234
1 ﺍﻟﺟﻣـﻬﻭﺭﻳـﺔ ﺍﻟﺟﺯﺍﺋﺭﻳــﺔ ﺍﻟﺩﻳﻣﻘﺭﺍﻁﻳــﺔ ﺍﻟﺷﻌﺑﻳـــﺔ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺗﻌﻠﻳﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ ﻭﺍﻟﺑﺣﺙ ﺍﻟﻌﻠﻣﻲ ﻛﻠﻳﺔ ﺍﻟﻌﻠﻭﻡ ﺍﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻳﺔ ﻗﺳﻡ ﺍﻟﻔﻠﺳﻔﺔ. ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻭﻫﺭﺍﻥ: ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻨﻴﻞ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺩﻛﺘﻮﺭﺍﻩ ﻋﻠﻮﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ: ﻤن إﻋداد اﻟطﺎﻟب اﻟﺒﺎﺤث: اف اﺸر ﺒن ﻤزﻴﺎن ﺒن ﺸرﻗﻲ/د. أ اﻟﻌرﺒﻲ ﻤﻴﻠود ﻟﺠﻨﺔ اﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ رﺌﻴﺴـﺎ ان ﺠﺎﻤﻌﺔ وﻫر اﻟﺒﺨﺎري ﺤﻤﺎﻨﺔ.د. أ. . ا ﻤﻘرر ان ﺠﺎﻤﻌﺔ وﻫر ﺒن ﻤزﻴﺎن ﺒن ﺸرﻗﻲ.د. أ ﻤﻨﺎﻗﺸﺎ ان ﺠﺎﻤﻌﺔ وﻫر ﺼﺎﻴم ﻋﺒد اﻟﺤﻛﻴم. د. ) اﺌر ﺠﺎﻤﻌﺔ اﻟﺠز ﺒن ﻴوﺴف ﻋﺒد اﻟﻌزﻴز.د. أ2 ﻤﻨﺎﻗﺸﺎ( . ) اﺌر ﺠﺎﻤﻌﺔ اﻟﺠز وارث أﺤﻤد. د2 ﻤﻨﺎﻗﺸﺎ( . ﻤﻨﺎﻗﺸﺎ ﺠﺎﻤﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫرة أﻨور ﻤﻐﻴث. د. ﺍﻟﺳﻧﺔ ﺍﻟﺟﺎﻣﻌﻳﺔ2010 - 2011

ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

  • Upload
    others

  • View
    8

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

1

الجمـهوريـة الجزائريــة الديمقراطيــة الشعبيـــة

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

كلية العلوم االجتماعية

جامعة وهران.– قسم الفلسفة

رسالة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه علوم في الفلسفة:

اشراف : من إعداد الطالب الباحث:

العربي ميلود أ.د/ بن مزيان بن شرقي لجنة المناقشة

.أ.د. البخاري حمانة جامعة وهران رئيسـا

أ.د. بن مزيان بن شرقي جامعة وهران مقررا.

.د. صايم عبد الحكيم جامعة وهران مناقشا

.) مناقشا2أ.د. بن يوسف عبد العزيز جامعة الجزائر(

.) مناقشا2د. وارث أحمد جامعة الجزائر(

.د. أنور مغيث جامعة القاهرة مناقشا

2011 - 2010السنة الجامعية

Page 2: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

2

إلى الوالدين الكريمين حفظهما اهللا

إلى روح أستاذنا قـاري محمد رحمه اهللا

Page 3: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

3

أحمد المولى وأشكره على الهامي القدرة والصبر على اتمام هذا

العمل..

أتقدم بكل الشكر واالمتنان لألستاذ المشرف بن مزيان بن شرقي على

سعة صدره ووفير عطائه المعرفي والنفسي. فبحق لم يكن مجرد

مشرف بل كان أخا معينا ومرشدا أمينا، تبنى العمل وصاحبه فكان له

كل الفضل في ما بلغته لحد الساعة. فـلك كل الشكر أستاذ...

ال يفوتني أن أشكر األستاذ البخاري حمانة واألستاذ مولفي محمد للدور

الكبير الذي قـاما به ألن أصل إلى هذه اللحظة المفصلية في حياة اي

طالب باحث...

كما ال أنسى الفضل الكبير الذي تقوم به األخت الزان خضرة على

المستوى االداري فـلها كل الشكر واالمتنان...

Page 4: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

4

المقدمة

Page 5: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

5

- المقدمة:

إن ميالد جدلية الذات والغيرية لم يكن وليد الصدفة، وقد ال نبالغ إذا قلنا بأن األهمية

التي باتت تحظى بها هذه الجدلية على مستوى الدرس النظري أو في أبعاده العملية، يمثل

استجابة للتعقيدات التي باتت تشكل الصورة العامة لمجتمعاتنا الراهنة، وهذا ما يعكسه

نموذج الذات واآلخر الساعين الختزال هذه التعقيدات في شتى مستوياتها وتحقيق االعتراف

بجدوى صيرورة األنا والغير إلى درجة بلوغ براديغم التواصل التفاعلي، كي يحل بديال لفلسفة

الوعي والتأمل، ويؤسس لتحول أنطولوجي في فلسفة الوعي ذاتها، التي لطالما كرست تنافرا

تقليديا بين الذات واآلخر، إلى درجة زحزحة مفهوم الذات الواعية، التي ال يتحقق وجودها

كفاعل ومكتشف إال بوجود آخر فاعل هو كذلك، يمثل صورة الذات أو عين الذات نفسها،

كما يعد مقياس التنوع واالختالف وسبيل الذات للتخلص من أنانيتها وتقوقعها حول ذاتها.

تنبثق هذه المقاربة عن مساءلة فلسفية أنطولوجية قوامها: كيف يمكن التأسيس لرؤية فلسفية

واقعية أكثر جدة لفهم طبيعة الوجود وتفسير العالقات األنطولوجية واألخالقية التي تحكم

الموجودات، ال جرم أنها مساءلة يحركها حضور مهمش في العالم المعيش لمفهوم الغيرية،

التي تقر بان الوعي بحضور الذات في العالم ال يتم إال بحضور اآلخر، الذي يوفر كل

مسوغات وعوامل إنجاز الذات التاريخية المجتمعية الفاعلة التواصلية.

في زمن الصراع هذا ومع غياب الصور الفعلية لهوية اإلنسان، واذا ما ربطنا تصوراتنا

الفكرية مع واقعنا المتأزم، ستأتي دراستنا هذه لتستهدف توضيح معالم سؤال الذات والغيرية

وكشف مساعيه التواقة إلى تدارك اغتراب الذات في العالم، والى إعادة النظر في مفهوم

الغيرية واستيعابه، من أجل إقحامه في تحقيق الطفرة التاريخية للمجتمعات األخالقية

اإلنسانية.

Page 6: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

6

وألجل هذا كله ارتأينا تسليط الضوء على أحد المشاريع الفلسفية المعاصرة الرائدة في طرح

سؤال الذات والغيرية، وجعله سؤال الراهن بامتياز، فكان اختيارنا لمشروع بول ريكور ومن

. « soi même comme un autre »خالل نص مركزي هو "الذات عينها كآخر"

كمحاولة الستجالء مفهوم اإلنسان على ضوء مسيرة الذات في اكتشاف ذاتها وفي وعيها

لوجود اآلخر كمحدد لهويتها، متسائلين في اآلن ذاته عن : ما هو البراديغم الذي سيطرحه

بول ريكور من خالل جدلية الذات والغيرية كبديل لفلسفة الوعي؟ وما هي أهم الروافد

والمرجعيات الفلسفية التي استند إليها ريكور في مشروعه التأويلي لفهم الذات وفك طالسم

مفهوم الغيرية؟.

فلتكن إذن الخطوة المنهجية األولى في هذه الدراسة هي تطويق المفاهيم المركزية، وتحديد

مسارات هذا البحث بغية الغوص بمعقولية أدق في ثنايا مشروع ريكور التأويلي حول الذات

والغيرية، لذا ستسير رحلة البحث وفق مراحل ثالث:

: تحليل ودراسة مفهوم الذات مع تجلياته المتعددة سواء في ظل األزمة التي المرحلة األولى

تشهدها الفلسفة أو تلك التي تشهدها المجتمعات اإلنسانية، مرورا بمحاولة ريكور الستكمال

ومراجعة سؤال الذات مع مستويات األنطولوجيا والهرمونيطيقا، عبر استجالء لحظة الذات

من فلسفة الوعي إلى فلسفة الالوعي مع فالسفة الشك، باحثين بشكل أساسي في معنى

الذات بين األناوية المطلقة أو اإلغتراب الوجودي.

الغير من خالل مشروع بول –: استجالء لحظة فلسفية أخرى لحظة الذات المرحلة الثانية

ريكور، بين صراع الذات مع الذات، أو وجود وتحقق الذات من خالل غيرية ملزمة.

وهنا سيستوقفنا سؤال الهوية وتجليات الغيرية من خالل السلبيات الثالث لظهور الغير.

المرحلة الثالثة :

Page 7: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

7

البحث في عالقة ما سبق بمفهوم اإلنسان، وضرورة مراجعة األرضية المفاهيمية سواء

لبناء مشروع تواصل، نجدد فيه فهمنا للحظة التنوير والعقل، ساعين ألن للذات أو للغيرية،

نتائج ونحقق أدوات منهجية كإضاءة لفهم راهن اإلنسانية.نبلغ

الذات موضوع نعالج أن المقاربات المجاورة، وبعض مشروع ريكور خالل من سنحاول لذا

نقدية، مع توظيف لمنهج الجدل الهيغلي، وتحويل سؤال تحليلية فلسفية مقاربة وفق والغيرية

الذات والغيرية إلى جدلية، قضيتها الذات، ونقيضها الغيرية، وتركيبها اإلنسان، كما ال تهدف

الفعلي المعنى عن ريكور، بقدر ما تبحث ألفكار سجالي عرض إلى مجرد مقاربتنا هذه

.الدائم مع ذاته ومع اآلخر صراعه ظل في اإلنسان كينونة ومعنى الذات والغير، لوجود

الهدف المعرفي للرسالة يتمثل أساسا في بعدين أحدهما ذاتي واآلخر موضوعي، أما البعد

الذاتي فيمكن أن نلخصه في أننا جزء من هذه اإلشكالية نحمل هواجسها فعليا، ونسعى ألن

نتخلص من عبء التفكير في سؤال الهوية: من أنا؟ وكيف يجب أن أكون؟.

أما البعد الموضوعي فيمثله قيمة سؤال الذات والغيرية في وقتنا الراهن لما تعرفه مجتمعاتنا

من هزات عنيفة تكاد تقضي على مفهوم اإلنسان األخالقي والتواصلي.

ويمكن أن نلخص إشكالية ومنهجية دراستنا كما يلي:

تنطلق دراستنا هذه من التساؤل التالي: ما هي مالمح ودرجات حضور الذات والغير في كل

من المستويات الفلسفية والتأويلية واللسانية واألخالقية والسياسية؟ وكيف ساهمت فلسفة بول

ما هي آلية إعادة بناء مفهوم اإلنسان من ريكور في اإلجابة عن سؤال الذات والغيرية؟ و

خالل هذه الجدلية؟.

وألجل استجالء المالمح العامة لهذا التساؤل قسمنا البحث إلى ثالثة فصول رئيسية، يتفرع

كل فصل إلى ثالث مباحث.

Page 8: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

8

في الفصل األول من هذه الدراسة تعرضنا لسؤال الذات من خالل السياقات المعرفية

والوجودية التي انبثق عنها مفهوم متجدد للذات، فارتأينا وفق منهجية كرنولوجية مفاهيمية

تشخيص مفهوم الذات من خالل بعض المقاربات الفلسفية التي حاول ريكور اقتحامها بحثا

عن صورة للذات تتوسط حقلي الوعي والالوعي وتحمل األبعاد الحقيقية لذات فاعلة تؤثر

وتتأثر، وهو المسعى الذي حاول ريكور أن يطرحه في صورة صراع هرمونيطيقي بين

تأويالت متعددة، فبحثنا في أشكال هذا الصراع وفي لحظات االنزياح التي عرفها مفهوم

الذات من كوجيتو "أنا أفكر إذن أنا موجود" إلى كوجيتو "نحن نؤول إذن نحن موجودون".

وفي ثاني فصل حاولنا زحزحة مفهوم الذات إلى ما وراء األنا، وحاولنا ولوج حلقة الغيرية،

أين سنعمد إلى طرح الخلخلة التي أحدثها ريكور داخل هذه الحلقة ألجل تحويل مفهوم

الغيرية من مجرد مفهوم إلى نسق له أبعاد وظيفية تبرز أهم تجلياتها من خالل أفق المساءلة

عن الهوية، والتجارب السلبية للغيرية: تجربة الجسد وتجربة الغريب، والتجربة األكثر حمولة

لهذا النسق: تجربة الذات عينها، وألجل مقاربة هذه التجارب الثالث مع سؤال الذات سيتم

اقتحام حقل الفينومينولوجيا والهرمونيطيقا كي ندرك درجات وعي الذات بوجود اآلخر.

في آخر فصل لهذه الدراسة وعقب التشخيص والزحزحة نصل إلى لحظة التجاوز، أي إلى

التركيب الناتج عن جدلية البحث (الذات والغيرية)، والذي سيمتثل ضمنها مفهوم اإلنسان

التواصلي، اإلنسان الذي ال يلغي وجود الشر وال ينفي وجود الخطيئة، لكن سيجعل من

التواصل بين األنا واآلخر جسرا لترميم مفهوم اإلنسان، أين سيستعيض عن سؤال من أنا؟،

بسؤال من نحن؟، وألجل البحث في هذا البراديغم الجديد لإلنسان استحضرنا أحد مؤطري

فلسفة التواصل "يورغن هابرماس" الذي حاول طرح تصور خاص لما يجب أن يكون عليه

إنسان هذا العصر.

Page 9: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

9

الدراسة هذه في خالله حاولنا من والذي العام، اإلطار تمثل التي حركية البحث هي إذن هذه

والهوية المتطابقة، وبعثا لصورة ايتيقية الوعي لفلسفة بديال بوصفه جديد براديغم عن البحث

نموذجية إلنسان جديد لعصر جديد.

بالنسبة للدراسات األكاديمية السابقة حول موضوع دراستنا يمكن أن نذكر: رسالة دكتوراه في

الفلسفة لألستاذ عبد الالوي عبد اهللا من جامعة وهران، حول المخيال والتاريخ: بحث في

االبستمولوجيا التاريخية عند ميشال دي سارتو وبول ريكور، إذ تطرقت هذه الدراسة إلى

أوجه التداخل الموجود بين التاريخ والسرد القصصي، والى مكانة السرد في تحديد معاني

الهوية والذات الفاعلة، باعتباره محكي تخييلي، وليس مجرد مجموعة قصص ذات نزوع إلى

الحقيقة.

يضاف إلى هذا العمل رسالة دكتوراه لألستاذ عمارة الناصر موسومة بحجاجية التأويل

مقاربات لمنطق فلسفة بول ريكور-، وفي هذه الرسالة اختار صاحب الرسالة بول –الفلسفي

ريكور كنموذج على اعتبار انه مثال عن تجلي الوظيفة التاريخية للفلسفة وانفتاحها على

خارجها، وفي هذا مقاربة لسؤال الذات باعتبار أنه رهان الفلسفة األول كما يعتقد بذلك

ريكور.

من جانب آخر فقد وظفنا في هذا العمل بعض األفكار التي تعتبر مقاربة جد مهمة لدور

الفلسفة في هذا القرن من خالل فلسفة بول ريكور، وهو التحد الذي يفرضه علينا التطرق

Page 10: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

10

لجدلية الذات والغيرية. ولألمانة العلمية لم نشر بشكل مباشر لمصدر هذه التصورات نظرا

لضرورة منهجية وهي أن المقال الذي يحتوي هذه الرؤى لم ينشر بعد، وهو لألستاذ البخاري

حمانة، موسوم ب: "بول ريكور ومسؤوليات الفلسفة في القرن الحادي والعشرين".

وان كان نادرا ما يخلو أي عمل من الصعوبات، فإن أولى هذه الصعوبات التي واجهتنا

تمثلت في غزارة إنتاج ريكور الفلسفي وشساعة مشروعه، لذا حاولنا اقتحام النص المركزي

إلشكالية دراستنا، واستحضار باقي النصوص حسب الضرورة المنهجية.

Page 11: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

11

الفصل األول

الذات : الظهور والبناء

Page 12: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

12

إن الثقة في الذات تصنع األبله..

. » ولكن اإليمان بالذات يصنع اإلنسان العظيم

Victor Hugo فيكتور هوغو-

Page 13: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

13

تاريخ الفلسفة يحمل في طياته صورة ثابتة تعبر عن معنى الفكر الفلسفي، أال وهي

الحضور الدائم للتساؤل حيال كنه الوجود، بحثا في علله وغائياته بطريقة نقدية متفتحة،

لطالما أضفت على المسيرة الفلسفية نوعا من المجهول إلدراك أساسيات الفهم، وعن أي فهم

تحذوه هذه الفلسفات كلها؟، إنه بال شك رحلة البحث عن الذات اإلنسانية، عن كينونة الفهم

التي تحمل أبعادها اآلنية، واإلحاطة بمستقبل الذات حيث يمكن التمثل والدفع بأبعادها

للكشف عن الدينامية التي تتكشف من خاللها هذه الذات وتتملك إمكانية إقتحام الوجود بكل

أشكاله، بغية مجاوزة قاعدة الذات الثابتة التي تضمن ثبات الحقائق والنتائج، والتي يبني

العلم المعاصر تصوراته العامة وفقها، وعلى هذه الشاكلة ستكون الذات الفلسفية ذاتا متحجرة

تعاود تكرار واجترار مفاهيمها، وهي بهذا تجعل من الوجود اإلنساني برمته منغلقا على

نفسه.

مع اندثار الفلسفة المدرسية وبداية "العصر الحديث"، سعت الفلسفة ألن تحذو حذو العلم،

وحاولت أن تسهم بإسهاب في هذه الطفرة الفكرية الجديدة، وأن توظف العلم في استخالص

مبادئ وتأصيالت األشياء، كما هو الشأن بالنسبة لنيوتن وغاليليه وبيكون ولوك ودافيد هيوم

وليبنتز وغيرهم..، وبما أن العلم الحديث سيطرت عليه الروح النسقية المتوافقة مع الفرضيات

العقلية، فقد اعتبرت نتائجه قطعية ويقينية، ومع تزايد شرعية المعارف العلمية، حاولت

الفلسفة أن تبحث لها عن مكان في خارطة المعرفة، محاولة أن تجعل من الوعي العلمي

أساسا لبناء نظرية معرفة تقيم بحثها على بنية موحدة من الوجود والظهور بالنسبة للوعي

ككل.

لم يستطع العقل الوصول إلى تشكيل المعرفة إال بواسطة إبداع آليات جديدة إلنتاجها، وقد

ارتبط حضور المنهج الفلسفي في غالب األحيان بالنسقية، وأحيانا أخرى

، هذا األمر جعل عالقة الذات بالموضوع تبلغ درجة التعالي (scientisme)بالعلموية

Page 14: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

14

المفرط، فالموضوع ال ينبغي أن يرتقي إلى مستوى الذات العارفة و ال يمكنه أن يكون أكثر

أهمية منها.

ولعل هذا ما سيحدث شرخا عميقا في تفعيل نشاط الذات أو باألحرى في فاعلية الفكر

الفلسفي عموما، على اعتبار أنه يتقوم أساسا وفق المستويات المتعددة لهذه الذات، أو كما

يعبر عن ذلك بول ريكور حين يقول أن: "وضع الذات هو الحقيقة األولى بالنسبة للفيلسوف،

على األقل بالنسبة لهذا التراث الواسع للفلسفة الحديثة التي بدأت من ديكارت وتطورت مع

كانط، فيخته والتيار التأملي(..)، فبالنسبة لهذا التراث وضع الذات هو حقيقة تعطى بذاتها،

ال يمكن أن تكون ال مبرهنة وال مستنبطة، إنها في الوقت نفسه وضع للكينونة وللفعل معا،

P0Fوضع لوجود وعملية التفكير"

1P.

لربما هذا ما أدى إلى تبلور إتجاهات فلسفية مختلفة، تراوحت توجهاتها بين مسايرة العلوم في

كل القوانين والمعارف التي تفرزها وذلك من خالل تشييد أنساق فلسفية متكاملة البناء

متناسقة األجزاء تعكس تطابق تصوراتها مع تصورات ومناهج العلوم الدقيقة سواء كانت

نظرية أو تجريبية، وبين مخالفة المعارف العلمية والتقنية ومحاولة البحث عن أرضية جديدة

بعيدة قليال أو كثيرا عن نسقية المعرفة العلمية.

في خضم هذا الجدل والصراع الذي تولدت عنه إنفجارات وهزات عنيفة غيرت خارطة الفكر

العلمي والفلسفي على السواء، تقابلنا مشكلة معرفية ووجودية جديدة، مؤداها اإلنتقال من

عصر الحداثة إلى أزمنة ما بعد الحداثة.

ومع كل مرحلة إنتقالية تتداخل المفاهيم الفلسفية المؤسسة لهذه المرحلة، وباألخص ما تعلق

بإشكالية الذات والموضوع على اعتبار أنها أقوى الهواجس الفلسفية مع كل الحقب الزمنية،

1 - Paul Ricœur, le conflit des interprétations : essais d’herméneutique, Ed : Seuil, Paris, 1969, P321.

Page 15: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

15

لكن على الرغم من الحضور الدائم لهذه اإلشكالية فقد كان لكل عصر فلسفي منطلقاته

الكبرى ومبادئه األولى.

لذا سنحاول في هذا الفصل القيام بمحاولة لتسليط الضوء على وضع الذات وفق مستويات

حداثية، فاألزمة التي تعرفها –الظهور واإلنكفاء وواقع الفلسفة في عوالم المعارف المابعد

الذات والتي باتت من خاللها معرضة للوهم وقابلة للتفكك هي تندرج بال شك ضمن األزمة

التي بات يعايشها الفكر الفلسفي ككل.

ولنتخذ من هذا النص لريكور لحظة تأسيس فهمنا للذات، ومسايرتها حين تعقبها ألسئلة

الوجود المقلقة، إذ يقول : "الذات الفاعلة المفخمة، أو الذات الفاعلة المذلة: يبدو أن علينا

دوما أن نمر عبر مثل هذا االنقالب من المؤيد إلى المعارض كي نقترب من الذات الفاعلة،

ومن هنا كان علينا أن نستنتج بأن األنا الفاعلة لفلسفات الذات هي بال مكان.(..). إلى أي

مدى نستطيع أن نقول عن التأويلية التي نبدأها هنا بأنها تشغل مكانا ابستيميا يقع أبعد من

P1Fهذا الخيار بين الكوجيتو والكوجيتو المضاد"

1P .

هذا اإلنقالب حول الذات الفاعلة ال يجب أن نبحث عنه خارج االنقالب على الدرس الفلسفي

ذاته، باعتباره الحامل لسؤال الذات، وبدونه ستجد هذه الذات نفسها بال مكان.

لكن قبل البحث في السؤال: داخل أي خطاب ستنوجد الذات؟. علينا أن نتساءل عن المكان

الذي توجد عليه الفلسفة اليوم، والتي مسها هذا اإلنقالب بشكل مباشر عقب ميالد لحظات

معرفة مضادة، أين سيتحول سؤال الذات إلى سؤال الفلسفة، وللبحث عن مكان للذات داخل

. !!الخطاب علينا أن نحدد مكان الفلسفة أوال

بول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هيرمينوطيقية، ترجمة منذر عياشي، مراجعة جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد - 1

.92، ص 2005، 1المتحدة لبنان، ط

Page 16: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

16

فما هي يا ترى خصوصية الدرس الفلسفي المعاصر؟ وما هي اإلستراتيجية التي اختارتها

الفلسفة لنفسها في هذا العالم الذي تسوده المعارف األداتية وتغيب معه صورة الذات المفكرة

0TP2Fوالواعية وتضمحل معه فكرة اآلخر

∗P0T؟!! .

- إن تحول الدرس الفلسفي من فلسفة النسق إلى فلسفة ما بعد النسق، وما تبعه من تحوالت شابت مفاهيم فلسفية محورية كمفهوم الذات واإلنسان. ∗ضمن هذا العالم التقني الجديد. ارتأينا أن نبدأ من لحظة مقاربة الذات من خالل ارتباطها بالعالم المعطى، وهذا ما دفعنا لطرح هذا التساؤل علنا

نبلغ مقاربة معقولة لصور الذات ضمن تحوالت الخطاب الفلسفي المعاصر.

Page 17: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

17

المبحث األول

انبثاق واكتشاف الذات

Page 18: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

18

: سؤال الذات- الفلسفة المعاصرة و1

ختم إمانويل كانط مؤلفه نحو السالم الدائم بقوله : "إن السالم الدائم الذي ينبغي أن يعقب

ما سمي خطأ حتى اآلن بمعاهدات الصلح (وهي في الحقيقة اتفاقيات هدنة) ليس فكرة

جوفاء، إنما هو مهمة تتحقق رويدا رويدا، وتقترب من غايتها بخطى واثقة مستمرة (وال بد

من األمل بأن الفترات الزمنية التي تستغرقها هذه الخطوات الصاعدة باتجاه السالم الدائم

3Fتتسارع أكثر فأكثر)"

1 .

ولقد اعتبر ريكور هذه الرؤية الكانطية أنها األكثر وضوحا وتجسيدا لمشروع السالم األبدي

Pباعتباره حامال فعليا لشتى الحقوق اإلنسانية.

P

هذه الحركة التسارعية التي نبأنا بها كانط وتفاءل بها ريكور سرعان ما اتخذت مسلكا

سلبيا، حول الفلسفة من مشروع يقارب المشكالت الوجودية واألزمات اإلنسانية ويبحث في

سبل فهمها واستيعابها بغية إيجاد حلول لها نابعة من الذات المفكرة، إلى مشروع يبحث في

مما نتج عنه إعادة المتعلقة بالفلسفة ذاتها وبمعنى اإلنسان، بعض األسئلة الراهنة المحرجة

بعث سؤال الذات وتفعيل هذا المفهوم، دون إهمال المبحث األكسيولوجي في تحديد وظيفته.

وفي داخل هذا السياق المأزوم للذات وللفلسفة، والذي ينعت على أنه سياق تراجيدي

يجعل من الذات هائمة تنشد لحظة العود إلى المفاهيم األصلية التي أسست ،مأساوي

لظهورها داخل الخطاب الفلسفي، بدال من هذه المفاهيم التراجيدية "الضياع، الدمار، الكارثة،

اإلرهاب، العنف.. ".

، 1985، 1محاولة فلسفية-، ترجمة وتقديم نبيل الخوري، دار صادر بيروت، ط–- امانويل كانط، نحو السالم الدائم 1

.99ص

Page 19: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

19

قاموس مفاهيمي جديد بدأ يتشكل في الفترة الراهنة، تسبب في ظهوره اضمحالل مشروع

التنوير األوربي بسبب الحربين العالميتين األولى والثانية، والتي غيرتا كثيرا في شكل أوربا،

وأدخلت التساؤل حيال الدور التاريخي للفلسفة وللذات الفاعلة، فباتت الفلسفة المعاصرة

تعايش أزمة قيم ووعي ومنهج.

مثلتها عودة فكرة اإليديولوجيات الدينية والقومية، وبروزها كأكثر الموضوعات أزمة قيم

كما راحت تطرح نفسها كبدائل للفلسفة على العملية، الناس حياة في تأثيرا وأقواها واقعية،

لتتحول الفلسفة في حد ذاتها إلى شكل من أشكال اإليديولوجيا المستوى الفكري التصوري،

كما يرى ماركس في اإليديولوجية األلمانية، "وهي بالطبع ككل إيديولوجية وهم ال يتجسد في

P4Fأجهزة اجتماعية معينة، وال يتمتع بأي استقالل ذاتي، وال يقوم بأي دور"

1P .

مثلتها أزمة الذات، فباتت تعرف الذات بأنها مجموع األفعال الغير مدركة والغير أزمة وعي

0TP5Fواعية

∗P0T وهذا ما غير جذريا في طريقة تفكير اإلنسان المعاصر، إذ أصبح أكثر فردانية ،

يهدف ألن يحقق وجوده األفضل، وهذا ما يعبر عنه هوسرل حينما يصف الوضع اآلني

على أنه "انبثاق وبداية لتطور حقبة جديدة لإلنسانية، حقبة اإلنسانية التي ال تريد وال تستطيع

أن تعيش، ابتداء من اآلن، إال في تشكيل حر لوجودها ولحياتها التاريخية على أساس أفكار

6Fالعقل، على أساس مهام ال متناهية"

2 .

عبد السالم ابن عبد العالي، أسس الفكر الفلسفي المعاصر، مجاوزة الميتافيزيقا، دار توبقال للنشر الدار البيضاء، - 1

. 15، ص 1991المغرب،الطبعة األولى،

هي كيان قائم بذاته مستقل عن غيره تتمتع بالعقل و الحرية واإلرادة والذات المفكرة, األنا في معناه الفلسفي هو- ∗

. غير أنه بعد اكتشاف الالوعي حدث نوع من و من ثم فهي ذات داللة أخالقية قيمية ... والتلقائية والقصدية و الفاعلية

)3الزحزحة لمفهوم الذات (أنظر المبحث

مدخل إلى الفلسفة الفينومينولوجية، ترجمة وتقديم –- ادموند هوسرل، أزمة العلوم األوربية والفنومينولوجيا الترنسندنتالية 2

.523، ص 2008، 1اسماعيل المصدق، المنظمة العربية للترجمة بيروت، ط

Page 20: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

20

األزمة األخرى متمثلة في أزمة المنهج، والذي يتعلق أساسا بتراجع الفكر الفلسفي أمام

النزعات العلموية المعاصرة، وكذا أمام محاولة إحالل العقل التقني محل العقل التساؤلي

التأملي، ويترافق هذا الحديث عن أزمة المنهج في الفلسفة مع حديث النهايات: نهاية

الميتافزيقا، نهاية التاريخ، نهاية المثقف، نهاية اإلنسان(موت اإلنسان)، نهاية االيديولوجيا.

أسئلة مأزومة عديدة تعبر عن أزمة فلسفية تفرضها التحوالت العالمية الراهنة على جميع

عالقة األنا باآلخر؟.. األصعدة، لعل أهمها الفلسفة والقيم المعاصرة؟، الفلسفة والعلم؟،

وأهم هذه األسئلة: ما هو وضع الفلسفة العقالنية اليوم في عالم العقالني؟،

وهل نحن بحق في عصر ما بعد الفلسفة؟. وما بعد اإلنسان؟ وما بعد القيم؟..

Page 21: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

21

- الذات والتقنية: لحظة الثابت والمتحول. 2

"أن -الفلسفة في العصر المأساوي اإلغريقي- ، يقول ميشال فوكو في تقديمه لكتاب نتشه

ثمة جروحا نرجسية ثالثة في الثقافة الغربية: الجرح الذي سببه كوبرنيك، وذلك الذي سببه

داروين حين اكتشف أن اإلنسان مولود من القرد والجرح الذي سببه فرويد.. حين اكتشف أن

7Fالوعي يقوم على الالوعي"

، هذه الجروح الثالث يضاف إليها تغير مفهوم المعرفة لدى 1

المجتمعات المعاصرة، ما أدى إلى فقدان المعنى الفعلي لوجود اإلنسان كما شيده الدرس

la révolutionالفلسفي لإلنسانية جمعاء، غير أن "ما تطرحه اليوم الثورة الرقمية (

numérique ( (ممثلة في الثورة البيولوجية واإلعالمية واالتصالية والتقنية والعولمة) من

P8Fمشاكل فلسفية وحياتية وأخالقية، ال يمكن لغير الفلسفة التصدي لها"

2P.

وذلك بالرقي ، لقد دفع حلم األنوار أوربا إلى فكرة االستفادة من التطبيقات التكنولوجية للعلم

بالفكر العلمي إلى أقصى حدوده، ولم تبتعد الرغبة األوربية في تحقيق هذه األهداف على

كان النجاح لذا الفيزياء والبيولوجيا. االكتشافات الكبرى في مجال، خاصة بعد اإلنسان ذاته

، إذ سرعان ما حافز قوي يغري العلماء في توسيع تطبيقاتهاالذي حققته هذه العلوم بمثابة

). علوم اإلنسان(سوف تنتقل مناهجها إلى باقي العلوم خاصة تلك المسماة إنسانية،

انطالقا من محاولة إضفاء طابع التجانس على التجارب اإلنسانية وقياسها وضبطها وفق و

وفي ذلك إغفال كبير للذات التاريخية ومكوناتها حدث التشيؤ،قواعد الرياضيات والمنطق

من ، فلقد جعل الفكر الوضعي الفكر العلمي الحديثتجاوزهااألنثروبولوجية التي سوف ي

- فريديريك نتشه، الفلسفة في العصر المأساوي اإلغريقي، تقديم ميشال فوكو، تعريب سهيل القش، المؤسسة الجامعية 1

.08، ص 3،2005للدراسات والنشر لبنان، ط

، مجلة تصدر عن وزارة 1986، يوليو- أغسطس 94- البخاري حمانة، دفاعا عن الفلسفة، ضمن، مجلة الثقافة، العدد 2 الثقافة والسياحة، الجزائر.

Page 22: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

22

حاجزا إبيستمولوجيا –وفق فلسفة العلوم التقليدية- أمام االرتقاء بعلوم اإلنسان إلى الذات

التي دعمت بفضل نتائجها المركزية الغريبة حول الذات وحول العقللحقه،االعلوم مرتبة

الحاصل تضخم من خالل االلتحاملي سلبته حريته وجعلته سجين عقلها األداتي، أينالغربي،

معزل.في. المجتمع الحديثأرساها بين العلم والتقنية ومن خالل اآلليات التي

. للعلماإلنساني.البعد.عن.كلي

لقد أضحى المجتمع المعاصر متميزا عن كل المجتمعات السابقة التي شهدتها التجمعات

البشرية، وتميزه هذا نابع من المستجدات الحضارية الحاصلة فيه، فعبر كل تاريخ البشرية ال

نكاد نشهد فروقا كبيرة في مختلف مستويات الحياة اإلنسانية الجماعية والفردية على حد

السواء، رغم اختالف العصور، إال أن عصر الثورة الصناعية وما لحقه من تغيرات سريعة

شكلت وجها جديدا وتأثيرا عميقا على بنية المجتمع البشري، جعلته مغايرا متميزا عن

المعاصر اإلنسان خدمة في تحريرية قوة التكنولوجيا تكون أن من فبدال المجتمعات الماضية،

، أداتي عقل إلى وعقله أداة، إلى المعاصر اإلنسان بتحويل التحرر، وجه في عقبة أمست

فما هي أهم مالمح هذا العصر؟، وما مكانة اإلنسان في مثل هذا المجتمع؟.

الميزة األساسية لهذا العصر تتمثل في أن التقنية تحولت إلى "ثقافة وايديولوجيا، إلى

ميتافزيقا أيضا، فأصبحت مؤطرة للمجتمع العصري، مزودة إياه بمشاعر الهوية واإلنتماء

(..) كما يتخذ العلم التقني مصدرا للشرعية السياسية (..) بل إن هذا الموكب المعرفي

الجديد ينتزع بالتدريج صورة الميتافزيقا، أي تبشيرا باألمل ووعدا بالخالص، ومصدرا واهبا

P9Fللمعنى"

1P .وهنا سيحضر التساؤل عن مكانة الفلسفة في مثل هذه العصر؟ ،

يظهر العصر الجديد من خالل هذه الطفرة المعلوماتية والتقنية الهائلة على أنه حامل في

طياته رقي ونمو المجتمعات المعاصرة، إال أن ما نشهده من صراعات وحروب مدمرة وكارثة

.14، ص 2007، 1- سبيال محمد، مخاضات الحداثة، دار الهادي بيروت، ط 1

Page 23: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

23

ودمار، شاهد على أنه يجب إعادة النظر في ميكانزمات توظيف التقنية والتكنولوجيا ألجل

الحفاظ على المعاني اإلنسانية للتعايش والنمو واإلزدهار، فقد انتقلت أوربا خصوصا من

عهد سيطرة الكنيسة إلى عهد سيطرة التقنية على مجمل مناحي الحياة اإلجتماعية، وهي أشد

وطأة على العقل اإلنساني، فإزالة سيطرة الكنيسة في أوربا أضحى معناه :"إستبدال السيطرة

القديمة منها بشكل جديد، وهي تعني استبدال سلطة متراخية إلى الحد األقصى وغير

موجودة عمليا فيه، بأخرى تخترق كل ميادين الحياة العامة والخاصة فارضة تنظيما للسلوك

P10Fشديد الوطأة والقساوة"

1P .

من هذا المنطلق سنحاول التأمل في مختلف جوانب هذا التطور التكنولوجي على مستوى

الذات والوعي والقيم اإلنسانية، مع بدء اضمحالل مفهوم التواصل االجتماعي ليتغير باتصال

دفع ما هذا ولربما اآللة، إلى اليوم عالم في القدسية أن انتقلتتقني محض أهم ميزاته

"نيتشه" إلى القول: "نحن في عصر حضارته مهددة بالتدمير من طرف وسائلها هي

P11Fنفسها"

2P .

الالعقالنية، على العقالنية يضفي مجتمع بأنه الصناعي المجتمع ماركيوز يصف كما

دور له كان" حرا فكرا "بوصفه أي لإلنسان، والتطبيقية النامية المعرفة بوصفه ف"العقل

اإلبقاء في أساسي دور أيضا له كان فقد ذلك ومع فيه نحيا الذي العالم خلق في أساسي

بتصحيح الكفيلة الوسيلة هو وحده والعقل العقل أن غير والعذاب، والشقاء الظلم على

12Fأخطائه"

وبحق بتنا نعيش اليوم في عصر ينعت بالما بعد: ما بعد القيم، ما بعد األخالق، .3

في عصر ما بعد اإلنسان. ما بعد التاريخ.. وبالتالي فنحن

. 17 محمد علي مقلد، مركز اإلنماء القومي، بيروت، ص.- فيبر ماكس، األخالق البروتستانتية وروح الرأسمالية، ت: 1

. 220، ص 1998نيتشه فريدريك، إنساني مفرط في إنسانيته، ت: محمد الناجي، إفريقيا الشرق، بيروت، - 2

.23 ص ،1970ترجمة: فؤاد زكريا، الهيئة المصرية للتأليف، مصر، والثورة، العقل ماركيوز، - هربرت 3

Page 24: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

24

النجاة حبل بها البعض كأنها يتعلق للتقنيين، إيديولوجية التقنية في هذا العصر أصبحت

في نظر البعض اآلخر مقبرة لإلنسان، أو الوحيد لتنمية مجتمعاتنا، ولكنها والخالص األخير

عبر يوهو ما باألحرى تجعله يعاني من اغتراب مطلق أمام هذا النمط الجديد من الحياة،

المجتمع الحديث يعاني من مشكلة اغتراب اإلنسان، ": بقولههابرمارسعنه

13Fمجتمعه".وعن.نفسه.عن.اغترابه

1.

كان البد على الفلسفة أن تؤديومع إعالن التقنية لموت اإلنسان في أبعاده الروحية والقيمية

وأن مع هذه األزمات التي طالت كل المجاالت النظرية واإلجرائية إلتزامها التاريخي وتتفاعل

تصوراتها وحلولها لها معيدة ارث األفالطونية والعقد اإلجتماعي، باعثة عجلة السالم تقدم

الدائم التي نبأنها بها كانط لكن أصابها العطب الدائم، على الفلسفة أن تقيم عالقة عقالنية

مع العلم وأن تسائله عن غائيته ومآل مفهوم الذات الفاعلة واآلخر المشارك في الوجود

ضمن حدود هذه المنظومة التقنية المعقدة، وأن تسأله كذلك: هل التطور التقني الذي نعايشه

اليوم سيقود إلى رفاه اإلنسانية ورقيها أم هو سبب هالكها ودمارها؟.

في هذا العصر الذري يعلن علماء الذرة الحاصلين على جائزة نوبل في اجتماعهم سنة

والمقصود علم الطبيعة الحديث جدا- هو طريق يقود إلى – بجزيرة مينو "أن العلم 1955

حياة أكثر سعادة بالنسبة لإلنسان" هذا النص الذي يورده هيدغر يعقبه بتساؤل مهم جدا:

"كيف يمكن أن نتحكم وندير هذه الطاقات الذرية التي تتجاوز في ضخامتها كل خيال بحيث

تضمن لإلنسانية أن ال تنفلت هذه الطاقات دفعة واحدة من أيدينا، - حتى وان لن تكن

14Fمر كل شيء"دهنالك حرب- ، فتجد منفذا وت

2.

1 - Jürgen Habermas, Ecrits politiques, traduit : de l’allemand par christina Bouchindhomme et Rainer Rochlitz, Ed, CERF, Paris, 1990, p 54.

- هيدغر، السكينة، نقال عن : دفاتر فلسفية، الحداثة وانتقاداتها، إعداد وترجمة محمد سبيال وعبد السالم بنعبد العالي، 2

.72.71ص ص .2007دار توبقال للنشر، المغرب.

Page 25: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

25

أن "... ما يبدعه االنسان يسهل تدميره، والعلم ولربما هذا ما كان يعنيه فرويد في قوله

Pوالتقنية اللذان يشيد عليهما اإلنسان إبداعه يمكن أن يستخدمها في تقويضه وتخريبه"

15F

1P.

يشاطر بول ريكور هذه النظرة التشاؤمية لدور التقنية في قتل الذات اإلنسانية المبدعة، وفي

خلخلة المفاهيم األخالقية المرتبطة باإلنسان ككل، إذ يقول: "إن اإلنسان في إطار النموذج

16Fالتكنولوجي تجرد من كل ما يمت بصلة إلى اإلنسانية، فيتم التحكم والسيطرة على حياته"

2 .

وأمام هذا المد الجارف للتقنية بكل ما تحمله من مخاطر على الوجود اإلنساني كما ترتضيه

الفلسفة، كان ال بد عليها أن تقوم بالدور المنوط بها، أال وهو تفعيل دور الذات اإلنسانية في

تنمية مجتمعاتها، واعادة بعث القيم اإلجتماعية وتفعيل كوجيتو الفكر بدل كوجيتو

أي إعادة تفعيل دور الذات في تأسيس منظومة قيمية يتحقق مشروع اإلنسان اإلستهالك،

ضمنها.

العلم صعود أمام تدريجيا والتراجع باالنكفاء في الفترة المعاصرة بدأ الفلسفي الفكر أن إال

لها من الفاعلية ما يمكنها من للفلسفة، بدائل نفسها تطرح راحت التي واأليديولوجيا والدين

والمصير. والمجتمع الكون إلشكاالت التصدي

وبهذا باتت الفلسفة المعاصرة تعايش أزمة فعلية ناتجة عن تراجع فعاليتها وقيمتها داخل

المجتمع، فبدال من أن تنصرف الفلسفة إلى البحث في تعقيدات هذا العالم المأزوم لفهم

تحوالته وتحديد مستقبل اإلنسان، هذا العالم الذي لن يكون خالصه إال مع الفلسفة، نجدها

تتساءل في الفلسفة بما هي فلسفة، فبتنا نعاود دوما البحث في تعريف الفلسفة، نمارس الحفر

.09، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، ص 3سيجموند فرويد، مستقبل وهم، ت جورج طرابيشي، ط - 1

2 - Paul Riceour, Histoire et vérité, Edition du seuil, paris, 2001, p172.

Page 26: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

26

في األصل الفلسفي، "وهو عمل ال يخرج عن السمة التي طبعت الفلسفة بعد هيجل حيث لم

17Fيعد لها موضوع، وحيث أصبحت تشتغل بنفسها وتعيد قراءة تاريخها بغية تجاوزه"

1.

ففي عصر ما بعد الفلسفة النسقية، وفي عصر ما بعد الميتافزيقا، صار الهم المشترك

ألغلب الفالسفة المعاصرين يكمن في البحث عن المكان الفلسفي، أو بتعبير إجرائي، في

التساؤل عن الدور الذي من الممكن أن تلعبه الفلسفة في ظل سيطرة التقنية واحاللها محل

العقل الذي ألهته أغلب الفلسفات وباألخص الفلسفة األنوارية، مع اندماج كلي لمفاهيم فلسفية

خالصة ضمن أطر علوم تقنية محضة كعلم السبرنيطيقا.

تأتي هذه الدعوة في ضرورة إعادة البحث في دور الفلسفة المعاصرة داخل المجتمعات

بعد أن تعاقبت وتراكمت إعالنات نهاية الفلسفة وموت الذات المبدعة الواعية بشكل الراهنة

ملحوظ جدا، مع الماركسية حينما خاطب ماركس الفالسفة بأن عليهم أن يغيروا العالم ال أن

يفسروه، إذ أن "الفلسفة بما هي إيديولوجيا ال تملك تاريخا، وال تتمتع بأي استقالل ذاتي، فهي

P18Fإذن ال تملك وظيفة، إنها ال تساهم في تغيير العالم، وانما في تغيير تفسير العالم"

2P وكذا مع ،

حين اعتبر أن العلم ولد مؤخرا نتيجة إقتصار الفكر التصورات الوضعية ألوغست كونت

اإلنساني على البحث في الماهيات والمجردات وأن إعالن نهاية الميتافزيقا هي الميالد

، أي يمكننا أن نقرأ هذا التصور بأن الفلسفة ليست علم. الفعلي للعلم

وقد ال نستغرب هذه الرؤية إذا ما تأملنا بعض النصوص الفلسفية التي ترى في العقل

الفلسفي قاصرا عن إدراك حقيقة األشياء الفعلية، فلنتأمل في هذا النص لغادامير، الذي

فهي بذاتها، متناقضة "إذ يرى أنها تظل علمية، يطرح محاولة الفلسفة تأسيس ميتافيزيقا

- عبد السالم ابن عبد العالي، أسس الفكر الفلسفي المعاصر، مجاوزة الميتافيزيقا، دار توبقال للنشر الدار البيضاء، 1

.82، ص 1991المغرب،الطبعة األولى،

.14- عبد السالم بنعبد العالي، أسس الفكر الفلسفي المعاصر، مرجع سابق، ص 2

Page 27: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

27

هذه أن من الرغم على علميا تعبيرا العميقة الحياة جوانب عن التعبير في الرغبة تحركها

P19Fالعلم" نطاق ضمن تقع ال الجوانب

1P .

فكيف سنقرأ هذا النص الفلسفي، أليس هذا اعتراف صريح بقصور المنهج الفلسفي عن فهم

حقيقة الروح وتحديد ماهية وطبيعة الذات اإلنسانية، وانما يجب علينا أن نستنجد بالمناهج

العلمية لتنوب عن المنهج الفلسفي وتحقق ما لم يمكنه تحقيقه، أم علينا أن نزاوج بين

المنهجين لتحديد الطبيعة الفعلية لألشياء كما يقول برغسون في التطور المبدع، على أنه:

أن وسعهما ففي التجربة إلى أقرب طريقا وابتغتا الحياة، ونظرية المعرفة نظرية إجتمعتا لو"

والستطاعتا أن تبينا لنا كيف نشأ العقل، ..الفلسفة تثيرها التي المشكالت ألكبر حال تجدا

P20Fومن ثمة كيف تكونت المادة"

2P.

هذه األزمة التي باتت تعايشها الفلسفة على ربما هذا ما سميناه سابقا بأزمة المنهج، وتعود

مستوى المنهج، عقب إنفصال علم النفس وعلم اإلجتماع باألخص عنها، والى تلك النظرة

السلبية التي باتت توسم بها الفلسفة عقب شيوع الفلسفة الوضعية وسيطرة مفاهيمها.

- الذات الفلسفية وأنسنة العالم: 3

عقب هذه اإلرتحالة في أسئلة األزمة التي تواجهها الفلسفة والذات اإلنسانية، والتي هي

أمام هذا المد الجارف لتيار التقنية المهددة للوجود و ،كفاء أو حتى اإلضمحاللنبصدد اإل

القيمي لإلنسان، فال سبيل إذن للمجتمعات المعاصرة إال بالعودة دوما إلى الفلسفة اليونانية

كما يؤكد على ذلك هيدغر، إذ يرى أن العلوم والتكنولوجيات كلما واجهت تناقضات داخلية

1ط ليبيا، المتحدة الجديدة الكتاب دار ، ناظم حسن و صالح حاكم علي ترجمة ، الفلسفة بداية ، غادامير جورج - هانز 1

.29ص ،2002 ،

. 05، ص1981 ترجمة جميل صليبا، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع بيروت،هنري برغسون ، التطور المبدع- 2

Page 28: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

28

وكلما تعارضت مع الهدف اإلنساني الذي كان مخططا لها، كلما ظهرت الحاجة إلى تفسير

ظلت الفلسفة اليونانية تعطيه دوما منذ بدايتها ) Explication auroraleصباحي (

والى اليوم.

فحتى سؤال ما هي الفلسفة ليس سؤاال محرجا، ألن التساؤل عن معنى الفلسفة وكنهها، إنما

هو الذي يكون الفلسفة أكثر مما يحددها الجواب عن هذا التساؤل، فكون التساؤل ما زال

يتولد باستمرار لغياب إجابات مطلقة له، فهذا يشكل قلقا فلسفيا وليس قلقا على الفلسفة،

كما يقول هوسرل في كتابه األزمة أنها ".. ال زالت حيوية، بيد أن حيويتها –فالفلسفة الفعلية

P21Fتقوم في كفاحها من أجل معناها الحق والحقيقي، وبالنتيجة من أجل معنى بشرية حقة"

1P.

واذا أجبرنا الفلسفة أن تدافع عن نفسها وتحتج على دعاوى إقصائها واقصاء الذات في فهم

!وتفعيل الكينونة، - كما أراد لها نتشه ذلك- فباستطاعتها أن تقول "أيها الشعب التعيس

أهو خطأي إذا كنت مكرهة على التجول في بالدك كعرافة مغامرة، وعلى التستر والتقنع كما

إن حالته كحالتي، فنحن تائهان !لو كنت المتهمة وأنتم قضاتي؟ أنظروا فقط حالة أخي الفن

وسط برابرة، ولم نعد نعرف كيف نؤمن خالصنا، صحيح أننا ال نملك هنا مبررا، ولكن

القضاة الذين سيحكمون علينا لسوف يدينونكم أيضا ويقولون لكم: لتكن لكم بادئ ذي بدء

P22Fحضارة، ولسوف تدركون فيما بعد ماذا تريد وماذا تستطيع الفلسفة أن تفعل"

2P .

أو قد نعاود الحفر في الفلسفة اليونانية باحثين عن ذاك التفسير الصباحي الذي وجهنا إليه

هيدغر، وسنجده هذه المرة مع هراقليطس في جدل الحب والحرب ليعرفنا بالدور الفعلي

للفلسفة، حينما يقول: "الوظيفة األولى للفلسفة البحث عن األرض المشتركة بين النفوس

مدخل إلى الفلسفة – - ادموند هوسرل، ادموند هوسرل، أزمة العلوم األوربية والفنومينولوجيا الترنسندنتالية 1

.57، 56الفينومينولوجية، مرجع سابق، ص ص

.46- فريديرك نتشه، الفلسفة في العصر المأساوي اإلغريقي، مصدر سابق، ص 2

Page 29: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

29

المستيقظة، البحث عن أرض الحب الموحدة والمجمعة، والتخلص من الكراهية التي هي

البحث عن األرض المتفردة بين النفوس النائمة. إن األرض المشتركة هي أرض العقل، ألن

P23Fالعقل واحد عند الجميع. أما األرض المتفردة فهي أرض الالعقل"

1P.

لكن نجد أن المشكلة األساسية تكمن في أن المدارس العلمية المعاصرة حاولت عقلنة كل

ما هو العقالني، فالبحث المضني للفكر العلمي الغربي لرفع العلوم اإلنسانية إلى مصاف

العلوم األمبريقية لهو هاجس تطلب عقلنة كل ما هو ذاتي، ولعل هذا المد الجارف للعقلنة

التي جاءت بها األنوارية انتهى بفشل في جميع المجاالت، فتبخر حلم السالم الدائم الكانطي

بمنطق العقالني، مما دفع هوسرل للتفكير في الكينونة والذات برفعه األبوخية (تعليق

الحكم) البحث في الفيزيولوجي ووضع الماهوي بين قوسين، ولعل هذا التفكير قد جره إلى

فهم ميالد الغرب في اليونان ثم سريان الروح العامة للغرب لتجاوز األنا الفيزيولوجي

السطحي، وبهذا رست شراع الفلسفة المعاصرة عند حدود اإلشكال التالي: كيف يمكن أن

يعود موضوع الذات كمشكلة تبنى عليها الفلسفة كلها؟ كيف لنا أن نخرج من مجال

الميتافيزيقا ونجعل من اإلنسان الموضوع الرئيس لكل تفكير فلسفي؟.

إن هذه التصورات المتعددة للفلسفة واإلنسان التي ارتأينا أن ننطلق منها لنحاول اكتشاف

الذات وادراك الحقيقة الكامنة خلفها، تعبر بشكل مباشر عن أزمة أنطولوجية اإلنسان، فقد

بحثت الوجودية مثال في الوجود والماهية، وبحثت الظواهرية في الوعي والوجود،

ليرتبط كل من سؤال الهوية والغيرية بهذه األزمة الفكرية والوجودية، إذ بتنا في هذا العصر

المأزوم نصارع مشكلة الحقيقة، حقيقة وجودنا ووجود اآلخر، وبطبيعة الحال قد ال تكمن هذه

الحقيقة في تطابق قوانين العقل مع األشياء المعطاة، بل في هيئة وطبيعة الوجود الحامل

، 2006، 2هيراقليطس، جدل الحب والحرب، ترجمة وتقديم مجاهد عبد المنعم، دار التنوير للطباعة والنشر بيروت،ط- 1

.15.16ص ص

Page 30: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

30

لها، وهذا بالضبط ما حاول بول ريكور في مشروعه الفلسفي مالمسته محاوال استجالء راهن

الفلسفة المعاصرة مع اختالف مشاربها الفكرية وسيطرة العلوم الوضعية على المعاني

المتعالية لإلنسان، أين وضعت ثنائية الذات والغيرية بين قوسين، فسعى ريكور لتنقية الذات

من أوهامها وتثبيتها بقاعدة وجودية يجعل منها الموضوع الرئيس لنظرية المعرفة.

فما هو اإلطار العام لمشروع بول ريكور الفلسفي؟

- ريكور، من نظرية المعرفة إلى الهرمونيطيقا إلى األنطولوجيا: 4

اإلشكال الرئيسي بالنسبة لنظرية المعرفة يكمن في عالقة الذات العارفة بالموضوع

المعروف، غير أن ثبات وضع الذات ضمن حدود هذه العالقة لم يعد ممكنا حسب ريكور

P24Fألن الذات "غير معطاة ال في بديهة نفسية وال في حدس ذهني وال في رؤية صوفية"

1P وبهذا ،

ستتحول الذات إلى موضوع للمعرفة يصعب احتواءه، لذا كان البد من التوغل أكثر ضمن

حدود هذه العالقة المعرفية، لإلحاطة بالذات وما يشكل خارجا عنها، ""أي تحديد اإلنية عن

P25Fطريق جدلها مع الغيرية""

2P .

إن فهم وتحقيق الذات لماهيتها لن ينفلت من حدود تحقق الغيرية في الواقع النظري

واإلجرائي، فبعث المعاني السامية لإلنسان كبعد أنطولوجي أو كأنطولوجيا في حد ذاته

يحصره بول ريكور في مبدأ تحقيق الذات لذاتيتها ولغيريتها، بمعنى ضرورة تفعيل وجود

الغير لفهم الذات.

إن البحث في إعادة تموضع الذات ضمن أطر العالقة الجدلية للمعرفة، سيفرز لدى ريكور

إعادة صياغة اإلشكاليات المعرفية باستحضار مستوى الوجود المعرفي أي وجود الذات في

1 - Paul Ricœur, le conflit des interprétations : essais d’herméneutique, op.cit, P321.

2 - Paul Ricœur, Soi même comme un autre, Edit : seuil, Paris, 1990, P345.

Page 31: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

31

وهذا ما سيستوجب لديه ممارسة التأويل لتقصي – األنا و اآلخر –حديها المعرفيين

الدالالت العميقة لهذه العالقة المعرفية، مترحال بين مناهج وحقول مختلفة من الفينومينولوجيا

إلى األنطولوجيا، إلى التحليل النفسي والبنيوية، إلى المباحث اللغوية.

هذا اإلرتحال المنهجي الريكوري الغرض منه البحث عن لحظة اكتمال عمل الذات أي

اكتمال صورتها األنطولوجية على ضوء ماهيتها وماهية الغيرية الممثلة للوجه اآلخر لهذه

الكينونة، وها هنا يمكن إعادة بعث سؤال الكينونة الذي أغفلته نظرية المعرفة وبات منسيا

في فضاء هذه النظرية، وهذا ما يؤكده ريكور حين يقول ""أن السؤال المنسي هو السؤال عن

P26Fمعنى الكينونة""

1P فمسألة الكينونة هي المدخل لكل فهم للكائن ولهذا العالم المعطى في شكل ،

عالمات ورموز، إذ ال بد من فهم حقيقة وطبيعة هذا الوجود لفك هذه الرموز، وهذا ما

سيحيل بريكور إلى مبحث الهرمونيطيقا أين يتم اإللتحام بين الفهم وما تفرزه أنطولوجيا

الذات، ف "الطريق األقصر، هو أنطولوجية الفهم على طريقة هيدغر، والهرمونيطيقا مجاال

P27Fلتحليل الوجود، الدازين، والذي يوجد بالفهم"

2P.

هيدغر يسعى لمقاربة الوضع المأساوي للوجود من خالل أبعاد الدازين، نجد فإذا كان

ريكور ينحو ذات المنحى، لكن بالبحث في الوضع المأساوي للذات، حينما انتفى نشاطها في

بلوغ الحقيقة وادراك مراميها، عن طريق إرادة إنسانية فاعلة ال تغيب عنها إرادة الفهم والتأمل

الغيرية. باعتبار –في المعاني األساسية للوجود والدينامية الكامنة خلف لحظة الذات

اإلمساك بهذه اللحظة هو التجلي المطلق لكينونة اإلنسان، فبروز الحقيقة الوجودية يكمن في

- بول ريكور ، من النص إلى الفعل : أبحاث التأويل ، ترجمة محمد برادة- حسان بورقية، غين للدراسات والبحوث 1

. 44، ص1،2001اإلنسانية واإلجتماعية، الهرم( القاهرة)، ط

2 - Paul Ricœur, le conflit des interprétations : essais d’herméneutique, op.cit, P10.

Page 32: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

32

في- العالم، وعلى اإلنتماء –"اإلشكالية الهرمونيطيقية التي تؤكد من اآلن، على الكينونة

P28Fالمشارك الذي يسبق كل عالقة تقيمها ذات فاعلة بموضوع يواجهها"

1P .

وها هنا بالضبط ستنصهر الذات في الموضوع فيصعب تحديد ما يمكن أن ينتمي للذات وما

هو ثاو في الموضوع، وفي اللحظة ذاتها ووفق هذا المنطق الهرمونيطيقي ستنصهر وتندمج

التي شكلت أولى إرهاصات المشكلة الفلسفية- في بعد واحد، لتنتقل –ثنائية الذات والموضوع

الذات من وظيفتها األزلية، رؤية العالم إلى فهم الذات وقراءة العالم، بتوسط اللغة التي

ستنتقل من حامل لهذا العالم إلى العالم ذاته.

تجعل هرمونيطيقا ريكور من الكتابة المرحلة األولى أو الوضعية األولية لفتح الذات على

الوجود الحامل لها، وذاك عن طريق منح سبل فهم وتأويل للرموز التي تتوسط العالم والفهم،

وبرغم من محاولة ريكور تذويب الذات في الموضوع إال أنه ترك مسافة بين الفهم

والموضوع، يمكن أن توظف داخل حدود هذه المسافة مناهج محددة كالتحليل النفسي أو

البنيوية أو الفينومينولوجيا، لفك شيفرة الرموز الثاوية داخل النصوص.

وبهذا ستعمل الهرمونيطيقا حسب ريكور، على "البحث داخل النص نفسه، من جهة، عن

الدينامية الداخلية الكامنة وراء تبنين العمل األدبي ومن جهة ثانية، البحث عن قدرة هذا

العمل على أن يقذف نفسه خارج ذاته ويولد عالما يكون فعال هو شيء النص الالمحدود،

إن الدينامية الداخلية واإلنقذاف الخارجي يكونان ما أسميه عمل النص، ومن مهمة

P29Fالهرمونيطيقا أن تعيد تشييد هذا العمل المزدوج للنص"

2P هذا العمل قد يتمثل في تأويلية فهم ،

الوجود من خالل استعادة عالقته بالفكر كي تتمكن الذات من أن ترصد الدالالت الكامنة

.26- بول ريكور ، من النص إلى الفعل : أبحاث التأويل ، مصدر سابق، ص 1

.25- - بول ريكور ، من النص إلى الفعل : أبحاث التأويل ، مصدر سابق، ص 2

Page 33: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

33

داخله، وبهذا ستتحول وظيفة الذات إلى إنتاج الموضوع وتمثله، والى رصد الكينونة لبلوغ

أعلى درجات الفهم، أي ستعمل الذات على "التفكير في الوجود كفعل للفهم والتأويل، كفكر

P30Fوليس كموضوع ببساطة تامة، وعليه ستكون الموضوعية مؤسسة على ذاتية الوعي"

1P .

وعليه يمكن للوعي بهذا الشكل أن يقرأ العالم قراءة متعددة الزوايا والمناحي لتنفتح جميع

الرموز على الذات باعتبارها األقرب إلى تمثل صور العالم، بالنسبة لتمثالت الذات كبعد

معرفي وكمعرفة في اآلن ذاته حين تنصهر مع الموضوع.

وعليه فقد ارتكز مشروع بول ريكور في استعادة الذات من خالل التأويل، وحينما نتحدث

بلفظ اإلستعادة فنحن سنسعى للبحث في رمزية الذات إلى الحدود التي يمتد إليها تاريخها أي

بالضبط إلى التراث األسطوري، ألن ممارسة التأويل ال تخرج عن دائرة استعادة وبعث

الذات، والذي يمثل ضمن مشروع بول ريكور أساس بلوغ الحقيقة ""فتأويل الرمزية ال يكون

هرمونيطيقيا إال في المكان الذي يكون فيه فهما للذات نفسها وفهما للوجود، وخارج هذا

P31Fالعمل هو ال شيء""

2P .

إن استجالء المعاني الكامنة خلف هذه الرموز المنبثة في ثنايا التجربة الوجودية، هو الذي

يحدد طبيعة العالقات المتداخلة ضمنه، أي عالقة الكائن بالكينونة، وعالقة الذات بالموضوع

التي تنبثق من رحمها لحظة استجالء عالقة األنا باآلخر، فعمل التأويل سوف يتملك ناصية

الفهم إذا اشتغل في حدود هذه العالقات الوجودية، فالمعنى ما ينفك ينفتح على الحقيقة إذا

استوعب جميع الرموز واإلشارات الكامنة داخل هذه السيرورة.

وعليه ستصبح مسألتي الذات واللغة مفتاح امتالك الحقيقة مع بول ريكور، ويمثالن المبدأ

األساس في نشوء أي تفكير فلسفي يسعى لفهم الوجود والبحث عن آليات التعايش ضمنه، 1 - Hanz George Gadamer, l’art de comprendre, Ecrit 2, Edit Aubier, Paris, 1991, P13.

2 - Paul Ricœur, lecture 2, la contrée des philosophes, Edit Seuil ; Paris,1992, P351.

Page 34: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

34

كما يؤكد ذلك حين يقول "إن الفلسفة ال تبدأ أبدا، ألن كثافة اللغة تسبقها، وأنها تبدأ من

P32Fالذات، ألنها هي التي تشيد مسألة المعنى وأساسه"

1P.

وعلى هذا األساس ال تمتلك الفلسفة أي وجود خارج حدود المعنى، وال يمكنها أن تتماهى

نسقيا إال بناء على استنطاق الصمت الكامن في الذات، ولن يتأت ذلك إال بوجود ذات فاعلة

وديناميكية، ومع وجود هذه الذات ستتجاوز الفلسفة ال محال تلك النظرة األحادية الموثوقة

إلى األشياء وكأنها حقائق مطلقة، وتغييب المعاني الفعلية ألشياء العالم ويحجز الذهن على

التعامل معها على نحو تساؤلي، وعليه ستتمظهر الفلسفة مع ريكور على أنها "إعطاء معنى

للحياة، أي إنها معادلة بين ذات ومعنى. وهذه الذات ليست بمفهوم مجرد، بل هي ذات

منغمسة بالممارسة والفعل، أي إنها تملك إرادة حرة لتنفذ مشاريعها التي تتصورها في

P33Fالبداية"

2P .

لكن ما هي طبيعة الذات المعادلة والحاملة في اآلن ذاته للمعنى؟ وهل سيمنح العقل سلطته

للذات كضابط دقيق للمعاني؟ أم أن الذات هي العقل؟ وان كانت هي العقل فلماذا شهدت

هزات عنيفة حيال التساؤل حول غائيتها ودورها في تفعيل نسق الغيرية وفي تحقيق اتصال

الذات مع باقي الذوات األخرى؟.

1 - Paul Ricœur, de l’interprétation Essai sur Freud, Seuil Paris, 1969, p48.

. 2005، 01- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، ترجمة وتقديم وتعليق جورج زيناتي، المنظمة العربية للترجمة لبنان، ط 2

. ( التقديم).39ص

Page 35: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

35

المبحث الثاني

الذات : الصراع والتحقق.

Page 36: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

36

.للذات العقالنية المقاربات- 1

0TP34Fالحديث عن كرونولوجيا مفهوم الذاتإن

∗P0T سيضعنا ال محالة قبالة مواضع فهم للتصور

الريكوري للذات، على اعتبار أن هذا المفهوم قد سيطر على مجمل تاريخ الفكر الفلسفي،

وبنيت على أساسه نظريات المعرفة الفلسفية الراغبة في تحديد معنى الذات لفهم الوجود،

قد عرف هذا المفهوم مجموعة إنزياحات إختلفت معه أشكال الفهم وصور تفسير الوجود و

الظاهر والباطن، فالذات لم تعد تمتثل كبعد ميتافزيقي فحسب، بل باتت تمثل مجموع بنى

تشكل الواقع الوجودي واألخالقي الحامل للمعاني المؤسسة لإلنسانية، وحينما تنجز الذات

قصودها هذه تكون قد بدأت في إظهار إنجازيتها عن كل ما يمكن أن يعبر عن مجموع القيم

اإلنسانية.

ولربما قد يعبر هذا التعريف الشمولي للذات داخل تاريخ الفلسفة عن المعنى الذي حملته

الذات منذ اإلغريق إلى حدود بداية الفلسفة المعاصرة على أنها ماهية أو جوهر

)Essence بمعنى أنها تمثل كل ما هو ثابت ( الكل الذي ال يتجزأ)، أي هي مجموع (

الصفات والخصائص الجسدية والنفسية وحتى األخالقية.

وبناء عليه ستفهم الذات مع هذه المرحلة الفكرية على أنها مجموع األفعال المدركة والواعية،

أي أن الوعي هو الذي يؤلف بين الذات العارفة واألشياء المدركة.

: ذات الشيء هي نفسه وعينه، ويوجد فرق بين الذات والشخص، فالذات هي جوهر قائم بذاته ثابت ال يتغير الذات- ∗

ف "ذات اإلنسان هي نفسه العاقلة العارفة من جهة ما هي قوام وملتقى المعقوالت والمعارف المتنوعة التي تسمى بهذا

، أما الشخص فيأخذ تعريف الشيء "فالذات هي الكائن العالم، والموضوع هو الشيء المعلوم". 1اإلعتبار موضوعا لها"

.). 166، ص 1994أنظر (عبده الحلو، معجم المصطلحات الفلسفية، المركز التربوي للبحوث واألنماء لبنان،

Paul بمعنى جزء أو نصيب". أنظر (Subjectum في الفرنسية فهي مشتقة من الكلمة الالتينية Le Sujetأما كلمة

Foulquié, Dictionnaire de la langue philosophique, P.U.F. Paris, 1986, p299. .(

Page 37: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

37

وها هنا ارتأينا أن نتتبع مسار مفهوم الذات مع كل من ديكارت، كانط، وهيغل. باعتبار أن

المخاض الفعلي لعقلنة مفهوم الذات ما قبل الفلسفة المعاصرة قد حددته هذه الفلسفات، التي

كان لها بالغ األثر في إعادة مفهمة الذات واآلخر داخل الحقل الفلسفي المعاصر، وكان لها

األثر البالغ في تأويلية ريكور للذات وعالقتها باآلخر.

0TP35Fكشخص اإلنسان في الثابت هو لذا ستطرح أمامنا التساؤالت التالية : ما

∗P0T، تعي كذات أي

الموجودات؟. باقي عن عاقلة كذات يميزه الذي وما ومسؤوليتها؟ وحريتها وجودها

0TP36Fوما هي أبعاد التداخل اإلرتباط المنهجي بين الذات واألنا

** P0T0 واإلنيةTP37F

***P0T0 واألنانةTP38F

****P0T ؟، وهل

تمثل هذه اإلشتقاقات التركيبة الذهنية والوجودية للذات؟.

- ويبرز الجرجاني هذا الفرق بين الذات والشخص حين يقول :"الذات أهم من الشخص، ألن الذات تطلق على الجسم ∗

، ص 1985الجرجاني علي، كتاب التعريفات، مكتبة لبنان بيروت، وغيره، أما الشخص فال يطلق إال على الجسم. أنظر (

39(.

: يعتبر األنا من أهم المفاهيم المحايثة لمفهوم الذات، لكن مفهوم األنا يأخذ مواضع عدة، فهو يشير أحيانا إلى األنا- **

الروح والفكر، وفي مواضيع أخرى يشير إلى النفس الواعية فهو "الوعي الدائم بوحدة الذات من خالل شعورها بأنها محل

واحد ألحوال معينة ومصدر واحد ألفعال معينة، وبأنها هي هي مع تغير هذه األفعال وهذه األحوال عبر الزمان والمكان،

.). 57أنظر (محمود يعقوبي، معجم الفلسفة ( أهم المصطلحات وأهم األعالم)، مرجع سابق، ص وترادفه النفس والشعور"

. وبهذا يظهر على أن األنا هي صمام وحدة الذات، أو هي المرسم لهذه الوحدة والمجسد لعالقاتها الحملية، "فاألنا هي

الذات الواعية من حيث هي جوهر ثابت ومحل األعراض المختلفة في نظر بعضهم، إذ من حيث هي مجموعة الحاالت

النفسية المتغيرة والمتصلة معا (..) لذلك فمنهم من يميز األنا كجوهر من األحوال النفسية، ويعتبرها حقيقة النفس والقوة

الجامعة لتلك األحوال (ابن سينا)، ومنهم من ينكر مثل هذا الوجود الثابت وال يرى فرقا بين األنا واألحوال النفسية إال من

.). + 92أنظر (عبده الحلو، معجم المصطلحات الفلسفية، مرجع سابق، ص حيث كون األنا هي وحدة الذات المنطقية"

أما فلسفيا فيرتبط تعريف األنا باآلخر، كما يذكر ذلك الالند " فلألنا صفتان: فهو ظالم بذاته من حيث أنه يصنع ذاته ضد

الكل وهو متنافر مع اآلخرين من حيث أنه يرغب في استبعادهم ألن كل أنا هو العدو، ويريد أن يكون المستبد بكل

.)824أندريه الالند، موسوعة الالند الفلسفية، المجلد الثاني، مرجع سابق، ص اآلخرين". أنظر (

Page 38: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

38

- الذات ومستويات اليقين الوجودي/ ديكارت.3

طالما كبير لفتح وتحقيقا جديد لوعي تدشينا كان الحديث شكلها في الفلسفة انبثاق إن

لنموذج خضوعه بسبب وجوده عن التعبير من محروما كان الذي األوربي اإلنسان انتظره

0TP39Fفكري

∗P0T انتظرت الفلسفة كلها ظهور هنا من بكينونته، اإلعتراف ويرفض لذاتيته يتنكر

لكوجيتو بإرسائه ماهيته، تحقيق إليه وأوكل ذاتيته لإلنسان أعاد ألنه إال لشيء ال ديكارت

(Cogito)" موجود أنا إذن أفكر أنا" (je pense donc je suis)، طاقات حرر به

أرسى الفكري اإلنقالب هذا وجوده، يغلف كان الذي الجهل ستار عنه ورفع الفكرية اإلنسان

كينونة للوجود أرسى كما باليقين، المزودة الذاتية مبدأ هو أساسها جديدة معايير للحقيقة

اإلنسان، وما لبث هذا الكوجيتو أن تحول إلى مصاف الحقيقة المطلقة، هو مركزها جديدة

وهكذا باتت األنا الديكارتية هي وحدها الحاملة للميكانزمات التي تحقق الوجود الفعلي لهذا

اإلنسان، ف "ليس للكوجيتو من مدلول فلسفي قوي، لو لم يكن وضعه قد سكنه طموح

P40Fالتأسيس األخير والنهائي"

1P .

وهي قدرة الذات في إثبات أناها، إذ يعرفها الجرجاني بأنها " تحقيق الوجود العيني من حيث مرتبة الذاتية". اإلنية : - ***

وهي بهذا المعنى تكون هي المفهوم المقابل لمفهوم .)، 39الجرجاني علي، كتاب التعريفات،، مرجع سابق، ص انظر (

الغيرية، فاثبات األنا يخضع في حدوده األنطولوجية واألكسيولوجية لوجود اآلخر، الذي من خالله ستتعرف الذات على

. « Non Moi »أناها، وتسعى إلثباته، ومعنى اإلثبات هنا أيضا يقصد به اإلختالف والتمييز عن كل ما هو "ال أنا"

: " وهو مذهب يجري عرضه كأنه لزوم منطقي ناجم عن الطابع المثالي الفكري للمعرفة، Solipsismeاألنانة : - ****

إن األنا الذي نعيه، مع تجلياته الذاتية هو كل الواقع، وان األنوات األخرى التي تتمثلها لم يعد لها وجود مستقل إال مثل

أندريه الالند، موسوعة الالند شخوص األحالم- أو على األقل قد يقوم على التسليم باستحالة البرهان على العكس" أنظر (

أي أن هذه األنانة هي التمركز حول الذات أو الحب المطلق للذات، .)، 1313الفلسفية، المجلد الثالث، مرجع سابق ص

وتقديم مصلحة الذات على مصلحة الغير.

- النموذج المقصود هنا هو إنسان الفلسفة المدرسية. ∗

.74- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق. ص 1

Page 39: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

39

توالت واألنطولوجي، المعرفي المستويين على مؤسسة لحظة الديكارتية اللحظة تعتبر وبهذا

نقديا، وكان امتدادا أو مذهبيا امتدادا بآخر أو بشكل لها إمتدادا كانت أساسية لحظات بعدها

الديكارتية، وشكلت المنهل الذي اغترف منه الفالسفة للفلسفة الهوية بمثابة الذاتية هو مبدأ

الالحقون معتبرين األنا الديكارتي هو أولى مداخل الحقيقة واليقين، لكون الذات ستتغلف بكل

مظاهر الوعي والشعور، وهذا ما يؤكده ديكارت حينما يعرف هذه األنا أو الذات المفكرة

فيقول: "إذن أي شيء أنا؟ أنا شيء يفكر، وما هو الشيء الذي يفكر؟ إنه شيء يشك،

P41Fويدرك ويبرهن، ويثبت، وينفي، ويريد ويرفض، ويتخيل أيضا ويحس"

1P .

إذن فلم نعد نحدد مفهوم اإلنسان من خالل العقل كجوهر مفارق، وانما يدعونا ديكارت ألن

أي بما هي وعي متعال، قادرة على تحقيق وجودها ذاته، نحدد إنية اإلنسان من خالل

الفعلي دونما اإلعتماد على جواهر مفارقة، نحاول أن ندرك وجود ذواتنا من خالل وجودها،

المحتاج أصال إلى برهان.

فالذات الديكارتية لم تخرج عن التعريف العام للذات، أي لم يتم زحزحة هذا المفهوم عن

كونه جوهرا يمتلك مجموعة من الخصائص المعبرة عن ماهيته، لكن ما سيضيفه ديكارت

إلى هذه الماهية هو تجربة الشك أين تتماهى الذات مع الفكر، ففي داخل هذه التجربة

لكي ال تكون وهما مغلوطا، غير أن اإلستثناء الوحيد شك موضع األشياء كل تتموضع

إال شيء كل في شك فديكارت داخل هذه التجربة الشكية، أنها ال تشمل الشك في الشك ،

بل الشك يزعزع ال الشك في الشك هذا فإن يشك كونه في يشك عندما ألنه يشك، كونه في

فمن أجل "فهم انقالب الشك إلى يقين الكوجيتو في التأمل الثاني: بحسب يدعمه،

.103، ص1962، 1- رني ديكارت، تأمالت ميتافزيقية في الفلسفة األولى ، ترجمة كمال الحاج، عويدات بيروت، ط 1

Page 40: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

40

اإلستهداف األنطولوجي للشك فإن األمر األكيد واألول هو يقينية وجودي التي تحويها ضمنا

P42Fممارستي نفسها للتفكير في ما تقوم عليه فرضية الخادع األكبر"

1P.

اليقين الوحيد الثاوي ضمن هذه التجربة هو يقين الذات بذاتها على أنها أنا مفكرة، إذن

وبالتالي ال شك إطالقا في وجود الذات كجوهر مفكر، وهذا هو المدخل الفعلي لكل تفكير

.فلسفي يتمأسس على وجود هذا الجوهر

لكن في المقابل ستحقق هذه الذات غاياتها المعرفية وذاتيتها باستبعاد اآلخر، فال دخل لهذا

اآلخر وكل العالم الخارجي في معرفة الذات لذاتها، فحتى الجسد أقصاه ديكارت من العالقة

0TP43Fالمعرفية

∗P0T ،واستبدل هذا اآلخر، الذي من المفروض أن تعي الذات ذاتها من خالله، باإلله ،

فهو الضمانة الفعلية التي تمكن الذات من بلوغ اليقين الثاوي في هذا العالم الخارجي، وذلك

عن طريق العقل الذي وزعه اإلله بصورة عادلة تكفل تواصل يقين الكوجيتو عبر أنات

الزمن. وهنا يستوقفنا نص شهير لديكارت يقول فيه "العقل هو أعدل األشياء توزيعا بين

الناس، ألن كل فرد يعتقد أنه قد أوتي منه الكفاية، حتى الذين يصعب إرضاءهم بأي شيء

آخر ليس من عادتهم أن يرغبوا في أكثر مما أصابوا منه، وليس براجع أن يخطئ الجميع

في ذلك، بل الراجع أن يكون هذا شاهدا على أن قوة اإلصابة في الحكم وتمييز الحق من

الباطل، هي القوة التي يطلق عليها في الحقيقة اسم العقل، وهكذا فان اختالف أرائنا ال ينشأ

.76بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - 1

في ووضوح بداهة بكل بها يؤمن أن إال السليم العقل يسع ال والتي الوحيدة اليقينية الوجودية الحقيقة هو " أفكر األنا" - ∗

أنا. واستدالالته العقل حكم على متوقفا يظل – الديكارتية العقالنية الذاتية هذه حسب) - اآلخر (الغير وجود أن حين

األنا إلى حاجة في الذي هو الغير هذا إن ذلك من أكثر بل عنه استغناء وفي بل اآلخر وجود قبل فقط ليسر موجود

لوجوده.

Page 41: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

41

عن كون بعضنا أعقل من بعض، وانما ينشأ عن كوننا نوجه أفكارنا في طرق مختلفة، إذ ال

P44Fيكفي أن يكون الفكر جيدا، وانما المهم أن يطبق تطبيقا حسنا"

1P .

، أي لها القدرة Conscienceوبالتالي فالذات الديكارتية هي بشكل مباشر عبارة عن وعي

على التفكير في العالم الخارجي والتفكير في الفكر نفسه، وداخل هذه الذات ال وجود وال

حضور إال للوعي، والنفي أو الضد غير مطروح نهائيا، وقد نعرف هذا الوعي وفق صيغة

يطرحها بول ريكور ويقترح أن تكون منطلق فهم، وهي "أن الوعي هو الحركة التي تدمر من

P45Fغير توقف نقطة انطالقها"

2P .

هذه اإلطالقية في مفهمة الذات ستجد لها معارضة شديدة مع امتداد الفكر الفلسفي الما-

بعد ديكارتي، بدءا مع كانط الذي رفض مبدأ الشك الديكارتي، وصوال إلى هيغل الذي طابق

بين مقوالت العقل ومعطيات الواقع، بلوغا إلى الفلسفة المعاصرة التي ستشهد انقالبا فلسفيا

على الكوجيتو الديكارتي، ليستبدل بمناهج فلسفية جديدة حاولت بعث مفهوم الذات من خالل

الغير، ولربما هذا ما سيدفع ببول ريكور إلى نعت الكوجيتو الديكارتي بالكوجيتو المجروح

والكوجيتو المناضل.

ألن اليقين المباشر الذي تحدث عنه ديكارت هو يقين الفكر ذاته "والذي أعلن عنه ديكارت

في "المبادئ" : (إني ألفهم من كلمة الفكر كل ما يصنع نفسه فينا وذلك على نحو يجعلنا

نالحظه مباشرة بأنفسنا. وانه لمن أجل هذا ليس الفهم واإلرادة والخيال فقط، ولكن اإلحساس

.03، ص1991- رني ديكارت، مقالة الطريقة، ترجمة جميل صليبا، تقديم عمر مهيبل، موفم للنشر 1

- بول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هيرمينوطيقية، ترجمة منذر عياشي، مراجعة جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد 2

.152، ص 2005، 1المتحدة لبنان، ط

Page 42: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

42

P46Fأيضا يعنون الشيء نفسه الذي يعنيه التفكير)"

1P لكن هذا اليقين حسب ريكور "ليس معرفة ،

P47Fحقيقية عن الذات"

2P .

وعليه كان من الواجب إعادة البحث مفهوم األنا الديكارتية، وهذا ما سيستدعي منا

حسب هوسرل- أن نبتدأ بتفكيك رموزها المفهومية قبل جعلها في مجالها التداولي الوظيفي،

ويفكك هوسرل هذا المفهوم من خالل التساؤالت التالية: "ما هو هذا األنا الذي من حقه

وضع مثل هذه األسئلة المتعالية؟ وهل يكون ذلك بإمكاني من حيث أنا إنسان طبيعي؟ وهل

يمكنني أن أتساءل جديا كيف أخرج من جزيرة شعوري، وكيف يمكن أن يكتسب المعيش في

P48Fشعوري كبداهة، أي داللة موضوعية"

3P .

فما مصير الكوجيتو الديكارتي مع تعاقب التصورات، التي تسعى أحيانا إلى تثبيته أو إلى

نقده وتجاوزه؟.

.139- بول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هيرمينوطيقية، مصدر سابق، ص 1

..139- المصدر نفسه، ص 2

المدخل إلى الظاهريات-، ترجمة وتقديم نازلي إسماعيل حسين، دار المعارف، –- ادموند هوسرل، تأمالت ديكارتية 3

. 204، ص 1970مصر،

Page 43: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

43

- تعقل الذات / ايمانويل كانط.4

يقول ايمانويل كانط " شعرنا بالملل للدوغمائية التي ال نتعلم منها شيء، من جهة، كما أننا

P49Fمللنا مذهب الشك الذي ال يعدنا بأي شيء من جهة ثانية"

1P .

يحاول كانط أن يعرض مفهوم األنا الذي أبدعه ديكارت إلى النقد، من نقطة رئيسية هي

إقصاءه للزمن، واقراره على أن الذات هي الثابت الوحيد في هذا الوجود، لكن كانط سيبدع

مفهوما جديدا للزمن، يجعل من الوجود الخارج عن الذات محور تحقيق الذات لذاتها، فكل

شيء حسب كانط داخل الزمان ينقضي ويمر، ويتالشى ويضمحل، فحتى شعور الفرد بوجود

ذاته قابل لالضمحالل لو لم تدرك هذه الذات خارجا عنها يحدد ويعين طبيعة وجودها في

الزمن، فاإلنسان ال يملك أفكارا فطرية، بل يملك ملكات تظهر إلى حيز الوجود عن طريق

تأثير األجسام الخارجية فيه.

فكرة األشياء في ذاتها "النومينات"، واألشياء الخارجة عن الذات وهنا يطرح كانط

"الفينومينات"، هذه األخيرة برغم أنها تشكل موضوعات معرفتنا إال أنها ليست إال مجموعة

مظاهر، لذا كان ال بد من وجود أشياء ال يمكن إدراكها، ويعود إليها موضوع معرفتنا وتدعى

باسم األشياء في ذاتها، ومع ذلك تبقى النومينات شيء مجهول ومستغلق نفترض وجوده وال

يمكن للعقل النظري أن يحيط إحاطة تامة بحقيقته، أما الفينومينات فهي مجموعة المظاهر

من حيث ما هو مفكر فيها على أنها موضوعات تتفق مع وحدة المقوالت.

وأمام هذا التداخل الماهوي بين النومينات والفينومينات يبرهن كانط في نقد العقل الخالص

كما أراد لها ديكارت-، إذ يتم –على أن وحدة الذات ال يمكن فصلها عن وحدة األجسام

توحيد الذات والجسم عن طريق اإلدراك الذاتي المتعالي، وهذه الذات تقوم من خالل الفهم

.18- ايمانويل كانط، مقدمة لكل ميتافزيقا مقبلة، ترجمة نازلي اسماعيل حسين، موفم للنشر، ص 1

Page 44: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

44

بتوحيد اإلحساسات على نحو تحويلها إلى أجسام، ولعملية التوحيد لحظات ثالث مؤسسة

ثم ب) ثم (أ)، ال ينبغي أن أدرك (أ، ب، ج)تبدأ بتوحيد الفهم في الحدس، فلكي أدرك (

، بل ينبغي أن أدركهم إدراكا واحدا، أي يجب أن أدركهم معا. وتعقب هذه اللحظة عملية ج)(

، وأن ب في الوقت الذي أصل فيه إلى أ)توحيد اإلستعادة في المخيلة، فيجب أن أتذكر (

، ولكن يكون من الضروري أثناء عملية ج)، في الوقت الذي أصل فيه إلى (أ، ب)أتذكر (

التي استرجعنها في المخيلة هي ذاتها التي أ)اإلستعادة هذه أن نعرف بشكل يقيني أن (

أدركناها أول األمر، ويتطلب هذا عملية ذهنية تتمثل في توحيد التمييز في المفهوم.

هذه البرهنة الكانطية لعمل الذهن وفق المستويات التي من الممكن أن تتماهى من خاللها

الذات وتدرك عالمها الخاص وعالم األشياء، يمكن إستقراءها من زاويتين اثنتين : أوالهما

متعلق بمحاولة كانط علمنة الميتافزيقا، أي البحث عن تصور جديد لمعنى الذات الذي

احتوته التصورات الميتافزيقية طيلة تاريخ الفلسفة، وجعلها من الذات مجاال مغلقا أو مستغلقا

يتعالى على التفكيك. فموضوعات الميتافزيقا التقليدية تمحورت أساسا في البحث عن األمور

البحث بأنها أرسطو لها، التي تتجاوز الطبيعة ومنها الذات، واهللا، ونستشف ذلك من تعريف

أكثر وهي العلل، أعم في تبحث ألنها العلوم أعم حسبه وهي "موجود، هو بما الوجود في

أكثر في تبحث ألنها تجريدا العلوم أكثر وهي األولى، المبادئ في تبحث ألنها يقينية العلوم

ألن العلوم أشرف وهي العلوم، أصعب كانت هنا ومن العيني، الواقع عن بعدا األشياء

P50F1"اهللا وهو الموضوعات، أشرف هو واألساسي النهائي موضوعهاP.

، ص 1984، 1 بدوي عبد الرحمن، الموسوعة الفلسفية، الجزء الثاني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط- 1

.494.493ص

Page 45: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

45

أنه هو موجود، هو بما الوجود موضوعه الطبيعة بعد ما أن "أرسطو قول من والمقصود

ما ووجود الجوهر، وجود في كما العرض وجود في يبحث كلها، الموجودات وجود في يبحث

P51F"بالفعل هو وما بالقوة هو

1P .

آخر، بتساؤل الميتافيزيقية المشكلة كانط سيثري خالف هذا التصور األرسطي لكن على

أسس يقينية، وأن تتقدم باستمرار كما هو الشأن في على ميتافيزيقا قيام يمكن هل: وهو

.؟ الرياضيات والفيزياء والفلك

المستندة تلك هي علما تكون أن تريد التي الميتافزيقا أن النظرية تصوراته في كانط يقرر إذ

العقل نقد يؤدي "إذ تجاوزها، للعقل ينبغي ال التي الحدود يرسم الذي النقد هذا العقل، نقد إلى

P52F )"الميتافيزيقا ( علم إلى وبالضرورة النهاية في

2P .

فاإلنزياح الذي سيحدثه كانط في تعريف الميتافزيقا انطالقا من أفعال الذات، سيخلق

ميتافزيقا علمية بإمكانها أن تستجيب لمختلف مقتضيات الطبيعة البشرية، وأن تتعامل يشكل

عقالني مع الذات اإلنسانية في ذاتيتها أو في اتصالها بعالم الظواهر، وهنا ستبرز تساؤالت

كانط المركزية وفق التراتبية التي ابتغاها لها:

- ماذا يجب علي أن أعرف؟

- ماذا يجب علي أن أفعل؟

- ماذا يجب أن آمل؟.

1 .495المرجع نفسه ، ص - -

.53- إيمانويل كانط ، نقد العقل المحض، ترجمة موسى وهبة، مركز اإلنماء القومي ، لبنان ، ( د ط ، د س ) ،ص 2

Page 46: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

46

وباإلنتقال من السؤال المعرفي األول إلى التساؤلين الالحقين، سنجد أن كانط يسعى ألن

يمنح للذات بعدا قيميا يتلخص في اعتبار الشخص ذاتا متميزة عن عالم األشياء المتالكها

عقال أخالقيا، يحولها من مجرد وسيلة لتحقيق غاياتها وغايات اآلخرين إلى غاية في حد

ذاتها، وذلك من خالل األفعال األخالقية القائمة أساسا على حدي الواجب والفضيلة، والتي

من المفروض أن تتحول إلى قاعدة عامة للسلوك اإلنساني مستنيرة في ذلك بمبدأ جعل كل

سلوكات وأفعال الذات غايات في حد ذاتها، ال أن تكون وسيلة لغايات أخرى، أو كما يقول

كانط "أن الكائنات العاقلة تخضع جميعا للقانون الذي ينبغي لكل منها أن أال يعامل نفسه

ويعامل اآلخرين جميعا كمجرد وسائل، بل أن يعاملهم دائما وفي نفس الوقت كغايات في

P53Fذاتها"

1P وعليه فمن األهمية بمكان "أن يأتي الفعل متفقا مع هذه الغاية، فثمة في اإلنسانية ،

P54Fاستعدادات نحو كمال أعظم"

2P .

لكن هذا الكمال األعظم ال يوجد بكيفية شاملة إال بوجود اآلخر، كميزة رئيسية لتتحقق أسس

ميتافزيقا األخالق وتستوعب الذات هذا الوجود، تتحصل من خالله األنا على معنى

لوجودها.

غير أن هذا التأسيس الكانطي لمفهمة الذات من خالل العوالم المنبثة فيها، سيعرف هو

اآلخر انزياحا متجددا لهذه المفهمة، لذا سنحاول أن نتتبع مسار هذا اإلنزياح في مفهمة

الذات، ويستوقفنا عقب كانط هيغل الذي حاول أن يرسي دعائم المعرفة من خالل المطابقة

بين معطيات العقل ومقتضيات الواقع، فكيف فهم هيغل الذات؟ وما هي حدود امتداد

تصوراته داخل الحقل الفلسفي المعاصر؟.

، 2 - ايمانويل كانط، أسس ميتافزيقا األخالق، ترجمة وتقديم محمد فتحي الشنيطي، دار النهضة العربية بيروت، ط 1

..134، ص 1969

. 128، 127- المرجع نفسه، ص ص 2

Page 47: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

47

- تحقق الذات من خالل اآلخر/ هيغل :5

يقول بيير دوكاسي "كي نعقل األنا فنحن مطالبون بأن نزيل التناقض، وال يمكن إزالة هذا

P55Fالتناقض إال بواسطة تركيب، أي يتعرف األنا على ما يناقضه، أي على غير األنا"

1P .

لعل هذا هو محور تفكير هيغل حول األنا والذات، فبرغم أننا نجده متأثرا بالطفرة التي

أحدثها الكوجيتو الديكارتي على مستوى فهم الذات واحاللها في إعادة تشكيل أرضية جديدة

للخطاب الفلسفي، تعيد تأسيس عالقة الذات العارفة بموضوعات المعرفة، حينما نحول

مجرى تفكيرنا إلى مبدأ رئيس هو الذات الحاملة لفعل التفكير.

لكن ليس المطلوب مع هيغل أن ندرك الذات، بل أن نبلغ وعي الذات، وهذا الوعي لن

يتأسس إال بفعل التناقض، أي بوجود المفكر والمفكر فيه، " وان هذه الحركة الموضوعية هي

ما يسميه هيجل الروح، وانه لعن طريق التفكير، يمكن أن تشتق الذاتية التي تكون تكون

P56Fنفسها في الوقت الذي تلد فيه هذه الموضوعية ذاتها"

2

غير أن هذا اإلشتقاق للذاتية ال يمكن أن تتحدد وتتحقق أنانا معه إال من خالل فكرة

الغيرية، فوجود الغير ضروري جدا لوعي الذات لذاتها وادراكها لموضوعات العالم الخارجي،

وألجل فهم عالقة الغيرية كما يطرحها هيغل ال يجب مقاربتها على أنها تعبير عن وجودين

هما األنا واآلخر، بل هي عالقة تفاعل وتناقض بين وعي الذات ووعي اآلخر، فالذات

تتعرف على ذاتها من خالل ذات أخرى، فحركة الوعي ها هنا هي حركة جدلية يكون فيها

أهم من اإليجاب، أي ذات اآلخر هي التي تحدد قدرة الذات على الوعي.السلب أو النفي

.97، ص2003، 1- نقال عن : يعقوب ولد القاسم، الحداثة في فلسفة هيجل، مركز الكتاب للنشر مصر، ط 1

.151بول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هيرمينوطيقية، مصدر سابق، ص - 2

Page 48: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

48

ويوضح هيغل هذه الحركة الجدلية أو اإلزدواجية بين وعي بالذات ووعي آخر بالذات من

خالل جدليته المشهورة، جدلية الخادم والسيد والتي تعرفنا بالكيفية التي تتعرف فيها الذات

على ذاتها وعلى اآلخر.

4TLe maître et le serviteurفلو أننا أمعنا النظر إلى جدلية السيد والخادم( 4T في (

"فينومينولوجيا الروح" لبرز أيضا أهمية السلب باعتباره المحرك األساسي الخالق لكل تلك

الحركة، وفيما يقول ماركس إن هيغل تفطن إلى أن اإلنسان ينتج ذاته بالعمل فالوجود

الحقيقي الواقعي ال يظهر إال نتيجة ثمرة لعمله الخاص، فنشاطه االجتماعي حركة للتاريخ،

والحق أن الوجود البشري في صميمه وجود اجتماعي أي إن "الوجود اإلنساني باعتباره وجود

P57F1"تاريخي هو عبارة عن وجود مع الغيرP .

والتاريخ هو صيرورة الصراع الدامي من أجل انتزاع اعتراف اآلخرين بحرية الذات

واستقاللها، لهذا كان الصراع بين السيد والخادم كأحد المقوالت التاريخية الهيغلية، يرى هيغل

أن الخادم لم يعتنق مبدأ السادة الذي يقضي بالموت أو النصر، ألنه واجه حالة الخوف

والقلق والنقص والقصور وخوفه من الموت، فانتهى إلى سلبه لحريته، ومع ذلك يذهب هيغل

إلى أن كل تقدم تحققه البشرية في مضمار التحرر البد من أن يمر بوعي العبد فالخالق

الحقيقي للتاريخ في نظر هيغل ليس السيد بل الخادم، فالسيد يصنع الحروب ويقتصر على

االستمتاع بها، أما العبد فهو الذي يعمل على تغيير العالم، لكن يظل السيد يسعى إلى

ممارسة سلطة التملك عن طريق العمل، والذي يعتبر المنفذ األوحد حسب ريكور لممارسة

هذه السلطة، ف "عالقات التملك هي عالقات معقودة بمناسبة التملك وبمناسبة العمل في

P58Fحالة من حاالت الندرة، ونحن إلى يومنا هذا ال نعرف شروطا أخرى للتملك اإلنساني"

2P .

1 -Herbert Marcuse, Philosophie et révolution, Ed, Denoël, Paris, 1969, p 150.

. 149- بول ريكور ، صراع التأويالت، مصدر سابق، ص 2

Page 49: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

49

صحيح أن الخادم وفق هذا المبدأ سيكون هو األداة الفعالة في يد السيد من أجل العمل على

تغبير الطبيعة، ومع هذا فالسيد ليس له عالقة مع الطبيعة إال من خالل الخادم، ولما كان

هذا األخير غير راض عن وضعه، فإنه يبذل الجهد في سبيل العمل على تغييره، فجانب

كبير من التاريخ هو ثمرة جهود العبيد، أآلمهم وشقاؤهم ونضالهم من أجل الحصول على

الحرية الحقيقية، ففي السابق لم يصل العبد إلى ضرورة تقبل الموت من أجل انعتاقه، لهذا

.فمن الواجب تحرر العبيد ألن السيادة في التاريخ ستكون مرهونا بجهد الخادم ال بوعي السيد

يضيف هيغل إلى أن السيد ال يحقق شيئا في التاريخ فكل ترقي وتطور اجتماعي يقوم

العمل على تغير الحياة االجتماعية، فالسيد ال الخادم به، وبتوجيهه مجرى التاريخ عبر

يصلح ألي شيء في المجتمع، إن العمل الذي يقوم به الخادم هو الذي سيسمح للوعي

الذاتي بالسيطرة على الوجود الموضوعي والتحكم في جوهر الحياة، فالعمل هو السبيل الوحيد

إلى التحرر الحقيقي، ليضفي اإلنسان ذاته على الطبيعة كموضع فيستأنس الطبيعة.

لكن ال سبيل إلى التحرر الحقيقي لسيطرة السادة على العبيد إال بالثورة "التمرد"، الذي يعلن

ما ") بقوله: A. Camusعن نفسه بقول ال للعبودية أو كما عبر عن ذالك "البير كامي" (

..إن العبد الذي ألف تلقي األوامر طيلة حياته يرى أن ]ال[اإلنسان المتمرد؟ إنه إنسان يقول

األمر الجديد غير مقبول، فما فحوى هذه الال إنها تعني مثال أن األمور استمرت أكثر مما

P59F1"يجب وانها مقبولة إلى هذا الحد ومرفوضة فيما بعدهP.

وبهذا ستكون الجدلية الهيغلية في حد ذاتها هي بحث في مكامن الخلل للذات اإلنسانية،

فليس المقصود من صراع الخادم والسيد هو مقايسة درجات الوعي سواء بالنسبة للسيد أو

الخادم بل في تفعيل درجات الرغبة واإلرادة في الحياة، وفي تفعيل النفي لتؤسس الذات وفق

منطق ازدواجية الوعي، فقد أخذ هيغل على عاتقه مهمة إحياء الطابع السالب للفكر(التفكير

.18، ص 1980، بيروت، 02 نهاد رضا، منشورات عويدات، ط:- البير كامو، اإلنسان المتمرد، ترجمة 1

Page 50: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

50

تحتل مكانة (Négation)النافي) والكشف عن تناقضات الواقع، ففكرة الخادم أو النفي

الجدلية "كبرى في فلسفة هيغل، فال سبيل لفهم الوعي أو الشعور إال بطريقة ديالكتيكية ف

باعتبارها حركة نافية كما هي مباشرة تظهر للوعي أوال ألنها شيء وقع الوعي فريسته وال

P60F1"يتوقف وجوده عليه نفسهP أن الوجود الفردي الزائل ليس بالفردية الحقة، " (إنكار لذاته)، ذلك

P61F2"الوعي حين يعلم ذاك سوف يتخلى عن بحثه في الفرديةP.

إن السالب في نفس الوقت موجب، ففكرة السلب تشغل االنتقال من الفكرة الواحدة إلى الفكرة

المضادة لها، من القضية الموجبة إلى القضية السالبة (الوجود والالوجود، التشابه والمغايرة)،

وقد أوضح هيجل هذه التناقضات وطورها ولكن قصد التوفيق فيما بينها في األخير ضمن "

مرجع روحي أعلى، فهيجل بطرحه للروح المطلق كواقع أعلى قد تحرر من تلك الورطة التي

وضع كانط نفسه فيها...فلقد أصبح هيجل إيجابيا أمام استمرار التناقضات في واقع الوجود

P62F3"البشريP .

وعلى هذا األساس فإن النفي ضروري لتحديد تموضعات الوعي، ويكون ذلك في إطار جدل

ذاتي يتحقق في الواقع الموضوعي للوجود التاريخي لإلنسان والطبيعة، ولكن هذا الواقع ما

هو إال تعبير متحقق عن الفكرة المطلقة التي تتحرك عبر القضية، نقيض القضية ثم

التركيب، ولن تتحقق هذه الطفرة على المستوى الزمني والوجودي للذات اإلنسانية إال

بممارسة العقالنية في شؤون الفكر والحياة معا، فبلوغ اكتمال الذات لن يتأت إال من خالل

تبيئة الذات داخل واقع معقول وعقل واقعي يتضمن دوما آلية النفي لكل ما هو معطى سواء

. 173 ص ،1981ترجمة: مصطفى صفوان، الشركة الوطنية للطبع الجزائر،، الفكر- هيجل، فينومينولوجيا 1

. 183- المرجع نفسه، ص 2

،1990، بيروت، 01- هوركهايمر ماكس، النظرية التقليدية والنظرية النقدية، ت: مصطفى الناوي، عيون المقاالت، ط 3

.26ص

Page 51: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

51

إن الحق هو الكل ولكن الكل ليس "أكان عقليا أو واقعيا، وهذا ما يوضحه هيغل حين يقول:

إال الماهية في تحققها واكتمالها عن طريق نموها فالمطلق يجب القول إنه في جوهره نتيجة،

أي هو ال يصير ما هو إياه حقيقة إال في الختام، في هذه الصيرورة تقوم طبيعته من حيث

P63F1"هو دخول فعلي في الواقعP .

لكن ال يجب أن ننظر إلى هذه الجدلية من منظور أن العقل سيتحول مع هذه الحركة إلى

واقع متنامي يتأسس عليه وعي جديد، وعليه من الممكن أن تتحول الجدلية الهيغلية في حد

ذاتها إلى مجرد جدلية وعي.

وألجل استيضاح هذا المنظور الملتبس حول الوعي، يعود بنا ريكور لجدلية الخادم والسيد

موضحا الوعي بمعناه الهيغلي، إذ يقول: "لنأخذ المثل المعروف والشائع عن السيد والعبد

عند هيجل، وسنجد أن هذه الجدلية ليست على اإلطالق جدلية الوعي. إذ الرهان يكمن في

والدة الذات: إن المقصود، باللغة الهيجلية، هو اإلنتقال من الرغبة، بوصفها رغبة في

اآلخر، إلى اإلعتراف بالذات. فما هو المقصود؟ إن المقصود بالضبط هو والدة الذات في

، ال يوجد Waelhensازدواجية الوعي. إذ ال توجد ذات سابقة (وكذلك، كما يذكر به

P64Fموت، أي موت إنساني، قبل الذات)"

2P .

إذن فوعي الذات لذاتها ال يمكن أن يتم إال من خالل وعيها لذات اآلخر، أي أن تتأمل هذه

الذات ذاتها على أنها ذات أخرى مغايرة، أي تنظر إلى نفسها من زاوية مغايرة، فمن خالل

الجدلية المذكورة نفهم على أن السيد سيحقق ذاته ويجعلها تدرك وجودها إدراكا حقيقيا، من

خالل إبقاءه لهذا العبد أو باألحرى لهذه الذات المغايرة كمعبر عن سيادة ذاته المعترف بها

.32الفكر، مرجع سابق، ص ، فينومينولوجيا هيجل- 1

.148- بول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هيرمينوطيقية، مصدر سابق، ص 2

Page 52: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

52

من طرف اآلخر، ونفس الشيء بالنسبة للعبد فهو يدرك من خالل العمل المطلوب من

انجازه على أنه يؤثر في الموضوعات الحالة في هذا العالم، وبإمكانه أن يغير في هذا

العالم، وبالتالي فهو يدرك وجود ذاته من خالل هذه الفعالية التي اكتسبتها ذاته لكن بمنحة

من ذات أخرى.

إذن فعن طريق هذا الجدل تتشكل صورة فهم جديدة للوعي، يتمثل في وجود وسيط دائم بين

وعي الذات لذاتها ووعيها ألشياء العالم.

غير أن هذه الصورة المفاهيمية للوعي لن تحافط طويال على رونقها وجمالها، فستمتد إليها

نزعة شكية، تكاد أن تقوض الوعي -كما فهمناه مع هذه الفلسفات- بشكل مطلق.

وعليه فلنتساءل عن طبيعة هذا المفهوم الجديد للوعي، ولنركز في تساؤلنا على الذات، فهل

ستتأثر الذات بهذه النزعة الشكية؟ وهل زحزحة مفهوم الوعي سيترك إدراك الذات لذاتها

ولباقي الذوات األخرى المشاركة معها في هذا العالم في موضع إلتباس أو غموض معنى

ودور؟.

Page 53: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

53

المبحث الثالث

تجليات الذات..من الوعي إلى الالوعي

Page 54: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

54

- الذات: صراع الوعي والالوعي ؟1

المتتالية، الحداثة عصور طيلة بهما وتسلحت والعقالنية الذاتية مبدأي إلى الفلسفة استندت

في التشكيك وبالتحديد الحداثة، مشروع وافتراضات مبادئ في التشكيك دعوات بدأت أن إلى

البشري، الوجود وتفسير فهم على قدرتهما وفي والعقالنية الذاتية إلى اإلرتكاز من الجدوى

وتعبيراته وتشكالته المتوارية، وبنياته المعقدة، ومساراته المعتمة أماكنه في ومالحقته

الفهم على وتستعصي مقتضيات العقل وتتجاوز الذات حدود تخترق الالمتناهية، التي

الفكري. الفراغ هذا أمام لإلنسان، جديدة هوية عن البحث إلى ذلك كل والتحليل، فأدى

نفسها الفلسفة وجدت لواقعيته، المنافي والعقل موضوعيتها عن المتعالية الذات أزمة وأمام

الحياة ورغبة الوجود تجربة لفهم واإلجتماعية اإلنسانية العلوم بمعطيات اإلرتباط إلى مضطرة

األخالق. ومشكالت

لها تبقى ما وكل المطلقة الحقيقة عن البحث إلى يدفعها مستقال وجودا للفلسفة يبق لم وعليه

النفس علم لمعارف كنقدها عليها تتعود لم أخرى أرضيات على النقد ممارسة على قدرتها هو

الديكارتي النمط على للعقل بنقدها وتنمو تتطور كانت بعدما واإلقتصاد اإلجتماع وعلم واللغة

والهيغلي، فكان ال بد من أن تبحث الفلسفة الغربية في تجديد مفاهيمها التي شابها والكانطي

الوهم وباتت تتلمس منافذ الحقيقة من خالل األخالق، المجتمع، السياسة، اإلقتصاد، وبشكل

فالنزعة الشكية لديكارت قد مثلت الميالد مباشر البحث عن تعديلية فكرة اإلنسان واإلنسانية،

الفعلي لفلسفة الحداثة من خالل تدشين مشروع عقالني يتمأسس على مركزية الذات، وذات

النزعة الشكية ستؤسس لفكر ما بعد الحداثة لكن من المفارقة أنها ستؤسس لها من خالل

تحطيم هذه المركزية، وهنا سيظهر ريكور لينعت كوجيتو الذات الديكارتي بالكوجيتو

المجروح، ويعرفنا بمن يسميهم هو بزعماء الشك الثالث، الذين انطلقوا من مبدأ الشك لكن

ليس لترسيم مركزية ذاتية أخرى على غرار ذات ديكارت، بل بغية البحث عن تأويل جديد

Page 55: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

55

لفهم الوجود من خالل الذات واآلخر، وهذا ما سيمثل سند فلسفة ريكور عندما ينطلق من

التأويل إلى الوجود.

يبرز نتشه، فرويد وماركس حاملين شعار هذا التعديل في الفلسفة الغربية عموما، فينعتون

بفالسفة ما بعد الحداثة، وقد اعتبر ميشال فوكو أن "ماركس، نتشه، فرويد، لم يضاعفوا

اإلشارات في العالم الغربي، إنهم لم يعطوا معنى جديدا لألشياء التي كانت بال معنى، لقد

P65Fغيروا في الواقع طبيعة الرمز وعدلوا الطريقة التي يمكن بمقتضاها تأويل اإلشارة"

1P .

فما المنحى الجديد الذي سيؤسس له زعماء الشك في إعادة بعث مأسسة الذات وتأويل

عالقتها بالغير؟. وكيف سيستفيد بول ريكور من تجربة التأويل الشكية هذه في مقارعة

إشكالية الذات واآلخر؟.

، دار الطليعة بيروت، 04- ميشال فوكو، نتشه، فرويد، ماركس، تعريب : حاتم عالمة، ضمن، دراسات عربية، عدد 1

.109، ص1989

Page 56: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

56

- نتشه وانسداد أفق الذات: 2

يرى نتشه أنه ال توجد في هذا العالم وقائع، بل هناك محاوالت متكررة لتأويل هذه الوقائع، إذ

تبين له مدى شروخ الحقيقة داخل األوهام المنبثة في الواقع ولغته، والتي ما تلبث تحول هذه

الوقائع إلى عدمية، لذا يرى أن "العالم في الواقع ال يساوي ما اعتقدنا أنه يساويه، وهذا هو

P66Fأيقن شيء تقريبا أمكن لحذرنا أن يفهمه(..)على قدر الحذر تكون الفلسفة"

1P.

لهذا سيعمل نتشه على تعديل رمزية األخالق والوعي بترميم معاني فهم الذات وتخليصها من

كل أشكال الوعي الزائف، أو من إشارات الوهم المتسرب إلى قشرة الحقيقة عن طريق مجازية

اللغة، فيؤول الكتابة ذاتها معتقدا "أننا حين نكتب ال نحرص فقط على أن نفهم ولكن أيضا

P67Fعلى أن ال نفهم"

2P وحدود الفهم النتشوي لن تخرج عن مجال الذات باعتبارها المنطلق ،

الفعلي في ترسيم المعرفة المتعالية عن الوهم، إذ يرى نتشه أنه "يجب البحث في ذواتنا نحن

P68Fالذين نسعى إلى المعرفة ونجهل أنفسنا"

3P.

عاد نتشه إلى البحث في األصل، باحثا عن المعاني الثاوية في ذواتنا، ففي المعنى تسكن

الحقيقة، والتأويل هو الوسيط لحمل هذه الحقيقة إلى العالم عبر اللغة، إذ أن األخيرة كما يرى

ريكور "ال تتقوم ألجل ذاتها وانما لعالم تعايشه فتكتشفه، فتأويل اللغة ال يختلف عن تأويل

P69Fالعالم"

4P .

.208، ص1993، 1- فريديرك نتشه، العلم المرح، ترجمة حسان بورقبة، محمد الناجي، افريقيا للشرق الدار البيضاء، ط1

.247- المرجع نفسه، ص 2

3 - Friedrich Nietzsche, La Généalogie du moral, Gallimard paris, 1971.P03.

4 - Paul Riceour, lecture 3, aux frontières de la philosophie, Edit Seuil, paris, 1994, p304.

Page 57: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

57

0TP70F الجينيالوجيا النتشوية كبحث عن األصل والنسب تقوم عبر الهدم للموحد وتقويض الهوية

∗P0T

(تفجير منطق الهوية)، فالميتافزيقا تتوخى إثبات الوحدات واقامة الهويات والوقوف عند

الماهيات، فترمي الجينالوجيا إلى إظهار اإلنفصاالت التي تخترقنا "ذلك أن الجينيالوجي ما

أن يسمع الحديث عن المعنى والفضيلة والخير، حتى يأخذ في البحث عن إستراتيجيات

P71Fالهيمنة، إنه ال يرى في ذلك إال لعبة إرادات السلطة"

1P .

وألجل تفكيك استراتيجيات الهيمنة هذه كان ال بد لنيتشه من أن يعود إلى األصول، إلى

لحظة ميالد المعقولية الكالسيكية الغربية، لكن لماذا هذه العودة إلى اليونان؟

المطلوب هو ضرورة تحطبم وتفكيك األزواج الميتافزيقية : خير- شر، خطأ- صواب،

يقين- زيف، فالعودة إلى البدء إلى سقراط، يظهر أن موقف المدرسة األفالطونية وسقراط قد

غير مجرى الحلم اليوناني مما سبب اليوم وصول الفلسفة األوربية إلى إنسداد وانغالق (

وضع مأزوم)، فهل كان هذا هو الحلم اليوناني؟ وهل هذا قدر الفلسفة؟ أن تصل بنا إلى

فكرة مفارقة لواقعنا؟ أن تعيش الذات أصعب لحظات اغترابها في هذا العالم؟ أم هناك من

اغتصب هذا الحلم اليوناني؟

العودة إلى البدء فعل لتبرير الحاضر الغربي، حاضر تحكمه نوع من المفارقة والتباين،

التناقض بين الفكر والواقع ( الفلسفة والحياة)، وبذلك أراد نتشه أن ينبه إلى المفارقة

الميتافزيقية التي تفرض علينا العيش بحقائق وأن نتكلم اللغة ونستخدم المفاهيم، ونركن إلى

التراث ونستشعر نوعا من الدوام واإلستمرار ونطمئن إلى التشابه واإلنسجام والنظام، لهذا

- سنتعرض إلى هذا المفهوم بكل أبعاده الفلسفية واختالف معانيها بين التطابق والذاتية في الفصل الثاني من هذه ∗

الرسالة.

.31، ص1993، 01- عبد السالم بن عبد العالي، أسس الفكر الفلسفي المعاصر، دار توبقال، الدار البيضاء، ط 1

Page 58: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

58

تحاول الجينيالوجيا العودة إلى الوراء "محاولة استرجاع االختفاء الذي كان وراء كل انكشاف

P72Fوالغياب الذي كان وراء كل ظهور"

1P .(الالمفكر فيه )

سيحاول نتشه من خالل التراجيديا إعادة ترميم المعنى، متهما أفالطون بمعاداة التراجيديا

كونه رفض الشعراء في الجمهورية، بيد أن الفلسفة حسبه قد نمت وترعرعت داخل حقل

التراجيديا. سقراط حاول عقلنة الحياة وسينعته نيتشه بالفيلسوف الهارب وبصفة العياء، أما

أفالطون فبحث عن السكينة والتأويل الواحد، والحقيقة الواحدة وفهم واحد لعالم مثالي جميل،

P73Fوالمغرض "أن الرجل الحقيقي يطلب أمرين المخاطرة واللعب"

2P .

كما أن كل من سقراط، أفالطون، أرسطو قد أسسوا ألحادية البعد وترسيم الفكر الواحد

المطلق، واهمال جانب السلب ( النفي)، وها هنا يحذر نتشه الفالسفة بقوله "إياك أن تقف

حائال بين فكرتك وبين ما ينافيها فال يبلغ أول درجة الحكمة من ال يعمل بهذه الوصية من

P74Fالمفكرين"

3P ولربما هذا ما سينعته نتشه باغتصاب الحلم اليوناني، فالبحث عن السكينة وعن ،

التأويل الواحد والحقيقة الواحدة وفهم واحد لعالم مثالي جميل، هو ما غير مجرى الحلم

اليوناني وأوصل الفلسفة األوربية إلى وضع مأزوم، وجعل الذات تكابد اإلنسداد واإلنغالق،

فالحاضر الغربي اليوم باتت تحكمه نوع من المفارقة والتباين، تناقض بين الفكر والواقع (

الفلسفة والحياة).

.38- المرجع نفسه، ص 1

.92- فريديريك نتشه، هكذا تكلم زرادشت، مرجع سابق، ص 2

. 06- فريديرك نتشه، هكذا تكلم زرادشت، ترجمة فيليكس فارس، دار القلم بيروت، ص 3

Page 59: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

59

سيعود نتشه إلى هذا اإلنحراف القرافالطوني الذي له مفهوم معين للزمن أدركه من خالل

نمط الحضور، أما القلب األفالطوني فيروم به نيتشه تقويض فلسفة الحضور، فما يميز

الظهور هو اإلختفاء، وهنا يبرز السؤال هل الفكر مع الحياة أم ضدها؟.

إن ثنائية سقراط ترفض الحياة، الرغبة والنوازع، إنها نسيان للحياة، نسيان للكينونة، إن

اختيار سقراط هو تأويل وليس حقيقة، هو اختيار لمعنى واحد من معاني متعددة. لقد أسس

الفكر الواحد المطلق واهمال جانب النفي. أفالطون- أرسطو ألحادية البعد وترسيم–سقراط

من خالل هذا المدخل النتشوي سنحاول أن نرسو في ميناء الذات من خالل الرومانسية

والفلسفة باعتبارهما يعبران عن تجربة حياة، وفي اآلن ذاته يدفعان إلى إعالن نهاية اليقين

المطلق الذي جعل من الذات إلها مفارقا ومن اآلخر عدما.

فكيف تجاوز نتشه هذه القيم اإلطالقية، وكيف سيؤول الوجود الحامل لألنا واآلخر؟

عاش نتشه في مرحلة ازدهار التيار الرومنسي مع هردر وغوته وموسيقى فاغنر وسيكون

لهذا اإلبستيمي بالغ األثر على فكره. فقد كان المنطق القائم سابقا مبنيا على الثنائية

خطأ )، وهي ثنائيات – شقاء / صواب – لذة / سعادة –األفالطونية وعل ثنائيات ( ألم

وجودية يطلق عليها برغسون بتمثيلية اللغة أو لعبة اللغة، وهي كلها تعبير عن إشكاالت

مزيفة تختفي وراءها اإلشكاالت الوجودية الحقيقية المعبرة عن حقيقة هواجس الذات، ففي

ثنايا األلم توجد اللذة، ومع وجود السعادة وجد الشقاء، وما القول بالصواب إال ألن الخطأ

موجود، لكن حسب نتشه هذا ال يمثل إال منطق أرسطو وأفالطون، وحتى هيغل يختفي

خلف ستار الذات من خالل جدلية النقيض، وسقراط رأى أن نزوع الغرائز والنوازع اإلنسانية

شرط ضروري للتوصل إلى الحقيقة والسعادة.

Page 60: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

60

لكن مع ظهور الفكر الرومنسي سترفض هذه الثنائيات ويصبح التأويل هو المحدد للفهم،

والقادر على أن يمنحنا شكال ثابتا في مستويات الفهم، وهذا ما يعبر عنه ريكور حين يقول

P75F"أن الفكر يفهم الفكر"

1P ،معنى ذلك أن األلم عند الرومنسي قد يمثل نوعا من السعادة ،

فالتجربة اإلنسانية أو المعيش ستحمل أخالقيات جديدة متعطشة للحياة، أخالق استشرف

نتشه قدومها، حينما يقول: "إننا نستطيع أن نتنبأ بمجيء أخالق شديدة اإلختالف، فاألخالقية

P76Fليست سوى الغريزة القطيعية الفردية"

2P .

، (Schelling) ، شلنج(Novalis) الطرح الرومنسي كان طرح أدبي مع أشعار نوفاليس

أين فجرت الثنائية الكالسيكية بين الفكر والحياة بعد أن كانت هناك مفارقة بين الفلسفة

والمعيش، فأضحت القصيدة حية مثل منتجها بل كائن حي، لتظهر فكرة العمل األدبي

كتجربة حية ألن األديب عندما ينتج النص ينتج مخلوق حي، فوجب على الفيلسوف أن

يتعلم من الفنان أو كما قال هيدغر "يجب على الفيلسوف أن يتعلم من الشاعر"، ألنه على

حد تعبير نتشه "تريدنا الحكمة شجعانا ال نبالي بشيء، تريدينا أشداء مستهزئين ألن الحكمة

P77Fأنثى وال تحب األنثى إال الرجل المكافح الصلب"

3P.

لقد حاولت القراءات المعاصرة لنتشه على غرار القراءة الريكورية والدولوزية أن تحدد

المراحل التي مر بها زرادشت، فمرحلة النعم "القائل نعم"، فكر مقبل على الحياة، إذ يقول

زارادشت "أنا فخور أن أكون كالحمار يحمل أعباء الحياة الثقيلة وال يعترض، لكن الحمار ال

يقول "ال" "الال" ال يرفض ألن البناء يجب أن يهدم لهذا سيختار نتشه األسد ألنه يقول "ال"

1 - Paul Ricœur, lecture 2, la contrée des philosophes, op cit, p361.

2 .128.127صفريديرك نتشه، العلم المرح، مرجع سابق ، ص -

3 .65فريديرك نتشه، هكذا تكلم زرادشت، مرجع سابق ، ص -

Page 61: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

61

فالمبدع يجب أن يكون عدمي "ال تولد الحقيقة إال من تزاوج الوقاحة وسوء الظن والرفض

P78Fالقاسي.."

1P

لكن كيف سيجسد نتشه لقيم جديدة تحقق الذات اإلنسانية وال تقصي اآلخر عن الوجود؟.

إن زارادشت تعلم من األسد الرفض كما تعلم الطفل أن يقبل ويرفض ببراءة ويتعلم الفنان،

أين تصبح الحقيقة تجربة حياة لها معنى ديونوسيوسي، أين ال توجد حقائق بل توجد معاني

وتأويالت ليصبح المبدع مانحا للمعنى، أما الرجل القطيعي الجبان يحمل معاني جاهزة،

معاني اآلخرين كالقطيع يعيش في خضوع على معاني الغير: "هي كلمة فولتير حين

P79Fتتعاطى الدهماء التفكير، يصنع كل شيء "

2P .

اإلنسان الحقيقي حسب نتشه وحده هو صانع األشياء بإرادته ال بإرادة اآلخرين، فال معنى

للتخفي وراء الوعي لصناعة أخالق زائفة توجه فكرنا وتتحكم فيه بشكل مطلق، ف "ما نعتقد

أنه هو الذي يسير اإلنسان من اإلرادة والعقل بمعزل عن الجسد، ال وجود له وهو مجرد

P80Fوهم"

3P .

وهنا يطرح علينا نتشه فكرة الوعي الزائف، الوعي الذي يقصي سلطة الجسد في صناعة

الحياة، فالوعي حسبه هو :"عقل صغير يتحكم فيه عقل أكبر هو "الجسد"، الذي ال يتبجح

P81Fبكلمة األنا ألنه هو األنا"

4P .

.230- المرجع نفسه، ص 1

.193- فريديرك نتشه، العلم المرح، ترجمة حسان بورقبة، محمد الناجي، افريقيا للشرق، بيروت، ص 2

.59فريديرك نتشه، هكذا تكلم زرادشت، مرجع سابق ، ص - 3

.58- المرجع نفسه، ص 4

Page 62: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

62

ولن تكتفي مطرقة نتشه لتقوض مفهوم الوعي كما شيده ديكارت، بل ستعرف الفلسفة

مطرقة أخرى ستحطم هذا المفهوم وتجعل منه شيئا ثانويا في مجرى حياة اإلنسان، فحقيقة

اإلنسان ككل تكمن في عالم آخر هو عالم الالوعي.

هذه المطرقة الجديدة سيحملها الطبيب النفساني سيجموند فرويد بشكل أكثر عنفوانية، ألن

مطرقة فرويد ستغير من شكل فهمنا للذات وبالتالي ستفكك كل مستويات الفهم المكتسبة

بالنسبة للجوهر كما للعرض.

وعليه سنتساءل: ما طبيعة اإلنزياح الماهوي الذي ستشهده الذات مع فرويد؟.

وهل سيظل هناك محل للوعي كحامل للفكر؟ أم أن الذات ستخضع للالمفكر فيه أكثر من

ارتباطها بساحة الشعور؟.

Page 63: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

63

- فرويد وما بعد الوعي :3

لو عدنا للجروح النرجسية الثالثة التي طرحها سيجموند فرويد واستوقفت اإلنسان

المعاصر خصوصا، الجرح الذي أحدثه كوبرنيكوس عندما ألغى مركزية األرض، والجرح

الذي أحدثه داروين حينما قال بأن أصل اإلنسان يعود إلى القرد، سنجد أن ما تعلق بسؤال

الذات والجرح النرجسي الكبير الذي أحدث خلخلة حقيقية داخل المعنى العام للذات وبالتالي

لإلنسان ككل هو فيما طرحه فرويد نفسه حينما فند وجود عالم الوعي وحده، وحينما اعتبر

أن أكثر الحقائق تنبعث من عالم الالوعي.

وألجل استيضاح معالم الثورة التي أحدثها فرويد على مستوى الذات في عالقتها بذاتها وفي

عالقاتها المتشعبة األخرى مع باقي الذوات المشاركة في هذا الوجود، سنستحضر بول ريكور

الذي خصص مؤلفا كامال حول فرويد، ونجده يؤكد منذ مقدمته أنه يقصد فرويد وليس

التحليل النفسي، فلماذا فرويد؟

.. إن هذا الكتاب ليس كتابا في علم النفس، ولكنه كتاب يجيبنا بول ريكور عن ذلك بقوله :"

في الفلسفة، فالمهم بالنسبة لي إنما هو الفهم الجديد لإلنسان الذي أدخله فرويد، إنني أتخذ

موقعا في حملة روالن دالبييه، أستاذي األول في الفلسفة (..) وهربرت ماركيوز، وفيليب

P82Fراييف، وج.س. فلوجل"

1P .

والسؤال األهم الذي يطرحه بول ريكور في محاولته التفسيرية ويمثل منعرجا مهما في هذه

اإلرتحالة التفسيرية كذلك لمفهوم الذات، هو :"أي فهم للذات سينجم عن هذا التفسير، وأي

P83Fذات تقترب من أن تفهم؟"

2P

.08، ص 2003، 1- بول ريكور، في التفسير محلولة في فرويد، ترجمة وجيه أسعد، ط 1

.08- المصدر نفسه، ص 2

Page 64: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

64

التساؤل عن الذات الواجب تشخيصها بغية إيجاد أرضية فهم لها لدى فرويد، سيتخذ مع

ريكور منحى نظريا بحتا، يحاول من خالله أن يقارب اللغة والرمز والتفسير والتأويل

للمشروع الثقافي الفرويدي، أي وضع التصور الفرويدي للذات تحت مجهر التأويل، منطلقا

من مماثلة الرؤية الفرويدية لمراحل تطور الذات مع النظرية الداروينية لتطور األحياء وكذا

لنظرية سبنسر حول التطور اإلجتماعي، ف "قد يكون عبثا أن ننكر أن تكون الفرويدية، في

P84Fقصدها األساسي، مختلفة عن ضرب من نظرية تطورية أو نشوئية أخالقية"

1P.

ولعل تأويل الفرويدية ليس اكتشافا منهجيا ريكوريا، بل هو منهج اتبعه "وليام رايش" في

0TP85Fكتابه "المادية الجدلية والتحليل النفسي"، أين يصل فيه إلى "الثورة الجنسية"

∗P0T ضد المجتمع

P86F2"فالكبت الذي طمس احتمل الثورة، يستحيل الفرد معه إلى كائن وديع ومطيع"P ثم يأتي ،

إسهام ماركيوز في كتابه "إيروس والحضارة"، ولعل "جيل دولوز" و"فليكس غاتاري"، كانا

مكملين لهذا المذهب في كتابهما "المضاد ألوديب" بطرح مشكلة العالقة بين التحليل النفسي

.والسياسة والتاريخ، وبينه وبين المجتمع الرأسمالي

فما هي أبعاد النظرية الفرويدية؟ وكيف حلل فرويد ميكانيزمات الذات؟ وما التأويل الذي

أضفاه ريكور على هذه الرؤية الفرويدية؟.

حدث تحول حاسم في نظرية فرويد، التي كانت قائمة على التعارض التقليدي 1920 بعد

بين [الجوع والحب] أي (الدافع الجنسي) مع (الحفاظ على الذات)، فقد الحظ فرويد أن

. 161- المصدر نفسه، ص 1

.65، ص 1982، دار الحداثة، بيروت، 02رايش فيلهم، المادية الجدلية والتحليل النفسي، ت: بوعلي ياسين، ط ∗

.188، ص 1994، بيروت، 01ت: فتحي الرقيق، دار الفارابي، ط الجوة محمد، مفهوم القمع عند فرويد وماركيوز،- 2

Page 65: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

65

0TP87Fالحياة الجنسية

∗P0T (Sexualité) ال تبدأ في عهد البلوغ، بل تعلن عن نفسها في زمن مبكر

جدا عقب الوالدة، لكن من الضروري التمييز بين المفهوم الجنسي والمفهوم التناسلي، فلفظ

الجنسي لها معنى أوسع بكثير وله وجوه عدة ال ضلع لها باألعضاء التناسلية، أما الغرائز

فتشير في النظرية الفرويدية إلى النزعات العضوية األولية اإلنسانية التي تعرضه لتشويهات

تاريخية، لذا كانت "الرغبة في جنس اآلخر هي رغبة مماثلة، وما يدعوه فرويد بمبدأ اللذة هو

تمازج بين الحيوي واإلنساني، لكن بهيمنة عضوانية، فتعدد األدوار الغريزية يعد عامال

P88Fضروريا داخل الليبدو"

1P.

كما ميز فرويد ثالث مراحل لتاريخ تطور الدافع الجنسي عند الفرد، ففي الطور األول كان

الدافع الجنسي حرا بعيدا حتى عن أهداف التكاثر ويعم كل الجسد، أما الطور الثاني فيقمع

، ثم يكون التكاثر (Génitalité)كل ماله اتصال بالدافع الجنسي باستثناء ما يخدم التناسل

الشرعي أثناء الطور الثالث هو الهدف الجنسي الوحيد وهو ما يوافق أخالقنا الجنسية

الراهنة.

يطلق فرويد اسم "األنا األعلى" على هيئة، نحن نشعر بها وهي تؤدي دورها كقاض، ونعرفها

باسم الضمير، حيث ال يكتفي األنا األعلى بمحاكمة "األنا" على أفعاله بل كذلك على

مهمة األنا "خواطره، فاألنا األعلى وريث لسلطة الوالدين مهمته الرقابة على السلوك، أما

فهي حفظ الذات وهو يؤدي هذه المهمة فيما يتصل بالعالم الخارجي، بتعلمه كيف يتعرف

على التنبيهات وبمراكمتها في "الذاكرة"، الميزان الذي تمده بها هذه التنبيهات ويتحاشى

التنبيهات المفرطة في قوتها "بالهروب" ويتوصل أخيرا إلى تعديل العالم الخارجي بنحو مالئم

جنسية :ال يقصد بالجنسية في نظرية التحليل النفسي على األنشطة واللذة المتوقعين على عمل الجهاز التناسلي فقط، بل ∗

على سلسلة من األثارات واألنشطة الفاعلة منذ الطفولة والتي تمد الشخص بلذة ال تختزل إلى مجرد التناسلية فتتعداها إلى

البالش، معجم التحليل النفسي). (أنظروظائف شبقية أخرى عامة في الجسد.

1 - Paul Riceour, finitude et culpabilité1 ; l’homme faillible, édition Montaigne , 1960,p 145.

Page 66: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

66

P89F1"لصالحهP أما في الداخل فهو يتصدى لمواجهة "الهو" باكتسابه السيطرة على مطالب ،

الدوافع الغريزية، وبتقريره ما إذا كان من الممكن إشباع هذه الدوافع أو من األرجح إرجاء

تلبيتها إلى وقت آخر، أو ما إذ كان من الواجب خنقها أصال، وهو ما يطلق عليه

0TP90Fالقمع

∗P0T)Répression( .

وما يجدر اإلشارة إليه على أن هذه األبعاد الثالث هي مندمجة مع بعضها البعض بشكل

مطلق، وهذا ما يوضحه ريكور حينما يقارن بين ما يطرحه التحليل النفسي وما تطرحه

النظرية الغشطالتية، إذ يقول: أن التحليل النفسي "يشاطر وجهة النظر الغشطالتية التي

غزت كل علم النفس الحديث، وجهة نظر مفادها أن كل تصرف مندمج وال ينقسم، وبهذا

الصدد ليست المنظومات والمؤسسات ( الهو، األنا، األنا العليا) "كيانات"، بل جوانب

تصرف، ويقال إن أي تصرف ذو تحديد "متضافر العناصر" عندما يكون ممكنا إرجاعه إلى

P91Fعدة بنيات وخاضعا إلى مستويات كثيرة من التحليل"

2P .

لم يكن في "وتحليل فرويد سيخوضه إلى إكتشاف أهم غريزتين في هذا الوجود، إذ يؤكد أنه

اإلمكان اختزال هذه الدوافع الغريزية العديدة إلى حد محدود من الدوافع الغريزية

األساسية..وبعد طول تردد، وطول أخذ ورد قررنا على التسليم بوجود غريزتين أساسيتين فقط

) غريزتا Eros)، وتقع في نطاق اإليروس(Thanatosاإليروس، وغريزة التدمير وثاناتوس (

P92F3"حفظ الذات والحب الموضوعي "الحب الغيري "المتناقضتان بدورهماP .

.09ص ، 1981، دار الطليعة، بيروت،01- سيغموند فرويد، مختصر التحليل النفسي، ت: جورج طرابيشي، ط 1

.413 ص ،1987، بيروت، 02 البالش، معجم التحليل النفسي، ت: مصطفى حجازي، المؤسسة الجامعية للدراسات، ط أنظر ∗

.294- بول ريكور، في التفسير محلولة في فرويد، مصدر سابق، ص 2

.12-11 البالش، معجم التحليل النفسي، مرجع سابق، ص ص - 3

Page 67: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

67

وينتهي فرويد دائما، من تأمالته "الميتاسيكولوجية" إلى أن جدلية الحضارة، ما هي إال جدلية

بين غريزة الحياة (إيروس) وغريزة الموت (ثاناتوس)، وهذا التعارض الذي أقامه فرويد بين

اإليروس وثاناتوس راجع إلى أفكار فلسفية عامة، أي التعارض الناتج بين الحب والجوع في

نظريته األولى، والتعارض التقليدي ما بين الحب والخصام في نظريته الثانية، ففي أول األمر

واألنا (غرائز تأسست النظرية الفرويدية على التعارض بين الغرائز الجنسية (غرائز اللبيدو)

حفظ الذات)، لتتحول إلى ثنائية أخرى تتمركز في الصراع بين غرائز الحياة (إيروس) وغرائز

الموت، ولو أن إزدواجية المفهومين سترتكز بالتأكيد على ليبدو واحد عام هو النرجسية:

ليوضح في آخر المطاف أن الصراع بين إيروس 1914المفهوم الذي انتهى إليه فرويد سنة

(Sadisme)[الحب] وثاناتوس [العدوان] تسمح بتفسير ظواهر كالسادية

، أي كيف تقضي الحضارة على هذه الغريزتين، بارتدادهما (Masochismes)و"المازوخية"

على األنا ذاته.

وبهذا "يغير الليبيدو اتجاهه ويتلقى االسم األسطوري لإليروس، وفي مواجهة الثنائي ثاناتوس-

0TP93Fأنانكة

∗P0T إنما عرض مبدأ الواقع المقابل من الناحية القطبية لمبدأ اللذة، تراتبا كامال للمعنى ،

P94Fالذي يشمله اإلسم األسطوري أيضا لألنانكة"

1

وهنا يبرز فرويد عقدة أوديب في الجماعة حين مقتل األب البدائي بواسطة األبناء، لكن

الحب الذي حملوه لألب يدفعهم إلى الشعور بالذنب لقتله، فمن جهة هناك إحساس بالتحرر

من التزاماته ومن جهة أخرى هناك ندم على ما فعلوه، هذه االزدواجية بين كرههم له وحبهم

في نفس الوقت أنتج "األنا األعلى" كخليفة ومراقب جديد لسلوكياتهم.

- اإليروس ( دافع الحياة)، الثاتانوس ( دافع الموت)، األنانكة ( الضرورة). ∗

.216- بول ريكور، في التفسير محلولة في فرويد، مصدر سابق، ص 1

Page 68: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

68

فعقدة أوديب هي التي ستكون الفاصل األكثر بروزا في هذا التحول(من مبدإ اللذة إلى إذن

مبدإ الواقع) الذي ال يشهده الفرد فقط، بل حتى الجماعة، وما كان لهذا التحول ليتم لوال

الكبت الداخلي والقمع الخارجي لسلطة األب البدائي.

لكن النصر على مبدإ اللذة ال يمكن أن يكون كامال من قبل الحضارة، فالمكبوت يبقى داخل

الالشعور يحتويه ليعود المكبوت من جديد ويؤسس التاريخ الخفي والمحرم (التابو) للحضارة.

إن الصراع األبدي بين إيروس وثاناتوس أي غرائز الحياة وغرائز الموت، سينتهي بتحطيم

العدوانية البشرية للحضارة، هذه أقصى ما توصلت إليه التحليالت الفرويدية، ولعل نظرية

الحضارة تطورت انطالقا من نظرية التحليل النفسي، مما يوصل فرويد إلى نتائج أقرتها

منهجية التحليل النفسي، وهي التصادم األخير بين الغرائز المكبوتة والمجتمع، فعودة

المكبوت تؤسس بداية العدوانية الشاملة وخروج البربرية المقموعة في صميم اإلنسان إلى

سيحدث التحول بواسطة الثقافة إلى الجنسية التناسلية اإلنتاجية ويستغل الجسد فقط الوجود،

) من الجسد ضرورة désexualisationنحو العمل المغترب، كون نزع الجنسانية (

اجتماعية، وعليه فإن "الرغبة التناسلية تتسامى كخاصية انفعالية أكثر منها غريزية، ولهذا

كان للجنسانية مكانة أساسية داخل األنتربولوجيا، فهي ذات عمق فطري وفي األن ذاته ذات

P95Fعمق إنساني"

1P .

وأمام هذا المد الجارف للتصور الفرويدي الذي يجعل من الذات ذات نزوع عقالني

المطلقي، يرى اريك فروم : "إن فرويد، في الوقت الذي مثل فيه قمة العقالنية، وجه ضربة

قاضية إلى العقالنية نفسها، فمن خالل برهانه أن مصادر النشاط اإلنساني تكمن في

1 - Paul Ricœur, finitude et culpabilité1 ; l’homme faillible, op cit, p145.

Page 69: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

69

الالوعي، في أعماق جلها ال ينكشف لعين المراقب، وأن فكرة اإلنسان الواعية ال تسيطر

P96Fعلى سلوكه إال بمقدار يسير"

1P .

لكن أليس في رؤية فرويد وفي مغاالته حول قدرات الالوعي، ما يجعل من الذات حبيسة

نوازع مكبوتة غير معلومة تظهر على ساحة الشعور من دون أن تكون للذات دور في بعثها

أو حتى صقلها؟، أيمكن أن تتأسس الذات وفق هذا البعد الالعقالني؟ وهل من الممكن أن

نتحدث عن ذات ال واعية في مقابل ذات واعية؟

هواجس عدة تنتاب تفكيرنا إذا أمعنا النظر في هذا الصراع بين الوعي والالوعي، والذي يراه

بول ريكور على أنه ليس سوى صراع هرمونيطيقي، "فإننا ال نستطيع أن نرى في الالوعي

واقعية فانتازية تمتلك قدرة هائلة للتفكير بدال عني. ولذا يجب جعل الالوعي نسبيا. ولكن

هذه النسبية ال تختلف أيضا عن نسبية الموضوع المادي والذي تتعلق كل واقعيته بمجموع

اإلجراءات العلمية التي تكونه. وبهذا يكون التحليل النفسي جزءا من "العقالنية التقريبية"

P97Fنفسها"

2P.

هذا النمط العقالني الذي يتحدث عنه ريكور، سيحرك تأويل الوعي على اعتبار أنه تأويل

محض للذات، إلى تأويل أوسع للثقافة اإلنسانية ومختلف المظاهر اإلجتماعية، أي أن هذا

التأويل سيشمل كل المناحي المتعلقة باإلنسان، ألن الغرض األساسي لفرويد لم يكن في

البحث عن تمظهرات الذات، بل في الحفر في األعماق الدفينة للذات اإلنسانية.

- اريك فروم، مهمة فرويد، تحليل لشخصيته وتأثيره، ترجمة طالل عتريسي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع 1

.114، ص 2002، 2لبنان، ط

.145- بول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هيرمينوطيقية، مصدر سابق، ص 2

Page 70: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

70

ولم تقتصر هذه الرؤية الشكية على فرويد وحده بل سنعثر عليها أيضا مع ماركس. فكيف

سينظر ماركس إلى الوعي في ظل اإلنفصامات المتعددة التي تشهدها الذات؟.

Page 71: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

71

ماركس واعادة ترميم الذات.- 4

يقول بول ريكور :"نحن إلى يومنا هذا ال نعرف شروطا أخرى للتملك اإلنساني. بيد أننا

نالحظ بمناسبة هذه العالقات ميالد مشاعر إنسانية جديدة ال تنتمي إلى المنطقة البيولوجية،

وان هذه المشاعر ال تنبثق عن الحياة. إنها تنبثق عن التفكير في النشاط اإلنساني(..) وانه

ال يكون بالمناسبة نفسها، خليقا بمشاعر تتعلق بالتملك كما تتعلق باستالب من نوع

جديد(..) وهذا هو االستالب االقتصادي الذي بين ماركس أنه استالب قادر أن يولد "وعيا

P98Fمزيفا""

1P .

في هذا النص يحيلنا ريكور إلى مجموع رموز الواقع اإلجتماعي التي تتحول مع ماركس إلى

رموز خالقة لوعي زائف يختفي خلف أنماط متعددة من الوعي لعل أهمها الدين والفن، وحتى

الفلسفة التي باتت تعبر عن هذا الشكل من الوعي الزائف فهي تمارس استالبا من نوع

خاص وال تتعدى حسب ماركس أن تكون مجرد إيديولوجيا، "فالفلسفة بما هي إيديولوجيا ال

تملك تاريخا، وال تتمتع بأي استقالل ذاتي، فهي إذن ال تملك وظيفة، إنها ال تساهم في

P99Fتغيير العالم، وانما في تغيير تفسير العالم"

2P .

فماركس كان دائما يبحث عن ذاك العالم الواقعي، لذا نجده يعرض المفاهيم المتصلة

بالحياة والوعي إلى الشك في غاياتها، وجعلها تتناسب أكثر مع هذا الواقع اإلجتماعي، فليس

وعي الناس هو من يحدد وجودهم اإلجتماعي بل وجودهم اإلجتماعي هو من يحدد وعيهم.

هو البحث في عالم الوقائع، وكذا مجموع العالقات لذا كان غرض "التأويل الماركسي للدين

.149بول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هيرمينوطيقية، مصدر سابق، ص - 1

.14- عبد السالم بنعبد العالي، أسس الفكر الفلسفي المعاصر، مرجع سابق، ص 2

Page 72: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

72

P100Fالواقعية بين الناس"

1P ومن األهمية بمكان أن نبرز أن غرض التأويل الماركسي ليس في .

معرفة األسباب الكامنة خلف األشياء، ولكن الغرض هو في إنتاج واقع جديد ووعي جديد

مخلص من الوعي الزائف الذي تفرضه اإليديولوجيا، والمظاهر اإلجتماعية المرسخة

الستالب اإلنسان لإلنسان، ولعل أبرز أشكال هذا اإلستالب هو محاولة ترميم الواقع

بالخيال، أي أن نجعل من هذا العالم تمثاال ساكنا مليئا بالوعي الزائف، هذا الوعي يعتبره

ريكور أنه: "تاريخ طويل للشك في الوعي الزائف وليست الماركسية إال حلقة في هذه السلسلة

الطويلة(..) يعود مانهايم بمشكلة الوعي الزائف تاريخيا إلى حد استحضار مفهوم العهد

القديم للنبي الزائف ( النبي بعل وما إلى ذلك). ينشأ األصل الديني للشك من السؤال عن

من هو النبي الصادق ومن هو الزائف. بالنسبة لمانهايم، كانت تلك هي إشكالية اإليديولوجيا

P101Fاألولى في ثقافتنا"

2P .

ومع انبثاق سؤال الذات سيطرح أمامنا السؤال التالي: أين يوجد الوعي الزائف، في الذات

المثالية الهيغلية أو مع األنا المادية الماركسية؟

ماركس بعدما كان هيغليا، عاد ورفض بشكل صريح المنهج الهيغلي، ففي رسالة إلى

أن طريقتي في الشرح ليست هيجلية مادمت ماديا بينما هيجل مثاليا، إن "كوغلمان يقول:

جدلية هيجل هي الشكل األساسي لكل جدلية ولكن بعد تعريتها من شكلها الصوفي فقط وهذا

P 102F3"هو بالضبط ما يميز طريقتيP :إن طريقتي الدياليكتيكية من حيث أساسها "، ويضيف كذلك

1 - Bertrand Michel, Le statut de la religion chez Marx et Engels, Editions Sociales Paris, 1979 , p30.

- بول ريكور، محاضرات في االيديولوجيا واليوتوبيا، ترجمة فالح رحيم، تحرير وتقديم جورج ه تيلور، دار الكتاب الجديد 2

. 236، ص 2002، 1المتحدة لبنان، ط

.232 ، ص 1981ت: فؤاد أيوب، دار دمشقية،ماركس وانجلز، المراسالت، - 3

Page 73: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

73

ال تختلف عن طريقة هيجل وحسب بل وتناقضها بصورة مباشرة وبالنسبة إلى هيجل فإنها

P103Fعملية تفكير...فالديالكتيك يقف على رأسه عند هيجل بينما ينبغي إيقافه"

1P .

الديالكتيك الماركسي ال يتوقف عند حدود تقصي العالم بل يبحث في الوعي من حيث هو

لذا سيظهر ممارسة والتحام كلي بالواقع فال وجود مع ماركس لذات فاعلة أو فاعل تاريخي،

تحول ماركس من النقد الديني إلى النقد االجتماعي، حينما أخذ ماركس وانجلز نقد "بوير"

للدين وطوراه نحو نقد أكثر جذرية، وجعاله يتخطى من نقد الدين (Feuerbach)و"فيورباخ"

إلى نقد االقتصاد والظروف االجتماعية والسياسية، بل نقد كل سلطة تستغل اإلنسان وترى

"أنا أكره في نفسها الحقيقة، إذ يستشهد ماركس بقول برومثيوس في انتفاضته على اآللهة

جميع اآللهة"، ويضيف لهرمس خادم اآللهة "تأكد أنني لن أستبدل عبوديتك بمصيري البائس

P104F2"إنني أفضل أن أبقى مكبال في هذه الصخرة على أن أكون خادما أمينا "لزوس...P لهذا ،

أنبل قديسي تاريخ الفلسفة وشهدائها كونه ثار (Prométhée)يرى ماركس أن برومثيوس

.وتمرد على سلطة المستغل

وبذلك يكون النقد الماركسي هو نقد مرتبط بالطبقة المستغلة فهي الصوت المعبر عن النفي،

باالنتقال من الفكر إلى الممارسة ومن حيز النقد النظري إلى الثورة، ضد الواقع أال إنساني

االستيالء على السلطة السياسية من قبل البروليتاريا، من حيث هو "للرأسمالية أين يجب

P 105F3"وسيلة لإلعادة تنظيم المجتمعP .

. 28، ص 1982، بيروت، 10، دار ابن خلدون، ط01- ماركس كارل، رأس المال، ت: صالح عبد الجبار، ج 1

. 13، ص 1974، بيروت،01ماركس وانجلز، حول الدين، ت: زهير حكيم، دار الطليعة، ط- 2

. 551 ، ص مرجع سابق- ماركس وانجلز، مراسالت ماركس وانجلز، 3

Page 74: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

74

فالنقد الماركسي ال يكتفي بفضح سلبيات الواقع، بل كل نوع من االغتراب المادي أو الفكري

فيورباخ هو الوحيد الذي سيقدم مستوى من التحليل مثل الفلسفة الهيجلية حين رأى أن:"

النقدي نحو الجدلية الهيجلية، ويقدم اكتشاف جليل في هذا المجال، إن الفعل الكبير لفيورباخ

يتمثل في "أنه أظهر أن الفلسفة ليست إال الدين موضوع على شكل أفكار مطورة عبر

P106Fالفكر: وليست إال مظهرا آخر من مظاهر الوجود المغترب لإلنسان لهذا فهي كذلك مذنبة"

1P .

وتمتد موجة النقد الماركسي إلى الواقع، فيعتني بتعرية الصالت المعقدة بين الظروف

االجتماعية واألفكار السائدة في عصر معين، لذا كان ال بد حسب ماركس أن نبحث عن

إنسان جديد تتجاوز واقعيته ذاك اإلدراك الفنطازي للوجود اإلنساني ككل، فوظيفة هذا

اإلنسان الجديد أن يدرك هذا العالم إدراكا ذاتيا دون شتى أشكال القهر واإلستالب التي تتخذ

شكل وسائط فهم لتحكم سيطرتها على الوجود تاركة الذات سجينة أوهام ما يدعى بالوعي،

ومما ركز عليه ماركس وحاول أن ينزع منه سلطة الوسيطة، هو الدين، وقد شكل هذا

حسب ريكور- ثورة –اإلنتقاد للتبعية العمياء للدين كوسيط بين وعي الذات ووعي العالم

كوبرنيكية على مستوى هذا الشكل من الفكر الذي يكرس حسب ماركس السلبية واإلنهزامية

والتواكلية، ويحجر على سلطة الذات في مجابهة الطبيعة، إذ يقول ماركس: "يزيل نقد الدين

أوهام اإلنسان السعيدة، ويجعله يفكر ويعمل ويشكل واقعه كإنسان فقد أوهامه واستعاد عقله،

P107Fوهو يدور حول نفسه باعتباره شمس ذاته الحقيقية"

2P .

لم بقتصر المنهج الجدلي المادي على انتقاد سلطة الدين، لكن سيسعى كذلك إلى كشف

سيطرة األنظمة اإلجتماعية والقوى االقتصادية العمياء على مجرى المجتمع، إذ نلحظ أن

"األسباب الحقيقية للسلوك اإلنساني غريبة عن الفكر الواعي، فهي متجذرة في التنظيم

1 - Marx Karl, Manuscrit de1844, trad, Emile Bottigelli, Edition Sociale, Paris 1972, p126.

. 74- نقال عن، بول ريكور، محاضرات في االيديولوجيا واليوتوبيا، مصدر سابق، ص 2

Page 75: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

75

P108Fاإلجتماعي الذي يوجه شعور اإلنسان ويجعله في غفلة عن حاجاته الحقيقية"

1P كما تتجسد ،

هذه السيطرة أيضا في أعلى هيئة في الوجود االجتماعي أال وهي الدولة، التي تمثل الطبقة

فالدولة كما حللها ماركس هي أداة سيطرة طبقة على أخرى بواسطة جهاز قمع مؤلف "العليا،

من العسكريين ورجال البوليس وموظفي اإلدارة...ال تستخدم إال للحفاظ على تفوق طبقة

أقلية هي البرجوازية على أكثرية الشعب الساحقة أي البروليتاريا، ولذلك طبع العمال الثوري

معبر عن إرادة الكادحين المصممة على تأسيس دولة ال طبقية فيها،..تحين ساعة الحرية،

P 109F2"وال يبقى من مبرر لوجود الدولةP لكن ما هو جوهر الوجود التي تفرضه الطبقة الحاكمة؟ ،

إن الفكرة األصلية هي التالية: كل طبقة بصفتها طبقة تريد تحقيق مفهومها عن المجتمع، "

P110F3"وتميل للحكم بغية تنظيم المجتمع بموجب المثل األعلى الذي تكونه عن المجتمعP فالفكر ،

الذي تقدمه هو تصورها الخاص عن الوجود والتنظيم االجتماعي، فتتشكل البنية الفوقية وفق

ما تمليه عليها مصالحها، ليصبح الفكر انعكاسا لواقع محدد، لذا كان ال بد إلعادة اإلعتبار

للذات الفاعلة أن تزول أداة السيطرة واإلخضاع هذه، لكن حسب نبوءة ماركس فإن اختفاء

الدولة بشكل كلي لن بتأت إال حين تتحقق الشيوعية، فهل بالفعل سيمثل اختفاء الدولة لحظة

تحرر للذات وللمجتمعات اإلنسانية؟.

الحقيقة أن إلغاء الدولة غير ممكن أي أن المجتمع السوفيتي "يجيب "ليون تروتسكي" بقوله: .

الحالي ال يستطيع أن يتخلى عن الدولة، والى حد ما عن البيروقراطية التي تشكل جهاز

. 320، ص 2003، 01- عادل مصطفى، مدخل إلى الهرمونيطيقا، دار النهضة العربية، بيروت، ط 1

، 1982، بيروت- باريس، 02- مونيك بيار فيافر، الماركسية بعد ماركس، ترجمة: سليم نصد، منشورات عويدات، ط 2

. 80-79ص ص

. 81 ، ص1980، بيروت، 02- آرون ريمون، صراع الطبقات، ت: عبد الحميد الكاتب، عويدات، ط 3

Page 76: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

76

P111F1"إكراهP فالثورة البلشفية أخذت على عاتقها القضاء على الدولة، واذا بها تخلق دولة بلغت ،

حدا من القوة تسمح بتسميتها بالدولة التوتاليتارية.

وبهذا أضحت العالقات اإلنسانية خاضعة للطابع المادي للنظام االجتماعي الرأسمالي،

لتظهر من جديد الصلة بين ماركس وهيغل، أين تظل العالقات السائدة بين الوعي والوجود

االجتماعي هي عالقات زائفة، ينبغي تجاوزها، فالعالقة الحقيقية ال تظهر إال بنقد الموقف

القائم، فالنفي للموقف الحالي هو اإلمكانية الملغية لتنميط الوعي وترميزه بين حقيقي ووهمي

زائف.

وعلى هذا األساس يعتبر ريكور بأن "الوعي بالنسبة لماركس ليس مفهوما ننطلق منه، ولكنه

مفهوم يجب أن نصل إليه، وال تظهر مسألة الوعي إال بعد النظر في أربع لحظات سابقة

هي إنتاج الحياة المادية، وتاريخ الحاجات، واعادة إنتاج الحياة، وتعاون األفراد في كيانات

P112Fاجتماعية. ليس الوعي إذن األرضية، بل هو نتيجة"

2P .

مفهوم جديد للوعي سيحاول ريكور أن يوظفه من خالل هرمونيطيقا الممارسة على كل من

إرادة القوة النتشوية، والتحليل النفسي الفرويدي، واإلقتصاد الماركسي.

وعليه سنتساءل: ما حقيقة هذه المفهمة الجديدة للوعي؟ وما الجديد الذي ستضفيه القراءة

الريكورية على المفهوم الفلسفي للذات، والذي عرف خلخلة في وظيفته من خالل مناهج

الشك المتعاقبة؟.

. 37 ، ص1980، 02- تروتسكي ليون، الثورة المغدورة، ت: رفيق سامر، دار الطليعة، بيروت، ط 1

. 146- بول ريكور، محاضرات في االيديولوجيا واليوتوبيا، مصدر سابق، ص 2

Page 77: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

77

- ريكور وارث الكوجيتو المجروح. 5

منهجي قيد كل من المتحررة الذات إلى المعقلن النسق من ينحو الفلسفة وجها آخر اتخذت

تتجاوز الفلسفي، طريقة للقول جديدة طريقة دشنت الحقيقة، وبذلك إمتالك يزعم معرفي أو

عن عاجزة أصبحت التي الحداثية التأمالت حدود الكانطي، وتخترق والعقل الديكارتية األنا

من فأصبح تختفي، تكاد حتى تظهر أن ما التي الحياتية والمسارات اإلنسانية الخبرة فهم

مجرد، وبهذا أرادت الفلسفة أن تستقصي أنجع فكري نسق إلى الحقيقة إختزال الصعب

المسالك لولوج عالم الحقيقة، واضاءة مسار الذات في تأسيسها لعالقتها باآلخر المشارك في

هذا الوجود.

أقصاه ما الالمفكر فيه، إلى إلى الوصول خالله من تريد طريقا لنفسها تشق الفلسفة بدأت

يفترض يكن لم أين الحقيقة وجود تفترض الفلسفة أصبحت وهكذا تفكيرهم دائرة من الفالسفة

تلك إال الفلسفة والغامض، لم تعد الغريب في كما والبسيط العابر في قبل، من وجودها

في ذات تفكر هي إذن بصدق، الفلسفة العالم في الوجود تجربة عن التعبير في الرغبة للذات

كشف والتجاوز، إنها الصيرورة وتستمر في الحضور الهامشي، ترفض ككينونة العالم

.الحياة إرادة عن متواصل

إرادة الحياة هذه لطالما انغمست في حدود تجربة وعي الذات، وتجربة الشك التي نبهنا

إليها ديكارت، ولم يكن يدري يوما أن ذات التجربة الشكية التي بنا عليها مشروعه الفلسفي،

ستكون هي نفسها المنطلق في تقويضه، واألرضية التي سينبعث منها مفهوما جديدا حول

الذات مرتكزا على اإلستعادة القصوى للشك ولكن ليس حول الذات وانما حول الوعي.

فما قام به نتشه وفرويد وماركس يندرج ضمن إطار بعث تأويالت تحاول الكشف عن

الشرخ المعرفي داخل سؤال الذات، والذي لطالما ارتكز على وهم زائف يدعى الوعي، وهذا

ما يوضحه ريكور حين الحديث عن الطريقة التي سلكها أساتذة الشك في تعديل إشارات

Page 78: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

78

المعاني الحاملة للذات، فيقول ريكور "لقد قام ثالثتهم، بادئ ذي بدء، بالهجوم على الوهم

نفسه، على هذا الوهم المكلل باسم فاتن: إنهم هاجموا وهم وعي الذات. ويعد هذا الوهم ثمرة

P113Fألول نصر، كما يعد دحرا لوهم سابق"

1P .

الوهم السابق المقصود هنا هو وهم األشياء، لكن ما يهمنا في ما طرحه فالسفة الشك الثالث

أو باألحرى فالسفة الهدم الثالث هو محاولة تقويض المشروع الفلسفي ككل، فالوعي في

الفلسفة هو الحقيقة األصلية والثابتة فيها، والشك فيه ال يترك في الفلسفة ثابت ويجعلها

هائمة تعيد البحث في مفاهيمها، "فالفيلسوف الذي تربى في مدرسة ديكارت يعلم أن األشياء

مشكوك فيها، وأنها ليست كما تبدو، ولكنه ال يشك بأن الوعي ليس هو كما يبدو لذاته: إذ

P114Fإن فيه يلتقي المعنى والوعي بالمعنى"

2P وتحت سقف الفكر الديكارتي لم يتزحزح الوعي من ،

لكن "منذ ماركس، ونتشه، وفرويد نحن نشك بذلك، عليائه، بل مثل أبعاد الوجود المختلفة،

P115Fفبعد الشك بالشيء دخلنا في الشك بالوعي"

3P ولعل هذا أخطر مراحل الشك وطريقة ،

ممارسته من طرف نتشه، فرويد وماركس، إذ غير كثيرا من منهجية تأويالت تمثالت الذات

والعالم، خصوصا مع الفلسفة المعاصرة أين يظهر هذا التأثير أو الشرخ الذي أحدثه هؤالء

قبالة أي فلسفة تتخذ من الوعي مدخال لفهم الذات، ف ".. الفيلسوف المعاصر يلتقي فرويد

في الحواجز نفسها التي يلتقي فيها نتشه وماركس. فهؤالء الثالثة ينتصبون أمامه كما لو

P116Fأنهم أبطال الشك، وثاقبو األقنعة"

4P .

.191- بول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هيرمينوطيقية، مصدر سابق، ص 1

. 192، 191- المصدر نفسه ، ص ص 2

. 192- المصدر نفسه ، ص 3

.137بول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هيرمينوطيقية، مصدر سابق، ص - 4

Page 79: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

79

لذا سنحاول انطالقا من خالل هذه المقاربة الريكورية، ومن خالل ما تم تقديمه سابقا في

مسار تعقبنا لسؤال الذات كما أراد له ريكور، وما سينتج من فهم لهذه الذات، في خلق

نظهر من خالل هذا الشكل اآلتي أن مجمل مسار سؤال الذات، ال إضاءة لفهم اآلخر، أن

يخلو أن يكون سؤاال نقديا وليس سؤاال شاكا.

) 01( الشكل

) أهم الروافد والتأثيرات التي ابتغاها ريكور سبيال في مشروعه 1يظهر من خالل الشكل (

التأويلي لفهم الذات، ونجده كما هو باد في الشكل أن المقاربة التأويلية الريكورية لسؤال

الذات هي بمثابة حوار ما بين فالسفة الحداثة وما بعد الحداثة، أو فالسفة الوعي والوعي

الزائف، باعتبار أن مشروع الحداثة هو رهين أنطولوجيا الوعي، واإلنعطاف الحاسم في

Page 80: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

80

مسار هذه األنطولوجيا يتمثل في فصل التالزم المنطقي بين العالم والوعي. فلم يعد نشاط

الوعي هو خالق المعنى بل الالوعي هو الحامل لتمثالت الذات داخل هذا العالم.

وبهذا انزاحت الفلسفة من لحظة الحداثة إلى ما بعد الحداثة، معلنة تقويض أهم مفهومين

لعصر الحداثة الفلسفي أال وهما العقل والوعي، إذ يقول عنهما نتشه: "..إنها أصنام خالدة

.. ليست هناك أصنام أقدم منها وأشد وثوقية منها فيما فعلته، أكثر .نضربها هنا بالمطرقة

P117F"منها تعجرفا بأهميتها...وليست هناك أصنام أفرغ منها..

1P .

ريكور برغم توجهه الفينومينولوجي والمرتكز أساسا على فلسفة الوعي، أو الوعي باألشياء،

إال أنه فضل أن يطرح تصوراته من خالل صراع التأويالت بين مفاهيم الحداثة وما بعد

الحداثة، ف "لم يدرج ريكور صراع التأويالت سوى لغرض لعبته الخاصة على مسرح هذا

الصراع، ألن تأويال واحدا ال يفي بقواعد اللعبة وال يستنفد أغوار المعنى، التأويل بالجمع أو

تأويالت مختلفة هي اللعبة الفاصلة في إدراك المعنى، لكنه جمع يكشف في الوقت ذاته عن

P118Fلعبة الهوية واإلختالف أو الذاتية والغيرية وسط هذا الصراع المؤسس"

2P .

الذاتية والغيرية ال يمكن أن تتأسس وفق ما يطرحه ريكور وباقي الفينومينولوجيين إال عن

طريق القصدية، والقصدية يمثل أحد طرفيها الوعي بما هي ذات متحررة، والعالم الحامل

لألشياء، وهدم أحد طرفي المعادلة القصدية هو اختراع وليس تأويل.

. 07، ص1966نيتشه فريدريك، أفول األصنام، ت:حسان بورقيه.محمد التاجي، إفريقيا الشرق، بيروت، - 1

، 1 فصول في الفكر الغربي المعاصر- ، المركز الثقافي العربي بيروت، ط–- محمد شوقي الزين، تأويالت وتفكيكات 2

. 68، ص 2002

Page 81: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

81

ومع عرض صراع التأويالت بين الوعي والالوعي يبرز أن ما يجب مواجهته "ليس شكا

P119Fثالثيا، ولكن مكرا ثالثيا"

1P وهنا يقصد ريكور نتشه، فرويد وماركس، "فهؤالء الثالثة يبدأون ،

P120Fبالشك المتعلق بأوهام الوعي، وانهم ليتابعون بحيلة تفكيك الشفرة"

2P .

فعن أي شفرة يتحدث ريكور؟

ال ينفي ريكور أن في مقابل وجود الوعي هناك الوعي الزائف، لكن هذا الوعي الزائف هو

وعي مباشر لألشياء، من دون توسطات تأويلية لفك الرموز والعالمات والشيفرات، وهو ما

يشكل جوهر عمل الوعي الحقيقي، لكن فالسفة الشك الثالث حاولوا إعالن موت الوعي

وبالتالي موت الذات الفاعلة، ونهاية اآلخر الذي هو صورة هذه الذات.

غير أن "هؤالء الثالثة بعيدون عن أن يشنعوا بالوعي، إذ يتطلعون إلى توسيعه. فما يريده

عن طريق معرفة بالضرورة. ولكن هذا (praxis)ماركس هو تحرير التطبيق العملي

التحرير ال ينفصل عن امتالك "الوعي" الذي يرد بانتصار على خداع الوعي الزائف، وما

يريده نتشه هو زيادة قدرة اإلنسان وانشاء قوته (..)، وأما ما يريده فرويد فهو أن المحلل إذ

P121Fيتبنى المعنى الذي كان غريبا عنه، فإنه يوسع حقل وعيه"

3P .

إذن يطرح ريكور تصورا فينومينولوجيا لعمل الذات أال وهي توسيع مساحة الوعي لتشمل

الالوعي كذلك، ولكن عن طريق التأويل، والمثير في هذا التفسير الريكوري هو اعترافه تحت

تأثير فرويد بوجود الالوعي، ولكن كامتداد للوعي ال كمناقض له.

. 137بول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هيرمينوطيقية، مصدر سابق، ص - 1

. 193- المصدر نفسه، ص 2

. 194، 193- المصدر نفسه، ص ص 3

Page 82: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

82

هذا المنحى أراده ريكور منهجا منذ كتابه حول فرويد، فقد تساءل "كيف يجب علي أن أعيد

التفكير بمفهوم الوعي وأن أعيد تأسيسه، وذلك بشكل يستطيع معه الالوعي أن يكون آخره،

P122Fوكذلك بشكل يكون فيه الوعي قادرا على هذا اآلخر الذي نسميه الالوعي؟"

1P .

يتعامل ريكور مع مفهوم الالوعي باعتباره وعيا ينتظر الممارسة التأويلية ليصبح وعيا

حقيقيا، وبهذا سيفجر هو بنفسه الكوجيتو الديكارتي وسيحرك الشكل الثابت لفينومينولوجيا

هوسرل التي جعلت من الوعي بطلها الذي ال ينهزم، وهو ما يجعل من الذاتية المتعالية

منفتحة بشكل جوهري على اآلخر.

غير أن ريكور سيطرح قضية إلتحام الوعي بالالوعي إليجاد الصورة الحقيقية للواقع، فالذات

ال يمكن أن تدرك ذاتها بشكل مباشر إال من خالل اآلخر، لكن هذا اآلخر الفينومينولوجي

لدى ريكور، سيمثله إرادة القوة والالوعي والنشاط االقتصادي، وهذه عبارة عن وسائط تجعل

أن هذه المقاربة غير من الذات مرتبطة أوثق ارتباط بالعالم، وها هنا يبرز ريكور "

المباشرة، والوسيطة للوعي ال عالقة لها بالحضور المباشر للوعي بذاته، مع يقين مباشر

P123Fللذات بذاتها نفسها"

2P .

لكن أال يتجاوز ريكور باستحضاره لالوعي ودمجه في عملية إدراك الذات لتمثالت العالم،

أستاذه هوسرل الذي يؤكد "أن الشيء الوحيد الذي يجب ذكره حقيقة هو عبارة : أنا موجود،

P124Fوكل "ال أنا" هو ظاهرة تفتقد إلى عالقات ظاهرية"

3P.

. 138- المصدر نفسه، ص 1

. 151- المصدر نفسه، ص 2

3 - Edmund Husserl, L’idée de la phénoménologie, trad Alexandre louis, P.U.F. Paris, 1993, p41.

Page 83: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

83

فاستحضار "الالوعي" و"الألنا"، يعني تغييب الذات المتعالية ومنح السيطرة للمحايث، وهو

ما يجعلنا نتحدث عن أزمة للذات وبالتالي أزمة لإلنسان ككل، فلم تعد الذات تكفي نفسها

بنفسها كما كان التاريخ مع هيغل، إذ كان شعار الذات المتعالية هو "أدخل إلى ذاتك عميقا

P125Fوتعرف أوال كيف تعرف نفسك"

1P .

ها هنا سيوضح ريكور شيئا مهما حين يقول "إن إشكالية الذات التي أقترحها في الذات

ففي المستوى األول « agir »وكأنها اآلخر تنتشر على مستويات عدة من استعمال فعل

، يوجه البحث من خالل األسئلة القريبة من اللغة وهو مستوى فينومينولوجية هرمونيطيقية

العادية: من هي ذات الخطاب؟ من هي ذات الفعل؟ من هي ذات السرد؟ من هي ذات

التهمة األخالقية؟، وال شك في أن تشتت التحري وانتشاره مضمون من قبل االستقالل النسبي

P126Fللمجاالت الفينومينولوجية المبحوث فيها: مجاالت اللغة والفعل والسرد والمسؤولية"

2P .

غير أنه من العبث أن نطلب من الذات أن تتعرف على ذاتها من خالل ذاتها، فاألنا ال

يمكنها أن تفكر بطريقة منعزلة عن العالم وعن اآلخر، أي عن غيرية هذه األنا، ألن الذات

تعيش في ذات العالم الذي يعيش فيه اآلخر.

لذا سنتساءل عن طبيعة هذه العالقة: فهل هي عالقة أنطولوجية أم فينومينولوجية، أو

تأويلية؟ وهل ستندرج عالقة الغيرية ضمن حدود ثنائية الذات والموضوع؟.

.196بول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هيرمينوطيقية، مصدر سابق، ص - 1

السيرة الذاتية-، ترجمة فؤاد مليت، مراجعة وتقديم عمر مهيبل ، الدار العربية للعلوم، –- بول ريكور، بعد طول تأمل 2

. 126، 1،2006بيروت،ط

Page 84: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

84

نظرية المعرفة تستوجب كما هو معروف ذاتا عارفة وموضوعا معروفا، فهل سيكون اآلخر

هو مجرد موضوع للمعرفة ؟ أم أن هذه الثنائية الفلسفية ستضمحل داخل حدود هذه

العالقة؟.

وكيف ستتحدد عالقة التواصل بين األنا وأنا اآلخر؟ وهل سيحافظ كل أنا على هويته

الخاصة؟ أم أنه مع فعل التواصل ستنصهر الخصوصيات الذاتية؟.

والسؤال المحوري الواجب طرحه: هل اآلخر يمثل صورة ذهنية أم صورة وجودية بالنسبة

للذات؟.

Page 85: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

85

الفصل الثاني

سؤال الغيرية

-الذات وتعقل اآلخر-

Page 86: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

86

إن مجرد التفكير في سؤال الغيرية يعود بنا للحديث عن الذات، أو بتعبير أكثر دقة إعادة

التفكير في سلطة الذات األنطولوجية واألكسيولوجية، وهذه العودة إلى الذات هي عودة ألجل

التحديد الماهوي لإلنسان ككل، الذي جعل منه يقين الذات متمركزا حول بعد واحد تمثله ذات

ثابتة ومتعالية، فتحول اإلنسان داخل حدود هذه الرؤية األنطولوجية إلى مطلق وثابت،

والمقصود باإلنسان هنا هي أناه.

غير أن مجرد التفكير في اإلنسان وفق هذه المقتضيات يمثل إقصاءا أنطولوجيا لآلخر، لذا

سنجد أن الفلسفة المعاصرة حاولت زحزحة مفهوم اإلنسان من األنطولوجيا إلى األنتروبولوجيا

إلى الهرمونيطيقا الحقا، فسعت ألن تغير سؤال ما هو اإلنسان؟ إلى من هو اإلنسان؟، وهي

بهذا تبحث في التاريخي والمحايث، واضعة المفاهيم الميتافزيقية بين قوسين.

ومن خالل السؤال من؟، بات الفهم األنطولوجي لإلنسان منبثق عن مجموعة العالئق

المنضوية في إطار سؤال الغيرية، أي في مجموع الحيثيات والعالقات التي تعقدها األنا مع

. (Autre) كل ما هو مختلف وآخر، والبحث في صورة األنا من خالل اآلخر

ضرورةلكن لم تتمكن الفلسفة المعاصرة من تفعيل هذه الصور الوجودية إال بعد أن سلمت ب

التفريق بين الوعي والوهم ال يتم إال بفعل إنفتاح الذات بان والتأكيد الذات، ميتافيزيقا تجاوز

واالختالط مع كل من ليس "أنا" التزاوج بفعل أي على كل ما هو مختلف وخارج عنها،

وليس "نحن".

الذات وتمركز ميتافيزيقا ان لنستذكر الدفين للوجود اإلنساني العمق هذا في الحفر ويكفي

تعدد في تفكر ال يجعلها الذات فتمركزية لها، الذات حول نفسها كان دوما إغفال ونسيان

الذوات بل تفكر في ما هو ثابت ومطلق فقط.

هدم وبذلك سيمثل لآلخر، نسيان إذن فهي لالختالف مرضي هو نسيان التمركز وهذا

اختالف هو حيث من للذات، مغاير هو حيث من اآلخر لوجود مركزية الذات استرداد

Page 87: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

87

الشعور ساحة إلى لنقله اآلخر فيه فكر ما بل الذات فيه فكرت ما عن نبحث ال ألننا منسي،

ليس فيه إلى ساحة الشعور، الالمفكر من نقله بمعنى الوجود في وأحقيته بوجوده واالعتراف

لوجودنا. مؤسس هو بل عنا خارجا شيئا فيه الالمفكر اآلخر هذا إذا

وما عالقته بالذات ؟، هل يمكن أن تتحول الذات إلى آخر؟ ويتحول اآلخر اآلخر؟ فمن هو

إلى ذات ؟ كيف ستطرح الذات ذاتها إن لم تكن مجرد آخر؟ هل ستتواصل الذات مع هذا

اآلخر عن طريق الفعل أم عن طريق التأويل؟ .

إن كانت هذه الذات هي اآلخر، فلم الحديث عن العداوة والصداقة والتواصل وغيرها من

المفاهيم التي تثبت إختالف الذات عن الذوات األخرى؟.

ما هو اآلخر؟ أهو المشابه أم المختلف أم المتناقض عني؟، كيف تتحدد صور اآلخر لدى

الذات، عن طريق الوعي أم اإلرادة؟، هل اآلخر هو من يحتوي الذات؟ أم أن الذات هي من

يجب أن تنفتح على العالم لتجد اآلخر؟.

؟ هل هي مقولة وجودية أم مقولة أخالقية؟ هل يمكن اختزال (Altérité)ما هي الغيرية

؟ أم أنها النسق المحدد لعالقة الذات واآلخر؟. (Autrui)مقولة الغيرية في اآلخرية

إذا كانت الغيرية نسق أو نظام فهل ستكون هناك جدلية بينها وبين الهوية؟ ولماذا يطرح

سؤال الهوية في مقابل سؤال الغيرية؟.

هل الغيرية هي عالقة زمنية بين الذات واآلخر؟ وهل زمنية اللقاء واإلعتراف والمماثلة

واالغتراب هي األوجه الفعلية المحددة لهوية األنا؟.

وهل توظيف بول ريكور لزمن السرد كان ألجل إثبات الذات، أم لتحديد لحظة اللقاء

باآلخر؟.

Page 88: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

88

قد ال نتوقف عن التساؤل عند هذا الحد، ألن التفكير في الغيرية يجعلنا نحمل استفهامات

عدة وهواجس فعلية مختلطة بين ما هو تجريدي وما هو واقعي.

لذا سنحاول في هذا الفصل أن نحمل عبء هذه األسئلة والهواجس، ونمتطي حصان بول

ريكور الهرمونوطيقي لنتعقب حدود الفهم ومالمح اإلجابة لبعض من هذه اإلشكاالت، داخل

حقول معرفية وفلسفية متعددة سوف يحددها لنا بول ريكور خصوصا من خالل مؤلفه "الذات

. ( Soi même comme un autre )عينها كآخر"

ولنجعل منطلق البحث األول سؤال ريتشارد رورتي الذي لخص لنا سؤال الغيرية، باعتباره

سؤاال أخالقيا كما يلي : ما هو الموحد المثالي الذي يمكن البحث عنه، لتصبح مجموعتنا

أقل من جماعة وأكثر من جيش؟.

"الحل الذي نادى به رورتي يكمن ببساطة في التخلي عن سؤال: من نحن؟ واإلستعاضة عنه

"ماذا نحن؟" (..) تحدد "النحن" بالنظر إلى باقي « ? Que sommes nous »بسؤال:

األنواع بالتركيز على ما يشكل جوهر اإلنسان. هناك إذن عودة إلى السؤال الكانطي: ما هو

اإلنسان؟ وراء ما هو ايديولوجي وسياسي، وفي هذه الحالة فإن إطار الهوية يترك المكان

P127Fلإلطار اإلنساني كما تأخذ إشكالية الغيرية مظهرا ميتافزيقيا"

1P .

هذا ما يقترحه ريتشارد رورتي، فما هو اإلسهام الذي سيمدنا به ريكور لتشخيص القالب الذي

يحتويه هذا السؤال الهوياتي؟.

، مركز النيل للكمبيوتر، 2003، 08لتريكي فتحي، بول ريكور فيلسوف الغيرية، ضمن، مجلة أوراق فلسفية، العدد- ا 1

.81القاهرة. ص

Page 89: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

89

المبحث األول

مخاض سؤال الغيرية

Page 90: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

90

- أفق المساءلة: 1

بول ريكور في صدد عرضه لمسألة الهوية والغيرية نجده يترحل بين مجموعة مفاهيم،

يحاول من خاللها أن يكسب الموضوع قيمته الفلسفية ويبرر سبب اإلنهمام به طوال تاريخ

الممارسة الفلسفية، فقد كان رهان الفلسفة دوما هو البحث في اإلنسان وذاك من خالل أهم

المفاهيم المجاورة والمحايثة له، "فجدلية األنا واآلخر ثاوية في مفهوم اإلنسان كشخص، فنجد

P128Fداخل مبحث الوعي مظهرها األكثر أهمية"

1P .

لم تكن الغيرية مجرد مفهوم تستدعيه الفلسفة كلما واكبت اإلنسان أزمة في القيم المنبثقة

عنه أو الوافدة إليه، بل كانت بمثابة مقدمة ضرورية لتبلور فكر تاريخي زمني يحفظ للذات

دورها في الحياة، فقد انعكفت الفلسفة من خالل مبحث الغيرية لتحقق اإلنسجام والوفاق بين

حضور الذات الذي يمثله الوعي، وحضور اآلخر المتمثل في أشياء العالم، وعليه ونظرا لما

احتلته الغيرية داخل مسار الفكر الفلسفي أعتبرت على أنها تنتمي "منذ الحوارات األفالطونية

( برمينيدس وثائيتاتوس وفيالبوس والسوفسطائي) إلى كبرى "الميتامقوالت" التي ساهمت في

P129Fبناء الخطاب الفلسفي كما يبدو عليه اليوم"

2P .

فالغيرية مثلت في الفلسفة إستراتيجية تأملية تتجه صوب قولبة أشكال الوجود بما يضمن

تفكيك رموزه المفهومية قبل انبعاثها كصور ومقوالت وجودية تبحث في اإلنسان بما هو ذات

واعية وآخر متميز ومختلف، بإمكانه أن يحدد طبيعة الحركة الزمنية للذات، وما يترتب عنها

من مقاربة لمقوالت الوعي واإلرادة والحرية، وهكذا أسست الحتضان مفهوم الغيرية كسبيل

إلى تخليص اإلنسان من نزعة التمركز حول الذات والوثوب بالحياة اإلنسانية إلى أقصى 1 - Constaca Marcondes Cesar, Le même et l’autre : une perspective sur la notion de personne chez Paul Ricœur, in, Le même et l’autre – identité et différence- actes d’un congrès international, Budapest 2006, ASPLF, P384.

.28، ص 2007، 02- جان غرايش، الغيرية: مقولة أخالقية، ترجمة وحيد بن بوعزيز، ضمن مجلة أيس، العدد 2

Page 91: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

91

صور التحضر على الصعيد الخلقي -خصوصا- باعتباره الحامل لكل أبعاد تحرر الذات

من شتى أشكال الوعي الزائف، وتحقيق قانون أخالقي يضمن لنسق الغيرية أن يساير

ديناميكية الوجود، ألن استيعاب الذات لهذا النسق ينطوي على "تقدير الذات في ظل قانون

P130Fأخالق الواجب"

1P .

ومن ضمن ما يفرضه علينا قانون أخالق الواجب هذا، أن وجود الذات منوط بوجود اآلخر،

فال يبدو هذا اآلخر شبحا مخيفا أمام الذات بقدر ما يظهر على أنه أنا آخر وليس غير

للذات، ألنه يجعل من وجوده محور تفكير الذات، ما يمكنها من استيعاب جذورها والحقائق

المتالزمة مع هذا الوجود.

وانطالقا من هذا التداخل المفاهيمي على المستوى النظري كما على المستوى الوظيفي،

سنحاول ابتداء في هذا المدخل المفاهيمي إيجاد توضيحات لجملة المفاهيم المركزية

المؤسسة إلشكالية البحث، من حيث تأصيالتها اللغوية واالشتقاقية، ومدلوالتها االصطالحية

والفلسفية، مع إبراز النقاط التي تشترك فيها بعض المفاهيم المتقاربة وظيفيا.

وبعد عرض المفاهيم المحايثة لمفهوم الذات (في الفصل األول)، سنتعرض لجملة المفاهيم

المركزية المحايثة لمفهوم الغيرية.

. Altérité : أ/ الغيرية

مقولة أساسية مثل الغيرية في الفكر األوربي : "يعرفها جميل صليبا في معجمه فيقول

أي الغيرية ذات عالقة Altéritéمقوالت الهوية، ومما له داللة في هذا الصدد أن كلمة

وتعنيان تغير الشيء وتحوله لألسود (تعكر، Altérationواإلسم Altérerاشتقاقية بالفعل

التي تفيد التعاقب والتداول، ومعنى Alteranceفساد، استحالة). كما ترتبط اشتقاقا بكلمة

.398- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص 1

Page 92: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

92

ذلك أن مفهوم الغيرية في الفكر األوربي ينطوي على السلب والنفي (..) فما يؤسس مفهوم

الغيرية في الفكر األوربي ليس مفهوم اإلختالف كما هو الحال في الفكر العربي، بل الغيرية

في الفكر األوربي مقولة تؤسسها فكرة السلب أو النفي، فاألنا ال يفهم إال بوصفه سلبا أو نفيا

P131Fللغير

1P .

ويرى أتدريه الالند أن مصطلح الغيرية ابتكره أوغست كونت وتبناه سبنسر وصار متداوال

P132Fفي اللغة الفلسفية

2P

وتعني في علم النفس الشعور بالحب تجاه اآلخر، الشعور الذي ينجم غريزيا عن األوامر

القائمة بين األفراد أو ذلك الذي ينجم عن الروية واإليثار الفردي (إنكار الذات)، وتشمل على

التعلق والتبجيل والطيبة.. وفي األخالق هي عقيدة أخالقية معاكسة لإلمتاعية

Hédonismeواألنانية والى حد ما للنفعية P133F

3P .

فالغيرية تأخذ في معناها معنى الخير والفضيلة وتغليب مصلحة اآلخر كهدف أخالقي سام،

P134Fوهذا ما عبر عنه كونت بمبدأ "العيش ألجل الغير"

4P .

وفي المعنى الفلسفي الغالب على مفهوم الغيرية نجدها تحمل معنى االختالف، ف"مفهوم

ذاك االختالف البسيط بين التحديدات المعروضة من خالل الغيرية يعني في المقام األول

.131- جميل صليبا، المعجم الفلسفي، مرجع سابق، ص 1

.47- أندريه الالند، موسوعة الالند الفلسفية، مرجع سابق، ص 2

. 47،48- المرجع نفسه، ص ص 3

.48- المرجع نفسه، ص 4

Page 93: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

93

ما هو مختلف، وما هو خارج عنها ويحظى يتبادل مستقل. وبهذا المعنى ستكون الغيرية هي

P135Fكل اختالف ظاهري غير مبال بمفهوم المميز"

1P .

لكن إذا ألغينا هذا التميز األنطولوجي لن يكون الغير هو صورة األنا بل هو األنا ذاته، وهنا

سنبلغ درجة المماثلة بين األنا والغير.

وعليه نتساءل: من هو الغير؟ وهل الغير هو اآلخر؟

. Autre -Autruiب/ اآلخر والغير :

سنتعرض للمفهومين معا باعتبار أن بينهما الكثير من التداخل والتباعد، وألجل ضبط مفهوم

كل منهما ضبطا فلسفيا واضحا، سنعرضهما متقابلين كي ندرك المسافة المفهومية بينهما.

في الداللة المعجمية الفرنسية نجد بعض التمييز بين المفهومين، حيث يتخذ مفهوم اآلخر

معنى أوسع عن الغير إذ أنه يعني كل ما هو مختلف عن الذات والموضوع، وكل ما هو

P136Fمختلف بين مستويات األشياء

2P .

وفي المعجم العربي فاآلخر بالمد وفتح الخاء اسم خاص لمغاير بشخص، أو بعبارة أخرى

لمغاير بالعدد وقد يطلق على المغاير في الماهية (...) واآلخر بمعنى الغير: كقولك رجل

P137Fآخر وثوب آخر

3P .

1 - Encyclopédie philosophique universelle ( les notions philosophiques). Dictionnaire 2, 2 Ed , P.U.F, Paris , 1998. P66.

2 - Dictionnaire d’éthique et de philosophie moral – sous la direction de Monique canto- sperber , P.U.F. Paris, pp 124,125.

.15، ص 1990، 01- ابن منظور، لسان العرب، المجلد الرابع، دار صادر بيروت، ط 3

Page 94: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

94

وكلمة الغير في اللغة العربية غالبا ما تستعمل بمعنى اإلستثناء، كقولنا غير هذا أي سوى

هذا، "فيراد بالغير ما سوى الشيء مما هو مختلف أو متغير منه، ويقابل األنا، ومعرفة الغير

P138Fتعين على معرفة النفس"

1P .

P139Fوفي المعنى الفلسفي "غير األنا ال يتمثل كموضوع، لكن كأنا، أو كذات أخرى"

2P .

أي أن الفلسفة سعت ألن تجعل من الغير واآلخر هو المقابل مفهوميا لألنا.

وهذا ما سنحاول استيضاحه من خالل جملة المفاهيم التي يطرحها بول ريكور، والتي

تثبت، تميز، تدمج، تعارض ... هذه الشبكة المفاهيمية المعقدة اصطالحيا وماهويا.

.133، ص 1979- المعجم الفلسفي ، مجمع اللغة العربية القاهرة، عالم الكتب بيروت، 1

2 - Encyclopédie philosophique universelle (les notions philosophiques). Dictionnaire 2, op cit, p208.

Page 95: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

95

- التأسيس الوظيفي للمفاهيم : مقاربة ريكورية. 2

يقول بول ريكور معرفا منهجيته المزاوجة بين الظاهرية والتأويلية : "إن التأويل هو عمل

الفكر الذي يتكون من فك المعنى المختبئ في المعنى الظاهر، ويقوم على نشر مستويات

المعنى المنضوية في المعنى الحرفي. واني إذ أقول هذا، فإني أحتفظ بالمرجع البدئي

للتفسير، أي لتأويل المعاني المحتجبة، وهكذا يصبح الرمز والتأويل متصورين متعالقين. إذ

P140Fثمة تأويل، هنا حيث يوجد معنى متعدد. ذلك ألن تعددية المعنى تصبح بادية في التأويل"

1P .

نستشف من هذا النص أن منهجية ريكور في تحديد المفاهيم تقوم من خالل الترحل بين

تأويالت عدة ومقاربة صراعاتها حول معاني األشياء المعطاة، ألن المفهوم يحمل في ثناياه

معاني متعددة، وعادة ما يكون تعاملنا مع هذه المفاهيم بوجهة نظر تلقائية مباشرة، تخضع

لنظرة أحادية موثوقة للمعاني الظاهرة وكأنها حقائق مطلقة، وهذا ما يحجر الذهن على

التعامل معها على نحو تساؤلي يعيد النظر إليها بطريقة تأويلية متفتحة، ومع حضور سلسلة

تأويالت حيال كنه هذه الموضوعات وعللها وغائياتها وآلياتها تزول تلك الرؤية األحادية،

وتتقلص الحقيقة المطلقة فتنكشف مثالبها وحجبها، فتحيلنا إلى البداية من جديد، أي إلى

تعددية المعنى الظاهرة من خالل الهرمونيطيقا، فهذه األخيرة 'تبدأ تحليال في فهم البنى

الرمزية، وانها لتتابع فتقيم مواجهة بين األساليب الهرمونيطيقية، كما تقيم نقدا ألنساق

التأويل، محيلة تنويع المناهج الهرمونيطيقية إلى بنية النظريات المناسبة(..) وهي بذلك تعد

نفسها لممارسة مهمتها العليا، والتي ستكون تحكيما حقيقيا بين اإلدعاءات الشمولية لكل

P141Fواحد من التأويالت"

2P .

.44- بول ريكور ، صراع التأويالت، مصدر سابق، ص 1

.46- المصدر نفسه، ص 2

Page 96: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

96

تأويلية ريكور ال تخضع المفهوم لتأويل واحد، بل تحاول أن تضبط مسار هذه التأويالت

المتعددة لتنزهها عن الفوضى واإلعتباطية، وتضعها في مجراها المنهجي والداللي السليم،

وبهذا نجد بول ريكور يتجه أكثر نحو ضبط المفاهيم ضبطا يقيم من خالله حواصل نظرية

واجرائية، مترفعا عن المسوغات التي تطرحها منهجيات التأويل األوحد والتي عادة ما تمارس

سلطة مركزية في ضبط حدود الفهم لمعاني األشياء.

و"بهذا يكون ريكور قد امتحن ذاته في مرآة التأويالت المتقابلة التي ما انفك يستقي من

P142Fمنابعها األطر الفكرية واألشكال المفهومية، ويتجاوزها بصناعة مفاهيمه الخاصة"

1P .

فكيف سيصنع بول ريكور شبكته المفهومية الخاصة بكل ما هو محايث ومجاور لمفهوم

الغيرية؟.

ريكور في سياق إرساء مفاهيمه الخاصة حول الذات والغيرية يعود دوما إلى الكوجيتو،

إلى الذات التي جعل منها ديكارت محور الحقيقة في هذا الوجود، أو سر ارتباطه بهذا

الوجود، فاألنا الديكارتية سعت ألن تبلغ التأسيس المطلق والنهائي وهو ما يجعل األنا أفكر

مغالية في العظمة إلى أقصى حد ممكن، وهذا التعالي لألنا لم يقتصر حسب ريكور على

ومن ثمة إلى فخته ليصل إلى هوسرل من خالل مؤلفه ديكارت وحده بل امتد إلى كانط

تأمالت ديكارتية.

غير أن أزمة الكوجيتو ال يجب مطالعتها بعيدا عن أصل انبعاثها، فما تاله ال يعدو أن

يكون تبعات مفهومة الحدوث، إذ يقول: "يكفي أن نحاول أن نتحقق من هذا الطموح في

. 68فصول في الفكر الغربي المعاصر- ، مرجع سابق ، ص –- محمد شوقي الزين ، تأويالت وتفكيكات 1

Page 97: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

97

مكان والدته، أي عند ديكارت نفسه، كي نرى أن فلسفته تشهد بأن أزمة الكوجيتو كانت

P143Fمتزامنة مع تأكيد الكوجيتو"

1P .

لحظة تأكيد الكوجيتو كانت لحظة راديكالية، حينما وظف ديكارت شك ال يمكن فهمه

وتوظيفه خارج الميتافزيقا، مصحوبا بصورة خرافية تتوهمها هذه األنا وهي شيطان وروح

خبيث تضلل أرائي.

لكن ستتعقب هذا الكوجيتو مطرقة نتشوية، أراد توظيفها ليحطم بعدميته إرثا فلسفيا في فهم

الذات وعالقاتها المتشعبة، فبلغ هذا الكوجيتو ذروة نقده مع نتشه، الذي يسميه ريكور

بالمناوئ األكبر لديكارت. ف "نعرف جيدا أن نتشه انتقد بشدة المفاهيم التقليدية للوعي،

للذات والروح، فرفض اإلختالف المفترض بين ما هو داخلي وما هو خارجي يمثل لحظة

P144Fأساسية في هذا النقد"

2P .

لكن لم تحطم هذه التفكيكية النتشوية هذا الكوجيتو بشكل كامل، ألن هذه الذات لم تمت

حسب ريكور بل أضحى هذا الكوجيتو مجروحا، بسبب نتشه أوال، وبسبب إلغاء اآلخر،

وجعل التفكير ينصب بشكل مطلق حول الذات الفاعلة.

وأمام هذا التصور السلبي للكوجيتو، المنظور إليه من زاوية إرتيابية، والذي تتراءى من

خالله الذات بصورة أكثر تشاؤمية، والعلة من وراء ذلك هو غياب تصور فلسفي لغوي

كمعيار يضبط وفقه مغزى الوجود اإلنساني كوسيلة للتعامل مع المعاني المتعددة للذات

واآلخر، وهنا سيختار ريكور فكرة التوسطية بين الذات واآلخر، أي إلزامية استحضار هذا

. 2005، 01- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، ترجمة وتقديم وتعليق جورج زيناتي، المنظمة العربية للترجمة لبنان، ط 1

.74ص

2 - Tamas Ullmann, Identité et intériorité, in, Le même et l’autre – identité et différence- actes d’un congrès international, op cit, p 345.

Page 98: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

98

اآلخر واإلنصات إليه، ألن وجوده ضروري في بعث ذات فاعلة تترحل في بوتقة نسق يدعى

الغيرية، يمكننا من خالله أن نكمد جراح هذه الذات المجروحة، وجعلها أكثر انفتاحا على

هذا العالم وعلى كل ما هو مختلف فيه، مدركة في اآلن ذاته المسافات الزمنية بين ماضيها

وحاضرها ومستقبلها، وبالتالي فإن "هذا الفعل يسعى لتيسير الحوار بين ما كل هو مختلف،

ويبحث في المسافة الفعلية داخل العالقة القائمة بين األنا واآلخر، القريب والبعيد، بمساعدة

P145Fالتقسيم الموجود للوجود الكلي المنبث بين ثقافات متعددة"

1P .

وألجل ذلك سيقحم ريكور اللغة لفهم هذه المعاني وازالة اللبس الذي أضفته التفسيرات على

المعنى األصلي لألشياء.

ولعل البداية التأسيسية لدراسة الذات واآلخر لدى ريكور تتماهى بطريقة تفكيكية، وذلك عقب

النكسات التي شهدها مفهومي الذات واألنا، لذا ستكون أول مرحلة ريكورية في ضبط

المفاهيم تتمثل في تحديد اإلطار المنهجي لسؤال الذات واآلخر، "فنحن نسأل عن الذات

بالقدر الذي نهم فيه باإلجابة عن سؤال من؟ وليس عن السؤال ماذا؟ أو لماذا؟ على هذا

النحو فإن مقوالت القول والقائل، ثم القدرة على الفعل والفاعل، ثم السرد والراوي، وأخيرا

P146Fمسؤولية األفعال والذات الحاملة للمسؤولية تخضع كلها لإلستقصاء الفينومينولوجي"

2P .

هذا االستقصاء الفينومينولوجي دفع ببول ريكور إلى إقامة نوع من الفصل بين هذين

المفهومين، فعلى المستوى المعجمي فإن هذا التباعد سيتخذ أشكاال مختلفة بحسب

"الخصوصيات الصرفية النحوية الخاصة بكل لغة. ومن وراء هذا الترابط اإلجمالي القائم بين

واإليطالية « selbst » واأللمانية « self » والكلمة اإلنجليزية « soi »الكلمة الفرنسية

1 - François Dosse, Paul Ricœur, les sens d’une vie. Edition la découverte, paris,2008, p586.

. 126،127السيرة الذاتية-، مصدر سابق، ص ص –بول ريكور، بعد طول تأمل - 2

Page 99: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

99

« se » واإلسبانية « semismo » فإن قواعد هذه اللغات تتباعد، غير أن هذه التباعدات ،

P147Fنفسها معبرة حين تضيء كل خاصية نحوية صرفية جزءا من المعنى األساسي المنشود"

1P .

هذا التباعد اللغوي بين عدد من اللغات على المستوى النحوي والصرفي يمس بشكل كبير

« soi »المعنى العام للمفاهيم، وبالتالي يؤثر في وظيفتها، ويمكن هنا مقاربة التعبير

« soi »: "ففيما يخص اللغة الفرنسية فإن كلمة « se »بالفرنسية مع التعبير بااليطالية

تحدد منذ البداية كضمير منفصل يصاحب الفعل الذي يصرف مع ضمير الفاعل (..) إال

الذي يتعلق بأفعال « se » من التعبير « soi »أن هذا الحظر يرفع إن نحن قاربنا التعبير

P148Fبصيغة المصدر"

2P .

فبعض التعابير والمفردات تتمأسس مفاهيمها من خالل الحيز اللغوي الذي نشأت فيه، فكل

لغة تقبل مفاهيم لتعابير معينة أكثر مما تقبله لغة أخرى.

وأمام هذا المشكل اللغوي ستتماهى مفاهيم الذات واآلخر لدى ريكور من خالل مقاربة هذه

التباعدات اللغوية، واقامة إستراتيجية لغوية تعمل أساسا على تذليل المسافات القائمة خلف

هذا التعدد اللغوي.

لذا كان ال بد على ريكور قبل الخوض في مسألة الذات واآلخر كقضية أخالقية أن يؤسس

لمفاهيمه الخاصة وتمييزها عن باقي أشكال الفهم، ليخلق نسقا تشكله بنى من المفاهيم يؤثر

بعضها في اآلخر بصفة تركيبية أو تحليلية، بنائية أو تضمنية، والنسق العام الذي يبتغيه

ريكور مدخال لهذه اإلشكالية يتمثل في اعتماد صيغ لغوية واضحة ال لبس فيها كي يتمكن

الحقا من ضبطها فلسفيا، وأولى هذه الصيغ التي ضبطها ريكور هي للذات، فالقول "اإلشارة

.68- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق ، ص 1

.68- المصدر نفسه، ص 2

Page 100: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

100

للذات، (..) مشتق هو نفسه من قلب إلى إسم للمصدر، "أن يشير المرء إلى نفسه". إن هذه

P149Fالصيغة هي التي سنعتمدها بعد اآلن كصيغة صحيحة متماشية مع القواعد"

1P .

وعقب هذا الضبط اللغوي سينتقل ريكور إلى المفاهيم المؤسسة لسؤال الغيرية بغية استشراف

النصوص الحاملة لها، إذ يرى أن محاولة توضيح معالم هذا السؤال وكشف امتداداته

الوجودية ال بد أن يتولد عن وعي زمني عقالني يتدارك اغتراب هذه المفاهيم وبالتالي

اغتراب الفكر في التاريخ، ألن الغيرية باتت تمثل جوهر حركة التاريخ، وأن مستقبل الذات

داخل هذا العالم منوط بترتيب مسبق يرزح تحت العالقات التي تتحدد داخل نسق الغيرية.

إن هذه المساءلة اللغوية والوظيفية حيال مفهوم الغيرية ال يمثل إال محاولة لنبش ما وراء

هذا المفهوم من ممكنات، فالذات بوصف أمر وجودها حقيقة حتمية، فلن تتأت إكتشافية

واستيعاب طبيعة ومعطيات هذا الوجود إال من خالل اآلخر، باعتبار أن الغيرية تمثل

النموذج اإلجرائي الموجه لحركية وتغيرات الذات واآلخر على حد سواء.

وعليه فال مناص من تطويق هذه المفاهيم في مجالها التداولي ثم الفلسفي، مع التأكيد

على ضرورة التحرر من قيد هذه المفاهيم وايجاد تقاربات إجرائية بين بعضها على جميع

الصعد، ولعل أهم مقاربة سيقيمها ريكور داخل ثنايا هذا اإلشكال والذي يحمل الكثير من

اللبس في توظيفه سواء على المستوى اإلجرائي أو الفلسفي، تتمثل في إقحامه لمفهوم الهوية

كمفهوم مركزي يتماهى بناء عليه حدود فهم الميكانزمات التي تمثل أنجع المسالك لولوج

ولو بشكل –نسق الغيرية، وبالتالي ولوج العالم بذات واعية، وآخر فاعل يحقق التواصل

نسبي- بين الذات والعالم.

.70- المصدر نفسه، ص 1

Page 101: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

101

- تجليات الهوية لدى ريكور : 3

الهوية بمنظور ريكوري هي إستراتيجية تغييرية تتجاوز المساءالت الميتافزيقية لتتجه صوب

الصور والنماذج التي تتمثل من خاللها الذات، وتشكل مجموعة تمثالتها داخل العالم، فقد

حاول ريكور أن يمنح تصورا جديدا للهوية ولمفهوم الزمن، تتحدد وفق هذا التصور عالقة

اإلنسان بنفسه، وعالقته بالعالم أي باآلخر، فتتراءى بناء على هذه العالقات مصير اإلنسان

وغايته في الحياة.

لكن قد ال يمكن تحديد معنى الهوية بعيدا عن التصورات الميتافزيقية وعن سلطة براديغم

الذات الديكارتية، إال مع تأويلية الذات، واعادة البحث عن تصور فلسفي لمفاهيم الذات

والهوية والشخص، تكون كمعيار يضبط وفقه مغزى وجود اإلنسان من خالل ضبط أشكاله

الهوياتية، وكوسيلة أيضا للتعامل الفعال مع الزمن.

وعليه فإن سؤال الهوية لدى ريكور سيتخذ مستويات ثالث، تؤطرها تساؤالت ثالث:

؟: هذا السؤال يناظر ويرمي إلى تحديد ميزة وخصوصية هذه الذات، وهذا ماذا أكون أنا*-

*- من . l’identité-idemالتساؤل يدرجه ريكور ضمن ما يسميه بالهوية المتطابقة

هذا السؤال يجيب عن قدرة الذات في اإللتزام بكل وعودها، وهذا ما يسميه أكون أنا ؟:

. l’identité-ipseريكور بالهوية الذاتية

في "أنا"ألني ، هذا السؤال لربما يمثل أهم مظاهر هذه األنا*- ما يتوسط هذه األنا ؟:

-l’identitéاألساس حياة مروية، وهذا النمط الهوياتي يدعوه ريكور بالهوية السردية

narrative.

ويمكن أن نمفهم هذه العالقات الهوياتية من خالل استيعاب دقيق لمختلف الجوانب التي

تتداخل فيها هذه األشكال المعطاة، فضمن "تصور ريكور للهوية الشخصية نجدها تتألف من

Page 102: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

102

قطبين مرتبطين مع بعضهما وفق عالقة ديالكتيكية، أحد هذين القطبين يمكن أن يرسم

-soi) التوازن القائم بين الهوية العددية للشخص، والفعل الذي يؤكد أن الشخص هو ذاته

même)من جهة إسكان الشخص في الزمن، ومن جهة أخرى أكون أنا ذاتي ، (moi-

même)"P150F1P .

وعليه يمكن القول بأن العامل الذي كان وراء تماهي مفهوم الهوية لدى ريكور من خالل

هذه األنماط الثالث (المطابقة، الذاتية والسردية)، تمثل في إدراك الرابط بين الذات واألنا، ما

يترتب عنه ارتقاء وعينا بحركية هذه األنا داخل الزمن المستمر، ما سيمنح اإلنسان رؤية

أكثر تفاؤلية للوجود وأسئلته المقلقة.

ولعل المنطلق الرئيس الذي خلص إليه ريكور في ضبط نسق الهوية وغيرية الذات تمثل أوال

من الوجود والزمان. وتحويله إلى 25"في استئناف سؤال "من؟" كما افترعه هيدغر في الفقرة

مقام نموذجي للبحث الفلسفي بعامة، وثانيا تمييزه الرشيق بين بعض المصطلحات التي

(الهوهوية أو التطابق المنطقي أو « Mémété »طورها هيدغر(..) بين مصطلحي

الشخصية أو الجماعية من identité (الهوية التي ترفع الهوية « Ipséité »الرياضي و

الداللة األنتربولوجية لإلنسان إلى الداللة الفينومينولوجية للهو. وثالثا افتراضه بأن حل مسألة

الهوية من حيث إنها تتقوم أساسا بضرب معين من الزمانية هو "االستمرار في الزمان"،

P151F لتشكيل هوية سردية"(la narration) والسرد (le récit)يكمن في استعمال القصص

2P .

1 - János Kelemen, L’altérité de l’autre, un hommage à Paul Riceour, in, Le même et l’autre – identité et différence- actes d’un congrès international, op cit, p 103.

.10، ص 2001، 1- المسكيني فتحي، الهوية والزمان، تأويالت فينومينولوجية لمسألة النحن، دار الطليعة بيروت، ط 2

Page 103: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

103

بمقتضى هذا التشكيل تتحول الهوية بالرؤية الفلسفية المجردة إلى كيان مرحلي تتعاقبه

أطوار تسلسلية تماثل مراحل التكوين البيولوجي لدى اإلنسان، تتداخل ضمن نسق زمني

يحدد اآلليات وتتمظهر من خالله أفعال الذات كتيار متدفق مهما زادت سرعته وهيجانه فهي

تحافظ على شكلها الهوياتي، وفي هذا الصدد يطرح ريكور مثال يرى على أنه "يمسنا جميعا

من قريب هو ديمومة الترميز الجيني لفرد بيولوجي، إن ما يبقى هنا هو تنظيم نسق تركيبي،

إن فكرة البنية المعارضة لفكرة الحدث تتماشى مع هذا المعيار للهوية، وهو أقوى ما يمكن

P152Fمن المعايير، هذه الفكرة تثبت الطابع العالئقي للهوية"

1P .

غير أن هذه الفكرة ال تعالج بشكل نهائي مفارقات الهوية بأشكالها الثالث، وعليه يمكن أن

نستوضح هذه المفهمة الريكورية بشكل أوضح من خالل التساؤالت التالية:

ما طبيعة هذا الطرح المفاهيمي لهذه األنماط الثالث من الهوية؟، وكيف سيحركها ريكور

ضمن األنساق الفكرية، وكذا ضمن المجال التداولي اإلجرائي أي في حدود إتصالها بهذا

العالم؟، وما هو التصور الذي يطرحه ريكور للموازنة بين الشكلين األولين للهوية؟.

.256- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق ، ص 1

Page 104: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

104

: l’identité-idem ( Mémeté)أ/ الهوية المتطابقة

يقارب ريكور ببن هذا النمط من الهوية وفكرة الزمن، مما يجعل من الهوية المتطابقة

تقارع مفهوم الجوهر األرسطي ومفهوم الهوية المنطقي الرياضي بأن الشيء يكون هو هو،

: هي نفس كمية الشيء Mémetéوال يتغير مع الزمن، وبذلك فالهوية بمعناها المتطابق

في نفس كمية الزمن "مع العلم أن بأن استدامتها الزمنية تشكل درجتها األقصى التي

P153Fيتعارض معها المختلف بمعنى المتغير والمتقلب"

1P .

فالهوية المتطابقة تتقوم من خالل الزمانية، أي بمعنى أنها الشيء الثابت المستمر الذي

ثبات هذه الهوية داخل تيار الحياة المتدفق مع إستمرارية الزمن. يحافظ على

هذه اإلستمرارية ستتعين من خالل مفهوم الميزة أو الخاصية، المتعلقة بي وكذا باآلخرين،

فبما أنني لست سوى ميزة لشيء فأنا حاضر مستمر، ألني لن أكون غير أنا مهما تحرك

هذا الزمن. لكن لكي أظل أنا هو ذاتي داخل حركة الزمن يجب أن نثبت أوال على أن هذا

الزمن هو مستمر ودائم، وغير ذلك (إنفصال الزمن) يشكل تهديدا فعليا للهوية التطابقية، وال

يمكن أن "يزول كليا إال إذا استطعنا أن نطرح، في أساس التشابه واإلستمرارية غير

P154Fالمنقطعة للتغيير، مبدأ الديمومة في الزمان"

2P .

فعندما أتساءل ماذا أكون أنا، فإني أبحث عن ما يصلني بهذا الواقع ويعرفني داخله، فال

أكون أنا (س)، ثم أتحول إلى أنا (ص) مثال، فلكي أكون في اتصال منتظم مع هذا الواقع

يجب أن تكون لهذه األنا صفاتها تحافظ عليها مدى حياتها، وتشكل في نهاية المطاف هوية

خاصة أهم صفاتها الثبات واإلستمرار والالتغير والالتبدل.

.70- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق ، ص 1

.256- المصدر نفسه، 2

Page 105: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

105

: l’identité-ipse (ipséité)ب/ الهوية الذاتية :

قبل الخوض في مفهمة هذا النمط الهوياتي، نتساءل ما هي الحلقة التي يسبح في فلكها

كي يحدد لنا طبيعة هويتنا الذاتية؟. من؟" السؤال "

يجيب بول ريكور عن ذلك مستشهدا بمارتن هيدغر وحنة أرندت، فيقول: أن "هذا السؤال ينم

عن قربى أكيدة مع إشكالية الذات (..)، عند هيدغر إن البحث عن ال من؟ ينتمي إلى

(Hannah Arendt) إن حنة أرندت .الدائرة األنطولوجية عينها التي تنتمي إليها الذاتية

الذي تعارضه (action)المتأثرة به تلحق السؤال من ؟ بتمييز خاص بدائرة مفهوم العمل

P155F1"(œuvre) ومفهوم المصنف أو األثر (travail)مع مفهوم الشغل P لكن يظل المعنى ،

الذي تطرحه علينا أرندت ملتبسا نوعا ما، فسيقابله سؤال أي عمل هذا الذي يرتقي إلى

مستوى المقولة األنطولوجية للهوية الذاتية، فيجب على هذا التحديد أن يفلت من تنميط هذا

العمل على أساس "التحديد الذي يتناول "شيئا ما" حين يعتبر أن هذا األخير مجرد أحد

P156Fموجودات العالم الواقعي الحقيقي"

2P .

وأمام هذا اإللتباس حول الصيغة اإلستفهامية من؟ و ماذا؟، يحدد بول ريكور طبيعة الهوية

. (Promesse) "الوعد"الذاتية من خالل مقولة أخالقية هي

فعندما أتقدم بوعد ما فاني أحمل أنا الشخص األول اإلستمرارية المستقبلية لهذا الوعد، وأن

فقد تركن الهوية أتثبت من وجود هذه اإلستمرارية في كل مرحلة من مراحل وجود هذه األنا،

في أشواطها التاريخية من خالل "مظهر أساسي يجسد ديمومتنا داخل الزمن، والمتمثل في

. 161، 160- المصدر نفسه ، ص 1

.162- المصدر نفسه ، ص 2

Page 106: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

106

الوفاء بالوعد المعطى، والذي يعبر عن وفاء الشخص لذاته، وفي هذه الحالة يكون الشخص

P157F1"(soi- même)وقبل كل شيء هو نفسه P.

كمقولة أخالقية ال كمقولة وجودية محضة، أي (ipséité)وبهذا ستحدد الهوية الذاتية

مرتبط بالتزام (acte)يمكن تعريفها على أنها هوية أخالقية تتمظهر في هذا الوجود كفعل

دائم ووفاء مطلق لهذه األنا مع سيرورة الزمن المستقبل.

لكن تجاه من ستبدي هذه األنا وفاءها والتزامها؟

اإللتزام والوفاء يكون تجاه األنا أو الذات األولى التي أطلقت هذا الوعد، فيجب أن تتشكل

هويتي الذاتية بأن أكون أنا ذات الشخص الذي رفع تحد الزمن، فأن أطلق وعدا مستقبليا

فمعناه أني أتحدى هذا البعد الزمني بكل وثوقية األنا المحافظة على كيانها والمتحملة لتبعات

أفعالها الخلقية. حيث يقول ريكور : أن "الوفاء بالعهد والوعد، يشكل على ما يبدو، تحديا

للزمن ونكرانا للتغيير: على الرغم من تغيير محتمل لرغبتي ومن تغيير لرأيي ولميلي فإني

P158F"أبقى على العهد""

2P .

لكن ال تعني زمانية الذات أن تكون هناك هوية شخصية تحمل نواة ثابتة وقارة في هذه

)الشخصية، وهذا ما يؤكد عليه ريكور حين يقول : "إن أطروحتنا ستكون بأن الهوية بمعنى

ipse) (ذاته) ال تحوي ضمنا أي تأكيد يخص وجود نواة ال تتغير تحويها الشخصية، وهذا

P159Fحتى حين تقدم الذاتية صيغا معينة للهوية"

3P وهو يقصد هنا الطريقة التي حلل بها فكرة) .

الوعد).

1- János Kelemen, L’altérité de l’autre, un hommage à Paul Riceour, in, Le même et l’autre – identité et différence- actes d’un congrès international, op cit, p 104.

.266- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص 2

. 70 ص ، - المصدر نفسه 3

Page 107: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

107

لكن أي هوية ستحمل وحدة هذه الذات وتجعلها تستقصي أنجع المسالك لولوج عالم المستقبل

بأكثر ثبات ويقينية؟.

ج/ الهوية السردية :

يقول ريكور: "إن الطبيعة الحقيقية للهوية السردية ال تتكشف، في نظري، إال في ديالكتيك

الذاتية والعينية، وبهذا المعنى فإن هذه األخيرة تمثل المساهمة األكبر للنظرية السردية في

P160Fتكوين الذات"

1P.

هذا المنطلق التعريفي يجعلنا نموضع الهوية السردية في ثنايا هذا الديالكتيك، بين هوية ذات

كائنة من خالل ميزاتها، وهوية أخالقية يمثل اإللتزام الخلقي عماد وجودها، إذ يعمد هذا

الديالكتيك إلى تدارك إغتراب اإلنسان في هذه الحياة، والى إعادة النظر في مفهوم السرد

ذاته واستيعابه، ألجل فهم الذات بالنظر إليها في مجالها التفاعلي مع اآلخر.

فالسرد سيقتحم هذه الحياة ويبحث في ديناميكية الذات داخلها، يجعل من هذه الذات تستحث

مطية الزمن، ال أن يكون الزمن هو الذي يخترقها وينعكس عليها مغيرا من مالمح هويتها.

فالسرد عند ريكور سيمثل إذا تجربة وممارسة بالنسبة لألنا، تتأكد من خاللها هذه األنا على

أنها هي ذاتها على الدوام برغم ما قد تظهره تقطعات الزمن أحيانا من تغيرات في مظهر

.الشخصية

هذه الشخصية ستندمج من خالل السرد في ديمومة الزمن، وتتغلف بهذه الديمومة، غير أن

فالهوية الحقيقية لشخصيتي تتحدد من خالل وحدة الحياة، ووحدة الحياة تنوجد من خالل

P161Fالسرد. والسرد يمنحنا هوية قارة لهذه األنا "تبنى باتصال مع هوية الحبكة"

2P .

. 294المصدر نفسه، ص - 1

.295- المصدر نفسه، ص 2

Page 108: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

108

ولتوضيح األمر أكثر يستشهد ريكور بيدلتاي، إذ يقول :"حين صاغ ديلتاي مفهومه ترابط

الحياة، فإنه كان يعتبره بشكل عفوي مساويا لمفهوم تاريخ حياة، إن هذا الفهم األولي للداللة

P162Fالتاريخية للترابط هو ما تحاول النظرية السردية أن تفصله"

1P .

هذه النظرية قبل أن تفصل وتؤسس لمفاهيمها، انطلقت من هذا المبدأ الثابت لدى ريكور،

P163Fوهو "أن الهوية المفهومة يمكن أن تدعى باتفاق لغوي، هوية "الشخصية""

2P .

هذه الهوية الشخصية سينظر إليها ريكور من خالل منظور هرمونيطيقي للزمانية، أي تتبع

جميع مسارات حياة األنا مع مراعاة تغيرات وتقلبات الزمن، وهذا المنهج سيجعلنا نتأكد من

أن االنزياح في الحركة الزمانية ال يؤثر على هذه األنا، بل ستحافظ على شخصيتها،

. (ipséité)وبالتالي فالهوية السردية تساعد على اكتشاف الهوية الذاتية

وعليه ستكون الهوية السردية "مكان التقاء الحدث والخيال، الحقيقة والقصص المنسوجة

حولها، ذلك أن الهوية السردية هي بالتمام عكس الهوية المجردة، وفي هذه الهوية يلتقي

P164Fالزمن الكوني الخارجي مع الزمن المعاش"

3P .

صياغة الحياة من خالل قالب قصصي سيكون بمثابة إعادة بناء لهذه الحياة بطريقة سردية

لنحافظ على وحدة الذات من حيث هي سرد لهذه األنا داخل نسق الغيرية، بما أن هذه األنا

غير موجودة لوحدها، بل هناك دائما اآلخر الذي سيكون لوجوده األثر األكبر في عملية

السرد واستيعاب األنا لمختلف أطوار حياتها الزمانية.

.295- المصدر نفسه، 1

. 295 - المصدر نفسه، 2

.661- المصدر نفسه، ص 3

Page 109: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

109

فالشخصية إذن ستتمظهر من خالل فعل السرد اللغوي، فهو يحوي طابع المعقولية من

ترتيب وتنظيم ألحداث الحياة واعطاء المعنى المالئم لها، إذ يتوسط المسافة القائمة بين

الذات والعالم الخارجي، ويعبر ريكور عن ذلك بقوله: "إني أحاول بهذا أن آخذ بعين

اإلعتبار التوسطات المختلفة التي تقوم بها الحبكة. وذلك بين تعدد األحداث والوحدة الزمنية

للقصة المحكية، بين المكونات المتباينة لسير األحداث (النيات واألسباب والصدف)،

P165Fوتسلسل القصة وترابطها، وأخيرا بين التتابع المحض ووحدة الصيغة الزمنية"

1P .

بمقتضى هذه المعطيات الريكورية حول فعل السرد وحركية الزمن، علينا التوقف عند شيء

مهم في هذه العالقة، وهو أن فعل السرد ال يعني تحجر الذات في الماضي، عندما أروي

هذا الماضي فأنا لست سجينا له وال ضحية ألفاعيله، بل أنا أستحضره وأعيده ثم أقدمه

بشكل يجعل من سردي له ذو طابع خاص يضع الماضي ضمن قالب جديد، تعرض فيه

الذات تجربة األنا الماضوية بطريقة لغوية تجعل من الذات هيكال كليا تتالحم جزئياته فيما

بينها بفعل علل جوهرية ثابتة. "فالهوية ليست ماضوية، فهي ليست ذكرى بشكل حصري، وال

تتجذر فقط في التاريخ المأرخن، فالقصص أو الراويات، واألثار واألطالل ليس لها معنى إال

P166Fفي عالقتها بالحاضر"

2P .

فسرد الماضي أو المساءلة حيال ميزته وحركيته وتغيراته، ليس إال محاولة لنبش ما وراء هذا

الماضي من ممكنات، والتطلع إلى ما سيحدث من مستجدات، فالحاضر بوصفه أمرا حتميا

ال تتأتى إكتشافيته إال من الماضي كمنطلق، فوجه المساءلة حيال الحاضر يتماهى ضمن

إشكاليات الماضي ومعطياته، وهذا لن يتأتى إال مع استيعاب دقيق للمعطيات الماضوية،

.296، 295- المصدر نفسه، ص ص 1

.82- التريكي فتحي، بول ريكور فيلسوف الغيرية، ضمن مجلة أوراق فلسفية، مرجع سابق، ص 2

Page 110: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

110

باعتبار الماضي النموذج اإلجرائي الموجه للممكنات والتوقعات، فالماضي هو من صنعني

لكن بحكيه أنا أصنعه وأصنع ذاتي من جديد.

إذن ففعل السرد اللغوي يشير إلى ذات فاعلة تسرد قصة حياتها وتتواصل مع اآلخر، بتجاوز

كل نزعة مركزية واقصائية، فهذا السرد المرسل عبر لغة مشبعة بالرمزية يجعل من الذات

خالقة للرمز من جهة وخالقة لنفسها فيه، مقيمة حوارا فعليا بين مختلف الثقافات

والحضارات.

إذ من خالل السرد تتمثل أمامنا حقيقة الذات على أنها ليست قضية معطاة بل هي في حالة

دائمة للبناء وتشكل لعوامل الهوية، هذه العوامل التي ال تبدو أمامها سوى ميكانزمات جزئية

تتحرك من خالله الذات داخل نسق الغيرية، فتنظر إليه بشكل تجريدي تعميمي، بحكم تواجد

هذه العوامل على طول المسار التاريخي بصفة ضرورية يتعذر تحقق غيرية الذات من دونه،

ف "هذا التعريف الجديد للهوية بكونها، امتدادا، ووفاء للذات، وتغير وتحول يعطي

لإلختالف والغيرية وظائفهما التكوينية في األنا، فالهوية ليست انغالقا أو انطواء على الذات،

P167Fإنما باألحرى، انفتاح، وفهم، وتواصل وفاعلية"

1P .

هذا ما سعت إلى تكريسه فلسفة بول ريكور، بالبحث عن الذات وعن هوية األنا وفق منطق

ونواميس ثابتة تتخطى الظروف الزمكانية، وتحافظ على هويتنا الشخصية التي تركن في

ثنايا المفاهيم المشاركة في مأسسة مفهوم الغيرية.

فكيف ستتشكل هذه العالقة بين الهوية والغيرية؟ وما هي األطر المنهجية التي سيختارها

ريكور لتتماهى بناء عليها حدود هذه العالقة؟.

.82-التريكي فتحي، بول ريكور فيلسوف الغيرية، الرجع نفسه، 1

Page 111: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

111

المبحث الثاني

الهوية والغيرية

Page 112: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

112

الهوية السردية وتجربة الغيرية: -1

إن غاية التفسير الريكوري لسؤال الهوية ومدى مساهمته في بعث الوعي الذاتي لنسق

الغيرية، ال يقتصر على تشخيص النزعة الذاتية أو الفردانية التي تسعى الذات أحيانا ألن

تحتضن الوجود وتسيد األنماط الهوياتية من خالل صوره اإلنغالقية لألنا، بل ستتمظهر

تجربة الغيرية لدى ريكور ضمن الشخصية الجماعية التي تعد لب وحقيقة األنا، ألنها تجسد

تطبيقات التعرف على األنا في ثنايا الحياة االجتماعية، فهي السبيل الذي تسلكه األنا في

اكتشاف اآلخر المنبث داخل هذه الشخصية الجماعية والمنكشف لها عن طريق السرد. إذ

يرى ريكور أن: "تكوين الهوية السردية، سواء أكانت لشخص مفرد، أم لجماعة تاريخية، كان

الموقع المنشود لهذا اإلنصهار بين السرد والخيال، وأن لدينا استباقا حدسيا لفهم هذه الحالة:

أفال تصير حياة الناس أكثر معقولية بكثير حين يتم تأويلها في ضوء القصص التي يرويها

P168Fالناس عنها؟"

1P .

مما ال شك فيه أن اإللتفاف حول الذات ال يعدو أن يكون ضرب من تكريس البعد الهوياتي

الواحد الحامل في طياته لذات ال تملك مرجعيات وجودية توجهها وتبرر مسعاها البنائي

التواصلي مع باقي الذوات األخرى، فتبدو األنا "وكأنها تحمل في ذاتها التهديد باالنكماش

على الذات واالنغالق، بعكس اتجاه االنفتاح على البحر الشاسع وعلى أفق الحياة الخيرة

P169Fالجيدة"

2P .

فلسفة بول ريكور-،، ترجمة وتقديم سعيد الغانمي، المركز الثقافي –- بول ريكور وآخرون، الوجود والزمان والسرد 1

. 251، ص 1999، 1العربي الدار البيضاء المغرب، ط

.360- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص 2

Page 113: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

113

فداخل هذه الحياة ستتجسد الذات على أنها شعور األنا باالنخراط ضمن تجارب خارج هذه

الذات، أي تشترك كفردية ضمن المجموعة اإلنسانية، على أن تظل دوما رهن استعارة زمنية

باعتبار أنها ال تنفك أن تكرر طرح سؤال من أنا؟، باحثة عنه داخل سيرورة الزمن أو من

خالل فعل االسترداد الحامل له فعل السرد اللغوي، والذي يمنح من خالله ريكور السلطة

، يمكنه السرد من إقامة جسور (Un être vivant)المعرفية لتقديم اإلنسان دوما ككائن حي

تواصل دائمة بين جميع اللحظات الزمنية التي عايشتها وتعايشها الذات، وكذا بينها وبين

الذوات األخرى، لتحتل على إثره الذات داخل نسق الغيرية مركز الوسط، فهي خالقة للرمز

ومانحة للمعاني المتعددة ألشياء العالم، والتي ال يمكن إدراكها بشكل معقول إال في ثنايا

التجربة السردية، فحياة الناس تصبح "أكثر معقولية حين يطبق عليها اإلنسان النماذج

السردية، (أو الحبكات) المستمدة من التاريخ والخيال (مثل مسرحية أو رواية)؟ يبدو أن

P170Fالوضع المعرفي (االبستمولوجي) للسيرة الذاتية يؤكد هذا الحدس ويثبته"

1P .

سؤال الذات المتكرر حول حقيقة األنا ال يعدو أن يكون محاولة لكشف هويتها، من خالل

استحضار تمثالت أناوات أخرى عرفت حقيقة الزمن وتمكنت من اإلحاطة بالصورة العاكسة

لهوية األنا الغير قابلة للتفكيك إلى وحدات وأجزاء، كما ال يمكن االستعاضة عن تجربة

الغيرية ألجل إدراك األسس المعرفية لوجود الذات، والتي ال يمكن أن تتحقق إال إذا تجاوزت

P171Fأنانا "الوعي والزمن"

2P.

وعلى الرغم من تباين الفروع المعرفية واألبعاد الداللية لنسق الغيرية، إلى أن الذات ستظل

داخل هذه التجربة تجسد توسطا لجدل الفرد والجماعة، متخذة من الممارسة السردية منهجا

.تبنى على ضوءه عالقات األلفة بين الذات وأشياء العالم

.251فلسفة بول ريكور-، مرجع سابق، ص –- بول ريكور وآخرون، الوجود والزمان والسرد 1

2 - Emmanuel Mounier, Révolution personnaliste et communautaire, Ed., Aubier, 1935, p.65.

Page 114: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

114

يعتبر ريكور أن هذه الممارسة هي ظهور ألفق المسافة الكامنة بين الذات والعالم

الخارجي، تتحدد على أساسها حركية تأويل الذات من حيث اإلحاطة بجدليات الهوية

والغيرية، كما تؤسس إلبراز أنماط الوظيفة التكاملية لها، إذ أن "السمات الرئيسية الثالث لكل

، أي تحول التفكير عن الخط المباشر ومروره بالتحليل، (détour)تأويلية الذات، هي الدورة

P172Fثم ديالكتيك الهوية الذاتية والهوية العينية، وبعدها ديالكتيك الذاتية والغيرية"

1P .

وبالتالي ال يمكن استيعاب توجهات الذات الداخلية والخارجية من دون مقاربتها وظيفيا

بشتى المعطيات الوجودية التي ساهمت في انحالل الذات داخل نسق الغيرية، فهذه األخيرة

"ال تضاف من الخارج إلى الهوية الذاتية، كما لو كانت تريد أن تحميها من االنحراف

، ولكنها تنتمي إلى فحوى معنى الهوية الذاتية والى تكوينها (solipsiste)المتوحدي

P173Fاألنطولوجي"

2P .

فمعرفة الذات لم تتسم يوما بالجهوزية واالكتمال، بل هي دوما في محاولة دؤوبة للتكيف مع

المعطيات الوجودية مهما اختلفت صيغتها، وعليه يمكن فهم طبيعة الذات الباحثة عن هوية

األنا بأنها تتصف بالتكون والتدرج والتشكل، ألنها في حالة بناء دائم وفق ديناميكية متكاملة

تعمل على تحرير األنا من تلك النزعة الذاتانية، وجعلها منبثة في هذا الوجود عن طريق

جدل الذوات المتفاعلة الخاضعة كلية لمفهوم الفعل، وفي هذا السياق "يقول أرسطو بأنه من

الممكن أن توجد قصة دون "سمات طباعية"، ولكن ال يمكن أن توجد "سمات طباعية" دون

.93بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق ، ص - 1

.588- المصدر نفسه، ص 2

Page 115: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

115

قصة (..)، وبذلك كفت الشخصية عن كونها ملحقة باألفعال تماما وجسدت فورا ماهية

P174Fنفسية"

1P .

غير أنه ال يمكن فهم طبيعة هذه الشخصية الفردية المتمثلة في األنا وتحديد هويتها إال من

خالل انعكاس صورتها في اآلخر، الذي يحقق لها ذاتيتها وانوجادها داخل الزمن، والذي له

داللة وحضور على المستوى األنطولوجي والفينومينولوجي، فتأويلية الذات تسير على أثر

الوجودية بفعل مشروعيتها الرهان األنطولوجي لوجود اآلخر، الذي يمثل بالنسبة لها أساس

التأثير والتأثر.

"على الصعيد فأفعال الذات هي وليدة مظاهر وجودية أخرى كانت علة لها، ف

الفينومينولوجي الفعلي، هناك طرق متعددة يؤثر فيها اآلخر غير الذات في فهم الذات لذاتها

ويرسم بالضبط االختالف بين األنا التي تقيم وتتثبت، والذات التي ال تعرف نفسها إال من

P175Fخالل هذه التأثيرات عينها"

2P فاألنا لن تكون أنا ولن تتمكن من التعرف على نفسها إال إذا ،

. (un être-avec)إنوجدت مع اآلخرين

وانطالقا من هذا التعدد الداللي لمعنى اآلخر، وأمام المسافة الوجودية الكائنة بين وجود األنا

ووجود اآلخر، ستظهر إلى العيان مساحة فاصلة بين يقين الذات وبداهة مشاركة اآلخر في

هذا الوجود، ستحمل هذه المساحة تناقض مستوى خطابين أساسيين، الخطاب

الفينومينولوجي والخطاب األنطولوجي، وها هنا سيبرز اللعب على مستوى كال الخطابين

بحثا عن أسبقية التأسيس للميتا- مقولة الخاصة بالغيرية، والتي تسعى ألن تزاوج بين عمل

الغيرية وأفعال الذات.

- روالن بارث، نص البحث، ترجمة: مريم سليم، صمن، مجلة العرب والفكر العالمي، العددان السابع والعشرون والثامن 1

.90، مركز اإلنماء القومي ييروت، ص2009والعشرون،

.606- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق ، ص 2

Page 116: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

116

غير أن ريكور يرى أن التأسيس الخاص بما بعد مقولة الغيرية ال يمكن استيعابه إال من

خالل "تنوع تجارب السلبية التي تتشابك بطرق متعددة بالتصرف البشري، فتعبير الغيرية

P176Fيظل وقفا على الخطاب التأملي، في حين أن السلبية تصبح اإلقرار نفسه بالغيرية"

1P .

وهنا سنتساءل: عن أي سلبية يتحدث ريكور؟، هل سلبية الذات؟ أم سلبية اآلخر؟ أم سلبية

الذات تجاه اآلخر؟.

يعتقد ريكور على أن الذات تواجه مؤثرات ذاتية وخارجية تستهدف وجودها وتتهدد بناء

عليه باالنحالل والتفكك، كما هو الحال مع كوجيتو ديكارت المجروح أو الذات المذلة مع

فالسفة الشك، أو كما يحبذ أن يدعوها هو بالفلسفات المضادة للكوجيتو، فال مناص إذن

أمام الذات إال أن تمتنع عن احتالل موقع التأسيس في هذا الوجود، إذ ال يجب أن توجد

كماهية ثابتة بقدر ما يجب أن تتمظهر في هذا الوجود من خالل مغايرة الذات لذاتها

ونسبتها دوما إلى شيء آخر، ليتحول التأسيس من الذات إلى الغيرية، ويصير اآلخر عنصرا

فعاال في تعيين وتحديد هذه الذات.

على إحداث (Négativité) وبناء على هذا سترتبط الغيرية بالذاتية وفق قدرة الذات السلبية

مسافة داخل مجال الوعي بينها وبين اآلخر، كما ال يمكن اإلقرار بهذا االتصال

P177F(غيرية/ذات) "إال في تجارب متفرقة بحسب تنوع بؤر الغيرية"

2P .

هنا يحاول ريكور صياغة وبسط الحدود المعرفية لما يسميه بمثلث السلبية للذات، والذي ال

تنفصل الغيرية عن أطرافه الثالث، فيجعل من تجربة الجسد الحد األول لهذا المثلث، وعالقة

الذات بالغريب ثاني هذه الحدود، وآخر حد تمثله عالقة الذات بالذات عينها "والتي هي

.589المصدر نفسه، ص - 1

.590- المصدر نفسه، ص 2

Page 117: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

117

(الوجدان األخالقي) ال الكلمة ( Gewissen )الضمير بمعنى الكلمة األلمانية

(Bewusstsein)"(الوعي النفسي)P178F

1P .

لم تطرح هذه التراتبية الثالثية على هذه الشاكلة بشكل اعتباطي، بل كلحظة تأسيس متطلع

تتوق فيها الذات لمعاينة وجود يروم خلق أفق إلنسانية مستقبلية مشتركة قادرة على النظر

من خالله لذاتها من زوايا يحددها نسق الغيرية بما يحمله من تعقيدات، إذ يقول ريكور: أننا

"حين نضع بهذه الطريقة الضمير ثالثا بالنسبة إلى السلبية- اآلخرية للجسد الخاص وكذلك

إلى الغير (اآلخر) فإننا نبرز التعقيد غير العادي والكثافة العالئقية للميتا- مقولة (ما بعد

P179Fالمقولة) لآلخرية (الغيرية)"

2P .

ثالوث الغيرية هذا يبنى حسب ريكور من خالل فعل السرد فهو يتماهى زمنيا مع أفعال

الذات، ويضفي على العالقة ذات/آخر، طابع العقلنة من تنظيم وترتيب وتحليل واعطاء

المعنى لكل ما يتعلق بنسق الغيرية، فلم يعد األمر يتعلق بعد طرح هذه األبعاد الثالث

بتحديد عالقة األنا باآلخر، بالقدر الذي يكمن في تعيين المسافات التي يستقبل فيها األنا

هذا اآلخر صداما أو تجانسا، وهنا سيطرح أمامنا تساؤل محوري: ما طبيعة هذه العالقة وما

طبيعة التأثيرات التي يحدثها هذا اآلخر في ترسيم وجود الذات وفي تحديد غيرية كل ما هو

غير؟. وهل ستتحدد هذه العالقة وفق منطق الوجود أو منطق الوعي؟.

590- المصدر نفسه، ص 1

. 590- المصدر نفسه ، ص 2

Page 118: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

118

0TP180Fبراديغم من - الغيرية:2

*P0T الوعي. براديغم إلى الوجود

عرف أرسطو اإلنسان انطالقا من خاصية جوهرية تقع في مكان خارج حدود الذات، فنعته

بالحيوان المدني، أي يمكن التعرف عليه من خالل نظرائه المشاركين له في هذا الوجود،

وهنا يحضر براديغم الوجود ليمثل مدخال ضروريا في تحديد شتى أشكال الغيرية، مع

اضمحالل تام للمسافة القائمة بين األنا واآلخر.

ووفق هذا المعطى سننتقل إلى البحث عن الغير داخل الفضاء الداخلي للذات، لتتولد عالقة

Pأصلية بين األنا واآلخر تبلغ درجة التذاوتية المتعالية

*P0TP181F

∗P0T في ثنايا فضاء متجانس يدعى

الغيرية، تستشعر من خالله األنا وحدتها وتمايزها أمام كثافة وتنوع حضور أشياء العالم،

وفي اآلن ذاته تستشعر هذه األنا الوثاق الشديد الذي يصلها باآلخر ليتحدد وجودها داخل

هذا العالم في اإلطار الذي يرسمه له اآلخر، وعليه ستكون "الغيرية هي اآلخر، هذا اآلخر

الذي لست(ه)، (..) هو يؤسس هويتي، فرادتي، ما هو خاص بي وما نملكه معا ألن آخر

P182Fال"أنا" في ال"نحن" يملك من هويته نفسه، فرادتها، فالغيرية في هذا هي مولدة للعالقة"

1P .

عالقة ستتجلى من خاللها الذات كحقيقة وجودية تحوي العالم ويحتويها العالم، فتستعين في

إثبات وجودها إلى غيرها، أي الذات األخرى التي تمثل الجسر الذي يصلها بالعالم،

لتتداخل مفاهيم اآلخر والجسد والغريب وأشياء العالم داخل فضاء الغيرية الحامل للوجود

الفعلي لإلنسان، والمنتج الحقيقي آلليات إدراك الذات للعالم، وهذا ما يشبهه ريكور بلحظات

- يشير لفظ البراديغم في اللغة اليونانية إلى معنى النموذج. لكن نوظفه في هذا المكان ليحمل المعنى الالتيني أال وهو *

البرهنة. أين أن الغيرية هي على محك البرهنة على وجودها وعلى مدى ارتباطها بعالم الوعي.

- المقصود بهذا المفهوم هو انصهار مطلق لمجموعة من الذوات المتعددة في بوتقة وجودية واحدة. *∗

.37، ص 2007، 02- كاتي لوبالن، لقاءات الغيرية عند هيدغر الثاني، ضمن، مجلة أيس، العدد 1

Page 119: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

119

التعاقب الزمني، كما "نفعل نحن مع صورتنا عن أنفسنا في أعمار متعاقبة من حياتنا، وكما

P183Fنرى فإن الزمن هنا هو عامل عدم تشابه وابتعاد واختالف"

1P .

غير أن تقوقع وقبوع الذات في المجال األنطولوجي وفي نطاق الوعاء الذي يفرضه اآلخر

يمثل إنتقاصا لهذه الذات التي ستعايش صراعا أنطولوجيا مستمرا مع هذا اآلخر ألجل انتزاع

اعتراف بوجودها الحامل لشتى أشكال الوعي، وهذا ما يرفضه كانط في نصه الشهير "ما

.هي األنوار؟"

حول االوفكالرونغ (paster Zoller) القس هيجيب كانط عن سؤال طرح

(l’Aufklarung):إن مفهوم، ليقول" l’Aufklarung باألنواريترجمlumières (بالجمع)

هي اقرب ما تكون باألنوار لهذا فإن ترجمته licht تقابلهااألنوار باأللمانية كلمة أن ولو

مركب ) substitutif هو استبدالي(l’Aufklarungن المصطلح أ وأدبيةترجمة

حضورعني )، تung( األلمانية اإلضافة – و) أنيرéclairer( الذي يعني )auflaren(من

objet("P184F2(موضوع ك أوحالة ك نتيجة لهذا الفعل، أو الحدوث أثناءفعل الP .

يفسران اللذان"أن الكسل والجبن هما السببان ه ما هي األنوار؟ يعتقد كانط على أن نص في

بقاء السواد األعظم من الناس، برغبة منهم، قاصرين على الرغم من أن الطبيعة قد حررتهم،

منذ زمن بعيد، من كل توجيه خارجي مما يسهل على البعض فرض ذواتهم عليهم

185Fكأوصياء"

وتوظيفه بشكل يجعل الذات أكثر عدم استعمال العقل، هذا مرده بالدرجة األولى 3

لفرض وصايته المطلقة على هذه الذات المجال لآلخرسيفسح مما دينامية في إقتحام العالم،

.256بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص- 1

2- Jean Mondot (textes et choisis et traduits par), qu’ est- ce que les lumières, presses

universitaires de bordeaux France, 2007, p08

.07 ص (ملف العدد حول كانط)، مؤسسة األخبار للصحافة الجزائر، ، 2005 ، جوان1 العدد،مجلة ايس - 3

Page 120: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

120

وجعلها منغلقة على نفسها، وال يمكن لها أن تفكر إال من خالل اآلخر الذي عرف معنى

اإلستنارة، واذا ما قاربنا مفهوم األنوار على الشاكلة التي يطرحها كانط نجد على أنه دعوة

هو المعنى الراجح و ،"penser par soi- même"ه "التفكير باالعتماد على ذات :للفرد إلى

P186F للمفهوم"األساسي بالنسبة له المعنى األخيردالليا عبرها، ويبقى في

1P.

علينا جعله حرايتوجب األول عمومي وحسب كانط يخضع لمعيارين، لعقل ااستعمال

المصلحة العامة ا تقتضيه خاص يمكن الحد منه، بمالشكل الثاني ووتخليصه من كل القيود،

عليه أن يلتزم كونه عضو في المجتمعة ألوامرها،طاعالخضوع وال على الفردتفرضف

يقول كانط :"ينبغي أن يكون االستعمال العام لعقلنا حرا على بقوانينه، وفي هذا السياق

الدوام، ألنه الوحيد القادر على نشر األنوار بين الناس، بينما يمكن أن يحد االستعمال

187Fالخاص، دون أن يمنع ذلك تقدم األنوار بشكل ملموس"

2 .

فيجيب بالنفي، ،بعد هذا التفريق يطرح كانط سؤاال جوهريا هو "هل نعيش عصرا مستنيرا؟"

األنوار ال تعني مجرد تغيير سوسيو ثقافي في مجتمع وال مرحلة تاريخية نسرد أحداثها ألن

ونغلق صفحتها، بل هي كما يفهمها هو "حالة خروج اإلنسان من وضعية القصور

(Minorité) التي وضع نفسها هو فيها"، لذا فهو يأمر هذا اإلنسان القاصر فيقول: "فلتكن

لك الشجاعة في استعمال ذاتك وفهمها الخاص".

هذا التحدي الكانطي سيفعل براديغم الوعي بدال من براديغم الوجود الذي تتمظهر فيه الذات

على أنها أسيرة لكل ما هو آخر الذات، أين ستعلمنا حركة الوعي الكانطي للذات كيف يجب

أن تتحرر هذه األخيرة من سلطة اآلخر، ومن كل وصاية يفرضها عليها كي تظل تابعة

بشكل دائم له، فيكون هو المحدد والمؤطر لمختلف مظاهر وجودها.

1- Jean Mondot , qu est- ce que les lumières, op.cit , p15.

. 08، ص(ملف العدد حول كانط (التقديم)) ، 2005 ، جوان1 العدد،مجلة ايس - 2

Page 121: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

121

تؤسس و،المعرفة بالعقل النظريتدرك أن تكون ذاتا نقدية،لذات المتعاليةكانط ل أراد

وهي في جملتها إشارات تحيل ، الحكمةالحكم الجمالي بملكتستقي و،األخالق بالعقل العملي

من جهة وحضور النقد الذاتي من جهة ثانية، وعليه "يظهر المنعرج مبدأ الذاتيةإلى حضور

الكانطي عندما يرتد العقل على نفسه، ويعتبر أن اختبار مجاله الخاص (للنقد)، هو اعتراف

P188Fبامتياز لحدوده. بذلك ستتعرف كل النماذج النقدية على نفسها بالنسبة للنقد الكانطي"

1P .

فحسب كانط تتحمل الذات جزءا من مسؤولية هذه السلطة المفروضة ألنها ترفض التفكير

الحر وترفض إدراك حركة الوعي الداخلي المؤشر الفعلي لوجودها، ما يجعلها غير قادرة

على الخروج من الحالة اآلمرة واالنقيادية لآلخر، إال في حالة ما إذا خضعت لعاملين

حاسمين يسهمان في إنعتاقها هما اإلرادة الشجاعة واالستعمال الحر للعقل، أين يكون حرا

وملتزما بالقانون داخل فضاء مجتمعات عادلة.

وهنا ستفهم حداثة كانط على أنها ال تعني انغالق الذات حول ذاتها بل هي لحظة أنوارية

نجده يقف لميشال فوكولسؤال األنوار الكانطي قراءةوفي تنبثق عنها ذات واعية بوجودها،

عند اللحظة النقدية التي يدشنها فيلسوف التنوير، فيرى انه دشن سؤاال جديدا هو السؤال

"حسب فوكو ال يعد سؤاال الحاضر هذا الجديد عند كانط، ف ،عن: حاضرنا، عن الراهن؟

189Fلكيفية الجديدة التي قارب بها كانط حاضره"ابل ما يمكن اعتباره جديدا واكتشافا مهما هو

2.

لقد استقى ريكور من خالل الرؤية األرسطية والكانطية لعالقة الذات بآخر الذات تصوره

لماهية اإلنسان كذات اجتماعية، وكذات تاريخية تنحو منحى الدين بالنسبة للزمن الماضي

واألمل والتنبؤ للزمن المستقبل، أين سيبرز اإلنفتاح تجاه اآلخر كنزعة إنسانية، تقصد الذات

1- Denis Houard, la critique après Kant, Revu philosophique, Tom 39, Année 124, PUF,

Paris, 1999, p148.

. 09ص ،2005، جوان 1 أيس، العدد، ضمن، مجلةنواراأل وحيد بوعزير ، فوكو و - 2

Page 122: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

122

العالم من خالله، أين يظهر العقل المتغير تغير أنماط الفعل، كعامل مشترك يتوسط براديغم

"إن الكالم والفعل والسرد الوجود وبراديغم الوعي، أو كما يعبر ريكور عن ذلك حين يقول:

) في سلسلة analogon(وتحميل المسؤولية هي كلها وبالتناوب أول عنصر من المماثلة

P190Fأشكال الفعل، وهو ما كان بإمكان كانط أن يدعوه بمصلحة العقل المتغيرة في كل حين"

1P .

بما أن هناك آخر، ال يمكن للذات أن تتمظهر إال من خالل السرد الذي يمثل توسطا بين

الفعل اللغوي والبعد األخالقي، من حيث أن الشخصية الحكائية داخل فعل السرد اللغوي

تعتبر (..) أول عناصر تبدي التزامها تجاه المسؤولية األخالقية المنوطة بها، فهي األخرى "

المماثلة في سلسلة استعماالت الفعل: ما الذي يعنيه التعيين من خالل الذات للمتكلم إذا لم

يكن صدق حديثه غير مفترض من قبل محاوريه؟ أيمكن لفاعل ما أن يعتبر صاحب أفعاله

P191Fإذا لم يقر بمسؤوليته على أفعاله أمام هيئة تقويم أو إقرار، أو اختصارا، أمام حكم أخالقي"

2P .

هذا اإلقرار األخالقي سيتماهى داخل فلسفة ريكور مع إلتزام أنطولوجي مشبع بتعابير اليقين

والتعيين المعرفي للحقيقة الذي ظهر إلى العلن مجددا بسبب ما يسميه ريكور بمعركة

0TP192Fالكوجيتو

∗P0T .

لذا سيحاول أن يقحم التأويلية إلرساء هوية ذاتية رهانها األنطولوجي هو اآلخر، وأساسها

الفينومينولوجي هو ثالوث الغيرية ( الجسد، الغريب، عينية الذات)، والذي يعد أهم تفاعالت

.128- بول ريكور، بعد طول تأمل، مصدر سابق، ص 1

.129. 128- المصدر نفسه، ص ص 2

- يقصد ريكور بمعركة الكوجيتو معركة الذات بين يقينية الذات مع ديكارت، واعتبارها مجرد وهم مع نتشه. أنظر: ∗

.556ريكور، الذات عينها كآخر، ص

Page 123: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

123

الهوية السردية، ألنه يحيل الذات عبر ممر الغيرية من مملكة الفعل إلى مملكة الوجود،

P193Fويعين على "التعرف إلى نوع الغيرية التي تقابله على المستوى التأملي النظري"

1P .

فما موقع الجسد أوال من تفاعالت هذه الهوية السردية؟.

وهل توظيف ريكور للجسد كصورة سلبية للغيرية يعد حلقة وصل بين الفينومينولوجيا

واألنطولوجيا؟.

.591- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص 1

Page 124: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

124

- الجسد بين مملكة الذات ومملكة األشياء. 3

هذا هو السؤال الرئيس الذي هل تتمثل هوية وجودنا في كوننا أجساد أم نمتلك أجساد؟.

كمنطلق فينومينولوجي لفهم حقيقة الجسد ومحاولة إدراك مكامن األبعاد اعتمده ريكور

األنطولوجية المحددة للمسافة الكائنة بين ذات الجسد وذات الروح، وبين الذات الشخص

واآلخر الشخص.

تقتضي مقاربة مفهوم الجسد عبر هذا التساؤل اإلحالة من الفينومينولوجيا إلى األنطولوجيا،

باعتبار أن أجسادنا تحيلنا دوما إلى العالم وموضوعاته لتضعنا في مواجهة مستمرة مع

الثنائيات الميتافزيقية "النفس والجسد" و"المادة والروح"، لتنتهي هذه المقابالت الوجودية بين

هذه الثنائيات بالفلسفة إلى طرح فينومينو-أنطولوجي، يحول بوصلة التساؤل حيال ثنائية

الجسد والروح إلى جدلية الجسد والشخص، أين سيعزل الجسد عن عالم العقول المحضة

ويتحول إلى مجرد موضوع من موضوعات المعرفة، تكمن وظيفته الفعلية في تحديد الهوية

الشخصية لكائن ما، عن طريق االحتكام إلى سلطة الصورة أو الشكل المادي للشخص، ليتم

في األخير تجزيء اإلنسان وتشييئه.

تحويل الجسد إلى مجرد مظهر من مظاهر الوجود ال يمكنه أن يعبر عن حقيقة الشخص

ومكامنه. بل -كما يقول ريكور- : "أن التأكيد الذي يقول بأن األشخاص هم أيضا أجساد

هو مجرد قيد لغوي حين نتكلم على األشياء كما نفعل دوما، ونحن لم نتوان عن القول بأن

P194Fاألشخاص إن كانوا أجساما كذلك فألن كل شخص بالنسبة إلى ذاته جسده الخاص به"

1P .

ومعنى الجسد هنا ليس ذاك الموضوع المنظور إليه من الخارج فقط، وليس ذاك اإلسقاط

كما يقول ايمانويل مونييه-–اللغوي للجسد ضمن الحدود المادية لألشياء، فعلى سبيل المثال

.591- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص 1

Page 125: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

125

: أن "قريبي مثال، يملك في جسده إحساسا ما لست بقادر على التأكد من حقيقته، غير أني

P195Fفي المقابل أستطيع رؤية جسده من الخارج ومعرفة طباعه وميزاته البيولوجية والشكلية"

1P.

فكيف يمكن إذن تحديد هوية شخص ميزته األساسية هي الجسد كموضوع منظور إليه من

الخارج فقط، أي بمعنى الخضوع لسلطة الصورة في تمييز التركيبة المادية لشخص عن

آخر، وعليه سيتم زحزحة وتحريك الشكل الثابت المحدد للهوية الشخصية إلى مجموعة

مواصفات فزيولوجية لظاهر جسد الشخص من لون وشكل وجنس وغيره، وهنا يمكن

استحضار نموذج بطاقة التعريف لنتساءل حولها فهل نعتبرها بطاقة هوية أم بطاقة ذاتية أم

بطاقة شخصية؟، فهل يمكن أن تحمل البيانات المحملة في هذه البطاقة أبعاد وجودي

المتعددة؟.

فمن الممكن أن أتقاسم مع شخص آخر نفس الجنس واالسم وتاريخ الميالد وذات المالمح

الفيزيولوجية، لتتطابق بياناته المحملة ضمن بطاقته التعريفية مع بياناتي، في حين أنه من

المستحيل أن أكون أنا، وشخص آخر في اآلن ذاته، وبناء عليه سيكون الجسد هو الشكل

المفترض للفهم المنتج لمعاني الذات.

وأمام هذا التداخل المفاهيمي نتساءل عن: ما هو المسار الذي تعاطت من خالله فلسفة

ريكور مع مفهوم الجسد؟، وهل استطاعت أن تفتح العوالم المحيطة بالذات كي يمكن

استيعابها بشكل نهائي من خالل معطى الهوية الشخصية؟.

قبل الخوض في الرؤية الريكورية لمفهوم الجسد تستوقفنا الفلسفة الديكارتية التي سعى ريكور

ألن يضمد جراح كوجيتوها، الذي أعلى من قيمة الفكر على حساب الجسد، حينما اعتبره

مجرد موضوع خارجي على الفكر، فوجود الذات كجسد خاص يعقب وجود األنا المفكرة التي

في (Donc)هي أساس كل إدراكات وأحاسيس الذات، وهذا ما يعبر عنه لفظ "إذن" 1 - Emanuel Mounier, Le Personnalisme, collection Que sais je, Ed P.U.F, Paris, 1975, p05.

Page 126: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

126

الكوجيتو، فالجسم لدى ديكارت "هو كل ما يمكن أن يحده شكل، هو كل ما يمكن أن يتحيز

فيحتويه مكان، مقصيا هكذا عنه مطلق جسم آخر، هو كل ما يمكن أن يحس، إما باللمس

P196Fأو البصر، أو السمع، أو الذوق"

1P وينفي ديكارت في نفس النص عالقة الجسم في تحديد ،

حركية الذات، إذ يقول : "لم أعتقد يوما، أن القدرة على التحرك من الذات، وعلى اإلحساس

P197Fوالتفكير من الذات، أمور تعود إلى طبيعة الجسم"

2P .

لكن وبغية إزالة أي لبس حول مفهمة الجسد، يجب أوال أن نميزه عن مفهوم الجسم الذي

يتحدث عنه ديكارت في برهانه حول التمييز بين النفس والجسم، حينما اعتبر النفس جوهر

يحل فيه الفكر مباشرة، بينما الجسم هو جوهر متغير يتخذ شكال ووضعا، وبالتالي ال يمكن

تحديد هوية الشخص من خالل معطى قابل للتغير والتبدل.

Le) لذا فال يمكن مقاربة الجسد محل األنا والفكر مع الجسم أو البدن أو حتى اللحمة

chair)0TP198F

∗P0T فهذا األخير "معطى حسي، موضوع للنظرة واللمس، والثاني (الجسد) ينفلت من ،

الحساسية (...)، فتعريف اللحمة بكل ما ال يمتلك الجسد، لن يخلط به، إنه باألحرى إذا

.54، ص 2009- ديكارت، تأمالت ميتافزيقية، ترجمة كمال الحاج، سراس للنشر تونس، 1

.54- المصدر نفسه، ص 2

- تمتاز اللغة العربية باستعمال مصطلحات جسد وجسم وكذا بدن بنوع من التداخل في المعنى االصطالحي، وتوظف ∗

بالفرنسية فإنه يشير إلى مصطلح بدن الذي يعني chairفي بعض األحيان كمفهوم واحد، لكن عند الحديث عن مصطلح

اكتناز الجسم باللحم وكل ما يحمله جسم االنسان من غرائز وشهوات، بينما نجد لفظا آخر يشير إلى معنى الجسد الخاص

وهو المفهوم الذي ستوظفه الحقا فينومينولوجيا مرلو بونتي" (أنظر، عز corps propreفي اللغة الفرنسية وهو لفظ

، 2009، أبريل- يونيو 37 المجلد 4مجلة عالم الفكر، العدد العرب لحكيم بناني، الجسم والجسد والهوية الذاتية، ضمن،

" .88ص

Page 127: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

127

P199Fجاز التعبير، النقيض التام"

1P ألن هناك فرق جوهري ما بين الجسد كموضوع والمعبر عنه ،

داخل الفلسفات العقلية والتجريبية على حد سواء بالبدن أو اللحمة، والجسد الخاص الحامل

لألنا أو الذات المفكرة حسب التعبير الديكارتي، فحين التفكير في مفهوم الجسد ال بد من

اإلنتقال بين لحظتي الجسد العام (الجسم) والجسد الخاص (الذات)، بين جسد منظور إليه

كموضوع غريب فينا ومصدر أالمنا وتعاستنا، "عملت الفلسفة كل ما في وسعها على إبعاده

عن ساحتها، فحملت ضده شعارا مرعبا، ذاك الشعار الذي صاغه أفالطون عندما حدد

P200Fالفلسفة كتدرب على الموت، أي كسعي متواصل لمغادرة الجسد والفرار من سجنه"

2P وبين ،

جسد واع يملك حضورا ذاتيا ومؤثرا في عالقة الذات بالعالم.

لعل هذا المفهوم األخير للجسد هو ما سيشكل األرضية الفلسفية التي سينطلق منها ريكور

لتخليصه من فرضية العرض التابع للنفس والمثقل لكاهلها، إلى التفكير فيه كهوية للذات،

ةإمكانية فينومينولوجية لفهم الذات والكشف عن تكويناتها األنطولوجية، المنتجفهو يعتبره ك

إلنسان الوعي والفكر، فالغرض األساس لريكور في طرح موضوع الجسد داخل نسق الغيرية

"يتمثل في صياغة نظرية فلسفية للذات، تنزاح بشكل واضح عن التصورات المتداولة عن

الذات سواء في التصور الديكارتي لألنا، أو في المنظور الفينومينولوجي لألنا المتعالية، أو

P201Fفي التحليل النفسي الالكاني منه باألخص للذات"

3P .

ويما أن الجسد يحيلنا إلى الذات والعالم في اآلن ذاته كما طرحته هذه الفلسفات، فإن ريكور

سيستحضر تصورات فلسفية ثالث يصنفها كفلسفات كبرى للجسد، وهي فلسفات مين دو

المجلد 4- يوسف تيبس، تطور مفهوم الجسد: من التأمل الفلسفي إلى التصور العلمي، ضمن، مجلة عالم الفكر، العدد 1

.43، ص2009، أبريل- يونيو 37

.115، ص1992، ماي 12- علي الشنوفي، الجسد، ضمن المجلة التونسية للدراسات الفلسفية، السنة العاشرة، العدد 2

.36، ص 2003- فريد الزاهي، النص والجسد والتأويل، أفريقيا الشرق بيروت، 3

Page 128: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

128

.M) ومارتن هيدغر (Edmund Husserl) وادموند هوسرل (Maine de Biran)بيران

Heidegger) فكيف سيستقرأ ريكور هذه الفلسفات في إقامة عالقة بين الجسد والهوية؟ ،

وما هي دالالت الغيرية الثاوية في مفهوم الجسد الريكوري؟.

يحاول ريكور حين عرضه لمفهوم الجسد أن يقاربه مع مفهوم األلم، وتهدف هذه المقاربة إلى

إيجاد نقاط التقاء ما بين السلبية الناتجة عن الميتا- مقولة للجسد الخاص مع الميتا -مقولة

لآلخر، بحيث أن فعل التألم مرتبط ارتباطا عضويا بفعل السرد وبالتالي بتحديد الهوية

السردية، إذا ما أخذنا "بعين االعتبار أشكاال خفية للتألم: عدم القدرة على السرد، ورفض

P202Fالسرد، والتشديد على ما ال يروى"

1P ومقابلة هذه السلبية مع فكرة الجسد الخاص المرتبطة ،

هي كذلك بالهوية الشخصية، أين يتالقي التفكير في الذات المفكرة مع اإلقرار بوجودها من

خالل اآلخر، بمعنى تطابق المفكر بالمفكر فيه وتحول الجسد الخاص إلى وعي خاص

:"عقل صغير يتحكم بمقولة الغيرية، أو كما يعبر عن ذلك نتشه حين يعرف الوعي على أنه

P203Fفيه عقل أكبر هو "الجسد"، الذي ال يتبجح بكلمة األنا ألنه هو األنا"

2P .

هذا األمر يدعونا -حسب ريكور- إلى إعادة التفكير في مفهوم اإلنسان الذي طالما ارتبط

بصورة وهمية أساسها النظري تصور ثنائي لإلنسان: نفس / جسد، والتي قد تبدو معقولة

حينما تباشر الذات ذاتها فال تحتاج إلى جسد وسيط تدرك من خالله إنيتها، لكن ال يمكن

اإلستغناء عن وساطة الجسد الخاص حينما يتعلق األمر بمباشرة الذات لآلخر، وبالتالي ال

بد من بلورة فينومينولوجيا خاصة باألنا مرتكزها الجسد كفعالية وجودية، األمر الذي سعت

الذي "أعطى بعدا أنطولوجيا مناسبا الكتشافه الفينومينولوجي حين مي دي بيران،إليه فلسفة

.592، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - بول ريكور 1

.58، ص فريديرك نتشه، هكذا تكلم زرادشت، مرجع سابق- 2

Page 129: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

129

فصل مفهوم الوجود عن مفهوم الجوهر وألحقه بمفهوم الفعل، القول "أنا موجود" يعني القول

P204F"أنا أريد، أنا أتحرك، أنا أفعل""

1P .

تتمثل في الخروج من دائرة الذاتية المغلقة داخل حدود (Biran) بيرانوعليه كانت محاولة

الكوجيتو الديكارتي، إلى فرض جسد يتعالى عن هذه الذاتية ويندمج كفعل هوياتي داخل

العالم المعيش، "مشكال وحدة أنطولوجية بين النفس والجسم من جهة، ووحدة هذه الوحدة مع

أشياء العالم، ليمنح هذا الجسد حسا واحدا يعطي أكبر يقين للوجود الخاص وأكبر يقين

للوجود الخارجي، ومع تنوع درجات سلبيته يتبدى الجسد الخاص الوسيط بين حميمية األنا

P205Fوخارجانية العالم"

2P وهي لحظة التقاء الذات واآلخر داخل حدود تمثل الهوية الشخصية .

ضمن نسق الغيرية، أين يعبر اإلنسان عن نفسه بقوله لست فكرا وجسدا بل أنا وعي متجسد

في العالم.

هذا هو مقصد فينومينولوجيا هوسرل التي ساهمت حسب ريكور في إنشاء فلسفة

P206Fأنطولوجية للجسد "هي أهم من مساهمة هيدغر"

3P باعتبار أنها انتبهت إلى شيء مهم في ،

0TP207F والجسم(Leib)عالقات الجسد مع الذات ومع اآلخر، إلى التمييز بين الجسد

∗P0T(korpers)

فالجسد الذاتي أو الجسد المعيش يوظفه هوسرل في مقابل الجسم الذي اعتبرته فلسفات

الكوجيتو مجرد موضوع يتميز عن باقي موضوعات العالم، في حين يجب أن يكون العالم

هو االمتداد الفعلي لجسدي الواعي أي لذاتي، التي تشكل وحدة عضوية بين أفعال الجسم

.594، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص بول ريكور- 1

.595- المصدر نفسه، ص 2

.595- المصدر نفسه، ص 3

). 120 أي الجسد واللحمة (أنظر شرح المصطلحين ص Chair و Corps- يترجم ريكور الكلمتين األلمانيتين إل لفظة ∗

Page 130: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

130

كما يقول هوسرل- فأنا "أدركهم حسيا بوصفهم موجودين –ووعي الجسد، فأن أدرك اآلخرين

في الواقع في سلسالت من التجارب المتغيرة والمتفقة معا في الوقت نفسه، وأدركهم من جهة

كموضوعات في العالم، ال كمجرد أشياء من الطبيعة (...)، ولما كانوا يرتبطون بأبدانهم

بطريقة خاصة "كموضوعات نفسية- طبيعية"، فهم موجودون في العالم. ومن جهة أخرى

العالم عينه الذي –فإنني أدركهم في الوقت نفسه كذوات لهذا العالم عينه: ذوات تدرك العالم

P208Fأدركه-، ومن هنا فإن لها تجربة عني، كما أن عندي تجربة عن "العالم" وعن "اآلخرين""

1P .

يميز هوسرل من خالل نصه هذا أهمية حضور الجسد في تحديد اإلنساني، فوعي اإلنسان

ال يمكن له أن يتحقق خارج إطار المعيش وتجربتنا الفعلية داخل العالم من خالل ما تنسجه

ذواتنا من عالقات مع ذاتها كما مع اآلخرين، فالذات حسبه ليست ماهية عقلية خالصة كما

ليست وعيا متعاليا محضا، بل هي إدراك لتجربة معيشة، إذ أن العالم الذي تقصده األنا

تدرك موضوعاته حسب تجربتها المعيشة فيه، وتبنى هذه األخيرة وفق جدل الداخل والخارج،

أي ضمن أنطولوجيا خاصة للجسد يتوحد فيها األنا أفكر وموضوع التفكير، ما يعني وجود

عالقة تضايف بين الذات والعالم توجهه القصدية، ف "المعيشات المعرفية تنطوي، بحسب

، أي أنها تقصد شيئا ما وتتعلق بهذا النحو أو ذاك (intentio)طبيعتها، على قصد

P209Fبموضوع"

2P فالوعي يتجه صوب شيء واإلدراك يدرك شيئا ما، لذا فتقاطب البدن والجسد هو .

ما سيوحد األنا مع اآلخر ضمن حياة قصدية فعالة ومنفعلة في اآلن ذاته، تجعل من أناي

P210F"طبيعي نفسي له جسم وروح، أنا شخصي قد اندمج في هذه الطبيعة بجسمه"

3P .

.213- ادموند هوسرل ، تأمالت ديكارتية، مرجع سابق، ص 1

، ص 2007، 1- إدموند هوسرل، فكرة الفينومينولوجيا، ترجمة فتحي انقزو، المنظمة العربية للترجمة بيروت، ط2

93.

.221- ادموند هوسرل ، تأمالت ديكارتية، مرجع سابق، ص 3

Page 131: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

131

وأمام هذا التمييز بين الجسد والجسم، يعتقد ريكور على أن هوسرل وضع مسافة بين الذات

واآلخر من خالل تحديد الجسد كجسم بين أجسام أخرى، والذات هي واحدة من ضمن ذوات

أخرى، وهذا ما يعيدنا إلى إعادة طرح شكل سابق من أشكال األنا تمثله الهوية الذاتية

ipseité وما يعيبه ريكور على تفكير هوسرل هذا على أنه "فكر في اآلخر غيري فقط كأنا .

أخرى، ولم يفكر إطالقا في الذات كآخر لذا فإنه ال يملك جوابا للمفارقة التي يختصرها

P211Fالسؤال: كيف نفهم أن يكون جسدي هو كذلك جسم؟"

1P .

أن المحدد هذا السؤال يحاول ريكور أن يبحث له عن جواب مع أنطولوجيا هيدغر التي ترى

سيفهم إذلطبيعة وماهية األشياء هو الوجود المتضمن فيه الزمان كما المكان المتجانس،

مجرد تكرار للحظات متجانسة مقيدة بالوجود –على أنها التصور الهيدغيري ذمع هالوجود

، فليس الكائن منفصال عن ، أي وجود في زمان ومكان محددين بدقة متناهية (الدازين)هنا–

الزمان وال عن الكينونة اآليلة إلى اإلضمحالل، إذ أن اإلنسان "يتميز عن الكائنات األخرى

P212Fمن واقع أنه يقيم عالقة مع كينونته الخاصة، وهكذا فإن فهم الكينونة ينتمي إليه"

2P.

مشروع هيدغر يتبلور حول فكرة رئيسة واحدة وهي أن اإلنسان هو الكائن الذي يحقق فعل

الوجود، مما يعني أنه كائن متزمن ال يمكن أن يكون هناك تصور لوجوده خارج الزمانية،

فالموجود اإلنساني هو ذاته الذي يحدد طبيعة الوجود العام ويكشف عن حركة وتناهي

الزمان ويمنحه معنى وداللة، كما يقول هيدغر: "أن تزمن الزمان هو المؤسس للذات

P213Fالمفكرة"

3P ،األولوية مع الفلسفة الهيدغيريةكانت ف، أي بمعنى أن ال وجود للزمان خارج الذات

.602- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص 1

، 2ط ، داستوز، هيدغر والسؤال عن الزمان ، ترجمة سامي أدهم ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر لبنانفرانسوا - 2

.45ص، 2002

3 - Heidegger Martin, Etre et Temps , trad de l′allemand par francois vesin , Gallimard paris , 1986, p35.

Page 132: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

132

للموجودات الزمانية الساعية دوما لتحقيق وجودها الفعلي والمشروع من خالل الدازين هي

DASEIN ) ( .

وبرغم هذه األرضية الفلسفية المتميزة التي أبانت عن تجليات خاصة لمفهومي الوجود

حسب ريكور- "لم تترك –واإلنسان من خالل وصل الكائن بالعالم، إال أن وجودبة هيدغر

P214Fمجاال ألنطولوجيا الجسد لتنطلق وتنتشر"

1P على اعتبار أن هيدغر جعل من الكائن-هنا .

كائنا زمانيا وليس كائنا جسديا.

سيحاول ريكور استثمار مقولة الوجود في العالم وتوجيه مفهوم الدازاين نحو إحالل

أنطولوجيا خاصة مرتكزها مفهوم الجسد الشخصي المحقق لوجود الذات الواعية الحاملة لكل

صور اإلرادة والشعور، كما يجعل من الهوية السردية أمرا ممكنا من خالل ما يسميه ريكور

بالمشروع الواعد ألنطولوجيا الجسد "والذي يشير إلى إدخال الفينومينولوجيا التأويلية إلى

P215Fسجل أنطولوجيا الغيرية"

2P .

هذا اإلنعطاف الريكوري من الفينومينولوجيا التأويلية إلى أنطولوجيا الغيرية، كان الغرض منه

التأسيس لموقع خاص للجسد داخل تفاعالت الغيرية، واستدراجه إلى حيز الهوية السردية

التي تقتضي تقعيد تجربتنا مع اآلخر من خالل جعله يتواصل مع الذات بفعل تعبيرية

تحويهما داخل بوتقة واحدة، فيكون اآلخر هو انعكاس لصورة الذات قد تبلغ درجة التناظر،

أي حين "يضفي األنا على اآلخر المعنى الوجودي الذي يجعله خارج المضمون العيني لألنا

P216Fذاته، الذي يقومه"

3P .

.596- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص 1

.596- المصدر نفسه، ص 2

.217ادموند هوسرل ، تأمالت ديكارتية، مرجع سابق، ص - 3

Page 133: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

133

قد ال يكفي استحداث توافق ظاهري بين األنا واآلخر من خالل هوية جسدية، بل ينبغي أن

تكون هذه الهوية تمثل لصيرورة وعي يحتل فيها الجسد المشهد األكثر حضورا ال من جهة

كونه رمزا جسميا بل من جهة كونه فضاء◌ للحرية واإلرادة، ف "الجسد يسبق أنطولوجيا كل

P217Fتمييز بين اإلرادي والالإرادي"

1P .

ولربما كان هذا مقصد ريكور حينما استعان بكتاب الوجود والزمان لهيدغر بحثا عما يمكن

أن يمنحه الجسد من حميمية ذاتية وانفتاح على العالم، لكن فكرة الوجود في العالم لم تكن

، أو الوجود- المرميأكثر مالئمة لتأسيس أنطولوجيا للجسد، لذا سيستعيض عنها بمقولة

، التي تجعل "طابع حمل الوجود يعني مباشرة تسليم األمر للذات عينها، الملقى- هنا

وبالتالي االنفتاح الذي بفضله كل األنغام العاطفية تقول في وقت واحد حميمية الوجود- هنا

P218F(اإلنسان) مع ذاته"

2P .

زحزحة مفهوم الدازاين من بعده األنطولوجي إلى تأويلية لوعي الذات، يعد بمثابة البحث عن

أفضل زخم ممكن للقضية المركزية "الذات كآخر". والتي ستمتد إلى البحث في شكل آخر

من أشكال الغيرية، أال وهو غيرية الغريب.

هل معنى إقصاء اآلخر من ساحة فكر الذات يعني جعله غريبا؟ وهل فمن هو الغريب ؟ و

يمكن أن نعتبر كل آخر للذات ال يحمل صفاتها الجسمية والنفسية، وال يقاسمها نظرتها إلى

الوجود غريبا عنها؟ .

.598- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص 1

.603.604- المصدر نفسه، ص ص 2

Page 134: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

134

- الغريب: انبثاق اآلخر من الذات . 4

يفهم الجسد بما هو جسد خاص عل أنه المحقق لوجوديتي وبه أباشر هذا العالم وشرط

إنيتي، كما قد يفهم بمعنى آخر على أنه غريب أو مجرد موضوع فيزيائي وبيولوجي يتعين

في وضع أنطولوجي، يمكن أن تندرج تحته مسألة الغيرية كسلبية معلنة "تتضمنها عالقة

الذات مع "الغريب" بالمعنى الدقيق لآلخر غير الذات، وبالتالي الغيرية المالزمة للعالقة

P219Fالبينذاتية"

1P .

يبدو الغريب األكثر تمثيال لعالقتي مع اآلخر، باعتباره مفهوما ديناميكيا للهوية، ألنه يحتل

مكانا وسطا بين الذات وغيرها، فحين نتحدث عن غريب األنا نحن نحاكي شعورا يتملك هذه

األنا في معرفة تناقضاتها وحواراتها الذاتية وصورها الوجودية، وبما أن هذا النوع من

المحاكاة هو هاجس تعايشه كل أنا تعمد دوما إلى إقصاء الغير من مجال التفكير، وتحاول

أن ترسي أسس العالقة وفق منطق السيد والخادم، أين يمثل الخادم كغريب يسكن هذه األنا

ويعتبر سلب ونفي لها.

في مسعى دؤوب للذات كي تحقق ذاتها داخل ثنايا صراع ال ينتهي مع كل ما هو غير، أين

سيحل محل الشعور باندماج الغير في الذات، شعور بالمباالتها تجاه ما هو مغاير وغريب

عن خصوصيتها.

هذه الرؤية الضيقة للذات تجعل ريكور يطرح أكثر من تساؤل حول حقيقة الذات نفسها

وعالقتها بما تسميه غريب الذات، محاولة اإلنوجاد داخل عالم محدود وضيق تتشابك فيه

الذات مع انغالقيتها التي رسمتها لنفسها، وهنا ستظهر تساؤالت ريكور لتطرح داخل سياق

تأسيس أنطولوجيا للجسد تستهدف مجاوزة نظرة الذات لآلخر على أنه غريب، إذ يقول: "هذا

.590- المصدر نفسه، ص 1

Page 135: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

135

التعولم يقوم على تشبيك حقيقي أصيل أرى نفسي كشيء من أشياء العالم، بهذا الواقع أال

تكون اللعبة كلها قد تمت؟ أن يكون جسدي هو أيضا جسم، أال يتضمن هذا بأنه يبدو كذلك

في أعين اآلخرين؟ فقط جسد (بالنسبة إلي ) الذي هو جسم للغير (لآلخر) يمكن أن يلعب

P220Fدورا كأول حد للمماثلة للتحويل التماثلي من جسد إلى جسد"

1P.

وهنا ستعايش الذات لحظة اغتراب ذاتية، تؤسس لها مسافة فاصلة بينها وبين اآلخر، ما

l’identité-idemينجر عنه إسكان الذات في ثنايا هوية شخصية متطابقة

)Mémeté ،(عن عالم انحاللها في مسرح الوجود يتباين بين انسجام ووفاق ذاتي وغربة

األشياء، لتتحقق فعليا حينما تنتفي الوحدة القائمة بين الفرد ومجموع البنى االجتماعية

–األخرى، ف "حينما تغترب البنية اإلجتماعية عن الفرد فإنه ذات الفرد الحقيقية

P221Fمتموضعة- هي التي تغترب عنه"

2P .

وعليه سيتحدد غريب الذات من خالل إحساس أو شعور بآخرية شيء ما، سواء إنوجد

خارجا عن الذات منذ اللحظة األولى أو اكتسب صفة الغرابة نتيجة التحدي الذي يفرضه

الصراع القائم بين الذات والغير، وهنا سيفتق الغطاء الرومانسي الذي شكل هذه العالقة

الهوياتية التي عمدت دوما على أن تكون الذات هي عينها اآلخر.

في محاولة تحديد اإلطار العام لمعنى اغتراب الذات سنوظف التعريف االصطالحي

لالغتراب باعتباره يحمل الحدود المفهومية الندماجه داخل نسق الغيرية :"فاألصل الالتيني

بمعنى تحويل Alienare، ويستمد هذا االسم معناه من فعل Alienatioلكلمة اغتراب هو

شيء ما لملكية شخص آخر أو االنتزاع أو اإلزالة وهذا الفعل مستمد بدوره من فعل آخر هو

.613- المصدر نفسه، ص 1

.79، ص 1995، 2- ريتشارد شارت، االغتراب، ترجمة كامل يوسف حسين، دار شرقيات القاهرة، ط 2

Page 136: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

136

Alienus أي ينتمي إلى شخص أو يتعلق به، وهذا الفعل األخير مستمد بصفة نهائية من

P222F الذي يعني اآلخر سواء كإسم أو كصفة"Aliusلفظ

1P .

غير أنه ال يمكن استيعاب هذا التعريف بدون مقاربته فلسفيا مع ما يسميه ريكور بالعالقة

السلبية مع اآلخر التي ساهمت في ظهور أنماط متعددة إلثبات وجود الذات المستقل عن

الموجودات األخرى، ما جعل التساؤل المتكرر حول الذات راسخا في أي نظرية فلسفية: فما

طبيعة هذه الذات التي نحوم حولها طيلة قرون من التفكير والتأمل؟، وهل استطاعت هذه

الذات أن تربو من تحقيق نوازعها الوجودية؟ وهل ستحقق العالقة مع اآلخر كغريب أفضل

نمط وجودي للذات؟.

من أبعاد اإلغتراب المطروحة وأكثرها خطرا على الذات "تغريب الكائن البشري عن الكائن

P223Fالبشري، أي تغريب على مستوى تشارك الذوات"

2P وها هنا يمكن أن نورد بعض األمثلة ،

المعبرة عن هذا الشكل، كتأشيرة الدخول مثال المفروضة على تنقل األشخاص من مكان إلى

مكان آخر، إذ يبدو األمر في حد ذاته غريبا فهو تأكيد لغيرية الغير من خالل عدم

اإلعتراف بإنسانية اآلخر، وعليه سنظل مشدوهين تجاه هذا التمييز، فلم نكن نظن يوما بأننا

غرباء، ونحن الذين لطالما آمنا منذ بدء البشرية بالقيم الكونية.

كما قد نفكر في اغتراب الجسد وانزاله موضع غربة مفروضة عليه، فيتم تعريفه "كمجموع

P224Fأجزاء دون باطن، والنفس ككائن ماثل أمام ذاته دون مسافة فاصلة"

3P. لكن قد يصطدم هذا

الفهم بما توصل إليه الطب الحديث من اكتشافين يشدان االنتباه إليهما حين الحديث عن

أشكال الغربة التي تفرضها غيرية الغير أال وهما االستنساخ وزرع األعضاء، فما المعنى

.53- المرجع نفسه، ص 1

.100- بول ريكور، محاضرات في اإليديولوجيا واليوتوبيا، مصدر سابق، ص 2

3 - M. Merleau-Ponty, Phénoménologie de la perception, Ed Gallimard, Paris, p30.

Page 137: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

137

الذي سنمنحه لهذا الجسد أو حتى لهذا الكائن الجديد، فهل هو أنا أم غير؟ أم هو أنا الغير

أو غير األنا؟، فعملية زرع جسم دخيل عن جسمنا ال تخرج عن مفهوم الغربة والغريب.

وبالتالي لن يتحدد الغريب اآلخر بكونه الخارج عن وحدة الذات بل سيكون هو الذات عينها

باعتبار أنه تمكن من خلق تزاوج بيولوجي بين جسمين أسسا ألنطولوجيا خاصة بالجسد

تستحضر اآلخر كجزء من هذه الذات ال كشيء مغاير لها.

لكن اشتقاق اآلخر من الذات سيجعل من األنا مركزا واآلخر محايثا، فمأسسة مفهوم أخالقي

للغريب ال يجب أن تتمرد على مفهوم مركزي ومحوري داخل نسق الغيرية، هو مفهوم

اإلعتراف المتبادل بين الذات والغير، فال يمكن ألي ذات أن تحقق وجودها داخل عزلة

وانكفاء على ذاتها، مع إنكار لغيرية الغير، الذي "يشكل جزءا من وعيي لذاتي، بل ليس من

، األكبر هو تصوره لآلخر عن طريق (Solipsiste)ذات من دونه، وعيب المتوحداني

P225Fتشبيهه دوما بذاتي، أي إدخاله ضمن ذاتي، وبالتالي إنكار غيريته"

1P.

وبناء على ما سبق يمكن أن نتساءل : هل يمكن لألنا أن يجعل من نفسه موضوع معرفة

ووعي ذاتي؟، أليس هذا األنا هو موضوع معرفة وفعل معرفة في اآلن ذاته؟، أال يمكن لهذه

الذات أن تنظر لآلخر بما هو ذات أخرى وموضوع معرفة لها؟.

والسؤال المحوري عقب طرح السلبيتين األوليتين للغيرية (الجسد والغريب) هو : ما هي

تجليات تجربة الذات مع اآلخر؟ وما هي حدود حضور هذا اآلخر في مسرح الذات أين

تحتويه ويحتويها؟.

.658بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - 1

Page 138: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

138

المبحث الثالث

الوعي بوجود اآلخر: آلياته وتجلياته

Page 139: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

139

- الغيرية وميكانزمات التحقق. 1

إن الوعي بوجود الذات ال يتم إال من خالل وجود اآلخر، فاآلخر ذي الحمولة الفكرية

والفلسفية المعقدة هو الحيز الفضائي والوجودي الذي يحد من التمركز حول الذات، إذ يمثل

المرآة ومقياس االختالف والتنوع، وهو سبيل الذات للخروج من أنانيتها وتقوقعها حول نفسها

وللتعرف أكثر على كينونتها بكل ما تحمله من عالقات وجودية معقدة، ف "اآلخر ليس فقط

226Fمجرد المقابل للعينه، بل إنه ينتمي إلى التكوين الحميمي لمعناه"

1.

يصل بنا ريكور هنا إلى السلبية األكثر اختباء في عالقة الذات بالذات عينها، أين ال يكون

اآلخر مجرد مقابل لهذه الذات بل ينتصب معها بشكل أكثر تطابقا وحميمية بين األنا واألنا

عينه، لتتعرف الذات على ذاتها من خالل وساطة الغير، وباعتراف متبادل بين حدي معادلة

الغيرية تبلغ درجة اإلنصهار والتطابق التام، فيكون المسلك المفضي إلى إثبات الذات

إلنيتها، بمعزل عن األحكام األخالقية المسبقة التي تعتبر وجود الغير بمثابة تحد واختبار

دائم لوضعيتها بين كونها فاعال ومنفعال.

أناي تماما، ففي عملية تحييد – ولعل هذا التوجه "يقتضي اإلعتراف بأن اآلخر هو آخر

الغيرية، أي عندما يفرض على الحركة نفسها اإلعتراف باآلخر كشبيه، يفرض علي التفكير

P227Fفي األنا كآخر، هنا يمكن أن نستشف المعنى األخالقي المضمر في مقولة "أنا هو آخر""

2P .

انطالقا من هذا المبدأ سيسعى ريكور لنحت معنى أصيل للغيرية تحاول كل من

الفينومينولوجيا والتأويلية أن تسهم في بعث يقينية لألنا باعتباره تمثال لوعي وجودي مؤسس

.606بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - 1

. 30- جان غرايش، الغيرية : مقولة أخالقية؟، ضمن مجلة أيس، مرجع سابق، ص 2

Page 140: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

140

، ولهذا الغرض سيترحل ريكور بين أصعدة ثالث: هي الصعيد (ipséité)لهوية ذاتية عينية

الفينومينولوجي والصعيد السردي وكذا الصعيد األخالقي.

فعلى الصعيد األول يبحث ريكور في مدى التأثيرات التي يحدثها اآلخر في ساحة الذات، إذ

تثبت الفينومينولوجيا أن "هناك طرق متعددة يؤثر فيها اآلخر غير الذات في فهم الذات

لذاتها، ويرسم بالضبط اإلختالف بين األنا التي تقيم وتتثبت، والذات التي ال تعرف نفسها إال

228Fهذه التأثيرات عينها"من خالل

1 .

فوعي الذات ليس منقطعا عن العالم وعن اآلخر، بل هو بمثابة سيالن متدفق يمكن الذات

من اإللتحام مع آخر الذات، وجعل العالم موضوع وعيهما.

فكيف سيوظف ريكور هرمونيطيقا للغيرية نابعة من قلب الفينومينولوجيا؟

واذا كانت الفينومينولوجيا ال تؤدي بداهة عن طريق القصدية إلى تفعيل الغيرية، فبماذا

ستمدنا الهرمونيطيقا من أدوات منهجية ومعرفية تمكن الذات واآلخر من اإلنصهار في بوتقة

الغيرية؟.

.607- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص 1

Page 141: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

141

- الغيرية من الفينومينولوجيا إلى الهرمونيطيقا. 2

الذات الفينومينولوجية تسعى ألن تلحق الوعي بموضوعاته من خالل إدراك العالقة

الكائنة بين الذات الفاعلة وموضوعية الفعل، لذا يطرح هوسرل فكرة القصدية، حين يتجه

الوعي صوب شيء ما، فهو وعي بشيء ما، واإلدراك هو إدراك لشيء ما، وعليه ف

"الثنائية الفينومينولوجية "الذات/الموضوع، ال تتضح إال بالقصدية ألنها تحتضنها، حيث

229Fتمثل المقوم األساس للمنهج ألنها تجمع الوعي بموضوعاته"

1 .

وحينها سيتوجه كل فعل معيش إلى شيء ما قد يكون ماديا أو معنويا، يكشف عن بنية

الوعي وفعل اإلدراك المنبث فيه، الحامل في ثناياه معنى العالم، من خالل ديالكتيك الذات

230Fواآلخر الذي يحقق ويلبي "مطلب فينومينولوجيا للذات متأثرة باآلخر غير الذات"

2 .

رؤية ريكور هذه لعينية الذات كمطلب فينومينولوجي ذو أبعاد أنطولوجية تتخذ منحى المنهج

الكاشف عن موضوعات اإلدراك، باألخص عن ماهيتها وبنية وجودها، مما يضفي على

عالقة الذات باآلخر نوع من التضايف يقترب في لحظات حضور اإلنسان في العالم من

درجات اإلنصهار بين الذات الفاعلة والعالم.

مما يعني أن فينومينولوجية الغيرية لدى ريكور تبحث في مسألة المعنى، على أساس أن

وجود اآلخر هو وجود بالنسبة للذات، وال وجود لكينونة إنسانية دون حضور للذات واآلخر

معا في هذا العالم، فتمظهرات اآلخر داخل الفينومينولوجيا تندرج ضمن أبعاد مترامية

األطراف داخل العالم، فاآلخر هو ذات، واآلخر هو إنسان وثقافة وتواصل، أو كما يعبر عن

.103- ادموند هوسرل ، تأمالت ديكارتية، مرجع سابق، ص 1

.609- بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص 2

Page 142: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

142

ذلك هوسرل حين يقول: أن "اآلخر هو انعكاس لذاتي أنا، ومع ذلك وبصريح العبارة، فهو

231Fليس انعكاسا، إنه نظيري، ومع ذلك فهو ليس نظيري بالمعنى العادي لهذه الكلمة"

فهو ،1

يمثل فهما للذات نفسها وفهما للوجود الحامل لهما.

هذا بالنسبة لهوسرل، أما ريكور فينعطف بمعنى الغيرية إلى مجال أرحب وفضاء أوسع

يتضمن جوهر المعنى الذي ترتكز عليه التجليات الخاصة ألكثر األحاسيس اإلنسانية يقينا

0TP232Fوحضورا وتقعيدا

∗P0T لعالقة اآلخر غير الذات في مأسسة كل فهم للذات حول وجودها داخل

العالم، فما عدا مفهوم اآلخر من حيث هو جسد، يطرح ريكور تجليات عدة له، ف "هناك

أيضا اآلخر من حيث هو غير، هذا الغير المتجلي بوصفه محاورا على صعيد الخطاب،

وبوصفه بطل الرواية أو الخصم على صعيد التفاعل أو التشابك، وأخيرا هناك اآلخر بوصفه

233Fحامال لتاريخ آخر غير الذي هو لي في تواشج روايات الحياة"

2 .

لم يتوقف ريكور عند حد إسكان اآلخر ضمن الحدود المعيشة للذات، بل أقحم اآلخر داخل

) (fort intérieurثنايا الغيرية من خالل صورة ثالثة لهذا اآلخر متمثلة "في الباطن

المسمى أيضا بالضمير األخالقي، ومع التأمل في الضمير تكتمل عودة الذات إلى مستقرها،

P234Fولكنها ال تؤوب إلى مثواها إال في نهاية ارتحال طويل، حتى تعود "ولكأنها اآلخر""

3P .

إن الذي يترك شرخا في وعي الذات لذاتها يتجسد في مستوى انكفائها على ذاتها، فتتحول

إلى مستقبل ومالحظ في اآلن ذاته لكل ما هو قابل للمشاهدة والظهور داخليا أو خارجيا،

.217ادموند هوسرل ، تأمالت ديكارتية، مرجع سابق، ص - 1

المقصود بهذا المصطلخ هو وضع قواعد. ∗

.106- بول ريكور، بعد طول تأمل، مصدر سابق، ص 2

. 106- المصدر نفسه، ص 3

Page 143: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

143

دون وساطة تأويلية، أي دون مرجعية منهجية تخلص الذات من أوهامها العالقة حين

مقاربتها بموضوع معرفتها.

فإذا ما أردنا تعيين وضع للذات من خالل جدلها مع مغايرها، فال بد أوال أن نخلصها من

شتى أوهام المعرفة الباطنية خصوصا، ويتم ذلك إذا ما وظفنا األدوات المنهجية الالزمة

إلظهار الحقائق الكامنة في البنية المنطقية الداخلية للذات، والتي تقودنا إلى اإلجابة عن

أغلب األسئلة الوجودية المقلقة مثل: "ما هو الالنهائي؟ ما هي األبدية؟، والتي شكلت هاجس

P235Fالرياضيين أللفي سنة، ألنها تتعلق بذات تستوطن وضعا هرمونيطيقيا"

1P.

من هذه النقطة المفصلية بالذات يسعى ريكور ألن يؤسس من خالل سؤال الغيرية

لهرمونوطيقا فينومينولوجية، ال يمكن أن تؤسس لحقائقها دون افتراضات هرمونيطيقية، فعلى

سبيل المثال داخل نسق الغيرية ال بد من البحث عن العالمات التي تتوسط عالقة الوعي

باألشياء، أي عالقة الذات بكل ما هو مغاير لها، وهنا تتوحد أساليب الفهم حول قصدية

الوعي ورمزية أشياء العالم، ونتمكن من الكشف عن خبايا ومكنونات الذات، ف

P236F"الهرمونيطيقا ضرورية، باعتبار أن من يخاطب هم الناس وليست األشياء"

2P .

وعليه ستقيم الذات نشاطها التواصلي مع اآلخر من خالل البحث في صور النشاط الذي

تشكله مجموع عمليات اإلرادة والجهد والتأمل في حقيقة كينونة الذات في العالم كفاعل

ومشارك، فهرمونيطيقا ريكور تبحث في مسألة "الكينونة في العالم وعلى اإلنتماء المشارك

P237Fالذي يسبق كل عالقة تقيمها ذات فاعلة بموضوع يواجهها"

3P .

1 - Jean- Michel Salanskis, L’Herméneutique formelle, l’infini_ le contenu- l’espace , Edit : C.N.R.S. Paris, 1991, p03.

2 - Richard Rorty, l’Homme spéculaire, trad, de l’anglais : theing Marchaisse, Edit : Seuil, Paris, 1990, p382.

.44- بول ريكور، من النص إلى الفعل: أبحاث التأويل، مصدر سابق، ص 3

Page 144: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

144

إن التناقض والشرخ المعرفي داخل ديالكتيك الهوية الذاتية والعينية، يبرز مدى صعوبة

اعتماد الفينومينولوجيا كمنهج ومرجعية تأسيسية لنسق الغيرية، ومقاربة كال طرفي هذا النسق

(الذات واآلخر)، مقاربة تفترض فعل الوعي غير منقسم على ذاته، كما تبحث في دالالت

فينومينولوجيا ذاتية متأثرة بشكل ما مع آخر الذات.

إن عملية تكثيف كينونة الذات بهذا الشكل داخل فضاء الغيرية على حساب اآلخر، يؤدي

وترسيمها (idem)، واعالء الهوية الذاتية (ipse)إلى إقصاء اآلخر ودحض الهوية العينية

كحامل للمعنى وجوهر للوجود، غير أن ريكور يعترض على هذا التوجه الفينومينولوجي

الخالص ويعتبر على "أنه من المستحيل أن نبني من طرف واحد هذا الديالكتيك، سواء

حاولنا مع هوسرل بأن نشتق األنا اآلخر من األنا، أم إننا قبلنا مع إ.ليفناس بأن نحتفظ

P238Fلآلخر بالمبادرة الحصرية تحميل الذات المسؤولية"

1P .

إذن فمسعى ريكور يتمثل في فتح فضاء الغيرية وجعله يحمل في ثناياه كل تمظهرات

الهوية، ليكون الرهان "هو صياغة للغيرية تكون متجانسة مع التمييز األساسي بين فكرتين

P239Fلما هو عينه، العينه كهوية عينية، والعينه كهوية ذاتية"

2P .

سيجعل ريكور إذن من الهرمونيطيقا منهجا وفهما وتفكيرا تحاول إقتحام فضاء الغيرية

وجعلها تخترق أفق السؤال، وتعتمد ما يقوله اآلخر عن الذات، والذي سيعمل وفق هذه

الحركة العكسية على هدم السياج الذي يحيط بالذات المتقوقعة حول نفسها، والتي ال ترى

من هذا العالم كله سواها، غير أن تحريك فينومينولوجيا اآلخر إلى هرمونيطيقا الغيرية،

سيزحزح معنى األنا الكالسيكي إلى األنا اآلخر، وها هنا بالذات "يتقاطع ثانية التحويل

.607بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - 1

.610- المصدر نفسه، ص 2

Page 145: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

145

التماثلي مني إلى اآلخر مع الحركة المعاكسة من اآلخر إلي، يتقاطع معها ولكنه ال يلغيها،

P240Fهذا إن لم يكن يفترض وجودها مسبقا"

1P .

هذه الحركة التماثلية تنقلنا إلى مكان آخر في البحث مع سؤال جديد حول الغيرية، التساؤل

عن هذا النسق سيتجه ضمن مسار السؤال األخالقي، ليطرح كما يلي : هل يمكن للفعل

األخالقي أن يؤطر سؤال الغيرية؟. وهل يمكن أن نعتبر الغيرية مقولة أخالقية؟.

.617- المصدر نفسه، ص 1

Page 146: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

146

- الغيرية كمقولة أخالقية:3

شأنا األرفع السؤال كونه بريقه، األخالق حول السؤال يفقد لم اإلنساني التفكير بداية منذ

حول تحوم أخرى أسئلة يستدعي السؤال هذا أن غير الوجدان اإلنساني، في قلقا واألعمق

الطبيعة من اجتثاثه يمكن ال كمكون فاعل متجددا، فاألخالق اهتماما لها وتجد األول

اإلنسانية، وهي لدى ريكور تحمل مستويات تغييرية تتجاوز المساءالت التأملية الكالسيكية

لتتجه صوب تأطير عالقة الذات باآلخر، فعلى الصعيد األخالقي يمثل "تأثر الذات باآلخر

السمات النوعية التي تنتمي إلى المستوى األخالقي الفعلي، وكذلك إلى المستوى األخالقي

P241Fالواجبي الموسوم باإللزام"

1P .

، فاألولى تتعلق بكل (morale) والواجبية(éthique)ريكور يميز بين ما يعرف باألخالق

ما هو خير وحسن، والثانية ترتبط بمعنى اإللزام والواجب كما صاغه كانط، غير أن األولوية

لدى ريكور تعود لألخالق التي تؤسس النفتاح الذات على آخر الذات وترفض أي انغالق

النفتاح وا الفاعلة والغير منفعلة، الخروج من فلسفة الذاتإذ يتوجبللذات حول نفسها،

إلى التفكير التذاوتي المعترف مع اآلخر، وكذا التواصل على براديغم التفاهم بواسطة

، لذا يقترح ريكور تعريف األخالق على أنها: "العيش الجيد مع اآلخر وألجله في باآلخر

P242Fمؤسسات عادلة"

2P .

لم يعد يؤمن بقدرة الذات العارفة الديكارتية وال بالتفكير التأملي هذا النموذج من األخالق

الميتافيزيقي الحدسي المتعالي على بلوغ الحقائق، انه نوع من إنهاء العقل الذي ال يفكر إال

بذاته وهو محجوب عن تغيرات الواقع واختالفاته مع اآلخرين.

.608بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - 1

.608بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - 2

Page 147: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

147

فالغيرية من خالل هذا المنظور اإلتيقي تغدو إمكانية إلعادة تأسيس الذات وتحريره من

شتى أشكال اإلغتراب الذاتي حين اتصالها بعالم األشياء، كما تمنح هذه الذات القدرة على

التعرف على نفسها من خالل تفعيل معاني التواصل واالختالف، وفي اآلن ذاته تتخلص من

وهم اإلحساس بالتفوق والتعالي، أكبر مهددين لمأسسة الغيرية كانفتاح على اآلخر وحتى

كاختالف معه من دون صدام يؤدي إلى إقصاء أحدهما، فلم تعد الغيرية مجرد إحدى

المقوالت الرئيسية في علم األخالق "بل تعدت ذلك لتقيم تكفال بتعاقدية سطحية، ترمي من

بعيد أو من قريب، إلى اختزال فكرة أن اإلنسان منذ وجوده انتابته الحاجة إلى اإلجتماع مع

P243Fاآلخرين، ألن هذا األمر يعد في صالحه"

1P .

هذه المقاربة االتيقية لمفهوم الغيرية ال تعد مجرد حوار بين األنا واآلخر حول موضوع

معين، بل هي تحول أنطولوجي يطال مجمل العالقة بين الذات واآلخر، والتي لطالما كرست

تنافرا تقليديا بينهما، إلى اكتشاف مستمر للذات من خالل لقائها األخالقي مع اآلخر، الذي

يتجلى في احترامه وتقديره، وفي العيش معه في كنف العدالة التي تستهدف إقامة حياة جيدة

خيرة مع اآلخر ومن أجله، أين تتداخل معاني الخير والفضيلة والسعادة واللذة والصداقة

على أساس أنها هوية أخالقية تتمظهر في هذا ، (ipséité)والقرابة في ثنايا الهوية الذاتية

وفي حقل الهرمونيطيقا كمذهب للتواصل االجتماعي تتفاعل فيه مجموعة من الوجود االتيقي

القواعد والقيم الفردية والجماعية، تكفل تحقيق ما يسميه ريكور بصداقة الفرد لذاته، ف "من

(philautia)بحسب الفيالوتيا (صداقة الذات) –أجل أن يكون المرء "صديق ذاته"

األرسطية- عليه أن يكون قد سبق له ودخل في عالقة صداقة مع اآلخر، كما لو كانت

الصداقة للذات عينها تأثيرا ذاتيا مترابطا ترابطا وثيقا مع التأثر بالغير الصديق ومن أجله،

.28، ص 2007، 02- جان غرايش، الغيرية مقولة أخالقية؟ ترجمة وحيد بوعزيز، ضمن، مجلة أيس، العدد 1

Page 148: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

148

بهذا المعنى فإن الصداقة تغني عن العدالة، بما أنها "فضيلة من أجل اآلخر" بحسب كلمة

P244Fأخرى ألرسطو"

1P.

يلخص أرسطو هذا الكلمة في قوله: على أن "الجمال األسمى هو العدل المطلق، الصحة

الجيدة ودوام كل شيء جيد، لكن حين تطفح اللذة إلى السطح، نظل نسعى للحصول على

P245Fكل ما نحب فقط"

2P.

في هذا السياق يسعى ريكور ألن يجعل من فكرة الصداقة أكثر فاعلية من العدالة ذاتها،

ألنها تتوسط عالم الذات والعالم المعيش، وهي ذات كثافة أخالقية تنخرط ضمن الخط

الفلسفي الوجودي الساعي إلى تأطير العالقات اإلنسانية، فاتحا عالم الذات على اآلخر

ليكتشفا تجربة وجودهما معا ويندمجا فيه مباشرة ككينونة واحدة، من دون أن يدعي أحدهما

إمتالك الحقيقة، وال أن تنغلق الذات على نفسها ضمن إنية ضيقة تقصي من خاللها اآلخر

وتحاول أن ترسم جغرافية التشارك بينها وبين آخر الذات.

كما أن الصداقة -حسب ريكور- تعد بمثابة النسق الوحيد القادر على التنسيق وتحقيق

توازن بين الذات واآلخر، ألنها من جهة ترتبط بعالقة الذات بذاتها، ومن جهة أخرى تضبط

المعايير األخالقية الواجب توافرها إلرساء نسق متزن للغيرية يحد من درجات انغالق الذات

على نفسها، ومن سطوة اآلخر على العالم المعيش، وبناء على ما سبق يمكن تعريف

الصداقة على أنها سلب للعزلة والعداوة، لذلك تعد فضاءا لنشر الحب والعطف والضيافة،

وكل القيم اإلنسانية الفاضلة.

.609.608بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص ص - 1

2 - Aristote, Ethique à Eudéme, préface et traduction de pierre Marchaux, édition Payot et Rivage, paris, 1994 ; p27.

Page 149: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

149

لعل الغاية من وراء تجسيد مفهوم مشترك للصداقة تكمن حسب ريكور في ضرورة تضمين

الحياة اإلنسانية معطيات وجودية وذاتية تمكن الفرد من االستمتاع بحياة هنيئة وسعيدة مع

اآلخر ومن أجله، ليتحقق المعنى المنشود لما نسميه حياة.

إذ يرى ريكور على أن "ظهور كلمة حياة يستحق التفكير والتأمل، وهي ال تؤخذ هنا

بالمعنى البيولوجي المحض، ولكن بالمعنى األخالقي الثقافي المعروف عند اليونانيين حين

كانوا يقارنون الحسنات الخاصة بكل حياة من الحيوات المطروحة أمام اإلختيار األكثر

جذرية: حياة اللذة، الحياة النشطة سياسيا، الحياة التأملية، وكلمة حياة تشير إلى اإلنسان

P246Fككل على خالف ما هو الحال مع الممارسات الجزئية"

1P .

وبهذا ستبنى الحياة على مبدأ حب الغير المشارك في هذا الوجود، أين تتحول فكرة العيش

من أجل اآلخرين إلى واجب يوفر أفضل السبل والوسائل لتنمية الوجود اإلنساني أخالقيا،

وأن تسلم كل ذات تبعا لذلك باإلختالف والتنوع، وفي ذلك قبول لفكرة التعايش واإلعتراف

باآلخر، ألن الذات لن تسكن وحدها العالم، ولن يكون خالصها إال بفكرة العيش معا.

يمكن أن نسوق هنا مثال الضيافة التي تحمل في معناها النظري والتداولي "تصور متميز

لمعنى الصداقة والغربة والسفر والمضايفة والرغبة في العيش معا، وحق اإلعتراف باآلخر

P247Fواالحترام"

2P هذا التصور يصطدم بواقع غريب يعايشه اإلنسان حاليا حينما تفرض على ،

البعض ضرورة وجود تأشيرة دخول لألشخاص الغير مقيمين في بلد ما، ولعل هذا يتنافى مع

كل المسعى الفلسفي للغيرية ومع مسعى التعايش االتيقي داخل فضاء هذا الكون الذي يسع

جميع أفراده، وهذا ما يسميه كانط بالحق، حينما ينعت حسن الضيافة بأنه تمثيل لحق أي

شخص أجنبي عن بلد ما أال يعامل معاملة العدو وأال نبدي له كراهية مادام منح لنفسه حق

.355 ، ص بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق- 1

.61- بن مزيان بن شرقي، الفلسفة والفضاء العمومي، مرجع سابق، ص 2

Page 150: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

150

اإلنتماء إلى المجتمع المضيف، "وهو حق لكل البشر بمقتضى حق الملكية المشتركة لسطح

األرض، التي بحكم كرويتها ال تسمح للبشر أن ينتشروا فوقها إلى ما النهاية له، وهم

مجبرون في نهاية األمر على أن يتحمل بعضهم بعضا جنبا إلى جنب، ففي األصل ليس

P248Fألي إنسان حق أكثر من غيره في التمتع بمنافع األرض"

1P .

يضاف إلى هذه الرؤية الكانطية، تصور ابن حزم األندلسي للصداقة، حين يقول: "قد يكون

المرء صديقا لمن ليس صديقه (..) إذ قد يحب اإلنسان من يبغضه، وأكثر ذلك في األباء

مع األبناء، وفي اإلخوة مع أخوتهم، وبين األزواج وفيمن صارت محبته عشقا، وليس كل

P249Fصديق ناصحا ولكن كل ناصح صديق فيما نصح فيه"

2P .

من خالل هذين النصين وبمقتضى المعطيات السابقة تتحول الصداقة إلى الهيكل الجامع

الذي ترزح في ظله األطر المنهجية التي يتماهى بناء عليها المنظومة الفكرية والنفسية

والسوسيولوجية لعالقة الذات باآلخر، فهي الواسطة بين حياة خيرة وحياة عادلة، بين الفضيلة

والواجب، بين الملكة واإلستعداد.

وها هنا يستعير بول ريكور مرة أخرى أرسطو، الذي ميز نفسه عن من سبقه وخالفه على

صعيد النظرية األخالقية، وبالضبط من خالل التعرض لسؤال الصداقة على اعتبار أنه

سؤال األخالق بامتياز، وأنها هي األفق الذي بداخله يمكن أن تتخذ الذات واآلخر موقعيهما

المناسبين داخل فضاء الغيرية، كما أن غياب الصداقة على المستوى المفهومي واإلجرائي

من شأنه أن يفضي إلى أزمة صراع دائم بين الذات وكل آخر لها، "إن الصداقة يؤكد

أرسطو منذ البداية، ليست من نوع واحد، إنها أفهوم مبهم بشكل جوهري وال يمكننا أن

نوضحه إال حين نتساءل عن صنف األشياء التي كانت وراء والدتها، عن "موضوعها"، أي

. 60 ، مرجع سابق، ص محاولة فلسفية–نحو السالم الدائم - ايمانويل كانط ، 1

.44.43، ص ص2007رسالة في مداواة النفس-، بدايات للنشر سوريا، –- ابن حزم األندلسي، كتاب األخالق والسير 2

Page 151: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

151

مكونات الصداقة. وهكذا فعلينا أن نميز بين ثالثة أنواع للصداقة: الصداقة بحسب "الخير"

وبحسب "النافع" وبحسب "اللذيذ"، ونحن، ال نبالغ إن شددنا ونحن نتكلم من منظور

استعصاء "األنانية" الشهير (..)، إن الناحية الموضوعية لحب الذات تجعل من محبة الذات

التي تجعل من كل واحد منا صديق ذاته- ال مجرد تفضيل مباشر للذات من دون واسطة، –

P250Fولكن رغبة يوجهها اإلرجاع إلى الصفة "الخير""

1P .

نخلص إذن إلى أن الفكر األخالقي يتمظهر عند ريكور بجعل عالقة الذات باآلخر كوحدة

إتيقية تؤطرها عملية اإلنخراط ضمن مجموعة مفاهيم ذات أبعاد إنسانية محضة، ال تعزل

الذات عن العالم، بل تزج بها في حوار تواصلي ومؤسس مع اآلخر، يهدف أساسا إلى إبراز

جملة القيم اإلنسانية التي تدفع باإلرادة اإلنسانية الفعالة إلى تجسيد فكرة العيش سويا على

المستوى اإلجرائي، كما تحقق الوجود المشترك من خالل فكرة ريكور المركزية أال وهي

العيش ألجل اآلخرين.

.363.364 ، ص ص بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق- 1

Page 152: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

152

- خالصة:

نخلص في نهاية هذا الفصل إلى مناقشة ما ختم به ريكور كتابه الذات عينها كآخر-

والذي حاولنا قراءته طيلة مراحل تعقب سؤال الغيرية في أوجهه المتعددة-، إذ يختم نصه

بالعبارات التالية: أرجو السماح لي بأن أنهي الكتاب بلهجة التهكم السقراطي الساخر. هل

علي أن أبقى في مثل هذا الحال من التشتت: التجارب الثالث الكبرى للسلبية: تجربة الجسد

الخاص، وتجربة اآلخر، وتجربة الضمير التي توصل إلى ثالث نمطيات للغيرية (اآلخرية)

على صعيد األجناس الكبرى؟، إن هذا التشتت يبدو لي منسبا في النهاية لفكرة الغيرية

نفسها، إني أقول وأنا أقلد حوار برمينيدس (ألفالطون)، ومن دون أن أغامر بعيدا في غاية

النظر والتأمل، وحده خطاب مغاير لذاته يناسب الميتا- مقولة (ما وراء المقولة) للغيرية، لئال

P251F .تلغي اآلخرية نفسها حين تصبح عين ذاتها عينها

1P(même qu’elle- même)

يلخص لنا ريكور من خالل هذا النص بشكل واضح المحطة األخيرة لما يمكن أن تبلغه

الغيرية المنشودة ضمن خط الفلسفة التأملية لواقع الذات واآلخر، التي تحاول أن ترتفع إلى

مستوى الفلسفات اإلنسانية.

فإذا كانت الذات العارفة تقصد الموضوع عبر نشاطها الفكري، فإن اآلخر يمثل الوساطة

الرمزية، والتي هي في الوقت ذاته فك لرمزية الذات واستعادتها من خالل التأويل، الذي يمثل

في مشروع ريكور الطريقة التي بموجبها يتم تأويل مفهوم الوجود فكرة أو شيئا "فتأويل الرمزية

ال يمكن أن يكون هرمونيطيقيا إال في المعيار الذي يكون فيه فهما للذات نفسها وفهما

P252Fللوجود، وخارج هذا الفعل يعد ال شيء"

2P.

ال يتوقف األمر عند حد تأويل لرمزية الذات، مادام األمر يجعلنا نضع تطابقا فينومينولوجيا

بين الذات وموضوع المعرفة، خاصة حينما يكون هذا الموضوع شيئا ماديا منفصال عن

.651.650 ، ص ص بول ريكور ، الذات عينها كآخر، مصدر سابق- 1

2 - Paul Ricœur, lecture 2, la contrée des philosophes, op, cit, p 351.

Page 153: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

153

الذات، التي تسعى في حركة دؤوبة للوعي أن تقصد هذا الموضوع وتأطره عن طريق اإلرادة

الحرة والفعالية الذاتية.

من خالل ما تتبعناه في هذا الفصل من إشكاليات محايثة إلشكالية الغيرية رأينا أن مقصد

ريكور من خالل زحزحزته للفينومينولوجيا إلى حقل الهرمونيطيقا، تمثل في وضع العالقة

P253Fالجدلية بين الذات واآلخر في مسار يمكننا من اإلنتقال بها "من الميتافزيقا إلى األخالق"

1P .

على إمكانية إحالل الوعي في شتى مظاهر واشتغالها الذات على آخر الذات، انفتاحف

الوجود اإلنساني وعدم اختزاله في عالقة األنا باآلخر، يستوجب حضور اآلخر والذات معا

وفي إنتاج الوعي تأمل في السياسة األخالقيةداخل النسق الكلي للغيرية بما تحمله من

الحق، األخالق، الفن، الهوية، الجسد، الضمير،الدفاع عن القيم األخالقية،و وتمثل الحياة،

، التي تؤسس في نسقيتها إلى فكرة العيش من أجل اآلخرين وهي أرقى درجات قضايا العدالة

إكتمال فكرة الغيرية، فالذات تسعى ألن تتعرف على الغير ال كغير للذات، بل كأنا يملك من

الوعي واإلرادة ما يمكنه من أن يعي العالم وأشياءه ويدركها عن طريق التأويل، الذي يعمل

على تجميع المعنى وترميمه إلزاحة الوهم والخداع المنبثين في الوعي، ومن ثمة إخراج

المعنى األخالقي للغيرية إلى ساحة الفعل، مما يخلق لنا ذاتا فاعلة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا

وأخالقيا وتواصليا في ثنايا الوجود اإلنساني.

وبناء عليه وبحسب اإلشكاالت المطروحة في هذا الفصل، والمعبرة عن حدود السؤال

الريكوري لمفهوم الغيرية، نخلص إلى أن ريكور حاول أن يختار مرجعية نظرية يؤسس من

خاللها داللة مفهوم الغيرية ومدى ارتباطه بتحديد التطابق الموجود بين وعي الذات وحقيقة

الذات، والذي ال يمكن إدراكه بشكل فعلي إال إذا تمكنت الذات من أن تستوعب اآلخر وتقيم

التطابق الوجودي واألخالقي معه.

.126- بول ريكور، بعد طول تأمل، مصدر سابق، ص 1

Page 154: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

154

هذه المرجعية الهرمونيطيقية الريكورية ستوظف بشكل كبير في محاولة فهم الذات وتحديد

مسؤولياتها األخالقية، ولعل ما حمل ريكور "على تبني هذا المنعرج الهرمونيطيقي هي أزمة

، بيد أنه يبدو أن ريكور، وبعد هذه العطفة الهرمونيطيقية الطويلة بدأ cogitoالكوجيتو

أو بهرمونيطيقا الذات (الذات ipséitéيزحف رويدا نحو تبني مشروع خاص بالفلسفة الذاتية

soi-même comme un autre "(P254Fوكأنها اآلخر

1 P.

ن، لكنه يلج إليها عن حلم الفلسفة في بناء معرفة وأخالق كليتي يتخلى ريكور أن يريدالإذن

من خالل تفكيك كل االستعصاءات الكامنة خلف األشكال المتعددة لآلخر ومدى حضوره

داخل مجال وعي الذات، فمن خالل ما تتبعناه في هذا الفصل من حركية فلسفية ريكورية

على حساب األشكال األخرى لها، ipséitéالحظنا مدى اهتمام ريكور بمسألة الهوية الذاتية

بحيث يعد ظهور وتجلي هذا النمط الهوياتي بمثابة جوهر فعلي للذات، إذ أنه يخلصها من

السياج المغلق الذي لطالما غلف وغيب مظاهر وعيها لنفسها وللعالم.

واذ يؤكد ريكور على تماهي الهوية الذاتية فألنه يعتقد "أن جوهر الذاتية يسلم إلى الزمانية

والوعد والحرية، إلى الوفاء للذات، بكيفية تجعل الهوية ال تتحقق في عالقة تخارجية مع

P255Fاآلخر، وانما عبر انخرط واشتباك حقيقي مع اآلخر"

2P .

وفي هذا تمييز ريكوري بين ذات تفي بعهدها الوجودي من أجل أن تتماهى مع اآلخر،

وذات تتمظهر داخل الوجود على أساس أنها جزء من عالم األشياء، لكن هوية الذات األولى

هي التي تمثل الوجود الحقيقي، فلم تعد هذه الذات تتعرف على نفسها من خالل أناها

المفكر فقط، بل من خالل تماهي ذاتها مع الغير الذي ال تكتمل ذاتيتها إال من خالله وفي

، 1- جان غراندان، المنعرج الهرمونيطيقي للفينومينولوجيا، ترجمة وتقديم عمر مهيبل، الدار العربية للعلوم بيروت، ط 1

. 158، ص 2007

. 83- فتحي التريكي، بول ريكور فيلسوف الغيرية، ضمن، مجلة أوراق فلسفية، مرجع سلبق، ص 2

Page 155: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

155

ضوء النسق العام للغيرية، أين تتحدد عالقة الذات باآلخر كشبيه أو كغريب أو كصديق أو

صورة أخرى للذات.

ما يمكن أن نحمله على هذا التصور الريكوري للغيرية انه يعلي من شأن الذات ويجعلها في

مركز استقطاب لكل ما هو غير لها، لكن أال تعد مثل هذه الرؤية بمثابة عنف ممارس ضد

اآلخر؟، والذي ال يحضر إال لكي يخلص الذات من ذاتيتها ويمنحها فكرة عن نفسها، فكل

فهم لآلخر هو فهم لصورة الذات الفعلية. وعليه نتساءل: "أفال يعني البحث عن فهم اآلخر

P256Fبما يشبه اإلستحواذ عليه، أننا نعمل على نفي خصوصيته واإلخالل بها؟"

1P .

وألجل الحفاظ على خصوصية اآلخر كما خصوصية الذات، ال بد أن تتخلص الذات من

سؤال : من أنا؟ الذي ال يستوفي شروط وجود تواصل بين الذات والعالم الذي تتقاسمه مع

اآلخرين، وهنا تبرز الحاجة الملحة إلى البحث في سؤال أشد تعقيدا، لكنه ال يقصي أي

طرف من أطراف الغيرية، وهو السؤال: من نحن؟. والذي سيدفع بنا إلى اإلنتقال كذلك من

التساؤل: عن ما هو اإلنسان؟، إلى السؤال األهم في ثنايا جدلية الغيرية، أال وهو : من هو

اإلنسان؟.

. 180جان غراندان، المنعرج الهرمونيطيقي للفينومينولوجيا، مرجع سابق، ص - 1

Page 156: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

156

الفصل الثالث

الذات والغيرية : مشروع تحقق اإلنسان

Page 157: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

157

عبر كل نصل في هذه المحطة إلى لحظة اكتمال مختلف الصور المحددة لماهية الغيرية

المستويات الفلسفية والنفسية واإلجتماعية والثقافية والدينية وغيرها، لنحاول بتركيز أكبر

وبعقالنية صارمة، استشراف مسار جدلية الذات والغير بحثا عن المكان الذي سترسو فيه

هذه الجدلية، أين يتحقق التركيب المنشود بين الذات والغيرية، من دون أن نفعل وجود الذات

على حساب إقصاء الغير، وال أن نجعل من الغير رهين تمثالت الذات داخل العالم.

بل سنبحث في تمثالت الوجود مع اآلخر ال باعتباره مختلفا وال شبيها، بل كما أراد له ريكور

أن يكون عين الذات، أين تتماهى هذه الذات وهذا اآلخر ضمن مجال أرحب يجمعهما

ويحقق التوافق بينهما أال هو اإلنسان.

جميع األنظمة الرمزية المتعلقة بالذات أو باآلخر، وهو مفهوم اإلنسان هو الذي ستتوحد فيه

الحامل لمختلف أشكال الوعي البشري التي قد تتفاوت درجتها على حسب درجة تعاملنا مع

هذا المفهوم المعقد، وكذا حسب الغاية المرجوة من طرحه ونمط معالجته، ومع ذلك يظل

كما يقول ريكور- "رهان الفلسفة –سؤال اإلنسان أو باألحرى البحث في موضوع اإلنسان

257Fاألول"

1.

غير أن هذا الرهان سيتخذ منحى تساؤليا آخر يحاول تضمين ذاتية الذات ضمن الغيرية، أو

بتعبير ريكوري تضمين الذات عينها بما هي آخر، هذه الزحزحة لسؤال اإلنسان ستحمل نفس

اإلنزياح الذي شهدناه مع سؤال الهوية، حينما تحول من سؤال من أنا؟ إلى السؤال من

نحن؟. هذا التوجه األخير سيحدث نقلة كذلك في سؤال اإلنسان، من الشكل الميتافزيقي الذي

لطالما تغلف به، وصيغته ما هو اإلنسان، إلى مقاربة الوضع الذي آل إليه هذا اإلنسان

المعاصر حينما افتقد لحس الغيرية، وصيغة الطرح الراهنة اآلن هي: من هو اإلنسان؟.

1 - Paul Ricœur. Lecture 2, op cit, p07.

Page 158: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

158

الولوج ضمن عالم اإلنسان الفاعل والمتألم، وهنا مكننا منولعل صيغة الطرح األخيرة ست

ستتشابك التساؤالت وتتفرع المباحث المنضوية تحت سقف البحث حول مفهوم اإلنسان

المحقق لذاتية الذات وغيرية الغير، فلن تستقيم هذه الجدلية دون أن يتحقق مشروع لإلنسان

يكفل تحقق تجربة الغيرية التي تثبت وجودنا وتحدد حقيقة هذا الوجود.

إن بقاء توتر جدلية الغيرية يمثل بالنسبة لمسار البحث منفذا للولوج إلى سؤال اإلنسان، فمع

طول مراحل هذا البحث ظل هاجس إمساك الذات بالتاريخ والطبيعة رغبة جامحة لدى ريكور

ال توقفها النكسات المختلفة التي تعرض لها سؤال الذات والوعي.

قد نستشف من تلك المحاوالت المتكررة لريكور ألجل تضميد جراح الذات وتضمين وعليه

الذات ضمن نسق مفتوح تتعايش فيه هذه الذات مع اآلخرين تعايشا إتيقيا، أن غرضها

األساس كان تحقيق إنسانية أبدية دورها إحاطة الذات بالموضوع، من جهة كونها المرآة

العاكسة لخصوصية الوضع اإلنساني المرتبط بشكل متالزم مع كل أشكال الوعي المنبثة في

هذا الوجود.

لقد ارتبط سؤال اإلنسان بالكثير من الحيرة والتردد والغموض، وذلك لبقاء التوتر داخل جدلية

الغيرية، كما أنه من جهة أخرى مفهوم مبهم نحاول محايثته في الكثير من األحيان مع

مفاهيم: العقل، الوجود، اإلنسانية، الوعي، الحياة، الموت، المصير.. وغيره من المفاهيم التي

تجعل من سؤال اإلنسان، هو ذاته سؤال جدلية الذات والغيرية بامتياز.

هذه المقاربات للمفهوم ال تبدد الضبابية التي تكتنفه، ليبقى التوتر الفلسفي هو السائد بداخله،

ولربما يعود سببه أصال، إلى الحالة الوجودية الغريبة المدفوعة بالقلق والتوجس من األوهام

العالقة بالوعي اإلنساني.

Page 159: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

159

وهنا تحضرنا تساؤالت تفرض نفسها لمحاولة اإلفالت من اإلضطراب والتشويش الذي بقي

عالقا مع مختلف مراحل التفكير في جدل الذات والغيرية:

، وما الذي يجعله يحوز هذه المكانة التركيبية بين ؟اإلنسان موضوعلم التفكير اليوم في ف

الذات والغيرية ؟، وما هي مختلف الدالالت الوجودية واألخالقية التي يمكن أن يحملها

السؤال عن اإلنسان؟.

هل يمكن اعتباره موضوعا فلسفيا ، ذي أهمية؟ وغير،كمن اعتباره موضوع متجاوزيأال

.؟ في إمكانية تحقق المزاوجة بين الذات والموضوعللتفكير

Page 160: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

160

المبحث األول

أزمة اإلنسان: من النقد إلى المابعدية

Page 161: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

161

- اإلنسان وتجربة الشر :1

لقد اتخذ التاريخ وجها آخر بعد ما عرف بالحقبة الميتولوجية، حيث صار فعل اإلنسان هو

موضوع التاريخ بعد أن كان مقصى منه من ذي قبل، وهذا التحول إقترن مع محاولة

اإلستقصاء عن العلل الواقعية التي يمكن ردها إلى اإلنسان وفعله اإلرادي، فعلى سبيل

المثال الحرب التي كانت تدور رحاها بين الفرس واليونان لم تكن علتها بمنظور هيرودوت

تعود إلى اآللهة، لذلك رأى أن مردها راجع إلى النزعة التوسعية البشرية.

واعتبارا من هذه اللحظة بتنا نميز بين نوعين من الزمن: زمن إلهي يتضمن أفعال وأحداث

اآللهة (وهو زمن أسطوري)، وزمن إنساني يتضمن أفعال اإلنسان (وهو زمن تاريخي)، وهنا

سيتم إنفصال التاريخ عن اآللهة وبالتالي بداية غياب األفعال الطوباوية، واقترانه باإلنسان

في تالزمه مع األفعال المحايثة لواقعه، وها هنا بالضبط سيظهر ما ندعوه بالشر.

لكن قبل الخوض في هذه المسألة، تحضر العديد من التساؤالت حين الحديث والبحث في

رمزية الشر كفعل إنساني: ما أصل الشر؟، وهل هو فعل إرادي؟، وهل للعقل دور في

وجوده؟، أم أنه تعبير عن صراع بين الذات وذاتها في سعيها إلثبات حضورها، وبين الذات

واآلخر في سعي كليهما في إقصاء اآلخر؟، أم أن الشر هو نتيجة لغياب الحقبة الميثولوجية

وغياب الدين، والحضور المباشر لإلنسان في التاريخ؟.

سننطلق في بحثا عن تفسير لوجود الشر من النص الديني وبالضبط من الديانة المسيحية

التي أعطت رؤية جديدة حول تاريخ الحياة البشرية، فهي تعتقد على أن هذا التاريخ يسير

وفق مسار خطي له بداية وله نهاية، وسياقه العام يرتبط إرتباطا الزما بإثم الخطيئة األولى

بحياة اإلنسان الدنيا، وهذه المرحلة تستدعي من اإلنسان أن يسعى لتحقيق الخالص من هذا

اإلثم العالق في مخيلته وفي واقعه.

Page 162: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

162

غير أن الحياة مع هذا التصور الديني ستحمل على أنها مرحلة تتوسط قدوم المسيح

وحادثة الصلب، وعودته في آخر الزمان ستكون ألجل "تحرير البشر من تبعات الخطيئة

P258Fاألولى واقامة المملكة المسيحية (مملكة السماء) على أنقاض الشر"

1P .

لربما تحمل ذواتنا مأساوية هذا الوجود اإلنساني، الذي نشأ في كنف اإلعتقاد بالخطيئة، وفي

سيطرة الشر الذي أضحى كائنا وجزءا من كيان اإلنسان، ولعل هذا ما يشكل أحيانا تسويغا

القتراف الشر.

غير أن ارتباط الشر بالخطيئة األولى سيحمل في ثناياه بعدين أحدهما إيجابي واآلخر

سلبي، فمن الناحية السلبية "اإلنسان ليس هو أصل الشر، فاإلنسان قد صادفه واستأنفه،

فيصبح السؤال ما إذا كان اعتراف اإلنسان بخطيئته يجعله يستبعد بالكامل أصل الشر في

P259Fاإلرادة السيئة التي يتهم بها نفسه والتي يعترف بأنه صاحبها"

2P .

أما البعد اإليجابي في مسألة الشر فيعيده ريكور إلى أن "الشر قديم قدم كل الكائنات، وأن

P260Fالشر هو ماضي الكائنات، وهو ما هزم بإنشاء العالم، وأن اإلله هو مستقبل الكائنات"

3P .

لكن الحقيقة الكامنة خلف هذين البعدين هي أن الشر نتاج بشري بحت على أساس أنه نابع

عن رغبة وقدرة وارادة وكذا منفعة، واذا ما حاولنا سجن أنفسنا في صلب فهمنا للخطيئة،

سيبقى الشر أمرا محتوما، ووجودا البد منه.

.168، ص 3- صبحي أحمد محمود، في فلسفة التاريخ، دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت، ط 1

اإلنسان الخطاء-، ترجمة عدنان نجيب الدين، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء –- بول ريكور، فلسفة اإلرادة 2

.11، ص 2003، 1المغرب، ط

.11- المصدر نفسه، ص 3

Page 163: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

163

يعتقد ريكور على أن "الشر هو ما ال يجب أن يكون بل يجب أن يصارع، وبما أننا كلنا نريد

الخير ونرفض الشر، فإننا ننظر إلى ذلك كما لو أننا نقول إننا كلنا يريد إثبات أناه وذلك

P261Fبنفي اآلخر أو بالتمايز عنه"

1P .

وأمام هذا الصراع بين الذات واآلخر يبرز مشكل المعيار والغاية، فما هو المعيار المميز

ألفعال اإلنسان بين كونه خيرا وشر؟، هل المعيار هو العقل؟ أم الضمير بمفهومه الفرويدي؟

أم مبدأ المنفعة؟ أم أن المرجع هو النص الديني؟.

أو أن المعيار سيكون هو نفسه الغاية من البحث في مسألة الشر، أال وهو تحقيق اإلنسان

إلنسانيته الغير متصارعة وال متنافرة مع إنسانية اآلخر؟.

أمام تشابك هذه التساؤالت وتعقدها يحاول ريكور فهم ماهية الشر من خالل الوظيفة الرمزية

له، فهو ال يعد سوى أحد مفعوالت الصور الرمزية المنتجة في المكان، فقد يتمثل الشر في

الفكر اإلنساني على أنه "محاولة هذا الفكر التشبث عبر قدراته االلتفافية وبها، بنفسه وبهذا

P262Fالتواجد، وذلك بمقاومة جوانب اإلطالق فيه التي ستنقله إلى الوعي"

2P .

أي بمعنى أن الشر هو كل فعل سلب والغاء من الذات تجاه اآلخر.

ولرمزية الشر لدى ريكور وجهات ومالمح عدة، تتمثل رموزها األولى في اإلعتراف، إذ أن

اإلنسان يعترف بأنه مسؤول عن أفعاله، وأنه فريسة للشر الذي يحاصره من كل ناحية،

وبتوجه هذا اإلنسان في المكان أين تتبدى إلى العيان رموز الشر، وهي مجموعة رموز

بدائية، سميت هكذا كي يتم تمييزها "عن الرموز األسطورية التي تعد أكثر تمفصال بكثير،

.11- المصدر نفسه، ص 1

.95، ص 2001، 1- هاني يحي نصري، إشكالية الشر، منشورات دار عالء الدين، دمشق، ط 2

Page 164: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

164

وتشتمل على سعة القصة، مع الشخصيات، واألماكن واألزمنة الخرافية، كما تحكي بداية

P263Fهذه التجربة ونهايتها"

1P .

الرمزية الثانية تتشكل حينما يتطابق المعنى الرمزي مع المعنى الحرفي ويشكل حمولته، وهنا

سيظهر مسار تجربة الخطيئة، الذي يشبهه ريكور رمزيا ببقعة الوسخ، وهو تعبير عن وضع

معين لإلنسان، ارتبط بفكرة اإلنسان المدنس واآلثم والمذنب .. وغير ذلك من الصفات التي

تدفع بالذات إلى البحث في دينامية الرموز الثقافية الكبرى "فحقيقة الشر ليست شرا على

الحقيقة، بل جانب منها، وهو حين يخترق الحقيقة ليجعلها شريرة في خدمته، بالفوضى في

P264Fالمفاهيم والواقع اإلجتماعي التنظيمي"

2P .

وبناءا على هذا المعطى ينصح ريكور بعدم االنخداع بالتأويل التاريخي والتقدمي لتطور

الوعي في هذه الرموز، فكل جملة داخل هذا المجال التداولي لمفهوم الخطيئة تستقي

حمولتها من الجملة التي سبقتها، ولعل هذا ما يفسر استمرار مفهوم الدنس كرمز أكثر عتقا،

"ولكن رمزا عتيقا ال يحيا إال من خالل ثورات التجربة واللسان التي تغمره (..)، وهكذا نرى

P265Fأن رمزية الخطيئة تنتظم حول صور معكوسة لصور الدنس"

3P .

إذن سينصب اهتمام ريكور في تعيين مفهومه للشر من خالل تناول المعنى، فالرموز

والعالمات تشكل أهمية كبرى في تحديد ماهية اإلنسان القادر على استبدال األشياء

واإلستغناء عنها، وتفكيك الرمز يمنحه تحررا من سلطة األشياء والقيود التي يفرضها الواقع،

.341- بول ريكور، صراع التأويالت، مصدر سابق، ص 1

.152هاني يحي نصري، إشكالية الشر، مرجع سابق، ص - 2

.343بول ريكور، صراع التأويالت، مصدر سابق، ص - 3

Page 165: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

165

وتتضاعف حرية اإلنسان كلما تخلص من سلطة المطابقة بين الرمز والمعنى دون تدخل

التأويل، الذي يعد المجال الحقيقي النبعاث الوعي اإلنساني وتحرره من سلطة األشياء.

ولعل في انبعاث هذا الوعي تفعيال لحرية اإلنسان، وتضييقا لمجال امتداد مفهوم الشر، فلن

يكون الشر "شرا إال بمقدار ما أطرحه، ولكن في قلب موقف الشر بوساطة الحرية تنكشف

سلطة اإلغواء عن طريق "الشر القائم من قبل هنا"، والذي كان الدنس العتيق قد قاله دائما

P266Fبطريقة الرمز"

1P .

وهنا يطرح السؤال نفسه : ما عالقة الشر بالحرية؟ وهل ممارسة الشر يعد فعال حرا؟.

.343- المصدر نفسه، ص 1

Page 166: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

166

- مسألة الشر وسؤال الحرية : 2

إن محاولة التأصيل للفعل اإلنساني بين منابعه الداخلية وبين القوى الخارجية المؤثرة

والموجهة له، جعل موضوعة الحرية هاجسا فعليا حين محاولة الخوض في تعريفها وتحديد

طبيعتها، حيث يتمايز التعريف بمشكلة الحرية ووجودها الفعلي بين اإلرادة اإلنسانية في

سعيها لتحقيق ذاتها وبين قوة إلهية تتحكم في كينونة ومصير الكون بكامله.

وقد تبلورت العديد من التصورات حول مشكلة الحرية بحثا عن تعيين اإلتجاه العام لوجود

اإلنسان الخاص والعام، إذ رأى هيدغر على أنها "إفساح المجال أمام إنكشاف الموجود من

P267Fحيث هو كذلك"

1P .أي أن حلولها يحمل في اآلن ذاته معالم ومعاني الوجود ،

كما درجت أغلب الفلسفات على التساؤل عما إذا كانت أفعالنا هي نتاج إرادة حرة أم موجهة

ومسيرة بال حول لنا وال قوة، بدءا بالتراجيديات اليونانية التي صورت لنا األفعال التي تظهر

على أن الذات اإلنسانية يتحكم فيها بصورة سلبية، إذ أن قوة إلهية هي من تحددها في

التفسيرات الدينية والتي سعت في مجملها ألن تربط بين مفهوم الحرية ىالحقيقة، مرورا إل

واشكالية الموت، وقد نتوقف عند الفكرة القائلة بأن الموت جاء إلى هذا العالم بسبب خطيئة

آدم التي أدت إلى إخراجه من الجنة أو ما يعرف بعالم الخلد، ولما كانت أول خطيئة في هذا

الوجود هي تعبير عن ممارسة اإلنسان لحريته، كان مفهوم الخطيئة متضمن لمفهوم

اإلختيار الحر.

ولكننا سنخوض هنا غمار مخاطرة كبرى تجعل من وجود الشر أسبقية إزاء كل إنسان،

وهكذا "فإن الرؤية األخالقية للشر تجعل موضوعا فقط رمز الشر الحالي، و"اإلنزياح"

الدار العربي الثقافي المركز ، مفتاح الهادي عبد و سبيال محمد مارتن هيدغر ، التقنية - الحقيقة - الوجود ترجمة- 1

.25، ص 1995 ،1ط ، بيروت البيضاء

Page 167: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

167

و"اإلنحراف المحتمل"، ويعد آدم النمط األصلي، المثالي لهذا الشر الحاضر، والحالي، والذي

P268Fنكرره ونحاكيه في كل مرة نبدأ الشر"

1P .

إن ميالد الشر ليس وليد الصدفة، وال وليد الخطيئة األولى، بل هو نتاج إستجابة للتعقيدات

التي عرفتها وال زالت تعرفها المجتمعات اإلنسانية في عدة مستويات، ولربما هذا ما يعكسه

براديغم التواصل بين الذات وآخر الذات، الغير مستقر في نقطة ثابتة داخل هذه الحلقة

الدائرية، بكل ما تحمله من تعقيدات تشمل أبعادا متعددة، أخالقية واجتماعية وسياسية

واقتصادية ومعرفية ولسانية.. وغيرها.

إذن يمكن بناء جسر معرفي بين مسألة الشر وسؤال الحرية بشكل إيجابي إذا ما أسسنا

لتبادلية معرفية إنسانية تلحق الشعور بالمعرفة، فما "يظهره الشعور بطريقة اللهجة العاطفية

الموجهة نحو األشياء، هو هذه القصدية نفسها للميول، فالمحبوب والمكروه، السهل

P269Fوالصعب، هو هذا الذي نحوه "يقترب" و"عنه" يبتعد و"ضده" يصارع رغبته"

2P .

المعـاصر وارتباطه بمفهوم زمننا في الشر مبحث بها يحظى أصبـح التي األهمية من انطالقـا

الصراع المستمر على جميع األصعدة الجماعية والفردية زمن فـي لراهنيته ونظرا الحرية،

التي تشهدها المجتمعات المعاصرة، ونظرا المتداد رقعته مما أصبح يهدد إنسانية اإلنسان،

ال بد من ضبط هذا المفهوم وتجلياته كي نقترب من تأسيس معاني الغيرية وبعث إنسان

من خالل ضبط العالقة القائمة بين وجود اآلخر ورغبة الذات في تملك حريتها، أو اآلخر

.358بول ريكور، صراع التأويالت، مصدر سابق، ص - 1

.136 اإلنسان الخطاء-، ترجمة عدنان نجيب الدين، مرجع سابق، ص –بول ريكور، فلسفة اإلرادة - 2

Page 168: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

168

اآلخر هو الوجود الوحيد الذي يمكنني قتله"، والذي يتصل كما يعبر عن ذلك ليفناس، بأن "

P270Fبشكل حميمي وقبلي بحريتي"

1P.

هذه الحرية التي يتحدث عنها ليفناس تأخذ بعدا ايتيقيا، وهي شديدة التعقيد ألنها تستلزم

حضور اآلخر اإليجابي والسلبي معا في شتى المستويات األخالقية واألنطولوجية وكذا

السياسية، وفي هذا الصدد يرى ليفناس أن االتيقا التي يجب أن ندافع عن حلولها "ال تشتغل

على مستوى الدعوة إلى حفظ النظام، كما ليست أدابا للسلوك، وحينما أتحدث عن االتيقا

كتجرد من كل مصلحة لنا في الوجود، فأنا ال أعني بذلك الالمباالة، بل أريد أن أذكر على

P271Fأنها شكل من السلبية اليقظة أمام نداء اآلخر الذي سبق مصلحتنا في هذا الوجود"

2P.

تعدد أشكال حضور اآلخر وتأثيره ولعل هذا ما يفرض علينا اإلنتقال إلى معالجة مسألة

إيجابا أو سلبا على الطابع اإلنساني للوجود، وذلك من خالل مفهوم أضحى أكثر استقطابا

لكل معرفة معاصرة، أال وهو مفهوم العنف.

فما المقصود منه؟ وما هو األثر الذي يحدثه في مسار بحثنا حول من هو اإلنسان؟.

1 - Rose Goetz, Polysémie de l’identité, Polysémie de l’altérité : Ricœur critique Levinas, in, Le même et l’autre – identité et différence- actes d’un congrès international, Budapest 2006, ASPLF. P216.

2 - Jack Rolans, humanité de l’être, in, revue Esprit, n07, juillet 1997, p115.

Page 169: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

169

- العنف وأسس العالم المعاصر:3

إن العنف مصطلح حديث بشكل نسبي، وهو متداول بشكل مكثف في الفكر السياسي

المعاصر، غير أنه قديم قدم ممارسته، فقد يعود مثله مثل وجود الشر، إلى ما بعد الخطيئة

األولى أي قتل قابيل ألخيه هابيل.

على المستوى الفكري لم يتطرق المفكرون األوائل إلى العنف في ذاته، بل كنتيجة ألبعاد

تيوقراطية، كمخالفة تعاليم اآللهة، ولذلك ينعدم ظهور المفهوم في نصوص الفلسفات األولى

من أفالطون إلى ابن خلدون بوصفه مفهوما قائما في ذاته "فقد كان العنف مختلطا بمعان

أخرى أو مضافا لها كالفتنة والحرب وكل ما يؤدي إلى خراب الدول كما يبدو ذلك في

P272Fجمهورية أفالطون أو في سياسة أرسطو أو في مدينة الفارابي أو في مقدمة ابن خلدون"

1P .

فالعنف بالمعنى الحقوقي ظهر مع تاريخ وجود الدولة الحديثة، فهو "كمقولة حقوقية يعود إلى

القرن التاسع عشر، حيث حدد وفكر فيه داخل التصور الحديث للدولة بوصفه فعال أو

ظاهرة ترمي إلى إحداث خلل في البنى التي تنظم مجتمعا ما، مما ينجر عنه تهديد نظام

P273Fالحقوق والواجبات التي يتوفر عليها األفراد طالما هم ينتمون إلى شرعية قائمة"

2P .

إن العنف أخذ معنى أكثر دقة منذ نتشه، وجورج سوريل، "الذين أدخلوا نظرات منهجية

P274Fمضادة لالتجاهات أو الكوابح العقلية، ونادوا بالعمل المباشر"

3P.

، 2 / 1، العدد 34- فتحي المسكيني، "ما هو اإلرهاب؟" نحو مساءلة فلسفية، صمن، مجلة دراسات عربية، السنة 1

. 06، ص 1997

.6- المرجع نفسه، ص 2

.1555- أندريه الالند، موسوعة الالند الفلسفية، مرجع سابق، ص 3

Page 170: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

170

لقد نادى نتشه بأنه حيث تنتهي الدولة يبدأ اإلنسان ودعا إلى ما سماه بأخالق القوة، "أما

سوريل فقد نشر كتابه "انطباعات حول العنف" على شكل سلسلة مقاالت نشرت في الحركة

االشتراكية، إذ يرى أن العنف ليس بدائيا أو غير مشروع، بل يجده مشروعا، وهو تبعا لذلك

P275Fيميز بين العنف والقوة، ذلك أن القوة برجوازية"

1P أما العنف فليس القوة البرجوازية بل هو ،

سلوك ثوري، فالبرجوازي ال يمكن وصفه بالعنيف، بل يقتنع بالقوة القائمة، غير أن "الشعب

شأن كافة الضعفاء- بتحطيم هذه –هو ضحية هذه القوة نفسها، فهو بالتالي ضعيف ويحلم

P276Fالقوة، لذلك فهو يمارس العنف الثوري، أي العنف الصريح الذي يحطم القوة ويظهر الحق"

2P .

وبناء عليه نجد أن جورج سوريل قد منح الشرعية األخالقية لسلوك العنف، وهو ما يمنحه

ريكور معنى آخر يسميه بالالعصمة، وهي تظهر نتيجة هشاشة الوساطة القائمة بين الذات

والموضوع، األمر الذي يشكل مسوغا وراء ظهور الخطأ، ف "ليست الالعصمة سوى إمكانية

P277Fالشر: فهي تعني مكان وتركيبة الواقع الذي في مقاومته الضعيفة يقدم "مكانا" للشر"

3P .

هذه الشرعنة لمسألة العنف والتأسيس النظري لها ترتبط دوما بالمرحلة األولى لنشوء

المجتمعات البشرية وفي طينتها خطيئة أصلية هي العنف، ولم يستطع العقل البشري حتى

اليوم أن يعفي اإلنسان من هذه الخطيئة وأن يحرره من هذه العقدة التي تالزمه مالزمة

مطلقة، وأن يخلصه من البربرية الكامنة في ذاته، فلو أخذنا مثال الحرب نجد ليفناس

.256، ص 1995، 3- عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للطباعة والنشر بيروت، ط 1

.257- المرجع نفسه، ص 2

.213 اإلنسان الخطاء-، مصدر سابق، ص –- بول ريكور، فلسفة اإلرادة 3

Page 171: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

171

يشرحها على "أنها توقف علم األخالق، لكن من الخطأ أن نفهمها على أنها ظاهرة خارجية

P278F(..) فالحرب ليست خارجية بل داخلية في الكائن"

1P .

تحرير الذات من هذه العقدة الجاثمة عليها، يصوغه ريكور وفق مقاربة إتيقية، حين يرفض

رفضا قاطعا أن نجعل من العنف سلوكا أخالقيا، "ألن الظهور األول لإلرادة الذاتية الواعية

للذات في ممارسة العقاب، هو الثأر. فما أن أتامل غرامة العقاب كفعل إلرادة ذاتية، فإن

خصوصية هذه اإلرادة وعرضيتها تمآلن العيون، فالثأر هو العرضية نفسها للعدل في القائم

به، ولدى القائم بالعدل، فإن العقاب أوال يعد غير نقي، والعقوبة ليست بادئ ذي بدء سوى

P279Fطريقة إلدامة العنف في سلسلة غير متناهية من الجرائم"

2P .

سيفرض علينا هذا التحليل الريكوري التساؤل حول : هل يمكن السيطرة على العنف؟.

هذا السؤال يعد بمثابة مقاربة للواقع البشري الراهن، على اعتبار أن العنف بات يمثل

عنصرا أساسيا في التجربة السياسية، التي لم تقتصر فقط على تلك النظم والقوانين

المتموضعة في حدود العالقات االجتماعية والسياسية، بل شكل العنف كذلك اإلطار الكبير

في مستواها، ليمتثل داخل حدود هذه التجربة كحركة دائمة يستحيل القضاء عليها إال بشكل

نسبي، فطبيعة النفس البشرية مجبولة على العدوانية، وأي شيء يمس حريتها أو يقلص من

إرادتها يثير انفعالها وثورانها، فتلجأ الستعادة ذلك بما تملك من األدوات المشروعة والغير

، 12- جان الكروا ، الالمتناهي والجار في فلسفة ليفناس، ترجمة يحي الهويدي، ضمن، مجلة أوراق فلسفية، العدد 1

.362، ص2004

.420بول ريكور، صراع التأويالت، مصدر سابق، ص - 2

Page 172: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

172

المشروعة أحيانا، ولهذا يعتقد ريكور على أن مشكل الشر "ليس فقط مشكال تأمليا، بل

P280Fيفرض التقارب بين الفكر، الفعل (بمعناه األخالقي والسياسي) والتحويل الروحاني للشعور"

1P.

وبناء على ذلك يقول ريكور على "أني ال أرغب في إقامة قطيعة لهذه الخبرات المتوحدة،

للحكمة الكامنة في الصراع األخالقي والسياسي ضد الشر، والذي يمكنه تجميع كل إنسان

P281Fذو إرادة حسنة"

2P.

تلك هي الطبيعة اإلنسانية المرجو تحققها، حينما يشعر المرء نفسه أنه أكثر من مجرد

إنسان يرزح تحت سلطة رغباته ويحاول أن يجعل من اآلخرين أدوات تطيع رغبته مما

يعطيه لذة ال تضاهى، ويمنحه سلطة ذاتية موهومة على اآلخر، يمارس السياسة على

P282Fأساس أنها "صراع من أجل السلطة، والعنف هو أقصى درجات السلطة"

3P .

لذا فالتساؤل عن أساس الشر والعنف وغيره من المفاهيم المؤسسة لشخصية اإلنسان الفاعل

والمتألم يقتضي استحضار مفهوم التواصل الذي قد يقترن بمعاني الفعل وااللتزام األخالقي

بالنظر إلى عدم تعارضه مع حرية اإلنسان واستقاللية إرادته، كما يقيم جسور اتصال

وتواصل بين الذات واآلخر، ليتخذ من اإلنسان غاية قصوى.

فما هو التواصل؟ وكيف سيؤسس لتحقيق اإلنسان إلنسانيته؟، وبأي معنى يمثل هذا البراديغم

القائم على الحوار والمناقشة العقالنية والتشاور بديال أو تجسيدا لمعنى الغيرية؟.

1 - Paul Ricœur, Le Mal – un défi de la philosophie et à la théologie, 3 édition, Editions FIDES, Montréal, 2004, p56.

2 - Ibid., p 65.

. 32، ص 1992، 1- حنة أرندت، في العنف، ترجمة ابراهيم العريس، دار الساقي بيروت، ط 3

Page 173: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

173

المبحث الثاني

الغيرية والتواصل

Page 174: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

174

- التواصل وترميم الذات :1

لربما قد كشفت لنا تجربة الغيرية مدى هشاشة الوجود المتمركز حول الذات، ومدى التباسه

حينما نبحث في شروط تحققه، التباسا يجعل من السؤال عن حقيقته موضع جدال غير

منتهي، ألن هذا الشكل من الوجود يتوجه أساسا إلحالل منظومة قيم متمركزة حول الذات،

تميل من خاللها هذه الذات إلى إخضاع كل غير لها، وتأطير عالقتها بالعالم، بينها وبين

الوسط الذي يحملها، بين ما هو داخلها وكل خارج عنها.

ولعل هذا ما تابعناه ابتداء من كوجيتو أنا أفكر، الذي يمثل تأكيدا على هوية المركز، مرورا

كما يقول ريكور- –بالفلسفات المتعالية بلوغا إلى هوسرل، فهذين الفيلسوفين على التحديد

"يبدءان بفعل التعليق، معبرين بذلك عن حرية تصرف الذات بذاتها (..) وهو األمر الذي

283Fتصبح فيه متعادلة مع عبدها الفعلي"

1 .

هنا إشارة إلى مؤامرة تقيمها الذات مع العقل، تستعبد من خالله الذات هذا العقل أوال ثم

يخضع لها كل آخر عنها، ولعل هذا التوجه الذي يعتقد بالعقل الواحد والذات الواحدية يهدف

الذين إلى تحطيم البنى الوثوقية لكل تفكير في معاني التواصل والغيرية، ونلمس ذلك نحن "

وبعد المؤسسة العقالنية لألنظمة التوتاليتارية أين ،جئنا بعد األنوار، بعد كذب وعود علموية

تظهر استحالة وضع كل األمال التحررية في العقل األحادي أين أصبح العقل ال يختلف عن

284Fاألدوات األخرى التي نستعملها"

عزل الفرد بكل الطرق الدعائية هو ذلك والغرض من كل ،2

. وبشكل نسقي منظم

.238بول ريكور، صراع التأويالت، مصدر سابق، ص - 1

2- Hice Giard, le moment politique de la pensée, in, Esprit 17 mai 1978, p55.

Page 175: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

175

الحل المطروح لتجاوز سلطة هذه الذات يتمثل في إزاحة القيم التي أفرزها هذا العقل المركزي

واحالل فعل التواصل، الذي يعد السبيل لتخليص الذات من نرجسيتها وتحريرها من أوهامها،

بيد أن الفعل التواصلي يعد السبيل نحو اإلرتقاء باإلنسان إلى محك الحوار والنقاش

والتواصل الفعال المؤسس من خالل ما يعرف بأخالقية التواصل المدعمة بفكرة الواجب،

لتتحول مع ريكور إلى األخالق الواجبية للتواصل، والتي تستمد مصدرها "بشكل أساسي من

أنها دمجت في إشكالية واحدة األوامر المطلقة الكانطية الثالثة: مبدأ اإلستقالل الذاتي

بحسب مقولة الوحدة، ومبدأ اإلحترام بحسب مقولة التعددية، ومبدأ مملكة الغايات بحسب

مقولة الشمولية، وبتعبير آخر فإن الذات مؤسسة مرة واحدة في بعدها الكلي (الكوني) وفي

285Fبعدها الحواري البينشخصي والمؤسساتي"

1 .

وهنا ستتخلى الذات تدريجيا عن المواقف الصراعية، وتتمكن من الخروج من ثنايا الفكر

"فبراديغم فلسفة التأملي الباطني العاجز عن إقامة مشروع تواصلي بين الذوات المختلفة،

، ويجب الخروج من فلسفة الذات لالنفتاح على براديغم التفاهم بواسطة اختفىالوعي، قد

P286Fالعقل التواصلي"

2P، إلى التفكير التذاوتي المعترف باآلخربلوغا .

وال بالتفكير التأملي هذا الشكل التواصلي لم يعد يرضخ لسلطة الذات العارفة الديكارتية

إن فعل التواصل هو اإلمساك بلحظة الميتافيزيقي الحدسي المتعالي على بلوغ الحقائق،

تجاوز العقل الذي ال يفكر إال بذاته وال يعترف إال بسلطته، حاجبا رؤية الذات عن كل خارج

عنها واختالفاتها مع اآلخرين.

.526بول ريكور، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - 1

2- Emmanuel Nzumya, Justesse de la norme et éthique de la Discussion: Habermas et Thomas d’Aquin, l’Harmattan, Paris, 2008, P17

Page 176: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

176

إلى أفاق النحن، والتي "تحضر فيها إن فعل التواصل ينقل الذات من "األنا" المنغلق

الكائنات العاقلة أكثر مما تحضر باقي الكائنات الحية األخرى، "حضورها بقدر ما هي

P287Fواعية"، فهي تعارض األنانية ال التعددية"

1P .

إن التواصل يحقق اإلجماع واالتفاق على المعايير الواجب حلولها في األخالق الواجبية

للتواصل، والممثلة في الحوار البعيد عن كل أشكال اإلقصاء أو العنف، حوار بين ذاتين

تنقل كالهما رؤيتها الخاصة لألشياء ولآلخر، مراعية البعد التواصلي المحقق للتفاعل

كما يقول ريكور- يتمثل في "تبيان البعد –واإلندماج، والغرض األساس من وراء كل هذا

P288Fاألخالقي الواجبي للهوية الذاتية"

2P .

التواصل بين الذوات يرسم جغرافية التثاقف من خالل جدلية الذات واآلخر، بما يضمن لهذا

الفعل أن يقيم جسرا يسمح للذات أن ترى صورتها في ضوء صورة اآلخر، ولتندمج فيما بعد

صورتيهما معا لتشكال صورة موحدة يمثلها اإلنسان، بواسطة العقل التواصلي الذي يعمل

– الشر / الصواب- الخطأ / الحق –على تغيير ثنائيات الميتافزيقا الكالسيكية (الخير

الباطل ...)، إلى ثنائيات نسق الغيرية الباعثة إلنسان أخالقي تواصلي جديد، ثنائيات ( األنا

اآلخر...). – هم / األنا – األنت / نحن –

1 - Jürgen Habermas, idéalisation et communication, Agir communicationnel et usage de la raison », Tr. Christian Bouchindhomme, Fayard. 2006.P 94.

.526بول ريكور، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - 2

Page 177: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

177

- أخالقيات التواصل : 2

التجربة التواصلية هي نتاج عالقة تفاعل بين مجموعة من األفراد يجمعهم عالم واحد،

العالم حق المشاركة في التواصل متوافقين لغة وتذاوتيا، وعليه سيكون لكل فرد داخل فضاء

مادام يملك القدرة على الفعل وتوظيف اللغة توظيفا معقوال يراعي من خاللها خصوصية

اآلخر المحاور والمشارك له في هذا العالم، أين ال يرى أي أحد منهما الحقيقة من موقعه

الخاص.

هذا الشكل التواصلي يحمل نوعا من مرونة الذات تجاه الحقيقة، إذ ال تدعي اإلطالقية وال

تؤسس لنفسها مرجعية دوغمائية، كما ال تزعم امتالكها للحقيقة الواحدة، بل "تأخذ بعين

P289Fاإلعتبار البعد الحواري لمبدأ األخالقية الواجبية"

1P التي تسعى إلى إعادة تكوين وبعث الهوية ،

والثقافة اإلنسانية على نحو نقدي تواصلي.

وسيظهر هنا النقاش الذي أثاره كل من يورغن هابرماس وكارل أوتو آبل، والتي تتحرك

P290Fكما يعتقد ريكور- "من أولها إلى أخرها داخل إطار النشاط التواصلي"–جدليته

2P الذي ،

يؤسس في غايته األولى إلى بعث أخالق للمناقشة، تنتقد أخالق المنفعة والذرائعية كما برزت

مع جون ستيوارت مل، كما أنها ال تنحاز وال ترى في ذاتها تحققا مع مبدأ اإللزام الكانطي،

فهي إذن دعوة للنقاش والتواصل في ثنايا أطر قيم كلية شاملة، تتضمن معقولية خاصة

تتجاوز مركزية الذات وانغالقيتها، وتقيم جسور التواصل بين المتحاورين، كما تشرعن فعل

الحوار ذاته، والذي يتم تضمينه ضمن إيتيقا النقاش الجماعي المؤسس على معايير الكلية

.527بول ريكور، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - 1

.528- المصدر نفسه، ص 2

Page 178: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

178

والحرية والعقالنية، فأساس الفعل التواصلي هو "أن يكون قاسما مشتركا بين الفاعل المنفرد

P291Fوبين شركائه االجتماعيين المشكلين للنسيج االجتماعي ككل"

1P .

معنى هذا أن ايتيقا النقاش تبلغ بنا مرحلة اتفاق الذوات المشتركة على كل ما هو جامع بين

الذات واآلخر من تفاهم وثقة متبادلة، فتحتكم هذه اإلتيقا إلى العقل كحكم، ثم تستند إلى

النقاش كتبرير وتعليل وحجاج في كل مستويات الحياة اإلنسانية، التي يمثل فيها الفعل

P292Fالتواصلي "تفاعال متوسطا رمزيا، وهو يتبع المعايير السائدة إلزاميا"

2P والمتمثلة أساسا في ،

اإللتزام بأخالقيات النقاش والتواصل المتمركزة على االحترام والرغبة في الحوار كشرط

الجتناب العنف واإلكراه واالستبداد، وكل أشكال الشر الممارس ضد اآلخر.

وهنا نتساءل كيف يمكن لهذه اإلتيقا أن تجعل من الفعل التواصلي فعال اجتماعيا؟. وبالتالي،

كيف سيتأسس هذا النظام االجتماعي ليجعل من فلسفة التواصل فلسفة عقالنية اجتماعية؟.

لعل هذا التساؤالت تعبر عن مالمح سؤال هابرماس في التواصل والذي صيغ صياغة

كانطية، غير أنه يحمل الهاجس االجتماعي أكثر مما يحمل الهاجس المعرفي، وهذا ما نجده

لدى هابرماس عندما يتحدث عن خصوصية التفكير اإلنساني ما بعد الميتافزيقا، أين تم

تجاوز مركزية العقل، واالهتمام بالمنعرج اللغوي ليأخذ مكان عملية تكون العالم، ويفتح منافذ

للولوج إلى العالم وقراءة المظاهر التي تحدث فيه.

، 2نموذج هابرماس-، إفريقيا الشرق، المغرب، ط–- نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة 1

.197، ص 1998

.89، ص 1999- يورغن هابرماس، التقنية والعلم كايديولوجيا، ترجمة الياس حاجوج، منشورات وزارة الثقافة دمشق، 2

Page 179: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

179

"إذا فهابرماس ال يأخذ بعين االعتبار الظروف التاريخية لتحقيق المناقشة العملية، بل

P293Fالتأسيس على العقل لمبدأ التعميم الكلي (الكوني) الذي تحويه ضمنا أخالق المناقشة"

1P .

وعليه سيتمركز البحث التواصلي في ترسيخ مبدأ الهوية الذاتية من خالل التفاعل اللغوي،

الذي سينقل الفكر الفلسفي من فلسفة الوعي إلى فلسفة التواصل، وهنا سيتم تغير في

الذي يتمثل في العبور من فلسفة الوعي إلى فلسفة اللغة، أين سيتشكل انقطاع "البراديغم

عميق مع الميتافزيقا (..) لتحتل العالقة بين اللغة والعالم وبين القضايا وحالة األشياء، مكان

P294F2"العالقة بين الذات والموضوعP.

هذه العالقة الجديدة تتأسس على مبدأ النقاش المستند إلى فعالية النشاط التواصلي،

فالفاعلون االجتماعيون يسعون إلى التوافق حول القضايا المشتركة، معتمدين على فرضيات

(الصدق، الحقيقة والمسؤولية)، التي تتيح وضع مثالي لجماعة تواصل غير محدودة العدد

تعتمد على المناقشة العقالنية مع شتى أنماط تواصلها، وعلى المطابقة وعدم المطابقة بين

الفعل اللغوي من جهة والعوالم الثالث التي يرتبط بها الشخص الفاعل، والممثلة في العالم

الموضوعي الحامل لمفاهيم الفعل الغائي، والعالم االجتماعي المضبط بالمعايير، والعالم

الذاتي المطابق للفعل المسرحي.

هذه المطابقة ستقود حسب هابرماس إلى تأسيس أخالقيات التواصل وبلورة الشروط المعيارية

لقيام عالقات تداولية بين المتحاورين، وهنا سيستحضر هابرماس مجموعة من القواعد تؤطر

.528بول ريكور، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - 1

2- Jürgen Habermas, la pensée post métaphysique –essai philosophique-, traduit de l’allemand par Rainer Rochlitz, Armand Colin paris, 1993, p13.

Page 180: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

180

الفعل التواصلي المنبث اجتماعيا عن طريق النقاش، يمكن ذكرها وفق النقاط التالية : " أ-

لكل ذات قادرة على الكالم والفعل نصيبا كامال في النقاش.

ب- لكل منها الحق في إثارة أي إشكال أو اعتراض أو تأكيد.

ت- لكل منها حق التسليم بأي إثبات في معترك النقاش.

ث- لكل منهم الحق في التعبير عن وجهات نظره كما رغباته ومتطلباته.

ج- ال يجوز منع أي محاور من النقاش وال استعمال الضغط ضده داخل أو خارج النقاش

P295Fبغية منعه من االستفادة من حقوقه كما هي محددة في "أ" و "ب""

1

إنها بل ما، موضوع حول حوار مجرد من أكثر إن هذه المقاربة ألخالقية النقاش تجعل منه

التواصل بينهما لتبلغ وتحقيق إمكانية والغير، الذات صيرورة نتائج بجدوى اعترافا تفترض

جزئيا. ولو والقبول الرضا درجة

التي اليوم الشائعة العالقات أنطولوجي يطال إذا يعد هذا الشكل التواصلي بمثابة تحول

الحوار خالل من للذات مستمر اكتشاف إنها واآلخر، الذات بين تقليديا تنافرا كرست

المجتمع بين فهابرماس يقارب من خالل هذه الصيغة االتيقية اآلخر، وعليه مع األخالقي

لبلوغ التشارك وعلى حرة عقالنية ديمقراطية مناقشة على يقوم الذي العلمي والمجتمع المدني

وانما من العلمي المعرفي، المجال حبيسة العقلنة هذه مثل تظل ال كي عليها، متفق حقيقة

كذلك، وفق "مبدأ االحترام الواجب بين االجتماعية والحياة الفلسفة إلى نقلها الضرورة بما كان

P296Fاألشخاص، بما هم كائنات عقالنية"

2P .

، 1- حسن مصدق، يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت "النظرية النقدية التواصلية"، المركز الثقافي العربي بيروت، ط 1

.152، ص 2005

.528بول ريكور، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - 2

Page 181: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

181

للعقل، احتكامهم زيادة المتحاورين بين البرهنة هذا الحوار األخالقي يضمن من خالل تبادل

واآلخر)، القدرة على اكتشاف مما يمنح لطرفي الحوار (الذات التقارب بينهم، وكذا زيادة

يمثل الحوار والنقاش أن كما للتفاهم، المشتركة األرضية يوسع ما تصوراتهم، بعض زيف

محدودية فتكشف اآلخر رأي تبني تتعلم كما وتصحيحه، الخطأ فكرة تتجاذبها تعلم سيرورة

عوالمها، وكما يعبر عن ذلك ريكور على انه وتقاطع الذوات تالقح وثروة الذاتي الوعي

إال االسم اآلخر الستمرارية الذات، إنها صيغة الهوية األخالقية من (ipséité)"ليست اإلنية

P297F1"(du même)حيث تضادها مع الهوية الفيزيائية للعينية P ،عن للذات بالتعالي ما يسمح

.فينا والمتأصلة المغلوطة المسبقة واألحكام األنوية، ضيق

هو بل يجدد، لقديم إحياء يعدو ال الحداثة، واألمر لعالم األخالقي البعد إحياء نلمس هنا

مقرونة المستجدة األخالق ألن واستعماله توظيفه يساء دوما كان جديد وجه على استعمال

الذات خارج إلى تمتد معادلته إن بل األنا واحدية ضمن خلفية تفترض ال إذ الحوار، بمفهوم

موقعا له نجعل أن يوجب التواصلية، األخالق لفلسفة جديد منحى في فاعال الغير فيظهر

، فالقصد الرئيسي من وراء هذا التأسيس لهذه الفلسفة، "يتمفصل في "االعتراف "عبر فينا

أعمق مستوى من الجذرية حول عناصر ثالث يكرم فيها بالتساوي األنا واآلخر القريب ثم

P298Fاآلخر البعيد: أن نعيش في خير مع اآلخرين ومن أجلهم في إطار مؤسسات عادلة"

2P .

لذا سنحاول أن نلقي رؤية حول تصورات هابرماس وقراءة ريكور لها، حول طبيعة العالم

المعيش، وآليات التواصل داخله الحاملة في ثناياها سؤال: من هو االنسان؟.

- من نقد األنا المعرفي إلى تحقيق اآلخر التواصلي.3

- بول ريكور، العادل (الجزء الثاني)، تعريب عبد العزيز العيادي ومنير الكشو، تنسيق فتحي التريكي، المجمع التونسي 1

.355للعلوم واألداب والفنون "بيت الحكمة"، (دط، دس) ، ص

.360- المصدر نفسه، ص 2

Page 182: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

182

التواصل خاصية ينفرد بها اإلنسان وتهبه نمط وجود مميز يختلف عن باقي الوجودات

األخرى، فهو تواصل بين اإلنسان واإلنسان لتحقيق إنسانية تجمعهما، وهو ال يلغي

خصوصية أي من الذات واآلخر بل يحافظ على التمايزات واالختالفات الموجودة بينهما،

ألن اإلقرار بها يجعل من التواصل أمرا ممكنا وذو مغزى، فهذه التفردات تشبه إلى حد كبير

مسألة وجود الشر في العالم، والتي يقول بشأنها ريكور على أنها "تستحق أن نسميها "تحد"،

ولكن بالمعنى الذي ال يزال يزداد غنى، تحد هو دوريا فشل توليفات كانت دائما غير ناضجة

P299Fواستفزاز لتفكير أعمق وبطريقة مختلفة"

1P .

يقود التفكير في جدلية الذات والغيرية إلى البحث في الوسائط الرمزية التي تعتبر بمثابة

الجسور المحددة للمسافة الكامنة بين طرفي الجدلية، والى ضرورة تحقيق آليات التواصل

"التشويه يقع حينما تخفى ف التي تنتظم كوسيط بين الذات واآلخر، وبين اإلنسان واألشياء،

ومشاركتهم بصورة كاملة في ،تحول القوانين بطريقة أو بأخرى بين البشرو ،وقائع الحياة

وغاية العلوم النقدية القائمة على مصلحة التحرر هي الكشف عن ،عملية اتخاذ القرار

.300F2"واصالحهالتشويه القائم في التفاعل والتواصل

إن مجمل هذه المستويات تعد من المبررات األولية لنشوء إستجابة لدى الذات واآلخر لبث

مقاربة نقدية إزاء مشروع تحقق اإلنسان، تكون منبثقة عن منظومة من القيم ترتكز على

وعي الذات باستيعاب مضمون هذا الوجود وتحديد ميكانزمات التواصل مع اآلخر.

يتمثل في اللغة،كوسيط رمزي تفاعلي داخل العالم المعيشالميكانيزم األبرز الذي يعد

الفاعلية التواصلية تعمل بأخالق " ، ألنالعالم المعيش ترتفع وتقوى عقلنةها داخل نسقف

.241- بول ريكور، فلسفة اإلرادة، اإلنسان الخطاء، مصدر سابق، ص 1

الكويت، المعرفة عالم سلسلة غلوم، حسن محمد ترجمة ، النظرية االجتماعية من بارسوتر إلى هابرماس، إيان كريب-2

.349. ص244 العدد

Page 183: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

183

كالسلطة والمال كنماذج ، تستبعد كل أشكال الوسائط التقنية والعقالنية األداتيةاستطرادية

حين تحاول أن تعوض بعض ،للتنظيم في العالم المعيش التي تسارع في استعماره الداخلي

.301F1"األشكال التنظيمية اللغوية بتنظيمات نقدية "مالية" من صميم النسق

للخوض في هذه المسألة نستحضر هابرماس الذي أعطى تصورا مميزا لعالقة الذات

باآلخر، يعد بمثابة تصور نموذجي يعقلن اإلرادة اإلنسانية ويعيد اإلعتبار للسؤال األخالقي

كأحد أهم األسئلة األنطولوجية، لكن سيطرحه هابرماس كعالقة ما وراء نقدية تحيل إلى

لحظة تأويل الذات للواقع تأويال يقيم جسور التواصل بينها وبين العالم على أساس عقالني،

"فما يريد هابرماس إظهاره أن ما وراء النقد يبقى نقدا طالما أنه القضية المركزية لألخير، كما

نتعلم من نقد العقل الخالص لكانط، هي تركيب الموضوع، المشكلة كيف تواجه الذات

P302Fموضوعا، أو بعبارة أكثر فرويدية، كيف نفهم مبدأ الواقع؟"

2P .

هذا السؤال الريكوري هو ما سنحاول تتبعه مع فلسفة هابرماس باحثين عن مجموعة القيم

والمبادئ التي ترسم معنى اإلنسان التواصلي كمفهوم قابل للتحقق في الحياة.

فكيف سيعالج هابرماس هذا السؤال الوجودي المقلق؟ وما الجديد الذي ستطرحه نظريته

التواصلية في بعث إنسان الذات واآلخر؟.

وال ألخالقه، وال يجعلها أساسا الماورائيات يستبعد األخالقيات لبناء هابرماس مباشرة في

عن ويبحث الدينية القضايا عن يستعيض انه كما األخالقي، للعقل مؤشرا الميتافيزيقية الرؤى

أوامر إلى يسندها وال قيمي، وازع أو قبلية أي إلى يحيل ال فهو وشمولية، مرونة أكثر قاعدة

يؤسسها تنظيمية معايير أنه على األخالقي الوعي يفهم هو بل كانط، لفلسفة خالفا شرطية

ال جدوى من البحث عن فللتعميم، وقابلة الكونية إلى تسعى التي التداولي اللغوي العقل

1 - Aldo .J Hassler, Sociologie de l’argent et postmodernité, librairie O.R.O.Z. Paris, P 119.

.301- بول ريكور، محاضرات في االيدولوجيا واليوتوبيا، مصدر سابق، ص 2

Page 184: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

184

"نحن الكائنات الضعيفة المتموضعين في العالم ف ،الحقيقة في أي كوجيتو أو وعي ذاتي

المعيشي ليس لنا في الواقع أي طريق آخر بضمان ما هو حقيقي غير الحوار الذي في نفس

P303F عقالني ومفتوح على المستقبل" هوالوقت

1P.

بالبراجماطيقا هابرماس به يقصد ما وهذا اآلخرين، مع أفكاره أن يمتحن على اإلنسان

في آرائه لصالحية الفرد اختبار في تبحث اللغوية الفعل نظرية أن حيث ، من)التداولية(

أحكامه الذاتية صالحية الحقيقة، بإثبات معيار يؤسس إلرساء فهو تواصله مع اآلخر، خضم

وشرعيته اآلخرين، فهو يستقي مصداقيته مضامين على يقضي قد مضمون أي من متحررا

فلقد ولى ،لحقيقة الواحدة أو الزعم بامتالكهااشجب يإنه اآلخرين، مع فيه يتفق مما وحقيقته

تكوين الهوية والثقافة واعادة ذاتها، إنتاج إعادةعلى البشرية وزمن الحقائق النهائية،

إلى (..)"ال يحتاج فاإلنسان بحسب ما يقوله هابرماس على نحو نقدي تواصلي.اإلنسانية

أن يعيش طويال كي يصل إلى الحقيقة الكاملة، إذ أنه يوجد في رأي محدد يميل إليه العقل

البشري بالكامل على المدى الطويل، هناك استعداد كامل للوصول إلى اتفاق حول أسئلة

304Fكثيرة"

سوى المفهوم الكلي للحقائق التي يمكن أن يتفق ئاشيال تعني الحقيقة أن بمعنىأي ، 2

حولها الناس.

الذي يتوجب تقليصه،المستوى األنطولوجيك عدة،مستويات ولبلوغ الحقيقة يجب الحد من

تقليص حدة يجبكما ، عالم األشياء محكومة بالنزعة المعرفيةبأين تكون عالقة اإلنسان

وال يخرج اللسان ،ستيمولوجيبالعقالنية الغائية صاحبة ملكة التنظيم المفرد في المستوى اإل

تقليص المستوى الداللي لتحليل اللسان الموغل في تمركز القاعدة، فمن الضروري إذن عن

. في القضايا التوكيدية وأحادية المعنىهالعقل وحصر

1- Jürgen Habermas, idéalisation et communication, op, cit, P46.

.111 ص.1،2001ط مصر، الجمل منشورات صقر، حسن ترجمةهابرماس ، المعرفة و المصلحة،- يورغن 2

Page 185: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

185

يطمح لتوجيه االستعمال هابرماس من خالل إعادة مفهمة األشياء المتعلقة باإلنسان نجده

مرتبطة ،مقوالت فلسفة التواصل، فاالجتماعيالمعنى في إعادة إنتاج ،التواصلي للقضايا

ةلحقيقة يتأسس على اتفاقيلهما فتقدم ما يجعلها،بالصحة المعيارية والصدق الذاتي

وتحيل إلى عالم معيش ، حقيقة تستند إلى التجارب المعاشة الذاتية،العالقات بين األشخاص

كل ففي النشاط التواصلي، ، " نستمد منه نماذج تفسيرية يتفق عليها الجميع،مشترك

. 305F1"شخص محفز عقالنيا بواسطة اآلخر لالتفاق معا

. ؟بالحافز العقالنيفماذا يقصد هابرماس

"إن ما نسميه عقالنية هو أوال االستعداد الذي تبرهن عليه يجيب هابرماس عن ذلك بقوله:

306Fقابلة للخطأ"الذوات قادرة على الكالم والعمل وعلى اكتساب وتطبيق المعرفة

2 .

على العالم الموضوعي، ولن ا فلن تكون المعرفة والحقيقة حكر،عكس مقوالت فلسفة الوعي

بمعنى أن الواقع المادي لن ،تكون العقالنية سجينة الذات العارفة المنغلقة على نفسها

بالعقليضحى المحك الوحيد واألوحد لقياس نجاح األفكار، إنما ستقاس المعرفة والحقيقة

. هالباد وفقا للحجة التي يمتلكها أفراد يشتركون في ت،التواصلي

يظهر جليا أنه أوسع وأغنى من مفهوم إن هذا المفهوم اإلجرائي للعقالنية التواصلية،

ة، ويتأكد ذلك في معاني متكررة منها: إنفكاك العقالنية التواصلية من تمركز يالعقالنية الغائ

عتراف متبادل ا عقالنية متضمنة في التفاهم ما بين الذوات إلى فهي ،الذات (النرجسية)

بالمسؤولية. واتصاف

1- Jürgen Habermas, Morale et communications ,Ed, champs Flammarion, paris, P 79.

الثقافة، وزارة منشورات فكرية، فلسفية دراسات الجيوشي، فاطمة: ترجمة، القول الفلسفي للحداثة،هابرماس يورغن - 2

.482. ص1995 سوريا،

Page 186: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

186

تصاعد في العقلنة تتجاوز -"ماكس فيبر"كما عبر عنه - لقد كان فك السحر عن العالم

التضامنف جانب التنشئة وع ض لكنه،الميتافيزيقا واألشكال الدينية والصور التقليدية

العالم تنظيم كونه األقرب إلى، مما يجعل الرهان موقوف على العقل التواصلي،االجتماعي

والوسيط ، مما يجعله يشتغل دور المفعل، وينخرط في سيرورة الحياة االجتماعية،المعيش

، لكن مع حضور شكال الحياة االجتماعية، بمعزل عن مقدمات فلسفة الوعيأإلعادة إنتاج

P307Fاإلدراك بأن "التوجه نحو اآلخرين عنصر مكون للمعنى الذاتي"

1P .

إصالح لحظة الساعية إلى ،من هذه الزاوية يفهم التنسيق الذي تحدثه األعمال التواصلية

وبناء . نتاج كارثي لسيرورة الذاتيةالذي كان ،العقل المتمركز على الذات االنحراف وانشطار

، يمكن للعقل التواصلي أن يعيد تقديم التصور الهيجلي لمفهوم الكلية األخالقيةعلى هذا

دون أن يفهم من معنى الكلية عودة إلى مقوالت فلسفة الوعي، وانما يقصد بها إجماع ما بين

. أرضية لقيم كونية ولمشروع تحقيق إنسان الذات واآلخرذوات تقيم

هو ما حاولت فلسفة ، "الغير على "المشروع البرجوازيإن التهميش واإلقصاء الذي مارسه

وتخفيف التناحر فيما ،البراكسيس منذ ماركس إلى الماركسيين الغربيين، التقريب بينهما

،تستفيد كثيرا من هذه التجربةلمحاولة هابرماس لذا تأتي أسموه "البراكسيس االجتماعي"،

. فكيف ذلك؟"اآلخر"، و"األنا"فتجد العقل التواصلي همزة وصل بين

هناك هناك نزعة لتمركزات كثيرة، كانت موجودة، رفض للتوحد القبلي لصالح توحد بعدي،

منطقها الوحيداألداتيةتفادي إلحالل العمل بدل وعي الذات، ألنها تدفع دفعا إلى عقالنية

،قد استفادت الفاعلية التواصلية كثيرا من االنتقادات الحادثةف ،إلنتاجية المردودية واالستهالك

،حراجات فلسفة الذاتإوالنقد الموجه لفلسفة البراكسيس، وكله نقد يحاول الخروج من

المقوالت المولدة لألزواج الثنائية. هاباألخص من

.301بول ريكور، محاضرات في االيدولوجيا واليوتوبيا، مصدر سابق، ص - 1

Page 187: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

187

فالمنتمين إليه ال ،هابرماس يريد التنويه بشكل آخر من أشكال التفاعل داخل العالم المعيش

بل يوجد هناك ، من حيث هي اإلنجاز لمشاريع متدخلة،تربطهم فحسب األعمال األداتية

بمعنى تشابك سيرورات التفاهم بين المشتركين في التفاعل ،موجه نحو التفاهمال قابلية للفعل

"وعليه تعتمد نظرية الفاعلية التواصلية هي أيضا، على واقع أن إعادة (شبكة التواصلية)،

P308Fإعادة اإلنتاج المادي"مع مزاوجة بمفعول رجعي هو ،اإلنتاج الرمزي للعالم المعيش

1P .

لكن المقصود ،قدمه الفاعلية التواصلية، يعتبر بمثابة شكل "تفكيري"تإن النموذج الذي

كما كانت تحول إلى ، التي تفرضها مقوالت فلسفة الوعي،بالتفكير ال يعني الذات العارفة

ممارسة تواصلية يومية تجمع بين القول إنما المقصود بها موضع فيحل محل هذا الشكل،

فعندما يدخل المشتركين في ، تستند إلى الحجج، كونها قضايا مصداقية افتراضية،والفعل

النقاش البد عليهم من افتراض مطالب مصداقية، وهي تلبي الحد األدنى من شروط

الموقف المثالي للكالم.

ليجدوا سقفا ال أن يولدو، وفق تفاهمهم، عالمهم المعيشللبشر يكونيسعى هابرماس ألن

وليس ،عاما متعالي يخضع له الجميع دون العلم أن هذا الوضع هو نتاج إلرادة السوق

، عليهم التحرر منه، نابع من عالم مموضع،قانون إنساني اجتماعي، إنه نابع من خارجهم

، فال وجود التصال تام ضمن هذا العالم ويعبر عنهمالبناء عالم إنساني يقرونه جماعي

المتعدد، والذي تثبت عملية نشوء الكائن- الفرد فيه على أن األنا يتشكل "من خالل الجوانب

الثالثة الخاصة بقدرات المعرفة واللغة والفعل، ويمكن إدراج هذه الجوانب الثالثة للتطور

اإلدراكي واللغوي والتفاعلي ضمن فكرة واحدة توحيدية لتطور األنا: يتشكل األنا في نظام من

P309Fاالنفصاالت"

2P .

.393- هابرماس، القول الفلسفي للحداثة، مرجع سابق، ص 1

. 26، ص 2002، 1- يورغن هابرماس، بعد ماركس، ترجمة محمد ميالد، دار الحوار للنشر والتوزيع سوريا، ط 2

Page 188: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

188

داخل هذا المجال، وتحولهنلمس تحوالت تاريخيةوحتى على صعيد الفضاء العمومي بتنا

حقل للتحاور العقالني كما تبلور في عصر التنوير، والثورتين األمريكية والفرنسية، إلى

ليغدو بسبب الثورة اإلعالمية ميدان إلنتاج الرأي العام (صناعة الثقافة) والتضليل

ة فوسيطرة الروح السلبية "فكتاب (الفضاء العمومي) لهابرماس سطر نوع من ص ,الجماهيري

أين ، اإلعالمإمبراطورية هيمنةتكوين الفضاء العمومي المعاصر ووضعيته اليوم تحت

ن ون الفاعلومارس فيه المواطنيأصبح ضحية المنطق التجاري الخالص، وتحول من مكان

310Fالنقد ليصح شيئا فشيئا مكان سلبي لالستهالك"

1.

هناك عالقة جدلية بين اللغة والبراكسيس االجتماعي، فيتكون الثاني عبر األول، ويختبر إذن

وهم يقومون ، فال يمكن إنتاج العالم المعيش بدون أن يعيدا إنتاجه رمزيا،األول في الثاني

بإعادة إنتاج ذواتهم كونهم ينتمون إليه.

البحث في مفهوم لإلنسان يراعي مبدأ الذاتية ويمنح مكانا لآلخر كفاعل في هذا الوجود، لم

يقتصر فقط على الجانب الفلسفي بل طال مجاالت العلم والثقافة، القانون، السياسة،

والفن... وغيرها من المحطات التي شهدت انزياح مفهوم الذات والوعي واآلخر من مجرد

النقاشات " أسئلة أنطولوجية تحمل أبعادا ميتافزيقية وأحيانا أخالقية، إلى المجال العملي، ف

خاضعة هي كذلك لمحددات زمكانية، تتموضع في سياقات اجتماعية من حيث أن

المشاركين في التواصل ليسوا أرواحا خالصة، وانما هم كذلك مدفوعين بدوافع أخرى، غير

P311F2"كونهم ساعين لبلوغ الحقيقة المشتركة، بل هم مقيدين ببعض ضوابط العالم المعيشP .

1 -Aldo .J Hassler, Sociologie de l’argent et postmodernité, op, cit, p48.

2 - Jürgen Habermas, Morale et communications, op, cit, p 218

Page 189: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

189

حسب ريكور- في "صوغ –يكمن الهدف األساسي من وراء هذه الزحزحة لمفهوم اإلنسان

األطروحة التي مفادها أن الفلسفة النظرية والفلسفة العملية تستويان في الرتبة، وال تكون أي

P312Fمنهما فلسفة أولى بالنسبة لألخرى، وانما تشكالن معا فلسفة ثانية"

1P .

ففيما تتمثل هذه الفلسفة؟ وما هي أسسها النظرية؟ وكيف يمكن لها أن تحقق لنا مشروع

إنسان (الذات واآلخر)؟.

.361بول ريكور، العادل (الجزء الثاني)، مصدر سابق، ص - 1

Page 190: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

190

المبحث الثالث

تشريح وحفريات في مفهوم اإلنسان

Page 191: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

191

- مفهوم الذات والغيرية داخل خطاب الحداثة:1

بسبب ، مفهوم الحداثة من صعوبة مفهومية وغموض معين لماهيتهافيال يخلو البحث

ارتباطه مما يقتضي، تحديدها في الزمن والمكان بشكل نهائي منتجاذبات كثيرة تمنع حتى

بمفهوم الزمن وحركية التاريخ، فالحداثة تجربة زمنية تتالقح ضمنها األبعاد الثالث للزمن

لغاية تأسيس عالم تتحد فيه الجدليات الكبرى لهذا الوجود ومنها جدلية بحثنا: الذات والغيرية،

ف"مفهوم التجربة الموصوف بالحداثة، المطبق بعد اليوم على التاريخ بما هو تاريخ يغطي

من اآلن فصاعدا الحاالت الثالث للزمان، يقيم الصلة بين الماضي الذي حصل وبين

المستقبل المنتظر المتوقع وبين الحاضر المعاش والمصنوع (..) وفي الوقت عينه يكتسب

مفهوم التاريخ، باإلضافة إلى داللته الزمنية المتجددة، داللة أنتربولوجية جديدة: التاريخ هو

تاريخ البشرية، وبهذا المعنى هو تاريخ عالمي، تاريخ عالمي للشعوب، وتصبح اإلنسانية في

آن واحد الموضوع الشامل والفاعل الوحيد للتاريخ، وفي الوقت عينه يتحول التاريخ إلى

P313Fجماعي فردي"

1P .

إن الوعي بهذه الحركية التاريخية ما فتئ يستقصي منذ وجود اإلنسان عن تلك الحقيقة التي

إما تجمعه باآلخر أو تميزه عنه، وفي خضم هذا االستقصاء يتشكل مفهوم الجماعي الفردي

الذي يعبر عن تجربة تاريخية فعلية يواكبها إنسان اليوم، منوطة بمنطق التاريخ، وال تبدو

مسيرته نحو تحقيق مشروع اإلنسان المستقبلي شبحا مخيفا بقدر ما تتبدى كبنية اجتماعية

شاملة ايجابية من شأنها أن تستوعب المعطيات النظرية واإلجرائية التي تقدم دفعا للتطور

والنهوض بالمجتمعات اإلنسانية.

، 1- بول ريكور، الذاكرة، التاريخ، النسيان، ترجمة وتقديم وتعليق جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة بيروت، ط 1

.448، ص 2009

Page 192: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

192

باإلضافة إلى ذلك ستحافظ كل من الذات واآلخر على هويتها الخاصة ولن تفقدها داخل

الحركية المتسارعة للتاريخ، وهكذا "ينظر إلى مسألة الهوية على أنها وضع المشهد في

خطاب االعتراف، والتي هي باقية إلى النهاية، وما نقوله حول قيمة التحوالت ال يمكن أن

P314Fيكمن في هويتي األصلية التي أطلب أن يعترف بها"

1P.

مع تشكل الهويات التاريخية يبقى الفخ األساسي الذي من الممكن أن يسقط فيه مشروع

كما تعرفنا على مالمحه سابقا-. –اإلنسان يتمثل في فخ فلسفة الذات

فوكو أكثر تبصرا من غيره في كشف اإلحراجات النظرية التي تسقط فيها فلسفة لذا نجد

عمق أزمة العلوم اإلنسانية في باعتبارها تمثلالذات، فشخصها في كتابه "الكلمات واألشياء"

، فليس اإلنسان حسبه إال مجرد ابتكار حديث العهد تغرق في التشييئيةلسعيها للموضوعية

فهو مجرد انعطاف في معرفتنا وسرعان ما سيختفي حالما تتخذ المعرفة شكال آخر.

جانب النفي في الفكر الفلسفي، الذي يمثله الهامش، فهو لم يبحث في القضايا فوكو حرك

واإلشكاالت الكبرى التي كانت محل بحث في تاريخ الفلسفة ككل، بل تحول الفكر الفلسفي

معه كما أرسته الجينيالوجيا النتشوية إلى إستراتيجية تشخيص وتفكيك ونقد "فتاريخ األفكار

P315Fأحيانا يروي تاريخ ما هو جانبي وهامشي"

2P فكما انتقد نتشه كل من سقراط وأفالطون ،

وأرسطو، ها هو فوكو يقول "لقد مرت تلك الحقبة الكبرى من الفلسفة المعاصرة، حقبة سارتر

وميرلوبونتي، حين كان على نص فلسفي أو نص نظري ما، أن يعطيك في النهاية، معنى

الحياة والموت ومعنى الحياة الجنسية، ويقول لك هل اهللا موجود أم ال، وما تكون الحرية وما

P316Fينبغي عمله في الحياة السياسية، وكيف نتصرف مع اآلخرين"

3P إن اإلشكالية األساسية ،

1 - PAUL Ricœur, Parcours de la reconnaissance, trois études, édition STOCK,2004. P13.

.302بول ريكور، الذاكرة، التاريخ، النسيان، مصدر سابق، ص - 2

.82- السيد ولد أباه، ميشال فوكو الحقيقة والتاريخ، ص 3

Page 193: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

193

للفلسفة يصوغها فوكو في السؤال التالي "ما هو الشيء الخالد وسط هذا العالم الذي يتغير

P317Fفيه كل شيء؟"

1P .

ميتافيزيقا " بثابت جديد هو السلطة، محاوال االبتعاد عن ،لذات (اإلنسان)ا فوكوسيستبدل

، في السلطة تقود إلى نفس النتائجة فوكو هذه نظري-حسب هابرماس-ولكن ، "الحضور

بة بمصير مماثل لمصير العلوم اإلنسانية، في اال يرى أن نظريته في السلطة مص…"فهو

نظريته التي تسمح له بتخطي هذه العلوم المزعومة، ال تقوم،ابتغائه الموضوعية الصارمة

مضطرا ألن لحاضر،ليجد نفسه في خضوعه ل ،إال بالوقوع بيأس أكبر في شرك علم التاريخ

318Fيصير نسبيا"

2 .

ة نحو التفاهم، تفاهم بطابعجه العودة إلى نموذج الفاعلية الموامن المناسب إذلذا كان

اتفاق من خالل عالقةونتواصلم يحقق فيه المشتركون ال،أدائي إجرائي

،، يتوسط هؤالء الذين يشتركون في التبادل Relation interpersonnelleبينشخصية

لعملية ل فيها تكون الصدارة، وال ذات متعالية، دون االلتفاف إلى المرجعية المطلقة،اللسان

عن تشارك تفاعلي يعبر ، المعيش مع اآلخر حول العالم Egoالتواصلية، فتالقي األنا

، مع الحفاظ على الشكل الهوياتي ينفلت من األنا المتعاليةinter subjectiveتذاوتي

والخصوصية الثقافية لكل مجتمع، أين تعد الهوية الوطنية "كمثال نموذجي يؤسس للعالقات

P319Fبين شعوب المعمورة"

3P.

.82- المرجع نفسه ص 1

.452 451 ص مرجع سابق، صهابرماس، القول الفلسفي للحداثة،- 2

3 - Boukhari Hammana, Mondialisation et Originalité culturelle (identité et alterité), in, xxx eme Congrés de L’ASPLF, Nante, France, 2004.

Page 194: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

194

جتمع ويترتب ضمنها ي،قواعد مجموعة من التشكل هذه العالقة الجديدة نظاما مبني علىل

يكون للذات مقابال لها، يأخذ موقفا من كالم المتحدث، فيصنف و ،ن في المناقشاتوالمشارك

يجد ،كلهم تربطهم وحدة ونظام إجرائيو ،ضمير المخاطب وضمير المتكلم وضمير الغائب

مطالبين باتخاذ نظرة لشخصية المتحدثين (ضمير المتكلم)، فتمكنه أنفسهمفيه المستمعين

. وقع في الفلسفة المتعاليةمدل من التبمن إعادة بناء العبارات والمعرفة من زوايا جديدة،

كان فيخته ،وكو لتفجيرهافإن المشكالت المنهجية والنقائض المقوالتية التي دأب باتاي و

، ف"الهيغليين الشباب هم السباقون كما هيغل، إلى وضع وهيجل قد تبينا وضعها اإلحراجي

مسافة نقدية مع الحداثة، فوضعوا أسس الجدل الكبير بين الحداثة وذاتها، لدرجة أن كل

األعمال اليوم التي تدعي أنها تقوم بعمل بطولي بنقد الحداثة، كالما- بعد حداثيين، ما هم

P320Fإال ضحايا لعبة المزايدة بينهم"

1P ويعبر ريكور عن لحظة ما بعد الحداثة هذه بقوله: على أنه ،

"عند هذا الحد فإن عتمة األحداث هي التي تكشف عتمة اللغة وتندد بها، والحال أن هذا

التنديد يتخذ الطابع الغريب في لحظة من النقاش النظري الموسوم بما يسمى اصطالحا "ما

P321Fبعد الحداثة""

2P.

كان لو عدنا إلى هابرماس وحاولنا فهم سياق الحداثة ومعوقاتها، نجده يرجع ذلك، إلى أنه

نظرية الفاعلية التواصلية"ف، لحداثة أخذ درب آخر للخروج من فلسفة الذاتا بامكان

،قطيعة مع فلسفة الذات والوعي بطريقة راديكالية"يقترحان الخطاب الفلسفي للحداثة"و"

P322Fرية التي ظلت عالقة بشكل سلبي في الذات واألصل"غعكس ما تقوم به النيتشوية والهيد

3P.

1- Etienne Ganty, penser la modernité, Essai sur Heidegger, Habermas et Eric Weil, Presse Universitaire de Namur,paris, p 59.

.385بول ريكور، الذاكرة، التاريخ، النسيان، مصدر سابق، ص - 2

3- Habermas, logique des sciences sociales, et autres essais, (Avant propos du traducteur), traduit de l’allemand par Rainer Rochlitz, P.U.F. Paris, 1 édition, 1987. p 07

Page 195: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

195

ولو انه مخرج ظهر في عدة مرات في طريق الحداثة الطويلة على شكل مفترق طرق أو

تقاطع، ما يكاد الفيلسوف يصل إليه حتى يتخلى عنه، طريق لم يطرق رغم مباشرته عند

ر يدغ همرأى دون أن يخوض فيه، ويتضح أمام ،يقف ماركس الشاب عند عتبتهلل غهي

،خفي عنه مسلك العقل التواصليي لم ،ار فيه، وحتى دريدابحأ في اإلر لكنه ال يتج،لكاسا

، إال هابرماس والذي كانت رؤيته "تهدف إلى إظهار أن ل حال معلقا لم يختره أحدظلكنه

يمنح إمكانية جادة للخروج من "فلسفة الذات"، وفي محاضراته، الطريق الذي فتحه نيتشه، ال

فإنه يعرض موقفه الخاص، بدل الخروج من خطاب الحداثة، ليبقى على مخرج آخر، هو

iéna(0TP323Fالعودة إلى الحل الهيغلي الذي تركه جانبا في "يانا(

∗P0T بمعنى مفهوم العقل التواصلي "

P324Fالذي يعتبر بالنسبة إليه إضاءة جديدة للعقل"

1P.

تماما كما كان ،مفهوم الكلية األخالقية ما كان على كانط أن يجعله في الذات المتعالية

العارفة عند هيجل، وما كان للوجود اإلنساني أن الذاتمقوله المعقولية يخنقها ضيق أفق

بل كان يمكن االنفتاح على فضاء رحب يخلو ، يحصر في مرجعية الذات العاملة (ماركس)

، كفضاء للتفاعل، تماما كما "الجماعة التواصلية"من اإلكراه وتنطلق فيه اإلرادات الحرة، هو

استبدال الفهم باإلمكانكان فسة األفق الذاتي، ير حبغ عند هيدDaseinظلت مقولة الدازين

، مع "توسيع الفهم الخاص للذات الذي يتتبعه عبر التفاهم بين الذوات بأو معنى فهم العالم،

P325Fفهم اآلخر"

2P .

المطلوب اآلن ولتفعيل عالقة الذات باآلخر وفق منطلق تواصلي عقالني يحدد المبادئ

نموذج التفاهم، أين يتحرك المتحدثون والمستمعين في فضاء ويبني األسس، أن ننحو نحو

- يعتقد هابرماس ان هيغل في مرحلة الشباب لما كان في مدينة يانا، اقترح عقال تواصليا كمخرج النشطارات وشروخات الحداثة. لكن سرعان ∗

). 40ما تخلى عن هذا الطريق لصالح عقل مطلق فظل مسجونا داخل مقدمة فلسفة الذات. (انظر القول الفلسفي للحداثة، ص

1- Etienne Ganty, penser la modernité, op cit, p59.

. 48- بول ريكور، صراع التأويالت، مصدر سابق، ص 2

Page 196: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

196

بالمسلمات الرافد الذي يمونهم هو العالم المعيش المشترك، الذي يشكل مرجعهم و،واحد

ج التفكيرية ذالنماوكذا ، المعارف والقواعدبجملةتفاق ولو جزئيا حول القيم، واالالثقافية، و

ومالذا آمنا ورحبا المتفق عليها، فيجد المشاركون في التفاعل أرضية للتنشئة اإلجتماعية،

لكل تواصل مؤسس.

أوال النقد :تين داخل نظرية واحدةر اندماج سيرو،وعليه يقتضي الخروج من فلسفة الذات

هذان الحالتان تجنبان اإلحراجات النظرية التي عانى منها ،الذاتي وثانيا إعادة بناء العقالنية

يجب ، والرفض التام للحداثة، وبدل خيار النقد الجذري للحداثة كما ابتدعه نيتشه،فوكو

يتوجب نقد الذاتي ال قبوال أين ، إلى العقل التواصلي،االنتقال من العقل المتمركز على الذات

. بذلكالتخلي بكل بساطة عنه كما أقر نيتشهب وال ،بما هو عليه العقل الذاتي

ال السير ، تستوجب النقد الذاتي واعادة البناء،إن هذه المفارقة التي تسكن الحداثة منذ بدايتها

ل القول المضاد للعقل منذ نيتشه ظ لقد ، والعداء المنهجي لألنوار،في موضة النقد الجذري

رتبط م ه واعتبرو،رفض الهيجليون الشباب رفع العقل إلى "الكل"وقد ،مالزما للحداثة

فماركس يميل لعقل يتجسد في ، يصاغ وفقا لشروط محددة لعصر معينا تاريخي،بالواقعية

عقل محقق لحياة عادلة ،لغ وليس مطلقا كما كان يفترض هي، االجتماعيسالبراكسي

ترتبط به مدرسة فرانكفورت يعني ذيففي التقليد الماركسي ال "،اجتماعيا غير مستلبة

البسيطة ألشكاله بالنسبة أولية أهميةالبراكسيس الفعل في عموميته، مثال العمل، الذي يأخذ

من لكن البراكسيس يعني كذلك الفعل في معناه المفخم، فالمصطلح يحمل ميزتان: األخرى،

فعل عقالني، هي نفسها إنهاومن حقيقة على (..)، على تحقق النظريةعمل تإنها بجان

من جانب آخر البراكسيس يعني الفعل الصحيح بمعنى الحر، الذي يحقق الفردانية، التي

P326F1" المستقلة وعلى ذات واعية بامتالكها لتاريخهاإرادتهاتعبر في ذاتها عن P.

1- Le vocabulaire des philosophes contemporaines-, Elipses Edition Marketing. S. A, 2002. ; p 974

Page 197: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

197

، هو صورة السعادة األصلية، إن حالة المصالحة بين الذات ونفسها والذات والطبيعة

، فعندما يقوم مغامرة ذات متعطشة للمعرفةهي ا،قيفمغامرة الذات خارج الدين والميتافيز

، يفترض بلوغ الحقيقة المغمورة تحت ركام الميتافيزيقافهو ،لذات بأصلها بتذكير ارغهيد

الحاوي األخير لتحليلية دو"في إطار أوسع هو الوجود- في العالم الذي يشكل بالتأكي

P327Fالدازاين"

1P .

، الهامشي،الجنون، روي قصة تفوق العقل على (آخر العقل ت ومغامرة جينيالوجيا فوكو

لم تفلح،ومحاولته إبدال العلوم اإلنسانية بعلم النسب، والكلي على الجزئي)اآلخر، ،والبدن

"فما يقوم به فوكو هو تفجير للوحدات ودحض ،معضالت فلسفة الذاتفي التخلص من

P328Fلفكرة النواة المركزية التي عنها تصدر اإلشعاعات"

2P.

وضعت نيتشه أمام ،ذاتهل أين ال يدين بشيء إلى ،الصورة النرجسية التي ظهر بها العقلو

"نموذج العقل وهي، identitaire ففي إعادة السلطة المتعالية موحدة،خيار النقد الشامل له

آخر الذات، في عنف متصاعد علىاالنضباطية، التعسفي ذو السلطة ،"االستعبادي

، مكان إال للعقل المختزل في ملكة الفهمظل وال يستختفي ضمنها مجمل صور الغيرية،

، لهذا يتوجب علينا البحث أيضا في تجليات صور آخر العقل،قتلع بالمقابل صورة اآلخرتو

، أو بتعبير أفضل، المشاعر، الرغبة،التخيل، البدن اإلنساني، هو الطبيعة،"آخر العقلف

P329Fقدر ما عجز العقل عن احتوائه"بكل هذا معا

3P.

. 576بول ريكور، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص - 1

، 1994، 01- عبد العزيز العيادي، ميشال فوكو المعرفة والسلطة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، ط 2

.66ص

.470 ص مرجع سابق،هابرماس، القول الفلسفي للحداثة،- 3

Page 198: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

198

عند حدود هذا البحث سيظهر خالف بين هابرماس وفالسفة ما بعد الحداثة حول انتقادات

كل منهما للحداثة نفسها، وهنا يعيب عليهم هابرماس تركيزهم على براديغم واحد في هذا

النقد، فهو "يعتبر انتقاداتهم ال تتخلص من براديغم فلسفة الوعي، ألنهم ينتقدون العقل

P330Fاألداتي ويتماهون معه في هوية المنطلقات"

1P .

بوصفه لذا سيركز البحث عن آخر لهذا العقل، آخر لهذا البراديغم، يتجلى في فعل السرد،

، ويتحقق في الممارسة التواصلية اليومية،شموليا ما دام التفاهم بين الذوات تجعله مرجعا لها

فالذات تعايش لحظتين وجوديتين متمايزتين، لحظة انخراطها في العالم من خالل التجربة

المعيشة وانتمائها إلى النسق الوجودي كما هو موجود، فلن تكون "ألي وحدة منخرطة في

P331Fبنية نظام معين معنى مستقل بذاتها، بل هي تستمد معناها من النظام ككل"

2P ولحظة ،

كينونة الذات إال من خالل معهمواجهتها لآلخر المشارك في هذا العالم والذي لن تكتمل

تحقق الغيرية، ويتم ذلك عن طريق فعل التواصل الممثل في الوسيط اللغوي، و"في هذه

P332Fاألنظمة المحدودة تكون جميع العالقات ضمنية في داخل النظام"

3P .

يقودنا هذا التصور والقراءة في مدى حضور الذات واآلخر في خطاب الحداثة الفلسفي، إلى

كما يرى ريكور ذلك- على أنه ال يمكن تجزيء اإلنسان أو محاولة حصره ضمن –اإلعتقاد

نطاق بعد من بين أبعاد متعددة، على اعتبار أن هذا اإلنسان يمثل وجودا وماهية في اآلن

"ألن مطلب التعميم الكلي (الكوني) ،(totalité)ذاته، وبالتالي فاالنسان يمثل وحدة كلية

المرتبط بمبدأ اإلستقاللية الذاتية التي تعرف في نهاية األمر الهوية الذاتية واألخالقية

1- Etienne Ganty, penser la modernité, op cit, p41.

الخطاب وفائض المعنى- ، ترجمة سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي المغرب، –- بول ريكور، نظرية التأويل 2

.29، ص1،2003ط

. 30، 29- المصدر نفسه، ص ص 3

Page 199: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

199

الواجبية يجد مجاله األفضل للظهور في العالقات البينشخصية التي يحكمها االحترام الواجب

P333Fنحو األشخاص، وكذلك في المؤسسات التي تحكمها قاعدة العدالة"

1P .

إن التفكير في اإلنسان كوحدة كلية من شأنه زيادة التقارب وتذليل المسافة الكائنة بين الذات

واآلخر، مما يوسع األرضية المشتركة للتفاهم والحوار، والصداقة واالحترام، كما يمنح سيرورة

تتجاذبها فكرة تواصل نموذجي تتعلم منه الذات كيف تتبنى رأي اآلخر، وكيف تتالقح الذوات

وتتقاطع عوالمها الوجودية، لتتأسس صورة إنسان العصر الجديد.

. 534- بول ريكور، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص 1

Page 200: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

200

خالصة : -

إن تعدد المقاربات والتأمالت األنطولوجية منها واألخالقية، الساعية لتفسير طبيعة الوجود

والموجودات، تشكل رهان مشروع إنساني، ينطلق من األخالق كمبدأ والتواصل كمنهج،

والغيرية كهدف ومشروع، ورفع قدرة الذات اإلنسانية على التواصل مع من يشاركها وجودها،

والعيش معه وألجله، كنتيجة مأمولة.

نلمس هذا هو الشكل الذي حاولنا رسم صورته في هذا الفصل من البحث، محاولين أن

يعدو ال األخالقي لإلنسان، وترسيمه كهوية ذاتية للذات واآلخر معا، واألمر البعد إحياء

لطالما محاولة تأسيس لمشروع إنسان بشكل مختلف، هو بل إنسان جديد ومختلف، بعث

التنوع بمفهوم واستعماله. هذا المفهوم الجديد لإلنسان سيكون مقرونا أسيء توظيف مفهومه

يفترض هذا المفهوم أي ال إذ والثراء، بمفهوم االعتراف والعناية، بمفهوم الفعل والتفاعل،

في فاعال الغير فيظهر الذات خارج إلى إن مراهناته تمتد بل األنا واحدية ضمن خلفية

التواصلية، ألن "اإلنسان يتألم بقدر ما يفعل، وهو يخضع لكل الحياة لفلسفة جديد منحى

P334Fتقلبات الحياة"

1P وعليه سيحمل مشروع هذا اإلنسان مبادئ جديدة من شأنها التقعيد لجدلية ،

الذات واآلخر وفق مفاهيم: الهوية، االعتراف، التكافؤ، العيش معا، النقاش، الحوار،

التواصل، الصداقة، المحبة، الحق، األخالق الواجبية، وغيرها..

إن هذه المفاهيم هي التي ألهمت ريكور أطروحته حول الذات عينها كآخر، فهي تستند

أساسا على فكرة التعدد، وعلى طابع للغيرية متعدد المعاني، لكن لماذا هذا التأكيد المستمر

"ذلك حتى نحتاط، أساسا، من اختزال ال على فكرة التعدد؟، يجيب ريكور عن ذلك بقوله:

نقدي للمقولة الفوقية لآلخر إلى غيرية الغير، وهو االختزال الذي يحجب المصاعب

P335Fالمالبسة لالنتقال من الميتافزيقا إلى األخالق"

2P .

.357- بول ريكور، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، ص 1

.138- بول ريكور، بعد طول تأمل، مصدر سابق، 2

Page 201: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

201

سيقف أمام هذا اإلنتقال من الميتافزيقا إلى األخالق العديد من العقبات، لعل أهمها تكمن في

كثيرا ما تتصل فكرة الوجود والحياة بأفكار تتمايز كيفية ضبط وتحديد معنى الوجود والحياة، ف

عنهما حينا وتتداخل وتختلط معهما أحيانا أخرى، مثل فكرة الذات والموضوع، الحياة

والموت، المادة والروح، التغير والصيرورة، اإلرادة واألخالق.. وغيرها، وتنبع صعوبة تمييز

المفاهيم الميتافزيقية عن تلك األخالقية من أننا نوجه كل اهتمامنا في دراسة الوجود إلى ذاك

الوجود الجزئي، أي الوجود المتحرك حركة محسوسة "فنحن ال نعد المشاعر واإلحساسات

P336Fواألفكار إال بعد أن تمثلها وحدات متشابهة تمأل محالت مختلفة من المكان"

1P ومع حلول ،

هذا التفسير ضمن كل تفكير في الحياة والوجود، ستتخذ العديد من الفلسفات مبدأ التعدد

والكثرة أصال في فهم طبيعة حركية الذات اإلنسانية، التي تجمدت في نطاق عالم الوعي

العالم وعي إلى الباطني الوعي معرفة منالباطن مع الكوجيتو الديكارتي الذي تحدد مساره

الباطني، الشعور أو الوعي بوجود إال يتقوم ال الخارجية الموضوعات أن وجود أي الخارجي،

وبمقتضى منه ننتقل ونحن الوجود، على سابق معرفة هو حيث من الوعي أن "باعتبار

P337F2"له وتبعا الوعي بعد المدركة الخارجية األشياء إلى الوضوحP .

ال انغالقية، ذات خالل من إال مع الواقع يتعايش ال هذا هو حال اإلنسان الذي كان إذا لكن

معهم، ونتفاعل مع اآلخرين نعيش أننا فكرة نفسر فكيف أوهامه، إال الواقع عن تعرف

فانتمائنا المشترك التواصلي والتفاعلي هو لجانبهم، بوجودنا إال معنى وجودنا يكتسب وال

.عالقة كل من الذات واآلخر بعالم األشياء يحدد الذي

وبناء على هذا وجه بول ريكور تصوراته حول مفهوم الذات والغيرية لتشمل مختلف مناحي

الحياة اإلنسانية، وليقابل فعل الفلسفة بفعل الحياة، أين تقتحم الفلسفة عالم الواقع، لتبعث

1 - Henri Bergson, Essai sur les données Immédiates de la conscience, P.U.F, paris, 120 édition, 1967, p64.

.99 ص،1963 ،)ط د(، مصر المعارف دار حبيب شاروني ، أزمة الحرية بين برجسون وسارتر ، مرجع سابق ،- 2

Page 202: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

202

جدال مثمرا بين الذات واآلخر، بحيث يمكن تشكيل الحقيقة من خالل مماهاة أفعال الذات

مع صيرورة العالم، وليتم تقريب المسافة القائمة بين الذات واآلخر على تلك األسس

التواصلية التي عرضنا ألهم قضاياها في هذا الفصل.

جدليات وجودية عديدة حملها السؤال الكبير حول من هو اإلنسان؟، تترك بعض األسئلة

المقلقة حيال التفكير في مسألة الغيرية: حول طبيعة مفاهيمها التي شكلت المنطلق الفعلي

لفهم طبيعة جدلية الذات واآلخر في كل تجلياتها، وهنا يمكن أن نتساءل: كيف سنميز الحقا

بين البنيات المشكلة للذات وانتظامها في عالم الوقائع، وبين دالالت وشكل حضور اآلخر

والمعاني التي ينتجها؟.

أكثر مفهوم اإلنسان،وقيم هو أهمية إعادة التفكير في مضاميناآلن،ن الشيء المؤكد إ

الغريب والذات عينها،، جسد، كالالذات والغيرتظهر أهمية محموالت ل ،من أي وقت مضى

تواصلية الذات لنطرح مدى قيمة وصالحية ،هذه المضامين تعيد صياغة سؤالنا من جديد

سنتمكن من خالل تلك المنظومة األخالقية أن هل ؟،في زمننا ومجتمعاتنا الحاضرةواآلخر

فشلها، ة الذات وات العالم المعاصر تتعالى صيحات بأزمب ففي جن،؟نحقق مشروع اإلنسان

. تجاوزها؟ ووجوب نهايتها هذايعني فهل

Page 203: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

203

الخــاتمة

Page 204: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

204

"يحتل كتاب الذات عينها كآخر موقعا مميزا بين كل مصنفات ريكور إذ انه نشر سنة

، أي أنه جاء في مرحلة متقدمة من عمر مؤلفه، وقد شاءه بحسب اعترافه هو نفسه 1990

P338Fبمثابة تتويجا لكل فلسفته، وجردة كاملة لما كان قد صنفه"

1P .

إستنادا إلى هذه القراءة لمترجم كتاب الذات عينها كآخر إلى العربية (األستاذ جورج زيناتي)،

ومن خالل االرتحالة المعرفية التي حاولنا القيام بها طيلة مسار هذا البحث ألجل التشريح

والحفر في سؤال الذات والغيرية من خالل هذا المؤلف لريكور، نخلص إلى أن التفكير في

المشروع الكبير لبول ريكور - من فلسفة اإلرادة، إلى محاولة في التفسير، إلى صراع

التأويالت، إلى النص والفعل، إلى نظرية التأويل، إلى الذاكرة، التاريخ والنسيان، إلى العادل،

بلوغا إلى سيرته الذاتية-، لن يخرج عن حدود الدائرة الهرمونيطيقية لسؤال الذات والغيرية

المطروح ضمن كتاب الذات عينها كآخر، ولغاية وحيدة تتمثل في إقحام هذه الجدلية

الستبدال مفهوم اإلنسان الكائن حاليا، والدفع من أجل تحقق إنسان ما يجب أن يكون.

قائما داخل التوتريبقى لكن ومع بلوغنا لهذه المحطة من البحث في سؤال الذات والغيرية،

المجتمعات اإلنسانية المعاصرة ال زالت ترزح تحت وطأة إخفاق مشروع ألنهذه الجدلية،

اإلنسان بعدم استيعاب األبعاد الوظيفية لمعنى وداللة إنسان الذات واآلخر، وشرخها أحيانا

بفروض نظرية عقيمة، وباالستغراق ضمن بعد واحدي لإلنسان على حساب بقية األبعاد

األخرى، مع محاولة اإلمساك بصورة مجهولة لإلنسان ال تربطها بالواقع شيء.

هذا ما أوهن وعي الذات بوجود اآلخر كفاعل في هذا الوجود ال كمنفعل فقط، وتحويله إلى

يضاف إلى ،عملة أثرية قديمة لها حضور لكنها غير قابلة للصرف ما إن حضرت الذات

هذا استمرارية الصراعات والنزاعات والحروب، المدمرة لكل هذه المنظومة المفاهيمية التي

سعينا لطرحها والبحث في أبعادها الوظيفية، فمفهوم الصراع مثال بات هو المفهوم األكثر

تجل في زمننا الحاضر، وهنا يمكن أن نستحضر هوسرل الذي عبر في مؤلفه "األزمة" عن

. 49- بول ريكور، الذات عينها كآخر، مصدر سابق، (مقدمة المترجم)، ص 1

Page 205: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

205

طبيعة هذه الصراعات، إذ يقول: "الصراعات الوحيدة التي تحمل في زماننا داللة، هي

الصراعات بين بشرية منهارة وبشرية الزالت راسخة، لكن تكافح من أجل رسوخها أو من

P339Fأجل رسوخ جديد"

1P.

، اداخلهب السائد هويبقى التوترل، نف جدلية بحثناكتتي تالضبابية ال هذه المقاربات ال تبدد

بالقلق من الوضع من حالة نفسية مدفوعة الغيريةلربما كان سببه أصال، ميالد مفهومو

مستقبل اإلنسانية جمعاء، لذا سعت فلسفة ريكور لتكريس مجاوزة والتوجس من اإلنساني،

كيفية في تعاملها مع هذه الجدلية المتوترة بصورة ال تخلو من الحيوية، وبمقاربة واعية تقرب

الذات من اآلخر من دون أن تدمج إدماجا كليا احدهما ضمن اآلخر، بل تسعى إلى جعل

تواصلها بحسب خصوصيات كل منهما أمرا ممكنا وقابال للتحقق في ظل حركة التاريخ

السائرة دوما إلى األمام، والمنوطة بتطوير الجانب اإلبداعي للمعرفة في اإلنسان بهدف

تبيئتها وتطويعها إيجابيا لتحقيق التقدم المنشود لمجتمعاتنا الراهنة، فاإلنسان ليس كله سالب

وليس كله شر، أو كما يعبر عن ذلك ريكور حين يقول: "أنا كانطي كثيرا في معرفة أن

P340Fالشر جذري حقيقة، لكنه أقل جذرية من طيبة اإلنسان"

2P .

هذا هو براديغم اإلنسان الذي بحثنا عنه من خالل جدليتنا، إنسان ال ننفي عنه صفات الشر

وغيرها، لكن نسعى ألن نبعث نوازع الطيبة واألبعاد األخالقية الكامنة فيه.

من خالل عرض مالمح مشروع بول ريكور حول سؤال الذات والغيرية، وبث مقاربة نقدية

التواصل األخالقي بين الذوات يسري مبدأ إزاءه نخلص إلى أنه من الضرورة بمكان أن

يؤسس لمشروع إنسان يؤمن بضرورة التطوير والتجديد كبراديغم يحكم كل شيء، مختلفة

.56- ادموند هوسرل، أزمة العلوم األوربية، مرجع سابق، ص 1

الفلسفة الغربية المعاصرة، تياراتها، مذاهبها، أعالمها وقضاياها- (حوار مع بول –- مؤلف جماعي، فلسفات عصرنا 2

ريكور)، إشراف فرانسو دورتي، ترجمة ابراهيم صحراوي، منشورات االختالف، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، (دط،

. 108دس)، ص

Page 206: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

206

واإلبداع، مشروع مفتوح على كل الفضاءات الممكنة، يستوعب فكرة الزمان ويحاول إستكناه

حقيقته، ألجل أن يصنع حاضره، ال أن يستئنس به فقط، ولبلوغ التقدم الذي هو رهن استعارة

زمنية، أي رهن لمدى قدرة كل من الذات واآلخر لالنخراط معا ضمن تجارب العالم المعيش،

بغية إعادة بناء الذات الحضارية الغير منغلقة في حدود إطار تاريخي واحدي، وكذا ألجل

استشراف مستقبل المجتمع اإلنساني الخالق والمبدع، بمعية الفلسفة طبعا، "القادرة على

القيام بمثل تلك المهمة التحريرية لإلنسانية من جديد، إذا ما عرفت كيف تجدد مضمونها،

وأطروحاتها ومفاهيمها وأهدافها، وصوال إلى تفاعل ايجابي مع الواقع اإلنساني الجديد

P341Fوالمتجدد"

1P .

تأتي هذه المقاربة الختامية لجدلية الذات والغيرية مع كل من مفهوم الزمان ومفهوم الفلسفة

في وضعها الراهن، كمحاولة لضبط اإلجابة عن تساؤلنا المحوري: حول من هو اإلنسان؟،

مقاربة منبثقة عن الهاجس الذي الزمنا طيلة مراحل البحث، حين حاولنا التأسيس إلطار

نظري لسؤال الذات والوعي والغيرية، باحثين في ثنايا هذه المفاهيم عن مفهوم اإلنسان

الضائع، ولعل المسوغ الرئيسي وراء بث هذه المقاربة يتمثل في تراكمية وتشعب صور كل

من الذات واآلخر، وعدم إمكانية التطرق واألخذ بها جميعا ومقاربتها في اآلن ذاته بتصور

بول ريكور حول الذات عينها كآخر، والتي نأمل استدراكها كلها في مشروع علمي مستقبال

إن شاء اهللا.

، 309- البخاري حمانة، عن الحرية وعن الفلسفة في القرن الحادي والعشرين، ضمن مجلة المستقبل العربي، العدد 1

.11، ص1999مركز دراسات الوحدة العربية بيروت،

Page 207: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

207

الفهارس

Page 208: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

208

فرنسيةعربية أ

crise de cons - أزمة وعي-

crise des valeurs - أزمة قيم-

Lumières / Aufklärung ( G) -األنوار / التنوير Moi - األنا-

Egologie - ويةناألنا-

L’autre -- اآلخر

l’homme actif - اإلنسان الفاعل -

l’homme souffrant -- االنسان المتألم

Reconnaissance du soi - اإلعتراف بالذات-

Reconnaissance intersubjective-- اعتراف بيذاتي

aliénation - االغتراب-

investigation phénoménologique - االستقصاء الفينومينولوجي-

Moralité - أخالقيات التواصل-

Ontologie du corps - أنطولوجيا الجسد-

éthique - األخالق-

obligation -- إلتزام

ب

paradigme d’existence - براديغم الوجود-

paradigme de conscience - براديغم الوعي-

Intersubjectivité -ذاتية ن- بي

interpersonnel -- بينشخصي

Bioéthique- بيوإتيقا -

فهرس المصطلحات

Page 209: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

209

ت

communication interactive - التواصل التفاعلي-

intermediatété- - التوسطية

Autoréflexion -- تأمل ذاتي نقدي intercompréhension -- تفاهم

Pragmatique -- تداولية Modernisation -- التحديث

Multiculturalisme -- تعددية ثقافية Emancipation -- تحرر

Chosification / Réification -- تشييء/ الشيوء

interaction -- التفاعل

ج

Corps - الجسد-

corps subjectif - - الجسد الذاتي

corps vécu - المعيش - الجسد

ح

الحداثة -

- Modernité

خ

péché - الخطيئة -

Serviteur - الخادم-

د

la sphère ontologique - الدائرة األنطولوجية-

la sphère herméneutique - الدائرة الهرمونيطيقية-

الدورة -

- détour

Page 210: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

210

ذ Soi -- ذات

Subjectivité -الذاتية -

Le soi actif- الذات الفاعلة

ر Symbolique des moeurs - رمزية األخالق-

Symbol - الرمز-

ز

Temporalité -- زمانية

س Narration - السرد-

Maitre - السيد-

Négativité - السلبية-

ش

الشر-

- Mal

personage narrative - الشخصية الحكائية-

ض

âmeالضمير

Phénoménalité الظاهرية

ع

Soi meme - عين الذات- Rationalité -- العقالنية

Violence - العنف- Raison communicationnel -- عقل تواصلي

Raison instrumental -- عقل أداتي

Page 211: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

211

scientisme -- العلموية Vivre ensemble - العيش معا-

Monde vécue -- العالم المعيش

ف

philosophie de la conscience - فلسفة الوعي - philosophie de l’inconscience - فلسفة الالوعي- Philosophes du soupçon - فالسفة الشك- les philosophies anti cogito - الفلسفات المضادة للكوجيتو-

Espace public -- فضاء عمومي Phénoménologie - الفينومينولوجيا-

Action -- فعل Act Locutoire -- فعل الكالم

ق

le récit - القصص-

Proposition -- القضايا

ك

Cogito- الكوجيتو- Cogito blessé - الكوجيتو المجروح-

Parole -- كالم

universelle -- الكلية

م

Egocentrisme - مركزية الذات- Intelligibilité -وضوح - معقولية/

poste- Modernité - ما بعد الحداثة- Principe de discussion -- مبدأ المناقشة

Tournant linguistique -- منعطف لغوي/ ألسني Eurocentrisme -- مركزية أوربية Précompréhension -- ما قبل – الفهم

Transcendance -- متعال Pratique -- ممارسة أو تطبيق

Page 212: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

212

Tournant pragmatique linguistique-- المنعطف التداولي اللساني التأويلي herméneutique

La discussion -- المناقشة

métalinguistique -- ما بعد لغوي

ل

Le chair - اللحمة-

faillibilité - - الالعصمة

ن

Théorie de communication -- نظرية التواصل Théorie morale -- نظرية األخالق

scepticisme - النزعة الشكية-

Système de l’altérité - نسق الغيرية-

هـ

Identité -- الهوية l’identité-idem - الهوية المتطابقة -

l’identité-ipse- - الهوية الذاتية

l’identité-narrative- - الهوية السردية

L’herméneutique -الهرمونيطيقا -

identité éthique - - هوية أخالقية

identité personnel -- هوية الشخصية

و

conscience de soi - الوعي الذاتي-

l’existence individuelle- الوجود الفردي-

Page 213: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

213

Conscience - الوعي-

conscience des choses - الوعي باألشياء-

positivisme -- الوضعية

Promesse - الوعد - morale - الواجبية-

Page 214: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

214

رقم الصفحاتعربية فرنسية

A Albert camusألبير كامو -

50

Arendt رندت حناأ -Hannah

107

Aristote 116-120-151-153-172أرسطو -B

Bergson Henriبرغسون هنري -

27-61

Bacon Francisبيكون فرنسيس -

13

D Gille Deleuze دولوز جيل -

62-66

Descartes René- ديكارت رنيه

14-38-39-40-41-42-43-44-48-56-57-64-79-80-84-98-99-103-118-127-

128-129-131-149-178-204

Darwin داروين

21-65-66

Derida Jack جاك ديريدا -

198

E Engels فريديريك انجلز -

Frederick 75

F Freud - فرويد سيجموند

Sigmund 21-25-57-64-65-66-67-68-69-70-71-72-78-79-80-83-84-166-186

Froum Erickفروم ايريك -

70

األعالم الواردةفهرس

Page 215: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

215

Foucault ميشال فوكو -Michel

57-123-195-196-197-199-200

Ficht Johanيوهان غوتليب فيخته-Goettlib

14-197

Feuerbach- فيورباخ

75-76

G Gadamer هانس جورج داميرغا

Hans Gorge 27

Goetheغوته -

61

Galileo 13غاليليه -H

Hegel Frederick فريدريكهيجل-

07-26-38-42-47-48-49-50-51-52-53-56-61-74-75-76-78-189-197-198-

199 -Husserl Edmund 29-43-84-98-130-131 هوسرل ايدموند-

132-133-144-145-147-177-208

Hume David- هيوم ديفيد

13

Heidegger Martin مارتن رغهيد -

29-32-62-104-107-130-131-132-133-134-135-169-198-200

Herder 61- هردر

Héraclitesهراقليطس -

29

K ايمانويل كانط

Kant Emmanuel 14-18-24-38-42-44-45-

46-47-52-98-121-122-

Page 216: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

216

123-124-149-152-181-187-198-208

L لوك جون -

Locke John 13

Leibnitz- ليبنتز

13

M Maine de Biran مي دي بيران -

130-131

Mounier Emanuel- مونييه ايمانويل

127

هربرت ماركيوز- Marcus Herber

23-65-66

Marx Karl- ماركس كارل

19-26-49-57-72-73-74-75-76-77-78-79-80-83-

189-198 N

Friedrich فريديريك نيتشه - Nietzsche

21-28-57-58-59-60-61-62-63-64-79-80-82-83-99-130-172-173-195

Newton 13- نيوتن

O اوتو ابل كارل -

Otto Appel .Karl 180

P Platonأفالطون -

24-59-60-61-92-129-155-

172-195 R

ريتشارد يرترو - Rorty Richard

90

ريكور بول - Ricœur Paul

6-7-8-9-10-14-15-18-25-30-31-32-33-34-35-37-

Page 217: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

217

38-42-43-49-52-56-57-58-62-65-66-68-71-73-74-76-78-79-80-81-82-83-84-85-90-92-96-97-98-99-100-101-102-103-

104-105-106-107-108-109-110-111-112-114-115-116-118-119-120-124-125-126-127-129-130-131-133-134-135-137-139-142-143-144-145-146-147-149-150-151-152-153-154-155-156-157-158-160-161-165-166-167-173-174-175-177-178-179-180-184-185-186-192-197-202-203-205-207-209

Riche William رايش وليام -

66

S Socrate 59-60-61-155-195 سقراط -

Schelling 62 شلنج -

Spenser Herbert 66-94سبنسر هربرت -

V Voltaire فولتير

w 63

Weber Maxماكس فيبر -

189

A B C D E F G H I J K L M N O P Q R S T U V W X Y Z

Page 218: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

218

قائمة المصادر باللغة العربية :

- بول ريكور، الذات عينها كآخر، ترجمة وتقديم وتعليق جورج زيناتي، المنظمة العربية 1

. 2005، 01للترجمة لبنان، ط

السيرة الذاتية-، ترجمة فؤاد مليت، مراجعة وتقديم عمر –- بول ريكور، بعد طول تأمل 2

. 2006، 1مهيبل ، الدار العربية للعلوم، بيروت،ط

بول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هيرمينوطيقية، ترجمة منذر عياشي، مراجعة - 3

.2005، 1جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة لبنان، ط

- بول ريكور، من النص إلى الفعل : أبحاث التأويل، ترجمة محمد برادة- حسان بورقية، 4

. 1،2001غين للدراسات والبحوث اإلنسانية واالجتماعية، الهرم( القاهرة)، ط

. 2003، 1- بول ريكور، في التفسير محلولة في فرويد، ترجمة وجيه أسعد، ط5

- بول ريكور، محاضرات في االيدولوجيا واليوتوبيا، ترجمة فالح رحيم، تحرير وتقديم 6

.2002، 1جورج ه تيلور، دار الكتاب الجديد المتحدة لبنان، ط

اإلنسان الخطاء-، ترجمة عدنان نجيب الدين، المركز –- بول ريكور، فلسفة اإلرادة 7

.2003، 1الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب، ط

0T80T بول ريكور، العادل (الجزء الثاني)، تعريب عبد العزيز العيادي ومنير الكشو، تنسيق -

.فتحي التريكي، المجمع التونسي للعلوم واألداب والفنون "بيت الحكمة"، (دط، دس)

المصادر والمراجعفهرس

Page 219: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

219

- بول ريكور، الذاكرة، التاريخ، النسيان، ترجمة وتقديم وتعليق جورج زيناتي، دار الكتاب 9

.2009، 1الجديد المتحدة بيروت، ط

الخطاب وفائض المعنى- ، ترجمة سعيد الغانمي، –- بول ريكور، نظرية التأويل 10

.1،2003المركز الثقافي العربي المغرب، ط

- قائمة المصادر باللغة الفرنسية :

11 - Paul Ricœur, Soi même comme un autre, Edit : seuil, Paris, 1990 .

12-Paul Ricœur, le conflit des interprétations : essais d’herméneutique, Edit : Seuil, Paris, 1969 .

13- Paul Ricœur, Histoire et vérité, Edition du seuil, paris, 2001.

14 - Paul Ricœur, lecture 2, la contrée des philosophes, Edit Seuil ; Paris,1992.

15- Paul Ricœur, lecture 3, aux frontières de la philosophie, Edit Seuil, paris, 1994.

16- Paul Ricœur, finitude et culpabilité1 ; l’homme faillible, édition Montaigne, 1960.

17 - Paul Ricœur, Le Mal – un défi de la philosophie et à la théologie, 3 édition, Editions FIDES, Montréal, 2004.

18- Paul Ricœur, Parcours de la reconnaissance, trois études, édition STOCK,2004.

Page 220: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

220

- قائمة المراجع باللغة العربية :

الفلسفة إلى مدخل – الترنسندنتالية والفنومينولوجيا األوربية العلوم أزمة هوسرل، - ادموند1

،1ط بيروت، للترجمة العربية المنظمة المصدق، اسماعيل وتقديم ترجمة الفينومينولوجية،

2008 .

- إدموند هوسرل، فكرة الفينومينولوجيا، ترجمة فتحي انقزو، المنظمة العربية للترجمة 2

. 2007، 1بيروت، ط

المدخل إلى الظاهريات-، ترجمة وتقديم نازلي –ادموند هوسرل، تأمالت ديكارتية - 3

.1970إسماعيل حسين، دار المعارف، مصر،

-ايمانويل كانط، مقدمة لكل ميتافزيقا مقبلة، ترجمة نازلي إسماعيل حسين، موفم للنشر. 4

.لبنان القومي، إيمانويل كانط ، نقد العقل المحض، ترجمة موسى وهبة، مركز اإلنماء- 5

محاولة فلسفية-، ترجمة وتقديم نبيل الخوري، دار –امانويل كانط، نحو السالم الدائم - 6

.1985، 1صادر بيروت، ط

- ايمانويل كانط، أسس ميتافزيقا األخالق، ترجمة وتقديم محمد فتحي الشنيطي، دار 7

.1969، 2النهضة العربية بيروت، ط

، بيروت، 02 نهاد رضا، منشورات عويدات، ط:- البير كامو، اإلنسان المتمرد، ترجمة8

1980 .

رسالة في مداواة النفس-، بدايات للنشر –- ابن حزم األندلسي، كتاب األخالق والسير 9

. 2007سوريا،

Page 221: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

221

عتريسي، المؤسسة اريك فروم، مهمة فرويد، تحليل لشخصيته وتأثيره، ترجمة طالل- 10

. 2002، 2الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع لبنان، ط

، بيروت، 02- آرون ريمون، صراع الطبقات، ت: عبد الحميد الكاتب، عويدات، ط11

1980 .

، ترجمة محمد حسن غلوم، النظرية االجتماعية من بارسوتر إلى هابرماس،إيان كريب- 12

. 244سلسلة عالم المعرفة الكويت، العدد

فلسفة بول ريكور-، ترجمة وتقديم –- بول ريكور وآخرون، الوجود والزمان والسرد 13

. 1999، 1سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب، ط

، 02- تروتسكي ليون، الثورة المغدورة، ت: رفيق سامر، دار الطليعة، بيروت، ط 14

1980 .

- جان غراندان، المنعرج الهرمونيطيقي للفينومينولوجيا، ترجمة وتقديم عمر مهيبل، الدار 15

.2007، 1العربية للعلوم بيروت، ط

ت: فتحي الرقيق، دار الفارابي، الجوة محمد، مفهوم القمع عند فرويد وماركيوز،- 16

.1994، بيروت، 01ط

. 1992، 1حنة أرندت، في العنف، ترجمة إبراهيم العريس، دار الساقي بيروت، ط- 17

مصر، المعارف - حبيب شاروني، أزمة الحرية بين برجسون وسارتر، مرجع سابق، دار18

. 1963 ،)ط د(

- حسن مصدق، يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت "النظرية النقدية التواصلية"، المركز 19

. 2005، 1الثقافي العربي بيروت، ط

Page 222: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

222

- رني ديكارت، تأمالت ميتافزيقية في الفلسفة األولى ، ترجمة كمال الحاج، عويدات 20

.1962، 1بيروت، ط

- رني ديكارت، مقالة الطريقة، ترجمة جميل صليبا، تقديم عمر مهيبل، موفم للنشر 21

1991.

، 2- ريتشارد شارت، االغتراب، ترجمة كامل يوسف حسين، دار شرقيات القاهرة، ط22

1995.

، دار الطليعة للطباعة 3- سيجموند فرويد، مستقبل وهم، ت جورج طرابيشي، ط 23

والنشر، بيروت.

، دار الطليعة، 01- سيغموند فرويد، مختصر التحليل النفسي، ت: جورج طرابيشي، ط24

.1981بيروت،

، 1دار المنتخب العربي بيروت، طالسيد ولد أباه، ميشال فوكو الحقيقة والتاريخ، - 25

1994 .

. 2007، 1- سبيال محمد، مخاضات الحداثة، دار الهادي بيروت، ط26

- المسكيني فتحي، الهوية والزمان، تأويالت فينومينولوجية لمسألة النحن، دار الطليعة 27

. 2001، 1بيروت، ط

- صبحي أحمد محمود، في فلسفة التاريخ، دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت، 28

.3ط

- عبد العزيز العيادي، ميشال فوكو المعرفة والسلطة، المؤسسة الجامعية للدراسات 29

.1994، 01والنشر، بيروت، ط

Page 223: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

223

- عبد السالم ابن عبد العالي، أسس الفكر الفلسفي المعاصر، مجاوزة الميتافيزيقا، دار 30

.1991توبقال للنشر الدار البيضاء، المغرب،الطبعة األولى،

. 2003، 01-عادل مصطفى، مدخل إلى الهرمونيطيقا، دار النهضة العربية، بيروت، ط32

داستوز، هيدغر والسؤال عن الزمان، ترجمة سامي أدهم ،المؤسسة الجامعية - فرانسوا33

.2002، 2ط ،للدراسات والنشر لبنان

ترجمة: مصطفى صفوان، الشركة الوطنية للطبع ، الفكر هيجل، فينومينولوجيا - فريديريك34

.1981الجزائر،

فريديرك نتشه، العلم المرح، ترجمة حسان بورقبة، محمد الناجي، إفريقيا للشرق الدار - 35

.1993، 1البيضاء، ط

- فريديريك نتشه، الفلسفة في العصر المأساوي اإلغريقي، تقديم ميشال فوكو، تعريب 36

.2005، 3سهيل القش، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر لبنان، ط

فريدريك نيتشه ، أفول األصنام، ت:حسان بورقيه.محمد التاجي، إفريقيا الشرق، - 37

. 1966بيروت،

بيروت، الشرق، إفريقيا الناجي، محمد: ت إنسانيته، في مفرط إنساني فريدريك، - نيتشه38

.220 ص ،1998

محمد علي مقلد، مركز .- فيبر ماكس، األخالق البروتستانتية وروح الرأسمالية، ت:39

اإلنماء القومي، بيروت.

. 2003 فريد الزاهي، النص والجسد والتأويل، أفريقيا الشرق بيروت، -40

Page 224: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

224

مفتاح، الهادي وعبد سبيال محمد - مارتن هيدغر، التقنية - الحقيقة - الوجود ترجمة41

. 1995 ،1ط ، بيروت البيضاء الدار العربي الثقافي المركز

- ميشال فوكو، نتشه، فرويد، ماركس، تعريب : حاتم عالمة، ضمن، دراسات عربية، 42

.1989، دار الطليعة بيروت، 04عدد

.1981ت: فؤاد أيوب، دار دمشقية،ماركس وانجلز، المراسالت، - 43

، 10، دار ابن خلدون، ط01- ماركس كارل، رأس المال، ت: صالح عبد الجبار، ج 44

. 1982بيروت،

. 1974، بيروت،01ماركس وانجلز، حول الدين، ت: زهير حكيم، دار الطليعة، ط- 45

- مونيك بيار فيفر، الماركسية بعد ماركس، ترجمة: سليم نصد، منشورات عويدات، 46

. 1982، بيروت- باريس، 02ط

فصول في الفكر الغربي المعاصر-، المركز –- محمد شوقي الزين، تأويالت وتفكيكات 47

.2002، 1الثقافي العربي بيروت، ط

- محمد سبيال وعبد السالم بنعبد العالي، دفاتر فلسفية، الحداثة وانتقاداتها، دار توبقال 48

.2007للنشر، المغرب،

مذاهبها، تياراتها، المعاصرة، الغربية الفلسفة – عصرنا فلسفات جماعي، - مؤلف49

االختالف، منشورات صحراوي، إبراهيم ترجمة دورتي، فرانسو إشراف ،-وقضاياها أعالمها

.)دس دط، (مكتوم، آل راشد بن محمد مؤسسة

البالش، معجم التحليل النفسي، ت: مصطفى حجازي، المؤسسة الجامعية للدراسات، - 50

.1987، بيروت، 02ط

Page 225: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

225

نموذج هابرماس، –- نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة 51

.1998، 2إفريقيا الشرق، المغرب، ط

ترجمة جميل صليبا، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع ،هنري برغسون، التطور المبدع- 52

. 1981.بيروت

مصر، للتأليف، المصرية الهيئة زكريا، فؤاد: ترجمة والثورة، العقل ماركيوز، هربرت- 53

1970.

دار ، ناظم حسن و صالح حاكم علي ترجمة ، الفلسفة بداية ، غادامير جورج - هانز54

.2002 ، 1ط ليبيا، المتحدة الجديدة الكتاب

- هيراقليطس، جدل الحب والحرب، ترجمة وتقديم مجاهد عبد المنعم، دار التنوير 55

P.2006، 2للطباعة والنشر بيروت، ط

- هوركهايمر ماكس، النظرية التقليدية والنظرية النقدية، ت: مصطفى الناوي، عيون 56

.1990، بيروت، 01المقاالت، ط

. 2001، 1هاني يحي نصري، إشكالية الشر، منشورات دار عالء الدين، دمشق، ط- 57

، 1يعقوب ولد القاسم، الحداثة في فلسفة هيجل، مركز الكتاب للنشر مصر، ط- 58

2003.

- يورغن هابرماس، التقنية والعلم كايدولوجيا، ترجمة الياس حاجوج، منشورات وزارة 59

. 1999الثقافة دمشق،

ترجمة حسن صقر، منشورات الجمل مصر، هابرماس، المعرفة والمصلحة،- يورغن 60

. 1،2001ط

Page 226: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

226

دراسات فلسفية ، فاطمة الجيوشي: ترجمة، القول الفلسفي للحداثة،هابرماس يورغن - 61

.1995 ، سوريا، منشورات وزارة الثقافة،فكرية

- يورغن هابرماس، بعد ماركس، ترجمة محمد ميالد، دار الحوار للنشر والتوزيع سوريا، 62

. 2002، 1ط

- قائمة المراجع باللغة الفرنسية :

63 - Aristote, Ethique à Eudéme, préface et traduction de pierre Marchaux, édition Payot et Rivage, paris, 1994 .

-64 Aldo .J Hassler, Sociologie de l’argent et postmodernité, librairie

O.R.O.Z. Paris.

65- Bertrand Michel, Le statut de la religion chez Marx et Engels, Editions Sociales Paris, 1979 .

66- Etienne Ganty, penser la modernité, Essai sur Heidegger, Habermas et Eric Weil, Presse Universitaire de Namur.

67- Edmund Husserl, L’idée de la phénoménologie, trad Alexandre louis, P.U.F. Paris, 1993.

68- Emmanuel Mounier, Révolution personnaliste et communautaire, Ed., Aubier, 1935.

69- Emanuel Mounier, Le Personnalisme, collection Que sais je, Ed P.U.F, Paris, 1975.

70- Emmanuel Nzumya, Justesse de la norme et éthique de la Discussion: Habermas et Thomas d’Aquin, l’Harmattan, Paris, 2008.

71- Friedrich Nietzsche, La Généalogie de la moral, Gallimard paris, 1971 .

Page 227: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

227

72- François Dosse, Paul Ricœur, les sens d’une vie. Edition la découverte, paris, 2008.

73- Jean Mondot (textes et choisis et traduits par), qu’ est- ce que les lumières, presses universitaires de bordeaux, 2007.

74- Jürgen Habermas, Ecrits politiques, traduit : de l’allemand par christina Bouchindhomme et Rainer Rochlitz, les Editions DU CERF, Paris, 1990 .

0T750T-Jürgen Habermas, idéalisation et communication, Agir communicationnel et usage de la raison », Tr. Christian Bouchindhomme, Fayard. 2006.

0T76 0T-Jürgen Habermas, la pensée post métaphysique –essai

philosophique-, traduit de l’allemand par Rainer Rochlitz, Armand Colin paris, 1993.

0T770T-Jürgen Habermas, Morale et communications : conscience morale et activité communicationnelle, Flammarion,paris, 1986.

0T780T- Habermas, logique des sciences sociales, et autres essais, traduit de l’allemand par Rainer Rochlitz, P.U.F. Paris, 1 édition, 1987.

79- Heidegger Martin , Etre et Temps , trad de l′allemand par francois vesin , Gallimard paris , 1986.

0T800T- Hanz George Gadamer, l’art de comprendre, Ecrit 2, Edit Aubier, Paris, 1991.

81- Henri Bergson, Essai sur les données Immédiates de la conscience, P.U.F, paris, 120 éditions, 1967.

Page 228: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

228

82- M. Merleau-Ponty, Phénoménologie de la perception, Ed Gallimard Paris.

83- Marcuse Herbert, Philosophie et révolution, Ed, Denoël, Paris, 1969.

84-Marx Karl, Manuscrit de1844, trad, Emile Bottigelli, Edition Sociale, Paris 1972.

85- Richard Rorty, l’Homme spéculaire, trad, de l’anglais : theing Marchaisse, Edit : Seuil, Paris, 1990.

قائمة القواميس والموسوعات باللغة العربية:-

.1990 ، 01- ابن منظور ، لسان العرب، المجلد الرابع، دار صادر بيروت، ط1

0T20T ،1979- المعجم الفلسفي ، مجمع اللغة العربية القاهرة، عالم الكتب بيروت.

. 1985الجرجاني علي، كتاب التعريفات، مكتبة لبنان بيروت،

P

P3- بدوي عبد الرحمن ، الموسوعة الفلسفية ، الجزء الثاني ، المؤسسة العربية للدراسات

.494.493، ص ص 1984 ، 1والنشر، بيروت ، ط

- محمود يعقوبي، معجم الفلسفة ( أهم المصطلحات وأهم األعالم) 4

، 3- عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للطباعة والنشر بيروت، ط51995.

Page 229: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

229

- قائمة القواميس والموسوعات باللغة الفرنسية:

6- Paul Foulquié, Dictionnaire de la langue philosophique, P.U.F. Paris, 1986.

7-Encyclopédie philosophique universelle (les notions philosophiques). Dictionnaire 2, 2 P

Ed,P P.U.F, Paris, 1998.

8- Dictionnaire d’éthique et de philosophie moral – sous la direction de Monique canto- sperber, P.U.F. Paris.

9-Encyclopédie philosophique universelle (les notions philosophiques). Dictionnaire 2, op cit, p208.

10-Le même et l’autre – identité et différence- actes d’un congrès international, Budapest 2006, ASPLF.

11- Le Vocabulaire Des Philosophes (Philosophie Contemporaine ) , Elipses Edition Marketing . S. A, 2002.

: باللغة العربية قائمة المجالت -3

.2009، أبريل- يونيو 37 المجلد 4 مجلة عالم الفكر، العدد -1

، 2009- مجلة العرب والفكر العالمي، العددان السابع والعشرون والثامن والعشرون، 2

مركز اإلنماء القومي ييروت.

. 1992، ماي 12- المجلة التونسية للدراسات الفلسفية، السنة العاشرة، العدد 3

، مركز النيل للكمبيوتر، القاهرة. 2003، 08 أوراق فلسفية، العدد- مجلة4

، مركز النيل للكمبيوتر، القاهرة. 2004، 12 أوراق فلسفية، العددمجلة- 5

، (عدد خاص حول كانط)، مؤسسة األخبار للصحافة الجزائر، 01- مجلة أيس، العدد6

2005.

Page 230: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

230

، (عدد خاص حول الغيرية)، مؤسسة األخبار للصحافة الجزائر، 02- مجلة أيس، العدد7

2007.

.1997، 2 / 1، العدد 34- مجلة دراسات عربية، السنة 8

. 1999، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت، 309- مجلة المستقبل العربي، العدد 9

الثقافة وزارة عن تصدر مجلة ،1986 أغسطس- يوليو ،94 العدد الثقافة، مجلة- 10

.الجزائر والسياحة،

قائمة المجالت باللغة الفرنسية :

11- Jack Rolans, humanité de l’être, in, revue Esprit, n07, juillet,

1997 .

12 - Hice Giard, le moment politique de la pensée, in, Esprit 17 mai 1978.

Page 231: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

231

فــهرس الموضوعات

االهداء -

كلمة الشكر -

المقدمة....................................................................ص أ -

11............................................صالذات، الظهور والبناء: الفصل األول

17...........................................صالمبحث األول: انبثاق واكتشاف الذات

18سؤال الذات....................................صالفلسفة المعاصرة و -

21الذات والتقنية: لحظة الثابت والمتحول.............................ص -

28الذات الفلسفية وأنسنة العالم .....................................ص -

31ريكور، من نظرية المعرفة إلى الهرمونيطيقا إلى األنطولوجيا.......ص -

36المبحث الثاني : الذات : الصراع والتحقق.........................................ص

37المقاربات العقالنية للذات.....................................ص -1

39الذات ومستويات اليقين الوجودي/ ديكارت.....................ص -2

44تعقل الذات / ايمانويل كانط...................................ص -3

48تحقق الذات من خالل اآلخر/ هيغل ..........................ص -4

55المبحث الثالث : الذات : من الوعي إلى الالوعي..................................ص

56الذات: صراع الوعي والالوعي.................................ص -5

Page 232: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

232

58نتشه وانسداد أفق الذات.......................................ص -6

65 فرويد وما بعد الوعي........................................ص -7

73 ماركس واعادة ترميم الذات..................................ص -8

79ريكور وارث الكوجيتو المجروح...............................ص -9

87الفصل الثاني : سؤال الغيرية: الذات وتعقل اآلخر................................ص

91المبحث األول : التأصيل الريكوري لفهم الغيرية..................................ص

92 أفق المساءلة..............................................................ص -1

97التأسيس الوظيفي للمفاهيم : قراءة ريكورية...................................ص -2

103تجليات الهوية لدى ريكور.................................................ص -3

l’identité-idem ( Mémeté) أ/ الهوية المتطابقة

l’identité-ipse (ipséité) ب/ الهوية الذاتية :

ج/ الهوية السردية

113المبحث الثاني: الهوية والغيرية...............................................ص

114الهوية السردية وتجربة الغيرية...................................ص -1

120الوعي...................ص براديغم إلى الوجود براديغم من - الغيرية:2

126- الجسد بين مملكة الذات ومملكة األشياء.........................ص3

Page 233: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

233

137.............................ص.الذات من اآلخر انبثاق: الغريب- 4

141المبحث الثالث: الوعي بوجود اآلخر: آلياته وتجلياته..........................ص

142- الغيرية وميكانزمات التحقق ................................ص1

144الهرمونيطيقا..................ص إلى الفينومينولوجيا من الغيرية- 2

149أخالقية......................................ص كمقولة الغيرية- 3

155- خالصة...................................................................ص

159الفصل الثالث: الذات والغيرية : مشروع تحقق اإلنسان.......................ص

163 أزمة اإلنسان: من النقد إلى المابعدية.........................ص:المبحث األول

164- اإلنسان وتجربة الشر ......................................ص1

169- مسألة الشر وسؤال الحرية...................................ص2

172المعاصر................................ص العالم وأسس العنف- 3

176المبحث الثاني: الغيرية والتواصل............................................ص

177- التواصل وترميم الذات........................................ص1

180- أخالقيات التواصل...........................................ص2

185- من نقد األنا المعرفي إلى تحقيق اآلخر التواصلي..............ص3

193 تشريح وحفريات في مفهوم اإلنسان............................صالمبحث الثالث:

Page 234: ﺔـــﻳﺑﻌﺷﻟﺍ ﺔــﻳﻁﺍﺭﻘﻣﻳﺩﻟﺍ ﺔــﻳﺭﺋﺍﺯﺟﻟﺍ … · 3 اﺬ ﻫ مﺎﻤﺗا ﻰﻠﻋ ﺮﺒﺼﻟاو ةرﺪﻘﻟا ﻲﻣﺎﻬﻟا

234

194- مفهوم الذات والغيرية داخل خطاب الحداثة...................................ص

-

203خالصة.......................................................................ص

206- الخاتمة....................................................................ص

الفهارس

211- فهرس المصطلحات........................................................ص

217- فهرس األعالم............................................................ص

221- فهرس المصادر والمراجع..................................................ص