149
ﺑﺤﺮ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ- ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻔﺮﺝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺍﻟﺠﻮﺯﻱ1 ﲝﺮ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻔﺮﺝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺍﳉﻮﺯﻱSource: www.al-eman.com To pdf: www.al-mostafa.com

ﻉﻮﻣﺪﻟﺍ ﺮﲝ ﻱﺯﻮﳉﺍ ﻦﺑ ﻲﻠﻋ ﻦﺑ …media.kenanaonline.com/files/0027/27727/بحر...2€ € € € € € ﻱﺯﻮﺠﻟﺍ ﻦﺑ ﻲﻠﻋ ﻦﺑ

  • Upload
    others

  • View
    15

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

  1      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

حبر الدموع

أبو الفرج عبد الرمحن بن علي بن اجلوزي

Source: www.alwww.al-eman.com To pdf: www.al-mostafa.com

  2      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

املقدمة

بسم اهللا الرمحن الرحيم

رمحه اهللا تعاىل ورضي عنه مبنه قال الشيخ الفقيه اإلمام العابد أبو حممد عبدالرمحن بن علي اجلوزي، : وكرمه

اخترع، وأبدع املوجودات احلمد هللا الذي اخترع األشياء بلطيف قدرته، وبديع صنعته، فأحسن فيماوالكثيف من أعداد آحاد اجلوهر ومجع، مثال، فال شريك له فيما ابتدع، ألف بني اللطيفعلى غري

مبا صنع، فالعارفون واقفون حتت مطارف اللطائف ليقر له بالوحدانية، ويستدل على وجود الصانعهم إن لقلوم جمال يف ميدان الكربياء على أن محاه رحب متسع، ف بأقبية أبنية التوبة والورع، ليس

مطلوم، ردهم قهر إهليبة إىل مفاوز اخلوف واجلزع، وإن مهوا بالذهاب عن الباب، مالوا إىل نيل

. عاقهم قيود الغيب، فعز عليهم الرجوع وامتنع

قد كف شكوى لسانه وقطع*** فمنهم كامت حمبته

الم عذول ذر املالم ودع*** ومنهم بائح يقول إذا

وكيف خيفى ما فيه وهو قطع*** أليس قليب حمل حمنته

وأين من شتت اهلوى ومجع*** أين احملبون واحملب هلم

جلفن صب إذا مها ودمع*** هلم عيون تبكي فوا عجبا

هجوعا إذا اخللي هجع*** قد حرموا النوم واملتيم ال

كان خليا من النفاق نفع*** بالباب يبكون والبكاء إذا

  3      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

شفع دمع املتيمني شفع*** وإذا تشفع فيهم دموعهم

بزغ عليهم قمر فبينما هم حيارى بني اخلوف واجلزع، سكارى من شراب اليأس والطمع، إذسنادس االستيناس السعادة من فلك اإلرادة يف جوانب قلوم وملع، وأفيض عليهم من مالبس

سبقت " : فع، رقم العلم األمينارت والبسط خلع، لكل خلعة علمان من اإلميان، ما زين ما بشر، إال ، ] 103األنبياء [ " ال يحزنهم الفزع " : ، ورقم العلم األيسر ] 101 األنبياء [ " لهم منا الحسنى

. فسبحان من يتوب على اجلاين، ويقبل العاصي إذا تاب إليه ورجع

بالوحدانية، واعترف له وأشهد أن ال إله إال اهللا وحده ال شريك له، شهادة من أقر له . واأللوهية، ولعز جالله ومجاله قد خضع?بالربوبية

األعياد واجلمع، صلى اهللا ئض، وشرعوأشهد أن حممدا عبده ورسوله، الذي سن السنن، وبين الفراسطح السماء جنم وطلع، وسلم تسليما عليه وعلى آله وأصحابه ما ركد املاء ونبع، وظهر يف ميدان

. كثريا

رسول اهللا ، ويف اخلرب عن ] 55الذاريات [ " الذكرى تنفع المؤمنني وذكر فإن " : قال اهللا العظيمعبدي يب، وأنا معه إذا ذكرين يف أنا عند ظن : قال اهللا تبارك وتعاىل ( : صلى اهللا عليه وسلم أنه قال

ذكرته يف نفسي، وإن تقرب ايل شربا تقربت منه مأل، ذكرته يف مأل خري منه، وإن ذكرين يف نفسه، رواه مسلم حديث رقم [ " تقربت منه باعا، وإن أتاين مشيا، أتيته هرولة رب إيل ذراعا،ذراعا، وإن تق

2675 [ .

من عجز منكم ( : اهللا عليه وسلم قال رسول اهللا صلى : وعن عبد اهللا بن عباس رضي اهللا عنهما، قال . ) ينفقه، فليكثر ذكر اهللا تعاىلوخبل باملال أن عن الليل أن يكابده، وجنب عن العدو أن يقاتله،

. ] مسعود صحيح بشواهد منه من حديث ابن [

  4      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

اهللا عليه وسلم وحنن يف مسجد خرج علينا رسول اهللا صلى : وقال جابر بن عبد اهللا رضي اهللا عنه فإذا رأيتم جتول، وتقف على جمالس الذكر يف األرض، إن هللا تعاىل سرايا من املالئكة ( : املدينة، فقال

جمالس الذكر، اغدوا وروحوا يف ( : قال ؟ وما رياض اجلنة يا رسول اهللا : قالوا . ) رياض اجلنة، فارتعوا

اهللا عنده، فإن اهللا ذكر اهللا تعاىل، ومن كان حيب أن يعلم مرتلته عند اهللا تعاىل، فلينظر كيف مرتلة . ] املستدرك، وضعفه الذهيب يف التلخيص احلاكم يفصححه [ . ) يرتل العبد حيث أنزله من نفسه

يا رسول اهللا، إن شرائع : فقال أتى رجل إىل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : وقال عبد اهللا بن بسررواه [ ) ال يزال لسانك رطبا من ذكر اهللا تعاىل ( : اإلسالم كثرت علي فأمرين بشيء أتشبث به، فقال

. ] وصححه ابن حبان ، وابن ماجه3375الترمذي

إال وبقاع األرض تنادي بعضا ما من يوم ( : ويف اخلرب عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أنه قال . ] رواه ابن املبارك يف الزهد [ ) تعاىل يا جارة، هل جاز عليك اليوم ذاكرا هللا : بعضا

يا مالئكيت، أين كنتم، وهو ( : لس الذكر، قال املوىل جل عالهإخواين، إذا صعدت املالئكة من جمايسبحونك ويقدسونك ويعظمونك وميجدونك يا ربنا، أنت أعلم، كنا عند عبادك : أعلم، فيقولون

؟ ومما استعاذوا ؟ يا مالئكيت، وما الذي طلبوا : ويسألونك ويستغفرونك ويستعيذونك، فيقول يا مالئكيت، اشهدوا إين قد : طلبوا اجلنة، واستعاذوا من النار، فيقول أنت أعلم، يا ربنا : فيقولون

. ] 632مسلم [ . ) طلبوا، وأمنتهم مما خافوا، وأدخلهم اجلنة برمحيت أعطيتهم ما

داة عبدي اذكرين ساعة بالغ ( : يقول ويف اخلرب عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أن اهللا تبارك وتعاىل . ) وساعة بالعشي، أكفك ما بينهما

تسألين، فأمنعك لعلمي مبا ! أجربك يا ابن آدم ما : ويف بعض الكتب املرتلة أن اهللا تبارك وتعاىل يقولوكرمي عليك، فأعطيك ما سألتين، فتستعني مبا يصلحك، مث تلح علي يف املسألة، فأجود برمحيت

. من مجيل أصنعه معك، ومن من قبيح تعمله معي ترك، فكمأعطيك على معصييت، فأهم تك س

. أبدا يوشك أن أغضب عليك غضبة ال أرضى بعدها

  5      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

كم تستمر على عصياين، وأنا عبدي، إىل : يقول اهللا تبارك وتعاىل : ويف بعض الكتب املرتلة أيضاما علمت فعلي مبن أ ؟ روحي أما نفخت فيك من ؟ غذيتك برزقي واحساين، أما خلقتك بيدي

عني بصريتك ؟ ويف الرخاء تنساين أما تستحي تذكرين يف الشدائد ؟ أطاعين، وأخذي ملن عصاين إن تبت من ؟ مل تؤثر فيه املوعظة، فإىل كم هذا التواين هذا حال من ؟ قل يل مباذا تراين . أعماها اهلوى

بعت وصلي بالدون، وليس يل يف الوجود . أمايندارا صفوها كدر، وآماهلا اترك . ذنبك، آتيتك أماينما عملت من يوم تجد كل نفس " : جوابك إذا شهدت عليك اجلوارح مبا تسمع وترى ما . ثاين

. ] 30آل عمران [ " خير محضرا

: وأنشدوا

هذا حمال يف القياس بديع*** عصي اإلله وأنت تدعي حبه ت

إن احملب ملن حيب مطيع*** لو كان حبك صادقا ألطعته

السكرات، يغمى عليه مرة، دخلت على جار يل وهو يف الغمرات يعاين عظيم : قال مالك بن دينار يا : ا عن طاعة مواله، فقلت لهدنياه، متخلف ويفيق أخرى، ويف قلبه هليب الزفرات، وكان منهمكا يف

املوىل أن يشفيك من أملك، ويعافيك من مرضك أخي، تب إىل اهللا، وارجع عن غيك، عسى قد دنا ما هو آت، وأنا ميت ال حمالة، ! هيهات هيهات : فقال . وسقمك، ويتجاوز بكرمه عن ذنبك

جنيت، فسمعت هاتفا يهتف من زاوية أردت أن أتوب مما . البطالة فيا أسفي على عمر أفنيته يف . مرارا فوجدناك غدارا عاهدناك : البيت

. نعوذ باهللا من سوء اخلامتة، ونستغفره من الذنوب املتقادمة

وهواك وواصل بقية العمر يا أخي أقبل على قبلة التوجه إىل موالك، وأعرض عن مواصلة غيك?املكلف كل الفرار من مواصلة لشهوات، فالفرار أيهابوظائف الطاعات، واصرب على ترك عاجل ا

. الصرب على النار اجلرائم واألوزار، فالصرب على الطاعة يف الدنيا أيسر من

  6      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

: وأنشدوا

أتيتك أرغب مبا لديك*** أموالي إين عبد ضعيف

وهل يشتكى الضر إال إليك*** أتيتك أشكو مصاب الذنوب

ليس اعتمادي إال عليكف*** فمن بعفوك يا سيدي

قال . وصييت، واعمل ما أوصيك به يا بين، امسع : قال بعض السادة األخيار لولده ملا حضرته الوفاة : وجرين إىل حمرايب، ومرغ خدي على التراب، وقل قال يا بين، اجعل يف عنقي حبلا، . نعم يا أبت

فلما فعل ذلك به، رفع : قال . م عن خدمة موالهشهوته وهواه، ونا هذا جزاء من عصى مواله، وآثر إهلي وسيدي وموالي، قد آن الرحيل إليك، وأزف القدوم عليك، وال عذر : وقال طرفه إىل السماء

العبد، ارحم يديك، غري أنك الغفور وأنا العاصي، وأنت الرحيم وأنا اجلاين، وأنت السيد وأنا يل بني . ال حول وال قوة إال بكخضوعي وذليت بني يديك، فإنه

: كل من حضر وهو يقول فخرجت روحه يف احلال، فإذا بصوت ينادي من زاوية البيت مسعه : قال

. وجعل اجلنة مأواه تذلل العبد ملواله، واعتذر إليه مما جناه، فقربه وأدناه

فعفوك يا ذا اجلود والسعة الرحب*** إهلي إن كنت الغريق وعاصيا

إليك إهلي حني يشتد يب الكرب*** فقري باضطراري حباجيت بشدة

مبا ضمنت من وسع رمحتك الكتب*** مبا يب من ضعف وعجز وفاقة

على الصادق املصدوق ما انفلق احلب*** صالة وتسليم وروح وروحة

وأصحابه األخيار ساداتنا النجب*** أيب القاسم املاحي األباطيل كلها

  7      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ويصيح بكهول اخلطا عسى اهللا قبول ينادي صبيان اهلوى، الشاب التائب حبيب اهللا،إخواين، هذا ال . قلوم من أجلي إنا عند املنكسرة : أن يتوب عليهم، ويهتف بشيوخ الندم

بالليل يناجي ربه، أوقدت املالئكة إذا تاب العبد إىل اهللا عز وجل، وحسنت توبته، وقام : ويف اخلرب إن فالن بن فالن : فيقال هلم ؟ ما هذا : املالئكة وعلقته بني السماء واألرض، فتقولسراجا من نور،

. قد اصطلح الليلة مع مواله

العبد بالليل، تباشرت أعضاؤه، ونادى إذا قام ( : ويف احلديث عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال . ) تعاىل قد قام صاحبنا خلدمة اهللا : بعضها بعضا

وما يبكيك يا : يبكي، فقلت له دخلت على أيب سليمان الداراين، فوجدته : وعن أمحد احلواري، قالالليل، افترشوا أقدامهم، فدموعهم جتري على يا أمحد، إن أهل احملبة إذا جنهم : قال يل ؟ سيدي

ربيل، بعيين من تلذذ يا ج : جل جالله عليهم، قال خدودهم بني راكع وساجد، فإذا أشرف املوىلملطلع عليهم، أمسع كالمهم، وأرى حنينهم، وبكاءهم، فنادهم بكالمي، واستراح إىل مناجايت، واين

أم ؟ هل أخربكم خمرب أن حبيبا يعذب أحبابه بالنار ؟ هذا اجلزع الذي أرى بكم ما : يا جربيل، وقل هلمفكيف بامللك ال يليق هذا بعبد ذميم، ؟ النارحيمل يب أن أبيت قوما، وعند البيات آمرهم إىل هل

. فأنظر اليهم وينظرون إيل فبعزيت ألجعلن هدييت اليهم أن أكشف هلم عن وجهي الكرمي، ! ؟ الكرمي

بعيين ما : يقول اهللا تعاىل : املرتلة قرأت يف بعض الكتب : وعن أيب سليمان الداراين رضي اهللا عنه، قاليف طلب مرضايت، فكيف م وقد صاروا إىل جواري، ملون من أجلي، وكابد املكابدونيتحمل املتح

أترون . املصغون بأعماهلم بالنظر العجيب إىل احلبيب القريب وحببحوا يف رياض خلدي هنالك فليبشر حم كيف وأنا أجود على املولني، وأقبل التوبة على اخلاطئني وأنا م أر ؟ عملوا إين أضيع هلم ما

. ! ؟ الرامحني

  8      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ولالفصل األ

اذكر ما قدمت يداك، وكن خائفا يا أسري دنياه، يا عبد هواه، يا موطن اخلطايا، ويا مستودع الرزايا،فيصدك عن بابه، ويبعدك عن جنابه، ومينعك من سيدك وموالك أن يطلع على باطن زللك وجفاك،

وتتقيد بشرك اخلسران، وكلما رمت التخلص من غيك عن مرافقة أحبابه، فتقع يف حضرة اخلذالن، : وناداك وعناك، صاح بك لسان احلال

يا غادرا قد هلا عنا وقد خانا*** إليك عنا فما حتظى بنجوانا

وجئت تبغي الرضا والوصل قد بانا*** أعرضت عنا ومل تعمل بطاعتنا

يام تنساناوطال ما كنت يف األ*** بأي وجه نراك اليوم تقصدنا

إال تهد باجلد قد دانا*** يا ناقض العهد ما يف وصلنا طمع

الوصال، وما أمر أيام اهلجران، ما يا من باع الباقي بالفاين، أما ظهر لك اخلسران، ما أطيب أيام . الليايل بتالوة القرآن فيبيتون لرم سجدا وقياما طاب عيش القوم حىت هجروا األوطان، وسهروا

شوقا إىل اهللا تعاىل ستني عاما، حدثين مطهر، وقد كان بكى : عن عبد العزيز بن سلمان العابد، قالاألذفر، وحافاته شجر اللؤلؤ، وطينة العنرب، وفيه قضبان رأيت كأين على ضفة ر جيري باملسك : قال

سبحان املسبح بكل لسان سبحانه وتعاىل سبحان، : يقلن بصوت واحد الذهب، وإذا جبوار مترمنات حنن . حنن الراضيات، فال نغضب أبدا . كل مكان حنن اخلالدات فال منوت أبدا سبحان املوجود يف

ما : قلت . خلق اهللا تعاىل خلق من : فقلن ! ؟ من أننت : فقلت هلن : قال . الناعمات، فال نتغير أبدا : مليح فقلن بصوت واحد حسن ؟ تصنعن هاهنا

لقوم على األطراف بالليل قوم*** ذرانا إله الناس رب حممد

ونسري مهوم القوم والناس نوم*** يناجون رب العاملني إهلهم

  9      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

: فقلن . ال واهللا ما أعرفهم : قلت ! ؟ تعرفهم أما : قلن ؟ من هؤالء الذين أقر اهللا أعينهم ! بخ بخ : فقلت

. السهر بالقرآن أصحابهم اتهدون بالليل،

وتاب إىل اهللا، وحسنت توبته، تقبل إذا أذنب العبد، ( : وروي عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قالويرفع له بكل ذنب درجة يف اجلنة، ويعطيه اهللا اهللا منه كل حسنة عملها، وغفر له كل ذنب اقترفه،

. ) ن احلور العنيحورا م بكل حسنة قصرا يف اجلنة، ويزوجه اهللا

يا داود، بشر : إىل داود عليه السالم أوحى اهللا ( : ويف اخلرب عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أنه قال يا رب، فكيف أبشر املذنبني وأنذر : السالم، فقال املذنبني، وأنذر الصديقني، فتعجب داود عليه

بشر املذنبني أال يتعاظمين ذنب أغفره، وأنذر الصديقني أال يا داود، : قال اهللا تعاىل ! ؟ الصديقنيفأخرج يا داود، إن كنت تزعم أنك حتبين . بأعماهلم، فإين ال أضع حسايب على أحد إال هلك يعجبوا

أحبين، يتهجد بني يا داود، من . حب الدنيا من قلبك، فإن حيب وحبها ال جيتمعان يف قلب واحدالغافلون، ويشكر نعميت عليه إذا غفل ويذكرين يف خلوته إذا هلا عن ذكرييدي إذا نام البطالون،

. ) عين الساهون

: وأنشدوا

وبات يف قلق من حب مواله*** طوىب ملن سهرت بالليل عيناه

شوقا إليه وعني اهللا ترعاه*** وقام يرعى جنوم الليل منفردا

كن كيف . ينسى، والديان ال يفىن الرب ال يبلى، والذنب ال ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . ) شئت كما تدين تدان

. بالدنيا بعت القرب بالبعد، والعقل باهلوى والدين ؟ ما هذا، أتدري ما صنعت

: وأنشدوا

  10      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ما دمت وابك على مهل*** قم فأرث نفسك وابكها

كملفيما يريد فقد *** فإذا اتقى اهللا الفىت

ما نزع اهللا عبدا من ذنب إال ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : وعن جابر رضي اهللا عنه، قال . ) صاحل، إال وهو يريد أن يتقبله منه هو ويريد أن يغفر له، وما استمال اهللا عبدا لعمل

التائبون إذا ( : عليه وسلماهللا قال رسول اهللا صلى : وعن عبد اهللا بن عباس رضي اهللا عنهما، قالاملسك، ويأتون على مائدة من اجلنة يأكلون منها وهم خرجوا من قبورهم، ارتفع من بني أيديهم ريح

. ) سدة احلساب يف ظل العرش، وسائر الناس يف

: قال ؟ ررسول اهللا، مبا أتقي النا يا : ويروى إن رجلا أتى إىل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فقال

أمهل دموعهما من خشية اهللا، فإنه ال ( : قال ؟ بدموع عيين وكيف أتقيها : قال . ) بدموع عينيك ( قال املصنف يف العلل املتناهية هذا حديث ال يصح عن رسول [ . ) من خشيته يعذب بالنار عينا بكت

. ] اهللا

قطرة خترج من ( : عليه وسلم قال رسول اهللا صلى اهللا : وعن عبد اهللا بن مسعود رضي اهللا عنه، قالوخري له من عبادة سنة، وتفكر ساعة يف عظمة عني املؤمن من خشية اهللا، خري له من الدنيا وما فيها،

أبناء : إال وإن هللا ملكا ينادي يف كل يوم وليلة . وقيام ستني ليلة اهللا وقدرته خري من صيام ستني يوما زرع دنا حصاده، أبناء اخلمسني، هلموا إىل احلساب، أبناء الستني، ماذا قدمتم وماذا ربعني،األ

علموا ملا خلقوا له، أال ليت اخللق مل خيلقوا، فإذا خلقوا ليتهم . أخرمت، أبناء السبعني، ماذا تنتظرون . ) أال قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم . فعملوا لذلك

إن البياض قليل احلمل للدنس*** ء يدنسه نزه مشيبك عن شي

عينيك دموع اخلشية يا عبد السوء، كم تعصي ونستر، كم تكسر باب ي وجنرب، كم نستقطر منالنعم، وأنت بعد ال وال يقطر، كم نطلب وصلك بالطاعة، وأنت تفر وجر، كم يل عليك من

  11      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

سخرت لك األكوان وانت تطغى . تبصر خدعتك الدنيا وأعمال اهلوى وأنت ال تسمع وال . تشكر . وتكفر، وتطلب اإلقامة يف الدنيا وهي نظرة ملن يعرب

ملا رأوك على اخليانة واجلفا*** منعوك من شرب املودة والصفا

جادوا عليك تكرما وتعطفا*** إن أنت أرسلت العنان إليهم

ب الوفاجعلوا الوفا منهم ألربا*** حاشاهم أن يظلموك وإمنا

اوس وهو جيود بنفسه عند دخلت على بعض ( : وروي عن احلسن البصري رضي اهللا عنه أنه قالفرجوت أن اهللا يوفقه عند املوت، املوت، وكان حسن اجلوار، وكان حسن السرية، حسن األخالق،

صحة يل، وبدن يل قلب عليل وال : فقال ؟ حالك ما جتد، وكيف : ومييته على اإلسالم، فقلت لهأنيس يل، وسفر بعيد وال زاد يل، وصراط دقيق وال جواز يل، سقيم، وال قوة يل، وقرب موحش وال

. وجنة عالية وال نصيب يل، ورب عادل وال حجة يل , ونار حامية وال بدن يل

إن املفتاح : ال ق ؟ تسلم حىت تسلم مل ال : فرجوت اهللا أن يوفقه، فأقبلت عليه، وقلت له : قل احلسن . عليه بيد الفتاح، والقفل هنا، وأشار إىل صدره وغشي

عندك حسنة فعجل ا إليه قبل إهلي وسيدي وموالي، إن كان سبق هلذا اوسي : فقلت : قال احلسن . فراق روحه من الدنيا، وانقطاع األمل

أمدد ميناك، فأنا أشهد . أرسل املفتاح الفتاح يا شيخ، إن : فأفاق من غشيته، وفتح عينيه، مث أقبل وقال . اهللا، مث خرجت روحه وصار إىل رمحة اهللا أن ال إله إال اهللا وأشهد أن حممدا رسول

: وأنشدوا

أنت الرجا أنت الويل*** يا ثقيت يا أملي

  12      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

وحقق التوبة يل*** اختم خبري عملي

وكن يل يا رب ويل*** قبل حلول أجلي

؟ وما هذه الغفلة وأنتم حاضرون ؟ تنظرون وما هذه احلرية وأنتم ؟ ين، ما هذه السنة وأنتم منتبهونإخوا ؟ وما هذه االقامة وأنتم راحلون ؟ السكون وأنتم مطالبون وما هذا ؟ وما هذه السكرة وأنتم صاحون

. ؟ ظوا أما حان ألبناء الغفلة أن يتع ؟ يستيقظوا أما آن هلؤالء الرقدة أن

. يوم البعث من سقر واعلم أن الناس كلهم يف هذه الدنيا على سفر، فاعمل لنفسك ما خيلصها

ما قد ترى يغين عن احلذر*** آن الرحيل فكن على حذر

فلرب مغرور على خطر*** ال تغترر باليوم أو بغد

فاته شيء من ورده ال يقدر ذا كان سري السقطي رضي اهللا عنه متصل الشغل، وكان إ : قال اجلنيد . أن يعيده

فكان ينعس وهو جالس، وكذلك كان عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه، مل يكن له وقت ينام فيه، إن منت بالنهار، ضيعت حقوق الناس، وإن ! ؟ أنام كيف : فقال ؟ يا أمري املؤمنني، أال تنام : فقيل له

. منت بالليل ضيعت حظي من اهللا

سري السقطي، أتت عليه مثان ما رأيت أعبد هللا تعاىل من : ومسع اجلنيد رضي اهللا عنه ما يقول . فيها وسبعون سنة ما رؤي قط مضطجعا إال يف علته اليت مات

لوال اجلمعة واجلماعة ما : يقول مسعت السري السقطي رضي اهللا عنه : قال اجلنيد رضي اهللا عنه . وللزمت بييت حىت أموتخرجت من بييت،

  13      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ما فعل بك : املنام فقلت له رأيت أيب يف : مسعت سليمان بن عمار يقول : قال أبو بكر الصيدالين ال يا : فقلت ؟ شيخ السوء أتدري مل غفرت لك يا : إن الرب قربين وأدناين، وقال يل : فقال ؟ ربكا فأبكيتهم، فبكى فيهم عبد من عبيدي مل يبك من خشييت جملس إنك جلست للناس يوما : قال . إهلي

. الس كلهم له، ووهبتك فيمن وهبت له قط، فغفرت له ووهبت أهل

وهو يقول هذين البيتني حضرت أسود بن سامل ليلة : عن علي بن حممد بن إبراهيم الصفار، قال : ويكررمها ويبكي

ف الغطايسألين وينكش*** أمامي موقف قدام ريب

كحد السيف أسفله لظى*** وحسيب إن أمر على صراط

. مث صرخ صرخة، ومل يزل مغمى عليه حىت أصبح رضي اهللا عنه : قال

الكوفة، فلما قربت من خرجت ذات ليلة إىل مسجد : وكذلك يروى عن الضحاك بن مزاحم أنه قالبالبكاء، فلم أشك أنه ويل من أولياء اهللا وراملسجد، فإذا يف بعض رحابه شاب قد خر ساجدا وهو خي

: يقول أبياتا ، فقربت منه ألمسع ما يقول فسمعته ؟ تعاىل

طوىب ملن كنت أنت مواله*** عليك يا ذا اجلالل معتمدي

يشكو إىل ذي اجلالل بلواه*** طوىب ملن بات خائفا وجلا

أكثر من حبه ملواله*** وما به علة وال سقم

أجابه اهللا مث لباه*** ذا خال يف ظالم الليل مبتهلا ا

فاز بقرب تقر عيناه*** ومن ينل ذا من اإلله فقد

  14      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

كذلك، الح يل ضوء كالربق فبقي يكرر هذه األبيات ويبكي، وأنا أبكي رمحة لبكاءه، فبينما أنابصوت عذب لذيذ ال فوق رأسه اخلاطف، فأسرعت بيدي إىل عيين، فسمعت، فإذا مبناد ينادي من

: يشبه كالم بين آدم، هو يقول

وكل ما قلت قد قبلناه*** لبيك عبدي وأنت يف منفي

وحسبك الصوت قد مسعناه*** صوتك تشتاقه مالئكيت

خر صريعا ملا تغشاه*** إن هبت الريح من جوانبه

وذنبك اليوم قد غفرناه*** ذاك عبدي جيول يف حجيب

وجهي ملا أدركين من إهليبة، مث ة احلبيب مع حبيبه ورب الكعبة، فخريت مغشيا على مناجا : فقلتوخفقان أجنحتهم بني السماء واألرض، خيل أفقت من عشييت وأنا أمسع ضجيج املالئكة يف اهلواء،

النور قد غلب على ضوء القمر، وكانت ليلة مقمرة ايل أن السماء قد قربت من األرض، ورأيت بارك اهللا فيك، من أنت يرمحك : فرد علي السالم، فقلت له النور، فدنوت منه وسلمت عليه،ساطعة

رمحك اهللا، لو أذنت يل يف : فقلت له . راشد بن سليمان، فعرفته ملا كنت أمسع عنه أنا : فقال يل ؟ اهللا

العاملني، مبناجاة رب هيهات هيهات، وهل يأنس باملخلوقني من تلذذ : صحبتك آلنس بك، فقال يل . فانصرف عين وتركين رضي اهللا عنه

  15      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ثاينالفصل ال

بفسحة املهل، وال تذكرون إخواين، إىل كم متاطلون بالعمل، و تطمعون يف بلوغ األمل، وتغترونمجعتم فللذهاب، وما عملتم ففي كتاب ما ولدمت فللتراب، وما بنيتم للخراب، وما ؟ هجوم األجل

: وأنشدوا . م احلسابمدخر ليو

لكان املوت راحة كل حي*** ولو أننا إذا متنا تركنا

ونسأل بعدها عن كل شيء*** ولكنا إذا متنا بعثنا

من جاء " : اهللا عز وجل ال يغرنكم قول : يروى عن عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه أنه قال ، فإن السيئة وإن ] 160األنعام [ " فال يجزى إال مثلها بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة

: كانت واحدة، فاا تتبعها عشر خصال مذمومة

. إذا أذنب العبد ذنبا، فقد أسخط اهللا وهو قادر عليه : أوهلا

. أنه فرح إبليس لعنه اهللا : والثانية

. أنه تقرب من النار : والرابعة

. أنه قد آذى احلفظة : واخلامسة

. أنه قد أحزن النيب صلى اهللا عليه وسلم يف قربه : والثامنة

. بالعصيان أنه أشهد على نفسه السماوات واألرض ومجيع املخلوقات : والتاسعة

. أنه خان مجيع اآلدميني، وعصى رب العاملني : والعاشرة

  16      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

احلجاز ومل أصحب أحدا من خرجت أريد : ويروى عن ذي النون املصري رمحه اهللا تعاىل أنه قالزادي، فأشرفت على اهلالك، إذ الحت الناس، فبينما أنا سائر، إذ وقعت يف أرض صحراء، وقد نفذ

أسري : األغصان، كثرية األوراق، فقلت يف نفسي متدليةيل شجرة يف وسط الصحراء دانية الفروع، . يقضي اهللا أمرا كان مفعولا حنو هذه الشجرة، فأكون يف ظلها حىت

من أغصاا بركويت، فلما وصلت إىل الشجرة، ودنوت منها، وأردت الدخول يف ظلها، فأخذ غصنباهلالك، وطرحت نفسي يف ظل الشجرة، تفارق املاء الذي كان بقي يل فيها أحيي به رمقي، فأيقن

إهلي وسيدي وموالي، : بصوت حزين وهو يقول وبقيت أنتظر ملك املوت ليقبض روحي، فإذا أنا . يا أرحم الرامحني إن كان هذا رضاك مين، فزد حىت ترضى عين

سور الرمل، والن فقمت وجعلت أمشي حنو الصوت، فإذا أنا بشخص حسن الصورة، وهو ملقى علىذا النون، ملا نفذ الزاد، وارق يا : قد أحدقت به تنهش من حلمه، فسلمت عليه فرد السالم، وقال يل

. وجعلت أبكي رمحة لبكائه، وشفقة ملا رأيت منه املاء، أيقنت باملوت والفناء، فجلست عند رأسه،

بعرقوبه، فإذا بعني من املاء فبينما أنا كذلك، إذ أنا بقصعة من الطعام وضعت بني يدي، فوكز األرض يا ذا النون، كل واشرب، ال بد لك : يل قد تفجرت، أشد بياضا من اللنب، وأحلى من العسل، فقال

النون يل إليك حاجة، فإن قضيتها فلك األجر والثواب، من الوصول إىل بيت اهللا احلرام، ولكن يا ذاوادفين، واسترين من الوحش والطري، وسر فإذا قضيت أنا مت، فاغسلين إذا : قال ؟ وما هي : فقلت

إىل مدينة بغداد، وتدخل من باب الزعفران، فإنك جتد هنالك الصبيان يلعبون، احلج، فإنك تصلحتزم ألوان الثياب، فتجد هنالك شابا، صغري السن، ليس يشغله شيء عن ذكر اهللا تعاىل، قد وعليهم

فذلك ولدي وجهه خطان أسودان من آثار الدموع، فإذا وجدتهخبرقة، وجعل على كتفيه أخرى، يف . وقرة عيين، فأقرئه مين السالم

إال اهللا، وأشهد أن حممدا رسول اهللا، أشهد أن ال إله : فلما فرغ من كالمه، مسعته يقول : قال ذا النونعون، وكان معي قميص يف إنا هللا وإنا إليه راج : فقلت وشهق شهقة فارق الدنيا رمحة اهللا عليه،

املاء، وكفنته وواريته التراب، وسرت إىل بيت اهللا احلرام وقضيت وعائي ال أفارقه فغسلته من ذلك

  17      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

إىل زيارة قرب رسول اهللا، فلما قضيت الزيارة، وسرت إىل مدينة بغداد، مناسك احلج، وخرجت لثياب، فنظرت فرأيت الصيب املوصوفعيد، فإذا أنا بالصبيان يلعبون وعليهم ألوان ا فدخلتها يف يوم

جالسا ال يشغله املوهوب عن عالم الغيوب، وقد ظهرت على وجهه األحزان، ويف وجهه خطان

: أسودان من آثار الدموع، وهو يقول

وقد فرحت أنا بالواحد الصمد*** الناس كلهم للعيد قد فرحوا

والكمدوقد صبغت ثياب الذل*** الناس كلهم للعيد قد صبغوا

وقد غسلت أنا بالدمع للكبد*** الناس كلهم للعيد قد غسلوا

من : أتى من أيب، فقلت له مرحبا برسول : فسلمت عليه، فرد علي السالم، وقال : قال ذو النون يا ذا النون، أتزعم أنك . أنك دفنته بالصحراء الذي أخربين : قال ؟ أخربك بأين رسول أتيتك من أبيك

. رفع إىل سدرة املنتهى، ولكن سر معي إىل جديت واهللا إن أيب ؟ نت أيب بالصحراءدف

خفيفا، فإذا بالعجوز قد خرجت فأخذ بيدي وسار معي إىل مرتله، فلما وصل إىل الباب نقر نقراخربك بأين من أ : قلت هلا . وجه حبييب وقرة عيين إلينا، فلما رأتين، قالت مرحبا مبن متتع بالنظر يف

يا ذا النون، فوعزة ريب وجالله، إن . بأنك كفنته وإن الكفن مردود عليك الذي أخربين : قالت ؟ رأيته . يباهي اهللا ا املالئكة يف املأل األعلى خرقة ابين

يف تركته يف الفيا : قلت هلا ؟ فؤادي يا ذا النون، صف يل كيف تركت ابين وقرة عيين ومثرة : مث قالت . أمل من العزيز الغفار والقفار بني الرمال واألحجار، وقد حضي مبا

: نظري، فال أدري فلما مسعت العجوز ذلك، ضمت الصيب إىل صدرها، وغابت عين، وحجبت عن

أركان الدار، فما أيف السماء صعد ما، أو يف جوف األرض هبط ما، فصرت أطلبهما يف . طلبتهم األمالك، فلم جيدوهم يا ذا النون ال تتعب نفسك، فلقد : لوجدما، فسمعت هاتفا يقو

  18      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

بسيوف املشركني، وهؤالء احملبون ميوتون بالشوق إن الشهداء ميوتون : أين صاروا، فقال يل : فقلت . نور يف مقعد صدق عند مليك مقتدر إىل رب العاملني، فيحملون يف مركب من

كما كان أولا، رضي اهللا عنه راب، فوجدت الكفن الذي كفنته فيه مطويا فتفقدت اجل : قال ذا النون . ونفعنا بربكام

  19      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ثالثالفصل ال

للغوي الفتان، إىل مىت أنت على أيها املقيم على اخلطايا والعصيان، التارك ملا أمرك الرمحن، املطيعبك إىل موالك تفرومما يقر ،ال تدركه، وتتقي من اآلخرة ما ال الدنيا ما تطلب من ؟ جرمك مصر

. واثق، وال أنت مبا أمرك به الحق متلكه، ال أنت مبا قسم اهللا من الرزق

يدعك، وال داعي املوت يسمعك، ال الدهر . يا أخي، املوعظة، واهللا ال تنفعك، واحلوادث ال تردعك . نسيا مفقودا كأنك يا مسكني مل تزل حيا موجودا، كأنك ال تعود

مقيم على كسب اجلرائم فاز، واهللا، املخفون من األوزار، وسلم املتقون من عذاب النار، وأنت . واألوزار

: وأنشدوا

مل تدع يل الذنوب قلبا صحيحا*** عيل صربي وحق يل أن أنوحا

ونعاين املشيب نعيا صرحيا*** أخلقت مهجيت أكف املعاصي

عاد قليب من الذنوب جرحيا** *كلما قلت قد بري جرح قليب

جاء يف احلشر آمنا مسترحيا*** *** إنما الفوز والنعيم لعبد

ال بد هلا أن تكون، واعتربوا مبا إخواين، ارفضوا هذه الدنيا كما رفضها الصاحلون، وأعدوا الزاد لنقلة . تدور به عليكم األيام والسنون

ه طول متاديهوغر*** يا من غدا يف الغي والتيه

ومل ختف غب معاصيه*** أملى لك اهللا فبارزته

  20      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

كيف : عليه أعوده، فقلت له مرض السري السقطي رضي اهللا عنه فدخلت : قال اجلنيد رضي اهللا عنه : فقال ؟ جتدك

والذي قد أصابين من طبييب*** كيف أشكو إىل طبييب ما يب

حيترق من داخل، مث أنشأ كيف جيد ريح املروحة من جوفه : فأخذت املروحة ألروح عليه، فقال : يقول

والكرب جمتمع والصرب مفترق*** القلب حمترق والدمع مستبق

مما جناه اهلوى والشوق والقلق*** كيف القرار على من ال قرار له

فامنن علي به ما دام يب رمق*** يا رب إن كان شيء فيه يل فرج

فأصبت قرطاسا، فأخذته خرجت يوما ألؤذن، : ي بن املوفق رضي اهللا عنه أنه قالويروى عن عل بسم اهللا الرمحن : مكتوب ووضعته يف كمي، وأقمت الصالة وصليت، فلما صليت قرأته، فإذا

. ؟ يا علي بن املوفق، أختاف الفقر وأنا ربك . الرحيم

كيف : اليت مات منها، فقلت له ضي اهللا عنه يف علته دخلت على الشافعي ر : ويروى عن املزين، قالمفارقا، ولكأس املنية شاربا، ولسوء عملي أصبحت يف الدنيا راحلا، ولإلخوان : قال ؟ أصبحت

مث بكى ؟ أروحي تصري إىل اجلنة فأهنيها، أم إىل النار فأعزيها : مالقيا، وعلى اهللا واردا، فال أدري : وأنشأ يقول

جعلت الرجا مين لعفوك سلما*** وملا قسى قليب وضاقت مذاهيب

بعفوك ريب كان عفوك أعظما*** تعاظمين ذنيب فلما قرنته

جتود وتعفو منة وتكرما*** فما زلت ذا عفو من الذنب ومل تزل

  21      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

وكيف وقد أغوى صفيك آدما*** فلوالك مل ينجو من إبليس عابد

واسلكوا مسالك األوابني، الذين نالوا من الذنوب، واقتفوا آثار التوابني، بادروا بالتوبة : إخواينالرمحن، فلو رأيتهم يف ظلم الليايل قائمني، ولكتاب رم التوبة والغفران، وأتعبوا أنفسهم يف رضا

واجفة، قد وضعوا جباههم على الثرى ورفعوا حوائجهم ملن يرى وال تالني، بنفوس خائفة، وقلوب : يرى

: وأنشدوا

وثق يب جتدين خري خل وصاحب*** أال قف ببايب عند قرع النوائب

ومن يلتفت غريي يعش خائب*** وال تلتفت غريي فتصبح نادما

: يذكر أن أخاه عيسى قال كان أبو حمفوظ معروف الكرخي قد خصه اهللا باالجتباء يف حال الصبا،

" ابن " و " أب " : يعلم الصبيان ا نصارى، وكان املعلمكنت أنا وأخي معروف يف املكتب، وكن

املعلم على ذلك ضربا شديدا، حىت ضربه يوما ضربا فيضربه " أحد أحد " : فيصيح أخي معروف . عظيما، فهرب على وجهه

عليها معروف أي دين كان، فقدم لئن رد اهللا علي معروفا، ألتبعنه على : وكانت أمه تبكي وتقول أشهد أن ال : على دين اإلسالم، فقالت : قال ؟ أنت يا بين، على أي دين : بعد سنني كثرية، فقالت له

. رسول اهللا، فأسلمت أمي وأسلمنا كلنا إله إال اهللا، وأشهد أن حممدا

مائدة وهو يأكل بستان بني يديه رأيت بشر بن احلارث يف منامي وهو قاعد يف : وقال أمحد بن الفتح : رمحين وغفر يل، وأباح يل اجلنة بأسرها، وقال يل : قال ؟ ما فعل اهللا بك , يا أبا نصر : منها، فقلت

من أارها، ومتتع جبميع ما فيها، كما كنت حترم نفسك عن الشهوات كل من مجيع مثارها، واشرب . يف دار الدنيا

  22      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

: اجلنة يشفع ألهل السنة ممن يقولون هو قائم على باب : فقال ؟ فأين أخوك أمحد بن حنبل : فقلت له

. القرآن كالم اهللا غري خملوق

حالت بيننا وبينه ! هيهات فحرك رأسه، وقال هيهات ؟ وما فعل اهللا مبعروف الكرخي : فقلت لهمنا عبده شوقا إليه، فرفعه إىل خوفا من ناره، وإ إن معروفا مل يعبد اهللا شوقا إىل جنته، وال . احلجب

. وبينه الرفيق األعلى، ورفع احلجاب بينه

قربه، وليدع، فإنه يستجاب له إن ذلك الترياق املقدس ارب، فمن كانت له إىل اهللا حاجة، فليأتوصفاته الشرك، والتوسل املشروع التوسل بأمساء اهللا التربك بقبور األولياء هو من [ . شاء اهللا تعاىل

. ] ودعاء الرجل الصاحل

  23      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

رابعالفصل ال

من أسوأ حاال ممن : فباهللا أخربوين يا إخوان الغفلة تيقظوا، يا مقيمني على الذنوب انتهوا واتعظوا، وما للجهالة ؟ بدنياه، فما للغفلة قد مشلت قلوبكم استعبده هواه، أم من أخسر صفقة ممن باع آخرته

صوارم املوت بينكم المعة، وقوارعه بكم واقعة، وطالئعه عليكم أما ترون ؟ قد ترت عنكم عيوبكم ؟ واىل م ؟ فحىت م ؟ قاطعة، وسهامه فيكم نافذة، وأحكامة بنواصيكم آخذة طالعة، وفجائعه لعذركم

يبقي لبالرصد، وال إن املوت . كال والواحد والصمد ؟ أتطمعون يف بقاء األبد ؟ التخلف واملقام وعالم . عن الذنوب، فلعله يتوالكم على والد وال ولد، فجدوا، رمحكم اهللا، يف خدمة موالكم، وأقلعوا

: السكران يقبله، ويقول لقي بشر بن احلارث رجلا سكران، فجعل : يروى عن حممد بن قدامة، قال

رجل : دموع، وقالعينا بشر بال يا سيدي أبا نصر، وال يدفعه بشر عن نفسه، فلما توىل تغرغرت . واحملبوب ال يدري ما حاله أحب رجلا على خري توهمه فيه، ولعل احملب قد جنا

ال : قال ؟ من هذا شيئا يا أبا نصر، لعلك تشتهي : فوقف على أصحاب الفاكهة، فجعل ينظر، فقلتعمه يف اجلنة يطيعه ماذا يط ولكن نظرت يف هذا؛ إذا كان يطعم هذا ملن يعصيه، فكيف من

. . ! ؟ ويسقيه

دار واهللا عليهم ؟ أين سكان القصور واخليام ؟ أما توقظ الليايل واأليام ؟ ما للغافل إىل كم ينام : إخواين ما ملخلوق فيها دوام، طويت الصحف . احلب احلمام كأس احلمام، فالتقطهم املوت كما يلتقط

. وجفت األقالم

: وأنشدوا

بدمع غزير واكف يتصبب*** ين على نفسي أنوح وأندب دعو

أخاف على نفسي الضعيفة تعطب*** دعوين على نفسي أنوح ألنين

  24      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

إىل أين أجلأ أم إىل أين أذهب*** فمن يل إذا نادى املنادي مبن عصا

إذا كنت يف نار اجلحيم أعذب*** فيا طول حزين مث يا طول حسريت

وقد قرب امليزان والنار تلهب*** لها وقد ظهرت تلك القبائح ك

حيسن رجائي فيه يل يتوهب*** ولكنين أرجو االله لعله

فال عمل أرجو به أتقرب*** ويدخلين دار اجلنان بفضله

وأصحابه واآلل من قد ترهبوا*** سوى حب طه اهلامشي حممد

مجع املال من حالل وأنفقه يف مة قديؤتى برجل يوم القيا ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ) من أين أخذه وفيما أنفقه : وذرة ودانق قف للحساب، فيحاسب على كل حبة : احلالل، فيقال له

. ) حالهلا حساب، وحرامها عقاب ؟ آدم، ما تصنع بالدنيا يا ابن ( : مث قال صلى اهللا عليه وسلم

: وأنشدوا

فإن صالحها عني الفساد*** ا فال تأمن لذي الدنيا صالح

فإنك فيه معكوس املراد*** وال تفرح ملال تقتنيه

موته، مث ضحك، مث فارق الدنيا، إن أبا يزيد البسطامي بكى عند : قال بعض العارفني رضي اهللا عنهرتع، أتاين ملا كنت يف ال : فقال ؟ املوت مث ضحكت مل بكيت قبل : فرؤي يف املنام بعد موته، فقيل له

يا أبا يزيد، أفلت من شبكيت، فبكيت حينئذ إىل اهللا تعاىل، فرتل علي : يل إبليس لعنة اهللا عليه، وقالباجلنة، ال ختف وال حتزن، وأبشر : يا أبا يزيد، يقول لك رب العزة : السماء، وقال يل ملك من

. فضحكت عند ذلك، وفارقت الدنيا

: وأنشدوا

  25      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

وقليب من خوف القطيعة هائم*** ين تفيض دموعها وقفت وأجفا

ذليل حزين مطرق الطرف نادم*** وكل مسيء أوبقته ذنوبه

وأنت مبا أشكو يا رب عامل*** فيا رب ذنيب تعاظم قدره

حليم كرمي واسع العفو راحم*** وأنت رؤوف بالعباد مهيمن

وكم أذن مساعة ال ت فيه التكليف، وكم من سبب أضع ؟ يا أخي كم من يوم قطعته بالتسويف . ؟ يزجرها التخويف

وجه احلسن فبلغ ذلك احلسن، فجاء نظرة يف : قال ؟ ما تشتهي : وملا حضرت جابر بن زيد الوفاة قيل يا أبا سعيد، حدثين حديثا . أجد أمر اهللا غري مردود : قال ؟ يا جابر كيف جتدك : ودخل عليه، وقال له

: يا جابر قال رسول اهللا صلى هللا عليه وسلم : عليه وسلم، فقال احلسن ن رسول اهللا صلى اهللامسعته م

وعالمة اهللا على سبيل خري، إن تاب قبله، وإن استقال أقاله، وإن اعتذر إليه قبل اعتذاره، املؤمن من ( مث . إين ألجد بردا على قليب ! اهللا أكرب : فقال جابر . ) جيد بردا على قلبه , قبول ذلك خروج روحه

خويف وجزعي، مث تشهد ومات رضي اهللا اللهم إن نفسي تطمع يف ثوابك، فحقق ظين، وآمن : قال . عنه

: تبكي وتقول وكان سبب توبة داود الطائي أنه دخل املقربة، فسمع امرأة عند قرب

يبوتسأل ملا تبلى وأنت حب*** تزيد بلى يف كل يوم وليلة

لقاؤك ال يرجى وأنت قريب*** مقيم إىل أن يبعث اهللا خلقه

  26      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

امسالفصل اخل

واقرؤوا صحف العرب بألسنة قيدوا هذه النفوس بزمام، وازجروا، هذه القلوب عن اآلثام، : إخواين . األفهام

ام، كم ضيعتم من انتبهوا يا نو يا من أجله خلفه وأمله قدام، يا مقتحما على اجلرائم أي اقتحام،أحالم، غري أن عقل الشيخ فيها الغالم، فكل من قهر أعوام، الدنيا كلها منام، وأحلى ما فيها أضغاث

. تناهت، واملصائب قد تدانت، فإنا هللا وإنا إليه راجعون، والسالم هذه الغفلة قد . نفسه فهو اهلمام

مطروحون على وجوههم يف أمواتا، وهممر عيسى عليه السالم على قرية، فوجد كل من فيهااحلواريني، إن هؤالء القوم قد ماتوا يا معشر : األزقة، فتعجب عيسى عليه السالم من ذلك، وقال

يا روح اهللا، وددنا أن : فقالوا . بعضهم بعضا على سخط وغضب، ولو ماتوا على رضا من اهللا، لدفن . نعرف قضيتهم وخربهم

. نادهم، فإم جييبونك إذا كان الليل : اهللا عز وجل يف ذلك، فأوحى اهللا إليه فسأل : قال

لبيك يا : فأجابه جميب من بينهم يا أهل القرية، : فلما كان من الليل، صعد عيسى على شرف ونادى . حنا يف هاوية يا روح اهللا، بتنا يف عافية، وأصب : فقال ؟ وما خبالكم , ما قضيتكم : روح اهللا، فقال

. حلبنا يف الدنيا، وطاعة ألهل املعاصي، ومل نأمر باملعروف، ومل ننه عن املنكر : قال ؟ ومل ذلك : قال

أقبلت فرحنا، كحب الصيب ألمه؛ إذا : قال ؟ كيف كان حبكم للدنيا : فقال له عيسى عليه السالم إم : قال ؟ بال أصحابك مل جييبوين ما : يا هذا : لسالم فقال له عيسى عليه ا . وإذا أدبرت جزنا وبكينا

إين : قال ؟ وكيف أجبتين أنت من بينهم : قال . شداد ملجمون بلجام من النار بأيدي مالئكة غالظفلما نزل م العذاب حلقين معهم، فأنا اآلن معلق على شفري جهنم، ال كنت فيهم، ومل أكن منهم،

. منها، أم أكب فيها أجنو : أدري

. أعاذنا اهللا منها

  27      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

يا من عمره ينتهب وليس . يا من يسري بعمره وقد تعدى احلدود، إبك على معصيتك فلعلك مطرودالشيب أنك باملوت تقصد وتنحا، املاضي يعود، قد أمسعتك املواعظ من أرشادها نصحا، وأخربك

. ] 6االنشقاق [ " إنك كادح إلى ربك كدحا يا أيها اإلنسان " : وناداك لسان االعتبار

: وأنشدوا

قد صرت تطلب رد أمر قد مضى*** ملا تقضى زمن التواصل والرضا

وبياض شيبك يف العوارض ما أضا*** هال أتيت ووقت وصلك ممكن

. واألوزار هذا أوان الرجوع واالستغفار واالقالع عن الذنوب : يا أخي

. ) النار من بلغ أربعني سنة ومل يغلب خريه على شره، فليتجهز إىل (

: وأنشدوا

ففرج ما ترى من سوء حايل*** أتيتك راجيا يا ذا اجلالل

وعيب الذنب مل خيطر ببايل*** عصيتك سيدي ويلي جبهلي

إىل مواله يا موىل املوايل*** إىل من يشتكي اململوك إال

وال أعصيك يف ظلم الليايل*** فويلي ليت أمي مل تلدين

ببابك واقف يا ذا اجلالل*** وها أنا ذا عبيدك عبد سوء

حمق بالعذاب وبالنكال*** فإن عاقبت يا ريب فإين

يح حايلوحيسن إن عفوت قب*** وإن تعفو فعفوك أرجتيه

  28      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

وامتحان، وأين ال أخص يا عبادي، أما علمتم أين جعلت الدنيا دار تكليف : يقول اهللا عز وجل ؟ والعصيان، فما لكم ما أتيتم لبايب مبنازل الفضل واإلحسان إال من تاب إيل فيها عن مواطن الزالت

. ؟ أخذي وعقايب وال رغبتم يف جزيل فضلي وثوايب، وال خفتم من

فباهللا عليكم، حطوا . إليك من جلت غفلته، وطالت سكرته، تأمل عطف املوايل عليك، وإحسانهفيا . واشتملوا بأردية التذلل واخلضوع بالتوبة عن ظهوركم، واغسلوا وجوهكم بقطرات الدموع،

: وأنشدوا

وسالت عربيت طلا ووبلا*** ركبت مآمثي فلقيت ذلا

إىل من يشتكي اململوك إلا*** بال وصرت أعاتب القلب امل

فلطفك يب إله العرش أوىل*** إىل مواله يا موىل املوايل

  29      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

سادسالفصل ال

. فإمنا الدنيا مرتل، ويف طريقها مقيل إخواين، انتبهوا من غفلتكم، فنوم الغفلة ثقيل، ومشروا آلخرتكم،

يا نبيي، شتان بني من : السالم يائه عليهمجاء يف بعض األخبار، أن اهللا تعاىل أوحى إىل بعض أنبوذكري ولزوم الوقوف ببايب، ومرغ خده عصاين وخالف أمري، وبني من قطع عمره يف معامليت،

. البطالني على أعتايب، فيا خجلة اخلاطئني، ويا ندامة

: وأنشدوا

ودع األنام مبعزل يا عاين*** اخلوا بنفسك إن أردت تقربا

يف العيش يف خرق احلجاب الفاين*** ى قطع العالئق مجلة واعمل عل

) ؟ يا أصحايب، أتدرون من املفلس ( : ويف اخلرب أن النيب صلى اهللا عليه وسلم قال ذات يوم ألصحابهليس هو ذلك، إمنا املفلس ( : فقال هلم . له دينار وال درهم يا رسول اهللا، املفلس عندنا من ليس : قالوا

بصالة وصيام وزكاة وصدقة، مث يأيت وقد شتم هذا، ولطم هذا، وأكل مال هذا، ن يأيت يوم القيامةمهذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا كذلك، حىت تفىن حسناته قبل أن يؤدي ما عليه، وسفك دم

ن نعوذ باهللا م . ) خطاياهم، فتحمل على خطاياه، ويقذف به يف النار، فهذا هو املفلس فتؤخذ . احلرمان

فطلبته يف املسجد، فلم أجده، أتيت إبراهيم بن أدهم ألزوره، : قال بعض الصاحلني رضي اهللا عنهميف بطن واد نائما يف زمان احلر، فوجدته إنه خرج اآلن من املسجد، فخرجت يف طلبه، : فقيل يل

د عنه الذباب، فبقيت متعجبا من من اليامسني، وهي تشر وحية عظيمة عند رأسه، ويف فم احلية غصن فقلت هلا، ؟ مم تتعجب أيها الرجل : اهللا الذي أنطق كل شيء، فقالت يل ذلك، وإذا باحلية قد أنطقها

جعلنا اهللا واهللا العظيم، ما : فقالت يل . وأكثر تعجيب من كالمك وأنت عدوة لبين آدم , هذا من فعلك . ه، فنحن هلم منقادونأعداء إال للعاصني، وأما أهل طاعت

  30      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

: وأنشدوا

وريب غفور كثري املنن*** فعايل قبيح وظين حسن

وختشى من اجلار ملا فطن*** تبارز موالك يا من عصى

فواهللا يا نفس ما ذا حسن*** ركبت املعاصي وشييب معي

وقويل له يا عظيم املنن*** فقومي الدياجي له وارغيب

إذا أنت مل تعف عين فمن*** جا وقويل له يا عظيم الر

حبق احلسني حبق احلسن*** حبق النيب هو املصطفى

وتعلم أين ضعيف البدن*** أيدفع مثلي إىل مالك

يا : منه، فأقبل عليهم، وقال جلس احلسن البصري ذات يوم يعظ الناس، فجعلوا يزدمحون عليه ليقربوايف القيامة إذا قربت جمالس املتقني، وأبعدت يف بكم غدا فك ؟ إخوتاه، تزدمحون علي لتقربوا مين

أمع املثقلني أحط، أم مع : فيا ليت شعري ؟ وللمثقلني حطوا جمالس الظاملني، وقيل للمخفني جوزوا،حىت غشي عليه، وبكى من حوله، فأقبل عليهم وناداهم، يا إخوتاه، أال مث بكى ؟ املخفني أجوز

. واألغالل أال من بكى خوفا من النار جناه اهللا منها يوم جير اخلالئق بالسالسل ؟ النار تبكون خوفا من

اهللا، مل حيرم من النظر غدا إىل اهللا إذا أال وإن من بكى شوقا إىل . يا إخوتاه، أال تبكون شوقا إىل اهللاغضبه على العاصني جتلى بالرمحة، واطلع باملغفرة، واشتد .

ذبلت شفاههم، ومل جيدوا ماء إال يوم حيشر اخلالئق وقد ؟ ه، أال تبكون من عطش يوم القيامةيا إخوتا أال وإن من بكى من خوف . آخرون حوض املصطفى صلى اهللا عليه وسلم، فيشرب قوم، ومينع

. عطش ذلك اليوم سقاه اهللا من عيون الفردوس

  31      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

القيامة من حوض النيب صلى اهللا ذا مل يرو عطشي يوم واذاله إ : مث نادى احلسن رضي اهللا عنه : قال . عليه وسلم

إهلي، قد سئمت : وهي تقول واهللا لقد مررت ذات يوم بامرأة من املتعبدات، : مث بكى وجعل يقول حيب فيه وحرصي : فقالت ؟ على يقني من عملك يا هذه، أتراك : فقلت هلا . احلياة شوقا ورجاء فيك

. ؟ أحب أتراه يعذبين وأنا . ه بسطينعلى لقائ

يف ذراعي، وضممته إىل فبينما أنا كذلك أخاطبها، إذ مر يب صيب صغري من بعض أهلي، فأخذته لو يعلم اهللا اخلالئق : فبكت، وقالت : قال . نعم : قلت ؟ أحتب هذا الصيب : فقالت يل . صدري، مث قبلته

ا، ما قرا تما يستقبلون غدم بشيء من الدنيا أبدأعينهم، وال التذت قلو .

يا ضيغم، أتراين أراك غدا يوم القيامة : ضيغم، فقالت : فبينما أنا كذلك، إذ أقبل هلا ولد يقال له : قالفصاح الصيب صيحة ظننت أنه قد انشق قلبه، مث خر مغشيا عليه، : قال ؟ يف احملشر أو حيال بيين وبينك

. وبكيت لبكائها جعلت تبكي عليه،ف

: قالت . نعم : قال ؟ أحتب املوت : قالت . يا ضيغم، قال هلا لبيك يا أماه : فلما أفاق من غشيته، قالت له

من هو خري منك، وهو أرحم الرامحني، إىل من غذاين يف ظلمة ألصري إىل : قال هلا ؟ ومل يا بيناملسالك، ولو شاء ألماتين عند اخلروج من ضيق ذلك املسلك حىت أحشائك، وأخرجين من أضيق

أما مسعتيه عز وجل . أوجاعك، لكنه برمحته ولطفه، سهل ذلك علي وعليك متويت أنت من شدة ] 50ـ49احلجر [ " األليم وأن عذابي هو العذاب* أني أنا الغفور الرحيم نبىء عبادي " : يقول

أنج غدا من عذاب اهللا، ومل يزل يبكي حىت غشي عليه، أواه أواه، إن مل : وجعل يبكي وينادي . فلمسته بيدها، فإذا هو ميت رمحه اهللا وسقط على األرض، فدنت منه أمه،

كذلك حىت صاحت صيحة ومل تزل . ، يا قتيلا يف حب مواله يا ضيغماه : فجعلت تبكي وتقولرمحة اهللا عليه وعليها، ورمحنا اهللا . فحركتها، فإذا هي قد ماتت : عظيمة، ووقعت يف األرض، قال

. ما

  32      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

سابعالفصل ال

رارا ال حتلو يف العاجلة، وم إخواين، الدنيا مسوم قاتلة، والنفوس عن مكائدها غافلة، كم من نظرةضعيف، ورأيك يف إطالق الطرف وأى وهم يا ابن آدم، قلبك قلب . تطاق يف العاقبة اآلجلة

وجسدك يتعب يف كسب احلطام، كم من نظرة حمتقرة عينك مطلوقة، ولسانك جيين اآلثام، . سخيف . زلت ا األقدام

رأيت جسمي حنيال*** عاتبت قليب ملا

كنت الرسوالوقال*** فالم قليب طريف

بل كنت أنت الدليال*** فقال طريف لقليب

تركتماين قتيال*** فقلت كفا مجيعا

. النظرة تزرع يف القلب الشهوة : كان عيسى عليه السالم يقول

. من أطلق طرفه، كثر أمله : وقال احلسن

: قال إبراهيم بن العباس بن حممد بن صول

فإين من عيين أوتى ومن قليب*** سد ومن كان يؤتى من عدو وحا

اهللا عليه وسلم وهو وقد روي عن ابن عباس رضي اهللا عنه أن رجلا جاء إىل رسول اهللا صلى مرت يب امرأة، فنظرت إليها، فلم : فقال ) ؟ بالك ما ( : يتسلسل دما، فقال له النيب صلى اهللا عليه وسلم

إن ( : ضربين، فصنع يب ما ترى، فقال النيب صلى اهللا عليه وسلمجدار ف يزل يتبعها بصري، فاستبقين . ] راه احلاكم يف املستدرك [ ) أراد بعبد خريا، عجل له عقوبته يف الدنيا اهللا إذا

  33      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

أعوذ بك : يقول يف طوافه رأيت يف الطواف رجلا بفرد عيم، وهو : قال أبو بعقوب النهرجوريمخسني سنة، فنظرت إىل شخص يوما إين جماور منذ : ذا الدعاء، فقال ما ه : منك، فقلت له

آه، فوقعت أخرى، وقائل : خدي، فقلت فاستحسنته، وإذا بلطمة قد وقعت على عيين، فسالت على . لوزدت لزدناك : يقول

إذا الليل أرخى على السدوال*** دعوين أناجي موىل جليلا

رجو به يا إهلي القبوالأل*** نظرت إليك بقلب ذليل

وأنت اإلله الذي لن يزوال*** لك احلمد واد والكربياء

محيدا كرميا عظيما جليال*** وأنت اإلله الذي مل يزل

وتنشى اخلالئق جيلا فجيال*** متيت األنام وحتيي العظام

جزيل النوال تنيل السؤوال*** عظيم اجلالل كرمي الفعال

تواري العيوب تقيل اجلهوال*** غفور الذنوب حبيب القلوب

وتأخذ من ذا وذاك القليال*** وتعطي اجلزيل وتويل اجلميل

تعم اجلواد ا والبخيال*** خزائن جودك ال تنقضي

صلى اهللا عليه وسلم، وكنا خرجنا من أرض العراق نريد مكة ومدينة املصطفى : قال بعض العارفنيوقد خرج معنا رجل به أدمة يف شقرة وهو لناس، فإذا حنن برجل من أهل العراق،يف رفقة كثرية من ا

فيه العبادة، وعليه ثياب خلقة من رقاع شىت، وبيده مصفر اللون، قد ذهب الدم من وجهه مما بلغت . الزاد عصا ومعه مزود فيه شيء من

  34      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

أهل القافلة على تلك احلالة، ر إليه وكان ذلك الرجل العابد الزاهد أويسا القرين، فلما نظ : قال : قال هلم . نظن أنك عبد سوء هربت من موالك : قالوا . نعم : قال . نظن أنك عبد : أنكروه، وقالوا له

أما إنك لو أقمت ؟ نفسك حني هربت من موالك، وما صار حالك إليه كيف رأيت : قالوا . نعم نعم واهللا، أنا عبد سوء، ونعم : فقال هلم . نت عبد سوء مقصرحالتك، وإمنا أ عنده، ما كانت هذه

وجعل يبكي املوىل موالي، ومن قبلي التقصري، وليتين أطعته وطلبت رضاه، ما كان من أمري هذا، . حىت كادت نفسه أن تزهق

. رب العزةكان يريد بذلك إال فرمحه القوم، وظنوا أنه يعين موىل من موايل الدنيا، وهو ما : قال

إين : فقال . فارجع إليه وتب ال ختف، أنا آخذ لك من موالك األمان، : فقال له رجل من أهل القافلة . راجع إليه، وراغب فيما لديه

زيارة قرب النيب صلى اهللا عليه وسلم [ وسلم وكان خرج زائرا إىل قرب رسول اهللا صلى اهللا عليه : قالقصد السفر إىل قرب النيب صلى اهللا عليه وسلم فذمه كثري ينة وزار مسجده أمامستحبة ملن دخل املد

، فسارت القافلة ذلك اليوم، وسار معهم، ] سفر معصية ال قصر فيه من السلف حىت قال مالك أنه . فلما كان يف الليل نزلوا يف فالة من األرض، وكانت ليلة شاتية باردة كثرية املطر وجدوا يف السري،

إىل اهللا سبحانه وقد كان إىل على نفسه أال يسأل من أمور الدنيا ملخلوق، وإمنا تكون حوائجه : قالجوارحه من شدة الربد، واشتد عليه وتعاىل، فبلغ به الربد تلك الليلة مبلغا شديدا، حىت اضطربت

. سلطان الربد حىت مات يف جوف الليل

رحلوا، فلم جيبهم، فأتاه رجل قم أيها الرجل، فإن الناس قد : فلما أصبحوا وأرادوا الرحيل نادوهأهل القافلة، إن العبد اهلارب من سيده قد مات، يا : قريب منه، فحركه فوجده ميتا رمحه اهللا، فنادى

. ؟ وما احليلة يف أمره : قالوا . وال ينبغي لكم الرحيل حىت تدفنوه

  35      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

راجعا إىل مواله نادما على ما صنع، ن هذا العبد كان عبدا تائبا إ : فقال هلم رجل صاحل كان معهموخناف أن نسأل عنه إن تركناه غري مدفون، وال بد لكم وحنن نرجو أن ينفعنا اهللا به، وقد قبل توبته،

. وتدفنوه فيه أن تصربوا حىت حتفروا له قربا

إن بينكم وبني : فسألوه، فقال اسألوا الدليل، : هذا موضع ليس فيه ماء، فقال بعضهم لبعض : فقالوا . باملاء املاء ساعة، ولكن أرسلوا معي واحدا وأنا آتيكم

هذا : بغدير من املاء، فقال الدليل فأخذ الدليل دلوا، وساروا إىل املاء، فلما خرج من القافلة، إذا هو . ! قرب منهماء، وال على هو العجب الذي مل أر مثله هذا موضع ليس فيه

ليسخنوا به املاء من شدة الربد، مث عليكم باحلطب، فجمعوه . قد كفيتم املؤنة : فرجع إليهم، وقال هلمفازدادوا تعجبا، وفزعوا من ذلك الرجل، وقالوا إن هلذا أتوا إىل املاء ليأخذوه، فوجوده ساخنا يغلي،

. العبد قصة وشأنا

تفوح مثل املسك األذفر، وملؤا ه، فوجدوا التراب ألني من الزبد، واألرض فأخذوا يف حفر قرب : قالمن القرب، وجدوه صفة التراب، وإذا مشوه، رعبا وفزعا، وكانوا إذا نظروا إىل التراب الذي خيرج

. وجدوا رائحة كرائحة املسك

أنا أكفنه، وقال آخر، أنا : القوم فضربوا له خباء وأدخلوه فيه، وتنافسوا يف كفنه، فقال رجل من . ثوبا فاتفق رأيهم على أن جيعل كل واحد منهم . أكفنه

وصلنا، إن شاء اهللا، املدينة، فلعل من إذا : مث إم أخذوا إداوة وقرطاسا، وكتبوا صفته ونعته، وقالوا . يعرفه، وجعلوا الكتاب يف أوعيتهم

مكفنا بكفن من اجلنة، مل لثوب الذي كان عليه، فوجدوهفلما غسلوه، وأرادوا أن يكفنوه، كشفوا امألت رائحة حنوطه الدنيا، وعلى جبينه ير الراؤون مثله، ووجدوا على كفنه مسكا وعنربا، وقد

. خامت من املسك، وعلى قدميه كذلك

  36      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

عن أكفان العباد، قد كفنه وأغناه إن اهللا عز وجل . ال حول وال قوة إال باهللا العلي العظيم : فقالواذا العبد الصاحل، وندموا ندامة شديدة على تركه ونرجو اهللا تعاىل أنه قد أوجب لنا اجلنة ورمحنا

. تلك الليلة حىت مات بالربد

كبروا، مسعوا أصوات التكبري من مث إلم محلوه ليدفنوه، ووضعوه يف بقعة سهلة ليصلوا عليه، فلماأفئدم وأبصارهم، ومل يدروا كيف صلوا عليه املشرق إىل املغرب واخنلعتالسماء إىل األرض، ومن

رؤوسهم، فحملوه يريدون قربه، فكأنه خيطف من من شدة اجلزع، وعظم رعبهم مما مسعوا فوق . إىل القرب ليدفنوه، فدفنوه، ورجع القوم وقد تعجبوا من أمره بينهم وال جيدون له ثقلا، حىت أتوا به

صفته، فعند ذلك عرفه وا سفرهم، وأتوا إىل مسجد الكوفة، وأخربوا خبربه، وما كان منفلما قضعرف أحد مبوته، وال مبكان الناس، وارتفعت األصوات بالبكاء يف مسجد الكوفة، ولوال ذلك ما

. ونفعنا بربكاته قربه، الختفائه عن الناس وهروبه منهم رضي اهللا عنه،

  37      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ثامنالفصل ال

عليكم، تعاهدوا أيامكم بتحصيل العدد، فباهللا ؟ إىل كم هذه الغفلة وأنتم مطالبون بغري مهلةإخواين، على رصد، فقد آذنتكم الدنيا بالذهاب، وأنتم وأصلحوا من أعمالكم ما فسد، وكونوا من آجالكم

. الطريق آه من قلة الزاد وبعد . . آه من ثقل احلمل . احلساب تلعبون باألجل وبني أيديكم يوم

. الصواب، وهو يف فعله كذاب فيا أيها املغرور بإقباله، املفتون بكواذب آماله، الذي غاب عن

يا ؟ مفتون ومغرور : يقال عنك إىل مىت ؟ يا بطال، إىل كم تؤخر التوبة وما أنت يف التأخري مبعذور أترى مواصل أنت ؟ ت أم مطرودأترى مقبول أن ؟ مسكني، قد انقضت أشهر اخلري وأنت تعد الشهور

أترى من أهل اجلحيم أنت أم من ؟ أنت على وجهك جمرور أترى تركب النجب غدا أم ؟ أم مهجور . واهللا املخفون، وخسر هنالك املبطلون، أال إىل اهللا تصري األمور فاز . أرباب النعيم والقصور

: وأنشدوا

خذت من سوء احلساب أماناأأ*** مايل أراك على الذنوب مواظبا

ولعل عمرك قد دنا أو حانا*** ال تغفلن كأن يومك قد أتى

وأتى الصديق فأنذر اجلريانا*** ومضى احلبيب حلفر قربه مسرعا

وبدا بغسلك ميتا عريانا*** وأتو بغسال وجاؤوا حنوه

ودعوا حلمل سريرك اإلخوانا*** فغسلت مث كسيت ثوبا للبلى

وجرت عليك دموعهم غدرانا*** أهلك للوداع فودعوا وأتاك

سكن اجلنان جماورا رضوانا*** فخف االله فإنه من خافه

  38      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

أبدا خيالط روحه رحيانا*** جنات عدن ال يبيد نعيمها

تشوى الوجوه وحترق األبدانا*** وملن عصا نار يقال هلا لظى

خذنا مبا قد كاناكي ال يؤا*** نبكي وحق لنا البكاء يا قومنا

: بعث اهللا إليه مخسة من املالئكة إذا كان ابن آدم يف سياق املوت، ( : قال النيب صلى اهللا عليه وسلم

؟ ما أضعفه اليوم ؟ أين بدنك القوي يا ابن آدم، : أما امللك األول، فيأتيه وروحه يف احللقوم، فيناديه . ! ما أوحشك منهم اليوم ؟ أهلك وقرابتك أين ؟ ما أسكته اليوم ؟ أين لسانك الفصيح

ابن آدم، أين ما أعددت من الغىن يا : ويأتيه امللك الثاين إذا قبض روحه، ونشر عليه الكفن، فيناديه . ؟ أعددت من األنس للوحشة أين ما ؟ أين ما أعددت من اخلراب للعمران ؟ للفقر

اليوم تسافر سفرا بعيدا مل تسافر سفرا يا ابن آدم، : األعناق، فيناديهويأتيه امللك الثالث إذا محل على هذا قط، اليوم تدخل مدخلا ضيقا مل تدخل أضيق منه، أبعد منه، اليوم تزور قوما مل تزورهم قبل

. وويل لك إن رجعت بسخط اهللا فطوىب لك إن فزت برضوان اهللا،

باألمس كنت على ظهرها ماشيا، واليوم يا ابن آدم، : ه فيناديهويأتيه امللك الرابع إذا أحلد يف قرب . ضاحكا، واليوم أصبحت يف بطنها باكيا باألمس كنت على ظهرها . صرت يف بطنها مضطجعا

. أمسيت يف بطنها نادما باألمس كنت على ظهرها مذنبا، واليوم

يا ابن : واجلريان واألصحاب، فيناديه عنه األهلويأتيه امللك اخلامس إذا سوي عليه التراب، وانصرف اليوم تصري إما جلنة . مجعت املال وتركته لغريك . نفعوك آدم، دفنوك وتركوك، ولو أقاموا عندك ما

. ) حامية عالية، أو إىل نار

  39      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

خدمتك ضفيفا، وأسخطتك جلدا، و إهلي عصيتك قويا، وأطعتك : ويروى عن بعض املتعبدين أنه قال مث غشي عليه ووقع على : قال ؟ صرفتين على جرمي حنيفا، فيا ليت شعري، هل قبلتين على لؤمي، أم

. األرض وانسلخت جبهته

قرة عيين يف الدنيا، ومثرة : فقامت إليه أمه، وقبلته بني عينيه، ومسحت جبهته وهي تبكي وتقول . احلري اب أمكفؤادي يف اآلخرة، كلم عجوزك الثكلى، ورد جو

جسده، ودموعه تنسكب على فأفاق الفىت من غشيته، ويده قابضة على كبده، وروحه تتردد يف : قالحتذريين منه، وهذا هو املصرع الذي كنت يا أماه، هذا اليوم الذي كنت : خده وحليته، فقال هلا

على األيام اخلالية، ويا جزعي من األثقال، فيا أسفا ختوفيين منه، هذا مصرع األهوال، وسقوط عثرة . فيها على االقبال األيام الطوال اليت مل أعرج

إن رميت فيها على رأسي، يا حزناه . يا أماه أنا خائف على نفسي أن يطول يف النار سجين وحبسي . ويا أسفاه إن قطعت فيها أنفاسي

. يا أماه، افعلي ما أقول لك

. ؟ فدتك نفسي، ماذا تريد يا بين، : فقالت له

الدنيا، والتلذذ للسيد ضعي خدي على التراب، وطئيه بقدمك حىت أذوق طعم الذل يف : قال هلافقمت إليه يف احلال، وقد ألصق خده : قالت أمه . املوىل، عسى أن يرمحين وينجيين من نار لظى

: قدمي، فإذا هو ينادي بصوت ضعيفخده ب بالتراب، والدموع جتري من عينيه كامليزاب، فوطئت

وأساء، هذا جزاء من مل يقف بباب املوىل، هذا هذا جزاء من أذنب وعصى، وهذا جزاء من أخطأ . جزاء من مل يراقب العلي األعلى

. سبحانك إين كنت من الظاملني لبيك لبيك، ال إله إال أنت : مث حتول إىل القبلة، وقال : قالت

  40      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

يا بين، : جتلى من سحاب، فقالت له مات يف مكانه، فرأته أمه يف املنام كأن وجهه فلقة قمر مث : قال يا بين، : من حممد صلى اهللا عليه وسلم، فقالت له أمه رفع درجيت، وقربين : قال ؟ ما فعل بك موالك

يا عمران، أجب : قال يل يا أماه، هتف يب هاتف و : فقال هلا ؟ وفاتك ما الذي مسعت منك تقوله عند . رمحه اهللا تعاىل . فأجبته، ولبيت ريب عز وجل داعي اهللا،

  41      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

تاسعالفصل ال

السنون منازل، ؟ لنا دار مقامة إخواين، السفر مكتوب علينا، فما لنا أن نطلب االقامة يف دار ليست . لربح اجلنة، واخلسران النارواملعاصي قطاع، وا والشهور مراحل، واأليام أميال، واألنفاس خطوات،

سفر السالبة من طني، والثاين من : األول فالسفر : خلقنا نتقلب يف ستة أسفار إىل أن يستقر بنا القرار من ظهر األرض إىل القرب، : ظهر األرض، والرابع من الرحم إىل : الصلب إىل الرحم، والثالث

إما إىل اجلنة : من موقف العرض إىل دار اإلقامة : سادسالعرض، وال من القرب إىل موقف : واخلامس . قطعنا نصف الطريق، وبقي األصعب أوالنار، وقد

والعويل، وتنسى ما سلف يا من يضج يف الكرب ويصيح، خل التدبري لغريك فتستريح، تكثر النحيب . كمهك وكرب لو رجعت إليه بقلبك، لعجل عليك بتفريج . من الفعل الوبيل

. واعلم أنك متوت بالقوت، يا أخي، إياك والدنيا، فإن حبل الدنيا مبتوت، واقنع منها

يستسقون يف املسجد احلرام، قدمت مكة، فإذا الناس قد قحطوا من املطر، وهم : قال ابن املبارك وألقى قطعتاه خيش، قد ائتزر بإحدامها، وكنت يف الناس من باب بين شيبة، إذ أقبل غالم أسود

إهلي، أخلقت الوجوه كثرة : جانيب، فسمعته يقول األخرى على عاتقيه، فصار يف موضع خفي إىلغيث السماوات لتؤدب اخلليقة بذلك، فأسألك يا حليم، يا الذنوب ومساوئ العيوب، وقد منعتنا

. اجلميل، اسقهم الساعة الساعة من ال يعرف عباده منه إال

اجلو بالغمام، وأقبلت قطرات اسقهم الساعة الساعة، حىت انسد : م يزل يقول فل : قال ابن املباركتعاىل، فأخذت يف البكاء، حىت قام فاتبعته حىت الركام طل كأفواه القرب، وجلس مكانه يسبح اهللا

. عرفت موضعه

  42      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. يه غرينا، فواله دوننا سبقنا إل : له فقلت ؟ ما يل أراك كئيبا : فجئت إىل الفضيل بن عياض، فقال يل

وحيك ابن املبارك، خذين إليه، : يف األرض، وقال فقصصت عليه القصة وسقط ؟ وما ذلك : قال . شأنه قد ضاق الوقت، سأحبث عن : فقلت

باب، وقد بسط له وهو فلما كان من الغد، صليت الغداة، وخرجت أريد املوضع، فإذا بشيخ على احتجت إىل : فقلت ؟ ما حاجتك مرحبا بك يا أبا عبد الرمحن، : ، وقالجالس، فلما رآين عرفين

هذا حممود العاقبة، أرضاه : يا غالم، فقال نعم عندي عدة، اختار أيهم شئت، فصاح : غالم، فقالخيرج واحدا بعد واحد، حىت أخرج إىل الغالم، فلما أبصرته ليس هذا حاجيت، فما زال : لك، فقلت

: قال . ! ؟ ومل : فقلت . ليس يل إىل بيعه سبيل : نعم، فقال : فقلت ؟ هذا : فقال عيناي بالدموع،بدرت

من فتل الشريط نصف يكسب : فقال ؟ ومن أين طعامه : قد تربكت مبوضعه يف هذه الدار، فقلت له . يومال دانق أو أقل أو أكثر، فهو قوته إن باعه يف يومه، وإال طوى ذلك

. منهم، مهتم بنفسه، وقد أحبه قليب وأخربين الغلمان عنه أنه ال ينام يف الليل الطويل وال خيتلط بأحد

مث رجعت إليه، وسألت انصرف إىل الفضيل بن عياض وسفيان الثوري بغري قضاء حاجة، : فقلت له . إن ممشاك عندي كبري، خذه مبا شئت : فيه بإحلاح، فقال

. يا موالي : فاشتريته، وسرت معه حنو دار الفضيل، فمشيت ساعة فقال يل : قال

. لبيك : فقلت له

. ال تقل لبيك، فإن العبد أوىل بأن يليب من املوىل : فقال

. وما حاجتك يا حبييب : قلت

  43      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

هو أجلد أخرج لك من أنا ضعيف البدن، ال أطيق اخلدمة، وقد كان لك يف غريي سعة، قد : قالاشترائي لك إال أنزلك مرتلة األوالد، ال يراين اهللا تعاىل أستخدمك، وال كان : فقلت له . مين وأثبت

. ؟ وما يبكيك : فقلت له فبكى، : قال . وألزوجك، وأخدمك أنا بنفسي

من أولئك وإال، فلم أخذتين أنت مل تفعل هذا، إال وقد رأيت بعض اتصاليت باهللا تعاىل، : قال يل . ؟ الغلمان

. ليس يل بك حاجة إال هذا : فقلت له

. سألت باهللا إال أخربتين : فقال يل

. بإجابة دعوتك : فقلت له

من خلقه، ال يكشف شأم إال إين أحسبك إن شاء اهللا رجلا صاحلا، إن هللا عز وجل خرية : فقال يل . إال من ارتضىملن أحب من عباده، وال يظهر عليهم

. البارحة ترى أن تقف علي قليال، فإنه قد بقي علي ركعات من : مث قال يل

. هذا مرتل الفضيل : قلت

املسجد، فما زال يصلي حىت أتى على ما إن أمر اهللا تعاىل ال يؤخر، فدخل . ال هاهنا أحب إيل : قال . ؟ هل لك من حاجة ن، يا أبا عبدالرمح : أراد، فالتفت إيل وقال

. ومل : قلت

. ألين أريد االنصراف : قال

. إىل أين : قلت

  44      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. إىل اآلخرة : قال

. ال تفعل دعين أنتفع بك : قلت

تعاىل، فأما إذا اطلعت عليها إمنا كانت تطيب احلياة حيث كانت املعاملة بيين وبني اهللا : فقال يل إهلي اقبضين : على وجهه، وجعل يقول ريك، فال حاجة يل يف ذلك، مث خرأنت، سيطلع عليها غ

فواهللا ما ذكرته قط إال طال حزين، وصغرت الدنيا . الساعة الساعة، فدنوت منه، فإذا هو قد مات . يف عيين، وحقرت عملي

. رمحه اهللا ورمحنا به

  45      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

عاشرالفصل ال

اد والزهالعب ا بزيوالباطن منك اد وحال قلبك يف الغفلة مايا هذا، كم تتزي ،حال، الظاهر منك نقي . حب املال، ولوال مكابدة ااهدة مل يسمم القوم رجال ال تصلح احملبة ملن مييله . متسخ بطول اآلمال

يف الشباب، فبادر يف يا ميت القلب، وعدك يف الدنيا صحيح، ويف اآلخرة حمال، إن مل تبادر ضيعت زمان الشباب يف الغفلة، . تقال ما بعد شيب الرأس هلو، وما أبعد عثرة الشيخ أناالكتهال، و

علمت ما أحصي عليك، لكنت من الباكني طول ويف الكرب تبكي على التفريط يف األعمال، لو . الليال

واب وقفت على باب من أب كلما ؟ يا شيخ، ما الذي أصنع : قال رجل لذي النون وهو يعظ الناس . املوىل صرفين عنه قاطع احملن والبلوى

ضربته أمه ترامى عليها، وكلما يا أخي، كن على باب موالك كالصيب الصغري مع أمه، كلما : قال له . طردته، تقرب إليها، فال يزال كذلك حىت تضمه إليها

باسي الشعر، وشعاري ول دابيت رجالي، : يروى أن عيسى عليه السالم كان يسبح يف األرض، ويقولالليل، ومسكين حيث أواين خوف اهللا، ورحياين عشب األرض، وطعامي خبز الشعري، وظلي ظلمات

. الليل، وهذا ملن ميوت كثري

اهللا تعاىل، وهو خيدم الصوفية، رأيت بدوي مبكة، حرسها : ويروى عن الشبلي رضي اهللا عنه أنه قالبغالم حاف مكشوف الرأس ما معه زاد وال ت بالبادية، وإذا كن : فسألته عن سبب ذلك، فقال يل . الفىت، فإذا كان جائعا أطعمته، وإن كان عطشان سقيته أدرك هذا : ركوة وال عصا، فقلت يف نفسي

هذا : حىت غاب عن عيين، فقلت فبادرت إليه حىت بقي بيين وبينه مقدار ذراع، وإذا به بعد عين : قال . ال بل سكران : يناديشيطان وإذا به

  46      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. ما وقفت علي يا هذا بالذي بعث حممدا صلى اهللا عليه وسلم باحلق إال : فناديته

. يا فىت أتعبتين وأتعبت نفسك : فقال يل

. رأيتك وحدك، فأردت أن أخدمك : فقلت له

. ! ؟ من يكن اهللا معه، كيف يكون وحده : قال يل

. أرى معك زادا ما : فقلت له

. إذا جعت فذكره زادي، وإن عطشت فمشاهدته سؤيل ومرادي : فقال يل

. أنا جائع أطعمين : فقلت له

. أومل تؤمن بكرامات األولياء : فقال

: مث قبض قبضة، وقال بلى، ولكن ليطمئن قليب، فضرب بيده األرض، وكانت أرض رملة، : فقلت

. هو سويق ألذ ما يكونكل يا خمدوع، وإذا

. ! ما ألذه : فقلت

. يف البادية عند األولياء من هذا كثري لو عقلت : فقال يل

ألشرب من تلك فقلت له اسقين، فركض برجله األرض، فإذا هو بعني من عسل وماء، فجلستفقراء من ذلك أخدم ال العني، مث رفعت رأسي، فلم أره، ومل أدر كيف غاب، وال أين ذهب، فأنا

. اليوم إىل اآلن، لعلي أرى مثل ذلك الويل

  47      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

عساك لطريقهم ترشد، اندب يا هذا، إىل مىت تسمع أخبارهم وال تقفو آثارهم، اطلب رفقة التائبنيعساك بالذل تسعد، وقل بلسان على بعادك يا مطرود، فمثلك من بكى وعدد، اعتذر يا مهجور،

: التذلل واألسف والكمد

وال عزمية هذا العجز والكسل*** ا التلوم ال إقالع يصحبه كم ذ

ما ينفع القول إن مل يصدق العمل*** وكم أردد أقوال ملفقة

الغفلة لو كان النداء يسمع، كم يل أعاتب املهجور والعتب ما ينفع، كم يل أنادي أطروش ! واعجباالعني قط ما تدمع، من عالمة اخلذالن امد واها عليك يا ج . كم يل أحدث قلبك ويف مساعك أطمع

عليك يا غافل يف مجعه احلساب، . للحرام جتمع قلب ال خيشع، قلبك ذهب يف حب الفاين، وأنت . فالن سافر وليس يف رجوعه مطمع : بستان اللهو إذ قيل وختلفه ملن ال ينفع، بينما أنت يف

الزهاد والعباد، فرأيت رجلا ر يف جب اللكام أطلب كنت أدو : ويروى عن علي بن أيب صاحل أنه قال . عليه مرقعة، هو جالس على صخرة مطرق إىل األرض

. ؟ يا شيخ ما تصنع هاهنا : فقلت له

. انظر وأرعى : قال يل

أنظر خواطر قليب، وأرعى : قال . ما أرى بني يديك إال احلجارة، فما الذي تنظر وترعى : قلت له . فإنك شغلتين عن موالي امر ريب، فبحق الذي أظهرك علي إال ما تركتين،أو

أكثر من الندم، ومن استغىن باهللا، من الزم الباب، أثبت يف اخلدمة، ومن أكثر من الذنوب، : فقلت له . عنه مث تركين ومضى، رضي اهللا تعاىل . مل خيف العدم

  48      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ادي عشرالفصل احل

إذا طلبت ؟ فيكون االنقطاع ب الدنيا هلا اسراع، مىت حتل عنها نطاق األمل،يا من رواحله يف طلتشد الرحال يف طلب الفاين ويف طريقه عجبا كيف ؟ اآلخرة، متشي رويدا، فمىت يكون االنتفاع

عمري : وكهولته يف البطالة، ويف الشيخوخة تبكي وتقول العمر أمانة أتلفت شبابه يف اخليانة، ! قطاع

أنت يف طلب الدنيا صحيح اجلسم، ويف طلب اآلخرة ؟ فيما اشترى أو باع مىت أفلح اخلائن . قد ضاع يا من على عمره ليل . تعرج عن سبل التقوى يا أعرج اهلمة، يا من يبقى يف القاع كم . بك أوجاع

من وما " املنقطعني ع رافق رفاق التائبني قبل أن تنقطع م . الغفلة طلع الفجر املشيب بني األضالع . ] 75النمل [ " مبني غائبة في السماء واألرض إال في كتاب

: وأنشدوا

وإن حال عن وصلي فما أنا صانع*** إذا أنا مل أصرب على من أحبه

أسري مبا تطوي عليه األضالع*** حبه أأتركه والقلب من فرط

فما يغنين بالعذل ما أنا سامع*** أأمسع فيه العذل والوجد حاكم

وأكتم ما قد أظهرته املدامع*** أأسلوه والشوق مينع سلويت

فأضرب صفحا دونه وأمانع*** ويعتبين قليب إذا زاد وجده

واي شافععلى كل حال عند شك*** وإن زاد يب أشتكيه فحسبه

وال نظر يسلي وال الصرب نافع*** فال عشة تصفو وال موعد يفي

ومل ألف ما مالت إليه املطامع*** أرى الدهر ميضي برهة بعد برهة

فكل مضيق فهو يف احلب واسع*** فإن ضقت ذرعا بالذي قد لقيته

  49      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

منها، ودنت مين، سلمت علي، رأيت امرأة متعبدة، فلما دنوت : قال ذا النون املصري رضي اهللا عنهمن عند حكيم ال يوجد مثله، فصاحت فقلت ؟ من أين أقبلت : فرددت عليها السالم، فقالت يل

الغربة حىت فارقته، وهو أنيس الغرباء، وحيك كيف وجدت معه وحشة : صيحة شديدة، مث قالت . ؟ مسحت نفسك مبفارقته أم كيف ! ؟ ومعني الضعفاء، وموىل املوايل

على اجلرح، فأسرع يف جناحه، فقالت وقع الدواء : فقلت هلا ؟ مم بكاؤك : فقالت يل . فأبكاين كالمها ألن البكاء : قالت ؟ ومل : قلت . ال : قالت ؟ ال يبكي فالصادق : فقلت هلا ؟ لو كنت صادقا، فلم بكيت

. عند ذوي العقول وهو نقص . راحة للقلب

. علميين شيئا ينفعين اهللا به : هلاقلت

أوليائه، ألنه سبحانه سقاهم يف الدنيا اخدم موالك شوقا إىل لقائه، فإن له يوما يتجلى فيه إىل : قالت . من حمبته كأسا ال يظمؤون بعدها أبدا

يساعدين على فيها أنيسا إهلي وسيدي، إىل كم تدعين يف دار ال أجد يل : مث أقبت تبكي وتقول : بالئي، مث جعلت تقول

فمن دونه يرجى طبيبا مداويا*** إذا كان داء العبد حب مليكه

تذهب، وإىل أي جهة فإىل باب من ترجع، وإىل أي طريق ؟ يا أخي، إذا طردك موالك عن بابه . الزم باب موالك، فلعل وعسى يثمر عودك ؟ تقصد

: وأنشدوا

وتذكارهم عن املناجاة بالسر*** إىل الذكر حنني قلوب العارفني

وأرواحهم يف ليل حجب العلى تسرى*** وأجسامهم يف األرض سكرى حببه

  50      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

فظلوا عكوفا يف الفيايف ويف القفر*** عباد عليهم رمحة اهللا أنزلت

بإدمان تثبيت اليقني مع الصرب*** وراعوا جنوم الليل ال يرقدونه

وتعقل عن موالك آداب من يدري*** كنت فامها فهذا نعيم القوم إن

وال عرجوا عن مس بؤس وال ضر*** فما عرسوا ال بقرب حبيبهم

فغفوا عن الدنيا كإعفاء ذي سكر*** أديرت كؤوس للمنايا عليهم

وهم أهل ود اهللا كاألجنم الزهر*** مهومهم جالت لدى حجب العلى

حتن إىل التقوى وترتاح للذكر***فال عيش إال مع أناس قلوم

أسري، وكنت صائما، فرأيت را بينما أنا يف الطريق : ويروى عن بعض العباد رضي اهللا عنه أنه قال . املاء، فأخذا ألفطر عليها جاريا، فانغمست فيه، فإذا أنا بسفرجلة على وجه

أصبحت سرت، فضربت على يس يل، فلما أفطرت على ما ل : فلما أفطرت عليها ندمت، وقلت : قال يا شيخ، إنه خرج من : فقلت له باب البستان الذي كان النهر خيرج منه، فخرج إيل شيخ كبري،

. ندمت على ذلك، فعسى أن جتعلين يف حل بستانكم هذا باألمس سفرجلة، فأخذا وأكلتها، وقد

من فاكهته شيئا قط، وليس يل ربعني سنة ما ذقت أنا يف هذا البستان أجري، ويل فيه منذ أ : فقال يل . باملوضع الفالين ألخوين : قال : ملن هو : قلت . يف البستان شيء

البستان يل، وأنت حل من نصف : فأتيت املوضع، فوجدت أحدمها، فقصيت عليه القصة، فقال : قال . مبوضع كذا وكذا : الق ؟ وأين أجد أخاك : فقلت له . نصييب يف تلك السفرجلة

. بشرط واهللا ال أجعلك يف حل إال : فمضيت إليه، وقصيت عليه القصة، فقال يل

  51      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

وحيك أنا يف شغل عن : له العابد قال . أزوجك ابنيت وأعطيك مائة دينار : قال ؟ وما الشرط : فقلت واهللا ما فعلت إال بالشرط : فقال له . فاجعلين يف حل ؟ أما رأيت ما أصابين ألجل سفرجلتك . هذا

. املذكور

اعطين منها ما شئت مهر : قال له فلما رأى العابد منه اجلد، امتثل، وقال افعل، فأعطاه مائة دينار، مث . البعض ال، إال : ابنيت، فرمى ا كلها إليه، فقال له

أرباب الدولة وكرباء الناس، ومل خطب ابنتك : فزوجه ابنته، فالمه الناس على ذلك، وقالوا له : قال يا قوم إمنا رغبت يف الورع والدين، وألن هذا : هلم فقال ؟ تعطها هلم، فكيف أعطيتها لفقري ال مال له

. رضي اهللا عنهم أمجعني الرجل من عباد اهللا الصاحلني،

  52      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ثاين عشرالفصل ال

ميشي يف شوك الشك وما عنه القلب املظلم . لبصريا من عمي عن طريق القوم، عليك بإصالح نور االبطال كله غفلة، وبصريته عميت عن اره صوم، وليله سهر، ووقت : وقت التائب كله عمل . خرب

والسهر، إن تدرك املتجهدين يف أول الليل، ففي من ذاق حالوة الزهد، استحلى التهجد . النظرفهذا فجر املشيب انفجر، وأذلة التخلف إذا ختلف عن الباب ، تيقظ من نوم الغفلة . أعقاب السحر

. ! وما حضر

السوء، إن خاف عمل، وإن مل خيف ال يكونن أحدكم كالعبد ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . ) مل يعمل فال عمل، أو كاألجري السوء، إن مل يعط أجرا وافرا

اهللا، والذاكرون يعيشون يف يا داود، العاشقون يعيشون يف حلم : مأوحى اهللا إىل داود عليه الساليعيشون يف بساط األنس باهللا يطعمهم رمحة اهللا، والعارفون يعيشون يف لطف اهللا، والصديقون

. ويسقيهم

كل شيء ونفاه عن نفسه، ملا أكل آدم من الشجرة، طرده : قال ابن عطاء : قال أبو بكر الرازي وبكى عليه كل شيء إال الذهب . آوته عن نفسه، وأبعده عن قربه، إال شجرة العود، فإاوأبعده . والفضة

إهلنا، وما كنا لنبكي على حمب : فقاال ؟ ما لكما ال تبكيان على حمب طرده حمبوبه : فأوحى اهللا اليهما كل شيء، وألجعلن ألوالد آدم ألعزنكما وألجعلنكما قيمة وعزيت وجاليل، : فقال . عصى حمبوبه . خداما لكما

. على ذلك رمحة مين : فقال ؟ ومالك أويت طريد مواله : وأوحى اهللا إىل العود

بعد إحراقك، ألنك آويت من وعزيت وجاليل، ألعذبنك بالنار يف الدنيا، وال ينتفع بك إال : فقال : وأنشدوا . عصى يف جوار مواله مبرأى منه واطالع عليه

  53      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

فهمنا وإهلني وما فهمنا*** لقد ورد التقاة فما وردنا

فغري اجلود منكم ما عرفنا*** أحبتنا بطيب الوصل جودوا

وبابكم الكرمي به وقفنا*** فإن جدمت فعفوكم رجونا

بلطف جنابكم فارضوا علينا*** تذللنا بباكم عساكم

لكن طردناوآوينا لكم*** وحقكم لقد جئنا محاكم

ولوال الذنب عنكم ما حجبنا*** وحالت بيننا حجب املعاصي

ولكن أصله مما افترقنا*** وما كان النوى والبعد منكم

علينا بعد جرم كان منا*** فتحتم باب جودكم امتنانا

أسأنا مث تبنا مث عدنا*** فلم نصلح لقربكم ولكن

زمنا فخناوعاهدناكم*** وعاملناكم بالعدل دهرا

علينا قد نقضنا ما نقضنا*** ومل ينقض لكم عهد ولكن

ولو كنا له أهلا قبلنا*** طردنا باجلرائم عن رضاكم

فجودوا بالرضا إن اعترفنا*** وأقررنا بزلتنا لديكم

فأنتم رامحونا كيف منا*** ومن يرجو العبيد يوى املوايل

الكم للحق معىنوهل لو*** وهل يف غريكم عنكم بديل

وما أعلى مقامكم وأسىن*** فما أشهى وصالكم وأحلى

  54      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

وأشرف حالنا لكم إن خضعنا*** *** فعزتنا تذللنا إليكم

تشفعنا لكم وبه اعتصمنا*** جباه حممد خري الربايا

وتاق حلبه قلب املعنى*** عليه حتية ما الح برق

  55      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ثالث عشرالفصل ال

باللهو عامر، وقلبك من جسمك ؟ مىت يكون منك املتاب ؟ املعاصي مصريا هذا، كم لك على يف الس تبكي . زمان الشباب التقوى خراب، ضيعت الشباب يف الغفلة، وعند الكرب تبكي على

كم يل . لوعظي فيك وقد غلق يف وجهك الباب ال حيلة . على الفائت، وإذا خرجت عدت لالنتهاب وآفرحة إبليس . الغياب، يا من قلبه مشغول، كيف تفهم اخلطاب قلبك غائبا معأحدث قلبك، وأرى رحلت رفاق التائبني إىل رفاق . هذا مأمت احلزان، هذا الس قد طاب ! إذا طردت عن الباب

ا منقطع يا . وحشة املهجور املبعد عن الباب إذا مل جيد للقرب والدنو سببا من األسباب يا . األحبابتائه يف برية عن الرفاق األحباب، تعلق بأعقاب الساقة بذل وانكسار ودمع ذي اسكاب، وقل

أقعده وأبعده بذنوبه احلرمان، مقطوع فيه تيه الشقاء، مسبول دونه احلجاب، كلما رام القيام،عليك من وراء ستر الغيب ون عسى عطفة ؟ احلجاب، ال زاد وال راحلة وال قوة، فأين الذهاب

. صعاب املصاب

ترى ملاذا . للمطيغني من األجر والثواب هللا در أقوام شاهدوا اآلخرة بال حجاب، فعاينوا ما أعد اهللا . ! ؟ رقادهم، وجعلوا ذكره بغيتهم ومرادهم أضمروا أجسادهم وأظمؤوا أكبادهم، وشردوا

: وأنشدوا

م عنكم مشتغلإنين بالنو*** يا رجال الليل مهال عرسوا

تقطع الليل بنوم وكسل*** شغلتين عنكم النفس اليت

زاد تفريطي وزدمت يف العمل*** أنا بطال وأنتم ركع

محل القوم وقالوا ال مهل*** قلت مهلا ساديت أهل الوفا

  56      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

لقدس، أن تسكن معي يف حظرية ا أن إذا أردت : أوحى اهللا إىل نيب من األنبياء : قال وهب بن منبهالوحيد يظل يف أرض الفالة، يرد ماء العيون، فكن وحيدا يف الدنيا، فريدا مهموما حزينا، كالطري

. الليل، آوى وحده استيحاشا من الطري، واستئناسا لربه ويأكل من أطراف الشجر، فإذا جن عليه

يا راهب، كيف ذكرك : ال لهفق مر عابد براهب، : ويروى عن سفيان الثوري رضي اهللا عنه أنه قال . إن قدمت مت أرفع قدما وال أضع أخرى، إال خشيت : قال ؟ للموت

فأتت عليه ساعة إال صلى ما مسعت أحدا مسع باجلنة، : قال ؟ كيف كان نشاطك للصالة : قال . ركعتني

. ألا من لباس أهل املصائب : الراهب قال ؟ يا راهب، مالكم تلبسون هذه اخلرق السود : قال العابد

يا أخي وأي مصيبة أعظم من : الراهب قال . أكلكم معشر الرهبان قد أصيب مبصيبة : فقال له العابد . ؟ مصيبة الذنوب على أهلها

. فما تذكرت هذا الكالم، إال وبكيت : قال العابد

: أنشد رجل من أهل الزهد هذه األبيات : قال العتيب

وفيه ترى األرض قد زلزلت*** ويوم ترى الشمس قد كورت

إذا حشر الناس ما قدمت*** وفيه ترى كل نفس غدا

وأعمالك السوء قد دونت*** أترقد عيناك يا مذنبا

وكفاه بالتور قد خضبت*** فإما سعيد إىل جنة

سوادا وكفاه قد غللت*** وإما شقي كسى وجهه

  57      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

بعمامة فتعمم ا، فلم يلبث أن بد العزيز يف بعض أسفاره، فلما اشتد احلر عليه، دعاخرج عمر بن ع ذكرت أبياتا قاهلا األول، : قال . لقد كانت تقيك احلر ؟ يا أمري املؤمنني، مل نزعتها : نزعها، فقيل له

: وهي هذه

اأو الغبار خياف الشني والشعث*** من كان حني متس الشمس جبهته

فسوف يسكن يوما راغما جدثا*** ويألف الظل كي تبقى بشاشته

يطيل حتت الثرى يف جوفها اللبثا*** يف قعر مظلمة غرباء موحشة

الغبار، وعلى وجوههم النور، وقد خرج عيسى بن مرمي عليه السالم على احلواريني وعليهم آثار . نعمتكم فضل يا بين اآلخرة، ما تنعم املتنعمون إال ب : فقال

خلوا بالرمحن، : فقال ؟ وجوها ما بال املتهجدين أحسن الناس : وقيل للحسن البصري رضي اهللا عنه . فألبسهم نورا من نوره

عامل، فرأيت يف الس كنت أحب الصوفية، فاتبعتهم يوما إىل جملس : وروي عن أبو ماجد، قال اهللا، اهللا، فلم تنقطع : العامل والقارئ يقول وهو يبكي كلما مسعشخصا تتمىن النفوس دوام النظر إليه،

. له دمعة

فسألت بعض الصوفية عنه فتعجبت من توكف عرباته، وترتداف زفراته، مع صغر سنه، وغض شبابه، . القلب شفيق احلب إنه تائب غزير الدموع، كثري السجود والركوع، رقيق : فقال

، فقام قائما على قدميه، ] 152البقرة [ " أذكركم فاذكروني " : ا قرأ القرآنفبينما حنن كذلك، إذ وهل يف األكوان غريك حىت يذكر يا حبيب . سيدي، خاب من يف قلبه غري ذكرك : وهو يقول

. ! ؟ القلوب

: وأنشدوا

  58      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ت وعاذيل ما له وما يل*** كي يف اهلوى حال يل

وكلما المين حال يل*** يلومين يف الغرام جهلا

يا قوم مثلي يكون سايل*** قالوا تسليت قلت كال

لقد تعشقت ال أبايل*** قالوا تعشقت قلت أهال

: الرجال يف هذا املقام على أربعة أقسام : قال أبو علي

بذكره عن ذكر من سواه، ومل رجل قد استوىل على قلبه عظمة اهللا وكبحته، فاشتغل : القسم األولرجال ال تلهيهم تجارة " : تعاىل، فقال تله األكوان عن االستئناس بذكره، فهذا هو الذي وصفه اهللا

. ] 37النور [ " للها وال بيع عن ذكر

وإخالص الورع، والقيام بالوفاء، فهو رجل عاهد اهللا تعاىل بصدق اإلجابة، وحتقق العبودية، : والثاين . ] 23األحزاب [ " عاهدوا الله عليه رجال صدقوا ما " : الذي وصفه اهللا تعاىل بقوله

باملعروف، وينهى عن املنكر على سائر رجل يتكلم هللا ويف اهللا وباهللا ومن أجل اهللا، ويأمر : والثالثاء من وج " : وهو الذي وصفه اهللا تعاىل، فقال ضمائر األسرار، مث على ظواهر النفوس األغيار،

. ] 20يس [ " المدينة رجل يسعى أقصى

على سره إال مواله، وهو الذي رجل يتكلم سره عن نفسه وعن امللكني املوكلني، وال يطلع : والرابع، ] 23الزمر [ " الله إلى ذكر " : ، إىل قوله " الحديث سنالله نزل أح " : وصفه اهللا تعاىل، فقال

. باطنه كاملتويل الشجي فهذا هو يف ظاهره كالسلي اخللي، ويف

: وأنشدوا

اله لك القاريوال حرف إال ما ت*** إليك وإال ال يفيد سرى الساري

  59      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ويا جنيت يف كل حال ويا ناري*** فيا منييت يا بغييت بل ورمحيت

على األرض فإن من مشوس وأقمار*** إذا صح منك االعتقاد فكل ما

العارفني، وكنت أشتهي أن أطلع على كنت أمسع مبجاهدة احملبني، ومناجاة : قال املغرية بن حبيبغفلة وراقبته من حيث ال يعلم ليايل عدة، دينار، فرمقته علىشيء من ذلك، فقصدت مالك بن

الصالة، فتارة يفين ليله يف تكرار آية أو آيتني، وتارة فكان يتوضأ بعد العشاء اآلخرة، مث يقوم إىلوحان انصرافه من صالته، قبض على حليته، وخنقته العربة، وجعل يدرج القرآن درجا، فإذا سجد

وأنني الوهلى، يا إهلي، ويا مالك رقي، ويا صاحب جنواي، ويا سامع شكواي، لى حبنني الثك : يقولواحملب ال يعذب حبيبه، ، ] 54املائدة [ " يحبهم ويحبونه " : بالقول تفضلا وامتنانا، فقلت سبقت

ساكن النار، فأي الرجلني مالك، وأي إهلي قد علمت ساكن اجلنة من . النارفحرم شيبة مالك على . ؟ الدارين دار مالك

. اهللا مث يناجي كذلك إىل أن يطلع الفجر، فيصلي الصبح بوضوء العتمة رمحه

  60      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

رابع عشرالفصل ال

نفس آسف، وما أراك إال وال ال رسالة دمع . يا من أقعده احلرمان، هذه رفاق التائبني عليك عبور ما أجدك ؟ كم غفلة ؟ كم كسل ؟ كم أعذار . هذا نذير الشيب ينذر بالرحلة يأ هلا منذور . مهجور

بدر عساك جترب بالتوبة وتعود . هجرك معمور بيت وصلك خراب، وبيت . يوم احلساب معذورولله يسجد من في السماوات " وتنجو من األهوال، جمبور، سجدة واحدة واصل ا السحر

. ] 15الرعد [ " وكرها وظاللهم بالغدو واآلصال واألرض طوعا

ذكره، وإن نصيب، إن نطقوا فب هللا در أقوام قلوم معمورة بذكر احلبيب، ليس فيها لغريه حظ والأقوام ذكر احلبيب، وأوقام باملناجاة تطيب، حتركوا فبأمره، وإن فرحوا فبقربه، وإن ترحوا فبعتبته،

. غري رضاه بلفظة ال يصربون عنه حلظة، وال يتكلمون يف

: وأنشدوا

وصربي عنك من طلب احملال*** حيايت منك يف روح الوصال

طشان عن املاء الزالللع*** وكيف الصرب عنك وأي صرب

رأيت احلب يلعب بالرجال*** اذا لعب الرجال بكل شيء

أربعني سنة، ومل يغلب خريه على إذا بلغ العبد ( : يروى عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أنه قالب إليه، ال يفلح أبدا، فإن من اهللا عليه، وتا فديت وجها : شره، قبله الشيطان بني عينيه، وقال

يا وياله، قطع هرمه : غمرات اجلهالة، يقول الشيطان لعنه اهللا واستنقذه من الضاللة، واستخرجه منالغزايل يف أورده [ ) باملعصية عيين، مث أخرجه اهللا من اجلهالة بتوبته ورجوعه إىل ربه بالضاللة، فأقر

. ] اإلحياء

  61      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ممن يسار إليه يف العلم قهاء من أهل بغداد، وكانوذكر يف بعض األخبار أن رجلا كان من الفاهللا احلرام، وزيارة قرب نبيه عليه الصالة والصالح، وكان شيخا كبريا فاضلا، وأراد احلج إىل بيت

الذين كانوا يقرؤن عليه، فارتبط معهم على أم خيرجون والسالم، فألف من أصحابه مجاعة من . متوكلني على اهللا عز وجل

يا أستاذنا، نسري : والعطش، فقالوا فلما ساروا يف بعض الطريق، وإذا بدير نصراين، وقد أعياهم احلر افعلوا ما شئتم، فساروا إىل : شاء اهللا تعاىل، فقال هلم هلذا الدير، فنستظل حىت يربد النهار، ونرحل إن

. لطلبة، والشيخ مل ينمجداره وقد أصام العياء واحلر، فنام ا ذلك الدير، ونزلوا عند

إال ذلك، فبينما هو ميشي فتركهم الشيخ نائمني، وخرج يطلب ماء لوضوئه، ومل يكن له هم : قالالسن، كأا الشمس الضاحية، فلما رآها يف حومة الدير يطلب املاء، فرفع رأسه، فرأى جارية صغرية

يكن له هم إال اجلارية، فأقبل يقرع الباب قرعا واملاء، ومل الشيخ متكن إبليس من قلبه، ونسي الوضوء ؟ من أنت : وقال له عنيفا، فخرج إليه راهب

. أنا فالن العامل الفالين، وعرفه بنفسه وامسه : قال له

. ؟ ما تريد يا فقيه املسلمني : فقال له الراهاب

. ؟ منك هي يا راهب، هذه الصبية اليت بدت من أعلى الدير، ما : قال له

. ؟ هي ابنيت، فما سؤالك عنها : قال الراهب

. أريد أن تزوجين إياها : قال له الشيخ

لكنت أزوجها منك بغري مشورا، إن ذلك ال جيوز عندنا يف ديننا، ولو كان جائزا، : قال له الراهبى لنفسها، ولكن أنا أدخل عليها إال من ترض ولكن قد جعلت هلا على نفسها عهدا، أن ال أزوجها

. زوجتك منها لنفسها، وأعلمها خبربك، فإن هي رضيتك

  62      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. حبا وكرامة : قال له السيخ

. فذهب الراهب إىل ابنته، فأعلمها بالقصة، والشيخ يسمع : قال

ن ذلك ال يتم دين اإلسالم، إ يا أبت، كيف تزوجين منه، وأنا على دين النصرانية، وهو على : فقالت . له إال أن يدخل يف دين النصرانية

. ؟ تتزوجينه أرأيت إن دخل يف دينك، : فعند ذلك، قال هلا الراهب : قال

. نعم : قالت

عينيه، وأصحابه رقود، ليس عندهم والشيخ العامل يف هذا كله يتضاعف به األمر، وإبليس يزينها يف . علم مبا حل به

. اإلسالم، ودخلت يف دينك قد نبذت دين : عند ذلك، أقبل عليها الشيخ وقال هلا ف : قال

املهر، وأين احلق، وأراك رجلا هذا زواج قدري، ولكن ال بد من حق الزوجية ودفع : قالت له اجلارية . عاما كاملا، ويكون ذلك صداقي فقريا، ولكن أقبل منك يف حقي أن ترعى هذه اخلنازير

. ألنظر إليك غدوة وعشيا نعم، لك ذلك، ولكن أشترط عليك أن ال جتيب وجهك عين، : ال هلاق

. نعم : قالت

. لتمشي للمرعى فأخذ عصاه اليت كان خيطب عليها، وأقبل ا على اخلنازير، يزجرها

سألوا عنه جيدوه، ف وجرى هذا كله وأصحابه نيام، فلما استيقظوا من نومهم طلبوا الشيخ فلم . الراهب، فأعلمهم بالقصة

. على ما حل به فمنهم من خر مغشيا عليه، ومنهم من بكى وناح، ومنهم من تأسف : قال

  63      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. ؟ وأين هو : مث قالوا للراهب

. يرعى اخلنازير : قال هلم

: ا اخلنازير، وقلنا لهوهو يزجر فمضينا إليه، فوجدناه متكئا على عصاه اليت كان خيطب عليها : قال

. يا سيدنا، ما هذا البالء الذي حل بك

وقرأنا عليه القرآن وجعلنا نذكره فضل القرآن واإلسالم، وفضل حممد صلى اهللا عليه وسلم، . واحلديث

. نينزل يب البالء من عند رب العامل إليكم عين، فأنا أعلم مبا تذكرونين به منكم، ولكن قد : فقال لنا

. وتركناه، ويف قلوبنا منه حسرة فكلما عاجلناه ليسري معنا، ما قدرنا عليه، فمضينا إىل مكة : قال

تعالوا ننظر ما فعل الشيخ، لعله : وقضينا حجنا ورجعنا نريد بغداد، فلما صرنا إىل ذلك املوضع، فقلنا . ندم وتاب إىل اهللا عز وجل، ورجع عما كان فيه

عليه وذكرناه، وقرأنا عليه القرآن، فذهبنا إليه، فوجدناه على حالته، وهو يزجر اخلنازير، فسلمنا : قال . منه حسرة عظيمة فما رد علينا شيئا، فانصرفنا عنه ويف قلوبنا

من ناحية الدير، وهو يصيح علينا، فلما صرنا على بعد من الدير، وإذا حنن بسواد قد أقبل علينا : قال . نا له، فإذا هو صاحبنا الشيخ قد حلق بنافوق

قد تبت إىل اهللا، ورجعت عما كنت أشهد أن ال إله إال اهللا، وأشهد أن حممدا رسول اهللا، وأنا : وقالوبني ريب عاقبين به، فكان من البالء ما فيه، وما كنت فيه، وما كان ذلك إال من ذنب كان بيين

. رأيتم

  64      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

العبادة واالجتهاد أكثر مما كان غاية السرور، وجئنا إىل بغداد، وأقبل الشيخ على فسررنا بذلك : قالوإذا حنن بامرأة قد قرعت الباب، فخرجنا إليها عليه قبل ذلك، فبينما حنن يف دار الشيخ نقرأ عليه،

. املرأة ما حاجتك أيتها : وقلنا هلا

لتسلم على يديك، فأذن هلا الراهب قد جاءت إن فالنة بنت فالن : أريد الشيخ وقولوا : قالت . يا سيدي جئت ألسلم على يديك : بالدخول، فدخلت، وقالت

. وما كانت القصة : فقال هلا الشيخ

النائم علي بن ايب طالب رضي اهللا ملا وليت عين، غلبتين عيناي، فنمت، فرأيت فيما يرى : قالت لهعليه وسلم، قال يل ذلك ثالث مرات، مث قال يل بعد حممد صلى اهللا ال دين إال دين : عنه، وهو يقول

: وها أنا ذا قد جئت إليك، وأنا بني يديك، وأقول . وليا من أوليائه ما كان اهللا ليبتلي بك : ذلك

. إله إال اهللا وأشهد أن حممدا رسول اهللا أشهد أن ال

فتزوجها على كلمة اهللا وسنة إلسالم على يديه،ففرح الشيخ بذلك، حيث من اهللا عليها بدين ا . رسوله

. فسألناه عن ذلك الذنب الذي كان بينه وبني اهللا : قال

ابعد عين عليك : يب، فقلت له كنت يوما ماشيا يف بعض األزقة، وإذا برجل نصراين قد لصق : قال . منك أنا خري : قلت له ؟ ومل : فقال . لعنة اهللا

اهللا تعاىل حىت تقول هذا ما يدريك أنك خري مين، وهل تدري ما عند : فالتفت النصراين، وقال . ؟ الكالم

العبادة، فعاقبين اهللا تعاىل وقد بلغين بعد ذلك أن هذا الرجل النصراين قد أسلم وحسن إسالمه، ولزم . من أجل ذلك ما رأيتم

  65      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. نسأل اهللا العافية يف الدنيا واآلخرة

  66      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

امس عشرالفصل اخل

ونشتكي اهلجران، . نسكب املدامع تعالوا نبكي على الذنوب فهذا مأمت احلزان، تعالوا : معاشر التائبني . لعل زمان الوصال يعود كما كان

. األظعان هذا بياض الشيب ينذر خبراب األوطان، يا من ختلف حىت شاب، وقد رحلت

األسباب، وليلك يف الرقاد، هذه اخلسارة ا حائرا يف برية احلرمان، ارك يفيا تائها يف تيه التخلف، يحىت ذبل من معاصي الرمحن، فعند إقبال املشيب، عيان، إذا وىل الشباب ومل يربح، ففي الشباب

وقد يرحم املوىل من . رفيق التوفيق، وإال ففي احلرمان حرمان إن مل يشاهدك . ندمت على ما قد كان . ] 39الرعد [ " يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب يمحو الله ما " ف عن األسباب ضع

: وأنشدوا

بقاؤك فيها لو عقلت قليل*** أتبين بناء اخلالدين وإمنا

ل يوم يقتفيه رحيلملن ك*** لقد كان يف ظل األراك مقيل

إن لك عاجلا وعاقبة، فال تؤثر يا ابن آدم، : ويروى عن احلسن البصري رضي اهللا عنه، أنه كان يقولعاجلتهم على عاقبتهم، فهلكوا وذلوا عاجلتك على عاقبتك، فقد واهللا، رأيت أقواما آثروا

. وافتضحوا

. فتخسرمها مجيعا تبع آخرتك بدنياكيا ابن آدم، بع دنياك بآخرتك ترحبهما مجيعا، وال

اآلخرة، وهل ينفعك ما أصبت من يا ابن آدم، ال يضرك ما أصابك منشدة الدنيا إذا ادخر لك خري . رخائها إذا حرمت من خري اآلخرة

. يا ابن آدم، الدنيا مطية، إن ركبتها محلتك، وإن محلتها قتلتك

  67      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

مما يف يديك ملا بني وآت على أجلك، ومعروض على ربك، فخذ إنك مرن بعملك، : يا ابن آدم . يديك، وعند املوت يأتيك اخلرب

. املرء ما بلغك احملل ال تعلق قلبك بالدنيا فتعلقه بشر متعلق، حسبك أيها : يا ابن آدم

ارية من البصرة، إذا هو جب ويروى عن مالك بن دينار رضي اهللا عنه، أنه كان ماشيا يف بعض أزقةها خلفه، فالتفت إليها وهي راكبة، جواري امللك، راكبة ومعها اخلدم واملماليك، فسمع مالكحس

. اجلارية هل يبيعك موالك أيتها : فرأى زهرا وهيأا وحاهلا، فنادى

بالية، وله هيأة حسنة وتواضع فلما مسعت منه تلك الكلمة، نظرت إليه، فرأت عباءة خلقة : قال . سكينة هللا عز وجلو

. يا شيخ، أعد علي مقالتك : له أمسكوا مطييت، فمسكوها، فردت رأسها إليه، وقالت : فقالت للخدم

. ! ؟ وهل ملثلك ما يشتريين به لو باعين ويلي عليك، : قالت . قلت هل يبيعك موالك : قال

أتت قصرها، فقام إليها حجبة م، فسار معهم حىت خلوا عين أسري معك : فحف به املماليك، قال : قال يا موالي، أال : إىل موالها، فقالت الدار فأنزلوها، فدخلت، وبقي مالك بباب القصر حىت وصلت

. ! ؟ أحدثك بعجب

. ؟ وما هو يا حسنة : قال

مجايل وائي وكمايل إىل حسين و يا موالي لقيين شيخ كبري فقري عليه عباءة رثة بالية، فنظر : قالت : موالك، فضحك موالها من ذلك، وقال هلا هل يبيعك : ومماليكي، فأعجبه ما رأى من هيأيت، فقال

. أدخلوه علي : معي، وها هو بباب القصر، فقال قد جئتك به : قالت ! ؟ وأين هو ويلك

  68      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

بضروب من الوطأ، لوءفدخل مالك، ومل يعرفه الرجل، فلما وقف بباب جملسه، إذ هو بيت مم ؟ مالك : فقال . ينظر إليه واملتكأ، وإذا هو بصاحب القصر قاعد على مرتبة عظيمة، فجعل مالك

. أدخل أيها الشيخ

. ال أنظر إليه، وال أطأ شيئا منه ال أدخل حىت ترفع هذا الوطاء، وتغيب عين فتنته، حىت : فقال مالك

والبسط، حىت كشف عن الرخام، ة يف قلب صاحب القصر، فأمر برفع الوطاءفألقى اهللا اهليبة والطاع . أحببت اجلس أيها الشيخ كما : وقعد صاحب القصر على كرسي قال

فجلس الرجل، وجلس مالك : قال . ال واهللا حىت تنول عن هذا الكرسي، وجتلس على هذا املرمر : قال . معه

. ها الشيخ قل حاجتك أي : فقال رب البيت

. ؟ جاريتك هذه اليت دخلت عليك الساعة، أتبيعها يل : قال

. ؟ وهل لك ما تبتاعها به مين : فقال له صاحب القصر

. ؟ وما مثنها : قال

. ألفا إن من شأا وقدرها وحاهلا وماهلا، تساوي كذا وكذا : قال له

وضحكت اجلارية، وضحك ني مسوستني، فضحك الرجل، واهللا ما تساوي عندي نوات : فقال مالك . اجلواري واخلدم من وراء الستر من كالم مالك

. ؟ وما الذي أضحككم : فقال مالك

. ؟ وكيف كان مثنها ذه اخلساسة عندك : قال صاحب البيت

  69      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. لكثرة عيوا : فقال مالك

. ومن أعلمك بعيوا : قال

. لم من عيوا ما مل تعلم أنت أنا أع : قال

. أعلمين ا، وأوقفين عليها : قال

وإن مل متتشط قملت إن مل تتعطر تغيرت، وإن مل تستك خبرت، وإن مل تغتسل بظرت، : قال أقذار مجلة، , وغائط وشعثت، وإن عمرت عن قليل هرمت وهي ذات خبار، وبصاق، وحيض وبول

لتمتعها بك، ومتتعك ا، فال تفي بعهدك، ريدك إال لنفسها، وال حتبك إالوآفات بينة، ولعلها ال ت وأنا أجد بدون ما . أحد من بعدك إال رأته مثلك وال تصدق يف ودك وعهدك، وال يتخلف عليها

ولو مزج بريقها األجاج لطاب، ولو دعي ميت بكالمها سألت جارية خلقت من ساللة الكافور،أظلمت دونه، ولو برز لسواد الليل لسطع نوره، ولو واجهت ها للشمسألجاب، ولو بدا معصم

لترخرفت، ولو نفخ ريح ذوائبها على األرض وما فيها لتعطرت، فهي العطرة اآلفاق حبليها وحللها،يكسف املغنجة املتنسقة، اليت نشأت يف رياض املسك والزعفران وغنيت مباء التنسيم، فال الشكلة

فأيهما أحق بالرفعة أيها . ل حاهلا، وال خيلف عهدها، وال يتبدل ودها، وال يتوقع ضدهاباهلا، وال حيو . ؟ املغرور

. ؟ اليت وصفت، فما مثنها رمحك اهللا : قال

ختلصهما لربك، وأن تضع اليسري املبذول، أن تتفرغ ساعة عن ليلك، فتقوم فتصلي ركعتني : قالالطريق فتلتقط منه حجرا ومدرا، ائعا، فتؤثره على شهوتك، وأن ختطوطعامك بني يديك، فتذكر ج

تقطع أيامك باليسري من القوت، وترفع مهتك وأن حترك لسانك بطيب الكالم، أو بذكر الرمحن، وأنالقنوع راسخا، وتأيت غدا يوم القيامة آمنا، وترتل على امللك عن دار الغفلة، فتعيش يف الدنيا عيش

. رب خملدااألك

  70      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. يا جارية : فعند ذلك نادى : قال

. لبيك يا موالي : قالت

. ؟ أمسعت ما قاله الرجل : قال

. نعم : قالت

. ؟ هل هو صادق، أم كاذب : قال هلا

. بل هو، واهللا صادق : قالت

وأنتم أيها الغلمان أحرار، ة، فأنت إذن حرة لوجه اهللا تعاىل، وضيعة كذا وكذا عليك صدق : قالفيها من األثاث واألموال على الفقراء وضياع كذا وكذا عليكم صدقة، وهذه الدار صدقة جبميع ما

. واملساكني

. ما كان عليه من اللباس ومد يده على ستر كان على بعض أبوابه، فأخذه وستر به نفسه ورمى مجيع

ثوبا خشنا وخرجت معه، يل بعدك، فرمت بكسوا ولبست يا موالي، ال عيش : قالت اجلارية . طريقا آخر فودعهما مالك بن دينار ودعا هلما وأخذا طريقا، وأخذ مالك

رمحة اهللا . احلالة حىت لقياه فذكر أما مل يزاال يعبدان اهللا عز وجل على تلك : قال ناقل احلديث . آمني . . عليهم ونفعنا بربكام

  71      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

سادس عشرالفصل ال

قل ؟ فترحل عن األموال واألوالد يا تائها يف الضالل بال دليل وال زاد، مىت يوقظك منادي الرحيل . تقدم على سفر اآلخرة بال راحلة وال زاد مىت تتيقظ وماضي الشباب ال يعاد، وحيك كيف : يل

ما مجعت، وقطعت احلسرات منك تقاد، ومنعت التصرف في ستندم إذ حان الرحيل، وأمسيت مريضاعنك العواد، وكفنت يف أخصر الثياب، ومحلت على األعواد، األكباد، فجاءتك السكرات، ومنع

هلا من نفاد، تغدو عليك احلسرات وتروح إىل يوم التناد، مث بعده وأودعت يف ضيق حلد وغربة ما . ليتك ملعاينتها ال تعاد أهوال كثرية، فيا

" وتذرون اآلخرة* العاجلة كال بل تحبون " ع الطاعات، فبضائع املعاصي خاسرةفاغتنموا بضائ

. ] 21ـ20القيامة [

: وأنشدوا

واحذر إن تبد هلا طلبا*** احذر دنياك وغرا

قد قتلت أما وأبالك*** تبغى ودا ممن قدما

كال قهرت أولت عطبا*** وعلى اجلريان فقد جارت

قد مال هلا سكرا وصبا*** كم من ملك ذي مملكة

بتراب اللحد قد احتجبا*** أضحى يف اللحد ومقعده

ففي أخراك ترى عجبا*** اطلب موالك ودع دنياك

باملوت وها أضحى خربا*** كم من قصر قد شيد بنا

كم من تاه ملك غضبا*** البها ال تله ا يا ط

  72      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

حلدا فردا خربا تربا*** أين املاضون قد سكنوا

فتأدب أنت م أدبا*** كانوا ومضوا مث انقرضوا

واملوت حلينك قد قربا*** فالعمر مضى والشيب أتى

عمر األيام قد انتهبا*** فأعد الزاد فما سفر

ال تلق جبريتك النصبا*** بادر بالتوب وكن فطنا

يلقي بالعفو لنا سببا*** *** فلعل اهللا برمحته

وأتقوت به، وكان طريقي فيه كنت أمحل احلطب من اجلبال : قال أبو سليمان الداراين رمحه اهللامنهم احلسن ومالك بن دينار، وفرقد التقوى والتحري، فرأيت مجاعة من صلحاء البصرة يف النوم،

. السبخي

تبعة، وال للخلق فيه منة، فأخذوا أنتم أئمة املسلمني فدلوين على احلالل الذي ليس فيه : فقلت هلم هذا هو احلالل الذي ليس فيه هللا : فقالوا يل بيدي وأخرجوين من طرسوس إىل مرج فيه خبازي،

. تبعة، وال للخلق فيه منة

إن كان أهل : قلت . تعاىل قلبا طيبا وخا، فأوجدين اهللا قعدت آكل منه دهرا نيئا، وآكل منه مطب : قال . اجلنة بالقلب الذي يل، فهم واهللا يف عيش

بقيت يل من احلطب الذي فخرجت يوما على باب البلد، وإذا بفىت يريد البلد، وكانت يل قطيعات . فقهاالفقري ين هذه ال أحتاج إليها، أدفعها هلذا : كنت أبيعه قبل ذلك، فقلت

ما حويل من األرض ذهب فلما دنا مين، أدخلت يدي ألخرجها له، فرأيته قد حرك شفتيه، وإذا كل . وفضة، حىت كاد خيطف بصري

  73      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

فسلمت عليه، مث طلبت منه أن مث خرجت مرة أخرى، فرأيته قاعدا وبني يديه ركوة وفيها ماء، : قالالكالم تنشف احلسنات، كما تنشف هذه كثرة : قاليكلمين فمد رجله، فقلب الركوة مبائها، مث

. األرض املاء، يكفيك

أضحى، فرأيت عندها دخلت على أمي يف يوم عيد : قال حممد بن غسان صاحب الكوفة وقاضيها خالتك عانية أم جعفر بن : فقالت ؟ هذه من : عجوزا يف أطمار رثة، وإذا هلا بيان ولسان، فقلت ألمي

: عليها، وسلمت علي، فسألتها عن حاهلا، وقلت هلا لربمكي، وزير هارون الرشيد، فسلمتحيىي ا

. ! صيرك الدهر إىل ما أرى

. نعم يا بين، إمنا كنا يف عوار ارجتعها الدهر منا : قالت

. حدثين ببعض شأنك : فقلت انت

ثالث سنني، وعلى رأسي مثل هذا منذ لقد مضى علي عيد يف . خذ مجلة، وقس على ذلك : قالتبرسم الضاحي ألف رأس من الغنم، أربعمائة وصيفة، وأنا أزعم أن ابين عاق، وقد كان بعث إيل

واللباس، وقد جئتكم اليوم أطلب جلدي شاتني وثالمثائة رأس من البقر، دون ما يتبع ذلك من الزينة . بليلتعين غطاء أجعل إحدامها شعارا، واآلخر دثارا،

واهللا قوهلا، فوهبت هلا دنانري كانت فغمين ذلك من قوهلا، وكربين ما رأيت من حاهلا، وأبكاين : قال . عندي

فاملغرور، واهللا من اغتر ا، فانظر أخي حال الدنيا، وكيف حيول نعيمها وكيف يذهب ويزول، فواحد يصاب يف األموال واألوالد، : ادأعد واملسعود من رأى عيبها وفر منها واملصائب يف الدنيا

. واإلبعاد واآلخر يعرى من اإلسالم بالطرد

  74      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

فمر بنا قوم جيرون قتيلا، فلما كنت جالسا عند احلسن البصري رضي اهللا عنه، : بعض السادات : قال هذا الرجل إن : غشيته، سألته عن أمره فقال رآه احلسن البصري، وقع مغشيا عليه، فلما أفاق من

. يا أبا سعيد أخربنا خبربه، وأطلعنا على أمره : السادات، فقلت له كان من أفضل العباد والزهاد وكبار

طريقه جارية نصرانية، فافتنت إن هذا الشيخ خرج من بيته يريد املسجد ليصلي فيه، فرأى يف : قال، فلما طالت املدة، وزاد به األمر جبذته ديين ال أتزوجك حىت تدخل يف : ا، فامتنعت عليه، فقالت

. ذلك، وبريء من دين احلنيفية شهوته، مث غلبت عليه شقوته، فأجاب إىل

يا هذا، ال خري فيك، : وقالت فلما صار نصرانيا، وكان منه ما كان، خرجت املرأة من خف الستر،نا أترك دين النصرانية طلبا هلا، لكن أ خرجت من دينك الذي صحبته عمرك من أجل شهوة ال قدر

* الله الصمد * قل هو الله أحد " : الصمد، مث قرأت لنعيم ال يفىن عين طول األبد يف جوار الواحد

لدي لم ولدي لمو *دا أحكفو كن لهي لماإلخالص [ " و [ .

ال واهللا ما عرفتها : قالت ! ؟ هذا أكنت حتفظني هذه السورة قبل : فتعجب الناس من أمرها، وقالوا هلاالنوم كأين دخلت النار، فعرض علي مكاين منها، قط، ولكن هذا الرجل ملا أحل علي، رأيت يف

وال حتزين، فقد فداك اهللا ذا الرجل منها، مث ال ختايف : مالك فارتعبت وخفت خوفا شديدا، فقال يليشاء يمحو الله ما " فقرأته، فوجدت فيه . اجلنة، فوجدت فيها سطرا مكتوبا أخذ بيدي، وأدخلين

أقرأين سورة اإلخالص، فأقبلت أرددها، مث انبتهت وأنا مث . ] 39الرعد [ " ويثبت وعنده أم الكتاب . أحفظها

. اهللا العافية نسأل . فأسلمت املرأة، وقتل الشيخ على ردته نصرانيا : قال احلسن

  75      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

سابع عشرالفصل ال

واأسفا، أين أرباب . الكذوب يا من يذوب وال يتوب، كم كتبت عليك الذنوب، وحيك خل األملتؤوب، واعجبا لك، ما الناس إال قلوب، تفرقت باهلوى يف شعوب، ندعوك إىل صالحك والال

. ضروب

يف حالتيك وما أقلك منصفا*** يا دهر ما أقضاك من متلون

وعلى الكرمي احلر سيفا مرهفا*** وغدوت للعبد اجلهول مصافيا

رفاوإذا استقام بدا له فتح*** دهر إذا أعطى استرد عطاءه

أدري بأنك ال تدوم على الصفا*** ال أرتضيك وإن كرمت ألنين

أوىل بنا ما قل منك وما كفى*** ما دام خريك يا زمان بشره

طوائف، كان يايت على أدركت أقواما، وصحبت : روي عن احلسن البصري رضي اهللا عنه أنه قالنوم، ومل يأمر أهله قد بعمل فراش والأحدهم اخلمسون سنة وحنوها ما طوى منهم أحد ثوبا قط ل

أحدهم األكلة، فيود أا حجر يف بطنه، طعام، وال جعل بينه وبني األرض فراشا، ولقد كان يأكليتأسفون على شيء منها أدبر، وهلي أهون عليهم من وما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل وال

هم يعيش عممره جمهودا شديد اجلهد، واملال ولقد كان أحد هذا التراب الذي تطؤونه بأرجلكم، ال واهللا، إين ألخاف إن : فيقول ؟ إال تأخذ من هذا املال شيئا لتقتات به : احلالل إىل جنبه، فيقال له

. منه شيئا يكون فساد لقليب وديين أصبت

صواب، فأتاها ووقف : هلا ويروى عن سلمان الفارسي رضي اهللا عنه، أنه تزوج امرأة من كندة يقال . بباب البيت ونداى بامسها فلم جتبه

. ؟ أال تسمعني ؟ يا هذه أخرساء أنت أم صماء : فقال هلا

  76      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. تتكلم يا صاحب رسول اهللا، ما يب خرس ةال صم ولكن العروس تستحي إن : قالت

بيتك هذا حمموم فدثرته، أم أ يا هذه : فدخل املرتل، فإذا باألستار واألرياش ولباس الديباج، فقال . حتولت الكعبة يف مندة

فرأى خدما وقوفا على رأسه ال يا صاحب رسول اهللا، ولكن العروس تزين بيتها، فرفع رأسه : قالتمن نام على املوثور، ( : اهللا عليه وسلم يقول مسعت رسول اهللا صلى : قد أتوه باملاء والطعام، فقال

. ) الشهوات، مل يرح راشحة اجلنة ركب املنظور، وأكلولبس املشهور، و

البيت صدقة لوجه اهللا أشهدك أن كل ما يف : يا صاحب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : قالت . رمحك اهللا وأعانك : هلا تعاىل، واكفين برا، أكفك اشتغال البيت وحماولة العيش، فقال

. نفعنا اهللا بربكام مبنه

  77      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ثامن عشرالفصل ال

يف حبر الغفلة عائم، قف على يا غافلا عن نصريه، يا واقفا مع تقصريه، سبقك أهل العزائم، وأنت مذنب وراحم، وتشبه بالقوم : يف األسحار أنا ظامل، وناد : الباب وقوف نادم، ونكس رأس الذل وقل

اجم، وقم يف الدجى نادبا، وقف الزفرات سحاب دمع س وإن مل تكن منهم وزاحم، وابعث بريحالعمر ذاهبه، ودع اللهو جانبا، وطلق الدنيا إن كنت لآلخرة طالبا، يا على الباب تائبا، واستدرك من

. الليل سارت الرفقة، ورحل القوم كلهم، وما انتبهت من الرقدة نائما طوال

يوما إىل شعرة بيضاء يف حليته، ه نظرويروى عن إياس بن قتادة رضي اهللا عنه، وكان سيد قومه، أناملوت يطلبين، وأنا ال أفوته، مث خرج إىل قومه، اللهم إين أعوذ بك من فجأة األمور، أرى : فقال

. لكم شبايب فالتهبوا يل شيبيت، مث دخل داره، ولزم بيته حىت مات يا بين سعد، قد وهبت : وقال هلم

: وأنشدوا

جهلت ومنك اليوم ال حيسن اجلهل*** رجل الكهل أمن بعد شيب أيها ال

متيل إىل الدنيا وخيدعك املطل*** حتكم شيب الرأس فيك وإمنا

وبادر جبد ال خيالطه هزل*** دع املطل والتسويف إنك ميت

فليس لقليب عن تذكره شغل*** سأبكي زمانا هدين بفراقه

ن قبل اليوم بينهما وصلوقد كا*** عجبت لقليب والكرى إذا اجرا

وأثقلت ظهري من ذنوب هلا ثقل*** أخذت لنفسي حتف نفسي بكفها

له املن واإلحسان واجلود والفضل*** وبارزت بالعصيان ربا مهيمنا

وأعلم حقا أنه حكم عدل*** أخاف وأرجو عفوه وعقابه

  78      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ووكل بك ملكان كرميان، ك، يا ابن آدم، هبطت صحيفت : وروي عن احلسن البصري أنه كان يقولحسناتك، والذي عن يسارك يكتب أحدمها عن ميينك، واآلخر عن مشالك، فالذي عن ميينك يكتب

الدنيا، طويت صفحتك، وعلقت يف سيئاتك، اعمل ما شئت، وأقلل أو أكثر، حىت إذا فارقت " كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا اقرأ " : عنقك، فإذا كان يوم القيامة، أخرجت وقيل لك

. ] 14 اإلسراء [

. يا أخي، عدل واهللا عليك من جعلك حسيب نفسك

. وحتاسب وحدك يا ابن آدم، اعلم أنك متوت وحدك، وتدخل قربك وحدك، وتبعث وحدك،

. طاعتهم و أن الناس كلهم أطاعوا اهللا، وعصيت أنت، مل تنفعك ل : يا ابن آدم

: إسحاق، فقال له كيف حالك يا ابا : وروي عن إبراهيم بن أدهم أنه لقى رجلا، فقال له

فال ديننا يبقى وال ما نرقع*** نرقع دنيانا بتمزيق ديننا

وجاد بدنياه ملا يتوقع*** فطوىب لعبد آثر اهللا ربه

. عين وحيي، كيف أغفل وال يغفل : ويروى أن عون بن عبد اهللا كان يقول

أم كيف ؟ أدري مىت أجلي كيف ال أبادر بعملي، وال ؟ وكيف يهنأ عيشي، واليوم ثقيل من ورائي وهي زائلة ومنقطعة ؟ مبن آثرها قبلي أسر بالدنيا وال يدوم فيها حايل، أم كيف أؤثرها وقد أضرت

. يفعل يب يف ذنويب أم كيف ال يطول حزين وريب ال أدري ما ؟ عين

ما يوقد يف بيت رسول اهللا صلى كانت تأيت أربعون ليلة : ويروى عن عائشة رضي اهللا عنها أا قالت . املاء والتمر : الت على األسودين ق ؟ تعيشون فيم كنتم : قيل هلا . اهللا عليه وسلم مصباح وال نار

  79      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

إين ألشتهي : بن أسباط قال يل يوسف : وعن عائشة بنت سليمان زوج يوسف بن أسباط أا قالتأموت ليس يف ملكي شيء، وال يكون علي أشتهي أن أكون حني : قال ؟ وما هي : من اهللا ثالثة، قلت

. دين، وال يكون على عظمي حلم

أي شيء : ال، فقال : قلت ؟ نفقة هل بقي عندك : قالت : ي من ذلك كله ولقد قال يف مرضهولقد أعط فإذا فعلت ذلك، انكشف حالنا، فقال : للبيع، قال أخرج هذه اخلابية إىل السوق : فقلت ؟ تريدين . إمنا باعوها من احلاجة : الناس

. فبيع بعشرة دراهم ر بإخراجه إىل السوق،وكان عندنا خروف أهداه لنا بعض إخواننا، فأم

. اعزيل درمها حلنوطي، وأنفقي سائرها : فقال يل

. رضي اهللا عنه ونفغنا بربكاته فمات وما بقي من الدراهم إال الدرهم الذي أمر بعزله حلنوطه، : قالت

عس، مىت تطلب األخرى، النا يا من حتدثه اآلمال، دع عنك هذه الوساوس، مىت تنتبه لصالحك أيهاكل مؤانس، يا من قلبه قد قسا وجفنه مىت تذكر وحدتك إذا انفردت عن . يا من على الدنيا يتنافس

. ناعس

: وأنشدوا

إال لعظم بلييت وشقائي*** إين بليت بأربع ما سلطت

كيف التخلص من يدي أعدائي*** إبليس والدنيا ونفسي واهلوى

ألرى من أتأدب به صعدت على جبل لبنان، : على بن علي رضي اهللا عنه قالوروي عن عبد األشيخا تلوح على وجهه األنوار وقد وأذب بأخالقه، فدلين اهللا على أحدهم يف مغارة، فوجدت فيها

فبينما أنا قاعد عنده، وإذا أنا مبطر عظيم وسيل علته السكينة والوقار، فسلمت عليه، فأحسن الرد،من غري إذنه، فناداين وآواين، وأقعدين على صخرة بإزائه، فاستحييت أن آوي إىل املغارةشديد،

  80      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

: ضاق صدري من املطر، وتضييقي عليه يف موضعه، فناداين، وقال يل وكان يصلي على مثلها، وقد

؟ ما عالمة احملبة : فقلت له . التواضع واالستسالم من شرائط اخلدام،

فاعلم أن القلب على احملبة منطو، البدن كاحلية يلتوي، والفؤاد بنار الشوق يكتوي، إذا كان : قال أال ترى إىل آدم عليه . عنه عوض إال احملبوب وكل نقمة يشاهدها احملب دون اهلجر فهي نعمة، فالكل

ي ملا مل يكن معه هاجر، كانت منحا ونعمة، وجعل يقول رض السالم شاهد العتاب والنقمة، ولكنه : اهللا عنه

وهم قاتل وقلب مريض*** جسد ناحل ودمع يفيض

ومهوم وحرقة ومضيض*** وسقام على التنائي شديد

يا حبيب القلوب قليب مريض واهلوى قاتلي ودمعي يفيض

فبالئي بك الطويل والعريض*** إن يكن عاشق طويل باله

. وأجهزه، فما وجدت أحدا ي من يدفنه وصاح الشيخ صيحة، فسقط ميتا، فخرجت ألنظر مع : قال

: متفكرا، فسمعت هاتفا يقول فرجعت إىل املغارة، فطلبته، فما وجدته، فبقيت متحيرا يف أمره

وفاز بالبغية واملطلوب*** رفع احملب إىل احملبوب

. ونفعنا اهللا بربكاته ورضي اهللا عنه

  81      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

تاسع عشرالفصل ال

عنه، فتبقى كاحلائر، رفيق التقوى قي بالفاين إال خاسر، وإياك واألنس مبن ترحليا أخي، ال يبيع الباقلب خملص، ولسان ذاكر، إذا شبت ومل تنتبه، رفيق صادق، ورفيق املعاصي غادر، مهر اآلخرة يسري،

باك وجفن ساهر، كم هلم على باب تتجاىف جنوم من فاعلم أنك سائر، فديت أهل التهجد بلسانالسحر أغناهم عن نسيم العذيب وحناجر، عصفت م رواشق مع قاطر، إذا تنسموا نسيمتلمق ود

. منازل اخلدمة، ومرتل الغفلة خراب داثر االستغفار البواكر، عمروا

مصفر اللون على وجهه نور رأيت شابا يف بعض السواحل : قال ذا النون املصري رضي اهللا عنه وعليك السالم ورمحة اهللا : أخي، فقال السالم عليك يا : نس، فقلتالقبول، وآثار القرب وعز األ

التشتت يف البالد، والتهتك يف العباد، وحترمي الرقاد، : فقال ما عالمة احملبة، : وبركاته، فقلت له . وخشية البعاد

: وأنشدوا

وخصصت بالبلوى رجالا خشعا*** أبليت من أحببت يا حسن البال

وأطلت ضرهم لكي يتخضعا*** بلواهم وطول حنينهم أحببت

لتكون إليهم سائر، طلبوا منه كم إىل دير احملبة من موارد ومصادر، نبهوا رواهب الشوق : إخواينالتوله، فانفض منه رحيق التحقيق له شعاع ميأل شرابا عتيقا جل عن معاصرة العاصر، فتح هلم دنان

فحنوا إىل املزيد حنني الذاكر، خامرهم سكر التولة، فبدا هلم كل ح الوجد،البصائر، أدار عليهم أقدااستزادوا من هذا الشراب الطيب الطاهر، بذلوا فيه النفوس واألوطان والغائب غائب وحاضر،

أطرم تلحني أهل دير احملبة، فتواجدوا تواجد كابر عن كابر، حمبوم ساقيهم، وجملس واحلاضر،

بأنواع األزاهر، ملوك يف وقت السكر، عبيد يف وقت الصحوة، فهم بني غائبأنسهم منضد

. وحاضر

  82      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

إال سيفه ليس لتيه شقائه من شربة من هذا املدام رخيصة ببذل الكون واألوائل واألواخر، ال يتركهمطعوم ومشروب، وعن كل نسيم آخر، اقبل نصحي وبادر قبل غلق بابه وباكر، يغنيك عن كل

. عاطر

على النار، فما أحس مبا هو منها شرب آدم، وناح عليها نوح، ونشر زكريا باملناشر، وعرض اخلليلاملنظور يف الناظر، وكم لداود منكسر أرين لعلي أرى : إليه سائر، وعاجل الشوق موسى فقال

نبينا حمد يأوي على باد وال حاضر، شرا شربا وأشواق وتلحني مزامر، وهام عيسى يف الرباري ال . فيه بقية أوجبت املدائح واملفاخر صلى اهللا عليه وسلم يوم السبت، فألقت

الكوثر، تروى منها يف ظمأ لك انفتح الكون، فاختر هذا الشراب الطيب الطاهر، قطرة منها رعوا اجتمعوا لشرا يف األول، واجتم . العاشر اهلواجر، دارت على الصديق والفاروق والسعيد إىل

املعاين بقايا الكرام فعل األكابر، صفت ألهل الصفة، فصفت بشرا لشرا يف اآلخر، أبقوا يف أدنان . السرائر

لك من عاذر، وزمزم وأطرب فاخلع يف شرا العذار، فما لك إن خلعت من عاذل، وإن مل ختلعه فماوإياك واخلاطر اخلاطر، إن سواه، صن موضع السر عن . وارقص، فالكون كونك، وحمبوبك حاضر

. نظرت لغريه، أبعدك وما لك إن بعدت من ناصر

األحوال، معكم أحتدث، ولكم يا معشر الفقراء، هذه أمساعكم، فأين من هو معي حاضر، يا أرباببذل املعصية لنيل هذا اجلوهر الفاخر، إن أصف، ولركبكم أساير، يا معشر التائبني، أما يهون عليكم

. احلرمان حائر السماع ومل تطرب، فأنت يف بريةفاتك هذا

على كل حال، فإن االشتغال بالغري حقيقة احملبة مشاهدة احملبوب : قال أبو بكر الوراق رضي اهللا عنه . درجات املتقني يف جنات النعيم حجاب، وأصله التسليم واليقني، فإما يبلغان إىل

: وأنشدوا

  83      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

وأطلب أن أنال م شفاعة*** نهم أحب الصاحلني ولست م

ولو كنا سواء يف البضاعة*** وأكره من بضاعته املعاصي

الفيايف والقفار، أطوف، وإذا بينما أنا يف بعض : ويروى عن ذي النون املصري رضي اهللا عنه أنه قالل من بني وجنتيه، عينيه، وينطق آثار القبو بغالم قد انتقع لونه وحنل جسمه، يتألأل نور اخلدمة بني

املؤانسة واملشاهدة، وعليه طمران، وعلى بدنه جبة صوف وعلى وجهه مست الطاعة وااهدة، وهيأة لئك كانإن السمع والبصر والفؤاد كل أو " : أحد كميه مكتوب متفتقة األكمام والذيول، وعلى

عليهم ألسنتهم وأيديهم يوم تشهد " : وعلى الكم اآلخر مكتوب . ] 36اإلسراء [ " عنه مسؤوالمن حبل ونحن أقرب إليه " : أذياهلا مكتوب وعلى . ] 24النور [ " يعملون وأرجلهم بما كانوا

احلاقة [ " يةتخفى منكم خاف يومئذ تعرضون ال " : وعلى ظهرها مكتوب . ] 16ق [ " الوريد18 [ .

: وعلى رأسه مكتوب

حيث موالي دوائي*** حب موالي بالئي

السالم : ساعة، فقلت فما رأيت أنظف من طمرين كانا عليه، فتهيأت خلطابه، مث دنوت منه بعد : فقال ! ؟ ي ومن أين عرفتين يا أخ : له السالم عليك يا ذا النون، فقلت : عليك يا عبد اهللا، فقال

ضمريك، فشاهد صفاء معرفتك يف غياهب غيوب اطلعت حقائق احلق من ضمريي على مكنون . النون املصري مهتك، فتناطقا وتعانقا، فعرفين أنك ذو

? ؟ يا أخي ما هي ابتداء احملبة : فقلت له

على طمريه، فقلت له يا أخي وما املكتوبة االعتبار ذه اآلية اليت تراها وتسمعها، وأشار إىل : فقال يا أخي الزهد يف الدنيا : بال انتهاء وحمبته بانتهاء حمال، فقلت له يا ذا النون حمبوب : انتهاء احملبة، فقال ؟ طلب للموىل طلب للعقىب، أم

  84      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

لوقة يصلح الزهد يف الدنيا املخ يا ذا النون، الزهد يف خملوق لطلب خملوق آخر خسران، وإمنا : فقال . لطلب املوىل اخلالق

التجنب عن : معىن الزهد إمنا . يا ذا النون، صغرت مهة عبد رضيت من حمبوب قدمي جبنة خملوقةاجلبار، فمن طلب األغيار، فمطلوبه مشهوده، األغيار، وتتبع األخيار، ومشاهدة اآلثار لوجود امللك

. ضي مبخلوق مثله، فاملشاكلة مقصودةفاملخلوق إذا ر ومن طلب اجلبار، فمطلوبه حمبوبه،

لذة الكرى واهلوى، وأبغض طيب الدون كل الدون واملغبون كل املغبون من هجر : يا أخي ذا النونرهبة أن تكون النار مثواه، أو رغبة أن تكون الدنيا، مث رضي بدون املوىل، وكد نفسه وهجر دنياه،

. اجلنة مأواه

. ؟ زاد تصربون يف هذه الفيايف واملهالك املقحطة بال : يا أخي : فقلت له

وال يأمتنك على سره، أما يا بطال، ما هذا االعتراض على من مل يطلعك على حاله، : فغضب، وقالاألرض، فإذا بعني من مسن وعسل، أمرنا يف حال املأكول واملشروب، فهكذا، فوكز برجله اليمىن

بعني من املاء أحلى من العسل، وأبرد من رض برجله اليسرى فإذافأكل وأكلت معه، مث وكز األفعادت األرض كما كانت، كأن مل يكن ا شيء الثلج، فشرب وشربت معه، ورد الرمل عليهما،

. ومما عاينت متعجبا، رضي اهللا عنه ونفعنا بأمثاله قط، مث وىل عين وتركين، فبقيت باكيا،

  85      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

وىف عشرينالفصل امل

العهد، انظر ملن عاهدت يف الزمن األول، أسريا يف قبضة الغفلة، يا صريعا يف سكرة املهلة، يا ناقضيا إىل جناته وهو يتواىن، ما هذا الفتور والعمر قد تداىن، أكثر العمر قد مضى، وانت تتعلل، يا مدعوا

. هتانا كأنك بالدمع جيري عند املوت

معاشر املطرود عن رفاق يا ؟ ما أقوم جادتك، فكيف تعثرتيا أخي ما أحسن ما كنت فتغيرت، . ] 75النمل [ " مبني وما من غائبة في السماء واألرض إال في كتاب " التائبني

نعمته وال تغيرت حالته، د، فبطر وعصى، فما زالتكان بعض األغنياء كثري الشكر فطال عليه األم إن أليام الوصال : يا هذا : هاتف يقول يا رب، تغيرت طاعيت، وما تغيرت نعميت، فهتف به : فقال

. وضيعتها أنت لنا عندنا حرمة وذمام، حفظناها حنن لك،

: وأنشدوا

اد سليمفإن عدت عدنا والود*** سأترك ما بيين وبينك واقفا

وتترك مثلي واحلفاظ قدمي*** تواصل قوما ال وفاء بعهدهم

اهللا سبحانه وتعاىل، فقد عزمت أوصين بشيء أتصل به إىل باب : قال رجل حلامت األصم رضي اهللا عنه . على سفر احلج

ة رفقاءك، رفيقا، فاجعل املالئك يا أخي، إن أردت أنيسا، فاجعل القرآن أنيسك، وإن أردت : فقالوإن أردت الزاد، فاليقني باهللا سبحانه وتعاىل نعم وإن أردت حبيبا، فاهللا سبحانه يتوىل قلوب أحبابه،

. وطف بسرك حوله الزاد، واجعل البيت قبلة وجهك،

: أوصين : وقال عطاء السليمي لعمر بن يزيد السلمي

  86      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

الشيطان، واآلخرة بالء يف بالء مع املوافقة ومقارنة يا أمحد، الدنيا بالء يف بالء مع هوى النفس : فقالبينهما، فحىت مىت تسهو وتلعب وملك املوت يف طلبك ال فيا هلا من نفوس مضمحلة فيما . واحلساب

. عليك أنفاسك يغفل عنك، واملالئكة يكتبون

. فخر مغشيا عليه : قال

ضضال ضل عن الطريق : وقل ال املتهجدين،يا من صحيفته سوداء، اغسلها بالدموع، وتعر . جملس الشكوى، هذا وقت الرجوع مقطوع، وهذا مأمت األحزان، إىل أي وقت تدخر الدموع، هذا

فوض أمري إلى الله إن الله بصريأقول لكم وأ فستذكرون ما " : فبادروا إخويت، وافهموا أسرار املراد

. ] 44غافر [ " بالعباد

: وأنشدوا

الذنب للدهر وسوء القضا*** ما الذنب يل فيما مضى سالفا

معترف بالذنب فيما مضى*** فامنن وجد بالصفح عن مذنب

ايف قلبه منك هليب الفض*** قد ظل من خوفك يف حرية

توجب يل منك مجيل الرضا*** إن كان يل ذنب فلي حرمة

وإذا أنا بامرأة كأا فلقة قمر، كنت مارا يف البادية، : ومن كتاب لوامع أنوار القلوب، قال األصمعي يا جارية، كلي بكلك مشغول، فقالت يف : قلت فدنوت منها، وسلمت عليها، فأحسنت إيل الرد، مث

أعجبك حسين فانظر خلفك فإنك ترى من هي أحسن مين، لكلك مبذول، ولكن إن كلي : احلال إليك عين يا بطال، ملا رأيتك من بعيد : علي وقالت فنظرت خلفي، فما رأيت أحدا، فصرخت

وامقا، وإذا بك يا مسكني ال عارفا وال وامقا، تدعي حمبيت حسبتك عارفا، فلما تكلمت حسبتك . . مل تصل إىل قريب، مث ولت عين، ورمقت إىل السماء بطرفها، ونادت، آه ، وأنتوتنظر إىل غريي

  87      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

الوصال شردين، آه آه، خوف القطيعة أزعجين، آه من االنفصال قبل االتصال، وجعلت آه، حب

: تقول

آه من احلب مث آه*** حيب يف ذي القفار شردين

آهآه من اخلوف مث*** خوف فراق احلبيب أزعجين

جنا من البحر مث تاه*** شبه حايل بتاجر غرق

املصري يف جبل لبنان، إذ قال مكانك بينما أنا سائر مع ذي النون : قال سامل : ومن الكتاب املذكوراجلبل، وأنا أطعم نفسي من نبات األرض، وأسقيها يا سامل حىت أعود إليك، فغاب عين ثالثة أيام يف

. القوت ين بشيء منمن غدراا إذا طالبت

. فلما كان بعد ثالثة أيام، عاد إيل وهو متغير اللون، ذاهب العقل

. ؟ هل عارضك السبع يا أبا الفيض : فقلت له

فرأيت فيه رجلا أبيض دعين من ختويف البشرية، إين دخلت كهفا من كهوف هذا اجلبل، : فقاليهول وهو يصلي، فسلمت عليه نه خرج من قربه، ذا منظرالرأس واللحية، أشعث أغرب، حنيفا، كأ

فلم يزل راكعا ساجدا حىت صلى العصر واستند الصالة، وقام إىل الصالة، : فرد علي السالم، وقال يل يرمحك اهللا أوصين بشيء أنتفع : يكلمين، فبدأته الكالم، وقلت له إىل حجر كان بإزاء حمرابه، وهو ال

. عوةبد به، وادع يل

عزا من غري عشرية، وعلما من غري : يا بين، من آنسه اهللا سبحانه بقربه، أعطاه أربع خصال : فقال يلشهق شهقة مل يفق منها إال بعد ثالثة أيام، حىت تعلم، وغىن من غري مال، وأنسا من غري مجاعة، مث

ألين عما فاته من الصالة، فأخربته، من عني كانت إىل جنبه وس ظننت أنه ميت، فلما أفاق قام وتوضأ : فقضاه، مث قال يل

  88      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

مث حب احلبيب أذهل عقلي*** إن ذكر احلبيب هيج قليب

. عين بسالم وأنست بذكر رب العاملني، انصرف . وقد استوحشت من مالقاة املخلوقني

حب موالك وال حتب غريه، أ : فقال . يرمحك اهللا، وقفت عليك ثالثة أيام رجاء الزيادة منك : فقلت . تيجان العباد، وأعالم الزهاد، وهم أصفياء اهللا وأحباؤه وال ترد حببه بدال، فاحملبون هللا سبحانه هم

جبماعة من العباد قد احندروا مث صرخ صرخة ووقع فحركته، فإذا هو ميت، فما كان إال هنيهة، وإذا شيبان : فقالوا ؟ اسم هذا الشيخ الصاحل ه، فسألتهم مامن اجلبل فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنو

. املصاب

هل : الصبيان، فقلت هلم فسألت عنه أهل الشام فقالوا نعم، رجل جمنون، خرج من أذى : قال سامل رمحه . إذا أنا بك مل أجن سيدي فبمن أجن : يقول نعم كان إذا ضجر : قالوا ؟ تعرفون من كالمه شيئا

. ونفعنا بهاهللا

  89      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ادي والعشرونالفصل احل

محى إقليم قلوم من . الوسواس يا أخي، هللا در أقوام نعمهم موالهم بقربه، فحجبهم عن خطراتوقاموا به على العينني والرأس، قدموا زاد غبار الشهوات من محايته حبراس، قبلوا أمره بالقبول،

بطال، أبطال ميدان الدجى هللا درهم من أبطال وأفراس، ااألعمال لسفر املوت وظلمة األرماس، ي آل [ " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ونادهم مرحبا باألحباب األكياس، خلع عليهم خلعة الرضا،

. ] 110عمران

: وأنشدوا

وأدعى إىل يوم النشور وأجزع*** يب قبل أن ينكشف الغطا أيا نفس تو

تكاد حشاه من أسى تتقطع*** فلله عبد خائف من ذنوبه

وقد قام يف حمرابه يتضرع*** إذا جنه الليل البهيم رأيته

ومن يهرب العاصي إليه ويفزع*** ينادي بذل يا إهلي وسيدي

ين حني أرجو وأطمعسوى حسن ظ*** قصدتك يا سؤيل ومايل مشفع

من النار يا موىل يضر وينفع*** فجد يل بعفو وامح ذنيب وجنين

وجيزى نعيما دائما ليس يقطع*** ذا ينال امللك والفوز يف غد

: قال بأعلى صوته وقف الفضل اجلوهري العامل يف احلرم متوجها إىل الكعبة وهو حمرم مث

يا حرقى بنار اخلوف واالشتياق، ويا رفة، يا قتلى بسيوف املؤانسة واحملبة،يا تلفى حبتوف املراقبة واملع ؟ هذه أسرار القرب، فأين املشتاقون ؟ احملبوب، فأين احملبون غرقى يف حبر املشاهدة والتالق، هذه ديار

. ؟ ون هذه ساعة العرض واالطالع على الدموع فأين الباك ؟ والربوع فأين القاصدون هذه آثار الديار

  90      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

: مث شهق شهقة عظيمة وغشي عليه، فأفاق بعد ساعة وهو يقول

بلبل الشوق وخاطري*** مذ تبدى لناظري

ساكن يف الضمائر*** حاضر غري غائب

يف الرسوم والدوائر*** هو كرتي الذي بدا

. ؟ هللا يا سيدي ما عالمة احملبني : فدنوت منه وقلت له : قال الراوي

وبينهم وبينه انبساطا، شغلهم األنس إن احملبني عند ظالم الليل عند اهللا سبحانه وتعاىل نشاطا، : قالمجيع الورى، وال يؤثرون على مناجاته مناما، وال مبعبودهم عن لذة الكرى، وقطعهم الشغل به عن

. ابهعرفه، وذاقه من ذاقه، واستأنس به من استط خيتارون على كالمه كالما، عرفه من

تفرد بالبقاء، وتوحد بالقدم، سبحان من حكم بالفناء على اخلالئق، فتساوى عنده امللوك والعبيد،يسأله " إليه، الصاحل والطاحل والغوي والرشيد، وصرف أقداره يف امللك مبا يريد، ظهر افتقار الكل

. ] 29 الرمحن [ " لسماوات واألرض كل يوم هو في شأنا من في

القضاء من زعيم، وكم أدخل كم جدل ؟ جواد غمر الكل عطاؤه، فأين يفر العاصي ومن جيرب الفقيد . فمنهم شقي ومنهم سعيد للحضر من طريد، ما أغفل أهل املعاصي عن قسمة العباد،

: وأنشدوا

لكان من حكمها أن خيلق احلجر*** إحدى وستون لو مرت على حجر

كأا ال ترى ما يصنع القدر*** تؤمل النفس آمالا لتبلغها

فوجدته أفضل خلق اهللا عبادة، قدمت على علي بن عبد احلميد الغضائري، : قال أبو اسحاق اجلبيلي . فلم أصبه وال وجدته . واره، فانتظرت فراغه يلهوأكثرهم جماهدة، وكان ال يتفرغ من صالته آناء ل

  91      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

والبنني والبنات بالراحلة إليك، فلو إنا قد تركنا اآلباء واألمهات واألهلني واألوطان : فقلت له . تفرغت ساعة حتدثنا مبا آتاك اهللا من العلم

إليه وقرعت عليه الباب، أدركين دعاء الشيخ الصاحل سري السقطي رضي اهللا عنه، جئت : فقاليشغلين عن مناجاتك، فأشغله بك عين، فما اللهم من جاءين : فسمعته يقول قبل أن خيرج إيل مناجيا

بذكر اهللا تعاىل، فال أتفرغ إىل شيء سواه، بربكة رجعت من عنده، حىت حببت إيل الصالة والشغل . ذلك الشيخ

. يسابقه رضي اهللا عنه ن قلب حزين، وهم كمني، والدمع فرأيت كالمه خيرج م : قال أبو اسحاق

والنهار جناحي سبحان من ألف حبكمته بني لطائف األرواح، وكثائف األشباح، جعل الليلاحملبة، فلله ما أحاله من راح، األعمال، يطريان للفناء بال ريش وال جناح، سقى أرواح احملبني شراب

ال باألقداح، زينوا روضة الدجى بأزهار وجد، فشربوا بالدنان،غىن هلم يف جملس أنسهم معبد الفهم بني صبوح وغبوق وبني رحيان وراح، قلوم يف التهجد، واصطبحوا على األذكار أي اصطباح،

خلع عليهم خلعة الرضا، وأجلسهم بني أفراح من . ال براح : تصبرهم قالب االبتالء، تنادي بلسانبصائرهم غشي . نظروا إىل الكون، فما رأوا سواه، فليس عليهم يف هيمام جناح ا . وافتراح الشوق

. نور معرفته، فترنم عارفهم بألسنة من التوحيد، فصاح

: وأنشدوا

كيف حىت خنت عهدي*** يا أعز الناس عندي

فعسى شكواي جتدي*** سوف أشكو لك حايل

ودموعي فوق خدي*** أنت موالي تراين

ما أقاسي فيه وحدي*** طع الليل أقاسي أق

  92      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

شديدا، فعدلت إىل بعض عطشت يف بعض أسفاري عطشا : قال ذو النون املصري رضي اهللا عنهواالحسان، وتدرع بدراع البكاء واألحزان، السواحل أريد املاء، فإذا أنا بشخص قد ائتزر باحلياء

. وعليك السالم يا ذا النون : وسلمت عليه قالمنه، قائم على ساحل البحر يصلي، فلما سلم دنوت

. ! ؟ يرمحك اهللا، من أين عرفتين : فقلت له : قال

قلبك، فعرفت روحي روحك حبقائق اطلع شعاع أنوار املعرفة من قليب على صفاء نور احملبة من : قال . األسرار، وألف سري سرك يف حمبة العزيز اجلبار

. ! ما أراك إال وحيدا : فقلت : قال

. ما األنس بغري اهللا إال وحشة، وما التوكل بغريه إال ذل : قال

. ؟ أما تنظر إىل تغطغط هذا البحر، وتالطم هذه األمواج : فقلت له

. ما بك من العطش أكثر من ذلك : فقال

. يبكي بشهيق وزفري وجدته نعم، فدلين على املاء بقرب منه فشربت، ورجعت إليه، ف : فقلت

. ؟ يرمحك اهللا، ما يبكيك : فقلت له

. عنهم لذة الكرى يا أبا الفيض، إن هللا عبادا سقاهم بكأس حمبته شربة أذهبت : فقال

. دلين على أهل والية اهللا يرمحك اهللا : فقلت له : قال

. موالهم، ففتح هلم يف نور القلوب ية، وراقبوا هم الذين أخلصوا يف اخلدمة، فاستخصوا بالوال : قال

. ؟ ما عالمة احملبة : فقلت له : قال

. احملب هللا غريق يف حبر احلزن إىل قرار التحير : فقال

  93      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. ؟ ما عالمة املعرفة : فقلت له : قال

. له ومل يعظم سواه معهفعرفه العارف باهللا مل يطلب مع معرفته جنة، وال يستعيذ من نار، : قال

وانصرفت عنه، رمحه اهللا مث شهق شهقة عظيمة، فخرجت روحه، فواريته يف املوضع الذي مات فيه، . ونفعنا بربكاته

  94      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ثاين والعشرونالفصل ال

املعصية إال من يسارع، أحضر يا أخي ال تغسل أدناس الذنوب إال مباء املدامع، ال ينجو من قتار . صحف املوعظة، وما أظنك سامع ساه بنائحة املوعظة يراجع، كم يل أتلو عليكقلبك ساعة، ع

طالع، أطلب، وحيك، رفاق لكن يوم املعصية ما أحنسه من طالع، ويوم الطاعة خمتار وكل سعد فيهاجلادة، وكم يف ظلمة الغفلة من التائبني، وجدد رسائلك للحبيب وطالع، مصباح التقوى يدل على

إذا مل يعظك الدهر والشيب . املوانع ، وحيك، على موت قلبك وعمى بصريتك، وكثرةقاطع، ابك . بادروا باملتاب، وراجعوا أنفسكم قبل يوم احلساب والضعف، فما أنت صانع، فباهللا يا إخواين

حني تبدي صحائفي ما أتيت*** ما اعتذاري وأمر ريب عصيت

ما أراين انتهيتقد اين*** ما اعتذاري إذا وقفت ذليال

وعليما بكل ما قد سعيت*** يا غنيا عن العباد مجيعا

فاعف عن زليت وما قد جنيت*** ليس يل حجة وال يل عذر

عسقالن سريع الدمعة، حسن صحبت شيخا من : قال علي بن حيىي يف كتاب لوامع أنوار القلوبوكنت أمسع أكثر دعائه االعتذار لنهار،اخلدمة، كامل األدب، متهجدا بالليل متنسكا يف ا

وغريانه، فلما أمسى رأيت أهل اجلبل واالستغفار، فدخل يوما يف بعض كهوف جبل اللكامفلما أصبح وعزم على اخلروج، قام أحدهم، وأصحاب الصوامع يهرولون إليه، ويتربكون بدعائه،

فزت باملغفرة، سلك بك إىل درجات إن قبل عذرك و عليك باالعتذار، فإنه : عظين، قال : وقال . وشهق وخرج من املوضع، فلم يلبث إال قليلا حىت مات املقامات، فوجدا أمانيك، مث بكى

حبييب أكرم من إن يعتذر إليه مذنب، فيخيب : فقال ؟ ما فعل اهللا بك : فرأيته يف املنام، فقلت له : قال . ذنيب، وشفعين يف أصحاب اللكام فر قبل اهللا عذري وغ . ظنه ومل يقبل عذره

  95      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

يف حسن عفوك عن جرمي وعن عملي*** ال شيء أعظم من ذنيب سوى أملي

فأنت أعظم من ذنيب ومن زللي*** فإن يكن ذا وذا فالذنب قد عظما

الناس يف الزهد، ويروى عن يوسف بن عاصم أنه ذكر له عن حامت األصم أنه كان يتكلم علىكان يكملها، وإن مل يكن اذهبوا بنا إليه نسأله عن صالته إن : ل يوسف ألصحابهواالخالص، فقا

. يكملها، يناه عن ذلك

عن أي شيء تسألين : له حامت يا حامت، جئنا نسألك عن صالتك، فقال : فأتوه وقال له يوسف : قال ؟ عن معرفتها أو عن تأديتها ؟ عافاك اهللا

نبدأ : مث قال حلامت . نسأله عنه زادنا حامت ما مل حنسن أن : به، وقال هلمفالتفت يوسف إىل أصحا . بتأديتها

بالتعظيم، وتقرأ بالترتيل، وتركع وتقف باالحتساب وتدخل بالسنة، وتكبر . تقوم باألمر : فقال هلم . باالخالص، وتسلم بالرمحة باخلشوع، وتسجد باخلضوع، وترفع بالسكينة، وتتشهد

. ؟ هذا التأديب فما املعرفة : قال يوسف

مقبل عليك، واعلم أن جهة إذا قمت إليها فاعلم أن اهللا مقبل عليك، فأقبل على من هو : قال ومثل اجلنة عن ميينك، . تؤمل أن تقوم فال : التصديق لقلبك، أنه قريب منك، قادر عليك، فإذا ركعت

فالتفت يوسف إىل أصحابه، . فعلت فأنت مصل دميك، فإذاوالنار عن يسارك، والصراط حتت ق . أعمارنا قوموا نعيد الصالة اليت مضت من : وقال

. واحلسن يا من مات قلبه، أي شيء تنفع حياة البدن إذا مل تفرق بني القبيح

، فما ينفع خرابا من التقوى إذا كان القلب ؟ سلبك املشيب من الشباب، فأين البكاء، وأين احلزن . بادر عسى يزول احلون يا قتيل اهلجران، هذا أوان الصلح . البكاء يف الدمن

  96      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

يهودي، فرأيته مبكة متضرعا كان يل معامل : وقال عاصم بن حممد يف كتاب لوامع أنوار القلوب . فسألته عن سبب إسالمه . مبتهلا فأعجبين حسن إسالمه

يف تنور اآلجر، أطلب دينا اق إبراهيم اآلجري النيسابوري، وهو يوقد تقدمت إىل أيب اسح : فقال ال بأس عليك يا أبا : واحلجارة، فقلت أسلم، واحذر نارا وقودها الناس : كان يل عليه، فقال يل

. ] 71مرمي [ " وإن منكم إال واردها " قوله سبحانه فعسى تعين : قال . اسحاق، فأنت أيضا فيها

ما يف التنور، وصرب أعطين ثوبك، فأعطيته ثويب، مث لف ثويب يف ثوبه، مث رمى : فقال يل . نعم : فقلتريا، مستوقد النار وهي تتأجج هليبا وزف ساعة طويلة مث قام واجدا شاهقا، باكيا ودخل يف األتون، يعين

اآلخر، فهالين ذلك من فعله، فهرولت إليه متعجبا، وأخذ الثياب من وسط النار، وخرج على البابفحلها، وإذا بثيايب قد احترقت كأا فحمة يف وسط ثيابه، وثيابه وإذا بالرزمة صحيحة كما كانت،

. النار صحيحة مل متسها

مرمي [ " واردها كان على ربك حتما مقضيا وإن منكم إال " يا مسكني، هكذا يكون : مث قال

71 [ .

. فأسلمت على يديه يف احلال، وهذا ما رأيت من أحوال الرجال

فتمايلهم كالغصن املياد، صفت هللا در قوم مأل قلوم بأنوار احلكمة والرشاد، حرك ساكنا وجدهم، . اإلنشاد زجاجة أرواحهم ورق هلم شراب وجدهم، وطاب هلم مساع

ونشوان، وكل أيامكم هم مبحبوم إدرأ عليهم محيا احلماية، فألفت عيوم السهاد، فمنهم سكران . أعياد

بنفس تلف يف حمبة أو الشواق مد عليهم أطناب ليل اخللوة غرية من رقيب الرقاد، فهم يتشاكون . كاد

  97      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

القضاء للمحنة، ففي أصل واحملروم اره يف الشقا وليله يف النوم، وعمره يف نفاد ركب مركب . فائت ال يعاد ضيع أيامه يف الغفلة، ويف الكرب يبكي على . تركيبة فساد

. فيا معشر املذنبني جدوا قبل الرحيل عن األجساد

فعدلت عن الطريق فهالتين كنت أسري يف طريق الشام، إذ عرض يل عارض، : قال يوسف بن احلسنأخرج رأسه منها، فأنست به، فلما املفازة، فبدت يل صومعة، فدنوت منها، وإذا براهب فيها قد

. ؟ صاحبكم يا هذا، أتريد موضع : دنوت منه، قال يل

بنفسه يف ذلك املكان، واشوقاه ألقران، منفرد رجل يف هذا الوادي على دينكم، متخل عن فتنة ا : قال . ! إىل حديثه

. ؟ وما الذي مينعك عنه، وأنت على قرب منه : فقلت له

منهم، ولكن إذا مضيت إليه أصحايب أقعدوين يف هذا املوضع، وأنا أخشى على نفسي القتل : فقال . فأقرئه مين السالم، واسأله يل يف الدعاء

مين وكنت أمسع جلبة يت إليه، وإذا برجل قد اجتمعت إليه الوحوش، فلما رآين قرب فمض : قال . ؟ البطال الذي وطيء حمل العاملني من هذا : عظيمة للقوم، وال أرى أحدا منهم، فسمعت قائلا يقول

لك احلمد : فسمعته يقول . شديد فرأيت رجلا منكسا رأسه مسترسلا يف كالمه، تعلوه هيبة ووقار . احلمد على آالئك، وعلى مجيع بالئك على ما وهبت من معرفتك، وخصصتين به من حمبتك، لك

. حبكمك، وانقلين إىل درجة األخيار اللهم ارفع درجيت إىل درجات األبرار للرضا

فلما يتحرك لساين هيبة له، آه من يل م، وخر مغشيا عليه، فلم : مث صاح صيحة عظيمة، مث قال . عين وتركين سر زودك اهللا التقوى، وسار : أفاق من غشيته، قال يل

. آمني . . . نفعنا اهللا به، وبأمثاله

  98      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ثالث والعشرونالفصل ال

مطرودا بذنوبه عن الباب، إذا يا من سوف باملتاب حىت شاب، يا من ضيع يف الغفلة أيام الشباب، يا ما هكذا فعل ؟ كم عوملت على الوفاء ؟ بالباب املشيب مسوفا، مىت تقفكنت يف الشباب غافلا، يف

كم , وحيك، خراب، كم عصيان كم خمالفة، كم رياء األحباب، الظاهر منك عامر، والباطن . ؟ يا ترى تعود إىل الصواب ولى طيب العمر يف اخلطايا، ؟ حجاب

عمرك الطاعة، خلفف أنت لو قدمت يف متقادم ؟ ما بعد الشيب هلو، كيف جيمل بالشيخ التصابأنذرك املشيب بالرحلة، ومل تقدم إذا ؟ كيف والعمر وىل يف الغفلة ويف طلب األسباب . عنك احلساب

. الزاد ماذا يكون اجلواب

فزعوا فال فوت وأخذوا من مكان ترى إذولو " ليت شعري أهل املعاصي كيف عيشهم يطيب . ] 51 سبأ [ " قريب

أجيمل : والضاللة، فقال هلم يروى أن حممد بن واسع رأى شبابا يف املسجد، قد خاضوا يف حبر الغيبةأنتم قعود يف بيت اهللا ختالفون : فقال . ال : فقالوا ؟ بأحدكم أن يكون له حبيب، فيخالفه ليفوز به غريه

يا أوالدي، هو ربكم وحبيبكم، وإذا عصيتموه، وأطاعه : فقال . قد تبنا : فقالوا . أمره، وتغتابون الناس

خالفه، ورمبا يعاقبه لو ومن : فقال . نعم : قالوا ؟ ورحبه غريكم، أفال يضركم ذلك . غريكم، خسرمتوه : قالوا . وغريكم يفوز باجلنة والثواب شبابكم كيف يعاقب بالنار والعذابعاقبه، أفال تغريون على

. نعم وحسن رجوعهم إىل اهللا تعاىل

: وأنشوا

وال تطلب سوى التقوى دليال*** أال فاسلك إىل املوىل سبيال

جتد فيها املىن عرضا وطوال*** وسر فيها جبد وانتهاض

  99      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

على موالك واجعله وكيال* **وال تركن إىل الدنيا وعول

يدوم فكن له عبدا ذليال*** وإن أحببت أن تعتز عزا

وصال املسرفني تكن نبيال*** وواصل من أناب إليه واقطع

ومثل بني عينيك الرحيال*** وال تفين شبابك واغتنمه

على طبقام هجرا مجيال*** وال تصل الدنيا واهجر بنيها

يضع لك يف قلوم القبوال*** بصدق وعامل فيهم املوىل

مررت حبمدونه انونة وهي قاعدة : قال يزيد بن احلباب : ومن كتاب أنس املريدين وقدوة الزاهدين : كتفيها، مبداد هذا البيت املفرد على قارعة الطريق وعليها جبة صوف مكتوب بني

رث األمواتفمىت اللقا يا وا*** سلب الرقاد عن اجلفون تشوقي

هلا، نعم، فبم : قلت ؟ احلباب ألست أنت يزيد بن : فسلمت عليها، فردت السالم، فقالت : قال : قلت . أسألك : فعرفتك بتعريف امللك اجلبار، مث قالت اتصلت املعرفة يف األسرار، : قالت ! ؟ عرفتيين

آه، آه . يا يزيد : قالت . املسارعة إىل طاعة املوىل : قلت هلا ؟ السخاء يف الدين ما هو : قالت . أسأيلمنه شيئا بشيء، مث ليس هذا مسارعة، إمنا املسارعة إىل طاعة اهللا أن ال يطلع على قلبك وأنت تريد

: أنشأت تقول هذين البيتني

أن احملب ببابه مطروح*** حسب من احلبيب بعلمه

ام لوعات اهلوى جمروحبسه*** فإذا تقلب يف الدنا ففؤاده

ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل واتقوا يوما " ويروى عن احلسن البصري رضي اهللا عنه أنه قرأ مهو تبا كسفس مون نظلما : ، فقال ] 281البقرة [ " ال ي املسلمني، وذلك هذه موعظة وعظ اهللا

  100      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

: الكأس، ومها يف سرور ونعيم أن احلور العني تقول لويل اهللا، وهو متكئ على ر العسل وهي تعطيه

نظر إليك يف يوم صائف بعيد ما : فتقول . الأدري : فيقول ؟ أتدري يا حبيب اهللا مىت زوجنيك اهللا ريب أنظروا يا مالئكيت إىل عبدي، ترك : فتباهى بك املالئكة، وقال يف ظمأ اهلواجر،بني الطرفني وأنت

وطعامه وشرابه رغبة فيما عندي، أشهدكم أين قد غفرت له، فغفر لك يومئذ شهوته ولذته، وزوجته . وزوجنيك

نهم حببه يهيم، مناجاته، فكل م هللا در أقوام الطفهم بأنسه، فتقربوا إليه بقلب سليم، أذاقهم حالوةاهلوى، فحب الدنيا عنها راحل، وحب أسكن قلوم حبه، فليلهم باألشواق ليل سليم، طهرها من

. من تنعم، وأهال به من نعيم اآلخرة مقيم على كل حال ال يعرفون سواه، فأهال به

هلم من اهللا ختصيص وآثار*** للصاحلني كرامات وأسرار

بالصدق واكتنفت بالنور أنوار***صفت قلوم هللا واتصفت

يف طاعة اهللا أوراد وأذكار*** واستغرقت كل وقت من زمام

أسحار حىت تعرفت على الظلماء*** صاموا النهار وقاموا الليل ما سئموا

حىت هلم قد جتلت منه أنوار*** خلو به وراق الليل منسدل

لناس أقداروشرفت هلم يف ا*** طوىب هلم فلقد طابت حيام

جنات عدن فنعم الدار واجلار*** فازوا من اهللا بالزلفى وأسكنهم

لو : حيدث أصحابه، فقال ويروى عن إبراهيم بن أدهم رضي اهللا عنه أنه كان على بعض جبال مكةال له لزال فتحرك اجلبل، فضربه إبراهيم برجله، وق زل، : أن وليا من أولياء اهللا تعاىل قال هلذا اجلبل

. ألصحايب اسكن، إمنا ضربتك مثلا

  101      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

أما : ونام، فقال أصحابه وروي عنه أيضا أنه ركب البحر فتحرك ريح عاصف فوضع إبراهيم رأسه ال، وإمنا الشدة احلاجة للناس، مث : نعم، قال : قالوا ؟ أوهذه شدة : ترى ما حنن فيه من الشدة، فقال

. عفوك، فصار البحر كأنه قدح زيت رنا إهلي، أريتنا قدرتك، فأ : قال

يا إبراهيم، هذا : له أصحابه وعنه أيضا أنه كان يف بعض الطرق مع أصحابه، فتعرض هلم أسد، فقال يا قسورة، إن كنت أمرت فينا بشيء : إبراهيم، قال أرونيه، فلما نظر إليه : السبع قد ظهر لنا، فقال

عنا فامض ملا أمرت به، وإال فتنح .

. إبراهيم، رضي اهللا عنه ونفعنا به فضرب األسد بذنبه، ووىل هاربا، فتعجبنا منه حني فقه كالم : قال

  102      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

رابع والعشرونالفصل ال

من أوىل منك بالضراء وأنت . احلديد يا راحلا بال زاد والسفر بعيد، العني جامدة والقلب أقسى منأيقظك الشباب وال أنذرك االكتهال، وال اك املشيب، ما . ديدتغرق يف حبر املعاصي يف كل يوم ج

أهل العزائم، لقد نالوا من الفضل املزيد، طووا فراش النوم، فلهم ما أرى صالحك إال بعيد، فديتدموعهم جتري على خدودهم، خددت يف اخلدود أي ختديد، ما أنت من أهل احملبة وال بكاء وتعديد،

. اهلمة يا طريدالعشاق يا قليل من

وأنت على البطالة ال تبايل*** ألمر ما تغريا الليايل

وتصبح يف هواك رخي بال*** تبيت منعما يف خفض عيش

على كتفيك أمثال اجلبال*** أمل تر أن أثقال اخلطايا

هل هو من حرام أو من حالل*** أتكسب ما اكتسبت وال تبايل

كففت النفس عن طرق الضالل*** ا اذا ما كنت يف الدنيا بصري

طويل الليل بالسبع الطوال*** أال بأيب خليل بات حيىي

وجفن ال يكف عن امال*** بقلب ال يفيق عن اضطراب

إىل األجداث حالا بعد حال*** أرى األيام تنقلنا وشيكا

أشيعه بري من زالل*** سأقنع ما حييت بشطر بر

فما يل والتنعم مث ما يل*** هالك إذا كان املصري إىل

على األيام من عم وخال*** أما يل عربة فيمن تفاىن

  103      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ونعشي فوق أعناق الرجال*** كأن بنسويت قد قمن خلفي

لدار الفوز أم دار النكال*** يعجلن املسري ولست أدري

ويبقى اهللا بري ذو اجلالل*** يبيد الكل منا دون شك

: قلت ؟ ما حاجتك : يل دخلت على داود، فقال : ن أصحاب داود الطائي أنه قاليروى عن رجل م

من أنت : انظر ما يرتل يب إذا قيل يل أما أنت، فقد عملت خريا حني زرتنا، ولكن : زيارتك، فقال كنت يف : قول ال واهللا، مث أقبل يوبخ نفسه وي ؟ الزهاد أنت أمن . ال واهللا ؟ فتزار، أمن العباد أنت

ال واهللا، أال املرائي أشد من الفاسق، . الكهولة مداهنا، فلما شخت صرت مرائيا الشباب فاسقا، ويف

سوء، يا إله السماوات واألرض، هب يل رمحة من عندك تصلح شبايب وتقيين من كل : وجعل يقول . وتعلى يف أعلى مقامات الصاحلني مكاين

. موالهم وحباهم باألفضال لرجال، وكرامات ذوي األحوال، الذين اختصهمامسع يا أخي مقامات ا

الراعي، فعرض هلم أسد يف بعض حج سفيان الثوري مع شيبان : وعن عبد اهللا بن عبد الرمحن قال ال ختف، فلما : قال شيبان . وأخاف الناس أم ترى كيف قطع علينا الطريق، : الطرق، فقال له سفيان

شيبان بأذنه وفركها، فبصبص وحرك ذنبه ووىل هاربا، سد كالم شيبان، بصبص إليه، وأخذمسع األ لوال مكان الشهرة لوضعت ؟ أو هذه شهرة يا سفيان : قال ؟ شيبان ما هذه الشهرة يا : فقال سفيان

. أتيت مكة زادي على ظهره حىت

أقبلت يف : قال . يكىن بأيب عبد اهللا علينا شيخ قدم : يروى عن عبد الرمحن بن أيب عباد املكي أنه قال فقمت إىل : على وجهه، وأتى البئر واستسقى، قال السحر إىل بئر زمزم، وإذا بشيخ قد سدل ثوبه

فالتفت فإذا بالشيخ قد . مضروب بعسل مل أذق ماء أطيب منه فإذا هو ماء . فضلته، فشربت منهايلة الثانية أتيت البئر وإذا بالشيخ دخل من باب املسجد قد سدل يف الل ذهب، فلما كان يف السحر

فأتى البئر واستسقى، فشرب وخرج، فقمت إىل فضلته، فإذا هو سويق ألذ ما ثوبه على وجهه،

  104      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

فأخذت طرف ملحفته، ولففته على . كان يف الليلة الثالثة، أتى البئر أيضا، واستسقى يكون، فلما

هذا ا هو لنب مضروب بسكر مل أذق قط أطيب منه، فقلت يا شيخ، حبقيدي، مث شربت فضلته، فإذ . الثوري سفيان : قال . نعم : قلت . تكتم علي : قال ؟ البيت عليك، من أنت

إقليم الكرى ما أبعده من هللا در أقوام أفناهم شهوده عن وجودهم، فحاهلم لشوقه مستدمي، أقطعهموالتسليم، سقاهم مدام اإلهلام، فيا له رية عليهم، وخلع عليهم حلل الرضاإقليم، محاهم عن األغيار غ

ستره، ليعود إىل بابه الكرمي، تقرب برمحته للمذنبني، من مدام، ويا له من ندمي، أسبل على املعاصيقل يا " : العدمي، أرسل إليه رسائل اللطف على يدي رسول كرمي ليسكن روع املفلس من الطاعة

ادية الله إن عبمحطوا من رقنال ت لى أنفسهمفوا عرأس الذين فورالغ وه ها إنميعج وبالذن فرغي الله

حيم53الزمر [ " الر [ .

: وأنشدوا

جتده مىت جئته غري مرتج*** اجلود واقرعه نادما أال قف بباب

فمد إليكم ضارعا كف مرجتي*** وقل عبد سوء خوفته ذنوبه

البحر، فكان خييط يف ويروى عن أيب رحيانة صاحب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أنه ركبفظهرت له حىت أخذها إبريت، أعزم عليك يا رب إال رددت علي : السفينة، فسقطت إبرته، فقال

. بيده

فسكن حىت صار مثل الزيت، اسكن، إمنا أنت عبد حبشي، : واشتد عليهم البحر، فقال له : قال . رضي اهللا عنه، ونفعنا بربكاته

  105      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

امس والعشرونالفصل اخل

من غريك على اجلادة، وأنت يا أخي، أفنيت عمرك يف اللعب، وغريك فاز باملقصود وأنت منه بعيد، يا له من وقت سعيد، مىت خترج . ورجع فالن استقال : الشهوات يف أوجال وتنكيد، ترى مىت يقال

مسكني، لو عاينت قلق التائبني، ومتلمل اخلائفني من من اهلوى وترجع إىل موالك العزيز احلميد، يامان ضيعوا الشباب يف يف الصالة، والزكاة، والتزهيد، وأهل احلر أهوال الوعيد، جعلوا قرة أعينهم

احلرص واألمل املديد، ال بالشباب انتفعت، وال عند متشيب ارجتعت، يا ضيعة الغفلة، والشيب يف . ] 51سبأ [ " قريب ولو ترى إذ فزعوا فال فوت وأخذوا من مكان " : واملشيب الشباب

: وأنشدوا

فلما شبت عدت إىل الرياء*** عملت على القبائح يف شبايب

وال حني املشيب طببت دائي*** فال حني الشباب حفظت ديين

وشيخ عند مكربه مرائي*** فشاب عنده مصغر غوي

فيا هللا من سوء القضاء*** قضاء سابق يف علم غيب

اليمان وهو يومئذ أمري ر بن اخلطاب رضي اهللا عنه لقي حذيفة بنيروى يف بعض األخبار أن عمأصبحت يا أمري املؤمنني أحب الفتنة، وأكره : قال ؟ كيف أصبحت يا حذيفة : املؤمنني، فقال حلذيفة

. أر، وأصلي بال وضوء، ويل يف األرض ما ليس هللا يف السماء احلق، وأقول مبا مل خيلق، وأشهد مبا مل

النيب، فأمسك، فهو كذلك عمر لذلك غضبا شديدا، وهم أن يبطش به، مث تذكر صحبته معفغضب ما أغضبك يا أمري : وجهه، فقال إذ مر به علي ابن أيب طالب رضي اهللا عنه، فرأى الغضب يف

. املؤمنني، فقص عليه القصة

  106      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

إنما " : الفتنة، فهو تأويل قوله تعاىل نه حيب إ : يا أمري املؤمنني ال يغضبك ما قال لك، أما قوله : فقال . ] 15التغابن [ " أموالكم وأوالدكم فتنة

. عنه يكره احلق، فاحلق هو املوت الذي ال بد منه وال حميص : أما قوله

. خملوق القرآن، فهو يقرأ القرآن وهو غري : مل خيلق يقول مبا : وأما قوله

. يشهد مبا مل ير، فإنه يصدق باهللا ومل يره : وأما قوله

. وسلم بغري وضوء يصلي بغري وضوء، فإنه يصلي على النيب صلى اهللا عليه : واما قوله

. نني، وليس هللا شيء من ذلكوب إن له يف األرض ما ليس هللا يف السماء، فإن له زوجة : وأما قوله

. يا أبا احلسن، لقد كشفت عين مها عظيما : هللا درك : فقال عمر

مالا، وأنه خرج ويروى أن رجلا من أهل دمشق يسمى بأيب عبد ربه، وكان أكثر أهل دمشق : قال . املرجمحدا هللا يف ناحية مسافرا، فأمسى إىل جانب ر ومرعى، فرتل فيه، فسمع صوتا يكثر

. ؟ من أنت يا عبد اهللا : فسلمت عليه، وقلت له : فاتبعته، فوجدته رجلا ملفوفا يف حصري، قال

. رجل من املسلمني : قال

؟ فما هذه احلالة : فقلت له

. نعمة جيب علي شكرها : قال

. ! ؟ كيف وأنت ملفوف يف حصري وأي نعمة عليك : فقلت

وألبسين العافية يف أركاين، إن اهللا خلقين، فأحسن خلقي، وجعل منشأي ومولدي يف اإلسالم، : الق . ؟ ما أنا فيه وستر علي ما أكره ذكره، فمن أعظم نعمة ممن أمسى يف مثل

  107      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. النهر هاهنا بإزائك رمحك اهللا، لعلك أن تقوم معي إىل مرتيل، فأنا نزول على : فقلت

. ؟ ومل : قال

. لتصيب شيئا من الطعام، ونعطيك ما يغنيك عن لبس احلصري : قلت

. ما يل يف ذلك من حاجة : قال

أخلف بدمشق رجلا مل : فأىب أن يسري معي، فانصرفت وقد تقاصرت عندي نفسي ومقتها، وقلت . أكثر مين مالا، وأنا ألتمس الزيادة

اجتمعت عليه، فلما كان يف السحر، ا أنا فيه، فتبت ومل يعلم أحد مبا اللهم إين أتوب إليك مم : فقلت ما أنا بصادق يف التوبة إن أنا مضيت إىل : وقلت رحل الناس، وقدموا إيل دابيت، فصرفتها إىل دمشق،

. فعاتبوين على املشي معهم فأبيت متجري، فسألين القوم فأخربم،

وفرقه يف سبيل اهللا، ولزم فوضع يده يف ماله وتصدق به، : ديثفلما قدم على دمشق قال ناقل احل . إال قدر حق الكفن العبادة حىت تويف رضي اهللا عنه، فلما تويف مل يوجد عنده

: وأنشدوا

وجفا الرقاد فبان عنه املضجع*** ذكر الوعيد فطرفه ال يهجع

توجعمنه اجلوانح واحلشا ي*** متفردا بغليله يشكو الذي

آيات صار إىل اإلنابة يسرع*** ملا تيقن صدق ما جاءت به الـ

ومسا إليه مة ما يقلع*** فجفا األحبة يف حمبة ربه

إذ خصها منه بود ينفع*** ومتتعت بوداده أعضاؤه

  108      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

من زفرة يف إثرها يتوجع*** كم يف الظالم له إذا نام الورى

العني يسعدها دموع رجع* **ويقول يف دعواته يا سيدي

وإليك من ذل اخلطيئة أفزع*** إين فزعت إليك فارحم عربيت

يا من لعزته أذل وأخضع*** من ذا سواك جيريين من ذليت

إين مبا اجترمت يداي مروع*** فامنن علي بتوبة أحيا ا

يف اجلارحات سقامه يتسرع*** قل التصبر عنك يا من حبه

قدما لكاسات اهلوى يتجرع*** بار متيم يف حبه كيف اصط

للناظرين جنوم ليل تطلع*** الحت وعن صدق احملبة ما بدت

فيها احملب إذا تواضع يرفع*** ما الفوز إال يف حمبة سيده

وأحدا، املذكورين، شهد بدرا يروى أن قتادة بن النعمان األنصاري رضي اهللا عنه كان من الرماة ما هذه : اهللا عليه وسلم وهي يف يده، فقال ت يومئذ عينه، فسالت على خده، فأتى النيب صلىورمي

إن شئت صربت ولك اجلنة، وإن ( : اهللا، فقال له رسول اهللا هذا ما ترى يا رسول : قال ؟ يا قتادةاهللا إن اجلنة جلزاء واهللا يا رسول : ، فقال ) اهللا لك فلم تفقد منها شيئا شئت رددا لك ودعوت

أعور فريدنين، ولكن أحب أن : وعطاء جليل، ولكين مبتلى حبب النساء، وأخاف أن يقلن جزيل،

اهللا صلى اهللا عليه وسلم مث أخذها رسول ) أفعل ذلك يا قتادة ( : تردها إيل وتسأل اهللا يل اجلنة، فقال . مات ودعا اهللا له باجلنة إىل إنبيده، وأعادها إىل موضعها، فعادت أحسن ما كانت ،

؟ من أنت يا فىت : فقال له عمر فدخل ابنه على عمر بن عبدالعزيز رضي اهللا عنه، وهو خليفة : قال : فقال

  109      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

فردت بكف املصطفى أحسن ردا*** أنا ابن الذي سالت على اخلد عينه

من ردفيا حسن ما عني ويا حسن*** فعادت كما كانت بأحسن حاهلا

. مبثل هذا فليتوسل إليه املتوسلون، رضي اهللا عنه : فقال عمر

  110      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

سادس والعشرونالفصل ال

دار األمان، هلم يف سحر الليل يا هذا، ال يزال التائبون يهربون إىل دير اخللوة هروب اخلائف إىلامهم يف الدجى من خطوط العرفان، كم ألقد تأنس مبدامع األجفان، كتب السجود يف ألواح جباههم

كالطوفان، فإذا الحت أعالم الفجر كبروا عند جوالن وكم هلم يف وادي السحر من عيون جتري . أرباب العزائم، فديت الفتيان مشاهدة العيان، فديت طراق الدجى، فديت

واألوطان، فرقنا شهوات النفوس بادروا رواهب اخللوة، حنن لكم جريان، تركنا األسباب واألهلطلقنا الدنيا بتاتا، وهجرنا الدار والسكان، سقينا واألبدان، وخربنا ديار اللهو، فأقفرت منذ زمان،

كان، لبسوا حلة اجلوع بالنهار، وتركوا خدمة من جل وهان، من شراب األنس شربة ولو كان ماومنهم وبالذكر اللسان، هلم نزاحم على باب الدجى، فمنهم من صاح عمروا القلوب بالتقوى،

خامره بالشوق، فهو من احلب وهلان، ومنهم من غلبه الوجد، فهو هائم سكران، نشوان، ومنهم منالتالوة سيرهم ذكر احلبيب وهلم يف . اخلوف وأذبلهم األرق وهم من القلق كل يوم يف شأن أفناهم

مثان، سجلوا على األ أحلان، نالوا منازل التوكل، وأصبحوا فيها قطان، باعوا شهوات النفوس بأخبسجنوم عن املضاجع وهلم تلحني أنفسهم سجل الرضا بالقضاء، فأهال بالرجال الشجعان، تتجاىف

النريان، منهم من سقي شراب احملبة صرفا، بالقرآن، خامرهم اخلوف فسكروا من شرابه خمافةوا يف حبه منازل، باألشواق، فعاين منه ألوان، كم خرب وتزايدت هلم األحزان، ومنهم من مزج له

قلوم مملوءة باخلوف، . تراهم أبدا سكارى عرايا يف القفار ويف البلدان . وكم أيتموا فيه من ولدان ال كان من أمل السلوى وال كان، خرق هلم : مضمخ باألحزان، ينادي لسان شوقهم وظاهرهم

باملشاهدة شديدةالعادات وعقد على رؤوسهم للوالية تيجان، جملس أنسهم مضمخ حجاب

. األركان

الدنات، طيبوا على هذا السماع، يا معشر الفقراء، طوفوا ذا الدير، وزامحوا على بابه، وباكروا هذه . الكون واحلال وتواجدوا على هذه األحلان، معكم مجال احملبوب، يف

  111      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

لكتمان، فما تراهم إال بني با يا معشر الفتيان، ما أطيب عيش الصديقني، شربوا هذا الشراب وباحوا . واجد وهائم وخائف وراج ووهلان

يا عبادي ال خوف : طفهم مبالطفة ال . فعندما جتلى هلم حمبوم يف قلوم، أغناهم عن مشاهدة العيانأجلي، فكم من جفن ساهر، وكم من كبد من الشوق بعيين ما حتملتم من . عليكم، اليوم لكم األمان

ألبسكم حلل . فتتنعمون مبا مل خيطر على قلب إنسان لكم احلجاب عن وجهيمآلن، سأكشف . أسقيكم شراب التوحيد صرفا خالصا، وأنا احلنان املنان الرضا، وأبسط جمالسكم بالرضوان،

. الشراب، هذا كأس املتاب مآلن هذا ؟ يا أهل السماع تواجدوا، ويا معشر اإلخوان، أين املشتاق

احلال، فتعود باخليبة واخلسران، بادر قبل تغير ؟ نت من أهل الصفا يا مضيعا عمره يف العصيانأين أ . وقيال واعص من المك وخالف من عدلك، وأطع من نصحك ودع قاال

ومن كان في هذه أعمى فهو* كتابهم وال يظلمون فتيال رؤونفمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يق "

. ] 72ـ 71اإلسراء [ " في اآلخرة أعمى وأضل سبيال

عليه وسلم صالة العصر، فقام صلى بنا رسول اهللا صلى اهللا : قال عبد اهللا بن عباس رضي اهللا عنهمارأسه، ورفعنا بعده، فلما قضيت الصالة، انفتل لركعة األوىل، حىت ظننا أنه ال يرفع رأسه، فرفعيف ا

فأجابه علي رضي ) ؟ أين أخي وابن عمي علي ابن أيب طالب ( : من حمرابه صلى اهللا عليه وسلم وقال : اهللا عليه وسلم فقال رسول اهللا صلى . الصفوف، وهو يقول لبيك يا رسول اهللا اهللا عنه من آخر

يا أبا احلسن، أما ( : فقال . ، فدنا منه، فلم يزل يدنيه حىت جلس بني يديه ) أدن مين يا أبا احلسن ( فقال له . بلى يا رسول اهللا : فقال ) ؟ األوىل مسعت ما أنزل اهللا علي يف فضل الصف األول، والتكبرية

فما الذي أبطأك عن الصف األول والتكبرية األوىل، فهل شغلك ( : رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وهل يشغلين حبهما عن حب اهللا : فقال له علي رضي اهللا عنه ) ؟ ذلك حب احلسن واحلسني عن

يف املسجد، يا رسول اهللا، أذن بالل وأنا : قال ) فما الذي شغلك عن ذلك يا علي ( : قال له ! ؟ تعاىلشيء من أمر الوضوء، ، وأقام بالل الصالة فكبرت معك التكبرية األوىل، فوسوسينفركعت ركعتني

  112      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

يا حسني، فلم جييبين أحد، فخرجت من املسجد إىل منول فاطمة رضي اهللا عنها، فناديت، يا حسن،، أطلب ماء لوضوئي، إذ هتف يب هاتف عن مييين فبينما أنا كاملرأة الثكلى، أو كاحلبة يف املقلى، وأنا

منديل أخضر، فكشفت املنديل، فإذا هو ماء أشد بياضا من فإذا أنا بقدح من الذهب األمحر، وعليهوألني من الزبد، فتطهرت للصالة، متندلت باملنديل، ورددته على القدح، اللنب، وأحلى من الشهد،

. أره، ومل أر من وضعه وال من رفعه والتفت فلم

أتاك باملنديل والقدح يا أبا بخ بخ، هل تعلم من ( : ه وسلم، وقالفتبسم رسول اهللا صلى اهللا عليأتاك بالقدح جربيل عليه السالم، واملاء من حظرية القدس، ( : قال . اهللا ورسوله أعلم : قال ) ؟ احلسن

ميكائيل عليه السالم، والذي أمسك يدي على ركبيت حىت أدركت الركعة والذي مندلك باملنديل . ) يا أبا احلسن من أحبك، أحبه اهللا، ومن أبغضك أبغضه اهللا . عليه السالم ىل اسرافيلاألو

بيهودية قد أقبلت تبكي، ويروى أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم جلس ذات يوم مع أصحابه، فإذا : حىت وقفت بني يديه، وجعلت تقول هذه األبيات، وهي تبكي

ليت شعري إن شيء قتلك*** ك بأيب أفديك يا نور الفل

أترى ذئب يهودي أكلك*** غبت عين غيبة موحشة

كان من أمر الليايل من أجلك*** إن تكن ميتا فما أسرع ما

عاش أن يرجع من حيث سلك*** أو تكن حيا فال بد ملن

) ؟ املرأة مالك أيتها ( : فقال هلا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

. منه بقعة يا حممد بينما أنا وولدي يلعب بني يدي، إذ خطف، وبقي املكان : قالت

) ؟ يا هذه إن رد اهللا ولدك على يدي، أتؤمنني يب ( : قال هلا

  113      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. الصالة والسالم نعم وحق األنبياء الكرام، إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب عليهم : قالت

فما استكملها حىت وضع صلى ركعتني، مث دعا بدعوات،فقام رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ف . الطفل بني يديه صلى اهللا عليه وسلم

) ؟ أين كنت أيها الطفل ( : فقال له النيب صلى اهللا عليه وسلم

وذهب يب من وراء البحر، بينما كنت ألعب بني أمي، إذا أقبل علي عفريت كافر، فاختطفين : قالبطشا، وأعظم خلقا فانتزعين منه، ز وجل، سلط اهللا عليه جنا مؤمنا أشد منهفلما دعوت اهللا ع

. وساقين إليك، فها أنا بني يديك صلى اهللا عليك

. اهللا صلى اهللا عليه وسلم أشهد أن ال إله إال اهللا، وأشهد أن حممدا رسول : فقالت املرأة

  114      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

سابع والعشرونالفصل ال

. واآلخرة، ووبال على صاحبه رب الكابائر، وهو شؤم على صاحبه يف الدنيااعلم أن الزمىن من أك

إنه كان فاحشة وساء وال تقربوا الزنى " : وقد ى اهللا تعاىل عنه يف مواضع من كتابه، فقال تعاىللفروجهم حافظون والذين هم* والذين هم للزكاة فاعلون " : تعاىل وقال . ] 32سراء اإل [ " سبيال

*لكتا مم أو اجهمولى أزإال ع لومنيم رغي مهفإن مهانمأي *فماء ذلكرى وغتن اب مه لئكفأو . ] 7، 5املؤمنون [ " العادون

، ] 58أخرجه مسلم [ ) وهو مؤمن ال يزين الزاين حني يزين ( : وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . املقت من اهللا عز وجل أراد بذلك أن الزاين مبعد عن اهللا تعاىل، مستوجب

اهللا، أتأذن يل يف الزىن، فصاح الناس يا رسول : يف اخلرب أن شابا أتى النيب صلى اهللا عليه وسلم، فقالوكذلك الناس ( : قال . ال، جعلين اهللا فداك : قال ) ؟ أحتبه ألمك ( : ، فقال ) اتركوه، أدن مين ( : به، فقال حىت . ) حيبونه لبنام كذلك الناس ال ( : قال . ال : قال ) ؟ ألمهام، مث قال له أحتبه ألبنتك ال حيبونه

كذلك ( : صلى اهللا عليه وسلم يقول ال، ورسول اهللا : ذكر األخت، واخلاالت والعمات وهو يقولاللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن ( : صدره، وقال ، مث وضع يده الكرمية على ) الناس ال حيبونه

. ] رواه أمحد وإسناده صحيح [ . أبغض إليه من الزىن ، فلم يكن بعد ذلك شيء ) فرجه

أنت نصف جندي، وأنت : إبليس ملا خلقت املرأة، قال هلا ( : وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . رمحك اهللا من سهام الشيطان فتحفظ ) موضع سري، وأنت سهمي الذي أرمي به فال أخطئ

والزاين عليه لعنة اهللا واملالئكة والناس الزىن من أكرب الكبائر، ( : ال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلموق . ] 4690أبو داود [ ) اهللا عليه أمجعني إىل يوم القيامة، فإن تاب، تاب

م، وعالمة املنافق يف الصالة والصيا من عالمة املؤمن أن جيعل اهللا شهوته ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . ) أن جيعل اهللا شهوته يف بطنه وفرجه

  115      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

آليت على نفسي ( : يقول تعاىل ) الوجه الزىن يورث الفقر، ويذهب اء ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . يذهب باملال، وبنور الوجه، وخيلد صاحبه يف النار والزىن . ) أن أفقر الزاين ولو بعد حني

لقي اهللا العبد بذنب بعد الشرك باهللا ما ( : ل اهللا صلى اهللا عليه وسلم أليب ذر رضي اهللا عنهوقال رسوحرام، وأن الزاين يسيل من فرجه يوم القيامة صديدا أعظم من الزىن، ومن امرئ يضع نطفته يف رحم

قال صلى اهللا عليه و . ) ألفسدت على أهل الدنيا معايشهم نتنا لو وضعت منه قطرة على وجه األرض، والزىن فإنه ذهاب البهاء، وطول الفقر، وقصار العمر، وأما اللوايت يف اآلخرة فسخط إياكم ( : وسلم

. ) اهللا، وسوء احلساب، واخللود يف النار

أدركه الشيب راقب اهللا*** يا من عصى اهللا يف الشباب وقد

ابأي وجه تراك تقراه*** صحفك بالسيئات قد ملئت

وقرب النار منك موالها*** أعدد جوابا إذا سئلت غدا

تلومه النار حني يصالها*** يا معشر املسلمني كم رجل

تعاىل أن يرى عبده أو أمته يزين، واهللا ما من أحد أغري من اهللا ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلما، أال وإن يف النار لتوابيت من نار، فيها أقوام كثري لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم

فإذا سألوا الراحة، فتحت هلم تلك التوابيت فإذا فتحت بلغ شررها أهل حمبوسون يف تلك التوابيت، اللهم العن أهل التوابيت، وهم الذين يغتصبون : أهل جهنم بصوت واحد، ويقولون جهنم، فيستغيث

. ) النساء حراما فروج

سعد من دخلين، فقال : قالت . تكلمي : إن اهللا ملا خلق اجلنة، قال هلا ( : صلى اهللا عليه وسلموقال مثانية نفر من الناس، مدمن مخر، وال مصر على وعزيت وجاليل ال يسكن فيك : اجلبار جل جالله

علي عهد اهللا : يقولشرطي، وال خمنث، وال قاطع رحم، وال الذي الزىن، وال منام، وال ديوث، وال . ) وال يفعله أن أفعل كذا وكذا

  116      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

لشربه، ولكنه هو الذي إذا وجد فليس املصر على الزىن هو املداوم عليه، وال مدمن اخلمر هو املالزميأ له الزىن، ومل يتب من ذلك، ومن مل ينه النفس اخلمر شرا، ومل مينعه منها خوف اهللا تعاىل، ومىت

. فإن اجلحيم هي املأوىعن اهلوى

نكحتم، أي تزوجتم، فإن العبد إذا إن أردمت النكاح : وكان ابن عباس رضي اهللا عنهما يقول لغلمانه . إميان زىن، خرج اإلميان من قلبه فال يبقى للعبد

. بعد تلقى آثامه إياك والزىن، فإن أوله خمافة وآخره ندامة، ومن : وقال لقمان البنه

: شدواوأن

يف اللوح يكتب فعل السوء بالقلم*** يا من خال مبعاصي اهللا يف الظلم

وأنت باإلمث منه غري مكتتم*** ا خلوت وعني اهللا ناظرة

يا من عصى اهللا بعد الشيب واهلرم*** فهل أمنت املوىل من عقوبته

. اهلوى لبةواعلم أن من غلبه هواه افتضح، فما نال الكرامات من ناهلا إال بق

إليها ليسوقها إليه، فراودته كما روي أنه يف بين إسرائيل رجل تزوج امرأة من بلد آخر، فأرسل بثقتهفنبأه اهللا تعاىل بترك هواه، وكان نبيا من بين : نفسه، وطالبته ا، فزجرها، واستعصم باهللا، قال

. اسرائيل

: وأنشدوا

فالنفس أخبث من سبعني شيطانا*** توق نفسك ال تأمن غوائلها

  117      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

إسرائيل صديق منفرد كان يف بين : وحكى ابن عباس عن كعب األحبار رضي اهللا عنهما أنه قال ألك : غدوة وعشية، فيقول له امللك للعبادة، فأقام يف صومعته دهرا طويلا، وكان يأتيه ملك يف كل

. اهللا أعلم حباجيت : فيقول ؟ حاجة

عطش مد يده، فينبع منها هللا له فوق الصومعة كرمة، حتمل يف كل يوم بالعنب، وكان إذاوأنبت ا . املاء، فيشرب منه

. لبيك : فقال هلا . يا عبد اهللا : فنادته فلما كان بعد مدة مرت به امرأة هلا حسن ومجال، عند املغرب،

قهار، احلي القيوم، العامل مبا يف الصدور وباعث من هو اهللا الواحد ال : قال هلا ؟ أيراك ربك : فقالت له . اصعدي : قال هلا . البلد مين بعيد : قالت له . يف القبور

: وقال هلا . فغض بصره عنها فلما صارت يف صومعته، رمت بثياا، وقامت عريانة، جتلو نفسها عليه،

. ؟ يب يف هذه الليلة عت ما يضرك إذا متت : قالت له . ويلك، استري نفسك

. ا واهللا إين أمتتع : قالت ؟ يا نفس، وما تقولني : فقال لنفسه

هذه املدة، وليس كل من زىن أتريدين سرابيل القطران، مقطعات وتذهبني بعباديت : وحيك : قال هلاال يفىن، وأخاف أن تطفأ، وعذاا عفي عنه، وأن الزاين يكب على وجهه يف النار، وهي نار ال

. يغضب اهللا عليك، وال يرضى أبدا عنك

عليها، متعتك ذه اجلارية أعرض عليك نارا صغرية، فإن صربت : فراودته نفسه على ذلك، فقال . الليلة

ألقى يده إىل الفتيلة، وهي تتقد، فمأل السراج دهنا، وأغلظ الفتيلة، واملرأة تسمع وتبصر، مث : قالمث أكلت أصابعه، مث أكلت يده، فصاحت اجلارية أحرقي، فأكلت إامه، ؟ ما لك : بالفتيلةفصاح

. بثوا صيحة عظيمة، فارقت الدنيا، فسترها

  118      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. بفالنة بنت فالن، وقتلها أيها الناس إن العابد قد زىن : فلما أصبح صرخ إبليس لعنه اهللا

أين : فأجابه العابد، فقال له انتهى إىل الصومعة، صاح،فركب امللك يف جنده وأهل مملكته، فلما . إا قد ماتت : قال له . قل هلا أن ترتل : له قال . عندي ها هنا : قال له ؟ فالنة بنت فالن

فهدم الصومعة، وجعل يف عنق العابد ؟ ما رضيت بالزىن حىت قتلت النفس اليت حرم اهللا : قال له امللك . ملفوفة يف كمه وهو ال يعلمهم بقصته فجره ا، ومحلت املرأة، وجيء بالعابدسلسلة،

. جروا، فجروا : فوضع املنشار على رأسه، وقيل ألصحاب العذاب

ال ينطق بشيء، : قل له : عليه السالم فلما بلغ املنشار إىل دماغه، تأوه، فأوحى اهللا تعاىل إىل جربيلوسكان مساوايت، فوعزيت وجاليل لئن تأوه الثانية، ، وقد أبكى محلة عرشي،وها أنا أنظر إليك

. تأوه وال تكلم حىت مات رمحه اهللا ألهدمن السماوات على األرض، فما

. ما زىن وما أنا إال خبامتي بكر مات واهللا مظلوما، : فلما مات، رد اهللا الروح على املرأة، وقالت

لو علمنا ما : فقالوا . اجلارية فأخرجوا يده، فإذا هي حمروقة كما قالتمث قصت عليهم القصة،اجلارية كما كانت، فحفروا هلما قربا واحدا، نشرناه، وخر العابد نصفني على األرض، وعادت

ربوا اص : مث أتوا ما ليصلوا عليهما، فناداهم مناد من السماء . وكافورا فوجدوا يف القرب مسكا وعنربااليامسني، ووجدوا تصلي عليهما املالئكة، مث صلى عليهما الناس ودفنومها، فأنبت اهللا على قربمها حىت

: على قربمها رق مكتوب فيه

املنرب حتت عرشي، ومجعت بسم اهللا الرمحن الرحيم، من اهللا عز وجل إىل عبدي ووليي، إين نصبتزوجتك مخسني ألف عروس من ملالئكة أينمالئكيت، وخطب جربيل عليه السالم، وأشهدت ا . الفردوس، وهكذا أفعل بأهل طاعيت وأهل مراقبيت

  119      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

إبليس، فمن غض بصره، أذاقه اهللا النظر إىل حماسن املرأة سهم من سهام ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . ] رواه احلاكم [ . ) تعاىل عبادة جيد حالوة تلك العبادة يف قلبه

عني : على النار ثالثة أعني يا موسى، حرمت : املناجاة أن اهللا تعاىل قال ملوسى عليه السالمويف من خشييت، ولكل شيء جزاء، إال سهرت يف سبيل اهللا، وعني غضت عن حمارم اهللا، وعني بكت

. واهللا تعاىل أعلم . اجلنة الدمعة، فال جزاء هلا إال الرمحة واملغفرة ودخول

  120      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ثامن والعشرونالالفصل

إنه مريض، فخرج ميشي حىت أتاه، ويف اخلرب أن النيب صلى اهللا عليه وسلم فقد كعبا فسأل عنه، فقيل فقال رسول اهللا صلى . هنيئا لك اجلنة يا كعب : أبشر يا كعب، فقالت له أمه : فلما دخل عليه قال

قال وما يدريك يا أم كعب، لعل كعبا ( : قال . أمي : قال ) ؟ املتألية على اهللا من هذه ( : اهللا عليه وسلم . ) ؟ ما ال يعنيه أو مسع ما ال يعنيه

. ) يف الفرار من الناس العبادة تسعة أجزاء يف الصمت، وجزء ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم

. تسعة أعشار العبادة يف الصمت : ويف احلكمة

أطلق اهللا سبحانه وتعاىل لسان رت أال تتكلم، وحبست لساا ألجل اهللا تعاىل،وحكي أن مرمي ملا نذ . صيب ال يعرف اخلطاب، أنطقه اهللا ألجلها

ومن . عند املوت ولقاء اهللا تعاىل فمن حفظ لسانه ألجل اهللا تعاىل يف الدنيا، أطلق اهللا لسانه بالشهادةح لسانه يف أعراض املسلمني، واتبع عوراأمسك اهللا لسانه عن الشهادة عند املوت مسر .

ومن كثر سقطه، كثرت ذنوبه، من كثر كالمه كثر سقطه، ( : وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . ) ومن كثرت ذنوبه، كانت النار أوىل به

. الكالم فلذلك كان الصديق رضي اهللا عنه يضع فيه حجرا ليمنع نفسه عن

األعمال أفضل، فأخرج لسانه، ووضع أي : رضي اهللا عنه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلموسأل معاذ . يده عليه

عليك لسانك، فإن تالف أمسك : وأوصى علي ابن أيب طالب رضي اهللا عنه ولده احلسن، فقال له . املرء يف منطقه

  121      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

يا ابن آدم، : ربكم تعاىل يقول إن : وذكر أن عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه خطب الناس يوما، فقال يا ابن ؟ ابن آدم، مل تذكر الناس وتنسى نفسك يا ؟ مل حترض الناس على اخلري، وتدع ذلك من نفسك

. كما تقول، فاحبس لسانك، واذكر خطيئتك، واقعد يف بيتك إن كان ؟ آدم، مل تدعوين وتفر مين

بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا ى العاقل أن يكون بصريا عل : ويف صحائف إبراهيم عليه السالم . للسانه

قلبك، أو وهنا يف بدنك، أو حرمانا إذا رأيت قساوة يف : وعن مالك بن دينار رمحه اهللا تعاىل أنه قال . يف رزقك، فاعلم أنك تكلمت مبا ال يعنيك

ومن يفعل اخلري يغنم، ومن من يصمت يسلم، يا بين، من رحم يرحم، و : وقال لقمان احلكيم البنه . يفعل الشر يأمث، ومن ال ميلك لسانه يندم

: وأنشدوا

ال يقتلنك إنه ثعبان*** احفظ لسانك أيها اإلنسان

كانت اب لقاءه الشجعان*** كم يف املقابر من قتيل لسانه

اهللا تعاىل أن تستقيم، فإنك إن ناشدتك : إن مجيع األعضاء تبكر كل يوم للسان، وتقول له : ويقال . استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا

شيء أوىل بطول احبس لسانك قبل أن يطول حبسك، وتتلف نفسك، فال : وقال بعض احلكماء . حبس من اللسان ليقصر على الصواب ويسرع إىل اجلواب

النظر يثمر اخلشوع حلكمة، وترك فضول ترك فضول الكالم يثمر النطق با : قال بعض احلكماءحالوة اهليبة، وترك الرغبة يف واخلشية، وترك فضول الطعام يثمر حالوة العبادة، وترك الضحك يثمر

  122      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

صالح العيوب، وترك التوهم يف اهللا ينفي احلرام يثمر احملبة، وترك التجسس عن عيوب الناس يثمر . الشك والشرك والنفاق

: وأنشدوا

فلرب صمت يف الكالم شفاء*** نفع والكالم مضرة الصمت

لسقام قلبك فالقرآن دواء*** فاذا أردت من الكالم شفاء

. املخبآت واعلم أن التجسس عن عيوب الناس، وتطلب مساوئهم، يبدي العورات، ويكشف

" يغتب بعضكم بعضا وال تجسسوا وال " : وقد ى اهللا عز وجل عن ذلك يف كتابه العزيز بقوله

. ] 12احلجرات [

ال يعرج على املواضع فاتق اهللا واشتغل بعيوبك عن عيوب الناس، وال تكن كمثل الذباب الذي . فيدميها السليمة من اجلسد، وال يرتل عليها، وإمنا يقع على القروح

عيبه، سلط اهللا تعاىل عليه من من حبث عن مساوئ الناس واتبع عورام، واشتغل بعيب غريه، وتركف . وينشرها يبحث يف عيبه ومساوئه ليشهرها، ويتبع عورته ويبديها

. سوى اهللا تعاىل فالعاقل السعيد من نظر يف عيبه، وشغل بذلك عن عيوب غريه، وعن كل شيء

يا موسى مخس : تعاىل، أنه قال هللا عليه وسلم عن جربيل عليه السالم عن اهللاوروي عن النيب صلى االتوراة، وإن مل تعمل ن، مل ينفعك علم كلمات ختمت ن التوراة، فإن عملت ن، نفعك علم

: التوراة

نفدت يا موسى، كن واثقا برزقي املضمون لك ما مل تر خزائين : أوهلن .

. زائلا موسى، ال ختافن سلطان األرض ما مل تر سلطاين يا : الثانية

  123      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. يا موسى، ال جتسس عن عيب أحد ما مل ختل من العيوب : والثالثة

. جسدك يا موسى، ال تدعن حماربة الشيطان ما دام روحك يف : الرابعة

. يا موسى، ال تأمن عقايب ولو رأيت نفسك يف اجلنة : اخلامسة

اهللا ويعافيه، وال تستر على الفاجر يا أخي، إياك أن تعير أحدا مبا فيه، فإين أخشى أن يبتليك : وقال . ويعلن ا الظاهر فجوره، وال على من ال يستتر باملعصية

فيسترها عليه إال أدخله اهللا ال يرى امرؤ من أخيه عورة، ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . ) اجلنة

، 3460أبو داود [ ) عثرته يوم القيامة من أقال مسلما عثرته، أقال اهللا ( : قال صلى اهللا عليه وسلمو . ] 2199ابن ماجه

اخلمر، فكان أبو حنيفة ويقال إن أبا حنيفة رضي اهللا عنه كان يسكن جبواره شاب مولع بشرب : الشاب جدار، فكان يشرب ويتمثل وبنييسهر الليل على النظر يف الكتب والقراءة، وكان بينه

أضاعوين وأي فىت أضاعوا*** سأنشدهم إذا ما هم جفوين

. ويكثر التردد ذا البيت، فكان أبو حنيفة يستأنس بكالمه

إن : الصبح سأل عنه فقيل له فلما كان ذات ليلة، مل يسمع له أبو حنيفة حسا، فلما خرج لصالةأبو حنيفة، مضى إىل مرتل صاحب مورا، فحمله إىل السجن، فلما صلىصاحب الشرطة لقاه خم

الشرطة حايف القدمني، عاري الرأس، الشرطة، واستأذن عليه، واعلمه بنفسه، فخرج إليه صاحب إين جئتك يف : فقال أبو حنيفة ؟ تأتيين إىل مرتيل يا سيدي، وما بلغ من قدري حىت : وقبل يده، وقال . أشهدك يا سيدي أين أطلقته ومجيع من سجن يف تلك الليلة : فقال سجن الليلة،قضية جار يل

  124      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ضيعناك يا أخي، أم قمنا حبقك رعيا هل : مث التفت إليه، وقال . وانصرف أبو حنيفة والرجل معه : قالهللا عن اجلوار خريا، واهللا مل تضيعين، بل رعيتين، جزاك ا ال : فقال ؟ أضاعوين وأي فىت أضاعوا : لقولك

. اهللا تعاىل وأشهدك أين تائب لوجه

. فلزم اإلمام، وعبد اهللا تعاىل حىت أتاه اليقني : قال

  125      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

تاسع والعشرونالفصل ال

إن أحببت أن يفشي اهللا لك الثناء يا أبا هريرة، ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أليب هريرة . ) املسلمني واآلخرة، فكف لسانك عناحلسن اجلميل يف الدنيا

. ) ما صام من ظل يأكل حلوم الناس ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم

. طعان لعان أبغض عباد اهللا إىل اهللا كل : وقال عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه

م القيامة، فريى فيه كتابه يو إن العبد يعطى ( : وقال سعيد بن عامر عن النيب صلى اهللا عليه وسلم باغتياب الناس فيك : فيقول ؟ احلسنات يا رب، من أين هذه : حسنات مل يكن عملها قط، فيقول

. ) وأنت ال تعلم

يف جملس فالرمحة مصروفة عنه : وقال حامت األصم ذكر الدنيا، والضحك، والوقيعة يف : ثالثة إذا من . الناس

وتولد البغضاء، وسفك الدماء، نميمة تفسد الدين والدنيا، وتغير القلوب،واعلم رمحك اهللا، أن ال أثيم مناع للخير معتد* هماز مشاء بنميم * حالف مهني وال تطع كل " : قال اهللا العظيم . والشتات

. ] 13-10القلم [ " عتل بعد ذلك زنيم*

أخاك مبا هو فيه غائب عنك، وإن أن تذكر ( : وسئل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عن الغيبة فقال . ) ذكرته مبا ليس فيه فقد ته

. ) قون بني األحبةاملفر شر عباد اهللا املشاؤون بالنميمة، ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم

. ) ال يدخل اجلنة قتات ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم

  126      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

عليه نارا يف قربه حترقه إىل يوم من مشى بني اثنني بالنميمة، سلط اهللا ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . ) وحية تنهشه حىت يدخل النار . القيامة

مقعده من النار، ومن أصلح بينهما، فقد ألقى بني اثنني عداوة، فليتبوأمن ( : قال صلى اهللا عليه وسلم . ) وجبت له على اهللا اجلنة

شتمك، ومن نقل إليك النميمة دي إىل القلوب البغضاء، ومن واجهك فقد : قال بعض احلكماء . يسعى به فقد نقل عنك، والساعي بالنميمة كاذب ملن يسعى إليه، وخائن ملن

: ال الشاعرق

مبثله من قال يف الناس عيبا قيل فيه*** احفظ لسانك ال تؤذي به أحدا

أمنحك وصييت وباهللا التوفيق، يا بين، : شاهدت أعرابية وهي توصي ابنها، فقالت : قال األصمعيض للعيوب، فتصري وتفرق بني احملبني، وإياك والتعر فإياك والنميمة، فإا تورث العداوة بني األهلني،

والبخل مبالك، ومثل لنفسك مثالا من غريك، فما استحسنته من الناس هلا أهلا، وإياك واجلود بدينك، . املرء ال يرى عيب نفسه استقبحته منهم فاجتنبه، فإن فافعله، وما

إى : فقلت ؟ بأعجبك كالم العر يا حضري، : يا أعرابية، باهللا إال زدتيه، فقالت : مث أمسكت، فقلت . واهللا

بني السخاء والعلم، والتواضع يا بين، إياك والغدر فإنه أقبح ما تعامل به الناس، وامجع : فقالت . واحلياء، وأستودعك اهللا، وعليكم السالم

. واعلم رمحك اهللا أن الغيبة أشد من ثالثني زنية يف اإلسالم

. وضوء، وتفطر الصائم الغيبة تنقض ال : وقال بعض أهل العلم

  127      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. وكان بعض الفقهاء يعيد الوضوء من الغيبة

. ميينا ومشالا، وشرقا وغربا مثل صاحب الغيبة كمثل من نصب منجنيقا، فهو يرمي به حسناته : وقيل

دك الغيبة بر : قال ؟ مب : قال ؟ عدوك أحتب أن أنصرك على : وأوحى اهللا تعاىل إىل موسى عليه السالم . عن املسلمني

وهو مصر عليهما، فهو أول ومن مات تائبا عن الغيبة والنميمة، فهو آخر من يدخل اجلنة، ومن مات . من يدخل النار

فقال تعاىل عشر خصال يا ؟ يا رب، أي األعمال أفضل وأحب إليك : وقال سليمان عليه السالم . تغتب أحدا وال جتسسه بادي إال خبري، والسليمان، أوهلا أن ال تذكر أحدا من ع

. رب، احبس عين السبعة فقد كربين هؤالء : فقال

. من الغيبة، وثلث من النميمة ثلث من البول وثلث : عذاب القرب ثالث أثالث : وقال عطاء السليمي

فإن املوىل جل جالله أعلم به، اجلبار، فإياك يا أخي والتعرض لألقدار، وأن تغتاب أحدا مبا أودع فيه . وأحكم ولو شاء ألهلكه وانتقم

ذلك النهر، ومعهم صيب أعمى يروى أن عيسى عليه السالم مر ببعض األار، فإذا بصبيان يلعبون يف . ومشالا، وهو يطلبهم وال يظفر م قد كف بصره، وهم يغمسونه يف املاء، ويفرون منه ميينا

. يساوي بينه وبني أصحابه ه السالم يف أمره، ودعا ربه أن يرد عليه بصره، وأنففكر عيسى علي

ومل يزل يغمسه يف املاء حىت فرد عليه بصره، فلما فتح عينيه ورآهم وثب على واحد منهم، فتعلق به . قتله، وطلب آخر فتعلق به كذلك حىت مات، وهرب الباقون

  128      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

أنت خبلقك أعلم، فدعا يا إهلي، وسيدي وموالي، : ، وقالفرأى عيسى عليه السالم ذلك، فتعجب . ربه أن يرده كما كان ويكفيهم أمره

إيل يف حكمي وتدبريي، فخر قد كنت أعلمتك وتعرضت : فأوحى اهللا تعاىل إىل عيسى عليه السالم . عيسى عليه السالم ساجدا

. فيه حكم وتدبريواعلم أنه ال جيري يف هذا العامل أمر إال وللموىل

كان يتجالسون على غري طاعة اهللا إذا كان يوم القيامة، اجتمع القوم الذين : عن بعض السلف أنه قالويعض بعضهم بعضا، وينهش بعضهم بعضا، تعاىل، ويتعاونون على املعاصي، فيجثون على الركب،

. توبة كالكالب، وهم الذين خرجوا من الدنيا على غري

املعروف بالزاهر، كان يل عم، الفقيه أبو احلسن علي بن فرحون القرطيب رمحه اهللا يف كتابهقالبعد ذلك يف املنام وهو داخل علي يف وتوىف يف مدينة فاس سنة مخس ومخسني ومخسمائة، فرأيته

د عليه، ودخلت خلفه، فلما توسط يف البيت، قع داري، فقمت إليه والقيته بقرب الباب، وسلمت يا عماه، ماذا : يديه، فرأيته شاحب اللون متغيرا، فقلت له واستند بظهره إىل اجلدار، فقعدت بني

ما يلقى من الكرمي يا بين، مسح يل يف كل شيء إال يف الغيبة، فإين منذ فارقت : قال ؟ لقيت من ربك

والغيبة والنميمة، فما رأيت إياك : ينالدنيا إىل اآلن حمبوس فيها، ما مسح يل بعد فيها، فأنا أوصيك يا ب . وتركين وانصرف . يف هذه الدار شيئا أشد بطشا وطلبا من الغيبة

: وأنشدوا

من صاحل كان أو خبيث*** ميوت كل األنام طرا

منه كما جاء يف احلديث*** فمستريح ومستراح

  129      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

فيدفع له كتابه، فال يرى فيه صالته يوم القيامة يؤتى بالعبد : وقال سعيد بن جبري رضي اهللا عنه قالهذا كتاب غريي، كانت يل حسنات ليس يف هذا وال صيامه، ويرى أعماله الصاحلة، فيقول يا رب،

. ينسى، ذهب عملك باغتيابك الناس إن ربك ال يضل وال : الكتاب، فيقال له

العاملني، وتورث العداوة بني وحيبطان عملفإياك يا أخي والغيبة والنميمة، فإما يضران بالدين، . املسلمني، أعاذنا اهللا منهم

  130      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

وىف ثالثنيالفصل امل

. ) املسلم دمه وماله وعرضه إن اهللا تعاىل حرم من ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

ميكنه التجاهل، فحد حبيث ال فالغيبة بالقلب حرام، كما هي باللسان حرام، إال أن يضطر ملعرفته،تذكر أخاك مبا يكرهه إن بلغه أو مسعه، وإن الغيبة كما بينه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وهو أن

أو عقله، أو ثوبه، أو يف فعله، أو يف قوله أو يف دينه، أو كنت صادقا سواء ذكرت نقصانا يف نفسه، إنه : و يف أمته، أو بشيء ما يتعلق به، حىت قولكيف وولده، أو يف عبده، أ يف داره، أو يف دابته، أو

. الكم، طويل الذيل واسع

. ) اغتبتموه ( : فقال ما أعجزه، : وقد ذكر رجل عند رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فقيل

بيدها، تعين قصرها، فقال وأشارت عائشة رضي اهللا عنها إىل صفية، وقالت هلا كذا وكذا، وأشارت : قال ؟ يا رسول اهللا، أليست هي قصرية : فقالت ، ) اغتبتها يا عائشة ( : ول اهللا صلى اهللا عليه وسلمرس

. ) إنك ذكرت أقبح شيء فيها (

فيه إن بلغه أو مسعه، باليد، والغيبة ال تقتصر على اللسان، بل كل ما يفهم منه عرض يكرهه املذكور . باحملاكاة، فهي غيبة احلركة، أو بالتعريض أوأو بالرجل، أو باإلشارة، أو ب

بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم وال يغتب بعضكم " : وقد عظم اهللا تعاىل أمر الغيبة، فقال تعاىل . ] 1اهلمزة [ " لمزة ويل لكل همزة " : وقال تعاىل . ] 12احلجرات [ " فكرهتموه أخيه ميتا

. فقيل معناه الطاعن يف الناس، الذي يأكل حلوم الناس

خيمشون وجوههم بأظفارهم، ى قوممررت ليلة أسري يب عل ( : وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . ) هؤالء الذين يغتابون الناس : فقيل يل

. ) من الغيبة يف حسنات العبد ما النار يف اليبس بأسرع ( : وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

  131      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

معاذ يا : قال ملعاذ بن جبل روي عن عبد امللك بن حبيب رمحه اهللا تعاىل بإسناده عمن حدثه أنه : قال يل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : قال . وسلم حدثين حديثا مسعته من رسول اهللا صلى اهللا عليه

حديثا، إن أنت حفظته نفعك اهللا، وإن ضيعته ومل حتفظه، انقطعت حجتك عند يا معاذ إين حمدثك ( . القيامة اهللا يوم

لكل مساء ملكا بوابا عليها، خيلق السماوات واألرض، فجعل اهللا خلق سبع أمالك قبل أن : يا معاذله نور كنور الشمس، حىت إذا بلغت به فتصعد احلفظة بعمل العبد من حني يصبح إىل حني ميسي،

اضربوا ذا العمل وجه صاحبه، أنا : املوكل ا للحفظة إىل مساء الدنيا، فتزكيه وتكثره، فيقول امللك . ال أدع عمل من اغتاب الناس جياوزين إىل غريه ريب أنصاحب الغيبة أمرين

السماء الثانية، فيقول هلم امللك مث تأيت احلفظة بعمل صاحل من العبد، فتزكيه وتكثره، حىت تبلغ به إىلإنه أراد ذا العمل عرض الدنيا، أمرين ريب أن ال قفوا واضربوا ذا العمل وجه صاحبه، : املوكل ا . كان يفتخر على الناس يف جمالسهم له جياوزين إىل غريي، إنهأدع عم

أعجب احلفظة، فيجاوزون به إىل وتصعد احلفظة بعمل العبد يبتهج نورا من صدقة وصيام، وقد : قالواضربوا ذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الكرب، قفوا : السماء الثالثة، فيقول هلم امللك املوكل ا

. غريي، إنه كان يتكبر على الناس أال أدع عمله جياوزين إىلأمرين ريب

دوي من صالة وتسبيح وحج وتصعد احلفظة بعمل العبد يزهر كما يزهر الكوكب الدري وله : قالاملوكل ا، قفوا واضربوا ذا العمل وجه وعمرة، حىت جياوزوا به إىل السماء الرابعة فيقول هلم امللك

أمرين ريب أن ال أدع عمله جياوزين إىل غريي، إنه كان وباطنه، أنا صاحب العجب،صاحبه ظاهره . فيه إذا عمل عملا أدخل العجب

وعمرة، حىت جياوزوا ا إىل وتصعد احلفظة بعمل العبد من صالة وصوم وصدقة وزكاة وحج : قال قفوا واضربوا ذا العمل وجه : ااملوكل السماء اخلامسة كأنه العروس املزفوفة، فيقول هلم امللك

  132      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

احلسد، إنه كان حيسد من يتعلم، وال يعمل مبثل عمله، وكل صاحبه، وامحلوه على عاتقه، أنا ملك . العبادة كان حيسده، أمرين ريب أن ال أدع عمله جياوزين إىل غريي من كان يأخذ فضلا من

فيجاوزون به إىل السماء وعمرة وصيام، وتصعد احلفظة بعمل العبد من صالة وزكاة وحج : قالصاحبه، إنه كان ال يرحم إنسانا وال السادسة، فيقول هلم امللك، قفوا واضربوا ذا العمل وجه

أو ضر، بل كان يشمت به، أنا ملك الرمحة، أمرين ريب مسكينا من عباد اهللا تعاىل قط إذا أصابه بالء . غريي أن ال أدع عمله جياوزين إىل

كدوي النحل، وضوء وتصعد احلفظة بعمل العبد من صالة وصوم وجهاد وورع، له دوي : قال : فيقول هلم امللك املوكل ا : كضوء الشمس، ومعه ثالث آالف ملك، فيجاوزون به السماء السابعة

د به قلبه، إين أحجب عن ريب كل عمل مل ير قفوا واضربوا ذا العمل وجه صاحبه، واقفلوا علىوذكرا عند العلماء، وصيتا يف املدائن، أمرين ريب أن ال أدع ريب، إمنا أراد بعمله رفعة عند الفقهاء،

. غريي، وكل عمل مل يكن لوجه اهللا خالصا، فهو رياء وال يقبل اهللا عمل املرائي عمله جياوزين إىل

وصمت، وذكر اهللا تعاىل، سن وتصعد احلفظة بعمل العبد من صالة وزكاة وعمرة وخلق وح : قالويقفوا بني يدي اهللا تعاىل، ويشهدوا له فتشيعه مالئكة السماوات السبع، حىت يقطعوا احلجب كلها،

احلفظة على عبدي، وأنا الرقيب على قلبه، إنه مل يردين ذا أنتم : بالعمل الصاحل هللا تعاىل، فيقول هلم عليه لعنتك : ة أهل السماوات واألرض، فتقول املالئكة كلهافعليه لعنيت ولعن العمل، وأراد به غريي،

. ) ومن فيهن عليه لعنة اهللا ولعنتنا، وتلعنه السماوات السبع : ولعنتنا، وتقول السماوات كلها

اقتد يب، وإن كان يف عملك نقص، ( : قال . يا رسول اهللا، أنت رسول اهللا، وأنا معاذ : قلت : قال معاذمن إخوانك من محلة القرآن، وامحل ذنوبك، وال معاذ، احفظ لسانك من الوقيعة يف لسانكيا

وال توقع نفسك عليهم، وال تدخل الدنيا يف عمل اآلخرة، وال حتملها عنهم، وال تترك نفسك بذمهم الناس من سوء خلقك، وال متازح رجلا وعندك آخر، وال تتعاظم على تتكبر يف جملسك لكي حيذر

خريات الدنيا واآلخرة، وال متزق حلوم الناس بلسانك، فتمزقك كالب النار يوم الناس، فتقطع عنك ) ؟ تدري ما هن يا معاذ هل . ] 2النازعات [ " والناشطات نشطا " : بالنار، قال اهللا تعاىل القيامة

  133      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

يا : قلت : قال . ) من نار متشط العظم واللحم كالب ( : قال ؟ ما هن بأيب وأمي يا رسول اهللا : قلتيا معاذ، إنه يسري على من يسره اهللا تعاىل ( : قال ؟ ومن ينجو منها رسول اهللا من يطيق هذه اخلصال،

. ) عليه

املصنف يف كتاب املوضوعات أورده [ . احلديث فما رأيت أحدا أكثر تالوة للقرآن من هذا : قال . ] حديث موضوع

  134      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ادي والثالثونالفصل احل

. ] 40مسلم [ . ) لسانه ويده املسلم من سلم املسلمون من ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

. ] 2580 مسلم [ . ) املسلم أخو املسلم، ال يظلمه وال يسلمه ( : وقال

البخاري [ . ) باحلمى السهر املسلمون كرجل واحد، إذا اشتكى رأسه، تداعى بقية جسده ( : وقال . ] ومسلم

. ) الصمت من سره أن يسلم فليلزم ( : وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

: فقال ؟ هللا، أنؤاخذ مبا نقولا يا رسول : وقال معاذ رضي اهللا عنه لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

. ) ! ؟ النار على مناخرهم إال حصائد ألسنتهم ثكلتك أمك يا ابن جبل، وهل يكب الناس يف ( . ] 2616الترمذي [

. تنطقوا أبدا فال : دلنا على عمل ندخل به اجلنة، قال : وقيل لعيسى عليه السالم

. فال تنطقوا إال خبري : قال . ال بد لنا من ذلك : قالوا

. ابن أيب الدنيا ) تغلب الشيطان اخزن لسانك إال من خري، فإنك بذلك ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم

ابن [ . ) فليتق اهللا امرؤ علم ما يقول إن اهللا تعاىل عند كل لسان ناطق، ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . ] املبارك يف الزهد

. ] 48مسلم [ . ) فليقل خريا أو ليصمت من كان يؤمن باهللا واليوم اآلخر ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم

. ] الطرباين [ . ) صمت رحم اهللا عبدا قال خريا أو ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم

. ] ابن أيب الدنيا [ . ) لسانه إن أكثر خطايا ابن آدم يف ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم

  135      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

الكالم رجع إىل قلبه، فإن كان له لسان العاقل من وراء قلبه، فإذا أراد ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . ) لسانه، فهو يتكلم بكل ما عرض له تكلم، وإن كان عليه أمسك، وقلب اجلاهل من وراء

اهللا تعاىل، ما كان يظن أن تبلغ ما لم بالكلمة من رضوانإن الرجل ليتك ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . ] الترمذي وابن ماجه [ . ) القيامة بلغت، يكتب اهللا له ا رضوانه إىل يوم

بالا يهوي ا يف نار جهنم، وإن إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي هلا ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . ] البخاري [ . ) اهللا ا إىل اجلنة يلقي هلا بالا يرفعهالرجل ليتكلم بالكلمة ما

بالقول، وال تغتر بفعلك وال وإياك يا أخي، والعجب، فإنه مذموم كيف كان؛ بالنفس أو بالفعل أو . ] 32النجم [ . " هو أعلم بمن اتقى كمفال تزكوا أنفس " : بقولك، فإن اهللا تعاىل يقول

) واعجاب املرء بنفسه شح مطاع، وهوى متبع، : ثالث مهلكات ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم

. ] الترغيب والترهيب [

. ) و العجبمن الذنب، وه لو مل تذنبوا، خلشيت عليكم ما هو أشد ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم

. ] الترغيب والترهيب [

. ظن أنه حمسن إذا : قالت ؟ مىت يكون الرجل مسيئا : وقيل لعائشة رضي اهللا عنها

. والعجب اهلالك يف اثنتني القنوط : وقال ابن عباس رضي اهللا تعاىل عنهما

. ال يطلبها لظنه أنه ظفر ا عجبوإمنا مجع بينهما، ألن القانط ال يطلب السعادة لقنوطه، وأن امل

سلوين قبل أن : العلم، وقال يوما أنا من الراسخني يف : وذكر ابن عباس رضي اهللا عنهما أنه قال يومايف صورة آدمي، فدق عليه الباب، فخرج إليه عبد تفقدوين، فلما انصرف إىل مرتله، بعث اهللا ملكا

ما تقول يف النملة مع صغرها، أين روحها يف مقدمها، أو : ابن عباس يا : اهللا بن عباس، فقال له امللك . فلم جيد جوابا فدخل مرتله، وأغلق بابه، وآىل على نفسه أن ال يدعي علما أبدا ؟ يف مؤخرها

  136      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. ] 76يوسف [ " عليموفوق كل ذي علم " : قال اهللا تعاىل

الزهاد، فكأن النحوي أخذ وذكر أنه حضر بعض النحويني يف جملس ابن مشعون الواعظ، وكان منالنحوي، ومل يأت إىل جملسه، فكتب إليه على الشيخ حلنا يف لسانه، وغلظا يف كالمه، فانقطع عنه

لباب، أما مسعت رسالة بعض العارفني إىل دون ا أراك من اإلعجاب رضيت أن تقف : ابن مشعونعلى ضبط أقواله، حلن يف أفعاله، إنك رفعت وخفضت من اعتمد : كتب إليه . بعض املتأدبني

. وجزمت وت وانقطعت

أال نصبت بني عينيك ميزان ؟ أال خفضت صوتك عن املنكرات ؟ أال رفعت إىل اهللا مجيع احلاجات . مل كنت مذنبا : معربا وإمنا يقال له مل مل تكن : يقال غدا لعبداملمات، أما علمت أنه ال

ولو كانت الفصاحة . الفعال يا هذا، ليس املرغوب الفصاحة يف املقال، وإمنا املرغوب الفصاحة يفمن موسى عليهما السالم، قال اهللا تعاىل حممودة يف املقال دون الفعال، لكان هارون أوىل بالرسالة

فجعلت الرسالة . ] 34القصص [ " لسانا وأخي هارون هو أفصح مين " : بارا عن قول موسىإخ . أعلم حيث جيعل رسالته ملوسى لفصاحة أفعاله، واهللا

: وأنشدوا

حىت إذا جاء قوله وزنه*** والحن يف الفعال ذو زلل

تيها وعجبا أخطأن يا حلنه*** ل وقد أكسبه لفظه قا

وال يرى يف كتابه حسنه*** قلت أخطأ الذي يقوم غدا

يطيل الصالة، وحيسن روي أن رجلا نظر إىل بشر بن منصور السليمي رضي اهللا تعاىل عنه وهوعبد اهللا آالفا من السنني مث لعنه اهللا، ال يغرنك ما رأيت مين، فإن إبليس، : العبادة، فلما فرغ قال له

. صار إىل ما صار إليه

  137      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. وأقواله فمن سعادة املرء أن يقر على نفسه بالعجز والتقصري يف مجيع أفعاله

. أنا، وحنن، ويل، وعندي : قيل املهلكات أربع هي

. ] بن ماجها [ ) ذنب له النادم على الذنب كمن ال ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

. ] الطرباين [ . ) النادم ينتظر الرمحة، واملعجب ينتظر املقت من اهللا تعاىل (

مل يتركوك، وإن هربت منهم إن ناقدت الناس ناقدوك، وإن تركتهم : قال أبو الدرادء رضي اهللا عنه اهللا عز وجل من مؤمن أحب إىل أدركوك، فالعاقل من وهب نفسه وعرضه ليوم فقره، وما جترع

. ودعوة املظلوم، فإا تسري بالليل والناس نيام غيظ كظمه، فاعفوا يعزكم اهللا، وإياكم ودمعة اليتيم،

املؤمن فسوق، وقتاله كفر، أعظم اخلطايا الكذب، وسب : وقال عبد اهللا بن مسعود رضي اهللا عنهالغيظ يأجره اهللا ومن يغفر، يغفر اهللا وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يعف يعف اهللا عنه، ومن يكظم

. منها له، ومن يصرب على الرزية يعقبه اهللا خريا

السالم األلواح، نظر فيها، ملا أخذ موسى عليه : وعن عبد اهللا بن عباس رضي اهللا عنهما أنه قال أتدري ملا فعلت ذلك : قبلي، فأوحى اهللا تعاىل إليه إهلي، أكرمتين بكرامة مل تكرم ا أحدا من : وقالإني " : إىل قلوب عبادي، فلم أجد قلبا أشد تواضعا من قلبك، فلذلك نظرت : قال . ال : قال ؟ بك

كتطفيكن اصو كتيا آتذ مبكالمي فخاالتي واس برسلى النعنم اكرين144األعراف [ " الش [ .

قلبه خويف، وقطع اره إمنا أقبل من تواضع لعظميت، ومل يتعاظم على خلقي، وألزم : يا موسى . بذكري، وكف لسانه عن الشهوات ألجلي

كظمها تعاىل من جرعة غيظ ما من جرعة أحب إىل اهللا ( : وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . ) أمنا واميانا رجل، ومن كظم غيظا هو قادر على إنفاذه، مأل اهللا قلبه

  138      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

الطشت، فطار املاء على ثوبه، وحكي أن غالما جلعفر الصادق رضي اهللا عنه سكب على يده املاء يف . كظمت غيظي : قال " الغيظ والكاظمني " : يا موالي : فنظر إليه جعفر نظرة منكرة، فقال العبد

آل [ " المحسنني الله يحبو " : قال الغالم . قال عفوت عنك " الناس والعافني عن " : قال الغالم . تعاىل، ولك من مايل ألف دينار ، قال اذهب، أنت حر لوجه اهللا ] 134عمران

يعرف بليله، إذا الناس نائمون، ينبغي حلامل القرآن أن : وعن عبد اهللا بن مسعود رضي اهللا عنه، قالوببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا يفرحون،وبنهاره إذا الناس مفطرون، وحبزنه إذا الناس وينبغي حلامل القرآن أن يكون باكيا حمزونا، حليما الناس خيالطون، وخبشوعه إذا الناس خيتالون،

القرآن أن يكون جافيا، وال غافلا، وال سخابا، وال صياحا، ال حديدا، وال سكوتا، وال ينبغي حلامل

. مرتعجا

تعرفوا، وإن غبتم مل تفقدوا، وإن إن حضرمت مل : اغتنموا من زمانكم مخسا : الزاهدينقال بعض وأوصيكم خبمس . وإن عملتم شيئا مل تغبطوا به شهدمت مل تشاوروا، وإن قلتم شيئا مل يقبل قولكم،

م مل تغضبوا، وإن مدحتم مل تفرحوا، وإن ذممتم مل جتزعوا، وإن كذبت إن ظلمتم مل تظلموا، وإن : أيضا . حتزنوا خانوكم فال

  139      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ثاين والثالثونالفصل ال

الليلة الظلماء، وإن أدىن الربا اعلم أن الربا من املهلكات وهو أخفى من دبيب النمل على الصفاء يف . وزرا من سبعني زنية مع غريها كالذي يزين مع أمه والزنية مع األم أعظم األمور

البقرة [ " مؤمنني آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم يا أيها الذين " : قال اهللا تعاىلمن المس الربا ال يقومون إال كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان ذين يأكلونال " : وقال تعاىل . ] 278

ه فانتهى فله رب وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الرباادع نمإلى الله و هرأمو لفا سون مالدا خفيه مار هالن ابحأص لئك275 البقرة [ " فأو [ .

. ) من ست وثالثني زنية يف اإلسالم درهم الربا أشد عند اهللا ( : وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

. ] رواه أمحد [

وسلم إذا صلى صالة الغداة، كان رسول اهللا صلى اهللا عليه : وقال مسرة بن جندب رضي اهللا عنه ال يا رسول اهللا، فذكر صلى اهللا : قلنا ) ؟ رؤيا هل رأى أحد منك ( : أقبل علينا بوجهه الشريف، وقال

نا على ر من دم وفيه رجل قائم، وعلى شاطئ النهر مث انتقلنا حىت أتي : قال . عليه وسلم حديث الربايديه حجارة، فأقبل الرجل الذي يف النهر ليخرج، فلما أراد أن خيرج، رماه الرجل رجل قائم، وبني

. فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى فيه حجرا، فرجع كما كان حبجر

. ) القيامة ربا يفعل به هكذا يوم هذا آكل ال : فسألت عنه فقيل يل ( : قال

يا موسى أطعمه يوم : قال ؟ منه يا رب، ما جزاء من يأكل الربا ومل يتب : وقال موسى عليه السالم . القيامة من شجر الزقوم

: وأنشدوا

بأكل الربا ازدجر وانتبه*** أيا الذي قلبه ميت

  140      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

نومتهأتته املنية يف*** فكم نائم نام يف غبطة

دهته احلوداث يف لذته*** وكم من مقيم على لذة

سيأيت الزمان على جدته*** وكم من جديد على ظهرها

حالال طيبا وال كلوا مما في األرض يا أيها الناس " : وأما آكل احلرام، قال اهللا تعاىل يف كتابه العزيز . ] 168البقرة [ " الشيطان إنه لكم عدو مبني تتبعوا خطوات

من : املقدس ينادي يف كل يوم وليلة إن هللا تبارك وتعاىل ملكا على بيت ( : وقال صلى اهللا عليه وسلمحىت خيرج ذلك احلرام من بيته، فإن مات على ذلك، فأنا عدلاأكل حراما، مل يقبل اهللا منه صرفا وال

. ) بريء منه

إىل أرباا، فإن مل تفعلوا فلن أخرجوا األمانة من بيوتكم، وردوها ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . ) اهللا مع احلرام يف البيت تنفعكم أعمالكم شيئا، وال ينفعكم قول ال إله إال

. بعد فريضة اإلميان أي ) طلب احلالل فرض على كل مسلم ( : اهللا عليه وسلموقال صلى

. ) تعاىل منه صالة أربعني يوما من أكل لقمة احلرام، مل يقبل اهللا ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم

. ] الترمذي [ . ) وكل حلم أنبته السحت واحلرام، فالنار أوىل به (

منه صدقة، وال عتقا، وال حجا، وال من اكتسب مالا حراما، مل يقبل اهللا ( : هللا عليه وسلموقال صلى ا . ) موته كان زاده إىل النار عمرة، وكانت له بعدده أوزارا، وما بقي منه بعد

مل يقبل دراهم، وكان فيهم دراهم حرام، لو أن رجلا اشترى ثوبا بعشرة ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . ) أهله اهللا تعاىل منه عملا حىت يؤديه إىل

. ] رواه أمحد [ ) مل يقبل منه عملا ما دام عليه شيء منه ( : ويروى يف حديث آخر

  141      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

يف سبيل اهللا تعاىل سبعني مرة مل لو أن أصحاب املال احلرام استشهدوا ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . ) أربابه، واالستحالل منهم ة، وتوبة احلرام رده إىلتكن الشهادة هلم توب

اهللا تعاىل قلبه، وأجرى ينابيع احلكمة من أكل احلالل أربعني يوما، نور ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . ) واآلخرة على لسانه، ويهديه اهللا يف الدنيا

أن تدعوين، فصن بطنك عن احلرام، إن أردت : إن اهللا تعاىل يقول ملوسى عليه السالم : ويف املناجاة . الرمحة الواسعة، فإنى أجيبك فيما سألتين وقل يا ذا املن القدمي، والفضل العميم، يا ذا

وصليتم حىت تكونوا كاألوتار، لو صمتم حىت تكونوا كاحلنايا، : وقال عبد اهللا بن عمر رضي اهللا عنه . مل يقبل منكم إال بورع حاجز

داء ال دواء له إال الفرار الدنيا حالهلا حساب، وحرامها عقاب، واحلرام : وقال بعض أهل العلم . للرمحن من أكله

: وأنشدوا يف املعىن

كبيض فاسد حتت احلمام*** أشبه من يتوب على حرام

وآخره يقوم بال متام*** يطول عناؤه يف غري شغل

فال معىن لتطويل القيام***إذا كان املقام على حرام

اهللا تعاىل، ومفتاحها الدعاء، وأسناا الطاعة خمزونة يف خزائن : وقال حيىي بن معاذ رضي اهللا تعاىل عنهفال يفتح الباب، وإذا مل تفتح اخلزانة كيف يتوصل إىل ما أكل احلالل، فإذا مل يكن يف املفتاح أسنان،

. فيها من الطاعة

  142      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

األمل من فجر طعمتك حىت يتبني لك مبيض صاحل العمل من مسود خيطفصن لقمتك، وأطبكلوا " على فوائد موائد األجل، مث أمت صيام اجلوارح عن حرام طعام اآلثام إىل ليل القيام فتفطر

. ] 24احلاقة [ . " الخالية واشربوا هنيئا بما أسلفتم في األيام

حرارة مثرة الزقوم، فيا له من ومن مل جيتنب احلرام من الطعام، أفطر بعد طول الصيام على مرارة . وميزق األجساد، ويورث األنكاد يف امليعاد طعام، ما أعظم ضرره، يفتت الفؤاد، ويقطع األكباد،

فيها سبعون بابا من العلم، فلما كنت أقرأ اآلية فيفتح يل : ىل عنهوقال سفيان الثوري رضي اهللا تعا . يل فيها باب واحد أكلت مال هؤالء األمراء، صرت أقرأ اآلية فلم يفتح

وحترق ثياب إخالص النيات، فاحلرام من القوت نار تذيب شحمة الفكر، وتذهب لذة حالوة الذكر، . م السريرةومن احلرام يتولد عمى البصرية وظال

جتالسهم، وال تأكل طعامهم، وال فاكتسب مالا حاللا، وأنفقه يف قصد، واجتنب احلرام وأهله، والتدلن أحدا على احلرام فيأكله هو تصحب من كسبه من احلرام، إن كنت صادقا يف ورعك، وال

. املعني شريك وحتاسب أنت عليه، وال تعنه أيضا على طلبه، فإن

. أنه إمنا تقبل األعمال من آكل احلاللواعلم

. يف اخللوات ويتعلق بذلك كتمان الفاقة واحلسرات وإخفاء األنني والزفرات، والركون

لسان نبيه الكرمي صلى اهللا عليه وأما أكل مال اليتيم فلو مل يكن فيه إال ما نطق القرآن الكرمي علىنارا يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم إن الذين " : وسلم حيث قال جل وعال

. ] 10النساء [ " وسيصلون سعريا

أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد تقربوا مال اليتيم إال بالتي هيوال " : وقال تعاىل . ] 34اإلسراء [ " مسؤوال كان

  143      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

عهد فيهما اهللا تعاىل قد أمرك بال وأما اخليانة يف الوزن والكيل، فاجتنب ذلك يا أخي ما استطعت، فإنأو وزنوهم وإذا كالوهم* الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * ويل للمطففني " : يف قوله تعاىل

. ] 1٬3املطففني [ " يخسرون

مع اخليانة، وإن قليلا من غتبط بشيء من حقوق املسلمني، فإن الربكة ال تكونوإياك يا أخي إن ت . احلرام يتلف كثريا من احلالل

. وإياك يا أخي إن خنت درمها، خانك إبليس يف سبعني درمها

دث من إذا ح : منافق، وإن صلى وصام ثالثة من كن فيه فهو ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . ] البخاري ومسلم [ ) كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان

جبالن من : رأسه وهو يقول دخلت لزيارة جار يل كان يبيع احلنطة، فلما قعدت عند : وقال بعضهمكبري واآلخر صغري، فإذا ابتاع من أحد شيئا إنه كال له مدان، أحدمها : نار، فسألت زوجته، فقالت

شيئا، كال له باملد الصغري، فعلمت أن املدين مها الذان تصورا باملد الكبري، وإذا باع هو ألحداكتال . له جبلني من نار

: بالغنم، فجعل يبكي ويقول قيل، وكان رجل بالبادية لبان خيلط اللنب باملاء، فجاء السيل، فذهب

ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس " : هينادي اجتمعت تلك القطرات، فصارت سيلا، ولسان اجلزاء

. ] 10احلج [ " بظالم للعبيد

. واعلم أن السرقة واخليانة أمران مهلكان ضاران بالدين

ناري وغضيب، فأوهلم من طال عمره ستة : ى عليه السالمويف املناجاة أن اهللا تبارك وتعاىل قال ملوسغري توبة، ومن لقيين بدم مؤمن متعمدا، ومن وساء اخللق، وغين سارق، وعامل فاسق، ومن أتاين على

. منع حق امرئ مسلم وأكله غضبا

  144      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. من غشنا فليس منا : وقال صلى اهللا عليه وسلم

مستوحش، وكل كل عاص : س مكتوب عليها ست كلماتذكر أنه وجدت على صخرة بيت املقد . فقري مطيع مستأنس، وكل خائف هارب، وكل راج طالب، وكل مقتنع غين، وكل حريص

. ) احللف احلنث أو ندم ( : أنه قال وأما األميان الكاذبة، فإنه روي عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

: عبدا له، والعبد يقول له يه وسلم برجل من أصحابه وهو يضرب مر رسول اهللا صلى اهللا عل : وقيل

فسمع رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم صياح أسألك بوجه اهللا تعاىل إال تركتين، وهو يزيد يف ضربه،سألك بوجه اهللا العظيم، فلم تعف عنه، ( : فقال رسول اهللا العبد، فانطلق إليه، فلما رآه السيد أمسك

يا رسول اهللا أشهدك أنه حر لوجه اهللا تعاىل العظيم، فقال له : ، فقال ) يدك يتين، أمسكتفلما رأ . ) لو مل تفعل، للفحت النار وجهك ( : اهللا صلى اهللا عليه وسلم رسول

لأيمانكم وال تجعلوا الله عرضة " : يقول فإياك والتعرض ملقت اهللا تعاىل بكثرة األميان، فإن اهللا تعاىل

. ] 224البقرة [ "

أجعل لسانه بني : قال ؟ كاذبا يا رب، ما ملن حيلف بك : ويف اإلسرائيليات أن موسى عليه السالم قال . أقطع حظه من اجلنة : قال ؟ بيمني فاجرةمال مسلم يا رب فما على من اقتطع : قال . مجرتني أحقابا

أحدث عن ملك من محلة العرش إن اهللا تعاىل أذن يل أن ( : وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يا إهلي وسيدي، : فريفع رأسه وهو يقول رجاله قد خرقت األرض السفلى، وعنقه مثين حتت العرش،

. ] رواه احلاكم [ . ) من حلف يب كاذبا ما عرف ذلك : فيقول اهللا تعاىل ! ما أعظمك

: اهللا عليه وسلم أنه كان يقول وأما شرب اخلمر، فإنه من أكرب الكبائر، وقد ورد عن رسول اهللا صلى

. ] ابن ماجه [ . ) أيام، ومل يقبل منه صيام من شرب من اخلمر شربة مل تقبل منه صالة سبعة (

: شرا عشرة خصال مذمومةواعلم أن يف

  145      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

كما روي عن ابن أيب الدنيا أا تذهب يف عقل شارا حىت يصري مضحكة للصبيان، ومهزأة : أوهلا اللهم اجعلين من التوابني، واجعلين من : يقول رأيت سكران يبول وميسح وجهه ببوله، وهو : أنه قال

. املتطهرين

. يا سيدي كرامة أوليائه أكرمك اهللا : حس فاه، والسكران يقولورأى سكران قد تقيأ والكلب يل

اللهم أرنا : اخلطاب رضي اهللا عنه والثانية أا تتلف املال وتفسده، وتعقب الفقر، كما قال عمر بن . ] سنن أيب داود [ . يف اخلمر فإا متلفة للمال مذهبة للعقل

الشيطان أن يوقع بينكم العداوة إنما يريد " : قال اهللا تعاىل . غضاء أا توقع العداوة والب : والثالثة . ] 91املائدة [ " ونمنته والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصالة فهل أنتم والبغضاء في الخمر

. انتهيت يا رب، انتهيت : قال عمر . انتهوا عنهما : ويريد

. حيرم صاحبها لذة الطعام وصواب الكالم : والرابعة

أكثر كالمه بالطالق، فرمبا حنث أنه حترم عليه زوجته، فتكون معه على الزىن، وذلك أن : واخلامسة من أنكح كرميته شارب : الصحابة رضي اهللا عنهم ها زانيا، فإنه روي عن بعضومل يشعر، فيكون مع

. اخلمر، فقد ساقه للزىن

عثمان بن عفان رضي اهللا عنه أا مفتاح كل شر توقعه يف مجيع املعاصي، كما روي عن : والسادسة . فإا أم اخلبائث أيها الناس، اتقوا شرب اخلمر، : أنه قال يف خطبته

. والروائح الكريهة أا تؤذي حفظته بإدخاهلا يف جملس الفسوق والفجور : والسابعة

الدنيا ضرب يف اآلخرة على أنه أوجب على نفسه احلد مثانني جلدة، فإن مل يضرا يف : والثامنة . رؤوس األشهاد

  146      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

. أربعني يوما أا تسد دونه أبواب السماء، فال يرفع له عمل وال دعاء : والتاسعة

. عند املوت أنه خاطر بنفسه وبدينه، فيخاف عليه أن يرتع منه اإلميان : والعاشرة

قل ال إله إال اهللا، : يقال له رأيت إنسانا جيود بنفسه عند املوت وهو : كما روي عن بعضهم أنه قال إذا مات العبد املخمور، فادفنوه : مسعود أنه قال وذكر عن عبد اهللا بن . اشرب واسقين : فكان يقول

. جتدوا وجهه مصروفا عن القبلة، واال اضربوا عنقي واحبسوين، واحفروا عليه، فإن مل

شرب احلميم والزقوم وعصارة أهل فهذه عقوبته يف الدنيا، وأما عقوبته يف اآلخرة، فإا ال حتصى من . أعاذنا اهللا منه . النار يف النار، إىل غري ذلك من العذاب والنكال

عن عبد اهللا بن عباس رضي اهللا وأما ما أعد اهللا تعاىل لتارك الصالة على صحة البدن، فمنه ما رويليس بني الكافر واملسلم إال ترك الصالة، فإن تارك ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : عنهما قال

مسة عشر عقوبة، منها ستة يف الدنيا، وثالثة عند موته، اهللا تعاىل خب الصالة على صحة البدن يبتليه . وثالثة عند لقاء ربه وثالثة يف قربه،

. فأما اليت تصيبه يف الدنيا، فريفع اهللا تعاىل الربكة من عمره

. يرفع اهللا الربكة من رزقه : والثانية

. تزول سيما اخلري من وجهه : والثالثة

. عمله ال يقبل منه شيء كل عمل ي : والرابعة

. كل دعائه ال يسمع : واخلامسة

. ال حظ له يف اإلسالم : والسادسة

  147      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

ميوت حريانا ذليلا وال : عليه وسلم قال صلى اهللا ؟ قيل يا رسول اهللا فما الثالثة اليت تصيبه عند املوت . لدنيا كلها ما رويولو سقي أار ا يدري على أي دين ميوت، وميوت عطشانا جيعانا

. القرب وضيقه، ومسألة منكر ونكري ظلمة : قال ؟ قيل يا رسول اهللا فما الثالثة اليت تصيبه يف قربه

يلقى اهللا تعاىل وهو غضبان عليه، ويبعث : قال ؟ قيل يا رسول اهللا، فما الثالثة اليت تصيبه عند لقاء ربهحديث [ . ) ويعذبه اهللا تعاىل بالوادي الذي يقال له ويل نار،اهللا له ملكا يكبه على وجهه يف ال

. ] الشريعة موضوع أنظر ترتيه

. ] 5-4املاعون [ " ساهون الذين هم عن صالتهم* فويل للمصلني " : قال اهللا تعاىل

ولعنهم وأعد هلم عذابا أليما، عشرة من أميت سخط اهللا تعاىل عليهم ( : وقال صلى اهللا عليه وسلم . ؟ من هم يا رسول اهللا قيل ) ويأمر اهللا تعاىل م يوم القيامة إىل النار

. مانع الزكاة : والرابع . مدمن اخلمر : والثالث . اإلمام الظامل : والثاين . أوهلم الشيخ الزاين ( : قال

الذي ينظر لوالديه بنظر : والسابع . املاشي بني الناس بالنميمة : والسادس . شاهد الزور : واخلامس

: والعاشر . باجلور الذي حيكم : والتاسع . من يطلق زوجته مث ميسكها على احلرام : والثامن . الغضب

. ) تارك الصالة على صحة البدن

من : قال ؟ يقبل منه التوحيد هل : وسئل ابن عباس رضي اهللا عنهما عن تارك الصالة على صحة البدن " : قال تعاىل . له، ومن ال صالة له، ال صيام له ال صالة له ال توحيد له، ومن ال صالة له، ال زكاة

. ] 59مرمي [ " غيا خلف أضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون بعدهمفخلف من

. وغيا واد يف جهنم ال يدخله إال تارك الصالة

. منه، قبل سائر عمله أول ما يسأل العبد يوم القيامة عن الصالة، فإن قبلت : قال ابن عباس

  148      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

رفعين عدو اهللا إىل فم مل يذكر : رك الصالة على صحة البدن إذا رفع اللقمة من القصعة، تقولوتا . اهللا

رزقه، وتتقمل ثيابه، ويبغضه وتارك الصالة على صحة البدن يسود اهللا وجهه، ويضيق خلقه، ويقتر . اهللا تعاىل، ويبغضه جريانه وجيور عليه سلطانه

يؤاكله أو يزوجه ابنته، وال البدن، ال جتوز شهادته، وال حيل ملسلم أنوتارك الصالة على صحة . يدخل معه حتت سقف واحد

: أسطر وتارك الصالة على صحة البدن يأيت يوم القيامة على جبهته مكتوب ثالثة

. يا مضيع حقوق اهللا : يف السطر األول

. يا خمصوصا بغضب اهللا تعاىل : ويف الثاين

. كما ضيعت حق اهللا، فأيس اليوم من رمحة اهللا تعاىل : ويف الثالث

اهللا مجع بيين وبينك، فأنتقم للصالة أنت يل ويل، يا ليت أن : ويف اخلرب أن النار تقول لتارك الصالة . منك، أنت عدو للصالة، واهللا عدو لك

بفريضة اهللا، فإين حمرمة عليك حني ، واونت يا عدو اهللا، ضيعت أمانة اهللا تعاىل : وتقول له اجلنةوجتاوبت أطياري، وسطع نوري، وتزين يتبوأ عباد اهللا مين حيث يشاؤون، ما جرت أاري،

. والقصور، حرام عليك أبد اآلبدين حوري، فأنا وما يف احلور والسرور والولدان

مت حبمد اهللا

. متك، وتصحو من سكرتكأخي، مالك ال تفيق من غفلتك، وتنتهي من نو

. إىل مىت الصدود عن طاعة املعبود، والغفلة عن حبر املوت املورود

  149      أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي­بحر الدموع

فارحم نفسك قبل التلف، وابك عليها قبل األسف،

. فإن السفر بعيد والزاد قليل

. فاعمل للموت قبل الفوت

Source: www.alwww.al-eman.com To pdf: www.alwww.al-mostafa.com