227

syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

  • Upload
    others

  • View
    19

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ
Page 2: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ
Page 3: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢-

احللية املفقودة

Page 4: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٣-

الحلیة المفقودة : المؤلف أنطون موسى عرار: ترجمة

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة األولى٢٠١٢

Page 5: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٤-

اخلطة الوطنية للرتمجة)٧(

ودةـة املفقـاحللي

غـي دو مـوباســــان: تأليـف أنطون موسى عرار: ترمجة

الدكتور مجال شحيد: قدم هلا وراجعها

للكتاب السورية العامة اهليئة منشوراتم٢٠١٤ دمشق - وزارة الثقافة

Page 6: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٥-

: باللغة الفرنسيةالعنوان األصلي للكتاب

LA PARURE

Guy De Maupassant

Page 7: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٦-

موباسان غي دي

واإلبداع القصصي

النـوع القصـيص يف فرنـسا قـد تـأخر يف نما يستغربه قارئ األدب الفرنـيس أثم خبا بريقه حتى هناية )١٨٩٣ - ١٨٥٠(وعرف طفرة الفتة مع موباسان الظهور،

األخـرى، واملالحـظ أن ، عكس ما حدث يف كثـري مـن اآلداب القرن العرشين تقريبافقـد كتـب سـت روايـات . باعـه يف الروايـةقد غيب طول ن القصة عند موباسادفق

ووقع أعامله األوىل بأسامء مستعارة، ربـام ألنـه مل يكـن . وسبع عرشة جمموعة قصصيةقـصرية قـصة ٣٠٠ كتب أكثر مـن ١٨٩٠و ١٨٨١فام بني . واثقا من نفسه متام الثقة

د قـال ليـون لقـ. اهتامم القراء األجانـب بخاصـة، والسـيام الـروس مـنهماسرتعت رائعـة إنه أعظم «: ملوباسان) ١٨٨٠( (Une Vie) »حياة«تولستوي بعد أن قرأ كتاب

لنا عقد من الزمن خلف وخالل . » لفيكتور هوغوالبؤساءيف األدب الفرنيس، بعد رواية جوزيه ماريا دي عه إىل أن يقول لصديقه فدمن القصص، مما هذا النهر الغزير موباسان : أن يقولوكان يطيب له . »وأغادره كالصاعقةإىل األدب كالشهاب دخلت«: هرييديا

.هم الذين يفرضون أوهامهم اخلاصة عىل البرشيةإن كبار الفنانني

Page 8: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٧-

وبعد أن استقر يف بـاريس، كـان ) سنة٤٣(، خالل حياته القصرية إن موباسانصديقا لكبار كت يف ي والطبيعاينالتيارين الواقعسيام أولئك الذين طوروا اب زمانه، ال

إىل ، وهـم الـذين قـدموهاألدب، من أمثال فلوبري وتورغينييف وزوال واألخـوين غونكـور ، Le Gaulois، وGil Blasو، Le Figaro ـ بعض الصحف الكـربى كـررؤساء حتري

.التي نرش فيها بعض قصصه فعرفه اجلمهور العريض من القراء L'Écho de Paris ووبحياة الكاتـب هنا ارتبطت باحلياة االجتامعية اليومية موباسان بأتتميز قصص

ومن املواضيع األثرية يف هذه األعامل البد من ذكر املنطقة التي ولد فيها الكاتب . نفسهالشعبية الذين ينتمون إىل الطبقتني وبحرها ومدهنا وسكاهناالنورماندي بسهوهلا وهي

طويال وتوقف موباسان . ية األثرية لديهولكن باريس تبقى املحطة الثان. والبورجوازيةاملوظفني فيها وبسطاء الطبقات الشعبية، وما عرفتـه املدينـة مـن أحـداث عند صغار

وأعجب موباسـان .األملاين عىل يد بسامرك وثورة الكومونة، السيام االحتالل سياسية تـتكلم عـن الثـأر فنجد جمموعة مـن القـصص .وأهلها وعاداهتمبجزيرة كورسيكا

ل الفالح الكورسيكي . واالنتقام ولكن .سخائه وكرمهلعىل الفالح النورماندي وفضاألكرب يف أعامل موباسان القصصية، والسيام املرأة التي تقـع ضـحية املرأة تشغل احليز

وأعـار اهتاممـا خاصـا بـاألم والعائلـة . أو تلك التي متتهن الـدعارةالذئاب /الرجال . كثرية عند مسألة األبوةمتوقفا يف قصصوالطفل،

القاصـف األكـرب «األملـاين شـوبنهاور معجبـا بالفيلـسوف لقد كان موباسان فازداد تشاؤمه من غبـاء النـاس ونفـاقهم . ، كام قال»ألحالم البرش عىل وجه األرض

ملـآرب خسيـسة يف وخداعهم، ومن رجال الـدين، السـيام املتـاجرين بالطوباويـات .غالب األحيان

Page 9: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٨-

ألة املوت واجلنون واألمراض النفـسية مـن املواضـيع التـي شـكلت وتبقى مسجيـذبني «: مـثال هبـذه العبـارة»اآلنـسة هريميـه«فتبدأ قـصة . حمطات رئيسية يف أدبه

ومن سخريات القدر أن موباسان، بعد أن أصـيب يف آخـر سـنوات . »املجانني إليهمونصف فطار صـوابه ومـسه حياته بعدد من األمراض العصبية أفقدته وعيه ملدة سنة

اجلنون وشل جسمه كله ووافتـه . بمسدس أفرغ خادمه منه طلقاته، فحاول أن ينتحر .املنية وقد ناهز فقط الثانية واألربعني

لقـد كـان انعتاقـا . يف أدبه عىل مقولـه التخطـي واالنتهـاكلقد دأب موباسان والـسلطة االسـتعامرية ره النفاق كان يك. أبيقورعويا من أنصار الفيلسوف اليوناين تم

مـن وأخـذ عـىل عاتقـه الـسخرية . والوصولية والفساد والتهافت عىل املال والكلبية بـني الظـاهر والبـاطن وختلـق زمـرا بـرشية مـصطنعة، األخالق الزائفة التي تفـصم

ال متت بصلة إىل الطيبة والرشف والنقاء لدى اإلنسان الذي حلـم بأنـه موجـود عـىل .رضهذه األ

إىل املدرسـة الواقعيـة الفرنـسية كـانوا يميلـون يف روايـاهتم صحيح أن كتاب . بالتفاصيل واجلمل الطويلـةعن املجتمع، لوحة مليئة التطويل لرسم لوحة متكاملة

املتمثـل بالقـصة اختار أوال النوع الرسدي االختزايل : اختار التكثيفولكن موباسان خـري «املعـروف الدقيقة، تيمنا باملأثور القصرية الرشيقة القصرية، واختار ثانيا اجلملة

الكالم ما قل ودل أقرب إىل الصدقية، يلجـأ كثـريا إىل ضـمري املـتكلم، يف وليكون . »فـي كانت تعشق الضمري الغائب الرواية الكالسيكية حني أن الكاتـب وراء الـذي خي

كنـا : عدد من هذه القصصوال خيشى موباسان أن يقحم شخصيته يف. خشبة املرسحعن املوضوع الفالين، فإذا بأحد احلارضين مع بعض األصدقاء نتكلم يف أحد املقاهي

...يتدخل ويروي لنا ما حدث له أو ما سمعه من شهود عيان

Page 10: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٩-

نظـرة عـىل القـصص التـي عندما طلب مني الصديق أنطـون عـرار أن ألقـي الفرنيس كي أكون عىل بينة مـن دقـة ترمجها، وأن أكتب مقدمة هلا، طلبت منه األصل

أن الدقة الرتمجية كانـت هـاجس واتضح يل بعد املقارنة بني األصل واملرتجم . الرتمجةيضاف إىل ذلك أنه مـن عـشاق الـنص العـريب الناصـع والبهـي الـذي . أنطون عرار

فأتى املتن العريب مضاهيا للمـتن. القراء املغرمني بجامل األسلوب وطالوتهسيعجب .الفرنيس؛ وهنا يكمن رس الرتمجة الناجحة والسلسة يف آن

٢٠١٣ حزيران ٧دمشق يف

مجال شحيد. د

Page 11: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٠-

إىل القارئ العزيز

ومل أكـن يومـا . لست يف موقع الناقد ألديل برأيي يف قصص قرأهتـا بالفرنـسية

عارفا أو خبريا يف أذواق الناس األدبية، لكنني كقارئ حسبتني كبقية البـ رش أتـذوق، أحب، وأعجب أو عىل العكس، أكره أمج واحتقر ما كتبـه فـالن مـن النـاس أو مـا

.نرشه يف كتاب أو جملة أو صحيفةما أود قوله هنا يف هذا املجـال هـو أننـي أعجبـت أشـد اإلعجـاب بـام كتبـه الروائي الفرنيس يف قصصه القصرية التي نقلت بعضا منهـا إىل اللغـة العربيـة، ولـن

عىل القارئ برأيي، لكن عيل أن أعرفه بمن يقرأ مؤلفاته من خـالل خالصـة مـا أثقل :كتب عن حياته وعن كتاباته باختصار شديد

، كاتـب وروائـي فرنـيس، ولـد عـام (*)Guy de Maupassantغي دو موباسان أمىض طفولته وشبابه يف كنف والدته، كمهر طليق، يف أجـواء ريفيـة أثـرت . ١٨٥٠

.»روان«كتاباته، وأهنى دراسته يف ثانوية مدينة فيام بعد يف ، وقـد ذكـر ١٨٧٠تطوع يف اجليش أثناء هزيمة فرنسا يف حرهبا مع أملانيا عـام

قبـل بوظيفـة كاتـب يف إحـدى ١٨٧١ذلك يف العديد من أقاصيصه، لكنـه يف عـام الوزارات، هناك عاين بأم عينه ذلك املجتمع البريوقراطـي فكـان ذلـك أيـضا أحـد

.ملواضيع التي رواها يف قصصه وحكاياتها

Lagarde Et» املجموعـة األدبيـة للقـرن التاسـع عـرش«علومات مأخوذة عن كتـاب هذه امل (*)

Michard.

Page 12: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١١-

، مؤلـف بريا ك به تأثرا وتأثرعارص موباسان الكاتب الفرنيس غوستاف فلوبريصديق طفولـة والـدة موباسـان، وهـو فلوبري الشهرية، إذ كان » مدام بوفاري«رواية

الذي جعله ينظر ويراقب الواقع برؤية جديدة، وفرض عليـه تـدريبات ومتـارين يف يف .هـا عـىل مـسامعه كـان يلقي،بـري كمعلم خ،ىل مالحظاتهإيب الكتابة، إضافة أسال

.نفس الفرتة تعرف عىل الكاتب الفرنيس أميل زوال نـرش حـوايل ثالثمئـة أقـصوصة وسـت روايـات ١٨٩١ و ١٨٨٠بني عامي

رواياته األخـرية تـصور : طويلة، كان نجاحها عظيام إذ فتح له أبواب املجتمع الرفيعمـن » قلبـه املـسكني«املجتمع، وهي مستوحاة مبارشة من املعاناة املفروضة عىل حياة

.جهة عالقاته النسائية بـسبب تـأثري ١٨٨٤عانى بشكل مبكر من آالم عصبية وقد ازداد مرضه عام

أضـف إىل ذلـك اهللوسـات . اإلرهاق الفكري واإلفراط اجلسدي يف جنات خلبيـة بأن هناك كائنـا عـدائيا قـابع وهمكان لديه : قلقهوالتخيالت البرصية التي زادت يف

وبعـد . ١٨٩١كانت فكرة املوت تالزمـه إىل أن أصـيب بـاجلنون عـام . بالقرب منه .حماولة فاشلة لالنتحار تويف يف مصح دون أن يسرتد صفاءه

الـدكتور مجـال شـحيد، وعرفان لألستاذ وهنا البد يل من أن أقدم كلمة شكر

.جعة وتدقيق الرتمجة باذال اجلهد الكبري لكي تكون يف أهبى حلة هلاوقد تفضل بمرا أنطون عرار

* * *

Page 13: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٢-

املفقودة؟احللية

كانت من أمجل الفتيات اللوايت ولدن، بـسبب هفـوة مـن هفـوات القـدر، يف

لتعـر مل تكن هلا بائنة، وال آمـال وال أيـة وسـيلة .أرسة موظفني ف وتعـشق وتتـزوج جال مميزا وغنيار بموظف بسيط يف وزارة املعارف أخريا اقرتنت ؛ .

وكنـت تقـرأ ؛كـام كانـت تـشتهي بسيط ألهنا مل تستطع أن تتزين يزبظهرت مكانتهـا، إذ لـيس للنـساء طبقـات وال أجنـاس، كامرأة انخفضت البؤس يف عينيها

. حمتـدهنفعـةرهلن وأصـومقـام كـل ذلـك يقـوملـدهين واجلامل واألناقة فالسحر الروح هي حدود مراتبهن الوحيدة، وجتعل النعومة الفطرية، وغريزة األناقة، ودماثة

.ألنبل السيداتمنافسات ومساويات من بنات الشعب مراتـب تستمتع بالطيبـات وكـل بأهنا ولدت لإلحساسهاتتأمل باستمرار كانت

. املقاعد وبـشاعة قامشـهاهرتاء كانت تعاين من فقر منزهلا، وبؤس اجلدران وا.الرتفاألشياء التي مل تكن ذات بـال بالنـسبة المـرأة مـن طبقتهـا، كانـت تعـذهبا كل هذه مكـدرة القروية التي هتـتم بـاملنزل يـوقظ فيهـا حـرسات كان مرأى الفتاة . وتغضبهارشقي بالـسندس الـاملبطنـة االنتظـار اخلرسـاء غرف يف كانت تفكر . هائمةوأحالما

، رسوالـني قـصريينويرتـديان طوييل القامـة ، وبخادمني برونزية شمعداناتتنريهاكانـت حتلـم . د غلـب علـيهام نعـاس حـرارة املـدفأةيغفوان عىل مقاعد عريضة وق

قطع الزينة التـي ال األنيق تعلوه ، وباألثاث القديمباحلريررة املدثبالردهات الواسعة ألحاديـث والتي صـممت األنيقة املعطرة الصغرية الصالونات ترنو إىل تقدر بثمن، و

مرغـوبني، و، ومـع رجـال معـروفني األكثـر محيميـةمع األصدقاء الساعة اخلامسة، .إثارة انتباههمينشدن كل النساء، وتتمناهم

Page 14: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٣-

، مقابـل عتيق بقامش املغطاة أمام الطاولة املستديرة عندما كانت جتلس لتتعشىأنا .. كم هو لذيذ! آه«: معلنا بصوت مفتونوعاء احلساء زوجها الذي كان يرفع غطاء

عـشاء أكثـر أناقـة، وبـأدوات هي حتلم بحفالت ، كانت »أفضلحساء ما عرفت قط رائعة وسط قديمة، وطيور متأل اجلدران بصور شخصيات ستائر ، وبعتلمسفرة فضية

تقـدم يف أوانطعـام لذيـذة أطباق إىل بخياهلا كانت تذهب ؛والفتنةغابة من السحر التي يصغى إليها بابتسامة أين منهـا ابتـسامة أيب املهموسة الغزل مجيلة، ثم إىل كلامت

.اهلول، وهي تأكل حلم الرتويت الوردي أو أجنحة الدجاج املسمن وهـي مل تكـن هتـوى .مل يكن لدهيا زينة، وال جموهرات، اليشء عىل اإلطـالق

ري إعجابـا، أن حتـسدودت أن تثـكـم . هلاكانت حتس بأهنا خلقت . إالها ، أن تكـون .ومرغوبةمغرية

ـا كانـت هلا صديقة غنية، رفيقة دير مل تعد ترغب ـادت يف رؤيتها لكثرة م تتـأمل كلـام ع .األسى واليأستندب حظها العاثر وحتزن ويملؤها تبكي أليام وكانت .من زيارهتا

* * * وقـد أمـسك بيـده االعتزاز عاد زوجها وعىل وجهه أمارات مساء أحد األيام

مغلفا عريضا . ..»!إليك هذا«: وقال هلا

:بطاقة مطبوعة عليها هذه الكلامتت منه ذاملغلف وأخوبرسعة مزقت بدعوة السيد والسيدة لوازيـل يترشفان رامبونو جورج ةوزير التعليم والسيد«

.» كانون الثاين١٨، يوم االثنني إىل سهرة يف قرص الوزارة :، كام كان يأمل زوجها، رمت الدعوة عىل الطاولة ومتتمتارحفأن جتن من بدال .»ماذا تريدين أن أفعل هبذا؟«

قلبك رسورا، فأنت ال خترجني مطلقـا، سيمأل ه لكن يا عزيزيت، اعتقدت أن- ذلك، وسهرة كهـذه الكل يبتغي . جدا ألحصل عليهالقد تعبت! مجيلةوهذه مناسبة

ستـشاهدين . مثلهـاككثريا عـىل دعـوات ل املوظفون يبحث عنها اجلميع، وال حيص .فيها مجيع الرسميني

Page 15: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٤-

:متربمةنظرت إليه بعني غاضبة وقالت .من ثياب كي أذهب إىل هناك؟ وماذا تريدين أن أرتدي -

:فتمتم قائالمل يكن قد فكر يف ذلك ...ممتازا الفستان الذي ترتدينه حني تذهبني إىل املرسح، يبدو يل -

مذهوال مضطربا حني رأى زوجته تبكي، وقد سالت صمت عينيها مؤقي من :فمها؛ فقال متلعثامنحو زاويتي كبريتان دمعتان

ماذا بك؟ ماذا بك؟ - :خدهيا املبتلنيوهي متسح وأجابته هبدوء بجهد كبري كبحت أملها

عـط أ. إىل هـذه احلفلـةال أسـتطيع الـذهاب وبالتـايل ال يشء، ال زينة لدي - ..أكثر منيبطاقة الدعوة هذه لزميل لك، قد تكون زوجته جمهزة

:، غري أنه قالحزنزينة مناسـبة يمكـن أن تفيـدك يف كم ستكلف . هدئي من روعك، يا متيلدا-

أعني شيئا شديد البساطة؟،مناسبات أخرىفكرت بضع ثوان لتدقق يف حساهبا حاملة باملبلغ الـذي يمكنهـا طلبـه دون أن

.من ذلك املوظف املقتصد عنه رفض فوري أو صيحة استهجان ينتج :أخريا أجابت مرتددة

.فرنك قد تفي بالغرض ال أعرف متاما، لكن يبدو يل أن أربعمئة -يف يـشرتك كـي شحب لونه قليال، ألنه كان قد حجز هذا املبلغ ليشرتي بندقية

رحالت صيد الـذين كـانوا دقاء التـايل، يف سـهل نـانتري مـع بعـض األصـ الـصيفيصطادون القربات هناك أيام األحدس .

:لكنه أردف ..أربعمئة فرنك، لكن حاويل رشاء فستان مجيلسأعطيك ، فليكن-

* * * قلب مأل يكان كل ذلككان يقرتب، لكن احلزن والقلق واالنشغاليوم احلفلة

:أحد األيام مساء قال هلا زوجها يف. كانت جاهزةثياهبا بيد أن .السيدة لوازيل

Page 16: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٥-

.منذ ثالثة أيامغريبة أنت تبدين يا ترى ما بالك؟ - :أجابت

سـأبدو بائـسة متامـا، .هباأجتمل هو أنني ال أملك جموهرات إن ما يزعجني - .حتى أنني أفضل أال أذهب إىل تلك السهرة

:قال هلا بعـرش .ةستضعني زهورا طبيعية، وهذه قمة األناقة يف هذا الفصل من الـسن - .رائعةأو ثالث وردات ستحصلني عىل وردتني فرنكات

.غري أهنا مل تقتنع .املرأة فقرية وسط نساء ثرياتما من يشء أشد مهانة من أن تبدو .. ال-

:لكن زوجها صاحيه واطلبـي منهـا أن يستيـالـسيدة فوراذهبـي إىل صـديقتك ! كم أنت غبية-

.كهذاطلبا تلتميس منها ة تسمح بأن متينفعالقتكام . جموهراهتابعض تعريك :نمت عن فرحهاأطلقت رصخة

.مل خيطر ذلك ببايل!.. هذا صحيح- .وروت هلا سبب تكدرهايف اليوم التايل ذهبت إىل صديقتها

أتـت هبـا ثـم ةإىل خزانتها، وأخذت منها علبة كبـرياجتهت السيدة فوريستييه :وقالت للسيدة لوازيلفتحتها

. عزيزيتاختاري يا-رأت يف أول األمر أساور، ثم عقدا من اللؤلؤ وصليبا من صنع مدينة البندقية

وذهبا وأحجارا كريمة دقيقة الصنع احليل عليها أمام املرآة، تلك جترب كل راحت و. :كانت دوما تسأل صديقتها. هاوترتدد فال تستطيع اختاذ قرار يف تركها ورد

لديك أي يشء آ- خر؟ أمل يبق .فأنا ال أعرف ما يمكن أن يثري إعجابك ابحثي ،ىل ب-

األسود عقدا ماسيااحلرير يف علبة من فجأة اكتشفت يدق برغبـة قلبها فطفق ؛وبقيـت صـدرها فـوق أعـىل ربطته حـول عنقهـا .ملالمستهيداها وارجتفت ؛عارمة

:وقد مأل قلبها القلق، ثم سألت صديقتها صورهتاأمام مذهولة

Page 17: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٦-

إعاريت هذا، ال يشء غري هذا؟يمكنك أ- . بالتأكيد-

.قفزت وعانقت صديقتها بشدة ثم انطلقت عائدة بكنزها * * *

، إذ كانـت أمجـل النـساء، حمط األنظـارت السيدة لوازيل كانوجاء يوم احلفلة ، يسألون عن اسـمها يرمقوهناكل الرجالصار . مرحهاوبأناقتها، ورقتها وابتسامتها

كانوا يريـدون مراقـصتها، والحـظ أمناء مكتب الوزير كل . التعرف إليهاوحياولون .الوزير وجودها

يشء بعـدما يف املتعة، ومل تعد تفكـر واندفاع وقد أسكرهتا بنشوة كانت ترقص وتقـدير مـن ، وهـي هتـيم يف سـعادة إعجـاب وعظمة فوزهـابانتصار مجاهلا شعرت

النرص الكامل والعزيز عىل قلـب وهبذا بعد سبات،التي أفاقت رغباهتا حوهلا، وبكل .كل امرأة

منذ منتـصف صباحا، كان زوجها قد غط يف نوم عميق حوايل الرابعة غادرت .يمرحن بشغفآخرين، كانت نساؤهم مع ثالثة رجال يف غرفة جرداء الليل،

هو رداء متواضع . الرداء الذي كان قد اشرتاه من أجل السهرةوضع عىل كتفيها ثياب احلفل، شعرت بذلك وأرادت الفرار حتى ويتنافر مع أناقة يام العادية، يصلح لأل

.يتدثرن بالفراء الباهظ الثمنالسيدات األخريات اللوايت كن ال تالحظها .السيد لوازيل منعهاحاول

.ني للربد، سأستدعي عربةضسوف تتعر. انتظري قليال-يف الـشارع مل جيـدا عنـدما صـارا . إليه، إذ نزلت الدرج بـرسعةلكنها مل تصغ

.بكل سائس يريانهويصيحان عربة، وجعال يبحثان أخريا وجدا أمـام الرصـيف . من الربدسارا باجتاه هنر السني يائسني، مرجتفني

.لو شوهدت هنارامن بؤسها إال ليال وكأهنا ختجل يف باريس رى عربة قديمة ال ت .واحلزن يغمرمهافصعدا ، الشهداءأوصلتهام العربة إىل املنزل يف شارع

Page 18: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٧-

يف الـوزارة أما هو فكان يفكر بأن عليه التواجـد . بالنسبة إليهاانتهى كل يشء .الساعة العارشةثانيـة يف نفـسها كتفيهـا لكـي تـرى عنها الثياب التي غطت أمام املرآةخلعت !..صاحت فجأة، فالعقد قد اختفى من جيدهاأهبتها، ولكنها

:لذي كان قد خلع نصف ثيابهسأهلا زوجها ا ..ما األمر؟ -

:نحوه مذعورةاستدارت .السيدة فورستييهلقد اختفى عقد -

:انتصب واإلرباك يملؤه !..غري معقول... كيف؟.. ماذا؟ -

:سأهلا. ومل جيداهواملعطف، يف اجليوب، يف كل مكان وبحثا يف ثنايا الفستان تغادرين احلفلة؟هل أنت متأكدة من أنه كان معك وأنت - .نعم ملسته حني كنت يف رواق الوزارة - .يف العربة دون شكإنه . يسقطه يف الطريق لكنا سمعناه تولكن لو أنك أضع - ، هل أخذت رقمها؟نعم، عىل األرجح - ال، وأنت، أمل تنظري إليه؟ - .ال -

:ثيابه وقالأخريا ارتدى السيد لوازيل .. واحدمها يف اآلخرحدق .أجده، عىل األقدام، لعلني املسافة التي قطعناهاسأسري -

أما هي فبقيت بثياب السهرة، غري قادرة أن تنام، حمطمة عىل كـريس . خرجثم ..بال حيوية وال تفكري

العربـات ذهب إىل قسم الرشطة، وإىل الصحف ووعد بمكافأة، وإىل رشكات .جيدهعله الصغرية وإىل كل مكان فيه بارقة أمل

.ا هي فقد انتظرت النهار كله وهي عىل حاهلا من االنسحاق أمام تلك املصيبةأممساء بوجه كالح شاحب؛ مل يكن قد اكتشف شيئا عاد السيد لوازيل :قال لزوجتهف

Page 19: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٨-

قفل العقد وأنك أرسلته لإلصـالح، أنك كرستجيب أن تكتبي لصديقتك - .فهذا سيعطينا بعض الوقت لكي نتدبر أمرنا

.ا أماله عليهافكتبت م * * *

:أعلن، وقد شاخ عدة سننيكل أمل فالسيد لوازيل بعد ميض أسبوع، فقد .هذا العقداستبدال يف جيب أن نفكر -

يف اليوم التايل أخذا العلبة التي كانت حتتويه وذهبا إىل اجلـواهري الـذي كـان :راجع دفاتره وقال. يهاعلاسمه

.العلبة فقط قدمت هذا العقد، لقدلست أنا من باع -ذلك العقد، يسربان عن حلية تشبه وذهبا يزوران جواهريا بعد آخر، ويبحثان

.اللتني أجهدمها األسى والقلقأعامق ذاكرتيهام من املاس لدى أحدهم سبحة يف شارع بور روايال، يف دكان يقع ،وجدا أخريا

ألف فرنـك، خيفـض إىل سـتة ام يبحثان عنه، بسعر أربعنيببدت هلام شبيهة متام الشبه .وثالثني

واشـرتطا أن يرداهـا . توسال إىل اجلواهري أال يبيع تلك القطعة قبل ثالثة أيام .إليه بأربعة وثالثني ألفا إذا وجدا العقد املفقود قبل هناية شباط

ثامنية عرش ألف فرنـك ورثهـا عـن أبيـه، أمـا البـاقي كان لدى السيد لوازيل .فسيستدينه

ذهبية من هذا وثالثا مـن لريات ألفا من هنا ومخسمئة من هناك، مخس استدان ، وتعامـل مـع مـرابني وكـل أنـواع باهظة الثمنوكتب تعهدات حرر سندات . ذاك

عرض . الدائنني بتوقيعـه دون أن يعـرف إذا كـان سـيرب للخطر وجازف هناية حياته ومـن ، به، واحتامالت احلرمـانصاعرتاه القلق من املستقبل والبؤس املرتب. بتعهداته

العقد اجلديد واضعا عىل طاولـة اجلـواهري ثم ذهب واشرتى . اللواعج املعنويةكل .ستة وثالثني ألف فرنك

Page 20: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٩-

ملا أخذت السيدة لوازيل احللية إىل مدام فورسـتييه، قالـت هلـا هـذه األخـرية :بوجه ممتعض

مل مل تعيديه قبل اآلن، كان من املمكن أن أحت - .اجهصـديقتها، فـامذا بوسـعها أن تفعـل لـو مل تفتح العلبة، وهذا ما كانـت ختـشاه

ألـن تعتربهـا .. مـاذا سـتعتقد ومـاذا سـتقول؟. اكتشفت صديقتها التبديل احلاصل !..سارقة؟

* * * لكنها اختـذت قرارهـا فجـأة، قـرارا . حياة الفقر املريعةعرفت السيدة لوازيل

رسحت اخلادمة.. ستدفع. املرعبدين جيب تسديد هذا ال:بطوليا مع هيت وانتقل؛ .سقيفة حتت سطح أحد األبنية اإىل مسكن آخر؛ استأجرزوجها

غـسلت الـصحون واآلنيـة، . خربت يف تلك األثناء األعامل املنزلية، وشـغل املطـبخــة وأجزائهــا درالووعرضــت أظافرهــا ــة للحــت عــىل األواين الفخاري ــسي نظفــت . يةفلال

ـا عـىل حبـل؛ أنزلـت بالصا القاممـة بون الغسيل الوسخ، القمصان واخلرق التي كانت جتففهـا وكانـت تتوقـف إىل الشارع، كل صباح، ومحلت ما حتتاجه ـابق من ماء إىل بيته عنـد كـل ط

ـا ،واللحـم وغـري ذلـكوالفواكـه إىل باعـة اخلـضار تـذهب ، وأنفاسهالتلتقط مرتديـة ثيابوحتمي ماهلا التعيس فلسا فلسا الشتائم، وتتلقىرخيصة، تناقش األسعار .

.وجتديد أخرى لكسب الوقتدفع سندات كل شهر كان عليهام لدى تاجر، ويف الليل كـان يعمـل بالنـسخ كمحاسب كان الزوج يعمل مساء

.ويكسب مخسة فلوس عن كل صفحة .استمرت حياهتام هكذا مدة عرش سنني

مـع الربـا لـيهام مـن ديـون وقـروض كل ما ترتـب عكانا قد سددا يف هنايتها .والفوائد املركبة

قاسـية و صارت ربة بيـت قويـة، .بدت عىل السيدة لوازيل عالئم الشيخوخة .وخشنة، بشعر كث بال هندام، وثياب غري مناسبة ويدين حممرتني

Page 21: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٠-

ولكـن حـني كـان .أرض الغـرف باملـاء تـشطفكانت تتكلم بنـربة عاليـة، و، العتيـدةالـسهرة تلـك يف وتفكـر النافذة جتلس أمام زوجها يعمل يف املكتب، كانت

.تتلقى التهاين واإلطراءحني كانت مجيلة ذلك احلفل الراقص ويف .من يعلم؟.. من يعلم؟.. ماذا كان سيحصل لو أهنا مل تفقد تلك احللية؟

كيف أن شيئا ضئيال قد يميت ! كم هي احلياة غريبة ومتغرية !أو حييي * * *

لرتتاح مـن أشـغال أيـام يف الشانزيليزيه ذهبت تتمشى أيام اآلحاد يف يوم من الـسيدة فوريـستييه، يف نزهة، تلك كانـت تصحب طفال األسبوع، ملحت فجأة امرأة

.يةاجلاذبودائمة الشباب واجلامل نعم، بالتأكيد، اآلن وقد سددت مـا .. هل تكلمها؟!اضطربت السيدة لوازيل

عليها ستخربها بكل يشء ومل .. ال؟ :دنت منها وقالت

.صباح اخلري يا جان - :من تلك املرأة التي نادهتا بال تكلف، فتمتمتجان، غري أهنا تعجبت مل تعرفها

.من املؤكد أنك خمطئة.. يا سيديت... لكن - .لوازيلال، أنا متيلدا -

:فندت عن صديقتها رصخة !..كم تغريت! املسكينةيا متيلدا .. آه -وكثـريا مـن . انقطـاعي عـن رؤيتـكمنـذ لقد واجهت أيامـا عـسرية نعم، - .وكل ذلك بسببك.. املصائب بسببي أنا؟ كيف حصل ذلك؟ - ذلك العقد املايس الذي استعرته منك للذهاب إىل حفلة الوزارة؟هل تذكرين - نعم، وماذا عن ذلك العقد؟ - .لقد أضعته -

Page 22: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢١-

كيف ذلك، وأنت قد أرجعته يل؟ -قدا آخر يشاهبه متاماأعدت ع - وها قـد مـرت عـرش سـنوات ونحـن نـدفع .

أن ذلك مل يكن هبـذه الـسهولة بالنـسبة إلينـا، إذ مل نكـن نملـك وأنت تدركني .ثمنه .أخريا انتهى األمر وأنا يف غاية الرسور.. شيئا

تقولني إنك اشرتيت عقدا ماسيا بدال من حليتي؟ - . .لقد كانا متشاهبني جدانعم، أنت مل تالحظي ذلك، -

.قالت ذلك وهي تبتسم ابتسامة فرح ساذجة :يدهيا وقالتفقد تأثرت جدا وأمسكت كلتي أما السيدة فورستييه

مزيفـا وال يـساوي أكثـر مـن مخـسمئة ، لقد كان عقـدي أيتها املسكينة.. آه - !..فرنك

١٨٨٤ شباط ١٧

Page 23: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٢-

يب هرم طب:كانا يتسامرانحول املدفأة ومريضة شابة، شكواها كانـت طفيفـة

فقر دم بسيط، أعصاب، إرهـاق : األنثوية التي تشكو منها النساءمن تلك التوعكات الزواج يف الشهر األول مـن قـراهنم حـني حديثي يشك بأمره، إرهاق يصيب أحيانا

.يكون زواجهم عن حب :كانت ممددة عىل كرسيها وتتحدث

أقبل فكرة كوهنا . أن امرأة ختدع زوجهاكن أبدا من إدراك ال يا دكتور، لن أمت -ال تقيم وزنا لوعودها وأيامهناوأن ال حتبه لكن كيف جتـرؤ أن تـسلم نفـسها لرجـل ! كيف يمكن أن حتب كذبا وخيانة؟.. كيف ختفي ذلك عن عيون املجتمع؟.. آخر؟

:ابتسم الطبيب وقاليف أؤكد لك بأن املرء نادرا ما يفكر .لةمن هذه الناحية، هذا يف منتهى السهو -

أن املرأة ال تنضج من كل هذه الدقائق عندما تتملكه الرغبة يف الزلل، حتى إنني متأكد نظر يف هو الذي والنفور من الزواج، للحب احلقيقي إال بعد أن متر بكل االختالطات

هنارا وروائح كرهية لياللطباع سيئة رجل شهري، ليس سوى تبادل وهذا صحيح، فإن .استطعت مقارنتها بمنزل، فإنني لو . إال بعد زواجهااملرأة ال تستطيع أن حتب بعواطفها

مسح يإال بعد أن أقول إهنا غري قابلة للسكن .اجلبصينيةزوج جدرانه ال .كهـذهفلدى النساء فـائض يبعنـه يف مناسـبات للمواربة والكتامن أما بالنسبة .ويتملصن بدهاء من أشد احلاالت صعوبةعات أكثرهن بساطة رائ

:ما ذكره الطبيب فقالتبدت وكأهنا مل تصدق إال أن الشابة

Page 24: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٣-

األوان، ملا كان يتوجـب مطلقا، إال بعد فوات ال يا دكتور، ال يمكن أن نتنبه - .، أكثر عرضة من الرجال لفقد صواهبنفعالاخلطرية؛ والنساء، يف املناسبات القيام به

:ه وأجابيلطبيب ذراعرفع انحن معرش الرجـال ال نـستعيد الرشـد إال بعـد ! تقولني، بعد فوات األوان -

إلحـدى مريـضايت مهال سأروي لك قصة قصرية حـدثت !.. فوات األوان، أما أنتن .أن سلوكها ال تشوبه شائبةيف التي مل أكن أفكر يوما إال

* * * .ريفيةحدث هذا يف مدينة

وكنت أغط يف نوم عميق، مستغرقا يف حلم غـامض ،ياممساء أحد األ خيـل ، .إنذارا بحريقاملدينة تدق نواقيس تإيل أنني سمع

وبام أن خـادمي مل .يدق بإحلاحيف بيتي كان اجلرس اخلارجي : استيقظت فجأةعنـد رسيـري، سـمعت بعـدها صـوت أبـواب احلبـل املعلـق يرد، هززت بدوري

خادمي وقد أمـسك برسـالة »جان« الغايف؛ ثم ظهر وخطوات عكرت سكون منزيل :جاء فيها .السيد الدكتور سيمون أن يوافيها فوراالسيدة لولييفر ترجو بإحلاح -

:حلظات وقلتفكرت بضع .أنا مرهق. ، إىل ما هنالك(*)نوبة أعصاب، أبخرة -

:فأجبت .يهن السيد بوزميلهويرجو السيدة لولييفر، أن تستدعي الدكتور سيمون مريض -

.وتابعت نوميالبطاقة مع الظرف ثم أعطيت : جان ليقولبعد نصف ساعة تقريبا، رن جرس البيت ثانية، وجاءين

ال أعرف متاما لشدة ختفيه(إنه شخص، رجل أو امرأة - ، يود التكلم بـرسعة ) .معك يا سيدي، يقول إن األمر يعرض للخطر حياة شخصني

. اضطرابات وانحراف مزاج(*)

Page 25: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٤-

:هنضت وقلتلهخأد - .

.يف رسيريانتظرت جالسا عـن نفـسه، وما إن خرج سيمون حتى كـشف ،ظهر أمامي شكل شبح أسود

امرأة شابة تزوجـت منـذ ثـالث سـنني تـاجرا كبـريا يف ا،كانت السيدة لولييفر بذاهت .إنه اقرتن بأمجل فتاة يف املقاطعةاملدينة، قيل حينذاك

.يف أوصـالهدب الـذعر ن حيمل تشنجات إنـساشحوهبا مرعبا، ووجهها كان .مرتني لكن مل خيرج من فمها أي كالميداها ترجتفان؛ حاولت أن تتكلم

:أخريا متتمت .برسعة يا دكتور، مات عشيقي يف غرفتي.. برسعة -

:ثم استأنفتوهي تكاد ختتنق سكتت .الناديمن سيعود .. زوجي سوف -

ثـم ثيـايب يف ثـوانتديت اردون تفكري بأنني يف ثياب النوم؛ قفزت عىل قدمي :سألتها

..منذ قليل؟هل جئت بنفسك - :مذهولة قلقةكالتمثال متتمت وهي واقفة

.وهي عىل علم.. كانت خادمتي.. ال، ال - :تابعتوبعد صمت

. إىل جانبهبقيت -وندت عن وحرقـة دموعهـا بنحيـب وبعد غصة اهنمـرت صيحة أمل مرعبة، ها

بفعـل نـار قلبهـا املـشتعلة فجأة، وكأهنـا نـضبت ت دموعها لدقيقة أو اثنتني، ثم جف :وقالت هبدوء

...هيا بنا يا دكتور - :لكنني رصختكنت مستعدا

Page 26: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٥-

.عربتييا اهللا، مل آمر بتجهيز - :أجابت

. واحدة، لدي عربته التي تنتظرهلدي - .ت حتى شعرها وانطلقناعتلف

وكـادت تـسحقها بيـدي بجانبي يف ظلمة العربة، أمـسكت فجـأة ملا جلست :ينم عن قلب جمروح بصوت مرجتف مهستوالناعمة، بأصابعها .منذ ستة أشهر أحببته بجنون من فقدت رشدها! لو تعلم كم أتأمل.. آه -

:سألتها .ستيقظون؟مهل من يف البيت -

:أجابت .كل يشءال أحد ما عدا روز التي تعرف -

خـاص بمفتـاح نائمني، دخلنا بال ضجيج توقفنا أمام باهبا؛ الكل كانوا بالفعل جالـسة عـىل األرض يف أعـىل الـدرج أصـابعنا، كانـت اخلادمـة ورسنا عىل أطراف

.شمعة مضيئة، فهي مل جترؤ عىل البقاء بجانب امليتمرتعبة، وإىل جانبها .فيهـانشبت رأسا عىل عقب وكأن معركة مقلوبة كانت التيإىل الغرفةدلفت

؛ وكـان أحـد الـرششفني سـاقطا عـىل األرض فـوق ال ترتيـبوبـالرسير مـدعوك ه يستفيق، امليت علخرق مبلولة، استخدمت يف مس صدغي وكانت هناك السجادة؛

رائحـة غريبـة بعد فتح البـاب وقد فاحت . وكأس طشت مع موضوعة عىل األرض .خلل الطعام ممزوجة مع رائحة أخرى كرهية

.الغرفةعىل أرض ممددة بطوهلا كانت اجلثة ، ثـم اسـتدرت ، وملست اليـدينوفتحت العيننيوتأملتها، ثم جسستها دنوت :من الربد، وقلتترتعشان وكأهنام متجمدتان اللتني كانتا نحو املرأتني

.عىل محله إىل الرسيرساعداين - :متتمتوأمام فمه، تسمعت إىل قلبه ثم وضعت مرآة وبتؤدة، مددناه

Page 27: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٦-

.انتهى، فلنلبسه برسعة - !.مريعجرت بشكل ملية ع

واحدا فواحدا بأطرافه كنت أمسك ضـخمة، ثـم أمـدها نحـو دمية كأطراف وبدلته وعانينـا الداخلية ثم سرتته وثيابه جواربه ألبسناه .تقدمها املرأتانالثياب التي

.الكثري يف إدخال ذراعيهام أن بيـنام كنـت أيضء هلـام، لكـن بـركعت املرأتان ربط احلذاء عندما حاولنا

يف ذلـك، وحـني مل جتـدا ماسـك قلـيال وجـدنا صـعوبة فائقـة أقدامه كانت منتفخة .شعرمهااستخدمنا دبابيس األزرار

:ما قمنا به وقلتحتى تفحصت إلباسه ن انتهت عملية إما .جيب أن نمشط شعره -

الكبري وفرشـاة شـعرها، ولكـن بـام أهنـا سيدهتا ذهبت اخلادمة لتجلب مشط وتقتلع، عن غري عمد، مع كل رضبة مشط، شعره الطويـل واملـشبوك، كانت ترجتف

الـشعر بنعومـة وكأهنـا بعنـف ورتبـت فقد أخذت السيدة لولييفر املشط مـن يـدها كـام اعتـادت بإصبعها شواربه رتبت حليته و أصلحت مفرق شعره ورسحت .تداعبه

.كلفتة حب ومودة ،ذلك بالشكأن تفعل الـساكن وحـدقت وأمـسكت بـرأس عـشيقها ا ما كان بني يـدهيأفلتت فجأة

هعليه وضـمتذلك الوجه امليت الذي مل يعد يبتسم هلا؛ ثم انحنت يف طويال، وبيأس، وعينيـه كانت تقع كالرضبات عىل ذلـك الفـم املغلـق قبالهتا .تقبله بجنونبذراعيها

وكأنـه ثـم اقرتبـت مـن إحـدى أذنيـه .نورمهـا، عـىل صـدغيه وجبينـهانطفأ اللتني أشـد اضـطراما، رددت عـرش مـرات تهمس الكلمة التي جتعل العنـاق ل ؛يسمعهاس

:بصوت يذيب الصخر .وداعا يا حبيبي -

.لكن الساعة دقت منتصف الليل :انتفضت

Page 28: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٧-

!.أريد نشاطا! يا سيديتا، هييإهنا ساعة إغالق الناد!.. تبا منتصف الليل -انتصبت :أعطيت األمرف.

.الستقباللنحمله إىل غرفة ا -محلناه معا وأوصلناه فأجلسته .الشمعدان عىل مقعد ثم أشعلت

:فتح باب الدار وأغلق بقوة، إنه هو؛ صحت - !يا روز برسعة أعطني املناشف والوعاء ورتبي الغرفة، أرسعي باهللا عليـك -

.هوذا السيد لولييفر قد عاد : حينئذ ناديتهاجلدران،يف الظل جتس يدأسمعت خطوات صاعدة تقرتب، و

.من هنا يا عزيزي، لقد وقع حادث - :وظهر الزوج عند العتبة مذهوال ويف فمه سيكار، سأل بلهفة

.ما هذا؟.. ماذا؟ ما الذي حصل؟ - :اجتهت نحوه وقلت

ال نحـسد عليـه، فقـد أطلـت املكـوث لـديكم ترانا يف إربـاك .. يا عزيزي -اهنار فجـأة، أن لبثوما . ني يف عربتهالذي كان قد أقل، وصديقنا أحتدث مع حرمكم

أن أسـتدعي غربـاء، مل أرد . ، بالرغم من عنايتنا، فقـد بقـي يف غيبوبـةومنذ ساعتني .، وسأعتني به بشكل أفضل يف منزلهأرجوك ساعدين بإنزاله

وأمـسك بـذراعي خـصمه تـه عالزوج لكن بدون أن يرتاب، خلـع قبفوجئ ورصت كحصان مربـوط وأمسكت بساقيه ،من بعدالذي صار غري قادر عىل األذى

.واملرأة تنري لنا الطريقثم نزلنا الدرج بني عارضتني مـشجعا كـي أخـدع ورصت أحادثـه اجلثـة أهنضت أمام الباب، عندما رصنا

: السائس، ابذل جهدا بسيطا ال هتتم، هيا تشجع - .وينتهي األمر

إليـه رضبـة بكتفـي من بني يـدي، وجهـتوينزلق بأنه سيقع بام أنني شعرت .يف العربة، ثم صعدت خلفهيتأرجح دفعته إىل األمام وجعلته

Page 29: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٨-

:كان الزوج يسألني بقلق .. هل تعتقد أن األمر خطري؟ -

:فأجبته مبتسام .ال -

سـاعد زوجهـا حتـت ت سـاعدها د نظرة عىل املـرأة، كانـت قـد عقـوألقيت .يف عتمة العربةتغور بنظرها لالرشعي

كـان املتـوىفعىل مدى الطريق .. بالتحركوأمرت السائس ام شددت عىل أيدهي .يقع عىل أذين اليمنى

.يف الطريقعن الوعي أنه غاب ملا وصلنا إىل منزله أعلنت دورا يف ملهـاة وقـد لعبـتالوفـاة، أثبتوهناك إىل غرفته يف إيصاله ساعدت

.من لعنايتالعشاق وقد أشبعتعدت إىل رسيري أخريا أهله الوامجني، جديدة أمام

.صمت الطبيب وما زال يبتسم :املرأة الشابة مكرشةسألته

املريعة؟يل هذه القصة ملاذا رويت - :جم وقالحياها بأدب

. احلاجةتوقخدمايت ألقدم لك -

١٨٨٢ أيلول ٢٥

Page 30: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٩-

Page 31: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٣٠-

ارســاحل

صـيد، وحـوادث ونروي مغـامرات يف سهرة نتسامر بعد العشاء جمتمعني كنا

.لك بعد العشاءوذ، ر مخـرة كبـريقاعـ ومالذي يعرفه اجلميع، هـو صـياد رشس »بونفاس«السيد

مرح الطبع راجح العقل واإلدراك، وذو فلسفة ساخرة وقانعة تتجىل عـرب قوي البنية :التي مل تكن يوما حزينة، قال فجأةالالذعة الدعابات

، فهي ال تشبه أبـدا فاجعة صيد غريبة متاماأعرف حكاية صيد، أو باألحرى - .أهنا لن تسيل أحداوأنا مل أروها بعد ملخلوق، معتقدا ؛ يف هذا الشأنرف كل ما ع

ذلك التشويق الـذي يـستهوي هذه الفاجعة ليست باللطيفة، أعني أن ليس هلا أو حيدث تأثريا ممتعاأو يسحر . ما حدث إليكم، عىل كل حال.

.من عمري، وكنت أمارس الصيد بجنونكنت حينها يف اخلامسة والثالثني ، حتـيط هبـا »جـومييج«ت كنت أمتلك أرضا منعزلة بالقرب من قيف ذلك الو

فيها وحدي أربعة أو مخـسة أيـام كنت أذهب ألميض . الغابات وكانت تعج بالطرائد .صديقامل يكن يسمح أن أصطحب فقط كل سنة، ألن املقام

وظفت هناك كحارس، دركيا متقاعدا، رجـال شـهام، عنيفـا قاسـيا يف تطبيـق التعليامت ورهيبا بالنسبة للصي كان يسكن وحده، شيئا، الدخالء، ومل يكن هياب ادين

بعيدا عن القرية، بيتا أو باألحرى كوخا يف األسفل مع مطبخ وقبو، مؤلفا من غرفتني تسع إال لرسير وخزانـة تكاد ال تعبارة عن زاوية يف الطابق األول؛ إحدامها وغرفتني . احلارس»كافالييه«العم أما الثانية فكان يشغلها . يلصصت وقد خ،وكريس

Page 32: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٣١-

حني قلت إنه كان وحيدا يف البيت، أخطأت يف التعبري، فقد كان ابن أخيه معـه ال يتجاوز عمره أربعة عـرش عامـا وكـان يـذهب إىل القريـة األوغاد من معرش وهو

.لعم يف األعامل اليومية ويساعد انالتمويجللب جـدا ، شعره ذو لون أصـفر خفيـف اجلسم، طويال مع انحناءة نحيل كان فتى إضـافة إىل ذلـك كانـت قـدماه . الريش، وهـو باألصـلع أشـبه منتوفةكوبر دجاجة

حـول، لـذا مل يكـن ينظـر إىل أحـدفيـه . جبارهائلتني، ويداه يدي عمالق بالنـسبة . الكرهيـة، وفيـه شـبه البـن ي انطباعا بأنه أحد الوحـوش للجنس البرشي كان يعطين

.إىل الغرفتنيالدرج الذي يوصل عند أعىل الكوة ينام فيام يشبه .عرس أو لثعلبكـان -الكـوخ جناحـا كنت أسـمي -القصرية يف اجلناح إقامايت لكن خالل

، تـدعى »إيكورشـفيل«ن مـعجـوز المـرأة عن تلـك الكـوة الفتى يتخىل ماريوس . مل تكن كافية»كافالييه«العم ألن أطباق من أجل أعامل الطبخ، كانت تأيت »سيلست«

:احلكاية كام حدثتإليكم واآلن . واملكاناألشخاص عرفتم متامـا فأنـا أتـذكر -األول من ترشين م يف اخلامس عرش ١٨٥٤كان ذلك عام

.ذلك التاريخ ولن أنساه أبدا، ذو الـصدر العـريض »بـوك«ي كلبـي ذهبت من روان عـىل حـصاين، يتبعنـ

، كأحد الكـالب اإلسـبانية يف العليق دون صعوبةبني أشواك يتغلغل املتني، الشدق و .»بون اوديمري«

كان الربد قارسا يف ذلـك صان، وضعت حقيبة السفر والبندقية؛خلفي عىل احل .والريح تعصف، والغيوم الداكنة جتري يف كبد السامءاليوم

بمنظـر وادي الـسني الـذي كنت أمأل عينـي »كانتلو« ساحل يفلدى مروري ترفـع قبـاب إىل اليـسار، كانـت روان .النهر حتى األفق ويتلوى فيه كـاألفعىيعربه

البعيـد املغطـى وإىل اليمني، كـان النظـر يقـف عنـد الـساحل ؛نحو السامءأجراسها باألحراش، ثم عربت غابة ، فوصـلت حـوايل ، تارة برسعة وأخرى متمهال»رومار«

. يف انتظاري حيث كان العم كافالييه وسيلست»اجلناح«اخلامسة أمام الساعة

Page 33: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٣٢-

، وكانـت نفـسهعرش سنوات، ويف نفس الفرتة، كنت أحرض عـىل املنـوالمنذ :حتييني بالكلامت ذاهتانفسها األفواه

مرحبا سيدنا، هل الصحة عىل ما يرام؟ -أما سيلـست، وعـىل ؛عنيقة كشجرة وم الزمنتغري، كان يقاقد مل يكن كافالييه

ين، أإىل جـزبشكل كبري، كانت شبه مكسورة منذ أربع سنوات، فقد تغريت خصاأل إىل األمـام ليـشكل هذا بالرغم من نشاطها املستمر، وكانت تـسري وجـذعها مـنحن

.قائمة مع ساقيهازاوية :ني مغادريتيل ح كانت تقول .تفانيها، بسبب متأثرة لرؤيتيبدت العجوز

.العزيزاألخرية، يا سيدي هي أن نفكر، فقد تكون هذه املرة علينا -أمـام املـوت اليـائس واستـسالمها وخوف تلك اخلادمـة احلزين، هذا الوداع

.بشكل غريب كل عاممنها بالتأكيد، كان هيز كياين املحتم والذي يقرتب إىل املبنـى كافالييـه، أخـذ مطيتـيعن حـصاين، وبعـد أن صـافحت ترجلت

وكنـا إىل املطـبخ سيلـست وتبعتنـي كإسـطبل؛ دخلـتالصغري الذي كان يستخدم فـورا أنـه لـيس عـىل مـا ثم حلق بنا احلارس، فلفت انتبـاهي .نستخدمه كغرفة طعام

:، فقلت لهمشغول البال وقلقا، فقد بدا يرام ؟كام تتمنىحسنا يا كافالييه، هل األمور -

:فتمتم قائال .البتةك إجيابيات وهناك سلبيات، هناك أمور ال تعجبني هنا -

:سألته .حدثني بام لديكما األمر يا رجل؟ هات -

:لكنه هز رأسه وقالمل حين الوقت بعد يا سيدي، فأنا ال أريد أبـدا أن أزعجـك بمـشاكيل هكـذا -

.فور وصولكرأسـه أن منظـر إال . أحلحت، لكنه رفض أن يعلمني بـأي يشء قبـل العـشاء

.أوحى يل بأن األمر كان خطريا

Page 34: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٣٣-

:وألنني مل أكن أدري ما جيب عيل قوله، سألته .والطرائد، هل هي متوفرة؟ -أوه، بالنسبة للطرائد فهي موجودة، هناك الكثري، محدا هللا فعينـي ال تغمـض -

.عنها، كـان شـارباه الرماديـان مـضحكاقال ذلك بكثري من الوقار احلزين الذي بدا

.أهنام عىل وشك اإلفالت عن شفتيهوكفجأة، تنبهت إىل أنني مل أر بعد ابن أخيه، فسألته :

وأين هو ماريوس؟ ملاذا مل يظهر بعد؟ - :يف وجهيوقال وهو حيدق انتفض احلارس

لك األمـر مبـارشة؛ نعـم أفـضل؛ فبـسببه أفضل أن أروي ! حسنا يا سيدي - .يف نفيسهناك ما حيز

هو إذا؟أين! آه! آه - .ظهورهأنتظر إنه يف اإلسطبل يا سيدي، وكنت - ماذا فعل؟ - ...احلكايةإليك يا سيدي -

كان احلارس ال يزال مرتددا، لكنه قال بصوت يرجتف تغريت نربتـه؛ أمـا وقد :أخاديده عمقاوجهه فقد ازدادت

ي مل لكننـ»روزريـه«يقنص يف حرش أن أحدا . رأيت بأم عيني، هذا الشتاء -تلـك وخالل . قضيت ليال وليال مرتبصا لكن دون جدوى.أستطع اإلمساك باجلاين

غيظـا، إذ اسـتحال صحتي كنت أفقد .»إيكورشفيل«ناحية أيضا الفرتة، بدأ القنص .ونوايايذلك احلقري بخطوايت كان يبلغ باللص، كأن أحدا عيل اإلمساك

يوس، بنطال يوم األحد، وجدت ماربنطال لكن يف أحد األيام، وكنت أنظف .أربعني فلسا يف جيبه، من أين حصل عليها الغالم؟

بالضبط حـني أعـود فكرت يف ذلك مليا مدة ثامنية أيام، ورأيت أنه كان خيرج .ألرتاح؛ نعم يا سيدي

Page 35: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٣٤-

وحـني عـدت يف أحـد األيـام . دون أن أشك باألمر؛ نعم دون شـكوكراقبته زين، تـنسبة ألمر كهذا، ما من أحد يببال. فورا وتبعتهقسطا من الراحة، هنضت آلخذ

.يا سيدييـا سـيدي، عىل أراضـيك به، نعم أمسكت بامريوس ينصب الفخاخ أمسكت

.هو ابن أخي أنا احلارس لديكلكثرة ما رضبته، نعم رضبته ووعدته بأنه سيتلقى نفـس فار دمي وكدت أقتله

.التأديب عىل يدي بحضورك، كدرس لهيتعـرض قد وهنت من احلـزن، فأنـت تعلـم مـا حيـدث للمـرء حـني وها أنا أباه وأمه قد فقد فالغالم . ماذا كنت ستفعل؟ قل يل لكن .هكذاللمعاكسات ومل يبـق

مل يكن بإمكاين أن أطرده، أليس كذلك؟و. له سواي من األقارب؛ آويتهإليـه، إذ ال غري أين قلت له بأنه لو عاد لنفس السلوك فستكون النهاية بالنـسبة

يا سيدي؟أحسنت الترصف هذه هي املشكلة؛ أتراين ! جمال للرأفة :أجبته مادا إليه يدي

.يا كافالييه؛ أنت رجل طيب وشهمحسنا فعلت - :هنض وقال

. التأديب واجب لكي يتعلم. سأذهب اآلن آليت به. شكرا يا سيدي - .عىل سجيتهف ترصكنت أعلم أن من املستحيل ثنيه عن عزمه؛ فرتكته ي

أما أنا فكنت جالسا عىل كـريس مـن . ذهب وأحرض الصبي وقد أمسكه بأذنه .القش ووجهي متجهم كوجه قاض

أن ماريوس قد كرب وصار أبـشع ممـا كـان عليـه العـام املـايض بوجهـه بدا يل .يدي وحشفكانتا العابس املاكر أما يداه

:دفعه عمه أمامي وقال له بصوت آمر عسكري .ب العفو من صاحب امللكطلا -

.الصبي ببنت شفةمل ينبس

Page 36: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٣٥-

ورفعه عن األرض وجعل يكيـل لـه أمسكه الدركي السابق حتت إبطيه حينئذ .عنهها حتى إنني هنضت ألوقفعىل قفاه شديد الرضبات بعنف

:بدأ الولد حينذاك بالصياحأعد! الرمحة! الرمحة - ...

:عىل كتفيه، أن يركع وقالوضعه كافالييه عىل األرض وأجربه، بضغط ...ب املغفرة، هياطلا -

:فتمتم الصبي وعيناه مغمضتان .أطلب املغفرة -

.أرضاأهنضه عمه وطرده بكف عىل وجهه كاد أن يرميه :لكن كافالييه بدا منذهال وقال يل. مل أره يف السهرةوفهرب

.ة رشيرةإنه ذو جبل - :وكان طوال فرتة العشاء يردد

.نغص حيايتإن هذا ما حيزنني يا سيدي، أنت ال تعرف كم هذا - .أن أطيب خاطره لكن دون جدوىحاولت

.مع أول ضوءباكرا ألنطلق إىل الصيد أويت إىل فرايش .نام كلبي عىل األرض اخلشبية قرب رسيري، وأطفأت املصباح

ي أن غرفتـوالحظـت فـورا. الليل أيقظني نباح بـوك املهتـاجحوايل منتصف قفزت من الرسير وأشعلت القنديل وهرولت نحو البـاب وفتحتـه، . مألى بالدخان

.كان البيت كله حيرتق. الغرفةجيتاح من اللهب وإذا بإعصار بواسـطة بنطايل برسعة وأنزلت كلبي أوال عرب النافذة أغلقت الباب وارتديت

يتي، أرسعـت حبل صنعته من الرشاشف، وبعد أن ألقيت ثيايب وجعبة الصيد وبنـدق :أصيح بكل قوةت قالطريقة؛ وطفنازال بنفس

!..كافالييه!.. كافالييه - . كام ينام الدركلكن احلارس مل يستيقظ ألن نومه كان ثقيال

Page 37: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٣٦-

، عـرب النافـذة، تأكلـه نـريان أتـونكـل الطـابق األريضبيد أننـي كنـت أرى مضطرم؛ والحظت أنه قد ملئ بال كان حريقا مفتعالإذا،.. إلذكاء احلريقش ق .

:عدت إىل الصياح ثانية !كافالييه -

بطلقتني كان خينقه، فعن يل أن أحشو بندقيتي ذهني أن الدخان خطر يف حينئذ .وأطلقت واحدة يف منتصف نافذته

العجـوز هذه املرة سمع .كالغبارت الستة وتناثر النافذة ألواح زجاجحتطمت ؛واجهـة املنـزلالذي أضاء جن من وميض اللهب وظهر مرتبكا بقميص نومه، وقد

:صحت به !من النافذة، برسعة، برسعةبيتك حيرتق، اقفز -

فوصـلت إليـه السفلية ودنت من اجلدران من الفتحات النريان فجأة اندلعت .رجليهعىل قفز وسقط كهر .. وكادت حتبسهكل، نوعا ما، الذي كان يشفوق الدرج اهنار سطح القش عند منتصفه .. أخريا

ت حزمة هلب متوهجة يف اهلواء وهي تـزداد عفتمدخنة للنار املنبعثة من األسفل، وار .حول البيت الذي صار كتلة من النار يف بضع ثوانامللتهب ومتطر الرشار ضخامة

:وقد غلبه الذهولاستفرس كافالييه عام جيري النريان؟كيف اشتعلت -

:فأجبته .املطبخلقد أشعلت النار يف - ومن الذي أشعلها؟ -

:فجأة من الفاعلأجبته بعد أن حزرت .ماريوس -

Page 38: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٣٧-

:فهم العجوز فتمتم .، هلذا مل يعد إىل املنزلييا إهل -

:ع فصحتاجته فجأة نحو يشء مريلكن فكري وسيلست؟سيلست؟ -، ألن البيت اهنار أمامنـا وأصـبح كتلـة مـن اجلمـر، تنفجـر وتعمـي جيبنيمل

وتدمي؛ كانت ،فيهـا مـن تلـك العجـوز إال فحمـة محـراء حمرقة مريعة حيث مل يبق .فحمة من اللحم البرشي .وال حتى رصخة واحدةمل نكن قد سمعنا

حلـصاين، فطـار العنـرب املجـاور، فطنـت فجـأة اشـتعلت يف نـار لكن بام أن ال .كافالييه إلنقاذه

باب اإلسطبل، حتى مر وما إن فتح يـع وأوقعـه بني سـاقيه جـسم مـرن ورس .ارا بكل ما أويت من عزمفكان ماريوس . عىل أنفهأرضا

وأراد أن جيري ليمـسك بـذلك التعـيس، لكنـه هنض الرجل يف غضون ثانية، دون تفكـري حلركـة ، وقد استـسلم غضب شديدقدر أنه لن يتمكن من ذلك، فانتابه

التـي كانـت ال دقيتي بنـوال إيقافها، وإذا به يمـسك عفوية، مؤقتة، ال يمكن توقعها تزال عىل األرض بالقرب منـه، وصـوب قبـل أن آيت بحركـة وأطلـق النـار دون أن

.إن كان السالح حمشوا أم اليعرف بقيـت يف البندقيـة، أطلقهـا فأصـابت لإلنـذار التي وضعتها إحدى الطلقات

ه وركبـاألرض بأظافره جعل خيدش . ورمته عىل وجهه مغطى بالدماهلارب يف ظهره عىل أربع قوائم، مثل أرنب أصـيب بجـرح مميـت وهـو يـرى وكأنه أراد أن يركض

. الصياد آت نحوهكان الصبي يف نزاعه األخري، ولفظ أنفاسه قبل أن تطفـأ النـار ودون . انطلقت

.بكلمةأن يتفوه

Page 39: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٣٨-

.بقي كافالييه واقفا قربنا بال حراك وقد أخذه الذهول .بينهم كمن أصيب باجلنونهو ارس وحني وصل أهل القرية، اصطحبوا احل

ويـت األحـداث بالتفـصيل دون أن أغـري راستدعيت إىل املحكمة كشاهد، و .يف اليوم ذاته مغادرا املنطقة برئت ساحة كافالييه، لكنه اختفى .منها شيئا

.ها هي ذي حكايتي عن الصيد أهيا السادة

* * *

Page 40: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٣٩-

Page 41: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٤٠-

اآلنسة بريال

١ ختـار اآلنـسة أن فكرة غريبة راودتني يف ذلـك املـساء، وهـي أن حقا، يا هلا م

.بريال ملكة، إىل )١(د الغطـاسيـيـوم امللـوك أو عاحتفـال كل عام أذهـب، للمـشاركة يف

. ميم، اعتاد أن يأخذين إليه ملا كنت صـبيااحل ه أيب، الذي كان صديق.صديقي شانتال قيد احلياة، وطاملا هناك واحـد مـن تابعت، وسأستمر يف زيارته بال شك طاملا أنا عىل

.عائلة شانتال يف هذه الدنياآل شانتال يعيشون عىل نحو خاص هبم؛ يقطنون بـاريس وكـأهنم يعيـشون يف

.)٢( أو بونتاموسون)٢(توفإيأو ، )٢(غراساملرصد بيتا حماطا ببستان، ويعيـشون هنـاك وكـأهنم شارع فهم يمتلكون قرب

فهـم ال يعلمـون شـيئا، وال يبـالون ، أي باريس احلقيقيـةأما عن باريس،. يف الريفمع ذلك يسافرون إليهـا أحيانـا سـفرا يعتربونـه ! بيشء، فهم بعيدون عنها كل البعد

وإليكم مـا . طويال، فالسيدة شانتال تذهب من أجل التزود باملؤن كام يقال يف العائلة .يقومون به إبان موسم املؤن الكربى

. السيد املسيح عىل يد النبي يوحنا املعمدان وذلك يف هنر األردندعمتيوم ) ١( .بلدات فرنسية بعيدة عن باريس) ٢(

Page 42: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٤١-

ألن خزائن الثياب والغـسيل (لتي حتتفظ بمفاتيح خزائن املطبخ اآلنسة بريال ا علـب، وأنالسكر قـد شـارف عـىل النفـاده إىل أن بن، ت)تديرها سيدة املنزل بنفسها

.األطعمة املحفوظة قد استهلكت ومل يبق اليشء الكثري يف قعر كيس القهوةوهكذا إذ حتذر السيدة شانتال مـن املجاعـة فإهنـا تراقـ ب وتفـتش عـام تبقـى

وحني تكون قد دونت أرقاما عديدة، فهي تكب عىل .وتكتب مالحظاهتا عىل مفكرةوأخـريا يـتم االتفـاق وتثبيـت . مع اآلنسة بـريال عديدةحسابات طويلة ومناقشات

سكر، رز، خوخ جمفف، قهـوة، مربيـات، : دون هبا لثالثة أشهرزوكمية كل مادة سيت . إلخ،رسطان البحر، سمك مملح أو مدخنفاصولياء، وعلب بازالء،

بعد ذلك حيدد يوم التـسوق وخترجـان يف عربـة ذات صـندوق للحقائـب إىل .بقال معترب يسكن فيام وراء اجلسور يف األحياء احلديثة

السيدة شانتال واآلنسة بريال تقومان هبذا السفر معـا بـشكل رسي، وتعـودان ــالرزبارجتاجــلتأثرمهــا ســاعة العــشاء مــرهقتني م ات العربــة التــي امــتأل ســقفها ب

.واألكياس كعربة نقل أثاث املنازلبالنسبة آلل شانتال، كل أجزاء باريس الواقعة يف اجلهة األخرى من هنر الـسني ،تؤلف األحياء احلديثة التي يقطنها سكان غرباء، صاخبون، ذوو سـرية غـري مـرشفة

عـىل . ويرمون األموال من النوافـذويمضون أيامهم يف املجون ولياليهم يف احلفالت إىل املـرسح أو األوبـرا اهلزليـة أو إىل املـرسح بنتـيهام أن آل شانتال كانوا يصطحبون

الفرنيس من وقت آلخر حني تكون الصحيفة التي يقرؤها السيد شانتال قد أوصـت .بمرسحية ما

اجلـامل يبلغ عمر الفتاتني اليوم تسعة عرش وسبعة عرش عامـا، ومهـا آيتـان يف والطول وغضتا اإلهـاب؛ قمتـان يف األدب والرتبيـة، ولـشدة تـربيتهام كانتـا متـران

مـاامومل تراودين يوما أية رغبة ألن أبـدي اهت. مجيلتني دون أن يلحظهام أحددميتنيك أو أغـازهلام، إذ يكـاد املـرء ال جيـرؤ عـىل الكـالم معهـام لـشدة إحـساسه بأي منهام

.عندما حيييهام أن يكون غري لبق بطهارهتام؛ ويكاد خيشى

Page 43: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٤٢-

أما األب فكان رائعا، كثري الثقافة ومنفتحا طيب القلـب ولكـن ممـن حيبـون ،قبل كل يشء الراحة واهلدوء والسكينة، وقـد سـاهم بـشكل كبـري يف حتنـيط عائلتـه

. يقرأ كثريا، يتحدث بطيب خـاطر ويتـأثر بـسهولة. ليعيش كام يشاء يف مجود مستمر االتصال واالحتكـاك بالنـاس فقـد صـار جلـده، كـام هـو حـال بـرشته ولبعده عن

.ويؤملهوحيركه اقل يشء يثري عاطفته . املعنوية، مرهفاعىل أنه كانـت لعائلـة شـانتال عالقـات لكنهـا ضـيقة، اختـريت بعنايـة بـني

.، مع أقارب يعيشون بعيدام ويتبادلون أيضا زيارتني أو ثالث كل عا.اجلريانوهذا جـزء مـن واجبـايت . آب ويف يوم امللوك١٥ فإنني أزورهم يف بالنسبة يل

.عند املسيحينيالفصح يف عيد وهو عندي كفرض الصالة . آب، يدعون بعض األصدقاء، ولكنني املدعو الوحيد عندهم يف يوم امللوك١٥يف

* * * ٢

فل بعيـد ند آل شانتال لنحت، يف تلك السنة كام يف سابقاهتا، ذهبت للعشاء عاإذ .الغطاس، أو يوم امللوك

كالعادة عانقت السيد والسيدة شـانتال واآلنـسة بـريال ووجهـت حتيـة حلـوة واهنمرت عيل األسئلة عن أحداث الـشارع والـسياسة، ومـا . لآلنستني لويز وبولني

السيدة شـانتال، وهـي امـرأة مكتنـزة، . وعن ممثلينا)١(تفكر فيه العامة بأمور طونكنيام أختيل أفكارها كمربعات من احلجـارة املنحوتـة، اعتـادت قـول اجلملـة وكنت دائ

ملـاذا . » ملا سـيأيت فـيام بعـديئكل هذا بذار س«: التالية كاستنتاج لكل حديث سيايس؟ لست أدري، لكـن كـل وحمدودةختيلت دائام أن أفكار السيدة شانتال مربعة الشكل

هنـاك . مربع كبري بأربع زوايـا متنـاظرة.. بعما تقوله يأخذ هذا الشكل يف خميلتي؛ مر وان يبـدؤإفـام . أشخاص آخرون تأخذ أفكارهم شكل دائرة تتـدحرج كاإلطـارات

.منطقة يف فيتنام الشاملية كان هلا شأن يف تلك احلقبة: طونكني) ١(

Page 44: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٤٣-

تتدحرج وتسري وختـرج بعـرشات مـن األفكـار املـستديرة، حتى بجملة عن يشء ما . الكبرية منها والصغرية فأراها جتـري الواحـدة بعـد األخـرى حتـى حـدود األفـق

. يف النهاية، ال أمهية هلذا األمر... لدهيم أفكار حادة الرؤوسوآخرون أيضا .جلسنا إىل الطاولة كاملعتاد، وانتهى العشاء دون يشء يذكر

واحلال أنه يف كل عام كان الـسيد . عند تقديم احللوى، أتوا بقالب كاتو امللوك ، أدريهل كان ذلك نتيجة صدفة مستمرة أو تقليد عـائيل، لـست. شانتال هو امللك

لكن السيد شانتال كان جيد دوما حبة الفول يف احللوى التي يأكلها، ومـن ثـم يعلـن وقد دهشت حقا حني أحسست بيشء قـاس جـدا كـاد يكـرس . السيدة شانتال ملكة

بحجـم حبـة فسحبت هذا اليشء ببطء فرأيت لعبة صغرية من اخلز. إحدى أسناينتوجهت إيل األنظار وصاح الـسيد شـانتال .»!آه«: املفاجأة جعلتني أقول. فاصولياء

.»!حييا امللك! عاش امللك. إنه غاستون. إنه غاستون«: وهو يصفق بيديه، كـام حيمـر من اخلجليفذاب وجه» !حييا امللك«: كرر اجلميع بصوت واحد

بقيـت خافـضا بـرصي وممـسكا بـني أصـب.اإلنسان، دون سبب، يف مواقف غبية ي ع. اخلزفية، وقد حاولت أن أبتسم وأنا ال أعرف ماذا أقـول وال مـاذا أفعـلتلك احلبةب

.»أما اآلن فعليك اختيار امللكة«: حينذاك قال السيد شانتالهـل . فـرتاضوخالل ثانية مرت برأيس ألـف فكـرة وألـف ا. صعقت آنذاك مـن حدى الفتاتني؟ هل كان ذلك أسلوبا يدفعني ألن أقولإ يكانوا يرغبون أن أسم

ل؟ هل كان ذلك ضغطا لطيفا مهذبا من قبل األهـل باجتـاه زواج حمتمـل؟ منهام أفض ات، وتأخـذ غـفإن فكرة الزواج جتول دون توقف يف كل املنازل التي فيهـا فتيـات بال

اجتاحني خوف عظيم مع خجل، أمام املوقـف ...كافة األشكال واألقنية والوسائلبـدا يل أن انتخـاب واحـدة عـىل حـساب . لنيالـسليم الثابـت لآلنـستني لـويز وبـو

ةقـصيف ؛ ثم إن خويف من مغـامرة ء ماأشد صعوبة من االختيار بني نقطتياألخرى، بطرق رزينة، وهادئـة ومدفوعا إىل الزواج بالرغم مني، بشكل ناعم، فيها أجد نفيس

.عير مثل هذه امللكية التي ال معنى هلا، كان يقلقني بشكل م،ال تلفت االنتباه

Page 45: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٤٤-

فوجئ اجلميـع . بغتة، خطرت ببايل فكرة، وقدمت لآلنسة بريال اللعبة الرمزيةيف بادئ األمر، ثم قدروا بال شك لفت ي حـق قـدرها ومـن ثـم فطنتـي، ألن الكـل تـ

.»!حتيا امللكة! حتيا امللكة«: وا بحمية وكانوا يصيحونقصفف مـذعورة أما هي، العانس املسكينة، فقد اضطربت وارتبكت؛ كانـت ترجتـ

.»...أنا ال، أرجوك أرجوك! ال ال ال«: وتتمتم قائلة .حينها، وألول مرة يف حيايت، التفت إىل اآلنسة بريال وتساءلت عمن تكون

لقد اعتدت رؤيتها يف هذا البيت كام يرى أي منا مقاعد قديمة موشاة نجلـس سـببا فرنعـ، وال ويف يـوم مـن األيـام. عليها منذ الطفولة دون أن نوليها أي اهتامم

إنـه لغريـب جـدا هـذا ! عجبا« :لذلك، نقول وقد سقطت أشعة الشمس عىل املقعدثـر مل تاآلنسة بريال ف. ؛ ونكتشف أن أحد الفنانني قد أنجزه، وأن قامشه متميز»األثاث

!اانتباهي من قبل أبدكانت جزءا من عائلة شانتال، وهـذا كـل يشء؛ ولكـن كيـف؟ وبأيـة صـفة؟

ت امرأة طويلة القامة، نحيلة، جتهد نفسها كي متر دون أن يكرتث هبا أحد، لكنهـا كان. كانوا يعاملوهنا بمودة، أكثر من مدبرة منزل، وأقل من قريبـة. مل تكن غري ذات شأن

السيدة شـانتال ! ، ومل تكن قد أثارت انتباهي سابقاالتفاصيلحينها بدأت أفهم بعض ، بينام الـسيد شـانتال فكـان »آنسة بريال«: الفتاتان فتنادياهنا، أما»بريال«: كانت تنادهيا

. اراقينادهيا باآلنسة، ربام بطريقة أكثر وكم كان عمرها؟ أربعون عاما؟ نعـم، أربعـون عامـا -حدقت فيها مل تكـن -

كانت . صدمتني فجأة تلك املالحظة. ، لكنها كانت تتقدم يف السن عجوزاهذه الفتاةا وتلبس وتتزين عىل نحو مضحك، وبالرغم من كـل يشء مل تكـن أبـدا ترتب شعره

ذات مظهر مضحك لكثرة ما كانت تكن يف نفسها من مجـال بـسيط، طبيعـي؛ مجـال كيف مل أالحظها أبدا من قبـل؟ ! حقا، يا هلا من خملوق طريف. مغطى، مستور بعناية

عـىل الـضحك، بخـصالت امـرأة مـسنة تبعـث،كانت ترتب شعرها بطريقة مزريةوحتت ذلك الشعر كنت ترى جبينها اهلادئ يقطعه أخدودان عميقان ينامن عن حـزن

عينيها الزرقاوين الكبريتني الناعمتني كنت تقرأ الوجل والفـزع والتواضـع؛ بدفني، و

Page 46: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٤٥-

ة حزينـة قـد وأحاسـيس فتيـ،عينان حافظتا عىل البساطة وفيهام دهـشة فتـاة صـغريةعربهتام لتزرع فيهام .احلنان دون تعكري لصفائهام

كل وجهها كان ناعام ورزينا، وهو مـن تلـك الوجـوه التـي انطفـأت دون أ ن . تكون قد استهلكت أو ذبلت من اإلرهاق أو انفعاالت احلياة

بغتـة ! ولكن قد يقال إهنا ال جترؤ أن تبتسم! يا لألسنان احللوة! يا للفم اجلميلأكثـر ول، مجـكانت اآلنسة بريال أفضل، بل مئـة مـرة أ، أجل! قارنتها بالسيدة شانتال . نعومة ونبال وأكثر أنفة

كانوا يسكبون الشمبانيا، فمـددت كـأيس نحـو امللكـة ... صعقتني مالحظايت، أن ختبـئ وجههـا بفوطـة ودت، كـام الحظـت. منمقـةهتنئـة وأنا أرشب نخبها مع

امللكـة ! امللكـة تـرشب«: ميـع شـفتيها بـاخلمر الـصايف فـصاح اجللتالسفرة، ثم بلست أن كانوا يضحكون، لكنني ملـ. حينها ازداد امحرارها وكادت أن ختتنق. »!ترشب

. كثرياكل أهل ذلك البيت حيبوهنا

٣ تال من ساعدي، فتلك كانت سـاعة ن انتهى العشاء حتى أخذين السيد شانإما

هناك تواجد وحني ي يف الطريق؛ هحني يكون وحده فهو يدخن. ، ساعة مقدسةهارسيكيف ذلك . ضيف عىل العشاء، كان يصعد بصحبته إىل قاعة البلياردو فيدخن وهو يلعب

املساء كانوا قد أوقدوا نارا يف غرفة البلياردو ألجل يوم امللوك، وأخذ صديقي عصاه :الدقيقة الناعمة ففرك رأسها بامدة بيضاء بعناية واضحة ثم قال

!إليك يا بني -مـع أننـي كنـت يف اخلامـسة والعـرشين مـن بكاف املخاطـب ني وكان خياطب

.فهو قد عرفني مذ كنت طفال. عمريأخـرى؛ لكـن بـام أن ذكـر كرات يف ت الكرات وفشلتمبدأت اللعبة، تصاد

:اآلنسة بريال كان جيول يف ذهني، سألته بغتة

Page 47: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٤٦-

قل يل يا سيد شانتال، هل اآلنسة بريال قريبتكم؟ - . إيل بدهشةتوقف عن اللعب ونظر

كيف تسألني؟ ألست تعرف؟ ألست تعرف قصة اآلنسة بريال؟ - .ال - لك والدك قصتها؟أمل يرو - !.أبدا -عجبا عجبا، هذا غريب، هذا عجيب - لكن ذلك بالفعل كـان مغـامرة ! أوه!

.مثرية :سكت ثم استأنف قائال

.وم وهو يوم امللوكآه لو تعرف كم هو مثري أن تطرح عيل هذا السؤال الي - ملاذا؟ -ها قد مىض عىل ذلك واحـد وأربعـون عامـا، واحـد . اسمع. آه، تقول ملاذا -

-لو -رووي «كنا يف حينه نسكن . وأربعون عاما حتى هذا اليوم، يوم عيد الغطاسعىل األسوار؛ لكن جيب أوال أن أرشح لك وضع ذلك البيت حتى تتفهم متاما» تور .كنا نملـك . ة عىل ساحل أو باألحرى عىل أكمة تطل عىل حقول واسعةمبني» رووي«

إذا كـان . هناك بيتا مع بستان مجيل معلق حتمله يف اهلواء األسـوار الدفاعيـة القديمـةكان هناك أيـضا بـاب . البيت يف املدينة، يف الشارع أما البستان فكان يطل عىل السهل

يـة درج رسي ضـمن األسـوار، كأمثالـه يف للخروج من البستان إىل احلقـول، يف هناهناك أيضا طريق يمر أمام ذلك الباب الذي كان مزودا بجرس . القصص والروايات

.ضخم، ألن القرويني، كي يتجنبوا دورة طويلة، كانوا جيلبون مؤهنم من هناكأصبح لديك تصور عن املكان، أليس كذلك؟ يف تلك السنة، حـني جـاء يـوم

ملا كنا نذهب نحو . هناية العامل تقرتب أنلثلج مدة أسبوع، حتى كدنا نظنامللوك، اهنمر ااألسوار لنلقي نظرة عىل السهول كان الربد جيتاح أرواحنا يف ذلك البلد األبيض الواسع املتجمد، والذي كان يلمع كالطالء؛ حتى قيل إن اهللا قد غلـف األرض لريسـلها إىل

.ن الوضع كان يبعث عىل احلزنأؤكد لك أ. أهراء العوامل القديمة

Page 48: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٤٧-

كنا جمتمعني اجتامعا عائليا حينها، وكان عددنا كبريا أيب، أمي، عمي، خـالتي : وأخواي وبنات خالتي األربع وكن فتيات مجيالت؛ وقد تزوجت من كـل . الصغرى

يـا هللا . قطن مرسيليازوجتي وأنا وزوجة أخي التي ت: هؤالء مل يبق سوى ثالثة أحياءأما أنا فكنت أبلـغ ! ذلكرجتف حني أفكر يفأهذا جيعلني ! د العائلةينفرط عقكيف

.من العمر مخسة عرش عاما ألنني اآلن يف عامي السادس واخلمسنيكـان اجلميـع يف ! إذا كنا عىل وشك االحتفال بعيد امللوك وكان الرسور يملؤنا

لب ينـبح يف الـسهل منـذ هناك ك«: انتظار العشاء يف البهو حني قال أخي البكر جاك .»عرش دقائق؛ البد وأنه حيوان مسكني تائه

كـان صـوت ذلـك اجلـرس . مل يكد ينتهي من كالمه حتى رن جرس البستانضخام كصوت ناقوس الكنيسة الذي يـذكر بـاملوتى . رست القـشعريرة فينـا مجيعـا.

كنـا نفكـر . تنيوانتظرنا صام. والدي اخلادم وقال له بأن يذهب ويرى ما األمرىنادلكـن . عنـدما عـاد الرجـل، أكـد أنـه مل يـر شـيئا. كلهابالثلج الذي يغطي األرض

يـصلنا مـن مـصدر ظـلت نباحـه و دون توقـف، وصـستمرا بنباحـهالكلب كان م .واحد مل يتغري

. جلسنا إىل الطاولة؛ غري أننا كنا متأثرين قليال، وبخاصـة نحـن صـغار الـسنواء، وإذا باجلرس يرن ثالث مرات متتاليـة، بـرضبات سارت األمور حتى وقت الش

قوية وطويلة هزت كياننا حتى هنايات أناملنا وقطعت أنفاسـنا فجـأة، وبقينـا حيـدق .يسودنا خوف غري طبيعيوصغي نوقد شلت أيدينا ونحن بعض يف نا بعض

من الغريـب أهنـم انتظـروا طـويال حتـى عـادوا؛ يـا «: أخريا تكلمت والديت .» ال تذهب وحدك؛ أحد هؤالء الشباب سريافقك»يستتبا«

لقد كان بالعمالق أشبه، معتـدا بقوتـه ومل يكـن خيـاف . »فرنسوا«هنض عمي .»حيصلقد خذ بندقية؛ نحن ال نعلم ما «: قال له أيب. شيئا يف الدنيا

.لكن عمي مل يأخذ سوى عصا وخرج فورا مع اخلادم. القلـق، وتوقفنـا عـن الطعـام والكـالمني من الرعب وفأما نحن فبقينا واج

سرتون أنه أحد املتسولني أو عـابر سـبيل تائـه يف هـذه «: حاول والدي طمأنتنا فقال

Page 49: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٤٨-

فبعد أن قرع اجلرس أول مرة ورأى أن الباب مل يفتح فورا، حـاول االهتـداء . الثلوج .»إىل طريقة، غري أنه حني مل يتوصل لذلك عاد نحو بابنا

أخـريا عـاد غاضـبا وهـو يـشتم. ه دام سـاعةغياب عمي بدا وكأن ال يشء، «: لكلـب اللعـني الـذي ال يشء سـوى ذلـك ا! يامزحناا شخصوحق السامء، البد وأن

.»مرت من السور؛ لو أخذت بندقية لقتلته وأسكتهينبح عىل بعد مئة . ؛ كنا نشعر أن األمـر مل ينتـه بعـدجسنيعدنا إىل العشاء لكن اجلميع كانوا متو

.أن شيئا ما سيحدث، وأن اجلرس سرين عام قريبووعمـي . هنـض الرجـال كلهـم معـا. بالفعل قرع حلظة تقطيع حلوى امللـوك

فرنسوا الذي كان قد رشب الشمبانيا، أكد أنه سيذبحه، وقد أخـذه الغـضب، حتـى أما أيب، مع أنه كان هادئا وعاجزا ق. نفسيهام عليه ملنعهبا قتلأإن والديت وزوجته لـيال،

أعلـن بـدوره أنـه يريـد ) كان جير ساقه بعد أن كرست لسقوطه عـن ظهـر حـصان(وهرع أخواي، وكانا يف الثامنة عـرشة والعـرشين مـن . معرفة ما جيري وأنه سيذهب

ا، ليجلب كل منهام بندقيته؛ وبام أن اجلميع تغافلوا عني فقـد أخـذت بندقيـة عمرمه .وهتيأت ملرافقة تلك احلملة

أيب وعمي يف املقدمة مع باتيست الذي كان حيمـل قنـديال، تالهـم ،ارسنا فورأخواي جاك وبولس وكنت أنا خلفهم بالرغم من توسالت والديت التـي بقيـت مـع

.ا عىل عتبة البيتهتانأختها وب حتـت تنحنـقد اكان الثلج ينهمر منذ ساعة فغطى كل يشء، وأشجار الرسو

أهرامات بيضاء أو قوالب خمروطية من الـسكر؛ ذلك الثوب الثقيل الشاحب، وكأهنا تلـك الـشجريات املتنـاثرة ،الـثلج املنهمـر بـرسعةغاللـة كنا نـرى بـصعوبة، عـرب

كان الثلج يسقط بغزارة وحيجب الرؤيـة عـىل بعـد عـرش خطـوات، لكـن . الشاحبةالقنديل كان يرسل ضوءا قويا أمامنا بنـي وعندما بدأنا النزول عىل الدرج الـدوار امل.

فقـد خيـل إيل أن هنـاك مـن يـسري خلفـي وأن أحـدا مـا .يف السور، انتابني اخلوفسيمسكني من كتفي ويأخذين؛ وانتابتني رغبة يف العودة؛ ولكن بام أنـه كـان عـيل أن

.جتاز البستان بأكمله مرة أخرى، فإنني مل أجرؤأ

Page 50: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٤٩-

! اللعنة «:سمعتهم يفتحون الباب املطل عىل السهل؛ وعاد عمي يسب ويشتم .»!ذاك اللعني.. لو أنني ملحت ظله فقط فإنني لن أخطئه. لقد اختفى ثانية

. كان منظر السهل كئيبا، أو باألحرى إحسايس بأنه أمامي، ألنه كان غري مرئي .مل أكن أرى سوى غاللة من الثلج يف كل االجتاهات

إننـا كيـف أسـدد أنـا، فمهها هو الكلب ينبح من جديـد، سـأعل«: قال عمي .»سنكسب هذا عىل األقل

حيـسن بنـا أن نـأيت بـه، هـذا احليـوان «: لكن أيب الذي كان عطوفـا رد بقولـهاملسكني الذي يرصخ من اجلوع، إنه ينبح طالبا الغوث؛ هذا البـائس ينـادي كإنـسان

.»هيا بنا. وقع يف شدةك الرغـوة ط واملستمر، وعـرب تلـساقتتابعنا مسرينا عرب ذلك الثلج الكثيف امل

املتناثرة التي مألت الليـل واجلـو متحركـة وطافيـة ومـن ثـم كانـت تـسقط جممـدة .إياها بأمل حاد رسيع عند كل ملسة ثلجمشعلة أجسادنا بذوباهنا،

أقدامنا كانت تغوص حتى الركب يف ذلك الثلج الرخو والبارد، وكنا نـضطر كـان نبـاح الكلـب يتوضـح وكلام تقـدمنا .حتى نستطيع السريعاليا رفع كل ساق نل

. ف ليالصادي وب عدراقبه كام يراقنفتوقفنا ل» !ها هو«: صاح عمي... ويقوىمت إىل اآلخـرين وملحتـه؛ كـان منظـر مأما أنا فلم أكن أرى شيئا إىل أن انـض

ذلك الكلب خميفا ورائعا كلب كبري اسود، كلب راع ذو وبـر كثيـف ورأس ذئـب، : مل يكن يتحـرك؛ لقـد . عند هناية خط ضوء قنديلنا عىل الثلجد انتصب عىل قوائمه قو

.صمت ووقف حيدجنا بنظرهرد . »هذا غريب، فهو ال يتقدم وال يرتاجع، أود أن أطرحه برصاصة«: قال عمي .»جيب أن نأخذه! ال«: أيب بصوت حازم

.»هناك يشء إىل جانبه. لكنه ليس وحده«: أضاف أخي جاك .تابعنا السري بحذر. ميزهن مل بالفعل كان خلفه يشء أغرب

مل يبد رشيرا بل أظهر رسوره بأنه اسـتطاع . عىقحني رآنا الكلب نتقدم نحوه أ .لفت انتباه الناس

Page 51: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٥٠-

اجته أيب نحوه وداعبه فلعق الكلب يديه؛ وعرفنا أنه كان مربوطا بعجلـة عربـة ية، فأزحيـت صغرية أقرب إىل لعبة أوالد مغطاة بكاملها بثالث أو أربع أغطيـة صـوف

بعناية؛ وعندما قرب باتيست القنديل من باب تلـك العربـة التـي كانـت إىل حجـرة صغرية أقرب، ملحنا يف داخلها طفال صغريا نائام .

اب إىل رشده، وبام أنه كان صـاحب ثكان أيب أول من . عقدت الدهشة ألسنتناأهيـا املـسكني «: القلب كبري وروح متتاز باحلامس، مد يـده فـوق سـطح العربـة وقـ

.وأمر أخي جاك أن جير أمامنا لقيتنا» !اللقيط، ستكون واحدا منااستأنف أيب مفكرا بصوت عال :

مـذكرة طفل هو ثمرة حب، جاءت أمه تقرع بايب يف ليلة عيد الغطـاس هـذه« .»بالطفل اإلله

ة توقف من جديد وبكل ما أتاه اهللا من قوة، صاح أربع مـرات يف تلـك العتمـلو أنـك «: ثم متتم وقد وضع يده عىل كتف أخيه» لقد وجدناه«: نحو اجلهات األربع

.»...يا فرانسوا؟. أطلقت النار عىل الكلبمل جيب عمي لكنه رسم إشارة الصليب يف العتمة، ألنه كـان دينـا بـالرغم مـن

.هحجبتحل رباط الكلب الذي .يتبعناراح يف أول األمـر وجـدنا صـعوبة كبـرية يف محـل . البيـتما كان أمجل عودتنا إىل

العربة عىل درج السور، لكننا نجحنا أخريا وجرت إىل املدخل . كـان (وبنـات عمـي الـصغريات ! كم كانت والديت طريفة، مرسورة وحـائرة

بدون كالدجاجات حول اخلم) عمر الصغرى ست سنوات أخريا أخـرج الطفـل ... ووجـدنا . كانت طفلة ال يتجاوز عمرها سـتة أسـابيع.. زال نائاممن عربته وكان ما ي

إذا مل . بني ثياهبا عرشة آالف فرنك ذهبا، نعم، عرشة آالف وظفها أيب لتكون بائنة هلـا.. أو ربـام.. لكن ربام طفلة أحد النبالء من فتاة مـن سـكان املدينـة... تكن ابنة فقراء

حتـى الكلـب .. ال يشء مطلقا.. ما أي يشءوضعنا عدة افرتاضات لكننا مل نعرف يو

Page 52: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٥١-

يف كل األحوال من جاء يقرع ثـالث . فقد كان غريبا عن املنطقة. مل يتعرف عليه أحد .مرات بابنا كان يعرف أهيل حتى خيتارهم بالذات

.هكذا إذا دخلت اآلنسة بريال بيت آل شانتال، وعمرها ستة أسابيع، »ن، كلـرييموماري، س«: سميت لدى عامدهتاو. مل تعط اسم بريال إال فيام بعد

.تهااسم عائلليكون كلري، كانت بمنتهـى الطرافـة، مـع تلـك الطفلـة التـي غرفة الطعام أؤكد لك أن عودتنا إىل

.استيقظت وبدأت تنظر إىل الناس من حوهلا بعينيها الزرقاوين نظرة غموض واضطرابنت امللك واختذت بـريال ملكـة، يومها ك. ووزع قالب الكاتواملائدة جلسنا إىل

. أنت منذ ساعة، وهي مل تشك يومذاك مطلقا بالرشف الذي نالتهتكام فعلكانـت لطيفـة . إذا تبنينا الطفلة وتربت مع العائلة، وكربت؛ ومضت الـسنون

أحبها اجلميع وكان من املمكن أن تفسد تربيتها لـو مل تتـدخل أمـي . ومطيعةورقيقة .ومتنع حصول ذلك

وافقـت عـىل معاملـة كلـري الـصغرية . نت أمي امرأة حتب النظام والرتاتبيةكا واضـحة، بيننـالكنها كانت مع ذلك ترص عىل إبقاء املـسافة التـي تفـصل. كأوالدها

.توضيح األموروعىل بدأت الطفلة تدرك، عرفتها بقصتها وأدخلت يف نفسها بلطف وحنـان نإوما

.ة بالتبني، استقبلت لدهيم لكنها تبقى غريبةأهنا بالنسبة آلل شانتال، ابنتفهمت كلري هذا الوضع بذكاء غريب وغريزة مدهشة؛ وعرفت كيـف تأخـذ

ال مثيل هلا وفطنة ولطف، حتى إهنـا كانـت تـؤثر بلباقة وحتتفظ باملكان الذي أفرد هلا .يف والدي فتجعله يبكي

مـن اخلـوف لليـتأثرت والديت أيضا بعرفان اجلميل واإلخالص املـشوب بقأحيانـا حـني . »يـا ابنتـي«: لدى تلك املخلوقة الناعمة الغضة حتى صـارت تنادهيـا

كانت الفتاة تقوم بعمل جيد ودقيق، كانت ترفع أمي نظاراهتا إىل جبينها، وهـذا كـان إن هـذي الفتـاة درة، درة حقيقيـة هـذه «: دليال منها عىل تأثر لـدهيا، وكانـت تكـرر

أي درة(سمها بريال وبقي ا» !البنية .بالنسبة لنا مجيعا منذ ذلك الوقت)

Page 53: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٥٢-

٤ صمت السيد شانتال، وكان جالـسا عـىل طاولـة البليـاردو مؤرجحـا قدميـه ممسكا بكرة بيده اليرسى ويقلب بيمناه قطعة قامش تستخدم ملحـو النقـاط مـن لـوح

ا، بصوت عميـق وقـد حينهوحده بدأ يتكلم . األردواز، وكنا نسميها خرقة الطبشور قليال؛ غار بعيدا يف ذكرياته بتمهل عرب أشياء قديمة وأحداث كانت تـستيقظ يف محرا

أفكاره، كام يسري املرء يف بساتني العائلة القديمة حيث تربى، وحيث كل شجرة وكـل درب وكل نبتة، شوكية كانت أم غارا ذا رائحة زكية، أو شجر الزينـة الـذي تـسحق

ز أمامه، عند كـل خطـوة، حـدثا مـن حياتـه ربمراء املكتنزة بني األصابع، تحباته احل املاضية، واحدا من تلك األحداث الضئيلة اللذيـذة والتـي تـشكل العمـق بالـذات

.ونسيج الوجودقيت أمامه مستندا إىل اجلدار ويداي متكئتان عىل عصا البلياردوب .

.. كـم كانـت مجيلـة يف سـن الثامنـة عـرشةيا إهلي، «: بعد دقيقة استأنف قائالوان كانـت هلـا عينـان زرقـا!.. آه كم كانت مليحة وطيبة وساحرة... كاملة.. ةقرشي !.أنا مل أر قط يف حيايت هلام شبيها. تان يشع منهام النورفاشف

.» تتزوج؟هي ململ «: سألتهفصمت ثانية .»تتزوج«أجاب، غري موجه جوابه يل وإنام لكلمة

مع أهنا كانت متلك ثالثني ألـف فرنـك . رفضت... اذا؟ ملاذا؟ هي رفضتمل -ذلك كـان . بدت حزينة يف تلك الفرتة! رفضت.. يدها عدة مراتتبلوقد ط. كبائنة

.»حني تزوجت ابنة عمي شارلوت الصغرية، زوجتي التي خطبتها مدة ست سنواتنني أدخـل بغتـة يف كارثـة يل أنني أخرتق روحه، أا بالسيد شانتال فبدقتحد

أليمة متواضعة لقلوب رشيفة، مستقيمة، قلوب مل تعرف مثلبة، يف قلب غري معـرتف تشف ومل يعرفه أحد حتى ضحاياه اخلرساء املستسلمة به وغري مك .

:فجأة وجدتني مدفوعا بفضول جريء فقلت

Page 54: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٥٣-

كان من املفرتض أن تتزوجها أنت يا سيد شانتال؟ - : ثم قالرتعش، ونظر إيلا

أنا؟ أتزوج من؟ - .اآلنسة بريال - وملاذا؟ - .خالتكألنك كنت حتبها أكثر من ابنة -

:حدجني بنظرة غريبة وعينني مستديرتني من الدهشة، ثم مهس ...أنا أحببتها؟ كيف؟ ومن قال لك ذلك؟ -ها تلكأت طـويال لتتـزوج مـن ابنـة بباهللا عليك، هذا واضح، حتى انك بسب - .»التي انتظرتك ست سنني خالتك

أفلت الكرة من يده اليرسى وأمسك بكلتي يديه خرقة الطبشور، وغطـى هبـا ة مزريـة، كإسـفنجه تعـرصها، نكان يشهق ويبكي بطريقة حمز. وجهه ورشع ينتحب

يف تلـك اخلرقـة، . عينيه وفمه وأنفهتسيل من كانت دموعه كان يسعل ويبصق وينفعـىل وجهـه وخيـرج أصـواتا مـن عـه مـدرارا ويعطـس وتـسيل دموويمسح عينيه

.حنجرتهرب إذ مل أعد أعرف ما أقول، وما أفعـل ما أنا فقد كنت خجال ووددت لو أهأ

.وماذا عيل أن أحاول فعله .»هل سينتهي تدخينكم قريبا؟«: فجأة وصلنا صوت السيدة شانتال عرب الدرج

.»نعم سيديت، ها نحن قادمون«: فتحت الباب وصحتم هرعت نحو زوجها وأمسكت بساعديه قائالث سيد شـانتال، يـا صـديقي «:

أصغ إيل، زوجتك تناديك، هيا عد هلدوئك، جيب أن تنزل، متاسك !«. .»قل هلا إين آت.. يا للفتاة املسكينة... نعم، نعم، أنا آت«: قال متلعثام

أو ثـالث متـسح ثم بدأ يمسح وجهه بدقة بتلك اخلرقة التي كانت، مدة سنتني العالمات عن لوح األردواز، ثم بدا، نصف أبيض ونصف أمحر؛ جبينـه فمـه، خـداه

.وذقنه غطاها اجلري وعيناه متورمتان متلؤمها الدموع

Page 55: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٥٤-

استميحك عذرا، أعتذر بـشدة يـا سـيد «: أخذته من يديه إىل غرفته وأنا أمتتم .»..لكنني مل أكن أعرف.. كدرتكشانتال ألنني

.»..هناك أوقات صعبة... نعم... نعم«: دي وقالشد عىل ي. يف وعاء املـاء، وملـا رفعـه مل يكـن قـد عـاد حلالتـه الطبيعيـةهثم غطس وجه

يكفـي أن تـروي «: خطرت يل فكرة، إذ كان قلقا ملا شاهد نفسه يف املـرآة، فقلـت لـه مـا غبار ويمكنك أن تبكي أمـام النـاس مجيعـا قـدرذرة هلم أن عينك قد تعرضت ل

.»شئتنزل بالفعل وهو يفرك عينيه بمنديله، فسادهم القلق، وكل واحـد مـنهم كـان

وا حـاالت مـشاهبة اضـطرت غبار التي مل جيدوها أبدا؛ ثم روالذرة يريد البحث عن .الناس الستدعاء طبيب

أما أنا فقد ذهبت إىل اآلنسة بريال ألراها، وقد أقلقني فضول شـديد، فـضول من املؤكد أهنا كانت حقا مجيلة بعينيها احللـوتني الواسـعتني، يـشع . حتول إىل عذاب

هنـدامها كـان بـال . منهام اهلدوء وكأهنام مل يسدل عليهام جفن كام يفعـل بـاقي البـرش .ترصفها الرزينترتيب كهندام عانس ليس بالئق غري أنه مل يؤثر يف

وح الــسيد بـدا يل أننـي كنـت أرى فيهـا، كـام رأيـت قبـل ذلـك بقليـل، يف رلكـن رغبـة . البـسيطة واملخلـصة مـن أوهلـا حتـى آخرهـاةشانتال حياهتا املتواضع

أو كانـت قـد تعـذبت . كانت عىل شفتي يف أن أسأهلا هي أيضا إن كانـت قـد أحبتـهمثله عذابا مكبوتا، طويال وحادا، ال يراه حد وال يعلـم بـه أحـد وال يمكـن ألحـد أ

كنـت أنظـر إليهـا . لـيال يف عزلـة ظـالم الغرفـةأن يكشفه، لكنه يفلـت مـن عقالـهرى قلبها يدق حتت ثياهبا وأتساءل إن كـان ذلـك الوجـه الـربيء يـئن كـل مـساء أو

مـذعورا مـن ينـتفض متكئا عـىل وسـادة رطبـة وجيهـش بالبكـاء وهيتـز جـسمها و .حرارة الرسير املحرقة

لو أنك «: ا بداخلهاقلت هلا هامسا، كام يفعل األوالد وقد كرسوا حلية لريوا م .»رأيت السيد شانتال وهو يبكي منذ قليل المتأل قلبك شفقة عليه

Page 56: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٥٥-

.»كيف، هل كان يبكي؟«: ارجتفت ثم قالت !نعم، كان يبكي - وما سبب بكائه؟ -

:بدت متأثرة جدا، فأجبتها !.بسببك - بسببي أنا؟ - زوجتـه يل كم كان حيبك فيام مىض، وكم عـانى حـني تـزوجىلقد رو. نعم -بدال منك .

يناهـا املفتوحتـان اهلادئتـان الـشاحب وكأنـه اسـتطال قلـيال، وعابدا وجههـانزلقـت عـن .. ا فجأة وبرسعة حتى كدت اعتقـد أهنـا أغمـضتهام إىل األبـدأغمضت

.كرسيها إىل أرض الغرفة واهنارت عليها هبدوء مثلام يقع شال عىل األرض .» قد أغمي عليهااآلنسة بريال! النجدة! النجدة«: صحت

ل، أخـذت ام هن جيلبن املاء واملنشفة واخلهرعت السيدة شانتال مع بناهتا، وفي .قبعتي وانسللت

لكنني كنت أحيانـا . رست بخطوات واسعة وقلبي هيتز وروحي مألى بالندم .أشعر بالرسور واعتقدت بأنني قمت بعمل رضوري يستحق املديح

كانا حيتفظان هبذا يف روحـيهام كـام . »تهل أخطأت؟ هل أصب«: كنت أتساءلألن يكونا اآلن أكثر سعادة؟ لقد تأخر الوقت حتـى . حيفظ الرصاص يف جرح ملتئم

.يعود عذاهبام، لكنه حان لكي يتذكراه بحنو وعاطفةربام يف إحدى أمسيات الربيع التايل، وقد تأثرا بشعاع من ضـوء القمـر سـقط

صان، سيتصافحان إحياء لذكرى عـذاهبام املكتـوم عىل العشب عند أقدامهام بني األغهـا يومـا، اواألليم؛ ربام سيمرر هذا العناق القصري، يف عروقهام الرعشة التـي مل يعرف

ويرمي هلذين املائتني، اللذين ردت إليهام احلياة، خالل ثانية واحدة، ذلك اإلح ساس بـني، عـرب رعـشة، سـعادة اجلنون الذي هيـب املحكذاالنشوة وبتلك الرسيع اإلهلي

.أعظم مما يمكن أن حيصل عليه باقي البرش خالل حياهتم

Page 57: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٥٦-

ونـم ميلـالع

ـاة اجلميلـة تتفـتح حتـت منذ شهر والشمس ترسل أشعتها الالهبة عىل احلقول، واحلي

والـسامء بزرقـة البحـر ؛األرض بثـوب أخـرض عـىل مرمـى النظـر. بذلك الوابل من اللهـا زارع الامل. حتى األفق ـات صـغرية حتـدق هب نورمندية املتناثرة يف السهل تبدو من بعيـد كغاب

ـام . أشجار الزان الباسقة ـال نفـسك أم ـاجز اخلـشبي املنخـور، خت عن كثب، حني يـزاح احلـا الزهـرالقاسـية بستان عمالق، ألن أشجار التفاح القديمـة . كأيـدي القـرويني، قـد غطاه

ـاخت، ـا سـوداواألغصان التـي ش النتـوءات، ونمـت يف صـفوف، رافعـة ت وكثـرت فيهـا . ، نحو السامءالبهية البيضاء والورديةقممها ـا وعطره ـاعم بعـد تفتحه يمتـزج بـروائح الن

.التي يعلوها الدجاجاملتفاعلة األسمدة بخر اإلسطبالت املرشعة األبواب والتـي جـاص اإلالوقت ظهر، والعائلة تتنـاول طعـام الغـداء يف ظـل شـجرة

. اءرجـاألب واألم واألوالد األربعـة مـع خـادمتني وثالثـة أ: ابأمـام البـغرست املغمـسة بالبطاطـااليخنـة املليئـة قـصعة احلساء ثم يكتشفون يأكلون ،كالمهم قليل .)١(ومن وقت آلخر تنهض خادمة لتمأل الوعاء بالسيدر. بشحم اخلنزير

تـسلقت سـاقها الرجل يف األربعني من عمره، حيدق يف دالية أمام الباب وقـد .عارية متعرجة عىل طول اجلدار

.»بوفرةهذه السنة، وربام ستحمل قبل األوان دالية الوالد برعمت «: أخريا قال .التفتت الزوجة وألقت نظرة دون أن تتفوه بكلمة

.مخر التفاح) ١(

Page 58: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٥٧-

.هذه الدالية زرعت حيث قتل الوالد رميا بالرصاص

، وقـد صـمد حني احتـل األملـان كـل املنطقـة١٨٧٠حدث ذلك إبان حرب .مع جيش الشامل» فيدرب«أمامهم اجلنرال

الـذي » ري ميلـونيـب«عىل أن هيئة األركان األملانية قد متركزت يف مزرعة العم .قدر ما استطاعاستقبلهم فيها

مىض شهر وطالئـع األملـان تراقـب بحـذر يف تلـك الدسـكرة بيـنام مل حيـرك مع ذلك، كـل صـباح و، هذا املكانعرشة فراسخ من وهم عىل بعد الفرنسيون ساكنا

.كان بعض فرسان األملان خيتفون .كل دوريات االستطالع املؤلفة من جنديني أو ثالثة كانت تذهب بال عودة

كانت جثث الرجال تلتقط هنا وهناك يف شعاب الـوادي أو يف ثنيـة مـن ثنايـا فـوق ا جيـدوهنا اخليول، كـانوىتح.. النهر، أو يف حفرة، إىل آخر ما هنالك من أمكنة

.مذبوحة بحد السيفالطرقات أحـد ععـي كـان عمـل أشـخاص معينـني مل يـستط بدا وكأن هذا القتل اجلام

.اكتشاف هوياهتمعم ، وسجنت النساء، فقـد أراد وشايةالبالد وأعدم أناس كثريون ملجرد اهللع

.ىل اعرتافات من األوالد لكن دون جدوىإاألملان أن يتوصلوا باإلرهاب، صباح أحد األيام وجد العم ميلون ملقى يف إسطبله وقـد شـج وجهـه جـرح

كام وجد اثنان من اجلنود األملان وقد بقرت أحشاؤمها، عىل بعـد ثالثـة كيلـو . عميقأحدمها كان ال يزال ممسكا بـسيفه املـدمى، ممـا يـدل عـىل أنـه . سكرةدمرتات من ال

.حاول الدفاع عن نفسه . يف اهلواء الطلق أمام املزرعة واستدعي العجوزعقد جملس حريب فوري

د نحـيال، ويف جـسده بعـض صـغري القـ،عمر ثامنية وستون عاماكان له من ال كأنـه رباعوجاج، يداه كبريتان، مها بمالقط الرسطان املائي أشبه؛ شعره القليل األغـ

Page 59: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٥٨-

كبـرية جلد عنقه البنـي كـان يغطـي أوردة . ظهر حتته حلم مججمتهبطة صغرية غب زببخله وبـصعوبة يف املنطقة كان معروفا . ختتفي خلف فكيه ثم تظهر ثانية عند صدغيه

.معهالتجاري التعامل طـبخ التـي جـرت هلـذا الغـرض، وقف بني أربعة من اجلنـود أمـام طاولـة امل

.وجلس قبالته مخسة ضباط يرأسهم عقيد :ابتدره العقيد بالفرنسية قائال

نذ أن وصلنا هذا املكـان، مل يكـن لـدينا إال اإلطـراء عـىل أهيا العم ميلون، م«معاملتك التي ال غبار عليها، فقد كنت دائام لطيفا، ال بل جمامال لنـا؛ أمـا اليـوم فـإن

قـل كاهلــك وجيــب إيـضاح كــل لــبسثهتمـة خطــرية ت كيـف وملــاذا جرحــت يف . .»وجهك؟

:مل جيب القروي بيشء، فتابع العقيدأتـسمع؟ هـل تعـرف . يا عم ميلون، لكن أريد أن جتيبنيدينك يإن صمتك «

»ري؟فمن قتل اجلنديني اللذين وجدا هذا الصباح قرب كال .»أنا«: أجابه العجوز بوضوح

وبقـي العـم ميلـون هـادئ . صعق العقيد فصمت برهة وهو حيدق بالـسجنيحـد يشء وا. ، خافضا برصه وكأنه يكلم كـاهن القريـة كالفالحنيسامهااألعصاب، . أن خيتنقد، فقد كان حياول ابتالع لعابه بجهد كبري ألنه كااضطرابهكان ينم عن

بعـد خطـوات ابنه جان وكنته وحفيديه، تقـف عـىلكانت عائلته، املؤلفة من .اوأخلفه وقد متلكهم الذهول هلول ما ر

هل تعرف من قتل كل جنـود االسـتطالع الـذين كنـا نجـدهم «: تابع العقيد »ح منذ شهر، يف أنحاء هذه األرياف؟موتى كل صبا

.»أنا«: دون ارتباكأجاب العجوز هم مجيعا؟تأنت قتل - .كلهم عىل اإلطالق، نعم أنا -

Page 60: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٥٩-

أنت وحدك؟ - .أنا وحدي - .قل لنا كيف كنت تقوم بذلك -

تـأثر فقـد ختيـل أنـه سـينزعج مـن طـول الـرشح هذه املرة بدا عىل الرجـل ال .» فكل هذا حدث تلقائياال أعرف،«: والتفاصيل فقال

أحذرك بأن عليك اإلقرار بكل يشء، وحيسن بك أن تقرر ذلك فورا، كيـف - بدأت؟

تردد برهة ثم قـرر .. ألقى الرجل نظرة توجس وقلق عىل عائلته املصغية خلفه عائدا يف املساء والساعة تقـارب العـارشة، وذلـك غـداة يـوم نتك«: فجأة أن يتكلم

ه عىل مخسني درمهـا ثم جنودكم كنتم قد استوليتم عىل ما تربو قيمتجميئكم؛ أنتم ومن سـيدفعون بقـدر مـا يأخـذون «: قلت لنفـيس. أل، وبقرة وخروفنيمن العلف والك

ت حينئـذ أحـد يـرأ.. ثم إنه كان يف قلبي أشياء كثرية أخرى سأقوهلا فيام بعـد. »منية فـت إليـه بخرساسـتللت مـنجيل و. لساقية خلف أهرائـيفرسانكم يدخن قرب ا

وبرضبة واحدة فصلت رأسه عن جسمه حتى إنه مل . النسيم بحيث مل يشعر بوجودي، وما عليكم إال أن تبحثوا يف قعر املـستنقع وسـوف جتدونـه »أف «لجيد الوقت ليقو

.يف كيس فحم مع حجر من احلاجز يف القاعأة بعد تفكري أخذت كل حاجياته، من حذائـه حتـى عمرتـه وخبأهتـا يف مطفـ

.الكلس عند الغابة الصغرية خلف فناء الدار. ط فكان يتطلع بعضهم ببعض حيـارى، مـذهولنياصمت العجوز، أما الضب

:وعاد العقيد ليتابع االستجواب، وهذا ما علموهفقد . »قتل األملان«ه رسخت فكرة يف ذهنه، وهدف هو ن أتم العجوز فعلتإما

كان يمقتهم ويبغضهم برضاوة يف رسه، بغ . ال خيلو مـن روح وطنيـةجشع ض فالح .وانتظر عدة أيام. لقد نضجت خطة يف رأسه، كام قال

يف تلك الفرتة ترك له األملان احلبل عىل الغارب، فكان يغدو ويؤوب كلـام راق كـل مـساء كـان يـرى الـسعاة .انتفـ هلم كل خضوع واتـضاع وىله ذلك، ألنه أبد

Page 61: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٦٠-

الليايل خرج بعد أن سـمع اسـم البلـدة التـي يف إحدى.. يتوجهون إىل أماكن خمتلفة بـضع كلـامت، فقـد تـبعهم لينفـذ يـةاجته إليها السعاة، وملا كان قد تعلـم مـن األملان

.خمططهناء اخللفي إىل الغابة ونحو مطفأ الكلس، وانـسل داخـل فتسلل من بيته عرب ال

ول، متـسرتا هناك أخذ ثياب األملاين فارتداها، ثم بـدأ يزحـف يف احلقـ. ممشى طويلخـالف كـصياد لع واملنحدرات، مرهفا السمع لكل نأمة والقلق يمأل قلبـهتخلف ال . القانون

. عندما رأى أن الوقت حان، اقرتب من الطريق واختبأ خلـف دغـل وانتظـرأخريا، عند منتصف الليل، سمع وقع حـوافر حـصان عـىل أرض الطريـق الـصلبة،

ارسا واحدا كان يقرتب، فاستعدنه باألرض ليتأكد من أن فذفألصق أ . مـا إن . ويف عيونه حذر وأذناه تنـصتان. الساعي عىل حصانه ومعه برقياتدنا

صار عىل بعد بضعة أمتار، زحف العم ميلـون إىل الطريـق وهـو يـئن طالبـا النجـدة باللغة األملانية، فتوقف اخليال ورأى أمامه أملانيا أعزال فظنه جرحيا ترجل عن فرسـه.

وملا انحنى نحـو ذلـك الغريـب تلقـى رضبـة سـيف . وتقدم دون أن يرتاب يف أمره .وسط أحشائه فتدحرج ميتا دون احتضار، هتزه بعض ارتعاشات فراق الروح

برسور صـامت ثـم قطـع حنجـرة الفالحي هنض النورماندي وأرشق وجهه .األملاين ليتم فرحته، وجره نحو حفرة قريبة وألقاه

.ان ينتظر سيده هبدوء فامتطاه العم ميلون وسار بني السهولأما احلصان فكبعد ما يقارب الساعة، شـاهد اثنـني مـن الـسعاة عائـدين إىل الثكنـة، فتوجـه

انتظره األملانيان دون ارتياب ألنه مـا زال مرتـديا . »النجدة! النجدة«نحومها صارخا الواحـد بالـسيف واآلخـر مر بينهام العم ميلون كالقنبلة، جمندال... الزي العسكري

وعاد بتـؤدة إىل مطفـأ الكلـس يف الغابـة ! ثم ذبح اخليول، اخليول األملانية. باملسدسالقريبة حيث ترك احلصان يف أقىص املمر وخلع البزة العسكرية وارتدى ثيابـه وعـاد

.فنام حتى الصباح

Page 62: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٦١-

م اخلامس غادر ويف اليو. مل خيرج بعد ذلك مدة أربعة أيام منتظرا هناية التحقيق، ومنذ ذلك احلني مل يتوقف أبدا؛ يف كل إىل األحبولة نفسهاالجئا منزله وقتل جنديني

له وترك جثته هنا تليلة كان هييم عىل وجهه يف السهول واألدغال، وكلام صادف أملانيا قأو هناك، وما إن كان ينهي مهمته حتـى يعـود إىل خمبئـه تاركـا فيـه احلـصان والبـزة

.كريةالعسابع يف قـعند الظهر كان يذهب بكـل هـدوء حـامال الـشعري واملـاء حلـصانه ال

املخبأ، مظهرا له الكرم والسعة ألنه كان يطلب منه عمال عظيام . ولكن واحدا ممن هومجوا يف األمس، جرح وجه القروي العجوز وهـو يـدافع

.عن نفسهعتـاد وخبـأ احلـصان ثـم عىل أن العجوز متكن من قتل االثنني معا ورجـع كامل

غري أنه خالل عودته، أحـس قـواه ختـور فـسقط أرضـا وزحـف نحـو . ارتدى ثيابه .اإلسطبل ألنه مل يكن يف وسعه أن يعود إىل البيت

.وجدوه هناك والدم ما زال ينزف من جرحه فوق القشملا انتهى من روايته، رفع رأسه فجأة ونظر إىل الضباط األملـان بكربيـاء، فـسأله

:العقيد وهو يفتل شاربيه .أليس لديك يشء آخر تضيفه؟ - بـدون رشهنيت مهمتي، احلساب دقيق، فقد قتلت ستة عـأال، ال يشء، لقد -

.زيادة وال نقصان .أتدري أنك ستموت - .مل أطلب منك الرمحة أو العفو - هل خدمت يف اجليش؟ -ي الـذي كـان جنـديا نعم، واشرتكت يف القتال قديام؛ ثم إنكم قتلـتم والـد -

الـشهر » فرنـسوا«زمن اإلمرباطور األول، باإلضافة إىل أنكـم قتلـتم ابنـي األصـغر .إن كنت مدينا فقد دفعت ونحن متخالصون. »إيفرو«املايض قرب

Page 63: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٦٢-

.وتابع العجوز. نظر الضباط بعضهم إىل بعضأنا مل آيت . بني، لذا أنا بريء الذمة نحوكمامن أجل نية من أجل أيب، وثامنية امث«

إليكم متعمدا قتالكم، وأنا ال أعرفكم وال أعرف من أين أنتم، وها أنتم يف بيتي تأمرون .»انتقمت من اآلخرين ولست عىل ذلك نادما. فيه وتنهون كأنكم يف بيوتكم

.وصالب يديه يف وقفة بطل متواضعصدره املتيبس ثم رفع ، كـان قـد فقـد ابنـا لـه يف هتامس األملان طويال، ثم تصدى مـن بيـنهم نقيـب

.احلرب منذ فرتة وجيزة، ليدافع عن العم ميلون :حينئذ هنض العقيد واقرتب من العم ميلون وقال له هامسا

»...اسمع أهيا العجوز، من املمكن أن نجد وسيلة إلنقاذ حياتك بأن«، بيـنام كـان املنتـرصوجـه الـضابط بلكن الرجل مل يكن مصغيا وعيناه حتدقان

هلواء يداعب بقايا الوبر عىل مججمته، عبس عبسة هائلـة جتعـد مـن جرائهـا وجهـه ااملجروح، وأخذ نفسا عميقا ثم أراق عىل وجه الضابط ما احتوى فمه رفع الـضابط .

.املهتاج يده لكن العجوز عاجلة بالبصاق عىل وجهه مرة أخرى . حانقنيط كلهم وبدؤوا بإعطاء األوامرابانتفض الض

. العجوز، الذي بقي غري مكرتث، مـشدودا إىل اجلـدارصار من دقيقة يف أقلواهنمر عليه الرصاص وهو يرسـل ابتـسامة البنـه البكـر جـان وكنتـه والـصغريين

. ينظران برعب إىل ما جيريااللذين كان

* * *

Page 64: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٦٣-

Page 65: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٦٤-

وكــالصعل

.كان قد عرف أياما أفضل بالرغم من بؤسه وعاهته

، منذ ذلك »فارفيل« من عمره سحقت عربة ساقيه عىل طريق يف اخلامسة عرشةاملزارع، يتأرجح عىل عكازتني دروب الوقت وهو يتسول جارا قدميه عىل الطرقات بني

.صال حتى أذنيه، فبدا رأسه وكأنه قد زرع بني جبلنيتبارتفاع يف كتفيه لوقد تسببتا عـي دولـذلك فقـد ملقى يف حفرة ليلة سبت األمـوات، » بييت«وجده كاهن

ونشأ بفضل الصدقات واإلحسان، وبقي بعيـدا عـن كـل تعلـيم، » )١(نيقوال توسان«ومشوها، بعد أن سقي من رشاب مسكر قدمها له خبـاز القريـة هبـدف بضع كؤوس

.الضحك، ومنذ ذلك احلني أصبح مترشدا ال يعرف سوى التسول يشبه اجلحـر املمتلـئ ام، عامتتخىل له، لكي ين» آفاري«فيام مىض كانت بارونة

كان عىل يقني أنه سـيجد دومـا : م الدجاج يف املزرعة املتصلة بالقرصبالقش، قرب خجيـد هنـاك وغالبـا مـا كـان . عندما يفتك به اجلوع )٢(»السيدر«قطعة خبز وكأسا من

.. غرفتهـاأو مـن نوافـذ العجوز من أعـىل درج املـدخل ةبضعة قروش ألقتها السيد .توفيتلكنها

كـانوا يعرفونـه متـام املعرفـة، وقـد مع أهنم ،يف القرى مل يكن أحد يعطيه شيئاصربهم من رؤيته مدة أربعني عاما، وهو ينقـل بـني املـساكن املتداعيـة جـسده عيل

فهـو ال يعـرف عىل أنه مل يكن يريـد املغـادرة . املرتكز عىل قوائم خشبيةالرث املشوه

.يع القديسنيمج) ١( . مصنوع من التفاحصري كحويلع) ٢(

Page 66: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٦٥-

الركن من البالد، هذه الدساكر التي ال يتجاوز عددها الـثالث إ الهذا شيئا يف الدنيا حـدودا ملنطقـة تـسوله اعتـاد أال لقـد رسـم .حيث أمىض حياتـه البائـسةأو األربع .أبدايتجاوزها

كان جيهل إن كان العامل ممتدا أبعد من األشجار التي حدت من رؤيته مل يكـن . مصادفته عند أطراف حقـوهلم أو بمحـاذاة منوإذ كل القرويون . عن ذلكليتساءل

:يصيحون بهاهتم صاروا حفرملاذا ال تفارقنا أبدا إىل القرى األخرى بدال من تنقلك - عىل عكازيك؟

من املجهـول، خـوف فقـري بل يبتعد وقد متلكه اخلوف الغامض مل يكن جييب ــشكل مــسكني ــشوش آالف األشــياءهيــاب ب ــدةو ،م ــاو ،الوجــوه اجلدي ت، اإلهان

، والـدرك الـذين كـانوا نظرات االرتياب التي يوجهها إليه الناس الذين ال يعرفونهواثنني اثنني عىل الطرقات، هم كانوا جيعلونـه يغطـس، غريزيـا، يف أي دغـل يسريون

.يصادفه أو خلف كومة حىصأشعة الشمس، كانت تعرتيه فجـأة حتت من بعيد يلمعون عندما كان يلمحهم

لقـد كـان يتـدحرج مفلتـا عكازيـه . ، خفة وحشية كي يبلغ خمبأنادرةخفة يف احلركة وقـد سـوى نفـسه كخرقة، ويلتف عىل ذاته ليصبح كرة صـغرية غـري مرئيـة ليسقط

.بمأواه واختلطت أسامله الرثة مع تراب األرضيوما، لكنه كان حيمل ذلك اخلوف يف دمه كـام لـو أنـه يتعرضوا له مل م أهنومع

. احليلة كإرث عن أهله الذين مل يعرفهم قطأخذه مع هذهوال سقفا أو كوخا، أو ملجأمل يكن يملك مأوى كان ينام يف أي مكان صيفا، .

وكـان . الفتـةحتت خمازن احلبوب أو يف اإلسـطبالت بمهـارة ويف الشتاء كان يندس منهـا إىل كان يعرف األمكنة املثقوبة لكـي يلـج. لوجوده أحديفر هاربا دون أن ينتبه

لعكازيه أضفى عىل ساعديه قوة مدهشة، إذ كـان يتـسلق األبنية؛ واستخدامه الدائم يميض أربعة أو مخسة حيث كان العالية يف املنازل قبضتيه فقط، إىل خمازن العلف بقوة

.أيام بال حركة وذلك عندما يكون قد حصل عىل مؤونة كافيةخالل جولته

Page 67: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٦٦-

أحدا أو حيب أحدا، البرش، دون أن يعرف كان يعيش عيشة وحوش الغابة بني ،»باجلرس«لقبوه . والعداءواإلمهال من االزدراء لدى القرويني إال نوعا يثري ومل يكن

.بني عكازيه اخلشبتني كام يتأرجح اجلرس عىل حواملهألنه كان يتأرجح عـىل .اجلميعلفظه شيئا، وقد مىض يومان ومل يذق طعاما، إذ مل يعد أحد يعطيه

:من بعيديرصخن نحوه وهو آت النساء األبواب كانت ! ؟ لقد أعطيتك خبزا منذ ثالثة أيام فقطاآلنتذهب ألن -

.حيث يستقبل بنفس الطريقةويستدير عىل دعامتيه ويتجه إىل البيت املجاور :يتناقلن الكالم من باب آلخركانت النساء

.ال العامهلذا اخلامل طوتقديم الطعام لن نستطيع - .لكن اخلامل هذا كان بحاجة يومية للطعام

دون أن يظفـر بقـرش » البييـت«ويف » فارفيـل«، »سـانتيلري«كان قد جـال يف ميلـني كان عليه أن جيتـاز ؛ لكن »تورنول«واحد أو كرسة خبز، بقي له أمل وحيد يف

ن بطنه كـان أن جير نفسه ألبإرهاق بحيث مل يعد بإمكانه عىل الطريق العام وهو يشعر .كجيبهفارغا

.مع ذلك فقد مشىوتـصفر عـىل كـان ذلـك يف كـانون األول والـريح البـاردة جتـول يف احلقـول

املنخفـضة املعتمـة مـرسعة نحـو يف الـسامء العارية؛ والغيوم تعدو سابحة األغصان ينقل الواحد تلو اآلخر عىل عكازيه كان ذلك العاجز يسري عىل مهل متكئا .املجهول

د أرهقه اجلهد مستندا عىل ساقه امللتويـة الباقيـة واملنتهيـة بقـدم معوجـة مـشوهة وق .مغطاة بمزق من القامش

الطريق يأخذ قسطا مـن الراحـة لـدقائق إىل جانب من حني آلخر كان جيلس : املثقلة، ويف رأسه فكـرة وحيـدةكان اجلوع يبعث احلزن يف روحه املشوشة . معدودة

.كن يعلم بأية وسيلةلكنه مل ي» أن يأكل«عىل الطريق؛ وحني ملـح أشـجار القريـة أرسع من التعب ثالث ساعات عانى

.يف حتركه

Page 68: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٦٧-

:أول قروي التقاه وطلب إليه صدقة أجابه !..هذا أنت ثانية يا ذا السلوك القذر؛ ألن نتخلص منك يوما -

ل شـيئا دون أن يناوأبعدوه فقوبل بسوء املعاملة أمام األبواب » اجلرس«ابتعد .فلس واحدمع ذلك تابع جولته بصرب وعناد ومل حيصل عىل

جال عىل املزارع سائرا عرب األرايض التي جعلتها األمطار طرية، منهكا حينئذ اليوم البـارد الكئيـب دنا إليه يف ذلك طرد من كل مكان . وغري قادر عىل رفع عكازيه

حـني ال تنفـتح األرواح النفـوس وتـسود العتمـة عـىلينقبض القلب وهتتاج حيث .األيدي للعطاء وال للنجدةيعرفهـا، ذهـب لريمتـي يف زاويـة كـان جلميع البيوت التي عندما أهنى زيارته

ا .»شيكيه«حفرة أمام باحة املعلم ، كام كان يقال للتعبري عن كيفيـة سـقوطه بـني نزلقر جوعـا، ولكـن يتـضوحتت ساعديه، وبقي طويال بال حراك، ومزلقا إيامها عكازيه

.كان شديد الفظاظة عىل بؤسه الالحمدودجوعه الوحيش كان ينتظر املجهول، انتظارا غامضا لطاملا بقي فينا، انتظر يف زاوية ذلـك الفنـاء

يف اهلواء اجلليدي، ذلك العون اخلفي الذي يرجتى مـن الـسامء أو مـن البـرش، دونـام الـسوداء جمموعـة مـن الـدجاجات .أو كيفية وصوله أو سـببهعن مصدره استفسار

يف كل حلظـة .مجيعاكانت متر باحثة عن لقمة عيشها يف األرض التي تغذي الكائنات .البطيء الواثقثم تتابع بحثها كانت تلتقط بمناقريها حبوبا أو حرشات غري مرئية،

فكـرة اخرتقـت ثـم راودتـه يف أي يش؛ دون أن يفكـر كان يراقبهـا » اجلرس«كان إحساسا أكثر منه فكرة، بـأن إحـدى إن ما راوده دون رأسه، بل حرى معدته باأل

.لو شويت عىل نار احلطبيبة املذاق قد تكون طالدجاجات تلك أخذ حجرا كان يف متناول يـده، وألنـه . رسقةأي شك بأنه سريتكب ما اعرتاه

كان بارعا فقد قتل فورا الدجاجة تـرف عـىل جانبهـا وهـي سـقطت . األقـرب إليـه، فقد »اجلرس« تتأرجح عىل قوائمها النحيلة، أما الدجاجات األخرىتفر. بجناحيها

.الدجاجاتصيده بحركات تشبه حركات وسار ليلتقط تعمشق ثانية عىل عكازيه

Page 69: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٦٨-

بـاحلمرة، تلقـى دفعـة هائلـة يف رأسه ذلك اجلسم األسود امللطخ منحني دنا املعلـم استـشاط . إىل األمـام ه ويتـدحرج بـضع خطـواتعـصييفلت ظهره جعلته

فأشـبعه رضبـا سـلبه دجاجاتـه قاصـدا عىل هذا الذي أغار وانقض غضبا » شيكيه«ذلـك ، مستخدما قبضة يده وركبته عىل كل أنحاء ا، كام يرضب الفالح املسلوبنونجم

.الدفاع عن نفسهاملعاق الذي مل يكن يستطيع وبعـد . املتـسوللكلامت هلذا لاوجعلوا يكيلون بدورهم وصل رجال املزرعة

أن أهنكهم رضبه، مللموه ثم محلـوه إىل خمـزن احلطـب حيـث احتجـزوه بيـنام ذهبـوا .الدركالستدعاء

منه واجلوع يعـذب نصف ميت والدم ينزف عىل األرض ممددا » اجلرس«بقي .حل املساء ثم الليل وبزغ الفجر، لكنه مل يكن قد أكل. جوفه

متـوقعني مقاومـة، ألن املعلـم تحوا البـاب بحـذر عند الظهر وصل الدرك ففقد هامجه وأنه مل يستطع الدفاع عن نفـسه إال كان قد ادعى بأن ذلك املترشد » شيكيه«

.بشق النفس :صاح العريف

!.هيا، اهنض -ما عاد يف استطاعته أن يتحرك، حـاول جهـده أن يرتفـع نحـو » اجلرس«لكن

الـدركيان فعنفه هلم السوء؛ أو خيادع أو ينوي اهر عكازيه لكنه مل يفلح، فظنوا أنه يتظ .عىل عكازيهعنوة ووضعاه بقسوة وأمسكاه املسلحان

الذي يعرتي الطريدة ، ذلك اخلوف الغريزي من الرشائط الصفراءغمره اخلوف .أن يبقى واقفاالبرش استطاع طاقة بجهود تفوق و .قطأمام الصياد، والفأر أمام ال

.سكان املزرعة بأنظارهم، وهـم يبتعـدونثم مشى فتبعه . »هيا«: قال العريف .به ويشتمونه، والرجال هيزؤون نأيدهيهيددن بقبضات كانت النساء

.»أخريا أخذوه وختلصنا منه« -ابتعد وهو بني حارسيه، وقد وجد الطاقة اليائسة الالزمـة لـه ليجرجـر نفـسه

.مرتاعا ال يستطيع فهم ما جيريما كان يواجهه، حتى املساء تائه العقل ال يدري

Page 70: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٦٩-

:حني كان الناس يلتقون هبم، كانوا يتوقفون لريوه وهو يمر، ويتمتمون .البد وأنه أحد اللصوص -

بلغوا مركز املحافظة وكان الليل قد أرخى سدوله، أما هو فلم يكن قد وصـل كـل . يقـعأن يتصور ما حيدث له، وال ما قديف حياته، مل يكن يقدر إىل تلك النواحي

وهذه املنازل احلديثة كانـت تـصيبه املرعبة، غري املتوقعة، هذه السحنات هذه األشياء .بالذعر

فمنـذ .هـم شـيئافمل ينبس ببنت شفة، إذ مل يكن لديه مـا يقولـه، ألنـه مل يعـد ياسـتخدام لـسانه؛ العديد من السنني مل يكن يتوجه بالكالم ألحد، لقـد نـيس تقريبـا

.يعرب بكلامتش بحيث التشود وفكره كان شديه حتى اليـوم وومل يفكر الدرك بأنه قد حيتاج إىل طعام، فرتك. يف السجناحتجز

.التايللكن حني أتوا ليستجوبوه يف الصباح الباكر، كم كان عجبهم كبـريا حـني رأوه

!!..عىل األرض جثة هامدة

* * *

Page 71: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٧٠-

امرأةاعرتافات

هرمـت أنـا قـد . مني أن أروي لك أشد ذكريات حيايت أملا يا صديقي، طلبتعـدين . لذا أجد نفيس غري مقيدة وأعرتف أمامـك؛وبقيت دون أهل وال أوالدجدا

.فقط أال تكشف عن اسميكنت . وغالبا ما وقعت يف غرامهم؛الناسأحبني رجال كثريون، وأنت أدرى

أثرإوافرة اجلامل، ويمكنني القول كان احلـب عنـدي . من ذلك اجلامل اليومنه مل يبقكان املوت بالنسبة يل أفضل مـن حيـاة .بمثابة احلياة للروح كام أن اهلواء حياة للجسد

يف دائام، ودون أن يفكر الرجال بال حنان بكـل وتزعم النساء أهنن حيببن مرة واحدة . حـب عنيـف أن وقعـت يفحـصل يل كثـريا ما لدهين من مقدرة يف أعامق قلوهبن؛ و

مع ذلك، كانت جـذوة . املشبوبةلعواطفيوكدت أعتقد أنه من املستحيل وضع حد .هذا احلب ختمد وختبو بشكل عادي كنار أعوزها احلطب

ومل تكن يل فيها يد، وإنـام حـددت فـيام بعـد ،لك اليوم أوىل مغامرايتسأروي .مغامرايت األخرى

ذكرين باملأساة املرعبة التي » بيكدي « إن االنتقام املريع من ذلك الصيديل املشني .عشتها رغم أنفي

» ...هريفيـه دي كـري« الكونـت: من رجل غنيكان قد مىض عام عىل زاوجي . غري أين ما أحببته قط، كـام هـو معلـوم، من مقاطعة بريتانيا رجل عريق املحتدوهو

احلـب . واحدعىل األقل، حرية وعوائق يف آن يستلزم، يف اعتقادي الصحيح فاحلب بأنه حب؟ إن قبلـة، ، هل تعتقد بالقانون والذي يباركه القسيساملفروض، واملمهور

سمها قانونية، ال ت .مطلقا قبلة خمتلسةساوي

Page 72: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٧١-

زوجي كان ذا قامة طويلة، أنيقا، ذا مشية سيدية غـري أنـه كـان حمـدود . حقـةكانت مألى بأفكار أن روحه إيلخييل .بآراء كحد السيفكالمه قاطع ويديل . الذكاء

ذلـك كـان مـن يف وعاء مـا؛ اجلبن يف رأسه كام يوضع قالب جاهزة مسبقا، وضعت بـاإلدالء برأيـه أبدا مل يكن يرتدد . عن أجدادهاللذين ورثا تلك األفكار تأثره بوالديه

كنت . أخرىوجهات نظريوما بوجود ودون أن يفكر املحدود دونام حتفظ وي رالفوالتـي ال يمكن ألية أفكار أن جتول فيه، مـن تلـك األفكـار مغلقا حس أن رأسه كان أ

عت نوافذها االصحة يف الروح كام يفعل تبعث .وأبواهباهلواء النقي بدار أرشأما . ضخمةأشجار كان يف بقعة جرداء، بناؤه كئيب حتيط به اه القرص الذي سكن

بغابة كانت أشبه القرص حديقة مسن؛ شيخ حلية فبدت وكأهنا احوهلنباتات الطحالب عند أطراف ممتلكاتنا مستنقعان حتيط هبا حفرة عميقة كخندق تسمى بقفزة الذئب، و

تنساب بينهام ساقية تربط الواحد باآلخر، و .الطافيةواألعشاب القصب ام فيهام نكبريان . الربيوقد بنى زوجي قرب تلك الساقية كوخا كان يطلق منه النار عىل البط

املوجودين لدينا كان هناك حارس قوي البنية شديد العاديني إضافة إىل اخلدام منـزل ، نزلت عندي د اإلخالص، عالوة عىل وصيفة شابةلزوجي أشاملراس خملص بعـدها، وهـي، والزمتني سبانيا قبل مخسة أعوام إ من هاحبتطصا قد الصديقة وكنت

ية بسبب برشهتا الـسمراء وعينيهـا الـداكنتني عىل ما علمت، لقيطة، يظنها املرء غجريف عامها الـسادس عـرش، حينذاك تكان. واملشعثوشعرها الكثيف الشديد السواد

.العرشينناهزت غري أن قدها كان يوحي بأهنا يصطادون تارة يف أرايض اجلريان وتارة يف الصيادون معه كان ، وأطل اخلريف

غري . حثيثالذي صار يرتدد إلينا بشكل ... سب الشاالبارون ولفت انتباهي . يناضأرانوعيـة ه، لكنني أحسست بأن زوجـي قـد غـري فيومل أعد أفكر أنه توقف عن زيارتنا

.معاملته معيحمبا للصمت ومهموما فبدا أنه مل يطأ يومـا أرض غرفتـي ومع ؛لنيلم يعد يقب

نني كنت أسمع مـرارا وقـع لكي أشعر باالنفراد؛ إال أالتي أردهتا منفصلة عن غرفته .بعد بضع دقائق تبتعد مخطوات تصل حتى غرفتي ث

Page 73: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٧٢-

كانت تطل عىل الطابق األريض، فقد خيل إيل أننـي كنـت أسـمع بام أن نافذيت حاولت لفت انتباه زوجي إىل ذلك، غـري أنـه .أحدا حيوم هناك يف الظل حول القرص

:حدجني بإمعان مدة ثوان وقال .إنه احلارس. .ال يشء.. ال يشء -

مساء أحد األيام، وكنا قد انتهينا من تناول العشاء، بـدت عـىل وجـه أمـارات :الفرح، فرح لئيم، وسألني

ذه حلـم لـهل يرسك أن نميض قرابة ثالث ساعات من الرتصد لنقتل ثعلبـا - .دجاجنا؟

يف مليا وبشكل غريب، فأجبتهفوجئت وترددت، لكنه حدق : .بيبالطبع يا حبي -

هنا جيب أن أنوه بشغفي بالصيد وبراعتي فيه، وقد نافـست الرجـال يف صـيد إذن كان من الطبيعي جدا أن يعرض عيل اقرتاحا كهذاواخلنازير الربية؛الذئاب .

وجهه وتغري مزاجه وغدا عصبيا، ومتلكه اضطراب مل يتمكن من كفهرافجأة، .ارة ويقعد تارة أخرى، ثم يميش وكأن به محىإخفائه طوال ذلك املساء، وأخذ يقوم ت

:حوايل العارشة مساء قال يل . هل أنت مستعدة؟ - : ثم إنه ذهب وأحرض يل بندقيتي، فسألته...قمتف

.هل أحشوها بالرصاص أم باخلردق؟ - :فوجئ بسؤايل، غري أنه أجاب

.باخلردق فقط، ففيه الكفاية كوين عىل ثقة - :بةثم أضاف بلهجة مري

.يمكنك التفاخر بربودة أعصابك - :ضحكت وقلت

هل هناك رضورة لـربودة األعـصاب لقتـل ثعلـب؟ .. أنا؟ ما هذا الكالم؟ - .بامذا حتلم يا حبيبي؟

Page 74: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٧٣-

ذا البـدر لـون البنـاء املعـتم . وكل يشء فيه قد نامواحلديقة خرجنا من البيت تكـدر نأمـة وما من معان،القرص تلتبرجي وكانت قمتا . داكنةبصفرة السطح األغرب

دغدغـة ال . ىاملنري واحلزين، احللو والثقيل، وكأنه ليل موتصمت وصفو ذلك الليل .مرعب ران عىل املكانخدر بل بومة، بوال نعيوال نقيق ضفدع، ، هواء

ة، شـعرت برطوبـة، ونفـذت إيل رائحـة األوراق قـأشـجار احلديحني بلغنـا وقد أخذ منـه مرتبصا؛ بدا كأنه يشم يف الظالم يا زوجي لزم الصمت مصغ. املتساقطة .د كل مأخذيحب الص

القـصب فـيهام سـاكنة، وكانـت أعـشابنياملـستنقعحافـة أخريا وصلنا إىل سـطحه، إحـدى النقـاط حتـركوكانـت أحيانـا . املوجيات حترك املـاءوكانت بعض ت تكـرب فتكـرب الدوائر البسيطة التي هي أشبه بتموجات ضوئية، وكانتتشكل بعض .إىل ما ال هنايةنا الكوخ حيث كان علينا أن نتلطى، جعلني زوجي أمر قبله، ثم عمـر وملا بلغ

وخلقت طقطقة الزناد عندي انطباعا غريباهبدوء، بندقيته :أحسني أنتفض فسأل. .أال اذهبي. هل اكتفيت من هذه التجربة؟ -

:فأجبته بعصبية .هذه الليلة؟ألست مضحكا . هكذا ألعود تكال، أبدا، فأنا مل آ -

:فتمتم ..كام تريدين -

.ومكثنا ساكننيهييمن عىل تلك البقعة، ومـا مـن نصف ساعة، والسكون مازال بعد ما يقارب

:حركة تعكر هدوء ذلك الليل اخلريفي، قلت هامسة

Page 75: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٧٤-

..أمتأكد أنت من مروره هنا؟ - :س يف أذين رعشة وكأنني لدغته، فاقرتب مني ومههعرتتا

.هل تسمعني؟. أنا متأكد متاما - .ثم عاد السكون

صـافر ذراعـي وقـال بـصوت عـىل أعتقد أنني بدأت أغفو عندما شد زوجي :وغريب .أترينه؟ إنه هناك حتت األشجار -

أن أميز شيئالكنني مل أستطع عبثا حاولت أن أرى . شديد وعيناه مسمرتان عيلبندقيته ببطء زوجي تنكب ، وكنت أنـا أيـضا قـد

.رشعت يف االستعداد إلطالق النارفجأة، وعىل بعد ثالثني خطوة إىل األمـام، تقـدم رجـل نحـو الـضوء بخطـى

.عاجلة، وجسمه منحن كأنه مزمع أن يفرهزت سكون الليـل فصحت، ولكن قبل أن أمتكن من االلتفات متلكني الذعر

عـىل الثـرى يتـدحرج ورأيـت رجـال ، وأصـمت أذين،طلقة نارية مرت من أمامي .تلقى رصاصةكذئب

حانقـة وكأن يب مـس، وأحسـست بيـد احلادة وكنت مذعورةعلت رصخايت متسك بعنقي، وغلبت عـىل أمـري، ثـم محلنـي زوجـي بـني ذراعيـه وأخـذ جيـري

وكأنـه يريـد حتطـيم املمددة عىل العشب ورمـاين فوقهـا بعنـف كاملحموم نحو اجلثة .رأيس

، وملحت حني كنت مرشفة عىل اإلغامء قدمـه أوشك أن يقتلني ؛رشعرت بدواوقد رفعها ليدوسني، شيئا ما قد أمسك به وطرحه أرضا دون أن .أدرك ما حدث

Page 76: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٧٥-

بخناقـه جاثية عليـه وقـد أمـسكت وصيفتي » باكيتا«مرسعة فرأيت انتصبت .هـهشاربيه ممزقة جلد وجوشعر حليته الرضبات وتنتف وجعلت تكيل له كقط بري وتقبـل العينـني والفـم فوق اجلثة حتتضنها فارمتت كأن تفكريا آخر متلكها ثم هنضت

.العاشقني تلكبلمسات إعادة احلياة هلا حماولة عبثا عند قدمي قائال حينها فهم، فخر .ينظرهنض زوجي وأخذ :

فيك الظـن وقتلـت حبيـب هـذه الفتـاة، لقـد لقد أسأت ! عفوك يا حبيبتي - .حاريس خدعني

أمامهـا، املـسجى حبيبهـا عـىل وجنتـي يف قبالت الفتـاة أما أنا فكنت أتفرس .البائس، ومنذ تلك اللحظة عرفت أنني سأكون لزوجي خائنةوأسمع نحيبها

١٨٨٢ حزيران ٢٨

Page 77: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٧٦-

ارــبومـب

من احليـاة ومـساوئها، فقـد جـاء للـدنيا ولديـه سيمون بومبار ففغالبا ما تأال يعـاكس هـذه يف أثه عىل أال يقوم بـأي عمـل، مـع رغبـة شـديدة موهبة عجيبة حت

إىل عمـل مـا، أو حركـة تـؤدي سعي املوهبة، فكل جهد مادي أو معنوي، ال بل كل مـن فيـه يشء ن يطرق مسامعه حديث عن مـرشوع إوما . طاقتهتفوق يف نظره كانت

اد فكـره بـل حتـى بام يقال فهو عاجز عن إجهـاجلدية حتى تراه شارد الذهن غري آبه .ملا يقالعن االنتباه

، وقيل إن سيمون عاش يف رغد حتـى »كان«أبوه كان صاحب متجر يف مدينة . لكن إرشاف أبيه عىل اإلفالس آمله كثريا بسبب ندرة املال.سن اخلامسة والعرشين

يزين فوديه شـعر أشـقر يرسـله فكان ممشوق القامة حلو التقاطيع أما سيمون أمـا لباسـه . عينا الزرقاوان غبيتان وجذلتان يف آن، وبطنه راح يف النتوء، أم رأسهعىل

يضحك ويصيح وتشرتك يداه يف حديثـه، . بإفراط كريفي يشارك يف احتفالفقد تأنق مرحه طوال وعرضارشوين أن احلياةصـنعت فقـط جوال، معتـربا بثقة مندوب دعاية

باته، لسبب أو آلخر، فقد كان يقـع وحني كان يضطر لوضع حد لدعا .للتفكه واملزح . فريسة رشود لعجزه عن احلزن

وتقـض عليـه مـضجعه، كـان يـردد عبـارة وبام أن حاجته للامل كانت تنهكه :أصبحت مأثورة لدى حميطه

لو أعطيت عرشة آالف فرنـك مـن العائـدات، ملـا تـرددت بقبـول وظيفـة - !..جالد

.»املوسم«: فسمى رحلته هذه»يلتروف«أسبوعني يف اعتاد كل عام أن يميض

Page 78: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٧٧-

هذا بعد أن يفـردوا لـه لدهيم موسمه له أقارب كان يميض » تروفيل«هناك يف اخلـشبية عىل األلواح كان يتمشى وحتى مغادرته يف دارهم، ومن حني وصوله غرفة

. الرميلاملمتدة عىل طول الشاطئره وهـو خلـف ظهـ أو معقودتـان هيـويـداه يف جيببخطوات ثابتة كان يميش

صدرية فاحتة اللون وربطـة عنـق صـارخة وقبعـة :كعادتهمن آخر طراز يرتدي ثيابا .يف زاوية بني شفتيهوالسيجار منحنية نحو األذنني

مزدريا الرجال ومستعدا ليأخـذ والنساء األنيقات كان يميش بمحاذاة الفتيات ال عـىل مجـال معـو ، عن امـرأة دول كللجتوالن وتبحثاننصيبه من الرضب، وعيناه

:قائال يف رسهوطلعته، مـن بـني تلبـي الغـرض بحق الشيطان، البد من أن أجـد يف النهايـة امـرأة -

.هن هذهمجوعبأسـهل الـسبل، وكان يبحث ويسعى هنا وهناك وكله ثقة بأنه سـوف يلقاهـا

تلك التي ستجعل منه رجال غنيا . * * *

:حني متتميوم اثنني ذات كان ذلك ..عجبا -عجبا -جبا ع -

، والنـاس متوزي أصـفر وأزرق وكأنـه ينهمـر دفئـا، طقس الطقس كان رائعا .النساء زهورها ةحديقالرحب بثياهبم الزاهية امللونة، فتخاله منترشون عىل الشاطئ تتهادى عـىل بأرشعتها البنية من الشاطئ كانت زوارق الصيد هناك عىل مقربة

، وخلفها يف عرض البحـر مراكـب رائعةالضحى الحتت شمس صفحة املياه الساكنة يف عـرض البحـر أو قـدومها قبيل توغلها ودب فيها الكسل حراكا، أخرى ال تبدي

ويف املـدى . ال تكر وال تفـرليوم أقعدها سامهة يف أماكنها اكأن دفء ذلك إىل امليناء، منارتـا هـا انبيعـىل جو ،غري واضـحة بـسبب الـضباب» اهلافر«البعيد بدت شواطئ

.»سانتا دريس« :قال يف نفسه حني التقى هبا للمرة الثالثة

Page 79: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٧٨-

عجبا، عجبا، عجبا - . .هتا، نظرة املرأة الناضجة اخلبرية اجلسورة التي تعرض نفسهااوقد أحس بنظر

.كان قد ملحها قبل أيام ألهنا هي أيضا كانت تبحث عن شخص مااللـوايت شـد القوام، من الربيطانيـات هي سيدة بريطانية، فارعة الطول نحيلة

.منهن رجاال أو مـا يـشبه الرجـالاألسفار الرتحال والسفر، وجعلت من عزيمتهن فكـان أما شـعرها . بسيطة حمتشمةوترتدي ثيابا وبخطوات قصرية متيش بثبات كانت

وخـداها عيناهـا مجيلتـان .كـسائر بنـات جنـسهابشكل يبعث عىل الضحك مصففا .فكانت طويلة ودائمة التعرض للهواءحمرة واضحة، أما أسناهنا وببارزان

حني وصل إىل املرفأ كر عائدا لريى إذا استطاع أن ي .ها ثانيةلقا :ملتهبة، نظرة كانت تقولالتقى هبا فرشقها بنظرة

.ها أنا طوع بنانك -يف مواجهته أفلتـت مـن يـدها عاد مرة خامسة وملا رآها .. لكن كيف يكلمها؟

:وقدمها إليها قائالوالتقطها فانحنى مظلتها ..يا سيديتهل تسمحني -

:فأجابته بلكنة إنكليزية ظاهرة ..أنت لتيف شدا -

.والذ كالمها بالصمتخجال كل منهام باآلخر فامحرت حدق :وقالغري أنه جترأ

.الطقس لطيف ومجيل - :أجابت

.آوه، رائع -مغـادرة املكـان، ثـم جتـرأت يف يفكر أي منهام مكثا متقابلني مرتبكني دون أن

:وقالت دينة؟امل ذههل تبقى طويال يف ه -

Page 80: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٧٩-

:أجاهبا مبتسام .نعم، وألية مدة أريد -

:ثم فاجأها باقرتاح !. إىل رصيف امليناء، فاملنظر خالب هناك هذه األيامهل ترافقينني -

:أجابت ببساطة ..بع أريدتبال -

بمشيتها الرصينة الواثقة وهو خيتـال كـديك رومـي هي ، إىل جنباسارا جنب .قبيل الوصال

* * * املرموقني بطاقات دعـوة بيـضاء »كان«ت حني تلقى جتار مدينة رثالثة أشهر م

السيد بروسبري بومبار وحرمه يترشفان بدعوتكم حلـضور حفـل قـران «: كتب عليها .»ولدهم سيمون بومبار والسيدة أرملة روبرتسون

تترشف السيدة كيتي روبرتسون بدعوتكم حلـضور «: األخرىةصفحوعىل ال .»إىل السيد سيمون بومبارحفل زفافها

* * * .استقر العروسان يف باريس

ثروة العـروس كانـت تتجـاوز اخلمـسة عـرش ألفـا مـن العائـدات الـسنوية، ن عليـه أب توجـ. منهـا لتغطيـة مـصاريفه الـشهريةوسيمون كان حيتاج إىل أربعمئة

يستحقان هذه التضحية، فربهن عن ذلك بـسهولة ويـرس يربهن بأن حمبته وتودده هلا .ونال ما متناه

الـصبية مل كل يشء عىل ما يرام، لكن الـسيدة بومبـار األوىل سار الفرتة خالل شابة بالتأكيد ألن نـضارهتا غـري أهنـا كانـت تـستطيع ،قـد تعرضـت إلصـاباتتبق

.دون أن يرفض طلبهاا تريد أن تنال مبطريقة أو بأخرى :اإلنكليزية الواضحةبلكنتها كانت تقول

.نومآوه يا سيمون، هنن بدنا -

Page 81: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٨٠-

كانت تعرف متاما ما تريـده، يف .رهن إشارة سيدته تأمره فيطيعفرتاه كالكلب .الليل أم يف النهار، بشكل تزول أمامه كل مقاومة

تبد يومـا عاشت دون رصاخ، ومل ؛ األحد مدعاة للومهمل تثر يوما، وال تركت كل ما عرفته هو كيف تتحدث ويف الوقت .عىل وجهها أمارات السخط أو التجريح

.املناسب بلهجة ال تقبل الردواملختـرصة لتلـك لكن أمام الرغبـات امللحـة ؛غري مرةسيمون كاد أن يرتدد

.اإلذعانوكان ال يملك إال االنصياع املرأة الفريدة القبل تلك غري أنه مع تفرت وتفرغ من معناها، وبام أنه كـان الزوجية التي بدأت

نه من احلصول عىل مداعبات أفضل ممـا لديـه، فهـو مل يـرتدد، يف جيبه بام يمكحيتفظ .ولكن بكثري من احلذر، أن ينهل منها بقدر ما استطاع

. بـذلكح لهبام جيري حوهلا دون أن تلماألنثوية أحست مدام بومبار بغريزهتا .حيث سيستقران يف املستقبل »مانت«منزال يف يف أحد األيام أهنا استأجرت وأعلنت

عـام فاتـه مـن بتـسليات متعـددة أن يعـوض فحـاول ؛أصبحت حياته قاسيةالتـي حيبهـا األعامق بالشص، وصار يعرف فكان يذهب للصيد .عالقات مع النساء

والطعـوم التـي تـشتهيها شـق سمك الشبوط، والضفاف التي يفـضلها اإلبـراميس، ثـم صـادق ختـتلجهصعائمة شعندما كانت بعض الرؤى وكانت تساوره . األسامك

بنـت «عـري تت عينـه احلزينـة مدير الرشطة وصار يشاطره لعب الورق حيـث كانـولكن مشكلة الساقني الغائبتني يف تلـك الورقـات ذات الرأسـني » الديناري أو الكبة

. فكرهتشوش الصور املتفتحة يفالـيشء الكثـري، النورمانـديني فيها من دهاء عن خطة خبيثة تفتق ذهن بومبار

أو مل تكـن مجيلـة، ذات دالل . خادمة تناسب أغراضـهأن تتخذ زوجته إىل أوعز فقد ال تثري الشبهات، وقد هيأها مسبقا صلبة البنية اجلسم وردية اخلدين متأنقة، بل ممتلئة . املتقنإلمتام مرشوعه

دمت اخلادمة للزوجة وقد أوىص هبا مدير مؤسسة كانـت تربطـه بـسيمون وقبقلب طيـب ابتلعت السيدة بومبار الطعم . أوارص صداقة متينة فجعل نفسه كفيال هلا

.»الكنز الثمني«ونية صادقة ورحبت بذلك

Page 82: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٨١-

فهـو مل .ة مع صعوبات مجـةفقلب سيمون، سعادة حذرة، واجمألت السعادة قصرية، وصار يبحث عن حيلـة أو وسـيلة زوجته إال هنيهات يكن يغيب عن عيني أخريا وجدها وك. تساعده يف مرشوعه .للت جهوده بالنجاحبـاكرا، ليس لدهيا ما تفعله يف البيت، لذا كانت تـأوي إىل فراشـها مدام بومبار

ويعود إىل البيت كـل مـساء يف » الكومريس«الورق يف مقهى يلعب سيمون كان بينام ـر يف أن جيعـل اخلادمـة . بالضبطعة والنصف التاس يف املمـر تنتظـره » يكتـورينف«فك

قطعـة املظلم، وكان ينتهي من شأنه معها خالل مخس دقائق، ومن ثم يدس يف جيبها .فيام يتعلق بملذاته فقد كان سخيا ثم تصعد إىل غرفة اخلدم،ذهبية،

كـام كـان يفعـل ،بعدها كان يضحك يف رسه، وغالبا ما ردد بـصوت مـسموع :حالق امللك ميداس وهو يصطاد السمك األبيض بني شجريات القصب

.إىل اجلحيم يا سيدة القرص - شـائبةكانـت تعـادل ويف عقـر دارهـا سعادته بأن خيون وخيدع مـدام بومبـار

.غزوته التي كان يدفع ثمنها * * *

مر، لكنهـا يف تلـك يف امل يف انتظاره كاملعتاد »فيكتورين«مساء أحد األيام وجد الليلة كانت أشد حرارة وشبقا واستمر ليلتها أكثر من عرش دقـائق يف لقائـه، وحـني

تـرسي يف دلف إىل غرفة نومه مل تكـن مـدام بومبـار يف فراشـها، فـأحس بقـشعريرة .أوصاله وهتاوى عىل كرسيه فريسة للقلق واحلرية :رجتففسأهلا وهو يثم ظهرت من فتحة الباب وبيدها قنديل

.هل كنت خارج البيت؟ - :أجابته هبدوئها املعتاد

.ماءكأس طبخ أرشب املكنت يف -قـد تـساور رأس زوجتـه، من روعه ويضع حدا لشكوك أن هيدئ حاول عبثا

.وثقتها اللذين مل يفارقاها طمأناهلكن هدوءها

Page 83: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٨٢-

عىل يف اليوم التايل، حني دخلوا غرفة الطعام للغداء وضعت فيكتورين اللحم بمغادرة الغرفة، مدت مدام بومبار يدها وقدمت هلا قطعـة ذهبيـة الطاولة، وملا مهت

:وقالت هلا هبدوء . أنت مساء أمس منهما حرمتإليك خذي يا بنتي هنن يعيد -

أخذت الفتاة القطعة وقـد رشد ذهنهـا وذهـب عقلهـا، بيـنام جحظـت عينـا ..سيمون وفغر فاه، وقد مجد الدم يف عروقه

١٨٨٤ تشرين الثاني ٢٨

Page 84: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٨٣-

Page 85: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٨٤-

ام أمــانتق

» فاشـيويبون«عىل سور مدينة فقريا بيتا تسكن مع ابنها » باولو سافرييني«أرملة

فـوق ةمرتفع يطل عىل البحر، وتبدو يف بعض مناطقها وكأهنا معلقـاملبنية عىل امتداد مـن الناحيـة أمـا الـسفح .»رسدينيا«مضيق كثري التضاريس يفصل بينها وبني جزيرة

صغري، تغدو فيه وتـروح األخرى فتحيط به كتل صخرية ملساء، وعند أسفلها ميناء كل مخسة عـرش يومـا بخاري عتيق والرسدينية، ويأيت مركب زوارق الصيد اإليطالية .ليؤمن خدمة أجاكسيو

، يـوحي مظهرهـا ضـاابنيـت جمموعـة بيـوت أشـد بيهناك عىل التل األبيض ، تتدىل فوق الصخور حيث هتيمن من هناك عىل تلـك املنطقـة ربيةالالطيور بأعشاش

. الرياح ترهق الشاطئ األجرد دون كلـل .التي ال جيرؤ أي زورق عىل االقرتاب منهامكتـسحة كـال جانبيـه، رافعـة األمـواج وتعريه من كل أخرض، ثم متر عـرب املـضيق

.حة املياهكأهنا األسامل البالية تطفو عىل صفاملتالحقة فوق نتوءات الـثالث عـىل يطـل بنوافـذه بطرف اجلـرف امللتحم » سافرييني«بيت األرملة

» سـميالنتي«وكلبتهـا » أنطـوان«هنـاك عاشـت مـع ابنهـا . األفق املوحش الكئيب ذات الـوبر الطويـل اخلـشن، وهـي مـن سـاللة كـالب حراسـةالضخمة النحيلـة

.، وكان انطوان يستخدمها يف الصيدالقطعاننيقـوال «إثر مشاحنة مع غدرا بمدية » ن سافريينياانطو«األيام قتل مساء أحد

.ليتوارى عن األنظارالذي غادر املدينة يف الليلة ذاهتا إىل رسدينيا » يتوالفار

Page 86: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٨٥-

بـل وقد محلها بعـض املـارة، مل تبـك جثة ولدها العجوز األم عندما استقبلت يـدها إىل ابنهـا، ثـم مـدت مـشدودتانفرتة طويلة، وعيناهـا بقيت سامهة بال حراك

.وأقسمت أن تثأراملجعدة عىل جثته راحـت أقعت ومل ترد أن يواسيها أحد، فسجنت نفسها مع اجلثة وكلبتها التي

مل تبد حراكـا وصـارت كـأم معلمها رافعة رأسها نحوهقرب رسير دون توقف تنبح وقـد بـصمت ع لتي حني رأت أن اجلميع قد غادروا، أخذت تذرف الـدما» انطوان«

.تشبع منه ناظرهياأكبت عىل جثة ابنها عنـد الـصدر، مثقوبـة الـسميكة كالنائم، سـرتته كان الشاب ملقى عىل ظهره

فـوق قميـصه املفتـوح بـسبب العالجـات األوىل، وعـىل : كل جـسمهوالدم يغطي . عىل شعره وحليتهتجتمدوبعض قطرات الدم . ويديهووجهه رسواله و تهصدري

.تكف عن النباحتناجيه وإذا بالكلبة راحت الثكىل.. سـأنتقم، نـم،نـم. املـسكنيسأثأر لك يا ولداه، يا ابنـي .. يه يا صغرييإ -

.أتسمع؟ إنه وعد األم، واألم تفي بوعدها، وأنت بذلك أدرى ..عىل شفتيه وقد فارقتهام احلياةالباردتني شفتيها فوقه الصقة وهبدوء انحنت

الـذي يمـزق هي أشبه بـالنواحنت تصدر أنات رتيبة للنباح، كاعادت الكلبة .نياط القلب

» انطـوان سـافرييني«بقيت األم عىل حاهلا حتى الـصباح، وبعـد ذلـك ووري .»بونيفاشيو« مل يعد أحد يذكر اسمه يف ها بقليلبعدو.. الرتاب

* * * يثأر له، وما عرف له قريب أو ابن عم ليقوميكون له أخ رحل انطوان دون أن

.أمه العجوز وحدها تفكر باالنتقامبقيت لذلك ،هبذه املهمة، كان وحيداكانت بقعة بيضاء تشد إليها نظر األم فتحدق هناك عىل الشاطئ اآلخر للمضيق

نيـة يلجـأ إليهـا قطـاع الطـرق مل تكن تلك البقعـة سـوى قريـة رسدي. هبا بال انقطاع

Page 87: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٨٦-

، ثـم يف انتظار العـودة إىل مـواطنهميكيون املالحقون، فهم كثر يقبعون فيهاالكورس .قاتل ابنها قد جلأ إىل تلك القرية» يتنيقوال رافوال«علمت األم أن .االختفاء

وحيدة ترنو بنظرهـا إىل أمام نافذهتا احلزينة تقبعوعىل مر األيام كانت األرملة ولكن ما العمـل ومـا مـن أحـد يمـد هلـا يـد .وقد شحن ذهنها هباجس الثأرالبعيد

غري أهنا وعـدت وأقـسمت عـىل اجلثـة ومل . ملساعدة؟ هي عاجزة، وعىل حافة قربهاا. ومـا كانـت لرتتـاح أو هتـدأالنوم فارقها ؛ ماذا ستفعل. وأن تنتظرتستطع أن تنسى

. نحـو البعيـد البعيـدأحيانا بنباح تغط وتبعث والكلبة إىل جانبها ظلت تبحث بعناد وكأهنا تناديه، وكأن روحها عىل هذا النحو واحا كانت تطلق نفمنذ أن اختفى سيدها

.احليوانية ترفض العزاء، وحتتفظ بذكرى مل تستطع نسياهنا ،املرأة فكرةالرتيب حتى برقت يف ذهن الكلبة بأنينها ن رشعت إما ،ذات ليلة

ن الح أول بـارق فيـه حتـى إحتى الصباح، وما أشبعتها متحيصا . بربريةفكرة رشسة عىل الرخام أمام اهللا تطلب إليه العون هناك جثت حمطمة خاشعة . لكنيسةذهبت إىل ا

.م القوة الالزمة لتثأر البنهادهسك بيدها ويعطي جسدها الضعيف املتليمقلبته عـىل عقبـه وثبتتـه إىل األرض لدهيا برميل قديم يف دارها كان . ثم عادت

.بأوتاد وحجارة ثم ربطت الكلبة به ودخلت منزهلاالقرية النائيـة عـىل شـاطئ أمام نافذهتا وعينها عىل تلك غدو وتؤوب ت ترصا

.قاتل ابنها ،إنه هناك.. رسدينيااليوم كله وقد عضها اجلوع بنابه، ويف صباح اليـوم تركت األرملة كلبتها تنبح ومـر اليـوم التـايل وإذا بالكلبـة تنـام مرهقـة وقـد . التايل قدمت هلا األرملة ماء فقط

..هلالكأرشفت عىل ا .بـصوت أجـشيف اليوم الثالث كان صرب الكلبـة قـد عيـل، فأخـذت تنـبح

حتى صباح اليـوم الرابـع، حـني ذهبـت إىل جرياهنـا تركتها األرملة . وانقىض الليلسامل زوجها الباليـة وحـشتها بـالقش أبه إىل البيت، هناك أخذت قشا عادت تطلب

ت عـصا شـدت إليهـا ذلـك حتى أخذت شكل جسم برشي، ثم نصبت يف باحة البياجلسم حتى بدا واقفا، وسوت .الرأس بخرق قديمة كانت عندها

Page 88: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٨٧-

وسكتت عن النباح بـالرغم مـن دهشت الكلبة وأخذت حتدق بذلك التمثال وقفلـت سـوداء طويلـة قطعة نقـانق ثم ذهبت األرملة إىل السوق واشرتت . جوعها

فـام إن قطعـة النقـانق ت عليهـا عائدة إىل بيتها حيث أرضمت نارا قرب الكلبة وشوالهثـة شمت الكلبة رائحة الشواء حتى جن جنوهنا، وأخذت ترغـي وتزبـد وتقفـز

.حتى كادت تقطع سالسلهانابحة وأحكمـت نضج اللحم فأخذته األرملة ووضعته مشدودا عىل عنـق التمثـال

ة وانقـضت ناشـبالتـي قفـزت قفـزة هائلـة الكلبة ن انتهت حتى أفلتتإربطه، وما وأشبعته متزيقا وهنشا وطفقت تلتقط قطع اللحـم املتنـاثرة ثـم يف رقبة التمثال أنياهبا

عادت لتنشب أنياهبا مرة بعد مرة يف عنق التمثال فلم ترتكه حتى صـار نتفـا وأصـبح .رأسه أثرا بعد عني

األرملة كانت هناك واقفة تنظر بارتياح إىل نتيجة جتربتها، ثم عـادت وشـدت .إىل الربميل لتكرر فيام بعد ذلك التمرين الغريبكلبة وثاق ال

بعد ثالثة أشهر من التـدريب، اعتـادت الكلبـة أن تكـسب قوهتـا مـن تلـك الوجبة الشهية بقوة أنياهبا، لكن األرملة مل تعـد تربطهـا كالـسابق إذ صـارت تنطلـق

مل يكن عليـه لو حتى متزقه وتفرتسه من يد سيدهتا التي علمتها أن بإيامءة نحو التمثال . هلاتدعاملشوية التي أالنقانق تكافأ بقطعة أي طعام فكانت

تفـت إىل معلمتهـا ثـم تلن كانت الكلبة تبرص الرجل حتى تروح ترجتـف إما .وبإصبع مرفوعصافر بصوت » !هيا«التي ترصخ فيها

* * * د صـباح األحـذهبـت إىل الكنيـسة أن الوقت قد حـان، عندما رأت األرملة

تنكرت بزي رجل عجوز مسكني واتفقت مع صـياد وتناولت القربان، ثم واعرتفت .لينقلها مع كلبتها إىل الشاطئ اآلخر للمضيق

بـني .والكلبة مل تذق طعامـا منـذ يـومني، ةمشوينقانق قطعة محلت يف جعبتها .فتهيجهااحلني واآلخر كانت تدين اجلعبة من أنف الكلبة لتشم رائحة الشواء

Page 89: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٨٨-

ــة هــي وكلبتهــا تصــلو ــاإىل قري لونغوســاردو فــرأت كورســيكا بتعارجيهالذي عاد يعمل نجارا كـام » يتوالفانيقوال ر«منزل عن يناخلبازأحد فاستفرست من . وكان وحده يف منجرتهيف سابق عهده

.باب فوجدت غريمها يف ركنه يعملالدفعت األرملة :نادته

!..نيقوال - .ةلبة صائحالتفت نحوها فأفلتت الك

!افرتيس، افرتيس.. انقيض!.. هيا!.. هيا -انقضت عىل الرجل ناشبة أنياهبا يف عنقـه وألقتـه فانطلقت والكلبة جن جنون

مل تدم املعركة سوى بضع ثوان تقلص بعدها جسم نيقـوال وبقـي بـال حـراك .أرضا .والكلبة ما تزال تنهش عنقه

ا معدما خيرج بصحبة كلب أسود كـان تذكر اثنان من اجلريان أهنام شاهدا فقري .شيئا ما من يد صاحبهوهو يميش يأكل

.ونامت تلك الليلة ملء جفنيهايف املساء عادت العجوز إىل دارها

١٨٨٣ تشرين األول ١٤

Page 90: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٨٩-

Page 91: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٩٠-

اــدت أبـوج

إىل كـلبـرسعة الوقت ظهر، والصبية يتدافعون أمام باب املدرسـة لينـرصفوا

كام هي عـادهتم، فقـد اء د لتناول طعام الغيعودواوبرسعة أن يتفرقوا بدل داره، لكن يــأيت إىل »ال بالنــشوت«ابــن » ســيمون«، ألن وراحــوا يــصخبونحتلقـوا مجاعــات

.املدرسة للمرة األوىلالرغم من عىل ، و»بالنشوتال «كلهم سمعوا يف منازهلم أحاديث تدور حول

بـيشء مـن هـا نل عام األمهـاتاألهايل جتاهها، فإن الذي كان يبديهاالحرتام الظاهر .إىل األوالد، دون أن يعرفوا لذلك سبباانتقل فقة املشوبة باحتقار شال

يف مـن بيتـه وال يعـدو معهـم ألنـه كـان ال خيـرج فلم يعرفـوه »سيمون«أما ث عـن دطرقات القرية ومنعطفاهتا، وال قرب النهر، أضف إىل ذلك كرههم له؛ وح

املمتزجة باالستغراب، حني ردد بعضهم لبعض عبارة أطلقها كبـريهم سـناحتهم فر :بلغ الرابعة أو اخلامسة عرشة

!إن سيمون هذا ال أب له.. أتدرون؟ - مـن سـنواتثامين أو بعالذي مل يكن يتجاوز عمره س» بالنشوتال«خرج ابن

خطـا بـضع . جههيعلو والوجل واالرتباك، والشحوب باب املدرسة وعليه إمارات خطوات ليسري يف طريقه إىل البيت، لكن الصبية به إحاطـة الـسوار باملعـصم أحاطوا

.ضـدهملـؤامرة ويرشقونه بنظرات خبيثة وقاسـية وكـأهنم خيططـون وهم يتهامسون فهو مل يكن يـدري عـالم لسانه، الطرف وقد عقدت الدهشة وأخذ جييل وقف بينهم

: بعنجهيةمنه وسألهفتقدم رسه إىل معرفة اجلميع سبق الذي أما الفتى .قدمونسي . أنت؟ما اسمك -

Page 92: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٩١-

.اسمي سيمون - .سيمون ماذا؟ -

: بوجلفأجابه .سيمون -

:صاح الولد يف وجهه قائالجيب أن يكون اسمك سيمون ويليه يشء ما، أما اسم سيمون وحده فلـيس -

.عىل اإلطالقاسام :قت عيناه بالدموعفأجاب للمرة الثالثة وقد اغرور

.اسمي سيمون - :ضج األوالد بالضحك، فقال املنترص بينهم رافعا صوته

.ترون متاما أنه بال أب -إذ مل يفهمـوا هـذا األمـر الغريـب واملـستحيل وساد عىل املجموعة صـمت،

أخذوا ينظـرون إليـه وكأنـه أعجوبـة زمانـه أو كـائن -ولد ليس له أب -واملرعب بالنـشوت، ال نحـو أمهـاهتم ون فجـأة باحتقـار سحيطبيعتنا، بدؤوا خرج عن نطاق

. عنهدون إعراهبنال فقد اتكأ عىل شجرة كي ال يقع، وبقي مذهوال من جـراء كارثـة أما سيمون

حاول أن يفهمهم، لكنه مل جيد شيئا لريد عليهم ويكذب ذلـك الـيشء .يمكنه تالفيها :صاح فيهم، وليحدث ما حيدثولونه امتقع د أخريا وق.وهو أنه بال أبالفظيع

.بىل لدي أب - .أين هو، سأله الولد -

فراحوا يضحكون مهتاجني، وأوالد أما األوالد . مل يكن يعرفصمت سيمون؛ احلقول هؤالء الذين هم إىل احليوانات أقرب، كانوا يشعرون بتلك الرغبة الطاغية التي

جهاز عىل واحدة منها ما إن جترحناء الدواجن، لإليف فتدفع الدجاجات ملح سيمون . جارا صغريا، وهو ابن أرملة، وكان يراه دوما مثله وحيدا مع أمه، فقال :

وأنت أيضا، ليس لك أب - .

Page 93: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٩٢-

:فأجابه الصغري .، لدي أببىل - وأين هو؟ - .لقد تويف، إنه يف املقربة -

.أعلن الولد ذلك بفخر كبريبني األوالد، كام لو أن وجـود أب ميـت يف املقـربة ان ورست مهسات استحس

هؤالء العفاريت الذين كـان .من األبيكرب ويسحق ذلك املحروم رفيقهم قد جعل ، واللـصوص والقـساة عـىل زوجـاهتم، ةأغلبية آبائهم من األشقياء ومعاقري اخلمر

أن أرادوا الـرشعيون، قـد مرتاصني أكثر فأكثر، كام لـو أهنـم، وهـم كانوا يتدافعون .بضغطهم من كان خارجا عىل القانونخينقوا

فجأة، مد واحد منهم لسانه وكان واقفا قبالة سيمون، هازئا به : .ال أب لك! ال أب لك -

أمسك سيمون بيديه شعر الصبي وجعل يكيل له الرضبات بقدمه عىل جنبيـه، املتقـاتلني، ووجـد وفـصلوا مـا بـنيعضه عضة هائلة يف خده، فتـدافع األوالد بينام

عىل األرض وسط دائـرة مـن الـصبية جدحرق ويتأمل، ويمز ويبرضسيمون نفسه يبحركة آلية من يده قميصه الصغري الـذي وهو ينظف حني هنض .الوقحني املصفقني

:مأله الغبار، صاح به أحدهم .اذهب وأخرب أباك -

منـه فـرضبوه، ومل يكـن باسـتطاعته كانوا أقوى .أحس سيمون باهنيار يف قلبه الصغريـات ـاول لبـضع حلظ دمعـه أن حيـبس الرد عليهم، فهو يعرف حق املعرفة بـأن ال أب لـه، ح

.كورقة يابسة يف مهب الريحبكربياء حتى كاد خيتنق فانفجر باكيا وصار هيتز أيـدهيم املتوحـشني متاسـكت ساد خصومه هرج وضحك ومرح، وعىل غرار

:رة حوله مرددين الزمةيف دائوجعلوا يرقصون .بال أب، بال أب -

Page 94: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٩٣-

فجأة توقف سيمون عن النشيج وكأنام أصيب بمس من جنون، انحنى يلملـم فتفرقوا وكل منهم حياول اتقاء ذلـك حجارة كانت عند قدميه، وأمطر جالديه القساة

كان. أو ثالثة فروا باكنيالوابل من احلجارة، أصيب إثر ذلك اهلجوم املباغت ولدان شكل سيمون رهيبـا حتـى إن الرعـب قـد دب يف بقيـة األوالد اجلبنـاء كـام تكـون

.حانق متوحشاجلامهري أمام رجل مـرت نحو احلقـول، ألن ذكـرى حني بقي من ال أب له وحده، جعل يركض

يف رأسه فجعلته يتخذ قرارا خطريا، كان يريد االنتحار يف النهر . فقريا معدما تذكر بالفعل كان قد رمى نفسه يف املاء قبل ثامنية أيام، ألنـه مل يبـق

كان سيمون موجودا حني انتشل؛ وملا كان يتخيل أن ذلـك .غري صفري الريحيف جيبه لـذلك اهلـدوء كانـت كبـرية املسكني ذو سحنة مزرية وبشعة، فـإن دهـشته املتسول

:قيل حينذاك. سعىل وجه ذلك التعيواالطمئنان .لقد مات -

:هموأضاف أحد .إنه سعيد اآلن -

سيمون بدوره قرر أن يغرق نفسه ألنه كان بال أب، مـثلام كـان ذلـك التعـيس .بال مال

وصل قرب النهر فرأى املاء جيري، بعض األسامك مترح وتسبح برسعة وتقفـز لرياهـا، ألن توقـف عـن البكـاء . أحيانا فوق سطح املاء لتلتقط الذباب أو البعـوض

العاصفة فإن هبات أثناء هدوء أحيانا، كام حيدث ولكن . اأعجبته كثريحركاهتا نـشطة االنتحـار كانـت يف األفـق، فـإن فكـرة يف أغصان الشجر ثم تضمحل حتدث هزات

:بأمل شديدتعاوده وتصيبه .سأغرق نفيس، ألن ال أب يل -

كان الطقس حارا جدا، العشب وامليـاه يف تبعث الدفء الشمس . جدايفا لطوحتـى البكـاء ق من الغبطـة والـوهن الـذي يـيل سيمون دقائ اجتاحت ؛كمرآةمع تل

.النوم هناك عىل العشب، يف الدفءيف متلكته رغبة شديدة

Page 95: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٩٤-

ل شقفزت حتت قدميه ضفدعة صغرية، حاول اإلمساك هبا، أفلتت، تابعها وفـضحك أخريا أمسك بنهاية قوائمها اخللفية وجعل يـ.يف التقاطها ثالث مرات متتالية

عند ساقيها، ثـم بعـد كانت تنكمش . لإلفالتوهو يراقب اجلهود التي كانت تبذهلا ؛ وفـيام عينهـا مـستديرة وحماطـة نيبيليتـصلبا كقـضا فجـأة رسيع كانت متدمهارختاء

تـذكر . يالتي كانت هتتز كاأليـداألمامية بحلقة ذهبية، كانت تعارك اهلواء بقوائمها شبية صغرية مثبتة بشكل متعرج بمسامري، وبحركـة خحينها لعبة مصنوعة من ألواح

حينهـا فكـر .فوقهاتدريب العساكر الصغار املثبتة ب مكانت تقومماثلة حلركة الضفدع كـان حيـس بقـشعريرة . يف بيته ثم بأمه، بعد ذلك أخذته موجة من احلزن فعاد يبكـي

ألن نحيبـا يتمهـا أنه مل يستطع أن ؛ ركع وتال صالة ما قبل نومه غري تنسل يف أعضائهشديدا وصاخبا يـشغله أو يرى ما حوله ومـا كـان يشء غلبه عىل أمره فلم يعد يفكر

.سوى البكاء :فجأة، إذا بيد ثقيلةعىل كتفه، وصوت قوي يسأله

ما الذي حيزنك إىل هذا احلد يا صبي؟ -التفت سيمون وإذا بعامل ضخم اجلثة ذي حلية وشعر أسود جمعد، ينظـر إليـه

:، فأجابه والدموع متأل عينيهوبحن ..ال أب يل.. أنا ال أب يل.. أنا .. ألنني .. لقد رضبوين - .كيف ذلك، أجاب الرجل مبتسام، فلكل واحد من الناس أب -

:حزنهأجاب الولد بأمل بني تشنجات .أنا ليس لدي أب.. أنا -

حـديث حينها بدا اجلد عىل العامل، فقـد تـذكر ابـن البالنـشوت، ومـع أنـه :يف القرية، كانت لديه فكرة غامضة عنها، فقال للصبياإلقامة

هيا، أبرش يا ولدي وتعال معي لنذهب إىل والدتك، وسنعطيك أبا - . سارا معا وقد أمسك الكبري بيد الصغري، كان الرجل يبتسم، إذ كـان مـرسورا

ربام كـان يفكـر .كانت من أمجل فتيات املنطقةألنه سريى عن كثب البالنشوت التي .سقطت مرة قد تعيد الكرةيف أعامقه بأن شابة

Page 96: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٩٥-

:وصال إىل بيت صغري أبيض، شديد النظافة، فقال الصبي :هنا، ثم صاح - !..أمي -

عن االبتسام، ألنـه فهـم عـىل الفـور أنـه ال فجأة لم، فكف العاظهرت امرأة مـام البـاب بمالمـح أالتـي تـسمرت يمكن العبث مع تلك الفتاة الطويلة الـشاحبة

ذلك البيت حيث تعرضت فـيام وقفت هناك ملنع الرجل من ختطي عتبة اقاسية وكأهن :مىض خليانة رجل آخر، فتمتم خجال

.الذي كان تائها قرب النهرتفضيل يا سيديت، ها أنا أعيد إليك ولدك الصغري - :غري أن سيمون تعلق بعنق أمه وقال هلا وهو يبكي ثانية

.. أمي، كنت أريـد أن أغـرق نفـيس ألن األوالد اآلخـرين رضبـوينال، يا - .ألنني بال أب.. رضبوين

بعنـف وقـد متزقـت حتـى أعـامق عال خدهيا امحرار الذع، فغمرت صـغريها وبقـي الرجـل وقـد غلبـه .لتغطـي وجههـاجسمها، بينام سالت الدموع من عينيها

:وه وقالغري أن سيمون أرسع نح. التأثر، ال يعرف كيف يغادر أتريد أن تكون أيب؟ -

ران علـيهم الــصمت، أمــا ال بالنـشوت فكانــت كاخلرســاء يعـذهبا اخلجــل، وقــد :أحد أجابه بيشء، تابعحني رأى الصبي أن ما من . استندت إىل اجلدار ويداها عىل قلبها

.إذا رفضت فسأعود ألغرق نفيس -اعترب العامل املسألة مزاحا فأجاب ضاحكا :

.بكل رسوربل أقنعم - ما اسمك حتى أرد عليهم حينام يريدون معرفة اسمك؟اإذ - .أجاب الرجل. فيليب -

:صمت سيمون حلظة ليدخل ذلك االسم يف رأسه، ثم مد يده وقد تعزى قلبه وقال .يا فيليب، أنت أيبحسنا -

Page 97: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٩٦-

.وجنتيه، ثم هرول هاربا بخطى واسعةمحله العامل بني يديه وقبل الصبي إىل املدرسة يف اليوم التايل، استقبل حني دخل بضحكة خبيثـة؛ ولـدى

اخرتقـت حني أراد الولد املناحر أن يعيد الكـرة، رمـاه سـيمون بكلـامت االنرصاف :رأسه كام لو أهنا كانت حجارة

.أيب، اسمه فيليب - .من أين جئت به؟.. ما هذا الفيليب؟... فيليب ماذا؟... فيليب من؟ -

وقـد اسـتعد لتحمـل حتداهم بعينـه ب سيمون بيشء؛ وبإيامن ال يتزعزع مل جي . أنقذه أستاذ املدرسة فعاد إىل أمه.اآلالم دون أن يفر أمامهم

فيليـب، مـدة ثالثـة أشـهر يمـر كثـريا أمـام منـزل ال ظل العامـل العمـالق ،بالنشوت، وأحيانا كان يستجمع شجاعته ويكلمها حني يراها ختـيط قـرب النافـذة

.جماال ليـدخل بيتهـاكانت جتيبه بأدب ورزانة دون أن تضحك له مطلقا، ومل ترتك له غري أنه ككل الرجال، كان مغرورا، وختيل أهنا غالبا مـا تـصبح أكثـر امحـرارا عنـدما

.كانت تكلمهوتبقـى عـىل الـدوام رسيعـة لـساقطة صـعبة االسـتعادة احلسنة لكن السمعة

.عمت القريةال بالنشوت املرتاب، فإن النميمة ن حتفظ العطب، حتى أنه بالرغم مأما سيمون فقد أحب أباه اجلديد حبا مجا وكانا يذهبان للنزهة معـا كـل مـساء

تقريبا بعد أعامل النهار، كـان يـذهب بانتظـام إىل املدرسـة ويمـر بـني رفاقـه شـديد .دون أن يرد عىل كالمهم مطلقااالعتزاز

:ما ذلك الصبي الذي كان أول من هامجهمع ذلك قال له يو .لقد كذبت، فأنت ليس لك أب يدعى فيليب - .ومل ال؟ أجابه سيمون وقد غلبه التأثر -

:أجابه الصبي وهو يفرك يديه .أب لكان زوجا ألمكلو كان لك -

:اضطرب سيمون أمام دقة هذا التفكري، عىل أنه أجابه

Page 98: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٩٧-

.يف كل األحوال هذا أيب -مكن، أجابه الصبي هازئا، لكنه ليس أباك متامامن امل - . حيـث كـان »لـوازون« رأسه وسار باجتاه دكان احلـداد ى ابن ال بالنشوتنح

.فيليب يعملمعـتم، وكـان ضـوء ، جوهـا كانت الدكان تبدو وكأهنا مدفونة حتت األشجار

وي الـسواعد ذالوحيدة التي تيضء عىل مخسة مـن احلـدادين هو اإلنارة النار املوقدة كـانوا واقفـني . فتحـدث فرقعـة كبـريةالتي تنهال بالرضبات عـىل الـسندان العارية

عـىل احلديـد املحمـي الـذي عيوهنم مثبتة . وألسنة اللهب تنريهم فيبدون كاألبالسة .املثقلة تعلو وهتبط مع مطارقهمكانوا يشكلونه؛ وأفكارهم

مـن كمـه، فالتفـت دخل سيمون دون أن يشعر به أحد وذهب يـشد صـديقه حينئذ، وسط ذلك الـصمت غـري . قف العمل فجأة وكل الرجال تطلعوا، بانتباهوتو

سمع العادي .صوت سيمون الضعيف .شود بأنك لست أيب متامايقل يل يا فيليب، أخربين ابن ال م - .ومل ال؟ سأله العامل - .ألنك لست زوج أمي -

ند رأسه عىل ظهر كفيـه املـستندين مل يضحك أحد، وبقي فيليب واقفا وقد أس، وبـني فيهحيدقون األربعة ورفاقه كان حيلم . إىل ساعد مطرقته املرفوعة عىل السندان .أولئك العاملقة وقف سيمون ينتظر بقلق

:فجأة قال واحد منهم جميبا عىل أفكار اجلميع إهنـا شـجاعة ،بكل األحوال، هـي فتـاة صـاحلة وطيبـة ال بالنـشوت هـذه -

.، وستكون نعم الزوجة لرجل رشيفذبة بالرغم من مصيبتهاومه :مجيعهم قالوا

.هذا صحيح - :فتابع العامل

Page 99: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٩٨-

هل هذه غلطتها حني زلت هذه الفتاة؟ لقد وعدت بالزواج؛ وأعـرف غـري - .باالحرتام اآلن وكن قد فعلن األمر ذاتهواحدة ممن يتمتعن

:فتابعهذا صحيح، أجابه الرجال الثالثة معا، -ولدها وحدها، وكم بكت منذ أن مل تعد خترج من كم تأملت املسكينة لتنشئة -

.بيتها إال إىل الكنيسة، وال يعلم بذلك إال اهللا .هذا صحيح أيضا، قال اجلميع -

مل يعد يسمع إال صوت املنفاخ يؤجج نار املوقد، انحنى فيليـب فجـأة حينذاك :نحو سيمون وقال له

.مك بأن لدي ما أقوله هلا هذا املساءاذهب وقل أل -رضبـات ، واهنمـرت خارج الدكان، وعاد إىل عملـهالصبي من أكتافه ثم دفع

. ، أقويـاء، سـعداء وراضـني، جبابرةحتى املساء عملوا عا عىل السنادين؛ممطارقهم عـن األجـراس متميـزا لكنيـسة الكاتدرائيـة أيـام األعيـاد ولكن كام يـرن نـاقوس ا

كـل املطارق األخرى وتنزل مطرقة فيليب هتيمن عىل فرقعات كذا كانت هاألخرى، يف عينيه، كـان يعمـل بـشغف أما هو، واحلامس باد . ضجيجا يصم اآلذانثانية حمدثة

.واقفا فوق الرشار املتطايركـان قـد ارتـدى . الـسامءعندما طرق باب ال بالنشوت، كانت النجـوم متـأل

الصبية أمام العتبة قالت له بـصوت يـنم وقفت . تهاألحد وقد شذب حلييوم قميص :عن األمل .إيل يا سيد فيليبقدومك عند هبوط الليل ييسء -

:حاول الرد، فتمتم وبقي مربكا أمامها، فتابعت .أنت تعي متاما أنه جيب أال يلوك الناس سرييت من بعد -

:فجأة قال هلا ؟يف أن تكوين زوجتيوماذا يضريك لو رغبت -

Page 100: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٩٩-

مل تفه بأي جواب، لكنه ظن أنه سمع يف عتمـة الغرفـة صـوت جـسم يـرتنح، أمـه كلـامت هتمـسها ز سيمون وهو يف رسيره صوت قبلـة وبـضع دخل برسعة؛ ومي

فجأة أحـس بذاتـه يرتفـع بـني يـدي صـديقه الـذي أمـسكه بيديـه . بصوت خافت :العمالقتني وصاح به

مي احلداد، وهو سيشد آذان كل هلم، لرفاقك، إن أباك هو فيليب ريستقول - .يؤذونكسمن

عىل وشك أن تبـدأ وقـف اليوم التايل، والقاعة تغص بالطالب، والدروس يف : ترجتف، وقال بصوت واضحهوشفاهسيمون شاحبا

.إن أيب هو فيليب ريمي احلداد، ولسوف يقتلع أذن كل من يتسبب يف أذاي -. املعرفة من هـو فيليـب ريمـيمل يضحك أحد هذه املرة ألن الكل يعرف حق

.كان رجال يفخر أي واحد منهم لو كان أباه

١٨٧٩ كانون األول ١

Page 101: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٠٠-

ةــالوصي

إىل بول هريفيو

لطيـف ، وهـو شـاب »دو بورنفـالرونيـه « وبـني يالصداقة بينعرى توثقت

نة زن، يف نظراته ما يوحي بأنه عىل بيمن احلاملعرش، رقيق احلاشية، تعلو وجهه مسحة واالرتيـاب، حيـس مـن دأب عـىل ومن طبعـه احلـذر . وعلم تام بكل ما يدور حوله

وغالبـا مـا كـان يـردد . عىل برصه النفـاذال خيفى املجتمعات املخملية رفقته أن رياء :العبارة التالية

أو عىل األقل، ليس الرجال برشفاء البتـة إال ،الرجال الرشفاء ال وجود هلم« - .»سفهاء واألوغاد وحثالة الناسإذا قورنوا بال

كنـت . »دو كورسيل«، مها السيدان يزورمهان مل يكن يعرفت أيضا أن له أخون اسـم عائلـة أخويـه؛ عـأظن أنه ثمرة زواج ثان ألمه وذلك الختالف اسم عائلته فلم أكن قد سـمعت قـط وقيل يل مرارا إن قصة غريبة حدثت لتلك العائلة، أما أنا،

.تفاصيل عنها يف مـساء أحـد األيـام، .الرجل كان يعجبني أيام إعجاب، وتوطدت صـحبتنا

:وكنت أتناول طعام العشاء عىل مائدته، جرين احلديث إىل سؤاله .هل ولدت من زواج السيدة والدتك األول أم الثاين؟.. رونيه -

ره؛ ولبـضع ثـوان مل ينـبس ثم امحر وكأنه حياول كتامن ما يف صـد وجهه امتقعكانـت إحـدى ورقيقـة حزينـة ابتـسامة ثم ابتـسم .وقد بدا عليه االرتباكنت شفة بب

:ميزاته وقال

Page 102: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٠١-

أصـيل، إن مل أحداثا مثرية عن سوف أرسد عىل مسامعك ،يا صديقي العزيز -عـىل ، وأنا ال أخشى ضـريا الذكييكن يف ذلك ما يزعجك، لقد عرفت فيك الرجل

.رى هذه الصداقةوإن تأذت سأقطع عمما سأروي؛ صداقتنا القـد، خجولـة، اقـرتن هبـا ، امرأة صغرية »دو كورسيل«كانت والديت السيدة

الـروح معاناة، كانـت ودودةعذاب ولها بثروهتا، وأمضت معه حياة كطمعا زوجها تتوجس رشا ورقيقة عىل العكس من ذلك عاملها زوجها، الذي من املفرتض ؛ املعرش

كان فظا غليظ الطباع، وهو ممن سموا بالنبالء الريفيني، . أن يكون أيب، بقسوة، وعنف فبعد شهر واحد من زواجهام، بدأ بمعارشة اخلادمة، ومن ثم مل يتورع عـن مـضاجعة

بولدين من أمي، ويفرتض أن زوجات املزارعني وبناهتم؛ ومل يمنع ذلك من أن يرزق صمت القبـور، وعاشـت لزمت أمي صمتا أين منه .يكونوا ثالثة لو أحصيت معهم

كفأر يتسلل بني األثاث، تنظر إىل الناس بعـني حـائرة الصاخب يف ظالل ذلك البيت ، كانـت مجيلـة، ال بـل مجيلـة جـدا، يغلـب عـىل اخلوف ال يفارقها ةفواجو وسامهةخماوفهـا اللون األشقر املمتزج بالرمـادي، وكـأن لونـه قـد تغـري مـن جـراء شعرها .ةاملستمر

الذين كـانوا يفـدون باسـتمرار إىل القـرص، »دو كورسيل«لسيد أصدقاء ابنيـشى جانبـه، حنـون وعنيـف، ال و، يف كتيبة الفرسانضابط متقاعد أرمل؛ رجـل خي

الذي أورثنـي اسـمه؛ »نفالردو بو«، هو السيد رصامةيرتدد يف اختاذ أكثر القرارات ت الـشدة والبـأس، وشاربه األسـود، أمـاراترى عرب قامته الطويلة وجسمه النحيل

أقرانـه مـن وال يفكـر كهذا الرجل كان مدمنا عـىل املطالعـة، .وبيني وبينه شبه كبريجـاك روسـو، ويقـال إن تلـك العالقـة إحدى جداته كانت صديقة جلـان .الرجال

كان يعـرف عـن ظهـر .طباعه وسلوكهمن شيئا ما »دو بورنفال«قد أورثت القديمة قلب كتايب ، وأمل »هيلوييز اجلديدة«، و»عيالعقد االجتام« بكل تلك الكتب املفلـسفة

الباليـة وأخالقنـا املـشبعة القديمـة وقوانينـا هيأت من بعيد الثورة عىل عاداتنـا التي .غباء

Page 103: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٠٢-

وبقيـت عالقـتهام . تلـك العاطفـةوالديت أحبته عىل ما يبدو، وهو أيضا بادهلا املهملـة فتلـك املـرأة املـسكينة . ألحـد طي الكتامن ومل تكـن يومـا موضـع ارتيـاب

اضطرت أن تتعلق به تعلق غريق بقطعة خشب طافية، ثـم تأخـذ عنـه، بعـد عـرشة ، ولـشدة احلـرب احلوميوله إىل ةالطليقاملشاعر طويلة، كل طرق تفكريه ونظرياته يف

كل ذلك كبت، . حذرها وخوفها، مل جترؤ يوما عىل إسامع صوهتا و كثـف يف غط ضـو .قلبها الذي بقي مغلقا

عامالها بقسوة كأبيهام، ومل يبديا أخواي أيضا هنام اعتـادا وألقط حنانا نحوها، أمـا .خادمـةعامالها نوعا ما ك ،من متمامت البيت، وال يشء غري ذلكعىل اعتبارها

.وأحبتهأنا فكنت الوحيد بني أفراد تلك العائلة الذي أحبها هنـا جيـب أن أضـيف إىل مـا قلـت، . عرشة من عمـريالثامنة توفيت وأنا يف

ولكي تدرك وتعي متاما ما ييل، بأن زوجها قد حصل عىل نسخة حكم قانوين لـصالح والديت، حيدد ممتلكاهتا ويفصلها عن ممتلكاته، وبـذلك متكنـت مـن التوصـية بمـلء

.ذكائهالكاتب بالعدل وتفاين إرادهتا وبفضل أبلغنا مجيعا بأن وصية والديت موجودة لديه، واستدعينا . لـسامع مـا جـاء فيهـا

مشهدا -كام حدث -وإين ألختيله . إين ألذكر ذلك كام لو أنه حدث باألمس القريبعظيام، دراميا، مدهشا، ويبعث عىل السخرية يف آن معا، أوحته تلك الثـورة املتـأخرة

رصخــة تلــك التــي . أعــامق القــرب باحلريــة مــن نللفقيـدة، ثــورة ورصخــة تطالبــامن ظلمـة وتقاليدنا، فكانت تبعث استشهدت مسحوقة خالل حياهتا، متأثرة بعاداتنا

قربهانداء يائسا .نحو االنعتاقدموي املالمح، يـوحي لـك مظهـره ضخم اجلثة من ظن نفسه أيب، كان رجال

،ين مـن عمرمهـاوأخواي شابان قويـان يف العـرشين والثانيـة والعـرش. احليبلحام دو «اسـتدعي معنـا أيـضا الـسيد و .هبـدوءيف مقاعـدهم ينتظـرون مجيعهم جلسوا

فدخل وجلس خلفي ملتفا » بورنفال بمعطفه وكان شـديد الـشحوب، يقـرض مـن .وأظن أنه كان يتوقع ما سيحدث؛ وقتئذوقت آلخر شاربه الذي بدأ يشيب

Page 104: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٠٣-

غلـف املختـوم يقرأ، بعد أن فض املالباب باملزالج وأنشأ أقفل الكاتب بالعدل .، والذي كان جيهل فحواهبالشمع األمحر

فجأة، صمت صديقي وهنض إىل خزانتـه ليأخـذ منهـا ورقـة قديمـة؛ فتحهـا : وقبلها قبلة طويلة وتابع

:ها هي ذي وصية املرحومة والديت -ية الزوجـة الـرشعدو كروالـوس، جنيفيف ماتيلد أنا املوقعة أدناه، آن ماري «

دو كورسيل، أعـرب هنـا وأنـا بكامـل قـواي العقليـة جوزيف غوتران ن ليوبولد جلا :واجلسدية عن رغبايت األخرية

عـام سـأذكره، أطلب املغفرة من ريب أوال، والعفو والـصفح مـن ابنـي رونيـه لكنني أؤمن إيامنا ثابتا الواقـع وسـيفهمني بأن ابني ذو قلب كبـري قـادر عـىل إدراك

طيلة حيايت، فقد اختذين جان زوجة لـه بحـساب، مقـدرا األمرين قاسيت . ويغفر يل .وخانني بال انقطاعوقهرين كل صغرية وكبرية، ومن ثم احتقرين وجتاهلني

.أنا أساحمه لكنني لست مدينة له بيشءوبالكـاد عـامالين ، وحـدهبامومل أشـعر بحـبهام عـيل ا مل يعطفالكبريانولداي

أيـضا ما حيتم الواجب عيل أن أكون، لكنني أشعر خالل حيايت ت هلامكن .كوالدة هلام بدون املحبـة ىالدم ال طعم هلا وال معنال أدين هلام بيشء بعد ممايت، ألن روابط بأنني

الولد العاق يف رشعي أقل شأنا وقدرا من غريب، . املقدسة املستمرة عىل مدى األيام مطلقا أن يكون ال مباليا ال بل هو مذنب آثم ال حيق له .جتاه والدته

، وعـاداهتم كنت دائمة االرتعـاش أمـام الرجـال وقـوانينهم اجلـائرة الظاملـةاملنحطـة؛ أمـا وأنـا أواجـه ريب فـال أخـشى املسبقة البعيدة عن اإلنسانية، وأفكارهم

شيئا، وألقي عني بعد مويت كل الرياء البرشي املخجل، وأجاهر بأفكاري بـام وأبـوح .يف داخيل، وأمهر ذلك بتوقيعييعتلج

، أترك كل ما تعود ملكيته يل حـسب القـوانني النافـذة، حلبيبـي وأمـني رس اإذ .رونيهدو بورنفال، ليستفيد منه فيام بعد ولدنا احلبيب قلبي بيري

Page 105: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٠٤-

هذه الرغبة عربت عنها يف صك آخر مصد( ).ق إضافة للوصيةقلوب والكىل، والذي يسمعني ويعلـم رسيـرة أمام القايض األعىل، فاحص ال

احلنان واحلب املتفاين الصادق والصامد لدى عشيقي، لـو قلبي، أعلن أنني لو مل ألقويعـزي بعـضهم ويتكاتفوا مل أع بني ذراعيه أن اخلالق قد أوجد الناس ليتحابوا أنني

.ود كلهبعضا، وتدمع أعينهم يف ساعات الضيق، للعنت وكفرت بالسامء وبالوجن بحياتـه للـسيد سيل، رونيه فقـط مـديروالكبريين هو السيد دو كوالد ابني

نفال، أرجو رب العبـاد وسـيد مـصائرهم، أن يـضع فـوق كـل االعتبـارات ر بودوــه، وأن جتمعهــام ــواي االجتامعيــة األب وابن ــذكراين يف مث ــى املــامت ويت ــة حت املحب

.األخري .بو إليهاألخرية وهناية ما أصتلك هي رغبتي

دو كروالوسماتيلد :هنض السيد دو كورسيل من كرسيه وصاح

.إهنا وصية جمنونة - :وقاطعحينئذ تقدم السيد دو بورنفال وأعلن بصوت مدو

أنا بيري دو بورنفال، أعلن أن ما احتوته هذه الوصـية لـيس سـوى احلقيقـة، -عليه بالرسـائل واألوراق إلثبات ذلك أمام أي إنسان، وأن أبرهن وأنا عىل استعداد .التي يف حوزيت

: متقـابلنيا وقفـكان لكنهامبتشفاعتقدت أهنام سيمشى إليه السيد دو كورسيل :الزوج طويل ممتلئ، واآلخر نحيل يرجتف، زوج والديت قال متلعثام

!..أنت حقري - :صارمة وقاطعةفأجابه اآلخر بلهجة

منـذ وأحتـداك أن أصـفعك بـودي هذا املكان يا سيد، وكانيف غري سنلتقي -قبل كل يشء املحافظـة عـىل هـدوء وراحـة تلـك املـسكينة إبـان لو مل أبتغ أمد بعيد

حياهتا، تلك التي سمتها .العذاب واهلوان

Page 106: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٠٥-

: وقالإيلثم التفت أنت ابني، هال صحبتني؟ ليس يل احلـق أن آخـذك معـي، ولكـن إن أنـت -

.فاألمر خيتلفتبعتني عقيل يده املمدودة دون أن أجيب، وخرجنا معا وقد ذهب نصف شددت عىل

.بالشكتل دو كورسيل يف مبارزة مع دو بورنفـال، ولـزم أخـواي ، قبعد ذلك بيومني

وقد تنازلت هلام وقبال، عن نصف ما تركته يل والـديت مـن .الصمت خشية الفضيحةاالسم الذي أعطيته بالقانونإرث، وأخذت اسم أيب تاركا . والرشعية ومل يكن يل

أما السيد دو بورنفال فقد تويف منذ مخسة أعوام، وال أزال حتى اآلن يف حـزن .كبري لفقده

:أمامي وقالهنض وسار بضع خطوات ثم توقف

مـا يمكـن أن تقـوم بـه امـرأة؛ أمجل وأصدق نعم، أقول إن وصية أمي هي - أوليس هذا رأيك أيضا؟

:لتمددت له يدي االثنتني وق ..نعم وبكل تأكيد يا صديقي -

١٨٨٢الثاني تشرين ٧

Page 107: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٠٦-

بـح

ثالث صفحات من كتاب صياد

قتلهـا ثـم :نوعات إلحدى الـصحف مأسـاة عاطفيـةقرأت للتو يف صفحة امل

فقط، وليس له من أمهية ما هيمني هو حبهام كان حيبها، ماذا هيم هو وهي؟ اانتحر، إذشني أو يؤثر يف أو جيعلني أحلـم، بـل ألنـه الشفقة أو ألنه يدهبالنسبة يل ألنه يثري يف

، كـام كانـت »احلـب«شبايب، ذكرى صيد غريبة حني ظهر يل مرت يف يعيد إيل ذكرى .للمسيحيني األوائلالصلبان تظهر يف كبد السامء

ولدت ولدي كل غرائز وحواس اإلنسان البـدائي، لطفتهـا حجـج ومفـاهيم نا مغرم بالصيد؛ احليوان املدمى، الدم عىل الريش وعـىل يـدي، كـل أإنسان متمدن؛

.هذا يثري قلبي حتى يكاد ينهارتلك السنة، عند هناية اخلريف، فاجأنا الربد؛ واستدعاين أحـد أقربـائي كـارل

.دي روفيل كي أصحبه لصيد البط يف املستنقعات، عند مطلع الفجرأصهب قوي ذو حلية كثة؛ نبيل ريفي قريبي هذا رجل جسور، ناهز األربعني،

نصف وحش لطيف بطبع مرح، يتمتع بتلك الروح املاجنة التي جتعل التفاهـة ممتعـة؛ جيـري فيـه هنـر؛ والـتالل كان يسكن مزرعة أقرب ما تكون إىل قرص، يف واد واسـع

فيام مىض، لسادة نبالء، بقيت فيها أشـجار باسـقة حوله تغطيها أحراش قديمة كانت حيث كانت تكثر أندر الطرائد، من ذوات الـريش، يف أنحـاء فرنـسا وتـصطاد رائعة

البـد فاملكتظة إال نـادرا، أما الطيور العابرة التي ال تأيت إىل بالدنا فيها النسور أحيانا؛ يف الغابـة، أو تذكرت زاوية صـغرية عىل أغصاهنا الدهرية وكأهنا عرفت وأن تتوقف

.الليلية القصريةإبان رحلتها ون هلا ملجأ من مرات سابقة، ظلت هناك لتك

Page 108: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٠٧-

ويف بواسطة أقنية وتفـصلها أسـيجة؛ ىهناك مراع كبرية تروكانت يف الوادي يف مستنقع، هو أفضل مكان صيد رأيتـه يف يف أقنية ثم تسيح البعيد، هنر تتوزع مياهه

بـني القـصب بـه كحديقـة لقريبـي الـذي كـان يعتنـي حيايت، وكان الشغل الشاغل كنـا قـد ؛احلياة والضجيج واألمـواج املتالطمـة ويدب فيه هلكثيف الذي كان يغطيا

القعر، التي تقـاد وتوجـه بالعـيص، امللساء حيث كانت الزوارق ممرات ضيقة حددنا عـرب األعـشاب، الساكنة، فتالمس األسل وتنفر السمك الرسيع متر صامتة عىل املياه

.املدببة فجأةالسوداء رؤوسهفتختفي الربي يغطس وجتعل الدجاج احلركـة، من أنـه كبـري ودائـم البحر، بالرغم :غري متوازاملياه بشكل أنا أعشق

كـل حيث خيتلج وترحل، واملستنقعات امتالكه، واألهنر التي متر، وهترب ويستحيل عىل األرض، عـامل متكامل إهنا عامل .. املستنقعات.. للكائنات املائيةالوجود املجهول

ومسافروه العـابرون، أصـواته، ضـجيجهه حياته اخلاصة، وسكانه املقيمون خمتلف لوبخاصة أرساره، ما من يشء أكثر إثارة وقلقا وخوفا من مستنقع يف بعض األحيـان، ما سبب هذا اخلوف الذي يسود هـذه الـسهول املنخفـضة املغطـاة باملـاء؟ هـل هـي

، والـسكون العميـق الـذي هج املستنقعات الغريبو أما ؟مهسات القصب الغامضةعـىل أغـصان األسـل يف الليايل اهلادئة، أو الضباب الغريب الذي جيـر أذيالـه يغلفها

وهـي التـي تثـري ، وناعمـةبقبقة التي تكاد تكون غـري مـسموعةكثياب املوتى، أو الذات فع الناس ورعود الـسامء ممـا جيعـل املـستنقعات لرعب أحيانا أكثر مما تثريه مداا

. ببالد األحالم، أو بالد رهيبة ختفي أرسارا خفية وخطريةشبه كبرييشء آخر خيرج منها، رس آخر أكثر عمقا، وأشد خطرا، يطوف مـع هناك .. ال

ألـيس يف امليـاه الراكـدة املوحلـة، يف الرطوبـة ! الضباب الكثيف، ربام هو رس اخللـقتحت للنور أوىل فجتت وتاملثقلة لألرايض املبتلة حتت حرارة الشمس، قد حتركت وار

..خاليا احلياة؟ .وصلت مساء عند قريبي، واجلليد يفطر احلجارة

والـسقف كلهـا واجلـدران خالل العشاء، يف القاعة الكـربى حيـث الـصوان عـىل أغــصان مثبتــة بــالطيور املحنطـة، ذات األجنحــة املنبـسطة أو اجلاثمــة مغطـاة

Page 109: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٠٨-

وم والسبد باملسامري، مثل الصقور ومالك احلزين والب والسقاوة وغريها مـن الطيـورغريبا، من الـبالد البـاردة فكـان يرتـدي أما قريبي الذي بذاته يشبه حيوانا . اجلارحة

.لتلك الليلةالتي اختذها الفقمة وحيدثني عن االستعدادات سرتة من جلد كان علينا االنطالق يف الثالثة والنصف صباحا لنصل يف الرابعـة والنـصف إىل

ريـح مـا قليال مـن زمهريـر هناك بني كوخ جليدي ليحمينا . لصيدناالنقطة املختارة ويقطعـه قبل الصبح، ذلك اهلـواء الـذي حيمـل معـه بـردا يمـزق اجلـسد كاملنـشار

.املسمومة ويلويه مثل كامشة وحيرقه كالناركالشفرات، ويلسعه كاإلبر :قريبي كان يفرك يديه فقال

مدا كهذا، لقد تدنت احلرارة إىل اثنتـي عـرشة درجـة حتـت مل أشهد يوما جت - .الصفر يف السادسة مساء

.يف موقديإىل رسيري بعد العشاء ونمت عىل ضوء نار تشتعل ذهبت قريبي كـارل تديت أنا أيضا جلد خروف ثم القيتأوقظت يف الثالثة متاما، ار

وة الالذعـة، أتبعناهـا ا كوبـا مـن القهـارتدى جلد دب، وبعد أن رشب كل منـوقد . وبيريوبلونجون: بكأيس شمبانيا، انطلقنا بصحبة حارس مع كلبينا

تلك كانت ليلـة . لدى أول خطوة خارج القرص شعرت بالتجمد حتى العظامفاهلواء املتجمد يصبح مقاوما، قابال للمس لشدة مـا . تبدو فيها األرض ميتة من الربد ثم يقتـل ة، فهو متسمر، جامد، يعض وخيرتق وجيفف حيدثه من أمل؛ ال حتركه أية نسم

.واحلرشات، وصغار الطرياألشجار والنباتات القمر يف ربعه األخري، مائل وشاحب، بدا خائر القـوى وسـط الفـضاء، كـان

فبقي معلقا يف األعىل وقد شلته قسوة الـسامء، كـان بحيث مل يستطع أن يغيب ضعيفا ينرش ضوءا جافا العامل، ذلك الضوء املحترض الباهت الذي يرسـله إلينـا وحزينا عىل

.كل شهر، يف هناية بعثه ونشورهكنا نسري، أنا وكارل، جنبا إىل جنب بظهر مـنحن وأيـد مدسوسـة يف اجليـوب

عـىل النهـر أحذيتنا كانت مغلفة بالـصوف لتقينـا االنـزالق . حتت الساعدوالبندقية .ظر إىل البخار املتصاعد مع أنفاس كالبناصامتة؛ كنت أناملتجمد، وجتعل خطانا

Page 110: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٠٩-

ورسنـا يف أحـد ممـرات القـصب اجلـاف، بعد قليل وصلنا إىل طرف املستنقع .املمتد عرب تلك الغابة املنخفضة

ــت تالمــس ــا كان ــف أكواعن ــة، وختل ــاعام، األوراق الطويل ــا ن ــا حفيف وراءن غريب الذي تولده لـدي القوي والأحسست بأنني كام مل أكن يوما، أسري هذا الشغف

من الربد ألننا مشينا فوقه وسط أحيائه من األسـل كان ميتا ذاك املستنقع . املستنقعات .اليابس

دخلتـه، وبـام ؛ لنلجأ إليـهئنشاملمر، الح يل الكوخ الذي أفجأة عند منعطف أن حمـاوال التففت بغطـائي أنه كانت لدينا نصف ساعة انتظار لتستفيق الطيور التائهة

.أبعث الدفء يف جسديكنت متمددا عىل ظهري أنظر إىل القمر املشوه وقد برزت منه قرون أربعة عرب

.غري الواضحة لذلك الكوخ القطبياحلواجز اجلليدية من الـسامء تغلغـل يف لكن برد املستنقع املتجمد، وبرد اجلدران والربد الساقط

.بشكل مريع حتى بدأت بالسعال :رل فقالدب القلق بكا

سنـرضم إن مل نصطد كثريا اليوم فأنا ال أريد أن تـصاب بالرشـح؛ ال عليك - .نارا

.وأعطى األمر للحارس أن يقطع قصباالسقف لينطلق منه الدخان، وحـني مجعنا ذلك القصب وسط الكوخ املثقوب

، نحو تلك احلواجز البلورية، بدأت يف الذوبان ببطءتصاعدت ألسنة اللهب احلمراء :ان قد خرجكناداين كارل إذ وكأن تلك احلجارة اجلليدية بدأت تتصبب عرقا،

!.تعال وانظر -الشكل كان مثـل ماسـة هائلـة يف كوخنا املخروطي .وبقيت مذهوالخرجت

قلب النار املندفعة بغتة فـوق مـاء املـستنقع املتجمـد، ويف داخلـه شـكالن عجيبـان .التي كانت تصطيللكالبنا

Page 111: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١١٠-

لقـد أيقـظ ضـوء . عربت فـوق رؤوسـنا،ة غريبة يف الفضاء تائهةلكن رصخ .النريان لدينا الطيور الربية

اليشء يؤثر يف مثل جلبة احلياة األوىل غري املرئية والتي جتري يف اهلـواء املظلـم يبـدو يل يف هـذه .بعيدا وبرسعة قبل أن يظهـر يف األفـق أول ضـوء يف هنـار شـتوي

فجر أن هذه الصيحة اهلاربة التي حيملها ريش طائر هي نفـس الساعة املتجمدة من ال !..من أنفاس روح العامل

:قال كارل .اطفئوا النار، لقد الح الصباح -

وجمموعات البط جتر بقعا سـوداء رسيعـة ختتفـي تشحب بالفعل بدأت السامء .برسعة يف كبد السامء

الكلبـان فانـدفع وميض تبعه صوت انفجار، ألن كارل كان قـد أطلـق نـارا، فـوق ن يظهرإبنشاط، مرة أنا وأخرى كارل، ما كنا نصوب من دقيقة ألخرى؛حينئذ

يلهثـان كانا جيلبان إلينا ومهـا بيريو وبلونجون . القصب ظل جمموعة من تلك الطيور .وعيون البعض منها ما تزال حتدق بنافرحني، الطرائد املدماة

يف أقىص الوادي، وكنـا نفكـر هرت الشمس النهار، هنار صايف الزرقة؛ ظطلع بغتـة فـوق رؤوسـنا، ممدودة، ينزلقان بالعودة حني ملحنا طريين، عنقامها وأجنحتهام

.. ويف الفـضاء فـوق رأيس انطلـق صـوت. أحدمها عند قدمي تقريبـا عأطلقت فوقبأنات قصرية متكررة متزق القلب؛ هـذا الطـري الـذي نجـا جعـل صوت طري يرصخ

.بني يديوهو ينظر إىل رفيقته امليتة فوقنا لسامء الزرقاء حيوم يف ا .ينتظر الطري ليقرتبكان كارل راكعا وبندقيته عىل كتفه وعينه متيقظة

:قال يل .والذكر لن يغادر املكان.. لقد قتلت األنثى -

أنا مل أسـمع يومـا .. مل يربح املكان، بل كان يلف ويدور ويبكي حولنابالتأكيد مزقت أحشائي مثل ذلك النداء احلزين والعتاب الـصادر عـن ذلـك الطـري أنات أمل

.التائه يف الفضاء

Page 112: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١١١-

التي كانت تتابع طريانه، بدا حينا وكأنـه أحيانا كان هيرب بفعل هتديد البندقية أن يتخـذ قـرارا بـل كـان يعـود يريد متابعة طريقه وحده عرب السامء، لكنه مل يستطع

.ليأخذ أنثاه :ارلقال يل ك

.دعها عىل األرض، فهو سيقرتب بعد قليل -اقرتب فعال دون أن خيشى اخلطر، وقد جن متأثرا بحبه احليـواين لتلـك التـي

.قتلتها للتووكام لو أنك قطعت حبال كان يبقي الطري معلقـا، رأيـت .. أطلق كارل بندقيته

.به بيريوشيئا أسود هيوي وسمعت ما بني القصب صوت سقوطه، بعدها أتاين .إىل باريسوعدت يومها .. وضعت الطريين وقد أصبحا باردين يف جعبتي

١٨٨٦ كانون األول ٧

Page 113: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١١٢-

فرــاء السـأثن تودوزإىل غوستاف

١ ، واجلميع يتحـدثون، »كان« مدينة مألى منذ خروجها منعربة القطار كانت

هنـا «: ال أحـدهمقـ» بتاراسكون«وحني مر القطار .. بعضهم بعضاون يعرف كانواذإوطفقوا يتكلمون عـن قاتـل غـامض تعـذر اإلمـساك . »ترتكب جرائم قتل متكررة

ل مـنهم وضـع كـ. به، وهو، منـذ عـامني، يـستبيح حيـاة مـسافر مـن وقـت آلخـر كانـت النـساء يـراقبن، مرجتفـات، هبـوط الليـل خلـف .افرتاضات، وأعطى رأيـه

الزجاج، وهن خيفن ظهورا مفاجئا لرأس رجل وصـار الـبعض يـروي . البـابرب عقصصا مرعبة عن لقاءات انفرادية مع جمانني يف قطـار رسيـع، وعـن سـاعات مـرت

. قبالة شخص مشبوهيعتز هبا، كل واحـد مـنهم كـان قـد جعـل الرعـب نكتة كل رجل كان يعرف وأوثقه يف مناسبات غري متوقعة، وذلك برباطـة جـأش هيدب يف أوصال شقي رصع

، عـابرا فـصل شـتاءبني املسافرين، كان هنـاك طبيـب يمـر كـل . ل هلاموجرأة ال مثي :فقال. جنوب فرنسا، هو أيضا أدىل بدلوه وروى حادثة غريبة

مل تسنح يل أية فرصة ألخترب شـجاعتي يف حادثـة مـن هـذا النـوع، لكننـي -عرفت امرأة، وهي إحدى مريضايت، وقد توفيت، تعرضت ألغرب وأكثر احلـوادث

.وتأثرياغموضا » بـارانوفمـاري « أحـداث هـذه القـصة يف روسـيا، للكونتيـسة أولجرت

من أمجل النساء، وأنتم تعرفون قدر مجـال نـساء روسـيا، وسيدة رفيعة الشأن وكانت

Page 114: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١١٣-

، والعيون متقاربة، بلون يصعب حتديده، فهـو بـني األزرق رقيقفاألنف ناعم والفم لدهين يشء رشيـر ومغـر، شـامخ ! نوعا ماأما أناقتهن فهي باردة وقاسية . والرمادي

يف الواقـع، ربـام كـان الفـرق يف . ، مما جيذب الفرنيس ويفتنـهصارمولطيف، حنون و .األجناس واألنامط، ما جيعلني أرى كل هذه األشياء فيها

منذ عدة سنني رأى طبيبها أهنا مهددة بمرض صـدري، وقـد حـاول إقناعهـا أخريا يف اخلريـف . فضت بعناد مغادرة برتسبورغبالذهاب إىل جنوب فرنسا؛ لكنها ر

املايض، وقد بدت له أهنا ال حمالة هالكة، أنذر زوجها الذي أمرها فـورا بالـذهاب إىل .»مانتون«

فكانـت . ركبت القطار وحيدة يف مقطورة، وقد شغل خدمها مقصورة أخرىم ناظرهيـا، جتلس قبالة الباب، فريسة للحزن وهي تـرى األريـاف والقـرى متـر أمـا

وحتس بعزلة من هجرت يف هذه احلياة، دون أوالد، وبال أهل تقريبا، مـع زوج مـات . إىل مستشفىلرسحبه فرماها هكذا يف مكان بعيد دون أن يرافقها، كخادم مريض أ

. حتتـاج إىل يشءإذا كانـت عند كل حمطة، كان خادمها إيفان يأيت ويستعلم عام كان خادما عجوزا خملصا . إىل أقىص حد؛ ومستعدا لتنفيذ أي أمر تعطيه

هـبط الليـل، والقطـار يـسري بأقـىص رسعـة، مل تـستطع أن تنـام وقـد ثـارت فجأة فكرت أن تعد املال، الذي أخذته من زوجها يف آخر دقيقة، بعملة ذهبية ؛أعصاهبافتحت حمفظتها الصغرية وأفرغت عىل ركبتيها دفقا من األصفر الرن. فرنسية .ان

وإذا الباب . رفعت رأسها مندهشة. بغتة أحست بتيار هواء بارد يصفع وجههامرت بضع ثوان، ثم . رمت شاهلا مذعورة عىل ماهلا املنثور عىل فستاهنا وانتظرت. يفتح

أغلق الباب وجلس . ظهر رجل حارس الرأس جمروح اليد، يلهث، وهو بثياب السهرة .ان، ثم لف قبضة يده النازفة بمنديلثم ألقى نظرة عىل جارته بعينني تلمع

فمـن املؤكـد أن هـذا الرجـل رآهـا تعـد . أحست املرأة بأهنا تكاد تنهار خوفا .ذهبها، وقد جاء ليرسقها ويقتلها

كان حيدق فيها الهثا، ووجهه متشنج، وكان دون شك، جاهزا لينقض عليها . :فجأة قال

Page 115: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١١٤-

!سيديت ال ختايف - قادرة عىل فتح فمها، وكانت تسمع رضبات قلبهـا ب بيشء، إذ كانت غريجتمل

.وطنينا يف أذنيها :واستأنف

أنا لست شقيا أو جانيا - .، يا سيديتمل تفه بكلمة ولكن بحركة فجائية قامت هبا، تقاربت ركبتاهـا وصـارت قطـع

.الذهب تسيل عىل سجادهتا كام تسيل املياه من مزراب .فانحنى بغتة ليلملم القطع الذهبيةفوجئ الرجل وهو يرى ساقية املعدن

أما هي فقد هنضت مرتعشة وقد رمت عىل األرض كل ثروهتـا وجـرت نحـو الباب لتلقي بنفسها عىل السكة، لكنه فطـن إىل مـا كانـت سـتفعله فوثـب وامـسكها

أصغي إيل يا سيديت، أنا لـست لـصا «: بذراعية وأجلسها بالقوة وثبتها بقبضتيه وقال نني سألتقط هذا املال وأرده إليك، لكنني رجل هالك، رجل ميت إن مل والدليل هو أ

خالل سـاعة سـنكون . ال أستطيع أن أقول لك املزيد. تساعديني عىل اجتياز احلدودإن . يف آخر حمطة روسية؛ وخالل ساعة وعرشين دقيقة سنجتاز حدود اإلمرباطوريـة

تل ومل أرسق ومل أقـم بـيشء منـاف مع ذلك يا سيديت، أنا مل أق. مل تنجديني فأنا هالك .»ذلك، وال أستطيع أن أخربك باملزيدأقسم لك عىل . رشفلل

ملقاعد، باحثـا عـن آخـر قطـع ركع عىل ركبتيه ومللم الذهب الذي انتثر حتت اوبعـد أن امـتأل كيـسها جمـددا رده إىل جارتـه دون أن يتفـوه . هنا وهناكتدحرجت

.خرى للمقطورةبكلمة وعاد ليجلس يف الزاوية األ. م أي منهام بحركة، وبقيت هي ساكنة صامتة وخائرة القوى من الرعـبمل يق

ان، شـاحب الوجـه تـأما هو فقد مجد يف مكانه وعينـاه ثابت. لكنها بدأت هتدأ تدرجيياكـان رجـال يف . من حني آلخر كانت ترمقـه ثـم تبعـد عنـه نظرهـا بـرسعة. كامليت

.يل الوجه، يوحي مظهره بالنبلالثالثني من العمر تقريبا، مج. كان القطار جيري عرب الظالم، خيفف من رسعته أحيانـا ثـم ينطلـق بأقـصاها

ريا متقطعا ثم توقف متاماففجأة بدأ يتمهل، وأرسل ص .

Page 116: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١١٥-

.حينها ظهر إيفان عند الباب ليتلقى أوامر سيدتهفقهـا ر مـرة أخـرية يف مراف قالت خلادمها بعد أن أنعمـت النظـبصوت مرجت

:الغريب .»يا إيفان، عد إىل الكونت فأنا مل أعد بحاجة إليك«

.»...سيديت... ولكن«: ذهل الرجل ومتتم. أريد أن تبقى يف روسـيا. ال، لن تأيت معي، لقد غريت رأيي«: استأنفت قائلة

.»خذ بعض املال للعودة، أعطني قبعتك ومعطفكا دون اعـرتاض، فهـو معتـاد نزع اخلادم قبعته وسلم معطفه للكونتيسة، مطيع

. عىل رغبات سيدته املفاجئة ونزوات سادته العنيدة، فابتعد والدموع يف عينيه :فقالت الكونتيسة ماري جلارها. انطلق القطار نحو احلدود

أنا لـن أضـع سـوى رشط . هذه األشياء لك يا سيد، أنت اآلن إيفان خادمي«ا، أن ال تقـول يل كلمـة واحـدة، ال واحد عىل مـا أفعلـه وهـو أن ال تكلمنـي مطلقـ

.»لتشكرين وال ألي سبب آخر .نحنى الغريب دون أن يتفوه بكلمةإ

. بعد فـرتة وجيـزة توقـف القطـار مـرة أخـرى وصـعد موظفـون إىل القطـار :أعطتهم الكونتيسة األوراق ثم أشارت إىل الرجل اجلالس يف آخر املقطورة وقالت

.»هإنه خادمي إيفان وهذا جواز سفر« .انطلق بعد ذلك القطار

بقي االثنان وحدمها أثناء الليل صامتني، وحني أطل الصباح توقفـوا يف حمطـة :أملانية، فنزل الغريب ووقف عند الباب وقال

عذرا يا سيديت أن أحنث بوعدي، لكنني حرمتك من خادمك، فمـن العـدل « .»ألست بحاجة ألي يشء؟. أن أحل مكانه

.فذهب ثم اختفى. » واستدع وصيفتيأذهب«: أجابته بربود

Page 117: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١١٦-

أخـريا . مـن بعيـد ينظـر إليهـاملحتـه يف الطريق، حني كانت تنزل إىل مقهـى، .وصلوا إىل مانتون

٢ :صمت الطبيب برهة ثم استأنف حديثه قائال

سـتقبل مرضـاي يف عيـاديت، رأيـت شـابا يـدخل إيل أيف أحد األيام، وكنـت أنـا، بـالرغم . اري بارانوفن أخبار الكونتيسة م، جئت أسألك عيا دكتور«: ويقول

.»من أهنا ال تعرفني مطلقا، صديق لزوجها .»إهنا هالكة، وهي لن تعود إىل روسيا«: أجبته

طفق ذلك الرجل ينتحب فجأة، ثم هنض وخـرج يتعثـر مرتنحـا كمـن غلبـه أخربت الكونتيسة مساء، بأن رجال أجنبيا جاء يستفرس عـن صـحتها. السكر بـدت .

:ت يل كل ما قصصته عليكم للتو، وأضافتومتأثرة ورلتقـي بـه عنـدما أخـرج أهذا الرجل الذي ال أعرفه البتة يتبعني اآلن كظيل؛ «

.»ي بنظرات غريبة لكنه مل يكلمني ولو مرة واحدةقنمفري : قليال ثم تابعتتفكر .»هلم؛ أراهن أنه حتت نافذيت«

غادرت مقعدها وذهبت فأبعدت الستائر وأرتني بالفعل الرجـل الـذي جـاء إيل، جالسا عىل مقعد نقال وعيناه متجهتان نحو الفندق ملحنـا فـنهض وغـادر دون ؛

.لو مرة واحدةأن يلتفت نحونا وحينذاك شاهدت شيئا مدهشا ومؤملـا، هـو حـب ينـك الكـائنني الـصامتني ذ

.اللذين ال يعرف أحدمها اآلخرـا مـن املـوت، خملـص حتـى املـوت ـائن نج ـان يـأيت كـل يـوم . لقد أحبها بوفاء ك ك

وكان يبكي بكاء مرا» كيف حاهلا اليوم؟«: ويسألني .شاهدها تضعف يوما بعد آخر كلام

Page 118: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١١٧-

مل أكلم، سوى مرة واحدة، هذا الرجل الغريب، مع أنه يلـوح «: يلتلاوهي ق .»يل بأنني أعرفه منذ أكثر من عرشين عاما

كنـت أحـس . سـاحرةصارمة عندما كانا يلتقيان، كانت ترد له حتيته بابتسامة كنـت أحـس بأهنـا . بأهنا سعيدة، هي التي هجرت والتي تعلم بأهنا ال حمالـة هالكـة

وهـذا الوفـاء املـستعد لكـل وهذه الشاعرية ألنه أحبها هكذا، هبذا االحرتام سعيدةوالتعـرف مع ذلك ظلت أمينة لعنادها إذ إهنا رفضت بـشكل قـاطع اسـتقباله . يشء

جيـب . الغريبـةالـصداقة هذا سيفسد هذه ! ال! ال«: كانت تقول. وحمادثتهعىل اسمه .»أن نبقى غرباء

يشء ، ألنـه مل يقـم بـأي»دون كيـشوت« -أشـبه بأما هو، فإنه كان بالتأكيد أراد أن حيافظ حتـى النهايـة عـىل ذلـك الوعـد الـال معقـول يف أن ال . ليتقرب منها

.يكلمها أبدا، والذي أخذه عىل نفسه يف املقطورةكثريا ما كانت، خالل ساعات ضـعفها، تـنهض مـن كرسـيها لرتفـع سـتارهتا

حني تراه ثابتا بال حراك عىل مقعده، كانـت تعـود و. وتنظر إن كان هناك حتت نافذهتا .وتتمدد والبسمة عىل شفتيها

وحـني خرجـت مـن الفنـدق دنـا منـي . صباح أحد األيام أسـلمت روحهـا :ووجهه حمتقن، إذ كان خرب وفاهتا قد وصله، فقال

.إىل غرفتهـاودخلـت أخذته من يده . »أريد أن أراها حلظة واحدة بحضورك« .رسيرها، أمسك بيدها وقبلها قبلة طويلة، ثم فر كاملجنونحني وصل أمام

:صمت الطبيب ثانية ثم قالل خمتلـو اجيـب القـول بـأن الرجـ. هذه أغرب قصة عرفتها حدثت يف قطـار«

.»العقل أحيانا .»..كانا.. كانا... هذان االثنان كانا أقل جنونا مما حتسبون«: متتمت امرأة

وملـا غرينـا احلـديث لكـي هتـدأ، مل . لشدة بكائهـاغري أهنا مل تستطع أن تتكلم .نعرف متاما ما كانت تعنيه

* * *

Page 119: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١١٨-

ةــاحلطب

النـار . سـميكة يفـوح منهـا عطـر نـاعمحماطة بـستائر غرفة استقبال صغرية، يبعـث أنـواره احلاملـة املظللـة بغطـاء مـن هـاتشتعل يف املدفأة، وقنديل واحد يف ركن

. يتسامرانالقامش املخرم، عىل شخصنيهي، سيدة الدار، عجـوز أبـيض شـعرها، بيـد أهنـا مـن بـني تلـك العجـائز الرائعات اللوايت احتفظن ببرشاهتن سليمة ال غضن فيهـا؛ ملـساء مثـل ورق نـاعم،

أمد حتى أعامقها، من العطور التي كانت تغمر هبا، منذ لومعطرة يملؤها شذى تسللثم يدها، رائحـة خفيفـة تقفـز إىل األنـف، عجوز يفوح منها، حني ت: ، برشهتاطويل .فتح علبتهاتالفلورنيس حني سوسن المسحوق تفوح رائحة مثلام

أما هو، فصديق أيام غابرة، بقي عازبا؛ صديق يطل كل أسـبوع، أو بـاألحرى .ال يشء غري ذلك يف كل حال. رفيق سفر يف هذا الوجود

وكالمها ينظران إىل النـار، حيلـامن كانا قد توقفا عن احلديث منذ دقيقة تقريبا، .بأي يشء يف صمت أصدقاء ليسوا بحاجة أبدا للكالم حتى يعجب أحدهم باآلخر

طبـة، كانـت جـذعا متـشعبا ذا جـذور ملتهبـة، ثـم حفجأة، طقطقت فـوق قفـزت .دحرجت عىل السجادة مرسلة وميض نريان حوهلاين وارمتت يف الصالون وتاملنصب املعد

الـصديق رأة العجوز رصخة وهي تنهض كأنام لتهرب، بيـنام كـان ندت عن امل .يعيد بحذائه إىل املدفأة، تلك الفحمة الضخمة، وجيرف بنعله اجلمريات املتناثرة

تدارك الكارثة، فاحت رائحة الشياط؛ فحدق الرجل بـصديقته وهـو تم حني جيلس قبالتها مبتسام وقال مشريا إىل احلطبة وقد أعيـدت إىل هـوذا الـسبب «: املوقـد

.»الذي ألجله مل أتزوج مطلقا

Page 120: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١١٩-

معرفـة حدقت به، وقد أخذهتا الدهشة، بعني فيها فضول النساء اللوايت يبتغني ، نساء فارقهن الصبا، حني يغدو الفـضول رزينـا، معقـدا وغالبـا مـا يكـون األرسار

خبيثا ماكرا قـصة، قـصة إن ملـا حـدث! أوه«: فأجـاب» كيف كان ذلك؟«: سألته.. .»حزينة وكرهية

* * * ـات التـي حـدثت بينـي وبـني غالبا ما كان رفاقي القـدامى يـستغربون بـرودة العالق

مل يـدركوا كيـف أن صـديقني محيمـني متالزمـني .. »جوليان«أحد أفضل أصدقائي، املدعو .لكن إليك اآلن رس تباعدنا. بعضهام جتاهكام كنا، يمكنهام أن يصريا فجأة غريبني

أحـدنا األخـر؛ والـصداقة التـي يفارق فيام مىض كنا، هو وأنا نسكن معا، وال .كانت تربطنا، بدت قوية جدا بحيث ال يمكن ألي يشء أن حيطم وثاقها .حني كان عائدا إىل البيت مساء أحد األيام، أعلمني عن زواجه فعنـدما يتـزوج. تلقيت النبـأ كـرضبة يف صـدري، وكأنـه رسقنـي أو خـانني

ألن املحبـة الغيـورة للزوجـة، تلـك املحبـة . الصديق، كل يشء ينتهي، وينتهي متاماسية، ال تقبل أبدا التعلق القوي والرصيح، تعلق الـروح والقلـب املرتابة، القلقة واحل

.والثقة، املوجود بني رجلنيحـدمها بـاآلخر، فـإن الرجـل أسيديت، مهام كان احلب الذي يربط يا كام ترين

أة مها دوما غريبان روحا، وعقال؛ يظالن حماربني؛ مها من جنسني خمتلفني؛ ومـن واملر الرضوري أن يكون أحدمها قامعا واآلخر مقموعا، سيد وعبد؛ أحيانا هـذا وأحيانـا

تتعانق أيدهيام املرجتفة بشوق؛ غـري أن هـذه . ك؛ ال يمكن أن يكونا متساويني مطلقاذابـضغط قـوي صـادق، بـضغط يفـتح القلـوب ويعرهيـا يف األيدي ال تتصافح أبـدا

فبدل أن يتزوج احلكامء ويلـدوا، كعـزاء يف أيـام . حمبة خملصة، قوية ورجوليةةانطالقالشيخوخة، أبناء سيهملوهنم، عليهم أن يبحثوا عن صديق حقيقي، ليشيخوا معه يف

.مشاركة لألفكار ال يمكن أن تتواجد إال بني رجلني وكانت امرأتـه مجيلـة، سـاحرة، شـقراء جمعـدة .يقي جوليانأخريا تزوج صد

.الشعر، تضج باحلياة ممتلئة اجلسم؛ واألهم أهنا تكاد تعبده كام بدا يل

Page 121: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٢٠-

، بحميميتهــاار رضاإليف بـادئ األمــر نــدرت زيــارايت هلــام يف البيــت خــشية .تاملةغري أهنام أبديا يل حمبة ودعوة مستمرة واس. إلحسايس بأنني ال حمل يل بينهام

شيئا فشيئا غراء سحر هـذه احليـاة اهلادئـة املـشرتكة؛ ورصت أتعـشى إغلبني إذ أفكر بأن أفعل مثله، أن أختذ امـرأة، أروح ، وحني أعود إىل البيت ليال، لدهيامكثريا

.كنت أجد الوضع حمزنا يف بيتي الفارغام، كتـب يل وهكـذا يف مـساء أحـد األيـ. بدا أهنام مغرمان، وما كانـا يفرتقـان

يا صديقي، عىل أن أتغيب، بعد العـشاء «: قال يل. جوليان لكي آيت وأتعشى، فذهبتلـذا . ألمر ما، ولن أعود قبل احلادية عرشة، ولكن يف احلادية عرشة بالـضبط سـأعود

.»بريتا«أعتمد عليك أن تبقى برفقة ــت ــشابة وقال ــه ال ــسمت زوجت ــرة «: ابت ــه فك ــن أتت ــا م ــل األحــوال، أن بك

.»عائكاستدأحسست عىل أصـابعي » ...أنت اللطف واإليناس«: شددت عىل يدها وقلت

ضغطا وديا طويال مل أعره أي اهتامم، وجلسنا إىل طاولة العـشاء غادرنـا جوليـان يف . .الثامنة

ما إن ذهب، حتى شـعرت بـضيق يتولـد بـني زوجتـه وبينـي، إذ مل نكـن قـد يتنـا املتناميـة كـل يـوم، فـإن وجودنـا معـا تواجدنا وحيدين معا، وبالرغم من محيم

ىحتدثت أوال عن أشياء مبهمة بالنـسبة هلـا، أشـياء ال معنـ. وضعنا يف موقف جديدمل جتب بيشء لكنها بقيت قبالتي من اجلهة األخرى . هلا، مللء الوقت الصامت املربك

كأهنـا حدى قدميها ممدودة نحـو النـار،إللمدفأة وقد خفضت رأسها، تنظر برتدد، و. عندما جفت خميلتي ومل يبق فيها من األفكار التافهـة، سـكت. تائهة يف تأمل صعب

نني كنت أحس شيئا جديـدا إثم . من املدهش كم يصعب أحيانا أن جتد أشياء تقوهلا يف اجلو، شيئا غري مرئي، ال أعرف أن أعرب عنه، هذا اإلنذار الرسي الذي حيذرك من

.ة منها والطاحلة، التي يكنها شخص آخر جتاهكالنيات اخلفية، الصاحل

Page 122: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٢١-

ضـع حطبـة يف «: استمر بعض الوقت، ثم قالـت يل برتـااملمض هذا الصمت فتحت صندوق احلطـب املوضـوع . »املوقد يا صديقي، أال ترى أن النار تكاد تنطفئ

متاما كصندوقك، وأخذت أكرب واحدة ووضعتها فوق قطع احلطـب التـي اسـتهلك .وعاد الصمت بيننا. هاأكرب جزء من

فرفعـت املـرأة . بعد بضع دقائق، التهبت احلطبة حتى كادت تـشوي وجهينـااجلو أصبح حـارا «: الشابة عينيها نحوي، بعينني ظهرتا عىل يشء من الغرابة، وقالت

.وذهبنا. »جدا اآلن، لنذهب إىل تلك األريكة هناكالـت لـك امـرأة إهنـا ماذا تفعـل لـو ق«: فجأة حدقت بوجهي مبارشة وقالت

.»حتبك؟صدقا، مل أتوقع حالة كهذه، ثم إن ذلك يتوقـف «: بتها وقد متلكني الذهولأج

.»عىل من تكون املرأةــك ــن تل ــشة، ضــحكة م ــة عــصبية مرتع انفجــرت ضــاحكة، ضــحكة جاف

صـمتت . »ما كان الرجال يوما ذوي جرأة أو مكر«: ثم أضافت. الضحكات الكاذبة .»ت يف حياتك يا سيد بولس؟هل أحبب«: ثم تابعت

:فقالت. اعرتفت بنعم، لقد كنت مغرما يف وقت من األوقات .»هات أخربين، كيف حدث ذلك«

تـنم عـن وكانت تصغي إيل بانتباه، مـع إشـارات متكـررة .رويت هلا قصة مالكـي يكـون فأنـت ال تعـرف عنـه شـيئا، ! ال«: تة قالاالستهجان واالزدراء، وبغت

جيب، عىل ما يبـدو يل، أن يبلبـل القلـب ويـشد األعـصاب ويـدمر احلب صحيحا، خطـرا، رهيبـا، حتـى اإلجـرام، -كيف أعرب عـن ذلـك؟ -الرأس؛ جيب أن يكون

إىل حد ما، جيب أن يكون نوعا من اخليانـة؛ أعنـي أنـه حيتـاج إىل أن هيـدم االنتهاك ون احلب هادئا، سهال، بـال احلواجز املقدسة والقوانني والروابط األخوية؛ عندما يكو

أخطار وقانونيا، هل تعتربه حبا؟ «.

Page 123: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٢٢-

إيـه أهيـا الـدماغ : مل أعرف بام أجيب ورددت يف قلبي تلك العبـارة الفلـسفية !ها أنا يف حرضتكاألنثوي،

تقاسيم وجهها بدت غري مكرتثة وختفي خبثها؛ كانت متكئـة عـىل الوسـادات تفي، وملا كـان فـستاهنا مرفوعـا كنـت فتمددت ثم أضجعت وأسندت رأسها عىل ك

.أرى جوارهبا احلريرية احلمراء التي كانت ألسنة النار جتعلها زاهية عىل فرتاتوإذا هبـا تتكـئ بكـل . فاعرتضت عىل قوهلـا» ك؟فخيهل أ«: بعد هنيهة قالت

إين أحبـك مـاذا . ، أنـاكوإذا قلت لـ«: كياهنا عىل صدري، ودون أن تنظر إيل قالت وقبل أن أجد جوابا كان ذراعاهـا قـد طوقـا عنقـي وشـدا رأيس نحوهـا »ستفعل؟

.وأطبقت بشفتيها عىل شفتيأأخـون جوليـان؟ ! مـاذا! آه يا صديقتي العزيزة، أؤكد لك أنني مل أكن أتـسىل

وأصبح عشيق هذه الصغرية املجنونة املنحرفة واملاكرة، والتـي أجـزم أهنـا شـهوانية أن ختـون عـىل املـدى، وختـدع عـىل الـدوام، ! زوجهـابشكل خميف إذ مل يعد يكفيها

هـذا ! ال! وتدعي احلب وقد أغرهتا الفاكهة املحرمة وحتدي اخلطر، وخيانة الـصداقةوهـو دور شـديد احلامقـة، بـل ! ولكن ما العمل؟ هل أقتـدي بيوسـف. ال يالئمني

رأة التي الصعوبة، ألهنا كانت تبعث عىل اجلنون بغدرها، وقد أججتها جرأة املشديد العميقـة تيه القبلةفلريمني بأول حجر من مل حيس بشف! آه. خيتلج قلبها بلهيب مستعر ...المرأة استعدت لتهب ذاهتا

تفهميننـي، ألـيس كـذلك؟ لـو مـرت دقيقـة ... أخريا، لـو مـرت دقيقـة... أو بـاألحرى مـن سـيكون، !... آسف، لكان هـو... ال، لكانت... لكنت... واحدة

لدى سامعنا صوتا مرعباحني قفزنا . ، فقلبـت املـسحاة احلطبة، نعم، احلطبة يـا سـيديت، قـد انطلقـت يف الـصالون

استقرت حتت مقعـد ثم دور كإعصار من اللهب، حمرقة السجادة والواقي، وبدأت ت .كانت سترضم فيه النار بال شك

Page 124: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٢٣-

تح انقضضت كاملجنون، وبينام كنت أبعد نحو املدفأة تلـك اجلمـرة املنقـذة، فـأنـا حـر، فاملهمـة انتهـت قبـل «: كان جوليان قد عـاد مغتبطـا وصـاح! الباب فجأة

.»ساعتني من موعدهانعم يا صديقتي، لوال احلطبة لكنت علقت يف اجلرم املشهود، وأنـت تـدركني

!من هنا النتائجلذا فقد سعيت أال أمسك يف موقف مشابه أبدا، أبدا بعد ذلك الحظت جفاء .

وقلـيال فقلـيال . من الواضح أن زوجته كانـت تقـوض صـداقتنا. عاملة جوليانيف م .أبعدين عن بيته، ومل نعد نلتقي

جيب أال تعجبي إذا كيف أنني مل أتزوج أبدا .

١٨٨٢ كانون األول ٢٦

Page 125: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٢٤-

الربميل الصغري تافرنييهإىل أدولف

الـسيدة مزرعـة ، عربتـه أمـام »إيربيفيـل«صاحب نزل » شيكو«أوقف املعلم

كان رجال قويا قارب األربعني، أمحر الوجه وذا كرش . »ماغلوار« أنـه ى، وحيكـبارز .ماكر كثعلب

كـان يملـك أرضـا تتـصل . ربط حصانه إىل عمود احلـاجز ودلـف إىل الفنـاءحاول رشاءهـا عـرشين مـرة، لكـن . بأرض للعجوز يطمع بامتالكها منذ زمن بعيد

:بعناد وتقولترفض ام العجوز ماغلوار كانت دائ .»ولدت فيها، سأموت فيها«

.أمام باب بيتهاوجدها تقرش حبات بطاطا كانت العجوز يف الثانية والسبعني من عمرها، جافة الطباع، غطتها التجاعيـد،

عـىل ظهرهـا » شـيكو «تربـ. نحنى ظهرها، غري أهنا ما زالت نـشيطة كـصبيةاوقد :كريس وقال هلابمودة ثم جلس بالقرب منها عىل

حسنا يا أمي، أرجو أن تكوين بصحة جيدة« ؟»ريببروس«ال بأس، وأنت يا معلم - .بعض اآلالم، بدوهنا لكان األمر عىل ما يرام! آه - .احلمد هللا عىل كل حال -

أصابعها املعقوفـة ذات . صمتت، وبقي املعلم شيكو يراقبها وهي تتابع عملهارسطان املـاء، كانـت كـاملالقط، متـسك تلـك الـدرنات العقد، والقاسية مثل قوائم

Page 126: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٢٥-

ته بيـدها كالرمادية من الوعاء وتديرها بمهارة وهي تقرشها بحد سكني قـديم أمـسثـالث دجاجـات .. وحني تنهي قرشها كانت ترميها يف سطل مـاء أمامهـا. األخرى

كانت تدنو منها بشجاعة، الواحدة بعد األخرى وتصل حتى ثياهبـا وتأخـذ القـشور .ثم تنطلق هاربة، حتمل الغنائم بمناقريها

أخربينـي «: أخـريا قـال... بدا الضيق والرتدد عىل املعلم شيكو ويف فمه كالم ...أيتها األم ماغلوار

لك؟قدمها هل من خدمة أ - هذه املزرعة، أما زلت مرصة عىل أال تبيعيها يل؟ -ال قلـت كلمتـي قـا، ال تعـول عـىل ذلـك مطل. ال... بالنسبة هلذا املوضوع -

.حتاول مرة أخرى .هذا ألنني وجدت طريقة فيها الفائدة لكلينا - وما هي؟ -. تبيعيننـي املزرعـة ومـع ذلـك فأنـت حتتفظـني هبـا: هفيـإليك مـا فكـرت - .تابعي حجتي.. أفهمتني؟

.توقفت العجوز عن تقشري البطاطا وثبتت عىل املعلم شيكو برصها :تابع قائال

أسمعتني؟ سأمحل لـك . سأعطيك كل شهر مئة ومخسني فرنكا:سأرشح لك«كل شهر يف عربتي ثالثني رياال مـن فئـة مئـة فلـس، ولـن يتغـري يشء، ال يشء عـىل

سـتأخذين . هتتمي يب فأنـت ال تـدينني يل بـيشءدون أن اإلطالق، وتبقني يف بيتك، »فقط مايل؛ هل هذا يناسبك؟

.كان ينظر إليها برسور من راق مزاجه :أما العجوز فقد تطلعت إليه بحذر، باحثة عن الفخ الذي نصبه فقالت

.»هذا يل؛ أما بالنسبة لك، أفال أختىل لك عن هذه املزرعة أبدا؟«. ستبقني طاملا أنت عىل قيـد احليـاة. ال تشغيل بالك هبذا مطلقا«: استأنف قائال

ث تعود مزرعتك يل مـن ستكتبني يل ورقة عند الكاتب بالعدل بحي. أنت يف أمالكك

Page 127: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٢٦-

هـل . ال أوالد لك، ال أحد سوى أبنـاء أخ أو أخـت ال عالقـة تربطـك هبـم. بعدكيناسبك هذا؟ ستحتفظني بأرضك طيلة حياتك، وأنا سأعطيك ثالثني رياال مـن فئـة

.مئة فلس كل شهر، فاملكسب معك :بقيت العجوز متفاجئة، قلقة ولكن األمر استهواها، فأجابت

تكلم يف هـذا األمـر عـد لنـ. ولكـن جيـب أن أطلـب املـشورةض،أنا ال أرف« .»األسبوع القادم وسأعطيك جوابا عام أراه

.ذهب املعلم شيكو سعيدا كملك غزا إمرباطورية وأخضعهابت عليها لماغلوار حاملة، ومل تنم ليلتها؛ وعىل مدى أربعة أيام غالسيدة ظلت ذا العرض، لكن أملها بثالثـني ريـاال كـل كانت تشم رائحة السوء يف ه. محى الرتدد

شهر، هذا املال الرنان اآليت ليصب يف جيبها نازال عليهـا مـن الـسامء دون أن تفعـل .شيئا باملقابل، كان يغمرها شوق عارم إليه

إىل الكاتب بالعدل وروت له قضيتها، فنصحها بقبـول عـرض شـيكو تذهبعىل أن تطالبه بخمسني رياال بدال من ث الثني، حيث أن مزرعتها تساوي سـتني ألـف

لو عشت مخسة عرش عاما فهو لـن يكـون قـد سـدد مـن «: فرنك يف األقل، وقال هلا .»قيمتها سوى مخسة وأربعني ألفا

مخسون ريـاال مـن فئـة املئـة فلـس : ارتعشت العجوز فرحا لوجهة النظر هذهاألحابيـل اخلفيـة، ختـشى ع وغري أهنا بقيت مرتابة ختاف ألف يشء غري متوق! شهريا

أخـريا أمـرت . أن تأخـذ قـرارا عـىلوظلت تطرح األسئلة حتى املساء، غري قـادرة .ىبتحضري العقد وعادت مضطربة إىل بيتها كالسكر

ملا جاء شيكو ليأخذ اجلواب، تلكأت كثريا، حمتجـة بـالرفض، لكنهـا خـشيت .رصاره، أعلنت رشوطهاوأخريا بعد إ. من أن ال يقبل بدفع اخلمسني رياال

.انتفض وقد شعر بإخفاقه فرفض .غري أهنا سعت إلقناعه، فجعلت تتحدث عن احتامالت بقائها عىل قيد احليـاة

لن أعمر أكثر مـن مخـس سـنوات فأنـا عـىل مـشارف الثالثـة والـسبعني «: فقالت له

Page 128: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٢٧-

ولست ذات مهة كام جيب؛ منذ مدة حسبت أنني أودع احلياة، شـعرت كـأن جـسمي .بعناءإىل الرسير جررت نفيس رغ ويف

:لكن املعلم شيكو مل يرتك هلا جماال لتخدعه، فقال هلاهيا، هيا، أيتها العجوز، أنت صامدة مثـل قبـة نـاقوس الكنيـسة، ستعيـشني «

.»حتى املئة والعرش سنوات يف أقل تقدير، أنت من ستواريني الرتاب بالتأكيدبام أن العجوز مل تتنـازل، وافـق صـاحب ضاع النهار كله يف املناقشات، ولكن

النزل أخريا عىل أن يعطيها مخسني رياال . .يف الغد وقعا العقد بينهام وطالبت احلاجة ماغلوار بعرشة رياالت كإكرامية

بدت وكأهنا مل تشخ هنارا واحـدا، . مرت ثالث سنني والعجوز يف أحسن حال دفع املبلغ منذ نصف قرن وأنه خدع ي أنه بينام املعلم شيكو يكاد ييأس، إذ كان يتخيل

خر لزيـارة العجـوز، كـام يـذهب الفـالح إىل آلكان يذهب من وقت . ورسق ودمرحقله يف متوز ليتأكد من نضج زرعه، فتستقبله بعينني مـاكرتني، وكأهنـا هتنـئ نفـسها

:باحليلة التي انطلت عليه فكان يركب عربته برسعة متمتام »احليزبون؟قي أيتها فنألن ت«

كـان يكرههـا كرهـا رشسـا، . ود لو خنقها حني رآها. مل يعد يدري ماذا يفعل . مالهقرس، كره فالح خبيثا

.حينها بدأ يبحث عن وسائلأخريا، يف أحد األيام جاء يزورها وهو يفرك يديه، كام كان يفعل حني عـرض

:هلاا الصفقة أول مرة، وبعد أن حتدثا بضع دقائق قال هعلي؟ »إيربيفيـل«أخربيني يا أمي، ملاذا ال تأتني إىل الغداء عنـدي حـني متـرين يف «

. ننـا مل نعـد أصـدقاء وهـذا يـؤملني أشـد األملإفإن الناس بدؤوا يثرثرون ويقولـون طاملـا لـديك رغبـة . عشاءغداء أو يئا عندي، فأنا ال هيمني شتعلمني أنك لن تدفعي

.»ين دون تكلف ألن ذلك سيسعديلتعا، إذ أهنا بعد يومني، حني ذهبـت إىل الـسوق يف رجاءهماغلوار السيدة مل ختيب

، وضـعت حـصاهنا يف إسـطبل املعلـم شـيكو »سيلستان«عربتها التي يقودها اخلادم .وطلبت الغداء املوعود

Page 129: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٢٨-

عاملها صاحب النزل معاملة سيدة بكل ما للكلمة من معنى، وقدم هلا فروجا كنها مل تأكـل إال القليـل، فهـي قنوعـة منـذ لذ خروف مشوي، ونقانق وسجقا وفخ

نعومة أظفارها، فقد عاشت دوما عىل القليل من احلساء وكرسة خبز عليها قليل مـن .الزبدة

.أرص املعلم شيكو، لكنه أخفق حتى أهنا مل ترشب شيئا ورفضت القهوة »!البد أنك تقبلني كأسا صغرية«: فسأهلا

.رفضههذا أقبله ولن أ - :فصاح بصوت عال مأل النزل

.»روزايل، هايت من الصايف الناعم، بل املمتاز الرائع« .أطلت اخلادمة حتمل زجاجة طويلة مزينة بورقة عنب مصورة

:مأل كأسني وقال .»، إنه اخلمر الشهريأميتذوقي هذا يا «

طفقت العجوز ترشب وتستمتع بجرعات صغرية تبقيها يف فمها لتتلذذ بذلك :خلمر الرائع، ومل تدع يف الكأس قطرة واحدة، ثم قالتا

.»هذا لعمري رائع حقا«أرادت أن تـرفض . مل تكد تنهي كالمها حتى سكب هلـا شـيكو كأسـا أخـرى

.مطوال كام فعلت بالكأس السابقةبه ذذللكن الوقت كان قد فات، فعادت تتحاول أن يسكب هلا كأسا ثالثة لكنها رفضت فأرص قائال :

هذا ال يعدو كونه كاحلليـب فأنـا أرشب عـرشا إىل اثنتـي عـرشة كأسـا دون « . يتبخر عىل اللسان؛ وهو مفيد جدا للصحةهإرباك يف الرأس أو املعدة؛ لعل

.وملا كانت راغبة يف ذلك فقد رضخت لكنها مل ترشب سوى نصف الكأس :ويف اندفاع كريم صاح املعلم شيكو

ذ أعجبك سأعطيك منه بـرميال صـغريا ألبـرهن لـك خذي، بام أن هذا النبي« .»بأننا مازلنا صديقني

Page 130: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٢٩-

.مل ترفض املرأة وغادرت وقد لعب اخلمر برأسهايف اليوم التايل دخل الرجل دار احلاجة ماغلوار وأخذ من عربته برميال صغريا

مر الـذي مشدود الدائرة باحلديد، ثم أراد أن يذيقها حمتواه ليربهن هلا أنه من ذات اخلحـني ال «: ا وهـو يغـادرعندما رشب كل منهام ثالث كؤوس قال هل. ذاقته يف األمس

لقي، فأنا لـست بالـشحيح، فكلـام فـرغ كلـام ، لدي املزيد؛ ال تقيبقى لديك منه يشء .بعدها ركب عربته. »ازداد رسوري

. من أجل احلساءزبعد أربعة أيام عاد، وكانت العجوز أمام باهبا تقطع اخلبن رشهبـا عـ هنبأتـاحياها ودنا منها بحيث يستطيع أن يشم رائحة أنفاسها التي

.»لن تبخيل عىل بكأس يا أمي«: اخلمر؛ حينها انفرجت أساريره وقال .رشبا مرتني أو ثالث

بعد فرتة رست إشاعة يف املنطقة بأن احلاجة مـاغلوار كانـت تـسكر وحـدها، حينا، وحينا آخر من فناء دارها ومرات يف من أرض مطبخها اوكان الناس يلملموهن

.هامدةالطرقات املجاورة وكانوا حيملوهنا إىل بيتها وهي كجثة توقف شيكو عن زيارهتا، وحني كان أحدهم يذكرها كان وجهـه يـتجهم ثـم

:يقولكام تـرون، عنـدما يـشيخ املـرء ال حيلـة ! يا لتعاستها أن تدمن يف هذا العمر«

»!ر عليهاوسينقلب الده. يجتدبالفعل هكذا صار، فقد توفيت يف الشتاء التايل حوايل عيد امليالد، وكانـت قـد

.وقعت من سكرها عىل الثلج :ورث املعلم شيكو املزرعة فأعلن قائال

.»هذه التافهة، لو أهنا مل تدمن عىل الرشاب لعاشت أكثر من عرش سنوات«

١٨٨٤ نيسان ٧

Page 131: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٣٠-

شة الكراسيمقش ينيكإىل ليون ه

أحـد . »بريتراندي « املركيز هناية عشاء افتتاح موسم الصيد لدىكان ذلك يف

عرش صيادا وثامن نساء يف ميعة الصبا، وطبيب املنطقة، كـانوا مجيعـا جالـسني حـول .الطاولة املضاءة واملألى بالفواكه والزهور

إمكانيـة ، وجرى نقاش هام، ذلك النقاش الـرسمدي، ملعرفـةدار احلديث عن احلبـا جـديا كرتذ. الوقوع يف احلب مرة واحدة أو عدة مرات ـاس مل خيتـربوا إال حب أمثلة عن أن

ـال أن دا. كرت أيضا أمثلة عن أناس أحبوا عدة مرات وبعنـف وذ؛واحدا ، اهلـوىعـى الرجرضبه حتـى املـوت يـصيب الكائن نفسه عـدة مـرات، وأن ياألمراض، يمكن أن شأنه شأن

ـاش، فـإن النـساء . مانعا وقف حيالهلو واجه مع أن هذه الطريقة يف الرؤية مل تكـن قابلـة للنقالاليت كان رأهين يرتكز عىل الشعر، أكثر منه عىل الواقع، أكـدن أن احلـب، احلـب احلقيقـي، احلب الكبري، ال يمكن أن يصيب اإلنسان إال مرة واحدة، وأن هـذا احلـب يـشبه الـصاعقة؛

ـا، بحيـث ال يمكـن ألي إحـساس ن قلبا أصيبأو به البد أن يبقى مفرغا، مكتـسحا، حمرتق .ي حلم، أن ينبت فيه من جديدألقوي آخر، وال

: أما املركيز الذي، كان قد ذاق ألوانا من احلب، فإنه تصدى بقوة هلذا االعتقادأنتم . هأنا، أقول لكم بأن املرء يمكنه أن حيب عدة مرات بكل قواه وكل روح«

أرد . تستشهدون بأناس قتلهم احلب، كربهـان عـىل اسـتحالة الوقـوع يف حـب ثـان فرصـة ةأهنم لو مل يرتكبـوا محاقـة االنتحـار تلـك، والتـي أبعـدهتم عـن أيـبعليكم

. فـاملحبون كالـسكارى. الكرة، حتى مماهتم الطبيعـيوأعادوا ،للسقوط ثانية، لشفوا .»إهنا مسألة طباع. ومن أحب سيحب -من رشب اخلمرة سيظل يرشهبا

Page 132: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٣١-

ر إىل الدكتور، وهو طبيب بـاريزي عجـوز اعتكـف يف الريـف، احتكم السام .وسألوه رأيه

:لديه رأي، لكنه قاليكن لم فأما هو كام روى املركيز، إهنا مسألة طباع؛ بالنـسبة يل، فقـد أطلعـت عـىل حـب دام «

.»باملوتمخسة ومخسني عاما بال انقطاع، ومل ينته إال :قت املركيزة بيدهيا وقالتصفوهـل هنـاك ! يا له من حلم أن يكون املرء حمبوبـا هكـذا.. أليس هذا رائعا؟«

كـم ! ةرقـسعادة أكرب من العيش مخسة ومخسني عاما حتضنه هذه العاطفة امللتهبـة اخلا .»كان سعيدا ذاك الذي هيم به هكذا فبارك احلياة

:ابتسم الطبيب وقالعل يا سيديت، أنت لست خمطئة يف وجهة النظر هـذه، وهـي أن املحبـوب بالف«

أمـا هـي، فقـد . صـيدالين البلـدة» شـوكيه«إنـه الـسيد . أنـتم تعرفونـه. كان رجالإهنا مقششة الكرايس العجوز التي كانت تـأيت كـل عـام إىل القـرص . ها أيضاموعرفت

.»لكنني سأكون أكثر وضوحا يف كالميكام لو أن احلب » !أف«د، ووجوههن املشمئزة كانت تقول محاس السيدات مخ

ة مميزين وظرفاء، وهم الوحيدون اجلـديرون بـاهتامم عليـاأناسفقط يصيب أن جيب .القوم

:استأنف الطبيب قائال تكانـ. استدعيت منذ ثالثة أشهر لعيادة تلك العجوز وهي عىل فراش موهتـا

الـربذون الـذي رهـا جيا، هلـبيـتكي اختـذهتا قد وصلت يف الليلة السابقة بعربتها الت.. الكـاهن كـان هنـاك. رأيتموه، وبصحبة كلبيها األسودين، صـديقيها وحارسـيها

كلفتنا بتنفيذ وصيتها، ومن أجل أن تكشف لنا معنى رغباهتا األخرية، فقـد روت لنـا وأنا مل أعرف يوما قصة أكثر غرابة وإيالما. قصة حياهتا .

.ومل يكن هلا يوما بيت ثابت. يقششان الكرايسكان أبوها وأمها

Page 133: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٣٢-

. منذ نعومة أظفارها، كانت هتيم بثياب رثة، مألى بالطفيليات واهلوام والقذارةوتقف مع أهلها عند مدخل القرية أمام احلفـر؛ فيفلتـون احلـصان لريعـى العـشب،

العشب والكلب غارق يف النوم، خطمه عىل قوائمه، أما الصغرية فكانت تتدحرج عىل .بينام يصلح والداها، يف ظل الدردار، كل الكرايس واملقاعد القديمة يف البلدة

فبعد بضع كلامت رضورية الختـاذ . يف ذلك املسكن اجلوال مل يكن أحد يتكلممقـشش «: قرار بخصوص من سيجول عىل البيوت صارخا بذلك الصوت املعروف

وملا كانت الـصغرية . متحاذينيلني، أو كانوا يبدؤون يف يل وفتل القش، متقاب» كرايستبتعـد أو حتـاول التواصـل مـع أي ولـد مـن القريـة، كـان صـوت أبيهـا الغاضـب

.وهي كلامت احلنان الوحيدة التي سمعتها» !قذرةألن تعودي إىل هنا يا «: يستدعيهاتلموعندما شبت، أرسلوها ل من مكان تتعرف الكرايس املعطلة، حينها بدأت

ل أصـدقائها اجلـدد يـستدعون هـ لكـن يف تلـك احلـال، كـان أ؛األوالدىل عـآلخر وغالبـا مـا » !إياك والكالم مع املترشدين! هيا تعال أهيا العفريت«: أوالدهم بفظاظة

.كان األوالد يرموهنا باحلجارة .أعطتها بعض السيدات بضعة قروش فاحتفظت هبا بعناية

ا، بينام كانت متر يف هذه املنطقة، التقت يف أحد األيام، وكان عمرها أحد عرش عام. الصغري خلف املقربة، وكان يبكي ألن أحد رفاقـه رسق منـه فلـسني» هشوكي« -ب

يف رأسها مكانت تتخيلهالصغار الذين أحد هؤالء دموع هذا البورجوازي الصغري، حزنه، اقرتبت، وملا عرفت سبب . زعزت كياهنا بالسعادة، ني ممتلئ،املغضوب عليهاهلش

. وضعت يف يديه كل مدخراهتا وكانت سبعة فلوس أخذها بالطبع وهو يمسح دمعـهوإذ رأت أهنا مل . وحني تأمل بانتباه نقودها، مل يبد مقاومة. ولشدة فرحها، جترأت وقبلته

تبعد ومل ترضب، أعادت الكرة، عانقته بذراعيها من عمق قلبها .ثم هربت. لتاعس؟ هل تعلق بذلك الصغري ألهنـا ضـحت لـه ماذا جرى يف هذا الرأس ا

بكل ثروهتا هي املترشدة، أو ألهنا منحته أول قبلة حنان؟ الرس هو ذاتـه للـصغار كـام .هو للكبار

Page 134: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٣٣-

وعـىل أمـل أن . عىل مدى شهور، كانت حتلم بزاوية ذلك املدفن وبذلك الولدجـور التقـشيش، أو رسقت أهلها، ململمة فلسا من هنا وآخر من هناك، من أ. تلقاه

.من توفري يف قيمة التموين الذي أوكل إليها رشاؤهعندما عادت، كان يف جيبها فرنكان، لكنهـا مل تـستطع سـوى رؤيـة الـصيديل

ه دودة فيـب نظيفة خلف زجاج دكان أبيه، بني وعاء زجاجي أمحر وآخـر بثياالصغري . رشيطية

ذهلها املاء امللون، هذا األلـق يف هذا زاد من حمبتها له، وقد أغواها وأثر فيها وأ .البللورات الالمعة

حفظت يف قلبها ذكرى ال متحى، وحـني التقـت بـه، يف العـام التـايل، خلـف يلعب بالكلل مع رفاقه، ارمتت عليه وأمسكت به بني ذراعيها وقبلته بعنـف . املدرسة

ثالثـة : حينئذ، لتهدئ روعـه، أعطتـه ماهلـا. شديد حتى إنه جعل يصيح من اخلوف .فرنكات وعرشين سنتا، وهذا مبلغ كبري، جعل الصبي ينظر إليه بعينني واسعتني

.تداعبه ما شاء هلا ذلكأخذ النقود، وتركها عىل مدى أربع سنني أيضا، سلمته كل احتياطيها، فكان يدسـه يف جيبـه بكـل

خـرى اثنـي مرة كان املبلغ ثالثني فلسا، ومرة فـرنكني وأ. قبالت سمح هبامقابل ثقة ولذلك بكت أملا وذال، لكن تلك السنة كانت سـيئة(عرش فلسا ويف املـرة األخـرية ،)

. فرنكات، بقطعة كبرية مستديرة جعلته يضحك ملء شدقيهةكان املبلغ مخسه؛ أما هو فكان ينتظر عودهتا بفراغ صرب فيجري نحوها حني فيمل تعد تفكر إال

. ضلوعهايراها فيقفز قلب الفتاة فرحا بنيحينهـا . عرفـت ذلـك عـرب استفـسار لبـق. الثانويـةثم اختفى، إذ أرسـل إىل

هنـا إبـان العطلـة؛ مـن ي متـر كأهلها طريق استخدمت دبلوماسية ال حد هلا لتغيري وهكـذا بقيـت سـنتني دون أن تـراه؛ . يـلانجحت يف ذلك ولكن بعد سنة مـن التح

يال ووقـوراوعرفته بشق النفس لشدة ما تغري وكـرب وصـار مجـ ارزر ردائـه ذي األ يف .أما هو فتظاهر بأنه مل يرها ومر بغطرسة بالقرب منها. ةالذهبي

Page 135: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٣٤-

. تعاين عىل الدوام وتتأملصارت بسبب ذلك بكت يومني، ومنذ ذلك احلني كل عام كانت تعود، ومتر من أمامه دون أن تتجرأ عىل حتيتـه ودون أن يتنـازل

إنه الرجل الوحيد الذي رأيتـه «: يلتقال... به بجنونكانت حت. بتوجيه برصه نحوها .»أنا ال أعلم إن كان هناك رجال آخرون أم ال! ا دكتورييف هذه الدنيا

تويف أبواها، فتابعت مهنتهام، لكنها اختـذت كلبـني بـدال مـن واحـد، كلبـني .هائلني ال جيرؤ أحد عىل التصدي هلام

قرية حيث استقر قلبها، ملحت امرأة شـابة يف أحد األيام وهي عائدة إىل هذه ال .كانت امرأته، فقد تزوج. خترج من دكان شوكيه متأبطة ذراع حمبوهبا

أنقـذها سـكري . رمت نفسها يف املستنقع عند ساحة البلديـة. مساء ذلك اليومثيـاب البيـت ليعتنـي هبـا نزل شوكيه االبن يف . متأخر يف عودته ومحلها إىل الصيدلية

أنـت «: هر معرفته هبا، خلع ثياهبا ودلكهـا، ثـم قـال هلـا بـصوت قـاسودون أن يظ .»جيب أال تكوين غبية إىل هذا احلد! جمنونة

.اكتنفتها السعادة لفرتة طويلة! لقد كلمها. كلامته هذه كانت كافية لتشفى الـرغم مـن إرصارهـا عـىل ، عـىلمل يرض أن يأخذ أي أجر مقابل عنايته هبـا

.الدفعوسنة بعـد سـنة كانـت . كانت تقشش وهي تفكر بشوكيه. هكذاكرت أيامها

هبـذه . واعتادت أن تتمون بعض األدوية البسيطة من عنده. تراه خلف زجاج النافذة .ب وتكلمه وتعطيه املال أيضاثالطريقة كانت تراه عن ك

كام أخربتكم يف البداية، توفيت هذا الربيع، بعد أن روت يل كـل هـذه القـصة صرب، كل مدخرات حياهتا، ألهنا مـا عملـت بجتني أن أسلم إىل من أحبته ر. املحزنة

إال ألجله، كام قالت، حتى إهنا صامت لتوفر له، وتتأكد بأنه سيفكر هبـا عـىل األقـل .مرة حني تكون قد ماتت

تركـت منهـا ســبعة . نكـاأعطتنـي إذن ألفـني وثالثمئـة وسـبعة وعـرشين فر .وأخذت الباقي بعد أن أسلمت الروحاهن من أجل الدفن، وعرشين للك

Page 136: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٣٥-

كانا قـد فرغـا مـن طعـام الغـداء، وقـد جلـسا . إىل آل شوكيهيف الغد ذهبتاملستحـرضات تفـوح مـنهام رائحـة الواحد أمام اآلخر يكاد ال يتسع هلام الكرسيان و

.ويبدو عليهام االهتامم والرىضالصيدالنية ت متأثر واثقا من أهنـام جلست، وقدما يل رشاب الكرز، وبدأت حديثي بصو

.سيبكيانن أدرك أن تلك املترشدة، تلك التي كانت تصلح الكرايس، تلـك الـسافلة إما

القـوم، أو ةواحرتام عليـصيته قفز من مقعده ساخطا، وكأهنا سلبته حتى قد أحبته، .هو أغىل عليه من حياتهدقيقا رشفه اخلاص، أو شيئا

! هـذه الـسافلة، احلقـرية«: غاضبة فقد رددتأما زوجته التي كانت هي أيضا .ومل جتد أي يشء آخر تقوله» !هذه السافلة

هنض وصار يميش خلف الطاولة بخطى واسعة وقلنسوته قد غطـت إحـدى ألشـياء مريعـة بالنـسبة ههل يمكن فهم هذا األمر يـا دكتـور؟ إن هـذ«: أذنيه ومتتم

جلعلـت الـدرك . قيـد احليـاةما العمل؟ آه لو عرفت ذلك حني كانـت عـىل ! لرجل .»يوقفوهنا يف السجن، الذي مل تكن لتخرج منه بالتأكيد

لكـن كـان ريي، ومل أعرف ماذا أقول أو أفعـل،دهشت من نتيجة مسعاي اخل لقد كلفتني بـأن أسـلمكم مـدخراهتا، التـي تبلـغ ألفـني«: عيل إمتام مهمتي، فقلت

عجا بالنسبة إلـيكم، فمـن األفـضل وبام أن ما أخربتكم به كان مز. فرنكوثالث مئة .»ربام ترك املبلغ للفقراء

.نظر إيل االثنان وقد شال من االنفعال، ومـن كـل املنـاطقأخرجت املال من جيبي، هذا املال التعيس اآليت من كـل

»ما هو قراركام؟«: قروش، ثم سألتمع الذهب خيتلط فيها الالفئات، ... تلك كانت آخر وصية هلا، تلـك املـرأةبام أن «: تكلمت أوال السيدة شوكيه

.»يبدو يل أنه من الصعب جدا علينا أن نرفضيمكننـا، بكـل األحـوال، رشاء يشء «: أما الـزوج، وكـان مربكـا، فقـد قـال

.» هبذا املالناألوالد

Page 137: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٣٦-

.»..كام تريدان«: فاءجأجبت ب يف هاته، بام أهنا كلفتـك بـذلك، سـنجد وسـيلة السـتخدامه«: استأنف قائال

.»عمل صالح .سلمته املال وحييت ثم غادرت

نـا عربتهـا أيـضا، لكنها تركـت أيـضا ه«: ، وقال فجأةيف الغد، جاءين شوكيه .»ماذا ستفعل هبا هذه العربة؟. هذه املرأة... هذه

.ال يشء، خذها إن شئت -متاما؛ هذا يناسيني؛ سأجعل منها كوخا حلديقتي - «.

يضا حصاهنا العجـوز وكلبـني، هـل لقد تركت أ«: تلغادر، لكنني ناديته وقال، ماذا تريدين أن أفعل هبا؟ ترصف هبا كام ! آه«: قال.. فتوقف وقد تفاجأ» يدمها؟تر

، جيـب أال ة الواحـدةيف البلد! ماذا أفعل. ثم مد يده فصافحته. وكان يضحك» تشاء .يعادي الطبيب الصيدالين

..متلك باحة كبرية، أخذ احلصانوالكاهن الذي ي. احتفظت بالكلبني لديأما شوكيه فقد جعل من العربة كوخا، واشرتى مخسة أسـهم يف سـكة احلديـد

.باملال الذي أخذه ..هوذا احلب الوحيد والعميق الذي صادفته يف حيايت

.صمت الطبيببالتأكيــد، «: حينئـذ تنهـدت املركيــزة التـي مـألت الــدموع عينيهـا، وقالـت

.»!احلب إال النساءعرف تبالتأكيد، ال

١٨٨٢ أيلول ١٧

Page 138: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٣٧-

Page 139: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٣٨-

راتـاوه

ه احلـب أرسيف سـهرة لـدى نائـب مـديره، فـهبذه الفتاة » النتان«التقى السيد

.كالشبكةمع جاب يف األرياف، وافته املنية منذ عدة سنني، فقدمت إىل باريس كانت ابنة

ي، عـىل أمـل تـزويج يف احلـبورجوازية العائالت الض عالتي كانت تعارش بوالدهتا نموذجا وكانت الفتاة . وهادئتني ورقيقتني السمعة يتنسكانتا فقرييت احلال وح .الصبية

كان له مجاهلا املتواضع .مثاليا للمرأة الرشيفة التي حيلم الشاب العاقل أن يسلمها حياته . قلبها كانت تعكس ما يفسحر حياء مالئكي، وتلك البسمة التي مل تكن تفارق ثغرها

سـعيد «: كانوا يرددون باستمراروكل الذين عرفوها ، اياهاجبستغنى اجلميع .»أن جيد هلا مثيالإذ يستحيل . حظى هبااحلظ من سي

ه ثالثـة يف وزارة الداخلية، بمرتب قـدرالنتان، الذي كان حينها موظفا السيد .آالف ومخسمئة فرنك سنويا، طلب يدها وتزوجها

وكأهنام يعيـشان فائق فظهرا باقتصاد تهى السعادة، أدارت بيته عاش معها يف منأمـا إغراؤهـا بـذلتها لزوجهـا، إال ومالطفـة أو رقـة ن دالل مما حياة ترف وبذخ،

مـضت عـىل لقـائهام، وهـو مـا زال بحيث أن سـت سـنوات الشخيص فكان عظيام .يف أول أيام زواجهامبحب أكرب مما كان يغمرها

ميلها للمسارح وميلها للمجوهرات : ال لشيئنيإمل يكن يلومها .املزيفةكن يزودهنا دومـا ) كانت تعرف بضع زوجات ملوظفني متواضعني(صديقاهتا

االفتتاحيـة؛ وكانـت جتـر ، حتى حلفالهتـا الرائجةمقصورات للمرسحيات ببطاقات زوجها طوعا أو كرها إىل هذه التسليات ، ييـومال هملـكثريا بعـد عالتي كانت تتعبه

Page 140: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٣٩-

مع أي سيدة مـن أن توافق عىل الذهاب ملشاهدة تلك املرسحيات لذا فقد طلب منها إذ اعتـربت متنعت كثـريا قبـل أن تستـسلم ؛لتعود معها لدى انتهاء العرضمعارفها

.يف غاية االمتنانإكراما له، وكانت أخريا رضيت . هذا الترصف غري الئقمالبسها كانـت بـسيطة يف .لدهيا احلاجة لتتزيند باملرسح ولغري أن هذا الولع

املتـضع ،قـاوميي ال ذالنـاعم الـ مجاهلامتواضع؛ وومنتقاة بذوق رفيع لكن احلقيقة، طعام جديدا كسب ي كأنه ا، بدالباسم مـن تعودت أن يتدىل ة فساتينها؛ لكنها من بساط

عقـودا مـن تـضع من منطقة الراين حياكيـان املـاس، وكانـتأذنيها حجران كريامن حتـاكي مطعمة بقطع زجاجيـة بالذهب وزينة املزيفة، وأساور من معدن شبيه الآللئ

.احلجارة الكريمةالذي صدمه تعلقها بام هو براق، غالبا ما قـال هلـازوجها عزيـزيت، حـني ال «:

وأناقتـه، وهـذانحقيقية، فهو ال يظهر مزينا إال بجامله يملك املرء وسيلة لرشاء حيل .»من أندر اجلواهر

، إنه فأنا أحب هذاما بيدي حيلة، «: عىل مسامعههبدوء، وتكرر فكانت تبتسم .»متاما أنك حمق ولكن املرء ال يتغري، فأنا أعبد املجوهراتأنا أعرف . آفتي

صفيحاهتا البللورية املـشغولة فتلتمع وكانت تدير بني أصابعها قالدات اللؤلؤ .»صناعتها، أقسم بأهنا صنو اجلواهر احلقيقية انظر إىل دقة أال«: وتردد عىل مسامعه .»جريةغلك ميول «: فيبتسم معلنا

حيـث عـىل الطاولـة ملا كانا يبقيان وحيدين قرب املدفأة، كانـت تـضع أحيانا ، حسب تعبري الـسيد )القطع الرخيصة(بتلك حيتسيان الشاي علبة جلدية حتتفظ فيها

بمتعـة رسيـة وكأهنا تتلـذذ الزائفة، بالغ تلك املجوهرات النتان، ثم تتفحص باهتاممفيام بعد مـن أعـامق قلبهـا يف عنق زوجها لتضحك عميقة؛ وكانت تتعمد وضع عقد

.وتقبله بشغف، وترمتي بني ذراعيه »تبدو مضحكاكم «: ثم تصيحيف . مـن الـربدوعادت وهي ترجتف يف ليلة من ليايل الشتاء، ذهبت إىل األوبرا

.بسعال، وبعد ثامنية أيام توفيت من جراء نزلة صدريةيوم التايل أصيبت ال

Page 141: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٤٠-

مريعا جدا بحيـث كان يأسه .كاد النتان أن يلحق هبا يف القرب يف شـعره ابـيضأخذ يبكي من الصباح حتى املساء وقد متزقت روحه من أمل ال حيتمـل؛ .غضون شهر

.ارتالزمه ليل هنوذكرى ابتسامتها وصوهتا وسحرها ـان زمـالؤه يـأتون إليـه ليتحـدثوا بـأمور يوميـة عاديـة، مل يطفئ الزمن نريان أمله، فك

.ينتحبويتشنج ومتتلئ عيناه بالدموع؛ وكان أنفه وفجأة تنتفخ خدوده ويتغضن نفـسه فيهـا كـل يـوم من بعدها، وكان حيـبس غرفة رفيقة حياته بقيت كام هي

يف يومهـا ياهبـا بقيـت يف مكاهنـا كـام كانـت األثاث فيها، وكل ثقطع كل ها، فيليفكر صارت قاسية عليه، راتبه الذي كان يضعه بـني يـدي زوجتـه، غري أن احلياة . األخري

برعـب كيـف ال يكفيه وحده، وكان يتساءل املنزل، أصبح كان يغطي كل احتياجات ويتناول أفخـر أنـواع أمرها كي يرشب كل يوم أفضل أنواع اخلمرة، عرفت أن تتدبر

.املتواضعةاحلصول عليها بموارده م التي مل يعد بإمكانه الطعاأخـريا، يف صـباح .جيري خلف املال عىل غرار الناس املعوزيناستدان وصار

أحد األيام وقد خوت جيوبه قبل أسبوع من هناية الشهر، نـوى بيـع يشء مـا؛ وعـىل نت لزوجته، ألنه كـان التي كا»احليل الرخيصة«التخلص من تلك الفور جاءته فكرة

تثريه فـيام التي كانت » األشياء اخلادعة«حيتفظ يف أعامق قلبه بنوع من احلقد نحو هذه .كل يوم كان يفسد عليه ذكرى حمبوبتهحتى أن مرآها . مىض

يف جمموعة احليل املزيفة التي تركتها، ألهنا، وحتـى آخـر أيامهـا، بحث طويال القـالدة فقر رأيه عىل تقريبا قطعة جديدة، ل مساء كانت تشرتي منها بعناد، فتجلب ك

سـتة إىل قـد تتجـاوز التقريبية برأيـه كانت تفضلها، وقيمتها التي عىل ما بدا ،الكبرية .ثامنية فرنكات، وذلك لدقة صناعتها بحيث ال يمكن اعتبارها مزيفة

عـن بـائع ه، يبحـث يف طريقـوذهـب إىل عملـه يف الـوزارةوضعها يف جيبـه أخريا وجد واحدا فدخل إليه، وقد أحس باخلجـل ألن يظهـر ؛وهرات أهل للثقةجم

وهو يبيع شيئا بخسا كهذه القالدةبؤسه .. .»بودي أن أعرف بكم تقدر قيمة هذه القطعة«: قال للبائع

Page 142: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٤١-

أخـذ عدسـة مكـربة، الرجل القالدة، تفحصها، قلبها، وزهنا بكفه ثـم أمسك وألقـى عليهـا بعض املالحظات، ووضعها عىل طاولته بومهس يف أذنه ونادى موظفا

.عىل نحو أفضللكي يقدرها من بعيد نظرة أنـا أعـرف ! أوه«: وفتح فاه ليقولبكل هذه الطقوس ضاق السيد النتان ذرعا

متاما أن هذه القطعة ال تساوي شيئا :، حينها أجابه اجلواهري بقوله»ىل مخسة عرش ألـف فرنـك، غـري أين ال يا سيد، إهنا تساوي ما بني اثني عرش إ«

.»إال إذا أعلمتني من أين وصلت إليكأستطيع رشاءها إال . وهـو غـري قـادر أن يفهـممن الدهشة عينيه وبقي فاغرا فاه باألرمل محلق أخطأ البـائع فهـم » ..أنت متأكد؟... قلت؟ماذا «: أنه متتم أخريا ، وقـال لـه دهـشته .بحث يف مكان آخـر، إن كـانوا يعرضـون عليـك املزيـدتستطيع أن ت«: بلهجة جافة

بالنسبة إيل إهنا تساوي عىل األكثر مخسة عرش ألفا، عد إيل إن مل جتـد أفـضل مـن هـذا .»السعر

حلاجـة غامـضة هالقالدة وذهب، مطيعا يف داخلـكاملختل، أخذ السيد النتان حاجـة للـضحك غمرتـه يف الشارع حتـىن صار إألن يبقى وحيدا ويفكر، لكنه ما

هـا هـو جـواهري ال ! لو قبلت اقرتاحه بعد كل حساب! هذا الغبي! الغبي«: وفكر .»!يعرف أن يميز بني األصيل واملزور

عند مدخل شارع السالم، فـام إن رأى احلليـة حتـى ودخل إىل جواهري آخر .»دكاينباهللا، إنني أعرف هذه القالدة فهي من ! آه«: صاح

.»كم تساوي؟«: وسألهتان اضطرب السيد النلقد بعتها بخمسة وعرشين ألفـا، وأنـا عـىل اسـتعداد ألن أسـرتدها يا سيد -

كيـف القانونيـة، بثامنية عرش ألفا، حني تكون قد ذكرت يل، وذلك حسب التعلـيامت لكـن، .. لكـن«: وقد تاه عقله، وأجـاب، هنا جلس السيد النتان »صارت بحوزتك

.»حتى اآلن مزيفةسيد، فقد حسبتها افحصها بعناية أكرب يا .»أن تعطيني اسمك يا سيد؟هل بإمكانك «: أجابه اجلواهري

Page 143: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٤٢-

شـارع ١٦بالتأكيد، اسمي النتان، أنا موظف يف وزارة الداخليـة وعنـواين - .الشهداء

:سجالته وبحث فيها ثم قالفتح اجلواهري ارع الـشهداء يف شـ١٦هذه القالدة أرسلت بالفعل إىل عنوان السيدة النتان، «

.»١٨٧٦العرشين من متوز عام املفاجـأة، والبـائع وقـد شـك وحدج كل منهام اآلخر، املوظف وقـد أذهلتـه

أتـسمح بـأن تبقـي لـدي هـذه القطعـة مـدة أربـع «: برسقة، استأنف األخـري قـائال .»وعرشين ساعة فقط، وسأعطيك إيصاال؟

.الورقة التي وضعها يف جيبه، وخرج وهو يطوي »أجل، بالتأكيد«: النتانمتتم وعاد، وانتبه أنه أخطأ يف اجتاهه، ذهب إىل شـارع التـويلري، عـرب عرب الشارع

أن جتـول يف ذهنـه فكـرة دون فاكتشف خطأه ثانية فعـاد إىل الـشانزيليزيههنر السني، ال يمكن أن تكون قد اشرتت شـيئا ! واضحة، حاول جاهدا أن يعلل ويفهم، زوجته

ممن؟ وملاذا؟! هدية! كانت القالدة هديةهل ! اإذ -ال بالتأكيد -قيمة هبذه ال كـل اهـي؟ إذ -. وقد مسه الشك املرعـبوسط الشارع، توقف، وبقي واقفا

مـد؛أحس وكأن األرض متيد؛ وأن شجرة أمامه تـسقط! كانت أيضاهدايابقية احليل يديه واهنار فاقدا وعيه .

.يث نقله إليها بعض املارة وعاد إىل البيت وحبس نفسهيف صيدلية حاستفاق بكى بجنون حتى املساء، وقد عـض منـديال كـي ال يـرصخ، ثـم اسـتلقى يف

مرهقا من التعب واحلزن، ثم نام نوما عميقارسيره . شق عليـه العمـل بعـد .فنهض ببطء ليذهب إىل الوزارةأيقظه شعاع الشمس

بـأن فكتب لـه بـذلك، ثـم فكـر نية اعتذاره من رئيسه فكر حينها بإمكاهذه اهلزات، عليه العودة إىل اجلواهري، فامحر خجال، ومكث طويال وهو يفكر عىل أنه مل يستطع .

.مالبسه وخرجأن يرتك القالدة لدى ذلك الرجل، فارتدى كـان . عـىل املدينـة وكأهنـا تبتـسموالشمس ترسل أشـعتها مجيال كان الطقس

.ريون وأيدهيم يف جيوهبميسمتسكعون هناك

Page 144: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٤٣-

باملـال !.. كم يشعر املـرء بالـسعادة حـني يمتلـك ثـروة«: قال النتان يف نفسه .»! لو كنت غنيا...يسافر ويتسىل، ويذهب أنى شاء، أي حزنيمكنه أن يزعزع

كانـت فارغـة، ولكن جيوبه . منذ يومنيإذ مل يأكل شيئا أحس باجلوع يقرضه، !يا له من مبلغ حمرتم! ثامنية عرش ألف فرنك! ألف فرنكثامنية عرش . فتذكر العقد

. وعرضه، مقابل الـدكانيف طول الرصيف وبدأ يتمشى اجته إىل شارع السالم .كان يوقفهعرشين مرة كاد أن يدخل، لكن اخلجل ! ثامنية عرش ألفا

اسـتجمع شـجاعته وعـرب وما يف جيبه فلس واحـد، فجـأة جوعا يتضور كان .إىل اجلواهري، ثم اندفع كي ال يبقي لنفسه وقتا للتفكريمرسعاالشارع

وصـل . بـأدبما إن رآه الرجل حتـى سـارع وقـدم لـه مقعـدا وهـو يبتـسم .واملرح يمأل عيوهنم وشفاههمإىل النتان وصاروا ينظرون املوظفون

لقـد اسـتعلمت يـا سـيدي، فـإن أنـت مازلـت عـىل نفـس «: قال اجلواهري .»املبلغ الذي عرضته عليك لك سأدفعفأنا االستعداد

.»بالتأكيد«: فأجابه النتانمن درجه سحب اجلواهري ثامين عرشة قطعـة كبـرية وعـدها، ثـم قـدمها إىل

. الذي وقع عىل إيصال ووضع املال بيده املرجتفة يف جيبهالنتاننحو التاجر الذي مل تفارق االبتـسامة وجهـه، وقـال ملا صار عند الباب التفت

وصـلت إيل مـن اإلرث ذاتـه، هـل .. لـدي حـيل كثـرية.. لدي«: ناه يف األرضوعي .»أيضا؟رشاؤها يناسبك

حينهـا خـرج أحـد املـساعدين . »بـالطبع يـا سـيدي«: انحنى التـاجر وقـال .عينيه وأنفه من شدة الضحكملء شدقيه وآخر كان يمسح ليضحك

.»سآتيك هبا«ووجه حممر، أعلن النتان بأعصاب هادئة .جللب بقية احليلكب عربة وذهب ر

حني عاد إىل التاجر بعد ساعة، مل يكـن قـد أفطـر بعـد، جلـسا معـا لـتفحص .اجلواهر قطعة قطعة، يتباحثان يف قيمتها، كلها تقريبا كانت من املصدر ذاته

Page 145: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٤٤-

ويطالـب بالكـشف عـن يناقش التقييم، فكـان ينـزعج ذلك، بدأ النتان أثناء .كلام كان السعر يرتفعأكثر فأكثر يعلو سجالت البيع، وصار صوته

األقراط الكبرية تساوي عرشين ألف فرنـك، األسـاور مخـسة وثالثـني ألفـا، واليـاقوت األزرق حليـة مـن الزمـرد .ستة عرش ألفـاليات ااملشابك واخلواتم وامليد

شكلت عقدا، بأربعني ألفا، عىل سلسلة ذهبية ماسة منفردة .بأربعة عرش ألفا والكـل .بمبلغ قدره مئة وستة وثامنون ألف فرنك

كـل كـل هـذا مـصدره شـخص كـان يوظـف «: ساخرةقال التاجر بسذاجة . »مدخراته باحليل

غـادر بعـد أن . »إنه أسلوب كغـريه لتوظيـف األمـوال«: النتان برصانةأجابه .يف اليوم التايلللخربة ثانية مع الشاري أن ختضع تلك املجوهرات قرر

وفيـه رغبـة أن ) نصب تـذكاري(ر يف الشارع، نظر إىل عمود فاندوم صاحني لعبـة يف جـسمه تتـيح لـه أن يلعـب ، لقد شعر بخفة (*)احللوىوكأنه صاري يتسلقه

.املنتصب عاليافوق متثال اإلمرباطور القفز ورشب مخرا، سعر الزجاجة منـه عـرشون » فوازان«ذهب وتناول طعامه عند

.فرنكاظـر إىل العربـات بـيشء مـن ة وقـام بجولـة يف الغابـة، كـان ينعربـثم ركـب

أنـا غنـي أيـضا، أملـك مئتـي ألـف «: االحتقار، وتأكله رغبـة يف أن يـصيح باملـارة .»!فرنك

تذكر الوزارة، فطلب من احلوذي أن يأخذه إليها؛ دخل عند رئيـسه وقـال لـه ، ثـم »لـف فرنـكأثالثمئـة ألقدم لك استقالتي، لقد ورثـت جئت يا سيدي «: بعزم

القدامى وأرس إليهم بمـشاريع حياتـه اجلديـدة، ذهـب ذهب يشد عىل أيدي زمالئه .ليتعشىبعدها إىل املقهى اإلنكليزي

. صاري، ويف أعاله حلوى ال يناهلا إال من يتسلقه(*)

Page 146: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٤٥-

فلم يقدر أن يقاوم رغبـة ملحـة يف أن قرب رجل بدا مميزا، وجد نفسه جالسا .أربعمئة ألف فرنكيبوح له، بنوع من الدالل، بأنه ورث لتوه

بعـد . ة يف حياته مل يصبه امللل يف املرسح وأمىض ليلته مع بنات اهلـوىألول مر .ستة أشهر تزوج من امرأة فاضلة، ذات طبع صعب فأذاقته مر العذاب

١٨٨٣ آذار ٢٧

Page 147: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٤٦-

قاطع طريق كورسيكي

بلطف صعدا وسط غابة الطريق يتجه ، أشـجار الـرسو املتفاوتـة يف »آييتـون«املـستمرة فوق رؤوسنا، وترسل نوعـا مـن الـشكوى ضة تئن علوها شكلت قبة عري

الدقيقـة املـستقيمة، بمثابـة وإىل اليمني كام هو حال اليسار، كانت جـذوعها احلزينة؛ .الرتيبة لريح القممجيش من أنابيب أرغن خترج من جوفها تلك املوسيقى

تلـك األعمـدة الطويلـة، ومـن مكـان السري تناقصت من بعد ثالث ساعات بعيدة عن بقيـة األشـجار وقـد فتحـت مظلية الشكل خر كنت ترى شجرة صنوبر آل

مئـة حدود الغابة عىل ارتفـاع فجأة بلغنا .ذات قبة خرضاء داكنةمثل شمسية ضخمة . املوحش»نيولو«مرت من معرب يقود إىل وادي

بـضع شـجرات املطلتني عىل ذلك املمـر، كنـت تـرى املرتفعتني فوق القمتني الـذين ذلـك املرتفـع بعنـاء مثـل رجـال االسـتطالع هة حاولت تـسلق قديمة مشو

الغابـة بأكملهـا وقـد شـاهدناحني استدرنا . املتجمعة خلفهميسريون أمام احلشود واسع، حوافه تكاد تالمـس الـسامء، وكأهنـا مـدت امتدت حتتنا، كوعاء أخرض مـن

.حتيط هبا من كل جانبصخور جرداء .وصلنا إىل املعرب دقائق تابعنا املسري، وبعد عرش

لكنه واد كـام مل فبعد غابة أخرى، هناك واد .غرابة املنطقةلفتت انتباهي حينئذ تر عيني من قبل له شبيها، فيه صخور طويلة عىل مدى عرشة فراسخ، كأنه حفر بـني

» لـوالنيو«أثرا، إنـه يربو ارتفاعهام عىل ألفي مرت، أجرد، ال ترى فيه لألشجار جبلني طـرد وطن احلرية يف كورسيكا، القلعة احلصينة والبعيدة املنال حيث مل يستطع الغزاة

.السكان اجلبليني منها

Page 148: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٤٧-

.كل قطاع الطرقلجأ يهنا : قال مرافقي ال .يفوق كل تصوريف قلب تلك احلفرة املوحشة، اجلميلة بشكل بعد قليل رصنا

مـن وعىل مدى برصنا، صـحراء .ال يشء غري الغرانيت غرانيت، ؛عشب، وال نباتكأهنا علقت عـن عمـد فـوق الغرانيت املتأللئ، سخنته كالفرن شمس ملتهبة تلـك

مشدوها حني؛احلجريةالشعاب اجلبلية حائرا، إذ تبدو محـراء تلتفت إىل القمم تقف بلونمسننة مثل أكاليل مرجان، ألن كل القمم هي من الرخام السامقي؛ والسامء فوقها

يف األسـفل تـرى .ةبـجتاورها مع تلك القمم الغري يمحي من جراء ليلكيبنفسجي حتسبه مفتتا، أو مسحوقاوحتت أرجلنا متأللئ الغرانيت ذا لون رمادي فنحن نـسري ؛

.هيدر جارياسيل جارف ثمة متعرج، يف أخدود طويل إىل يميننا و .فوق مسحوق يلمع، قاحل، موحش، يقـسمه واد حمرقالضوء، وسط وذلك حتت تلك احلرارة كنا نرتنح

هاربة غري قادرة عىل إخصاب هذه الصخور، التي تسعى ذلك السيل من املياه اجلارفة . دون أن تترسب داخل الصخور لرتطبهاوقد تاهت يف أتون يرشهبا بنهم

هنـا قتـل .يف كومـة حجـارةمغروز صغري ظهر إىل يميننا صليب خشبي بغتة .كلمني عن قطاع الطرق عندكم: رافقي فقلت مل.أحدهم

.، سأروي لك قصته»سانتا لوسيا«لقد عرفت أشهرهم وأكثرهم عنفا، : فقال * * *

قتل والده يف مشاجرة، والقاتل شاب من نفس البلـد، كـام قيـل؛ بقـي سـانتا «مع أخته، كان شابا ضعيفا وخجوال، صغري احلجموحيدا » لوسيا مريضا يف أغلـب ،

قربائـه جـاؤوا من قاتل أبيه، كـل أمل يعلن عن طلب الثأر .حيان ودون أي نشاطاأل .لتهديداهتم وتوسالهتمأصم أذنيه إليه ورجوه أن يثأر؛ لكنه

التـي غــضبت قديمــة، مل تـرتك لـه أختــهحينئـذ وحـسب عــادة كورسـيكية ثيابا سوداء حتى ال يرتدي لباس احلداد ،واغتاظت بقي غـري آبـه ، عىل ميت مل يثأر له

حـبس حمـشوة، التي مازالـت انة، وبدال من أن يمسك ببندقية والده حتى بتلك اإله .شباب البلدنظرات ازدراء إذ مل يكن جيرؤ عىل حتدي نفسه يف البيت ومل يعد خيرج

Page 149: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٤٨-

.وكأنه نيس حتى اجلريمة، وعاش مع أخته يف بيتهشهور مرت، بدا عليه التأثر هبذا فلم يبد» سانتا لوسيا«الد ذات يوم تزوج من اشتبه به يف قتل و

ولكن العريس، بقصد التحدي والشك، مر يف طريقـه إىل الكنيـسة أمـام بيـت ، النبأ .اليتيمني

الـشاب بعض احللوى عنـدما الحـظ كان األخ واألخت يأكالن عند النافذة، فة، دون أن ينـبس ببنـت شـثـم هنـض يرجتف فجأة بدأ .موكب العرس جيتاز منزله

.ورسم إشارة الصليب، وأخذ البندقية املعلقة فوق املوقد وخرجال أعرف ما جرى يل؛ أحسـست بنـار : كان يقولحني كان يذكر ذلك فيام بعد

واجب؛ وأنه بالرغم مـن كـل يشء لـن أمتكـن مـن دمي؛ شعرت أن ذلك ترسي يف .»كورت«عىل طريق املقاومة، إذ ذهبت وخبأت البندقية يف دغل

واعتقـدت .اليدين لكن بسحنته العادية احلزينة واملرهقـةساعة عاد فارغ بعد .الليل اختفى، ولكن عند هبوط يشءيف أخته بأنه مل يعد يفكر

.شاهدي زواجهيف طريقه إىل كورت مع يف تلك الليلة أن يمر عدوه كان من املقرر صـاح ويف وجههـم » سـانتا لوسـيا«انتصب عىل الطريق؛ فجأة يغنون جاؤوا

لقـد آن اآلوان، ومـن مـسافة قريبـة أطلـق رصاصـة : وعيناه حتدقان يف وجه القاتل .صدرهاخرتقت

مـاذا : أما اآلخر فكان ينظر إليه وهو يـرددأطلق ساقيه للريح الشاهدينأحد ، »سانتا لوسيا«ليأيت بنجدة، لكن » كورت«أن يرسع إىل ثم أراد » لوسياسانتا «يا فعلت وملا كان يعرفه جبانا حتى ذلك . واحدة سأكرس لك ساقكخطوة إذا خطوت : صاح به

.برصاصةسقط فورا وقد أصيبت ساقه ، ومر، لكنه !لن جترؤ: احلني، قال لهمل يكـن خطـريا ، فـإن نظرة عـىل جرحـكسألقي : منه وقال» سانتا لوسيا«دنا

.عليكسأجهز سأتركك هنا، أما إذا كان مميتا، ح يببطء ثـم دعـا اجلـر وارتأى أنه مميت، فحشا بندقيته نظر بإمعان إىل اجلرح،

.صالة، وفجر مججمتهليتلو

Page 150: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٤٩-

.يف اليوم التايل صار يف اجلبل .؟»السانتا لوسيا«هل تدري ما قام به فيام بعد، هذا

وعمه الكاهن، الـذي كـان مـشتبها بتحريـضه عـىل .أوقف الدرك كل عائلته لكنه فـر مـن الـسجن وأخـذ بـدوره.لقتيلالثأر، سجن هو أيضا وادعى عليه أهل ا

.بندقية وحلق بابن أخيه يف األدغال الواحد بعـد اآلخـر، واقتلـع ، كل من اهتم عمه»سانتا لوسيا«بعد ذلك، قتل

عيوهنم ليعلم اآلخرين أال يؤكدوا عىل أي يشء .بأعينهم مل يروه أربعة عـرش دركيـا، وقتل خالل حياته. قتل كل أقرباء وحلفاء العائلة املعادية

وأحرق منازل خصومه، وظل حتى موته أخطر وأرهب قاطع طريق بقي ذكـره بـني .الناس

* * * ظـل جبـل ، وكـان »املونتي تـشينتو«كانت الشمس متيل نحو الغروب خلف

ل، قريـة يـ كنا نسري برسعة لنبلغ قبل هبوط الل.عىل غرانيت الواديالغرانيت ينحني شـعاب اجلبـل كتلة حجارة ملتحمة بمنحـدر كناية عن ، وهي الصغرية» البريتاتشه«

يا هلا من عادة رهيبة لديكم، عـادة الثـأر : قاطع الطريقيف قلت وأنا أفكر .الصخرية !.تلك

!نا، فنحن نقوم بواجبال حيلة لنا يف ذلك: أجاب مرافقي باستسالم

١٨٨٢ أيــار ٢٥

Page 151: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٥٠-

نــدم

إىل ليون ديريكس

الذي لقـب السيد سافال، هنـض لتـوه مـن » بـالعم سـافال«يف مدينـة مانـت

هـو أوراق الشجر تتساقط ببطء مـع مطـر، ؛اجلو ماطر يف يوم خريفي كئيب .فراشهرع أرض غرفته جيئة ذفارق املرح السيد سافال، فها هو ي .ئاكمطر آخر أشد كثافة وبط

لـن يف حياة كل منا أيام مظلمـة، .وذهابا، من املوقد إىل النافذة ومن النافذة إىل املوقدإنه وحيد عازب ! بلغ الثانية والستني فقد،وى أيام مظلمةس من بعدبالنسبة إليهتكون

وحيدا، دون حنان ويف خملصيا لتعاسته أن يموت هكذا، وال أحد حوله، . يف وجوده الذي ال معنى له؛ يتذكر املايض الغابر، مايض طفولتـه، جلس يفكر

وبعدها احلقوق يف باريس، ومرض والـده ثـم ، املشاويرألهل، ثم الثانوية والبيت وا .وفاته

مع والدته التي عاش معها، هو يف ريعان شبابه وهـي يف ليسكن بعد ذلك عاد كـم . هي أيـضا توفيـت؛دون التوق إىل أكثر من ذلكخريف العمر، هبدوء وسكينة

!حياته كئيبةكانت لـن يكـون .سيموت، سـيختفي أيـضا وينتهـيه واآلن هو بدور. وحيدابقي

أنـاس آخـرون ! يا لبشاعة هذا الوضع. من بعد عىل هذه األرض»سيد سافال«هناك هـل مـن ! مرحون، نعم سيمرحون بينام يكون هو قـد غـابيوويتحابون سيعيشون

مـن والـسعادة يف ظـل هـذا اليقـني والتسليةاملستغرب أن يتمكن املرء من الضحك

Page 152: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٥١-

ممكنـا؛ لكـن عـىل العكـس، كان املوت حمتمل احلدوث فقط، لكان األمل لو ؟املوت .الليل بعد النهارتعاقب فهو حمتوم وال مفر منه، كحتمية

لو فعل شيئا، لو قام بمغـامرات، أو اسـتمتع بملـذات ! لو كانت حياته مألى مل يكـن .ال، ال يشء من هـذا القبيـلولكن . ومرسات من كل األشكالأو نجاحات

فعل شيئا، ال يشء أبدا إال أن ينهض ويأكل يف نفس األوقات قد حتـى إنـه مل ،وينـامألنـه كـان يملـك مل يتزوج؟ كان ذلك بإمكانه نعم، ملاذا كسائر الرجال، ملاذا؟ يتزوج كـان ! إن املرء يستطيع إجياد فـرص كهـذه! التي فاتته؟ ربامهل الفرصة هي . ثروة ماكـم . ، وعيبـه وإحـدى نواقـصهزمن املـهمرضاخلمول ان ك. ، هذا ما يف األمرخامال

أن ، فمن الصعب جدا بالنـسبة لـبعض الطبـائع باخلمولون حياهتم عالناس يضيمن .املسائلأو يدرس بعض أو يتكلم ويتحرك ويقوم بإجراءات ينهض صاحبها

حـب كاملـة، مل يكـن اتكأت عىل صـدره يف عفويـة ما من امرأة . مل حيببه أحدالعاطفـة للمـسة يـد، أو انخطـاف اللذيذ، وال الرعشة اإلهليـة االنتظار جزعيعرف .املنترصة

، أي سعادة تفوق إدراك البرش وتغرق القلب عندما تلتقـي الـشفاه ألول مـرةعناق األذرع األربعة كائنا واحدا، كائنا يف منتهـى الـسعادة، مـن كـائنني حني يبدع و

جن كل منهام باآلخر . .وقدماه باجتاه النار، وقد ارتدى مبذلهافال جلس السيد س

متامـا، مـع ذلـك فقـد كـان حيـب، أحـب رسا بـأمل حياته أخفقت صحيح أن ، الـسيدة سـاندرالقديمة نعم، لقد أحب صديقته ؛، كام كان يفعل كل يشءوبخمول

آه، لو أنه عرفها قبل أن تتزوج، لكنـه التقـى هبـا متـأخرا؛ .السيد ساندرزوجة رفيقه كم أحبها بالرغم من ذلك، دونام ! كان ليطلب يد هذه املرأةنعم .. انت قد تزوجتك

.كلل ومنذ أول يومالتي مل يـذق حني يبتعد عنها، والليايل وأحزانه تأثره كلام شاهدها، كان يتذكر

.هافيفيها طعم النوم ألنه كان يفكر

Page 153: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٥٢-

ا؟ملاذدوما أقل حمبة منه يف املساء، يف الصباح كان يستيقظ أمـا ! وشـقراءذات شـعر جمعـد لطيفـة وضـحوكة كم كانت مجيلة فيام مىض،

واآلن فقد بلغت من العمـر ثامنيـة ومخـسني . فلم يكن الرجل الذي يناسبها»ساندر«ومل ! لو أحبتهآه لو أحبته تلك املرأة من قبل؛ . سعيدةعاما، وهي عىل ما يبدو ال حتبـه

ام ساندر؟هي، مدهو، سافال، ألنه كان حيبها أمل تكتـشف أمـرا مـا، أمل تـر .. .ما فقطلو أهنا حزرت شيئا أو تفهـم مـا كـان

.لو تكلم، بامذا كانت ستجيب؟بامذا كانت ستفكر حينئذ يعانيه؟ حياتـه مـن جديـد كـان يعـيش .آالف األسـئلةيطرح عىل نفسه وبقي سافال

.أن يسرتجع مجلة من التفاصيلوحياول حـني كانـت زوجـة الورق الطويلـة لـدى آل سـاندر تذكر كل سهرات لعب

يف تذكر الكلامت التي قالتهـا لـه، ونغـامت صـوهتا .. وسحرهااألخري يف أوج شباهبا .واطرذلك الزمان، واالبتسامات الناعمة اخلرساء التي كانت تعني الكثري من اخل

عشب عىل الغدائهم النزهات الثالثية عىل طول هنر السني، وطعام صار يتذكر إىل خميلتـه فجـأة قفـزت .كان موظفا يف مديرية املنطقةأيام األحد، ألن السيد ساندر

.عىل ضفة النهريف غابة صغرية أمضياه لبعد ظهر أحد األيام ذكرى واضحة ويف يوم من أيام الربيـع التـي ن زادهم اجلاهز، وصباحا حيملا و قد انطلقاوكان

لـه أريـج ويبعـث عـىل مجيـل كـل يشء ؛اإلنسان يبعث النشوة يف تضج باحلياة، يومبـدت أرسع مـن ، حتى رضبات أجنحتهـا أكثر عذوبةتعزف أحلانا العصافري .الفرحدفء حتـت قرب املياه املسرتخيةحتت الصفصاف عىل العشب طعام الا وتناول. املعتاد

كـم كـان الطقـس.. مـستمتعنيا منه وفعببعطور النسغ، اهلواء فاتر، مفعم . الشمس .مجيال يف ذلك اليوم

، قـال حـني »يف حيـايتغفـوة أفضل «: عىل ظهرهبعد الغداء، نام السيد ساندر .النهرضفة وذهبا معا عىل قد تأبطت ذراع سافال كانت السيدة ساندر .استفاق

يا صـديقي، سـكرى حتـى أنا سكرى، «: اتكأت عليه وكانت تضحك وتقولأن وقـد شـحب لونـه خلـشيته قلبـه، أعـامق ى حتمرتعشا فكان يرنو إليها . »العظام

.أو أن تفصح هزة من يده رسه الدفنيتكون عيناه قد أبدتا جرأة،

Page 154: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٥٣-

أحتبنـي «: املائية، وسألتهالطويلة والزنابق من األعشاب إكليال صنعت لنفسها .»هكذا

ألنه مل جيد شيئا جييب من خالله، كان يـود بـاألحرى أن -مل جيب بيشء بام أنه يـا «: ضحكة مستاءة ساخطة ورمت يف وجهـهفجعلت تضحك، -عىل ركبتيه يركع .»!تكلم عىل األقلأمحق

.ومل جيد كلمة يقوهلاأن يبكي كاد : ملاذا قالـت لـه ذلـك. يف ذلك احلني، بدقة كام يف ذلك اليوماستعاده ذلك كل

.»يا أمحق، تكلم عىل األقل«منحنية، أحـس ا حتت شجرة وحني مر. عليه بحنوكيف كانت متكئة ثم تذكر

مقصودة، وحني خشية أن حتسب تلك املالمسة بأذهنا هي عىل خده هو، فرتاجع بغتة بطريقـة مل يعرفهـافعال رمته بنظرة غريبة، نظرت إليه » أما حان الوقت لنعود؟«: قال

. يستعيد ذكراهامل يفكر بذلك حينها، وها هو اآلن . من قبل .»فلنعدا صديقي، إذا كنت متعبا كام تريد ي«: أجابته يومها

قـد اسـتفاق سـاندر يكـون لكـن مـن املمكـن أن ليس ألنني متعب، «: فقال .»اآلن

أن يكون زوجي قد اسـتفاق، هـذا يشء إذا كنت خائفا «: كتفيهاأجابته رافعة .»آخر، لنعد

.عىل ذراعه، ملاذا؟ومل تكن متكئة حني عادا بقيت صامتة واآلن كان يبدو أنه يالحظ مـا . عىل نفسهكن قد طرحها هذه، مل ي»ملاذا«كلمة

.من قبل مطلقامل يكن قد فهمه ...هل؟

وهنض مضطربا كام لو أنه، وقد عاد ثالثـني عامـا إىل الـوراء، امحر لون سافال .»!أحبك«: سمع السيدة ساندر تقول لههل مـن ! كان يعذبههذا الشك الذي اعرتى روحه للتو، هل كان ذلك ممكنا؟

.املعقول أنه مل ير ومل حيزر

Page 155: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٥٤-

! السعادة دون أن يمسك هباليت ذلك كان حقيقة، لو أنه مر بتلك هـذا الـشك، أريـد أن البقاء يف خضم أعرف، ال أستطيع أريد أن : قال لنفسه

.أعرفأنـا يف الثانيـة والـستني، وهـي يف الثامنــة : بـرسعة، كـان يفكـرارتـدى ثيابـه ..التأكيد أن أسأهلا ذلكواخلمسني، أستطيع ب

...وخرج ذهـب .مقابـل بيتـه تقريبـابيت آل ساندر كان يف اجلهة األخرى من الـشارع

.لتفتح له الباب بعد أن قرعه وجاءت خادمة صغرية ..إليههل حـدث ! أنت يف هذا الوقت، سيد سافال«: الباكر، وقالتاستغربت جميئه

»؟مكروهإننـي أريـد التحـدث إليهـا ي وقويل لـسيدتك ال يا ابنتي، لكن اذهب«: أجاهبا

.»فوراللـشتاء، وهـي اآلن أمـام تقوم بإعداد مؤونتها من مربى اإلجـاص سيديت -

.فرهنا، وليست يف ثياهبا الالئقة .نعم، لكن قويل هلا إن األمر مهم جدا -

ذهبت اخلادمـة الـصغرية، وبـدأ سـافال يمـيش يف الـصالون بخطـى واسـعة سيطرح عليها السؤال كـام لـو أنـه يطلـب ! آه..مل يشعر باالرتباك ومع ذلكعصبية،

!فهو قد بلغ الثانية والستنيوصفة طعام، ذات كانت حينـذاك امـرأة بدينـة، عريـضة، مـستديرة، . فظهرتفتح الباب؛

كانت متيش وقد ابتعدت يداها عن جـسمها، وأكاممهـا رنانة، خدود مألى وضحكة : امللطخني بالقطر السكري، فسألته مضطربةمرفوعة عن ساعدهيا العاريني

:فأجاهبايا صديقي؛ أأنت مريض؟ ماذا بك -ال أيتها العزيزة، لكنني أريد أن أطرح عليك سؤاال له عندي أمهيـة كـربى، -

بأن جتيبي برصاحة؟وهو يعذب قلبي، أتعدينني

Page 156: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٥٥-

:ابتسمت وقالت .هات ما عندك. زلت رصحية كنت وما - أي شك بذلك؟هل خامرك . يوم رأيتك لقد أحببتك:هذا ما عندي -

:بلهجة تقارب هلجتها الغابرةأجابته ضاحكة !.لقد رأيت ذلك من أول يوم! يا أمحق، أكيد -

:بدأ سافال يرجتف؛ فتمتم .. إذا.. كنت تدرين؟ -

:فسألته.. ثم صمت : ماذا؟، فقالإذا - ماذا كنت ستقولني؟..ماذا.. ماذا.. ماذا كنت تعتقدين؟.. إذا -

أصـابعها وسـقطتا عـىل من القطر عند أطراف وسالت نقطتان ازداد ضحكها ..األرض

..!فلست أنا من عليه البوح بـ. أنا؟ لكنك مل تطرح عيل أي سؤال - :حينئذ تقدم منها خطوة وقال

بعـد عىل العـشب أتذكرين ذلك اليوم حني نام ساندر .. أخربيني.. قويل يل - .. حني كنا معا حتى ذلك املنعطف، هناك..الغداء

:عن الضحك وحدجته ببرصهاوانتظر كانت قد توقفت ..بالتأكيد أتذكر -

:فاستأنف مرتعشامـاذا كنـت .. جـرأةأكثـر .. لـو كنـت.. لـو كنـت.. يف ذلك اليوم.. حسنا - ..ستفعلني؟

ة، ال تأسـف عـىل يشء، وأجابتـه بـرصاحابتسامة امرأة سعيدة صارت تبتسم :فيه واضحابصوت جيل كان اهلزء

.يا صديقيكنت استسلمت -

Page 157: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٥٦-

.ياهتابروفرت نحو مثم استدارت بخطوات واسعة من كارثة، كان يميش فر نكمإىل الطريق ذاهال خرج سافال

حـني بلـغ حافـة ؛إىل أين هو ذاهـبحتت املطر، إىل األمام باجتاه النهر دون أن يفكر ثيابـه تدفعـه، تبللـت وتابع طريقه، مشى طـويال وكـأن غريـزة النهر، انعطف يمينا

قبعته، وصارت كخرقة يرشح منهـا املـاء، ظـل يـسري تقطر ماء، وتغضنت وصارت الـذي يف ذلك النهـار البعيـد غداءهمواتناولالذي فيه إىل أن وصل إىل املكان ويسري

.ه قلبهاعرصت ذكر ...حتت األشجار العارية، وبكىهناك جلس

١٨٨٣ تشرين الثاني ٤

Page 158: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٥٧-

Page 159: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٥٨-

الــولــيد

ظة بأال يتزوج مطلقـا، غـري غلبعد أن أقسم األيامن امل رأيـه » بـوردييريجـاك « .عىل شاطئ البحرو يف الصيف، ،إنذارسابق دون فجأة، لكن ذلك حدث

صباح أحد األيام بينام كان متمددا عـىل الرمـال، مـشغوال بـالنظر إىل النـساء حـني رفـع . تالمـسه ولطيفة، صدم برؤية قدم صغرية ناعمةات من املاءخارجوهن

برصه نحو األعىل، فتنته شخصية صاحبتها، فلـم يعـد يـرى منهـا سـوى العرقـوب البيضاء، وقد أحمن الفانيال والرأس البارز من خالل مئزر قيل إنـه كـان . إغالقه مك

شهوانيا فاسقا ذات ثم توقف عنـد سـحر فتـاة الشكل؛ حينها إال بجامل لذا مل يفتتن . .روح طيبة الشامئل، بسيطة وناعمة نعومة اخلدود والشفاه

حني تعرف إىل العائلة أعجب اجلميع لكنه من ناحيته، أحب بجنون، وملا كان من بعيد عىل الشاطئ الرميل الطويل، كان يـرتعش مـن رأسـه » بريت النيس«يلمح

وال حتى أن مت غري قادر أن ينبس ببنت شفة، كان يصوحني يدنو منها . حتى قدميه أكـان .عقلـهشويش يف وتـيف أذنيه، يف قلبه، وطنني يفكر، ويصاب بنوع من الغليان

.ذلك هو احلب؟أن يتخـذ تلـك يف كل األحوال مـصمام يأو يفهم شيئا، لكنه بقمل يكن يدري

.هة لالصبية زوجـاحبة قديمـة، تردد أهل الفتاة طويال متأثرين بسمعة الشاب السيئة، فقد قيل بأن له ص

.منذ زمن، هي سلسلة يظن املرء أهنا انقطعت، لكنها تبقى صامدةبه عىل عالقة متينة كان يقع خالل فرتات تطول أو تقرص يف حـب النـساء اللـوايت إضافة إىل ذلك

.شفتيهمن يقعن عىل مرمى

Page 160: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٥٩-

التي عارشها طويال، استقامت سريته ومل يعد يرىض برؤية تلكتلك الفرتة يف دفع جاك مـاال، غـري . ن هلا املعيشةنفقة لتلك املرأة، وأموتكفل أحد أصدقائه بتنظيم

كتبت له الرسـالة ؛اسمهاع أخبارها، مدعيا جهله بمعرفة حتى أنه مل يرد من بعد سامرت؛ وكـل جـ كل أسبوع كان يعرف خط تلـك التـي ه.تلو األخرى لكنه مل يفتحها

ولـو والورقة دون أن يفتحها كانت تثري غضبه أكثر فأكثر فكان يمزق املغلف أسبوع واحد، عاملا مـسبقا بأهنـا سـتلقي عليـه املالمـة لقراءة سطر، سطر والعتـب يف تلـك

.الرسائلبثبات رأيـه فـإهنم مـددوا االختبـار إىل يوما مقتنعني بام أن أهل الفتاة ما كانوا

.بيع فقط أجيب طلبههناية الشتاء وحني أقبل الر .يف باريس يف األيام األوىل من أيارتم الزواج

فبعـد احلفلـة الراقـصة .عرس تقليدية يذهب يف رحلة ن له بأنوا قد قررواكان ةاحلاديـة عـرشوالتي مل تتجاوز ، وأخوالههمعامأمن بنات البسيطة التي أحيتها صبايا

أول فـايل؛ فالعروسـان سيمـضيان ذلك اليوم االحتليال، وذلك كي ال يطول إرهاق العزيـز عـىل وحدمها يف اليوم التايل إىل الـشاطئ ليلة يف بيت العائلة ومن ثم يذهبان

.وحتاباقلبيهام حيث تعارفا إىل ، وانـسحب العروسـان البهـوأرخى الليل سدوله، والرقص عىل أشده يف

أنـوار اهيـة، وتـضيئها غرفة استقبال صغرية يابانية تزينها ستائر حريرية ذات ألوان ز ومـن النافـذة املفتوحـة كـان .من السقف عىل شكل بيـضة ضـخمةثريا ملونة تتدىل

اهلواء الندي يلج ويداعب وجهيهام، وحيمل معه عطرا ربيعيا .منعشاأمـا هـي فقـد .بقـوةجلسا صامتني لتتكلم أيدهيام فتشد إحداها عىل األخرى

بسبب تغري نمط حياهتا، لكنها كانـت راهبا عن اضطبقيت عيناها شاردتني، تفصحان ألن تنهـار مـن تبتسم وقلبها هيتز ويكاد الدمع ينفر من عينيها، وهي مـستعدة أيـضا

كانت قلقة دون أن تعـرف ما حصل هلا؛ الفرح، ظنا منها أن العامل كله قد تغري بسبب لذيـذا ال عيـاء اقـد امـتألكلـه وروحهـا سببا لذلك القلق، وأحست بـأن جـسدها

.يوصف

Page 161: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٦٠-

غري أنه مل جيـد أراد أن يتكلم .ابتسامة ثابتةينظر إليها بعناد مبتسام أما هو فكان ما يقوله فبقي صامتا، واضعا مـن . عـىل يـدهاالتـي كانـت تـضغط كل شوقه يف يده

كانـت ترفـع بـرصها نحـوه يف نظـرة ، ويف كل مـرة »!بريتا«: تمتمكان يوقت آلخر، حلظة، ثم ختفض بـرصها وقـد اخرتقهـا اآلخر يف حيدق واحدمها حلوة وحانية؛ كان

.وفتنهابرصه مل يعثرا عىل أية فكرة يتبادالهنا، تركا منفردين، لكن زوجا من الراقـصني كـان

. عىل رسمها ومؤمتن كتومنظرة عابرة وكأنه شاهديلقي نحومها أحيانا عليهـا رسـالة جـاء هبـا فتح باب جانبي ودخل أحد اخلدم وبني يديـه صـينية

وقد متلكه خوف غامض مفـاجئ، أمسك جاك بالرسالة وهو يرجتف ؛موظف الربيد .خوف املصائب املباغت

عىل فتحه، بل كانت لديه رغبـة يعرف اخلط، ومل جيرؤ نظر مليا إىل املغلف فلم فغـدا.. إىل الغـد«: ويقـوليف جيبـه جاحمة أال يقرأ وال يعرف مـا فيـه، أو أن يـضعه

عاجـل : هناك عىل إحدى زواياه قرأ كلمتني، ولكن »!سأكون بعيدا فاألمر ال هيمنيقـرأ . وقـرأ املغلـف فـض، و»؟أتـسمحني يـا حبيبتـي«: وسأل عروسهفارتاع جدا،

كأنـه يتهجـأ فيهـا بـبطء الورقة برسعة وقد شحب لونه بشكل مريع، ثم جال بطرفه .كل كلمة فيهايـا صـغرييت احلبيبـة، «: انت قد انقلبـت، فتمـتم كل سحنته ك،فع رأسهحني ر

كبرية، كبرية جـدا، وهـو حمتـاج إيل وقد تعرض ملصيبة إنه أعز أصدقائي .. هذا عـىل بمـسألة فيهـا مـوت أو حيـاة، أتـسمحني أن أتغيـب عـرشين .. عىل الفـور.. الفور .»سأعود بعدها مبارشة.. دقيقة؟

هنـا مل تكـن بعـد إحيـث » !حبيبـياذهب يا «: مرتعدة خائفة وقالتتلعثمت بقيت وحـدها، وهـي . وذهب. عن األمر عىل سؤاله لتستعلم ؤزوجته متاما، ومل جتر

.املجاورالبهو يف تسمع حركات الراقصني

Page 162: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٦١-

وحلظـة عـىل الـدرج، ونزل مهـروال ومعطفا، أمامه كان قد أخذ قبعة وجدها :رسالة، وهذا ما قرأهالقراءة املمر وأعاد إىل الشارع، توقف حتت ضوء قفزه

،سيدي أنه ادعت، قد وضعت للتو صبيا السابقة كام يبدو عشيقتك »رافيه«فتاة تدعى

وأطلـب إليـكأن أكتـب أسمح لنفيس . أمه ستموت وتطلب منك أن تزورها؛لكفهـي تبـدو يف منتهـى أخـرية، فرصة حمادثة طعت، أن متنح هذه املرأة تفيام لو اسمنك

.شفقةالتعاسة وأهال لل خادمكم الدكتور بونار

يف بـادئ األمـر مل ؛ريخـحني دخل إىل غرفة املحتـرضة، كانـت يف نزاعهـا األبمساعدة ممرضتني، وأرض الغرفة مألى بأوعية الـثلج، يعرفها، كان الطبيب يعاجلها

.واخلرق املشبعة بالدم ثأرض الغرفة، وقـد وضـعت شـمعتان عـىل إحـدى قطـع األثـااملاء يغمر

كانـت األم املعذبـة لرسير، كان الوليد يرصخ يف مهده، وعنـد كـل رصخـة وخلف ا .اجلليديةحتت الضامدات حتاول القيام بحركة وهي ترجتف

كـل حياهتـا قتيلـة تلـك الـوالدة، ،املميتنزفت، ونزفت طويال من جرحها ويـدين مـستمرا النزيـف تـصلب وبالرغم من العناية كـان سالت؛ بالرغم من الثلج

.ها األخريةساعتلشدة الوهن، لكن عـىل رفع ساعدها غري أهنا مل تستطع عرفت جاك وحاولت

.بدأت تسيل دموعهاخدهيا الشاحبني وأمسك بيدها املتدلية وقبلها بجنـون، ثـم اقـرتب رخر عىل قدميه أمام الرسي

إحـدى .مـن مالمـستهالـذي ارجتـف هبدوء نحو ذلـك الوجـه الـشاحب النحيـل . من صدر الغرفةوابتعد الطبيب وهو ينظر إليهامكت بشمعة أمساملمرضتني عدين أن تبقـى سأموت يا حبيبي، «: بعيدكأنه آت من متهدج له بصوت تقال

.»!ترتكني اآلن، ال ترتكني يف حلظتي األخريةال ! آه. النهايةحتى

Page 163: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٦٢-

..»إهدئي، سوف أبقى«: بالبكاء ومتتموشعرها وهو يشهق قبل جبينها وضـعفها دقائق قبل أن تتمكن من الكـالم ثانيـة، لـشدة عـذاهبا سكتت بضع

أقسم بحيـايت، أقـسم لـك، وأنـا أحتـرض، مل الصغري هو ابنك، أقسم باهللا، «: توقال كان حياول أن حيـضن بـني ذراعيـه هـذا .»أال تتخىل عنهب عدين ..أحبب رجال إالك

الـضمري ه مـن عـذاب متتم وقد ذهب عقل.املمزق الذي أصبح بال دمالبائس اجلسد حاولـت أن تقبلـه، وملـا ، حينئـذ »أقسم لك، سأربيه وأحبه ولن يفارقني«: واألسى

كنداء لقبلتـه، فـأدنى املبيضيتني لضعفها، مدت شفتيها عن رفع رأسها كانت عاجزة .املتوسلة املحزنةفمه ليقطف تلك املداعبة

. وأتى بالطفل، فذهب»هاته ألرى إن كنت حتبه«: متتمت وقد هدأت قليال» !ال تتحـرك«: مهـست. فتوقـف عـن البكـاءعىل الرسير بينهام وضعه بلطف تلك اليد التي كانت هتزها رعـشات االحتـضار، ا بيده امللتهبة كفهدأ، بقي هناك ممس

مـن وقـت آلخـر، كـان . أخرى تتقلص من رعشات احلباديكام أمسك منذ حلظة العقارب تنتقل إىل منتصف الليـل، ثـم إىل يلقي نظرة خاطفة إىل الساعة وهو يراقب

.حدة وبعدها إىل الثانيةاالو هادئـة يف فبعد قيامهام بجولة قـصرية بخطـىأما املمرضتان انسحب الطبيب؛

.والطفل نام وأمه أغمضت عينيها وكأهنا ترتاح. عىل الكرايسراحتا يف إغفاءة الغرفة، بحركـة فجائيـة مـدت يـدهيا ؛بغتة ترسب ضوء النهار الشاحب عرب الـستائر

ثـم حـرشجة حتى كادت تلقي بالطفل إىل األرض، خرجـت مـن حنجرهتـا وعنيفة ..»لقـد رحلـت«: وأعلنتـا هرعت املمرضتان .وأسلمت الروحهدأت عىل ظهرها

ألقى نظرة أخرية عىل تلك املرأة التـي أحبهـا، ثـم إىل الـساعة التـي كانـت تـشري إىل .ناسيا معطفهاعيه فر والوليد بني ذر.الرابعة

يف الصالة الصغرية، ثم حـني ملا ترك زوجته وحدها، انتظرته أول األمر هبدوء لكنها كانت والالمباالة، ءتنم عن اهلدووجدت أنه مل يعد، عادت إىل البهو الكبري هبيئة

.»يف غرفته وسيعود«: ، فأجابت»أين زوجك؟«: قلقة متاما، رأهتا أمها وحيدة فسألتها

Page 164: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٦٣-

ساعة، حني سـأهلا اجلميـع، أعلنـت عـن الرسـالة وعـن سـحنة زوجهـا بعد .وقعت، وختوفه من مصيبة املضطربة

عند منتصف الليل أوت ؛فقط ينتظروناملدعوون، وبقي األهل واألقربون غادر حوهلـا، يـسمعن وقد برحها النحيب، وجلست أمهـا وعمتاهـا إىل فراشها العروس

.ذهب إىل مفوض الرشطة للبحث عن معلوماتوالدها . صامتات حزيناتبكاءها هبـدوء، بعـد ذلـك ، فتح باب ثم أغلـق حركة يف املمشىعند اخلامسة حدثت

. يف أركان املنزل الصامت، أقرب إىل مواء قطة،سمعت رصخةبـالرغم مـن أمهـا بريتا التـي انطلقـت هنضت كل النساء دفعة واحدة وأوهلن

.وعامهتا وقد التفت بثياب النوم .الوليدطفل الوبني ذراعيه يف منتصف الغرفة، شاحب اللون الهثا قف جاك و

لكن بريتا، التي صـارت جـسورة حينهـا بعيون حائرة، األربع حدجته النساء .»ما األمر؟.. ما األمر؟ قل«: هرعت نحوه قائلة.. مع أن قلبها كان يعترص من الغم

أمـه قـد ي أن يل ولـدا هـ... القـصة«: بدا كاملجنون وأجاهبا بـصوت متلعـثم .الطفل الباكي، وقدم بذراعيه »..توفيت للتو

وبدون أن تتكلم، أمسكت بريتا الطفل وضمته إىل صدرها، ثـم رفعـت نحـو لقد .. بني ذراعي.. نعم لتوها«: ، أجاهبا»قلت إن أمه توفيت؟«: باكيتنيزوجها عينني

.»..الذي استدعاينلطبيب إنه ا... مل أكن أعرف أي يشء عنها.. منذ الصيفهجرهتا .»هذا الصغريحسنا، نحن سنريب «: حينئذ بريتا، وقالتمتتمت

١٨٨٣ أيلول ١٨

Page 165: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٦٤-

يـزوجت

املتـزوجني، أصـدقاء قـدامى حدث ذلك يف هناية عشاء جمموعة مـن الرجـال

مائـدهتم تبقـى ممـدودة .جيتمعون أحيانا بال زوجاهتم كعازبني، كام يف األيام اخلـوايلش بالكثـري مـن اخلمـر؛ حـديثهم يـشمل كـل يشء وينـعات طويلة، وحيتـسون سا

عـىل الـشفاه، البـسامت الدافئـة التـي تبعـث سارة، هذه الـذكريات ذكريات قديمة : كانوا يتندرون هكذا.يف القلبوالرعشات

، مع فتايت»سان جرمان«هل تذكر يا جورج، رحلتنا إىل « .»مونامرتر؟« .تذكرأجل إين أ! كيف ال -

فـيهم البهجـة فيستعيدون التفاصيل، وهذا وذاك، وألف قصة مازالت تبعـث .اليوم

، »!..، لـو يتكـرر ذلـكآه«: بـصدقوكـل مـنهم قـال ، سرية الزواجوفتحتهبـذه الـسهولة، كنـا قـد فيـه املـرء غريب كيف يقع «: »دو بورتانجورج «: فأضاف

يـذهب أحـدنا إىل الريـف؛ هنـاك امرأة مطلقا، لكن يف الربيـعقررنا بحزم أال نتخذ . أصـدقاء عنـد بةشابني األعشاب، يلتقـي بـالزهور ثم هيل الصيف وتنبت . الدفء

.»متأبطا ذراع امرأةوإذا به يقع، ويعود .هذه قصتي، ولكن لدي تفاصيل خاصة! بالضبط: »ليتوالبيري «صاح

ومجـاال يف املـرأة األكثـر سـحرا فلـديك فال تتـأفف أما أنت، : قاطعه صديقه .لطيفة وكاملة؛ أنت بالتأكيد أسعدناالعامل، وهي إىل ذلك .مل تكن غلطتي: أجابه اآلخر

Page 166: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٦٥-

ماذا تقول؟ - .األوصاف، لكنني تزوجتها بالرغم من أنفيكاملة صحيح أن زوجتي - !.ال متزح -والثالثني من عمري، ومل أكن أفكـر يف اخلامسة كنت : وإليكم القصة.. نعم -تافهـات، كـام كنـت مولعـا الفتيـات كنـت أحـسب .ج أكثر من شنق نفيسيف الزوا .بامللذات

يف مقاطعـة ... ويف شهر أيـار ديرابيل دعيت يوما إىل عرس ابن عمي سيمون نورمانديا أصيال كان عرسا .النورماندي يف و ؛ جلسنا إىل الطاولة يف اخلامـسة مـساء.

، )دو مـوالن(اآلنـسة اختـريت ملرافقتـي سبة احلادية عرشة كنا ما نزال نأكل، وللمناذات شخـصية عـسكرية وحتـرتم األصـول، جريئـة شـقراء وهي ابنة عقيد متقاعد،

طوعـا وجعلتنـي أرقـص وجرتنـي إىل احلديقـة يب النهـار كلـهاستأثرت . ومهذارة : فقلت يف نفيسوكرها، أرهقتني

.ا فيه الكفايةهاربا، فلقد حتملت م اليوم، ولكن غدا سأنسل ليمض -نون خوبقي الرجال يدإىل غرفهن النساء حوايل احلادية عرشة مساء، انسحبت

.وهم يرشبون أو يرشبون وهم يدخنون إذا أردتماملظهـر يقفـزون يف غالظ رجال ونسوة . من النافذة كنت ترى الرقص الريفي

ع مـ ن كـامايرافقـه بنعومـة عازفـدائرة ويغنون بصوت مرتفع حلـن رقـص وحـيش غناء القرويني املرتفع ؛عىل طاولة مطبخ استخدمت كمنصة جلس ثالثتهم ،كالرينيت

الناعمة، التي مزقتها األصوات اهلائجة أحيانا صوت اآلالت؛ واملوسيقى كان يغطي .املوسيقية قطعا منثورة من العالمات بدت كأهنا سقطت من السامء مزقا، أو باألحرى

ملـلء كـؤوس اجلميـع أحيطـا بمـشعلني كبريان وضع برميالنهناك يف زاوية ت الـصنابري يف سطل، لتوضع فورا حتتلك الكؤوس ووقف رجالن يغسالن .لإلنارة

استبد هبم كان يسيل خيط النبيذ األمحر أو السيدر الذهبي النقي؛ الراقصون التي منها تـصبب مـنهن العـرق، يتـدافعون مجـيعهمهدؤوا، والفتيـات وكبار السن العطش،

Page 167: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٦٦-

وهم يـردون ،سك كل بدوره أي إناء ويصبوا يف حلوقهم بغزارةمويمدون أيدهيم ليوعىل طاولة قريبة كنـت جتـد خبـزا وزبـدة . إىل اخللف، مرشوهبم املفضلرؤوسهم

ت آلخر، وحتـت قوأنواعا من اجلبن والنقانق، كل واحد منهم كان يزدرد لقمة من وة الرشب أيضا يف بطون تلك برغنظر، يذكي االحتفال البهي املنجوم الليل كان ذلك

.النيءيف أكل اخلبز والزبدة والبصل الرباميل احلية الضخمة، ورغبة أقوى .ميل جمنون أن أشارك يف ذلك املرح، وتركت أصحايباجتاحني

جيب أن أقر بأنني كنت ثمال إىل حد .أخذ السكر يتعتعنيلكن بعد قليل وما، حتى كدت معي بعنف وجعلتها تقفز ة،اجلسم، الهثنة ية متيوبيد قرأمسكت

جرعة من اخلمر وأمسكت بيد امرأة أخرى، ومـن أجـل أن أفقد أنفايس، ثم أخذت جويف رشبت كوبا كامال من السيدر وعدت ألرقص كمن سكنه عفريتأرطب .

تقليـد حركـايت؛ وحيـاولون وكان الشباب يتأملونني مرن اجلسم؛ كنت حينها .وتثاقل الدببةويقفزن حويل برشاقة يف مراقصتي تيات كن يرغبن ومجيع الف

من حلقة رقص إىل أخرى، ومن كأس مخر إىل كأس سيدر، أخريا بعد أن تنقلت .عىل رجليهال يستطيع الوقوف وجدت نفيس، حوايل الثانية صباحا، كمخمور

. وعتمةيف صمت كان القرص نائام ؛حلالتي وأردت الذهاب إىل غرفتيانتبهت كان الـسكر قـد وحني رصت يف الرواقمل يكن لدي أعواد ثقاب والكل نيام،

وتعذبت كثريا ألجد الدرابزون؛ أخريا لقيته بالتلمس غلبني وجلـست عـىل صـدفة أول درجة حماوال ترتيب أفكاري قليال .

غرفتي كانت يف الطابق الثاين، الباب الثالث إىل اليسار، حلـسن حظـي أننـي ملبـصعوبة وبـدأت الـصعود، درجـة ذلك، شجعتني تلـك الـذكرى، فنهـضت أنس

.فدرجة، ويداي ملتحمتان بقضبان احلديد كي ال أقع ويف نيتي أال أحدث ضجةقدمي ثالث أو أربع مرات فقط، وسقطت عىل ركبتي، ولكن بفـضل انزلقت

جتنبت تدحرجا تاما إىل أسفل الدرجإراديت قوة ساعدي وضغط . .اجلدران وأنا أتلمس خريا بلغت الطابق الثاين وغامرت بالسري يف املمشىأ

Page 168: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٦٧-

من اجلـدار واقتلعني متلكني دوارا؛ لكن »واحد«: هوذا باب؛ رشعت يف العد يف دوران عىل اجلدار اآلخر، أردت العودة بخـط غريب وأرمتي فجأة وجعلني ألتف

األمـان ورست أدركـت شـاطئ أخـريا الرحلـة طويلـة ومرهقـة، مستقيم، فكانت مـن أننـي مل أخطـئ، ولكي أتأكد . من جديد بتؤدة إىل أن وجدت بابا آخربمحاذاته

، وتابعـت املـسري، انتهيـت أخـريا إىل الثالـث، »اثنـان«: العد بصوت مرتفـعبدأت فكـرت، بـالرغم مـن . يف القفل، فتح البـاب، وأدرت املفتاح »ثالثة، هذا يل«: فقلت

بام أنه قد فتح فمن املؤكد أهنا غرفتـي، وتقـدمت يف العتمـة : أصابنيالتشويش الذي .بعد أن أغلقت الباب هبدوء .إنه الكريس الطويل فتمددت عليه فورا: اصطدمت بيشء طري

أن أبحـث بعنـاد عـن يف الوضع الذي كنت فيـه، كـان مـن غـري املستحـسن ع سـاعات إضـافية وبضفقد يستغرق ذلك ساعات، أو كربيت، الصوان أو شمعدان

.الفكرةأخلع ثيايب، ومن املمكن أال أتوصل لذلك، فتخليت عن تلك كي ختنقنـي، وحللـت التـي كـادت وفككت أزرار سـرتيت خلعت فقط حذائي،

.ورحت يف نوم طاغبنطايل أيتهـا : قـائالصـوت يـوبخ فجـأة أيقظنـي.. ، بـال شـك طويـلمىض وقـت

.أتدرين؟، إهنا العارشةالكسولة، ما زلت نائمة؟ .كنت مرهقة البارحة! صحيح: أجاهبا صوت أنثوي

.ذلك احلوار بدهشة عام كان يعني تساءلتكنت؟ وماذا فعلت؟ فكري كان حيلق ملتفا بضباب كثيفأين .

.سأفتح الستائر: استأنف الصوت األول قائالذهلت متاما، وأحسست بيد تقرتب مني، فجلست وقد حينها سمعت خطوات

من أنت؟ فلم أجب: يسأل بقوةمباغتة، وإذا بالصوتفأتيت بحركة إىل رأيس، تد مت .أحطـت شخـصا بـذراعي متـسكان يب، بـدوري غاضـبتني إال بقبـضتني فام شعرت

.باجلدران نيصطدممآخذين معنا األثاث، كنا نتدحرج واندلعت بيننا معركة مرعبة،

Page 169: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٦٨-

!.النجدة.. !النجدة: صوت املرأة ارتفع بشكل خميف، صارخاورفعت هرع اخلدم مع جريان وسيدات جن جنوهنم، فتحت مصاريع النافذة

!»دي موالن«متاسكنا أنا والعقيد ..ستائرها .إذ كنت نائام بجوار رسير ابنته

عندما فصل فيام بيننا، فررت إىل غرفتي، وقـد غلبنـي الـذهول، أقفلـت بـايب .ي لدى الصبيةبقوقدماي عىل كريس، ألن حذائي وجلست

يف أرجاء القرص، أبوابـا تفـتح وتغلـق، وشوشـات وخطـى سمعت ضوضاء .رسيعة

مـن هنـاك؟، كـان عمـي والـد عـريس : قرع بايب فـصحتساعة نصف بعد .األمس، ففتحت

:رأيته شاحب الوجه غاضبا، وعاملني بقسوة : ثم أضاف بصوت أكثر لطفا؟، أتسمعلقد ترصفت يف بيتي بفظاظة -طني كتلة ك، فتنام !يفاجئونك عند العارشة صباحا أهيا الغبي، جتعلهم كيف -

.بعد فعلتك. فورابدال من أن تغادرهايف هذه الغرفة لقـد أخطـأت البـاب . يا عمي، أؤكد لك بأنه مل حيدث يشء مطلقا: صحت به .ألنني كنت ثمال

يف، فقـال أقـسم بـرش: فرفعت يدي وقلـت.ال تفه بحامقات: رفع كتفيه وقال .أن تقولهنعم، هذا جيد، ومن واجبك : عمي

ذاهلتني كان ينظر إيل بعينني. وبدوري بدأت أغضب ورويت له كل ما حدث .ما عليه أن يصدقدون أن يعرف

.ثم خرج ليتفاوض مع الكولونيلما يشبه حمكمة من النـساء، وضـعت علمت بعدها أهنم شكلوا أمامهـا أوجـه

.املختلفةالقضية ال مهام يكن األمر، أنا : ورشح يقولمظهر قاض وجلس متخذا عاد بعد ساعة

.»موالندي «خلص من هذه الورطة، وهي أن تتزوج اآلنسة تلأرى إال وسيلة واحدة ل

Page 170: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٦٩-

.أما هذه الوسيلة، فقطعا ال :قفزت مرتاعا .ماذا تنوي أن تفعل إذا: فسألني بجدية . يردوا يل حذائيبعد أن.. أن أرحل: .. أجبته ببساطة

مـصمم أن يفجــر فـإن الكولونيــل أرجــوك اآلن، ال مـزاح : اسـتأنف عمــيعـن مبـارزة بـال طائـل، كلمتـه دماغك ما إن يراك ويمكنـك التأكـد بأنـه ال هيـدد

. هال، فقد قلت لك بأنني سأفجر دماغ: فأجابني واآلن لننظر إىل املوضوع من زاوية أخرى؛ فإمـا أن تكـون قـد أغويـت هـذه

بـسبب أو أنـك أخطـأت . ال يقصد العذارىعليك يا بني، فاملرء ، واأسفاه اإذالفتاة، نفـسك أال تـضع كان من األفـضل .كام تقول؛ مرة أخرى أكرر أسفي عليكسكرك

بكل األحوال، لقد فقدت املـسكينة سـمعتها، إذ مـا . املوقفيف مواقف حمرجة كهذا ، الـضحية احلقيقيـة يف هـذه املـسألة الوحيدةمن أحد يصدق كالم سكري، فالضحية

.هي تلك الفتاة، فكر يف األمر .قل ما تريد، فأنا لن أتزوج: ذهب وأنا أرصخ خلفه

.بقيت وحيدا ساعة أخرى، كانت الدموع متأل عينيها، حاولت بكل ما أوتيت جاءت زوجة عمي بدورها

أحد أن يقبل بأهنـا استطاعما . من منطق، لكن أحدا مل يصدق اخلطأ الذي وقعت فيهرضهبا الكولونيل، وكانت تبكي . يف بيت امتأل بالناسباملفتاح نسيت إقفال باب غرفتها

.كان فضيحة مريعة ال يمكن نسياهناما جرى . منذ الصباحاطلبها للزواج، فقد نتمكن من إجيـاد وسـيلة : تابعت زوجة عمي الطيبة قائلة

.قدلتتملص من املشكلة لدى كتابة رشوط الع بعـد سـاعة ؛ارحتت لوجهة النظر هذه، ووافقت عىل كتابـة طلبـي يـد الفتـاة

.غادرت إىل باريسأبلغت يف اليوم التايل بأن طلبي قد قبل .

يف غضون ثالثة أسابيع، ودون أن أجد خمرجا، ه فقد تم اإلعالن عـن .. تمزد األيـام الزواج وأرسلت بطاقات الدعوة، ووقع العقد ووجدت نفـيس صـباح أحـ

Page 171: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٧٠-

أمام العمدة أننـي وسط كنيسة شعت أنوارها، وإىل جانبي فتاة تبكي، بعد أن أعلنت .حتى ممات أحدنا. قبلتها رفيقة

بعدوانيـة أنظـر إليهـا بطـرف عينـي مل أكن قد رأيتها بعد تلك احلادثة، وكنت هذه لـن جتـد مـا يـضحكها : عىل أهنا مل تكن بشعة أبدا، رصت أقول لنفيس.ودهشة .كل يوم

.ومل تفه بكلمةتنظر إيل ولو مرة حتى املساء، مأما هي فلألننـي ويف نيتي أن أنقل إليها قرارايت حوايل منتصف الليل، دخلت إىل الغرفة

.كنت السيد املطلقحينها كاجلمر، والـشحوب بـاد وجدهتا جالسة يف مقعد مرتدية ثياب النهار، عيناها

:هبدوء ووقار ثم قالتوجاءت إيل هنضت ما إن دخلت. عىل وجهها . سأقتل نفيس لو رغبت.ألن أفعل ما تأمر بهأنا عىل استعداد أهيا السيد، -

لكولونيـل، قبلتهـا، لبطويل وابنة كانت، كام يف كل يشء، مجيلة يف هذا الدور ال .وهذا حقي

وبعد قليل الحظت بأنني مل أخدع، وها قد مضت مخس سـنني عـىل زواجنـا، .ا لست نادما حتى اآلن عىل ذلكوأن

* * * يانـصيب، ورقة الزواج : صمت بيري ليتوال، وضحك أصدقاؤه فقال أحدهم

.هي الفضىلجيب أال ختتار الرقم ألن أرقام الصدفة .هو من اختار لبيري ىالسكارأن إله نعم ولكن ال تنسوا : أضاف آخر

١٨٨٢ كانون األول ٥

Page 172: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٧١-

Page 173: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٧٢-

مأساة حقيقية

قيقي قد يكون أحيانا ال يصدقما هو ح

يف أحد األيام، ويف هذا املكان، إن املدرسة األدبية يف األمس كانت كنت أقول بيـنام يف احليـاة؛ قد تصادفنا استثنائية وقائع تستخدم، من أجل رواياهتا، مغامرات أو

يم نوعـا ، فهي تقـ املمكنةاملدرسة املعارصة، وهي التي ال هتتم إال بام يتفق مع احلقيقة .العاديةث احدمن التوازن لأل

أحـد الـرواة ، وكـأن كاملة، حصلت عـىل مـا يبـدوأنا قد وصلتني قصةا وه .كتبها وهو حتت تأثري اهللوسةمرسح الشعبيني، أو كاتب

.تهاب، جيدة التدبري ممتعة جدا بغرايف كل األحوال، هي قصة أخاذةونصف قرص، كانـت عائلـة الريفية وهي نصف مزرعة، يف إحدى املمتلكات

.ها أخوانتعيش مع ابنة خيطب ود .جماورابيتا مها من عائلة عريقة، يسكنان ، وكان الشابانيف يزيد قلبه اضطرابا، فقد أصبح نأما الثاين، والذي كان حبه الع. اختري البكر

حاملا وتائها، كان يغيومغتام .ويتأملقرأ أو حيبس نفسه يف غرفته لي أياما بكاملها ب .كلام كانت ساعة الزواج تقرتب، كلام ازداد قلقا

عائـدا مـساء املحـدد، كـان اخلطيـب األسبوع من التاريخ قبل ما يقارب مـن نقلـت . الغابةمن مسافة قريبة عند زاوية وإذا به يتلقى رصاصة زيارته اليومية لفتاته، عـامني قاتل اسـتمر يف يأس ه وغرق أخو. جثته إىل بيته صباحاجمموعة من الفالحني

.وظن الناس أنه سيرتهب أو ينتحر

Page 174: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٧٣-

يف هناية عامي .اليأس هذين تزوج خطيبة أخيه خالل تلك الفرتة مل يستطع أحد اكتشاف القاتـل، أثـر مـن اجلريمـة إذ مل يبـق

تقريبا، اسودت من البارود مؤكد؛ اليشء الوحيد الدال عليها كان قطعة ورقة حمرتقة طبعت بـضعة أبيـات كحشوة يف بندقية القاتل، وعىل هذه القصاصة ستخدمت ألهنا ا

اكتـشاف الكتـاب الـذي لكن ما من أحد اسـتطاع ،شعرية، هي بالشك، هناية أغنية .أخذت منه

وسـجن لوحق. عىل االرتيابسلوكه يبعث كان خمالف وقع الشك عىل صياد .دم توافر األدلةساحته لع، غري أنه مل يعرتف، فربئت وعذبواستجوب

احتوت عـىل كـل . مغامرات مريعةفهي أشبه برواية . املأساةحيثية تلك كانت اجلريمة عند زاوية الغابة، العدالـة حب األخوين، غرية أحدمها، وفاة املفضل، : يشءالقـضاة، أي قـصاصة ، تربئة املتهم، واخليط الـدقيق الـذي بقـي بـني أيـدي لةاملضل

. البارودالورق املسودة بسببغني وحمرتم؛ وقد متزوج، سعيد، االبن األصغر . عرشون متروها هي سنوات

د القضاة القدامى، كـان واحـدا ستتزوج ابنا ألحإحداهن بدورها . رزق ثالث بنات .يف كرايس القضاء حني جرى اغتيال األخ البكرممن جلسوا

لـرسور قلـب تـصافح األبـوان ومـأل ا. وتم عقد القران يف عرس ريفي هبيج ااجلميـع وضـحكورشب العروسني، وتوج االحتفال بعشاء يف قاعة القرص الطويلة؛

وأغنيـات كـام كـانوا قرتح أحدهم غناء أهـازيج ا احللوى تصلو، وحني اومتازحو .فيام مىض من الزمنيفعلون

.أعجبتهم الفكرة والكل بدأ يف الغناءن أغنيـة كـان يدنـدهنا يف ذاكرتـه عـحني جاء دور أيب العروس، رشع يبحث

رويدا رويدا، فاستعادها قديام .. انتهـى وحـني ؛آخر مقطـع فيهـاتابع غناء فصفقوا، أضحكت األغنية اجلميع

: القايضسأله جاره

Page 175: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٧٤-

فأنـا أعـرف منهـا األبيـات طان، من أيـن جئتنـا هبـذه األغنيـة؟ الشيبحق -لكننـي ال أعـرف بالـضبط، يت، األخرية، ويبدو يل بأهنا تتعلق بمناسبة خطرية يف حيا

.أفقد ذاكريت بدأت دفق .يف رحلة زفافهاميف اليوم التايل سافر العروسان

ذكريات غري واضحة املعـامل، مـع رغبـة جاحمـة يف أن هاجس أثناء ذلك، كان فـصار يدنـدن دون . عـىل والـد العـريسبال هوادة، يلحـان يستعيد شيئا يفلت منه

تلـك مـن أيـن جاءتـه ، ومل يستطع أن يعرف هصديقغناها التي توقف الزمة األغنية مع ذلك، كان حيس بأهنا منقوشة ومغروسة يف رأسه منذ أمـد بعيـد، وكـأن ؛األبيات

.يف أال ينساهالديه مصلحة جدية به جيد، وهو يقلـب أوراقـا قديمـة نـسخها بنفـسهاسنتان، وإذمضت ، هـذه

.بحثه عنهااألبيات التي طال هي ما بقي مقروءا عىل حشوة البندقيـة التـي اسـتخدمت فـيام تاكانت األبي

.مىض سالحا للجريمةإىل يف أثـاث صـديقه دهاء، ويفتش ببدأ وحده بإعادة التحقيق؛ يسأل حينذاك

.انتزعت منه تلك الورقةأن وجد الكتاب الذي ولده صهر املشتبه بـه؛ ولكـن إن كـان . جتريهذا كانت املأساة يف قلب األب

.هل هناك جريمة أكثر وحشية؟! ه مذنبا، فألنه قتل أخاه ليسلبه خطيبتهفين يشك مأعيـدت القـضية للمحكمـة، . عـىل شـعور األبضمري القايض تغلب آنذاك

.وكان القاتل احلقيقي هو األخ، فحوكم * * *

.من أناس يؤكدون صحتهاها هي ذي األحداث كام وصلتني كل حقيقة تـصلح ألن تليس«: التي تقول، املسلمة، يف األدب كام يف احلياةاإذ

.قابلة للتطبيق متاما، تبدو يل »تعلنرواية تستند إىل معطيـات كهـذه، فإن . الفتاوأنا أؤيد هذا املثال الذي يبدو يل

.جتعل القراء ال يصدقون وتثري غضب كل فنان حقيقي ١٨٨٢ آب ٦

Page 176: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٧٥-

Page 177: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٧٦-

لــالقات

الدفاع عن جمرم، فام كان منه إال أن تقدم باملرافعـة شاب أوكل إليهحمام مبتدئ

:التاليةمـوكيل، هـو .املحلفـون، ال يمكـن إنكارهـاأهيا السادة كام جرت األحداث،

بـسورة هبقتـل رب عملـ، قام رجل رشيف، موظف ال مأخذ عليه، لطيف وخجول؟ هـذه اجلريمـةأن أحلل سيكولوجية هل تسمحون يل . تبدو يل غري مفهومةغضب

أمـا حكمكـم ،إن جاز يل ذلك دون التخفيف مـن أي يشء ودون انتحـال األعـذار .فيام بعدفستصدورنه

جعلوا منه رجال بسيطا أناس رشفاء هو سليل »لوجريجان نيكوال « .وحمرتمايف أيامنـا مل نعـد نعرفـه شعور، أهيا الـسادة، إنه ! االحرتام: هنا تكمن جريمته

يتوجـب علينـا الـدخول إىل قلـب . بأسـه وسـلطانههذه، لكن اسمه بقي واختفـىالـصارم، هـذا التـدين متواضعة لكي نجد هذا التقليد املتـوارث و ،متخلفةعائالت املقدسـة، العقيـدة املرتديـة هلـذه الـسجايا بوأالشعور باإلنسان، أو باألشياء املرتبط ب

وال مسا من الشك وال االبتسام الذي ال يتحمل هذا اإليامن .الريبةأن يكون رجال رشيفا، رشيفا حقا، بكل ما للكلمة من ال يمكن ألحد معنـى،

الذي جيـل تكـون عينـاه مغـضمتنيفالرجل . إال إذا كان حيرتم اآلخرين إنـه يـؤمن . أما نحن، ذوي النظر احلاد املسلط عـىل العـامل، والـذين نعـيش هنـا، يف قـرص بذلك نحـن ،الـشائنةتصب فيه كل أنواع األفعال حيث ، املجتمعقاذورة هذا، وهو العدل

أو خـسة عن كـل نذالـة أو عار، ومدافعني متفانني الذين نعترب موضع ثقة لكل عيب د، كيال أقول املدافعني برشية، والسن الـذين أو من من األمراء كل غريب أطوار، عن

Page 178: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٧٧-

عـىل االبتـسامة وكياسـة ورفـق ونستقبل بحلم حيومون حول األسيجة؛ نحن الذين فعـال أمامكم، نحـن مـن، إذا كنـا نحـب كي ندافع عنهم كل اجلناة واملذنبني ،حميانا

لن نستطيع من بعـد أن نملـك بقدر اجلرم املرتكب؛ مهنتنا، نجعل تعاطفنا كمحامني ، هـذا الـسيل مـن الفـساد، مـن رؤسـاء بأم أعيننـانحن نرى . روحا حترتم اآلخرين

جتـري األمـور، كيـف صعلوك، ونعرف متام املعرفة كيـف السلطة حتى آخر نذل أو بـشكل فـظ، ،والتكـريم والوظائفاملكانات واملناصب يعطى كل يشء، وكيف تباع

وحــصص يف املؤســسات مقابــل صــكوك مقابــل القليــل مــن الــذهب، وبمهــارة، يلزماننـاومهنتنـا إن واجبنـا . قبلة من امرأةالصناعية، أو بطريقة أكثر بساطة، مقابل

شيئا، أن نجعل من اجلميع موضع شك، ألن الكل أال نتجاهل مـشتبه بـه؛ وتـصيبنا أمامكم، يدين باحرتام شـديد جيعـل منـه شخصا، كالقاتل املاثل الدهشة حني نواجه

.هذا االحرتامآخر األمر شهيد بالنظافـة، وذلـك نحن أهيـا الـسادة، لنـا مـن الـرشف بقـدر مـا لـدينا عنايـة

غـري أننـا ال واألنفـة؛ ةالشخـصيالكرامـة ، بفضل شعور من من الدناءةا الشمئزازن .كام هو لدى هذا الرجلالعنيف الفطري واإليامن األعمى نحمل هلذا الشعور

.دعوين أروي لكم سرية حياتهتربى، كام تربى األوالد فيام مىض، وقد جعل من كل األفعال البرشية قـسمني :

عـن الـرش، كـام سلطة ال تقاوم جعلته يميزه باخلري روا له أظه. ما هو خري وما هو رشالراقيـة التـي حـني األذهـان مل يكن والده سليل جـنس ذوي . يميز الليل عن النهار

التـي فيهـا االجتامعية وتتعرف عىل االحتياجات املعتقدات تنظر من عل، ترى ينابيع .ولدت هذه التاميزات

شب إذا، متدينا واثقا، متحمسا . وحمدوداج حني بلغ الثانية والعرشين، من قريبة له تربت مثلهوز وكانت بـسيطة ونقيـة

ذات ،يف أن تكـون رفيقـة عمـره امـرأة عفيفـةحالفه حظ ال يقدر بثمن . عىل غرارهعاش وهـو . يف العاملمدعاة لالحرتامقلب مستقيم، أعني ما هو األشد ندرة واألكثر

Page 179: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٧٨-

هـذا األبـوي، يف العائالت ذات النظـام الذي حييط باألمهات جالل يكن لوالدته اإلأوجبتـه العـرشة حتول كل هذا إىل زوجته مع تبديل ضئيل . لآلهلةاملخصص التكريم سـتقامة االوالغـش؛ يف حالـة مـن الحتيـال لمىض يعيش يف جهل مطلـق . الزوجية

منه كائنا منفـرداوالسعادة اهلادئة، جعلت الراسخة هـو ال خيـدع أحـدا، ومل يكـن ف. .أحدا يمكن أن خيدعه هو بأن كيشك

الذي قتلـه »النغليه«السيد صندوق لدى عمل كموظف قبل فرتة من زواجه، .موكيل مؤخرا

وأخيهـا »النغليـه«الـسيدة نعلم، أهيا السادة املحلفون، من خـالل شـهادات يف هذا املـرصف، ملوظفني ، رشيك زوجها، وكل العائلة ومجيع كبار ا»بريتوي«السيد

كـان موظفـا نموذجيـا بأمانتـه واسـتقامته، »لوجري«أن ولطفـه واحرتامـه وبطاعتـه .دقته، وبلرؤسائه

يعامل »لوجري«كان وفعال وقـد اعتـاد هـذا . باحرتام استحقه بـسلوكه املثـايلدحيها التي كـان مـ»لوجري«نحو السيدة أبداه وهذا النوع من التقديس الذي التكريم

.عىل كل لسان . ى التيفوئيد خالل بضعة أيامبحم» لوجري«السيدة توفيت

بارد، وهبدوء قلـب منـسق العواطـفعميق، لكنه أمل بأمل شعر من املؤكد أنه . .مواجعهعن شحوبه وتغري مالحمه كانا يفصحان

.حدث أمر طبيعي أهيا السادة، حينئذعـرش سـنوات اعتـاد أن ومنـذ . سـنواتهذا الرجل كان قد تزوج منذ عرش

عنايتهـا، وعـىل صـوهتا حيظـى باعتاد أن . بوجود امرأة بالقرب منهعىل الدوام يشعر اعتـاد أيـضا عـىل . هانئة، وعىل حتية الصباحله بليلة املألوف حني يعود، وعىل متنياهتا

ا واألموميـة احلفيف الناعم، الغايل عىل النساء، لثوهبا، وعىل مداعبتها الغراميـة حينـاملحبوب الذي جيعـل من أعباء الوجود، وعىل ذلك احلضور حينا آخر، والتي ختفف

Page 180: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٧٩-

احليس ملا كانت تقدم له من طعام، وعىل عىل الدالل أدمن أيضا . متر رساعاالساعات التـي دون أن يمر ذكرها والتي تصبح عىل املدى من الرضورات اللفتات التي تزجى

أمسياته التـي ال فمن أجل أن يميض . العيش وحيدا عاد يستطيع ما. ال يستغنى عنهامـن كان يرشب كأسـا . يف حانة جماورةأو اثنتني ساعة هناية هلا، طفق يذهب ليجلس

بعد كرات البلياردو جتري، الواحدة الشاردتني هناك ساكنا، يتابع بعينيهاجلعة ويبقى ــدخننيحتــت ضــباب األخــرى، ــسمع دون تفكــريامل ــني، ، وي ــشاحنات الالعب ، ميف السياسة، والضحكات التي كانت تثريها بعض الفكاهـات عنـد جريانه ونقاشات

. األمر إىل النـوم مـن فـرط تعبـه ومللـهغالبا ما كان ينتهي به . الطرف اآلخر للقاعة ال تقـاوم، لقلـب، وجلـسد امـرأة؛ لكنه كان حيمل بني أضلعه وجسده حاجـة دون و

طاولة املحاسبة، حيـث كانـت أمينـة ن يقرتب قليال كل مساء من ذلك، كايف تفكري ذلـك املقـام، فينجـذب نحوهـا بقـوة وهي فتاة شقراء صغرية القد، تتبوأ ،الصندوق

ال ترد، فهي امرأة . بالنـسبة لـه وهـي أن عادة، لذيـذة يتحدثان، فتملكته أصبحا بعد فرتة وجيزة

وودودة كام هو مفـرتض أن تكـون حـني عمة كانت نا. إىل جانبهايميض كل سهراته مـلء كأسـه مـرات ومـرات، حـسب تعمل يف مثل هـذه املهنـة، وكانـت تتـسىل يف

كان يزداد تعلقا، يوما بعد يوم»لوجري«لكن . متطلبات عملها بتلـك املـرأة التـي مل ، . ةفقط ألنه مل يكن يرى غريها امرأ، لكنه أحبها حياهتايكن يعرفها، ال بل كان جيهل

من هذا كانت تلك املرأة الصغرية ماكرة، إذ الحظت برسعة أهنا قد جتني فائدة .كانت أذكاها بالتأكيد، أن يتزوجهاو. عن أفضل طريقة الستغاللهفبحثت الساذج

.ونجحت دون أية صعوبة إىل نافلـةهل عيل أن أخربكم، ساديت املحلفني، بأن سـرية تلـك الفتـاة كانـت

سفاهة وانحالال؟شذوذها، بل عىل العكس، زادها لزواج مل يكبح ، وأن اأقىص حد

Page 181: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٨٠-

األنثوي، بدت وكأهنا تتلذذ بخيانـة هـذا الرجـل الـرشيف، مـع كـل بدهائها نـتج عـن ذلـك فـضيجة . لدينا رسائل أهيا السادة.مع اجلميع: أقول. موظفي مكتبه

.الزوج، كام هو احلال دائام، كان آخر من يعلمجملجلة، وحده فهمها، ابـن رب العمـل يسهل يف حبائلها، ملنفعةتلك السافلة ريا، أوقعت أخ

عـىل روحـه وأحاسيـسه عامه التاسع عرش، وقد أحدثت وهو شاب مل يتجاوز بذاته تأثريا ي لـذلك بوجهه، بدافع طيبه وصداقته قد أشاح » النغليه«كان السيد . لهحلارثى

ذلـك شاهد ابنه بني يدي، بـل ذراعـي لكنه حني . تلك املرأةاملوظف، عن ترصفات .اخلطري، شعر بغضب شديد مربر ومرشوعاملخلوق

وكلمـه، حتـت تـأثري » لـوجري«عىل الفـور غري أنه ارتكب خطأ حني استدعى .األبويسخطه

اجلريمة مـن فـم عرضا لوقائع عىل مسامعكم يل أهيا السادة، إال أن أقرأ مل يبق .املحترض ذاته، دونه املحقق

قد علمت للتو أن ولدي، أعطى قبـل يـوم، عـرشة آالف فرنـك هلـذه كنت «شـككت يومـا بكرامـة ورشف أنا مـا ، صحيح. غضبي حدود العقلاملرأة، فتجاوز

.بعض الضالل والتعامي، يصبح أشد خطرا من الزلل، لكن »لوجري« .أن أحرم نفيس من خدماتهبأنني مضطر وقلت له استدعيته

أخريا طلب مني تفسريا بلهجـة . ، مشدوها غري قادر أن يفهمبقي واقفا أمامي .حمتدة

رفضت أن أقدم له أي تفسري، مؤكدا أن األسباب خاصة اعتقد بـأنني حينئذ . وأنـذرين بـأن ، وهو ممتقـع اللـون،استحلفني. كنت أعزو ذلك لفظاظته أو خشونته

.اجهاربحقه بالكالم وملا متلكته تلك الفكرة، أحس . أفصحوأهانني وقـد وصـل إىل درجـة مـن الغـيظ وبام أنني لزمت الصمت شتمني

.للعنفبعدها جلوءه خشيت .وعند كلمة جارحة منه أصابتني يف صميم قلبي، رشقته باحلقيقة أمام عينيه

Page 182: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٨١-

بقي واقفا بضع ثوان بعينني تائهتني؛ ثم رأيته يأخذ من مكتبـي مقـصا ينظر إيل خيـرتق شعرت بـيشء ف. رفوعبساعده املليهامجني سجالت بعض اليف قرظ استخدمه

»حلقي، عند قمة الصدر، دون أن أشعر بأي أملعنـه؟ ماذا أقول للدفاع . هلذه اجلريمةووصفا املحلفني، عرضا هاكم يا ساديت

. احرتم زوجته الثانية بال تبرص، ألنه كان قد احرتم األوىل بعقالنيةلقد . براءة املتهمقصرية أعلنتبعد مداولة

١٨٨٧ تشرين الثاني ١

Page 183: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٨٢-

احلقول

رابيـة املعدنية، قـام كوخـان عنـد سـفح بالقرب من مدينة اشتهرت بحامماهتا : يعمالن بجد يف أرض خصبة إلعالة صـغارمهافالحني كان صاحبا الكوخني . هناك

ج من الـصباح وأمام البابني كانت جمموعة األطفال من العائلتني تع. أربعة لكل منهام والصغريان بحدود مخسة عرش شهرا؛ جـرى البكران بعمر ست سنوات. حتى املساء

.تقريبا يف كال البيتنيالزواج ومن ثم الوالدات بالتزامن فكانا معا؛ أما األبوان حني يكون األوالد كانت األمان تعرفان إنتاجهام بصعوبة

واحد ىينادوختتلط، وحني نية ترتاقص يف رأسيهام كليا، إذ كانت األسامء الثامال يميزان .املطلوبالولد األقل ثالثة أسامء قبل الوصول إىل عىلكان الرجالن يذكران

يشغلونه، وهلـم ثـالث » توفاش«آل كان » رولبور«أول منزل يف اجتاه محامات .حدة وهلم ثالثة صبيان وابنة وا»فاالن«بنات وصبي؛ ويأوي إىل الكوخ اآلخر آل

يف الـسابعة . واهلـواء الطلـقاعاش اجلميع بمشقة يقتاتون من احلساء والبطاطصباحا، وظهرا ثم إلطعـامهم، جتمعـان األطفـال الوالدتان يف السادسة مساء كانت

يف صـفوف حـسب األعـامر، أمـام طاولـة جيلـس األطفـال . كام جيمع الرعاة اإلوزفإن فمـه كـان الولد األصغر أما . ستعاملن االم عاما نيمخسيعود إىل خشبية طالؤها

تـرس الطاولـة، وعليهـا كـان صـحن اخلبـز اليـابس املبلـل بـامء البطاطـا بمستوى أمـا الـصغري فكانـت . وثالث بصالت، فيأكلون حتى الـشبعاملطبوخة، مع امللفوف

بأنـه عيـد هنار األحد يضاف إىل ذلك قليل من اللحم يشعرهم ... أمه تطعمه بنفسهاسيأيت زمن نأكل «: وهو يعيدبتناول طعامه ؛ يف ذلك اليوم كان الوالد يتأخر للجميع

.»هذا كل يوم

Page 184: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٨٣-

، أمـام شـابةامـرأةتقودها ،عربة صغريةذات يوم من شهر آب، توقفت فجأة :إىل جانبها لرجل جالس تالكوخني، فقال

.»!رهكذا يعجون يف الغباما أمجلهم ! يا هنري هذا العدد من األطفالأال انظر «أو مـا أمل الـذي كـان بمثابـة مل جيب الرجل بيشء وقد اعتـاد هـذا اإلعجـاب

.أو املالمة بالنسبة إليهالتأنيب يقارب :استأنفت املرأة قائلة

.» هذا الصغري...كم أتوق ليكون لدي واحد! نعم! جيب أن أقبلهم« ابـن ،؛ أخذت واحـدا مـن األصـغرين من العربة وجرت نحو األوالدقفزت

األشـقر وشـعره الوسـخني وقبلته بعاطفة عـىل خديـه ورفعته بني ذراعيها »توفاش«ليـتخلص مـن تلـك ويديه الصغريتني اللتـني كـان هيزمهـا املجدول املشبع بالرتاب

.املداعبات املضجرةالتـايل، غـري أهنـا عـادت يف األسـبوع .ثم ركبـت عربتهـا وغـادرت بـرسعة

ووزعـت بـاحللوى هيا وحـشت فمـه وجلست عىل األرض وأخذت الطفل بني يـديف معهم مثل طفلة، بينام كان زوجهـا ينتظـر بـصرب عىل اآلخرين؛ ثم لعبت ر اكالسك

.عربته اخلفيفةرجعت مرة أخـرى وتعرفـت إىل األهـل، وعـادت للظهـور ثانيـة كـل يـوم

.نقود والىباحللووجيوهبا مألى .» روبيريهنري«كان اسمها السيدة

نزل زوجها معها، ودون أن تتوقف عند األطفال، ذات صباح، حني وصلت، .الفالحنيبيت الذين أصبحوا يعرفوهنا، دخلت

وقـدما من املفاجـأة يف وقفتهام احلطب لطهو احلساء؛ انتصبا كانا هناك يقطعان :راجف وقالتتقطع بصوت متكلمت املرأة الشابة حينئذ . وانتظراالكرايس معـي أود أن أصـطحب ... د مـن قلبـيألننـي أو، جئت إليكم أهيا الطيبون«

.»...ولدكم الصغري... ولد .وتوقفا عن التفكريمل جيب الريفيان وقد ذهال

Page 185: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٨٤-

أخذت نفسا عميقا ثم تابعت . ــرزق مل « ــان ــدان، زوجــي وأن ــأوالد، ونحــن وحي ــصونهســنرعاه... ب ... ون

.»أتوافقان؟ :بدأت القروية تفهم الوضع فسألت

.»، بالتأكيدالأخذ شارلو منا؟ تريدان « :قائال» دوبيري«تدخل السيد حينئذ

فـإن .سـيعود لزيـارتكم، لكنـه نريـد أن نتبنـاه. زوجتي التعبـريلقد أساءت «أن رزقنـا وإذا صـدف . سـيكون وريثـا لنـاأحسن الترصف، كام نعتقد أنـه سـيفعل

حـني يبلـغ، سنعطيه لكن إن مل يتجاوب مع اهتاممنا. سيتقاسم معهم اإلرثبأوالد، فورا لدى الكاتـب املبلغ هذا مبلغا وقدره عرشون ألف فرنك وسيسجل سن الرشد

وبام أننا فكرنا بكام أيضا، سنقدم لكام، حتى هناية أيـامكام، دخـال قيمتـه مئـة . بالعدل .»قصدنا؟هل فهمتام .. فرنك شهريا

:هنضت القروية وردت غاضبة! ال، ال! ياء ال تطلـب مـن أم أبـداهذه األشـ... أن نبيعكام شارلو، التريدان «

.» الفظاعةىمنته هذا .من رأسهمديدة معها بإيامءة متهيبا ليفكر؛ وكان يوافق صمت رجلها

نحو زوجها وقالت بـصوت واضطربت، ثم استدارت »وبيريد«بكت السيدة . عادة مجيع طلباهتاىالعربات، أشبه بصوت طفلة مدللة تلبختنقه

.»..ال يريدون.. يريدون، إهنم ال ييا هنر« :ثانية بمحاولة أخريةقاما روا ولكن يا أصدقائي« .»...بمستقبل ولدكم وسعادته، بـ، فك

:قاطعته القروية وقد عيل صربها. والعـودة إىل هنـاإيـاكام ... هيا ارحـال... كل يشءيف وعرفنا وفكرنا سمعنا «

.»!طفل هكذاانتزاع هل من املباح

Page 186: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٨٥-

كـان هنـاك صـغريان، فـسألت وهي هتم باخلروج أنه »بيربدو«انتبهت السيدة :ترفض االنتظارالعينني، بصالبة امرأة مغناج وعنيدة وهي دامعة

.»والصغري اآلخر، أليس من أوالدك؟« :»توفاش«أجاب الوالد

.»الذهاب إليهم إن رغبتامإنه ابن اجلريان؛ تستطيعان ال، « .غاضبازال يلعلع ودخل إىل بيته حيث كان صوت زوجته ما ي

ون ررشائـح اخلبـز، يمـر جالسني حول املائدة يـأكالن بـبطء »فاالن«كان آل .يف صحن كان بينهاماملوضوعة من الزبدة ها بتقتري قليالعلي

وحتايـل باقرتاحاته، ولكن بتلميحات أكثر، وبحرص يديل » دوبيري«بدأ السيد .خطايب أكرب

لة عىل الرفض، ولكن حني علام بأن مئة فرنـك دالبرأسيهام هيزان بدأ القرويان .تفكريمهاوقد ختلخل بالعيون تكلام ،كل شهرتنتظرمها

صمتا طويال؛ ترددا كثريا وتعذبا :أخريا سألت املرأة. .»ما رأيك يا زوجي؟«

:ارقأجاهبا بو .»أقول إن ذلك ليس هبذا السوء«

بكـالم ت ترجتف من الغم، ، التي كان»دوبيري«حينذاك، توجهت إليهم السيدة .فيام بعد اممستقبل الصغري، وسعادته وكل األموال التي سيعطيهحول

:الفالحسأهلا .»هبا أمام الكاتب بالعدل؟املئة فرنك هذه، هل تعدينني «

:»دوبيري«أجاب السيد .»من الغدبالتأكيد، اعتبارا «

Page 187: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٨٦-

:ما تزال تفكر، فقد قالتالتي كانت أما القروية من الصغري، ألنه خـالل بـضع شهريا، هذا ال يكفي مقابل حرماننا فرنك مئة «

.»سيكون قادرا عىل العمل، يلزمنا مئة وعرشونسنني وهـي تـرضب األرض بقـدمها بنفـاذ صـرب، وحـني »دوبيري«وافقت السيدة

واسـتدعي . مئة فرنك كهدية، بينام كان زوجهـا يكتـبأخذت الطفل أعطت والديه .ريان كشاهدينالعمدة وأحد اجل

وانفرجت أسارير املرأة الشابة ومحلت الطفل، الذي كان يصيح بأعىل صـوته، .املزخرفة من املخازنحف أو األواين تام حتمل الك

ذهاهبم وامجني عابـسني، مـع يشء كانا واقفني عند الباب يراقبان »توفاش«آل .من الندم شعرا به لرفضهام ذلك العرض

* * * كل شهر يذهبون أما أهله فكانوا . الصغري»جان فاالن«يئا عن مل يسمع أحد ش

لقبض مئة وعرشين فرنكا لدى الكاتب بالعدل؛ كانوا قد تعادوا مع اجلريان ألن زوجة فقدوا »فاالن«من بيت إىل آخر، أن آل كانت ترهقهم بذكر فضيحتهم، مرددة »توفاش«

.خسةنذالة وفظاعة و كان بمثابةوأن ذلك إنسانيتهم حني باعوا ولدهم :وكأنه يفهممتباهية وتصيح به بني ذراعيها »شارلو«كانت متسك

أنا مل أبعك، مل أبعك « لست بالغنية، لكننـي . أوالدي ال أبيع اأنا، أن. يا صغريي .»ال أبيع أوالدي

يتكـرر كـل يـوم، وكـل يـوم كانـت كـان املـشهد وعىل مدى سـنني وسـنني وانتهى األمـر . اجلريان أمام الباب بحيث تصل إىل بيت تتواىل بشكل فظالتلميحات

أهـل املقاطعـة ألهنـا مل تبـع أن حتسب نفسها أرفع منزلـة مـن كـل »توفاش«بزوجة :كانوا يقولونوالذين يذكروهنا . »شارلو«

Page 188: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٨٧-

نعلم متاما أن ذلك كان مغريا، مع ذلك فقد ترصفت كأم صاحلة« «. رضب بلغ عامه الثامن عرش، فقد تربى مـع تلـك الذي»شارلو«هبا املثل، أما عىل مسامعه بال هوادة، فكان يعترب نفسه أعـىل مرتبـة مـن رفاقـه تددالفكرة التي ر

.ألن األهل مل يبيعوه الـذين »توفـاش«ة آل ر يف بحبوحة بفضل تلك النفقة؛ وثـو»فاالن«عاش آل

.حالتهم بائسة، كان مردها تلك البحبوحةظلت يكـد »شـارلو« وبقـي .لبكر ألداء خدمته اإللزامية، وتويف الثاينذهب ابنهم ا

.مع والده لتأمني عيش الوالدة وأختني أصغر منه سناويتعب بلغ واحدا وعرشين عاما؛ ويف أحد األيام ت عربـة حديثـة تلمـع، أمـام توقف

الكوخني، فنزل منها شاب بيده ساعة ذهبية، وبيد أخرى أمسك بذراع سـيدة مـسنة : له العجوزت ابيض شعرها، فقالدق

.»يا بني، يف البيت الثاينهناك « .»فاالن«إىل بيته، كوخ دخل كام يدخل

كـلرفـع . أمه العجوز كانت تغسل مآزرها، وأبوه العاجز غاف أمـام املوقـد :فقال الشاب. هام رأسهمن

.»صباح اخلري يا أمي. صباح اخلري يا أيب« :ومتتمتجوز الصابون يف املاء النفعاهلا وأوقعت الع. مذعورينانتصبا

.»هذا أنت يا ابني؟ أهذا أنت؟«بيـنام كـان الـشيخ » صباحك سـعيد يـا أمـي«: وقبلها مرددابذراعيه أحاطها كـام لـو » ها إنك عدت يـا جـان؟«: الذي مل يفقده يومابصوته اهلادئ يرجتف ويقول

.شاهده منذ شهركان قد أخـذوه . البلـدلرياه أهـل ابنهام إخراج األهل حني عرف بعضهم بعضا، أراد

.ثم إىل معلم املدرسةوإىل الكاهن إىل العمدة ومعاونه

Page 189: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٨٨-

.حني مريشاهده أمام الكوخ واقفا »شارلو«كان :وجبة العشاءقال ألبيه وهم يتناولون عند املساء

.»؟»فاالن«ن صغري آل ا وتدعاهم يأخذقنيمحأن تكونا أهل كان من الرضوري « :أجابته أمه بعناد

.»مل نرض أن نبيع ولدنا«فقد بقي صامتا، فتابع االبن قائالأما أبوه :

أن يضحى من التعاسة أليس « »يب هكذا؟ :حينئذ أجابه والده بغضب

»هل ستلقي علينا اللوم ألننا احتفظنا بك؟« :ةفقال الشاب بفظاظ

الذين عىل شاكلتكم، هـم ل فاأله. ، فأنتام والعدم يشء واحدألومكامنعم إين « .»أن أرحل عنكامسبب تعاسة األبناء، وتستحقان

بكت تلك املرأة الطيبة فوق صحنها، وسمع أنينها وهي تبتلـع احلـساء ملعقـة :بعد أخرى، وقد أراقت نصفه عىل الطاولة

»!لكي تريب أوالداهيا اقتل نفسك « :فقال الشاب بغضب

حـني شـاهدت . ن أكـون مـا أنـا عليـهكنت أفضل لو أنني ما ولـدت مـن أ« : منذ قليل دارت يب الدنيا وقلت يف نفيس) اآلخر(

.»هذا ما كان مقدرا يل أن أكونه اآلن - :ثم هنض وقال

عـىل أشعر بأنه مـن األفـضل أال أبقـى هنـا، ألننـي سـأظل ألـومكام ! حسنا«غفـر لكـام أبـدا ولـن أاحلياة، ص عليكام وأنني سأنغمن الصباح حتى املساء فعلتكام

.»...هذا الترصف

Page 190: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٨٩-

:وقد أصيبا بالذهول، واغرورقت أعينهامالعجوزان صمت الوالدان :تابع قائال

حيسن يب الذهاب والبحث عـن . ستكون تلك الفكرة من القساوة بمكان! ال« .»يف مكان آخرالعيش

.فتح الباب، فجاءت أصوات اجلريان املحتفلني بعودة ولدهم :والتفت نحو أهله وصاحرض بقدمه األ»شارلو«رضب

.»!أهيا األجالف« .عن أعينهم يف الليل البهيمواختفى

* * *

Page 191: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٩٠-

فصل الربيع

ويـداعب اهلـواء النـدي األرض وخترض، وتستيقظ األيام اجلميلة، حني تطل رغبـات وكأنه يتـرسب نحـو القلـب بذاتـه، تنتابنـا نا يبرشتنا، ويدخل إىل رئتاملعطر

من السعادة ال حد هلا، وميل إىل الركض، والسري بال هـدف، والبحـث عـن مضةغا .مغامرة، فيسكرنا الربيع

مـا يـرشح القلـب كانـت، يفاملايض كان قاسيا، فإن الرغبة بام أن فصل الشتاء ر والنشوة مندفعة كالنسغ .الزاخرخالل شهر أيار، جتتاحني كالسك

شاهد عرب نافذيت، فوق املنازل املجاورة، السامء ألاستيقظت صباح أحد األيام يرتفـع ، وصـوت اخلادمـات ، والعصافري عىل النوافذ تصدحالزرقاء، تلهبها الشمس

من الـشارع؛ فخرجـت وروحـي يف عيـد، مرحة ترتفع عرب كل الطوابق؛ وضوضاء .ألذهب حيث ال أدري

يف كـل كانت هتـيم الناس الذين التقيت هبم كانوا يبتسمون؛ نفحة من السعادة حـب رعـشة نور الربيع العائد والدفء يملؤه، فتكاد حتـس بـأن هنـاك مكان يغزوه

يف عيـوهنن كن يف ثياب وهندام الصباح، حيملـن ةتغمر الكون؛ والشابات من النسو .حنانا، ونعومة يف مشيتهن، فيمألن قلبي باالضطراب

مراكـب بخاريـة . »الـسني«وملاذا، وصلت إىل ضفة هنـر أن أعرف كيف دون .أجري عرب الغابة متلكتني فجأة رغبة ألن »سوريسن«كانت يف طريقها إىل

جتـذبك رغـام ربيعيـةة كان يعج بالركاب، ألن أول شمس هسطح قارب النز .عنك من دارك، الكل يتحرك، يغدو ويعود، وحيادث اجلريان

، لباريـسياتشابة هلـا مجـال اوهي جارة بجواري وقفت عاملة عىل ما أعتقد، وقـذاهلا ويطـري وينحدر حتى أذنيهـا عند فودهيا لطيفة املظهر، ذات شعر أشقر جمعد

Page 192: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٩١-

شقرة حتـى يكـاد دالناعم اخلفيف ويزدا، ثم يصبح يف املنحدر كالزغب مع النسامت .ال يرى فتحس برغبة ال تقاوم ألن تطبع عليه قبالت ال حتىص

بـرصها، ، ثـم خفـضت فجـأة نظرايت امللحة، أدارت رأسها نحويحتت تأثري احلريـري ذلـك الزغـب وية فمها وظهر بوضوح ابينام كادت تولد ابتسامة حركت ز

أضفى نور الشمس عليه لونا ذهبياوقد . ومهس احلياة بدا وكأنـه فشيئا كان عرض النهر يزداد، واهلدوء يمأل اجلو شيئا مليـا هذه املرة نظـرت إليهـا. رفعت جاريت برصها. يمأل الفضاء كانـت . فابتـسمت

شـاهدت . رائعة، ويف نظراهتا اهلاربة رأيت آالف األشياء مل أكن قد رأيتهـا مـن قبـلوكل السعادة التـي التي نحلم هبا ، كل سحر احلنان، وكل األشعار أعامقا غري معروفة

لها إىل مكان مـا، ألمهـس يف محوأذراعي رغبة جمنونة ألن أفتح متلكتني . نبحث عنها .موسيقى كلامت احلبذهنا عذوبة أ

ـا .، حني ملس أحدهم كتفيألكلمهاكنت عىل وشك أن أفتح فمي اسـتدرت متفاجئفلمحت رجال ذا مظهر عادي، ال هو بالشاب وال هو باملسن، ينظر إيل نظرة حزينة .

.»أود أن أحدثك«: قال .»األمر هام«: عبست، وأعتقد أنه الحظ ذلك، ألنه أضاف

بـربده وثلجـه حني يدنو الـشتاء «: إىل هناية القارب، فتابع قائالتبعته هنضت وقدميك يف الدفء، واحـذر الـربد والزكـام أبق : وأمطاره، يقول لك الطبيب كل يوم

قمصان الفـانيال حينها تتخذ ألف احتياط فرتتدي . والتهاب القصبات وذات اجلنبر مـدة يلن حيميك مـن مالزمـة الـرسغليظا، لكن هذا حذاء تنتعل سميكا وومعطفا طفـة وعبـري لاملالدافئـة ونـسامته اخلرضاء وزهره وحني يعود الربيع بأوراقه . شهرين

، وأنـت واللـواعجمعها إليك هذه االضطرابات الغامـضةحقوله املتصاعد فيحمل فهـو يـرتبص يف كـل ! حذرك من احلب أهيا السيدخذ : أي شخص يقول لكجتد لن

، فكل أحابيلـه قـد نـصبها، وأسـلحته قـد شـحذت يف كل زاوية؛ مكان؛ يكمن لكالتهـاب وأفهو أشد خطرا من الزكـام ! احذر احلب!... احذر احلب! استعد بمكره

كل الناس يرتكبون أخطاء غـري قابلـة وهو ال يغفر، وجيعل ! القصبات أو ذات الرئةة أن تـضع نعم يا سـيدي، أقـول إنـه يف كـل عـام جيـب عـىل احلكومـ... لإلصالح

Page 193: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٩٢-

أهيــا املواطنــون ... عــودة الربيــع«: إعالنــات عــىل اجلــدران، وعليهــا هــذه الكلــامتحسنا، بام -. احذروا الطالء: ؛ مثلام يكتب عىل أبواب البيوت»الفرنسيون، احذروا احلب

ب؛ فهـو يقنـصك، احـذر احلـ«: أن احلكومة ال تفعل ذلك فأنا، نيابة عنها، أقول لك .»أنفهوقد جتمد يف روسيا أحد املارة حيذرون وواجبي أن أحذرك، كام

يـا «: فقلت له وقد قلبت سحنتيالغريب؛ وقفت مندهشا أمام هذا الشخص .»البتةكأنك تتدخل بشأن ال يعنيك يبدو سيد

إذا الحظـت أن رجـال سـيغرق ! يـا سـيدي«: وأجابنيفجائية قام بحركة يف تفضل وأصغ إىل قـصتي وسـتفهم سـبب هل جيب عيل أن أدعه هيلك؟ . مكان خطر

.»جرأيت يف التحدث إليك هبذه الطريقة * * *

أن أخـربك أوال، يـا سـيدي، عيل . حدث هذا يف العام املايض ويف نفس الفرتةبأنني موظف يف وزارة البحرية، حيث الرؤساء واملفوضون يأخذون عىل حممل اجلـد

ليت كـل الرؤسـاء ! آه -لونا كبحارة شارات مراكزهم كموظفني بريوقراطيني ليعامكنت أرى من مكتبـي طرفـا مـن الـسامء، بزرقـة . لكن دعنا من ذلك -كانوا مدنيني

الكرتونيـة لو أرقص بني تلـك العلـب طيور السنونو، وكنت أود تطري البحر، حيث .السوداء التي من حويلتوقي إىل احلرية رئييس ألقابل ينمو بحيث أنني بالرغم من نفوري ذهبت كان

قلـت لـه بـأنني . الكريه، وهو رجل صغري احلجـم رشس األخـالق دائـم الغـضبهـل ! ال أصدق شيئا مما قلت يا سيد، هيـا اغـرب عنـي«: وصاحنظر إيل ... مريض

.»عىل شاكلتك؟تعتقد بأن مكتبا يمكنه العمل بموظفني ركبـت . اليـوم، وكـان الطقـس كـام هـو »الـسني«لكنني تسللت وذهبت إىل

.»سان كلو«الزورق ألقوم بجولة يف ليت رئييس شدد عيل اخلناق : يا سيديآه .ومنعني من اخلروج

أحببـت كـل يشء، الـزورق والنهـر . بدا يل أنني أمتدد بفعل حـرارة الـشمسرغبة ألن أقبل شيئا مـاأخذتني . واملنازل ومن جاورين، وكل يشءواألشجار كائنـا .

.فخاخههييئ كان احلب : ما كان

Page 194: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٩٣-

. ، وجلست قبالتيعلبةوبيدها صعدت فتاة ، »تروكاديرو«فجأة، عند أفـضل حـني كانت مجيلة؛ نعم يا سيدي؛ ولكن من املذهل كيف تبدو النـساء

لدهين مخر يـسكر وسـحر، ويشء خـاص هبـن : يكون الطقس مجيال يف أوائل الربيع .تناول األجبان التي نرشهبا بعدإنه بالضبط كاخلمرة . ال أعرف كنههمن وقت آلخر، كام فعلت صاحبتك قبل ولكن -إليها فحدجتني بنظرها التفت

أخريا بعد نظرات متبادلة طويلة، بدا يل وكأن أحدنا يعرف اآلخر كـي نـستهل . قليل .أسكرتني يا سيدي العزيز. بالطبع لطيفةكانت . حديثا، فتحدثت إليها، وأجابت

نزلت حـني عـادت كـان . كانت ذاهبة لتـسليم طلـب. بعتهافت» سان كلو«يف ... تنتـزع منـا التنهـداتوكانت رقـة اهلـواء . مشيت بالقرب منها. القارب قد غادر

:قلت هلا :، فأجابتني»إن الطقس ممتع يف الغابةيقال « ..»نعم، هو كام ذكرت«

أن نقوم بجولة، يا آنستي؟ما رأيك -ها كي تقدر بشكل صحيح قيمتـي، ثـم راقبتني من رأيس حتى قدمي بنظرة من

كانت أوراق الشجر، . بني األشجارجنبا إىل جنب رسنا . بعد تردد دام قليال، وافقت التي حتـرك مـشاعر أشعة الشمس، تغمرها واألعشاب النامية املخرضة، كأهنا ملمعة

جتـري أخذت مرافقتـي . من كل حدب وصوب كنا نسمع شدو العصافري. الكائناتأما أنا فكنـت أجـري خلفهـا . د ثملت من اهلواء الطلق ودفق عطر الطبيعةوقوتقفز

.أحيانا يا سيدي؟ألسنا أغبياء . وأقفز مثلهاالتـي أعجبتنـي الرعوية من األوبرا والرقصات تغني، وتغني، أحلانا ثم بدأت

سـنا؛ ؤوركل هذا اهلراء يدير .. كدت أبكي!.. حينها... كثريا وأحسست بشاعريتها .خذ أبدا امرأة تغني يف األرياف، وبخاصة إن غنت أحلان رقصات رعويةتتال

عنـد أما أنـا فجلـست . عىل منحدر أخرض بعد فرتة بالتعب فجلست أحستحـدثت نفـيس . املتأثرتني بإبر اخلياطة، وهذا بدوره ما أثر يب وأمسكت بيدهيا قدميهاهل تعلم ماذا تعنـي هـذه سيدي، ياآه . »ها هي ذي عالمات العمل املقدسة«: قائال

املهموسة والـروح التـي دنـستها إهنا تعني كل ثرثرة املشغل، والبذاءات العالمات؟

Page 195: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٩٤-

التـي حتكـى، والعفـاف املفقـود وكـل محاقـات الثرثـرة، وكـل بـؤس كل األوساخ تبـدو العـوام، وهـذه العالمـات العادات اليومية وجممل األفكار الضيقة لدى نـساء

.لك املرأة التي حتمل يف أصابعها عالمات العمل املقدسةلدى تواضحة .طويالثم حدق كل منا باآلخر

كيـف جتعلـك تـضطرب، ثـم جتتاحـك يا لعيون املرأة كـم متتلـك مـن قـوة؛ نـسمي ! بالالهنايـة،عميقة الغور، مألى بالوعودكم تبدو ! وتسيطر عليكومتتلكك

يف نـا النظـر معنأفلـو ! مـزاحي؛ يا له مـن آه يا سيد!ذلك نظرة متبادلة داخل الروح .تلك الروح لرصنا أكثر تعقال

احلاصل هو أنني كنت متحمسا، جمنونا حاولت أخذها بـني ذراعـي فقالـت . .»!حافريكأبعد «: يل

. كل احلنان الذي كان خينقنيسكبت عىل ركبتيها ركعت قرهبا وفتحت قلبي؛ هكـذا : جانبية وكأهنا تقـولبنظرة دجتني وكأهنا متعجبة من تغري مسلكي، وحبدت

إذن تستغل أهيا الطيب؛ حسنا .سنرى! يا سيدي، يف احلب كلنا سذج، أما النساء فهن من صنف التجار .

كان بمقدوري أن أمتلكها بال شك؛ وفهمت محاقتي فيام بعد، لكـن مـا كنـت مت إحساسا حني كان عـيل أن قد. أبحث عنه، أنا، مل يكن جسدا، بل احلنان والكامل

أحسن .استخدام وقتيما إن شبعت من بـوحي، هنـضت وعـدنا إىل ، ومل أتركهـا إال يف »سـان كلـو«

أعتقد أننا حيال أيـام «: بدت حزينة منذ عودتنا فسألتها عن السبب، أجابتني. باريس . فكاد قلبي خيرج من أضالعي.»بنا كثريا يف حياتناال متر

صـحبتها إىل . وكل أيام اآلحادواألحد الذي تاله يتها ثانية يوم األحد التايل رأمكنـة حيـث ألإىل كـل ا» بـوايس«و» ميزون الفيـت«و» سان جرمان«، و»بوجيفال«

.ن من الضواحيو القادمجيتمع األحبة .بدورها، كانت اللعينة الصغرية تستغل شغفي .أخريا فقدت الرشد وتزوجنا بعد ثالثة أشهر

Page 196: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٩٥-

أنا موظف أعـيش وحيـدا بـال عائلـة وال مـن يـسدي يل ! ما العمل يا سيديبعـدها تنهـال ! ثم نتـزوج هـذه املـرأة! نعتقد بأن احلياة تطيب بصحبة امرأة! النصحبـال توقـف، مساء، ال تفهم وال تعرف شـيئا، هتـذر وتثرثـر حباإلهانات صباعليك

ائع الفحم، وحتكـي لبـواب البنـاء ، تقاتل بالرعويتغني بأعىل صوهتا أغنية الرقص ختـص بيتهـا، وتـرس خلادمـة اجلـريان بكـل مـا يكـتم عـن خمـدعها مواضيع محيمية

غبيـة ومعتقـدات بقصص سخيفة ورأسها حمشو الزوجي، وتذم زوجها لدى الباعة،كلـام حاولـت ننـي أبكـي مـن اإلحبـاط إ حتـى وأفكار مسبقة رهيبـةسمجة وآراء

.، يا سيديحمادثتهانظرت إليه وقد أشفقت عىل هذا املنكـود . ت وقد أهنكه التعب واالنفعالسك

.»سان كلو«احلظ الساذج، وكنت عىل وشك أن أجيبه بيشء ما، حني توقف املركب يف مـرت بـالقرب منـي . هنضت املرأة التي كانت قد تسببت باضـطرايب، لتنـزل

اجلنون، ثـم قفـزت ينا ابتسامة تبعث فمع ابتسامة خاطفة، وهي ترمقني بطرف عينها .من عىل اجلرس

لكنـه ختلصت منه بحركة مفاجئـة . أرسعت ألحلق هبا، لكن جاري أمسك يبأمسك بقبضة يده هدب سرتيت لـن «: وشدين إىل اخللـف وهـو يكـرر بـصوت عـال

.اجلميع ليعرفوا ما حيدث حتى استدار »!لن تذهب! تذهبغاضبا ولكـن جمـردا واهلرج حولنا، وبقيت بال حراك، ساد الضحك أي مـن

.إزاء هذه التفاهة والفضيحةجرأة .وانطلق املركب

بقيت املرأة عىل اجلرس تنظر إيل وأنا أبتعد وعىل وجههـا إمـارات اخليبـة، بيـنام لقد أسديت لك اليوم خدمـة مـا بعـدها «: وهو يفرك يديهكان معذيب هيمس يف أذين

.»خدمة، هيا ١٨٨١ تشرين األول ٩

Page 197: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٩٦-

لــواتيب إىل روبري بانشون

فكلـام احتـاج . يف كل أنحاء منطقتـه. القذرةباألشغال » بواتيل «اختص املعلم

أو غـري ذلـك ممـا شـابه، أو نتح مزراب أو جماراألمر لتنظيف بئر مرحاض أو مزبلة . هو بالذاتىكان يستدع

ن يـئبعـد أن . ويبـارش عملـهباألقـذار وحذائـه امللـوث يأيت مع عدة الشغل وحني كان الناس يسألونه عن سـبب اختـاذه هـذه املهنـة املقرفـة، . من مهنتهويتأفف

:كان جييب باستسالم .»هذا أكثر جدوى من غريهفعميل . إطعامهمواهللا من أجل أوالدي الذين عيل«

كان له بالفعل أربعة عرش ولدا، وإن س :عام صاروا إليه، كان يقول بال اهتاممئل إال « .»مخسة متزوجني، و، وجندي هناكثامنية يف البيتمل يبق

:بعد الزواج، كان يردد بحامسيريد معرفة حاهلم وحني كان سائله جيـب أال . حـسبام رغبـوالقـد تزوجـوا . مل أعارضهم بيشء. أعارضهمأنا مل «

ذلـك ألن ،للقـاذورات منظفـا إن كنـت. فعاقبة ذلك وخيمـةاألذواق نعرتض عىل .»عامال كغريي، وإال ألصبحت ايترغبأهيل عارضوا

.اعرتض عليه أهلهإليكم ما غـريه وال محقـا مـن ، ومل يكن أكثـر (*)»اهلافر«كان حينها جنديا يقيض وقته يف

الكـربى أن خالل ساعات فراغه، كانت متعته . السذاجةأكثر حذقا، وفيه القليل من

.ميناء بحري هام غرب فرنسا يقع عىل مصب هنر السني: Le Havreاهلافر (*)

Page 198: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٩٧-

ده أحيانا وأخرى مع أحـد وح. الطيورحيث جيتمع بائعو عىل رصيف امليناء يتمشىالرمـادي ذات الظهـر مـتمهال أمـام أقفـاص الببغـاوات، كان يمـيش سكان املدينة

والـرأس األصـفر، اآلتية من السنغال، وأخرى ذات الظهر األخرض والرأس األمحر التي تربى يف أماكن خاصة، وهلا ريش ، ونوع آخر ضخم يبدو كالطيور من األمازون

بألواهنـا عناية كبرية؛ إىل جانب عـصافري صـغرية احلجـم ال هتـدأ فتبدو ملونة بمزهر الرصـيف حـني والزرقاء والصفراء املربقشة، ويمتزج رصاخها مع ضـجيج احلمراء

تفرغ السفن، وجلبة املارة والعربات مع ضوضاء .حادة تصم اآلذانويف فمـه ضـحكة تـنم عـن رسوره، مفتوحتـان يتوقف وعينـاه »بواتيل«كان

البيضاء أو الـصفراء التي كانت حتيي برؤوسها ، أمام الببغاوات السجينة ن أسنانهوعبطـري حيكـي، كـان يطـرح عليـه حني كـان يلتقـي . لون بنطاله األمحر ونحاس زناره

يف ذلـك اليـوم، لإلجابـة واملحادثـة، كـان وحني يكـون مـزاج الطـري جيـداأسئلة؛ ادين، فكانت الـسعادة عأما حني يرى الس. خيزن املرح والرسور حتى املساء» بواتيل«

أو ترفـا، بالنـسبة إلنـسان غنـي، أكثـر مـن أن يمتلـك تغمره، ومل يكن يتخيل بذخا قططا وكالباحيوانات كتلك مثلام يمتلك هذا امليل ملا هو غريب كان جيري يف دمـه، .

تفـتح رغبتـه، حـنيمل يستطع كبح مجاح. أو للكهنوتكام هو امليل للصيد أو للطب . أخرىبالعودة إىل رصيف امليناء بقدر ما تشده رغبةأبواب الثكنة،

وينحنـي ريـشه، يفرد يف إحدى املرات، وقد وقف مشدوها أمام طري عمالق ؛ رأى بـاب مقهـى متـصل يف بـالد الببغـاواتبـالط ثم ينتصب وكأنه يـؤدي حتيـة

أسها بشال أمحر، تكـنس بائع الطيور يفتح وخترج منه زنجية شابة، ربطت ر تبحانو .والرمل من أمام املقهىالزجاجات باجتاه الشارع، سدادات

بني الطري واملرأة، ومل يـستطع يومـا أن يقـرر : انقسم إىل شطرين »بواتيل«انتباه .فيه بدهشة ومتعة أكربرس فأهيام ت

وظلـت بـدورها عن املقهى، برصها، بعد أن أبعدت األوساخ رفعت الزنجية بيدها كام لو أهنا تقدم لـه ومكنستها بمواجهته بقيت واقفة . مام بزة اجلنديمندهشة أ

Page 199: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٩٨-

هـذا مـن بالضيقأحس صاحبنا بعد حلظات . السالح، بينام راح الطري يتابع انحناءاته .كي ال يبدو بمظهر املتقهقربخطى بطيئة ، فانسحب االهتامم

با ما كان يالحظ عـرب كل يوم تقريبا، كان يمر من أمام املقهى، وغال. لكنه عاداجلعـة أو العـرق الزجاج، اخلادمة الصغرية ذات البرشة السوداء وهي تقدم كـؤوس

أن يتحادثـا، كـان ودون ما كانت خترج حـني تـراه؛ بعـد فـرتة وغالبا . لبحاري املرفأ حيـس بقلبـه يتحـرك، حـني »بواتيل«من يعرفه؛ وكان ابتسامة أحدمها لآلخر يبتسم

،يف أحـد األيـام دخـل. الفتـاة بريـق أسـناهنا الالمعـةمرة شـفتي يرى فجأة، بني سزجاجـة عـصري الليمـون . متاما حني رأى أهنا تتكلم لغته كغريها من النـاسودهش

حلوة وطيبـة؛ بعـدها التي قبلت أن ترشب منها كوبا، بقي هلا يف ذهن اجلندي ذكرى ل املـرشوبات اللذيـذة عادة أن يأيت ويرشب يف ذلك املقهى الصغري، كـصارت لديه

.دهنقوتسمح هبا التي كانت يـرى يـد وبخاصة حـني كان ذلك بالنسبة له عيدا وسعادة أخذت كل تفكريه

وهي تصب شيئا ما يف كأسه، بينام كانت أسناهنا تضحك بـألق أكثـر السوداءاخلادمة »واتيـلب«، وبعد دهـشة امتد لشهرين صارا من أعز األصدقاءارتياد بعد . من عينيها

متطابقة مـع األفكـار اجليـدة لبنـات حني عرف بأن أفكار تلك الزنجية كانت األوىل والـسلوك، ازداد حبـه بالده، أي أهنا كانت حترتم التوفري واالقتصاد والعمل والدين

هلا وعشقها إىل درجة أنه أراد أن يتزوجها . املـال ك بعـض كانـت متلـوهبذا املرشوع الذي جعلها ترقص فرحـا؛ أخربها ، قبطـان »اهلـافر«قد آوهتا حني وضعها عىل رصـيف مينـاء ار كانت تركته هلا بائعة حم

يف حني كانت بعمر سـت سـنوات، مكـورة عـىل بالـة قطـن أمريكي كان قد وجدها إىل وحـني وصـوله . »نيويـورك «سفينته، بعد بـضع سـاعات مـن مغادرتـهمستودع

ت رعاية بائعة املحار هذه وقد أخذتـه الـشفقة األسود، حت، ترك ذلك الكائن »اهلافر«ملـا ... ، وهو مل يكن يعلم من تركهـا هنـاك وكيـفيف سفينتهعليها حني كانت خمتبئة

.»املستعمرات«ماتت بائعة املحار، عملت الزنجية كخادمة يف مقهى

Page 200: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-١٩٩-

: قائال لفتاته»انطوان بواتيل«أضاف فأنـا ال أعانـدهم أبـدا، . لهذا املـرشوع يمكـن تنفيـذه إن مل يعارضـه األهـ« .»ميف أول زيارة هلسوف أخربهم ببضع كلامت ! ، أبداأتسمعني

بالفعل، يف األسبوع التايل، حصل عىل إذن أربع وعـرشين سـاعة، فتوجـه إىل .»ايفتو«قرب » تورتفيل«يف أهله وكانوا يزرعون أرضا

حـني تنفـتح انتظر حتى هناية وجبـة الطعـام، سـاعة القهـوة املعطـرة بـالعرقوالديه بأنه وجد فتاة تتوافق مع كل ميوله، وأنه ال يمكـن أن تكـون القلوب، إلعالم

.هبذا القدريف هذه الدنيا فتاة أخرى تناسبه وهـو . وطلبا منه تفاصـيل أوسـعبوالديه ، بدأ الشك يلعب عند هذه الكلامتيف كل األحوال مل خيف .إال لون سحنتهاعنهام شيئا

الـذيل ة، طـاهروال متلك الكثـري، لكنهـا شـجاعة ومقتـصدةا خادمة قال إهن. بني يـدي ربـة بيـت سـيئةأفضل من مال كل هذه األشياء كانت . وذات رأي سديد

قد ربتهـا، مـع بـضع قطـع كبـرية مـن كانت متلك بعض املال، تركته هلا سيدة كانت يف صـندوق أي ما يساوي شـبه بائنـة صـغرية، وهـي ألـف ومخـسامئة فرنـكدالنقو

شـيئا هلذا الكالم، ومها باألصل واثقان بحصافته واستسلام خضع العجوزان . التوفري .فشيئا

: قال هلام وهو يضحك ضحكة مكرهة. احلاسمةإىل النقطة حني وصل .»ليس فيها جزء أبيض. يشء واحد يمكنه أن يزعجكامهناك «

مل يفهام واضطر أن يرشح هلام رشحا طـويال وبحـذر شـد يد، كـي ال ينفرمهـا، .(*)»إيبينال«للعرق الداكن الذي مل يروا نامذج منه إال عىل صور وأهنا تنتمي

.بالقلق واحلرية واخلوف وكأنه سيتزوج الشيطانيشعران أابد .»سوداء؟ كم هو سوادها؟ هل يمأل كل أجزاء جسمها؟«: قالت األم

مدينة فرنسية، تدين بشهرهتا إىل جمموعـة صـور شـعبية خاصـة هبـا ذاعـت : Epinalإيبينال (*)

.قرن التاسع عرششهرهتا يف كل أنحاء فرنسا يف أوائل ال

Page 201: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٠٠-

.»كاملك كام البياض فييف كل أجزائها : بالتأكيد«: أجابهل هي بسواد القدر املعدنية؟سوداء؟ «: قال الوالد «.

ثـوب . حتى القرفإهنا سوداء لكنها ليست سوداء ! أقل بقليل«: أجاب االبن .» البيضاءتهكتونأبينا كاهن الرعية أسود مع ذلك فهو ليس أكثر بشاعة من

.»من هم أشد سوادا منها يف بالدها؟هل هناك «: قال الوالد .»بالتأكيد«: اب االبن مقتنعاأج

.»بالتأكيد هذا كريه«: لكن أباه هز برأسه وقال .»أكثر من غريه إذ نعتاده بعد حنيليس كرهيا «: أما االبن فقال .»كهذه؟برشة أكثر فوق أال تتسخ الثياب «: سألته والدته

.بام أن هذا لوهناأكثر من ثيابك ليس -األهـل قبـل اختـاذ أي قـرار، وأن عـىل أن يراهـا بعد كثري من األسئلة اتفقـوا

مـن معاينتهـا سيأيت هبا إىل البيت ليتمكنا مدة خدمته بعد شهر، ابنهم، الذي ستنتهي .»بواتيل«إىل عائلة بأن تنتسب ما إذا كان سوادها يسمح عن كثب وتقرير

أنه يـوم األحـد، الثـاين والعـرشين مـن أيـار، أي يـوم هنايـة »أنطوان«أعلن .مع فتاته» تورتفيل«إىل مته، سيذهب خد

ساد و. جاذبيةهامن أجل تلك الرحلة إىل ذوي حبيبها، ارتدت أمجل ثياهبا وأكثر .كأنام من أجل العيد الوطنيبحيث أهنا تزينت فيها اللون األصفر مع األمحر واألزرق

يـشعر »بواتيـل«، وكـان ، كانـت حمـط األنظـار»اهلافر«من يف حمطة االنطالق ذات الدرجـة الثالثـة، يف املقطـورة .. االنتبـاهلشخص جيذب ذراعه إذ يعطي لفخر با

حيث جلست إىل جانبـه، فرضـت الدهـشة عـىل القـرويني، بحيـث صـعد ركـاب كـان بـني طفـل ... اخلـشبية التـي تقـسم العربـةاملقصورات املجاورة عىل احلـواجز

.والدته إزار وجهه يفوآخر خبأ حني شاهدها بدأ الرصاخ والبكاء الركاب ولكن حني أبطـأ القطـار مـن رسعتـه . حتى املحطةكل يشء سار عىل ما يرام

خيـص ، أحـس انطـوان بالـضيق كـام لـو كـان أثنـاء تفتـيش »ايفتو«لدى اقرتابه من

Page 202: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٠١-

حـصان ربـط أباه ممـسكا بلجـام ىمن الباب وانحنى فرأثم دنا . تدريباته العسكرية .جز الذي يبعد الفضولينيالتي اقرتبت من احلابعربة، ووالدته

كان يرافق جنراال، مشى إىل األمام ، ومثلام لصديقتهل ومد يده كان أول من نز .والديهوتوجه نحو

حني رأت والدة انطوان تلك السيدة السوداء املربقشة بصحبة ولـدها، وقفـت يمسك بشق النفس حصانه الـذي كـان مذهولة فلم تستطيع فتح فمها، أما أبوه فكان

لكن انطوان وقد غمره الفـرح .ال أحد يعلممهتاجا بسبب القاطرة أو تلك الزنجية، أمه وأباه بالرغم من هلع احلصان، ثـم اسـتدار وقبل عيه لرؤية أبويه، أرسع فاحتا ذرا

: مذهولني، وتوقف ليقولالتي كان املارة حيدجوهنا بأعينهم نحو رفيقته ن تعرفوهـا ألكن مـا ىل ال تثري اإلعجاب، إهنا للوهلة األولكم قلت ! ها هي«

.»رحبوا هبا كي ال تتأثر. حق املعرفة لن جتدوا مثيال هلا يف الكياسةوحيتهـا فقـدت صـفاء عقلهـا، بوجـل كأهنـا » بواتيـل«تقدمت منها الـسيدة

بـرسعة ركـب . »آمل أن تكون حسب رغبتك«: بانحناءة، بينام رفع األب قبعته ومتتمعـىل ن يف صدر العربة عىل كرسيني يقفزان يف اهلواء عنـد كـل ارجتـاج اجلميع، املرأتا

. األماميأما الرجالن فقد جلسا عىل املقعدالطريق؛ وبدا القلق عىل انطوان الذي أخذ يصفر حلنا . ساد الصمت . يف الثكنـةتعلمـه

. كرةوالوالد كان يلوح بسوطه، والوالدة تنظر من زاوية عينها وترمق الفتاة بعـني مـامثل حذاء مسح يلمعان بنور الشمس أما الزنجية فكان جبينها وخداها ولـمع .للتو

:استدار انطوان حماوال كرس جليد الصمت فقال : أجابت والدته»أال نتحدث؟! حسنا« .»أن يأيت كل يشء يف وقته بد ال«

.» الثامنقصة بيضات دجاجتكهلا اروي هيا، «: استأنف قائاللكن بام أن والدته بقيـت صـامتة وقـد . هبا العائلةصة مضحكة اشتهرت هي ق

أما الوالد الذي كان يعرفهـا عـن . شلها التأثر، بدأ يرسدها وهو يضحك ملء شدقيهشـاركته زوجتـه الـضحك؛ : ظهر قلب فقد انبـسطت أسـاريره عنـد كلامهتـا األوىل

Page 203: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٠٢-

ويـة كالـسيل اجلـارف والزنجية نفسها، عند اجلزء األشد طرافة، أطلقت ضحكة مد .جعلت احلصان يعدو فرتة من الزمن .حدث التعارف وبدأ احلديث

نزل اجلميع، وبعد أن أخذ رفيقتـه إىل الغرفـة لتبـدل ثوهبـا حتى ن وصلوا إما لتحضري طبـق عـىل طريقتهـا، هدفـه أن الذي يمكن أن يتسخ حني تدخل إىل املطبخ

والديـه أمـام البـاب وسـأهلام وقلبـه تستويل عىل األبوين عن طريق بطنيهام، فجذب :يرجتف .»حسنا، ماذا تقوالن؟«

:أما األم وكانت أكثر جرأة، فقد أعلنت. سكت األبال، حقا، هذا كثري، لقد تأثرت كثريا!... السوادهي شديدة « ..«.

.»ستعتادين عىل ذلك«: قال هلا انطوان .»ليس يف الوقت الراهن لكنهذا ممكن «: أجابتهجلميع فتأثرت األم حني رأت الزنجية تطبخ فـساعدهتا، وقـد شـمرت دخل ا

.ثياهبا، فهي نشيطة رغم تقدمها يف السنكانت الوجبة جيدة وطويلة ومرحة، حني قاموا بجولة بعـدها، أخـذ انطـوان

:أباه عىل حدة وقال .»حسنا يا أيب، ما رأيك؟«

:مطلقا، فأجابهأن يتورط القروي يشأ مل .»، اسأل الوالدةال رأي يل«

:حلق انطوان بوالدته، وأوقفها قائال :، فأجابته»وأنت، ما رأيك؟«يا بني املسكني، هي شديدة السواد، واحلق يقـال لـو كانـت أقـل مـن ذلـك «

..»!ملا اعرتضت، لكن ذلك كثري؛ لعلها شيطانسوادا

Page 204: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٠٣-

تلـج خـوف مل يلح، ملعرفته بأن العناد من صفات أمـه، لكنـه أحـس بعاصـفة مل تـسيطر عـىل أبويـه كـام فتاتـهفاجأ ألنعه وقد تاخرتابحث عام جيب فعله أو . قلبه

القمـح نباتـات واصل األربعة سـريهم بخطـى بطيئـة بـني . قد سيطرت عليهكانت يظهـرون أمـام يمرون قرب سياج، كـان املزارعـون حني كانوا . متهمصوعادوا إىل

واجلميـع هيرعـون إىل الـدرب ليـشاهدوا واألوالد يتسلقون كومة ترابيـة،احلاجز، لـوحظ أن النـاس كـانوا مـن بعيـد . االبـن»بواتيـل« التي أتى هبـا »السوداء«مرور

ن عـن حـدث عرب احلقول، وكأهنم هيرعون لدى سـامعهم طبـل اإلعـاليرتاكضون الرعب واحلرية يف قلوب األهـل، بـسبب هـذه احلـرشية ، مما أدخل صارخاستثنائي

، فتسارعت خطاهم، وسبقا ابنهام الذي سـألته رفيقتـه عـن اقرتاهبمالتي تنامت حني .رأي أهله هبا

.أجاهبا مرتددا بأهنام مل يصال إىل قرار بعد؛ وأمـام ملتاعـةولكن يف ساحة القرية كانت كتل الناس من كل املنازل ختـرج

حت انطوان اوعادا إىل منزهلام، بينام اجتالتجمع الذي بدأ يزداد ويكرب، هرب األبوان فتقدم ممسكا بذراع فتاته بجالل وأهبة ورة غضب، ث حتت العيـون التـي اتـسعت مـن

.الدهشة أي أمل يف أن يتزوج تلك الزنجية؛ هي أيـضا أدرك أن األمر قد انتهى ومل يبق

ن دخالهـا إ وما .من املزرعةأدركت األمر فاهنمرت الدموع من عيوهنام ومها يقرتبان : ا ثانية لتساعد الوالدة يف شغل املنزل؛ كانت تتبعها إىل كل مكـانحتى خلعت فستاهن

عىل عاتقها اجلزء األكرب من العمل، مـرددة وخم الدجاج، آخذة سطبل واإلإىل امللبنة قالت الوالـدة ، وحني حل الظالم »بواتيل«أقوم بالعمل يا سيدة دعيني «: كل الوقت

هـي حقـا يا بنـي، هـذه الفتـاة : يف عنادهاالبنها، وقد رقت وتأثرت لكنها استمرت ، حقـا هـي كثـرية الـسواد ولـن أسـتطيع رائعة، ومن املؤسف أن تكون هبذا السواد

.»التآلف معه، جيب أن تعود فهي شديدة السواد

Page 205: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٠٤-

شديدة الـسواد، جيـب إن أمي ال تقبل بك البتة، إذ جتدك «: فقال انطوان لفتاته .» عليك، سأكلمها ثانية حني تغادرينأن تعودي، سأرافقك حتى املحطة، ال

طة مودعا حقادها إىل امل وبعـد أن عانقهـا، أصـعدها إىل . يف قلبها بعض األمل .بالدموعوهي تغادر وعيناه مغرورقتان يتبعها بنظره وظل املقطورة

.حاول عبثا التوسل إىل والديه دون جدوى :ان يضيفحني يروي هذه القصة التي صار اجلميع يعرفوهنا، ك

أية مهنة، وأصبحت منذ ذلك احلني أغلقت قلبي أمام كل يشء، ومل تعجبني « .»ما أنا فيه، منظف قاذورات

.»مع ذلك فقد تزوجت«: كانوا يقولون لهننـي رزقـت ألستطيع القول بأن زوجتي ال تعجبنـي، نعم، فأنا ال أ«: فيجيب

فتـايت األخـرى،! ، بالتأكيد الالمنها بأربعة عرش ولدا، لكنها بالتأكيد ليست كتلك، .»حتى أشعر بأنني طرت من السعادةالزنجية، كان يكفي أن تنظر إيل

١٨٨٩ كانون الثاني ٢٢

Page 206: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٠٥-

Page 207: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٠٦-

اخلـــوف

ويسمانس. ك -. ج. إىل أ

البحـر األبـيض املتوسـط أمامنـا . بعـد العـشاءإىل سطح السفينةصعدنا ثانية

املركـب الواسـع . الـساكنةنعكس عىل صـفحته وضوء القمر يهادئ يكاد ال يتحرك كان ينزلق ملقيا إىل السامء املزروعة بالنجوم افعوانا من الدخان األسود وخلفنا املاء .

، كـان حيـرك الثقيـلبفعل مـرور عنفـة املركـب الـرسيع األبيض، وقد حتول إىل زبد .أنوار قمر تغيلأضواء حتسبها

متجهة نحـو إفريقيـا صامتني مفتونني، وعيوننا هناك، ستة أو ثامنية رجال، كنا الذي كان يـدخن سـيجارا وهـو جـالس بيننـا، القبطان . كانت وجهتناالتي البعيدة

.استأنف فجأة حديث العشاءست ساعات وتلـك الـصخرة بقيت سفينتي . نعم لقد خفت يف ذلك اليوم -ة فحـم بريطانيـة لـء ناقحلسن احلظ أنقذتنا مـسا. تنهال عليهاأمواج البحر ويف بطنها

.كانت قد ملحتناإذ ذاك تكلم ألول مرة رجل ضخم اجلثة ويف وجهه آثار حـروق، وذو مظهـر

جمهولـة، أصـقاعا بـأهنم عـربوا واحد من أولئـك الرجـال الـذين يـشعرون وقور، يف عمقهـا بـيشء مـن املنـاظر تبدو عينـه قريـرة، حمتفظـة متوالية؛ وواجهوا أخطارا

:كان من أولئك الرجال الشجعان، فقال: ي رآهاالغريبة التبالكلمـة فأنـت ختطـئ . ؛ أنا ال أصـدقإنك خفتالقبطان، تقول يا سيدي -

،إنه يتـأثرال خياف مطلقا بوجه اخلطر الداهم؛ اهلامم فالرجل . بام قاسيتواإلحساس .اخلوف يشء آخريضطرب، يقلق، لكن

Page 208: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٠٧-

:قال القبطان ضاحكا .أين خفتأؤكد لك ! عجبا -

: رتيببصوت بطيء ةالربونزيالبرشة إذ ذاك قال الرجل ذو ، )يمكـن أن خيـافواوأكثر الرجال شـجاعة (اخلوف ! أن أوضحاسمحوا يل -كتحلل الروح، تشنج مريع يف الفكر والقلب، بحيـث مرعب، شعور فظيع، إنه يشء

رء شـجاعا، يكـون املـحني لكن هذا ال حيدث . أن ذكره فقط حيدث ارتعاشات جزعهذا حيدث : املعروفةاخلطر أشكال وجيابه شتى املوت املحتوم، ويواجه جوم يتصدى هل

اخلـوف . مبهمـةغامضة إزاء أخطـار غري الطبيعية، حتت تأثريات يف بعض املناسبات يؤمن باألشباح ويتخيل إنسان إن كان هناك . ة قديمةومهيرهبة احلقيقي، إنه مثل ذكرى

. الظالم، البد أن يعاين اخلوف يف كل بشاعته املريعةبأنه يرى طيفا يفوأحسـست . يف وضح النهار، منذ ما يقارب عرش سـنواتأنا كشفت اخلوف

.كانون األوليف إحدى ليايل به الشتاء املايض كانـت تبـدو مع ذلك، فقد مررت بكثري من األخطـار وكثـري مـن املغـامرات

حكم . حسبوين ميتاوقدتركني لصوص . مراراتعاركت . ةتممي باإلعـدام شـنقا عـيل يف أمريكا، ورميت يف البحر من ظهر سفينة قرب شواطئ الـصنيكمتمرد كـل مـرة .

.أسفال بل دون قراري دون تأثر، أختذ فورا كنت ؛ال حمالةهالك كنت أعتقد بأنني .عىل كل حال، ليس هذا هو اخلوف

، فإن الـشمس تبـدده كـام تبـدد د الشاملوألنه سليل بال. يف إفريقيااستشعرته شيئا لدى الرشقيني؛ فهم يـسلمون ال تعني احلياة . الحظوا هذا أهيا السادة. الضباب

انسكان البلـدأدمغة وخالية من كل قلق مظلم يراود صافية لياليهم : أمرهم هللافورا .الرعب، لكن اخلوف غري معروفن يف الرشق يمكن أن يعاي. الباردة

:أصقاع إفريقياإليكم ما حدث يل يف ا؛ حسنمنـاطق هناك جتدون أغرب . (*)»أوارغال«كنت حينها أمر عرب الكثبان جنوب

! حـسنا. التي ال هناية هلا عىل املحيطتعرفون الرمال املتجمعة، رمال الشواطئ . العامل

.مدينة جزائرية: Ouaraglaأوارغال (*)

Page 209: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٠٨-

ة ألمـواج وقد حتول إىل رمال وسط إعصار؛ ختيلوا عاصفة صـامتختيلوا املحيط ذاتههذه األمواج غري متساوية، متنوعة، ترتفـع متامـا كـأمواج . من الغبار األصفرساكنة

عـىل هـذا البحـر الغاضـب . متالحقة، غري أهنا أكرب، وخمططة مـثلام خيطـط النـسيججيـب أن . املحرقـة املبـارشةاجلنوب املفرتسة نارها ، تصب شمس والساكن املتالطم

وال وتنحدر ثم تتسلق ثانية بال توقف وال راحـةالرماد، بية تتسلق هذه األمواج الذهثـم تنحـدر نحـو حتـى الركـب وتنزلـق اخليول وهي تغوص تسمع حرشجة . ظل

.املدهشةالسفح اآلخر للتالل مل نكـن نـتكلم . ق، يتبعنا ثامنية فرسان وأربعة مجال مع سائسيهايمع صدكنت احلرارة والتعب وأصبنافقد أرهقتنا . طرمةضاملـكتلك الـصحراء واجلفاف ش بالعط

وقـد مجيعا وكأن عىل رؤوسـنا الطـري، فتوقفنا من أحد رجالنا فجأة انطلقت رصخة .املناطق النائيةتلك غامضة يعرفها املسافرون يف فوجئنا بظاهرة

وباجتاه غري حمـدد، كنـا نـسمع طـبال يطـن وهـو طبـل يف مكان ما بالقرب منا، قويا مرة، وأخرى ضعيفا؛ يتوقف ثـم يـستأنف طن بوضوحالغامض؛ كان يالكثبان

.طنينه الغريب أن قـال إىل بعضهم اآلخر بحـرية إىلون ينظرهمبعض، كان معنارب الذين عالوإذا برفيقي، أو قل أخـي. »املوت حيوم فوقنا«: أحدهم ن ظهـر جـواده عـ، يـسقط

.ورأسه إىل األمام وقد صعقته رضبة شمسمـن حمـاولتي إنقـاذه بـال جـدوى، كـان الطبـل املجهـول عىل مدى سـاعتني

وغري املفهـوم، كنـت أحـس بـاخلوف املتناوب الرتيب مازال يمأل أذين بطنينه املكان اجلثة احلبيبـة، يف تلـك ينزلق عرب عظامي، اخلوف احلقيقي، اخلوف البشع، أمام تلك

كان الصدى املجهول من الرمل، بينام بني أربعة جبال احلفرة املحرتقة، بفعل الشمس .عىل بعد مئتي فرسخ من أي قرية فرنسية، طنني الطبل الرسيعيرسل لنا ونحن

...يف ذلك اليوم فهمت كنه اخلوف؛ لكنني عرفته مرة أخرى بشكل أفضل :قاطع القبطان الراوي بقوله

، ولكن ذلك الطبل، ماذا عنه؟عذرا يا سيدي -

Page 210: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٠٩-

:أجاب املسافرغالبا ما يفاجأ الضباط هبذا الـضجيج الغريـب، . لملست أعلم، ال أحد يع -

واملتـضخم بـشكل كبـري بـسبب املتكـاثر و ويعزونه بشكل عام إىل الصدى املتعاظممتجمعـة؛ فقـد بأعـشاب جافـة أو وابل من حبات الرمل يصطدم متوجات الكثبان؛

بأشـعة الـشمسالـصغرية املحرتقـة دائام أن الظاهرة حتدث بجـوار النباتـات لوحظ .والقاسية كالرق

لكننـي مل . هذا كل يشء. صويتفإن هذا الطبل ليس سوى نوع من رساب إذن .أعرف ذلك إال فيام بعد

.وإليكم انفعايل الثاينأعـتم . يف الشامل الرشقي من فرنساحدث ذلك يف الشتاء املايض، يف غابة تقع

رويا يميش إىل جـانبي قكان دلييل . ظلمة السامءالليل قبل ساعتني من أوانه، من شدة بـني . تصدر عويال كلام مرت الريح هبـايف طريق ضيق حتت قبة من أشجار الصنوبر

كنت أرى غيوما تسبح هاربة، غيوما مضطربة وكأهنا تقمم األشجار أمـام خطـررفـبـنفس االجتـاه كانـت الغابـة بأرسهـا تنحنـي وأحيانا حتت وابل مـن املطـر، .حمدق

.خطاي الرسيعة وثيايب الثقيلةبالرغم من مل؛ والربد كان جيتاحني وتصدر أنني األمل يكن بعيدا عنا، فأنـا كنـت عند حارس غابة بيته أن نتعشى كان من املفرتض

.ذاهبا للصيد ثم أخذ يكلمني عن الناس »!طقس سيئ«: أحيانا ويتمتمدلييل كان يرفع برصه

املخالفني قبل عامني، ومنذ د قتل أحد الصيادين كان الوالد ق. الذين كنا ذاهبني إليهم .معهيقطنان ذلك احلني، كان يبدو حزينا وكأن ذكرى تراوده؛ له ابنان متزوجان

شيئا أمامي وال حويل وكل أغـصان األشـجار الظالم كان دامسا، مل أكن أرى املتصادمة كانت متأل الليل عويال مـستديام أخـريا ملحـت ضـوءا، وبعـد ق. ليـل كـان

رجـل، ثـم جاءنـا صـوت . حاد مـن الـداخلرصاخ نسوة أجابنا . مرافقي يقرع بابا :صوت أجش يسألنا

Page 211: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢١٠-

. ال تنسىلنشاهد لوحة اسمه فدخلنا مرافقي ذكر » من الطارق؟«، يمسك بيده بندقيـة وعيناه جاحظتانأشيب الشعر رجل كهل كان يف انتظارنا

حيرسـان العضالت وقـد تـسلحا بفأسـني مع شابني مفتويلحمشوة ويقف يف املطبخ، .باجتاه احلائطووجهامها راكعتني ملحت يف الزاوية املعتمة امرأتني . الباب

غرفتـي، وإذ ند الكهل بندقيته إىل اجلدار وأمر بتجهيز سرشحوا لنا الوضع؛ وأ :رأى أن االمرأتني مل تتحركا البتة، قال فجأة

يف الـسنة . الليلـةني يف مثـل هـذه منـذ عـامرجال كام ترى يا سيدي، قتلت - . هذا املساءاملاضية عاد يناديني؛ وأنا يف انتظاره

:بتسمأ جعلتني ة بلهجثم أضاف .مطمئننيلسنا لذلك -

وحـضوري وأخربته بأنني سعيد لوصـويل تلـك الليلـة طمأنته قدر اإلمكان، .يع تقريباوتوصلت إىل أن أهدئ روع اجلم رويت قصصا .مشهد ذلك اهللع اخلرايف

قرب املوقد كان ينام، وأنفه بني قوائمه، كلب شـبه أعمـى، واحـد مـن تلـك .الكالب التي تشبه أناسا نعرفهم

ترضب جدران البيـت؛ عـرب زجـاج نافـذة كانت العاصفة العنيفةيف اخلارج، عـىل ضـوء الـربق جمموعـة أشـجار الباب، رأيت فجأة قرب ضيقة، أو فتحة الرؤية

.الريححطمتها بالرغم من جهودي، كنت أشعر بأن رعبا عميقا يلف أولئـك النـاس، وكلـام

حني تعبت من مشاهدة تلـك . إىل البعيدكانت كل اآلذان تصغي توقفت عن الكالم ــرايش، املخــاوف ــة، وأوشــكت أن آوي إىل ف إذا بالكهــل يقفــز مــن كرســيه والغبي

»!إين أسـمعه! ا هـوهـ! هـا هـو«: بصوت شاردببندقيته ثانية وهو يلجلج ويمسك . وجهـيهام؛ وأمـسك الـشابان بفأسـيهامركعت املرأتان عىل ركبهام يف الزوايا وخبأتا

ومـد عنقـه أحاول هتدئتهم حني استفاق الكلب من نومه فجأة، ورفـع رأسـه بدأت الكفيف نحو النار، ثـم أطلـق نباحـا كئيبـا يبعـث القـشعريرة واجته بنظره يف جـسد

Page 212: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢١١-

وهو ثابت ال يبدي حراكـا وقـد اجتهت إليه كل األنظار . األريافمساء يف املسافرين باجتاه يشء غري مرئـي، غـري معـروف، ينبحاستند إىل قوائمه كأنام شاهد رؤيا فجعل

: وجهـهامتقع احلارس وقد صاح . وبر جسمه قد انتصبدون شك، ألن كل مرعب إىل وعويـل املـرأتني فانضم رصاخ . »فقد كان معي حني قتلته! حيس به! إنه حيس به«

.نباح الكلب وهياجهفرؤية هذا احليـوان يف هـذا املكـان . بالرغم مني، شعرت بقشعريرة بني كتفي

.وهذه الساعة، بني هؤالء الناس املتطريين، كانت مفزعةـان اخلـوف البقـي ـاعة دون أن يتحـرك، وك هيـب قـد بـدأ ر الكلـب ينـبح قرابـة س

.ذا؟ هل أعلم؟ لقد كان اخلوف بذاته، وهذا كل يشءاخلوف من مايف أوصايل؛ بالتغلغل مـصغية، وقلوبنـا واجفـة، مرعبا؛ آذاننـا بقينا بال حراك، شاحبني ننتظر حدثا

لقـد . اجلدران ويئنم شمتالغرفة يبدأ الكلب يدور يف أرجاء .. تضطرب ألقل حركةكلـب، وقـد الألقى القروي الذي كـان دلـييل، بنفـسه عـىل حينئذ . فينا اجلنونبعث

.الرعب، وفتح بابا يتصل بباحة صغرية وألقاه فيهاإىل أعىل درجات وصل فقـد : فجأة إذا بنا مجيعا نقفـز. وبقينا غارقني يف صمت أشد رعباصمت فورا؛

حيـث نحو الغابة؛ ثم مـر بالبـاب بأن كائنا كان ينزلق عىل اجلدار اخلارجي أحسسنا جعلتا منا ما يشبه احلمقـى؛ مل نعد نسمع شيئا ملدة دقيقتني رتددة؛ ثم مبدا أنه جيسه بيد

ه بلطف ؛ فجـأة ظهـر كام يفعل ذلك طفل بأظـافرهثم عاد وهو يمس اجلدار؛ ثم حك. ةسـمفرتكعيون حيوانات رأس أمام الفتحة الزجاجية؛ رأس أبيض وعينان متألقتان

.وخرج من فمه صوت غري مفهوم، مههمة نواحفقد أطلق احلارس النـار فـأرسع . هائل من املطبخانفجار صوتحينها انطلق

.الطاولة الكبرية وثبتاها باخلزانةواضعني فتحة الباب وسدا الشابان أقسم لكم أنه حني لعلع صوت البندقيـة، ومـا كنـت أتوقعـه، انقـبض قلبـي

قاب قوسني أو أدنـى وجسمي وروحي بشدة، وأحسست بأن قواي خارت ورصت .من املوت خوفا

Page 213: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢١٢-

نقول شـيئا فتح أفواهنا لعىل احلركة أو بقينا عىل وضعنا حتى الفجر، ال نقوى .متقوقعني يف ذهول ال يوصف

عىل إزالة املرتاس من املدخل حتى الحظنا، مـن خـالل شـق إفريـز، مل نجرؤ .أول شعاع من النهار

عند أسفل اجلدار، مقابل الباب، متدد الكلب املسن وقـد حطمـت الرصاصـة .هقشد

.كان قد خرج من الباحة وهو حيفر حفرة حتت السياج :صمت الرجل ذو الوجه األسمر، ثم أضاف

كـل خالهلا ألي خطر؛ لكنني أفـضل أن أسـتعيد يف تلك الليلة، مل أتعرض -تلك الدقيقـة الفظيعة املرعبة، من أن تتكرر اللحظات التي واجهت خالهلا األخطار

الـذي ظهـر يف فتحـة عىل ذلـك الـرأس امللتحـي التي أطلقت فيهارصاصة البندقية .الباب

Page 214: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢١٣-

Page 215: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢١٤-

عمي جــول

اشيل بينوفيل. م. إىل أ

صـديقي جوزيـف دافـرانش، ؛صـدقةمنـا ذو حلية بيضاء، طلب فقري مسن،

:أعطاه مئة فلس؛ عجبت لذلك فقال يل :وها هي. هذا البائس ذكرين بقصة سأروهيا لك، وذكراها تالحقني بال انقطاع -

* ** . كنا نتدبر أمورنا، وهـذا كـل يشء. ، مل تكن غنية»اهلافر«، وأصلها من عائلتي

.وكان يل أختان. الوالد كان يعمل، ويعود متأخرا من املكتب ومل يكن يكسب الكثري توجههـا الكثري من ضيق ذات اليد، وكانت غالبا ما جتد كلـامت قاسـيةانت والديت ع

ايب، فيمرر تثري أعصإذ ذاك كان الرجل يقوم بحركة . مةلزوجها، أو تلميحا بمالمة لئيعرقا كفه عىل جبينه كمن يمسح كنت أحـس بأملـه . بيشءمل يكن موجودا، وال جييب

ىل ردها؛ إحتى ال نضطر ؛ مل نقبل يوما دعوة إىل عشاء يشءيف كل كنا نقتصد . العاجزخيطـن ثيـاهبن كانت أخوايت . أيام احلسومات من بقايا الدكاكنيمؤونتناوكنا نشرتي

. عرش قرشا املرت منها مخسة سعريطول حول رشائط الزينة، وبأنفسهن، وكان نقاشهن كان . ل بكل أنواع الصلصاتبوحلم عجل متمن حساء دسم ا فالعادي كان مؤلطعامنا

ذلك مفيدا للصحة ومنعشا . طعاما آخرأما أنا فكنت أفضل عىل ما يبدو؛ .أو متزق بنطالالقاسية بسبب ضياع زر للمشاحنات كنت عرضة

. ونحن يف أمجل ثيابلكن كل يوم أحد كنا نذهب يف جولة عند رصيف املرفأ ، مقـدما ذراعـه لوالـديت املزينـة وقبعة كبـرية وقفـازاتسرتة طويلة كان أيب يرتدي

Page 216: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢١٥-

ولكـن يف الرحيل؛أختاي، كانتا أول اجلاهزين يف انتظار إشارة . يف يوم عيدكمركب بقعة عىل سرتة أيب، وكانت تنظف فورا بخرقة مبللة تشف آخر حلظة تك .بالبنزين

تـرسع، وقـد ي، انتهاء العملية، بينام كانت أموقبعته عىل رأسهينتظر، كان أيب .كي ال تتسخوخلعت قفازاهتا وضعت نظاراهتا

كانتـا يف سـن . مسريتنا بأهبة، األختـان يف املقدمـة بـذراعني معقـودتنيوتبدأ ما زلـت أتـذكر .. كنت أسري إىل يسار والديت. أهل املدينةالن بإعجاب وتقابالزواج

، خـالل نزهـات أيـام اآلحـاد تلـك، وقـسوة مالحمهـامالفقـراء مظهر األهبة ألهـيل وقامات منتصبة وأرجل صلبة، وكـأن كانا يسريان بخطوات وئيدة .ورصامة مشيتهام

.انت تتوقف عىل مظهرمهاقضية ذات أمهية قصوى، كن الكبـرية مـن بـالد ف لـدى رؤيتـه عـودة الـسكان والدي يرددكل يوم أحد :جمهولة، نفس الكالم

.»!مفاجأةيا هلا من لو أن جول كان فيها، ! آه«الرعـب جيسد عمي جول، أخو والدي، كان أمل العائلة الوحيد، بعد أن كان

بـأنني سـأعرفه حـني أراه للمـرة تاعتقـدكنت قد سمعت عنه منذ طفولتي، و. هلاإىل ه، إذ كنت أعرف كل تفاصيل حياته حتى يوم مغادرتـه فياألوىل، لكثرة ما فكرت

. هذه الفرتة من حياتهيأت عىل ذكرأمريكا، عىل الرغم من أن أحدا مل أمواال، وهذا يعد أكرب اجلـرائم سيئا، يعني أنه خرس سلوكه كان ، عىل ما يبدو

يقرتف محاقات فهو مـا و حني يتسىل أحدهم فعند األغنياء. لعائالت الفقريةلبالنسبة ولدى املحتاجني، يدعى ولدا جيـرب.منحاليسمى، مع ابتسامة، عربيدا األهـل عـىل

نذال، وغريب األطواراقا، فافيصبح رأسامهلم ختفيض . ها التي حتدد وحدعادل، بالرغم من أن اجلرم واحد، لكن النتائج هذا التمييز

.خطورة الفعلبـشكل كبـري اإلرث الـذي كـان ، كان العم جول قد خفـض يف كل األحوال

.حتى آخر مليم، بعد أن أكل حصته والدي يعتمد عليه

Page 217: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢١٦-

، أركبوه سفينة جتاريـة ، كام كان الناس يفعلون حينهاأركبوه السفينة إىل أمريكا . انطلقت من اهلافر إىل نيويورك

، وكتب بعد ذلـك ال نعلم ما هي لبضاعة رك، استقر كتاجرحني صار يف نيويوأحدثت . يكسب القليل من املال، وأنه يأمل بتعويض والدي عام تسبب له من رضرأنه

الرسالة أثرا عميقا يف العائلة فلسا، كام يقال، أصبح فجأة الذي مل يكن يساوي جول، . رشيفا، شهام، سليل عائلة رجال . أفراد هذه العائلةككل بحق، » دافرانش«

فقد أعلمنا قبطان سفينة أنه استأجر متجرا كبريا إضافة إىل ذلك .وراجت جتارتهتقلـق فيليب، أكتب إليك كيال يا عزيزي «: بعد عامني، تلقينا رسالة منه تقول

سريا حسناأعاميل تسري . صحتي فهي جيدةبشأن يف سـفر طويـل إىل غـدا سـأذهب . . فأنـا إن مل أراسـلك، ال تقلـق. سيطول يب املقام دون أن أكتب إليك. يةأمريكا اجلنوب

.»...آمل أال يطول ذلك، وسنعيش معا بسعادة. اهلافر حني أمجع ثرويتسأعود إىل الرسالة بمثابة إنجيل للعائلـة، إذ كانـت تقـرأ يف كـل مناسـبة، أصبحت تلك

.ويشاهدها اجلميعلكن أمـل والـدي » جول«أخبار العم بالفعل، مضت عرش سنوات ومل تصلنا

:كان يكرب مع مرور الزمن؛ وأمي غالبا ما كانت تقولحالنا، فهذا رجل عـرف كيـف يتـدبر حني يعود جول، هذا الطيب، سيتغري « .»!أموره

تنفـث يف اجلـو أحد، كان أيب يردد، وهو يرى يف األفـق البـواخر ويف كل يوم :ائمة من الدخان األسود، عبارته الدأفاع

»!لو أن جول كان فيها، كم ستكون مفاجأة« »!يا فيليب«: رؤيته وهو يلوح بمنديله ويصيحفنكاد نتوقع

بيتـا كنـا سنـشرتي ؛ املؤكـدةأعددنا مئات املشاريع معتمدين عىل هذه العودة ريفيا صغريا بامل العم جول، قرب لن أؤكد بأن أيب مل يكـن قـد بـدأ وأنا . »أنغوفيل«

.هبذا الشأنحمادثات

Page 218: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢١٧-

قد بلغت الثامنة والعـرشين مـن عمرهـا، واألخـرى سـتة كانت أختي البكر .وعرشين، ومل تتزوجا، وكان ذلك مدعاة غم للجميع

كنـت .موظف ليس بالغني، لكنه مستقيمأخريا تقدم طالب زواج للصغرى، دائام مقتنعا قبـ... لرتدده، حـني رآهـادا حبأن رسالة العم جول قد وضعت ل طلبـه

.»جريس«وتقرر بعد الزواج أن تقوم العائلة برحلة مجاعية إىل برسعة؛ تعـرب البحـر يف ليـست بعيـدة؛ . رحالت الناس الفقـراءهي هدف » جريس«

إذن، بعـد إبحـار . الربيطانيـةهذه اجلزيـرة الـصغرية . سفينة فتصبح يف أرض أجنبيةيستطيع الفرنيس أن يشاهد شعبا جماورا ساعتني يدرس أخالقـا، يرثـى هلـا عـىل وأن

.، كام يقول الناس ببساطةالعلم الربيطاينيف هذه اجلزيرة التي يرتفع فوقها كل حال، .الوحيد وحمط أحالمناوانتظارنا إىل جريس موضع اهتاممنا غدت الرحلة

وأيب مربـك السفينة تـستعد لالبحـار، : أخريا ذهبنا، أذكر ذلك وكأنه باألمسأختي غري املتزوجة والتي كانت تبـدو متعتنا؛ أمي قلقة، متسك بذراع يراقب حتميل أ

وهـذا مـا جعلنـي أختها، وخلفنا كان العروسان يـسريان بتـؤدة تائهة منذ أن تركتها .لتفت عدة مراتأ

عىل ميـاه هادئـة امليناء، صفر املركب إيذانا بالرحيل وبدأ باالبتعاد عن رصيف ا، سـعداء مزهـوين بـالـشاطئ يبتعـد هارنشاهد كنا كسطح طاولة رخامية خرضاء،

.ككل الذين نادرا ما يسافرونأيب وقف بكرشه املندلق حتت سرتته التي تعرضت يف ذلـك الـصباح، إلزالـة

تنترش من حوله كام يف تلك األيام التي خيـرج فيهـا بقع كانت عليها، ورائحة البنزين .أيام األحدللنزهة

. رجالن يقـدمان هلـام املحـار، وبجوارمها أنيقتنيه عىل سيدتني فجأة وقع برصويعطيهـا للـسيدين وبحار مسن رث الثياب يفـتح بـرضبة سـكني تلـك األصـداف

قرشة الـصدف واضعتني يعطياهنا للسيدتني اللتني كانتا تأكالن بلباقة االلذين بدورمهركـة رسيعـة كيال تتلوث ثياهبام، ثم تـرشبان الـسائل بحمنديل ثم تقرتبان بفيهام عىل

.وتلقيان الصدف يف البحر

Page 219: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢١٨-

سـفينة مبحـرة، أعجـب أيب، أغرته بالشك طريقة أكل املحار هذه، عىل ظهر :بتلك األناقة املرهفة الراقية، فدنا من والديت وأختي وسأهلن

هل أقدم لكن « .»بعض املحار؟ترددت أمـي خـشية اإلرساف؛ لكـن أختـي قبلتـا فـورا، فقالـت أمـي بنـربة

:تاظةمغ، عــىل أن ال تكثـر، فقــد تأصـاب بــأمل يف معـديت، قــدمها للبنـاأخـشى أن « .»مترضان

:نحوي وأضافتثم استدارت .»أما جوزيف، فليس بحاجة هلا؛ جيب أال يدلل الصبيان«

والـدي الـذي تابعـت بعينـي . بقيت قرب أمي وقد شعرت بظلم هذا التمييز .الرثة الثياب ار ذيتقدم ابنتيه وصهره باعتزاز نحو البح

قد غادرتا للتو، وأيب كان يدل ابنتيه عىل كيفية أكل املحار كـي كانت السيدتان وحاول تقليد السيدتني نه أراد أن يعطيهام املثل فأخذ حمارةإحتى ال ترتكا املاء يسيل؛

:لكنه دلق فورا كل السائل عىل سرتته وسمعت والديت تغمغم .»حارقدم عىل أكل املأال يحيسن به «

وألقـى نظـرة عـىل ؛ ابتعد بضع خطوات، ملحت القلق عىل وجه أيبلكن فجأة ، قـال شحب لونه، وبعينني غريبتي املظهـرعائلته املتزامحة حول بائع املحار، ثم بغتة

:ألمي بصوت يشبه اهلمس .»!، كم إن هذا الرجل الذي يفتح املحار، يشبه جولياألمر غري طبيع«

:سألت أمي بذهول »؟...جولأي «لـو مل أكـن أعـرف أنـه ذو مركـز جيـد يف أمريكـا، ... أخـي جـول... جول«

.»العتقدت أنه هو :أجابت أمي متمتمة بذعر

Page 220: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢١٩-

بام أنك تعلم أنه ليس هو، لـم هذه احلامقات! هل أنت جمنون« «. .»!وألقي عليه نظرة؛ أفضل أن تتأكدي بنفسك وبعينيكاذهبي يا كالريس «

كان مسنا، قذرا، قـد . وأنا أيضا نظرت إىل الرجل. هاينحو بنتهنضت واجتهت .إال لعملهمألت التجاعيد وجهه، لكنه مل يكن يلتفت

: أهنا ترجتف، وقالت برسعةعادت أمي، وال حظتكن حذرا كيال نلتقي هبذا . من الربان معلومات قتاذهب واس. أعتقد أنه هو«

.»!الفاسد اآلن . وشعرت بأنني شديد التأثرابتعد أيب لكنني تبعته،

طويـل القامـة نحيلهـا، ذو سـوالف طويلـة، كـان ربان السفينة، وهو رجـل .اهلندمتوجهة إىل عىل اجلسري وكأنه قبطان سفينة بريد يتمشى

، وأمهيتهـا»جـرييس«وهو يسأله عن مهنته بإطراء، وعن دنا منه والدي بوقار فيخيـل إىل ... وطبيعة أراضيها، إلـخوعاداهتم، وما تنتجه، وعن سكاهنا وأخالقهم

ثم حتدثا عن السفينة التـي تقلنـا . سامعه أنه يتحدث عن الواليات املتحدة األمريكية :قال له أيب أخريا وبصوت مضطرب ؛ وانتهيا بالطاقم»اإلكسربس«

هل لديك أي معلومات . هنا بائع حمار كبري السن ويبدو مثريا لالهتامملديك « .»عن هذا الرجل؟

:تثور من تلك املحادثة، أجاب بجفاءالقبطان الذي بدأت أعصابه العام املايض، وأعدته إىل وطنه؛ له عىل مـا وجدته يف أمريكا إنه مترشد فرنيس «

ألنـه مـدين هلـم بـامل، ويـدعى يبدو أقارب يف اهلافر، لكنـه ال يريـد العـودة إلـيهم قبيل؛ احلاصل، يبدو أنه كـان جول دارمانش أو دارفانش، يشء ما من هذا ال... جول

.»لكنك تدرك اآلن ما صار إليههناك، غنيا لفرتة ما :أيب، الذي ازداد شحوبه، وزاغت عيناه قال خمتنقا

Page 221: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٢٠-

حسنا جدا... حسنا! وآه! آه« جزيل الشكر أهيـا أشكرك ... هذا ال يفاجئني.. .»القبطان

. وهو يبتعدلوذهب، بينام كان البحار ينظر إليه بذهو :عاد إىل والديت متشنج الوجه فقالت له

.»اجلس، فقد يالحظ علينا يشء ما« :واهنار عىل املقعد وهو يتلعثم

.»إنه هو، هو بالتأكيد« :ثم سأهلا

.»ماذا سنفعل؟« :أجابت متأثرة

. الصـطحاهبنيعرف كل يشء سيذهب جيب إبعاد األوالد، وبام أن جوزيف « .»يشء يفأن نحرص عىل أال يشك صهرنا جيب

:فتمتم قائالبدا أيب منهارا .»!يا للمصيبة«

:وقد ثار غضبها فجأةأضافت والديت وهـل ! من أن هذا اللص لن يفعل شيئا وأنـه سـوف يعـودكنت دائام أرتاب «

.»!..ينتظر أي منفعة من أحد من آل دافرانش . كام كان يفعل بعد توبيخ زوجته أيب كفه عىل جبينهرمر

:أضافت أميأعط ماال جلوزيف ليذهب ويدفع ثمن املحار اآلن« إال أن يتعـرف ال ينقصنا .

إىل الطـرف لنـذهب . مجيل عىل املركـب، سوف يكون لذلك وقع علينا هذا املتسول .» عىل أال يقرتب هذا الرجل مناحرصاآلخر وا

. قطعة مئة فلسينبعد أن أعطياهنضا وابتعدا

Page 222: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٢١-

أكـدت هلـام بـأن وعكـة أصـابت الوالـدة، .أيبوكن ينتظرن أختاي تفاجأت :وسألت بائع املحار

.يا عمي: وكان بودي أن أقول» كم لك بذمتنا يا سيد؟« .»فرنكان ونصف«: أجابني

.مددت يدي بقطعة املئة فلس فرد يل الباقييف وجهـه، وجـه املتجعـدة، ثـم تفرسـت نظرت إىل يده، يد البحـار املـسكني

:م فقلت يف نفيساهلمو، حزين أرهقته بائس .»، إنه عميهذا عمي، أخو والدي«

:كإكرامية له، فشكرين قائالتركت له عرشة فلوس فاعتقـدت . إحـسانا قال ذلك بلهجة فقـري يتلقـى »اهللا أهيا الشابفليباركك «

!.هناكبأنه اضطر أن يستعطي .كرميأخذت أختي املفاجأة ومها حتدقان يب ويذهلهام

:أمي تسألنيبنقود أليب، فوجئت حني أعدت باقي ال .»!غري معقول... هل كان هناك ما يساوي ثالثة فرنكات؟«

:أعلنت بصوت ثابت .»إكراميةأعطيت عرشة فلوس «

:وقالتانتفضت أمي وحدقت يف عيني .»!..تعطي عرشة فلوس هلذا الرجل، هذا النذل! جمنونأنت «

. ثم صمت الكل. هتوقفت بفعل نظرة من أيب الذي كان يشري إىل صهروحني . ظهرت جرييس... ، عند األفق بدأ ظل بنفسجي يطلع من البحرأمامنا

أن أقـرتب منـه دنونا من املرفأ، اجتاحتني رغبة جاحمة ألن أرى ثانيـة عمـي جـول، .وتواسيه؛ كلامت حنان تشجعهوأقول له كلامت تعزيه

Page 223: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٢٢-

أحد هناك يأكل املحار، فقد اختفىولكن بام أن إىل قـاع ، ونزل بال شك ه مل يبق .كان يقطن ذلك البائسهناك . املستودع

اسـتحوذ القلـق يف طريقنـا، ألن كـيال نـصادفه» سـان مـالو«عدنا عىل سفينة .عىل أمي

مل أر عمي مطلقا بعد ذلك . .يا صديقي أحيانا أعطي مئة فلس للمرشدينهلذا السبب تراين

١٨٨٣ آب ٧

Page 224: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٢٣-

Page 225: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٢٤-

الصفحة

٥.....................................................................تقديم ٩............................................................ المترجممقدمة

١١...........................................................الحلية المفقودة ٢١......................................................................حيلة

٢٩..................................................................الحارس ٣٩..............................................................اآلنسة بيرال ٥٥...............................................................العم ميلون ٦٣.................................................................الصعلوك

٦٩...........................................................اعترافات امرأة ٧٥...................................................................بومبار ٨٣..................................................................انتقام أم

٨٩................................................................وجدت أبا ٩٩..................................................................الوصية

١٠٥....................................ثالث صفحات من كتاب صياد: حب ١١١...............................................................أثناء السفر

١١٧...................................................................الحطبة ١٢٣..........................................................البرميل الصغير

Page 226: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ

-٢٢٥-

الصفحة

١٢٩..........................................................الكراسيشة مقش ١٣٧..............................................................المجوهرات ١٤٥................................................... كورسيكيقاطع طريق

١٤٩.......................................................................ندم ١٥٧.....................................................................الوليد

١٦٣...................................................................زوجتي ١٧١.............................................................مأساة حقيقية

١٧٥....................................................................القاتل ١٨١...............................................................في الحقول

١٨٩..........................................................في فصل الربيع ١٩٥....................................................................بواتيل ٢٠٥...................................................................الخوف

٢١٣...............................................................عمي جول

م٢٠١٤ / األوىل الطبعة نسخة ١٠٠٠ الطبع عدد

Page 227: syrbook.gov.sysyrbook.gov.sy/img/uploads1/al helieh al mafkuda.pdf · -٦-ﻥﺎﺳﺎﺑﻮﻣ ﻱﺩ ﻲﻏ ﻲﺼﺼﻘﻟﺍ ﻉﺍﺪﺑﻹﺍﻭ ﰲ ﺮﺧﺄـﺗ ﺪـﻗ