- ١ -

حكايات التصوف السحري )حكايات استمارانا(

- ٢ -

تصميم الغالف

عبد العزيز حممد

- ٣ -

)حكايات استمارانا(

مريي دوبرا: فـتألي نبيل سالمة: ترمجة

منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب

م٢٠١٢ دمشق -وزارة الثقافة

- ٤ -

:العنوان األصلي للكتاب

Les Contes d’Estamaranha Os Contos de Estamaranha

Mireille Dupraz

/ حكايات استمارانا : حكايات يف التصوف السحري

اهليئة : دمشق -.تأليف مريي دوبرا؛ ترمجة نبيل سالمة . سم٢٠ص؛ ٣٨٨ -.م ٢٠١٢العامة السورية للكتاب،

)٦ ؛قصص خمتارة(

العنوان -٢ ط ف د و ب ح ٨٤٣ -١ السلسلة-٥ سالمة - ٤ دوبرا -٣

مكتبة األسد قصص خمتارة

»٦«

- ٥ -

في صبيحة يوم صيفي حار، كنت مستسلمة للنوم في قلب .الغابة بالقرب من ينبوع يتدفق

حينها ظهرت لي فجأة امرأة طاعنة في السن خارجة من .عة من تحت الطحالبتحت السراخس، وطال

.كان شعرها األبيض الناصع يتطاير مع كل نسمة .كانت تتبخر من يديها قطرات صغيرة من الماء النقي .وكانت تصدر من عينيها المفعمتين بالطيبة قوة خارقة

:أخذت تهمس أنا استامارانا عجوز أنا

إلى غابتي، أتيت ..اسمعي، اسمعي رسالة الينبوع

.ي عينيوأغرقت نظرها فانتابني في الحال شعور غامر بالسعادة سرى في داخلي

.. كماء السماء وهو يتخلل األرض ليعود فينبجس بعيدا.. كالماء

- ٦ -

كماء الينبوع الذي ينبجس من األرض ليرتحل عبر الجداول كماء البحر الذي يترك لنار السماء .. واألنهار وصوال إلى البحرليسقط ثانية على األرض بعيدا، .. حملهأن تمتصه، وللريح أن ت

.بعيدا جدا عن موطنه األصلي :وكنت أسمع

كل أصل هو نسبي، كل نهاية يمكن أن تكون بداية، وكل بداية ليست سوى انبعاث، خالصة رحلة طويلة يكون الخيار فيها متاحا لكل واحد في العيش وسط اآلخرين، غارقا بينهم أو

..لسراء وفي الضراءفي اتحاد معهم في ا أنا استامارانا عجوز أنا

إلى غابتي، أتيت انقلي، انقلي رسالة الينبوعها في عينيوأغرقت نظر..

وفي الحال امتأل قلبي بحب ال حدود له، سرى في داخلي كالماء الذي يروي العائلة اإلنسانية الكبيرة، المكونة .. كالماء

اوية كلها، حتى ولو أن سبلها مثل الماء من كائنات متس ..وأصولها جعلتها مختلفة

- ٧ -

:وكنت أسمعأنت مثل الماء، ال يهم إذا كنت قد ولدت هنا أو في موضع آخر، فأنت تنتمين حتما ألخوة الناس الكبيرة، وثمة ما عليك أن ..تأخذيه من الكائنات كلها، وثمة لديك ما تعطينه إلى الكائنات كلها

وكنت أشعر أن األرض وطني، وأن الكون هو أيضا وطني، وأنه أيا كان الموضع الذي كانت تدفعني إليه رياح قصتي، فهذا ليس للقتل، وال للتدمير، وإنما لتشرب قيم جديدة، للتمكن من

..نقلها إلى العالم من جديد أنا استامارانا عجوز أنا

إلى غابتي، أتيت .. الينبوعغني، غني رسالة

وأغرقت نظرها في عيني. في صبيحة يوم صيفي حار، استيقظت في قلب الغابة، بالقرب من ينبوع يتدفق، تحت نظر استامارانا، ربة مياه الينبوع، تحت نظر استامارانا التي يفوح منها عبق حكمة عتيقة، حكمة تستمد قوتها من جوهر كل شيء، حكمة تستمد

..من الموروث لبناء المستقبلقوتها

- ٨ -

..هكذا كان يغني، كان يغني الينبوع ..هكذا كان يغني، كان يغني الينبوع ..هكذا كان يغني، كان يغني الينبوع

* * *

- ٩ -

- ١٠ -

- ١١ -

طفلة الينبوع

..ذات مرة، كانت فتاة صغيرة جالسة على حافة ينبوعنا من كتلة كان النبع الذي بناه عجوز من القرية، مكو

من وسط هذه الكتلة، . مستطيلة من حجر رمادي تكورت قمتهنتأ أنبوب بسيط كان يسمح للماء بالجريان والسقوط داخل

كانت حواف الحوض مغطاة بطحلب . حوض من الحجر أيضاعدا ذلك الطحلب الذي كان يدعوك لمداعبته، كان ذلك . لزج

ومع ذلك، كان يرتاده . قبيحاالينبوع عاديا جدا، بل باألحرىالعديد من الزائرين، ذلك أنهم كانوا يكتشفونه على يسار الممر الحرجي الذي كانوا يأتون منه بعد مسيرة طويلة عبر الغابة،

.فكانوا يسرون بتمكنهم من إرواء ظمئهم منه ..دون حركة.. كانت الطفلة جالسة هناك على حافة الحوض

وضحكها . ستمرار، وفي بعض األحيان كانت تقهقهكانت تبتسم بايتناثر قطرات من نور في الوقت نفسه الذي كان ماء الينبوع .الصافي المتساقط في الحوض يولد ايقاع قطعة موسيقية مجهولة

- ١٢ -

خرجت فتاة في تلك اللحظة خفية من خلف الحجر تعزف بة وهو يقوم على كمان متوسط الحجم، وظهر فتى من الغا

ضحكت الطفلة من أعماقها، وشيئا . بقفزات كبيرة وشقلباتفشيئا تحول ضحكها إلى هالة من الفرح النقي الذي كان ينتشر

.في الهواء حولها الفتاة آلتها وضعتنشأ صمت اهتز فيه حب متبادل،

كل منهما على األرض، وأمسك الفتى بيدها، فيما جثاالموسيقية . بماء منعشهاانراحا يرشرشو، على جانبي الطفلة

أحيانا، كان يفاجئهما عابر سبيل في وسط مزاحاتهما، فكانت الطفلة تشير إليه لكي يقترب منها، مالئة يديها بالماء، داعية إياه

.للشربجميعهم . ما من أحد في القرية اندهش من هذا االستعراض

ذات الساقين المشلولتين، ذلك أنها كانت كانوا يقدرون هذه الطفلةتفرح القرية بحضورها وحده، وتجعل الحياة فيها أكثر صفاء.

كانت الطفلة ضحية سقطة مروعة حين بدأت للتو مشيها، ولم وقد أجلستها أمها في . تعد ساقاها فيما بعد قادرتين على حملهاها، طالما لم تكن تستطيع إحدى األيام على حافة النبع لكي تسليومنذ ذلك الحين، بدأت . الركض مع أطفال القرية اآلخرين

- ١٣ -

كانت تبدو في اتحاد تام . الطفلة تطلب أخذها إلى هناك كل يوموكانت تظل جالسة تداعب الطحلب، ونظرتها . مع هذا المكان

فلكم رغبت لو أنها تستطيع اللحاق : الحلوة تتابع المارة بحزنثم، إذا بضحكها ينفجر .. توغل معهم في داخل الغابةبهم وال .ذات يوم

كان ذلك اليوم الذي أتمت فيه سنواتها السبع، والقرية تكاد تكون خالية من سكانها، حيث كان كل منهم قد مضى إلتمام

.مشاغل اليومحين سمعت . والطفلة كعادتها جالسة على طحلب الينبوع

أنا استامارانا، عجوز أنا، : "نهاهمسا حلوا يوشوش في أذ ".سأصحبك داخل الغابة

بعد ذلك، حصلت لها رؤية روح الينبوع على هيئة امرأة طاعنة في السن مكللة بشعر ناصع البياض، وذات عينين

.مفعمتين بالشباب :انفجرت ضحكة الطفلة تلقائيا

ن كيف يا جدتي الحلوة ستصطحبينني، وأنا ال أستطيع أ "- "أمشي؟

هل تحتاج قطرة الماء إلى ساقين لكي تجد منبعها، : "العجوزلكي تعود إلى أصلها؟ لتكن لديك الثقة، قلبك كله مفتوح على

- ١٤ -

مصراعيه، وروحك بريئة، دعيني أتغلغل فيهما، وسوف تكتشفين ."معي الكون في كل بهائه

وعندها . بة لهامدت الطفلة يديها باتجاه المرأة العجوز مستجيوكانت . بدأت يدا هذه األخيرة بالرقص بتناغم حول الطفلة

أحيانا تفرك أصابعها بعضها مع بعض لكي تنتج رذاذا ناعما .تحوله شمس العينين شيئا فشيئا إلى قوس قزح

كشف لها األخضر عن أسرار . أحاطت الطفلة شرائط ملونة الشرائط الزرقاء الروابط الغابة العميقة، كما أظهرت لها

المنسوجة بين األنهار والبحر والسماء، أما األصفر والبنفسجي فقد حدثاها كيف يقترن الهواء مع ماء الينابيع لكي يخلق من جديد وبال كلل عالما متجددا انطالقا من القديم، في حين أن

لهي األحمر أظهر لها كيفية العبور من حب الهوى إلى الحب اإل .وتجنب الجنون المدمر

ثم، انتابها إحساس باالنجذاب من خالل نور أبيض يخطف األبصار، قادها إلى داخل نفق شديد السواد، انفتح في الحال

لم .. على فضاء جديد من النور، انطفأ ثم أضاء مرات عديدةتابعان انتا تتشعر الطفلة بأي خوف، فيدا الجدة الطيبة والحلوة ك

. تجلبان لها إحساسا بثقة غير مشروطةالرقص حولها، و .وأعادتها هزة عنيفة إلى األرض

- ١٥ -

. فتحت عينيها، فإذا بأهالي القرية يحيطون بها، ويهزونهافابتسمت لهم، ثم . كانت ممددة على األرض، واعتقدوا أنها ميتة

معرفة لكل لقد اكتسبت للتو . ضحكت ضحكة صريحة وفرحة .شيء، ال تقال وال توصف

لقد نالت لتوها معرفة وحكمة جدة، ما كان لروح وقلب .إال بالضحكفيهما الطفلة مشاركتها

واعتبارا من ذلك اليوم، راح عدد كبير من سكان القرية يجاهر بأن روحها مشوشة، لكن فرحها كان معديا للغاية، حتى

. أعماقهمأنهم حسدوها فيكانوا يأتون لزيارتها عند النبع، قائلين إنه يجب الشعور بالشفقة على الطفلة المسكينة، وأنه ال يمكن تركها وحيدة، لكنهم في الحقيقة كانوا يأتون لكي يستعيدوا سكينتهم عند رؤيتها

.وسماعهاأما هي فلم تعد تبدو بعد تحت وطأة األلم، وكانت تبتسم

. رفيقيها االثنينوتضحك وتلعب معبعد عامين على رؤياها األولى لروح الينابيع، وعند هبوط الليل، أشارت لهما باالقتراب، فأسندت رأسها على ركبتي الفتى، وفي حين كانت الفتاة تعزف على آلتها الموسيقية، انطلقت لكي

.تلتحق إلى األبد بالعجوز استامارانا

- ١٦ -

ني بدون أدنى حس جمالي، إجلسوا فإذا مررتم قرب نبع مب .فوق الطحلب وأغلقوا عيونكم واسمعوا غناء الماء

وتفتحان ا، أن تأتي نحوكم طفلة وجدةدـفمن المحتمل جبطيبة عيونكم على حقيقة جديدة، ذلك أنهما تبنتا مهمة الكشف عن الجمال المختبئ خلف المظاهر كلها لجميع الباحثين عن

.قةالحقي

* * *

- ١٧ -

- ١٨ -

- ١٩ -

حكاية الغابة الشجية

ويتذكر . إنها قصة امرأة طاعنة في السن، عاشت في غابةشيوخ القرية بإبهام أنهم سمعوا ذات ليلة، منذ أمد بعيد، أغان

وكان اهتزاز الصوت الذي يبث .. غريبة بلغة غير معروفةمعهاألغاني يجعل الهواء يهتز ..

تدثر . كان ذلك في مساء اكتمل بدره واألرض مكسوة بالثلجوعندما وصلوا . وقادهم الصوت باتجاه الغابة. بعضهم وخرج

كانت تلك الندف . إلى طرف الغابة، أوقفهم ستار من ندف الثلجتبدو مسحورة، فما أن يتقدم أحدهم منها، حتى تحدث زوبعة

قوة غامضة تجبره صاب فيها بالعمى، ودرجة يقوية حوله، ل .على التقهقر

كان سكان القرية مسحورين بهذا الصوت ومذعورين منه في وفجأة، سمعوا قرع طبل مصحوب بأصوات خفيضة . آن معا

ارجعوا، عودوا إلى بيوتكم، : "صادرة من أعمق أعماق األرضه مسكنا لها عند فهذا المكان تقدس لتوه، ألن استامارانا اختارت

- ٢٠ -

فإذا احترمتم خلوتها، .. أسفل شجرة البلوط، إنها تخلق ألحانا لكل من ينال من سالمة الويل ولكنفستجلب لكم العون والحماية،

..".أشجار هذه الغابة: أصحابهاقال بعضهم إنه رأى أشكاال كاألقزام وجن الهواء الصغار

بثق من كل مكان، ثم تتبخر أو وحوريات الغابة التي كانت تن .تتوغل داخل األرض أو داخل الغابة يعودون أةجرأكثر القرويين وفي النهاية، زوبع الهواء وجعل

لكن الفضول كان أقوى من الخوف، وبعد بضعة . إلى بيوتهموكانت عصافير . أيام، عاد بعض المتنزهين إلى الغابة بحذر

كان ذلك غريبا مع هذا . سكن الغابةغير مرئية تبدو وكأنها ت .البرد القارس

عدا عن ذلك، كان المتنزهون يبدون عند عودتهم أكثر هدوءا .وطمأنينة

وسرعان ما بدأ مستهزئو القرية يتحدثون عن أشياء تافهة، وذات يوم تجاسر حطاب . وعن حكايات تروى لألطفال السذجسه باحثا عن شجرة صنوبر على الرجوع إلى وسط الغابة مع فأ

وما أن لمس فأسه جذع الشجرة حتى أصم صوت . لعيد الميالدأصيب برجفة ودخل . حاد أذنيه، وزمجرت األرض تحت قدميه

في حالة رقص هذياني، وأفلتت فأسه من بين يديه وتوقفت فوق

- ٢١ -

ض، نزلت امرأة من أغصان الشجرة، شعرها ناصع البيا. رأسه: سمع. وكانت تشع رغم أنها تبدو في األلف سنة من عمرها

."تعهد أن تعمل كل ما سأطلبه منك وستسلم حياتك" ".نعم: "أجابها الحطاب صائحا مذعوراابتعدت الفأس عن رأسه . عندها أسقط أرضا على ركبتيه

كانت تمسك بها يد غير مرئية، . والتحقت أيضا باألرض جاهزةل الحطاب دائرة، وتوقفت أمامه، كما لو أنها فرسمت حو

.لتدخللسحقته استامارانا بنظرها، ثم أخذت تغني، فبدا للحطاب أن

وكما لو أنه وسط اوركسترا تتناغم . الغابة كلها كانت ترافقهاكان متجمدا . فيها األصوات األكثر انخفاضا واألشد ارتفاعا

اعتقد أنه . لمشاركة في هذا الجمال العظيمومنعه خوفه من الكن في اللحظة التي كاد أن يغمى عليه، . موشك على الموت

أنا أطلقك، اذهب وتحدث في كل : "عاودت استامارانا حديثهاقل إن الغابة محظورة اآلن عليكم، عليك . مكان عما رأيته

. ثل هذا الجمالفأنتم لستم أهال لم. وعلى جميع أهالي القريةسيعاودك الحنين لما رأيت وسمعت، ومن الممكن أن تسقط

وإذا أردت الشفاء . ويخشى أن تنتشر عدوى مرضك. مريضاوهم فتاتان . فما عليك إال أن تعثر على ثالثة أطفال أنقياء القلب

- ٢٢ -

وصبي سيقبلون االقتراب من الغابة بثقة، مستعدين للدخول في ."د إليكم صحتكمخدمتي كي أعي

واعتقد سكان القرية حين رأوه مبلل . عاد الحطاب إلى القرية. فقد كان يرتجف من الحمى. الثياب أنه وقع وتعرض لنزلة بردومع . مفككة هي بالنسبة لهموكان يعبر لهم عن مشاعره بأقوال

كان بعضهم يسخر منه لكنهم حينئذ . ذلك، فهو لم يكن يهذىوا يرتعشون، وسرعان ما طغت عدوى الزكام وانتشرت في بدأ

.القرية، لكن ما من دواء استطاع القضاء عليهوأخذوا يتكلمون . كانت آذان المرضى تصفر وبطونهم تقرقر

اللغة غير المعروفة نفسها، لغة أغاني تلك الليلة الشهيرة التي .كانت قد أطلقت هذه األحداث كلها

نشازا في نشاز حتى لم يعد أحد يفهم على القات أصبحت الع .أحـد

بدأوا يتوعدون الحطاب الذين اعتبروه مسؤوال عن مصيبة وكان سوف يخشى على حياته، لو لم تكن أغلبية . القرية

القرويين أضعف من أن يهاجموه، ولو لم يكن األصحاء القليلون عوضا عن . نفسهماألكثر تسامحا وإيثارا لغيرهم على أ هممنهم

كيفية وعن أسباب هذا الداء هؤالء البحث عن المذنبين، تساءلأصبحت الغابة كثيفة اآلن وال يمكن النفاذ . العثور على حلول

- ٢٣ -

بلمح إليها، إذ باتت محاطة بأدغال من األشواك كانت تنمو .بمجرد أن ينظر إليها كائن إنسانيالبصر

لطيبة وفكروا أن الحل تأمل النساء والرجال ذوو اإلرادة ا ولكن كيف يفكون رموز لغته؟. األفضل هو أن يسألوا الحطاب

وما أن . شكلوا وفدا وذهبوا إليه فوجدوه غارقا في سريرهرأوه حتى أخذ يرتعش بقوة أكبر وازدادت األصوات المتنافرة

سد زائروه آذانهم، وأخذوا يمسدونه . الصادرة من أذنيه وبطنه .ونه بكثير من الشفقةويهدهد

فقرروا . هدأ الحطاب شيئا فشيئا، واستطاع أن يروي قصتهدعما للحطاب القيام بجولة حول بيوت القرية بحثا عن ثالثة

.أطفال قلوبهم نقية لكن كيف السبيل إلى معرفة أي األطفال هم هؤالء؟

ثة ما لم يكونوا يعرفونه هو أنه في الليلة السابقة، حلم ثالكانت قد غنت لهم تهويدة، ثم قالت لهم . أطفال باستامارانا

أنت، تريستان الجسور، هل تريد : "بصوتها الجميل المهتزمساعدتي باقتالع األشواك التي تخنق النباتات األخرى في الغابة؟ هل تقبل أن تصير خادمي الصغير وأن تشفي المرضى

لحالمة وأنت، يا إيلودي النهمة، بمساعدة أختيك؟ وأنت، يا ساره اهل تريدان مساعدتي على اختيار وجمع األعشاب الطبية من

- ٢٤ -

الغابة؟ هل تقبالن أن تصيرا خادمتي الصغيرتين وأن تشفيا ".؟االمرضى بمساعدة أخيكم

ال نريد أن : "أجاب األطفال الذين أصابهم شيء من الخوفستظلون معهم وتستمرون في : "ناطمأنتهم استامارا". نترك أهلنا

الذهاب إلى المدرسة، لكن عند ندائي، عليكم المجيء إلي أينما أنا استامارانا، عجوز أنا، في : "ندائي لكم سيكون أغنية. كنتم

."غابتي سوف أشفيكملم يكن بوسع األطفال اإلفالت من نظر هذه المرأة العجوز،

عمتين بالشباب، وبابتسامتها التي كانت تستولي عليهم بعينيها المف .المليئة بالمحبة والصفاء

: وأضافت استامارانا قبل أن يعطوا موافقتهم على اقتراحهاسوف . أنا اخترتكم، وأرغب بأن تكون حياتكم جميلة وسعيدة

تسمعون ندائي غدا، سوف تخرجون من بيتكم، سيمسك تريستان حمل ايلودي بخرقة وتجلب ساره عودا من خشب ومسقاة، وت

.طبال صغيراسوف يأتي الحطاب المريض إليكم، ويسألكم إذا كنتم تريدون

، وتتقدمون ببسالة "نعم"فعال أن تصيروا خادمين لي، فتجيبون وعندما تصبحون على مقربة من أدغال الشوك، . نحو الغابة

.سوف تغمضون عيونكم تجنبا لنموها

- ٢٥ -

أيتها الفأس، يا : "ناديسيقوم تريستان بخطوة إلى األمام ويأسي الالمعة، سوف أجعلك تلمعين بواسطة هذه الخرقة، وسنزيل ف

يده، وسيذهب مصطحبا وتحط في حينئذ الفأسستأتي". األشواك معا .إياها باتجاه األشواك التي ستختفي بمجرد أن يلمسها الفأس

. بعد ذلك، ستتقدم ساره وترسم بقصبتها نبتة في الهواءستسقيها . ير هذه النبتة حقيقية، وستغرسها في طرف الغابةستص

وسقيتها، أال التي خلقتهاصغيرةالنبتة ال أيتها: "بماء المسقاة قائلة ."كوني النبتة التي ستشفي أهالي القرية

ستقوم ايلودي عندئذ بجولة حول النبتة قارعة طبلها الصغير ".ميلة، تكللي بالثمارجالنبتة النبتة، أيتها ال: "وستغني

. ستكلل النبتة بالثمار، فتقطفون هذه الثمار وتحملونها للمرضىلكن انتبهوا، عليكم أال . وسوف يشفون ما أن يأكلوا واحدة منها

. تأكلوا أنتم أنفسكم من هذه الثمار وإال سوف تتحولون إلى تماثيلذوقون ثمارا أطيب وإذا لم تأكلوا من هذه الثمار سوف أجعلكم تت

.بكثير، سوف أعلمكم األغاني الجميلة وأسرار الغابة كلها .توقف الحلم، ونام األطفال بعمق حتى الصباح

في اليوم التالي، كان األطفال الثالثة يلعبون بطمأنينة في أثناء هذا الوقت، كان الحطاب والناس الطيبون يمرون . منزلهم

:وكان الحطاب يسأل كل طفل. على منازل القرية

- ٢٦ -

" ؟..هل تريد أن تصبح خادما المرأة الغابة العجوز"لكن حينما وصل إلى مقربة . كان األطفال يبكون مذعورينأنا استامارانا، : سمع أغنية. من بيت ساره وتريستان وإيلودي .عجوز أنا، في غابتي سوف أشفيكم

هم كل ما كانوا قد خرج األطفال الثالثة من منزلهم وحدث مع .رأوه في الحلم

اشتهت إيلودي ثمرة من النبتة التي خلقتها ساره، لكن لحسن الحظ منعها تريستان من أكلها في اللحظة التي همت بوضعها

قطف األطفال الثالثة الثمار، ووزعوها على المرضى . في فمها .الذين نالوا الشفاء في الحال

طلبت استامارانا من . صيرةحل عيد الميالد بعد فترة قاألطفال الثالثة دعوة القرويين إلى الغابة حيث رقص الجميع

كانت األشجار قد تزينت برذاذ ثلجي . على ايقاع طبل إيلودي .وكانت تتألأل

غير الحطاب . ومنذ ذلك الحين، عاش أهالي القرية سعداءفي بعض . تامارانامهنته ولم يعد أحد يقطع شجرة داخل غابة اس

األحيان، كان يستعان بفأس تريستان للقضاء على أشواك الحدائق، ويستخدم عود ساره إلظهار األعشاب الطبية التي

.تشفي، وطبل إيلودي لكي يرقصوا فرحين

- ٢٧ -

.ومن وقت إلى آخر، كان يسمع غناء استاماراناعندئذ كان يختفي كل من إيلودي وساره وتريستان داخل

وقد احتفظوا بقلوبهم نقية رغم . الغابة، ليعودوا منها مشرقين . في السنشيئا فشيئاتقدمهم

تمنى الكثيرون أن يحلوا مكانهم، لكنهم كانوا يقبلون موهبتهم وفعال كانوا يدعون أحيانا القرويين . وكان الجميع يحبهم

وكان . ابةوأصدقاءهم المقربين والبعيدين للرقص والغناء في الغيحدث أن يلقنوا قدراتهم بما يوافق استامارانا، ألطفال آخرين

، كان كل واحد يحاول كسب هكذا. جسورين، حالمين، ونهمين .ثقتهم لكي يتابع الموروث ولكي تصير قريتهم قرية التناغم الكامل

في هذه القرية التي أصبح اسمها استامارانا، المأخوذ من اسم ات الشعر األبيض كالثلج، صار كثير من الحجاج الحورية ذ

وكانوا يغادرونها . يغدون إليها لينهلوا منها حيوية جديدة. وعيونهم مفعمة بالفرح تحيط بهم اهتزازات من نوع خاص

وكان كل من يصادفونه يصبح كذلك مليئا بالسعادة، وهذا ما كان .يجعل العالم من حولهم أكثر فأكثر شجوا

* **

- ٢٨ -

- ٢٩ -

- ٣٠ -

- ٣١ -

طفل الدراجة

.ذات مرة، كان صبي يافع قد ترك دراجته عند طرف الغابة: تقدم الطفل على الطريق يجذبه صوت حلو كان يهمس

..تعال، تعالوقد عرف النبرة المألوفة الستامارانا الطاعنة في السن، جنية

، لكنه كان لم يكن خائفا. الغابة التي كانت تحميه، هو وأختيه .يتساءل مع ذلك، لماذا كانت تناديه اليوم هو وحده؟

أدرك أن ليس بمقدوره الرجوع إلى الوراء، فالطريق اآلن تقدم محاطا . صارت مغلقة على أي شخص آخر سواهوكانت تصحبه . بالسراخس التي كانت تنمو تحت خطواته

..أنا استامارانا، عجوز أنا، في غابتي سوف: أغنية نعكانت نسمة خفيفة تجعل السراخس تتمايل محدثة صوتا مالطفل من سماع الكلمات األخيرة، وازداد فضوله أكثر فأكثر،

.وهيمن قلقه عليه شيئا فشيئا

- ٣٢ -

أخفض بصره نحو األرض، وكان كل شيء من حوله أخضر، رفع رأسه نحو السماء فإذا كل شيء أخضر، أجال بصره في

. واحدوفق نمط األربع فبدا كل شيء أخضر الجهات أين يمضي؟

وقد وصلته هذه . توقف عن الحركة بانتظار أقل إشارة ممكنةاإلشارة على هيئة عصفور كان يمسك بمنقاره بكرة خيوط

.بنفسجية، أودعها في يدي الطفل المفتوحتين بدت الحت عفاريت صغيرة. دارت البكرة، وامتد الخيط

وكأنها تخرج من األرض، وكان صغار جن الهواء يطيرون . وكانوا يلتقطون الخيط من كل جانب. تحت األشجار ضاحكينوكان الطفل يضحك أيضا متابعا كائنات . وكان فرحهم معديا

جثا . ذهبوا معا نحو الشجرة السحرية. الغابة الصغار المضيئينصغيرة تستحم في بركة صغيرة الطفل بينما كانت العفاريت ال

محفورة ألجلها عند أسفل الشجرة، في حين كان صغار جن بعد ذلك، . الهواء يستقرون على نحو مريح على األغصان

. شكلت العفاريت الصغيرة دائرة راحت تلعب فيها حول الطفلوراح جن الهواء الصغار يقذفون لهم بالخيط، مما أدى إلى

شعر بالخدر . شيئا فشيئا بما يشبه شبكة العنكبوتتغطية الطفل

- ٣٣ -

وغدت أهداب عينيه ثقيلة إلى . يجتاحه ولم يستطع مقاومته .درجة أنه لم يستطع إال إغالقهما واالستسالم للنوم

: استيقظ مذعورا على صوت استامارانا األجش بعض الشيء ..أنا استامارانا عجوز أنا، في غابتي سوف

:لمات األخيرة معلقة أيضابقيت الكوقعت عيناه الكبيرتان . كان الطفل مستلقيا على ظهره

المفتوحتان باتساع على تلك العينين البراقتين للجنية ذات الشعر وها . رفعته عن األرض بقوة نظرتها ال غير. الناصع البياض

.هو اآلن، يعوم ممددا في الهواءوكانت أوراق األشجار تتنحى .. وصعد، وصعدصعد الطفل، .وغيوم كبيرة بيضاء مثل القطن أحاطت به. لكي تدعه يمر

..تابع الصعود، والصعود، والصعودأنا استامارانا، عجوز أنا، في غابتي : رافقه صوت استامارانا

..وفـسوبمقدار ما كان يصعد، كانت طبقة الصوت ترتقي رويدا

عبر مختلف التقسيمات الثمانية الموسيقية في حين أن رويداأنا استامارانا، : التغيرات في مقام الصوت نفسه كانت تتلطف

..عجوز أنا، في غابتي سوف

- ٣٤ -

اهتز الهواء حول الطفل، وكان يرى ويسمع ويحس بهذه السمفونية التي كانت تحمله وتحيط به وتتغلغل في أعماقه من

.مال وفرح ال يوصفانخالل اإلحساس بجوكانت . كان ثمة غيمة واسعة ومريحة تحته تدعوه للجلوس

كائنات من نور تجلس على الغيوم األخرى كما لو أنها تستعد وكان ثمة غيمة لألطفال مكللة بهالة وردية . لحضور استعراض

اللون، وأخرى للمتقدمين في السن باللون البنفسجي لقوس قزح، بنورها األخضر رجال ونساء كانوا يحملون أقواسا وثالثة يستحم

وسهاما، ورابعة أيضا لشخصيات كانت ترفع أعالما مضاءة بنور أحمر، وخامسة كان شاغلوها يتوازنون مشكلين ما يشبه

وكانت غيوم أخرى أيضا ... ميزانا كبيرا حيا، رمزا للعدالة ..تشكل أمام الطفل قوس قزح عظيم

ل من جديدشعحمالطفل بأنه ي وكان ينبوع ماء حي قد : رشارك الطفل مثل القطرات . من الغيمة، تحول إلى فوارةانبجس

ة، وركباريخة"الصغيرة في حركة الفورائعة كانت تعطيه " دو .وكان يضحك من السعادة. إحساسات لذيذة

كن ممكنا معها أصبح صوت استامارانا حادا بشدة لدرجة لم ي :سماعه، ومع ذلك، فإن اهتزازه كان يخترق أذني الطفل

..أنا استامارانا، عجوز أنا، في غابتي سوف

- ٣٥ -

في هذه المرة، فهم الطفل الكلمات األخيرة، لكن كان عليه أن وكان بإمكانه في حال المصاعب، أن . يكون الوحيد الذي يعرفها

حتاجون لمساعدته، يلفظها في أذن األشخاص الذين قد يفيصيرون عندها مغمورين معا باهتزازات للهواء خاصة تحميهم

.عند الضرورةكانت تلك هدية العجوز استامارانا للصبي الذي كان وهو على عتبة مرحلة جديدة في حياته، قد تغلب على خوفه، وسلم

.ضتسليما كامال، واثقا بحكمة الجنية ذات الشعر الناصع البياوكان األطفال يتشقلبون . كان شاغلو الغيوم األخرى يصفقون

.ويتدحرجونتجمعت الغيوم، وعلى الحلقة المتشكلة، مضى األطفال متقافزين إللقاء التحية على المتقدمين في السن، الذين كانوا يستقبلونهم

كان األشخاص اآلخرون ينزلقون . بحرارة مع ابتسامة عريضةم باتجاه بعضهم وسرعان ما شكلوا لوحة جدارية أيضا بعضه

كان كل من يعرف قراءة هذه الرسالة . كبيرة كانت السكينة تغمرهاوتلك كانت حال الطفل . المرئية ينال هدية رائعة من السالم والحب

.الذي كان يتأملهم بعيني القلب المشهدوتشتت . تفرقت الغيوم بعد ذلك في حركة متناغمة

.ا فشيئا في الفضاءشيئ

- ٣٦ -

كان يشعر بكافة . ظل الطفل مفتونا ولم يلحظ أنه صار وحيداكانت الغيمة التي جلس عليها قد . هذه الحضورات في داخله

وكانت العجوز استامارانا . أرجعته دون أن يشعر إلى األرضأخذته . تهمس في أذنه أنه حان الوقت لكي يعود إلى ذويه

رة من يده وتبعتهم راكضة صغار جن الهواء الكائنات الصغي .الذين أعادوهم بطيرانهم إلى أطراف الغابة

وجد أهله وبعض األصدقاء الذين كانوا قلقين لغيابه بالقرب من قدم إلى أخته الصغيرة باقة من الزهر . الدراجة التي تركها خلفه

شاهده . زلهالبري، ثم ركب دراجته وقادها بأقصى سرعة نحو منما كانوا ليفهموا . الكبار مذهولين ومشدوهين من ذلك الحبور والتوقد

كيف كان بمقدوره أن يعبر دغل األشواك التي كانت تسد الدرب .الضيقة والتي كان قد اختفى فيها ثم عاد للظهور بدون أدنى خدش

بعد هذه النزهة اإلسرارية في غابة استامارانا، كان الطفل المراهق، ثم الراشد، ثم العجوز النضر بشعره الناصع ثم(

وعندما كان . يجوب الطرقات والدروب على دراجته) البياضيرى شخصا يتألم، كان يقترب منه برقة ويهمس بلطف في أذنه

كان ذلك . تلك الكلمات المبلغة من ملهمته، جنية الغابات العجوز كبيرة، حافظا في قلبه الفرح الشخص يستعيد سكينته بسرعة

وقد استطاع أن يزرع على مر السنين الكثير من . لبقية حياته .بذور السعادة حوله، وغدت حياته بذلك مستنيرة

- ٣٧ -

- ٣٨ -

- ٣٩ -

حكاية غابة املياه الصافية

. ذات مرة، كانت فتاة جد صغيرة، وضعها أبواها في الغابةألخذها إلى آخر رمق وهي عندغير أن الشجاعة واتت أمها

من ذلك كانت عائلة خنزير بري قد اختارت. مخبأ سروة كبيرةال ندري لماذا راحت الخنزيرة األم تلعق . مسكنا لهاالمكان

الرضيعة، وتظهر لها مثل هذه المودة، على عكس عاداتها، فهي .لم تفترسها بل غذتها بحليبها مع صغارها

وكانت تتغذى من البلوط والعشب، كبرت الفتاة الصغيرة، وكانت عيناها الخضراوان تلمعان مثل زمردتين تحت شعرها

كانت تختبئ من الرجال . األسود الشعث الذي كان يخفي وجهها. صغار الخنازير البريةالصيادون ها كما يقتل قتلوا أبويالذين

وقد أصبحت صديقة لوحوش الغابة التي كانت تأتي بالتناوب ، وكان الثعلب نعومتهكان األرنب يجلب لها : تمنحها الدفءلكي

يعلمها الفطنة، وكان الثعبان يظهر لها ليونته، وكيفية االمتزاج

- ٤٠ -

بينما كانت العصافير . مع األرض، واالنسالل تحت األشجار .تعلمها الغناء، وصارت تدندن ألحانها كلها

ى هبات مسقط غالبا ما كانت تنزل إلى ضفة النهر، وتتلقكان غناؤها يترك . هناك التصقت بصخرة، وبدأت تغني. الماء

.صدى غريبا في لغة ال تفهم من قبل البشرولكن، إذا أصغينا السمع إليه بقلوبنا، ألدركنا أنه كان يستدعي الغابة العميقة حيث األقزام وحوريات الغابة وجن

اورون متدرجين من أصوات يتح)١(الهواء الصغار والسمندالتمن ثم، كنا نسمع صوت الماء يتغلغل .. خفيضة إلى أخرى حادة

داخل التربة لالنبعاث بعيدا جدا في ينبوع متدفق ثم يصير سيال وهناك، في المرج، كان . صاخبا يتحول أخيرا إلى ساقية هادئة

..ثمة أشخاص من عالم السالم ترقص فرحاقية القلب كان بوسعها أن تسمع هذا الغناء ألن وحدها كائنات ن

هذه الفتاة الصغيرة كانت تحت حماية الحوريات الطيبات اللواتي كن .يبعدن عنها كل الناس األشرار واهللا يعلم أنهم موجودون فيما بيننا

مع ذلك، وفي يوم من األيام، حين كانت تغني أغنيتها في هارب من مجتمعه المعهودة، سمع هذا الصوت فتى عاط

ترك نفسه ينجذب إليها كما لو أن . القاسي جدا على روحه المثالية

)م.(ارالسمندل هو حيوان تقول األسطورة أنه يتكون في الن )١(

- ٤١ -

وجد نفسه كما لو . خيطا من هواء شفاف كان قد شد إلى خصره .بفعل سحر أمام الفتاة

. تالقت عيونهما الزمردية، وتدفقت أغنية حب من قلبيهماي كانت تعرف الوحوش الت كلوفي هذا االفتتان، أحاطت بهما

وحطت حمامة على رأس جوانيتو فتى األحالم، . آماريال الفتاةانتصب الثعبان باتجاه . والتف ثعبان حول معصم الفتاة المتوحشة

هكذا تمت مراسم زواج النقاء : السماء، وحلقت الحمامة .والمعرفة الفطرية

صدرت من هذين الزوجين قوة خارقة تبعد عنهما الكائنات لمؤذية وتجذب تلك التي كانت ترغب في عالم من السالم ا

..والجمالكانوا يأتون في ليال اكتمل بدرها، يرقصون في غابتهما،

.ويسألونهما العون، والحماية، والنصائح لأليام القادمة ..ظال يعيشان دائما تحت السروة الكبيرة

تشعر قد ترونهما في يوم من األيام إذا ما كانت قلوبكم .بالحاجة العميقة والمخلصة لرؤيتهما

* * *

- ٤٢ -

- ٤٣ -

- ٤٤ -

- ٤٥ -

أسطورة املارسوبوالني دوري أو األبواب السبعة

:تنويه حول الحكاية

سوف نقع في هذه الحكاية على كلمتين هما المارسوبوالني البوابابا هي ما يعرف بالبأوباب، وهو نوع من . دوري والبوابابائية عريض الجذع في ثمره لب يؤكل، وقد ذكر األشجار االستوا

هذا النوع من األشجار في قصة األمير الصغير ألنطوان دو .وسنترجم البوابابا هنا بالبأوباب أو بالعكس. سانت إكزوبيري

أما المارسوبوالني دوريه فهي الحروف األولى في اللغة :الفرنسية من الكلمات التالية

وتقصد " درجة" وهنا تعني "marché"هي بداية : Mar" مار" .الكاتبة من خاللها الدرجة األولى في الطريق الحلزوني

. ويعني المعروف"savoir"هو اسم الماضي من فعل، : su" سو" . ويعني المستطاع"pouvoir"هو اسم الماضي من فعل، : pu" بو"

- ٤٦ -

".ال"هي العالمة الموسيقية : la" ال" . أي العش"nid"ن األولين من كلمة تتوافق مع الحرفي: ni" ني"" دو"وهما العالمتان الموسيقيتان : "Do", "Ré"" ري"و" دو" . أي ذهبي"doré"وفي سياق النص يمكن أن تعني ". ري"و

وعلى هذا النحو فإنه يمكن مقابلة عبارة المارسوبوالني درجة، معرفة، وإرادة، "دوريه الفرنسية بالترجمة العربية

".الشجي/الذهبيوشجو، والعش

:ايةـالحكتوجد في أعلى جبل شجرة بأوباب ذات أوراق خضراء

وعلى هذا الجذع تتلوى خمس عرائش . وجذع مغطى بالصدفمزينة بأشنة تنتهي في جذرين قبل انغراسهما في التربة في

هذه النبتة الغريبة المتصلة على نحو حميم بشجرة . نقطة واحدة .األسطورية" الني دوريهالمارسوبو"البأوباب هي

ذات مرة كان هناك فاتح : هكذا تبدأ األسطورة التي نرويها ..لألبواب وفاتح للطريق

:ويتابع الراوي مشيرا إلى الدربهناك، عندما يمر البعض بالقرب من الغابة يالحظ طريقا "

نادرا ما ينفرج المنظر على .. يتوغل تحت تشابك أغصان شاسع

- ٤٧ -

عليهم االنحناء كي ) كما يلح الراوي(الكبار والصغار السماء، فقليلون لديهم الرغبة في بذل هذا الجهد في حين أن هذا . يعبروا

.الدرب العريض يصعد باتجاه الشمسلكن بعضهم، ال يقاوم البته، فهم ينسلون تحت األوراق

وال ينتبهون إلى مفارقة وجود هذه األوراق . الكبيرة والخضراءا المنظر الجاف المصنوع من خيوط العنكبوت، ومن ضمن هذ

..إبر الصنوبرمن يلتف حول نفسه تحت هذه األوراق الغريبة، يفضي به

..المضيق إلى طبقة مصنوعة من شباك العنكبوت المتراكبةوعند السحر تحول قطرات الندى شباك العنكبوت إلى

يفتنه، ويدعوه افر، وـتخريمات، األمر الذي يدهش المس ..للتساؤل

إنه ال يجرؤ على التقدم بخطاه خوفا من تخريب هذه الحياكة .التي ال نظير لها فتضيع إلى األبد

فإذا بالمسافر يقوم بحركة اضطرارية وبال وعي منه لكي ال يفقد توازنه، يضع يده على النتوء الوحيد في الشجرة الذي يبرز

يلتف خيط حول . ة، تنظر إليهتلمع عين في وسط الشبك.. أمامه ..ينبسط الخيط ويمتد وراءه. إصبعه، فيتقدم وهو مبهور

- ٤٨ -

...، تقوده جنية األسرار نحو مستقبله)١(مثل أريادنيتقدم، األرض طرية، وهناك تنتصب أمامه سبع أشجار بلوط

.مع سبعة أبواب من اللحاءيبدأ المسافر وقد اعتادت عيناه ظل الغابات الخفيف،

تادت رؤية ما ال يرى بالنسبة لآلخرين، بالحك بإبهاميه، واع) نافذة صغيرة(وقشط الباب المركزي، عندها انكشفت روزنة

أمامه، وراحت عينان كبيرتان تثبتان نظرهما عليه، وأذنان ...صغيرتان تنتصبان وتتجهان نحوه مثل هوائيات

لى ساد صمت تام، وصارت الروزنة نافذة كبيرة مفتوحة عسحب تيار هائل من الهواء المسافر، وقاده إعصار . الالنهائي

إلى داخل حجرة كبيرة حيث الدعامات هي جذوع ملساء من ...شجر البتولة، وسقفها من األوراق الذهبية لهذه األشجار

كانت تجلس هناك، على شكل دائرة مثل الفطور، سبعة إنه . ات تنظر إليهكائنات صغيرة لها آذان مدببة، وكانت الكائن

صدور الحكم عليه؟ .. ينتظر.. لم يعد يعرف شيئا.. في المركز ولكن ألية دعوى؟

خيط أسطورة يونانية أن أريادن وهي فتاة قد أعطت حبيبها طرف تحكي )١(طويل تمسك هي بالطرف اآلخر منه لكي يستطيع حبيبها بعد أن يقتل

)م. ( أن يخرج من التيه مسترشدا بخيط أريادن– المينوتور –الثور

- ٤٩ -

فتح األبواب، ايقاظ الوعي، : تعود إلى ذاكرته المهمة المنسية .إنها لمهمة مستحيلة، كذا كان يقول صوت الماضي. شق الطرق

.الحاضرفما هي الدروب التي يعول عليها؟ سأل مسافر سوبوالنيات بصوتها الطفولي الحادجرب، جرب، تجيبه المار

.الذي لم يكتمل بعد نحو األمام، وتقدم انهض المسافر، ارتفعت ذراعاه، امتدت

كبرت كل نقطة، . انفتحت الدائرة في سبع نقاط. مثل رجل آليوانتفخت حتى صارت كرة تنفتح على شكل وردة لها سبع

..ت البتالت واستطالتاستطال. بتالت. تسعة وأربعون طريقا مكونة من ألوان قوس قزح السبعة

وها هو المسافر يدور ههنا في دائرة تتبعه المارسوبوالنيات أربعة عشرة أذنا مدببة، أربعة عشر هوائيا تلتقط صوت . السبعة

.، در، انعطف..در، در، انعطف، در، انعطف: الموقظ الوقور،رانعطف، رددتها األصوات الحادة السبعة في جوقة واحدة د

..وهي تثقب في األرض سبعة ثقوبوقذف . دار المسافر وانعطف مع عمود من الخشب في يديه

بالكرة التي راحت تحوم مثل قمر في سبعة طرق حول كوكب تشكلت سبع حلقات وتراكبت سبعة طرق دائرية، . غير مرئي

..حتى شكلت لولباوناورت بعضها بعضا

- ٥٠ -

:بدأ المسافر باالرتقاء تتبعه المارسوبوالنيات السبعة .األول فوق درجة" مار"يجلس

إصبعه لكي يمر طفولته كلها. أعطاه المسافر خاتم تذكر . .وترك مخاوفه كحراس للعتبة األولى

..الثاني كان عند مدخل الرواق" سو"والذي لن .. الذي لم يعرفذلك: "إنه يبدو بمظهر األبله

والذي ال يعرف الحركات العادية، والذي يعقد كل .. يعرف." وال يفهم شيئا من شيء ويريد الكون كله.. شيء بحضوره

كون المسافر بيديه ما يشبه الكرة وقدمها إلى الذي اعتقد أنه ..يملك معارف محرمة

.. تغني نشيد األرواحأضاءت الكرة، وتحولت إلى سبعة أفالك ألولئك الذين مفيدا سيكون دليالوهنا ترك المسافر صوته الذي

..فيهم من الجنون ما يكفي ليريدوا اكتشاف عتبة المغامرة اإلنسانية .وسحب المسافر وصعد البئرالذي استطاع " بو"، الثالث، )١(كان هناك على مثاب البئر .)٢(طوعاالوصول إلى قدرة الوجود هنا

.حجر منقور مثبت حول فوهة البئر) ١( .خارجيبإرادة حرة دون إجبار ) ٢(

- ٥١ -

وقبل . عام المسافر، ومشى على المياه، صار شفافا كالهواءأن يختفي أعطى خيط أريادن إلى حارس الغريب، الذي سيكون

..حبل نداء الالوعي الضائع في هذه األمكنة .غاص المسافر، وغاص في أعماق الماء

.على مدخل نفق الجليد" ال"واستقبله الرابع . أدرك القاعوهذا . ثمنا لعبوره)١(عينا المسافر، وترك مرنانهسحرت

بدوره، سيسمح ألولئك الذين جاؤوا إلى هذا المكان، باالتحاد في ..سلم موسيقي واحد لكي يعبروا نفق الجليد

تقدم المسافر حابسا أنفاسه، لكي يظل الطريق مجمدا، ولكي مرفرفا من ) الخامس ("ني"يفتح العتبة الخامسة حيث ينتظره

..اليسار إلى اليمين، من غصينات إلى غصيناتإنها ألوان قوس : وفجأة ظهرت عصافير من كافة األلوان

.قزح السبعة، أبواب السماء السبعةاتجه الجميع نحو نقطة، انتفخت في هذه المرة أيضا،

..واتسعت حتى صارت كرة، انبثق منها طائر أبيض كبيرر آخر ا ثمن إتمام الرحلة؟ ومازال على المسافر عبوم

كان المسافر قد تجرد من كل . عتبتين من عتبات المجهول

.وهو آلة تستعمل لضبط عالمات السلم الموسيقي) ١(

- ٥٢ -

شيء، لكن الطائر األبيض مد له ريشة، وأمسكت الطيور األخرى بمناقيرها ورقة عريضة خضراء حيث يجب أن يكتب عليها أسطورة القرون، اتحاد حكمة الماضي مع المكر من أجل

.لمستقبلا .وهذا سيكون جواز سفره لمتابعة رحلته

فهو يمكر ليعبر الغريب والعجيب ويلج إلى باطن األفالك ".ريه"و" دو"السبعة حيث يوجد األخوان األخيران

ثمة صالة ههنا، وبيانو كبير وعالمات موسيقية انفرطت ؟..من أنا: الواحدة تلو األخرى قائلة ...اب آخر حارسين للعتبةدو، ريه، دو، ريه أج

..دو ريه مي فا صول ال سي دوتقدم المسافر على السلم الموسيقي الذي أصبح جسرا ضيقا

..فوق الهوة ..وأخيرا انبثق المسافر من ذيل المارسوبوالني دوريه

ورآه رفاق سفره يظهر في قمة الجبل، فوق الهضبة التي المسافر نحوهم، وقد توهج، توجه. صعدوا إليها بعناء شديد

وأحاط به اآلخرون دون أن يجرؤوا على طرح األسئلة عليه، ..فالكالم هنا بال طائل وال معنى

- ٥٣ -

تحول المسافر إلى شجرة بأوباب كبيرة ذات أوراق عريضة وخضراء، مشكلة مشهد مفارقة تاريخية على قمة هذا الجبل،

دائرية واسعة وآذان مدببةو عيونوتسلق أشخاص غريبون ذو .جذع الشجرة ثم تسلقوا أغصانها

وفي اللحظة التي اختفوا فيها، ظهرت خمس عرائش من أوراق الشجرة، وانجدلت في ساقين اتحدتا مع أضخم جذر

.لشجرة البأوباب، وانغرزتا داخل التربة لجذع نقطة أعلى الشمس في يوم واحد كل سنة تضيء

الجذع عندها مثل كاتدرائية موسيقية ويغدو. شجرة البأوبابضخمة، وتنفتح سبعة أبواب في قاعدة جذع الشجرة، وحينذاك

..".فإن بمقدور المغامرين الولوج إليها لمتابعة دربهم اإلسرارييضيف الراوي أنهم سوف يعودون من الشجرة في اليوم الذي سيظهر فيه الطائر األبيض الكبير مع خاتم العتبة األولى،

وصوت العتبة الثانية، وخيط أريادن العتبة الثالثة، ومرنان العتبة الرابعة، وأسطورة العتبة الخامسة، وسلم العتبة السادسة

.الموسيقي، وسوف يحط على شجرة بأوباب العتبة السابعة .وحينئذ سيعم السالم أرجاء المعمورة

عدم االنسالل إلى أن يتحقق ذلك فأنتم مخيرون باالنسالل أوتحت األوراق العريضة الخضراء، ومتابعة الخيط الذي نسجه

.العنكبوت من أجلكم داخل الغابة الكبيرة

- ٥٤ -

)١(لقاء ألوان الذهب األخضر

ذات مرة، كانت روح صغيرة هائمة على وجهها في مهب وعندما هدأ ذلك الضجيج المرعب، هل .. وهناك.. الريح، هنا بارحة، أم كان في الغد؟كان ذلك ال

..كان الزمن قد تكثف في لحظة واحدةكانت الروح قد رأت مدينة، وعمارات تنهار، وكانت ال تزال

..خائفة من الضجيج الذي كان يتكررمع ذلك فقد صارت اآلن خفيفة جدا إذ فارقت جسمها

..الطفولي تحت األنقاضالصغيرة ظلت أحاطت بها كائنات مضيئة، ولكن هذه الروح

قلقة وكانت تريد العودة إلى األرض لكي تغني نشيد النجوم .وتوقف المذبحة

.كانت تحلق فوق غابة خريفية ذات ألوان من ذهب أخضر

: الغابات، كما هو الحال بالنسبة للذهب األسود: الذهب األخضر، هو) ١( )م. (الماء: البترول، أو الذهب األبيض

- ٥٥ -

هناك على طريق تتقدم مجموعة من الرجال المنهكينكانتوكان رجال آخرون يزعقون، وبعيدا كان هناك دائما . بالحفرمليء .ضجيج المرعب الذي كان يجري تحت األرضذات ال

استمالها واحد من هذه الكائنات على نحو ال يقاوم، وكان يتقدم بشجاعة شادا إليه حقيبته كما لو أنها كانت الكنز األكثر

وكان نظره يضيع في عمق الهواء وتنبثق منه . روعة في العالمفقد أعطى الدفع وبالرغم من إنهاكه . شعلة صغيرة من األمل

الضروري لجاره ذي الحظ العاثر وتبادال المساعدة، مترنحين .أحيانا، وهكذا تابعا طريقهما في الحياة

انسلت تلك الروح الصغيرة بين أوراق الشجر، وكانت تتشبع بجوهرها دون أن يفارق نظرها ذلك الذي تعرفت عليه بوصفه

كانت تسبر روحه، وتسمع . في الغدأخا لها باألمس، وأبا لها تناغم األصوات التي تسكنه، وتشعر بيأسه في مواجهة الجنون المدمر، وها هي تذوق ألول مرة إيمانها الراسخ بأخوة وتضامن

.عالمي مع أولئك الذين رفضوا الخضوع لحيوانيتهمخيم الظالم على األرض، وارتمى الرجال في بقعة أرض

وكان الذي اصطفته الروح . ة بأسالك شائكةكبيرة محاطوقاده واحد من الحراس الذين . الصغيرة يرتجف من الحمى

أنقذهم في زمن مضى، وفي حياة أخرى حيث كان يحرس .المساجين، إلى مخيم أعد للتمريض

- ٥٦ -

كان ثمة وراء البزات العسكرية، قلوب تخفق باختالفاتهم، وكانت هناك عيون تتكلم في الصمت، ومخاوفهم، ورفضهم، .وتتبادل آمالها خلسة

كان ذاك الذي لديه قدرة يوم واحد يتأمل ذاك الذي يمكن أن . يكونه غدا، ذاك الذي كان يحافظ على كرامته رغم ضعفه

وضعا معا توقيعهما أسفل ورق الرق ذاته، واحد يحرر، واآلخر مخدوعين ال هو وال اآلخر، لم يكونا. يعد بمحبة قريبه كنفسه

.وال أحدهما باآلخروكانا يمضيان . كان مصيراهما قد تقاطعا عند منعطف الحياة

من جديد كل في طريقه يزرعان بذور الحرية والعدالة في .أصغر قطعة أرض متوفرة

كانت الروح الصغيرة تتبع الجندي رغما عنها، فالرجل الذي وكان بوسعه اآلن أن يختار أية تحرر كان عائدا إلى منزله .سلسلة يريد أن يكون حلقة فيها

.وأما الروح الصغيرة فقد لبثت حبيسة رغبتها في العود للتجسدكانت أصوات تقتحمها، أصوات من لحن سماوي نقي، كانت تجيب على أصوات خفيضة آتية من أعماق كوكبية، وأيضا على

.ذان من كل مكان أو ال مكانالضجيج المصم أو الثاقب لآل

- ٥٧ -

كانت األصوات المنعشة للجمال والحب، تسري جنبا إلى كان لديها حتى اآلن . جنب مع األصوات المقلقة للذعر والحقد

القدرة على البحث عن درب أخرى للتطور، واالبتعاد عن هذا ولكنها كانت تشعر أيضا بأنها خيط من . العالم الملتصق بالدناءة

. وط كبة شبكها رجال ونساء ثم خلصوها على مدار القرونخيولما كانت سريعة التأثر بذلك النسيج الرائع من بلورات الثلج، فقد تجسدت على هذه األرض في إحدى ليالي الشتاء، لكي تبني أبوابا في جدران موطن الخيال، ولكي تتعلم الثقة بالحقيقة النقية

ء الضجيج القاتل تبحث إلى ما وراالتي تنشأ عنها، ولكي عن نغم الحياة المهتز الذي يحتقر الحدود والذي لألسلحة النارية

. يسمح للناس من كل مكان ومن ال مكان االتحاد بعلتهم الوحيدةقضية األخوة واألخوات، سكان الكوكب نفسه، الذاهبين

.والعائدين من كل مكان ومن ال مكان لكي يتالقواالروح الصغيرة اآلتية من عالم آخر، لكي ال تضيع اتخذت

في تغيرات األرض ولكي تؤدي مهمتها، األشجار بلون الذهب .األخضر تعويذة لها، تذكرها بلقائها األصلي

لم تنفك تتجذر بالقرب من إحدى هذه األشجار حتى تتمكن .أخيرا من النهوض الفعلي والمشاركة بالتناغم العالمي

- ٥٨ -

- ٥٩ -

- ٦٠ -

- ٦١ -

جـثل

.في ليلة شتاء باردة، ولدت فتاة صغيرة

وكانت جنية الثلج الطيبة تسكب من خالل حضورها جماال انحنت فوق مهد الطفلة، ومنحتها صوتا متعدد األشكال، . كونيا

كان بوسعه استدعاء األصوات العميقة والخافتة لألرض المغطاة بقدر ما يستطيع استدعاء األصوات بدثارها األبيض الفضفاض

. للجليد األكثر نقاء)١(الكريستاليةلكن ساحرة الشقاق التي كانت تحكم سيطرتها على األرض

وأصدرت قرارا يقضي . في ذلك الزمان عارضت هذه المنحةبأال تعرف الطفلة التناغم مع اآلخرين، وأنها ستكون مثل آلة

.، ولن ينفع صوتها لشيء وستبكت عليهموسيقية غير مدوزنةلحسن الحظ فإن جنية األخوة نفخت فوق المولودة الجديدة لكي تلطف من مفعول هذا السحر المؤذي، وأعلنت أن الطفلة

.صوت الكريستال له رنة خاصة) ١(

- ٦٢ -

بعد عبورها اإلحدى والعشرين عقبة في طريق حياتها، سيكون ..بمقدورها االنسجام ثانية ومواصلة دربها

ف يتعين عليها ألجل هذا، االنطالق للبحث عن وسو الذهبي، وإتمام طريق -األسطورة " مارسوبوالني دوريه"

اإلسرار باختيار الولوج إلى باطن شجرة الباؤباب التي يحرسها .المارسوبوالني

الطفلة على الفوضى القائمة، شوشت فقدأما بالنسبة للبشر، تغذية الموقد بشيء من و أمورهم إعادة تنظيم ال بد لهموكان .الحطب

ولم تعد الهدايا التقليدية تقدم من الفرو وإنما كانت خشبا . دخانإلى ويتحوليحرق

تضحك، وكانت تثغثغ في مهدها، غير واعية " ثلج"وكانت للجو الخارجي، شاعرة فقط بحرارة أولئك واللواتي كن يستقبلنها

.عند عتبة حياة جديدةمع خيوط أشعة الشمس األولى، غادرت غرفة أيامها األولى، و

وذاب ضحكها تحت النظر الشارد للساحرة الشريرة، المتنكرة في .هيئة عجوز شمطاء، والتي مدت الطفلة ذراعيها نحوها

لكن هذه لم تشأ هدهدتها، ومع ذلك كانت تدفع بال توقف .أمامها أرجوحة كانت تبدو فارغة

لكي تجلس على األرجوحة، لكن العجوز الشمطاء " ثلج"بكت :كانت تقصيها بعيدا

- ٦٣ -

بأي حق تريدين أخذ مكان طفلتي الناعمة والجميلة والفرحة؟ " .بكاؤك يجعلني أصرف بأسناني، أسكتي فأنا لن أقبل بك، لن أعرفك

الطفلة التي ال حول لها وال قوة، تشهق من شدة " ثلج"كانت عور باليأس، غير أن أنفها تحرك، وإذا برجل يمسك بها الش

وقد جعلها هذا . ويرفعها عاليا فوق رأس الساحرة الشريرة .التحليق تضحك من جديد

. يختنق خوفالكن صوتها بدأ منذ هذه اللحظة. بالخروج من جديد من عزلتها" ثلج"مرت سنة، وخاطرت

.افيرفتدربت على إصدار زقزقة العص :لكن الساحرة الشريرة بدأت بالصراخ

أسكتوا هذه الطفلة، فإنها تزعج طفلتي الجميلة، والنائمة منذ " ."األزل

لتفهم ما كان يحصل لها، فهربت وسقطت في " ثلج"لم تكن .حوض ماء بارد

ولكن لحسن الحظ، فقد تحرك أحد أصابعها على نحو يائس، تها للنوم فإذا بامرأة تخرجها من الحوض، وأخذت تجففها، وأسلم

.دوءـبه .لكن صوتها فقد أيضا نبرته الواثقة

مر شتاء آخر، وصيف آخر، وأيضا شتاء آخر، وصيف آخر، معتصمة داخل غرفتها حيث كانت تعتقد أنها بمنأى عن " ثلج"و

هرها على لكن هذه األخيرة كانت تغير من مظ. الساحرة الشريرة

- ٦٤ -

حسب رغبتها، وأصبحت بهيئة رجل حرب كان يتظاهر أنه .يحمي األطفال الصغار كي تتمكن من تدميرهم على نحو أفضل

الرجل الذي أتى لزيارتها في " ثلج"في ذلك اليوم، استقبلت كان يبدو مضحكا مع كل عدته . غرفتها بابتسامة عريضة .ن يريد أن يلعب معها لعبة الغميضةالنافلة، فاعتقدت أنه كا

لكن لماذا كان يقول لها أال تخاف ويتساءل لماذا كل هذا الضجيج ولماذا تركوها وحيدة؟

: كانت تسمع العالم ينهار خلف الباب المغلق ثم تسمع صراخا ".تعالي، سوف نرحل، أسرعي"

انطفأ أنها هجرت تماما، وقد شلها الخوف، و" ثلج"اعتقدت لم تعد تستطيع، ال الحركة، وال الكالم، . صوتها في هذه المرة

كانت تسمع معركة الخارج . وبقيت وحيدة في هذه الغرفة .وتشعر بها في داخلها

عاد الهدوء أخيرا، واصطحبها أبواها إلى حديقة كبيرة، .ووضعاها عند أسفل شجرة كرز لها منافع في تجديد الحيوية

تعادت وقد وضعت أقراطا في أذنيها، ما يكفي من وإذاك اسكانت تتكلم، . الحياة لكي تذهب إلى المدرسة مثل سائر األطفال

.لكنها لم تعد تغنيكانت تسمع أحيانا نداء يطن آتيا من المكان األكثر عمقا في داخلها، كانت تسكته بسرعة خوفا من استيقاظ الساحرة التي لم

.ظهورتعاود ال

- ٦٥ -

.مرت فصول شتاء وصيف كثيرةقد تعلمت الشيء الكثير، لكنها كانت حزينة دون " ثلج"وكانت

أن تعرف السبب جيدا، إذ لم تعد تعلم كيفية هز كافة حبال اآللة لكنها مع ذلك ظلت مخلصة لمثال . اإلنسانية التي كانت تجسدها

مهدها، فأخذت تبحث الجنية الطيبة التي كانت قد نفخت فوق. عن جماعة إنسانية لمشاركة خبراتها في روح من األخوة

فاقتربت دونما مقاومة من بناء كبير حيث كان رجال ونساء .يطورون نظريات كبيرة وينسقون صيغها .قدمت لهم خدماتها، فتركوها تدخل

ن كما دلوها في غمرة انشغالهم على ممر طويل حيث يمكفتقدمت . يبدو أن تعثر خلف باب على مكان ال يزال شاغرا

حيرى، وفي اللحظة التي همت بوضع يدها على مقبض الباب، سمعت سخرية هائلة، وأخرجت الساحرة الشريرة مخالبها،

، وتصرف "ثلج"وراحت الساحرة ترقص رقصة شيطانية حول .بأسنانها مصفرة بشتائم قذرة

.أبدا كيف تخلصت من هذا الكابوس" ثلج"لم تعرف لم تعد تعرف أين . ووجدت نفسها تركض دونما توقف

أصبحت وال منذ كم من الوقت، أسابيع، شهور، أو سنوات، .كانت تركض، ولم تعد تعرف أبدا من هو جدير بثقتها

- ٦٦ -

وصلت بالقرب من غابة، فسمعت نداء ينبوع، وخيم الظالم، .امت تحت شجرة صنوبر كبيرةفن

استيقظت تحت أنظار آماريال وجوانيتو، التي تشيع السالم، .إنهما حارسا هذا المكان

كانت مذعورة بادئ األمر، ال تعرف فيما إذا كان ال يزال .بوسعها أن تمنح ثقتها لكائنات ذوي هيئة إنسانية

لطيبة التي لكنهما سكنا من روعها، وأوضحا لها أن الجنية اسهرت عليها منذ والدتها، كانت قد قادت خطواتها نحو غابة المياه الصافية، وأنها هنا لن تخشى شيئا ألنه ما من أحد يستطيع

.االقتراب من هذه الغابة بدون موافقتهما. ساعداها على استعادة قواها، وعلماها الضحك والغناء مجددا

تحت أوراق شجر ضخمة، وذات يوم دالها على ممر يختفي .واقترحا عليها أن تتبعه وحيدة

كانت تتردد بمغادرتهما، لكنها كانت تعرف أنه يتعين عليها مواجهة المجهول، وأنها لن تستطيع إال بهذا الثمن معرفة سبب

..توغلت تحت األوراق الخضراء والعريضة. وجودهات ودخلت بكل جرأة إلى باطن شجرة الباؤباب، وانسجم .روحها شيئا فشيئا مع تلك الكائنات المنيرة التي تحيي الباؤباب

إذا ما أصغيتم جيدا، فبوسعكم أيضا أن تتعرفوا على مارغريدا ..وجوانيتا وكاراميال وربما أيضا أن تتواصلوا مع آخرين

- ٦٧ -

- ٦٨ -

- ٦٩ -

أسطورة مارغريدا اهلندية الصغرية

ش في ملكية كانت طفلة صغيرة، تدعى مارغريدا، تعي

كانت طفلة تنبض بالحياة، ضحوكة، ال بل كانت عفريتة . واسعة .أيضا بعض الشيء

.كانت تحب مفاجأة األوالد األكبر سنا، واألطفال اآلخرينوكانت . كانت قد اعتادت على دغدغة أقدامهم مذ كانت تحبو

تقوم بهذا بكثير من اللطف الذي يكاد أن يكون مداعبة، لكن ادرا ما كانوا يتقبلون ما تفعله، وبالمقابل كانوا اآلخرين ن

.يوقعونها ويأخذون منها ألعابهافتتستلقي .. كانت تنظر إليهم مدهوشة، ال تفهم سببا لعدوانيتهم

على ظهرها، مستغرقة في تأمل الغيوم والعصافير التي تعبر .وارحهاالسماء، تتبع مساراتها بعينيها، وتشاركها رحلتها بكل ج

- ٧٠ -

أو كانت تجلس في أحيان أخرى، مستندة إلى حجر كبير، وكان نظرها يغيب في الماء الذي يحيط بالجزيرة الصغيرة،

.حيث كان يتمايل اإلوز األبيض والبط المتعدد األلوانوفي بعض األحيان، كانت تنجذب إلى هذه الطيور على نحو

.اال يقاوم، وتبحث عن سبيل لالنضمام إليهولكن، كانت تمنعها في كل مرة الجدة الهندية البدينة الطيبة

فكانت تنهر . التي تعتني بأطفال القبيلة، وتسهر على لهوهم .مرغريدا بعينيها، وال تتورع عن لطمها بضعة صفعات خفيفة

كانت الجزيرة مخصصة لالحتفاالت، ولم يكن بوسع أحد كانت مرغريدا . القبيلة الكبيرالدخول إليها إال بدعوة من زعيم

وكانت . ولم تكن تخشى تهديدات حارسة األطفال. تعرف ذلك :هذه األخيرة تقول لها

ال، ال يا مرغريدا، إذا ما أنت ذهبت إلى هناك دونما إذن " !..".من الزعيم الكبير، فلسوف تسقط السماء فوق رأسك

متشابهين، لكن السماء والماء كانا بالنسبة لمرغريدا، وواسعين جدا وجميلين جدا، وعميقين لدرجة أن االتحاد بهما ال

.يمكن إال أن يكون خيراناهيكم أنها كانت ترغب بمحادثة البط، حتى أنها كانت

..واق.. واق.. واق: تكلمهم من بعيد بلغتهم

- ٧١ -

حتى أن أحد طيور السرب كان يقترب منها أحيانا، لكن ذلك ..النسبة لهالم يكن كافيا ب

مذاك أخذت مرغريدا تختلس النظرات من طرف عينيها لكن هذه األخيرة كانت صعبة . لتنتهز أقل فرصة سهو للحارسة

فقد كانت تجلس على حجر كبير، وكانت في كل مرة . المراستمسك بمرغريدا وتجبرها على الركوع لكي تصلي وتسأل

لحارسة أنه غير مسرور المغفرة من إله اآللهة، الذي كان يبدو ل .من سلوك الهندية الصغيرة

كانت مرغريدا تحب كثيرا أن تحتضنها الحارسة، وكانت تحب أكثر أيضا الصالة لهذا اإلله الذي أبدع كل هذه األشياء

ومن ثم، فقد كان بوسعها أن تطلب سرا من . الجميلة من حولهاعلى هذا النحو و. اإلله أن يعطيها وسيلة للدخول إلى الجزيرة

.كانت تطيع الحارسة وفي الوقت نفسه تعود إلى ألعابها المفضلةعند المساء، كانت تذهب قبل النوم لتلقي التحية على زهرتي أورطنسية رائعتين وزرقاوين، كانتا تنموان عند أسفل شجرة

.إلى جانب مخبئها. نكانت زهرتا االورطنسية هاتان، بالنسبة لمرغريدا، سحريتي

فإذا ما قام أحدهم بقطعهما، فإن اثنتين أخريين تزهران مكانهما ..ثانية

- ٧٢ -

في كل كان قلبها يرتجف خوفا كانت تعرف هذا، ومع ذلك، أحدهم من هاتين الزهرتين، من أن يتسبب لهما فيهايقتربمرة

بأدنى أذى، باستثناء جوانيتا عندما كانت تظهر من الغابة مع .هام، وترقص حول الزهرتينجعبتها المليئة بالس

كانت جوانيتا عرابتها، وكانت تعانقها، وكان رقصهما معا .كما لو كان تحليقا

كانت جوانيتا بالنسبة لمرغريدا سرا عميقا، فمن أين أتت بالضبط؟ ولماذا تحظى باحترام الجميع؟

كان أفراد القبيلة يقبلون يدها، ويطرحون عليها أسئلة كثيرة، نوا يحضرون صغارهم لها، ال بل حتى حيواناتهم وكا

.وكان كل من يقترب منها يغادرها مفعما بالنور.. المريضةكانت جوانيتا تجيب هؤالء وأولئك، وتوزع أعشابا جمعتها من الغابة، وتقوم بحركات غريبة بالقرب من اآلخرين، كما لو

.على األرضأنها تعمل على اقتطاف نور السماء لكي تضعه كانت مرغريدا تعدو عدوا قصيرا خلف جوانيتا، وكان تقليدها لها أخرقا، إنما وبكثير من الدقة كانت ترفع يديها .الصغيرتين قبالة بعضهما نحو السماء، ثم تداعب بهما األرض

كانت مرغريدا تحزن بعض الشيء حين تختفي جوانيتا فجأة . الصاعدة بين األشجار الضخمةتماما كما ظهرت سالكة الدرب

- ٧٣ -

ولكن ابتسامتها كانت سرعان ما تعود إلى محياها ألنها كانت .تشعر بحضور السيدة العليا، عندما تكون هذه األخيرة غير مرئية

كانت جوانيتا قد قالت لها إنها حينما تكون بحاجة إليها، فما :عليها إال الغناء بكل قلبها

.ميلة بين الجميالت، إحكي لي كيف ولدتأوه، جوانيتا أيتها الج" ."أوه، جوانيتا أيتها الجميلة بين الجميالت، عانقيني في رقصتك

وفي كل مرة كانت الطفلة تنادي فيها جوانيتا من أعماقها، .كانت تشعر باألمان

.هكذا مرت أيام مرغريدا، سعيدة بين ذويها فجلس على حتى ذلك اليوم الذي أتى فيه الزعيم الكبير،

وكان . حجر كبير بدون زينة رأسه من الريش الملون والطويل .رجالن أبيضان ينتصبان أمامه

بدا الجو ثقيال كما لو أن عاصفة رعدية هائلة موشكة على ..الوقوع

خافت مرغريدا خوفا شديدا، لكن ولحسن الحظ، لمحت جوانيتا .ألورطنسيةالتي كانت تراقب ما يجري خلف شجرة زهرتي ا

وأشار الزعيم إلى جوانيتا . غادر الرجالن األبيضان المكانوهذا األخير وضع على رأس الزعيم زينته من . وهندي آخر

- ٧٤ -

. الريش الملون والطويل، الذي كان ينال إعجاب مرغريدا الشديد ..لكنها اليوم كانت ترتعش دون أن تعرف لماذا .يرةذهبت جوانيتا ومعها الهنديان إلى الجز

..غنوا، ورقصت جوانيتاكان الصمت مطبقا خارج الجزيرة، وكان الرجال قد ارتدوا

أما حارسة األطفال .. زيهم الحربي، والنساء انبطحن على األرض .ولم يعد أحد يولي انتباها لمرغريدا الصغيرة.. فقد اختفت

وفجأة، حدثت جلبة كبيرة، خطوات تدب، أسرعت مرغريدا الجزيرة، باحثة عن جوانيتا، كانت وحيدة، بال حماية، سمع نحو

..طلق ناري، وسقطت الطفلةحينئذ، أطلقت جوانيتا صرختها، صرخة الحرب، فشلت

..الجنود الغرباء من الرعب، وتجمدوا في مكانهم ..توقف الزمن

احتضنت جوانيتا الهندية الصغيرة، وذهبت لتقطف زهرتي ة، ثم وضعتهما فوق قلب مرغريدا، هذا القلب الذي األورطنسي

توقف في انطالقته، والذي طالما خفق بتناغم مع قلوب أفراد .القبيلة كلهم

ثم دخلت جوانيتا في رقصة دائرية، وارتفعت نحو السماء، .واختفت مع مرغريدا وسط الغيوم

- ٧٥ -

.حلق اإلوز األبيض ليرافق الطفلة ويشاركها قدرها الجديدعندما وطأت جوانيتا بقدميها األرض من جديد، عاد الزمن و

.إلى مجراه .واحتدم وطيس المعركة

أثرت هذه األحداث في بعض الجنود الغرباء لدرجة أنهم لم ولكن، حقال من القوة المنبعث من . يستطيعوا مواصلة القتال

جوانيتا كان يجعل الهواء يهتز حولهم فيجعلهم غير مرئيين مما .ساعدهم على هذا النحو في الهرب من أرض المعركة

وهكذا يطوف أوالد أحفادهم وأوالدهم حول العالم لكي .يدافعوا عن قضية الهنود

أما العدد النادر من أفراد القبيلة الذين ظلوا على قيد الحياة، فقد رووا ألطفالهم، وهم يشيرون إلى كوكبة من النجوم في قبة

كوا بدورهم إلى أطفالهم، قصة مرغريدا، السماء، والذين ح .وهكذا انتقلت قصتها من جيل إلى جيل

وفي أيامنا هذه، حينما يرفع الهنود والرجال البيض رؤوسهم ليال نحو كوكبة النجوم هذه، فهم يرون في األعالي طفلة

فيشعرون . ضحوكة ولعوبة محاطة بإوز أبيض يقوم بحمايتهامهم، إنها والشك مرغريدا تتسلى في بدغدغة خفيفة في أقدا

.مداعبتهم

- ٧٦ -

يملؤهم ذلك فرحا، ويعيد لهم الشجاعة لمتابعة مسيرتهم في هذا العالم، لكي يحولوا الطرق المليئة باألشواك إلى طرق مليئة

.باألزهار تحت أقدام األطفالأما جوانيتا فقد ترتب عليها أن تضحي بنفسها من أجل أن

.تمر، ولكن هذه قصة أخرىتبقى قبيلتها وتس

* * *

- ٧٧ -

- ٧٨ -

- ٧٩ -

قصة جوانيتا

"مجيلة اجلميالت"

كان النهار ماطرا، وشيئا فشيئا، مع اقتراب المساء، الحت ..الشمس من وراء الغيوم

.ارتفع قوس قزح رائع من خلف التاللومع أن قامتها كانت .. وبدا كما لو أن امرأة قد انبثقت منه

صيرة مثل أغلبية أفراد قبائل المنطقة، فقد كانت مؤثرة في قوكانت ترتدي ثوبا بسيطا أخضر اللون، مشدودا على . وقارها

وكانت تحمل قوسا، . خصرها مما يسر لها حرية الحركة .وسهاما مزينة بريش ملونة بألوان تتناغم مع قوس قزح

ا يفيض عذوبة كانت تغني وهي تقترب من الخيام، وصوتهفكان كما .. غريبة، ويتبدل من صوت جهير إلى حاد، وبالعكس

.لو أن ألف عصفور يرافقها .وكان غناؤها يخرج سكان القرية الهندية من خيامهم

- ٨٠ -

كانت إحداهن تنازع، ومع ذلك فقد انفرجت أسارير وجوههم التي كانت ترتسم عليها حتى اآلن عالمات القلق، وأضاءت

.هم مع اقتراب جوانيتا، إحدى جميالت الغابةعيونعند مولد جوانيتا، رأى زعيم قبيلتها الكبير أنها هي صاحبة

.ركةـالب .وراقبت على امتداد طفولتها، حركات الشفائين، وسحرة القبيلة

وعندما بلغت سن الصبا، أخذتها أمها وأخواتها إلى طرف الغابة وكن قد قدمن الثمار . غاني الطقسية وقرع الطبولتصحبها األ

المكرسة لجميالت الغابة اللواتي جئن الستقبال جوانيتا مع إكليل أسرار يلقنهامن الزهور واصطحبنها إلى داخل معبدهن لكي

هنإليها علوم نها، وينقلنقمالعبور التي ي شعائرهن وطقوس. مؤثرا للغاية على المشاركات، فكن يضحكن كان االحتفال

كن يبكين ألنهن سيتركن . ويبكين في آن معا في الوقت نفسهالطفلة التي شاركنها حتى هذا اليوم ألعابها، ومصاعب الحياة، وكن ال يعرفن متى سيرينها ثانية؛ وكن يضحكن ألن كل واحدة

هتزاز الهواء اللطيف اآلتي من الغابة، وهو منهن كانت تشعر باعلى صلة مع عالم ثان يتجاوزهن، وكن أيضا في غاية الفرح ألن أختهن اختارت طريقا تستطيع من خالله مساعدة الكائنات

. على األرضالتطوراإلنسانية في

- ٨١ -

بسبب ،جميالت الغابة: اللواتي يطلق عليهن تكانفي الواقع، رهن الالئق والبسيط والحر والمضياف في آن معا، يعشن مظه

.في جماعة واحدة داخل الغابة التي تربطهن بها عالقة حميمةكن يتواصلن مع الكل الكبير، يستقبلن رسائل النباتات

.والحيوانات ويفككن رموزها الفنأيضا إلى نصائح الينابيع والرياح، ويتح يصغين مع وكن

.النار وهن يطوعن رقصاتهن فوق ألسنة لهبهاعند وصول فتاة جديدة، كانت تهب األخريات لمساعدتها في تنمية مواهبها الفطرية، وكان بوسعها من ثم االستفادة من هذه

.المواهب إلتمام المهام المختلفة التي أعدت نفسها لهاة عالقتها مع هكذا، نمت جوانيتا على نحو أكثر خصوصي

األشجار وينابيع المياه الحية في أعماق الغابة، وتعلمت التواصل واستطاعت . مع كائنات السماء واألرض من خالل ألحان فتانة

باالعتماد على األصوات وحدها أن تروي حكايات متعددة، وكانت نوعية الوقفات التي تتبع األصوات، ترافق مستمعي

.ات كانت ضرورية لنموهم الداخليحكايتها في فضاء، لكنها أحيانا فيها مكابدةوكانت حياة جميالت الغابة متطلبة،

.مفعمة بالحب

- ٨٢ -

فإذا ما أخطأت إحدى الجميالت عن عمد إزاء قوانين .التضامن كانت تستبعد من الجماعة

وكان بوسع كل واحدة منهن أيضا أن تطلب في أية لحظة وفي كلتا الحالتين، كانت تعود إلى . رة هذه الدرب الصعبةمغاد

حضن إحدى قبائل المنطقة، وكانت الجميالت تسهرن على حسن .اندماجها

أما اللواتي كن يتابعن حياتهن داخل الجماعة بشكل نهائي، .فقد كان ذلك نابعا من اختيارهن الحر

كن هن، وبعد مرور وقت ما مختلف بالنسبة لكل واحدة من أفراد إحدى قبائل المنطقة، مساعدةمهمة ب بشكل خاص، يكلفن

.حيث كن يقدمن لهم النصائح واالهتمام بحسب حاجات كل منهموما إن قبلت جوانيتا في الجماعة، حتى تعين عليها االختالء مرات عديدة وحيدة في تجويف شجرة، بالقرب من ينبوع يتدفق

إلى يتحول كان والذي ،تحت صخرة كبيرة تغطيها الطحالبمن

.هادر ماء مجرى ثم ومن ماء، مسقط بعيدا لتشكل تتالطم المجرى مياه كانت شجر بأوراق محاطا صغيرا حوضا لتمأل تهدأ، المياه كانت

.الجميالت استحمام مكان إنه عريضة،

- ٨٣ -

وتروي المروج، ترطب رقراقة، طريقها تتابع المياه كانت ثم، .واألليفة البرية الحيوانات كانت التي جوانيتا تطلب الجميالت، من واحدة أتت يوم وذات

.الينبوع هذا من بالقرب الشجرة أسفل عند خلوتها في كارلوتا، البكر أختها لنجدة تذهب لكي اختارها قد القدر كان .طفولتها أثناء لها ثانية أم مثل كانت والتي

ورأت مريضة، وكانت .طفال تضع أن وشك على كارلوتا كانت حامية ستكون جوانيتا بأن داخلي هاتف وأنبأها ستموت، أنها حلم في

القبيلة، زعيم استدعت استيقاظها وعند .الوالدة على الموشك الطفل .السماوية الرسالة صحة أكد القبيلة، ساحر باستشارة قام أن بعد الذي

ولكي األخير، رمقها عند كارلوتا تساعد لكي جوانيتا توصل زقزقة يشبه الصوت هذا وكان .لمارغريدا صوت أول تستقبل المولودة الطفلة هذه أن الزعيم أعلن وحينئذ خفيفة، عصفور بفضل بعد فيما وستتمكن .جوانيتا عرابتها مثل هبة صاحبة .السماء إلى ابه وترتقي للقلوب الهدوء تمنح أن صوتها

تلت، التي الطقوس أثناء في األم، لقبيلتها كاهنة جوانيتا كرست .نسبيا نادرا ذلك وكان

مارغريدا، تطور متابعة منتظم، بشكل الرجوع ضمنت وبذلك كل في يستشيرونها كانوا الذين الناس لجميع طاقتها كل ومانحة .زياراتها من زيارة

- ٨٤ -

أطفال بين وكبرت مرضعة، إلى بها هدع فقد مارغريدا، أما .اآلخرين القبيلة

مع عالقتها خالل من غنى، وازدادت هادئة، حياتها جرت كل عند ذراعيها، بين الطفلة حاضنة ترقص كانت وهذه .جوانيتا بالنسبة ومبهمة صوتية طويلة أحاديث تتبادالن وكانتا لها، زيارة

.آذانهم إعجاب نالت كانت لكنها لآلخرين، وكان القبيلة، شورى مجلس إلى أيضا تنتمي جوانيتا كانت .جدا خاص نحو على آراءها يقدر الكبير الزعيم احتلوا الذين البيض الرجال مجيء مع عصيبة، األوقات كانت على وعملوا بل ال منها، وطردوهم الهنود، أراضي واحد إله باسم .أحيانا إبادتهم .أيام عدة منذ البيض الرجال من اثنين مع يتفاوض عيمالز كان )١("كنيسة" أسمياه ما بناء عليه ويفرضان فأكثر، أكثر يتوعدان وكانا

األولى بنيت بالطبع لدى الكاتبة الحق في هذه اللهجة العنيفة، ألن الكنيسة ) ١(على دم القديسين والشهداء أما الكنيسة الثانية فبنيت على دم الضحايا والمظلومين، الكنيسة األولى عرفت أول تطبيق عملي لما سمي فيما بعد

منتفخة تخاف على باالشتراكية، أما الكنيسة الثانية فهي رأسماليةالكنيسة . العالم ومباركة القتلةمصالحها الدنيوية ال تعرف إال تملق قادة

األولى عرفت الوحدة والتسامح واالنفتاح، أما الكنيسة الثانية فعرفت ) م.(االنقسام والطوائف والتعصب واالنغالق

- ٨٥ -

المعمودية، يطلبوا أن منهم الراشدين على وأن .القبيلة أرض على .البيض إلله الصالة يتعلموا أن فعليهم منهم األطفال أما

يحرقن لكي الغابة جميالت مهمتسلي عليه كان كله، ذلك وفوق .ساحرات باعتبارهن بزراعة للهنود سيسمحون فإنهم مطالبهم، لبيت ما وإذا

المحصول من األكبر الجزء يهبوا أن شريطة طبعا أراضيهم،

.مالكها هم صاروا الذين البيض للرجال من ما وأنه الخير، قوى على تتغلب الشر قوى أن يبدو كان .األحداث مجرى تغيير في يساعد أن بوسعه دعاء، من وما طقس، الشورى مجلس دعوة وتمت .يعقد أن البد كان أخير لقاء .القبيلة أعضاء جميع مشاركة أمام مفتوح استثنائي الجتماع للدفاع المقبولة، غير المطالب هذه أمام المقاومة الجميع قرر .أحرار كأناس كرامتهم وعن أرضهم، عن

الهنود، يجهلها نارية أسحلة يستعملون البيض الرجال كان شجاعة من الرغم على وذلك المعركة، ربحوا النحو، هذا وعلى

.أسرى الباقين وأخذوا منهم، كبيرة أعدادا فقتلوا .خصومهم غادرت التي مارغريدا، الطفلة قلب خفقان الرجال جنون أوقف

.نور من أخرى تكائنا السماء في بها واحتفت األرض، هذه

- ٨٦ -

القدرات بفضل اإلفالت وجوانيتا القبيلة زعيم بوسع وكان إخوتهم مع البقاء فضال لكنهما .الغابة بتأثير المكتسبة السحرية .الدم في وأخواتهم

والقوة الهدوء، على القبيلة قائدي محافظة من وبالرغم .خريناآل األفراد على السيطرة من الخوف تمكن فقد المعنوية، أيضا، والنهب للسلب تعرضت قد المجاورة القبائل أقاليم كانت .المناهضات الجميالت إلحراق المحارق وأعدت الحريق وإضرام األطفال بذبح يهددون البيض الزعماء وكان

.الساحرات مخبأ إلى الفور على يرشدوهم لم إذا الغابة، في العميق وجودهم جوهرل يسمح لكي القبيلة، زعيم أذعن هكذا

ترشد أن بدورها جوانيتا ووعدت كلها، القرون متحديا باالستمرار اتهاأخو أن سلفا تعلم كانت الذي خلوتها مكان إلى البيض الرجال

.أخلينه قد رد أي تبدي أن دون األثير، مكانها تدمير ترى أن عليها، كان بقيت التي حيدةالو كانت أنها األعداء إقناع استطاعت لكنها فعل، .الحياة قيد على

سرا لتنبعث أسالفها، عبادات عادت سنين، بضعة وبعد هكذا، قبيلتها هنود واستطاع .فقط موضعه تغير الذي الينبوع من بالقرب تحسنها كانت الماضي أساطير لكن بالتأكيد صعبة حياة متابعة .وتقويها وتحملها

- ٨٧ -

أميرال واشتراها .كجارية يعهاب تم فقد الجميلة جوانيتا أما عنيفا، رجال كان .أوروبا إلى سفينته متن على وأخذها أبيض،

ة،ـبشراس فعاملها نزواته، لكل الخضوع رفضها أمام خصوصا .اغتصبها ثم

عدم على دائما إصرارها لكن صغيرا، طفال جوانيتا ولدت .بقليل كذل بعد مقتلها إلى أدى وروحها كرامتها خسارة .األرض على وإعالته الطفل بايواء شفوق بحار وقام كيف وال أين، وال صبيا؟ أم فتاة الطفل كان إذا فيما أحد يعلم لم تربيته؟ تمت

من واحدة أو واحدا يوما ستالقون أو التقيتم، ربما، لكن، يعلم؟ من ذريتها، خالل من أيضا ليهمع ستتعرفون وأنتم أسالفهم، هبة ورثوا لقد .أفضل عالم عن تبحث التي وعيونهم صوتهم نبرة

* * *

- ٨٨ -

- ٨٩ -

- ٩٠ -

- ٩١ -

قالب حلوى اجلدة كاراميال

ذات يوم، كانت جدة طيبة تعيش في كوخ مبني من حزم من .الحطب تم تجميعها من الغابة التي تحيط بالمكان

رجة أن أحدا لم يكن وجهها المتجعد كان مشرقا بابتسامة، لد . ال يزال لديها أسنان أم الإذا كانبمقدوره أن يعرف

أثر حادث قديم، وقد وهوكانت تمشي ساحبة ساقها اليسرى،طردها أسيادها منذ زمن بعيد عقب هذا الحادث، لعدم رغبتهم

وعاشت بعد الحادث، تداوي جراحها . بإطعام فم ال جدوى منهذى على حليب عنزة قامت بقطع حبلها لكي باألعشاب، وتتغ

وال نعلم، كيف استطاعت هذه العنزة السوداء الصغيرة . تتبعهاالنجاح في ضمان استمرار نسلها، وبذلك كانت عنزات صغيرة .أخرى تتابع إمداد كاراميال بالحليب، ومنحها الدفء في الشتاء

وكانت حيوانات أخرى، ومنها خاصة قطط نصف وحشية، ي لكي تفرك جسمها بكاراميال، لكنها كانت تهرب بسرعة تأت

قصوى عند اقتراب أحد الراشدين، في حين كانت تطلب

- ٩٢ -

مالطفات األطفال من كافة األعمار، الذين كانوا يتركون مساكنهم، لكي يأتوا ويسمعوا حكايات كاراميال التي كانت قد

.أصبحت جدة الغابة، إحداهن قليال من الطحين، كانت قرويات الجوار يجلبن لها

واألخرى قليال من الزيت، وموادا غذائية أخرى ضرورية لبقائها على قيد الحياة، وبالمقابل كانت هي تداويهن بالطين،

.وبأعشاب مختلفة جمعت على مقربة من مسكنها الفقيروكانت تهدئ األطفال الرضع بشكل خاص، ولم يكن لها مثيل

وقد نجحت في تحويل األغصان الواطئة لشجرة .في هدهدتهمكرز إلى ما يشبه سريرا معلقا حيث كانت تضع األطفال

ثم تأخذ في الغناء لهم لكي يناموا، أغنية قديمة . الصغار فيهمستوحاة من الطبيعة، وكان صوتها يخشن مع تقلبات الجو،

جة أن أكثر وكان في غنائها بعض النشاز، ولكن بيقين حلو، لدر :األطفال قلقا كان يهدأ للحال

فتاة صغيرة ساحرة، وال يسبر سرها محاطة بسياج حولها، اي، اي

هذا الغصن فارعوكانت تتحدث مع جميع الكائنات اإلنسانية كما لو كانوا كلهم من الجنس المؤنث، زد على ذلك، فإن قلة من الرجال كانوا

- ٩٣ -

كوخها، مفضلين اصطياد الحيوانات في يغامرون باالقتراب من مكان آخر، خاصة أن هذه الحيوانات كانت تبدو هنا متكافلة مع السيدة الطاعنة في السن، فكانت تتواصل فيما بينها لتضليل

.أولئك الذين يتعقبونها في األدغالكانت كاراميال قد دجنت بومة صمعاء من الجوار، ترمقها

المدورتين والكبيرتين، وكانت كاراميال تؤكد أن في الليل بعينيها هذه البومة تعطيها وصفة قوالب الحلوى الصغيرة التي تعدها للطهي في فرن يعد تحت كومة من الحجارة، قوالب حلوى كان .األطفال يرغبون بها على نحو خاص ألن فيها مذاق سر عميق

ب لكي تخفي األجزاء وكانت ترشها بنوع من الدبس الذائالمحروقة والمسودة، ولما كان جلدها قد صار أيضا بلون

ولم يعد أحد وال حتى هي . العنبر، فقد لقبها األطفال بكاراميالنفسها تتذكر اسمها الحقيقي، وال أن أحدا كان يعرف حتى

.عمرها الحقيقيم، متوسلة وذات يوم، أتتها امرأة خائفة برضيع ذي بضعة أيا

.إليها أن تخفيه عندها، وتعتني بهكان بحار قد وضع . قالت المرأة أشياء تبدو غير مترابطة

الطفل بين ذراعيها، قائال لها إذا مات الطفل، فإن اللعنة ستلحق نجحت بالهرب . بها إلى األبد، وكان بحار آخر يريد قتل الطفل

- ٩٤ -

ولم تكن تعلم . زوجها الصيادعندما تعثر هذا األخير في شباك إذا كان ما يزال يتعقبها، فإذا قبلت كاراميال رعاية الطفل بعض

نه كون بإمكانها القول إالوقت مجنبة المرأة لعنة السماء، فسي .سقط في بحيرة شاطئية، وأن التيار جرفه معه

ضمت كاراميال الطيبة إلى قلبها، كتلة من اللحم اإلنساني . كانت تبدو بدون حياةكتلةقذرة على نحو يتعذر وصفه،

قامت كاراميال بفركها بنعومة باألعشاب المجددة للحيوية، وأشعلت النار في أغصان صغيرة لتدفئها، كما هدهدتها برقة

:هامسة لها أغنية داخل تجويف يمكن أن نسميه أذنا فتاة صغير ساحرة، وال يسبر سرها

محاطة بسياج حولها، اي، ايهذا الغصن فارع

ت على ذلك الشيء الذي أخذ مظهرسمكأن ابتسامة قد ر، تان على العالم من حولهوجه، وانفتحت قليال عينان المع

وانطلقت ثغثغة صغيرة أدهشت أذني كاراميال، وكانت كل تريد المشاركة في هذه الحيوانات التي تحيط سيدتهم في دائرة،

.المعجزة التي تتم أمامهمال بل حتى البومة الصمعاء التي أزعجت في نومها، ولولت

.سرورا

- ٩٥ -

في الغابة محاطة بالمودة، )١(وعلى هذا النحو، كبرت كاراميلينياوذلك بفضل حليب زوجة الصياد التي كانت تأتي لرؤيتها كل يوم

.ركها خوفا من أن تلحق بها اللعنةال تجرؤ على تلم يكن على زوجة الصياد أن تندم على ذلك، ألن هذه الطفلة بعد سنين طويلة اعتنت بها في شيخوختها، بعد أن غرق زوجها

.وعدد من أوالدهما إثر عاصفة قويةلم يعرف أحد البته، من كان والدا هذه الطفلة التي عهد بها

لقد سميت كاراميلينيا، ألنها عاشت . جة الصيادالبحار إلى زوفي الهواء الطلق، حتى صارت سحنتها عنبرية اللون، أما كاراميال فقد كانت تقدمها لآلخرين على أنها أفضل قوالب الحلوى التي كانت تعجنها، والتي كان عليها من ثم أن تبعث

ر، وأخيرا صدق الحياة فيها، وهي تنفخ بقوة كبيرة على النااألطفال السحر الذي قامت به كاراميال، أما النساء الفقيرات لنيفض رعايتها للطفلة، فقد كن نرقدنها، ويراللواتي كن يز

.االحتفاظ بسر مجيء كاراميلينيا إلى الغابة. وعلى هذا النحو، تكونت شبكة تضامن حول الفتاة الصغيرة

ي وراعيتها تعيشان في فقر مدقع، يصل أحيانا إلى وكانت ه .حدود الفاقة

)م(تصغير لكاراميال ) ١(

- ٩٦ -

غير أن كاراميال علمتها كيف تضحك أمام المحنة، وكيف تتواصل مع العناصر والطبيعة والحيوانات لكي تتذوق الجمال

.غير المدرك للعالم الذي يكتنفها .لسماءكانت كاراميلينيا بالنسبة لكاراميال، هبة من ا

وكانت كاراميال تروي أحالمها لكاراميلينيا لكي تلهيها عن إحساسها بالبرد، وخوفها من الليل، ومن تقلبات الجو، فتحكي

أن امرأة باهرة الجمال أتت لزيارتها في الليل، وكانت : لهاترافقها بنت عفريتة أخذت تدغدغ أقدامها، وكان بحارا يحضها

. جيدا بكاراميلينيا، محركا إصبعه بهيئة آمرةعلى االعتناء وأيضا كانت تتراءى لها ظهورات أنثوية راقصة، تبدو وكأنها تتحدث بأصوات كانت تفتن كاراميال ولكنها لم تكن تفهم منها

.شيئا البتهومع أن كاراميال لم تكن تفهم الشيء الكثير من لغة

والمساعدة إلكمال الظهورات، إال أنها كانت تشعر بالدعموكانت الظهورات . مهمتها في تربية الصغيرة كاراميلينيا

تضحك معها عندما تروي لهم الحوادث اليومية الطريفة في حياة وكيف كانت تركض على أربع مع الجدي الصغير، : كاراميلينيا

وكيف كانت تزقزق مع العصافير، ومن ثم كيف كانت تنتصب بشكل أخرق ثم تهوي على األرض على ساقيها الصغيرتين

- ٩٧ -

وهي ترغب في اللحاق بالهريرات الصغيرة التي لم تعد تستطيع .احتمال ترك كاراميلينيا تشد وبرها

وكانت كاراميال تتمرن على الغناء مثل السيدة الجميلة التي كانت تتراءى لها في أحالمها الليلية، في حين كان األطفال يسخرون

.أكلون قوالب الحلوى المدهونة بالكاراميلمنها بلطف، وهم يأنت تغنين مثل الضفادع، سوف يؤدي غناؤك إلى نزول "- .."المطر

وبدال من أن تبدي غيظها منهم، فقد كانت تجعلهم يضحكون من أعماق قلوبهم، وحين تسلم كاراميلينيا للنوم كانت تدندن

:تهويدة جديدة من تأليفها ، نامي، نامي، نامي يا صغيرتيأغني، أغني، أغني

تغني كاراميال بنشاز، نامي، نامي يا صغيرتي تغني كاراميال بنشاز

إنها تمطر، إنها تمطر على األشجار إنها تمطر، إنها تمطر على األشجار

م صغيرتي للنومصوت وقع قطرات المطر يسل صغيرتي للنومم يسلصوت وقع قطرات المطر فستشرق الشمس غدانامي، نامي يا صغيرتي،

- ٩٨ -

نامي، نامي يا صغيرتي، فستشرق الشمس غداوكبرت كاراميلينيا، وكانت تظهر لها في رؤى أيضا السيدة

وهكذا، عرفت أنها كانت . الجميلة التي كانت تنظر إليها بحب .أمها التي ماتت، ولكنها لم تتركها وحيدة أبدا

بأحلى األغاني التي كانت وكان الظهور يهمس لها أيضا :تشجعها على االستغراق في العالم بعيدا عن مظاهره السطحية

تغني فتاة الغابة الصغيرة، تغني تحت المطر تغني فتاة الغابة الصغيرة، تغني تحت المطر

يسمع أبناء االيمان غناء الحب والجمال تصعد أغنية األرض نحو السماء، ويتحد أبناء االيمان

فتاة الغابة الصغيرة، تغني تحت المطرتغني تغني فتاة الغابة الصغيرة، تغني تحت المطر

ومع أنه، مرت أيام صعبة، إال أن سنوات معطرة بالكاراميل .كانت تجري بهدوء بين األشجار التي تحميها

حتى ذلك اليوم، الذي أتى فيه سيد إقطاعي للمكان مع رهط . الخنزير البريمن كالب الصيد الصطياد

وهذه . أتت أنثى الخنزير البري وصغارها، لتحتمي بكاراميالاألخيرة تضرعت على ركبتيها للسيد اإلقطاعي أن يمضي في

- ٩٩ -

لكنه شتمها ونعتها بالعجوز المجنونة، والساحرة الشريرة، . طريقه). كان كوخ كاراميال يقع على ما يبدو فوق أرضه(واللصة

نه الذي انطلق بسرعة، قالبا رأسا على عقب وهكذا، همز حصاالكوخ والمرأة الطاعنة في السن والحيوانات : كل ما في طريقه

.الضعيفة أو المريضةلحسن الحظ، كانت كاراميلينيا في فسحة أخرى من الغابة، تقوم بتجميع أعواد الخشب وجذوع أشجار ميتة، مع أطفال

.آخرين .رك وجودهاولم يكن السيد اإلقطاعي يد

أما كاراميال المسكينة، فقد كان جسمها ينزف من كل جهة، .وأسلمت الروح في الليلة التالية

نجحت و ،وكانت نظرتها األخيرة تتجه نحو كاراميلينيا .كاراميال في إعطائها ابتسامة عظيمة قبل أن تلفظ نفسها األخير

ة الصمعاء غادرت الطفلة غابات طفولتها الصغيرة مع البوم .فوق كتفها تتبعها بضعة هريرات صغيرة وعنزتان

.استقبلت من قبل مرضعتها وشاركت حياة عائلة الصيادينفيما بعد، تزوجت من االبن الذي نجا من حادثة غرق

.السفينة، ووهبا أبناء كثيرين وعدة أحفاد

- ١٠٠ -

ر، وكانت كانت كاراميلينيا تجلس أحيانا على شاطئ البحعيناها تبحثان عن شبح السفينة التي اقتادتها فيما مضى إلى هذا

.الساحل، وذلك قبيل استقبال كاراميال لهاوكانت لكي ال تترك الحنين يستولي عليها، تذهب إلى الغابة مع أحفادها، وأثناء قيامهم بجني الثمار الصغيرة كانت تغني لهم

:نتهامع الفرح الذي ورثته من محسعندما كنت فتاة صغيرة، أحببت قالب الحلوى الذي كانت

.تعده جدتي كاراميالكان كل األحفاد يأتون لكي يأكلوا قالب الحلوى الذي كانت

.تعده جدتي كاراميالكنا نجني الثمار معا في الغابة من أجل قالب الحلوى الذي

.كانت تعده جدتي كاراميالغني معا، شكرا، شكرا، على قالب الحلوى الذي كانت كنا ن

.تعده جدتي كاراميالعندما كنت طفلة صغيرة، كان ثمة عيد كبير حول قالب

.الحلوى الذي كانت تعده جدتي كاراميال

* **

- ١٠١ -

حلم مريابيال

هل كان ذلك حلما؟ أم كان ذلك حقيقة؟

ت ميرابيال مستلقية على السرير، حين أحست نفسها كانومع ذلك كان لديها انطباع . كالحجر، ولم يعد بوسعها الحركة

.جوانيتا التي كانت تركض بخفة فوق التاللكانت هاأنبوكانت تعلم أن الوضع . كانت جوانيتا قد سمعت نداء قبيلتها

ي ال تجذب انتباه خطير، ولذلك لبثت صامتة ال تبدي حركة، لك .الرجال البيض الذين كانوا يأتون كأعداء

كانت تبحث في قلبها كيف لها أن تجعلهم يفهمون أن إخوتها وأخواتها في الدم، ما كانوا يلتمسون إال الحفاوة، والمشاركة،

.والتبادل معهم كأصدقاءلكن محاوالتها ذهبت كلها أدراج الريح، وعلى الرغم من أن

قد استولى عليهم، فقد كانوا يرفضون رسالتها للسالم، صوتها .ويصفونها بالساحرة

كان الرجال البيض يسعون ألسرها، ويعدون بحرقها حية .أمام القبيلة مجتمعة عبرة لمن اعتبر

ومع ذلك، حافظت جوانيتا على هدوئها، وكانت تجمع كل . انسلت بين األشجار. قواها لمواجهة الظرف دونما خوف

- ١٠٢ -

التفتت مرغريدا . وتوقفت خلف إحداها لكي تراقب ما يجريكانت . كي ال تقوم بأية حركة جوانيتالهاقلقة نحوها فأشارت

الطفلة تشعر دائما وبسرعة فائقة بحضور جوانيتا، وكانت عادة .تسرع خطاها نحوها باندفاع من الفرح. واجهان اليوم زعيم القبيلةغير أن رجلين من البيض كانا ي

وكانت جوانيتا تعلم أنه لم يعد باإلمكان الوصول إلى تسوية وأن .حماما من الدم موشك على الوقوع

كانت جوانيتا تريد إبعاد هذه المحنة عن مرغريدا الصغيرة الغالية جدا على قلبها، ولكن لم تكن توجد على امتداد عدة

كان الرجال . أماكن آمنة لكائنات عزلكيلومترات في الجوار البيض يزرعون الرعب حيث يعبرون، ولم يراعوا حتى الرضع

.إذا ما قامت قبيلة بمقاومتهم .كان الحلم يتحول إلى كابوس

.كانت ميرابيال تصغي لألصوات التي كانت نبرتها ترتفعريدا مرغكانت هي اآلن . كان موضع ثقتها رجلين، تجابها

.من حولهاالعالم التي ال تفهم لماذا يتقوض ه ـتنتب أندون إلى الجزيرة،القبيلةزعيم توجهت جوانيتا مع

وهناك، كان الرجال قد حملوا عصيا غريبة، ويبدو .مرغريداإلى ركضت مرغريدا نحو الشخص الذي . د عليهمـالتهديد والوعي

سمعت ضجة مخنوقة، . امنحته كل ثقتها، ركضت نحو جوانيت

- ١٠٣ -

وم، ـعرت نفسها تحلق وتعبر الغيـثم ش. واخترق وميض قلبهاات من نور، كانوا يبتسمون لها بمودة، ـلتجد نفسها بين كائن

.ويعتنون بهاأدركت بعد ذلك، ما حصل على األرض، واختارت مساعدة

لى انية على تحويل عالمهم المليء بالصراع إـالكائنات اإلنس .عالم متآخ

.كان الهاتف يرن. اعتقدت ميرابيال أنها استيقظت مذعورةكان االنطالق مقدرا في صباح اليوم التالي، لكن البطاقات

.كانت مفقودة .وهكذا وجدت نفسها تلهث راكضة في ممرات المطار

.وجدت نفسها منهكة، وممددة فوق ثالثة مقاعد في الطائرةوكانت هي أيضا من جديد جوانيتا . وكانت وحيدة وسط اآلخرين

.التي كانت تسير وفي إثرها حشد من الرجال البيضأحدهما كان أميرال : كان زعيما هذا الحشد يحيطان بها

وقادت . األسطول الملكي، واآلخر كان جنرال القوات البريةحو ينبوع جوانيتا الرجال من خالل طريق من الطين األحمر ن

. كانت قد غنت من قبل وداعها للناجين من قبيلتها. الماء الحيوكانت . وهكذا استطاعت أن تحذر أخواتها من الخطر الوشيك

اآلن متأكدة أنهن سيعرفن التماهي مع أشجار الغابة واالختفاء

- ١٠٤ -

وبالتالي أتمت مهمتها بأقل . على هذا النحو عن رؤية الغرباءن األلم، ومع ذلك، فقد كانت تشعر بثقل كبير في قلبها، قدر م

.لعلمها بأنها سوف تغادر غابتها وقبيلتها دونما رجعةوبالرغم من كل شيء، فقد اهتز جسدها أمام الينبوع حبا وجماال، حتى أن اهتزازها وصل إلى بعض الجنود الذين أحسوا

. بعد موت مرغريدابه، فرموا بنادقهم، ورفضوا القتالرفاقهم، مما سمح ل بالنسبةعندها جعلتهم جوانيتا غير مرئيين

.لهم اآلن بالعودة إلى الجيش، كما لو أن شيئا ما لم يحدث عن أبنائهم أمام بوسعهم فيما بعد أن يؤدوا شهادة وقد أصبح

القصة الحقيقية، وأن يعملوا ليوم يكتشف فيه جميع الناس من .القيم الحقيقية للحرية واألخوةجديد

كان األميرال والجنرال مرهقين، فالساحرة كما كانا يدعوان .جوانيتا كانت تشعرهما بعدم االرتياح

ان وراءن بها في أعماق نفسيهما، لكنهما كانا يسعييبعجكانا مالسلطة ويضعانها فوق كل شيء، ولم يكن باستطاعتهما القبول

عليهما في ، يسيطرن كائنا إنسانيا آخر، فكيف بالحري امرأةبأ .وهكذا انتهيا إلى هدم المكان عن بكرة أبيه. أي أمر كان

كانت جوانيتا تنظر برباطة جأش، ثم أخذت تصدر أصواتا، كانت تعلم أن بعض أخواتها سيبقين على . فأجابت عليها الطيور

- ١٠٥ -

نشدرقبائل المنطقة ويحافظن على جوهر قيد الحياة، لكي ي .معتقداتهم عبر القرون

لكن غناء الطيور كان . دفعها الرجالن بقوة، وأسكتاها .يرافقهم عبر الدرب المغبرة التي تقودهم نحو المدينة

كان وجه جوانيتا مبتال بالدموع ومليئا بالفرح في آن واحد، تقدمت . الجنودإذ شعرت من جديد بالدعم المعنوي من بعض

.بثبات، في حين كان الرجال يجرون أقدامهمظنت أنها كانت ماضية نحو المحرقة، وقبلت دونما أي خوف، موتا وشيكا، كان يسمح لها بالعثور ثانية على مرغريدا

.الحلوة والفرحةفعند وصولها إلى المدينة، . لكن القدر كانت له طرق أخرى

يتا في زنزانة، ثم عرضت في اليوم التالي في وضعت جوان .سوق للنخاسة

وتعاركا لسبب ال . رفع األميرال والجنرال من حدة المزايدات .فتغلب األميرال. يستدعي العراك

.أخذ جوانيتا على سفينة، وأبحرا إلى أوروباكان يوجد بين البحارة واحد من الجنود الذين كانت جوانيتا

وكان مخلصا لها جسدا وروحا، وكان . د أنقذتهم خالل المعركةق .يحميها بكل استطاعته

- ١٠٦ -

فقد رفضت في . كانت جوانيتا بأمس الحاجة لهذه المساعدةالواقع وضع معارفها تحت تصرف األميرال الذي بذل وعودا

ولذلك . مبالغا فيها إذا سمحت له بالحصول على قدرات سحرية .ذلها واغتصبهافقد أ

: انصعقت ميرابيال، وانتفض كيانها بأكمله إزاء هذا الظلم كلهكان أيتام قد قتلوا على مشارف الطرقات، وكل ذلك لمجرد أنهم

وهكذا أصبحت صور التلفزيون هي صور لسفينة من . وجدوا .قرن آخر

ة تحضن إنها صورة أميرال متدثر باألبيض، يحدج امرأوقعت . رضيعها بين ذراعيها، ثم ببرودة يطعنها بمديته في قلبها

وأمر األميرال . جوانيتا أرضا وهي ال تزال تحاول حماية الطفل .برميهما في البحر

. أخذ الجندي المخلص لجوانيتا على عاتقه هذه المهمة الشاقة جوانيتا في حال وأتم بالسر الطقس الذي كانت قد علمته إياه

ونجح بإخفاء الطفل الذي بقي على قيد الحياة حتى آخر . موتها .يوم من الرحلة البحرية

وعندما رست السفينة، عهد الجندي بالطفل إلى زوج من الصيادين، منقذا إياه في اللحظة األخيرة من غضب األميرال

ثانية البتة، لكنه لم ير الجندي الطفل. الذي اكتشف الحيلة لتوهكان يدرك أنه تحت حماية جوانيتا ومرغريدا، وهكذا تابع

- ١٠٧ -

طريقه معاودا ارتباطه ثانية مع هذين الكائنين النورانيين كلما .شعر بالحاجة إلى ذلك في محنته

. أغلقت ميرابيال عينيها، وكان لديها إحساس بأنها مدعومةا، محيطة إياها بحب وشعرت بحضورات كانت تشدد من عزمه

نقلت جوانيتا قوتها وجمالها إلى ميرابيال، أما . غير مشروطمرغريدا فقد نفخت فيها ابتسامتها الفرحة والعذبة، ودلها الجندي

.الوفي الذي دافع عنها على دربتبعت ميرابيال هذا الدرب الذي تعرج حينا داخل الغابة،

.لم تبتعد عنه أبداوحينا آخر خارجها، لكنها وعلى هذا النحو كانت تمضي نحو مصيرها، بحثا عن رجال آخرين ونساء أخريات تستطيع مشاركتهم األخوة وبناؤها معهم،

.مع من كانت تستطيع أن تبذر األخوة معهمفتحت ميرابيال عينيها، كانت محاطة بكائنات حميمة تتكلم

..وترقصبلغة مجهولة، وكانت تغني ..وكانت هي كل كائن بينهم

..وكانوا يتفاهمون هل كان ذلك حلما؟ أم كان ذلك حقيقة؟

* * *

- ١٠٨ -

- ١٠٩ -

اــجوانيت لــة األمــجنم

- ١١٠ -

- ١١١ -

لقاء اجلندي والبحار

كان البحار يدخن غليونه على الشاطئ، ويستريح بعضا من

رغ حمولة السفينة، ثم أعاد مأل حوض سفينته الوقت، بعدما أفببضائع جديدة، وها هوذا يستنشق الهواء بمتعة، ويترك نفسه تمتلئ

وكانت الريح تحمل إليه رذاذ البحر، فتجعله . بالروائح المحيطةكان يحب هذا اإلحساس، الذي يتولد من تطوافه عبر . يترنح أحيانا

..واصف، وتحدي القراصنةالبحار، والذي يدفعه لمواجهة الع !وكان قد رأى أناسا يموتون من حوله

ومع ذلك، فقد كان يتابع استغراقه، معجبا بالبحر الذي يبدو عرف كيف يجعل . بدون بداية وال نهاية، حيث كان نظره يضيع

وترك نفسه . البحر حليفا له، وهكذا تبادال االحترام والمحبةلحظة كانت تحمل معها معرفة ترافق حركة البحر ولكن كل

.مسبقة باللحظة اآلتيةوهذا ما كان يجعله في حالة من االستسالم، وتيقظ كبير في

وعلى هذا النحو، منحه البحر حمايته، وأعطاه . الوقت نفسه

- ١١٢ -

ونال بفضله الهدوء، لكنه كان يستطيع أيضا ترك غضبه . تعاليمه . على مجمل األحداثيثور أمام الظلم، وعرف كيف يسيطر دائما

كان بدينا بعض الشيء، وعلى الرغم من طيبة القلب التي .تبدو عليه، فقد حظي باالحترام

في ذلك اليوم، راقب بطمأنينة التحليق الدائري لطيور البحر، وبدا كما لو أنه دخل في تأمل عميق، في حين كان يجري مشهد

.غريب على الجانب اآلخر من الشاطئ جندي ينزل راكضا من سفينة حربية، وكان يلحق به كان

.أميرال صائحا وناسيا كل وقارهأسرع الجندي نحو زوج من الصيادين كانا يمدان شباكهما

فوضع حزمة بين ذراعي المرأة هامسا لها بضعة . لتجفيفهاوهذه أيضا، شرعت تركض حاملة الحزمة باتجاه . كلماتالجندي لمواجهة األميرال كما لو أنه أراد حماية وعاد . الغابة

وعندها الحظ أن األميرال قد علق في شباك . هروب المرأةالصياد، وأن هذا األخير لف الشبكة أكثر قليال حول األميرال

وترك الجندي نفسه يسقط على األرض منهكا . بحجة مساعدته بعد حافزا لكي يبقي لم يكن يملك. كما لو أن مهمته قد انتهت

.على نفسه حيا، حين أحس نفسه مشدودا من كتفيهفي الحقيقة، كان البحار الذي يضع غليونه دائما بين أسنانه، قد اقترب رويدا رويدا، وكان هو الذي أمسك بالجندي وجعله

- ١١٣ -

وأمره بأن يركض نحو سفينته الخاصة، وأن . يقف على قدميه .ها منتظرا إياهيختبئ فيان البحار يرتاب من أميراالت األسطول الملكي، ولم ـك

ة ـوكم كانت تسليه رؤي. يحب هيئتهم المتعجرفة والمحتقرةلكنه اشتم في هذه . أحدهم يتخبط مثل سلطعون مثير للضحك

وما كان . األثناء رائحة قصة حساسة للجندي، ومكث حذراج من السفينة الحربية، وأن الشاطئ بدا يدهشه أن أحدا لم يخر

شيئا فشيئا أكثر خلوا من الناس، كما لو أن كل واحد قد أراد .ترك األميرال لمصيره

تردد البحار، واقترب من األميرال الذي كان يتابع صراخه، متوعدا بالموت دونما محاكمة لكل من قدم مساعدة في هروب

وهونضباطه إلى هذا الحد، ام ضياع وقاره واـوأم. الجندي كانت لديه كل السلطة على جنود فوجه، عاد البحار هذه رجل

المرة بخطوات واثقة باتجاه سفينته، وأمر طاقم السفينة بإرخاء الـالحب.

أسرع طاقم السفينة الذي كانت لديه ثقة كبيرة بقبطانها في سفينة الشحن حث العمال على العمل بحيوية أكبر، لكي تصبح

أكثر بعدا، قبل أن يصبح بمقدور األميرال إدراك أين وكيف .اختفى الجندي ذو الحزمة

- ١١٤ -

وأحس البحار أنها . اتكأ الجندي على الحبال، وكان يلهثليست اللحظة المناسبة لطرح األسئلة، فقاده إلى مقصورته

ى ثم صعد ثانية إل. وساعده على االستلقاء فوق فراش صغيروبعيدا، كانت هيئة دابة . ، واستند إلى درابزين السفينةالسطح

هذا أفضل، فكر البحار، هذا . تتحرك على نحو دائم فوق الرماليعطينا وقتا لالختفاء في عرض البحر، وأعطى أمره باالتجاه

.نحو األرموريك بلده األصليهذين كان ينقل البضائع من بلد إلى آخر منذ أمد بعيد، وأحب

: البلدين اللذين بالرغم من بعدهما، كانت لديهما نقاط مشتركةالصخور ذاتها في هيئة غريبة، الورود نفسها ذات األلوان المتدرجة

ولكي يذهب من . من الوردي الشاحب إلى األزرق المائل للبنفسجيهذا البلد إلى اآلخر كان يتبع السواحل على مسافة بعيدة بطريقة

. فيها أن يتجنب الصخور الكبيرة على مقربة من الشاطئيستطيع بية المحيط أبدا مثلما كانت تفعل السفن الحرزايجتوعلى الرغم أنه لم

أو هادئال هو الماءالنهار أفقن كهذه التي نزل منها الجندي، كا . كالحبراء بالنجوم أو سودمرصعةالليل وسماء، الصاخب

عبعمق السماء المرص ة بالنجوم، ولم يحرم نفسه البته أحبوسماء الليل يبعثر الغيوم الهواءفاليوم كان . من متعة االستغراق

المساء، وإذا ما توقفت الريح كان بوسعه في هذا. ستكون صافية

- ١١٥ -

، أن يدخل على نحو خاص جدا في نظره البعيد المدىبعون النقاب فعها الخفيعالقة مع نجمة ويسألها أن ترعن سر .

ولكن، في انتظار جوابها، كان عليه أن يسهر على المسيرة .اآلمنة للسفينة ويحل اللغز الذي تمثل في مسافره

عند قيامه بمراقبة الحوض عند جسر السفينة األعلى، تأكد قد خاصة لدى أفراد طاقمه كما لو كان هؤالء حماسةمن الجندي في وسطهم كان حدثا هاما، بأن حضورمثله أدركوا

ولما اطمأن . وبأنهم كانوا محملين بمهمة عليهم اكتشاف غايتهاإلى أن كل رجل من طاقم السفينة كان في مكانه، ويقوم بإنجاز

.عمله على نحو واع، سمح لنفسه بالنزول إلى مقصورته كان الجندي اليزال يرتعش من الحمى وهو مستلق فوق

الفراش الصغير، وكان ينظر مذعورا، وعند رؤيته للبحار :داخال، طفق يهذى، وأخذ يتوسل

" رقيقة، وجد ضعيفة، وجد جد بأال تلمسها، فهي كأناشد .."بريئة، أناشدك بأال تقتلها هي أيضا، خذني أنا عوضا عنها ثانية وحاول النهوض رافعا ذراعيه نحو السماء، لكنه سقط

: ثانيةيرتجففوق السرير بدون قوة، ثم بدأ إنهم ال يريدون سوءا ألحد، فهم كائنات نقية، ال أريد، ال، ال "

..".أريد أن أقتل أحدا منهم

- ١١٦ -

اقترب البحار منه، ووضع يده على جبينه، وتأكد أن حرارته ذهب ليبحث عن دواء كانت عمته الطاعنة في. كانت مرتفعة

. السن تحضره وتعطيه إياه في قارورة قبل كل رحلة يقوم بهاوجعل ضيفه يشرب جرعة كبيرة منه مما هدأه بعض الشيء،

.وجعله يستسلم للنوم شيئا فشيئافي صبيحة اليوم التالي، كانت هيئة الجندي تبدو أكثر هدوءا،

. و بحاجة إليهسأله البحار عما ه. لكن نظره كان غائبا في الفراغوكان الجندي يريد فقط معرفة فيما إذا استطاعت زوجة الصياد

لم يستطع البحار إجابته إال بأنهم . إنقاذ الطفل، وأين هو األميرالكانو اآلن بعيدين بما يكفي عن الشاطئ، وبالتالي، فإن أحدا لم يكن

ابة، وأنه كان قد رأى زوجة الصياد تتوارى داخل الغ. يلحق بهملكنه لم يكن يعلم عن أي طفل كان يتكلم، وطلب منه إيضاحات

لكن الجندي أراد العودة إلى الشاطئ، كان مستعدا للذهاب . أكثر .سباحة، فهو كان قد تعهد لجوانيتا العناية بالرضيع

فسقط . حاول النهوض، لكنه لحسن الحظ كان ضعيفا جداقد أصبح كان . ه، وتبللت أهدابه بالدموعرثانية يائسا فوق سري

. مثل طفل عاجزفي تلك اللحظةوبالرغم من قسوة مهنة البحار، فقد تعاطف بصدق مع هذا

لم يكن يفهم عما . االنفعال الذي بدا تعبيرا عن إنسانية حقيقية

- ١١٧ -

كان يتكلم الجندي، لكنه أحس للحظة أن عليه ببساطة مشاركته ميق لمساعدته في تحويل األلم إلى طاقة يستفيد منها في ألمه الع

وعادت إلى ذاكرته أغنية حزينة كان يغنيها البحارة . مجدداالقدماء، فجلس على حافة الفراش الصغير، وأخذ يد الجندي

:بلطف، كما لو أنه يريد هدهدته، وطفق ينغم برتابة إلى .غصت، غصت في أعماق البحر، ولمست عمق اليأس

جانبي كانت نجمة البحر الصغيرة تبكي بكل كيانها، كانت تريد تأثرت لحزنها، . الصعود إلى السماء، وتوسلت إلي لمساعدتها

وأخذتها برقة في يدي، ومن خالل إلهام عظيم، صعدت إلى آوتنا سفينة . كان الليل، ونجوم السماء تبتسم لنا. سطح البحر

عضإنها . ت نجمة البحر الصغيرة على شعاع القمراألمل، وووذات . اآلن نجمة السماء، وفي كل مساء تبتسم لي لكي تشكرني

."يوم سوف أنضم إليهاثم أوضح البحار أن كل نجمة لها مكانها في السماء، وأن نظامها الطبيعي محكوم من خالل الحب والجمال، ومع أن ثمة

ة واألخرى، فهن على عالقة حميمة، مسافة كبيرة بين الواحدويتعاضدن معا على نحو متبادل، فإذا اختفت واحدة منها

.اضطرب توازن القوى في كل منهاأخذ الجندي يبكي بشهقات قوية، مستدعيا مرة بعد مرة اسمي

.مرغريدا وجوانيتا

- ١١٨ -

رجالن وحيدان داخل . اختفى كل حياء بين الرجلين فوق هذه السفينة التي تهدهدها أمواج البحر، قبال المقصورة،

بعضهما بعضا، من خالل مواقف غير اعتيادية بين كائنين .رجوليين وقويين، لكنهما كانا يشعران بعمق بإنسانيتهما وعدلهما

وتوسل . أدار الجندي نظره نحو البحار وشد على يده بقوةلبحث عن طفل جوانيتا ل اللتفاف والعودةباإليه أيضا، أن يقوم

الذي كان قد وضعه بين ذراعي أول امرأة صادفها على بين له البحار . الشاطئ، آمال بذلك أن ينقذه من غضب األميرال

عدم جدوى هذا المشروع، فسواء كان الطفل اآلن ميتا، أو في سوى ايقاظ منجى من األميرال، فإن الرجوع لن يفيد بشيء .الفضول حول الطفل مسببين له األذى على هذا النحو

واألكثر من ذلك، فإن السفن الراسية، ال شك أنها تتعرض اآلن للتفتيش رأسا على عقب، وخاصة سفن الشحن، إذ البد أنه

لكنه كان على يقين . تمت رؤية البحار يؤازر الجندي في محتنه .د آمنة رغم أنه لم يستطع تفسير ذلكعميق بأن الطفل في أي

ونصح البحار الجندي بأن يخلد للنوم بعد قليال، بينما يتفرغ .هو لمشاغله اليومية

أحس . استسلم الجندي لقيلولة، وكان البحار قد أعاد له األملبحضرة حوله، سعى للتواصل معها، كانت تلك كما لو أنها

- ١١٩ -

ا اقتربت منه خفية عندما كانت على متن السفينة جوانيتا حينملكن ليس من الممكن أن تكون . الحربية تحت إمرة األميرال

هي، فقد رمت نفسها في أعماق البحر السحيقة، بعد تلك ومع ذلك فلوهلة اعتقد . الجريمة النكراء التي اقترفها األميرال

، غير واضح، ثم أنه يسمع نبرة صوتها، كان في البداية همسا ..رسالة.. ثقة.. ال تخف: عقبته كلمات تشكلت بصعوبة

عظيمة الفتنة والجمال وكانت التغيرات في نبرة الصوت، ولو أنها بدت كما لو كانت آتية من مكان كصدى ألغنية دائما .ةـحزين "هل هذه أنت؟ أين أنت؟"

أنت أنقذت روحي : أجابه الصوت بأجزاء عبارة مفككةبإتمامك للطقس المطلوب، موتي الحديث جدا، ال يسمح لي بالتواصل معك مطوال، لتكن لديك الثقة بالبحار، إن طفلي

، سوف ..بصحة جيدة، وهو سليم، إرو قصتنا، هذه رسالتك ..أعود ثانية

هل كان هذا ضجيج الهواء . تالشى الصوت في عصف ريحافذة السفينة المفتوحة بعض الشيء بينما ظن الذي مر من ن

الجندي أن دوي الريح هذا صوت جوانيتا؟ كال، كان يعرف أنه لم يكن يهذى البته، ولم يكن يحلم أيضا، فجوانيتا الهندية صاحبة

- ١٢٠ -

مواهب استثنائية، ومن خالل قوة حبها، أتت إلعطائه الدفع .الضروري النطالقة جديدة

بالدموع من جديد، لكن هذه المرة كانت اغرورقت عيناهأحس اآلن بالقوة بما يكفي لكي ينهض، جلس . عالمة الفرح

على حافة السرير، فرأى وجبة طعام خفيفة مهيأة على مقربة وصعدت من صميمه صالة شكر للكل الكبير، إله جوانيتا، . منه

تناول . ريقهلقيامه بوضع هذا البحار ذي القلب الكبير في ططعامه ثم صعد إلى سطح السفينة حيث أحياه الهواء العليل

.دداـمجهناك، كان رجال طاقم السفينة ينشطون، ولكن عندما رأوا الجندي يظهر من مقصورة قبطانهم، البحار ذو القلب الكبير،

حملق بحار في الخامسة عشرة من عمره . نظروا إليه بفضولكبيرتين أمام هذا المظهر بغرابة زيه المضحك، على بعينيه ال

وكان . سفينة شحن، سفينة لم تأخذ عادة أي مسافر على متنهاهذا أول مسافر عليها، وكان شعوره يتناوب بين القلق واإلثارة

كان البحارون اآلخرون . التي أملتها مشاركته في هذه المغامرةهم هذا كان جنديا مرؤوسا لملك البرتغال، قد قالوا له إن مسافر

وقد أتى من بالد الهند، من هذه البالد الواقعة على الجانب .اآلخر من المحيط المأهولة بالمتوحشين الذين يعبدون الشمس

- ١٢١ -

وقالوا إن جنود أسطول الملك يذهبون إلى هناك لحماية ك المؤمنين الذين اهتدوا وتحضروا، األقل سوءا من أولئ .المتوحشين، وكانوا في الوقت نفسه يوسعون أراضي ملكهم

وعلى غرار رفاقه، تساءل النوتي الصغير ذو الخمسة عشر حسنا، لماذا هرب هذا الجندي من أميراله، ولماذا اهتم به "عاما،

ولم يكن القبطان نفسه يعرف عنه شيئا، ". قبطانهم إلى هذا الحد .بأنه سوف تتوفر لديه كل االيضاحات الممكنةلكنه كان مقتنعا

وفي الواقع، كان الجندي يحتاج للبوح عما في قلبه، ولرواية راألحداث التي كان قد عاشها في األيام األخيرة، ولكي يحر

مع ذلك، فقد تردد في . نفسه من ثقل انفعال شديد يتحمله وحيدا يكن يعلم فيما إذا كان بوسعه تشويش القبطان أثناء عمله، ولم

. منح ثقته للبحارة اآلخرين، وفيما إذا كانوا سيصدقون كالمهوإنهم لن يظنوا أنه مجنون، أو أسوأ من ذلك أنه زنديق ال إيمان

له وال يخضع لسلطة قانون؟تقدم القبطان نحوه بشوشا، وقدم له رجاله بحركة متسعة من

يه االختالط معهم للمشاركة في مهمات السفينة يده، واقترح علفيما بعد، وفي لحظة االستراحة، سأله إذا . على قدر إمكاناته

.كانت لديه الرغبة في اإلجابة على بضعة أسئلة

- ١٢٢ -

وهكذا، بدأ اندماج الجندي على هذه السفينة حيث كانت المهمات موزعة حسب كفاءة كل واحد، واتحد معه الرجال

.ون في عالقة أخويةاآلخرواعتاد الجندي عند كل فترة استراحة أن يروي األحداث

وكان كل واحد . الطارئة واالنقالبات المفاجئة في رحالته السابقةكانت األسئلة تنفجر ما وغالبا ،أحياناوبارتياب يسمعه بفضول،

على نحو ينعش سرد األحداث ويسمح للجندي بإعادة النظام من : خيوط قصته، ألنه كما كان يقول هو نفسهخالل ربط

ال أدري من أي طرف أبدأ حتى أجعلكم تفهمون أي ظلم " ".راحت ضحيته كائنات تجاسرنا على وصفها بالمتوحشة

* * *

- ١٢٣ -

اجلندي رغما عن أنفه

هذه قصة الجندي كما أعيد إنشاؤها من قبل بعض مستمعيه، .ل الموروثودامت من خال

ولد الجندي في عائلة من الصيادين في مكان ليس بالبعيد عن المرفأ حيث أنقذه قبطان سفينة الشحن الصغيرة، التي بات يوجد

.على متنها اآلنلعائلة كبيرة بعدد أفرادها، فهو لم يكن يعرف كان البكر

بالضبط عدد إخوته وأخواته، فواحد منهم كان على وشك . حين كان مبحرا إلى أفريقياالوالدة،

ولم يكن شبيها باألطفال اآلخرين الذين كانوا أكثر خشونة مع ولدته أمه وكانت ال . أنهم كانوا أصغر سنا منه على نحو واضح

.تزال صغيرة، وتعلقت به كثيرا، وكانت توفر له الحمايةك كانت تقول إن صحته ضعيفة، ولم تكن ترغب في أن يشار

وفي الوقت الذي كان . باألعمال الشاقة، حتى عندما صار يافعاينطلق فيه سائر أطفال الصيادين على المراكب مع آبائهم قبل

.طلوع الشمس، كان هو ينهض متى يحلو له ذلك

- ١٢٤ -

لم يكن يروق للوالد كثيرا طريقته هذه في الحياة، ولكنه خه عند أقل اكتفى فقط، خالل طفولته كلها، بالتأفف، وتوبي

.فرصة ممكنةكان رجل يأتي بشكل منتظم لزيارتهم، ويعطي النقود لوالديه،

يحدثه فيها . ويصحبه للقيام بنزهات طويلة على طول الساحلعن أراض بعيدة واقعة على الجانب اآلخر من المحيط، تم

.وقد علمه القراءة والكتابة. اكتشافها للتو من قبل مالح عظيمذا الرجل انقطع فجأة عن المجيء، وكان تحمل الوالد لكن ه

وذات مساء، هرب من منزل والديه المكتظ . البنه يزداد سوءا .وغير المريح، وذهب ليتسكع في حانة المرفأ

كان شابا جميال، فأحاطت به بائعات الهوى، وجعلنه يثمل، عليه، وهو ثمل وبما أنه لم يكن يملك النقود لكي يدفع ما ترتب

ولما . تماما، أخذ يلعب بالورق مراهنا على ثيابه مقابل النقودخسر الرهان، هزأ اآلخرون منه، وأجبروه على النهوض لخلع

فترنح قليال، وأخذت تتناقله األيادي من يد إلى يد كما لو . ثيابه في حين ،وفي ثورة غضبه انتصب ولوح بقبضتيه. كان خرقة

استمر اآلخرون بالضحك منه أكثر فأكثر، وكانوا ينوون قتله دون أدنى شك ودونما أية شفقة، لو لم يتقدم منه فجأة رجل كان

.يراقب المشهد منذ لحظة، فابتعد اآلخرون عنه مع اقترابه

- ١٢٥ -

:قال له الرجلتطوع في أسطول الجيش . أنت قوي وذو أنفة يا غالمي"

وستنال . ضع شجاعتك في خدمة ملككالملكي حيث تستطيع أن تسكنك، ومأكلك، ومشربك، وإذا وقعت لي هذه الورقة، فإنني

..سأدفع حاال ديونكوهكذا تطوع ذات صباح، لكي يتجنب عودته المشينة إلى

أبحر بعد ظهر ذلك اليوم نفسه، ودون . البيت العائلي المتواضع .تي لن يراها مجددا أبداأن يكون حتى بمقدوره معانقة والدته، ال

وكان عليه . وجد نفسه على متن سفينة مبحرة إلى أفريقياالقيام بالمهمات األكثر وضاعة، ولم يبد له رؤساؤه األعلى

فتأسف على التوبيخات المستحقة من والده، . مرتبة أية مودة .ولكن هذا كان بعد فوات األوانعمال السالح، ألنهم كانوا يعلمون تعين عليه أيضا أن يتعلم است

الجميع في قداس األحد أنه سيكون شرفا عظيما لهم أن يكونوا في خدمة ملكهم، وأنهم سيفتحون باسمه أراض جديدة، ويساهمون في

.تحضر المتوحشين الذين يستولون حاليا على هذه األراضي .رسوا دونما صعوبات تذكر على الشواطئ األفريقية

فقد : وكان ذلك بالنسبة له بداية النزول إلى عذابات جهنمأجبروهم على تكديس كائنات كانت تشبه رجاال ونساء في

- ١٢٦ -

أما المتدينون ومسافرو السفينة فكانوا يوضحون . مخزن الباخرةلآلخرين أن هذه الكائنات ذات اللون األسود، لم تكن تملك

بالتالي، فهم ليسوا أكثر من روحا، ولو كانت في هيئة إنسانية، و .ماشية ستكون صالحة لالستعمال عند نهاية الرحلة

وهكذا انطلقت السفينة بسرعة كبيرة في رحلة طويلة عابرة للمحيط لكي تصل إلى األراضي المسكونة بالمتوحشين، وكان

.هذا هو الهدف الحقيقي من الرحلةه الكائنات النائمة لم يكن يستطيع االمتناع عن التفكير في هذ

فقد رآهم صاعدين إلى السفينة . بعضها فوق بعض في المخزنوكان . مثبتين اثنين مع اثنين بنير، مثل ذلك الذي يوضع للثيران

.ثمة بينهم فتاة هزيلة أخذت تتأمله بعيون شاردةفقد كان مجبرا على طاعة . تعين عليه دفعهم بعقب بندقيته

وقد رأى أمامه متطوعا . عقوبات جهنميةعمياء تحت طائلة .آخر يضرب حتى الموت

كانت تصدر عن السود، كما كان يسميهم األميرال الذي يقود ولهذا كانوا يدعونهم يصعدون . السفينة الحربية، نتانة ال تحتمل

وكانوا يرمون جثثا . إلى السطح كل ثالثة أيام أو أربعة أيامر، ويتم تنظيف المخزن بكثير من الماء، ثم كانوا كثيرة في البح

.يعيدون السود إلى سجنهم العائم

- ١٢٧ -

حل التعب محل ثورته الداخلية في األيام األولى وذلك فيما كان يعيش في حالة هامشية، ولم يدر تماما كيف . يشبه الخدر

وعند الوصول تم إفراغ . صمد إلى نهاية هذه الرحلة البحريةة من السود، ونال جنود الملك قسطا من الراحة لبضعة الحمول

.امـأيتنزه في المدينة، ورأى بشكل فعلي كيف كان السود يعاملون

فقد كانوا يعرضون في السوق، ويقوم المشترون . مثل الحيواناتكما الحظ أيضا بعض . بتعريتهم، وفحص كل جزء من جسدهم

ائس، وكانت رؤوسهم حبيسة السود المعروضين على أبواب الكن .داخل أطواق خشبية

.سكارى يضحكون من كل هذه التعاسةبشبه أ رفاقه كانأما هو فلم يكن باستطاعته مشاركتهم عربداتهم، فما حصل له

.في حانة المرفأ، أبعده عن شرب الكحول إلى األبدكان يملك لسوء حظه حاسة ذوق رفيعة على الرغم من

كان عرابه قد علمه قواعد القراءة . ي بيئة متواضعةمولده فوالكتابة، وعلمه أيضا كيف يتذوق الجمال خالل نزهاتهما

وحينما تأمل ضوء الشمس الذي كاد . شاطئالطويلة على ال .يالمس سطح البحر، راوده شعور بعالقة مع الكون بأسره

- ١٢٨ -

كن هؤالء ل. كان بوده مشاركة مشاعره مع الجنود اآلخرين .كانوا ينظرون إليه بالمباالة، هذا إن لم يسخروا منه صراحة

أدرك أنه يتعين عليه إخفاء همومه، وإال سيكون عرضة فحاول أن يكشف عما في . لسوء معاملة جسيمة من جانب رفاقه

قلبه إلى كاهن، لكن هذا األخير قال له إنه حري به عوضا عن ر كائنات ال روح فيها، أن يشكر اإلله علىالشفقة على مصي

جعل اآلخرين متمدنين، هو إعطائه فرصة المشاركة في مهمة بقي دون فقدوهكذا . الذي أبعدته معاصيه عن الصراط المستقيم

.حليف، ولم يكن يعلم ما الذي يمنعه من االنتحاربعد بضعة أيام من الراحة، قام فوجه بنقل معسكره ونصبه

وانضم إلى أفواج . في األراضي الداخلية بالقرب من غابةكانوا جميعهم تحت قيادة أميرال السفينة . أخرى من جنود الملك

وكان . التي أتى على متنها، وتحت قيادة جنرال القوات البريةهذان الرجالن شديدي االحتقار لآلخرين، وبعيدين جدا عن

.الجنود البسطاءتدريبها العسكري بهدف تمشيط المنطقة عاودت األفواج

المأهولة بقبائل الهنود غير المؤمنين والذين ال قانون لديهم، .حسب ما كان يقوله الزعماء العسكريون والدينيون

- ١٢٩ -

كانت حياته كجندي بسيط الشك قاسية، لكنها كانت أقل صعوبة بعشر مرات من حياة العبيد السود الذين كانوا يعملون

را في أكثر المهمات حقارة، والذين عوملوا غالبا بما هو ليال نها .أسوأ من الحيوانات المنزلية

..كان الهنود يعيشون في مكان رائع تسوده التالل والغاباتوكان البيض قد ضموا ملكيات شاسعة، وكانوا ينظمون

.حفالت باذخة في بعض األحيان الصغار المقتلعين من وبنيت كنائس وحولها مدارس للهنود

.قبائلهم التي غالبا ما تكون قد أبيدتوكانوا يعلمونهم أن يصلوا إلله واحد من جهة، وأن يشكروا

.الرجل األبيض على كرمه من جهة أخرى .كانت قبائل الهنود تقاوم على طريقتها

لم يكن الهنود عدوانيين، لكنهم كانوا يدافعون عن حقهم في وكان يبدو أن . ، وكانوا يفضلون الموت على االستعبادالوجود

.لديهم معارف وقدرات سحرية حيرت الرجال البيضوأحيانا كان الجندي يذهب . نظمت دوريات الستكشاف الغابة .برفقة كل من األميرال والجنرال

الجندي وقد بقي. شيئا فشيئا اكتشاف قبيلة جوانيتاتم وهكذا، خل القرية الهندية، عندما ذهب الزعيمان األبيضان عند مد

.للتحدث مطوال مع زعيم القبيلة

- ١٣٠ -

.وطالت المحادثة، حتى خالها امتدت لسنتين أو ثالث سنواتهنا، ينتهي التسلسل التاريخي لرواية األحداث التي عاشها

ويبدأ برواية قصة قبيلة جوانيتا بحسب ذكرياته، إنما . الجنديل المعلومات والتعاليم التي كانت قد أعطته إياها ظهورات مع نق

.جوانيتا حينما كان يبقى وحيدا في مقصورته

قبيلة جوانيتا

راوده إحساس غريب في أول دورية له في استكشاف الغابة، أحس كما لو أن ثمة حضورات، . وذلك عند عبوره طرف الغابة

اهتز . هـئية أحاطت با لو أن كائنات غير مرـكان ذلك كمالهواء من حوله، وتولد لديه انطباع بجمال واضح قد استقر بين

ومع ذلك، ففي الظاهر، كانت تبدو العصافير وحدها تسكن . يديه .هذا المكان

كان معظم رفاقه يتقدمون في تخوف، ينقبون أقل منطقة .مشجرة، لكنهم لم يتعرضوا أبدا ألي هجوم مباغت

ه هذا الجو السحري بعض الشيء، دون أن يعرف جيدا جذبوفي لحظات الحرية هذه كان . ورجع وحيدا إلى الغابة. لماذا

. يتقدم في خطوات صامتة إلى أطراف فسحة غابة شاسعة

- ١٣١ -

اكتشف شجرة، أسند ظهره إليها بارتياح، وطفق يراقب قاطني ..القرية الهندية دون أن يراه أحد

ظن أن أحدا ال يراه، لكن فيما بعد أدرك أنه وفي الحقيقة، ومع ذلك، بما أن نواياه كانت تبدو نقية، . كان مراقبا بسرية تامة .فإن أحدا لم يزعجه

بعيدا، رأى القرويين منتشرين حول خيامهم التي كانت تنفعهم والحظ على نحو خاص صخرة كبيرة بالقرب من تلك . للمأوى

أتت لكي تجلس عليها، تحيك أو تصلح المرأة البدينة التيالثياب، وتبدو ساهرة على لعب األطفال الصغار الذين يتلهون

.باللعب حولهاكانت تنهض أحيانا، لكي تمنع بعضهم من االقتراب كثيرا من مجرى ماء يحيط بجزيرة صغيرة حيث يتمايل إوز أبيض، وبط

.كان تشغله أحصنةكان بوسعه أيضا رؤية م. ملون بكل األلوانوأحيانا كان . كان ثمة رجال يعتنون بها ويقومون بترويضها

الهنود ينطلقون بسرعة على ظهر بعضها ويختفون بسرعة وفي أوقات أخرى، كانوا يعودون بهدوء محملين . خلف تلة

.بغنيمة صيدهم ويضعونها على مدخل الخيام بحياة نشيطة بالنسبة للجندي، تصاعد من ذلك كله إحساس

كان بوده أن يشارك مشاغل الفتيان الراشدين من . وصافية

- ١٣٢ -

عمره، وأن يترك نفسه محموال على إيقاع وثبات عدو سريع لفرس ما، بدال من المشاركة في حياة عسكرية قاسية، ال حرارة

.إنسانية فيهاعندما . وذات يوم، شاءت الصدفة أن يشاهد أحد طقوسهم

وكان الزعيم في . ت القبيلة كلها مجتمعة حول الجزيرةوصل كاننبه هندي الوسط، وقد زين رأسه بريش طويل أبيض، وإلى جا

دون شك ساحر القبيلة، الذي بعد أن قام بتحية إلى آخر، كان .الجهات األربع أشار إلى امرأة

أخذت المرأة ترقص على إيقاع الطبول بروعة ال نظير لها، .الجندي جمد في مكانهلدرجة أن فقد كان : ما رآه تصفكلمات يجد مشقة كبيرة في إيجاد كان أشبه براقصة تتحول على نحو تناوبي إلى كل واحد من ما رآهفهي لم تكن امرأة تتحرك ولكنها كانت نارا تثب نحو . العناصر

، السماء، وماء يتدفق من األرض ثم يجري بعذوبة أو بفورانوريحا مرعبة تجعلك ترتعش أو نسمة خفيفة منعشة تشعر من خاللها بوالدة جديدة، وأرضا ثابتة، ومع ذلك تختلج بالحياة التي

.تعطيك الشعور بالثبات الجندي يرى المرأة، يعدتوقفت أصوات قرع الطبول، ولم

ا بابا مفتوحا على الغيب، عندما انفجرت أصوات، الواحد منهبل

- ١٣٣ -

أكثر روعة وغرابة من اآلخر، وأنارته، ونقلته إلى حقيقة أخرى، .حيث كانت األصوات نورا، وكان النور أصواتا

..أخذ يدور، وبدأ يحلق ..بة لم يعد يعي فيها شيئا البتةثم دخل في غيبو

قبل أن كامالضى على ذلك ثانية واحدة، أم أزالهل م ! التي يسند ظهره عليها؟يعاوده الشعور بجذع الشجرة

وفتح عينيه نصف المغمضتين فاعتقد ألول وهلة أنه يرى امرأة ذات شعر ناصع البياض ترمقه بعينين مفعمتين بالمحبة،

.واختفت على الفورفتح عينيه باتساع أكبر، فرأى أمامه هندية تشير إليه أن

.يتبعها، وقادته عبر الغابة إلى جوار المعسكر الحربي .كانت هذه الهندية جوانيتا واحدة من جميالت الغابة

في ذلك اليوم لم تفه ببنت شفة، وهو نفسه كان عاجزا عن كان يشعر بعالقة مع شيء ما يتعالى عليه، . طرح أي سؤال

كان هذا باب . وكان هذا الشيء يبدو له طبيعيا في الوقت نفسه كان عبئا عليه منذ خالصه الوحيد من عالم العزلة الكبير الذي

كان يرى هذه الشابة ألول مرة، . هأن غادر عائلته، ومكان نشأت .لكن لم يكن بوسعه إال أن يثق بها

- ١٣٤ -

عندما وصال إلى أطراف الخط األخير من األشجار الذي يفصل الغابة عن المعسكر الحربي، مدت جوانيتا يديها نحوه،

ثم . ه كما لو أنها تنقي طاقتهومررتهما على مسافة من جسمه كلمنحته ابتسامتها الجميلة، دائما دون أن تنبس بكلمة واحدة،

.واختفت مثل السحرهل أصبحت شجرة ذات أغصان ترتعش بعذوبة، هل

هل أصبحت الينبوع الذي . يحلق باتجاه السماء١أصبحت طنانا يتدفق بخرير متواصل فيما بين السراخس؟

ث لحظة يتأمل هذا السر العظيم، ثم سمع هذه المرة قرع لبولكن ما . طبول جنود الحراسة، فعاد إلى واجباته العسكرية

حصل له كان كما لو أنه التقى أصدقاء حقيقيين في الغابة، واعترفت به عائلة دعمته، وبدت له المهمات التي كان كان عليه

.ةإنجازها سهلة للغايأدرك فيما بعد أن هنود قبيلة جوانيتا مثل معظم قبائل المنطقة األخرى، كانوا على استعداد الستقبال الرجال البيض مثل إخوة

.مـله .كان األقدمون قد نقلوا لهم أسطورة أصلهم من جيل إلى جيل

عصفور صغير زاهي الريش طويل المنقار قوته الحشرات ورحيق : الطنان) ١( )المنهل. (األزهار

- ١٣٥ -

عند بداية العالم كانت األرض مأهولة بعائلة كبيرة واحدة، كانوا يسيرون جنبا إلى جنب، وكانت اآللهة توفر اآللهة والبشر .لهم احتياجاتهم كانوا يطلبون المزيد دائما، عوضا عن الرضا بما لكن البشر

كان لديهم، وكانوا يتخاصمون فيما بينهم ودونما توقف، ويريد .كل منهم حصة اآلخر

مساويا لآلله هم حتى أن يصبحبعض ة، وحاولوا وذات يوم، أراد .التي كان يبدو أنها أداة سلطتهم على البشرسرقة النار منهم،

. وأطلقت عاصفة هوجاءلمعاقبتهم أرسلت اآللهة صاعقة حطمت العاصفة األرض إلى ألف قطعة، وسحبت األمطار الطوفانية كال من هذه القطع إلى مسافة تبعد فيها الواحدة عن

وكسحت الريح الرجال وبعثرتهم في أقاصي . يرااألخرى بعدا كب .المعمورة بجهاتها األربع

هلك الكثيرون، والنادرون الذين بقوا على قيد الحياة عزلوا .فوق كل قطعة أرض صغيرة

اختير هؤالء الباقون على قيد الحياة من قبل اآللهة لكي .يقوموا بسلوك أفضل قليال من الذين سبقوهم

طلبت اآللهة من البشر أن ينموا ارتباطهم بالطبيعة على قطعة األرض الصغيرة هذه، والتعلم بفضل منها الحياة بروح الحب

- ١٣٦ -

وإذا ما نموا هذه الصفات فيما . واالحترام المتبادل مع اآلخرين .بينهم على نحو كاف فبمقدورهم االنضمام ثانية إلى مجمع اآللهة

، ستأتي كائنات قوية تملك معارف أخرى من وراء وذات يومالبحار، وعندها فإن عالما جديدا سوف يستقر وفق طرق حياة

.دةـجديهذا شرط أن يستخدم قاطنو هذه البقعة من األرض رباطهم الفريد مع الطبيعة لكي تصبح قدرة هذه الكائنات مقدرة خيرة في

.خدمة تكوين أخوة عالميةلنسبة للهنود، كان الرجال البيض كائنات قوية حسبما با

أعلنت النبوءة، وإلتمام المهمة التي كانت قد أوكلتها لهم آلهتهم، فإن أفراد قبيلة جوانيتا لم يريدوا القتال، وال أن يستعبدوا

مشاركة بل على العكس كانوا يبحثون عن سبيل لألوروبيين،وا ألجل هذا الهدف قدراتهم واستعمل. وتبادل الصداقة معهم

المكتسبة من تماسهم مع الغابة لكي يتواصلوا روحا لروح مع .الذين كانوا يرونهم منفتحين على هذا النوع من العالقة

هو نفسه واجهالذي ،حضور الجندي في الغابةقبل هكذا ووضع تحت وصاية . قوى عنيفة، في مجلس شورى القبيلة

هي التي كانت قد أتاحت له أن يلمح الطاعنة في السن جوانيتا، و .المرشدة الروحية لجوانيتا" استامارانا"

- ١٣٧ -

كانت جوانيتا تعيش داخل الغابة في جماعة مع نساء أخريات .أسررن مثلها عند لحظة بلوغهن بسر الطبيعة العظيم

س تدخل شيئا فشيئا بمساعدة الطقوكانت كل واحدة منهن والتأمالت الطويلة في عالقة مع إله أو إلهة يقوم أو تقوم بإرشادهن

.ودعمهن في مهمتهن تجاه أفراد القبائل، واآلن تجاه الغرباءكانت استامارانا ربة مياه الينبوع الذي كان ينبجس من تحت

كانت تظهر نفسها . الطحالب والسراخس، في عمق الغاباتن في هيئة امرأة طاعنة جدا في السن، نادريألشخاص مميزين

وكانت قطرات صغيرة منعشة تبدو . ذات عينين مفعمتين بالشبابوكان تاجها من الشعر الناصع البياض يدوي . أنها تنبجس من يديها

كانت تنقل للناس ذوي النوايا . بشكل خفي في تماسه مع الهواء بجوهر األشياء من الطيبة حكمة عريقة، أال وهي الحاجة لالتصال

.خالل االستناد على الموروث بهدف بناء المستقبلإذا ما حالفك الحظ أن تكون تحت نظر استمارانا ربة مياه الينبوع، للحظة واحدة، فإنك سوف تشعر بفرح هائل يجتاحك

ولسوف تفهم تعليم . مساويا للقوة الخارقة الصادرة من عينيهال ماء السماء في أعماق األرض، ليعود لماذا يتغلغ: دورة المياه

فينبجس بعيدا جدا، وينطلق على امتداد جداول وأنهار حتى

- ١٣٨ -

البحر، تاركا نفسه مجددا، لتجذبه نار السماء وتحمله الريح . بعيدة جدا عن مكان منشئهاأحيانا حتى بقعة أرض أخرى

ولسوف تفهم أن كل أصل هو أصل نسبي، وأن كل نهاية ن تكون بداية، وأن كل بداية ليست سوى انبعاثا، خالصة يمكن أ

رحلة طويلة يكون فيها الخيار متاحا لكل واحد في العيش وسط .اآلخرين، غارقا بينهم، أو في اتحاد معهم، في السراء والضراء

كما سوف تفهم أنك تنتمي حتما لعائلة اإلنسانية الكبيرة، وأن سبلهم وأصولهم تجعلهم مختلفين كل الناس متساوون، ولو أن

ليس علينا بالتالي إال قبول اختالفاتنا، والبحث عن . ظاهريا .االغتناء بشكل متبادل في مشاركة أخوية

لم يكن . النور في قلب الجنديأشرقتلك اللحظة إنما في مهما فيما إذا كان قد ولد في البرتغال أو في بقعة أخرى من

انت وطنه، ال بل حتى على نحو أوسع األرض، فاألرض ككان ثمة ما يأخذه من الكائنات كلها أيا . الكون بأسره كان وطنه

كان لون بشرتهم، أو قامتهم، أو جنسهم، وكان ثمة لديه ما .يعطيه إلى الكائنات كلها

وإذا كانت رياح سيرته قد دفعته إلى ههنا، فليس لكي يقتل، ر، وإنما ليتشرب قيما جديدة ليتمكن من نقلها إلى وال لكي يدم

.العالم مجددا

- ١٣٩ -

كانت حياة الهنود في هذه البقعة منظمة على نحو مختلف عن لدوفي كل قبيلة كانت . تلك التي كانت لصيادي القرية حيث و

أغلبية األعمال جماعية، وكانت كل قبيلة مستقلة عن األخرى، .وساحرها أو سحرتهاوكان لكل واحدة منها زعيمها الكبير

ومع ذلك، فقد كانت تجري أحيانا مبادالت في البضائع، .وأيضا في الزيجات بين أفراد القبائل المختلفة

.وكان الزعماء يجتمعون حينذاك لكي يثبتوا قواعد هذه المبادالت ثمة نزاعات أيضا بين القبائل، ألن الرجال ههنا لم يكونوا كان

لكن وصول . هم عليه في أمكنة أخرىأفضل وال أسوأ مما األوروبيين وحدهم فيما بينهم لكي يدافعوا عن قضية واحدة وعادلة، وفي بعض األحيان كان بوسع هندية أو هندي هرب من مذبحة قبيلته، أن يجد مالذا له عند قبيلة أخرى، مع أن هؤالء الذين

قامات فظيعة استقبلوه كانوا يعلمون أنهم سوف يصبحون هدفا النت .من قبل األوروبيين

ي لك األوروبيون يناورون بالمساومة مع القبائل الهنديةكان وكانوا يفاوضون كل ال يتغلب عليهم الهنود بعددهم وتصميمهم

قبيلة على حدة، محاولين في الوقت نفسه إشعال فتيل الفتنة بين .قبيلة وأخرى

- ١٤٠ -

ة، اللواتي ولدن في قبائل لحسن الحظ كان هنالك جميالت الغابمختلفة، وكن يعشن في جماعة لتعميق عالقة السماء واألرض،

كن الرباط الذي ال انفكاك . ولكي يتحاورن بسهولة أكبر مع اآللهة .له فيما بين القبائل، مالذ جوهر الكائن العميق لكل هندي

لى وكانت جوانيتا قد روت له بانفعال كبير وصولها إالجماعة، فبينما كان جميع أفراد القبيلة يغنون أو يقرعون على الطبل، أخذتها أمها وأخواتها إلى تخوم الغابة، وعانقنها بعد تقديمهن السالل المملوءة بالفاكهة عند أسفل األشجار حسب

.رغبة جميالت الغابةحينذاك وضعتها أمها في مواجهة الغابة، وركعت خلفها وهي

.تمد ذراعيها، ايماءة التقدمة إلى اإللهة العظيمة الطبيعة، وبدأن بإنشاد قد ركعن على يمينها ويسارها أخواتها كانت

:الغناء الطقسي في أوانهوداعا، وداعا أختنا الصغيرة، نحن نبكي مغادرتك لنا، مع "

.دموع الفرح، شقيقة روحنا، فرح قلبنا، إحمي قبيلتنا ."ير، صباح الخير، فلتكن الغابة معبدكصباح الخ"

ة للغابة، وابتعدنالتحي نمبعد ذلك في صمت، قد نهضن .متقهقرات

- ١٤١ -

ا بقيت جوانيتا وحيدة في مواجهة الغابة، وبالرغم من تهيؤه، متمنية قدوم هذا اليوم في أكثر لهذه اللحظة منذ نعومة أظفارهامع . بشيء من انقباض القلبأحالمها خصوصية، فقد شعرت

ذلك، تقدمت، وألقت التحية للغابة هي أيضا، ثم ولجت إلى .أعماقها

انتظرتها اثنتان من آخر المنضمات إلى الجماعة، مع إكليل أخذتها كل واحدة من يد، . من الورود، ووضعتاه فوق رأسها

.وقادتاها ضاحكتين إلى فسحة في الغابة . لو أصاب الذهول جوانيتاوكما

لم يكن بوسعها التقدم أكثر من ذلك، فقد كانت تتراءى أمامها كائنات مضيئة، في الوقت نفسه الذي كانت ترى فيه أشجارا

نهلها أذرع يفتحن ونساء. تقدمت نحوها إندايا ملكة الجميالت من مركز فسحة الغابة،

كثر بساطة في العالم، وبمثابة فضمتها بين ذراعيها بما هو أ :ترحيب، همست لها في أذنها

"صباح الخير يا فتاة قلبي، إجعلينا فرحات بأن تغني لنا وصولك"أعطت هذه الكلمات لجوانيتا اإلحساس بأن هذه المرأة قد

وكما لو كان نسيم عليل يدفعها نافخا بين . أحبتها واعترفت بها الجميالت األخريات منها هامسات، أغصان شجرة، واقتربت

.وأحطن بها

- ١٤٢ -

بدأت تتناغم مع همس األخريات مرسلة أصواتا، ثم مألتها ابتسامة إندايا حماسة، فاستسلمت لشعورها، ووهبت لألخريات فهمها، وفضولها، وفرحها، وانتظارها، وثقتها، والتماسها قسمة

.ةـعادل ما أن أخذ صوتها يعبر عن سكتت الجميالت األخريات

حلقت أصواتها األخيرة لكي تسقط ثانية مثل . شعورها باألمانزقزقة عصافير خفيفة بأجنحة من لون قوس قزح، من كل

وساد صمت يهتز بقصص . القامات، ومن كل السالالتوعلى نحو غريزي، خرت . الماضي، وبقصص سوف تحصل

ا الجديدات على ركبتيها جوانيتا في الوقت نفسه مع أخواتهوعندما نهضن ثانية، . ممتلئة تواضعا أمام الجمال الكوني العظيم

تعانقن كلهن، وعيونهن غاشية من هذا االنفعال الناجم عن اليقين . أن أولئك الذين يحيطون بنا يتبعون الغاية نفسها، والمثال نفسه

.هكذا بدأت جوانيتا مرحلة جديدة من حياتهاان العبور من سن المراهقة إلى سن الرشد والدة جديدة، ومع ك

أن إندايا كانت تقوم بإرشاد فتياتها بكثير من التفهم والحب، فإن فبادئ ذي بدء كان على كل .طريقة حياة الجميالت كانت صارمة

واحدة منهن أن تتطهر حتى تسمح لمرشدها الروحي أن يأتي إليها، .ن هن أنفسهن دعم أفراد القبائلومن ثم حتى يستطع

- ١٤٣ -

وجرت بموافقتها مختلف مراحل تلقين األسرار وطقوس كانت قبيلتها بحاجة إلى شكل . عبور جوانيتا على نحو متسارع

.طاقتها الخاص الناجم عن قدراتها الصوتية األكثر خصوصيةكان الرجال البيض يقومون بإبادة قبائل بأكملها، وكانوا يهددون

انتابهم القلق، واستولى الخوف . ئل األخرى بالمصير نفسهالقباآللهة قد تخلت عنهم هي نفسه على بعض الهنود الذين اعتقدوا بأن ا

).الزعماء، والسحرة، والجميالت(ها على األرض وممثليكانوا يبحثون عن أضحيات تكفيرية، وكان جو من الريبة

.يسود في قرية جوانيتا .ها مهددين على نحو خاصوكان أفراد عائلت

.وفي الواقع كان لديهم جميعهم مواهب خاصة نوعا ماكان أخوها البكر يوباراكآيا يقرأ المستقبل من خالل وضعية

وصار الساحر األهم للقبيلة . الحجارة ومن خالل تحليق الطيور .منذ موت سلفه مؤخرا

ولون جعل ولكن كان ثمة آخرون، طامعين في مكانه، وكانوا يحا .الزعيم يعتقد أنه متواطئ مع األوروبيين وخائن لرجال عرقه

وكانت أختها كارلوتا راقصة مرهفة اإلحساس، وكان للجندي الحظ في تأملها مليا، وهي تستقبل أثناء رقصها الطاقات الحاذقة

- ١٤٤ -

على أفراد القبيلة أن يتطهروا كان. والنار والترابللهواء والماءعلى المكان الذي يجري فيه الطقس ا رقصها، وكان لكي يشاهدو

وقبل القيام بالطقس كان ساحر . أن يكون حرا من كل تأثير سلبي .القبيلة يباشر تعازيمه، ويطلب حماية اآللهة

لكن عشية ذلك اليوم، حيث استطاع الجندي مشاهدة ما كان ا هو عرض كارلوتا األخير الذي قامت به، كان حساد قد نجحو

مختلفة في األرض سموم وملوثاتبدون علم الساحر، في إدخال وبالرغم من أن الحموالت السلبية . مستدعين قوى شريرة

المتواجدة في تلك اللحظة هناك، لطفت بشدة من خالل ممارسات الساحر يوباراكآيا المطهرة، إال أنها مع ذلك أثرت

.فشيئاعلى كارلوتا التي أخذت تضعف شيئا تحوالت لم تكن تشعر في البداية إال بتعب خفيف، اعتبرته

تحمل كانت أنهافي الواقععرفت ، ذلك أنها جسمها فيداخليةولحسن الحظ . الطقسموعد من قليلة قبل أيامطفال في أحشائها

فالطفل لم يتعرض لإلصابة، أما كارلوتا التي كانت تضعف أكثر .نجب صغيرتها مارغريدا إلى العالمفأكثر فقد ماتت وهي ت

وبالرغم من أن جوانيتا تابعت حياتها في جماعة جميالت الغابة فقد أصبحت حامية الطفلة، ودمجت أيضا في مجلس

.شورى القبيلة

- ١٤٥ -

معرفة وحكمة الجميالت اللواتي تمتعن القبيلةوحملت إلى ان يعطي االنطباع بملكة تبديل موضعهن بسرعة كبيرة، مما ك

بتواجدهن في كل مكان وفي ال مكان في الوقت نفسه، وكنيعرفن استقبال النوايا الحسنة أو السيئة سواء لكي ينتفع منها

.اآلخرون أو لحمايتهم منهاكان عمر الصغيرة اثنتين أو ثالث سنوات عندما قرر الزعماء

.البيض مهاجمة القبيلةلة واحدة من آخر قبائل المنطقة، التي استطاعت كانت هذه القبي

.متابعة ممارساتها الطقسية والقيام بزراعة أراضيهالقد تلقى جيشه األمر . وذات يوم، كان على الجندي أن يتسلح

ذهب األميرال . بمحاصرة القبيلة، فمكث الجميع في حمى األشجارم الهندي قبول شروطهما، والجنرال للمرة األخيرة يطلبان من الزعي

بناء كنيسة على أرضهم، والتوقف عن كل : وللعلم فقد كانتممارسة سحرية، وتسليمهم ساحرات الغابة والموافقة على إعطاء

.قسم كبير من محاصيلهم للغزاة مقابل توفير الحماية لهمفقد رفضوا . كان الهنود هم أيضا على أهبة االستعداد للحرب

وعندما جمع األميرال والجنرال رجالهم، . ل البيضشروط الرجا .تلقى الجنود األمر بالتقدم وإطالق النار على أي شيء يتحرك

- ١٤٦ -

. مع رفاقه على مخيم الهنوديشرفكان الجندي يتذكر أنه كان ،وكان مذعورا فلم يكن يريد المشاركة في المذبحة التي كانت تتهيأ

.الشجاعة على التعبير عن ثورته واشمئزازهوتقدم كرجل آلي ال يمتلك لم يكن القتال عادال، فقد كان الرجال البيض يستعملون أسحلة

.نارية لم يعرفها الهنودوفجأة، عبرت هيئة ما فسحة مكشوفة، وخرجت طلقة من بندقية، وفي الوقت نفسه تقريبا خرجت صرخة لم يكن ممكنا إال

.إللهي، فجمدت الجنود في مكانهمأن تكون تعبيرا عن الغضب اوخيل للجميع أنهم يرون جوانيتا تحمل مرغريدا إلى السماء

.يرافقها سرب من الطيور البيضاء بالخوف بعد ذلك، فجل ما كان يعرفه يشعر الجنديلم يعد

فرمى . أنه لم يكن قادرا على المتابعة والمشاركة بمذبحة ظالمة . بعض من رفاقه الشيء نفسهبندقيته، وفعل

.ولم يدرك بعد ذلك ما جرىفالوقت كان يبدو كما لو أنه توقف بالنسبة لجميع أولئك الذين

واهتدوا إلى ساحة القتال المنتهي مع الجنود . رفضوا القتالوفيما بعد، قالت . اآلخرين، وبدا زعيماهما أنهما يجهالن تمردهم

.غير مرئيينله جوانيتا أنها أرجعتهم وهم .لم يكن يعلم كيف

- ١٤٧ -

.رجال ونساء وأطفال كانوا يغطون األرضوللحيلولة دون ذبح كامل القبيلة، قام زعيم القبيلة بفعل إذعان

كان الجندي يرتجف أيضا . وسلم جوانيتا للزعيمين األبيضينمتذكرا كيف كانت جوانيتا وقورة وفخورة، وهي اآلن واقعة بين

.ألبيضين اللذين أوثقاهاالزعيمين اأمراها بأن تذهب بهما إلى ما كانا يدعوانه بجحر ساحرات

.الغابةوبينما كان األميرال والجنرال يناديان أفراد حرسهم، قامت جوانيتا بالغناء في لغتها، وكان غناء مطبوعا في الوقت نفسه

باقين كانت تودع على هذا النحو ال. بحزن عميق، ورجاء عظيمعلى قيد الحياة من قبيلتها، وكانت تحذر أخواتها، بعض الجميالت

.اللواتي كن يعشن أيضا في الغابة، من خطر موشك الحدوثاختير الجندي من قبل األميرال ليشكل جزءا من حرسه،

.وعلى هذا النحو غادر قبيلة جوانيتاميرال التي كانت أبحر فيما بعد لبضعة أشهر على سفينة األ

.عائدة إلى أوروبا. وكانت جوانيتا على متنها أيضا، فاألميرال قد اشتراها كعبدة

ما بوسعه لكي يلطف من مصير جوانيتا، لكنه بكلوقام الجندي .لم يستطع أن يحول دون موتها

- ١٤٨ -

موت جوانيتا

كان البد للجندي عندما تذكر موت جوانيتا، أن يتوقف عن سرد . ألن هذه الذكرى التي مازالت قريبة العهد إليه كانت تشوشهقصته

وعدهم مع ذلك بمتابعة السرد فيما بعد، خالل رحلة قريبة على .متن سفينة شحن السيد يانيك، البحار ذو القلب الكبير الذي آواه

في مرسى ا في كل من رحالته ترسوكانت سفينة الشحنأن قبل يغ جزء من حمولتهايتم تفرجزيرة أووسان حيث كان هناك، كان البحارة . لسيد يانيكل تصل إلى الميناء األخير

قبل الراحة لبضعة أيام وسط عائالتهميأخذون قسطا من .انطالقهم بحمولة جديدة نحو البرتغال

كان الجندي يعيش آنذاك في سفينة الشحن هذه غير قادر طائلة اإليقاف واإلدانة على العودة لإلقامة في بلده األصلي تحت

.بتهمة الفرار من الجنديةوكان يفضل لألسباب نفسها عدم البوح بهويته، وصار

حار الببالنسبة للبحارة، جندي. رمى جندي البحار ثيابه العسكرية إلى البحر واختار ثياب

عن رفاقه، وكان يط، لم يكن يميزه في هيئته شيءبحار بس . على أرضهميسمح لنفسه ببضعة نزهات

- ١٤٩ -

مراهقين البسين ثيابا سوداء في كل مرة يتوقف كان يالحظكانت الفتاة اآلن تكاد تكون إمرأة، وكان . أثناءها في الجزيرة

كان . الفتى يميل نحو الهزال ويبدو مع ذلك حارسها الخاصكانا يبدوان . يمشي بعرج خفيف، مما يعطيه هيئة الفخر واألنفة

. تظار شيء ما، ويمكثان دائما بعيدين عن بقية القرويينفي انر بانجذاب نحو هذين الشخصين وكان بوده لو اشعر جندي البح

يتحدث إليهما، ولكن في اليوم الذي حاول االقتراب منهما، .تراجعا واختبآ بشكل ظاهر خلف صخرة

لم يسع للحاق بهما احتراما منه لحرية اختيارهما، وعاد عة رحلته على سفينة الشحن، حيث رجاه رفاقه بإلحاح أن لمتاب

يحكي لهم المزيد عن جوانيتا التي صارت مألوفة بالنسبة لهم، .وتشكل جزءا من الرحلة

تابع الجندي تواصله معها، وكان بقية البحارة يفيدون من .خالله من نصائحها وتعاليمها

طاعنة في السن كانت تعيش وعلى هذا النحو، عرفوا أن جدةفي كوخ داخل الغابة آوت طفلة جوانيتا، وأحيطت هذه الطفلة

وعرفوا أيضا أن قبيلة . بعناية قصوى، ناهيكم عن الغذاء الوافرجوانيتا صمدت تحت حماية الساحر يوباراكآيا منذ أن مات

.زعيمهم

- ١٥٠ -

لمختلفة لسيرة كانت األسئلة تتوالى غزيرة حتى تنتظم القطع الم يستطع الجندي بالتالي أن يتجنب إعطاء المزيد من . حياتها

التفاصيل، وتذكر من أجل رفاقه األشهر األخيرة التي مضت .على األرض الهندية وعبوره الثاني للمحيط

فبعد أن ذبح جزء كبير من قبيلة جوانيتا، تبع الزعيمان .ابة مع حرسهم المكون من عشرة جنوداألبيضان جوانيتا داخل الغ

قادتهم إلى جوار ينبوع ليس بالبعيد عن شالل عظيم، في .مكان ساحر

تساءل الجندي كيف يمكن ألحد أن يكون عنيفا ومدمرا وسط .جمال كهذا

وللصدفة كان معظم جنود الحرس من أولئك الذين كانوا قد الخارق الذي وقع بغتة بعد مقتل رموا ببنادقهم عند ذلك الحدث

.الصغيرة مرغريدافقد كانا . رسين، ولم يبدوا مرتاحين البتة الزعيمان شكان

خافا دونما أدنى شك أن . يدفعان جوانيتا بعنف، ويخربان المكانتخترقهما سهام الجميالت الباقيات على قيد الحياة، وشعرا على

لى جانبهما القتراف مذبحة نحو غريزي أن حرسهما لن يقف إولم يكونا مطمئنين على نحو كامل، فحاوال إقناع نفسيهما . جديدة

. أن جوانيتا كانت الوحيدة من جماعتها التي بقيت على قيد الحياة

- ١٥١ -

مقلدة أصوات العصافير، وبالرغم وقد قامت جوانيتا بتحذيرهنل على الوقت أنهما قاما بإسكاتها سريعا، فقد استطاعت الحصو

.الكافي لكي تتواصل مع أخواتهاورافقها هذا الغناء أثناء مكوث . وقد أجبنها بالطريقة نفسها

الكتيبة الصغيرة على مقربة من الغابة، مما زاد أيضا دون شك .من شجاعتها وحزمها اللذين أظهرتهما

سيرا رباتفصلهم عن المدينة األكثر قعبروا المسافة التي على األقدام، حتى بات الجنود يجرون أقدامهم، في حين كانت

.جوانيتا تتقدم بعزم متقبلة مصيرهاولكن . كانت المحرقة تنتظرها عند وصولها إلى المدينة

الزعيمين كانا يحلمان بإخضاعها لسلطتهما، فعرضاها للبيع في .تالكها من جهة أخرىسوق النخاسة آملين إذاللها من جهة، وام

وكان قد . كان الجندي يعاود النظر إلى جوانيتا مقيدة بعمودبحث عنها بين جميع هؤالء التعساء، وأغلبيتهم من العرق

.األسود الذين عوملوا كبضاعة من البشركان خجال، وبشكل خاص النتمائه إلى القوم الذي ينتمي إليه

.درته على البقاء في المعسكرفقد قهكذا زعيماه، و م الدعمقدلكن األمر كان أقوى منه بكثير، إذ كان عليه أن ي

بالدموع، وجه نظره بخشية نحوها، كانت عيناها مبللتين. لجوانيتا

- ١٥٢ -

لكنه أدرك مؤخرا أن دموعها هذه كانت تعاطفا مع جميع يحالفها الحظ مثلها الكائنات الفقيرة تلك التي تحيط بها، والتي لم

. في التواصل مع دليل روحي كان يرافقها وسط هذه المحنةوعندما لمحت الجندي، ابتسمت له، حاثة إياه على االقتراب

فهمست في أذنه، أنها بحاجة إلى دعمه، . منها، وهذا ما فعلهوأن عليه عدم تعريض نفسه للخطر من أجلها، بل أن يمكث

.ون أن ينتبه إليه أحد، لكي تحافظ على ثقتها بهمتيقظا دكانت كلماتها هذه بالنسبة له مثل بلسم للقلب، قدمت له هدية

ه أراد إظهار ـ ثقتها، لكنرائعة، فهو لم يكن يحلم باستحقاق .كفاءته لها

ابتعد عنها بسرعة كي ال يظهران متواطئين، وطفق يتابع المشترون، وجميعهم من العرق األبيض، كان. المشهد عن بعد

يقومون بفحص العبيد من القدمين إلى الرأس، فقد كانوا بالنسبة ومع ذلك، اقتربت قلة قليلة من . للبعض منهم مثل حيوانات .جوانيتا التي بدت أنها تخجلهم

قاما . ظهر الزعيمان األبيضان في الطرف اآلخر من السوقاعتقدا أنها تبكي فبدآ . مباشرة نحو جوانيتابعبوره وتوجهاإنها .. ها ها، ال تختال الساحرة بعد، فهي خائفة: "بالسخرية منها

:وتوجها للحشد". تبكي مثل مولود جديد

- ١٥٣ -

فهي : من يريد امرأة ضعيفة بكاءة؟ لديها مواهب خارقة"تعرف كيف تجعل الشمس تمطر، تنجح بجعلكم ترتكبون أكبر

وا عرافة، ساحرة ليس لديها حتى المقدرة على فك اشتر. حماقة ".قيودها كما ال يستطيع طفل ذو سنتين أن يفك هذه العقد

وبقوله هذا قطع األميرال بمديته الوثاق الذي كان يربط جوانيتا بالعمود، وأمسك بها بعنف، واضعا ذراعيها خلف

تا قد كانت عينا جواني. ظهرها، وضاغطا بمديته على حنجرتهاجفتا من الدموع، ولم تكن تقاوم هجمات األميرال، ولكنها مع

:استأنف. ذلك كانت تنظر إليه دونما خشيةمن يريد هذه المرأة الحمقاء، سوف تكون رائعة لتنظيف "

من يريد هذه الساحرة؟ أم ! بيوتكم، ولسوف توفر الماء كثيرامنكم قارورة أنكم تفضلون أن أنحرها أمامكم ليكون لكل واحد

"من دمها؟ من يريد دم ساحرة؟ضغط مديته بشيء ما من القوة على رقبة جوانيتا، وتوجه

، ثم "ماذا تقولين عن ذلك أيتها الساحرة؟: "إليها بصوت عال :همس في أذنها

إذا قطعت على نفسك وعدا أن تطلعيني على أسرارك في "ين سجينتي السحر، فسوف تكون حياتك في أمان، وسوف تكون

.".الرحمة، الرحمة، وأنا أحملها إليك: الخاصة، إصرخي ببساطة

- ١٥٤ -

.لم تحرك جوانيتا ساكنا، ولم تنبس ببنت شفةلم يستطع األميرال اتخاذ قرار في حيرة من أمره، فهو إذا قتلها فإن آماله بالحصول على القدرة الخفية التي كان يحلم بها

هو إذا لم يقتلها فلسوف يعتقد سوف تذهب أدراج الرياح، والجميع أنه ليست لديه الجرأة، وال اإلرادة، وبالتالي سوف

لكن الجنرال أخرجه فجأة من هذا المأزق حينما . يسخرون منه ".أنا أشتري الساحرة: "صرخ

وتقدم لإلمساك بها، لكن األميرال وقد رأى أن غنيمته على :وشك اإلفالت من يده، صاح

".لسرعة، فال بد أن يوضع لها ثمنليس بهذه ا"ولما بقيت جوانيتا . انحنى مجددا صوب جوانيتا، وكرر طلبه

وهذا . خرساء ال تجيب، أشار إلى رجل أجير كان إلى جانبهولكن . األخير عرضها للبيع كعبدة بثمن بخس، وبدأت المزاودات

. شراء جوانيتاالجنرال واألميرال فقط هما اللذان رشحا نفسيهما لوتفرق الجمع، فما كان يجرؤ أحد على مجابهة الزعيمين العسكريين المقتدرين، واآلن، ها هما يناوئ أحدهما اآلخر، راغبا

. فجوانيتا كانت أسيرة لكليهما. كل واحد أن يستأثر بالهندية لنفسهفاتهم الجنرال بتجاوز . وبالتالي، كان على واحد منهما التنازل

وحدد موعد المبارزة في . يرال لصالحياته، وتحداه بمبارزةاألم .اليوم التالي، واقتيدت جوانيتا إلى زنزانتها

- ١٥٥ -

في اليوم التالي، تغلب األميرال على الجنرال، وأخرج مكثت . جوانيتا من سجنها، واصطحبها معه إلى شقته السكنية

وبدأ امتحان . هناك لبضعة أشهر سبقت إبحارهما إلى أوروباقاس لجوانيتا، فاألميرال كان يرغب بشكل مطلق حيازة األسرار التي تتعلق بالسحر األسود، أو كان يريد على األقل أن تمارسها له ضد األشخاص الذين يرغب باختفائهم دون ترك أي أثر حتى

.تزداد قدراتهكان يلجأ البتزاز جوانيتا، حينا بالتهديدات، وحينا آخر بوعود خيالية، فهو سوف يتزوج منها حالما يصالن إلى البرتغال، وستكون هي المرأة األكثر غنى واألكثر قدرة، واألكثر مخافة

.في العالموعندما أدرك أخيرا أنه ما من شيء يلوي عزيمتها بعدم

بنفسه ذات مساء عند قدميها، متوسال اإلفضاء بأسرارها، رمى .إليها، أن تطلب ما تشاء، وأن تضع الشروط التي تريد

نظرت جوانيتا إليه بحزن، فهي ال تريد شيئا مما عرضه .عليها، وهي إن أرادت أن تعطي فهي تقوم بذلك دون مقابل

كل ما كانت تريده هو منح قلوب البشر الهدوء، ومساعدتهم لذلك، فهي عند . باآلخرين من خالل جمال الكونعلى االتصال

مساررتها، حملت على عاتقها نذر مقاتلة القوى المؤذية الناجمة

- ١٥٦ -

كانت تؤثر الموت . عن السحر األسود، على قدر ما تستطيععلى أن تخل بنذرها، ذلك أن ممارسة السحر األسود كان

تعديا سافرا على كان ذلك. بالنسبة لها أسوأ من اقتراف جريمةتعبيرا عن الرغبة في إعاقة تطور وروح اإلنسانية برمتها،

ممارسات كهذه والذي يقوم ب. دفعها إلى التقهقرو بلاإلنسانية .سوف ترتد عليه بوابلها المؤذي الذي تمناه لآلخرين

وهذا أيضا ال يمكن أن يكون إال عمال لمجانين غير واعين أجل الشر، وهم ذات يوم سوف يغرقون يبحثون عن الشر من

فأخت جوانيتا كانت قد ماتت . أنفسهم ال محالة في هوة ال قعر لهابسبب ممارسات كهذه أثرت عليها دون علم منها، وعندما تمالكت

.وعيها، سامحت جميع الذين عذبوا روحها الطاهرة بهذا الشكلحث عن معرفة حا تبوتعتقد مثل أختها أن ركانت جوانيتا

أسرار السحر األسود هي فقط روح تريد االنتقام، روح ولدت وكانت تفكر أن األميرال كان روحا كهذه، . بفعل عذاب كبير

وهكذا رغبت بشدة في مساعدته على تطهير قلبه وروحه من .كل عذاباته هذه فيما لو أظهر لها رغبته بذلك في أن يكون سعيدا، ال بل بوسعه أيضا الحصول على القدرة

وأن يجعل اآلخرين سعداء، وربما هذا أكبر شعور بالرضا .يمكنه الحصول عليه على هذه األرض

- ١٥٧ -

. إجابتهاينتظرمضطربا كان لم يبد األميرال أية حركة، مكث جاثيا على ركبتيه، يبحث في نفسه سبيال للخروج من

ق رأسه وبدأت حينئذ، وضعت جوانيتا يديها فو. هذا الوضعاستدعى صوتها قبل كل شيء كل أوجاع العالم، ثم .. تغني

أخرجت الخوف، وقطرت منه القلق، وأخيرا، حولت هذا القلق ..إلى حالة نقية من االنتظار الوديع

رفعت يديها عنه، وانتصب األميرال، مادا ذراعيه نحوها، لهذه المرأة، وشعر مجددا بخضوع غير عادي. وكانتا ترتجفان

فهي . وكان يرفض مجددا هذا الشعور بالضعف الذي كابده أمامها .المرأة الوحيدة التي قاومته، وها هي اآلن، واقفة تبتسم أمامه

اعتبر ابتسامتها احتقارا له، فرمى بنفسه فوقها، مجيبا برغبة .حيوانية على الحب األخوي الذي قدمته له

سمانية، فاغتصب هذه المرأة دون كانت لألميرال قوته الجفقد ربي على . مراعاة لما قدمته له من تحويل للخوف إلى ثقة

يالطفه أحد أبدا لم وروح المنافسة للوصول إلى المجد والسلطة، . طفالعندما كان

أدى وضع يدي جوانيتا عليه إلى جعل أجزاء جسده األكثر واآلن، . رفض المعنى الحقيقيحميمية تختلج، لكن رأسه كان ي

.أرادها أن تدفع غاليا ما اعتبره إذالال

- ١٥٨ -

شعرت جوانيتا أنها جرحت حتى أعماق شعورها، وراودها حظة أن دليلها الروحي للاعتقدت وإحساس أن قلبها كاد ينفجر،

فقد كان األلم . شككت في قدرتهمابل ووإلهها قد تخليا عنها، .دة بمكان حتى أغمي عليهاالجسدي من الش

غير أن استامارانا الطاعنة في السن راحت تحرك يديها فكانت تنبعث قطيرات من الرذاذ تنعشها، وتطفئ بذلك النار التي

.كانت تحرقها في أعماقهاأما عينا استامارانا فكانتا تسأالنها الصفح لعدم استطاعتها أن

.أن تواجهه على األرضتجنبها أشد ألم يمكن المرأة كان صوت استامارانا دليلها الروحي، يسألها أن تقبل هذا االختبار، وأن تحوله إلى حياة، فلسوف تولد طفلة، وهذه سوف تنقل الحياة أيضا إلى مكان آخر من األرض، سوف يكون األمر

فعلى الرغم من بساطة هذه البذرة، سوف تنمو . على هذا النحوكن على نحو حتمي، على مدار القرون على هذه ببطء، ول

األرض، بذرة سوف ينشأ منها رجال ونساء، سوف تمتص ،جذورهم منها قواهم الحية، بعيدا عن الحقد، والعنف، والخوف

مخبوءة في كل كائن ال النقاء والجمال والحنان، كينونةمنقظت كانت جوانيتا قد أي. إنساني، حتى األكثر حقارة في الظاهر

في األميرال، فرفض التعرف عليها، لكنها كانت الكينونةهذه

- ١٥٩ -

مع ذلك ينبوعا بوسع جوانيتا أن تتركه يضيع في الوحل أو .تستقبله في أحشائها

كان بوسعها أن ترفض بأن تكون اإلناء، وأال تستيقظ بعد على األرض، بل تنضم إلى مرغريدا وكائنات أخرى من النور

وإذا قبلت التجربة فلسوف تكمل . اعدها على شفاء جراحهاتس ثم أن طريقها على األرض حتى والدة الطفلة، وبمقدورها من

ها، وأن تقودهم للبحث عن عالم من تصبح الدليل الروحي لساللتهم أنفسهم أيضا أدالء يصبحوا السالم، واألخوة العالمية، حتى .ات إنسانية أخرىروحيين في هذا المجال لكائن

عندما استعادت جوانيتا وعيها، كانت وحدها، ممددة على وعندما رآها . األرض، والجندي البحار ينظر إليها يائسا .تتحرك، انحنى فوقها، فطلبت منه قليال من الماء

دخل األميرال في هذه اللحظة، وكان يظن أن جوانيتا قد . جسدها بعيدا عن نظرهماتت، فطلب من الجندي أن يحمل

ولكن، عندما أدرك أنها مازالت حية، شتمها من جديد، ناعتا .إياها بكلبة، وأخذ يركلها بقدميه، لكنه لم يقتلها

ربما كان يأمل حتى اآلن أن يجبرها مع مرور األيام أو األشهر المقبلة على أن تظهر له بعضا من ممارساتها السحرية؟

- ١٦٠ -

مقدورها النهوض وحدها، أمر الجندي بحملها وإذ لم يكن بفيما . إلى مكان صغير في جوار مكان إقامته، وبرشها بالماء

بعد وضعها في خدمته، معامال إياها بشراسة عند أقل فرصة ممكنة، لكن قوة خارجية كانت تمنعه من المضي بعيدا في

.لطفلةاألمر، وهكذا بقيت جوانيتا على قيد الحياة حتى والدة القد لطف الجندي من قسوة مصيرها ما بوسعه، وبدأ يعتني بها بواسطة األعشاب التي دلته عليها والتي أخذ يجمعها في

.أوقات راحتهوفيما بعد، قام بتزويد جوانيتا بأقمشة عتيقة خاطت منها ثيابا

.حتى ميعاده بعض النسوة كما تفعلسمحت لها بإخفاء حملهاميرال إلى أوروبا، اصطحب جوانيتا مع بقية وعندما عاد األ

.غنائمه من الثروات التي جمعها في تدميره للقبائل الهنديةصار اآلن جندي البحار تابعا شخصيا لألميرال بشكل مباشر، وبالتالي ركب السفينة مع جوانيتا في الوقت نفسه، ولما كان االثنان

.ص عديدة لكي يلتقيافي خدمة األميرال، فقد توفرت لهما فركان عليهما اتخاذ الحيطة، لكنهما استطاعا مع ذلك أن يتبادال

المقصورة حيث إلىبضعة كلمات، وتمكن الجندي من االنسالل . مسجونةجوانيتا كانت

- ١٦١ -

كانت جوانيتا تعلم أنها لن تبقى على قيد الحياة عند والدة دا بالطفلة بعد الطفلة، وبالتالي طلبت من الجندي أن يعتني جي

وعلمته أيضا القيام بطقس بسيط جدا عند موتها، ويكون . موتهاها والسماح لنفسها بوسعه إتمامه سرا وذلك بانحنائه فوق جثت

اآلرواندا حيث يتنظرها دليلها وروحها المطهرتين بمالقاة .الروحي واألفراد الذين ضحي بهم من قبيلتها

ة صعبة، وقدر الجندي المجازفات، الشك أنها أوكلت له مهم .ومع ذلك قبل بها دونما تردد

كان يمكن لجوانيتا في سنها وهيئتها وحيويتها أن تكون أختا خالل من كليا فقد قبلتهكانت له مثل جدة، لكنها لألميرال،

، وتواصلت ضعها الجم، وتفهمها الالمحدودحكمتها الفائقة، وتوا .كانت قد حافظت عليهمعه بقلب طفل

كان بمقدوره أن يتخلى معها عن قلق الراشد أمام عالم قذر كان قد واجهه، ويستغرق في دهشة الطفل الصغير بالجمال الالموصوف المختبئ خلف مظاهر هذا الجمال الذي كانت

فهي لم تكن جميلة بالمعنى المتعارف عليه . جوانيتا شاهدة له، وإنما كانت تصدر من كل شخصها عندما نتكلم عن إمرأة

اهتزازات الجمال النقي نفسه، التي بوسعنا الشعور بها خصوصا في الغابة وسط فسحة مضيئة، في قمة جبل، أو عند مشهد، أو

- ١٦٢ -

أثناء قراءة ما، حيث ال نكون بعد نحن أنفسنا بل الفسحة .المضيئة، الجبل، جوهر الكلمات واألصوات

.تى اليوم الذي تعين على جوانيتا أن تضع فيه مولودهاوهكذا، أولكن الطاعنة في السن استامارانا حرصت على أن تكون

.الوالدة أثناء الليل، ودونما صعوبة كبيرةوعندما ولد الطفل، كانت جوانيتا وحيدة، لكنها أوضحت

يهن للجندي فيما بعد، أنها كانت محاطة بنساء من قبيلتها كانت لدالقدرة على االنتقال عبر المكان خارج أجسامهن، وكذلك أخيها، الساحر يوباراكآيا أتى هو اآلخر بالطريقة نفسها، لكي يبارك

الجديدة، جاعال منها فردا في الجماعة –الطفلة المولودة .اإلنسانية الكبيرة

. وعندما وصل الجندي، لم يكن عليه سوى تنظيف المقصورةر طعام الفطور لألميرال الذي كانت جوانيتا تقوم وقام بتحضي

.شجاعتها المعتادة بتقديمه له في كل صباحبمضت ثالثة أيام على رسو السفينة الحربية في ميناء للبرتغال، والسؤال الذي طرح نفسه اآلن، هو كيف سوف يتم

.إنزال الرضيع من السفينة بغفلة عن األميرالحداث، ولم يكن أمام الجندي إال أن وبالفعل، تسارعت األ

.يترك للظروف أن تقوده، وكان همه األول حماية الطفلة

- ١٦٣ -

أرضعت وليدتها مقاومة تأليف أن بعد جوانيتالم تستطعأغنية هي أكثر أغنياتها حنانا، وراحت تغنيها لها وهي تعتقد أن

.اإلميرال يقف على الجسرمسمع األميرال، فتعرف وتناهت هذه الهمسات العذبة إلى

وكان قد منعها من الغناء، لشعوره بأنه . فيها إلى صوت جوانيتا .يصبح مسحورا في كل مرة يسمعها تصدر أصواتا

ذهب باتجاه المكان الذي كان يصدر منه الصوت، فاكتشف صعق في بادئ األمر، لدرجة أنه لم يستطع أن .األم والطفلة

مما أعطى جوانيتا بعض ، أن يقوم بحركةينطق ببنت شفة، وال توجهت نحو قوارب النجاة، .الوقت لكي تهرب وتصعد الجسر

آملة بمعجزة ما تسمح للجندي بوضع أحد القوارب على سطح وقد تمالك ها تبعإال أن األميرال . البحر، والهرب مع الرضيع .نفسه، آمرا البحارة بإيقافهاراع جوانيتا، فظن لحسن الحظ، أن رأى الجندي يمسك بذفأسرع نحوهما، وقام بفصل الجندي . األخير كان يطيع أوامره

فأدركت . عن جوانيتا، وانتصب أمامها، مانعا إياها من التقدمجوانيتا أنها ستسقط في البحر إذا تراجعت، فضمت رضيعها إلى

.قلبها، وقامت بمواجهة األميرال

- ١٦٤ -

تي مرت كما لو أنها أبدية بالنسبة للجندي، بدت اللحظات ال .والمشهد الذي عقب ذلك مر أمامه كما لو بتصوير بطيء

فما الذي دار في رأسي جوانيتا واألميرال؟ ..ما من أحد عرف ذلك

كان ظهر األميرال يحجب رؤية جوانيتا عن الجندي، لكنه وب وص. رأى ببساطة ذراع األميرال ترتفع وفي نهايتها خنجر

.الخنجر نحو جوانيتا التي انهارتالتفت األميرال نحو الجندي، وأمره أن يرمي بكل هذا في البحر، مشيرا بإصبعه إلى جوانيتا والرضيع، وابتعد وهو يزعق

.باألوامر للبحارة الذين كانوا جامدين في مكانهم .استعادت السفينة ظاهريا نشاطها االعتيادي

. جندي فوق الجسدين، فلم يكن الرضيع يبكيوانحنى الواعتقد الجندي أنه مات، لكنه عندما اقترب من صدر جوانيتا

صب الطفلة أدنى خدش. رأى أن قلبها وحده الذي طعنولم ي .فأغلق عيني جوانيتا، ناطقا بالكلمات الطقوسية، ومنفذا الحركات

نزع قطعة القماش التي ثم قام ب. التي كانت قد طلبت منه إتمامهاكانت تغطي قوارب اإلنقاذ، وتظاهر أنه يقوم بتغطية األم

. وفي الواقع كان يخبئ الرضيعة خلسة خلف الحبال. والطفلة .ثم، رمى بجسد جوانيتا في البحر

- ١٦٥ -

.ويا للمعجزة، فالرضيعة لم تبك حتى اآلنيدة لعل المولودة الجد: حتى أن الجندي أخذ يتساءل في نفسه

دون شك من قبل آلهة جوانيتا؟محمية .كان اليوم األخير للجندي على المركب رهيبا .كانت الرضيعة ال تزال كما لو كانت في سبات .ومع ذلك نجح في إدخال القليل من الماء في فمها

وعندما رست السفينة، وضع الجندي الرضيعة ضمن متاعه ومرة أخرى أيضا، . وق الجسرالخاص، وظهر هكذا للجمع ف

فلقد وجه . تجاوزت األحداث التي عقبت ذلك حدود فهم الجنديدون أدنى شك عن بعد من خالل القوى العليا والحامية، ألنه لم

.يكن ممكنا في الوقت االعتيادي إنجاز عمل باهر كهذا البتهندفع ففي اللحظة نفسها التي رأى فيها األميرال الرضيعة، ا

الجندي نحو العبارة بسرعة البرق، عجل خطاه أوال باتجاه زوج وعهد بالرضيع للمرأة قائال . من الصيادين وجدهما على الشاطئ

:لها بنبرة ال جدال فيهاإهربي مع هذه الرضيعة، وإذا ما ماتت فلسوف تحل عليك "

!".اللعنة إلى األبدأما الجندي فقد خارت انطلقت المرأة راكضة مع الرضيعة

قواه، وانهار على األرض، ولكان األميرال قتله لوال تدخل .المعلم يانيك إلنقاذه

- ١٦٦ -

قيوها هو ذا اآلن معهم على متن سفينة الشحن هذه، وقد ببفضل مساعدتهم األخوية على قيد الحياة بعد هذه األحداث

.يعاتها وتعاليمهاالمؤلمة، وكانت جوانيتا تزوره مغدقة عليه تشجتوقف الجندي مجددا عند هذه اللحظة من روايته، وطلب من رفاقه أن يركعوا في الوقت نفسه الذي ركع فيه لكي يشكر كل واحد منهم إلهه الخاص أو الكون لقيامه بمعجزات كهذه، وللصالة من أجل أن يكون لكل واحد القوة على إتمام المهمة

ى األرض، مهمات األخوة التي جعلتهم التي أتى من أجلها عل .يلتقون على سفينة المعلم يانيك

* * *

- ١٦٧ -

- ١٦٨ -

- ١٦٩ -

فكاك رموز األرواح وحاللة طالسم األجساد

كان الجميع راكعا، عندما استولت على الجندي هزة عنيفة، وحلت روح جوانيتا في جسمه، وراحت تتكلم من خالله، وعلى

تبلغ البحارة ما حصل للذين بقوا على قيد الحياة من هذا النحو .قبيلة جوانيتا

انتصب الجندي بجسمه، وشكرت جوانيتا بصوتها الراكعين جميعا، الستقبالهم الطيب فيما بينهم ذلك الذي كانت تعتبره

كان روحا كبيرة رافقتها في . حاميها ومنقذها في آن واحدها األرضي، وجميع أولئك الذين شهورها األخيرة من وجود

كانوا هناك على متن السفينة كانوا أيضا رجاال على درجة عالية .من الروحانية

وهكذا فقد طلبت منهم أن يساعدوا الذين بقوا على قيد الحياة .من قبيلتها بواسطة قوة صالتهم

- ١٧٠ -

ففي الجانب اآلخر من هذا المحيط بعيدا عن البحارة، كانت الهنود والهنديات، يشقون طريقهم منذ سنوات ال حفنة من

يحاولون البقاء على قيد الحياة فحسب، بل وأن يصونوا أرواحهم لذلك قرروا مغادرة قريتهم والتوغل في عمق أعماق . وتقاليدهم

الغابة، ماحين كل أثر لمرورهم، لكي يعتقد الغزاة البيض أنهم ها يوباراكآيا، ألن زعيم كان دليل هؤالء الهنود أخا. تالشوا

.القبيلة كان قد ماتأمضى يوباراكآيا ليلته في صلوات وتعازيم لكي يضع نفسه . تحت حماية الكل الكبير، ومختلف أدالء القبيلة الروحيين

واستدعى أيضا أختيه المتوفاتين، والصغيرة مرغريدا التي باتت .تعرف اآلن كيف تكون في آرواندا الهنود

نحوهم وهموأقبلت ،ارةالبحنداء ت جوانيتا هذا النداء، سمع فلديها اآلن . الذين كانوا قد أصغوا باهتمام كبير لقصة الجندي

هم واسعة وروبيين نحو التسامح وجعل أرواحمهمة فتح قلوب األ تلك التي كانت تقودهم يخسرواالسقتبال قيم جديدة دون أن

تتحقق نبوءة شعبها في حتىباتجاه الخير في الوقت الراهن، فالرجال والنساء من كل بقاع األرض سوف : القرون المقبلة

نة كبيرة حيث يستطيع كل واحد العيش ضميشكلون عائلة واحد. تخصصه وقدراته في روح من التبادل والتعارف المشترك

- ١٧١ -

ة، على قناعة أنهم سوف يساعدونها في هذه المهمجوانيتا وكانت من خالل طريقتهم في توجيه حياتهم الخاصة ومن ثم في نقل هذه

.الطريقة في الحياة والوجود إلى ذريتهمطلبت منهم في تلك اللحظة أن ترافق طاقتهم أخوتهم وأخواتهم الهنود الذين عادوا إلى ينابيع أمهم الطبيعة، لكي ال

.ب وجودهيخسر النوع اإلنساني أحد الجوانب األساسية لسبحينئذ، تواصل البحارة كل واحد حسب طريقته، مع أولئك والالئي كانوا يمشون بعناء، هناك، بعيدا، يشقون دربا في الغابة

.تهمفطرالعذراء، مستسلمين لما تمليه عليهم تحمل أم هندية رضيعها على صدرها، وقد توقفت فجأة،

يسمعوا، وقد فأومأت لآلخرين أن. ودوى الهواء حول رأسهارفعت إصبعها نحو السماء، فسمع الجميع غناء في لغة أجنبية

.بالنسبة لهمروا أن هذا الغناء الذي ينشد كان للبحارة لم يستطيعوا أن يحز

تحت إشراف المعلم يانيك، لكنهم أدركوا دون أن يتشاوروا فيما هذه بينهم، أن كائنات أخرى قد اعترفت بحقهم في الوجود، وأن

.الكائنات ترسل لهم قوى الحبانطفأ الغناء بعذوبة، ولبث الهنود صامتين متجمعين حول

.مرشدهم، الساحر يوباراكآيا

- ١٧٢ -

استدعى الساحر يوباراكآيا عصافير السماء، لكي تساعدهم في معرفة حلفائهم المجهولين، الذين وصلت رسالتهم وقبلت

.اتبامتنان، وتضاعفت شجاعتهم عشر مرضم بقية الهنود أرواحهم إلى روح الساحر، وأصبحت القدرة الناجمة عن ذلك محسوسة في هيئة عقاب أسود كبير، اخترق .السماء فجأة مع صوت قدسي، ثم حلق فوق سفينة المعلم يانيك

شرحت جوانيتا للبحارة هذه المعجزة، وشكرتهم لمشاركتهم ن يغنوا مرة أخرى نشيدهم لألخوة بيأن الهامة، وطلبت منهم

على أن تعود في اليوم التالي جسم الجنديتغادر وهيالشعوب وطلبت منهم العناية بالجندي . لكي تجيب على أسئلتهم المحتملة .الذي نال منه العناء دون شك

:وغنى البحارةإخوة من هنا، إخوة من هناك، نحن جميعنا على متن السفينة " .هانفس .إخوة من هنا، إخوة من هناك، إنما سفينتنا هي األرض" .إخوة من هنا، إخوة من هناك، نحن نبحر بين نجوم السماء" .إخوة من هنا، إخوة من هناك، إنما جمال النجوم هو الذي يرشدنا" .إخوة من هنا، إخوة من هناك، إن بوصلتنا هي نجمة الحب"

- ١٧٣ -

.يدينا نحو السماءإخوة من هنا، إخوة من هناك، نمد أ" .إخوة من هنا، إخوة من هناك، فلنشعر بأيدينا مضمومة معا"إخوة من هنا، إخوة من هناك، نحن جميعنا على متن السفينة " .نفسها ."إخوة من هنا، إخوة من هناك، إنما سفينتنا هي األرض"

وفي اليوم التالي، وفي األيام التي تلت، في الساعة التي ياء الشمس البرتقالي البحر، تجمع البحارة على داعب فيها ض

.الجسر وكانت جوانيتا تحل في جسم الجندي مجدداكان البحارة يريدون أن يعرفوا كيف تقدم الهنود في الغابة، ولماذا غادروا قريتهم، ومن كان هذا الرجل الذي يقودهم عبر

كل شيء، عما الغابة، وبعبارة أخرى، كانوا يريدون أن يعرفوا .حصل بعد المعركة الدموية التي كان الجندي قد حدثهم عنها

وفي كل مساء، كانت جوانيتا تطلب من البحارة أن يغنوا وهم متصلون فكريا مع الهنود في بحثهم عن مكان يستطيعون

وفي كل مساء، عندما ينتهي الغناء، كان النسر . العيش فيه بأماناء الليل يحلق فوق السفينة، ثم يعود إلى السمذو الجناحين بلون

ثم، تحت ضياء القمر أو النجوم . مع حلول الظالمليغيب فيها .اآلخذة في الظهور، كانت جوانيتا تكمل حكايتها

- ١٧٤ -

قرية الهنود بعد حاصرواالجنود البيضأوضحت لهم أن للناجين بحرق موتاهم لكي يتجنبوا أية عدوى وسمحوا . المعركة

ثم أتت عائالت البيض . يكن البيض أنفسهم بمنجى منهالموقلصت األرض التي أعطيت . في ملكيتهمكبيرة لتستقر بسرعة

للهنود إلى الحد األدنى، وليس هذا فحسب، بل أرادوا إجبارهم .على بناء كنيسة

الذين لكن. ولمجابهة المحنة، قام الهنود بدعم بعضهم بعضا ببيعهم األسف معاتهموا الزعيم وت كارلوتا، كانوا السبب في م

.للعدو لكي يحتفظ بسطوته عليهموبالفعل، فقد كانوا هم أنفسهم يتفاوضون مع البيض لمقايضة األراضي وللحصول على مركز مرموق، مقابل موت زعيمهم

.الذي كان البيض يخشونهكان الزعيم قد جرح عند نشوب المعركة، وضعفت قواه

ين كانوا وذات يوم، تسلل أحد أولئك الذ. ية على نحو كبيرالجسدئه وطعنه إلى خيمته، وهاجمه من ورايخططون الحتالل مكانه

الدخول المباغت للساحر بوباراكآيا حال دون لكن. طعنة مميتة .اإلجهاز عليه وولى القاتل مدبرا

بدأ الزعيمولكن. ترنح الزعيم، فأسرع يوباراكآيا لكي يسندهيستطع لم فإنهاحرا، ـس كانيوباراكآيا أن، ومع قوته يفقد

- ١٧٥ -

قام يوباراكآيا بتمديد جسم زعيمه بلطافة على . دون موتهالحيلولة أخذت شفتا . ضعا رأسه على ركبتيهاألرض، وجلس خلفه وا

. ترتعشان، فانحنى يوباراكآيا لكي يسمع كلماته األخيرةالزعيمب الزعيم منه أن يفصل الطيبين عن األشرار، وأن يعتني وطل

بأفراد القبيلة الذين حافظوا على حسهم السليم واالنطالق بالذين وعده يوباراكآيا بذلك، ومن . رفضوا العبودية والعنف بكل أشكاله

.ثم قام بإغالق عيني الزعيم الذي لفظ نفسه األخير بين ذراعيها لحظة دون أية حركة مرافقا بصلواته مكث يوباراكآي

.الطقسية نفس وروح زعيمه في طريقها صوب آرواندا. عه اتخاذهـتفكر فيما بعد وبسرعة في أفضل إجراء بوس

فكان عليه توخي الحذر من الغزاة البيض ومن بعض أفراد كان مستحيال إتمام الطقوس التقليدية التي تتبع عادة وفاة . قبيلته .القبيلةزعيم

كل احتفال ال بل حتى كل اجتماع في وسط الجماعة الهندية واألكثر من ذلك كان يتوجب عليه . كان ممنوعا من قبل البيض

اإلمساك سريعا بالقاتل وشركائه، ومنعهم من بذر الشقاق واليأس ولم يجازف المتآمرون أمام الهنود . فيما بين آخر أفراد القبيلة

بلوباراكآيا باقترافه الجريمة بحق الزعيم، اآلخرين باتهام ي .التزموا الصمت

- ١٧٦ -

لتحذير شركائهم البيض، في طريقهم، ربما كانوا اآلن لكن !وربما كانوا ينوون اتهام يوباراكآيا في هذه الجريمة

الطعنة التي وجهها يكن القاتل واثقا من نجاح لم إال إذا !للزعيم بسبب مباغتة الساحر له

ن على يوباراكآيا المجازفة بكل شيء من أجل كل وهكذا تعيشيء، وكان الحل الوحيد المقبول عمليا هو أن يتظاهر بأن

.الزعيم مازال حياخرج يوباراكآيا من الخيمة دونما انتظار أكثر من ذلك، ونادى واحدا من إخوته الذين كانت لديه كل الثقة به، وأعلمه بما

بجولة حول أولئك والالئي، الذين وطلب منه القيام سرا. يجريكان يعرف بأنهم مستعدون للتخلي عن كل شيء، بدال من خسارة كل معنى لحياتهم بين البيض والهنود الذين فقدوا

انطلقوا في المساء التالي، قبل ساعتين . احترامهم لقيمهم الخاصةأولئك والالئي، الذين قرروا االندفاع في هذه . من طلوع الفجر

كان عليهم أن يأخذوا الضروري الالزم وأن يتجمعوا و ،المغامرة .في الساعة المتفق عليها بالقرب من شجرة االورطنسية

ومن ثم، نادى المرأة التي كانت تقوم في خدمة الزعيم، وطلب منها التفرغ لمشاغلها داخل وخارج الخيمة كما لو كان

جلس شورى وأدخل أيضا عضوين من م. كل شيء طبيعياالقبيلة، ومكث هو نفسه أمام الخيمة مانعا كل شخص آخر من

- ١٧٧ -

قامت المرأة بتهيئة . الدخول إليها، مدعيا أن الزعيم قد أراد ذلكجسم الزعيم متبعة في نطاق الممكن طقوس القبيلة في حين قام

.الهنديان اآلخران بدفنه مباشرة تحت الخيمةدخل يوباراكآيا إلى الخيمة وعندما أسدل الليل ستاره،

.واستغرق في صلواته حتى ساعة الموعد انطلقوارافقه اثنا عشر هنديا راشدا ورضيع وعدد من األطفال،

.جميعهم لمالقاة قدرهم عوضا عن االستسالم له مكشوفة إذا كانتبقعة األرضل اوفقكانوا يمشون ليال أو نهارا

ون، كان كل رجل يقوم بنوبة حراسة لكي وحينما كانوا ينام. أم الوفي . يحمي اآلخرين سواء من الوحوش أو من مطارديهم المحتملين

عذب كل يوم، وعند منتصف النهار كان يتناهى إلى مسمعهم لحن .محمول مع الهواء اآلتي من المحيط

ولم يعرفوا بالضبط . وكانوا يقومون بمساندة بعضهم بعضاهبين، لكنهم اتخذوا نذرا على أنفسهم في الوصول أين كانوا ذا .كلهم معا، فقد كان شابا لكنه نضج من خالل لهم قدوة يوباراكآيا كان

المحنة، ووضع المعرفة الممتلئ بها تحت تصرف ذويه، كان على نحو خاص فكاكا لرموز األرواح، وكان بوسعه أن يحدد

صة والواعية اعتبارا من صوت، ومن نظرة، ومن حركة خا

- ١٧٨ -

. لشخص، ما هي حاجته، وما هو طلبه في اللحظة الحاضرةوكان هو الشخص الذي يقصده اآلخرون بعد كل والدة، كي

وكان . يحدد لهم ألية مهمة تجسدت هذه الروح الجديدة لتوهاوكان . مع محدثهعميقة صلةيعرف أيضا كيفية الدخول في كانت الكلمات تعطي أصداء . يترك كلمات محدثه تنفذ إليه

فيأخذ منها الجيد وينبذ من روحه تلك التي لم . مختلفة في نفسهتكن مقبولة أو أنها تغير من المعنى الحقيقي المختبئ خلف

.حديث الشخص الذي يتكلم القناةيصبح كانوأبعد من الكلمات التي كان ينتقيها ويهتم بها،

عيد الجزء من الطاقة، القسم من القوى تالتي تلتقط، تنقي، تكبر، ثمالتي كان محدثه بحاجة إليها في اللحظة الحاضرة والتي كان يقوم

لم يكن . بايداعها غالبا في نفس محدثه دون أن يعي محدثه ذلكينتقل يوباراكآيا يسعى البته إلى استخالص أي مكسب مما كان

ل، فهو لم يكن أكثر من وإذا صح القو. من قدرات لآلخرعبرهقلة هم الذين . مرآة صافية مكبرة لروح الشخص الذي كانت تلتقيه

كانوا يدركون الطبيعة الحقيقية لسياق التواصل الذي كان يتوطد بين يوباراكآيا وبينهم، وكثيرون عزوا إليه قدرات، مثل االستبصار

وإذا ما كان . على سبيل المثال، وهي قوة لم يكن يملكها دائما .بعضهم يعجب به ويجله فقد كان اآلخرون يهابونه

- ١٧٩ -

كان يثير هذا الخوف خصوصا عند بعض الرجال ذوي السريرة الشريرة، وكان هذا ما سمح له بالهروب دون أدنى شك

.مع األشخاص الذين في حمايته، من قاتلي زعيم القبيلةلدوه قدرات كبيرة، أما لم يكن رفاقه الحاليون يخشونه، لكنهم ق

. بالنسبة له فكان يفضل غالبا توزيعا عادال ومنصفا للمسؤولياتكان يشعر أنه مؤتمن على رسالة ولم يكن يريد أن يخطئ في

.وأظهر الكثير من الحزم والشجاعة أيضا. مهمتهوفي كل صباح، إذا لم يكن هناك أي خطر مداهم يتهددهم،

. يرغبون يروون لبعضهم بعضا أحالمهم الليليةكان الذينكان يوباراكآيا يساعدهم على فهم أحالمهم، وأن يأخذوا بعين االعتبار المعلومات التي حصلوا عليها سواء لتجاوز المخاوف التي سببتها الرحلة، أو ليستلهموا منها السلوك المناسب التباعه

.في األيام المقبلةد كل وقفة كان يتفحص األرض في أصغر تفاصيلها، وبع

أحيانا، كان ينطلق كاشفا . ويسأل الحجارة عن االتجاه الجديد .الطريق السالكة واألكثر سهولة لمن هو ضعيف

ف في بح وحيدا، كان يتمسك بأصغر تجويوحينما يصالصخور واألشجار الكبيرة ويتسلقها إلى أعالها ليرى البلد

وكان يستفيد في الغابة من النباتات الطويلة الساق . حيط بهمالم

- ١٨٠ -

لكي يتقدم إلى األمام، وكان يبدو راكضا كالبرق عندما يصادف يترك وما كان يظهر فجأة في مكان ما حتى. أرضا مكشوفة

االنطباع برؤيته يظهر في عشرة أماكن مختلفة وذلك في بضعة وكان هؤالء . خاص الذين يلتقونهثوان، مما كان يحير حتما األش

األشخاص يتساءلون، فيما إذا رأوا رجال بالحقيقة أم أنهم كانوا .ببساطة عرضة لهلوسة أو توعك صحي ما

.وعلى هذا النحو كانت القبيلة الصغيرة تتقدم على مدار األياموذات مساء، عندما كانوا يحاولون العثور على مكان مالئم

توقف . ، اصطدمت قدم أحدهم بجسم يتأوهإلقامتهم المؤقتةالخوف من أن يكون : الهندي وقد اجتاحته مشاعر مزدوجة

الرجال األعداء على مقربة منهم، والشعور بالشفقة على كائن فقام بإشارة لآلخرين . يبدو أنه بأمس الحاجة للمساعدةويتألم

إحداث بالسكوت واالختفاء بين األشجار، ومن ثم ذهب دونما .ضجة إلبالغ يوباراكآيا

انحنى يوباراكآيا نحو الشخص واكتشف أنه امرأة عجوز .سوداء منهكة بشكل كامل

قام بترطيب جبينها وشفتيها بقليل من الماء الذي بقي في .هـمطرت

- ١٨١ -

تـتنهد: من أنت؟، أنت الذي يبدو عندك القليل من الشفقة؟"

ة فقيرة محكوم عليها كيف تجازف بحياتك من أجل مساعد ".بالموت افتراسا من قبل الحيوانات المتوحشة؟

:حيرت يوباراكآيا هذه الكلماتأفال يجب علينا إغاثة كل كائن محتاج؟ ماذا فعلت حتى "

استحققت عقابا كهذا؟ارتعشت شفتا المرأة، لكنها كانت تبدو منهكة جدا وال

وبعد أن تأكد يوباراكآيا أنه ما . تستطيع إعطاء تفسيرات أكثرمن إنسان على مقربة منهم في الوقت الحاضر، قرر التوقف لبضعة ساعات في هذا المكان، وكان هذا الوقت ضروريا لهذه المجهولة لكي تستعيد قواها، ومن ثم االستعالم منها عما فعلت

.حتى انتهت إلى هذا المصيرجبة تقشفية، بما يكفي إلعطائها من قاموا إذن، بمشاركتها و .جديد ولو حدا أدنى من النشاط

:أعادت طرح سؤالهامن أنت؟ من أنتم؟ فأنا أشعر بوجود عدة أشخاص ههنا، من "

"أنتم؟ أنتم الذين تجازفون بحياتكم في سبيل إنقاذي؟

- ١٨٢ -

أدركوا أنها عمياء، مع أنهم كانوا كلهم متجمعين حولها، قد غابت بعد بشكل كامل، فهي لم تكن تستطيع والشمس لم تكن

.تمييز وجود عدة أشخاص حولهاأوضح يوباراكآيا لها بطريقة موجزة أنهم من الهنود الذين هربوا من الغزاة البيض وأنهم كانوا يبحثون عن فرجة مضيئة

وأنه بوسعها أن تثق بهم، . في الغابة يمكنهم العيش فيها بهدوء ا إلى طريقهم، فقد كانت هي أيضا الذي قادهوأن تروي لهم ما

.بالتأكيد ضحية الرجال البيض .وبالفعل، فقد كانت عبدة عند عائلة من البيض

وكان ابنها . كانت تشرف على تنظيف بيتهم، وتعتني بأطفالهموكان . كان يعمل في المشتل. أيضا، عبدا عند العائلة نفسهاساء كان الرجال المنهكون من أسيادهم قساة جدا، وفي كل م

العمل المقدم لهم على مدار النهار يضربون أو يعذبون أحيانا حتى الموت، وذلك ببساطة إلظهارهم أقل إشارة من التعب أو

.ألخذهم بضعة لحظات من الراحةفهي لم تكن تعلم ما الذي اقترفه ابنها حتى عذب على دوالب

وعندما شاهدته مربوطا، اندفعت نحوه، . الموتكبير وضرب حتى فانتزعت من . متوسلة لمعذبيه أن يطلقوه، ويضعوها هي في مكانه ومن ثم، قاموا .ابنها وأجبرت على مشاهدة طفلها حتى لحظة موته

- ١٨٣ -

بكي عينيها لترسخ في ذاكرتها هذه الرؤية الفظيعة حتى موتها إظهار ما ينتظر كل عبد يتجرأ على هي نفسها، رغبة منهم في

ومنعوا أي شخص من إغاثتها ودفعوا بها . مخالفة عدالة سيدهإلى الغابة، وقطعوا على أنفسهم وعدا أن يجعلوها وحشا بين

.الوحوش حتى تلتهمها حيوانات الغابة األكثر توحشا منهم عن سادتها لكي تبتعد الغابةكانت قد جرت نفسها في

ولم يعد بوسعها . ها الفظيعة آالمأن يشهدوا رافضةئين، الدنيتمييز النهار من الليل، ولم تعد تعرف منذ كم من الوقت وهي

كانت تنتظر الموت، . في هذا المكان حيث عثر الهنود عليهاوهي تخشى بدرجة أقل قسوة الوحوش من قسوة أولئك الرجال

اآلخر كانت تحس بالوحوش وبين الحين و. الذين قاموا بقتل ابنهاتقوم بلعقها وشمها مرة بعد مرة، ومع ذلك فما من وحش قد

.تسبب لها بأي أذى بوسع هؤالء الهنود أن يفعلوا ألجلها؟كان وما

أفليس من األفضل أن يجهزوا عليها الختصار عذاباتها، فحياتها أصبحت بالتأكيد بال معنى على هذه األرض؟

كان يعلم أنه يتعين عليهم اصطحابها معهم، أما يوباراكآيا فليس فقط لنجدة كائن قد تعرض لقساة، مثلما قد تعرضوا هم

فقد كان . أنفسهم لقساة، وإنما ألن هذا الكائن كان يكملهم

- ١٨٤ -

أما هي . يوباراكآيا يفك رموز األرواح، ويساعد رفاقه معنوياالل فكانت تحل طالسم األجساد وتعتني بها وذلك من خ

.المغناطيسية التي تتمتع بها يداهاوكان هذا هو السبب بكل تأكيد الذي جعل الحيوانات تفرك

.جسمها بها دون القيام بافتراسهالم تكن قد استطاعت تفكر يوباراكآيا بأن المرأة العجوز

اجتياز مسافة طويلة وهي في هذه الحالة األقرب إلى الموت التي كانت ال شك أن المزرعة والجراح تغطيها، وبالتالي

قريبة جدا منهم، وبالتالي سيكون من كانتتحدثهم عنهاالمجازفة أن يشعلوا نارا أو أن يتأخروا وقتا أطول في هذا

.وبدأت من جديد مسيرة ليلة طويلة. المكان نقالة من كومة أغصان لكي يحملوا عليها رغب الهنود بصنع

لكن هذه رفضت بدورها، فهي لم تشأ أن تجعل . ةرفيقتهم الجديدمن نفسها عبءا إضافيا عليهم، وخصوصا أنهم كائنات إنسانية

.كان في رحلتهم ما فيها من المشقة سلفاقامت باللحاق بهم ألن األطفال تعلقوا بها كما لو أنها جدتهم

األم الشابة ولحقت بهم ألن . المفقودة التي عثروا عليها من جديدتركت رضيعها المريض بين ذراعيها، واستطاعت إخفاض درجة

وقامت . حرارة الحمى عنه، بقيامها بوضع يديها على جبينه

- ١٨٥ -

باللحاق بهم لكي ترشدهم إلى النباتات الضرورية للعناية بمرضاهم، وكان بمقدورها التعرف عليها من رائحتها أو لمجرد

.طيسية التي كانت تصدر عنهالمسها، وأيضا بفضل المغناقامت باللحاق بهم بالرغم من آالمها وهي مسلمة نفسها ألحد األطفال كدليل لها يمسك بيدها، أو مسندة نفسها على أحد

حرق الولتهدئة وجع . الرجال عندما يصبح الطريق صعبا جدافهي لم تعد ترى . عينيها، كانت تلمس جفونها بأصابعهافي .ور أبدا، لكن وجعها كان يسكنالن

.وذات يوم، وصلت مع منقذيها إلى القرب من ينبوعتبعوا ماء الينبوع، الذي كان يفلت منهم، وقرروا اإلقامة

وكونوا . بالقرب من مجرى الماء في مستوى أدنى منه بقليلوكانوا . اآلن حياة جديدة بالتوافق مع الطبيعة، ومع تقاليدهم

ن كل القبول، وكل الحكمة، وكل الطيبة التي كانت تتجلى يتعلمومن خالل هذه العجوز السوداء، التي كانت روحها ونفسها اآلن في عالقة حميمة مع السماء وآلهة السماء، والتي لم تكن تبحث على األرض عن أكثر من منح الراحة والمحبة ألولئك الذين

كانوا يتجمعون حول وعند المساء، عندما . كانوا بالقرب منهانار كبيرة، كانت تحدثهم عن أسالفها وعن أرض منشئها وعن

.حياة القبيلة التي ولدت فيها

- ١٨٦ -

كان بحارة باخرة المعلم يانيك مجتمعين، يسمعون قصة .جوانيتا بحماسة كل مساء

كانوا سعداء بأن الناجين من قبيلتها قد استطاعوا العثور على وصلوا مرة أخرى إلى رؤية جزيرة االووسان و. مرفإ األمان

حيث كان يتوجب عليهم أن يرسوا لبضعة أيام لن تقوم جوانيتا لكنهم، حضروا لها مفاجأة، وغنوا لها أغنية . خاللها بزيارتهم

:في لغتها، وكانوا قد ابتكروها بمساعدة جندي البحار .وداعا، وداعا، يا جميلة الجميالت

.افتحت قلوبن .تكبروجعلت أرواحنا

.وداعا، وداعا، يا جميلة الجميالت .أظهرت لنا كيف نتبع طريق الجمال والحب

.وداعا، وداعا، يا جميلة الجميالت .وداعا، وداعا، يا جميلة الجميالت .كوني النجمة التي ترشد سفينتنا

.كوني نجمة رجائنا .وداعا، وداعا، يا جميلة الجميالت

- ١٨٧ -

شكر ت جسمتهم جوانيتا، وباركت كل واحد منهم، ثم غادر معانقة كل وعندما عاد الجندي إلى حالته الطبيعية، أراد. الجندي حينما لم ينضج بعد كان مراهقا . من عينيهعوكان الفرح يش. رفاقه

أبحر على متن باخرة مأجورة لتدمير قبيلة جوانيتا، واآلن سمح له رى بالتكفير عن خطيئته وذلك بمنحهم جزءا من بحارة باخرة أخ

.طاقتهم يوما بعد يوم بهدف أن تولد القبيلة نفسها من جديدصافح المعلم يانيك الجندي بكلتا يديه، ورافقه البحارة اآلخرون، وغنى له خصوصا نشيد األخوة الذي كانوا يغنونه كل

:الممساء من أجل المغامرين في الطرف اآلخر من العإخوة من هنا، إخوة من هناك، نحن جميعنا على متن السفينة " .نفسها .إخوة من هنا، إخوة من هناك، إنما سفينتنا هي األرض" .إخوة من هنا، إخوة من هناك، نحن نبحر بين نجوم السماء"إخوة من هنا، إخوة من هناك، إنما جمال النجوم هو الذي "

.يرشدنا .هناك، إن بوصلتنا هي نجمة الحبإخوة من هنا، إخوة من " .إخوة من هنا، إخوة من هناك، نمد أيدينا نحو السماء" .إخوة من هنا، إخوة من هناك، فلنشعر بأيدينا مضمومة معا"

- ١٨٨ -

إخوة من هنا، إخوة من هناك، نحن جميعنا على متن السفينة " .نفسها ."إخوة من هنا، إخوة من هناك، إنما سفينتنا هي األرض"

، في هذه الليلة، بدا للبحارة أن النجوم كانت تلمع بوهج هناككانوا يشعرون معا بسعادة مشتركة . في السماء، وتبتسم لهم

لكنهم، لم يكونوا يعرفون أن هذه الليلة ستكون األخيرة . كبيرة .التي يمضيها جندي البحار على متن هذه السفينة

موت جندي البحار

فجر، راقب المعلم يانيك بمنظاره غداة اليوم التالي، عند ال .انطفاء النجوم األخيرة في السماء

ظهر جندي البحار وراءه، وكان قد استيقظ على أثر إحساس وكان . كان لديه انطباع بأن أحدا ما يستغيث به. داخلي قاتم

الصباح يبدو حول الرجلين وكأنه يجد صعوبة في الحلول محل وكان كل . ن البحر متباطئاالليل، فكان ضوء واسع يخرج م

شيء عاتما وهادئا بشدة، حتى الريح التي تهيج البحر عادة بقوة اقتربت السفينة من الساحل . في هذه األنحاء، كانت هادئة تماما

.ببطء متوخية الحذر من الصخور الكبيرة قرب الشاطئ

- ١٨٩ -

كان البحر في حالة جزر، ونظر الجندي بضيق باتجاه رؤية الشاطئ ينبثق من ةرييرة، وكان يتبين بصعوبة كبالجز

.بين األمواج التي تتراجعتراءى له خطان أكثر سوادا من الليل يصيران رماديين وكان انتقالهما السريع يتناقض مع هذا االنطباع غير المحتمل

طلب الجندي من . من البطء الذي كان يصدر من كل شيء . منظاره وقام بتوجيهه نحو ذينك الخطينالمعلم يانيك أن يعيره

وجد صعوبة في تمييز ماهية هذين الخطين، حتى أضاء فجأة نور الفجر الذي ما زال هزيال الشاطئ الصخري، وصار الخطان كائنين إنسانيين واستطاع التعرف عليهما، نعم، إنهما

ها على المراهقان اللذان طالما حيراه بشدة كل مرة كان يرسو في .هذه الجزيرة

.يدي بعضهما بعضانا يركضان باتجاه البحر ممسكين بكاوكانا يتعثران بالصخور، وينهضان ثانية، يسند أحدهما

.اآلخر، ويشدان بعضهما بالتناوب إلى األمامذهبا حتى وسط الماء، وتابعا التقدم نحو صخرة كبيرة قاما

.بااللتفاف سباحة حولهاليج صغير حيث كان هناك طوف مربوط، فقاما وصال إلى خ

.بحل أربطته التي تثبته، ودفعا به إلى البحر، واعتليا ألواحه الخشبية

- ١٩٠ -

أخذ الطوف يدور حول نفسه، وحاول المراهقان التجذيف بذراعيهما لسحبه إلى عرض البحر، ولكن البحر كان يعيده

.أنملةالمرة تلو األخرى، ولم يستطع الطوف التقدم قيد حاول المراهقان أن يختلقا شراعا للصارية المغروسة في مركز الطوف، عندما سمع جندي البحار صخبا، ثم صراخا، ثم : تمايزت كلمات أكثر فأكثر من مجرد صدى حملتها الريح إليه

انتبهوا، لقد أمكن للفتاة ... الساحران... لقد اختفيا... أين هما؟"عينان ... انتبهوا، تراجعوا، أنظروا.. .أن تلقي سحرا

أوه، أنظروا هناك، إنهما ... الساحرة الملعونة... متوهجتان ."فلنمسك بهما ثانية... تعالوا... يهربان

وظهر عدة أشخاص من وراء الصخور في الجانب اآلخر وكانوا يمسكون بالحجارة في أيديهم، ويالحقون . من الشاطئ .المراهقين

وفي معركة الطوف مع البحر، كانت اليابسة هي التي تفوز وذلك بتراجع الطوف الذي مازال يدور حول نفسه منتظرا أن

.يعلق في الرمال :وكان المعتدون يقتربون صائحين

".الموت، الموت للساحرين"

- ١٩١ -

وللتو، انبثقت في رأس الجندي صورة جوانيتا أمام األميرال فرمى الجندي بنفسه إلى الماء، وأخذ . أنها ساحرةالذي اتهمها

.يسبح بيأس باتجاه الطوفلم يستطع المعلم يانيك اإلمساك به، ولم يفهم ماذا جرى أمام

.عينيه، ولكن هذا لم يكن وقت الحيرةوجه المعلم يانيك أوامره لبحارين بوضع قارب على سطح

نفسه ترك سفينته، لكنه لم يستطع هو . البحر واللحاق بالجنديكان يعرف أن رجاله يعتبرون الجندي مثل أخ لهم، وكانوا على

.استعداد أن يمدوا إليه يد العون في اللحظات الصعبةوفي اللحظة التي وصل فيها الجندي بالقرب من الطوف، مسه حجر، وكان المطاردون يقتربون، فصاح الجندي بالمراهقين

يقترب ولكنه إلى البحر، ويسبحا نحو القارب الذي كانأن يقفزا ال يستطيع الوصول إلى مكانهما، حيث كانت الصخور ناتئة على

لكن هل فهم المراهقان ما قاله الجندي لهما، أم فكرا . سطح الماء أنه ليس أمامهما خيار آخر؟

تركا نفسيهما ينزلقان في الماء، وأخذا يسبحان مع الجندي . جانبه، وكانت ركبهم تالمس أحيانا قعر الماءإلى

كانت الحجارة تمطر حولهم مما عرقل حركتهم كثيرا، ومع ذلك وصلوا إلى مقربة من القارب، وساعدهم البحارة في

- ١٩٢ -

وكان المطاردون يقتربون باستمرار، وكانت المياه . الصعود إليه :قد وصلت حتى علو صدرهم، وتابعوا الصياح

".ت، الموت للساحرينالمو". لكنهم القوا بعض الصعوبات في التقاط حجارة جديدة

وبدون إضاعة أي وقت، قام البحارة بالتجذيف باتجاه سفينة قام ففريستيه تفلتان منه، أن المعلم يانيك، ولكن أحد الرجال رأى

لكن الجندي رأى . بتصويب حجر بشكل خاص باتجاه المراهقة فأسرع لحماية المراهقة، وإذاك سمع صفير حركة المعتدي

كان قد تلقى الحجر على مستوى . الحجر ثم ال شيء بعد ذلك .الصدغ وأغمي عليه تحت وطأة عنف الضربة

انضم القارب إلى سفينة الشحن التي غيرت اتجاهها في الحال، وابتعدت عن الجزيرة، كما لو أنها كانت تبتعد اآلن، كما

منذ بضعة أشهر عن شاطئ آخر، حيث كان األميرال حصل .يطارد الجندي

تساءل المعلم يانيك وهو يقوم بإدارة مناورات السفينة، فيما ..إذا كانت سفينته قد أصبحت ملجأ عائما لكائنات فارة

وتساءل أيضا، ترى أي فعل اقترفه هؤالء الذين صعدوا على به حتى استوجبوا غضب مطارديهم متن سفينته، أي فعل قاموا

.إلى هذه الدرجة

- ١٩٣ -

لكن قلقا عظيما حل محل تأمالته، فقد أتى بحار لكي يبلغه أن الجندي لم يعد إلى وعيه على الرغم من كل المحاوالت التي

.قاموا بها، وكان يبدو لهم أنه ماتأعطى المعلم يانيك أوامره بأن تتابع سفينة الشحن توجهها

عرض البحر بأقصى سرعة ممكنة، ومن ثم اقترب من إلى .الجندي

دا فوق الجسر، ورأسه مسنود على ركبتيكان الجندي ممد .المراهقة التي كانت تقوم بترطيب جبينه بمنديلها المبلل بالماء

وضع المعلم يانيك أذنه فوق صدر الجندي، فتأكد أن قلبه قد .ه بالدموعفامتألت عينا. توقف عن الخفقان

.رفع رأسه، فتقاطع نظره مع نظر المراهقةوكان المراهق . بدت أنها تتساءل لكنها لبثت مع ذلك صامتة

لبثا دون حراك وقتا . راكعا إلى جانب أخته، ويده على كتفهاطويال فوق هذه السفينة التي كانت تبتعد عن شاطئ غير

..مضياف لكي يذهبوا إلى حيث ال يعلمونس المعلم يانيك من ثم كما لو أن حضورا كان يعوم فوق أح

مجموعتهم الصغيرة، فكر أنها جوانيتا التي لم تستطع أن تترك :الجندي، فأخذ يهمس

- ١٩٤ -

جميلة الجميالت، كوني النجمة التي ترشد سفينتنا، كوني " ".نجمتنا لألمل

وفكر أن جندي البحار قد أنهى رحلته على . أحس بارتياحفعل شجاعة منقطعة النظير، وإنكار للذات، وأنه اآلن األرض ب

. قد ذهب لالنضمام إلى جوانيتا في مستوى آخر من الوعيوربما ستعود روحه لزيارتهم ولمساعدتهم على ارتقاء درجات لولب التطور الصاعد، ولمساعدتهم على تحطيم الحلقة المفرغة

.نيةالتي تحتجز في داخلها الكثير من الكائنات اإلنساوضع جندي البحار في موته تحت وصاية المعلم يانيك شابين ال يعرفهما ال هو وال المعلم يانيك نفسه، وأيا كان ما فعاله، توجب عليه أن يفتح قلبه إلعطائهما إمكانية أن يسامحا

كانا شابين صغيرين، ومع ذلك، فال شك أن . وأن يسامحا .رة التي رميا بهاماضيهما كان ثقيال ثقل الحجا

.أغلق المعلم يانيك عيني الجندي، ثم نهضمدد جندي البحار وسط الجسر على القارب الذي قلب رأسا

.على عقب، والذي كان وسيلة إنقاذ المراهقينظل البحارة على مدار النهار كله يأتون لكي يؤدوا صلواتهم

لمراهقان فقد لبثا واقفين هناك أما ا. أو يكلموا جثة الجندي الميت

- ١٩٥ -

أمامه، وأمام البحر، يتبادالن النظرات من وقت إلى وقت، .ويشدان على أيدي بعضهما بعضا

واحترم . لم يرغبا بالطعام، لكنهما قبال ببساطة قليال من الماء .الجميع صمتهما

وعلى مدار النهار كله، كانت السفينة تبتعد عن الشواطئ، . في عرض البحرراع يظهر في البعيد وتمضيوعن كل ش

كانت السفينة تحمل كنزا توجب رميه في البحر لكي ال وشكل ركاب السفينة في ذلك اليوم كيانا واحدا، ولم . يتدنس

.يتركوا أمرا ما يعكر صفو خشوعهموعند حلول المساء، مع آخر شعاع من الشمس أتوا ليقولوا وداعا

لكن . البحار، قام البحارة بغناء نشيدهم لألخوة مثل كل يوملجندي نبرتهم كانت مختلفة عن المعتاد، وذلك من خالل الكلمات التي كانوا يقومون بإرسالها لتشجيع أخوتهم الهنود، فاليوم كانوا يسألونهم أن يرافقوا نفس وروح جندي البحار، الذي كان همزة الوصل بين

.معلم يانيك وبين هنود قبيلة جوانيتابحارة سفينة اللقد سمعوا دون أدنى شك، ألن عقابا كبيرا أسود اللون ظهر

أتى لكي يستقر إلى جانب الجندي، . هذه المرة في صمت مهيببدا كما لو أنه يتأمل للحظة، ثم مد جناحيه الكبيرين، واتجه نحو

فحنى العقاب . الفتاة المكتسية بالسواد، والراكعة رافعة يديها

- ١٩٦ -

والمس بجناحيه أخيها . برقبته على يديها ثم لمس بمنقاره جبينها .ثم عاود طيرانه، محلقا في دوائر فوق السفينة بعدد البحارة فيها

توارى العقاب األسود الكبير في الليل الذي كان يخيم شيئا وكان قد كتب الصفحة األخيرة من حياة الجندي، وكان قد . فشيئاعرف أيضا على فرخي العقاب اللذين سقطا من العش ليتم ت

.استقبالهما على متن هذه السفينة، وأعطاهما قبلة حب روحي .تم قول كل شيء

أخذ المعلم يانيك الجندي بذراعيه، وتركه ينزلق بعذوبة في وفي اللحظة نفسها، أخذ كل بحار عهدا على . أعماق البحر

ندي البحار لكي تظل خالدة، وعلى هذا نفسه، أن يروي قصة ج .النحو وصلت قصته إليكم

* * *

- ١٩٧ -

- ١٩٨ -

- ١٩٩ -

غناء العقاب

كانت سفينة الشحن تتقدم في الليل المظلم، ولم يكن قبطانها وتردد البحارة في قطع حبل . قد أعطى أي أمر بالنسبة لوجهتها

النعمة هذه صمته، األمر الذي قد يؤدي إلى خروجهم من حالة والتخلي التسليم سوى لديهم يكن لم حيث ،التي وجدوا أنفسهم فيها

نفسه األلم لمواجهة يعرضهم قد الذي األمر محاكمة، أية عن .المستقبل إزاء نفسه واالرتياب في استضافوه، قد وكانوا جنسية له تكن لم الذي ذلك جسد أصبح .أحد يعرفهما ال آخران مسافران أيضا مكانه وحل البحر، عمق

تأتي كانت التي األمواج في خفي نحو على موسيقى انسلت في ظهرت عندما األصوات وازدادت .السفينة هيكل مداعبة راغبا يانيك المعلم فتحرك .الشموع بآالف مضاءة سفينة الظالم

رةلحش الذي نفسه التأثير له يسبب كان الذي المزعج هذا باصطيادتكون أن إال المكتشفة للسفينة ممكنا يكن لم .رأسه حول تئز

المعلم يكن لم .البحر عرض في حفلة نظم أنه لدرجة ثري لسلطان

- ٢٠٠ -

مليئون عام بشكل فهم الشخصيات، من النوع بهذا يعجب يانيك .يخصهم شيء كل أن يعتبرون بل ال يانيك، أمثال من لعمال احتقارا

على المراهقين وجود يبرر أن عليه كان أنه ذلك إلى أضف الذي األمر هويتهما، حول فكرة أدنى لديه تكن لم .السفينة متن من أنقذهما إنه القول دائما بوسعه سيكون هألن ربما، مفضال كان

اليابسة إلى ثانية اآلن يقودهما وإنه كبحار، واجبه بحكم الغرق .البشر عدالة لىإ يسلمهما لكي

على بل .القبيل هذا من شيئا يقول لن أنه جيدا يعلم كان لكنه على ذلك كان ولو ولداه، أنهما لو كما عنهما يدافع سوف العكس، السيد اهللا بعد هو كان فلقد .األمر اقتضى إذا نفسها حياته حساب حمى في فهو عليها صعد كائن وكل سفينته، متن لىع الوحيد .لها راع هو كنيسة مثل انتهاكه عذرمت

السفينة قبطان بأن بوق نفير أخبره عندما تأمالته في غارقا كان من للتملص فعال مقبول سبب أي لديه يكن لم .لقاءه يطلب األخرى القيام من البد وكان .المقابلة لهذه نفسه فهيأ االلتماس، هذا

المعلم واستدار .زائره ضولف إثارة لتجنب بسيطة بمجامالت حوض داخل إلى النزول على وحثهما المراهقين نحو يانيك

بعض فظة نبرته وبدت .البحارة ثياب ارتداء وعلى السفينة، أمام من الحركة رافضين المراهقان فاغتاظ الستعجاله، الشيء

- ٢٠١ -

أنهما يبدوان كانا .فيه موجودا يعد لم منقذهم جسد أن مع القارب قام .يعرفانه يكونا لم نفسهما هما ربما ما، شيئا مجددا ينتظران ورمى القدر، له يهيئه لما استسالمه إلى تشير بإيماءة يانيك المعلم لزائره ستسمح التي الحبال من المصنوعة بالمرقاة نفسه هو

.السفينة متن إلى بالصعود إلى تشير ثيابا يرتدي شابا رجال كان الجسر، الزائر اعتلى بتبادل الرجالن قام .فيه مبالغ ترف دونما ولكن الغنى، من درجة .المفترضة ووظيفتهما لمكانتهما المناسبة العرف تحيات وبينما ابنه، لخطوبة حفلة نظم قد كان .الكالم في الزائر شرع ثم نحو على الجذابة النجوم تأمل في استغرق يتسلى، الجميع كان

بشكل يصعد كان وميضا فرأى .قمر بدون صافية ليلة في خاص يهلوس، أنه اعتقد األمر، بادئ في .السماء نحو البحر من غريب حول هالة كان فالوميض البحر، باتجاه نظر ثم عينيه يفرك فأخذ والذين منه، قربا األكثر المدعوين فنادى .سفينة هيئة على شيء ذلك، من أكثر ال سفينة يشبه كان ما الظالم في يالحظون إنهم قالوا فنصحهم .البحرية النواحي هذه في اعتيادي غير شيء من وما

.باطمئنان مرحهم يتابعوا لكي المكان هذا عن باالبتعاد انطباع لديه تولد أكثر االقتراب ومع الهالة هذه يرى ظل لكنه أية فيها أضيئت قد تكن لم أنه رغم تسطع كانت نفسها السفينة بأن

- ٢٠٢ -

هذا يرى الذي الوحيد كان أنه يبدو ما وعلى .قنديل أي أو شمعة، رأى أن له حصل التي األولى المرة هذه تكن لم .األشياء من النوع يعلم كان ألوانها وبمتابعة األشخاص، أو األشياء حول هاالت فيها نفسه لالجمي النور يرى وكان .جيدة طاقة تملك كانت إذا فيما الذي نفسه النور وكان التحية، إللقاء أتى الذي بالقبطان يحيط بعرض وقام الحال، في به يثق لكي كافيا كان مما بسفينته، يحيط وأخبره تطفله، على يعذره أن منه وطلب .لزيارته الحقيقي السبب يشعر حيث السفينة هذه على البقاء ألحب بإمكانه كان لو أنه

رحلتهم يتابعوا أن الخاصة سفينته ركاب من طلبلو بالسالم، .بدونه وحفلتهم البحرية سفينته، تبتعد لكي األوامر زائره وأعطى .يانيك المعلم قبل من بعضا لهم يوفر مما المرساة، برمي يانيك المعلم قام بينما على شيء صفوهم يعكر أال أمل على وضعهم، لدراسة الوقت .الليلة هذه خالل األقل الجسر، على إليهما لالنضمام سفينته طاقم يانيك المعلم دعا مهد مثل السفينة وكانت .بالنجوم مرصعة سماء تحت سهرة وبدأ

.بحنان البحر يهدهده ولكنها ينامون المسافرين الحركة هذه تجعل فلم ذلك، ومع رافقهمي كان الذي النور ذلك مع تتناغم االهتزازية حاالتهم جعلت

- ٢٠٣ -

وقبال فشيئا شيئا يقتربان المراهقان وأخذ .العقاب طار أن منذ .البحارة من بالقرب الجلوس الزائر ذلك في بما السفينة، أرض على معا جالسا الجميع كان أن يانيك المعلم واقترح .مكانته إظهار يرغب ال أنه بدا الذي نفسهمشيئا أكل قد أحدهم يكن لم لحقيقة،ا وفي خفيفة، طعام وجبة تقد إلى نظرا الطعام، في اإلسراف عدم إلى نبه لكنه .كله النهار خالل على بالرسو قاموا أنهم لو متوقعا كان كما مؤونتهم، تجديد عدم

.اآلن وجهتهم يعرفون ال أنهم حين في الجزيرة، أن خيراأل هذا منهم وطلب الزائر، فضول الكالم هذا أثار لخص .بذلك الرغبة لديهم كانت إن التفسيرات بعض له يقدموا الذي الجندي قصة ذلك في بما النهار، أحداث للزائر يانيك المعلمهدلقائهما قبل ساعة ربع منذ وذلك البحر، إلى بجسده ع. وأخذ الفتى، فنهض المراهقين، نحو األنظار كل اتجهت ثم، من المعلم مأنهط .منها االقتراب من لمنعهم لو كما أخته أمام له مكانا متن على أنهما طالما أمانهما شخصيا يضمن إنه له، قائال يانيك إجابة له ويقدم أمامه يمثل أن فعليه أحد آذاهما ما إذا وأنه ،سفينته إلى بحاجة كان نفسه هو أنه الفهم عليهما يجب ولكن، .ذلك علىعن بعيدة تظل أن سفينته بمقدور ليس ألنه لتفسيراتا من أدنى حد

سريعا يقررا أن عليهما يتعين وأنه اآلخرين، األناس وعن اليابسة، .سبيلهما في يمضيا أو

- ٢٠٤ -

واقتربت .ما شيئا أذنه في هامسة أخيها وأبعدت الفتاة، نهضت .همانفس تقديم على ووافقت .كلماته على وشكرته يانيك المعلم من

دقيقة، معلومات خاللها من تقدم كانت قصيرة بعبارات وتكلمت .تعليق أي تنتظر تكن لم أنها إلى جافة ظلت التي نبرتها وأشارت

.شأنها من ليس فهذا ال، أم قالته ما يصدقوا أن طريقها متابعة خالله من تستطيع يلتوي، ال عزم فيها كان تجعل أن للظروف الممكن من ولكان ضدهم، أو الجميع لصالح .لآلخرين بالنسبة أو لها بالنسبة سيئة أو جيدة الطريق هذه

لكن تحبهم، كانت الذين حياة وعن حياتها عن ستدافع إنها قالت وكان .بالشر والشر بالخير الخير ترد فهي نها،ؤوينا للذين بئسا حشر كحيوان موتهج تهب لكي متأهبة ثائرة بروح يشعر المرء والدتها وكانت .توأما وأخوها هي كانت .األخير حتفه إلى ألخذه .جدا صعبة كانت الثاني الطفل والدة لكن سهلة،

بتنشئتهما الوالد قام .العالم في أخاها تضع وهي أمها ماتت مجبرا وكان .ثانية الزواج أبدا يشأ لم .أخواته إحدى بمساعدة .لخرافهم أو لهم عضو التوى متى يقصدونه الجزيرة نسكا وكان إلى مساء طفليه يأخذ إنه وقالوا مغتم، مظهر في الناس وجده عدوى أبادت فترة، بعد .األخير الشتاء في ومات .سوداء قداديس

علمها قد والدها إن قيل .منهم قربا األكثر جارهما قطيع عشر ما

- ٢٠٥ -

أيضا واتهمت .السحر من سيئة أذية جارهمال رمت وأنها السحر عمتها وكانت .أخيها مع شرعية غير حب عالقات تقيم كانت بأنها لديها كان األحيان بعض وفي اليد، خطوط قراءة علمتها قد

إلى ويأخذونهما إليهما سيأتون رجاال أن أيضا عرفت وقد .تنبؤات األخيرة، األشهر في اطئالش يراقبان كانا ذلك وبسبب .البحر عند وباألمس .نفسه الوقت في الجميع وفي شيء، كل في مرتابين اآلخرين فألب .نافقة حيواناته آخر جارها وجد النهار، نهاية أغصان من بعصي مسلحين كانوا .منزلهما حتى وأتوا عليها، !"..للساحرة الموت" :ويصيحون مشعبة

عليه، دلهما قد والدهما كان سرداب خالل من أخيها مع هربت خبآ دـق كانا حيث الشاطئ تحاذي التي الصخور إلى يؤدي وكان بقية يعرف يانيك المعلم وكان .اليوم هذا قدوم عند إلنقاذهما طوفا .الحكاية

تكن لم لو كما للجلوس وعادت الكالم، عن المراهقة توقفت .السفينة هذه على يجري كان بما غيرها من أكثر خاص بشكل معنية

في القصة، تتمة جيدا يعرف كان أنه إلى يانيك المعلم أشار ما إذا ولكن، .رائيا ليس فهو المستقبل أبدا يعرف يكن لم أنه حين أن الجيد من فسيكون ينتظرهم بما جديد حدس للمراهقة كان

.منه ليفيدوا عليه تطلعهم

- ٢٠٦ -

إنها له وقالت .يانيك المعلم بيد وأخذت جديد من الفتاة نهضت لكن للقضاء، مطلوبين كانوا وإنهم اليابسة، باتجاه ذاهبين تراهم السن، في طاعنة امرأة ترى ثم من وإنها يتدخل، سوف نبيال سيدا

المرأة وكانت مختلفة، ألوان ذات بسوائل مليئة بقوارير محاطة وأن المرأة، هذه وعانقتهم مرجل، في أعشاب نقع على تعمل ..بدونهما يمضي سوف يانيك المعلم

يفكر كان فهو ..يانيك المعلم محيا على مرحة ابتسامة ارتسمت منذ تالطفه وكانت ،جما حبا أحبته التي العزباء العجوز بعمته، كطفل فيه ولد الذي المرفأ في نزوله عند تعامله وكانت .والدته .المسؤولية عديم

تجعله كانت كما وألثمة، وقلنسوات، جواربا، له تحوك كانت نزالت من يشفى لكي الحياة بماء مرشوشا شرابا، بكثرة يجرع ولو تالطفه تركها يحب كان وهو .الوهمية واألمراض البرد أحد في دائما تدس حيلهر عند وكانت .لألعراف مراعاة متأففا ولرفاقه، له العافية يعيد إكسيرا تحويان اثنتين أو قارورة جيوبه .توعك أو تعب أصابهم حال في

المراهقة يانيك المعلم شكر متابعة السفينة طاقم على واقترح .الغداة من بدءا رحلتهم بأبعد ملتفين كويرك، – بيروس مرفأ إلى متوقع هو كما رحلوا

.أويسان جزيرة عن ممكن قدر

- ٢٠٧ -

سوف المرفأ، عن بعيدا ليس اليابسة، على سكنت التي عمته أن فكر إلى الوصول عند .الوقت بعض وإيواءهما المراهقين، استضافة تقبل يانيك المعلم وأصاب اإلجراءات، بعض إتمام عليهم ترتبت المرفأ

.حمولتهم بانتظار يكونوا لم المعتادين زبائنهم أن ذلك الضجر، زائرهم؟ بالتأكيد هو يحميهمس الذي النبيل السيد كان هل ولكن،

سيد أنه الزائر فصرح .إجابته منتظرا األخير هذا نحو استدار عهدته في يضع لكي ابنه زواج ينتظر وكان .بريتاني منطقة الدسائس تسود حيث بالطه من تعبا كان – وحقوقه وظائفه

بعض حل في اآلن بعد باله يشغل أال يفضل كان .والمخادعات غير أحداث وسط يدفعه القدر كان ذلك مع .العدل وإحقاق الشؤون كانت لكنها القانون، عيون أمام بالعقاب جديرة حتى بل ال اعتيادية، .المألوف عن خارجا لقريبهم وحبا نزاهة أظهروا قد أناسا تشمل ساكني على كبيرة سلطة فعليا يملك كان ألنه إذن، اعدهمسيس

بذلك أراد اهللا أن يعتقد كان .نحوها السفينة وجهتت التي المنطقة .له حياته بقية بتكريس له يسمح أن قبل أخير الختبار إخضاعه على منسك إلى حتى أو دير، إلى باالنسحاب فعال يرغب كان من اهللا من باالقتراب يرغب وكان .الموج يضربها صخرية جزيرة القوة :البريتانية للسواحل ينجبارت قوتين لةمحص عن بحثه خالل .تحد ال التي ةالمحيط البحر وقوة للصخر، والفتانة الخشنة

- ٢٠٨ -

البحر من يأتيه كان الذي المر – الحلو نداءلل جابةستاإل أراد االتحاد يوم ذات يعيستط لكي يريد، كان .أظفاره نعومة منذ

والتي ،واليابسة البحر بين القائمة العالقة فهمي أن رغب بالكون، كان فالمتخيل .والحقيقي المتخيل بين العالقة تشبه له بالنسبة كانت دائما هي اليابسة أن حين في وينسحب، يتقدم الذي البحر مثل باختراق يرغب كان .مرئية غير كانت لو وحتى ثابتة، هناك األرض في والحاضرة المتخيل هذا وراء تختبئ التي الحقيقة الشعبية واألساطير الحكايات كل خالل من والمتجلية نيةالبريتا من غالبا المنبوذة والحكايات القديسين، مع السحرة يختلط حيث كائنات معرفةو بالحكمة المملوءة ولكن، الرسمية، الكنيسة قبل من اعتبارا صالمستخل النقي الجوهر مع عميق توافق على

.لبحروا واألشجار والصخر ءالسما بين الخيميائي الزواج واحد كل وعاد حل، قد المساء كان الكالم عن الزائر توقف عندما

إلى ووصلت طريقها، الشحن سفينة عاودت الغداة، وفي .مهجعه إلى الظهيرة بعد يةنها شمس كانت التي اللحظة في الرسو ميناء من مقربة حيث الروح تخطف كانت حلوة بألوان طبيعيا مشهدا لتلون أشعتها تمد .متناغم بشكل فيها ليندمج إليها الولوج إال المسافر بوسع يكن لم

وحينما .البحارة بزي يتنكرا أن المرة هذه في المراهقان قبل قدم هذه، الشحن بسفينة كثب عن اهتمامهم القانون ممثلو أظهر

- ٢٠٩ -

تغير ينةالسف جعل الذي نفسه هو أنه وأوضح نفسه، النبيل السيد الرجوع راغبا حمولتها، كل بشرائه وذلك األولى، وجهتها من

تابعوا ومدعويه ابنه أن حين في الميناء، إلى سرعة بأقصى النبيل الشخص هذا معارضة على أحد يتجرأ لم .البحرية رحلتهمالسيد أراضي إلى أخذت التي حملوته يفرغ يانيك المعلم وترك. لمدة رسوه يكون أن األفضل من أنه يانيك لمعلما شعر ذلك ومع

حتى فقط وذلك لرجاله إجازة بإعطاء أيضا وقام األمد، قصيرة المرفأ إلى العودة رجاله من فطلب آمن، مكان في المراهقين يضع .الغداة بعد

.عائالتهم لرؤية الذهاب في بعضهم وأسرع البحارة، تفرقالسيد استأجر رإلى والمراهقين يانيك المعلم دعا حيث بةع وصلوا وعندما .يانيك المعلم عمة منزل نحو معا وتوجهوا دخولها كلبها همهم .نائمة العجوز المرأة وكانت المساء، حل قد كان إليه، واجبه بين مأخوذا وبدا وبر، كله صغيرا، كلبا كان .يعوي أخذ ثم لهؤالء وكانت الزائرين، استقبال في بتهورغ المنزل حراسة في أول يانيك المعلم كان .عليها التعرف يستطيع رائحة دويب ما على

.خفيض بصوت الكلب ونادى العربة من النازلينثبح من األخير هذا ويديه، يلعق وأخذ يانيك، المعلم على الفر

الداخل من يشمها وبدأ للعربة، الصغير السلم على قائمتيه وضع ثم

- ٢١٠ -

تجر وهي تصهل األحصنة أخذت حينئذ، .فأكثر أكثر يعوي وهو .العربة حماالتثم لتهدئتها، بلطف األحصنة يكلم وهو األعنة، السيد اجتذب

ب،الكل باحتجاز يانيك المعلم قام .رباطها يفك وبدأ العربة، من قفز يانيك المعلم بهماصحو العربة من بالنزول أيضا المراهقان فنجح .البيت باب إلى

وأطلق قنه، من الدجاج أيقظت قد الصاخبة الحركة هذه كانت .الشمس بزوغ عادة يعلن كان الذي "كوكوريكو" صياحه الديك وقد المسكن، عتبة على العجوز السيدة ظهرت اللحظة، تلك عند هاصدر على الصوفي خمارها بيدها وشدت رأسها، غطاء مالاألخرى، اليد وفي .نومها ثياب لتغطية أو البرد من لحمايتها سواء رأس على ضربة لتوجيه مستعدة أنها لو كما بعصا، تلوح كانت

نوايا ضمروا قد زوارها كان إذا حتى لكن .المحتملين المعتدين وهي عصاها، بإنزال ومـتق لن شك، أدنى وبدون فهي شريرة، حينا يقفز الكلب وأخذ .لذبابة وءـبس سببالت عن تعجز التي وأتت بومة، وطارت عمته، باتجاه آخر وحينا يانيك، المعلم باتجاه حسن ومن .ءموت وهي ءالغربا بسيقان جسمها تفرك قطط ثالث راحة إلقالقهم الجيران لغضب وإال معزوال، البيت كان الحظ، .النائمين

- ٢١١ -

مجنونة بضحكة جانبا يقف كان الذي السيد أخذ وبالمقابل، .العتمة في بجلبة تتحرك الظالل تلك لرؤيته

وتوجهت عصاها أخفضت الضحكة، لتلك العجوز السيدة وبسماع ال لكنه قاسيا يكون أن يريد قريب صوت بنبرة يانيك المعلم إلى

.طفله دعابات أمام أعماقه في الضحك عن نفسه منع يستطيع وغير دائما، مشاغب دوما، نفسه باألمر تقوم أخي، ابن يا إذن" بأسوأ معهما تقوم صغيرين ماكرين معك تصحب أنت ها !مطيع

إلى يعودا أن قبل ثيابهما وأخيط جراحهما، أنا أضمد حتى الحماقات، »!مني؟ ساخرا هناك المختبئ ذاك الطرق قاطع يكون ومن إيه، !عائلتهما نحو على يتعرض وكان اإلجابة يانيك المعلم يستطيع أن قبل التحية مقدما يده في وقبعته السيد اقترب الكلب، النقضاض دائم

كواحد ثيابه خالل من السيد على األخيرة هذه وتعرفت .للقروية هناك من يمرون الذين النبالء وكان .فتنحت العالم، هذا وجهاء من

يطفئ أن يمكن ما ليطلبوا يتوقفون أو زلهابمن يستهينون عادة، يعود شيء كل أن لو كما متعجرفة بهيئة رمقهم، يسد أو ظمأهم السيد لكن .واحدا فلسا يتركوا أن دون طريقهم يتابعون ثم إليهم، وأنه وغطاء، مرقدا ورفاقه منحه على توافق أن وسألها طمأنها كان مندهشة، إليه فنظرت الذهبية لقطعا من بصرة يكافئها سوف .منه آتية طيبة بموجات وشعرت أفكارها يقرأ أنه يبدو

- ٢١٢ -

على الغني والسيد الفقيرة، القروية من كل تعارف الواقع، في وغير ملحوظ غير عالم ألنه الناس أغلب برفضه عالم في كحليفين القلب ذات المرأة هبهذ يحيط الذي الجميل النور يرى كان فهو .مدرك تشعر كانت وهي أخيها، ابن مثل مثلها أيضا، والنقي الكبير

من قدر أكبر عن يبحث الذي الرجل هذا عن الصادرة باالهتزازات العالم أن بواقع فطري وعي منهما لكل كان فقد .والتسامح العدالة المادي العالم هو األول الوجه :واحدة لميدالية وجهين من مؤلف حواسهم بمساعدة التواصل الناس أغلب يستطيع حيث للظاهر واحدة لحاسة يمكن حيث الموجي العالم فهو الثاني الوجه أما الخمس، .بإدراكه لنا تسمح أن خاص نحو على مشحوذة حواسنا من فقط المتعذر وبالعالم للبعض، المرئي غير بالعالم العالم هذا يدعى ولذلك بكل أو ثالثة، لفئة بالنسبة بلوغه المتعذر وبالعالم خرين،آل سماعه يمكن ال العالم هذا أن بحيث لألغلبية بالنسبة المتخيل بالعالم بساطة .العالم لهذا الخاص ابتكارهم خالل من إال لآلخرين مجسدا يكون أن

أبعد هم الذين الكائنات هؤالء من جزءا يؤلفان كانا والقروية فالسيد كل من أبعد وهي القلب حكمة يملكان كانا .اجتماعية مكانة كل من

.لمحيطهما الجانبين هذين مع طبيعية عالقة على وكانا عقلية، معرفة من اآلخرين مع سليمة عالقة في يدخال أن بوسعهما كان وهكذا، النحو هذا على لهم ويحملون بهم يلتقون كانوا الذين والنساء الرجال .ظاهرها في لها قيمة ال بهيئة وذلك جدا بيراك دعما

- ٢١٣ -

مبعدة للدخول، بإيماءة ودعتهم بابها، يانيك المعلم عمة فتحت المتوقعة، غير الفرصة هذه استغالل أرادت التي والقطط الكلب

الكلب مكانه، إلى منها كل وذهب الطريقة، هذه على فاحتجت .يليالل لصيدها والقطط للحراسة، الكبير، المدخل حجرة :حجرتين من إال مكونا المنزل يكن لم في ذلك كل نوم، وغرفة طعام، وصالة كمطبخ، منها يستفاد وكان كمخزن فكانت األصغر وهي األخرى الحجرة أما نفسه، الوقت ويتبوأ وبقوارير، األغذية، لحفظ الزجاجية باألوعية مليء للمؤن

.األعشاب تنقع كانت حيث ركبي مرجل فيها الصدارة من البيض وبعض وجبنا رغيفا العجوز السيدة أخرجت

لعدم معتذرة ضيوفها،ل هاتموقد ألغذيةا لحفظ المخصص ندوقهاص الكمية حيث من أفضل نحو على معدتهم ملء على قدرتها

وحركات أفعال لهم تروي أخذت تخدمهم كانت وبينما .والنوعية البارحة، يحدث كان ذلك أن لو كما طفال كان ينماح يانيك المعلم

على كانت باعتبارها الفضالت، أدق حتى يأكلوا أن على وأصرت وكان صبيا، كان حينما أخيها، ابن مثل شديد جوع على أنهم قناعة وحده يذهب كان حيث والحقول الغابة عبر مغامراته من يعود .العود طري كان أن منذ البحر حتى نوما لهم يوفر صنعها من شرابا لهم وقدمت الوجبة، تهتان .ومتهيئين منتعشين، التالي اليوم في باالستيقاظ لهم ويسمح هنيئا،

- ٢١٤ -

المونة، بيت في الحشيش من حزم على الرجال استقر ثم ومن .السرير والفتاة العجوز المرأة من كل وتقاسمت مرت التي األحداث يسرد أن يراأخ يانيك المعلم استطاع الغداة، في الذي البحار جندي موت على حديثه في وألح األخيرة، األيام في عليهم لحظة العمة تتردد لم .لهم رسو آخر في عليه تعرفت قد عمته كانت شك دون السماء شاءت الذي ذلك محل تحل أن فقررت واحدة، مشاركة مؤقت بشكل العمة فقدمت .تضحيته تقبل أن طيبة ألسباب كيف يتعلما أن عليهما ألن للتحليق المستعدين الطائرين هذين مع عشها جارح كل مثل يحملهما الريح لتيار نفسيهما ويتركا حناحيهما يبسطان والبقاء إرشادهما على استطاعتها من واثقة تكن لم لكنها .نفسه يحترم وقت منذ صنف كل من يورالط تالحظ كانت .طويل لوقت معهما كانت ولكنها لوجوده سبب لديه الجميع أن تعرف وكانت طويل .حقلها حدود لتجاوز تسعى ال التي األليفة الطيور صنف من بالحري من نفسها تحمي أن عليها يتعين بل ال به، لتقوم الكثير لديها واآلن ولكن .هاإلي ينتميان الطفالن هذان كان التي الجارحة الطيور براثن كان اآلخر العالم ومن العالم هذا من كبيرا أن مصادفة تكن لم شك دون .فيها ليلعبه كبير دور له كان هأن المؤكد ومن القصة، هذه في اندمج قد

رالسيد قد ر .إحساسه أكد كما الطيب، القروية حسوتقر العجوز ةالمرأ عند الراهن الوقت في المراهقان يبقى أن ابموافقتهم

- ٢١٥ -

بالمقابل وهما باألعشاب، يتعلق بما علومها لهما تنقل سوف التي .والحقول المنزل بأعمال يساعدانها سوف وخالل معهما، فيتحادث واآلخر الحين بين يأتي السيد كان رضاه يانيك المعلم وأظهر .الجديد المسلك لهم تأكد أشهر بضعة ثانية ينطلق لكي سفينته عيديست أن وقرر تبنيه، تم الذي الحل على

التريث منه طلبت الفتاة لكن .جديدة حمولة مع ممكن وقت بأسرع من واحدة لهم وتظهر الجميع، تشكر أن تريد كانت فهي قليال، كلها حيواناتها على تغلق أن مضيفتها من طلبت ولذلك .قدراتها العجوز قرويةال قبلت .طليقة تظل أن بمكان الخطورة من ألنه اللذان الطفالن هذان يمارس أفال :الشيء بعض قلقة وهي

كانت الذي الشيء ذلك ،األسود السحر منزلها في استقبلتهما !تستهجنه؟ والطيبة البسيطة روحها تطوق التي المنتصبة الحجارة نحو لمراهقةا توجهت إذاك،

فيها تحاكي تاأصوا أرسلت ثم أحدها، على فاتكأت .المنزل فناء وعميقا جميال نفسه الوقت وفي أجشا صوتها وكان أخرى، أصوتا هذا وكان .كبيرة داخلية قوة على برهانا وكان غريب، نحو على

للعقبان، وأعشاش الدوار، على تبعث بجدران يذكر الصوت أما .المنطقة في األخرى الجوارح والطيور الصقور، وطيران الصوت نغم السماء نحو المتجه بإصبعه معينا افقهاير فكان أخوها .مدهش نحو على

- ٢١٦ -

خفة ألعمال يتهيأ شعبي عيد في بهلوانا يشبه أخوها كان طيور صنف، كل من طيور ظهرت ما وسرعان .فائقة بمهارة لكن المجتمعين، الناس فوق وحطت .السماء زوايا كل من جارحة أعاد كرات كانت لو كما لمسها وبالكاد ثانية، بها أمسك المراهق .الفتاة قدمي عند أو الحجارة على إما لتحط إرسالها بلغة الفتاة معها تكلمت الفتاة، حول كلها الطيور اجتمعت ولما ماذا .معها الطيور وتجاوبت زعيقهم، إصدار فأعادت .الطيور !يقولون؟ كانوا يشاهدون وكانوا ذلك، من فرجونالمت يقلق لم اليوم ذلك في .نمذهولي ببساطة الفتاة تواصل وعندما الفتاة تطيع أنها الطيور على يبدو كان تهز الطيور كانت ور،ـالطي ألصوات محاكاة نحو على غناءها الخبيرة الحركات حسب متوجهة جديد من تحلق ثم أجنحتها، .ألخيها

عظيم صمت وخيم اة،الفت سكتت كلها، الطيور اختفت وعندما مع هذا لقاءهم بأن يرى الكبار من كل كان .الحاضرين جميع على

مهمة أودعتهم السماء أن يعني فهو عرضيا، يكن لم إذا المراهقين، في إليها تشير كانت التي الداللة عن معها التساؤل يجب صعبة .أيضا اإلنسانية وتطور تطورهم، سبيل

- ٢١٧ -

طاقتها، فوق عمته كلف قد كان إذا فيما انيكي المعلم تساءل الصمت، حبل قطع .هناك بالبقاء لنفسه يسمح ولم يشأ، لم لكنه طالبا السيد إلى التفت اعتيادي، غير شيء يحصل لم أنه لو وكما والمراهقين عمته عانق ثم الميناء إلى بعربته ثانية يقوده أن منه

إلى ذهابهما وأثناء .به قاما لذيا عرضهما على إياهما شاكرا .المراهقين حول نظرهما وجهة والسيد يانيك المعلم تبادل الميناء، يوميا قوتا يانيك المعلم لعمة يحمل بأن وعدا نفسه على السيد فقطع .األخير عودة حتى

وقد بالنجوم، مرصعة سماء تحت البحر، أمام الرجالن وافترق والسماء، البحر عتمة في كانا كما وحدتهما في اتحدا أنهما شعرا ...جمعتهما قد ورحابته البحر التساع محبتهما وأن

* * *

- ٢١٨ -

األخريةالرحلة

حاولت القروية بعد انطالق ابن أخيها، أن تنظم حياتها الجديدة كما أرادت القروية من . برفقة المراهقين على أفضل وجه ممكن

ولكن . ستمر بمقاسمتها السرير نفسه، تجنبا للقيل والقالالفتاة أن تالمراهقين لم يشاءا االنفصال عن بعضهما ال نهارا وال ليال، وكانا

كل مساء في بيت المونة قريبا جدا من فراشهما من القشيضعان المرجل، حيث كانا ينقعان األعشاب التي زرعتها مضيفتهما وقامت

كان هذا المرجل يذكرهم بذلك الذي كان والدهما يستعمله و. بجنيها. مرضاهلصناعة دهون للتجميل ومراهم أخرى كان يمسد بها

بالنسبة لهما وسيلة لكي يظال بذلك على وكان االستلقاء إلى جانبهاتصال مع والدهما الذي كانا يبدوان أنهما يحتفظان في سريرتهما

يشككا ولم . هو مثالهما في كل شيءفلقد كان . بتقدير كبير له .القيام بهبما كان يسمح لهما إياه أو م كان يعلمهما بشيء مما

. كانا محبوبين ومهذبين مع القروية شريطة أال تعاكسهماولكنهما كانا يمضيان وقتا . فكانا يساعدانها باألعمال المنزلية

ألحراج بحثا طيبا بشكل خاص حينما يجريان عبر الحقول وا

- ٢١٩ -

عن أمكنة معزولة حيث يستطيعان مناداة أصدقائهما، العقبان والطيور الجارحة األخرى، محترمين الوعد الذي قطعاه على نفسيهما لمضيفتهما بأال يجعال هذه األصناف من الطيور تعود

.إلى فناء البيتكانا يؤثران بشكل خاص مجرى ماء يتغلغل بين األشجار

نفسها األفاعي غير السامة، وأحيانا زحافات حيث تلتف على .أخرى تحب الماء

وذات صباح، أتى السيد الكبير كما كل صباح يزورهما إخالصا للوعد الذي قطعه على نفسه، ووجدهما على ضفة هذا

وكانت ترتدي . كانت الفتاة تمشي في الماء حافية القدمين. الجدول لكن هذا الثوب كان مزينا، يات فيه اللون ال ثنثوبا أسود كعادتها

بشكل متناغم على نحو رائع بثعبان ذي حلقات زمردية كان يلتف .حول خصرها ورقبتها وجبينها

ينفخ في أداة مصنوعة و عند ضفة الجدول يجلسوكان أخوها وكانت زاحفة صغيرة تشبه أفعى ذات عينين حمراوين . من القصب

. موسيقاهبواسطةطيسيا منتصبة أمامه منومة مغناوكان يشعر . تقدم السيد بحيطة لكي ال يقاطع هذا االفتتان

بأنه يمكن ألية حركة خاطئة أن تكون خطرة، فحتى وإن لم تكن لدغات أفاعي الماء هذه مؤذية لإلنسان، لكن هذا النوع من

- ٢٢٠ -

األفاعي من الممكن إذا تملكه الخوف أن يلتف ويشد ويخنق .ص الذي يصبح أشبه بسند لهالشخ

حاول السيد أن يصبح هو أيضا واحدا من شخصيات هذه الصورة الحية التي كانت ترسم من قبل رسام غير مرئي يلعب

بدأ يصفر كما لو أن لديه هو اآلخر قصبة . بالظالل واألنوار .بين أسنانه، مع بقائه مختبئا خلف األشجار

ضيقة كانت تميل باتجاه الجدول، وجد نفسه على دربفاتبعها حتى صخرة عالية تمسك بها لكي ينزل إلى الماء، ثم

.اتكأ على حجر لكي يشكل معه كال واحدا .وكان يصفر صفيرا خفيفا بشكل دائموكان رأس مثلثي الشكل . أما امرأة األفعى فكانت تتقدم نحوه

ر بإكليل و فوق خصلة مشعثة لشعر أسود مضفولسان متشعب يرتفع .من أوراق الشجر تناثرت عليه بتالت زهور حمراء

أما الشاب فهو اآلن يمشي على ضفة الجدول وراء أخته كان قد ترك أداته، لكنه كان يقرع من جديد وفق الوزن . بقليل

.الموسيقي بطريقته الغريبة في مواكبة صفير السيدا جدا حتى أن السيد اعتقد أنه يرى ظهورا جحيميا كان مختلف

إما ألقى بلعنته على هذين الكائنين أو أنه أنه وسببه أفعال سحر، .سوف يموت من الخوف

- ٢٢١ -

لكنه أحس بالجمال وهو منجذب لهذا االستعراض، في الوقت الن نفسه الذي كان يعي فيه أن بإمكان المراهقين وهما يستعم

السهولة في عالقتهما مع الطيور بكل هذه اللباقة وهذه القوى والزواحف تحويلها بالطريقة نفسها نحو الشر بقدر ما هي نحو الخير، وكان يعلم أن األمر بالنسبة لهما ال يعدو في اللحظة الحاضرة أكثر من لهو حيث كانا يوقظان ما هو أكثر طبيعية في

.العالم على نحو اهتزازي مع الطبيعةللحظة أعاد السيد اتصاله بالكون، وترك قلبه يمتزج مع

فتحرك على نحو خفي وبالتتابع . روحه لكي يملي عليه تصرفه .على وقع ما كان يظهره صفيره

ابتعد عن الحجر، وركع في الجدول، وأخذ قليال من الماء :بين راحتي يديه، اللتين رفعهما نحو الفتاة هامسا لها

"دل سية الليل الجميلة، أال إقبلي قليال من الماء النقي من قب ."فارس البحار الذي رجع يدوس اليابسة لكي يلتقي بك

كادت السيدة الجميلة تبتسم، ورفعت يدها اليمنى بحركة منعطفة باتجاه رأس األفعى، إذاك، أخذت هذه األخيرة تنبسط ثم

.تركت نفسها تنساب في الجدولعت الفتاة من ثم، وشربت من يدي السيد، مما يشير إلى رك

فأحست بأنه تم االعتراف بها . الثقة الكبيرة التي منحته إياها

- ٢٢٢ -

وأصبحت مقبولة من قبل هذا الرجل الذي سيكون بوسعها االعتماد عليه كما لو أنها كانت تفعل ذلك إزاء والدها الذي

.ااختفى من حياتها باكرا جد. أمضى الثالثة بقية الصباح في التعارف على نحو أقضل. روى المراهقان للسيد بعض األحداث المؤثرة في طفولتهما

وكالمعتاد، كانت الفتاة هي التي تتكلم، وأخوها يؤيد كل ما .ولهـتق

وفي الواقع، لم يفهم السيد الشيء مما قالته، خاصة حول فهمه سابقا حين كان على متن سفينة مما كان قدأكثر حياتهما، .المعلم يانيك

استرعى انتباه السيد بشكل خاص أن الفتى قد الزمته منذ والدته الصعبة ساق له أكثر قصرا بقليل من الساق األخرى،

عاش في ظل أخته . وكان قد ظل لوقت طويل قزما هزيل البنية وليس لديه سوى خوف وكان يبدو فرحا،. منذ نعومة أظفاره

أما الفتاة فكانت قد . واحد أال وهو أن يفصله أحدهم عن أختهومع . ها أيضاها أخوطيعاعتادت أن تكون محط إعجاب، وأن ي

ذلك، فهي لم تكن تضطهده، وكانت تتقاسم كل شيء معه، ولم وهكذا، ساعدته لكي يحول . تكن تحتمل أن يسخر أحد منه

.لعرجاء إلى مشية منهك على نحو لبقمشيته ا

- ٢٢٣ -

كانا يرقصان مع طبلين عندما كانا ال يزاالن بعد صغيرين .يكادان يقفان على ساقيهما

وكانت الطفلة تمسك بالطبلة فوق رأسها وتتدحرج على األرض، ثم تنتصب مثل ثعبان، وكان أخوها يدور حولها وهو

ن يقدم لها مرآة يعرج مصطحبا معه الطبلة األخرى، أو كا .بحيث تستطيع أخته في كل وقفة لها اإلعجاب بنفسها

وبسبب هذا االستعراض الذي كانا يقومان به ألبيهما، وبينما )١(هما ينموان، أعطى أبوهما اسما للفتاة هو إيزميرالدا

(Esmeralda)٢( أما الفتى فأعطاه اسم إسبيليو( (Espelho) وعلى ،وهكذا كان هذان . ياتهما الخاصةهذا النحو دعاهما في ح

االسمان عبارة عن وصية تركتها غجرية ال يعرف أحد كيف وجدت عند لحظة والدتهما، وقد تنبأت لهما بقدر لن يكون

.بالسهل أبداكانت هذه الغجرية قد انطلقت بالطريقة نفسها التي ظهرت

طبلين : افيها على نحو غامض، لكنها تركت أثرا لمروره ومرآة (Esmeralda)محاطين بقماش مطرز عليه اسم ايزميرالدا

.(Espelho)دعتها في لغتها بـ إسبيليو

).م(وتعني الزمرد في البرتغالية )١( ).م(وتعني المرآة في البرتغالية ) ٢(

- ٢٢٤ -

لم يفارقهما األلم ، ألنينحقيقيهما ال إعالن اسمي فيلم يرغبابعد وفاة والدهما، وطلبا من السيد أن يناديهما مثلما كان والدهما

وعلى النحو . ب في إظهار حبه لهمايناديهما عندما كان يرغ .نفسه طلبا أيضا من عمة المعلم يانيك أن تدعوهما باسميهما

حاول السيد أن يلفت انتباههما إلى أن هذا األمر يمكن أن لكن الشابين لم يشاءا تغيير . يثير تساؤالت الساكنين في الجوار

لى أية حال بمغادرة رأيهما، قائلين إن الغجرية قد تنبأت لهما عمكان إقامتهما بعيدا، بعيدا جدا، وأنهما كانا يرغبان من السيد أن يأخذهما إلى بلد ناء حيث يستطيعان العيش وسط العقبان

.واألفاعي دون أن يستاء أحد من ذلك وكان !يجيبهما؟ بم يدر ولم ،لم يكن السيد ينتظر طلبا مثل هذا

المراهقين هذين بوسع ليس أنه نفسه رةقرا في جيدا يشعر :بابها لهما فتحت التي لقرويةا بيت في طويال وقتا البقاء الغريبين

:للمراهقين بالنسبة أو للقروية بالنسبة سواء خطرا كان األمرف على جميعا عنهم اإلبالغ البسطاء القرية كاثوليكيي بوسع وكان .وهراطقة سحرة أنهم

إلى ثانية وأعادهما طلبهما في يتفكر أن السيد عدهماو إذاك بشكل أيام لبضعة هما حيث يعيشا أن منهما طالبا مضيفتهما .جدا طبيعي

- ٢٢٥ -

كيف يعرفان يكونا لم الصغيرين المتوحشين هذين أن يبدو لكن كانا الغداة، في ثانية السيد رآهما وحينما الناس، كعامة يعيشان القلقة القروية عيني أمام الطلق، الهواء في ااستعراض يرتجالن .الجوار في جيرانها قدوم من خائفة كانت التي

.ظهر وقد صديقهم رؤيتها عند القروية على الفرج أتى أن للسيد جديد من توسال اللذين المراهقين طلب القروية دعمت .بلدهما عن جدا بعيدا بعيدا، يأخذهما ولها بسيطا، شخصا إال ليست إنها قولها القروية كررت كما تكن لم .أيضا بساطة كلها حياة تحيا أن سعت وإنها بسيطة، أذواق بطبيعتها مقتنعة كانت ولما منها، للقريب الخير سوى ترغب قناعة على أصبحت فقد اليتيمين، هذين طبيعة عن جذريا المختلفة

يكون حيث لها، بالنسبة مجهول آخر موضع في مكانهما أن تفكر وكانت التنفيذ، موضع الغريبة قدراتهما يضعا أن بوسعهما

ذلك مع وستظل المكان، هذا على لهما يعثر أن السيد بمقدور أن .زيارتها في يرغبان قد مرة كل في باستقبالهما سعيدة

وإسبيليو (Esmeralda) إيزميرالدا من كل على إذا السيد اقترح(Espelho) هما إلى قصره، حيث كان في صدد اإلعدادأن يصحب

فقدم المراهقان نفسيهما . لحفالت كبرى، وذلك بمناسبة زواج ابنه .على أنهما بهلوانان قد اتخذهما السيد لكي يخدماه في هذه المناسبة

- ٢٢٦ -

أقنع هذا التدبير الجميع، وهكذا استطاع المراهقان أن يعيشا نف حاميهما، والمحسن لهما، وكشفا بحرية بضعة أشهر في ك

.عن أصالتهما الخالقةكاملة واستفاد السيد من هذا الوقت . مرت ستة شهور على هذا النحو

لكي يهيئ أمر تنازله عن حقوقه لصالح ابنه، لكن كان عليه أن تحت كاناك اللذين ييقرر ال مستقبله فحسب، بل مستقبل ذين

عر بأن لديه الحق في إطالقهما في الطبيعة بال فهو لم يش. رعايتهلقد أحس أنه تقلد . قيد وال شرط حينما يذهب لكي يلوذ في دير ما

فالعناية اإللهية كانت قد جذبته في اليوم نفسه إلى متن : مهمة إلى ، مصادفةمجرد، األمر الذي لم يكن دون التي أنقذتهماالسفينة

ف خاصة جدا، وإلى حد أن البحار حد أنها وضعته وسط ظرو .المعلم يانيك الكبير القلب كان ممثال لهذه العناية

كان السيد يعود لمرات عديدة إلى الميناء لكي يراقب عودة سفينة الشحن، وما أن عادت هذه األخيرة حتى عاجل السيد

.يطلب من المعلم يانيك مشورته رحلته األخيرة كان يفكر روى المعلم يانيك للسيد أنه أثناء

معظم الوقت بجندي البحار، وكان يصلي لكي تجد روحه راحة وتولد لديه إذاك انطباع أنه على اتصال مع روح . تستحقها بجدارة

:جندي البحار، وأن لديه رغبة عارمة لكي يغني نشيد األخوة

- ٢٢٧ -

إخوة من هنا، وإخوة من مكان آخر، فنحن جميعنا على متن " لسفينة نفسها،ا

.."إخوة من هنا، وإخوة من مكان آخر، إنما سفينتنا هي األرض"هذا . حينئذ عاد العقاب ثانية وهو يحلق فوق سفينة الشحن

العقاب الذي كان قد اقترب من المراهقة بشكل خاص، في يوم وفاة الجندي، كما لو أنه يعرفها دائما، فلعل هذا العقاب يستطيع

..هم حال للمشكلة التي طرحها السيدأن يحمل لقرر السيد والمعلم يانيك مع المراهقين أن يلتقوا على شاطئ صحراوي، وأن يقوموا باستدعاء ذكرى جندي البحار، وأن

.يغنوا معا نشيد األخوةوأتى العقاب كما هو متوقع، . وهذا ما فعلوه في المساء ذاته

ق مجموعتهم الصغيرة ثم حط فأخذ يحلق فو. في الموعد المحددفي مواجهة المراهقة، وبدأ ينظر إليها بعينيه، ومن ثم أطلق

في بمخالبهأراد نشب كما لو أنه وقام بحركةصرخة حادةشعرها قبل أن ينطلق في طيرانه من جديد نحو البحر، كما لو

وقد كرر مرات عديدة رقصته . كان يطلب منها أن تتبعه .اللحظة التي وثبت فيها الفتاة تركض وراءهالدائرية حتى

أمسك بها المعلم يانيك، فلقد كان واضحا أن العقاب كان ذلك كانت ب للقياميطلب من المراهقة أن تدلف في الماء، ولكن

.بحاجة إلى سفينة

- ٢٢٨ -

ولما كانت على معرفة بلغة العقبان، طلب منها المعلم يانيك فهموا العرض الذي قدم للفتاة، وأنهم أن تخبر كبير الطيور أنهم نقلت الفتاة الرسالة واختفى العقاب . سوف يعدون التهيؤ للرحلة

.وهو يشق عباب السماء عبر الغيوم بجناحيه القديرينفهذه السفينة هي الثروة . أخيرةقرر السيد تهيئة سفينته لرحلة

.بنهالوحيدة التي احتفظ بها لنفسه بعد زواج انطلق السيد بسفينته على سطح البحر مع المراهقين سوف ي

وهم يغنون نشيد األخوة في كل سينادونه. مستسلمين إلرشاد العقاب جوانيتا ا كانت تأتي فيهكما في األيام التيمساء في الساعة نفسها،

سمح لهم هذا وسي. على سفينة شحن المعلم يانيكلتزور البحارة يبقوا على اتصال أيضا مع المعلم يانيك الذي كان يقول إنه الغناء أن بدال من بين األموريك والبرتغالفي السفرستمرار اليفضل ا

أيضا بدعابة أن عليه البقاء موقفه ، والذي فسر االنطالق في مغامرة وهو لكي في الوقت نفسه وهو يتفحص النجوم بواسطة منظاره

ل ويشدد عزم أطفال آخرين ضائعين في ، عساه بستقبيدخن غليونه .المحيط الواسع الذي يفصل العالم القديم عن العالم الجديد

أتى اليوم الذي انطلقت فيه كل من سفينة الشحن وسفينة السيد حيث باالتجاهسوية باتجاه المحيط لكي تندفع من ثم كل واحدة

السفينتين منوانفصلت كل . يدفعهما مصير المسافرين على متنهما

- ٢٢٩ -

حيث كانت ا فيه للمرة األولى والذي التقيعن بعضهما في المكان هم طريق د أظهرت لهم وفتحت أمامـي البحار قتضحية جند

. جديدحياةوضع الجميع أنفسهم تحت حماية جوانيتا بغنائهم بلغتهم األم :ولغة الجندي وهم يتركون سفينتيهما تبتعدان الواحدة عن األخرى

جميلة الجميالت، كوني النجمة التي ترشد سفينتنا،" ".كوني نجمة أملنان أدنى شك في أنهما كانا ذاهبين مع لمراهقيولم يكن لدى ا

السيد لالنضمام إلى قبيلة جوانيتا لكي تتشابك تقاليدهم مع أولئك الذين هم من العالم الجديد، في حين يتابع المعلم يانيك عمله في

القيم التي أعادت إحياءها العالم القديم تؤتي ثمارها، جعل قيم .جوانيتاتضحية أنمتهاالتيالتطعيمات

الطريق المتواضعة في إنهاء دور منكانت هذه هي طريقتهمالحلزوني الصاعد نحو تطور النوع اإلنساني، والبداية بالصعود

ساء وهذا الدور الجديد سوف يقود رجاال ون. إلى الدور اآلتيمن أصول متنوعة لكي يضطلعوا به، حتى يصبح اتحاد قوى وقدرات كل منهم قدرة نافعة في خدمة كل شخص، وخدمة

.الجميع كما توقعت األسطورة المنقولة عن قدماء قبيلة جوانيتا

- ٢٣٠ -

Le Demroدمرو ـال

اآلخر نحو أحدهما ينظركان هناك ذات مرة بطلة وشيطان ..نظرة توعدإنها طريقة للقول إنهما كانا غارقين في ضوء مائل !.. ؟دتوع

، بل ..!!للزرقة، وإنهما كانا يحاوالن التجسد على ورقة رسموكان . وإن كال منهما كان قابعا في زاويته متهيئا لمجابهة اآلخر

فالبطلة كانت قد اتخذت هيئة : كل منهما يقيم اآلخر بالنظر إليهشخص لديه اليقين بالنصر لكي تخفي مخاوفها إزاء متسامحة ل

فالغلبة للخير ال محالة على (هذا الوضع المجهول وغير المتوقع الشر، وليس ثمة أدنى شك في أن الشيطان ال يمكن أن يكون إال

أما الشيطان فكان يتلمظ شفتيه مع ابتسامة خفيفة تظهر ). شرا، )ثيرا من يضحك أخيراكأنما يقول يضحك ك(على طرفيهما

كان يدرك أنه يملك حيال كثيرة في جعبته وأن له القدرة على ).فكان يعتبر نفسه أنه ال يغلب(تغيير شكله

كان كل منهما يوجه يد الرسامة بطريقة معاكسة، فلم تعد هذه ...األخيرة تعرف لمن تعير انتباهها

- ٢٣١ -

غابة مكونة من أشجار مورقة، كانت البطلة تريد رسما بشكلوكانت تلح على وجود مسقط ماء تحت هذه األشجار، وشالل ماء حار يسقط من فوق الصخور العالية ويتحول إلى نهر في

وكانت تلح أيضا بالشدة نفسها أن يكون لديها ثوب بلون .. أسفلهاحر ومن ثم فسرت لمن أراد اإلصغاء إليها أنها سوف تس. الشمس

بما في ذلك الشياطين الذين (كل حيوانات الغابة من خالل صوتها ، وعلى هذا النحو سوف تخلق الغابة )لديهم الجسارة على التدخل

.الشجية مالذا للسالم والجمال للباحثين عن الوفاق التام، وأراد أن يجد نفسه )١(كان الشيطان قد اتخذ هيئة كازيمودو

، ولكنه عندما فهم أن ما من شيء )٢(وتردامثانية على أبراج نفي العالم سوف يبعد البطلة عن الغابة، وجه يد الرسامة لكي تأخذ الصخور العالية هيئة مذبح من العصر القوطي، وجثم بين

وراح لعابه يسيل، ودمعه ينزل مدرارا وهو . مسلتين حجريتين .ينظر إلى البطلة بعينين حزينتين

بهذا القدر، وهشاشة بهذا المظهر، حرضتا غثيانا لدى بشاعةأولم يكن مسعاها : البطلة التي لم تشأ مع ذلك إظهار انزعاجها

مناغمة االختالفات بين الكائنات باستعمال خصوصية كل منها؟

.وهو شخصية أحدب نوتردام بطل رواية فيكتور هيغو) ١(

" أحدب نوتردام"وهي الكنيسة التي جرت فيها أحداث رواية فيكتور هيغو ) ٢( .ونوتردام كلمة فرنسية تشير إلى سيدتنا العذراء

- ٢٣٢ -

كانت قد حذرت من أن جنا أشرارا سوف يحاولون منعها من ضت أنهم هم الذين وضعوا هذا القزم المشوه وافتر. إتمام عملها بالتأثر وأن تتبع ولذا قررت أال تسمح لنفسها. في طريقها

نه ال يجب التوقف عند المظاهر، وأنه يجب أن المبادئ القائلة إيكون لكل فرد مكانه في هذا العالم األدنى، فبحثت عن كيفية

.طار المشهد الطبيعيدمج هذا الكائن المثير لالشمئزاز ضمن إ بدأت ترى أن من المناسب تغطيته ببعض أوراق عندماولكن مما يمكن أن يعطي االنطباع بوجود نبع طبيعي (الشجر وأكثر فأكثر ،، كان الشيطان قد أصبح أكثر فأكثر قبحا)وأصيل

تنضمان لتصيرا هبشاعة، وكان جذعه يتغطى بحراشف ورجال .ذيل سحلية

:ليهاوأخذ يتوسل إاقتليني، اقتليني، فأنا أتعذب كثيرا بسبب قباحتي، وأنا غير "

متأقلم مع الحياة برأسي البشري هذا وجسد الزواحف هذا من ".عصور ما قبل الطوفان، أال خذيني بين ذراعيك واخنقيني

لم تعد البطلة قادرة على التمييز، ومن الطبيعي أن الشيطان ، أو أن يطلب منها تقبيله وأن تصبح كان يستطيع تهديدها بالقتل

لكن، ال، فهذا . زوجته فذلك سيكون منطقيا في سياق الروايات. الشيطان كان يريد أن يموت، وكان يتوسل إليها أن تجعله يختفي :فتح لها طريقا عوضا عن خلق حواجز، فلقد كان عالما مقلوبا

- ٢٣٣ -

ه الحجارة كنت أنتظرك، فخلف هذ. أنا حارس هذا المزار"يوجد مكان ساحر، وكنز، وينبوع ماء عذب، واألصوات . البلورية فيه هي نور صاف، والنور فيه هو تدفق موسيقي

ني، فليس ية من األشجار، ولكن، قبال، إلغادخلي هذه الكاتدرائلي ما أفعله بعد ههنا، كنت طاردا، لكي ال يدنس المارون

أنتظرك أنت التي تحبين الغابة أكثر كنت. اآلخرون هذا المكان ".من كل شيء، لكي تمجدي هذا المكان

وعندها أدركت .. ثبت عليها عينيه الزمرديتين بينما كان يتكلمالبطلة أن هاتين العينين مفعمتان بالطيبة، وأنه كانت تصدر منهما

سميه لم يعد باستطاعتها أن ت(كان تجسدا للطبيعة . طاقة كبيرة :، وكان يواصل توسله إليها)شيطانا

إنني قبيح جدا، اقتليني، ثم خذي عيني، فهما تعطيانك القوة " ".والشجاعة

..لم تكن تريد قتله، ولم تستطع قتلهكانت تعرف في وجدانها أنها في مواجهة مع ما كان بالنسبة

ها في وجدت نفس. لها أسوأ االختبارات في أن تقتل كائنا أعزالوكانت مستعدة . فهي لم تكن حقا ضد القتل الرحيم: تحد كبير

للفهم ال بل حتى للدفاع عن أحد سوف يقتل كائنا آخر شفقة عليه، لكن أن يكون عليها هي نفسها القيام بذلك، فتلك مسؤولية لم تكن

- ٢٣٤ -

فأي شيء تفعله سيكون متناقضا مع نفسها، إذ ال . بعد مهيأة لهاي كائن إنساني قتل كائن آخر، لكنها لم تكن تملك حججا يحق أل

أيضا لتفسر أن يكون على كائن ما اختيار العذاب عوضا عن لمسخ الصغير بأن ولم تكن تستطيع أيضا أن توعز ل. الموت

..سوف يكون ببساطة دناءة كاملة منهاينتحر، ألن هذا دون أن لم تكن تستطيع حتى أن تدفعه بقدمها، وتتجاوزه

لربما كانت تستطيع المضي وترك طاقة هذا .. تعيره أي انتباه !المكان وجماله الالموصوف مع هذا المسخ؟

.وهذا ما حاولت أن تفعله د فانية تقوم بمهامة أن تعود مجررت البطلة القهقرى مقرعاد

..بسيطة وليس لها أن تقوم بخيارات غير معقولةجدول كقدر محتوم في داخل كان صوت صغير يجري ك

:رأسها، ويهمسعودي، ال تنطلقي، كنت أنتظرك منذ أزمنة سحيقة، إنما "

علي أن أتحرر من هذه الحياة على يد من ستغني لي أعذب التهويدات، عودي، غني لي تهويدة وأنت تخنقينني، ثم خذي

ودي، عودي، ع.. عيني وسوف تحميك الغابة وتسلمك أسرارها ..."عودي، اقتليني، غني، اقتليني، غني، اقتليني ..وكانت هذه الالزمة تتكرر بال توقف

- ٢٣٥ -

تنفك تفكر بهذا البطلة التي لم تعد تريد أن تكون بطلة، الكانت الكائن الصغير الوحيد في الغابة الكبيرة باحثا فيها عن القليل من

وإنما كمثل طفل صغير فهي لم تعد تراه كمسخ،. الدفء اإلنسانيإذاك قررت العودة نحوه لكي ... كان لديها رغبة قوية في هدهدته

: كانت تأمل من ثم أال يطلب بعد أن يقتل.. تغني له تهويدةفاقترحت عليه عرضيا أن تمكث معه أو أن تعود مرات كثيرة قدر

سيكون ما يرغب هو بذلك، وهكذا سيكون بمقدوره متابعة الحياة، و .ضميرها مرتاحا حتى ولو كان عليها أن تتخلى عن بحثها

وعندما وصلت قرب مسقط الماء تألقت العينان الزمرديتان وقد نجحت في تخطي نفورها بالحفاظ على نظرها . فرحا

متصال ببراءة العينين، ووضعت إذاك الجسد اللزج على ركبتيها .وبدأت تهدهده وهي تدندن

ا وجدت صعوبة في اإلبقاء على هذا الجسم الذي كان لكنهينزلق بين ذراعيها، والذي كان يسعى مع ذلك للتعلق بها، فتابعت دندنتها وأمسكت بركبتيه بين ذراعيها جاعلة منه مثل حوض أزهار وشدت عليه أكثر فأكثر لكي يستطيع البقاء متكورا في

ة االحتياطات؟تراها سوف تخنقه، رغم كاف. حرارتها ..إنها ال تعرف اإلجابة

.وفجأة راودها خوف بأن تكون قد قتلته إذ لم تعد تشعر بحركته

- ٢٣٦ -

لم يكن لديها وقت كاف للشعور بالذنب ألنها رأت بعد لحظة فانتصبت مذعورة، وسقطت . ثعبانا يزحف قريبا جدا منها

.زمردتان عند قدميهاو أنه يتحرك على صوت ناي، انتصب الثعبان أمامها، كما ل

:ساحرا إياها بنظرته كما لو كان يريد أن يجعل منها فريسة له.. آه، جلعتك تخافين، ومع ذلك فأنا ال أريد إيذاءك البته" -

فإذا نظرت من خاللهما، سترين العالم .. التقطي إذا الزمردتين، شيءالمجردين من كل مختلفا، وستفهمين ما هي شجاعة

وستتعلمين كيف تحولين الضعف إلى قوة اإلرادة هذه التي تسمح ."لك باتباع طريقها بعكس كل شيء وضد الجميع

كان الثعبان يتكلم بنبرة معسولة قليال حيث الحظت مسحة :سخرية "أجيبي أو ألدغك، ماذا تفعلين في ملكيتي؟ "-

نفسها كانت البطلة ترتجف في داخلها، لكنها سيطرت علىكان يسخر (كانت أخيرا في مواجهة قوة الشر : قدر اإلمكان

).منها بشكل مؤكد وهو يلقي عليها درسا في األخالقكان عليها أن تبدو أهال للمواجهة التي كانت قد تحضرت لها .حتى لو كان عليها أن تموت، فستموت ميتة شريفة على األقل

- ٢٣٧ -

:لذا أكدتأتيت ألغني وسط . بة ملكية لك وال ليليست هذه الغا "-

الغابات، ولدي نية قوية أن أتابع غنائي، بالضبط عكس كل شيء، ".وضد الجميع، فال حاجة لي لدروسك في هذه الخصوص

أحببت كثيرا تهويدتك، . أوه، لكن هذا جيد جدا، غني إذن "- ".ألدغكهيا غني أو . أنا متأكد بأن أغانيك األخرى سوف تفتنني

.مرة أخرى كانت البطلة في مواجهة خيار غير معقولكانت لتفضل أن يقول لها الثعبان أنها عاجزة، وأنها ال تعرف

فيكون عليها أن تقاتل وأن تدفع (الغناء أو أن يتهمها بأنها قاتلة بسالتها : جزية، وسيكون عليها أن تفعل أي شيء لكي تثبت له

ليس فقط ال يلومها على شيء، بل ويستحسنها، فهو ..). وبراءتهافكرت أن هذا كان دون أدنى شك لكي يستطيع . ويحثها على الغناء

.أن يقلل من قدرها لكي يحاول في كل األحوال قتلها بعد ذلكقررت عندها أن تغني ليس ألجل الثعبان، وإنما ألجل الغابة،

. على نفسهاولكي تفي بوعدها الذي كانت قد قطعتهأصغى إليها الثعبان بادئ األمر، وهو ممدد على األرض، ثم

وعندما توقفت، . انتصب متموجا وهو يتبع التغييرات في صوتهاأخذ يفح:

- ٢٣٨ -

ا، سأجعلك تعملين عندي أحسنت، أحسنت، هذا يسرني كثير" الشخصية، هيا تعالي، سوف أجعلك تزورين صالة كساحرتي ".عرضنا

".لكنني ال أريد أن أكون في خدمتك، بل في خدمة الجميع" -حسنا، مهما كان الذي يمنعك فإنني أقدم لك الوسيلة لكي "-

"تبلغي هدفك، فمم تشتكين؟أريد أن أظل حرة، فإذا أنا تبعتك فعلي أن أفعل وأغني ما "-

".تريده أنت. أطلبه منكإذا أنت تبعتني فعليك أن تغني، هذا كل ما "-

"أليس هذا ما كنت قررت القيام به؟لم تدر بم تجيب، فلم تكن تملك حججا للرد عليه، بل إن

.العالم كان يتبدى بالمقلوب مرة أخرىبطل وشيطان على وفاق دون أن يدمر أحدهما اآلخر أو يسعى

لم (على األقل للسيطرة على اآلخر، لم نكن قد رأينا ذلك قبال أبدا تكن هنالك معركة، وبالتالي لم يكن ثمة غالب وال مغلوب، واألكثر

بل إنه سخر منها بلطف ). من ذلك أنه كان للشيطان دور حسنبأن جعلها تالحظ أنه لم يكن ثعبانا ساما بل مجرد أفعى ماء

.بسيطة، وأنه لما استطاع قتلها أبدا بلدغها كما كان قد هددها

- ٢٣٩ -

متيقظة لكل حركة، لكنها تبعت مع ذلك الثعبان ظلت البطلةانسلت البطلة مع الثعبان خلف : الذي كان يدلها على الطريق

الصخور العالية حيث اكتشفت معبدا صغيرا، ثم مشهدا خلقته .وكان المعبد والمشهد فارغين. الطبيعة

وأحست نفسها مع . وقعت البطلة تحت سحر هذين المكانينفما كان ). كان الثعبان قد اختفى(يمة األهمية، ووحيدة ذلك عد

معنى هذا كله؟ وماذا تفعل وحدها في وسط مشهد كهذا؟وأخذت تنظر من . لحسن الحظ، أحست بالزمردتين في يدها

فرأت شجرة جذبتها على نحو ال يقاوم، وكانت تصدر . خاللهمامتكئة عليها لوقت فمكثت . من الشجرة أصوات غريبة ورائعة

وشعرت أن السكينة عادت إليها، فألفت لكي تشكرها، . طويل .)١(أغنية الشجرة: أغنية ألجلها

وعندما صمتت، الحظت أن الثعبان كان . غنت ألجل الغابة .قد عاد ليصغي إليها

:هـاشتكت إلي "لماذا تركتني وحيدة؟ "- كانت ههنا، ثم ألم أنت لم تكوني وحيدة، فالغابة كلها "-

"تريدي أن تكوني وحيدة؟ !" وما فائدة مسرح بال ممثلين وال مشاهدين؟-

.الحكاية التاليةنص األغنية في يرد ) ١(

- ٢٤٠ -

وهكذا، . رضي الثعبان واقترح على البطلة أن يكونا حليفينفإننا لم نعد نرى على الرسم النهائي بطلة وال شيطانا وإنما

كان لهذا األخير مظهر إمرأة مرتدية ثوبا . (Demro)دمرو مزينا بشكل فاخر بحية مائية حلقية بلون . ويال أسودا وضيقاط

الزمرد، كانت تلتف بشكل متناغم حول خصر ورقبة وجبين يمشي حافي القدمين وسط (Le Demro)وكان الدمرو . المرأة

كان المشهد مضاء بأشعة . مجرى الماء الناجم عن مسقط الماءلقد ورث الدمرو . عبر أوراق الشجرالشمس التي كانت تنتشر

.صوت البطلة وقدرة تحول الشيطانكذلك أخذت الرسامة التي لم تكن تعرف أن ترسم في الواقع،

بعدد كبير من (Demro)تكتب حكايات لكي تمأل مشهد الدمرو على عاتقه البحث الذي (Demro)لقد أخذ الدمرو . الشخصيات

آخرين يريدون ١مضى باحثا عن دمرواتكانت تقوم به البطلة وفعال االتحاد معه لكي يطوروا مسرحا لألخوة تكون الطبيعة ديكوره حيث يمكن لكل شخص وهو يمثل دوره مع ما هو بديع أن يقترن بقيم أساسية وجوهرية وأن يبدع مع اآلخرين عرضا يكون رسالة اعتراف متبادل وسالم وإمكانية للتعاضد بين

.كائنات ذات قدرات وثقافات مختلفة

أي بطلة، فارتأت heroïneأي شيطان و Démonهو اتحاد لفظتي ) ١(الكاتبة أن تؤلف بين اللفظتين في عبارة ابتكرتها وسمتها بالدمرو،

.وهنا تم جمعها في الترجمة بالدمروات أي جمع دمرو

- ٢٤١ -

- ٢٤٢ -

- ٢٤٣ -

أغنية الشجرة

في عمق حرج صامت

اكتشفت شجرة مجنونة تماما كانت أصوات غريبة ورائعة تصدر منها

:وإذ نالني العجب منها، أجابتني لم، لم ال؟ لم، لم ال؟

ونيةكانت الغابة كلها تهتز معها، محمولة عبر هذه الريح الجن لم، لم ال؟

لماذا الحرب، ال السالم؟ لماذا الكراهية، ال الحب؟ لماذا الخوف، ال الثقة؟

لماذا الموت، ال الحياة ووالداتها المتجددة؟ لم، لم ال؟

- ٢٤٤ -

:وكانت كل كائنات الغابة تغني معها كان الثعبان يفح حركة الحب،

والبومة الصمعاء تنعب ضوء الليل، فخ في البوق قدرة السالم،والفيل ين

ووحيد القرن يجأر ثقته في الحياة، لماذا الخوف، ال الثقة؟

لماذا الموت، ال الحياة ووالداتها المتجددة؟ كانوا يغنون ويغنون

تعالوا، تعالوا إلى غابتي، فنتعلم فيها الحب الكوني، ونتعلم فيها سالم العوالم، نتعلم فيها أعماق الكائنات،

.ووجود الرقةفالعتمة هنا ضياء والصمت اهتزاز

والثقة حرية لم، لم ال؟

- ٢٤٥ -

لماذا الخوف، ال الثقة؟ لماذا الموت، ال الحياة ووالداتها المتجددة؟

..وفجأة صار الجنون طبيعيا ..في عمق غابة صامتة

اكشتفت شجرة كانت تهتز له، لكم، ولنا

..اكتشفت شجرة كانت تغني الحب ..اكتشفت شجرة كانت تغني األخوة ..اكتشفت شجرة كانت تغني، وتغني

* * *

- ٢٤٦ -

آنا مريابيال

ذات مرة، كانت فتاة صغيرة تروي لنفسها حكايات ترقص .فيها زهور البنفسج والمرغريت في دوائر في البراري

وكانت الفتاة تدندن أغنيات إلدخال السرور إلى هذه الزهور، ..ينما كانت تدور حول نفسها أمام مرآتهاب

كان البالغون الذين تناهى غناؤها إلى مسمعهم، يقولون لها إنها كانت تغني أي شيء كان، وعليها أن تعرف ما هو النغم

..لكي تغني ...لم تفهم آنا أي نغم كان المقصود، إذاك صمتت عن الغناء

تمازجها في رأسها ومع ذلك، كانت الكلمات واألصوات تتابع ..ساعية إلى تناغمها الخاص

..وتحولت األزهار إلى جنياتوذات يوم كانت تحلم وهي جالسة في كوخ صغير، فطرقت ثالث طرقات خفيفة على الجدار، بالضبط بين حزمتين كبيرتين

.من الطحلب

- ٢٤٧ -

!ال شيء كالعادة !ولكن بلى

!أوه، يا للعجب.. وظهرت الدرجات األولى من سلم صاعدانفتح الجدار قليال،

ولكن إلى أين؟ .لكن موسيقى عذبة كانت تناديها.. كانت خائفة وخجولة

كانت تنظر بعينين واسعتين بسبب المفاجأة والفضول حينما .قامت امرأة جميلة بإشارة بعصاها السحرية لكي تتبعها

لم تقاوم أكثر من ذلك، وكادت تصعد السلم حتى دون أن ..تلمس األرض

والح تحتها مشهد طبيعي عظيم، وبحيرة : وصلت إلى منصة ..تحيط بها الغابات

كانت تريد زيارة الغابة، لكنها لم تكن تعرف كيف تصل كان ينبغي عليها أن تعرف الطيران، لكن السيدة كانت قد . إليها ..اختفت

آلن كانت الفتاة الصغيرة قد كبرت، كما لو بفعل سحر، فهي ا ..مراهقة

..بدأت تشعر بالدوار، وبخوف كبير

- ٢٤٨ -

لم يعد ثمة أية فرصة للرجوع، وكان السلم وراءها قد . اختفى، في حين تحولت المنصة في الواقع إلى صحراء شاسعة

إذاك أغلقت عينيها، وراحت تدور حول نفسها بسرعة أكبر ها في داخلها فأكبر، آملة أن تمنحها هذه القوة التي كانت تشعر ب

الشجاعة على القفز بحماس، والقوة الضرورية لكي تهبط إلى لكنها كبحت حركتها إذ كان .. األرض دون أن تتعرض ألذية ما

.خوفها من السقوط وتهشمها على الصخور العالية كبيرا جدات نظرها باتجاه التالل ت عينيها ثانية وهي يائسة، وحولفتحذلك أنها رأت . ئ األمر أن األمر مجرد سراباعتقدت باد. البعيدة

. على نحو مبهم، ثم بوضوح أكبر، فيلة كانت محلقة فوق التالل. كانت الفيلة منها الكبيرة، ومنها متوسطة الحجم، ومنها الصغيرة

وبحركة رشيقة أمسكت أم فيال صغيرا بخرطومها ورفعته، إنه فيل . إتمام هذا الطيرانصغير لم يتعلم بعد جيدا

تجمدت حركة الفتاة، ونسيت أمر خوفها، فقد كانت ذاهلة أمام .هذا العرض الذي قدم لها

كانت الفيلة تلتف حول التالل، ولم تدرك آنا ميرابيال كيف وفجأة سمعت ضجيجا قويا لشدة . وصل قطيع الفيلة إلى ورائها

.نفسها أمام القطيعالعدو السريع، ووجدت ظنت أن الفيلة سوف تسحقها، ولكن، يا للمفارقة فقد غمرها

.شعور بالجمال والثقة لم تستطع مفارقته

- ٢٤٩ -

كانت هذه الفيلة تبدو بلونها الرمادي الفاتح، بخفة ال تصدق وكان يقودها فحل ذو نابين . حتى وإن كانت ذات قوة استثنائية

صل هذا األخير على بعد بضعة أمتار من وعندما و. ضخمينميرابيال غير مساره بسهولة، والمسها أو كاد كما لو كان -آنا

..يقوم بمالطفتهاوأمسك الفيل الثاني الفتاة . تابع الفحل عدوه فوق الجرف

- بخرطومه، ووضعها بسرعة على ظهره، وهكذا، حلقت آناوفي الواقع كانت لهذه الفيلة (ميرابيال فوق الجرف مع القطيع

).القدرة حقا على رفع أجسامها في الهواءميرابيال بدأت تشعر بالدوار من جديد، -وبالرغم من أن آنا

فقد أحست بفرح داخلي كبير، وعندما وضعتها الفيلة على الضفة عند عتبة الغابة، أخذت تضحك، وتضحك، . األخرى من البحيرة

..وتضحك، فقد ضحكت معها أيضا الفيلة وفقا لطريقتها، وبالطبع

.بصخبها وصراخهاجذب الضجيج جن الغابة الصغار، الذين أخذوا الفتاة من

ثم صاغوا لها إكليل . يدها، وراحوا يرقصون مشكلين دائرةزهور متعدد األلوان، واشتبكت األيدي في رقصة ريفية تحت

..الظالل

- ٢٥٠ -

ن جديد وحيدة وسط فرجة من الغابة، وجدت الفتاة نفسها موكانت أشعة . ولكنها أحست بحضور كائنات كانت تطمئنها

الشمس تنسل عبر أوراق الشجر مما أعطى انطباعا بأن الظل .كان ذو إضاءة ال متناهية

أدركت الفتاة اآلن أنها صارت بالغة وهي تتذكر طفولتها، ددت أن تفعل ذلك خوفا لئال لكنها تر.. كانت لديها الرغبة بالغناء

.تشوش على السكينة، وعلى كائنات األحراجفرافقته .. عصفور يغني.. وأخذت تحلم.. استغرقت في النوم

من خالل أصوات ال تكاد تكون مسموعة، ثم شيئا فشيئا، ورغما وكانت . عنها، خرجت من حنجرتها أصوات عالية وخارقة

فأرادت أن . يها أنها واقعة تحت سحر مافزعة، فتولد انطباع لدتصمت، لكن لم يكن بمقدورها رفض هذا الجمال الذي كانت

..هي نفسها أداته ..نهضت مرتجفة في ليلة دامسة

..وسماء مرصعة بالنجوم ..وكان كل شيء يتأرجح

كان الضوء األكثر حياة يغمرها، فأحست كما لو أنها :صندوق للصدى

!!!ا، وكانت األصوات أنواراكان النور صوت

- ٢٥١ -

احلبحب والسيف

ذات مرة كان حبحب يومض عند مدخل طريق، كان يومض .ويومض في كل اتجاه

لطريق كبير، قد بطل من األزمنة الغابرة، بطل فاتحوكانأودعه هناك مع عدد كبير من رفاقه لكي يضيئوا الطريق للناس

.المساكين الذين ضاعوا في الليلنه كان قد أمرهم بأال يرشدوا إال أقدام ذوي القلوب الطيبة لك

والكريمة، وأنه في كل مرة يمر من هناك كائن شرير وفظ وأنه كان عليه أن . ومتباه أو متكبر، فإن أحد الحباحب ينطفئ

ينتظر بطال جديدا وقديرا لكي يأتي ويجعله يولد من جديد، وإال في هذا المكان شيئا فشيئا يسود فإن ليال مدلهم السواد سوف

.وسوف يضيع سكانه فيه كل أملكانت قد مرت سنوات عديدة، وكان آخر حبحب صغير

ومع ذلك، كانت لديه شجاعة . يشعر بأنه أصبح وحيدا تماماكبيرة، وكان يبذل كل جهده لالختباء تحت األوراق عند ظهور

- ٢٥٢ -

ن هذا الطريق الذي وعلى هذا النحو كان الشرير يعود ع(إنسان ).يبدو له متواضعا جدا بحيث ال يتسع إلتمام أي إثم كبير

أو على العكس، كان الحبحب ينشط قواه لكي تولد ألوان قوس قزح في هذه األوراق فتجذب انتباه أولئك القادرين على

.سماع غناء الجمال والحب المنبعث من هذا المكانيا، بجعل األشخاص الخطيرين نجح هذا الحبحب في البقاء ح

يعودون من حيث أتوا، لكنه كان ينتظر في الوقت نفسه ذلك الذي سيكون بوسعه إعادة إحياء إخوته وجعلهم يظهرون ثانية، لكي تتمكن ينابيع النور وينابيع الحياة من التدفق في آن واحد

ماء، وتحول ماضي اليأس إلى حاضر الثقة ـمن األرض والس .لمستقبلفي ا

وذات يوم مر شاب من هناك وكانت ساعة شروق الشمس، .وكان وميض الحبحب يكاد ال يدرك

رسافر هذا الشاب حول األرض منذ وقت طويل، وكان يعب .بسرعة البرق خطوط الطول وكان تعبا

لكن هل ما زال يوجد مرفأ كهذا . كان يبحث عن مرفأ للسالم !الشقاقات؟على أرض أضنتها الحروب و

كان ينظر يمنة ويسرة، ولم يكن يعلم جيدا لماذا وال كيف .كان قد جذب إلى هذا المكان

- ٢٥٣ -

:وسمع فجأة صوتا صغيرافأنا كنت أنتظرك، لقد جعلتني أنتظرك . ال تدهسني! انتبه" - !".طويال

:تجمد في مكانه، وتابع الصوتفأنا .. راني من بعدنور الشمس بدأ بالظهور، وأنت لن ت" -

روح محاربي الظل، والحاصلين على المعرفة النقية، وبنائي ...".السالم والعدالة

كان الشاب يبحث عبر رحالته مثل فارس مقدام من العصور سمالوسطى عن بلوغ مستويات روحية، وهكذا ه:

عر بحضورك، ـأنا ال أراك، لكنني أسمع صوتك، وأش" -وفا من أن أدهسك، قل لي ماذا علي ركة خـولن أجازف بالح

"أن أفعل؟قم بخطوة واسعة إلى األمام لكي تتأكد بأنك لم تمسني، " -

ثم تقدم على الطريق دون االلتفات إلى الوراء، تقدم، تقدم كل ..النهار

ومع ذلك إذا أردت أن تتأكد من رؤيتي، إرجع إلي، عندما "واآلن ال تضيع المزيد من ... تبدأ الشمس بالغروب خلف األفق

...الوقت، إتبع الطريق، إتبع طريقك، وامض إلى األمام

- ٢٥٤ -

نك قل لها إ. هر تقوم بحراسته تنانينسوف تعثر أوال على ن"، وبأنك تريد الصعود حتى ث عن منبع هذا النهر، نهر الحياةتبح

.ينبوعهسوف ترفض التنانين صعودك بمحاذاة مسار النهر، لكنها "وسوف تشترط . تقترح عليك بأن تتركك تعبر النهرسوف .بأن تعطيها معطفك كرهن: عليكوستقفز . إذا وافقت على ذلك، سوف تشعر بريح جليدية تتخللك"

، سوف هذااألول وحالما تتجاوز االختبار . فوق الماء لكي تستدفئتنفخ التنانين في معطفك، وسوف يصير طبقة سميكة من الدخان

.ي يتحول شيئا فشيئا إلى ستار من اللهبالذلن يعود بإمكانك الرجوع إلى الوراء، وإن حر هذا السعير "

وستشعر بأن األرض . سوف يجبرك على المضي إلى األمامتجف وتتشقق تحت قدميك، وستحس في جسمك حاجة للماء،

.وستتعذب مع الماء وألجلهاع عن نفسها سوف تعثر هناك على الحيوانات بدون دف"

هاربة من النار، وستطلب منك القليل من الماء، وتتوسل إليك .بأن تروي ظمأها

لن تعرف ما الطريقة لمساعدتها، لكونك أنت نفسك على "وسوف تلتفت مجددا إلى كل االتجاهات، لكي . شفير اإلنهاك

- ٢٥٥ -

وسوف تعميك الشمس . تبحث عن حل في هذا الوضع الصعب .قم بإغالق عينيكالقوية جدا إن لم ت

. فتسترشد به. سوف تسمع ضجيجا مخنوقا آتيا من األرض"وسيطرق الضجيج خطواتك، وستفرغ روحك من كل فكر، . وسيسكن فيك يقين واحد فقط هو أن عليك المضي إلى األمام

ستضع قدما أمام األخرى بال كلل دون أن تعرف إلى أين أنت .فيها بعقبةذاهب حتى اللحظة التي تصطدم

عندها تفتح عينيك، وتدرك أنك عند سفح جبل، وفي أعلى " .قمته ثمة شجرة وحيدة إشارة إلى البقاء وسط هذه البيئة القاحلة

سوف تبحث عبثا عن طريق مرسوم على هذا المنحدر "ربما ستشعر بالرغبة بالعدول . الوعر ألرض هشة تمثل أمامك

ف ترى رفاقك الحيوانات تنهار لكنك برجوعك سو! عن األمر؟على األرض، ألسنتها متدلية، وتتوسل إليك بعيونها المحترقة من

إذاك ستتمسك بصخور نادرة وسوف تتسلق دون النظر . الحمى .إلى الوراء لئال يصيبك الدوار

أخيرا، سوف تلمس جذر الشجرة، وبقوة تتشبث بها لكي ". وسي لم تره من أسفلتتسلق هضبة مغطاة بنبات وافر وفرد .وستمدك شجرة بثمارها الحلوة والريانة

- ٢٥٦ -

ولكن، حينما تلمس يدك الثمرة األكثر قربا منك، ستسمع "صوتا راعدا يسألك بأي حق تأخذ خير اآلخرين، من سمح لك

.أن تلمس هذا الطعام السماويسوف ينتصب أمامك عمالق تحت عباءة حمراء، يرتدي "

يحتذي أحذية زرقاء كبيرة ويعتمر خوذة زرقاء و. ثيابا بيضاء .وسوف يستل سيفا متأللئا. أيضا ستغطي قسما من وجهه

وسوف تسرع باالنبطاح أرضا ألن النورانية التي تصدر من " .هذه الشخصية ستكون قوية جدا بالنسبة إليك

البد أنك جسور : سوف يمس ظهرك رأس سيفه وهو يسألك"ولكنك شجاع جدا أو مجنون بشكل . إلى ههناجدا حتى تصل

كبير؟ وبالنسبة لمظهرك أرى أنك أتيت من درب الصحراء، من من دلك على هذه الدرب؟.. طريق الوحدة

تسرني جسارتك، ومع ذلك لن أدعك تكمل طريقك إال إذا " ..امتلكت اليقين بأنك أهل له

ماذا أتيت تفعل هنا؟""لديك االنطباع بأن كل القوى تخلت عنك، دع حتى ولو تو لد

.كلمة وحيدة تخرج من عمق أعماقك، وهي حبحبعندها سيطلب منك العمالق الذي ليس هو سوى ذلك البطل "

الذي أودعني على األرض لكي أكون الشعلة التي تحيي النار

- ٢٥٧ -

ويقول إذا كان الجزء الصغير : الداخلية للناس البسطاء، أن تنهضخير من روحي، الحبحب الصغير األخير الذي تركته على األ

..األرض هو الذي بعث بك إلي، فهذا يعني أنك أهل لذلكولكن أجبني على سؤال أخير، إذا كنت تريد أن أدعك "

فها، ك الثمار التي منعتك من قطإذا أعطيت: تمضي إلى األمام ماذا كنت ستفعل بها؟

اإلجابة، إنني أثق بأنك سوف هذه المرة لن أقترح عليك " .تعثر وحدك على اإلجابة األفضل حسب ما يمليه عليك قلبك

.وسوف تقول لي بماذا أجبت عند عودتك"إذا ما أعجب جوابك العمالق، سوف يسمح لك بأن تنتعش "

من ينبوع النهر الذي عبرته في انطالقتك، وأن تستحم في مياهه سيفه بعد ما كان قد غاص في النار حيث غطس قديما البطل

إلى إلهة مياه الينبوع فإذا شعرت بالحاجة. حد النجومالمتأججة ألثم سيعهد لك . فإنها سوف تظهر لك وتكشف لك سر أصولك

.العمالق بكل تأكيد بمهمة ووسيلة إحياء إخوتي المختفينوإذا لم تالئمه إجابتك، سوف يدعك على أقل تقدير تأكل "

بعضا من الثمار وتعاود االنطالق، ألنه فضال عن مظهره األول الذي يمكنه أن يخيف بعض األشخاص، لكنه عمالق طيب وكريم، إضافة إلى أنه يكون قد قدر االختبارات األولى التي

- ٢٥٨ -

تجاوزتها حتى وصلت إليه، لكنك لن تستطيع شيئا في مساعدتي .حال هذه أن أختفي قريبالكي أقوي نوري، وسأخاف كثيرا وال

وإذا كان هذا ما يجب أن يحصل، فال بأس، سيكون علينا "نحن االثنان ضمن استطاعتنا أن نفعل أقصى ما نستطيع لكي نشجع البحث عن السالم في هذا المكان وهذا هو الجوهري في

.األمر كله .لكن، إذهب، وعد قبل نهاية النهار واحك لي عن رحلتك"

.لق الشابانط ت خلف األفق، وكان ضوءكانت أشعة الشمس قد توارالحبحب يومض كما لو أنه على وشك االنطفاء، عندما ارتسم

كان الشاب قد عاد . خيال محاط بهالة من نور في عمق ظلكان يتقدم وهو يمس األرض برأس هذا السيف، . وفي يده سيف

.وفي عبوره كانت أوراق العشب تتألألندما وصل قرب الحبحب، ركع أمامه، وحكى له عن وع

وشيئا فشيئا بينما كان يتكلم أخذ الحبحب يضيء . نهاية رحلتهمن السعادة، وعند نهاية قصته، كان الحبحب األكثر سعادة، وأيضا األكثر إشعاعا بين آالف الحباحب الصغيرة التي كانت

.تتحالف اآلن مع النجوم لكي تضيء هذا المكان

- ٢٥٩ -

حكى الشاب للحبحب أنه عندما سأله العمالق عما يريد فعله ثم . بهذه الثمار، اعتذر بادئ األمر لمحاولته قطفها دون استئذان

قال له إن السبب الوحيد الذي جعله يتسلق هذا الجبل كانت ودون البحث عما إذا كان . النظرة الحزينة والعطشى للحيوانات منطق، فقد انتظر اكتشاف فعله له أي مدلول، أو وراءه أي

وعند بلوغه القمة بمشقة، وجد نفسه تحت . الماء في هذا العلو. شجرة مملوءة بالثمار، فظن أنه يهلوس، وأن ذلك كان وهما

وربما لو لم يوقف . أراد أن يلمس ثمرة لكي يتلمس حقيقتها .العمالق حركته لكان أكل الثمرة ناسيا أمر الحيوانات

فعندما تسلق لم يعد يفكر .. ولم يعد يعرف.. عرفلم يكن يفي شيء البته، بل توحد مع األرض لكي تقبل هذه األخيرة أن

..تقوده إلى هذا الموضعلكنه كان يفكر اآلن بالحيوانات التي ستموت، وتوسل للعمالق أن يسمح له بالنزول ثانية لكي يحمل للحيوانات ماء

مع جريانه بالقرب منه، والثمار التي كانت الينبوع الذي كان يسبين يديه لن تساعد في نجدة الحيوانات، وشاء أن يتركها هناك

غير أنه لم يكن يعلم إذا نزل هل . كدليل على حسن نواياهستكون لديه الشجاعة للصعود ثانية وال إذا كان سيستطيع ذي الرجوع إلى الحبحب الصغير الذي كان ينتظره، الحبحب ال

- ٢٦٠ -

وكان . كان يجازف باالنطفاء إذا لم يحمل له أي غذاء مضيء .يعلم بأن اختفاءه سيؤدي إلى خسارة باحثين كثيرين عن النور

كذلك، توسل أيضا إلى العمالق الذي بدا طيبا جدا، وقديرا .جدا أن ينقذ الحبحب الصغير الذي بقي وحيدا في طرف طريق

.. وكانت دموعه تسيلوركع خافضا رأسه :عندها استأنف العمالق الكالم

دموعك التي تسيل من أجل الحيوانات التي ليس لها دموع "تنعش قلوبها لتوها، فهي تشعر أنك لن تنساها وهي تنتظرك كما

".لو كنت إلهالكنك متواضع بما فيه الكفاية حتى أنك تعترف بقدراتك "

فيه الكفاية لكي تتخلى عن مسعاك المحدودة جدا، وأنت كريم بما .لكي ال تترك األكثر ضعفا منك

كذلك، لن أدعك تنزل ثانية، بل أقترح عليك أن نتحد معا "لكي ننقذ في الوقت ذاته الحيوانات والحبحب الصغير الذين

صل معي للكل الكبير خالق األشياء، . ينتظرونك كل في جانب ".واسأله أن يعيننا

كان الشاب يصلي، رفع العمالق سيفه نحو سماء زرقاء وبينماوبعد لحظات هطل . صافية، مرتال بضعة كلمات غير مفهومة

.مطر ناعم على السهل حيث كانت الحيوانات مستلقية وهي تموت

- ٢٦١ -

تكونت بركات من الماء واستطاع الجميع االرتواء ومعاودة قزح عظيم يزين نشاطاته، في الحين الذي ظهر فيه قوس

.السماء فوق الواحة حيث كان يوجد الشاب اآلنمن ثم دعا العمالق الشاب للذهاب لكي يتطهر في المياه

:الساقطة التي كانت تهدر خلف األشجار" ى في النار، ثممحوكما أن نصل سيف فوالذي يجب أن ي

يغطس في الماء البارد لكي يحصل على صالبته، كذلك كان يك بادئ األمر أن تجابه النار وتكابد حرارتها الشديدة، واآلن عل

وحالما تشعر أنك . عليك أن تترك للماء أن يغمرك فيحييكمسكون بنور جديد، فإنك ستعبر ستار الماء الذي يشكله سقوطه، وستتسلق الصخرة العالية القائمة خلفه، وإذاك سوف تكتشف

. عبرته عند فجر هذا النهارالينبوع، مصدر النهر الذيإجلس على ضفته، وعندها فقط فلتأكل الثمار التي قدمتها "

".لك، إنها ثمار الحكمة والمعرفة الحقيقيةوعندما تنهي تذوق هذه الثمار، فإن عينيك ستنفتحان على

.حقيقة أخرى، وسوف تكتشف إلى جانبك سيفادرب الذي ينجلي أمسك به في يدك اليمنى وقف وتابع ال

أمامك، والحبحب الصغير الذي أرسلك إلي سيكون هناك، واختفى .العمالق عند هذه الكلمات األخيرة

- ٢٦٢ -

غاص الشاب في مياه المسقط، وترك للزواج الخيميائي بين الماء والنار أن يتحقق فيه، وعبر ستار الماء، وتسلق الصخرة

ص أصل كل شيء، العالية، وسأل الينبوع وسمع تعليمه بخصوورأى إلى جانبه سيفا وضع فوق العشب، فأمسك . ثم التذ بالثمار

وكان الليل قد بدأ بالحلول، فخاف أال . به ورفعه إلى أعلىيستطيع إدراك الحبحب الصغير قبل فوات األوان، لكنه في تلك

.اللحظة الحظ وميضهلما تحقق من اقترب منه مندهشا، لكنه كان يزداد امتالء بالفرح ك

.قدرة سيفه الذي كلما لمس األرض بطرفه تولد نور جديد صغيرعندها باح الحبحب الصغير له أنهما كانا غير منفصلين فقد كان روحه، وكيانه الداخلي، وأنهما اآلن قد تعارفا معا وبمساعدة سيفه سيرشدان األبطال اآلخرين بدءا من اليوم نحو

كان على الشاب أن يغرس سيفه في كيانهم العميق، ولذلك .األرض عند مدخل الطريق

وصار هذا السيف ذراع الميزان الذي يقدر خصائص وقدرات المسافر المنجذب نحو هذا المكان، لكي يكون بإمكانه التوجه نحو

.هذه األنوار الصغيرة التي يتردد صداها بقوة أكبر مع المسافرلصغيرة المنيرة التي أضاءت وهكذا كانت كل من األرواح ا

من جديد هذا المكان تفتح طريقا إسراريا لمن يأتي لمالقاتها، .كما كان قد فعل الحبحب الصغير للشاب

- ٢٦٣ -

ودـبذرة اخلل

... لحاء من الشجرة... شجرة من اللحاء... لحاء من الشجرة... شجرة من اللحاء... لحاء من الشجرة... شجرة من اللحاء

...شجرة من اللحاء... شجرةلحاء من الكان الرجل جالسا قبالة الشجرة، وكان يكرر بال كلل وال ملل

لم يعد يعرف بعد أيها كان أصل اآلخر، وال من . هذه الكلمات ...كان من، وال ماذا كان ماذا

..كان يردد وحيدا بال كلل وال مللكانت زاوية صغيرة جدا في دماغه تتضاءل بال كلل في

ئر متحدة المركز، ال تزال تتذكر أنه كان قد اقترب بلسانه دواوكانت إحدى حليمات هذا اللسان ال . من اللحاء لكي يصير خالدا .تزال تحفظ طعم المرارة

...الرجل، الدماغ، اللسان، الحليمة، اللحاء، الشجرة ماذا كان ماذا؟ ومن كان من؟

- ٢٦٤ -

يشعر بذراعيه، كان ... الرجل... الشجرة... الشجرة... الرجل اة تمتد فوق السهل، هذا إذا لم تكن تمتدوكان يشعر بأغصانها معر

وكان يرتشف رائحة الغابة، التي لم تكن سوى . فوق األدغالرائحة الصحراء، وكان يتذوق الحالوة بعد المرارة، والنضارة بعد

فقد كان في كل مكان، وال ... الجفاف، والعكس كان صحيحافقد .. د لديه الخيار، ال خيار الموت، وال خيار الحياةمكان، ولم يع

والشجرة كانت قد فقدت لحاءها، واللحاء كان قد عاد ... كان .لألرض الرمادية المغطاة بأوراق الشجر اليابسة

... لحاء من الشجرة... شجرة من اللحاء... ةلحاء من الشجر... للحاءشجرة من ا... لحاء من الشجرة... شجرة من اللحاء ...شجرة من اللحاء... لحاء من الشجرة

لم يعد الدماغ أكثر من مركز، ثقب أسود كان يمتص باتجاه وكانت األوراق تصفر، وكان اللحاء يمتد . وحيد ذكرى للخلود

على األرض نحو جذور الشجرة، ثم كان يصعد ثانية على طول ة النسيم وكانت األوراق تخضر، وتنتشر مع هب. جذع الشجرة

وكانت الشمس تحرقها أو كان المطر . على أغصان الشجرة .يتلفها وعندها كان المطر أو الشمس يحييانها من جديد

. وكان اللحاء يطرى. كان اللسان يتذوق مسرات النضوج .واألغصان ترق وتشكل أعشاشا

- ٢٦٥ -

. كانت األوراق تهتز، وتتالقى مشكلة مهدا من الغصينات حليمة لسان الرجل لحاء من الشجرة، وكانت شجرة من كانت

اللحاء تتمايل مع تغيرات الجو وتخفي هشاشتها موجهة بعضا .من براعمها نحو السماء، ومغلغلة جذورها الدقيقة في األرض

... لحاء من الشجرة... شجرة من اللحاء... لحاء من الشجرة... شجرة من اللحاء...لحاء من الشجرة... شجرة من اللحاء ...شجرة من اللحاء... لحاء من الشجرة

كان قد عبر الثقب ... الرجل... الشجرة... الشجرة... الرجل الزمن، ولم يعد سوى جذور لعالم –األسود، وغطس في الفراغ

.أو آلخر ...جسد ونفس وروح... واحد، اثنان، ثالثة أبعاد

عة، عشرة، أحد أربعة، خمسة، ستة، سبعة، ثمانية، تس... المعرفة، والحكمة، والحب، واألخوة، أو أضدادهم... عشر

العبور نحو أي ال متناه، نحو أية مغامرة؟... اثنا عشركانت الجذور تنكمش، وكانت رؤوسها تتالقى، ويتالصق أحدها مع اآلخر، وكانت تصير مركزا، مركزا ألحد العوالم،

.مركزا لكل عالم منهاالشجرة كانت بذرة، بذرة ... الرجل... الرجل... الشجرة

...ودـالخل

- ٢٦٦ -

وهناك على األرض، في عالم هذا بعده، ثمة رجل كان يتساءل حول معنى الحياة، وحول معنى الموت، وكان يقترب

.من اللحاء الشجرة ومن الشجرة اللحاء ..وهناك في عالم آخر له بعده ثمة كيان

... لحاء من الشجرة... شجرة من اللحاء... لحاء من الشجرة... شجرة من اللحاء... لحاء من الشجرة... شجرة من اللحاء .شجرة من اللحاء... لحاء من الشجرة

* * *

- ٢٦٧ -

أسطورة شجرة الكرز

..كان ذلك منذ

كيف نعرف ذلك؟كان ذلك حين لم يكن بعد ثمة زمن، فالماضي، والحاضر،

كانوا مختلطين فيما بينهم، وكان لون الهواء هو لون والمستقبل،الفضاء المفتوح على عالم آخر، حيث تتالقى األصوات مع

فالصمت .. االهتزازات التي ال يمكن لإلنسان العادي سماعها ..ثقيل، ثقيل بالوعود، وثقيل بالمخاوف أيضا

زقة، طلعت الشمس، والخدر اجتاح القرية، الرجل يجوب األ ..وينطلق منها إلى الدغل

..قدماه عاريتان، ويرتدي ثوبا بلون حجارة اإلقليم ..كل شيء ناصع البياض

رتص مختبئة.. مصاريع وعيون.. ..أصبح الوقت متأخرا، والرجل اختفى

- ٢٦٨ -

..كان ذلككان ذلك في ليلة قمرها بدر، حارة، حارة جدا، والماء نادر،

غير أن شجرة أخذت تنادي القرويين، وتدعوهم ... دانادر جلنقاش طويل ممل، وحده الخوف، الخوف من المجهول الذي كان يكاد ال يلحظ، ويتحول المتعذر التعبير عنه إلى جلبة،

وترتفع القبضات ملوحة إلى أين، ونحو من؟ به مراهق وحيد يقف على انفراد، إلى جانبه قيثارة، ويحيط

..بضعة أطفالامرأة طاعنة جدا في السن تراقبهم، وفي يديها زهور

تختلط معهم في المشهد، سوداء كما الليل، بيضاء . المرغريتتقترب من . كما القمر، غير مرئية وحاضرة في الوقت نفسه .األطفال، تمسهم بشعرها وتعطي كل طفل وردةأسرارهما، فهما تركع أمام المراهق، وتتبادل عيونهما

إنهما متحدان، فهما أخوان منذ األزل في كل مكان، ... يعرفان .وفي ال مكان

يعود القرويون، ولم يعد يوجد سوى حبات زهور المرغريت ..التي تذكرهم بشمس النهار، عيونهم تهلوس، ورؤوسهم تفتل

رات من الندى تتشكل على زهور ـإنه الفجر، بضعة قط ..المرغريت

- ٢٦٩ -

تطلع الشمس، وينزل الرجل، إنه هناك أعلى درجات الحجارة ..البيضاء التي تتقشر

تمسك أيدي القرويين بحجارة سوداء، ويرمون بها نحو ..الرجل، سراب مخاوفهم، كبش الفداء عن سيئاتهم

تالمس الحجارة المرأة الطاعنة في السن، فتجعلها مرئية ..لعيون القرويين، ويسيل دمها

دها يصدر صوت، صوت واحد عن القيثارة، توقف نقاوته عن ..كل حركة، ويتجمد القرويون في وضعيتهم للحظة

تحل محل المرأة شجرة كرز مغطاة بورود بيضاء، ويسيل ..من جراحاتها نسغ

. يحيط األطفال الشجرة بأذرعهم، وتشفي الشجرة جراحهاهور مرغريت يضع األطفال في يد كل قروي واحدة من ز

.الليل، فتنفتح عيونهم على حقيقة أخرى ..ويتدفق ينبوع ماء زالل في مكان المراهق

..يتبادل األطفال والقرويون الشرب كل في كفه .إنه يوم آخر وليلة أخرى من كل األزمنة

.الرجل بعيد، بعيد جدا، في بقاع أخرى أو عوالم أخرى

- ٢٧٠ -

مراهق يداعب قيثارة، فتنهمر في السماء المرصعة بالنجوموهناك في . عالمات موسيقية لموسيقى تمنح الثقة لقلوب البشر

.األسفل، على األرض تستقر العالمات الموسيقية على شجرة الكرزوفي كل سنة مع الثمار التي تذكر بدم المرأة الطاعنة في

.السن، يزين القرويون أطفالهم بأقراط في آذانهمووسط ثم يصحبون مرضاهم إلى ينبوع الماء الحي، من

هؤالء المرضى الشفاء أو اقتفاء عذوبة وجمال أغانيهم يختار .آثار الرجل

* * *

- ٢٧١ -

راوي الطريق العظيم

.ذات مرة، كان يوجد راوي طريق عظيم ليس قاطع طريق، وليس لصا، ...بل كان راويا لطريق كبير

ان راويا من العصر الحديث، فكان يجوب المدن وبما أنه ك .واألرياف بسيارته

وهذه األخيرة كانت تدور وتدور على الطريق بأربع ...عجالت،

وذات يوم قادت السيارة وعجالتها األربع باندفاعها واتباعها كان النفق من الداخل كله . للطريق الرواي إلى الدخول في نفق

.وي لم يتملكه الخوفسوادا لكن الرا لقد كان والحق يقال راوي طريق عظيم،

ليس قاطع طريق، وليس لصا، ...بل راوي طريق عظيم

- ٢٧٢ -

.وبما أنه كان شاعرا، فقد سحر بالسر الذي كان يحيط بهراح يستمع إلى تعاليمه، ويقدر مذاقه، ويسبر حقيقته، وبما

هأنه لم يكن يرى بالتأكيد عمقه، فقد ترلعطره أن يرشد وفي . كذلك اليوم كان عطر حلوى السكر المحروق هو الذي قاده إلى

ولم يكن الرواي يحب . أن يرشده إلى حقل من شجر التفاح .التفاح لكنه لم يتراجع ولو قليال

كان والحق يقال راوي طريق عظيم ليس قاطع طريق، وليس لصا،

...بلى راوي طريق عظيمكان مغامرا، فقد كان يستكشف باهتمام يقظ كل وبما أنه

.مكان كان يجد نفسه فيه .عند أسفل شجرة تفاح اكتشف دمية متحركة األعضاء

:أخذها بين يديه، فسألته الدمية منزعجة "بأي حق تزعجني أثناء قيلولتي؟"

كانت دمية خشبية برأس مدور بدون عينين وال أذنين، .اوي لم يتعجب من سماعها تتكلموبدون فم، لكن الر

كان والحق يقال راوي طريق عظيم ليس قاطع طريق، وليس لصا

- ٢٧٣ -

...بلى راوي طريق عظيموبما أنه كان رضيا، فقد كان دائما مستعدا للبحث عن أرضية

.اتفاق مع مخاطبه :وضع المدية بالتالي على األرض واقترح عليها

هذا الحقل يتضوع بعطر حلوى السكر إذا شرحت لي لماذا"المحروق، فسأصنع لك سريرا خشبيا على مقاسك، مع فراش من الطحلب، وغطاء من الريش حيث تستطيعين النوم بارتياح

".وترين أحالما جميلة. حركت الدمية ركبتيها ثم ركضت باتجاه كومة حجارة

تطهو وهناك عثرت على امرأة طاعنة في السن متربعة كانت .تفاحا في الرماد، األمر الذي فسر للراوي سر الرائحة

كان والحق يقال راوي طريق عظيم ليس قاطع طريق، وليس لصا ...بلى كان راوي طريق عظيم

.وبما أنه كان فضوليا فلم يكن يفوت مناسبة ليتعلم منهاأخذ يتأمل كيف بني الفرن الذي كانت تستخدمه المرأة

قدمت له العجوز تفاحة مطبوخة في صمت، وأومأت . زالعجوكان أي شخص آخر مثل الراوي ال يحب التفاح . إليه بأن يأكلها

.سيرتبك لكنه لم يتردد لحظة واحدة

- ٢٧٤ -

كان والحق يقال راوي طريق عظيم ليس قاطع طرق، وليس لصا

...بلى راوي طريق عظيموي القصص لجميع أولئك ولما كان يحب الكالم، فقد كان ير .واللواتي كان يلتقي بهم في طريقه

أخذ يروي للمرأة الطاعنة في السن كل قصص التفاح التي وظلت العجوز مشدوهة وذراعها ممدودة، ال . كان يعرفها

تعرف فيما إذا كانت بياض الثلج، أو ساحرة، أو بكل بساطة .مزارعة من الماضي أو من الحاضر

ية المتحركة لم تنس وعد الراوي، وطالبت بسريرها لكن الدمإذاك ابتعد الراوي . رامية نفسها بقوة على ساق بنطال الراوي

القهقرى عن المرأة الطاعنة في السن، واستمر في الوقت نفسه وركب سيارته مع الدمية المتحركة وترك للسيارة أن . بالكالم

..اءات أخرىتأخذه نحو بقاع أخرى، ولق ألنه كان والحق يقال راوي طريق عظيم

ليس قاطع طرق، وليس لصا، ...بل راوي طريق عظيم

..وبما أنه صار مسافرا كبيرا، فلربما سوف يمر بالقرب من بيتك

- ٢٧٥ -

وبما أنه صار عالمة كبيرا، فإذا كنتم تحبون الحكايات إفعلوا مثمرة : وا له موضوع أحالمكممثل المرأة الطاعنة في السن، قد

..كرز، نبعة، أرنبا، الهواء، الماء، صوتا، مذاقاوهو سوف يروي لكم قصصا، وسوف يتيح لكم بدون أدنى

.شك أن تكتشفوا حقيقة ذواتكم ألنه ليس قاطع طريق، وليس لصا،

.وإنما هو راوي طريق عظيم

* * *

- ٢٧٦ -

)١(ة املرنغـأغني

)، والقراءة، والحب، والتذوقللسماع(

...سكر، سكر حلو... ثلج، ثلج أبيضكان ذلك عند نهاية الشتاء، وكان الثلج ال يزال يغطي األرض، لكن الشمس كانت قد صارت من القوة بما يكفي، لكي

.تبدأ بإذابتهوعندما اقترب من منزل . كان شاب يتنزه وحيدا في الغابة

ضاء سمع أغنية مكونة من جملتين قديم من الحجارة البي :صغيرتين مكررتين عدة مرات

...سكر، سكر حلو... ثلج، ثلج أبيضكان الشخص الذي يغني يمتلك صوتا واضحا وحلوا، إنما حزينا

كان الشاب الفضولي يرغب بشدة في أن يعرف من . بعض الشيء :كررة بال كللالذي يغني، وماذا كانت تعني كلمات األغنية الم

)المنهل. (مزيج من السكر وبياض البيض تكسى به الحلوى: المرنغ) ١(

- ٢٧٧ -

...سكر، سكر حلو... ثلج، ثلج أبيضتقدم بحيطة حتى نافذة البيت محكمة اإلغالق بمصراعين

لم يكن بوسعه أن يرى شيئا، لكنه كان يسمع دائما . صهباوين :ةـاألغني

...سكر، سكر حلو... ثلج، ثلج أبيضالحظ أن خيطا رفيعا من نور كان يمر من أعلى إحدى

، تسلق شجرة صنوبر وجدت بالضبط إلى جانب المنزل، الستائركانت شابة : الذي الح لهالمشهدحيره . وألقى نظرة إلى داخله

أبيض، تغني على النغم وهي )١(جميلة مكسوة بثوب أورغندي .تقف عارية القدمين على أرضية من التراب

اء، كانت تقف أمام قن توجد فيه اثنتا عشرة دجاجة بيضحتى تبيض في الوقت نفسه : ثلج، ثلج أبيض: كانت ما أن تسمع

اثنتي عشرة بيضة بيضاء كان يتلقفها اثنا عشر سنجابا أصهبا، .ليضعوها في إناء خزفي كبير

كانت السناجب تركض ... سكر، سكر حلو: ثم، عند سماعهمنحو مخزن كبير مملوء بالسكر حيث كانوا يتركون اثني عشر

من هذا السكر ينسكب في إناء خزفي آخر قبل أن يعودوا مقدارا .ليحلوا تحت القن

)المنهل. (نوع من الموصلين الرقيق الشفاف: أورغندي) ١(

- ٢٧٨ -

تساءل الشاب في نفسه، ماذا يعني هذا كله، عندما سمع . فاختبأ في داخل شجرة الصنوبر. صوت أوراق يابسة تتكسر

كان . ومن هناك، كان يستطيع أن يراقب دون أن يالحظه أحدوأنف محمر من البرد، وكيس رجل ثلج مع قبعة على رأسه،

كبير تحت ذراعه، ومفتاح هائل تحت الذراع األخرى، يتوجه كان ساحرا مرعبا . فتح باب البيت بمفتاحه الهائل. نحو البيت

.كان آكل الثلج

:توقفت الشابة عن الغناء، وضحك الساحر هازئا

حيث غدا أعود إلى أرضي الجليدية . بدأ الثلج بالذوبان"منزلي األساسي، وقد صرت اآلن كبيرة بما فيه الكفاية لكي

من اآلن إلى . تتبعيني إلى هناك وتصبحي عروستي إمرأة الثلجالغد عليك تحضير قوالب حلوى من الثلج الذائب والهش التي

أعطيتك الصيغة . ستساعدنا على البقاء أحياء حتى الشتاء المقبلنتي عشرة دجاجة بيضاء تبيض، ولكي السحرية لكي تجعلي االث

اليوم، أحمل إليك . تجعلي االثني عشر سنجابا أصهبا يعملونالدجاجة البيضاء الثالثة عشرة والسنجاب األصهب الثالث عشر

."فإلى الغد. مع الوصفات السحرية إلنهاء قوالب الحلوى

- ٢٧٩ -

عند تلفظه بهذه الكلمات، وضع الساحر كيسه على األرض فتحت الشابة الكيس . خرج من البيت وقفل الباب دورين اثنينثم

مداعبة الدجاجة البيضاء، والسنجاب األصهب اللذين خرجا أفضل الموت على أن أتحول إلى إمرأة : "وقالت لهما بحزن

آه، لو كان يوجد . الثلج المجمدة، لن أصنع قوالب الحلوىا عني، عند عودة رجل شخص آخر غيري يستطيع الغناء عوض

الثلج، لكان بوسعنا أن نجعل رجل الثلج الشرير هذا يختفي، !".وألكلنا بهدوء قوالب الحلوى

أجهشت بالبكاء محاطة بالدجاج األبيض والسناجب الصهب .الحلوين

ومع تأكد الشاب بأن رجل الثلج الشرير قد ابتعد قرع على :مصراع النافذة

أنا عاشق الغابة في كل الفصول، ماذا بوسعي أن ال تخافي،" "أفعل لكي أحررك؟

طلبهالم تشعر الفتاة بالخوف، فقد استجيب م سمعهوأحد ،وهكذا، شرحت له أن نارا مشتعلة تحت قدمي رجل . صالتها

لكنه كان يشعر بالحرارة عن . الثلج يمكنها جعله يختفي إلى األبد

- ٢٨٠ -

. اقترب منه شخص قربا شديدا كان يقتله من البردبعد، وإذا ما أضف إلى ذلك أنه كان قد سحر البيت، وكان هو الوحيد الذي

فالوسيلة الوحيدة لجعله يختفي كانت إذن في . بوسعه أن يفتحهتركه يدخل البيت البارد، وجعله يمشي على صفار البيض،

...راءصفراء، نار صف: وبالتالي الغناء في تلك اللحظة

إذاك، فإن نارا ستشتعل تحت قدميه اللتين ستذوبان للحال، لن يعود بمقدوره أن يتحرك، وسيذوب باقي جسده شيئا فشيئا حتى

.ال يبقى منه أكثر من قبعته والمفتاح المسحور

إذاك سيكون بوسعهما إنقاذ نفسيهما مع المفتاح وقوالب لن يكون بمقدورها . االحلوى التي سوف تسرع عندها في صنعه

الغناء وحدها، إذ حالما يدخل رجل الثلج إلى البيت فإنه يجمدها .بنظرته، ولن تستطيع بعدها أن تتفوه بأية كلمة

وعدها الشاب بأن يظل مختفيا قريبا جدا من البيت حتى الغداة، ..صفراء، نار صفراء: وأن يشرع في الغناء في اللحظة المحددة

وقادت الدجاجة البيضاء الثالثة عشرة . الفتاة في العملبدأت أنقري، : إلى قرب اإلناء الخزفي المملوء بالبيض، وغنت

...أنقري، أنقري، أنقري، أنقري

- ٢٨١ -

، كانت الدجاجة تضرب بيضة بمنقارها، "أنقري"وعند كل فكانت تنفلق بالضبط إلى قسمين، وكانت دجاجتان أخريان تمسك

رها أحد نصفي قشرة البيضة ويحمالنها نحو كل منهما بمنقاأما السنجاب الثالث عشر فقد استعمل ذنبه كملعقة كانت . القن

تخرج الصفار من اإلناء الخزفي، وتريقه على األرض سواءوعندما كسرت كل البيوض، ولم يبق . أمام الباب أو تحت النافذة

اضرب، : نت الشابةمنها أكثر من البياض في اإلناء الخزفي، غ ...اضرب، اضرب، اضرب، اضرب

فضربت إذاك السناجب الثالثة عشرة بطريقة منتظمة بياض البيض مستعملين أذيالهم حتى حصلوا على إناء خزفي مليء

من ثم، قامت الشابة بوضع السكر بنعومة فوق الثلج، . بالثلج الذي قام األمر... امزج، امزج، امزج، امزج، امزج: وهي تغني

ثم، وضعوا بمساعدة أذيالهم كومات . به السناجب مستعملين مخالبهم .الثلج المليء بالسكر فوق صفار البيض الذي كان تحت النافذة

...صفراء، نار صفراء: إذاك غنت الشابة

هكذا أخذت شرارات تلعق بلطف الثلج المحلى بالسكر طيلة إلى عدد وافر من قوالب الليل، وفي الصباح كان قد تحول

.الحلوى الصغيرة البيضاء والصهباء، الذائبة والهشة

- ٢٨٢ -

وعندما وصل رجل الثلج الخبيث، اقترب من النافذة، فأحس بالرائحة الطيبة، وسره طاعة الشابة له، فذهب حتى الباب،

وثبت الشابة بنظرته المجمدة، وهو يفكر أنها لن تستطيع . وفتحهتقدم بدون ريبة واضعا قدمه على صفار البيض الغناء، و

ولم يكد يخطو خطوة داخل البيت حتى . الموضوع أمام الباب ...صفراء، نار صفراء: شرع الشاب يغني

ارتفع لهب من األرض، وذابت قدما شخص الثلج، ثم ذاب .ولم يبق منه أكثر من قبعته والمفتاح السحري. أيضا جسده كله

الحلوى في سلة كبيرة، ولعقت وضع ة قوالبوالشاب الشابالسناجب الثالثة عشرة قوائمها وفروها، وذهبوا مصحوبين

فالربيع كان قد (بالدجاجات الثالث عشر، عبر طريق مزهر وسميا هذه . ليبيعا قوالب الحلوى في السوق!) انبعث فجأة

.ابةالقوالب الحلوى بالمرنغ مثل اسم الشتزوج الشاب والشابة، وأصبحا غنيين بصناعتهما وبيعهما

.الكثير من المرنغ

... وأصبح لديهما الكثير من األطفال، واألحفاد واألحفاد واألحفادأطفال يأكلون المرنغ في بيتهم الدافئ جدا في الشتاء، وهم ينظرون

...ثلج، ثلج أبيض، سكر، سكر حلو: سقوط الثلج، ويغنون بفرح

- ٢٨٣ -

ثم، يخرجون، وشفاههم مغطاة بالسكر األبيض، لكي يقذفوا .شخص الثلج الذي دخل إلى حديقتهم بكرات الثلج

وفي المساء عندما ينام األطفال لم يكن يبقى على الثلج ...األبيض سوى قبعة حمراء ومفتاح الحكايات

* * *

- ٢٨٤ -

- ٢٨٥ -

رسـالفه

الصفحة

١١ ............................................ طفلة الينبوع ١٩ ...................................... الغابة الشجية حكاية

٣١ ............................................طفل الدراجة ٣٩ ................................حكاية غابة المياه الصافية

٤٥ ...... أسطورة المارسوبوالني دوري أو األبواب السبعة ٥٤ .............................. لقاء ألوان الذهب األخضر

٦١ ................................................... ثلـج ٦٩ .................... أسطورة مارغريدا الهندية الصغيرة

٧٩ ....................... »جميلة الجميالت«قصة جوانيتا ٩١ .............................قالب حلوى الجدة كاراميال

١٠١ ............................................حلم ميرابيال

- ٢٨٦ -

الصفحة

جوانيتا ١٠٩ .................. نجمة األمل

١١١ ....................................لقاء الجندي والبحار ١٢٣ ..................................الجندي رغما عن أنفه

١٣٠ ............................................ قبيلة جوانيتا ١٤٨ ...........................................موت جوانيتا

١٦٩ ........... لة طالسم األجسادفكاك رموز األرواح وحال ١٨٨ .....................................موت جندي البحار

١٩٩ ............................................ناء العقاب غ ٢١٨ .........................................الرحلة األخيرة

٢٣٠ ..................................................الدمرو ٢٤٣ ...........................................أغنية الشجرة

٢٤٦ .............................................آنا ميرابيال ٢٥١ ........................................الحجب والسيف

٢٦٣ .............................................بذرة الخلود ٢٦٧ ..................................أسطورة شجرة الكرز ٢٧١ ................................... راوي الطريق العظيم

٢٧٦ ............................................أغنية المرنغ

- ٢٨٧ -

- ٢٨٨ -

م٢٠١٢/ الطبعة األوىل خة نس١٠٠٠عدد الطبع