اآلخر في الثقافة العربية

صورة شعوب الشرق األقصىفي الثقافة العربية الوسيطة

)الصين والهند وجيرانهما(

شمس الدين الكيالني

منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب2008وزارة الثقافة – دمشق

-1-

مدخل

حظي الشرق األقصى بنظرة إيجابية من العرب، وبموقف يخلو من التعالي والعداء، فإذا استثنينا ما حملوه من صور غائمة عن أطراف هذا الشرق المحاذية للعالم غير المعمور من األرض، في الشمال بشعوبه الغارقة في المجهول، وفي

الجنوب في أعماق المحيط وجزره الغائمة، فقد تراءت الهند والصين للعرب، على أنهما في صدارة هذا الشرق وواجهته، والمملكتان الراسختان الموحدتان والمستقرتان

منذ زمن بعيد، وهو ما أهلهما لتصبحا، من وجهة نظرهم، من أهم مراكز العمران والحضارة في العالم، فلم يبخلوا عليهما بشتى صنوف اإلطراء، إذ ميزوا ما بين هذين

المركزين الحضاريين وجيرانهما في الشمال، أو في عرض المحيط الهندي فيالجنوب.

نظروا إلى »الشرق األقصى« من الزاوية الجغرافية والحضارية، كمنطقة تحتل الزاوية الشرقية من العالم المعمور تحيطها البحار من الشرق والجنوب، والبراري القفراء، التي تسكنها شعوب مجهولة في الشمال، ويحدها من الغرب دار اإلسالم، وعلى هذا تبدو مقسمة إلى ثالث مناطق كبرى، تحتل الصين والهند منطقة القلب الجغرافي والحضاري، وشعوب يأجوج ومأجوج، والترك في المنطقة الشمالية، أما

الثالثة فتحتلها عوالم المحيط الهندي وجزره المتناثرة حتى نهايات الربع المعمور من األرض، فكل من الصين والهند وما يحيطهما من عوالم، باستثناء الحدود مع دار

اإلسالم، يلفه بعض الغموض، الناجم أكثر األحيان، عن حدود »المعرفة العربية« بتلك العوالم، وهو ما أفسح المجال لتحليق المخيلة - لملء هذا الفراغ المعرفي، أو

القتباس األحكام الجاهزة ممن سبقهم، وال سيما التصورات البطليموسية، وفكرة األقاليم الفلكية ومتخيلها عن حدود العالم المعمور، وتأثيرات تدرج الحرارة والبرودة

تبعا لبعد البلدان وقربها من خط االستواء.lىlألقصlق اlشرlلlس اlاlألن lيlبlرlعlال lلlيlخlتlلمlى اlعل lفlرlعlتlنlس lاlنlنlإlف l،lسlاlألسlا lاlذlه lىlلlوع

اlسlتlنlادlا علlى اlلlحlدlوlدl اlلذlهlنlيlةl واlلlتlخlيlلlيlةl وlالlتlقlسlيlمlاlتl اlلlجlغlرlوl- l حlضlاlريlةl اlلثlالثlةl اlلتlيlيlمlاlرlتlمlلlا lيlدlهنlلlي واlنlيlصlلlا lيlارlضlحlلlا lحlرlمسlلlا lكlاlهنlف l،lهاlل l)lىlصlألقlا lقlرlشlالl( اlعوlخضlأ

اlألطlرlاlفl فlي قlلlبl هlذlاl اlلشlرlق،l وفlيl نlقطlةl اlرتlكlازlهl اlلكlبlرlىl،l وlيlتlبlعl ذlلكl عاlلlمl اlلlمlحlيlطlنlيlب lلlصlفlي lخlزlرlبlن كlيlصlالlو lدlنlلهlا lبlوlنlج lدlتlمlمlلlا l،lفlاlرlألطlا lةlيlامlرlتlمlال lهlرlزlي وجlدlنlلهlا

l،lنlيlرlيlبlكlلlا lنlيlدlلlلبlا lنlاlرlيlج lلlاlشمlلlب اlعوlش lكlاlنlهlو l،lرlوlمlغlلمlا lمlالlلعlاlو lنlيlلصlاlو lدlنlلهlا l.رlوlمlغlلمlا lمlالlعlلlل lبlاlبlيlلlا lألرضlن اlيlبlو lاlمlهlنlيlا بlم lلlاصlفlلlا lدlحlلlوا

نتجه في بحثنا هذا إلى جالء الصورة التي كونها العرب عن حضارات الشرق األقصى في الهند والصين وجيرانهما في البحر والبر، وتمثلوها في ثقافتهم في العصر

الوسيط، بما تتضمنه من معارف عن حال تلك الحضارات، ومن أنماط السلوك -2-

الثقافي لسكانها، وما اختزنته من أحكام ومعايير ومتخيالت عنها، ومن تحيزات تعود إلى طبيعة العالقات التي ربطت العرب بأصحاب تلك الحضارات، فامتزجت في تلك

)الصورة( الحدود التي وصلت إليها المعرفة العربية، بالمواقف الوجدانية، بمعايير أحكامهم على اآلخر،و بمروحة واسعة من الرموز والدالالت المستندة إلى مرجعيات دينية وسياسية ومعرفية، والتي تشكل بمجموعها القبة الرمزية للثقافة العربية في

العصر الوسيط، و اإلطار المرجعي، للمدونات العربية التي تناولت حضارات الشرقاألقصى.

lيlتlلlا lةlيlبlعرlلlا lفةlاlقlثlلlا lةlقlروlأ lفي lرlفlحlلlا lوlه l،lثlحlبlلlا lاlذlه lىlإل lاlنlلlيlبlن سlوlكlيlوس lهاlتlالقlطlنlا lتlأlدlب lيlلتlا l،lهاlتlاlونlدlمlو l،lهاlفlيlنlاlصlت lالفlتlاخ lىlعل l،lةlفlلlتlخlم lقlرlطlا بlهlتlولlاlنlت l،lيlالدlيlم lنlمlاlلثlا l،lيlرlجlلهlي اlنlاlثlلlا lنlقرlلlا lيlف l،نlيlوlدlلتlا lرlصlع lتlاlيlاlدlب lذlنlم l،lىlرlبlلكlا l،lةlرlاlجlتlلlا lقlيlرlط lعن l،lرlبlلlاlو lرlحlبlال lيlف l،lهاlب lرlكlبlلمlا lبlعرlلlا lاكlكlتlحlا lنlم lةlدlيlفlتlسlم

lمlهlرفlعاlم lاlوlنlوlدlف l،lةlلlدlاlبlتlمlلlا lةlيlفlاlقlثlلlا lتlاlسlاlبlتlالقlوا l،lدlوlدlحlال lاتlوشlاlنlمlو l،لlاlحlرlتlلlوا lيlف lيlدlهنlلlا lطlيlحlلمlر اlجزlو lلlاlمlلشlي اlا فlمlهlنlاlرlيlوج l،lدlهنlلlوا lنlيlصlلlا lعن lمlهlالتlيlخlوت lبlدlأ lفيlو l،lةlيlفlاlرlغlجlلlوا l،lةlيlخlيlرlاlتlلlوا l،lةlيlفlسlلlفlلlوا l،lةlيlبlألدlا lمlهlتlفاlنlصlي مlف l،lبlوlنlلجlا

lمlغlرlلlا lىlلlعlف.lالدlبlلlا lكlلlت lىlلlع lفlعرlتlلlا lيlف lةlيlمlأه lرlثlألكlا lةlذlفlاlنlلlا lلlكlش lيlذlلlا lحالتlلرlا lةlفlعرlمlلlا lاlمlيlوال س lةlفlرlعlلمlا lكlلlت lيlف lعةlوlنlتlمlال lيlبlعرlلlا lفlليlأlتlلlا lتlاlمlاهlسlن مlم

lرةlوlصlلlا lجlاlتlنlي إlف lاlيlكزlرlم lاlورlد lيlفlاlغرlلجlا lفlيlألlلتlاlو l،lةlحلlلرlا lبlدlأ lلlحتlا lدlقlف l،lةlيlخlيlارlلتlا lةlيlبlرlلعlا lةlفlقاlلثlا lفlقlوlم lتlسlكlع lةlآlرlال مlكlشlو l،اlمlهlنlاlرlيlن وجlيlصlلlوا lدlنlهlال lعن lةlيlبlرlلعlا

l.lهlنlع lمlهlالتlيlخlوت lبlرlلعlا lرفlاlعlم lدlوlدlت حlهرlأظlو l،lهlتlمlرlب lمlالlلعlا lهlاlجlتl،قlاlيlسlلlا lاlذlه lيlف l،lسlوlمlيlلlطlبlب lةlرlثlأlتlمlلlا lةlضيlاlيlرlلlا lةlيlكlلlفlلlا lةlيlفlاlغرlلجlا اlنlتlعطlأ lدlقlول lدlعيlلبlاlو l»lالمlإلسlر اlاlدl« lllب lطlيlحlلمlا lآلخرlن اlع lةlظlفlاlحlمlو lاlبlلlصlوت lةlيlطlمlن lرlثlاألك lةlرlوlلصlا عنlهاl،l وlشlكlلlتl عاlئlقlآl مlعlرlفlيlآl،l لlمl تlتlحlرlر اlلجlغرlاlفlيlةl اlلlعرlبlيlةl مlنl أlحlكlاlمlهl اlلlنlمlطlيlةl،l إlالlةlرسlدlلمlا lابlصحlع أlم lحlضوlوlب lىlلlجlت lاlم lهوlو l،اlهlفlيlألlت lخlيlارlن تlم lةlطعlقlتlم lتlاlرlتlي فlف

l( lيlرlخlطlألصlا lعlم lيlالدlيlمlال lرlاشlلعlا lنlرlلقlي اlف l،lةlيlكlيlالسlكlلlا lةlيlبlعرlلlا lةlيlفlاlغرlلجl340ا-951l( lقلlن حوlبlاlو l) 977-367م(l.lيlسlدlقlمlلlوا l،l)997-387مl( يlدlعوlسlمlلlوا l،l)346م-955lىlلlع l،lتlلlكlش lدlقlف l،lةlحلlرlلlا اlمlأ l،يlفlاlغرlجlلlا lمlعلlلlاlو lلlحاlرlلتlن اlيlب lاlوlعlن جمlيlذlال l)م

اlلدlواlمl،l اlللlحlظlةl اlألكlثlرl اlنlفlتlاحlاl وlاlنlطlالقlاl،l وlصlدlقlيlةl فlيl اlلlمlعرlفlةl اlلعlرlبlيlةl عlن اlآلخlرl،l بlمlاl،lةlزlيlحlتlمlال lأو l،lةlيlطlمlنlلlم اlاlكlألحlا lنlم lاlرlرlحlتlو lةlرlبlخ lرlألكثlاlو l،lىlصlألقlق اlرlشlلlا lبlعوlش lهlيlف

lانlكlف l،lهاlفlصlوو lهاlنlيlوlدlا لتlاسlسlأ l،lةlرlشlاlبlمlلlا lةlدlهlشاlمlلlاlو lةlبlرlجlتlلlا lنlم lتlذlخlتlا lهاlألن lبlانlجو lفي lنlزlتlخlا l،lلlيlصlأ lيlفlاlرlغlوlنlثlا lةlبlاlثlمlب l،قlاlآلفlا lازlجتlي اlلذlا l،lيlبlعرlلlا lةlلlحاlلرlا

lةlتlبlاlثlال lةlرlوlلصlق اlاlرlختlى اlعل lهlعدlاlا سlم lوlوه l،lثlيlدlحlلlي اlجlوlلlوlبlرlثlألنlا lاتlصlاlرهlإ lهlفlوص اlلنlمlطيlةl اlلlتlيl وlرثlهlاl اlلlجlغرlاlفlي اlلعlرlبlيl اlلlفlلlكlيl عlنl بlطlلlيlمlوlسl،l وlجعlلlهl أlكثlرl اlقlتlرlاlبlا مlن

.lبlعوlشlلlل lةlريlاlضlلحlا lةlاlيlحlلlا lعlقlوا

-3-

lرفlعاlمlلlا lقlوlفlتlب lاlوlفlرlعتlا l،نlيlيlبlرlلغlن اlيlحثlاlبlلlا lنlم lرlيlثlكlلlن اlإ lلlوlلقlن اlكlمlوي lةlرlتlلفlي اlف lىlرlألخlا lالدlبlلlا lيlا فlهlالتlيlثlم lىlلlع l،lطlيlسlوlلlا lلمlاlلعlا lتlراlاlضlحlب l،lةlيlبlرlلعlا

l،lنlيlصlلlاlو lدlهنlلlاlو lسlرlفlلlا lةlفlاlقlث lىlلlع lفlعرlتlلlا lنlموlلlسlلمlا lبlعرlلlا lعlطاlتlسlا lذlإ l،lهاlسlفlن lرlى عصlت حتlاlفlاlقlلثlا lكlلlى تlا علlبlوlورlأ lفlعرlتlت lمlا لlمlنlيlب l،lنlاlنlوlيlلlا lمlوlن علlال عlضlف

lيlف l،lةlطlنlزlيlى بlلد lثlاlرlتlلlوا lةlرlاlإلدlوا lمlكlلحlا lةlرlبlى خlا علlوlفlعرlت lمlهlإنlف l،lكlلlذlك l،lةlهضlلنlا lةlدlمlجlتlمlلlا lاهlيlلمlن اlيlب lةlولlعزlمl« l،lسlيlوlل lردlاlنlرlب lفlرlتlعlي lاlمlك l،lاlبlروlوlأ lهlيlف lتlنlاlك lتlوق

شlمlاlال،l وlمlيlاlهl الlمlحlيlطl غlرlبlا،l واlإلسlالمl جlنlوlبlاl واlلlبlرlاlرlي شlرlقlاl،l أlمlا اlإلسlالمl فlكlانl علlىlمlلlلسlت اlاlاعlس lيlف l،lدlنlلهlاlو lنlيlلصlي اlف lةlرlهlدlزlلمlا lاتlرlاlضlحlلlع اlم lمlئlاlد lلlاlصlتlا

l.l»بlرlحlلl(1)واlنlيlمlلlسlمlلlا lبlرlلعlا lاتlمlوlعلlمlل lلlئlاlلهlع اlاlسlالتlا lيlكlسlفlوlشكlتlاlكر lالحظlو lبlعرlلlا lفlعر lدlقlف l،lمlن لهlيlصرlاlعlلمlى اlرlألخlا lمlألمlا lاءlنlبlأ lهlفlرlع lاlمlب lةlنlرlقاlم l،lمlلlعاlلlا lعن

lماlك l،اlيlسlآ lنlي مlبlوlنlجlلlا lفlصlلنlا lاlوlفlرlوع l،lالlمlشlلlا lىlصlقlأ lاءlنlثlتlسlاlا بlعهlمlأجlب lاlوبlورlأ lضlعر lى خطlلlإ lةlليlاlمlشlال lاlيlقlيlرlفlأ lاlفوl10عرlلىlي إlقlشرlلlا اlيlقlيlفرlأ lحلlاlسlو l،lاتlرجlد

l،lةlعيlاlرlلزlا lقlطlاlنlمlالlو l،lلةlوlأهlمlلlا lاطlقlلنlع اlيlمlا لجlقlقيlد lاlفlوص lاlوlكlرlتlو l،lيlدlلجlر اlاlدlم lبlرlق l»lنlدlعاlمlلlا lدlوlن وجlكlاlمlوأ l،lعةlوlرlزlلمlا lاتlتlاlبlنlلlر اlاlشlتlنlا lاlوlنlيlبlتlو lىlارlحlصlلl(2)وا

راكم العرب معارفهم عن شعوب الشرق األقصى،و أغنوا تصوراتهم عنها، وذلك بالتعرف المباشر عليها، عن طريق االتجار معها، والترحال إليها، والسكن بين ظهرانيها

بواسطة الهجرات السكانية واالستيطان، ثم دونوا معارفهم تلك في شتى مجاالت التأليف، وفي مقدمتها: الرحالت، وكتب الجغرافية، والتأليف التأريخي، فضال عن

المؤلفات األدبية، وما تخللها من انطباعات وآراء، أيضا كتب »العجائب والغرائب«، والمعاجم، والمدونات الموسوعية التي اشتهرت في القرنين الرابع والخامس عشر الميالديين، فقدم هذا التأليف بمجمله صورة عامة ثرية عن تلك الشعوب، سنحاول مقاربتها، والتعرف عليها، في إطار دراستنا الشاملة عن »اآلخر في الثقافة العربية اإلسالمية في العصر الوسيط« أو صورة العالم لدى العرب - المسلمين في العصر

،2004الوسيط، والتي بدأناها في كتابنا األول الصادر عن وزارة الثقافة بدمشق عام بعنوان »صورة أوربا عند العرب في العصر الوسيط«، وكتابنا الثاني الذي سيصدر عن

الوزارة نفسها، بعنوان »صورة الشعوب السوداء في الثقافة العربية - في العصر الوسيط« فيأتي بحثنا هذا ليشكل الحلقة الثالثة من هذه السلسلة، والذي ينصب على

معرفة »صورة الصين والهند وما جاورهما في الثقافة العربية في العصر الوسيط«. ولقد استفاد العرب،إلى حد كبير، من المجال السياسي الثقافي الذي ارتقوا إليه في العصر الوسيط، حيث تمركزوا في منطقة تجارية عالمية كبرى، أهلهم ألن يتغذوا

بالثقافات األخرى، ويتجاذبوا معها الخبرات من موقع االقتدار والثقة بالذات، حينما كانوا آنئذ في موقع البرزخ على مسرح التاريخ العالمي، والعامل الوسيط الفاعل في

ترتيب العالقة بين أطراف العالم في العصر الوسيط.

-4-

أما فيما يخص عالقة العرب - المسلمين في بلدان الشرق األقصى، فكان هناك ما يشجع على استمرار وتوطيد تلك العالقة، التي اختلفت في طبيعتها ومالبساتها

التاريخية، والسياسية والمذهبية، عن عالقتهم بأوروبا،فهذه األخيرة اتسمت بالتشكك والريبة، ممتزجتين باإلعجاب،بينما لم ينظر العرب إلى شعوب الشرق األقصى بهذه الدرجة من التشكك، فأينما ذهب رحالتهم وتجارهم، وجدوا الحدود مفتوحة أمامهم،

ولعلهم التقوا هناك في ربوع الصين والهند، بجاليات عربية أو إسالمية منتشرة، على خالف ما واجهوه من صد من بيزنطة ومن بالد اإلفرنج، اللتين لم تقبال وجود جاليات

عربية بين ظهرانيها، وهو ما يعطي انطباعا قويا على الفروق التي ميزت عالقاتهم بالشرق األقصى عنها في أوروبا، وقد عبر عنه ذلك أندريه ميكيل بقوله: »إذا كانت

التجارة في ما وصلنا من قصص، قضية مرتبطة بالريح الشرقية خاصة، والرياح الجنوبية ثانويا، فإن السياسة توجه أنظارنا باألولوية بأشكال السفارة والتجسس أو

(3)الحرب، إلى المرافق الشمالية من تركستان إلى أوروبا المتوسطية«.

وهكذا، فرضت الفروقات بين المجالين نفسها،فأضحت التجارة السلمية عنوان العالقة مع الشرق األقصى، بينما كانت الرحلة التجسسية هي عنوان عالقتهم بأوروبا،

بقدر ما هيمن الطابع السلمي عليها قياسا على التوتر الذي طبع عالقتهم بأوروبا، ولعل من العوامل التي ساهمت في ذلك أيضآ،هي أن العرب - المسلمين عندما اتجهوا شرقا انهارت أمامهم اإلمبراطورية الفارسية، وعرفوا أن الهنود والصينيين

يعبدون آلهة متعددة، فاستنتجوا أنهم مهيئون لدخول اإلسالم، قياسا على ما وجدوه في أوروبا من تصلب وترسخ للمسيحية على حافة المتوسط، وراء قالع بيزنطة

(4)وحاميتها

فتكون لدى الثقافة العربية الوسيطية متخيال عاما عن حضارات الشرق األقصى، وشعوبها، في سياق معرفتهم للعالم، زاخرة بالمعلومات والمعاني واألحكام، وقائمة

على رؤية عامة لإلنسان والعالم، تتضمن االعتراف باآلخر الديني والحضاري واإلنساني، وتستلهم إلى حد كبير روح التسامح والمساواة بين البشر، وحضاراتهم، وتعترف بالتعددية الدينية، والثقافية والحضارية، والتنوع القائم بينها، وهو ما تجلى

بشكل واضح في مدوناتهم وتأليفهم عندما كانت الحضارة العربية اإلسالمية في عز تألقها، وعندما كان المفكر العربي واثقا بالمستقبل وبقدرة حضارته على لعب دور ال

غنى عنه في الحضارة الكونية في ذلك الزمان.lلlصlفlوآل بlأ lهlاlنlيlهلlتlسlا l،lلlوlصlلفlن اlم lدlيlعدlلlا lىlلlإ lاlنlثlحlب lاlنlمlسlق lاlنlنlإlف lاlذlه lىlلlوع

تlمlهيlدlيl،l يlلlقيl الlضlوlءl عlلlىl اlلlصlالتl اlلlمlبlاشlرlةl اlلتlي عقlدlهlا اlلعlرlبl مlعl شlعوlب اlلشlرlقlمlي حكlلذlا lعيlجlرlلمlر اlاlإلطlاlف بlيlعرlتlلlا lهlيlا فlلنlوlحا lانlث lلlصlفlب lاهlنlبlعقlأlو l،lىlألقصlا

.lفlليlأlتlلlا lاlهذlل lىlرlبlلكlر اlادlصlلمlاlبlو l،lهمlتlاlرlوlصlت lمlكlوح lبlوlعlلشlا lهlذlن هlع lيlبlرlلعlا lفlيlألlلتlا أما الفصل الثالث، فحاول أن يقارب الصورة التي كونها العرب عن موقع تلك

-5-

الشعوب في الجغرافية الكونية المتخيلة في ذلك الزمان، ومركزها ما بين البر والبحر،والتعرف على حدودها الشمالية البرية، والجنوبية البحرية، وأيضا موقعها على

الخريطة الكونية، و مقدار قربها وبعدها من خط االستواء، ومن خطوط العرض والطول، وما يترتب على ذلك من أحكام، فضال عن ترتيبها من التقسيم الساللي، الذي رسمه بعض الجغرافيين العرب ومؤرخيهم للشعوب، ثم تحديد مكانتهم من تأثير مواقع

النجوم، واألفالك. وكرسنا الفصل الرابع للشعب الصيني في بيئته الثقافية والحضارية كما تراءى

للفكر والمخيلة العربيين، وتجلت في مؤلفاتهم، وتصنيفاتهم في العصر الوسيط وبكllل ما اختزنته من أحكام و معايير ثم يليllه الفصllل الخllامس، وموضlوعه الهنlد، وشllعبها، وحضارته وثقافته، كما تجلت في التصنيف والرؤية العربية في العصر الوسllيط. ونختم بحثنllا بفصlل سlادس بعنlوان »جlيران الصllين والهنlد في الlبر والبحlر«، ويتفlرع الى

»جيران البر«.l »جيران البحر«، والثاني بlقسمين،األول ب

الهوامش.11. ص1994- برنارد لويس. اإلسالم والغرب. دار الرشيد. مؤسسة اإليمان. بيروت 1 - اغناطيوس بوليانوفتش كراتشكوفسكي. تاريخ األدب الجغرافي العربي. القسم األول. ترجمllة صllالح2

22. ص1957الدين عثمان هاشم. اإلدارة الثقافية في جامعة الدول العربية. القاهرة. - اندريه ميكيل. جغرافية دار اإلسالم البشرية الجllزء األول. القسllم األول. ترجمllة ابllراهيم خllوري.3

.210. ص 1985وزارة الثقافة. دمشق - برنارد لويس. السياسة والحرب. تllراث اإلسllالم، قسllم أول، تصllنيف شllاخت وبllوزورث، ترجمllة4

محمد زهير السموري. سلسلة عالم المعرفة. المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب. الكويت.258. ص 1978

-6-

الفصل األول وحضارات الشرق مسالك التعارف واالتصال بين العرب

األقصى)الصين والهند وجيرانهما(

كان العرب، منذ القدم، على معرفة، غير قليلة، بالهند وأحوالها، وبعض جزر المحيط الهندي، عن طريق تجارهم الذين نزلوا بغرب هذه البالد، فاختلطوا بأهلها، ولقوا، في

الغالب، حفاوة وعناية عند حكامها، ليعودوا إلى بالدهم في كل مرة، ليدهشوا الناس بما (1)يروونه لهم عن ثراء الهنود وجيرانهم، وبما لهم من غرائب وعادات ثقافية وحضارية.

والحال نفسه ينطبق على عالقاتهم مع الصين وجزر المحيط الهندي،حيث تعددت سبل االتصال بين العرب وشعوب الشرق األقصى واتخذت لها أشكاال متنوعة، واتسعت

وتعاظمت بطريقة نوعية في الحقبة اإلسالمية، وانعكست تلك االتصاالت في النهاية على معرفتهم بأوضاع الشعوب هناك، وهو ما بدأ يظهر بصورة جلية، منذ القرن الثاني الهجري

الثامن ميالدي. اتصلوا بهم عن طريق التبادل التجاري حينما كانوا يلعبون دور السيد في التجارة مع الشرق األقصى، واتصلوا عن طريق الجاليات العربية التي انتشرت على أطراف

التجارة هذه، وعن طريق السفراء ورسائل الملوك، وعبر االقتباسات الثقافيةوالترجمة، وأيضا عن طريق الرحالت المتعاظمة في البر والبحر.

تجارة ومعارف يعود احتكاك العرب، ومعرفتهم للهنود وللصينيين وجيرانهما إلى ما قبل اإلسالم، فقد مارس العرب القاطنون الحافة الجنوبية من الجزيرة العربية )حضر موت، عدن،

وجزيرة سوقطرة( دور الوسيط التجاري ما بين عالم المتوسط وبالد الشرق، منذ القديم، حتى أثناء سيطرة اليونان وما بعدهم الرومان على مصر وبعض بلدان

المشرق العربي، فكانوا يأتون من الشرق األقصى باألحجار الثمينة والتوابل مقابل بضائع مصرية، وحملوا البهارات والموسلين، أما من الهند مباشرة أو من التجار الهنود في موانئهم في خليج عدن، وبفضل هذه التجارة الرابحة، وتلك االتصاالت المستمرة

(2)شيد العرب حضارة زاهية مركزها سبأ.

وقد قال الكاتب الروماني بلينوس األكبر، الذي عاش في القرن األول ميالدي: »إن وهو ما يؤكد على األهمية الفائقة للنشاط البحري(3)العرب يعيشون مما تعطيهم البحار«.

التجاري بالنسبة لسكان شبه الجزيرة العربية أنئذ، ويتضح من دراسة )الدليل البحري ( الذي ألفه اليونان في أواسط القرن األول الميالدي، أن اليونانيين قدErghreemاألرثيري

عرفوا أن هناك أربع مناطق كبرى ذات موارد طبيعية، أو مصنعة، يمكن أن تتبادل فيما بينها السلع، اثنتان في الطرفين األقصيين، الهند، واإلمبراطورية الرومانية، ومنطقتان في

-7-

الوسط، جنوب الجزيرة العربية وشرق أفريقية، وبقيت التجارة البحرية الهندية وقفا على(4)التجار والمالحين العرب.

على رجحانR- Doughertyوأكد اكتشاف عالم اآلثار األمريكي ريموند داويرتي القول بأن سكان شبه الجزيرة العربية قاموا باإلبحار إلى سواحل الهند الغربية، وإلى

الجزر المحاذية لها، وكانوا يبحرون على حافة الشواطئ، ذلك ألن اكتشاف الرياح الموسمية إنما تم في وقت متأخر عن ذلك الزمن، وتتوافق هذه الوقائع مع مالحظات

.I.H.Kramersالفريد فون كريمر ميالدي( أن قبائل شبه24 – 23 ق.م - 63، 64ويخبرنا الكاتب اليوناني سترابون

الجزيرة العربية قد دعمت وجودها بالتجارة البحرية مع الهند وأفريقيا، ولم تقتصر حياتها االقتصادية على تربية الحيوانات والحرف وحسب، وتتحدث النقوش في اليمن الجنوبية

عن بعثات، لعلها دبلوماسية، عبرت هذه الطرق في نهاية األلف األول قبل الميالد، وهناك أدلة أخرى تنوه بالدور الهام الذي لعبته عدن، بعد أيام البطالة، كمركز ترانزيت في تجارة مصر الدولية البحرية لعصر المملكة الجديدة، كما أن تجار شبه الجزيرة العربية قد أقاموا

ميالدي، عبر سيالن، عالقات تجارية بين سومطره ومدغشقر. وأسسوا360حوالي عام على تخوم العصر الجديد مستعمراتهم على الساحل الغربي من سومطره وكانت هناك

مادتان رئيسيتان لعمليات التجار القدماء في منطقة المحيط الهندي، وهما من خشب البناء في ماليبار وطيب جنوب شبه الجزيرة العربية، ثم أضيفت لهما فيما بعد المادة

الثالثة وهي الذهب من سفالة في شرق أفريقية وقد احتاجت المواد التجارية المتعاظمة إلى أسطول تجاري، مما أدى بالتدريج إلى ظهور أسطول تجاري لدى تجار شبه الجزيرة

(5)العربية.

وازدادت معرفة العرب تلك، مع توسع اتصاالتهم، بعد اإلسالم، وتحولهم إلى إمبراطورية شاسعة األبعاد، تمتد حدودها من الشواطئ اإلسبانية إلى قلب الهند،

وتضرب الرياح بأشرعة سفنهم في أهم مضايق العالم القديم، ومحيطاته، وتوسطت هذه اإلمبراطورية في منطقة المضايق بين الخليج العربي، والبحر األحمر، والبحر

األبيض المتوسط، والبحر األسود، وبحر قزوين، وشكلت صلة الوصل بين منطقتين اقتصاديتين عظيمتين، منطقة المحيط الهندي ومنطقة البحر األبيض المتوسط، هاتان

المنطقتان اللتان توحدتا في العصر الهلنستي، ثم انفصلتا إلى عالمين متنافسين: الروماني - البيزنطي، والبارثي - الساساني، امتزجتا من جديد بفضل الفتح اإلسالمي

(6)في منطقة جديدة واسعة موحدة اقتصاديا.

فصارت أراضي الخالفة برزخا تتالقى عليه خطوط التجارة العالمية، ولعب العرب المسلمون فيها دور الوسيط التجاري، حتى غدا النشاط التجاري كما يقول ميتز »مظهرا

من مظاهر أبهة اإلسالم، وكانت سفن المسلمين وقوافلهم، تجوب كل البحار والبالد، وأخذت تجارة المسلمين وقوافلهم، تجوب كل البحار البالد، وأخذت تجارة المسلمين

المكان األول في التجارة العالمية، وكانت اإلسكندرية وبغداد هما اللتان تقرران األسعار(7)للعالم في ذلك العصر، في البضائع الكمالية على األقل«.

وكان تعمير بغداد حدثا بارزا في تاريخ العالقات االجتماعية بين العرب وحضارات -8-

الشرق األقصى، فألول مرة في التاريخ ارتبطت عاصمة اإلمبراطورية العربية مباشرة بطرق مائية مع بحر العرب بواسطة نهري دجلة والفرات، اللذين يصبان معا في

الخليج، وبينما استمرت الموانئ القديمة مثل »أبله« و»دارين« و»صحار« في لعب دورها المعتاد، تطورت البصرة، وأصبحت في القرون التالية بمثابة لفربول بالنسبة

للعرب، إذ غدت محطة التصدير واالستيراد بين الشرق والغرب، دخلت إليها البضائع الواردة من الهند والصين ومصر وأفريقيا الشرقية، وغيرها من البلدان، ومنها كانت

ع في شتى المراكز التجارية المتجهة إلى موانئ الهند والصين وسائر البالد توز وسافر التجار العرب - المسلمون من موانئ الخليج لعربي، سيراف(8)الشرقية.

والبصرة، واألبلة، ومن عدن، وموانئ البحر األحمر إلى الهند وسيالن وجزر الهند الشرقية، والصين، وجلبوا من الصين الحرير واألسرجة، واللباد، والقرفة، والراوند،

واألدوات الذهبية والفضية، والنقود الذهبية والعقاقير واألنسجة، والحلي واألقفال، ومن الهند النمور والقهوة والفيلة، وجلود النمور، والياقوت، وخشب الصندل األبيض،

وخشب األبنوس، وجوز الهند، فعرفوا البحار الشرقية حق المعرفة، واستقر بعضهم كما استقروا على سواحل(9)ألغراض التجارة في الصين منذ القرن الثامن الميالدي.

الهند، وجزر المحيط. وكانت هناك أربعة خطوط للتجارة الدولية تصل بالد شرق آسيا بأوروبا، وتمر بدار

اإلسالم: الطريق البري الشمالي من الصين إلى البحر األسود، أو إلى جنوب روسيا رأسا، والطريق البري األوسط من الصين إلى إيران والعراق وبالد الشام، والطريق

البحري يمر عبر البحار الشرقية إلى البحر األحمر إلى مصر، والطريق البحري اآلخر يبدأ من البحار الشرقية إلى إيران والعراق، ومنها تنتقل البضائع برا إلى بالد الشام، وكانت هذه الطرق لها تفرعاتها، وتلتقي كلها في نهاية المطاف، بمتاجرها على موانئ البحر

(10)المتوسط، ومن هناك تنتقل إلى أوروبا.

ويعرف الطريقان البريان الكبيران بطريق الحرير، وهما يمران في قلب )دار اإلسالم(، باإلضافة إلى طريق بري ثالث كان يربط الصين بالهند وجنوب شرق آسيا،

وهو الذي اشتهر،أيضا، باسم طريق الحرير، وأهم هذه الفروع هو الفرع الذي يتجه نحو الجنوب الغربي قادما من بالد ما وراء النهر، وجنوب بحر الخزر إلى بالد فارس

(11)والرافدين والشام.

Si – Ncanوكانت القوافل التجارية المحملة بالحرير تنطلق من مدينة تشانغان الصينية )تدعى اآلن شيان في مقاطعة تنشي(، إلى طريق الحرير البري عابرة ممر فهشي، أي ممر غربي النهر، ويشتهر باسم ممر فهشي، وتصل أغلب القوافل إلى المدينتين الحدوديتين: كاشغر، وخوتان ومن هناك تنطلق نحو بالد الشام والساحل

السوري إلى ممر البحر المتوسط من جهة، أو إلى بحر قزوين، أو عبر الفرات، من جهة(12)أخرى.

لكن، وعلى الرغم مما يحيط المالحة البحرية من غموض ومخاطر، بقي التجار يفضلونها على الطرق البرية األكثر وعورة ومخاطر، لهذا احتلت المالحة البحرية الدور

األكبر في االتصال التجاري بين العالم العربي اإلسالمي، وبالد شرق آسيا، فزخرت سواحل -9-

الشرق شعوب صورة2-م األقصى

شبه الجزيرة العربية بحركة اإلبحار إن كان باتجاه شرق أفريقيا، أو باتجاه البحر األحمر، أو باإلبحار شرقا إلى سواحل الهند والصين، وجزر المالديف، وسيالن، والجزر االندونيسية،

واستقر الكثير من البيوتات التجارية العربية على سواحل الهند والصين، وجزر المحيط الهندي، وأقاموا وكاالت تجارية إلدارة أعمالهم هناك، وبمرور الوقت غطت التجارة العربية

معظم أجزاء شبه القارة الهندية، إلى حد لم يعد يخلو ميناء من موانئ كجرات من بضائعهم، وكانوا يلقون من الحكام معاملة حسنة نظرا للمكاسب التي كان يجنيها هؤالء

فإذا كان العرب سلموا(13)الحكام من الرسوم والضرائب المفروضة على هذه التجارة. لألوروبيين، والسيما اإليطاليين، الدور الرئيسي في تجارتهم مع أوروبا في المتوسط، فقدز دورهم المالحي لدرجة أصبحوا فيه كان لهم الموقع األول في المحيط الهندي حيث تعز

سادة المالحة فيه، وتزايدت معرفتهم بأسرار تلك المالحة، مع توطد وجود جاليات إسالمية في أغلب مدن وموانئ المحيط، تمارس التجارة بشكل رئيسي، »جعلت الهنود وغيرهم ينسحبون من الميدان تاركينه لفارسه األوحد الذي تحمل عناء ومخاطر التجارة العالمية

(14)عن الهنود«.

ورغم توطد هيمنة العرب على التجارة البحرية الشرقية، فقد حافظت العالقة الهندية - العربية على طابعها التنافسي السلمي، ولم يحدث أن تجابهت قوتاهما في

البحر من أجل التجارة، فقبل مجيء األوروبيين، و)تلويثهم( تجار البحر السلمية، وزرعهم بذور الصراع فيها، كانت »فكرة السيادة على البحر« شيئا غير معروف في

المفاهيم اآلسيوية، ولم يحدث قط في أي عصر من العصور، أن مارست دولة آسيوية السيطرة على حركة مرور السفن، ولم يحدث أن شابت نشاطات العرب التجارية أي

شائبة سياسية، وكان العرب يتجرون بمنتهى الحرية بجميع الموانئ الهندية، فعندما وصل البرتغاليون بقيادة )فونسو البوكرك( إلى ساحل الماليو الحظوا أن التجار العرب والهنود، والصينيين، يتنافسون بحرية، في أسواق تلك المنطقة، تنافسا صريحا ال لبس

(15)فيه، وكانت سفنهم التجارية الصغيرة والكبيرة ال تعرف الحروب وال تستعد لها

لذلك، كان وصول المراكب التجارية الكبيرة حادثا جديدا، أدخل الحروب والصراع على(16)تجارة تلك البحار.

واتسمت العالقات التجارية مع الهند باالتساع والكثافة، مستفيدة من قرب موانئها، وانتشار الجاليات العربية اإلسالمية في مدنها الساحلية، وكانت موانئ الهند موزعة على واجهتين من سواحلها، فهناك موانئ على غرب المحيط مثل: كمباي وكجرات، باإلضافة

إلى موانئ ساحل المليبار، وأخرى تواجه شرق المحيط الهندي كموانئ ساحل )كردو ماندول(، ويعتبر ميناء كجرات من أشهر موانئ الهند، وكان قبالة خليج عمان والساحل

العربي، وهو ما سهل تنمية العالقات التجارية بين الجانبين :العربي والهندي؛ وكان ساحل المليبار مركز اإلنتاج الرئيسي للتوابل في الهند، لذا سماه ابن بطوطة »بالد الفلفل«، و تلتقي عليه تجارة المحيط الهندي، كما تتعاظم التجارة العربية مع ميناء كاليكوت، وميناء

)ديو(، وميناء الديبل، وساهمت وفرة السلع المطلوبة من الجانب العربي على ازدهار التجارة، ولم يكتف العرب في استيراد السلع من الهند لبالدهم فحسب، بل صدروا قسما منها إلى أفريقيا وأوربا، اللتين استورد العرب منهما، بضائع بالمقابل، وكانت الهند تفيض

-10-

أراضيها بسلع مطلوبة من أسواق العالم القديم، مثل التوابل، والفوالذ الذي كانت تصنع منه السيوف المطلوبة في األسواق العربية، وبعض المنسوجات القطنية، وهناك

المنتجات الزراعية كالزنجبيل والفلفل والنيلج، كما شاعت دباغة جلود الماعز والجاموس، والثيران البرية، واشتهرت الهند أيضا بصناعة أغطية الفراش المخاطة بخيوط الذهب

والفضة، وصناعة النمارق )الشلت( المحلى بأسالك الذهب، وتحمل السفن العربية إلى وأيضا الزبرجد في علب جميلة، والمرجان،(17)الهند، الخيول والتيل وبعض أنواع القطن،

والبخور، ويأتون من بيزنطة باألقمشة الحريرية، والسمور والفراء، ويجلبون من فارس ويصدرون أيضا للهند لبان ذكر، والعاج، والذهب والماس(18)الورد والتمور من البصرة

وغيرها من السلع الكمالية، ويذهب بعض الباحثين، إلى أن الميزان التجاري كان يميل.(19)نسبيا لصالح الهند

ولم يتوقف إبحار العرب عند سواحل الهند، بل طرقوا أطراف المحيط الهندي كافة، ومخروا عباب الهادي، وفضل الكثير من التجار والبحارة العرب - المسلمين، أن يبحروا من موانئهم إلى الشرق، في شهري أيلول )سبتمبر(، وتشرين أول )أكتوبر(، بمحاذاة الشاطئ من هرمز إلى مكران إلى الديبل، والمنصورة في الهند، ثم يتجهون إلى جنوب شرق الهند،

فيأخذون قسطا من الراحة في مرفأ كوالم مالي )كوبولم اليوم في المليبار( وبعدها يمخرون بحر هركند )خليج البنغال( إلى )كله بار( في شبه جزيرة الماليو، ثم يجتازون

مضيق )مالكا( الفاصل بين الماليو وسومطرة، شرقا إلى تيمومة، إلى مرافئ بالد الصنف )= فيتنام اليوم(، ويتردد بعضهم إلى مدينة لوقين )= هانوي اليوم(، إلى أن يصلوا إلى

(، فيمكثون هناك طوال الصيف إلى أن يتغير اتجاه الريح ليقلعواCantonخانفوه )= كانتون بعدها راجعين في بداية الشتاء إلى سواحل الخليج العربي، فيصلون بعد سنة ونصف من

( 20)انطالق رحلتهم.

وكان السوق الهندي، الغربي خصوصا، والشرقي أحيانا، قد أعطى العرب أنواعا نفيسة من األخشاب والتوابل واألقمشة واألحجار الكريمة. فإن سيالن )سرنديب(

الغنية إلى حد أسطوري، قد أضافت إلى هذه الموارد الذهب والعاج والحرير والشاي، وقد جلب العرب إلى هناك، شأنهم مع الهند وأفريقيا، الجلود والبخور، والخيول

األصيلة، ولقد لعبت الموانئ السيالنية الرئيسية في المرحلة اإلسالمية: كولومبو، غالى، توتاجا، على الساحل الغربي، وتيركونا - مالوى على الساحل الشرقي، دور

محطة مريحة للبحارة والتجار العرب في متوسط الطريق الخطرة الطويلة نحو وتنامى دور هذه المحطة في الفترة التي انقطعت فيه(21)الصين وأثناء العودة منها

الصلة المباشرة بين التاجر العربي ومرافئ الصين. وكانت مراكب المسلمين، في ذلك العصر، تذهب، أيضا، إلى بحار الصين، كما كانت

كانت سيراف هي الفرضة(22)مراكب الصين تختلف إلى عمان وسيراف واألبله والبصره لبضائع الصين، بل كانت بضائع اليمن المرسلة إلى الصين تحمل على مراكب إلى

سيراف، وبلغت المكوس التي كانت تؤخذ من المراكب بها حوالي آخر القرن الثالث ويحكى(23) الهجري نحوا من مائتين وثالثة وخمسين ألف دينار كل عام، كما يشير البلخي

من أخبار القرن الثامن الميالدي أن أسماء ربانية السفن األجانب، كانت تقبل في ديوان -11-

التجارة البحرية في مدينة خانفو، وأن الديوان كان يطالب بحق التفتيش للمراكب قبل°شياء النادرة أو ذات القيمة السماح لها بإنزال ما تحمله إلى البر، وكان تصدير األ

محظورا... وربما تكون قد أنشئت في ذلك العصر مراكز تجارية إسالمية في أنواع أخرى من الصين.. وفي أوائل القرن التاسع الميالدي كان على رأس الجالية اإلسالمية في

كانتون رئيس مسلم يعينه امبراطور الصين، وكان هذا الرئيس يقضي بين أفراد الجالية.(24)بأحكام الشريعة

كان الصينيون يستوردون من السفن العربية الكافور، والعاج، وقضبان النحاس،والذيبل )= قشر السالحف(، وقرن الكركدن، الذي كان الصينيون يصنعون منه المناطق،

واحتلت خانفوه )أي كانتون( مركزا ممتازا في تجارة المسلمين مع الصين واستقرت(25) لهم جالية كبيرة فيها، ومن هذا المركز اتصل التجار المسلمون بسائر بالد الصين،

فوصلوا إلى هانغ شو في الشمال،التي دعوها )قانصوه(، واتصلوا بعاصمة مملكة التانغ الحاكمة في الصين )هسي - آن - فو( التي سماها العرب )خمدان(، كما استقروا في شبه الجزيرة الصينية، التي سموها ببالد )السيلة(، أي كوريا أو اليابان، واستمروا على

ازدهار أحوالهم، ودخولهم إلى المجتمعات الصينية إلى أن احتل احد العصاة )هوانغ تشو( ويشير ميتز إلى أن هذا الرجل، قد قضى على(26)مدينة خانفوه، انطالقا من خمدان.

أسرة تنج الملكية، وأفسد أمور الصين، وفتح خانفوه، التي كانت ملتقى السفن التجارية اإلسالمية، وقتل من أهلها مائتي ألف من المسلمين ومن غيرهم، وباضمحالل هذه

(27)األسرة فسد كل شيء في جنوب الصين، واختفت معالم التجارة البحرية هناك،

وذهب باحثون آخرون إلى أن انتكاسة التجارة العربية المباشرة، مع السواحل الصينية، م، على758قد أتت على أثر الثورة التي قامت بها الجالية اإلسالمية في كانتون عام

(28)السلطات الصينية.

(29)ولم يتجدد االتصال المباشر حسب كراتشكوفسكي إال في القرن الثالث عشر.

غير أن ميتز يذهب باتجاه مغاير، حيث يذكر أن حكومة الصين بذلت جهدا كبيرا الجتذابالتجار، فأرسلت بعثة تدعوهم للحضور إلى الصين، كما أعيد تنظيم ديوان البحر عام )

فصار التجار على الجانبين الصيني والعربي - في(30)م( في مدينة كانتون،971ه - 361 Malacaa ( أو ) ملقه Kalahفترة االبتعاد عن السواحل الصينية - يتبادلون السلع في ) كله

( في شبه جزيرة الماليو التي كانت جزءا من اإلمبراطورية االندونيسية المعروفة باسم مملكة سريفجانا، وأطلق عليها العرب اسم مملكة المهراج وكانت في موقع سنغافورة

اليوم، فصارت ملقاه، والتي هي من اإلنشاءات التي أوجدها المسلمون على جزيرة ملقا، نقطة التقاء بين الحركة التجارية في المحيط الهندي وبحار الصين، ويتبادلون فيها

محاصيل الصين والسيام وجزر التوابل، مع بضائع الهند، والجزيرة العربية وأفريقيا.(31)وأوروبا

ويذهب الحوراني إلى أنه عندما انقطعت الرحالت المباشرة إلى كانتون، أخذ العرب والصينيون يتالقون في كله على الساحل الغربي لشبه جزيرة ملكا، وكانت، عندئذ، جزءا من إمبراطورية إندونيسية، وصار العرب يبحرون أيضا إلى سومطرة في القرن العاشر، بل إن رحلة الصين لم تنقطع تماما، فإن بزرك يتحدث عن تاجر يهودي من عمان ذهب

-12-

ثم احتكرت الحكومة الصينية التجارة(32)إليها في العقد الثاني من القرن العاشر. م. وفي ذلك العصر، وماجاء بعده، تذكر الروايات كثيرا من التجار980الخارجية عام

المسلمين زاروا بالط إمبراطور الصين واستقبلوا هناك استقباال مملوءا بالمودة، واستقر م999 إلى جانب استقرارهم في كانتون، وفي عام كثير من التجار في )تسوان شو(

أنشئت دواوين للتجارة البحرية في تغري هانجشون، ومانجشون، زيادة إلى ما كان(33)في غيرها من الموانئ

كانت أهم الموانئ الصينية التي قصدها التجار المسلمون،الى جانب كانتون، لوقين، والزيتون، وخمدان، وصينية الصين، وسيالن، أما أهم البضائع التي استوردها العرب منهم، فهي الحرير، والفرند، والكمخار، والمسك، والعود، والسروج، والسمور، والغضار، والدار الصيني، والخولنجان، ومصنوعات الخزف، والنقود النحاسية والذهبية والفضية، واألدوات الحديدية، وحمل إليهم التجار العرب بالمقابل: العاج والكندر، وقرن الكركدن، والخنوقي

كما نسج العرب حلقات اتصال مع جزر(34)حسب لغتهم الصينية، ويعتبر اعز سلعهم المحيط الهندي، بشكل مبكر، وال سيما مع األرخبيل األندونيسي، الذي يتكون من مئات

الجزر، فقد انسابت سفنهم من مضيق ملقة المحصور بين جزيرة سومطرة، وشبه جزيرة الماليو، حيث تتوقف في طرف جزيرة ماليو في مالكة /أو ملقة، الذي كان يتحكم في كل التجارات الواردة من الصين وما يجاورها، وكان المسلمون باإلضافة إلى تجارتهم تلك، ينقلون معهم دينهم اإلسالمي إلى سكان تلك الجهات، وبلغ أهل مالكه حدا كبيرا من

(35)الثراء، ومن الجزر التي زارها العرب وتعرفوا عليها في هذا األرخبيل جزيرة جاوة.

واستقر التجار المسلمون القادمون من الهند وملقا في جاوة، وصاحب ذلك االستقرار تزاوجا بين هؤالء القادمين الجدد وبين الفتيات الجاويات، مما أدى إلى اندماج أبعد مما

(36)حصل نتيجة االمتزاج بين الهنود، وأهل البالد األصليين.

وظهر الكثير من األدلة على قدم العالقات التجارية بين العرب واندونيسية والفلبين، حيث اعتاد العرب الجنوبيون على اإلتجار مع تلك البقاع النائية، وهو ما تدل عليه اآلثار الحميرية، وحين نهضت الدولة العربية - اإلسالمية - بعثت التجارة العربية العالمية، وقبض المسلمون على ناصيتها، وربطوا اندونيسية )أرض الماليو( والصين

والهند بعالم المتوسط، وأوربا. وقد ترعرعت جاليات عربية على الساحل السومطري م، وقد دلت شواهد القبور الكثيرة التي كشفت هناك على وجود674منذ عام

(37)مستوطنات للتجار العرب والمسلمين وأسرهم.

لقد أعطى روسينيه صورة عامة، عن دور العرب في تجارة الشرق األقصى، باإلشارة إلى أن محاصيل الشرق األقصى ترد إلى كاليكوت والمرافئ المجاورة لها،

ويأتيها فلفل مقاطعة المالبار، والمحاصيل الهندية األخرى كالقرفة، والحجارة الكريمة من سيالن، والتيلة من كوجرات، والمنسوجات القطنية والجوت من البنغال

وكوجرات، باإلضافة إلى األفيون والعقاقير، ثم يتم العبور بهذه البضائع في البحر األحمر، والخليج العربي، وعبر األراضي العربية: الشام، ومصر إلى أوروبا بعد إبحارها

في المتوسط، مقابل الذهب والفضة وخيل العجم، وجياد الجزيرة العربية، والحرير الخام والآللئ من فارس، والبن والعطور من البالد العربية، والنحاس والقصدير والزنك

-13-

والرصاص والزئبق والمخمل والديباج من أوروبا، حيث تصل الشرق األقصى عن طريق البالد العربية، والعاج والعنبر والمرجان والعبيد من أفريقيا لسد حاجات

(38)الجيوش والبالطات الملكية.

ولم يكن يسمح ببقاء السفن طويال في موانئ آسيا خشية أن يفتك بها السوس، فكلف التجار وكالء لهم من األهالي لشراء التوابل مباشرة من منتجيها يحفظونها في مستودعات لحين وصول السفن في مواسمها لشحنها »وكان نيسان أفضل الشهور

بين أيلول ونيسان الجتياز باب المندب« أما الوقت المناسب لمغادرة »ملقا« فكان(39)»وكثيرا ما عول التجار على التحاويل )التحويالت( والسفاتج المالية في معامالتهم«.

ولم تقتصر منافع التجارة على الربح، وتبادل السلع، بل ترافق معها تعارف بين العرب المسلمين واألمم األخرى، وازدياد احتكاكهم وتلمسهم لمناحي حياتهم المختلفة،

فكانت بالنهاية وسيلة لتبادل األفكار، والتجارب، والخبرات الثقافية، ولنقل الثقافات، واستعارة بعض جوانبها، وحفزت على تشكيل متخيل عن األمم الشرقية هذه، التي كانت دائما محل إعجاب العرب، وتنافسهم، الذي لم يرتق يوما إلى درجة العداء، والحذر، الذي

يجلب معه متخيل نمطي صلب عن اآلخر، شبيها بذلك المتخيل الذي حمله العرب عنجيرانهم األوروبيين في الشمال، وعلى أطراف المتوسط.

ولما كان كل تاجر رحالة بالقوة، فإن الكثير من التجار العرب في المحيط الهندي جمع بين معرفته ألثمان السلع، وأنواع النقود، والبيوتات التجارية، وطرائق الدفع،

والمعامالت، وبين اكتساب الخبرة بمعرفة البشر الذين تعامل معهم، وخبر طباعهم، وعاداتهم، وأديانهم، وسلوكياتهم اإلجتماعية، وقدم العرب المسلمون أبهى النماذج عن

هؤالء الرجال: التجار، الرحالة أمثال سليمان التاجر، والسيرافي الذي دون سيرته فضال عن سيرة سليمان وهناك أيضا صاحب )عجائب الهند والصين(، الذي دون

مالحظات البحارة ومعارفهم، ودمجها بمعارفه هو نفسه.

انتشار الجاليات العربية اإلسالمية جذبت التجارة معها إلى حافة المحيط الهندي، في الصين والهند، واألرخبيل

األندونيسي، استيطان الكثير من المهاجرين العرب، استقروا هناك على حافة االشتغال بالتجارة وبيوتاتها، وقد ذكر ميتز، وغيره من المؤرخين أن في كانتون )خانفوا(، التي كانت

، ولم(40)ملتقى السفن التجارية اإلسالمية، استقر فيها ما يقارب المئتي ألف مسلم يقتصر الوجود العربي اإلسالمي في الصين، على كانتون )خانفوا( وحدها، فقد تناثر

وهذا الحال ينطبق علىKhumdanوجودهم في المدن الساحلية األخرى. كخمدان السواحل الهندية، وال سيما أن ملوك الساحل الشرقي للهند، كانوا يحسنون معاملة

التجار القادمين إلى بالدهم، فكثرت الجاليات التجارية تحت حماية هؤالء الملوك، حين كانت التجارة اإلسالمية تمتد من كولم إلى نيلوار )نيلور(، نحو ثالثمائة فرسخ )الفرسخ يساوي ثالثة أميال( على ساحل البحر، فاستقر المسلمون بهذه الجهات، كما استقرت

في بالد )تامل( جاليات مسلمة أخرى، ذكرهم )خسرو( في مذكراته عن حملة ملك كافور على البالد، وقد زارها ابن بطوطة بعد الحملة تلك، فذكر أن غياث الدين الدامغاني

-14-

حاكم مادورا في تلك األيام، كما أن ملك )ويربالال( يملك جيشا يحتوي على عشرين ألف(41)مسلم.

صحيح أن سيطرة المسلمين السياسية المباشرة على المحيط الهندي حتى القرن ومع هذاIndwالعاشر الميالدي، لم تتجاوز الجهات الساحلية عند مجرى نهر األندس

تطالعنا، كما يشير نفيس أحمد، كثرة المراكز العربية التي تمتع فيها العرب بتقاليدهم الدينية واالجتماعية في أنحاء كنكان، وسواحل مليبار، وكرومندل، وجزائر نيكوبار، وساحل

أركان، والماليو وسومطرة وجاوة، وقد وصل اإلسالم إلى هذه األقاليم دون أي عون سياسي من أي نوع، وبقي راسخ الجذور طوال قرون بعيدا عن أية اضطرابات تلحقه

( »أنT.W. arno1. ويذكر أرنولد )(42)من غزوات تقوم على الحدود الهندية اإلسالمية اإلسالم قد أحرز أعظم انتصاراته وأطولها بقاء في نشر الدعوة في األزمان، واألماكن التي كانت فيها قوته السياسية أشد ما تكون ضعفا، كما كانت الحال في جنوب وفي

.(43)شرق البنغال« ولقد نشأت المستعمرات القوية على الواجهة الشرقية لسومطرة وسواحل ماليزيا،

وفي القرن الرابع عشر، والتي تعتبر النوى األولى للدول اإلسالمية، وكانت سلطنة )آتجي( في شمال الجزيرة الكبرى، وميناؤها سامودورا، الذي سمي )باساي( فيما بعد، كان مقرا

.(44)إسالميا حيويا، وموقعا مهما لمراقبة المدخل الشمالي للمضايق

رسائل وسفراء وهدايا بموازة تبادل المنافع التجارية، وتدقق الهجرات، تبادل خلفاء وسالطين

المسلمين الرسائل والهدايا والسفراء مع ملوك الهند والصين، وامتزجت السفارة بوظيفة التواصل الثقافي، إلى جانب حموالتها السياسية واإلقتصادية، ويشير بعض

651المؤلفين الروس إلى أن العام ميالدي شهد إرسال أول سفارة عربية بحرا محمال بالهدايا النفيسة إلى قصر اإلمبراطور الصيني، ويبدو أن الهدف الرئيسي لذلك

كان االرتباط بعالقات تجارية متينة مع امبراطوريات الشرق األقصى، وجرى تجهيز سفارات للبلدان البعيدة من قبل الخلفاء األمويين، ومن أعقبهم من الخلفاء

العباسيين في القرن الثامن أيضا، وبلغ تعداد السفارات التي قصدت الصين، بين ، ويذهب بعض الباحثين أن البعثة األولى(45)م عشرين سفارة 1280م - 960عامي

م، أيام امبراطور الصين،651ه - 31إلى الصين، قد أرسلها الخليفة عثمان في ، كما أن السجالت الصينية تشير إلى أن ثمة بعثات أخرى أرسلهاKgu-Tswngكيوتسنغ ،

م(،809ه - 158العرب إلى الصين منها اثنتان أوفدهما الخليفة أبو جعفر المنصور ) )Tang،)46 بعثة عربية أرسلت إلى الصين في عهد تانك 37وتشير هذه المدونات إلى

كماتشير إلى أن تبادل الوفود والسفراء بين العرب والصين قد رأى النور زمن الخليفة الراشدي عثمان بن عفان، إذ يشهد )تاريخ الصين( إلى وصول وفد عربي إلى عاصمة

م، وكان غرض651الصين، في السنة الثانية من عهد ) بو نخوى (، التي توافق سنة البعثة إخبار اإلمبراطور برسالة محمد )ص(، ودعوته للدين الجديد، واقتفى إثر هذه

البعثة الكثير من الوفود تحدث عنها )تاريخ الصين( لعهد نانغ وأغفل ذكرها العرب، بل

-15-

سجلت كتب الصين القديمة وصول أربعة وثالثين سفارة من بالد تاشي )ويعنون بهذه م وكانت السفارات في800م إلى 651العبارة العرب( في قرن ونصف، أي من سنة

عدة زمن أمية أقل شأنا بالمقارنة مع الحقبة العباسية، والكتب العربية لم تذكر إال (، وتلك التي أرسلها أبو750بعثات، منها البعثة التي أرسلها قتيبة بن المسلم )ت

جعفر المنصور، أما على الجانب الصيني، فان مدوناتهم القديمة امتألت بها، إذ تحدثت عن أخبار وفود عرب من ذوي »المالبس السود«،أي العباسيين، وعن رسل عرب من ذوي »اللباس األبيض«، أي األمويين، ونعرف من تاريخ »تانغ« أن سبع عشرة سفارة قد وردت من العرب إلى عاصمة الصين في زمن األمويين، وخمس عشرة في زمن

.(47)العباسين وكانت أغلب السفارات القادمة إلى الصين،في زمن بني أمية، من األمراء العرب

فيما وراء النهر وخرسان، أكثر من تلك التي بعثت من دمشق العاصمة، وقد ذكر »تاريخ م، من قبل سليمان بن عبد الملك، لتقديم716الصين« خبر بعثة من دمشق في سنة

الهدايا لإلمبراطور مشتملة على عباءات منسوجة من خيوط الذهب، والعقيق، ورشاشات العطور وأشياء خاصة ببالد العرب، فانعم اإلمبراطور على السفير رتبة

733فارس. كما يخبرنا) تاريخ الصين( عن ورود وفود أخرى، فالسفارة التي قامت عام م كانت بقيادة أحد قواد العرب األمويين اسمه جنيد، وهو تحت إمرة نصر بن سيار في

عهد الخليفة هشام األموي، وهو من بين القادة الذين كرسوا فتح بخارى وسمرقند. ويشير المستشرق جب إلى أن نصر بن سيار، بعد أن استقر في سمرقند بعث بالعديد

747م و745م، وسفارتين أخريين في سنتي744من السفارت إلى الصين،إحداها سنة م. واستأنف العباسيون إرسال الوفود إلى الصين، وأولها إرسالها مؤسس الدولة

العباسية، ثم أبو جعفر المنصور وهارون الرشيد بطل العهد الذهبي، وكان العباسيون معروفين لدى الصينيين باسم ) خئي تاشي (، أي العرب ذوي المالبس السود، تمييزا لهم عن األمويين الذين عرفوهم باسم ) يئي تاشي (، أي العرب ذوو المالبس البيض، وسجل

م.800م و 750تاريخ الصين خمسة عشر سفارة عباسية، في نصف قرن بين عامي .(48)ذكرت تلك البعثات الوثائق الصينية، ولم تتكلم عن أغلبها الوثائق العربية

وتكشف التحقيقات التاريخية أن العالقات الدبلوماسية بين الخلفاء العباسيين والصين كانت أقوى وأوثق مما كانت عليه زمن األمويين، فلم ينقطع اختالف الوفود بين

بغداد و»جانغ آن«، حتى القرن الثاني عشر الميالدي، فبعد أن حصلت اضطرابات عند م، مر906منتصف القرن التاسع الميالدي وأدت إلى القضاء على أسرة تانغ في سنة

على مسرح الصين خمس أسر حاكمة قصيرة الحكم، مما أدى إلى قطع الصالت بين م، لكن مع ظهور أسرة )سونغ(950م و850عاصمة الصين وبغداد ما بين عامي

الحاكمة، انفتحت الروابط التجارية والدبلوماسية بين العرب والصين من جديد.1114م إلى 960فذكر) تاريخ الصين( خمس وعشرين سفارة عربية إلى الصين ما بين

م، وأغلبها وصلت عبر البحر. وفي المقابل فقد تم تبادل السفارات عن طريق البر بين الدولة السامانية في الغرب، و المملكة الصينية المسماة »مملكة كين« التي كانت قبل

أيام المغول، واشتهرت في المدونات العربية باسم )ماصين(، وكانت العالقة بين -16-

السامانيين ومملكة كين منحصرة في البداية في مجال التجارة، ثم اتسعت لتشمل الدبلوماسية والسياسة، ولعل أبو دلف الينبوعي، هو، أول رحالة عربي كتب عن تلك

الصالت بين الجانبين، ونقل عنه ياقوت والقزويني وابن النديم، إذ كان أبو دلف رئيسا لبعثة رسمية أرسلها نصر بن أحمد الساماني إلى امبراطور )كين( بسندابل، ومن كالم

ابن دلف نعرف أن ملك الصين اسمه، آنئذ، قالين بن الشخير. ومع بروز سيطرة المغول في القرن الثالث عشر الميالدي، تحول مجرى العالقة بين الصين والعرب إلى مابين الصين والدول العربية واالسالمية التي خضعت لسيادة المغول... فالسفارات التي

م، حينما سيطرة367م و1277جاءت إلى بالد الصين في عهد )يوان( مابين عامي جنكيزخان عليها، كان أكثرها من خرسان وإيران، وعندما قام ابن بطوطة برحلته

الشهيرة، كان أمير خوارزم يسمى قطلورمور )أي الحديد المبارك(، ومن إشارات ابن بطوطة نعرف أن له عالقات مع االمبراطور الصين. وقد سافر ابن بطوطة إلى الصين

انطالقا من الهند بصفته سفيرا من قبل تغلق شاه صاحب الهند إلى إمبراطور الصين49)م ( أخر ملوك المغول من ساللة آل قبالن خان1317م- 1333 ) Hyun-Tiهيوني- تي

) . وحفظ لنا رشيد الدين بن زبير، من القرن الخامس الهجري، العديد من

السفارات والرسائل والتهادي المتبادلة بين ملوك الصين والهند، والخلفاء المسلمين، ومن جملتها رسالة ملك الصين إلى معاوية بن أبي سفيان، أرفقها بهدية في صورة

أهل الصين، وأسرlارهم العلمية، وقيlل أن هذlا الكتاب قدl انتهى إلىكتاب يحوي حكم خالد بن يزيدl بن معاوية، فيما بعدl، فأخذ منه الكيlمياء،l وكان يعمل في ذlلك الحlين

وأرسlل والي البنlغال )دهمي( من الهند وهوl الذي يدlعوlه(50)جالئل أعمال الكlيمياءl،نlالمأمو lفةlي )رهمي(، رسالة إلى الخليlمان التاجر، وابن خردازية والمسعودlسلي معها أيضا، كتlاب يسميlه في رسالته بl »صفوlة األذlهان«، وأيضا هدlايا فاخرة،l منها:

lقوة lساطlولهذا الب l،ثعبان lمن جلد lوبساط l،رlيئ بالدlمل lمن الياقوت األحمر lقدح سحرlية، فمن جلسl عليه أمن من السل ! وثوlب منقوش ومطرز بالذهبl المغمور

بالدlر. وثالث سجادات مع وسائدlها، من ريشl سlمندل العصفور الذlي ال يحتlرق،l ومنlية رائعة الجمال، وقدlافور، وجارية سندlري ألف ألف مثقال، وقطع من الكlالطب lالعود

ردl عليها المأمون برسالة مرlفقة بهدlايا من دار اإلسالم - يذlكرl في رسالتlه أنه »وأهدينlا إليlك كتابا ترجمته« ديوlان األلبlاب، وبستlان نوادر العقول »ومطالعتك

ترجمته تحlقق عنlدك فضيlلة النعمة«. ومن الهدlايا: فرس مع الراكب وكان السرج ووسائل الركوب من العقيق. وطlاولة خوان من المرجان األسlود واألبيlض، وحزمة

(51)أثواب من خمسة أنوlاع، وقدlح من الزجاج الفرعوني.

إلى الخليفة هارون الرشيد هدايا كثيرة وتحفا منهاكما أرسل حاكم من الهند)عصا قصيرة من زمرد بطول ذراع، وعلى رأسها صورة عصفور من الياقوت األحمر،

. وأهدى ملك الهند إلى حسن بن سهل عند زفاف ابنته إلى الخليفة المأمون، هدايا(52 وذكر(53)كثيرة، ثمينة فيها قفة كان فيها عود هندي ليس له نظير في رائحته.

م، وصول زنكين بن زنوك الصين )= جنك ( إلى1432ه - 835المقريزي في حوادث

-17-

وكذلك أرسل ملوك الصين رسلهم يحملون الهدايا إلى البلدان العربية(54)مكة للتجارة ه، أنه قدم823المطلة على المحيط الهندي،اذ أورد يحيى بن الحسين، في حوادث

إلى اليمن رسول من عند ملك الصين بثالثة مراكب مشحونة فيها الهدايا الثمينة كماروي الجاحظ عن الهيثم بن عدي، عن أبي يعقوب الثقفي، عن عبد(55)للغاية.

الملك ابن عمر قال: »رأيت في ديوان معاوية بعد وفاته كتابا من ملك الصين فيه: من ملك الصين الذي على مربطه ألف خيل، وبنيت داره بلبن الذهب والفضة، والذي

.(56)تخدمه بنات ألف ملك«

االقتباس الترجمة يمكن أن نضيف الترجمة واالقتباسات العلمية والفنية والتقنية إلى مسار

)االتصال( والحوار بين الحضارة العربية اإلسالمية، وحضارات الشرق األقصى. فلقد وقف العرب القدماء على جانب من حضارة الهند وأخبارها، ومظاهرها الثقافية، عن

طريق المدارس العلمية في أرض الرافدين مهد الحضارات القديمة، التي كانت على اتصال وثيق بالهند، فتبادل معها السلع، ويأتي إليها علماؤها، وقد تخرج، على أيدي الهنود بمدرسة )جنديسابور( الساسانية، فريق من العرب، منهم الحارث بن كلده

إلى أن المسلمين مدينونHarell ويذهب هارل (57)الثقفي طبيب العرب قبل اإلسالم للهنادكة قبل اليونان بالتأثر بشتى ألوان المعرفة والثقافة الجديدة سواء في الفلسفة أو الرياضيات، واشتد شغفهم بها، ويؤكد رأيه هذا في أن أول كتب الفلك والرياضيات

التي حملت إلى بالط الخالفة أيام المنصور العباسي هو كتاب )ابراهما سدهانتا( لمؤلفه العالم برهمكيت وتذكره الكتب العربية باسم )السند هند ( الذي يرجع تأليفه

ق.م وكتاب )كهاديكا( المعروف باسم )أركند(، ثم كتاب )أريه بهت(425إلى المعروف باسم )أرجهند( أعظم الفلكيين والرياضيين الهنود. وهو من أول الكتب التي

.(58)يظن أن العرب تعلموا منها أن األرقام الحسابية والنظام العشري فقد شغف المنصور بالفلك، ناهيك عن تشجيعه للترجمة، إلى درجة أنه اصطحب

نوبخت الفارسي، وابنه أبا سهل بن نوبخت، وكان في حاشيته أيضا ابراهيم الفزاري وابنه محمد، وعلي بن عيسى األسطرالبي وغيرهم، وقد كلف المنصور العالم

الجغرافي محمد إبراهيم الفزاري، بترجمة الكتاب الذي قدمته البعثة الهندية، المنوه م ( من الهند، وأطلق العرب على هذا الكتاب،773ه - 156عنها سابقا، وصلت بغداد )

. ولقد أجمع البيروني والقفطي على إن كتاب(59)اسم ) كتاب السند هند الكبير (، الفزاري هذا، لم يكن إال ترجمة كتاب )سند هانت( لl »إبراهيم كيث«، وأصبح، فيما

بعد، نواة ألول مدرسة لعلم الهيئة العربي، حتى جاء عصر المأمون، وترجم كتاب المجسطي لبطليموس، فصار العلماء العرب يروجون لعلم الهيئة اليوناني على

(60)حساب التأثيرات الهندية.

لقيت حركة الترجمة تشجيعا حارا من الخليفة المأمون، الذي رعى الكثير من المترجمين من )الشرق(، فنهلوا على نطاق واسع، من األدب اليوناني، كما نهلوا على

نطاق أضيق من اللغة الفهلوية التي كانت أداة اتصال بين الهند والبحر األبيض -18-

المتوسط، واختصرت حركة النقل هذه، على المؤلفات العلمية التي يسهل تطبيقها عمليا، وعلى الفلسفة، ونقل العرب عن الفهلوية أو الهندية، في عداد ما نقلوا من

.(61)اآلثار العملية، القصص والحكايات واألمثال كانويلخص كراتشكوفسكي الرواية العربية حول الصلة بالعلم الهندي، فيذكر أنه

771 ه -154من بين أعضاء السفارة الهندية، المومأ إليها، إلى بالط المنصور، في عام ) أحضر من الهندKanka أو كانكا Mankaم(، عالم هندي هو مانكا 773ه - 156م ( أو )

رسالة في الفلك أطلق عليها في الترجمة العربية التي عملها الفزاري، ويعقوب طارق اسم »كتاب السندهند« وكثير من جوانب هذه القصة غير واضح، غير أنه يمكن القول إن

،Brahamasqutasdiehamtaالرسالة التي حملتها البعثة هي لl »براهما سقوطا سدانتا« ، وحول العرب لفظ سيدانتا إلى »السند هند«،Brahma guptaالتي وضعها براهما غيتا

، وبقي نظام السند(62)التي تنعكس فيها التسمية العربية لشطري الهند أي السند والهند والهند مؤثرا على الفلك العربي حوالي خمسين عاما إلى عصر المأمون حين بدأت.(63)ترجمة مذهب اليونان، فصار منافسا قويا للنظام الهندي، قبل أن يحل محله تقريبا

ولقد اطلع العرب على »حساب الهنود« فأخذوا عنه نظام الترقيم، إذ أنهم رأوا أنه أفضل من النظام الشائع بينهم، وكان لدى الهنود أشكال عديدة لألرقام، هذب العرب

بعضها وكونوا من ذلك سلسلتين، عرفت إحداها باألرقام الهندية، وهي التي تستعملها أكثر البالد العربية واإلسالمية، وعرفت الثانية باألرقام الغبارية، وقد انتشر استعمالها في بالد الغرب واألندلس وعن طريق األندلس دخلت هذه األرقام إلى أوروبا، كما أوجد العرب

.(64)طريقة جديدة، هي طريقة اإلحصاء العشري، واستعمال الصفر ويشير صاعد األندلسي إلى أنه »ولبعد الهند من بالدنا، واعتراض الممالك بينهم نبذ وبيننا، قلت عندنا تواليفهم، ولم يصل إلينا إال طرف من علومهم، وال ورد علينا إال بالقليل من علمائهم، فمن مذاهب الهند في علوم النجوم من مذاهبهم، وال سمعنا إال

المذاهب الثالثة المشهورة عنهم، وهي مذهب السند هند، ومعناه الدهر الداهر، مذهب السند ومذهب األرجبهد، ومذهب األركند، ولم يصل إلينا منها على التحقق إال

هند، وهو المذهب الذي تقلده جماعة من علماء اإلسالم، وألفوا فيه الزيجة لمحمد بن إبراهيم الفزاري، وجيش بن عبد الله البغدادي، ومحمد بن موسى الخوارزمي،

، كما يذكر أن مما وصل إلى العرب المسلمين من علوم الهند في(65)وغيرهم الموسيقى الكتاب المسمى بالهندية »يافر« ومما وصل إليهم أيضا من علوم الهنود

في )إصالح األخالق وتهذيب النفوس(، كتاب »دمنة وكليلة« الذي جلبه برزويه الحكيم الفارسي من الهند إلى أنوشروان... وترجمه له من الهندية إلى الفارسية، ثم

ترجمه،في اإلسالم، عبد الله بن المقفع من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية. ووصل من علومهم في العدد حساب الغيار الذي بسطه أبو جعفر محمد بن موسى

الخوارزمي... يشهد، هذا، للهند »بذكاء الخواطر وحسن التوليد وبراعة االختراع«، ووصل من »نتائج فكرهم الصحيحة، ومولدات عقولهم السليمة وغرائب صنائعهم

.(66)الفاضلة: الشطرنج« كذلك كان في بغداد أطباء هنود يمسكون الطب الهندي إلى جانب الطب

-19-

اليوناني، اشتهر منهم في عهد الرشيد »صالح بن بهلة الهندي« - وقد ذكر الجاحظ أن)يحيى بن خالد جلب أطباء من الهند مثل »منكه« و»يازبكر« و»قلبرقل« و»سندباد«

، وفي كتاب طبقات األطباء البن أبي أصيبعة ألسماء األطباء وقد اولع العرب(67 بالسيوف الهندية، وسموا السيف المصنوع من حديد الهند بالمهند. وسموا كثيرا من

( 68)نسائهم هندا.

أما بالنسبة للصين فقد اقتبس العرب منها صناعة الورق والبارود، ونقلوها إلى ، وتعلم العرب أيضا من فنونهم الدقيقة(69)شمال أفريقيا، ومنها إلى األندلس، وأوروبا

نسيج األقمشة الحريرية، وصناعة التحف الذهبية والفضية، فضال عن النقش،.(70)و)التكفيت(

أما بصدد صناعة البارود، وهو مسحوق مخلوط من ملح وكبريت وفحم صالح لقذف المقذوفات، فالعلماء العرب نسبوه إلى االختراعات الصينية، بينما ينكر المؤرخون الصينيون هذا الفضل على أنفسهم، وتشير المصادر الصينية إلى أنه من صناعات

المسلمين، والعرب بشكل خاص، ألن عدة كتب صينية ذكرت أنهم استعملوا مدافع المسلمين، في محاصرة »سيانغ يانغ فو«، وقد جاء في )يوان شي(، أي، تاريخ المغول، ذكر القائد علي يحيى األويغوري، الذي بعثه قبالي خان لمهاجمة سيانغ يانغ فو،مامفاده:

إن في عسكره مسلما يسمى اسماعيل كان يعرف كيف يصنع المدفع الناري، فتمكن (71)القائد المذكور من فتح المدينة بمساعدة هذا النوع من المدافع.

وقد عمل العرب على ازدهار صناعة الحرير وانتشارها، بعد أن اقتبسوها، . ولم ينقل العرب الحرير والخزف والشاي(72)ونشروها في البالد العربية - اإلسالمية

فقط، بل نقلوا معها أيضا صناعة الورق والبارود واإلبرة المغناطيسية، وتشير بعض المالحظات في الكتب الصينية إلى أن أول مصنع للورق أنشىء خارج الصين كان في

م، كما أن الطباعة دخلت بغداد في الفترة نفسها ثم794بغداد على يد العرب عام انتقلت تلك الصناعة إلى دمشق ثم إلى القاهرة واإلسكندرية ومنها إلى صقلية

.(73)وأسبانيا ومنهما إلى أوروبا وتشير الروايات التاريخية العربية، إلى أن العرب تحت قيادة زياد بن صالح قاتلوا الصينيين الذين أتو لنجدة أمراء األتراك، خصوصا آل أخشيد بفرغانه وسمرقند فأسروا منهم الكثير، وذكر الثعالبي في »لطائف المعارف« أن أولئك الصينيين األسرى علموا

م.750العرب،فيما بعد، صناعة الورق بسمرقند، وكان ذلك في سنة وإذا كان الباحثون قد اتفقوا على واقعة أن العرب تعلموا صناعة الورق

بسمرقند،على يد الصينيين، غير أن هناك بعض االختالفات فيما إذا كان وجود مصنع األوراق بسمرقند قبل هذه السنة وهو ما ذهب إله غوستاف لوبون، بينما يفهم من

كالم الثعالبي في »لطائف المعارف« أن مصنع األوراق لم يكن موجودا بسمرقند إال بعد انهزام الجيوش الصينية أمام زياد بن صالح ووقوع األسرى الصينيين في أيدي

م. وكان بين هؤالء األسرى من يعرف750العرب، في واقعة )تاالس( التاريخية عام صناعة الورق فعلموها للعرب وألهل سمرقند، فانتقلت هذه الصناعة إلى إيران ومكة

م،وانتقلت ومن بالد العرب إلى أوربا عن طريق أسبانيا، حتى837هl،222في عام

-20-

م، في أسواق خاصة794هl، 178قيل إن الورق كان يباع في سوق بغداد في سنة بتلك السلعة،- ولعل هذه الرواية قد استندت على ما ورد في »لطائف المعارف«

للثعالبي، وفي »المسالك والممالك« للجويني، كما جاء ورق الصين إلى علم العرب والمسلمين في شكل آخر، أي على صورة أوراق مالية، فمن المعلوم أن الصينيين

م، وبناء على1294أوجدوا أوراق المال، ونقلها المغول عنهم إلى إيران في سنة رواية ابن بطوطة، كان أهل الصين في زمنه ال يتبايعون بدينار، وال بدرهم، بل بقطع

(74))كاغد(، كل قطعة منها بمقدار الكف. وعرف البحارة العرب مقياس حاالت الكواكب )االسطرالب( وقد حفظ التاريخ اسم )الفزاري( مخترع هذا الجهاز في القرن الثامن ميالدي، ونقلت المالحة العربية من الخبرة البحرية الصينية: البوصلة )الحقة(، التي كانت مقسمة إلى أربع وعشرين

درجة وطورتها حتى اثنتين وثالثين درجة، ووضعت في أساس هذا المقياس )دائرة الرياح( بوجهاتها اإلثنتين والثالثين )خانه(، وقد استخدم العرب البوصلة مثل بحارة

م في األرض العربية بشكلها1117الشرق األقصى، وقد أعيد رسم هذه البوصلة لعام .(75)المعدل

وبالمقابل فقد مارس العرب - المسلمون تأثيرهم على الثقافة الهندية والصينية، فقد كان التجار العرب - المسلمون يجتمعون في أحياء خاصة بهم في المدن الصينية، ولهم نظام إداري خاص بمباركة اإلدارة الصينية، التي كانت تختار رجال منهم لرئاستهم

وليتولى الرقابة والقضاء، ويساعد الحكومة في جلب المكوس، وكان هؤالء التجار يبنون المساجد في أحياء سكنهم، وكان أقدم المساجد التي بنوها هناك، هو مسجد

هواي تشينغ )مسجد الشوق إلى النبي( في مدينة كانتون، ومسجد شينغ جينغ )مسجد الصفاء والطهارة( في مدينة الزيتون )يشوا انتشو( ومسجد شيان خه )مسجد الكركي

المالك( في مدينة بانغ تشو، ومسجد جين جياو )مسجد الدين الحنيف( في مدينة هانغتو، وكانوا في أماكن سكناهم يدرسون اللغتين العربية والصينية، وقد توسعت هذه

(76)الظاهرة بعد غزو المغول للعالم، وجلوسهم على عرش الصين

ويذكر »لي تشين تشونغ«، أن جد عائلة »ما« اإلسالمية، في مدينة )تشينغ( م961الصينية، اسمه »ما يي زي« وأصله من العرب من مكة، ووصل الصين سنة

م( الذي دعا »ما« إلى المشاركة في وضع التقاويم1279-960في عهد ساللة سونغ ) فأنجزها في سنتين فمنحه اإلمبراطور لقب الشرف، وعينه رقيبا للمرصاد الملكي،

ولقد دعاه إلى ترتيب التقاويم، ألن النظام الفلكي العربي »مزايا علمية متقدمة في بعض الميادين« فنقل السيد )ما يي زي( فعال العلوم الفلكية العربية المتقدمة إلى

الصين، منها النظام األسبوعي الذي يحدد على أساسه صالة الجمعة حيث كان الصينيون يتبعون النظام العشري، وأدخل كذلك طريقة حساب مواعيد االثني عشر

برجا، وأدخل أيضا طريقة العرب في حساب مدارات النجوم الخمسة ومواعيد كسوف(77)الشمس وخسوف القمر.

وكان للمغول أدوار مختلفة على مصير العرب والمسلمين، فإذا كانوا قد قوضوا الطابع المدني لديار العرب والمسلمين في المشرق، وقوضوا مدينة بغداد حاضرة

-21-

الشرق شعوب صورة3م– األقصى

م، إال أن اإلسالم خرج منتصرا في النهاية،1259الخالفة، ومعها الخالفة نفسها عام عندما تبنى أغلب المغول اإلسالم، وهو ما يظهر جليا عندما أسلم ورثة هوالكو في العراق

وفارس، وأيضا )القبيلة الذهبية( في بالد القفقاس وجنوب روسيا، وانفتح تأثير العرب والمسلمين على مركز السلطة المغولية، في عهد قابالي خان، إذ واصل المغول بعد

سقوط بغداد زحفهم على الصين واحتلوا النصف الشمالي منه، واتخذ )قبالي خان( بكين م، عقب توحيده، وأثناءها »جلب المغول أعدادا كبيرة من1279عاصمة لمملكته سنة

مسلمي آسيا الوسطى وبالد العرب لمساندة غزواتهم«.. واستقرت جيوش المسلمين هناك، وعين البارزين منهم في المناصب الهامة للدولة، )وخالل ثمانين سنة من حكم

المغول للصين شغل ثمانية وأربعون مسلما صينيا المناصب الهامة في الدولة بين الوزير(78)والحاكم اإلقليمي(.

ويذكر المؤرخون الصينيون بجالء أنه عندما اتخذ قبالي خان مدينة بكين عاصمة الدين«م، وفقد تولى المهندس المعماري العربي المسمى »اختيار 1279لمملكة سنة

تصميم وتنفيذ مخطط المدينة الذي يتضمن بناء القصور والحدائق، والقصور. وذكر م(1358 - 1274م( أنه قرأ في مؤلف لl )يانغ شوان 1971- 1880تشين يوان خان )

الذي كان يتولى مهمة تأليف ومراجعة كتب التاريخ في البالط أنه »قبل بناء القصور والمدينة المحرمة )بكين( كان )اختيار الدين( قد قدم اقتراحا لبناء الحدائق سنة

. ومازالت بعض الحدائق القديمة باقية حتى1264م ونفذ المشروع في سنة 1263 م، في مقالته »مدينة بكين«1991 - 1908اليوم، كما أكد الباحث الصيني )مايمنغ داو

أن »مدينة بكين من تصميم المهندس العربي المسلم مقلدا لمدينة بغداد عاصمة الخالفة العباسية في القرون الوسطى، وقال: إن معبد السماء في بكين حاليا من

(79)تصميم المهندس العربي المسلم أيضا«.

وجاء في كتاب »سجالت تاريخ عهد ساللة يوان« المغولية »أن عالء الدين وهو المسلم من بالد العرب والماهر في صناعة آلة رماية القذائف وصل إلى الصين عام

م، بدعوة من إمبراطور الصين قبالي خان، فصنع الدافع )آالت رماية القذائف(،1271 وجربها أمام أبواب المدينة المحرمة )بكين( على مشهد من اإلمبراطور واألمراء والوزراء،، ومنح اإلمبراطور عالء الدين وزمالءه الهدايا وألقاب الشرف بعد نجاح

، وأرسلوا عالء الدين مع مدافعه لمساعدة جيوش المغول لضرب مدينة تان(80)التجربة« مlixun( 855 - 930)تشو )مدينة تشانغ شاميا( الحالية، ولقد سجل العالم لي شون

مائة نوع من العقاقير الطبية الواردة من بالد العرب والفرس وأكثرها عطور وصموغ مثل عطر الورد والصمغ العربي،وصمغ اللك، وصمغ الكثيراء، مع تحديد مواطن إنتاجها

وزرعها، وقد وردت مع ازدهار التجارة، الطبية العربية أنواع كثيرة من األدوية العربية عن الطريق البري والبحري، مثل إهليلج كابلي واللبان »الكندر« والمسك والصبار والمر

والكامون والزئبق والعقيق واللفاح )تفاح الجن(، ودم الغزال، ودم التنين، وعود عطر، وجوز الطيب، وبسابسه القرنفل والفلفل األسود والزنجبيل والكافور والخروع والباذنجان

واليانسون، كما يوجد ذكر في األجزاء المتبقية األربعة من الكتاب التراثي الصيني نوعا من232»وصفات هوى هوى« المكون من ستة وثالثين جزيئا، ما يزيد على

-22-

العقاقير العربية أو الفارسية، منها ما يزيد على مائة وسبعين عقارا ذكرها ابن سينا في(81)كتابه »القانون في الطب«.

الرحالة والرحالت وذهب مع التجار والبحارة الكثير من الرحالة، أو من الجغرافيين الرحالة، فتعرفوا على شعوب الشرق األقصى، وخبروا أحوالهم وأساليب معاشهم، عاداتهم، ودياناتهم، ودونوا مشاهداتهم في مؤلفات حفظ لنا الزمن أغلبها، منهم من كان تاجرا كسليمان

م( في القرن التاسع، والتاجر العماني أبو عبيده عبد الله بن871ه - 237التاجر ) م، وفيهم البحارة كصاحب »عجائب750القاسم الذي غادر عمان إلى كانتون عام

م ( وآخر لم يترك لنا اسمه كمؤلف953ه - 342الهند والصين« بزرك بن شهريار ) »ألف ليلة وليلة«، وال سيما قصة السندباد البحري، ومنهم من كان سفيرا، يقوم

بمهمة سياسية، كابن فضالن الذي مر على بالد الشرق في مناطق يقطنها األتراك جيران الهند والصين في طريقه إلى بلغارالفولغا، و سالم الترجمان للتعرف على مصير سد الصين، وأيضا أبو دلف في رحلته إلى الصين، ورحالة جغرافيون وفي

م(1166ه - 562مقدمتهم المسعودي، وابن حوقل، وابن سعيد المغربي، واالدريسي ) م(965ه - 345ومنهم من جمع بين الرحلة وثقافته الموسوعية كالمسعودي )

م( الذي زار الصين1368ه - 770م( ويقف ابن بطوطة )1048ه - 440والبيروني ) والهند وجزر المحيط الهندي، في مقدمة الرحالة جوابي اآلفاق، الذين شغفوا بالتجوال

والتعرف المباشر على حياة الشعوب وتقاليدهم، وإذا كان قد طغى على الرحالت العربية إلى أوروبا العامل السياسي فإن رحالتهم إلى بالد الصين والهند فقد امتزجت

غالبا باألغراض التجارية، فبعد أن دون المؤلف العربي مؤلفات كثيرة عن عالمه هو في دار الخالفة وامتأل قلبه ثقة بالذات، وبشعور عميق بوحدة عالمه العربي -

اإلسالمي على امتداده وتنوعه، تطلع إلى معرفة ما يحيط به من عوالم حضارية على تنوعها، في قلب الوحدة اإلنسانية التي تشد الجميع إلى لحمتها، يحفزه على الترحال

شغف حقيقي بالتعرف على العالم، وهو ما عبر عنه بوضوح ابن الفقيه، في حديثه عن فضائل الغربة، وركوب مخاطرها الجتراح سبل النجاح، وللتعرف على العالم، ممهدا

لحديثه بأحاديث نبوية وآيات قرآنية تحض على الترحال كاآلية »هو الذي جعل لكم األرض ذلوال فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه«، وأيضا اآلية »ولقد كرمنا بني آدم

وحملناهم في البر والبحر«، والقول النبوي »البالد بالد الله والعباد عباد الله، فحيث ما أصبت خيرا فأقم«، والحديث »سافروا تغنموا« وأيضا »موت الغريب شهادة« ويذكر قول الصحابي شريح بن عبيد »ما مات غريب في أرض غريبة، وغابت عنه بواكيه إال

بكت السماء عليه واألرض« إلى أن يقول »وقالوا ال توحشك الغربة إذا أنست الكفاية« وقالوا »الفقر أوحش من الغربة، والغنى آنس من الوطن، وترك الوطن

أدنى إلى فرح اإلقامة... وفي طول االغتراب نور االكتساب«... وقال آخر: التمسوا المزيد بحسن الشكر واغتربوا لتكسبوا... وقال »الفقر في أوطاننا غربة.. والمال في

الغربة أوطان... وفي طوال االغتراب فوز االكتساب، وفي فائدة صالح األخوان مع النزوح عن األوطان سلو عن مقارنة الجيران، ولوال اغتراب الناس عن محالهم ضاقت

-23-

بهم البلدان.. وقال : »لوال اغتراب المغتربين ما عرف ما بين األندلس والصين... وما جمعت الملوك بين الصفائح اليمانية والقضب الهندية والرماح البوصلية، واألسنة

الخزرية، واألعمدة الهروية، والخناجر الصفدية، والسروج الصينية، والدروع السابرية، والجواشن الفارسية، والقسي الشاشية، واألوتاد التركية والسهام الناوكية، والدروع

المغربية، واألترسة التبتية، والجلود الزنجية والنمور البربرية والكراسي القمية، والشهاري النجارية، والبغال األرمنية، والحمير المريسية، والكالب السلوقية، والبزاة الرومية، والصوالجة النهاوندية، والثياب المنيرة الرازية، واألكسية القزوينية، والثياب

السعيدية، والحلل اليمانية، واإلردية المصرية، والمالحم الخراسانية والثياب الطاهرية، والحلل االندلسية والدر العماني، والياقوت السرنديبي، والحرير الصيني، والخز

السويسي، والديباج التستري، واليزبون الرومي، والكتان المصري، والوشي الكوفي،(82)والعتابي األصفهاني«.

وهذه األخيرة قائمة بالسلع التجارية المتبادلة في ذلك العصر، وفوائد االغتراب التجاري في تسهيل التبادل فيما بينها،وقد دأبت سلطة الخالفة على رعاية

المسافرين، وتسهيل حركة الرحالة بتقديم خدمات على الطرقات العامة، ببناء )رباطات( ليبيت فيها المسافرون والرحالة والحجاج والتجار، والتي كان بعضها نقاطا

( 83)عسكرية.

ويبدو أن المالحين العرب، والرحالة والتجار لم يعنوا، في البداية، بتدوين معارفهم ومشاهداتهم، وربما تكون أثارهم المبكرة قد ضاعت، أو كانوا رجاال عمليين

ال يهمهم كثيرا، كتابة مذكراتهم، أوكانوا راغبين عن نشر معارفهم المالحية، والسياحية فلم يدون(84)على المأل، كي ال يستفيد منها غيرهم، وإيثارا ألنفسهم بالنفع التجاري.

العرب أخبار الرحالة األوائل، ولكننا ما أن نصل إلى القرن التاسع الميالدي، الثالث الهجري إال ونقرأ في كتبهم الجغرافية والتاريخية، وفي مدونات رحالتهم معارف مهمة،

وأخبار ثرية عن األمم المحيطة بهم، بما فيها أخبار أمم الشرق األقصى. م، على يد851وهكذا أنهى الرحالة صمتهم في القرن الثالث الهجري، في سنة

سليمان التاجر، الذي ترك أهم اآلثار العربية عن الرحالت البحرية - التجارية في المحيط الهندي، وبحر الصين، في القرن التاسع الميالدي، ولعله األثر العربي األهم الذي يتحدث

عن سواحل البحر الشرقي الكبير، والطريق المالحي إليها على أساس الخبرة الشخصية، مع التزام الموضوع، وعدم الخروج عنه إلى أحاديث تاريخية وغيرها كحال الجغرافيين

والمؤرخين، فكان تقريرا شخصيا لتاجر عبر البحر إلى الشرق األقصى، إلى الصين، أكثر(85)من مرة أبان القرن التاسع الميالدي.

واهتم هذا التقرير بالسرد الموضوعي، ولو على حساب العجيب المستظرف، فاألخبار هنا تؤخذ من التجار ال من البحارة، هؤالء األخيرون عرفوا البحر معرفة جيدة بالدرجة األولى، ثم الساحل بشواطئه ومرافقه. وخالفا لذلك اطلع التجار من الداخل

على البلدان التي أقاموا فيها سنوات طوال أحيانا، وبذا أصبحت تدويناتهم رصينة مفهومة، بينما عرف النوتيون بتبجحهم، وادعائهم الخبرة في البحار، وروجوا القصص

(86)التي يصعب التحقق من صحتها.

-24-

فكانت رحلة سليمان التاجر العراقي، في المحيط الهندي والمحيط الهادي، وصوال إلى البر الصيني من أغنى الرحالت، إذ وصف بدقة هذا الطريق البحري

الطويل، ووصف ما شاهده فيه من جزائر، وكما وصف الحياة على البر الصيني، وفي م (، التي تعد من أقدم ما وقع تحت أيدينا851 ه - 237مدنه، وقد دون رحلته سنة )

من رحالت عربية، وقد عمل على إعادة تدوينها مجددا في القرن العاشر الميالدي أبو زيد الحسن السيرافي، وهو من أهل البصرة، وأعطاها الشكل المعروف لنا اآلن، وقد

ذيل رحلة سليمان التاجر بملحق ضمنه طائفة من األخبار، عن أهل الهند والصين، ، فأضاف رحلة ابن وهب القرشي، التي تعود إلى عام(87)جمعها من أقوال الرحالة

ه، أي بعد ما يقارب العشرين سنة من رحلة سليمان التاجر، وكان من األعيان257 ه، فوصل257األثرياء، وقد غادر البصرة، عندما سقطت في أيدي الثوار الزنج سنة

إلى عاصمة الصين، وكانت حينئذ »خمدان« وقابل امبراطور الصين، وقد ارتدى وصف ابن وهب أهمية خاصة، ألن رحلته تمت بعد أن قضي على الوجود العربي القوي في خانفوه )كانتون(، وانقطعت سبل االتصال التجاري المباشر بالصين، فصار آخر ميناء

تصله السفن العربية ميناء كلة في شبه جزيرة الماليو، ولم يصل االتصال المباشر بالصين إال عقب مرور زمن طويل من ذلك التاريخ، وقد التقى السيرافي بالمسعودي

(88)ه، وقد استفاد منه األخير برواية ابن وهب.303عام

فعندما يدون أبو زيد السيرافي عن ابن وهب »أن مدينة قلة سوق الصبر والكافور، الصندل والعاج والقصدير واألبنوس والعود والتوابل والعطور« فهو يدون حدثا تاريخيا، أي تراجع وصول المالحة العربية من خانفوه إلى مضيق مالقة، وإحالل شبكة مراكز تجارية

في مرافئ هذا المضيق، عوضا عن العمالء التجاريين العرب في داخل السواحل الصينية، . إذ الحظ أبو زيد السيرافي تغير األمور في(89)بعد أن انتهى عصر التجار المقيمين هناك

هl، وبين سببه، ويظهر أن ما جاء في الجزء السابع من )الكامل في264الصين بعد سنة التاريخ( البن األثير، منقول عن أبي زيد، ثم نقل عن ابن األثير غيره من العلماء، كان

سليمان تاجرا فحسب،لم يعرف الطرق العلمية في البحث، فاكتفى بعرض مشاهداته المباشرة مجردة من التعليالت، والفروض العلمية المنطقية، غير أن هذه المشاهد كان لها

أهمية علمية فائقة في نظر المحققين، بينما اكتفى أبو زيد بملحقة نقل انطباعات غيره من التجار والرحالة بما فيهم القرشي، وغلفها بانطباعاته الخاصة، أما سليمان فوصف

أوضاع الناس كما وجدها في رحالته، وصورعاداتهم، وتبدل أحوال البحر والتجارة، وأسماء البضائع في سواحل الهند وجنوب الصين، ولم يغفل نظام الحكم، وهيئة الملوك، ومراسيم البالط. لهذا »اتفق علماء الغرب على أن كتاب )سلسلة التواريخ( من الكتب العربية التي يجب على الباحث أن يستند إليه أو يراجعه إن أراد البحث عن عالقة العرب بالصين.. كما

يجب عليه أن يراجع المسعودي والبيروني في البحث عن أحوال الممالك الشرقية. (90)اإلسالمية في العصور الوسطى«

»lواريخlلسلة التlت اسم »سlأوصل إلينا المحققون ما دونه السيرافي تح lوقد تحت تارة، و»أخبار الصين« تارة أخرى، و»رحلة السيرافي« مرة ثالثة، إال أننا نجد

السيرافي،تلك العناوين: رحلة سليمان التاجر أوال، وفي ذيلها الملحق الذي أضافه

-25-

ونالحظ التlباين بين القسميlن، من حيlث األسlلوب والموضوعات المتlناولة، فإذlا كان قد طغى علlى تقرير سليlمان التاجر الموضوعات الوlاقعية في البر والبحرl، إذl تجاوزت

اهتمامات سlليمان التاجرl مصالحه الضlيقة: كالسلlع المخlتلفة وأسعارها، والنقود، وطlريقة تعامل البلدl المضيف مع التlجار، والمكوlس المفرlوضة علlيهمl، إلى تقديم

صورة عامة عن المجlتمع الصlيني، وطlبيعة تنظيlمهl السياسlي،l وعاداته وتقاليlدهl، بينlما يداخل الملحق الذlي أضافه السيlرافي،l الكثيرl من قصlص البحlارة،l الذي تتخlطف

أنظارهم حكايا البحار وغموضه، وما يتlصورونه من وجوlد العجائب في أعماقه وأطlرافه، وظlواهره وال سيما في أبعادlه القصصlية الغامضlة. ولقدl أبحرl سلlيمان

التlاجر من سيرlافl إلى مسقط إلى سواحل ملlيبار ثم مر بمضlيق )بالك( شlماليlى جزر نيكوبار، ثمlجبالوس، إحدlيرة لنlه إلى جزlالبنغال، ومن lيالن( إلى خليجlيرة )سlجز

إلى )كله بار( على ساحل الماليو الغربي، مارا على جزيرةl تيوlمن في الجنوبlاكlن(، ومن هنlسايجو( ب قربlيس يعقوlإلى رأس القد lومن هناك l،)الغربي من )ملقا إلى جزيرlة هانيان، ثمl عبر المضيlق الذي يفصلlها عن أرضl الصين، ليlرسوlا في مينlاء

خانفوهl )كانتوlن( الحدlيثة، فوصف في طريقه هذlه السوlاحل التي مر بها، والجlزر والموانئ المختلlفة والمدlن، والمحlاصيل وسلع التجار، ويعرlفنا بوجودl جالية عرlبية

lفةlالصين، يدعو إلى الخلي lيوليه صاحب lمسلم lهم شيخlبين lن يحكمlومن المسلمي lيرةlكب العباسي في بغدادl، ويسهبl في الحدlيث عن الهنlد والصيlن، وملlوكها، وأخبارها،

وأحوال الناس وعاداتهم، ويعقد مقارنات هائلةl بين أهل الصlين وأهل الهندl، ويتحدlث عن الثغور، واألماكن التي تمر بها السفن أثناء عوlدتها من خانفوهl إلى سيرlاف،

والبصlرة، وعلى هذlا النحوl نطالع وصفا أخاذا للlبحار التي كانتl تجlتازها السفن إلى الصlين، كما نقرأ عندlه أخبارا كثيرةl عن حيlاةl الناس في الصين والهندl، ونتعرف منه علlى شراب الشاي،l ولم يكن العرlب قد عرlفوه بعدl، ويقدم مقارنات واسعة النطاق

ما بين أهل الهند،l وأهل الصlين، وما يتميlز به كل شعب منهما من عادات، وأخالق،وميlزات، وصناعات، وعبlادlات.

كذلك وصلت إلينا أخبار رحلة أبو عبيدة عبد الله بن القاسم من أهل عمان إلى م، أي قبل نهب خانفوه، وكان عالما كبيرا في عصره758ه - 141الصين قبل سنة

وتاجرا كبيرا اشتغل بتجارة المر، وأيضا رحلة النضير بن ميمون األباضي البصيري من.(91)أبناء القرن الثالث الهجري، والقرنين الثامن والتاسع الميالدي

وقد حفظ لنا ابن رسته رحلة أبي عبد الله محمد بن اسحق، الذي أمضى قرابة عامين في جزيرة قماري )أي قمير - االسم القديم لكمبوديا الحديثة(، وذلك في أوائل القرن التاسع الميالدي، التي غدت معطيات هذه الرحلة مصدرا مهما البن رسته، وابن

خرزابه، ولياقوت الحموي عن تلك المناطق التي زارها ابن اسحق، ولعل مذكرات بزرك بن شهريار، المدونة في كتاب »عجائب الهند«، تحتل المرتبة الثانية بين

الرحالت البحرية بعد رحلة السيرافي، فقد دون الرجل، وهو الربان الشهير، الذي يبدو أنه كان مولعا بالبحر وقصصه وخبراته البحرية باإلضافة إلى القصص التي سمعها من

زمالئه في البحر ربابنة ومالحين في المحيطين الهادي والهندي، خالل الفترة ما بين

-26-

م، ودونها كما سمعها، قصصا متفرقة ال يربطها رابط،953هl -432م، و900ه - 288.(92)متفاوتة الطول والقصر، تتراوح بين عشر صفحات وبضعة أسطر

وهي حكايات ربما زاد عليها من عنده، أو أقاصيص من عصور متأخرة عن عصر المؤلف، على نحو ما نصادفه في أقاصيص »ألف ليلة وليلة« فصار هذا الكتاب مدونة

عن مالحي العرب الذين أبحروا فوق أمواج المحيطين الهندي والهادي، فيه عجائب المالحين وغرائب العواصف، وقصص الحيوانات البحرية، كما امتأل بحكايات عن أحوال الناس في جزائر المحيط الهندي والهادي وعلى ضفافهما، وهو في أثناء ذلك يعطينا ما تختص البالد من عادات، ويطيل في وصف عباد الهند وكهنتها، ويتعرض لصناعات أهل

الهند والصين، وما ينفقه هؤالء من تقنيات صناعية، فقد تم وضع هذا الكتاب حوالي عام م، فاشتمل على ما تعرف عليه العرب في القرن الرابع الهجري من بالد953ه - 342

، أي كتب بعد قرن من رحلة(93)الشرق األقصى، نقال عن الربانية والنواخذ والتجارسليمان التاجر.

تناول بزرك، عقب السيرافي، مجددا أخبار الصين والهند، وجيرانهما في البحر من جزر وشطآن، وضخم الجوانب األسطورية من الحكايات مازجا )العجيب(،

والغريب بالواقعي، مظهرا ميله إلى جانب العجيب، فبرزت عمليا سيطرة الخوارق على الكتاب، واحتجب البر وراء البحر، واإلنسان أمام الحيوان، والبالد األجنبية أمام للجزائر، وألفريقية الشرقية والهند، وتوارت ظفر دار اإلسالم، ولم يقيض البقاء إال لتسلط أضواء متقطعة على بلدان تحييها الصين في الظلمة فلم تعد تخرج منها إال

األسطورة وحدها في ذاكرة البشر... فتوضع على مستوى واحد: الهند وبالد الواقواق، وسرنديب وجزيرة الحيوانات البحرية، ألن األرض المقصودة أو المحكي عنها، أصبحت

ترتبط من اآلن فصاعدا بالبحر وبما يتناقله من أحالم، فالبحر يسيطر هنا بال منازع (94).ويطبع بطابعه ويمتزج فيه العجيب والمغامرة والقريب

فلقد توارت حكايات ومذكرات التجار الواقعية، مع اختفاء االستيطان العربي على ساحل الصين، بعد أزمة خانفوه، ورحيل العرب المسلمين عنها، وانقطاع االتصال

المباشر ما بين التجار العرب، والساحل الصيني، وانتقال مركز التبادل إلى كله بار في شبه جزيرة الماليو، فطغت حكايات البحارة ومغامراتهم، التي امتزج فيها العجيب

بالواقعي، على المذكرات الواقعية النافذة للتجار، وعلى سرديات البحر، وعلى التطلع لمعرفة بنية المجتمعات ومعمارها الثقافي. وإذا كانت سردية السيرافي قد أرست نوعا

»من الذهنية العلمية« فقد تعرضت للتراجع لصالح التحليق في الخيال، لتقترب بعضالرحالت البحرية إلى ما يشبه حكايات ألف ليلة وليلة.

على نشر، كتاب »عجائب الهند« في مدينة ليدن،Von derlitوعمل فون ديرليت م، ويميل فران950 إلى سنة 900وكان يظن أن بزرك قد ألف كتابه فيما بين سنة

Ferrandإلى االعتقاد بأن بزرك الناخداه هو المؤلف األصلي للكتاب، وأضاف عليه (95)أشخاص آخرون حكايات بحرية أخرى.

انتهى بزركl في مؤlلفه إلى جمع حكايات البlحارة والرحالة إلى بالد الهندl والزlابج )أندlونيlسيا حاليا(،l والصlنف )فيتنlام( والصlين،l وقدم فيه صورة عن الحياة علlى ظهر

-27-

البlحر الشرقي وفوق شlواطئlه وجزlائره، تساعدنا على فهم كثlير مما ورد في كتlب الجlغرافيlة العربيlة، وهو وإن كان يمزجl الوصف البلlيغ والواقعي بالوlصف العجائبي،

واإلسلlوب السهل بالحlركة، فإن الدكتوlر حسين فوlزي يقوlل عنlه »لكlن المطلlعlحرية تهبlبالنفحة الب lال يتمالك إال أن يحس ،lالغةlده هذه البlرر من قيوlصف، المتحlالمن

علlى صفحاته، والقوlة والحركة تسرlي في أعطافه، لقد طالعتl أكثر ما جاء باألدب العربي الرسمي عن البحار فلم أجدl فيlه ما يدlاني ولوl من بعيد ما جاء بكتاب

»عجائب الهندl« صدقا في الوصف وقوlة على اإليحlاء بالجوl البحري... هو نتيجlة إيضاح . ومؤlلف الكlتاب كما يدل عليlه لقبه(96)المتlكلم إيضاحا مباشرا عن تجارب شخlصية«

)الناخذlاه( كان ربانا يحترlف مالحةl السفن، وتدlل حكاياته أنه كان يعيlش في القرن الرlابع الهجري )العاشر الميالدي(،l وهي حكlايات يرlويها عن بعض المالحيlن الذlين جابوا المحlيط الهادي والهندlي،l وحفظ هذlا الكتاب قصlة مالحي العرب فوlق متن

lنا بما شاهدوه فيها من عجائبlكرlور، يذlعلى توالي العص l،دي والهاديlيط الهنlالمح المالحة وغرائب العواصف، والكتlاب مليء بالحlكايات عن أحوال الناس في جزائر

المحlيط الهنlدي، وعلlى شطآنه، وهو في أثناء ذلك يعطينا كل ما تختص بهl البالدl من عادات، وأطlال المؤلف في وصف المتعبدين الهنودl وكهنتهم وبيوlت عبlادlاتهم،

وسlحرتهم وثيابهمl وتعاويذlهم، ولم ينس صناعات أهل الهنlد والصيlن، وخاصة ما يتlقنlهاألخيرlون من نقشl وتصوlير.

وقد نتج عن تداول المشاهدات الواقعية، أو الحكايا المتخيلة التي نقلها الرحالة العرب من بحار الهند والصين، أو من برهما، باإلضافة إلى ما كتبه الرحالة

الجغرافيون، وأصحاب المصففات الجغرافية األكاديمية، وكتاب سير العجائب، وما رواه جماعة المالحين من حكايات شاهدوها أو سمعوها في أسفارهم في البحار الشرقية،

نتج عنها أدب قصصي تقع بعض حوادثه في الصين والهند وبحارهما، على نحو ما نجده في قصص السندباد البحري المشهور، في »ألف ليلة وليلة«، التي تعتبر بحق أعظم

الحكايات الشعبية في كل العصور، وقد أشار إليها ابن النديم، أبو الفرج بن اسحق بن م( في كتابه »الفهرست«، فذكر مرة بأصولها الهندية، تحت993ه - 383أبي يعقوب )

اسم »هزار أفسان«، ومعناه ألف خرافة: »وكان السبب في ذلك أن ملكا من ملوكهم كان إذا تزوج إمرأة وبات معها ليلة قتلها من الغد... فتزوج جارية من أوالد الملوك

ممن كان لها عقل ودراية يقال لها شهرزاد، فلما حصلت معه ابتدات تخرفه... إلى أن . وذهب في مرة أخرى باتجاه مغاير، ليؤكد على تأليفها(97)أتى عليها ألف ليلة«

المحلي، حيث يقول »ابتدأ أبو عبد الله محدب بن عبدوس الجهشياري صاحب كتاب »الوزراء« بتأليف كتاب اختارفيه ألف سمر من أسمار العرب والعجم والروم

وغيرهم.. وأحضر المسامرين فأخذ عنهم أحسن ما يعرفون، وأختار من الكتب المصنفة في األسماء والخرافات ما يحلو لنفسه، وكان فاضال فاجتمع له من ذلك

أربعمائة ليلة وثمانون ليلة، كل ليلة سمر تام يحتوي على خمسين ورقة وأقل وأكثر،(98)ثم عاجلته المنية قبل استيفاء ما في نفسه من تنمية ألف سمر«.

ويشير المسعودي إلى قصص »ألف ليلة وليلة« ومثيالتها من القصص الشعبي -28-

الذي يختلط فيها العجيب الغرائبي بالواقعي باستخفاف وتذمر »وهذه أخبار موضوعة من خرافات مصنوعة نظمها عن تقرب للملوك بروايتها وجال على أهل عصره

بحفظها، وسبيلها سبيل تأليفها مما ذكرنا مثل كتاب »أفسان« والناس يسمون هذا الكتاب »ألف ليلة« وهو خبر الملك والوزير وابنة شيرزاد ودايتها دنيازاد... مثل كتاب

.(99)»السندباد« وغيرها من الكتب في هذا المعنى وفي كال الحالين فإذا كانت هذه القصص قد استطالت وتوسعت من )نواة(

قصصية مترجمة عن الهندية، أو توسعت عن القصص التي كتبها ابن عبدوس الجهشاري »فإنها« لم تكن على هذه الصورة بعينها التي استقرت عليها اليوم، أو في

القرون الماضية، فإن المترجم منها عن الهندية أو العائد إلى الجهشياري، لم يكن سوى النواة »أضيفت إليه قصص كثيرة ال نستطيع أن تحدد تاريخها وال موطنها في تأكيد، وغدت بمجملتها تمثل حياة شعوب الدولة اإلسالمية، أو المتصلين بها الذين

(100)خضعوا ألثر المدينة اإلسالمية خضوعا تاما«.

وقد نما الكتاب وزيد عليه في األقطار اإلسالمية في الشام والعراق وفي مصر خاصة، ثم خضع في أزمان مختلفة، وخضع في وقت ما إلى مؤلف ذي شخصية جامعة

حور فيه وأخضع أسلوب كثير من قصصه ألسلوبه، فخضع الكتاب لمؤثرات الحضارة(101)اإلسالمية.

فعلى الرغم من األصول األولى للنواة المؤسسة لl »ألف ليلة وليلة« فقد أضاف إليها التأليف العربي حكايات، وأشخاصا، وأوصافا، جعل »الليالي« تنصهر عمقا في قلب الثقافة العربية، لتصبح جزءا من متنها، وعكست متخيلها عن العالم، فانصهرت العناصر

الهندية في صلب حكاياتها العربية واكتسبت شخوصها روحا عربية إسالمية، وأعطت األخيرة لحما ودما وخياال، لذا ال يمكن التعامل مع هذا األثر العظيم، إال على أنه ينتمي

إلى األدب الشعبي العربي، واألكثر قربا وحميمية من عواطف اإلنسان العربي المسلم، ومن عقله وخياله، ورموزه، وقيمه، ومن النسق الثقافي العربي يوصفه شبكة من

الدالالت والرموز والمعاني، وقدمت مغامرات »سندباد«، التي تحتل جزءا هاما من حكايا »ألف ليلة وليلة« البحرية، مجموعة من قصص البحارة اختلط فيها خيال كاتبها المجهول

بالوقائع التاريخية، ومعارف بحرية ومعلومات جغرافية، وصورة عن حياة الهنود والصينيين، وأيا كان مؤلف قصص سندباد، فقد استطاع أن ينشئ قصصه الخالبة من

أشتات المعارف الجغرافية، وحكايات الرحالة المتداولة في عصره. أو كما قال كراتشكوفسكي عنها: »أن أسفار السندباد انبعثت في الوسط نفسه الذي نشأت فيه

قصص التاجر سليمان، وفي مواصفاتها نفسها’ أي سيراف والبصرة وبغداد، وأما مسرح حوادثها فهو الهند وأرخبيل الماليو، وقد أمكن تحديد أماكن بعض حوادثها بالكثير من

(102)الدقة«.

وارتبطت رحالت السندباد البحرية الخيالية بازدهار الحضارة العربية، وتطلعها لالتصال بالعالم، وكان للبحر وللتجارة المنزلة الكبرى فيها، إذ مثل التاجر نموذجا فريدا لهذه الحضارة، وقد ارتبطت سرديات السندباد بالرحلة والسفر واللقاء باآلخر، والتنقل

في ربوع الشرق األقصى وبحاره، وعكست المرجعيات الثقافية العربية، كما ساهمت في

-29-

تشكيل المتخيل العربي نفسه عن الصين والهند، وجزر المحيط الهندي، وال سيما أنه تم تداولها على نطاق واسع في األوساط الشعبية العربية، في مشارقها ومغاربها، وأخذت بألباب الناس وأفئدتهم، لذا فإن الصورة المتخيلة التي نقلوها عن حياة الصين والهند،

وشعوب الجزر الهندية، عكست وشكلت، في الوقت ذاته، المخيال الشعبي العربي عن تلك الشعوب وعلى هذا األساس، ال يمكننا أن نتجاهلها في بحثنا عن صورة تلك الشعوب

في المخيال العربي. ال تتوقف حكايات السندباد عند وصف المدن وتفصيالتها، وطبغرافيتها، وال تهتم

كثيرا بالوصف التفصيلي للطرق، وهي كثيرة، التي سلكها السندباد في مغامراته، بلل( أنها مليئة بالخلط بين المدن، وأعالم التاريخ، ومواقيته، إأل أن مايهمنا هنا هو )تخي

تلك السردية، للمكان والزمان، واالهم من ذلك المتخيل الذي تناقلته عن حياة الناس هناك، وعن األنماط العامة لسوك الجماعات، وكل ما يرتبط بحياتها االجتماعية،

وعاداتها، ومعتقداتها، وطقوسها، وآدابها، أي باختصار، متخيلها لحياة الناس الثقافية. فمنذ أن بدأت السردية بالكالم عن شهريار وأخيه، نجد القاص يقول: إنهما من

ملوك ساسان بجزائر الهند والصين. وكلما بعد المكان عن بالد العرب المسلمين، وجدنا عدم التحديد والغموض والتعميم في ذكر البلدان، حتى أنها تصبح خياال فكل

أجزاء الهند ومدنها تبدو متماثلة، حالها في ذلك كحال التماثل بين أجزاء الصين، وإذا توجهت بنا حكايا »ألف ليلة وليلة« شرقا صادفتنا بجزائر الخالدات، وجزائر الكافور، والواق واق، وجزيرة النساء، والكثير مما كان متداوال بين العرب المسلمين آنئذ عن عجائب الهند والصين، وسنالحظ بالنهاية أننا أمام جو إسالمي يفرض سيطرته على

قصص هؤالء الذين رووا قصصهم على ملك الصين، وإذا كنا قد وجدنا بعض القصص التي تقع في أرض الهند تغلب عليها المواعظ والحكم، فذلك ألن هذا مقتبس من

( 103)الصورة الشائعة عن الهند في ذهن العرب والمسلمين في العصر الوسيط.

وكان اليعقوبي معاصرا ألبي زيد السيرفي، قام برحالت إلى الهند، وإلى المغرب مارا بمصر والبالد الشرقية للخالفة، وألف كتابا في التاريخ وفي »البلدان«، ويعتبر األول

م، وأدرك سعة بالد الصين، وعظمة ملكها872خالصة تاريخ العالم، أنهى تأليفه في سنة وقدم مالحظات عن احتكاك العرب بالصين، وما يقطعه البحارة والتجار العرب من بحار

م( المفكر الموسوعي، المتعدد االهتمامات965ه - 345ليصلوا الصين. أما المسعودي ) الثقافية، والذي اشتهر كمؤرخ وجغرافي على السواء، وهو أبرز كتاب القرن الرابع

الهجري، وجمع في شخصيته بين مزايا عدة، واهتمامات متنوعة، وبين الرحلة، فامضى شبابه في الترحال طوال وعرضا، فزار أصقاعا شتى، فباإلضافة إلى ترحاله في ربوع

مشرق أفريقيا وتجواله في البالد العربية اإلسالمية، فإنه زار الهند عن طريق البحر فمر بالسند والبنجاب، وكنكان ومليبار، ثم بعد أن اجتاز سيالن )سرنديب( مضى قدما نحو بحر

الصين، ثم عاد إلى زنجبار ومدغشقر وأخيرا قفل راجعا صوب عمان متخذا طريقه إلى ه -345مسقط رأسه بغداد، ثم قصد مصر في سني عمره األخيرة حتى قضى سنة

(104)م.965

وهو ليس رحالة وحسب، وال مؤرخا، وال جغرافيا، وال فلكيا وال فقيها، ولكنه جمع بين

-30-

تلك االهتمامات وصقلها في بوتقة االختبار، بعد أن أضفت عليها الرحلة وسعة الصدر ، وقد قال عنه ميكيل إنه »فيلسوف(105)الكثير من العمق في التفكير والدقة في التعبير.

ذكي جدا، واسع اإلطالع، انفتح ذهنه على جميع األنظمة الفكرية، من فلسفات الحكماء األسطوريين، إلى معتقدات ومذاهب عصره المتباينة، وهو مؤرخ ديانات، ذهب بعيدا في

تقصياته فعرف الماذرية والسبأية والبوذية، ومذاهب النصارى واليهود، وقد سأل في أسفاره فقهاء أمم عديدة وعلماءهم، كاليهود والفرس، والنصارى... ويستغرب الباحث

، وكان(106)توفيقه بين العقيدة اإلسالمية والتقصي العلمي »ومرونته في اتصاله بالكفار«. قد تحدث عن رحالته وأسفاره ومنهجه في البحث، في مدخل )مروج الذهب(، أكد صراحة على اعتماده المشاهدة والتجربة في دراساته، وعلى موضوعيته في تناوله

للمذاهب واألديان التي تعرض لها، »وليعلم من نظر فيه أني لم أنتصر فيه لمذهب، وال(107)تحيزت لقول، وال حكيت عن الناس إال مجالس أخبارهم، ولم اعرض فيه لغير ذلك«.

وتعايش مع الواقع ليعلم األمور بالمشاهدة والترحال، و»تقاذف األسفار، وقطع القفار، تارة على متن البحر، وتارة على ظهر البر، مستعلمين بدائع األمم بالمشاهدة،

عارفين خواص األقاليم بالمعاينة، كقطعنا بالد السند )وهي باكستان حاليا(، والزنج والصنف )موضع بالد الهند(، والصين، والزابج )يقصد سومطرة( وتقحمنا الشرق والغرب،

فتارة بأقصى خراسان، وتارة بوسائط أرمينية وأذربيجان، والران والبيلقان )نواحي من(108)أرمينية( وطورا العراق، وطورا الشام«.

شملت رحالته جميع البلدان من الهند إلى المحيط األطلسي، ومن البحر األحمر إلى بحر قزوين، ومن المحتمل أن يكون كما يشير كراتشكوفسكي قد زار الصين

واحتلت مصنفاته(109)وأرخبيل الماليو، وكثيرا ما كان يثبت في مصنفاته تاريخ زياراته. مكانة خاصة، بعد أن اكتسب »من رحالته معارف ومعلومات ال تحصى في أمور

الجغرافية واألجناس البشرية، يقدم خالصة لآلراء السائدة من الباحثين المسلمين عن(110)امتداد المحيط الهندي«.

م( مشغوال بطريقة903فعندما كان الجيهاني )جمعة أبو عبد الله أحمد بن أحمد مكتبية، بجميع مادته الالزمة إلنجاز كتابه، كان أبو الحسن علي المسعودي يجوب اآلفاق،

فيقضي الجزء األكبر من حياته في السفر والرحالت، ووصف أقاليم لم يسبق لكاتب عربي أن وصفها من قبل، فلم تقتصر رحالته إلى ديار اإلسالم من حدودها الشرقية حتى أفريقيا، فقد زار الهند وسيالن، وأرمينيا وساحل قزوين، وبحار الحبشة، والماليو والصين،

يحمل معه إطالعه الواسع على العلوم اإلسالمية والتاريخ القديم،والجغرافية، وعقائد Galiciaوتصورات الشعوب، فتعرض في تأليفه لألقاليم المختلفة في العالم من غاليسيا

والبرانس إلى الصين، وهناك شبه كبير بين آرائه عن التفاعل بين اإلنسان وبيئته، وبين(111)اآلراء الحديثة.

ومما ال ريب فيه أن المسعودي فتح آفاقا جديدة في أبحاثه، عندما وضع في »مروج الذهب« خالصة اختباراته وتجاربه وأسفاره، وكان في أكثر األمور التي عالجها

صاحب رواية وبصيرة نافذة، وإن بقيت بعض العجائبية الشائعة عن بالد الشرق األقصى وبحارها عالقة في أبحاثه، وحفظ لنا وقائع رحلة ابن وهب القرشي الذي غادر

-31-

البصرة في رحلته من سيراف إلى خانفوه )كانتون( في الصين، في القرن التاسع ه،303الميالدي، ولعله قد سمعها من السيرافي الذي دونها بدوره، عندما صادفه عام

فترك المسعودي وراءه مالحظات واسعة عن حياة الصينيين والهنود، وسكان المحيط الهندي، ضمنها في كتابيه »مروج الذهب«، و»أنساب األشراف« وجملة من الصور

تعكس بمجملها المتخيل العربي عن تلك الشعوب. وقد توقف طويال في وصفه للمحيط الهندي، وجزائره، وسكانه، وطبيعته،

والتجارة التي تجري فيه، والسفن التي تمخر عبابه، وكيفية صناعتها، واختالفها عن أنه يعارض نظرية سفن البحر المتوسط، وال يخلو وصفه من بعض العجائب، إال

بطليموس القائلة بامتداد جنوب القارة األفريقية نحو الشرق بطريقة يوازي فيها هذا االمتداد السواحل الهندية الصينية، وبشكل يحدث فيه ما يشبه بحيرة مغلقة مع البر

الهندي والصيني، إذ أشار إلى اتصال المحيط الهندي بالمحيط األطلسي وإلى إحاطة البحار الجزء الجنوبي من القارة األفريقية، فكان في ذلك مثل البتاني، في تصحيحه لخطأ بطليموس، أما القسم األثنوغرافي من كتاب »أنساب األشراف«، فهو يتعرض لتشعبات األمم والشعوب، وتفرع حضاراتها، فيقسم األمم إلى سبعة مجموعات، هي

الفرس، والكلدانيون الذين يضم إليهم العرب واليهود، ثم أمة اليونان والروم، ثم األفارقة، وبعدها الترك، فسكان الهند والسند، وأخيرا الصينيون، ومن المستحيل كما

يقول كراتشكوفسكي »إنكار ما يتميز به المسعودي من تنوع النشاط العلمي، وما يتصف به من موضوعية في الحكم على ما يتعلق بالشعوب واألديان، فهو يسأل

باهتمام ممثلي مختلف العقائد، ويتفحص بانتباه فائق كتبهم، ويتعرف جيدا على آدابهم،(112)وكان موقفه محايدا إزاء النصارى واليهود والصابئة«.

ولعل أول الرحالت العربية البرية، باتجاه الشرق األقصى هي رحلة تميم المطوع م( وتميم هو أول الرحالة الذين زاروا بالد األتراك جيران الهند800 م - 760بن بحر )

والصين، فوصل إلى التغزغز القاطنين حوض أورخون جنوب بحيرة بايكال، وكان لهم قطعان ماشية، ومساكنهم من خيم وأكواخ لباد، وال توجد عندهم مدينة سوى مدينة

)الخاقان(، وهي مدينة كوشان، ومن المحتمل أن يكون قد قام برحلته في أوائل القرن التاسع وأنه وصل إلى عاصمة األويغور )قره بالساغوه( على نهر أورخون في

مدينة مونغوليا الخارجية، ويذكر أن األويغوريين على دين )المانويه(، وعالقتهم وثيقة مع أباطرة الصين، ولقد نقل بعض وقائع رحلته ابن خردائبة، وابن الفقيه وياقوت

(113)الحموي.

وهناك رحلة سالم الترجمان في القرن التاسع الميالدي، الذي يقال إنه أول من عبر م( ليستطلع847ه - 232الطريق البري إلى الصين، وقد أرسله الخليفة الواثق بالله )

حال سد الصين، بعد أن رآه في المنام وقد انهدم، ولعل هذا الحلم المزعج مرده الشائعات عن تحرك القبائل التركية في أواسط آسيا نتيجة قضاء القرغيز على دولة

(114).840األويغور حوالي عام

وكان سالم متقنا ثالثين لسانا، وضم إليه الواثق في رحلته خمسين رجال

-32-

وأعطاهم مئتي بغل لحمل الزاد والعلف، فنقل لنا الترجمان جانبا من أخبار الصين وعجائبها، ونقل إلينا انطباعا عن الشعوب القاطنة في أقصى شمال شرق المعمورة،

تلك التي يسمونها شعب يأجوج وماجوج في الحدود الشمالية لبالد الصين،والترك، وانتشرت وقائع رحلته في األدب العربي، ورواها الجغرافيون: ابن خردازبه، وابن رسته وياقوت الحموي، وأبو حامد الغرناطي، والقزويني والنويري، كما احتفظ لنا

(115)اإلدريسي بعضا منها.

م، على921ه - 309أما رحلة )أحمد بن فضالن( الذي أرسله الخليفة المقتدر سنة رأس بعثة إلى بالد البلغار على نهر آتل، جنوب روسيا، فقد تم إعداد هذه السفارة

استجابة لطلب بلغار الفولغا الذين أرسلوا رسوال إلى عاصمة الخالفة يرجون العون ضد ضغط الخزر عليهم في الجنوب، وأن ينفذ إليهم من يفقههم بالدين، ويعرفهم بشعائر

يونيو21ه - 309اإلسالم، وقد غادرت السفارة بغداد في الحادي عشر من صفر عام 921.(116)

وقد قابل في طريقه قبائل تركية وهم على جوار الحدود الشرقية للهند. وصف لنا عاداتهم، وطقوسهم وحياتهم، »وشهادته تكاد تكون المادة الوحيدة عن تاريخ الفترة

السابقة لألتراك السالجقة الذين انبثقوا عن األوغوز، الذين اجتاحوا في القرن الحادي وقام أبو دلف(117)عشر القسم األكبر من الشرق األوسط وأقاموا سلطنتهم الخاصة«.

م( في الفترة نفسها، برحلته إلى1001ه - 390مسعر مهلهل الخزرجي الينبعي ) م(، استجابة لتكليف األمير الساماني نصر بن أحمد، الذي942ه - 331الصين عام )

أن كلف أتته سفارة من الصين تخطب ابنته إلى ملكها، فما كان من االمير الساماني إال أبا دلف لمصاحبة السفارة الصينية، وليكون رسوله إلى "فالين بن الشخير( ملك الصين ليخطب ابنته البنه األمير نوح الساماني، )ألن الشريعة ال تسمح له بتزويج ابنته المسلمة

من ملك الصين، فقبل أبوها وجهزها وأرسلها إلى خراسان ومعها مائتان من الخدم فخرج أبو دلف من بخارى وعبر(118)وثالثمائة من الجواري والخصيان وتزوج منها نوح.

تركستان الغربية فالشرقية والتيبت ودخل الصين، ثم غادرها إلى الهند، ومنها رجع إلى بخارى عن طريق تركستان ووصف البالد التي مر بها، وحفظ لنا مقتطفات عن هذه

(119)الرحلة ابن النديم وياقوت والقزويني.

وقد وصف لنا مشاهداته في الصين، ومظاهر العمران واألشكال المتنوعة للسلوك اإلجتماعي لدى الصينيين، ولدى أهل التيبت. كما وصف معيشة القبائل

والشعوب التي مر بها في طريقه إلى الصين من مأكل وملبس ومشرب، وعاداتهم وعباداتهم ومبانيهم وأشكال سكنهم، ولم يتوقف عن إصدار األحكام والمعايير على

إلى أن رحلة أبي دلف ال تقوم علىV.V. Grigorievثقافتهم، وذهب غريغور ريف أساس من الواقع، بل هي جمع لشتات ما قرأه وسمعه من اآلخرين، ورأى بارتولد أنها

مدلسه، واعتدل مينورسكي قليال فرأى أن بعضها حقيقي وبعضها من نسيج الخيال بينما توصل كراتشكوفسكي، وهو رأي أقرب إلى الحقيقة، أن رحلة أبي دلف إلى

الصين واقعية حقيقية ال شك فيها، وأن القصص الواردة على لسانه في "الفهرست"

-33-

البن النديم "تحمل جميع الدالئل على رجحان حدوثها، كما أن قصة تسلقه لجبل ( الذي حفظها لنا القزويني، تمثل شيئا طريفا للغاية، وأنDemavedدماوند )دنباوند

(120)اهتمامه بظواهر الطبيعة يضطرنا إلى الوقوف موقف االطمئنان من رواياته.

وبكل األحوال، فإن رحلة أبي دلف بما تحمله من معطيات عن حياة الناس، وبيئاتهم الواقعي منها والعجائبي، هي خالصة للتصورات الجغرافية التي كانت سائدة

عند العرب المسلمين آنذاك عن الصين والهند، ولقد شمل وصف أبي دلف، أمم الترك والتتار، المنتشرة ابتداء من سواحل البحر األسود إلى ضفاف نهر آمور، فيصف لنا التغزغز وهم شعب يعيش على نهري سيحون )سيرادريا( وجيحون )أموداريا( بأن

أكلهم اللحم النيء، ولبسهم الصوف والقطن، ومعابدهم، وتربيتهم للخيل، وأيضا يشمل وصفه الخرخير في طريقة ذاتها، وزار في الهند المولتان والمنصورة وحيدر

آباد، والديبل الساحلية، وأيضا قنوج في شمال الهند، فضال عن الصين، وبالد التيبت، ونعثر على نصوص رحلته في »معجم البلدان« لياقوت الحموي، وفي »آثار البالد

وأخبار العباد« للقزويني، وعندابن النديم في فهرسه. وكان لرحالت أصحاب »المدرسة الجغرافية العربية الكالسيكية«، في القرن العاشر

الميالدي، وأبحاثهم العلمية التي اعتمدت على المشاهدة والتجربة، دورها في تقديمهم مالحظات قيمة عن حياة شعوب الشرق وبحارها، على هامش موضوعهم األساسي، وهو

جغرافية »دار اإلسالم« البشرية، فكان لرحالتهم الواسعة النطاق، والتي شملت البالد المجاورة ألطراف الهند والصين، والمعلومات التي استقوها وخبروها مباشرة، أو

سمعوها من الرواة، دورها في تقديم صورة مهمة عن حياة تلك الشعوب، وال سيما أن إعالمها قد كانوا متحررين من سطوة نظريات بطليموس، لحساب االعتماد على

lالمشاهدة والتجربة، واستعاضوا عن نماذج بطليموس الرياضية الفلكية عن األقاليم، ب »أطلس اإلسالم« يعتمد على فكرة »اإلقليم« ذات المحتوى الجغرافي البشري

جيوبوليتيكي، ولهذا تحولت عندهم األقاليم من سبعة محددة بخطوط فلكية وهمية على الكرة األرضية إلى أكثر من عشرين إقليما، وانتقلوا من مفهوم اإلقليم كأحزمة عريضة

( إلى مفهوم ينظر إليه كمناطق جغرافية واسعةKliomataتضم عددا من درجات العرض ) (، ولعل )قد امه بن جعفر( بتقديمه مفهوم »دار اإلسالم« كتعبيير عنDegionأو واليات )

ه284وحدة الجماعة اإلسالمية، واتخاذه التجربة والمشاهدة قاعدة لدراسته، واليعقوبي ) م( بمزجه التاريخ بالجغرافية، واعتماده الرحلة كمصدر لمعلوماته واستنتاجاته قد895-

مهدا الطريق لظهور المدرسة الجغرافية العربية، فكان أن أتى أصحاب هذه المدرسةليتخذوا من الرحلة أداة لبحثهم، ودار اإلسالم - بشكل رئيسي - مجاال لتقصياتهم العلمية.

م( أسس تلك المدرسة934ه - 322وقد وضع البلخي )أبو زيد أحمد بن سهيل في كتاب »صورة األقاليم« الذي رفع التقسيمات األرضية من سبعة أقاليم إلى

عشرين إقليما وتبعه في بحثه االصطخري )أبو إسحاق أبو إبراهيم بن محمد الفارسي ه-367م( وأعقبه ابن حوقل )أبو القاسم محمد بن علي الموصلي 951ه - 340 م(997 - ه387م(، بعدl ذlلك برز المقدlسي )محمدl بن أحمد بن أبي بكر البناء 978

في كتاب )أحسن التقاليم في معرفة األقاليم(. -34-

إذا عدنا إلى مخطط االصطخري وجدنا فيه ستة عشر إقليما وهي ديار العرب، والمغرب، ومصر، والشام، والجزيرة، والعراق، وخوزستان، وفارس، وكرمان، والسند،

وأرمينيا، وإيران، وأذربيجان، والجبال والديلم، وسجستان، وخراسان وما وراء النهر، وخوارزم، يضاف إليها أربع مجموعات هي بحر فارس وبحر الروم وبحر الخزر، ومفازة

خراسان وفارس فيصبح العدد اإلجمالي عشرين إقليما ستة عربية وثمانية أعاجم، فقدم لنا انطباعات سريعة عن الهند والصين كما وصف المحيط الهادي والهندي،

وجزرهما، وطرق التجارة التي تتضمنها، وأكمل ابن حوقل طريق االصطخري، والسيما ه331أنه كان مغرما بالتجوال لمعرفة العالم، وبدأ تجواله من بغداد في رمضان عام )

م(، فجاب أفريقية الشمالية واألندلس، وزار نابلي وصقلية، وعرف عن كثب943- ويطلق المقدسي على الهند عبر وصفه بالد(121)العراق وفارس، وجزءا من الهند.

السند، والملتان، وقنوج، والمواد التجارية التي تحمل من هناك، ودراهمهم، والتماثيل التي في ملتان، ولم ينس أن يحدثنا عن بحر الصين، وجزر المحيط الهندي: سرنديب، وماسماه جزيرة الكلب. وحفظ لنا وقائع رحلة سالم الترجمان إلى سد الصين، الذي

وقدم(122)يسميه سد ذي القرنين، وهو صاحب عبارة »وعدن دهليز الصين مع صحار«. لنا في مقدمه كتابه صورة صادقة عن المنهج العلمي الذي اتبعه أعالم تلك المدرسة بعد الجغرافية في تعرفهم على األقاليم، وأحوال األمم، إذ قال »وما تم لي جمعه، إال جوالتي في البلدان ودخولي أقاليم اإلسالم ولقائي العلماء وخدمة الملوك ومجالستي

القضاء، ودرسي على الفقهاء، واختالفي إلى األدباء والقراء، وكتبة الدين ومخالطة الزهاد والمتصوفة، وحضور مجالس القصاص والمذكرين، مع لزوم التجار في كل بلد،

والمعاش مع كل أحد، والتفطن في هذه األسباب بفهم قوي حتى عرفتها، ومساحة اإلقليم بالفرسخ، حتى أتقنتها، ودوراني على التخوم حتى حررتها، وتنقلي إلى األجناد حتى عرفتها، وتفتيش عن المذاهب حتى علمتها، وتفطني في األلسن واأللوان حتى

(123)رتبتها..

م( خالصة تجارب رحالته وتجواله، في1048ه - 440ودون أبو ريحان البيروني ) ربوع الهند، والتي استمرت أربعين عاما، في كتابه الشهير،) تحقيق ما للهند من مقولة

م، أي بعد عام1031ه - 423في العقل أو مرذولة(، الذي انتهى من تأليفه عام ونصف من وفاة السلطان محمود الغزنوي، الذي جاء به من خوارزم إلى غزنة،

وصحبه في غزواته الهندية، فتعرف من خاللها على حياة الهنود، وخاصة على حياتهم العقلية، والدينية، ويعد الكتاب وثيقة تاريخية إثنوغرافية عن الهند، فهو لم يدرس فيه

طبيعة هذه البالد وأحوال سكانها وحسب، بل درس كذلك لغة أهلها وآدابهم في مختلف بيئاتهم، ووقف على تقاليدهم، معتمدا على معرفته المباشرة ألحوالهم، وهو

الذي قال في مقدمة كتابه المذكور، »إنما صدق قول القائل: ليس الخبر كالعيان، ألن (124)العيان هو إدراك عين الناظر المنظور إليه في زمان وجوده وفي مكان حدوثه.

اعتمد فيه على المقارنة بين التجربة الفكرية الهندية وما يماثلها من حياة فكرية عند اليونان، »ليس الكتاب حجاج وجدل حتى استعمل فيه بإيراد حجج الخصوم ومناقضة

الزائغ منهم عن الحق، وإنما هو كتاب حكاية فأورد كالم الهند على وجهه، وأضيف إليه -35-

وإن لعبارته القائلة »أورد كالم(125)ما لليونانيين من مثله لتعريف المقارنة بينهم«. الهند على وجهه« أهمية خاصة نظرا التفاقها مع ما يصبو إليه اإلثنوغرافي المعاصر من

(126)رصد ثقافة مجتمع معين كما يراها ويفسرها أهل هذا المجتمع.

وكان البيروني قد انضم إلى ركب السلطان محمود الغزنوي عند فتحه الهند، واستطاع تعلم اللغة السنسكريتية والقيام برحالت وتجواالت بالهند التي قضى فيها

طويال، وبهذا اجتمع له من المعلومات ما اشتمل عليه كتاب الموسيعي )تحقيق ما للهند( لهذا قال سارتون عن البيروني: إنه أحد أعظم العلماء في التاريخ، فهو عالم، ومؤرخ طبيعي وجيولوجي، وفلكي، ورياضي، كما أنه درس التقاويم والطب، وتمتع بحاسة

جغرافية حاذقة، واسع األفق والمعارف، تعرف في الهند أكثر مما تعرف على المنطقة الشمالية الغربية من الهند، وأتقن السنسكريتية، ليكرس جهوده لدراسة علوم الهندوس،

ثم أودع حصيلة دراساته ورحالته في كتابه »تحقيق ما للهند« الذي يعتبر إحدى الثمار المرموقة في حقل الجغرافية اإلقليمية، بسب ما يتميز به من نفاذ للحقائق ومقدرة على

(127)اإلفادة منها. وكانت أولى مؤلفاته الكبرى رسالة علمية عميقة تعرف باسم »اآلثار الباقية« قد درس فيها التقاويم واألعياد عند الفرس، وأهل الشام، واليونان، واليهود، والمسيحيين،

والصابئة، والزرداشتيين، وعرب الجاهلية، والمسلمين، قال عنه ديورانت »والكتاب دراسة نزيهة إلى درجة غير مألفوة، مبرأة من أقصى حد من األحقاد الدينية... كان

(128)موقفه موقف العالم صاحب النظرة الموضوعية«.

أما كتابه »تحقيق ما للهند« فال يمكن اعتباره كتابا في الجغرافية بمعناها الضيق، إذ خصصه بشكل رئيسي لعرض المكانة التي تحتلها الحضارة الروحية للهند، قياسا

إلى الحضارات األخرى، وخاصة اإلنجاز الروحي والعقلي لليونان، فعرضت مقدمة الكتاب للهند عامة، وضم الفصل الثامن عشر مالحظات متفرقة عن األرض واألنهار

والمحيطات وعن اتساع األقطار المختلفة، وتحدث في الفصل الخامس والعشرين عن أنهار الهند، وجمع باإلضافة إلى ذلك كله مجموعة هائلة من المعلومات اإلثنوغرافية

عن الهند، وخصص فصوال هامة عن ديانة الهند وحياتها الفكرية، فكشف في ذلك الكتاب عن معرفته العميقة بالتصورات الجغرافية، والكوزمولوجية لدى الهنود، كما

وضح لنا الكثير من المسائل المتعلقة بالتاريخ المبكر للعلوم واآلداب الجغرافية(129)العربية.

وأودع في كتابه هذا نتيجة دراساته في تاريخ وعادات وعقائد وآداب علوم الهند، ومن جملتها ما كان عندهم من المعرفة بصورة األرض، فأصبح بذلك واسطة العقد

بين اإلسالم والهند بعد أن نقل إليهم ما عند المسلمين من علوم، ولقد ميز في مؤلفه وهو فيما كتبه، لم يخص تاريخ الهند(130)ذاك يبن ما شاهده بعينيه وما سمعه من غيره.

السياسي إال بحيز صغير في كتابه، بالمقابل خص أحوال الهند الفلكية باثنين وأربعين فصال من فصوله، وخص أديانها بأحد عشر فصال، وكان أكثر ما سحره فيها - كما يقول ديورانت - )جا فادجيتا(، وأدرك ما بين تصور الفدانتا والصوفية، والفيثاغورثية الحديثة،

واألفالطونية الحديثة من تشابه، وأورد مقتطفات من كتابات مفكري الهنود ووازنها

-36-

(131)بمقتطفات شبيهة بها من كتابات مفكري اليونان.

وقد جمع معلومات قيمة عن جنوب أفريقيا وسواحلها الشرقية، عن طريق التجار العرب، أهلته ألن يقرر: أن المحيط الهندي يتصل بالمحيط األطلسي، فالبيروني على

حد قول أندريه ميكيل »أحد العقول الكبيرة القادرة على فهم أشد المعارف تباينا وأكثرها إثارة بسبب ميولها الطبيعية، وأحد المفكرين الشموليين القالئل أمثال

(132)دافنشي وغوته«.

لقد أتيح له أن يحيط بعلوم الهند ويقرأ أسفارها ويخالط علماءها، حتى إذا ما اطمأن إلى ما وقف عليه من مختلف فنون المعرفة عندهم، وعرف بتقاليدهم

ورسومهم، وألم بمناهجهم في البحث وطرائقهم في إعمال الفكر، خرج يعرض علينا في سفره الكثير عن حضارة الهند ومدنيتها مقدما عرضا شامال يتميز بالعمق والدقة.

وضم كتابه عن الهند الكثير من المعلومات القيمة لم يكن بالجديد على المسلمين في ذلك الوقت فحسب، بل كان كذلك حتى بالنسبة للثقافة األوروبية في العصور الحديثة على ما يشير إليه المستشرق األلماني أدوارد ساخاو. ولم يدرس البيروني طبيعة هذه البالد وأحوال سكانها فحسب، بل ودرس كذلك لغتها وآدابها في مختلف بيئاتها ووقف

بنفسه على رسومها وتقاليدها. وهو في ما يكتبه عنها يعتمد على ما شاهده بنفسه(133)وسمعه بإذنه....

م البيروني كتابه إلى ثمانين بابا أولها: »في ذكر أحوال الهند وتقريرها أمام ما قس تقصده من الحكاية عنهم« وآخرها: »في ذكر أصولهم المدخلية إلى أحكام النحو

واإلشارات إلى طرقهم عنها«. وهو في هذه األبواب الثمانين يتحدث عن معتقدات الهند، وشرائعهم وأحكام الفروض. والعبادات عندهم كالمواريث والصيام والقرابين والكفاءات والحج والصدقات واألعياد والعقوبات والمباح من المطاعم والمشارب

والمحظور منها. كما يذكر نظام الطبقات في مجتمعهم وأحكامه، ويشير إلى ما عندهم من أنواع الخطوط وطرائق الكتابة ويعرفنا بتراثهم في النحو والشعر وسائر

العلوم ويصف لنا بالدهم ومعالمهم الجغرافية. ويسوق لنا حديثا طويال عن علم الفلك عن الهنود، وفصل عن صورة األرض عندهم وأصناف الشهور والسنين ويشير إلى

أحكام الكواكب والنجوم ومراصدها... وهو ال يكتفي بهذا بل يقارن بين ما عند الهنود(134)وما عند غيرهم من األمم.

وهو يشير بوضوح إلى أنه ترجم إلى العربية كتابين عن الهندية، قبل أن يؤلف »في تحقيق ما للهند...«، ليكون جامعا لهما ولغيرهما من المؤلفات، »وكنت نقلت إلى العربي كتابين أحدهما في الميادين وصفة الموجودات، واسمه »سانك« واآلخر

في تخليص النفس من رباط البدن ويعرف »بياتنجيل«، وفيهما أكثر األصول التي عليها مدار اعتقادهم دون فروع شرائعهم، وأرجو أن هذا ينوب عنهما وعن غيرهما وفي

فتميزت أبحاثه عن الهند باالتساع والتنوع،(135)التقرير ويؤدي إلى اإلحاطة المطلوبة«، فبعد أن درس كتب الهنود، في كل ميادين المعرفة، بسط أبحاثه تلك، فكان بذلك كمن يؤسس النثروبولوجيا ثقافية، ألنه »درس معتقدات الهنود، وأفكارهم الثقافية

(136)وطريقة حياتهم دراسة موضوعية وبطريقة علمية مخططة«.

-37-

ولقد بدأت الرحالت المغربية واألندلسية بالتكاثر قياسا على مثيالتها في المشرق العربي، في القرن الحادي عشر والثاني عشر، ولعل مرد ذلك إلى التصدع الذي

أصاب وحدة الخالفة العربية - اإلسالمية، وتراجع دور بغداد المركزي في تقرير الشأنين السياسي والثقافي، وما أصاب األطراف نفسها، من تمزقات، يضاف إلى ذلك، تراجع دور العرب في المشرق، وبروز مخاطر الغزو الصليبي في المتوسط،

والغزو المغولي من الشرق. في هذه األثناء، أوصل المغاربة واألندلسيون، مؤلفاتالرحالت، والمسالك والممالك إلى ذروتها، كما نراه عند الرازي، وأبي عبيد البكري )

ه -565م( وابن جبير، والغرناطي )1251ه - 649م(، واإلدريسي )1008ه - 398 م(، وابن سعيد المغربي، وعلى هذين األساسين: البلدان والمسالك والممالك1170

والرحالت قام التأليف الجغرافي عند األندلسيين، حيث تحرروا إلى حد كبير من تأثير(137)النظريات الهندية واليونانية.

صحيح أن أبا عبيد البكري، تلميذ العذري، ومعاصره، وتلميذ ابن حزم وابن بسام، ويشترك معهم في االتجاه الموسوعي، فإنه وإن لم يكن رحالة جوابا لآلفاق، فهو

اعتمد على جمع الكثير من الرحالت، وضمها في مؤلفاته، وظهر ذلك جليا في معجمه المسمى )معجم ما استعجم(، في تأمالته عن بالد الهند والصين، واعتمد على رحالت

ومؤلفات المسعودي وأسلوبه في ذلك أن يبدأ بالكالم عن المملكة، ثم يذكر مسالكها، وحدودها وتاريخها وعادات أهلها وخصائصها. فيبدأ بالهند ثم الصين وفارس، فيشبه

كالمه عن هذه الممالك الثالث، رواية المسعودي، ويروي بنباهة بأن الذي يخرج من(138)غرب أوروبا يصل شواطئ الصين.

ولقد ظهر الكثير من الرحالة في هذه الفترة كالجغرافي الكبير اإلدريسي، وابن جبير، وابن فاطمة، وليون األفريقي، إال أن هؤالء لم يتوغلوا في الشرق األقصى، ورغم الخرائط

التي قدمها اإلدريسي، واهتمامه العالمي في »نزهة المشتاق« إال انه لم يضف الكثير على معلومات من سبقه، وظل أسير تصورات بطليموس عن المحيط الهندي، واعتباره

إياه كبحيرة مغلقة تحيطها في الجنوب استطالة أفريقيا شرقا محاذاة لشواطئ الهند والصين. أما أبو حامد الغرناطي، وهو محمد بن عبد الرحيم بن سلمان بن ربيع القيسي

الغرناطي، الذي ال يمكن مقارنته إال بابن بطوطة في تشوقه إلى التجوال والضرب باآلفاق، والتعرف على العالم، بل أربى على ابن بطوطة في بعض الجوانب، إذ كانت له

جرأة غير معهودة على اقتحام المخاطر والدخول إلى بالد بعيدة مجهولة األحوال واأللسن، إلى مشارف الصينإذ أوغل شماال في بالد القفقاس وأوروبا، وأوغل شرقا حتى وصل

م1107والهند، واتجه جنوبا حتى منتصف القارة السوداء، فبعد أن غادر األندلس عام وهو في السن السابعة والعشرين من عمره، طاف بنواحي المغرب األقصى، ووصل إلى

سلجماسة، فأعطانا معلومات عن أصناف المتاجر التي تحمل إلى وسط أفريقيا، واتجه مارا بجزيرة سردينية، ثم انتقل إلى القاهرة1118إلى اإلسكندرية بطريق البحر عام

م، وأقام بها أربع1123زمن الفاطميين، وبعدها نزل بالد الشام، ووصل إلى بغداد عام سنوات، وهناك ألف كتابه :المعرب في بعض عجائب المغرب، قد اتخذ بغداد قاعدة

النطالق رحالته، ووصل إلى بالد تركستان على حدود الصين ثم إلى جنوب روسيا،

-38-

وحوض الفولغا وشرقي أوروبا وتوغل في بالد الصقالية حتى وصل عاصمتهم كييف، وبلغ في رحالته المجر وأقام فيها سنوات ووصفها بعمق، ودخل خوارزم ثالث مرات، مارا

م، هذا الشوق إلى استجالء المجهول1155ببخارى، ومرو، ونيسابور، وذلك في عام الذي تراه عند الغرناطي، وجدنا ما يماثله عند المسعودي، والمقدسي، وغيرهم، وسنجده

عند ابن بطوطة فيما بعد، وقد دون الغرناطي مشاهداته في كتبه »المعرب عن بعض عجائب المغرب« وبشكل خاص في »تحفة األلباب في نخبة اإلعجاب« ناقال معلوماته

عن الهند والصين عن رجل يدعوه »أبا العباس الحجازي« الذي أقام بأرض الهند والصين أربعين سنة، وكان الناس يتداولون عنه العجائب وقد حدثه عن جزيرة سرنديب )سيالن(،

كما حدثه عن الهند والصين إال أن هذه األحاديث غلب عليها العجيب، حيث اتجه الغرناطي بالعلوم الجغرافية نحو الكوزموجغرافية العجائبية، بينما كان معاصره اإلدريسي

إذ حاول األخير أن يضم العالم بأسره تحت(139)يتجه بالجغرافية وجهة علمية سليمة. أنظاره، وقد امتدح أبو حامد ما تذخر به بالد الهند والصين من ملك عظيم وعدل، وعلم،

كما أطرى طريقة معاملتهم للتجار المسلمين،لدرجة أنهم كانوا يعفونهم منالمكوس،ويتمنى على ملوك المسلمين أن يحذوا حذوهم.

وقد شهد النصف الثاني من القرن الثالث عشر، جغرافيا رحالة آخر من مواليد ه -673م، وهو ابن سعيد المغربي )1214ه - 610غرناطة باألندلس في حوالي عام

م(، الذي أمضى الجانب األكبر من حياته في الترحال طلبا للعلم، وللتعرف على1274 العالم، فقد تنقل في تجواله من المغرب األقصى على المحيط األطلسي إلى المحيط

م فزار في طريقه شمال أفريقيا1240ه - 638الهندي، اصطحب أباه إلى الحج عام م، إلى أن أتى1250ومصر، واالسكندرية، وأثناء عودته بقي في القاهرة حتى عام

الشام وأقام فيها حينا من الدهر، ومنها ذهب إلى الموصل، ثم إلى بغداد، والبصرة، وتابع دراسته في بغداد قبل أن يدمرها هوالكو بأعوام قليلة،ورحل منها إلى حلب

إال أنه رغم تجواله(140)متجها إلى أرمينيا يدفعه الفضول ليتعرف على هوالكو مباشرة. الواسع في أصقاع شاسعة بين أوروبا وأفريقية وآسيا، لم يزر بالد الصين والهند، فعوضا عن ذلك حفظ مشاهدات غيره من الرحالة لهذه البلدان، فقد استفاد من

معطيات رحلة ابن فاطمه الذي جاب سواحل غرب أفريقيا حتى السنغال، وسواحل شرق أفريقيا، وعرف مدغشقر )جزيرة القمر(، ربما تعود إليه الرواية التي انفرد بها

ابن سعيد،وتتعلق باستيطان الهنود لجزيرة مدغشقر )جزيرة القمر(، وترك لنا مالحظات قيمة للغاية عن المحيط الهندي، فنبه على التقائه بالمحيط األطلسي، خارقا

بذلك نظرية بطليموس التقليدية، ومناقضا، أيضا، آراء أستاذه اإلدريسي، علما انه اعتمد اعتمادا كبيرا على تبويبه لألقاليم، وتجزئتها إلى عشرة أقسام، كما اعتمدت

معرفته للصين، جزئيا، على المعطيات التي قدمها اإلدريسي. م( الذي قال عنه كرامرز »هو بليني العرب«،1283ه - 682كما أن القزويني )

، أي علم وصف الكون، فقد حفظ لنا الكثير منCosmographyيعتبر أكبر كوزموغرافي الرحالت، والشذرات التي دونها الرحالة العرب الذين جابوا شتى أرجاء العالم، كرحلة هارون بن يحيى إلى بيزنطة، وبعضا من وقائع رحلة ابن فضالن الذي عبر بالد الترك

-39-

فمأل كتابيه(141)نحو بلغار الفولغا، وشذرات من رحلة أبي دلف إلى الهند والصين. »عجائب المخلوقات« و»آثار البالد وأخبار العباد«، بالكثير مما كتبه سابقوه من

(142)الجغرافيين المسلمين، ورحالتهم.

وظهر إلى جانب ابن سعيد المغربي، في المشرق، العديد من الجغرافيين الرحالة، الذين لم يزوروا الهند أو الصين، إال أنهم حفظوا الكثير من وقائع الرحالت

ه -626التي قصد أصحابها بالد الشرق األقصى. وهو ما نجده عند ياقوت الحموي م الذي حفظ في مؤلفاه الشهير »معجم البلدان« بعضا من تلك الرحالت،1229

فباإلضافة إلى خبرته المكتبية واطالعه الثقافي الواسع، فقد استفاد من تنقالته ورحالته في مجال التجارة، التي كان يقوم بها لصالح سيده، التاجر الكبير في بغداد، أو

من كثرة أسفاره في المحيط الهندي، وتردده إلى جزيرة كيش العمانية، التي كانت أحدى محطات تجار المحيط الهندي، حيث أتاحت له توسيع أفقه الجغرافي، وزيادة

معرفته عن طرق ما سمعه من التجار فيها عن شواهدهم، وقاده تجواله من بغداد إلى الموصل إلى بالد الشام ومصر، ثم إلى أرمينيا، وإلى إيران الشرقية، ثم إلى أن قضى

عامين في نيسابور، التي غادرها إلى هرات وسرخس إلى أن بلغ مرو فأمضى فيها ه616زمنا، وكان عازما على زيارة خوارزم وبلخ عندما أتته أخبار خروج المغول عام )

م( فهرب إلى خراسان، ومنها إلى الموصل، وهناك أتيح له االنصراف على1219- م( وزير السلطان1248ه - 646تأليف معجمه بعد أن رعاه الفيلسوف ابن القفطي )

م في حلب، وانتقل إلى1224الظاهر األيوبي في حلب، وقد انتهى من معجمه عام ( كما حفظ لنا143م وهو في الخمسين من عمره.)1229ه - 626جوار ربه عام

مقتطفات من رحلة أبي دلف بالد الهند والصين والترك، ووقائع رحلة سالم الترجمان إلى شمال الصين لزيارة سورها العظيم، ورحلة تميم بن المطوع إلى بالد الشرق

األقصى وتعرفه بالشعوب التركية هناك. م( في موسوعته1347ه - 748ونجد الشيء نفسه عند ابن فضل الله العمري )

)مسالك األبصار( التي جمع فيها الكثير من الروايات ليس عن أوروبا وأفريقيا وحسب، لألقسام المتعلقةscheferبل عن بلدان الشرق األقصى، وقد أثبتت دراسة شيفر

بالصين،أنه يجب أال نعتبر العمري بالنسبة لهذه األقصاع نقالة يكتفي بتسجيل ما وصل إليه عن طريق الصدفة وحدها فهو يقدم لنا معلومات جمة عن شمال الصين، مروية بألفاظ من التقى بهم من الرحالة،وكان هؤالء ينتمون إلى مجموعتين من الناس هم التجار، ثم الفقهاء الذين ساقتهم إلى تلك الجهات، في أغلب الظن، حاجة األقليات

المسلمة للتفقه بالدين، وكان بين هؤالء الرحالة عدد من أهل العراق وإيران وما وراء النهر، وتؤكد جميع قصصهم أن الصين فتحت أبوابها في العهد المغولي للتجار، ولمن

يدفع بهم حب االطالع إلى الضرب في األرض، وكان التجار العرب يحملون إليها الخيل والطير، والصيد والحلي واألبنية المطلية بالميناء من حلب، وتمس معلوماتهم مختلف

أوجه الحياة في الصين... وقد اهتموا اهتماما خاصا بوصف نظام اإلدارة وطرق الموصالت والتجارة... وما يتصل بها من حرف ومهن، وشمل استداللهم شتى مهارات

(144)الصينيين الصناعية.

-40-

م( شيخ1369ه - 770وشهد القرن الرابع عشر الميالدي رحلة ابن بطوطة ) الرحالين العرب، وسيد الرحالين حتى ذلك الزمان، فقد قضى الرجل ثمانية وعشرين عاما من حياته يتنقل في أجزاء العالم المعروف، فحملته أسفاره من طنجة إلى مصر

عبر شمال أفريقية، وإلى الشام، وبعد أن أدى فريضة الحج زار إيران وبالد العرب ومشرق أفريقية، ومن هناك مضي في تجواله شرقا إلى خوارزم وبخارى وأفغانستان،

ودخل بعدها إلى الهند والصين، ويمخر البحر الهندي ليزور جزر الهند الشرقية، وجزر المالديف، ثم يأووب إلى بلده فاس، ثم ال يلبث أن يزور األندلس، وينتقل إلى شرق

(145)أفريقيا، فيقطع من خالل تلك الرحالت ما يقارب المائة والعشرين ألف كيلومتر.

ه -703وكان مولد ابن بطوطة في طنجة، ثغر المغرب على البحر المتوسط عام م، من أسرة اشتهرت بالعلم، واإلشتغال بالعلوم الشرعية، والقضاء، فسار على1304

ه -725نهج أسرته. بدأ رحالته الكبرى وهو في الثانية والعشرين من عمره، في عام م، فقضى ما يقارب من ثالثة عقود في التجوال في العالم، وقد أملى في نهاية1324

عمره تقريرا برحالته لصديقه ابن جزي في كتاب »تحفة النظار« الذي أودع فيه تجاربه في الترحال بين األمم والبلدان التي زارها، وتشتمل على رحالته الكبرى الثالث، وتقع

م(، زار فيها شمال أفريقيا1349هl - 738م( إلى )1336ه - 725رحلته األولى. ما بين ) ومصر والمشرق العربي، وأفريقيا الشرقية، وجزيرة العرب واليمن، ثم قصد

القسطنطينية ومنها إلى الهند، ثم سافر مع أعضاء بعثة دبلوماسية أرسلها سلطان الهند740م( إلى )1350ه - 739محمد شاه إلى الصين، أما رحلته الثانية فاستغرقت ما بين )

م( زار1354ه - 473م( إلى )1352ه - 741م( ودامت رحلته الثالثة ما بين)1351ه - (146)فيه السودان وغرب أفريقية.

وقد أتم رحالته إلى الشرق األقصى خالل رحلته الكبرى األولى، التي استغرقت1324ه - 725 رجب 2معظم صفحات كتابه، بدأها من طنجه يوم الخميس في م حاجا

إلى بيت الله الحرام، مارا بمصر فاإلسكندرية، قابل فيها زاهدا يدعى برهان الدين الذي قال له: »ال بد لك إن شاء الله من زيارة أخي فريد الدين بالهند وأخي ركن الدين زكريا

، ثم اتجه إلى بالد الشام ومنها إلى مكة في يونيو(147)بالسند وأخي برهان الدين بالصين. م، وبعد أن أدى فريضة الحج زار العراق ثم جنوب شبه الجزيرة العربية، وزار1325

الساحل الشرقي األفريقي، إلى مقديشو، وكلوه، ثم عاد مبحرا إلى عمان إلى هرمز، وسيراف، والحظ عظم التجار خالل عبوره البحري هذا، ثم رجع إلى مكة ليحج ثانية،

واتجه إلى مصر، ومنها إلى آسية الصغرى ليالقي نواة دولة األتراك العثمانيين، وانتشار الطرق الصوفية بين ظهرانيهم، وعاين على السواحل الجنوبية آلسيا الوسطى مسكن

، ومن هناكSinopeالتركمان، وانتشار التجار العرب طلبا لألخشاب، وذهب حتى سينوب عبر البحر األسود إلى كوش في بالد القرم، وسافر إلى مدينة القرم، وكانت تابعة

للسلطان المغولي محمد أوزبك خان المغوليين المعروفين بالقبيلة الذهبية وقد دخلها اإلسالم والتي هي إحدى األقسام األربعة من اإلمبراطورية المغولية التي أسسها جنكيز

وتوجه إلى بلغار الفولغا، واستراخان، ومنها إلى القسطنطينية، وقفل راجعا إلى(148)خان. خوارزم، أكبر مدن األتراك وأعظمها وأجملها وأضخمها"، ثم غادروها إلى بخارى

-41-

وسمرقند باتجاه غزنة وكابل في أفغانستان،ومن هناك دخل الهند، وعاش في ربوعها(149)تسعة أعوام، وكان قد مضى على خروجه من طنجة تسعة أعوام.

، وسرسه،Multan، وملتان Sukkur )بجوار كراتشي(، وسكور Lahiriوزار الهير وهاس، حتى وصل إلى مدينة دلهي، فأقام سنين طويلة برعاية السلطان محمد طغلق،

الذي أرسله فيما بعد في سفاره إلى الصين فاجتاز الهند الوسطى، وملوه، واعتلى السفينة من كميال إلى) جوا(، وزار الموانئ الممتدة على طول ساحل مليبار، حتى

)جزر ديبة المهل( وأقام فيها سنتين ومنها عبر إلىMaldiveوصل إلى جزر مالديف جزيرة سرنديب )سيالن(، واستأنف رحلته إلى أن رسا في معبر بساحل كرومندل،

وأخيرا أقلع إلى البنغال وزار كمروب وسهلت، وسوفرجيون )بجوار دكا(، ثم أبحر بحذاء ساحل أركان حتى بلغ سومطرة، وهكذا وبعد أن زار شبه جزيرة الماليو واندونيسيا

انتهى إلى ميناء الزيتون )تشوان شوفو( في الصين، ثم زار بعض المدن الصينية القريبة من الساحل مثل الخنسا )هانج شو(، وهي في نظره أكبر مدينة رآها على سطح

األرض، وفان بالق )بكين( وهي عاصمة الخان، ال يلبث أن يحمل عائدا إلى )الزيتون( ومن هناك حملته سفينة إلى سومطرة ومنها إلى ساحل مليبار، عائدا إلى بالده مارا

(150)م.1349بهرمز إلى العراق وبالد الشام ثم مصر، إلى فاس، حيث يصلها عام

لقد جاءت رحلة ابن بطوطة من الناحية التاريخية، في الفترة التي تحول فيها معظم الغزاة المغول إلى دين اإلسالم، ومالت إليه أحوال البالد العربية - اإلسالمية وعالقتها

بالشرق األقصى إلى االستقرار، وهو ما ساعد على استئناف النشاط التجاري، وسهل له التنقل، واإلقامة الطويلة في الهند، وجزر المالديف والصين، فأينما توجه شهد أمامه

جاليات عربية وإسالمية، جعلت اإلقامة لديه مريحة، وسجل مشاهداته وتجاربه، كان عظيم االهتمام بالناس، فشغلت المواضيع الجغرافية مكانة ثانوية في مصنفه، »فتراه يعرض لجميع الظواهر االجتماعية بالسرد حتى تلك التي يهملها المؤرخ عادة، فتمر من أمام أنظارنا مراسيم البالط األجنبية، وأزياء الشعوب المختلفة، وتقاليدها وحرفها، وأصناف أطعمتها وأغذيتها... فال يمثل كتابه وثيقة ممتازة لتجربة فردية فحسب، بل يقدم كذلك

فأعطانا(151)نموذجا صادقا ألفكار وتصورات مواطن إسالمي من أهل القرن الرابع عشر«. صورة عن حياة الهنود والصينيين، وأناس جزر المحيط الهندي، بعيون عربية تختزن معايير

الثقافة العربية الوسيطة في الحكم على اآلخر، إال أن هذا ال يقلل من قيمة صدقه الموضوعي في تصويره لحياة الناس في ذلك العصر، والكشف عن سلوكهم، وأساليب

معاشهم، ومعتقداتهم، وطقوسهم، وحياتهم العائلية وموقفه هو من ذلك كله، ولعل انعدام به عرضة للحوادث، جعل الباحثين يميلون للتشكك في صدقيةالتنظيم الذي يتصف

Shefer أنكر أن يكون قد زار الصين أصال، ومن هؤالء شيفر رواياته، حتى أن البعض ، وهو زعم فيه كثير من التحامل، صحيح أن وصفه للصين Yule ، ويولFerrandوفيران

»فيه الكثير من النقاط الغامضة، لكن هذا ال يقيم دليال على أن كل ما ذكره الرجل عن الصين إنما هو من نسج الخيال، ففيه فقرات معينة ال يمكن أن تصدر إال عند معاينة

،Yamamotoمباشرة، وكثير من أحاديثه تؤكده المصادر الصينية فيما يؤيده البحاثة الياباني (152)وتؤيده رحلة ماركو بولو الذي زار الصين قبله«.

-42-

قدم ابن بطوطة صورة واضحة للدولة العثمانية في دور نشأتها، إذ يصف (153)اإلمارات والدويالت التركية المتعددة قبل أن يجمعها العثمانيون في دولة واحدة«.

وخالل إقامته الطويلة في الهند، سجل لنا دراسة فذة أثنوغرافية عن حياة الهنود، في كل غناها وتفردها، فوصف بالط سلطان دلهي، ومراسيم احتفاالته، وطرائقه في

التقاصي، وال ينسى أن يشبع هواياته الخاصة في الحديث عن الناس وحياتهم وعاداتهم، ويتحدث عن أشجار الهند، وفواكهها، والحبوب التي يزرعها الهنود، وعاداتهم في حرق الموتى، وفي جزر المالديف، يتزوج، ويتولى القضاء، ويقيم أكثر من سنتين

في الجزيرة، ويصف حياته هناك، ويصف عادات سكانها وأعمالهم، ومساكنهم. لقد سجل كل من البيروني ومن بعده ابن بطوطة مشاهداتهما في الهند، وما

اتصل بالناس ومعتقداتهم، وعلومهم وأوجه حياتهم، فبينما كان ابن بطوطة رجال سفارا يلتمس الطرائف، وحياة الناس في إطار حياتهم العادية، وأيضا حياة العلماء والفقهاء، ورجال الحكم، فإن البيروني كان دارسا محققا عالما، وقارئا للعلوم، خالط أهل الهند

واستمع إلى بيان معارفهم من أفواه علمائهم، وانتبه في بحثه بشكل رئيسي على »الثقافة العالمة« للهنود، أي على استقامتهم الروحية والدينية، وحياتهم العقلية،

للوصول إلى معرفة حجم اإلنجاز الثقافي والعقائدي للهنود بمقارنته بتجارب األمم األخرى، وال سيما اليونان، أما في حال ابن بطوطة، فإنه لم يترك صغيرة وكبيرة إال وأشار إليها، وخصوصا فيما يتعلق بحياة الناس، ومكنه في ذلك يقظة ذهنه، وعيونه

المفتوحة على العالم، وإذا كانت أسفار السندباد، وعجائب الهند هي نبض البحر، فقد كان ابن بطوطة عين وعقل، البحر والبر، بدقته على رصد الحياة، وجمعه األخبار

والحكايات، داخال في نسيج الحياة االجتماعية، ولم يغفل على أن يلعب دور القاضيأحيانا، كممثل أو كحامل للثقافة العربية اإلسالمية، وقيمها ومعاييرها.

لتlشكللقد تضافرت تلك األشكال من االتصاالت العربية بشعوب شرق آسيا، ما تجلى فيبالنهاية قاعدlة التساع معرlفة العرlب بها، وصار لهم دراية بأوضاعها، وهو

مدوناتهم الثقافية، وتفوقت معارفهم تلك على مثيالتها في أوروبا، إذ بقي الشرق األقصى بأممه وحضاراته، وبأجزائه البعيدة، مكانا قصيا بالنسبة لليونان، والرومان، اللتين كانتا تتصوران تلك األصقاع النائية بالدا للعجائب، والغرائب، فما كانت الهند

بالنسبة لألوروبيين إال بالد الطيوب والتوابل واألفاوية، أما الصين فكانت بالد الحرير.ر غوستاف لوبون عن هذه الحقيقة بقوله: »في الوقت الذي كانت فيه أوروبة وعب

تشك بوجود بالد الشرق األقصى، وال تعرف من أفريقية سوى بعض شواطئها، كان للعرب عالقات تجارية بالهند، والصين وأفريقية الداخلية، وبأقسام أوروبا النائية،

صحيح، أن أوروبا كانت تتبادل السلع مع الصين(154)كروسية وأسوج والدانمارك«. والهند، منذ زمن بعيد، إال أن صالتهم تلك، كانت تتم أما عن طريق آسيا الوسطى، بعد أن تجوب السلع بالد التتر، وبالد فارس، وأما عن طريق مصر بعد أن تقطع هذه السلع

البحر األحمر مارة من الخليج العربي، وسواحل بالد العرب، وكان العرب وحدهم لهذا فاقت معلومات الجغرافيين العرب والمسلمين عن(155)واسطة هذه المقايضات،

قارة آسيا معلومات سابقيهم من الجغرافيين اليونان والرومان بدرجة عظيمة، ففيما

-43-

عدا إيران والعراق وآسيا الصغرى وبالد الشام، لم تكن معلومات اإلغريق والرومان واضحة أو دقيقة عن مناطق وشعوب أواسط آسيا، وشرقيها وجنوبها الشرقي

(156)وجنوبها.

-44-

الهوامش - أحمد الساداتي. تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم. الجllزء األول. سلسllلة ألllف1

الثقافة العامة بوزارة التربيllة والتعليم. بمصllر مكتبllة اآلداب. القllاهرة. . إشراف إدارة158كتاب 55بدون تاريخ. ص

- د. مقبول أحمد. العالقات التجارية بين الهند والعرب. مجلة ثقافllة الهنllد. المجلllد الحllادي عشllر.2.105 - 103. ص 1960العدد الثالث. يوليو /

- أكاديمية العلوم في االتحاد السوفياتي. معهد االستشراق - مجموعة من البllاحثين - دراسllات في3-ll 5تاريخ الثقافة العربية القرن . ص1989 ترجمة د. أيمن أبllو شllعر. دار التقllدم موسllكو. 15

367..86 - 84. ص 1998- نقوال زيادة. مشرقيات. في صالت التجارة و الفكر. رياض الريس. لندن. 4.366- أكاديمية العلوم في االتحاد السوفياتي - مصدر سابق - ص 5.13. ص 1977- موريس لمبار. اإلسالم في عظمته األولى، ياسين الحافظ. دار الطليعة بيروت. 6 . نقلlه محمllد عبllد الهlادي أبllو ريlده.2- آدم ميتز. الحضارة اإلسالمية في القرن الرابع الهجري ج7

.272. ص 1948 القاهرة 2مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر. ط.109 - 108- مقبول أحمد. مصدر سابق. ص 8 - برنارد لويس - العرب في التاريخ - ترجمة نبيه أمين فارس ود. محمllود يوسllف زايllد - دار العلم9

. 125 - 124- ص 1954للماليين بيروت .18- نقوال زيادة - مشرقيات - مصدر سابق - ص 10.124- ص 1991.دمشق 40 - 39- د. ساطع محلي. طريق الحرير. مجلة دراسات تاريخية. عدد 11 39- بشير زهدي - طريق الحرير - وتدمر مدينة القوافل التجارية - مجلة دراسات تاريخية العllدد 12

.124. ص 1991. دمشق عام 40- - د. شوقي عبد القوي مكاوي. تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة اإلسالمية. سلسllلة كتب13

.46 - 42. ص 1990ثقافية للمجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب. الكويت. .68- المصدر نفسه. ص 14 - ل. م. بانيكار. آسيا والسllيطرة الغربيllة. ترجمllة عبllد العزيllز توفيllق جاويllد وزارة الثقافllة. دار15

.33. ص 1962المعارف. مصر. .335 ص 1959- عبد المنعم النمر. تاريخ اإلسالم في الهند. دار العهد الجديد. مصر 16 -112. وراجع الدكتور مقبول أحمد. مصدر سابق. ص l- 192 185- مكاوي. مصدر سابق. ص 17

115. - العالمة سليمان الندوي. العالقات التجارية بين العرب والهند. مجلة ثقافة الهند. مجلد أول.العدد18

.126. يصدرها مجلس الهند للروابط الثقافية. ص 1950الثاني. يونيو .115- د. مقبول أحمد. مصدر سابق. ص 19-20. ص 1991- عزيز العظمة. العرب والبرارة. المسلمون والحضارات األخرى رياض الريس لنlدن 20

-l 61 مصlدر سlابق. ص 2، راجع شرح : متنز. ج21 ، حيث يقlول : »كlان الطريlق البحlري إلى62 الصين لما يقتضيه هبوب الرياح الموسمية الlتي تسlتطيع السlفن بlأن تسlير معهlا من غlير حاجlة إلى استعمال البوصلة... نعلم ان الناس كانوا يسرون بحذاء ساحل الهند، او يتجهون من مسllقط إلى مينllاء كوالم )كويلون حاليا( رأسا، وذلك في نحlو شlهر، ثم يواصlلون سlيرهم جlاعلين جزيlرة سlرنديب إلى يمينهم، ويقصدون جزائر نيكوبار )على عشرة أيام أو خمسة عشر يومlا عن جزيlرة سlرند يب( ثم إلى مدينة ) كدا (في ملقا وهي على نحو مسيرة شهر من كويلون. ومن هناك يقصllدون جllاوه وجزيllرة مllا هييت في جزائر سندا، ثم يسيرون نحو خمسة عشر يوما حتى يصلوا كمبوديllا، ومنهllا إلى كوشllين إلى الصين، وكان المسافر يسير مع ساحل الصين وحده شهرين، وكان البد له بعlد ذلlك من انتظlار الريlاح الطيبة، ألن تلك النواحي تسودها رياح واحدة في كل ستة أشهر أما في العlودة فكlان النlاس يسlيرون أربعين يوما من تسوان تشو إلى آتيlا )على الطريlق الشlمالي الغlربي من جزيlرة سlومطرة(، وكlانوا يتاجرون هناك، ثم يعودون إلى البحlر في العlام التlالي، ويعlودون إلى بالدهم في سlتين يومlا بمعاونlة

الرياح العادية«..370 - 369- أكاديمية العلوم في االتحاد السوفياتي. مجموعة باحثين. مصدر سابق ص 21

-45-

.325. مصدر سابق. ص 2- متز. ج22.322- المصدر نفسه. ص 23.324- المصدر نفسه. ص 23325- المصدر نفسه. ص 25.19- عزيز العظمة - مصدر سابق - ص 26.325 - ص 2- متز - ج27 - س. أي. بوسllورث.. آسllيا الوسllطى. تllراث اإلسllالم. قسllم أول. تصllنيف شllاخت وبllوزورث.28

ترجمllة محمllد زهllير السllمهوري. سلسllلة عllالم المعرفllة. المجلس الوطllني للثقافllة والفنllون.187 - 186. ص 1980واآلداب. الكويت

نقله صllالح الllدين1- اغناطيوس بوليانوفتش كراتشكوفسكي. تاريخ األدب الجغرافي العربي. ق 29عثمان هاشم. اإلدارة الثقافية في جامعة الدول العربية.

.627 - 625. ص 2- ميتز. مصدر سابق. ج30 ( ترجمة جرجس فتح الله.prof. J. H. Kramers. ج. كرامرز) 10- توماس آرنولد. تراث اإلسالم. )ج31

.148ص .1978. بيروت. 2دار الطليعة. ط - جورج فضلو حوراني. العرب والمالحة في المحيط الهندي في العصور القديمة وأوائllل القllرون32

.226الوسطى. ترجمة يعقوب بكر. مكتبة االنجلو مصرية. بدون تاريخ. ص .326. ص 2- ميتز. ج33.53- مكاوي. مصدر سابق. ص 34.198 - 196- المصدر نفسه. ص 35 - فيصllل السllامر. اإلسllالم في أندونيسllيا. مجلllة عllالم الفكllر. المجلllد العاشllر. العllدد الثllاني.36

.200يوليو.أغسطس. سبتمبر. الكويت. ص (10 )هامش 198- مصدر سابق. 37 - روسالن موسينه. تاريخ الحضارات العllام. المجلllد الرابllع. بإشllراف مllوريس كروزيllه. ترجمllة.38

.601 - 600. ص 1966أسعد داغر. وفريد م. داغر. منشورات عويدات. بيروت .602- المصدر نفسه. ص 39325. ص 2- ميتز. مصدر سابق. ج40 . مllارس1. عllدد 1- ناراشند. الثقافة الهندية ووصول المسلمين إلى الهند. مجلة ثقافllة الهنllد. ج41

.34 - 32. ص 1950سنة . دار272- نفيس أحمد. جهود المسلمين في الجغرافيlة. ترجمlة فتحي عثمlان. سلسlلة ألlف كتlاب 42

.131 - 130التعليم. بإشراف إدارة الثقافة بوزارة التربية والتعليم. مصر. بدون تاريخ. ص - توماس ارنولد. الدعوة إلى اإلسالم. بحث في تlاريخ نشlر العقيlدة اإلسlالمية. ترجمlة حس إبlراهيم43

.225حسن. وعبد المجيد عابدين. مكتبة النهضة المصرية. القاهرة بدون تاريخ ص - أندريllه ميكيllل. اإلسllالم وحضllارته. ترجمllة. الllدكتورة زينب عبllد العزيllز منشllورات المكتبllة44

.316العصرية. بيروت. بدون تاريخ ص .371 - 370- أكاديمية العلوم السوفييتية. مصدر سابق. ص 45 - أحمllد سوسllه. الشllريف اإلدريسllي في الجغرافيllة العربيllة. البllاب األول. نقابllة المهندسllين46

.102م ص 1974العراقيين. مكتبة جهري. بغداد. .1950- بدر الدين. حي الصيني. العالقات بين العرب والصين. مكتبة النهضة المصllرية. القllاهرة.47

.181-180ص.186-182- المصدر نفسه. ص 48. 206 - 188- المصدر نفسه. ص 49 - القاضي أطهر مبارك يوري. الروابط الثقافية والعلمية قديما بين الهند والعرب.كتllاب »الllذخائر50

والتحف« لرشيد الدين بن الزبير. مجلة ثقافllة الهنllد. مجلllة الثllالث عشllر. العllدد الثllاني إبريllل.10 ص 1962

.15- المصدر نفسه. ص 51.16- المصدر نفسه. ص 52.17 - 16- المصدر نفسه. ص 53

-46-

873 - 872. ص 1973. القاهرة 2/ق4- تقي الدين المقريزي. كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك ج54..78- مكاوي. مصدر سابق. ص 55 - الجاحظ: أبو عثمان عمر بن حرب. الحيوان. الكتاب األول. الجllزء السllابع تحقيllق عبllد السllالم56

.113. ص 1954محمد هارون. مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأوالده. القاهرة - أحمllد محمllد السllاداتي. تllاريخ المسllلمين في شllبه القllارة الهنديllة وحضllارتهم. الجllزء األول.57

.61- 60 مكتبة مصر. القاهرة. بدون تاريخ. ص 4سلسلة ألف كتاب .79- المصدر نفسه. ص 58 مكتبllة مصllر. القllاهرة. بllدون4- قدري حافظ طوقان. العلوم عند العرب. سلسllلة ألllف كتllاب 59

61 - 60تاريخ ص - صاحب الفخامة األستاذ موالنا أبو الكالم آزاد. وزير معارف الهند - أبو ريحان البيروني وجغرافية60

. مجلس الهنllد للروابllط1951العالم. مجلة ثقافllة الهنllد. مجلllد ثllاني. العllدد الثllالث. ديسllمبر .30الثقافية. ص

.134- تاريخ الحضارات العام. المجلد الثالث. مصدر سابق. ص 61.70. ص 1- كراتشكوفسكي. مصدر سابق. ج62.72- المصدر نفسه. ص 63.49- قد ري حافظ طوقان. مصدر سابق. ص 64.55 - 54. ص 1985- صاعد األندلسي. طبقات األمم. تحقيق. حياة علوان. دار الطليعة. بيروت. 65.58- 55- المصدر نفسه. ص 66.244. بيروت بدون تاريخ. ص 1. دار الكتاب العربي. ط 1- أحمد امين..ضحى اإلسالم. ج6729- المصدر نفسه ص 68.253- محمد محمود زيتون. الصين والعرب عبر التاريخ. سلسلة إقرأ. ص 69.45- المصدر نفسه. ص 70. 250- بد الدين. حي صيني. مصدر سابق. ص 71.128- بشير زهدي. طريق الحرير وتدمر مدينة القوافل التجارية. مصدر سابق. ص 72 . المجلس الوطllني للثقافllة43- فهمي هويllدي. اإلسllالم في الصllين. سلسllلة عllالم المعرفllة.73

.57.ص 1981والفنون واآلداب. الكويت .246-243- بد ر الدين. حي صيني. مصدر سابق. ص 74.406- أكاديمية العلوم السوفياتية. مصدر سابق. ص 75 - لي تشين شونغ )أستاذ بجامعة اللغات والثقافة في الصllين( اطلب العلم ولllو بالصllين.اإلسllالم76

.204. صllيف 7والثقافة الصينية. مجلة التسامح، سلطنة عمان. مسقط. )وزارة األوقاف( عllدد .259 - 258ص

.261- المصدر نفسه. ص 77.260 - 259- المصدر نفسه. ص 78.271 - 270- المصدر نفسه ص 79.269- المصدر نفسه. ص 80.267 -266- المصدر نفسه ص 81 - ابن الفقيه. أبي بكر أحمد بن محمllد الهمllذاني. مختصllر كتllاب البلllدان. طبllع في مدبنllة ليllدن82

.50 - 46م. ص 1302المحروسة بمطبعة بريل. سنة .215 - 210. ص 1969. بيروت. 5. دار الكتاب العربي. ط2- أحمد أمين.ظهر اإلسالم ج 83 - حسين فوزي. السندباد القديم.. الناشر مكتبة االنجلو مصرية. مطبعllة لجنllة التllأليف والترجمllة84

.21-20. ص 1943والنشر. القاهرة عام .22- المصدر نفسه. ص 85 ترجمllة إبllراهيم خllوري. وزارة الثقافllة1. ق 1- أندريه ميكيل. جغرافية دار اإلسالم البشllرية. ج86

.213. دمشق ص 1983السورية. .29. ص 1987. دار المعارف مصر.4- د. شوقي ضيف. الرحالت. ط78 - السيرافي أبو زيد الحسن. رحلة السيرافي. تحقيق عبد الله الحبشي )مقدمة المحقق( المجمllع88

8 أبو ظبي. ص 1999الثقافي. .217. مصدر سابق. ص 1. ق1- ميكيل. ج89

-47-

.50 - 49- بدر الدين. حي صيني. مصدر سابق. ص 90 .50. ص 1991- د. حسين نصار. أدب الرحلة. مكتبة لبنان، والشركة المصرية العالميllة للنشllر. 91

.155وكراتشكوفسكي.مصدر سابق. ص .33. وشوقي ضيف. مصدر سابق. ص 66- د. حسين نصار. المصدر السابق. ص 92.21. مصدر سباق. ص 2- أحمد سوسه الشريف اإلدريسي. ج93.222. مصدر سابق. ص 1. ق1- ميكيل ج94.43- حسين فوزي. مصدر سابق. ص 95.39- 33.، وراجع شوقي ضيف. مصدر سابق. ص 45- المصدر نفسه. ص 96 - ابن النديم. أبو الفرج ابن اسحق بن أبي يعقوب. الفهرست. المكتبة التجاريllة الكllبرى. مطبعllة97

.436اإلستقامة القاهرة بدون تاريخ.ص .437- المصدر نفسه. ص 98.184- د. حسين فوزي. مصدر سابق. ص 99

.84. ص 1960- سهير قلماوي ألف ليلة وليلة. دار المعارف بمصر. 100.86- المصدر نفسه. ص 101.142. مصدر سابق. ص 1- كراتشكوفسكي. ج102.265- سهير قلماوي. مصدر سابق.ص 103.55- نفيس أحمد. مصدر سايق. ص104.147. ص 1972- نقوال زيادة.الجغرافية والرحالت عند العرب. االهلية للنشر والتوزيع. بيروت. 105.19. مصدر سابق. ص 2. ق1- أندريه ميكيل جغرافية دار اإلسالم البشرية. ج106 . تحقيllق محمllد4- المسعودي. أبو علي بن الحسين بن علي. مروج الذهب ومعادن الجllوهر. ج107

.409. ص 1964. مصر 4محي الدين عبد الحميد. المكتبة التجارية الكبرى ط.4. ص 1- المصدر نفسه ج108.178. مصدر سابق ص 1- كراتشكوفسكي. ج109.J.H- توماس أرنولllد. تllراث اإلسllالم )جي. أ. ج كرامllوز. 110 Kramersهllارة( عربllة والتجllالجغرافي

.139 - 138. ص 1979. بيروت 3جرجس فتح الله. دار الطليعة. ط - س. م. ضياء الدين علوني. الجغرافية العربية في القرنين التاسع والعاشllر الميالديين. تعllريب111

وتحقيق. د عبد الله يوسف غنيم. د طه محمد جاد )نسخة مصورة في المكتبة الوطنيllة بحلب (.50ص

.183. مصدر سابق. ص 1- كراتشكوفسكي. ج112.188 مصدر سابق ص 1- س. آي. بوسورث. آسيا الوسطى. تراث اإلسالم. ج113.159. 156.و 148. مصدر سابق. ص 1- كراتشكوفسكي. ج114.105- أحمد سوسة اإلدريسي. الباب األول. مصدر سابق. ص 115 - أحمد بن فضالن بن العباس بن راشد بن حمllاد. رسllالة بن فضllالن. مديريllة الllتراث العllربي.116

.100 - 99. ص 1959. دمشق 2مجمع اللغة العربية.ط.190 - 189- س. آي. يوسورث. آسيا الوسطى مصدر سابق. ص 117.54- محمد محمود زيتون. مصدر سابق. ص 118.42.ص 1991- د. حسين نصار. أدب الرحلة. مكتبة لبنان بيروت والشركة المصرية. القاهرة 119.189. مصدر سابق. ص 1- كراتشكوفسكي. ج120. 201- المصدر نفسه. ص 121 - المقدسي. شمس الllدين بن عبllد اللllه محمllد بن أحمllد بن أبي بكllر البنllاء الشllامي. أحسllن122

.34. ص 1954التقاسيم في معرفة األقاليم. طبع مدينة ليدن المحروسة. مطبعة بريل 2- المصدر نفسه. ص 123 - البيروني، أبو ريحان محمد بن أحمد. تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولllة.124

صحح النسخة المكتبة األهلية في باريس طبع بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانيllة، بحيllدر.1. ص 1958إياد الدكن.الهند

.5- المصدر نفسه. ص 125

-48-

(. المجلس الوطllني.للثقافllة138- حسين محمد فهيم. أدب الرحالت. )سلسلة عllالم المعرفllة 126.1. ص 1989والفنون واآلداب. الكويت.

.67- نفيس أحمد. مصدر سابق. ص 127 - ول ديورانت. قصة الحضllارة عصllر اإليمllان.الجllزء الثllاني من المجلllد الرابllع. ترجمllة محمllد128

م..85بدران. اإلدارة الثقافية في جامعة الدول العربية. ص .256 مصدر سابق. ص 1- كراتشكوفسكي. ج129.342.م. ص 1984- عبد الرحمن حميدة. أعالم الجغرافيين العرب دار الفكر.دمشق. 130.185 مجلد رابع. مصدر سابق ص 2- ول ديورانت قصة الحضارة. ج131.35. ص 2. ق 1- أندريه ميكيل.مصدر سابق ج132 - الدكتور أحمد محمود الساداتي، تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقllل أو مرذولllة ألبي133

-ll 3ريحان محمد بن أحمد البيروني. مجلة تراث اإلنسllانية. مجلllد الllدار المصllرية للتllأليف1 .131والنشر ص

.133- المصدر نفسه. ص 134.6- البيروني. مصدر سابق.ص 135 السlنةl-32 31- د. أحمد الربايعه. البيروني وأسس االنثروبولوجيا. مجلة دراسات تاريخيlة. العlدد 136

.101. ص 1989العاشرة. دمشق. آذار حزيران م.ص.1986. القاهرة.2- حسين مؤنس. تاريخ الجغرافية والجغرافيين في األندلس. مدبولي ط137

13..138. 135- المصدر نفسه.ص 138.342- المصدر نفسه. ص 139.366- كراتشكوفسكي. ص 140366- المصدر نفسه ص 141.505- عبد الرحمن حميدة. اعالم الجغرافيين العرب. مصدر سابق. ص 142.25- المصدر نفسه. ص 143.415 مصدر سابق. ص 1- كراتشكوفسكي. ج144.180- نقوال زيادة الجغرافية والرحالت عند العرب مصدر سابق. ص 145.13- فؤاد بدوري. ابن بطوطة. دار الكاتب العربي القاهرة بدون تاريخ ص 146 - ابن بطوطة محمد بن عبد الله اللواتي تحفة النظار في غرائب األمصار.وعجائب األسفار. دار147

.15الشرق العرب بيروت بدون تاريخ ص -ll 13- فllؤاد بllدوي. ابن بطوطllة. مصllدر سllابق. ص 148 . راجllع إبllراهيم أحمllد العllدوي. ابن16

.82. 54. ص 1954. دار المعارف مصر. 144بطوطة. سلسلة اقرأ / الدار المصرية1- محمد محمود الصياد. رحلة ابن بطوطة.مجلة تراث اإلنسانية. مجلد الثالث /149

112للتأليف. ص-ll 112- المصدر السابق. ص 150 . راجع نفيس احمد جهود المسلمين في الجغرافيllة مصllدر113

100سابق. ص .431. مصدر سابق. ص 1- كراتشكوفسكي ج151.114- محمد محمود الصياد. مصدر سابق ص 152.112- المصدر نفسه، ص 153.660. ص 1984- غوستاف لوبون. حضارة العرب. ترجمة عادل زعيتر. طبع الحلبي وشركاه القاهرة. 154.237- المصدر نفسه. ص 155 - شاكر خصباك. الجغرافية عند العllرب. دار المعllارف للطباعllة والنشllر سوسllة. تllونس بllدون156

.78تاريخ ص

-49-

الفصل الثاني

معايير الثقافة العربية الوسيطة ومرجعيتهافي النظر إلى اآلخر في الشرق األقصى

بلورت الثقافة العربية واإلسالمية في العصر الوسيط أطرها المرجعية التي حددت فيها معاييرها للنظر الى االخر شريكها في عمارة العالم، بما فيه شعوب الشرق األقصى، ورسمت انطالقا من ذلك صورة متخيلة عن العالم والحضارات

واألمم األخرى أوضحت فيها صفات ومالمح هذا االخر، وأصدرت في حقه أحكاما، حملت مزيجا من األفكار والمشاعر والمواقف الوجدانية والعقلية، وتضمنت جملة من

الدالالت الرمزية والمعايير. وانعكست على صعيد الممارسة على شكل تدخالت واحتكاكات وتنافس واقتباس، وحوار، وتبادالت سلمية،وصراع عنيف،أثرت بدورها على تكوين تلك الصورة المتخيلة عن اآلخر، والتي انبثقت أساسا من تخيل الجماعة العربية

لنفسها ولغيرها في أوربا، وأفريقيا، ولجيرانها الهنود والصينيين في الشرق االقصى، وقد امتزج في هذه الصورة الموقف اإلسالمي، بحدود معرفتها آنئذ لمصالحها

التاريخية، وبمدى انفتاحهاعلى الغير في الداخل والخارج، وبمجال العالقات )حربا أو سلما( التي ربطتها بالجوار األقربيين واألبعدين. فالثقافة العربية، في العصر الوسيط، كغيرها من الثقافات كان البد لها عند اظهار هويتها من أن تبرز ما يميزها، أو يفصلها

ويصلها عن غيرها من الثقافات، وال سيما بعد أن أدركت الثقافة العربية وزنها الكوني، وتأثيرها الشامل، ورأت في قيمها الخاصة قيما كونية، تحكم بها على شريكهم

الحضاري الكوني. وعلى هذا زخرت الثقافة العربية بنصوص ثرية عن الصين والهند، وشعوب جزر المحيطين الهندي والهادي، متوزعة على حقول تأليفها على أنواعه، من األدب إلى الجغرافية إلى التاريخ، الى المدونات الموسوعية، وأدب الرحالت، واألدب الشعبي، أظهرت فيها حدود معرفتها لهذه الشعوب ومدى تفهمها وتعاطفها وتحيزها لها أو عليها، وحددت فيها األطر المعرفية، والمرجعيات الكبرى ألحكامها، ومعاييرها

والرموز والدالالت التي وجهت إلى حد كبير موقفها من أبناء تلك األمم، ومن سلوكهم الثقافي وهيمنت على نزعاتها الوجدانية، ومتخيلها عنهم، ولقد انعكست تلك

المرجعيات الذهنية، والوجدانية و وما تتضمنها من قيم ومعايير ورموز على التأليف العربي الذي غذى بدوره،ووطد عرى تلك المرجعيات، وأغناها، وبسط في العمق

المتخيل العربي عن العالم في ثناياها، وجسد عالقة األنا باآلخر بطريقة مركبة،التفترض التماثل بينهما،أو الوحدة البسيطة الثابتة القارة، بل الوحدة التي

تنطوي على التنوع. وهكذا عبر الفقهاء ورجال الدين والمتصوفة وعلماء األدب المسلمون عن،

وساهموا في، تشكيل المتخيل العربي – اإلسالمي عن العالم، األمر نفسه نجده في مدونات الرحالة عن أحوال غيرهم من الشعوب، كما نجده في نظرة المؤرخين في

تحديدهم لموقع الشعوب، بما فيها شعب الهند والصين في التاريخين الزمني

-50-

والماورائي، وفي مدى مساهمتهم في تاريخ الوحي النبوي، وأيضا في تفرعات تاريخهم الساللي. ثم يأتي الجغرافيون – الفلكيون ليضيفوا الى هذا المتخيل معطا

جديدا في تعيين موقعهم على خطوط الطول والعرض على األرض، تبعا لقربهم وبعدهم عن خط اإلستواء، وفي تحديد مكانهم على الربع المعمور من األرض، ومدى

بعدهم وقربهم من أطرافه، وقدم مصنفو مؤلفات )المسالك والممالك( وكتب »البلدان واألقاليم«، معنا خاصا لمنهج التفاضل، والمقارنة بين الفعاليات الحضارية التي تميز بلدا عن بلد، وإقليما عن إقليم، وأمة عن أمة، في إطار وحدها البشرية الجامعة. فأعطى هؤالء المؤلفون الصفات الحضارية، واألدوار العمرانية المتباينة

للبلدان التي درسوها في دار اإلسالم نفسها، ثم طبقوا تلك المعايير في دراستهم لحضارة الصين والهند ولما جاورهما من شعوب، في جزر المحيط، أو في أقصى

الشمال. ولغيرها من الحضارات التي تعرضوا لها. لعب اإلسالم دورا مركزيا في تغذية الثقافة العربية الوسيطة،بالقيم والمعايير

العامة للحكم على اآلخر، فقد أعطى اإلسالم ألصحابه نظرة عامة عن العالم واإلنسان، تضمنت اعترافا عميقا باالخر المختلف عنه باللون، والعقيدة،والحضارة،

حينما شدد على التنوع بين البشر،وفي الوقت ذاته،على األصل المشترك الذي يردهم ( وخاطب النبي98 )األنعام وهو الذي أنشأكم من نفس واحدةإلى أب واحد، هو آدم

محمد أصحابه في »خطيبة الوداع« »يا أيها الناس أن ربكم واحد،وأن أباكم واحد، كلكم آلدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على أعجمي

فالتمييز الديني الوحيد بين النشر، إنما يتأسس على مدى(1)فضل إال بالتقوى« اقترابهم من الله، أي في »تقواهم« أما في ما عدا ذلك فهم متساوون على تنوعهم،

بل أقر القرآن الكريم بهذا التنوع، باعتباره حكمة من الله فقد خلق الله البشر من هو( ومتمايزين في أديانهم 45 )النجم أنه خلق الزوجين من ذكر وأنثىذكر وأنثى

يا أيها الناس إنا خلقناكم(، وأيضا 2 )التغابنالذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا،إن أكرمكم عند الله أتقاكم

(. 13)الحجرات وبالمقابل فقد اعتبر اإلسالم الديانات السماوية جميعها تعود إلى وحي نبوي

قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيمواحد،أتمه اإلسالم وأكمله، واسماعيل ويعقوب واألسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم، ال

( فنظر المسلمون الى أصحاب136 )البقرةنفرق بين أحد منهم "ونحن له مسلمون الديانات السماوية األخرى باعتبارهم »أهل الكتاب«، وتعاملوا معهم،بين ظهرانيهم، كجزء

من االجتماع اإلسالمي،وطبقوا عليه مفهوم »المواطنة االسالمية«. ومما ساعد على توطيد هذا االنفتاح على اآلخر، هو اتسام االجتماع العربي

اإلسالمي بالتنوع الديني والثقافي، واإلقوامي، واحتضانه لهذا التنوع في بوتقته المرنة، وعلى هذا األساس،عكست الثقافة العربية اإلسالمية هذا التنوع داخل وحدتها العميقة، فامتزجت بداخلها ثقافات األمم والشعوب الكثيرة، التي دخلت في كنف الخالفة ذات

االمتداد القاري، في إطار ضوابط عامة، سمحت للنصرانية في العصر العباسي من أن

-51-

يكون لها من القوة ما يمكنها من بناء مراكز للمبشرين للمسيحية في الهند والصين، واتسعت حركة اليهود والنصارى بسبب كثرة االتصال(2)انطالقا من دار اإلسالم

التجاري والثقافي، فاستقر في بغداد، في القرن العشر الميالدي »الرابع الهجري« نحو خمسين ألفا من النصارى، ويذكر المقدسي أنه كان في الشام، أكثر الصباغين

والصيارفة والدباغين من اليهود و وأكثر األطباء والكتبة من النصارى، حتى افتى بعض(3)الفقهاء بتوزير أهل الذمة

وذكر ميتز »أن ما يميز مملكة اإلسالم عن النصرانية في القرون الوسطى، إن األولى يسكنها عدد كبير من معتنقي األديان األخرى غير اإلسالمية، وليست كذلك الثانية، وأن الكنائس و البيع ظلت في المملكة اإلسالمية كأنها خارجة عن سلطة الحكومة معتمدة على العهود، وما كسبته من حقوق، وقضت الضرورة أن يعيش

اليهود والنصارى بجانب المسلمين، فأعان ذلك على خلق جو من التسامح لم تعرفه(4)أوربا في القرون الوسطى

وقد وسع المسلمون مفهوم »أهل الكتاب« و»أهل الذمة« ليشمل في تسامحه الديانات الهندية الصينية. يشير وات إلى أنه »قد عرفت األقليات الذمية باسم أهل

الكتاب« باعتبارها تتبع أنبياءهم. والحق ان الدين التوحيدي ذو النصوص المدونة قد لقي كمفهوم تفسيرا ليبراليا للغاية فأصبح الزرادشتيون والهندوس والبوذيون من األقليات

وأعترف بأنه »لقي غير المسلمين تسامحا حقيقيا في ظل اإلسالم يفوق(5)الذمية أيضا(6)كثيرا ما لقيه غير المسيحيين في دول العصور الوسطى المسيحية«

إن الوجهة الدينية التي اعترفت بالتنوع الديني، وحضت على التعايش معه داخل االجتماع السياسي اإلسالمي، عكست نفسها على موقف المسلمين من التنوع الديني

خارج مملكة اإلسالم، الذي ال يخرج بنظرهم عن ثالثة أشكال لإليمان: اإليمان اإلسالمي خاتم الرساالت والنبوة والوحي، وأتمها وأشملها، وثانيا أديان »أهل الكتاب« من أصحاب الديانات التوحيدية، السابقين لإلسالم، والذين يجمعهم باإلسالم وحي واحد: جبريل، ابتدأ بآدم وانتهي بمحمد،وإلههم واحد ورسالتهم واحدة وإن كان المسلمون يعتقدون أن بعض

»أهل الكتاب« قد عملوا على تحريف رسالتهم ببعض الشوائب، التي نالت من نزعتها التوحيدية،أما األصناف األخرى من األديان، القائمة على تعددية اآللهة، أو األديان الوثنية،

فقد أطلق عليها المسلمون »أديان الكفار« وأصحابها »كفار« ألنهم يكفرون بوحدانيةالله المطلقة.

وعلى هذا فان المسلمون، ورغم تسامحهم، واعترافهم بالتعددية الدينية، لم يخفوا أحكامهم التفضيلية لألديان،إذ وضعوا فيها اإلسالم في الذروة الروحية للوحي،

باعتبار اإلسالم أتى متمما ومكمال وخاتما لقصة النبوة، وشامال لمعانيها كلها،إال أن هذا لوحده ال يجعل العرب المسلمين متقدمين على غيرهم في المجاالت األخرى، سيما في مجال العمران والحضارة، والمجاالت الدنيوية األخرى، بل لعلهم رفعوا شان األمم

األخرى،في تلك المجاالت، مقارنة بالعرب. فإذا كان العرب المسلمون، قد رفعوا اإلسالم في المجال الديني إلى ذروة

التفضيل فإنهم في المجاالت الدنيوية اعترفوا بتفوق كال من األمم األخرى في مجال -52-

حضاري خاص، فهم لم يضعوا أنفسهم فوق اآلخرين في تلك المجاالت، بل خصوا كل أمة من األمم أو إقليم من األقاليم بتميز خاص، في مجال من مجاالت الحضارة، ففيما

عدا اإليمان اإلسالمي، الديني، الذي هو مطروح منذ البداية على البشرية برمتها، وليس على العرب وحدهم، فان المحاسن والمثالب وزعت،في المدونات

العربية،على الناس كافة، والتي خصت كل أمة بخاصية من خاصيات الحضارة، وكان للصين والهند في تقسيمهم ذاك للمثالب والمحاسن ولمجاالت اإلبداع الحضاري دورا

مرموقا. فلم تقتصر رؤية العرب المسلمين لآلخر على المعيار الديني فحسب، بل

اعتمدت معايير أخرى للحكم، والتفضيل في تعرفها على األمم والشعوب، وخاصة أن االحتكاك باألخر الداخلي، والتعددية الثقافية واإلقوامية، فضال عن الدينية، داخل دار اإلسالم، سهل على المفكر العربي المسلم، أن يضفي بعض النسبية على أحكامه

وأن يطبق المعايير التي عاين فيها المغاير له في دياره على(7)اتجاه اآلخر في الخارج المغاير الخارجي،كما أن توصيفه للمسافات التي تفصله عن األخر الداخلي، وتميزه عنه داخل الوحدة التي تربطه به، ساعده على تمثيل )النسبية الثقافية( التي غدت

عماد نظرته الى اآلخر،و المبدأ األساسي الموجه له في حكمه عليه، ويمكن تلخيص هذا المبدأ، في أن المحاسن والمثالب موزعة على األمم كافة، ال تخلو منها أمة، بما

وأمم الشرق األقصى.(8)فيها أمتهم ذاتها وقد ازدهر منذ العهد االموي، في مجال األدب، وفي إرهاصات كتب التاريخ، هذا

النوع من التفاضل بين الحضارات واألمم، انطالقا من الحديث عن مميزات األقاليم والمدن في دار اإلسالم نفسها. ويتضح مما نقله ياقوت الحموي عن كتاب الجاحظ

المفقود، و المسمى »كتاب األمصار وعجائب البلدان«، أن الجاحظ قد تابع الى حد ما نمط ماسمى بالفضائل، أو الخصائص الذي ازدهرت في العصر األموي، أي صفات

ومحاسن المدن الكبرى حيث يدور الكالم أحيانا عن مواطنيها أكثر مما يدور عن البالد نفسها، فيتحدث الجاحظ عن أهل دمشق، وعن عجائب البصرة ومساوئها، وعن مساوئ مصر..الخ،وينقل المقدسي عن الجاحظ وصفا لخصائص المدن العشرة

الكبرى في دار اإلسالم. وقد اتسع شيئا فشيئا هذا النمط من المقارنة والوصف إلى التخصص في وصف المدن واألقطار المختلفة على طراز »الفضائل« أو »الخصائص« والذي يعود بداية تأليفه إلى العصر األموي، ثم تحول هذا النمط الى »كتب البلدان«، وتحول هذا األخير بدوره، تحت تاثير الموضوعات المثيالوجية، والعجائب، إلى »كتب

(9)العجائب« أو باتجاه وصف الطرق، واألقاليم، أي الى »المسالك والممالك«.

وإلى جانب هذه األنواع من المدونات ظهرت كتب الرحاالت و قصصها عن البالد األجنبية، بكل أنواعها من »رحالت السندباد« في بحار الهند والصين إلى الرحالت البحرية في المحيط الهندي »عجائب الهند«، ورحلة سليمان التاجر، إلى الرحالت البرية الكبرى،

كرحلة ابن بطوطة، ورحلة أبي دلف، لتتعمق وتنبسط تلك النظرة النسبية إلى الحضارات المختلفة المدروسة بحثا عن خصائصها النوعية، شجعها على ذلك اتساع دار

الخالفة اإلسالمية لتشمل أمما جديدة، وأقاليم جديدة، مما أنعش الفضول المعرفي -53-

إلدراك التنوعات الجديدة، التي ضمتها الدولة اإلسالمية الجديدة، على قاعدة االحترام و االعتراف، اللتين أقرتهما النظرة اإلسالمية إلى اآلخر، فظهر على نحو مبكر االهتمام بالتنوعات، إذ ذكر المسعودي أن عمر بن الخطاب )الخليفة الثاني(، الذي شهد عهده أكثر الفتوحات اإلسالمية اتساعا، كتب إلى حكيم من حكماء العصر يطلب منه وصف

تلك المدن المفتوحة، وأهميتها فجاء في إجابة الحكيم: »أما الشام فسحب وأكام، وريح وغمام، وغدق وركام، ترطب األجسام وتلبد األحالم، وتصفي األلوان، وال سيما أرض

حمص، فإنها تحسن الجسم،، وتصفي اللون، وتبلد الفهم،.... وتجفي الطبع، وتذهب ماء القريحة، وتنصب العقل... أما أرض مصر فأرض فوراء غوراء، تحم°د بفضل نيلها، وذمها

أكثر من حمدها، هواؤها راكد، وحرها زائد، غير أنها تسمن األبدان، وتسود األبشار، وتنمو منها األعمار، وفي أهلها مكر ورياء، وخبث ودهاء،... أما اليمن فيضعف األجسام، ويذهب

األحالم، ويذهب بالرطوبة، وفي أهله همم كبار، ولهم أحساب وأخطار،... أما الحجاز... هواؤه طرور، وليله يهور، ينحف األجسام، ويجفف األدمغة، ويشجع القلوب، ويبسط

الهمم،.... أما المغرب، فيقسي القلب، ويوحش الطبع، ويطيش اللب، ويذهب بالرحمة، ويكسب الشجاعة،... أما العراق فمنار الشرق، وسرة األرض وقلبها، عنده وقف

االعتدال، فصفت أمزجة أهله، ولطفت أذهانهم، واحتدت خواطرهم، واتصلت مسراتهم،(10)فظهر منهم الدهاء، وقويت عقولهم«

ونالحظ من هذا التقرير االثنوغرافي أن األقاليم الموصوفة وعلى الرغم من أنها تعلق بمناطق عربية، وداخلة في »دار اإلسالم« فإن التقرير ال يخفي التنوع داخل وحدة األمة، او المثالب والفضائل التي تتصف بها المدن واألقاليم العربية واإلسالمية دون حرج، وهو

قه المؤلفون العرب في تناولهم لخصائص الشعوب في العالم الخارجي، بما فيهم منهج طب شعوب الهند والصين، وقادهم تمسكهم بهذا المذهب إلى أن أطلقوا على كل إقليم من

أقاليم )الخالفة(، صفة خاصة، فاشتهر عندهم اليمانيون بالعشق، والحجازيون بالدل،(11)والعراقيون بالظرف، وأهل السند بالصيرفة، وأهل مرو بالبخل.

ويتحدث المقدسي، عن خصائص األقاليم، داخل دار الخالفة، فيقول »أظرف إقليم العراق، وهو اخف على القلب، وأحد للذهن وبها تكون النفس أطيب والخاطر

أدق.. وأكثرها علما وأجلها، وأكثرها صوفا وقزا ودخال على قدر الديلم، وأجودها ألبانا وأعساال وألذها أخبازا وأمكنها زعفرانا الجبال، وأكثرها ثمارا وأرخصها أسعارا ولحوما

وأثقلها قوما الرحاب، وأسفلها قوما وأشرهم أصال وفصال خوز ستان، وأحالها تمورا وأوطأها قوما كرمان، وأكثرها فانيذا وأرزازا ومسكا وكفارا السند، وأكيسها قوما وتجارا وأكثرها فسقا فارس، وأشدها حرا وقحطا جزيرة العرب، وأكثرها بركات

وصالحين وزهادا ومشاهد الشام، وأكثرها عبادا وقراء وأمواال ومتجرا وخصائصا وحبوبا مصر، وأوسطها قوما اقور وأجفاها، وأثقلها وأغشها قوما وأكثرها مدنا وأوسعها أرضا

(12)المغرب«

وروى عن عبد الرحمن بن أبي األصمعي أنه دخل على الجاحظ، وسأله عن خصائص المدن فقال الجاحظ: »األمصار عشرة، المروة ببغداد، والفصاحة في

الكوفة، والصنعة ببصرة، والتجار بمصر، والغدر بالري، والجفاء بنيسابور، والبخل بمرو، -54-

الشرق شعوب صورة6م– األقصى

فقبل أن يهتم الباحثون العرب باألمم(13)والصلف ببلخ، والحرفة بسمرقند« والحضارات األخرى وبميزاتها وخصائصها، فإنهم أبرزوا ووصفوا الفروق المحلية

المحيطة بهم، بمدينتهم وأقاليمهم، ولم يبخلوا عليها ال بالصفات اإليجابية أو السلبية، وطبقوا تلك الصيغة المنهجية على رؤيتهم لألمم األخرى، فأعطوا لكل أمة من األمم،

أو لحضارة من الحضارات األخرى، خاصة من الخصائص التي تنفرد بها عن غيرها، وتمنحها هوية خاصة، ودورا في مجال العمران، أو في إتقان جانب من جوانب

التقنيات الحضارية، وإظهار ما تشتهر به من زرع، وحيوان وعجائب، وغرائب في ظواهرها الطبيعية، ولم يبخلوا عليها، مثلما فعلوا عند وصفهم لمدنهم وألقاليمهم،

بالخصائص السلبية. على هذا األساس، أتقن الباحثون العرب في بسط خصائص األقاليم، والبلدان،

وفضائل المدن في مؤلفاتهم المختلفة، وال سيما المؤلفات »البلدانية«، وتلك المتعلقة بl »فضائل البلدان« ومصنفات »المسالك والممالك«، إذ ضمت دار الخالفة في ذروة

مجدها مزيج هائل من األجناس واللغات، وإن بقيت الغلبة للغة العربية، لغة الثقافة، واللغة المحكية وخاصة في المدن، دار اإلدارة والملك، فحفلت دار الخالفة باجتماع معقد أثنيا ولغويا وثقافيا، وهو ما يميز االجتماع السياسي اإلمبراطوري، غير أن هذه التعددية اإلثنية واللغوية، وأيضا الدينية، لم تتعارض مع الشعور العميق باالنتماء إلى

»أمة« جامعة في إطار »دار اإلسالم«. فإذا كان المؤرخ، أو الجغرافي »البلداني«، قد اهتم بإبراز خصائص مدينة ما، فإن تلك الخصائص لم تنفصل عنده عما يجمعها بهذا

الكل الجامع، وفي المقدار نفسه، عندما اهتم الباحثون العرب بإبراز خصائص الحضارات األخرى، فإنهم كانوا يدركون الجامع اإلنساني الذي يجمع الحضارات

المختلفة إلى إنسانية واحدة، أبوها واحد )آدم(، وإلهها واحد، ومصيرهم واحد، وهو ماطبقوه على رؤيتهم للصين والهند، والترك، وشعوب الهند الصينية.

كان العلماء والجغرافيون والفقهاء والمؤlرخون والرحالة والتlجار، هم الممثلوlنlولم l،كة واحدةlيار اإلسالم« كمملlالء إلى »دlة، ونظر هؤlثقافة اإلسالميlقيقيون للlالح يتعارض لدlيهم التlفكك السياسي مع الشعوlر الرlاسlخ بوحدة األمة، بل عبlر ازدهار

التlأليف بالتlاريخ »البلlداني«،l عن هذlا التوlجه،إذl حرص المؤlلف البلlداني في ترlكيlزه علlى)الخlاصl( في المدlينة أو اإلقلlيم أن يبرز أيضlا مدى مساهمتهما في تكوني التاريخ

العام لألمة، ويمكن التميlيز في التاريخ )البلدlاني( بيlن نمطين أساسييlن، هما نمط التlاريخ الفضlائلlي الذlي يغلlب علlيه االهتمام بالفضlائل الرlوحية التي تصف بها بعض

المدlن كمكة، والمدينlة، والقدlس، وآخر يكlرس نفسه لحlوادث الزمن الدlنيوي، ليlتوصل إلى معرفة الخlصائص العامةl لتلك المدlن، ككتlاب »تاريخl بغدادl« ألحمدl بن

334 هl(، وكتاب »تاريخ الموصل« ألبي زكريا األزدي )ت 280أبي طاهر طيفور )ت -l430م(، وتاريخ أصفهان ألبي نعيم األصفهاني )ت 943ه-lم(.1039 ه

ولعل)المفاضالت( األولى التي ابتدlأت بدlاللة الموضوlعات األخالقية، أو المفاضلة بين قيمة الكوlفة والبlصرةl في مجاالت قواعد األدlبي، أو في المجاالت األخرى، توسعت مع األيام لتشمل المقارنات بين المدlن،l واألقاليم األخرى، في دlار الخlالفة، وإذlا كان

-55-

هذا المنهج قد تجلى بصوlرهl واضحlة في المدونات »البlلدانيlة« و»فضائل المدlن«، فقد تردد صداهl في نمط جغرافية »المسالك والممالك«،l الذي سlيقدم صوlرةl وافيlة

(14)عن خصائص البلدlان واألقاليم األقواميlة واالقتlصادية والثقافية.

ولم تقتصر مفاضلة المسلمين للمدن واألقاليم والبلدان، والحضارات، على اإليمان الديني، وعلى أساس اقترابهم وابتعادهم عن طرق اإليمان والتقوى

اإلسالميين، فهذه احتفظت بدورها كإحدى مقاييس الحكم على اآلخر، إلى جانب العديد من مقاييس المفاضلة والحكم، المتعلقة بالمجال األخالقي، والحضاري،

وأساليب السلوك، كالكرم، والعفة، والضيافة، والفصاحة، وإتقان الصناعات، ووفرة العلوم والتقنيات، ومدى ما تذخر بها بيئة هذا البلد أو ذاك من نبات وحيوان، وخيرات

مادية، ولقد لخص ابن الفقيه وجهة النظر العربية اإلسالمية في النظر إلى تلك التنوعات، والتخصصات التي تميز شعب أو إقليم عن آخر، ومنحها قيمة كبرى ألنها

أعطت معنا للتكامل اإلنساني،إذ قال: "ولوال أن الله عز وجل خص كل بلد من هذه البلدان، وأعطى كل إقليم من األقاليم بشيء منعه عن غيره، لبطلت التجارات،

وذهبت الصناعات، ولما تغرب أحد، وال سافر رجل، ولتركوا التهادي، وذهب الشرى )الشراء( والبيع، واألخذ واإلعطاء، إال أن الله عز وجل أعطى كل صقع في كل حين

نوعا من الخيرات، ومنع اآلخرين، ليسافر هذا إلى بلد هذا، ويستمتع قوم بأمتعة قوم ليعتدل القسم، وينظم التدبير، قال الله عز وجل: »نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات. ليتخذ بعضهم بعضا سخريا«. وفي

قول الله عز وجل: »وقدر فيها أقواتا«. قال: الكاغد بسمرقند والقراطيس بمصر، لذلك خص الله جل وعز بالد السند والهند بأنواع الطيب والجواهر، كالياقوت واأللماس

وغير ذلك من الحجارة الثمينة، والكركدن والفيل والطاووس واألعواد والعنبر والقرنفل والسنبل والخولنجان، والداء صيني، والنارجيل والهليلج والتوتياء والقنى،

والخيزران والبقم والصندل، والساج والفلفل وعجائب كثيرة، وخص أهل الصين بالصناعات وأعطاهم ما لم يعطه ألحد، فلهم الحرير الصيني والغضائر والسرج، وغير

ذلك من اآلالت المحكمة العجيبة الصنعة، المتقنة العمل، ولهم أيضا مسك إال أنه ليس بجيد، وقالوا إنما يتغير في البحر لطول المسافة. ثم الروم وما قد خصها الله عز وجل به من العلوم واآلداب والفلسفة واألحكام والهندسة والحدق باألبنية والمصانع والقالع،

(15)والحصون والمطامير، وعقد الجسور والقناطر، وعمل الكيمياء...«

وإذا كانوا قد دأبوا على رصف الخصائص السلبية إلى جانب الخصائص اإليجابية، في معاينتهم لحال الشعوب واألمم خارج »دار اإلسالم«، بما فيهم شعوب الهند والصين، فألنهم اعتادوا أن يطبقوا تلك القاعدة، على األقاليم العربية واإلسالمية

تفسها. ولهذا يخطئ من يعتقد عندما يصادف في دراسات الباحثين العرب لشعوب الهندو - صينية، ذكر بعض المظاهر السلبية لسلوكهم، ولعاداتهم، أن هذا صادر عن

نزعة مركزية ثقافية، أو تعالي ثقافي، أو عن مركزية عرقية، إذ أنهم لم يبخلوا على أقاليمهم العربية اإلسالمية ذاتها أو على مدنهم األحكام السلبية إلى جانب ذكرهم

لفضائل هذه المدن واألقاليم، وهي قضايا تمتليء بها المصنفات »البلدان« -56-

والمصنفات الجغرافية »المسالك والممالك« والمصنفات األدبية، بما فيها مؤلفات الجاحظ. وقد أورد ابن الفقيه حوارا حول فضائل المدن ومثالبها في ديارا إلسالم، بين رجلين، فيقول أحدهما وهو من بالد الجبال، شمالي إيران، لرفيقه: "فمهما كان فينا يا أبا علي أكرمك الله... فليس فينا جفاء النبط، وعجرفة أهل السواد )وهم فالحون في

أرض العراق(، وأخالق الخوز، وغدر أهل الكوفة، ودقة نظر أهل البصرة، وبخل أهل األهواز، وسوء معاشرة أهل بغداد، وجفاء أهل الجزيرة، وغلظ طبع أهل الشام وجهلهم، وأهل الجبل قد سلموا من شدة حر البصرة، ومن كثرة براغيث بغداد

وذبانها، ومن نز البطائح، وتغير هواه مصر وثعابينها، ومن جرارات )حيوانات زاحفة( و نظروا إلى هذا التنوع( 16)األهواز، وسائمها، ومن عقارب نصيبين، وأفاعي سجستان«.

القائم بين األمم، والشعوب، والحضارات على أنه نوع من الحكمة اإللهية، تغني حياة م( بقوله »إن الله سبحانه1406البشر، وتثري أنواعهم، وهو مابينه ابن خلدون )

وتعالى اعتمد هذا العالم بخلقة وكرم بني آدم باستخالفهم في أرضه، وبثهم في نواحيهم لتمام حكمته، وخالف بين أمهم وأجيالهم إظهارا آلياته، فتعارفوا باألنسب،

ويختلفون باللغات، واأللوان، ويتمايزون بالسير والمذاهب واألخالق، ويفترقون بالنحل(17)واألديان واألقاليم والجهات«.

ولعل هذه النزعة المساواتية، واعترافها بالتنوع، مع احترامه، قد فتحت الطرق ه255lأمام بزوغ نزعة إنسانية اسالمية في العصر الوسيط، عبر عنها بقوة الجاحظ )

م( الذين لخصوا1030هl - 421م(، ومسكويه )932 هl - 320م(، والتوحيدي )866- وجهة نظر الثقافة العربية تجاه العالم، وتنوعاته، وتجاه )اآلخر( الشريك في عمارة

الكون.وكان الجاحظ من المؤسسين العظام لهذه النزعة اإلنسانية، وللثقافة العربية في عصورها الزاهية، والذي قال عنه ميكيل »ال بد لنا في الحد األدنى، أن نعترف، في

حدود معارفنا الحالية، أن الجاحظ أول من طرح قضية اإلنسان في العالم، وال سيما في كتابة الحيوان الذي يمثل مختارات تاريخ طبيعي، واستعراض الخلق في صيغ نوادر

(18)أدبية«. فقد تم إعالء شأن اإلنسان والكائنات اإلنسانية، بفضل الجاحظ، فاستنادا على مبدأ الرعاية اإللهية الذي يشمل الخلق جميعا من اإلنسان إلى المالك، نظر إلى

اإلنسان على أنه يقع في منتصف سلم الخليقة، ويتميز عن سائر الحيوانات بمزاياه التعقل التي تجعل منه إنسانا، وبمزايا حسن االجتماع، والمتالكه البيان واستعمال اليد

المبتكرة، والحساب والكتابة، وامتالكه بعض الصفات التي تقربه من المالئكة، أما بصدد الحضارات اإلنسانية، فقد نظر إلى مساهمات األمم المختلفة في مجال العمران

والحضارة، بطريقة تكاملية تقوم على منح كل منها أدوارا، وأشكاال من اإلبداع العمراني، و من مظاهر التمدن، بحيث أصبحت فنون العمران المدني والثقافي

موزعة على األمم البارزة، ألن أي منها، حسب الجاحظ، ال يملك إمكانية التفوق بكل جوانب العمران »ألن من كان مقسم الهوى، مشترك الرأي، ومتشعب الرأي النفس،

بأسره، ولمغير موقر على ذلك الشيء وال مهيأ له، لم يحذق من تلك األشياء شيئا أن كل كما أن تفوق أمة من األمم في مجال حضاري، ال يعني(19)يبلغ فيه غايته«.

مواطنيها يشتركون في هذا التفوق، فإذا كانت اليونان تتميز بالحكمة الفلسفية،

-57-

والصين بالحذاقة التقنية، والعرب بالشعر، فإن هذا ال يعني أن كل فرد منهم يتفوق بهذه الخاصية، »فال كل يوناني حكيما، وال كل صيني في غاية الحذق، وال كل عربي

شاعرا فائقا، كريما سمحا... لكن هذه األمور في هؤالء أعم وأكمل وأتم، وهي فيهم(20)أظهر«.

وشرح الجاحظ رؤيته تلك بقوله »ثم أعلم، بعد هذا كله أن كل أمة وقرن، وكل جيل، وبني أب، وجدتهم قد برعوا في الصناعات، وفضلوا الناس في البيان أو فاقوهم في اآلداب، وفي تأسيس الملك، وفي الصبر بالحرب، فإنك ال تجدهم في الغاية وفي

أقصى النهاية، إال أن يكون الله قد سخرهم لذلك المعنى باألسباب، وقصدهم عليه ويشير إلى إبداع »الصين في(21)بالعلل التي تقابل تلك األمور، وتصلح تلك المعاني«.

الصناعات، واليونان في الحكم واآلداب،... وآل ساسان في الملك، واألتراك في على هذا فإن »سكان الصين منهم أصحاب السبك والصباغة، واإلفراغ(22)الحرب«.

واإلذابة، واألصباغ العجيبة، وأصحاب المخرط، والنحت، والتصاوير، والنسخ والخط،(23)ورفق الكف في كل شيء يقولونه ويعانقوه«.

أما عن األتراك جيران الهند والصين في الشمال الشرقي، فيقول: »فلم يكن همهم غير الغزو والغارة والصيد وركوب الخيل، ومقارعة األبطال، وطلب المغانم، وتدويخ البلدان، وكانت هممهم إلى ذلك مصروفة، وكانت لهذه المعاني واألسباب

مستمرة ومقصودة، أحكموا ذلك األمر بأسره، وأتوا على آخره، وصار ذلك هو فميزة األتراك األساسية،(24)صناعتهم وتجارتهم ولذتهم وفخرهم وحديثهم وسمرهم«.

عند الجاحظ، تتجلى في الشجاعة، واإلقدام، وال يخلون مثل كل األمم من السالب، والمزايا، فهم »قوم ال يعرفون الملق وال الخالبة، وال النفاق وال السعاية، وال التصنع وال

النميمة وال الرياء، وال البذخ على األولياء، وال البغي على الخلفاء، وال يعرفون البدع، ولم تفسدهم األهواء، وال يستحلون األموال على التأويل، وإنما كان عيبهم، والذي يوحش منهم، الحنين إلى األوطان، وحب التغلب في البلدان، والصبابة بالغارات،

(25)والشغف بالنهب«.

ويخلص الجاحظ موقفه األخالقي، والمنهجي، من النظر إلى حال األمم، ومواقعها المختلفة من الفضائل، والمثالب بقوله: »ولكل نصيب من النقص، ومقدار من

الذنوب، وإنما يتفاضل الناس بكثرة المحاسن، وقلة المساوئ، فأما االشتمال على جميع المحاسن، والسالمة من جميع المساوئ، دقيقها وجليلها، وظاهرها وخفيها فهذا

ولعل أحد الركائز التي ينطلق منها الجاحظ، في ترتيبه للمزايا المختلفة(26)ال يعرف«. التي تتصف بها األمم، مثله في ذلك مثل أهم ممثلي الثقافة العربية الوسيطة، هو اهتمامه في مسألة التخصص في المجتمع أوال، وفي الدائرة البشرية ثانيا، انطالقا ممن قوله »أن الله لم يخلق أحدا له من القوة، والقابلية بحيث يستطيع أن ينجز أعماله كلها بنفسه دون احتياج إلى سواه إلنجاز ذلك... فأدناهم مسخر ألقصاهم،

ثم وسع النظر في مسألة التخصص هذه فجعلها تشمل( 27)وأجلهم ميسر ألدقهم«. الجماعات واألمم مثلما شملت األفراد، فنسب إلى األمم المختلفة نوعا من التخصص

في حقول المعرفة المختلفة، وفي مجال العمران وخص األمم المختلفة: الصين، -58-

الهند، اليونان، الترك، العرب، بميزة خاصة تتسم بها، تكمل بها الجهد البشري(28)العمراني.

وتجلت هذه النزعة المنفتحة على الحضارات المغايرة، وثقافاتها، أكثر ما تجلت في سوق األدب، وال سيما في المؤلفات األدبيةالمعروفة) بالمقابسات(، التي ارتفعت

عن التخصص إلى الشمول، وطمحت إلى إعطاء القارئ مقتطفات عن كل العلوم، لتزوده بالمعلومات العامة، وهو حقل معرفي حمل معنى أدب اللسان، وأدب النفس،

وكان ابن المقفع )من أوائل من ساهم في هذا الحقل، ونقل "كليلة ودمنة" ذات األصول الهندية إلى العربية، ونقل فيها الحكم الهندية إلى اللسان العربي، ويلي هذا

الكتاب في األهمية »األدب الكبير« و»األدب الصغير«، لم يتحرج فيها ابن المقفع عن اختيار )الح°كم( من شتى الثقافات إلى القارئ العربي، فقد عرفت عملية تدوين العلم

م فإلى جانب تدوين الموروث العربي اإلسالمي،754 هl- 143انطالقة واسعة بعد سنة عرفت هذه المرحلة تدوين الموروث اليوناني والفارسي، والهندي، وكان من نتيجة ذلك

تعدد التيارات الثقافية، وتنوع مصادرها، وتعمق في سياق ذلك اتجاه الثقافة العربية لالعتراف باآلخر، وبالتعددية والتعايش بين الثقافات، حتى أصبحت ساحة الثقافة العربية

في القرن الثالث الهجري سوقا للقيم، فظهرت موسوعات ثقافية تعترف بهذا التعدد،(29)وسميت لذلك بl »كتب األدب«.

هl -276وكان ابن قتيبه أبو أحمد عبد الله بن سلم الدينوري النيسابوري ) م( من أوائل من دشن التأليف في هذا النوع من »كتب األدب«، وألف في هذا883

246المجال »عيون األخبار«، وتبعه ابن عبد ربه/أبو عمر شهاب الدين أحمد بن حمد ) - lفي كتاب »العقد الفريد« وألف في هذا النوع نفسه شهاب الدين محمد328ه )lه

( مقتديا بمن سبقه في كتابه »المستطرف في1459 هl-850بن أحمد األبشيهي ) كل فن مستظرف« وانفتح كل من هؤالء، على مرجعيات ثقافية مختلفة. »في

موضوع )الحكمة( التي هي ضالة المؤمن بأخذها أين وجدها، فنحن هنا أمام ليبرالية واسعة تقوم على االعتراف باالختالف، وعدم التعصب ألي مصدر، ال على مستوى

المذاهب، وال على مستوى تنازع األجيال، وال على مستوى االنتصار للغير على حساب(30)الجديد«.

وقد عبر ابن قتيبه عن مرجعياته المتعددة، »ولم نزل نتلفظ هذه األحاديث في الحداثة واالكتهال عمن هو فوقنا في السن والمعرفة، وعن جلسائنا وإخواننا ومن كتب

األعاجم وسيرهم، غير مستنكفين أن نأخذ من الحديث سنا لحداثته وال عن الصغير قدرا لخسارته، وال عن األمة الوكعاء لجهلها، فضال عن غيرها،فإن العلم ضالة المؤمن حيث أخذه نفعه، ولن يزري الحق أن نسمعه من المشركين، وال النصيحة أن تستنبط من الكاشحين، ذلك ألن العلم المطلوب هنا هو علم الدنيا، وهو مشاع للجميع، وهذا

(31)على العكس من »علم الدين والحالل والحرام، فإنما هو استيعاد وتقليد«.

وقسم ابن قتيبه كتابه إلى عشرة أبواب، أورد فيه أقوال الحكماء واألدباء في كل المواضيع، فنجد حكماء الهنود إلى جانب حكماء الصين والترك، والعجم والعرب، واليونانيين والروم، فيذكر عشرات الحكم الهندية، منها »في كتاب للهند: ال ظفر

-59-

لبغي، وال صحة مع نهم، وال ثناء مع كبر،و ال صداقة مع خب )خداع(، وال شرف مع، وال اجتناب محرم مع حرص، وال محبة مع زهو، وال والية حكم سوء أدب، ال بر مع شح° مع عدم فقه، وال عذر مع إصرار، وال سالمة مع ريبة، وال راحة قلب مع حسد، وال ثبات

(32)ملك مع تهاون وجهالة وزراء«.

وأورد على لسان الترك حكما كثيرة ومنها »وكان عظماء الترك يقولون: القائد العظيم ينبغي أن تكون فيه خصال من أخالق الحيوان: شجاعة الديك، وتحنن الدجاجة،

يضعنا كل من ابن عبد(33)وقلب األسد، وحملة الخنزير، وروغان الثعلب، وختل الذئب« ربه، واالبشيهي في المناخ الثقافي التعددي، المنفتح على الثقافات، طلبا للحكمة التي

هي ضالة المؤمن، ويتميز األبشيهي بأنه حاول أن يضع القرآن والحديث على رأس قائمة مراجعه، مجتهدا - وأحيانا بتكلف في االنطالق عند الكالم على كل موضع من آية

(34)أو حديث، قبل اإلتيان بما يناسب من أقوال وحكايات.

واستمرارا مع هذا التقليد، فضال عن التقليد الذي أرساه الجاحظ في كتاباته وهذا الميل العميق لالنفتاح على الثقافات األخرى، واحترام التنوع، ظهر العديد من

المؤلفات المسماة »المقابسات«، فبعد أن سيطرت على المناخ الثقافي في العصر العباسي األول المفاخرة بين الموروث العربي اإلسالمي والموروث الفارسي، و دخول الثقافة العربية سن النضج، وال سيما في القرن الرابع الهجري، العاشر الميالدي، حل

محله انفتاح عميق على الثقافات كافة، بما فيه ثقافات شعوب الشرق األقصى، وظهرت فئة من المستهلكين للثقافة اآلخذين من هنا وهناك »المتقابسين« الحريصين

على »المشاركة في كل علم واإلدالء فيه بدلو خالل المناقشات والمقابسات التي كانت تزخر بها المجالس الثقافية... والالفت، أن هؤالء المثقفين الذين يشكلون الجيل

الثاني من مثقفي القرن الرابع الهجري والذين برزوا مباشرة بعد الفارابي لم يكونوا يرتبطون بسلطة مرجعية واحدة... كانوا ذوي ثقافة عامة متنوعة تحلقوا حول أبي

ومن هؤالء كان أبو الحسن بن(35)سليمان السجستاني رئيس المناطقة في بغداد«، هl( صاحب »مناقب اإلسالم« الذي مارس381أبي ذر يوسف العامري النيسابوري )

التعددية الثقافية في إطار الحضارة العربية اإلسالمية، دون تحزب لموروث ثقافي فنقل عن مرجعيات ثقافية مختلفة من الشرق إلى الغرب، دون حذر منوها،( 36)معين.

أن أهم األمم، أو األجيال البشرية، هم الصينيون والهنود، والترك، والحبش، والبربر، والقبط، والروم والعجم والعرب، وقد خص العرب والعجم من الناحية الجغرافية

(37)بموقع الوسط، أي في اإلقليم الرابع من األرض.

1030هl - 421وسلك تلميذه مسكويه ) م( المسلك الثقافي نفسه، وأيضا معاصره أبو حيان التوحيدي وغيرهم من مثقفي المقابسات، فقد كان مسكوية

كالعامري يتجاوز روح المنافسة بين الثقافات، وذلك باالعتراف لكل أمة بنصيبها من الحكمة واألدب، وهذا ما يميز ظاهرة المقابسات التي تنطوي على نوع من »الليبرالية

(38)الثقافية«. فكتابه »الحكمة الخالدة« يجمع فيه حزمة من المرويات، والحكم، حرص

على أن يعطي فيها مساحة لكل أمة للتعبير عن حكمتها، ابتداء من حكم الهنود والصينيين وحكم الروم، وحكم العرب، وضمنه الكثير من حكم ملوك الفرس مثل

-60-

كسرى األشروان، وقباذ، أو ملوك الهند، دون أن يقتضي ذلك منه سندا من الحقيقة وقسم(39)التاريخية، بل هي من ذلك النوع من األدب العام الشائع في ذلك الزمان.

كتابه إلى ثالثة أبواب األول خصصه للحكم الفارسية، وفي الباب الثاني عرض فيه لحكم الهند، وختم كتابه بl حكم العرب، يعرض تلك الحكم، باعتبارها تنطلق بحكم

الجنس البشري، وتجاربه عبر التاريخ، على تنوع مجموعاتها العرفية واإلثنية والدينية. وقد ذهب أبو حيان التوحيد، بعد الجاحظ، واستمرارا لمنطق أصحاب المقابسات

إلى التأكيد على الرؤية النسبية لموقع األمم في اإلنجاز الثقافي الحضاري البشري، وفي التفاضل في المساوئ والمحاسن فيما بينها، إذ يقول: »فلكل أمة فضائل ورذائل،

ولكل قوم محاسن ومساوئ، ولكل طائفة من الناس صناعتها وحلها وعقدها كمال وتقصير، وهذا يقضي بأن الخيرات والفضائل والشرور والنقائص مفاضلة على جميع

ويشير إلى »أن األمم كلها تقاسمت الفضائل(40)الخلق، مفضوضة بينهم كلهم«. والنقائص باضطراد الفطرة، واختبار الفكرة، ولم يكن بعد ذلك إال ما يتنازعه الناس فيما

بينهم بالنسبة الترابية، والعادة المنشئة والهوى والغالب من النفس الغضبية، والنزاع ووصف تقاسم األمم للفضائل بما فيهم الصين والهند،(41)الهائج من القوة الشهوانية«.

والترك »فللفرس السياسة واآلداب، والحدود والرسوم، وللروم العلوم والحكمة، وللهند الفكرة والروية والخفة )الشعوذة(، والسحر،وللترك الشجاعة واإلقدام، وللزنج الصبر

(42)والكد والفرح، وللعرب النجدة والوفاء، والبالء، والجود والزمام والخطاب والبيان«.

أما في مجال ما يمكن تسميته »فلسفة الحضارة« فقد قدم صاعد األندلسي هl -460م، وهو تلميذ ابن حزم، كتابه »طبقات األمم«، الذي ألفه عام 1029المولود عام

وضمنه تأمالته عن الحضارة، انطالقا من المفاهيم التي بثتها الثقافة العربيةم1068 اإلسالمية، القائمة على بيان ما تنفرد به كل مدينة، وإقليم، وأمة من خاصية تميزها عن

مثيالتها، أو استمرارا لما زرعه المفكرون السابقون، كالجاحظ، والتوحيدي من أطروحات في مجال »فلسفة الحضارة«، غير أن )صاعد( الذي أغفل العامل الديني في تقييمه

ألدوار األمم في مجال الحضارة - وضع سلما ومراتب لرقي األمم قياسا على تقدمها في مجال العلم وحسب، فأرجع التفاضل الحضاري بين أمة وأخرى، على مقدار ما تقدمه كل

منهما من إبداع في مجال العلوم الذهنية والفلسفية، وأبعد الدين عن مجال التفاضل الحضاري، وحصره في مجال تفاضل اإليمان، كما أهمل المهارات اليدوية والبدنية المعبر

عنها في الحرف والصنائع، وعلى هذا استبعد الصين، من مجموعة األمم المبدعة في مجال العلوم،التي هي عنده المعلم األول للحضارة، لذا يضع الصين في الطبقة الثانية من األمم التي اشتهرت في مجال اإلبداع الحرفي اليدوي، بينما يضع الهند في المرتبة

األولى أي في صف األمم »العالمة«. أشار صاعد، في البداية، إلى أن التنوع بين األمم إنما يقوم على اختالفها في اللغة واألخالق والسحنة، ويغفل العامل الديني إذا قال: »إعلم أن جميع الناس في

مشارقا ألرض ومغاربها، وجنوبها وشمالها، وإن كانوا نوعا واحدا، فإنهم يتميزون بثالثة وهذا التمايز بين األمم ال يمت بصلة ألحكام(43)أشياء، األخالق، والصور، واللغات«.

التفاضل، فاالختالف في اللغة والصورة واألخالق، أي السلوك، ال يتضمن حكما قيميا، -61-

إنما هو حكم وجود وحسب، وعلى أساس الحكم التقريري، يذكر صاعد »أن الناس وهي"(44)كانوا في سالف الدهر، وقبل تشعب القبائل واختراق اللغات، سبع أمم«.

أمة الفرس، وأمة الكلدان التي تتضمن العرب، واألمة الثالثة تجمع »اليونان والروم واإلفرنجة والجاللقة والبرجان والصقالبة والروس والبرغر )البلغار( والالن وغيرها من

األمم«، واألمة الرابعة: النبط وهم »أمة مصر وأهل الجنوب« ثم األمة الخامسة: الترك، والسادسة: الهند والسند، والسابعة: أمة الصين. ثم دارت دورة الزمن

فتشعبت تلك األمم السبعة، حيث »تشعبت لغاتهم وتباينت أديانهم، وانقسموا إلى أمم(45)شتى«.

ثم أخضع صاعد هذه األمم إلى الحكم التفاضلي، وذلك بوضعها في طبقتين، فهناك طبقة األمم العالمة، التي تحتل عنده المرتبة األولى في مجال الحضارة، أما

الطبقة الثانية من األمم فهي التي لم تستطع المساهمة في مجال الذهنيات والعلوم، واقتصرت دورها على الحذاقة الجسدية، كالبروز في الشجاعة، واإلتقان الحرفي

والصناعي، والرسم، إلخ. ونالحظ، هنا، غياب المعيار الديني عن تقسيمه هذا، فهو يقول : وجدنا هذه األمم على كثرة فرقهم، وتخالف مذاهبهم طبقتين: فطبقة عنيت بالعلوم فظهرت منها ضروب العلوم، وصدرت منها فنون المعارف، وطبقة لم تعن

بالعلوم /عناية يستحق منها اسمه، وتعد بها من أهله، فلم ينقل عنها فائدة حكمة، وال(46)دونت لها نتيجة فكر«.

وعلى هذا المقياس،وضع الهند في قائمة األمم )العالمة( واستبعد الصين، فاألمم التي عنيت بالعلوم، هي عند صاعد ثمانية، الهند، والفرس، والكلدانيون، والروم،

ومصر والعرب، والعبرانيون، أما الطبقة الثانية من األمم التي لم تعن بالعلوم، فهي بقية األمم، ومنها: الصين، ويأجوج ومأجوج، والترك، وبرطاس، والسرير، والخزر،

وموقان، وكشك، والالن، والصقالبة والروس، وأصناف السودان من الحبشة والنوبة والزنج وغانة، وغيرهم، فهؤالء »لم يستعملوا أفكارهم في الحكمة وال راضوا أنفسهم

(47)بتعلم الفلسفة«.

على الرغم مما تشكو منه أطروحات صاعد من فجوات نظرية، إال أنها تتميز بتجاوزها للعامل الديني والعرقي، واللغوي في أحكامها التفاضلية بين األمم، إذ تعطي للعلم

والنشاط الذهني، دورا حاسما في رفع مستوى األمة إلى مصاف الطبقة األولى، وتضع االبتكار اليدوي الصناعي في المرتبة الثانية، ولعل هذا مرده إلى طبيعة تقسيم العمل

االجتماعي، ما بين العمل الذهني، والعمل اليدوي، في ذلك العصر، الذي كان يرفع عموما من شأن األول على حساب الثاني، أما بشأن أمة الهند، التي وضعها في الطبقة األولى، فهي عنده »أمة كثيرة العدد عظيمة القدر فخمة الممالك، وقد اعترف لها بالحكمة وأقر

(48)لها بالتدبير في فنون المعرفة جميع الملوك السالفة، والقرون الخالية«. وللهند أيضا »التحقق بعلم العدد، واألحكام بصناعة الهندسة، والخط األوفى، والقدح المعلى من معرفة

أحكام النجوم، وأسرار الفلك وسائر العلوم الرياضية، وبعد هذا فإنهم أعلم الناس بصنعة الطب، وأبصرهم بقوى األدوية وطبائع المولدات، وخواص الموجودات، ولملوكهم السير

-62-

الفاضلة والملكات المحمودة، والسياسات الكاملة، وأما العلم اإللهي، فهم يجمعون على التوحيد لله والتنزيه له عن اإلشراك به، ثم أمنهم مختلفون بعد ذلك في سائر أنواعه،

(49)فمنهم براهمه، ومنهم صابئة«.

أما الصين والترك فيضعهما في الطبقة الثانية من األمم التي لم تعن بالعلوم، ويتحدث عن الصين فيصفها باتساع الملك، والثروة والصناعات، فهي »أكثر األمم عددا،

وأفخمها ملكة، وأوسعها دارا، ومساكنها محيطة بمشارب األرض المعمور ما بين خط النهار إلى أقصى األقاليم السبعة في الشمال، وحظهم من المعرفة، التي بزوا فيها سائر

األمم، إتقان الصنائع العملية، وأحكام المهن التصويرية، فهم أصبر الناس على مطاولة وقال بالترك،(50)التعب، وتجويد )إتقان( األعمال ومماسات النصب في تحسين الصنائع«.

جيران الصين، والهند من الشمال والشرق، أنهم »أمة كثيرة العدد أيضا فخمة المملكة، ومساكنهم ما بين مشارق خراسان من مملكة اإلسالم وبين مغارب الصين وشمال الهند

إلى أقصى المعمور في الشمال، وفضيلتهم التي برعوا فيها وأحرزوا فضلها معاناة الحروب ومعالجة آالتها، فهم أحذق الناس بالفروسية وأبصرهم بالطعن والضرب

(51)والرماية«.

ولعل مرد هذا التبخيس لدور الصين والترك وغيرهما في مجال العلم، يعود جزئيا إلى تأثير »نظرية األقاليم« البطليموسية، التي أعطت دورا للموقع الذي تتخذه البلدان من خط االستواء، شماال أو جنوبا، وهو عامل سنرجع له الحقا، يقول عن البلدان األكثر قربا من خط االستواء: »فهم لطول مقاربة الشمس رؤوسهم أسخن هواءهم وسخن وجوههم، فصارت لهم أمزجتهم حارة وأخالقهم محترقة، وتفلفلت شعورهم، فهدموا

ز داخل(52)بهذا رجاحة األحالم وثبوت البصائر، وغلب عليهم الطيش«. لكن صاعد مي هذه األمم بين أهل المدن وجوارهم أهل الحضر، وبين أهل الحضر والبادية، فأهل

المدن وخدامهم من أهل البادية، ال يخلون، حيث كانوا من مشارق األرض ومغاربها وشمالها، من سياسة ملوكية تضبطهم وناموس إلهي يملكهم، وال يشذ عن هذا النظام

مبرزا بذلك دور(53)اإلنساني إال بعض قطعان الصحارى وسكان القنوات والفيافي«.»الدولة« كعالمة على تقدم األمم، وأيضا »شريعة« سماوية تحكم فيما بينهم.

ونقل صاعد ما اعتقد أنه قول ملك الصين، ومفاده: »إن ملوك الدنيا خمسة يتبعهم سائر الناس، وأولهم ملك الصين، وكانوا يسمونه »ملك الناس« ألن أهل الصين

أطوع الناس للمملكة، وأشدهم انقيادا للسياسة، وكانوا يسمون ملك الهند ملك الحكمة، لفرط عنايتهم بالعلوم وتقدمهم في جميع المعارف،وكانوا يسمون ملك الترك

ملك السباع لشجاعة الترك، وشده بأسهم، وكانوا يسمون ملك الفرس ملك الملوك لفخامة ملكته وجاللها، ونفاسة قدرها، وكانوا يسمون ملك الروم ملك الرجال الن

(54)الروم أجمل الناس وجوها، وأحسنهم أجساما«.

ولقد دأب الكثير من المؤلفين العرب، على نقل هذه النظرة المتكاملة لألدوار م( في محاضرات األدباء967ه - 356الحضارية لألمم، فهذا ما نجده عند األصفهاني )

بقوله: »إن الهند لهم معرفة الحساب والخط الهندي، وأسرار الطب، وعالج فاحش االدواء، والرقى، وعلم األوهام، وخرط التماثيل ونحت الصور، وطبع السيوف،

-63-

والشطرنج، والحنكة، وهي وتر واحد، يوضع على قرعة، فيقوم مقام العود - ولهم(55)ضروب الرقص، والثقافة والسحر والتدخين«.

م( في )أخبار العلماء وأخبار الحكماء( على خطا1248ه - 646وقال القفطي، ) صاعد األندلس: »إن األمم الثماني التي عنيت بالعلوم هي: الهند والفرس،

والكلدانيون وهذه االمم المذكورة هي التي اعتنت بالعلوم... وباقي األمم لم تعن بشيء من ذلك وال ظهر لهم شيء منه«، ثم يعود ويذكر »والهند هم األمة األولى

كثيرة العدد فخمة المماليك، وكان الصين يسمون ملك الهند ملك الحكمة لفرط عنايته بالعلوم.. فكان الهند عند جميع األمم معدن الحكمة وينبوع العدل والسياسة، ولبعد

(56)الهند من بالدنا قلت تآليفهم عندنا«.

لعل تلك النظرة المفعمة بالنسبية الحضارية، المنفتحة على التعدديات الحضارية والثقافية، والتي عبر عنها هذا المقطع الطويل من الثقافة العربية، الذي عرضناه، قد

انتقلت إلى جميع فروع المعرفة والثقافية العربية، فتجسدت في مذكرات الرحالة، والجغرافيين والمؤرخين، وأصحاب المعاجم والموسوعيين، كل في ميدانه الخاص،

وفي أبواب أبحاثة الخاصة. م(، بأن »كل مدينة من913 - 300وهكذا، نوه الجغرافي الموسوعي ابن رسته )

المدن، وكل موضع من المواضع التي ذكرناها، لها وألهلها خاصية وطبيعية في اختالف صور الناس، وما يكون بها من الحيوانات والنبات والمعادن، والحر والبرد، والمياه (57)والعيون، والسنن والدين واألخالق، وسائر األشياء التي ليس لغيرها من المدن«.

وعبرت الجغرافية منذ القرن الثالث، عن التصورات العامة للعرب المسلمين ومعارفهم عن اآلخر بما فيه شعوب شرق آسيا، فباإلضافة لماعكسته آنئذ من نزوع الثقافة العربية - اإلسالمية نحو المعرفة الموسوعية، فقد حضنت جميع البلدان في

تقصيها التأليفي الكبير، وحاولت أن تقدم عن البلدان التي تعرضت لها صورة وصفية مركبة، ومقاربة اثنوغرافية بما حفلت به عنها من أفكار وعادات وأساطير، وطقوس،

لخصت فيها معارف العرب، ومتخيلهم عن شعوب الشرق األقصى، والشعوب األخرى، وامتزجت في بوتقتها جميع األصول الثقافية، التي اختزنتها بغداد عندما كان فيها: قلب

العالم المفعم بالتراسل مع العالم، والموار بتجاذب األفكار وتالقحها. لقد شهد القرن الثالث هجري، التاسع الميالدي ذروة النضج للدراسات الجغرافية العربية حيث سيطر على منهج الدراسات تلك، ميالن، األول ذو اتجاه فلكي - رياضي، تأثر جزئيا بالترجمات الهندية الفارسية، ثم بالمرجعية اليونانية التي سيطرت بالنهاية،

على تأليف الجغرافية الفلكية العربية، وبنظريةPtolemowوال سيما كتابات بطليموس جالينوس عن الطبائع البشرية، وتحولت تلك النظريات المقتبسة، وال سيما نظريتا

بطليموس، وجالينوس، إلى عقبة معرفية، عندما رسخت صورة نمطية ثابتة عن العالم، صار من الصعب اختراقها، فلعبت نظرية األول في تكريس صورة نمطية عن عالم قسمته إلى سبع أقاليم من الشمال إلى الجنوب، معتمدة في ذلك على خطوط

طولية تخيلية متقاطعة مع خطوط عرض وهمية اخرى، فنظرت إلى خصائص األمم على ضوء موقعها من تلك األقاليم، ومن قربها وبعدها عن خط االستواء، ومجال

-64-

الحرارة والبرودة، فكلما انحدر موقع سكنى األمم جنوبا، وقارب خط االستواء، حيث ذروة الحرارة في العالم المعمور، كلما تضاءلت فرص العمران، إلى أن نصل إلى

منطقة تنعدم فيها إمكانية الحياة البشرية وهو ما ينطبق على ذروة درجات البرودة في أقصى الشمال، لذا حصرت مجال العمران البشري إلى ما يقرب الثمانين درجة

تبدأ من الدرجة الثالث والستين أو الستة والستين شماال وتنتهي في الجنوب عند الدرجة الثانية عشر أو السادسة عشر، وبلغت سلطة بطليموس على بعض المفكرين

العرب، إلى درجة أنهم قبلوا فرضيته عن امتداد جنوب القارة اإلفريقية شرقا، وتشكيلها لسانا بريا يقابل ساحل الهند والصين، وجزيرة العرب، ليصبح المحيط الهادي

شبه بحية مغلقة، صار هذا االفتراض بمثابة مسلمة امتد تأثيرها على شخصية علمية بوزن اإلدريسي، ورغم غنى المعرفة العربية عن سواحل األفريقية، وعن المحيط

الهندي قياسا على المعرفة اليونانية. هكذا، تحولت نظرية بطليموس إلى عائق نظري حبس خبرة الباحثين العرب

بالشعوب المحيطة بهم، وبالعالم، وضيق عليهم بافتراضاته، فهم على غرار بطليموس ظنوا أن المعمور من األرض يشكل ربع الكرة األرضية، ويقع في نصفها الشمالي،

وأسموه )الربع المعمور من األرض( كما تقيدوا بالنظرية القائلة باستحالة الحياة في البالد شديدة الحرارة في الجنوب، والقارسة البرودة في الشمال. كما أن )الربع المعمور( مقسم إلى سبعة أقاليم، تبدوا على شل أحزمة أفقية من الجنوب إلى الشمال، وأن اإلقليم الرابع، الذي تقع فيه دار اإلسالم، هو في وسط تلك األقاليم،

وأعدلها، وأفضلها. هواءه متوسط بين إفراط الحر والبرد. فلكل إقليم تأثيراته على الناس القاطنين فيه باإلضافة على الحيوان والنبات، يشير ابن رسته »ان الذي خلف معدل

النهار، إلى ناحية الجنوب أشد سوادا وشعورا أشد تفلفال، وخلقهم أشد تشوها ممن كان في مثل بعدهم عن معدل النهار في جهة الشمال، ونحن نجد ذلك، فإنهم يأتون منهم

بناس كثير على ما وصفنا من الخلقة، متوحشي الطباع، متشبهين بأكثر طباعهم بالسباع المتوحشة.. وما يحدث فيها وإنما يكون ذلك على قدر قرب الشمس منها، أو بعدهم

عنها، وبيان ذلك )الترك( فإنهم من أجل بعدهم عن مدار الشمس عند صعودها وهبوطها كثرت الثلوج فيهم، وغلبت الرطوبة والبرودة على أراضيهم، فاسترخت لذلك أجساد

وبالمقابل، في( 58)أهاليها وغلظت، وصارت شعورهم سبطة وألوانهم بيضا حمراء«. أقصى الجنوب، على حافة العالم المعمور، فإن »الشمس في هبوطها وصعودها إذا كانت في تلك البروج وتوسط السماء، وتكون على سمة رؤوسهم فتسخن أهويتهم

وتحرقهم، وتكثر الحرارة واليبس فيهم فلهذه العلة صارت ألوانهم سوداء وشعورهم قططة، وأبدانهم يابسة نحيفة، وطباعهم حارة، وكذلك دوابهم وأشجارهم ومن أخالق

أهل هذه الناحية الجفاء والذكاء. أما القوم الذين هم متباعدون عن مدار رأس السرطان إلى الشمال وذلك مثل بابل، ونحوه من البلدان، فإن الشمس ال تبعد من سمت رؤوسهم وال تقترب منهم، ولكن ممرها

معتدل عليهم، فإن هواءهم حسن في التمزيج، وموضعهم معتدل ليس فيه حر شديد، وال برد شديد، وألوانهم وأبدانهم، وطبائعهم معتدلة وعقولهم وأخالقهم حسنة وقد كثر فيهم

-65-

العلم والذكاء، وتقدمة المعرفة باألشياء، ومحاسن األخالق وهي أرض العلماء والنبيين، فاألجسام والصور واأللوان والعلوم واألخالق متباينة متباعدة الشبه الختالف مواقعهم من

(59)مدار الشمس واختالف أزمان السنة وتغييرها عليهم...«.

وعلى مقاس تأثير األقاليم هذه، نظر الجغرافيين العرب المتأثرين بتلك النظرية، أنهم استثنوا الهند والصين وايضا الجزيرة العربية من ذلك إلى الشعوب كافة، إال

التأثير،على الرغم من وقوع الهند في اإلقليم األول والثاني الجنوبيين، وتناثر الصين مابين اإلقليم األول والسادس،، وذلك بإدعائهم أن الصين والهند فضال عن جزيرة العرب، قد نجوا من تأثير موقعهم اإلقليمي، وذلك إلحاطة ماء المحيط بهم، مما

خفف من وطأة الحرارة عليهم، وأخضعوا له الشعوب الشمالية المتاخمة للصين: الترك، وشعوب يأجوج ومأجوج، وأيضا الشعوب الجنوبية الذاهبة في أعماق المحيط الهندي، والتائهة جنوبا، التي تعرضت أحيانا ألحكام قاسية وأخرى تخليلية مفرطة في

الغرابة. وباإلضافة لفكرة األقاليم البطليموسية تلك، فإن الجغرافيين العرب تاثروا بنظرية جالينوس وابقراط التي افترضت وجود صالت بين طبائع البشر ومصيرهم على األرض،

وبين الكواكب والنجوم في البروج السماوية، فغدا التنجيم جزءا من العلوم الجغرافية،وهو مافتح الباب للتقصي عن الروابط التي تنظم عالقات الجماعات

بالنجوم، وانتهوا في أبحاثهم الجغرافية إلى إرجاع الخصائص المختلفة للشعوب إلى موقعهم اإلقليمي - الفلكي في األقاليم السبعة،والتي يقع كل منها تحت تأثير كوكب

معين، ونجم محدد »وأما األقاليم السبعة فأولها أرض بابل.. وله من البروج الحمل والقوس، ومن األنجم السبعة المشتري، واإلقليم الثاني الهند والسودان، زحل،

واإلقليم الثالث مكة والمدينة واليمن والطائف، والحجاز وما بينها، وله من البروج العقرب، ومن األنجم السبعة الزهرة وهي سعد الفلك، واإلقليم الرابع مصر وأفريقية

والبربر واالندلس، وما بينهما، له من البروج الجوزاء، ومن األنجم السبعة عطارد، واإلقليم الخامس الشام والروم والجزيرة، له من البروج الدلو، ومن األنجم السبعة

المريخ... واإلقليم السابع الديبل والصين، له من البروج الميزان، ومن األنجم السبعة(60)الشمس«.

وقسم المسعودي العالم المعمور إلى أربعة أرباع، كل منها يتميز بخصائص محددة بتأثير األجرام السماوية، فالربع الشرقي الذي يقع إلى الشرق من خط الطول

الشمالي، وهو الذي فيه الصين والهند، »فهو ربع مذكر، يدل على طول األعمار، وطول مدد الملك والتذكير وعزة النفس وقلة كتمان السر، وإظهار األمور، والمباهاة

بها، وما لحق بذلك، وذلك طباع الشمس، وعلمهم األخبار والتواريخ والسير والسياسات والنجوم« أما في الربع الغربي، فهم يتصفون بكتما السر والتدين وسالمة

النية، وهذا يأتي من تأثير القمر، والقسم الشمالي »فإن سلطان الشمس ضعف عندهم لبعدهم عنها، فقل مزاج الحرارة فيهم فعظمت أجسامهم، وجفت طبائعهم،

وتوعرت أخالقهم، وتبلدت أفهامهم، وثقلت أنفسهم، وابيضت ألوانهم، وسبطت(61)شعورهم.. ولم يكن في مذاهبهم متانة.

-66-

أما الميل الثاني الذي تنازع السيطرة على الدراسات الجغرافية في مواجهة النظريات اليونانية، فهو منهج محلي اعتمد على المشاهدة، والتجربة المباشرة، والرحلة

الستقصاء، وتجميع الشواهد للوصول إلى االستنتاجات القاعدية، فطرح الجغرافيون المتمردون على سلطة بطليموس، منهجا واقعيا،اعتمد المشاهدة والرحلة، وتأثير البيئة

على اإلنسان مقابل التأثيرات النجمية والفلكية )التنجيم( التي نوهنا بها، فانتقلوا إلى معالجة جغرافية صرفة للموضوع، وقد أشار المسعودي نفسه إلى هذه التأثيرات البيئية

على اإلنسان، بطريقة شبيهة باآلراء الجغرافية الحديثة، إذ يفحص الموضوع تحليليا، ويتتبع تأثيرات البيئة على حياة الناس وأفكارهم، و بين أهمية توفر المياه، والغطاء النباتي

الطبيعي، والتضاريس كعوامل هامة تؤثر على الحياة البشرية.. وتأثيرات ارتفاع الجبال فقال: »وقد تختلف قوى(62)على برودة المدينة، وانخفاض األرض على درجات الحرارة.

األرضين، وفعلها في األبدان لثالثة أسباب: كمية المياه التي فيها، وكمية األشجار، ومقدار ارتفاعها وانخفاضها، فاألرض التي فيها مياه كثيرة ترطب األبدان، واألرض العادمة للمياه تجففها، وأما اختالف قوتها من قبل األشجار فإن األرض الكثيرة األشجار التي فيها تقوم

لها مقام السترة، فبهذا السبب ال تسخن، واألرض المكشوفة من األشجار العادمة لها حالها عكس حال األرض الكثيرة األشجار، وأما اختالف قواهامن قبل مقدار علوها

وانخفاضها، فألن األرض العالية المشرفة فسيحة باردة، واألرض المنخفضة العميقة(63)حارة«.

الخوارزمي )فإلى جوار سلسلة الجغرافيين الفلكيين التي تبدأ بمحمد بن موسى ه -234 )م( وسهراب861ه - 247م( )صورة األرض( والفرغاني )887 ه - 232 م( ظهرت الجغرافية الوصفية التي أطلق عليها لقب »المسالك والممالك«945

والجغرافية اإلقليمية، وجغرافية »البلدانية« التي تحدثنا عنها سابقا، تعتمد في أبحاثها على المشاهدة والتحقق، استنادا على األسفار والرحالت في مختلف أنحاء العالم، وذلك ألن الخط الحقيقي للجغرافية العربية اإلسالمية هو خط المسالك والممالك

والبلدان، وهو خط سليم يقوم على الرحلة والمشاهدة، والتحقق من أهل البالد عما وأكد كراتشكوفسكي على هذه الحقيقة بقوله »في موازاة هذا االتجاه )الفلكي( 64)هم.

- الرياضي( وجد اتجاه آخر تشكل معه في وقت واحد، بل ربما تشكل قبله تبعا لبعض المصادر، أعني نهج الجغرافية الوصفية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالرحالت... وهو

يسترعي االنتباه بغزارة مادته، وهو الذي يغلب على األدب الجغرافي العربي ويسبغ عليه طابعه المميز، ويعطيه شكله الخاص، ما يصعب إيجاد مثيل له في آداب األمم

(65)األخرى«.

اقترنت كتب المسالك والممالك بالقرن الرابع هجري / العاشر الميالدي، ويعتبر اليعقوبي في هذا السياق رائد هذا النمط، الذي دمج التاريخ بالجغرافية، والجغرافية

بالرحلة والمشاهدة، واكتمل هذا اإلتجاه الدراسي منهجيا مع أصحاب المدرسة ه -367م( وابن حوقل )951ه - 340الجغرافية العربية الكالسيكية، االصطخري )

م( وأفضت جهود أصحابه إلى رواج األدب الرحلي،990ه - 380م( والمقدسي )977 ومؤلفات »البلدان« اإلقليمية التي انكبت على دراسة كل إقليم بعينه، وأدب فضائل

-67-

المدن، ثم أدب العجائب والغرائب، وأستفادت مصنفات المسالك والممالك بدورها من اإلتجاهات الجغرافية كافة،بما فيها الجغرافية اإلدارية، وأخبار الرحالت، واألدب،

ونموذج صورة األرض، وانصبت جهودها بالنهاية على الوصف الدقيق لألقاليم المدروسة، بكل جوانبها، اعتمادا على المشاهدة العيانية، واالتصال بالناس واستقراء

أفكارهم وآرائهم وأخبارهم، وأعطت صورة اثنوغرافية عن حياة الشعوب التي درستها، وقدمت خالصات عن خاصيات هذا اإلقليم أو ذاك، ومحاسنه ومساوئه، وهو منهج نجده

في كتب »فضائل المدن«، والمؤلفات »البلدانية« لهذا تضمن »كتاب البلدان« لليعقوبي على معلومات جغرافية سياسية إدارية واجتماعية، وإثنية ولغوية، ودينية

وزراعية، وصناعية، وتجارية. وشرح اليعقوبي القواعد المنهجية المتبعة لدى أصحاب المسالك والممالك، والمؤلفات البلدانية بقوله بأنه قد عنى بالمسافة ما بين كل بلد وبلد، »ألني سافرت حديث السن واتصلت أسفاري، ودام تغريبي، فكنت متى لقيت

رجال من تلك البلدان سألته عن موطنه، ومقره، وإذا ذكر لي محل داره، وموضع قراره، سألته عن بلده... ما هي، وزرعه ما هو، وسكنيه من هم: عرب أم عجم؟...

مشرب أهله حتى أسأله عن لباسهم... وديانتهم، ومقاالتهم والغالبين عليه،(66)والمترأسين فيه... وما هي مسافة ذلك البلد، وما يقرب من البلدان...«

وعلى أساس منهج المفاضلة، والبحث عن خصائص األقاليم، قدم جغرافيو »المسالك والممالك«، و»البلدان«، والجغرافية اإلقليمية، دراسات مهمة عن الهند،

والصين، والترك ولجوارهم الجنوبيين،عملوا فيها مابوسعهم لإلحاطة بالجوانب المختلفة لثقافة تلك الجماعات واألمم، وأبرزوا خصائصها النوعية، خارج إطار الصورة

النمطية، التي اقتبسها الجغرافيون الفلكيون العرب عن هذه البلدان، وجرى فيها احتباسهم في موقعهم اإلقليمي الفلكي، وقد شرح المقدسي أيضا منهجه بطريقة

مقاربة لتوجهات اليعقوبي فأشار إلى أنه في دراستة لألقاليم، اتجه لذكر »ما فيها من المغاور والبحار، والبحيرات واألنهار، ووصف أمصارها المشهورة، ومدنها المذكورة، ومنازلها المسلوكة وطرقها المستعملة، وعناصر العقاقير واآلالت، ومعادن الحمال والتجارات، واختالف أهل البالد في كالمهم وأصواتهم وألسنتهم وألوانهم، ومذاهبهم

ومكاييلهم وأوزانهم، ونقودهم وصروفهم، وصفة طعامهم وشرابهم وثمارهم ومياههم، ومعرفة مفاخرهم وعيوبهم، وما يحمل من عندهم وإليهم، وذ°كر مواضع األخطار في

المفازات وعدد المنازل في المسافات، وذكر السياخ والصالب والرمال، والتالل والسهول والجبال، والحواير والسماق، والسمان منها والرقاق، ومعادن السعة

والخصب، ومواضع الضيق والجدب، وذكر المشاهد والمراصد والخصائص والرسوم، والممالك والحدود، والمصارد والجردم، والصنائع والعلوم، والمباخس والمشاجر

(67)والمناسك والمشاعر«.

وكان للرحلة أثرها الحالم في تحطيم الصورة النمطية التي كونتها الجغرافية الفلكية عن العالم، بما فيه شرق أسيا، فقدمت صورة حية أخاذة عن واقع الشعوب

في الصين والهند، وفي المحيط الهندي، بكل تنوعاتها وخصبها، ولم يكترثوا في دراستهم االثنوغرافية للشعوب بتلك التقسيمات اإلقليمية الفلكية، وال بتحديداتها

-68-

الصارمة، فتركوا الفرصة لتتنوع أوضاع الناس لتعبر عن نفسها بكل موضوعية، وانفتاح، وساعدت مذكرات الرحالة أصحاب مصنفات »المسالك والممالك«، على

أن هذا ال يعني، انتفاء أثر السلطة المعرفية لنظريات إنضاج دراساتهم، وأبحائهم، إال األقاليم الفلكية، وكما يقول كراتشكوفسكي »وبالرغم من أن العرب قد كشفوا في

القرن التالي للخوارزمي عن وجود نقاط عديدة مأهولة على الساحل الشرقي ألفريقيا، وفي الهند وجنوب شرقي آسيا، فإن النظرية القائلة باستحالة السكن، في

اإلقليم الحار األول قد برهنت على أنها أقوى من المالحظة العملية المباشرة، إذ حافظ جميع الفلكيين والجغرافيين المتأخرين دون استثناء على التقسيم القديم

(68)لألقاليم«.

وحدة التاريخ الكوني لألمم أنه ألمر ذو داللة، أن يربط اليعقوبي، كأول مؤلف )بلداني(،الجغرافية بالتاريخ،

ويمزجهما في بوتقة واحدة، فالتاريخ ديوان العرب إلى جانب الشعر، وكذلك الجغرافية، ولقد وضع اليعقوبي بذلك أول تاريخ للعالم عند المسلمين، تتويجا لمحاوالت المؤرخين

العرب الحتضان تاريخ البشرية منذ آدم إلى محمد )ص(، وقد تجلت هذه النزعة التاريخية، في التدوين التاريخي، بظهور حوالي خمسة آالف مؤرخ، وما يزيد على عشرة

آالف إلى اثنتي عشر ألف كتاب في التاريخ في أقل التقديرات، ويمكن أن نالحظ،منذ م(726ه-124 م( وابن شهاب الزهري )ت725ه-123تأليف شرحبيل بن حسنة )ت

كيف حاول المؤرخ العربي أن يجعل تأليفه أساسا لكتابه تاريخ عالمي، من خالل سلسلة األنبياء، وما يوازيهم من تاريخ الملوك، تنتهي بسيرة خاتمة النبيين، واألمة الخاتم، أمة

م( واليعقوبي895ه - 282 وبلغ هذا التاريخ ذروة نضجه على يد الدينوري )(69)المسلمين. م( ولقد حافظ المؤرخ في منهجه الشامل، على الجمع بين922ه - 310والطبري )ت

الخاص والعام، على الرغم من تنوع الموضوعات التاريخية، أكان تاريخا عاما، أم تاريخ إقليم، أو تاريخ مدينة، أو طبقة الرجال، فقد التزم بنظرته الجامعة لتاريخ األمم ووحدتها،

في سياق وحدة اإلنسانية، وعلى هذا األساس وضعوا األمم التي تطرقوا ذكرها، في تاريخهم الكوني،: اليونان والروم الهند والصين، كحلقات ال تتجزأ من سلسلة التاريخ

الكوني والروحي، لإلنسانية، تحتل فيها أمة المسلمين موقع األمة حاملة للرسالة الناس، وفق هذه النظرة )التاريخية( القرآنية لنشأة المجتمعات، أمةالخاتم.فيصبح كل

واحدة، وجماعة واحدة صدرت عن نفس واحدة »آدم«، وبعث الله إليها النبيين ليحكموا بالكتاب الذي أنزله الله فيما بينهم، ثم تفرعت هذه النفس الواحدة، وتشعب منها البشر،

وصاحب هذا التشتت ظهور الرسل »مبشرين ومنذرين« ليحكموا »بالحق« ولهدايتهم، وظهرت السلطة التي كان بعضها مترفا ومتكبرا، وفي مقابلها أنزل »الرسل« ليقيموا

ولقد بعثنا في كل»القسط« أي »العدل«، إال أن الرسل انحصرت رسالتهم ببني قومهم خال فيها نذير )فاطر (، 36. )النحل أمة رسوال (، وكل رسول يرسل24وإن من أمة إال

بلسان قومه ليبين لهمبلسان قومه ( ولم تخلو4 )إبراهيم: وما أرسلنا من رسول إال لها منذرونقرية من رسول ( وفي حين يبدأ نبي208 )الشعراء: وما أهلكنا من قرية إال

-69-

المرحلة السابقة لإلسالم بقومه وحسب، فإن نبي اإلسالم يتخذ من قومه نقطة بداية لنشر الدعوة في العالمين، وإن يبقى لقومه دورهم الخاص المميز في تبني الدعوة

( فالنبي محمد هو44 )الزخرف: وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألونونشرها، أنه يتميز بشمول رسالته استمرار لما قبله من الرسل الذين انتشروا في العالم كافة، إال

وعالميتها على الناس كافة، أنه »خاتم النبيين« وأمته »خاتم األمم« عليها أن تأسس األمة في العالم واستيعاب العالم في األمة. رجوعا جدليا إلى نقطة بداية آدم ولكن بطريقة

نوعية على نحو أكثر علوا وشموال إلى الحد األقصى، وعلى هذا يصبح افتراض نزول الوحي على الرسل واألنبياء في الصين والهند وجوارهما افتراضا واقعيا، ويصبح التساؤل

ممكنا حول ما إذا كانت البوذية التي قالوا عنها »السمنية« والبراهمية، والكونفوشية، ديانة موحى بها في البداية، ثم أصابها التحريف فيما بعد، وبالتالي يصبح تعاملهم معها كتعاملهم

مع أصل الكتاب: المسيحية، واليهودية، والصابئة. ومما ساهم في هذا التفهم للديانات الهندية الصينية، هو أن نظر الحضارة العربية

اإلسالمية إلى تمدن الشعوب وتحضرها، كانت تتقبل اإلختالف الديني، حتى الديانات الوثنية للصينيين والهنود، مع إبدائها أحيانا االستفظاع واالستهجان بصورة واضحة، دون

أن يكون االستفظاع الطابع الغالب على خطابهم، بل اقتصرت عبارات االستهجان على مواضيع بعينها، والسيما ما يتعلق منها ببعض الطقوس، واإلعتقادات غير

(70)المألوفة.

فإذا كان التأليف العربي للتاريخ العالمي الدهري احتضن كل األمم بما فيها الهند، والصين، والترك في وعائه الشامل، فإن تأليفهم للتاريخ الروحي وضع جميع األديان

السماوية، التي لم تخل منها أمة، كحلقات في سلسلة تجليات الوحي النبوي، وهو ما جعلهم أحيانا ينظرون لديانة الهند والصين، بانفتاح أكثر، وتفهم، وهو ما نجده في

عرض البيروني لها، الذي اتسم بحيادية وموضوعية، باهرين، رغم مظاهر تعدد اآللهة، ومظاهر الوثنية التي نظروا إليها أحيانا على أنها رموز بالنسبة لمتعبد الهندي تشير إلى

اإلله الواحد، كما أن المؤرخين العرب اهتموا من ناحية أخرى، في بواكير أعمالهم، بعلم السالالت، وأن الجديد في تدوينهم هذا لألنساب عما سبقه من التداول الشفهي

لها في العهد )الجاهلي(، هو أنه دمج النسب في إطار ارتباطه باألمة، وبتاريخ المساهمة في تاريخ اإلسالم، وقد قام عمر بن الخطاب على هامش إنشائه لديوان

الجند بتشكيل لجنة لوضع ثبت بأنساب العرب، فقامت بهذه المهمة في ارتباط مباشر بتوزيع الخراج، لذا نظمته تلك اللجنة وفق تراتبيه بدأت بالعباس عم النبي، ثم ببني

هاشم، مراعية بذلك الترتيب، االعتبار الديني أوال، واالعتبار القبلي ثانيا، كما أن القبائل فكونت علوم(71)فاخرت بموقفها أثناء الفتوح، مما دفع إلى عنايتهم باإلنساب.

األنساب إحدى محطات الدراسات التاريخية الحقا، وساهمت بإعطاء مادة أولية لهذا الدراسة إلى جانب السير والمغازي، وكانت المشاركة في فعالية الدعوة اإلسالمية عامال مهما في تقدير المكانة االجتماعية، وفي تحديد العطاء في الديوان، ثم ظهر

تمايز في تدوين األنساب بين االتجاه القبلي )األنساب واأليام( واالتجاه الفقهي الذي نجده عند علماء الحديث، وكانت الغلبة للثاني، أي للعقيدة، من هنا أخذت الكتابة

-70-

التاريخية لألنساب تندرج منذ القرن الثاني الهجري / الثامن الميالدي في تاريخ(72)الجماعة أو األمة اإلسالمية.

ونقل المؤلفون العرب تلك الترسيمة الساللية إلى مجال العالم بأسره، فجمعوا فيها بين تأكيدهم على وحدة الجنس البشري بإرجاعهم الحلقات الساللية إلى أصل

واحد: آدم، وما تفرع عنه من أحفاد، وال سيما في حلقاتهم الرئيسية التي تتمفصل مع أوالد نوح، حيث يذهب المؤلفون العرب إلى أن األرض تقاسمها أوالد نوح الثالثة: سام، وحام، ويافث فيما بينهم، فكان من حصة سام وأوالده وسط الدنيا بما فيها بالد العرب، ولحام الشام ومصر وأعالي النيل، والسودان والهند، وبقي ليافث وذريتة بالد الصقالبة

(73)والروم والفرنجة والصين.

يضع المسعودي الصين، في هذا التقسيم، في قسمة أوالد يافث، والهند في ذمة أوالد حام، بينما افترض اليعقوبي ترسيمة أخرى: »صار لولد يافث الصين والهند والسند والترك والخزر والتبت والبلغر والديلم وإلى ما وراء خراسان، ولولد حام

المغرب وما وراء الفرات إلى مسقط الشمس، ولولد سام الحجاز واليمن وباقي(74)األرض«

lءlاlنlب lدlراlأlف l،lهlلlلlا lةlعlى ر°فlل علlوlطاlت lيlذlلlا l)lدlوlرlمlن )نlمlي زlف lهlنlأ lمlهlضlعlب lرlيlشlوي l،lهاlنlاlسlل lلlبlلlبlتlو l،lمlألمlا lتlقlرlتlافlف l،lرlيlبlكlال lانlفlوlلطlى اlتlأlف l،ءlاlمlسlال lبlوlع صlفlتlرlن يlحص

lةlمlأlو l،lبlعرlلlا lمlضlن وتlيlيlنlاlدlلlكlلlا lةlمlأlو l،lسlرlفlلlا lةlمlأ l،lمlمlأ lعةlبlس lىlلlإ lهlب lرlشlبlلlا lتlقlرlفlوت lةlسlامlلخlا lةlألمlوا l،lدlحlوا lمlهlكlلlمlو l،lةlدlحlوا lمlهlغتlل lتlنlكا lةlبlالlقlلصlاlو lمlوlرlالlن وlاlنlوlليlا

lهمlغتlل l،lاlهlب lلlصlتlي lاlمlو lدlنlلسlاlو lدlنlلهlا lاسlجنlع أlمlجlتlو lةlسlدlاlلسlا lةlألمlوا l،lكlرlلتlا lاسlجنlأ lلدlو lنlم lلlصlتlا يlمlو l)lاlريlكوl( lيlلlسيlلlاlو lنlيlصlلlا lعةlبlاlلسlا lةlألمlوا l،lدlحlوا lمlهlكlلlمlو lةlدlحlوا

lتlقlرlتlفlوا l،lلlئlاlبlلقlاlو lبlوlعlشlال lتlعبlشlتlو l،lلlسlلنlا lرlثlك lنlأ lثlبlل lاlم lمlث l،lثlفlاlي lنlب lرlوlمlعا lكlسlاlنlمlلlن واlكlاlسlلمlاlو lتlاlارlعبlلlوا lاءlآلرlا lتlنlيlاlبlتlو l،lمlألمlاlو l،lتlغاlللlى اlخرlأ lةlرl(75)م

ولون بعض المؤلفين العرب هذه الترسيمة، بالمعايير أعطوا فيها األفضلية ألوالد سام، وذريته، بان خصوهم بوسط الدنيا، وخصوا أوالد حام بما يشبه الدرجة الثانية،

وبالمقابل فإن(76)وبعضهم تحدث عن عصيان حام، ألبيه، فاستحق غضب أبيه نوح. يافث، الذي تنتسب إليه شعوب الصين والهند، والترك وبعض الشعوب األوروبية، لم يوجهوا له وألحفاده خصائص طبيعية تحط من وزنهم ومرتبتهم في الجنس البشري،

ولم يظهروا أية أحكام سلبية بحق الهنود، أو الصين النتسابهم إلى يافث. وقد علق ابن خلدون على تلك الترسيمة بتشكك، ووجه نقده ألصحاب المؤلفات القائلين بذلك:

»وما أداهم إلى هذا الغلط إال اعتقادهم أن التمييز بين األمم إنما يقع باألنساب فقط، وليس كذلك، فإن التمييز للجيل أو األمة يكون بالنسب في بعضهم كما للعرب وبني

إسرائيل والفرس، ويكون بالجهة )بموقع المكان(، والسمة واللون، كما للزنج والحبشة والصقالبة والسودان، ويكون بالعقائد والشعار والنسب كما للعرب، ويكون بغير ذلك

من أحوال األمم، وخواصهم ومميزاتهم، فتعميم القول في أهل جهة من جنوب أو(77)شمال بأنهم ولد فالن.. إنما هو من االغاليط«. فبقي المفهوم الساللي موضوعا

-71-

للتنازع داخل الجغرافيين والمؤرخين العرب المسلمين، الذين لم يصلوا إلى اتفاقحول تحديد قيمتة المعيارية، فضال عن تنازعه، في بعض مبادئه مع المبدأ اإلسالمي.

فقط كان ما يشغل بال ابن خلدون أثر البيئة والوسط الجغرافي، واختالف العمران في الخصب والجوع، والمعتدل من األقاليم والمنحرف، والهواء في حياة

البشر، وكل تلك المواضيع لم يحدث أن أخضعت - كما يقول كراتشكوفسكي، قبل ابن خلدون لفحص منظم، فمثل هذه األفكار لم تظهر في أوروبا إال ابتداء من مونتسكيو

m ntesquieu.)78(

العوامل اإلجتماعية السياسية التاريخية وحدود المعرفة ولعل طبيعة العالقة بين العرب المسلمين وشعوب الشرق األقصى، التي غلب

عليها الطابع السلمي، والحاجة لتبادل المنافع، هي التي عكست نفسها على المتخيل العربي عن الهنود والصينيين، وأضفت على مقاربتهم ألحوالهم وأساليب معاشهم،

ومستوى موقعهم الحضاري طابع الصدقية والموضوعية والتفهم. وال يمكننا في الخاتمة، إغفال الحدود التي وصلت إليها المعرفة العربية بعوالم شرق آسيا، على تكوني صورتهم عنها، علما أن معرفتهم تتضاءل طردا كلما اتجهنا مبتعدين عن الشواطئ الشمالية للمحيط الهندي، أو ابتعدنا شماال فيما وراء الحدود الصينية والهندية، فاضطر المؤلفون العرب عندها إلى ملء فجواتهم المعرفية بتحليالت ال ترتكز في أغلبها على وقائع،أو على شواهد معروفة، فازدادت، من جراء ذلك، سيرة األعاجيب والغرائب

على حساب المعطيات التجريبية. وبالنهاية، فإنه يمكن القول، إن معايير الثقافة العربية في النظر إلى اآلخر في الشرق األقصى، وفي بقية العالم، لم تدفع العرب إلى رسم حدودا ثقافية وحضارية

صارمة تفصلهم عن اآلخرين، أو تعلي من شأنهم عليها في شتى المجاالت، كالتي رسمها اإلغريق والروم فيما بينهم وبين األغيار، الذين سموهم: البرابرة، فالعرب - المسلمون لم يتخذوا من »دار اإلسالم« أو »دار الخالفة« حدا فاصال بين الحضارة والبربرية، أما ما ظهر منهم من أحكام تبدو قاسية على الشعوب، والثقافات، وخاصة على تلك التي تقطن في أقصى جنوب العمران أو في شماله، فقد كان نتيجة لتصوراتهم لتأثير البيئة األشد برودة،

واألشد حرارة، أوكان بتأثير حدود معرفتهم بتلك الشعوب، التي افترضوا أنها في نهاية العمران، أما األحكام »القاسية« التي أطلقوها أحيانا على بعض عادات، ومظاهر حياة

شعوب الشرق األقصى، ولغيرها، فكان لها ما يماثلها في أحكامهم التي طبقوها على بعض أجزاء ومدن البالد العربية اإلسالمية، وعلى األقوام التي تدخل في »دار اإلسالم«، أو حتى

العرب أنفسهم، فعلى الرغم من شعورهم المفعم بتفوق حضارتهم، وثرائها، ومنعتها، فإنهم لم يبخلوا حتى على مجالهم الحضاري نفسه بالكثير من النقد، أو التبخيس للحواضر

العربية، واإلسالمية، فإذا استثنينا شعورهم بالتفوق الديني، فإنهم طبقوا منهج كشف المثالب والفضائل عليهم، كما طبقوه على غيرهم، ويكفي أن نتذكر ما أورده ابن خلدون من أحكام قاسية، بل مجحفة، في حق أبناء قومه العرب، نال فيها من دورهم في مجال

الحضارة والعمران: »العرب أبعد الناس عن الصنائع والسبب في ذلك أنهم أعرق في البدو وأبعد عن العمران الحضاري وما يدعوه إليه من الصنائع وغيرها، والعجم من أهل

المشرق وأمم النصرانية عدوة البحر الرومي أقوم الناس عليها ألنهم أعرق في العمران«. -72-

(79)

وهو ما يظهر جليا، أيضا في ما يقوله المقدسي في بعض المدن العربية اإلسالمية، بل حتى في مكة نفسها: »وإيليا القدس تصلح ألهل الدين والدار، وأهل بغداد قليلو

األعمار، وصفاء نيسابور بالضد، وليس أكثر وال أرذل من مذكري نيسابور وال أطمع من أهل مكة، وال أفقر من أهل يثرب، وال أعف من أهل بيت المقدس، وال آدب من أهل هراة وبيار، وال أذهن من أهل الري، وال أنقب من أهل سجستان، وال أبخس من أهل

عمان، وال من أهل الري، وال أجهل من أهل عمان، وال أقبح من أهل خوارزم، وال أشرب للخمور من أهل بلعبك ومصر، وال أشغب من أهل سيراف، وال أعصى من أهل

سجستان، ودمشق، وال أشغب من أهل سمرقند والشاش، وال أوطأ من أهل مصر، وال(80)أبله من أهل البحرين، وال أحمق من أهل حمص...«.

لعل المسعودي في ترميزه لخصائص الحضارات الكبرى ممثلة بملوكها، قد قدم »الصورة النمطية« العربية عن تلك الحضارات، حيث تبدو كال منها حاملة خصالها الذاتية التي تميزها عن غيرها من الحضارات، وتتكامل في الوقت نفسه معها، وإلى جانب ذلك،

ورغم ثقته الكبرى بحضارته العربية - اإلسالمية، وهي التي كانت حينئذ في عز تألقها، فإنه لم يذكر العرب باإلسم، أو يذكر ملوكهم إال باعتبارهم ورثة للموقع الذي لعبه )ملوك بابل( في الحضارة من قبل،. فإلى جانب تأكيده على احتالل ملوك بابل للمكان األول بين

ملوك العالم قديما،ثم يليه ملك الهند لحكمته، ثم ملك الصين لسياسته وإتقانه الصنعة، وملك الترك للشجاعة، وملك الروم لرجاله، فيشرح قائال: »قد أقرت ملوك الصين

والترك والهند وزنج وسائر ملوك العالم لملك بابل بالتعظيم، وانه أول ملوك العالم، وأن منزلته فيهم كمنزلة القمر والكواكب، ألن إقليمه أشرف األقاليم، وألنه أكثر الملوك ماال

ثم يستدرك قائال: »هذا وصف ملوك( 81)وأحسنهم طبعا، وأكثرهم سياسة وأثبتهم قدما«. هذا اإلقليم فيما مضى، ال في هذا الوقت« هل يعني هذ االستدراك أنه يستبد مكانة ملوك

العراق،و الخالفة العربية اإلسالمية، آنئذ، بالموقع الذي كانت تحتله بابل؟ ثم ينتقل الحديث عن ملك الهند، على أنه يلي ملك بابل في األهمية، ألنه »ملك الحكمة، وملك

ثم يتلوه في المرتبة(82)الفيلة، الن عند الملوك االكاسرة، ان الحكمة من الهند بدؤها«. ملك الصين، وهو »ملك الرعاية والسياسة وإتقان الصنعة وليس في ملوك العالم أكثر

رعاية وتفقدا من ملك الصين لرعيته... وهو ذو بأس شديد، وقوة ومنعة، وله من الجنود و يتلو ملك الصين ملك من ملوك الترك صاحب(83)المستعملة والكراع والسالح« الكثير.

مدينة كوشان، وهو ملك الطغزغز من الترك: »ويدعى ملك السباع وملك الخيل، إذ ليس في ملوك العالم أشد بأسا من رجاله«. ثم يتلوه ملك الروم »ويدعى ملك الرجال، وليس

(84)في ملوك العالم أصبح وجوها من رجاله«.

( في السياق نفسه، على الصورة النمطية ذاتها حول937ه328lويؤكد ابن عبده )ت الحضارات الكبرى، وذلك على لسان كسرى، والنعمان أمير المملكة العربية الحدودية المحاذية لفارس قبل اإلسالم، في حديث حواري بينهما، بحضور وفود من الروم والهند

والصين،فجمع ابن عبد ربه في حديث النعمان وفي رد كسرى من عليه، ماأراد ،ن يعرضه من آراء حول األنماط الثقافية لألمم الكبرى في العالم وفي مقدمتها الصين والهند والعرب

والروم، إذ يبدأ النعمان بافتخاره »بالعرب وفضلهم على جميع األمم، ال يستثنى فارس

-73-

ويشيد بالعرب ويميزهم عن غيرهم »بعزها ومنعتها وحسن وجوهها، وبأسها(85)وغيرها«. فيتناول كسرى الحديث، وقد(86)وسخائها، وحكمة ألسنتها، وشدة عقولها وأنفتها ووفائها«.

استفزه أطناب النعمان قي فخره بقومهم، وأخذته عزة الملك: »يانعمان، لقد فكرت في أمر العرب، وغيرهم من األمم، ونظرت في حال من يقدم علي من وفود األمم فوجدت

الروم لهم حظ في اجتماع ألفتها، وعظم سلطانها، كثرة مدائنها، ووثيق بنيانها، وأن لها دينا يبين حاللها وحرامها... ورأيت الهند نحوا من ذلك في حكمتها وطبها، مع كثرة أنهار بالدها

وثمارها، وعجيب صنائعها، وطيب أشجارها، ودقيق حسابها، وكثرة عددها، وكذلك الصين في اجتماعها، وكثرة صناعات أيديها في آلة الحرب وصناعة الحديد، وفروسيتها وهمتها، أن لها

ويختم كسرى كالمه بالتبخيس بدور العرب، ردا على أطناب النعمان(87)ملكا يجمعها...«.بموقعهم.

-74-

الهوامش.325. ص1910- محمد الخضري. نور اليقينفي سيرة سيد المرسلين. القاهرة 1.66. ص 1992- حسين عويدات. العرب والنصارى. االهالي. دمشق 2.84-81. ص 1969. بيروت5. دار الكتاب العربي. ط1- أحمد أمين، صخر اإلسالم. ج3.223. بيروت بدون تاريخ ص 10. دار الكتاب العربي. ط1- عن أحمد أمين. صخر اإلسالم. ج4 - مونتغمري وات. الفكر السياسي اإلسالمي. )المفllاهيم األساسllية(. ترجمllة. صllبحي حديllدي، دار5

.76. ص 1981الحداثة بيروت .76- المصدر نفسه ص 6 - محمد نور الدين أفاية، الغرب المتخيل، صورة اآلخر في الفكر العربي اإلسالمي الوسيط. المركز7

.119 ص 2000الثقافي العربي. بيروت - الطاهر لبيب، اآلخر في الثقافة العربية. )في ندور صورة اآلخllر - العllربي نllاظرا ومنظllورا إليllه(.8

.210. ص 1999تحرير الطاهر لبيب، مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت - بوليانوفيتش كراتشكوفسكي. تاريخ األدب الجغرافي العربي. القسllم األول. ترجمllة صllالح الllدين9

-129. ص 1963عثمان هاشم. مراجعة ايغور باليف. اإلدارة الثقافية. في جامعة الllدول العربيllة. 132.

تحقيllق محمllد محي2- المسعودي. أبو الحسن علي بن الحسين مروج الذهب ومعادن الجوهر ج10.63-61. ص1964. القاهرة4الدين عبد الحميد. مطبعة السعادة. ط

.6. مصدر سابق. ص 1- أحمد أمين. صخر اإلسالم. ج11 - المقدسي. شllمس الllدين أبllو عبllد اللllه محمllد بن أحمllد بن أبي بكllر البنllاء البشllاري. أحسllن12

.1906. سllنة 2التقاسيم في معرفة اإلقاليم. طبع في مدينة ليدن المحروسllة. مطبعllة بريllل. ط.33-32ص

33- المصدر نفسه.ص13 . ترجمllة ابllراهيم خllوري. وزارة الثقافllة1. ق1- أندريه ميكيل. جغرافية دار اإلسllالم البشllرية. ج14

.275. ص1983 - ابن الفقيه. أبو بكllر أحمllد بن محمllد الهمllذاني. مختصllر كتllاب البلllدان. طبllع في مدينllة ليllدن15

.252 – 251. ص 1302المحروسة. بمطبع بريل سنة 233- المصدر نفسه. ص 16.4-3 ص 1956. دار الكتاب العربي.بيروت 2- عبد الحرمن بن خلدون. تاريخ ابن خلدون. ج 17147-146. ص 1. ق1- اندريه ميكيل. مصدر سابق. ج18 . تحقيllق وشllرح عبllد السllالم هllارون. مكتبllة1- الجاحظ أبو عثمان بن بحر /رسllائل الجاحllظ. ج19

.67. ص 1964الخانجي. القاهرة 73- المصدر نفسه. ص 20.67- المصدر نفسه. ص21.67- المصدر نفسه ص 22.68- المصدر نفسه ص 23.71- المصدر نفسه ص 24.62- المصدر نفسه ص 25.37- المصدر نفسه ص 26

- الجاحllظ. الحيllوان. الكتllاب األول. الجllزء األول تحقيllق عبllد السllالم هllارون مكتبllة ومطبعllة27 .44-43. مصر. بدون تاريخ ص 2مصطفى البابي الحلبي وأوالده.ط

65. ص 1965- د. وديعة طه نجم. الجاحظ والحاضرة العباسية. مطبعة اإلرشاد. بغداد 28 2001- د. محمد عابد الجابري. العقل األخالقي العربي، مركز دراسات الوحدة العربيllة. بllيروت. 29

.198ص .203- المصدر نفسه ص 30 .202- المصدر نفسه ص 31

-75-

- ابن قتيبة. عبد لله بن مسllلم بن قتيبllة الllديوري. من عيllون األخبllار منشllورات وزارة الثقافllة.32.47. ص 1977دمشق.

.55- المصدر نفسه ص 33.218- الجابري. العقل األخالقي. مصدر سابق. ص 34.394- المصدر نفسه ص 35. 395- المصدر نفسه ص 36 - أبllو الحسllن العllامري. كتllاب األعالم ومنllاقب اإلسllالم. تحقيllق أحمllد عبllد الحميllد غllراب. دار37

/72-17. ص /1988األصالة. الرياض .407- الجابري. العقل األخالقي... مصدر سابق. ص 38

- مسكويه. أبو علي أحمد بن محمد. الحكمة الخالدة. حققه وقدم له عبد الرحمن بllدوي. مكتبllة39 .10. ص 1952النهضة المصرية.

- أبو حيان التوحيدي، علي بن محمد بن العباس. كتاب اإلمتاع والمؤانسة. صllححه وضllبطه أحمllد40.73أمين واحمد الزين. منشورة دار الحياة. بيروت بدون تاريخ. ص

.74- المصدر نفسه.ص 41.74- المصدر نفسه. ص 42 - صاعد األندلسي. أبو القاسم صllاعد بن احمllد التغلllبي. طبقllات االمم. تحقيllق حيllاة العيllد بllو43

.33 ص 1985علوان. دار الطليعة. بيروت .34-33- المصدر نفسه ص 44

.39- المصدر نفسه ص 4540 – 39- المصدر نفسه ص 46

.45- 43- المصدر نفسه ص 47.51 – 50- المصدر نفسه ص 48 .53- 52- المصدر نفسه 49 41 – 40- المصدر نفسه 50

.41- المصدر نفسه ص 51.42- المصدر نفسه ص 52.44 - 43- المصدر نفسه ص 53.51 – 50- المصدر نفسه ص 54

. بllدون تllاريخ. ص10- أحمد أمين. ضحى اإلسالم. الجزء األول. دار الكتاب العllربي. بllيروت ط55 234.

- القفطي جمال الدين علي بن يوسف بن ابراهيم بن عبد الوهاب. أخبار العلماء بأخبار الحكمlاء.56266. ص 1903ليبسك

-ابن رسته.أبو علي احمllد بن عمllر. كتllاب االعالق النفيسllة. الجllزء السllابع. تحقيllق دي خويllه.57.103-102. ص 1992مطبعة بريل.

- ابن رسته أبو علي أحمد بن عمر. كتاب االعالق النفيسة. المجلد السابع. طبع في مدينllة ليlدن58 .102- 101. ص 1892المحروسة، بمطبعة بريل. سنة

.102- المصدر نفسه ص 59 ز تحقيllق محمllد1- المسعودي أبو الحس علي بن الحسين. مروج الllذهب. ومعllادن الجllوهر. ج60

.87. ص 1964. القاهرة. 4محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة. ط 56 ص 2000 إعداد قاسم وهب وزارة الثقافة.دمشق، 1- المسعودي. التنبيه واإلشراف قسم 61

–58. - س.م. ضياء الدين علوي. الجغرافية العربية في القرنين التاسع عشر والعاشر ميالديين... نسخة62

مصورة في المكتبة الوطنية بحلب..64- المسعودي. التنيه واإلشراف. القسم االول. مصدر سابق. ص 63 . القllاهرة2- د. حسllين مllؤنس. تllاريخ الجغرافيllة والجغرافllيين في االنllدلس. مكتبllة مllدبول ط 64

.8ص 1986

-76-

.18- كراتشكوفسكي مصدر سابق ص 65 - اليعقllوبي. أحمllد بن أبي يعقllوب. كتllاب البلllدان. تحقيllق مخائيllل بllانوس. دي خويllه. ليllدن.66

.3-2ص 18602-1- المقدسي. شمس الدين أبو عبد الله. مصدر سايق. ص 67.101- كراتشكوفسكي. مصدر سابق ص 68

.94. ص 1978. بيروت. 2- شاكر مصطفى. التاريخ العربي والمؤرخون.. ج69 92.ص1991- عزيز العظمة، العرب والبرابرة، المسلمون والحضارات االخرى. الريس لندن. 70 .1972- عمر رضا كحالة. التاريخ والجغرافيا في العصور اإلسالمية.المطبعllة التعاونيllة. دمشllق 71

.73ص .51- 19. ص 1983- عبد العزيز الدوري، بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب بيروت 72

. بllيروت.2- المسعودي. اخبار الزمان ومن أبllاده الحllدثان. وعجllائب البلllدان. دار األنllدلس. ط73 .92-91. ص 1966

.20. بيروت دار صادر. ص 1- اليعقوبي أحمد بن يعقوب تاريخ اليعقوبي. ج74 .154- 146- المسعودي التنبيه واإلشراق. قسم أول مصدر سابق. ص 75

- الدمشقي. شيخ الربllوة.محمllد بن أبي طllالب األنصllاري.كتllاب نخبllة الllدهر في عجllائب الllبر76266.ص1865والبحر.طبع مدينة بطربورغ المحروسة في مطبعة األكادمية األمبراطورية

.85- ابن خلدون عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون، دار القلم. بيروت. بدون تاريخ. ص 77.444- كراتشكوفسكي. مصدر سابق. ص 78 .404. ص 1978- ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون. دار القلم. بيروت 79

.34- المقدسي. أحسن التقاسيم... مصدر سابق. ص 80.160-159. مصدر سابق. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج81.160- المصدر نفسه ص 82

160- المصدر نفسه ص 83 160- المصدر نفسه ص 84 - ابن عبد ربه. أحمد ابن محمد االندلسي. العقد الفريد. الجزء األول. تحقيق. محمد سيد العريان،85

228. ص1953. القاهرة 2المكتبة التجارية الكبرى. مطبعة االستقامة.ط229- المصدر نفسه. ص86228- المصدر نفسه، ص87

-77-

الشرق شعوب صورة8م– األقصى

الفصل الثالث

في المتخيلوقع شعوب الشرق األقصى الكوني مالعربي

قدمت الثقافة العربية العديد من التصورات حول العالم، ومواقع األمم المختلفة فيه، قبل أن تستلهم فكرة األقاليم، التي اقتبستها في البداية، عن الفرس والهند،، ثم

عن التصورات اليونانية، التي تحولت إلى مرتبة الهيمنة تدريجيا. ففي وقت مبكر، تداول المصنفون العرب متخيال عن العالم نسبوه لعبد الله بن

عمرو بن العاص، يبدو فيه العالم على »صورة طائر : فرأس الدنيا الصين، وخلف الصين أمة يقال لها واق واق، ووراء واق واق من األمم ما ال يحصى إال الله، والجناح

األيمن الهند، وخلف الهند البحر وليس خلفه خلف، والجناح األيسر الخزر وخلف الخزر أمتان يقال ألحدها منشك وماشك وخلف منشك ومانشك يأجوج ومأجوج، ومن األمم ال يعلمها إال الله، وصدر الدنيا: مكة والحجاز والشام والعراق ومصر، والذين من ذيل

(1)الحمام إلى المغرب«

على الرغم من التدقيقات، والتحسينات التي أدخلوها على هذا المتخيل، إال أن المؤلفين العرب أبقوا على معان مهمة منه ضمنوها في تصوراتهم الالحقة للعالم، كفكرة

التفاضل التكاملية بين أمم األرض، على شكل أعضاء في كائن عضوي واحد، هو هنا الطير، تحتل فيه الصين موقع الرأس والهند موقع الجناح األيمن بكل ما يحمله هذا من

مغزى، في مقابل الصدر - القلب الذي أعطوه لدار العرب والمسلمين.

-78-

أما عن الحدود القصوى الجنوبية، والتي هي خلف الصين فهناك أمة يقال لها »واق واق«، وهي في نهاية العمران، أو هو البحر الذي خلف الهند أي )المحيط الهندي(، والذي

)ليس خلفه خلف(، أي آخر حدود العالم، أما الحدود الشمالية المحاذية للصين فهناك شعوب يأجوج ومأجوج ومانشك وماشك. فلقد بقيت تلك التصورات عالقة في المتخيل

العربي عن العالم رغم االكتشافات الكبرى التي أنجزوها، والمعارف التي حصلوا عليها عبر رحالتهم وعلومهم المتراكمة، علها كانت تغطي بعض الفجوات المعرفية لديهم / أو التي

بقيت غامضة عندهم، أو كانت نتيجة تأثر نظريات بطليموس، التي استحوذت على سلطة معرفية قوية عليهم، علما أن معرفة العرب »تجاوزت بصورة ملحوظة حدود العالم كما عرفه اليونان والرومان، فإن معرفة األخيرين بالبالد الواقعة إلى الشرق من بحر قزوين كانت ناقصة، كما لم تكن لديهم أية فكرة عن الساحل الشرقي آلسيا إلى الشمال من الهند والصين، بينما عرف العرب طريق اليابس الذي يرتفع إلى أعالي نهر أرتيش ونهر ينس، وعرفوا سواحل آسية إلى كوريا شماال، وال يزال موضع شك معرفتهم المباشرة

(2)باليابان«.

وتداول المؤلفون العرب أيضا تصورا يقسم األرض إلى أربعة أقسام أو قارات وضعوا الهند والصين في إقليم واحد مع بالد العرب الجنوبية. »فمنها أورفى: وفيها

األندلس والصقالية، والروم والفرنجة، ولوبية: وفيها مصر والقزم والحبشة والبربر وما واالها وأتيوفيا: وفيها تهامة واليمن والسند والهند والصين. واسقوتيا: وفيها أرمينيا

(3)وخراسان والترك والخزر«.

كما أنهم قسموا المعمورة إلى سبعة أقاليم نسبوا كل منها إلى أمة كبرى، وخصوا لكل من الهند، والصين إقليما خاصا بهما، إذ قالوا »إن األقاليم سبعة، إقليم في أيدي العرب وإقليم في أيدي الروم، وإقليم في أيدي الحبشة، وإقليم في أيدي

الهند، وإقليم في أيدي الترك، وإقليم في إيدي الصين، وإقليم في أيدي يأجوج(4)ومأجوج«

وقدم المسعودي عرضا آخر، أكمل فيه هذا التقسيم، وذلك بنسبة األمم العظمى إلى خمسة ملوك، يرمز كل منهم إلى خاصة تتميز بها األمة عن غيرها من األمم،

بمقدار ما تكملها، وتعاضدها في الخصال والسجايا، بقوله »أوسع الملوك الخمسة ملكا الذي يملك العراق، وامبراطور الصين »ملك الناس«، ألنه ال أحد من الملوك

أسوس منه، وال أضبط لملكه، وملك الترك هو »ملك السباع« وهو كناية عن شجاعة شعبه، وملك الهند »ملك الحكمة« و»ملك الفيلة« الشتهار أهله بالحكمة، وشهرتهم

ويذهب ابن(5)بامتالك الفيلة، وملك الروم ملك الرجال ألنه أمته »األحسن وجوها«. الفقيه في السياق نفسه، نقال عن يحيى بن خالد البرمكي، وذلك بقوله »فأما ملك

األثاث فهو ملك الصين )وهو كناية عن إتقانهم للصناعات الحرفية(، وملك الدواب ملك(6)الترك،وملك المال ملك العرب، وملك الفيلة ملك الهند، وملك األكسير ملك الروم«

-79-

وقد ساهمت »الجغرافية« في تشكيل صورة العرب عن العالم، وعن موقع الصين والهند فيه، وال سيما في القرن التاسع الميالدي الذي كان بحق عصر انبثاق

العلوم الجغرافية العربية، ومصنفاتها الكبرى، وأنماطها المتعددة، الفلكية، والوصفية، والبدائية، وما تفرع عنها من مدونات الرحالت في اتجاهات العالم كافة، وقدمت تلك

الجغرافية، في جملة ما قدمت، فكرة »األقاليم«، في تحديداتها للمكان، وأفسحت فيه المجال الستخدام هذا المفهوم تبعا للتقاليد المدرسية المختلفة، كما أنضجت تصور

العرب »العلمي« للعالم، ولشكل الكرة األرضية، وموقع األقاليم المختلفة، واألمم بما فيه الصين والهند عليها، وأيضا البحار واليابسة، والقسم المغمور فيها، فتوصلوا، أثناء

ذلك، إلى ما يشبه اإلجماع، إلى النظرية القائلة: »إن األرض ذات الشكل الكروي تقف بال حراك في مركز الكون، وتدور الشمس والقمر، والكواكب والنجوم حولها متخذة شكل الدوائر« وهي نظرية اقتبسوها عن اليونان، عن طريق أرسطو، وبطليموس،

وحسب تعبير ابن الفقيه الهمذاني »إن األرض مدورة كتدوير الكرة موضوعة في جوف الفلك، كالمحة في جوف البيضة، النسيم حول األرض وهو جاذب لها من جميع

جوانبها إلى الفلك... واألرض مقسومة نصفين بينها خط االستواء وهو من المشرق إلى المغرب، وهذا طول األرض، وهو أكبر خط في كرة األرض، كما أن منطقة البروج

أكبر خط في الفلك... واستدارة األرض في موضع خط االستواء ثالثمائة وستون درجة، والدرجة خمسة وعشرون فرسخا، والفرسخ اثنا عشر ألف ذراع والذراع أربعة

(7)وعشرون إصبعا... فيكون بذلك تسعة آالف فرسخ«.

وكان العرب قد أخذوا، عن اليونان، النظرية القائلة بأن القسم المعمور من األرض يقتصر على الربع الشمالي منها، الذي يشمل أوروبا وآسيا وقليل من شمال

أفريقيا شمال خط االستواء، الذي يمتد طوليا إلى مائة وثمانين درجة، أي نصف القطر الملتف حول منتصف الكرة األرضية، يبدأ من حدود جزيرة الخالدات في بحر

أوقيانوس الغربي )المحيط األطلسي( في أقصى الغرب إلى أقصى العمران مشرق الصين في جزيرة سيلي، التي يعتقد البعض أنها اليابان أو كوريا، فمتى غابت الشمس

عن أقصى بالد الصين، في الشرق األقصى للعالم المعمور ظهرت في جزائر الخالدات، في نهاية العالم المعمور في الغرب، أما العرض، أي عرض المعمور من

األرض، من الشمال إلى الجنوب، فيبدأ من خط االستواء أو حواليه إلى ناحية الشمال أما ثالثة أرباع الكرة األرضية(8)حيث ينتهي إلى جزيرة تولي، التي هي في بريطانيا.

الباقية، فهي أرض يباب، ينعدم فيها العمران، فهي الجانب المغمور بالماء، الذي يحيط اليابسة من جميع اتجاهاتها، لذا يسمى البحر المحيط، فالجانب المغمور يعادل ثالثة

أرباع الكرة األرضية، وهو مغمور بمياه المحيط، »فالخلق في الربع الشمالي من األرض، والربع الجنوبي خراب، والنصف الذي تحتنا )أي في الجهة األخرى من الكرة

(9)األرضية( ال سكن فيه«

-80-

فاألرض القفر تقع في أقصى الشمال، وفي أقصى الجنوب، إذ تنتهي العمارة شماال عند الدرجة ستين عند جزيرة تولى، يبدأ بعدها القفر، وينتهي العمران في

ويذهب ابن خرداذبة إلى(10)الجنوب تحت خط االستواء عند الدرجة تسعة عشر تقريبا. »أن عمارة األرض بعد خط االستواء )جنوبا( أربعة وعشرون درجة، ثم الباقي من غمره

البحر الكبير، فنحن في الربع الشمالي من األرض، والربع الجنوبي خراب لشدة الحر(11)فيه، والنصف الذي تحتنا ال ساكن فيه«.

وأن العامل الحسم في وفرة العمران أو تضاؤله، واختفائه، فيتعلق عندهم بدرجات الحرارة، فتتوقف الحياة عندما تزداد الحرارة إلى حد اإلفراط في أقصى

الجنوب، أو إلى حد اإلفراط بالبرودة في أقصى الشمال، ويلخص المسعودي األمر بقوله فاألرض قسمان »أحدهما مسكون واألخر غير مسكون، والعامر منهما أقسام،

أحدهما مفرط الحر، وهو ما كان على جهة الجنوب، )وفيه قسم من بالد الصين والهند وبحرهما( ألن الشمس تقترب منه، فيلتهب هواءه.. واآلخر الشمالي مفرط البرد لبعد الشمس عنه، وأن المشرق والمغرب معتدالن وإن كان فضل الشرق أظهر واعتداله

(12)أشهر )وهو حكم ينطبق على بالد العرب والمسلمين وأهل الصين والهند(.

أما خارج المعمور من األرض فأكثره من البحار، أو قفار غير مسكون، إذ أن ثالثة أرباع الكرة األرضية تغمرها المياه، التي تحيط اليابسة على شكل »بحر محيط مظلم«، وكان عند العرب فكرة قريبة الصحة عن منابع النيل، ونهر طنايس )نهر الدون( وبحيرة مايطس )بحر آزوف( ونهر دنيه )نهر دنيبر( ونهر آيتل )نهر الفولغا(، وبحر تيطس )البحر

األسود( وبحر الخزر )بحر قزوين( وبحيرة خوارزم )بحيرة آرال(، ونهري سيحون وجيحون )نهري ساراداريا وأموداريا(، أما المحيط المظلم، أو ما سموه بالبحر المحيط، وهو

المحيط باليابسة، أو باألرض المعمورة، فقد تعرفوا على أجزاء كبيرة من سواحله، وال سيما سواحله الغربية )األطلسي(، ومنها جزر الخالدات التي نظروا إليها على أنها آخر

(13)المعمور من األرض غربا، وأيضا على الساحل األفريقي الشرقي والمحيط الهندي

وجزء من المحيط الهادي، إلى جزيرة سيال، التي يعتقد أنها اليابان أو كوريا، وعلى حافةالسواحل الصينية في الشرق.

-81-

م(: سمي محيطا إلحاطته بجميع القدر المكشوف1335ه - 732يشرح أبو الفداء ) . ويشرح(14)من األرض، ولهذا كان يسميه أرسطو اإلكليلي، ألنه حول األرض كاإلكليل«

البيروني »فالمعمورة إذن في ربع من أرباع األرض، ويطيف به بحر يسمى في جهتي ولقد أطلقوا على البحر المحيط أحيانا أسمي: البحر(15)المغرب والمشرق محيطا«

األخضر، األوقيانوس وأحيانا أخرى أطلقوا هذين اإلسمين على المحيط األطلسي، فهذا المسعودي »اما البحر المحيط الذي هو عند أكثر الناس معظم البحار وأنها معه متشعبة،

ويسميه كثير منهم األخضر، ويسمى باليونانية أوقيانوس، وأكثر نهاياته مجهولة عند بطليموس وغيره فإنه يبتدئ من نهاية العمارة في الشمال إلى أن يصير إلى المغرب

وينتهي إلى نهاية العمارة في الجنوب، ليس له نهاية في غربية وال شمالية نهاية محدودة، (16)ويتصل ببحر الصين مما يلي الزابج وجزائر المهراج )الجزر االندونيسية( وشالهط«

ويأخذ هذا البحر المحيط في استدارته على اليابسة، أو على حافة العالم المعمور، أسماء البالد التي يحفها، فهو في أقصى الغرب يحاذي الساحل الغربي ألفريقيا، ويسمونه أحيانا األقيانوس أو البحر األخضر، وحسب أبو الفداء »إن جانب المحيط الذي على ساحله بالد

ويشرح ابن رسته »وبحر(17)الخالدات«المغرب، يسمى أقيانوس، وفيه الجزائر منه إال ما يلي المغرب، والشمال مناوقيانوس هو بحر المغرب - البحر األخضر- ال يعرف

أقصى أرض الحبشة )أفريقية الغربية( إلى بريطانية، وهو بحر ال تجري فيه سفن، وفيه ستة جزائر مقابل أرض الحبشة )أفريقية( تسمى الجزائر الخالدات )الكناري(، وجزيرة

وال يعلم أحد حسب اإلدريسي، »ما خلف هذا(18)أخرى تسمى غديرة )لعله يقصد اآلزوري( البحر المظلم، وال وقف بشر على خبر صحيح لصعوبة عبوره وظالمة أنوائه وتعاظم موجه،

(19)وكثرة أهواله، وتسلط دوابه وهيجان رياحه«

كما أطلقوا على جزء )البحر المحيط( الذي يحف أطراف الصين، من أقصى الشرق المعمور، اسم »البحر الزفتي«، أما البحر الذي يحاذي الصين في الجنوب فيسموه البحر الصيني، ويأتي بعده البحر الهندي، ويسمون أحيانا البحار المحاذية

لجنوب الصين والممتدة إلى سواحل أفريقية الشرقية، البحر الهندي، أو البحر الصيني، أو يطلقون عليه اسم المنطقة المحاذية له، يذكر اإلدريسي »البحر الصيني المسمى

بحر صنخي ومن الناس من يسميه بحر الصنف، ورأسه ومبدؤه من البحر المحيط المسمى هناك البحر الزفتي، ألن ماؤه كدر وريحه عاصفة والظلمة ال تزال واقعة عليه

في أكثر األوقات، ويتصل هذا البحر الزفتي بالبحر المحيط المتصل ببالد يأجوج(20)ومأجوج«

-82-

فقد تصوروا أن الجزء من البحر المحيط، الذي يحاذي الصين من الشرق هو نهاية المعمور من األرض، وله رائحة عكرة، ويتصل بالجنوب في بحر الصين، ويؤكد على هذا غالبية المؤلفين العرب، فيذكر الدمشقي »قال أهل العلم... إن في جهة أقصى الشرق ساحل البحر المحيط الشرقي، ويسمى البحر الزفتي لشدة ظلمته وسواده، ويستأنف القول: »قال أهل العلم بذلك أن في البحر الزفتي المشرقي ما هو وراء جبال النشادر

واألخوار، قريب من سواحله ست جزائر كبار تسمى بالسيلي لما فيه من الياقوت فالبحر الزفتي الذي يحاذي جزيرة السيلي، يقف مع( 21)والجواهر والمعادن والمغاصات«

هذه الجزيرة في نهاية العالم المعمور وسيلي هذه، يعتقد الباحثون المعاصرون أنها اليابان أو ربما هي كوريا، وهو ما أكده المسعودي أيضا، أنه ليس بعد هذا البحر »ممالك

(22)تعرف وال توصف، إال بالد السيلي وجزائرها«

م( المؤرخ الكبير، أن االسكندر عندما أراد891ه - 282وكان قد أشار الدينوري ) االجتياز إلى »أرض الشرق" قال له وزراؤه: كيف يمكنك االجتياز إلى مطلع الشمس

من هذه الجهة، ودون ذلك البحر األخضر وال تعمل فيه السفن ألن ماءه شبيهة بالقيح،(23)وال يصبر على نتنه أحد«

ويحيط بالحافة الجنوبية لشرق األقصى، جزء آخر من البحر المحيط المظلم، تتحدد أسماؤه حسب الجهات التي يحاذيها: البحر الصيني، والبحر الهندي، وبحر فارس إلى بحر الزنج، والقلزم ويطلقون على هذه األجزاء كلها أحيانا اسم البحر الصيني، أو

البحر الهندي، وحاولوا تقدير في امتداده ومساحته، يشير المسعودي »فأما البحر الهندي فإنه يمتد طوله من المغرب إلى المشرق، وذلك من أقصى الحبشة إلى

(24)أقصى الهند، ويكون ذلك مقدار ثمانية آالف ميل «

وهذا اإلدريسي يعدد تسميات هذا البحر، فبعد أن يلفت نظرنا بأن العالم المعمور بأقاليمه السبعة، تخترقه سبعة بحور متصلة، وواحد منفصل هو بحر الخزر )قزوين(،

يقول إن: أحد البحور التي في األرض المعموره هو بحر الصين والهند والسند واليمن وينتهي في باب المندب... وهناك يبلغ طوله فيما حكاه الثقاة والمسافرون.. من مبدأ بحر القلزم إلى الواق واق أربعة آالف فرسخ وخمسمائة فرسخ وفيه من الجزائر نحو

ويطلقون أحيانا على هذه البحار الجنوبية كلها(25)ثالث مائة جزيرة بين عامره وخاليه« اسم »البحر الحبشي« وهو ما يشير إليه المسعودي بقوله: »البحر الحبشي، هو بحر الصين، والسند والهند، والزنج، والبصرة، واألبله وفارس، وكرمان، وعمان، والبحرين والشحر، واليمن، وإيله، والقلزم، والحبشة... وطوله... ثمانية آالف ميل، وعرضه في

(27)الشمال ألفان وسبعمائة، وقيل ألف وتسعمائة«

-83-

ويتصل )البحر الزفتي(، الذي يحاذي الصين من الشرق، بالبحار التي تحيط شمال أوروبا وتتصل بدورها بالبحر األخضر )األطلس(، كما أنه يتصل بالجنوب بما كانوا يسمونه بالبحر الصيني، أو الهندي، أو الحبشي، ليتصل بالنهاية بالبحر األخضر )األطلس(، وهكذا

تتصل أجزاء )البحر المحيط( ببعضها لتحيط اليابسة في اتجاهاتها كافة، وهو ما يصوره أبو الفداء بقوله عن )البحر المحيط( »يمتد شرقا وشماال حتى يتصلب ببحر الصين والهند،ثم

يأخذ مشرقا حتى يسامت نهاية األرض الشرقية المكشوفة، وهناك بالد الصين، ثم ينعطف في شرقي الصين إلى جهة الشمال، ثم يمتد شماال على شرقي بالد الصين،

حتى يتجاوز بالد الصين، ويسامت سد يأجوج ومأجوج ثم ينعطف ويستدير على أرض غير معلومة األحوال ويمتد مغربا ويصير جهة الشمال عن األرض، ويسامت بالد الروس

ويتجاوزها، ويعطف مغربا وجنوبا. ويستدير على األرض ويصير من جهة الغرب، ويمتد ، فإذا كنا قد(28)على سواحل أمم مختلفة من الكفار حتى يتجاوزها إلى سواحل األندلس

عرفنا أن الشرق األقصى، المقذوف على أطراف العالم المعمور في الشرق، تحيطه المياه من الشرق )البحر الزفتي(، ومن الجنوب بl »البحر الصيني - الهندي(، فإن من

الشمال تحيطه العوالم الغامضة، تختلط فيها صور شعوب غريبة األطوار »يأجوج أو البحار الملتفة حول اليابسة من الشمال، أما في الشرق، فتفصله عن بالدومأجوج«،

»التخوم والثغور«، التي ظلت ثابتة في المخيلة العربية لقرون طوال، قبل أناإلسالم أمام اندماج الهند كلها في بوتقة اإلسالم، وتحت سيطرة نخب حاكمة مسلمة.تنزاح

كان الباحثون العرب يميزون في مخيلتهم عالم »الشرق األقصى« كمجال جغرافي محدد بوضوح، أطلقوا عليه اسم »الشرق األقصى« تارة، طالما أن »أقصى العمران

في المشرق األقصى حدود بالد الصين والسيلي إلى أن ينتهي ذلك إلى ردم يأجوج وتارة أخرى يطلقون عليها اسم »آسيا« ينقل ياقوت الحموي عن أبي ،(29)ومأجوج«

ريحان البيروتي قوله: »كان اليونان يقسمون المعمورة من األرض بأقسام ثالثة: لوبية، وأورفى، ثم قال: وما استقبل هاتين القطعتين من الشرق يسمى: آسيا، ووصف

بالكبرى، آلن رقعتها أضعاف اآلخرين بالسعة، ويحدها من جانب الغرب النهر والخليج إلى البحر الغربي غرب أفريقيا. المذكوران الفاصالن إياها عن أورفي، ومن جهة

الجنوب بحر اليمن والهند، ومن الشرق أقصى أرض الصين، ومن الشمال أقصى أرض(30)الترك وأجناسهم«

ولقد أخضعوا العالم المعمور لتقسيمات »أقاليمية« مختلفة، احتلت فيها أمم الشرق األقصى مكانا خاصا، وعندما استعرض البيروني مختلف الطرق المتبعة في

تقسيم الربع المعمور من األرض، أتى إلى الفرس فشرح كيفية تقسيمهم للمعمورة إلى سبع أقاليم أو مناطق تسمى )كشورات( وجعلهم )إيرانشهر( أو )بابل( الكشور

الرابع األوسط، والكشورات الست تحيطان به من جميع أطرافه، وعلى هذا يقع الكشور األول، وهو )الهند( في الشمال الغربي، والثاني وهو )المغرب( في الشمال،

والثالث وهو )الشام( في الشمال الشرقي، والخامس وهو )الروم( والصقالية في الجنوب الشرقي، والسادس وهو )الخزر والترك( جنوبا، والسابع وهو )الصين( والتبت

(31)في الجنوب الغربي.

-84-

وكما مر معنا، فإن العرب بدأوا بإعطاء األقاليم مفهوما جغرافيا، منذ القرن الثالث هجري، مع تحديداته البيئية البشرية الالزمة له، إال أنهم أعطوه على األقل ثالثة معاني،

أول تلك المعاني التي تجلت في استعمالهم الخاص له،عكس منهجيتهم العربية الخاصة، وهي التي تجلب في دراساتهم )البلدانية( وفي »المسالك والممالك« وفي »أدب

الرحلة« فأخذ هنا معناه الجغرافي البشري بحق، رسموا فيه،ناحية مشتملة على عدة مدن وقرى على انه إقليم خاص، أما االصطالح الثاني فقد أتاهم تأثرا بمذهب السند هند، وبالمذهب الهرمسي اإليراني، قسموا الممالك المحيطة )بايرانشهر( إلى كشورات سبع

تدور ستة منها حول إقليم إيراتشهر، فطوره العرب، ليحيلوا العراق محل إيران شهر، أي إقليما مركزيا. وخصوا لكل من الصين والهند بإقليم مميز في هذا التقسيم، ويشرح

المسعودي هذا المذهب "وذهب هرمس في متبعيه من المصريين، وغيرهم إلى أن في الجنوب سبعة أقاليم، كما هي في الشمال، وكان يجعل قسمة أقاليم العمران من

الشمال مدورة، فيجعل اإلقليم الرابع، وهو إقليم بابل واسطا لها، وستة دائرة حوله، وأن كل إقليم سبعمائة فرسخ في مثله، فاألقليم األول: الهند، والثاني: الحجاز والحبشة، والثالث: مصر وأفريقية، والرابع: بابل والعراق، والخامس: الروم، والسادس: يأجوج

)وماجوج، والسابع: بوماريس، والصين، يبتدئ جميعها من المشرق مما يمر ببالد الصين"

ويعطي المسعودي لإلقليم الرابع، الذي فيه بابل، العراق أهمية خاصة، إذ يقول:(32 »ونحن ذاكرون اإلقليم الرابع وما بان به عن سائر األقاليم، وجاللة صقعه، وشرف

ولعل مفهوم مركزية »دار اإلسالم« ممثلة بعاصمتها الروحية: »مكة«(33)محله«. وعاصمتها السياسية: بغداد، قد اقتبسه العرب من المفهوم الجغرافي اإليراني، إال أن هذا

المفهوم أخذ ينافسه مفهوما فلكيا لألقاليم، بتأثير الترجمة عن اليونانية، وهذا ما تجلى في »خريطة المأمون« التي أنجزها عدد من العلماء العرب، والتي عربت األسماء

الكالسيكية اليونانية، وعبرت بعمق عن ثقة العرب بعلو مكانتهم في العالم، وقد فاقت هذه الخريطة ما تقدمها من دراسات في الجغرافية، بما فيها دراسات بطليموس الذي

كان لتأثير مؤلفاته دورا حاسما في تحول العرب منذ القرن التاسع ميالدي، نحو الجغرافية الفلكية تأثرا بما أرساه بطليموس من قواعد، وال يمكن إغفال المكانة الهامة

م( صاحب كتاب »صورة835ه - 220للخوارزمي / أبو عبد الله محمد بن موسى ) األرض« الذي يسترعي االنتباه بشكل خاص تقسيمه للربع المعمور من األرض إلى سبعة

أقاليم، ممتدة عرضيا بموازاة خط االستواء شماال من المشرق إلى الغرب، على الطريقة البطليموسية، تمتد األقاليم واحدها فوق اآلخر من الجنوب )خط االستواء( إلى

الشمال حتى نهاية العالم المعمور، وكما يقول اإلدريسي »وهذا الربع المسكون من األرض قسمته العلماء سبعة أقاليم، كل إقليم منها مار من المغرب إلى المشرق على

خط االستواء، وليست هذه األقاليم بخطوط طبيعية ولكنها وهمية محدودة موجودة(34)بالعلم النجمي«.

-85-

ثم أصبحت هذه الطريقة مذهبا شائعا في المصنفات الفلكية العربية، فقد اتبعها الفرغاني، وسهراب والبيروني واعتمدها اإلدريسي، وابن سعيد المغربي، والكثير من

الجغرافيين كابن خرداذبة، وابن رسته، وابن الفقيه، واليعقوبي، بعد أن جمعوا بين األخذ بهذا التقسيم، والطريقة األخرى التي تجعل العراق وسط األقاليم، وتدور حولها

الستة الباقية. وافترضوا على أساس تقسيمهم الفلكي لألقاليم، كأحزمة عرضية متخيلة فوق

خط االستواء، أنه كلما أمعنا جنوبا باتجاه خط االستواء زادت الحرارة شدة، وأشد األقاليم حرارة هو اإلقليم األول، ويليه الثاني، وهي األقاليم التي تقع في الصين،و الهند

وأيضا بالد العرب الجنوبية، وكلما ذهبنا شماال ازدادت حدة البرودة حتى تصل إلى أشدها في اإلقليم السابع، الذي تقع فيه شمال الصين، والهند، والشعوب المجاورة لها

في الشمال وال سيما قوم يأجوج وماجوج، والترك. أما خارج األقاليم السبعة هذه شماال جنوبا، فتنعدم فيها فرص الحياة، وهو ما عبر عنه ابن رسته »أرضون مجهولة لم يصل إليها أحد، وال أذكر أحدا أنه عاين أحدا من تلك األرضين، فال يعلم فيها من

نبات أو حيوان، إال أنه قد. نعلم اضطرارا )بالضرورة الطبيعية( أنه غير ممكن أن يكون (35)في المطالع )األماكن( التي يفرط حرها أو بردها حيوان أو نبات«.

lرlيlغ lمlلlعاlلlلlو l،lءlاlوlتlالسlا lطlخlن لlاlيlذlاlحlمlلlا lيlنlاlثlلlا lمlث l،lألولlا lمlيlلlإلقlا lنlإlف lاlذlه lىlلlوع lهوlف lعlبlاlرlلlا lمlيlلlإلقlا lاlمlأ l،lةlيlاقlلبlا lمlيlالlألقlن اlيlب lةlرlاlرlح lدlألشlا lاlمlه l،lضlألرlا lنlم lرlوlمlعlلمlا lمlيlلlإلقlا lهوlو l،lةlارlرlحlلlوا lةlدlوlرlبlلlط اlسlوlتlم lهlألن lةlدlيlلجlا lهlاlيlاlزlم lذlأخlيlو l،lمlيlالlألقlا lطlسlوlتlي

lنlبlا lىlلlإ lرlوlصlلتlا lاlذlه lرlيlثlأlت lلlصlو lقدlل l،lةlارlضlحlلlا lضlهوlلنlو l،lنlاlرlمlعlلlل lةlمlالءlم lرlألكثlا خلlدlوlنl وlعبlرl عlنlهl خيlرl تlعlبlيlرl« l:lولlمlاl كlانl اlلlجlاlنlبlاlنl مlنl اlلlشlمlالl وlاlلlجlنlوlب مlتlضlادlيlن

مlن اlلحlرl واlلlبlرlدl وlجبl أlنl تlتlدlرlجl اlلكlيlفlيlةl مlنl كلlيlهمlاl إlلlىl اlلlوlسlطl فlيlكlوlن مlعتlدlالlىlلlإ lبlرlقlأ lسlمlاlخlلlوا lثlلlاlلثlن اlم lهlتlاlافlح lيlذlلlاlو l،lنlاlرlمlعlلlل lلlدlعlأ lعlبlاlرlلlا lمlيlلlاإلقlف

lدlعlبlأ lعlابlسlلlوا lألولlاlو l،lلlاlدlالعتlا lنlع lنlاlدlعيlس بlادlسlلlاlو lيlانlلثlاlو l،lاlمlهlيlلlي يlلذlاlو l،لlاlدlالعتlا lلlب lهlكlاlوlفlلlوا lتlاlوlألقlوا l،lسlالبlلمlاlو lيlنlاlبlمlالlع وlئlاlنlصlلlاlو lمlوlلlعlال lتlنlاlك lاlهذlفل l،lرlيlثlكlب

lلlاlدlتlاالعlب lةlصlوlصlخlم lةlطlسlوlتlمlلlا lةlالثlثlلlا lمlليlاlألقlا lهlذlه lيlف lنlوlكlتlيlاlم lعlيlجم lوl،lاتlنlاlوlيlحlلlوا l.»lاlنlاlيlدlوأ lالقاlأخlا وlنlاlوlلlأlو lاlامlسlجlأ lلlعدlأ lرlشlبlلlا lنlم lهاlنlاlكl(36)وسlاlمlوأl« l:lلlوlلقlا lلlمlكlي lمlث

lنlم lعدlبlأ lهاlلlهlأlف lعlابlسlلlاlو lسlدlاlسlالlي وlنlاlثlلlوا lألولlا lلlثlم lلlاlدlالعتlا lعن lةlدlعيlلبlا lمlيlلlألقاlا l،lبlشlلعlاlو lرةlذlال lنlم lمlهlتlاlوlقlوأ l،lبlصlلقlاlو lنlيlطlالlب lمlهlاؤlنlبlف lمlلهlاlحوlع أlيlمlج lيlل فlاlدlالعتlا l،lاسlبlلlلlا lنlم lاlيlاlعر lمlهlرlثlكlأlو lدlوlلlجlلlو اlأ lهمlيlا علlهlفوlصlخlي lرlجlشlلlق واlرlوlلlا lنlم lهمlسlالبlوم lنlيlرlجlلحlا lرlيlغlب lمlهlالتlمlعاlمlو l،lفlاlرlحlالنlى اlلlإ lةlلlائlم lنlيlوlكlتlلlا lةlبlيlرlغ lهاlمlدlأlو lهمlالدlب lكهlاlوlوف

lةlبlيlرlق lكlلlذ lنlم lمlهlالقlخlوأ lالتlمlعاlمlلlا لlهlونlرlدlقlي l،lدlوlلlوج lدlيlحدlو lسlاlحlن نlن مlفيlيlرlلشlا .l»lمlجlعlلlا lتlاlانlوlيlحlلlا lقlن خلl(37)م

-86-

ويترتب على هذا المبدأ، أن يتغير حال بلدان الشرق األقصى، تبعا لوقوعهم في هذه اإلقليم أو ذاك في األقاليم الجنوبية، األول والثاني، أو األقاليم المتوسطة في

الثالث والرابع ويترتب على ذلك أن تصيبها التطورات المنمطة المالزمة لتلك األقاليم، والتي اقتبسها العرب من اليونان، وشكلت تلك التصورات المقتبسة وال سيما تصورات

بطليموس وجالينوس قيودا، وسلطة على المعرفة العربية للعالم، لم يستطيعوا التغلب عليها إال عن طريق معارفهم المباشرة التجريبية التي حصل عليها رحالتهم،

وجغرافيوهم الرحالة. ينفرد ابن خلدون، في وضع الهند والصين في اإلقليمين الثالث والرابع اللذان يقع فيهما أغلب بالد العرب والمسلمين، ويقع عليهما ما يقع على أهل هذين اإلقليمين من

صفات، ومزايا، إذ يقول »وأما أهل األقاليم الثالثة المتوسطة، أهل االعتدال في خلقهم وخلقهم وسيرهم وكافة األحوال الطبيعية لالعتمار لديهم، من المعاش

والمساكن والصنائع والعلوم والرئاسات والملك، فكانت فيهم النبؤات )من النبوة( والملك، والدول، والشرائع، والعلوم والبلدان، واألمصار والمباني، والفراسة، والصنائع

الفائقة، وسائ األحوال المعتدلة، وأهل هذه األقاليم التي وقفنا على أخبارهم مثل(38)العرب والروم وفارس وبني إسرائيل واليونان وأهل السند والهند والصين«.

غير أن األغلبية الساحقة من المؤلفين العرب، وال سيما جغرافييهم، اتجهوا لتصنيف الصين، والهند، أو الجزء األكبر منهما، ناهيك عن جزر المحيط الهندي في

اإلقليمين األول والثاني، وبالتالي تعريضهم لألحكام والصفات المالزمة لتأثيرات هذين اإلقليمين، إتباعا لتصورات المتخيل اليوناني المجسد في بطليموس وجالينوس، ووضعوا

الجزر المتناثرة، في المحيط جنوب السواحل الهندية الصينية على حواف العالم غير المعمور مع كل المتخيالت الغامضة والعجيبة التي يمكن أن ترافق تصور تلك العوالم،

ومع ذلك فإن الباحثين العرب، حاولوا تجنيب الهنود والصينيين مما يتالزم ووجودهم في األقاليم الجنوبية األول والثاني، من أحكام تبخيسية، وذلك بتدخل عوامل مناخية أخرى تخفف من وطأة حرارتهما ويبوستهما وهي الطريقة نفسه التي استثنى بها ابن خلدون

مناطق الجزيرة العربية الواقعة في هذين اإلقليمين بتدخل رطوبة البحر الذي يحيط بها، إذ يقول: »وال يعترض على هذا القول )أي القول بتأثيرات مناخ اإلقليمين األول والثاني( بوجود اليمن والحضر موت واالحقاف وبالد الحجاز واليمامة، وما يليها من جزيرة العرب فهي األول والثاني، فإن جزيرة العرب كلها أحاطت بها البحار من الجهات الثالث، فكان

لرطوبتها أثر في رطوبة هوائها، فنقص ذلك من اليبس واالنحراف الذي يقتضيه الحر،(39)وصار فيها بعض االعتدال بسبب رطوبة البحر«.

-87-

وعلى هذlا األساس أوضح األدlريسي أسlباب خرlوجl الصين والهندl عن أحكlام اإلقلlيمين األول والثاني، ومن خصائصه المنحlرفة، والتي نمطها جالينوس بصفات

lفأما أهال لهند ،lهم سمر أو سودlمتالزمة، إذ يتذكر اإلدريسي »وأهل اإلقليم األول كل والسندl والصlين وكل من احتlضن منهم البحlر فألوانهمl سمرl، واما أهل الصحlارى من

الزlنج والحبشة والنوبةl وسائر السودlان الذlين سبlق ذكرهم فلlقلة الرطlوبة البlحرية وتوlالي إحراق الشمس لهم، وممرها عليهم دائما تفلفلتl شlعورهم واسوlدت ألوانهم، وأنتlنت أعراقهم، وتقشفت جلlود أقدامهم وتشوهت خلقهم،l وقلت معارفهم، وفسدlت

(40)أذهانهم، فهم في نهاية الجlهالة واقعون، وإليها ينسبوlن«.

وأعلى الجغرافيون العرب من مساحة اإلقليم األول، والثاني قياسا إلى األقاليم األخرى، فأوضح البيروني في كتابة »القانون المسعودي« مساحات األقاليم السبعة تبعا لتلك القاعدة، التي تخفض باطراد، مساحة اإلقليم كلما صعدنا شماال، وتوسعه

)كلما انحدرنا نحو الجنوب، وأخذ أبو الفداء الترسيمة ذاتها في كتابه »تقويم البلدان«.

ويذهب المقدسي إلى أن عرض اإلقليم األول »نحو ثالثمائة وتسعين ميال، والميل(41 أربعة آالف ذراع«. وعرض الثاني »ثالثمائة وخمسون ميال« والثالث »نحوا من مائتين

وستين ميال«، والخامس »نحو مائتين وثالثين ميال«، والسادس مائتي ميل ونيف(42)»والسابع، كما هو اإلقليم السادس«.

ولعل اتساع اإلقليم األول، يشير عند جغرافيينا إلى مقدار الغموض إلى يكتنف نهاياته في الجنوب المتداخلة مع العالم غير المعمور والبحار الغامضة التي يغرق بها

خلف خط االستواء، التي تصل إلى أربع وعشرين درجة، ويضع في وسط اإلقليم األول باإلضافة إلى صنعاء وعدن، واألحقاف، وحضر موت ونجران، وأراض من بالد السودان

»طوائف من بلد الهند والصين مما يلي ساحل البحر، وكل ما في سمت هذه البالد(43)شرقا وغربا فهو داخل في هذا اإلقليم«.

كما يضع اإلدريسي األقسام الجنوبية من »الهند والصين« كذلك بحار الهند فيتذكر أن مبدأ هذا اإلقليم يبدأ من جهة(44)والصين، وما فيها من جزر في هذا اإلقليم.

الغرب »من البحر الغربي المسمى ببحر الظلمات، البحر الذي ال يعلم ما خلفه وفيه هناك جزيرتان تسميان بالخالدات ومن هذه الجزائر بدأ بطليموس بأخذ الطول

ويدخل فيه أيضا مدن أو ليل وسلى وتكرور، وجنوب مملكتي غانه،(45)والعرض« وزغاوه، ومالي في أفريقيا، وجنوب الحبشة، ثم البحر اليمني ومدينة صنعاء وعدن

وأرض حضر موت، وجزيرة سوقطره، ثم البحر الهندي وجملة من جزائره المتفرقة، كجزائر الزابج )سومطره(، وما يسميه جزيرة القرود. وجزائر الدبيجات )مالديف(

وجزيرة سرنديب )سريالنكا(، في بحر هركند، ثم جزيرة الرامي في الطرف الشمالي من سومطره، وهي تابعة للهند، ثم البحر الصنفي وهو جزء من البحر الهندي، وجزائر

شالهط، )خليج البنغال( وهزلج، وكله،والصنف فيتنام، ثم إلى جنوب الصين، والبحر الصيني المسمى صنخي، إلى أن ينتهي هذا اإلقليم بالبحر الزفتي المحاذي للصين من

الشرق، ويتصل هذا البحر من جهة الجنوب بجزائر الواق واق إلى البحر المحيط باألرض(46)في جهة الجنوب.

-88-

lيlتlلlا lتlاlنlاlوlيlلحlاlو l،lرlشlبlالlو lةlئlيlبlلlا lىlلlع lهlاتlرlيlثlأlت lكlرlتlن يlن أlم lهlل lدlال ب lمlيlلlإلقlا lاlذlوه lدlهنlلlا lالدlلبlو l،lةlيlبlوlنlلجlا lبlعرlلlا lالدlلب lرlحlلبlا lةlطlحاlإlو lةlبlوlطlرlلlا lتlنlكا lاlذlإlف l،lهlيlف lلlخlدlت

l،lهرlاlظ lنlاlوlيlلحlاlو lتlاlبlنlلlا lىlلlع lاlهlرlيlثlأlن تlال أlإ l،lرlشlلبlى اlعل lهlئlاlوlلlغ lنlم lفlفlخlن تlيlصlلlوا lلىlي إlسlيlرlإلدlا lبlهlذlي l،lيlنlيlلصlي اlدlنlلهlا lرlبlلlا lىlلlع lوlأ l،lيlدlهنlلlا lطlيlحlلمlر اlي جزlف lانlك lنlإ lةlتlسlلlا lمlليlاlألقlا lنlم lهlرlيlغlب lجدlوlال ت lيlتlلlا lتlاlنlاlوlيlلحlن اlم lألولlا lمlيlلlإلقlا lاlذlه lيlوفl« l:لlوlلقlا

lسlيlمlاlوlلجlو lقرlلبlاlو l،lبlاlنlألذlت اlاlوlذ lةlدlقرlلlاlو l،lفlئlاlرlزlلlوا l،lاتlنlكدlرlكlلlوا lهlلlيlفlلlا l:lةlيlاقlلبlا اlلتlي ال أlذlنlاlبl لlهlا،l واlلlنlسlاlنlيlسl..l وlبlذlاl اlإلقlلlيlمl أيlضlاl مlعlدlنl اlلlزlمlرlدl..l وlاlليlاقlوlت

l،»lاlغرlلlا lةlمكlوس .l.)lدlنlكlوlه lرlحlبl( l)lرlحlلبlا lاlذlه lيlال فlإ lدlجlوlال ت lةlبlاlبlلlا( lةlبlاlدlو l..l.اlعهlاlوlأنlب lهlرlيlغ lيlف lتlبlنlال ت l،lتlاlبlنlلlا lنlم lلlاlكlشlأ lىlعل lمlيlلlإلقlا lاlذlه lدlرlفlنlي lلlب l،lبlحسlو lاlذlه lسlيlول

»وlفlيl هlذlاl اlإلقlلlيlمl،l مlنl اlلlطيlبl واlلlقlرlنlفlلl وlاlلصlنlدlل واlلlكlاlفlوlرl وlاlلlعوlدl،l وlكlلl هlذlهl ال.l»lمlيlلlاlألقlا lرlئlاlي سlا فlهlيlف lءlيlش lدlجlوl(47)ي

كما يظهر اإلدريسي، مثل غيره من المؤلفين العرب، وقوع أجزاء من الهند والصين في اإلقليم الثاني أيضا، والذي تتقارب تأثيراتها مع تأثيرات األول. ويضع األجزاء الشمالية

من الصين والتيبت أيضا في اإلقليم الثالث، مع األجزاء الجنوبية لبالد الترك، وتقع بقية أرض الترك،في اإلقليم الخامس والسادس، وفي اإلقليم السابع األخير تقع بالد يأجوج

وماجوج، أي في حدود العالم المعمور في الشمال، وهم الجيران الشماليون للصين، أما المعمورة من عند الدرجة السادسة عشر، ابن سعيد المغربي، الذي بدأ وصف أقاليمه

إلى الدرجة الثمانين شماال، وأضاف إلى األقاليم السبعة، التي اعتمدها أغلب المؤلفين العرب لتنظيم حدود المعمورة، إقليما في الجنوب سماه »المعمور خلف خط االستواء

سماه »المعمور في شمال األقاليم السبعة«، ولعلهإلى الجنوب«، وآخر في الشمال فعل ذلك ليستوعب االكتشافات، والمعلومات التي أضافها العلماء والعرب ورحالتهم عن العالم، وضع في »المعمور خلف خط االستواء« وعرضه ستة عشر درجة، جزر

المحيط الهندي كجزيرة سرنديب، باإلضافة إلى بحر العرب، وجنوب أفريقيا، واألجزاء الجنوبية من البحرين الهندي والصيني ومدينة خمدان، وقيطاغور الصينيتين، وال ينس

وهي في نهاية العالم المعمور.(48)أن يضع فيه الجزائر الغامضة، جزائر الواق واق. ويشير إلى أن اإلقليمين األول والثاني، ويبدآن من الجزائر الخالدات في المحيط

األخضر )األطلسي(، ويمران ببالد التكرور وبريسا وبالد كوكو، وكانم، وزغاوة، وجنوب الحبشة، وهم األفارقة السود، في جنوب القارة، عابرا جنوب الجزيرة العربية، وبحر اليمن، إلى جزر المحيط الهندي، )جزائر النرجل(، والساحل الهندي، وجزر المهراج،

وجزيرة جاوه الكبيرة، وجزيرة كلة وجزائر القامرون )كمبوديا(، وجزائر الصين، ومدينة الصنف الصينية، واألجزاء الجنوبية من الهند والصين، إلى جزائر السلي )كوريا أو

ويضع باقي أجزاء الصين والهند، في اإلقليمين الثالث والرابع، وهي(49)اليابان(. األقاليم المتوسطة، أما في اإلقليمين السادس والسابع، وأيضا المعمور في شمالي األقاليم السبعة، فيضع جيران الصين والهند الشماليين من شعوب الترك، والشعوب

األخرى الغامضة يأجوج ومأجوج.

-89-

الشرق شعوب صورة9م– األقصى

وإذا كان كل من اإلدريسي وابن سعيد المغربي، ويبدآن في عرض مواقع األقاليم، من الغرب على طريقة بطليموس، فإن ابن رسته، وياقوت، وأبو الفداء، يبدأون ذلك من الشرق على الطريقة الفارسية، والهندية، لهذا يذكر ابن رسته أن

اإلقليم األول »يبتدئ من الشرق من أقاصي الصين، ويمر على الصين، ثم يمر على سواحل البحر في جنوب السند، ثم يمر في البحر على جزيرة الكول، ويقطع البحر

إلى جزيرة العرب، وأرض اليمن..« واما الثاني فيبتدئ من المشرق »فيمر على بالد الصين، ثم على بالد الهند، ثم على بالد السند، وفيه المنصورة والنيرون والديبل...«،

ويمر الثالث »على شمال بالد الصين، ثم على بالد الهند... وشمالي بالد السند..«(50)ويمر الرابع »ببالد التيبت ثم على خراسان...«.

ويضع ابتداء استقرار شعوب يأجوج ومأجوج، وشعوب الترك، جيران الصين والهند ابتداء من الشمالي، في اإلقليم الخامس، ويمتد وجودها في السادس والسابع،

الذي »يبتدئ من المشرق من الشمال بيأجوج ومأجوج، ثم يمر على بالد الترك ثم على ساحل بحر طبرستان... أما ما وراء هذه األقاليم.. فإنه يبتدئ من المشرق من

(51)بالد يأجوج ثم يمر على بالد التغزغز، وأرض الترك«.

وفي السياق ذاته يذهب ياقوت إلى أن اإلقليم الخامس يبتدئ »من أرض الترك المشرقين ويأجوج المسدودين. ويمر على على أجناس الترك المعروفين بقبائلهم إلى

كاشغر..الخ«، كما أن اإلقليم السادس »يبتدئ من مساكن ترك المشرق، من فاني وفون، وخرخيز، وكيماك وتغزغز وأرض التركمان... وفاراب... ويمر على

(52)القسطنطينية...« بينما يتمركز في اإلقليم السابع، فرق من الترك كالمستوحشين.

وعلى هذا فإن البحار المحاذية لسواحل الهند والصين، والجزر المتناثرة فيها تقع في أطراف الجزء الجنوبي من اإلقليم األول، كما تقع في أجزائه الشمالية، وفي

اإلقليمين الثاني، والثالث بالد الصين والهند، أما الجوار الشماليين من أتراك ويأجوجومأجوج، فهم في األقاليم الخامسة والسادس، وخاصة السابع.

-90-

تنازع المؤلفون العرب حيال الصين والهند، نموذجين للتفسير، األول يأخذ داللته من وقوع أغلب بقاعهما في دائرة اإلقليمين األول والثاني، الفلكية، ومقتضياته المالزمة

له، التي تجعلهما في أطراف العالم الجنوبية بكل غموضها وخصائصهما الفجة التبخيسية، باعتبارها تعكس حرارة خط االستواء المتوهجة، التي تضعف الشروط

المالئمة للعمران، والثاني نابع من احترامهم العميق لهذين البلدين، وتقديرهما لدورهما العمراني والحضاري، الناتج عن معرفتهم المتراكمة بهما، فابتهلوا لذلك تعليال يمكنهم

من وضع البلدين خارج أحكام وتأثيران اإلقليمين األول والثاني، فوضع ابن خلدون قاعدة مناسبة لهذا التعليل، استنادا إلى تأثير إحاطة البحر بهذه البلدان، وكثافة الرطوبة،

وأكمل هذا النموذج التفسيري من بعده، اإلدريسي وغيره من المؤلفين، وذلك باالستناد أيضا إلى إحاطة البحر بهذه البالد، وكثافة الرطوبة اللتين ال تسمحان بحصول اليباس

م(، هذا النموذج11واالنحراف الذي يقتضيه الحر. لقد لخص المروزي )القرن م،1120ه - 514التفسيري في كتابه »أبواب في الصين والترك والهند الذي كتبه عام

فبعد أن يضع الصين في اإلقليم األول والثاني، يعلق قائال« فأرض الصين داخله في ثلثة )ثالثة( من هذه األقاليم المتداد أطرافها، وكثرة بالدها، ولما كانت بالدها موضوعة في

مشارق الشمس كانت أهويتها صافية ومياهها باردة عذبة، وتربها طيبة، وإذا كانت البالد بهذه الصفة كان سكانها وعمارها كذلك، لما ذكرنا أن أخص األشياء بالحيوان تربته التي

يتكون فيها، ولهذا ينسب اإلنسان إلى الترب... فأهل الصين معتدلوا المزاج حسنو(53)الشكل، والصورة سلسو األخالق، وهم أجناس مختلفة البالد والمساكن«.

واستعانوا لذلك، أيضا، بتأثير النجوم الذي سماهم في تعديل مفاهيم موقعهم األقاليمي، وكان لزحل وعطارد دورهما الحاسم في ذلك، وكما يشير صاحب )أبجد

العلوم(: »وعلل ذلك اهل التنجيم بأن زحل وعطارد ويتوليان بالقسمة لطبيعة الهند، فلوال والية زحل أسودت ألوانهم، فهم أهل اآلراء الفاضلة، واألحالم الراحجة لهم التحقق

بعلم العدد والهندسة والطب، والنجوم والعلم الطبيعية واإللهي، فمنهم صابئة... ولهم(54)في الحساب واألخالق والموسيقى تأليفات«.

ويذهب المسعودي في االتجاه ذاته، حين يضع في تقسيمه األقاليمي تأثير النجوم واألفالك، »فأرض بابل« في اإلقليم األول »له من البروج الحمل والقوس، ومن األنجم

السبعة المشتري، اإلقليم الثاني الهند والسند والسودان، وله من البروج العقرب، ومن األنجم السبعة المزهرة... واإلقليم السابع: الديبل والصين، وله من البروج

(55)الميزان، ومن األنجم السبعة الشمس«.

وإذا كنا قد عرفنا أن الشعوب المجاورة لبالد الصين والهند في أقصى الشمال هي الشعوب التي يطلق عليها اسم »يأجوج ومأجوج« فإن تلك الشعوب تبدو لهم وكأنها على تخوم العالم المعمور، يحدها، في النهاية، األرض اليباب، وكما يقولون

»وأما ما بين يأجوج ومأجوج والبحر المحيط في الشمال.. فقفز خراب ما بلغنا أن فيه(56)عمارة«.

-91-

حافظ المؤلفون العرب، نسبيا، على استقاللهم الفكري، وهم يقتبسون النموذج الفلكي البطليموس لألقاليم، أو النموذج األقاليمي اآلخر الذي يرجع إلى مذهب )السند هند( و»المذهب الهرميسي اإليراني«، ولم يستسلموا لحرفية تلك النماذج، بل وظفوا أطرها المنهجية لمقاصدهم، وكان تأليفهم لl »خريطة المأمون« إشارة على شعورهم

العظيم باالستقاللية، وبدورهم المتعاظم في العالم، يل ذهب بعض المؤلفين كابن رسته، وابن خردزابه، وابن الفقيه إلى الجمع بين هذه النماذج في مدوناتهم، بأن وظفوا النموذج الهندي - اإليراني لوضع المدن المقدسية اإلسالمية، أو العاصمة

السياسية للخالفة العربية كمراكز للعالم بدال من إقليم »إيرانشهر«، وقد افتتحوا مؤلفاتهم بتصوراتهم المختلفة عن األرض والجزء المعمور، والمغمور فيها، وعن

األقاليم، والبحار السبع، ثم بدأوا بالمدن المقدسة اإلسالمية )مكة والمدينة(، وعاصمة الخالفة السياسية »بغداد«، ليعرضوا بعدها المدن واألقاليم، حتى ينتهوا إلى الشرق

األقصى. ولقد تجلت هذه االستقاللية المنهجية والتصورية، مع أصحاب المدرسة الجغرافية

العربية الكالسيكية، في القرن العاشر الميالدي، وذلك بجمعهم بين مفهوم خاص لألقاليم. وركزوا أبحاثهم على »دار اإلسالم«، واعتماد الخط الحقيقي للجغرافية العربية، وهو خط

القائم على الرحلة والمشاهدة، وعلى التحقق من المعلومات التي يدلي بها أهالي البلدان، ومقارنتها بغيرها، ودراسة الكتب السابقة ومراجعتها، وهي منهجية مارسها

(57)أصحاب »المسالك والممالك« و»البلدان«.

م(، هو850ه - 235على الرغم من أن أبا زيد أحمد بن سهيل البلخي، الذي ولد ) م(891هl - 278المؤسس للمدرسة الجغرافية العربية، فإنه يمكن اعتبار اليعقوبي )

الذي دمج التاريخ بالجغرافية، واعتمد التجربة والمشاهدة أساسين ألبحاثه، وهيمن على كتابه الجغرافي »كتاب البلدان« اإلهتمام بl »دار اإلسالم«، هو من وضع النواة المنهجية

لl »المدرسة الجغرافية العربية« واتخذ تقسيما لألقاليم تبعا لإلتجاهات األربعة، حول بغداد مبتدأ باألخيرة، باعتبارها وسط الدنيا، »وإنما ابتدأت بالعراق ألنها وسط الدنيا وسدة األرض وذكرت بغداد ألنها في وسط العراق والمدينة العظمى، التي ليس لها

نظير في مشارق األرض ومغاربها سعة وكبرا وعمارة وكثرة مياه وصحة وهواء، وألنه سكن من أصناف الناس وأهل األمصار والكور، وانتقل إليها من جميع البلدان القاصية

ثم يعقبها بأقسام العالم األربعة،(58)والدانية وأثرها جميع أهل اآلفاق على أوطانهم«. ذاكرا »سائر البلدان والمسافات فيما بين كل بلد وبلد ومدينة ومدينة على أقسامها

األربعة حسب ما تقسم عليه أقطار األرض بين المشرق والمغرب ومهب الجنوب وهو أما ربع المشرق،(59)القبلة ومطلع سهيل... وجهة الشمال وهو كرسي نبات يعش«.

(60)فهي شرق بغداد من بلدان حتى »ما اتصل بخراسان من البيت وتركستان«

-92-

ووقف إلى جوار اليعقوبي في التمهيد للمدرسة الجغرافية العربية قدامة بن م( صاحب »كتاب الخراج وصفة الكتابة«، الذي كرس مفهوم932ه - 320جعفر )

»مملكة اإلسالم« إضافة إلى »دار اإلسالم«، كمفهوم جغرافي وسياسي وحضاري، الذي بقي سائدا في التأليف الجغرافي حتى نهاية القرن الحادي عشر ميالدي على

األقل، وتعرض في كتابه لl )صورة األرض(، ولمعطيات متعلقة بدار اإلسالم، كالضرائب والثغور وتخوم دار اإلسالم، عرج بعدها على األمم األخرى، وفي النهاية

ونظر(61)لشعوب األقصى. مظهرا موقع دار اإلسالم الممتاز في عالقتها بتلك األمم، إلى أمم الشرق األقصى كغيرها من األمم، على أنها تتحلق حولها، بعد أن قسم الجزء المعمور من األرض على طريقة اليعقوبي قياسا على االتجاهات األربعة، متحلقة حول

دار اإلسالم، مفتتحا عرضه لألقاليم والبلدان بمدينة الخالفة بغداد، ومعها المدينة المقدسة: مكة: »ونبدأ بالطريق الماخوذ من مدينة السالم )بغداد( إلى مكة وهو

(62)المنسك األعظم وبيت الله األقدر، نأخذ بعد البلوغ إليه ذكر ما بعده«.

هكذا تبلورت أبحاث المدرسة الجغرافية العربية في القرن العاشر ميالدي، بشكل رئيسي على يد االصطخري وابن حوقل والمقدسي، الذين كرسوا أبحاثهم على

مجال »دار اإلسالم« ولم يخصوا سوى القليل من أبحاثهم ألمم الجوار وذلك تعبيرا عن ثقتهم بموقع هذه الدار في العالم، ولتعاظم شعورهم بوحدة الجماعة العربية

اإلسالمية، على الرغم من التصدعات التي باتت تصيب الواقع السياسي للخالفة. إذ شهد القرن العاشر الميالدي إلى جانب ذلك ازدهارا الفتا للحضارة العربية اإلسالمية،

أو ما يسميه ميتز »عصر النهضة«، فبلغ األدب الجغرافي ذروة اكتماله، وتم فيه تشكيل »المدرسة الجغرافية العربية الكالسيكية«، التي ضمت بين صفوفها رحالة

جوابي آفاق، وامتازوا بدقة نظرهم واعتمادهم على التجربة والمشاهدة، وبلغوا فيتقصيهم عن خصائص أقاليم »دار اإلسالم« شأنا كبيرا.

ولعل مفهوم »دار اإلسالم« أو »مملكة اإلسالم«، والذي انكبت عليه أبحاثهم، باعتباره الموقع األهم بين األقاليم، يعود في جذوره إلى المفهوم اإليراني الهرمسي

عن إقليم »إيرانشهر«، الذي تدور حوله األقاليم، ويتصل بالمفهوم الفقهي »دار اإلسالم«، وهذه كانت تعني فقهيا، بأنها »جملة األقاليم التي تطبق أحكام اإلسالم،

(63)ويتمتع جميع من فيها باألمان الذي يتمتع به المسلمون«.

-93-

أما من زاوية الحدود السكانية، فتشمل أبناء األمة اإلسالمية، كائنا ما كانت أصولهم وأعراقهم وألسنتهم باإلضافة إلى أهل الذمة، من سكان البالد المفتوحة،

واعتبرها أبو حنيفة تشمل األقاليم التي فيها مسلمون، ومتاخمة ألراضي اإلسالم، حتى وقباله )دار اإلسالم( كانوا يضعون »دار الحرب«،(64)وإن لم تقام فيها أحكام الشريعة

والتي ال تشملها عقود أو معاهدات، والتي يتوقع إمكانية نشوب الحرب معها، وإن كان هذا المفهوم ال يستدعي الدعوة إلى الحرب، فأغلب الفقهاء يؤكدون على أن العالقة

بين دار اإلسالم »ودار الحرب« يجب أن تكون عالقة سلم كقاعدة عامة، وال تأتي الحرب إال استثناء، وأنه ال يحق للمسلمين شن حرب ضد األمم األخرى، حتى لو كانت

، وذهب بعضهم(65)في دار حرب، إال إذا بادأت هذه األمم دار اإلسالم في الحرب أوال إلى أن اإلسالم ال يقر الحرب الهجومية بقصد التسلط، أو التوسع، ألن الحرب

بنظرهم، هي الحlرب الدفاعيlة لردlع اعتدlاء أو الدفاع عن حقالمشروعة الوحيدة lى عهدlبمقتض lثابتlمlصlخlال lهاlقضlن lةlدlاهlعlم lوl(66) أlةlآليlى اlعل lلكlذ lيlف lالءlؤlه lدlنlتlسlاlو l،

lةlيlنlآlرlلقlا يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة وال تتبعوا خطوات الشيطان. إنه والله يدعو إلى دار السالم ويهدي من يشاء إلى( واآلية 25 )يونس:لكم عدو مبين

وقاتلوا في سبيل الله الذي يقاتلونكم، وال(، وأيضا اآلية 61 )األنفال:صراط مستقيم ( فضال عن ذلك، فقد أقر الفقهاء في190 )البقرة:تعتدوا إن الله ال يحب المعتدين

تصوراتهم الفقهية، وجود منطقة وسط بين الدارين سموها )دار العهد( من جراء التحالف والتعاهد بين الطرفين، وأول ما تضمنته هذه الدار، هو عدم جواز شن الحرب

غير أن تلك المفاهيم، لم تكن لها وزنها وثقلها دائما عند رجال الحكم، فبعد(67)عليها. اندفاعة )الفتوح( األولى، ترسخت الحدود وساد الهدوء، بين دار اإلسالم والعالم

المحيط بها، وال سيما في العهد العباسي، وكان لهذا أثره في الشعور باستقرار حدود دار اإلسالم وثباتها وفي نقل مفهوم »دار اإلسالم« الفقهي إلى المستوى الجغرافي الحضاري، إلحساس الباحثين باستقرار حدود هذه الدار ومن جهة، ولتنامي شعورهم

بالثقة بالذات الحضارية من جهة أخرى، من هنا أتى تركيز »المدرسة الجغرافية العربية« على دار اإلسالم، وتقسيمها إلى إحدى وعشرين إقليما ال بالمعنى الفلكي

(، بل كمناطقKilomataالرياضي كأحزمة عريضة تضم عددا من درجات العرض ) أي كإقليم )بلداني( في وحدته االقتصادية(68)(Regionsجغرافية وواسعة، أو واليات )

واإلدارية، واألنثوغرافية، ودأب أصحابها في أطالسهم على أن تبدأ خارطتهم بخريطة العالم المستديرة ثم يليها خارطة جزيرة العرب، وبحر فارس والمغرب ومصر وبالد

الشام والبحر الرومي - الشامي ثم أربعة عشر خارطة تمثل األقاليم الوسطى والشرقية لبالد اإلسالم، فبلغ األدب الجغرافي ذروته على أيديهم، فاستعملوا مفهوم اإلقليم، بعد أن أعطوه معنى جديدا بينوا فيه حدود اإلقليم جغرافيا وبشريا، وتعمقوا

في وصف أوضاع الناس فيه، وأساليب معاشهم، وعاداتهم وسلوكهم الثقافي، واعتقاداتهم وأصولهم األقوامية وحالتهم اإلقتصادية، فاقتربت أبحاثهم من نمط

الدراسات اإلثنوغرافية، وقد عبر المقدسي عن طريقة أصحاب هذه المدرسة، الذين جمعوا بين الرحلة والجغرافية، في البحث، بقوله: »فانتظم كتابنا هذا ثالثة أقسام:

-94-

أحدها ما عايناه، والثاني ما سمعناه، من الثقات والثالث ما وجدناه في الكتب المصنفة في هذا الباب، وفي غيره، وما بقيت خزانة ملك إال وقد عرفتها، وال أهل زهد إال وقد (69)خالطتهم، وال مذكرو بلد إال وقد شهدتهم حتى استقام لي ما ابتغيته في هذا الباب«

وكانوا على إدراكهم العميق بالتنوع العميق الذي تزخر به دار اإلسالم، يستشعرونوحدة شعوبها الجامعة.

ويشرح ابن حوقل »قد فصلت بالد اإلسالم إقليما إقليما، وصقعا صقعا، وكورة كورة لكل عمل، وبدأت بذكر ديار العرب فجعلتها إقليما واحدا، ألن الكعبة فيه ومكة

، ويذكر ابن حوقل في عبارة تكاد تكون متطابقة(70)أم القرى، وهي واسطة األقاليم« مع األصطخري »ثم أفردنا لكل إقليم منها صورة على حدة، فبينا فيها شكل ذلك

اإلقليم، وما يقع فيه من المدن، وسائر ما يحتاج إلى علمه... وابتدأت بديار العرب ألن ، وقد استفادوا من رحالتهم الواسعة في(71)القبلة بها ومكة فيها وهي أم القرى«العالم، وعلى أطراف الهند والصين.

لكن إلى جانب تركيز اهتمامهم باألوضاع البشرية واالقتصادية ألقاليم دار اإلسالم، فإنهم لم ينسوا األمم المحيطة بهذا الدار، أو بإعطاء مالحظات على العالم بأسره، فقد

كان البد لهم وهم المهتمون بأوضاع هذه الدار، من أن يهتموا بما يكتنفهم من أقاليم وشعوب، وباحتماالت العالقات بينهم، وهو ما نجده جليا في عرض االصطخري وابن حوقل والمقدسي. فلدى تحديدهم لدار اإلسالم، تعرضوا لتداخل حدودهم مع األمم

الكبرى المحيطة بها، وحدود وتخوم هذه األمم الكبرى وما يحيط بها من بحار وعالقات مع بقية العالم المعمور، مضمنين عرضهم معطيات نموذج األقاليم السبعة، ومحددين موقع بالد العرب والمسلمين جغرافيا داخل األمم الكبرى المحيطة بها: الصين، الهند،

الترك، الروم، بالد القرم، فتحدثوا في البداية عن امتداد دار اإلسالم، فأشار األصطخري »إن شرقها أرض الهند، وبحر فارس )بحر الهند(، وغربها مملكة الروم وما يتصل بها من

األرمن والالن والران والسرير والخزر والروس وبلغار، والصقالية وطائفة من الترك،(72)وشماليها مملكة الصين، وما يتصل بها من بالد الترك، وجنوبها بحر فارس(«.

وبعد أن ذكر االصطخري وابن حوقل ممالك األرض األربع: ومملكة إيران شهر، ومملكة الروم ومملكة الصين، ومملكة الهند، فإنهما أشارا إلى مدى ما أخذتها »مملكة

اإلسالم« في صعودها من تلك الممالك من بالد، »فيقوالن بكلمات تكاد تكون متطابقة: فلما جاء اإلسالم أخذ من كل مملكة بنصيب، فأخذ من مملكة الروم: الشام ومصر

والمغرب، واألندلس، وأخذ من مملكة الهند ما اتصل بأرض المنصورة والملتان إلى كابل،(73)وطرف أعلى طخارستان، وأخذ من مملكة الصين ما وراء النهر«.

-95-

فالصين والهند بنظر االصطخري وابن حوقل اثنتان من األمم األربع األعظم في العالم، وأن مساحة »مملكة الصين’، من أربعة أشهر في ثالثة« وتمتد »ما بين البحر

، وأن حدودها »فإن شرقيها وشماليها البحر(74)والتغزغز )قوم من الترك( والتيبت«. المحيط، وأما جنوبيها فمملكة اإلسالم،و الهند، وأما غربيها فهو البحر المحيط، ألن

وهو هنا ورنك(75)يأجوج ومأجوج ومن إليهم إلى البحر المحيط من هذه المملكة«. )بحر الشمال( أما »أرض الهند فإن شرقيها بحر فارس وغربيها وجنوبها بالد اإلسالم،

.(76)وشماليها مملكة الصين« وقد وضعوا الشعوب التركية، ما بين الصين وبحر الخزر )قزوين( وبالد بلغار

(77)الفولغا، ويأجوج ومأجوج هم في ناحية الشمال ليتصل بالبحر المحيط.

التخوم والربط والثغور لقد استتبع حديث المؤلفين العرب عن مملكة اإلسالم، معرفة أو تحديد طبيعة

)الحدود( التي تفصلها وتصلها عن غيرها من عالم الجوار، بما فيها أمم الشرق األقصى: الصين والهند والترك، وخلفهم الشعوب الغامضة المخيفة: يأجوج ومأجوج، وكان مفهوم

»الحد« يشير إلى نهاية »دار اإلسالم«، أو إلى الحد الفاصل بينها وبين غيرها من البلدان، دون أن يتضمن ذلك بالضرورة حموالت عدائية، في حين أن مفهوم »الثغر« أو »التخم«،

الذي يستتبع وجود منشآت عسكرية أو رباطات )جمع رباط( على خط الدفاع، متحفزا للمخاطر المحتملة، فله حموالت عدائية. فهي كانت مراكز دفاعية على الخطوط النهائية

لدار اإلسالم، وقد انتشرت أينما تمثل الخطر، فهي في األندلس قبالة: الجاللقة أو الفرنجة، وهي في جبال القبق )القوقاز( على باب األبواب )دربند( قبالة الشعوب

الغامضة في الشمال والمنتشرة ما بين قزوين والبحر األسود، وهي قبالة بيزنطة شمال الشام، وفي بحر الشام - الروم، وهي أيضا قبالة الشعوب التركية الغامضة، التي كانت

كحاجز يفصلها ويصلها بالصين واختلطت حتى القرن العاشر الميالدي، بالمخيلة العربية - اإلسالمية، قبل أن تصبح في الدائرة اإلسالمية، بصورة يأجوج مأجوج، وهي أيضا قبالة الهند على حدود السند، أمام المعبد البوذي )ملتان الكبير(، إال أن الحدود اإلسالمية مع

الشرق األقصى، مع الهند والصين والترك، كانت أقل خطرا وأكثر قربا للسالم واالستقرار، من التخوم التي تفصلها عن بيزنطة، أو التي تحاذي الجاللقة والنورمان

شمال األندلس، ولقد حذر قدامه بن جعفر من هذه الواقعة، عندما قال »ينبغي أن ال(78)يكون المسلمون لصنوف أعدائهم أشد حذرا منهم للروم«.

-96-

فالحظر الرئيسي، كما يستشعره العرب حتى القرن الثاني عشر ميالدي، يأتيهم من بيزنطة، أما األخطار االخرى فتبدو أقل إثارة للقلق. إال أن هذا ال يضعف شعورهم

بالتوجس والخيفة من الخطر الغامض المحدق بهم من الشمال الشرقي قبالة الشعوب التركية، التي لم يألفوها بعد كفاية، رغم تجنيد الخالفة لهم - منذ أيام

المعتصم - في ديوان الجند، إذ تحدثوا عنهم بلغة تمتزج فيها المتخيل العجائبي بالواقع، فيذكرون أنه في آخر حدود خراسان نحو الشمال الشرقي - يوجد تخم - ثغر يدفع خطر األتراك إلى الوراء، ويشير قدامه إلى أن »من الثغور الكبار ثغر الترك، ولهم

برية، مما يلي بالد جرجان يخرجون منها، وكان أهلها قد بنوا حائطا من آجر تحصنا من غاراتهم، ومعظم الترك في الثغر الذي بخراسان يسمى توشجان، وهو وراء سمرقند

(79)في الشرق بنحو ستين فرسخا )الفرسخ = ثالثة أميال( نحو الشاش وفرغاته«.

ويروي أيضا مازجا الوقائع بالخيال العجائبي أن االسكندر عندما غزا الهند ووصل إلى الصين صحبه ملك الصين إلى البرية القفر حيث مواقع األتراك هناك، فأشار عليه صاحب الصين بإقامة سد أمام بالدهم حتى يمنعهم من التقدم، ومفاد الرواية أن اإلسكندر »بلغه عن قوم لهم عدد جم من هؤالء األتراك ناحية المشرق من جهة

الشمال أنهم مفسدون في األرض، فاستشار صاحب الصين فيهم، فأخبره أنه ال غنيمة عندهم غير المواشي والحديد، وأنه يحيط من ناحية الشمال البحر األخضر الذي ال

مجاز فيه )ال معبر فيه( ألحد، ومن ناحية المغرب والجنوب جبال ذاهبة في السماء ال ترام وال ألحد عليها مسلك، وأنه ال منفذ لهؤالء األتراك إال من درب واحد ضيق

كالشراك، وأنهم في زاوية من األرض لو سد عليهم هذا المنفذ بقوا فيها وكفى الناس فنفذ االسكندر رغبة ملك الصين وأقام السد ليفصل هؤالء عن الصين وغير(80)شرهم«

ها من األمم، ويذهب الخيال بابن الفقيه إلى حد أبعد، فيمزج بين األتراك والشعوب الغامضة يأجوج ومأجوج، ذاكرا حادثة بناء الصين من قبل االسكندر، نزوال عند طلب

الشعوب المجاورة لألتراك ويأجوج ومأجوج، »إذ لما انتهى إلى موقع بناء السد )الردم(، واجتمع إليه خلق كثير، واخبروه )أن خلف هذه الجبل مما ال يحصيهم إال الله جل وعز، وقد خربوا علينا بالدنا، وهم قوم قصار صلع عراض الوجوه، وهم أمم كثيرة

وأن أهم قبائلهم يأجوج ومأجوج، ولهم أربع وعشرين قبيلة،(81)وال يحصيهم إال الله«. وكانت إحدى قبائلهم وهم الترك خارجة من وراء الردم )السد(، »فردم ذو القرنين

السد على ثالثة وعشرين قبيلة، قال مقاتل بن سليمان: وإنما سموا الترك ألنهم تركوا(82)خلف الردم«.

-97-

أما الثغر المركزي في المشرق، فهو ثغر خوارزم الذي يقع في منطقة استراتيجية على جسر االتصال مع الهند وأيضا الصين، الذي تقف دونه الشعوب التركية، ويقع في

منطقة العالقات التجارية الكبرى، بين الشرق األقصى، ودار اإلسالم، وأيضا مع روسية، وأوروبا الشرقية، فكانت الجبهة األمامية لما كانوا يسمونه ما وراء النهر، وهي المنطقة

الواقعة ما بين النهرين سيحون )سرداريا(، وجيحون )موريداريا(، فيقول االصطخري عن أهل هذه المنطقة، واستشعارهم للمخاطر، وترى الغالب على أهل ما وراء النهر

صرف نفقاتهم إلى الرباطات وعمارة الطرق والوقوف على سبيل الجهاد، »وبلغني أن ويشير ابن حوقل إلى دور ثغر خوارزم(83)بما وراء النهر زيادة على عشرة آالف رباط«.

المحوري، »أن جميع حدود ما وراء النهر إلى دور الحرب أقرب، ومن ذلك خوارزم إلى ناحية اسبيجاب فهم ثغر الغزية، وتطوف حدود ما وراء النهر من الشقنية وبلد الهند من

حد ظهر الختل إلى حد الترك في ظهر فرغانه« ويؤكد أن أصحاب ثغر خوارزم »وهم(84)ثغر المسلمين في وجه الترك يمنعونهم من دار اإلسالم ويصدونهم عن انتهاكها«.

وهناك )الثغور( التي تواجه بالد الهند، ويذكر ابن سعيد المغربي منها مدنية قنديار )لعلها قندهار( على أنها »من قواعد بالد الهند كما فتحها المسلمون بعد كابل صارت ثغرا

وإلى جانبها قاعدة السند: المنصورة التي كان في جبالها عقاقير(85)في وجه الهند«. أن الثغر الرئيسي لديهم، كان(86)هندية، وكانت من ثغور المسلمين في وجه الهند. إال

يتمحور في مدينة )الملتان( التي فيها تمثال عظيم لبوذا، وتسمى كما يقول ابن حوقل »فرج بيت الذهب، وفيها الصنم العظيم للهند الذي تحج إليه من أقاصي بلدانها وسائر

وبعد أن فتحها المسلمون لم يكتف الهنود عن محاولة استرجاعها، لهذا بنوا(87)أصقاعها« »على الملتان حصن وبها منعة«، وكان المدافعون عن المدينة من المسلمون، يتظاهرون

كلما هاجمهم الهنود النتزاع الصنم منهم، »بكسره وإحراقه فيرجعون عنهم ولوال ذلك(88)لخربوا الملتان«.

جبل قاف اقترن الشرق األقصى، وخاصة حدود الصين القصوى، في مخيلة الجغرافيين العرب، بجذور الجبل الكوني أو نقطة انطالقته البدئية، التي تلتف في كل الجهات،

لتشكل جبال العالم في شتى االتجاهات، وسموه بl »جبل قاف« الذي ينتصب شامخا على حدود الصين الشرقية في محاذاة تخومها التي تفصلها عن الجزء )المغمور( من

العالم، عن مياه المحيط المظلم، أو عن قفار العالم، يعرفنا ابن رسته بهذا الجبل بقوله »أن حول األرض جبال محيطا باألرض، وأن الشمس تطلع من حد ذلك الجبل في

(89)وقت واحد«.

-98-

ويشير المسعودي، إلى أن سد الصين، الذي يعزو بناءه إلى االسكندر، قد أقيم على حافة الجبل الكوني هذا، لصد الشعوب الغامضة )يأجوج وماجوج( التي تقبع

خلفه، ثم يمتد من الصين حتى الحدود القصوى للعمران في المغرب، فيشرح األمر »وأقصى العمران في المشرق أقصى حدود بالد الصين والسيلي )كوريا( إلى أن

ينتهي ذلك إلى ردم يأجوج ومأجوج )أي سد الصين(، الذي بناه االسكندر دافعا ليأجوج وماجوج عن الفساد في األرض، والجبل الذي وراءه ووقع في فجة الردم، ومنه كان

مخرجهم، بدؤه خارج العمران في اإلقليم السابع، وطرف مبدئه مستقبل الشرق، ثم ينعطف إلى ناحية الجنوب، ويستقيم ممره طوال إلى أن ينتهي إلى بحر أوقيانوس

المظلم المحيط، فيتصل وأقصى عمران المغرب، وينتهي إلى بحر أوقيانوس المظلم(90)المحيط )المحيط األطلسي(«.

ويتحول هذا الجبل العظيم لدى ابن حوقل، إلى الجبل األساس الذي تتفرع منه جميع جبال العالم، ويشرح لنا تفرعاته من حده عند أطراف العالم شرق الصين، إلى

تشعباته ونهاياته في القارة األفريقية، فهو عند ابن حوقل »جبل على وجه األرض، أوله بالمشرق من بلد الصين خارجا من البحر المحيط على )وخان( من نواحي خمدان

Khumdan جون شوان أو سينانفو( Sinanfoفيقطع بالد )وعند ابن بطوطه الزيتون التيبت ال في وسطها بل على مغاربها ومشارق بالد الخرلخية )قبائل تركية( إلى أن

يأتي حدود اإلسالم... فيمر صدر هذا الجبل على فرغانه إلى جبال التيم، ومنه شرب(91)سمرقند ومياهها منه«.

ثم يفصل في تعقب حلقات سلسلة هذا الجبل الكوني، وعقب مروره سمرقند، يقطع نهر جيحون، ويتصل به جبال جرجان وطبرستان إلى الري... ثم جبال الديلم

وجبال أذربيجان، والقبق )القفقاس( والالن وبالد الروم... وجبال أصبهان إلى أن يتصل إلى بحر فارس... وإلى ناحية تكريت جانب دجلة، ويكون جبل بارما وجبل زامر شرقي الموصل، ويتشعب إلى جبال أرمينيا.. ويصل إلى بيت المقدس، وجبال لبنان، إلى جبل القلم ويمر باالتجاهات المختلفة ألفريقيا وتمضي شعابه، حتى ينتهي في برابري غرب

أفريقيا إلى أودغست حتى البحر المحيط، ويذهب في خط آخر إلى أن يصل جبل(92)القمر من جانب النيل الغربي.

في الترسيمة الساللية

-99-

استعمل الكثير من المؤرخين العرب، وجغرافييهم الترسيمة الساللية لربط أمم الشرق األقصى، كغيرها من األمم، بالفروع الكبرى التي ترتد إليها جميع أصول البشر، أي أوالد نوح الثالثة سام وحام ويافث، ولم يخل هذا الترتيب التسلسلي لحلقات القرابة من

أحكام قيمة، تفاضل في قيمة بعض السالالت قياسا على األخرى، على الرغم من اصطدام تلك المعايير مع القيم اإلسالمية العامة، واصطدامها أيضا برفض بعض

المفكرين وفي مقدمتهم ابن خلدون، التفاضل في النسب، وإن سلم بروابط ساللية لبعض األمم كالعرب والفرس العبرانيين »ولما رأى النسابون اختالف هذا األمم بسماتها

وشعارها حسبوا ذلك ألجل األنساب، فجعلوا أهل الجنوب كلهم السودان من ولد حام، وارتابوا في ألوانهم فتكلفوا نقل تلك الحكاية الواهية وجعلوا أهل الشمال كلهم وأكثرهم

من ولد يافث، وأكثر األمم المعتدلة وأهل الوسط المنتحلين للعلوم والصنائع والملل والشرائع والسياسة والملك من ولد سام، وهذا الزعم وأن صادق الحق في انتساب

هؤالء فليس ذلك بقياس مطرد... وما أداهم إلى هذا الغلط إال اعتقادهم أن التمييز بين األمم إنما يقع باألنساب فقط، وليس كذلك، فإن التمييز لجيل أو األمة يكون بالنسب في بعضهم كما للعرب وبني إسرائيل والفرس، ويكون بالجهة )اإلقليم والبيئة(، أو السمة كما للزنج والحبشة والصقلية والسودان، ويكون بالعقائد والشعار والنسب كما للعرب. ويكون

(93)بغير ذلك من أحوال األمم وخواصهم ومميزاتهم..«.

-100-

كان أول تدوين فعلي ألنساب العرب، قد أتى على يد الخليفة الثاني، ألسباب دينية تتعلق بمساهمة تلك القبائل بالفتح، وبديوان الجند، فعلى الرغم مما لإلسالم من

رؤية إنسانية )أخوة اإليمان(، وأخوة اإلنسان بالرجوع إلى أب واحد: آدم، وأصلهم الترابي الواحد، فقد كان المحاربون المسلمون ينتمون بحكم الواقع، وبحكم طبيعة

االجتماع السائد يومئذ إلى قبائل، فشكل الخليفة الثاني في سياق إنشائه لديوان الجند لجنة ثالثية من: أبي عدي جبير بن مطعم، ومخرمة بن نوفل، وعقيل بن أبي طالب، وكلفهم بوضع ثبت بأنساب العرب، يقوم على أساسه الديوان، وكان ذلك أول تدوين

وبدأت بتدوين األنساب مراعية االعتبار الديني، والقرابة(94)تاريخي ألنساب العرب. للنبي ثم االعتبار القبلي، ووضعت أساسا لالفتخار القبلي بما كان للقبيلة من دور في

فصارت المشاركة في(95)اإليمان، ومدى مساهمتها في قتال فارس والروم أثناء الفتح فعالية الدعوة، وبالفتوحات قياسا مهما على المكانة االجتماعية لتلك القبائل، وعنصرا

في تحديد )عطاء( الديوان، ولكن مع التقدم في الزمان، ظهر تمايز ما بين االتجاه )الفقهي( الديني، وبين االتجاه القبلي في عملية تدوين اإلنسان، عكس التمايز داخل االجتماع السياسي العربي واإلسالمي في صدر اإلسالم ما بين التيار القبلي، والتيار

وبالتالي غلبة(96)اإلسالمي، الذي غلب عليه أصحاب الحديث في الكتابة التاريخية العقيدة، التي تعاملت مع العرب والمسلمين كجماعة، أو أمة مؤمنة ترتقي على

االنتماء القبلي، دمجت القبائل في تاريخ إنبثاق األمة المؤمنة، ويمثل تأليف البالذري ) م( في »فتوح البلدان« و»األنساب واألشراف« بمثابة تاريخ للجماعة892ه - 279

إال أن هذا لم يمنع من تأثير »المنهج القبلي« على(97)المسلمة في إطار اإلسالم. دراسة األنساب، وفي تعميم معطيات »ترسيمة األنساب« ليطال أصول األمم األخرى،

رجوعا إلى الفواصل الكبرى في التاريخ اإلسالمي البشري ومعطياته، ومنهجه التفاضلي في تمييز مواقع أوالد نوح: يافث، وحام، وسام، داخل تلك الترسيمة

آدم من قبضةالساللية. وقد تناقل الفقهاء المسلمون حديثا نبويا، مفاده »أن الله خلق واألبيض واألسود،من جميع األرض، فجاء بنو آدم على قدر األرض، فجاء منهم األحمر

وبين ذلك السهل والحزن، والخبيث والطيب« وهو يدل على وحدة األصل البشري والوحدة الترابية لتلك األصول، إال أن هذا األصل ما يفتأ أن يتفرع تبعا ألوالد نوح

الثالثة، يذهب اليعقوبي إلى أن نوح قسم األرض المعمورة على أوالده، »فصار لولد يافث الصين والهند والسند والترك والخزر والتيبت وخراسان... ولولد سام الحجاز

واليمن وباقي األرض... ولولد حام المغرب وما وراء الفرات إلى مسقط الشمس »أي(98)إلى نقطة غيابها««.

-101-

فإذا كان اليعقوبي قد وضع الصين والهند والترك في حلقة أوالد يافث، إال أن هذا الجمع بين تلك األمم لم يكن محل إجماع بين المصنفين العرب، فهناك من فرق بين

حلقاتهم الساللية، فهذا القرطبي يذهب إلى أن »العرب وفارس والروم، وأهل الشام وأهل اليمن من ولد سام بن نوح، والسند والهند والزنج والحبشة والنبط والنوبة، وكل جلد أسود من ولد حام بن نوح، والترك وبربر ووراء الصين ويأجوج ومأجوج والصقالية

وجمع بعضهم بين الهند والعرب في أرومة واحدة(99)يعد كلهم من ولد يافث بن نوح« تعود إلى سام بن نوح، فالطبري يذكر على لسان ابن عباس قوله: »العرب والفرس

ويذهب المسعودي في االتجاه ذاته(100)والنبط والهند والسند من ولد سام بن نوح« عندما يضع الصين والترك ويأجوج ومأجوج في ساللة يافث مع جملة من الشعوب

األخرى، إذ يقول »وكان قسم من ولد يافث: أرمينية، وما جاوزها، إلى األبواب، فمنهم األشبان والروس والبرجان والخزر والترك والصقالية، وياجوج ومأجوج وفارس

وضم الهند( 101)وفرنان، وأصحاب جزائر البحر، والصين والبلغار وأمم ال تحصى« والسند إلى بالد النوبة والسودان في انتسابه إلى أوالد يافث، وخص أبناء يافث بنصف لغات العالم، حين يقول: »عن جميع اللغات اثنان وسبعون لغة منها سبع وثالثون في

داللة على وزنهم السكاني العظيم.(102)ولد يافث بن نوح« يرجع المسعودي ويؤكد على هذا التقسيم في )مروج الذهب(، معيدا انتساب

الترك والصين ويأجوج وماجوج مع الصقالبة وغيرهم إلى ذرية يافث، وينظر إلى الهند . أما الدمشقي، فقد ذهب(103)والسند مع أبناء الحبشة والنوبة والسودان إلى ذرية حام

إلى أن نوح قد قسم األرض »فكان الشرق والشمال ليافث وبنيه ونسله وعقبهم، وكان المغرب والجنوب لحام وبنيه ونسلهم وعقبه، وكان وسط األرض لسام ولبنيه

ونسلهم وعقبهم، وكان أوالد سام وبينهم: العرب والفرس والروم، وأوالد يافث وبينهم: (104)الترك والصقالبة ويأجوج وماجوج، وأوالد حام وبينهم: النبط والبربر والسودان«

فهو يضع الترك ويأجوج ومأجوج في ساللة أوالد يافث، ويضيف إلى هذه الساللة في مكان آخر )الصين( في فصل عنوانه »في وصف بني يافث بن نوح وهم: الترك

ويذهب بشأن الصين إلى القول، »وأما الصين فزعم أن فالغ(105)والصقالبة والصين« لما قسم األرض بين ولد نوح )ع( أعطى لبني يافث الشرق، فعمل عابور بن سويد

ابن يافث فلكا مثل فلك نوح )ع( ثم أتي سفينة فركب فيه بولده، وقطع البحر الشرقي، فنزل بولده في تلك األرض )أرض الصين( فبنوا المدن واآلثار والمعادن

وأجروا األنهار وغرسوا األشجار، ثم هلك، وملك من بعده ولده صابور وهو أبو الصين، وهم شعوب وقبائل حتى أن الرجل يبلغ بنسبه إلى عابور، وهم أحذق الناس بالمهن

والصناعات وال سيما التصوير حتى أن رجل منهم يفرق في تصويره بين ضحك الهازي والشمت والمتعجب والمسرور، وبالدهم قسمان صين داخلية وصين خارجية، يسمى(106)صين الصين، وبين الحيزين حاجز، لها جبال منيعة لها أبواب يعبر منها إلى التيبت«.

-102-

الشرق شعوب صورة10م– األقصى

ولم يخل ترتيبهم للتفرعات الساللية، من حموالت تفاضلية بين السالالت الثالث الكبرى، ولعل وضع ذرية سام وفيهم العرب في وسط الدنيا يحمل دالالته. كما أن

وضع أبناء حام ومنهم الهند أحيانا في الغرب والجنوب له دالالته الخاصة، وكذلك أوالد يافث وموقعهم في الشرق والشمال ومن بينهم الصين والترك ويأجوج وماجوج له أيضا دالالته الخاصة، وإذا كانت تلك التقسيمات قد رفعت من شأن أوالد سام، ولم يخل ترتيبهم ألوالد حام أحيانا من بعض األحكام السلبية، يبدو أمامها أوالد يافث في موقع يخلو من األحكام السلبية، وأيضا أن وضعهم أحيانا الهند ضمن ساللة حام لم

يخفف من أحكامهم اإليجابية عن أصل الهند وحضارتهم، وكانت كل هذه التقسيمات التي تعتمد الدم، والساللة في أحكامها التفاضلية تتعارض كليا مع األخالق اإلسالمية،

والقيم العامة التي دشنتها وشكلت قلب الثقافة العربية، ووعيها الحاكم، كما تتعارض مع آراء كثير من الباحثين وعلى رأسهم ابن خلدون، الذي وضع البيئة، والعمران

عاملين حاسمين للحكم على إنجازات األمم الحضارية.

-103-

الهوامش - ابن الفقيه. أبو بكر أحمد بن محمد الهمذاني. مختصر كتاب البلدان. طبع مدينة ليون المحروسة ،1

، وراجع أيضا الدمشقي، شيخ الربوة شمس الدين بن عبد اللllه محمllد4. ص1302بمطبعة بريل. بن أبي طllالب األنصllاري. كتllاب نخبllة الllدهر في عجllائب الllبر والبحllر. طبllع مدينllة بطرسllبورغ

. 24. ص1865المحروسة. مطبعة األكاديمية اإلمبراطورية. . الترجمة صالح الllدين1- اغناطيوس بوليانوفتش كراتشكوفسكي. تاريخ األدب الجغرافي العربي ج2

.22. ص1957عثمان. اإلدارة الثقافية في جامعة الدول العربية. القاهرة. - ابن خرداذبه. أبو القاسم عبد الله. المسالك والممالك. مكتبة المثنى ببغداد. ومؤسسة الخانجي بمصllر.3

.24. الدمشقي. مصدر سابق. ص7. وابن الفقيه. مصدر سابق. ص155بدون تاريخ. ص.5- ابن الفقيه. مصدر سابق. ص4 . تحقيllق1- المسعودي ، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي. مllروج الllذهب ومعllادن الجllوهر. ج5

.160. ص1964. مصر 4محمد محي الدين عبد الحميد. مطبعة السعادة. ط.136- ابن الفقيه. مصدر سابق. ص6 . ابن رسته أبو علي أحمد بن عمر. كتاب األعالق النفسية. طبع في مدينllة5-4- المصدر نفسه. ص7

.8. ص1893ليون المحروسة بمطبعة بريل. سنة - أحمد سوسه. الشريف اإلدريسlي. البlاب األول. نقابllة المهندسlين العراقlيين. مكتبllة جهllري في8

.228-227. ص1974بغداد. - ياقوت الحموي اإلمام شهاب الدين بن عبد الله. معجم البلدان. المجلllد األول. دار صllادر بllيروت.9

.20. ص1955.99- ابن رسته. مصدر سابق. ص10 . والشريف اإلدريسي أبو عبد الله محمد بن محمود بن عبد اللllه5- ابن خراذبه. مصدر سابق. ص11

مكتبة العقائد الدينيllة. دون1بن إدريس الحمودي الحسيني. نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق. ج.8مكان وتاريخ. ص

- المسعودي. أبو الحسن علي بن الحسllين. التنبيllه واإلشllراف. قسllم أول. تحقيllق قاسllم وهب.12.59-58. ص2000وزارة الثقافة. دمشق

. 229- أحمد سوسه. مصدر سابق. ص13 - أبو الفداء. عماد الدين إسماعيل بن محمد بن عمر. كتlاب تقlويم البلllدان. طبllع مدينllة بlاريس.14

.19. دار صادر. بيروت. بدون تاريخ. ص1850 - البيروني. أبو ريحان محمد بن أحمد. كتاب البيروني في تحقيق ما للهنllد من مقولllة مقبولllة في15

هlll -1377العقل أو مرذولة. مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آبllاد. الllدكن. الهنllد. .156م. ص1958

.131. مصدر سابق. ص1- المسعودي. التنبيه واإلشراف. قسم 16.30- أبو الفداء. مصدر سابق. ص17.85- ابن رسته. مصدر سابق. ص18.526- اإلدريسي. مصدر سابق. ص19.21 وأبو الفداء. ص87- المصدر نفسه. ص20.101 - 100- الدمشقي. مصدر سابق. ص21.156 - 155- المسعودي. مروج الذهب. الجزء األول. مصدر سابق. ص 22 - أبو حنيفة الدينوري. أحمد بن داوود. األخبار الطllوال. تحقيllق عبllد المنعم عllامر. وجمllال الllدين23

.35الشيال. أعادت طبعه باألوفست مكتبة المثنى ببغداد. ص.51. مصدر سابق. ص1- المسعودي. مروج الذهب. ج24.9- اإلدريسي. مصدر سابق. ص25.10 - 9- المصدر نفسه. ص26.103- المسعودي. التنبيه واإلشراف. القسم األول. مصدر سابق. ص27.30- أبو الفداء. مصدر سابق. ص28.61- المسعودي. التنبيه واإلشراف. قسم أول. مصدر سابق. ص29.54- الحموي. مجلد أول. الجزء الثاني. مصدر سابق. ص30.200- أحمد سوسه. مصدر سابق. ص31.71- المسعودي. التنبيه واإلشراف. قسم أول. مصدر سابق ص32.75- المصدر نفسه. ص33.9. مصدر سابق. ص1- اإلدريسي. ج34.99- ابن رسته. ص35

-104-

.82. ص1978- ابن خلدون. عبد الرحمن بن محمد. مقدمة ابن خلدون. دار القلم. بيروت. 36.83- المصدر نفسه. ص37.85- المصدر نفسه. ص38.83- المصدر نفسه. ص39.98- اإلدريسي. مصدر سابق. ص4041 l-المية. جlة اإلسlارة العربيlوعة الحضlرب. موسlد العlا عنlة علم الجغرافيl1د. شاكر خصباك. مقدم.

.476. ص1995مؤسسة الدراسات العربية )ثالثة أجزاء( بيروت. ودار فارس - عمان. - المقدسي. شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الشامي. أحسن التقاسllيم في42

.62 - 59. ص1906معرفة األقاليم. مدينة ليون. مطبعة بريل. .59- المصدر نفسه. ص43.98- اإلدريسي. مصدر سابق. ص44.17- المصدر نفسه. ص45.87 و 17- المصدر نفسه. ص46.99- المصدر نفسه. ص47 .ي- ابن سعيد المغربي أبllو الحسllن علي بن موسllى. كتllاب الجغرافيllا. تحقيllق إسllماعيل العllرب48

.89 - 85. ص1970المكتب التجاري للطباعة والنشر. بيروت..110 - 90- المصدر نفسه. ص4950 l-96ابن رسته. مصدر سابق. ص l- 9728. مصدر سابق. ص1. ياقوت الحموي. مجلد أول/ج-

إذ يقول »اإلقليم األول... فهlو من المشlرق يبتlدئ من أقصlى بالد الصlين، ويمlر على مlا يلي،30 الجنوب من الصين، وفيه جزيرة السرنديب، وعلى سllواحل البحllر في جنllوب بالد السllند، ثم يقطllع البحر إلى جزيرة العرب... إلخ، اإلقليم الثlاني... يبتlدئ في المشlرق، فيمlر على بالد الصlين، وبالد الهند، وعلى شماليها جبال قامرون )= كمبوديا( وكنوج، والسند، واإلقليم الثالث:... فيمر على شمال بالد الصين ثم الهند والسند، ثم كابل، وكرمان... واإلقليم الرابع... ويبتllدئ من أرض الصllين والllتيبت

والختن... ويمر على جبال كشمير... وكابل...«..98- ابن رسته. المصدر نفسه. ص51.32. مصدر سابق. ص1- ياقوت الحموي. مجلد أول/ج52 - الطبيب شرف الزمان طllاهر المllروزي. أبllواب في الصllين والllترك والهنllد. طبllع في بريطانيllة53

.2. ص1942 وأوالده في كمبرج. لندن. W.HF.FFERالعظمى. من قبل .168. ص1978. دار الكتب. 1- القنوجي. صديق بن حسن. أبجد العلوم. ج54.87. مصدر سابق. ص1- المسعودي. مروج الذهب. ج55 - االصطخري. أبو اسحق ابراهيم بن محمد الفارسي )الكlرخي(، المسlالك والممالlك. تحقيlق د. محمlد56

. وابن حوقل أبو القاسم17. ص1961جابر عبد العال الحسيني. وزارة الثقافة واإلرشاد القومي. مصر. .22. ص1992النصيبي. كتاب صورة األرض. منشورات دار مكتب الحياة. بيروت.

. صl.1986 2- د. حسين مؤنس. تاريخ الجغرافيا والجغرافيين في األندلس. مدبولي القاهرة. ط578 - 9.

- اليعقوبي. أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب. كتاب البلدان. )يلي: ابن رسته. كتllاب األعالق58.233النفيسة( مصدر سابق. ص

.268- المصدر نفسه. ص59.269- المصدر نفسه. ص60 . ترجمllة ابllراهيم الخllوري. وزارة الثقافllة.1. ق1- أندريه ميكيل. جغرافيا دار اإلسالم البشرية. ج61

.192م. ص1985دمشق. - قدامه بن جعفر. أبو الفرج الكاتب البغدادي. نبذ من كتllاب الخllراج وصllنعة الكتابllه. )يلي كتllاب62

ابن خرداذبه. أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله. المسالك والممالك. مكتبة المثllنى. بغllداد. بllدون.185تاريخ. ص

.7. ص1993- د. إحسان الهندي. أحكام الحرب والسالم في دولة اإلسالم، دار النمر. دمشق. 63.8- المصدر نفسه. ص64 .1983- خديجة أبو أتله. اإلسالم والعالقات الدولية في السلم والحllرب. دار المعllارف. القllاهرة. 65

.112ص . دار المعارف. القاهرة. بllدون3- علي علي منصور. شرعة العدو شريعة اإلنسان. سلسلة كتابي 66

.52تاريخ. ص.67- إحسان الهندي. مصدر سابق. ص67.201- كراتشكوفسكي. مصدر سابق. ص68.43- المقدسي. ص69

-105-

.16 - 15- ابن حوقل. مصدر سابق. ص70.6. المقدسي. ص27 ابن حوقل ص20 - 19- االصطخري. ص71.20. ابن حوقل. ص16- االصطخري. ص72.19. ابن حوقل. ص16 - 15- االصطخري. ص73. 23- ابن حوقل. ص74.16. االصطخري 20- المصدر نفسه. ص75.16. االصطخري. ص20- ابن حوقل. المصدر نفسه. ص76.18. االصطخري. ص23- ابن حوقل. المصدر نفسه. ص77. 252- قدامه بن جعفر. ص78.262- المصدر نفسه. ص79.265- المصدر نفسه. ص80.298- ابن الفقيه. ص81.363 - 362. المقدسي. ص299- المصدر نفسه. ص82.386. ابن حوقل. ص163- االصطخري. ص83.163. االصطخري. ص387- ابن حوقل. ص84.133- ابن سعيد المغربي. ص85.133- المصدر نفسه. ص86.176. اإلدريسي. ص278 - 277- ابن حوقل. ص87.278- ابن حوقل. المصدر نفسه. ص88.23- ابن رسته. ص89.61. مصدر سابق. ص1- المسعودي. التنبيه واإلشراف. ق90.156- ابن حوقل. ص91.157 - 156- المصدر نفسه. ص92.85- ابن خلدون. المقدمة. ص93.79. ص1978. بيروت. 1- شاكر مصطفى. التاريخ العربي والمؤرخون العرب. ج94 .1972- عمر رضا كحالة. التاريخ والجغرافيا في العصور اإلسالمية. المطبعllة التعاونيllة. دمشllق. 95

.73ص.19. ص1983- عبد العزيز الدوري. بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب. بيروت. 96.51- المصدر نفسه. ص97 . دار صllادر. بllيروت.1- اليعقllوبي. أحمllد بن أبي يعقllوب بن واضllح الكllاتب. تllاريخ اليعقllوبي. ج98

.20. ص1960.333. ص7- اإلمام القرطبي. تفسير القرطبي. ج99

.127. ص1- الطبري. تاريخ الطبري. ج100 . بllيروت.2- المسعودي. أخبار الزمllان ومن أبllاده الحllدثان وعجllائب البلllدان. دار األنllدلس. ط101

.91. ص1966.91- المصدر نفسه. ص102.316 - 310. ص1- المسعودي. مروج الذهب. ج103.25- الدمشقي. شيخ الربوه. مصدر سابق. ص104.261- المصدر نفسه. ص105.265- المصدر نفسه. ص106

-106-

الفصل الرابع

في المتخيل العربي الصين لم تكن الصين بعيدة عن اتصال العرب المسلمين بها، ولم تكن عصية على

معرفتهم، وتصوراتهم، فكانت حاضرة، بشكل مبكر، في اتصاالتهم ومعارفهم،و متخيلهم، شجع على ذلك االحتكاك العربي المبكر بها، فلم يأت القرن الثاني الهجريين حتى امتألت سواحلها والجزر القريبة منه، بالجاليات العربية، التي عاشت على هامش

النشاط التجاري والبحري. فامتلك العرب متخيال عاما عن حضارة الصين، ولعل ما يوحي بذلك الحديث المأثور »اطلبوا العلم ولو في الصين« الذي حمل في طياته اإلشارة إلى بعد الصين، وإلى ما تختزنه من علوم، إلى أن بدأ عصر التدوين في

القرنين الثاني والثالث هجريين، ونشط التأليف األدبي، وكتب األنساب والجغرافية، والفلسفة والفقه، ومدونات التاريخ، وهذه األخيرة طمحت إلى اإلحاطة بالتاريخ العالمي

برمته، باعتباره قصة أمم يقودها ملوك، ورساالت نبوية نزلت على هذه األمم، توجتها رسالة النبي محمد)ص(. على أمته، األمة الخاتم، التي ينفتح بها أمام العرب التاريخ

الكوني بحق، الذي تحتل فيه األمة الصينية مكانا مرموقا، وكان أفضل نموذج لهذا السردية التاريخية قدمها الطبري، والمسعودي، واليعقوبي، وابن األثير وغيرهم، واكمل

هذا الطموح إلى العالمية المدونات الجغرافية الكبرى في دأبها المحموم لإلحاطة بالعالم برمته، بأممه وحضاراته، وأقاليمة المختلفة، فضال عن الرحالة الذين واكبوا ذلك

الفضول المعرفي للعالم، واحتلت الصين مجاال حضاريا جاذبا لذلك الفضول المعرفي المتعدد الجوانب، ولالتصاالت المباشرة عن طريق التجار والرحالة، والسفارات، ولتبادل المعارف واالقتباسات الثقافية، وكانت حصيلة ذلك، تراكم المعرفة المكتبية عن الصين،

انعكست فيها صورة زاهية عن الحضارة الصينية،و عن الشعب الصيني، مفعمة بالحماسة واإلعجاب، لم ينل منهما التحفظات التي ترد هنا، وهناك عن بعض جوانب عادات الصين االجتماعية، وعن اعتقادهم الديني، وانساقهم الثقافية فلقد استأثرت

الصين بمكانة ممتازة في نظر العرب، في مجال العمران، والعلم والخبرة الصناعية،وبسمعة الثراء، والحكمة، وأيضا عدل حكامهم.

ولقد كثف القزويني في قليل من السطور صورة الصين في المتخيل العربي، التي جاء فيها »بالد واسعة في المشرق ممتدة من اإلقليم األول إلى الثالث، عرضها

أكثر من طولها، قالوا: نحو ثالثمائة مدينة في مسافة شهرين، وانها كثيرة المياه، كثيرة األشجار، كثيرة الخيرات وافرة الثمرات، من أحسن بالد الله وأنزهها، وأهلها

أحسن الناس صورة، وأحذقهم بالصناعات الدقيقة، لكنهم قصار القدود عظام الرؤوس، لباسهم الحرير، وحليهم عظام الكركدن والفيل، ودينهم عبادة األوثان، وفيهم

(1)مانوية ومجوس، ويقولون بالتناسخ، ولهم بيوت عبادات«.

صالت مبكرة ومقارنات في الحضارة -107-

ال نستطيع أن نحدد بدقة، اعتمادا على المصادر العربية، الزمن الذي أتى فيه العرب إلى الصين اول مرة، أو الطريقة التي جاءوا بها، وعلى الرغم من قلة الشواهد التاريخية الواضحة، فإنه يمكن القول، أنهم أول ما اتصلوا بالصين إنما عن طريق التجار الذي كانوا

يسلكون الطريق البحري القديم، ولكن أسبق النصوص، التي يمكن الثقة بها تشير إلى عالقات سياسية مبكرة عن طريق البر، وذلك بعد أن أخضع العرب بالد فارس، فبعد وفاة يزدجرد آخر ملوك آل ساسان، استنجد ابنه فيروز بالصين لتنصره على العرب، فقيل إن

إمبراطور الصين أرسل إلى البالط العربي سفيرا يدافع عن قضية األمير الهارب، في زمن الخليفة عثمان، فأرسل األخير أحد قواد العرب ليرافق السفير الصيني في طريق

وذلك في عهد االمبراطور تاوتسنغ سليل(2)م، فأكرم االمبراطور وفادته.651عودته سنة أسرة تانغ الملكية، وذكر الطبري هذه الواقعة، وذلك بأن يزدجرد نفسه ملك الفرس،

أوفد بعد هزيمته في معركة »ناهوند« مبعوثا إلى إمبراطور الصين، وعندما عاد سألوه عما رآه، فسرد لهم حوار اإلمبراطور معه، الذي تضمن تعريف المبعوث بحال العرب المسلمين، وتعليق اإلمبراطور على ذلك، فوضعنا هذا السرد أمام مقاربات حضارية،

جعلت إمبراطور الصين يقر بتفوق العرب المسلمين، وجاء في هذا الحوار، على لسان المبعوث الفارسي »قال: لما قدمت على ملك الصين بالكتاب والهدايا، فأنا بما ترون

)بهدايا مماثلة(، ثم قال لي: قد عرفت أن حقا على الملك إنجاد الملك على من غلبهم، فصف لي هؤالء القوم الذين أخرجوكم من بالدكم، فإني أراك تذكر قلة منهم وكثرة منكم، وال يبلغ أمثال هؤالء القليل الذي تصف منكم، فيما أسمع من كثرتكم، إال بخير

عندهم وشر فيكم، فقلت: سلني عما أحببت. فقال: أيوفون العهد؟ قلت: نعم، قال: وما يقولون لكم قبل أن يقاتلونكم. قلت: يدعوننا إلى واحدة من ثالث: إما دينهم، فإن

أجبناهم أجرونا مجراهم. أو الجزية والمنعة أو المنابذة، قال: فكيف طاعتهم أمراءهم؟ قال: أطوع قوم لمرشدهم قال: ما يحلون وما يحرمون؟ فأخبرته؟ فقال : أيحرمون ما

وكتب(3)حلل لهم و يحللون ما حرم عليهم؟ قلت: ال. قال: هؤالء قوم ال يهلكون أبدا«. امبراطور الصين إلى يزدجرد يخبره »أنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجيش أوله بمرو

وآخره بالصين الجهالة بحق علي، ولكن هؤالء الذين وصف لي رسولك صفتهم لو(4)يحاولون الجبال لهدوها، ولو خلي بينهم أزالوني ما داموا على ما وصف«.

-108-

ولعل أول الوافدين من التجار – الرحالة العرب إلى الصين، الذين ذكرتهم المصادر العربية، هو تاجر عماني، اسمه أبو عبيدة عبد الله، أقلع من عمان إلى خانفو

وروى(5)م( واشترى من الصين بعض أخشاب الند.750هl - 133)كانتون( حوالي بزرك حكاية )عبهرة الربان( الذي »سافر إلى الصين سبع مرات، ولم يكن سلك قبله

إلى الصين إال من غرر )أي من جازف بالمخاطر(، ولم يسمع أن احدا سلكه وعاد يظهر هذا التعريف،(6)قط... وما سمعت أن أحدا سلم في الذهاب والمجيء سواه«.

أن عبهره من أوائل المتاجرين مباشرة مع الصين، من القرن الثاني الهجري،لهذا ساعد بعض المراكب على اجتياز بحر الصنخي إلى الصين،كما دون القاضي الرشيد

بن الزبير )القرن الخامس الهجري( رسالة وجهها ملك الصين إلى معاوية بن أبي سفيان، أرفقها بهدية كتاب في العلوم، ودعوة إلرسال مبعوث يعرفه باإلسالم.

وتعكس هذه الرسالة، إذا افترضنا أن كاتبها عربي، ودونها فيما بعد، جانبا من صورة الصين عند العرب، إذ تجمع بين إجالل مكانة السلطان والدولة الصينيين، والمكانة العلمية ألهل الصين، فقد جاء فيها "من ملك األمالك الذي تخدمه بنات ألف ملك،

والذي بنيت داره بلبن الذهب، والذي في مربطه ألف فيل، والذي له نهران يسقيانالعود والكافور، الذي يوجد ريحه من عشرين ميال.

إلى ملك العرب الذي يتعبد الله وال يشرك به شيئا. أما بعد، فإني قد أرسلت إليك هدية، وليست بهدية، ولكنها تحفة، فابعث إلي بما

ال يتوقف ابن الزبير عند تدوين(7)جاء نبيكم من حرام وحالل، وأبعث إلى من يبينه لي، الرسالة، بل يعلق، مبينا تأثير هذه الهدية الثقافية على تطور العلم عند العرب، »وكانت

الهدية كتابا من سرائر علومهم، فيقال أن صار بعد ذلك إلى خالد بن يزيد بن معاوية،(8)وكان يعمل منه األعمال العظيمة من الصنعة وغيرها«.

وليست المرة الوحيدة، التي تأتي فيها الدعوات إلرسال مبعوثين للخلفاء المسلمين إلرسال مبعوثين ليعلموا الدين اإلسالمي للبالد البعيدة، إذ أورد اليعقوبي،

في تاريخه مجيء وفد من )التيبت( في الصين، في أيام الخليفة عمر بن عبد العزيز، إلى والي خراسان الجراح بن عبد الله المكي. يسألونه أن يبعث إليهم من يعرض

(9)عليهم اإلسالم، فوجه إليهم عبد الله الحنفي.

-109-

وذكرت التواريخ الصينية، أن سفيرا يدعى سليمان، أوفده الخليفة هشام بن عبد إلى اإلمبراطور حين طرده أحد الغاصبين من عرشه فتنحى عنه البنه726الملك سنة

م(، فطلب هذا األخير النجدة من الخليفة العباسي المنصور،756 ) Sutingسو تسينغ وأجابة الخليفة إلى هذا الطلب بأن أرسل إليه قوة من الجيوش العربية، نجحت

من أيديHo-nan-fu وهو ننفوSi-mqan-fuبمساعدته في استرجاع عاصمته سينغو الثوار، وفي نهاية الحرب، لم ترجع هذه القوات العربية إلى بالدها، بل تزوجت في

غير أن هذه الحادثة ال يرد ذكرها في المصادر العربية، وفي(10)الصين واستقرت فيها. المقابل، فإن المصادر العربية تعرضت الستيطان جاليات عربية أخرى في الصين.

وألسباب مختلفة، فنقرأ عند المروزي، عن لجوء جالية عربية )من الطالبيين الهاربين من السلطة األموية( إلى أطراف الصين الجنوبية، في جزيرة مالصقة إلحدى مرافي

الصين، يقومون بدور الوسيط التجاري، وأحيانا الترجمان بين أهل البالد والغرباء القادمين إلى الصين، أو كما يقول المروزي »هم سفراء بين أهل الصين وبين من يفد عليهم من القوافل والتجار، أما عن سبب استقرارهم في أطراف الصين، فيقول« فما

رأوا جد بني أمية في طلبهم وإبادتهم، خلصوا نجيا وتوجهوا نحو المشرق.. فانحازوا ولما علم صاحب الصين أن ليس وراءهم غائلة، وأنهم مضطرون إلىإلى الصين...

أبي وروى ياقوت عن (11) بجانبه، أقرهم في ذلك الموضع... فسكنوا آمنين«.التمسك دلف أنه في األخير من رحلته إلى الصين، عن طريق البر، وكان موفدا من سلطان

خراسان نصر بن أحمد الساماني، في القرن العاشر ميالدي، صادف أناس في هضبة التيبت، ما اعتقد أنها من بقايا قبائل يمنية أتت مع حملة )تبع( في بالد الصين،فعندما انتهى إلى »موضع يقال له )القليب( فيه بوادي عرب من تخلف عن تبع لما غزا بالد الصين، لها مصايف ومشات في مياه ورمال، يتكلمون بالعربية القديمة، ال يعرفون غيرها، ويكتبون بالحميرية وال يعرفون قلمنا، يعبدون األصنام، وملكهم من أهل بيت

منهم.. ولهم أحكام، وحظر الزنا والفسق، ولهم شراب جيد من التمر، وملكهم يهادي(12)ملك الصين«

وروى الجاحظ عن الهيثم بن عدي، عن أبي يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمر، أنه رأى في ديوان معاوية بن أبي سفيان، بعد وفاته، كتابا من ملك الصين جاء فيه »من ملك الصين الذي على مربطه ألف فيل، وبنيت داره بلبن الذهب، والفضة، والذي تخدمه بنات ألف ملك، والذي له نهران يسقيان األلوة )العود الذي يتبخر( إلى

وفي هذا النص، يظهر فيه مميزات الصين، وما تشتهر به، ويبرز قوة هذا(13)معاوية«البلد وغناه.

-110-

ولعل أبرز اللقاءت السياسية، التي حملت في سرديتها العربية صورة اللقاء الحضاري، وحوار مدنيتين، بقدر ما حملت معاني التحدي، وصراع الغلبة، هي تلك التي

م( عندما عبر قائد جيشه715هl - 96جرت في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك )ت قتيبة بن مسلم نهر جيحون، منطلقا من خراسان، واخضع على التوالي بخارى

وسمرقند، ومدنا أخرى، ومضى قدما في فتوحاته فدخل بارقند، وختن دون مقاومة، واستولى على كاشغرد وهي أدنى بالد الصين، ثم وصل إلى طرخان متوغال في اطراف

م، فأدرك إمبراطور الصين، وكان حينئذ وانغ جونغ )715هl - 96الصين، وذلك في سنة Yuang chungالمخاطر القادمة، فكتب ملك الصين إلى قتيبة، كما روى الطبري، وابن )

األثير، وغيرهما »إن ابعث إلينا رجال من أشراف من معكم يخبرنا عنكم، ونسائله عن دينكم« فانتخب قتيبة من عساكره إثني عشر رجال، لهم »جمال والسن وشعور وبأس«

تحت قيادة )هبيرة بن المشمرج الكالبي(، وقال لهم »ال تضعوا العمائم عنكم حتى تقدموا البالد، فإذا دخلتم عليه فاعلموه: أني قد حلفت أال أنصرف حتى أطأ بالدهم.

واختم ملوكهم، وأجبي خراجهم«، فلما وصلوا، أرسل إليهم ملك الصين يدعوهم، فدخلوا الحمام، ثم خرجوا فلبسوا ثيابا بياضا تحتها غالئل،وتدخنوا)أي تبخروا(،ولبسوا

النعال واألردية، ودخلوا عليه، وكان عنده عظماء مملكته، فجلسوا، فلم يكلمهم الملك وانصرفوا، فقال الملك لمجلسه »كيف رأيتم هؤالء؟وال أحد من جلسائه، فنهضوا

قالوا: رأينا قوما ما هم إال نساء، ما بقي أحد، حين رآهم ووجد رائحتهم إال انتشر ما عنده« فلما كان الغد، أرسل إليهم مجددا، فلبسوا الوشي وعمائم الخز والمطارف،

وغدوا عليه »فلما دخلوا عليه، قيل لهم: أرجعوا، فقال ملك الصين ألصحابه: كيف رأيتم هذه الهيئة؟ قالوا له« هذه الهيئة شبه بهيئة الرجال من تلك األولى »وأرسلوا

إليهم في اليوم الثالث، فشدوا عليهم سالحهم، ولبسوا البيض والمغامر، وتقلدوا السيوف، وأخذوا الرماح، وتنكبوا القسي، وركبوا خيولهم، وغدوا« فنظر إليهم صاحب الصين فرأى »أمثال الجبال مقبلة« »فلما انصرفوا سأل أصحابه: كيف ترونهم؟ قالوا

(14)ما رأينا مثل هؤالء قط«.

فأرسل إليهم الملك: »إن ابعثوا لي زعيمكم وأفضلكم رجال، فبعثوا إليه هبيرة«. فسأله ملك الصين »لم صنعتم ما صنعتم من الزي في اليوم األول والثاني والثالث؟« فأجابه هبيرة: »أما زينا األول فلباسنا في أهالينا، وريحنا عندهم، وأما يومنا الثاني، فإذا أتينا أمراءنا، وأما اليوم الثالث فزينا لعدونا، فإذا هاجنا هيج وفزع كنا هكذا، قال الملك:

(15)ما أحسن ما دبرتم دهركم«

وهكذا ارتدت مقابالت العرب الثالث، رمزية كثيفة، ففي األولى، وهم في زي يستعملونه في وسطهم العائلي، ظهروا للصينين برقة النساء ووداعتهن، وفي هيئتهم

الثانية، التي يظهرون فيها أمام أمرائهم، فكانوا أشبه بالرجال، وأما في هيئتهم فياليوم الثالث فظهروا في زي الحرب، فكانوا »امثال الجبال المقبلة«.

-111-

أما في الفصل الحواري التالي ما بين ملك الصين وهبيرة، فيستعرض كل منهما مصادر قوته، إلرهاب اآلخر، وتهديده، طلب الملك من هبيرة »انصرفوا إلى صاحبكم،

فقولوا له: ينصرف فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه، وإال بعثت عليكم من يهلككم، فأجابه هبيرة:« كيف يكون قليل األصحاب من )كان( أول خيله في بالدكم، وآخرها في

منابت الزيتون )يقصد بالد الشام(، وكيف يكون حريصا من خلف الدنيا قادرا عليها ! أما تخويفك إيانا بالقتل فإن لنا رجاال، إذا حضرت فأكرمها القتل فلسنا نكرهه وال

نخافه« فلما سمع الملك لغة التحدي هذه من هبيرة. اضطر للمساومة، فسأله: »ما الذي يرضي صاحبك؟« فبين له هبيرة »إنه حلف أال ننصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم

ملوككم، ويعطى الجزية«، فتوصل الملك إلى مخرج يجنبه مخاطر المواجهة مع قتيبة، ويحفظ لقتيبة طلباته، مظهرا كل مظاهر الرضوخ، إذ قال: »فإنا نخرجه من يمينه، نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطؤه، ونبعث ببعض أبنائنا فيختمهم، ونبعث إليه

جزية يرضاها« فأرسل الملك إلى قتيبة »بصحائف من ذهب فيها تراب من أرض(16)الصين( وحرير وذهب، وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم«.

لعل أقدم الرحالت إلى الصين، التي حملت معها سجاال حول موقع الحضارات، وأغنت المكتبة العربية بمعرفة اآلخر: الصيني، هي رحلة المالح والتاجر )سليمان

التاجر(، الذي يخلف وراءه معلومات موثوقة عن الصين مرفقة بتقييمه وأحكامه عن أنماط السلوك االجتماعي - الثقافي، ومقاربات )صريحة( عامة وواسعة ما بين

الحضارة الصينية، وثقافتها، وبين أمثالها في الهند، ومقاربات أخرى ضمنية مع ما يقابلها في )ديار اإلسالم(، باإلضافة إلى ما نقله عن مشاهداته في بالد الصين، وعن

أهلها، في رحالته العديدة إليها في منتصف القرن التاسع الميالدي، وعلى التقريب في م، وأن ما يهمنا هنا هو الجانب )الحواري( من هذه الرحلة، تلك التي اختزنتها851عام

مقابلة )وهب بن األسود القرشي(، المبراطور الصين، والتي حكاها سليمان التاجر، ودونها فيما بعد عنه أبو زيد السيرافي، ونجد وقائعها أيضا عند المسعودي، الذي

سمعها من السيرافي، عندما قابله في سيراف. أما النقطة األخرى التي تهمنا هنا فهي مالحظاته العامة عن الحضارة الصينية في سياق مقارنتها بالحضارة الهندية، وسنترك

معطيات رحلة السيرافي األخرى إلى سياق البحث.

-112-

تختزن رحلة القرشي ومقابلته إلمبراطور الصين، كثافه من الرموز والدالالت، فكل حادث أو جملة حوارية فيها على مغزى يتعلق بحوار الحضارات، والتفاضل فيما بينها، لقد رحل القرشي من البصرة بعد ثورة الزنج، واجتاز البحور حتى وصل ميناء

)خانفو(، وكانت خمدان، التي ذكرها المسعودي واإلدريسي، وابن سعيد المغربي، وأطلق عليها ابن بطوطة اسم )الزيتون(، عاصمة الصين في القرن التاسع الميالدي،

، والتمس القرشي مقابلة الملك في خمدان، ومما لهSinanfoولعلها سينانفو حاليا مغزاه، أنه ادعى »أنه من أهل بيت نبوة العرب«، فاهتم الملك بأمره، لهذا السبب،

فاستضافه في إحدى المساكن، لكن قبل أن يسمح بمقابلته، أمر عامله في خانفو التقصي عن صحة نسبه إلى النبي، من التجار العرب المقيمين في المدينة، »فكتب

وهذا يعكس تصور(17)صاحب خانفو بصحة نسبه، فأذن له، ووصله بمال واسع«. العرب بأن نبيهم له مكانته الرفيعة في نظر أباطرة الصين ورعيتهم. ولقد تأكدت للقرشي هذه الحقيقة فضال عن تقديرهم لمكانه ملوك العرب لديهم، عندما قابل

الملك، ففي هذه المقابلة، سأله الملك: »عن العرب، وكيف أزالوا ملك العجم، فأجابه« بالله جل ذكره، وبما كانت العجم عليه من عبادة النيران والسجود للشمس

والقمر من دون الله«، فسأله مرة أخرى: »فما منزلة سائر الملوك عندكم«، فأجاب القرشي: »مالي علم بذلك«، عندها قال له الملك رافعا من مكانة العرب إلى مصاف

األمة األولى بين األمم في علو المكانة، وباعتراف ملوك العالم بذلك، بينما وضع الصين وملكها في المرتبة الثانية، ووضع لكل أمة خصائصها وفضائلها المميزة، وجاء في قوله: »إنا نعد الملوك خمسة، فأوسعهم ملكا الذي بملك العراق، ألنه في وسط

الدنيا، والملوك محدقة به، ونجد اسمه عندنا ملك الملوك، وبعده ملكنا هذا عندنا ملك الناس، ألنه ال أحد من الملوك أسوس منه وال أضبط لملكه من ضبطنا لملكنا، وال

رعية من الرعايا أطوع لملوكها من رعيتنا، فنحن ملوك الناس، ومن بعدنا ملك السباع وهو ملك الترك الذي يلينا، وبعدهم ملك الفيلة وهو ملك الهند، ونجده عندنا ملك

الحكمة ألن أصلها منهم، وبعده ملك الروم، وهو عندنا ملك الرجال، ألنه ليس في)األرض أتم خلقا من رجاله وال أحسن وجوها، فهؤالء أعيان الملوك، والباقون دونهم«.

18)

وهكذا. فإذا كان ملك العراق يتميز بأنه،وأن ملكه يقع في وسط الدنيا أوسع ملكا،فإن ملك الصين يتميز حكمه بدقة النظام الذي يسوس به رعيته، وملك الترك

بالشجاعة، وملك الهند المتالكه الفيلة، وأيضا ألن ملكه منبع الحكمة، وملك الروم لتميز شعبه بتمام الخلقة والجمال، فجعل المؤلف العربي ملك الصين نفسه يعترف

بتفوق العرب، دون أن يغمط األمم األخرى ما تتسم به من فضائل، وقد ذكر السيرافي في موقع آخر من مذكراته، »ألن أهل الهند والصين مجمعون على أن

ملوك الدنيا المعدودين أربعة، فأول من يعدون من األربعة: ملك العرب، وهو عندهم إجماع... أنه ملك أعظم الملوك، وأكثرهم ماال، وأبهاهم جماال، وأنه ملك الدين الكبير

)يقصد هنا اإلسالم( الذي ليس فوقه شيء، ثم يعد ملك الصين نفسه بعد ملك العرب،(19)ثم ملك الروم، ثم بلهر )أي ملك الهند(«...

-113-

وقدم السيرافي سلسلة من المقارنات الثقافية ما بين الصين والهند، وهي خالصة تجربته، ومشاهداته، هذا إذا نظرنا إلى الثقافة على أنها األسلوب العام لحياة

الجماعة، وتشمل كل ما يرتبط بالحياة االجتماعية أو الفردية بالبيئة االجتماعية، كالعادات والمعتقدات والطقوس واآلداب، وجاء في هذه المقارنة »ألهل الهند قضاة

يحكمون بينهم... وكذلك أهل الهند.. وأهل الصين والهند يزعمون أن البدد )أي األصنام( تكلمهم« والصين والهند يقتلون ما يريدون أكله، وال يذبحونه فيضربون هامته

حتى يموت. وال يغتسل الهند وال الصين من جنابة، وأهل الصين ال يستنجون إالبالقراطيس، والهند يغتسلون كل يوم قبل الغداء ثم يأكلون.

والهند ال يأتون النساء في الحيض... والصين يأتونهن في الحيض.. وأهل الهند يستاكون، وال يأكل أحدهم حتى يستاك ويغتسل، وليس يفعل ذلك أهل الصين، وبالد

الهند أوسع من بالد الصين... وبالد الصين أعمر، وليس للصين وال للهند نخل ولهمسائر الشجر.

وليس ألهل الصين علم وإنما أصل ديانتهم من الهند، وهو يزعمون أن الهند وضعوا لهم البدد، وأنهم في أهل الدين، وكال البلدين يرجعون إلى التناسخ، ويختلفون

في فروع دينهم. الطب بالهند والفالسفة، وألهل الصين أيضا الطب، أكثر طبهم الكي، ولهم علم

بالنجوم، وذاك بالهند أكثر... وبالد الصين أنزه وأحسن، أكثر الهند ال مدائن بها، وأهل الصين في كل موضع

لهم مدينة محصنة عظيمة، وبالد الصين أصح وأقل أمراضا وأطيب هواء، ال يكاد يرىبها أعمى وال أعور وال من به عاهة، وهذا كثير في بالد الهند...

وفي بالد الهند مفاوز كثيرة، والصين كلها عمارة، وأهل الصين أجمل من أهل(20)الهند، وأشبه بالعرب واللباس والدواب«.

تجار وتجارة ومدن تجارية

-114-

لم تنحصر عالقات العرب بالصين على العالقات السياسية، أو تبادل الرسائل، والرحالت، والمعارف، بل صاحب ذلك كله عالقات تجارية نامية، وما يرافقها من تبادل

للمنافع وللتعارف، ولقد أدرك المصنفون العرب هذه الصالت، واتجاهاتها، وموضوعاتها، وأورد ابن خرداذبة، في معرض حديثه عن »مسلك التجار اليهود

والراذانية« أن هؤالء التجار يمضون في البر »إلى السند والهند والصين، فيحملون من الصين المسك، والعود، والكافور، والدار الصيني، وغير ذلك... حتى يرجعون إلى القلزم، ثم يحملونه إلى الفرما )في مصر(، ثم يركبون في البحر الغربي )البحر

المتوسط(، فربما عدلوا بتجاراتهم إلى القسطنطينية، فباعوها إلى الروم، وربما صاروا ، وأورد بزرك رحلة تاجر يهودي، من دار(21)فيها إلى ملك الفرنجة فيبيعونها هناك«.

الخالفة، إلى الصين، فدخل بلد اسمه )لوبين( وهو من مدن التيبت في الصين، وأنه سلك إليه بين جبال شاهقة، وأن وعورتها حتمت أن »يحمل المتاع إليه على الغنم،ألن صعود جباله مثل الدرج اليستطيعه إال الغنم، فوجد في البلد »ملكا كبيرا له قدر وجاللة عظيمة الشأن، فدخل إليه« وهو يجلس على سرير من ذهب مرصع بالياقوت «وعليه

حلي مثل النساء، وزوجته إلى جانبه عليها أكثر مما هو عليه، وفي رقبته أطواق من ذهب وزبرجد... وعلى رأسه نحو من خمسمائة جارية« فقال له الملك »يا عربي هل رأيت أحسن من هذا - يعني طوقا مرصعا من أطواقه«، فقال له، نعم »معي واحدة

اشتريتها بمال عظيم«، ولما عرض عليهما الطوق الذي يحمله، ورأه الملك »سجد من وذلك ألن ملوك(22)0ساعته لها، وسجدت امرأته«. ووهبا لها مكافأة »لها قدر عظيم«.

الصين، كما يقول بزرك مولعون بالجواهر. وال يخفى على المسعودي وعورة الطريق البري إلى الصين، فهناك أنهار عظيمة

للصين »تجري من بالد الترك والتيبت والصغد، وهي بين بخارى وسمرقند، وهناك جبال النوشادر«، منها يحمل النشادر، إال أن هذه الجبال خطرة في الصيف، الحتمال أن تشتعل النوشادر من فوق الحرارة، إال أنها في الشتاء تبدو سالمة، فمن أراد من بالد خراسان أن يسلك إلى بالد الصين، عليه أن يسلك واد بين تلك الجبال، طوله أربعون ميال أو خمسون،

فيأتي إليه أناس هناك، على فم الوادي، "فيرغبهم في األجر النفيسة فيحملون ما معه على أكتافهم... حتى يخرجوا إلى ذلك الرأس من الوادي". ألن الحيوانات ال تستطيع

المرور هناك، والمسافة من "بالد خراسان على الموضع الذي ذكرناه إلى بالد الصين نحو غير أن المسعودي ينبهنا إلى، وجود طرق أخرى، للتجارة مع الصين تمر(23)أربعين يوما".

أن ذلك في خفارات في بالد األتراك، وهي "مما يسلكه البهائم نحو من أربعة أشهر، إال ويخبرنا أيضا أنه رأى "بمدينة بلخ شيخا جميال، ذا رأي وفهم، وقد(24)أنواع من الترك".

دخل الصين مرارا كثيرة، ولم يركب البحر قط، ورأيت عددا من الناس ممن سلك من(25.)بالد الصغد على جبال النشادر إلى أرض التيبت والصين"

أما المروزي، فدلنا على طريق تجاري آخر ينطلق من كاشغر، "فالقاصد نحوهم )نحو الصين( للتجارة أو غيرها يسلك من كاشغر إلى باركند في أربعة أيام، ومنها إلى

ختن في أحد عشر يوما، ومنها إلى كروبا في خمسة أيام، ومنها إلى ساجو في(26)خمسين يوما، ومن هناك تفترق الطرق إلى الصين".

-115-

و فصل اإلدريسي معالم هذا الطريق، متوقفا عند كاشغر كمحطة كبرى للتجارة مع الصين، ليقول له: "ومدينة كاشغر من بالد الصين، وهي مدينة عامرة كثيرة

الخيرات،مشتملة البركات، فيها متاجر وبضائع،وأسفار وحركات.. ومن مدينة كاشغر إلى مدينة خيغون ثماني مراحل، ومدينة خيغون مدينة عامرة من مدن الصين والقاصد

وأشار(27)إليها كثير، وبها التجارات الكثيرة، وبأرضها توجد دواب المسك والزباد". اليعقوبي، وكان معاصرا ألبي زيد السيرافي، إلى هذا الطريق. مبينا انه "من أراد

الصين على البر، فإنه سار في نهر بلخ وقطع بالد السند، وفرغانه والشاش والتيبت،(28)حتى يصير إليها".

-116-

وكان للعرب دراية واسعة بخطوط التجارة البحرية مع الصين، ودونوا ذلك في مؤلفاتهم، وتناولوا هذه التجارة من جميع جوانبها، وسجل بعضهم وصول السفن الصينية

إلى مرافئهم العربية حتى القرن التاسع الميالدي، وهو ما نجده عند السيرافي، وتبعه في ذلك ابن الفقيه، "أن أكثر السفن الصينية تحمل من سيراف، وان المتاع يحمل من

البصرة وعمان، وغيرها إلى سيراف، فيعبأ في السفن الصينية بسيراف، وذلك لكثرة وأشار المقدسي البشاري، إلى(29)األمواج في هذا البحر، وقلة الماء في مواضع معينة".

كما نبه اإلدريسي، وغيره، إلى أهمية عدن(30)أن سيراف "كانت حينئذ دهليز الصين". في هذه التجارة، وإلى السلع المستوردة من الصين، فيقول: "ومدينة عدن صغيرة، وإنما شهد ذكرها ألنها مرسى البحرين، ومنها تسافر مراكب السند والهند والصين،

وإليها يجلب متاع الصين مثل: الحديد والفرند، والكيمخت )أي الحرير المشجر( والمسك، والعود، والسروج، والغضار، والفلفل والدار فلفل، والنارجيل، والهرنوة، والقاقلة، والدار صيني، والخولجان، والبسباسة، واإلهليلجيات، واألبنوس، والذبل، والكافور، والجوزبوا، والقرنفل، والكبابة المتخذة من الحشيش، والثياب العظيمة

المخملة، وأنياب الفيلة، والرصاص القلعي، وغيرها من القنا، والخيزران،وأكثر السلع وتطرأ اليعقوبي في تاريخه، إلى الطريق البحرية(31)التي تبحر بها إلى سائر البالد".

التجارية التي تعبرها السفن الذاهبة واآليبة ما بين الموانئ العربية والصينية، فذكر أن للصين بالدا واسعة، إذا أراد أحد السفر إلى الصين بحرا، يجب عليه أن يجاوز سبعة

أبحر، يختلف كل واحد منها، في اللون والريح واألمواج، وغيرها من المخلوقات البحرية، وأول هذه البحار بحر فارس "يبحر فيه التاجر من سيراف وينتهي برأس الجمجمة،

والثاني يقال له بحر ال روي، والثالث الهركند، حيث توجد جزائر سرنديب، والرابع بحر كاله بار، الذي فيه أشجار الكافور، والخامس بحر شالهط الذي فيه العجائب، والسادس

كندرج، والسابع صنخي، ويقال له أيضا كنجلى )وبحر صنخي حسب الجغرافية الصينية هو بحر تشان هاي الذي يلتقي ببحر آخر يقال له كنجلى(، ويقول اليعقوبي عن بحر

صنخي أنه "بحر الصين، وإنما يسار فيه بريح الجنوب حتى يصيروا إلى بحر عذب عليها وتعقب ابن خرداذبة طريق(32)المسالح والعمران، حتى ينتهوا إلى مدينة خانقو".

التجارة البحري إلى الصين بدءا من الفورما في مصر على البحر األحمر )القلزم(، إلى جده "ثم يمضون إلى السند والهند والصين فيحملون من الصين المسك والعود

وكان العرب ينظرون إلى الصين كموطن(33)والكافور والدار صيني، وغير ذلك". للبضائع الكمالية الدقيقة الصنع، وقد علق الثعالبي من نيسابور في القرن الحادي عشر

ميالدي على ذلك بقوله: "إن العرب كانوا يسمون كل إناء دقيق أو غريب الصنع، وما شابه ذلك، بغض النظر عن مصدره الحقيقي: )الصيني(، الن األشياء الدقيقة الصنع من

اختصاص الصين"، ويتابع في ذكر خزفهم الدقيق والشفاف وحريرهم المنوع األلوان، وأقمشتهم المطرزة بخيوط الذهب - ومعاطفهم المحمية من المطر، بواسطة الشمع، ومناديل المائدة المصنوعة من الحرير الصخري ومراياهم المصنوعة من الفوالذ وكانت

(34)هذه المنتجات تصل العرب بواسطة الطريق البحري.

-117-

وكانوا أيضا على معرفة بالمرافئ الصينية، وطريقة تعامل الصينيين مع القادمين من التجار العرب، وتطرأ ابن خرداذبة إلى هذا الموضوع، مع تقدير المسافات التي

تفصل بين المدن الصينية الساحلية، والسلع التي تشتريها، فذكر أن "لوقين هي أول مرافئ الصين، مائة فرسخ في البر، فذكر أن من الصنف )أو صنخي(، "إلى لوقين

( هي أول مرافئ الصين، مائة فرسخ في البر والبحر، وفيها الحجرTonken)تونكين الصيني، والحرير الصيني، والغضار الجيد الصيني، وبها أرز، ومن لوقين إلى خانفو، وهي المرفأ األكبر مسيرة أربعة أيام في البحر، ومسيرة عشرين يوما في البر، وفيها الفواكه

كلها والبقول والحنطة والشعير واألرز، وقصب السكر، ومن خانفو إلى خنجو )Hangochowمسيرة ثمانية أيام، وفيها مثل مافي خانفو، ومن خانجو إلى قانطو مسيرة )

عشرين يوما، وفيها مثل ذلك، ولكل مرقى من مراقي الصين نهر عظيم تدخله وأشار المروزي أيضا إلى أن "الطريق إلى الصين من جانب البحر، فأول(35)السفن".

مرفأ من البحر إليه يقال له لوقير ثم مدينة خانقو، وهي أعظم من لوقير وهو مرفأ عظيم، وبها نهر ماء عذب كبير يخترق البلد، وعليه جسور وعلى جانبيه أسواق التجار الغرباء، وعلى جانبه اآلخر أسواق أهل المدينة، وأكثر من يقصدهم من التجار الفرس

وعلمنا(36)والعرب، والفرس يركبون المراكب إليهم من سيراف والعرب من البصرة". من المروزي، على الطريقة التي تدير فيها سلطة المدينة العالقة مع التجار وطريقة تعاملهم مع العرب المسلمين خاصة، ففي هذه المدينة محصل الضرائب مندوبا عن ملك الصين، "يجمع أمتعة التجار، ويأخذ منهم العشر"، وال ينسى إطراء أخالق أهل المدينة، فهم أصحاب "وفاء وأمانة وصدق لهجة"، وفي هذه المدينة تصنع "الغضائر الصينية والكواغد الحسنة )ورق حريري( التي يكون أحد وجهيها أبيض والوجه اآلخر

وتخضع المدينة لنظام ثابت،(37)أصغر، والحرير الصيني الجيد، ولباس أهلهم الخفاتين". إذ ينصرف الناس إلى بيوتهم مساء "فإذا غربت الشمس قرع الطبل في الجانبين

ينصرف كل فريق إلى مواضعهم، فمن وجد بعد ذلك من الفريقين في سوق غيره أدب وغرم". والبضائع التي تستوردها من التجار، وأكثرها من بالد العرب والهند "أنياب الفيل

والفلفل، والزجاج والزعفران والفوالذ وخشب الطرفا والحور وجميع الفواكه اليابسة كالتمر والزبيب" وملكهم "يكرم التجار وال يظلم أحدا ممن يرد ناحيته.. يأخذون من

التجار الذين يردون هذه المدينة من جميع ما معهم من كل عشرة ثالثة، ويكون نصفة ويخضع التجار القادمين في(38)لصاحب الجيش والنصف ينفذ إلى ملك الصين".

المراكب لنظام دقيق، إذ متى وصل المركب إليهم خرج إليه األمناء والكتاب من أهل البلد، فيكتبون عدد ما في المركب من النساء والصبيان والعبيد، ثم يكتب اسم صاحب المركب، وأسماء الذين معه، ويثبتون جميع ما في المركب من األمتعة، وكل من كان

أنظف ثيابا وأحسن كان أكرمهم عندهم، وهو ما يشير على اعتنائهم بالنظافة، وأشار السيرافي من قبل،(39)ويحرصون على أال يقع "بخس وضرر بالبائع والمشتري".

إلى أن هذه المدينة )خانفو( وهي مجمع التجار، وأن المسلمين فيها يحتكمون إلى قوانينهم فحسب، إذ فيها "رجل مسلم يوليه صاحب الصين الحكم بين المسلمين الذين يقصدون إلى تلك الناحية، يتوخى ملك الصين ذلك، وإذا كان في العيد صلي بالمسلمين،

-118-

وخطب ودعا لسلطان المسلمين، وأن التجار العراقيين ال ينكرون من واليته شيئا، وفي(40)أحكامه وعمله بالحق، وبما في كتاب الله عز وجل".

إال أن كتاب العرب سجلوا انقطاع االتصال المباشر بين المراكب العربية التجارية إلى مرافئ الصين. كما خسرت الجاليات العربية مراكزها الكبرى في المدن الساحلية الهندية، وال سيما في مدينة خانفو، ودون تلك الواقعة كل من السيرافي، والمسعودي،

وأصبحت العالقة بين التجارة الصينية والهندية تلتقي تبادالتها في )كله(، وهي مدينة تقع كما بينوا ذلك في منتصف الطريق بين البالد العربية والصين، فنقرأ عند المسعودي أن

كله "هي النصف من طريق الصين أو نحو ذلك، وإليه تنتهي مراكب أهل اإلسالم من السيرافيين والعمانيين في هذا الوقت، فيجتمعون مع من يرد من أرض الصين في

مراكبهم، وقد كانوا في بدء الزمان بخالف ذلك، وذلك أن مراكب الصين كانت تأتي بالد عمان وسيراف وساحل فارس والبحرين واألبلة والبصرة... ولما عدم العدل )ويقصد في الصين( وفسدت النيات، وكان من أمر الصين ما وصفناه التقى الفريقان في هذا

(41)النصف".

علل المسعودي والسيرافي هذ اإلنقالب الكبير في السياسة الصينية، في م، فكتب878هl - 264اضطراب الحكم، وذلك الغتصاب ملك شرير الحكم في عام

المسعودي: أن األمور في الصين لم تزل "مستقيمة في العدل حسب ما جرى به األمر فيما سلف من ملوكهم إلى سنة أربع وستين ومائتين، فإنه حدث في الملك أمر زال به النظام، وانقضت به األحكام والشرائع... وهو أن نابغا نبغ فيهم من غير بيت الملك كان

في بعض مدائن الصين يقال له بانشو، وكان شريرا يطلب الفتنة، ويجتمع إليه أهل الدعارة والشر"، ومع األيام، اشتد أمره، ونما ذكره، وقويت شوكته وشن الغارات على

العمائر حتى نزل مدينة خانفو، وهي مدينة عظيمة على نهر عظيم، تدخل هذا النهر "سفن التجار الواردة من بالد البصرة، وسيراف وعمان ومدن الهند، وجزائر الزابج،

والصنف، وغيرها من الممالك، باألمتعة" وفي هذه المدينة "خالئق من الناس مسلمون ونصارى ويهود ومجوس، وغير ذلك من أهل الصين" فقصدها هذا العدو وحاصرها، وأتت جيوش الملك فهزمها، وافتتح مدينة خانفو عنوة، "فقتل من أهلها خلقا ال يحصون كثرة،

وأحصى من المسلمين والنصارى واليهود والمجوس ممن قتل وغرق خوف السيف فكان(42)مائتي ألف".

-119-

قضتl هذهl الحادثة - الكlارثة على الجاليات العربيlة - اإلسالمية في المدlن الساحلية الصlينيةl، وانقطعت من مفاعيلlها الصالت المباشlرة بين مرافئ الصيlن،

والمرافئ العربيlة، فتlحولت هذهl التجارة إلى مرافئ األرخبlيل األندlونيسي، وال سيما مرفأ )كلlه(،l الذي هو في منتصlف الطريق بين الصlين وبالد العرب، ولقد نوه البlاحثوlن

"وتؤيد التواريخ الصينية ما حكاهالمعاصرlون بهذlه األحداث ذlاتها، فكlتبl آدم ميlتز بحريو العرب من القضاء على المراكز والجاليات التجارية في الصين، وال سيما في

م، ذلك أن شريرا في الصين كما يقول المسعودي،880مدينة خانفو، حوالي سنة قضى على أسرة تنج، وأفسد أمور الصين، وفتح خانفو... وقتل من أهلها مائتي ألف من المسلمين ومن غيرهم، وباضمحالل أمر هذه األسرة فسد كل شيء في جنوب

و كما أشار أحد الباحثين، في(43)الصين واختفت معالم التجارة البحرية من هناك". م أن اندلعت ثورة879هl - 266سياق تعرضه لذلك التحول الصيني، "ولكن حدث في

في الصين بقيادة هوانج - شو، أعقبها تغير سياسة الصين تجاه التجار األجانب،(44)فأغلقت موانيها أمامهم، فلجأ معظمهم إلى شبه جزيرة الماليو".

غير ان المؤلفين العرب أشاروا، إلى أن هذه الحالة من االنقطاع لم تستمر، فعادت االمور إلى ماكانت عليه، فإن بزرك روى في القرن العاشر الميالدي، عن

ذهاب تاجر اسمه )كاوان( من عمان إلى المرافئ الصينية في العقد الثاني من القرن كما دون المروزي، وهو من أبناء القرن الحادي(45)العاشر، وقابل ملك الصين )بغبور(.

عشر ميالدي، معلومات واسعة عن وجود مراكز تجارية عربية في خانفو، ووصول التجار العرب إليها، كما ورد معنا سابقا.وهذا ما يتوافق مع األبحاث المعاصرة، إذ كتب

متز، "ان حكومة الصين بذلت في نهاية القرن العاشر )ميالدي( جهدا كبيرا الجتذاب التجارة األجنبية اآلتية من البحر إلى الصين رأسا، وأرسلت بعثه تدعو التجار األجانب...

للحضور إلى الصين... وفي ذلك العصر وما جاء بعده تذكر روايات كثيرة عن تجار(46)مسلمين زاروا بالط إمبراطور الصين، واستقبلوا هناك استقباال مملوءا بالمودة".

وسجل ابن بطوطة في رحلته إلى الصين. في القرن الرابع عشر، كثافة الوجود العربي واإلسالمي في الصين، وعلى سواحلها، وازدهار التجارة العربية فيها، وكان قد

وصل الصين وهي تحت حكم المغول، الذين تحولوا إلى الدين اإلسالمي، وفتحوا الطريق أمام المسلمين لدخول الصين واالستقرار فيها، وجاءت زيارة ابن بطوطة في هذه الفترة، وتجول في مدنها، فتحولت مذكراته إلى سجل حافل عن حياة المسلمين،

(47)ونشاطهم الكبير في حياة المدن الصينية.

-120-

وكانت أول مدينة وصل إليها ابن بطوطة، هي التي يسميها )الزيتون(، ويعتقد البعض أنها كانتون نفسها، وأن محقق كتاب ابن فضل الله العمري، يضعها بين مدينة

الحالية، ولعل األرجح أنها مدينةTch – Jungأموي وفوتشينو، وثالث يعتقد أنها جوان شو كانتون، ألن مواصفاتها عند ابن بطوطة تشابه، ما يذكره الباحثون العرب اآلخرون عن

خانفو، أي كانتون، وصفها ابن بطوطة بأنها "مدينة عظيمة كبيرة، تصنع فيها ثياب الكمخا واالطلس، ومرساها من أعظم مراسي الدنيا، أو هو أعظمها"، وقد رأى فيها مائة )جنك(

كبير، أي مركب كبير، ووجد من الجنك الصغيرة ما ال يحصى،ومرفؤها، "خور كبير من البحر يدخل في البر حتى يختلط بالنهر العظيم"، وما يهم هنا أنه رأى فيها "المسلمين ساكنين بمدينة على حدة"، وتعرف على قاضي المسلمين فيها، وكبار التجار، وإذا قدم

التجار المسلمون إليها "فرحوا أشد الفرح، وقالوا: جاء في أرض اإلسالم" فال يشعر(48)المسلم الغريب بالغربة.

وانتقل إلى ما سماه مدينة )صين الصين( ويعتقد أنها مدينة )مهاجين( الحالية، ومعناها الصين الكبرى، وهي حسب محقق كتاب الجغرافيا، البن سعيد المغربي هي

وعندما(49))عاصمة منزي في والية فوكين الحالية، فرأى فيها جالية عربية ومسلمة، انتقل إلى مدينة أخرى سماها )الخنسا(، التي يعتقد أنها هانج جو الحالية، قال عنها "أكبر

مدينة رأيتها على وجه األرض طولها مسيرة ثالثة أيام"، وهي مقسمة إلى )ستة مدن( األولى يسكنه حراس المدينة وأميرهم، و الثانية يسكنها "اليهود والنصارى والترك وعبدة

الشمس"، والثالثة، يسكنها المسلمون "ومدينتهم حسنة، وأسواقها مرتبة كترتيبها في بالد اإلسالم، وبها المساجد والمؤذنون،... ولها زاوية تعرف بالعثمانية، حسنة العمارة، وبها

وهو وصف لمدينة إسالمية في(50)طائفة الصوفية... وعدد المسلمين بهذه المدينة كثير". اكتمال مواصفاتها، وهو ما يعبر عن الحرية التي يتمتع بها المسلمون بهذه المدينة،

وبالصين عموما، فيتنقل التجار العرب والمسلمون بهذه البيئة االجتماعية المرحبة بهمبكل أمان وحرية.

وترك ابن بطوطة في مذكراته، وصفا شامال لسفن الصين ومراكبهم، وطريقة صنعهم لها، فهناك ثالثة أصناف لمراكب الصين: الكبار منها تسمى )الجنك(، والمتوسطة تسمى )الزو(، والصغار يسمى مفردها )الكمكم(، ويحتوي المركب الكبير من ثالثة قلوع إلى اثني عشر قلعا، وتصنع قلوعه من الخيزران منسوجة بالحصر، ويخدم المركب ألف رجل فما دون، منهم البحرية ستمائة، والمقاتلة أربعمائة، وفيها الرماة، وأصحاب الدرق

الذين يرمون بالنفط، وال تصنع هذه المراكب إال بمدينة الزيتون، أو بصين صينية، أو صين كالن، ويعتمدون في إنشاء المركب على صنع حائطين من الخشب ضخمين جدا،

موصولة بالعرض والطول بمسامير ضخام، طول المسمار منها ثالثة أذرع، فإذا التأم الحائطان الخشبيان، صنعوا على أعالها فرش المركب، وعلى جوانب ذلك الخشب توضع

المجاديف، وهي كبار كالصواري. يجدف واحدها العشرة إلى الخمسة عشر رجال. ويزرعون الخضر والبقول والزنجبيل في أحواض خشب. ويعاملون وكيل المركب كأنه

)أمير كبير، تحف به عند نزوله الرماة والحبشان بالحراب والسيوف واألطبال واالطباق.

51)

-121-

األصول الساللية اهتم العرب بترتيب أنسابهم، وأصولهم الساللية، وشكل هذا "النموذج" أحد

األعمدة التي قام عليها تأليفهم التاريخي فيما بعد، وإن لم يحظ بنفس األهمية عند الجميع، إال أنهم اتفقوا على أن الشعوب برمتها انحدرت من أب واحد: آدم، وأم

واحدة: حواء، ثم تفرعوا، أما الحلقة األخرى لتفرعهم، فهي حلقة نوح الذي انجب: سام وحام ويافث. فكانوا أجدادا للبشرية جمعاء، وأرجعوا شعوب األرض إلى هؤالء الثالثة، كما أن األرض توزعت بين أوالدهم أيضا، روى ابن الكلبي أن الصين سميت

صين: وذلك ألن "صين وبغر ابنا بغبر بن كماد بن يافث"، وروى الحموي أيضا عن أبيالقاسم الزجاجي أنها "سميت بذلك ألن صين بن بغير بن كماد أول من حلها وسكنها".

(52)

وأرجع البعض إلى فالغ بن عابر بن شامخ بن أرفخشند بن سام بن نوح توزيع المعمورة بين أوالد عمومته، فأشار اليعقوبي إلى أنه "قسم األرض لهم فصار لولد

يافث الصين والهند والسند والترك والخزر والتبت والبلغر والديلم وما والى خراسان. ولولد حام المغرب وما وراء الفرات إلى مسقط الشمس، ولولد سام الحجاز واليمن

(53)وباقي األرض".

وكتب في مكان آخر أن أول ملوك الصين "صاين بن باعور بن يرج بن عامود بن يافث بن نوح بن لمك، فإنه... عمل فلكا حاكى به فلك نوح فركب فيه، ومعه جماعة من ولده وأهله، حتى قطع البحر فصار إلى موضع استحسنه وأقام به، فسمى ذلك

وأكد الدمشقي على الحقيقة ذاتها، بقوله:"أما الصين،(54)الموضع الصين باسمه". فزعم أن فالغ لما قسم األرض بين ولد نوح أعطى لبني يافث الشرق، فعمل لبني يافث سفينة فركب فيه بولده فقطع البحر الشرقي، فنزل بولده في تلك األرض،

فبنوا المدن واآلثار والمعادن وأجروا األنهار وغرسوا األشجار، ثم هلك وملك من بعده وأشار المسعودي إلى التباس، واختالف الرأي، اللذين(55)ولده صابور وهو أبو الصين".

يحيطان معرفة أصول الصين،فبين"قد تنازع الناس في أنساب أهل الصين وبدئهم: فذكر كثير منهم أن ولد عابور بن سويبل بن يافث، لما قسم فالغ بن عابر بن ارفخشذ

بن سام بن نوح األرض بين ولد نوح ساروا مسيرة في الشرق، فسار قوم منهم من ولد أرعوا على سمت الشمال... وعبر ولد عابور نهر بلخ، ويمم بالد الصين األكثر

وقارن(56)منهم، وتفرقوا عدة ممالك في تلك البالد وانتشروا في تلك الديار". المسعودي بين التركيب االجتماعي ألهل الصين، العرب، فوجد شيئا من الشبه بينهما

"فأهل الصين شعوب وقبائل كقبائل العرب وأفخاذها، وتشعبها في أنسابهم، ولهم مراعاة لذلك، وحفظ له، وينسب الرجل منهم إلى خمسين أبا إلى أن يتصل بعابور،

فمنهم في البوادي وسكان الجبال، ومنهم الحضر في المدن،(57)وأكثر من ذلك وأقل" "فمنهم الجيل، وهم سكان جيالن، واألشروشة والصفد، وهم بين بخارى وسمرقند،

ثم الفراغنة وأشاش واستيجاب واهل بالد الفاراب، فبنوا المدن والضياع وانفرد منهم(58)أناس غير هؤالء فسكنوا البوادي".

-122-

مظاهر تفوق الصين في العمران هيمن جانب اإلعجاب، والتبجيل على نظرة العرب نحو المدنية الصينية، وأبرزت

تلك النظرة تفوق الصينيين في مجاالت شتى، وال سيما في تقنياتها الدقيقة، وصناعتها، وزخرفها وتصويرها، وفي ألبستها الحريرية الرائعة اإلتقان، وثرائها،وفي النظام المدني

الدقيق الذي يكتنف حياة سكانها، وفي تقسيم مدنها، وترتيبها لعالقتها مع الغريب، والتاجر العابر للبالد، هذا إذا لم نتحدث عن إعجابهم بطريقة إدارة سلطانها، وملوكها

للحكم وألحوال الرعية، الذي سنتطرأ إليه الحقا. فذهبتl شlهادة سلlيمان التlاجر إلى حد القوlل إن "lأهل الصlين من أحذق خلق

.l"من سائر األمم lوصناعة، وكل عمل ال يقدمهم فيه أحد lه كفا بنقشlوترتبط(59)الل شهادlة الكفاءة، والتفوق بتlقدlير من الملlك نفسه، فالرجل الذي يجlد في نفسه

التlفوlق في صناعة ما، ويجدl أن غlيره يعجlز عن مجاراته يقصدl الملك "يلlتمس الجlزاء علlى لطيlف ما ابتدlع، فيأمره الملlك بأن يقف على بابه سنة كاملlة، "lفإن لم يخرlج

lاعه، وإن أخرج فيه عيبlة صنlبا جازاه وأدخله في حملlه( عيlفي صنعت( lفيه lأحد .l"ازهlالعرب(60)أطرحه ولم يج lكانتl" lيني الصارخ، إذlق الصlالثعالبي بهذا التفو lونوه

تقول لكل طرفة من األواني، وما أشlبهها:l صينlية، كائنة ما كانتl، الختصاص الصlين بالطرائف، وقدl بقي هذlا االسم إلى اآلن على الصlواني المعروفة، وأهل الصيlن قديما وحديثlا مخصlوصة بصنlاعة اليدl، والحذق في عمل الطرف والملحl، يقولون: أهل الدنيا

ولهم كما يقوlل القزlويني "يد باسطة في(61)ما عدlانا عمى، إال أهل بابل فإنهم عور"..l"اعات غيرهمlيئا من صنlون شlوال يستحسن l،ناعات الدقيقةlوهم أحذق الناس(62)الص

(63)بالمهن والصناعات وال سيما التصوlير".

وقد أجمل الثعالبي في نص معبر، عن أبرز المجاالت التقنية التي أبدع بها الصينيون، "ولهم اإلغراب في خرط التماثيل، واإلبداع في عمل النقوش والتصاوير حتى أن مصورهم يصور اإلنسان، وال يغادر )أي ال يترك له شيئا( إال الروح، ثم ال يرضى بذلك حتى يصوره ضاحكا، ثم ال يرضى بذلك حتى يفصل بين ضحك الشامت، وضحك الخجل،

وبين المبتسم والمستغرب، وبين ضحك الهازئ، فيركب في صورة، وصورة في إذ أثار العرب إتقان الصينيين لفن الرسم والنحت والتصوير، وأبهرهم، فإن(64)صورة".

رجال منهم، حسب سليمان التاجر، "صور سنبلة عليها عصفور في ثوب حرير، ال يشك(65)الناظر إليها أنها سنبلة وأن عصفورا عليها".

وأصاب ابن بطوطة العجب والدهشة، عندما لمس دقة رسومات فناني الصين، "فأما التصوير فال يجاريهم أحد في إحكامه، من الروم وال من سواهم، فإن لهم فيه

اقتدارا عظيما، ومن عجيب ما شاهدته لهم من ذلك، أني ما دخلت قط مدينة من مدنهم، ثم عدت منها، إال ورأيت صورتي وصورة أصحابي منقوشة في الحيطان والكواغد )ورق

فكان حديثه عن فنون الصين، حلقة متميزة عن(66)حرير(، موضوعة في األسواق".إعجاب العرب في مختلف العصور بفنون الصين التشكيلية.

-123-

وأثارتهم أيضا صناعة الخزف الصينية، وعبروا عن ذلك بإعجاب "ولهم الغضائر المستشفة - حسب الثعالبي -، يطبخ فيها البطيخ، فيكون الواحد منها قدرا مرة،

ومقلى تارة، وقصعة أخرى، وخيرها المشمشي الرقيق الصافي الشديد الطنين، ثم الزبدي على هذا الوصف، ولهم الفرند )الحرير الملون من الثياب( الفائق، والحرير

المدفون، الذي تخفى فيه الصور )وتظهر( ويقال له: الكمخا )الحرير الموشى أو المشجر(. ولهم المماطر )واقي من المطر( المشمعة التي ال تبتل على األمطار

الكثيرة، ولهم مناديل الغمر )التي يتلقى فيها اآلكل دسم الطعام(، التي إذا اتسخت القيت في النار فنقيت، ولم يحترق منها شيء، ولهم الحديد المصنوع يعمل منه

المرائي والتعاويذ وغيرها، ولهم السنجاب الفارماني الذي هو من أنفس اآلبار، ولهم وتحدث ابن بطوطة، أيضا، عن صناعة(67)اللبود التي تفضل على اللبود المغربية".

الخزف )الغضار( وشاهد طريقة صنعه بمدينة الزيتون فأشار إلى أن الفخار الصيني، ال يصنع منه إال بمدينة الزيتون وبصين كالن، وهو من تراب جبال هناك. ويضيفون إليه

حجارة من عندهم، توقد فيه النار ثالثة أيام، ثم يصبون الماء، فيعود الجميع ترابا، ثم(68)يخمرونه، فالجيد منه ما خمر شهرا كامال"

كما أن المقريزي لم يفته الحديث عن عظمة أهل الصين في صناعة )التكفيت(، أي تطعيم المعادن بالذهب والفضة، عند حديثه عن سوق الكفتيين بمصر. وكذلك

(69)الكداهي، أي األواني الفضية، المصدرة من الصين

-124-

كما أطنبوا في صناعة الحرير الصينية، وفي نسجهم له، وفي خياطتهم لثياب الحرير، روى بزرك عن تاجر اسمه )كاوان( زار الصين وقابل ملكها )البغبور(، فأدخله الملك إلى بستان بخانفو رأى فيه النرجس والمنثور وشقائق النعمان، واألنوار )زهر أبيض( فعجب كاوان "من اجتماع األنوار الصيف والشتاء في وقت واحد في بستان

واحد"، ولم يخطر لبال كاوان أن مايراه زهور مصنوعة من نسج الحرير، فسأله الملك )وكيف ترى( فأجابه كاوان "ما رأيت حسنة، إال وهذا أحسن(، فأخبره الملك عندئذ أن

"جميع ما ترى من األشجار واألنوار معمولة من الحرير" فلمسه كاوان وتقراه بيده، فتأكد أن "الورق واألنوار من الحرير، فقد عمل وضفر وحبك ونسج وسوي، ومن رآه لم يشك

وهو ما يظهر براعة الصين في نسج الحرير، وصناعته، كما روى(70)فيه أنه شجر ونور". سليمان التاجر، في هذا السياق، عن تاجر )اليشك في خبره(، أنه عندما كان في خانفو

للتجارة، قابل )خصي( الملك، الذي أنفذه سيده "ليتخير ما يحتاج إليه من األمتعة الواردة من بالد العرب" فرأى على صدره خاال يشف من تحت ثياب الحرير، فعجب الرجل من

خال يشف من تحت هذه الثياب"، وكانت مفاجأته ودهشته أكبر، عندما أظهر له الخصي، وشهد ابن بطوطة(71)أنه يلبس" خمسة أقبية بعضها فوق بعض والخال يشف من تحتها".

وأن تفوقهم في الصناعة(72)على ضلوع الصين في صناعة الحرير، وتربية دودة القز. ابن فضل العمري، على صنع سرج من أختاء البقر،أهل بعض صناعهم، كما يقول

وأبدعوا في صنعه، لدرجة أن الخان نفسه أعجبه، كما عمل بعضهم اآلخر "ثيابا من واعترف لهم المصنفون العرب في(73)ورق، وباعها إلى التجار على أنها من الكمخا".

إتقانهم لعلوم الطب وممارستها، فإذا كانت الهند تشتهر بطبها وفلسفتها فإن "ألهل ولما سأل ابن فضل(74)الصين أيضا طب، وأكثر طبهم الكي، ولهم علم بالنجوم".

العمري للشريف السمرقندي الضليع بمعرفة الصين: عن أهل الصين وما يحكى عنهم من رزانة العقل، وإتقان األعمال"، أجابه السمرقندي: "هم أكثر ما يقال"، واتاه بمثل

عن براعتهم في الطب، أن صديقة العالمة أبا ثناء األصفهاني، كان يشكو من ألم ضرسه، فاستدعى أصدقاؤه الصينيون "شخصا حطابا"، أخرج له درسين من فمه دون

أن يشعر باأللم، ثم "لم يزل يقيس مواضع ما قلع حتى وضع موضعهما" ضرسين ولم يغفلوا عن(75)بديلين". "ثم ذر عليهما ذرورا، ودهنهما بدهن، التأمتا به لوقتها".

تفوق الصين في الطبخ، فحكوا عنهم، أن في مدنهم "مطابخ )مطاعم( يطبخ فيها األطعمة الفائقة والمشروب اللذيذ مما ال يوصف حسنه" لدرجة أنه يمكن أن يقدم إلى

الملوك، وقد اعتاد األكابر منهم على الطلب من هذه المطابخ وجبات للطعام، فيطبخون لهم "من بدائع المأكوالت والمشروبات" وهذه المطابخ العامة، تقدم في

قاعاتها الطعام لزبائنها، إذ أعدت لذلك مكان خاص " فيه ما يحتاج إليه من البسط ومن عجيب(76)والفرش واآلالت والغلمان، على قدر ما حدده له المضيف من القيمة".

ما شاهده ابن بطوطة في مدينة الخنسا، أن في أسواقها يصنعون أطباقا "يسمونها الدست، وهي من القصب، وقد ألصقت قطعه أبدع الصاق، ودهنت بصبغ أحمر مشرق، وتتكون هذه من عشرة أطباق: واحدها في جوف آخر لرقتها، تظهر لرائيها كأنها طبق واحد، ويصنعون غطاء يغطي جميعها، ويصنعون من هذا القصب صحافا، ومن عجائبها

-125-

77)أن تقع من العلو وال تنكسر، ويجعل فيه الطعام الساخن فال يتغير صباغها، وال يحول".

)

باإلضافة إلى تفوق الصين في التقنيات الصناعية، فإنه ال يقل عن ذلك تفوقها في استخراج المسك من الظباء على أرضها، ورغم "أن األرض التي بها ظباء المسك

الصيني والتيبت أرض واحدة ال فرق بينها... فإنما فضل المسك التيبتي على الصين بحالتين". أحداها ألن مرعى ظبي المسك في التيب "سنبل الطيب"، بينما رعيه في أرض الصين "سائر الحشائش"، وثانيها أن أهل التيبت تترك نوافج المسك في حالها

بينما يغشها أهل الصين، وأجود المسك كله ما حكه الظبي والتصق على أحجار الجبال، وذلك أن المادة التي تصير في سرته وتجتمع دما كاجتماع الدم في الدمامل، فإذا أدركه

المسك وأضجره حك الظبي سرته على الحجارة فيسيل ما فيها ملتصقا بالحجارة... فيخرج من التيبت رجال مخصصون لجمع ما ترك على الحجارة، وأودعه النوافج، ثم يحملونه إلى ملوكهم. "وهو نهاية المسك إذا كان قد أدرك في نوافجه على حيوانه

وصار له فضل على غيره من المسك كفضل ما يدرك من الثمار في شجرة على سائر(78)ما ينزع منه قبل إدراكه".

وكان للتيبت وقع أخاذ في وجدان الباحثين العرب، السيما ألجوائها الخالبة وطقسها الجميل ينسبونها تارة إلى الصين، ويضعونها في جوارها مرة أخرى، وينسبون

أغلب أهلها إلى أهل اليمن، من حمير، وفيهم بعض التبابعة، وفيهم حضر وبدو،(79 )وبواديهم أتراك.

وفي هذه البالد )التيبت( ما أثار العجب، فأجمع الباحثون العرب مع ما قرره المسعودي حولها "ولبالد التيبت خواص عجيبة في هوائها وسهلها ومائها وجبالها،. وال

يزال اإلنسان أبدا ضاحكا بها فرحا مسرورا، وال تعرض له األحزان وال الغموم وال األفكار، وال تحصى عجائب ثمارها وزهرها ومروجها وهوائها وأنهارها، وهي بالد تقوي فيها طبيعة الدم على الحيوان الناطق وغيره، وال يكاد يرى في هذا البلد شيخ حزين وال عجوز، بل الطرب في الشيوخ والكهول والشباب واألحداث عام، وفي أهلها رقة

طبع وبشاشة وأريحية تبعث على كثرة استعمال المالهي والمعاقرة، وأنواع إيقاع الرقص، حتى أن الميت إذا مات ال يكاد يداخل أهله عليه كثير من الحزن مما يلحق

(80)غيرهم من سائر الناس عند فقد محبوب".

وإلى جانب ذلك، فقد أثار انتباه العرب، إعجابهم، ما تمتع به الصينيون من مستوى تعليمي، ومن انتشار واسع له، إذ إن "الفقير والغني من أهل الصين" والصغير

دون أن ننسى غنى الصين وثروتها الوارفة، ففي(81)والكبير يتعلم الخط والكتابة". "أرض الصين الذهب الكثير، والجواهر واليواقيت في جبل من جبالها، بها من الخيرات الكثيرة من الحبوب والبقول والفواكه والسكر، وفي جزائرها أشجار الطيب كالقرنفل

(82)والدار صيني ونحوها".

هذا الغنى، فضال عن تقدم التعليم، والطب، والتنظيم، جعل من الصين بلدا يكاد يخلو من األمراض "فمن خواص بالد الصين أنه قلما يرى بها ذو عاهة كاألعمى والزمن

(83)ونحوهما".

-126-

نظام السلطة ال تتوقف مظاهر اإلعجاب عند مايتقنه الصينيون من صنائع، وتقنيات، وزخرفة

وعلوم طبية وفلك، بل تعدت ذلك إلى مجاالت أخرى، يمكن أن نختصرها بفكرة التنظيم، نظام السلطة وآليات عملها على أساس عقالني، نظام اإلدارة، نظام البريد،

ونظام التجارة، والنظام النقدي، وفي تنظيم السجالت المدنية، وفي نظام المدنوتناسقها.

توقفوا طويال عند بناء السلطة والملك، ولم يخفوا إعجابهم بعظمة ملك الصين ومهابته، التي ترتكز، فضال عن الثروة الطائلة التي بين يديه، وأبهة الملك، وعن ثراء

بالده، فهناك ما يوازي ذلك، بل يزيده أهمية بنظرهم، فهناك النظام الدقيق الذي يدير فيه ملك الصين بلده، والذي يستند على العقل ومقتضياته، وأحيانا أخرى على مقتضيات

العقل والشريعة المستقاة من دينهم، فيأتي الدين عندهم ليسند سلطة العقل، وهناك أيضا العدل الوافر الذي يشمل الجميع، وتسنده قوة السلطان والتقليد الراسخ، وهناك

ثالثا العمران والمدنية، التي يسندها النظام أيضا، وهو ما يتجلى بتنظيم إدارة المدن وشوارعها، وبنائها، وإقرار العدل فيها، كل هذه المظاهر الراسخة، وآليات عملها رفعت

من قدرة الصين وحضارتها في أعين باحثينا.

-127-

عرفنا المسعودي والسيرافي على أن لقب ملك الصين الدائم هو )البغبور( ويعني )ابن السماء(، وعلى حد تعبيرهما "وهو الملك األعظم وإنما سمي البغبور ومعناه ابن

بينما ذهب المسعودي إلى القول "والعامة تسميه(84)السماء ونحن نسميه المغبون". يعبور، وتفسير ذلك ابن السماء، وهو االسم األخص لملوك الصين، والذي يخاطبون به

( "فهذه قصبة الصين األكبر،Tch – tang وعاصمة الملك خمدان ويقال أنها )(85)جميعا". ، ومن هذه المدينة العظيمة كان ملك الصين يدير ملكه بنظام(86)وبها البغبور األكبر"

وعدل، فهو "ملك الرعاية والسياسة وإتقان الصنعة" كما مر معنا، وحاول المؤلفون العرب وفي مقدمتهم اليعقوبي والمسعودي والقلقشندي والنويري، تعقب سلسلة

ملوك الصين، ليبينوا في سياقها حلقات تقدم النظام والمدنية الصينيين، فإذا كان أول فإن ملكهم الفعلي هو نسطرطاس،(87)ملوكهم المؤسسين الكبار )صاير بن عامور(،

حسب المسعودي، الذي سقى األنهار، وقتل السباع،و غرس األشجار وأطعم الثمار"، ثم أتى بعده )عيثدون(، الذي "أحسن السياسة للرعية، وسواهم في جميع أمورهم،

وملك بعده )حراتان( فأحدث الفلك،(88)وشملهم بالعدل، فكثر النسل وخصبت األرض". وحمل فيها الرجال، وأهدى الهدايا العجيبة والرغائب النفيسة إلى الملوك، وأمرهم أن

يجلبوا إليه ما في كل بلد من الطرائق والتحف والمآكل والمشرب والملبس، وان يعرفوا قوة سياسة كل أمة، وشريعتها ونهجها، فحملوا إليه ما ليس عندهم فاستقامت أمور مملكته. ولكن أهم الملوك الذين مروا على الصين هو ابنه )الملك توتال(، الذي

وضع قاعدة، زعم فيها "أن الملك ال يثبت إال بالعدل، فإن العدل ميزان الرب، وإن من ثم حصن، وشرف، وتوج، ورتب(89)العدل الزيادة في اإلحسان مع الزيادة في العمل

الناس في رتبهم، واهتدى هذا الملك العظيم إلى تدعيم سياسته القائمة على العقل، بشريعة تستند على ديانتهم ليمنحها صالبة، لذا "جمع الخواص من أهل مملكته وأخبرهم أن من رأيه ضم الناس إلى ديانة يرجعون إليها لجمع الشمل وتساوي النظام، فإنه متى

عدم الملك الشريعة لم يؤمن عليها الخلل، ودخول الفساد والزلل، فرتب لهم سياسة شرعية، وفرائض عقلية، وجعلها لهم رباطا، ورتب لهم قصاصا في األنفس واألعضاء،

)ومستحالت ومناكح... فمنها لوازم موجبه يحرجون من تركها، ومن نوافل يتنفلون بها".

ولعلهم في هذا العرض لدور الشريعة في الحكم، كانوا يتمثلون التجربة اإلسالمية.(90 فقد أسس هذا الملك نظام الملك العادل في الصين، "فلم تزل الملوك ممن طرأ بعد هذ االملك، أمورهم منتظمة، وأحوالهم مستقيمة، والخصب والعدل لهم شامل، والجور

وقد اعترض سير أمور الملك(91)في بالدهم معدوم، يقتدون بما نصبه لهم من الشرع". هذه، قيام شرير اسمه )بانشو( بالعصيان فعطل العدل والتجارات في القرن الثالث

هجرية، كما مر معنا، ثم ما لبثت األمور أن عادت إلى مجراها المألوف، وخلص النويري في عرضه إلى تقرير "وملوك الصين ذوو آراء ونحل، إال أنهم مع اختالف أديانهم غير خارجين عن قضية العقل وسنن الحق، في نصب القضاة واألحكام، وانقياد الخواص

(92)والعوام إلى ذلك".

-128-

الشرق شعوب صورة12م– األقصى

فكان الحكم في الصين مثار إعجابهم، طالما أنه قائم على العدل الذي يحرسه العقل، وأحيانا الشرع والعقل معا، وإن كان هذا الشرع ال يرتقي إلى مصاف الشرع اإلسالمي الذي مصدره الوحي، فكان الرائج عند المفكرين العرب كما عبر عن ذلك ابن خلدون، أن هناك سياسة تقوم على العقل، وهي التي تراعي مصالح العباد في

حياتهم الدنيا وحسب، وهي مقبولة ومرحب بها عندهم طالما تقوم على العدل واإلنصاف، وإن لم ترتق إلى مصاف السياسة الشرعية التي مصدرها اإلسالم، وهي

السياسة التي تراعي مصالح العباد في الدنيا واآلخرة، وهي تأمنت شروطها في زمنالخالفة الراشدية وحسب.

لذا فإن بعض المفكرين العرب المسلمين، وبسبب إعجابهم بالسياسة العقلية العادلة للصين، تمنوا أن تكون سياسة بالده، وهي التي غدت تحت ملك عضوض، ناقص الشرعية، مثيلة لنظام الصين السياسي، وهو ما عبر عنه رجل مثل الغرناطي، فبعد أن قال: إن "ملوكهم أهل عدل وإنصاف... إذا مات بينهم غريب وله أحمال من األموال، ال

يتعرضون لتركته... ويحترمون التجار من المسلمين غاية االحترام، وال يؤخذ منهم عشور في بيع أو شراء، وال مكس"، يخلص إلى التمني "يا ليت ملوك المسلمين اقتدوا بهذه

(93)السياسة الحسنة، فهم كانوا أحق بها، ولكن ذلك لحكمة الله".

العدل أوال، والتنظيم ثانيا، والحكمة ثالثا، هي التي يتصف بها سلوك ملك الصين، تجاه رعيته وبالده، حتى أن حرصه على العدل جعله، كما تحدث السيرافي، أن يتدخل إذا غلت األسعار في السوق، إذ "أخرج السلطان من خزائنه الطعام فباعه بأرخص من سعر السوق، فال يبقى عندهم غالء". وأن الملك وضع في كل مدينة جرس فوق رأسه،

ممتد من قصره إلى الطريق العامة "فإذا حرك الخيط المدود أدنى حركة تحرك الجرس، فمن كان له ظالمة )من الناس( حرك هذ الخيط فيتحرك الجرس منه على رأس الملك،)فيؤذن له بالدخول حتى ينهي حاله بنفسه، ويشرح ظالمته، وجميع البالد فيها مثل ذلك".

وإذا أفلس رجل مدين لآلخرين، حبسه الملك، فإذا تأكد من إفالسه "دعي الغرماء(94(95)فأعطوا من مال البغبون".

أما عن ترتيب مواقع السلطة، فإذا كان السلطان على قمة هرم السلطة، ومحركها فإنه يعتمد إلى جانبه: الوزير، وقاضي القضاة، والخصي، وجنوده وخصيانه،

ففي العاصمة خمدان تتركز السلطة الملكية وإدارتها العليا، فالمدينة مقسومة، حسب شهادة ابن وهب القرشي إلى قسمين "يفصل بينهما شارع طويل عريض، فالملك ووزيره وجنوده وقاضي القضاة، وخصيان الملك وجميع أسبابه في الشق األيمن

منه". وال يخالطهم أحد من العامة، وال فيه شيء من األسواق، وفي الشق األيسر "الرعية والتجارة والميرة واألسواق" وفي النهار يأتي قهارمة الملل أي وكالئه،

وغلمان داره، وغلمان القواد ووكالئهم، ليأخذوا وظائفهم، وحوائجهم، ثم ينصرفون، فلم يعد أحد منهم إلى هذا الشق إال في اليوم التالي، وإن بهذا البلد من كل نزهة

النخل فإنه معدوم". (96)وغيضة حسنة وأنهار مطردة إال

-129-

l،lكlلlلمlا lانlيlصlخ l،lاجlرlخlلlا lلlيlصlحlتlو l،lكlلlلمlن اlع lةlبlاlيlن l،lةlيlلlاlلمlا lةlارlإلدlا lلىlوlتlي lنlاlوك lنlم lمlهlنlمlف l،لlاlمlلlا lبlاlوlبlأlو lاجlرlخlلlا lالةlو lهم lماlنlإ .l..lمlدlخlال lرlمlأl" lي عنlفlاlرlيlلسlا اlمنlعلlأ

lلlأه lنlم lهlدlالlو lهlيlصlخlي lنlم lمlهlنlمlو l،lيlصlخlف l)نlيlصlلlا lفlاlرlطlأ( lفlاlرlألطlن اlم lيlبlس lنlوم l،lهlنlئlاlزlخlو lهlتlصlاlخ lيlف lكlملlلlر اlوlمlأlف l،lهlيlلlإ lهlا بlبlقرlت lكlلlمlلlا lىlلlإ lهlيlهدlيlو l،lنlيlلصlا

l"lمlدlخlلlا lمlه lبlرlلعlر اlاlجlا تlهlيlعل lدlعق lيlلتlا )lةlيlلlاحlسlلlا( lوlفlنlخا lةlنlيlدlم lىlإل lهlجlوlتl(97)يlكدlأlو lىlلlإ lكبlر lيlذlلlا l،يlنlاlسlاlخر lجرlاlت lةlدlهاlش lىlلlع lاlادlمlتlعlا l،lقةlقيlلحlا lهlذlه lىlلlع lيlدlوlعlسlلمlا lنlم lهlرlيlوغ lجlاlرlلخlي اlم فlدlخlلlا lنlم lنlاlيlصlخlال lنlوlلlمlعlتlسlن يlيlلصlا lلlهlأ lنlأl" lدlجlوlف l،lوlفlنlخا

lكlلlم lعن lةlبlاlيlن lيlصlخ lوlفlانlخ lىlسlرlم lيlف lارlجlتlلlا lلlبlقlتlسlا lدlفق l"lتlاlهمlمlلlوا lاالتlمlلعlا l.l"lهlل lحlلlصlي lاlع ومlاlتlمlلlا lنlم lهlليlإ lجlاlتlحlا lاlمl" رlاlجlلتlا lهlيlلlع lضlعرlف l،lةlنlيlدlلمl(98)ا

وروى هذا التاجر قصته، وما جرى له مع الخصي في خانفو، الذي زاد من "تثمين متاعه"، وبالتالي رفع الخراج المترتب عليه، وأمر بسجن الخراساني، فما كان من

األخير، الذي سمع عن عدل ملك الصين، إال أن ذهب إليه في مقره، وشكاه أمره، فما كان من الملك إال أن تحقق في حقيقة قضيته، فاستدعى "الوزير وصاحب الميمنة،

وصاحب القلب، وصاحب الميسرة،.. فأمرهم الملك أن يكتب كل واحد منهم إلى صاحبه بالناحية، ولكل واحد منهم خليفة في كل ناحية". فلما تحقق من صدق

الخراساني استدعى خادمه الخصي، فلما وقف بين يديه "سلبه ما كان أنعم به عليه، ثم قال له: عمدت إلى رجل تاجر، قد خرج من بلد شاسع، واجتاز بملوك في بر وبحر،

فلم يتعرض له، يؤمل الوصول إلى مملكتي ثقة منه بعدلي، ففعلت به ما فعلت، أما لوال قديم حرمتك بنا لقتلتك"، فعاقبه الملك بتوليته مقابر الموتى، طالما انه لم

يستطع رعاية األحياء. وهذه القصة من األمثلة التي يعرضها المؤلفون العرب عن(99)عدالة ملك الصين وحكمته.

ويعتمد الملك في اتصاالته، بأطراف بلده، ببريد منظم غاية التنظيم، )وذلك أن ملوك الصين لها في سائر الطرق من أعمالها بغال للبريد مسرجة محذوة اآلالت

وهذه الطرق آمنة مثلها في ذلك مثل عموم الصين، إذ اعترف ابن(100)لألخبار". بطوطة أن )بالد الصين آمن البالد وأحسنها للمسافرين،فإن اإلنسان يسافر تسعة

(101)شهور، وتكون معه األموال الطائلة، فال يخاف".

ويتوفر للمسافة إضافة إلى األمان الراحة في كل مكان، )فالفنادق( منتشرة في شتى األرجاء، وال سيما في المدن، واإلدارة منظمة بطريقة دقيقة، فإذا جاء المساء

أتى الحاكم "إلى الفندق ومعه الكاتب لكتابة أسماء جميع من يبيت به من المسافرين، وختم عليها، وأقفل باب الفندق عليهم فإذا كان الصباح جاء ومعه كاتبه فدعا كل واحد

مدققا بغيابهم وحضورهم.(102)باسمه"

-130-

ويبلغ حرص اإلدارة الصينية إلى درجة أنها ترتب )سجالت مدنية( إلحصاء مواطنيها، كما أنها تدقق سجالت أسماء المسافرين والتجار القادمين إليها، فإذا قدم

التاجر المسلم، كما يشير إلى ذلك ابن بطوطة، على بلد من بالد الصين، خير بين النزول عند تاجر من المسلمين المستوطنين، أو في الفندق، فإذا نزل عند تاجر

)حصى ماله، وضمنه التاجر المستوطن(، وإذا أراد السفر، أحصى ماله، فإذا وجد شيئا منه قد ضاع، يغرم المستوطن به، أما إذا نزل الفندق "سلم ماله لصاحب الفندق

وسجل المروزي، أن المراكب(103)وضمنه، وهو يشتري له ما أحب ويحاسبه". التجارية عند وصولها باب مدينة خانقو، يخرج إليها "األمناء والكتاب من أهل البلد،

فيكتبون عدد ما في المركب من الرجال والنساء والصبيان والعبيد، ثم يكتبون اسم صاحب هذا المركب واسم أبيه، ويكتبون أسماء الذين معه من التجار، وتكتب أسنانهم )أعمارهم( بأن يسأل الرجل كم أتى عليه من السنين، ومن أي بلد هو، ومن أي قبيلة،

(104)ثم يكتبون ويثبتون جميع ما في المراكب من األمتعة على أصنافه".

كما أن من أراد من أهل الصين السفر داخل بالدهم، "أخذ كتابين من الملك والخصي" ويسجل في كتاب الملك )اسم الرجل واسم من معه، وكم عمره، وعمر

فهذا الكتاب شبيه )بالسجل المدني( للمواطن(105)من معه، ومن أي قبيلة هو". الصيني، ولكل واحد منه سجله الخاص، فالجميع في بالدهم، أكان من أهل البالد "أو

من العرب وغيرهم، ال بد لهم أن ينتموا إلى شيء يعرفونه" أما مضمون "كتاب الخصي" فيتعلق )بالمال، وما معه من متاع، لئال يذهب من مال الرجل وال من متاعه

شيء ضائع، فمتى ما ذهب منه شيء أو مات، علم كيف ذهب، ورد عليه أو على ورثته بل أن جميع أهل الصين يدونون أسماءهم في سجالت ويحفظ بها "فإذا(106)من بعده".

ولد المولود فيهم. يكتب وقت مولده من ليل أو نهار، ويوضع المكتوب عند والده، أو(107)قريبه كيال يشتبه عليهم سنة، وإذا بلغ مبلغ الرجال ضربت عليه الجزية".

والشيء الالفت أنهم يستثنlون النساء واألطlفال والشيوخl من الضرائبl، وكما وأكمل(108)قال المروزي "جميع أهل الصين عليهم جزيةl إال النساء والصlبيان".

السيlرافي الصlورة هذlه، بتقريرهl، أنه "ليسl عليهم خراجl في ضياعهم، وإنما يؤlخذl منlذكر، كتب اسمه عند lهمlوإذا ولد ألحد l،اعهمlر أموالهم، وضيlؤوس على قدlالر

lة لم يؤخذlية، فإذا بلغ ثمانين سنlنة أخذت منه الجزlس lا بلغ ثماني عشرlطان، فإذlالسل منه جزيةl، وأجرlي )أنفق( علlيه مزlيد من بيتl المال، ويقولون: أخذlنا منه شابا ونجري

علlيه شlيخا"،l كما أن "lفي كل مدينlة كتاب ومعلمl يعلم الفقراء، وأوالدlهم من بيlت فالملlك كان يتكlفل برعاية الطفل والشيخ، ويعفي المرأة من(109)المال يأكلون".

الجlزية.

-131-

وال تعتمد خزانة الملك على الجزية، أو الخراج المفروض على الرؤوس وحسب، فله مصادر أخرى من احتكاره لمادتي الملح، وما سماه مؤلفونا بالحشيش، وهو الشاي، وكان السيرافي أول ما أتي بذكر مادة )الحشيش(، الشاي بين المؤلفين

العرب، وهو ما يدل على أنهم كانوا على دراية بعادة شرب الشاي عند الصين، يقول السيرافي "ويختص الملك من المعادن بالملح، والحشيش، يشربونه بالماء الحار ويباع

منه في كل مدينة بمال عظيم، ويقال له الساخ، وهو أكثر ورقا من الرجلة )أي البرسيم(، وأطيب قليال، وفيه مرارة فيغلى بالماء ويذر عليه، فهو ينفعهم من كل

(110)شيء، وجميع ما يدخل بيت المال: الجزية والملح وهذا الحشيش".

وأطرى العرب النظام النقدي الصيني، إذ تعرفوا على تطوره وبساطة استعمالهم لما يشبه العملة الورقية، وهي من الحرير، سموها الكاغد، فهم - حسب ابن بطوطة -

ال يتبايعون بدينار وال درهم "وإنما بيعهم وشراؤهم بقطع كاغد، كل قطعة منها بقدر الكف، مطبوعة بطابع السلطان، وتسمى الخمس والعشرون قطعة منها بالشت، وهو بمعنى الدينار عندنا، وإذا تمزقت تلك الكواغد في يد إنسان حملها إلى دار كدار السكة

وروى ابن فضل الله العمري عن الشريف السمرقندي،(111)عندنا، فأخذ عوضها". الخبير بمجال الصين أيام حكم المغول، أن "معاملتهم بورق التوت، ومنها الكبار ومنها

الصغار، فمنها ما يقوم في المعاملة مقام الدرهم الواحد وأكثر إلى ثالثين وأربعين وخمسين،و هو يؤخذ من لحاء شجر التوت اللين، ويختم بأسم اللقان )أي الخان(،

غير أن السيرافي أخبرنا منذ القرن التاسع، أن لهم عملة(112)وتجري به المعامالت". أخرى تسمى )الفلوس(، وهي معمولة من نحاس وأخالط من غيره، والفلوس في قدر)الدرهم، في وسطه ثقب واسع ليفرد الخيط فيه، وقيمة الفلس منها مثقال من الذهب.

113)

-132-

lكlلlمlلlا lنlم lةlبlيlرlلقlا lبlصlاlنlمlلlا lنlم lاةlضlلقlي اlضlاlقlف l،lمlهlيlدlل lةlيlالlع lةlنlاlكlم lاءlضlقlلlول lهوlف l،lهمlيlلد lةlيlغاlلل lرlيlطlخ lبlصlنlي مlضlاlقlال lبlصlنlمlو l،lرlزيlلوlاlو l،l)lيlصlخlلlاl( lرlاlجو lلىlإ

lمlهlف lاlلذ l"lمlهlورlدlص lيlف lاlجاللهl" lهاlي لlتlلlو اl،lهاlقlيlبlطlم وتlاlكlألحlا lةlيlعاlى رlعل lهرlسlي lقlدlصlو l،lهمlعlئlاlرlشlب lهlمlي علlف lكlلشlا lهمlبlوlلlق lلجlاlخlال ي lنlمl" lبlصlنlلمlا lاlذlله lونlرlاlتlخlي

لهlجlتlهl،l وlقlيlاlمlهl بlاlلlحlقl فlيl كlلl أlحlوlاlلlهl وlتlجlنlبlهl اlإلغlمlاlضl عمlنl جlلl مlقlدlاlرهl حlتlىl يlقlع.l"lعفlلضlا lهلlأ lلlاlوlمlأ lعن lفاlفيlع lنlوlكlيlو l،lهlعlقlوlق مlلحl(114)اlدlيlلlقlت lىlلlع lاlوlمlعز lاlذlإlف

lىlتlح l،lمlهlالدlب lةlدlمlعlأ lيlه lيlتlلlا lنlاlدlلlبlلlا lعlيlجم lلىlإ lهlدlيlلlقlت lلlبlق lهlوlذlفlنlأ lةlاlضlقlلlا lيlاضlق lمlعلlيlو l،lهمlمlوlسlور lمlرهlاlبlخlوأ l،lهlلlهlأ lرlمlأ lعن lثlحlبlيlف l،نlيlهرlو شlأ lاlرlهlش lدlلlب lكل lفي lمlيlقlي

مlا يlجlبl قlوlلهl مlنlهlمl،l فlإlذlاl سlلlكl هlذlهl اlألمlصlاlر،l وlلمl يlبlقl فيl اlلمlمlلlكlةl بlلlدl جلlيlلl إlال زاlرlهl"l،l رlحلl إlلlى دlاlرl اlلlمlملlكlةl ووlلlي قlضlاlءl اlلlقضlاlةl وlجlعلl إلlيlهlمl اخlتlيlارlهlمl،l فlهمl ال

lحبlو lعlئlاlرlشlالlب lمlلlعlالlو l،lةlمlكlحlلlاlب l،lاةlضlلقlي اlضlاlق lبlصlمنlل lحlشlمرlلlف اlصlتlن يlأlن بlوlفlتlكlي lقlطlاlنlم lيlس فlاlنlلlا lعlم lشlيlلعlا lةlبlرlجlت lضlوlخlي lنlأ lهlيlلlع lجبlوlتlي lلlب l،lلlدlعlالlق وlلحlا

lةlاlضlقlلlا lيlاضlقlل lنlأ lمlث l،lبlصlنlلمlا lدlلlقlتlي lاlهlدlعlوب l،lهlتlرlبlخlو lهlمlلlع lدlيlزlيlل lفةlلlتlخlمlلlا lنlيlلصlا lدlأح lنlم lمlأ l..l.lكlلlمlال lىlعل lمlلlظlتlم lنlم lلlه l:لlوlقlيlف lهlبlاlب lىlلlع lيlدlاlنlم يlوlي lلlك lيlف lدlاlنlمl"

l"اlالثlث lكlلlذ lلlوlقlي l..lهlعن lهlلlك lكlلlي ذlف lهlنlع lبlوlنlي أlنlإlف .l..lهlدlاlوlوق lهlبlاlبlسl(115)أlيlفlف l، l.l"lمlظlتlنlم lكlلlلمlاlف l،lقlلحlاlب lمlوlقlن يlال مlإ lمlكlحlال lلlي lلمl" l،lنlيlلصl(116)ا

وأهل الصين يوثقون معامالتهم وديونهم، فإذا كان للرجل على أحدهم دينا كتب عليه كتابا، وعلمه بعالمة أصبعيه الوسطى والسبابة"، لذا، عندما يجري اختالف قيل

للجاحد الذي عليه الحق: أحضر كتابا بأن هذا الحق ليس عليك، فإذا لم يستطع، ضرب و( 117)بعشرين خشبة على الظهر، وغرامة مادية، علما أن "العشرين خشبة فيها موته"

من أحكامهم أن "من سرق زيادة على مائة فلس، وهو عشر دراهم يقتل وال يترك ودون اليعقوبي أنهم "يقتلون على الكذب، ويقتلون على السرقة، ويقتلون(118)البتة".

ولكن إذا بلغ الشيخ ثمانين سنة، "وأذنب، ذنبا يستوجب القتل أو(119)على الزنا".(120)العقوبة عفي عنه، وإن كان رجال أو امرأة خصومة كانوا إلى المرأة أميل".

المدينة والمنزل

-133-

lنlبlا lرlدlق lرlكlبlم lتlقlو lذlنlمlفl،نlيlصlلlب لlعرlلlا lةlرlظlن lىlلlع lيlنlيlمدlلlع اlبlاlلطlى اlغlط l"lةlرlوlهlشlم lنlوlعlسlت lهاlنlم lهاlكل lةlرlمlاlع lةlنlيlدlم lةlائlمlالثlث lنlيlصlلlاl"lيlف lنlأ lةlبlذlاlدl(121)خرl،

lمنlم lوlهlوl" يlدlنlقlرlمlسlلlا lنlيlدlلlا lاللlن جlبlى اlا علlدlمlتlعlم l،lيlرlمlلعlا lهlلlلlا lلlفض lنlاب lبlهlوذ lنlيlلصlا lالدlب lنlإl" لlوlلقlا lدlح lىlلlإ l،l"تlاlقlثlلlا lنlم lوlوه l،قlاlآلفlا lيlوف l،lضlألرlا lيlف lلlجا

l" lةlنlيlدlم lفlلlأ lىlلlع lلlمlتlشl(122)تlالدlبl"lنlأ lلىlإ l،lدlهنlلlا lعlم lةlنlرlاlمقlلlاlب l،lيlفlاlرlيlسlلlا lرlاlشlأlو l، l"lةlرlماlع lاlهlلlكl" اlهlنlوأ l،l"lمرlعlأ lنlيlلصl(123)اl،lاlوlالحظlف l،lمlيlظlنlتlلlوا l،lقlسlاlنlتlلlاlب lهاlنlدlم lفlصlتlتlو l،

lلlيlوlع طlارlش lاlهمlنlيlب lلlصlفlي l،lنlيlرlطlى شlلlإ lةlمlوlسlقlم l)lانlدlخمl( lةlنlيlدlم lنlأ l،lاlنlعlم lرlم lاlكم وعlرlيlضl،l اlلlمlلlكl وحlاشlيlتlهl وإlدlاlرتlهl فlي طlرlفl،l وlبlقlيlةl اlلنlاlسl فيl اlلشlطlرl اlآلخlرl مlن

l.قlاlوlألسlوا lةlارlجlتlال lهlيlع فlقlي تlلذlا l،lةlنlيlدlلمlن(124)اlوlرlشlوع lةlئlاlمl" lةlنlيlدlمlلlا lهlذlه lلlحوlو lكlلlلمlا lبlكlر lاlذlإlو l،بlاlوlبlأ lةlعlربlأ lةlنlيlدlمlللlو l،lةlبlتlرlم lجلlر lفlلlأ lءlاlزه lةlيlرlق lي كلlف l،lةlيlرlق

.l"lرسlاlف lفlلlأ lنlوlالثlث lعهl(125)مl،l)اlسlنlخlلlا( lةlنlيlدlمlل l،lةlطlطوlن بlبlا lفlا وصlنlالحظ lاlمlك وتlقlسlيlمlهlا إlلlى سlتl مlدlن،l كlلl مlدlيlنlةl مlخlصlصlةl لlوlظlيlفlةl خlاlصlةl،l فlهlنlاlكl مlدlيlنlةl تlتlجlمlع

فlيlهاl إlدlاlرةl اlلlسlلlطlةl،l وأlقlسlاlمlهاl،lوl هlنlاlكl مlدlيlنlةl يlسlكlنl فlيlهاl خlلlيlطl مlن اlلطlوlاlئlفlةlسlامlلخlاlو l،نlوlمlلlسlلمlا lهاlنlكlسlي lىlخرlأlو l،lسlرlحlلlا lهاlنlكlسlي lاlهlلثlاlثlو l،l)lكlرlتlالlى وlارlصlنlلlا(

دlاlرl اlألمlاlرةl،l وlيlسlكlنl بlهlا أlيlضlاl عlبlيlدl اlلlسlلlطlاlن وخlدlامlهl" lوlهlيl مlنl أlحlسlن اlلمlدlنlيlذlلlا l،lمlكlحlلlا lسlلlجlم lوlأ l)رlشوlمlلlاl( lهاlيlفlو l،lةlنlيlدlمlلlا lطlي وسlف lةlارlألمlر اlاlود l،l"lتlلسlا

lنlم lاlهlب lفlحlيlو l،lةlنlيlدlمlلlا lطlسlوlتlن الثيابيlنعوlع الجهات سقائف الصناع الذي يصlجمي وlاlتlسlمlتl هذlهl اlلمlدlنl بlتlدlاlخلl اlلبlسlاتlيlن واlلlحlدlاlئlق فlيlهاl،l(126)النlفيlسة وآالت الحlرب.

lمlوlيl" الlوlط lاlسlنlخlلlا lةlنlيlدlم lدlاlدlتlام lأنlب l،lةlطlوlطlب lنlبlا lتlاlيlعطlم lلىlي إlرlمlعlال lفlاlضlوأ lلlوك lهاlخرlى آlلlإ lاlلهlوlأ lنlم lدlتlمlم lقlوlس lهاlطlي وسlفlو l،lمlوlي lفlصlن l،lهاlضlرlوع lلlمlكا

lاlهlلlوك l،ضlعlب lقlوlا فlهlضlعlب l،lتlاlقlبlط lسlمlخ lاlؤهlاlنlبlو l،lالطlبlالlب lةlطlلlبlا مlهlقlاlوlسlأlو lاlعهlرlاlوlش lبlلlاlوغ l،lشlعي lفlشlق lيlف lهاlلlأهlو l،رlاlآلبlا lنlم lهاlلlهlأ lبlرlشlو l،lرlيlمlاlسlلمlاlو lبlاlألخشlاlب lةlيlنlبlم

lلlيlلlقlو l،نlوlمlيlلlلlوا lرlسكlلlا lبlصlقlو l،زlموlلlاlو l،lجlجاlدlالlز وlاألرlو l،lسlيlمlاlوlجlلlا lمlوlحlل lهمlكلlأ lهlيlلlإ lبlلlجlوي l،lةlطlسlوlتlم lاlرهlعاlسlوأ l،lهاlئlاlوlهlو lاlهlرlح lيlف lرlصlم lجlاlزlمlب lةlهlيlبlش lيlه lوl،lانlمlلرlا

l،lرlابlألكlوا lانlألعيlا lدlنlع lلlا قlإال م lلlيlلخlن اlا مlهlب lجدlوlال يlو l،lلlيlلlق lهlنlكlول l،lحlمlقlلlوا lمlنlلغlا l.l"lهlنlم lاlوlبlجlأع lلlجم lهاlيlلlإ lلlخlد lإنlف l،lةlتlلبlا lهlنlم lءlيlا شlهlب lدlجlوlال يlف lلlاlم°lجlلlا lاlمl(127)وأ

-134-

l،lنlيlكlب lةlنlيlدlم lيlوه l،l)قlلlاlب lنlخاl( lةlنlيlدlم lهlيlمlسlي lاlم lىlلlإ lةlطlوlطlب lنlبlا lلlصlو lاlمlول l،ىlألخرlن اlيlلصlا lنlدlن مlع lفlلlتlخlا تlهlجدlو lهlنlأ lرlيlغ l،l"اlيlنlدlلlا lنlدlم lمlعظlن أlمl" lاlهlأنlا بlهlفlوص

lالدlلبlا lرlئlاlكسl" lيlه lاlمlنlيlبlو l،lقlئlاlدlحlلlن واlيlتlاlسlبlلlا lاlهlخلlاlد lيlف lنlيlلصlن اlدlم lألن lلكlوذ l،l"lهاlرجlخا lنlيlاتlسlلبl(128)اl،lهlاlنlسكlب lةlصlتlخlمlلlا lةlنlيlدlلمlا lطlسlو lيlفl" l،lمlألعظlن اlاlخlلlا lرlصlقlو

lيlف l،lبlاlوlأب lةlعlبlس lهlرlقصlلlو l،l"lبlيlعج lبlيlتlرlت lهlلlو l،lشlقوlنlلمlا lبlشlخlلlاlب lهlتlرlاlعم lرlثlكlوأ l،lةlيlرlاlدlزlنlلlل lلثlاlثlلlوا l،lةlاlمlرlلlا lهمlو lةlايlهlبlألصlي لlنlاlثlلlوا l،lنlيlبlاlوlبlلlا lرlيlألم lلlالوlا lابlلبlا

lنlاlوlيlد lسlمlاlخlال lىlعلlو l،lةlسlرlلتlاlو lفlوlيlسlلlا lبlاlحlصlأ l،lةlيlرlاlدlغlتlع للlبlاlرlلlاlو l،lاحlمlرlلlب اlاlحlصlأ lهlيlعل lسlلlجlي lعlبlساlلlي اlفlو l،lظمlألعlا lمlهlرlيlمlوأ l،lةlريlاlذlنlجlلlا lهlيlلlع lسlدlاlسlلlوا l،lةlرlزاlلوlا

lانlيlتlلفl(129)اlةlمlيlدlن قlيlتlنlيlدlم lنlم lفlألlتlوت l،lكlلlمlلlا lةlعدlاlي قlي هlرlمlلعlا lلlوlقlي lاlمlك lهاlنlأlو )lقlاlط lكlوlكl( lىlمlسlي lمlظيlع lرlصlق lوlوه l،lرlيlبlكlلlا lنlقاlلlا lلlزlنlم lاlهlاlدlحlإ lطlسlو lيlف l،lةlدlيlدlوج

l.l"lرlضlألخlا lرlقصlلlاl" lهlاlنlعl(130)ومlةlنlيlدlم lرlاشlعlلlا lنlرlقlلlا lيlف l،lرlزا lدlق lلفlد lوlأب lانlكlو lةlيlبlعرlلlا lبlتlلكlاlب lتlرlهlتlاشlو l،لlغوlمlلlا lمlاlيlأ lلlبlق l،)lنlيlكl( lمlاسlب lةlكlلlمlمlل lمةlصlاlع l،lلlبlاlدlنlس

lتlدlعlت l،اlله lةlورlاlجlمlلlا lةlيlانlمlاlسlلlا lةlولlدlالlب lةlيlوlق lةlالقlع lىlلlع lتlانlوك l)نlيlصlاlمl( lمlاسlب lةlيlسlاlمlوlلlبlدlلlوا lةlيlاسlسيlلlا lةlحيlاlنlلlا lىlلlإ lةlيlرlاlجlتlلlا lتlاlالقlلعlا اlمlهlالتl(131)صlلفlد lوlأب lعلlلlو

lتlوlقlاlي lهlنlع lلlقlنlو l،اlهlعن lاlوlبlن كتlيlذlلlا lبlرlلعlل اlوlأ lوlه l،lعيlوlبlنlليlا lهلlلlهlم lنlب lعرlسlم lاlهlدlجlوو l،l"lةlكlلlمlمlال lارlد lهاlبlن وlيlلصlا lةlيlصlقl" lاlهlأنlب l،lلlبlاlدlنlس lةlنlيlدlم lفlوصlو l،lيlنlيlوlزlقlلlوا lذlفlنlيl" عlرlاlوlشlلlا lهlذlه lنlم lكلlو l"اlرعlاlش lنlوlتlس lهاlلlو lمlوlي lةlرlيlسlم lنlوlكlت lةlمlيlعظ lةlنlيlدlمl" إlلىl دlاlر اlلمlمlلlكlةl.l"l فlيlقعl دlاlر اlلمlلlكl،l تlبlعاl لlهذlاl اlلlوlصlفl،l فlي قlلlبl اlلlمlدlيlنlةl وتlتlفlرlع مlن

lهlضlرlع lوl،lعاlاlرlذ lنlعوlسlت lةlنlيlدlلمlر اlوlس lعlفاlتlرlوا l،lةlعlألشlكا lنlوlتlسlلlا lرعlاlوlشlلlا lاlلهlحو lرعlاlلشlا lابlب lدlعنlف l،اlعهlرlاlوlش lدlعد lىlعل lاlءlجز lنlيlتlس lلىlع إlرlفlتlي lرlهlن lهاlيlوف l،اlبlاlن بlعوlسlت lهlفlصlن lجlرlخlي lمlث lضlألرlا lيlف lبlصlى يlا حتlهlرlيlى غlلlإ lمlث lهاlنlوlا دlى مlلlإ lههlجlوlت lىlرح lهlاlقlلlتlت

lلكlذ lلlهlأ lيlقlسlيlف l،lةlنlيlدlمlلlا lىlلlإ lرlآلخlا lهlفlصlن lجعlرlيlو l،نlيlتlاlسlبlلlا lىlقlسlيlف lرlوlسlلlا lتlحlت lحlبlصlي lكlلlذlوب l،lدlلlبlال lجlرlى خاlلlإ lآلخرlا lعlارlشlلlا lيlف lجlرlخlي lمlث l،lكlلlلمlر اlاlد lىlع إلlرlاlلشlا lتlيlب lةlنlيlدlلمlا lهlهذlول .lمlهlالتlضlفlب lجlرlخlي lجlارlلخlاlو lمlهlيlقlسlي lلlخlاlدlلlا l:نlاlهرlع نlارlش lلlلك

lرlويlاlصlوت lلlيlثlماlت lهlيlف l،l"lسlدlمقlلlا lتlيlب lدlجlسlم lنlم lمlظlعlأl" lهlأن lالlقlي l،lمlيlظlع lةlادlعب lنlم lاlئlيlش lمlهlنlم lلlتlق lنlوم l،الlصlم أlوlحlلlلlن اlوlلlأكlال ي lدlلlبlلlا lلlهlأlو l،lمlيlعظ lدlبlو lمlاlنlصlوأ

.lلlقت lنlاlوlيlلحl(132)ا

-135-

وسلط اإلدريسي األضواء، على بعض المدن الصينية، التي يصعب معرفة ما يقابل بعضها اآلن، فهناك مدينة كاشغر المعروفة، "مدينة عامرة كثيرة الخيرات

مشتملة البركات، فيها متاجر وبضائع وأسعار وحركات، وهي على نهر صغير من جبل كما أن هناك مدينة(133)قطيفور، وفي هذا الجبل معادن فضة فائقة الجودة".

)اسقيريا( على نهر خمدان، "عامرة وبها ملوك وسادات، وجله وعمال وبها تجتمع أموال الصين التي تصل إلى ملكها األكبر" وقريب منها، مدينة تاجه، مدينة الملك

العظمية، التي يستودع فيها المال الذي جيء به في خزائن الملك البغبور، وتبعد مدينة طوخا عن اسقيريا ستة أيام، على نهر كلهي، وهي "عامرة بالناس وفيها تجار وبضائع

وذخائر، يصنع بها الثياب الطوخية من الحريرالعشي، ولها قيمة وافرة، ويتجهز منها إلى سائر البالد". وتبعد عنها مدينة )بورا( بيومين، وهي كثيرة الخلق والتجارات،

متصلة العمارات وافرة النعم، بها حنطة وأرز، وشجر مقل شهي األكل"، وهناك أيضا مدينة )قاقال( كثيرة الحرير، وأهلها يربون دود الحرير، إليها تنسب الثياب القاقلية،

(134)والحرير القاقلي.

وأشار الحميري إلى مدينة طوقين )تونكين( ذاكرا، أنها أول مرافئ الصين "بها يعمل الغضار الصيني، ومنها يتجهز به إلى سائر البالد والتي تتصل بها وتبعد عنه، وبها

أرز وحبوب ونارجيل وقصب، وهم يجالسون التجار، ولهم همم عالية ونفوس أبية،(135)ويستعملون الطيب أكثر من سائر بالد الهند".

أlمlا عنl طlرlيlقlتlهlمl فlيl بlنlاءl مlنlاlزلlهمl،l فlهlي مlبlنlيlةl" lمlن خشlبl وlمlن قlنlاl مlشlبlكl علlى مlثlاlل اlلlشقlاlقl اlلlقصlبl..l.l وlيlلlيlط بlاlلطlيlنl،l وبlعlالجl لlهمl يlتlخlذlوlنlهl مlنl حlبl اlلشlهlدlاlنlجl( lأlي

.l"اlبlيlجlع lاlقlاlرlشlق إlرlشlيlف lرlدlجlلlا lهlب lنlهlدlت l،نlبlلlال lضlاlيlي بlف lرlيlصlيlف l،l)lبlنlلقl(136)ا

lهمlالكlمlأ lنlوlعlضlي lهمlنlإlف lاlلذ l،lبlشlخ lنlا مlهlنlأ lاlلمlاlط lقlيlرlحlلل lةlضlرlعlم lهمlزلlاlنlمlف lقعlن وlإlف l،اlهlب lورlدlت lلlى عجlعل lةlبlكlرlق مlيlادlصن lيlف lمlهlيlدlيlأ lهlيlوlحlت lاlوم l،lمlهlرlئlخاlوذ

l.اlهlيlف lاlمlب lقlيlادlنlصlال lكlلlت lاlوlفعlد lقlيlرlلحl(137)اlةlوقlزlمl" lيlوزlرlمlلlا lلlقوlي lماlك lمlرهlوlدlو .l..lنlيlبlرlشlلlا lبlن خشlم lسlئlاlنlكlب lةlاlغطlم lمlهlكlكlوس lشlوlقlنlلlوا lلlيlثlماlلتlاlب lسlالlجlلمlا

l.l"lهمlرlوlد lنlم lةlامlمlقlلlا lعlنlمlتlل lةlعlفlتlرlم lمlهlورlد lتlاlبlتlع lنlوlعلlجl(138)ويlنlيlلصlل اlزlاlنlم lزlيlمlتlتlو فlي شlتlىl أlرجlائlهlاl،lفlي اlلمlدlيlنlةl واlلlرlيlفl،l حسlبl مlشlاlهlدlاlتl اlبlنl بlطlوlطlةl،l بlأنl اlلمlنlزlل

l.lةlقlيlدlح lوlأ lنlاlتlسlب lطlسlوlتl(139)يlلىlإ lلlصlي تlلتlا lةlهقlاlشlلlا lةlيlنlألبlن اlم lمlهlنlدlم lوlلlخlال ت lاlمlك .l)lنlيlكlبl( lقlالlب lانlخ lةlنlيlدlمlل lهlفlصlو lيlف lيlرlمlلعlا lهlرlكlا ذlم lبlسlح l،قlبlاlوlط lةlتlس

أنماط السلوك االجتماعي والعادات

-136-

عندما يقترب الرحالة والباحثون العرب من الحياة االجتماعية: العالقات اإلجتماعية، أنماط السلوك، والعادات، يجدون فيها ما يثير اإلعجاب من جهة، وما

يستحق منهم االستهجان من جهة أخرى، غير أن جوانب اإلعجاب كانت لها األرجحية عندهم على جوانب اإلستهجان،" فأهل الصين أهل جمال وطول وبياض نقي مشرب

وأشاد( 140)بالحمرة، وهم أشد الناس سواد شعور،و نساؤهم يجزن شعورهن"، السيرافي ببهاء محياهم،بقوله"وأهل الصين أجمل من أهل الهند،وأشبه بالعرب في

اللباس والدواب،وهم في هيئتهم وفي موكبهم شبيه بالعرب،يلبسون وهم ناس متأنقون في هيئتهم وملبسهم، حتى أن "كل من(141)األقبيةوالمناطق"،

ولباسهم "الحرير والديباج، وعامتهم يوسعون(142)كانت ثيابه أنظف وأحسن كان أكرم" والصغار والكبار منهم"(143)أكمامها ويطولون ذيولهم حتى تنجر وراءهم على األرض"

يلبس الحرير، في الشتاء والصيف أما الملوك فيلبسون الجيد من الحرير، ومن دونهم فعلى قدرهم، وإذا جاء الشتاء لبس الرجل السراويل من ثالثة إلى خمسة، وربما أكثر

من ذلك على قدر ما يمكنهم، وقصدهم في ذلك، أن يدفوا أسافلهم لكثرة الندى، وخوفهم منه، فأما في الصيف، فيلبسون القميص الواحد من الحرير، ونحو ذلك، وال

وأن أشرف ما يتحلون به، كما قال الوردي، "قرون الكركدن،(144)يلبسون العمائم" أما نساؤهم،" فإنهن يكشفن(145)يتخذون فيها مناطق )حزام(، ويفتخرون بها.

رؤوسهن، ويجعلن فيها األمشاط، فربما كان في رؤوس واحدة منهن عشرون مشطا (146)من عاج،و الرجال يغطون رؤوسهم بشبه القالنس"،

-137-

lمlهlمlاlرlتlحlا lاlمlيlوال س l،يlألخالقlا lهمlكlوlلlس lبlنlاlوlج lعضlب lأنlش lنlم lاlنlوlفlلlؤlع مlفlور lذlإ l،اlنlاlحسlن إlيlدlلlاlوlال lةlيlعاlر lىlلlع lالمlإلسlا lمlهlثlح lنlيlذlلlا lمlهlو l،lهمlيlف lرlيlبlكlلlول l،lةlرlلألس

lدlعlقlن ال يlأ lمlهlبlدlأ lنlن حسlمlو .l..lالقlخlوأ lابlدlآ lمlهlلl" lنlأ l،lيlسlدlقlمlلlا lرlهlاlن طlبlا lالحظ lدlجlسlي lكlلlذlك l،lله lدlجlسlوي lهlيlدlن يlيlب lيlشlمlال يlو l،lهlعlم lلlكlأlال يlو l،lألبlا lيlدlي lنlيlب lيlبlلصlا

.lمlله lماlيlعظlت lمlرهlاlبlكlل lمlرهlغاl(147)صlاlوlخlبlط lاlمlربlو l،زlاألر lمlهlامlعlط lأن l:lنlيlصlلل lاlوlلlجlسlو lمlكهlوlلlم lاlمlأ l،lهlنlوlلlكlأlيlف lزlألرlا lىlعل lهlنlوlبlصlيlف )lبlعنlلlب اlاlرlش lهlعلlلl( lنlاlشlوlلكlا lعهlم lنlم lمlلهlو l،اlهlرlيlغlو lرlيlزlاlنlخlلlوا lنlاlوlيlحlلlا lرlائlس lنlم lمlحlلlلlوا l،lةlطlنlلحlا lزlبlخ lنlوlكلlأlيlف

l،lزlوlمlلlوا l،lىlرlثlمlكlلlا lوl،lلlجlرlفlلسlاlو l،نlاlمlرlلlاlو l،l)lدlاlبlكlلlاl( lجlرlالتlاlو l،lخlوlلخlاlو l،lاحlفlلتlا l:lهlاكlوlلفlا وقlصlبl اlلسlكlرl،l وlاlلlبlطlيlخl واlلlتlيlنl،l واlلlعنlبl واlلlقlثlاlء،l وlاlلخlيlارl واlلlنlبlقl،l واlلlجlوlزl،l واlلlجlلlوlز

lعlوlنl( l،ءlاlرlيlبlلغlاlو l،lشlمlشlلمlاlو l،lاصlألجlوا l،lقlتlسlلفlاlو l)lقlدlنlلبlا lهlلlلعlو lقlتlسlفlلlا lهlبlشlي lاتlبlن( l،lألرزlن اlل مlوlعمlمlلlا lذlيlبlنlلlا lهمlبlاlرlوش l،lرlيlكث lلlخlن lمlهlدlنlع lسlيlول l،lلlيlرجlاlنlلlا l،)lرlهlلزlن اlم lمlهlدlعن lملlعlيlو l،lهاlنlوlبlرlشlال يlو l،lاlهlنlوlفlرlعlاليlو l،lهمlليlإ lلlمlحlال يlو l،lرlخم lمlهlالدlب lيlف lسlيlول

l)ىlوlلlحlلlا lنlم lعlوlنl( lفlاطlلنlاlو l.lذlيlبlنlلlوا lلlخlلlا l:lألرزlن اl(148)مlمlهlبlرlش lلىlإ lةlافlإلضlاlب اlلشlاlيl،l كlمlا رlأيlنlا سlاlبlقlا،l وlفlي بlالدl اlلlصlيlنl أlيlضlا،l كlمlا أlشlاlر اlبlن بlطlوlطlةl،l اlلlسlكlرl اlلذlي

lصlاlألجlا lنlأ lنlظlأ lتlنlكlوl" l،lصlألجاlوا lابlبlألغlوا l،lهlلlضlفlي lلlب l،يlرlصlمlلlا lرlكlلسlي اlهlاlضlي lخlيlطlبlلlا lهاlبlو l،نlيlصlالlي بlذlال lصlألجاlا lتlيlأlر lىlتlح l،lهlل lرlيlظlال ن lشقlمlدlب lيlلذlي اlنlاlمlثlلعlا lهlلlثlم lهاlب lإنlف lهlاكlوlلفlن اlا مlنlالدlبlب lاlم lلlوك l،lنlهاlفlصlوأ l،lزمlرlاlوlخ lخlيlطlب lهlبlشlي l،lبlيlجlلعlا

l.l"صlمlلحlاlو lسlعدlلlا lكlلlكذlو l،lبlيlطlأ lحlمlر قlأ lمlول l،lاlدlج lرlيlثlك lهاlب lحlمlقlلlوا l،lهlنlن مlسlحlوأ(

149)lرlزيlاlنlلخlم اlوlحlل lنlوlكلlأlيl" نlيlيlنlيlصlال lنlأ lهو lبlعرlلlن اlيlفlلlؤlمlلlا lزlاlزlئlمlشlر اlاlثlا أlم lال أنlإ l.l"lمlهlقlاlوlسlي أlا فlهlنlوlعlيlبlيlو lالبlكlلl(150)وا

l،lرlآلخlل lةlعيlاlمlتlالجlا lةlاlيlحlلل lمlلهlوlاlنlت lيlف lهمlيlلد lرlيlثlع أlوlضlوlم lدlعن lاlنlوlثlاحlب lفlقlوlت lدlقlول lظlفlحlلتlى اlدlوم l،lةlيlرlألسlا lطlبlاlوlلضlاlو l،lجlواlلزlا lطlابlوlور l،lعيlاlمlالجتlا lةlأlرlمlلlا lعlقlوlم lوlوه

lعن lةlهمlت مlاlالحظlم lجرlاlتlلlا lنlاlمlيlلlسlل lنlاlكlف l،lجلlلرlا lهlاlجlت lةlأlرlمlلlا lكlوlلlسlط بlيlحlي يlلذlا lجlيlوlزlتlلlا lاlوlدlاlرlأ lاlذlإlفl" lدlوlهنlلlا lلlحا lلlثlم lهمlلlاlحlف l،lله lةlقlافlرlلمlا lدlيlلlاlقlتlالlو l،نlيlيlنlيlلصlا lجlاlزو

lلlاlلمlن اlم lمlهlتlيlدlهlو l،lلlوlبlلطlاlو lجlوlنlلصlاlب lجlويlزlتlال lونlهرlشlي lمlث l،lاlوlدlهاlت lمlث l،lهمlنlيlب lواlأlنlهاlت .l"نlاlكlإلمlا lرlدlى قl(151)علl،ىlخرlأ lاتlيlطlعlم l،lتlاlالحظlلمlا lكlلlى تlلlإ lيlفlاlرlيlسlلlا lافlضlأlو

تlتlفlقl فlيl جlانlبl مlنlهاl مlعl مlاl ذlهlبl إlليlهl اlلlمlسlعوlدlي،l فlهlمlا يlتlفlقlاlن - اlلسlيlرlاlفlيlيlا فlهlعبlشlتlو lاlهlذlاlخlفlأlو lبlرlلعlا lلlئlاlبlكق l،lلlئlاlبlوق lبlوlعlشl" نlيlصlلlا lالدlب lنlأlب l- lيlدlعوlسlمlلlوا

.l"lله lظlحفlو l،lكlلlلذ lةlعاlاlرlم lمlلهlو l،اlهlابlسlنl(152)أ lعاlم lاlدlدlش lنlيlح lاlهمlتlاlي خالصlا فlقlفlتlا lاlمlك lمlهlذlخlف lنlم lذlخlف lلlك lهلlأ lجlوlزlتlاليl" lذlإ )lيlرجlاlخlلlا lجlواlزlلlاl( lىlلlع lنlيlيlنlيlصlلlا lصlى حرlعل

lيlف lوجlزlتlيlف lةlعlيlبlر lنlم lوlأ l،lعةlيlبlر lيlف lوجlزlتlيlف lرlضlن مlم lجلlلرlا lنlوlكlي lنlأ lكlلlل ذlاlثlم lيlف lنlأ lنlوlعمlزlوي l،lالنlكه lجlوlزlتlيlف lرlيlمlح lنlم lوlأ l،lرlيlمlح lنlم lوجlزlتlيlف lهالنlك lنlم lوlأ l،lرlضlم

l.l"lهاlنlوlرlكlذlا يlبlاlبlسlوأ l،lرlعمlلل lمlتlأlو l،lءlاlقlبlلlل lحlصlأ lهlنlأlو l،lةlيlنlبlلlا lمlاlوlقlو lلlسlنlلlا lةlحlص lكlلl(153)ذ

-138-

lعlدlاlوlرlب l،lهlانlصlوم l،lةlنlصlحlم lةlجيlوlزlلlا lةlسlسlؤlمlال lنlأ lاlنlيlفlنlصlم lرlريlاlقlت lنlم lنlيlبlتlوي l)lةlنlصlحlمlلlا( lجةlوlزlتlمlلlوا l،lيlنlاlزlلlا l)نlصlحlمlالl( lوجlزlتlمlال lابlقlعlف l،lةlيlاlغlلlل lةlيlقو lةlيlنlوlانlق

lلlيlبlس l..l.lنlيlصlلlا lلlهlن أlنlس lنlومl" lجرlاlتlلlا lنlاlمlيlلlس lرlيlعبlت lبlسlوح l،lلlتlقlلlا lةlيlنlاlلزlا l.l"lلlتlقlلlا lاlيlنlز lاlإذ lمlهlدlعن lةlنlصlحlلمlاlو lنlصlحlلمl(154)اlهمlعlن وضlع lزيlوlرlمlلlا lثlدlحlت lاlمlك

lالlجlرlلlا lىlلlع lنlبlغلlي lمlؤهlاlسlونl" l:lلlاlق lنlيlح l،lالتlاlجlمlال lنlم lدlيlدlلعlي اlف lةlأlرlمlلlل lةlيlحlألرجlا l.l"lرlعوlشlلlا lتlاlفlشlكlم lمlؤهlاlسlون l،lتlراlاlجlلتlاlو lتlعاlاlنlلصlي اl(155)فlنlم lلlاlكlأش lكlاlنlهlو

lةlيlوجlزlلlت اlاlالقlعlلlل lةlيlنlوlنlاlلقlا lطlبlاlوlضlلlا lنlم lتlلlفlتlت lةlأlرlمlلlوا lلlجlلرlن اlيlب lتlاlالقlلعlا lهمlنlأ lرlيlغ l،lمlهlالدlبlن لlيlمlادlقlلlا lءlاlبlرlغlلlل lمlهlاتlنlب lعlيlبlب lهمlل lاحlمlسlلlكا l،lمlهlنlيlب lةlدlاlتlعlلمlا

lوجlزlت lاlذlإ l:lهlلlوlقlب l،lمlيlدlلنlن اlبlا lهlيlلlإ lارlشlأ lاlم lهوlو l،نlيlصlال lةlرlدlغاlمlن بlهlل lنlوlمحlسlالي )lةlأlرlمlال lأيl( lألرضlع اlد l:lلlيlق l،lفlاlرlصlاإلن lدlاlرlوأ l،lمlهlيlإل l)بlعرlلlا lنlم lيlأ( lاlنlم lحدlاlلوlا lدlق lغاlلlبlم lهlل lاlمlرlغ lمlرlأغ lهlيlلlع lهرlظlا وlرlس lةlأlرlمlلlا lخذlأ lنlفإ l،l)lدlيlلlوlلlي اlأ (lرlذlبlلlا lذlوخ

.l"lبlرlض lاlمlربlو lسlبlوح lهlيlعل lاlوlحlطلlصl(156)اlنlم lةlغlيlلصlا lهlذlه lةlطlطوlب lنlاب lرlبlختlا lدlقlو lدlيlلlقlت l،lةlيlنlيlصlال lنlدlمlلlا lيlف lفlدlصا lهlنlأ lكرlوذ l،lةlرlابlلعlو اlأ lةlتlقlؤlمlلlا lةlجيlوlزlلlا lتlاlالقlلعlا

lهlل lىlرlتlشlا lيlرlسlتlلlا lدlراlن أlإlفl" l،lقlدlنlفlلlا lحبlاlص lفlيlضlالlب lاlهlيlف lلlفlكlتlي l،lقlدlاlنlفlالlب lولlزlلنlا lنlأl" l:lاlنlيlبlم lدlرlطlتlسlيlو l،l"lاlهمlيlق علlفlنlاlوl،lقlدlنlفlلlا lيlف lهاlبlاlن بlوlكlر يlاlدlب lهlنlكlسlأlو l،lةlيlرlجا lمlهlالدlوlأ lنlوlعlيlبlي lنlعيlمlجlأ lنlيlصlلlا lهلlأ lنlال أlإ l،lنlاlمlألثlا lتlاlصlيlرخ l)ءlاlسlنlلlي )اlرlاlوlلجlا

وبlنlاتlهlمl،l ولlيlسl ذlلlكl عيlبlا عنlدlهlمl،l غlيlرl أlنlهمl ال يlجlبlرlوlنl عlلlىl اlلlسlفرl مlعl مlشlتlرlيlهمl،l وlالl"lجlوlزlت lجlيlوlزlتlلlا lدlراlن أlإ lلكlذlوك l،lهlروlاlتlخlا lنlإ lهlنlم lنlعوlنlمlيl(l،157)lةlالقlلعlن اlع مlوlلنlا lاlذlهlو

يlعتlبlرl عالقةl زlوجlيlةl شlرlعlيlةl،l ال يlصlيlبl مlن يlقlبlلlهlا اlلعlاlر،l وال تlعتlبlرl مlدlاlنlةl أخlالقيlا أlوlدlقlع lيlف lةlأlرlمlوا lجلlر lعlمlجlت lجlواlلزlي اlادlحlأ lعlابlط lتlاlذ lةlالقlعlلlا lهlذlه lنlأ lاlمlالlط l،lاlيlعlماlجتlا

lحlاlكlنlلlا lنlم lتlاlالقlع l،lاlنlوlفlلlؤlا مlى لنlوlر lاlلم lعاlبlت l،lتlفlن عرlيlصlال lنlال أlإ l،يlرlسlلتlا lهlذlه lعlم lاlوlلlمlعاlن تlيlلذlا l،lمlسهlفlنlن أlيlيlنlيlلصlن اlم lلlب lبlسlحlف lهمlنlم lسlلي lةlنlهجlتlسlم

lمlظاlلن lهlتlعlضlخlوأ l،lهاlسlفlن lةlلlوlدlلlا lهlعتlر lيlذlلlا l،lهرlلعlا lوlهlو l،lهlنlم lدlال ب lرlكش lةlرlهlاlلظlا lهنlيlعل lانlطlلlسlللlو l،ءlاlنlزlلlاlب lنlفlعرlي lاءlسlنl" lزيlوlرlمlلlا lرlيlبlعlلت lعاlبlت l،lمlهlقlاlوlسlي أlفlف l،lصlخا

l"نlهlطlاlقlسlو lمlهlتlلlفlس lنlم lنlوه lةlبlيlرlا(158)ضlنlبlاlتlك lدlنlع lاlنlهجlتlسlم lسlيlل lدlيlلlقlلتlا lاlذlهlف lمlوlقlي lنlم lنlوlرlبlعتlيlو lهمlسlفlنlن أlيlيlنlيlصlلlل lنlاlهجlتlسlا lعlضlوlم lهlوlدlوج lلlب l،lبlسlحlف lبlرlلعlا lةlيlجز lهlيlلlعlف l- lيlرlيlوlلنlا lلlوlقlي lاlكم - lاءlغlبlلlا lمlهlئlاlسlن lنlم lدlاlرlأ lنlمl" lنlوأ l،lلlافlألسlا lنlم lهlب

lءlاlسlنlلlا lكlلlت lالدlوlأ lنlأ lرlيlغ l"lهنlنlع lةlيlزlجlلlا lفlكlت l،lهlيlن علlا كlمlع lعنlقلlأ lنlوإ .l..lرةlرlقlم lاlثlاlإن lهنlوالدlن أlن مlوlكlيlاlوم l،lاlدlيlعبlا وlمlخد lكlلlمlلlن لlوlنlوlكlيl( lاlنlاlيlبlص lاlوlنlكا lنlإ l:lغيlلبlا

l.l"lهنlعتlنlصlب lنlقlحlلlيlو l،نlهlاتlهlألمl(159)ف

-139-

ولقد شرح سليمان التاجر، من قبل، آليات عمل النظام المتبع لضبط وظيفة البغاء اجتماعيا، قائال: "إن فيهم نساء ال يردن اإلحصان، )أي التقيد بزوج واحد داخل

أسرة (ويرغبن في الزنا"، وسبيلهن إلى ذلك، هو أن تحضر المرأة إلى مجلس صاحب الشرطة، وتعلن "رغبتها في الدخول في جملة الزواني"، ومن رسمهم )أي من

تقاليدهم الرسمية( أن يطلبوا" ممن أرادت ذلك من النساء أن تكتب نسبها وحليتها، وموضع منزلها، وتثبت في ديوان الزواني، وتجعل في عنقها خيط فيه خاتم من نحاس مطبوع بخاتم الملك، ويدفع إليها منشور )وثيقة( يذكر فيه دخولها في جملة الزواني،

وأن عليها لبيت المال في كل سنة كذا وكذا فلسا". غير أن المرأة متى اختارت ممارسة هذه المهنة، تكون في نظر الصينيين قد وضعت نفسها في الحضيض لذا فإن "من تزوجها فعليه القتل" أما الطريقة التي يسمح لهن فيها بعرض أنفسهن، فقد بين

السيرافي أن "هذه الطبقة من النساء يرحن بالعشيات عليهن ألوان من الثياب من غير استتار، فيصرن إلى من طرأ إلى تلك البالد من الغرباء من أهل الفسق

وفي المقابل، فالرجال أنفسهم(160)والفساد..، فيقمن عندهم وينصرفن بالغدوات". يمارسون الزنا المنظم، أو اللواط، "فأهل الصين يلوطون بغلمان، وقد أقيموا لذلك

أي بمنزلة العهر المقدس ألصنامهم المقدسة.(161)بمنزلة زواني البددة".

-140-

وألقى مؤلفونا األضواء على الطقوس المرافقة للlموlت والدlفن، فكانت تلكl،ضهم لوقائعهاlصوا على الموضوعية في عرlالطقوس مثار دهشتهم،وإن كانوا قد حر فروى ابن الندlيم، أن الصينlي إذا مات بقي في منlزله "lفي نقر خشب يشبه التابوت

سنة،l ثم حيlنئذl دفن في ضرlيح بال لحlد، ويطالبl أهلlه ومخلفوlه بالمصيبlة والحlزن ثالث وقد فصل المروزي في وصف هذlه(162)سنيlن وثالثة أشlهر وثالثة أيام وثالث ساعات".

الطقوس، فمن مات منهم، فإنه ال يدفن إال في السنlة والشهر واليوم والساعة التيlويطرحl" ة التابوتlر من خشب كهيئlله وضع في نقيlبها، فإن مات في أهله ومنز lولد

علlيه أدlوية تحفظ جثتlه من النتن والتحلل"l، إن كان موlسرا، وإن كان مقال طرحl عليه الصlدف المحlرق بعد أن يسحق حتى يصlير كالذرور، فينشف رطوlباتهl وال ينتن، وهذlا النlقيlر الذlي يوضع فيه الميتl يمكlث في أرضهم ألف سlنة، وأكثر، ال يكlادl يعفن، وإذlا مات الرlجل منهمl فإن زوجته تمكث في الحدادl ثالث سنlين،l ويبكي الرجل والمرlأة

علlى موتاهم في أول النهار، ووسط النهار، وآخره، مادام الميlت عندlهم، وإن لم يبك.l"نك موتهlا لم يحزlته إذlإنك قتلl" :ويقال له ،l"بlب وضرlواحد منهم ومن األقرباء "أد

وحين يجlئ وقتl دlفنه، وأرادوا حملlه إلى قبرهl، فإذا كان موlسرا وضعوا على طولl،رير والديباجlمغطاة بالح l،راباlأطعمة وفواكه، وش lالطريق، من منزله إلى المقبرة

فإذlا وضعوا الميlت في قبره،l أخذت تلlك األطعمة، وربما حملlوا إلى قبرlه "lفاخر ثيابه" وتبدlو طlقوlس الحزن، واإلمعان في إظهار هذlا الحزن على(163)لتlمزيقها على قبlره.

lاجر المشهدlيمان التlر سلlوقد صو l،المأل مسألة مهمة وأساسية في هذا الطقس األخيرl من هذlا الطقسl، فهم "lيدفنlونه في ضرlيح كضlريح العرب، وال يقطعون عنه

الطعام، ويزlعمون أنه يأكل ويشرlب، وذلك أنهم يضlعوlن عنlدهl الطعام بالليlل فيصبlحون وال يجدون منlه شيlئا، فيقوlلوlن قد أكل،l وال يزالون في البكlاء واإلطlعام ما بقي الميlت في منزلهم،l فال يبقى له نقدl وال ضيعة إال وأنفقوهl عليه، وقدl كانوا مثل

هذا يدفنوlن الملlك وما ملك من آلةl بيتlه من ثياب ومناطق، ومنlاطlقهم تبلغ ماال كثيرlا، أما إذlا مات(164)وقدl ترlكوlا ذلك اآلن، وذlلك أنه نبlش بعض موتاهم وأخذ ما كان معه".

أحدl المسلمين، ولم يجlدوا له وريث، فإنهم يأخذون ماله ويضعونه في بيت مال الملlك، مكlتوبا عليهl اسم صاحبه واسlم أبيlه وجدlه، وتاريخ موته، ثم ينlتظرون ثالث

(165)سنيlن، وثالثة أشlهرl، وثالثة أيام، فإن جاء وليه "lيسلم المال إليه".

ولقد شهد الكlاتبl الصيlني )بدر الدين حي الصينlي(، بصlدق الرواية العرlبية عن طقوس الموlت والدlفن الصlينييlن، مقرا "lبأنهl من عادlات الصlين قدlيما، أن يوضع

جسم الميlت في صندوق طlويل من الخشبl، ويختlتم بالشمع ويحlكم غطاؤه بالجبlس، حتlى ال تخرlج منه الرائحةl الكريهة، فيlبقى في البيتl مدlة طlويلةl، تكlون في بعض

األحيان أكثر من سنlة، وكان الحlزن عليه من أهله وأوالدlه، إلى ثالث سlنوات أمرlا عاديا، وكان هذا من العادlات المحمودةl التي يمتدlحها أدباء الصيlن ويرlوجون لها... واألدب الصlيني يفيlض بهذlه العادةl من قدlيم الزمان حتى ثوlرةl الصين الكبlرى في

(166)م.1911سنة

-141-

ومن السلوlكيlات التي أثارت استlغراب العرب، أو اسlتهجlانهم، تلك التي بدت لهم شاذة،l أو غرlيبة، وال سيما تلlك التي تعلقت بالجنlس، أو النlظافة، أو الطهارة، فسجلوlا

"lون عن جنابةlوأنهم "ال يغتسل ،l"ضlساء في الحيlين أنهم "يأتون النlينيlى الصlعل l،اد أكلهlوان الذي يرlبح )الحالل(، على الحيlمون الذlباإلضافة إلى ذلك، فإنهم ال يستخد

(167)ألنهم "يضlربونه علlى هامتlه". كما أن الرجل الصيني يتزوج ما شاء من النساء.

وعندlما يريدl أن يبlول فهو يبlول واقفا، "فأما الملlك والقوlاد والوجوlه فلهمl أنابيب من خشبl مدlهونة طول كل خشبl منها ذراع،l وفي الطرفيlن ثقبتان تتسع العلlيا

للlحشفة، فيقف على رجلlه، إذlا أرادl البول ويباعدها عن نفسهl ويبول فيlها، ويزعمون(168)أن ذلك أصحl ألجسامهم... وأن المثانة ال تصفوlا بما فيها إال مع القيام بذلك".

الدين والطقس المس العرب من بعيد أحيانا، وعن قرب أحيانا أخرى، مكتبيا وتجريبيا، المناخ الديني

للصين، وروح االتجاهات العامة لدياناتها، إذا أشاروا إلى انتشار عبادة األسالف لدى الصينيين، وإلى انتشار االعتقاد بقداسة الملوك "أبناء السماء" وإلى عبادتهم لألصنام،

وانتقال ديانة ماني إليهم من فارس، وديانة السمنية أي البوذية من الهند، وإلى انتشار ما سموه الثنوية وإلى اغالق الصين أبوابها أمام النسطورية، وهي إشارات لها مصداقية،

وإن كان ينقصها العرض المنهجي للمذاهب. والحال، كان الصينيون قبل وصول الديانات األجنبية إليهم، يتخذون األجسام

السماوية والظواهر الطبيعية معبودة لهم، أما الحكماء الذين ظهروا في الصين بعد هذا الزمن، مثل "الوتسي" و"كونفوشيوس" و"مونشيوس"، فلم يأتوا بكتاب مقدس،

إال أن كالمهم يوحي باالعتقاد فيما وراء الطبيعة، فالطريقة عند )الوتسي( ليست بصوت وال بصورة، وهو تعريف يتوافق مع تصور إلله متعالي، وأما )السماء( في عقائد

كنفوشيوس، فهي عنده صاحبة السلطة العليا، وليس هناك فرق كبير بين سماء كونفوشيوس وسماء مونشيوس وبقي الصينيون محافظين على دياناتهم القديمة، حتى

بعد أن اعتنق أكثرهم الديانة البوذية التي وصلتهم من الهند، إذ لم تستطع أن تحدث تغييرا جذريا في اعتقاداتهم القديمة، مع أنها أثرت في آدابهم وفلسفتهم، فالرجل

المتدين في الصين ال يجد حرجا في الجمع بين هذه العقائد والمبادئ التي ترجع إلى دياناتهم المختلفة، فهو يمكن أن يكون بوذيا وكونفوشسيا، وال وتسيا، وفي وقت واحد.

(169)

-142-

ولقد انتشرت بالفعل، ولو على نطاق ضيق، ديانات أجنبية أخرى: المانوية والمجوسية والنسطورية، دخلت المانوية إلى الصين في القرن السابع ميالدي، عن

طريق تركستان، فانتشرت في شمال الصين، كما انتشرت المجوسية قبل بزوغ اإلسالم بقرن، واتسعت دائرة نشاطها، بعد لجوء بزدجرد إلى الصين إثر سقوط فارس بيد العرب، ولكن أنصارها اقتصروا على فئة ضيقة، ما لبثت أن اندثرت آثارها في سنة

م إثر اضطهاد أباطرة الصين لها، أما الديانة النسطورية فوصلت إلى الصين في846Olobenم تقريبا مع داعية لها يدعى اولوبن 635سنة استوطن جانغ - آن وبنى معبدا

(170)نسطوريا فيها، إال أن هذه لم تثمر في الصين، وتالشت في القرن التاسع ميالدي.

lمlدlقlف l،lثlحlبlالlب lةlيlنlيlصlلlا lةlنlاlيlدlلل lاlوlضlرlعlت lنlيlذlلlا lلlئlاlوlأ lنlم lجرlاlتlلlا lنlاlمlيlلlس lنlكا lاlهlليlإ lنlوlلlصlوي l،lامlنlألصlا lونlدlعبlي lنlيlصlلlا lلlهlأl" lنlإ lهاlيlف lالlق lلىlألوlا l:lنlيlتlظlالحlم

.l"نlيlد lبlكت lمlلهlو l،اlهlيlلlإ lنlوlعlرlضlتl(171)ويlنlم lنlيlلصlا lةlانlيlد lلlصlأl" lنlأlب lةlيlنlاlثlلlا lيlف lهlوlنlو l"lدlنlلهl(172)اlقlابlطlا يlم lوlهlو l،lنlيlلصlى اlلlإ lدlنlلهlن اlم lةlيlذlوlلبlا lالlقlتlنlى اlلlإ lرةlاlشlإ lكlلlذ lيlفlو l،

l،lيlدlوlعlسlلمlاlو l،يlسlدlقlمlال lرlهlاlن طlبlي اlن وعlع lةlدlعيlن بlكlت lمlل lيlتlلlا l’lةlيlخlيlرlاlتlلlا lقlائlقlلحlا lهدlشlمlلlا lىlلlع lىlرlخlأ lتlاlيlعطlم lاlوlافlضlن أlيlذlال l،lيlرlيlوlلنlاlو l،lمlيlدlنlلlا lنlبlوا l،lزيlوlرlمlلlوا

اlلدlيlنlيl اlلlصlيlنlي،l فlاlلمlرlوزlي واlلlمlقlدlسlي أlشlاlراl إlلىl اlلlمlذlهlبl اlلlمlانlوlي،l فlنlظlرl اlلمlرlوlزlيlلlوlقlب lمlهlرlوغ l،lكlلlذlب lمlهlرlمlأ lيlنlاlم lألن l،lبlقرlتlو lدlبlعlتl" lهlارlبlعتlاlب lلlيlاثlمlتlلlا lهمlسlيlقدlت lلىlإ l.l"lةlيlنlاlسlإلنlا lةlقlاlلطlا lبlسlحlب lهlلlلlاlب lلlقبlلتlا lهlنlإ lةlفlسlلlفlلlا lحد lفي l:lاlوlلlاlق lمlهlإنlف l،lةlفlالسlلفlا(

173)lمlلهlو lةlيlنlمlلسlاlو lةlيlوlنlثlلlا lهمlنlن مlيlصlلlا lلlهlأ lنlأ lنlوlعمlزlويl" lيlسlقدlمlلlا lدlنlع lأlرlقlنlو lسlمlشlلlن لlوlدlجlسlي lمlهlنlأl" lفlضاlأlو l"lهاlنlوlدlبlعlي lمlاlنlصlأ lهاlيlف l)lةlدlاlبlع lةlنlكlمlأ(lتlاlارlخlرlف

.l"اlدlجlس lهlل lاlوlرlخ lءlيlن شlم lاlوlنlسlحlتlسlا lاlم lكلlو l،lرlاlنlلlوا lبlكlاlوlكlلlاlو lرlمlقlلl(174)واlظlحفlو ( lمlيlدlلنlن اlبl377ا l- lll987هlقlيlلlثlاlجlلlا lثlوlعlبlي مlنlاlرlجlنlلlا lهبlاlلرlع اlم lهlرlاlحو l)م

l،يlرlوlطlسlنlلlا lبlهlذlمlلlل lاةlعlدlلlن اlم lةlسlخم lةlبlحlصlب l،lنlيlلصlا lالدlب lلىlإ l،l)يlرlوlطlسlنlلlا( م(l،l فlسlألlهl اlبlنl اlلlنlدlيlمl عlن982lهl- lll 377مlكlثlوlاl هlنlاlكl سlتl سlنlوlاlتl،l وlرlجعlوlاl عlاlم )

l،lةlيlنlمlوس l،lةlيlوlنlث lمlهlرlكثlأl" lنlي أlنlاlرlجlنlلlا lهبlاlلرlا lهlمlعلlأlف l،اlهlبlهlاlذlمlو lاlهlاتlنlاlيlدlو lنlيlلصlا lكlلlمlلlا lةlرlوlص lواlدlاهlش lاlذlإ lهمlنlأ lةlرجlد lلىlإ l"lهlتlرlوlن صlوlظمlعlيlو lكlلlمlلlا lنlوlدlعبlي lهمlتlمlاlوع

.l"lاlمlاlيlأ lهlقلlع lدlاحlلوlا lدlقlا فlمlبlر lىlتlح l،lعlزlلجlاlو lةlعدlرlلlوا lلlطlاألف lمlهlيlلlع lعl(175)وقlمlث أlخبlرl اlبlنl اlلlنlدlيlمl" lأlن اlلlنlصlاlرىl الlذlيlن كاlنlوlاl بlبlلlدl اlلlصlيlن فlنlوlاl وهlلlكlوlاl،l.l"l وخlتlمl اlبlن

lلlب lهlتlاlذ lدlحlب lمlنlصlلlل lةlجهlوlم lتlسlلي l،lامlنlألصlل lمlهlتlدlاlبlع lنlأ lرlيlرlقlتlب l،رlاlوlحlال lاlذlه lمlيlدlلنlا lكlوlلlمlال lمlيlظlعlت lنlيlصlلlا lةlنlن سlمl" lنlأlو l،lىlلفlز lهlلlال lلىlإ lهمlبlقرlتl" lةlطlسlا واlله lمlهlذlاlخlتlا

l.l"lةlيlمنlوس lةlيlوlنlثlف l،lسlاlنlلlا lرlابlكlوأ lكlلlمlلlا lبlهlذlا مlمlأ l،lةlمlعاlلlا lرlكثlأ lاlذlه lىlلlع l،اlله lةlادlعبlلlوا وlمlنlذl وlقlتl مlبlكlرl،l أlكlدl اlليlعقlوlبlيl،l علlىl أنl مlذlهlبl عlبlاlدlةl اlألسlالفl يlمlتlزlجl لدlى(176)

l،lةlيlألب lاlرlوlا صlهlيlف lلlمlوع l،lلlاكlهيlلlا lدlيlش )lنlوlرlع( lكlلlن مlأlو l،lهمlكlوlلlم lسlيlدlقlتlن بlيlيlنlيlلصlا lةlرlوlصlا لlمlيlظlعlت lرةlوlصlلlا lكlلlلت lدlجlس l،lلlكlيlلهlا lخلlد lاlذlإ lانlكlف l،lلlكlهيlلlا lرlصد lيlف lهاlعلlوج lرlهlاlوlلجlاlب lلlلlكlم lبlهlن ذlم lهlل lةlرlوlص l،lهlيlبlأ lةlاlوف lدlعlب lنlوlن عرlبlا l،lاlضlيlأ l،lلlا عمlمlك l،l"lهlيlبlأ واlلlرlصlاlصl واlلlنlحlاlسl"l اlتlخlذlهاl أهlلl مlمlلlكlتlهl جlمlيlعاl فlي مlدlنlهlمl وlبlلlدlاlتlهمl،l وlقlالlوlاl:l يlنlبlغlي

.l"lاءlمlسlلlا lنlم lهاlكlلlم lدlق lكlلlم lرةlصو lلlعمlت lنlأ lةlيlعlرl(177)لل

-143-

ولعل أشمل صورة موضوعية، وشاملة عن الدين الصيني، قدمها المسعودي، إذ جمع بين الموضوعية، وفهم الموضوع من الداخل، وبين الشمول، وهو يقترب بذلك

بعرضه للديانة الصينية، من عرض البيروني للديانه الهندوسية، واإلثنان نظرا إلى عبادة األصنام هنا وهناك، على أنها واسطة أو رمز للوصول إلى التعالي المجرد، الواحد، كما

ميزا بين ديانة العامة التي تعتمد التمثيل والتجسيد، وإيمان الخاصة التي تعتمد علىالتجريد للوصول إلى الوحدانية.

lةlيlكزlرlلمlا lةlقlلlحlلlفا l،lهاlتlعاlرlفlوت l،lبlهlاlمذlلlر اlوlهlلظ lهlضlرlع lعن )lخlريlاlتlلlا( lبlغlي lلم اlلتlارlيlخlيlةl لlتlطlوlرl تlلlكl اlلlمlذlاlهlبl تlبlرlزl عlنlدlهl مlعl اlلlمlلlكl اlلذlي يlسlمlيlهl )تlوlتlالl،l)l فlهlوl اlلlذlي

lخlي رسlذlال lوlهlو l.l"lاlطlاlرب lمlا لهlهlلlجعlو lةlيlلlض عقlئlاlرlوف l،lةlيlعlرlش lةlسlاlيlسl" lمlهlل lبlرت lذlإ l،lكlوlلlلمlا lةlسlاlقدlب lةlجlمlدlنlمlلlا lفlلlسlلlا lةlدlاlعب lةlدlيlعق l،lهlل lنlيlلصlا lهلlأ lمlيlظlعlوت l،lهlتlوlمlب

lاlروlصوlو l،lلlكlيlلهlا lكlلlذ lدlنlع lهlيlف lنlوlمعlتlجlا يlدlيlا وعlتlاlوlلlص lهlاتlفlو lمlوlي lنlوlيlنlيlصlلlا lلlجع l.l"lبlاlيlثlلlا lىlلlع l،lسlوlلlلفlاlو lرlيlنlاlنlدlلlا lىlلlوع l،lةlنlيlدlلمlا lبlاlوlبlأ lىlلlع lهlتlرlوl(178)ص

وإن كان قد أرجع بذور هذه العقيدة، إلى تقليد أسبق ينسب إلى ملوك الصين، وال سيما إلى زمن ما سماه )الملك عيثون( الذي جعل جسد أبيه مخزونا في تمثال

من الذهب األحمر... وكان يسجد له، ويبدأ بجده األول ثم أبيه، وأهل مملكته يسجدون وقدموا القرابين للهياكل، التي تحتوي هذه الصور الملكية المقدسة. وأوقدوا(179)له".

البخور، وعملوا لهؤالء األجداد تماثيل من األحجار واألشجار. وآمنوا بقدرة الكواكب على مصيرهم ومصير العالم المحيط بهم، "فجعلوا لكل كوكب منها وقتا بتقربون فيه

كما أشار إلى أتباعهم( 180)إليه بدخن )بخور( معلوم من أنواع الطيب والعقاقير"، للديانة البوذية، ديانة السلف ويسميها السمنية التي كان يعرف أنها أتتهم من الهند، أو

كما قال: "وهو رأي الهند"، كما أن لهم "آراء ونحل حدثت عن مذاهب الثنوية، وأهل(181)الدهر".

-144-

والحظ المسعودي أن المذاهب الدينية الصينية اتخذت، بالنهاية، األصنام والصور مقاصد للعبادة، مشبها إياها بعادات العصر الجاهلي القرشي، أو كما قال: "عباداتهم

نحو من عبادات قريش قبل مجيء اإلسالم: يعبدون الصور، ويتوجهون نحوها غير أن المسعودي قد ميز في داخل عبادة األصنام هذه بين مقصدين(182)بالصلوات".

للمتعبدين، بين جاهل يشرك بها، ألنه يتوجه إليها بالعبادة فحسب، وعابد ينظر إليها كواسطة لإلقترب من الله، والتقرب منه، أو كما يقول بصدد عبادة األصنام والصور:

"اللبيب منهم يقصد بصالته الخالق، ويقيم التماثيل من األصنام والصور مقام قبلة" أي كمحطة مقدسة يتوجه عبرها المؤمن إلى الخالق، "والجاهل منهم، ومن ال علم له،

يشرك األصنام بإلهية الخالق، ويعتقدها جميعا، وأن عبادتهم األصنام تقربهم إلى الله زلفى، وأن منزلتهم )أي لألصنام( في العبادة تنغص عن عبادة الباري لجاللته وعظمته وسلطانه، وأن عبادتهم لهذه األصنام طاعة له ووسيلة له، وهذا الدين كان بدء ظهوره

(183)في خواصهم من الهند لمجاورتهم إياه".

وعزا المسعودي انتشار مذهب الثنوية في الصين، "والقول بالنور والظلمة"، وقوعهم تحت تأثير المانية، )نسبة إلى ماني( وأحد دعاتها الذي "زخرف لهم كالما

يريهم فيه من تضاد ما في هذا العالم، وتباينه من موت وحياة، وصحة وسقم، وضياء وظالم،و غنى وفقر، واجتماع وافتراق، واتصال وانفصال، وشروق وغروب، ووجود وعدم، وليل ونهار، وغير ذلك من سائر المتضادات" ويستمر المسعودي في عرض

حجج الرجل الماني التي قدمها ألهل الصين ليفتنهم بمذهبهم، فذكر لهم: أنواع اآلالم المعترضة ألجناس الحيوان من الناطقين وغيرهم مما ليس بناطق من البهائم، وما يعرض لألطفال والبله والمجانين، وأن البارئ جل وعز غني عن إيالمهم، وأراهم أن

هناك ضدا شديدا، دخل على الخير الفاضل في فعله، فاجتذبت حجج الداعية هذه بعضبه في عقولهم( فدانوا للمانية (184)الصينيين، الذين فيهم، حسب تعبيره من )الش

وختم المسعودي عرضه هذا لمذاهبهم الدينية المختلفة، بما فيها تلك التي قارنها بديانة العصر الجاهلي، بالتأكيد على أن هذا االختالف في مجال الشرائع والديانات، لم

يؤثر على رصانة العقل الصيني، وذلك بقوله : "وملوك الصين ذوو أراء ونحل، إال أنهم، مع اختالف أديانهم غير خارجين عن قضية العقل والحق، وفي نصب القضاة والحكام،

(185)وانقياد الخواص والعوام".

-145-

الهوامش.53- القزويني. آثار البالد واخبار العباد. ص 1252- توماس أرنولد. الدعوة إلى اإلسالم ص 2167. ص 4- الطبري. ج3168 – 167- المصدر نفسه ص 455 ص 1 والمسعودي التيه واالشراف. ج436 – 435- البالذري. ص 587- بزرك. ص 6 - القاضي الرشيد بن الزبير. كتاب الذخائر والتحف. حققه د. محمد حميد الله سلسلة )الllتراث العllربي7

11 – 10. ص 1959( تصدرها دائرة المطبوعات والنشر في الكويت. الكويت 111- المصدر نفسه. ص 8302 ص 2- اليعقوبي. تاريخ اليعقوبي ج9

252- توماس أرنولد: الدعوة إلى اإلسالم. ص 106-5- المروزي. ص 11444 – 443. ص 12. ج3- ياقوت الحموي. معجم البلدان. مجلد 12 . تحقيق عبد السالم محمllد7- الجاحظ. أبو عثمان عمر بن بحرالجاحظ. الحيوان. الكتاب األول. ج13

13. ص 1945هارون، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأوالده. 135. ص 4 وابن األثير. الكامل في التاريخ. ج502-501. ص 6- الطبري. ج14136 وابن األثير. المصدر نفسه ص 502- الطيري. المصدر نفسه. ص 15136 و وابن األثير. المصدر نفسه ص 503-502- الطبري المصدر نفسه. ص 16143. ص 1 والمسعودي مروج الذهب. ج61-60- السيرافي ص 17143، والمسعودي المصدر نفسه. ص 61- السيرافي المصدر نفسه. ص 18.33- السيرافي ص 19 11-10 وابن الفقيه ص 51-50- المصدر نفسه ص 20154- ابن خرداذبة. ص 21112-110- بزرك – ص22156- المسعودي. مروج الذهب. جض ص 23 156- المصدر نفسه ص 24157- المصدر نفسه ص 256- المروزي ص 26204 – 203- اإلدريسي ص 27208 ص 1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج2811 – وابن الفقيه. ص 24- السيرافي ص 29426- المقدسي البشاري. ص 3054- اإلدريسي ص 31208 – 207. ص 1- اليعقوبي تاريخ اليعقوبي ج32153- ابن خرداذبه ص 33186- عن. س. أي. بوسوروث. آسيا الوسطى. تراث اإلسالم. قسم أول. مصدر سابق. ص 3469- ابن خرداذبة ص 3510- المروزي ص 3610- المصدر نفسه. ص 3710- المصدر نفسه. ص 3811- المصدر نفسه. ص 3924- السيرافي. ص 40140. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج41331 ص 14 والنويري. من نهاية االرب، ج54، السيرافي ص 138- المصدر نفسه. ص 42325 مصدر سابق. ص 2- آدم ميتز. الحضارة اإلسالمية في القرن الرابع هجري. ج43

-146-

26 وحوراني. ص 195- مكاوي. ص 44129-128- بزرك. ص 4575، ومكاوي ص 356 – ص 2- ميتز. الحضارة اإلسالمية ج46 1945 دار المعllارف. مصllر 144- ابراهيم أحمد العدوي. ابن بطوطة في العالم اإلسالمي. إقllرأ 47

18 – 17ص 490- ابن بطوطة. ص 48492 – 491-المصدر نفسه. ص 49495 – 494- المصدر نفسه ص 50438 – 437- المصدر نفسه ص 51440. ص 12. ج3- ياقوت الحموي. معجم البلدان. مجلد 5220. ص 1- اليعقوبي. تاريخ اليعقوبي ج53205- المصدر نفسه. ص 54265- الدمشقي. ص 55131. ص 1- المسعودي، مروج الذهب. ج56137- المصدر نفسه. ص 57131- المصدر نفسه. ص 5860- السيرافي ص 5960- المصدر نفسه ص 60220- الثعالبي. لطائف المعارف، مصدر سابق ص 6154- القزويني. آثار البالد. ص 62265- الدمشقي. ص 6354 والقزويني آثارالبالد ص 220- الثعالبي لطائف المعارف ص 64146. ص 1 والمسعودي مروج الذهب. ج60- السيرافي. ص 65488- ابن بطوطة. ص 6659 والقزويني آثار البالد.. ص 221- الثعالبي. لطائف المعارف. ص 67486- ابن بطوطة ص 68115-114- عن. محمد محمود زيتوني. الصين والعرب عبر التاريخ. مصدر سابق ص 69129- بزرك. ص 7059- السيرافي ص 71487- ابن بطوطة ص 72136. ص 3- أبن فضل الله العمري مسالك األبصار. ج7351-50 ص - السيرافي74136/ص 3- ابن فضل الله العمري. مسالك األبصار ج75137-136- المصدر نفسه ص 76 497- ابن بطوطة ص 77.157. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج7879والقزويني. آثار البالد. ص 156. ص 1 والمسعودي. مروج الذهب. ج76- السيرافي ص 79 130 والحمllيري. ص 16 والمllروزي. ص 79 والقزويllني آثllار البالد. ص 157- المصدر نفسllه ص 80

204واإلدريسي ص 40- السيرافي ص 8154- القزويني. آثارا لبالد. ص 8215 وابن افقيه ص 51 والسيرافي. ص 55- المصدر نفسه. ص 8344- السيرافي ص 84139. ص 1- المسعودي مروج الذهب ج8593- بزرك. ص 86205 ص 1- اليعقوبي. حتى تاريخ اليعقوبي ج87325-324. ص 14 والنويري من نهاية األرب. ج133ص 1- المسعودي مروج الذهب ج88

-147-

134- المسعودي. المصدر نفسه. ص 89327-326. ص 14 والنويري. من نهاية االرب ج135-134- المصدر نفسه ص 90328، والنويري المصدر نفسه ص 136- المسعودي. المصدر نفسه ص 91329- النويري المصدر نسه ص 92 - الغرناطي عبد الرحيم بن سليمان بن ربيع القيسي األندلسي. تحفة األلباب ونخبة اإلعجاب تحقيق93

46اسماعيل العربي. دار الجيل. بيروت. دار اآلفاق الجديدة. المغرب ص 42- السيرافي ص 9442- المصدر نفسه ص 95146. ص 1، والمسعودي. مروج الذهب. ج64- المصدر نفسه ص 9658- السيرافي المصدر نفسه ص 97140. ص 1- المسعودي مروج الذهب ج98 73-72 والسيرافي. ص 142-141- المصدر نفسه ص 99

141- المسعودي. المصدر نفسه ص 100489- ابن بطوطة ص 101490-489- المصدر نفسه ص 102489- المصدر نفسه ص 10311-10- المروزي ص 10442- السيرافي ص 10542- المصدر نفسه ص 10612-11- المروزي ص 10711- المصدر نفسه ص 10845- السيرافي ص 10942- المصدر نفسه ص 110487- ابن بطوطة ص 111135-134- ابن فضل الله العمري. مسالك األبصار. القرن الثالث ص 112327. ص 4، والنويري من نهاية األدب. ج58- السيرافي ص 11374- السيرافي ص 11474- المصدر نفسه ص 11575- المصدر نفسه ص 11644- المصدر نفسه ص 11748. والسيرافي ص 14- المروزي ص 11820. ص 4، وأيضا المقدسي. كتاب البدء والتاريخ. ج208. ص 1- اليعقوبي. تاريخ اليعقوبي ج119.13-12- المروزي. ص 12099- ابن خرداذبة. ص 121133. ص 3- ابن فضل الله العمري. مسالك األبصار. ج12251 و 50- السيرافي. ص 123146-145. ص 1- المسعودي مروج الذهب ج12414- المروزي. ص 125495 – 494- ابن بطوطة ص 126133 ص 3- ابن فضل الله العمري مسالك األبصار ج127498- ابن بطوطة ص 128499 – 498- المصدر نفسه ص 129132. ص 3- ابن فضل الله العمري مسالك األبصار. ج130299- بدر الدين الصيني ص 131444 ص 12- ياقوت الحموي معجم البلدان. مجلد ثالت. ج132413 والحميري. ص 203- اإلدريسي. ص 133398 والحميري ص 205-204- المصدر نفسه 134

-148-

358- الحميري. المصدر نفسه. ص 13558- السيرافي. ص 13658- المصدر نفسه ص 13715- المروزي. ص 138490- ابن بطوطة. ص 13945- السيرافي ص 14051- المصدر نفسه ص 14011- المروزي ص 14113- المصدر نفسه ص 14232-31- السيرافي ص 14464- ابن الوردي. خريدة العجائب وفريدة الغرائب مصدر سابق ص 14533 والسيرافي ص 14- ابن الفقيه ص 14619 مصدر سابق ص 4- ابن طاهر المقدسي كتاب البدء والتاريخ ج14732- السيرافي ص 148486- ابن بطوطة. ص 149487- المصدر نفسه ص 15048- السيرافي. ص 15177 والسيرافي. ص 137. ص 1- المسعودي. مروج الذهب ج152 ، حيث يقllول: "وال يllتزوج أحllد منهم77، والسllيرافي ص 137- المسعودي. المصدر نفسllه ص 153

قريبا وال ذي نسب، ويتجاوزون ذلك حتى ال تتزوج القبيلة في قبيلتها"14 وابن الفقيه. ص 13 والمروزي. ص 56- السيرافي. ص 15413- المروزي. ص 155506- ابن النديم الفهرست. ص 156489- ابن بطوطة ص 15713- المروزي ص 158327. ص 14- النويري من نهاية األرب ج15957- السيرافي ص 160

14 وابن الفقيه. ص 58- المصدر نفسه ص 161 506- ابن النديم. الفهرست. ص 16212- المروزي ص 16340- السيرافي. ص 16412- المروزي ص 16593- بدر الدين حي صيني. ص 16649- السيرافي ص 16777- المصدر نفسه ص 168142-141- بدر الدين حي الصيني. ص 169144-142- المصدر نفسه ص 17049- السيرافي ص 17150- المصدر نفسه ص 1724- المروزي ص 17320-19. ص 4- ابن طاهر المقدسي. كتاب البدء والتاريخ ج174505 – 504- ابن النديم. الفهرست. ص 175507- المصدر نفسه ص 176205. ص 1- اليعقوبي تاريخ اليعقوبي ج177327 – 326 14 والنويري ج135. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج178133- المصدر نفنسه ص 179135- المصدر نفسه ص 180

-149-

136- المصدر نفسه ص 181136- المصدر نفسه ص 182328. ص 14 والنويري من نهاية األرب ج136- المصدر نفسه ص 183137- المصدر نفسه ص 184138- المصدر نفسه ص 185

-150-

الفصل الخامس

الهند في المتخيل والمعرفة العربيين

تمهيد لم يخف العرب إعجابهم بالهند، حتى قبل اإلسالم وتوسع إمبراطوريتهم، ويكفي

للتدليل على ذلك، أنهم سموا الكثير من نسائهم، وهن عنوان المحبة الحميمية: )هندا(، وأولعوا بالسيوف الهندية، وهي عنوان القوة، وحصن الحماية، وسموا السيف

أما بعد اإلسالم، فازدادت عناصر التثاقف،(1)الصلب المصنوع من الحديد :)المهند(، والتبادل واالحتكاك، خرج العرب في حمالت خفيفة من البحرين وعمان إلى بعض

سواحل الهند على مقربة من ميناء كراجي )كراتشي( الحالية وبمباي، أيام عمر بن الخطاب، ولكن الخليفة الراشدي الثاني نهى عامله بالبحرين، عثمان بن أبي العاص

الثقفي عن المضي بهذا األمر، إذ كان يخاف على جند المسلمين من البحر، فكتب إليه محذرا ومهددا: "يا أخا ثقيف. حملت دودا على عود. وأني أحلف بالله لو أصيبوا ألخذت

غير أن عامله الثقفي تغاضى قليال عن أوامر سيده، لما غنمه من(2)من قومك مثلهم". بحر الهند من ثروات، ولرغبته في اإلطالع على أحوال تلك البالد الساحلية البعيدة،

فبعث بأخيه المغيرة إلى الديبل )وهي كراتشي الحالية( عند مصب نهر السند، في حين قصد هو بروج،،أو بروص كما سماها البالذري.فلما ولي عثمان الخالفة، كتب إلى واليه في العراق عبد الله بن عامر بن كريز، يأمره بأن يوجه إلى ثغر الهند، "من يعلم علمه وينصرف إليه بخبره" فوجه األخير إلى هناك )حكيم بن جبلة العبدي(، فلما رجع

أرسله إلى عثمان، فسأله األخير عن حال الهند، فرد حكيم عليه قائال "ماؤها وشل )قليل( وثمرها دقل )رديء(، ولصها بطل إن قل الجيش فيها ضاعوا، وإن كثروا

لعل العرب(3)جاعوا" فقال له عثمان: "أخابر أم ساجع قال: بل خابر، فلم يغزها أحد". في زمن عثمان، راودتهم فكرة التقدم نحو الهند، واإلستيالء على التخوم أو الثغور

المحاذية لها، والفاصلة بينهم وبينها، لهذا فإن تقرير حكيم، يتعلق،ربما، بثغور أفغانستان والسند، وليس بالهند نفسها، فقد جاء وصف حكيم مغايرا للصورة التي

رسمها العرب عن الهند تماما. جرى االحتكاك البري على جبهة الهند أول ماجرى، في زمن الخليفة الراشدي

هl، فأذن للحارث بن مرة العبدي بالتوجه إلى39الرابع، فقد ولي على الخالفة سنة ذلك )الثغر(، فدخل أرض القيقان، من بالد السند، مما يلي خراسان، إال أنه قتل ومن

وغزا المهلب بن أبي صفرة، في أيام معاوية(4)م، 651هl 42معه في تلك األرض سنة م، بنة واألهوار، وهما بين الملتان وكابل، وأيضا بالد القيقان، وفتح653هl 44سنة

في(5))سنان بن سلمه الهذلي(، أيام معاوية أيضا، مكران "وأقام فيها وضبط البالد". وقت كان فيه العرب ينظرون إلى افغانستان والسند، وأيضا الجزر الهندية كامتداد

للهند، وكجزء حضاري منها.

-151-

م( أمر بالد715 – 705هl / 96-86تولى الحجاج، في عهد الوليد بن عبد الملك ) هl -89الشرق، فنظم الحجاج بن يوسف حملة ناجحة قادها محمد بن القاسم، في عام

م، فضم إقليم السند، مع جزء من البنجاب السفلي إلى الخالفة األموية، وقد تذرع807 الحجاج حينها، بوجود خارجين عن طاعة الخالفة من المسلمين، عند ملك السند )داهر بن صعه(، ثم واتته الفرصة، عندما تعرض قراصنة من )ميد( الديبل لسفن كانت قادمة

من جزر الياقوت )سيالن(، وفيها بنات وأرامل لتجار من المسلمين، كانوا يقيمون هناك، ومعهم هدية من ملك تلك الجزر للخليفة الوليد، فطلب الحجاج من )داهر ملك السند( تخليص نساء المسلمين، فاعتذر للحجاج بذريعة أنه ال يقدر على قرصان البحر، وعندها

، فكانت(6)أرسل الحجاج عبد الله النبهان في قوة، فانتهى أمرها إلى الهزيمة والقتل هذه الهزيمة بمثابة إهانة لدار الخالفة، لم يحتملها الحجاج، فأذن له الوليد بن عبد الملك

بفتح السند، في وقت كانت فيه جيوش المسلمين تتوغل في شمال األندلس.

-152-

وجه الحجاج آنئذ، حملة بقيادة ابن أخيه محمد بن القاسم الثقفي إلى السند في م، فسار محمد إلى مكران، فأقام بها أياما، ثم أن أتى قنزيور،807هl - 89عالم

وأرمائيل ففتحهما، وحاصر الديبل لفترة، ثم فتحها على إثر ضربه تمثال بوذا بالمنجنيقات، فأصابت الدقل )السارية( المرفوع على الصنم )البد(، فتطير لهذا األمر

أهل الديبل واستسلموا، أو كما قال ابن األثير "كان بالديبل بد عظيم عليه دقل عظيمة،و على الدقل راية حمراء، وكل ما يعبد هو عندهم بد... فحصرها، وطال وروى(7)حصارها، مزق الدقل بحجر العروس )المنجنيق( فكسره، فتطير الكفار بذلك".

اليعقوبي أن محمد بن القاسم، لما فتح الديبل، وكانت أعظم مدائن السند، خضع له، أهل البالد، فسار من الديبل إلى النيرون، وهي على الضفة الغربية للسند، فصالحه

فمضى محمد بن(8)أهلها، "وكتب إلى الحجاج يستأذنه بالتقدم، فكتب إليه: أن سر" القاسم في فتحه، فعبر نهر السند، نحو شط مهران، فالتقى مع جيش داهر، فقتل داهر

وهزم جيشه، ومضى محمد في بالد السند ففتحه بلدا بلدا ومدينة مدينة، حتى أتى )راوا( لعلها مدينة الهور، ثم سار إلى برهمناباذ، وهي على فرسخين من المنصورة،

التي بناها فيما بعد الفاتحون العرب، ثم وصل الرور، وهي مدينة آلولي حاليا،و هي من "أعظم مدائن السند"، ففتحها صلحا، بعد أن حاصرها شهورا، وتابع إلى مدينة الملتان، "أعظم مدن السند االعلى وأقواها حصنا". فكانت آخر حصون السند الكبرى. فأصاب الفاتحون منها ذهبا كثيرا، فسميت الملتان: )فرج الذهب(، إذ كانت تجمع إليها األموال من أرجاء البالد،في بيت طوله عشر أذرع وعرضه ثمانية، وكان القائمون على خدمة

وانضم(9)فرج ملتان يحلقون رؤوسهم، ولحاهم، ويزعمون "أن صنمه هو أيوب النبي". إلى جيش محمد بن القاسم عند الديبل جموع كثيرة من رجال الميد والجات )الزط(، الذين كانوا يعانون من سوء معاملة الحكومة البراهمية، إذ كانوا في عداد )المنبوذين( الذين يحرم عليهم امتطاء الدواب وارتداء الغالي من الثياب، وأشار البالذري إلى ذلك

غير أن وفاة الوليد بن عبد( 10)بقوله: "وانصرف محمد ومعه من الزط أربعة آالف،" الملك وانتقال الخالفة إلى أخيه سليمان أوقف خطط محمد القاسم، وفتر اهتمام

الخالفة في إخضاع شبه القارة الهندية، واكتفى العباسيون فيما بعد بترتيب الوضع في المناطق التي سيطر عليها العرب من قبل، وفي عهد داود بن يزيد والي العباسيين على بالد الهند، الذي دام حكمه عشرين عاما، أوفد لعالج الرشيد بعض أطباء الهند، فكان لشفاء الخليفة العباسي على أيديهم من أسباب مضاعفة العناية بعلوم الهند

وبقيت بالد السند اإلقليم الوحيد الذي حكمه العرب،واحتكوا به مباشرة،(11)وطبها. ورغم أنه كان إقليما بعيدا عن الخالفة، فقد غدا الطريق الرئيسي الذي انتقلت من خالله العلوم الهندية إلى بغداد، وقد زار السند،التي كان يحكمها العرب، جغرافيون (12)مسلمون كالمسعودي وابن حوقل واالصطخري وتركوا أوصافا طريفة لهذا اإلقليم

وللهند عموما.

-153-

وهناك وجد العرب والمسلمون أنفسهم وجها لوجه أمام دين من أقدم االديان، وحضارة من أقدم الحضارات في العالم هي الهندوسية، وهناك أقام اإلسالم لنفسه،

بالتدريج، إمبراطورية عظيمة في شبه القارة الهندية، ولم تمض بضع عشرات من السنين على فتح السند حتى طفقت أفواج من أهله تشارك في بناء الثقافة العربية اإلسالمية، وتبرز في ميادينها، فكان منها علماء في الحديث واللغة واالدب، مثل أبي

معشر نجيح السندي، المحدث وصاحب المغازي، وابن اإلعرابي اللغوي، وابن سكيت، وبقي العرب ثالثة قرون منزوين في هذه(13)وأبي عطاء السندي المخضرم الشاعر.

الناحية من الهند، تمكنوا خاللها من بسط نفوذهم على بالد السند وملتان، وعلى المدن الساحلية من السند وكجرات، واستقروا في هذه الجهات استقرارا قويا، ومن

المحتمل أن بعضهم توغل في مالوا وقنوج وشول، وأصبحت بعض المدن الساحلية مثل كمباني، وسومنات، وشول مراكزا لجاليات عربية - إسالمية صغيرة، رحب بها،

وبتجارتها، الملوك الهندوس، وسمحوا لها بممارسة شعائرها الدينية. ما لبث األتراك المسلمون )الغزنويون، ومن بعدهم الغوريون( أن احتلوا دور العرب في بالد السند، وتوسعوا في الداخل الهندي، وأمسكوا زمام المبادرة، وإن ظلوا يعلنون

التبعية، و الوالء لمركز الخالفة في بغداد، ويعتبر ملوك غزنة )الغزنويون( أهم أولئك م( مؤسس الدولة الغزنوية،997 - 966هl / 378 - 347وأقدمهم، إذ أنزل سبكتسكين )

،knnuwj ودهلي، وكلنجر، وقتوج Adjmarبعصبة أمراء الراجبوتين، التي كانت تضم أجمير هزيمة ساحقة أرغمتهم على دفع الجزية، ومهدت السبيل لتوسع ابنه محمود الغزنوي

في الهند، وتوطيد سلطان المسلمين، إذ غزا محمود الهندستان سبع عشر مرة، في م(، حتى خضع له1026هl - 417م و 1000هl - 391خالل سبعة وعشرين عاما ما بين )

شمال شبه القارة الهندية من بنارس إلى غزنة ومن الهماليا إلى الدكن، ودان له إقليم ، وكان استيالئه علىGudjaratالبنجاب، والملتان والمنصورة، وقنوج، والكجرات

)سومنات( وهو المكان المقدس للهندوس، أجل انتصاراته، ولعب دورا حاسما في تثبيت مواقع المسلمين في شمال الهند بأكمله، وأقام الحكم اإلسالمي هناك على أساس ثابت

ووطيد، وتحول الغزاة في هذه الحقبة إلى االستقرار، واإلقامة في بالد الهند، وحرص محمود على إظهار والئه لخليفة بغداد، فكان يكتب إليه إثر كل نصر يحرزه في الهند،

واصطحب في غزواته الهندية )البيروني( مما أتاح لألخير(14)طالبا منه التشجيع والدعاء تأليف كتابه الخالد عن الهند، ويمكننا أن نعتبر حمالت الغزنويين كما قال ستانلي لينبول،

واتخاذهم الهور مقرا لهم، بداية حكم المسلمين الحقيقي لهذه البالد، ومهدت لحكم الذين في بداية عهدهم أصبحت الهور قاعدة أمامية للثقافة اإلسالمية في(15)الغوريين

(16)الهند، وأخذ مسلمو البنجاب الغزنويون يتكلمون لغات مشابهة للبنجابية الحديثة"

-154-

م، إلى أن حل الغوريون مكانهم، الذين1186دام سلطان الغزنويون حتى سنة وضعوا يدهم، من عاصمتهم دهلي )دلهي(، على الجزء األكبر من الهند، ومارسوا منهجا

تسامحيا في عالقتهم مع الهندوس، وقد زعزع أركان دولتهم غزو تيمر لنك لبالد الهند في م( والذي كان من نتائجه إحداث الخراب والدمار في أرجاء1398هl / 806عام )

اإلمبراطورية الغورية، واجتياح الفوضى واالضطراب والتمزق كافة األقاليم التي دخلها الغزاة، ما لبث أن أعلنت واليتها الكبرى انفصالها عن دلهي: مالوه، جونيور، والدكن،

والبنغال وسلطنة كجرات البحرية المسلمة، التي قاتلت،فيم بعد، البرتغاليين حين وأصبحت مدينة دلهي في زمن الغوريين(17)قدومهم،بالتحالف مع المماليك ثم العثمانيين، وقد زار ابن بطوطة الهند، في(18)م1250ملجأ لرجال العلم والفن، وال سيما بعد عام

زمن )أسرة تغلق(، وهي أحد األسر الغورية التي تعاقبت على حكم الهند، قبيل الغزو التيموري، وكان حاكم دلهي حينها السلطان محمد بن تغلق، الذي حصل من الخليفة

م وقلد ابن بطوطة1343العباسي في القاهرة، على شرف )الوالية( والمباركة، في عام مناصب عليا في الدولة، فترك لنا األخير وصفا هاما عن الهند في ذاك الزمان.

م مثلت أعلى1526وتأسست إمبراطورية مغولية مسلمة على يد )بابر( في عام ما وصلت إليه الهند اإلسالمية من روعة وازدهار ثقافي وسياسي، وال سيما على يد

م(، وتوسع أكبر، من عاصمته دلهي، وضم شمال1605 - 1556)بابر(، وحفيده )أكبر الهند، واستخدم الراجبوت والهندوس، ومارس سياسة التسامح الديني، وبسط سلطانه

على كشمير، والبنغال، وعلى الجنوب صوب هضبة الدكن، وغربا على حساب )راجبوتانا(، م، أن يعطي إمبراطوريته1572وكاد استيالؤه القصير على كوجيرات )كجرات( في عام

نافذة على البحر، ويجعلها على احتكاك بالبرتغاليين في صورات، ولكن طموحات أكبر كانت قارية وحسب، فلم يفكر بمواجهة البرتغاليين الذين اخترقت أساطيلهم المحيط

الهندي، وإذا بقيت صورات هامة بالنسبة له ولخلفائه، فألنها الميناء الرئيسي لسفر فعلى الرغم من أن )أكبر( أعاد إنشاء اإلمبراطورية الهندية السابقة،(19)المسلمين للحج

من الهماليا إلى الدكن الشمالية، ومن أفغانستان إلى البنغال، غير أنه مارس سياسة سلبية تجاه ما يجري من تبدل في مواقع القوى البحرية، مما سهل على البرتغاليين

النجاح في طموحاتهم.

-155-

الشرق شعوب صورة14م– األقصى

وبرزت منذ القرن الخامس عشر دولة )فيجاياناجار( الهندوسية، التي ناصبت المسلمين واإلمبراطورية المغولية العداء، وقامت أثناء وصول البرتغاليين إلى المحيط

الهندي عدة دول إسالمية قوية في شمال الهند ووسطها، إلى جانب حكومة دلهي المغولية، فكان في كجيرات دولة إسالمية قوية، وفي مالوا، فضال عن أربعة ممالك

إسالمية في الدكن، عدا عن الممالك اإلسالمية في شرق الهند، وجاور الممالك وكانت(20)اإلسالمية في الدكن بعض الممالك الهندوسية، ومن أهمها )فيجاياناجار(.

الشقة الساحلية الواقعة في النهايات القصوى لشبه جزيرة الهند، والتي يفصلها جبال الغات الغربية عن دولة الفيجاياناجار، هي المنطقة الوحيدة التي قامت عليها بعض

األمارات الصغيرة المستقلة، والتي عرفت باسم مليبار أوكيراال، والمشهورة بالفلفل، وكان من أهم حكامها )الزامورين( الهندوسي صاحب كاليكوت، الذي كان صديقا

للمسلمين، وتعاون معهم لصد البرتغاليين، وكانت عاصمته كاليكوت المركز الرئيسي(21)لتجارة األفاوية، وهو الذي وصل إلى عاصمته فاسكو دي غاما.

كان العرب، أثناء ذلك، قد تراجع موقعهم السياسي في شبه القارة الهندية، بعد أن استلم المبادرة عنهم العنصر التركي، والمغولي، إال أن أثرهم لم يختف، فبقيت

جالياتهم ومستوطناتهم في السواحل الهندية، كما لم يختف دورهم التجاري في المحيط الهندي، وال تأثيرهم الديني والثقافي، على الهند، ولم ينقطع تسفار رحالتهم

وجغرافييهم إلى تلك البالد. فقد كون العرب على سواحل الهند، وال سيما الغربية، والجزر المحطية بها، مستعمرات تجارية حقيقية، رعت التجارة الدولية، كان لها دورها في نشرا إلسالم سلميا في تلك المناطق، وقد أشار أرنولد إلى هذه الحقيقة بقوله:" إنه قبل أن تظهر قوات البرتغاليين في التجارة الهندية، كان تجار العرب سادة التجار

في هذه الجزيرة بال منازع... كما كانوا يوجدون في كل ميناء ومدينة، بينما جذبت سهولة التجارة جماعات كبيرة جديدة جاءت من مستعمراتها في مليبار، وهنا صنع

تجار العرب ماكانوا يصنعونه في أي مكان، فتصاهروا بأهالي البالد، ونشروا دينهم على(22)طول الساحل".

-156-

ولعل المناطق الهندية التي دخلها العرب حربا أو سلما، في شرق الهند )السند( وعلى السواحل الجنوبية، هي المناطق التي تحول أهلها إلى اإلسالم بطريقة سلمية،

بينما ظل اإلسالم هامشيا، وشكل أقلية صغيرة، في المناطق الشمالية، والشرقية )هضبة الدكن( التي امتدت إليها خالل القرون سيطرة اإلمبراطورية اإلسالمية: التركية

والمغولية، واتبع حكامها في بعض االوقات القوة لنشر الدين اإلسالمي،لذا يمكن القول :إن العدد الهائل من مسلمي الهند "لم يكن للقوة والعنف نصيب في تحويلهم أو تحويل ذويهم إلى اإلسالم، بل كان للتعليم واإلقناع وحدهما اللذين لجأ إليها الدعاة

(23)المسلمون، وكان تأثيره فعال في هذا السبيل". فلعبت الجاليات اإلسالمية أدوارا مختلفة في نشر اإلسالم، فهناك جاليات أتت من الغرب والشمال: عرب وأتراك،

"الذين نجدهم في إقليمي السند والبنجاب بشكل خاص"، وتشكلت األخرى من بقايا الطبقة األرستقراطية أو جيوش الدول اإلسالمية، الذين أقاموا بكثرة في أعالي الهند،

وبدرجة أقل كثيرا في هضبة الدكن، وأغلبهم هنا من األتراك والمغول، أما الثالثة، فهم " الذين استوطنوا الساحل الغربي، وال يبعد أن يكونوا من أصل عربي، وقد جاء الذين

(24)أسسوا هذه المستعمرات إلى بالد الهند عن طريق البحر".

-157-

فعلى الرغم من سيطرة اإلمبراطورية الغورية، والمغولية على األقسام الشمالية، وعلى هضبة الدكن، وتحويلهم دهلي )دلهي( إلى عاصمة إلمبراطوريتهما، فإن سيطرتهم

السياسية لم تحول إلى اإلسالم إال نسبة قليلة من الهنود، على عكس التفاعالت التي أحدثتها الجاليات العربية في السواحل الجنوبية للهند، أو في بالد السند.أشار أرنولد

إلى الحقيقة،بقوله: "يمكن أن نحكم على مبلغ ضآلة تأثير انتشار اإلسالم باإلكراه من جانب الحكام المسلمين، من هذه الحقيقة، وهي أنه حتى في المراكز التي ساد فيها

النفوذ )السياسي( اإلسالمي، في مثل دهلي وأجر، ال يكاد يعدو عدد المسلمين في العصور الحديثة على العشرة بالمائة من سكان اإلقليم األول، في حين أن عدد

المسلمين في اإلقليم الثاني ال يكاد يبلغ ربع السكان" وبالمقابل " إننا نجد، بال ريب أن اإلسالم قد أحرز أعظم انتصاراته، وأطولها بقاء في نشر الدعوة في األزمان واألماكن، التي كانت فيها قوته السياسية أشد ضعفا، كما كانت الحال في جنوب الهند وفي شرق البنغال... ويرجع دخول اإلسالم في جنوب الهند، ألول مرة، إلى القرن الثامن الميالدي،

حين قدمت جماعة من الالجئين من العراق... واستقرت في هذه البالد، وكان العرب والفرس يزاولون تجارة التوابل والعاج واألحجار الكريمة وغيرها، بين الهند وأوروبا، وقد أدى ذلك إلى تزايد النفوذ اإلسالمي على الساحل الغربي من بالد الهند الجنوبية، ويبدو

وبلغ(25)أن عالقات ودية وطيدة نشأت بين هؤالء التجار المسلمين والحكام الهنود". تأثير العرب مبلغا، جعل بعض الحكام ينتقلون إلى اإلسالم، وهو ما أشار إليه المؤرخون

( أن محمد )ص(، قد بعثBalakrishnaالمسلمون، إذ أكد المؤرخ الهندي )باالكر شنابالي غي عام ستمائة وثمانية وعشرين للميالد،، وأن المؤرخMalabarبرسالة إلى ملك مليبار

م( صرحا بأن اإلسالم بدأ1272م(، والمؤرخ العربي فخر الدين )1476ابن عرب شاه ) وتحدثت بعض الروايات، ان أسبق(26)ينتشر في سواحل الهند الغربية في زمن النبي،

الدعاة إلى اإلسالم، هم جماعة من الزائرين العرب إلى سيالن بقيادة الشيخ شرف بن في بالدKadanglourمالك، وابن أخيه مالك بن حبيب دينار، فلما وصلوا إلى كدنغلور

مليبار دعاهم الملك أو الراجا لزيارته، فوجدوا، في ذلك، فرصة سانحة، إذ شرحوا له مبادئ اإلسالم، فانشرح لها قلبه، لذا فعند عودتهم من سيالن، بعد زيارتهم آلثار قدم آدم، رحل الملك معهم إلى بالد العرب خفية، في سفينة، تاركا مملكته، فزار النبي،

وعند عودته مات في الطريق، فأوصى، مالك بن دينار ورفاقه، وهو على فراش الموت، ليساهموا في نشر الدعوة اإلسالمية، على أن يخفوا حقيقةأن يواصلوا السير إلى بالده،

موته، وقد حملهم رسالة إلى نوابه يأمرهم فيها بمساعدتهم في مهمتهم، وحين وصول ابن دينار ورفاقه إلى بالد الملك، استقبلوا بحفاوة، وسهل نواب الملك له أمر نشر

وكان العرب المسلمون(27)الدعوة وبناء المساجد في أرجاء مليبار، ثم رجع إلى وطنه.Cambay وكيمبي Guyjratta وكجيرات Semourقد استوطنوا السواحل الغربية، من سيمور

واستقروا فيها، قبل حملة محمود الغزنوي، ونجد أن راجا )ملك( مقاطعات سومنات، كانت قواته تضم عددا ضخما من الضباط المسلمين، ولقد أفاض المسعودي والرحالة

في(28)العرب اآلخرون في وصف هذه المستوطنات بشيء من التفصيل واإلسهاب.القرن العاشر الميالدي.

-158-

هجرية، وهي على304وقد زار المسعودي بالد سيمور )صيمور(،في سنة الشواطئ الغربية للهند، الممتدة بين الكجيرات وجون كنباية، وكانوا يسمون المولود

من العرب المسلمين في الهند )البياسرة(، "وبها يومئذ من المسلمين نحو عشرة آالف قاطنين )بياسرة(، وسيرافيين وعمانيين، وبصريين، وبغداديين، وغيرهم من سائر

األمصار ممن تأهل )تزوج( وقطن في تلك البالد، وفيهم خلق من وجوه التجار، كما أشاد(29)ويتوالهم رجل عظيم من رؤسائهم تكون أحكامهم مصروفة إليه".

المسعودي بالحفاوة وبالرعاية التي تلقاها الجاليات العربية اإلسالمية من الملك )بلهرا(، وهو اسم أطلقه العرب على ملك البالد الواقعة شمال ساحل مليبار ما بين

كجرات وخليج كنبابه )أوكمبي(، فذكر أنه "ليس في ملوك السند والهند من يعز المسلمين، في ملكه، إال البلهرا، فاإلسالم في ملكه عزيز مصون، ولهم مساجد مبنية وجوامع معمورة بالصلوات للمسلمين... وأهل مملكته يزعمون أنه إنما طالت أعمار

وتحدث الدمشقي، في المعنى نفسه،(30)ملوكهم لسنة العدل، وإكرام الملسمين". عن السواحل الغربية للهند، واحتضانها للجاليات العربية اإلسالمية، واختالط الهنود بالمسلمين فيها، قائال: "فأول بالد الساحل الهندي بعد مدينة بروص بالد والكنونات، يحدق فيها الجبال، وهي على شرق الكنك )الغنج(... ومدينة برقلي على مصب نهر الكنك... ومدينة دون ساحلية، وأكانتي ساحلية، وسوباره )البعض أسماها صوبور(،

وساهي ساحلية، وتانة ساحلية، وتانش ساحلية بها مسجد جامع للمسلمين، ثم فرضه كبيرة للتجارة واألموال... ويلي هذه البالد،من غربها بالساحل، بالد بلوان، وفيها من

المدن ديوه ساحلية، ومدينة قرثالة وسكبيس، ومدينة سندابور وهي القصبة )المركز(، وبها بد )صنم( للهنود وجامع للمسلمين.. ثم يلي ذلك مدينة منبار، )مليبار( وتسمى

بالد الفلفل، وفيها من المدن األمهات، فاكنور ساحلية كبيرة أهلها هنود وعجم وعرب(31)مسلمون".

-159-

أما في شرق الهند )أي السند(، فبعد حملة محمد بن القاسم، استوطن الكثير من العرب الفاتحين هناك، وبنوا مدنا حديثة، كمراكز لإلدارة والجند، وأيضا كمراكز

للتأثير الديني الثقافي، وكان من أهم هذه المدن )المنصورة(، وعندما زارها المسعودي في القرن العاشر الميالدي، كان للعرب وجود كثيف فيها، وكان، "الملك

عليها أبو المنذر عمر بن عبد الله، ورأيت بها وزيره رباحا، وابنيه محمدا وعليا، ورأيت بها رجال سيدا من العرب، وملكا من ملوكهم، وهو المعروف بحمزة، وبها خلق من ولد

علي بن أبي طالب، ثم من ولد عمر بن علي، وولد محمد بن علي". ويستأنف المسعودي الشرح "وأن ملوك المنصورة في وقتنا هذا من ولد هبار بن األسود،

وأرجع المسعودي تسميتها(32)ويعرفون ببني عمر بن عبد العزيز القرشي". بالمنصورة، انتسابا إلى منصور بن جمهور، عامل بني أمية، بينما ذهب البعض إلى أنها

وذهب(33)سميت بهذا اإلسم، نسبة إلى منصور بن جمهور الكلبي، النه هو من بناها. القلقشندي استنادا على المهلي إلى أنها "سميت المنصورة ألن عمر بن حفص بناها

وذكر ياقوت أنها عاصمة إلقليم السند، "وأهلها(34)في أيام جعفر المنصور". وردد ياقوت بذلك قول ابن(35)مسلمون... والخطبة فيها للخليفة من بني العباس".

حوقل. وفضال عن هذا التداخل السكاني، فاالتصاالت التجارية لم تنقطع، ولم ينقطع معها

تطواف الرحالة العرب في أرجاء الهند، وكان أبرزهؤالء الرحالة، في القرن الرابع عشر، ابن بطوطة الشهير، الذي وفر مادة بحثية مهمة عن أحوال الهند، وعن سلوك

شعبها الحضاري والثقافي، وقدم المؤلفون العرب "صورة عن الهند" عكسوا فيها موقفهم من اآلخر الهندي، ومتخيلهم له، وحدود معرفتهم لهذا العالم الفسيح الغني

باأللوان والتنوع، فلم يتشكل هذا المتخيل الثقافي إال عبر االحتكاك المباشر، في سياق العالقت الواسعة بين حضارتين،ومضمارين خضعا للتجاذب والتنابذ، والتعاطف

والمدافعة، في سياق عملية تثاقف واسعة النطاق.

-160-

وتعامل المصنف العربي مع الهند،في كل ذلك، كبلد متمدن، يتميز بالتفوق في العديد من مجاالت العمران، والحضارة، ويزخر بالتنوع القومي واللغوي، ويخضع إلى

العديد من الملوك بقدر تعدد أقاليمه الشاسعة، فهو أوسع نطاقا، ومجاال جغرافيا قياسا إلى مساحة الصين، بقدر غناه بالعجائب، والغرائب، وأخضع المؤلفون العرب الهند

للمقارنات الحضارية، مرة مع الصين، وهو ما نجده بشكل خاص مع سليمان التاجر، وصاحبه السيرافي، ومرة أخرى مع الحضارة اليونانية، عندما يجري الحديث عن الثقافة العالمة، وهو مانجده عند البيروني، وأخضعها صاعد األندلسي، وغيره من المؤلفين إلى

المقارنات الشاملة مع األمم الحضارية الكبرى، لينتهوا من ذلك إلى إبراز ماتتميز به من تفوق في بعض مجاالت العمران، وهو ماتعرض له الجاحظ، والتوحيدي، وغيرهم من المصنفين، كما أخضعوا حكوماتها،وأساليب الحكم فيا للتفحص، فكونوا عن هذه األساليب نظرة إيجابية، حيث اعتبروها مثاال للحكمة والعدل، واقتربوا من الهنود في حياتهم اليومية، داخل أطرهم الثقافية، فقدموا لنا صورة اثنوغرافية للهنود، فعرفونا على سلوكياتهم االجتماعية، وما يغلفها من عادات، واعتقادات أخالقية، ودينية، ومن

تقاليد الزواج، وطقوس الدفن، والتطهر الروحي والبدني، وسجلوا مواقفهم تلك،استنادا إلى مرجعياتهم الثقافية، التي ال تخلوا من احترام للتنوع الثقافي.

هيئة الهند وتقسيماتها اإلدارية بدت الهند لمؤلفينا قطرا شاسعا حتى قياسا إلى الصين، فعند تقسيمهم الجزء

المعمور من األرض إلى أقاليم سبع كبرى، فإنهم خصوا الهند بإقليم خاص، كحال الصين، وهو ما عبر عنه ابن الفقيه "وقالوا أيضا إن األقاليم سبعة، إقليم في أيدي العرب، وإقليم في أيدي الروم، وإقليم في أيدي الحبشة، وإقليم في أيدي الهند،

(36)وإقليم في أيدي الترك، وإقليم في أيدي الصين، وإقليم في أيدي يأجوج ومأجوج".

وأجمع المؤلفون العرب على تخيل أن بالد الهند أكثر اتساعا من بالد الصين، وأكثرهم ملوكا، وربطوا أقليما وجغرافيا وسياسيا بين الهند والسند، بقدر ما ميزوا بينهما، ووسعوا الهند في أغلب األحيان لتمتد إلى الجزر المقابلة للساحل الهندي، وجزر

المحيط الهندي، بما فيها األرخبيل االندونيسي، ولعل ذلك، مرده إلى ما الحظوه من انتشار واسع للجاليات الهندية في هذه الجزر، وإلى امتداد تأثير الثقافة الهندية،

وديانتها إلى تلك البالد.

-161-

فإذا كانت الهند، عند السيرافي "أوسع من بالد الصين، وهي أضعافها، وعدد ملوكها فهي عند ابن فضل الله العمري، والقلقشندي والمسعودي، "مملكة عظيمة(37)أكثر".

الشأن، ال تقاس في األرض بمملكة سواها التساع أقطارها وكثرة أموالها وعساكرها، وأبهة سلطانها في ركوبه ونزوله، ودست )عاصمة( ملكه وفي صيتها وسمعتها كفاية.. وحسبك ببالد في بحرها الدر، وفي برها الذهب، وفي جبالها الياقوت والماس، وفي شعابها العود والكافور، ومن وحوشها الفيل والكركدن، ومن حديدها سيوف الهند، وبها معادن الحديد

والزئبق والرصاص، ومن بعض منابتها الزعفران وفي بعض أوديتها البلور، خيراتها موفورة، وأسعارها رخيصة، وعساكرها ال تعد، وممالكها ال تحد، ألهلها الحكمة ووفرة العقل، أملك

وذهب المسعودي في وصفه(38)األمم لشهواتهم، وأبذلهم للنفوس فيما يظن به الزلفى". التساع تخومها،إلى القول: " وأرض الهند أرض واسعة في البر والبحر والجبال، وملكهم

متصل بملك الزابج، وهي دار مملكة المهراج ملك الجزائر... والهند متصلة مما يلي الجبال بأرض خراسان والسند إلى أرض التبت، وبين هذه المماليك تباين وحروب، ولغاتهم

(39)مختلفة".

والهند على سعتها تمتلئ أرضها بالخيرات من شتى األنواع، فقد أخبرنا ابن فضل الله العمري، عن مبارك بن محود األنبائي "إن هذه المملكة متسعة غاية اإلتساع،

يكون طولها ثالث سنين، وعرضها ما بين سومنات )موضع بالكجرات(، وسنرديب إلى غزنة، وطولها من العرصة المقابلة لعدن إلى االسكندر )أي سد الصين(.. متصلة

المدن ذوات المنابر واألسرة واالعمال والقرى والضياع والرساتيق )القرى( واألسواق، وان في الهند" انهارا ممتدة، تقارب ألف نهر(40)ال يقطع بينها وال يفصل بينها خراب".

كبارا وصغارا، منها ما يضاهي النيل عظما، ومنها ما هو دونه، وعلى ضفاف األنهار، القرى والمدن، وبها األشجار الكثيفة، والمروج الفسيحة، وهي بالد معتدلة، كل أوقاتها

(41)ربيع، وتتوالى بهااألمطار".

-162-

إذا وضعنا جانبا جزر المحيط الهندي، وقمار )كمبوديه( التي وضعها المؤلفون العرب في الدائرة الهندية، فقد نظر هؤالء المؤلفون إلى )الهند( على أنها مقسمة إلى

العديد من األقاليم، وعلى كل إقليم ملك، وأبرز ملوكها )بلهرا(، باإلضافة إلى تعدد لغاتها ودياناتها، وتحتوي هذه المملكة، على إقليمين رئيسيين، أو كما يقول

القلقشندي "إلى إقليمين عظيمين"، يتفرغ عنهما أقاليم أخرى. وهذان اإلقليمان، هما "إقليم السند وما انخرط في سلكه من مكران، وطوران، والبدهة، وبالد القفس

والبلوص، وإقليم الهند، الذي يحيط من جهة الغرب بحر فارس، وتمامه حدود السند،ومن جهة الجنوب بحر الهند، ومن جهة الشرق المفازة المفاصلة بين الهند

وفسر ياقوت عمق هذه العالقة بين(42)والسند،.. وأن حده من جهة الشمال بالد الترك اإلقليمين بقوله: "إن السند والهند كانا أخوين من ولد بوقير بن يقطن بن حام بن

وتصوروا أن كل إقليم يتفرع إلى العديد من الواليات، أو كما سماها مؤلفونا:(43)نوح". "قاعدة"، أو "قسم" ورمزوا لكل قاعدة أو قسم بمدينة عاصمة، أو ب"قصبة"، وعلى هذا فقد تفرع عن "إقليم السند"، العديد من المدن الكبرى تمثل التقسيمات اإلدارية

لهذا اإلقليم، والحال نفسه ينطبق على "إقليم الهند".وأشار العمري، في القرن الرابع عشر، في زمن الحكم المغولي للهند، ان أمهات األقاليم في الممكلة الهندية -

(44)المغولية، هي ثالثة وعشرون إقليما، وقد رمز لكل إقليم بمدينة رئيسية

مدن وأقاليم اعتاد مؤلفونا أثناء تعرضهم ألحوال الهند أو الصين أو الحضارات األخرى، أن

يخصصوا محورا رئيسيا في أبحاثهم لوصف مدن تلك الحضارات، فإلى جانب تصوراتهم العامة عن الهند: بشر وثقافة وأسلوب حياة، وحكومة وملك، وعادات وتقاليد، فقد امتألت مصنفاتهم بوصف مدن كل إقليم من أقاليم الهند، بجوانبها المختلفة: موقعها الجغرافي، إسلوب حياة سكانها، وتجارتها وصناعتها ووظائفها

التجارية، وعاداتها، وتقاليدها، دون أن ينسوا ما فيها من عجائب وغرائب، فقدموا، في أحيان كثيرة، دراسة أثنوغرافية لحال تلك المدن في العصر الوسيط، ونواة لدراسة

أنثروبولوجية في أحيان اخرى.مدن إقليم السند

أهم المدن التي لفتت انتباه مؤلفينا في السند: المنصورة وملتان والديبل،والبيرون، وسدوسان، وأزور، ومكران، والتيز، وطوران، وقزدان، والبدهة.

-163-

ولعلها اآلن حيدر آباد على(45)المنصورة: كان إسمها القديم حسب ياقوت )همناباد( نهر السند، يذكرها ابن حوقل، في القرن العاشر، على أن مساحتها كانت "في الطول

والعرض نحو ميل في مثله"، ويحيط بها "خليج نهر مهران، وهي شبيهة بالجزيرة"، وهي مدينة حارة، ينبت فيها النخل، وقصب السكر "يعقد منه القند الغزير" وبأرضها "ثمرة

على قدر التفاح تسمى الليمون حامضة شديدة الحموضة، ولهم فاكهة تشبه الخوخ يسمونها األنبج، تقارب طعم الخوخ" والحظ خلوها من العنب والتفاح والجوز والكمثرى،

وأن "أسعارها رخيصة وبها خصيب، ونقودها القندهاربات" ولهم درهم يقال له وال يكتفي ابن حوقل بتلك المعطيات عن(46)الطاطري، ويتعاملون بالدناينر أيضا"

المدينة، فهو يصف أزياء سكانها عامة وخاصة، والهوية القومية لسكانها، ولحاكميها، فأهلها "مسلمون، وملكها من قريش من ولد هبار بن األسود، وقد تغلب عليها أجداده،

وساسوهم سياسة أوجبت رغبة الرعية فيهم، وإيثارهم على من سواهم،غير أن الخطبة ولما زارها المسعودي في منتصف القرن الرابع الهجري، كان عليها(47)لبني العباس"

ملك عربي، اسمه "أبو المنذر عمر بن عبد الله"، بحوزته فيلة حربية، عددها "ثمانون فيال رسم )خصص( كل فيل أن يكون حوله خمسمائة رجل، وأنه يحارب ألوفا من

وهو(48)الخيل"، وكان للملك )فيلين عظيمين كانا موصوفين عند ملوك السند والهند". تعبير عن علو مكانته، وقوته. والمنصورة مدينة غنية، يصل مجموع الضياع والقرى

وذكر(49)التابعة لها حوالي ثالثمائة ألف قرية ذات زروع وأشجار وعمائر متصلة". اإلدريسي بأنها "مدينة كبيرة فيها بشر كثر، وتجار مياسير وأموال، وماشية وزرع، وحدائق وبساتين.. والتجار بها كثيرون واألسواق قائمة واألرزاق دائرة" وذكر عن

أما عن(50)مساكنها أن "بناءها باللبن واآلجر والجص، وهي فرجة )واسعة( المساكن. لباس ساكنيها "فزيهم كزي أهل العراق، غير أن زي ملوكهم يقارب زي ملوك الهند،

ونبهنا المقدسي البشاري إلى غزارة المواد التجارية الدولية(51)في الشعور والقراطق". التي تنتقل من المنصورة، ومنها "النعال الكنبانية النفيسة، ومنها تحمل الفيلة والعاج،

(52)واألشياء الرفيعة، والعقاقير النافعة".

-164-

الملتان: كانت حتى القرن العاشر الميالدي، يقودها ملك من العرب، هو حسب رواية المسعودي "من ولد أسامة بن لؤي بن غالب"،وتقع ملتان على مجرى نهر

مهران، الذي "يخرج من أعين مشهورة من أعالي بالد السند". حتى "ينتهي إلى بالد وهي قريبة من )المنصورة(، وتسمى(53)الملتان، ومن هناك يسمى مهران الذهب".

)فرج بيت الذهب( ألن المسلمين لما فتحوا الملتان، كما روى مؤرخونا، "كان األمر ،وذلك بفضل صنمها(54)عليهم ضيقا )صعبا(، فوجدوا بها من الذهب ما أغناهم"

الشهير، وهو صنم أهتم مؤلفونا في وصفه بدقه، وحافظ الوالة العرب على بنائه، وسمحوا لسدنته باإلستمرار في حمايته والعناية به، والقيام بطقوسهم المعتادة فيه،

واقترنت عندهم الملتان بهذا الصنم الشهير، لذا نجد، ابن حوقل يشير على أنها "مدينة نحو المنصورة في الكبر، وتسمى فرج بيت الذهب، وبها الصنم األعظم للهند، التي

تجتمع إليه من أقاصي بلدانها، وسائر أصقاعها، ويتقرب إلى هذا الصنم في كل سنة بمال عظيم فينفق على بيت الصنم وسدنته، والمعتكفين عليه، وسميت الملتان بإسم

(55)الصنم".

-165-

ودأب هؤالء المؤلفون، على وصف هذا الصنم، بشيء من اإلستغراب، دون عدائية، ودون أن يستنكروا بقائه عامرا في ظل السيطرة اإلسالمية على المدينة،

فذكر المقدسي أن "هذا الصنم قصر مبني في أعمق موضع من األسواق، وسطه قبه حسنة حولها بيت الخدم، وهو)أي الصنم( تحت القبة على صورة رجل متربع عل كرسي من جص وآجر، وقد ألبسوه جلدا يشبه السنجاب األحمر ال يتبين منه غير

عينيه، وهما جوهرتان، وعلى رأسه إكليل الذهب، قد مد باعيه على ركبتيه، وقبض ولم ينسوا الطقوس العبادية التي تمارس في(56)أصابع يديه كأنه يحسب أربعة".

حضرة هذا الصنم، والثروة الطائلة التي تجمع ألجله من الهنود، وأن "عامة ما يحمل إلى هذا الصنم من المال، فإنما يأخذه أمير المولتان، وينفق على السدنة منه، ويرفع

فهو صنم كما يقول اإلدريسي معظم عند الهنود "يحجون إليه من(57)الباقي لنفسه". أقاصي بلدانهم، ويتصدقون عليه بأموال جمه، وحلي كثيرة، وطيب، وشيء يقصر

الوصف عنه تعظيما له وإجالال، إال أنه ال يجد من يعبده في الملتان، إال هؤالء الذين في)القصر، مع هذا الصنم، وغير ذلك من أهل الهند والسند، إنما يحجون إليه تعظيما له".

وقدم ابن رسته تقريرا شامال عن العبادات المحيطة بالصنم، فينقل عن الهنود(58 تصورهم "أن هذا الصنم نزل من السماء، وأمرنا بعبادته"، والحظ، أن لهذا الصنم

سدنة يقومون عليه، يجبون له من زواره مايكفي لنفقاته، سوى ما يجري على سدنته من طعام وشراب وكسوة، "والهند كلها ترى الحج إليه، وإذا مات الرجل موسرا

أوصى له بشطر من ماله، أو بماله أجمع، يتقرب إلى ذلك الصنم، ويحجون إليه من مسيرة سنة أو أكثر، ويحلقون رؤوسهم عنده، ويطوفون سبعا على اليسار تقربا إليه، وتضرعا، ويتمرغون بين يديه، ويخشعون، وله أربعة أوجه، حيث ما دار استقبله وجهه،

وأشار(59)ويقولون: "هذا إله يعبد، له إقبال وال إدبار، حيث ما رأيته استقبلك بوجهه". إلى طقوس أخرى غريبة ارتبطت بعبادته، فيها استهانة بالجسد.فالهنود إذا قدموا إليه

فمنهم من يقلع عينه ويضعها في(60)"طافوا حوله، وسجدوا له عند كل وجه يستقبله" كمه، فيقول للصنم "إيها البد قد تقربت إليك بها، فأطل عمري وارزقني وأفعل بي كذا وكذا"، "ويمشون إليه من أقاصي الهند، يحمل الواحد منهم قطعتي صندل أحمر على

عاتقه، يضع األولى على بعد فرسخ، أي ثالثة أميال، من نقطة انطالقه، ويتقدم باألخرى فيضعها بعيدة عن األولى بالمسافة نفسها، ثم يعود مجددا إلى األول، فينقلها بعيدة عن الثانية مسافة أخرى، وهكذا يتقدم ويتراجع مسيرة سنة ليصل إلى الصنم.

ومن الهنود من يحج ليستأذن الصنم بالموت، قائال له: "إئذن لي بالموت"، فيعمد إلى خشبة طويلة، يجعل رأسها حادا وينصبها في األرض، ثم يصعد إلى فوقها فيدخل رأس

الخشبة الحادة في بطنه حتى يخرج من ظهره، فيموت "بغرض التقرب من البد" وهناك منهم من يأتي بالمال العظيم فيطرحه بين يدي الصنم قائال: "يا إلهه وسيده

وأشار ابن رسته إلى أن لهذا الصنم، كما لغيره من(61)أقبل: هذا معونة من مالي". األصنام، الكثيرة من السدنة، ال يأتون النساء وال يأكلون اللحم وال يذبحون الذبائح، ال

يلبسون الثياب الدنسة، وعند دخولهم إلى األصنام يتطيبون" وليس يدخلها عليهم غيرهم". وإذا دخل السادن على صنم "برك على ركبتيه وجمع كفيه وبسطها، وسأله

-166-

ولهذا الصنم مطبخ يطبخون(62)أن ينظر إليه، ويرحمه، ويبكي ويتضرع إليه ويدعوا". للصنم فيه األرز الجيد، واألطعمة من السمك والحشيش، يضمخونها بالطيب، ثم يأتون

بورق موز عريض مقدار ما يلف الرجل فيه، فيبسطه السادن بين يدي الصنم، ثم يصب األرز عليه، بقدر نصف قامة رجل، ثم يغمر به وجه الصنم، معتقدا "أنه قد أكل"

ويسبق تقديم الطعام للصنم، دورة حول بيت الصنم بالصنوج والزمر، والطبول "وربما دارت حوله مائة جارية... فيقلن :نحن نرقصه ونترضاه"، ثم ينقلون ذلك

الطعام، من بين يديه، معتقدين أنه "قد تصدق به" فينتفع بذلك الطعام، كل من يمر بذلك الصنم، بما فيهم "الطير والكالب"، قائلين: "هذه صدقته في كل يوم" بعدها

يغسلون الصنم "باللبن، وربما غسل بالسمن، فيغسل به، بعد ذلك، مرضاهم(63)يستشفون به".

قدم ابن رسته بذلك وصفا تفصيليا للعبادات، والطقوس المتعلقة بصنم ملتان،ناقال بذلك ماسمعه وقرأ عنه، كل ذلك، بلغة الباحث الموضوعي، على الرغم

من التباين بين هذه العبادات واالعتقاد اإلسالمي.

-167-

أما عن مدينة الملتان نفسها، فقد نقل القزويني عن الرحالة أبي دلف، أنها "مدينة منيعة حصينة، جليلة عند أهل الصين والهند، وأنها بيت حجهم ودار عبادتهم

كمكة لنا، وأهلها مسلمون وكفار، )يقصد بذلك الهندوس والبوذيين( والمدينة في دولة المسلمين، وللكفار القبة العظمى والبد األكبر، والجامع مصاقب لهذه القبة، واإلسالم

وعندما مر بها ابن بطوطة في القرن الرابع عشر الميالدي، وجدها(64)بها ظاهر". تابعة لسلطان دلهي المسلم، حين كان وداي السند" أول عمالة للسلطان المعظم محمد باشا، ملك الهند والسند"، وكانت الملتان "قاعدة بالد السند، ومسكن أمير أمرائه"، وكانت عادة هذا األمير "أن ياخذ الربع من كل ما يجلبه التجار، ويأخذ على

وتبعد عن الهند مسيرة أربعين يوما، غير أن تنظيم(65)كل فرس سبعة دنانير مغرما". البريد،كان دقيقاومنظما، في تلك األيام،في ظل االمبراطورية الهندية، بطريقة

سمحت لبريد السلطان، في دهلي، من الوصول إلى السند في خمسة أيام، والحظ ابن بطوطة حينذاك أن البريد ببالد الهند على صنفين، فهناك )بريد الخيل(، ويسمونه الوالق )أوالق(، وهي خيل للسطان، تتخذ لها محطة في كل أربعة أميال، تسلم فيها خيول المحطة االولى، خيول المحطة التالية ما تحمله من بريد، ثم تنقل هذه بريدها

إلى المحطة الثالثة وهكذا، باإلضافة إلى هذا النوع، هناك بريد يعتمد على الرجال، يسمى )بريد الرجال( ويقوم ترتيبه، على إقامة ثالث قباب في كل ثالثة أميال،

مستعدين لإلنطالق، عند قدوم البريد، ويحمل هؤالء الرجال مقرعة بأعالها جالجل نحاس، فإذا خرج البريد من المدينة أخذ الكتاب بأعلى يده، والمقرعة ذات الجالجل باليد األخرى، يركض الرجل بمنتهى جهده، فإذا سمع الرجال، الذين بالقباب، صوت

الجالجل تأهبوا، فإذا وصلهم البريد، أخذ أحدهم الكتاب ومر بأقصى جهده، وهو يحرك المقرعة حتى يصل إلى االخرى، وال يزالون كذلك حتى يصل الكتاب إلى حيث يراد له.

"وهذا البريد أسرع من بريد الخيل، وربما حملوا على هذا البريد الفواكه المستطرفة بالهند من فواكه خراسان.. حتى تصل إلى السلطان، وكذلك يحملون الكبار من ذوي

الرتب، يجلس الرجل على السرير، ويرفعونه فوق رؤوسهم، وكذلك يحملون الماء(66)لشرب السلطان".

-168-

ورأى ابن بطوطة عندما اجتاز السند، ودخل غيضة قصب على جانبي الطريق الكركدن،" صورته أنه حيوان أسود اللون عظيم الجرم، ورأسه كبير متفاوت الضخامة، وهو دون الفيل، ورأسه أكبر من رأس الفيل بأضعاف، وله قرن واحد بين عينيه، طوله

ورأى الكركدن مرة اخرى وهو بصحبة " ملك الهند"، ثم وصل(67)نحو ثالثين ذراعا". إلى مدينة )جنابي( وهي "مدينة كبيرة على ساحل نهر السند، لها أسواق مليحة،

وسكانها طائفة يقال لها السامرة، استوطنوها قديما واستقر بها أسالفهم" ونقل من عادات هذه الطائفة، المعرفة بالسامرة أنهم "ال يأكلون مع أحد، وال ينظر إليهم أحد

وكان أميرهم اسمه(68)حين يأكلون، وال يصاهرون أحدا من غيرهم، وال يصاهرهم أحد". ونار، يسكن في مدينة )سيوستان(، وهذه مدينة كبيرة، حولها صحراء ورمال، ليس فيها أشجار، "وال يزرع على نهرها شيء ما عدا البطيخ، وطعامهم الذرة، والجلبان،

ويسمونه المشنك، ومنه يصنعون الخبز"، وبها سمك كثير، كذلك ألبان الجاموس، وأهلها يأكلون السقنقور، وهي دويبه.. الذنب لها، يحتفرون الرمل كي يستخرجونها،

غير أن هناك أطعمة(69)ولما رأى هذه الدويبة، وهم يأكلونها "استقذرتها فلم آكلها" أخرى لهم أثارت اهتمامه، إذ وجد أن "خبزهم الرقاق، وهو شبه الجرادق"،

يأتون،أحيانا، بذلك الخبز، ثم يقطعون اللحم المشوي قطعا كبيرة، حتى أنهم يقطعون الشاة أربع قطع أو ستا، ويضعون أمام كل رجل قطعة، ويتناولون بعد طعامهم شراب

وتحدث ابن بطوطة أيضا عن مدينة، سماها(70)الفقاع وبعده ياتون بالتنبول والفوفل )كاهري(، على أنها مدينة حسنة عل ساحل البحر الكبير )المحيط الهندي( ويصب بها

نهر السند في البحر، ولها مرسى عظيم، يأتي إليه أهل اليمن، وأهل فارس وغيرهم،(71)لهذا "عظمت جبايتها وكثرت أموالها".

الحالية، التيGandawaوذكروا من مدن السند )قندابيل(، ويعتقد أنها قرية جنود على شرقيها جبال الخيزران، التي في أوديتها )الساج(، الذي يحمله التجار إلى فارس

وهي مدينة كبيرة تخلو من النخيل، وبها رستاق )أي(72)والعراق عن طريق البحر. سهل( يعرف )بأيل(، "وفيه مسلمون وكفار وثنيون من مدينة )البدهة(، ولهم غالت

وأهل البدهة(73)وزروع وكروم ومواشي.. وإبل وغنم وبقر وأكثر زرعهم البخوس". يتجرون مع قرندايل وهم على البداوة، "لهم أخصاص وآجام يأوون إليها، وبطائح مياه

ويعدهم مؤلفونا مع قوم )الميد( كفار، وهي ما يعني بالنسبة لهم(74)يعيشون بينها". من ال يؤمن بكتاب سماوي، فهو ينطبق على البراهمية والبوذية، والمجوسية، وعلى

الديانات الوثنية بشكل عام، أشار ابن حوقل أن "الكفار في بلد السند هم البدهة وقوم يعرفون بالميد، وهم قبائل مفترشة ما بين حدود طوران ومكران والملتان

(75)ومدن المنصورة.. وهم أهل إبل".

-169-

وأشاروا إلى أن أرض )مكران( يغلب عليها "البوادي، والزروع البخوس، النها ويتكلم أهل مكران بلسان مكراني وفارسي، "ولباس عامتهم(76)قليلة األنهار"،

القراطق، ولباس التجار والجلة منهم )أي علية القوم( القمص واألردية، ويتعممون أما البوادي(77)بالفوط والمناديل المصفحة بالذهب، مثل زي تجار أهل العراق وفارس

والبطائح بين المنصورة والمكران فعليها طائفة سماها مؤلفونا )الزط(، وهم الذين قاتل قسم منهم مع جيوش محمد بن القاسم، كما رأينا، واعتبروا في حضيض البناء

التراتبي للمجتمع الهندي، فهم "طوائف من السند يعرفون بالزط، فمن كان قريبا من الشواطئ، فهو يسكن بأخصاص )أكواخ(، كأخصاص البربر، وطعامهم السمك، وطير

الماء، أما من بعد من الزط عن الشط في البوادي "فهم كاألكراد يتغذون األلبان(78)واألجبان وخبز الذرة".

وأهم المدن الساحلية إلقليم السند، التي أثارت انتباه مؤلفينا، كانت مدينة )الديبل(، وهي في موقع كراتشي الحالية، على البحر الهندي، على شرقي نهر مهران، قدم ابن

حوقل صورة مركبة عنها بقوله: "والديبل من شرقي نهر مهران على البحر، وهي متجر عظيم وتجارتها في وجوه كثيرة، وهي فرضة هذه البالد وغيرها، وزرعهم الباخس، وليس

فالغالب على الديبل(79)لهم كثير شجر، وال نخيل، وهو بلد قشف، وإنما مقامهم للتجارة". هو وظيفتها التجارية مع العالم الخارجي، وهو ما عبر عنه المقدسي بقوله :إن"أهلها كلهم

فكثرة وجود التجار(80)تجار، كالمهم سندي وعربي، وهي فرضة الكورة، كثيرة الدخل". العرب جعل للسان العربي مكانته كلغة محكية، في المدينة إلى جانب اللسان المحلي، أما عن ديانة السكان، فنعرف أنهم على الديانة الهندية، التي ينعتونها بالكفر، طالما أنها

(81)تؤمن بتعدد اآللهة، وتختلط بالوثنية، فالديبل محاطة بنحو )مائة قرية أكثرهم كفارا(

ووصفها اإلدريسي بصورة إجمالية، متحدثا عن ثروتها، وعمارتها،و تجارتها الدولية، "فالديبل كثيرة الناس، جدبة األرض، قليلة الخصب، ليس بها شجرة وال نخل، جبالها جرد،

وسهولها قشفة عديمة النبات، وأكثر بنيانها بالطين والخشب، وتجارة أهلها من وجوه شتى وأساليب متفرقة... وأن مراكب العمانيين تقصدها بأمتعتها وبضائعها وقد ترد عليها

وعندما(82)مراكب الصين والهند بالثياب واالمتعة الصينية، واألفاوية العطرية الهندية". تحدث المقدسي، في القرن العاشر الميالدي، عن إقليم السند بمجمله، كان ال يزال أكثر سكانه على الوثنية، إذ لم يصبح اإلسالم هو الدين المهيمن بعد، فهذا اإلقليم )ذمته عبدة

ولكن الوضع الديني، في(83)أوثان، وليس للمذكرين به صيت، وال لهم رسوم تذكر". اإلقليم قد اختلف، في زمن رحلة ابن بطوطة، حيث صارت الهيمنة لإلسالم، والمسلمين،

سكانيا ودينيا.

إقليم الهند

-170-

أما اإلقليم الثاني، وهو الهند فيوزعه البعض على قاعدتين: القاعدة األولى: مدينة دهلي، والقاعدة الثانية: مدينة الدواكير، وكل من هاتين القاعدتين تحاط بأقاليم متسعة،

وبلدان شاسعة، وقسمه آخرون إلى ثالثة أقسام، األول، بالد كجرات، به العديد من المدن، مثل نهرواله، وكنبايت، وتانه، وصومنات، وسندان، وهي أغلبها على الساحل

الغربي من الهند، شمال شواطئ ماليبار، وهذا اإلقليم في إقليم كجرات الحالي، أما القسم الثاني من إقليم الهند، فهو بالد المنيبار، على حد قول القلقشندي، وهي على مليبار الحالية، ويقول عنه المؤلفون العرب "المنيبار هي بالد الفلفل"، ومدنه: هنود، وباسرور، ومنجرور، والكولم، وهي آخر بالد الفلفل من الشرق، والقسم الثالث من إقليم الهند: بالد المعبر، وهي "شرقي بالد الكولم بثالث أيام أو أربعة، وشمالها جبال ملتصقة ببالد بلهرا ملك ملوك الهند، وبالد المعبر تشمل على عدة جزائر كبار" و من

مدنه: بيرداول، وماهوره، ولوهور، وقنوج، واألخيرة" قاعدة لهاور، وهي بين ذراعين من نهر الكنج... في أقاصي الهند في جهة الشرق". وهي مدينة "حسنة، كثيرة التجارات،

إلى(84)ومن مدنها قشمير الخارجية، وقشمير الداخلية وملكها يسمى القنوج باسمها". جانب هذا التقسيم، فإن العمري عرض علينا تقسيما آخر للهند، على زمن اإلمبراطورية

المغولية - الهندية، يتألف من ثالثة وعشرين إقليما، على رأس كل إقليم مدينة عاصمة،ورمزا له، وهي: إقليم الهند، إقليم الدواكير، وإقليم الملتان، وكهران، وسامانا، وإقليم المعبر، وإقليم القنوج، وسيوستان، وروجا، وهاس، وسرستي، وتكنك، وكجرات،

وبدوان، وعوض، وبهار، وكره، ومالوة ولكنوتي، ونهاور، وكالنو، وحاجنكيز، وتلنج، ودورسمند، "وهذه األقاليم تشمل على ألف مدينة ومائتي مدينة، بجميعها األعمال

(85)والقرى العامرة اآلهلة... وقراها ثالثة آالف ألف وستمائة ألف قرية".

لقد احتل اهتمام الباحثين العرب،حتى القرن الحادي عشر الميالدي،األقاليم الساحلية، ومدنها، وممالكها، وإماراتها، والسيما ساحل مليبار، وجنوبه ساحل المعبر

في الساحل الشرقي للهند،هذا باإلضافة إلى مدن إقليم السند، وكجرات ومدينته الرئيسية أحمد آباد، أما فيما بعد، خاصة إثر سيطرة الغوريين على دلهي والمناطق

الشمالية، فقد ظلت للمدن الكبرى حظوتها في دراستهم الحضارية / الثقافية للهند. ولقد اختلفت عالقات العرب مع الجهات المختلفة للهند وأقاليمه، فبينما كانوا حاكمين

في السند، كانت األسرة الحاكمة )جورجاوابرتهارا( في قتوج، وأسرة )راشتركوتا( في الدكن يحميان التجار العرب الذين أقاموا في مناطقهم، وتعاملوا معهم بترحاب،

واتبعوا سياسة ودية تجاه العرب تجارا، ومقيمين، في وقت كانوا على تنافر مع األمراء اآلخرين في شمال الهند، مثل )باال( في البنغال، وشهدت تلك الفترة تطاحن سياسي بين األسر الحاكمة الثالثة القوية في شمال الهند ووسطها، وكان العرب متنبهين لهذه

وبمقدارماكانوا فيه يعرفون كثرة المدن الهندية، وكثرة ملوكها،(86)العالقات الشائكة،،)تعاملوا مع الهند كبلد عريق بالحضارة تصل عدد مدنه إلى حدود ألف ومائتي مدينة

غير أننا سنكتفي - هنا - ألبرز المدن التي وصفوها، بادئين بمدن الساحل في(87 ماليبار وكروماندل )المعبر(، متنقلين شماال، لنختم هذه الفقرة بالعاصمة اإلمبراطورية

دهلي )دلهي(.

-171-

أدرك المؤلفون العرب غنى ساحل ماليبار بالفلفل والمواد التجارية األخرى، لذا أطلقوا عليه لقب "بالد الفلفل"، وأضاف القلقشندي إلى ذلك قوله: إن جميع بالد

وذكر من مدنه هنور التي تقع(88)المليبار "مخضرة كثيرة المياه واألشجار الملتفة". غربي سندابور من بالد النجرات )الكجرات(، وهي أول بالد المليبار، وباسرور وهي

أكبر مدنه، وملكها كافر، ووارءها بثالثة أيام جبل عظيم داخل في البحر، يسمى رأس(89)هيلي، ومنها تندور وهي شرق هلي، والكولم.

وقد زار ابن بطوطة ساحل المليبار عقب مغادرته الهند إلى الصين، وكرر ما قاله عنها سابقوه من العرب: "هي بالد الفلفل"، وقدر طولها "مسيرة شهرين على ساحل

ويبدو من(90)البحر من سندابور إلى كولم، والطريق جميعها بين ظالل وأشجار". عرض ابن بطوطة، األهمية التي يوليها أهل ماليبار لطرق التجارة، ولطرق السفر، إذ

الحظ، أنه في كل نصف ميل يوجد بيت من الخشب فيه دكاكين، يقعد عليها "كل وارد وصادر من مسلم وكافر" فتبادل المنافع، وروح التسامح التي تتسم بها عالقة السكان

هناك، بالقادمين من العرب المسلمين: تجار ورحالة، ومقيمين، تجعل من تقديم الخدمات للجميع عادة سائدة، باستثناء بعض التمييزات في التعامل، "فعند كل بيت

منها بئر يشرب منها، ورجل كافر موكل بها، فمن كان كافرا سقاه في األواني، ومن كان مسلما سقاه في يديه، واليزال يصب حتى يشير له أن يكف". باإلضافة إلى ذلك فإن "عادة الكفار ببالد المليبار، أن ال يدخل المسلم دورهم، وال يطعمهم في أوانيهم، فإن طعم فيها كسروها، وأعطوها للمسلمين، وإذا دخل المسلم موضعا منها اليكون

فيه دار للمسلمين، طبخوا له الطعام، وصبوه له على أوراق الموز وصبوا عليه اإلدام، ، اختصر ابن بطوطة حال المسلمين بقوله(91)وما فضل عنه تأكله الكالب والطير".

(92)"والمسلمون أعز الناس بها، غير أنهم كما ذكرنا ال يؤاكلونهم، وال يدخلون دورهم".

غير أن ما يخفف على العرب المسلمين في تجوالهم، هو وجود جاليات مسلمة في أغلب المدن هناك، وعلى الطرق، وهو ما أشار إليه ابن بطوطة "وفي جميع المنازل

بهذا الطريق ديار المسلمين، ينزل عندهم المسلمون فيبيعون منهم جميع ما يحتاجون(93)إليه، ويطبخون لهم الطعام، ولوالهم لما سافر فيه مسلم".

-172-

كما الحظ ابن بطوطة انتشار السكان والعمارة على امتداد الساحل "فهذا الطريق التي ذكرنا أنه مسيرة شهرين، ليس فيه موضع شبر فما فوقه دون عمارة،

وكل إنسان بستانه على حدة وداره في وسطه، وعلى الجميع حائط خشب، والطريق وأشار إلى أن ركوب الخيل في السفر يختص به السلطان(94)يمر في البساتين".

وحده، "وال تكون الخيل إال عند السلطان، وأكثر ركوب أهلها في دوله )وهي شبه محفة يحملها الرجال(، ويمشى على قدميه كائنا من كان"، ومن كان له رحل أو متاع من تجارة وسواها أكترى رجاال يحملون ماعنده على ظهورهم، فهناك تجار يستكرون

مائة رجل، أو أقل أو أكثر، ليحملوا بضائعهم، إال أن هذه الطريق يمتاز باألمان، في هذه البالد، التي كانت بعضها آنئذ تابعة إسميا لسلطان دلهي )محمد شاه( تغلق،

ويصف ابن بطوطة هذه الطريق بقوله : )ولم أر طريقا أمن من هذه الطريق، وهم حتى إن سقطت الثمار في الطريق ال( 95)يقتلون السارق على الجوزة الواحدة".

يلتقطها أحد، فمن يسرق عرض نفسه لحكم قاس من قبل الحكام هناك، وذلك بأن (96)يخترق بطنه عود حتى يخرج من ظهره.

أما عن حال توزع السلطة ففي "بالد المليبار، فهناك "إثنا عشر سلطانا من الكفار، منهم القوي الذي يبلغ عسكره خمسين ألفا، ومنهم الضعيف الذي عسكره

ثالثة آالف"، وعلى الرغم من ذلك فال "فتنة بينهم البتة، وال يطمح القوي منهم انتزاع(97)ما بيد الضعيف".

وكان هناك سلطان إلقليم المليبار اسمه جمال الدين، يعطيه أهل ماليبار "كل عام شيئا معلوما، خوفا من قوته في البحر"، وهو كالحاكم الوسيط بين سلطان الهند،

وسالطين المليبار، وقد جلس ابن بطوطة على مائدته، التي كانت من نحاس، يسمونها خونجة، عليها طبق نحاس كبير يضعون فيه الطعام، الذي يقدم على أفواج،

ومغرفة نحاس كبيرة،وأتت جارية حسناء ملتحفة بثوب حرير، فغرفت بالمغرفة األرز، وصبت فوقه السمن، وصفت عناقيد الفلفل المملح والزنجبيل األخضر، والليمون

والعنبا )ثمر المانغا(، فيأكل الرجل لقمة األرز، ويتبعها بالموالح، ثم تضيف الجارية مرة أخرى األرز وعليه دجاج، وبعدها قدمت لونا آخر من الدجاج، ثم بعد الدجاج، قدمت

ألوان السمك، فإذا فرغت ألوان السمك، أتت بالخضرة المطبوخة بالسمن، ليأكلوا بها األرز، ويختمون طعامهم باللبن الرائب المسمى عندهم بالكوشان. وبعدها يشربون

وخالل فترة إقامته في المليبار لم يأكل ابن بطوطة الخبز، "ألن(98)الماء الساخن. طعامهم األرز"، لدرجة أنه طوال إقامته بجزائر المهل وسيالن، وبالد الماليبار، لم يأكل

(99)إال األرز.

-173-

كمباي: )أوكنباية( أطلق عليها ابن بطوطة، وغيره من المؤلفين، اسم )كنباية( وهي ميناء على الساحل، الذي على مدخله يقع ميناء ديو أو غيو الشهير، وهي تعرف

حاليا بهذا اإلسم كنباية، وقد زارها المسعودي وابن بطوطة وأبو دلف، وهي مشهورة. كما يقول ابن سعيد المغربي" فيها مسلمون، ولهم فيها مساجد، وله خور مالح تدخله

) وهي معروفة بنسيجها المتقن، حتى أنه ينسب إليها "القماش الكنبابي".(100)السفن".

وهي "حسنة الشكل" ومحطة مهمة للسفن التجارية، "بها اإلقالع والحط، وبها(101 وحينما وصلها( 102)حمل بضائع وتجارات، من كل اآلفاق، ويخرج منها إلى كل الجهات".

ابن بطوطة وهو في طريقه إلى الصين، كانت ما تزال تعج بالنشاط التجاري كمحطة للسفن، وبدت له من "أحسن المدن في إتقان البناء وعمارة المساجد، وسبب ذلك أن

(103)أكثر سكانها التجار الغرباء، فهم أبدا يبنون بها الديار الحسنة والمساجد العجيبة".

وغدت تابعة لسلطان دلهي )محمد شاه(، وكان )مقبل التلنكي أميرا عليها، وفيها وغادرها ابن بطوطة إلى بلده(104)الهندوس، واجناس أخرى إلى جانب المسلمين.

كاوي، الساحلية، وكانت من بالد تابعة، لما سماه سلطان قندهار جالنسي )الكافر(، إال ثم وصل بعدها إلى(105)أنه تابع لملك الهند المسلم، ويعطي األخير "هدية كل عام".

مدينة قوقة، "وهي مدينة كبيرة عظيمة األسواق"، وكان لها سلطان اسمه دنكول، وكان يظهر الطاعة، أيضا، لملك الهند، وبعد إقالعه بثالثة أيام منها نزل على جزيرة

)سندابور(، وهي جزيرة "في وسطها ست وثالثون قرية، وفي وسطها مدينتان: إحداهما قديمة من بناء الكفار )الهندوس(، والثانية بناها المسلمون عند استفتاحهم لهذه

وشاهد في قرب هذه( 106)الجزيرة، ومنها مسجد جامع عظيم يشبه مساجد بغداد". الجزيرة، السحرة الهنود )الجوكية(، إذ وجد "جوكية" مستندا على حائط بيت أصنام،

ثم وصل إلى مدينة) هنور(، وهي(107)ساكنا ال يرد على من يخاطبه، وال طعام لديه. على خور كبير "تدخله المراكب الكبار"، فوجد سكان المدينة أكثرهم مسلمين، "لهم صالح ودين"، وأبدى ابن بطوطة إعجابه بنساء أهل هذه المدينة وبنساء أهل الساحل

جميعا، الالئي على جمالهن، يلفن أجسادهن بقماش غير مخيط،" تختزم )تمسك( إحداهن طرفي الثوب وتجعل باقية على رأسها وصدرها، ولهن جمال وعفاف، تجعل

(108)إحداهن قرص ذهب في أنفها". ، وهن يحفظن القرآن، فقد رأى ثالثة عشر مكتبا لتعليم البنات، وثالثة وعشرين لتعليم األوالد، ويعتمد "معاش أهلها على التجارة في

وعليهم السلطان جمال الدين محمد بن حسن، هو من "خيرة(109)البحر، وال زرع لهم".السالطين"، إال أنه كان تابعا لسلطان كافر يسمى )هريب(.

-174-

نلمس في سرد ابن بطوطة كثافة الوجود العربي اإلسالمي، في بالد ساحل المليبار، وهي حقيقة نجدها أيضا، في وصفه للمدينة التالية في رحلته، وهي )فاكنور(

cammanoreوهي مدينة كبيرة على خور، بها الكثير من قصب السكر "الطيب الذي ال ، مثيل له بتلك البالد" وكان "سلطان فاكنور كافرا، واسمه باسدو"، ولقد نزل بضيافته ابن بطوطة، ثالثة أيام، فوجد أن من عادته "أن كل مركب يمر ببلد فال بد من إرسائه

بها، وإعطائه هدية إلى صاحب البلد "يسمونها )حق البندر(، ولهذا السلطان نحو ثالثين)مركبا،وكان قائدهم مسلما يسمى )لوال(،" كان من المفسدين بالبحر، ويسلب التجار"

110)

دخل إثرها إلى مدينة )منجرور(، فكان أكثر ما أثار اهتمامه وعجبه، السحرة "الجوكية" بغرائب أفعالهم وأطوارهم، وقد أقر كباقي، المؤلفين العرب، ببراعة الهنود

في السحر، فطائفة الجوكية، عند ابن بطوطة "تظهر منها العجائب" فبعضهم يقيم أشهرا ال يأكل وال يشرب، ومنهم من يحفر له حفرة تحت األرض وتبنى عليه، فال يترك إال

موضع صغير يدخل منه الهواء، ويقيم فيها الشهور، وسمع أن بعضهم يقيم سنة، ورأى في منجرور "رجال من المسلمين ممن يتعلم منهم، قد رفعت له طبلة، وأقام بأعالها، ال

يأكل وال يشرب مدة خمسة وعشرين يوما"، وتركه ابن بطوطة وهو على هذه الحال، فال يدري كم أقام بعده، وذكر له الناس أنهم يأكلون حبة القمح فتكفيهم أياما وأشهرا،

والسلطان المسلم "يعظمهم ويجالسهم"، وفيهم من يقتصر على أكل البقول،و منهم من ال ياكل اللحم وهم األكثر، "والظاهر من حالتهم أنهم عودوا أنفسهم الرياضة، وال حاجة

(111)لهم في الدنيا وزينتها"

ولعل ابن بطوطة هنا يدمج، في وصفه للجوكية،بين السحرة، ورهبان الهندوس الذين يمارسون الرياضة الروحية والجسدية، ويتغلب في وصفه اإلعجاب، والدهشة

والتعجب، على لغة االستهجان، وهو قد شهد على كل حال تأثر المسلمين بهذهالرياضة الروحية العنيفة، وتعظيم سالطينهم لها.

-175-

دخل بعدها، مدينة )منجرور(، فوجدها مدينة كبيرة، على خور يسمى خور الدنب، وهو "أكبر خور ببالد المليبار، وبهذه المدينة ينزل معظم تجار فارس واليمن"، ويكثر

فيها الفلفل والزنجبيل، وكان سلطانها أكبر سالطين تلك البالد واسمه )رام دو(، وإلى جانب أهلها الهندوس، يسكنها نحو أربعة آالف من المسلمين، في ربض بناحية المدينة،

وهم ضرورة لتجارة المدينة، لذا، إذا وقعت الحرب "بينهم وبين أهل المدينة، يصلح سافر عقبها إلى مدينة )هيلي(( 112)بينهم )السلطان( لحاجته للتجارة" وبها قاض مسلم.

الساحلية، فرآها مدينة كبيرة "حسنة العمارة"، على خور عظيم "تدخله المراكب الكبار،وإلى هذه المدينة تنتهي مراكب الصين، التي تدخل إلى مرسى قالقوط ومرسى كولم، ومدينة هيلي "معظمه عند المسلمين والكفار بسبب مسجدها

الجامع،... وركاب البحر ينذرون له النذور الكثيرة"، ويقدم المسجد الطعام للوارد أما في مدينة )ده فتن(، القريبة من(113)والصادر، وإلطعام الفقراء من المسلمين

هلي، فكانت مدينة كبيرة على خور، تكثر فيها البساتين، وبها "النارجل والفلفل والفوفل، والتنبول، والقلقاص يطبخون به اللحم، أما الموز فلم أر في البالد أكثر منه،

وال أرخص ثمنا". ووصل إلى مدينة )بدفتن( الساحلية، فكانت مدينة كبيرة على خور كبير، وبخارجها مسجد على مقربة من البحر يأوي إليه غرباء المسلمين، "ألنه ال مسلم

بهذه المدينة... وأكثر أهلها براهمة، وهم معظمون عند الكفار، مبغضون للمسلمين، لذلك ليس بينهم مسلم"، ومرسى هذه المدينة من أحسن المراسي" وماؤها عذب،

( 114)والفوفل بها كثير، "ومنها يحمل للهند والصين".

وغادر )بدفتن( إلى مدينة )فندريا(، الساحلية، فكانت فيها ثالث محالت،أي حواري، في كل محلة مسجد، وقاضيها وخطيبها من عمان، وبهذه المدينة )تشتو

وكان اإلدريسي، قد أطلق عليها اسم )فندرية( وقال عنها: إنها( 115)مراكب الصين(. على خور صغير ومشهورة بكثرة أرزها، وحبوبها، وينبت بجبالها شجر الفلفل، وتحط بها مراكب التجار من جزائر الهند، والسند، وأهلها ذو يسر، وأسواقها عامرة ومتاجر،

(116)ومكاسب.

-176-

وكانت )قالقوط( أو كاليكوت، المحطة الرئيسية لرحلة ابن بطوطة على ساحل المليبار، وهي من أهم موانئ الهند، وأقلع منها إلى جزر المالديف، وكان بها جالية

إسالمية كبيرة، حتى أن أمير التجار بها عربي من البحرين، اسمه )ابراهيم شاه بندر(، "يجتمع إليه التجار، ويأكلون في سماطة، وقاضيها فخر الدين المعني عثمان "وبها

أيضا أهم التجار البحاره )الناخوذة مثقال(، صاحب أموال طائلة ومراكب كثيرة، وذلك التساع تجارته بالهند والصين واليمن وفارس، وعندما نزلها كان بمرساها ثالثة

عشرمركبامن الصين، وهو ما يدل على عمق صالتها التجارية بالعالم، فكان "مرساها من أعظم مراسي الدنيا، وكان سلطان قالقوط كافرا يعرف بالسامري"، حليق

يلبس قماشا أبيض يستر به وسطه، حافي القدمين، وعلى( 117)اللحية، كطائفة الروم. انتقل ابن بطوطة، من )قالقوط( إلى أهم مرافئ ماليبار في(118)رأسه عمامة صغيرة.

نهاية الساحل الغربي، إلى مدينة )كولم(، والتي كان ينتقل إليها البحار العرب الذاهبين إلى الصين مباشرة من عمان، وأطلق عليها المؤلفون العرب اسم كوالم، او كولم

Colmأو )كولم ملي( وهي في ترافكور اآلن،وقدر السيرافي المسافة بينها وبين ، مسقط "بشهر على اعتدال الريح" وكانت، لخطورة موقعها التجاري الكبير، موضعا

للسالح، كالمرقب الحربي للدفاع عنها، ولحماية تجارتها الدولية، أو كما قال السيرافي "وفي كولم ملي، تجيء السفن الصينية، وبها ماء عذب من آبار فيؤخذ من السفن

)الصينية ألفا درهم، ومن غيرها من السفن ما بين عشرة دنانير إلى عشرين دينارا".

يقصد بالد المليبار، وهي عند(120) وذكرها الدمشقي على أنها )أخر بالد الفلفل(.(119 وأضاف القلقشندي، إلى ذلك، أنها كثيرة( 121)ابن الفقيه )أحسن بالد المليبار،أسواقا(

البساتين، وبها شجر البقم، الذي يشبه شجر الرمان، وفيها حارة للمسلمين،وبها جامع. ونقل القزويني عن أبي دلف مشعر بن مهلهل، الذي زارها في القرن العاشر(122)

ميالدي في رحلته إلى الصين، أنها" مدينة عظيمة بأرض الهند". ولعل عالقتهما التجارية الحميمية مع الصين جعل "أهلها يختارون ملكا من الصين، إذا مات

ملكهم"،وأبدى أبو دلف إعجابه بطراز مساكنها قائال "عماراتهم عجيبة، وأساطين بيوتهم من خرز أصالب السمك"، أما طعامهم، فإنهم )ال يأكلون السمك، وال يذبحون

الحيوان، ويأكلون الميتة" ويصنعون الخزف إذ يعملون )غضائر تباع في بالدنا على أنه صيني...ألن طين الصين أصلب من طين كولم، وأصبر على النار، وغضائر كولم لونها

كما الحظ تنوع نباتاتها، إذ رأى فيها: منابت الساج(123)أدكن، وغضائر الصين أبيض". المفرط الطول، وبها البقم، والخيزران، والقنا بها كثيرة جدا، وبها الراوند وهو قرع ينبت هناك، وأيضا ورقة الساذج الهندي العزيز الوجود ألجل أدوية العين. كما فيها

أصناف العود والكافور واللبان، والعود يجلب إليها من جزائر خلف خط االستواء. وبها وعندما مر عليها( 124)معدن الكبريت األصفر، ومعدن النحاس ينعقد دخانه توتياء جيدا.

ابن بطوطة، أكد مجددا على أنها "أحسن بالد الماليبار، أسواقها حسان وتجارها يعرفون بالصوليين، ولهم أموال عريضة". وأيضا بها "من التجار المسلمين جماعة،

كبيرهم عالء الدين األوجي... من بالد العراق"، واطلع على صالتها التجارية بالصين، فهي، "أول ما يوالي الصين من بالد الماليبار، وإليها يسافر أكثرهم، والمسلمون بها

-177-

أعزة محترمون، وكان سلطان كولم كافرا يعرف بالتيروري، وهو معظم للمسلمين،(125)وله أحكام شديد على السراق والدعار".

ومن المدن الساحلية االخرى، التي ذكرها ياقوت، وتقع في الشمال الغربي لساحل الماليبار، في والية كجرات، مدينة القس، وهي مشهورة بصناعة أنواع )الثياب

والمآزر الملونة( التي تصدرها إلى شتى البلدان، "وهي أفخر من كل ما يجلب من الهند أما(126)من هذا الصنف". كما يجلب منها "النيل الذي يصبغ به، وهو أيضا أفضل أنواعه".

هl،416)سومناة(، الكجرانية، الساحلية، التي استولى عليها محمود الغزنوي عام م، وكان لمعبدها قداسة عظمى عند الهندوس، وهو على صورة عضوي التذكير1025

والتأنيث مصنوعين من حجر و ذهب وغيرهما، ويرمز إلى اتحاد نوعي لإلنسان،حتى أن748الحكومة الهندية، جددت بنائه بعد نيل االستقالل، وقد وصف المؤرخ الذهبي )ت

،lم(، هذا الصنم، فذكر أن الهندوس "كانوا يحجون إليه ويقربون له، بحيث أنه1351ه بلغت أوقافه عشرة آالف قرية، وله ألف رجل يخدمونه، وثالثمائة مغن يغنون عنده

واعتبر القزويني أن من عجائب هذه المدينة "صنم اسمه سومناة"، كان(127)للوافدين". الصنم "واقفا وسط هذا البيت البقوائم من أسفله تدعمه، وال بعالقة من أعاله تمسكه، وكان أمر هذه الصنم عظيما عند الهند، ومن رآه واقفا في الهواء تعجب، مسلما كان

أم كافرا، وكانت الهنود يحجون إليه كل ليلة خسوف، يجتمع عنده ما يزيد على مائة ألف أنسان، وتزعم الهنود أن األرواح إذا فارقت األجساد اجتمعت إليه، وهو ينشأها في

ولعل(128)من شاء، كما هو مذهب أهل التناسخ، وأن المد والجزر عبادة البحر له". العجب الذي أثاره هذه الصنم عند العرب المسلمين، جعلهم ينسجون حوله األساطير،

فهو معلق في الهواء دون سند، لدرجة أنهم سردوا بعض الحوادث التفصيلية ليضفوا على تخيالتهم بعض الواقعية، منها قول بعضهم: إن القبة من حجر المغناطيس والصنم

من حديد، ليفسروا وقوفه في الفضاء، وراعوا في بنائه قوة المغناطيس، وقد أذن السلطان محمود برفع حجرين من رأس القبة ليظهر حقيقة ذلك، فلما رفع الحجرين أعوج الصنم، ومال إلى أحد الجوانب، فلم يزل يرفع األحجار والصنم ينزل حتى وقع

ولقد تصور ياقوت أن صنم سومناة من أعظم بيوت العبادات التي(129)على األرض. وتحدث ابن سعيد المغربي( 130)بالهند جميعا "هو عندهم بمنزلة مكة عند المسلمين".

بطريقة أشمل على ماليبار، وعالقة أهلها بهذا الصنم مشيرا إلى أن "أهل هذا الساحل الهندي جميعهم كفار )هندوس(، يعبدون األبداد، ويسكن معهم المسلمون، وتسافر

إليهم مراكبهم، وأكثر ما يعبدون صنم السومانات، وهو معظم عند الهنود.. وعليه مبنى(131)أبيض يظهر للمراكب في البحر البعيد".

-178-

أما )نهروان(، والتي تقع حسب القلقشندي غربي إقليم المليبار على البحر،على فقد وصفها اإلدريسي بإعجاب على أنها قاعدة ملك بهرا الشهير(132)مسيرة ثالثة أيام،

عند العرب، وقريبة من مدينة )بروج( الساحلية، و"أنها مدينة كبيرة جليلة، حسناء البناء بناؤها باألجر والجص" وأشاد بأهلها رغم أنهم )كفار( حسب زعمه، "وألهلها همم

عالية وأحوال وافرة وأموال صامتة، وتجارات معروفة"، وأهلها تجار نذروا أنفسهم للترحال "فهم وقف على االغتراب وكثرة األسفار، وهي فرضة )مركز( لمن جاء من الصين ولمن جاء من السند ومنها إلى صيمور يومان، وإلى نهرواره ثمان مراحل في

فمدينة نهرواره على مسافة من بروج، وعلى تبعية، في( 133)بر متصل ال جبل فيه". القوت نفسه، من ملك بلهرا، ويصل إليها "كثير من تجار المسلمين، وبها تجولهم"،

وهذا البلد مضياف "للمسافرين بها إكرام من ملكها"، أما طعامهم، فيعتمد على "األرز والحمص والباقلي، والعدس والماش، والسمك والحيوانات، التي تموت موتا طبيعيا

"فمنهم "ال يذبحون طائرا وال حيوانا"، أما البقر "فإنها محرمة عند همالبتة، فإذا ماتت( 134)دفنت، وهذا فعلهم في البقر خاصة، دون سائر البهائم".

وقد تعرف المؤلفون العرب على ساحل كروماندل، في خليج البنغال، وهو ساحل الهند الشرقي، أطلق عليه العرب اسم )المعبر(، وكان مركزا رئيسيا للتجارة مع بالد

الشرق األقصى،وقصدته سفن العرب، وإن لم تكن بالكثرة التي عرفها الساحل الغربي، وهو قد اشتهر بدقة صناعاته للمنسوجات القطنية، ذكره القلقشندي، مستعينا بأبي الفداء، وابن سعيد المغربي، بقوله: "إنه في شرق بالد الكولم بثالثة أو أربعة أيام،

وهو مشهور على األلسن، ومنه يجلب الالنس... وفي شماله جبال متصلة ببالد بلهرا وقد قصد ابن بطوطة )المعبر(، عقب زيارته جزر المالديف(135)ملك ملوك الهند".

وسيالن، فالتقى على شاطئه بl"بعض الكفار" فادخلوه على غيضة عظيمة، وقدموا له وألصحابه الفاكهة الشبيهة بالبطيخ، والسمك الطيب، فجاؤوا بدوله )محفة( وعشرة

خيول، فركب وأصحابه، بعد أن أعلمهم أنه رسول سلطان دلهي، إلى أن وصلوا إلى سلطان المعبر المسلم، واسمه )غياث الدين(، وكان المعبرآنئذ "تحت حكم السلطان

محمد ملك دهلي"، وأذن له السلطان بالمثول أمامه، واكتشف ابن بطوطة أن من عادتهم هناك: "أن ال يدخل أحد على السلطان دون خف". في حين أنه كان ال يملك

خفا، فكانت مفاجأة ابن بطوطة أن )الكفار( الهندوس قدموا له خفا، بينما تقاعس عن وكان من عادة( 136)ذلك المسلمون، فعجب "من أن الكافر كان أتم مروءة منهم".

السلطان، في ضيافته "أن يسقوا اللبن الرائب على الطعام، كما يفعل ببالدنا". وقد أغاظت ابن بطوطة، لدرجة التقزز، القسوة التي وجدها من جنود السلطان، تجاه

األسرى التي يجدونهم في الغابة التي اخترقوها، إذ يذبحونهم مع نسائهم وأطفالهم، انتقل إلى البالد المجاورة(137)فعلق قائال "وذلك أمر شنيع، ما علمته ألحد من الملوك".

فكان أن وجد نفسه في بالد سلطان "كافر يسمى بالل ديو، وهو من كبار سالطين)الكفار، يزيد عسكره على مائة ألف"، باإلضافة إلى "نحو عشرين ألفا من المسلمين".

138)

-179-

ورحل إلى مدينة )فتن(، فوجدها، كبيرة حسنة على الساحل، "ومرساها عجيب"، ولها بناءحصين يحميها من الغزاة، صنعت فيه قبة خشبية ضخمة، يجري الصعود على

القبة عن طريق خشبي مسقوف، "فإذا جاء العدو ضموا إليه االجفان" التي بالمرسى، ثم يصعد الرماة ليتصدوا للمهاجمين، ورأى في المدينة جامع مبني بالحجارة، وفيها

الكثير من العنب والرمان الطيب، وسمع أن أحد الجوكية السحره عمل خلطة للقوة (139)على الجماع ممزوجة ببرادة الحديد، إذا أكل منها الرجل أكثر من الحاجة مرض.

ورجع من هناك إلى قالقوط، كما ذكر الدمشقي أن على المعبر )بالد كرورا(، هي "آخر ما ينتهي إليه التجار" وفيه من المدن كرورا، وفيها "بد" مقصود، يأتيه الهنود من مسيرة

سنه،حيث يقومون "بأنواع العبادات"، أما طقوسهم المتبعة، فمنهم "من يلقي بنفسه زحفا.. حتى يصل إليه"، ومنهم من "يلقي بنفسه من قامته على وجه األرض". ومنهم

من يتجه إليه "حتى يصل أو يموت في طريقه"، ومنهم من يظفر شعره قرونا ملفوفة، ويسقيها بالسليط والسمن والدهن، وياخذ خنجرا، ثم يقصد بيت النار ومعه أصحابه

وجمع من السدنة يزحفون إلى النار، فإذا قاربها أخذ النار وأشعل بها قرونه، ثم يقطع جلد بطنه بالخنجر، ويدخل يده إلى كبده، ليخرجه ويلقي نفسه بالنار، فتحرقه النار، فإذا

(140)صار رمادا ذروه في نهر الكنك، وذلك ألن الهنود يقولون بالتناسخ.

وإذا انتقلنا إلى البر الهندي، نجد أن مدينة )قنوج(، التي كانت من أبرز المدن التي اهتم بها مؤلفونا، وهي من أقدم مدن الهند، ولعلها من مهود الحضارة الهندية، ذكرها بطليموس سنة أربعين بعد الميالد باسم قنوجيا، وكانت المملكة التي اتخذتها

عاصمة لها، في زمن هيوين سانغ، تمتد من كشمير إلى أسام، ومن نيبال إلى نريدا، م، مدينة1016وأعجب بها محمود الغزنوي أي إعجاب، فرآها عندما هاجمها سنة

وهي من أهم( 141)تناطح السحاب بحصونها، ومبانيها جديرة بأن تفتخر بأنها ال نظير لها.(142)إمارات الهند، إذ تمتد من السند إلى البنغال.

-180-

اختلف المؤلفون العرب في تقدير موقع قتوج، فهناك من يضعها كعاصمة لمملكة بينما(144) وآخر يحسبها عاصمة ملك بلهرا، كابن سعيد المغربي.(143)بؤرة، كالمسعودي

ذهب القلقشندي إلى أنها قاعدة )لهارو(، وهي بين ذراعي نهر كنك )الغانج(، ونقل عن المهلبي،أنها تبعد عن الملتان حوالي مئتان واثنين وثمانين فرسخا، "وهي مصر

الهند وفيهاأعظم الملوك، وقد بالغ الناس في تعظيمها حتى قالوا: إن بها ثالثمائة سوق للجوهر، ولملكها ألفان وخمسمائة فيل، وفيها الكثير من معادن الذهب، وملكها يسمى

ويشير المقدسي البشاري إلى أن في قنوج جالية مسلمة إال أن الغلبة فيها(145)قنوج. للكفار، أما عن حالتها المعيشية، فبها لحوم كثيرة، ومياه غزيرة، وبساتين، وهي بلد فسيح، ومتاجرها مربحة، وموزها كثير ورخيص، إال أنها قليلة الدقيق، وأهلها يأكلون

األرز، ويلبسون األرز، بينما أكثر حكام المسلمين فيها يأكل الحنطة، وبها جامع وعلماء (146)مسلمين أجالء، يصطاف بها الملوك، عند شدة الحر، وأهلها ذوو "وجوه حسنة".

وركز ابن سعيد المغربي على ما يحيط بها من عبادات للبراهمه، فهي "بين ذراعين من نهر الكنك المعظم عند الهنود" لتصير على شكل جزيرة، وعلى جانبي هذا النهر،

وفي انحداره حتى بحر الهند "قالع البراهمة التي ال ترى، وهم عباد الهند الذين وفي المدينة الفيلة، كثير والكركدنات، ويقال، إن الفلفل(147)ينسبون إلى البرهمن.

(148)في مجاري مياهها، بحيث ال يصل إليه أحد، وتأخذه السيول، حتى يلتقط وينشف

وعندما دخلها ابن بطوطة وجدها"مدينة كبيرة حسنة العمارة، حصينة، رخيصة األسعار وبها جمع من المسلمين،(149)كثيرة السكر، ومنها يحمل إلى دهلي، وعليها سور عظيم

وجماعة من الصلحاء الفضالء وأوالد األشراف من المسلمين، وكأن أميرها "فيروز البدخشاني" من ذرية بهرام صاحب كسرى، يظهر التبعية لسلطان دلهي، أقام بها ابن بطوطة ثالثة أيام، وتابع منها،ومر بجوارها بمدينة )مره( وتنسب إلى )مالوه(، التي هي

على شرق كجرات، فأشار إلى أن أكثر سكان مره )كفار تحت الذمة( وهي حصينة، وبها القمح الطيب "الذي ليس مثله بسواها، ومنها يحمل إلى دهلي.. لم أر قمحا مثله

وأهل هذه المدينة يرجعون بنسبهم إلى )المالوه(، وهي قبيلة( 150)إال بأرض الصين". من قبائل الهنود". وأظهر ابن بطوطة إعجابه بأهلها، رجاال ونساء، فرجالها كبار

األجسام، عظام الخلق، حسان الصور، ولنسائهم الجمال الفائق، وهن مشهورات وزار بعدها مدينة المالوه الرئيسية، فكانت(151)بطيب الخلوة ووفر الحظ من اللذة".

أكثر عمارة في تلك البالد، كثيرة الزراعة، خصوصا القمح،وتحمل من هذه المدينة أوراق التنبول إلى دهلي، التي تبعد عنها أربعة وعشرين يوما، وكانت تابعة حينها

(152)لسلطان دهلي وبها الكثير من المسلمين.

-181-

ومر ابن بطوطة )بدولة آباد(، فاعجب بأهلها وبجمال نسائها، وبخيراتها الكثيرة، وغناها، وتعرف على تنوع أشكال التسلية والطرب والغناء والسمر بين ظهرانيها، فقال

بإعجاب "خص الله نساءهم بالحسن، وخصوصا باألنف والحواجب، ولهن من طيب الخلوة والمعرفة بحركات الجماع ما ليس لغيرهن" واستطرد بالقول: و"كفار" هذه المدينة أصحاب تجارة، وأكثر تجارتهم في الجواهر، وأموالهم طائلة، ويثمر عندهم

وهي من أعظم البالد مجبي، وأكبرها خراجا،( 153)العنب والرمان مرتين في العام. "، لكثرة عمارتها، واتساع عمالتها... وتمتد بمسيرة ثالثة أشهر، وبها "سوق للمغنيين والمغنيات... في أجمل األسواق وأكبرها، فيه الدكاكين الكثيرة... والحانوت مزين

بالفرش، وفي وسطه شكل مهد كبير، تجلس فيه المغنية أو ترقد، وهي مزينة بأنواع الحلي، وجواريها يحركن مهدها". وألمير المطربين قبة عظيمة وسط السوق مفروشة يجلس عليها، وبين يديه خدامه، فتأتي المغنيات طائفة إثر أخرى، بعد صالة العصر من

كل خميس، فيغنين بين يديه، ويرقصن إلى المغرب، وفي السوق نفسه مساجد للصالة، وكان بعض )سالطين الكفار بالهند( ينزل بالقبة إذا مر بالسوق "وتغني

(154)المغنيات بين يديه، وقد فعل ذلك بعض سالطين المسلمين أيضا".

وأما مدينة كشمير، أو "قشمير"، فهي، كما يقول القزويني، ناحية بأرض الهند متاخمة لقوم من الترك، "اختلط نسل الهند بالترك" فيها، وال يخفي إعجابه بأهلها فهم

"أكثر الناس مالحة وحسنا، ويضرب بحسن نسائهم المثل، لهن قامات تامة، وصور ، وروي عن أبي دلف، أن لهم أعياد(155)مستوية، ومالحة كثيرة، وشعور طوال غالظ".

ترتبط "برؤوس األهلة، وفي نزول النيرين شرقها"، وأنهم يعظمون الثريا، ويتخذون (156)من بيت معمول بالحديد )رصدا(، كما انهم ال يذبحون الحيوان، وال يأكلون البيض

ويكمل اإلدريسي الصورة، باإلشارة إلى أن مدينة قشمير، التي اعتبرها تابعة إلى ، وروى بزرك في القرن(157)قنوج، كبيرة حسنة على نهر كبير، كثيرة التجارات

العاشر، عن حسن بن عمرو، أنه رأى جماعة من قشمير األسفل في المنصورة، التي (158)تبعد عنها سبعين يوما في البر، يستعملون نهر مهران للعبور إلى المنصورة.

فسمع منهم أن األرماس )األلماس( الجيد النادر يجلب من نواحيها، ال يستطيع(159)الحصول عليه إال المغامرون، ألنه يوجد في واد مليء باألفاعي.

مدينة دهلي )دلهي(: يصعب أن نجد شيئا مهما عن دلهي، في المصنفات العربية، قبل ابن سعيد المغربي في القرن الثالث عشر الميالدي. ولعل هذا يرتبط بالمعلومات

المتناقلة عنها بعد دخول الغوريين إليها، واتخاذهم لها عاصمة لهم، ثم ازداد ذكرها الحقا، وبلغ التأليف حولها ذروته عند ابن بطوطة كشاهد مباشر على حياة تلك المدينة،

وعند ابن فضل الله العمري مستعينا بما سمعه عنها شفويا أو مكتبيا.

-182-

اكتفى ابن سعيد باإلشارة إليها إثر ذكره لنهرواله )نهرواره( قاعدة كجرات، وجاليور قاعدة ما سماه )العديس( أحد ملوك الهند، والتي يمر بها التجار المسلمون

ثم أشار إلى أن )هندستان( قد فتحها الغوريون،(160)في طريقهم من كنبابةإلى دلهي. وقاعدتها دلهي، وأن "صاحب دلهي في عصرنا، هو أحد مماليك الغوريين، وجنده أتراك

وهو ما يظهر أن غالبية، أهل دلهي ظلت على الهندوسية،(161)والرعايا كفار هنود". وبقي اإلسالم محصورا بالنخبة الحاكمة، وبالجيش واإل دارة، فبقي في دلهي دين

الحكام. وقدم ابن بطوطة والعمري صورتين متكاملتين عن دلهي في القرن الرابع عشر، األول اعتمد على المشاهدة، والثاني على عملة المكتبي، وما سمعه من المسافرين،

والرحالة والزوار، وقد وصفوها في زمن السلطان محمد بن طغلق شاه، أحد سالطينالمماليك القطبية الغورية.

يتفق اإلثنان على أن دلهي تتكون في اتساعها على العديد من المدن، فهي عند العمري "مدائن جمعت مدينة ولكل واحدة اسم معروف، وإنما دلهي واحدة منها، يكون دور عمرانها أربعين ميال، بناؤها بالحجر واآلجر، وسقوفها باألخشاب وأرضها

مفروشة بحجر أبيض كالرخام، وال يبقى بها أكثر من طبقتين... وال يفرش بالرخام إال وهي عند ابن بطوطة كبيرة المساحة،(162)السلطان... وهي إحدى وعشرين مدينة".

كثيرة العمران "وهي اآلن أربع مدن" متجاورات متصالت، إحداهما تسمى دهلي، "وهي القديمة من بناء الكفار"، أما الثانية فتسمى )سيري(، وبها كان سكنى السلطان عالء الدين وابنه، والثالثة "تمسى آباد" فبناها السلطان تغلف أبو السلطان الذي قدم عليه ابن بطوطة، والرابعة تسمى )جهان(، وهي الخاصة بسكن السلطان محمد شاه ملك الهند مضيف ابن بطوطة، فهناك المدينة القديمة التي يبدو أنه يسكنها الهندوس، هناك االحياء الجديدة الثالثة التي بناها سالطين الغوريين وأسالفهم من السالطين، ثم أن الملك محمد شاه أراد أن يجمع تلك المدن األربع فبنى سورا أحاطها به، والسور

المحيط بمدينة دلهي ال يوجد له نظير، عرض حائطة أحد عشر ذراعا". يسكنه حراس األبواب، وفيه مخازن الطعام، والعدد، ومخازن المنجنيق، فيمشي داخل السور

الفرسان والرجال وفيه طرق مفتوحة.. وأسفله مبني بالحجارة، واعاله باآلجر، وله(163)أبراج كبيرة، وبه ثمانية وعشرون بابا.

-183-

الشرق شعوب صورة16م– األقصى

وأثار انتباه االثنين جامع دلهي الكبير، ومئذنته التي اليوجد " على بسيط األرض ، والجامع هائل المساحة،" مبني بالحجارة(164)لها شبيه في سمكها وارتفاعها".

المنحوتة في أبدع نحت، وملصقة بالرصاص أتقن إلصاق" وفيه ثالث عشرة قبة من حجارة، وأربعة صحون، وفي وسطه عمود هائل ال يدرى من أي معادن هو، وفي

صحنه الشمالي صومعة "ال نظير لها في بالد اإلسالم" مبنية بالحجارة الحمراء، بناها السطان معز الدين الناصر.. وهي "من عجائب الدنيا في ضخامتها، وسعة ممرها،

ونعلم من ابن بطوطة أن هذا الجامع كان(165)بحيث تصعده ثالثة من الفيلة متقارنة". باألصل )بيت األصنام(، فتم البناء عليه وتجديده، كما يوجد خارج دلهي، "الحوض

االعظم" المنسوب إلى السلطان شمس الدين لمش، ومنه يشرب أهل المدينة،، وطوله نحو ميلين وعرضة ميل، ومصدر مائه ماء المطر، وجهته الغربية مبنية من

الحجارة، فيها مجلس للمتنزهين، أما شراب السلطان والخاصة، فهو من حوض أكبر مبني ما بين مدينة دلهي )القديمة(، ومدينة )سيري( أو "دار الخالفة"، وهو أكبر من

حوض السلطان شمس الدين، وعلى جوانبه أربعين قبة، ويسكن حوله أهل الطرب، وفيها ألف(166)وموضعهم يسمى "طرب آباد"، ولدى دلهي سوق من أعظم األسواق.

مدرسة، ونحو سبعين مارستانا، وتسمى )دور الشفاء(، وفيها األسواق، والحمامات وأما سكن السلطان، فهو بمدينة(167)الكثيرة، والعديد من الخوانق )مكان الصوفية(

جيهان، وبها قصوره ومنازله، والسيما "سكنه وسكن حريمه، ومقاصير جواريه، وحظاياه، وبيوت خدمه ومماليكه، ال يسكن معه أحد من الخانات، وال من األمراء، وال

(168)يكون به أحد منهم إال إذا أحضروا للخدمة، ثم ينصرف كل واحد إلى بيته".

فالمدينة الهندية، إضافة إلى غناها، وتألق الحياة فيها، فهي مدينة منظمة منسقة، يبدو فيها كل شيء وكانه في مكانه الصحيح، هذا ما نجده في دهلي بشكل بارز، وأيضا في قنوج، والمنصوره، وغيرهما، وناسها متألقون ال يفتقرون إلى الجمال والكياسة. فنحن

هنا،وأيضا في الصين، في مسرح الحضارة، وزخرف المدنية. ودلهي،كما صوروها، مدينة تعج بالخدم والرقيق، لخدمه الخاصة، ولكثرة ما يتجمع فيها من هؤالء، تنزل

أسعارهم، لدرجة "أن الجارية الخادمة ال يتعدى ثمنها بمدينة دهلي ثمان تنكات )تنكة الفضة ثمانية دراهم(، واللواتي يصلحن للخدمة والفراش خمس عشرة تنكة، أما في

غير دهلي، فإنهن أرخص من هذه األثمان"، أما العبد فيمكن أن يصل سعره إلى أربعة فكانت وحدتهم النقدية )التنكة(، والتنكة الحمراء، ثالثة مثاقيل، والتنكة(169)دراهم.

النقرة، وهي الفضية ثمانية دراهم الشنكانة، وهو وزن الدرهم النقرة معاملة مصر والشام. ويعادل أربعة دراهم سلطانية. ويستعملون )السير( كوحدة وزن تعادل رطل،

وسعر المن )وهو وحدة قياس وزن( من القمح نصف درهم هشتاني، ومثله من الشعير بدرهم واحد، واألرز بدرهم ونصف، والحمص كل منين بدرهم وكل ستة أسيار )أرطال( من لحم البقر والمعز بدرهم سلطاني، أما الغنم فكل أربعة )أسبار( بدرهم

وأظهر العمري(170)سلطاني، ورأس الغنم الجيد بتنكة واحدة، وكل أربعة طيور بدرهم. إعجابه بأهل دلهي اعتمادا على مشاهدات )الشبلي( الذي قال له: "إن أهل دهلي أهل

ذكاء وفطنة، فصحاء في اللسان الفارسي والهندي، ومنهم من ينظم الشعر العربي

-184-

(171)ويجيد فيه النظم."

السلطة ونظام الملك تداخل لدى المصنفين العرب تأسيس مملكة الهند ووحدتها تحت قيادة عاهل واحد، بزمن البدايات األسطوري الذي يمتزج فيه الخارق من األحداث بالعادي،فغدا عندهم البراهما مؤسسسا للحكمة والدين الهنديين، ومؤسسسا،في الوقت نفسه،

لبناء الدولة الهندية ولوحدة الهند، وربما لم تكن التجربة النبوية في بناء الدولة العربية اإلسالمية، بعيدة عن هذه الصورة، طالما أنهم لم يستبعدوا أن يكون براهما رسوال من

الله، فذكروا "وقد تنوزع في البرهمن: فمنهم من زعم أنه آدم عليه السالم، وأنه ، وإذا لم يكن(172)رسول الله عز وجل إلى الهند، ومنهم من يقول: أنه كان ملكا"

براهما رسوال، فهو مؤسس العلوم، التي اقتبستها األمم االخرى، بما فيها اليونان والفرس عنه، فهو "أول من تكلم في النجوم، وأخذ عنه علمها، والكتاب األول الذي

فتقلد الهنود،تبعا لهذا(173)يسميه الهند "السند والهند"، منه أخذ اليونان علومهم" التصور، تاج الحكمة، وأفاضوا به على األخرين، "والهند أصحاب حكمة ونظر يفوقون

الناس في كل حكمة، فقولهم في النجوم أصح األقاويل، وكتابهم... )السند والهند( الذي منه اشتق كل علم من العلوم، مما تكلم فيه اليونان والفرس وغيرهم.. )كما

في( قولهم في الطب... وأسماء العقاقير، ولهم غير ذلك من كتب الطب، ولهم في ولخص الحميري السردية(174)المنطق والفلسفة، كتب كثيرة في أصول العلم".

التاريخية عن زمن البدايات تلك، بقوله: ومملكة الهند عند جميع ملوك الكفار، بإجماع منهم، مملكة الحكمة، والحكمة من الهند مبدؤها، وزعموا انهم أول من ضم المملكة

وضموا إليها ملكا، وأولهم البرهمن األكبر، وهو الذي أظهر الحكمة وطبع السيوف وآالت الحرب وصور األفالك، وأشار إلى المبدأ األول، وذلك هو كتاب "السند هند" أي

(175)دهر الدهور، ومنه فرعت الكتب، المجسطي وغيره".

فقد كانت الهند، كما ذهب المسعودي، "الفرقة التي فيها الصالح والحكمة"، ولكن لما تجيلت األجيال، وتحزبت األحزاب، حاولت الهند "ان تضم المملكة، وتستولي

على الحوزة، وتكون الرياسة فيها". فاجتمع حكماؤها فقرروا الوحدة "ونصبت لها ملكا، وهو البرهمن األكبر، والملك األعظم، واإلمام فيها المقدم، وظهر في أيامه

الحكمة، وتقدمت العلماء، واستخرجوا الحديد من المعادن، وضربت السيوف والخناجر.. وأرى بالصورة أفعال الكواكب في هذا العالم وإحداثها لألشخاص الحيوانية،

من الناطقة غيرها، وبين حال المدبر األعظم الذي هو الشمس، وأثبت في كتابه وتعاقبت من ساللة براهما ملوك الهند، وأوالده "يعرفون(176)البراهن جميع ذلك"،

بالبراهمة إلى وقتنا، والهند تعظمهم، وهم أعلى أجناسهم وأشرفهم، وفي رقاب الرجال والنساء منهم خيوط صفر،يتقلدون بها كحمائل السيوف، فرقا بينهم وبين

(177)غيرهم من أنواع الهند".

-185-

وحرص مؤلفونا على تتبع ما تعاقب عليهم من ملوك، التبس فيما قدموه الخيال بالواقع، فعقب سلسلة من الملوك العظام تفككت الهند، ثم أتى ملوك آخرون أعادوا وحدة الملك والسلطان، فبعد)براهمن( ملك الهند ابنه )الباهبود(، ودام ملكه مائة عام،

اقتدى خاللها بأسلوب أبيه، وفي أيامه عمل )النرد(، وجعل ذلك مثاال للمكاسب، التي وذهب اليعقوبي، إلى أن الهند بعد موته، أصابها(178)يجب أن تأتي بالحذق، ال بالحيل.

االضطراب، فقامت ممالك متفرقة في البالد،" لكل طائفة مملكة". وبما أن أهل الهند أصحاب " حكمة ومعرفة وعقول مجازون )متفوقون(، مقدار غيرهم من األمم، فاجمعوا

بينما ذهب(179)على تمليك رجل واحد فملكوا )زارح(، فكان عظيم الشان والقدر". المسعودي والنويري، أن )زامان هو من خلف )الباهبود(، فكان ملكه مائة وخمسين

سنة، وأعقبه، الملك )فور(، وهو الذي واقعه االسكندر، وقتله مبارزه، وسلم الملك من بعده،لدبشليم، الذي وضع كتاب )كليلة ودمنة(، ثم ملك بعده )بلهيت(، الذي وضع

الشطرنج، فقضى بلعبها على النرد،" وبه الظفر الذي يناله الحازم، والبلبلة التي تلحق الجاهل" ورتب كتابا للهند يعرف بطريق )جنكا(، ثم ملك بعده )كورش( فأحدث للهند آراء

(180)في الديانات".

وعقب سلسلة هؤالء الملوك العظام، الذين أسسوا ملك الهند ووحدتها، وأيضا مذاهبها، ضرب الهند االختالف واستقلت المقاطعات وتمزق الملك، "فلما هلك هذا الملك )كورش( اختلفت الهند في آرائها، فتحزبت األحزاب، وتجيلت األجيال، وانفرد

كل رئيس بناحية، فملك على أرض السند ملك، وملك على أرض القنوح ملك، وتملك على أرض قشمير ملك، وتملك على مدينة المانكير، وهي الحوزة الكبرى، ملك يسمى

(181)البلهرا، وهذا أول ملك سمي من ملوكهم البلهرا، فصارت سمة لمن طرأ بعده".

وروى النويري،" أن مدة اجتماع كلمة بالد الهند على ملك واحد على هذا الحكم نحو من ألف سنة وستة وستين سنة، وعلى قول آخر ألف سنة ومائة سنة وستة عشر

(182)سنة... وعدة ملوكهم سبعة ملوك". وأشار اليعقوبي إلى أبرز هؤالء الملوك، قائال إن للهند "ممالك مختلفة، وملوك متفرقة لسعة البالد في طوله وعرضه، وأن أول

ملوكهم مما يتاخم البالد التي هي اليوم في دار اإلسالم، "دانق" وهو ملك عظيم القدر، واسع الملك كثير العدد، ثم بعده )رهمي( وهو أعظم قدرا، وأعز بالدا وهو على بحر من البحور، وفي بالده الذهب.. ثم مملكة )بلهرى ملك الكمكم(، ومن عندهم يأتي الساج، ولهم اتساع البالد، ثم مملكة الطافن وهم قوم بيض الوجوه، ثم مملكة كنبابة، ومملكة )الطرسول(، ومملكة )الموشه(، وملكة )المايد(، وهذه الممالك تتاخم الصين،

ثم مملكة سرنديب، ثم ملكة )قمار( ثم مملكة )الديبل(، ثم الفاريط، ثم مملكة ، إال أن هذا التمزق،لم يمنع أن يكون ملك بلهرا، هو األبرز بين ملوك(183)الصلمان

الهند،واألكثر مهابة،لدرجة أنه صار يلقب بملك ملوك الهند، ولم يخف العرب في كلماكتبوه، عن الهند، إعجابهم بحكمته وبقوته.

-186-

ملك بلهرا: هكذا أصبح ملوك الهند كثر، ولعل عددهم تساوى مع عدد األقاليم التي تخيلوا انقسام الهند لها، فهناك السند والبنغال، وقنوج، وسلطان مليبار،

والموالين له من سالطين الشاطئ، الذين تعرف عليهم ابن بطوطة، وفوق الجميع سلطان دلهي، وهناك كشمير، وكجرات. وعلى تعدد هؤالء الملوك، تظل المكانة

األولى لملك الملوك )ملك بلهرا(، قبل ان ترتفع مكانة دلهي وسلطانها في زمنالحكم اإلسالمي إذ أقر الملوك اآلخرين بالتبعية اإلسمية له،.

وعلى أهمية ملك بلهرا في نظر مؤلفينا، إال النصوص العربية الوسيطة ال تسمح بالتعرف على تخوم ملكه، وال على عاصمته على وجه التحديد، رأى بعضهم أنها قنوح،

وبعضهم اآلخر )منكير( ولعلها )ملخد( جنوب حيدر آباد اليوم، وبلهرا هو اسم مملكة وذكر رينو أن هذا االسم محرف عن )مالفا - داي(184)ولقب ملك في الوقت نفسه.

Malva – dayومعناها ملك مالفا، وهو اسم يطلق على الشاطئ الممتد بين كجرات ) وجزر كنبابة.. ولعل علو مكانته بنظر العرب ناتجة عن الصالت العميقة التي ربطت

التجار العرب ببالده، ولرعايته الدؤوبة لهؤالء التجار، وللجاالت العربية اإلسالمية علىشواطئ بالده، في مليبار.

وأشار ابن رسته، بالتوافق مع ابن خرداذبه،إلى أن "معنى بلهرا أنه ملك ملوك الهند، وهو في بالده يقال له الكمكم.. وبالده بالد الساج، ومنها يجلب، وهو ملك واسع

المملكة، كثير الجيش، ومن حوله من الملوك يصلون )يخضعون( له، ومن ورد من ونبهنا المسعودي(185)رسله على هؤالء الملوك الذين حوله صلوا له إعظاما لصاحبه".

إلى أن "أعظم ملوك الهند في وقتنا هذا البلهري، صاحب مدينة المانكير... وأن بين دار ملكه وبين البحر مسيرة ثمانين فرسخا سندية، والفرسخ ثمانية أميال، وله جيوش

ولعل الملك(186)وفيلة ال تدرك كثرتها وأكثر جيوشه رجاله، ألن دار ملكه بين الجبال". الذي زعم )ابن عبد ربه( أنه أرسل رسوال إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز، هو ملك

بلهرا هذا، والذي صور المؤلف العربي مكانته من خالل سرده لرسالته، والتي جاء فيها "من ملك األمالك الذي هو ابن ألف ملك، والذي تحته ألف ملك، والذي في مربطه

وادعى ابن عبد(187)ألف فيل، والذي له نهران ينبتان العود واأللوة والجوز والكافور". ربه أن هذا الملك العظيم، طلب من الرشيد إرسال من يعلمه مبادئ اإلسالم، فقبالة

عظمة الملك، والحضارة، والقوة التي تتمتع بها الهند، يوجد في ديار اإلسالممايضاهيها، وهو الدين اإلسالمي، خاتم الرساالت والوحي، وفيه اكتمل الدين الحق!

-187-

وقد أفصح ابن سعيد المغربي عن مكانة هذا الملك الراجحة على ملوك الهند كافة، "وهذه المملكة عندهم أعظم ممالك الهند، ولصاحبها يدين سائر ملوكهم، وفيها

الفيلة الكثيرة، والكركدنات التي تقطع الطرق... ويقال أن الفلفل ينبت في مجاري وذهب اإلدريسي إلى أن لملك( 188)مياهها بحيث ال يصل إليها أحد... فيلتقط وينشف".

بلهرا العظيم، " جيش، وفيلة" وأن "عبادته صنم البد، وهو يحمل تاج الذهب على رأسه، ومن عادات(189)ويلبس الحلل المنسوجة من الذهب ويركب الخيل في سائر األيام".

هذا الملك أيضا أنه "يركب في كل جمعة مرة، ويركب نحو مائة امرأة وال يمشي معه سواهن، وهن يلبسن القراطق الذهبية ويحلين بأحسن الحلي، ويحتملن األساور من

الذهب والفضة في أيديهن وأرجلهن، والملك يتقدمهن، وأما جملة وزرائه وعظماء(190)رجاله، فال يركبون معه إال إذا خرج محاربا".

ملك دهمي: أو دهم،وأطلق عليه ابن خرداذبة اسم )رهمي(، ويعتقد أنه في البنغال’ وأشادوا بقوة جيشه ووفرة ثروة بالده، إذ "له جيش جرار تزيد عدته على

ثالثمائة ألف، وال يخرج إال في الشتاء، لئال تقصر المياه عن حاجته" وفي بالده "القطن الجيد الذي ال يكون في غيرها مثله، ومنه تتخذ المناديل... وغيرها من الثياب" ولهذا

الملك "بالد كثيرة" وفيها مدينة كبيرة، فيها "سوق واسعة، وفيها من الحيوانات الكركدن والبقر"، والسكان هناك "يتعاملون بالذهب والودع، إال أن الودع عندهم

وأبدى السيرافي إعجابه بصناعة الثياب والنسيج في بالد دهمي قائال: "وفي(191)أروج". بالده الثياب التي ليس ألحد مثلها، يدخل الثوب منها في حلقة خاتم، دقة وحسنا، وهو

(192)من القطن".

ولعل الرسالة، والتي حفظها ابن الزبير )الخامس الهجري(، من هذا الملك إلى المأمون، تعكس المتخيل العربي عن مكانة هذا الملك، وقوته وغناه، وعدله في رعيته،

والتي جاء فيها، "من دهمي ملك الهند، وعظيم أركان المشرق، وصاحب بيت الذهب وأركان الياقوت، وفرش الدر، الذي قصره مبني من العود الطب... والذي في خزانته

ألف تاج من الجوهر... والذي يسجد له إمام البد االكبر، الذي وزنه ألف ألف مثقال من الذهب، وعليه الف حجر من الياقوت والدر، والذي يركب في يوم السعادة وعلى رأسه

التاج في ألف موكب، كل موكب له دابة مكللة بالدر، وتحتها ألف فارس معلمين بالحرير والذهب، والذي في مربطه ألف فيل أبيض خزائمها أعنة الذهب، والذي يأكل في

صحائف الجوهر على موائد الدر.. والذي يستحي من الله أن يراه خائنا له في رعيته بعد(193)أن استكفاه األمانة عليهم، والرئاسة على أهل مملكته".

الملك داهر: وهو ملك السند، قبل أن يبسط العرب سيطرتهم عليه أيام محمد بن القاسم، وكان أول الملوك الهنود الذي اصطدم بهم العرب، وذكره يمأل الصفحات في

المؤلفات التاريخية، و كان تحت سيطرته مدن هندية مقدسة ال سيما الملتان وسومنات،. وامتاز هذا الملك، بنظر العرب، بالقوة، فهو يستعمل الفيلة في الحرب، كعادة ملوك

الهند، وبثروته الهائلة، وبإشرافه على المعابد المقدسة، وقال عنه اليعقوبي "كان صاحب(194)جيش عظيم، يعتمد في زحفه على الفيلة".

-188-

ملك الصيلمان: يمتاز هذا الملك بالقوة، والشجاعة نقل ابن رسته عن الرحالة محمد بن اسحاق، أن جيشه يبلغ "نحو سبعين ألفا، وله فيلة قليلة إال أن الهند يقولون

وبالده بجوار قمار(195)أن فيلة الصيلمان أجرأ على القتال من جميع فيلة الهند")كمبودية(.

ملك الرا: أو الراي، والناحية التي هو فيها، كما يقول بزرك، هي بين قشمير األعلى وقشمير األسفل، وكان يسمى مهروك بن رائق، راسل، حسب بزرك، ملك

المنصورة العربي في سنة مائتين وسبعين هجرية "ليسأله أن يفسر له شريعة اإلسالم بالهندية"، فأرسل له ملك المنصورة رجال أصله من العراق "حسن الفهم شاعرا، قد

نشأ ببالد الهند، عرف لغاتهم على اختالفها" فكتب هذا األخير قصيدة إلى ملك الرا عرفه فيها باإلسالم، فاستحسنها الملك، فطلب قدومه، فأتى الرجل إليه وأقام في

بالده ثالثين سنة، ثم تركه "وقد أسلم قلبه" لكنه، أخفى إسالمه عن رعيته "خوفا من(196)بطالن أمره وذهاب ملكه".

ملك طرسول: وأهل مملكته كثر، "ومدائنه كثيرة، وهم بيض، ولهم شعور طويلة(197)يسدلونها، ولهم خيل كثيرة ودواب، ومملكته واسعة".

ملك قنوج: وقد أشاد اإلدريسي بقوته وثرائه فهو "كثير الرجال والفيلة عظيم المملكة شامخ الملك، وليس في ملوك الهند في البرية ملك عنده من الفيلة ماعنده

(198)منها، وله همة عالية وعنده عدد، وأسلحة وأموال، وسطوته مهابة على من يليه".

وأن لهذا الملك جيشا عظيما، يتألف من جيوش أربعة على مهاب الريح األربعة، وكل جيش منها سبعمائة ألف، وقيل: تسعمائة ألف" ويبلغ عدد مدن بالده وقراه "الف

(199)ألف، وثمانمائة ألف قرية بين أنهار وشجر وجبال وحروج".

ولقد مر معنا العديد من )ملوك المدن( على ساحل مليبار، وساحل كروماندل، اشتهرت مدنهم كمحطات تجارية كبرى كان للعرب صالت تجارية مباشرة بها، ونقلوا

منها التجارة األفاوية والنسيج، وعندما مر ابن بطوطة بهذه المدن، الحظ وجود ماال يقل عن تسعة ملوك على ساحل مليبار، يتبعون سلطان مليبار، المعين بدوره من

سلطان دلهي الكبير. ولم يخل عرض المصنفين العرب لحال هؤالء الملوك من اإلعجاب بقوتهم،

وبثرائهم، وحكمتهم، وعدالتهم، بل رفعوا،أحيانا،من مستوى حكمة هؤالء الملوك إلى درجة لم تبلغها أمة أخرى، وهو ما عبر عنه المسعودي بوضوح، "والهند في عقولهم

وسياساتهم وحكمتهم وألوانهم وصفاتهم، وصحة أمزجتهم، وصفاء أذهانهم، ودقة وعلى الرغم من ذلك، فإن(200)نظراتهم، بخالف سائر السودان.. وسائر األجناس"

إعجابهم هذا لم يكن على درجة واحدة تجاه تقاليدهم، فهناك من العادات ما أثارتاستغرابهم، وأحيانا استهجانهم.

-189-

الحظ التجار العرب، ورحالتهم، أن "الهند ال تملك الملك عليها حتى يبلغ من ولعل هذا مرده إلى حرصهم أن يبلغ الملك سن الحكمة،(201)عمره أربعين سنة".

وعندما تحدث اإلدريسي عن حكم ملوك الهند، وصفه بالعدل، حتى غدا "بسط العدل في أهل الهند طبيعة هؤالء، ال يعولون على شيء سواه لفضل عدالتهم وحفظ عقودهم وحسن سيرهم، ذكروا أنهم وجملة أهل تلك البالد في خير... وبالدهم

(202)وأحوالهم راجحة وادعة".

وهذا العدل يمتزج عند ملوكهم بالحكمة الفائقة، روى المسعودي، أن االسكندر الكبير. "بلغه أن في أقاصي أراضي الهند ملكا من ملوكهم ذا حكمة وسياسة وديانة وإنصاف الرعية، وأن ليس بأرض الهند من فالسفتهم وحكمائهم مثله، يقال له كند،

وكان قاهرا لنفسه، مميتا لصفاته الشهوية والغضبية، حامال لها على خلق كريم". واجتمع لهذا الملك أشياء ال تجتمع عند غيره، ومن ذلك "ابنة له، لم تطلع الشمس

(203)على أحسن صورة لها، وفيلسوف يخبرك بمرادك، وطبيب ال تخشى معه دواء".

فأرسل إليه االسكندر وفدا للتقصي، فاكتشفوا، أن في مجلسه يجتمع بالحكماء، وحضر هذا الوفد مجلسا له، "فلما أخذت الحكماء" مراتبها، واستقرت في مجالسها،

أقبل عليهم مباحثا لهم في أصول الفلسفة والكالم في الطبيعات وما فوقها من وأن ما اكتشفه االسكندر من حكمة هذا الملك، جعله ينظر بإجالل(204)اإللهيات، ".

واحترام إلى الهند وحكمتها. ومن قواعد الملك، التي حكمت تنصيب الملوك، هو أن الملك متوارث من ساللة

ثابته ال يحيد عنها "فأهل بيت المملكة في كل مملكة أهل بيت واحد، ال يخرج عنهم الملك "، وهذه قاعدة متبعة على كل مهنة في الصين "فأهل الكتابة والطب بيوتات ال

وتنسحب هذه القاعدة أيضا،على "بيوت الوزراء(205)تكون الصناعات إال فيهم". ، وقد ترتب على ذلك "إذا غلب ملك على مملكة(206)والقضاة،وسائر أرباب المراتب"،

ولي عليها رجال من أهل بيت الملك المغلوب، ويكون من تحت يديه، إذ ال يرضى أهل وينتج عن صفة العدل والحكمة، صفة أخرى، وهي امتناع(207)تلك الممكمة إال بذلك".

الملوك عن شرب الخمر كي ال تذهل عقولهم، وقد أشار ابن خرداذبة، إلى ذلك بقوله: "وملوك الهند يبيحون الزنا، ويحرمون الشراب، إال ملك قمار فإنه يحرم الزنا

وعلل النويري األمر بأن "ملكهم متى شرب الشراب فقد استحق(208)والشراب". وذهب السيرافي إلى أبعد من ذلك، إذا عمم هذه العادة على الهنود(209)الخلع".

جميعا، وليس لذلك مصدر في الدين بل في الحكمة، فأهل الهند "ال يشربون الشراب، وال يأكلون الخل ألنه من الشراب، وليس ذلك دين، ولكنه أنفه، ويقولون: أي

ملك يشرب الشراب فليس يملك... ويقولون: كيف يدير أمر ملكه من هو سكران،(210)وربما قتلوا الملك".

-190-

وهناك قاعدة، شبه عامة، يتقيد بها الملوك بعالقتهم مع الرعية، وهي التزامهم بالعزلة عنهم، وتترافق هذه العزلة بطقوس خاصة، ويرجعون ذلك إلى رغبة هؤالء

الملوك باالحتفاظ بمهابتهم، وهي تتشابه في ذلك مع عادات ملوك الصين، "وال تكاد ملوكهم تظهر لعوامهم إال في برهة معلومة من الزمان، ويكون ظهور الملك للنظر في

ويعلل المسعودي ذلك االحتجاب "ألن في نظر العوام عندها )عند(111)أمور الرعية".(112)الهند( إلى ملوكها خرقا لهيبتها، واستخفافا بحقها".

غير أن من أألمور التى أثار استغراب العرب، هو دأب الهنود على حرق ملوكهم بعد الموت، ومشاركة فريق من رجاله المخلصين مصيره هذا، وهم أحياء، في طقوس

محددة، ويسمون هؤالء الخلصاء بالبالنجريه، أو البالوجرية، "فإذا مات الملك منق خلق من الناس أنفسهم لموته، يدعون هؤالء )البالنجريه(. ملوكهم أو قتل نفسه، حر

وأسهب المصنفون العرب في وصف الطقوس واآلليات المرافقة لهذا التقليد، إذ(213) تحدث أوائل الرحالة العرب: بزرك، والسيرافي على أن ملك الهند، ماأن يقعد للملك،

حتى ينتدب من أصحابه ما يقارب الثالثمائة إلى األربعمائة،" باختيارهم ألنفسهم ال باإلكراه من الملك لهم"، فيقدم لهم أرزا مطبوخا "على ورق موز"، ويطعمهم األرز بعد أن يأكل معهم، متقربا من كل رجل منهم على حده، "فيأخذ )الرجل( منه شيئا

يسيرا فيأكله، فيلزم كل من أكل من هذا الرز إذا مات الملك أو قتل، أن يحرقوا فتناول األرز جزء أساسي(214)أنفسهم بالنار عن آخرهم، في اليوم الذي مات فيه".

من هذا الطقس، وهو تعبير رمزي على المعاهدة، وأضاف بزرك إلى الرز المقدم على ورق الموز، وطقوس أخرى، فالملك "يعطيهم األرز بيده"، ويعطيهم التنبول )طعمه كطعم القرنفل( بيده، فيقطع كل واحد منهم الخنصر من أصابعه، ويضعها بين يديه

)أي بين يدي الملك(، ثم يكونون معه حيث ملك يأكلون بأكله ويشربون شربه... فإذا(215)مات قتلوا أنفسهم، وإن أحرق نفسه أحرقوا أنفسهم، وإن مرض عذبوا أنفسهم".

أما(216)وأرجعوا هيمنة هذا العادة، "لقولهم بالتناسخ، وتمكنه في قلوبهم". اإلدريسي وابن رسته، فربطا هذا الطقس )أي حرق الملك الميت(، بطقس آخر، إذ أنهم قبل أن يحرقوا جثة الملك يضعوها على عجلة ويطاف بها على المدينة، يجرها

عبيده ورأسه مكشوف )وشعره ينجر على تراب األرض(. وينادي مناد "هذا ملككم فالن ابن فالن... ها هو قد مات... ال يملك من ملكه شيئا وال يدفع عن جسمه أذى، ففكروا

فيما أنتم صائرون إليه". وبعد ذلك، يقربون الجثة إلى مكان النار، التي من عادتهم "أن(217)يحرقوا بها موتى ملوكهم، فيلقونه في النار حتى يحترق".

-191-

ورى السيرافي أنه في بالد الهند، إذا ادعى رجل على آخر دعوى، توجب عل فاعلها القتل، يطلب القاضي من المدعى عليه أن يدخل في اختبار تحمل حماوة النار،

"فتحمى حديدة إحماء شديدا" ثم يطلب منه أن يبسط يده، فتوضع على يده سبع وريقات من ورق الشجر، بعدها، "توضع على يده الحديدة فوق الورق، ثم يمشي بها

مقبال ومدبرا" فإن لم يظهر على يده أثر، فقد تخلص من القتل ومن الدعوى المقدمة ضده، ويغرم من ادعى عليه "منا من الذهب يقبضه السلطان نفسه"، وربما تعرض

الختبار أن يتناول خاتما من ماء مغلي، فإن تناول الخاتم دون أن تصاب يده بسوء أما عقوبة السارق عندهم فهي قاسية للغاية، إذ يؤتى بخشبة(218)بري. وغرم المدعي.

بينما(219)طويلة حادة من طرفها "ثم يقعد عليها على أسته حتى تخرج من حلقة". ربط بزرك عقوبة السارق، بالمكانة االجتماعية، فلم يكن خافيا على العرب )نظام

الطبقات( التراتبي في الهند، فمنذ وقت مبكر، أشار ابن خرداذبة، إلى أن "الهند سبعة أجناس الشاكرية، وهم أشرافها، فيهم الملك، تسجد االجناس كلها لهم وال يسجدون

ألحد، والبراهمة وهم اليشربون الخمر واألنبذة، والكسترية... ال تزوجهن البراهمة ويتزوجون فيهم، والشودرية وهم أصحاب زراعة، والبيشية وهم أصحاب صناعات

ومهن، والسندالية وهم أصحاب اللهو واللحن، وفي نسائهم الجمال، والذنبية، وهم وعلى هذا، ذكر بزرك أنه: "إذا سرق الهند ي(220)سمر أصحاب لهو ومعارف ولعب".

في بالد الهند قتله الملك، إذا كان هنديا وضيعا أو ال مال له، وإذا كان له مال أخذ إال أن ملوك الهند تركوا للمسلمين رد خالفاتهم إلى قاضيهم،(221)الملك ماله بأسره".

يسمى هنرمن" فإن سرق مسلم ببالد الهند رد الحكم في أمره إلى )هنرمن( المسلمين، ليعمل فيه بما يوجب حكم اإلسالم... وال يكون الهنرمن إال من

كما أن "هؤالء الملوك جميعا يرون الزنا مباحا، غير أن من أحصن(222)المسلمين". وعقوباتهم على(223)منهم بأمرأة، فعرض لها عارض، وزنيا قتل الرجل والمرأة".

محتسي الخمر شديدة، لدرجة أن أحد ملوكهم،يعاقب من "شرب الخمر من قواد جيشه فعقوبته أن تحمى مائة حلقة من حديد بالنار ثم توضع على يديه، فربما هلك

(224)فيه".

-192-

وهذا الحكم له عالقة(225)ومن أحكام ملوك الهند "أن من ذبح بقرة يقتل بها". بتقديس الهنود لها، وهو أمر عرفه العرب، واختبر ابن بطوطة هذا األمر، ووجد أنهم ال

يجيزون ذبحها "وجزاء من ذبحها عندهم، أن يخاط في جلدها ويحرق، وذلك ألنهم "يعظمون البقر ويشربون أبوالها للبركة، وإلستشفاء إذا مرضوا، ويلطخون بيوتهم

وتعرض البيروني، من خالل مشاهداته عن قرب، إلى طرق(226)وحيطانهم بأوراثها" المقاضاة عندهم، وإلى العديد من األحكام والعقوبات، فالقاضي الهندي يطلب من

المدعي الكتاب المكتوب على المدعي عليه، أي وثائق االتفاق بينهما، والبينة المثبتة بوثيقة مكتوبة، فإن لم توجد "فالشهود بغير

كتاب، وال أقل في عددهم عن أربعة فما فوق، إال أن تكون عدالة الشاهد مقررة عند من غير أن يترك التجسس في السر(227)القاضي، فيقطع الحكم بها بشهادة الواحد".

واالستدالل بالعالمات، وقياس بعض ما يظهر له إلى بعض، واالحتيال الستنباط فإذا(228)الحقيقة، وهو يشبهه ذلك بما كان يفعله في بالد العرب )إياس بن معاوية(.

عجز المدعي عن إقامة البينة لزم المنكر اليمين... واإليمان أنواع كثيرة تتعلق بأهمية الدعوى، فإذا كان الشيء يسير اكتفى بالقول: إن كنت كاذبا فله من ثواب أعمالي ما

يساوي ثمانية أضعاف، وإن كان مقدار الدعوى أقوى من ذلك، يشرب بعد أدائه اليمين شراب "البيش" فإن كان صادقا، يعتقدون أنه لن يضره، وإن كان األمر فوق ذلك

ألقي في ماء شديد الجريان، يعتقدون إن كان صادقا لن يصيبه ضرر، وإن كان فوق ذلك، قاده القاضي إلى صنم المدينة، فيصوم المنكر ذلك اليوم، ثم يلبس ثيابا جديدة،

وفي الغد يقف مع خصمه، فيصب السدنة على الصنم ماء ويسقونه إياه "فإن كان كاذبا قاء الدم من ساعته". وإن كان فوق ذلك، غلوا السمن والدهن في قدر ثم القوا

(229)قصعة ذهب فيه ويقوم المنكر بإخراجها، فإن كان محقا أخرجها سالما.

وأشار البيروني إلى أن عقوباتهم تتأثر بموقع المتهم في الهرم الطبقي الذي يتكون بالترتيب من حيث األهمية من :البراهمة، كشتر، إلى بيش ثم شودر، واألخيرين

في أسفل السلم االجتماعي، والبيروني يبدي إعجابه بمقاصدهم األخالقية من وراء الجزاء، ويشبه مقاصد العقوبة والكفارات لديهم بمقاصدها عند النصارى "فإنها مبنية

على الخير وكف الشر، من ترك القتل أصال... وتمكين الطم الخد من الخد األخرى،والدعاء للعدو بالخير، وهي لعمري سيرة فاضلة، لكن أهل الدنيا ليسوا

(230)بفالسفة كلهم، وإنما أكثرهم جهاال ضالل ال يقومون بغير السيف والسوط".

-193-

ويراعي الهنود في تطبيق العقوبات الميزان االجتماعي، فإذا كان القاتل برهمنا من سائر الطبقات لم يلزمه القاضي سوى كفارة تكون بالصوم والصالة والصدقةو إن كان المقتول برهمنا والقاتل من سائر الطبقات لم يجزه كفارة، اما بشأن جزاء قاتل البقرة وشارب الخمر، والزاني، فإن الوالة ال يقتصون من برهمن أو كشتر، ويكتفون

بماله ونفيه.أما جزاء القتل في الطبقات األخرى: بيش وشودر. فإن قتل بعضهم بعضا يكفر بكفارة، ويقيم الوالة القصاص عليهم، وعقوبتهم في السرقة بمقدارها، أوربما

اقتصرت على الفضحة والتشهير، فإن كان مقدار السرقة كبيرا فإنهم يسملون البرهمن، وقطعوا كشتر ولم يسملوه، وقتلوا غيرهما، أما عقوبة الزانية المتزوجة

(231)فتخرج من بيت الزوج وتنفى.

دلهي في ظل حكم المسلمين إن أبلغ صوlرة قدمها الرحالة والباحثوlن العرب عن دlلهي،l شعبا وحضlارة

وسlياسة، هي التlي قدموها، وهي تحlت حكمl السالطlين الغوريين، الذين يعرفوlن م،lثم1290 إلى سنlة1206"بالمماليك الغوريةl" الذlين دام سلlطانهم من سlنة

م، وكان أشهر ملlوكهم1414 حتى 1320أعقبتlهم أسرةl أفغانية دام سlلطانها من فيروز،l وطوغlلق وابنه محمد، الذي في زمنه حضlر ابن بطوlطة إلى دlلهي،l وامتاز

.lلع بفن العمارةlتغلق في عام (232)عهدهم بالعمران والو lأ محمدl1325 وابتدlولم l،م يكن هذlا الملlك موlلعا بالعلوم والفنون وحسب،بل كان هوl نفسه من طليlعة

(233)المشتغليlن بها.

وتكاملت الصورة التي قدمها ابن بطوطة مع أبحاث ابن فضل الله العمري، والقلقشندي، عن حاضرة الهند، في زمن هذه األسر المالكة األخيرة. فلم تقتصر

دراستهم لها على البناء السياسي بل دخلت في مسام البناء االجتماعي، والثقافي الهنديين، وفي طبائع السكان وعاداتهم في ظل السلطة اإلسالمية والتعايش والتجاور

اإلسالمي - الهندوسي.

-194-

رأينا كيف فوجئ ابن بطوطة عند دخوله السند، بدقة نظام البريد، وبالطرق المنظمة التي أنشأها سلطان دلهي، لعموم البالد الهندية التابعة له، وحضور هيبته على

بالد المليبار، وقنوج وسواحل المعبر، وكجرات، ودولة آباد، فعندما دخل دلهي كان على دراية بمكانة سلطانها الذي يبسط سلطانه على أغلب بالد الهند، ورآه عن قرب

تجتمع به خصال متباينة، فقد كان "أحب الناس في إسداء العطايا وإراقة الدماء"،واشتهر عند الناس "في الكرم والشجاعة" واشتهرفي الوقت نفسه "في

)الفتك والبطش بذي الجنايات وهو أشد الناس تواضعا وأكثرهم إظهارا للعدل والحق".

وكان من عادة الملك، أن يفض على من قدم إليه تقديم هدية له، كل واحد(234 حسب مكانته،" فالفقيه يهدي المصحف والكتاب، وشبه الفقير يهدي المصلى

)والسبحة والمسواك ونحوها، واألمراء ومن أشبههم يهدون الخيل والجمال والسالح".

واشتهر بعدله كباقي ملوك الهند، ففي إحدى السنين "أمر السلطان برفع(235 المكوس عن بالده، وأن ال يؤخذ من الناس إال الزكاة والعشر خاصة، وصار يجلس

بنفسه للنظر في المظالم، كل يوم اثنين وخميس أمام المشور )المجلس(... ولما استولى القحط على بالد السند والهند، واشتد الغالء، أمر "أن يعطى لجميع أهل دلهي

وما نسي ابن بطوطة اإلشارة إلى أن السلطان(236)نفقة ستة أشهر من المخزن". كان "شديد المحبة في العرب، مؤثرا لهم معترفا بفضائلهم"، وأهل الهند يدعون

(237)العربي بالسيد "تعظيما للعرب".

وقد استقبله السلطان بالترحاب، وعينه قاضيا في دلهي، ولماحضر إلى قصر السلطان ذي األبواب العديدة، أدخله إلى المشور الكبير )مجلس السلطان(، فركع الجميع أمام السلطان، حتى وصلت أصابعهم على األرض، وعند انتهاءالزيارة، صاح

النقباء، "بسم الله"، وهي إشارة على ذلك،خرج ابن بطوطة بصحبة الوزير، وقاضي القضاة، بعد أن كتب كاتب "الهدايا" التقدمة البن بطوطة، ودخلوا مع الوزير إلى مكان الطعام، فكانت القدور ومرافعها، واألقداح والطسوت واألباريق، من الذهب، فوضعوا

"رئيس القوم"، وبعدالطعام على السماط، ومن عادتهم أن يجلس على رأس السمط ابن بطوطة بعدها إلى دار،أن أكلوا، أتوهم "بالفقاع، والتنبول" كعادة أهل الهند، وأنزلوا

فيها كل ما يحتاجه المرء، من بسط وفرش وأوان، وسرير للنوم، وكانت أسرة أهل ومن عادة(238)الهند خفيفة الحمل، وال بد لكل واحد منهم أن يحمل سريره عند السفر.

مسلمي الهند، أن يدفنوا الميت، وأن يخرجوا إلى قبره للزيارة صبيحة اليوم الثالث من دفنه، ويفرشون جوانب القبر بالبسط وثياب الحرير، وينثرون األزاهير على القبر،

ويصبون على القبر الفواكه اليابسة وجوز النارجيل، ويقرأون القرآن، فإذا ختموا، أتوا بماء الجالب فسقوا الناس منه، وصبوا عليهم ماء الورد صبا، ثم يقدمون لهم التنبول

(239)وينصرفون.

-195-

وقد أفاض العمري، والقلقشندي في وصف تقاليد البالط الملكي لهذا السلطان )محمد بن طغلق(، ولسالطين هذه الحقبة، فهذا السلطان )محمد(، "ترتعد الفرائص

لمهابته، وتزلزل األرض لموكبه" وهو في سالحه دائما، معه الوكاش )السهام(، والقوس والنشاب، "ال يفارقه سالحه"، ويختلف مركبه باختالف المهمة التي يقوم بها، فهناك موكب للحرب، وموكب للسفر، وموكب للصيد، وموكبه إلى قصوره في دلهي، فإذا ركب إلى الحرب، تجتمع الفيلة كالبروج، والجيش الهائل، "في الميمنة له أعالم

سود، وفي الميسرة أعالم حمر، وللسلطان أعالم سود في أوساطها التنين... أما بقية األمراء فكل واحد، يحمل ما يناسبه... ويدق للسلطان مائتي جمل نقاره )طبول(،

وتضم عساكره "تسعمائة ألف(240)وأربعون جمال من الكوسات )الطبل الصغير(. فارس: وأن عساكره مجتمع من الترك والخطا والفرس والهنود وغيرهم من األجناس،

ويخرج معه في الصيد مائة ألف فارس من(241)وكلهم بالخيل، والسالح الفائق". الفيلة، وألف جنيب )جواد(، ملبسه بالذهب. أما خروجه من قصره، فيكون راكبا،

(242)وعلى رأسه جتر )مظلة(، وحوله ما يقارب إثني عشر ألفا مملوك مشاة.

أما الخانات والملوك واألسراء والتابعين له،فإنه "ال يركب أحد منهم في السفر (243)والحضر )اإلياب( إال بأعالم، وأكثر ما يحمل الخان تسعة أعالم، واألمير ثالثة".

وتتفرع الوظائف الكبرى، ألجهزة السلطة والملك،إلى "أرباب الوظائف من أرباب السيوف، فله نائب كبير، يسمى في لغتهم )أمريت(، وأرباب نواب دونه، يسمى كل واحد منهم )شق(، وله حجاب ومن يجري مجراهم من سائر الوظائف، وأما أرباب

األقالم فله وزير عظيم، وله أربعة كتاب سر، يسمى كل واحد منهم بلغتم )دبيران(، وأما القضاة فله قاض قضاة عظيم الشأن، وله محتسب وشيخ شيوخ، وله ألف طبيب

.(244)ومائتا طبيب" ويتميز كل فر ع من فروع السلطة بلباس خاص، فأرباب السيوف، لباسهم

مزركش بالذهب، ومنهم من يلبس مطرز الكمين بزركش، ومن يعمل الطراز بين كتفيه مثل المغل، واقباعهم مربعة االنبساط، ومرصعة الجواهر، وغالب ترصيعهم

بالياقوت والماس، ويضفرون شعورهم ذوائب... بشراريب حرير، ويشدون في أوساطهم المناطق من الذهب والفضة، ويلبسون األخفاف والمهاميز، والوزراء والكتاب زيهم مثل الجند، إال أنهم ال يشدون المناطق،... وأما القضاة والعلماء،

(245)فلبسهم فرجيات )ثوب واسع طويل الكمين(... ودراريع".

-196-

وقد أدرك مؤلفونا سيادة نمط "االقطاع العسكري" الدوالتي على ملكية األرض، أنئذ، فنقل القلقشندي عن )الشيخ مبارك األنباتي(، أن للخانات والملوك واألمراء

واألصفسهالرية )قادة الجند( بالد مقررة عليهم بالديوان إقطاعا لهم، وذكر أن )إقطاع النائب الكبير يكون إقليما كبيرا كالعراق(، ولكل خان لكان )اللك مائة ألف( تنكة، )أي بذار ألف تنكة من األرض(، ولكل ملك ستين ألف تنكة.. ولكل أمير أربعين ألف تنكة،

ولألصفهسالرية حوالي عشرين ألف تنكة، ولكل جندي ما يقارب العشرة آالف. كما أن "لكل مملوك من المماليك السلطانية من خمسة آالف تنكة إلى ألف تنكة".. أما

"ارباب األقالم، فإن الوزير يكون له إقليم عظيم نحو العراق إفطاعا له" ولكتاب السر األربعة "مدينة من المدن.. وألكابر كتابهم قرى وضياع.. ولقاضي القضاة.. عشر

(246)قرى... ولشيخ الشيوخ مثله، وللمحتسب قرية".

وكانت صالت سلطان دلهي مع "أمهات األقاليم" الهندية التابعة له منتظمة عن طريق بريد منظم بشكل دقيق وهو ما الحظه ابن بطوطة، كما أشرنا سابقا، عند دخوله السند، ونوه إليه العمري، إذ كانت هناك "أماكن متقاربة بعضها من بعض شبيهة بمراكز البريد في مصر والشام... وفي كل مكان عشر سعاة ممن له خفة في الجري، يحمل

وأدرك مؤلفونا أن المسلمين في دلهي ما زالوا أقلية، وكان(247)الكتب بينه وبين تاليه". اإلسالم ما زال دين الحكام وما يحيط بهم، بينما عامة السكان هندوس، وهو ما أشار إليه

وشاهد(248)ابن سعيد بقوله إن السلطان "وجنده أتراك مسلمون والرعايا كفار هنود". ابن بطوطة في تجواله في بالد الهند اتصال سكن الهندوس بسكن المسلمين، مع هيمنة اآلخرين على اإلدارة والحكم حيث قال "والكفار ببالد الهند في برمتصل، وبالد متصلة مع

(249)المسلمين، والمسلمون غالبون عليهم".

في الدين والسلوك االجتماعيأثنوغرافيا الثقافة

-197-

أدرك المؤلفون العرب "نسبية الثقافات" التي غدت من المفاهيم األساسية لإلنثروبولوجية المعاصرة، فلم تقتصر مالحظاتهم على حياة الهنود والشعوب األخرى

على العادات المستهجنة والغريبة، والفروقات الثقافية الجذرية، أو على تسجيل ما وجدوه من حياة ثقافية للهنود إلرواء ظمأهم المعرفي وفضولهم، بل رافق ذلك وعيهم

لتنوع المؤسسات والمعتقدات،والسلوكيات االجتماعية، واتجهوا خطوة أخرى باتجاه المقارنة بين هذه االنماط الثقافية للشعوب، فانتقل البيروني في دراسته لدين الهنود

ولثقافتهم العالمة، من التمحص والمعاينة إلى المقارنة طويلة النفس ما بين هذه الثقافة وبين ما يماثلها عند اليونان، وأحيانأ عند العرب المسلمين، وقدم لنا السيرافي

في رسالته الرائعة نصا أخاذا جريئا، يقترب ألن يكون مدخال انتروبولوجيا، وذلك في مقارنته بين العالئم الكبرى للسلوك الثقافي الهندي والسلوك الثقافي الصيني،

وامتألت النصوص العربية عن الهند بالمقارنات الضمنية ما بين السلوك الثقافي الهندي، والسلوك الثقافي العربي اإلسالمي، فهذا السلوك األخير كان المرجيعة التي

انطلق منها المؤلف العربي للمقايسة والمقارنة، لينتهي بإعالن أحكامه المعياريةعليها.

مجاالت التفوق الحضاري أدرك البيروني أوجه التباين واالختالف بين الثقافة العربية اإلسالمية، والسلوك االجتماعي للجماعة العربي اإلسالمية، وما يقابلها في الهند من ثقافة وسلوك، ففي

معرض حديثه عن العقبات المعرفية التي واجهته للتعرف على الهنود وشعبها وثقافتها، أظهر مجاالت هذا التباين، بقوله: "إنالقوم يباينونا بجميع ماتشترك فيه األمم، وأولها

اللغة،وإن كانت تشابه العربية لتسميتها الشيئء الواحد بعدة أسام مقتضبة ومشتقة، ثم هي منقسمة إلى مبتذل الينتفع به إال السوقة )يعني اللغة العامية (، وإلى مصون مصنع

ومنها أيضا"أنهم يباينوننا(250)يتعلق بالتصاريف واإلشتقاق ودقائق النحو والبالغة" بالديانة مباينة كلية، اليقع منا شيء من اإلقرار بما عندهم، وال منهم بشيء مما عندنا"،

فضال عن ذلك، فإن الهنود منغلقين على أنفسهم حذرين من الغريب، ويتجنبون االختالط به، ويسمون الغريب )مليج(، و هو عندهم "القذر، ال يستجيزون مخالطته في مناكحة

ومقاربة ومجالسة، ومؤاكله ومشاربه من جهة )النجاسة(، ويستقذرون ما تصرف على مائة ونارة وعليها مدار المعاش، فليس بمطلق لهم قبول من ليس منهم إذا رغب فيهم

ويضاف إلى ذلك "أنهم يباينوننافي الرسوم والعادات حتى كادوا(251)أو صبا إلى دينهم". (252)أن يخوفوا ولدانهم بنا وبزينا، وهيآتنا، وينسبونا إلى الشيطنة".

-198-

وقد أرجع مؤلفونا هذا الحذر الهندي من الغريب إلى عاملين إثنين، أولهما أن الغريب يأكل لحم )البقر( وهي كائن مقدس لديهم، وسنرجع إلى ذلك الحقا، أما

العامل الثاني الذي ينبه إليه البيروني فهو شعورهم العظيم بالتفوق، إذ أنهم "يعتقدون في األرض أنها أرضهم، وفي الناس أنهم جنسهم، وفي الملوك أنهم رؤساؤهم، وفي

الدين أنه نحلتهم، وفي العلم أنه ما معهم، فيترفعون ويتبظرمون، ويعجبون بأنفسهم". غير أن موضوعية البيروني، وحذره العلمي، تدفعه إلى االستدراك، فنوه إلى أن(253)

حكماءهم األقدمين لم يكونوا بهذ الحال من العجرفة، فهذا براهمهر أحد فضالئهم حين يأمر بتعظيم البراهمة يقول: "إن اليونانيين، وهم أنجاس، لما تخرجوا من العلوم،

وأنافوا على غيرهم وجب تعظيمهم ". فكانوا يعترفون لليونانيين بأن" ما أعطوه من كما أن تجربته الشخصية معهم، دللت له، أنهم عندما(254)العلم أرجح من نصيبهم".

رأوا سعة علمه، و"أخذت أوقفهم على العلل، أشير إلى شيء من البراهين، وألوح لهم)الطرق الحقيقية في الحسابات، انثالوا علي متعجبين وعلى االستفادة منها متهافتين".

255)

إال أن تباين الهنود في اللغة والدين والعادات،وعجرفتهم، لم تقد المؤلف العربي إلى إنكار ما تمتاز به الهند من حضارة، ومدنية، ومميزات أخرى: الغنى والثراء،

والقوة، وسعة األرض، وعظمة الملك، والعدل، والصدق في التعامل، وحب الصدقات،والتفوق في العلوم، وغير ذلك.

-199-

م( إعجاب العرب بالهند ال سيما بغناها وثرائها، وما1033هl - 429لخص الثعالبي ) تحمله طبيعتها من كنوز، وسلع ال يستغنى عنها، حين قال "بحرها در، وجبالها ياقوت

كما لخص القلقشندي وهو من موسوعيي القرن(256)وشجرها عود، وورقها عطر". الخامس عشر، تقييم العرب لموقع للهند الحضاري، بقوله: "الملك العظيم، والعدل

الكثير،و النعمة الجزيلة، والسياسة الحسنة، والرضا الدائم واألمن الذي ال خوف منه في بالد الهند، وأهل الهند أعلم الناس بأنواع الحكمة، والطب والهندسة والصناعات

إال أن الهند بالمقارنة مع الصين تبدو أقل مدينية، وأقل كثافة بالمدن،(257)العجيبة". "في بالد الهند مفاوز كثيرة والصين كلها عمارة، وأهل الصين والهند أشبه بالعرب في

إال أن الهند عوضت عن ذلك، باتساع ملكها وبأشياء أخرى "هذه(258)اللباس والدواب". مملكة عظيمة الشأن، ال تقاس في األرض بمملكة سواها التساع أقطارها، وكثرة

أموالها، وعساكرها، وأبهة سلطانها، في برها الذهب، وفي جبالها الياقوت والماس وفي ويكفي الهند فخرا، ما خصه المؤلفون العرب لهم من تأثير(259)شعابها العود والكافور".

واسبقية في العلوم، لدرجة جعلوها معلمة اليونان والشعوب األخرى، ولم يستثنوا من وهم الذين ابتدعوا(260)تلك التلمذة أحد، فهم "أعلم الناس بالحكمة والهندسة والطب"،

العلوم، واقتبستها عنهم األمم، كما رأينا في معرض حديثنا عن ملوكهم، ولعل اليعقوبي كثف نظرة اإلعجاب التي حملها العرب تجاه الهند وتفوقهابالعلوم والمدنية والحكمة، بقوله "والهند أصحاب حكمة ونظر، وهم يفوقون الناس في كل حكمة، فقولهم في

النجوم أصح األقاويل، كتاباتهم فيه "كتاب السندهند" الذي انبثق منه كل علم من العلوم مما تكلم فيه اليونان والفرس وغيرهم، وقولهم في الطب... فيه عالمات األدواء

ومعرفة عالجها وأدويتها... ولهم في المنطق والفلسفة كتب كثيرة في أصول العلم... وتمتاز الهند أيضا، بأنها "أمة عظيمة،(261)ولهم كتب كثيرة يطول ذكرها ويبعد عرضها".

إذ، أدرك العرب تعدد مذاهب الهند(262)كثيرة األجناس، متباينة اآلراء والديانات". وأجناسهم، وأيضا لغاتهم، "فلغة السند خالف لغة الهند، ولغة أهل المانكير - وهي دار مملكة البلهرا - )لغة( كيرية. ولغة ساحلة مثل صيمو، وسوباره، وتانة وغير ذلك من

(263)مدن الساحل الريه.. وهي )لغة( مضافة )أي تنسب( إلى بحر الري".

-200-

وتفوقت الهند أيضا بسحرتها، وسحرائها، فإن فيهم "من يخرج إلى الصحراء فيرى الطيور تطير في الهواء، فيخط في األرض داره )دائرة( تحت الطيور، فال تزال

وفيهم من السحرة "من يمنع التمساح،(264)تدور في موقع الخط إلى أن تقع فيه". وقد أبدى البيروني تشككه( 265)فيجعل الرجل يسبح معه، دون أن يصيبه أذى".

بالسحر، وبحقيقته، وعزاه إلى اعتقاد العوام، ووصف السحر بأنه "إظهار شيء لإلحساس على خالف حقيقته، بوجه من الوجوه والتمويه، فإذا نظر إليه من هذا

الوجه، وجد في الناس شائعا، وإن اعتقد فيه اعتقاد العوام، أنه إيجاد الممتنعات... إال أنه الحظ شيوع(266)فالكذب ظاهر في حده، فالسحر إذا غير داخل في العلم بتة".

طرائق أخرى،في الهند، شبيه بهذا الباب يسمونه )رساين(،" وهو صناعة مقصورة على تدبير معاجين، وتراكيب أدوية أكثرها نباتية، بغرض إعادة الصحة إلى السقيم من

المرض، ونقل حال الفرد من الشيخوخة إلى حال المراهقين من إسوداد الشيب وذكاء(267)الحواس والقوة على البطش، والجماع، بل نيلهم البقاء في الدنيا أزمنة طويلة".

وتختلف مساكن الهنود عن الصينين، بأن األخيرين بناؤهم من الخشب، "وبناء وأبدى العرب إعجابهم بنساء الهند وجمالهن،(268)الهند من حجارة وجص وآجر وطين".

وأرتأوا "ان مالمح الهنديات أكثر حسنا من الترك والقفجاق، مع ما يتميزون به من التخريج العظيم )المظهر الالئق( والتفنن الفاتن، وغالبهن ذهبيات األلوان، وفيهن بيض ذوات بياض ساطع مختلطا بالحمرة، وعلى كثرة وجود الترك والقفجاق والروم وسائر

األجناس عندهم، ال يفضلن أحد سواهن، لكمال الحسن والحالوة وأمورا أخرى تدق(269)عنها العبارة".

وتشتهر الهند بأنواع من الحيوان والنبات والمعدن، ال يوجد نظيرها لدى غيرها، ذكر الثعالبي، أن بالد الهند "أكثر البالد خصائص ال تكون بغيرها، فمنها: الفيل،

والكركدن والببر، والطاووس، والببغاء،و الدجاج الهندي، والطائران: بانكرك وشارك، والياقوت األحمر، والصندل األبيض، والعاج، والعود، والتوتياء، والقرنفل والسنبل،

(270)والجوز بوا )شجر الطيب( والثياب المخملة وغيرها.

وأجمع المؤلفون العرب على اشتمال الهند على العجائب والغرائب، أكثر من األمم األخرى، وقدعرف البيروني العجيب بقوله: "إن غرابة الشيء تكون لعزة وجوده

وقلة االعتياد في مشاهدته... ثم تستند األعجوبة مما هو خارج عن العادة الطبيعية وشهد بزرك وغيره من المؤلفين" أن الله(271)فيكون مستحيل الكون قبل المشاهدة"،

خلق العجائب عشرة أجزاء، جعل تسعة منها في ركن المشرق... ثم جعل في الصين(272)والهند ثمانية أجزاء منها".

السلوك والعادات واألخالق االجتماعية

-201-

رأينا مع ابن خرداذبة بداية اإلدراك الغامض لللبناء االجتماعي ولنظام الطبقات الهنديين، فكان مؤلفونا، منذ ذلك الحين،على دراية بانغالق تلك الطبقات على ذاتها،

وتميز األعلى منها على األدنى، وعدم قدرة أفرادها على تجاوز التخوم بينها، فأهل الملك في بيت واحد، وينطبق األمر نفسه على مهنة الطب، والكتابة، وغيرهما من

المهن، لكن مع البيروني انجلت صورة البناء االجتماعي الهندي، الذي رسخت قواعده الديانة البراهمية،التي حددت بدورها السلوك االجتماعي المالزم لكل طبقة، وذلك بسن

تشريعات تقضي بتجنب االختالط والتداخل بين التكوينات االجتماعية، فحدد البيروني بدقة التراتبية االجتماعية، وكيفية تفضيل طبقة على أخرى، وتباين مواقعها وحقوقها وواجباتها، وأشار إلى تباين معايير التفاضل الهندية القائمة على العرق والطبقة، مع

مبادئ اإلسالم ومعاييرها في الحكم على الناس، والتي حصرت التفاضل بينهم بالتقوى لله، وسادت فيما عدا ذلك بين البشر، حتى ظن إن مبدأ المساواة اإلسالمي هذا، وقف عقبة أمام دخول الهند لإلسالم، فيقول "حتى أن مخالفتنا إياهم وتسويتنا )مساواتنا( بين

(273)الكافة إال بالتقوى أعظم الحوائل بينهم وبين اإلسالم".

وهذه الطبقات أربع علياها )البراهمة(، التي خلقت، كما ذكرت كتبهم، من رأس )براهمه(، وهو عالمة على رفعة هذه الطبقة، فالبراهمه "نقاوة الجنس ولذلك صاروا عندهم خير اإلنس"، والطبقة التي تليها: "كشتر"، "خلقوا بزعمهم من مناكب براهمه

lويديه"، ورتبتهم لذلك ليست متباعدة جدا "عن "رتبة البراهمة"، وتأتي دونهم ال "بيش" الذين "خلقوا من رجلي براهمه"، وهاتان المرتبتان كشتر وبيش على تمايزهما

يعملون في المدن والقرى، ثم يأتي بعدهم أحطهم طبقة :)شودر(، يشتغلون بالمهن كاالسكاف والنساج وصياد السمك، والقناص،ويشتغلون "برذائل األعمال من تنظيف

(274)القرى وخدمتها".

وقد أحيطت تلك التقسيمات بشبكة من التشريعات لتمنع التداخل بينها، ونسبوا هذه التشريعات إلى اإلله براهمه والملوك القدماء المقدسين لديهم. "وكان الملوك

القدماء المعنيون بصناعتهم يصرفون معظم اهتمامهم إلى تصنيف الناس إلى طبقات ومراتب يحفظونها من التمازج والتهارج، ويحظرون االختالط عليهم بسببهما، ويلزمون

كل طبقة ما إليها من عمل أو صناعة وحرفه وال يرخصون ألحد في تجاوز رتبته،(275)ويعاقبون من لم يكتف بطبقته".

-202-

وعلى هذا، فقد لصقوا بكل واحد من أهل الطبقات "سمات والقاب بحسب فعله وطريقته". ونقل البيروني عن )باسديو( جوابه عن طباع الطبقات األربع، وما يجب أن يتحلوا به من األخالق، قوله: "يجب أن يكون البرهمن وافر العقل، ساكن القلب صادق

اللهجة، ظاهر االحتمال، ضابطا للحواس، مؤثرا للعدل، بادي النظافة مقبال على العبادة، مصروف الهمة إلى الديانة، وأن يكون كشتر مهيبا في القلوب، شجاعا،

متعاظما، ذلق اللسان، سمح اليد غير مبال بالشدائد.. وأن يكون بيش مشتغال بالفالحة واقتناء السوائم والتجارة، وشودر مجتهدا في الخدمة والتملق، متحببا إلى كل أحد

فيها" وعلى كل من هؤالء أن يثبت في وظيفته، وخصاله، "فإذا ثبت على رسمه وعادته نال الخير... وإذا انتقل عما )هو( عليه إلى طبقة أخرى.. كان آثما بالتعدي على

(276)األمر".

فطبقة البراهمة وظيفتها اإلشراف على األمور الدينية، وعلى أعمال الكهانة، وتقوم طبقة كشتر بوظيفة الحرب والسياسة، وتقوم بيش بأعمال الزراعة والتجارة،

وتنفرد طبقة الشودرا بخدمة الطبقات األخرى، وطلب مرضاتها، والتذلل إليها، لهذا حدد لكل طبقة أخالقية ومناقبية خاصة بها، تنسجم مع وظيفتها ورسالتها اإلجتماعية،

تناظر إلى حد ما منشأها العضوي من جسدالبراهمه، فالحكمة التي يختص بها البراهمة تتسق مع فكرة أنها ولدت من رأس البراهما، والشجاعة التي تميز كشتر

تتسق أيضامع فكرة والدتها من منكبي البراهمه، وهكذا إلى بقية الطبقات. الحظ البيروني ومعه المؤلفون العرب تأثير هذا البناء االجتماعي، على تسلسل الوظائف والعالئق األخرى للمجتمع الهندي، والحظوا تأثير ذلك، كما رأينا سابقا،على

النظام القضائي، ورأوه أيضا في النظام العائلي، وفي الزواج. انطلق البيروني من فرضية أن النظام أو الزواج ال تخلو منه أمة، ألنه" مانع

التهارج المستقبح في العقل، وقاطع ألسباب الفساد"، حتى أن زواج الحيوان ذاته اقتصر "كل زوج منها بزوجه" فكيف الحال باإلنسان، أما فرضيته األخرى فتقوم على

نسبية الثقافات، إذ يقول إن "لكل أمة فيها رسوم، وخاصة من ادعى منهم شريعة وأوامر له إلهية" وينطبق هذا، بنظره، على الهند التي لها قواعدها الخاصة في

الزواج، ترتبط ببنائها االجتماعي المتفاوت في المكانة واالعتبار، فمن حق الهندي الزواج من طبقته، أو من الطبقة األدنى منها، باستثناء الشودرا، فزواجهم ينحصر

بطبقتهم، وال يتزوج منهم أي فرد من الطبقات األخرى، وهو أمر أوضحه البيروني: "على الرجل أن يتزوج بامرأة من طائفته أو من طائفة أدنى منها، لكن الرجل الذي يتزوج من الشودرا يصبح مفضوحا، مهتوك الستر، ويطرد من طائفته، ويصيبه خزي

(277)في الدنيا واآلخرة، فال تتزوج نساء الشودرا إال رجال من الشودرا".

-203-

وأشار البيروني إلى اتباع الهنود الخط األمومي في النسب، وفسر ذلك برغبتهم في الحفاظ على نقاء النسب، "ويجوز لكل واحد من أهل الطبقات أن يتزوج في

طبقته فيما دونها... ويكون الولد منسوبا إلى طبقة األم دون األب، فإذا كانت امرأة ومع ذلك(278)البرهمن مثال، برهمنا كان الولد كذلك، وإن كانت شودرا كان شودرا"،

فإن للزواج في الهند قواعد مرنة، إذ الحظ البيروني شيوع نظام تعدد الزوجات، الذي يحق للرجل أن يتزوج بأربع نساء، "وللرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة إلى أربع، وما

بينما أكد السيرافي على أن(279)فوق األربع محرم إال أن تموت إحدى من تحت يده". أمام المروزي فيقصر تعدد(280)الرجل في الصين والهند يتزوج "ما شاء من النساء".

الزوجات على العظماء، إذ "يتزوج العظيم من عظمائهم من النساء من عشرين امرأة ولقد أشار البيروني في مكان آخر إلى أن "منهم من يرى عدة النساء(281)إلى مائة".

بحسب الطبقات، حتى يكون لبرهمن أربعا، ولكشتر ثالثا، ولبيش اثنتين، ولشودر والزواج عندهم رابطة دائمة، ال يفرق بين الزوجين إال الموت، إذ ال طالق(282)واحدة".

لهم، والمرأة إذا مات زوجها ليس لها أن تتزوج، وهي بين أمرين "إما أن تبقى أرملة)طوال حياتها وإما أن تحرق نفسها، وهو أفضل حاال النها تبقى في عذاب مدة عمرها".

وأنهم يفضلون، في زواجهم األباعد على األقارب، حسب البيروني،" والقانون في(283 النكاح عندهم، أن األجانب أفضل من األقارب، وما كان أبعد في النسب من األقارب

هو أفضل مما قرب فيه، وأما ماجرى على االستقامة إلى أسفل، أعني ابنة األوالد عنوأوالد األوالد، وإلى األعلlى من أم وجدlة وأمهاتهن فمحرم أصال، وأما من انحرlف االستقامة وتفرع إلى الجانبين: من أخت وبنت أخت، وعمة وخالة وبناتها فكذلك

ولعل تقدير البيروني أقرب إلى الصحة، مما ذهب إليه اإلدريسي، من أن(284)محرم". الرجل في الهند "إذا ارتضى نكاح ابنته أو اخته أو خالته أو عمته ما لم تكن متزوجة

فمصدر اإلدريسي هنا السماع، وتناقل(285)فعل ذلك، واألخ يفعل بأخته مثل ذلك".األخبار، بينما كانت التجربة والمشاهدة هما المصدران األوالن للبيروني.

واألصل في المواريث عندهم سقوط حق النساء منها، ما خال اإلبنة فإن لها ربع ما لإلبن، وجهازها من ميراثها، أما الزوجة فإن آثرت الحياة ولم تحرق نفسها كان على

الوارث رزقها وكسوتها ما دامت حية "فاألصل في الورثة هم الذكور" وأن األسفل من الميت أحق باإلرث من الذي يعلوه "أعنى أن اإلبن واألوالد أولى من األب واألجداد، وأن

اإلبن أولى من ابن اإلبن واألب أولى من الجد، وابن اإلبنة أولى من ابن األخت، وابن األخ أولى من كليهما، إن لم يكن للميت وارث كانت التركة إلى بيت مال الوالي، إال أن

(286)يكون الميت برهمن فتتحول التركة إلى صدقة".

-204-

أما عن العادlات والطقوس المرافقة للزlواج،l فقد ذكر السيرlافي أن الهنوlد إذlا أرادlوا الزواج "تهانأوا بينهم، ثم تهادوا،l ثم يشهرون التزويج بالصlنوجl والطبوlل،lو

.l"انlارة إلى أن من(287)هديتهم في المال قدر اإلمكlيروني المشهد باإلشlوأكمل الب ،lواجlويقوم األبوان بعقد الز ،l"السن lى صغرlويج علlالتز" lعادات الهنودlهlكlارlبlوي

"تظهر آالتاlلبlرlاlهlمlةl بlرlسlوlمl وlقlرlاlبlيlنl،l وlيlقlدlمl لlهlمl وlلlغيlرlهمl اlلlصlدlقاlتl،l عنlدlهlا ) بlحlسlبl الlهlمlةl.األفرlاح"،l ليس عنlدهم مهر وإنما يكون للlمرlأة" صلة، ونحlلة معجlلة"

288)

اهتم الكتاب العرب بالرابطة الزوجية، وبالزنا قبل الزواج وبعده، مقارنة بالتقليد السائد عندهم، فرأى بعضهم كالسيرافي أن الزنا مباح قبل الزواج فحسب، والحظ أن

وذهب الحميري باالتجاه نفسه(289)"الزنا في جميع بالد بلهرا مباح إال في المتزوجات". بينما استراب البيروني في خبر(290)"والزنا عند سائر ملوكهم مباح إال في المحصنين".

إياحة الزنا قبل الزواج وبعده، واعتبره من الظنون المشكوك فيها، قائال "ويظن الناس)أنه )الزنا( مباح عندهم... وليس األمر كما يظن ولكنهم ال يشددون في العقوبة عليه".

بينما أشار(292) ويذهب إلى أن "عقوبة الزانية أن تخرج من بيت الزواج وتنفى".(291 السيرافي إلى أنه "إذا أحضر الرجل منهم أمرأة فبغت، فعليها وعلى الباغي بها القتل، في جميع بالد الهند، وإن زنى رجل بامرأة اغتصبها قتل الرجل وحده، فإن فجر بإمرأة

(293)على رضى منها قتال جميعا".

والحظ المؤلفون العرب الذين أولوا النظافة والطهارة، حسب التقليد اإلسالمي، كما أنهم "ال يغتسلون من جنابة، وال يأتون(294)اهتمامهم، أن الهنود ال يختتنون،

أثناء حيضهن،(296) بل أنهم "يخرجونهن من منازلهم تقززا".(295)نساءهم في الحيض". لكنهم، وعلى الرغم من عدم اغتسالهم من الجنابة فإنهم "يغتسلون كل يوم قبل

وذهب البيروني إلى تقرير أن إتيان المرأة في أيام الحيض(297)الغداء ثم يأكلون". محظور عندهم، بل إن اقترابها من البيت محظور أيضا، وما دامت المرأة نفساء لم

والشيء الدارج عندهم أنهم "يغتسلون(298)تقرب من آنية،وال يؤكل في دارها شيء "، وما يفرق(300) والنساء يقمن بأمور الحراثة، "وأزواجهن في راحة".(299)ثم يجامعون".

فتيات ونساء الهند البرهميات عن المسلمات أن"المسلمات بأرض الهند تتركن ثقب(301)األذن،والكافرات آذانهن مثقوبة".

ومن عاداتهم، أن الرجال "يستشيرون النساء في اآلراء والعوارض، ويحسنون وقت الوالدة إلى الرجال دون النساء، ويفضلون األصغر من األبناء العتقادهم أن أكبر

(302)األوالد أتى عن "شهوة غالبة واألصغر عن قصد وفكرة وتؤدة".

-205-

ال يمكن أن يغيب عن بال مؤلفينا، إنقياد الزوجة الهندية إلى النار حرقا، التصاقا بزوجها الميت، فقد وصف ابن بطوطة بذعر وتعجب أحد المشاهد تلك، عندما رأى بأم

العين كيف أقدمت ثالث نساء، وقد مات أزواجهن، إلى النار الملتهبة بثبات ليواجهن أقدارهن، فما كان منه، وهو ابن ثقافة منحت اعتبارا كبيرا للحياة، وللنفس البشرية،

إال أن أغمي عليه، وكانوا أخبروه أن "كافرا" من الهنود مات، فأججوا النار لحرقه، فقامت امرأته بحرق نفسها معه، "ولما احترقا جاء أصحابي وأخبروني أنها عانقت

وصادف،في مرة أخرى، إمرأة هندية "متزينة، والناس(303)الميت حتى احترقت معه. يتبعونها من مسلم وكافر، واألطبال واألبواق بين يديها". ومعها البراهمة، وكبراء

الهنود، كانوا قد استأذنوا سلطان دلهي بإحراقها، ومرة أخرى، شاهد ثالث نساء مات أزواجهن، فتعاهدن على إحراق أنفسهن سوية، فاقمن قبل موعد الحرق بثالثة أيام

وهن في غناء وطرب وأكل وشرب". وفي اليوم الموعود أتت كل واحدة منهن بفرس فركبته، وهي متزينة متعطرة، والبراهمة يحفون بهن، ومعهن األقارب، تصاحبهن

الطبول واألبواق، والناس حولهن يطلبون منهن إبالغ التحيات ألقاربهم، وهن يقلن للطالب "نعم"، إلى ان وصلن موضع كثير المياه واألشجار بينها أربع قباب، وبجوارها

صهريج ماء، فانغمسن بماء الصهريج وتجردن من ثيابهن، وزينتهن، وتصدقن بها، ولبسن ثياب قطن خشن غير مخيط، قرب النيران المضطربة المتأججة، التي حولها خمسة عشر رجال يوقدونها بالخشب، فتقدمن إلى النار بثبات، ونظرت إحداهن إلى الرجال قائلة: "أبالنار تخوفونني؟ " ثم "جمعت يديها على رأسها خدمة للنار، ورمت بنفسها فيها" فقرعت الطبول واألزمار واألبواق، ورمى الرجال الحطب ليزيدوا النار

(304)اشتعاال، فكاد ابن بطوطة أن يسقط من فرسه مغميا عليه.

على قسوة هذه النهاية المروعة، إال أنها كما عرف ابن بطوطة، ليست من الفروض الدينية الواجبة "فإحراق المرأة بعد زوجها عندهم أمر مندوب إليه غير واجب،

لكن من أحرقت نفسها بعد زوجها، أحرز أهل بيتها شرفا بذلك، ونسبوا إليها الوفاء، وإن لم تحرق نفسها، لبست خشن الثياب، وأقامت عند أهلها بائسة ممتهنة لعدم

(305)وفائها، ولكن ال تكره على إحراق نفسها".

lلكlذ lلىlإ lمlعهlفlواlد lمlرغ l،lرlمlخlلlب اlرlش lدlوlنlهlال lبlنlجlي تlبlرlعlلlا lقبlاlرlمlلlل lبlيlطlوي lلlب lاlنlيlدlا ال تlهlربlاlش lنlوlبlعيlيlو l،lةlرlكlسlمlلlا lرlمlلخlا lبlرlن شlعl" نlعوlنlتlمlي lمlهlف l،lةlيlنlيlد lتlسlلي

.l،lةlسlاlيlا(306)سlمlأlوl" l،lيlالمlإلسlا lدlيlلlقlلتlع اlم lقlافlوlتlا يlم lوlوه l،lاlبlرlلlا lنlوlمlرlحlي lهمlنlأ lاlمlك lسlليlو l،lلlاlلمlا lسlى رأlعل lعةlوlضlوlمlال lةlادlيlلزlر اlدlقlب lهlمlثlإlو l،lمlرlحlم lوlهlف lلlاlلمlي اlا فlبlلرlا

l.l"lرlدlوlشlال لlإ lةlصlرخ lهlيl(307)ف.l"lنlكlمlا أlمlب lمlوlي lلlك lةlجبlاlوl" lمlهlدlعن lةlقlدlلصlاl(308) و

-206-

وفي الحديث عن عاداتهم، يتنازع المؤلفون العرب رغبة المقارنة واإلحالة إلى مرجعيتهم الثقافية، ففي كالمهم عن نظافتهم، الحظوا أنه باستثناء أصحاب الطقوس

التعبدية القاسية، فإن الهنود حريصون على النظافة، فهم كما رأينا "يغتسلون كل يوم، قبل الغداء ثم يأكلون" كما أنهم "يستاكون، وال يأكل أحدهم حتى يستاك )من

غير إن عندهم "البول أنظف من الماء الذي تغسل به اليد أو(309)السواك(، ويغتسل". ومن عادات الهنود تطويل لحاهم "ربما رأيت لحية أحدهم ثالثة أذرع، وال(310)الفم".

ويضفرون(311)يأخذوا شواربهم" لكن "إذا مات ألحدهم ميت حلق رأسه ولحيته". لحاهم ضفائر صيانة لها، ويعملون على ترك شعر العانة، ألن تركهم إياها، حسب

وهي عالمة على التعطل من المهن.(312)اعتقادهم، يهيج الشهوة، ويطولون األظافر وثيابهم "من(313)وأشار ابن بطوطة والعمري أن "الغالب على لباسهم البياض".

يلبسون(314)القطن الرفيع، تعمل منه ثياب شبيهات بالمقاطع البغدادية )ثياب جيدة(.." واألصل عندهم، كما(315)"فوطتين، ويتحلون بأساور الذهب والجوهر :الرجال والنساء".

يقول البيروني، هو "العري لشدة الحر"ويتسرولون بالعمائم، ثم المفرط منهم يكتفي من اللباس بخرقة قدر إصبعين بشدها على عورته بخيطين، والمفرط يلبس سراويل محشوة بقطن"، ويضيقون الخفاف ويتزينون كالنساء "باألسورة وخواتم الذهب في

وأشار ابن بطوطة إلى أن "أهل الهند يجعلون في(316)البناصر وفي أصابع الرجل". رؤوسهم زيت السمسم... ويغسلون الشعر بعده بالطفل، فينعم الجسم، ويصقل

(317)الشعر ويطيله".

ويأكلlون(318)أما في طعامهم، فإنهم "ال يأكلون الحlنطة إنما يأكلون األرز". "أحادlا فرادlى... وال يعودون إلى ما فضل من طعام، ويرlمون بأواني المأكول إذا.l"رةlل والنوlنبوlغ الغوفل بعد تناول ورق التlمرون األسنان بمضlخزفية، ويح l(319)كانت

وال يعتمدlون الذlبح علlى الطريقة اإلسالميlة، في أكلهم للlحم الحيlوان، وذلك ألنهم يأخذlون الشاة أو الطير فيضرlبون رأسه حتlى يموت فإذا مات أكلlوه... والفأر عندهم

.l"كلlون: األرز،(320)من أنظف ما يؤlية يأكلlريسي، أن أهالي نهرواره الهندlوذكر اإلد والباقلي واللlوبياء والعدlس،l والماش والسمك، والحيlوانات التي تموت ميتا طlبيعيا،

.lا ماتت دفنتlتة، فإذlمة عندهم البlفمحر lقرlوانا... أما البlا وال حيlائرlون طl(321)وال يذبح

والمباح من الطعام لدlيهم: الضأن والمعز والظبlاء، واألرانب والجواميlس والسمك والطير، أما المنصوlص على تحlريمه عندlهمl فهو: البقر والخيlل والبlغال واألحمرة

(322)واألبعرة والفيلة والدlجاج األهلlية، والغربان والببغاء والخمر.

-207-

واستنتج مؤلفونا أن الهنود استعاضوا عن الخمر، بالتنبول، يختمون به وجبة طعامهم، أشار العمري "أن أهل الهند الرغبة لهم في الخمر وال في المسكرات

استغناء بالتنبول، وهو حالل طيب ال شبهة فيه... يطيب النكهة، ويصرف األطعمة، ويبسط النفس بسطا عظيما، ويرثها سرورا زائدا، مع ثبوت العقل، وتصفية الذهن،

وتقديم التنبل من العادات المالزمة لواجب الضيافة، ولختم(323)ولذاذة الطعم". الطعام، فإذا أراد الهندي إكرام ضيفه، كما يقول العمري، وقدم له "شتى أنواع

األطعمة واألشربة، والرياحين والطيب، وال يحضر معها التنبول اليعتد له بكرامة، ال يعد ومن العادات التي(324)أنه أكرمه، كذلك إذا أراد الرئيس إكرام أحد يناوله التنبول".

أثارت عجب مصنفينا، واستهجانهم، حرق الميت، فأهل الهند "يحرقون موتاهم وال قبور لهم"، غير أنهم الحظوا أن في البالد المتاخمة للمسلمين في السند" يدفنون

(325)موتاهم في بيوتهم بالليل تسترا" وهم "ال يبكون ميتا، وال يحزنون عليه كثيرا".

ونختم هذا الباب، ببعض العادات، التي الحظها البيروني بنباهة، الختالطه بالهنود، فهم "يأخذون اليد في المصافحة، من جهة ظهر الكف، وال يستأذنون للدخول في

البيوت، ثم ال يخرجون من غير استئذان، ويتربعون في المجالس، ويبزقون بالنخاعة غير محتشمين الكبراء، ويقصعون القمل بين أيديهم، ويتيمنون بالضرطة، ويستنظفون

الحجام، وقاتل المستميتة منهم )وهو الذي يساعد المنتحر على انتحاره( باألجرة:(326)إغراقا وإحراقا".

عقائد الهند الدينية ترك لنا مؤلفونا رزمة من المقاالت، والمقتطفات عن الديانة الهندية. في ثنايا

مؤلفاتهم الجغرافية والتاريخية واألدبية، وفي مدونات رحالتهم، بعضها مصدره السماع، وبعضها اآلخر حصيلة رحالتهم وتجاربهم في ربوع الهند، وانفرد البيروني في تأليفه، ليس ألنه جمع بين التجربة والمعايشة المباشرة، والسماع، بل ألنه قرأ المصنفات الدينية الهندية األساسية من مصادرها األصلية باللغة السنسكريتية، وال سيما كتاب

"بهاغوت غيتا" أو "بهاغها فاديتا"، لذا فإننا إذا استثنينا )تحقيق( البيروني، فإن الكتابات األخرى، بما فيها كتابات المسعودي، وابن طاهر المقدسي، وابن النديم،

والشهرستاني، اقتصرت على إبراز أفكار وانطباعات عامة عن الديانة البراهمية، وشذرات غامضة عن البوذية، التي كانت عند دخول العرب إلى الهند، واحتكاكهم

بأهلها، في حاله انحسار بعد أن امتصتها البراهمية، في ثنايا عقائدها المنفتحة على طرائق عدة من التعبد، والطقوس والعبادات، واقتصرت معالمها على بعض المعابد

في بلخ، وباميان، وترمذ، وهي في أفغانستان اليوم.

-208-

وعلى الرغم مما يقال عن عدم اتساق معرفتهم بالعقائد البرهمية، فإنهم استطاعوا الدخول إلى التربة العامة لهذه الديانة، وإلى مناخاتها العقائدية وطقوسها

الكبرى: أهمية براهما ومركزيته في هذه الديانة، وما تتضمنه من جانب "توحيدي" رغم مظاهر التعدد، والl"شرك"، والتي تجلت في تقديسها لبعض المظاهر الكونية، ثم انتشار قداسة األصنام "البد"، ومظاهر تقديس األفعى، والبقرة، والشمس، ونهر

الكنج، وطقوس إذالل الجسد، والتقشف، وتعدد المذهب وتفرعها، وعقيدة التناسخ، إلى غير ذلك من طقوس ومظاهر التعبد، أما الجانب التقييمي لهذه العقائد، فقد انطوت أحكامهم على إحالة دائمة إلى مرجعيتهم الدينية، وهم الذين نظروا إلى

اإلسالم كخاتم للنبوة والرسالة، والوحي، ومتممها، فإن كان هناك من مركزية ثقافية عندهم، فقد اقتصرت على "المركزية الدينية" علما أن دينهم منفتح على البشرية

جمعاء وليس دينا مغلقا أو دينا للعرب حصريا.البحث عن الديانة البرهمية / الهندوسية

التبس لديهم األمر بشأن "براهما"، بين أن يكون الملك المؤسس لوحدة الهند، ولحكمتها، ولدينها، وبين كونه رسوال، وصاحب رسالة سماوية، لكنهم اتفقوا على إعالء

منزلته إلى مرتبة المؤسس للديانة الهندية ولحكمتها وملكها، وأغفلوا الجانب اإللهي فيه، ولعل مرد ذلك، أنهم عرفوا أن طبقة البراهمة، هي من الطبقات،التي تختص

وحدها بدور الكهانة، وكأنها استمرار لدور حامل الرسالة الذي قام به )براهما(، وبالتالي فهي تنتسب إليه كمؤسس أول للديانة، والمنظم لقواعدها، وليس باعتباره

كما تذهب الديانة البراهمية: إله الخلق وسيد اآلله والمسيطر على العالم كله، والمحيط بجميع الكائنات، إلى جانب اإللهين العظيمين اآلخرين، اإللهه شبو أوشيفو

shivoالمخرب المدمر الموكول له قبض أرواح الناس وتخليصها من أبدانها، ووشنو Vishnuالحافظ، إله الحب الذي أحيا الموتى وأبرأ األكمة واألبرص ثم صعد إلى السماء

ليعود إلى الناس من جديد قبل النشور ليهديهم إلى الحق. وإلى جانب هؤالء اآللهة العظام، هناك اآلالف، إن لم يكن ماليين اآللهة كما يذهب البعض، بعضهم أقرب إلى المالئكة ومنهم ما هو في صورة الطير والحيوان والهوام، تجمعهم كلها شبكة واحدة

(327)لتناسخ األرواح

-209-

وقد اكتفوا بالتأكيد على أن مؤسس الديانة الهندوسية هو "برهمن األكبر والملك"، غير أنهم أضافوا إلى ذلك(328)فهو "اإلمام المقدم فيهم الذي ظهرت في أيامه الحكمة"

وأدركوا تعدد اآللهة عند الهنود وتعدد مذاهبهم، واقتربوا من(329)احتمال أن يكون رسوال. وعي أن للهندوسية، ثالثة آلهه عظمى. فاعتقد الحميري أنهم "اثنتان وأربعون ملة، فمنهم

من يثبت الخالق وينفي الرسل، ومنهم من ينفي الكل. ومنهم من يعبد النار ويحرق نفسه، ومنهم من يعبد الشمس ويسجد لها، ويعتقد أنها الخالقة المدبرة لهذا العالم،

بينما أشار المسعودي إلى أنهم(330)ومنهم من يعبد الشجر، ومنهم من يعبد الثعابين". بدأوا بسبعة فرق، ثم "اختلف أهل الهند ممن سلف وخلف في آراء هؤالء السبعة، ثم

(331)تفرعوا بعد ذلك مذاهب... والذي وقع عليه الحصر من طوائفهم سبعون فرقة"

م( مذاهب أهل ألهند. ووضع البراهمة ما بين1153هl - 548وقسم الشهرستاني )ت مذاهبهم العديدة، ومنهم البراهمة، وهم المنكرون للنبوات أصال، ومنهم من يميل إلى

الدهر، ومنهم من يميل إلى الثنوية ويقول بملة إبراهيم عليه السالم، وأكثرهم على مذهب الصابئة ومناهجها، فمن قائل بالروحانيات، ومن قائل بالهياكل، ومن قائل

وفصل )مطهر المقدسي( األمر، فالهند "تسع مائة ملة مختلفة"، عرف(332)باألصنام". منها تسع وتسعون ضربا، إال أنه أرجعهم بالنهاية إلى "اسمين :البراهمة والسمنية"

والسمنية اسم أطلقه العرب على "البوذية"، التي هي "معطلة"، أي ال تؤمن بمسألة ولعل المقدسي يشير هنا بطريقة(333)الخلق والخالق، أما البراهمة "فهم ثالثة أصناف".

غامضة إلى المذاهب البراهمية المتمحورة حول اآللهة الثالث: براهما، وشيفو، ووشنو، غير أنه يذهب في التفسير باتجاه آخر، فهذه األصناف الثالثة، "منهم من يقول بالتوحيد،

والثواب والعقاب، ويبطلون الرسالة". وصنف آخر يقول "بالثواب والعقاب على التناسخ، وزعمت الموحدية من البراهمة: أن الله عز وجل بعث( 334)ويبطلون التوحيد والرسالة".

إليهم ملكا من المالئكة بالرسالة في صورة بشر اسمه "ناشد"، له أربع أيد... وله إثنا عشر رأسا... "قالوا: أمرنا بتعظيم النار... ونها عن القتل وشرب الخمر، وأباح لنا الزنا،

(335)وأمرنا بعبادة البقر، وأن نتخذ صنما على مثاله".

فلقد أبرز الباحثون العرب وجود التوحيد في البرهمية، ثم ما لبثت هذه النزعة التوحيدية، أن شابها التعدد، والتجسيد، وذلك عن طريق تعظيمهم لألصنام، والنار،

والبقر، وتصورهم هذا عن المزج بين )الوحدانية(، والتعددية، ال يجانب واقع الديانة البراهمية، وإن كان ينقصه معرفة التسميات المالئمة، وإدراك النظام الشامل

للعبادات البراهمية وترابطها، وعقائدها،و أسماء آلهتها الكبرى، والتراتبية الهرمية لآللهة، ووظائف كل منها، في مجمعها، وهو ما جعلهم، بعد إبراز نزعة )التوحيد(،

يستطردون في تعقب اعتقاداتهم باآللهه المجسمة من أصنام وغيرها، واإلفاضة فيوصف الطقوس المرافقة للعبادة.

-210-

وقد حار مؤلفونا، كيف أمكن للهندوس التوفيق بين الوحدانية والتجسيم، وهو إحدى اشتغاالت "علم الكالم" لديهم، فليس من المستغرب أن يحاجج المروزي أحد الهندوس بذلك، إذ سأل أحد البراهميين، "إذا كنتم تعلمون أنه )أي الله( ليس كمثله

شيء، فلم تعبدون األصنام من دونه؟" فأجابه الباهمي: "إنه قبلتنا كما أن قبلتكم(336)حجارة مبنية )يقصد الكعبة( فأنتم تعبدونها".

ومن مظاهر قولهم في وحدانية الله، ما أشار إليه الشهرستاني إلى أن بعض فرقها قالت: "قد دل العقل على أن الله تعالى حكيم، والحكيم ال يتعبد الخالق إال بما دل عليه عقله، وقد دلت الدالئل العقلية على أن للعالم صانعا عالما قادرا حكيما....

فننظر في آيات خلقه بعقولنا ونشكر.."، وقالت أخرى "قد دل العقل على أن للعالم لذا فهم يستقبحون(337)صانعا حكيما، والحكيم اليتعبد الخلق بما يقبح في عقولهم".

تخصيص دور للعبادات والطواف حولها، وتقبيل األحجار، وذبح الحيوان تقربا، كل هذهيعتبرونها "مخالفة لقضايا العقل".

وعلى الرغم مما قرره أغلب مصنفينا، من أن البرهمية، كما عبر الشهرستاني، "إنما ينتسبون إلى رجل منهم يقال له براهم، وقد مهد لهم نفي النبوات أصال وقرر

استحالة ذلك في العقول" فإن بعضهم اآلخر لم ينف عن البراهمة قولها بالنبوة والرسالة، فإذا كان المسعودي قد أشار مرة إلى احتمال أن يكون البراهما رسوال، فإن المروزي وابن طاهر المقدسي أكدا، أن بعض فرقهم جمع بين القول بالخالق الواحد، والنبوة والرسالة، إذ يقول "فممن أثبت الخالق البراهمه، زعموا أن رسول الله إليهم ملك من المالئكة يقال له سديو أتاهم في صورة البشر برسالة من غير

كتاب، له أربع أيد، وله إثنا عشر رأسا... أمرهم أن يتخذوا صنما يعبدونه، ويطوفون)حوله كل يوم ثالث مرات... وأن يعبدوا البقر وأن ال يجازوا )يجتازوا( نهر الكنك".

... فجمعت هذه الفرقة بين الوحدانية والخلق، واإليمان بالرسل، وعبادة األصنام(338 تقربا إلى الله. وأشاروا أيضا إلى فرقة أخرى اسمها "المهادوية"، هؤالء زعموا: "أن

رسول الله إليهم ملك من المالئكة يقال له مهادويه، أتاهم في صورة بشر وهو راكب على ثور على رأسه إكليل مكلل بعظام الموتى... أمرهم بعبادة الله، وأن يتخذوا على

(339)مثاله صنما يعبدونه، وهو سبيلهم إلى الخالق".

-211-

هنا تصبح عبادة الصنم وساطة للوصول إلى الله وتقربا منه، وليس عبادة له بحد ذاته، وهذه المسألة من األهمية، بحيث خصص لها المسعودي مقطعا مهما تفحص فيه

دوافعها ومعانيها لدى البراهمية، مخضعا تصوره إلى نمو الروح اإليماني في التاريخ. فهو يشيرإلى أن كثيرا من أهل الهند والصين: يعتقدون أن الله عز وجل جسم، وأن

المالئكة أجسام، وأن الله ومالئكته احتجبوا بالسماء فدعاهم ذلك إلى أن يتخذوا تماثيال وأصناما على صورة الباري، وعلى صورة المالئكة، يعبدونها ويقربون لها القرابين،

والنذور، "لشبهها عندهم بالباري، وقربها منه"، فأقاموا على ذلك برهة من الزمان، حتى نبههم بعض حكمائهم، إلى أن األفالك والكواكب أقرب بينها وبين الله، وأن كل ما

يحدث في العالم إنما على قدر ما تجري به الكواكب عن أمر الله، فعظموها وقربوا لها القرابين لتنفعهم، ومكثوا على ذلك دهرا، ثم لما رأوا غياب الكواكب في النهار،

وبعض أوقات الليل، أمرهم بعض حكمائهم أن يجعلوا أصناما، يقرب لها نوعا من القربان، معتقدين أنهم إذا عظموها، تحركت لهم األجسام العلوية بكل ما يريدون،

ولما طال عليهم العهد، "عبدوا األصنام على أنها تقربهم إلى الله،وألغوا عبادة(340)الكواكب".

وعلى هذا، فقد أدرك المؤلفون العرب تعددية المذاهب، واآللهة، وأشكال الطقوس المتبعة في الديانة الهندوسية البراهمية، من تلك التي تعلي شأن التوحيد

اإللهي، إلى تلك التي يتجسد لديها اإلله في الصنم، أو في أفعى، أو بقرة، أو نهرالكنج، وعرفوا ما لعقيدة "التناسخ "من أهمية في السلوك الحياتي، وفي التقوى العقيدية،

وفي عقيدة الخالص، وفي الطقوس المتعددة، والسيما طقس إماتة النفس، من فوق جبل مقدس، أو في نهر الغنج، أو الموت حرقا، مع نثر رماد الجسد في النهر، أو في

األودية.

-212-

لم يوفقوا في تسمياتهم المختلفة للمذاهب، وال في تبويب عقائدهم، إال أنهم استطاعوا التعبير عن التربة الروحانية للديانة الهندوسية، ومنابعها، وخالصاتها،

وأساليبها الطقسية التعبيرية، فباإلضافة إلى ماذكرناه من مذاهب، فقد أشار بعضهم إلى العديد من المذاهب األخرى، وغفلوا أحيانا، عن حقيقة أن هذه المذاهب، والطرق

التعبدية، على كثرتها الكاثرة، تضمنتها البراهمية ذاتها، واستوعبتها داخلها، وهذه القاعدة ال تنطبق على جميع المفكرين العرب، فالدمشقي ضم عبدة النار إلى

البراهمية، فهو يقول: "ومن طرائقهم أيضا البراهمة عباد النار" وجعلوا "قبلة السجود فغاب عن الدمشقي الفرق بين قداسة(341)النار يتوجهون إليها بالعبادة والسجود".

النار لدى الهندوس، ولدى المجوس. كما أنهم انساقوا في مقاربتهم للعقائد البرهمية إلى اإلحالة إلى مرجعياتهم الدينية، وإلى ما يشبهها من ديانات خبروها في تجربتهم،

هذه اإلحالة نجدها أيضا في ترتيبهم، وتبويبهم لمذاهب الهند بين الروحانيات والماديات، بين أصحاب الدهر، وأصحاب التوحيد، بين أصحاب التجسيد والتمثيل،وفي مقدمتهم أصحاب األصنام، وأصحاب التوحيد من منكري النبوات، وانتهى الشهرستاني

إلى التركيز على فرق خمس: أصحاب الروحانيات )القائلين بالتوحيد(، وأصحاب (342)الهياكل )أصحاب التجسد( والحكماء )الموحدةاعتمادا على العقل(. وعبدة األصنام.

وفرع عن هذا التقسيم العديد من المذاهب، فهناك باإلضافة إلى ما ذكرناه سابقا، جماعة يثبتون الخالق وينفون الرسل، وهم أصحاب فكر، يعطلون حواسهم بطول

فكرهم، وال يأكلون األلبان واللحم وما مسته النار، ومنهم "المصفدة" الذي يصفدون ومنهم(343)أجسادهم بالحديد، لئال تنشق بطونهم من غلبة الفكرة، وقوة العلوم

الجلهكية، يعبدون الماء ويزعمون أن معه ملكا، وأنه أصل كل نشوء ونماء وحياةوعمارة وطهارة، ومنهم من يعبد النار، وهي أعظم العناصر وهؤالء ال يحرقون موتاهم.

ومنهم قوم(345) ومنهم "المهاكلية" لهم صنم يقال له )مها كال( يحجون إليه.(344) يعبدون الشمس، واتخذوا لها صنما يجره أربعة أفراس. وبيد الصنم جوهر، ويزعمون

(346)أن الشمس ملك من المالئكة ويتقربون إليها بالسجود، والطواف.

-213-

وفي سياق عرضهم للديانة الهندوسية، أفردوا مساحة مهمة لعبادة األصنام )البدد( والتي يرتبط كل صنم وشكله ومعبده بالمذهب المتفرع عن البراهمية كما رأينا، ومعه الكهنة، ورجال الدين، المشرفين على العقيدة والطقس، إذ الحظ ابن

سعيد المغربي "أن على جانبي نهر الكنك )الغانج(، "قالع البراهمة التي ال ترى، وهم عباد الهند الذين ينسبون إلى البرهمن، وهو أول حكمائهم وسالطينهم، الذي اجتمعت

ولفتوا النظر إلى العديد من األصنام(347)لهم ممالك الهند وأديانها... واألبداد عندهم". الكبرى )البدد( في الهند، وأماكن عبادتها والطقوس المالزمة لهذه العبادة، فهناك صنم )الملتان( داخل بيت عبادة "كان يلقي الذهب فيه من كوة في وسطه من أعاله، وكان

كما أشاروا إلى وجود )بد( في بالد(348)المرتب لخدمة هذا الصنم سبعة آالف سادن". كرور )وهي مدينة مالوه(، مقصود من الهند "ياتون )إليه( من مسيرة سنة بأنواع من)التعبدات التي يرونها، فمنهم من يمشي على ركبه زحفا أبدا من مكانه حتى يصل".

وفي الديبل كما يقول البالذري. "بد عظيم" عليه دقل طويل وعلى الدقل راية(349 قوله "وكل شيء أعظموه، من طريق العبادة،حمراء، والبدد على شكل منارة،ويختم

وأفاضوا في وصف )بد( مدينة صومنات الذي كان(350) أيضا".فهو عندهم بد،والصنم بد "أهل الهند يعظمون هذا الصنم، ويحجون إليه في كل ليلة كسوف، ويزعمون أن

األرواح إذا فارقت األجسام اجتمعت إليه فينشئها مع من ينشيء على مذهب ، وتحدث المروزي، انه يوجد في إحدى مدن الهند "سبعمائة بيت(351)التناسخ".

(352)لألصنام، ولها غالت".

طقوس ومقدسات أخرى ال حظ مؤلفونا أيضا تقديس الهندوس للعديد من الظواهر الطبيعية والحيوانية

والنباتية، التي أسبغوا عليها مظاهر التبجيل، وأحاطوها بطقوس العبادة، وفي مقدمة تلك الظواهر، تقديسهم لنهر الكنك )الغانج(، الذي ارتبطت به الكثير من الطقوس

المعبرة، وكماقال ابن سعيد المغربي "ونهر الكنك المعظم عند الهنود يمر في بالدهم، وهم أيضا يعظمونه، ويغرقون فيه". ويزعمون "أن هذا النهر من الجنة، وأنه متى

(353)جعلت فيه القاذورات أظلم جوه وامتألت أرجاؤه من الرياح واألمطار والصواعق".

-214-

l،lةlيlاسlق lسlوlقlطlب l،lجlانlغlلlل lسlيlدlقlتlلlا lاlذlه lنlاlرlتlقlا l،lبlعجlتlو l،عlاlفظlتlسlاlب lاlوlظlوالح l،lجlنlكlلlا lرlهlن lيlف l،lهمlسlفlنlأ lاlوlقlغرlيl" lدlوlنlلهlن اlم lرlيlثlكlال lنlأ l،lةlطlوlطlن بlبlى اlرو lذlإ l،lةlتlيlمlم lاlذlإ l،lنlيlقlرlحlلمlا lالءlؤlه lدlاlمlرlب lىlمlرlي lهlيlوف l،lهمlسlفlنlن أlوlقlرlحlيlو l،lهlيlإل lنlوlجlحlي lيlذlلlا lوlوه lيءlش lلlألج lيlفسlن lقlرlأغ lيlنlا أlوlنlظlال ت l:lهlرlحض lمنlل لlوlقlي lهlسlفlن lقlرlغlيlل lمlهlحدlى أlتlأ

lزlع lهlللlا lمlسlي اlاlسlوك l،يlاlسlك lىlإل lبlرlقlتlلlا lيlدlصlق lاlمlنlإ l،lلlاlم lةlقلlو لlأ l،اlيlنlدlلlا lرlوlمlن أlم lهرlنlلlا lيlف lهlدlاlمlرlب lاlوlرمlو lهlوlقlرlحlوأ lهlجوlرlخlأ lتlاlم lاlإذlف l،lهlسlفlن lقlرlغlي lمlث l،lمlهlانlسlلlب lلlوج

.l"رlكوlذlلمl(354)اl)lاlنlلقlا lرlجlش( lرlهlلنlا lبlنlاlج lلىlإ lكlاlنlهlف l،lةlيlوlمlد lرlثlكlأ lىlرlأخ lسlوlقlط lكlاlنlهlو l،lةlاlنlقlلlا lفlرlط lىlلlع lهمlسlوlرؤ lنlعوlطlقlل يlاlجlلرlا lهاlيlي علlقlتlرlي l،lاعlفlتlالرlا lةlيlاlغ lيlف lوlوه

l.عlطlقlيlف lرlاجlنlلخlاlو lفlوlيlسlلlا lكlلlت lىlلlع lقlاهlش lنlم lهlسlفlي نlقlلlي lرlخl(355)وآlهlاlأت lاlمlربlو lغlلlبlيlو l،lهlيlجlنlي lعلlفlلlا lاlذlه lنlأ lىlرlي l،lهlيlف lهlفسlق نlغرlيlف lدlعيlبlلlا lنlاlكlمlلlا lنlم lكlاسlلنlا

lىlلقlأlو l،lهlفسlن lقlحرlز أlوlلفlا lدlراlأ lاlذlإ lهمlنlم lلlجlلرlا lنlأ l" lةlرجlلد lهlمlيlظlعlت lيlف lمlهlطlاlرlفlإ .l"lقlرlغlيlف lهرlنlلlي اlف lهlفسlن lقيlلlي lنlم lهمlنlمlو l،lهlيlف lهlدlاl(356)رم

وعلى الرغم من اعتيادهم رؤية الصوفيين في ديارهم، وطرائقهم التقشفية، وإذاللهم الجسد طريقا للخالص الروحي، إال أن ما رأوه في الهند، من طقوس

وطرائق، إلذالل الجسد، يصل إلى القتل، واإلجهاز عليه حرقا، أو غرقا، كان مدار دهشة لهم، واستفظاع، فلم يستطيعوا فهم طقوس "قتل النفس" التي مارسها الهندوس، كطريق للخالص، وكأسلوب لفك إسار الروح من قيود الجسد، وشرح

المسعودي هذا الطقس، قائال "والهند تعذب أنفسها بأنواع من العذاب من دون األمم، وقد تيقنت أن ما ينالها من النعيم في المستقبل مؤجال ال يكون بغير ما أسلفته من

تعذيب أنفسها في هذه الدار معجال، ومنهم من يصير إلى باب الملك يستأذن في إحراقه نفسه، فيدور في األسواق، وقد أججت له النار العظيمة، ثم يسير باألسواق وقدامه الطبول والصنوج، وعلى بدنه أنواع من خرق الحرير، وعلى رأسه إكليل من

الريحان، وقد قشر جلده من رأسه وعليها الجمر... فيسير وهامته تحترق، وهو يمضغ(357)ورق التنبول، وحب الفوفل".

-215-

وروى بزرك عن محمد بن بابشار، انه رأى، في الهند، رجاال يقعدون على ضفة النهر، بانتظار أن يجرفهم ماؤه، وعن رجال يأتي "الواحد بعد الواحد إلى الخور ليغرق

نفسه، فيعطى إجرة لمن يغرقه... أو لمن يضع يده في قفاه ويغطه في الماء حتى وسرد ابن طاهر المقدسي قائمة بالطرق التي يتبعها الهندوس لقتل(358)يتلف".

أنفسهم، "منهم من يحفر أخدودا ويجمع فيه األلوان واألدهان، والطيب، ويوقد عليه، ثم يجيء، وحوله المعازف بالصنوج والطبول، ويقولون طوبى لهذه النفس ليكن هذا

القربان مقبوال، ثم يسجد.. ويرمي نفسه في النار فيحترق... ومنهم من يجمع له أخثاء البقر فيقف في وسطه.. وتشعل فيه النار، ولم يزل واقفا حتى تأتي النار عليه..

ومنهم من يوضع على رأسه إكليل من المقل، ويوقد حتى يسيل دماغه.. ومنهم من يحمي الصخور، فال يزال يضع على جوفه صخرة بعد صخرة حتى تخرج أمعاؤه، ومنهم من يحفر له حفرة بجنب النهر ويوقد فيها وال يزال يثب في النار من الماء، ومن النار إلى الماء إلى ان تزهق نفسه.. ومنهم قوم يرهقون أنفسهم بالجوع.. ومنهم من يهيم

أما المقاصد النهائية لهذه الطقوس المروعة، فأرجعها(359)في األرض حتى يموت". المقدسي،إلى أن الهنود "يزعمون أن في ذلك نجاة لها وخالصا إلى حياة األبد في

أما المقصد اآلخر الذي يقف وراء تلك الرغبة في إنهاء حياة الجسد، فقد(360)الجنة". ردها السيرافي إلى عقيدة التناسخ الهندوسية، إذ "إن سائر الملوك يقولون بالتناسخ

وأعاد هذا االعتقاد األخير، إلى حادث بدئي، شبه اسطوري، يتعلق(361)ويدينون به". بأحد ملوك الهند العظام، الذي أصابه الجدري، "فاستفزع منظره بالمرآة، فقال البن

أخيه: ليس مثلي أقام في هذا الجسم، علي تغييره، فالجسم إنما هو ظرف للروح متى زال عنه عاد في غيره، إني مزيل بين جسمي وروحي إلى ان انحدر في جسم

ومن األشياء التي أثارت استغراب العرب، تقديس( 362)غيره، فحز رأسه ثم أحرق". الهندوس للبقرة، فقد الحظ ابن بطوطة باستغراب، أنهم "يعظمون البقر، ويشربون

(363)أبوالها للبركة، ولإلستشفاء إذا مرضوا... ويلطخون بيوتهم وحيطانهم بأوراثها".

وحرموا قتلها لعلو مكانتها القدسية، أو ذبحها، وحكموا على من يقوم بهذا الفعل، كما رأينا، بالقتل، ونظروا إلى المسلمين ألنهم يذبحونها، ويأكلون لحمها،على أنهم أنجاس،

وكما روى المروزي "وال يقربون من المسلمين، ويقولون: إنكم أدناس، ألنكم تأكلون(364)لحم البقر".

-216-

ويبلغ العجب ذروته، عندما يالحظ مؤلفونا اقتران الطقس المقدس التعبدي بالعهر، ليصبح األخير مقدسا، وهي مفارقة في المعاني لم يألفها المفكر العربي، ولم يستسغها،

فسجل ابن رسته وجود مائة جارية حول صنم ملتان، وظيفتهن الطقسية الرقص أمام ويتطور األمر في(365)الصنم )البد(، واستعطافه،بحسب قولهن: "نحن نرقصه، ونترضاه".

بعض المعابد إلى أن توهب الفتاة أمرها للمعبد في ممارستها للعهر حيث يتحول األخير إلى طقس تعبدي، فذهب السيرافي إلى أن: "بالهند قحاب يعرفون بقحاب البد"، فعندهم

"أن المرأة إذا نذرت نذرا وولد لها جارية جميلة أتت بها البد، وهو الصنم الذي يعبدونه، فجعلتها له، ثم اتخذت لها في السوق بيتا وعلقت عليه سترا، وأقعدتها على كرسي ليجتاز بها أهل الهند، وغيرهم من سائر الملل.. فتمكن من نفسها بأجرة معلومة، وكلما اجتمع لها

(366)شيء من ذلك دفعته إلى سدنة البد".

وقد أثار انتباه البيروني هذا الطقس، ونعته بl )اآلفة(، فبعد أن نفي ما يشاع على أن الهند تبيح الزنا، ينتقل إلى تأكيد أن الهند ال يشددن في العقوبة عليه وحسب،

وحصر )الزنا( المباح في بيوت األصنام، محمال الملوك وحدهم مسؤولية إباحته، قائال "واآلفة فيه من جهة ملوكهم، فإن اللواتي تكن في بيوت األصنام هن للغناء والرقص

واللعب، ال يرضى منهن برهمن وال سادن بغير ذلك، ولكن ملوكهم جعلوهن زينة للبالد ولفت المروزي االنتباه(367)وفرحا وتوسعه على العباد، وغرضهم فيهن بيت المال".

إلى أن هناك في إحدى المدن الهندية، سبعمائة بيت لألصنام لها غالل خاصة، "وقد كما أن في أراضي(368)رتب لها بيوت قحاب، في كل بيت عشر أو إثنتا عشر منهن".

الهور مدينة يقال لها )راميان( فيها أصنام قيام، واضطجاع، وصنم من الذهب، "وهو صنمهم األكبر، وله ثالثون قحبة تجري عليهن الجراية من غالته، والناس يتمتعون بهن

(369)مجانا، ويطلبن به الثواب، وال يبرحن من موضعه في الليل والنهار".

بحث البيروني في الديانة البرهمية / الهندوسية

-217-

أفرد لنا للبيروني بابا خاصا، لتميز مقاله، في الدين الهندي، عما سبقه ولحقه من المؤلفين العرب، لقربه من موضوعه، من جهتين معايشته التجريبية للهنود وتعرفه

المباشر على حياتهم وأفكارهم ودياناتهم، وأيضا إطالعه المباشر على مصادره الهندية، الباللغة الهندية، فهو أتقن اللغة السنسكريتية، وأجادها، وقرأ الكتب الدينية الهندوسية

سيما )بهاغها فاديتا( واستطاع أن يعرض لهذه الديانة، بلغة )موضوعية( متراصة، من موقع الثقة بتفوق ثقافته، وعلو مقامها، وكان قد اهتم أكثر من أي مؤلف عربي - إسالمي بثقافة

الهند، بعوائدها ومعارفها وعلومها وعلمائها وبدينها، وما انفك عن المقارنة بين الهند واليونان، وأحيانا بين الفكر االسطوري الديني الهندي وبين ما يماثله عند الفرس أو اليهود،

أو النصارى، إال أن المقارنة األساسية يخصصها بين الهند واليونان، وهو في ذلك يعطى لليونان الميزة، وذلك ألن الهند في فكرها الديني، توقفت عند مرحلة تجاوزها اليونان،

وهي مرحلة العلم المختلط بالفكر الديني األسطوري، ويقارنها بالمرحلة )الجاهلية( التي مر بها العرب قبل اإلسالم، إذ توقفت الهند في مفاهيمها الدينية عند هذه المرحلة، بينما

فأشار إلى أن قدماء اليونان(370)تجاوزها العرب باإلسالم، كما تجاوزها اليونان بالفلسفة. قبل ظهور الحكمة فيهم، وبروز نجوم الفلسفة فيهم، "كانوا على مثال الهند"، فانتقل

اليونان بذلك من الفكر األسطوري الجاهلي إلى الفكر العلمي، والتوحيدي، وارتفعوا عن عقائد العامة األسطورية إلى عقائد الخاصة التوحيدية، فعنده "أن اليونانيين أيام الجاهلية،

قبل ظهور النصرانية، كانوا على مثل ما عليه الهند من العقيدة، خاصهم )من الخاصة (،في النظر قريب من خاصهم وعامهم في عبادة األصنام كعامهم،.. ولكن اليونان فازوا

بالفالسفة، الذين... نفحوا لهم األصول الخاصة، دون العامة، ألن قصارى الخواص اتباع البحث والنظر، وقصارى العوام التهور واللجاج.... يدل على ذلك سقراط لما خالف عبادة األوثان عامة قومه، وانحرف عن تسمية الكواكب آلهة... ولم يكن للهند أمثالهم )أي أمثال فالسفة اليونان( ممن يهذب العلوم، فال تكاد تجد لهم خاص كالم إال في غاية االضطراب،

(371)ومشوبا في آخره من تكثير العدد وتمديد المدد".

-218-

ونالحظ هنا، أن البيروني يماثل بين دين الخاصة، والتوحيد الديني من جانب، والفكر العلمي من جانب آخر، ويماثل من جهة أخرى بين دين العامة ودين الجاهلية:

االختالط والتعدد، وعلى هذا، ورغم إظهاره تفوق اليونانيين على الهند في فكرهم الديني، بارتقائهم إلى التوحيد عن طريق الحكمة الفلسفية، إال أنه في عرضه للديانة البرهمية / الهندوسية، نجده يميز داخل معتنقي هذه الدين، بين خاصة تتسم عبادتها

بالتوحيد، وعامة تختلط عبادتها بالتعدد والشرك، وهذا ما يجعل هؤالء الخاصة على قرب من دين الفالسفة اليونان من جهة، ومن االعتقاد اإلسالمي التوحيدي من جهة

أخرى. إذ ينطلق البيروني من اعتقاد بشأن الدين، وهو "اختلف اعتقاد الخاص والعام في كل أمة بسبب أن أطباع الخاصة ينازع المعقول، ويقصد التحقق في األصول، وطباع العامة يقف عند المحسوس ويقنع بالفروع وال يروم التدقيق،، وخاصة فيما

افتتنت فيه اآلراء ولم يتفق عليه األهواء"، ثم ينتقل بعدها ليؤكد إيمان خاصة الهندوس بالوحدانية، بينما العامة تفردت بالتعدد والشرك،ليخلص إلى القول: "واعتقاد الهند في الله سبحانه أنه الواحد األزلي من غير ابتداء وال إنتهاء، المختار في فعله، القادرالحكيم

(372)أي المدبر المبقي، الفرد في ملكوته... ال يشبه شيئا وال يشبهه شيء".

-219-

وقدم على ذلك أمثلة من كتب الهند تذكرنا بموضوعات علم الكالم اإلسالمي، فينقل عن كتاب )باتنجل(، حوارا يقول السائل: من هذا المعبود الذي ينال التوفيق

بعبادته؟ قال المجيب: هو المستغني بأزليته ووحدانيته عن فعل لمكافأة عليه... والبريء عن األفكار لتعاليه عن األضداد المكروهة واالنداد المحبوبة، والعالم بذاته سرمدا... "...

ثم يقول السائل هل له من الصفات غير ما ذكرت؟ يقول المجيب: له العلو التام في القدر ال المكان، فإنه يجل عن التمكن، وهو الخير المحض التام الذي يشتاقه كل

موجود، وهو العلم الخالص من دنس السهو والجهل"، ثم قال السائل "افتصفه بالكالم أم ال؟ قال المجيب: إذا كان عالما فهو ال مجال متكلم، قال السائل: فإن كان متكلما

ألجل علمه فما الفرق بينه وبين العلماء والحكماء الذين تكلموا من أجل علومهم؟ قال المجيب: الفرق بينهم هو الزمان، فإنهم تعلموا فيه )أي في الزمان( وتكلموا بعد أن لم

يكونوا عالمين وال متكلمين، ونقلوا علومهم إلى غيرهم، فكالمهم وإفادتهم في زمان، وإذ ليس لألمور اإللهية بالزمان اتصال فالله سبحانه عالم متكلم في األزل، وهو الذي

كلم براهم وغيره من األوئل على أنحاء شتى، فمنهم من ألقى إليه كتابا ومنهم من فتح لواسطة إليه بابا، ومنهم من أوحى إأليه فنال بالفكرة ما أفاض عليه". وفي مكان آخر يجيب: "وهو إن غاب عن الحواس فلم تدركه عقلته النفس، وأحاطته بصفاته الفكرة، وهذه عبادته الخالصة"، ونقل عن كتاب )كيتا( حوار بين الحكيمين )باسديو( و"أرجن"

جاء فيه. إني أنا الكل من غير مبدأ )بدايته( بوالدة أو منتهى بوفاة، ال أقصد بفعلي مكافأة، وال أختص بطبقة دون أخرى لصداقة أو عداوة، قد أعطيت كال من خلقي حاجته

في فعله" ثم يقول "وألن الله ليس بظاهر لكل أحد يدركه بحواسه فلذلك جهلوه. فمنهم من لم يتجاوز فيه المحسوسات، ومنهم من إذا تجاوزها وقف عند المطبوعات،

ولم يعرفوا أن فوقها من لم يلد ولم يولد ولم يحط بغير أنيتة علم أحد، وهو المحيط ويعلق البيروني على هذه األقوال التي تؤكد الوحدانية وتنزه الله(273)بكل شيء علما".

عن المحسوس، وتقترب من التصور اإلسالمي عن الوحدانية. قائال "فهذا قول خواصهم في الله تعالى ويسمونه "أيشفر"، أي المستغنى الجواد الذي يعطي وال يأخذ، ألنهم رأوا

وحدته هي المحضة، ووحدة ما سواه بوجه من الوجوه متكثرة"، ثم ينقلنا إلى اعتقاد العوام التي تدرك الله في المحسوس والمتعدد، والتختلف نظرته إلى عامة الهند، في

ذلك، عن نظرته إلى عوام جميع أصحاب الديانات، فعوام الهند "اختلفت األقاويل عندهم، وربما سمجت، كما يوجد مثله في سائر الملل، بل وفي اإلسالم، من التشبيه

واإلجبار". فهم يحرفون القول عن مواضعه. فإذا سمى بعض خواصهم الله تعالى "نقطة". ليبرئه عن صفات األجسام... فعامهم يظن أنه عظمه بالتصغير، "فال يستطيع

تجاوز سماجة التشبيه"، فيصوره "بطول إثني عشر إصبعا في عرض عشر أصابع" ويحرف هذا العامي معنى "إحاطته بالكل من ال يخفى عليه خافية، فيظن عاميهم أن

اإلحاطة تكون بالبصر، وبالبصر بالعين، فيصفه بألف عين، وأمثال هذه الخرافات(374)الشنعاء عندهم موجودة".

في حال األرواح وترددها بالتناسخ في العالم

-220-

lةlمlلlكlب lةlدlهاlشlلlا lنlأ lاlمlكl" l:الlئlاlق lخlسlاlنlتlلlا lنlاlشlب l،lنlاlيlألدlا lنlيlب lيlونlرlيlبlلlا lنlارlق )lتlبlلسlا lسlيlدlقlت lوlأ( lاتlبlإلسlوا l،lةlيlنlاlرlصlنlلlا lةlعالم lثlيlلlثlتlلlا l،نlيlمlلlمسlلlر اlعاlش lإلخالصlا

l.l"lهاlنlم lكlي lمlل lهlلlحlتlنlي lمlل lنlمlف l،lةlيlدlنlلهlا lةlلlحlلنlا lمlلlع lخlسlاlنlتlلlا lكlلlذlك l،lدlوlهlيlلlا lةl(375)عالم

واlلlتlنlاlسlخl عlنlدlهمl،l حlسlبl اlعتlقlاlدl اlلبlيlرlوlنlي،l نlاlتlجl عlنl اlالعتlقاlدl بlأlن "lاlألرlواlحl تlتlرlدlدl فlيlبlاlوlثlلlا lيlف lدlدlرlتlلlن اlوlكlيlل l،lرlلشlو اlأ lرlيlلخlى اlلlل إlعاlألفlن اlاlتlتlاف lبlسlحlب lةlليlاlبlلlا lنlاlدlألبlا lوهlرlكlلمlاlو lرlلشlى اlعل lابlقlلعlي اlفlو l،lهlنlم lرlاlثlكlتlاإلس lىlعل lضlرlحlتlف l،lرlيlخlلlى اlا علlهlبlنlم

l.l"lهlسlكlع lنlوlد lلlضlألفlا lلىlإ lلlذlألرlن اlم lدlدlرlتlلlا lرlيlصlيlو l،lهlعن lدlاعlبlلتlا lغ فيlلlاlبlتl(376)ف

lقlبlاlلسlا lاءlضlلقlاlب lتlنlك lاlإذl" l:لlاlتlقlلlا lىlلlع lهlضlرlحlي lجنlألر l)lوlيlدlسlاlب( lلlوlقlب lهدlشlتlسlوا lرlيlغاlى تlعل lنlاlدlألبlا lيlف lدlدlرlتlت lاlمlنlوإ l،ىlتlوlمlب lعاlن مlحlال نlو lاlوlسlلي lهمlنlأ lمlلlعlفا lاlنlمlؤlم

lنlدlلبlا lتlوlم lاlهlاlبlي عقlلتlا lخةlوlخlيlشlلlا lمlث l،lةlلlوlهlكlلlب واlاlبlشlلlا lىlلlإ lةlلlوlفlطlال lنlم lنlساlإلنlا .l.lدlوlجlوlلlا lةlيlدlبlأ lسlفlنlلlا lنlأ lفlن عرlم lلlتlقlالlت وlوlلمlا lرlكlذlي lفlكيl" lلlءlاlسlتlوي .l"lدlوlعlلlا lمlث lهاlنlلك l،lهاlسlبlيlت lحlيlال رlو l،اlهlصlغlي lءlاlال مlو lهاlقlرlحlت lرlاlوال ن lهاlطعlقlي lفlيlال س lةlمlئlاlق lةlتlابlي ثlه

lحlمlلlت lتlنlك lاlإذlف .l..lسlاlبlلlلlا lنlدlبlلlا lلlدlبlتlسlي lاlمlك l..lرlخlآ lوlحlن lقlتlع lاlذlإ lهاlنlدlب lعن lلlقlتlنlت اlلبlدlنl دlونlهlاl،l وlتlجlزlعl لlفlسlادlهl،l فlكlلl مlوlلlوlدl مlيlتl،l وlكلl مlيlتl عlائlدl،l وlلlيlسl لlكl مlنl كlال

l.l"lهlلlلlا lىlلlإ lاlمlه lاlمlنlإ l،lءlيlن شlيlرlألمl(377)اlةlيlنlدlبlلlا lلبlاlقوlلlا lيlى فlفlصlتlي lنlاlسlإلنlا lلlاlزlال يlو l،lهlمlالlع lتlنlكا lةlدlاlمlلlا lعن lسlفlنlلlا lتlدlرlجlا تlإذlف l،lلدlاlوlلتlي اlلlاlوlت lىlعل lالصlخlلlا lالlنlى يlحت

lوlه lسlاlنlلlا lلlضlفlأ l"l،lاlذlل l..lةlعلlاlف lهاlنlأ lتlنlظlو l،lةlهلlاlج lاlرهlوlدlب lتlنlاlك lهاlب lتlسlبlلlت lاlإذlف lفي lوlهlو lةlالدlوlلlوا lتlوlلمlا lهlيlر علlرlكlت lاlمlلlوك l،lهlلlلlا lهlبlحlيlو lهlللlا lبlحlي lهlألن lلlامlلكlا lلمlاlلعlا

.l"lهlالlى نlل حتlاlمlكlلlا lبlلlط lىlلlع lبlظlاlوlم lهlرlمlع lدlدl(378)م

-221-

وذlهب البيlروني إلى أن )ماني( عندlما نفي من )إيرانشهر( إلى أرض الهند،l "نقل التlناسخ منهمl إلى نحلlته"، كما أن اليونانيين، كانوا "موافقين الهنlد في هذا االعتقاد".

أما(379)فالذlين ماتوlا "يكlونون في األحياء" منبها إلى انحياز سقراطl إلى هذا االعتقاد. بشأن اعتقادهم بالجنlة وجهنم،،l فالعالم الكlلي أو "lالمجlمع" يسمى عنlدهم

lينقسم إلى "علو )l(، والعالم )لوكlناكلوك( ويسمى األسفل، وهو جهنم باسمl،)lلوك( وسlفل وواسطة"l ويسمى األعلى، وهوl الجنة "سlفرl لوكl"، ويسمى أيضlا )نزlلوlك( و"lباتال" والموضع األخيlر في أسlفل سافليlن، والعالم األوسط هوl الذي نحlن فيه

ويسمى )ماتلوكl( و"lماتشl لوكl" أي مجمع الناس وهوl لإلكتساب، واألعلlى هو للlثواب، واألسفل للlعقاب. وفي هذlه العوالمl" lيستlوفى جزاء العمل"l، اما القاصرl عن

السموl إلى الجlنة أو السقوطl إلى جهنم،l فمآله إلى عالمl" lترجكlلوكl" وهو عالم النlبات والحيlوان غيlر الناطق، تتردlد الروح في أشخاصها إلى أن تنتقل إلى اإلنس.

والهنlود يكثرlون من عدlد الجهنمات وصفاتها وأنوlاعها، ويفرlدون لكlل ذlنب موقعا في إحدlاها، فالمدlعي بالكذب والشاهدl بالزور والمعاون لهما،lو المستهزئ بالناس

وسافك الدم بغير حق، وغاصب حقوق الناس، والمغيريصيرlون إلى جهنlم )روردة(، عليهم، وقاتل البقر يصيرون إلى جهنم )رودة(، وهكذا فلكل ذنب، أو مجموعة معاصي

والجزlاء يكون بحسبl المقصlود،l فينlال علlى مراتبl مختlلفة، إما (380)جهنم خاصة به. في قالبه الذي انتقل إليهl بالتlناسخ، وإذlا اتبع طlريق الخيرl فمآله الجlنة، وينlقل عن

كتlاب )بشن برlاي(، ان ميتري سlأل براشر عن الغرض من جهنم والعقاب، فأجابه:lهار العدل، وما كل مذنبlهل وإظlوالعلم من الج lير من الشرlمييز الخlلك لتlبأن ذ"

يدخل جهنlم، فإن منlهم من ينجlو بتlقدlيم التوlبة، والباقي "يترlدد في النlبات وخشخاش الطيرl، ومرذlول الهوlام،l وقذرها من القمل والدود إلى مدlة االسlتحقاق"l، أما من استحlق الثlواب، فقدl ذlكر كتاب سانك، أنهl يصيlر كأحدl المالئكlة، مخlالطا للمجامع

الرlوحانيlة غlير محجوlب عن التصlرف في السموات والكوlن،l مع أهلها، أو كأحد أجنlاس الرlوحانيlين الثمانيlة، وأما من استlحق السفول باألوزار واآلثام فإنه يصlير حيوlانا أو

.l"( 381)نباتا

طريق الخالص

-222-

أشار البيروني، إلى أن الهنود، بما أنهم رأوا في الجهل سببا في انحباس النفس بالعالم وارتباطها بمشاكله وترهاته، فقد اعتقدوا أن خالصها من أثقالها يأتي "إذن

بالعلم، إذا احاطت باألشياء إحاطة تمديد كلي مميز مغن عن االستقراء، ناف للشكوك، ألنها إذا فصلت الموجودات بالحدود، عقلت ذاتها ومالها من شرف

الديمومة، وللمادة من خسة التغيير والفناء في الصور، فاستغنت عنها.. وأعرضت عن وفي كتاب "كيتا"، القول "إن من عرف عند موته أن الله هو كل(382)تلبس المادة".

شيء، ومنه كل شيء فإنه متخلص". وفيه أيضا " "أطلب النجاة من الدنيا بترك التعلق بجهاالتها، وإخالص النية في األعمال واعتزال الناس... ثم حفظ النفس عن

ويقارن البيروني ذلك(383 )النفس، فإنها العدو إذا اشتهت، ونعم الولي إذا عفت". بأقوال شبيهة عند سقراط وعند أمونيويس، وفيثاغورس الذي تساءل "كيف ترجون

فيعلق(384)االستغناء مع لبس األبدان، وكيف تنالون العتق وانتم فيه محبوسون؟". البيروني "فإنك إذا جمعت بين أقاويلهم تلك وأقاويل اليونانيين في ملتهم زال

(385)االستغراب".

عامة الهندوس وتجسيد اآللهة في مقابل نزوع )خاصة( الهند نحو التوحيد، فإن العامة، التي ال تستطيع االتصال

بالله إال عن طريق المحسوس، اتجهت نحو التعدد )الشرك(، ونحو المحسوس المعبود، وهذا هو مصدر تقسيمها لألنام، والهياكل، فيفرد البيروني فصال عن األصنام، منبها "إنا

، وعلل نزوع العامة(386)نحكي خرافاتهم في هذا الباب بعد أن نخبر أن ذلك لعوامهم". إلى عبادة األصنام بقوله "معلوم أن طباع العامي نازع إلى المحسوس نافر من

المعقول، الذي ال يعقله إال العالمون الموصوفون في كل زمان ومكان بالقلة، ولسكونه إلى المثال عدل كثير من أهل الملل إلى التصوير في الكتب والهياكل كاليهود والنصارى

وال يستثني من ذلك العامة من المسلمين(387)ثم المنانية )جماعة ماني( خاصة". أنفسهم، قائال "أنك لو أبديت صورة النبي )ص( أو مكة أو الكعبة لعامي أو امرأة لوجدت

من نتيجة االستبشار فيه دواعي التقبيل وتعفير الخدين والتمرغ كأنه شاهد المصور وقضى بذلك مناسك الحج والعمرة، وهذا هو السبب الباعث على إيجاد األصنام بأسامي

األشخاص المعظمة من األنبياء والعلماء والمالئكة مذكرة أمرهم عند الغيبة والموت(388)مبقية آثار تعظيمهم".

-223-

لذا لم يخل قوم من عبادة األصنام، ودلل على ذلك بما عرفه عن أن اليونانين، كانوا "في القديم يوسطون األصنام بينهم وبين العلة األولى، ويعبدونها بأسماء

الكواكب... ولما نقلت العرب من الشام أصناما إلى أرضهم عبدوها، كذلك ليقربوهم إلى الله زلفى، وهذا أفالطون يقول في المقالة الرابعة من كتابه )النواميس(: واجب

على من أعطى الكرامات التامة أن ينصب... أصناما خاصة لآللهة األبوية، ثم الكرامات لهذا فقد أظهر نقده المبطن لتدمير السلطان محمود الغزنوي لصنم(389)التي لآلباء".

سومنات، بينما أطرى من جانب خفي، على محمد بن القاسم لتركه معبد مولتان على حاله، قائال "وكان محمد بن القاسم لما فتح المولتان نظر إلى سبب عمارتها واألموال المجتمعة فيها، فوجد ذلك الصنم إذ كان مقصودا محجوجا من كل أوب. فرأى الصالح

(390)في تركه".

وبين البيروني القواعد المتبعة في بناء األصنام، والمواد الالزمة لبنائها وأشكالها، وعدد أطرافها، والمثل على ذلك أن "برهمان فذات أربعة أوجه في الجهات األربع،

واما "كومار" فذات ستة أوجه، واما بيشنب فذات أربعة أيد، واما باراه فرأسها رأس ويستطرد قائال "وبالجملة لكل صنم قوم صورته"(391)خنزير على بدن إنسان... الخ".

الفتا النظر إلى "أن هذه األصنام منصوبة للعوام الذي سفلت مراتبهم، وقصرت معارفهم، فما عمل صنم قط باسم من عال المادة فضلوا الله تعالى، وليعرف كيف يعبد السفل بالتمويهات". وأورد ما جاء في كتاب كيتا "إن كثيرا من الناس يتقربون مباغيهم إلي بغيري ويتوسلون بالصدقات والتسبيح والصالة لسواي فأقويهم عليها،

وتصفح البيروني أهم كتبهم الدينية، وبدأ بl "بيد" ومعناه العلم لما(392)وأوقفهم لها". ليس بمعلوم. وهو كالم نسبوه إلى الله تعالى من فم )براهم( ويتلوه البراهمة، تالوة

من غير أن يفهموا تفسيره... وال يتكلم بتفسيره إال القليل منهم"، ويعلمونه طبقة "كشتر" بينما ال يحل لبيش وال لشودر أن يسمعاه فضال عن أن يتلفظاه، ويتضمن بيد

وعندهم(393)األوامر والنواهي، والترغيب والترهيب بالتحديد والتعين والثواب والعقاب. أيضا كتاب "جزر بيذ" وفيه تعاليم عن أعمال النار والقرابين، وكتاب "سام بيذ" ففيه القرابين واألومر والنواهي ويقرأ بلحن كالغناء، واما كتاب "سمرت فهو مستخرج من بيذ في االوامر والنواهي، يحمله أوالد برهم العشرون، كما لهم كتب "في فقة ملتهم

وفي الكالم وفي الزهد والتأله وطلب الخالص من الدنيا، مثل كتاب عمله )كور( الزاهد وعرف باسمه، ومثل )سانك( عمله كبل في األمور اإللهية، ومثل )باتنجل( في طلب

الخالص، واتحاد النفس بمعقولها" ولهم كتاب يعتقدون أن ما يوجد في غيره فهو(394)موجود فيه، واسمه بهارت، عمله بباس بن براش.

الحج والصيام

-224-

وليس الحج عندهم )من المفروضات وإنما هو تطوع وفضيلة" وهو أن يقصد الحاج أحد البالد الطاهرة أو أحد األصنام المعظمة أو أحد األنهار المطهرة، فيغتسل بها، ويخدم

الصنم، ويهدي إليه، ويكثر التسبيح والدعاء، ويصوم ويتصدق على البراهمة والسدنة فأما الحياض الطاهرة المعظمة، فإنها(395)وغيرهم، ويحلق رأسه ولحيته وينصرف

منتشرة في الكثير من األماكن وال سيما في الجبال، واالنهار، والوديان، كما في المولتان فهناك حوض فيها "يعبدون فيه باالغتسال، وان اشتهار الحياض بالفضيلة يكون إما باتفاق

أمر جليل فيها، أو نص وارد في كتبهم وأخبارهم فهناك مواضع تعظم دينيا، مثل بلد هذا باإلضافة(396))باراثس( فإن زهادهم، يقصدونه ويلزمونه "لزوم مجاوري الكعبة مكة".

إلى الحج وطقوسه إلى نهر الكنك، فمن اعتقاد الهند في نهر الكنك )الغنج( )أن مجراه في القديم عى أرض الجنة، وقيل أيضا، إن كنك لما حصل على األرض انقسم سبع

شعب وسطها عموده المعروف بهذا اإلسم، ثالث جرت نحو المشرق... وثالث جرت نحو(397)المغرب".

أما "صيام" أهل الهند، فهو عندهم "تطوع ونوافل ليس منها شيء مفروض" وطريقتهم في ذلك "إمساك عن الطعام مدة ما، يختلف بحسب مقدار المدة وبحسب

صورة الفعل" فاألمر المتوسط، هو أن يعين اليوم المصوم، ويضمر اسم من يتقرب به إليه، ويصام ألجله من الله أو أحد المالئكة، ويبدأ صيامه قبل يوم الصيام بالطعام

عند الظهيرة، ثم ينظف أسنانه بالتخليل والسواك، وينوي صوم الغد. فإذا غدا يوم الصوم استاك ثانية واغتسل، وأخذ بيده ما ء ورمى به، وبقي على حاله إلى غد يوم الصوم، وهناك نوع آخر يسمى )كرجم(، يأكل الصائم في وقت الظهيرة، وفي اليوم التالي وقت العتمة، ثم ال يأكل في اليوم الثالث إال ما دفع إليه، ثم يصوم في اليوم

الرابع، ونوع آخر يسمى )براك( يجعل الصائم طعامه وقت الظهيرة ثالثة أيام متوالية، ويعتقدون أن من واصل صوم جميع الشهور، فلم يفطر في السنة إال اثنتي عشر مرة

(398)مكث في الجنة عشرة آالف سنة.

صورة العالم وقصة الخلق درس البيروني بطريقة شاملة تفصيلية تصورات الهند عن العالم، واألبراج وعلم

النجوم، والمواقيت، واألرض، وقارن ذلك كله بعلوم اليونان، وأحيانا بعلوم العرب، وسنقتصر هنا على قصة الخلق، وشكل األرض، ففي قصة الخلق، تصوروا "إن الماء كان

قبل كل شيء، وموضع العالم ممتلئ به" وقالوا "إن الماء أزبد بالتموج فبرز منه شيء أبيض خلق البارئ منه براهم، وصار السماء من أحد نصفيه واألرض من اآلخر، واألمطار

من كسيرات ما بينهما" وعلق البيروني أنهم لو قالوا بدل الكسيرات الجبال "لكانت أليق بها من االمطار". ومنهم من يرى أن الله قال لبراهم: "إني خالق بيضة أجعلها لسكناك

فتشكلت(399)فيه، وخلقها من زبد الماء، فلما نضب الماء وغاض كسر البيضة بنصفينمن قسميها األرض والسماء.

-225-

الشرق شعوب صورة19م– األقصى

فذكرنا البيروني هنا أن اليونانيين في )اسقليبيويس( على ما ذكر جالينوس، كانوا قريبين من هذا التصور، إذ تصوروا بيضة تكون إشارة إلى كروية األرض، ومثال الكل،

أما في مسألة تقدم الماء في الخليقة، فيعزو ذلك إلى أنها مصدرا لكل نام، وقوام الحياة في كل روح، فهي للصانع آلة وأداة لصنع المادة، ثم يعود بنا إلى المقارنة مع

التصور اإلسالمي للخلق فيقول إن "بمثله نطق، التنزيل في قوله تعالى: "وكان عرشه على الماء "سواء حمل على ظاهر اللفظ... أو حمل على تأويل بالملك - فالمعنى انه

(400)لم يكن وقتئذ بعد الله غير الماء".

أما في تصورهم لألرض، رأوا األرض "مستديرة يحيط بها بحر وعلى البحر أرض كما ان(401)كالطوق، وعلى تلك األراضي بحر مستدير كالطوق، وعدد البحار سبعة".

كتب الهند: الملية والخبرية. تنطق كلها في: أن هيئة العالم تبدو: "أن السماء والعالم مستديران واألرض كروية الشكل، نصفها الشمالي يبس، ونصفها الجنوبي مغمور

بالماء، ومقدارها عندهم أعظم مما هو عند اليونانيين، وأن جبل )ميرو( تحت القطب وأlنl اlلخlط اlلlفاlصlلl بlيlن نlصlفlيlالشمالي، وجزيرة )بروامخ( تحت القطب الجنوبي،

lيlذlلlا lيlأ l)lشlكlلlنl( lىlمlسlي lبlطlرlلlاlو lسlابlليlا lألرضlال عرض له وهو خط االستواء، ا واألرض تمسك ما عليها ألنها من(402)واألرض مضبوطة بالقطبين والمحور يمسكهما.

جميع الجهات سفل، والسماء في كل الجهات علو، فيعلق البيروني، "فكالم القوم في ويلفت البيروني نظرنا(403)هذا الباب، كما ترى، صادر عن معرفة بالقوانين الصحيحة".

(404)إلى أن أصحاب )آرجهبد( يقولون إن األرض متحركة والسماء ساكنة".

السمنية / البوذية / لعل البيروني، قد صور حدود المعرفة العربية بالسمنية في الهند، والمشكالت التي أحاطت معرفتهم بها، فهو يشكو من أنه لم يجد "كتابا للسمنية وال أحد منهم

استشف من عنده ما هم عليه، فإذا حكيت عنهم فبواسطة اإليرانشهري، وإن كنت فالبيروني لم ير مرجعا هنديا عن(405)أظن أن حكايته غيرمحصلة أو عن غير محصل".

البوذية، وهو الذي عاش سنوات عديده هناك، وأيضا، لم يصادف" أحدا منهم، فاضطر لالستعانة بشخص ال يثق بمعلوماته، والحال، إن المؤلفين العرب أطلقوا اسم

)السمنية( أو )الشمنية(، وأصحاب )البد(، على البوذية، وكانت البوذية في حالة انحسار عن الهند، حيث استطاعت التعدية المذهبية البرهمية استيعابها داخل هذا

التعدد، وامتصتها بهدوء، كما انزاح وجودها في آسيا الوسطى ما بين القرنين الخامس ولم يبق عمليا سوى ثالثة معابد كبرى تستقبل ما تبقى من(406)والسابع ميالديين

)بوذيين من الهند وتركمانستان، وهي بلخ والباميان وترمذ، وتقع ثالثتها في أفغانستان.

ومن هنا يمكن فهم شكوى البيروني، وتبرمه من االفتقار للمصادر والشهود.(407

-226-

تحدث المسعودي، والسيرافي على أن أصل المذهب من الهند، وقرن المسعودي انبعاث البوذية )السمنية( في الهند، بالتطور الداخلي للديانة الهندية،

وبظهور شخصية نشرت المذهب وأدعت النبوة أيضا، واسم تلك الشخصية )بوداسف( وهي شخصية )بوذا( نفسه، ولعل المسعودي قدم السردية التاريخية األفضل عن

البوذية، بين زمالئه العرب، إذ قال "ولما طال عليهم العهد عبدو األصنام، على أنها تقربهم إلى الله، وألغوا عبادة الكواكب، فلم يزالوا على ذلك حتى ظهر )بوداسف(

بأرض الهند، وكان هنديا، وقد خرج من أرض الهند إلى السند، ثم سار إلى بالد سجستان وبالد زبلستان، وهي بالد فيروز بن كبك، ثم دخل السند ثم إلى كرمان، فتنبأ

ويذكر(408))أي ادعى النبوة( وزعم أنه رسول الله، وأنه واسطة بين الله وبين خلقه". أن بوداسف بعد أن أعلن نبوته، أتى فارس في عهد الملك طهمورث ملك فارس، أو

في عهد الملك جم الذي أظهر مذاهب الصابئة، وأول من عظم النار، ودعا الناس إلى تعظيمها، لذا، فإن )بوداسف( اصطدم بهذه اآلراء في فارس، أما عن مذهب بوداسف

فيقول المسعودي: "وكان بوداسف قد أمر الناس بالزهد في هذا العالم، واالشتغال(409)بما عال من العوالم، إذ من هنالك بدء النفوس، إليها يقع الصدور في هذا العالم".

وباإلضافة إلى هذا، اقترب المسعودي من االتجاه الزهدي الذي بشر به بوداسف، فقد أشار إلى أن "بوداسف جدد عبادة األصنام وقرب لعقولهم عبادتها بضروب من

فإذا كان المسعودي قد عرض بطريقة متفهمة للنزعة الزهدية(410)الحيل والجزع". بالعالم، والتركيز على التعلق واالهتمام بالتعالي، فإنه تعامل بحيادية تجاه إدعاء

بوداسف بالنبوة، ولعله في ذلك يصدر عن مفهوم إسالمي عميق مفاده: أن كل أمة ال تخلو من نبي أو رسول، إال أنه يظهر موقفاسلبيا عندما يعرض لدعوة بوداسف لعبادة

األصنام.

-227-

م( الذي جمع بين التأصيل التاريخي، والتحليل153هl - 548ولعل الشهرستاني ) والعرض للمذهب قد أكمل عرض المسعودي بعده بقرنين، فهو في تفريعه، للمذاهب

وضع ما سماه )أصحاب البدد(، ضمن تفرعات )البراهمة(، فشرح،في البداية، أن معنى) البد( عندهم، "شخص في هذا العالم ال يولد وال ينكح، وال يطعم، وال يشرب، وال

يهرم وال يموت". وكل هذا يتضمن معنى األبدية والخلود، ثم ينتقل إلى التاريخ، وإلى صاحب المذهب نفسه،فيشير على أن: أول )بد( ظهر في هذا العالم اسمه )شاكمين(

وهذا االسم األخير يذكرنا باأللقاب التي أطلقها(411)وتفسيره: )السيد الشريف(. البوذيين على بوذا، واعتقد الشهرستاني أن "السيد الشريف" هذا، يفصله زمنيا عن

والحال أن هذا الزمن مبالغ فيه، إذا عرفنا أن(412)زمن الهجرة "خمسة آالف سنة". ق.م(، وأشار484بوذا عاش في القرن السادس قبل الميالد، ومات في عام )

الشهرستاني إلى ان هناك )طريقا( يسلكه المريد للوصول إلى مرتبة )البوديسية(، وأن هناك درجات للوصول إلى مرتبة بوذا أي(413)ومعناه "الطالب سبيل الحق".

)البد(، وان المرتبة األدنى لمرتبة )بوذا( هي مرتبة )البوديسية(، هذا التصور لمراتب االرتقاء في البوذية، الذي شخصه الشهرستاني، لمقارب المذهب البوذي، لم يكن غريبا عن مراقي الصوفية اإلسالمية التي يعرفها الشهرستاني جيدا، كما أن فكرة

)الطريق( نفسها، هي ذات مصدر بوذي بامتياز، هذا الطريق يمكن المرء الذي يسلكها التي وصلNiroudhaبإيقاف جماح الرغبة،حتى الوصول إلى حالة النيرفانا، أو النيروذا

إليها بوذا، أو من سلك طريقه للوصول إلى مرتبته. وإذا كانت هذه )الطريق( كما بين بوذا وتالميذه وشراحه، تتكون من ثالثة شعب هي: األخالق، والتأمل، والحكمة، وهي شعب متداخلة تسير جنبا إلى جنب، ولكل من

هذه الشعب الثالثة قواعدها وشروطها، فقواعد االخالق الكبرى بالنسبة للرهبان والعامة، يمكن تلخيصها في مبادئ خمسة رئيسية، باإلضافة إلى ثالثة ثانوية، أو لواحق

لها، وهي "اتعهد باإلحجام عن إلحاق أي أذى بالكائنات الحية، وأن ال آخذ ما لم يعط لي )أي امتنع عن السرقة( وبأن امتنع ن الممارسات الجنسية الالأخالقية، وعن

الكذب، وتناول الخمر والمخدرات التي تذهب العقل" وهناك مراعاة ثالث مبادئ إضافية هي: "أن امتنع عن تناول الطعام بعد الظهر، وان امتنع عن الرقص والغناء

وألعاب التسلية، وأن امتنع عن استخدام أكاليل الزهور إلى مستحضرات التجميل، وأن وهناك مبادئ أخرى تتعلق بالشعبتين األخريين:(414)ال أتزين بأي نوع من أنواع الزينة".

التأمل، الحكمة.

-228-

الشهرستاني في عرضه، ينقل المناخ الفكري للبوذية، فهو ذكر،في شرحه للبوذية، أن اإلنسان الطالب سبيل الحق، والسالك طريق االرتقاء، للوصول إلى مرتبة )البد(، أو

)السيد الشريف( أو إلى مادونها، أو إلى مرتبة )البوديسية(، "إنما يصل إلى تلك المرتبة: بالصبر والعطية، وبالرغبة فيما يجب أن يرغب فيه وباالمتناع والتخلي عن

الدنيا، والعزوف عن شهواتها ولذاتها، والعزة عن محارمها، والرحمة على جميع الخلق، وباإلجتناب عن الذنوب العشرة، قتل كل ذي روح، واستحالل أموال الناس، والزنى

والكذب، والنميمة والبذاء، والشتم، وشناعة األلقاب والسفه، والجحد لجزاء اآلخرة، وباستكمال عشرة خصال إحداها: الجود والكرم، والثانية: العفو عن المسيء، ودفع

الغضب بالحلم، والثالثة التعفف عن الشهوات الدينية، والرابعة الفكرة في التخلص إلى ذلك العالم الدائم الوجود من هذا العالم الفاني. والخامسة: رياضة العقل بالعلم

واألدب، وكثرة النظر إلى عواقب األمور، والسادسة القوة على تصريف النفس في طلب العبادات، والسابعة لين القلب وطيب الكالم مع كل أحد. والثامنة: حسن

المعاشرة مع األخوان بإيثار اختيارهم على اختيار نفسه، والتاسعة: اإلعراض عن الخلق بالكلية، والتوجه إلى الحق بالكلية، والعاشرة: بذل الروح شوقا إلى الحق، وصوال إلى

والمالحظ، أن في عرض الشهرستاني، تختفي اللغة التسفيهية لصالح(415)جناب الحق".العرض الموضوعي.

م(، أنه قرأ كتاب عن أخبار خراسان لرجل من987هl - 377روى ابن النديم ) أهل خراسان نفسها، قال فيه أن "نبي السمنية بوداسف" وأن نبيهم هذا "أعلمهم أن أعظم األمور التي ال تحل، وال يسع اإلنسان أن يعتقدها، وال يفعلها قول: ال، في األمور

(416)كلها... وقول )ال( عندهم من فعال الشيطان".

وتعرض ابن النديم إلى السمنية أو البوذية في سياق عرضه لما سماه عقيدة )البد(، علما أن البد هو تحريف السم )بوذا( فاستعرض المذاهب المتباينة حول عبادة )البد( أو الصنم قائال "فزعمت طائفة أنه صورة البادي" وأخرى أنه "صورة رسول الله"، وقالت ثالثة: أنه "عفريت من العفاريت" ولكن ما يهمنا هنا، ما اعتقده بأن طائفة رابعة قالت

فنحن هنا أمام(417)"هذه صورة بوداسف الحكيم الذي أتاهم من عند الله جل اسمه". بوذا، الذي يعتقد أنه مبعوث حسب تقرير ابن النديم، "من عند الله" أي بمعنى من

المعاني أنه نبي الله، وأن الصنم المجسد في معابدهم، إن هو إالرمز له، "وصفة البد األعظم كإنسان جالس على كرسي ال شعر بوجهه مغموس الذقن" ثم لفت نظرنا إلى

بيت صنم أو بد للسمنية، في باميان..." وهذا بيت عظيم يجله الزهاد والعباد، وبه من األصنام الذهب المرصعة ما يجاوز القدر، وال يبلغه النعت والصفة، والهند تحجه من

والباميان تقع في أفغانستان الحالية، وفيهما التمثاالن(418)أقاصي بالدها برأ وبحرا". الشهيران، اللذان قضت عليهما حركة طالبان، ولعل هذان الصنمان، هما من أشار إليهما ابن النديم خطأ، على أنهما يقعان في ملتان، بينما هما في بيت باميان وقد ذكرهما بقوله "ولهم صنمان يقال ألحدهما جنكيت، واآلخر زنبكت، قد استخرج صورتيهما من طرف واد

عظيم، خرطا من حجارة الجبل، يكون ارتفاع واحد منهما ثمانين ذراعا يرى من مسافة(419)بعيدة، والهند تحج إليهما، وتحمل معها القرابين والدخن والبخورات".

-229-

وكان ابن طاهر المقدسي، قد تعرض للسمنية، أو البوذية في موقعين من كتابه )البدء والتاريخ(، في األول قدم مالحظة خاطفة عنها، بتأكيده أن "السمنية هي

ثم عرض لها، في(420)المعطلة" وقصد بذلك أنهم ينفون الخالق، ويقولون بقدم العالم سياق تعريفه للمذاب البرهمية، تحت اسم )البهابوذية(، إذ إن األسم ذاته، وعرضه للمذهب، يوحي بأن المقصود هو البوذية نفسها، فهو شرح األمر قائال: "زعموا أن

رسولهم ملك يقال له بوذا، أتاهم في صورة بشر، وهو راكب على ثور وعلى رأسه إكليل من عظام الموتى، متقلد بقالدة من أقحاف الرؤوس، وفي إحدى يديه قحف،

وفي األخرى مزراق ذو ثالث شعب، مستظل بظالل من ذنب الطاووس، فأمرهم بعبادة الله عز وجل، وأين يتخذوا على مثاله صنما يعبدونه، فيكون وسيلتهم إليه، وأن

هنا، يتبدى(421)ال يعافوا شيئا من األشياء، فإن األشياء كلها من صنع الله عز وجل". بوذا، أو البد، عند ابن النديم، على أنه مبعوث من الله، وأن الصنم الذي يمثله، ويجسد

هl -429صورته، ما هو إال وسيلة للتعالي إلى الله، والتقرب منه. أما البغدادي ) م( صاحب "الفرق بين الفرق"، فإنه أثناء عرضه للمذاهب القائلة بالتناسخ،1037

فيضع السمنية إلى جانب ما يسميه صنف الفالسفة، وإلى جانب أصحاب التناسخ، أو المؤمنين به، مضيفا إلى إيمانهم بالتناسخ، قولهم بقدم العالم، أي القول بالتعطيل،

"فأصحاب التناسخ من السمنية قالوا بقدم العالم، وقالوا أيضا بإبطال النظر واالستدالل، وزعموا أنه ال معلوم إال من جهة الحواس الخمس، وأنكر أكثرهم المعاد،

والحال(422)والبعث بعد الموت، وقال فريق منهم بتناسخ األرواح، والصور المختلفة". أن البوذية لم تخض في البحث عن الخالق، بل انصرفت إلى عالج مشكلة الحياه على

األرض، فهي نظرت إلى الحياة على أنها وجود مستمر، وأن األرواح في تناسخ مستمر، وبما أن الحياة ليست سوى )ألم( فعلى اإلنسان العمل على وضع حد لها

بالوصول إلى السعادة الروحية والسالم النفسي، بسلوك طريق يصل اإلنسان لقد حام المؤلفون العرب حول مذهب البوذية، أنكروا بعض الجوانب(423)بالنيرفانا

التي رأوا فيها مظاهر شرك، وأظهروا موقفا إيجابيا تجاه ما يقربه إلى مفهوم التوحيد، وكانوا ميالين إلى تصديق القول :بأن بوذا نبيا، وأن األصنام يتخذها أتباعه )شهادة( أو "واسطة" لالرتفاع إلى سرالله، واتسم عرضهم في أغلبه بالموضوعية، دون اإلغراق

في عدمية نسبية ال تميز، وال تفاضل بين المعاني المختلفة.

-230-

الهوامش229. بيروت. ص 1. دار الكتاب العربي. ط1- أحمد أمين. ضحى اإلسالم. ج1 - البالذري. اإلمام أبو العباس أحمد بن يحيى بن جابر. فتوح البلدان. حققه عبllد اللllه أنيس الطبllاع،2

607. ص 1957وعمر أنيس الطباع. دار النشر. للجامعيين. . )سلسllلة ألllف1- د. احمد محمد الساداتي. تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم. ج3

. إشراف إدارة الثقافة العامة - وزارة التربية والتعليم بمصllر( مكتبllة اآلداب ومطبعتهllا158كتاب 56القاهرة. ص

.608- البالذري. ص 4609 - 608- المصدر نفسه. ص 5612 – 611- المصدر نفسه ص 6 ll–114 613وأيضا، البالذري المصllدر نفسllه، ص ll–112 111. ص4- ابن األثير. الكامل في التاريخ. ج7

289 – 288 ص 2قارن مع اليعقوبي. تاريخ اليعقوبي. ج.289 ص 2- اليعقوبي. تاريخ اليعقوبي. ج8، ومع 289 – 288، قارن مع اليعقوبي تاريخ اليعقوبي. ص 112-111. ص 4- ابن األثير. ج9

616 – 615 البالذري ص 615- البالذري ص 1073 ص 1- الساداتي. ج11196- عزيز أحمد. الهند )تراث اإلسالم. قسم أول( مصدر سابق ص12242/244، وقارن مع أحمد امين ضحى اإلسالم. مصدر سابق. ص 78. ص 1- الساداتي. ج13_ll 83- الساداتي. المصدر نفسه. ص 14 وقارن مع الدكتور حسن ابراهيم حسن تllاريخ اإلسllالم97

93-92 ص 1965 القاهرة 7. مكتبة النهضة المصرية ط3السياسي. ج94- عن الدكتور حسن ابراهيم حسن المصدر نفسه ص 15 197- عزيز أحمد ص 16200 – 197. ص 1- الساداتي. ج17 . دار إحيllاء الكتب العربيllة ألصllحابها2- غوستاف لوبون. حضارة العرب. ترجمة عllادل زعيllتر. ط18

238 ص 1948عيسى إلياس الحلبي وشركاه القاهرة - د. جالل يحيى. تاريخ العالقات الدولية في العصور الحديثة، دار المعارف،مصllر،بllدون تllاريخ، ص19

261 – 262336. ص 1959- عبد المنعم نمر. تاريخ اإلسالم في الهند. دار العهد الجديد. مصر 20 - روسالن موسينية. تllاريخ الحضllارات العllام. المجلllد الرابllع. إشllراف مllوريس كروزيllه. ترجمllة21

605. ص 1966يوسف أسعد. وفريد داغر. منشورات عويدات. بيروت. 227( في الصفحة 3- أرنولد. الدعوة إلى اإلسالم. هامش )22217- المصدر نفسه. ص 23218 – 217- المصدر نفسه ص 24225 -224- المصدر نفسه. ص 25 . العllد11- محمد أبو صالح. األسرة الملكية المسلمة األولى في الهند. مجلة ثقافllة الهنllد. مجلllد 26

22 – 20. ص 1960الثاني في أبريل 227 – 226، وقارن أيضا مع أرنولد الدعوة إلى اإلسالم. ص 22 – 20- المصدر نفسه ص 27 - د. ب. راماكر شناروا. هيكل الثقافة الهندية مجلة ثقافة الهند. المجلد الجادي عشر. يوليllو سllنة28

140، العدد الثالث. ص 1960.211. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج29( 34، قارن مع )رحلة السيرافي. ص 170- المصدر نفسه. ص 30.173 - 172- الدمشقي. مصدر سابق. ص 31168. ص 1- المسعودي، مروج الذهب. ج32211. ص 1957. دار صادر. بيروت. 18. ج5- ياقوت الحموي. معجم البلدان. مجلد 33.63. ص 5- القلقشندي. ج34277 قارن مع ابن حوقل. صورة األرض ص 211- ياقوت الحموي المصدر نفسه. ص 355- ابن الفقيه. مختصر. كتاب البلدان. مصدر سابق.ص 36

-231-

50- السيرافي. ص 37 - ابن فضل الله العمري، شهاب الدين احمد. مسالك األبصار في ممالك األمصار. السفر الثالث.38

40-39. ص 2003تحقيق د. أحمد عبد القادر الشاذلي إصllدارات المجتمllع الثقllافي أبllو ظllبي. وزرة الثقافlllة واإلرشlllاد5قlllارن القلقشlllندي. من الصlllبح االعشlllى في صlllناعة اإلنشlllاء، ج

.63-62القومي.المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة. بدون تاريخ. ص .82. ص 1. ص1- المسعودي. مروج الذهب. ج39 . قllارن مllع42- ابن فضllل اللllه العمllري. مسllالك األبصllار... السllفر الثllالث. مصllدر سllابق ص 40

62. مصدر سابق. ص 5القلقشندي الصبح األعشى ج.62- ابن فضل الله العمري. المصدر نفسه السفر الثالث. ص 41.67 و 63. ص 5- القلقشندي. صبح األعشى. ج42267. ص 10. ج3- ياقوت الحموي. معجم البلدان. مجلد 43.45- ابن فضل الله العمري العمري المصدر السابق نفسه السفر الثالث. ص 44211. ص 1- ياقوت الحموي. معجم البلدان. مجلد 45 ويllاقوت الحمllوي:169-168 اإلدريسllي. نزهllة المشllتاق. مجلllد أول. ص 277- ابن حوقل. ص 46

211. ص 18/ ج5معجم البلدان مجلد 168. ص 1 راجع أيضا. المسعودي. مروج الذهب. ج277- المصدر نفسه. ص 47168. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج48168- المصدر نفسه ص 49169- اإلدريسي. ص 50277. وابن حوقل. ص 169- المصدر نفسه. ص 51481- المقدسي. احسن التقاسيم في معرفة األقاليم. مصدر سابق ص 5299. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج53483- المقدسي. احسن التقاسيم. ص 54277- ابن حوقل. ص 55122. ص 18، ج5، وياقوت الحموي معجم البلدان. مجلد4848- المقدسي ص 56227- ياقوت الحموي. المصدر نفسه. ص 57176- اإلدريسي. تزهد المشتاق ص 58- ابن رسته. كتاب االخالق النفيسة 59136- المصدر نفسه. ص 60136- المصدر نفسه ص 61137- المصدر نفسه ص 62137- المصدر نفسه ص 63121- القزويني. آثار البلدان واخبار العباد. مصدر سابق. ص 64316 وص 309- ابن بطوطة. تحفة النظار في غرائب األمصار وعجائب األسفار. مصدر سابق. ص 65310 – 309- المصدر نفسه. ص 66311- المصدر نفسه ص 67312 – 311- المصدر نفسه ص 68312- المصدر نفسه ص 69318- المصدر نفسه 70315- المصدر نفسه ص 71119- ابن سعيد المغربي. كتاب الجغرافية. مصدر سابق. ص 72281- ابن حوقل. ص73279- المصدر نفسه ص 74279- المصدر نفسه ص 75484، والمقدسي البشاري، ص 283- المصدرنفسه ص 76174- اإلدريسي. ص 77484، المقدسي البشاري. ص 283- ابن حوقل، ص 78279- ابن حوقل. المصدر نفسه. ص 79479- المقدسي. ص 80

-232-

279- المصدر نفسه. ص 81167- اإلدريسي. ص 82481- المقدسي. ص 8377 – 69- القلقشندي. من صبح األعشى... الجزء الخامس، ص 8445- ابن فضل الله العمري، مسالك األبصار... السفر الثالث. ص 85 - د. احمد مقبول، العالقة التجارية بين الهند والعرب. من القllرن العاشllر قبllل الميالد إلى العصllر86

.11الحديث، مجلد ثقافة الهند. مجلد 77- القلقشندي، الجزء الخامس. مصدر سابق. ص 8788 ll- ه. ص 120، وابن سعيد المغربي، ص 173الدمشقي صllابق نفسll73، القلقشندي المصدر الس،

.3الحموي، معجم البلدان، مجلد أول /ج74 – 73- القلقشندي. المصدر نفسه ص 89432- ابن بطوطة. ص 90432- المصدر نفسه. ص 91433- المصدر نفسه ص 92432- المصدر نفسه ص 93432- المصدر نفسه ص 94433- المصدر نفسه ص 95433- المصدر نفسه ص 96433- المصدرنفسه ص 97430- المصدر نفسه ص 98431- المصدر نفسه ص 99

- ابن سعيد المغربي 100237- النويري. السفر األول. ص 101181- اإلدريسي. ص 102426- ابن بطوطة ص 103428- المصدر نفسه ص 104428- المصدر نفسه ص 105429- المصدر نفسه ص 106429- المصدر نفسه ص 107430- المصدر نفسه ص 108430- المصدر نفسه ص 109434- المصدر نفسه ص 110421- المصدر نفسه ص 11174. ص 5 والقلقشندي. ج435 – 434- المصدر نفسه ص 112435- المصدر نفسه ص 113436_ 435 المصدر نفسه ص 114437- المصدر نفسه ص 115192 – 191- اإلدريسي ص 116437- ابن بطوطة ص 117439- المصدر نفسه. ص 11826- السيرافي. ص 119173- الدمشقي. ص 12011- لبن الفقيه. ص 12175، ص 5- القلقشندي. مجلد 122107 – 106- القزويني آثار البالد وأخبار العباد، ص 123107- المصدر نفسه. ص 124440- ابن بطوطة ص 125346. ص 1- ياقوت الحموي. معجم البلدان. مجلد. ج126

-233-

. حققllه1- اإلمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن احمد بن عثمllان الllذهبي. دول اإلسllالم ج127 .7 وابن األثllير. الكامllل في التllاريخ. ج365. ص 1999حسن اسماعيل مروة. دار صادر بيروت

320ص 95- القزويني. آثار البالد.. ص 12897- المصدر نفسه. ص 129346. ص 3. ج1- ياقوت الحموي. معجم البلدان. مجلد 130105- ابن سعيد المغربي. ص 13171. ص 5- القلقشندي. من صبح األعشى. ج132187- اإلدريسي. ص 133189- المصدر نفسه. ص 134.57. ص 5- القلقشندي من صبح األعشى. ج135467 – 466- ابن بطوطة. ص 136468- المصدر نفسه ص 137469- المصدر نفسه ص 138470- المصدر نفسه. ص 139174- الدمشقي. ص140 - غوستاف لوبون. حضارة الهند. ترجمة عادل زعيتر. دار إحياء الكتب العربيllة ألصllحابها عيسllى141

215 – 214. ص 1948البابي الحلبي وشركاه. مصر 65- السادات. تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية. ص 142165. ص 1- المسعودي. مروج الذهب ج143134- ابن سعيد المغربي. ص 14477 – 76. ص 5- القلقشندي. من صبح األعشى. ج145486 – 485- المقدسي البشاري. أحسن التقاسيم. ص 146134- ابن سعيد المغربي ص 147135- المصدر نفسه ص 148 حيث يllذكر أن5 وقارن مllع القلقشllندي ج194 قارن مع األدريسي. ص 418- ابن بطوطة ص 149

78فيها "أثنا عشر ألف قرية" ص 419- المصدر نفسه ص 150419- المصدر نفسه ص 151423- المصدر نفسه ص 152425- المصدر نفسه ص 153425- المصدر نفسه ص 154104- القزويني. آثار البالد. ص 155105- المصدر نفسه 156193- اإلدريسي ص 157104 - 103- بزرك. ص 158125- المصدر نفسه ص 159120- ابن سعيد المغربي. ص 160163- المصدر نفسه ص 16153- ابن فضل الله العمري. ص 162326 - 325- ابن بطوطة. ص 16354- ابن فضل الله العمري. ص 164327 - 326- ابن بطوطة. ص 165328- المصدر نفسه ص 16694- ابن فضل الله العمري. ص 16755- المصدر نفسه. ص 16875- ابن فضل الله العمري. ص 16985 – 83- المصدر نفسه 170

-234-

87- المصدر نفسه ص171320. ص 14 والنويري من نهاية األدب. ج79. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج17295. ص 2- اليعقوبي. تاريخ اليعقوبي. ج173108- المصدر نفسه. ص 174597- الحميري. 17576. ص 1- المسعودي، مروج الذهب. ج17678- المصدر نفسه. ص 177321. ص 4 والنويري. نهاية االدب. ج80- المصدر نفسه. ص 17899. ص 2- اليعقوبي. تاريخ اليعقوبي. ج179322 – 321. ص 14 والنويري. نهاية األدب. ج81 – 80. ص 1- المسعودي. مروج الذهب ج180223 – 322. النويري المصدر نفسه ص 82- المسعودي. المصدر نفسه. ص 181322- النويري. المصدر نفسه. ص 182. ص 2. ج108- اليعقوبي. تاريخ اليعقوبي. 183228- ابن حوقل.ص 184 .2، واليعقllوبي تllاريخ اليعقllوبي ج47. والسllيرافي ص 67، وابن خرداذبة ص 134- بن رسته. ص 185

34 والطبيب شرف الزمان طاهر المروزي. أبواب في الصين والترك والهند. ص 108ص 85.. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج186 - الفقيه أحمد بن محمد بن عبد ربه االندلسي. العقد الفريد. الجزء الثاني. تحقيlق محمllد سlعيد187

60. ص 2/1953عريان. مطبعة االستقامة ط125- ابن سعيد المغربيي. ص 188188- اإلدريسي. نزهة المشتاق. ص 189188- المصدر نفسه. ص19067 وابن خرداذبة. ص 35- المصدر الطبيب الطاهر المروزي. ص 19135- السيرافي. ص 192 - القاضي الرشيد بن الزبير. كتاب الذخائر والتحف. حققllه الllدكتور محمllد حميllد اللllه. سلسllلة193

23. ص1959(. دائرة المطبوعات والنشر في الكويت. 1التراث العربي )289 – 288. ص 2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج19434 والمروزي. ص 134 – 133- ابن رسته. ص 19584. ص 1، والمسعودي مروج الذهب ج19- بزرك. ص 19637- المروزي ص 197194- اإلدريسي ص 198167. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج19982- المصدر نفسه. ص 200.323. ص 14، والنويري نهاية األدب. ج83- المصدر نفسه. ص 201189- اإلدريسي ص 202295 – 294. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج203295- المصدر نفسه ص 20447- السيرافي. ص205223. ص 14- النويري. نهاية األدب. ج20648- المصدر نفسه. ص20767- 66- ابن خرداذبة. ص 208323. ص14- النويري. نهاية األدب.ج20948 – 47- السيرافي. ص210323. ص 14- النويري. نهاية االدب. ج21183. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج212211- المصدر نفسه. ص 21378- السيرافي. ص 214

-235-

114 - 113- بزرك. ص 21546 - 45- السيرافي. ص 216190- اإلدريسي ص 21746 - 45- السيرافي. ص 21848- المصدر نفسه. ص 21971- ابن خرداذبة. ص 220152- بزرك. ص 221152- المصدر نفسه ص 222134- ابن رسته. ص 22338- المروزي. ص 224 38- المصدر نفسه. ص 225341- ابن بطوطة. ص 226 - البيروني، أبو ريحان محمد بن أحمد. تحقيق ما للهند من مقولة مقبولllة في العقllل أو مرذولllة227

صححت بالمكتبة األهلية باريس، طبع بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الllدكن.472، ص1958والهند،

472- المصدر نفسه ص227473- المصدر نفسه. ص 229474- المصدر نفسه ص 230475- المصدر نفسه. ص231222 - 221- غوستاف لوبون. حضارة الهند. ص 232172 - 171- الساداتي. تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية. ص 233345- ابن بطوطة. ص 234346- المصدر نفسه ص 235366- المصدر نفسه ص 236397 و 361- المصدر نفسه ص 237391- المصدر نفسه ص 238392- المصدر نفسه. ص 23964. ص 3- ابن فضل الله العمري ج24091. ص5- القلقشندي. من صبح االعشى. ج24165- ابن فضل الله العربي، ص 24266- المصدر نفسه. ص24392. ص 5- القلقشندي. من صبح االعشى. ج24493- المصدر نفسه ص 24594- المصدر نفسه ص 24681- ابن فضل الله العمري ص 247163- ابن سعيد المغربي. ص 248394- ابن بطوطة. ص 249.13- اليروني. أبو الريحان محمد بن احمد، ص25015- المصدر نفسه، ص 25115- المصدر نفسه ص 252

17- المصدر نفسه ص 253 17- المصدر نفسه ص 25418 - 17- المصدر نفسه 255 - الثعالبي. أبو منصllور عبllد الملllك بن محمllد بن اسllماعيل. لطllائف المعllارف تحقيllق ابllراهيم256

االبيllاري. حسllن كامllل الصllيرفي. دار إحيllاء الكتب العربيllة عيسllى البllابي الحلllبي وشllركاه.214القاهرة، بدون تاريخ. ص

62. ص 5- القلقشندي. من صبح االعشى. ج257

-236-

51- السيرافي. ص 25839. ص 3- ابن فضل الله العمري. ج25926- المروزي. ص 260 94. ص 1- اليعقوبي. تاريخ اليعقوبي. ج261169. ص 1- المسعودي مروج الذهب. ج262158- المصدر نفسه،ص263. 104- برزك. ص264150- المصدر نفسه. ص 265150- البيروني. ص 266151- المصدر نفسه. ص 267268-267- السيرافي. ص 26846. ص3- ابن فضل الله العمري ج269215 - 214- الثعالبي، لطائف المعارف، ص 27044- الييروني ص 27118- بزرك ص 27276- الييروني ص 27377 - 76- المصدر نفسه. ص 27476 - 75- المصدر نفسه. 27578- المصدر نفسه276470-469- المصدر نفسه ص 277470- المصدر نفسه، ص278470- المصدر نفسه،ص27949- السيرافي ص 28040- المروزي ص 281470- البيروني ص 282270- المصدر نفسه ص 283270- المصدر نفسه ص 284190- اإلدريسي ص 285476 - 475- البيروني ص 28648- السيرافي ص 287

469- البيروني ص 288 190- السيرافي ص289471- الحميري ص 290471- البيروني ص 291475- المصدر نفسه ص 29248- السيرافي. ص 29349- المصدر نفسه ص 29415- ابن الفقيه ص 29550- السيرافي ص 29650- المصدر نفسه ص 297471- البيروني ص 298471- المصدر نفسه ص 299145- المصدر نفسه ص 300298- ابن بطوطة ص 301145- البيروني ص 302322- ابن بطوطة ص 303324 - 323- المصدر نفسه ص 304

-237-

323- المصدر نفسه ص 305471- الحميري ص 306267- البيروني ص 307266- المصدرنفسه ص 30850- السيرافي ص 309117 - 116- بزرك ص 31049- السيرافي ص 311144- البيروني ص 312331 وابن بطوطة. ص 76. ص 3- ابن فصل الله العمري. ج31376- ابن فضل الله العمري. المصدر نفسه. ص 31451- السيرافي. ص315145 – 144- البيروني. ص 316294- ابن بطوطة. ص 31749 - والسيرافي. ص 14- ابن الفقيه ص 318145 - 144- البيروني. ص 319294- ابن بطوطة. ص 32049 - والسيرافي. ص 14- ابن الفقيه ص 321468 - 467- البيروني ص 32280. ص 3- ابن فضل الله العمري ج32381- المصدر نفسه ص 324190 - 189- اإلدريسي. ص 325146 - 145- البيروني ص 326 .1- راجع في هذا أحمد محمد السlاداتي. تlاريخ المسlلمين في شlبه القlارة الهنديlة وحضlارتهم ج327

ومحمد حافظ سيد. الحيllاةll-605 600، وغوساف لوبون. حضارة الهند. ص 23مصدر سابق. ص 125 - 123 سبتمبر. ص 1950في رأي اآلراميين القدماء مجلة ثقافة الهند.

76. ص 1. والمسعودي. مروج الذهب. ج1- اليعقوبي. تاريخ اليعقوبي. ج32879- المسعودي المصدر نفسه. ص 329597- الحميري. ص 33079. ص 1- المسعودي مروج الذهب. ج331 . اعتنى بllه أبllو عبllد اللllه2- اإلمام أبي الفتح محمد عبد الكريم الشهرستاني. الملل والنحل. ج332

218. ص 1994السعيد المندوه. مؤسسة الكتب الثقافية بيروت. - مطهر بن طاهر المقدسlي )ومنسlوب إلى أبي زيlد بن أحمllد بن سlهل البلخي(، كتllاب البllدء333

9ص 1907. باريس. 4والتاريخ. ج10-9- المصدر نفسه. ص 33413 - 12- المصدر نفسه. ص 33539- المروزي. ص 336220-219. ص 2- الشهرستاني ج33713-12 وابن طاهر المقدسي. ص 28- المروزي ص 33813 وابن طاهر المقدسي ص 28- المصدر نفسه ص 339.14. ص 1- المسعودي مروج الذهب. ج340172- الدمشقي. ص 34114. ص 4- ابن طاهر المقدسي ج34230والمروزي ص 15- المصدر نفسه ص 34332والمروزي.ص 16-15- ابن طاهر المقدسي. المصدر نفسه ص 34431. المروزي ص 15- ابن طاهر المقدسي. المصدر السايق. ص 34533- المروزي المصدر السابق ص 346134- ابنم سعيد المغربي ص 347174- الدمشقي. ص 348

-238-

175- المصدر نفسه. ص 349613- البالذري ص 35045- الدمشقي. ص 35140- المروزي. ص 352272، النويري. السفر األول. ص 164- ابن سعيد المغربي. ص 353324- ابن بطوطة. ص 354208. ص 1 والمسعودي. مروج الذهب ج134- ابن سعيد المغربي. ص 355272- النويري السفر األول ص 35679/80 والسيرافي. ص 209. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج357120- بزرك. ص 35833 والمروزي. ص 17- ابن طاهر المقدسي. ص 35916- المصدر نفسه ص 360174 والدمشقي. ص 82. ص 1. والمسعودي. مروج الذهب. ج71- السيرافي ص 36172 - 71- السيرافي المصدر نفسه. ص 362341- ابن بطوطة. ص 36339- المروزي. ص 364137- ابن رسته. ص 36585 - 84- السيرافي. ص 366472 - 471- اليبروني ص 36740- المروزي. ص 36839- المصدر نفسه. ص 36936 - 35 ص 1991- علي أومليل. في شرعة االختالف. دار األمان. الرباط. 37019- البيروني. ص 37121-20- المصدر نفسه. ص 37222-21- المصدر نفسه ص 37324-23- المصدر نفسه ص 37438- المصدر نفسه ص37538- المصدر نفسه ص37640-39- المصدر نفسه ص 37741-40- المصدر نفسه ص 37843-42- المصدر نفسه ص 37945-44- المصدر نفسه ص 38049-44- المصدر نفسه ص 38152- المصدر نفسه ص 38257- المصدر نفسه ص 38364-63- المصدر نفسه ص 38472- المصدر نفسه ص 38585- المصدر نفسه ص 38684- المصدر نفسه ص 38784- المصدر نفسه ص 38895-94- المصدر نفسه ص 38988- المصدر نفسه ص 39092-91- المصدر نفسه ص 39194- المصدر نفسه ص 39296- المصدر نفسه ص 393102-101- المصدر نفسه ص 394463- المصدر نفسه ص 395

-239-

465-464- المصدر نفسه ص 396217- المصدر نفسه ص 397483-482- المصدر نفسه ص 398180- المصدر نفسه ص 399181- المصدر نفسه ص 400191- المصدر نفسه ص 401222-221- المصدر نفسه ص 402227- المصدر نفسه ص 403231- المصدر نفسه ص 404206- الييروني ص 405 - جفري بارند معتقllدات الدينيllة لllدى الشllعوب. ترجمllة إمllام عبllد الفتllاح إمllام سلسllلة عllالم406

وحسllن243 ص1993. المجلس الوطllني للثقافllة والفنllون واآلداب. الكllويت 173المعرفllة 92 - 86محمد جوهر وعبد الحميد بيومي، الصين. دار المعارف بمصر بدون تاريخ. ص

. ص7 عدد 2004- د. رضوان السيد البوذية واإلسالم وغربة األديان. جملة التسامح. صيف سنة 407276

237ص 2- المسعودي. مروج الذهب ج408237- المصدر نفسه ص 409237- المصدر نفسه ص 410

220- الشهرستاني اإلمام أبي الفتح محمد بن عبد الكريم، الملل والنحلمصدر سابق، ص411 220- المصدر نفسه ص 412226- جفري باوند المعتقدات الدينية لدى الشعوب. مصدر سابق. ص 413230-226- المصدر نفسه،ص414221-220- الشهرستاني ص 415498- ابن النديم. الفهرست. مصدر سابق. ص 416501- المصدر نفسه ص 417 500- المصدر نفسه ص 418499- المصدر نفسه ص 4199. ص 4- ابن طاهر المقدسي. كتاب البدو والتاريخ. ج42014-13- المصدر نفسه ص 421 - البغدادي. اإلمام أبllو منصllور عبllد القllاهر بن طllاهر بن محمllدكتاب الفllرق بين الفllرق وبيllان422

254الفرقة الناجية منهم، ضبطه محمد بدر. مطبعة المعارف بمصر بدون تاريخ. ص 92-91- جوهر. وبيومي. الصين. مصدر سابق. ص 423

-240-

الفصل السادس

جيران الهند والصين في البر والبحرجيران البحر في الجنوب

عالم البحر الشرقي وجزره لعل معرفة العرب وتصوراتهم عن البحار الشرقية المتصلة في نهاياتها الغربية

بحافة أفريقيا الشرقية، وبجنوب الجزيرة العربية، كانت أكثر دراية وانفتاحا، من مثيالتها اليونانية والرومانية، وأكثر دقة بتلك البحار، المتفرعة - كما يعتقدون - عن

البحر الصيني، فإذا كانت معلومات اإلغريق والرومان عن الجهات الشرقية األفريقية ال تتجاوز األطراف الجنوبية للساحل الصومالي، فمعلومات الجغرافيين العرب توغلت

lجنوبا لغاية خط عرض عشرين درجة جنوبا، فشملت ساحل موزمبيق، الذي سموه ب "سفالة الزنج"، وانتشرت مراكز استيطانهم على أطراف مدن الساحل الشرقي

ألفريقية كمبسة وزنجبار وملنده وكلوه، حتى أنهم وصلوا إلى جزيرة مدغشقر التي ، والحال نفسه ينطبق على انتشارهم على سواحل الهند(1)سموها جزيرة قمار أو قمر

والصين، وعلى جزر المحيط الهندي، كما نوهنا سابقا، لكن، وعلى الرغم من اتساع مشاهداتهم ومعارفهم المباشرة، ورحالتهم الكثيفة وإبحارهم فيها، إال أن صورتهم

العامة للبحارة الشرقية، تأثرت، إلى حد كبير، بالصور النمطية التي ورثها أغلب الجغرافيين العرب، عن اليونان والرومان، التي افترضت أن الساحل الجنوبي الشرقي

ألفريقية يمتد عميقا باتجاه الشرق، بمحاذاة شواطئ الهند والصين، بدال من امتداده جنوبا، ليشكل المحيط الهندي - الصيني، تبعا لهذا التصور، خليجا طويال شبه مغلق،

محصور بين شواطئ آسيا وشواطئ أفريقيا وكان لهذlه النظريةl البطليموlسية من السطوةl، إلى دlرجة، أن وقع تحlت تأثيرlها الكlثير من الجغرlافيين العرب، وفي مقدlمتهم اإلدريسي، بيlنما عارضتها القلة القلlيلة

م( والبيروني وابن سعيد المغربي، وأبو الفدlاء،929lه - 317منهم، وال سlيما البتاني )واتخlذ األخيرون وجهة نظرl تتفق إلى حد كبير مع التlصورات الحدlيثة.

-241-

فالفريق األول وقع تحت سطوة نظريات بطليموس، رغم المعطيات الكثيرة، ووفرة المعلومات، التي بات يمتلكها العرب عن المحيط الهندي، وعن الساحل

األفريقي الشرقي، قياسا إلى ضآلة معلومات بطليموس والعلماء اليونان، فمدوا السواحل األفريقية الجنوبية شرقا، حتى محاذاة الصين، لتشكل بهذا االمتداد، خليجا مستطيال كبيرا أطلقوا عليه اسم البحر الهندي تارة، والبحر الصيني تارة أخرى، وهو

يمتد من أطراف الصين الجنوبية حتى شواطئ أفريقية الشرقية، ووضعوا على أطراف هذا البحر الكبير الجنوبية جزر: الواق واق، وجزر غامضة أخرى: جزيرة النساء

وجزيرة القرود، وغيرها من الجزر، التي تحاذي العالم المغمور، بأشيائه وكائناته الغريبة، وهذا ما نراه جليا في خارطتي االصطخري وابن حوقل، بتمديدهما الساحل الشرقي ألفريقية باتجاه الشرق حتى يوازي شواطئ الصين والهند الجنوبية، ليتكون

في تقابلهما وتوازيهما شبه جزيرة مائية مغلقة في جوانبها الثالثة، ومنفتحة إلى الشرق، وجاراهما في ذلك البلخي، والجيهاني، وينطبق األمر نفسه على خرائط

اإلدريسي، وتصوراته لبحر الشرق الكبير. الذي احتذا ببطليموس في مد الساحل الجنوبي الشرقي ألفريقية باتجاه الشرق حتى يحاذي السواحل الجنوبية للصين،

بطريقة يصبح المحيط الهندي شبه جزيرة مقفلة تنتشر فيها الجزر الكبيرة والصغيرة، وتصب فيها مياه األنهار من الصين والهند، ومن السواحل العربية، ومن أرض بربرة

(2)وسفالة الزنج

ولقد تعذر على أصحاب وجهة النظر هذه، أن يتصوروا أن هناك اتصاال مباشرا بين المحيط األطلسي )األوقيانوس(، و"بحر الهند"، أما بسبب امتداد اللسان األفريقي

شرقا، أو النتهاء العمران في الجنوب، بعيدا عن خط االستواء، بطريقة ال تسمح باإلبحار، السيما أن حرارة تلك المنطقة تصل إلى ما يقارب درجة الغليان، ويكتنفها

الظالم، وتتعاظم أموج المحيط هناك وتتعاظم أهواله، فما ينطبق على النهايات الجنوبية للبحر األخضر، أوقيانوس )األطلسي( ينطبق على بحر الهند، كما ينطبق على

بحر المحيط في شرق الصين، وهو ما نجده في وصف اإلدريسي لجنوب األطلسي "وال يعلم أحد ما خلف هذا البحر المظلم، وال وقف بشر على خبر صحيح لصعوبة

عبوره وظالمة أنوائه، وتعاظم موجه وكثرة أهواله، وتسلط دوابه وهيجان رياحه، وبه وشرح أبو الفداء(3)جزائر كثيرة منها معمور ومغمور، وليس أحد من الربانيين يركبه"،

األمر بقوله: "إن ماء البحر المحيط بجهة الجنوب غليظ... ألن الشمس بسبب مسامتتها له وقربها منه حللت األجزاء اللطيفة من الماء، فغلظ ماؤه واشتدت ملوحته

(4)وسخونته، ولذلك ال يعيش فيه حيوان وال يسلك فيه مركب".

-242-

قبالة هذا الفريق من الجغرافيين، بتصوراتهم تلك عن امتداد الطرف الجنوبي الشرقي ألفريقية بموازاة الصين، وقف فريق آخر عارض رأي بطليموس ذاك، فتحدث عن امتداد القارة األفريقية جنوبا، وعن اتصال بحر الهند، بالمحيط األطلسي، عبر بحر

"سفالة الزنج" وقد أشار )رينو( في تعليقه على كتاب أبي الفداء إلى أن جابر بن سنان البتاني كان من أوائل المؤلفين العرب الذين نبهوا على اتصال المحيط المظلم

)األطلسي( بالمحيط الهندي، وعلى امتداد بالد سفالة الزنج جنوبا، وليس شرقا، فيلتقي المحيطان في نهاية ذلك االمتداد، وهذه إشارة إلى رأس الرجاء الصالح، وقد

شاركه هذا االعتقاد كل من المسعودي والبيروني، وابن سعيد المغربي، فقد عدل األخير من خريطة بطليموس، مستفيدا من مشاهدات رحلة ابن فاطمة إلى جزيرة

القمر )مدغشقر(، والتي كانت كفيلة بقلب تصورات بطليموس عن الجنوب الشرقي للقارة األفريقية، حيث دفع بطرف القارة األفريقية الشرقي نحو الجنوب، بدال من

امتداده شرقا، ووصل بحر الزنج ببحر المحيط المظلم )األطلسي( استنادا على معطيات كثيفة كانت بمتناول يديه، والتي أتت من معطيات رحلة ابن فاطمة، ومن

مشاهدات الرحالة والمالحين والتجار العرب الذين كانوا على معرفة وطيدة بساحل أفريقية الشرقي، ولكنه ظل محافظا على االعتقاد السائد، بأن البرزخ الواصل بين المحيطين األطلسي والهندي، يصعب اإلبحار فيه، وهو ما يتضح في قوله: "والبحر الذي يمر مع طوله )جزيرة القمر - مدغشقر( الجنوبي يختلط من الجنوب بالبحر

المحيط،ويقال إنه ال يدخله أحد من أهل البر الشمالي، وبحر الجهتين الشرقية(5)والغربية".

وتبعه أبو الفداء في تصوره هذا، إذ ذكر أن المحيط المظلم )األطلسي(، بعد أن يتجاوز خط االستواء جنوبا "ينعطف إلى جهة الشرق وراء جبال القمر التي فيها منابع نيل مصر، فيصير البحر المذكور جنوبا عن األرض، ثم يمتد مشرقا إلى أراض خراب

وراء بالد الزنج، ثم يمتد شرقا وشماال حتى يتصل ببحر الصين والهند، ثم يأخذ مشرقا وذهب أبو ريحان البيروني إلى التعبير عن ذلك بوضوح(6)حتى يسامت نهاية األرض".

في كتابه "القانون المسعودي" "فليس يمنعه )أي بحر الزنج كامتداد لبحر الهند( من االتصال ببحر أوقيانوس من تلك المضايق، ومن جهة الجنوب وراء تلك الجبال، وقد

(7)وجدت عالمات اتصالهما وإن لم يشاهد".

على الرغم من وجود هذين الرأيين، فإن الهيمنة كانت للرأي المتأثر بنظرية بطليموس، ولقد تخيل كال الفريقين، أن هناك في أقصى البحر المحيط جنوبا جزائر

غامضة، أطلقوا عليها اسم: جزائر الواق واق. ونظرا إلى أن أغلب الجغرافيين العرب قد تخيلوا أن الجزر الجنوبيه من أفريقية توازي في امتدادها شواطئ الهند والصين،

اعتقدوا تبعا لذلك، أن جزر الواق واق هذه، والتي تقع أساسا في أقصى البحار الجنوبية للقارة السوداء، تمتد قبالة السواحل الصينية والهندية، والتي تخيلها القزويني على "أنها ألف وستمائة جزيرة، وإنما سميت بهذا االسم ألن لها شجرة لها ثمرة على صورة نساء معلقات من الشجر بشعورها، وإذا أدركت )أي وصلت سن البلوغ( يسمع

(8)منها صوت واق واق".

-243-

وانطالقا من هذا التصور، نظر الدمشقي إلى التخوم الجنوبية لبحر الهندي، فجعله يمتد )جنوبا من وراء خط االستواء ثالث عشرة درجة( ويحدها في الجنوب

جزيرة القمر، أي جزيرة مدغشقر وما يسميه جبل اصطفون. وبما أن جزيرة القمر امتداد ألفريقيا، فقد افترض الدمشقي، تبعا للتصور السائد، أنها تمتد عميقا باتجاه الشرق حتى تحاذي سواحل الصين، فأعطاها لذلك أبعادا هائلة، فبعد أن يقول أن

ساحل البحر او المحيط الهندي الذي يحده في الجنوب "جزيرة القمر الكبرى"، يقول إن "طول هذه الجزيرة أربعة أشهر وال عمارة في جنوبها وال فيما ورائها". وأن "ال

مسلك في البحر إال من جبال اصطفون... وهذه الجبال كصورة جبل واحد دخل في البحر عن نحو مائتي ميل، وهو جبل شاهق متصل ممتد سحابي، من أقصى المشرق

أما جزائر الواق واق "الداخلة في المحيط، فإنها خلف جبل(9)إلى أوائل جبال القمر".(10)اصطفون"

ولقد نظروا إلى البحار الممتدة من السواحل الشرقية األفريقية إلى البحار المحاذية لسواحل الصين الجنوبية، مرورا، بالمحيط الهندي، والفارسي، والعربي، على أنه بحر واحد، أطلقوا عليه اسم البحر الهندي أو البحر الصيني، أو البحر الحبشي عند

المسعودي، أو البحر الشرقي الكبير كما عند ابن خرداذبة، وتفاوتت تقديراتهم لمساحاته، وأطلقوا على أجزائه أسماء مختلفة تبعا للبالد التي يحاذيها، فعند ابن رسته

"البحر الهندي فإنه يمتد طوله من المغرب إلى المشرق، وذلك من أقصى الحبشي(11)إلى أقصى الهند يكون ذلك مقدرا ثمانية آالف ميل في الفين وسبعمائة ميل".

-244-

ه " أما بحر الهند وجزائره، فمبدؤه من شرق733 - 677ونقرأ عند النويري الصين فوق خط االستواء، ويجري إلى جهة الغرب، فيجتاز بالد الواق، وبالد سفالة

الزنج، ثم بالد الزنج، حتى يصل إلى بالد بربره وهناك حجزه" ثم رجع ويقول: "ويسمى البحر الصيني، والهندي، والفارسي، واليمني، والحبشي، بحسب ما يمر عليه من

وقال المسعودي، "البحر الحبشي هو بحر الصين والهند والسند والزنج(12)البالد" والبصرة واألبلة وفارس وكيرمان وعمان والبحرين والشحر واليمن وأبله والقلزم، من بالد مصر، والحبشة، وليس في المعموره بحر أعظم منه، وهو مساو في الطول لخط االستواء، آخذا من أقصى بالد الحبشه... إلى أقصى بالد الهند، والصين في المشرق،

وطوله على هذا السمت فيما ذكر من عنى بمساحة األرض، ثمانية آالف ميل، وعرضه وكتب اإلدريسي: أن(13)في الشمال ألفان وسبعمائة ميل، وقيل ألف وتسعمائة ميل".

األقاليم السبعة المعمورة، يحيط بها ويخترقها، البحر المحيط، الذي يتفرع إلى "سبعة أبحر تسمى خلجانا، ستة منها متصلة، وبحر واحد منفصل )يقصد بحر الخزر أو

قزوين(، وأحد البحور التي في األرض المعمورة هو بحر الصين والهند والسند واليمن، ومبدؤه من جهة الشرق فوق خط االستواء، بثالث عشرة درجة، ممتد مع خط

االستواء إلى جهة المغرب، وبلغ طوله على هذه المسافات فيما حكاه الثقات من المسافرين.. من مبدأ بحر القلزم )األحمر( إلى الواق واق، أربعة آالف فرسخ

وخمسمائة فرسخ )الفرسخ ثالثة أميال(،وفيه من الجزائر نحو ثالث مائة جزيرة عامرة ولعل اإلدريسي قد استقى من ابن خرداذبه تصوره عن مساحة البحر(14)وخالية".

الهندي، حيث يستعمل األخير العبارة نفسها "وطول هذا البحر من القلزم إلى الواق(15)واق أربعة آالف وخمسمائة فرسخ".

ولخص أبو الفداء، تصورات المؤلفين العرب، المتداد البحر الشرقي الكبير، وقدر مساحته بألفين وسبعمائة فرسخ تقريبا، إذ كتب "هو بحر ينبعث من البحر المحيط من

عند أقصى الصين الشرقية التي ليس شرقيها غير البحر المحيط، ويأخذ مغربا إلى القلزم نحو ماية وأربع وعشرين درجة.. وطول هذا البحر بالفراسخ هو ألفان وسبع

ماية وثمانية وأربعون فرسخا بالتقريب. ويسمى هذا البحر بأسماء البالد التي يسامتها، فطرفه الشرقي يسمى بحر الصين ألن بالد الصين على ساحله، ثم القطعة الغربية

من بحر الصين تسمى بحر الهند لمسامتها بالد الهند، ثم يصير منه بحر فارس، ثم بحر بربره وهو المعروف بالخليج البربري، ثم بحر القلزم، وأن أطراف بالد الصين الشرقية

الجنوبية، وفيه جزائر بها مدن كثيرة بعضها على خط االستواء، وبعضها جنوبي خط(16)االستواء".

-245-

فهكذا، فإن البحر الشرقي الكبير، الذي ركبه المالحون العرب منذ أقدم العصور، وتعرفوا عليه، وعلى أنوائه، وجزره، وغرائبه، أطلقوا عليه مرة البحر الصيني، ومرة

أخرى البحر الهندي، وثالثة البحر الشرقي الكبير، وأطلقوا على أجزائه أسماء األراضي المحاذية أو المسامتة له، فهو بحر الصين لمحاذاته لساحل الصين، وبحر الهند لمسامتته

أراضي الهند، وبحر فارس لمحاذاة أراضي فارس، ثم بحر عمان،و بحر اليمن، إلى أن يتفرع إلى بحر القلزم، وبحر الزنج. إال أن ما يهمنا هنا، هو بحر الصين وبحر الهند، وتفرعاتهما الكثيرة، وجزرهما، وما يختزنان من جزائر وطواهر فيها الواقعي وفيها الغريب، وإذا وضعنا جانبا البحر الفارسي، وبحر عمان، وبحر اليمن، وبحري القلزم والزنج، وركزنا على بحري الهند، والصين، أي إلى المحيطين الهندي والهادي، فإن

عوا عن هذين البحرين الكبيرين العديد من البحار، تمتد من بحر المؤلفين العرب فر عمان إلى الحافة الشرقية للصين، ويحتوي كل منها على جزر عديدة، تعرف عليها

البحارة العرب، وتجارهم ورحالتهم، في طريهم البحري إلى الهند والصين، وإلى الجزر المتناثرة فيهما، أو سمعوا عنها في ترحالهم، أو تخيلوها كما وردت في القصص

851المتداولة بين البحارة والتجار، و بين أهالي الجزر. وقد دون سليمان التاجر في عام م، مذكراته عن الرحالت الكبيرة التي قام بها في )البحر الشرقي الكبير(، وأضاف إليها السيرافي من تجاربه، وتجارب اآلخرين من التجار والبحارة،في عوالم الطريق المالحي

إلى الهند والصين، وعلى سواحل البحر الشرقي الكبير، فإذا رأينا فيما بعد أن ابن خردازبة وابن الفقيه، واالصطخري، وابن حوقل، والمسعودي يتكلمون على أساس من

المعرفة الشخصية لبعض المواضع من ذلك البحر الكبير، فإنهم نقلوا الكثير عن ذلك األثر العربي التجاري األول، ثم دون الكثير من الجغرافيين والرحالة العرب، وفي مقدمتهم،

المسعودي وابن رسته، وابن الفقيه، وابن حوقل، وابن بطوطة، واألدريسي، والعديدغيرهم، معلومات هائلة عن تلك البحار، وعن أسمائها وأوصافها.

-246-

فإذا بدأنا من الشرق، من حدود الصين الشرقية منتقلين إلى بحر عمان، فعندنا نص الدمشقي الذي بدأ بتعداد األبحر مرتبة من الشرق إلى الغرب منطلقا من

الساحل الصيني، ومبتدءا بذكر بحر هركند، إال أنه يضعه في محاذاة هذا الساحل، بينما هو في محاذاة الساحل الهندي، بين جزيرة سرنديب )سيالن( وخليج البنغال، إذ يقول

"يمر )أي البحر الشرقي الكبير( بأرض الصين ويسمى بحر الهركند، وبحر الغيض وبحر الصنف )= بحر الهند الصينية أو خليج سيام وكوشين الصينية، والصنف هي فيتنام، وفيه جزيرة سرنديب( نسبة إلى مدينة على ساحله من بالد الصين، وهو بحر كثير الموج خبيث شديد الهول، ويلي هذه القطعة من البحر قطعة تسمى بحر الصنجي )عند البعض الصنخي هو بحر الصين يقع بين فرموزا أو بر الصين ويقع عليه مرفأ خانفو التجاري - كانتون( وفيه ملكة المهراج )وهي امبراطورية أندونيسيا - مملكة

سريفيجانيا( وتدخل المراكب إليها من ستة طرق بين جبال سبعة تسمى جبال الكافور، وأكثر شجر الكافور بها، وال بد للمراكب من العبور بها وهي شديدة

األهوال... ثم يليها قطعة تسمى بحر كله منسوبة إلى جزيرة كله، )وهي ميناء بالماليو، أو شبه جزيرة ملقا، محط تجار بين الصين والهند، وهي جزء من جزيرة سومطرة

األندونيسية(، وكله مدينتها الكبرى إذ بها أربع مدن، ثم يلي هذه القطعة قطعة رابعة تسمى بحر صندا بوالت، وصندا بوالت أوائل بحر الصين، وهذا البحر ال يدرك قعره، ثم

يليها قطعة تسمى بحر الهند، وهو أسلم هذه القطع وأصغرها موجا وهوال، ويلي هذه القطعة قطعة تسمى بحر الروي )أو بحر باربان شرق الهند وجنوب إيران( وقطعة

تليها تسمى بحر المعبر وسيالن، وسيالن مدينة بحرية بها تعرف، ويلي هذه القطعة، قطعة من جنوب البحر الهندي تسمى بحر سرنديب )سيالن - سيرالنكا( وبحر الراهون

وهو الجبل الذي هبط عليه آدم... ويلي هذه القطعة من شرقها قطعة تسمى بحر القمر وبحر لقمرانه )وهو بحر مدغشقر األفريقية، وهذا االنزياح شرقا نتج عن تصور

أن جنوب أفريقيا - وتحديدا جزيرة مدغشقر - جزيرة القمر ممتدة حتى قبالة الهند والصين( ويلي ذلك شمال البحر قطعة تسمى بحر كنبابة منسوبة إلى مدينة بساحل البحر الشمالي، ويليها قطعة أخرى تسمى بحر المنيبار وسواحل الخيزران، والفلفل

وهذه قطعة ساحلية شمالية، ثم يليها قطعة تسمى بحر السند، ثم تلي هذه قطعة(17)تسمى بحر فارس... ".

-247-

أما إذا أخذنا البحر الشرقي الكبير من الغرب لنعدد أجزاءه متجهين شرقا، وهو ما فعله سليمان التاجر، والسيرافي، والمسعودي، والكثير من الجغرافيين العرب،

فإننا نجدهم يضعون بحر الري في أول أجزاء هذا البحر، وهو بحر الروي عند البعض أو Indus عند البعض اآلخر، يمتد حسب تصور العرب من دلتانهر الهندوس Larveyالرفي

وكانت األراضي التي تمتد حتى ساحل كامبي تسمى الر،comreneإلى رأس كومرين يقول المسعودي عن بحر الري "ال يدرك عمقه وال يحصر طوله وعرضه عند البحريين

ربما يقطع في الشهرين والثالثة أشهر، على قدر مهاب الريح والسالمة، وليس في ويقع على(18)هذه البحار - أعنى ما احتوى عليه البحر الحبشي - أكثر من هذا البحر".

هذا البحر )بالد صيمور، وسوباره، وتابه وسندان، وكنبابه، وهي على ساحل مليبار وكانت السفن العربية، بعد مسقط ترسوا في خليج كمبي، الذي سماه العرب كولم

ملي،وهو كويلون حاليا، وتدخل بعدها بحر الري. أما البحر الذي يليه فهو بحر هركند، ويعنون به خليج البنغال، يقع بينه وبين بحر الروي جزائر كثيرة يقدرها المسعودي بl "ألف وتسعمائة جزيرة كلها عامرة بالناس،

وملكة هذه الجزائر كلها امرأة، وبذلك جرت عادتهم من قديم الزمان، ال يملكهم رجل، والعنبر يوجد في هذه الجزائر أيضا، يقذفه البحر، اخبرني غير واحد من نواخذة

(19)السيرافيين والعمانيين... وغيرهم من التجار... أن العنبر ينبت في قعر هذا البحر"،

فإذا اشتد هيجان البحر قذفه من قعره، والجزائر عامرة بالناس، والنارجيل )شجر جوز الهند( ونقودهم الودع. وبيوت مال ملكتهم من الودع،وهم يحصلون عليه بأن يطرحوا

سعف النارجيل على وجه ماء البحر فيتعلق الودع فيها، وهم يدعونه )الكبتج(، و يدعون هذه الجزائر الكثيرة، بجزائر )الديبجات( التي يحمل منها أكثر النارجيل،ويقصد بها جزر

المالديف، وآخر جزر الدبجيات جزيرة سرنديب، )أي سيالن أو سيرالنكا حاليا(، وهو من البحار الخبيثة الصعبة، الشديدة، التي يقل السالمة فيها(20)الشهيرة باللؤلؤ.

)وهو ثالثمائة فرسخ، وبه من التماسيح أمر عظيم، وفي ساحل هذا البحر البخور، والبوارج )أي قراصنة البحر واللصوص( الذين يقطعون في هذا البحر، إذا ظفروا

بمركب أكلوا أهله، وهم أشر قوم... وإن غرق لم يمض عليه ساعة حتى يأكل أهله التماسيح وإن انكسر بقرب البر، وصعد أهله إلى الساحل قطعتهم النمور في ساعة

(21)واحدة".

-248-

أما سليمان التاجر فيصفه، بأن )له ريح غير هذه ما بين المغرب إلى بنات نعش فيغلي لها البحر كغليان القدور، ويقذف العنبر الكثير، وكلما كان البحر أغزر وأبعد قعر

كان العنبر أجود، وهذا البحر - أعني هركند - إذا عظمت أمواجه تراه مثل النار يتقد ويحيط هذا البحر جهات(22)وفي هذا البحر سمك يدعى اللخم، وهو سبع يبتلع الناس".

من رامثي )أي سومطره( ويحيط بحر شالهط أجزاء أخرى منها، يليه بحر )كله بار(، وهو مضيق ملقا، ما بين الجزر االندونيسية، يسمونه أيضا بحر شالهط، وهو يشمل

الحوض الذي يتكون من شبه جزيرة ملكه، او ملقه، وجزيرة سومطرة وجزيرة أندمان، وجزر النيكوبار، ذكره المسعودي بالقول " وهو بحر قليل الماء، وإذا قل ماء

وكله بار هي كما يقول ابن(23)البحر كان أكثر آفاتا وأشد خبثا، وهو كثير الجزائر" أي جزء من جزيرة سومطرة، وهذا البحر منسوب إلى(24)الفقيه من مملكة الزنج".

وتقع كله في الماليو، وعرفت في القرن العاشر الميالدي، بl ملقا وهي(،25)جزيرة كله. سنغافورة اآلن وكانت إحدى المحطات الكبرى للتجارة العربية - الصينية والهندية،

ويقال عن هذا المضيق أحيانا بحر شالهط. ثم هناك ما سموه "بحر كردنج" المحاذي لشبه جزيرة )ملقة( من الشرق،

كثيرجنوب خليج سيام، فإنه "كثير الجبال والجزائر"، وفيه الكافور، وهو قليل الماء، ،(26)المطر، ال يكاد يخلو منه، وفيه أجناس من األمم منهم جنس يقال له الفنجب"

ويعنون به البحر المحاذي لساحل سيام "الفيتنامي" أي أول بحر الصين، وهو يمتد غرب ماليو، ويقدر سليمان التاجر أن الرحلة ما بين كله بار إلى بحر كردنج تستغرق

(27)عشرين يوما.

ويأتي بعدها، ما سموه )بحر الصنف( وهو مماس للهند الصينية، ومن المرجح أن ذلك البحر هو خليج سيام وكوشين، ويحدد سليمان موضع، هذه البحر، على بعد أيام من

وذكره المسعودي إن "فيه ملكة(28)كدرنج، وينسبه إلى ما سموه )جزيرة الصنف( المهراج ملك الجزائر" وكانوا قد شملوا بمملكة المهراج سومطرة وجاوة على األقل،

ويصفه النويري بأنه "بحر(29)ثم يكمل شرحه "وال يعرف منتهاه مما يلي بحر الصين" خبيث، كثير األمطار، والرياح الشديدة، وفي جباله معادن الذهب والرصاص، وفيه مغاص اللؤلؤ، وفي غياضه الخيزران، وفيه مملكة المهراج ويشتمل على جزائر ال

تحصى، وال يمكن للمراكب أن تطوف به في سنة، وفيه أنواع الطيب والكافور،(30)والقرنفل والعود، والصندل، والجوزبوي، والبسباسة والكبابة".

ثم يليه إلى الشرق "بحر صنخي" )عند المسعودي الصنجي( ويذكر عنه: أنه بحر خبيث كثير الموج والخب، ويعني بالخب: الشدة العظيمة في البحر... وفيه جبال كثيرة، وفيه نوع من السراطين يخرج من البحر، كالذراع والشبر، ولبحر الصين -

ومعروف بصنجي _ أخبار عجيبة، "وليس بعد بالد الصين ما يلي البحر ممالك تعرف،(31)وال توصف إال بالد السيلي وجزائرها".

-249-

وهكذا فبعد بحر الصنف كما أشار السيرافي تنخطف المراكب إلى بحر يقال له صنجي ثم إلى أبواب الصين، وهي جبال في البحر بين كل جبلين فرجه تمر فيها

المراكب )لعله مضيق فرموزا(، ثم إلى الصين... فإذا جاوزت السفينة األبواب ودخلت الخور صارت إلى ماء عذب إلى الموضع الذي ترسو إليه من بالد الصين، وهو ما يسمى

واعتبره ابن الفقيه أن أول " البحار التي تسلك إلى بالد الصين بحر(32)خانفو )كانتون(.." صنجي، وأول جبل فيه يدعى صند فوالت، فيه حيات ربما ابتلعت البقر والرجل، فهو أشد

(33)البحار كلها... إذا هاج فيه الريح فقليل من يسلم"

وأخبرتنا مذكرات سليمان التاجر، والتي حفظها السيرافي، عن البحر الشرقي الكبير، أن الرحلة فيه تستغرق ذهابا من سيراف، أو البصرة حتى بالد الصين نحو

خمسة أشهر، وخالل هذه الرحلة الطويلة، تمتع الرحالة العرب، وتجارهم بجمال هذا البحر المبهر، وبسحره، وبغموضه واتساعه، فاهتموا بتدوين ما رأوه وما سمعوا عنه

أيضا وما تخيلوه عنه وعن جزره،في ذلك االتساع المائي الهائل. أثار هذا البحر الكبير في نفوس البحارة العرب، في العصر الوسيط، العجب والروعة والرهبة أيضا،

فشطآنه وجزره تخرجان لهم الدر والجوهر، والحرير والقرمز، والكيمخا والمسك، والعود والسروج والسمور، والدار الصيني، والخليخ واألواني، والذهب واألبانوس،

والصندل والكافور، وجوز الهند، والقرنفل، والنارجيل، وسن الفيل، وقرون الكركدن، وجلود األفاعي، والفضة، والرصاص القلعي والياقوت، والماس والدر والبلور،

والسنباذج، والفلفل والخيزران والساج، والقسط والقنا، والعاج والعنبر واللبان، إلى جانب ذلك، رأى البحار العرب وتجارهم، او تخيلوا ظواهر من الغرابة بمكان، أشار ابن

خرداذبة إلى أن: "هذا البحر هو البحر الشرقي الكبير الذي يخرج منه العنبر الجيد وفيه سمك طول السمكة مائة باع، ومائتا باع، يخاف منها على السفن فتنقره بضرب

الخشب على الخشب، وفيه سمك مقدار الذراع يطير، وجوهه كوجوه البوم، وفيه سمك طول السمكة عشرون ذراعا.. وفيه سالحف استدارة السلحفاة عشرون

ذراعا... وفيه سمك على خلقة البقر، تلد وترضع وتعمل من جلودها الدرق )الدروع( وسمك على خلقة الجمل، وفيه طير تجمع من قذى البحر عند سكونه، وتفرخ على

فإلى جانب الظواهر الواقعية، يورد المؤلفون(34)وجه الماء ال تخرج إلى األرض". العرب عن البحر )الهندي( جملة من المعطيات عن ظواهره، تبدو للقارئ على أنها

من الغرائب، والعجائب، ويذهب الغرناطي إلى أن )في بحر الهند والصين، آالف من الجزائر الكبار، بعضها مسكونة، وبعضها غير مسكونة،و فيها أنواع من النعم والنبات

(35)والحيوان ما ال يعد وال يحصى".

-250-

لم يقتصر دور المؤلفين العرب على إبراز الظواهر الطبيعية والحيوانية، والبشرية الواقعية، التي ال تشوبها الظنون، أو على إخضاعها لدراستهم الجغرافية، ولتصوراتهم الكبرى، وعلى رسم الخطوط العامة لخط التجارة البحرية بين بالدهم وجزائر البحر الشرقي الكبير، ومرافئه على سواحل الصين والهند، ومواد تلك التجارة واتجاهاتها

المختلفة، أو انكبابهم على الدراسة االثنوغرافية لشعوب جزره المشاهدة والمتخيلة التي عرفوها، فأبزوا فيها وجهة نظرهم تجاه اآلخر في الشرق األقصى، بل أيضا أغوتهم الظواهر )الغريبة( في هذا البحر، والظواهر العجيبة التي ترتفع تدريجيا إلى مصاف

الظواهر األسطورية، استجابة لرغبتهم في ملء الفراغات المعرفية التي اصطدموا بها، وتفسيرا منهم للظواهر الغامضة الكثيرة التي واجهتهم في ذلك البحر المهيب،

مستلهمين في ذلك، أحيانا، الصور النمطية التي اختزنتها ثقافتهم وتداولتها، تلك المتأثرة بالتصور اإلقليمي - الفلكي عن العالم، ويزداد عندهم هذا التحليق التخيلي طردا، وكلماابتعدوا عن الشواطئ واقتربوا إلى قلب المحيط. وأطرافه الجنوبية القصية الغامضة.

بين عجائب البحر الشرقي الكبير وغرائبه فلقد تخلل وصفهم لعوالم البحر الشرقي الكبير، ذكر الكثير من الظواهر الغريبة

التي لم يألفوها في بحارهم، ونظروا إليها كشهادة على عظمة الخالق وحكمته، من هنا قول القزويني "كل موجود، سوى الواحد سبحانه، مخلوق، وكل ذره من جوهر

وعرف(36)وعرض موصوف فيها غرائب وعجائب يظهر فيها حكمة الله تعالى وقدرته." الغريب بقوله: "كل أمر عجيب قليل الوقوع مخالف للعادات المعهودة والمشاهدات

المألوفة، وذلك أما من تأثير نفوس قوية أو تأثير أمور فلكية أو أجرام عنصرية كل ذلك بقدر لله تعالى وقدرته فمن ذلك معجزات األنبياء كانشقاق القمر، وانفالق البحر

أو ظهور المذنبات وانقضاض شهب. وسقوط ثلج في غير(37)وانقالب العصا ثعبانا". أوانه، أو سقوط نحاس وحديد وسط الصواعق وظهور نبت في أرض ال عهد للناس

بها، وذكر في شرح العجيب :"العجيب حيرة تعرض لإلنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء، أو عن معرفة كيفية تأثيره فيه، مثال أن اإلنسان إذا رأى خلية النحل، ولم

يكن شاهدها قبل.. فلو علم أنه من عمل النحل لتحير" فإذا رأى اإلنسان بغتة حيوانا فالعجائب موجودة في(38)غريبا أو فعال خارقا للعادات انطلق لسانه بالتسبيح".

السموات واألرض، مستشهدا باآلية "قل: انظروا ماذا في السموات واألرض". وعلى هذا صار تسجيل )العجيب( من المخلوقات وغريبها، أحد المحاور التي

أثارت انتباه الباحث والرحالة، والتاجر، والنوتي، واألديب العربي، فامتزجت في كتب الجغرافيين الظواهر العجيبة، بالواقعي والمشاهد، من الظواهر الطبيعية واإلنسانية،

وهو ما ينطبق، أيضا على أبحاثهم، عن عوالم الشرق األقصى، بحرا وبرا، إلى أن ظهر "أدب العجائب" بطريقة مستقلة، الذي تناسل فيما بعد أدبا شعبيا زاخرا

بالعجيب والغريب، وفي مقدمته "ألف ليلة وليلة" وال سيما قصة السندباد وجوالته فيبحار وجزر المحيط الشرقي الكبير.

-251-

ولعل المدونات التي مصدرها البحارة، هي التي غلبت عليها العناية بالعجيب، بالمقارنة مع مدونات الرحالة أو التي مصدرها التجار، وإن كان كال الفريقين اعتمد على المشاهدة، إذ تغلب عند التاجر الحس العملي الواقعي على العنصر الخيالي،

مقارنة بزميله البحار الذي انجذب أكثر إلى ظواهر البحار الصاخبة، ومخاطر البحر، ومشاهده الغنية بالتنوع والغرابة، فتوارى لديه البر وراء البحر، واإلنسان أمام الحيوان،

ونضارة المشاهد الواقعية أمام الغامض والخفي من عوالم البحر وجزره، فإذا كانت رواية التاجر، كما نجدها عند سليمان التاجر تزخر بالمشاهد الواقعية وبحياة التجارة

والمدن الساحلية، وبغنى التصوير االثنوغرافي لحياة أهل الجزر والشواطئ، فإن مذكرات بزرك بن شهريار، التي دون فيها ماسمعه من أفواه زمالئه النوتية، تمتلئ، كنموذج لرواية البحارة، بقصص الخيال، دون أن يخفي ذلك النواة الواقعية لسرده

ووصفه األخاذ لعالم البحار الشرقية، إال أن الواقعي لديه يوضع على مستوى واحد مع المتخيل أو الممكن، فيضع جزيرة الرامثي، أو الزابج، وهما من الجزائر االندونيسية،

على مستوى واحد وجزائر الواق واق المفترضة، وسيطر لديه عالم البحر بدون منازع، وامتزج الهواء الذي يتنفسه أبطاله بالعالم األسطوري الذي تنشره السفن والبحارة

وراءها في جميع بلدان العالم، "فعالم البحر، هنا القائم بحد ذاته، والبعيد جدا عن عالمنا، يطبع بطابعه في جميع األماكن، كل من يكتشفه من بحارة وتجار، تنم قصصهم

عن أخطارعن التبجح، والعنف، وحب الخداع والمال، فهم يتحدثون بأعلى صوتهم وعلى هذا األساس، فإن برزك وهو(39)تحف بمهنتهم، ويبالغون في سرد مآثرهم".

البحار الجواب األفاق، والذي دون ما شاهده فعال و ما تخيله، وما سمعه عن غيره، أو تخيله هذا الغير يشهد بكثرة عجائب الشرق األقصى "أن الله تبارك اسمه، وجل ثناؤه،

خلف العجائب عشرة أجزاء، فجعل تسعة منها في ركن المشرق، وجزءا في ثالثة وهو ما يوضح مدى اهتمامه بl )العجيب( من ظواهر البحر الهندي،(40)أركان األرض".

ولقد رأى كراتشكوفسكي، في هذا الكتاب، مصنفا أدبيا ممتازا ال يقل قيمة عن أفضل(41)ما جاء في أسفار السندباد، بل يفوقه أحيانا، ولقد تسللت "العجائب" واتبعت طريقا

معاكسا أحيانا أخرى، إذ اهتموا بها للتذكير بعظمة الخالق، وأحيانا للتسلية والتشويق دون أن يأخذوها في اغلب األحيان مأخذ الجد، فتجمعت في النهاية مادة قصصية

اندرجت في ألطف مجموعة قصص أخرجتها العصور الوسطى، وهو "ألف ليلة وليلة"، وبالمقابل ال يمكن إغفال حجم المادة العلمية التي احتوتها أيضا "كتب العجائب" التي

أحصى حاجي خليفة ما عرفه منها في "كشف الظنون" المؤلف في القرن السابع عشر، فكان عددها أربعة وعشرين كتابا، وهي كتب تعالج موضوعات الجغرافية والتاريخ

الطبيعي، مما ال يخرجها عن مجموعة كتب الجغرافية الوصفية العربية التي ألفها ابن خرداذبة، وقدامة، وابن حوقل، واالصطخري، وابن رسته، وابن الفقيه، لكنها تحمل أيضا

طابع كتب األدب التي ألفت لجمهور القراء، قصدوا بها باألساس التحدث عن غرائب وفهمهم لها، ولمقدار ماالموجودات، تبعا لطريقة كل منهم في النظر إلى هذه الغرائب،

العلم، سيطرت الطريقة يملكونه من العلم بها، فكلما كان المؤلف قليل الحظ منالذاتية على تأليفه، وإذا كان رواها عن غير تجربة ومشاهدة، أصبح أكثر استعدادا

-252-

للمغاالة، أو للعبث باألحداث رغبة منه في خلق التشويق المناسب، فهناك تدرجا بين كتب العجائب يجعل بعضها في مصاف الكتب ذات الصبغة العلمية، واألخرى تقترب من

األساطير، دون أن تفتقر إلى الحقائق العلمية، بل أن كتب الجغرافية ذاتها ضمنها أصحابها الكثير من "العجائب" وال تقل غرابة عما أورده ابن الوردي في "خريدة

العجائب، أو ابراهيم بن وصيف شاه في "مختصر العجائب"، بينما نجد في بعض كتب العجائب ككتاب الدمشقي )نخبة الدهر(، والقزويني "عجائب المخلوقات"، من المعارف

اإليجابية، واألوصاف الموضوعية ما يرفعها إلى أعلى مراتب المؤلفات العلمية في(42)المكتبة العربية.

وسواء كان الكاتب العربي عالما جغرافيا، أو هاويا للعجائب، فإنه كلما اقترب بوصفه من أطراف الربع المعمور، سيطر الخيال عليه فتصور أشكاال من الحياة، ومن

النبات والحيوان، والبشر لم يألفه في حياته الواقعية، فتخيل جزرا ليست كالجزر، وأناسا مختلفين، وظواهر من الطبيعة يلفها العجب، وهو ما ينطبق على تخيالت أصحاب المصنفات من العرب لعوالم البحر الشرقي الكبير البعيدة في أقصى

الجنوب. ولقد جمع بزرك في مؤلفه )عجائب الهند( حكايات البحريين والرحالة إلى الهند

والزابج، والصنف والصين، فقدم صورة من الحياة على ظهر البحر الشرقي وفوق شطآنه وجزائره، تساعدنا على فهم الكثير مما ورد في كتب الجغرافية العربية، ولكن

المطالع المنصف، كما يقول حسين فوزي: "ال يتمالك اال أن يحس بالنفحة البحرية تهب على صفحاته، والقوة المحركة تسري في أعطافه، هو نتيجة إيضاح المتكلم

(43)إيضاحا مباشرا عن تجاربه الشخصية

-253-

ولعل ما دفعه، ودفع غيره من المؤلفين العرب، إلى جمع العجائب عن البحر الشرقي الكبير، هو األمانة لما سمعه ولما شاهده، وأيضا التذكير بقدرة الخالق، جاء في مقدمة كتابه "شهد آياته المختلفة في األقطار، وعجائب مصنوعاته في البراري

وكما قال(44)والبحار، وبدائع محكماته في اآلفاق والديار... فاعتبروا يا أولي األبصار". الغرناطي "وذكر عجائب خلق الله تعالى يستحب التحدث بها إظهارا لقدرة الله تعالى

وروى أنه شاهد ريشه طائر )الرخ( طولها نحو ذراعين، قدر(45)في عظم مخلوقاته". أنها تسع قربة ماء، وسمع أن هناك في إحدى شطآن المحيط الهندي، حيه هائلة تعبر الخور إلى الشاطئ اآلخر في سرعة البرق، وتعود بعد العصر، حيث كانت تأكل الفيلة

وتبقي أنيابها تحت أجمة في الخور، وكما أن هناك تماسيح أمرها عظيم في بحر سرنديب، إذ ظفرت بمركب أكلت أهله، وبجزيرة البنان قوم يأكلون الناس، كما أن

في بحر الصنف جزيرة إذا وقعت السرطانات إلى أرضها صارت حجارة، وهو خبر أورده سليمان التاجر، وابن الوردي والمسعودي عن بحر الصنخي، حيث قال األخير "في هذا البحر نوع من السراطين بخرج من البحر كالذراع والشبر وأصغر من ذلك واكبر، فإذا بان عن الماء بسرعة وحركة، وصار على البر، صار حجارة، وتدخل هذه

ولعل ظنهم بتحجر السرطان آت، من اعتياد(46)الحجارة في إكحال العين وأدويتها". البحار العرب على رؤية مجموعة من األكسية الفارغة متحجرة، تجري السرطانات

إليها من البحر، فظنوا تحولها إلى حجارة، بينما هي كساء أو قشريات من مادة ظلفية متحجرة ال يسع السرطانات النمو دون ان تطرح عنها ذلك الكساء القشري، فيبدو عند

طرحه وكان السرطان تحول إلى حجر، بينما هو كساء فارغ. وأورد سليمان التاجر خبر سمكة تخرج من البحر وتتسلق شجرة النارجيل فتشرب ماء الثمرة، أي ماء جوز

لعله في ذلك يشير إلى السمكة الهندية المعروفة باسم(47)الهند، ثم تعود إلى البحر ، وهوvirgoserlatos، أو إلى السرطان المسمى فيرجو سيرالتوس Anabas)اناباس(

(48)الذي يفرغ جوز الهند من الشراب.

وهناك سمكة تسمى سيالن تقعد على البر يومين حتى تموت، فإذا وضعت في قدر مغلق على النار نضجت، وإذا كان القدر مفتوحا طارت منه واختفت، وهناك سمكة

تسمى األطم وجهها كوجه الخنزير، ولها فرج كفرج المرأة، ولها مكان الفلوس )القشرة( وروى(50)، كما وفي بحر هوكند سمك يدعى الخم، وهو سبع يبتلع الناس.(49)شعر.

السيرافي أن في بحر )الري( سمك كبير يدعى الوال، وسماه القزويني البال، طولها عند ، وعند المسعودي طولها أربعمائة ذراع إلى(51)األخير أربعمائة ذراع إلى خمسمائة ذراع.

(52)خمسمائة ذراع، ويظهر في بعض األوقات طرف من جناحها يكون كالشراع العظيم".

فإذا بغت هذه السمكة، "بعث الله سمكة نحو ذراع تدعى اللشك تلتصق بأذنابها، وال وهناك "سمكة تزيد على خمسمائة(53)خالص للبال... فتضرب األرض بنفسها حتى تموت

ويوجد في(54)ذراع توجد في جزيرة واق واق، إذا رفعت جناحها كانت كالجبل العظيم"، هذا البحر "سالحف كبار استدارة كل سلحفاة أربعون ذراعا بذراعهم، تبيض كل واحدة

ألف بيضة وظهر الدبل الفاخر، وأهل اليمن يتخذون من ظهورها قصعا كبارا، وجفانا هائلة(55)لغسلهم ومأكلهم"

-254-

وتحدث بزرك عن مشاهدة السلحفاة راسية في البحر، حسبوها جزيرة صغيرة، وهي في الحقيقة سلحفاة راقدة، فصعدوا عليها، وجمعوا خشبا وأوقدوا النار،

فتحركت الجزيرة، فرموا أنفسهم بالبحر، وإذ بها سلحفاة على وجه الماء، تحركت لما(56)أحست بحرارة النار الموقدة".

وترك لنا مؤلفونا ذكرى مشاهداتهم للنيران المشتعلة في عرض البحر الشرقي الكبير، فهذا بزرك روي عن الناخذاه أبو زهير، الذي أبحر في )بحر ميالنو( على قرب

أطراف الصين، فرأى في منتصف الليل "نارا عظيمة قد أضاء أفقها فخافوا خوفا شديدا، وفزعوا إلى ربانهم" فهدأ روعهم شيخ أندلسي حكيم بقوله، إن هذه جزيرة

تحيطها جبال تتكسر عليها األمواج، فترى في الليل نارا هائلة، "فإذا طلعت الشمس ولعل حكاية النيران البحرية هذه، التي تردد ذكرها(57)ذهب ذلك المرأى وعاد الماء".

في مذكرات الرحالة والجغرافيين العرب، ما هي إال ظاهرة فوسفورية يعرفها سكانالسواحل.

كما دونوا في كتابات مشاهداتهم لطائر أسطوري أطلقوا عليه اسم طائر الرخ، ففي بحر الصين، رأى ابن بطوطة عند طلوع الفجر "جبل في البحر" وعند اقترابهم منه

"رأينا ذلك الجبل عند طلوع الشمس قد ارتفع في الهواء وظهر الضوء فيما بينه وبين ويتحدث(58)البحر فعجبنا من ذلك، فقالوا: إن الذي تخيلناه جبال هو الرخ، وإن رآنا أهلكنا".

ابن الوردي عن هذا الطائر بقوله: "وهذا الرخ طير عظيم مهول الهيئة، حتى قيل أن وروى القزويني عن رجل من أصفهان(59)طول جناحه الواحد نحو عشرة آالف ذراع".

تركه أصحابه على جزيرة في البحر الهندي "فإذا بطائر لم أر حيوانا أعظم منه جاء ووقع على سطح الشجرة، فاختفيت منه خوف أن يصطادني"... فتحايل على الطائر الكبير،

وامسك خلسه برجله فطار أسرع طيران إلى أن ارتفع النهار... فدنا على األرض وتركنيخ، يكون جناحه الواحد(60)على صرة تبن". وذكر الغرناطي، انه "في جزائر بحر الصين الر

(61)عشرة آالف باع".

وخلط القزويني كما هو واضح، ما بين الرخ والعنقاء، ومهد بوصف العنقاء بالحديث عن النسر باعتباره "سيد الطيور" وجثته عظيمة "حتى قيل أنه يحمل أوالد

، أما العنقاء التي ذاع ذكرهم لها في هذا البحر، فهي طائر ذاع صيته في(62)األفيلة" العالم القديم، وهي عند القزويني "أعظم الطيور جثة وأكبرها خلقة تخطف الفيل كما تخطف الحدأة"، وعند طيرانها "يسمع من ريشه صوت كهجوم السيل" فإذا كبر فرخ

العنقاء األنثى "تجمع مطبا كثيرا، ويوقد الذكر بمنقاره نارا، واألنثى تدخل النار(63)وتحترق، وإذا كان الفرخ ذكر فالعنقاء الذكر يفعل ذلك".

-255-

هذا لم يمنع بعض المؤلفين العرب كالمسعودي من التشكك بهذه الروايات، إذ علق على أحاديث العنقاء، "وليس في خلقها ما يصعب على قدرة الخالق عز وجل،)ولكنا نأبى أن نصدقها ما دامت لم تنكشف ألعيننا، ولم نسمع بها ممن نعتد بكالمه".

والحال أننا مازلنا في العصر الحديث، نجد من يتذكر هذه الطيور، فالعالم جوفروا(64 سانتلير سمع أن أهل مدغشقر يقطعون بوجود الطائر الكبير، وعثر الجيولوجيون على

باعتباره طائر منقرض، وتذهب أحدثApetomisبيضه المتحجر وأطلقوا عليه اسم lاآلراء إلى أن الApetomisطائر بدائي األجنحة، وعثروا في الحفريات على بيضة ال

(65)يتعدى ثالثين سنتيمتر في الطول وأربعة وعشرين سنتيمتر في العرض.

روى المسعودي أنه قد ذكر له جماعة من النواخذه، أنهم ربما رأوا في بحر هركند )سحابا أبيض، قطعا صغارا يخرج منه لسان أبيض طويل يتصل بماء البحر، فإذا

اتصل به غال البحر لذلك، وارتفعت منه زوابع عظيمة، ال تمر زوبعة منها بشيء إال وأثار سليمان(66)أتلفته، ويمطرون عقيب ذلك مطرا سهكا فيه أنواع من قذى البحر".

التاجر موضوع هذا "السحاب األبيض"، الذي "يظل المراكب، فيشرع منه لسان طويل رقيق حتى يلصق ذلك اللسان بماء البحر، فيغلي له ماء البحر مثل الزوبعة، فإذا

أدركت الزوبعة المركب ابتلعته، ثم يرتفع ذلك السحاب فيمطر مطرا فيه قذى البحر، ولعل هذه الظاهرة التي(67)فال أدري أيستسقي السحاب من البحر أم كيف هذا".

وصفها المسعودي وسليمان التاجر، لم تكن سوى ما يسمى اآلن )النافورة البحرية(، التي يغلب حدوثها في البحار في الموسم الحار، وعالمتها انخفاض في الضغط الجوي من السرعة والشدة، بحيث تولد حركة التخلخل الفجائي انفجارا داخليا في األجسام،

فهي إعصار فوق البحر ينشأ عن تفاعل ريحين متضادتين تدوران حول نطاق جوي منخفض الضغط، منخفض الحرارة، ويتكاثف بخارا لماء في هذا النطاق، فيبدو في

صورة عمود يصل بين البحر والسحاب، على شكل دوامة، أودردور هوائي، تبلغ سرعة(68)الرياح الدائرة فيها درجة شديدة جدا.

-256-

وكان من الطبيعي، ان يعتمد المصنفون العرب على الخيال من جهة، وعلى بعض "الصور النمطية" عن أقصى جنوب البحر الهندي الواقع خلف خط االستواء، على

حافة العالم المعمور، استنادا على مفهوم األقاليم - البيئة، فأخبرونا عن أشكال من الحياة الحيوانية، والنباتية، وحتى اإلنسانية، اتسمت بالغرابة، والتعقيد، تالمس الوسط

الجغرافي، وتتوافق مع غرابته، وإمعانه في القفر، وعلى هذا تصور الكثير من المؤلفين العرب أساليب حياة تختلف عما ألفوه في اإلقليمين الثالث والرابع، وآلدميين

أقرب إلى حياة التوحش، وأشكال من الحيوانات والنباتات تلفها الغرابة، فكان أن افترضوا جزر الواق واق، وجزر النساء والقرود، في تلك العوالم القصية من البحر، أشار إلى ذلك ابن رسته "وقد تجد في نهاية العمارة في جهة الجنوب خلف معدل

النهار... حيوانات مختلفة الخلق، واختالفا لسكانه من الناس وكذلك في نبتها فإننا نجد الحيوانات العجيبة الخلق كالفيلة وذات القرون في انفها، والطير العظام التي ال يظهر

فعندما نتجاوز حدود العالم المعمور نصل إلى درجة من الحرارة(69)طير أعظم منها". في الجنوب، ومن البرودة في الشمال تنعدم من ورائها الحياة وكما يقول ابن رسته

نفسه "ألن المواضع التي يفرط فيها البرد لبعد الشمس عنها، ويفرط فيها الحر لقربها منها ال يتركب فيها حيوان كما في المواضع التي ال تبعد عن مدارها وال نقرب منه

جدا...فالمواضع الجنوبية المحترقة من شدة الحر، و عرضه عن خط االستواء تسع(70)عشرة درجة ال يتركب حيوان وال نبات لشدة حرارة الشمس فيه".

تجارة وسفن كانوا على دراية بخطوط التجارة التي تتبعها السفن التجارة العربية في طريقها بين جزر المحيط الهندي حتى الوصول إلى مرافئ الهند، أو الصين، وعلى معرفة بالسلع التي

استقطبت باهتمام التجارة العرب، وبمتطلبات التجارة العالمية، مع شطآن البحرفنا المؤلفون العرب على المتوسط األوروبية، التي نهض بها الوسطاء العرب، فعر

طريقين بحريين تجاريين عبرتهما السفن العربية إلى شطآن الهند والصين، وإلى الجزر ه -821المتناثرة في )البحر الهندي الصيني(، الطريق األول كما لخص ذلك القلقشندي )

م( هو الطريق الموصلة إلى اليمن، والممتدة )من سواحل مصر: من السويس،1418 والطور، والقصير، وعيذاب إلى عدن من اليمن في هذا البحر،، ومن عدن إلى أن يركب

في بحر الهند المتصل ببحر القلزم، إلى سواحل السند والهند، وتخرج إلى أي البالد أراد"، والحظ اإلدريسي أن "مدينة عدن.... مرسى البحرين، ومنها تسافر مراكب السند(71)

(72)والهند، وإليها يجلب متاع الصين".

فنقطة انطالق هذه الطريق البحرية تبدأ من البحر األحمر، حيث تتقاطع هناك مع التجارة المتوسطية عبر البر المصري، وتمر في عدن باتجاه بحر الهند، بعد إبحارها

من سواحل البحر األحمر، أو من السواحل الجنوبية قاصدة مصب نهر السند، أو خليج كمباني، متخذة طريق الساحل، أو تتجه إلى ساحل مليبار، وكانت الريح تسهل مجراها

إلى كولم، أو الموانئ األخرى مباشرة، أما الطريق األخرى التي كانت تبحر من بحر فارس، متخذة لها الطريق نفسه، وبمساعدة الرياح فتصل كولم، وشبه جزيرة ماليو،

(73)واألرخبيل الشرقي والصين".

-257-

ونبه المقدسي إلى دور عدن الكبير في هذه التجارة، كمحطة كبرى أولى لها، فحكى لنا عن "رجل - من عدن - ذهب إلى الصين بألف درهم فرجع بألف دينار، وآخر

(74)رحل بمائة فرجع بخمسمائة، وآخر بكندر فرجع بمثله كافورا".

و أشار المؤلفون العرب إلى الطريق الثالثة، واهتموا في بيان محطاتها وسبلها، وكانت أبلة القريبة من البصرة، هي الميناء األكبر على البحر الفارسي للتجارة الهندية قبل الفتح اإلسالمي، ثم تكاثرت السفن القادمة من الصين والهند، إلى أبله والذاهبة

منها إليهما لدرجة صارت تبدو للعرب، وكأنها بقعة هندية، كما أشار إلى ذلك الدينوري، م، إلى البصرة865ه - 206 ثم انتقل مركز الثقل، بعد ثورة الزنج عام(75)وياقوت

وسيراف، وقيس أوكيش حسب تسمية المسعودي، التي على مقربة من عمان، والتي زاحمت ثغر سيراف، وقد توقف عندها تجار الصين والهند، ولما قدم ياقوت إليها في القرن الثاني عشر الميالدي، وجدها "عامرة فخمة، نضرة خضراء، بسبب التجارة الهندية، وكانت ترسو إليها جميع المراكب القادمة من الهند فl "عظمت منزلة حاكم

(76)الجزيرة العربي في أعين ملوك الهند، النه كان يملك سفنا كثيرة".

يصف ابن حوقل سيراف، بأنها "مدينة جليلة.. كان بها عدد من التجار ذوي اليسار، ومن جملتهم رجل يعرف بحسن بن العباس، له مراكب تسافر إلى أقصى بالد

ويشير إلى قوة حركة التجارة المنطلقة من سيراف والسواحل(77)الهند والصين". العربية إلى الهند والصين، بقوله "فأهل سيراف، والسواحل، ربما غاب أحدهم عمره

في البحر، وقد بلغني أن رجال من سيراف ألف البحر حتى ذكر أنه لم يخرج من ووصفها المقدسي البشاري، في زمنه، بقوله "كانت(78)السفينة نحو أربعين سنة".

ولفت نظرنا في سياق ذلك إلى الدور الذي تلعبه )صحار( في(79)حينئذ دهليز الصين". بحر عمان كمحطة في هذه التجارة مع البحر الهندي، الصيني "صحار هي قصبة

(80)عمان، ليس على بحر الصين اليوم بلد أجل منه عامرة".

-258-

فإذا استندنا على أقوال سليمان التاجر، والمسعودي وغيرهما، فإن التجار العرب بالقوارب التي تحمل حوالي مائتي راكب، فيصلون إلىSirafكانوا يغادرون سيراف

مسقط حيث يأخذون منها الماء العذب لرحلتهم، ثم يبحرون منها مباشرة إلى ميناء "كويلون" ويستغرق، هذا السفر، شهرين، ومن كويلون، تتجه تلك القوارب عبر مضيق

ومن هناك تتشعب الطرق في منتصف الطريق،ballin إلى ميناء بلين palkبلكا فيKalahونيكوبار ثم إلى كله فالقوارب التي تتجه إلى الصين تغادر إلى جزيرة اندمان

عن طريق الهند الصينية،وتبحر Cantun شبه جزيرة )الماليو( ومنها تقصد إلى كانتون وسمندرKenjahالقوارب األخرى إلى الشمال عبر الخليج البنغالي، قاصدة إلى كنجه

Samandar.)وهذا ما فصله القلقشندي،(81)، وغيرهما من موانئ مصب جيمس )الغانج استنادا على ابن خرداذبه، بقوله: إن "الطريق الثاني - طريق بحر فارس - فمن أراد

طريق البرإلى السند والهند، جاز هذا البحر إلى هرمز:مدينة كرمان ومنها يتوصل إلى السند ثم الهند ثم الصين.... ومن أراد الطريق في البحر: فقد ذكر ابن خردذابه أن

من أبلة البlصرةl، في نهر األبلlه، إلى جزيرةl خارك في نخيlل فارس سبعين فرسlخا )الفرسخl ثالثة أميال(،l ثم إلى جزيرlة منlين سبlعين فرlسخا، ثم إلى جزيرة كيش

سبعة فرlاسخ، ثم إلى جزيرةl )أبر كاوان( ثمانية عشر فرسخlا، ثم إلى جزيرةl )أرموlز( سبعة فرlاسخ، ثم إلى بار سبlعة أيام، وهي الحدl بين فارس والسندl، ثم إلى الديبل

ثمانيlة أيام،l ثم إلى مصب مهرlان في البحر فرسخlان، ثم إلى كول فرسخان، ثم إلى(82)سندlان ثمانية عشر فرسخlا، ثم إلى ملlى خمسة أيام، ثم إلى بليlن يومان".

ثم أشار إلى أن الطريق يفترق هنا، في نهاية خليج البنغال، إلى طريقين أولهما يحاذي الساحل، الثاني يشق طريقه على يمين سرنديب إذا أراد الصين، "فمن

أخذعلى الساحل_ فمنبلين إلى باس يومان، ثم إلى سنجلي وكيشان يومان،ثم إلى كودا مصب نهر فريد ثالثة فراسخ، ثم إلى كيلكان يومان، ثم منها إلى سمندر، ومن

سمندر إلى أورسير إثنا عشر فرسخا، ثم إلى أبينة أربعة أيام ثم إلى سرنديب يومان ومن أراد جهة الصين عدل من بلين وجعل سرنديب عن يساره، فمن جزيرة سرنديب إلى جزيرة لنكبالوس عشرة أيام إلى خمسة عشر يوما، ثم إلى جزيرة كله، ستة أيام،

)عن يسارها جزيرة بالوس على يومين، ثم على خمسة عشر يوما بالد تنبت العطر".

83)

-259-

فهذا المسلك أو الطريق الثالث الذي يتجه إلى الصين، والذي أشار إليه القلقشندي، وذكره من قبل ابن خرداذبه،والسيرافي، وابن حوقل والمقدسي، كانت

السفن التي تعبره، تؤدي رسومافي كولم ملى، وبعدها تسير حول الجزء الجنوبي، ليتزود رجالهاNicobarسرنديب )سيالن( وتقصد شرقا مباشرة إلى جزيرة نيكو بار

بالماء، ويتبادلون السلع مع السكان، ثم تقصد بعد ذلك ميناء كله بار الذي في موقع سنغافورة اآلن، وكانت بعض السفن تبحر منها إلى سومطرة وجاوة، وتندفع الرحالت منها إلى الصين، إذ كانت تعبر مضيق ملقا، الذي تعرفه العرب باسمه في لغة الماليو

salaht مضيق(، ثم تعرج على جزيرة تيومان( tiomanثم تقصد إلى الهند الصينية، فتمر في السهل الساحلي الشرقي، ثم إلىchambaبموانئ الصنف، وهي مملكة تشامبا

جزيرة باتجاه الساحل عرفها العرب باسم صنف فوالت أو صندل فوالت حسب بزرك وسليمان التاجر، وابن الفقيه، ومن هناك تسير السفن على طول ساحل خليج تنج كنج

إلى هانوي، التي كانوا يطلقون عليها اسم )لوقين( ثم تتجه في نهاية المطاف إلى)خانفوه( كانتون، مارة أحيانا خالل شعاب باراكل، التي كانوا يسمونها "أبواب الصين".

(84)

l،نlيlصlال lلىlإ lهlجlتlمlلlا l،lرlيlبlلكlي اlرlاlجlتlلlا lطlخlلlا اlهذlا لlحlرlش lهlيlقlفlلlا lنlبlا lدlعن lدlجlون lيlتlلlا lرlاlحlبlلlا lلlوlوأl" الlائlق l،lهlلlك l- lاlقlلlم lقlيlضlمlو l،lبlيlدlنlرlن لسlفlسlلlا lوزlاlجlت lدlعlب lةlصlاlوخ lتlاlيlح lهlيlفlو lالتlوlفlوlدlنlص lعىlدlي lهlفي lلlبlج lلlوlوأ l،يlجlنlص lرlحlن بlيlلصlا lالدlب lىlإل lكlلlسlت

ربlمlاl اlبlتlلlعتl اlلlبlقlرl واlلlرlجlلl،l فهlوl أlشlدl اlلlبlحlاlر كlلlهاl،l فlأهlلl اlلمlرlاlكlبl إlذlاl رأlوlاl بlالدl الlصlيlنlهlألن l،lهlنlوlكlسlو lرlحlبlال lانlجlيlهlب lمlهlونlرlبlخlيlف lحlيlرlلlا lنlع l)التlوlرفlدlنlص lيlف( lنlيlدlاlيlصlلlا lاlلوlأlس

lالدlى بlلlإ lمlاlيlأ lةlيlنlاlمlث lوlأ lةlرlعش lيlف lطعlقlا يlمlنlإlو l،lمlلlسlي lنlم lلlيlلlقlف lحlيlرlال lهlيlف lجlاlه lاlذlإ .l"نlيlلصlا lبlاlوlبlأ lةlصlاlخ lبlاlوlألبlا lىlلlإ l،lنlيlلصl(85)ا

وكانوا على دراية بكثافة وغنى التبادالت التجارية بين )دار اإلسالم( وبلدان وجزر البحر الهندي - الصيني، فأحصوا السلع التي تضمنتها تجارة ذلك البحر الكبير عموما،

كما وصفوا الروابط التجارية وما شملته من سلع بين كل جزيرة على حدة و)دار اإلسالم( باإلضافة إلى العالقات التجارية مع الهند ومع الصين لذا سنذكر هنا تصوراتهم

العامة عن تجارة البحر الشرقي الكبير تاركين تفصيل تجارة الجزائر، لحين تطرقنا لمعارفهم، وتصوراتهم عنا، ذهب المسعودي إلى أن "بحر الهند والصين في قعره اللؤلؤ، وفي جباله الجوهر، ومعادن الذهب والفضة والرصاص القلعي، وفي أفواه دوابه العاج، وفي منابته األبنوس والخيزران، والقنا والصندل، واألفاوية، والطيب

والعنبر، وطيور البباغي البيض والخضر، ثم الطواويس وأنواعها في صورها واختالفها وذكر المقدسي البشاري، في( 86)في الصغر والكبر، ومنها ما يكون كالنعامة كبيرا"،

سياق حديثه عن تجارة البحر، ومحطاته في بحر العرب وبحر عمان، "فإلى عمان يخرج آالت الصيادلة، والعطر كله حتى المسك والزعفران، والبقم والساج والساسم،

لعله )السمسم(،و العاج واللؤلؤ، والصبر والحديد والرصاص والخيزران، والخضار(87)والصندل والبلور والفلف وغير ذلك،... بتجارة الصين تضرب األمثال".

-260-

وتحدث ابن خرداذبه بطريقة أكثر تخصيصا وتحديدا عن مصادر تلك التجارة، وتنوع سلعها، يقول "والذي يجيء في هذا البحر الشرقي من الصين الحديد والفرند،

والكيمخاء والمسك والعود والسروج والغضار والسمور والصليبنج والدارصيني، والخولنجان، ومن الواقواق، )ولعلها اليابان أو كوريا(، الذهب واألبنوس، ومن الهند

األعواد والصندالن والكافور والماكافور والجوزبوا، والقرنفل والقاقلة، والكبابة والنارجيل، والثياب المتخذة من الحشيش والثياب القطنية المخملة والفيلة، ومن

سرنديب الياقوت ألوانه كلها وأشباهه، والماس والدر والبلور. والسنبادج الذي يعالج به الجوهر، من ملى وسندان الفلفل، ومن كله الرصاص

وأكد(88)القلعي، ومن ناحية الجنوب، البقم والدارذي، ومن السند القسط والخيزران". ابن الفقيه على تلك المعطيات التجارية، وأضاف إليها بقوله "والعنبر يؤتى به من

جزيرة شالهط، والفلفل من ملى وسندان، والبقم من ناحية الجنوب، من شالهط، والقرنفل والصندل والكافور وجوزبوا من الزانج... وماء الكافور والنيل من ناحية السند،و الخيزران من بلد يقال له لنكبالوس... والياقوت واأللماس من سرنديب،

وكذلك الكركدن، والطاووس والببغاء والدجاج السندي، وجميع أنواع العطر الصيادلة".(89)

الرياح والتجارة

-261-

كان للرياح الموسمية دورها الحاسم في توجيه سبل التجارة ومواقيتها في البحر الشرقي الكبير، في وقت لم يكن العالم قد عرف اآلالت الالزمة للمساعدة على تجاوز

السفن الندفاعات الرياح، وكان تغيير اتجاه الرياح من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، في الفترة من نوفمبر إلى مارس، ثم باالتجاه من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي في الفترة من إبريل إلى أكتوبر، قد تحكم في تحديد مواعيد إبحار السفن في الموانئ العربية، وموانئ جزر المحيط الهندي وسواحله الشمالية في الهند والصين، كما

إذ كانت السفن تبحر من مرافئ دار الخالفة(90)ساهم في تشكيل حركة اإلبحار ونشاطه. صيفا باتجاه الموانئ الهندية والصين، لتعود في الشتاء بعد أن تغيرت حركة الرياح إلى االتجاه المعاكس، محملة بالبضائع من الهند والجزر، ومن منتجات الصين وبالد الشرق

األقصى، وسجلت مذكرات سليمان التاجر، والمسعودي، بدقة أوقات الرحالت إلى الشرق األقصى وعودتها، إذ تنطلق الرحلة من الشواطىء العربية إلى المحيط الهندي،

، أي في النصف الثاني من نوفمبر، وفيSagillariusعندما تكون الشمس في القوس (Quilanالنصف األول من ديسمبر من مسقط إلى كولم ملى شهر، ومن كولم )كولن

إلى كله بار شهر، ومن )كله بار( إلى الصنف فوالو شهر، ومن صنف فوالو إلى خانفو )كانتون( شهر آخر، فالرحلة من مسقط إلى كانتون تستغرق مائة وعشرين يوما، عدا

فترات الوقوف في الموانىء، لهذا يجب حساب ستة أشهر أو أكثر لرحلة السفن القاصدة إلى الصين، تنطلق من الخليج في سبتمبر )أيلول(، أو أكتوبر )تشرين األول(، وتعبر إلى مسقط ثم إلى ساحل مليبار، مستغلة الرياح الموسمية الشمالية الشرقية

مستغرقة شهري نوفمبر )تشرين الثاني(، وديسمبر )كانون األول(، حسب ما ذهب إليه المسعودي، فترقد في مليبار حتى تهدأ العواصف الدوارة في الجنوب من خليج البنغال

في نهاية ديسمبر، ثم تتابع رحلتها فتستغرق شهرا حتى تصل )كله بار(، وربما حتى شهر يناير )كانون الثاني(، فتستريح في كله عدة أسابيع، حتى تهدأ الرياح الموسمية الشمالية الشرقية، فتعبر السفن مضيق ملقا معتمدة على الرياح الموسمية الجنوبية، التي تكون

قد آن أوانها، فتدخل السفن في بحر الصين مستغلة هبوبها، وفي إبريل ومايو تكون العواصف الهوجاء على أقلها، وإذا وصلت السفن إلى خانفو )كانتون( ترقد في الصيف

فيها، وتعود مع الرياح الموسمية الشمالية الشرقية متبعة الطريق المعاكس، فتصل ملقا في أكتوبر وديسمبر، ثم تعبر خليج البنغال في يناير، ثم إلى كولم في فبراير أو مارس،

مستعينة أيضا بالرياح الشمالية الشرقية، ثم تصل في إبريل نيسان إلى عمان حيث تكون الرياح الموسمية الجنوبية الغربية قد هبت، إلى أن تصل إلى الخليج صيفا، فتستغرق هذه

(91)الرحلة ما يقارب السنة والنصف، ذهابا وإيابا

-262-

وقد عرف العرب أهمية الرياح، ومواسمها، في المالحة في البحر الهندي، فذكر المسعودي. "ولكل من يركب هذه البحار من الناس أرباح يعرفونها في أوقات تكون

فيها مهابتها، وقد علموا ذلك بالعادات، وطول التجارب، يتوارثون ذلك قوال وعمال، وحددوا بدقة،(92)ودالئل وعالمات يعملون بها إبان هيجانه وأحوال ركوبه وثورانه".

مواعيدها، فتحدث عن ذلك ابن الفقيه والمسعودي وغيرهما، وعرفوا ما يكتنف كال البحرين الهندي والفارسي، من اختالف في مواعيد الرياح، واتجاهاتها ومواسمها وما

يفرضه هذا على حركة السفن من ضرورات، ومواعيد، ولقد لخص المسعودي اختالف الرياح، واألنواء في البحار المختلفة، وما يترتب عليها من مواقيت للسفر، وردد أقواله

ابن الفقيه، وغيره من الجغرافيين العرب المتأخرين، إذ قال في نص طويل نسبيا، نثبته هنا ألهميته: "إن بحر الصين والهند وفارس واليمن متصلة مياهها غير منفصلة،

على ما ذكرنا، إال أن هيجانها وركودها مختلف، الختالف مهبها وركودها مختلف الختالف مهاب رياحها وآثار ثورانها، فبحر فارس تكثر أمواجه، ويصعب ركوبه عند لين بحر الهند

واستقامة ركوبه، عند ارتجاج بحر الهند، واضطراب أمواجه وظلمته، وصعوبة مركبه فأول ما تبتدئ صعوبة بحر فارس عند دخول الشمس السنبلة وقرب االستواء

الخريفي، وال يزال في كل يوم تكثر أمواجه إلى أن تصير الشمس إلى برج الحوت، فأشد ما يكون ذلك في الخريف عند كون الشمس في القوس، ثم يلين إلى أن تعود

الشمس إلى السنبلة، وآخر ما يكون ذلك في آخر الربيع عند كون الشمس في الجوزاء، وبحر الهند ال يزال كذلك إلى أن تصير الشمس إلى السنبلة فيركب حينئذ،

(93)وأهدأ ما يكون عند كون الشمس في القوس".

ونوه المؤلفون العرب، بانفراد سفن البحر الهندي وبحر الصين، والقلزم، باعتماد الخياطة بليف النارجيل في صناعة السفن، أي لتثبيت األلواح الخشبية على بعضها،

وهي طريقة صعبة ومكلفة، مقارنة باستخدام المسامير في تصنيع السفن، إذ تحتاج السفينة المخيطة إلى أضعاف الزمن الذي تحتاجه السفينة التي تعتمد على المسامير

في تثبيت ألواحها الخشبية، فالمسعودي نبه، في القرن العاشر الميالدي، على هذه الواقعة، إذ الحظ أن السفن والمراكب المصنعة من الخشب، في البحر الحبشي،

الهندي، تخاط بخيوط الليف، معلال ذلك بأن ماء البحر الحبشي يذيب الحديد، أو كما يقول: "ألن مراكب البحر الرومي والعرب )يقصد البحر المتوسط( كلها ذوات

مسامير، ومراكب البحر الحبشي ال يثبت فيها الحديد ألن ماء البحر يذيب الحديد فترق المسامير في البحر وتضعف، فاتخذ أهلها الخياطة بالليف بدال منها، وطليت بالشحوم

(94)والنورة".

-263-

الشرق شعوب صورة22-م األقصى

ولعل السبب الحاسم في بناء السفن العربية في البحر الشرقي الكبير، هو أن استعمال خيوط الليف يؤمن للسفن قدرة على تحمل األمواج الهائلة الصخب في هذا

البحر الكبير، ويكسبها مرونه المتصاص صدمات الموج أفضل من مثيالتها التي تستعمل المسامير في تصنيعها، وهو سبب شدد عليه ابن بطوطة مخالفا بذلك

المسعودي "وبهذه الحبال تخاط مراكب الهند، واليمن ألن ذل البحر كثير الحجارة، فإن كان المركب مسمرا بمسامير الحديد، وصدم الحجارة فانكسر/ وإذا كان مخيطا

لهذا فوجئ الناس بوصول السفن الشراعية(95)بالحبال أعطى الرطوبة فلم ينكسر" البرتقالية ذات الصواري األربعة، في مياه المحيط الهندي، ويذكر الشيخ نور الدين،

، في ثالث مسماريات )مثبتة ألواحها بالمسامير وليس1498انهم وصلوا الهند عام بالخيوط( في الوقت الذي كانت فيه السفن اإلسالمية، حتى القرن السادس عشر،

في البحار الشرقية تثبت بالخيوط، التي يغرزونها خالل ثقوب على األطراف المتجاورة(96)أللواح الخشب.

أثنوغرافيا شعوب جزر البحر الشرقي الكبير بجزائره وشطآنه كان البحر الشرقي الكبير، مسرحا مفتوحا لتنقالت السفن العربية ومرساة لها،

فخبر العرب حياة هذا البحر، وتعرفوا على شعوب جزره المتناثرة في فضائه الرحب، فحفظوا لنا انطباعاتهم ومعارفهم عنها في مدوناتهما األدبية والجغرافية، وفي مذكرات

رحالتهم وبحارتهم الذين جابوا تلك الجزر وتعرفوا على أهلها، أو سمعوا منهم عن أخبارهم، واخبار القريب والبعيد من الجزر، فامتزجت في مدوناتهم الحقائق والوقائع

الراسخة التي شاهدوها أو سمعوها عن تلك الجزر وشعوبها، بأحكامهم المعيارية على سلوك تلك الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم، ودياناتهم، وبالصور المتخيلة عن العوالم

التي تحيط بها، وقد زاد اعتمادهم على الخيال على حساب الوقائع، كلما ضاقت معرفتهم المباشرة، والسيما بجزائر أقصى الجنوب، وعوالمه البعيدة، كجزائر الواق

واق. إال أنهم خلفوا وراءهم، رغم كل ما يعتري الصورة التي حفظوها لنا من شوائب،

معطيات ال غنى عنها ألي باحث جدي، يريد أن يستعرض حياة تلك الشعوب، في العصر الوسيط وأيضا أن يسترجع الصورة التي تخيلها العرب، وحكموا بها عليهم، وما تختزنه دراساتهم األثنوغرافية من طرائق معرفية، وأحكام وتخيالت، ومدى اقترابها من الحياة

الحقيقية لتلك الشعوب،و الحدود الجغرافية التي استطاعوا االقتراب منها معرفيا وتجريبيا، فضال عن اختيار الطريقة التي نظهر بها العرب إلى اآلخر، في الشرق األقصى،

فإن اقترابهم من الثقافات األخرى تحكمت فيها دوما، مرجعيات وجهت نظرهم إلى اختيار مواضيع دراساتهم، وسلم أولوياتهم، ومعها المعايير الحضارية التي حملوها معهم

في تجوالهم، والتي أطرت نظرتهم إلى ثقافة، وسلوكيات شعوب الجزر، التي كان بعضها قريب أليف إلى الباحث العربي، على مقربة من سواحل المحيط الهندي، ومن طرق

التجارة العربية، وبعضها اآلخر بعيد متوار في محيطات غامضة، وأطراف نائية خلف ضباب خط االستواء، على أطراف العالم المعمور المبهمة، فأتت أخبار هذه الجزر

ممتزجة بالغريب، والعجيب إلى جانب الواقعي القريب من المشاهدة واالختبار.

-264-

وهذه الجزر كثيرة متناثرة على شساعة المحيط، وهي باآلالف، ال يتردد المؤلفون العرب باإلدالء بمعلومات سريعة خاطفة عن مئات من الجزر، هنا وهناك، والتي ال

يعرف الباحث ما يقابل بعضها اآلن من مسميات حقيقية، وفي مقابل ذلك هناك جزر كبيرة، أو مجموعات جزر، يتكرر الحديث عنها، في المؤلفات العربية، وهي معروفة لدينا اآلن، كانت لها شهرتها في العالم الوسيط، وال تزال تفرض حضورها إلى اآلن،

وإن تغيرت أسماء بعضها وأخذت لها عناوين جديدة، فأول مجموعات هذه الجزر،هيتلك المحاذية للشواطئ الغربية للهند، أي ما يعرف بسواحل مليبار وهي:

( فعندما تبحر السفن في بحر الريMaldivesجزر ذيبة المهل )جزر المالديف مبتعدة عن مسقط تصل إليها: وهي تبتعد عشرة أيام من اإلبحار عن مدينة كاليكتا

)كالقوط( على ساحل المليبار،غرب الهند، على نحو ما يذهب ابن بطوطة في القرن الرابع عشر، والتي قال عنها: "إحدى عجائب الدنيا، وهي نحو ألفي جزيرة، يكون منها

مائة فما دونها مجتمعات مستديرة كالحلقة، لها مدخل كالباب، ال تدخل المراكب إال ووجدها منقسمة إلى عدة أقاليم وهي: بالبور، التيم، تلدمي، هلد متي، ومنها(97)منه

أيضا: إقليم برويدو، وكندكل، وملوك، والسويد. وهي من التقارب بحيث تظهر رؤوس(98)النخل إلحداها عند الخروج من األخرى.

أطلق السيرافي والمسعودي، على هذه الجزر اسم "جزائر الدبيجان" وحددا موقعها ما بين بحر هركند، وبحر الروى، تتصل بها جزيرة سرنديب )سيالن(، وانها نحو

ألف وتسعمائة جزيرة، غنية بالعنبر، الذي ينبت فيها في قعر البحر نباتا، فإذا اشتد هيجان البحر قذفه من قعره مثل الفطر والكمأة، وهذه الجزائر عامرة بنخل النارجيل

وجوز النارجيل يشبه رأس ابن آدم وعليها شبه الشعر، هم يصنعون منه(99))جزر الهند(. حباال يخيطون بها المراكب، وينقل إلى البلدان األخرى. أو كما يقول ابن بطوطة

وهو من أقواتهم مع السمك، وأشجار(100)"ومعظم أشجار هذه الجزائر النارجيل"، النارجيل شأنها عجيب". وتثمر النخل منها إثني عشر عذقا في السنة، يخرج في كل شهر عذق... ويصنعون منها الحليب، والزيت والعسل. ويصنعون من عسله الحلواء،

فيأكلونها مع الجوز اليابس كما أن السمك الذي يغتذون به قوة عجيبة في الباءة ال نظير لها". ومن أشجار هذه الجزر الجموح واألترج )الكباد( والليمون والقلقاس، وهم يصنعون

من أصوله دقيقا يعملون منه شبه األطرية، ويطبخونها بحليب النارجيل، وهي من(101)أطايب الطعام".

وروى ابن بطوطة أن مساكنهم من الخشب، سطوحها مرتفعة عن األرض. توخيا من الرطوبة، ألن أرضهم ندية... ثم يصنعون الحيطان من الخشب، ويبنون في إسطوانة

الدار بيتا يستقبل فيه الرجل أصحابه، وله بابان، أحدهما يدخل منه الرجال إلى وتتصف أزقتهم بالنظافة فهي مكنسة نقية"(102)األسطوانة، واآلخر إلى داخل الدار،

والناس هناك جميعهم حفاة األقدام من رفيع ووضيع، ومع ذلك ال بد لكل داخل إلى الدار(103)أن يغسل رجليه من الماء، كذلك يفعل كل من يدخل المسجد".

-265-

كما أن لباسهم فوط، يشدون الفوط على أوساطهم عوض السراويل، وعلى ظورهم ثياب كالمحرمين، وعلى رأسهم عمامة،ومن عاداتهم الحسنة التي أثارت

إعجاب ابن بطوطة أن )أكثرهم يغتسل مرتين في اليوم تنظيفا لشدة الحر بها، وكثرة العرق، ويكثرن األدهان العطرية كالصندلية وغيرها، ويتلطخون بالغالية المجلوبة من

مقدشو، ومن عاداتهم الحميدة أيضا "أنهم إذا صلوا الصبح أتت كل امرأة إلى زوجها أو(104)ابنها بالمكحلة وماء الورد ودهن الغالية، فتصقل بشرته".

الصناعة والتجارة على الرغم مما جرى من تبدالت على حياة شعوب هذه الجزر ما بين مشاهدات

سليمان التاجر والمسعودي في القرنين الثالث والرابع الهجري، وما شاهده ابن بطوطة في القرن الرابع عشر، وال سيما أنهم كانوا على الديانة الوثنية أيام سليمان التاجر والمسعودي، وصارالكثير منهم على اإلسالم، في زمن ابن بطوطة، فالنظرة

كانت إيجابية، في المرحلتين نحو حياتهم العمرانية، ولبعض مظاهر سلوكهم االجتماعي، وطرائق معاشهم، وصناعتهم، فالسيرافي أطرى اتقانهم للصناعة في

مجال المسكن والملبس،" ويقال أن أهل هذه الجزيرة ال يكون أصنع منهم، حتى أنهم يعملون القميص مفروغا منه نسجا بالكمين والرخرصين )الوصالت( والجيب، ويبنون

وذهب(105)السفن والبيوت، ويعملون سائر األعمال على هذا النسق من الصنعة". المسعودي إلى حد القول: "وليس يوجد في جزائر البحر ألطف مصبغة من أهل هذه

، وأضاف اإلدريسي شهادة(106)الجزائر في سائر المهن والصنائع، في الثياب واآلالت" أخرى على إتقانهم في الصناعة الحرفية "وينشؤون السفن من العيدان الصغار،

ويبنون البيوت المتقنة، وسائر المباني العجيبة من الحجر الجان، ويتخذون أيضا بيوتا(107)من الخشب تسير على الماء".

أما عن الثروة والسلطة، فنقرأ عند السيرافي والمسعودي، أن هذه الجزر تتخذ من "الودع" عملة نقدية لها، وتحكمهم ملكة، وبيوت أموال هذه الملكة الودع، وذلك

أن هذا الودع فيه نوع من الحيوان، فيجمع ويطرح على رمل الساحل، فتحرق الشمس (108)ما فيه من الحيوان، ويبقى الودع خاليا مما كان فيه، فتمأل من ذلك بيوت األموال".

ولخص اإلدريسي، هذه الواقعة، بالقول "وتجارتهم بالودع.. وملكهم يذخر الودع في(109)خزائنه".

-266-

وعندما دخل ابن بطوطة، جزر المالديف، أي جزيرة ذيبة المهل، وجد أهلها يستعملون "الودع" نقدا في تعامالتهم التجارية، والتبادلية، إذ يقول: " وصرف أهل الجزائر الودع، وهو حيوان يلتقطونه في البحر ويضعونه في حفر.. فيذهب لحمه،

(110)ويبقى عظمه أبيض، يسمون المائة منه بستو، ويباع أربع بساتي بدينار من الذهب"

وهم يشترون الفخار إذا جلب إليهم بالدجاج، ويباع قدر الفخار عندهم بخمس دجاجات أو ست، وتحمل السفن من هذه الجزر السمك وجوز النارجل والفوط، والوليان

والعمائم المصنوعة من القطن، كما يحملون منها اواني النحاس والقنبر وهو ليف جوز الهند يدبغونه على الساحل بالضرب بالعصي، ثم تغزل النساء وتصنع منه الحبال

وأضاف اإلدريسي إلى(111)لخياطة المراكب، وتصدره إلى الصين والهند واليمن(112)مصنوعاتهم "الذيبل" وهو قشرة السلحفاة "يتخذون منه حلي أمشاط ألنه غليظ".

سلوك المرأة وموقعها ومن عادات أهل الجزر الطيبة، التي لفتت نظر ابن بطوطة، أنهم يرحبون

بالضيف، وبالغرباء، فإذا قدم عليهم مركب خرجوا إليه بقوارب صغيرة اسمها )الكندر( ومعهم التنبول، وهو نبات قريب من قات اليمن، أو الكرنبة" "وهي جوز النارجيل

األخضر، فيعطي اإلنسان منهم ذلك لمن شاء من أهل المراكب، ويكون نزيله". أي ضيفه، ومن أراد التزوج من القادمين عليهم تزوج، فإذا حان سفره، طلق المرأة ألنهن

ال يخرجن من بالدهن، ومن لم يتزوج، فالمرأة التي ينزل بدارها، تطبخ له وتخدمه(113)وترضى منه في مقابل ذلك بأيسر شيء من اإلحسان".

-267-

وذكر اإلدريسي قبل ابن بطوطه بقرنين، وقبل أن يتحول معظم سكان جزر المالديف إلى اإلسالم، أن )نساء هذه الجزيرة يمشين مكشوفات الرؤوس مضفورات

)الشعور،و المرأة الواحدة تمسك في رأسها عشرة أمشاط وأقل وأكثر، وهي حليتهن".

لكن، حتى في زمن ابن بطوطة، حافظ النساء على هذا التقليد، رغم دخول أكثرهن(114 اإلسالم، فبقيت النساء "ال يغطين رؤوسهن وال سلطانتهم تغطي رأسها، ويمشطن شعورهن، ويجمعنها إلى جهة واحدة، وال يلبس أكثرهن إال فوطة واحدة تسترها من

)السرة إلى األسفل، وسائر أجسادهن مكشوفة، وكذلك يمشين في األسواق وغيرها".

ولم يخف ابن بطوطة ضيقه بهذا التقليد الذي يتعارض مع مرجعياته، وتقاليده(115 اإلسالمية، فبذل جهده عندما )تولى القضاء( هناك: "أن أقطع هذه العادة وأمرهن

)باللباس، فلم استطع ذلك، وكانت ال تدخل منهن امرأة في خصومه إال مسترة الجسد"

وكان لباس بعضهن فوطة وقميص قصير األكمام وعريضه، وكان حليهن األساور،(116 تمأل المرأة به ذراعيها، ما بين الكوع والمرفق وهي من الفضة، وال تحمل أساور الذهب

إال لنساء السلطان وأقاربه، ويسمونها البايل، وقالئد ذهب على صدورهن، يسمونها وأثارت بعض العادات المتعلقة بسلوك المرأة تجاه الرجل، وتخففها من(117)البسدر

القيود التي يفترضها التقليد اإلسالمي استياء ابن بطوطة، أو استغرابه فأشار إلى أن "من عجيب أفعالهن أنهن يؤجرن أنفسهن لخدمة بالدينار على عدد معلوم من خمسة دنانير فما دونها، وعلى مستأجرهن نفقتهن، وال يرين ذلك عيبا، ويفعله أكثر بناتهم...

وكل ما تكسره من األواني يحسب عليها قيمته... وأكثر شغل هؤالء المستأجرات غزل وهو ليف جوز الهند الذي تخاط به المراكب بدال من المسامير.(118)القنبر".

أما الزواج في هذه الجزر، فهو "سهل، لنزارة الصداق وحسن معاشرة النساء". وإذا قدمت المراكب، تزوج ركابها الغرباء من نساء الجزر، فإذا أرادوا السفر طلقوهن،

ومن عاداتهم أيضا،(119)وذلك نوع من نكاح المتعة، وهن ال يخرجن عن بالدهن أبدا". فيما يتعلق بالزواج، أنه إذا أراد الرجل الزواج، مضى إلى دار زوجته، بسطت له ثياب

القطن من باب دارها إلى باب البيت، وتقف هي عند باب البيت تنتظره، فإذا وصل إليها "رمت على رجليه ثوبا يأخذه أحد خدامه"، وإذا كانت المرأة هي التي تأتي إلى

منزل الرجل بسط داره، وجعل فيها الودع، ورمت المرأة عند الوصول إليه الثوب على(120)رجليه".

إال أن هذه الدراسة االثنوغرافية البن بطوطة، ما منعته من إظهار إعجابه ببعض صفات المرأة في جزر المالديف، وأفصح عن هذا اإلعجاب بصراحة بقوله. "لم أر في الدنيا أحسن معاشرة منهن، وال تكل المرأة عندهم )عن( خدمة زوجها لسواها، بل هي

تأتي بالطعام، وترفعه بين يديه، وتغسل يديه، وتاتيه بالماء للوضوء، وتعم رجليه عند (121)النوم، ومن عوائدهن أن ال تأكل المرأة مع زوجها، وال يعلم الرجل ماتأكله المرأة".

وال يخفي إعجابه أيضا بجمال نساء ذيبة المهل الفائق وبشهرتهن "بطيب الخلوة ووفرة التي تمنحها لزوجها.(122)الحظ من اللذة".

-268-

الدولة والدين وكان الباحثون العرب يعتقدون حتى زمن اإلدريسي، أن هذه الجزيرة تحكمها

امرأة، وهو أمر أشار إليه المسعودي والسيرافي، في القرن العاشر ميالدي، كما أشار إليه اإلدريسي في القرن الثاني عشر، الذي لخص الصورة العربية النمطية عن الحكم، في جزر المالديف، بقوله: "ولجميع هذه الجزائر رئيس يجمعهم وينوب عنهم، ويحامي عليهم، ويهادن على قدر طاقته، وزوجته تحكم بين الناس، وتكلمهم، وال تستتر عنهم، والرئيس زوجها حاضر ال يتكلم فيما تأمر به... واسم هذه الملكة ذمهرة، وهي تلبس حلة الذهب المنسوج، وتحمل على رأسها تاج الذهب". ليصل إلى تقرير، أن "تحكم

(123)النساء عندهم سيرة دائمة ال ينتقلون عنها".

عندما نصل إلى ابن بطوطه، بعد قرنين من اإلدريسي، ينقل لنا دهشتة إلمساك المرأة بالملك، إذ يقول "ومن عجائبها أن سلطانتها امرأة، وهي خديجة بنت السلطان

جالل الدين عمر بن السلطان صالح الدين صالح البنجالي، وكان الملك لجدها ثم ألبيها، فلما مات أبوها ولي أخوها شهاب الدين وكان يختلف إلى حرم أهل دولته وخواصه في الليل، فخلعوه... فقدموا خديجة سلطانة، وكانت متزوجة لخطيبهم جمال الدين، فصار

(124)وزيرا".

وكانت الملكة في زمن اإلدريسي، تبعا لشهادته. "تلبس حلة من الذهب المنسوج، وتحمل على رأسها تاج الذهب، وليس يمشي أحد في هذه الجزيرة بنعل إال

الملكة وحدها، ومتى عثر على أحد أنه لبس النعال قطعت رجاله". واعتادت في تقاليدها الملكية أثناء مراكب األعياد، وفصول االحتفاالت، أن "تركب ويركب خلفها

جواريها بالزي بالكامل )بصحبة( الفيلة والرايات واألبواق، والملك زوجها وجملة(125)الوزراء يتبعونها على بعد منها".

وشهد ابن بطوطه، أن من عاداتهم إذا قدم الغريب عليهم، أن يمضي إلى المشور )أي مجلس الملك(، فال بد أن يصطحب ثوبين، فيخدم هذه السلطانة ويرمي بأحدهما إليها، ثم يرمي بالثانية إلى وزيرها فال بد للزائر إلى السلطانة، أكان غريبا أو

من األهالي من أن يرمي ثوبا إلى السلطانة ويأتي إلى دار السلطانة، كل يوم القاضي وللسلطانة وزير أكبر(126)وأرباب الخطط وهم الوزراء، فيخدمون إلى أن ينصرفوا.

يسمى النائب )كلكي(، ويسمون القاضي )فنديار(، "وهو أعظم عندهم من الناس أجمعين، وأمره كأمر السلطان وأشد". وهو تعبير عن حرصهم على العدالة، ويسمون صاحب الديوان )الغاملداري( والخطيب )هند يجري( وصاحب األشغال مافاكلو، واسم

الحاكم )فتنايك(، واسم قائد البحر )ماناياك(، وكل من هؤالء يسمى وزيرا، وال يوجد سجن بتلك الجزائر، "إنما يحبس أرباب الجرائم في بيوت خشبه، كما يفعل عندنا

بأسرى الروم" وعدد جنود السلطانه، الذين يقومون على خدمتها اليومية، نحو ألف (127)نفر جلهم من الغرباء، وبعضهم بلديون، ومرتبهم األرز بعطى لهم في كل شهر.

وأخبرنا ابن بطوطة، أنه وجدهم "يكتبون األوامر )أي األوامر الحكومية(، في سعف)النخل بحديد معوجة شبه السكين، وال يكتبون في الكاغد إال المصاحف وكتب العلم".

128)

-269-

ويبدو أن ما كان معروفا عن دياناتهم حتى القرن الحادي عشر ميالدي، كما ذهب وهو: اسم يطلقه العرب المسلمون على عبدة(129 )اإلدريسي، هو أن "أهلها مجوس"

النار، ثم وسعوا هذا المفهوم ليشمل أيضا أصحاب المذهب البوذي، والبراهمي، ما وصفة الكفر اعتاد(130)يلبث ابن بطوطة أن يعلمنا، "أن أهل هذه الجزائر كانوا كفارا".

الباحثون العرب المسلمون على إطالقها، على الجماعات الدينية التي لم يعترف القرآن الكريم بهم، على أنهم من أهل الكتاب،فأطلقوا اسم )الكفر( على أصحاب

الديانات الوثنية، أو تلك التي ليس مصدرها السماء، أو الوحي، وال يؤمنون بوحدانيةالله.

إال أن ابن بطوطة الحظ أن أهل هذه الجزر في أغلبهم مسلمون، ويروى ما يشبه الحكايا األسطورية اإلعجازية عن إسالمهم، عندما خلصهم شيخ مغربي من عفريت

اعتادوا مجبرين على تقديم إحدى فتياتهم كل شهر له، لفداء بلدهم من تهديده، فقضى عليه الشيخ أبو البركات البربري المغربي بقراءة القرآن، وعلى إثرها »كسروا

في عهد سلطانهم أحمد شنورازة.(131)األصنام وهدموا بدخانة، وأسلم أهل الجزيرة«. وهكذا تبدو صورة شعوب هذه الجزائر في محيط الشرق األقصى مقبولة في

عيون العرب وخالية من األحكام التبخيسية الجارحة، وال تفتقر إلى اإلعجاب والتقدير لبعض العادات، والسلوكيات االجتماعية، والحضارية، من جانب، وإلى نقد بعض

الجوانب األخرى، وهو أمر طبقوه في دراساتهم على شعوب وأقطار دار الخالفة، أو دار اإلسالم". إال أن أغلب الباحثين العرب، وضعوا جزر المالديف بقرب، أو على اتصال بجزيرة مدغشقر، او جزيرة القمر،كما كانوا يسمونها تبعا لتخيلهم النزياح

الطرف الجنوبي الشرقي ألفريقية نحو الشرق األقصى، فيذكر اإلدريسي أيضا أن كما أن ابن سعيدالمغربي، ورغم أنه(132)جزائر الدبيجان "تتصل بهم جزيرة القمر"

خلص جزر المحيط الهندي من الغموض التي وصفها فيه اإلدريسي، ورتبها ترتيبا حسنا يتفق مع أوضاعها على الخرائط الحديثة، إال أنه أيضا ظل أسير التخيل السائد عن

اتصالها بجزيرة القمر.

جزيرة سرنديب /سيالن/ سيريالنكا حاليا / في بحر هركند،(133)اعتبرها المسعودي اإلدريسي و السيرافي، آخر جزر مالديف.

وحددها الدمشقي بطريقة أفضل، عندما وضعها "بجنوب البحر يحيط بها ألف ومائة ميل، وهي جزيرة "كبيرة شهيرة" حسب(134)يشقها جبل الراهون الذي هبط عليه آدم".

اإلدريسي، وياقوت الحموي،ومساحتها، ثمانون فرسخا في ثمانين فرسخا، وفيها الجبل الذي بينما يذهب ابن سعيد المغربي،(135)هبط عليه آدم... واسم هذا الجبل جبل الراهون"،

استنادا إلى ابن فاطمة، أنها جزيرة طويلة عريضة، طولها ستمائة ميل وعرضها يقارب ذلك، و وصفها بزرك قائال "ومن(136)فيكون دورها )أي استدارتها ومساحتها( على ألفي ميل"

الجزائر الموصوفة، التي ليس مثلها في البحر. جزيرة سرنديب، وتسمى سهيالن، وطولها(137)نحو مائة فرسخ ودورها ثالثمائة فرسخ"

-270-

الثروة ولقد اشتهرت سرنديب عند المصنفين العرب بثروتها المادية، فهي غنية بالجواهر وال سيما الياقوت، وبثروتها الروحية، ألنهم يعتقدون أن آدم نزل على جبلها )الراهون(

وترك آثارا قدمه هناك، فتحول هذا الجبل إلى ما يشبه المزار، للعابدين منهم من التجار والرحالة والبحارة، يقصدونه، ويتجهون إليه، وعبر القزويني عن ذلك بقوله: إن الجزيرة غنية بالصندل والسنبل والدارصيني والقرنفل والبقم، وسائر العقاقير، ويوجد

(138)من العقاقير ماال يوجد في غيرها، وبها معادن الجوهر، وهي جزيرة كثيرة الخير.

وأشاروا إلى أن في سرنديب "مغاص اللؤلؤ النقي وجبلها حصين هو جبل الياقوت وفي هذا الجبل وما حوله "أنواع الياقوت كلها، وأنواع من األحجار(139)واأللماس".

وغيرها، وفي واديه األلماس، وعلى رأس هذا الجبل أنواع الطيب، وضروب وصنوف العطر، مثل العود واألفاوية، ودابة المسك، ودابة الزباد، وبها األرز والنارجيل وقصب)السكر، وفي أنهارها يوجد البلور ويجمع من سواحلها مغاص اللؤلؤ النفيس الثمن".

140)

وتحدث ابن بطوطة عن مدينة )بطالة الساحلية، حين زارها،وهي مدينة صغيرة، عليها سور خشب، وأبراج خشب، وأن جميع سواحلها مملوءة بأعواد القرفة، تأتي بها

السيول فتجمع الساحل، كأنها الروابي، ويحملها أهل المعبر )أي أهل كروماندل في الساحل الشرقي للهند( والمليبار دون ثمن، إال أنهم يهدون للسلطان في مقابله

)الثوب أو نحوه، وبها أيضا خشب البقم كثير، ومن العود الهندي المعروف بالكلخي".

ورأى في مرسى سلطان سرنديب "ثمانية مراكب للسلطان برسم السفر إلى(141. تنقل البضائع التجارية.(142 )اليمن" هذا الغنى الباهر، دفع باإلدريسي كي يعتقد أنه "ليس يملك ألحد من ملوك الهند

مثل ما يملكه صاحب سرنديب من الدر النفيس والياقوت الجليل، وأنواع األحجار ألن أكثر ذلك موجود وفي جبال جزيرته، وفي أوديتها وبحرها، إليها تقصد مراكب أهل الصين، وسائر بالد الملوك المجاورين له... ويحمل إليه الخمر من العراق ومن فارس، فيشتريها

فضال عن أن أهل سرنديب لهم حسن نظر "في زراعة( 143)بماله، وهو يشربها". النارجيل... وأهل عمان، ربما قصدوا إلى هذه الجزائر التي فيها النارجيل فيقطعون

خشب النارجيل.. ويصنعون من ليفه حباال يحرزون به ذلك الخشب وينشؤون منه مراكب، ويفتلون من خوصه حباال ثم يوسقون تلك المراكب بخشب النارجيل، ويمضون

وال ينسواذكر حيوانات الجزيرة المتميزة، إذ أن "دوابها(144)به إلى بالدهم يبيعونه هناك" كما أن القرود(145)في غاية الحسن، ال تشبه دوابنا إال بالنوم، وبها كبش له عشرة قرون"

بجبالها كثيرة جدا، وهي سود األلوان، ولها أذناب طوال ولذكورها لحى كما لحى اآلدميين، وبها "الزرافة" طويلة(146)ولها مقدم تتبعه كأنه سلطان وبها أيضا جواميس، وفيلة كثر

العنق إلى جانب شجر القرنفل وهو كشجر الياسمين وزهره غليظ أسود، وفيها قصب ولعل ابن سعيد المغربي يقصد نبتة الشاي عندما يشير إلى أنه "ينسب إليها( 147)الذريرة.

.(148)العود السيالني"

-271-

واشتهرت سرنديب إلى جانب ثرائها، بجبلها الذي عليه آثار قدم أدم عليه السالم، فال يأتي ذكر سرنديب دون أن يقترن بذكره، فيزعمون أن هذا الجبل الذي هبط عليه

آدم اسمه الراهون، يراه البحارة "من مسافة أيام كثيرة، وفيه أثر قدم أدم عليه وروى ابن(149)السالم، و هي قدم واحدة مغموسة في الحجر طولها نحو سبعين ذراعا"

بطوطة، بأنه لما وصل سرنديب كان مراده زيارة القدم الكريمة، قدم آدم، فصعد جبل سرنديب، "أعلى جبال الدنيا" ورأى من على السحاب أسفله، وفيه كثير من األشجار التي ال تتساقط أوراقها، واألزهار الملونة، والورد األحمر على قدر الكف، وفي الجبل

طريقان إلى قدم آدم، أحدهما طريق ماما ويعنون حواء، وهو طريق سهل، وطريق بابا ويعنون به آدم، وهو طريق صعب، وعر المرتقى، فنحت األولون في الجبل شبه درج،

وغرزوا فيها أوتاد الحديد، وعلقوا فيه السالسل، ليتمسك بها من يصعد، وفي نهاية السلسلة توجد "مغارة الخضر" يصعد الزوار منها ميلين إلى أعلى الجبل، حيث آثار القدم، فرآها وقد "غاصت القدم الكريمة في الصخرة، حتى عاد موضعها منخفضا،

وذكر أن أهل الصين قديما، أتوا إليها، فقطعوا من(150)وطولها أحد عشر شبرا". الصخرة موضع اإلبهام وما عليه، وجعلوه بمدينة الزيتون، فغدت مزارا يقصدونه من

أقصى البالد. وال تخلوا بعض رواياتهم من ذكر عجائب سرنديب، وال سيما الغرناطي، الذي حكى

له الشيخ أبو بكر العتري، الذي أقام بأرض الصين والهند أربعين سنة،، مقدما حكاياته بالقول: "إن ذكر بعض عجائب خلق الله تعالى يستحب التحدث بها إظهارا لقدرة الله

تعالى في عجائب مخلوقاته" فيروي أن هناك بين شجر الغياض التي حول جبل الراهون، حيات كجذوع النخل تبتلع اآلدمي والبقر والغنم". كما أن في الجزيرة دهن إذا دهن به

حتى لو كان سيفا حادا.(151)اإلنسان جسده "ال يعمل الحديد فيه" وأطلق بعض الباحثين العرب، مثل ابن بطوطة، والقزويني وابن سعيد المغربي، اسم سيالن على هذه الجزيرة إلى جانب اسم )سرنديب(، ولم يقتصروا على تلك الموضوعات المتعلقة بالثروة، وآثار قدم آدم، بل التفتوا إلى ديانة أهل الجزيرة، وطبيعة ملكها، وبعض

مظاهر سلوك أهلها االجتماعي، ووصف حال بعض مدنها،. فمثلما أطروا ثراء هذه الجزيرة، وغنى كنوزها، وما لحق أرضها من بركة بآثار قدم آدم، فإنهم لم يبخلوا على أهل

هذه الجزيرة، باإلطراء أيضا على بعض جوانب حياة أهلها، في مجال العمران وفي السلوك األخالقي، وفي عاداتهم، على الرغم من نعتهم لهم )بالكفر( تبخيسا منهم

لموقعهم اإليماني، الذي لم يرق إلى مستوى اإليمان الذي مصدره الوحي.

السلطة والدين وأنماط السلوك والعادات

-272-

نسمع من ابن الفقيه، وياقوت، والقزويني، على أن لهذه الجزيرة "ثالثة ملوك(152)كل واحد عاص على اآلخر". إال أننا نفهم من اإلدريسي ان هناك ملكا واحدا

للجزيرة يحكم من العاصمة التي يسميها )اغنا(، والتي هي مدينة القصر وبها دار وعندما قدم ابن بطوطة إليها وجد "سلطان سيالن يدعى )أيدي(153)الملك".

شكروتي( وهو سلطان قوي في البحر، رأيت مرة وأنا في المعبر )لعله معبر مضيق بلك، أو ساحل كروماندال قبالة سيالن( مائة من مراكبه بين صغار وكبار، وكان يفهم

وحدثنا أنه في طريقه إلى زيارة آثار قدم آدم، على جبل(154)اللسان الفارسي". الراهون، دخل مدينة )منار مندلي(، وجدها "مدينة حسنة هي آخر عمالة السلطان"

وبقربها دخل إلى مدينة )كنكار(، وهي "حضرة السلطان الكبير بتلك البالد، وبناؤها بين وعلمنا أيضا أن كلنبو "وهي من أحسن بالد سرنديب وأكبرها، وبها يسكن( 155)جبلين".

(156)الوزير حاكم البحر".

ومن تقاليدهم الملكية الراسخة، أنه "إذا مات الملك يجعل في صندوق من العود ومن عادة ملوك سرنديب(157)والصندل ويحرق بالنار، وترافقه زوجته حتى يحترقا معا.

أن يحملوا في الهندول وهو محفة على أعناق الرجال ومعه كرندة )أي طبق( من ذهب فيه ورق التنبول، وحوائجه يحملها غالم، ويطوف البلد ومعه الصحاب والغلمان "ويبصق في المبصقة، فربما جاءه البول، فيخرج من الهندول ويبول في الطريق، أو السوق، أو

(158)حيث اتفق له فإذا فرغ من بوله رد إلى ثيابه ولم يمسحه".

ال يخفي بزرك، وهو يسرد عادة الملك في موكبه، وال سيما ما يتعلق بالنظافة، امتعاضه من تساهلهم تجاهها. وهو الذي اعتاد الحرص عليها في مجتمعه، وتقليد حرق

الجثة نابع من أن ملوك سرنديب ليسوا مسلمين، فهم كما يقرر مصنفونا العرب "كفار"، وهو تعبير عن تبخيسهم للديانة الوثنية، قياسا إلى ديانة الوحي، أما في ما عدا ذلك، فإن هذا الحكم ال يقلل من تقديرهم لمكانة الملك أو شعبه في مجال العمران، أو في مجال

)الحكم الصالح، وكما يتصور القزويني "فإن أكثر أهل سرنديب مجوس وبها مسلمون".

بنا بزرك(159 وشمل مؤلفنا بهذا المفهوم الديني، أصحاب الديانة البوذية والبراهيمية، وقر أكثر من صورة عبادتهم التي توحي أنهم على البوذية، النتشار )البد( في ربوعهم ولعل

هذا االسم تحريف السم "بوذا"، وهو ما يشير عندهم أيضا إلى الصنم، ففي مدينة )أبريد( وهو بلد عظيم فيه نيف وثالثون سوقا، طول السوق نصف ميل، الحظ أن "ألهل هذا البلد نحو من ستمائة )بد( جليلة )كبيرة( سوى الصغار". كما أن هناك بظاهر المدينة جبل، يوجد في جانبه شجر نحاس... وبإزائها صنم عظيم في صورة زنجي عيناه من زبرجد". وألهل المدينة "عيد في كل سنة، عند ذلك الصنم، فيخرجون إليه ويصعدون

فوق الجبل فمن أحب التقريب إلى ربه شرب وغنى وسجد للصنم مرارا، ورمى بنفسه من فوق الجبل على تلك الشجرة فينقطع قطعا، ومنهم من يرمي بنفسه على دماغه،

(160)فوق حجر عظيم تحت الصنم فيطحن فوق الحجر".

-273-

وملوك سرنديب يشتهرون بغناهم، وبوفرة ثروتهم، وقد أشار إلى ذلك اإلدريسي، كما رأينا سابقا، عندما نوه إلى أنه ليس يملك أحد من ملوك الهند مثل ما يملكونه، وأن تجارتهم ومراكبهم تتصل بجميع البلدان بما فيها الصين والهند، وكان لسلطان

مدينة كنكار فيل أبيض يركبه في األعياد، ويجعل على جبهته أحجار الياقوت وإذا كان ابن رسته ومن بعده اإلدريسي يشكوان من أن ملوك(161)العظيمة".

سرنديب يبيحون شرب الخمر، ويأتون به من بالد فارس والعراق، وهي بالد إسالمية على كل حال، إال أنهما ال ينسيان أن هؤالء الملوك يحرمون الزنا على عكس ملوك

غير أن السيرافي يذكر أن(162)الهند الذين "يبيحون الزنا ويحرمون الشراب المسكر" في أحد مواضع الجزر )الفساد فاش(، في النساء والرجال، وغير محظور، حتى أن

ومن(163)تجار البحر، ربما دعا الواحد منهم ابنة ملكهم فتأتيه إلى غياضهم بعلم أبيها،" عاداتهم أيضا أنه عندما يبلغ ثمن أحد "أحجار الياقوت إلى مائة فنم )تعادل مائة فنم ستة دنانير ذهب(، فهو للسلطان، يعطي ثمنه ويأخذه، وما نقص عن تلك القيمة فهو

(164)ألصحابه".

وأقر المصنفون العرب بعدالة الملك هناك، وعلى تسامحه الديني، وتشجيعه للحوار بين األديان، فتحدث اإلدريسي عن ملكها بقوله "وهو ملك عادل كثير السياسة، )عنده حنكة سياسية( يقظان الحراسة، ناظر في أمور رعيته، حائط لهم، وذاب عنهم،

وله ستة عشر وزيرا، أربعة منهم من أهل ملته، وأربعة نصارى، وأربعة مسلمون، وأربعة يهود، وقد رتب لهم موضع يجتمع فيه أهل الملل ويتكلمون في أديانهم، ويقيم

كل واحد منهم حجة ويأتي برهان في دينه،و الملك يبيح ذلك، ويكتب حججهم وأخبارهم، ويجتمع إلى علماء كل ملة منهم، أعني الرومية والهندية واإلسالمية واليهودية، جمل من

الناس، فيكتبون عنهم سير أنبيائهم وقصص ملوكهم في سالف األزمان ويعلمون وفي السياق نفسه، الحظ الدمشقي والنويري( 165)شرائعهم ويفهمونهم ما ال يعلمون".

وغيرهم، أن مدينة سرنديب العظمى، "يسكنها مسلمون ونصارى ويهود ومجوس وهو شهادة(166)وكفرة ال ينقادون لملة، ولكل طائفة حاكم ال يبغي بعضهم على بعض".

على تسامحهم الديني وعدلهم. وأشار ابن بطوطة موضحا دياناتهم، إلى أن مدينة )دينور(، وهي مدينة عظيمة على البحر، بها صنم وكنيسة عظيمة، يوجد فيها "نحو ألف من البراهمة والجوكية،

ونحو خمسمائة من النساء بنات الهنود. ويغنين كل ليلة عند الصنم، ويرقصن، والمدينة ومجابيها وقف على الصنم، والصنم من ذهب على قدر اآلدمي، وفي موضع العينين

والحظ ابن(167)منه ياقوتتان عظيمتان أخبرت أنهما تضيئان في الليل كالقنديل". بطوطة تقديس السيالنيين للبقر، مثلهم في ذلك مثل الهنود البراهمة، إذ عرف أنهم قطعوا يد ورجل أحدهم وذلك لl " أنه ذبح بقرة، وحكم كفار الهنود انه من ذبح بقرة،

(168)ذبح كمثلها، أو جعل في جلدها وحرق".

-274-

وعدد القزويني بعض عقوباتهم القضائية، إذ" إن من عاداتهم أن يأخذوا من الجاني سبعة دراهم على جناية، والمديون إذا تقاعس عن أداء الدين بعث الملك إليه من يخط حوله خطا فال يجسر أن يخرج من الخط حتى يقضي الدين أو يحصل رضاء

الغريم، فإذا خرج من الخط بغير إذن، أخذ الملك منه ثالثة أضعاف الدين، ويسلم ثلثه(169)إلى المستحق ويأخذ الملك ثلثيه".

وإذا كان الطقس المتبع حيال جثة الملك، هو حرقها، وأن تندفع زوجته وراءه لتشاركه المصير نفسه، فإن السيرافي، يسهب في تتبع هذا الطقس، بوصف ما

يتقدمه من فصل تراجيدي مروع، يرمز إلى تذكير اإلنسان بمصيره المشترك وبتقلبات الزمان، وبنهايته المحتومة التي تعبث بكل المقامات الدينوية وتفاهاتها، فإذا مات

الملك ببالد سرنديب وضع على عجلة واطئة معلقا في مؤخرتها مستلقيا على قفاه، ويجر وشعر رأسه على التراب، وتتولى إمرأة مكنسة وتحثو التراب على رأسه، وتنادي

"أيها الناس هذا ملككم، باألمس قد ملككم وكان أمره نافذا فيكم، وقد صار إلى ما ترونه من ترك الدنيا، وأخذ روحه ملك الموت، فال تغتروا بالحياة بعده". ويدوم الوضع

هكذا ثالثة أيام، ثم" يهيأ له الصندل والكافوروالزعفران فيحرق به، ثم يرمى برماده(170)في الريح".

وفي مجال العمران والتحضر،أورد اإلدريسي ذكر مايقارب عشرة مدن في سرنديب مكتظة بسكانها، واعترف بالتعايش الديني، والحوار السلمي السائد، في داخلها،بين أصحاب الديانات، وهو ما صوره ابن بطوطة في وصفه لمدن سرنديب أيضا، فضال عن الغنى والثروة اللتين تتمتع بهما الجزيرة، أم بزرك فيذهب إلى أنه

(171)"قيل أن بجزيرة سرنديب نحو مائة ألف قرية".

وأشار أيضا إلى ميل عباد سرنديب إلى المسلمين، وذلك بقوله "وعباد الهند وزهادهم، عدة أصناف منهم البيكور، وأصلهم من سرنديب، وهم يحبون المسلمين،

وهؤالء العباد البيكور، ولعلهم أحد الفرق البوذية، لهم(172)ويميلون إليهم ميال شديدا" أزياؤهم الخاصة، يصفها بزرك في أنهم "في الصيف عراة حفاة ال يستترون، وربما

جعل الواحد منهم على سوءته خرقة أربعة أصابع في مثل ذلك، مشدودة بخيط في الوسط، وفي الشتاء يتشحون بالحصر الحشيشة، )هو حشيش يابس(، ومنهم من

يلبس اإلزار مرقعا من كل لون.... ويلوثون أبدانهم برماد عظام الموتى...، ويحلقون رؤوسهم وينتفون لحاهم وشواربهم، ولم يحلقوا شعر العانة وال اإلبطين، وفي األكثر ال

يقصون أظافرهم، ومع الواحد منهم قحف رأس إنسان ميت فيه يأكل ويشرب على(173)سبيل اإلتعاظ".

-275-

الشرق شعوب صورة23م– األقصى

هذا الميل إلى المسلمين فسره بزرك، على أنه أتى حصيلة أخبار بعثة أرسلها أهل الجزيرة إلى النبي، إذ لما بلغهم ظهور )النبي(، أرسلوا رجال ليعرف أمره، وما

يدعو إليه، فوصل الرجل إلى المدينة بعد وفاة النبي )ص(، ووفاة أبي بكر، فوجد الرجل الخليفة عمر فسأله عن أمر النبي، فشرح له وبين، ورجع الرجل بصحبة غالم هندي، إال أن الرجل مات ببالد مكران، ورجع الغالم إلى سرنديب، وشرح لهم األمر،

وما وقف عليه من أمر النبي، وأخبار أبي بكر، ثم أخبار عمر بن الخطاب، ووصف لهم تواضع األخير، وأنه كان يلبس ثياب مرقعة ويبيت في المسجد، فتواضعهم ألجل ما

حكى لهم ذلك الغالم، ولبس الثياب المرقعة لما ذكره من لباس عمر، ومحبتهم(174)للمسلمين، وميلهم إليه لما في قلوبهم مما حكاه ذلك الغالم عن عمر".

وبصرف النظر عن حقيقة هذه )الحكاية(، فإن ما يهم هنا، هو ما تؤكده في مضمونها، على تواضع أهالي سرنديب، وعلى أزيائهم وثيابهم المرقعة، المزركشة،

وأخيرا حبهم للمسلمين، وبالمقابل مشاعر المؤلف العربي المتعاطفة معهم، وقد أكد ابن بطوطة، على ميل أهل سرنديب نحو المسلمين، وإن ألسباب أخرى، تعود إلى أن أحد شيوخ المسلمين قد فتح الطريق لزيارة آثار قدم آدم، وذلك ألنه منع )ببركته( أذى

الفيلة المنتشرين هناك عن الزوار، صار الكفار من ذلك العهد يعظمون المسلمين،(175)ويدخلونهم دورهم، ويطعمون معهم ويطمئنون لهم بأهلهم وأوالدهم".

ومن العادات التي أثارت انتباه المصنفين العرب، هي طرق الضيافة المتبعه لديهم، فوجدوها حسنه،فهم يقدمون لضيوفهم " عجول الجواميس يصطادونها بغابة

ويشير اإلدريسي إلى أن(176)هناك، ويأتون باألرز والسمن والحوت والدجاج واللبن". وباإلضافة(177)من عاداتهم، "لعب أهل سرنديب الشطرنج والنرد، والقمار بأنواعه".

إلى ذلك، فإن "جميع النساء في جزيرة سيالن لهن قالئد من الياقوت الملون، ويجعلنه في أيديهن عوضا عن األسورة والخالخيل،وجواري السلطان يصنعن منه )من

وتشتهر سرنديب بأفاعيها العظيمة، وهي(178)الياقوت( شبكة يجعلنها على رؤوسهن ". خطرة على بني البشر، فيقاومون لدغ تلك األفاعي بالرقي، أو بدفع الملدوغ على

مركب في النهر باتجاه البحر، فحكى بزرك قصة صراعهم ذلك، فإذا نهشت أحدهم أفعى" ولم تنفع معه الرقى، جعلوه على سرير من خشب، وتركوه على وجه الماء،

في نهر يجري إلى البحر، وال يوضع على هذا السرير إال الملسوع، فمن كان منهم على مجرى النهر يحسن الرقي "أخذ السرير ورقى من فيه، فإذا نفعت رقيته قام

الملسوع، ورجع إلى منزله.. وإذا لم تنفع سرحه.. وحمله الماء حتى يرمي به في(179)البحر فيغرق أو ينفق".

في الطريق إلى األرخبيل األندونيسي

-276-

قبل أن نصل إلى جزيرة الرامثى )سومطره( األندونيسية، يعترض طريق البحارة جزيرة سموها جزائر )أندمان(، أو أندامان، وهي في عرض خليج البنغال، وجزيرة

أخرى عرفوها باسم )لنجبالوس( وعند بعضهم مثل ابن الفقيه )لنكبالوس(، وهي جزر التي تقع في فم خليج البنغال، في عرض البحر، واعتقدوا أن هاتينNicobarالنكبوبار

الجزيرتين تقعان بقرب خط االستواء، ويتعرضان بالتالي لتأثيراته البيئية، وينطبق على ناسها، أحيانا، المعاني المرتبطة باإلقليم األول المحاذي لخط االستواء. لم تطأ أرضهم

الحضارة والعمران،وال نلمح سلطة أو سلطان، أو ملك بين ظهرانيهم، وال يذكرونأنهم شاهدوا فيها المدن، أو أشكال التنظيم العمراني.

ذكر النويري مثله في ذلك مثل ابن سعيد المغربي وغيرهم، أن جزائر لنجبالوس وأهلها(180))نكوبار( "كثيرة، وأهلها سود، مشوهو الصورة لقربها من خط االستواء"

"عراة يقطعون على المسافرين وفيهم من يأكل الناس، وهم مجاورون لخط ومن المظاهر األخرى الفتقار تلك الجزائر لمظاهر الحضارة والعمران،(181)االستواء".

أنهم ال يتبادلون بالنقود، يخرجون في قواربهم عند مرور مراكب التجار الغرباء بينهم، يحملون )العنبر والنرجيل فيتعارضون )يتقايضون( بالحرير وشيء من الثياب، وال

وقد فصل سليمان التاجر، أسلوب عريهم،إذ(182)يبيعون ذلك بالدراهم وال بالدنانير". فيهم "عراة الرجال منهم والنساء، غير أن على عورة المرأة ورقا من ورق الشجر،

فإذا مرت بهم المراكب... بايعوا أهلها العنبر والنارجيل بالحديد وما يحتاجون من إال أن السيرافي، يقول عنهم متوافقا مع رأي بزرك "أنهم بيض"، وال(183)كسوة".

يفهمون لغة العرب وما يعرفه التجار من اللغات، عندهم النارجيل، وقصب السكر وفي هذه الجزيرة المتسعة معدن(184)والموز، وشراب النارجيل، يبيعون ذلك بالحديد.

الحديد الشبيه بالفضة في لونها، وبها أشجار الكافور، إذا نقر ساق الشجرة من أعاله سال منها ماء الكافور، وال ينسى بزرك فضائل هذه الجزيرة، فإذا وقع إليهم رجل أو امرأة، النكسار مراكبهم، ال يأخذون منهم شيئا ويدعونهم إلى منازلهم، فيطعمونهم

)مما يأكلون "وال يأكل الواحد حتى يطعم ضيفه، فإذا أكل الضيف أكل ما يفضل منه"

185)

-277-

طبقوا على جزيرة أندمان، المقاييس األقاليمية والعمرانية نفسها، باعتبارها قرب خط االستواء، فتختفي فيها مظاهر الحضارة والعمران، بل تذهب حياتها أكثر بعدا عن

معايير الحضارة، بتصورهم أنهم يأكلون البشر، وال يرعون أحيانا حرمة من يقع في جزيرتهم ضائعا من الغرباء، على النقيض من جيرانهم في جزائر لنجباوس، الذين

يحترمون حق الضيافة.ولخص الدمشقي معارف وأحكام المؤلفين العرب عن هذه الجزيرة، وعن شعبها، بقوله "وجزيرة أنداميان وجزائرها، يقال أن عدتها سبع مائة

جزيرة، متقاربات صغار وكبار، معمورات لقوم من الهنود والزنج، قباع الوجوه، صغار وهي تصورات نقلها(186)الجثث، ال مراكب لهم، وإذا وقع إلى أطرافهم غريق أكلوه".

الدمشقي عن السيرافي والمسعودي، اللذين أتيا بتقرير متطابق، فأهل أندمان عند األثنين يأكلون الناس أحياء، وهم سود مفلفلو الشعر، مناكير الوجوه، واألعين، طوال األرجل، طول قضيب واحدهم مثل الذراع، عراة ليس لهم قوارب، وفي هذه الجزيرة

ويضيف ابن سعيد المغربي، أنه(187)جبال، يقال أن فيها معادن فضة وليست بمسكونه.(188)توجد "فيها جميعا الفيلة ويجهز منها العاج".

جزائر األرخبيل األندونيسيlنlم lعlلlقlت l،lبlعرlلlا lرةlاlحlلبlاlو lةlلlحاlرlلlاlو lارlجlتlلlا lلlمlحlي تlلتlا lةlيlبlرlعlال lفنlسlلlا lتlنlكا

فlيl جlنlوlب شlوlاطlئl مlاlليlبlاlر،Quilomlاlلخlلlيlجl اlلlعرlبlيl حتlىl تlصlلl كوlلمl أlو كlلlوlمl مlلlي ومlنlهl تlصlلl إlلlى سlرlنlدlيlبl( lسlيlالن(l،l وبlعlدlهl إlلlى اlألرخlبlيlلl اlألنlدlوlنlيlسlي،l عlبlرl مlضlاlيlقlاlم lةlملlن جlم lةlاlسlرlا مlضlيlأ lيlوه )lاlقlلlو مlأl( lهlكل lقlيlضlم lبlعرlلlا lمهlيlسlي lاlم lوlأ lهlيlزlيlالlم

lاlيlاlجlيlفlيlرlس lةlكlلlمlم lيlوهl( lجlاlهرlمlلlا lةlرlيlزlج lبlرlعlلlا lهlمlيlسlيSviwigywelةlرlطlمlوlس lلlمlشlتlو lرlحlب lهlوlمlس lاlو مlأ l،lهlلlك lقlيlضlلمlا lفlاlرlأط lىlعلlو l،lةlرlطlمlوlس lلlألقlا lىlلlع lوlأ lوهlاlوج

lةlرlيlزlج lبlرlلعlا lهlمlيlسlي lاlا مlهlيlف lاlمlب lةlيlسlيlنlوlدlألنlا lرlزlجlلlت اlاlئlم lرlثlاlنlتlت lتlنlاlوك lالهطlش lفlرlلطlي اlع فlقlي تlهlو( يlثlمlاlلرlا lعlقlت lاlضlيlأlو l،lوةlاlج lةlرlيlزlوج )lةlرlطlمlوlي سlهlو( l،lجlبlاlلزlا lلlوlطبlلlق اlد lهاlنlع مlمlسlي يlلتlا l،lلlيlاlطlرlب lةlرlيlن جزlوlرlكlذlي lاlكم l،lجlنlاlزlلlا lةlرlيlزlي لجlلlاlمlلشlا

lبlرlلعlا lفlرlع lيlذlلlا l،lيlسlيlنlوlدlألنlا lلlيlبlألرخlا lفlلlؤlت lهاlرlيlغlو lرlزlجlلlا lهlذlه lكلlو l.lدlعيlن بlم lيlف lهمlنlم lاتlليlجا lتlرlقlتlسlاlو l،lهlلlهlأ lعlم lفlرlعاlمlلlوا lةlارlجlتlلlا lاlوlلlدlاlبlت l،lهlنlم lةlهمlم lاءlجزlأ l،lهlبlوlعlش lةlاlن حيlع l،lةlيlفlاlرlغlوlنlثlا lرةlصو lاlنlل lاlوlقلlنlو l،lعهlوlي ربlالم فlإلسlا اlوlرlشlنlو l،lرهlجز

.lهlب lةlطlيlحlمlلlا lةlضlامlغlلlا lمlلlاlوlلعlا lةlئlيlبlو l،lةlريlاlإلدlاlو lةlيlافlقlثlلlا lهlتlاlيlحlو l،lهlتlاlوlرlع ثlوlنlوت وال بد هنا من اإلشارة هنا، إلى أن اسم أندونيسيا، قبل االستعمار األوروبي، لم يكن اسما مألوفا، وإنما كانت هذه الجزر المترامية األطراف، المحاطة بقارتي آسيا

(، وال زال هذا االسم إلى اليومNusantaraواسترالية، يعبر عنها باسم )نوسوسنتارا (189)مألوفا ومتداوال بينهم.

-278-

ولقد تأثرت شعوب هذه الجزر بثقافة الهند، وأدخل إليهم التجار الهنود الديانة الهندوسية والبوذية، فنمتا وتوسعتا على حساب الديانات الوثنية، وأقاموا فيها ممالك

في جزيرة كلمنتانKutaiمتعددة ذات صبغة هندوسية أو بوذية، كممكلة كوتاي Sriwajawa)بورينو( وهي أول مملكة هندوسية بوذية، في أندونيسيا، ومملكة سريويجايا

-1478بين القرن السابع والثالث عشر ميالديين( في سومطرة، ومملكة ما جاهيت ) م( في جاوه، حيث امتدت رقعة سلطانها إلى سنغافورة، وماليزيا، وبعض1293

(190)المناطق في تايلندا.

-279-

فيما بعد لعب التجار العرب والمسلمون، وجالياتهم التي استقرت هناك،دورا حاسما في نقل اإلسالم إلى هذه الجزر، ولعل القرن الثالث عشر ميالدي شكل

مفترقا تاريخيا إلنتشار اإلسالم، ولقد اختلف الباحثون المعاصرون على من كان له األسبقية في نقل اإلسالم إلى هذه الجزر أكانت للتجار العرب وللجاليات العربية، أم

للمسلمين الهنود، إذ قال بعضهم "إن الذين أدخلوا اإلسالم إلى تلك الجزر هم العرب، وذلك بواسطة التجار والمالحة، فإنهم نزلوا أوال بالثغور البحرية، والمراسي الشهيرة،

غير أن اإلسالم دخل أندونيسية(191)واخذوا ينشرونه فيها، شيئا فشيئا إلى الداخل" منذ القرن السابع الميالدي بواسطة التجار العرب، ويستدل على ذلك بوجود جماعات

عربية في سومطرة الغربية في هذا القرن السابع الميالدي، وأيد هذه النظرية ، إذ ظهرت التجمعات، التي ال تملك سلطة بعد، في بعضLewr.1.C.Vج.س.فإن، لوير

مناطق جزيرة سومطرة، قبل القرن الخامس عشر، ثم تعزز وجود اإلسالم، وازداد Brahmamaنفوذا، على أثر التصدع في مملكة )ماجابهيت(، وسقوط سلطتها البراهمة

، في1556 البوذية سنة Vaganat، وأيضا انهيار ممكلة فاجانات 1526الهندوسية سنة الهند، فأتاح هذا للمسلمين في جاوه نشر دينهم ونفوذهم، إلى أن وصل األمر إلى

.Demakقيام مملكة اسالمية كبرى إثرتغلبهم على مملكة ماجابهيت في مدينة ديماك ويتضح من ذلك - تبعا لهذا الرأي، أن جزيرة سومطرة، كانت البوابة التي دخل بها)192(

اإلسالم إلى بقية الجزر األندونيسية، وقامت في هذه الجزيرة العديدة من الممالك، وهي أول مملكة إسالمية في أندونيسية، وقامت في سنةPorlakفهناك مملكة بورالك

ه أي في القرن التاسع الميالدي، على أنقاض مملكة هندية بوذية، إسمها227 أو 225 -1261، التي دامت بين عامي Pasay، ثم مملكة ياساي Sviwjaywaسريويجايا

م( والسلطان أحمد بهيان شاه ملك1289م، وكان أشهر ملوكها الملك الصالح )1496 م(، وأثناء حكم األخير قام ابن بطوطة برحلته، وكانت هذه1345 - 1326الزاهر )

المملكة آنذاك مركزا إسالميا مهما في نشر اإلسالم في الجزر اإلندونيسية التي كانتSiakمثل :كلمنتان، وسوالويس، وجاوه. أما الثالثة فكانت مملكة سياك

على الوثنية عندما دخلها اإلسالم في القرن الثاني عشر الميالدي، وساعد على ذلك دخول ملكها اإلسالم، ودخل اإلسالم في جزيرة جاوة في أوائل القرن العاشر

الميالدي، إال أن انتشاره الواسع كان في القرن الثالث عشر، بتأثير ما يسمى في ثم قامت على أنقاض مملكةWalison 90الحوليات االندونيسية )الدعاة التسعة(

، ثم تفرقت إلى ثالث ممالكDemakم مملكة داماك اإلسالمية 1478ماجافات سنة (193)صغيرة.

-280-

وذهب أندريه ميكيل، إلى أن المحاولة الكبرى لدخول اإلسالم في جاوه ابتداء من الشواطئ، كانت في القرن الخامس عشر، نتيجة انحالل ثم اختفاء االمبراطورية

(194)الهندية في مجاباهت ولقد كانت ملقه )كله( الوثيقة الصلة بجزيرة جاوه، مركزا رئيسيا لإلشعاع اإلسالمي منذ القرن الخامس عشر فصاعدا، وفي نهاية القرن

السادس عشر استقر اإلسالم في سلبيس، في القرن التالي امتد إلى بورنيو وفي ،Ache ويذهب الدكتور نينار أن اإلسالم قد وصل إلى آتشيه (195)الجنوب من سومطره.

شمال سومطره، جامعا في تأثيره بين العنصر الهندي والعربي، وهو أقدم شكل عرفه شمال سموطرة، حتى دخلت إليها التقاليد من مصر في شمال أفريقيا بعد سقوط

م، وهذه التقاليد الجديده دخلت إليها عن طريق جنوب الهند، وأخذت1258بغداد عام تزداد انتشارا في الهند وسومطره، وفي الجزر األندونيسية، وفي األنحاء األخرى من

(196)أندونيسيا، في رعاية اإلسالم، وفي العمل على انتشاره

دون المؤلفون العرب معلوماتهم، وتصوراتهم عن هذه الجزيرة، وعن شعوبها، منذ القرن الثالث الهجري، التاسع الميالدي، واستمر تطواف الجغرافيين العرب، في

سواحل الهند والصين، والجزر الماليزية، في القرن العاشر والحادي عشر والثاني فكان انطباعهم العام عن تلك الجزر، أنها بالد غنية للغاية زاخرة(197)عشر الميالدي.

بالسلع العزيزة الثمن، وصاحبة ملك راسخ وسلطان مهاب الجانب، يقف في مصاف ملوك األمم العظمى، ويتجلى ذلك في حديثهم عن ملك )المهراج(، وال يغرب عن بالنا ما للحكم، واستقرار السلطان من داللة لدى العرب، على مظاهر الحضارة والعمران،

وتداخلت في سردهم المعلومات التجارية، بالجغرافية، باألثنوغرافية بالنظرة السياحية، تلك النظرة التي تنتقل بين أبرز الظواهر وأكثرها إبهارا، بما فيها من غريب

وعجيب، فضال عن الحكايات والنوادر، فكثيرا ما تتخلل كتب الجغرافية، والرحالت، والتاريخ قصص الغرائب، كلما تعلق األمر بالجزر التي تقترب من حدود العالم غير

المعمور.

-281-

ولعل اسم )المهراج(، الذي أطلقه العرب على ملك الجزائر األندونيسية وفي مقدمتها سومطرة وجاوة، قد تم نقله تدريجيا ليصبح في موقع ينسبون إليه الجزائر

اندونيسية وال سيما جزيرتها األكبر سومطرة، وصاروا يستخدمون اسم "جزائر المهراج" للداللة عليها، وهذا ما نجده واضحا عند الكثير من الجغرافيين العرب،

وباألخص عند ابن سعيد المغربي، الذي وضع الجزائر األندونيسية شرق وجنوب جزائر أندمان والنجباليوس، إذ يقول: بأن "جزائر المهراج، كثيرة مذكورة في الكتب، ويوجد فيها الذهب الطيب، وصاحبها أغنى ملوك الهند وأكثرهم فيلة، وجزيرته الكبيرة التي

فيها مدينة المهراج، طولها مئتي ميل ووسعها قريب من مائة ميل. "ثم يشير إلى أنه "في جنوبي جزيرة المهراج جزيرة الجاوة الكبيرة، المشهورة التي تقصدها المراكب، وفي جنوبها، مدينة فنصو التي ينسب إليها الكافور الفنصي، وجبال الكافور ممتدة من

المدينة إلى قرب آخر الجزيرة. وفي وسط الجزيرة جبال الكافور"، ثم يتابع شرح مشهد المدن والجزر، فيذكر أن عاصمة الجزيرة أو قاعدتها، هي مدينة جاوة، وبها

صاحب الجزيرة، وإلى هذه المدينة ينسب العود الجاوي األسود الرصين.. وفي الركن الشرقي الجنوبي مدينة كلة، وهي مشهورة على ألسن المسافرين، وإليها ينسب

الكلهي المفضل في عوده ودهانه. ويقال أنهم يصنعون مراكبهم من ذلك، فال يكون في بحر الهند مثلها... وفي الجانب الشرقي الشمالي مدينة ماليو". وهي كما نعرف اليوم جزيرة من جزر الماليو، ويصفها بأنها" مشهورة مقصودة للحط واإلقالع، وكل مدينة من المدن التي ذكرت في هذه الجزيرة على خور )أي شاطئ مرفأ( ويكون

(198)طول هذه الجزيرة ثمانمائة ميل من الغرب إلى الشرق".

ولقد استخدم المؤلفون العرب أحيانا اسم جزائر الزابج، وأحيانا أخرى جزاء الزانج، وعنوا به سومطرة وجاوة، واللتان تؤلفان مملكة الزانج الشاسعة المساحة أو قسمها

وربما ضموا إليها جزيرة سريرة وهي مرفأ في(199)األهم،و التي يحكمها المهراج. سومطرة، والرامثي وهي الجزء الشمالي من سومطره. مذكرين دائما باتساع مملكته،

وتراميها، وهو ما نجده عند المسعودي، بقوله "وفي مملكة المهراج جزيرة سريرة، ومساحتها في البحر نحو أربعمائة فرسخ )الفرسخ يعادل ثالثة أميال(، عمائر متصلة، وبه

وزاد(200)جزيرة الزانج والرامني، وغير ذلك مما ال يؤتى على ذكره من جزائر ومملكة". سليمان التاجرإلى تلك الحقائق التي تشهد على ثراء مملكة المهراج، وجزر الزابج،

فضال عن سعتها الضاربة في البحار، وكثرة الضرائب، أو )التكسيرات( تبعا للغته، فملك المهراج صاحب الزابج "هو ملك على جزائر كثيرة، يكون مقدار مسافة ملكه ألف فرسخ

وأكثر، وفي مملكته جزيرة تعرف بسريرة تكسيرها )أي خراجها أو محيطها( على ما يذكرون أربعمائة، وجزيرة الرامي تكسيرها ثمانمائة فرسخ، منها منابت البقم في الكافور

(201)وغيره، وفي مملكته جزيرة كله، وهي المنصف بين أراضي الصين وأرض العرب".

عندما نصل إلى القرن الرابع عشر، نجد ابن بطوطة يستخدم اسمي "سومطرة"، و"وجاوة" على الجزيرتين الرئيسيتين في األرخبيل األندونيسي، وكانوا يطلقون على

جاوه اسم جايه، وهو ما نجده عند اإلدريسي، وابن خرداذبه، وأبو الفداء، وغيرهم، ولعلابن سعيد المغربي هو أول من أطلق اسم جاوه بدال من جابه على هذه الجزيرة.

-282-

لم يكتف المصنفون العرب بهذا المشهد العام، وبذكر المواقع الكبرى لجزر ومدن األرخبيل األندونيسي، بل ذهبوا أكثر في تكثيف هذا المشهد وبإغنائه بمزيد من

المعطيات واالحكام والمتخيالت، واتخذ بعضهم موقف االثنوغرافي في تناوله لحياةمجتمعات تلك الجزر.

الزابج /سومطرة/ روى بزرك أن يونس بن مهران السيرافي، الذي دخل الزابج ورأى مظاهر الثراء والغنى فيها، حدثه أنه قد رأى في الزابج "من األسواق العظيمة ما ال يحصى، وعددت

في سوق الصيارفة بهذا البلد ثمان مائة صيرفي’ سوى ما في البلد من الصيارف المتفرقين في األسواق". كما حكى له عن فخامة "عمارتها وكثرة البلدان والقرى فيها

وحدثه أيضا عن بلد في الزابج اسمه )فروفاويد(، "فيه عنبر(202)ما ال يقع عليه وصف"كثير جدا، وأنه ما حمل أحد قط ذلك العنبر، في مركبه، وخرج عن البلد إال ورجع إليه".

وأشاد المسعودي، في معرض حديثه عن ملك المهراج، بثراء وغنى جزائر الزابج(203) وال سيما باألفاوية والطيب، التي يصدرها إلى البالد األخرى، فقد "حاز هذا الملك أنواع

الطيب واألفاوية، وليس ألحد من الملوك ما له، ومما يحمل من بالده، ويجهز من أرضه الكافور، والعود والقرنفل والصندل والجوز والبسباسة والقاقلة والكبابة، وغير

ويذهب ابن خرداذبه أن في جبال الزابج أيضا "شجر الكافور(204)ذلك مما لم نذكره". تظل الشجرة مائة إنسان أو أكثر وأقل، ينقب أعلى الشجرة فيسيل منها من ماء

(205)الكافور عدة جرار، وفي هذه الجزيرة عجائب كثيرة ال تحصى".

-283-

وذهب اإلدريسي، بعد أن ذكرنا بتصوره المقتبس عن بطليموس عن اتصال جنوب أفريقية بالسواحل القابلة للصين والهند وبالتالي اتصاله بالجزر المحيط الهندي، إلى القول "يقابل بالد الزنج الساحلية جزائر تسمى جزائر الرانج" ليقر بعدها أن جزائر

الرانج، "كثيرة وأرضها واسعة، وأهلها سمر جدا، وكل ما يزرع بها من الذرة، وقصب السكر وشجر الكافور، ومن جزائر الرانج جزيرة شربوه، وتسكيرها )خراجها( على ما

)يذكر ألف ميل ومائتا ميل، وبها مغائص للجوهر، وبها أفاويه الطيب والتجار يدخلون إليها"

ثم تحدث عن إحدى جزر الرانج، يسميها "جزيرة األنجية"، وان مدينة هذه الجزيرة(206 الرئيسية )انقوحة( "أهلها أخالط والغالب عليهم أنهم مسلمون في هذا الوقت". وأكثر

عيش هذه الجزيرة من الموز، "ولها عمارات متصلة، وقرى فيها مواشيهم، ويزرعون بها ولفت نظرنا اإلدريسي، إلى تحول هذه الجزيرة، وهي جزء من جزائر الرابج،(207)األرز".

إلى محطة رئيسية للتجارة الصينية، والهندية، بعد االضطرابات التي أصابت هذين البلدين، وال ينسى أن يظهر إعجابه بأخالق سكانها، فهو يطري سلوك أهل هذه الجزر،

وحسن معاشرتهم، وسماحتهم، فيقول: في نص معبر "وتجاراتهم كثيرة والداخل في كل سنة كثير بضروب من األمتعة، وجمل من البضائع، التي يتصرفون إليها ومنها، ويقال إنه

لما أضطرب أمر الصين بالخوارج، وكثر الظلم، والتخليط بالهند، صير أهل الصين تجاراتهم إلى الرانج وغيرها من جزائرها، وعاملوا أهلها وأنسوا إليهم لعدلهم وحسن (208)معاشرتهم، ومعاملتهم، وسماحة تجارهم، فهي لذلك عامرة، والمسافر إليها كثير".

ولعل هذا التقرير يذكرنا بالدور الذي اتخذته )كله( في تجارة المحيط الهندي الدولية، فيالقرن التاسع الميالدي، كما سنرى الحقا.

-284-

أما الجزء الشمالي من الزابج )سومطرة(، فقد أطلق عليه باحثونا اسم )الرامي(، وأفردوا لها الكثير من االهتمام، فتناولوا حياة الناس في حينها، وبيئتها، وحيواناتها، ونباتها، فأطنب سليمان التاجر بسعة مساحتها وثرائها، إذ "فيها عدة ملوك، وسعتها ثمانمائة أو تسعمائة فرسخ، وفيها معادن الذهب، وفيها معادن تدعى فنصور، ويكون الكافور الجيد

كما يصف ابن خرداذبة والحميري، أن بها(209)فيها". وفيها أيضا "فيلة كثيرة وخيزران". أيضا "الكركدن، وهو دابة تكون دون الجمل وفوق الجاموس.. ولها قرن في وسط جبهتها

طويل، وهذا القرن.. تصنع منه مناطق تساوي قيمة كبيرة، وفيها ينبت البقم، وهو يشبه نبت الدفلى، وخشبه أحمر وعروقه دواء من سم األفاعي والحيات... وفي هذه الجزيرة

، ولها(210)جواميس ال أذناب لها" فضال تصديرها"ضروب األفاوية واللؤلؤ الفائق الجودة" أيضا "شجر الكافور والفلفل والقرنفل، والدار صيني وبها الببغات الحمر والخضر

ويعتمد أهل هذه الجزيرة في(211)والبيض، والببغاء طائر هندي حبشي نوبي غاني صيني". ويتبين من أقوال مصنفينا،(212)طعامهم على "النارجيل، ورجالهم أقوياء يصيدون الفيلة".

أن الناس اعتمدوا هناك على الزراعة، والصيد، والتبادالت التجارية، والذين يسكنون منهم الساحل يشتغلون بالتجارة"يلحقون المراكب...ويبيعون العنبر ألصحاب المراكب

بينما يسكن في غياض هذه الجزيرة ناس عراة ال(213)بالحديد، ويبيعون الكافور الطيب". يرقدون في الغابات، ويبدون لمؤلفينا وكأنهم لم(214)يفهم كالمهم وهم مستوحشون".

يدخلوا طور الحضارة بعد، وصفهم القزويني معتمدا على ابن الفقيه بأنهم "ناس عراة رجال ونساء على أبدانهم شعور تغطي سوأتهم، وهم أمة ال يحصى عددها، مأكولها ثمار األشجار، وإذا اجتاز بهم شيء من المراكب يأتون بالسباحة... وفي أفواههم عنبر يبيعونه

أما "جزيرة سريرة" وهي جزء من سومطرة فتفاوتت مساحتها لديه، فهي(215)بالحديد". عند الدمشقي "يحيط بها ألف ميل ومايتا ميل، وفيها مدائن كثيرة، وأجلها التي تنسب

ذكرها أبو الفداء مقتديا بابن سعيد المغربي ضمن جزائر الزابج،" مشهورة(216 )إليها" على ألسن التجار والمسافرين"، وطولها "من الشمال إلى الجنوب أربع مائة ميل

ومدينتها(217)وعرضها في كل طرف من الجنوب والشمال نحو مائة وستين ميال" الرئيسية )سريرة( مرفأ على البحر، ولعلها تطل على معبر كله، أو شالهط، على

الطريق التجاري إلى الصين، فقد ذكر بزرك، أن أحد التجار اليهود، خرج إلى الصين فلما وفي(218)وصل سريرة "التمس منه صاحبها عشرين ألف دينار ليتركه يجوز إلى الصين".

هذه الجزيرة التماسيح، وأن دور سريرة "بعضها في البر، وأعظمها في الماء، مبنى على خشب" وجعلوا هذه الدور على الماء خوفا من الحريق، فإذا ضربهم الحريق، أمكن

(219)لصاحب المنزل أن يحول منزله إلى وجهة أخرى.

-285-

ولفت مصنفونا النظر إلى وجود جزيرة إلى الجنوب من جزيرة الزابج، اسمها جزيرة )برطايل( "يسمع منها على دوام األوقات أصوات الطبول، والسرنايات

)والعيدان، وسائر أنواع المالهي المطربة المستلذة، ويسمع إيقاع الرقص والتصفيق".

وبما أنهم وضعوها على األطراف الجنوبية للبحر الهندي، على قرب خط االستواء،(220 وإلى جوار الجزء غير المعمور من األرض، فهذا القرع للطبول، ومعه الرقص،

الصاخبين يرمزان إلى ناس لم يدخلوا آفاق الحضارة بعد، وأضافوا إلى ذلك، ان أهل هذه الجزيرة يبيعون القرنفل، التي تشتهر جزيرتهم بزراعته، فيأتي التجار ليشتروه منهم،" وقيل أن التجار يتركون البضائع على الساحل، ويعودون إلى مراكبهم، فإذا

أصبح غد ذلك اليوم، جاؤوا فوجدوا إلى جانب كل بضاعة كوما من القرنفل، فإذا رضيه وهذا يذكرنا بl(221)التاجر أخذه وترك البضاعة، إال أخذ بضاعته وترك القرنفل".

)التجارة الصامتة( التي تحدث عنها مؤلفونا العرب في أقصى الجنوب األفريقي، وفي أقصى الشمال األوروبي، عند األقوام التي تجاور الجزء المغمور من األرض، لذا فإن أهل هذه الجزيرة، بدوا لهم على شيء من الغرابة، فالحميري روى، أن بعض الناس

)الذين دخلوا الجزيرة "رأوا أقواما في زي النساء مردا بغير لحى ذوي شعور مرسلة"

222)

جاوة

-286-

أمام الجزيرة الكبرى األخرى، التي أثارت انتباه مصنفينا، في األرخبيل األندونيسي، فهي )جاوه(، أو )جابه( كما سماها بعضهم، إال أن المسافات بين الجزر، ومواقعها تبدو غائمة لديهم، ويبدو هذا األمر مفهوما، إذا علمنا أن الجزر األندونيسية يقترب عددها من الثالثة آالف جزيرة، فابن خرداذبة يضع جابه، أو جاوه، على جوار

كله، وشالهط، وهما اللتان تقعان على مضيق ملقا أو شالهط،الذي يفصل بين جزيرة سومطرة )الزابج(، وشبه جزيرة الماليو، على جانب هذه الجزيرة األخيرة، بينما جاوه هي في الواقع على الجنوب الشرقي لجزيرة سومطرة )الزابج(، غير أن هذا ال يمنع أن تكون تلك الجزر والمدن الشاطئية ضمن األرخبيل األندونيسي. والمثال األسطع على هذا الغموض في تحديد المواقع والمسافات، أن ابن خرداذبه يضم كله ) إلى

جابه(، وقرب المسافات من جاوه وجزيرة )بالوس( التي لعلها موضع على الغرب من سومطرة اسمه باروس، وأيضا جزيرة شالهط، وهرلج، إذ يشير إلى أن "من جزيرة النكبالوس إلى جزيرة كله مسيرة ستة أيام، وهي مملكة جابة الهندية، وفيها معدن

الرصاص القلعي )النحاس( ومنابت الخيزران، وعن يسارها جزيرة بالوس، على مسيرة يومين" وهي غنية بالكافور الجيد، والموز والنارجيل وقصب السكر واألرز،

ويقتبس اإلدريسي من ابن(223)"ومنها إلى جزيرة جابه وشالهط وهرلج فرسخان". خرداذبه تلك التحديدات الغامضة، ويذهب أبعد، إذ جمع بين جزائر جابه، وشالهط،

وهزلج، وذلك بضمهم تحت سلطة ملك واحد سماه جابه: "بين كل واحدة منها وأختها غير أن أول(224)فرسخان وأكثر، أو أقل، وهذه الجزائر كلها لملك واحد اسمه جابه"

من أطلق اسم جاوة ابن سعيد المغربي، في القرن الثاني عشر، ثم القزويني، إلى أننصل إلى ابن بطوطة، الذي مكث بين ظهرانيها، وسجل وقائعها المتغيرة.

أشاد مصنفونا بوفرة الثروات التي تزخر بها جاوه، وبالمواد التجارية التصديرية التي يجلبها التجار العرب منها: العود الجاوي، والكافور، والقرنفل، والعود الهندي، والنارجيل، والموز والمسك، فأورد ابن خرداذبه،" أن فيها، معدن الرصاص القلعي

وذهب القزويني إلى أنه في زمانه، ال يصل "التجار من أرض(225)ومنابت الخيزران". الصين إال إلى هذه البالد، والوصول إلى ما سواها متعذر لبعد المسافات واختالف األديان، والتجار يجلبون من هذه البالد العود الجاوي، والكافور والسنبل والقرنفل

وأشار أبو(226)والبسباسة والغضار الصيني )الخزف(، منها يجلب إلى سائر البالد"، الفداء إلى أنها )كبيرة مشهورة بكثر الفقاقم( وفي جنوبها مدينة فنصورة، التي ينسب

(227)إليها الكافور الفنصي.

-287-

وقد انتقل ابن بطوطة من البنغال على مركب )جنك(، إلى شواطئ جاوه فمر على بالد اسمها )البرهنكار( يسكنها أناس لم يدخلوا بعد دائرة الحضارة والعمران، ذو

أشكال غريبة اتخذ في وصفه لهم موقف االثنوغرافي فهم "طائفة من الهمج ال يرجعون إلى دين الهنود وال إلى غيره، وسكنهم في بيوت قصب مسقفة بحشيش

األرض على شاطئ البحر، وعندهم من أشجار الموز والقرنفل والتنبول كثير". أما عن لباسهم وأشكالهم، فرجالهم وإن كانوا على مثل صورنا " إال أن أفواههم كأفواه

الكالب"، على النقيض من نسائهم، فهن ذات "جمال بارع، ورجالهم عرايا ال يستترون، إال أن الواحد منهم يجعل ذكره وانثييه في جعبة من القصب منقوشة معلقة في بطنه،

ولقد صادف جماعة من المسلمين من أهل(228)وتستتر نساؤهم بأوراق الشجر". بنجالة، أي من البحر الهندي، ومن مدينة جاوة،" ساكنون في حارة إلى حدة"، فأخبره

هؤالء المسلمون،، أن تلك الطائفة يتناكحون كالبهائم، ال يستترون بذلك". أي ال يخفون أنفسهم أثناء الجماع، ويتزوج الرجل منهم ما يقارب الثالثين إمرأة وعلى الرغم من

ذلك، فإنهم اليزنون رجاال كانوا أم نساء، وإذا زنا أي منهم فعقوبته صارمة للغاية، فحد الرجل الزاني أن "يصلب حتى الموت" أما حد المرأة الزانية، "أن يأمر السلطان جميع

(229)خدامه فينكحونها واحدا بعد واحد بحضرته حتى تموت، ويرمون بها في البحر".

لهذا فإنهم ال يتركون أحدا من أهل المراكب ينزل إليهم، وإنما يفضلون أن يبايعوا الناس ويشاوروهم على الساحل، ويسوقون إليهم الماء على الفيلة التي تكثر عندهم

ولهم قوارب صغار، كل(230)"خوفا على نسائهم، ألنهم يطمحن إلى الرجال الحسان". قارب من خشبة واحدة منحوتة، استقبلوا ابن بطوطة ورفاقه، على سبيل الضيافة،

واستقبله سلطانهم راكبا على فيل(231)بالموز واألرز والتنبول والقوقل والسمك. ويرتدي "ثوب من جلود المعزى" وبره مكشوف إلى الخارج، وعلى رأسه ثالث

عصائب من الحرير الملون وفي يده حربه من القصب، وفي حاشيته عشرون من أقاربه ممتطين ظهور الفيلة، ويفرض السلطان ضريبة على كل مركب ينزل ببالده: "جارية ومملوك وثياب لكسوة الفيل وحلي ذهب تجعلها زوجته في محزمها وأصابع

(232)رجليها".

ثم غادر ابن بطوطة أراضي )البر هنكار(، فوصل بعد خمسة وعشرين يوما إلى جزيرة جاوة، وهي "خضرة نضرة، وأكثر أشجارها النارجيل والقرنفل والعود الهندي

(233)والشكي والبركي، والعنبة والجمون والنارنج الحلو وقصب الكافور..."

-288-

أفرد ابن بطوطة مساحة مهمة في مذكراته االثنوغرافية لرحلته إلى جاوه، عن عادات الناس، واعتقاداتهم، وتوزعهم السكاني، وعن ثروات البالد وطعام موائدهم

ومطبخهم، وفوق ذلك طبيعة الملك والدين، وهو الذي حضر في زمن كان فيه المسلمون قد تبؤوا مواقع السطان في بعض ممالك جاوة، في عهد الملك المسلم

الذي يسميه ابن بطوطة السلطان الظاهر، فالحظ انقسام الجزيرة دينيا إلى شطرين، األول يهيمن عليه اإلسالم ويرأسه سلطان مسلم، الذي نزل ابن بطوطة في ضيافته خمسة عشر يوما، وسافر في طول بالده إحدى وعشرين ليلة، التي قال عنها "بالد الكفار بمل جاوه"، إذ اعتاد المؤلفون إطالق مفهوم )الكفر( على أصحاب الديانات

الوثنية، المتعددة اآللهة، أي التي لم ينزل عليهم كتاب أو وحي، وخصوا أصحاب الرساالت السماوية بمفهوم "أصحاب الكتاب"، إذ قلما وصفوا هؤالء بالكفر، وبالد الكفار هذه "طولها مسيرة شهرين"، والحظ أن المنطقتين ال تتقاسمان األفاوية، المطلوبة في البالد العربية، بالتساوي، فهناك رجحان لبالد الكفر، التي تنبت بها

"األفاوية العطرة والعود الطيب القاقلي والقماري،.. وليس ببالد السلطان الظاهر بالجاوة إال اللبان والكافور، وشيء من القرنفل، وشيء من العود الهندي، وإنما معظم

ويزيد شرحه تفصيال، بالحديث عن كل شجره على حدة، ونسبة(234)ذلك بمل جاوة". توزعها بين المنطقتين، فشجرة اللبان بقامتها التي تقارب قامة اإلنسان وبأوراقها الصغار الرقاق، "هي في بالد المسلمين أكثر منها في بالد الكفار"، وشجر الكافور

وهي قصب تشبه قصب ديار ابن بطوطة، إال أن انبوبها أو ساقها أطول وأغلظ، ويكون الكافور داخل األنبوب، أما العود الهندي فيشبه شجرة البلوط، لكن قشره رقيق،

وأوراقه كأوراق البلوط، وهو إذا نما صار )قاقلة(، وهو أطيب العود، وكذلك القماري... وأما أشجار القرنفل الضخمة فهي "ببالد الكفار أكثر منها ببالد المسلمين، والمجلوب

إلى بالدنا منها هو العيدان،... وهو الذي يسقط من زهرة - وهو شبيه بزهر النارنج، وثمر القرنفل هو جوربوا المعروف في بالدنا بجوز الطيب". ورآهم كيف يوقدون العود الهندي " في بيوتهم، وهو بقيمة الحطب عندنا أو أرخص ثمنا، وأما للتجار

فيبيعون الحمل منه بثوب من ثياب القطن، وهي أغلى عندهم من ثياب الحرير". والفيلة كثيرة جدا، لدرجة أن "كل صاحب حانوت يربط فيله عنده، يركبه إلى داره

وكذلك جميع أهل الصين، والخطا )مقاطعة شرق شمال الصين( على مثل هذا(235)الترتيب".

وباختصار، أن مصدر الكثير من أفاوية الطيب التي ببالد الكفار إنما يأتي منها، بينما أقل من ذلك، هذه من جهة، أما من جهة اخرى فإن "بيع أهلهاهو في بالد المسلمين

فهم(236))أهل جاوه( وشراؤهم بقطع قصدير وبالذهب الصيني التبر غير المسبوك". يتخذون من قطع القصدير، والذهب الصيني نقدا في تعامالتهم التجارية، وعاصمة القسم اإلسالمي يدعوها "سمطرة" ويصفها بأنها "مدينة حسنة كبيرة، عليها سور خشب وأبراج خشب" ومن عادات أهل جاوه الالفتة، أنهم يستقبلون الضيف في مراكب صغار، ومعهم

جوز النارجيل والموز والعنبه والسمك، يقدمونها هدية للتجار القادمين، فيقابلهم "كل(237)إنسان على قدره".

-289-

وقدم ابن بطوطة وصفا تفصيال للسلطان، ومظاهر سطوته وحكمه، فهو قريب من الناس، لم تفصله السلطة، بعد، داخل أسوار الحكم وتعقيدات اآللية البيروقراطية

عن رعيته، فقد أتى السلطان "راكبا على فيل" يستقبل ضيوف مدينته، برفقة حاشيتة، وتبادل الهدايا، والعطايا مع الضيوف، وكان سلطان جاوه آنئذ "الملك الظاهر من فضالء الملوك وكرامهم"، وهو مسلم "شافعي المذهب محب للفقهاء، يحضرون مجلسه للقراءة والمذاكرة، وهو كثير الجهاد والغزو، ومتواضع يأتي إلى صالة الجمعة

ماشيا على قدميه"، أما أهل البالد والتابعين لسلطانه "شافعيه محبون للجهاد، يخرجون معه طوعا، وهم غالبون على من يليهم من الكفار، والكفار يعطونهم الجزية

(238)على الصلح".

وعند زيارته لدار السلطان، نزل من فرسه، عند رماح مركوزه على جانبي الطريق قبل الوصول إلى الدار، وهي عالمة ال يجوز للراكب أن يتجاوزها، فاكمل ابن

بطوطة طريقه إلى دار السلطان ماشيا، فقابل أوال في "المشور"، أي المجلس، نائب السلطان "وهو يسمى عمدة الملك"، فصافحهم، إذ أن "سالمهم بالمصافحة"، فكتب

بطاقة للسلطان يعلمه بقدوم ابن بطوطة ورفاقه، "فأتاه الجواب على ظهرها" فدخلوا على قاعة، سماها "دويره ويسمونها قردخانة"، وهي "موضع راحة السلطان

بالنهار"، وأن من العادات التي تحيط نظام دار السلطان، هي أن يأتي نائب من الصباح وال ينصرف إال بعد العشاء، وهذا ينطبق ذلك على وزرائه األربعة واألمراء

(239)الكبار، وهم يلبسون الفوط بدال من السراويل.

وكان طعامهم المفضل، وهو الذي قدمه السلطان لهم، "أكثره األرز، ثم أتوا بنوع من الفقاع، ثم أتوا بالتنبول" وتقديم هذا األخير، الذي يشبه قات اليمن هو "عالمة

ومن عاداتهم تقديم الطعام ثالث مرات في اليوم كما أن من عادات(240)اإلنصراف". دار السلطنة، أن ال يستقبل السلطان الضيف إالبعد مضي ثالثة أيام من ضيافته له"،

بعد عناء السفر في البحار، ثم(241)وذلك "ليذهب عنه تعب السفر، ويثوب إليه ذهنه". في اليوم الرابع، يكون السالم على السلطان "بمقصورة الجامع بعد الصالة"، ويأتي

السلطان الجامع البسا ثياب الفقهاء، وبعد أن يصلي يدخل بيتا في الجامع، ليلبس ثياب الملك "وهي أقبية من الحرير والقطن" ثم يركب على فيله أو فرسه، مغادرا،

ومن عاداتهم، إذا ركب السلطان الفيل، ركب من معه الخيل، وإذا ركب الفرس، ركبوا الفيلة"، ويركب أهل العلم من على يمينه، وأهل السلطان والسلطة من على شماله، يقفون في صفوف، أولها صفوف الوزراء والكتاب، عند باب داره الستقباله، فيقف في

قبة على يمينه مائة فرس، وعلى شماله خمسون فيال، ثم يأتي أهل الطرب ليغنوا ويرقصوا، وتأتي الخيل المجللة بالحرير، وفي أرجلها الخالخيل، واألرسان المزركشة

(242)لترقص بين يديه "وكنت رأيت ذلك عند ملك الهند".

-290-

ومن األحكام النافذة لدى السلطان هناك، باإلضافة إلى الضريبة المعمول بها، على المراكب التجارية، هو أن أي رجل له "بنت قد بلغت مبلغ النكاح، فال بد أن

يستأمر السلطان في شأنها ويبعث السلطان من النساء من تنظر إليها، فإن أعجبته تزوجها، وإال تركها يزوجها أولياؤها من شاءوا، والناس هناك يرغبون في تزوج

أما أحكام الزاني والزانية(243)السلطان بناتهم، لما يحوزون به من الجاه والشرف". عندهم، فإن السلطان يأمر بمجامعة الناس للمرأة حتى الموت... ويأمر للرجل

أما بيوتهم فمصنوعة من الخشب. فقد استضاف السلطان ابن بطوطة،(244)بالصلب. في دار بناؤه بالخشب، ومفروشة بقطائف قطن يسمونها المخمالت، فيها المصبوغ وغير المصبوغ، وفي البيت أسرة من الخيزران، فوقها مضربات من الحرير، ولحف

(245)خفاف، ومخاد، يسمونها البوالشت.

-291-

على الرغم من االختالف في المرجعيات، وأنماط السلوك، فإن ابن بطوطة ال يخفي إعجابه بالكثير من الجوانب الحياتية للمجتمع الجاوي، وهذا ينطبق أيضا على

موقفه من جاوه "الكفار"، فإذا استثنينا الجانب الديني، فإن هذا لم يمنع ابن بطوطة من إطراء كل الجوانب التي يجدها تستحق اإلطراء، الثراء، الكرم، الجمال، بساطة

السلوك، العدل، فنزل من مركبه الجنك، أي المركب، إلى مل جاوه، فعرف،أن مدينتها الرئيسية "مدينة قاقلة". وجدها "حسنة، عليها سور من حجارة منحوتة "يمكن

أن تسير عليه ثالثة من الفيلة، فكان أول ما صادفه فيها "الفيلة وعليها األحمال من العود الهندي" الذي يوقدونه في بيوتهم، ويبيعونه بثمن غال، وأعجبته بساطة "سلطان

جاوه الكافر"، إذ رآه جالسا خارج قصره مع أرباب دولته، دون أن تكون األرض مفروشة تحته بالبسط، وقد رحب السلطان به وأصر أن يفرش له ثوب يقعد عليه،

فتردد ابن بطوطة بالجلوس، متسائال "كيف أجلس على الثوب والسلطان قاعد على األرض؟" فأتاه الجواب من حاشيته "هكذا عادته يقعد على األرض تواضعا، وأنت

ضيف، وجئت من سلطان كبير، فيجب إكرامك"، وقال له السلطان "تقيم عندنا في ولقد ذكر اإلدريسي، قبل ثالثة قرون(246)الضيافة ثالثة أيام، وحينئذ يكون انصرافك".

من رحلة ابن بطوطة، أن أهل جابه وشالهط وهزلج يتبعون لملك واحد )اسمه جابه( وهو يلبس حلة الذهب، وقلنسوة الذهب، مكللة بالدر والياقوت، ودراهمه مطبوعة

وعبادته مع رعيته "البد والبدود"، ويعني بذلك األصنام، أو لعل هذه(247)على صورته" الكلمة مشتقة من كلمة )بوذا(، ثم صورت لتكون رمزا لعبادة األصنام، وهي باألساس أصنام بوذا الرمزية، يقول عنها األدريسي "البد والبدود، هي الكنائس بلغة أهل الهند،

وبد الملك حسن البناء وحسن الصنعة، وقد كلفت جميع جوانبه بالرخام األبيض، وعلى رؤوسها التيجان المكللة، وعليها الحلل وسائر الثياب المنسوجة من الذهب، ونحوه، وصالتهم في هذه الكنائس، إنما تكون غناء وتلحينا، وتصفيقا لطيفا باألكف"، وأضاف اإلدريسي،إلى تلك الطقوس، وصفه لطقوس التخلع لفتيات المعبد الحسان الالتي

ينذرن أنفسهن للبد وعبادته، حيث يقمن فيه "ويلعبهن بأنواع من الخف والتخلع، وكل ذلك يكون بين أيدي المصلين، والمجتمعين في البد، ولكل بد من تلك الجواري عدة،

ياكلن ويلبسن من مال البد، وذلك أن المرأة إذا ولدت بنتا حسنة الصورة جميلة القد، تصدقت بها على البد... فإذا صارت الطفلة بيد خدام البد دفعوها إلى نساء عارفات

بالزفن والتخلع، وجمل اللعب، بما يحتاج إليه، فإذا قبلت التعلم، لبست أفضل الثياب،(248)وحليت بأرفع الحلي، ولزمت البد، كذلك سنة الهنديين الذين يعبدون البد".

كله بار ومضيقها

-292-

ذكرها ابن سعيد، كما مر سابقا،على أنها مشهورة على ألسنة المسافرين، ينسب إليها العود الكلهي، الذين يصنعون منه مراكبهم، فهي من أهم المدن التجارية

على الطريق التجاري الكبير ما بين بالد العرب، والهند وخاصة الصين، وأشار اليها ابن الفقيه بقوله، "وهي من مملكة الزانج متيامنة عن بالد الهند، يجمعهم ملك، ولباسهم

كما وصفها الدمشقي بأنها، "ينسب إليها البحر" ولعله يقصد بذلك مضيق(249)الفوط" ملقا /أو مضيق كله، الفاصل بين سومطرة والماليو، و "هي جزيرة خطرة طولها

وأشار اإلدريسي إلى أن "لباس أهلها(250)ثمانمائة ميل، وعرضها خمسون ميال". وقد أتى بأخطر المعطيات عن(251)الفوط، يلبس الرجل والمرأة فوطة واحدة".

الجزيرة، كل من سليمان التاجر والمسعودي، والحميري في معجمه، إذ أكد وا على أن )كله( هي في منتصف الطريق "بين أراضي الصين وأراضي العرب"، "وبكله مجتمع األمتعة من األعواد والكافور والصندل والعاج والرصاص القلعي واألبنوس

ويضيف الحميري، أن "بها كثير صافي الجوهر، والتجار(252)والبقم األفاوية كلها". يغشونه بعد خروجه منها، ومنها يتجر به إلى جميع البلدان، وبهذه الجزيرة منابت

الخيزران، وبها الكافور الجيد"، ثم ينوه بدورها الكبير في التجارة الدولية بين بالد العرب والصين، "يقال لجزيرة )كله( المنصف، وهي بين أرض الصين وأرض العرب،

وبها يجتمع التجار من الصينيين والمسلمين، وإليها يتجهز من عمان فتجلب منها وأكمل أبو(253)أصناف الصين كله والرصاص القلعي واألبنوس والبقم وغير ذلك".

(254)الفداء الصورة بقوله،إن فيها " مدينة عامرة يسكنها المسلمون والهند والفرس".

فقد تحولت كله في منتصف القرن العاشر، إلى مركز، ومحطة للتجار العرب والصينيين والهنود، يتبادلون على أرضها سلعهم، وتجارتهم، وذلك حينما انقطع التبادل التجاري المباشر مع الصين، على أثر االضطرابات التي أصابت خانفو )كانتون(، وهي

التي كانت المرفأالصيني الرئيسي للتجار العرب، أثناء ماكانوا على اتصال مباشر، وقد أشار المؤلفون العرب إلى وصول السفن الصينية إلى المرافئ العربية مقابل وصول التجار العرب إلى شواطئ المحيط الهندي وجزره، وإلى وصولهم إلى مرافئ الصين، منذ زمن بعيد، وهو ما أكده عليه المسعودي: "وقد كانوا في بدء الزمان بخالف ذلك )بخالف ما هم عليه في القرن الرابع هجري( وذلك أن مراكب الصين كانت تأتي بالد

عمان وسيراف وساحل فارس وساحل البحرين واألبله والبصرة، وكذلك كانت المراكب ثم نبه إلى أن هذا االتصال(255)تختلف من المواضع التي ذكرناها إلى ما هناك".

المباشر قد انقطع في القرن الرابع عشر الميالدي، بسبب االضطراب الكبير في خانفو،،الذي أعاده المسعودي إلى اضطراب الحكم، وانتفاء العدل في الصين "ولما

عدم العدل. وفسدت النيات، وكان أمر الصين ما وصفناه التقى الفريقان جميعا في هذا (256)النصف".

-293-

وعلى هذا، روى لنا المسعودي حكاية تاجر عبر الطريق إلى أن وصل كله، فيقول، أن هذا التاجر من بالد خراسان، خرج من بالده ومعه تجارة، انتهى إلى العراق،

وانحدر إلى البصرة، وركب البحر حتى بالد عمان "وركب إلى بالد كله، وهي النصف من طريق الصين أو نحو ذلك، وإليها تنتهي مراكب أهل اإلسالم، فيجتمعون مع من

وأعاد السيرافي إلى االضطرابات الكبرى(257)يرد من أرض الصين في مراكبهم". الصينية في خانفو/ السبب في انقطاع التجارة المباشرة مع العرب، وفي االستعاضه

عن ذلك بالتواصل عن طريق محطة )كله( الكبرى التي تقع في منتصف الطريق، وهو شرح سنعود له في حديثنا عن الصين، وقد ربط بعض الباحثين المعاصرين، بين

م،878واقعة هذا االنقطاع للصلة المباشرة، وبين حوادث الصين العنيفة في عام مدينة كانتون /خانفو وأعمل فيها النهب Huang chaoعندما حاصر الثائر )هوانج تساو(

وهو وصف يقترب من(258)والسلب، وقتل عددا ضخما من التجار األجانب والصينين وصف السيرافي لحوادث خانفوالمدمرة. ونستطيع أن نستدل أيضا من كتاب )عجائب الهند( لبزرك على أن أقصى ما كانت تبلغه مراكب العرب المسلمين،في القرن الرابع

هجري، مدينة كله، أو ملقا، ويبدو أن هذا البلد في موضع سنغافورة اليوم، وذكر أبو دلف أن كله هي أول بالد الهند، وآخر منتهى مسيرة المراكب، ال يتهيأ لها أن تتجاوزها

وإال غرقت.

ملك المهراج هذه الجزر كلها، الداخلة في األرخبيل األندونيسي، ربطها مؤلفونا بخيوط متشعبة بسلطان ملك المهراج، الذي رفعوا من شأن سلطانه ومكانته، بين ملوك األرض، فابن

رسته يشتق تسمية المهراج ليزيد من مقامه غنى، وقوة، واتساع ملك "وتفسير المهراج ملك الملوك، وليس يعد، في ملوك الهند، أعظم منه، وال يعلم ملك أكثر خيرا

(259)منه، وال أقوى، وأكثر دخال".

وذهب بهم الخيال، إلى حد أن تصورابن الفقيه ثراء المهراج، بأن " في جزائره عجائب، وأنواع العطر، وينبت في بالده الذهب نباتا، ويقال إن غلته في كل يوم مائتا

واشتهر ملكهم عند ابن سعيد المغربي، بأن قصره "على جدول متسع،(260)من ذهبة، أو عادة ملوك الجزر، الذين تحت سلطته "أن فرش قاعه بالفضة"، وأن من سن

يرمي أجره من ذهب في كل سنة" وعنده "من فصوص الياقوت والزمرد وحب اللؤلؤ(261)الكبير بما يتنافس فيه مع الملوك ويفخر به عليهم".

وقيل عن هذا الملك، إنه في "كل يوم يدخل قهرمان الملك ومعه لبنة قد سكبها من ذهب... فيطرحها بين يدي الملك في ذلك الغدير". ويثابر على طرح لبنة ذهب كل يوم في

الغدير أمام القصر، طوال حياة الملك، فإذا مات الملك أخرجها القائم، وأحصاها ثم أذابها "وفرقت على أهل بيت الملك ورجالهم ونسائهم وأوالدهم وقوادهم وخدمهم على قدر

منازلهم.. وما فضل، بعد ذلك، فض )وزع( على أهل المسكنة والضعف" فالفخر عندهم(22)لمن امتدت أيام ملكه وزاد عدد اللبن الذهب في تركته".

-294-

وعرض ابن رسته علينا احتكامهم على )النار( في محاكمتهم أمام سلطانهم، وأشار ابن رسته إلى أن السلطان له قائد للجيش، يسمى هرلج، وله جزيرة تسمى باسمه،

وجزيرة أخرى تسمى خوران، وأن أهل مملكته يحتكمون بالنار، ويحلفون بها، فإذا خاصم رجل رجال عند السلطان، بسبب اعتدائه على الدين/أو للزنا بالمحصنة أو السرقة، أمر

السلطان المدعى عليه، أخذ قطعة حديد محماة بالنار، ليضعها على كفه فوق سبع ورقات مرتبة بعضها فوق بعضها، فيمضي الرجل ذهابا وإيابا مائة خطوة، سبع مرات "فإن أحرق يده، والورق جميعا، ألزم الذنب، فإن كان عليها لقتل قتل، إن كان عليه الغرم غرم، وإن لم يكن له مال، كان عبدا للسلطان، يبيعه، وإن لم تحرقه النار قيل

(263)للمدعي عليه: إنك مبطل فيلزم ما كان يدعى عليه".

وهكذا، تبدت لهم مملكة المهراج على تعدد جزرها، وناسها، أديانها،و طبيعتها، غنية، ثرية، تضاهي في ثروتها أعظم بالد العالم، ويتجلى في ملكها السلطان

والعظمة، والقوة، والسؤدد، فضال عن الثراء الذي ال يدانيه ثراء، وإذا كان مؤلفونا لم ينكروا وجود بعض الطوائف في مملكة المهراج، وفي أطراف جزره لم تدخل مجال

تنتظيم الحضارة والعمران بعد، فإنهم رأوا فيها بعض المظاهر اإليجابية، كحسن استقبالهم للضيف، فضالعما الحظوه، في هذه المملكة،من شعوب دخلت مجال

العمران، وتذوقت طعم الثراء، والكرم، والتنظيم الحكومي العادل. وعلى الرغم من حكمهم على قسم من سكانها بl )الكفر(، إال أن هذا لم يؤثر على تقديرهم ألي

صورة من صور العمران، وأي مكرمة تتعلق بمكارم األخالق لديهم،أو عند سلطان بالد الكفار في جزيرة جاوة، وهو ما تجلى في شهادة ابن بطوطة على تواضع هذا

السلطان وبساطته وكرمه،و حسن استقباله للضيف، فقد رسم لنا شخصية تقارب في تواضعها وبساطتها الشخصية األعظم في تاريخ الخالفة الراشدية، وهي شخصية عمر

بن الخطاب. وعلى الرغم من مظاهر عظمة المهراج، وثرائه وقوته، إال أن مؤلفينا العرب

حرصوا على إبراز تقدير هذا المهراج لزواره العرب، وفي تبجيله لدور ملوكهم، وتمييزه لهم عن باقي الزوار والرسل، وهو تأكيد ال بد منه إلظهار هؤالء المؤلفين ثقتهم بهويتهم

الحضارية، وبمكانة بالدهم في العالم، فقد كان من رسم ملوك الزابج، أو تقليدهم الملكي، كما يقول بزرك، أن ال يجلس أحد بين أيديهم، كائنا من كان إال مربعا، فمن

قعد، ومد رجليه، أو قعد غير تلك القعدة، فعليه غرامة ثقيلة تتناسب ومكانته. غير أنه استثنى،من ذلك التقليد، المسلمين، وهذا يذكرنا بما رووه عن رفض رسل الخلفاء

العرب المسلمين الخضوع لتقاليد البالط البيزنطي بالركوع أمام اإلمبراطور البيزنطي، وقد أورد بزرك أمرا لملك الزابج يقول فيه: "الصواب أن نرفع هذا اإلسم عن

المسلمين الغرباء، فرفع عنهم، فهو إلى اليوم رسم، أن يجلس المسلمون بين أيديهم(264)كما يشتهون، ويجلس غيرهم على الرسم".

جزيرة قمار /مملكة كمبوديا/

-295-

ذكرنا السيرافي، بوضوح، عن طريق روايته، بمحاولة ملك قمار )كمبوديا(، التطاول على ملك المهراج، فكانت النتيجة أن تبين رجحان كفة المهراج الراسخة، إذ

قيل أن أحد ملوك قمار، بينما كان جالسا في قصره مع وزيره، وهو يطل على واد يجري منه الماء العذب إلى البحر، قال لوزيره: "وقد جرى ذكر مملكة المهراج،

وجاللتها وكثرة عمارتها، وما تحت يده من الجزائر" فراودت ملك قمار رغبة أن يرى "رأس المهراج في طست بين يديه"، فعلم الوزير "أن الحسد أثار هذا الفكر في

نفسه" فنصح الملك أن ال يذيع رغبته، فغضب الملك، "ولم يسمع من الناصح، وأذاع ذلك لقواده.... فتناقلته األلسن، حتى شاع واتصل بالمهراج"، فأعد األخير ألف مركب،

قد ندب لها "جملة من السالح وشجعان الرجال" وكتب إلى "الملوك الذين في هذه الجزائر وهم في طاعته"، فانخرطوا في جيشه، فعبر به إلى مملكة القمار، وكان ملك الزابج وأصحابه يستعملون )السواك( دائما، ينظف الرجل به أسنانه "مرات في اليوم"

ال يفارقهم، فما إن وصل جيشه إلى ملك قمار، حتى هجم على دار ملك قمار، واستولى عليه، وجلس على كرسي ملكه، أخذ ملك قمار أسيرا، قائال له معنفا "ما

حملك على تمني ما ليس في وسعك وال لك فيه حظ.. وال أوجبه سبب يسهل السبيل إليه، فلم يجد جوابا" ثم أردف ملك المهراج قائال "لكنك تمنيت شيئا بعينه، فأنا فاعله

بك، وراجع إلى بلدي من غير أن أمد يدا على شيء من بالدك... لتكون عظة لمن (265)بعدك".

وهكذا، انقلب األمر على ملك قمار، فدق ملك الزابج عنقه، ووضع رأسه في طست بين يديه، ثم رده إلى الملك الذي خلفه على عرش قمار، وجازى الوزير الناصح خيرا، بأن فوضه لينصب لقمار الملك الذي يرضاه، وهذه البالد عند السيرافي "مسامتة

لمملكة المهراج والجزيرة المعروفة بالزابج، وبينهما مسافة عشرة أيام إلى عشرين وال يقلل من أهمية هذه البالد،(266)يوما عرضا في البحر إذا كانت الرياح متوسطة".

بنظر المصنفين العرب، أرجحية جزر المهراج عليها، إذ قدروا طول مملكة قمار "مسير(268 ) وليس في شيء من الممالك أكثر عددا من أهل القمار"(267)أربعة أشهر". . وأيضا

لملك قمار حاشية كبيرة للغاية، يكفي أن يقدر ابن الفقيه أنه "يفترش أربعة آالف وفي طاعة ملك قامرون، أيضا جزيرتان تنتسبان إلى بالده، إسم إحداهما(269)جارية"،

وذهب ابن سعيد إلى أن العديد من الجزر(270)جزيرة يوحنا، واسم الثانية جزيرة السيه. تتبع سلطان ملك قامرون، فله "جزائر صغار كثيرة، في غربه، وطول الكبرى أربعمائة

ميل، وعرضها دائر على مائة ميل، وفي غربي جزائره الصغار جزائر مضافة لجاوة فيها وينفرد ابن سعيد عن غيره من المؤلفين(271)العقاقير الهندية والرصاص الكلهي"

بتأكيده على الصلة السكانية بين أهل جزيرة القمر )مدغشقر(، وبين قامرون إذا افترض أن سكان جزيرة القمر كان أصلها من بالد الصين "ثم تفاتنوا وأخرجهم ملك

الصين إلى جزائر" كان اسم ملكها )قامرون(، ويقطن في هذه الجزر جزء من شعب وقمار، أو قامرون "هي(272)القمرون،ثم اتجهوا واستوطنوا جزيرة القمر )مدغشقر(.

ذو المواصفات الجيدة، "لكن العود الصنفي(273)األرض التي يجلب منها العود القماري".(274)أجود منه، وبها الصندل واألرز، وأهلها يجالسون التجار".

-296-

زار هذه المملكة، في القرن الثالث الهجري الرحالة أبو عبد الله محمد بن اسحاق، وترك وراءه تقريرا اثنوغرافيا مقتضبا عنها، حفظه ابن رسته في كتابه

)األعالق النفيسة(، ثم نقله عنه الحميري، أول ما لفت نظره كمسلم محافظ على التقليد اإلسالمي، من سلوك ملك القامرون وزاد من اعتباره لذلك الملك، هو تحريمه

شرب الخمر والزنا، فيقول: "إن عامة ملوك الهند يرون أن الزنا مباح، ما خال ملك قمار، فإني دخلت مدينته، أقمت عنده بها سنتين، فلم أر ملكا أغير وال أشد في

إذ سن العقوبات الشديدة(275)األشربة منه، فإنه يعاقب على الزنا والشرب بالقتل". على الشارب، حتى األقربين إليه، فإذا "شرب )أحد( من قواده وجيشه يحمى مائة

حلقة من حديد بالنار، ثم يوضع ذلك كله على يد ذلك الرجل الشارب"، باإلضافة إلى ذلك فإن هذا الملك شديد الغيرة على ضبط القانون، والعرف، وهو ما يظهر في العقوبات القاسية التي يفرضها على الجناة "ومن عقوبته قطع اليدين والرجلين

فهو ال يكترث للغرامات التي يتبعها سائر ملوك( 276)واألنف والشفتين، واألذنين". الهند، وهو عادل في أحكامه، عنده ثمانون قاضيا، لو ورد عليهم ولد الملك ألنصفوا

وعلى هذا شدد، الحميري على أن "فيه عدالة(277)منه، وأقعدوه مقعد الخصم". ورغم جبروت السلطة، وقسوة أحكامه(278)ظاهرة، وجودة مشهورة، إنصاف كامل".

على المخالف،و شدة عقوباته، فإنه كان لين مع العرب والضيف الداخلين إلى بالده فهو "ال يكلف العرب، ومن دخل بالده" وكل من أهدى له شيئا من هؤالء "كافأه

(279)بأضعاف ما أهدى له، يكافئ الجزء مائة جزء".

ويذهب ابن اسحاق، ويؤيده ابن الفقيه، أن أصل كتب ديانات الهند من بالد)قامرون، وهذا باعتراف الهند نفسها: "والهند يقولون أن أصل كتب الهند من قمار".

يكثر في بالدهم المتعبدون، لدرجة(281) أما ديانتهم فإنهم يعبدون األصنام البدود(280 (282)يقول عنهم أبو اسحاق "وأصل العباد من بالد قمار، يقال أن فيها مائة ألف عابد".

ولقد أظهر مؤلفونا(283)ومن عاداتهم أنهم كباقي أهل الهند "يحرقون موتاهم بالنار" إعجابهم بجمال أهل قامرون وبشجاعتهم ووقارهم أيضا، فهذا ابن اسحاق يصفهم بأن

وفي جزيرة السيا التابعة لملك قامرون "قوم(284)"لهم جمال وهيئة يصلحون للملك".(285)ألوانهم إلى البياض، وفي نسائهم جمال بارع، وفيهم نجدة وبأس شديد".

جزيرة سال /كوريا أو اليابان/

-297-

يحار الباحثون المعاصرين، إزاء جزيرة سال، التي ورد ذكرها في المصنفات العربية، بين نسبتها إلى الجزر اليابانية أو إلى شبه الجزيرة الكورية، إال أن ما هو واضح لدى

مصنفينا العرب، هو اعتبارها آخر حدود البر في الشرق األقصى، وبعدها يأتي المحيط المظلم، أو البحر الزفتي بمائه الراكد، وريحه العاصفة، يصفها ابن سعيد المغربي بأنها

تقع في البحر المحيط، في أقصى اإلقليم األول في الشرق، "وهي مثل جزائر الخالدات (286)في البحر المحيط ليس خلفها عمارة، ولكن هذه معمورة فيها خصب وخيرات".

وأشار اإلدريسي بنظرة إجمالية لها، فهي جزر "كثيرة متقاربة... وفيها مدينة تسمى الكيوة، ومن دخلها من المسافرين استوطنها، ولم يرد الخروج عنها لطيب ثراها، وكثرة خيرها، والذهب بها كثير جدا، حتى أن أهلها يتخذون سالسل كالبهم، وأطواق قرودهم،

وذهب النويري باالتجاه نفسه، فيقول "إن جزائر السيلي لم يدخلها أحد(287)من الذهب". من الغرباء ومطاوعته نفسه على الخروج منها لصحة هوائها ورقة مائها، وإن كان منها

وينفرد(289) وقدر بعضهم طولها ستمائة ميل وعرضها مائتا ميل". (288)في عيش قشيف". سليمان التاجر بالقول بإن" أهلها يتبادلون الهدايا مع الصين". وهم بيض. "ولم يبلغها أحد

فتبقى السيال يلفها الغموض، وتحيطها التقديرات التخمينية، وكيف ال(290)من أصحابنا".يكون ذلك وهي آخر حدود العالم المعمور شرقا.

جزر الواق واقلهم لعوالم الجزر في أقصى جنوب المحيط تأثر المؤلفون العرب في تخي

الهندي، أو في مشرقه األقصى، وهي التي تقترب من حافة القسم غير المعمور من األرض، بهيمنة الفكرة القائلة بتعذر الحياة فيهما لشدة الحرارة في ما وراء خط

االستواء، ومما عزز هذه الفكرة لديهم اقتباسهم النظرة الفلكية - اإلقليمية الموروثة عن بطليموس، وعن تالميذه من الجغرافيين الفلكيين العرب، رغم تقدم

معرفتهم المباشرة لهذا المناطق، وكما قال كراتشكوفسكي: "وبالرغم من أن العرب قد كشفوا في القرون التالية للخوارزمي عن وجود نقاط عديدة مأهولة على

الساحل الشرقي ألفريقيا، وفي الهند، وجنوب شرق آسيا، فإن النظرة القائلة باستحالة السكن في األقاليم الحارة قد برهنت على أنها أقوى من المالحظة العملية

كما اعترض عليها ابن رشد، ومعاصره الرحالة والجغرافي الكبير ابن( 291)المباشرة". سعيد المغربي، الذي شدد على احتمال اتصال األقاليم الشمالية باألقاليم الجنوبية

(292)على الكرة األرضية.

وكانت حصيلة هيمنة تلك النظرية، أنهم تصوروا أن أشكال الحياة التي يمكن أن تقوم في أعماق الجنوب، خلف خط االستواء، ال بد أن تخضع لتشوهات تلك البيئة،

حتى تتالءم مع قسوة ذلك المحيط وغرابته، فتبدو البحار والجبال والنباتات، والحيوان واإلنسان، مغايرة لما هي عليه في عالمنا، فكل ما يحيط بهذه البالد الموغلة في

اقترابها من حدود القفر اليبابي، يجعلها تقع في عوالم العجيب والغريب والخارق.

-298-

وهكذا خضعت الجزر الجنوبية في المحيط الهندي، الموغلة في انحدارها وراء خط االستواء للصورة النمطية، الملتصقة عند المصنفين العرب بعوالم أقصى الجنوب،

فتجاور لديهم الغريب بالعجيب بالشاذ، ببعض النقاط الواقعية المأخوذة من تجارب البحار والتجارة التي تراكم فوقها الكثير من الحكايات الخرافية مع الزمن، إذ أخذت

المخيلة بدور كبير في ملء الفجوات المعرفية عن عوالم عرض البحر خلف خط وذلك بإسباغ نوع من المعقولية السردية على االستواء، وعن تخوم عالم القفر،

عجيبها وغريبها، فكان أبرز الجزر التي تمخضت عنه المعرفة العربية التخيلية للعالم الجنوبي، أو ألقصى الشرق من البحر المحيط هي "جزائر النساء"، "وجزر الواقواق". فبدت تلك الجزائر على نوعيها متالزمتين في السردية العربية. وما يمكن مالحظته أن

جميع الروايات المتعلقة بتلك الجزر ال تتفق على سردية واحدة، ال سيما فيما يتعلق بالتفاصيل، إذ حرص الرواة من أصحاب المصنفات على التذكير بأنهم لم يشاهدوا

وقائع رواياتهم، بل أنهم سمعوها من رواة آخرين، فلم يحملوا أنفسهم مسؤولية إذاعة الخبر، وقد أعطى هؤالء المؤلفون تعليال موضوعيا بيئيا لنشأة الغريب والخارج في

أقصى جنوب البحار، كقول الدمشقي "أن الجهة الجنوبية خراب ال يحدث فيها نبات معهود لنا، وأن المعمور فيها خلف خط االستواء، كما قال بطليموس، إحدى عشر

درجة ونصف وربع درجة،... وأفرط الحر على النبات والحيوان فلم يتكون فيها إال ما(293)فيه صبر واحتمال وجلد لذلك الجزء المحرق".

-299-

وهكذا، تراءت لنا في المؤلفات العربية فيما وراء العامر، على أطراف جبل قاف، وفيما وراء البحر المحيط، أرضا من سندس، وأرضا من كافور، وأشجارا غريبة

تصدح من على أغصانها األطيار، وأخرى تطرح ثمرا كرؤوس اآلدميين، تتمايل عند طلوع الشمس وهبوب الريح، وهي تصيح: واق واق، تبارك الخالق، ثم تعود إلى

سكونها بعد خبو الريح، وغروب الشمس. فمنذ القرن التاسع الميالدي نجد صدى )ألخبار( جزيرة الواقواق عند ابن خرداذبة، دون أن يدخل في وصفها، إذ يقول "إن

)طول البحر الشرقي الكبير من القلزم إلى الواقواق أربعة آالف وخمس مائة فرسخ".

فقد تصور مصنفونا موقع جزائر الواقواق في البحار الجنوبية الغامضة، فيها امتزج(294 اإلنساني بالحيواني بالنباتي، وذهب المسعودي إلى أن "ومما يشبه خلق اإلنسان أمة

يقال لها الواقواق، وهي حمل شجر عظام لشعورها، ولها أيدي وفروج مثل فروج (295)النساء... وال يزلن يصحن: واق واق، فإذا قطعت إحداهن سقطت ميتة ال تنطق".

هنا عند المسعودي اليبدو ثمر الشجر ثمرا نباتيا عاديا، بل هو إنسان - امرأة - على شكل ثمرة معلقة من شعرها. وليس ثمرة على صورة إنسان، وهذا اإلنسان الثمرة

يموت بمجرد سقوطه من الشجرة، ولقد تحدث الحميري بطريقة توافق رواية المسعودي، حيث يسرد "وأمة الواق واق حمل شجر عظام معلقة بشعورها، ولها ثدي

وفروج كفروج إنسان، وأبدان حسان، ال يزلن يصحن واق واق، وإذا قطعت من وحدد موقعها على اتصال(296)األشجار التي تحملها أقامت يوما وبعض يوم ثم تهلك"

بأرض سفالة األفريقية، ال يعرف ما بعدها" وهي بالد ال يسكنها بشر، لكنها "أكثر األرض طيبا، وبها تمر وفواكه ال تعرف في غيرها وال يعلم ما هي، ويليهم أمة بحرية

(297)على شبه النساء الحسان، سبط الشعور، نواهد الصدور".

-300-

فدخلت أسطورة الواق واق في التداول الثقافي العربي، منذ القرن العاشر الميالدي، وما بعده، إال أن هناك فريقا من المؤلفين، حاول أن يعطيها تفسيرا

موضوعيا وعلميا، وذلك بأن جعل ثمرة شجرة الواق واق، ثمرة نباتية تأخذ شكل وصورة أنسان، وعلى األقل شكل رأس إنسان، وليس إنسان على شكل ثمرة، فحدثنا بزرك، عن محد بن بابشار، عمن دخل الواق واق وحدثه عنها، "أن هناك أشجارا كبارا

له ورق مدور، ومنه ما هو إلى الطول يحمل حمال على مثال القرع إال أنه أكبر منه، وصورته صورة الناس تحركه الرياح فيخرج منه صوت، وأن داخله منفوج... فإذا قطع

وحمل الدمشقي الرواية ذاتها،(298)عن الشجر خرج الريح منه...، وصار مثل الجلد". والتفسير الموضوعي ذاته، فبعد أن وضع جزر الواق واق في المحيط الكبير، خلف جبل أسماه )اصطفون(، و"يوصل إليها من بحر الصين"، أشار إلى أن "الواق شجر

صيني، شبيه بشجر الجوز، وخيار الشنبر، ويحمل حمال كصورة، فإذا انتهت الثمرة منه هنا يصبح الواق واق عبارة عن ثمرة(299)سمع السامع منه واقواق مرات، ثم يسكت".

شجرة تبعث صوت خاص، ينتهي بسقوط الثمرة، ومكان هذه الجزر في نهاية البحر المحيط، ووضع ابن سعيد المغربي هذه الجزر في الشرق األقصى في الجزء

العاشر،"والبحر في هذا المكان من الجزء العاشر كأنه منفرد عن البحر الهندي، والبحر المحيط، يقال له بحر الواق واق. فيه جزائر أولها جزيرة السحاب... وفي

جنوبها جزيرة الدجال.. جزيرة الواق واق في آخر عمارة هذه الجزيرة مع المشرق" ثم استرجع رواية المسعودي قائال "حكى المسعودي إلى أن فيها شجرا يخرج منه نبات... ويولد منه جوار )جمع جارية( يتعلقن بشعورهن، وتصيح الواحدة منهن واق

ولعل ابن سعيد قد تأثر(300)واق، فإن قطعن شعورهن وفصلن عن الشجرة متن". باإلدريسي الذي وضع هذه الجزر قبالة السواحل الصينية، بعد جزيرة قامرون وجزيرة

السحاب" ال يعرف ما بعدها، وربما وصل أهل الصين إليها في الندرة، وهي جزائر عدة، ال عامر فيها، إال الفيلة، وخيرها كثير جدا". إال أن اإلدريسي ذكر رواية المسعودي

عن شجر الواق واق، بتشكك إذ يقول: "وبها شجر حكى المسعودي عنها أمورا ال(301)تقبلها العقول، من جهة األخبار عنها، ولكن الله على ما يشاء قدير".

ولم يتوقف األمر، عند شك اإلدريسي، بالخرافات التي أحاطت بشجر الواق واق، وجزرها، فلقد رجع إلى هذه الموضوع نفسه أبو ريحان البيروني في القرن الحادي

عشر، فأبعدها عن الحكايات الخرافية، وقربها من الوقائع حين جعلها من جزيرة قامرون، فأرجع السرد الخرافي الذي أحاط بها إلى معتقدات العوام، إذ قال "وجزيرة

الواق واق من جملة قمير، وهو اسم مكان ال كما تظنه العوام من شجر حملها كرؤوس الناس تصيح، ولكن قمير قوم ألوانهم إلى البياض، قصار القدود على صور

وبعد مضي قرن على كتاب البيروني هذا، كانت قد توطدت(302)األتراك، ودين الهنود" رواية )العوام( حسب تعبير البيروني - فاكتفى ياقوت الحموي في معجمه، أن أبدى

الريبة بها، حين نسبها إلى الخرافات، إذ قال: "الواق واق هي بالد فوق الصين، يجيء(303)ذكرها في الخرافات".

-301-

لكن تكرار التشكك من قبل مفكرين كبار،لم يمنع مصنفين كبار بعد القرن الثاني عشر من الترويج للجوانب األسطورية للرواية )العامية( عن جزائر الواق واق، إذ قدم

هl( عالم التاريخ الطبيعي، والكوزموغرافية العربية، في كتابيه682كل من القزويني )ت "عجائب المخلوقات" و"آثار البالد"، وابن الوردي، الكوزموغرافي، والحميري صاحب

المعجم الشهير، تصوراتهم الخاصة المليئة بالعجيب والغريب عن جزر الواق واق، فذكر القزويني "أنها في بحر الصين وتتصل ببحر زابج" ويصل عددها إلى "ألف وستمائة

جزيرة"، وأنها سميت بهذا اإلسم "الن بها شجرة، لها ثمرة على صورة نساء معلقات وبها كثير(304)من الشجر بشعورها، وإذا أدركت )بلغت( يسمع منها صوت واق واق".

من الذهب، حتى أن أهلها يتخذون سالسل كالبهم وأطواق قرودهم من الذهب، وعندهم قمصان منسوجة بالذهب، وتندمج عند القزويني رواية جزر الواق واق، بحكاية جزيرة

النساء، فيروى عن موسى بن المبارك السيرافي، أنه دخل هذه البالد، وقد ملكتها امرأة، وأنه رآها على سرير عريانه، وعلى رأسها تاج، وعندها أربعة آالف وصيفة عراة

كما ذكر أنه )في بحر الصين نساء، ال رجل معهن أصال، وأنهن يلقحن من(305)أبكار، الريح، ويلدن النساء مثلهن"، ودعم روايته بما سمعه على لسان تجار ذهبوا إلى هذا

(306)البحر، فرأوا "نساء ال رجال معهن ورأيت الذهب في هذه الجزيرة مثل التراب".

وقد استرجع ابن الوردي أقوال القزويني تلك، يما فيها قرنه جزائر الوق واق بجزيرة النساء، ويزيد عليها تفصيالت، حيث ذكر أن ملكة جزائر البنات "إمرأة تسمى دمهرة،

وتلبس حلة منسوجة بالذهب، ولها نعالن من ذهب، وليس يمشي في هذا الجزائر أحد بنعل غيرها، ومتى لبس غيرها نعال قطعت رجليه، وتركب في عبيدها وجيوشها بالفيلة

وأضافوالرايات والطبول واألبواق والجواري الحسان، ومسكنها جزيرة تسمى أبنوتة". فl "أهل هذهإلى ذلك، نسبة بعض مظاهر العمران والحlضارةl إلى أهل هذهl الجزيرlة،

الجزيرة حذاق بالصنائع حتى أنهم ينسجون القمصان قطعة واحدة بأكمامها، وأبدانها، ويعملون السفن الكبار من العيدان الصغار، ويعملون بيتا من الخشب تسير على وجه

(307)الماء". على الرغم من أن بعض المؤلفين العرب قد تمثل وجود هذه الجزر قبالة سفالة

الزنج، أي ناحية الجنوب الشرقي من الساحل األفريقي، وبعضهم اآلخر وضعها في األعماق البعيدة لسواحل الهند الصينية، إال أن هذا لم يغير كثيرا من موقعها الجغرافي،

طالما أن أكثر المؤلفين العرب قد تصوروا، بتأثير بطليموس، أن السواحل الجنوبية الشرقية ألفريقيا تمتد شرقا لتقابل سواحل الهند والصين، لهذا فإن جزر الواق واق

تقع، في كال التصورين، قبالة السواحل الهندية الصينية.

-302-

أما الباحثون المعاصرون فقد حاروا في تحديد الجزائر التي ذكرها باحثونا باسم واقواق، بعضهم رجح أن تكون جزيرة مدغشقر، وذهب فريق آخر إلى أنها شبه الجزيرة الكورية، وقال ثالث إلى أنها اليابان،مستندا على أن ابن خرداذبة وابن حوقل وابن سعيد

وابن الفقيه وياقوت والبيروني الذين أجمعوا على أن الواقواق في شرق الصين،كما اتفقوا على أن األبنوس الجيد ينبت في أرضها، وقد أكدت" دائرة المعارف اليابانية

"حكاية األبنوس هذه،وتوقع المستشرق )دي خويه(أن يكون الرحالة العرب سمعوا بهذا االسم الوقواق على أفواه الصينيين في )خانفو(، ميناء الصين الكبير، فقد عرف الصينيون

بالد اليابان منذ القديم، ودرجوا على تسميتها في لهجتهم "ووقوق"، أما االسم الحديث، الذي تعرف به تلك البالد، فهو مشتق من )ييبن(، ويعني مشرق الشمس، وقد أطلق

عليها هذا االسم منذ القرن السابع الميالدي، واستغرق اختفاء االسم القديم بعض الوقت، وبحث دي خويه عن أشجار يابانية أوحى شكلها لبعض الرحالة العرب إلى تشبيهها

برؤوس اآلدميين، كحال ابن بطوطة عندما شبه جوز الهند برأس اآلدميين، إال أن خويه لم يجد شجرة يابانية مماثلة، ولكنه عرف أن اسطورة الواق واق ذائعة بين اليابانيين، وقد ذكرت "دائرة المعارف اليابانية" التي ألفت في القرن الثامن عشر، حكاية شجرة تنبت

(308)ببالد "الخلفاء المسلمين" تحمل ثمرة شبيه برؤوس اآلدميين.

-303-

الهوامش - د. شاكر خصlباك. مقدمlة علم الجغرافيllة عنlد العlرب. موسlوعة الحضlارة العربيlة واإلسlالمية.1

مؤسسة الدراسات العربية بيروت. ودار فارس مؤسسllة الدراسllات العربيllة بllيروت، دار فllارس..476. ص 1995عمان.

405- اإلدريسي.نزهة المشتاق.ص2ه26- المصدر نفسه. ص 321- أبو الفداء.ص4 - أبو سعيد المغربي. أبو الحسن علي بن موسى، كتاب الجغرافيا تحقيق اسماعل العllربي. المكتبlة5

.21 ص 1. ياقوت الحموي. مجلد8التجارية للطباعة والنسر. بيروت. ص.20- أبو الفداء ص 6529- خصباك.ص7.33. ص 1960- القزويني زكريا بن محمد محمود آثار للبالد وأخبار العباد، دار صادر بيروت 8.148- الدمشقي. مصدر سابق ص 9

149- الدمشقي. ص 10 - ابن رسته. أبو علي أحمد عمر. كتاب األعالف النفيسllة. طبllع مدينllة ليllدن المحروسllة. مطبعllة11

بريل. - النويري. شهاب الدين أحمد بن عبد الوهllاب. نهايllة األرب في فنllون األدب، السllفر األول وزارة12

237و230الثقافة واإلرشاد القومي.بدون تاريخ.ص103- المسعودي. أبو الحسن. التنبيه واإلشراف. قسم أول ص 13. 9- اإلدريسي. ص14107- ابن خرداذبه. ص 15.21- أبو الفداء. ص 16.153-152- الدمشقي. ص 1712، المقدسي مصدر سابق. ص151-149. مصدر سابق. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج18.13 – المقدسي. ص 151- المسعودي.امصدر نفسه ص 19 والسيرافي. أبو الحسن. رحلة السيرافي.تحقيق عبllد اللllه152- المسعودي. المصدر نفسه، ص 20

.19-17. ص 1999الحبشي المجمع الثقافي. أبو ظبي. - بزرك بن شهريار والناخذة الرامهر مزي. تحقيق عبدالله محمد الحبشllي. المجمllع الثقllافي. أبllو21

.113 ص 2000ظبي /.23- السيرافي. ص 22.135. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج23.12- ابن الفقيه. مصدر سابق ص 24.152- الدمشقي. ص 25.153. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج26.28- السيرافي. ص 27.29- المصدر نفسه ص 28154. ص 1- المسعودي مروج الذهب. ج29.239- النويري. سفر أول. ص 30.155 - ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج31.30-29- السيرافي ص 32.16- ابن الفقيه. ص 33.61- ابن خرداذبة. ص 34 - الغرناطي. عبد الرحيم بن سليمان بين ربيع القيسي األندلسي. تحفة األلباب ونخبة اإلعجllاب. تحقيllق35

.129. ص 1993. 2اسماعيل العربي. دار الجيل بيروت. دار اآلفاف الجديدة. المغرب ط - القزويني. زكريا بن محمllد بن محمllود. عجllائب المخلوقllات وغllرائب الموجllودات. دار الشllرق36

.18العربي. حلب. بدون تاريخ. ص

-304-

65- المصدر نفسه. ص 37.11- المصدر نفسه. ص38 . ترجمة ابراهيم الخllوري. وزارة الثقافllة.1. ق1- اندريه ميكيل. جغرافية دار اإلسالم البشرية. ج39

223. ص1983دمشق. 8- بزرك. ص 4011. ص1986. 2- د. حسين مؤنس. تاريخ الجغرافيين األندلسيين. مدبولي. القاهرة. ط41.37-34. ص 1943- حسين فوزي. حديث السندباد القديم. مكتبة األنجلو مصرية. مصر 4245- المصدر نفسه. ص438- بزرك. ص 44.129- الغرناطي. ص 45 ، وابن الllوردي. سllراج الllدين. أبllو حفص عمllر بن155. ص 1- المسllعودي. مllروج الllذهب. ج46

الوردي. خريدة العجائب وفريدة الغرائب. إعداد محمود فاخوري. دار الشرق العربي حلب. بدون.122تاريخ. ص

.31- السيرافي ص 47.60- فوزي. ص 48158. والدمشقي. ص 122- ابن الوردي. ص 49.23- السيرافي ص 50.174- القزويني عجائب المخلوقات. ص 51.108. ص 1- المسعودي. موج الذهب. ج52.175- القزويني عجائب المخلوقات. ص 53. 122- ابن الوردي. ص 54108 والقزويني عجائب المخلوقات. ص 22- المصدر نفسه. ص55.48- بزرك ص 56.38-35- المصدر نفسه. ص 57105- ابن بطوطة. مصدر سابق. ص 58115- ابن الوردي ص 59.118-117- القزويني عجائب المخلوقات ص 60131- الغرناطي. ص 61379- القزويني عجائب المخلوقات ص 62.374- المصدر نفسه. ص 6372- عن / فوزي ص 6473- المصدر نفسه. ص 65153. ص 1- المسعودي مروج الذهب. ج66.22- السيرافي. ص67.84-83- فوزي ص 68100- ابن رسته مصدر سابق ص 69100- المصدر نفسه. ص70 - القلقشندي أبو العبllاس أحمllد بن علي. صlبح األعشllى في صlناعة اإلنشllا. الجllزء الخllامس، وزارة71

.63الثقافة واإلرشاد القومي. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة، بدون تاريخ. ص 54- اإلدريسي ص 7222- د. نارا سند. وصول المسلمين الى الهند. مجلة الثقافة الهندية. عدد أول. مجلد أول. ص 7398- المقدسي. ص 74196 ص 2 ومجلد 88. ياقوت الحموي. مجلد أول. ص 133- الدينوري مصدر سابق. ص 75126 ص 7. ومجلد 193- ياقوت الحموي. المصدر نفسه. مجلد ص 7655-54- ابن حوقل. مصدر سابق. ص 77254- المصدر نفسه. ص 78426- المقدسي. ص 79.92- المصدر نفسه. ص 80

-305-

العllدد1960- د. مقبول احمد. العالقllات التجاريllة بين الهنllد والعllرب. مجلllة ثقافllة الهنllد يوليllو 81111الثالث. المجلد الحادي عشر ص

87-86. ص 5- قلقشندي. صبح األعشى. ج8216 وابن الفقيه. ص 66. وابن خرداذبة ص 88-87- المصدر نفسه. ص83 - جورج فضلو حوراني. العرب والمالحة في المحيط الهندي. في العصور القديمة وأوائllل القllرون84

.214الوسطى، ترجمة السيد يعقوب بكر. مكتبة االنجلو مصرية بدون تاريخ. ص .16- ابن الفقيه. ص 8529. ص 2- المسعودي. مروج الذهب. ج86- المقدسي. ص 8771-70- ابن خرداذبة. ص 8816- ابن الفقيه. ص 89 - د. شوقي عبد القومي عثمان. تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة اإلسالمية. سلسllلة كتب90

8.ص1990ثقافية. المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب. الكويت. –ll 220- حوراني. مصدر سابق. ص 91 . ود شوقي عبد القllوي عثمllان. المصllدر السllابق. ص221

91-92.68. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج928، وابن الفقيه. ص 147 ص 1- المصدر نفسه ج93163 المصدر نفسه ص1- المسعودي ج94446 وص 438- ابن بطوطة. ص 95.248- جورج فضلو حوراني. العرب والمالحة في المحيط الهندي. مصدر سابق. ص 96 ، ويذهب بزرك انها "نحو من ثالثين ألف جزيرة، والتجار يقولون إن العامر443- ابن بطوطة. ص 97

منها إثنا عشر فرسخ، وطول الجزيرة من فرسخ إلى عشرة فراسخ". بزرك بن شهريار. عجائب154الهند ص

444-443- المصدر نفسه ص 98 بينما يذهب ياقوت الحموي إلى انها151، ص 1. المسعودي، مروج الذهب ج17- السيرافي. ص 99

.495. ص 2ألف جزيرة. ياقوت الحموي. معجم البلدان. مجلد 152- المسعودي المصدر نفسه.ص 100.444- ابن بطوطة. ص 101.445- المصدر نفسه ص 102446-445- المصدر نفسه ص 103445- المصدر نفسه صص 104.18- السيرافي. ص 105.152. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج10670- اإلدريسي. ص 107 152. ص 1- المسعودي. ج10870- اإلدريسي. ص 109447-446- ابن بطوطة. ص 110.446- المصدر نفسه ص111.70- اإلدريسي. ص 112.446- ابن بطوطة. ص 113.70- اإلدريسي. ص 114.446- ابن بطوطة ص 115447- المصدر نفسه ص116447- المصدر نفسه ص117447- المصدر نفسه ص118447- المصدر نفسه ص119

-306-

445- المصدر نفسه ص120448- المصدر نفسه ص121419- المصدر نفسه ص122151، والسيرافي. ص 151. ص 1، والمسعودي. مروج الذهب. ج69- اإلدريسي ص 123449- ابن بطوطة ص 12469- اإلدريسي. ص 125450-449- ابن بطوطة 126450- المصدر نفسه ص127.449- المصدر نفسه ص 128.70- اإلدريسي ص 129.448- ابن بطوطة ص 130.449- المصدر نفسه ص 13169- اإلدريسي. ص 13219. والسيرافي ص 71 واإلدريسي. ص 152. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج133160- الدمشقي. ص 134.216 – ص 2. الحموي معجم البلدان مجلد 73- اإلدريسي. ص 135.106- ابن سعيد المغربي. ص 136.169- بزرك بن شهريار ص 137.83- القزويني. آثار البالد وأطباع العباد. ص 138169- بزرك. ص 139216. ص 10/ ج3. راجع أيضا ياقوت الحموي مجلد 73- اإلدريسي. ص 140460- ابن بطوطة. ص 141.460- المصدر نفسه ص142 حيث121-120، راجع أيضا ابن الوردي خريدة العجائب وفريlدة الغlرائب. ص 74- اإلدريسي. ص 143

يقول: "والملك هذه الجزائر صنم من الذهب مكلل بlالجواهر وليس عنlد احlد من الملlوك ماعنlدهمن الدر والجواهر النفيسة ألن أصنافها كلها في بالده وجباله".

75- المصدر نفسه ص14443- القزويني آثار البالد. ص 145463- ابن بطوطة. ص 146160- الدمشقي. ص147106- ابن سعيد المغربي. ص 148 والقزويllني160 والدمشllقي ص 73 واإلدريسllي ص 216. ص 1/ ج3- ياقوت الحمllوي. مجلllد 149

.169 وبزرك ص 43آثار البالد ص 464- ابن بطوطة. ص 150130- 129- الغرناطي ص 15110 وابن الفقيه. ص 216 ص 10/ ج3 وياقوت الحموي مجلد 42- القزويني آثار البالد ص 15273- اإلدريسي. ص 153460- ابن بطوطة. ص 154462-461- المصدر نفسه ص155464- المصدر نفسه ص156 ، إذ يقllول "في هllذه الجزيllرة ثالث ملllوك،10، والدمشllقي ص 42- القزويllني آثllار البالد. ص 157

فالملك األكبر منهم إذا مات قطع بأربع قطع وأحرق بالنllار ورجالllه يتهllافتون خلفllه في النllار". يقول" إذا مات ملكهم األكبر قطع أربع قطع وجعل كل قطعllة في1/ج3وياقوت الحموي مجلد

صندوق من الصندل فيحرقونه بالنار، وامرأته تهافت بنفسها على النار حتى تحترق معه". وراجع يقرر الحقيقة نفسها 10ابن الفقيه. ص

116- بزرك. ص 15843- القزويني آثار البالد ص 15922- بزرك ص 160

-307-

462- ابن بطوطة ص 161132 وابن رسته كتاب األعالن النفيسه. مصدر سابق. ص 74- اإلدريسي. ص 16283- السيرافي ص 163462- ابن بطوطة ص 16474- اإلدريسي. ص 165241 النويري. نهاية األدب. جزء أول. ص 160- الدمشقي. ص 166465- ابن بطوطة ص 167462- المصدر نفسه ص 16842- القزويني. آثار البالد ص 16946- السيرافي ص 170169- بزرك ص 171147- المصدر نفسه صص 172148- المصدر نفسه ص173149- المصدر نفسه ص174461- ابن بطوطة 175461- المصدر نفسه ص17675- اإلدريسي ص 177462- ابن بطوطة ص 178119- بزرك ص 179239- النويري. نهاية األدب سفر أول. ص 180106- ابن سعيد المغربي. ص 181152. ص 1- المسعودي. مروج الذهب. ج18221- السيرافي ص 183124 بزرك ص 27- المصدر نفسه ص. ص 184124- بزرك. ص 185159- الدمشقي. ص 186153 ص 1 والمسعودي. مروج الذهب. ج22-21- السيرافي. ص 187107- ابن سعيد المغربي. ص 18815- حسن محمد الكاشف. كتاب اإلسالم في األندونيسيا المعاصرة ص 18914-13- المصدر نفسه ص 190 - األمير سكيب أرسالن. في حاضر العالم اإلسالمي تأليف لوثروب ستودوارد. نقله على العربيllة191

345. ص 1952عجاج نويهض. مطبعة عيس البابي الحلبي. القاهرة. 19- المصدر نفسه ص 192325-28- المصدر نفسه ص 193 - أندريه ميكيل. اإلسالم وحضارته. ترجمة الدكتوره زينب عبد العزيز المكتبllة العصllرية. بllيروت.194

370-369بدون تاريخ ص - س.ا. أو فان بيووينهوريجز. اندونيسيا. في تراث اإلسالم. قسم أول. تصنيف شاخت وبllوزوث.195

ترجمlة محمllد زهlير السlمهوري. سلسlلة عlالم المعرفlة. المجلس الوطlني للثقافlة والفنllون371. وميكيل، اإلسالم وحضارته مصدر سابق. ص 371واآلداب الكويت. ص

- د. محمد حسن نيبار. التأثير الهندي والعربي على أندونيسيه. مجلة ثقافة الهنllد. مجلllد الثllالث19669. إبريل عدد الثاني ص 1962عشر

345- أرسالن ص 197108- ابن سعيد المغربي ص 19866 والسيرافي ص 138-137- ابن رسته ص 199

-308-

، ويllذكر السllعودي أيضllا في :التنبيllه واإلشlراف. قسllم154ص 1- المسعودي مروج الذهب. ج200 "وملكه ال يضبط كثيره، وال يحصى جنوده، وال يستطيع أحد من النllاس أن يطllوف120أول ص

في أسرع ما يكون بين المراكب بجزائره في سنتين. جميعها عامر، قllد حllاز هllذا الملllك أنllواع الطيب واألفاويllة، فليس ألحllد من الملllوك مllا لllه. ومllا يجهllز من أرضllه من الكllافور. والعllود

والقرنفل والصندل، والجوز والقاقلة،و الكبابة، وغير ذلك.66- السيرافي ص 201132- بزرك ص 202143- المصدر نفسه ص203154 ص 1- المسعودي مروج الذهب ج20465- ابن خرداذبة ص 20561- اإلدريسي ص 20662- المصدر نفسه ص20762- المصدر نفسه ص20820- السيرافي ص 20965 وابن خرداذبة. ص 264- الحميري ص 210154- الدمشقي. ص 21110- ابن الفقيه ص 212264- الحميري ص 213264- المصدر نفسه صص 21430- القزويني آثار البالد ص 215153- الدمشقي ص 216368- أبو الفداء كتاب تقويم البلدان. ص 217109- بزرك. ص 218154 ص 1 والمسعودي مروج الذهب ج167- المصدر نفسه ص 219154 ص 1- المسعودي مروج الذهب ج22090- الحميري. ص 22190- المصدر نفسه ص 22266- ابن خرداذبة ص 22381-80- اإلدريسي ص 22466- ابن خرداذبة ص 22529- القزويني آثار البالد ص 226269-268- أبو الفداء. ص 227477- ابن بطوطة. ص 228477- المصدر نفسه ص229477- المصدر نفسه ص230478- المصدر نفسه ص231478- المصدر نفسه ص232478- المصدر نفسه ص233481- المصدر نفسه ص234483 – 482- المصدر نفسه ص235478- المصدر نفسه ص236479-478- المصدر نفسه ص237479- المصدر نفسه ص238479- المصدر نفسه ص239479- المصدر نفسه ص240480- المصدر نفسه ص241481- المصدر نفسه ص242

-309-

481- المصدر نفسه ص243478- المصدر نفسه ص244280- المصدر نفسه ص245283- المصدر نفسه ص24681- اإلدريسي ص 24782- المصدر نفسه ص24812- ابن الفقيه ص 249240 والنويري. السفر األول. ص 155- الدمشقي ص25080- اإلدريسي ص 25166- السيرافي ص 252494- الحميري ص 253375- أبو الفداء ص 254140 ص 1- المسعودي مروج الذهب ج255140- المصدر نفسه ص 256140- المصدر نفسه ص257 ونقllوال زيllادة الllرحالت.250- حوراني. العرب والمالحة في المحيllط الهنllدي - مصllدر سllابق ص 258

45هامش ص 138 – 137- ابن رسته. ص 25916- ابن الفقيه. ص 260107- ابن سعيد المغربي ص 26168- السيرافي ص 262139 – 138- ابن رسته. ص 263147- بزرك. ص 264471 والحميري. ص 69- السيرافي ص 26568- المصدر نفسه. ص 26616- ابن الفقيه ص 26768- السيرافي ص 26816- ابن الفقيه. ص 26990- اإلدريسي. ص 270 109- ابن سعيد المغربي. ص 27187- المصدر نفسه ص27268- السيرافي ص 273471- الحميري ص 274 ، حيث يقlول "اهlل القمlار وهم رحالlة، كلهم يحرمlون68 والسيرافي ص 132- ابن رسته ص 275

71الزنا واألنبذة كلها" والحميري ص 133- ابن رسته. ص 276133- المصدر نفسه ص277471- الحميري ص 278133- ابن رسته ص 279133- المصدر نفسه ص280471 والحميري 16- ابن الفقيه.ص 281 يقول "وهي جزيرة عباد اهل الصين والهند وعلمائهم"155 والدمشقي. ص 133- ابن رسته ص 282471- الحميري ص 283173- ابن رسته ص 28490- اإلدريسي ص 285110- ابن سعيد المغربي ص 28692- اإلدريسي ص 287

-310-

230- النويري. السفر األول. 288159- الدمشقي ص 28952- السيرافي ص 290101. ص 1- كراتشكوفسكي ج29198- ابن سعيد المغربي ص 29217 – 16- الدمشقي ص 29371- ابن خرداذبة ص 29439 ص 1- المسعودي أخبار الزمان ج295602- الحميري. ص 296602- المصدر نفسه ص 29772- بزرك ص 298149- الدمشقي ص 29989- ابن سعيد المغربي ص 30091- اإلدريسي ص 301 - أبو ريحان البيروني. محمد بن احمد. في تحقيق ما للهند من مقوله مقبوله في العقل أو مرذولllه.302

169ه- ص 1377مطبعة مجلس إدارة المعارف العثمانية بحيدر آباد الركن. الهند. 381. ص 2 ج5- ياقوت الحموي. معجم البلدان. مجلد 303106 وعجائب المخلوقات. ص 33- القزويني آثار البالد. ص 30433- المصدر نفسه ص 30533- المصدر نفسه ص306117- ابن الوردي خريدة العجائب ص 307105 - 104- فوزي. ص 308

-311-

جيران البر في الشمال

بقيت الشعوب المجاورة للصين في أقصى الشمال، وفي الشمال الشرقي، غامضة للعرب، سوى أنها تقع على حدود الربع المعمور من األرض، ضائعة بين القفار،

والثلوج، والبرد القارس، وأول ما يبرز في ملمح المشهد الشمالي، هو ما نسجه الكتاب العرب عن "السد" وشعوب يأجوج ومأجوج التي ترقد وراءه، وأخضعوا هذا المشهد الكبير لدراساتهم المكثفة من ناحية ولمحاوالت االستكشاف المباشر من

ناحية أخرى، وأبرزها رحلة سالم الترجمان إلى الشمال، للتعرف على حقيقة السد، وعلى الشعوب القابعة خلفه، وكانت الرحلة الثانية المبكرة االستكشافية، هي رحلة

، إلى أقاصي الشمال التي اختبر فيها حياة800م - 760تميم بن بحر، ما بين الشعوب البدوية التركية، في بالد التغزغز. حول حوض أورخون جنوب بحيرة بايكال،

وحفظ لنا شذوات من مطالعاته تلك ابن خرداذبة وابن الفقيه، وياقوت، أو شعب أورغور )الغز( وتتصف رواية تميم بالرزانة، وال تهتم بذكر العجائب وزار )قره

بالساغون( على نهر أورخون في مونغوليا الخارجة، ومن بين األمور التي ذكرها اعتناق ، ثم تعاقبت رحالت الجغرافيين إلى(1)األويغوريون للمانوية وعالقتهم مع أباطرة الصين

الصين والهند، والتخوم الشمالية الشرقية لدارا إلسالم، وتراكمت المصنفات الجغرافية زخرت بالحديث عن الشعوب المجاورة للصين في الشمالوالتاريخي واألدبية التي

على التخوم البعيدة لدار اإلسالم، وقد أقر بارتولد أنه منوالشرق، والتبت التي تقف الصعب أن يجد المرء مصنفات تاريخية تهتم بمناطق آسيا الوسطى قبل الوجود

واحتلت بنظرهم شعوب يأجوج ومأجوج مقدمة مسرح الحدود الشمالية(2)اإلسالمي. للصين والهند، وشيئا فشيئا، مع تنامي معرفتهم بالشعوب التركية، ضموا يأجوج

وماجوج إلى األرومة التركية، باعتباره الفرع األكثر استغراقا في البداوة، ثم ضموا الشعوب المغولية إلى تلك األرومة ذاتها، وقد نظر العرب منذ البداية إلى بالد

الكاشغرد، وما إلى شرقيها على أنها أصناف تركية خالصة، تضرب بحدودها إلى ما يسموه ما وراء النهر، وعنوا بذلك البالد القابعة خلف نهري جيحون )موريداريا(

وسيحون )سرداريا(، ونظروا، حتى القرن العاشر الميالدي، إلى مناطق ما وراء النهر هذه على أنها برزخ، أو على األصح )تخم( يفصلهم عن لصين في الشرق، وعن الشعوب التركية الغامضة لديهم، والتي أطلقوا عليها اسم يأجوج وماجوج، في

الشمال، وكما نوه إلى ذلك )قدامه( بقوله: )من الثغور الكبار، ثغر الترك،... مما يلي كما مددوا التخوم(3)جرجان... وكان أهلها بنوا حائطا من آجر تحصنا من غاراتهم".

التي تفصلهم عن األتراك، إلى البرزخ الممتد في ما بين الخزر )قزوين(، والبحر فتصوروا حدودا طبيعية ثابتةCaucazاألسود، والتي تشهق في مقدمته جبال القوقاز

تقف عند )باب األبواب( وهو تسميتهم لمدية دربند، وسدها العظيم، الذي رسموا له، فغدت أسوار دربند في متخيلهم،(4)وللجبل الذي يقف عليه صورة مضخمة للغاية

بمثابة حاجز يدفع خطر االتراك بعيدا عن ديارهم.

-312-

وهكذا، تخيل العرب، على ضوء معارفهم، أن الشعوب التركية تقع في الذروة القصوى لبالد الشمال، على تخوم الجزء غير المعمور من األرض، وتمتد شرقا من )البحر المحيط( إلى الحدود الشمالية للصين، وهناك تحتل شعوب يأجوج ومأجوج

موقعا فريدا خلف السد الصيني، كقوى بدئية، خارج المجال الحضاري، ثم تختلط بها أو تجاورها شعوب تركية - مغولية أخرى، وتنساح حركية هذه الشعوب لتغرق خلف

التخوم البعيدة لدار اإلسالم، في سقف العالم، قبل أن تتداخل تلك الشعوب، وتصبحجزءا من دار اإلسالم.

شدد الدمشقي على حقيقة أن يأجوج ومأجوج من تفرعات شعوب الترك "ومن الترك أيضا يأجوج وماجوج، يقال أنهم أربعون صنفا، طوال جدا، ومنهم قصار جدا

وكما ضموا شعوب يأجوج(5)ومنهم ذوو وجوه مستديرة كالتراس والمجان المطرقة". ماجوج إلى األرومة التركية، فإنهم وسعوا هذه األرومة لتضمم التتر المغول، في حديثه

عن جنكيزخان، ذكر النسوي، أن قبيلة جنكيز خان تسمى )التمرجي(، وهم سكان البراري، ومشتاهم يسمى أرغون "وهم المشهورون من طوائف الترك بالشر والغدر،

وذكر العمري في حديثه عن حاكم الصين(6)ولم تر ملوك إرخاء عنانهم لطغيانهم". المغولي، "أنه ملك عظيم جليل القدر، ضخم الملك، وهو معظم توران، ولم يزل لملك

)الترك )ويقصد هنا ملك المغول( فانهم اآلن لقانهم )من خان(، من أبناء جنكيز خان".

7)

ترك المصنفون العرب ورحالتهم، إرثا بحثيا ضخما، أضاء، رغم ما شابه من تخمينات، ومن سرد عجائبي، حياة تلك الشعوب في العصر الوسيط، ال غنى عنها ألي بحث جدي تاريخي أو أنثروبولوجي يتناول تاريخها ونمط ثقافتها، وهو ما اعترف به، بارتولد، بوضوح

بقوله "وقد أخذنا جل معارفنا عن الشعوب التركية، في ذلك الحين من المصادر ويتابع شارحا "وجغرافيو العرب في القرن الثالث الهجري )التاسع الميالدي((8)اإلسالمية".

وفي القرن الرابع خاصة، هم وحدهم الذين أمدونا بتفصيالت أوفى عن الشعوب التركية المتفرقة وطباعها، وال تستعمل كلمة "ترك" في هذه المصنفات الجغرافية إال علما على

(9)طائفة من الشعوب، وفرع من اللغات"

الصورة العامة

-313-

هيمن على المتخيل العربي تصورا مفاده أن الشمال الشرقي للعالم المعمور محاط بعوالم غامضة، تطل في مقدمتها شعوب غريبة األطوار أسموها "يأجوج

وماجوج"، إذ رسموا حدودا للعمران والحضارة، ينتهي بالحدود الشمالية الصينية، التي يأتي بعدها السد الذي يقف وراءه يأجوج ومأجوج، طالما أن "أقصى العمران في

)المشرق األقصى حدود بالد الصين والسيلي إلى أن ينتهي إلى ردم يأجوج ومأجوج".

ويتالزم وجود هؤالء القوم، مع تخيلهم وجود أرض منتنة إلى جوارهم، أما ألنها(10 عالمة على نهاية العمران، أو ألنها حدثت بفعل تخريب يأجوج وماجوج لها، أو لألمرين

معا، ويتراصف إلى جوارهم شعوب تركية أخرى، يمتد وجودها من شمال الصين مرورا بتخوم خوارزم، وصوال إلى جوار بلغار الفولغا، شمال بحر الخزر )قزوين(، وتتراصف

الشعوب في الذروة الشمالي للعالم المعمور، وراء الصين، إلى الشمال الشرقي لبالد اإلسالم، التي تنحرف أحوالها عن حال الشعوب التي تنعم بالحضارة، مثلها في ذلك

مثل شعوب اإلقليم السابع الممعن في البرودة، والتي هي إلى جانب الترك، الصقالبةوالفرنجة، هذان الشعبان األخيران، يقعان في الشمال األقصى ألوروبا.

-314-

وضع اإلدريسي يأجوج ومأجوج، وبقية الشعوب التركية، ومعها األرض المنتنة شمال الصين، في اإلقليمين السادس والسابع، وإذا عرفنا أنه قسم كل إقليم إلى عشرة أجزاء يبتدأ األول من الغرب وينتهي بالجزء العاشر في نهاية المشرق، فإنه وضع األتراك في األجزاء الثامن والتاسع والعاشر من اإلقليم السادس، وفي الجزء

الثامن من اإلقليم السابع، أما الجزءان التاسع والعاشر من اإلقليم السابع، فهما في نهاية العمران تماما، ويضم الجزء التاسع منهما "قطعة من أرض يأجوج وماجوج

الداخلة وقطعة من البحر الزفتي، وهو آخر البحر الشرقي وهو أيضا مظلم" أما حال وتقع في(11)الجزء العاشر ذاك "فكله مظلم ال عمارة فيه البتة وال يعلم ما خلفه"،

الجزء الثامن من اإلقليم السادس، "األرض المنتنة وأرض سمريقي، وهي أرض الترك الخرلخ )القرلق( وأرض سيسيان والبالد الخراب التي أتت على فسادها يأجوج

وماجوج، وهي بالد وحشة متباعدة األقطار، بعيدة األسفار، قليال ما يدخل إليها التجار وفي الجزء الذي يليه من اإلقليم السادس، توجد "قطعة من أرض(12)المتجولون".

خفشاخ وأرض التركش، وسد يأجوج ومأجوج، فأما بالد التركش فهي بالد تتاخم الردم وبعدها في الجزء العاشر من(13))السد( وهي بالد باردة كثيرة الثلوج واألمطار".

، وتمتد بقية الشعوب التركية(14)اإلقليم الثالث، توجد "قطعة من بالد ياجوج وماجوج " لتالمس حدود دار اإلسالم في ماوراء النهر لتفصل وتصل بين بالد الصين وبالد

اإلسالم.وتبعا لرأي اإلدريسي وغيره من الكتاب العرب، أن "جميع بالد األتراك تكون خلف النهر، وفي أقصى بالد فرغانة والشاش والطران، وهم أمم ال يحصى لهم عدد لكثرتهم ولهم رؤوس )قادة( يرجعون إليهم، والنظر في مشكالت أمورهم... والترك

أصناف عدة فمنهم التبة، والتغزغزية والخرخيزية، والكيماكية والخرلجية، والجقر والبجناك وذكش والتركش وخفشاخ والخلج والغزية وبلغارية، وكلها خلف النهر إلى

وذكر أن الصين تجاورهم من الجهة األخرى، لذا،(15)جانب البحر الشرقي المظلم". فإن "األتراك يهابون سطوتهم ويخافون شوكتهم، فيمسكون عن أذية بالدهم )أي لكي

يتجنبوا مخاطر الصين( يحملون إلى الصين كثير ما عندهم من الصناعات والصوف والسمن والعسل، كثير من السالح، والشكة، وأهل الصين يهادونهم بسبب ذلك،

وال ينسى األدريسي إلقاء(16)ويرفعون عن غزوهم، لكنهم غير متغافلين في جانبهم". نظرة عامة عن حياة شعوب األتراك عامة فيقول". وهم ظواعن رحالة متنقلون من

مكان إلى مكان، يطلبون الخصب حيث عرفوا به، وهم أصحاب إبل واغنام وأبقار كثيرة وبيوتهم شعر مثل بيوت العرب )البدو( ال يقيمون في مكان، بل هم مع الدهر

متنقلون متحولون من موضع إلى موضع آخر، ولهم حرث وحصاد وزرع وعندهم السمن والزبد،واأللبان كثيرة وينتجون الخيل كثير، ويأكلون لحومهم، وال يفضلون على

طعامها شيئا من اللحم... وملوكهم أهل عدة وشكه واحتفال ونظر وحزم وعدالة قائمة وسير حسنة ولهم قلوب جافية وطباع غليظة غشيمة... وأهلهم متذهبون

(17)بمذاهب شتى، وهم يغزون المسلمين،و األتراك المسلمون.. يغزونهم ويسبونهم".

-315-

حمل العرب في متخيلهم عن الشعوب التركية الشمالية، صورة غامضة، تجافي حياتها وسلوكها معايير الحياة الحضارية المألوفة لديهم، وتزداد هذه الصورة تصلبا كلما ابتعدنا في الترحال شماال، لنصل إلى يأجوج ومأجوج، المتاخمة لشمال الصين، حيث

اكسبتها حياة الترحال وشظف العيش في بيئة الشمال القاسية، القوة والصالبة والشجاعة، ونظر إليهم العرب، قبل أن يتقاسموا معها العيش، كقوة تهديد غامضة، وضعوا لها التخوم على بالدهم لمقاومتهم، كما رصدوا وجود سد على حدود الصين

يدرأ أخطارهم. ولقد تنكب العديد من الرحالة العرب المخاطر، وتنقلوا في بالد الترك، في أزمان مختلفة، وسجلوا انطباعاتهم عنها، وقدموا صورة أثنوغرافية عن حياتها، ولعل أبرز تلك

م( إلى بالد الشمال844هl - 230الرحالت المبكرة، هي رحلة سالم الترجمان )ت. األقصى، والتعرف على ما سماه )يأجوج ومأجوج( وعلى السد الذي يحميهم، في عهد

م(، وأيضا رحلة ابن فضالن في زمن المقتدر232هl - 224الخليفة الواثق بالله )ت م(، إلى بلغار الفولغا جنوب الصين، وقد تعرف األخير، في921هl - 320بالله )ت

طريقه الطويل، على الكثير من الشعوب التركية الرعوية، وثالث تلك الرحالت المبكرة هي رحلة، تميم بن بحرالمطوعي، إلى بالد التغزغز، وتتكامل وقائع تلك

الرحالت، مع ما نقله بعض الجغرافيين الرحالة، الذين زاروا بعضا من أطراف تلك الشعوب، أمثال المسعودي، والمقدسي، وابن حوقل، ومن بعدهم ابن سعيد المغربي

والعمري و المروزي، وفضال عن انطباعات الكوسموغرافيين أمثال القزويني، والدمشقي وابن الوردي، لتقدم بالنهاية صورة غنية مركبة متعددة الوجوه عن حياة

الشعوب التركية في العصر الوسيط. كان الحذر، في القرون األولى لإلسالم هو العنصر الغالب على مشاعر العرب تجاه الشعوب التركية الشمالية، الغامضة يقابلها تفضيلهم تجنب االحتكاك بها، لهذا، جرى تداول أحدايث، مشكوك في صحتها، عن حقيقة األتراك، مثل الزعم أن النبي )ص( نبه المسلمين "أتركوا الترك ما تركوكم"، وعن معاوية بن أبي سفيان، قول

الرسول "ال تبعثوا الرابضين ارتكوهم ما تركوكم". والقول أيضا " ال تقوم الساعة حتى يجيء قوم عراض الوجوه، صغار األعين، فطس األنوف، حتى يربطوا خيولهم بشاطئ

ولعل هذا الحديث األخير، يشير إلى جيوش هوالكو التترية، وتدميرها بغداد.(18)دجلة" وتناقلوا حكاية بعثة الخليفة هشام بن عبد الملك إلى ملك الترك، يدعوه فيها إلى

اإلسالم، فما كان من ملك الترك بعد أن استمع إلى رسول الخليفة يشرح له مبادئ اإلسالم، و"شرائطه، وحظره وإباحته، وفروضة وعبادته" إلى أن تركه أياما يفكر في

أمره، ثم بادر ذات يوم، فأتى بعشرة فرسان يحمل كل منهم لواءه، فوقف الملك على التل، وأمر كل واحد منهم على التوالي، ليقف ملوحا بلوائه فيلبي نداءه عشرة آالف فارس، وهكذا مع كل واحد حتى الفارس العاشر، فاجتمع تحت التل مائة ألف

فارس مدجج بالسالح، والتفت الملك إلى الترجمان ليقول له "قل لهذا الرسول، يعرف صاحبه، أن ليس في هؤالء حجام وال إسكاف، وال خياط، فإذا أسلموا، والتزموا

(19)شروط اإلسالم من أين يأكلون؟". -316-

لقد أرادوا بهذه الحكاية، التدليل على أن حياة األتراك المعتمدة على مبدأ الغزوة والغلبة، واالنقضاض على حقوق اآلخرين، ال تستقيم مع متطلبات اإلسالم، القائمة

على الحرام والحالل، واألطر القانونية والشرائع، والتي تفترض الحضارة، ونمطا خاصا من العمران. وظلت هذه الصورة، التي تحصر أغلب األتراك في اإلقليمين السادس

والسابع، وتربطهم بحياة الرعي والبدواة، تنيخ بثقلها على الكتاب العرب، أمثال القزويني والحميري، وهم أبناء من القرون الثالث عشر،ولعل مرد ذلك إلى اقتران

صورة األتراك بالمغول، الغزاة، الذين دمروا باجتياحهم أرض الخالفة الحياة المدينية العربية، وهو ما تجلى بتدميرهم بغداد والخالفة نفسها، لذا يقول عنهم القزويني "إنهم

سكان شرقي األقاليم كلها من الجنوب إلى الشمال، ممتازة عن جميع األمم بكثرة العدد، وزيادة الشجاعة والجالدة وصورة السباع، عراض الوجوه فطس األنوف عبل

السواعد، ضيقو األخالق، والغالب عليهم الغضب والظلم والقهر،و أكل لحوم الحيوانات، ال يريدون لها بدال، وال يراعون فيها نضجا، وال يرون إال ما كان اغتصابا كما هي عادة السباع، وليس عيشهم إال شن غارة أو طلب ظبي نافر أو طير طائر، حتى إذا ظن بهم الكأل رأيتهم على نشاطهم األول في ركض الخيل، وتسنم الخيل، وتسنم

ونبهنا ابن خرداذبة إلى(20)الجبال، ويريد انتزاع الملك من سيده والقيام مقامه"، الطريق التجاري الجبلي الصعب، الذي يشق بالد األتراك، ويخضع لحمايتهم، فعلى أحد فروع نهر جيحون "هناك معبر إلى الترك يسمونه شكينة" يخرج التجار منه إلى "جبل

على شط النهر العظيم" لكن ال يستطيع أن يعبره إال الرجال األقوياء لذا يضطر التجار ليكترونهم )ليحملوا حمولتهم ومتاعهم على قلة ذلك الجبل( والطريق هناك ضيق

"مقدار قدم الرجل يمشي بها، لذا فإن التجار "يعقدون عهودهم ومواثيقهم مع التجار،(21)ثم يحملون أثقالهم وأمتعتهم ويعبرون بها ظهور جمالهم.. إلى الصين ومولتان".

-317-

لكن مع الزمن، تداخلت العالقات مع العرب، فمن استخدامهم في الجيش، على حساب العرب، زمن المعتصم في القرن التاسع الميالدي، إلى دخولهم التدريجي، في

م، صدت الجيوش العربية904هl -591اإلسالم في القرن العاشر الميالدي وفي عام اإلسالمية آخر الغارات التي قام بها األتراك الوثنيون، على الدولة السامانية، على

ثم قدم السالجقة األتراك المسلمون وفتحوا آسيا الصغرى،(22)أطراف بالد اإلسالم". في القرن الحادي عشر ميالدي، فغدا األتراك جزءا من دار اإلسالم، فدخلت على

الصورة البدوية، التي تدفع إلى الحذر منهم معطيات جديدة تبجيلية، دون أن تنال من الصورة القديمة، وكانت األحاديث التي قدمها الجاحظ عن األتراك منذ القرن التاسع

الميالدي، قبل قتلهم للمتوكل،مليئة بإطراء االتراك،السيما لروح الفروسية والشجاعة، والصدق واإلخالص فيهم، )واألتراك قوم ال يعرفون الملق وال الخالبة وال النفاق"

وأضاف "فلم يكن همهم غير الغزو والغارة والصيد وركوب الخيل، ومقارعة األبطال، وطلب المغانم وتدويخ البلدان، وكان هممهم إلى ذلك مصروفه، وكانت هذه المعاني واألسباب مستمرة مقصودة.. أحكموا ذلك األمر بأسره، وأتوا على آخره، وصار ذلك

واسترجعت تلك(23 )هو صناعتهم وتجارتهم ولذتهم وفخرهم، وحديثهم وسمرهم". الصفات، فيما بعد، عند الحديث عن األتراك، وأضيفت إلى التداول في ذروة صعود

السالجقة، ثم دعمت بأحاديث نسبت إلى النبي )ص( تطري األتراك ودورهم في(24)اإلسالم، فزعموا أنه قال "تعلموا لسان الترك فإن لهم ملكا طواال"

روى قدامة بن جعفر، مثل غيره من المؤرخين والجغرافيين العرب، لقاء اسكندر األكبر مع )صاحب الصين(، بعد أن قبل األخير إعطاء اإلسكندر )العشر(، وسارا معا جهة الشمال، إلى "ترك البرية حتى فتحتهم ودوختهم"، وبلغهما هناك "عن قوم لهم

عدد جم من هؤالء األتراك ناحية المشرق من جهة الشمال، أنهم مفسدون في األرض، فاستشار )االسكندر( صاحب الصين فيهم فأخبره، أنه ال غنيمة عندهم )أي ال ثروة

عندهم( غير المواشي والحديد، وأنه يحيط بهم من ناحية الشمال البحر األخضر الذي ال مجاز فيه ألحد، وال منفذ لهؤالء األتراك إال من درب واحد ضيق، كالشرك.. لو سد

عليهم هذا المنفذ بقوا فيها وكفى الناس شرهم"، فما كان من االسكندر بموافقة(25))صاحب الصين( إال أن "سد ذلك الوادي، وهو السد الذي وصفه الله".

سور الصين العظيم،،وشعوب الترك الغامضين والحال أن هذا السد، ما هو إال هؤالء، ما هم سوى قوم "يأجوج ومأجوج" األكثر بداوة، وبعدا عن العمران من األتراك، الذين كما تصورهم العرب، كانوا قبل "أن يصل اإلسكندر ويبني السد

عليهم... يغيرون على من جاورهم حتى أخلوا كثيرا من البالد وأكثروا الفساد في إال أن االسكندر اكتشف عندما وصوله إلى تلك البالد، أن هناك الكثير من(26)األرض".

أخوان يأجوج ومأجوج يختلف عنهم، أقرب إلى الحضارة، "فوجد منهم أمما عم خيرهم، وقل ضررهم،. تبرأوا له مما يفعل إخوانهم يأجوج ومأجوج، وشهد كثيرا من

القبائل، أنهم لم يزالوا أبد الدهر يطلبون السالمة، فتركهم اإلسكندر خارج السد، وأقطعهم تلك األرض، فسمتهم العرب )تركا(، ألنهم من ترك اإلسكندر من يأجوج

(27)ومأجوج وأسكنهم خلف السد".

-318-

فارتبط السد، أو )سور الصين(، بوظيفة )الحاجز(، الذي يصد خلفه الشعوب التركية االكثر بداوة، ويجنب الشعوب التي أمامه مخاطرهم، وشرورهم، ومن انفالت زمام أمرهم، وكان لهيمنة هذه الصورة، عن األتراك القابعين في نهاية المعمور من األرض في الشمال،في القرن الرابع الهجري، العاشر الميالدي، أثرها في قيام رحلة

سالم الترجمان، وذلك ليكتشف حقيقة الشعوب التركية - المغولية الغامضة، المحيطة بالسد )السور(، التي اتسمت بالصالبة والشجاعة، وكانت، من قبل، وراء استخدام

المعتصم لهم في الجيش بدال من العرب، بعد أن "حل ديوان الجند"، وحتى بعد دخول هؤالء األتراك ميدان الخدمة في الجيش، ودخول بعضهم اإلسالم، بقيت هذه الصورة

العامة مهيمنة. ولعل )الخليفة الواثق بالله( قد وجه سالم الترجمان، الذي أتقن ثالثين لغة،

حسب ابن خرداذبة، في هذه الرحلة االستكشافية، الستشعاره خطرا من تحرك تلك الشعوب الشمالية، وربما هذا هو مغزى المنام الذي شاهد فيه "السد" قد انفتح، وهو

ما يترتب عليه تهديدا رمزيا خطيرا، بانفالت تلك الشعوب الغامضة، فأرسل الواثق في صحبة الترجمان خمسين رجال من األشداء، وستة أدالء، وزوده برسائل إلى صاحب أرمينية، وملكي الالن،و الخزر، ليسهلوا أمر عبوره من شمال بحر الخزر

)قزوين( باتجاه الشمال، فترك لنا انطباعاته عن الشعوب التركية التي صادفها فيطريقه، حتى وصلوا، إلى السد /السور.

وحدثنا الترجمان عن مشاهداته في الشمال إذ صدف أرض منتنة الرائحة سار فيها سبعة وعشرين يوما، "قيل هي التي كانت يأجوج ومأجوج يتطرقونها، فخربوها"، وصادف هناك أناس "مسلمون يقرأون القرآن، ولهم مساجد ومكاتب" لكنه استغرب،

(28)أنهم لم يسمعوا بالخليفة، وال ببغداد عاصمته".

وفي النهاية وصل إلى السد / السور، فبالغ الترجمان في وصف متانته، وقوته وعظمته، حيث بنى في "فج بين جبلين، عرضه مئتا ذراع، وأساسه ثالثين ذراعا، مبني

من الحديد والنحاس حتى وجه األرض، ثم يرتفع عضادتين.. من جنبي الفج. كل(29)عضاده خمسة وعشرين ذراعا، في سمك خمسين ذراعا، وكله بناء بلبن من حديد".

أما وصفه لشعوب يأجوج ومأجوج، وشعوب الجوار الترك، فيختلط منها الواقع بالمتخيل المرفوع إلى السرد األسطوري، فيأجوج ومأجوج كما سمع من جيرانهم هناك

وأن أعدادهم ال نهائية لها، فتأثرت(30)"مقدار الرجل في رأي العين شبرا ونصف"، سرديته بالصورة الذهنية الغامضة الراسخة على حدود العالم المعمور، فوراء السد

/السور شعوب وأشكال بشرية غامضة، فإذا كانت الممالك المحاربة الصينية قد بنت هذا السد في شمال الصين لتحمي نفسها من أعدائها من بدو السهوب، فقد مثل الجدار

/السور للجانب العربي اإلسالمي، االحتراس، والخوف. أتراك آخرون

-319-

م، لكن فتح654كانت المرة األولى التي عبر فيها العرب نهر جيحون، في عام ماوراء النهر كان شاقا على العرب ألن األمراء الفرس هناك، كانوا يستنجدون

م، خاقان األتراك الغربيين أو التورغس،730باألتراك، وبالصينيين، وكان أمير في عام ولم يستطع العرب استعارة سيطرتهم إال بعد قتلهم لهذا األخير، فتمزق التركش،

وقام قتيبة بن مسلم بالسيطرة على المنطقة المجاورة لنهر جيحون، وأمام كاشغر ارتسمت )التخوم(، وبعدها كانت تجثم فوضى الشعوب التركية البدوية، ومن ورائها

الشعوب الصينية، واعتبر) قدامه( أن من الثغور الكبار ثغر الترك، "ومعظم الترك في الثغر الذي بخراسان ويسمى توشجان.. وهو أوائل مسالخ الخرلخية )األتراك(، وتبعد

مدينة التغزغز التركية عن هذا الثغر مسيرة خمس وأربعين يوما في البراري، وهي وإلى هذه البراري وصل )المطوع( وكانت الحدود التي(31)على اليمين من )التيبت(.

تواجه السهوب ما وراء النهر مليئة بالرباطات، والثغور والنقاط المحصنة المزودة بالغزاة، المتطوعين من أجل الدين، وقد ازدهرت القوى المسيطرة على ماوراء النهر،

وفي السهوب الشرقية، من جراء التجارة، التي شكل الرقيق االتراك عنصرا هاما فيها، والذين تم استخدامهم فيما بعد في الجيش الخالفة، ليحلوا محل الفرسان

العرب، حيث كانوا ينظرون إلى األتراك كجنس عسكري يمتاز بالشجاعة والوفاء،ويتحمل الصعاب من خالل حياته القاسية في السهوب.

-320-

ولقد انتشرت الشعوب التركية في ماوراء النهر، وكاشغر، حتى الصين، وشمال الصين في السهوب المنغولية، ثم إلى الشمال حول بحر قزوين، وشماله، وقد أقام

األتراك في القرن السادس الميالدي، دولة قوية امتدت من حدود الصين الشمالية إلى البحر األسود، وذكر الطبري اسم أحد ملوك هذه الدولة باسم )بنجو خان (،وقضى

م( وهي الجناح739هl - 121العرب بقيادة نصر بن سيار على مملكة التركش عام ) ولعل قانات هذه الدولة، يرجعون سالليا إلى األوغور )الغز(، وكان(32)الغربي لتلك الدولة.

القرغيز،هناك إلى جانب قانات الترك في الشرق،. قانان، هما قانان التركش، وقانان 745وقد انتقل الحكم، في بالد المغول، من األوغور )الترك( إلى األويغور حوالي عام

م، ويلقب أمير هؤالء بلقب خاقان، ويبدو أن بعض األوغور قد ظلوا ببالد المغول، تحت حكم األويغور، بينما هاجر آخرون غربا وجنوبا، وأقام هؤالء مملكتين في الغرب في

القرن التاسع ميالدي، أحدهما )كن جو( واألخرى بيش بالق وقرا خوجه، ومن أسالف هؤالء األويغور التغزغز ولعل المطوعي، قد زار ديار هؤالء التغزغز، في عاصمتهم، وكان القرغيز يعدون - آنذاك - أبعد الشعوب التركية موطنا في ناحية الشمال الشرقي،و كان

األوغوز والقرلق، الذين سماهم العرب )خرلخ( يحفون بالبالد اإلسالمية في آسيا الوسطى، وكانت بالد األورغوز تتاخم جرجان في ديار اإلسالم، واسبيجاب، التي تعرف اليوم باسم سيرام، فكان على المسافر والرحالة والتاجر، المتجه إلى الصين، بعد أن

يقطع أرض القرلق )الخرلخ( والتغزغز، في رحلة تستديم ثالثين يوما من حدود قرغانه عبر الخرلخ حتى يصل إلى التغزغز، أن يمضي أكثر من شهرين في قطع بالد التغزغز،

وتتعلق رواية )المطوع(، برحلته إلى(33)وبالد الصين ليصل إلى شاطئ المحيط. األيغوريين، وجيرانهم الغز )أو التوقوز - أوغوز( في القرن التاسع، ووصل إلى عاصمة

األويغور في منغوليا، )قره بلو ساغون( أو )نوشجان(، بينما اختلط ابن فضالن في رحلة إلى بلغار الفولغا، بين األورال وبحر قزوين األتراك األوغوز. والذي انبثق عنهم السالجقة

واجتاحوا بدورهم المشرق اإلسالمي في القرن الحادي عشر ميالدي، حين تحولوا إلى اإلسالم، ولعل المعلومات المنتشرة في المصادر العربية الوسيطة، قد تكونت نواتها

من مالحظات من هؤالء الرحالة الثالثة: الترجمان، وابن فضالن، والمطوعي، فضال عن رواية أبي دلف مصعر بن مهلهل عن رحلته بصحبة بعثة صينية عائدة من بالط بخارى

، قد صف قبائل الترك التي مر بها بما فيها البشناق والكيموك940الساماني عام واألورغوز، والقرغيز، والقارلوق، ولقد انتشر اإلسالم، داخل الشعوب التركية، ليس بالفتح، إنما عن طريق الدراويش وغيرهم من المتحمسين للدين، وبواسطة التجار

المتنقلين بين الصين وبالد المغول، واعتنقت الجماعات الشرقية من األتراك القارلوق )الخرلخ( اإلسالم في العقود الوسطى للقرن العاشر الميالدي، واعتنق األتراك

الجنوبيون القريبون من جماعات األورغوز، بما فيهم السالجقة الدين الجديد، وظل انتشار اإلسالم داخل سهوب القبجاف بطيئا، حيث استمر معظم هؤالء على وثنيتهم

(34)حتى القرن الثاني عشر.

-321-

وأثار إهتمام العرب اتساع أراضي األتراك، وتنوع شعوبهم وتفرعها، فهم عند اإلدريسي "أصناف عدة فمنهم التبتية والتغزغزيه، والخرخيزيه، والكيماكية، والخرلخية، والجغر والبنجاك والترك، وأذكس، وخفشاخ والخلج والغزية وبلغارية، وكلها خلف النهر

شمال بالد الصين، وأشار ياقوت الحموي إلى أن(35)إلى جانب البحر الشرق المظلم". "أوسع بالد الترك بالد الغزيه، وحدهم الصين والتيبت والخرلخ،والكيماك،والغز والجفر

والبجناك والبذكش، وأذكس وخفشاق وخيرخيز، ومدائنهم المشهورة ستة عشر فهذه البالد تمتد من ما وراء النهر شرقا حتى البحر المحيط، من شمال(36)مدينة".

الحدود الصينية، ومنهم، كما يقول طاهر المروزي "ساكنوا البالد والقرى، ومنهم ساكنوا البراري والمفاوز ومن قبائلهم العظيمة الغزية، وهم أثنا عشر قبيلة يسمى(37)بعضهم التغزغز". "ومنهم خرخيز" أو الخرلخية، والكيماك، والبنجالية، والمجفرية.

تلك هي أبرز الشعوب التركية التي ذكرها العرب في مؤلفاتهم، وصبوا أبحاثهم على معرفتها، التي اعتمد بعضها على مشاهدات الرحالة، والسفراء، أو على السماع من أهل تلك الشعوب، أو بأبحاث أكاديمية استند ت على ما هو مدون من كتب، أو ما هو متداول سماعيا، فكانت رحلة )ابن بحرالمطوع( إلى األوريغون وبين شعب تركي

(38)آخر ورد ذكره كثيرا وهو التوقوز - أوغوز".

وزار المطوعي بالد التغزغز )الغزيه( التي كان المؤلفون يعتبرونها "أوسع بالد فكان عن يسار التغزغز كيماك، وأمامها(39)الترك، وحدهم الصين والتيبت، والخرلخ".

ومر في طريقه ببالد الملك التركي "كماك دون الفين" فوجد القوم،(40)بالد الصين". في "بادية يبيعون الكأل" فأبرز لنا حرص أهل الغيزية على تربية الولد الذكر، وتهيئته للحرب والفروسية، "فإذا ولد للرجل ولد رباه وأعاله، وقام بأجره، حتى يحتلم، ثم

ومنذ حينها(40)يدفع إليه قوسا وسهاما، ويخرجه من منزله، ويقول له: "احتل لنفسك". يعتمد الشاب فيها على نفسه، وتنتهي فيها كفالة أبيه له، ويصبح سيفه وسهامه أدواته لتحصيل مصيره، وكأننا أمام مجتمع محارب بامتياز، ويتفرع عن ذلك، أن العائلة تابعة للرجل، يكفي الرجل إن أراد الزواج من فتاة ما أن يلقي على رأس إحداهن ثوبا، فإذا

(41)فعل ذلك صارت زوجته، ال يمنعها منه مانع".

وذكر المطوعي أن بالدهم "شديدة البرودة... يسلك فيه ستة أشهر". فهي بالد شاسعة، يغلب عليها البرد، ولقد سلك على في بالد خاقان التغزغز، وعلى بريد الخان

نفسه، فسار عشرين يوما "في بواد فيها عيون وكأل" تخلو من القرى والمدن، ينزل أهلها "في خيام"، ثم سافر عشرين يوما أخرى "في قرى متصلة وعمارات كثيرة"، فوصل مدينة الملوك، فوجدها "ا مدينة حصينة عظيمة حولها رساتق عامرة، وقرى

ولملك التغزغز "خيمة من ذهب"(42)متصلة.. كثيرة االهل والزحام والسواق والتجارات منصوبة على أعلى قصره، تتسع مائة رجل، يمكن رؤيتها لعظم كبرها من خمسة

(43)فراسخ.

-322-

فنظر مؤلفونا إلى الترك عموما،على أنهم ينزلون في خيام، أو "القباب التركية المضلعة" المصنوعة "من جلود الداوب والبقر، وأغشيتها )اغطيتها( لبود )مصنوع من)الصوف(.. " وهم أحذق قوم في صناعة "اللبود" يصنعون به أغطية خيامهم، ولباسهم

ونبه اإلدريسي إلى وجود(45) وقال عنهم القزويني أنهم "يلبسون القطن واللبون".(44 مدينة للتغزغز "في جهة الشمال" على نهر كبير خصب، اسمها )نشران(، تسرح في سهولها "مواشي أهل المدينة" وبها "تجارات وصناعات، ويوجد في هذا النهر أحجار

وأخبرنا المطوع عن اعتناق التغزغز(46)الالزورد... يحمل إلى خراسان والعراق". للمجوسية والمانوية "فأكثر أهلها عبدة نيران على مذهب المجوس، ومنهم زنادقة

وقد أطلق العرب على عبدة النيران اسم المجوس، وهم(47)على مذهب ماني". الزرداشتية، وقرنوا أصحاب ماني بالزندقة، وقد أشار بارتولد إلى أن التغزغز في زمن

رحلة )المطوعي( كانوا على المانوية... غير ان الزرداشتية كانوا أكثر منهم عددا" بينما ذهب المطهر(48)وأعاد للسغد "بوجه خاص نشر المانوية بين الصين والترك".

(49)بل منهم المسيحيون، ومنهم البوذيون".المقدسي إلى "أنهم ال ينتمون لدين واحد،

والحظ المؤلفون العرب دور الشامان"(50)ولهم عيد مرتبط مع "ظهور قوس قزح". في الحياة الروحية للتغزغز واألتراك عموما، إذ كان "الكاهن عندهم، كما يزعمون

وقد انتشر هذا(51)يحدث سحاب البرد والثلج وغير ذلك، فيقصد بها من يريد هالكه". االعتقاد عند الترك الغزية، حتى بعد انتقال بعضهم إلى اإلسالم إذ روى ياقوت عن أمير خراسان )اسماعيل بن أحمد الساماني"، ان األخير حكى أن بعضا من جنده أخبره، أن

عندهم )كاهن( "يستطيع أن ينشيء سحاب البرد والثلج"، ولما اختبر األمير هذا الكاهن، فوجئ في اليوم التالي عند "ارتفاع النهار نشأت سحابة عظيمة هائلة من

فلما شاهد األمير ذلك(52)رأس جبل... لم تزل تنتشر وتزيد حتى أظلت عسكري كله". نزل عن دابته وصلى ركعتين وعفر وجهه بالتراب خشية أن تحدث فتنة بين المسلمين إن أمطرت السماء، مما يضعف إيمانهم اإلسالمي، الذي يعيد حدوث الظواهر إلى الله

وحده، فدعى ربه: "اللهم أغثنا فإن عبادك يضعفون عن محنتك، وأنا أعلم أن القدرة لك وأنه ال يملك الضر والنفع إال أنت، اللهم إن هذه السحابة إن أمطرت علينا كانت

وتحدث أبو دلف عن )الغزية( أن لهم مدينة(53)فتنة للمسلمين وسطوة للمشركين". من الحجارة والقصب ولهم "بيت عباده"، ولهم تجارات إلى الهند والصين، ومأكولهم

اما الروزي فذهب إلى ان )خرخيز،(54)والفراء(.البر ولحم الغنم، وملبوسهم الكتب ولعله بقصد أحد تفرعات التغزغز، "يحرقون موتاهم، ويزعمون أن النار تطهرهم

)وتنقيهم، وكان ذلك دأبهم في القديم، فلما جاوروا المسلمين صادروا يدفنون موتاهم".

واسترجع المروزي حكاية ياقوت الحموي عن دور الشخصية )الشامانية( في حياتهم،(55 عند حديثه عن رجل يلقب عندهم )بعفيتون( يستحضرونه كل سنة، في يوم معلوم،

يجتمع حوله المغنون وأصحاب المزامير، ويأخذون في القصف والشرب، إلى أن يغشى على هذا الرجل ويسقط كالمصروع، ثم يسألون عن كل ما يحدث، في تلك السنة من أحداث، فيخبر بما يكون من خصب وجدب ومطر وقحط، وغير ذلك، ويعتقدون أن ذلك

فيصدقون نبوأته، وتوقعاته عن المستقبل. أما ابن فضالن، فقد قابل في(56)حقا".

-323-

طريق رحلته الشهيرة، إلى بلغار الفولغا، جماعة الترك األوغوز )الغز( في الشمال، ما بين األورال وبحر قزوين، في مناطق باردة للغاية، وقدم لنا مادة غنية للغاية من ذلك

التاريخ الغامض لتلك الشعوب، فكادت شهادته أن تكون، حسب بوسوروث. "مادتنا الوحيدة في تاريخ الفترة السابقة على االتراك السالجقة، الذين انبثقوا من األوغوز،

.(57)الذين اجتاحوا في القرن الحادي عشر القسم األكبر من الشرق األوسط". واحتك ابن فضالن، وهو آت من بغداد في ذروة مجدها المدني، وتراثها الحضاري،

بالشعوب التركية في طريقه إلى الفولغا، وقد اتجه شماال مارا بإقليم الجبال ثم همذان فالري، وعبر نهر جيحون، فبخارى، وأوغل بعدها في البراري الباردة في بالد األتراك، فواجه البرد القارس، فلم يجد له من معين سوى االستعانة )باإليمان بالله

تعالى والتضرع له، والتقرب إليه "فتذكر عندها أن شتاء )خوارزم( يمائل أيام الصيف مقارنة ببرد بالد الترك، فكان لسان حاله "نسيناكل مامربنا،وأشرفنا على الهالك" إال

أنه قدم تقريرا اثنوغرافيا عن حال الشعوب هناك، لم يهمل فيه التفاصيل الدقيقة، فاتسم تقريره بالدقة، والحرارة، لم يهمل حياة الحاكم واألمراء، وال الرجال العاديين،

ودمج برسالته الجغرافية والتاريخ، والمكان والزمان، فأعطانا مقطعا من حياة الشعوب التركية، بما فيهم البجناك والباشغرد، والغزية )التغزغز(، وأكثر ما أثار انتباهه، وصف الطقس لماعاناه من برد، وللحياة الدينية، والموقف من المرأة،

والسلوك المتعلق بالجسد من نظافة وأزياء، فضال عن المطبخ، والعالقة بالموتوالدفن.

ووصل، في الشتاء،على شواطئ جيحون حيث ترقد مدينة الجرجانية، فصارت أول ماصادفه من بالد االتراك، وكان يسكن هذه المدينة االترارك والتركمان، فسجل

انطباعه األول عنهم". هم أوحش الناس كالما وطبعا، كالمهم أشبه شيء بصياح فأقام أياما هناك، تجمد فيها "نهر جيحون من أوله إلى آخره" وكانت(58)الزرازير".

الخيل والبغال والحمير والعجل تجتازه "كما تجتازه على الطريق وهو ثابت"، فأحس وكأن "بابا من الزمهرير قد فتح علينا، وال يسقط فيه الثلج إال ومعه ريح عاصف". فإن

أراد أحد أن يبر ضيفا، قال له "تعال إلي.. فإن عندي نار طيبة" وكان إن خرج ابن فضالن من الحمام ودخل البيت رأى لحيته وكأنها "قطعة واحدة من الثلج" وينام وهو

)متدثر باألكيسة والفراء، ورأى أنهم يغطون الجباب بأغطية من جلود الغنم لئال تتشقق.

وعندما خف الثلج، ومرت مياه جيحون، دخل وأوغل في البراري التركية والشمالية،(59 الجمال إلى ركبها فيه"، ثم أوغلوا في بالد الترك.. »ال يلقانا أحد،فصادفوا ثلجا "مشت

جبل... فنسينا كل ما مربنا". ثم أفضوا إلى قبيلة "من األتراكفي برية قفر، بغير يعرفون بالغزية" وهم في الشمال الشرقي لبحر قزوين، فوجد هؤالء "لهم بيوت شعر،

يحلون ويرتحلون، ترى منهم األبيات في كل مكان، على عمل البادية، وإذ هم في(60)شقاء".

-324-

وقدم ابن فضالن صوره اثنوغرافية مركبة عن حياة هؤالء الغزية في شتى المجاالت، فهؤالء القبائل البدوية المنتشرين في البراري، كان لهم ملكا، "وملك الترك

(61)الغزية يقال له بيغو، وهو اسم األمير... ويقال لخليفته كوذكين". ولهذا الملك قائدا للجيش يقال له: "اترك بن القفطان"، زاره ابن فضالن فأنزله ذاك في "قباب تركية"،

فالحظ أن لهذا القائد عيال "وحاشية وبيوت"، واهدته بعثة ابن فضالن "ثياب وزبيب كما الحظ أن زوجة القائد، هي امرأة(62)وجوز وفلفل وجاورس )نوع من الحبوب(..".

أبيه المتوفي، وقد دخل عليه ابن فضالن وقدم له هدية دنانير، ومثاقيل مسك، وجلود أديم، وثياب من مرو، وقرطيق )قميصين قصيرين(، وخف أديم، وثوب ديباج، وأثواب

حرير، وإلمرأته خاتما ومقنعة، فنزع صاحب الجيش ديباجة، ليلبس ما قدم إليه من ثياب، فالحظ ابن فضالن، أن قرطق )قميص( صاحب الجيش الذي تحت الديباج "قد تقطع وسخا ألن رسومهم )عاداتهم( أن ال ينزع الواحد منهم الثوب الذي يلي جسده

فانزعج ابن فضالن، لهذا اإلهمال من صاحب الجيش لنظافة(63)حتى ينتشر قطعا". ثيابه، ولكياسته في ارتدائها، فمن الصعب عليه، وهو ابن بغداد، أن يقبل بحيادية عادة

الغز بأن يلبسوا قميصا )قرطقا(، ال يخلعه حتى يهترئ! وكان من الطبيعي أن تثير انتباهه عقائدهم الدينية، وعباداتهم، وقد دخل بالدهم قبل أن ينتقل الغزية إلى اإلسالم، لذا قال عنهم "هم في شقاء... كالحمير الضالة ال

يدينون لله بدين، وال يرجعون إلى عقل، وال يعبدون شيئا، بل يسمون أربابا". فهم يعبدون قادتهم ويألهونهم، فهم إذا "استشار أحدهم رئيسه في شيء قالوا له: "يا رب

(64)أيش أعمل في كذا".

وعلى الرغم من هذا التأليه لقادتهم السياسيين، فإنهم، في إدارتهم لحياتهم العامة، يعتمدون على التشاور، وتبادل الرأي فيما بينهم، ولكل واحد دور ورأى، مهما

صغر موقعه اإلجتماعي، "وأمرهم شورى بينهم، غير أنهم متى اتفقوا على شيء،(65)وعزموا عليه جاء أرذلهم وأخسهم فنقض ما قد أجمعوا عليه". وهم يقولون تقربا

لزوارهم، والعابرين لبالدهم من المسلمين "ال إله إال الله محمد رسول الله"، غير أنهم (66)إذا أصابهم ضيق، رفعوارأسهم إلى السماء قائلين بالتركية )الله الواحد(.

-325-

lيlفlخlي lالlف l،lيlزlغlلlا lيlكlرlتlلlا lعlمlتlجlمlلlا lيlف lةlأlرlمlلlا lعlقlوlم lدlنlع lاlيlلlم lالنlضlف lنlبlا lفlقlوlت lا lيlف lمlاlشlتlحlالlا lنlمlو l،lةlفlعlلlا lدlعlاlوlق lنlم lةlأlرlمlلlا lفlفlخlت lنlم lهlبlاlرlغlتlسlاlو l،lهlجlاlعlزlنlا

lرlتlسlت lال lكlلlذlك l،lمlهlرlيlغ lنlم lالlو l،lمlهlلlاlجlر lنlم lنlرlتlتlسlي lالl" lمlهlءlاlسlن lنlأ lىlأlرlف l،lسlاlبlلlل l.l"lسlاlنlلlا lنlم lدlحlأ lىlلlع lاlهlنlدlب lنlم lةlأlرlمlلlاl(67l)l،lهlرlاlد lيlف lلlجlر lىlلlع lاlمlوlي lلlزlن lذlإ

lاlهlجlرlف lتlفlشlك lذlإ lاlنlثlدlحlت lيlه lاlمlنlيlبl" lاlهlنlأ lظlالح lةlأlجlفlو l،lاlمlهlسlلlجlم lةlأlرlمlلlا lاlمlهlتlكlرlاlشlف lنlال أlإ lاlهlجlوlز lنlم lنlاlك lاlمlف l"lهlلlلlا lرlفlغlتlسlاl" الlئlاlق l،lهlهlجlو lالنlضlف lنlبlا lرlتlسlف l"lهlتlكlحlو

lوlه l.l.lهlنlوlصlتlو lهlنlوlرlتlف lمlكlتlرlضlحlب lهlفlشlكlتl" lالlئlاlق l،lالنlضlف lنlبlا lفlقlوlم lاlبlرlغlتlسlم lكlحlض l.l"lهlيlطlغlت lنlأ lنlم lرlيlخl(68l)lفlفlخlت lلlبlاlقlم lيlف lهlنlأ lنlالlضlف lنlبlا lفlشlتlكlا lدlقlف lلlعlفlلlاlبlو

lرlهlظ lنlمlو l،lاlنlزlلlا lنlوlفlرlعlي lسlيlلl" lمlهlف l،lيlرlعlتlلlا lىlلlإ lاlهlلlيlمlو l،lسlاlبlلlلlا lنlم lمlهlدlنlع lةlأlرlمlلlا l.l"lنlيlفlصlن lهlوlقlش lهlلlعlف lنlم lءlيlش lىlلlع lهlنlمl(69l)lنlوlحlبlقlتlسlي lمlهlنlإlف l،lكlلlذ lنlال عlضlف

lمlهlيlلlع lمlكlحlي l،lطlاlوlلlلlا lنlاlسlرlاlمlي lنlاlذlلlلlاlف l،l"lاlدlج lمlيlظlع lمlهlدlنlع lطlاlوlلlلlا lرlمlأlف l،lطlاlوlلlلlا l.lاlمlهlالlك lلlتlقlلlاlبl(70l)lبlطlخlيlف lبlطlاlخlلlا lيlتlأlي lنlأ lيlفlكlي lذlإ l،lةlطlيlسlب lجlاlوlزlلlا lيlف lمlهlتlاlدlاlعlو

lنlم lهlقlفlاlو lاlذlإlف l،lكlلlذ lهlبlشlي lاlم lوlأ l،lيlمlزlرlاlوlخ lبlوlث lءlاlقlلl" l،lاlهlيlخlأ lوlأ lاlهlيlبlأ lنlم lةlاlتlفlلlا lرlيlغ lوlأ lبlاlوlد lوlأ lلlاlمlج lنlمl" l،lةlأlرlمlلlا lرlهlم lفlلlأlتlي lنlأ lنlكlمlيlو l"lهlيlلlإ lاlهlلlمlحl" lاlهlرlمlأ lكlلlمlي

lاlذlإlف l،lهlيlلlع lاlهlيlلlو lقlفlاlو lيlذlلlا lقlاlدlصlلlا lىlفlوlيl" lىlتlح lجlاlوlزlلlا lمlتlي lنlأ lنlكlمlي lالlوl،l"lكlلlذ l،lاlهlتlاlوlخlأlو lاlهlمlأlو lاlهlيlبlأ lةlرlضlحlب lاlهlذlخlأlيlفl" l،lةlاlتlفlلlا lلlزlنlم lىlلlإ l)lبlطlاlخlلlاl( lءlاlج l،lهlاlيlإ lهlاlفlو

l.l"lهlنlوlعlنlمlال يlفl(71l)lةlجlوlز lهlلlو lلlجlرlلlا lتlاlم lاlذlإ lمlهlنlأ lيlه l،lاlضlيlأ lجlاlوlزlلlا lيlف lمlهlتlاlدlاlع lنlمlو l.lهlمlأ lنlكlت lمlل lنlإ l،lهlتlأlرlمlإlب lرlبlكlألlا lهlنlبlا lجlوlزlت l،lدlالlوlأlوl(72l)lال lمlهlنlأ lمlهlيlلlع lرlكlنlتlسlيlو

lةlبlاlنlجlلlا lنlم lفlيlضlلlا lلlسlتlغlي lنlأ lنlم lنlوlرlيlطlتlيlو l،lعlاlمlجlلlا lدlعlب lةlبlاlنlج lنlم lنlوlلlسlتlغlي lلlاlسlتlغlالlا lنlأ lنlوlنlظlي lمlهlنlأل l،lلlيlلlلlا lرlخlآ lيlف lمlهlنlع lةlيlفlخ lلlسlتlغlي lنlأ lهlيlلlعlف l،lمlهlتlرlضlحlب

l"lءlاlمlلlاlب lسlرlغlت lهlنlأل l،lاlنlرlحlسlي lنlأ lدlيlرlي lاlذlهl" lنlوlلlوlقlيlف l،lاlيlرlحlس lاlسlقlط lنlمlضlتlي l.l"lالlاlم lهlنlوlمlرlغlيlوl"l(73l)

بالدهومن السلوكيات الشخصية واالجتماعية التي أثارت استغرابه، وهو قد ألف في أن يطيل الرجال لحاهم، فإذ ابه يرى حرص رجالهم على نتفها ماعدا شواربهم

"والترك كلهم ينتفون لحاهم إال اسبلتهم، وربما رأيت الشيخ الهرم منهم، وقد تنف (74)لحيته، وترك شيئا منها تحت ذقنه، فإذا رآه إنسان من بعد لم يشك أنه تيس".

وباإلضافة إلى ذلك، فمن عاداتهم إذا مرض الرجل منهم، فإن كان غنيا وعنده عبيد وجوار، تركه أهله لعبيده يخدمونه "ولم يقربه أحد من أهل بيته، ويضربون له خيمة

ناحية من البيوت "فال يزال فيها إلى أن يموت أو يبرأ". وإن كان عبدا أو فقيرا "رموه (75)في الصحراء وارتحلوا عنه"

-326-

أما طريقتهم في دفن موتاهم فإنهم إن مات رجل منهم حفروا له حفرة كبيرة على "هيئة البيت" في منطقته وقومه، وجعلوا في يده قدم خشب فيه نبيذ، ووضعوا

كل ماله معه في ذلك البيت، ثم سقفوا البيت عليه، وبنوا فوقه ما يشبه القبة، ثم عمدوا إلى دوابه، فقتلوا منها، إن كان غنيا، مائة رأس إلى مائتي رأس، ثم أكلوا لحومها ما عدا "الرأس والقوائم والجلد والذيل، فإنهم يصلبون ذلك على خشب،

وهو ما يوحي بإيمانهم بنوع من الخلود،(76)وقالوا: "هذه دوابه يركبها إلى الجنة".وبمفهوم الجنة، والبعث بعد الموت.

غير أن تلك الجوانب السلبية في سلوكهم لم تحجب الجوانب المحببة لدى ابن فضالن، الذي سجل بارتياح، إلى جوار ما رأى فيهم من شجاعة، ومن احتكامهم في أمورهم على )الشورى(، وتحريمهم اللواط، وتبسيطهم لطقوس الزواج، وتحريمهم

الزنا، فإن ما أثار إعجابه أيضا هي تلك األمانة واإلخالص في عالقاتهم المالية، فالرجل منهم إذا أراد السفر أو الرحيل، أخذ من صديقه حاجته "من جماله ودوابه"،فإذا

وبجاور هذه األمانة يوجد عند الترك النبل(77)عاد"قضاه ماله وأعاد إليه جماله ودوابه" والكرم، فإذا اجتاز التركي إنسان ال يعرفه، ثم قال: انا ضيفك، وأنا أريد من جمالك

كما الحظ ابن فضالن، أنه على الرغم من(78)ودوابك ودراهمك، دفع إليه ما يريد". مظاهر القسوة التي تحيط سلوك، األتراك الغزية، فإنه إذا أكرم أحد رجال منهم قابله

احتراما وعرفانا بالجميل. (79)األخير بالسجود له. اجتاز ابن فضالن بالد الغزية شماال، فصادف في شمال شرق قزوين شعب

، (ال يختلف في بداوته عن الغز، وهم فرع من قبائلBetchnaksتركي آخر )البجناك الغزية من القفجاق، ويقال أن أصلهم من تركستان الصينية ويكتفي بمالحظة أنهم

وصفهم الطبيب( 80)"سمر شديدو السمرة.. محلقوا اللحى، فقراء خالف الغزية". ومسيرة بالدهم ثالثين(81)المرزوي بأنهم "قوم سيارة يتبعون مواقع القطر والكالء".

يوما.lهمlنlأ l،lدlرlجlشlاlبlلlا lهوlو l،lرlآخ lكيlرlت lعبlش lضيlاlرlأlب lهlرlوlرlم lدlنlع lالنlضlف lنlبlأ lدlاهlوش

lنlوlضlرlقlيlو l..lلlمlقlلlا lنlوlكلlأlيlو l،lمlهlاlحlل lنlقوlلlحlيl" lمlهlو l،l"lلlتlلقlى اlا علlمlاlدlقlإl" lكlاlرlألتlا lدlشlأ .l"lهمlنlاlنlأسlب lلlمlلقl(82)اlلlكl" lنlأ l،lهمlيlلد lهlاهlبlتlنlا lتlارlثlي أlلتlا lةlيlنlيlدlال lتlاlدlاlقlإلعتlن اlمlو

l،وlعد lاءlقlل lوlأ lاlرlفlس lدlاlرlأ lاlإذlف l،lهlيlلlع lاlقهlعلlيlو lلlيlلlإلحlر اlدlق lىlلlع lةlبlخش lتlحlنlي lمlهlنlم lدlحlوا lفlيlصlلlل l،lبlر lءlاlتlشlلlل l:lاlبlر lرlشlع lيlنlثlا lله lنlأ lمlعlزlن يlمl" lمlهlنlن مlا أlمlك l"lهاlل lدlجlسlا وlهlلlبlق l،lبlر lلlيlلlول l،lرب lبlواlدlلlول l،lرب lاسlنlلlول l،lرب lرlحlبlلlول l،lرب lحlيlرlللlو l،بlر lرlطlمlلlول l،lرب

lقlلlعlيlو l"lهمlرlبlكlأ lوlه lاءlمlسlلlا lيlف lيlذlلlا lبlرlلlاlو l،lبlر lضlلألرlو l،lبlر lتlموlللlو l،lر ربlهاlنlلlول l:يlالمlإلسlا lهlانlمlإلي lةlرlيlغاlمlلlا l،lةlيlنlيlلدlت اlاlرlوlصlتlلlا lهlذlه lمlاlأم l،lاlنlجlهlتlسlالن مlضlن فlبlا

l.l"lاlرlيlبlك lاlوlعل lنlوlمlالlظlلlا lلlوlقlا يlمlع lهlلlا lىlالlعlتl"(83)l،تlاlيlلحlا lدlعبlتl" lمlهlنlم lةlفlئlاlى طlأlر lاlمlك l.l"lكيlرlكlال lدlعبlت lةlفlائlوط l،lكlمlلسlا lدlعبlت lةlفlائl(84)وطlةlرlاlاإلشlب lدlهlشlلمlي اlزlوlرlلمlا lلlمlكlيlو

lةlئlاlم lيlف lخlسlرlف lةlئlاlم lغlلlبlت l،lةlرlيlثlك lيlضlراlأ lهمlل l،lكlرlلتlن اlم مlوlق lةlيlرlفlلجlا lأن lلىlإ lثlجثlو l،نlسlح lرlظlنlمl" lهمlول l"lبlاlبlقl" lمlهlكنlاlسlمlو l،l)lهlدlنlك( lهمlسlيlى رئlمlسlيlو l،lخlسlرlف

l.l"lمlهlرتlاlجlت lةlرlثlكlل l،lلlاlوlمlأlو lوةlرlثlو l،مlاlخl(85)ض

-327-

وهlكlذlاl،l قlدlمl اlلlبlاlحثlوlنl اlلlعرlب صlوlرlةl عنl اlلlشlعوlبl اlلتlرlكlيlةl اlلlشlمlالlيlةl قlبlلl أlن l،lلlيlخlتlلمlاlو l،lيlعlاقlلوlا lهاlيlفlو l،lةlيlنlغ lةlرlدlاlن lرةlوlص lهي l،lهlنlم lاlءlجز lاlوlحlبlصlيlو l،lالمlإلسlا lاlوlنlبlتlي

lتlمlدlل قlاlألحوlا lلlكlب lهاlنlأ واlلlسlرlدl اlلlموlضlوlعlي اlلمlمlزlوlجl بlاألحlكlاlمl وlاlلمlعlايlيlرl،l إlالlكlلlت lاةlن حيlم lلlهوlجlم ومlاlه lعlطlقlم lةlفlرlعlلم lهاlنlع lءlاlنlغlتlالسlا lنlكlمlال ي lتlاlيlعطlم

.lبlوlعlلشlا

-328-

الهوامش.188 مصدر سابق ص 1- س. أي. بو سورون. آسيا الوسطى. تراث اإلسالم.ج1 - فاسبلي باوتولllد. تركسllتان من الفتح العllربي إلى الغllزو المغllولي، ترجمllة صllالح الllدين عثمllان2

.59. ص 1981هاشم. الكويت المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب. - قدامllة بن جعفllر. نبllذة من كتllاب الخllراج وصllنعة الكتابllة. )يلي كتllاب. بن خرداذبllة. المسllالك3

.262والممالك( مكتبة المثنى بغداد. بدون تاريخ. ص .124- ابن خرداذبة. ص 4.265- الدمشقي ص 5 - النسوي. محمد بن أحمد. سيرة السلطان جالل الدين منكبرتي. تحقيllق أحمllد حمllدي. دار الفكllر6

.40. مطبعة اإلتحاد بمصر. ص 1953العربي. م( مسllالك اإلبصllار في1358ه- - 749- ابن فضل الله العمري. شهاب الدين أحمد بن يحllيى )ت 7

ممالك األبصار. السفر الثالث تحقيق. د. احمد عبد القادر الشllاذلي. إصllدارات المجمllع الثقllافي..26. ص 2000أبو ظبي.

.W- فاسيلي. بارتولد. 8 Barthold الميةllارف اإلسllرة المعllاالتراك. المامة التاريخية وجنسية. دائ (.64. ص 1969المجلد الثاني. كتاب الشعب القاهرة

.67- المصدر نفسه. ص 9.61- المسعودي الفقيه واإلشراف قسم أول - ص 10.961 - 960- اإلدريسي. نزهة المشتاق. المجلد الثاني. ص 11926- المصدر نفسه. ص 12.934- المصدر نفسه. ص 13.339- المصدر نفسه. ص 14518 - 517- المصدر نفسه. مجلد أول. ص 15519- المصدر نفسه. مجلد أول. ص 16.518- المصدر نفسه. ص 17.515. والقزويني. أنار البالد ص 23 ص 5. ج2- الحموي مجلد 18.515. والقزويني المصدر نفسه. ص 4- الحموي المصدر نفسه. ص 19514- القزويني. المصدر نفسه. ص 20179_178- ابن خرداذبة ص212249 ص3- الطبري ج 2267-62،ص1964. تحقيق وشرح هارون. مكتبة الخانجي.القاهرة.1الجاحظ.رسائل الجاحظ.ج- 2371- بارتولد.األتراك مصدر سابق.ص24264- قدامة بن جعفر ص 25309- الحميري. ص 26.309- المصدر نفسه. ص 27149 وابن رسته - ص 313 قارن مع المقدسي. أحسن التقاسيم ص 163- ابن خرداذبة. ص 28.149 وابن رسته - ص 314 - 313، قارن مع المقدسي ص 166- ابن خرداذبة. ص 29168- ابن خرداذبة ص 30312- قدامة - ص 31 - وما بعدها1593 ص 2- الطبري ج32.67 - 61- بارتولد. الترك. ص 33 - س. أي. بوسورث. آسيا الوسطى. )تراث اإلسالم. قسم أول. تصنيف شاخت وبوزورث. مصllدر34

. قارن ف. بارتولد وتاريخ الحضارة اإلسالمية. نقله عن التركية حمزه طllاهر. دار190سابق. ص .87. ص 1952 2المعارف مصر. ط

519. ص 1- اإلدريسي. ج35.31. ابن خرداذبة ص 23. ص 5. ج2- الحموي. مجلد 36

-329-

ه- أبو أب في الصين والترك والهنllد. طبllع في514- الطبيب شرف الزمان طاهر المروزي كتبه منه 3722 - 18 ص 1942واوالده في كمبرج لندن. W.Heffer بريطانيا العظمى من قبل

.188- بوسورف. آسيا الوسطى. مصدر سابق ص 38329. وابن الفقيه. ص 31- ابن خرداذبة. ص 39.24. ص 5 ج2- الحموي. مجلد 40.24- المصدر نفسه. ص 4124- المصدر نفسه. ص 42582. والقزويني. أخبار البالد. ص 24- المصدر نفسه. ص 43295- اليعقوبي. كتاب البلدان. ص 44582- القزويني. اخبار البالد ص 45521- اإلدريسي. ص 46 )فيهم مجlوس يعبllدون النlار وفيهم31 قارن مع ابن خرداذبllة ص 25. ص 5 ج2- الحموي مجلد 47

زنادقة"..63 - 62- بارتولد. الترك. مصدر سابق. ص 4822. ص 1899 تحقيق هوارت. بل ريس 4- المقدسي. المطهر بن طاهر. كتاب البدء و التاريخ. ج49.582- القزويني. اخبار البالد. ص 5025. ص 5 ج2- الحموي مجلد 5125- المصدر نفسه ص 5225- المصدر نفسه ص 53588- القزويني - أخبار البالد ص 5419 - 18- المروزي ص 5519 - 18- المصدر نفسه ص 56189- بوسورف آسيا الوسطى. مصدر سابق. ص 57- ابن فضالن. احمد بن العباس بن راشد بن حماد. رسالة ابن فضالن. حققها د. سامي الدهان. ط58

.113. ص 1978.وزارة الثقافة. دمشق. 2117 - 116- المصدر نفسه. ص 59122- المصدر نفسه ص 60131- المصدر نفسه 61123- المصدر نفسه ص 62133 - 132- المصدر نفسه 63122- المصدر نفسه. ص 64122- المصدر نفسه ص 65123- المصدر نفسه ص 66123- المصدر نفسه. ص 67123- المصدر نفسه. ص 68124 – 123- المصدر نفسه. ص 69128 – 127- المصدر نفسه. ص 70124- المصدر نفسه. ص 71125- المصدر نفسه. ص 72125- المصدر نفسه. ص73131- المصدر نفسه. ص 74130-129- المصدر نفسه. ص 75130- المصدر نفسه. ص76126- المصدر نفسه. ص 77126- المصدر نفسه. ص 78129- المصدر نفسه. ص 79136- المصدر نفسه. ص 8021- المروزي. ص 81

-330-

138- ابن فضالن. ص 82139- المصدر نفسه. ص 83139- المصدر نفسه. 8422- المروزي. ص 85

-331-

المصادر والمراجع - ابن طاهر المقدسي. مطهر. كتاب البدء والتاريخ. )أربعة أجزاء(. الخواجllة أرنسllت لllرو الصllحاف.

1907مدينة باريس - ابن النديم محمد بن اسحاق الفهرست. المكتبة التجارية الكبرى. مطبعة االستقامة. القاهرة. بدون

تاريخ. - ابن بطوطة، محمد بن عبllد اللllه اللllواتي: رحلllة ابن بطوطllة "تحفllة النظllار في غllرائب األمصllار

وعجائب األسفار"، دار الشرق العربي، بيروت، دون تاريخ..1965- ابن المقفع. كليلة ودمنة. افيلسوف بيدبا. منشورات دار الحياة. بيروت

م(: الlدرر الكامنllة في أعيlان المائlة الثامنlة،1456هl-852- ان حجllر العسlقالني، أحمlد بن علي )القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، دون تاريخ.

- ابن حوقل، أبو القاسم محمد بن حوقل النصيبي: صورة األرض، منشllورات مكتبllة الحيllاة، بllيروت1992.

ll-lنlوlد l،lدlاlدllغlب l،lىlنlثlمlلlا lةlبlتlكlم ،lلكlاlمlلمlوا lلكlاlسlمlلlا l:lهlلlلlا lدlبlع lنlب lهlلlلlا lدlبlع lمlاسlلقlا lوlبlأ l،lةlبlذlاlدlرlخ lنlبlا l.lخlيlرlاlت

.1959- ابن خلدون، عبد الرحمن: تاريخ ابن خلدون، دار الكتاب اللبناني، بيروت .1986- ابن خلدون، عبد الرحمن: مقدمة ابن خلدون، دار القلم، بيروت

- ابن فضل الله العمري، شهاب الدين احمllدبن يحllيى، كتllاب مسllالك االبصllارفي ممالllك االمصllار،2003تحقيق: د. أحمد عبد القادر الشاذلي. غصدار المجمع الثقافي أبو ظبي

- ابن رستة، أحمد بن عمر: الجزء السllابع من "األعالق النفيسllة"، تحقيllق دي خويllه، مطبعllة بريllلم.1892

- ابن سllعيد المغllربي، أبllو الحسllن علي بن موسllى: كتllاب الجغرافيllة، تحقيllق إسllماعيل العllربي،.1970المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت

1967- ابن األثير. أبو الحسن علي أبي كرم الشيباني. الكامل في التاريخ. دار الكتاب العربي. بيروت - ابن الزبير. القاضي رشيد. كتاب الllذخائر والتحllف. حققllه: د. محمllد حميllد اللllه. سلسllلة الllتراث

.1959( دائرة المطبوعات والنشر في الكويت 1العربي ) هlll،1301- ابن الفقيه، أبو بكر أحمد بن محمد الهمذاني: مختصر كتاب البلدان، مطبعة بريllل-ليllدن

دار صادر، بيروت، دون تاريخ. - ابن الوردي، سراج الدين أبي حفص عمر بن مظفر: خريدة العجائب وفريدة الغlرائب، أعlده عمlر

فاخوري، دار الشرق العربي، بيروت-حلب، دون تاريخ. - أبو حيان التوحيدي، علي بن محمد بن العباس: كتllاب اإلمتllاع والمؤانسllة، صllححه وضllبطه أحمllد

أمين وأحمد الزين، منشورات مكتبة الحياة، بيروت، دون تاريخ.أبو حنيفة الدينوري. األخبار الطوال. تحقيق عبد المنعم عامر. مكتبة المثنى. بغداد. بدون تاريخ-

- أبو الفداء، عماد الllدين إسllماعيل بن محمllد بن عمllر: كتllاب تقllويم البلllدان، طبllع مدينllة بllاريس، دار صادر-بيروت، دون تاريخ.1850

- إخوان الصفا وخالن الوفاء، رسائل إخوان الصفا، )أربعة أجزاء(، المكتبة التجارية الكبرى، القllاهرة1928.

- اإلدريسي، أبو عبد الله محمد بن محمlد بن عبlد اللlه بن إدريس الحمllودي الحسllني: كتlاب نزهlةالمشتاق في اختراق اآلفاق، مكتبة الثقافة الدينية، دون مكان، ودون تاريخ.

- األصطخري، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الكرخي: المسالك والممالك، تحقيllق د.محمllد.1961جابر عبد العال الحسيني، دار الفكر، القاهرة

( دار272- أحمد. نفيس. جهود المسلمين في الجغرافية. ترجمة فتحي عثمان. سلسلة ألف كتllاب )القلم. مصر بدون تاريخ.

- أفاية، محمد نور الدين: الغرب المتخيل-صورة اآلخر في الفكر العربي اإلسالمي الوسيط، المركllز.2000الثقافي العربي، بيروت

.1991- أو مليل. علي. في شرعة االختالف. دار االمان. الرباط. -332-

- أرنولد. توماس. تراث اإلسالم )جي. آ. ج. كرامرز. الجغرافية التجارة( عربه جرجس فتح اللllه. دارم. 1979. بيروت 3الطليعة ط

م.1983- أبو تلة. خديجة. اإلسالم والعالقات الدولية في السلم والحرب. دار المعارف. القاهرة م. 1965. بيروت. تاريخ 1- أمين. أحمد. ضحى اإلسالم. دار الكتاب العربي. ط

- بدوي، فؤاد: ابن بطوطة، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، دون تاريخ. ll- ةlالم المعرفlلة عlام. سلسl173باوند. جفري. المعتقدات الدينية لدى الشعوب. ترجمة عبد الفتاح إم.

1993المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب. الكويت - برزك بن شهريار، الناخذاة الرامهرمزي: كتاب عجائب الهند برهllا وبحرهllا وجزائرهllا، تحقيllق عبllد

.2000الله محمد الحبشي، المجمع الثقافي-أبو ظبي - البيروني، أبو ريحان محمد بن أحمد: القانون المسعودي، منشورات مجلس دار المعارف العثمانيllة

بالهند، حيدر آباد، دون تاريخ. l-lيlف lةlلlوlبlقlم lلةlوlقlم lنlم lدlنlلهlل lاlم lقlيlقlحlت lيlف lيlنlوlرlيlلبlا lابlتlك l:lدlمlحlأ lنlب lدlمlحlم lنlاlحlيlر lوlبlأ l،lيlنlوlرlيlبlلlا

lدllنlهlلlا l،lنlكlدllلlا l- lدlاllبlآ lرlدllيlحlب lةlيlانlمlثlلعlا lفlرlاlعlمlلlا lةlرlئlاlد lلسlجlم lةlعlبlطlم ،lلةlوlذlرlم lوlأ lقلlعlلl1377اl- 1958l.

- البغدادي. اإلمام أبو منصور عبد القاهر طllاهر بن محمllد. كتllاب الفllرق بين الفllرق وبيllان الفرقllةالناجية منهم. ضبطه محمد بدر مطبعة المعارف مصر. بدون تاريخ

- البالذري. اإلمام أبو العباس أحمد بن يحيى بن جابر. فتوح البلدان. حققllه عبllد اللllه أنيس الطبllاع..1957وعمر أنيس الطباع. دار النشر للجامعيين. بيروت

.1952. 2- بارتولد. تاريخ الحضارة اإلسالمية. ترجمة حمزة طاهر. دار المعارف. مصر ط - بانيكllار. ل. م. آسllيا والسllيطرة الغربيllة. ترجمllة عبllد العزيllز توفيllق جاويllد. وزارة الثقافllة. دار

م.1962المعارف. مصر. - الثعالبي. أبو منصور. عبد الله بن محمد بن اسماعيل. لطائف المعارف. تحقيllق ابllراهيم اإلبيllاري. حسن كامل الصيرفي. دار إحياء الكتب العربية. عيسى البllابي الحلllبي وشllركاه. القllاهرة. بllدون

تاريخ. ، تحقيق وشرح عبllد السllالم هllارون، مكتبllة1- الجاحظ، أبو عثمان عمر بن بحر: رسائل الجاحظ، ج

م.1964الخانجي، القاهرة - الجاحظ... الحيllوان. تحقيlق عبlد السlالم محمllد هlارون. مكتبlة مصlطفى البlابي الحلlبي وأوالده

1945القاهرة 2001الجابري. د. محمد عابد. العقل األخالقي العربي. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت -

( دار2- جllوهر. حسllن محمllد. وعبllد الحميllد بيllومي. الصllين. سلسllلة مجموعllة شllعوب العllالم )المعارف. مصر بدون تاريخ.

أجllزاء(، مكتبllة4- حسن، حسن إبllراهيم تllاريخ اإلسllالم السياسllي الllديني والثقllافي االجتمllاعي، ).1960النهضة المصرية، القاهرة

.1957-1955 أجزاء(، دار صادر، بيروت 5- الحموي، ياقوت بن عبد الله: معجم البلدان، ).1984- حميدة، د.عبد الرحمن: أعالم الجغرافيبن العرب، دار الفكر، دمشق

- الحميري، محمد بن عبد المنعم: الروض المعطار في خير األقطار، حققه إحسان عباس، مؤسسllة.1980، بيروت 2ناصر للثقافة، ط

- حوراني. جورج فضلو. العرب والمالحة في المحيط الهنllدي في العصllور القديمllة وأوائllل القllرونالوسطى، ترجمة السيد يعقوب بكر مكتبة األنجلو مصرية. القاهرة. بدون تاريخ.

ll- lيlبlرllلعlا lرllكlفlلlا lغllبlاlوlن lلةllسlلlس l،lيlدlوlعllسlمlلlا l:lيlنlسlح lليlع l،lيlطلlوlبlرlخlلl28اlط l،2،lفlارllعlلمlا lرlاlد l، lرlصl1980مl.lم

- خصباك، د.شاكر: الجغرافية عند العرب، موسوعة الحضارة العربية اإلسllالمية، المؤسسllة العربيllة.1995للدراسات والنشر، بيروت

.1910- الخضري، محمد: نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، القاهرة - خورشيد، فاروق: أديب األسطورة عند العرب، سلسلة عllالم المعرفllة، المجلس الوطllني للثقافllة

.2002والفنون، الكويت - أغسطس - الثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن محمد اسllماعيل. لطllائف المعllارف. تحقيllق إبllراهيم اإليبllاري. حسن كامل الصيرفي. دار إحياء الكتب العربية. عيسى البllابي الحلllبي وشllركاه. القllاهرة. بllدون

تاريخ

-333-

- الدمشقي، محمد بن أبي طالب األنصاري )شيخ الربوة(: نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، طبllع فيم.1865هl-1281مدينة بطرسبورغ المحروسة، مطبعة األكاديمية اإلمبراطورية

1983- الدوري. عبد العزيز. بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب. بيوت - ديورانت. ول. قصة الحضارة. عصر اإليمان. ترجمة محمد بدران اإلدراة الثقافية في جامعة الllدول

العربية. القاهرة. - الذهبي. شمس الدين أبو عبد الله محمد بن احمد ين عثمان. دول اإلسالم. تحقيق حسن اسماعيل

1999مروة. دار صادر. بيروت. - الزهllري، أبllو عبllد اللlه محمllد: كتllاب الجغرافيllة، تحقيllق محمllد حllاج صllادق، المعهllد الفرنسllي

.1958للدراسات العربية، دمشق .1962- زيادة، نقوال: الجغرافية والرحالت عند العرب، األهلية للنشر والتوزيع، بيروت

.1996(. والقاهرة 97- زيادة، نقوال: الرحالة العرب. سلسة ألف كتاب )م.1998- زيادة. نقوال. مشرقيات. في صالت التجارة والفكر. رياض الريس. لندن.

Lothrop- ستودارد، لوثروب ) Stoddoudةllشكيب أرسالن( حاضر العالم اإلسالمي، نقله إلى العربي( :) .1971 مجلدات(، دار الفكر، بيروت 4عجاج نويهض، بقلم األمير شكيب أرسالن، )

- دار المعارف. مصllر. بllدون253- زيتون. محمد محمود. الصين والعرب عبر التاريخ. سلسلة إقرأ تاريخ.

- سهراب، أبو الحسن بن بهلول )القرن التاسع الميالدي(: كتاب عجllائب األقllاليم السllبعة إلى نهايllةم، بإشراف مزيك حدة.1929هl-1347المعمورة، مطبعة فيينا،

- سوسة، د.أحمد: الشريف اإلدريسي، في الجغرافية العربية، نقابllة المهندسllين العراقllيين، مكتبllة.1974جهري، بغداد

lوllبlأ ،lيlافllقlثlلlا lعllمlجlلمlا ،lيllشlبlحlلlا lهllلlلlا lدlعب lقlقيlحlت ،lيlفlاlرlيlلسlا lةlلlحlر l:lنlسlحlلlا lدlيlز lوlبlأ l،lيlفlاlرlيlلسlا l- lيl1999ظبl.

- الساداتي. د. أحمد محمد. تاريخ المسلمين في شبه القllارة الهنديllة وحضllاراتها )جllزءان( سلسllلةألف كتاب. مكتبة اآلداب ومطبعتها القاهرة بدون تاريخ.

- الشهرستاني. اإلمام أبو الفتح محمد بن عبد الكريم. الملل والنحllل. اعتllنى أبllو عبllد اللllه السllعيد.1994المندوة. مؤسسة الكتب الثقافية بيروت

- شاخت، وبوزورث: تراث اإلسالم، جزءان، ترجمة محمد زهير السمهوري وآخllرون، سلسllلة عllالمم.1978المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب، الكويت

- صاعد األندلسي، أبو القاسم صاعد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد: طبقات األمم، تحقيق حياة.1985بوعلوان، دار الطليعة، بيروت

- صغير، بشير: الجغرافيون العرب، تعريب وتقديم حمادي السllاحلي، دار الغllرب اإلسllالمي، بllيروتم.1984

.1950- الصيني بدر الدين حي. العالقات بين العرب والصين. مكتبة النهضة المصرية م.1987، دار المعارف، مصر 4- ضيف، شوقي: الرحالت، ط

م(: تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبllو الفضllل913هl-300- الطبري، أبو جعفر بن جرير )ت .1961إبراهيم، دار المعارف، مصر

1965- طه نجم. وديعة. الجاحظ والحاضرة العباسية. مطبعة اإلرشاد. بغداد .1970- طرخان، إبراهيم علي: دولة غانة اإلسالمية، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر،

- طرخان، إبراهيم علي: دولة مالي اإلسالمية، دراسات في التاريخ الغربي اإلفريقي، الهيئة المصرية.1973العامة للكتاب، القاهرة

l.lابlتlك lفlلlأ lةlلlسlلlس l.lبlرlعlلlا lدlنlع lمlلوlعlلlا l.lظlافlح lريlدlق l.lنlاlقlوlط l-4lنlوlدllب l.lةlرlهlاllلقlا l.lرllصlم lةllبlتlكlم l. l.lخlيlرlاlت

- عثمان، د.شllوقي عبllد القllوي: تجllارة المحيllط الهنllدي-عصllر السllيادة اإلسllالمية، سلسllلة عllالم.1990(، المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب، 151المعرفة، الكويت )

.1991- العظمة، عزيز: العرب والبرابرة-المسلمون والحضارات األخرى، رياض الريس، لندن - علوي. س.م. ضياء الدين. الجغرافية العربية في القرن التاسع والعاشر الميالديين تعlريب وتحقيlق. د.

عبد الله يوسف الغنيم. د. طه الجاسر )نسخة مصورة في المكتبة الوطنية بحلب(1992- عويدات. حسين العرب والنصاري. االهالي. دمشق

1954. دار المعارف مصر 144- العدوي. د.ابراهيم احمد. ابن بطوطة في العالم اإلسالمي إقرأ - الغرناطي، أبو حامد عبد الرحيم بن سليمان بن ربيع القيسي األندلسي: تحفة األلباب ونخبة اإلعجllاب،

.1993، واآلفاق الجديدة-المغرب، 2تحقيق إسماعيل العربي، دار الجيل-بيروت، ط

-334-

(، المجلس األعلى للثقافة والفنون138- فهيم، حسين محمد: أدب الرحالت )سلسلة عالم المعرفة-.1989واآلداب، الكويت

- قدامllة بن جعفllر: نبllذة من كتllاب الخllراج وصllنعة الكتابllة، )يلي كتllاب المسllالك والممالllك، البنخرداذبة(، مكتبة المثنى، بغداد، دون تاريخ.

.1960- القزويني، زكريا بن محمد بن محمود: آثار البالد وأخبار العباد، دار صادر، بيروت - القزويllني، زكريllا بن محمllد بن محمllود: عجllائب المخلوقllات وغllرائب الموجllودات، دار الشllرق

العربي، بيروت-حلب، دون تاريخ. ll-( ،اllناعة اإلنشll14القلقشندي، أبو العباس شهاب الدين أحمد علي بن أحمد: صبح األعشى في ص

.1963 وزارة الثقافة واإلرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للكتاب، القاهرة جزءا(، - القفطي. جمال الlدين علي بن يوسlف بن ابllراهيم عبllد الوهllاب. اخبllار العلمllاء بأخيlار الحكمllاء.

1903ليبسك م.1972- كحالة، عمر رضا: التاريخ والجغرافية في العصور الوسطى، المطبعة التعاونية، دمشق

- كراتشكوفسllكي، إغنllاطيوس بوليlانوفتش: تllاريخ األدب الجغlرافي العllربي، ترجمllة صlالح الlدينم.1957عثمان، اإلدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، القاهرة

- كروزيه. تاريخ الحضlارات العlام )أربعlة مجلlدات(. ترجمlة أسlعد داغlر. وفريllد داغlر. منشllورات1966عويدات بيروت

.1956- لوبون غوستاف: حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، القاهرة - لوبون غوستاف. حضارة الهنlد. ترجمllة عlادل زعيllتر. دار إحيlاء الكتب العربيlة. ألصllحابها عيسllى

.1948البابي الحلبي وشركاه. القاهرة م.1977- لومبار موريس: اإلسالم في عظمته األولى، ترجمة ياسين الحافظ، دار الطليعة، بيروت

- لويس. برنارد. العرب والتاريخ. ترجمة نبيه أمين فارس. والllدكتور محمllود يوسllف زايllد. دار العلمم.1954للماليين. بيروت.

م.1986، مكتبة مدبولي، القاهرة 2- مؤنس حسين: تاريخ الجغرافية والجغرافيين األندلسيين، ط - متز، آدم: الحضارة اإلسالمية في القlرن الرابlع الهجllري، جlزءان، ترجمlة عبlد الهlادي أبlو ريllدة،

.1948، القاهرة 2مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط1915-1914- مسكويه. ابو علي احمد بن محمد.كتاب تجارب االمم، نشره ف. امروز، القاهرة

- المسعودي، أبو الحسين علي بن الحسين: التنبيllه واإلشllراف، جllزءان، إعllداد قاسllم وهب، وزارةم.2000الثقافة - دمشق

- المسعودي، أبllو الحسllين علي بن الحسllين: أخبllار الزمllان ومن أبllاده الحllدثان وعجllائب البلllدانم.1980، تحقيق عبد الله الصاوي، بيروت 1والغامر بالماء والعمران، ج

- المسعودي، أبو الحسين علي بن الحسين: مروج الذهب ومعlادن الجlوهر، جlزءان، تحقيllق محمlد.1964، مصر 4محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، ط

- المقدسي، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمدبن ابي بكر البشاري: كتاب أحسllن التقاسllيم، 1906في معرفة األقاليم،طبع في مدينة ليدن المحروسة، مطبعة بريل،

- المllروزي. الطlبيب شlرف الزمllان طlاهر. أبlواب في الصlين والlترك والهنlد. طبlع في بريطانيlه.1942وأوالده في كمبرج. لندن whefferالعظمى من

- المقريزي، تقي الدين: كتاب المواعظ واالعتبار بذكر الخطllط واآلثllار، )خطllط المقريllزي(، مكتبllةالمثنى، بغداد، دون تاريخ.

- المقريزي، تقي الدين: كتاب السllلوك لمعرفllة دور الملllوك، تحقيllق جمllال شllيال، لجنllة التllأليفم.1941والترجمة والنشر، القاهرة

- المقريزي، تقي الدين: الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك، نشر الدكتور جمال..1955الشيال، مصر

1978- مصطفى شاكر. التاريخ العربي والمؤرخون. )ثالثة أجزاء( بيروت .1981- ميكيل، أندريه: اإلسالم وحضارته، ترجمة د.زينب عبد العزيز، بيروت

.1995-1983 أجزاء(، وزارة الثقافة، دمشق 4- ميكيل، أندريه: جغرافية دار اإلسالم البشرية، ) - مجموعة من المؤلفين. أكاديمية العلllوم في االتحllاد السllوفيتي. معهllد االستشllراق. دراسllات في

م.1989. ترجمة أيمن أبو شعر. دار التقدم موسكو. 15 - 5تاريخ الثقافة العربية. القرن 1954- العدوي. د. أبراهيم. ابن بطوطة في العالم اإلسالمي. أقرأ. دار المعارف. مصر.

.1991- نصار حسين: أدب الرحلة، مكتبة لبنان، الشركة المصرية العالمية للنشر، القاهرة .1959- نمر. عبد المنعم. تاريخ اإلسالم في الهند دار العهد الجديد. مصر

جllزء(، وزارة18- النllويري، شllهاب الllدين أحمllد بن عبllد الوهllاب: نهايllة األرب في فنllون األدب، )الثقافة واإلرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، دون تاريخ.

-335-

- هارون، عبد السالم: تهذيب سيرة بني هشام، دار الفكر، بيروت، دون تاريخ. . المجلس الوطني للثقافllة والفنllون43- هويدي. فهمي. اإلسالم في الصين. سلسلة عالم المعرفة

. 1981واآلداب. الكويت م.1993- الهندي. د. إحسان. أحكام الحرب والسالم في دولة اإلسالم. دار النمر. دمشق

l.lتlوlرlيlب l.lةlثlاlدlلحlا lرlاlد l.lيlدlيlدlح lيlحlبlص lةlمlجlرlت l.lيlالمlإلسlا lسيlاlيlسlلlا lرlفكlلlا l.lيlرlمlغlتlنlوlم l.lتlاlو l-1981 - اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن واضllح الكllاتب: تllاريخ اليعقllوبي، جllزءان، دار العllراق، بllيروت

1955.- يحيى. د. جالل. تاريخ العالقات الدولية في العصور الحديثة. دار المعارف. مصر. بدون تاريخ.

.1987، بيروت 2- )ندوة(، "العرب وإفريقيا"، مركز دراسات الوحدة العربية، ط- مجلة الثقافة الهندية. تصدر عن الملحقية الثقافية. للسفارة الهندية. دمشق.

- مجلة دراسات تاريخية. دمشق - عالم الفكر. الكويت.- مجلة التسامح. عمان

-336-

فهرس2..................................................................................................مدخل

5..............................................................................................الهوامش6..........................................................................................الفصل األول

6.........................مسالك التعارف واالتصال بين العرب وحضارات الشرق األقصى6.......................................................................................تجارة ومعارف

11..............................................................انتشار الجاليات العربية اإلسالمية12............................................................................رسائل وسفراء وهدايا

14..................................................................................االقتباس الترجمة18..................................................................................الرحالة والرحالت

35............................................................................................الهوامش40...................................................................................الفصل الثاني

40...................................................معايير الثقافة العربية الوسيطة ومرجعيتها54......................................................................وحدة التاريخ الكوني لألمم

57...................................العوامل اإلجتماعية السياسية التاريخية وحدود المعرفة62...................................................................................الفصل الثالث

62................................موقع شعوب الشرق األقصى الكوني في المتخيل العربي74...........................................................................التخوم والربط والثغور

75............................................................................................جبل قاف76............................................................................في الترسيمة الساللية

79............................................................................................الهوامش82...................................................................................الفصل الرابع

82......................................................................الصين في المتخيل العربي82.........................................................صالت مبكرة ومقارنات في الحضارة

87........................................................................تجار وتجارة ومدن تجارية91...................................................................................األصول الساللية

92..............................................................مظاهر تفوق الصين في العمران95......................................................................................نظام السلطة

99....................................................................................المدينة والمنزل101.........................................................أنماط السلوك االجتماعي والعادات

104..................................................................................الدين والطقس107..........................................................................................الهوامش

112..............................................................................الفصل الخامس112........................................................الهند في المتخيل والمعرفة العربيين

112...............................................................................................تمهيد117.................................................................هيئة الهند وتقسيماتها اإلدارية

119......................................................................................مدن وأقاليم119................................................................................مدن إقليم السند

-337-

122........................................................................................إقليم الهند131..........................................................................السلطة ونظام الملك

138................................................................دلهي في ظل حكم المسلمين140...............................................................في الدين والسلوك االجتماعي

140................................................................................أثنوغرافيا الثقافة140......................................................................مجاالت التفوق الحضاري

142......................................................السلوك والعادات واألخالق االجتماعية146...............................................................................عقائد الهند الدينية

147....................................................البحث عن الديانة البرهمية / الهندوسية150......................................................................طقوس ومقدسات أخرى

152...........................................بحث البيروني في الديانة البرهمية / الهندوسية153..............................................في حال األرواح وترددها بالتناسخ في العالم

154...................................................................................طريق الخالص155.................................................................عامة الهندوس وتجسيد اآللهة

155.....................................................................................الحج والصيام156.....................................................................صورة العالم وقصة الخلق

157.............................................................................السمنية / البوذية /160..........................................................................................الهوامش

170.............................................................................الفصل السادس170.........................................................جيران الهند والصين في البر والبحر

170.................................................................جيران البحر في الجنوب170.............................................................عالم البحر الشرقي وجزره

176..................................................بين عجائب البحر الشرقي الكبير وغرائبه180.....................................................................................تجارة وسفن

182...................................................................................الرياح والتجارة184........................أثنوغرافيا شعوب جزر البحر الشرقي الكبير بجزائره وشطآنه

186................................................................................الصناعة والتجارة186..........................................................................سلوك المرأة وموقعها

187.....................................................................................الدولة والدين189.................................................جزيرة سرنديب /سيالن/ سيريالنكا حاليا /

189..............................................................................................الثروة190.................................................السلطة والدين وأنماط السلوك والعادات

193.......................................................في الطريق إلى األرخبيل األندونيسي194....................................................................جزائر األرخبيل األندونيسي

196...............................................................................الزابج /سومطرة/198................................................................................................جاوة

202................................................................................كله بار ومضيقها203.....................................................................................ملك المهراج

204..................................................................جزيرة قمار /مملكة كمبوديا/205..................................................................جزيرة سال /كوريا أو اليابان/

-338-

206...................................................................................جزر الواق واق218........................................................................جيران البر في الشمال

219....................................................................................الصورة العامة223.....................................................................................أتراك آخرون

229..........................................................................................الهوامش232...............................................................................المصادر والمراجع

237.............................................................................................فهرس

-339-