،

النظر بغ�س اإليه( تطرقنا كما باملنطق اخلا�س املحدد

عن الأ�سباب النف�سانية ال�سغرية التي قد حتمل الفرد

على طلب املخالفة اأو طلب املغالبة، ونوردها يف اإيجاز

�سديد:

ـ »اأولها: الختالف يف �سلة املعرفة الإ�سالمية باملنهجية

بفتوى يعمل من الإ�سالميني من زال فما املنطقية:

ابن ال�سالح املتقادمة يف املنطق، تاأثرا ببع�س املتفيقهة

الإ�سالمي الباحث اأن والواقع املغرب.. خارج من

ال�ساحة ت�سهده الذي التيقظ �سياق لي�س يحتاج، يف

الإ�سالمية، اإىل �سيء قدر احتياجه اإىل حت�سيل اأ�سباب

املنهجية املنطقية، حتى يت�سنى له امتالك القدرة العقلية

تهدد التي الكبرية الفكرية مواجهة التحديات على

فلم امل�سلمني، علماء من �سبقه مبن وليعترب م�سريه،

)24( عبا�س اأرحيلة، فيل�سوف يف املواجهة، نف�س املرجع، �س 129.

توقف هذا الكتاب عند اأهم مقدمات »ال�سدام املعريف« املتوقع بني عبد اهلل العروي وطه عبد الرحمن، عندما اعترب موؤلفه اأن م�سروعا فل�سفيا بهذا الزخم الفكري ـ عند طه

عبد الرحمن ـ وبهذا احل�سور ال�سدامي، ومبا اأحدثه من تفاعالت مع اأفكار متفل�سفة الع�سر، كان ل بد اأن تكون له ردود اأفعال، واأن تكون له اأ�سداء يف املحيط الثقايف، واأن

تدفع ب�ساحبه اإىل خطوط مع تيارات وا�سعة واأ�سماء وازنة. )�س 164(، معتربا يف مقدمة الف�سل املخ�س�س للتوقف عند هذا ال�سدام اأو الختالف، اأنه »اإذا كان عبد اهلل

العروي ين�سد يف م�سروعه احلداثة من خالل دينامية تنقطع عن املا�سي منهجيا، وتدعو اإىل النطالق من زمن الأنوار؛ فاإن طه عبد الرحمن انطلق يف م�سروعه من الرتباط

، انطلق اإذا من رغبته يف تاأ�سي�س فكر ي�ساهي به ما لدى الغربيني، ويتطلع اإىل و�سع

ه الن�سر ل الطي بذلك املا�سي، ولي�س يف ذلك املا�سي �سيء �سوى الدين، حيث كان هم

م�سروع فل�سفي يعيد به النظر يف الفل�سفة وتاريخها وق�ساياها، ومدى تفاعل امل�سلمني بها قدميا وحديثا«. )�س 116(

شخصيات وأعالم طه عبد الرحمن الذي يرفع شعار »األخالق هي احلل«

272

ينفعهم يف اإقامة املعرفة الإ�سالمية والرد على خ�سومها

اإل التمكن من هذه الأ�سباب املنطقية، �سواء با�ستفادة

بع�سها من غريهم اأو بو�سع بع�سها من عندهم.

الدين �سلة يف الختالف الثاين: وال�سبب �

بالت�سي�س: الغالب على الإ�سالميني اأن يروا اأن التدين

الدين ي�سمل جميع اأن والت�سي�س ل يفرتقان، بحجة

جوانب احلياة الإن�سانية وال�سيا�سية جانب واحد منها

اأن خطاأهم يف اإل فيه، تندرج اأن فليلزم الأقل، على

نظرنا يكمن يف كون وجوه ت�سورهم لل�سيا�سة واأ�ساليب

ت�سورات عن �سيء يف يختلفان ل لها ممار�ستهم

يقولون الذين الإ�سالميني غري خ�سومهم وممار�سات

بافرتاق الدين عن ال�سيا�سة.

الدين �سلة يف الختالف الثالث: وال�سبب �

اأو »العمل التزكوي« با�سطالحات جديدة بالت�سوف

ل العمل«: و«�سوؤال الدين« »روح كتاب يف جاءت

رياح عليهم هبت الذين الإ�سالميني- بع�س يبغ�س

يبغ�سون ما مقدار �سيئا ـ خم�سو�سة م�سرقية عقدية

اأن بني خري لو بع�سهم اإن حتى واأهله، الت�سوف

م�ساحبة لختار فا�سقا، ي�سحف اأو �سوفيا ي�سحب

ال�سويف �سبيال، ويف اأهدى من اأنه الفا�سق، لعتقاده

.)25(

هذا غلواء ما بعدها غلواء«

هامة اأخرى ميزة على بالعروج املقالة هذه نختتم

م�سروعه تاأ�سي�س على الرحمن عبد طه �ساعدت

العلمي، وقلما اجتمعت لدى مفكري ال�ساحة العربية

الغرب وعارف فالرجل، »عارف بحقيقة والإ�سالمية،

اإناء الإ�سالم، ويف �سوء ذلك، �سرع يف اأي�سا بحقيقة

العربي ال�سلم املتفل�سف متكن تطبيقية منهجية خطة

من اأن يعرف من هو؛ فيقلع عن التبعية لغريه، وتوؤهله

واقعه من ي�ست�سكله مبا ياأتي اأن اأمرين: يحقق لأن

وكينونته وتراثه وهويته؛ وثانيهما: اأن يبدع مبا ي�ساهي

.)26(

ما لدى غريه من اأفكار ونظريات«

املفكر اأن العتبار بعني ناأخذ ونحن هذا نقول

قرب عن متتبع اأو متمكن �سفدي، مطاع ال�سوري

للثقافة الغربية، ولكنه يعاين من نق�س كبري يف متابعة

الثقافة العربية والإ�سالمية، والعك�س �سحيح مع اأقالم

والإ�سالمي، العربي الرتاب لكنوز متتبعة اأخرى

مقابل جهلها بكنوز الرتاث الغربي )وما اأكرثها طبعا(،

واأبي الرحمن عبد طه اأمثال مع ال�سائد بخالف

يعرب املرزوقي وعبد الوهاب امل�سريي وحممد اأركون

اآن، ا�ستوعبوا يف الذين بيغوفتي�س.. من وعلي عزت

جلية فوارق وجود مع الكنوز، هذه جممل م�سامني

طبعا يف م�سامني م�ساريعهم العلمية، ولعل قارئ كتاب

، حيث يرحتل طه )27(

»جتديد املنهج يف تقومي الرتاث«

عبد الرحمن يف تقييم وتقومي م�سروع الراحل حممد

تت�سح العربي«، العقل بـ«نقد املو�سوم اجلابري عابد

له اأحقية احلديث عن ا�ستفادة فقيه الفل�سفة من كنوز

الرتاثني العربي/ الإ�سالمي والغربي على حد �سواء.

)25( حوار مع طه عبد الرحمن، اأجراه منت�سر حمادة، و�سدر يف عدة منابر اإعالمية )يومية »القد�س العربي«، لندن، يومية »العلم«، الرباط، ف�سلية »املنطلق اجلديد«، بريوت(،

قبل �سدوره �سمن جمموعة اأخرى من احلوارات يف كتاب »حوارات من اأجل امل�ستقبل«، من�سورات الزمن، الرباط، ط 1، ني�سان/ اأبريل 2000، و�سدرت ن�سخة اأخرى

لنف�س العمل عن دار الهادي، بريوت، ط 1، 2003.

ح القول باأن اخللق هو الذي مييز الإن�سان عن غريه، ي�سيف طه يف هذه اجلزئية الدقيقة: لقد »بطل عندي العتقاد املوروث عن اليونان اأن العقل هو الو�سف املميز لالإن�سان، و�س

وباأن الفعل العقلي اإمنا هو فعل خلقي، بدليل اأن هذا الفعل العقلي ل ين�سب اإىل الإن�سان اإل ب�سرط ح�سول ا�ستح�سانه متى انتفعنا به اأو ح�سول ا�ستقباحه متى ت�سررنا به،

وال�ستح�سان وال�ستقباح فعالن خلقيان، لذلك، لي�س ال�سوؤال الفل�سفي الأول، كما ظن املتقدمون، هو »ما الوجود«؟ ول، كما ظن املتاأخرون، هو »من اأنا«؟، واإمنا هو »كيف

اأكون متخلقا«؟، اأو اإن �سئت قلت: »كيف اأكون اإن�سانا«؟، فـ»الأخالقية« و»الإن�سانية« يف نظري اإ�سمان مل�سمى واحد«.

)26( عبا�س اأرحيلة، فيل�سوف يف املواجهة، مرجع �سابق، �س 22.

)27( طه عبد الرحمن، جتديد املنهج يف تقومي الرتاث، املركز الثقايف العربي، بريوت ـ الدار البي�ساء، ط 1، 1994.

طه عبد الرحمن الذي يرفع شعار »األخالق هي احلل«شخصيات وأعالم

273

بري�سة الفنان حممد اأ�ستاد، الإمارات العربية املتحدة

مقدمة من »جممع اأبوظبي للفنون«

274

التوراة تتحدث عن بيت الله احلرام

لع�سام �سكيف

�سدر لع�سام �سكيب كتاب بعنوان »التوراة تتحدث عن بيت اهلل

احلرام« يف طبعته الأوىل للنا�سر املركز العربي ب�سراكة مع موؤ�س�سة

موؤمنون بال حدود. تطرق الكاتب يف موؤلفه هذا اإىل املفاهيم املغلوطة

عن الأماكن املقد�سة يف خريطة فل�سطني املعا�سرة، بحيث اأو�سح هده

والنظريات التوراتية التف�سريات بني التناق�س طريق عن املغالطة

الأركيولوجية. الدرا�سات به اأتت الأماكن وما الربوت�ستانتية لهذه

وجاء كتابه موزعا على ثمانية ف�سول ل�سيقة بالأماكن.

اأن اأن اختيار الأماكن مل يكن اعتباطيا و ذلك بحكم ول منا�س

اأ�سماء الأماكن تعد ب�سكل كبري قاعدة اأ�سا�سية للطرح الإ�سرائيلي.

الإ�سكالية هذه �سكيب ع�سام عالج الكتاب، هذا خالل من

املطروحة ، كما حاول الإجابة عن جمموعة من الأ�سئلة مثل : اأين

اأ�س�ست اإ�سرائيل نظريتها على هذه الرموز التوراتية جاعلة بذلك فل�سطني املجال توجد هذه الأماكن؟ وكيف

اجلغرايف الذي حدثت فيه كل تلك الوقائع والأحداث املرتبطة باإ�سرائيل قدميا؟

متيز طرح الكاتب باعتماده روؤية جديدة بديلة للطرح الإ�سرائيلي، وبو�سعه خريطة جديدة لهذه الأماكن بناء على

الن�سو�س التوراتية التي ل تن�سجم فقط مع اليهودية بل مع �سائر الديانات ال�سماوية.

حترير العقل االإ�سالمي

لقا�سم �سعيب

يعد »حترير العقل الإ�سالمي« لقا�سم �سعيب من اأهم الكتب التي تدعو

وع�سبيات التاريخ قيود من الإ�سالمي العقل حترير اإىل اإىل باإحلاح

املجتمع و زيف ال�سيا�سة و ف�ساد الواقع. فلقد بات �سروريا التحرر من

حمى املذهبية واإكراهات ال�سلطة.

فقا�سم �سعيب اأو�سح بتحليل الواقع ، اأننا اأمام عقل يدعي النتماء اإىل

الإ�سالم لكنه يف العمق بعيد كل البعد عنه. فتجميد حركة العقل

الناجتة عن الرف�س املزمن لنعمة الختالف التي فطر اهلل النا�س عليها

اأنتج اأحكام قيمية يتقاذفها احلاملون لهذه العقول لي�سبح العلماين يف

نظر الأ�سويل متطرفا والعلماين زنديقا يف نظر الأ�سويل، فعدم تقبل

الختالف بو�سفه غنى يوؤدي اإىل احتقار الإن�سان و اإق�ساء الآخر.

اإن حترير العقل الإ�سالمي �سرورة ملحة عرب نقد امل�سلمات والبداهات

التاريخية لي�سبح كل �سيء قابال للنقد بعيدا عن كل املخاوف التي

كبلت العقل الإ�سالمي و هيمنت على فكره وحركته. فاخلوف يعد �سببا رئي�سيا يف هروب امل�سلم من جمتمعه الأو�سع

لالختباء خلف انتماءات �سيقة تتجلى يف احلزب اأو الطائفة اأو املذهب. فال ميكن جتاوز هذه العراقيل اإل بالعقل فهو

الأ�سا�س. و هذا ما ي�سعى اإليه هذا الكتاب.

إصدارات املؤسسةحصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود

275 العدد األول، ربيع 2013

اأ�سباب النزول

لب�سام اجلمل

النزول اأ�سباب العقبات يف جمال بحث العديد من الباحثني تعرت�س

العلوم منظومة نقد يف حرجا فيجدون والعلمية. النظرية ابعاده يف

من وفقه. فقه واأ�سول كالم وعلم حديث و تف�سري من الكال�سيكية

خالل كتاب »اأ�سباب النزول«، وقف ب�سام اجلمل اأمام هذه العقبات دون

النخراط يف ال�سراعات التي تتعلق بها بحيث ارحتل مع هذا املو�سوع

بجمعه وحتليله املواد املتوفرة لذلك، ومقارنة عنا�سرها مع ما اأثبتته امل�سادر

يف ال�سرية و التاريخ.

خل�س الكاتب اإىل ا�ستنتاجات ثمينة متثلت يف كون ت�سعة اأع�سار اآيات

امل�سحف ل تتوفر عنها اأ�سباب معينة واأن ثمانني يف املائة من الأ�سباب

الذي طغى املنهج اأن واأي�سا الأحكام. باآيات الأخبار ل باآيات تتعلق

على توظيف هذه الأ�سباب هو منهج تربيري لختيارات الفقهاء املتاأخرة

عن زمن النزول. وفق ب�سام بني الأ�سباب التي ت�ستمل على تناق�س وا�سح من جهة و اإق�ساء من جهة اأخرى للفرق

و املذاهب ما بعد ع�سر النبوة.

بعد التمحي�س الدقيق تبني اأن اأ�سباب النزول ل تكفي يف تبني كل ما ي�سعى اإىل معرفته الباحث بدقة يف الن�س

القراآين مما يو�سح تاأكيد ب�سام اجلمل على اأن الأيات القراآنية هي التي يجب ان حتكم اأ�سباب النزول ل العك�س.

الت�سكيل الب�سري لالإ�سالم

ملحمد اأركون

ميثل هذا الكتاب مقدمة حقيقية لأنرثوبولوجيا الإ�سالم ملحمد اأركون.

الكتاب فهذا الآن، حتى موجع ب�سكل تنق�سنا كانت مقدمة وهي

الأخري يقدم لنا خمتلف املفاهيم الفكرية التي بلورها ، كما يك�سف لنا

عن خمتلف الأبحاث الكربى التي تغذى منها وا�ستفاد. وعالوة على

اأي�سا ي�ستمل الكتاب فاإن الذاتية، �سريته عن معروفة غري اإ�ساءات

على حدو�سات معرفية خاطفة و�ساطعة، ويتيح لفكر حممد اأركون اأن

يظل حيا، واأن ي�ستمر يف الإ�سعاع.

كان حممد اأركون الأب املوؤ�س�س لعلم الإ�سالميات التطبيقية، ولكنه

كان اأول وقبل كل �سيء اأحد اأكرب املخت�سني يف بالدرا�سات الإ�سالمية

القرن يف العربية الإن�سانية للنزعة ال�سرعي الوريث وهذا املعا�سرة.

الرابع الهجري مل يرك�س قط وراء الأ�سواء وو�سائل الإعالم كما يفعل

الكثريون. ومل يتملق الكبار ومل ينحن لهم.

ماكان يقوله عن الإ�سالم املعا�سر مل يكن يروق قط لل�سلطات القائمة يف العاملني العربي والإ�سالمي ، ولكنه مل يكن

لريوق اأي�سا لدعاة الإ�سالموفوبيا يف الغرب.كان يزعج على اجلهتني.

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود إصدارات املؤسسة

276

جتديد اأ�سول الفقه

لزكي امليالد

هذا الكتاب يحاول اأن ينبه على �سرورة ا�ستعادة العالقة بني الفكر

لتكون ، وتنميتها العالقة الفقه، وتفعيل هذه واأ�سول الإ�سالمي

اأ�سول الفقه منهجا وخربة ومعرفة حا�سرا و فاعال وموؤثرا يف �ساحة

الفكر الإ�سالمي.

عن واإمنا علما، الفقه اأ�سول عن لي�ست الدرا�سة هذه اأن كما

اأ�سول فالدرا�سات يف فعال. نحتاجه ما وهذا فكرا، الفقه ا�سول

الفقه كثرية، وهي التي ا�ستحوذت على الهتمام قدميا وحديثا، يف

حني اأن الدرا�سات التي عنه كانت قليلة ومتفرقة، لكنها تزايدت

واأخذت وثرية مت�ساعدة يف فرتة ما بعد ثمانينات القرن املا�سي.

وقد حاول املوؤلف قدر الإمكان اأن تكون الدرا�سات يف هذا الكتاب

من منط الدرا�سات اجلديدة واحلديثة، واأن تك�سف عن الإجتاهات

اجلديدة يف �ساحة اأ�سول الفقه، وتقدم جديدا يف هذا املجال.

�سو�سيولوجيا االإ�سالم املغربي

ليون�س لوكيلي

تراهن هذه الدرا�سة على تقدمي �سورة بيبليوـ مو�سوعية عن الإ�سالم

يف الرتاث الكولونيايل الفرن�سي ما بني �سنة 1900 و�سنة 1930

من خالل اأهم كتب املرحلة وكتابها. هذا عن الثمرة الرئي�سية التي

تقدمها هذه الدرا�سة للقارئ املتخ�س�س.

بـ تعريفيا مدخال الكتاب هذا فليعترب املبتدئ القارئ اأمــا

الكولونيايل الرثاث يف الكولونيايل الإ�سالم« »�سو�سيولوجيا

و�سريهم املرحلة موؤلفي باأبرز يعرفه فهو ذاتها، للفرتة الفرن�سي

العلمية، ويروي ف�سول القارئ ملو�سوعات كتبهم واآثارهم، من دون

ان تخلو هذه الدرا�سة من مالحظات نقدية.

هو تاأطرييا مفهوما تبنت الدرا�سة هذه اأن اإىل الإ�سارة وجتدر

»الإ�سالم املغربي« الذي يعود ا�ستعماله يف الأدبيات العلمية اإىل

بدايات القرن الع�سرين قبل اتفاقية احلماية الفرن�سية للمغرب.

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود

277 العدد األول، ربيع 2013

فتنة احلداثة

لقا�سم �سعيب

ما نطرحه يف هذا الكتاب وندعو اإليه هو الإ�سالم احلقيقي الذي يتبنى

اإرادة يعك�س نظام اإطار يف والف�سيلة والكرامة والعدالة احلرية قيم

اأغرقوا اإ�سالم الكهنة وال�سالطني الذين اإىل اإننا ل ندعو هنا النا�س.

اإ�سالم اإىل ول والظلم، اجلهل م�ستنقعات لقرون طويلة يف امل�سلمني

اخلرافة ون�سرت امل�سلمني وحدة ومزقت �سنعوها التي الجتاهات

وبررت الف�ساد وتواطاأت مع احلكام ؛ ولكننا ندعو اإىل اإ�سالم عقالين

منفتح وعادل يعمل من اأجل الإن�سان مهما كان انتماوؤه.

اإن الإ�سالم يف جوهره دعوة اإىل احلرية والعدالة وكل القيم الإن�سانية

الرفيعة، وهو يقدم ما يكفي من الت�سريعات حلماية هذه القيم. بل اإن

الإ�سالم ميلك ما ل متلكه هذه احلداثة املوؤ�س�سة على روؤية مادية للحياة،

فهو ف�سال عن اهتمامه بالحتياجات املادية لالإن�سان ، يويل عناية فائقة

لإ�سباع نهمه الروحي واملعنوي.

ال�سنة بني االأ�سول و التاريخ

حلمادي ذويب

التاريخ«. و الأ�سول بني »ال�سنة بعنوان كتاب ذويب حلمادي �سدر

يو�سح الكتاب الثنائية القائمة بني منزلة ال�سنة �سمن املدونة الأ�سولية

و �سلتها بال�سياق التاريخي. ويرى الكاتب يف دعواه الأ�سا�سية اأن ال�سنة

فكر ب�سري اجتهادي ل وحي منزل من ال�سماء.

تاأ�سي�س التي تقوم على امل�سلمة اإىل درا�سة الباحث يف كتابه ي�سعى

حجية ال�سنة بو�سفها اأ�سال ثانيا من اأ�سول الفقه. وبني اأن هذا التاأ�سي�س

القرن �سهدها ظواهر على فعل كرد اإن�ساين جاء تاريخي فعل هو اإمنا

الثاين هددت احلديث النبوي والفئة التي توؤ�س�س عليه اأيديولوجيتها ،

وهي اأهل احلديث.

ويذهب ذويب اإىل اأن املنظومة الأ�سولية اأ�سبحت يف ع�سرنا احلديث

متكل�سة وجامدة املعاين والقيم ، ل تتطابق اأحكامها مع الواقع املو�سوعي

املتجدد، لأنها فقدت �سلتها بالتاريخ واأ�سبحت عاجزة على رفع حتدياته

ومواكبة جديده.

غري اأن نقد املنظومة التقليدية التي تاأ�س�ست عليها العلوم الدينية ل يعني يف نظر الباحث القطيعة مع الرتاث والتنكر

له، بل هو دعوة اإىل التو�سل يف درا�سته باملتاح العلمي يف هذا الع�سر حتى يتي�سر لنا فهمه وك�سف اآليات ا�ستغاله

والقراءة احلية ملنتجاته.

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود إصدارات املؤسسة

278

امتداد على املغربية املحمدية مدينة

عنوان: حتت علمية ندوة اأيام ثالثة

روؤية نحو الثقايف: والتغيري الديني »الإ�سالح

حدود بال »موؤمنون موؤ�س�سة نظمتها اإن�سانية«،

مايو اأيار/ 20 اإىل 18 )من والأبحاث«. للدرا�سات

2012(، حيث تفرعت حماور هذا اللقاء العلمي على العناوين التالية:

املدنية بالدولة وعالقتها الإ�سالمية املرجعية .1)وعرفت ال�سيا�سي الإ�سالم ورهانات والدميقراطية

جاء الذي الرتتيب التالية، ح�سب الأ�سماء م�ساركة

مقتدر، ر�سيد مكاوي، رجاء الر�سمي: الربنامج يف

مولي اأحمد �سابر، حممد الكوخي، عبد اهلل هداري،

منت�سر حمادة(

2. رهانات الإ�سالح الديني من النغالق واخل�سو�سية نحو نزعة اإن�سانية منفتحة )خالد حاجي، �سعيد �سبار،

اهلل عبد احل�سن حما، كيايل، ميادة م�سروح، اإبراهيم

اإدلكو�س، عبد العزيز راجل(

الإ�سالح الديني يف املغرب، الواقع والإ�سكالت .3الدين، تاج م�سطفى ال�سرقاوي، )نادية واملتطلبات

عبد الوايف مدفون، عبد العايل املتقي، يو�سف بنا�سر،

يو�سف هرمية، مولي حممد الإ�سماعيلي(

مناهج ، الدينية املعرفة م�سادر حمور واأخــريا، .4)حممد الفكرية وامل�ساريع والتجديد النقد واأدوات

الوكيلي، العرو�سي، ه�سام ر�سيد، يون�س نادية همام،

رجاد، �سعاد اأمهال، اإبراهيم طريب، اللطيف عبد

حممد الطويل(.

مقت�سيات عند للندوة التاأطريية الأر�سية وتوقفت

املحمدية: ندوة »اال�سالح الديني والتغيري

الثقايف:نحو روؤية اإن�سانية«

اأنه معتربة الثقايف والتغيري الديني الإ�سالح �سوؤال

اأ�سبح �سرورة واقعية اأكرث من اأي وقت م�سى، بحكم

التغيري ي�سبقه اأن بال�سرورة ال�سيا�سي التغيري اأن

اإ�سالح ي�سبقه اأن بال�سرورة الثقايف والتغيري الثقايف

الواقع ملقت�سيات وفقا الدين مع التعاطي يف وجتديد

وروح الع�سر التي يحكمها ال�سقف املعريف الذي عليه

الإن�سانية اليوم؛ كما اأ�سارت هذه الورقة اإىل اأنه غالبا

ما يطرح »التجديد« حتت �سغط ح�ساري اإن�ساين لعبور

العاملية والثقافة الإ�سالمي الدين بني املاثلة الفجوة

واآلياتها املعرفية وقيمها الجتماعية واأطرها الراهنة

ما اأي�سا وغالبا والقت�سادية؛ وال�سيا�سية الد�ستورية

مياثلون املقاربات حيث ملنطق املجددين بع�س يجنح

الدين كخري والدميقراطية القراآين ال�سورى ن�س بني

الإ�سالمية املنظومتني تعار�س عن غافلني التون�سي

املقابل ويف واملعرفية؛ الن�سقية ومرجعيتهما والغربية

يجنح البع�س اإىل منطق املقارنات منطلقني من مثالية

بعدالة متيزه نحو على الإ�سالم من املجرتحة املبادئ

اإن�سانية اجتماعية ل هي بالراأ�سمالية ول ال�سرتاكية،

وتقنني و�سع الفرد يف اإطار اجلماعة مبعزل عن ليربالية

احلقوق الفردية الغربية وتبعاتها الجتماعية والأخالقية

ال�سالبة، م�سيفة اأن الغاية املرتتبة عن الإ�سالح الديني

منا بني اآدم« باإعالء هي كرامة الإن�سان تعاىل: »ولقد كر

الدنيا، احلياة هذه م�سريه يف �سيد فهو و�ساأنه، قيمته

الجتماعية العالقات تنظيم يعيد اأن �ساأنه وهذا من

حت�سر واأ�سلم اأقوى ب�سكل والقت�سادية... والثقافية

التفكري يف واحلرية واحلقوق والكرامة امل�ساواة معه

والختيار، وهذا مطلب اإن�ساين عام.

احتضنت

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود

ء

279 العدد األول، ربيع 2013

اأعمال من العديد بجدية املنظمة اللجنة اأ�سادت

الباحثني امل�ساركني، وبع�سهم كان م�ساركا يف اأ�سغال

من ي�سفع املعطى هذا اأن واعتربت ، العلمي اللقاء

اأجل تنظيم لقاءات علمية قادمة يف الطريق.

الباحثني من للعديد امل�سرتكة القوا�سم اأهم ولعل

امل�ساركني، الرهان على العمل البحثي النقدي، وهذا

ما ات�سح على اخل�سو�س يف ثنايا النقا�سات التي تلت

املحا�سرات، واأي�سا، اأثناء النقا�س الذي جرى يف ثنايا

اجلل�سات الثالث.

لبع�س النقد �سهام لتوجيه منا�سبة اللقاء وكــان

التحديات التي تواجه منط التدين يف ال�ساحة املغربية،

ونخ�س بالذكر، ثنايا بع�س املداخالت التي جاءت يف

اجلل�سة الثالثة )الإ�سالح الديني يف املغرب(.

ولعل اأهم خال�سات هذا اللقاء التذكري باأن الإن�سان

احلر وامل�سوؤول هو الركيزة الأهم يف اأي طرح نه�سوي،

ميكن فال الطبيعية حقوقه على يتح�سل مل ما واأنه

اأهدافها، ويف هذا والنه�سة التنمية اأن حتقق عمليات

اأبعادا الديني الإ�سالح م�ساألة اتخذت ال�سياق،

اإن�سانية ترقى فوق الإ�سالحات اجلزئية املعنية باإ�سالح

لتتجه نحو حتييد والتف�سري، والتقنني اآليات الجتهاد

جميع ال�ستالبات التي اأعاقت قيامه بدوره احل�ساري

و�سيا�سية؛ واجتماعية ثقافية بقيود عقله وكبلت

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود ندوة »اإلصالح الديني والتغيير الثقافي نحو رؤية إنسانية«

والتذكري اأي�سا باأن غايات الإ�سالح واملقاربات النقدية

واحتياجات متطلبات مع تت�ساوق اأن يجب الدينية

ال�سعوب العربية، ول حت�سر نف�سها يف اإطار الإ�سالح

ال�سيا�سي وهي م�سدودة لن�سق ثقايف مت�سابه ما قبل

والكرامة باحلرية مطالبة قامت التي الثورات وبعد

والدميقراطية.

280

موؤ�س�سة موؤمنون بال حدود ندوة عمل حول

تاأ�سي�س واإع��ادة الإ�سالمي »اخلطاب

املجال العام« بفندق برياميزا بالدقي على مدار يومي

الرابع و اخلام�س من يناير 2013 .

الأول حما�سرتني حول لليوم الأوىل اجلل�سة تناولت

الإ�سالمية احلركات يف والتعدد التنوع م�سكلة

بنية مع وتفاعله الهوية خطاب وم�سكلة املعا�سرة،

الواقع املجتمعي املعا�سر.

العلوم يف )الباحث النجار مــازن الدكتور وراأى

الثورات قيام اأن الجتماعية والفل�سفة( خالل ورقته

العربية يف العامني الأخريين فتح الباب جمددا ملناق�سة

ق�سايا اأ�سا�سية مطلوب الجتهاد فيها من الإ�سالميني،

ثالث يف الق�سايا هذه را�سدا الإ�سالميني، وغري

م�سائل رئي�سية.

وحدة يف ال�سيا�سي »الباحث العربي حممد اأمــا

اأثناء قال فقد بالإ�سكندرية« امل�ستقبلية الدرا�سات

عر�س ورقته البحثية التى حملت عنوان »ال�سالميون

والهوية « اأن تيار الإ�سالم ال�سيا�سي هو تيار »هوياتي«،

اقت�سادية م�سالح من ال�سيا�سي ال�سراع عملية ينقل

واجتماعية اإىل �سراع هوية، واأنه مرتبط بتطور خطاب

التا�سع القرن اأواخر بداأ يف الذي الإ�سالمي الإحياء

ع�سر واأوائل القرن الع�سرين.

ثم تناولت اجلل�سة الثانية من اليوم الأول حما�سرتني

القاهرة: ندوة »اخلطاب اال�سالمى

واعادة تاأ�سي�س املجال العام«

بها ال�سلطة خطابات و الإ�سالمية امل�ساحات حول

وحول املراأة يف خطاب الف�سائيات الإ�سالمية، حيث

جمال يف »الباحث احللبوين فــوؤاد الدكتور حتدث

بالوليات هبوكنز جونز جامعة من الأنرثوبولوجيا

اأ�سكال اأن املتحدة الأمريكية« فى ورقته البحثية عن

العقلنة واجلدال املتاحة داخل املجال العام الإ�سالمي

امل�سلمة للمجتمعات غري املالئمة بامل�ساحة ت�سمح ل

يف الوطن العربي لإتباع التقاليد الدينية اخلا�سة بهم

وحلرية التعبري وذلك لربط املجال العام ب�سلطة الدولة

احلديثة و�سيا�سات النظام العام.

والنا�سطة »الباحثة �سعيد خلود الأ�ستاذة واألقت

يف املراأة بعنوان« "حما�سرة بالأ�سكندرية ال�سيا�سية

اخلطاب اأن م�سرية الإ�سالمية" الف�سائيات خطاب

يرى اأنه فاإما اإ�سكاليتني يف يقع املعا�سر الإ�سالمي

املراأة عورة، و اإما اأنه ل يراها اأ�سال ول يرى لوجودها

اأية اأهمية.

وتناولت اجلل�سة الأوىل لليوم الثانى حما�سرتني حول

عالقة اخلطاب الإ�سالمي بنظام احلكم واآليات التغيري،

والإ�سالميون وال�سلطة .

»الباحث يف موؤ�س�سة بيت الدين اعترب �سريف حمي

البحثية ورقته فى ال�سرتاتيجية« للدرا�سات احلكمة

الإ�سالمي اخلطاب »عالقة عنوان حتت جاءت التى

بنظام احلكم واآليات التغيري«، اأن من بني اأهم اأ�سباب

ال�سراع تاأطري هو املجتمع يف احلايل ال�ستقطاب

كونها احلالية يف عدم النتقالية املرحلة ال�سيا�سي يف

الهوية، على �سراع ولكن والنظام الثورة بني �سراعا

عقدت

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود

ء

ء

281 العدد األول، ربيع 2013

من خالل ذاته انتاج لإعادة للنظام الفر�سة يتيح مما

جميع الأطراف.

جورج بجامعة »الباحث همام اأحمد الأ�ستاذ اأما

وا�سنطن بالوليات املتحدة الأمريكية « فقد قدم ورقة

بحثية حتت عنوان "الإ�سالميون وال�سلطة »طارحا �سوؤل

حموريا، هو : هل اخلطاب الإ�سالمي منتج �سلطوي اأم

يفتح املجال لإمكانية التحرر من قيود ال�سلطة املوروثة

منذ دولة يوليو 52؟

وقال همام اأنه يرى اأن الدولة احلديثة ت�سعى لتحديد

دور و�سلوك الفرد ول تهدف ملحاربة الدين، ذاهبا اإىل

اأن الدولة يف م�سر مل حتارب الدين لكنها كانت تعادي

الروؤى وامل�ساحات التي تخرج عن نطاق �سيطرة الدولة

اأي كان انتماء هذه الروؤى وامل�ساحات.

اأخريتني مبحا�سرتني فاعليتها العمل ندوة واختتمت

العام، املجال واحلريات يف الإ�سالمي اخلطاب حول

الإ�سالمي اخلطاب اإطار يف العام واملجال والطاغية

املعا�سر.

التاريخ »اأ�ستاذ يون�س �سريف الدكتور اأو�سح حيث

حملت التي حما�سرته يف حلوان« بجامعة احلديث

عنوان »اخلطاب الإ�سالمي واحلريات يف املجال العام«

اأن ما يعرب عن اأزمة م�سروع الإ�سالم ال�سيا�سي يف هذه

املرحلة، هو ذلك العجز البني والفقر ال�سديد يف الثقافة

ال�سيا�سية والإبداع الفني والأدبي. ومتابعا اأن الق�سية

والفكر الفن على الإ�سالميني« »اأخطار لي�ست هنا

والثقافة والأدب، اإىل غري ذلك لكنها ق�سية حمدودية

»فكرة الإ�سالم الكلية« اأو حدوديته.

»اأ�ستاذ �سفار الدكتور حممد الإطار حتدث هذا وفى

»الطاغية القاهرة « حول ال�سيا�سية يف جامعة النظرية

واملجال العام يف اإطار اخلطاب الإ�سالمي املعا�سر«،

اأو ليربايل اأو اإ�سالمي خطاب يوجد »ل اأنه مو�سحا

ي�ساري اأو قومي، لنتقاء وجود اخلطاب كظاهرة متعلقة

بالإنتاج الفكري من الأ�سل« واإمنا هناك ظاهر وباطن

برتاكيب منت�سرة الفكرية التيارات خمتلف لدى

و�سور ي�سعب ح�سرها.

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود ندوة »اخلطاب اإلسالمي وإعادة تأسيس املجال العام«

282

»موؤمنون بال حدود« للدرا�سات والأبحاث

والتعدد للثقافة تون�س رابطة مع بالتعاون

العا�سمة بتون�س علمية ور�سة اجلاحظ ومنتدى

»الدين عنوان 2013، حتت فرباير و16 15 يومي

الربيع �سياق يف متجددة روؤى نحو وال�سيا�سة:

الباحثني من عدد مداخالتها اأثث وقد العربي«،

والتاريخي احلقوقي منها خمتلفة اخت�سا�سات يف

منهم نذكر والإعالمي.. واحل�ساري والجتماعي

والفكر الدين اأ�سول اأ�ستاذ النيفر احميدة الأ�ستاذ

الإ�سالمي املعا�سر ورئي�س رابطة تون�س للثقافة والتعدد

الذي نظر يف التجربة العلمانية وعالقة الدين بالدولة

املواطنة اإىل ال�سلطوي النظام من تون�س يف احلديثة

رئي�س اجلور�سي �سالح الأ�ستاذ وكذلك الفاعلة،

منتدى اجلاحظ الذي بحث م�ساألة تفاعل الإ�سالميني

من انتقالهم معر�س يف واحلريات املواطنة ق�سايا مع

ميلكون كانوا اإذا عما وت�ساءل ال�سلطة اإىل املعار�سة

والدولة، احلكم يف متكاملة ونظرية �سيا�سيا بديال

على دميقراطي نظام تاأ�سي�س على قدرتهم ومدى

اأ�سا�س املواطنة وي�سمن احرتام احلريات. اأما الأ�ستاذ

عدنان املقراين اأ�ستاذ الدرا�سات الإ�سالمية والعالقات

الغريغورية البابوية باجلامعة امل�سيحية الإ�سالمية

بروما والإ�سالمية العربية للدرا�سات البابوي واملعهد

فقد اهتم بالعالقة بني الديني وال�سيا�سي يف ال�سياق

الأوروبي مركزا على خ�سو�سية التجربة الإيطالية.

ق الأ�ستاذ حممد ال�سريف الفرجاين املخت�س يف وتطر

العلوم ال�سيا�سية والدرا�سة املقارنية لالأديان يف مداخلته

متطلبات بني بتون�س النه�سة حركة و�سعية اإىل

تون�س: ندوة »الدين وال�سيا�سة: نحو روؤى

متجددة يف �سياق الربيع العربي«

ملرجعياتها والوفاء الدميقراطي امل�سار يف النخراط

العالين، حممد الأ�ستاذ ج عر حني يف الإخوانية..

الباحث يف القت�ساد والعلوم ال�سيا�سية، على اجلذور

التاريخية لعالقة الدين بال�سيا�سة يف التجربة التاريخية

الإ�سالمية انطالقا من حادثة ال�سقيفة واأحداث الفتنة

الدينية الن�سو�س ت�سخري م�ساألة ليتناول الكربى

البالد عا�ستها التي املختلفة احلكم اأنظمة لتربير

املعا�سر ال�سيا�سي بالواقع ذلك وربط الإ�سالمية

الفكر ماأزق اأ�سماه مما اخلروج �سبل عن ليت�ساءل

ال�سيا�سي الإ�سالمي وماأزق الربيع العربي. ويف �سياق

قريب من هذا املو�سوع طرح اأ�ستاذ العلوم الإ�سالمية

وعلوم الرتبية ال�سيد م�سدق اجلليدي �سوؤال »اأي و�سع

للدميقراطية؟ بني العلمانية املوؤمنة والإميان العلماين«.

اأ�سا�سية حماور ثالثة �سمن املداخالت تنزلت وقد

�سبطتها الورقة العلمية للور�سة ومتثلت يف:

اأ. الإ�سالم ال�سيا�سي والق�سايا املثارة بعد الثورات

العربية.

1.الإ�سالميون وق�سايا املواطنة واحلريات ونظام احلكم الدميقراطي.

الد�ستور واإ�سكالية تطبيق ال�سريعة والدولة املدنية .2مبرجعية اإ�سالمية.

3. ح�سور ال�سلفية يف ال�سيا�سة والعالقة مع احلركات اأو النه�سة كحزب الو�سطية الإ�سالمية والأحــزاب

الإخوان امل�سلمني وتاأثريها يف ال�ساأن ال�سيا�سي.

4. درا�سة حالت حتول فقهاء ودعاة اإىل رجال �سيا�سة عقب الثورات العربية باعتبارها حالت عينية لعالقة

الدين بال�سيا�سة.

مت نظ

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود

283 العدد األول، ربيع 2013

)ال�سنة-ال�سيعة(.

2. دور الفكر الديني التجديدي يف �سريورة بناء دولة املجال عن ال�سيا�سي املجال ف�سل واإمكانية املواطنة

الديني املقد�س.

على تركزت ثرية املداخالت نقا�سات كانت وقد

ومنها املقدمة العلمية الورقات اأثارتها عدة مفاهيم

والو�ساية النبوة وختم ال�سرعية وال�سيا�سة العلمانية

اأهمية وعك�ست الإن�سان.. وحقوق واحلرية واملواطنة

جمال تو�سيع اإىل واحلاجة وراهنيته املطروح املو�سوع

النظر فيه خا�سة يف �سياق الربيع العربي الذي ك�سف

اختالل يف امل�سهد الثقايف وال�سيا�سي والديني وجبت

�سبل وحتديد ت�سخي�سها بغية اأ�سبابه ي وتق�س متابعته

جتاوزها وتالفيها.

ب.تاريخية الفكر ال�سيا�سي الإ�سالمي

عالقة تدبري يف اإ�سالمية دول جتارب ا�ستعرا�س .1الدين بال�سيا�سة.

جتارب تدبري املفاهيم الدينية يف احلقل ال�سيا�سي، .2مثل: الدعوة، البيعة، ال�سريعة، الولء والرباء، اخلالفة،

الطاعة، احلاكمية...الخ.

3. تفكيك التجربة النبوية التي جمعت بني الوظيفة الدينية وال�سيا�سية، وك�سف اأبعادها التاريخية واأدوارها

احل�سارية.

التي والجتماعية التاريخية ال�سريورات اإبراز .4املا�سي يف الإ�سالمية ال�سيا�سية النظرية �سكلت

والب�سري املطلق الديني بني فيها والتمييز واحلا�سر،

الن�سبي.

العالقات �سياق يف الديني الفكر جتديد ج.

الدولية

الدولية العالقات يف بال�سيا�سي الديني تداخل .1خالل من العاملي ال�سالم على ذلك وانعكا�سات

مناذج بني- دينية)الإ�سالم وامل�سيحية( اأو بني- مذهبية

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود ندوة »الدين والسياسة: نحو رؤى متجددة في سياق الربيع العربي.

284

الندوة التي عقدتها موؤ�س�سة »موؤمنون بال

ثالثة اإىل والأبحاث للدرا�سات حدود«

اأيام من 22-24 فرباير 2013 يف مدينة �سو�سة بتون�س

حتت عنوان: »ال�سالح الديني بعد الربيع العربي:

اأ�سغالها وتوزعت ومتطلباته«. وهاناته، �سروراته،

اإىل ثالثة اأن�سطة رئي�سية:

تقدم املداخالت من �سل�سلة يف الأول الن�ساط متثل

بها جمموعة من الباحثني ذوي الخت�سا�سات العلمية

التجديد مبو�سوع اهتمامها يف امللتقية لكن املختلفة،

نقدية نظر زوايا من يجري التناول جعل مما الديني،

التي الأفكار حول ملناق�سات منطلقا كانت متنوعة،

اأثارتها هذه املنظورات املختلفة.

ك الباحثون يف �سياق حمورين ملو�سوع جتديد وقد حتر

اأو الديني التجديد دواعي بيان هما الديني، الفكر

�سرورته، وعر�س بع�س مداخله اأو �سبله.

اط اخلر حممد الأ�ستاذ عر�س الأول املحور ففي

)جامعة �سفاق�س، تون�س( اإىل �سرورة التجديد الديني

بالوقوف على الإ�سكاليات التي

يف امل�ستوى الت�سريعي

تت�سمنها الدعوة اإىل تطبيق ال�سريعة.

وبني الأ�ستاذ اأن�س الطريقي )جامعة القريوان، تون�س(

عن التاأ�سي�س النظري

عجز حركات الإ�سالم ال�سيا�سي

عقائدي مل�سمون تكرارها ب�سبب املدنية لل�سيا�سة

يناق�س مطلب املدنية من الأ�سا�س.

ا�سالمي

�سو�سة: ندوة» اال�سالح الديني بعد الربيع

: �سروراته، رهاناته، ومتطلباته«

العربي

ت تون�س( امتد تون�س، )جامعة القبي مر�سد الأ�ستاذ ولفت

مع ال�سالميني املفكرين تعاطي م�ساكل اإىل النتباه

، و على راأ�سها

م�ساألة احلريات يف ال�سياق الدميقراطي

احلريات الدينية.

ق الأ�ستاذ با�سم املكي )جامعة قاب�س، تون�س( اإىل وتطر

ال�سرورة الجتماعية و النف�سية لالإ�سالح الديني من

خالل عر�س مالمح واقع التمزق الذي يعي�سه امل�سلم

يف انخراطه متطلبات و

الديني موروثه بني املعا�سر

ن�سق احلداثة.

�سفاق�س، )جامعة القرقوري فاطمة الباحثة واهتمت

اأبرز باعتباره

الديني التجديد �سرورة بتاأكيد تون�س(

بعد ثورات

العربي

حاجات الو�سع الثوري ال�سيا�سي

.

الربيع العربي

و

واأما يف املحور الثاين: حمور �سبل التجديد الديني

مداخله فقد حتدث الأ�ستاذ املفكر عبد املجيد ال�سريف

اإ�سكاليته لإخراجه من

الفقه الإ�سالمي عن مراجعة

اإىل حولته التي ماأ�س�سته وهي التاريخية الأ�سا�سية

قانون معرب عن الإرادة الإلهية.

اأما الباحثة �سمية بن ح�سانة )جامعة �سفاق�س، تون�س(

للحياة،

فتحدثت عن حتمية القطع مع التوجيه الديني

. و ذلك عرب بيان ثغرات

احلداثي

وتبني اخليار العلمي

اخلطاب الديني يف امل�ستوى املعريف.

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود

ء

285 العدد األول، ربيع 2013

الطريقي اأن�س الأ�ستاذ وراأى

هرمينوطيقا تبني ــرورة �ــس

العقائدية للمنظومة خمتلفة

ال�سالمية تقوم باإزالة الأ�سطرة

.

عن التوحيد ال�سالمي

وحتدث الأ�ستاذ حممد بوهالل

عن تون�س( �سو�سة، )جامعة

يف

اإ�سالمي اإ�سهام �سرورة

تبلورت التي الدين فل�سفة

خالل من الغربي الفكر يف

رودولف اأمثال كرث مفكرين

بولتمان و بول تيليت�س.

عن اأملانيا( برلني، )جامعة قنديل يون�س وحتــدث

�سرورة البحث عن خارطة للتفكري امل�سرتك يف �سبل

جتاوز اخلطاب الديني التقليدي، و اقرتح جمموعة من

فة مبداخل هذه اخلارطة.امل�سطلحات املعر

�سو�سة، )جامعة املخينيني اإميان الأ�ستاذة وحتدثت

تون�س( عن �سرورة اإجناز تاأويلية جديدة تتجاوز انغالق

الديني

الإ�سالحي للخطاب التقليدية التاأويلية

املعا�سر يف تون�س.

�سفاق�س، )جامعة �سعد في�سل الأ�ستاذ �س وتعر

تون�س( اإىل العوائق التي منعت اخلطاب الإ�سالحي

املقا�سدي ملفكري النه�سة من زحزحة هيمنة اخلطاب

اأن معتربا ال�سالمي، الديني اخلطاب على البياين

رفع تلك املوانع هو من مداخل التجديد الديني.

وحاول الباحث علي طارق الرجال اأن يك�سف اآليات

ال�سيا�سي املجال على ال�سالمية احلركات هيمنة

امل�سري بتوظيف مفاهيم هابرما�س حول املجال العام.

ومتثل الن�ساط الثاين للندوة يف تقدمي لكتاب الدين

و التدين للقا�سي عبد اجلواد يا�سني، من قبل موؤلفه،

ومناق�سته من قبل الأ�ستاذ املفكر عبد املجيد ال�سريف، و

تن�سيط للحوار من طرف الأ�ستاذ نادر احلمامي )جامعة

تون�س، تون�س(.

حلقات ثالث �سكل يف الثالث الن�ساط كان بينما

انق�سم فيها الباحثون اإىل جمموعات، و توزعت اأ�سغالها

.

على حماور متعلقة بالتجديد الديني

الإ�سالح حلقة اجلمل ب�سام الأ�ستاذ �ــس فــرتاأ

املداخالت توزعت قد و التاريخ، و املفهوم الديني:

والنقا�سات فيها حول جتربتي الإ�سالح الديني الغربية

)الربوت�ستانتية( و العربية )يف ع�سر النه�سة(.

�س الأ�ستاذ حمادي ذويب حلقة �سرورة الإ�سالح وتراأ

مداخالتها واهتمت ،

العربي بيع الر بعد

الديني

بعد

الديني لالإ�سالح الأ�سا�سية باملحاور ومناق�ساتها

الثورات العربية، كمحور العالقة بني الدين وال�سيا�سة،

و حمور الت�سريع، و حمور حقوق الإن�سان.

�س الأ�ستاذ نادر احلمامي حلقة الإ�سالح الدينيوتراأ

من جهة رهاناته و متطلباته وعوائقه. وتعلقت املداخالت

،

الديني بالإ�سالح املت�سلة بالق�سايا والنقا�سات

كق�سية التحديث، والتقدم، والتعليم، واملراأة.

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود ندوة: »اإلصالح الديني بعد الربيع العربي: ضروراته، رهاناته، ومتطلباته«

286

مبدينة مراك�س املغربية اأ�سغال الور�سة العلمية

حدود بال »موؤمنون موؤ�س�سة نظمتها التي

للدرا�سات والأبحاث«، حتت عنوان »الإ�سالميون ما

الآفاق«، التجديد، �سوؤال املواقف، الربيع: بعد

مار�س اآذار/ و31 30 والأحد ال�سبت يومي طيلة

.2013

ومتيزت الور�سة مب�ساركة العديد من الباحثني من اأجل

م�ساءلة وقراءة الواقع العربي ب�سكل عام يف �سياق �سعود

ال�سلطة يف بع�س اإىل الإ�سالمية احلركات والأحزاب

الإ�سالمية احلركات وجدت حيث العربية، الدول

نف�سها اأمام حتدي تعريف الدولة، وحتديد مفهوم الدولة

مبعناه احلديث، بحكم اأن الدولة املعا�سرة لي�ست هي

الدولة التي قد يخلط بع�س دعاة الإ�سالم ال�سيا�سي

بينها وبني ما كان �سائدا يف التاريخ الإ�سالمي.

من جمموعة مقاربة على خ�سو�سا الور�سة وراهنت

هل التالية: الأ�سئلة ومنها والإرها�سات، الأ�سئلة

بعد �ستتغري، اأو الإ�سالمية، احلركات مواقف تغريت

ال�سيا�سي الإ�سالم �سيتاأثر وهل احلكم؟ اإىل و�سولها

اأم الن�س، على الواقع اإ�سقاط اإىل وينتهي بالواقع

على الن�س اإ�سقاط اإىل الرامي توجهه يف �سي�ستمر

والديني الفكري التجديد ق�سايا عن وماذا الواقع؟

تتوفر هذه رفد جتربة احلكم؟ وهل فيها يفرت�س التي

احلركات على القابلية والإرادة والطاقات الفكرية التي

من �سانها اإجناز هذه املهمة؟ وما احللول التي �سيقدمها

وكيف القت�سادي؟ املجال يف الإ�سالمي الفاعل

مراك�س: ندوة »اال�سالميون ما بعد الربيع:

املواقف، �سوؤال التجديد، االآفاق«

�سيتعامل الإ�سالميون مع ق�سايا الهوية والتعددية؟ وما

و�سع املجتمع املدين يف ظل »احلكومات الإ�سالمية«؟.

وما م�سمون د�ساتري ما بعد الربيع الثوري؟ وهل �ستتخذ

للو�سول مطية الدميقراطية من الإ�سالمية احلركات

الدولة �سكل وما م�سمونا؟ �ستكر�سها اأم احلكم اإىل

وم�سمونها؟ هل هي دول دينية اأم ع�سكرية، اأم مدنية

علمانية، اأم مدنية مبرجعية اإ�سالمية؟

افتتحت اأ�سغال هذا اللقاء العلمي بالكلمة التي األقاها

الدكتور الطيب بوعزة با�سم موؤ�س�سة »موؤمنون بال حدود

الوحدات اإحدى مدير وهو والأبحاث«، للدرا�سات

منذ القائم احلراك اأن واعترب املوؤ�س�سة، يف البحثية

الطريق، يف منعطفا ي�سبه العربية، املنطقة يف �سنتني

وهذه الو�سوح، بغياب تتميز املنعطفات اأن ومعلوم

املتتبع ت�ساعد وا�سحة روؤى يف للتفكري املثقف مهام

بوعزة الطيب واختتم ال�سحيح، امل�سار قراءة على

املوؤ�س�سة تراهن اأن بالتاأكيد على مداخلته الفتتاحية

خ�سو�سا على قيمة التنوع يف ال�ساحة الفكرية، واأنها

تفتح الأبواب لالختالف الفكري، لأن واقعنا العربي

يف اأم�س احلاجة اإىل التعدد يف الروؤى والأفكار.

جاءت الور�سة الأوىل حتت عنوان »اإ�سكالية العالقة بني

اإدري�س )ت�سيري: ال�سيا�سي«، واملجال الديني املجال

وتفرعت عدنني(، اإكرام التقرير: واإعداد لكريني،

حتت جاءت العالم الدين لعز اأوىل حما�سرة على

وعبد وال�سيا�سة«، الدين بني التقاطع »حدود عنوان

املتاقي والب�سري بالدين«، الدولة »عالقة اأميم اجلليل

اختتم

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود

ء

287 العدد األول، ربيع 2013

ال�سيا�سية«، امل�ساركة وحتديات املغاربة »الإ�سالميون

وه�سام الهداجي »الإ�سالميون ما بعد الربيع: نظرات

علمي ر�سيد م�ساركة واأخريا، وال�سيا�سة«، الدين يف

الدري�سي، من خالل قراءة يف كتاب هان�س بلومنربغ

الذي يحمل عنوان »م�سروعية الأزمنة احلديثة«،.

فكر عنوان:»م�ستقبل حتت الثانية الور�سة وجاءت

رموزه بع�س احتكاك ظل يف ال�سيا�سي الإ�سالم

بالتدبري اليومي«، )ت�سيري: عبد الرحيم العالم، واإعداد

ها�سم م�ساركة وعرفت طيفوري(، حممد التقرير:

�سالح مبداخلة حتت عنوان »كيف ميكن حتقيق امل�ساحلة

التاريخية بني الإ�سالم و احلداثة؟«، كما عرفت الور�سة

الثانية م�ساركة عبد النبي حري )»مواقف اإ�سالمية من

حتت مبحا�سرة اأمهال واإبراهيم العلمانية«(، امل�ساألة

عنوان »الإ�سالميون: من �سعارات الهوية اإىل اإكراهات

الوظيفة«، اإكرام عدنني »الدولة الإ�سالمية بني املدنية

واملدنية«، واأخريا اإدري�س لكريني »احلركات الإ�سالمية

وحتولت احلراك العربي«.

الثاين، اليوم يف انطلقت والتي الثالثة، الور�سة اأما

والدينية ال�سيا�سية »التعددية عنوان: حتت فجاءت

الدين عز )ت�سيري: والهوياتية«، والإيديولوجية

وعرفت املتاقي(، الب�سري التقرير: واإعداد العزماين،

عنوان: حتت مبحا�سرة بنطلحة حممد م�ساركة

منظمات ودور العربي »احلراك

الرحيم وعبد املدين«، املجتمع

احلكم يف »الإ�سالميون خال�س

وعبد املعا�سرة«، والإيديولوجية

الرحيم العالم »م�ستقبل الدولة

مبفهومها احلديث يف بلدان ما بعد

حممد واأخــريا الثورات«، ربيع

واملواطنة »الدميقراطية طيفوري

بعد مــا بــلــدان يف والتعددية

الثورة«.

اأما اآخر ور�سات هذا اللقاء العلمي، فقد جاءت حتت

واإجرائيا« م�سمومنيا الدميقراطية »تكري�س عنوان:

)ت�سيري: ه�سام الهداجي، واإعداد التقرير: عبد النبي

القادر اخلا�سري »العام حري(، وعرفت م�ساركة عبد

واخلا�س كمدخل لفهم العالقة بني الدين وال�سيا�سة«،

واآفاق ال�سلطة »الإ�سالميون، العزماين الدين وعز

الدميوقراطية يف �سياق احلراك العربي«، وعمر ال�سويني

الدميوقراطي البناء عملية يف ال�سيا�سية الثقافة »دور

ال�سمد عبد ومولي الربيع«، بعد ما اإ�سالميي لدى

الفاعلني«، وتوظيف وال�سيا�سي »الديني �سابر

للموؤ�س�سات القت�سادية »الثمار اأوراز ر�سيد واأخريا،

اآفاق الربيع الدميقراطي العربي«، وكانت الدميقراطية:

مدار�س ثالث خلال�سات تقدمي عن عبارة مداخلته

فكرية حول عالقة الدميقراطية بالنمو القت�سادي.

وكان م�سك اخلتام، مع حما�سرة يون�س قنديل، بعنوان

التجديد.. واأ�سئلة تقاطعات وال�سيا�سي.. »الديني

باأن اإىل املثقفني حوار مفتوح« ووجه املتدخل الدعوة

يتخل�سوا من عقلية الو�ساية على الإن�سان، واأن يرتكوا

ب�سرورة اإياهم مطالبا ي�ساء، ملن الت�سويت حرية له

م�ساعدة هذا املواطن على التفكري ال�سليم دون و�ساية،

اأر�س يف عملية مبادرات اقرتاح عرب منه والقرتاب

امليدان، قبل اأن يفوتنا القطار ونتحدث مرة اأخرى عن

»احلراك« والواقع ل يزال كما هو.

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود ندوة »اإلسالميون ما بعد الربيع: املواقف، سؤال التجديد ، اآلفاق«

288

بتاريخ ــدود« ح بال »موؤمنون موؤ�س�سة

الآداب بكلية 2013 اأبريل 21/20والعلوم الإن�سانية بجامعة مولي �سليمان مبدينة بني

عنوان حتت تاأطريية ندوة املغربية، اململكة يف مالل

»�سوؤال الأ�س�س املرجعية واملنهجية لتجديد الفكر

الإ�سالمي«.

الباحثني الطلبة من العديد مب�ساركة الندوة ومتيزت

يف �سلك الدكتوراه من الكلية بتاأطري من جمموعة من

الأ�ساتذة اجلامعيني الأكفاء.

يحيى ال�سيد الكلية عميد بكلمة اجلل�سة افتحت

واأكد املبادرات من النوع هذا �سجع الذي اخلالقي

على اأهمية الندوات يف ن�سر املعرفة يف �سياقها الكوين.

بعد كلمة الفتتاح، طرح الدكتور �سعيد �سبار، اأ�ستاذ

املجل�س الإ�سالمية ورئي�س للدرا�سات العايل التعليم

العلمي املحلي لبني مالل، اأ�سئلة التجديد ،و الأ�س�س

املرجعية، م�سريا اإىل اأنه لي�س يف الفكر الب�سري مقولت

حتمية لأن اجلهد الب�سري الإن�ساين كله جهد �سنني

قابل للتجديد و التجدد، موؤكدا بذلك حتمية �سننية

ميكن ل �سبار، ي�سيف ذلك، من واأكرث التجديد.

حتقيق النموذج الإ�سالحي اإل يف بعده الكلي وربطه

باملكان و الزمان، فالتجارب الإن�سانية لها بعد كوين.

جدلية اأي�سا، لها تطرق التي النقاط اأهم بني من

الروؤيا هذه اأن على مو�سحا وامل�سلمة الكافرة الأمة

فالقراآن الإ�سالمية، الأمة تقدم يف تعطيل اإىل اأدت

بني مالل: ندوة »�سوؤال االأ�س�س املرجعية

واملنهجية لتجديد الفكر اال�سالمي«

كمرجعية دعى الإن�سان اإىل التدبر وا�ستعمال العقل

وتفتيح الروؤيا يف الأفاق و يف الأنف�س. وذلك من اأجل

تخلق التي فاجلماعة اخلارجي العامل على النفتاح

فكرا و تبقى منزوية فيه تبقى حمدودة. ولعل جدلية

كالم اهلل وكالم اخللق من بني اأهم النقط التي اأ�سار

اإليها الأ�ستاذ �سبار اأي�سا، بحيث اأكد اأن اأهمية املنهج

تبقى يف كيفية اإدراكه هذه احلقائق التقاطعية والقطعية،

اأ�سار حديثه نهاية يف وجدليتها. لقيمتها املحدد فهو

وم�سكالته حتديني:الرتاث اأمــام التجديد اأن اإىل

واحلا�سر وحتدياته، واأن الأن�ساق املعرفية يف عاملنا يجب

واملعارف العلوم بني التكاملية الفل�سفة اإىل ترجع اأن

الإن�ساين البعد تتبنى توا�سلية اإمكانات تعتمد واأن

الكوين من اأجل اإي�سال الر�سالة اإىل اأبعد البقاع. وبني

املطلقة املرجعية الغرب اعتبار عن الرجوع اأن اأي�سا

�سرورة، لأن الغرب بنف�سه مل يتحقق هو نف�سه بكامل

املرجعية. و لعل مقولته : »اأنا اأنتمي اإىل وحي اإن�ساين

على دليل اأكرب كان« اأينما الإن�سان ي�ستوعب مطلق

تاأكيده على كونية املرجعية الإ�سالمية التي تاأخذ بعني

التي املحا�سرة بعد مكوناته. بكل الإن�سان العتبار

الأ�س�س �سوؤال حول متحورت التي و الأ�ستاذ األقاها

املرجعية و النهجية، األقى الدكتور الطيب بوعزة كلمة

با�سم املوؤ�س�سة اأ�سار فيها اإىل البعد الإن�ساين و املعريف

للموؤ�س�سة، و اأكد دور اخلط التجديدي يف تطوير هذا

املا�سي مع قطيعة اإىل حاجة يف لي�س الذي املجتمع

لأن هذه الأخرية تبقى نظرية، موؤكدا على اأننا يف اأم�س

اأهمية نفي دون الرتاث من ال�ستفادة اإىل احلاجة

الرتاث الإن�ساين لأنه جاء لالإن�سان.

نظمت

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود

ء

289 العدد األول، ربيع 2013

من جمموعة مقاربة على اأي�سا الندوة راهنت كما

الأ�سئلة والإرها�سات التي ت�سمنتها حماور املحا�سرات،

ومنها الأ�سئلة التالية: الفكر النقدي واأهميته يف الفكر

الإ�سالمي الراهن، العقل الإ�سالحي واإ�سكالية تغيري

والعلوم ال�سرعية العلوم تداخل الإ�سالمي، الواقع

الفل�سفة و الدين نقدية، معرفية مقاربة الجتماعية:

يف املجال الغربي ، الو�سعية الكونتية منوذجا. ومتيزت

الندوة بكثافة املحا�سرات التاأطريية التي اأطرها اأ�ساتذة

ذوو كفاءات علمية كبرية ل منا�س اأنها اأفادت الطلبة

والباحثني.

النقدي الفكر عنوان حتت الأوىل املحا�سرة اأطر

واأهميته يف الفكر الإ�سالمي الراهن، الدكتور اإبراهيم

ر�سى الذي ركز يف تدخله على اأربع ق�سايا اأ�سا�سية:

املناهج امل�ستخدمة، املفاهيم املرجعية، امل�سلمات

لهذه التي ر�سمت واملقا�سد املاآلت والروؤى يف خري

امل�سلحة؛ بحيث اأثار حالة طوارئ حول جمود الفكر

يف الأمة مما ي�ستدعي �سرورة اإحياء الفكر النقدي لأن

اأي فكر ل يتعر�س للفرك و الحتكاك فهو لي�س بفكر.

فالفكر �سيمكن من الإجابة عن ال�سوؤال: كيف ميكن

النحطاط زمن فبعد احلل؟ هو الإ�سالم يكون اأن

هي وما نتقدم؟ اأن ميكننا كيف ال�سوؤال: اأ�سبح

اللبنات ال�سرورية لإجناز ذلك؟

الباحثني الطلبة العديد من �سارك نف�سه، ال�سياق يف

خلقت التي بتدخالتهم املحا�سرة اأغنوا الذين

التي املداخالت خا�سة احل�سور. مع خا�سا توا�سال

تطرقت مل�سروع املفكر الراحل اأبو القا�سم حاج حمد

الذي قدم م�سروعا جديدا لالإ�سالح مبفاهيم جديدة

لعالقة الإن�سان بالإله، ويعد مفهوم احلاكمية من بني

احل�سور بني عميقا فكريا جدل اأثارت التي املفاهيم

واملتدخلني.

عبد الدكتور تاأطري حتت الثانية، املحا�سرة وتطرقت

الإ�سالحي العقل ملو�سوع الع�سراوي، الرحمان

واإ�سكالية تغيري الواقع الإ�سالمي، حيث رام املحا�سر

يف حما�سرته احلديث عن العقل الإ�سالحي واإ�سكالية

مقاربة من خالل من خالل الإ�سالمي الواقع تغيري

حتليل يف الكامن العلمي ال�ستدلل على تعتمد

بالواقع وتعلقاتها الوحي ملرجعية التاأ�سي�سية الوظيفة

الإب�ستمولوجية اأبعادها وك�سف الإن�ساين التاريخي

العقل اإىل النظر ومنه الإ�سالمي العقل تفكيك يف

تفاعلي جامع نقدي ملنهج الإ�سالحي، وذلك حتقيقا

من ن�سقا باعتبارها املعرفية الظواهر درا�سة لآليات

مبداأ على القائمة والأفعال والتفاعالت العالقات

التعليل ال�سمويل ومبداأ ال�ستنتاج املق�سدي الكلي.

وخل�س املحا�سر اإىل اأن العقل الإ�سالحي عقل نقدي

تعليلي مقا�سدي ينطلق من مقت�سيات الوحي الكلية

التي توؤ�س�س احلرية الإن�سانية يف ت�سكيل التاريخ ومن

التقنني العقل على تفر�س التي التاريخ مقت�سيات

تربز كونية قوانني واكت�ساف علمية نظريات واإنتاج

اأهم بني من والكون. الوحي بني والتفاعل التكامل

الباحثني اأ�ساراأحد التي تلك للباحثني املداخالت

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود ندوة »سؤال األسس املرجعية واملنهجية لتجديد الفكر اإلسالمي«

290

اإىل اأن اأ�سئلة الإ�سالح والتجديد يف الفكر الإ�سالمي

لي�ست وليدة اليوم واإمنا هي اأ�سئلة تطرح منذ الأم�س.

وجاءت يف مداخلته جمموعة من الأفكار من قبيل:

الت�سكيك يف قدرة التفكري الديني عن تقدمي اإجابات

على يقدرنا منهج اإىل الفتقار ومو�سوعية؛ نوعية

التجديد والإبداع.

حما�سرة الثاين اليوم يف التكوينية الندوة ت�سمنت

ال�سرعية العلوم »تداخل عنوان: حتت �سباحية

والعلوم الجتماعية، مقاربة معرفية نقدية«، وحما�سرة

زوالية حتت عنوان: »الدين والفل�سفة يف املجال الغربي

الو�سعية الكونتية منوذجا«.

اأطر املحا�سرة الأوىل الدكتور حممد همام، متوقفا عند

العلوم تداخل مو�سوع وغنية حول متنوعة مقاربات

ال�سرعية والعلوم الجتماعية، مقاربة معرفية و نقدية.

اإن�سانية، نزعة التجديد اأن املتدخلني على اأكد معظم

وهو مفهوم ينتمي اإىل �ساللة املفاهيم الدينامية واحلركية

التي توحي بالتطور والتغري والجتاه نحو امل�ستقبل، وهو

من املفاهيم املركزية �سمن اأدبيات الفكر الإ�سالمي،

غري اأن مو�سوع جتديد الفكر الإ�سالمي ل ميكن تناوله

بعيدا عن بحث اإ�سكالية الأطر املرجعية التي حتكمه

والأ�س�س املنهجية التي ت�سيغه. يف نف�س ال�سياق اأكد

اخلطاب و�سمولية وخامتية عاملية اأن املتدخلني اأحد

منهج ووجود معرفية نظرية وجود تقت�سي القراآين

منهجية واأن املعروفة. املناهج �سائر عن بديل قراآين

وترقية املعا�سر، العلم لإ�سكاليات حل هي القراآن

للبحوث املنهجية، مبا يجعلها قادرة على اأن تنتج فهما

كونيا جديدا لفل�سفة العلوم.

يف الفرتة الزوالية، متحورت اآخر حما�سرة حول مو�سوع

الدين و الفل�سفة يف املجال الغربي، الو�سعية الكونتية

بوعزة الطيب الدكتور املحا�سرة هذه اأطر منوذجا.

اأنه اإذا كان القرن الثامن ع�سر اقت�سر حيث اأ�سار اإىل

الالهوتية طبعته يف الدين نقد -على عمومه يف ـ

الكن�سية، ونادى بدل عنه بـ)الدييزم(، كطريقة لتحرير

مفهوم الألوهية والإميان بها من اأ�سكال التاأطري الديني

مع ـ �سيذهب ع�سر التا�سع القرن فاإن التقليدي،

فيورباخ، واجلدل املارك�سي، والفكر الو�سعي الكونتي،

واجلينيالوجيا النيت�سوية ...الخ - اإىل حماولة نفي فكرة

الألوهية من اأ�سا�سها، بالتاأ�سي�س لبدائل ت�سورية حتاول

تف�سري واإقامة للوجود الديني التف�سري من التخل�س

اجلذري النفي حماولة و عنه. بديال فل�سفي/علمي

القرن فل�سفات يف �ساع الذي الديني الإميان لنمط

اإر�ساء بديل يف التاأويل التا�سع ع�سر- مل تخل�س اإىل

وعدمية املعنى اأزمة اإىل انتهت بل للوجود، الكلي

يف مرحلة اإىل مرحلة من انتقاله خالل من الدللة.

تف�سري عالقة الالهوت بالفل�سفة اأكد على اأنه مل توجد

اأبدا فل�سفة يف التاريخ عو�ست الدين، لأنه ل يعو�س

اأن اإىل نهاية تدخله اإل دين مثله. ليخل�س يف الدين

منطلق من حلوار التاأ�سي�س غر�سه اجلدل هذا طرح

معريف اإ�سالمي يعيد بناء عالقة الدين بالفل�سفة على

زمننا الن�سان يف احتياجات مع يتنا�سب نحو جديد

الراهن.

من كل األقاها بكلمة الندوة فعاليات واختتمت

بال »موؤمنون موؤ�س�سة مدير العاين، حممد الأ�ستاذ

كل حاول حيث �سبار، �سعيد والأ�ستاذ حــدود«،

الت�ساوؤل و و العقل اإعمال اإىل الباحثني منهما دعوة

كل مواجهة من �ستمكنه التي القدرات كل تطوير

ال�سعاب واختيار املنهجية املنا�سبة التي �ستمكن من

املنهجية �سبار الأ�ستاذ �سبه بحيث التوحيد. حتقيق

ب�سيدنا مو�سى وع�ساه بحيث ت�سكل الع�سى التحدي

لكينونة الوجود و ال�سحر بتحديات الع�سر. كما ا�سار

الأ�ستاذ حممد العاين اإىل اأن حتديات الع�سر ل يجب

العلمية بالروح بالتو�سل واإمنا بالإميان فقط مواجهتها

واحلجج املنطقية.

»ندوة »سؤال األسس املرجعية واملنهجية لتجديد الفكر اإلسالميحصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود

291 العدد األول، ربيع 2013

واإعــادة الإ�سالمي اخلطاب موؤمتر: فعاليات �سمن

4 يومي القاهرة الذي عقد يف العام، املجال تاأ�سي�س

حدود بال موؤمنون موؤ�س�سة اأقامت 2013 يناير و5

امل�ست�سار لل�سيد تكرمي حفل والأبحاث للدرا�سات

عبد اجلواد يا�سني مبنا�سبة �سدور كتابه اجلديد )الدين

والتدين: الت�سريع والن�س والجتماع( ال�سادر عن دار

التنوير يف بريوت.

امل�ست�سار اأ�سدقاء من لفيف التكرمي حفل ح�سر

وجمموعة كبرية من الباحثني واملفكرين والإعالميني،

موقعة من ن�سخ على باحل�سول املدعوون ت�سرف كما

الكتاب اجلديد من لدن ال�سيد امل�ست�سار.

حفل تكرمي امل�ست�سار عبد اجلواد يا�سني

امل�ست�سار بني نقا�س جل�سة التكرمي حفل رافق كما

ما واأبــرز الكتاب، مقاربات اأهم حول واحلا�سرين

اأثاره من جدل يف الأو�ساط العلمية والفكرية، واألقى

الدكتور الأردين والباحث الكاتب املنا�سبة بهذه

الفكرية الروؤيا بالتحليل تناولت كلمة برهومة مو�سى

من الإ�سالمية الدرا�سات اأ�ستاذ وقدم للم�ست�سار،

الق�سايا درا�سة حول ال�سوي�سي �سابر الدكتور تون�س

التاأ�سي�سية التي اأثار الكتاب الت�ساوؤل حولها، وحتدثت

املهند�سة والأبحاث للدرا�سات �سراج مركز مديرة

داأب من امل�ست�سار به يتميز ما حول كيايل ميادة

الت�سريع يف الأولية الأ�سئلة على الطرق يف م�ستمر

الكثري اإىل والن�س والجتماع والتي ما زالت حتتاج

اأن امل�ست�سار من التاأمل والبحث. يذكر

تخرج �سابق، م�سري قا�س اجلواد عبد

من كلية احلقوق يف جامعة القاهرة �سنة

1976، وتدرج يف �سلك النيابة العامة عديدة كتب �سابقا له و�سدر والق�ساء.

العقل - الإ�سالم يف ال�سلطة : منها

والتاريخ، الن�س بني ال�سلفي الفقهي

واجلزء الثاين: ال�سلطة يف الإ�سالم ـ نقد

النظرية ال�سيا�سية .

حصاد مؤسسة مؤمنون بال حدود تكرمي املستشار عبد اجلواد ياسني

292

ز يف طفولتي كان ال�سوؤال املركزي الذي يحريين هو »ملاذا خلق اهلل الذباب؟«، وبعد اأن كربت ومل يعد عندي حي

لالأ�سئلة التافهة، اأ�سبح �سوؤايل املركزي »ملاذا خلق اهلل احلر؟«. الغريب اأنه برغم مرور ال�سنني مل تتطور الإجابة

التي اأ�سمعها من اجلميع عن ال�سوؤالني »العلم عند اهلل »، ومل تتغري الإجابة التي ينتظرها مني اجلميع وهي اأن

اأقول بت�سليم كامل »حكمتك يارب«.

لي�س لأن عقلي مل يرددها، التي كان فمي يارب« اإجابة »حكمتك ترحني اأنا، مل قولة واحلمد هلل على واأنا

يه�سمها، بل لأين مل اأقلها مرة واحدة ب�سدق، رمبا لأن الكائن الكامن بداخلي مم�سو�س بحرية قد يراها البع�س

اإبلي�سية مغرورة، واأراها اأنا حرية قدرية زرعها اخلالق بداخلنا جميعا، واأمرنا األ نعطلها اأبدا لكي تكون �سرابنا الذي

نح�سبه ماء اأثناء �سرينا احلثيث »يف دايرة الرحلة«، لكننا قررنا اأن نغري �سنة اهلل يف الكون ونرتاح من تعب حريتنا،

فقمعناها بدعوى اأن الإميان ت�سليم ل �سوؤال، مع اأن الإميان �سوؤال لينقطع، وما مكافاأته اإل اإلهام الت�سليم حلظة

طلوع ال�سر الإلهي.

اأقول ما بداخلي دائما فتندلع نريان الغ�سب التي تت�سور نف�سها اأحر�س على العبد من خالقه، والتي تظن اأنك

كلما �سرخت بعجزك اأكرث اقرتبت اإىل اهلل اأكرث، واأنك كلما افرت�ست يف نف�سك اجلهل زاد علمك باهلل، مع اأنني

مل اأ�سدق اأبدا اأن اهلل عز وجل الذي ل يبخل على عباده برحمته ميكن اأن يبخل عليهم بحكمته، �سحيح اأنه

جعل احلكمة �سالة عبده املوؤمن، لكنه مل يحجبها عنه، بل جعل لذة احلياة يف عناء البحث عنها، وجعل حكمته

مبذورة مبذولة يف كل مكان من كونه الف�سيح وموزعة على عباده اأجمعني، ومن اأراد طلبها اأنى وجدها فهو اأحق

بها، هذا اإن وجدها قبل اأن يحل موعد رجوعه اإىل نقطة البدء الرتابية.

يوما بعد يوم تتغول اأ�سئلتي وتتعقد وتتكاثر »ملاذا خلق اهلل الذباب.. ملاذا خلق اهلل احلر.. ملاذا خلق اهلل الأ�سناف

الرديئة من الب�سر.. هل حتني �ساعة الفراق قبل اإكتمال احللم.. وملاذا ل يكتمل احللم اأبدا ول يكف عن التكاثر

اإقرتب كلما ملاذا حلم جديد. اإىل اإكتماله �سنحن حلظة اأننا اأم اإكتمل لو حقا نرتاح وهل اجلميل املتوح�س

الإن�سان ابتعد وكلما اإبتعد ظل يحلم بالقرب.. وملاذا ل يتفاءل الإن�سان باخلري لكي يجده.. هل لأنه جرب اأن

يتفاءل باخلري فلم يجده.. اأم لأنه ل يريد اأن ي�سدق اأن هناك دائما منعطفات حتمية ل بد اأن مير بها را�سيا.. ملاذا

يدرك النا�س جميعا �سبيل خال�سهم لكنهم يجبنون عن اقتحامه.. ».

ها اأنا اأجلاأ مع تغول وتكاثر تلك الأ�سئلة يوما بعد يوم، اإىل اإدخالها موؤقتا يف ثنايا اإجابة �سكنت اإليها وهنئت بها

»خلق اهلل الذباب واحلر والب�سر الذي يزيد من وطاأة احلر وغتاتة الذباب، وفوق كل هذا خلق الأ�سئلة التي تثقل

القلب فتهون اإىل جوارها وطاأة احلر وغتاتة الذباب وخرتتة الب�سر، فقط لكي يدرك الإن�سان اأن ت�سليمه بنق�س

احلياة اأجدى من طلبه العبثي للكمال، واأن احلياة لن تبلغ الكمال اإل اإذا بلغت نهايتها«.

حكمتك يارب .. اأين اأودعتها يااإلهي، وهل نهتدي اإليها يوما ما، ونهناأ بها ولو حلظات، قبل اأن ت�سرتد وديعتك.

ملاذا خلق الله الذباب؟

الصفحة األخيرة

بالل فضل*

*كاتب من م�سر.

�شروط الن�شر

ي�صر هيئة حترير جملة يتفكرون اأن ت�صتقبل م�صاهمات اأ�صحاب القلم من الكتاب والباحثني

واملثقفني الأفا�صل، وترى اأن تكون الن�صو�ص املر�صلة وفق ال�صروط التالية:

اأن يكون الن�ص املر�شل جديدا مل ي�شبق ن�شره .

يتعهد �شاحب الن�ص بعدم ن�شره اأو اإر�شاله للن�شر لدى اأية جهة اأخرى قبل ح�شوله على الرد

النهائي بالن�شر اأو عدمه يف املجلة.

اإذا قبل الن�ص للن�شر يتعهد �شاحب الن�ص بعدم اإر�شاله للن�شر لدى اأية جهة اأخرى م�شتقبال .

تخ�شع الأعمال املعرو�شة للن�شر ملوافقة هيئة التحرير، ولهيئة التحرير اأن تطلب من الكاتب اإجراء اأي

تعديل على املادة املقدمة قبل اإجازتها للن�شر .

املجلة غري ملزمة باإعادة الن�شو�ص اإىل اأ�شحابها ن�شرت اأم مل تن�شر، وتلتزم باإبالغ اأ�شحابها بقبول

الن�شر، ول تلتزم باإبداء اأ�شباب عدم الن�شر .

حتتفظ املجلة بحقها يف ن�شر الن�شو�ص وفق خطة التحرير وح�شب التوقيت الذي تراه منا�شبا .

اأو موؤ�ش�شة املجلة راأي بال�شرورة عن تعبر ابها، ول كتر اآراء تعبر عن املجلة تن�شر يف التي الن�شو�ص

موؤمنون للدرا�شات والأبحاث .

للمجلة حق اإعادة ن�شر الن�ص منف�شال اأو �شمن جمموعة من البحوث، بلغته الأ�شلية اأو مرتجما

ا�شتئذان اإىل دون حاجة الإنرتنت، على املوؤ�ش�شة موقع على اإلكرتونيا اأو ورقيا اأخرى لغة اأي اإىل

�شاحب الن�ص .

جملة تفكرون ل متانع يف النقل اأو القتبا�ص عنها �شريطة ذكر امل�شدر .

يرجى من الكاتب الذي مل ي�شبق له الن�شر يف املجلة اإر�شال نبذة خمت�شرة عن �شريته الذاتية .

يتلقى �شاحب البحث اأو املقال مكافاأة مالية حتدديها هيئة التحرير وفقا ملعايري مو�شوعية .

يرجى ار�شال جميع امل�شاركات اإىل هيئة حترير املجلة، اأو عب البيد اللكرتوين :

زنقة غاب�ص - الرباط املدينة

الرباط، املغرب

�ص.ب: 10569

جملة يتفكرون

[email protected]

مؤسسة دراسات وأبحاث