114
ﻛﺘﺎﺏ: ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﺍﳌﺆﻟﻒ: ﺍﳉﻮﺯﻳﺔ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﺑﻦ ﺍﷲ ﻋﺒﺪ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺰﺭﻋﻲ ﺃﻳﻮﺏ ﺑﻜﺮ ﺃﰊ ﺑﻦ ﳏﻤ ﺪ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺍﷲ ﺑﺴﻢ ﻋﻨﻪ ﻭﺭﺿﻰ ﺍﷲ ﺭﲪﻪ ﺍﳉﻮﺯﻳﺔ ﻗﻴﻢ ﺑﺎﺑﻦ ﺍﻟﺸﻬﲑ ﺍﷲ ﻋﺒﺪ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ ﻗﺎﻣﻊ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﳏﻲ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻗﺎﻝ ﻋﻨﺪ ﻗﻠﺒﻚ ﻓﺎﲨﻊ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻻﻧﺘﻔﺎﻉ ﺃﺭﺩﺕ ﺍﺫﺍ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻭﲰﺎﻋﻪ ﻼﻭﺗﻪ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﻟﺴﺎﻥ ﻋﻠ ﻰ ﻟﻚ ﻣﻨﻪ ﺧﺎﻃﺐ ﻓﺎﻧﻪ ﺍﻟﻴﻪ ﻣﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﻪ ﺗﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﺑﻪ ﳜﺎﻃﺒﻪ ﻣﻦ ﺣﻀﻮﺭ ﻭﺍﺣﻀﺮ ﲰﻌﻚ ﻭﺍﻟﻖ ﻣﻮﻗﻮﻓﺎ ﻛﺎﻥ ﳌﺎ ﺍﻟﺘﺄﺛﲑ ﲤﺎﻡ ﺍﻥ ﻭﺫﻟﻚ ﺷﻬﻴﺪ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﺍﻟﻘﻰ ﺃﻭ ﻗﻠﺐ ﻟﻪ ﻛﺎﻥ ﳌﻦ ﻟﺬﻛﺮﻱ ﺫﻟﻚ ﺍﻥ ﺗﻌﺎﱄ ﻗﺎﻝ ﻭﺍﻧﺘﻔﺎﺀ ﺍﻷﺛﺮ ﳊﺼﻮﻝ ﻭﺷﺮﻁ ﻗﺎﺑﻞ ﻭﳏﻞ ﻣﻘﺘﺾ ﻣﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻵﻳﺔ ﺗﻀﻤﻨﺖ ﻣﻨﻪ ﳝﻨﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﳌﺎﻧﻊ ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻬﻨﺎ ﺍﱃ ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻡ ﻣﺎ ﺍﱃ ﺍﺷﺎﺭ ﻟﺬﻛﺮﻱ ﺫﻟﻚ ﺍﻥ ﻓﻘﻮﻟﻪ ﺍﳌﺮﺍﺩ ﻋﻠﻰ ﻭﺃﺩﻟﻪ ﻭﺃﺑﻴﻨﻪ ﻟﻔﻆ ﺑﺄﻭﺟﺰ ﺗﻌﺎﱃ ﻗﺎﻝ ﻛﻤﺎ ﺍﷲ ﻋﻦ ﻳﻌﻘﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﳊﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﻪ ﻭﺍﳌﺮﺍﺩ ﺍﻟﻘﺎﺑﻞ ﺍﶈﻞ ﻫﻮ ﻓﻬﺬﺍ ﻗﻠﺐ ﻟﻪ ﻛﺎﻥ ﳌﻦ ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺍﳌﺆﺛﺮ ﻫﻮ ﺇﻥ ﻭﺃﺻﻐﻰ ﲰﻌﻪ ﻭﺟﻪ ﺃﻱ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﺃﻟﻘﻰ ﺃﻭ ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺣﻲ ﺃﻱ ﺣﻴﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻟﻴﻨﺬﺭ ﻣﺒﲔ ﻭﻗﺮﺁﻥ ﺫﻛﺮ ﺍﻻ ﻗﺎﻝ ﻏﺎﺋﺐ ﻏﲑ ﺣﺎﺿﺮ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺷﺎﻫﺪ ﺃﻱ ﺷﻬﻴﺪ ﻭﻫﻮ ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺑﺎﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﺘﺄﺛﺮ ﺷﺮﻁ ﻭﻫﺬﺍ ﻟﻪ ﻳﻘﺎﻝ ﻣﺎ ﺍﱃ ﲰﻌﻪ ﺣﺎﺳﺔ ﺍﺷ ﻭﻫﻮ ﺳﺎﻩ ﻭﻻ ﺑﻐﺎﻓﻞ ﻟﻴﺲ ﻭﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺷﺎﻫﺪ ﻭﻫﻮ ﺍﷲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﺳﺘﻤﻊ ﻗﺘﻴﺒﺔ ﺍﺑﻦ ﺣﺼﻮﻝ ﻣﻦ ﺍﳌﺎﻧﻊ ﺍﱃ ﺎﺭﺓ ﻭﺍﶈﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻫﻮ ﺍﳌﺆﺛﺮ ﺣﺼﻞ ﻓﺎﺫﺍ ﻭﺗﺄﻣﻠﻪ ﻓﻴﻪ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮ ﻟﻪ ﻳﻘﺎﻝ ﻣﺎ ﺗﻌﻘﻞ ﻋﻦ ﻭﻏﻴﺒﺘﻪ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺳﻬﻮ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺘﺄﺛﲑ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻣﻌﲎ ﻋﻦ ﻭﺫﻫﻮﻟﻪ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﺷﺘﻐﺎﻝ ﻭﻫﻮ ﺍﳌﺎﻧﻊ ﻭﺍﻧﺘﻔﻰ ﺍﻻﺻﻐﺎﺀ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﻭﻭﺟﺪ ﺍﳊﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻘﺎﺑﻞ ﺍﻷﺛﺮ ﺣﺼﻞ ﺁﺧﺮ ﺷﻲﺀ ﺍﱄ ﻋﻨﻪ ﻭﺍﻧﺼﺮﺍﻓﻪ ﻭﺍﻟﺘﺬﻛﺮ ﺍﻻﻧﺘﻔﺎﻉ ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻟﻪ ﺃﻭ ﺃﺩﺍﺓ ﺩﺧﻮﻝ ﻭﺟﻪ ﻓﻤﺎ ﻫﺬﻩ ﲟﺠﻤﻮﻉ ﻳﺘﻢ ﺇﳕﺎ ﺍﻟﺘﺄﺛﲑ ﻛﺎﻥ ﺍﺫﺍ ﻗﻴﻞ ﻓﺎﻥ ﻭﺍﳉﻮﺍﺏ ﺟﻴﺪ ﺳﺆﺍﻝ ﻫﺬﺍ ﻗﻴﻞ ﺍﻟﺸﻴﺌﲔ ﻷﺣﺪ ﻫﻲ ﺍﻟﱵ ﺃﻭ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﳉﻤﻊ ﻭﺍﻭ ﻣﻮﺿﻊ ﻭﺍﳌﻮﺿﻊ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﺍﻟﻘﻰ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻓﺄﻥ ﺍﳌﺪﻋﻮ ﺍﳌﺨﺎﻃﺐ ﺣﺎﻝ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺑﺄﻭ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺧﺮﺝ ﻳﻘﺎﻝ ﺃﻥ ﻋﻨﻪ ﺗﺎﻡ ﻭﺍﻋﻴﻪ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺣﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﻪ ﺃﺧﱪ ﲟﺎ ﻗﻠﺒﻪ ﻭﺷﻬﺪ ﺍﳊﻖ ﻭﺃﻧﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺻﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﻋﻘﻠﻪ ﻗﻠﺒﻪ ﺩﻟﻪ ﺑﻔﻜﺮﻩ ﻭﺟﺎﻝ ﺑﻘﻠﺒﻪ ﻓﻜﺮ ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻭﺗﻮﺍ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻭﻳﺮﻯ ﻓﻴﻬﻢ ﻗﻴﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻭﺻﻒ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﻧﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺭﺍ ﻗﻠﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺭﻭﺩ ﻓﻜﺎﻥ ﻭﻗﺎ ﺍﳊﻖ ﻫﻮ ﺭﺑﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻚ ﺃﻧﺰﻝ ﻣﺼﺒﺎﺡ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻤﺸﻜﺎﺓ ﻧﻮﺭﻩ ﻣﺜﻞ ﻭﺍﻻﺭﺽ ﺍﻟﺴﻤﻮﺍﺕ ﻧﻮﺭ ﺍﷲ ﺣﻘﻬﻢ ﺯﻳﺘﻬﺎ ﻳﻜﺎﺩ ﻏﺮﺑﻴﺔ ﻭﻻ ﺷﺮﻗﻴﺔ ﺯﻳﺘﻮﻧﺔ ﻣﺒﺎﺭﻛﺔ ﺷﺠﺮﺓ ﻣﻦ ﻳﻮﻗﺪ ﺩﺭﻱ ﻛﻮﻛﺐ ﻛﺄ ﺍﻟﺰﺟﺎﺟﺔ ﺯﺟﺎﺟﺔ ﺍﳌﺼﺒﺎﺡ ﺣﺎﻝ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻧﻮﺭ ﻋﻠ ﻰ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﻧﻮﺭ ﻓﻬﺬﺍ ﻳﺸﺎﺀ ﻣﻦ ﻟﻨﻮﺭﻩ ﺍﷲ ﻳﻬﺪﻱ ﻧﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺭ ﻧﺎﺭ ﲤﺴﺴﻪ ﻭﻟﻮ ﻳﻀﻲﺀ ﻛﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﻌﱪ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺔ ﻫﺬﻩ ﺗﻀﻤﻨﺖ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻭﻗﺪ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﺑﻦ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ ﺍﳊﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺎﺣﺐ ﻓﻴﺠﺪﻫﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻌﺎﱐ ﻭﺑﲔ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﲔ ﳚﻤﻊ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻓﺼﺎﺣﺐ ﻭﺍﳉﻬﻤﻴﺔ ﺍﳌﻌﻄﻠﺔ ﻏﺰﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﳉﻴﻮﺵ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺗﺎﻡ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﻇﻬﺮ ﻋﻦ ﻳﻘﺮﺃﻫﺎ ﻓﻬﻮ ﻓﻴﻪ ﻛﺘﺒﺖ ﻗﺪ ﻛﺄ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻛﺎﻣﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻋﻲ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﳊﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﺒﻠﻎ ﻓﻄﺮﺗﻪ ﻭﺯﻛﺎﺀ ﻭﻧﻮﺭﻩ ﻗﻠﺒﻪ ﺣﻴﺎﺓ ﺗﺒﻠﻎ ﻭﱂ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﺍﳊﻖ ﺑﲔ ﻟﻪ ﳝﻴﺰ ﺷﺎﻫﺪ ﺍﱃ ﻓﻴﺤﺘﺎﺝ ﺍﻧﻪ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻓﻴﻌﻠﻢ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ﻭﺗﻌﻘﻞ ﻓﻴﻪ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﲑ ﻟﺘﺄﻣﻠﻪ ﻭﻗﻠﺒﻪ ﻟﻠﻜﻼﻡ ﲰﻌﻪ ﻳﻔﺮﻍ ﺍﻥ ﻫﺪﺍﻳﺘﻪ ﺣﺼﻮﻝ ﻓﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮﺍﻋﻲ

الفوائد لإبن القيم

Embed Size (px)

DESCRIPTION

الفوائد لإبن القيم

Citation preview

Page 1: الفوائد لإبن القيم

د: كتاب الفوائاجلوزية: املؤلف د اهللا ابن القيم بن أيب بكر أيوب الزرعي أبو عب حممد

بسم اهللا الرمحن الرحيم قال الشيخ حمي الدين السنة قامع البدعة أبو عبد اهللا الشهري بابن قيم اجلوزية رمحه اهللا ورضى عنه

الوته ومساعهقاعدة جليلة اذا أردت االنتفاع بالقرآن فامجع قلبك عند ت

والق مسعك واحضر حضور من خياطبه به من تكلم به سبحانه منه اليه فانه خاطب منه لك على لسان رسوله ا قال تعايل ان يف ذلك لذكري ملن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد وذلك ان متام التأثري ملا كان موقوف

ملانع الذي مينع منه تضمنت اآلية بيان ذلك كله على مؤثر مقتض وحمل قابل وشرط حلصول األثر وانتفاء ابأوجز لفظ وأبينه وأدله على املراد فقوله ان يف ذلك لذكري اشار اىل ما تقدم من أول السورة اىل ههنا وهذا هو املؤثر وقوله ملن كان له قلب فهذا هو احملل القابل واملراد به القلب احلي الذي يعقل عن اهللا كما قال تعاىل

و اال ذكر وقرآن مبني لينذر من كان حيا أي حي القلب وقوله أو ألقى السمع أي وجه مسعه وأصغى إن هحاسة مسعه اىل ما يقال له وهذا شرط التأثر بالكالم وقوله وهو شهيد أي شاهد القلب حاضر غري غائب قال

ارة اىل املانع من حصول ابن قتيبة استمع كتاب اهللا وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل وال ساه وهو اشالتأثري وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله فاذا حصل املؤثر وهو القرآن واحملل

القابل وهو القلب احلي ووجد الشرط وهو االصغاء وانتفى املانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معىن اخلطاب وهو االنتفاع والتذكر وانصرافه عنه ايل شيء آخر حصل األثر

فان قيل اذا كان التأثري إمنا يتم مبجموع هذه فما وجه دخول أداة أو يف قوله أو القى السمع واملوضع موضع واو اجلمع ال موضع أو اليت هي ألحد الشيئني قيل هذا سؤال جيد واجلواب

من يكون حي القلب واعيه تام عنه أن يقال خرج الكالم بأو باعتبار حال املخاطب املدعو فأن من الناسالفطرة فإذا فكر بقلبه وجال بفكره دله قلبه وعقله على صحة القرآن وأنه احلق وشهد قلبه مبا أخرب به القرآن فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة وهذا وصف الذين قيل فيهم ويرى الذين أوتوا العلم الذي

ل يف حقهم اهللا نور السموات واالرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح أنزل اليك من ربك هو احلق وقااملصباح يف زجاجة الزجاجة كأهنا كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ال شرقية وال غربية يكاد زيتها يضيء ولو مل متسسه نار نور على نور يهدي اهللا لنوره من يشاء فهذا نور الفطرة على نور الوحي وهذا حال

احب القلب احلي الواعي قال ابن القيم وقد ذكرنا ما تضمنت هذه اآلية من األسرار والعرب يف كتاب صاجتماع اجليوش االسالمية على غزو املعطلة واجلهمية فصاحب القلب جيمع بني قلبه وبني معاين القرآن فيجدها

االستعداد واعي القلب كامل احلياة كأهنا قد كتبت فيه فهو يقرأها عن ظهر قلب ومن الناس من ال يكون تام فيحتاج اىل شاهد مييز له بني احلق والباطل ومل تبلغ حياة قلبه ونوره وزكاء فطرته مبلغ صاحب القلب احلي الواعي فطريق حصول هدايته ان يفرغ مسعه للكالم وقلبه لتأمله والتفكري فيه وتعقل معانيه فيعلم حينئذ انه

Page 2: الفوائد لإبن القيم

عينه ما دعى اليه وأخرب به والثاين حال من علم صدق املخرب وتيقنه وقال يكفيين احلق فاألول حال من رأى بخربه فهو يف مقام االميان واألول يف مقام االحسان هذا قد وصل اىل علم اليقني وترقي قلبه منه اىل فنزلة عني

يقني نوعان نوع يف الدنيا اليقني وذاك معه التصديق اجلازم الذي خرج به من الكفر ودخل به يف االسالم فعني ال ونوع يف اآلخرة فاحلاصل يف الدنيا نسبته اىل القلب كنسبة الشاهد

اىل العني وما أخربت به الرسل من الغيب يعاين يف اآلخرة باالبصار ويف لدنيا بالبصائر فهو عني يقني يف املرتبتني

عن فصل وقد مجعت هذه السورة من أصول االميان ما يكفي ويشفي ويغين

كالم أهل الكالم ومعقول أهل املعقول فاهنا تضمنت تقرير املبدأ واملعاد والتوحيد والنبوة واالميان باملالئكة وانقسام الناس اىل هالك شقي وفائز سعيد وأوصاف هؤالء وهؤالء وتضمنت اثبات صفات الكمال هللا وتنزيهه

الصغرى والكربى والعاملني األكرب وهو عامل اآلخرة عما يضاد كمله من النقائص والعيوب وذكر فيها القيامتني واألصغر وهو عامل الدنيا وذكر فيها خلق االنسان ووفاته واعادته وحاله عند وفاته ويوم معاده واحاطته سبحانه

به من كل وجه حىت علمه بوساوس نفسه واقامة احلفظة عليه حيصون عليه كل لفظة يتكلم هبا وانه يوافيه يوم ومعه سائق يسوقه اليه وشاهد يشهد عليه فاذا أحضره السائق قال هذا ما لدى عتيد أي هذا الذي القيامة

أمرت باحضاره قد احضرته فيقال عند احضاره القيا يف جهنم كل كفار عنيد كما حيضر اجلاين ايل حضرة ه السلطان فيقال هذا فالن قد أحضرته فيقول اذهبوا به اىل السجن وعاقبوه مبا يستحق

وتأمل كيف دلت السورة صرحيا على أن اهللا سبحانه يعيد هذا اجلسد بعينه الذي أطاع وعصى فينعمه ويعذبه كما ينعم الروح اليت آمنت بعينها ويعذب اليت كفرت بعينها ال انه سبحانه خيلق روحا أخرى غري هذه فينعمها

ث زعم ان اهللا سبحانه خيلق بدنا غري هذا البدن ويعذهبا كما قاله من مل يعرف املعاد الذي أخربت به الرسل حيمن كل وجه عليه يقع النعيم والعذاب والروح عنده عرض من أعراض البدن فيخلق روحا غري هذه الروح

وبدنا غري هذا البدن

د وهذا غري ما اتفقت عليه الرسل ودل عليه القرآن والسنة وسائر كتب اهللا تعايل وهذا يف احلقيقة انكار للمعاوموافقة لقول من أنكره من املكذبني فاهنم مل ينكروا قدرة اهللا علي خلق أجسام أخر غري هذه األجسام يعذهبا

وينعمها كيف وهم يشهدون النوع االنساين خيلق شيئا بعد شيء فكل وقت خيلق اهللا سبحانه أجساما وأرواحا وامنا تعجبوا من عودهم باعياهنم بعد أن غري األجسام اليت فنيت فكيف يتعجبون من شيء يشاهدونه عيانا

مزقهم البلي وصاروا عظاما ورفاتا فتعجبوا ان يكونوا هم باعياهنم مبعوثني للجزاء وهلذا قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا ملبعوثون وقالوا ذلك رجع بعيد ولو كان اجلزاء امنا هو الجسام غري هذه ل يكن ذلك بعثا وال

ون ابتداء ومل يكن لقوله قد علمنا ما تنقص األرض منهم كبري معين فأنه سبحانه جعل هذا جوابا رجعا بل يكلسؤال مقدر وهو انه مييز تلك األجزاء اليت اختلطت باالرض واستحالت ايل العناصر حبيث ال تتميز فأخرب

عامل بتلك األجزاء فهو قادر سبحانه انه قد علم ما تنقصه االرض من حلومهم وعظامهم وأشعارهم وانه كما هو على حتصيلها ومجعها بعد تفرقها وتأليفها خلقا جديدا وهو سبحانه يقرر املعاد بذكر كمال علمه وكمال قدرته

Page 3: الفوائد لإبن القيم

وكمال حكمته فان شبه املنكرين له كلها تعود اىل ثالثة أنواع أحدها اختالط اجزائهم بأجزاء االرض علي خص عن شخص الثاين ان القدرة ال تتعلق بذلك الثالث ان ذلك أمر ال وجه ال يتميز وال حيصل معها متيز ش

فائدة فيه أو امنا احلكمة اقتضت دوام هذا النوع االنساين شيئا بعد شيء هكذا ابدا كلما مات جيل خلفه جيل رآن مبينة آخر فأما ان مييت النوع االنساين كله مث حييه بعد ذلك فال حكمة يف ذلك فجاءت براهني املعاد يف الق

على ثالثة أصول أحدها تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال يف جواب من قال من حيي العظام وهي رميم قل حيييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم وقال وان الساعة آلتية فاصفح الصفح اجلميل ان ربك

هو اخلالق العليم وقال قد علمنا

تقرير كمال قدرته كقوله أو ليس الذي خلق السموات واالرض بقادر على أن ما تنقص األرض منهم والثاينخيلق مثلهم وقوله بلي قادرين على أن نسوي بنانه وقوله ذلك بأن اهللا هو احلق وانه حيي املوتى وانه على كل

أن خيلق شيء قدير وجيمع سبحانه بني األمرين كما يف قوله أو ليس الذي خلق السموات واالرض بقادر علىمثلهم بلى وهو اخلالق العليم الثالث كمال حكمته كقوله وما خلقنا السموات واالرض وما بينهما العبني

خلقنا السماء واالرض وما بينهما باطال وقوله أحيسب االنسان أن يترك سدى وقوله أفحسبتم امنا وقوله وما حلق وقوله أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن جنعلهم خلقناكم عبثا وانكم الينا ال ترجعون فتعاىل اهللا امللك ا

كالذين آمنوا وعملوا الصاحلات سواء حمياهم ومماهتم ساء ما حيكمون وهلذا كان الصواب ان املعاد معلوم بالعقل مع الشرع وان كمال الرب تعايل وكمال امسائه وصفاته تقتضيه وتوجبه وأنه منزه عما يقوله منكروه

عن سائر العيوب والنقائص مث أخرب سبحانه أن املنكرين لذلك ملا كذبوا باحلق اختلط عليهم كما ينزه كمالهدعاهم ايل النظر يف العامل العلوي وبنائه وارتفاعه ال حيصلون منه على شيء مث أمرهم فهم يف أمر مريج خمتلط

أها بالبسط ملا يراد منها وثبتها واستوائه وحسنه والتئامه مث اىل العامل السفلي وهو االرض وكيف بسطها وهيباجلبال وأودع فيها املنافع وأنبت فيها من كل صنف حسن من أصناف النبات على اختالف أشكاله وألوانه

ومقاديره ومنافعه وصفاته وأن ذلك تبصرة اذا تأملها العبد املنيب وتبصر هبا تذكر ما دلت عليه مما اخربت به ناظر فيها يتبصر أوال مث يتذكر ثانيا وان هذا ال حيصل اال لعبد منيب ايل اهللا بقلبه الرسل من التوحيد واملعاد فال

وجوارحه مث دعاهم ايل التفكر يف مادة أرزاقهم وأقواهتم ومالبسهم ومراكبهم وجناهتم وهو املاء الذي أنزله من ود وأمحر وأصفر وحلو وحامض السماء وبارك فيه حيت أنبت به جنات خمتلفة الثمار والفواكه ما بني أبيض وأس

وبني ذلك مع اختالف منابعها وتنوع أجناسها وأنبت به

احلبوب كلها علي تنوعها واختالف منافعها وصفاهتا واشكاهلا ومقاديرها مث أفرد النخل ملا فيه من موضع العربة ج أي مثل هذا االخراج من والداللة اليت ال ختفي علي املتأمل وأحيا به االرض بعد موهتا مث قال كذلك اخلرو

االرض الفواكه والثمار واألقوات واحلبوب خروجكم من االرض بعد ما غيبتم فيها وقد ذكرنا هذا القياس ا فيها من االسرار والعرب مث انتقل سبحانه ايل وامثاله من املقاييس الواقعة يف القرآن يف كتابنا املعامل وبينا بعض م

أوجر لفظ وأبعده عن كل شبهه وشك فأخرب انه ارسل اىل قوم نوح وعاد ومثود تقرير النبوة باحسن تقرير ووقوم لوط وقوم فرعون رسال فكذبوهم فاهلكهم بأنواع اهلالك وصدق فيهم وعيده الذي أو عدهتم به رسله

يف كتاب ان مل يؤمنوا وهذا تقرير لنبوهتم ولنبوة من أخرب بذلك عنهم من غري أن يتعلم ذلك من معلم وال قرأه

Page 4: الفوائد لإبن القيم

بل أخرب به إخبارا مفصال مطابقا ملا عند أهل الكتاب وال يرد على هذا اال سؤال البهت واملكابرة على جحد الضروريات بانه مل يكن شيء من ذلك أو أن حوادث الدهر ونكباته أصابتهم كما أصابت غريهم وصاحب

ن وتناقلته القرن قرنا بعد قررن فانكاره هذا السؤال يعلم من نفسه انه باهت مباحث جاحد ملا شهد به العيامبنزلة انكار وجود املشهورين من امللوك والعلماء والبالد النائية مث عاد سبحانه ايل تقرير املعاد بقوله أفعيينا

باخللق األول يقال لكل من عجز عن شيء عىي به وعىي فالن هبذا األمر قال الشاعر احلمامة ومنه قوله تعاىل ومل يعي خبلقهن قال ابن عباس يريد افعجزنا عييت ببيضتها ... عيوا بأمرهم كما

وكذلك قال مقاتل قلت هذا تفسري بالزم اللفظة وحقيقتها أعم من ذلك فان العرب تقول أعياين أن اعرف قف عليه كذا وعييت به اذا مل هتتد له لوجهه ومل تقدر على معرفته وحتصيله فتقول أعياين دواؤك اذا مل هتتد ومل ت

والزم هذا املعىن العجز عنه والبيت الذي استشهدوا به شاهد هلذا املعىن فان احلمامة مل تعجز عن

بيضتها ولكن أعيادها اذا أرادت أن تبيض أين ترمي بالبيضة فهي تدور وجتول حىت ترمي هبا فاذا باضت أعياها ان وحتار أين جتعل مقرها كما هو حال من عي أين حتفظها وتودعها حىت ال تنال فهي تنقلها من مكان اىل مك

بأمره فلم يدر من أين يقصد له ومن أين يأتيه وليس املراد باالعياء يف هذه اآلية التعب كما يظنه من مل يعرف تفسري القرآن بل هذا املعىن هو الذي نفاه سبحانه عن نفسه يف آخر السورة بقوله وما مسنا من لغوب مث أخرب

ا جديدا مث نبههم على ما هو من سبحانه اهنم يف لبس من خلق جديد أي أهنم التبس عليهم اعادة اخللق خلقأعظم آيات قدرته وشواهد ربوبيته وأدلة املعاد وهو خلق االنسان فانه من أعظم األدلة علي التوحيد واملعاد

ها من اللحم والعظم وأي دليل أوضح من تركيب هذه الصورة اآلدمية بأعضائها وقواها وصفاهتا وما فيوالعروق واألعصاب والرباطات واملنافذ واآلالت والعلوم واالرادات والصناعات كل ذلك من نطفة ماء فلو

ا أخربت به الرسل عن اهللا وامسائه أنصف العبد ربه الكتفى بفكره يف نفسه واستدل بوجوده على مجيع ماوس نفسه مث أخرب عن قربه إليه بالعلم واالحاطه وان وصفاته مث أخرب سبحانه عن احاطة علمه به حىت علم وس

ذلك أدىن إليه من العرق الذي هو داخل بدنه فهو أقرب إليه بالقدرة عليه والعلم به من ذلك العرق وقال شيخنا املراد بقول حنن أى مالئكتنا كما قال فاذا قرأناه فاتبع قرآنه اى اذا قرأه عليك رسولنا جربيل قال ويدل

قوله اذ يتلقى املتلقيان فقيد القرب املذكور بتلقي امللكني ولو كان املراد به قرب الذات مل يتقيد بوقت عليه تلقي امللكني فال يف صحبه اآلية حللوىل وال معطل مث أخرب سبحانه أن على ميينه ومشاله ملكني يكتبان أعماله

اليت هي أقل وقوعا وأعظم أثرا من االقوال وهي وأقواله ونبه باحصاء االقوال وكتابتها على كتابة االعمال غايات االقوال وهنايتها مث أخرب عن القيامة الصغرى وهي سكرة املوت واهنا جتيء باحلق وهو لقاؤه سبحانه

والقدوم عليه وعرض الروح عليه والثواب والعقاب الذي تعجل

الصور ذلك يوم الوعيد مث أخرب عن أحوال اخللق هلا قبل القيامة الكربى مث ذكر القيامة الكربى بقول ونفخ ىف ىف هذا اليوم وان كل أحد يأيت اهللا سبحانه ذلك اليوم ومعه سائق يسوقه وشهيد يشهد عليه وهذا غري شهادة

جوارحه وغري شهادة األرض اليت كان عليها له عليه وغري شهادة رسوله واملؤمنني فان اهللا سبحانه يستشهد واألنبياء واألمكنة الىت عملوا عليها اخلري والشر واجللود الىت عصوه هبا وال حيكم بينهم على العبد احلفظة

مبجرد علمه وهو أعدل العادلني وأحكم احلاكمني

Page 5: الفوائد لإبن القيم

وهلذا أخرب نبيه أنه حيكم بني الناس مبا مسعه من اقرارهم وشهادة البينة ال مبجرد علمه فكيف يسوغ حلاكم أن ينة وال اقرار مث أخرب سبحانه ان االنسان ىف غفلة من هذا الشأن الذى هو حقيق حيكم مبجرد علمه من غري ب

ال يزال على ذكره وباله وقال ىف غفلة من هذا ومل يقل عنه كما قال واهنم لفى شك منه بأن ال يغفل عنه وان ال شككت منه كأن مريب ومل يقل ىف شك فيه وجاء هذا ىف املصدر وان مل جيىء ىف الفعل فال يقال غفلت منه و

ا ينبغى غفلته وشكه ابتداء منه فهو مبدأ غفلته وشكه وهذا أبلغ من أن يقال ىف غفلة عنه وشك فيه فإنه جعل مأن يكون مبدأ التذكرة واليقني ومنشأمها مبدأ للغفلة والشك مث أخرب أن غطاء الغفلة والذهول يكشف عنه

يقظ وعن العني فتنفتح فنسبه كشف هذا الغطاء عن العبد ذلك اليوم كما يكشف غطاء النوم عن القلب فيستعند املعاينة كنسبه كشف غطاء النوم عنه عند االنتباه مث أخرب سبحانه أن قرينه وهو الذى قرن به ىف الدنيا من املالئكة يكتب عمله وقوله يقول ملا حيضره هذا الذى كنت وكلتىن به يف الدنيا قد أحضرته وأتيتك به هذا قول جماهد وقال ابن قتيبة املعىن هذا ما كتبته عليه وأحصيته من قوله وعمله حاضر عندى والتحقيق ان اآلية نتضمن األمرين اى هذا الشخص الذي وكلت به وهذا عمله الذي أحصيته عليه فحينئذ يقال ألقيا ىف جهنم وهذا اما

أن يكون خطابا للسائق والشهيد

وان كان واحدا وهو مذهب معروف من مذاهب العرب ىف خطاهبا أو تكون أو خطابا للملك املوكل بعذابهااللف منقلبة عن نون التأكيد اخلفيفة مث أجري الوصل جمري الوقف مث ذكر صفات هذا امللقى فذكر له ست تبه صفات أحدها أنه كفار لنعم اهللا وحقوقه كفار بدينه وتوحيده وامسائه وصفاته كفار برسله ومالئكته كفار بك

ولقائه الثانية انه معاند للحق بدفعه جحدا وعنادا الثالثة انه مناع للخري وهذا يعم منعه للخري الذى هو احسان يه خري لنفسه وال لبىن جنسه اىل نفسه من الطاعات والقرب اىل اهللا واخلري الذى هو احسان اىل الناس فليس ف

ري معتد على الناس ظلوم غشوم معتد عليهم بيده ولسانه كما هو احلال أكثر اخللق الرابعة أنه مع منعه للخاخلامسة انه مريب أي صاحب ريب وشك ومع هذا فهو آت لكل ريبة يقال فالن مريب اذا كان صاحب ريبة

السادسة انه مع ذلك مشرك باهللا قد اختذ مع اهللا اهلا آخر يعبده وحيبه ويغضب له ويرضي له وحيلف بامسه ه ويعادى فيه فيختصم هو وقرينه من الشياطني وحييل االمر عليه وانه هو الذى أطغاه وأضله وينذر له ويوايل في

فيقول قرينه مل يكن ىل قوة أن أضله وأطغيه ولكن كان ىف ضالل بعيد اختاره لنفسه وآثره على احلق كما قال هذا فالقرين هنا هو شيطانه ابليس الهل النار وما كان ىل عليكم من سلطان اال ان دعوتكم فاستجبتم يل وعلي

خيتصمان عند اهللا وقالت طائفة بل قرينه ههنا هو امللك فيدعى عليه انه زاد عليه فيما كتبه عليه وطغى وانه مل يفعل ذلك كله وانه أعجله بالكتابة عن التوبة ومل ميهله حىت يتوب فيقول امللك ما زدت ىف الكتابة على ما

لكن كان ىف ضالل بعيد فيقول الرب تعايل ال ختتصموا لدى وقد أخرب سبحانه عمل وال أعجلته عن التوبة وعن اختصام الكفار والشياطني بني يديه ىف سورة الصافات واألعراف واخرب عن اختصام الناس بني يديه ىف

القول سورة الزمر وأخرب عن اختصام أهل النار فيها ىف سورة الشعراء وسورة ص مث اخرب سبحانه انه ال يبدل لديه فقيل املراد بذلك قوله المألن جهنم من اجلنة والناس

أمجعني ووعده الهل االميان باجلنة وان هذا ال يبدل وال خيلف قال ابن عباس يريد مالو عدي خلف الهل طاعىت ا يغري وال أهل معصييت قال جماهد قد قضيت ما أنا قاض وهذا اصح القولني ىف اآلية وفيها قول آخر ان املعىن م

Page 6: الفوائد لإبن القيم

القول عندى بالكذب والتلبيس كما يغري عند امللوك واحلكام فيكون املراد بالقول قول املختصمني وهو اختيار ا حيرف القول عندى وال ا يكذب عندى لعلمى بالغيب وقال ابن قتيبة اى م الفراء وابن قتيبة قال الفراء املعين م

ى ومل يقل قويل وهذا كما يقال ال يكذب عندى فعلي القول يزاد فيه وال ينقص منه قال النه قال القول عنداالول يكون قوله وما انا بظالم للعبيد من متام قوله ما يبدل القول لدى ىف املعىن أى ما قلته ووعدت به ال بد ظلم فيه وال جور وعلى الثاين يكون قد وصف نفسه بأمرين أحدمها ان كمال من فعله ومع هذا فهو عدل ال

ه مينع من ظلمه لعبيده مث علمه واطالعه مينع من تبديل القول بني يديه وترويج الباطل عليه وكمال عدله وغناأخرب عن سعة جهنم واهنا كلما القى فيها تقول هل من مزيد وأخطأ من قال ان ذلك للنفى اى ليس من مزيد

وان أهلها هم الذين اتصفوا هبذه واحلديث الصحيح يرد هذا التأويل مث أخرب عن تقريب اجلنة من املتقني الصفات االربع أحداها ان يكون أوابا أي رجاعا اىل اهللا من معصيته اىل طاعته ومن الغفلة عنه ايل ذكره قال عبيد بن عمري االواب الذي يتذكر ذنوبه مث يستغفر منها وقال جماهد هو الذي اذا ذكر ذنبه يف اخلالء استغفر

هو الذى يذنب مث يتوب مث يذنب مث يتوب الثانية ان يكون حفيظا قال ابن عباس ملا منه وقال سعيد بن املسيبائتمنه اهللا عليه وافترضه وقال قتادة حافظ ملا استودعه اهللا من حقه ونعمته وملا كانت النفس هلا قوتان قوة

اعته واحلفيظ مستعمال الطلب وقوة االمساك كان األواب مستعمال لقوة الطلب ىف رجوعه اىل اهللا ومرضاته وطلقوة احلفظ ىف االمساك عن معاصيه ونواهيه فاحلفيظ املمسك نفسه عما حرم عليه واألواب املقبل على اهللا

بطاعته الثالثة

قوله من خشى الرمحن بالغيب يتضمن االقرار بوجوده وربوبيته وقدرته وعلمه واطالعه على تفاصيل أحوال رسله وأمره وهنيه ويتضمن االقرار بوعده ووعيده ولقائه فال تصح خشية الرمحن العبد ويتضمن االقرار بكتبه و

بالغيب اال بعد هذا كله الرابعة قوله وجاء بقلب منيب قال ابن عباس راجع عن معاصى اهللا مقبل علي طاعة قامت به هذه اهللا وحقيقة االنابة عكوف القلب علي طاعة اهللا وحمبته واالقبال عليه مث ذكر سبحانه جزاء من

األوصاف بقوله ادخلوها بسالم ذلك يوم اخللود هلم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد مث خوفهم بان يصيبهم من اهلالك ما أصاب من قبلهم واهنم كانوا أشد منهم بطشا ومل يدفع عنهم اهلالك شدة بطشهم وهلم عند اهلالك

عذاب اهللا قال قتادة حاص أعداء اهللا فوجدوا أمر اهللا هلم تقلبوا وطافوا ىف البالد وهل جيدون حميصا ومنجى من مدركا وقال الزجاج طوفوا وفتشوا فلم يرو حميصا من املوت وحقيقة ذلك أهنم طلبوا املهرب من املوت فلم

جيدوه مث أخرب سبحانه ان ىف هذا الذى ذكر ذكرى ملن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد مث أخرب انه ت واالرض وما بينهما ىف ستة أيام ومل ميسه من تعب وال اعياء تكذيب العدائه من اليهود حيث خلق السموا

قالوا انه استراح ىف اليوم السابع مث أمر نبيه بالتأسى به سبحانه ىف الصرب على ما يقول اعداؤه فيه كما انه مث أمره مبا يستعني به على الصرب سبحانه صرب على قول اليهود انه استراح وال أحد أصرب علي أذى يسمعه منه

وهو التسبيح حبمد ربه قبل طلوع الشمس وقبل غروهبا وبالليل وأدبار السجود فقيل هو الوتر وقيل الركعتان بعد املغرب واالول قول ابن عباس والثاين قول عمر وعلي وأيب هريرة واحلسن بن على واحدي الروايتني عن

الثة انه التسبيح باللسان أدبار الصالة املكتوبات مث ختم السورة بذكر املعاد ابن عباس وعن ابن عباس رواية ث

Page 7: الفوائد لإبن القيم

ونداء املنادى برجوع األرواح ايل أجسادها للحشر وأخرب ان هذا النداء من مكان قريب يسمعه كل أحد يوم يسمعون الصيحة باحلق

سراعا من غري مهلة وال بطء ذلك بالبعث ولقاء اهللا يوم تشقق االرض عنهم كما تشقق عن النبات فيخرجون حشر يسري عليه سبحانه مث أخرب سبحانه انه عامل مبا يقول اعداؤه وذلك يتضمن جمازاته هلم بقوهلم اذ مل خيف

عليه وهو سبحانه يذكر علمه وقدرته لتحقيق اجلزاء مث أخربه انه ليس مبسلط عليهم وال قهار ومل يبعث ه وأمره أن يذكر بكالمه من خياف وعيده فهو الذي ينتفع بالتذكري وأما ليجربهم على االسالم ويكرههم علي

من ال يؤمن بلقائه وال خياف وعيده وال يرجو ثوابه فال ينتفع بالتذكري فائدة ا شئتم فقد غفرت لكم أشكل علي كثري ا يدريك ان اهللا اطلع علي أهل بدر فقال اعملوا م قول النىب لعمر وم

ظاهره من الناس معناه فأن

إباحة كل األعمال هلم وختيريهم فيما شاؤا منها وذلك ممتنع فقالت طائفة منهم ابن اجلوزي ليس املراد من قوله اعملوا االستقبال وامنا هو للماضي وتقديره أي عمل كان لكم فقد غفرته قال ويدل على ذلك شيئان أحدمها

اىن انه كان يكون اطالقا ىف الذنوب وال وجه لذلك أنه لو كان للمستقبل كان جوابه قوله فسأغفر لكم والثوحقيقة هذا اجلواب اين قد غفرت لكم هبذه الغزوة ما سلف من ذنوبكم لكنه ضعيف من وجهني أحدمها ان

ثله فان قوله قد لفظ اعملوا يأباه فانه لالستقبال دون املاضى وقوله قد غفرت لكم ال يوجب أن يكون اعملوا ماملغفرة ىف املستقبل كقوله أيت أمر اهللا وجاء ربك ونظائره الثاين أن نفس احلديث يرده فان غفرت حتقيق لوقوع سببه قصة حاطب

بلها وهو سبب احلديث فهو مراد منه قطعا فالذي نظن وجتسسه علي النىب وذلك ذنب واقع بعد غزوة بدر ال قال يفارقون دينهم بل ميوتون على االسالم ىف ذلك واهللا أعلم ان هذا خطاب لقوم قد علم اهللا سبحانه أهنم

ا يقارفه غريهم من الذنوب ولكن ال يتركهم سبحانه مصرين عليها بل يوفقهم لتوبة واهنم قد يقارفون بعض منصوح واستغفار وحسنات متحو أثر ذلك ويكون ختصيصهم هبذا دون غريهم النه قد حتقق ذلك فيهم وأهنم

ملغفرة حصلت بأسباب تقوم هبم كما ال يقتضي ذلك أن يعطلوا الفرائض وثوقا مغفور هلم وال مينع ذلك كون اباملغفرة فلو كانت قد حصلت بدون االستمرار علي القيام باألوامر ملا احتاجوا بعد ذلك اىل صالة وال صيام

وجب وال حج وال زكاة وال جهاد وهذا حمال ومن أوجب الواجبات التوبة بعد الذنب فضمان املغفرة ال يتعطيل اسباب املغفرة ونظري هذا قوله ىف احلديث اآلخر أذنب عبد ذنبا فقال أى رب أذنبت ذنبا فاغفره ىل

ا شاء اهللا أن ميكث مث أذنب ذنبا آخر فقال أى رب أصبت ذنبا فاغفر ىل فغفر له مث مكث ما فغفر له مث مكث مفره ىل فقال اهللا علم عبدى ان له ربا يغفر الذنب شاء اهللا أن ميكث مث أذنب ذنبا آخر فقال رب أصبت ذنبا فاغ

ويأخذ به قد غفرت لعبدى فليعمل ما شاء فليس ىف هذا اطالق واذن منه سبحانه له ىف احملرمات واجلرائم وامنا يدل على أنه يغفر له ما دام كذلك اذا أذنب تاب

Page 8: الفوائد لإبن القيم

ا أذنب تاب حكم يعم كل من كانت واختصاص هذا العبد هبذا النه قد علم انه ال يصر على ذنب وانه كلمحاله حاله لكن ذلك العبد مقطوع له بذلك كما قطع به الهل بدر وكذلك كل من بشره رسول اهللا باجلنة أو

أخربه بأنه مغفور له مل يفهم منه هو وال غريه من الصحابة اطالق الذنوب واملعاصى له ومساحمته بترك الواجبات را وخوفا بعد البشارة منهم قبلها كالعشرة املشهود هلم باجلنة وقد كان بل كان هؤالء أشد اجتهادا وحذ

الصديق شديد احلذر واملخافة وكذلك عمر فلهم علموا أن البشارة املطلقة مقيدة بشروطها واالستمرار عليها ل اىل املوت ومقيدة بانتقاء موانعها ومل يفهم أحد منهم من ذلك االطالق االذن فيما شاؤا من األعما

فائدة جليلة قوله تعاىل

هو الذي جعل لكم االرض ذلوال فامشوا يف مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور أخرب سبحانه أنه جعل االرض ذلوال منقادة للوطء عليها وحفرها وشقها والبناء عليها ومل جيعلها مستصعبة ممتنعة على من أراد ذلك

اشا وبساطا وقرارا وكفاتا وأخرب أنه دحاها وطحاها واخرج منها ماءها منها واخرب سبحانه انه جعلها مهادا وفرومرعاها وثبتها باجلبال وهنج فيها الفجاج والطرق وأجرى فيها األهنار والعيون وبارك فيها وقدر فيها أقواهتا

فتخرجه لك ومن بركتها ان احليوانات كلها وأرزاقها وأقواهتا خترج منها ومن بركاهتا انك تودع فيها احلب أضعاف أضعاف ما كان ومن بركاهتا اهنا حتمل األذى علي ظهرها وخترج لك من بطنها أحسن األشياء وأنفعها

فتواري منه كل قبيح وخترج له كل مليح ومن بركتها أهنا تستر قبائح العبد وفضالت بدنه وتواريها وتضمه بالنفع فال كان من التراب خري منه وأبعد من وتؤويه وخترج له طعامه وشرابه فهى أمحل شىء لألذى وأعوده

األذى وأقرب اىل اخلري

واملقصود انه سبحانه جعل لنا االرض كاجلمل الذلول الذي كيفما يقاد ينقاد وحسن التعبري مبناكبها عن طرقها ذا فسرت وفجاجها ملا تقدم من وصفها بكوهنا ذلوال فاملاشي عليها يطأ علي مناكبها وهو أعلى شيء فيها وهل

املناكب باجلبل كمناكب االنسان وهي أعاليه قالوا وذلك تنبيه علي أن املشي يف سهوهلا أيسر وقالت طائفة بل املناكب اجلوانب والنواحي ومنه مناكب االنسان جلوانبه والذي يظهر ان املراد باملناكب األعايل وهذا الوجه

الوجه املقابل له فان سطح الكره أعالها واملشي امنا يقع يف الذي ميشي عليه احليوان هو العايل من االرض دونا تقدم من وصفها بأهنا ذلول مث أمرهم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه سطحها وحسن التعبري عنه باملناكب ملفاع فيها فذللها هلم ووطأها وفتق فيها السبل والطرق اليت ميشون فيها وأودعها رزقهم فذكر هتيئة املسكن لالنت

والتقلب فيه بالذهاب واجمليء واألكل مما أودع فيها للساكن مث نبه بقوله وإليه النشور على انا يف هذا املسكن غري مستوطنني وال مقيمني بل دخلناه عابري سبيل فال حيسن ان نتخذه وطنا ومستقرا وإمنا دخلناه لنتزود منه

وممر ال وطن ومستقر فتضمنت اآلية الداللة على ربوبيته اىل دار القرار فهو منزل عبور ال مستقر حبور ومعربووحدانيته وقدرته وحكمته ولطفه والتذكري بنعمه واحسانه والتحذير من الركون اىل الدنيا واختاذها وطنا

ومستقرا بل نسرع فيها السري اىل داره وجنته فاهللا يف ما ضمن هذه اآلية من معرفته وتوحيده والتذكري بنعمه على السري اليه واالستعداد للقائه والقدوم عليه واالعالم بأنه سبحانه يطوي هذه الدار كأن مل تكن وانه واحلث

حيي أهلها بعد ما أماهتم واليه النشور

Page 9: الفوائد لإبن القيم

فائدة لالنسان قوتان قوة علمية نظرية وقوة عملية ارادية وسعادته

القوة العلمية امنا يكون مبعرفة التامة موقوفة على استكمال قوتيه العلمية االرادية واستكمال

فاطره وبارئه ومعرفة أمسائه وصفاته ومعرفة الطريق اليت توصل اليه ومعرفة آفاهتا ومعرفة نفسه ومعرفة عيوهبا فبهذه املعارف اخلمسة حيصل كمال قوته العلمية وأعلم الناس أعرفهم هبا وأفقههم فيها استكمال القوة العلمية

ال مبراعاة حقوقه سبحانه على العبد والقيام هبا اخالصا وصدقا ونصحا واحسانا ومتابعة االرادية ال حتصل اوشهودا ملنته عليه وتقصريه هو يف أداء حقه فهو مستحي من مواجهته بتلك اخلدمة لعلمه اهنا دون ما يستحقه

مضطر اىل ان يهديه الصراط عليه ودون دون ذلك وانه ال سبيل له إىل استكمال هاتني القوتني اال مبعونته فهو املستقيم الذي هدى اليه أولياءه وخاصته وان جينبه اخلروج عن ذلك الصراط اما بفساد يف قوته العلمية فيقع

يف الضالل واما يف قوته العملية فيوجب له الغضب ا أكمل انتظام فان فكمال االنسان وسعادته ال تتم اال مبجموع هذه األمور وقد تضمنتها سورة الفاحتة وأنتظمته

قوله احلمد هللا رب العاملني الرمحن الرحيم مالك يوم الدين يتضمن االصل االول وهو معرفة الرب تعاىل ومعرفة امسائه وصفاته وأفعاله واألمساء املذكورة يف هذه السورة هي أصول االمساء احلسىن وهي اسم اهللا والرب

اسم الرب متضمن الربوبية واسم الرمحن متضمن لصفات والرمحن فأسم اهللا متضمن لصفات األلوهية واالحسان واجلود والرب ومعاين أمسائه تدور ىل هذا وقوله إياك نعبد وإياك نستعني يتضمن معرفة الطريق املوصلة اليه واهنا ليست اال عبادته وحده مبا حيبه ويرضاه واستعانته على عبادته وقوله إهدنا الصراط املستقيم يتضمن

ان ان العبد ال سبيل له اىل سعادته اال باستقامته على الصراط املستقيم وانه ال سبيل له ايل االستقامة اال هبداية بيربه له كما ال سبيل له اىل عبادته مبعونته فال سبيل له ايل االستقامة علي الصراط اال هبدايته وقوله غري املغضوب

راف عن الصراط املستقيم وان االحنراف اىل احد الطرفني احنراف عليهم وال الضالني يتضمن بيان طريف االحنايل الضالل الذي هو فساد العلم واالعتقاد واالحنراف اىل الطرف اآلخر احنراف ايل الغضب الذي سببه فساد

القصد والعمل

وحظه منها فأول السورة رمحة وأوسطها هداية وآخرها نعمة وحظ العبد من النعمة على قدر حظه من اهلدايةعلى قدر حظه من الرمحة فعاد األمر كله اىل نعمته ورمحته والنعمة والرمحة من لوازم ربوبيته فال يكون اال

رحيما منعما وذلك من موجبات اهليته فهو األله احلق وان جحده اجلاحدون وعدل به املشركون فمن حتقق اله بأوفر نصيب وصارت عبوديته عبودية اخلاصة الذين مبعاين الفاحتة علما ومعرفة وعمال وحاال فقد فاز من كم

ارتفعت درجتهم عن عوام املتعبدين واهللا املستعان

فائدة الرب تعاىل يدعو عباده يف القرآن ايل معرفته من طريقني احدمها

عقولة فالنوع النظر يف مفعوالته والثاين التفكر يف آياته وتدبرها فتلك آياته املشهودة وهذه آياته املسموعة املاألول كقوله ان يف خلق السموات واالرض واختالف الليل والنهار والفلك اليت جتري يف البحر مبا ينفع الناس

ايل آخرها وقوله إن يف خلق السموات واالرض واختالف الليل والنهار آليات ألويل األلباب وهو كثري يف

Page 10: الفوائد لإبن القيم

فلم يدبروا القول وقوله كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا القرآن والثاين كقوله أفال يتدبرون القرآن وقوله أ آياته وهو كثري أيضا

فأما املفعوالت فأهنا دالة على األفعال واألفعال دالة على الصفات فان املفعول يدل علي فاعل فعله وذلك ال قدرة له وال يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه الستحالة صدور الفعل االختيارى من معدوم أو موجود

ا يف املفعوالت من التخصيصات املتنوعة دال على ارادة الفاعل وان فعله ليس حياة وال علم وال ارادة مث مبالطبع حبيث يكون واحدا غري متكرر وما فيها من املصاحل واحلكم والغايات احملمودة دال على حكمته تعاىل

ته وما فيها من البطش واألنتقام والعقوبة دال وما فيها من النفع واالحسان واخلري دال على رمح

ا فيها من االهانة واالبعاد واخلذالن دال على غضبه وما فيها من االكرام والتقريب والعناية دال على حمبته وما فيها من ابتداء الشيء يف غاية النقص والضعف مث سوقه اىل متامه وهنايته دال على وقوع على بغضه ومقته وم

ا فيها من ظهور آثار الرمحة املعاد و ما فيها من أحوال النبات واحليوان وتصرف املياه دليل على امكان املعاد وموالنعمة على خلقه دليل على صحة النبوات وما فيها من الكماالت اليت لو عدمتها كانت ناقصة دليل على أن

ما أخربت به رسله عنه فاملصنوعات معطي تلك الكماالت أحق هبا فمفعوالته من أدل شيء على صفاته وصدق شاهدة تصدق اآليات املسموعات منبهه علي االستدالل باآليات املصنوعات قال تعاىل سنريهم آياتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حيت يتبني هلم انه احلق أي أن القرآن حق فاخرب انه ال بد من ان يريهم من آياته املشهودة ما يبني

حق مث أخرب بكفاية شهادته على صحة خربه مبا أقام من الدالئل والرباهني علي صدق رسوله هلم أن آياته املتلوةفآياته شاهدة بصدقة وهو شاهد بصدق رسوله بآياته وهو الشاهد واملشهود له وهو الدليل واملدلول عليه فهو

ي كل شيء فأي دليل الدليل بنفسه على نفسه كما قال بعض العارفني كيف أطلب لدليل على من هو دليل علطلبته عليه فوجده أظهر منه وهلذا قال الرسل لقومهم أيف اهللا شك فهو أعرف من كل معروف وأبني من كل

دليل فاألشياء عرفت به يف احلقيقة وان كان عرف هبا يف النظر واالستدالل بأفعاله واحكامه عليه

لفائدة يف املسند وصحيح أيب احلامت من حديث عبد اهللا بن مسعود قا

قال رسول اهللا ما أصاب عبدا هم وال حزن فقال اللهم اين عبدك وابن عبدك ابن أمتك ناصييت بيدك ماض يف حكمك عدل يف قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك مسيت به نفسك أو أنزلته يف كتابك أو علمته أحدا من

خلقك أو استأثرت

ونور صدري وجالء حزين وذهاب مهي وغمي اال أذهب اهللا به يف علم الغيب عندك ان جتعل القرآن ربيع قليب مهه وغمه وأبدله مكانه فرحا قالوا يا رسول اهللا أفال نتعلمهن قال بلى ينبغي ملن مسعهن ان يتعلمهن فتضمن هذا احلديث العظيم أمورا من املعرفة والتوحيد والعبودية منها ان الداعي به صدر سؤاله بقوله اين عبدك ابن عبدك

ابن أمتك وهذا يتناول من فوقه من آبائه وأمهاته اىل ابويه آدم وحواء ويف ذلك متلق له واستخذا بني يديه واعتراف بانه مملوكه وآباؤه مماليكه وان العبد ليس له غري باب سيده وفضله واحسانه وان سيده ان امهله

تحت هذا االعتراف اين ال غىن يب عنك وختلى عنه هلك ومل يؤوه احد ومل يعطف عليه بل يضيع أعظم ضيعة ف

Page 11: الفوائد لإبن القيم

أعوذ به وألوذ به غري سيدي الذي انا عبده ويف ضمن ذلك االعتراف بأنه مربوب مدبر طرفة عني وليس ىل من مأمور منهى امنا يتصرف حبكم العبودية ال حبكم االختيار لنفسه فليس هذا شأن العبد بل شأن امللوك واألحرار

حمض العبودية فهؤالء عبيد الطاعة املضافون اليه سبحانه يف قوله إن عبادي ليس لك واما العبيد فتعرفهم علىعليهم سلطان وقوله وعباد الرمحن الذين ميشون على االرض هونا ومن عداهم عبيد القهر والربوبية فاضافتهم

ته اليه وداره اليت هي اليه كاضافة سائر البيوت اىل ملكه واضافة أولئك كاضافة البيت احلرام اليه اضافة ناقاجلنة اليه واضافة عبودية رسوله اليه بقوله وإن كنتم يف ريب مما نزلنا على عبدنا سبحان الذي أسرى بعبده

وإنه ملا قام عبد اهللا يدعوه ويف التحقيق مبعىن قوله اين عبدك التزام عبوديته من الذل واخلضوع واالنابة وامتثال م االفتقار اليه واللجأ اليه واالستعانة به والتوكل عليه وعياذ العبد به ولياذه به امر سيده واجتناب هنيه ودوا

وان مل ال يتعلق قلبه بغريه حمبة وخوفا ورجاء وفيه أيضا أين عبد من مجيع الوجوه صغريا وكبريا حيا وميتا نفسي ملك لك فان العبد ومطيعا وعاصيا معاىف ومبتلي بالروح والقلب واللسان واجلوارح ويف ايضا ان مايل و

وما

ميلك لسيده وفيه ايضا انك أنت الذي مننت علي بكل مل انا فيه من نعمة فذلك كله من انعامك على عبدك ال يتصرف العبد اال باذن سيده واين ال وفيه ايضا اين ال أتصرف فيما خولتين من مايل ونفسي اال بأمرك كما

حياة وال نشورا فان صح له شهود ذلك فقد قال اين عبدك حقيقة مث املك لنفسي ضرا وال نفعا وال موتا والقال ناصييت بيدك أي انت املتصرف يف تصريف كيف تشاء لست انا املتصرف يف نفسي وكيف يكون له يف نفسه تصرف من نفسه بيد ربه وسيده وناصيته بيده وقلبه بني أصبعني من أصابعه وموته وحياته وسعادته

يته وبالؤه كله اليه سبحانه ليس اىل العبد منه شيء بل هو يف قبضة سيده اضعف من مملوك وشقاوته وعافضعيف حقري ناصيته بيد سلطان قاهر مالك له حتت تصرفه وقهره بل األمر فوق ذلك ومىت شهد العبد ان

ومل ينزهلم منزلة ناصيته ونواصي العباد كلها بيد اهللا وحده يصرفهم كيف يشاء مل خيفهم بعد ذلك ومل يرجهم املالكني بل منزلة عبيد مقهورين مربوبني املتصرف فيهم سواهم واملدبر هلم غريهم فمن شهد نفسه هبذا املشهد

صار فقره وضرورته اىل ربه وصفا الزما له ومىت شهد الناس كذلك مل يفتقر اليهم ومل يعلق أمله ورجاءه هبم هود لقومه اين توكلت على اهللا ريب وربكم ما من دابة اال هو آخذ فاستقام توحيده وتوكله وعبوديته ولذا قال

بناصيتها ان ريب على صراط مستقيم وقوله ماض يف حكمك عدل يف قضاؤك تضمن هذا الكالم أمرين أحدمها ا مضاء حكمه يف عبده والثاين يتضمن محده وعدله وهو سبحانه له امللك وله احلمد وهذا معىن قول نبيه هود م

ا يف عباده من دابة اال هو آخذ بناصيتها مث قال ان ريب على صراط مستقيم أي مع كونه مالكا قاهرا متصرفنواصيهم بيده فهو على صراط مستقيم وهو العدل الذي يتصرف به فيهم فهو على صراط مستقيم يف قوله

ل وأمره كله مصلحة والذي وفعله وقضائه وقدره وأمره وهنيه وثوابه وعقابه فخربه كله صدق وقضاؤه كله عدهنى عنه كله ومفسدة وثوابه ملن يستحق الثواب بفضله ورمحته وعقابه ملن يستحق العقاب بعدله وحكمته وفرق

بني

احلكم والقضاء وجعل املضاء للحكم والعدل لقضاء فان حكمه سبحانه يتناول حكمه الديىن الشرعى وحكمه بد ان ماضيان فيه وهو مقهور حتت احلكمني قد مضيا فيه ونفذا فيه شاء الكوىن القدرى والنوعان نافذان يف الع

Page 12: الفوائد لإبن القيم

ام أيب لكن احلكم الكوىن ال ميكنه خمالفته واما الديين الشرعى فقد خيالفه وملا كان القضاء هو االمتام واالكمال وذلك امنا يكون بعد مضيه ونفوذه قال عدل يف قضاؤك أي احلكم الذي

يف عبدك عدل منك فيه واما احلكم فهو ما حيكم به سبحانه وقد يشاء تنفيذه وقد ال أكملته وأمتمته ونفذتهينفذه فان كان حكما دينيا فهو ماض ىف العبد وان كان كونيا فان نفذه سبحانه مضي فيه وان مل ينفذه اندفع

هو سبحانه يقضي عنه فهو سبحانه يقضى ما يقضى به وغريه قد يقضي بقضاء ويقدر أمر وال يستطيع تنفيذه ووميضى فله القضاء واالمضاء وقوله عدل ىف قضاؤك يتضمن مجيع أقضيته ىف عبده من كل الوجوه من صحة وسقم وغين وفقر ولذة وأمل وحياة وموت وعقوبة وجتاوز وغري ذلك قال تعايل وما أصابكم من مصيبة فيما

سان كفور فكل ما يقضى علي العبد فهو عدل كسبت أيديكم وقال وان تصبهم سيئة مبا قدمت أيديهم فان االن فيه

فان قيل فاملعصية عندكم بقضائه وقدره فما وجه العدل ىف قضائها فان العدل ىف العقوبة عليها ظاهر قيل هذا سؤال له شأن ومن أجله زعمت طائفة ان العدل هو املقدور والظلم ممتنع لذاته قالوا الن الظلم هو التصرف ىف

هللا له كل شيء فال يكون تصرفه ىف خلقه اال عدال وقالت طائفة بل العدل انه ال يعاقب على ما ملك الغري واقضاه وقدره فلما حسن منه العقوبة على الذنب علم انه ليس بقضائه وقدره فيكون العدل هو جزاؤه علي

عدل وبني القدر فزعموا ان الذنب بالعقوبة والذم إما ىف الدنيا وإما ىف اآلخرة وصعب على هؤالء اجلمع بني المن أثبت القدر مل ميكنه ان يقول بالعدل ومن قال بالعدل مل ميكنه ان يقول بالقدر كما صعب عليهم اجلمع بني

التوحيد واثبات الصفات فزعموا انه ال ميكنهم اثبات التوحيد اال بانكار الصفات فصار توحيدهم تعطيال

ة فهم مثبتون لألمرين والظلم عندهم هو وضع الشيء ىف غري موضعه وعدهلم تكذيبا بالقدر وأما أهل السنكتعذيب املطيع ومن ال ذنب له وهذا قد نزه اهللا نفسه عنه ىف غري موضع من كتابه وهو سبحانه وان أضل من شاء وقضي باملعصية والغى على من شاء فذلك حمض العدل فيه النه وضع االضالل واخلذالن ىف موضعه الالئق

كيف ومن أمسائه احلسين العدل الذي كل أفعاله وأحكامه سداد وصواب وحق وهو سبحانه قد أوضح به السبل وأرسل الرسل وأنزل الكتب وأزاح العلل ومكن من أسباب اهلداية والطاعة باالمساع واالبصار والعقول

وخذل من ليس بأهل لتوفيقه وهذا عدله ووفق من شاء مبزيد عناية وأراد من نفسه ان يعينه ويوفقه فهذا فضلهوفضله وخلي بينه وبني نفسه ومل يرد سبحانه من نفسه أن يوفقه فقطع عنه فضله ومل حيرمه عدله وهذا نوعان

أحدمها ما يكون جزاء منه للعبد على اعراضه عنه وايثار عدوه ىف الطاعة واملوافقة عليه وتناسى ذكره وشكره اين ان ال يشاء له ذلك ابتداء ملا يعلم منه انه ال يعرف قدر نعمة اهلداية وال فهو أهل ان خيذله ويتخلى عنه والث

يشكره عليه وال يثىن عليه هبا وال حيبه فال يشاؤها له لعدم صالحية حمله قال تعاىل وكذلك فتنا بعضهم ببعض فيهم خريا المسعهم فاذا ليقولوا أهؤالء من اهللا عليهم من بيننا أليس اهللا بأعلم بالشاكرين وقال ولو علم اهللا

قضى على هذه النفوس بالضالل واملعصية كان ذلك حمض العدل كما اذا قضى على احلية بان تقتل وعلى ا على هذه الصفة وقد استوفينا الكالم ىف هذا يه وان كان خملوق العقرب وعلى الكلب العقور كان ذلك عدال ف

ىف كتابنا الكبري ىف القضاء والقدر أن قوله ماض ىف حكمك عدل ىف قضاؤك رد على الطائفتني القدرية الذين ينكرون عموم أقضية اهللا واملقصود

Page 13: الفوائد لإبن القيم

ىف عبده وخيرجون أفعال العباد عن كوهنا بقضائه وقدره ويردون القضاء اىل األمر والنهى وعلى اجلربية الذين هم كل ما ميكن يقولون كل مقدور عدل فال يبقى لقوله عدل ىف قضاؤك فائدة فان العدل عند

فعله والظلم هو احملال لذاته فكأنه قال ماض ونافذ ىف قضاؤك وهذا هو األول بعينه وقوله أسألك بكل اسم ايل آخره توسل اليه بأمسائه كلها ما علم العبد منها وما مل يعلم وهذه أحب الوسائل اليه فاهنا وسيلة بصفاته وأفعاله

ل القرآن ربيع قلىب ونور صدرى الربيع املطر الذي حيىي األرض شبه القرآن اليت هى مدلول امسائه وقوله ان جتعبه حلياة القلوب به وكذلك شبهه اهللا باملطر ومجع بني املاء الذى حتصل به احلياة والنور الذى حتصل به االضاءة

ل السيل زبدا رابيا واالشراق كما مجع بينهما سبحانه ىف قوله أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمومما توقدون عليه ىف النار ابتغاء حلية وىف قوله مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب اهللا

بنورهم مث قال أو كصيب من السماء ويف قوله اهللا نور السموات واالرض مثل نوره اآليات مث قال أمل تر أن اهللا فتضمن الدعاء أن حييي قلبه بربيع القرآن وان ينور به صدره فتجتمع له يزجي السحاب مث يؤلف بينه اآلية

احلياة والنور قال تعاىل أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا ميشي به يف الناس كمن مثله يف الظلمات ليس خبارج منها

د حصل ملا هو أوسع منه وملا كان الصدر أوسع من القلب كان النور احلاصل له يسري منه اىل القلب ألنه قوملا كانت حياة البدن واجلوارح كلها حبياة القلب تسري احلياة منه ايل الصدر مث اىل اجلوارح سأل احلياة له

بالربيع الذي هو مادهتا وملا كان احلزن واهلم والغم يضاد حياة القلب واستنارته سأل أن يكون ذهاهبا بالقرآن ا ذهبت بغري القرآن من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد فاهنا تعود بذهاب فاهنا أحرى أن ال تعود وأما اذ

ذلك واملكروه الوارد على القلب ان كان من أمر ماض أحدث احلزن زان كان من مستقبل أحدث اهلم وان كان من أمر حاضر أحدث الغم واهللا أعلم

اتا وقدرافائدة أنزه املوجودات وأظهرها وأنورها وأشرفها وأعالها ذ

وأوسعها عرش الرمحن جل جالله ولذلك صلح الستوائه عليه وكل ما كان أقرب اىل العرش كان أنور وأنزه وأشرف مما بعد عنه وهلذا كانت جنة الفردوس أعلى اجلنان وأشرفها وأنورها وأجلها لقرهبا من العرش اذ هو

ني شر األمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خري سقفها وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق وهلذا كان أسفل سافلوخلق اهللا القلوب وجعلها حمال ملعرفته وحمبته وارادته فهي عرش املثل األعلى الذي هو معرفته وحمبته وارادته

قال تعاىل للذين ال يؤمنون باآلخرة مثل السوء وهللا املثل األعلى وهو العزيز احلكيم وقال تعاىل وهو الذي يبدأ يعيده وهو أهون عليه وله املثل األعلى يف السموات واألرض وهو العزيز احلكيم وقال تعاىل ليس اخللق مث

كمثله شيء فهذا من املثل األعلى وهو مستو علي قلب املؤمن فهو عرشه وان مل يكن أطهر األشياء وأنزهها وحمبة وارادة فاستوى عليه مثل وأطيبها وأبعدها من كل دنس وخبث مل يصلح الستواء املثل األعلي عليه معرفة

الدنيا األسفل وحمبتها وارادهتا والتعلق هبا فضاق وأظلم وبعد من كماله وفالحه حيت تعود القلوب علي قلبني قلب هو عرش الرمحن ففيه النور واحلياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر اخلري وقلب هو عرش الشيطان

والغم واهلم فهو حزين علي ما مضى مهموم مبا يستقبل مغموم يف احلال فهناك الضيق والظلمة واملوت واحلزن

Page 14: الفوائد لإبن القيم

وقد روى الترمذي وغريه عن النيب أنه قال اذا دخل النور القلب انفسخ وانشرح قالوا فما عالمة ذلك يا ذي يدخل رسول اهللا قال االنابة اىل دار اخللود والتجاين عن دار الغرور واالستعداد للموت قبل نزوله والنور ال

القلب امنا هو آثار املثل األعلى فلذلك ينفسخ وينشرح واذا مل يكن فيه معرفة اهللا وحمبته فحظه الظلمة والضيق

فائدة تأمل خطاب القرآن جتد ملكا له امللك كله وله احلمد كله أزمة األمور كلها بيده ومصدرها منه ومرادها ا مبا يف نفوس عبيده مطلعا علي أسرارهم اليه مستويا على سرير ملكه ال ختفى عليه خاف ية يف أقطار مملكته عامل

وعالنيتهم منفردا بتدبري اململكة يسمع ويرى ويعطي ومينع ويثيب ويعاقب ويكرم ويهني وخيلق ويرزق ومييت وال وحييي ويقدر و يقضي ويدبر األمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها وصاعدة اليه ال تتحرك يف ذرة اال باذنه

تسقط ورقة اال بعلمه فتأمل كيف جتده يثين على نفسه وميجد نفسه وحيمد نفسه وينصح عباده ويدهلم على ما فيه سعادهتم وفالحهم ويرغبهم فيه وحيذرهم مما فيه هالكهم ويتعرف اليهم بأمسائه وصفاته ويتححب اليهم

امها وحيذرهم من نقمه ويذكرهم مبا اعد هلم بنعمه وآالئه فيذكرهم بنعمه عليهم ويأمرهم مبا يستوجبون به متمن الكرامة ان اطاعوه وما أعد هلم ما العقوبة ان عصوه وخيربهم بصنعه يف أوليائه وأعدائه وكيف كانت عاقبة

هؤالء وهؤالء ويثين على أوليائه بصاحل أعماهلم وأحسن أوصافهم ويذم أعداءه بسىء أعماهلم وقبيح صفاهتم نوع األدلة والرباهني وجييب عن شبه أعدائه أحسن األجوبة ويصدق الصادق ويكذب ويضرب األمثال وي

الكاذب ويقول احلق ويهدي السبيل ويدعو اىل دار السالم ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها وحيذر من دار م ال غىن البوار ويذكر عذاهبا وقبحها وآالمها ويذكر عباده فقرهم اليه وشدة حاجتهم اليه من كل وجه واهن

هلم عنه طرفة عني ويذكر غناه عنهم وعن مجيع املوجودات وانه الغىن بنفسه عن كل ما سواه وكل ما سواه فقري اليه بنفسه وانه ال ينال احد ذرة من اخلرب فما فوقها اال بفضله ورمحته وال ذرة من الشر فما فوقها اال

اب وانه مع ذلك مقيل عثراهتم وغافر زالهتم ومقيم بعدله وحكمته ويشهد من خطابه عتابه الحبابه الطف عت اعذارهم ومصلح فسادهم والدافع

عنهم واحملامي عنهم والناصر هلم والكفيل مبصاحلهم واملنجي هلم من كل كرب واملويف هلم بوعده وانه وليهم اذا شهدت القلوب الذي ال وىل هلم سواه فهو موالهم احلق ونصريهم علي عدوهم فنعم املوىل ونعم النصري ف

من القرآن ملكا عظيما رحيما جوادا مجيال هذا شانه فكيف ال حتبه وتنافس يف القرب منه وتنفق انفاسها يف ال تلهج بذكره ا سواه وكيف التودد اليه ويكون احب اليها من كل ما سواه ورضاه آثر عندها من رضا كل م

ا ودواؤها حبيث ان فقدت ذلك فسدت وهلكت ومل تنفع ويصري حبه والشوق اليه واألنس به هو غذائها وقوهت حبياهتا

فائدة قبول احملل ملا يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده وهذا كما انه

يف الذوات واألعيان فكذلك هو يف االعتقادات واالرادات فاذا كان القلب ممتلئا بالباطل اعتقادا وحمبة مل يبق ان اللسان اذا اشتغل بالتكلم مبا ال ينفع مل يتمكن صاحبه من النطق مبا فيه العتقاد احلق وحمبته موضع كما

ينفعه اال اذا فزع لسانه من النطق بالباطل وكذلك اجلوارح اذا اشتغلت بغري الطاعة مل ميكن شغلها بالطاعة اال

Page 15: الفوائد لإبن القيم

ال ميكن شغله اذا فرغها من ضدها فكذلك القلب املشغول مبحبة غري اهللا وارادته والشوق إليه واألنس به إمبحبة اهللا واردته وحبه والشوق اىل لقائه ال بتفريغه من تعلقه بغريه وال حركة اللسان بذكره واجلوارح خبدمته

اال اذا فرغها من ذكر غريه وخدمته فاذا امتأل القلب بالشغل باملخلوق والعلوم اليت ال تنفع مل يبقى فيها موضع أحكامه وسر ذلك ان اصغاء القلب كاصغاء األذن فاذا صغى اىل غري للشغل باهللا ومعرفة امسائه وصفاته و

حديث اهللا مل يبق فيه اصغاء وال فهم حلديثه كما اذا مال اىل غري حمبة اهللا مل يبق فيه ميل اىل حمبته فاذا نطق تلىء جوف القلب بغري ذكره مل يبق فيه حمل للنطق بذكره كاللسان وهلذا يف الصحيح عن النيب انه قال الن مي

احدكم قيحا حيت يريه خري له من أن ميتلىء

شعرا فبني أن اجلوف ميتلىء بالشعر فكذلك ميتلىء بالشبه والشكوك واخلياالت والتقديرات اليت ال وجود هلا والعلوم اليت ال تنفع واملفاكهات واملضاحكات واحلكايات وحنوها واذا امتأل القلب بذلك جاءته حقائق القرآن

الذي به كماله وسعادته فلم جتد فيه فراغا هلا وال قبوال فتعدته وجاوزته ايل حمل سواه كما اذا بذلت والعلمالنصيحة لقلب مآلن من ضدها ال منفذ هلا فيه فانه فيه ال يقبلها وال تلج فيه لكن متر جمتازة ال مستوطنة

ولذلك قيل فجنابنا حل لكل منزه ... نزه فؤادك من سوانا تلقنا

من حل ذا الطلسم فاز بكنزه وباهللا التوفيق ... والصرب طلسم لكنز وصالنا

فائدة قوله تعاىل أهلاكم التكاثر اىل آخرها أخلصت هذه السورة للوعد

الوعيد والتهديد وكفى هبا موعظة ملن عقلها فقوله تعاىل أهلاكم أي شغلكم على وجه ال تعتذرون فيه فان االهلاء غال عنه فان كان بقصد فهو حمل التكليف وان كان بغري قصد كقوله يف اخلميصة اهنا أهلتين عن الشيء هو االشت

آنفا عن صاليت كان صاحبه معذورا وهو نوع من النسيان ويف احلديث فلها عن الصيب أي ذهل عنه ويقال هلا مع بينهما وهلذا كان بالشيء أي اشتغل به وهلا عنه اذا انصرف عنه واللهو للقلب واللعب للجوارح وهلذا جي

قوله أهلاكم التكاثر ابلغ يف الذم من شغلكم فان العامل قد يستعمل جوارحه مبا يعمل وقلبه غري اله به فاللهو هو ذهول واعراض والتكاثر تفاعل من الكثرة أي مكاثرة بعضكم لبعض واعرض عن ذكر املتكاثر به ارادة

غريه سوى طاعة اهللا ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل الطالقه وعمومه وان كل ما يكاثر به العبد يف هذا التكاثر فالتكاثر يف كل شيء من مال او جاه او رياسة او نسوة او حديث او

علم وال سيما اذا مل حيتج اليه والتكاثر ىف الكتب والتصانيف وكثرة املسائل وتفريعها وتوليدها والتكاثر ان ن اكثر من غريه وهذا مذموم اال فيما يقرب اىل اهللا فالتكاثر فيه منافسة ىف اخلريات يطلب الرجل ان يكو

ومسابقة اليها وىف صحيح مسلم من حديث عبد اهللا بن الشخري انه انتهى ايل النيب وهو يقرأ أهلاكم التكاثر قال ست فابليت تنبيه يقول ابن آدم ماىل وهل لك من مالك اال ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فافنيت او لب

من مل ينتفع بعينه مل ينتفع باذنه للعبد ستر بينه وبني اهللا وستر بينه وبني الناس فمن هتك الستر الذى بينه وبني اهللا حقك اهللا الستد الذي بينه وبني الناس للعبد رب هو مالقيه وبيت هو ساكنه فينبغى له ان يسترضى ربه قبل

Page 16: الفوائد لإبن القيم

اليه اضاعة الوقت اشد من املوت الن اضاعة الوقت تقطعك عن اهللا والدار اآلخرة لقائه ويعمر بيته قبل انتقاله واملوت يقطعك عن الدنيا واهلها الدنيا من أوهلا اىل آخرها ال تساوى غم ساعة فكيف بغم العمر حمبوب اليوم

ل وقت مبا هو يعقب املكروه غدا ومكروه اليوم يعقب احملبوب غدا أعظم الربح يف الدنيا ان تشغل نفسك كأويل هبا وأنفع هلا ىف معادها كيف يكون عاقال من باع اجلنة مبا فيها بشهوة ساعة خيرج العارف من الدنيا ومل

يقض وطره من شيئني بكاؤه على نفسه وثناؤه على ربه املخلوق اذا خفته استوحشت منه وهربت منه والرب ذم اهللا سبحانه أحبار أهل الكتاب ولو نفع العمل تعاىل اذا خفته أنست به وقربت اليه لو نفع العلم بال عمل ملا

بال اخالص ملا ذم املنافقني دافع اخلطرة فان مل تفعل صارت فكرة فدافع الفكرة فان مل تفعل صارت شهوة فحارهبا فان مل تفعل صارت عزمية ومهة فان مل تدافعها صارت فعال فان مل تتداركه بضده صار عادة فيصعب

النتقال عنها التقوي ثالث مراتب احداها محية القلب واجلوارح عن اآلثام عليك ا

ال يعىن فاالوىل تعطى العبد حياته والثانية واحملرمات الثانية محيتها عن املكروهات الثالثة احلميه عن الفضول وما تفيده صحته وقوته والثالثة تكسبه سروره وفرحه وهبجته

يقلل ناصر اخلصم احملق ... غموض احلق حني تذب عنه فتقضى للمجل علي املدق ... تضل عن الدقيق فهو م قوم اليب وال يشفع ىل من الناس ... باهللا أبلغ ما أسعى وأدركه

جاء الرجا مسرعا من جانب اليأس ... اذا أيست وكاد اليأس يقطعين ار مل تزل هداياها تأتيه من الشهوات ملا طلب من خلقه اهللا للجنة مل تزل هداياها تأتيه من املكاره ومن خلقه للن

آدم اخللود ىف اجلنة من جانب الشجرة عوقب باخلروج منها وملا طلب يوسف اخلروج من السجن من جهة صاحب الرؤيا لبث فيه بضع سنني اذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستة مشاهد أحدها مشهد

وخلقه وما شاء اهللا كان وما مل يشاء مل يكن الثاين مشهد العدل وانه التوحيد وان اهللا هو الذى قدره وشاءهماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه الثالث مشهد الرمحة وان رمحته ىف هذا املقدور غالبه لغضبه وانتقامه ورمحته حشوة الرابع مشهد احلكمة وان حكمته سبحانه اقتضت ذلك مل يقدره سدى وال قضاه عبثا اخلامس مشهد

حلمد وان له سبحانه احلمد التام علي ذلك من مجيع وجوهه السادس مشهد العبودية وانه عبد حمض من كل اوجه جترى عليه أحكام سيده وأقضيته حبكم كونه ملكه وعبده فيصرفه حتت أحكامه القدرية كما يصرفه حتت

أحكامه الدينية فهو حمل جلريان هذه األحكام عليه أى وخفاء احلق وفساد القلب ومخول الذكر واضاعة الوقت ونفره اخللق والوحشة بني قلة التوفيق وفساد الر

العبد وبني ربه ومنع اجابة الدعاء وقسوة القلب وحمق الربكة ىف الرزق والعمر وحرمان العلم ولباس الذل واهانة العدو وضيق

ل اهلم والغم وضنك املعيشة الصدر واالبتالء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت وطووكسف البال تتولد من املعصية والغفلة عن ذكر اهللا كما يتولد الزرع عن املاء واالحراق عن النار وأضداد

هذه تتولد عن الطاعة

Page 17: الفوائد لإبن القيم

فصل طوىب ملن أنصف ربه فاقر له باجلهل ىف علمه واآلفات ىف عمله

فان آخذه بذنوبه رأى عدله وان مل يؤاخذه هبا رأي فضله والعيوب ىف نفسه والتفريط ىف حقه والظلم ىف معاملته ثلها ال يصلح ان وان عمل حسنة رآها من منته وصدقته عليه فان قبلها فمنه وصدقة ثانية وان ردها فلكون م

يواجه به وان عمل سيئة رآها من ختليه عنه وخذالنه له وامساك عصمته عنه وذلك من عدله فيه فريى ىف ذلك به وظلمه ىف نفسه فان غفرها له فبمحض احسانه وجوده وكرمه ونكتة املسألة وسرها انه ال يري فقره اىل ر

ربه االحمسنا وال يرى نفسه اال مسيئا أو مفرطا أو مقصرا فريى كل ما يسره من فضل ربه عليه واحسانه اليه ا سقيا لسكاهنا وكذلك احملب اذا وكل ما يسوءه من ذنوبه وعدل اهللا فيه احملبون اذا خربت منازل أحبائهم قالو

أتت عليه األعوام حتت التراب ذكر حينئذ حسن طاعته ىف الدنيا وتودده اليه وجتدد رمحته وسقياه ملن كان ساكنا يف تلك األجسام البالية

فائدة الغرية غريتان غرية على الشيء وغرية من الشيء فالغرية على

ان يزامحك عليه فالغرية على احملبوب ال تتم اال بالغرية من املزاحم احملبوب حرصك عليه والغرية من املكروهوهذه حتمد حيث يكون احملبوب تقبح املشاركة يف حبه كاملخلوق واما من حتسن املشاركة يف حبه كالرسول

والعامل بل احلبيب القريب سبحانه فال

يه بل هو حسد والغرية احملمودة يف حقه أن يغار احملب على حمبته له ان يصرفها اىل غريه يتصور غرية املزامحة علأو يغار عليها ان يطلع عليها الغري فيفسدها عليه أو يغار على أعماله ان يكون فيها شيء لغري حمبوبة أو يغار

ا يكره حمبوبه من رياء أو إعجاب او حمبة الشراف غريه عليها أو غيبته عن شهود منته عليه عليها ان يشوهبا م فيها

وباجلملة فغريته تقتضي ان تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلها هللا وكذلك يغار علي أوقاته أن يذهب منها وقت يف غري رضى حمبوبة فهذه الغرية من جهة العبد وهي غرية من املزاحم له املعوق القاطع له عن مرضاة حمبوبة وأما

اىل حمبة غريه حبيث يشاركه يف حبه وهلذا كانت غرية غرية حمبوبه عليه فهي كراهية ان ينصرف قلبه عن حمبته اهللا ان يأيت العبد ماحرم عليه والجل غريته سبحانه حرم الفاحشة ما ظهر منها وما بطن ألن اخللق عبيده واماؤه ث فهو يغار علي امائه كما يغار السيد على جواريه وهللا املثل األعلي ويغار علي عبيده ان تكون حمبتهم لغريه حبي

حتملهم تلك احملبة على عشق الصور ونيل الفاحشة منها من عظم وقار اهللا يف قلبه ان يعصيه وقره اهللا يف قلوب اخللق ان يذلوه اذا علقت شروش املعرفة يف ارض القلب

نبتت فيه شجرة احملبة فاذا متكنت وقويت أمثرت الطاعة فال تزال الشجرة تؤيت أكلها كل حني باذن اهللا رهبا ول منازل القوم اذكروا اهللا ذكرا كثريا وسبحوه بكرة وأصيال وأوسطها هو الذي يصلي عليكم ومالئكته ا

ا يغرس فيها فان ليخرجكم من الظلمات إىل والنور وآخرها حتيتهم يوم يلقونه سالم ارض الفطرة رحبة قابلة ملواهلوى فكل الثمر من ارجع اىل غرست شجرة االميان والتقوى أورثت حالوة االبد وان غرست شجرة اجلهل

اهللا واطلبه من عينك ومسعك وقلبك ولسانك وال تشرد عنه من هذه األربعة فما رجع من رجع اليه بتوفيقه اال

Page 18: الفوائد لإبن القيم

منها وما شرد من شرد عنه خبذالنه اال منها فاملوفق يسمع ويبصر ويتكلم ويبطش مبواله واملخذول يصدر ذلك عنه بنفسه وهواه

طاعة ومنوها وتزايدها كمثل نواة غرستها فصارت شجرة مث أمثرت فأكلت مثرها وغرست نواها مثال تولد الفكلما أمثر منها شيء جنيت مثرة وغرست نواه وكذلك تداعي املعاصي فليتدبر اللبيب هذا املثال فمن ثواب

ويتعبد له وال ميل من احلسنة احلسنة بعدها ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها ليس العجب من مملوك يتذلل هللاخدمته مع حاجته وفقره اليه امنا العجب من مالك يتحبب اىل مملوكه بصنوف انعامه ويتودد اليه بأنواع احسانه

وكفى بك فخرا انه لك رب ... مع غناه عنه كفى بك عزا انك له عبد

فصل ايك واملعاصي فاهنا ازلت عز

رت حرارة القلق الف سنة مازال يكتب بدم الندم سطور احلزن إسجدوا وأخرجت اقطاع اسكن يا هلا حلظة أمثيف القصص ويرسلها مع أنفاس األسف حىت جاءه توقيع فتاب عليه فرح ابليس بنزول آدم من جلنة وما علم أن هبوط الغائص يف اللجة خلف الدر صعود كم بني قوله آلدم اين جاعل يف االرض خليفة وقوله لك اذهب فمن

ا جرى على آدم هو املراد من وجوده لو مل تذنبوا يا آدم ال جتزع من قويل لك اخرج منها فلك تبعك منهم مولصاحل ذريتك خلفتها يا آدم كنت تدخل علي دخول امللوك علي امللوك واليوم تدخل علي دخول العبيد علي

بست خلعة امللوك يا آدم ال جتزع من كأس زلل كانت سبب كيسك فقد استخرج منك داء العجب والالعبودية وعسى أن تكرهوا يا آدم مل أخرج اقطاعك ايل غريك امنا حنيتك عنه ال كمل عمارته لك وليبعث ايل

العمال نفقة تتجاىف جنوهبم تاهللا ما نفعه عند معصيته عز اسجدوا وال شرف وعلم آدم وال خصيصة ملا خلقت بيدي وال فخر ونفخت فيه من روحي وامنا انتفع بذل

ظلمنا أنفسنا ملا لبس درع التوحيد على بدن الشكر وقع سهم العدو منه يف غري مقتل ربنا

فجرحه فوضع عليه جبار االنكسار فعاد كما كان فقام اجلريح كان مل يكن به قلبة فصل جنائب النجاة مهيأة للمراد واقدم املطرود موثوقة بالقيود هبت عواصف األقدار يف بيداء االكوان فتقلب

وجود وجنم اخلري فلما ركدت الريح اذا ابو طالب غريق يف جلة اهلالك وسلمان على ساحل السالمة والوليد ال بن

املغرية يقدم قومه يف التيه وصهيب قد قدم بقافلة الروم والنجاشي يف أرض

احلبشة يقول لبيك اللهم لبيك وبالل ينادي الصالة خري من النوم

ملا قضى يف القدم بسابقه سلمان عرج به دليل التوفيق عن طريق آبائه يف التمجس وأبو جهل يف رقدة املخالفةفأقبل يناظر أباه يف دين الشرك فلما عاله باحلجة مل يكن له جواب اال القيد وهذا جواب يتداوله أهل الباطل

د ملا عرضوه على من يوم حرفوه وبه أجاب فرعون موسى لئن اختذت اهلا غريي وبه أجاب اجلهمية االمام امح

Page 19: الفوائد لإبن القيم

السياط وبه أجاب أهل البدع شيخ االسالم حني استدعوه السجن وها حنن علي االثر فنزل به ضيف ولنبلونكم فنال باكرامة مرتبة سلمان منا أهل البيت فسمع ان ركبا على نية السفر فسرق نفسه من أبيه وال

البحث ليقع بدرة الوجود فوقف نفسه على قطع فركب راحلة العزم يرجو ادراك مطلب السعادة فغاص يف حبرخدمة االدالء وقوف االذالء فلما أحس الرهبان بانقراض دولتهم سلموا اليه اعالم األعالم على نبوة نبينا

وقالوا ان زمانه قد أظل فأحذر ان تضل فرحل مع رفقة مل يرفقوا به فشروه بثمن خبس دراهم معدودة فأتباعه ى احلره توقد حرا شوقه ومل يعلم رب املنزل بوجد النازل فبينا هو يكابد ساعات يهودى باملدينة فلما رأ

االنتظار قدم البشري بقدوم البشري وسلمان يف رأس خنلة وكاد القلق يلقيه لوال ان احلزم أمسكه كما جرى يوم يقول إن كادت لتبدي به لوال ان ربطنا علي قلبها فعجل النزول لتلقي ركب البشارة ولسان حاله

ا يب على الربا فقد هب من تلك الديار نسيم فصاح به سيده مالك انصرف ايل شغلك ... خليلي من جند قف فقال

كيف انصرايف ويل يف داركم شغل اذا علم من آل ليلي بداليا ... مث أخذ لسان حاله يترمن لو مسع األطروش خليلي ال واهللا ما انا منكما

خة الرهبان بكتاب األصل فوافقه يا حممد انت تريد ابا طالب وحنن نريد سلمان فلما لقى الرسول عارض نسابو طالب اذا سئل عن امسه قال عبد مناف واذا انتسب افتخر باآلباء واذاذكرت األموال عبد االبل وسلمان

املسجد وعن اذا سئل عن امسه قال عبد اهللا وعن نسبه قال ابن االسالم وعن ماله قال الفقر وعن حانوته قالكسبه قال الصرب وعن لباسه قال التقوى والتواضع وعن وساده قال السهر وعن فخره قال سلمان منا وعن

قصده قال يريدون وجهه وعن سريه قال اىل اجلنة وعن دليله يف الطريق قال إمام اخللق وهادئ االئمة كفى باملطايا طيب ذكراك حاديا ... اذا حنن ادجلن وانت امامنا

ا الطريق ومل جند دليال كفانا نور وجهك هاديا ... وان حنن اضللنالذنوب جراحات ورب جرح وقع يف مقتل لو خرج عقلك من سلطان هواك عادت الدولة له دخلت دار

اهلوى فقامرت بعمرك اذا عرضت نظرة ال حتل فاعلم اهنا مسعر حرب فاستتر منها حبجاب قل للمؤمنني فقد كفى اهللا املؤمنني القتال حبر اهلوى اذا مد أغرق واخوف املنافذ على السابح فتح البصر يف سلمت من االثر و

املاء يف قربه اعماله تونسه ... ما أحد أكرم من مفرد

ليس كعبده قربه حمبسه ... منعما يف القرب يف روضه ويعرف عند الصرب فيما يصيبه ... علي قدر فضل املرء يأيت خطوبه

فقد قل مما يرجتيه نصيبه ... يما يتقيه اصطباره ومن قل فظن الزرع املستحصد اشتر نفسك فالسوق قائمة والثمن موجود البد من سنة كم قطع زرع قبل التمام فما

الغفلة ورقاد اهلوى ولكن كن خفيف النوم فحراس البلد يصيحون دنا الصباح نور العقل يضيء يف ليل اهلوى لمح البصري يف ذلك النور عواقب األمور اخرج بالعزم من هذا فتلوح جادة الصواب فيت

Page 20: الفوائد لإبن القيم

الفناء الضيق احملشو باآلفات ايل ذلك الفناء الرحب الذي فيه ماال عني رأت فهناك ال يتعذر مطلوب وال يفقد حمبوب يا بائعا نفسه هبوى من حبه ضنا ووصله أذى وحسنه اىل فنا لقد بعت انفس األشياء بثمن خبس كأنك مل

تعرف قدر السلعة وبال خسة الثمن حىت اذا قدمت يوم التغابن تبني لك ان الغنب يف عقد التبايع ال اله اال اهللا سلعة اهللا مشتريها ومثنها اجلنة والدالل الرسول ترضي ببيعها جبزء يسري مما ال يساوي كله جناح بعوضة

ده جناح بعوضة عند من صرت عب... اذا كان شيء ال يساوي مجيعه يكون على ذا احلال قدرك عنده ... وميلك جزء منه كلك ما الذى لديه من احلسىن وقد زال وده ... وبعت به نفسا قد استامها مبا

يا خمنت العزم اين انت والطريق طريق تعب فيه آدم وناح الجله نوح ورمى يف النار اخلليل واضجع للذبح جن بضع سنني ونشر باملنشار زكريا وذبح السيد احلصور حيىي امساعيل وبيع يوسف بثمن خبس ولبث يف الس

وقاسى الضر أيوب وزاد على املقدار بكاء داود وسار مع الوحش عيسي وعاجل الفقر وأنواع األذى حممد تزها انت باللهو واللعب

دون ذلك أهوال ... فيا دارها باحلزن ان مزارها قريب ولكن ارة فأن حركت ركابك فللهزمية من مل يباشر حر اهلجري يف طالب اجملد مل يقل احلرب قائمة وانت اعزل يف النظ

يف ظالل الشرف ومل تدارين للمقام أطوف ... تقول سليمى لو أقمت بارضنا

قيل لبعض العباد اىل كم تتعب نفسك فقال راحتها اريد يا مكر ما جبلة

لق ال تنكر السلب يستحق من استعمل نعمة املنعم فيما يكره األميان بعد حلة العافية وهو خيلقهما يف خمالفة اخلاان يسلبها عرائس املوجودات قد تزينت للناظرين ليبلوهم ايهم يؤثرهن على عرائس اآلخرة فمن عرف قدر

التفاوت آثر ما ينبغي ايثاره اقبلت حنوي وقالت يل اىل ... وحسان الكون ملا أن بدت

ما ابصرت مقصودي لدي عند... فتعاميت كأن مل أرها كواكب هم العارفني يف روج عزائمهم سيارة ليس فيها زحل يا من احنرف عن جادهتم كن يف أواخر الركب ومن اذا منت علي الطريق فاألمري يراعي الساقة قيل للحسن سبقنا القوم على خيل دهم وحنن على محر معقره

فقال ان كنت على طريقهم فما أسرع اللحاق هبم

ئدة من فقد أنسه باهللا بني الناس ووجده يف الوحدة فهو صادق ضعيففا

ومن وجده بني الناس وفقده يف اخللوة فهو معلول ومن فقده بني الناس ويف اخللوة فهو ميت مطرود ومن وجده يف اخللوة ويف الناس فهو احملب الصادق القوى يف حاله ومن كان فتحه يف اخللوة مل يكن مزيده اال منها ومن كان فتحه بيت الناس ونصحهم وارشادهم كان مزيده معهم ومن كان فتحه يف وقوفه مع مراد اهللا حيث أقامه ويف أي شيء استعمله كان مزيده يف خلوته ومع الناس فأشرف األحوال أن ال ختتار لنفسك حالة سوى

Page 21: الفوائد لإبن القيم

القلوب الطاهرة يف اصل ما خيتاره لك ويقيمك فيه فكن مع مراده منك وال تكن مع مرادك منه مصابيح الفطره منرية قبل

الشرائع يكاد زيتها يضيء ولو مل متسسه نار وحد قس وما رأي الرسول وكفر ابن أيب وقد صلى معه يف املسجد مع الص بري وال ماء وكم من عطشان يف اللجة سبق العلم بنبوة موسى واميان آسية فسيق تابوته اىل

اىل امرأة خالية عن ولد فلله كم يف هذه القصة من عربة كم ذبح فرعون يف بيتها فجاء طفل منفرد عن أم طلب موسى من ولد ولسان القدر يقول ال نربيه اال يف حجرك

كان ذو البجادين يتيما يف الصغر فكفله عمه فنازعته نفسه اىل اتباع الرسول فهم بالنهوض فاذا بقية املرض صحته نفذ الصرب فناداه ضمري الوجد مانعه فقعد ينتظر العم فلما تكاملت

أثرها رمبا وجدت طريقا ... ايل كم حبسها تشكو املضيقا فقال يا عم طال انتظاري السالمك وما أرى منك نشاطا فقال واهللا لئن أسلمت النتزعن كل ما أعطيتك

فصاح لسان الشوق نظرة من حممد أحب ايل من الدنيا وما فيها تريد أم الدنيا وما يف طواياها ... ووصلها ولو قيل للمجنون ليلى

ألذ اىل نفسي وأشفى لبلواها ... لقال تراب من غبار نعاهلا فلما جترد للسري اىل الرسول جرده عمه من الثياب فناولته االم جبادا فقطعه لسفر الوصل نصفني أتزر بأحدمها

فة األحباب واحملب ال يرى طول الطريق الن با وارتدي باآلخر فلما نادى صائح اجلهاد قنع ان يكون يف سا املقصود يعينه

وبلغ أكناف احلمى من يريدها ... أال بلغ اهللا احلمى من يريده فلما قضى حنبه نزل الرسول ميهد لد حلده وجعل يقول اللهم أين أمسيت عنه راضيا فارض عنه فصاح ابن

مسعود يا ليتين كنت صاحب القرب ما يف الرقعة البيذق فلما هنض تفرزن رأى بعض فيا خمنث العزم أقل

احلكماء برذونا يسقى عليه فقال لو مهلج هذا الركب اقدام العزم بالسلوك اندفع من بني أيديها سد القواطع القواطع حمن يتبني هبا الصادق من الكاذب فاذا خضتها انقلبت أعوانا لك توصلك اىل املقصود

ثبت مع زوج امنا ختطب األزواج ليستحسنوافصل الدنيا كأمرأه بغى ال ت

عليها فال ترضى بالدياثه فأذا املالحة بالقباحة ال تفى ... ميزت بني مجاهلا وفعاهلا

فكأهنا حلفت لنا ان ال تفى ... حلفت لنا ان ال ختون عهودنا به منها هو عني احملزون السري يف طلبها سري يف أرض مسبعة والسباحة فيها سباحة يف غدير التمساح املفروح

عليه آالمها متولدة من لذاهتا واحزاهنا من أفراحها عذاب فصارت يف املشيب عذابا ... مآرب كانت يف الشباب ألهلها

Page 22: الفوائد لإبن القيم

طائر الطبع يرى احلبة وعني العقل ترى الشرك غري ان عني اهلوى عميا يلة يا كما أن عني السخط تبدى املساو... وعني الرضا عن كل عيب كل

تزخرفت الشهوات ألعني الطباع فغض عنها الذين يؤمنون بالغيب ووقع تابعوها يف بيداء احلسرات و باؤلئك على هدى من رهبم واؤلئك هم املفلحون وهؤالء يقال هلم كلوا ومتتعوا قليال انكم جمرمون ملا عرف املوفقون

ا حلياة األبد ملا استيقظوا من نوم الغفلة استرجعوا باجلد ما قدر احلياة الدنيا وقلة املقام فيها أما وافيها اهلوى طلباهنبه العدو منهم يف زمن البطالة فلما طالت عليهم الطريق تلمحوا املقصد فقرب عليهم البعيد وكلما أمرت هلم

احلياة حلى هلم تذكر هذا يومكم الذي كنتم توعدون قائم على كل مغرب املطالع... وركب سروا الليل ملق رواقه

فصار سراهم يف طلوع العزائم ... حدوا عزمات ضاعت األرض بينها

على عاتق الشعرى وهام النعائم ... تريهم جنوم الليل ما يتبعونه رماح العطايا يف صدور املكارم ... اذا اطردت يف معرك اجلد قصفوا

فصل من اعجب األشياء أن تعرفه مث ال حتبه وأن تسمع داعيه مث

عن االجابة وأن تعرف قدر الربح يف معاملته مث تعمل غريه وان تعرف قدر غضبه مث تتعرض له وأن تذوق تتأخر أمل الوحشة يف معصيته مث ال تطلب األنس بطاعته وأن تذوق عصرة القلب عند اخلوض يف غري حديثه واحلديث

ال تشتاق اىل انشراح الصدر بذكره ومناجاته وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغريه وال هترب منه عنه مث اىل نعيم االقبال عليه واالنابه اليه واعجب من هذا علمك انك البد لك منه وانك أحوج شيء اليه وأنت عنه

معرض وفيما يبعدك عنه راغب

فائدة ما أخذ العبد ما حرم عليه اال من جهتني احدامها سوء ظنه

ه حالال والثانية ان يكون عاملا بذلك وان من ترك هللا شيئا أعاضه خريا بربه وانه لو أطاعه وآثره مل يعطه خريا منمنه ولكن تغلب شهوته صربه وهواه عقل فاألول من ضعف علمه والثاين من ضعف عقله وبصريته قال حيي بن

اقته وقوي رج اؤه معاذ من مجع اهللا عليه قلبه يف الدعاء مل يرده قلت اذا اجتمع عليه قلبه وصدقت ضرورته وف فال يكاد يرد دعاؤه

فصل ملا رأى املتيقظون سطوة لدنيا بأهلها وخداع االمل الربابه ومتلك

الشيطان وقياد النفوس راوا الدولة للنفس االمارة جلأوا اىل حصن التضرع وااللتجاء كما

الظاهر فاما ذو يأوي العبد املذعور ايل حرم سيده سيده شهوات الدنيا كلعب اخليال ونظر اجلاهل مقصور علىالعقل فريى ما ووراء الستر الح هلم املشتهى فلما مدوا أيدى التناول بأن البصار البصائر خبط الفخ فطاروا

بأجنحة احلذر وصوبوا اىل الرحيل الثاين ياليت قومي يعلمون تلمح القوم الوجود ففهموا املقصود فامجعوا

Page 23: الفوائد لإبن القيم

يل فالناس مشتغلون بالفضالت وهم يف قطع الفلوات وعصافري الرحيل قبل الرحيل ومشروا للسري يف سواء السباهلوى يف وثاق الشبكة ينتظرون الذبح وقع ثعلبان يف شبكة فقال أحدمها لآلخر أين امللتقى بعد هذا فقال بعد ا مضى من الدنيا أحالم وما يومني يف الدباغة تاهللا ما كانت األيام اال مناما فليستيقظوا وقد حصلوا على الظفر م

بقى منها أماين والوقت ضائع بينهما كيف يسلم من له زوجة ال ترمحه وولد ال يعذره وجار ال يأمنه وصاحب ال ينصحه وشريك ال ينصفه وعدو ال

ينام عن معاداته ونفس أمارة بالسوء ودنيا متزينة وهوى مرد وشهوة غالبة له وغضب قاهر وشيطان مزين وجذبه اليه انقهرت له هذه كلها وان ختلى عنه ووكله اىل نفسه اجتمعت وضعف مستول عليه فأن تواله اهللا

عليه فكانت اهللكة ملا أعرض الناس عن حتكيم الكتاب والسنة واحملاكمة إليهما واعتقدوا عدم االكتفاء هبما وعدلوا اىل اآلراء

قلوهبم وكدر ىف افهامهم والقياس واالستحسان وأقوال الشيوخ عرض هلم من ذلك فساد يف فطرهم وظلمة ىفوحمق ىف عقوهلم وعمتهم هذه األمور وغلبت عليهم حىت ريب فيها الصغري وهرم عليها الكبري فلم يروها مكرا

فجاءهتم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن والنفس مقام العقل واهلوى مقام الرشد والظالل مقام اهلدى العلم والرياء مقام االخالص والباطل مقام احلق والكذب مقام الصدق واملنكر مقام املعروف واجلهل مقام

واملداهنة مقام النصيحة والظلم مقام العدل فصارت الدولة

والغلبة هلذه األمور وأهلها هم املشار اليهم وكانت قبل ذلك الضدادها وكان أهلها هم املشار اليهم قد نصبت وجيوشها قد ركبت فبطن االرض واهللا خري من فاذا رأيت دولة هذه األمور قد أقبلت وراياهتا

ظهرها وقلل اجلبال خري من السهول وخمالطة الوحش أسلم من خمالطة الناس اقشعرت األرض وأظلمت السماء وظهر الفساد يف الرب والبحر من ظلم الفجرة وذهبت الربكات وقلت

ضوء النهار وظلمة الليل من األعمال اخلبيثة اخلريات وهزلت الوحوش وتكدرت احلياة من فسق الظلمة وبكيبة املنكرات والقبايح وهذا واألفعال الفظيعة وشكا الكرام الكاتبون واملعقبات اىل رهبم من كثرة الفواحش وغلواهللا منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه ومؤذن بليل بالء قد ادهلم ظالمه فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة

ت التوبة ممكنة وباهبا مفتوح وكأنكم بالباب وقد أغلق وبالرهن وقد غلق وباجلناح وقد علق نصوح ما دام وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

اشتر نفسك اليوم فان السوق قائمة والثمن موجود والبضائع رخيصة وسيأيت على تلك السوق والبضايع يوم غابن يوم يعض الظامل على يديه ال تصل فيها اىل قليل وال كثري ذلك يوم الت

وأبصرت يوم احلشر من قد تزودا ... اذا انت مل ترحل بزاد من التقى وانك مل ترصد كما كان ارصدا ... ندمت على ان ال تكون كمثله

العمل بغري اخالص وال اقتداء كاملسافر ميأل جرابه رمال يثقله وال ينفعه اذا محلت علي القلب مهوم الدنيا اهلا وهتاونت بأوراده اليت هى قوته وحياته كنت كاملسافر الذى حيمل دابته فوق طاقتها وال يوفيها علفها واثق

فما أسرع ما تقف به حريان ال ظفر وال اخفاق ... ومشتت العزمات ينفق عمره

Page 24: الفوائد لإبن القيم

فما كل سري اليعمالت وحيد ... هل السائق العجالن ميلك امره تداس جباه حتتها وخدود ...رويدا باخفاف املطى فامنا

من تلمح حالوة العافية هان عليه مرارة الصرب الغاية اول ىف التقدير آخر ىف الوجود مبدأ ىف نظر العقل منتهى ىف منازل الوصول الفت عجز العادة فلو علت بك مهتك ربا املعايل الحت لك انوار العزائم امنا تفاوت القوم

اح داله ىف جب العذرة بينك وبني الفائزين جبل اهلوى نزلوا بني يديه ونزلت باهلمم ال بالصور تزول مهة الكسخلفه فاطو فضل منزل تلحق بالقوم الدنيا مضمار سباق وقد انعقد الغبار وخفى السابق والناس ىف املضمار بني

فارس وراجل واصحاب محر معقرة أفرس حتتك أم محار ... سوف ترى اذا اجنلى الغبار

شره واحلمية أوفق لص احلرص ال ميشي اال ىف ظالم اهلوي حبة املشتهى حتت فخ التلف فتفكر الذبح ىف الطبعوقد هان الصرب قوة الطمع يف بلوغ األمل توجب االجتهاد ىف الطلب وشدة احلذر من فوت املأمول البخيل

وال تأكل ثدييها ال فقري ال يؤجر على فقره الصرب على عطش الضر وال الشرب من شرعه من جتوع احلرةتسأل سوى موالك فسؤال العبد غري سيده تشنيع عليه غرس اخللوة يثمر األنس استوحش مما ال يدوم معك

واستأنس مبن ال يفارقك عزلة اجلاهل فساد واما عزلة العامل فمعها حذاؤها وسقاؤها اذا اجتمع العقل واليقني يف اة بيت العرلة واستحضر الفكر وجرت بينهم مناج

شهى الينا نثره ونظامه ... اتاك حديث ال ميل مساعه وزال عن القلب املعين ظالمه ... اذا ذكرته النفس زال عناؤها

اذا خرجت من عدوك لفظة سفه فال تلحقها مبثلها تلقحها ونسل اخلصام نسل مذموم محيتك لنفسك أثر اجلهل قتدحت نار االنتقام من نار الغضب ابتدأت باحراق القادح هبا فلو عرفتها حق معرفتها اعنت اخلصم عليها إذا ا

اوثق

غضبك بسلسلة احللم فانه كلب إن أفلت اتلف من سبقت له سابقة السعادة دل على الدليل قبل الطلب اذا اراد القدر شخصا بذر ىف أرض قلبه بذر التوفيق مث سقاه مباء الرغبة والرهبة مث أقام عليه باطوار املراقبة

تخدم له حارس العلم فاذا الزرع قائم على سوقه اذا طلع جنم اهلمة يف ظالم ليل البطالة وردفه قمر العزمية واسأشرقت أرض القلب بنور رهبا اذا جن الليل تغالب النوم والسهر فاخلوف والشوق يف مقدم عسكر اليقظة

اهنزمت جنود التفريط فما يطلع الفجر اال والكسل والتواين ىف كتيبة الغفلة فاذا محل العزم محل علي امليمنة ووقد قسمت السهمان وبردت الغنيمة الهلها سفر الليل ال يطيقه اال مضمر اجملاعة النجائب ىف األول وحامالت

الزاد ىف األخري ال تسأم من الوقوف علي الباب ولو طردت وال تقطع االعتذار ولو رددت فان فتح الباب م الكذابني وادخل دخول الطفيلية وابسط كف وتصدق علينا يا مستفتحا باب للمقبولني دونك فاهجم هجو

املعاش بغري إقليد التقوي كيف توسع طريق اخلطايا وتشكو ضيق الرزق ولو وقفت عند مراد التقوي مل يفتك مراد املعاصي سد ىف باب الكسب وان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه

وجدت االرض تطوي ىل اال... تاهللا ما جئتكم زائرا اال تعثرت باذياىل ... وال انثين عزمى عن بابكم

Page 25: الفوائد لإبن القيم

األرواح ىف األشباح كاالطيار ىف االبراج وليس ما أعد لالستفراخ كمن هيء للسباق من أراد من العمال أن من أبناء يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأى شغل يشغله كن من أبناء اآلخرة وال تكن

الدنيا فان الولد يتبع األم الدنيا ال تساوي نقل أقدامك اليها فكيف تعدو خلفها الدنيا جيفة واألسد ال يقع علي اجليف الدنيا جماز واآلخرة وطن واألوطار امنا تطلب ىف األوطان

االجتماع باالخوان قسمان احدمها اجتماع علي مؤانسة الطبع وشغل الوقت فهذا

جح من منفعته وأقل ما فيه انه يفسد القلب ويضيع الوقت الثاين االجتماع هبم علي التعاون علي مضرته أرأسباب النجاة والتواصى باحلق والصرب فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها ولكن فيه ثالث آفات احداها تزين

وعادة ينقطع هبا عن املقصود بعضهم لبعض الثانية الكالم واخللطة أكثر من احلاجة الثالثة ان يصري ذلك شهوةوباجلملة فاالجتماع واخللطة لقاح اما للنفس األمارة واما للقلب والنفس املطمئنة والنتيجة مستفادة من اللقاح

فمن طلب لقاحه طابت مثرته وهكذا األرواح الطيبة لقاحها من امللك واخلبيثة لقاحها من الشيطان وقد جعل للطيبني والطيبني للطيبات وعكس ذلك قاعدة اهللا سبحانه حبكمته الطيبات

ليس يف الوجود املمكن سبب واحد مستقل بالتأثري بل ال يؤثر سبب البتة اال بانضمام سبب آخر اليه وانتفاء مانع مينع تأثريه هذا ىف األسباب املشهودة بالعيان وىف األسباب الغائبة واألسباب املعنوية كتأثري الشمس ىف

ات فانه موقوف علي أسباب أخر من وجود حمل قابل وأسباب أخر تنضم اىل ذلك السبب احليوان والنبوكذلك حصول الولد موقوف علي عدة أسباب غري وطء الفحل وكذلك مجيع األسباب مع مسبباهتا فكل ما

حده خياف ويرجى من املخلوقات فأعلي غاياته أن يكون جزء سبب غري مستقل بالتأثري وال يستقل بالتأثري ودون توقف تأثريه علي غريه اال اهللا الواحد القهار فال ينبغى أن يرجى وال خياف غريه وهذا برهان قطعى على

أن تعلق الرجاء واخلوف بغريه باطل فانه لو فرض ان ذلك سبب مستقل وحده بالتأثري لكانت سببيته من غريه اال باهللا فهو الذى بيده احلول كله والقوة كلها ال منه فليس له من نفسه قوة يفعل هبا فانه ال حول وال قوة

فاحلول والقوة الىت يرجى الجلهما املخلوق وخياف امنا مها هللا وبيده ىف احلقيقة فكيف خياف ويرجى من ال حول له وال قوة بل خوف املخلوق ورجاؤه أحد أسباب احلرمان ونزول املكروه مبن يرجوه وخيافه فانه على قدر

خوفك من

اهللا يسلط عليك وعلى قدر رجائك لغريه يكون احلرمان وهذا حال اخللق أمجعه وان ذهب عن أكثرهم غري علما وحاال فما شاء اهللا كان وال بد وما مل يشأ مل يكن ولو اتفقت عليه اخلليقة

ك دعوا اهللا التوحيد مفزع اعدائه واوليائه فاما اعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها فإذا ركبوا ىف الفلخملصني له الدين فلما جناهم اىل الرب اذا هم يشركون واما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا واآلخرة

وشدائدها ولذلك فزع اليه يونس فنجاه اهللا من تلك الظلمات وفزع اليه اتباع الرسل فنجوا به مما عذب به اليه فرعون عند معاينة اهلالك وادراك الغرق له مل ينفعه الن املشركون ىف الدنيا وما أعد هلم ىف اآلخرة وملا فزع

االميان عند املعاينة ال يقبل هذه سنة اهللا ىف عباده فما دفعت شدائد الدنيا مبثل التوحيد ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد ودعوة ذي النون الىت ما دعا هبا مكروب اال فرج اهللا كربه بالتوحيد فال يلقى ىف الكرب

العظام اال الشرك وال ينجى منها اال التوحيد فهو مفزع اخلليقة وملجؤها وحصنها وغياثها وباهللا التوفيق فائدة

Page 26: الفوائد لإبن القيم

اللذة تابعة للمحبة تقوى بقوهتا وتضعف بضعفها فكلما كانت الرغبة ىف احملبوب والشوق اليه أقوى كانت م به فكلما كان العلم به امت كانت حمبته أكمل فإذا اللذة بالوصول اليه أمت واحملبة والشوق تابع ملعرفته والعل

رجع كمال النعيم ىف اآلخرة وكمال اللذة اىل العلم واحلب فمن كان يؤمن باهللا وامسائه وصفاته ودينه أعرف كان له أحب وكانت لذته بالوصول اليه جماورته والنظر ايل جهه ومساع كالمه أمت وكل لذة ونعيم وسرور

اىل ذلك كقطرة ىف حبر فكيف يؤثر من له عقل لذة ضعيفة قصرية مشوبة باآلالم علي لذة وهبجة باالضافةعظيمة دائمة ابد اآلباد وكمال العبد حبسب هاتني القوتني العلم واحلب وافضل العلم العلم باهللا وأعلى احلب

احلب له وأكمل اللذة حبسبهما واهللا املستعان

قاعدة ال يستقيم له سريه وطلبه اال حببسني حبس قلبه ىف طلبه ومطلوبه وحبسه عن االلتفات طالب اهللا والدار اآلخره

اىل غريه وحبس لسانه عما ال يفيد وحبسه علي ذكر اهللا وما يزيد ىف اميانه ومعرفته وحبس جوارحه عن ن السجن املعاصي والشهوات وحبسها على الواجبات واملندوبات فال يفارق احلبس حىت يلقى ربه فيخلصه م

اىل أوسع فضاء وأطيبه ومىت مل يصرب على هذين احلبسني وفر منهما اىل فضاء الشهوات أعقبه ذلك احلبس الفظيع عند خروجه من الدنيا فكل خارج من الدنيا اما متخلص من احلبس واما ذاهب ايل احلبس وباهللا التوفيق

يه وحشة وقال زيد بن أسلم كان يقال من ودع ابن عون رجال فقال عليك بتقوي اهللا فأن املتقى ليست علأتقى اهللا أحبه الناس وإن كرهوا وقال الثوري البن أيب ذئب ان أتقيت اهللا كفاك الناس وان اتقيت الناس لن ا مما علم الناس ومما مل يمان بن داود أوتينا مما أويت الناس ومما مل يؤتوا وعلمن يغنوا عنك من اهللا شيئا وقال سل

لم جند شيئا أفضل من تقوي اهللا ىف السر والعالنية والعدل ىف الغضب والرضا والقصد ىف الفقر والغىن يعلموا فوىف الزهد لالمام امحد أثر اهلى ما من خملوق اعتصم مبخلوق دوين اال قطعت أسباب السموات واألرض دونه

خملوق اعتصم يب دون خلقى اال ضمنت فان سألىن مل أعطه وان دعاين مل أجبه وان استغفرين مل أغفر له وما من السموات واألرض رزقه فأن سألىن أعطيته وان دعاين أجبته وان استغفرين غفرت له

فائدة جليلة مجع النىب بني تقوي اهللا وحسن اخللق الن تقوى اهللا

خلقه فتقوى اهللا توجب له حمبة ا هللا وحسن اخللق يصلح ما بني العبد وبني ربه وحسن اخللق يصلح ما بينه وبني يدعو ايل حمبته

فائدة جليلة بني العبد وبني اهللا واجلنة قنطرة تقطع خبطوتني خطوة عن

نفسه وخطوة عن اخللق فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبني الناس ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبني اهللا فال يلتفت اال اىل من دله على اهللا وعلى الطريق املوصلة اليه

صاح بالصحابة واعظ اقترب للناس حساهبم فجزعت للخوف قلوهبم فجرت من احلذر العيون فسالت أودية بقدرها تزينت الدنيا لعلي فقال أنت طالق ثالثا ال رجعة يل فيك وكانت تكفيه واحده للسن لكنه مجع الثالث

احمللل كيف وهو أحد رواة حديث لئال يتصور للهوى جواز املراجعه ودينه الصحيح وطبعه السليم يأنفان من

Page 27: الفوائد لإبن القيم

لعن اهللا احمللل ما ىف هذه الدار موضع خلوة فاختذه ىف نفسك ال بد ان جتذبك اجلواذب فاعرفها وكن منها على حذر ال

تضرك الشواغل اذا خلوت منها وأنت فيها نور احلق أضوأ من الشمس فيحق خلفافيش البصائر أن تعشو عنه ل الشك ومن الذين يتبعون الشهوات وهو معمور بأهل اليقني والصرب وهم على الطريق اىل اهللا خال من أه

الطريق كاألعالم وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا ملا صربوا وكانوا بآياتنا يوقنون

قاعدة لشهادة ان ال اله اال اهللا عند املوت تأثري عظيم ىف تكفري

ارف مبضموهنا قد ماتت منه الشهوات والنت نفسه املتمردة السيئات واحباطها الهنا شهادة من عبد موقن هبا عوانقادت بعد إبائها واستعصائها واقبلت بعد اعراضها وذلت بعد عزها وخرج منها حرصا على الدنيا وفضوهلا واستخذت بني يدى رهبا وفاطرها وموالها احلق اذل ما كانت له وارجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورمحته وجترد

توحيد بانقطاع اسباب الشرك وحتقق بطالنه فزالت منها تلك املنازعات الىت كانت مشغولة هبا واجتمع منها المهها علي من ايقنت بالقدوم عليه واملصري اليه فوجه العبد وجهه بكليته اليه واقبل بقلبه وروحه ومهه عليه

خملصا من قلبه وقد ختلص قلبه من فاستسلم وحده ظاهرا وباطنا واستوى سره وعالنيته فقال ال اله اال اهللاالتعلق بغريه وااللتفات ايل ما سواه قد خرجت الدنيا كلها من قلبه وشارف القدوم على ربه ومخدت نريان

شهوته وامتأل قلبه من اآلخره فصارت نصب عينيه وصارت الدنيا وراء ظهره فكانت تلك الشهادة اخلالصة ه علي ربه النه لقى ربه بشهادة صادقة خالصة وافق ظاهرها باطنها وسرها خامتة عمله فطهرته من ذنوبه وادخلت

عالنيتها فلو حصلت له الشهادة علي هذا الوجه ىف أيام الصحة الستوحش من الدنيا واهلها وفر اىل اهللا من الناس وانس به دون ما سواه لكنه شهد هبا بقلب مشحون بالشهوات وحب احلياه واسباهبا ونفس مملوءه

بطلب احلظوظ وااللتفات اىل غري اهللا فلو جتردت كتجردها عند املوت لكان هلا نبا آخر وعيش آخر سوى عيشها البهيمى واهللا املستعان

ماذا ميلك من أمره من ناصيته بيد اهللا ونفسه بيده وقلبه بني أصبعني من أصابعه يقلبه كيف يشاء وحياته بيده بيده وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله بأذنه ومشيئته فال يتحرك اال باذنه وموته بيده وسعادته بيده وشقاوته

وال يفعل اال مبشيئته ان وكله اىل نفسه وكله ايل عجز وضيعه وتفريط وذنب وخطيئة وان وكله اىل غريه وكله ميلك له ضرا وال نفعا وال موتا وال حياة وال نشورا وان ختلى عنه استوىل عليه ع دوه وجعله اسريا له اىل من ال

فهو ال غىن له عنه طرفة عني بل هو مضطر اليه علي مدى األنفاس ىف كل ذرة من ذراته باطنا وظاهرا فاقته تامة اليه ومع ذلك فهو متخلف عنه معرض عنه يتبغض اليه مبعصيته مع شدة الضرورة اليه من كل وجه قد

عه وبني يديه موقفه صار لذكره نسيا واختذه وراءه ظهريا هذا واليه مرج

فرغ خاطرك للهم مبا أمرت به وال تشغله مبا ضمن لك فان الرزق واألجل قرينان مضمونان فما دام األجل باقيا كان الرزق آتيا واذا سد عليك حبكمته طريقا من طرقه فتح لك برمحته طريقا أنفع لك منه فتأمل حال

السرة فلما خرج من بطن األم وانقطعت تلك الطريق فتح اجلنني يأتيه غذاؤه وهو الدم من طريق واحدة وهو

Page 28: الفوائد لإبن القيم

له طريقني اثنني وأجرى له فيهما رزقا اطيب والذ من األول لبنا خالصا سائغا فاذا متت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام فتح طرقا اربعة أكمل منها طعامان وشرابان فالطعامان من احليوان والنبات والشرابان من

واأللبان وما يضاف اليهما من املنافع واملالذ فاذا مات انقطعت عنه هذه الطرق األربعة لكنه سبحانه فتح املياهله إن كان سعيدا طرقا مثانية وهى ابواب اجلنة الثمانية يدخل من ايها شاء فهكذا الرب سبحانه ال مينع عبده

ذلك لغري املؤمن فأنه مينعه احلظ األدين اخلسيس وال املؤمن شيئا من الدنيا اال ويؤتيه أفضل منه وأنفع له وليس يرضي له به ليعطيه احلظ األعلى النفيس والعبد جلهله مبصاحل نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه ال يعرف

التفاوت بني ما منع منه وبني ما ذخر له بل هو مولع حبب العاجل وان كان دنيئا وبقلة الرغبة يف اآلجل وان ولو انصف العبد ربه واىن له بذلك لعلم أن فضله عليه فيما منعه من الدنيا ولذاهتا ونعيمها أعظم من كان عليا

فضله عليه فيما آتاه من ذلك فما منعه اال ليعطيه وال ابتاله اال ليعافيه وال امتحنه اال ليصافيه وال أماته اال عليه وليسلك الطريق املوصلة اليه فجعل الليل والنهار ليحييه وال أخرجه ايل هذه الدار اال ليتأهب منها للقدوم

خلفة ملن أراد أن يذكر او أراد شكورا وأىب الظاملون اال كفورا واهللا املستعان من عرف نفسه اشتغل باصالحها عن عيوب الناس من عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس باالخالص وعن

ملنة فال ترى فيه نفسك وال ترى اخللق نفسك بشهود ا

دخل الناس النار من ثالثة أبواب باب شبهة اورثت شكا يف دين اهللا وباب شهوة اورثت تقدمي اهلوى على طاعته ومرضاته وباب غضب أورث العدوان على خلقه

أخرج آدم من اجلنة أصول اخلطايا كلها ثالثة الكرب وهو الذى أصار ابليس ايل ما أصاره واحلرص وهو الذى واحلسد وهو الذى جرأ أحدا بين آدم علي أخيه فمن وقى شر هذه الثالثة فقد وقى الشر فالكفر من الكرب

واملعاصى من احلرص والبغى والظلم من احلسد جعل اهللا حبكمته كل جزء من أجزاء ابن آدم ظاهرة وباطنة آلة لشيء اذا استعمل فيه فهو كماله فالعني آلة

ر واالذن آلة للسماع واألنف آلة للشم واللسان آلة للنطق والفرج للنكاح واليد للبطش والرجل للمشى للنظوالقلب للتوحيد واملعرفة والروح للمحبه والعقل آلة للتفكر والتدبر لعواقب االمور الدينية والدنيويه وايثار ما

ينبغى ايثاره وأمهال ما ينبغى امهاله شتغل عن اهللا بنفسه بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس ىف السنن من حديث أيب أخسر الناس صفقة من ا

سعيد يرفعه اذا أصبح ابن آدم فان األعضاء كلها تكفر اللسان تقول اتق اهللا فأمنا حنن بك فان استقمت ا دخلوا علي استقمنا وان اعوججت اعوججنا قوله تكفر اللسان قيل معناه ختضع له وىف احلديث ان الصحابة مل

النجاشي مل يكفروا له أى مل يسجدوا ومل خيضعوا ولذلك قال له عمرو بن العاص أيها امللك اهنم ال يكفرون لك وامنا خضعت للسان النه بريد القلب وترمجانه والواسطة بينه وبني األعضاء وقوهلا امنا حنن بك أي جناتنا بك

وان اعوججت اعوججنا وهالكنا بك وهلذا قالت فان استقمت استقمنا

فصل مجع النىب ىف قوله فاتقوا اهللا وأمجلوا ىف الطلب بني مصاحل

Page 29: الفوائد لإبن القيم

الدنيا واآلخرة ونعيمها ولذاهتا امنا ينال بتقوى اهللا وراحة القلب والبدن وترك االهتمام واحلرص الشديد تقى اهللا فاز بلذة اآلخرة والتعب والعناد والكد والشقاء ىف طلب الدنيا امنا ينال باالمجال يف الطلب فمن ا

ونعيمها ومن أمجل ىف الطلب استراح من نكد الدنيا ومهومها فاهللا املستعان لو كان ىف ذا اخللق من يسمع ... قد نادت الدنيا علي نفسها

وجامع فرقت ما جيمع ... كم واثق بالعيش أهلكته

اآلخرةفائدة مجع النيب بني املأمث واملغرم فان املأمث يوجب خسارة

واملغرم يوجب خسارة الدنيا

فائدة قال تعاىل والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا علق سبحانه اهلداية

باجلهاد فاكمل الناس هداية أعظمهم جهادا وأفرض اجلهاد جهاد النفس وجهاد اهلوي وجهاد الشيطان وجهاد وصلة ايل جنته ومن ترك اجلهاد فاته من اهلدى الدنيا فمن جاهد هذه االربعة ىف اهللا هداه اهللا سبل رضاه امل

حبسب ما عطل من اجلهاد قال اجلنيد والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل االخالص وال يتمكن من جهاد عدوه يف الظاهر اال من جاهد هذه األعداء باطنا فمن نصر عليها نصر على عدوه ومن نصرت عليه

نصر عليه عدوه

لقى اهللا سبحانه العداوة بني الشيطان وبني امللك والعداوة بنيفصل ا

العقل وبني اهلوى والعداوة بني النفس األمارة وبني القلب وابتلى العبد بذلك ومجع له بني هؤالء وأمد كل حزب جبنود وأعوان فال تزال احلرب سجاال ودوال بني الفريقني اىل أن يستوىل أحدمها علي اآلخر ويكون

خر مقهورا معه فاذا كانت النوبة للقلب والعقل وامللك فهنالك السرور والنعيم واللذة والبهجة والفرح اآلوقرة العني وطيب احلياة وانشراح الصدر والفوز بالغنائم واذا كانت النوبة للنفس واهلوي والشيطان فهنالك

ما ظنك مبلك استوىل عليه عدوه فانزله الغموم واهلموم واألحزان وأنواع املكاره وضيق الصدر وحبس امللك فعن سرير ملكه وأسره وحبسه وحال بينه وبني خزائنه وذخائره وخدمه وصريها له ومع هذا فال يتحرك امللك لطلب ثأره وال يستغيث مبن يغيثه وال يستنجد مبن ينجده وفوق هذا امللك ملك قاهر ال يقهر وغالب ال يغلب

استنصرتىن نصرتك وان استغثت يب اغثتك وان التجأت ايل أخذت بثأرك وان وعزيز ال يذل فارسل اليه إن هربت اىل واويت ايل سلطتك علي عدوك وجعلته حتت أسرك فان قال هذا امللك املأسور قد شد عدوى وثاقى ا وأحكم رباطى واستوثق مىن بالقيود ومنعين من النهوض اليك والفرار اليك واملسري ايل بابك فان أرسلت جندمن عندك حيل وثاقى ويفك قيودى وخيرجىن من حبسه امكنين أن اواىف بابك واال مل ميكنىن مفارقة حمبسي وال

ا لرسالته ورضا مبا هو فيه عند عدوه خاله كسر قيودى فان قال ذلك احتجاجا على ذلك السلطان ودفعا لعجزه وذله وانه أضعف واعجز أن السلطان األعظم وحاله وواله ما تويل وان قال ذلك افتقارا اليه واظهار

Page 30: الفوائد لإبن القيم

يسري اليه بنفسه وخيرج من حبس عدوه ويتخلص منه حبوله وقوته وأن من متام نعمته ذلك عليه كما أرسل اليه هذه الرسالة أن ميده من جنده

لى ومماليكه مبن يعينه على اخلالص ويكسر باب حمبسه ويفك قيوده فأن فعل به ذلك فقد امت انعامه عليه وان ختعنه فلم يظلمه وال منعه حقا هوله وان محده وحكمته اقتضي منعه وختليته ىف حمبسه وال سيما اذا علم أن احلبس

حبسه وان هذا العدو الذى حبسه مملوك من مماليكه وعبد من عبيده ناصيته بيده ال يتصرف اال باذنه ومشيئته ا من االمر وال بيده نفع وال ضر بل هو ناطر ايل مالكه فهو غري ملتفت اليه وال خائف منه وال معتقد أن له شيئ

ومتوىل أمره ومن ناصيته بيده قد افرده باخلوف والرجاء والتضرع اليه وااللتجاء والرغبة والرهبة فهناك تأتيه جيوش النصر والظفر

نزل وأخس مهم أعلى اهلمم ىف طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن اهللا ورسوله نفس املراد وعلم حدود املطالب العلم قصر مهته علي تتبع شواذ املسائل وما مل ينزل وال هو واقع أو كانت مهته معرفة االختالف وتتبع

أقوال الناس وليس له مهة اىل معرفة الصحيح من تلك األقوال وقل أن ينتفع واحد من هؤالء بعلمه وأعلي اهللا والوقوف مع مراده الديىن األمرى واسفلها أن تكون اهلمم ىف باب االرادة أن تكون اهلمة متعلقة مبحبة

اهلمة واقفة مع مراد صاحبها من اهللا فهو امنا يعبده ملراده منه ال ملراد اهللا منه فاالول يريد اهللا ويريد مراده والثاين يريد من اهللا وهو فارغ عن إرادته

هلم ويدعوهنم اىل النار بافعاهلم فكلما قالت أقواهلم علماء السوء جلسوا على باب اجلنة يدعون اليها الناس بأقوادعوا اليه حقا كانوا أول املستجيبني له فهم ىف الصوره ال تسمعوا منهم فلو كان ما للناس هلموا قالت أفعاهلم

أدالء ويف احلقيقة قطاع الطرق اذا كان اهللا وحده حظك ومرادك فالفضل كله تابع لك يزدلف إليك أى به واذا كان حظك ما تنال منه فالفضل موقوف عنك النه بيده تابع له فعل من أفعاله فإذا حصل أنواعه تبدأ

لك حصل لك الفضل بطريق الضمن والتبع واذا كان الفضل مقصودك مل حيصل اهللا بطريق الضمن والتبع فأن

فاتك الفضل كنت قد عرفته وأنست به مث سقطت اىل طلب الفضل حرمك اياه عقوبة لك ففاتك اهللا و

فصل ملا خرج رسول اهللا من حصر العدو دخل ىف حصر النصر

فعبثت أيدى سراياه بالنصر ىف األطراف فطار ذكره ىف اآلفاق فصار اخللق معه ثالثة أقسام مؤمن به ومسامل له خبزامي وخائف منه ألقى بذر الصرب ىف مزرعة فاصرب كما صرب أولو العزم من الرسل فاذا أغصان النبات هتتز

بله وال بعده حوله املهاجرون واألنصار ال يبني منهم اال ا دخله أحد ق واحلرمات قصاص فدخل مكة دخوال ماحلدق والصحابة على مراتبهم واملالئكة فوق رؤوسهم وجربيل يتردد بينه وبني ربه وقد أباح له حرمه الذي مل

كر الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو خيرجوك حيله الحد سواه فلما قايس بني هذا اليوم وبني يوم واذ مي فاخرجوه ثاين اثنني

دخل وذقنه متس قربوس سرجه خضوعا وذال ملن ألبسه ثوب هذا العز الذى رفعت اليه فيه اخلليقة رؤوسها ومدت اليه امللوك أعناقها فدخل مكة مالكا مؤيدا منصورا وعال كعب بالل فوق الكعبة بعد أن كان جير ىف

Page 31: الفوائد لإبن القيم

مضاء على مجر الفتنة فنشر بزا طوى عن القوم من يوم قوله أحد أحد ورفع صوته باالذان فأجابته القبائل الرجلس اقبلوا يؤمون الصوت فدخلوا ىف دين اهللا أفواجا وكانوا قبل ذلك يأتون آحادا فلما من كل ناحية ف

ه فمنهم من سلم اليه مفاتيح البالد الرسول على منرب العز وما نزل عنه قط مدت امللوك أعناقها باخلضوع اليومنهم من سأله املوادعة والصلح ومنهم من أقر باجلزيه والصغار ومنهم من أخذ ىف اجلمع والتأهب للحرب ومل يدر أنه مل يزد على مجع الغنائم وسوق األسارى اليه فلما تكامل نصره وبلغ الرسالة وأدى االمانة وجاءه منشور

ينا ليغفر لك اهللا ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما انا فتحنا لك فتحا مب وينصرك

اهللا نصرا عزيزا وبعده توقيع اذا جاء نصر اهللا والفتح ورأيت الناس يدخلون يف دين اهللا أفواجا جاءه رسول ربه فتزينت اجلنان ليوم قدوم روحه الكرمية ال كزينة خيربه بني املقام يف الدنيا وبني لقائه فاختار لقاء ربه شوقا اليه

املدينه يوم قدوم امللك اذا كان عرش الرمحن فقد اهتز ملوت بغض اتباعه فرحا واستبشارا بقدوم روحه فكيف ا بغري هذا الباب ستعلم يوم احلشر اى سريرة تكون بروح سيد اخلالئق فيا منتسبا اىل غري هذا اجلناب ويا واقف

تبلى السرائر عليها يوم

فصل يا مغرورا باالماين لعن ابليس وأهبط من منزل العز بترك سجدة واحده

دم وامر بقتل امر هبا واخرج آدم من اجلنه بلقمة تناوهلا وحجب القاتل عنها بعد ان رآها عيانا مبلء كف من بكلمة قذف او بقطرة سكر الزاين اشنع القتالت بايالج قدر االمنلة فيما ال حيل وأمر بأيساع الظهر سياطا

وابان عضوا من اعضائك بثالثة دراهم فال تأمنه ان حيبسك يف النار مبعصية واحدة من معاصيه وال خياف عقباها دخلت امرأة النار يف هرة وان الرجل ليتكلم بالكلمة ال يلقى هلا باال يهوي هبا يف النار ابعد ما بني املشرق

ة اهللا ستني سنة فأذا كان عند املوت جار يف الوصيه فيختم له بسوء عمله واملغرب وان الرجل ليعمل بطاعفيدخل النار العمر بىخره والعمل خبامتته من احدث قبل السالم بطل ما مضى من صالته ومن أفطر قبل

غروب الشمس ذهب صيامه ضائعا ومن أساء يف آخر عمره لقى ربه يف ذلك الوجه لو قدمت لقمه وجدهتا يك الشره كم جاء الثواب يسعى اليك فوقف بالباب فرده بواب سوف ولعل وعسى كيف الفالح ولكن يؤذ

بني اميان ناقص وأمل زائد ومرض ال طبيب له وال عائد وهوى مستيقظ وعقل راقد ساهيا يف غمرته عمها يف اهللا حبسه وموته هللا سكرته ساحبا يف جلة جهله مستوحشا من ربه مستأنسا خبلقه ذكر الناس فاكهته وقوته وذكر

منه جزء يسري من ظاهره وقلبه ويقينه لغريه جيد السبيل هبا اليه العذل ... ال كان من سواك فيه بقية

فصل كان أول املخلوقات القلم ليكتب املقادير قبل كوهنا وجعل آدم وآخر

ا سواه من املخلوقات ويف ذلك حكم أحدها متهيد الدار قبل الساكن الثانية انه الغاية ا ليت خلق الجلها مالسموات واألرض والشمس والقمر والرب والبحر الثالثة ان احذق الصناع خيتم عمله بأحسنه وغايته كما

Page 32: الفوائد لإبن القيم

يبدؤه باساسه ومبادئه الرابعة ان النفوس متطلعة اىل النهايات واألواخر دائما وهلذا قال موسي للسحرة وال لهم تطلعوا اىل ما يأيت بعده اخلامسة ان اهللا سبحانه أخر أفضل الكتب القوا ما انتم ملقون فلما راى الناس فع

واالنبياء واألمم اىل آخر الزمان وجعل اآلخرة خريا من األوىل والنهايات أكمل من البدايات فكم بني قول ا انا بقاريء وبني قوله تعاىل اليوم أكملت لكم دينكم السادسة ان سبحان ه مجع ما امللك للرسول اقرا فيقول م

فرقه يف العامل يف آدم فهو العامل الصغري وفيه ما يف العامل الكبري السابعة ان خالصة الوجود ومثرته فناسب ان يكون خلقه بعد املوجودات الثامنة ان من كرامته علي خالقه أنه هيأ له مصاحله وحوائجه وآالت معيشته

التاسعة انه سبحانه أراد أن يظهر شرفه وفضله على وأسباب حياته فما رفع رأسه اال وذلك كله حاضر عتيدخلقا اكرم عليه منا سائر املخلوقات فقدمها عليه يف اخللق وهلذا قالت املالئكة ليخلق ربنا ما شاء فلن خيلق

فلما خلق آدم وأمرهم بالسجود له ظهر فضله وشرفه عليهم بالعلم واملعرفة فلما وقع يف الذنب ظنت املالئكة الفضل أن ذلك

قد نسخ ومل تطلع على عبودية التوبة الكامنه فلما تاب اىل ربه وأىن بتلك العبودية علمت املالئكة ان هللا يف خلقه سرا ال يعلمه سواه العاشرة انه سبحانه ملا افتتح خلق هذا العامل بالقلم من أحسن املناسبة أن خيتمه خبلق

عامل وهلذا اظهر سبحانه فضل آدم على املالئكة بالعلم الذي خص االنسان فان القلم آلة العلم واالنسان هو البه دوهنم وتأمل كيف كتب سبحانه عذر آدم قبل هبوطه اىل األرض ونبه املالئكة على فضله وشرفه ونوه بامسه قبل اجياده بقوله اين جاعل يف األرض خليفة وتأمل كيف ومسه باخلالفة وتلك والية له قبل وجوده وأقام عذرهقبل اهلبوط بقوله يف األرض واحملب يقيم عذر احملبوب قبل جنايته فلما صوره ألقاه على باب اجلنة أربعني سنة

الن داب احملب الوقوف على باب احلبيب رمى به يف طريق ذل مل يكن شيئا لئال يعجب يوم اسجدوا كان وخيرج من دبره ويقول لئن سلطت أبليس مير على جسده فيعجب منه ويقول ألمر قد خلقت مث يدخل من فيه

ألعصينك ومل يعلم ان هالكه على يده رأى طينا جمموعا فاحتقر فلما صور عليك ألهلكنك ولئن سلطت علي الطني صورة دب فيه داء احلسد فلما نفخ فيه الروح مات احلاسد فلما بسط له بساط العز عرضت عليه

املخلوقات فاستحضر مدعى أنبئوين وقد أخفى الوكيل عنه بينة وعلم فنكسوا رؤوس الدعاوى على صدور االقرار وحنن نسبح ايل حاكم

فقام منادي التفضيل يف أندية املالئكة ينادى اسجدوا فتطهروا من حديث دعوي وحنن مباء العذر يف آنية ال علم االعتراض وما كانت لنا فسجدوا على طهارة التسليم وقام ابليس ناحية مل يسجد النه خبث وقد تلون بنجاسة

جناسته تتالىف بالتطهري الهنا عينية فلما مت كمال آدم قال ال بد من خال مجال على وجه اسجدوا فجرى القدر بالذنب ليتبني اثر العبودية يف الذل يا آدم لو عفى لك عن تلك اللقمة لقال احلاسدون كيف فضل ذو شره مل

األنفاس وال نزلت رسائل هل من وسائل وال فاحت يصرب على شجرة لوال نزولك ما تصاعدت صعداء

روائح وخللوف فم الصائم فتبني حينئذ ان ذلك التناول مل يكن عن شره يا آدم ضحكك يف اجلنة لك وبكاؤك يف دار التكليف لنا ما ضر من كسره عزى اذا جربه فضلي امنا تليق خلعة العز ببدن االنكسار أنا عند املنكسرة

ي مازالت تلك األكلة تعاده حىت استوىل داؤه على أوالده فأرسل اليهم اللطيف اخلبري الدواء قلوهبم من أجلعلى أيدي أطباء الوجود فاما يأتينكم مين هدى فمن تبع هداي فال يضل وال يشقى فحماهم الطبيب باملناهى

Page 33: الفوائد لإبن القيم

حية وحفظ القوة باألوامر واستفرغ اخالطهم الرديئه بالتوبة فجاءت العافية من كل ناا احتمى وال صرب على مرارة االستفراغ ال تنكر قرب اهلالك فيا من ضيع القوة ومل حيفظها وخلط يف مرضه ومفالداء مترام اىل الفساد لو ساعد القدر فاعنت الطبيب علي نفسك باحلمية من شهوة خسيسة ظفرت بأنواع

نت ان احلزم بيع الوعد بالنقد ياهلا بصرية اللذات وأصناف املشتهيات ولك خبار الشهوة غطى عني البصرية فظنعمياء جزعت من صرب ساعة واحتملت ذل األبد سافرت يف طلب الدنيا وهى عنها زائلة وقعدت عن السفر اىل اآلخرة وهى اليها راحلة اذا رأيت الرجل يشتري اخلسيس بالنفيس ويبيع العظيم باحلقري فاعلم بانه سفيه

بودية مل يقدح فيه الذنب ابن آدم لوفصل ملا سلم آلدم اصل الع

لقيتين بقراب األرض خطايا مث لقيتين ال تشرك يب شيئا لقيتك بقراهبا مغفرة ملا علم السيد ان ذنب عبده مل يكن قصدا ملخالفته وال قدحا يف حكمته علمه كيف يعتذر اليه فتلقى آدم م ربه كلمات فتاب عليه العبد ال يريد

وال اجلرأة على حمارمه ولكن غلبات الطبع وتزيني النفس والشيطان وقهر اهلوى والثقة مبعصيته خمالفة سيدهبالعفو ورجاء املغفرة هذا من جانب العبد وأما من جانب الربوبية فجريان احلكم واظهار عز الربوبيه وذل

العبودية وكمال االحتياج وظهور آثار األمساء احلسىن

يم ملن جاء تائبا نادما واملنتقم والعدل وذي البطش الشديد ملن أصر ولزم اجملرة كالعفو والغفور والتواب واحللفهو سبحانه يريد أن يرى عبده تفرده بالكمال ونقص العبد وحاجته اليه ويشهده كمال قدرته وعزته وكمال

ارضة وانه ان مغفرته وعفوه ورمحته وكمال بره وستره وحلمه وجتاوزه وصفحه وان رمحته به احسان اليه ال معمل يتغمده برمحته وفضله فهو هالك ال حمالة فلله كم من تقدير الذنب من حكمة وكم فيه مع حتقيق التوبة للعبد

من مصلحة ورمحة التوبة من الذنب كشرب الدواء للعليل ورب علة كانت سبب الصحة ورمبا صحت األجساد بالعلل ... لعل عتبك حممود عواقبه

ب هلك ابن آدم من العجب ذنب يذل به احب اليه من طاعة يدل هبا عليه مشعة النصر امنا تنزل لوال تقدير الذن يف مشعدان االنكسار ال يكرم العبد نفسه مبثل اهانتها وال يعزها مبثل ذهلا وال يرحيها مبثل تعبها كما قيل

فان هوان النفس يف كرم النفس ... سأتعب نفسي أو أصادف راحة مبثل جوعها وال يؤمنها مبثل خوفها وال يؤنسها مبثل وحشتها من كل ما سوى فاطرها وبارئها وال وال يشبعها

حيييها مبثل امانتها كما قيل من شاء أن حييا ميوت ... موت النفوس جياهتا

شراب اهلوى حلو ولكنه يورث الشرق من تذكر خنق الفخ هان عليه هجران احلبة يا معرقال يف شرك اهلوى ة عزم وقد خرقت الشبكة ال بد من نفوذ القدر فاجنح للسلم هللا ملك السموات واالرض واستقرض منك مجز

حبة فبخلت هبا وخلق سبعة احبر وأحب منك دمعة فقحطت عينك هبا اطالق البصر ينقش قي القلب صورة املنظور والقلب كعبة واملعبود ال يرضى مبزامحة

Page 34: الفوائد لإبن القيم

لبت عليك واحلور العني يعجنب من سوء اختيارك عليهن غري أن زوبعة األصنام لذات الدنيا كسوداء وقد غاهلوى اذا ثارت سفت يف عني البصرية فخفيت اجلادة سبحان اهللا تزينت اجلنة للخطاب فجدوا يف حتصيل املهر

وتعرف رب العزة ايل احملبني بامسائه وصفاته فعملوا على اللقاء وأنت مشغول باجليف ولك اللسان مع الوداد الكاذب ... نه قلبه ال كان من لسواك م

املعرفة بساط ال يطأ عليه اال مقرب واحملبة نشيد ال يطرب عليه اال حمب مغرم احلب غدير يف صحراء ليست عليه جادة فلهذا قل وارده احملب يهرب اىل العزلة واخللوة مبحبوبه واألنس بذكره كهرب احلوت اىل املاء

والطفل اىل أمه أحدث عنك القلب بالسر خاليا ... من بني البيوت لعلىن وأخرج

ليس للعابد مستراح اال حتت شجرة طويب وال للمحب قرار اال يوم املزيد اشتغل به يف احلياة يكفك ما بعد املوت يا منفقا بضاعة العمر يف خمالفة حبيبه والبعد منه ليس يف أعدائك أضر عليك منك

من يبلغ اجلاهل من نفسه ... ما تبلغ األعداء من جاهل اهلمة العليه من استعد صاحبها للقاء احلبيب وقدم التقادم بني يدي امللتقى فاستبشر عند القدوم وقدموا

النفسكم واتقوا اهللا واعلموا أنكم مالقوه وبشر املؤمنني تاهللا ما عدا عليك العدو اال بعد ان توىل عنك الوىل احلافظ أعرض احذر نفسك فما أصابك بالء قط اال منها وال هتادهنا فواهللا ما فال تظن ان الشيطان غلب ولكن

أكرمها من مل يهنها وال أعزها من مل يذهلا وال جربها من مل يكسرها وال أراحها من مل يتبعها وال أمنها من مل خيوفها وال فرحها من مل حيزهنا سبحان اهللا ظاهرك متجمل بلباس التقوى وباطنك باطية

خلمر اهلوى فكلما طيبت الثوب فاحت رائحة املسكر من حتته فتباعد منك الصادقون واحناز اليك الفاسقون يدخل عليك لص اهلوى وأنت يف زاوية التعبد فاليرى منك طردا له فال يزال بك حيت خيرجك من املسجد

به ال جتيء بالتعليم أصدق يف الطلب وقد جاءتك املعونة فقال رجل ملعروف علمىن احملبة فقال احمل اذا مل يعد صبا بلقيا حبيبه ... هو الشوق مدلوال على مقتل الفنا

ليس العجيب من قوله حيبونه امنا العجب من قوله حيبهم ليس العجب من فقري مسكني حيب حمسنا اليه أمنا العجب من حمسن حيب فقريا مسكينا

وصفاته فتارة يتجلى يف فصل القرآن كالم اهللا وقد جتلى اهللا فيه لعباده

جلباب اهليبة والعظمة واجلالل فتخضع األعناق وتنكسر النفوس وختشع االصوات ويذوب الكرب كما يذوب امللح يف املاء وتارة يتجلى يف صفات اجلمال والكمال وهو كمال االمساء ومجال الصفات ومجال االفعال الدال

ا عرفه من صفات مجاله ونعوت كماله على كمال الذات فيستنفد حبه من قلب العبد ق وة احلب كلها حبب مفيصبح فؤاد عبده فارغا اال من حمبته فاذا أراد منه الغريان يعلق تلك احملبة به اىب قلبه واحشاؤه ذلك كل االباء

كما قيل وتأىب الطباع على الناقل ... يراد من القلب نسيانكم

ى بصفات الرمحة والرب واللطف واالحسان انبعثت قوة الرجاء من العبد فتبقى احملبة له طبعا ال تكلفا واذا جتل

Page 35: الفوائد لإبن القيم

وانبسط أمله وقوي طمعه وسار اىل ربه وحادى الرجاء حيدو ركاب سريه وكلما قوي الرجاء جد يف العمل طمعه يف املغل غلق ارضه بالبذر واذا ضعف رجاؤه قصر يف البذر واذا جتلى بصفات كما ان الباذر كلما قوي

دل واالنتقام الع

والغضب والسخط والعقوبة انقمعت النفس األمارة وبطلت او ضعفت قواها من الشهوة والغضب واللهو واللعب واحلرص علي احملرمات وانقبضت أعنة رعوناهتا فأحضرت املطية حظها من اخلوف واخلشية واحلذر

ل الكتب شرع الشرائع انبعثت منها قوة واذا جتلى بصفات االمر والنهي والعهد والوصية وارسال الرسل وانزااالمتثال والتنفيذ ألوامره والتبليغ هلا والتواصي هبا وذكرها وتذكرها والتصديق باخلرب واالمتثال للطلب

واالجتناب للنهى واذا جتلى بصفة السمع والبصر والعلم انبعث من العبد قوة احلياء فيستحي ربه ان يراه على ا يكره او خيفى يف سريرته ما ميقته عليه فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة مبيزان ما يكره او يسمع منه م

الشرع غري مهملة وال مرسله حتت حكم الطبيعة واهلوى واذا جتلى بصفات الكفاية واحلسب والقيام مبصاحل خلاصة هلم انبعثت من العباد وسوق أرزاقهم اليهم ودفع املصائب عنهم ونصره ألوليائه ومحايته هلم ومعيته ا

العبد قوة التوكل عليه والتفويض اليه والرضا به وما يف كل ما جيريه علي عبده ويقيمه مما يرضى به هو سبحانه والتوكل معىن يلتئم من علم العبد بكفاية اهللا وحسن اختياره لعبده وثقته به ورضاه مبا يفعله به وخيتاره له واذا

اعطت نفسه املطمئنة ما وصلت اليه من الذل لعظمته واالنكسار لعزته واخلضوع جتلى بصفات العز والكربياء لكربيائه وخشوع القلب واجلوارح له فتعلوه السكينة والوقار يف قلبه ولسانه وجوارحه ومسته ويذهب طيشه

وقوته وحدته يوجب له شهود صفات ومجاع ذلك انه سبحانه يتعرف ايل العبد بصفات آهليته تارة وبصفات ربوبيته تارة ف

اآلهلية احملبة اخلاصة والشوق اىل لقائه واالنس والفرح به والسرور خبدمته واملنافسة يف قربه والتودد اليه بطاعته واللهج بذكره والفرار من اخللق اليه ويصري هو وحده مهه دون ما سواه ويوجب له شهود صفات الربوبية

ة به والذل واخلضوع واالنكسار له وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته ىف اهليته التوكل عليه واالفتقار اليه واالستعان واهليته يف ربوبيته ومحده يف ملكه وعزه يف عفوه

وحكمته يف قضائه وقدره ونعمته يف بالئه وعطاءه يف منعه وبره ولطفه وأحسانه ورمحته يف قيوميته وعذله يف ه ويشهد حكمته ونعمته يف أمره وهنيه وعزه يف رضاه وغضبه انتقامه وجوده وكرمه يف مغفرته وستره وجتاوز

وحلمه يف إمهاله وكرمه ىف إقباله وغناه يف اعراضه وانت اذا تدبرت القرآن واجرته من التحريف وأن تقضي عليه بآراء املتكلمني وافكار املتكلفني أشهدك ملكا

رسل الرسل وينزل الكتب ويرضى ويغضب ويثيب قيوما فوق مساواته علي عرشه يدبر أمر عباده يأمر وينهي ويويعاقب ويعطي ومينع ويعز ويذل وخيفض ويرفع يرى من فوق سبع ويسمع ويعلم السر والعالنية فعال ملا يريد موصوف بكل كمال منزه عن كل عيب ال تتحرك ذرة فما فوقها اال بأذنه وال تسقط ورقه إال بعلمه وال يشفع

لعباده من دونه وىل وال شفيع زهد عنده إال بأذنه ليس

فصل ملا بايع الرسول أهل العقبة أمر أصحابه باهلجرة ايل املدينة

Page 36: الفوائد لإبن القيم

فعلمت قريش أن أصحابه قد كثروا وأهنم سيمنعونه فاعلمت آراءها يف استخراج احليل فمنهم من رأى احلبس اء وأمره أن يفارق املضجع فبات ومنهم من رأى النفي مث اجتمع رأيهم على القتل فجاء الربيد باخلرب من السم

علي مكانه وهنض الصديق لرفقة السفر فلما فارقا بيوت مكة اشتد احلذر بالصديق فجعل يذكر الرصد فيسري أمامه وتارة يذكر الطلب فيتأخر وراءه وتارة عن ميينه وتارة عن مشاله ايل أن انتهيا اىل الغار فبدأ الصديق

مث موذ وأنبت اهللا شجرة مل تكن قبل فأظلمت املطلوب وأضلت الطالب بدخوله ليكون وقاية له ان كان وجاءت عنكبوت فحازت وجه الغار فحاكت ثوب نسجها علي منوال الستر فاحكمت الشقة حىت عمى على

القائف املطلب وأرسل محامتني فاختذتا هناك عشا جعل

قوم باجلنود فلما وقف القوم على رؤوسهم على أبصار الطالبني غشاوة وهذا أبلغ يف االعجاز من مقاومة الوصار كالمهم بسمع الرسول والصديق قال الصديق وقد اشتد به القلق يا رسول اهللا لو أن أحدهم نظر ايل ما حتت قدميه البصرنا حتت قدميه فقال رسول اهللا يا أبا بكر ما ظنك باثنني اهللا ثالثهما ملا رأى الرسول حزنه قد

ه قوي قلبه ببشارة ال حتزن ان اهللا معنا فظهر سر هذا االقتران يف املعية لفظا كما ظهر اشتد الكن علي نفسحكما ومعىن اذا يقال رسول اهللا وصاحب رسول اهللا فلما مات قيل خليفة رسول اهللا مث انقطعت اضافة اخلالفة

ا يف الغار ثالثا مث خرجا منه ولسان القدر يقو ل لتدخلنها دخوال مل يدخله أحد مبوته فقيل أمري املؤمنني فاقامقبلك وال ينبغي الحد من بعدك فلما استقال علي البيداء حلقهما سراقة بن مالك فلما شارف الظفر أرسل عليه الرسول سهما من سهام الدعاء فساخت قوائم فرسه يف االرض اىل بطنها فلما علم انه ال سبيل له عليهما أخذ

ح الكنوز ويقدم الزاد ايل شبعان أبيت عند ريب يطعمين ويسقيين كان حتفة ثاين يعرض املال علي من قد رد مفاتياثنني مدخرة للصديق دون اجلميع فهو الثاين يف االسالم ويف بذل النفس ويف الزهد ويف الصحبة ويف اخلالفة

العشرة ويف العمر ويف سبب املوت الن الرسول مات عن أثر السم وأبو بكر سم فمات اسلم على يديه منعثمان وطلحة والزبري وعبد الرمحن بن عوف وسعد بن أيب وقاص وكان عنده يوم أسلم أربعون الف درهم

ا نفعىن مال ما نفعىن مال أيب بكر فهو خري من فانفقها أحوج ما كان االسالم اليها فلهذا اجلبت نفقته عليه مخري من مؤمن آل ياسني الن ذلك جاهد ساعة مؤمن آل فرعون الن ذلك كان يكتم اميانه والصديق اعلن به و

والصديق جاهد سنني عاين طائر الفاقة حيوم حول حب اإليثار ويصيح من ذا الذى يقرض اهللا قرضا حسنا فألقى له حب املال علي روض الرضا واستلقى على فراش الفقر فنقل الطائر احلب اىل حوصلة املضاعفة مث عال

على افنان شجرة الصدق يغرد

بفنون املدح مث قال يف حماريب االسالم يتلو وسيجنبها األتقى الذي يؤيت ماله يتزكى نطقت بفضله اآليات واالخبار واجتمع على بيعته املهاجرون واالنصار فيا مبغضيه يف قلوبكم من ذكره نار كلما تليت فضائله عال

الغار دعى ايل االسالم فما تلعثم وال أىب عليهم الصغار أتري مل يسمع الروافض الكفار ثاىن اثنني اذ مها ىفوسار علي احملجة فما زل وال كبا وصرب ىف مدته من مدى العدى علي وقع الشبا واكثر ىف االنفاق فما قلل حىت ختلل بالعبا تاهللا لقد زاد علي السبك ىف كل دينار دينار ثاين اثنني إذ مها ىف الغار من كان قرين النيب يف

الذي سبق إيل اإلميان من أصحابه من الذى أفىت حبضرته سريعا يف جوابه من أول من صلي معه من شبابه من ذا آخر من صلى به من الذي ضاجعه بعد املوت ىف ترابه فاعرفوا حق اجلار هنض يوم الردة بفهم واستيقاظ وأبان

Page 37: الفوائد لإبن القيم

حسرة الرافضي أن يفر من من نص الكتاب معىن دق عن حديد االحلاظ فاحملب يفرح بفضائله واملبغض يغتاظ جملس ذكره ولكن أين الفرار كم وقى الرسول باملال والنفس وكان أخص به ىف حياته وهو ضجيعه ىف الرمس

فضائله جليلة وهى خلية عن اللبس ياعجبا من يغطى عني ضوء الشمس يف نصف النهار لقد دخال غارا ال رسول ما ظنك باثنني واهللا الثالث فنزلت السكينة يسكنه البث فاستوحش الصديق من خوف احلوادث فقال ال

فارتفع خوف احلادث فزال القلق وطاب عيش املاكث فقام مؤذن النصر ينادى على رؤوس منائر االمصار ثاين اثنني اذ مها ىف الغار حبه واهللا رأس احلنيفة وبغضه يدل على خبث الطوية فهو خري الصحابة والقرابة واحلجة

وال صحة مامته ما قيل ابن احلنيفة مهال فأن ذم الروافض قد فار واهللا ما أحببناه هلوانا وال على ذلك قوية لنعتقد يف غريه هوانا ولكن أخذنا بقول على وكفانا رضيك رسول اهللا لديننا أفال نرضاك لدنيانا تاهللا لقد أخذت

من الروافض بالثار

ه ونفر مبا نقر به من السىن عينا فمن كان رافضيا فال يعد تاهللا لقد وجب حق الصديق علينا فنحن نقضي مبدائح الينا وليقل يل أعذار تنبيه

اجتنب من يعادى أهل الكتاب والسنة لئال يعديك خسرانه احترز من عدوين هلك هبما أكثر اخللق صاد عن كانت لذته ىف سبيل اهللا بشبهاته وزخرف قوله ومفتون بدنياه ورئاسته من خلق فيه قوة واستعداد لشيء ة من خلقت فيه ١استعمال تلك القوة فيه فلذة من خلقت منه قوه وأستعداد للجماع أستعمال قوته فيه ولذ

قوة الغضب والثواب باستعمال قوته الغضبية ىف متعلقها ومن خلقت فيه قوة االكل والشرب فلذته باستعمال عمال قوته وصرفها اىل العلم ومن خلقت فيه قوة احلب قوته فيهما ومن خلقت فيه قوة العلم واملعرفة فلذته باست

هللا واالنابة اليه والعكوف بالقلب عليه والشوق اليه واألنس به فلذته ونعيمه استعمال هذه القوة ىف ذلك وسائر اللذات دون هذه اللذة مضمحلة فانية وامحد عاقبتها أن تكون ال له وال عليه تنبيه

املتقى فانه يرى عورة عملك من وراء ستر أتقوا فراسة املؤمن سبحان اهللا ىف النفس يا أيها األعزالحذر فراسة كرب ابليس وحسد قابيل وعتو عاد وطغيان مثود وجرأة منرود واستطالة فرعون وبغى قارون وقحة هامان

وشره وهوى بلعام وحيل اصحاب السبت ومترد لوليد وجهل أيب جهل وفيها من أخالق البهائم حرص الغراب الكلب ورعونة الطاووس ودناءة اجلعل وعقوق الضب وحقد اجلمل ووثوب الفهد وصولة االسد وفسق الفأرة

وخبث احلية وعبث القرد ومجع النملة ومكر الثعلب وخفة الفراش ونوم الضبع غري أن الرياضة واجملاهدة ان اهللا اشترى من املؤمنني تذهب ذلك فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا اجلند وال تصلح سلعته لعقد

أنفسهم فما اشترى اال سلعة هذهبا االميان فخرجت من طبعها اىل بلد سكانه التائبون العابدون سلم املبيع قبل أن يتلف يف يدك فال يقبله املشتري قد علم املشتري بعيب السلعة قبل أن يشتريها فسلمها ولك االمان من الرد

ا والثمن املبذول فيه واملنادى عليها فاذا كان املشتري عظيما والثمن خطريا قدر السلعة يعرف بقدر مشتريه واملنادى جليال كانت السلعة نفيسة

يا بائعا نفسه بيع اهلوان لو استرجعت ذا البيع قبل الفوت مل ختب بطيف عيش من اآلالم منتهب ... وبائعا طيب عيش ما له خطر وم التغابن تلقى غاية احلرب ي... غبنت واهللا غبنا فاحشا ولدى

Page 38: الفوائد لإبن القيم

أمامك الورد حقا ليس بالكذب ... وواردا صفو عيش كله كدر لكل داهية تدين من العطب ... وحاطب الليل يف الظلماء منتصبا فهل مسعت بربء جاء من عطب ... ترجوا الشفاء بأحداق هبا مرض

وصفاللطخ مجال فيه مستلب ... ومفنيا نفسه يف إثر أقبحهم لو كنت تعرف قدر النفس مل هتب ... واهبا نفسه من مثل ذا سفها و

وضاع وقتك بني اللهو واللعب ... شاب الصبا والتصايب مل يشب والفيء يف األفق الشرقي مل يغب ... ومشس عمرك قد حان الغروب هلا

ظلمات الليل والسحب ... وفاز بالوصل من قد جدوا انقشعت عن أفقه ورسل ربك قد وافتك ىف الطلب ... والدنيا قد ارحتلت كم ذا التخلف

هتواه للصب من شكر وال أرب ... ما ىف الديار وقد سارت ركائب من ما قاله صاحب األشواق واحلقب ... فافرش اخلد ذياك التراب وقل

غيالن أشهى له من ربعك اخلرب ... ما ربع مية حمفوفا يطيف به ايام كان منال الوصل عن كثب ... منازال كان يهواها ويألفها

اشهى اىل ناظرى من ربعك اخلرب ... وال اخلدود ولو أدمني من ضرج يهوى اليها هوى املاء ىف الصبب ... وكلما جليت تلك الربوع له

دعى القلب للسلوان مل جيب ... أحىي له الشوق تذكار العهود هبا فلو ه ىف سواها الدهر من رغب ومال... هذا وكم منزل ىف األرض يألفه بثثته بعض شان احلب فاغترب ... ما ىف اخليام اخو وجدير حيك إن

بنفحة الطيب ال بالعود واحلطب ... واسر ىف غمرات الليل متهديا وحارب النفس ال تلقيك ىف احلرب ... وعاد كل أخى جنب ومعجزة

ار بالرتب يوم اقتسام الورى االنو... وخذ لنفسك نورا تستضىء به بسوء حاىل وحل للضنا بدين ... ان كان يوجب صربي رمحيت فرضا

اال رضاك ووافقرى اال الثمن ... منحتك الروح ال أبغى هلا مثنا وبالليل يدعوين اهلوى فأجيب ... أحن بأطراف النهار صبابه فمن عجز عشق غري اجلميل ... واذا مل يكن من العشق بد

ا أنا فيه ... ش معجل فلو أن ما أسعى لعي كفاىن منه بعض م فوا أسفا إن مل أكن مبالقيه ... ولكنما أمسى مللك خملد

يا من هو من أرباب اخلربة هل عرفت قيمة نفسك امنا خلقت األكوان كلها لك يا من غذى بلبان الرب وقلب الدر وخميض وأنت الزبد بأيدى االلطاف كل األشياء شجرة وأنت الثمرة وصورة وأنت املعىن وصدف وأنت

طلىب فاطلبين عندك اطلبين منك جتدين منشور اختيارنا لك واضح اخلط ولكن استخراجك ضعيف ميت رمت قريبا وال تطلبين من غريك فانا أقرب اليك منه لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها باملعاصي امنا أبعدنا ابليس

Page 39: الفوائد لإبن القيم

كيف صاحلته وتركتنا لو كان يف قلبك حمبة لبان أثرها علي اذ مل يسجد لك وأنت يف صلب أبيك فوا عجبا جسدك

ألست أري األعضاء منك كواسيا ... وملا ادعيت احلب قالت كذبيت لو تغذى القلب باحملبة لذهبت عنه بطنة الشهوات

بطينا وأنساك اهلوى كثرة األكل ... ولو كنت عذري الصبابة مل تكن يذكرك باحلبيب واعجبا ملن يدعى احملبة وحيتاج ايل من يذكره مبحبوبة فال لو صحت حمبتك الستوحشت ممن ال

يذكره اال مبذكر أقل ما يف احملبة أهنا ال تنسيك تذكر احملبوب وايسر ما يف الذكر ذكر لساين ... ذكرتك ال أين نستك ساعة

والرجاء حيدو باملطى والشوق اذا سافر احملب للقاء حمبوبه ركبت جنوده معه فكان احلب يف مقدمة العسكر يسوقها واخلوف جيمعها علي الطريق فاذا شارف قدوم بلد الوصل خرجت تقادم احلبيب باللقاء

وابرد غراما بقلب انت مضرمه ... فداو سقما جبسم انت متلفه صربى الضعيف فصربي أنت تعلمه ... وال تكلين على بعد الديار ايل

اىل لقائك واألشواق تقدمه ... تلقى قلبه فقد ارسلته عجالفاذا دخل علي احلبيب افيضت عليه اخللع من كل ناحية ليمتحن أيسكن اليها فتكون حظه ام يكون التفاته اىل

من ألبسه اياها مألوا مراكب القلوب متاعا ال تنفق اال على امللك فلما هبت رياح السحر اقلعت تلك املراكب نا قطعوا بادية اهلوى باقدام اجلد فما كان اال القليل حىت قدموا من السفر فاعقبهم فما طلع الفجر اال وهي باملي

الراحة يف طريق التلقى فدخلوا بلد الوصل وقد حاز ربح األبد فرغ القوم قلوهبم من الشواغل فضربت فيها نزه فارغ سرادقات احملبة فاقاموا العيون حترس تارة وترش أخرى سرادق احملبة ال يضرب اال يف قاع

فنجنابنا حل لكل منزه ... نزه فؤادك من سوانا والقنا من حل ذا الطلسم فاز بكنزه ... الصرب طلسم لكنز وصالنا

اعرف قدر ما ضاع منك وابك بكاء من يدري مقدار الفائت لو ختيلت قرب األحباب القمت املأمت على بعدك من استطال الطريق ضعف مشيه لو استنشقت ريح األسحار الفاق منك قلبك املخمور

طوال اللياىل أو بعيد املفاوز ... وما انت باملشتاق ان قلت بيننا أما علمت أن الصادق اذا هم القى بني عينيه عزمه اذا نزل آب يف القلب حل آذار يف العني هان سهر احلراس

الدنيا اذا الح للباشق الصيد نسي ملا علموا ان أصواهتم بسمع امللك من الح له حال اآلخرة هان عليه فراقمألوف الكف يا أقدام الصرب امحلي بقى القليل تذكر حالوة الوصال يهن عليك مر اجملاهدة قد علمت أين املنزل فاحد هلا تسر أعلي اهلمم مهة من استعد صاحبها للقاء احلبيب قدم التقادم بني يدي امللتقى فاستبشر

سهم اجلنه ترضي منك باداء الفرائض والنار تندفع بالرضا عند القدوم وقدموا النف

عنك بترك املعاصي واحملبة ال تقنع منك اال ببذل الروح هللا ما أحلى زمان تسعى فيه أقدام الطاعة علي ارض االشتياق ملا سلم القوب النفوس اىل رائض الشرع علمها الوفاق يف خالف الطبع فاستقامت مع الطاعة كيف

دارت دارت معها

Page 40: الفوائد لإبن القيم

وثور حاد بالرفاق عجول ... واين اذا اصطكت رقاب مطيهم وأنظر أين ملثم فأميل ... اخالف بني الراحتني على احلشا

فصل علمت كلبك فهو يترك شهوته يف تناول ما صاده احتراما لنعمتك وخوفا

اهل الذي من سطوتك وكم علمك معلم الشرع وأنت ال تقبل حرم صيد اجلاهل واملمسك لنفسه فما ظن اجلأعماله هلوي نفسه مجع فيك عقل امللك وشهوة البهيمة وهوى الشيطان وأنت للغالب عليك من الثالثة أن غلبت شهوتك وهواك زدت على مرتبة ملك وان غلبك هواك وشهوتك نقصت عن مرتبة كلب ملا صاد

ا صاده مصدر ما يف العبد من اخلري والشر والصفات الكلب لربه أبيح صيده وملا أمسك علي نفسه حرم ماملمدوحة واملذمومة من صفة املعطي املانع فهو سبحانه يصرف عباده بني مقتضى هذين االمسني فحظ العبد

الصادق من عبوديته هبما الشكر عند العطاء واالفتقار عند املنع فهو سبحانه يعطيه ليشكره ومينعه ليفتقر اليه فال يزال شكورا فقريا

الكافر على ربه ظهريا هذا من ألطف خطاب القرآن وأشرف معانيه وان املؤمن دائما مع اهللا قوله تعاىل وكانعلي نفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه وهذا معىن كونه من حزب اهللا وجنده وأوليائه فهو مع اهللا علي عدوه

معه علي حرب اعدائه الداخل فيه واخلارج عنه حيارهبم ويعاديهم ويغضبهم له سبحانه كما يكون خواص امللك والبعيدون منه فارغون من ذلك غري مهتمني به

والكافر مع شيطانه ونفسه وهواه علي ربه وعبارات السلف علي هذه تدور ذكر بن أيب حامت عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبري قال عونا للشيطان علي ربه بالعداوة والشرك وقال ليث عن جماهد قال يظاهر

ي معصية اهللا يعينه عليها وقال زيد بن أسلم ظهريا أي مواليا واملعين أنه يوايل عدوه علي معصيته الشيطان عل والشرك به فيكون مع عدوه معينا له علي مساخط ربه

فاملعية اخلاصة ليت للمؤمن مع ربه وإله قد صارت هلذا الكافر والفاجر مع الشيطان ومع نفسه وهواه وقربانه بقوله ويعبدون من دون اهللا ما ال ينفعهم وال يضرهم وهذه العبادة هي املواالة واحملبة والرضا وهلذا صدر اآلية

مبعبوديهم املتضمنة ملعيتهم اخلاصة فظاهروا أعداء اهللا على معاداته وخمالفته ومساخطه خبالف وليه سبحانه فانه وعقله وباهللا التوفيق معه علي نفسه وشيطانه وهواه وهذا املعىن من كنوز القرآن ملن فهمه

قوله تعاىل والذين اذا ذكروا بآيات رهبم مل خيروا عليها صما وعميانا قال مقاتل اذا وعظوا بالقرآن مل يقعوا عليه صما مل يسمعوه وعميانا مل يبصروه ولكنهم مسعوا وأبصروا وأيقنوا به وقال ابن عباس مل يكونوا عليها صما

عني وقال الكليب خيرون عليها مسعا وبصرا وقال الفراء اذا تلي عليهم القرآن مل وعميانا بل كانوا خائفني خاشيقعدوا على حاهلم األويل كأهنم مل يسمعوه فذلك اخلرور ومسعت العرب تقول قعد يشتمىن كقولك قام يشتمىن

ليت عليهم خروا واقبل يشتمىن واملعين على ما ذكر مل يصريوا عندها صما وعميانا وقال الزجاج املعين اذا تسجدا وبكيا سامعني مبصرين كما أمروا به وقال ابن قتيبة أي مل يتغافلوا عنها كاهنم صم مل يسمعوها وعمى مل

يروها قلت ههنا أمران ذكر اخلرور وتسليط النفي عليه وهل هو خرور القلب أو خرور البدن

Page 41: الفوائد لإبن القيم

ا بالقلب خضوعا أو بالبدن سجودا أو للسجود وهل ملعىن مل كن خرورهم عن صمم وعمه فلهم عليها خرور ليس هناك خرور وعرب به عن القعود

أصول املعاصي كلها كبارها وصغارها ثالثة تعلق القلب بغري اهللا وطاعة القوة الغضبية والقوة الشهوانية وهي لغضبية القتل الشرك والظلم والفواحش فغاية التعلق بغري اهللا شرك وان يدعى معه اله آخر وغاية طاعة القوة ا

وغاية القوة الشهوانية الزنا وهلذا مجع اهللا سبحانه بني الثالثة يف قوله والذين ال يدعون مع اهللا اهلا آخر وال يقتلون النفس اليت حرم اهللا اال باحلق وال يزنون وهذه الثالثة يدعو بعضها اىل بعض فالشرك يدعو اىل الظلم

رفهما عن صاحبه قال تعاىل والفواحش كما ان االخالص والتوحيد يصكذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا املخلصني فالسوء العشق والفحشاء الزنا وكذلك الظلم

يدعو اىل الشرك والفاحشة فان الشرك اظلم لظلم كما أن أعدل العدل التوحيد فالعدل قرين التوحيد والظلم االول ففي قوله شهد اللهأنه ال اله اال هو واملالئكة وأولو العلم قرين الشرك وهلذا جيمع سبحانه بينهما أما

قائما بالقسط وأما الثاين فكقوله تعاىل ان الشرك لظلم عظيم والفاحشة تدعو اىل الشرك والظلم وال سيما اذا الزنا قويت ارادهتا ومل حتصل اال بنوع من الظلم بالظلم واالستعانة بالسحر والشيطان وقد مجع سبحانه بني

والشرك يف قوله الزاين ال ينكح اال زانية أو مشركة والزانية ال ينكحها اال زان أو مشرك وحرم ذلك على املؤمنني فهذه الثالثة

جير بعضها اىل بعض ويامر بعضها ببعض وهلذا كلما كان القلب أضعف توحيدا وأعظم شركا كان أكثر فاحشة هذا قوله تعاىل وما أوتيتم من شيء فمتاع احلياة الدنيا وما عند اهللا خري واعظم تعلقا بالصور وعشقا هلا ونظري

وأبقى للذين آمنوا وعلى رهبم يتوكلون والذين جيتنبون كبائر االمث والفواحش واذا ما غضبوا هم يغفرون فاخرب مث والفواحش فهذا أن ما عنده خري ملن آمن به وتوكل عليه وهذا هو التوحيد مث قال والذين جيتنبون كبائر اال

اجتناب داعي القوة الشهوانية مث قال

واذا ما غضبوا هم يغفرون فهذا خمالفة القوة الغضبية فجمع بني التوحيد والعفة والعدل اليت هي مجاع اخلري كله

فائدة هجر القرآن أنواع أحدها هجر مساعه واالميان به واالصغاء اليه

حالله وحرامه وان قرأه وآمن به والثالث هجر حتكيمه والتحاكم اليه يف والثاين هجر العمل به والوقوف عند أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه ال يفيد اليقني وأن أدلته لفظية ال حتصل العلم والرابع هجر تدبره وتفهمه

ا أراد املتكلم به منه واخلامس هجر االستشفاء والتداوي به يف مجيع أمراض القلب وأدوائ ها فيطلب ومعرفة مشفاء دائه من غريه ويهجر التداوي به وكل هذا داخل يف قوله وقال الرسول يا رب ان قومي اختذوا هذا القرآن مهجورا وأن كان بعض اهلجر اهون من بعض وكذلك حلرج الذي ىف الصدور منه فانه تارة يكون

ا من بعض خملوقاته اهلم حرجا من إنزاله وكونه حقا من عند اهللا وتارة يكون من جهة لتكلم به أ و كونه خملوقغريه أن تكلم به وتارة يكون من جهة كفايته وعدمها وأنه ال يكفي العباد بل هم حمتاجون معه اىل املعقوالت ا أريد به حقائقه املفهومة منه عند اخلطاب أو واألقيسة أو األراء أو السياسات وتارة يكون من جهة داللته وم

راجها عن حقائقها ايل تأويالت مستكرهة مشتركة وتارة يكون من جهة كون تلك احلقائق أريد به تأويلها واخ

Page 42: الفوائد لإبن القيم

وان كانت مرادة فهي ثابتة يف نفس االمر أو أوهم أهنا مرادة لضرب املصلحة فكل هؤالء يف صدورهم حرج يف قلب حرج من القرآن وهم يعلمون ذلك من نفوسهم وجيدونه يف صدورهم وال جتد مبتدعا يف دينه قط اال و

من اآليات اليت ختالف بدعته كما نك ال جتد ظاملا فاجرا اال وىف صدره حرج من اآليات اليت حتول بينه وبني ارادته فتدبر هذا ملعىن مث ارض لنفسك مبا تشاء

فائدة كمال النفس املطلوب ما تضمن أمرين أحدمها أن يصري هيئة راسخة وصفة

مال يف نفسه فاذا مل يكن كذلك مل يكن كماالفال يليق مبن يسعى ىف كمال الزمة له الثاين أن يكون صفة كنفسه املنافسة عليه وال األسف على فوته وذلك ليس اال معرفة بارئها وفاطرها ومعبودها واهلها حلق الذي ال

امته وأن تعتاد صالح هلا وال نعيم وال لذة اال مبعرفته وارادة وجهه وسلوك الطريق املوصلة اليه واىل رضاه وكرذلك فيصري هلا هيئة راسخة الزمة وما عدا ذلك من العلوم واالرادات واألعمال فهي بني ماال ينفعها وال

يكملها وما يعود بضررها ونقصها وأملها وال سيما اذا صار هيئة راسخة هلا فاهنا تعذب وتتأمل به حبسب لزومه هلا راكب واملساكن واجلاه واملال فتلك ىف احلقيقة عوار اعريهتا مدة مث وأما الفضائل املنفصلة عنها كاملالبس وامل

يرجع فيها املعري فتتأمل وتتعذب برجوعه فيها حبسب تعلقها هبا وال سيما اذا كانت هي غاية كماهلا فاذا سلبتها خللق امنا أحضرت أعظم النقص واألمل واحلسرة فليتدبر من يريد سعادة نفسه ولذهتا هذه النكتة فاكثر هذا ا

يسعون يف حرمان نفوسهم وأملها وحسرهتا ونقصها من حيث يظنون أهنم يريدون سعادهتا ونعيمها فلذهتا حبسب ما حصل هلا من تلك املعرفة واحملبة والسلوك وأملها وحسرهتا حبسب ما فاهتا من ذلك ومىت عدم ذلك وخال منه

أكل ويشرب وينكح ويغضب وينال سائر لذاته ومرافق حياته وال مل يبق فيه اال القوى البدنية النفسانية اليت هبا ييلحقه من جهتها شرف وال فضيلة بل خساسة ومنقصة اذ كان امنا يناسب بتلك القوى البهائم ويتصل جبنسها ويدخل يف مجلتها ويصري كأحدها ورمبا زادت يف تناوهلا عليه واختصت دونه بسالمة عافيتها واألمن من جلب

يها فكمال تشاركك فيه البهائم وتزيد عليك وختتص عنك فيه بسالمة العاقبة حقيق أن هتجره ايل الضرر عل الكمال احلقيقى الذي ال كمال سواه وباهللا التوفيق

فائدة جليلة اذا أصبح العبد وأمسي وليس مهه اال اهللا وحده حتمل اهللا

ه ولسانه لذكره وجوارحه لطاعته وان أصبح سبحانه حوائجه كلها ومحل عنه كل ما أمهه وفرغ قلبه حملبتوأمسي والدنيا مهه محله اهللا مهومها وغمومها وأنكادها ووكله اىل نفسه فشغل قلبه عن حمبته مبحبة اخللق

ولسانه عن ذكره بذكرهم وجوارحه عن طاعته خبدمتهم وأشغاهلم فهو يكدح كدح الوحش يف خدمة غريه نفع غريه لكل من أعرض عن عبودية اللله وطاعته وحمبته بلى بعبودية كالكري ينفخ بطنه ويعصر أضالعه يف

ملخلوق وحمبته وخدمته قال تعاىل ومن يعش عن ذكر الرمحن نقيض له شيطانا فهو له قرين قال سفيان بن عيينة ان مل يقبل ال تأتون مبثل مشهور للعرب اال جئتكم به من القرآن فقال له قائل فأين يف القرآن اعط أخاك مترة ف

فاعطه مجرة فقال يف قوله ذكر الرمحن نقيض له شيطانا اآلية ومن يعش عن

Page 43: الفوائد لإبن القيم

فائدة العلم نقل صورة املعلوم من اخلارج واثباهتا يف النفس ولعمل نقل

صورة علمية من النفس واثباهتا يف اخلارج فان كان الثابت يف النفس مطابقا للحقيقة يف نفسها فهو علم صحيح يثبت ويترا أي يف النفس صور ليس هلا وجود حقيقى فيضنها الذي قد أثبتها يف نفسه علما وامنا هي وكثريا ما

مقدرة ال حقيقية هلا واكثر علوم الناس من هذا الباب وما كان منها مطابقا للحقيقة يف اخلارج فهو نوعان نوع عاله وكتبه وأمره وهنيه ونوع ال حيصل به تكمل النفس بادراكه والعلم به وهو العلم باهللا وأمسائه وصفاته وأف

للنفس كمال وهو كل علم ال يضر اجلهل به فانه ال ينفع العلم به وكان النيب يستعيذ باهللا من علم ال ينفع وهذا حال أكثر لعلوم الصحيحة املطابقة اليت ال يضر اجلهل هبا شيئا كالعلم بالفلك

والعلم بعدد اجلبال والواهنا ومساحتها وحنو ذلك فشرف العلم ودقائقه ودرجاته وعدد الكواكب ومقاديرها حبسب شرف معلومه وشدة احلاجة اليه وليس ذلك اال العلم باهللا وتوابع ذلك واما العلم فآفته عدم مطابقته هة ملراد اهللا الديىن الذي حيبه اهللا ويرضاه وذلك يكون من فساد العلم تارة ومن فساد االرادة تارة ففساد من ج

العلم ان يعتقد ان هذا مشروع حمبوب هللا وليس كذلك او يعتقد انه يقر به ايل اهللا وان مل يكن مشروعا فيظن انه يتقرب ايل اهللا هبذا العمل وان مل يعلم انه مشروع وأما فساده من جهة القصد فان ال يقصد به وجه اهللا

يف العلم والعمل ال سبيل اىل السالمة منهما اال مبعرفة والدار اآلخرة بل يقصد به الدنيا واخللق وهاتان اآلفتانما جاء به الرسول يف باب العلم واملعرفة وارادة وجه اهللا والدار اآلخرة يف باب القصد والرادة فمىت خال من ان هذه املعرف وهذه االرادة فسد علمه وعمله واألميان واليقني يورثان صحة املعرفة وصحة االرادة يورثان االمي

وميدانه ومن هنا يتبني احنراف اكثر الناس عن األميان والحنرافهم عن صحة املعرفة وصحة االرادة وال يتم االميان اال بتلقي املعرفة من مشكاة النبوة وجتريد االرادة عن شوائب اهلوى وارادة اخللق فيكون علمه مقتبسا

ناس علما وعمال وهو من األئمة الذين يهدون بامر من مشكاة الوحى وارادته هللا والدار اآلخرة فهذا أصح ال اهللا ومن خلفاء رسوله يف أمته

قاعدة االميان له ظاهر وباطن وظاهره قول اللسان وعمل اجلوارح وباطنه

تصديق القلب وانقياده وحمبته فال ينفع ظاهر ال باطن له وان حقن به الدماء وعصم به املال والذرية وال جيزىء ر له اال اذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هالك فتخلف العمل ظاهرا مع عدم املانع دليل علي فساد باطن ال ظاه

الباطن وخلوه من االميان ونقصه دليل نقصه وقوته دليل قوته فاالميان قلب االسالم ولبه

يبعث على العمل واليقني قلب االميان ولبه وكل علم وعمل ال يزيد االميان واليقني قوة فمدخول وكل اميان ال فمدخول

قاعدة التوكل على اهللا نوعان احدمها توكل عليه يف جلب حوائج العبد

Page 44: الفوائد لإبن القيم

وحظوظه الدنيوية او دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية والثاين التوكل عليه يف حصول ما حيبه هو ويرضاه من اال اهللا فمىت توكل عليه العبد يف االميان واليقني واجلهاد والدعوة اليه وبني النوعني من الفضل ما ال حيصيه

النوع الثاين حق توكله كفاه النوع األول متام الكفاية وميت توكل عليه يف النوع األول دون الثاين كفاه أيضا لكن ال يكون له عاقبة املتوكل عليه فيما حيبه ويرضاه فاعظم التوكل عليه التوكل يف اهلداية وجتريد التوحيد

هاد أهل الباطل فهذا توكل الرسل وخاصة اتباعهم ومتابعة الرسول وجالتوكل تارة يكون توكل اضطرار واجلاء حبيث ال جيد العبد ملجأ وال وزرا اال التوكل كما اذا ضاقت عليه

األسباب وضاقت عليه نفسه وظن ان ال ملجأ من اهللا اال اليه وهذا ال يتخلف عنه الفرج والتيسري البتة وتارة تيار وذلك التوكل مع وجود السبب املفضي اىل املراد فان كان السبب مأمورا به ذم على تركه يكون توكل اخ

وان قام السبب وترك التوكل ذم على تركه أيضا فانه واجب باتفاق األمة ونص القرآن والواجب القيام هبما لتوكل فلم يبق سبب سواه واجلمع بينهما وان كان السبب حمرما حرم عليه مباشرته وتوحد السبب يف حقه يف ا

فان التوكل من أقوى األسباب يف حصول املراد ودفع املكروه بل هو أقوى األسباب على االطالق وان كان السبب مباحا نظرت هل يضعف قيامك به التوكل أو ال يضعفه فان أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت مهك

احلاكمني اقتضت ربط املسبب به فال تعطل حكمته فتركه اوىل وان مل يضعفه فمباشرته أوىل ألن حكمه أحكم

مهما أمكنك القيام هبا وال سيما اذا فعلته عبودية فتكون قد أتيت بعبودية القلب بالتوكل وعبودية اجلوارح بالسبب املنوى به القربة والذي حيقق لتوكل القيام باألسباب املأمور هبا فمن عطلها مل يصح توكله كما أن القيام

باب املفضية ايل حصول اخلري حيقق رجاءه فمن مل يقم هبا كان رجاؤه متنيا كما أن من عطلها يكون توكله باألس عجزا وعجزه توكال

وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب علي اهللا وحده فال يضره مباشرة األسباب مع خلو القلب من االعتماد ال ينفعه قوله توكلت علي اهللا مع اعتماده على غريه وركونه اليه وثقته به فتوكل عليها والركون اليها كما

اللسان شيء وتوكل القلب شيء كما أن توبة اللسان مع اصرار القلب شيء وتوبة القلب وان مل ينطق اللسان شيء فقول العبد توكلت على اهللا مع اعتماد قلبه على غريه مثل قوله تبت ايل اهللا وهو مصر على معصيته

مرتكب هلا

فائدة اجلاهل يشكو اهللا ايل الناس وهذا غاية اجلهل باملشكو واملشكو

ا شكاه ولو عرف الناس ملا شكا اليهم ورأى بعض السلف رجال يشكو ايل رجل فاقته اليه فانه لو عرف ربه مل وضرورته فقال يا هذا واهللا ما زدت على ان شكوت من يرمحك ويف ذلك قيل

تشكو الرحيم اىل الذي ال يرحم ... اذا شكوت ايل ابن آدم امناوالعارف امنا يشكو اىل اهللا وحده وأعرف العارفني من جعل شكواه ايل اهللا من نفسه ال من الناس فهو يشكو

من موجبات تسليط الناس عليه فهو ناظر اىل قوله تعاىل وما أصابكم من مصيبة فما كسبت أيديكم وقوله وما ا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أين هذا أصابك من سيئة فمن نفسك وقو له أومل

Page 45: الفوائد لإبن القيم

قل هو من عند أنفسكم فاملراتب ثالثة أخسها أن تشكو اهللا اىل خلقه وأعالها أن تشكو نفسك اليه وأوسطها أن تشكو خلقه اليه

قاعدة جليلة قال اهللا تعاىل

واعلموا أن اهللا حيول بني املرء وقلبه وأنه واليه يا أيها الذين آمنوا استجيبوا هللا والرسول اذا دعاكم ملا حييكمحتشرون فتضمنت هذه اآلية أمورا أحدها ان احلياة النافعة امنا حتصل باالستجابة هللا ورسوله فمن مل حتصل له

هذه االستجابة فال حياة له وان كانت له حياة هبيمية مشتركة بينه وبني أرذل احليوانات فاحلياة احلقيقية الطيبة هي حياة من استجاب هللا والرسول ظاهرا وباطنا فهؤالء هم األحياء وان ماتوا وغريهم أموات وان كانوا احياء دعا اليه ففيه احلياة فمن فاته األبدان وهلذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول فان كان ما

جاب للرسول قال جماهد ملا حييكم يعين للحق وقال جزء منه فاته جزء من احلياة وفيه من احلياة حبسب ما استيه احلياة والثقة والنجاة والعصمة يف الدنيا واآلخرة وقال السدى هو االسالم أحياهم به قتادة هو هذا القرآن ف

بعد موهتم بالكفر وقال ابن اسحق وعروة بن الزبري واللفظ له ملا حييكم يعىن للحرب اليت أعزكم اهللا هبا بعد وقواكم بعد الضعف ومنعكم هبا من عدوكم بعد القهر منهم لكم وهذه كل عبارات عن حقيقة واحدة الذل

وهى القيام مبا جاء به الرسول ظاهرا وباطنا قال الواحدى واألكثرون على ان معىن قوله ملا حييكم هو اجلهاد حياء أمركم جبهاد عدوكم يريد ان وهو قول ابن اسحق واختيار أكثر أهل املعاين قال الفراء اذا دعاكم ايل ا

أمرهم امنا يقوى باحلرب واجلهاد فلو تركوا جلهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم قلت اجلهاد من أعظم ما حييهم به ىف الدنيا ويف الربزخ ويف اآلخرة أما يف الدنيا فان قوهتم وقهرهم لعدوهم باجلهاد وأما يف الربزخ

فقد قال تعاىل وال حتسنب

الذين قتلوا يف سبيل اهللا أمواتا بل أحياء عند رهبم يرزقون وأما يف اآلخرة فان حظ اجملاهدين والشهداء من ا حييكم ا حييكم يعين الشهادة وقال بعض املفسرين مل حياهتا ونعيمها أعظم من حظ غريهم وهلذا قال ابن قتيبة مل

طيبة حكاة أبو علي اجلرجاين واآلية تتناول هذا كله فان يعين اجلنة فاهنا دار احليوان وفيها احلياة الدائمة الاالميان واالسالم والقرآن واجلهاد حيي القلوب احلياة الطيبة وكمال احلياة يف اجلنة والرسول داع ايل االميان

ا يدرك واىل اجلنة فهو داع اىل احلياة يف الدنيا واآلخرة واالنسان مضطر اىل نوعني من احلياة حياة بدنه اليت هبالنافع والضار ويؤثر ما ينفعه على ما يضره وميت نقصت فيه هذه احلياة ناله من األمل والضعف حبسب ذلك

ولذلك كانت حياة املريض واحملزون وصاحب اهلم والغم واخلوف والفقر والذل دون حياة من هو معاىف من لرشاد واهلوى والضالل فيختار احلق علي ضده ذلك وحياة قلبه وروحه اليت هبا مييز بني احلق والباطل والغى وا

فتفيده هذه احلياة قوة التميز بني النافع والضار يف العلوم واالرادات واألعمال وتفيده قوة االميان واالرادة واحلب للحق وقوة البغض والكراهة للباطل فشعوره ومتييزه وحبه ونفرته حبسب نصيبه من هذه احلياة كما ان

يله ايل النافع ونفرته عن املؤمل أعظم فهذا حبسب البدن احلى يكو ن شعوره واحساسه بالنافع واملؤمل أمت ويكون محياة البدن وذاك حبساب حياة القلب فاذا بطلت حياته بطل متييزه وان كان له نوع متييز مل يكن فيه قوة يؤثر

الذي هو رسول اهللا من روحه فيصري حيا هبا النافع علي الضار كما ان االنسان ال حياة له حيت ينفخ فيه امللك

Page 46: الفوائد لإبن القيم

بذلك النفخ وان كان قبل ذلك من مجلة األموات فكذلك ال حياة لروحه وقلبه حىت ينفخ فيه الرسول من الروح الذي ألقى اليه قال تعاىل

ينزل املالئكة بالروح من أمره علي من يشاء من عباده وقال يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده وقال وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب وال الميان ولكن جعلناه نورا هندي به من

نشاء من عبادنا فاخرب أن وحيه روح ونور فاحلياة واالستنارة موقوفة على نفخ الرسول

له نفخ امللك امللكي فمن أصابه نفخ الرسول امللكي ونفخ الرسول البشري حصلت له احلياتان ومن حصلدون نفخ الرسول حصلت له احدى احلياتني وفاتته األخرى األخرى قال تعاىل أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا

له نورا ميشي به يف الناس كمن مثله يف الظلمات ليس خبارج منها فجمع له بني النور واحلياة كما مجع ملن ومجيع املفسرين كان كافرا ضاال فهديناه أعرض عن كتابة بني املوت والظلمة قال ابن عباس

ا له نورا ميشي به يف الناس يتضمن امورا احدها انه ميشي يف الناس بالنور وهم يف الظلمة فمثله وقوله وجعلنومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم الليل فضلوا ومل يهتدوا للطريق وآخر معه نور ميشي به يف الطريق ويراها ويرى

انيها انه ميشي فيهم بنوره فهم يقتبسون منه حلاجتهم اىل النور وثالثها انه ميشي بنوره يوم ما حيذره فيها وث القيامة على الصراط اذا بقى اهل الشرك والنفاق يف ظلمات شركهم ونفاقهم

وقوله افر وبني االميان واعلموا ان اهللا حيؤل بني املرء وقلبه املشهور يف اآلية انه حيول بني املؤمن وبني الكفر وبني الك

وحيول بني اهل طاعته وبني معصيته وبني اهل معصيته وبني طاعته وهذا قول ابن عباس ومجهور املفسرين ويف اآلية قول آخر ان املعىن انه سبحانه قريب من قلبه ال ختفى عليه خافيه فهو بينه وبني قلبه ذكره الواحدي عن

ة اصلها بالقلب فال تنفع االستجابة بالبدن دون القلب فان اهللا قتادة وكان هذا انسب بالسياق ألن االستجابسبحانه بني العبد وبني قلبه فيعلم هل استجاب له قلبه وهل أضمر ذلك أو أضمر خالفه وعلي القول األول

فوجه املناسبة انكم ان تثاقلتم عن االستجابة و أبطأمت عنها فال تأمنوا أن اهللا حيول بينكم وبني قلوبكم فالميكنكم بعد ذلك من االستجابة عقوبة لكم على تركها بعد وضوح احلق واستبانة فيكون كقوله ونقلب أفئدهتم

وأبصارهم كما مل يؤمنوا به أول مرة وقوله فلما زاغوا أزاغ اهللا قلوهبم وقوله

جاب باجلوارح ويف فما كانوا ليؤمنوا مبا كذبوا من قبل ففي اآلية حتذير عن ترك االستجابة بالقلب وان استاآلية سر آخر وهو أنه مجع هلم بني الشرع واألمر به وهو االستجابة وبني القدر واالميان به فهي كقوله ملن شاء

منكم أن يستقيم وما تشاؤن اال أن يشاء اهللا رب العاملني وقوله فمن شاء ذكره وما يذكرون اال أن يشاء اهللا واهللا أعلم

فائدة جليلة قوله تعاىل

كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خري لكم وعسي أن حتبوا شيئا وهو شر لكم واهللا يعلم وأنتم ال تعلمون وقوله عز و جل وان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا وجيعل اهللا فيه خريا كثريا

Page 47: الفوائد لإبن القيم

لنكاح الذي هو كمال القوة الشهوانية فالعبد فاآلية األوىل يف اجلهاد الذي هو كمال القوة الغضبية والثانية يف ايكره مواجهة عدوه بقوته الغضبية خشية علي نفسه منه وهذا املكروه خري له يف معاشه ومعاده وحيب املوادعة و املتاركة وهذا احملبوب شر له يف معاشه ومعاده وكذلك يكره املرأة لوصف من أوصافها وله يف امساكها خري

ب املرأة لوصف من أصافها وله يف أمساكها شر كثري ال يعرفه النسان كما وصفه وصفه به كثري ال يعرفه وحييله وحبه ونفرته وبغضه بل املعيار علي ذلك خالقه ظلوم جهول فال ينبغي أن جيعل املعيار على ما يصره وينفعه م

ه وباطنه وأضر األشياء عليه علي ما اختاره اهللا له بأمره وهنيه فانفع األشياء له علي االطالق طاعةربه بظاهراالطالق معصيته بظاهره وباطنه فاذا قام بطاعته وعبوديته خملصا له فكل ما جيري عليه مما يكرهه يكون خريا له وذا ختلي عن طاعته وعبوديته فكل ما هو فيه من حمبوب هو شر له فمن صحت له معرفة ربه والفقه يف أمسائه

وهات اليت تصيبه واحملن ليت تنزل به فيها وصفاته علم يقينا ان املكر

يما حيب ضروب من املصاحل واملنافع ليت ال حيصيها علمه وال فكرته بل مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها ففعامة مصاحل النفوس يف مكروهاهتا كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها يف حمبوباهتا فانظر اىل غارس جنة من

الحة غرس جنة وتعاهدها بالسقى واالصالح حيت أمثرت أشجارها فاقبل عليها يفصل اوصاهلا اجلنات خبري بالفويقطع أغصاهنا لعلمه اهنا لو خليت على حاهلا مل تطب مثرهتا فيطعمها من شجرة طيبة الثمرة حيت اذا التحمت

يذيقها أمل القطع واحلديد هبا واحتدت وأعطت مثرهتا اقبل بقلمها ويقطع أغصاهنا الضعيفة اليت تذهب قوهتا وملصلحتها وكماهلا لتصلح مثرهتا ان تكون حبضرة امللوك مث ال يدعها ودواعي طبعها من الشرب كل وقت بل يعطشها وقتا ويسقيها وقتا وال يترك املاء عليها دائما وان كان ذلك انضر لورقها واسرع لنباهتا مث يعمد اىل

ق فيلقى عنها كثريا منها الن تلك الزينة حتول بني مثرهتا وبني كمال نضجها تلك الزينة الىت زينت هبا من األوراواستوائها كما يف شجر العنب وحنوه فهو يقطع اعضاءها باحلديد ويلقى عنها كثريا من زينتها وذلك عني

مصلحتها مصلحتها فلو اهنا ذات متييز وادراك كاحليوان لتومهت ان ذلك إفساد هلا واضرار هبا وامنا هو عني وكذلك األب الشفيق علي ولده العامل مبصلحته اذا رأى مصلحته يف اخراج الدم الفاسد عنه بضع جلده وقطع

عروقه واذاقه االمل الشديد وان رأى شفاة يف قطع عضو من أعضائه أبانه عنه كان ذلك رمحة به وشفقة عليه عليه لعلمه ان ذلك أكرب األسباب إىل فساده وان رأى مصلحته ىف ان ميسك عنه العطاء مل يعطه ومل يوسع

وهالكه وكذلك مينعه كثريا من شهواته محية له ومصلحة ال خبال عليه فأحكم احلاكمني وأرحم الرامحني وأعلم العاملني الذي هو أرحم بعبادة منهم بأنفسهم ومن آبائهم وأمهاهتم اذا أنزل هبم ما يكرهون كان خريا هلم من أن

نظرا منه هلم واحسانا اليهم ولطفا هبم ولو مكنوا من االحتيار النفسهم ال ينزله هبم

لعجزوا عن القيام مبصاحلهم علما وارادة وعمال لكنه سبحانه توىل تدبري أمورهم مبوجب علمه وحكمته ورمحته اجلهل أحبوا أم كرهوا فعرف ذلك املوقنون بامسائه وصفاته فلم يتهموه يف شيء من أحكامه وخفي ذلك على

به وبأمسائه وصفاته فنازعوه تدبريه وقدحوا ىف حكمته ومل ينقادوا حلكمه وعارضوا حكمه بعقوهلم الفاسدة وآرائهم الباطلة وسياساهتم اجلائرة فال لرهبم عرفوا وال ملصاحلهم حصلوا واهللا املوفق

يها إال نعيم اآلخرة فانه ال يزال راضيا ومىت ظفر العبد هبذه املعرفة سكن يف الدنيا قبل اآلخرة يف جنة ال يشبه فعن ربه والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفني فانه طيب النفس مبا جيري عليه من املقادير الىت هي عني اختيار

Page 48: الفوائد لإبن القيم

اهللا له وطمأنينتها اىل أحكامه الدينية وهذا هو الرضا باهللا ربا وباالسالم دينا ومبحمد رسوال وما ذاق طعم حيصل له ذلك وهذا الرضا هو حبسب معرفته بعدل اهللا وحكمته ورمحته وحسن اختياره فكلما االميان من مل

كان بذلك أعرف كان به أرضي فقضاء الرب سبحانه يف عبده دائر بني العدل واملصلحة واحلكمة والرمحة ال صييت بيدك ماض يف خيرج عن ذلك البته كما قال يف الدعاء املشهور اللهم اين عبدك ابن عبدك أبن أمتك نا

حكمك عدل يف قضاؤك أسألك بكل اسم ه لك مسيت به نفسك أو أنزلته يف كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به ىف علم الغيب عندك ان جتعل القرآن ربيع قليب ونور صدري وجالء حزين وذهاب مهي وغمي

ا قالوا أفال نتعلمهن يا رسول اهللا قال بال ينبغى ملن ما قاهلا أحد قط اال أذهب اهللا مهه وغمه وأبدله مكانه فرج يسمعهن أن يتعلمهن

واملقصود قوله عدل يف قضاؤك وهذا يتناول كل قضاء يقضيه علي عبده من عقوبة أو أمل وسبب ذلك فهو الذي قضى بالسبب وقضي باملسبب وهو عدل يف هذا القضاء وهذا القضاء خري للمؤمن كما قال والذى

يده ال يقضي اهللا للمؤمن قضاء اال كان خريا له وليس ذلك اال للمؤمن قال العالمة ابن القيم فسألت نفسي ب شيخنا هل يدخل ىف ذلك قضاء الذنب فقال نعم بشرطه

فامجل ىف لفظه بشرطه ما يترتب على الذنب من اآلثار احملبوبة هللا من التوبة واالنكسار والندم واخلضوع والذل ذلك والبكاء وغري

فائدة ال تتم الرغبة ىف اآلخرة اال بالزهد ىف الدنيا وال يستقيم الزهد

ىف الدنيا اال بعد نظرين صحيحني نظر ىف الدنيا وسرعة زواهلا وفنائها واضمحالهلا ونقصها وخستها وأمل املزامحة طاع مع ما يعقب عليها واحلرص عليها وما ىف ذلك من الغصص والنغص واالنكاد وآخر ذلك الزوال واالنق

من احلسرة واألسف فطالبها ال ينفك من هم قبل حصوهلا وهم حال الظفر هبا وغم وحزن بعد فواهتا فهذا أحد النظرين

النظر الثاين النظر يف اآلخرة واقباهلا وجميئها وال بد ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من اخلريات واملسرات ى كمال اهللا سبحانه واآلخرة خري وأبقى فهى خريات كاملة دائمة وهذه والتفاوت الذي بينه وبني ما هنا فه

خياالت ناقصة منقطعة مضمحلة فاذا مت له هذان النظران آثر ما يقتضي العقل ايثاره وزهد فيما يقتضي الزهد ملنتظرة اىل فيه فكل أحد مطبوع على ان ال يترك النفع العاجل واللذة احلاضرة اىل النفع اآلجل واللذة الغائبة ا

اذا تبني له فضل األجل على العاجل وقويت رغبته ىف األعلى األفضل فاذا آثر الفاين الناقص كان ذلك اما لعدم تبني الفضل له وأما لعدم رغبته يف االفضل

وكل واحد من االمرين يدل على ضعف االميان وضعف العقل والبصرية فان الراغب ىف الدنيا احلريص عليه ا اما ان يصدق بان ما هناك أشرف وأفضل وأبقى وإما أن ال يصدق بذلك كان عادما لالميان رأسا وان املؤثر هل

صدق بذلك ومل يؤثره كان فاسد العقل سيء االختيار لنفسه وهذا تقسيم حاضر ضروري ال ينفك العبد من أحد القسمني منه فايثار الدنيا على اآلخرة

Page 49: الفوائد لإبن القيم

فساد ىف العقل وما أكثر ما يكون منهما وهلذا نبذها رسول اهللا وراء ظهره هو أما من فساد ىف االميان واما منوأصحابه وصرفوا عنها قلوهبم واطرحوها ومل يألفوها وهجورها ومل مييلوا اليها وعدوها سجنا ال جنة فزهدوا

عليه مفاتيح فيها حقيقة الزهد ولو أرادوها لنالوا منها كل حمبوب لوصلوا منها اىل كل مرغوب فقد عرضت كنوزها فردها وفاضت على أصحابه فآثروا هبا ومل يبيعوا حظهم من اآلخرة هبا وعلموا أهنا معرب وممر ال دار

مقام ومستقر وأهنا دار عبور ال دار سرور واهنا سحابة صيف تنقشع عن قليل وخيال طيف ما استتم الزيارة كراكب قال ىف ظل شجرة مث راح وتركها وقال ما الدنيا يف حىت أذن بالرحيل قال النيب ماىل وللدنيا امنا انا

اآلخرة اال كما يدخل أحدكم أصبعه ىف اليم فلينظر مبا ترجع وقال خالقها سبحانه أمنا مثل حياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات االرض مما يأكل الناس واألنعام حىت اذا أخذت االرض زخرفها وازينت

لها أهنم قادرون عليها أتاها أمرنا ليال أو هنارا فجعلناها حصيدا كأن مل تغن باالمس كذلك نفصل وظن أهاآليات لقوم يتفكرون واهللا يدعو اىل دار السالم ويهدى من يشاء اىل صراط مستقيم فاخرب عن خسة الدنيا

ياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء وزهد فيها وأخرب عن دار السالم ودعا اليها وقال تعاىل واضرب هلم مثل احلفاختلط به نبات االرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان اهللا على كل شيء مقتدرا املال والبنون زينة احلياة الدنيا والباقيات الصاحلات خري عند ربك ثوابا وخري أمال وقال تعاىل اعلموا امنا احلياة الدنيا لعب وهلو وزينة

اثر يف األموال واألوالد كمثل غيث أعجب الكفار نباته مث يهيج فتراه مصفرا مث يكون وتفاخر بينكم وتك حطاما وىف اآلخرة عذاب شديد ومغفرة من اهللا ورضوان وما احلياة الدنيا اال متاع الغرور وقال تعاىل

املسومة واألنعام وزين للناس حب الشهوات من النساء والبنني والقناطري املقنطرة من الذهب والفضة واخليل واحلرث ذلك متاع احلياة الدنيا واهللا وعنده حسن

املآب قل أؤنتبكم خبري منكم للذين اتقوا عند رهبم جنات جتري من حتتها االهنار خالدين فيها وأزواج مطهرة رة اال متاع ورضوان من اهللا واهللا بصري بالعباد وقال تعايل وفرحوا باحلياة الدنيا وما احلياة الدنيا ىف اآلخ

وقد توعد سبحانه أعظم الوعيد ملن رضي باحلياة الدنيا وأطمأن هبا وغفل عن آياته ومل يرج لقاءه فقال ان الذين ال يرجون لقاءنا ورضوا باحلياة الدنيا واطمأنوا هبا والذين هم عن آياتنا غافلون اولئك مأواهم النار مبا كانوا

من املؤمنني فقال يا أيها الذين آمنوا مالكم اذا قيل لكم انفروا ىف سبيل يكسبون وعري سبحانه من رضى بالدنيااهللا اثاقلتم ايل االرض أرضيتم باحلياة الدنيا من اآلخرة فما متاع احلياة الدنيا يف اآلخرة اال قليل وعلي قدر

لزهد ىف الدنيا قوله تعاىل رغبة العبد ىف الدنيا ورضاه هبا يكون تثاقله عن طاعة اهللا وطلب اآلخرة ويكفى يف باا أغىن عنهم ما كانوا يتمتعون وقوله ويوم حنشرهم كأن ا كانوا يوعدون م أفرأيت ان متعناهم سنني مث جاءهم م

مل يلبثوا اال ساعة من النهار يتعارفون بينهم وقوله كأهنم يوم يرون ما يوعدون مل يلبثو اال ساعة من هنار بالغ قون وقوله تعاىل يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها اىل ربك فهل يهلك اال القوم الفاس

منتهاها إمنا أنت منذر من خيشاها كأهنم يوم يروهنا مل يلبثوا اال عشية اوضحاها وقوله ويوم تقوم الساعة يقسم أو بعض يوم فاسأل العادين اجملرمون ما لبثوا غري ساعة وقوله قال كم لبثتم ىف األرض عدد سنني قالوا لبثنا يوما

قال ان لبثتم اال قليال لو انكم كنتم تعلمون وقوله يون ينفخ ىف الصور وحنشر اجملرمني يومئذ زرقا يتخافتون

Page 50: الفوائد لإبن القيم

بينهم ان لبثتم اال عشرا حنن أعلم مبا يقولون اذ يقول أمثلهم طريقة ان لبثتم اال يوما واهللا املستعان وعليه التكالن

ا شاء اهللا كان وما ملقاعدة أساس كل خ ري أن تعلم أن م

يشأ مل يكن فتيقن حينئذ أن احلسنات من نعمه فتشكره عليها وتتضرع اليه أن ال يقطعها عنك وان السيئات من خذالنه وعقوبته فتبتهل اليه أن حيول بينك وبينها وال يكلك يف فعل احلسنات وترك السيئات اىل نفسك

خري فأصله بتوفيق اهللا للعبد وكل شر فأصله خذالنه لعبده وأمجعوا أن التوفيق وقد أمجع العارفون على أن كلأن ال يكلك اهللا نفسكوان اخلذالن أن خيلي بينك وبني نفسك فاذا كان كل خري فأصله التوفيق وهو بيد اهللا إىل

ميت أعطى العبد هذا نفسك وأن ال بيد العبد فمفتاحه الدعاء واالفتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة اليه ف املفتاح فقد أراد أن يفتح له وميت أضله عن املفتاح بقى باب اخلري مرجتا دونه

قال أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب اين ال أمحل هم االجابة ولكن هم الدعاء فاذا أهلمت الدعاء فان االجابة معه بحانه واعانته فاملعونة من اهللا تنزل علي العباد وعلى قدرنية العبد ومهته ومراده ورغبته ىف ذلك يكون توفيقه س

علي قدر مهمهم وثباهتم ورغبتهم ورهبتهم واخلذالن ينزل عليهم على حسب ذلك فاهللا سبحانه أحكم احلاكمني وأعلم العاملني يضع التوفيق يف مواضعه الالئقة به واخلذالن يف مواضعه الالئقة به هو العليم احلكيم

من قبل أضاعة الشكر وإمهال االفتقار والدعاء وال ظفر من ظفر مبشيئة اهللا وعونه اال بقيامة وما أيت من أيت االبالشكر وصدق االفتقار والدعاء ومالك ذلك الصرب فانه من االميان مبنزلة الرأس من اجلسد فاذا قطع الرأس

قت النار الذابة القلوب القاسية فال بقاء للجسد ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن اهللا خلأبعد القلوب من اهللا القلب القاسي اذا قسي القلب قحطت العني قسوة القلب من أربعة أشياء اذا جاوزت قدر

احلاجة األكل والنوم والكالم واملخالطة كما

املواعظ ومن ان البدن اذا مرض مل ينفع فيه الطعام والشراب فكذلك القلب اذا مرض بالشهوات مل تنجع فيهأراد صفاء قلبه فليؤثر اهللا على شهوته القلوب املتعلقة بالشهوات حمجوبة عن اهللا بقدر تعلقها هبا القلوب آنية

اهللا ىف أرضه فأحبها اليه أرقها وأصلبها وأصفاها شغلوا قلوهبم بالدنيا ولو شغلوها باهللا والدار اآلخرة جلالت ىف جعت ايل أصحاهبا بغرائب احلكم وطرف الفوائد اذا غذى القلب بالتذكر معاين كالمه وآياته املشهودة ور

وسقى بالتفكر ونقى من الدغل رأى العجائب وأهلم احلكمة ليس كل من حتلى باملعرفة واحلكمة وانتحلها كان رفة من أهلها بل أهل املعرفة واحلكمة الذين أحيوا قلوهبم بقتل اهلوى وأما من قتل قلبه فأحىي اهلوى املع

واحلكمة عارية على لسانه خراب القلب من األمن والغفلة وعمارته من اخلشية والذكر اذا زهدت القلوب ىف موائد الدنيا قعدت علي موائد اآلخرة بني أهل تلك الدعوة واذا رضيت مبوائد الدنيا فاتتها تلك املوائد الشوق

ا من وطن قلبه عند ربه سكن واستراح ومن أرسله ايل اهللا ولقائه نسيم يهب على القلب يروح عنه وهج الدنيىف الناس اضطرب واشتد به القلق ال تدخل حمبة اهللا ىف قلب فيه حب الدنيا اال كما يدخل اجلمل ىف سم االبرة اذ أحب اهللا عبدا اصطنعه لنفسه واجتباه حملبته واستخلصه لعبادته فشغل مهه به ولسانه بذكره وجوارحه خبدمته

رض كما ميرض البدن وشفاؤه يف التوبة واحلمية ويصدأ كما تصدأ املرآة وجالؤه بالذكر ويعري كما والقلب مي

Page 51: الفوائد لإبن القيم

يعري اجلسم وزينته التقوى وجيوع ويظمأ كما جيوع البدن وطعامه وشرابه املعرفة واحملبة والتوكل واالنابة ما سواه بد وال بذلك منه من واخلدمة إياك والغفلة عمن جعل حلياتك أجال وأليامك وأنفاسك أمدا ومن كل

ترك االختيار والتدبري ىف طلب زيادة دنيا أو جاه أو ىف خوف نقصان أو ىف التخلص من عدو توكال علي اهللا وثقة بتدبريه له وحسن اختياره له فالقى كنفه بني يديه وسلم األمر اليه ورضي مبا يقضيه له استراح من

ال تدبريه لنفسه وقع ىف النكد والنصب وسوء احلال والتعب فال عيش اهلموم والغموم واألحزان ومن أيب ايصفو وال قلب يفرح وال عمل يزكو وال أمل يقوم وال راحة تدوم واهللا سبحانه سهل خللقه السبيل اليه

وحجبهم عنه بالتدبري فمن رضى بتدبري اهللا له وسكن اىل اختياره وسلم حلكمه أزال ذلك احلجاب فأفضى ال يسأل غري اهللا وال يرد علي اهللا وال يدخر مع اهللا من شبغل بنفسه القلب اىل ربه واطمأن إليه وسكن املتوكل

شغل عن غريه ومن شغل بربه شغل عن نفسه االخالص هو ما ال يعلمه ملك فيكتبه وال عدو فيفسده وال ا معذبون على قدر مهمهم هبا يعجب به صاحبه فيبطله الرضا سكون القلب حتت جمارى األحكام الناس ىف الدني

للقلب ستة مواطن جيول فيها ال سابع هلا ثالثة سافلة وثالثة عالية فالسافلة دنيا تزين له ونفس حتدثه وعدو يوسوس له فهذه مواطن األرواح السافلة اليت ال تزال جتول فيها والثالثة العالية علم يتبني له وعقل يرشده واله

هذه املواطن اتباع هلوى وطول األمل مادة كل فساد فان اتباع اهلوى يعمى عن احلق يعبده والقلوب جوالة ىف معرفة وقصدا وطول األمل ينسى اآلخرة ويصد عن االستعداد هلا ال يشم عبد رائحة الصدق ويداهن نفسه أو

زاهدا فيما عنده يداهن غريه اذا أراد اهللا بعبد خريا جعله معترفا بذنبه ممسكا عن ذنب غريه جوادا مبا عندهحمتمال ألذى غريه وان أراد به شرا عكس ذلك عليه اهلمة العلية ال تزال حائمة حول ثالثة أشياء تعرف لصفة

من الصفات العليا تزداد مبعرفتها حمبة وإرادة ومالحظة ملنة تزداد مبالحظتها شكر او اطاعة وتذكر لذنب تزداد وى هذه الثالثة جالت ىف أودية الوساوس واخلطرات من عشق الدنيا بتذكره توبة وخشية فاذا تعلقت اهلمة بس

نظرت ايل قدرها عنده فصريته من خدمها وعبيدها واذلته ومن أعرض عنها نظرت ايل كرب قدره فخدمته وذلت له امنا يقطع السفر

ىت يصل اىل مقصده ويصل املسافر بلزوم اجلادة وسري الليل فاذا حاد املسافر عن الطريق ونام الليل كله فم

فائدة جليلة كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها فال بد أن

يقول علي اهللا غري احلق ىف فتواه وحكمه ىف خربه والزامه الن أحكام الرب سبحانه كثريا ما تأيت على خالف م اال مبخالفة احلق ودفعه أغراض الناس وال سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشبهات فاهنم ال تتم هلم أغراضه

كثريا فاذا كان العامل واحلاكم حمبني للرياسة متبعني للشهوات مل يتم ملا ذلك اال بدفع ما يضاده من احلق وال سيما اذا قامت له شبهة فتتفق الشبهة والشهوة ويثور اهلوى فيخفى الصواب وينطمس وجه احلق وان كان

قدم على خمالفته وقال يل خمرج بالتوبة وىف هؤالء وأشباههم قال تعاىل احلق ظاهرا ال خفاء به وال شبة فيه أفخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات وقال تعاىل فيهم أيضا فخلف من بعدهم خلف ورثوا

الكتاب يأخذون عرض هذا األدين ويقولون سيغفر لنا وان يأتيهم عرض مثله يأخذوه أمل يؤخذ عليهم ميثاق

Page 52: الفوائد لإبن القيم

كتاب أن ال يقولوا على اهللا اال احلق ودرسوا ما فيه والدار اآلخرة خري للذين يتقون أفال تعقلون فاخرب السبحانه أهنم اخذوا العرض األدين مع علمهم بتحرميه عليهم وقالوا سيغفر لنا وان عرض هلم عرض آخر أخذوه

ري احلق فيقولون هذا حكمه وشرعه فهم مصرون على ذلك وذلك هو احلامل هلم على ان يقولوا على اهللا غودينه وهم يعلمون أن دينه وشرعه وحكمه خالف ذلك أوال يعلمون أن ذلك دينه وشرعه وحكمه فتارة

يقولون على اهللا ماال يعلمون وتارة يقولون عليه ما يعلمون بطالنه وأما الذين يتقون فيعلمون أن الدار اآلخرة خري من الدنيا فال حيملهم

ياسة والشهوة على أن يؤثروا الدنيا على اآلخرة وطريق ذلك أن يتمسكوا بالكتاب والسنة ويستعينوا حب الربالصرب والصالة ويتفكروا يف الدنيا وزواهلا وخستها واآلخرة واقباهلا ودوامها وهؤالء ال بد أن يبتدعوا ىف

عني القلب فال مييز بني السنة والبدعة أو الدين مع الفجور يف العمل فيجتمع هلم األمران فان اتباع اهلوى يعمىينكسه فريى البدعة سنة والسنة بدعة فهذه آفة العلماء اذا آثروا الدنيا واتبعوا الرياسات والشهوات وهذه

اآليات فيهم اىل قوله هبا ولكنه واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه

أخلد ايل األرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان حتمل عليه يلهث أو تتركه يلهث فهذا مثل عامل السوء الذي يعمل خبالف علمه

وتأمل ما تضمنته هذه اآلية من ذمة وذلك من وجوه أحدها انه ضل بعد العلم واختار الكفر على االميان عمدا ان مفارقه من ال يعود اليه أبدا فانه انسلخ من اآليات باجلملة كما تنسلخ احلية وال جهال وثانيها أنه فارق االمي

من قشرها ولو بقى معه منها شيء مل ينسلخ منها وثالثها أن الشيطان أدركه وحلقه حبيث ظفر به وافترسه وهلذا لفظا ومعىن ورابعها أنه غوى قال فاتبعه الشيطان ومل يقل تبعه فان ىف معىن اتبعه أدركه وحلقه وهو أبلغ من تبعه

بعد الرشد والغى الضالل ىف العلم والقصد وهو أخص بفساد القصد والعمل كما أن الضالل أخص فساد العلم واالعتقاد فاذا أفرد أحدمها دخل فيه اآلخر وإن اقترنا فالفرق ما ذكر وخامسها أنه سبحانه مل يشأ أن

ع به فصار وباال عليه فلو مل يكن عاملا كان خريا له وأخف لعذابه يرفعه بالعلم فكان سبب هالكه ألنه مل رفوسادسها انه سبحانه اخرب عن خسة مهته وأنه اختار االسفل االدين على االشرف االعلى وسابعها أن اختياره

لالدين مل يكن عن خاطر وحديث نفس ولكنه كان عن اخالد اىل االرض وميل بكليته اىل ما هناك وأصل د اللزوم على الدوام االخال

كأنه قيل لزم امليل اىل االرض ومن هذا يقال أخلد فالن باملكان اذا لزم االقامة به قال مالك بن نويرة وعمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا ... بأبناء حى من قبائل مالك

خرج منها من الزينة واملتاع وعرب عن ميله اىل الدنيا باخالده اىل االرض الن الدنيا هي االرض وما فيها وما يستوثامنها أنه رغب عن هداه واتبع هواه فجعل هواه اماما له يقتدي به ويتبعه وتاسعها أنه شبهه بالكلب الذي هو

أخس احليوانات مهه وأسقطها نفسا وأخبلها وأشدها كلبا وهلذا مسى كلبا وعاشرها أنه شبه هلثه على الدنيا حرصه على حتصيلها بلهث الكلب ىف حاليت تركه واحلمل عليه بالطرد وعدم صربه عنها وجزعه لفقدها و

وهكذا هذا ان ترك فهو هلثان على الدنيا وان وعظ وزجر فهو كذلك فاللهث ال يفارقه ىف كل حال كلهث

Page 53: الفوائد لإبن القيم

الكلب قال ابن قتيبة كل شيء يلهث فامنا يلهث من اعياء أو عطش اال الكلب فانه يلهث ىف حال الكالل ة وحال الري وحال العطش فضربه اهللا مثال هلذا الكافر فقال ان وعظته فهو ضال وان تركته فهو وحال الراح

ضال كالكلب ان طردته هلث وان تركته على حاله هلث وهذا التمثيل مل يقع بكل كلب وامنا وقع بالكلب الالهث وذلك أخس ما يكون وأشنعه

وأما العابد اجلاهلفصل فهذا حال العامل املؤثر الدنيا علي اآلخرة

فآفته من إعراضه عن العلم وأحكامه وغلبة خياله وذوقه ووجده وما هتواه نفسه وهلذا قال سفيان ابن عيينة وغريه احذروا فتنة العامل الفاجر وفتنة العابد اجلاهل فان فتنتهما فتنة لكل مفتون فهذا جبهله يصد عن العلم

ضرب اهللا سبحانه مثل النوع اآلخر بقوله كمثل الشيطان اذ قال وموجبه وذاك بغية يدعو اىل الفجور وقد لالنسان اكفر فلما كفر قال اين برىء منك اين أخاف اهللا رب العاملني فكان عاقبتهما

أهنما ىف النار خلدين فيها وذلك جزاء الظاملني وقصته معروفة فانه بىن أساس أمره على عبادة اهللا جبهل فاوقعه وكفره جبهله فهذا امام كل عابد جاهل يكفر وال يدري وذاك امام كل عامل فاجر خيتار الدنيا الشيطان جبهله

على اآلخرة وقد جعل سبحانه رضى العبد بالدنيا وطمأنينته وغفلته عن معرفة آياته وتدبرها والعمل هبا سبب يف قلب من ال يؤمن باملعاد وال شقائه وهالكه وال جيتمع هذان أعىن الرضى بالدنيا والغفلة عن آيات الرب اال

يرجو لقاء رب العباد واال فلو رسخ قدمه ىف االميان باملعاد ملا رضى الدنيا وال اطمأن اليها وال أعرض عن آيات اهللا وأنت اذا تأملت احوال الناس وجدت هذا الضرب هو الغالب علي الناس وهم عمار الدنيا وأقل الناس

و من أشد الناس غربة بينهم هلم شان وله شأن علمه غري علومهم وإرادته عددا من هو على خالف ذلك وهغري إرادهتم وطريقه غري طريقهم فهو ىف واد وهم ىف واد قال تعايل ان الذين ال يرجون لقاءنا ورضوا باحلياة

الدنيا واطمأنوا هبا والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار مبا كانوا يكسبون ر وصف ضد هؤالء ومآهلم وعاقبتهم بقوله ان الذين آمنوا وعملوا الصاحلات يهديهم رهبم بامياهنم جتري مث ذك

من حتتهم االهنار ىف جنات النعيم فهؤالء امياهنم بلقاء اهللا أورثهم عدم الرضا بالدنيا والطمأنينة اليها ودوام ذكر ميان به والغفلة عنه آياته فهذه مواريث االميان باملعاد وتلك مواريث عدم اال

ا اكتسبته النفوس وحصلته القلوب العبد ونال به فائدة عظيمة افضل م

العبد الرفعة ىف الدنيا واآلخرة هو العلم واألميان وهلذا قرن بينهما سبحانه ىف قوله وقال الذين أوتوا العلم آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات واالميان لقد لبثتم ىف كتاب اهللا اىل يوم البعث وقوله يرفع اهللا الذين

وهؤالهم خالصة الوجود ولبه واملؤهلون للمراتب العالية ولكن أكثر الناس غالطون ىف حقيقة مسمى العلم واالميان اللذين هبما

ا معها من العلم واالميان هو هذا الذي به تنال السعادة والرفقة وىف حقيقتهما حيت ان كل طائفة تظن ان مادة وليس كذلك بل أكثرهم ليس معهم اميان ينجى وال علم يرفع بل قد سدوا على نفوسهم طرق العلم السع

Page 54: الفوائد لإبن القيم

واالميان اللذين جاء هبما الرسول ودعا اليهما األمة وكان عليهما هو وأصحابه من بعده وتابعوهم على منهاجهم وآثارهم

نهم زبرا كل حزب مبا لديهم فرحون واكثر ما فكل طائفة اعتقدت ان العلم ما معها وفرحت وتقطعوا أمرهم بيعندهم كالم وآراء وخرص والعلم وراء الكالم كما قال محاد بن زيد قلت اليوب العلم اليوم اكثر او فيما

تقدم فقال الكالم اليوم اكثر والعلم فيما تقدم أكثر املقدرات الذهنية كثرية والعلم ففرق هذا الراسخ بني العلم والكالم فالكتب كثرية جدا والكالم واجلدال و

ا جاء به الرسول عن اهللا قال تعاىل مبعزل عن أكثرها وهو م فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم وقال

ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من لعلم وقال ىف القرآن انزله بعلمه أى وفيه علمه لناس اىل أن اختذوا هواجس االفكار وسوانح اخلواطر واآلراء وملا بعد العهد هبذا العلم آل األمر بكثري من ا

علما ووضعوا فيها الكتب وأنفقوا فيها االنفاس فضيعوا فيها الزمان ومألوا هبا الصحف مدادا والقلوب سوادا حىت صرح كثري منهم انه ليس ىف القرآن والسنة علم وان أدلتها لفظية ال تفيد يقينا وال علما وصرخ الشيطان

هبذه الكلمة فيهم وأذن هبا بني أظهرهم حيت أمسعها دانيهم لقاصيهم فانسلخت هبا القلوب من العلم واالميان كانسالخ احلية من قشرها والثوب عن البسه قال االمام العالمة مشس الدين ابن القيم ولقد أخربين بعض

تبهم ومل حيفظ القرآن فقال له لو حفظت أصحابنا عن بعض اتباع اتباع تالميذ هؤالء انه رآه يشتغل يف بعض كالقرآن أوال كان أويل فقال وهل ىف القرآن علم قال ابن القيم وقال يل بعض أئمة هؤالء امنا نسمع احلديث

الجل الربكة ال لنستفيد

منه العلم الن غرينا قد كفانا هذه املؤونة فعمدتنا على ما فهموه قرروه وال شك ان من كان هذا مبلغه من العلم فهو كما قال القائل ونزلت بالبطحاء أبعد منزل ... نزلوا مبكة ىف قبائل هاشم

قال وقال يل شيخنا مرة ىف وصف هؤالء اهنم طافوا على أرباب املذاهب ففازوا بأخس املطالب ويكفيك دليال ة بعضه لبعض قال على ان هذا الذى عندهم ليس من عند اهللا ما ترى فيه من التنقائض واالختالف ومصادم

تعايل ولو كان من عند غري اهللا لوجدوا فيه اختالفا كثريا وهذا يدل على ان ما كان من عنده سبحانه ال خيتلف وأن ما اختلف وتناقض فليس من عنده وكيف تكون اآلراء واخلياالت وسوانح االفكار دينا يدان به وحيكم به

على اهللا ورسوله سبحانك هذا هبتان عظيم د كان علم الصحابة الذى يتذاكرون فيه غري علوم هؤالء املختلفني اخلراصني كما حكى احلاكم ىف ترمجة أىب وق

عبد اهللا البخارى قال كان أصحاب رسول اهللا اذا اجتمعوا امنا يتذاكرون كتاب رهبم وسنة نبيهم ليس بينهم رأى وال قياس ولقد أحسن القائل

قال الصحابة ليس بالتمويه ... العلم قال اهللا قال رسوله بني الرسول وبني رأى فقيه ... ما العلم نصبك للخالف سفاهة حذرا من التمثيل والتشبيه فصل ... كال وال جحد الصفات ونفيها

Page 55: الفوائد لإبن القيم

وأما االميان فأكثر الناس أو كلهم يدعونه وما أكثر الناس ولو حرصت مبؤمنني وأكثر املؤمنني امنا عندهم اميان االميان املفصل مبا جاء به الرسول معرفة وعلما وإقرارا وحمبة ومعرفة بضده وكراهيته وبغضه فهذا جممل وأما

اميان

خواص االمة وخاصة الرسول وهو اميان الصديق وحزبه وكثري من الناس حظهم من االميان االقرار بوجود نكره عباد األصنام من قريش الصانع وأنه وحده الذي خلق السموات واالرض وما بينهما وهذا مل يكن ي

وحنوهم وآخرون االميان عندهم هو التكلم بالشهادتني سواء كان معه عمل أو مل يكن وسواء وافق تصديق القلب أو خالفه وآخرون عندهم االميان جمرد تصديق القلب بأن اهللا سبحانه خالق السموات واالرض وأن

شيئا بل ولو سب اهللا ورسوله وأتى بكل عظيمة وهو يعتقد حممدا عبده ورسوله وان مل يقر بلسانه ومل يعملوحدانية اهللا ونبوة رسوله فهو مؤمن وآخرون عندهم االميان هو جحد صفات الرب تعايل من علوه على عرشه

وتكلمه بكلماته وكتبه ومسعه وبصره ومشيئته وقدرته وارادته وحبه وبغضه وغري ذلك مما وصف به نفسه االميان عندهم انكار حقائق ذلك كله وجحده والوقوف مع ما تقتضيه آراء املتهوكني ووصفه به رسوله ف

وأفكار املخرصني الذين يرد بعضهم على بعض وينقض بعضهم قول بعض الذين هم كما قال عمر بن اخلطاب ان عبادة واالمام أمحد خمتلفون ىف الكتاب خمالفون للكتاب متفقون على مفارقة الكتاب وآخرون عندهم االمي

اهللا حبكم أذواقهم ومواجيدهم وما هتواه نفوسهم من غري تقييد مبا جاء به الرسول وآخرون االميان عندهم ما وجدوا عليه آباءهم وأسالفهم حبكم االتفاق كائنا ما كان بل امياهنم مبىن علي مقدمتني احدامها أن هذا قول

آخرون عندهم االميان مكارم االخالق وحسن املعاملة وطالقة أسالفنا وآبائنا والثانية أن ما قالوه فهو احلق والوجه واحسان الظن بكل أحد وختلية الناس وغفالهتم وآخرون عندهم االميان التجرد من الدنيا وعالئقها وتفريغ القلب منها والزهد فيها فاذا رأوا رجال هكذا جعلوه من سادات أهل االميان وان كان منسلخا من

ا وعمال وأعلي من هؤالء من جعل االميان هو جمرد العلم وان مل يقارنه عمل وكل هؤالء مل يعرفوا االميان علم حقيقة االميان وال قاموا به وال قام هبم وهم أنواع منهم من جعل االميان ما يضاد االميان ومنهم

يه وال يكفى يف حصوله ومنهم من اشترط من جعل االميان ما ال يعترب ىف االميان ومنهم من جعله ما هو شرط ف ىف ثبوته ما يناقضه ويضاده ومنهم من اشترط فيه ما ليس منه بوجه االميان

ا جاء به الرسول علما والتصديق به عقدا واالقرار به واالميان وراء ذلك كله وهو حقيقة مركبة من معرفة ملدعوة اليه حبسب االمكان وكماله يف احلب نطقا واالنقياد له حمبة وخضوعا والعمل به باطنا وظاهرا وتنفيذه وا

ىف اهللا والبغض ىف اهللا والعطاء هللا واملنع هللا وأن يكون اهللا وحده اهله ومعبوده والطريق اليه جتريد متابعة رسوله ظاهرا وباطنا وتغميض عني القلب عن االلتفات ايل سوى اهللا ورسوله وباهللا التوفيق من اشتغل باهللا عن نفسه

مؤونة نفسه ومن اشتغل باهللا عن الناس كفاه اهللا مؤونة الناس ومن اشتغل بنفسه عن اهللا وكله اهللا ايل كفاء اهللا نفسه ومن اشتغل بالناس عن اهللا وكله اهللا اليهم

فائدة جليلة امنا جيد املشقة ىف ترك املألوفات والعوائد من تركها لغري

Page 56: الفوائد لإبن القيم

فانه ال جيد ىف تركها مشقة اال ىف أول وهلة ليمتحن اصادق هو ىف اهللا فأما من تركها صادقا خملصا من قلبه هللاتركها أم كاذب فان صرب على تلك املشقة قليال استحالت لذة قال ابن سريين مسعت شرحيا حيلف باهللا ما ترك

يعوض عبد هللا شيئا فوجد فقده وقوهلم من ترك هللا شيئا عوضه اهللا خريا منه حق والعوض أنواع خمتلفة وأجل ما به األنس باهللا وحمبته وطمأنينة القلب به وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعاىل

أغىب الناس من ضل يف آخر سفره وقد قارب املنزل العقول املؤيدة

بالتوفيق ترى ان ما جاء به الرسول هو احلق املوافق للعقل واحلكمة والعقول املضروبة باخلذالن تري املعارضة والنقل وبني احلكمة والشرع أقرب الوسائل اىل اهللا مالزمة السنة والوقوف معها ىف الظاهر والباطن بني العقل

ودوام االفتقار اىل اهللا وإرادة وجهه وحده باالقوال واالفعال وما وصل أحد ايل اهللا اال من هذه الثالثة وما عليها سعادة العبد ثالثة ولكل واحد منها انقطع عنه أحد اال بانقطاعه عنها أو عن أحدها االصول اليت انبىن

ضد فمن فقد ذلك االصل حصل علي ضده التوحيد وضده الشرك والسنة وضدها البدعة والطاعة وضدها يما عنده ومن الرهبة منه ومما عنده املعصية وهلذه الثالثة ضد واحد وهو خلو القلب من الرغبة ىف اهللا وف

قاعدة جليلة قال اهللا تعايل

لك نفصل اآليات ولتستبني سبيل اجملرمني وقال ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبني له اهلدى ويتبع غري وكذسبيل املؤمنني نوله ما توىل اآلية واهللا تعاىل قد بني ىف كتابه سبيل املؤمنني مفصلة وسبيل اجملرمني مفصلة وعاقبة

الء وأولياء هؤالء وأولياء هؤالء وخذالنه هلؤالء هؤالء مفصلة وعاقبة هؤالء مفصلة وأعمال هؤالء وأعمال هؤوتوفيقه هلؤالء واالسباب الىت وفق هبا هؤالء واالسباب الىت خذل هبا هؤالء وجال سبحانه األمرين يف كتابه

وكشفهما وأوضحهما وبينهما غاية البيان حىت شاهدهتما البصائر كمشاهدة االبصار للضياء والظالم ابه ودينه عرفوا سبيل املؤمنني معرفة تفصيلية وسبيل اجملرمني معرفة تفصيلية فاستبانت هلم فالعاملون باهللا وكت

السبيالن كما يستيبني للسالك الطريق املوصل ايل مقصوده والطريق املوصل اىل اهللكة فهؤالء أعلم اخللق بعدهم اىل يوم وأنفعهم للناس وأنصحهم هلم وهم االدالء اهلداة برز الصحابة علي مجيع من أيت

القيامة فاهنم نشأوا ىف سبيل الظالل والكفر والشرك والسبل املوصلة ايل اهلالك وعرفوها مفصلة مث جاءهم الرسول فأخرجهم من تلك الظلمات اىل سبيل اهلدى وصراط اهللا املستقيم فخرجوا من الظلمة الشديدة اىل

لعلم ومن الغى اىل الرشاد ومن الظلم اىل العدل ومن احلرية النور التام ومن الشرك اىل التوحيد ومن اجلهل اىل اوالعمى اىل اهلدى والبصائر فعرفوا مقدار ما نالوه وظفروا به ومقدار ما كانوا فيه فان الضد يظهر حسنه الضد

ا انتقلوا عنه وكا نوا أحب وامنا تتبني األشياء بأضدادها فازدادوا رغبة وحمبة فيما انتقلوا اليه ونفرة وبغضا مل الناس ىف التوحيد واالميان واالسالم وأبغض الناس ىف ضده عاملني بالسبيل على التفصيل

وأما من جاء بعد الصحابة فمنهم من نشأ ىف االسالم غري عامل تفصيل ضده فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل حدمها كما قال عمر بن اخلطاب امنا املؤمنني بسبيل اجملرمني فان اللبس امنا يقع اذا ضعف العلم بالسبيلني أو أ

تنقض عري االسالم عروة اذا نشأ ىف االسالم من مل يعرف اجلاهلية وهذا من كمال علم عمر رضي اهللا عنه

Page 57: الفوائد لإبن القيم

اهنا منسوبة اىل ا خالف ما جاء به الرسول فانه من اجلاهلية ف فانه اذا مل يعرف اجلاهلية وحكمها وهو كل ممن اجلهل فمن مل يعرف سبيل اجملرمني ومل تستنب له أوشك أن يظن ىف بعض اجلهل وكل ما خالف الرسول فهو

سبيلهم اهنا من سبيل املؤمنني كما وقع ىف هذه األمة من أمور كثرية ىف باب االعتقاد والعلم والعمل هي من اليها وكفر من سبيل اجملرمني والكفار وأعداء الرسل أدخلها من مل يعرف اهنا من سبيلهم يف سبيل املؤمنني ودعا

خالفها واستحل منه ما حرمه اهللا ورسوله كما وقع الكثر أهل البدع من اجلهمية والقدرية واخلوارج والروافض وأشباههم ممن ابتدع بدعة ودعا اليها وكفر من خالفها

علما وعمال والناس ىف هذا املوضع أربع فرق االويل من استبان له سبيل املؤمنني وسبيل اجملرمني على التفصيل وهؤالء أعلم اخللق الفرقة الثانية من

عميت عنه السبيالن من أشباه األنعام وهؤالء بسبيل اجملرمني أحضر وهلا أسلك الفرقة الثالثة من صرف عنايته اىل معرفة سبيل املؤمنني دون ضدها فهو يعرف ضدها من حيث اجلملة واملخالفة وأن كل ما خالف سبيل

طل وان مل يتصوره على التفصيل بل اذا مسع شيئا مما خالف سبيل املؤمنني صرف مسعه عنه ومل املؤمنني فهو بايشغل نفسه بفهمه ومعرفة وجه بطالنه وهو مبنزلة من سلمت نفسه من ارادة الشهوات فلم ختطر بقلبه ومل

هنا علي تركها اهللا وقد كتبوا تدعه اليها نفسه خبالف الفرقة األوىل فاهنم يعرفوهنا ومتيل اليها نفوسهم وجياهدوبن اخلطاب يسألونه عن هذه املسالة أميا أفضل رجل مل ختطر له الشهوات ومل متر بباله أو رجل نازعته اىل عمر اليها نفسه فتركها هللا فكتب عمر ان الذى تشتهى نفسه املعاصي ويتركها هللا عز و جل من الذين امتحن اهللا

ر عظيم وهكذا من عرف البدع والشرك والباطل وطرقه فأبغضها هللا وحذرها قلوهبم للتقوى هلم مفغرة وأجوحذر منها ودفعها عن نفسه ومل يدعها ختدش وجه اميانه وال تورثه شبهة وال شكا بل يزداد مبعرفتها بصرية ىف

لبه وتصورت له احلق وحمبة له وكراهة هلا ونفرة عنها أفضل ممن ال ختطر بباله وال متر بقلبه فانه كلما مرت بقازداد حمبة للحق ومعرفة بقدره وسرورا به فيقوى اميانه به كما ان صاحب خواطر الشهوات واملعاصي كلما

مرت به فرغب عنها اىل ضدها ازداد حمبة لضدها ورغبة فيه وطلبا له وحرصا عليه فما ابتلي اهللا سبحانه عبده ال ليسوقه هبا ايل حمبة ما هو أفضل منها وخري له وأنفع املؤمن مبحبة الشهوات واملعاصي وميل نفسه اليها ا

وأدوم وليجاهد نفسه على تركها له سبحانه فتورثه تلك اجملاهدة الوصول اىل احملبوب األعلى فكلما نازعته نفسه اىل تلك الشهوات وشتدت ارادته هلا وشوقه اليها صرف ذلك الشوق واالرادة واحملبة اىل النوع العايل

فكان طلبه له أشد وحرصه عليه أمت خبالف النفس الباردة اخلالية من ذلك فاهنا وان كانت طالبة لألعلى الدائم لكن بني الطلبني فرق عظيم أال ترى ان من مشي اىل حمبوبة على اجلمر

والشوك أعظم ممن مشي إليه راكبا على النجائب فليس من آثر حمبوبه مع منازعة نفسه كمن آثره مع عدم زعتها اىل غريه فهو سبحانه يبتلي عبده بالشهوات إما حجابا له عنه أو حاجبا له يوصله اىل رضاه وقربه منا

وكرامته الفرقة الرابعة فرقة عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة وسبيل املؤمنني جمملة وهذا حال كثري ا جاء به الرسول كذلك بل ممن اعتىن مبقاالت األمم ومقاالت أهل البدع فعرفها على التفصيل و مل يعرف م

ا عرفه معرفة جمملة وان تفصلت له يف بعض األشياء ومن ت أمل كتبهم رأى ذلك عيانا وكذلك من كان عارفبطرق الشر والظلم والفساد على التفصيل سالكا هلا اذا تاب ورجع عنها اىل سبيل األبرار يكون علمه هبا

Page 58: الفوائد لإبن القيم

جممال غري عارف هبا على التفصيل معرفة من أفىن عمره ىف تصرفها وسلوكها لتجتنب تبغض كما جيب أن تعرف سبيل أوليائه لتحب واملقصود ان اهللا سبحانه حيب أن تعرف سبيل أعدائه

وتسلك وىف هذه املعرفة من الفوائد واألسرار ماال يعلمه اال اهللا من معرفة عموم ربوبيته سبحانه وحكمته وكمال أمسائه وصفاته وتعلقها مبتعلقاهتا واقتضائها آلثارها وموجباهتا وذلك من أعظم الداللة على ربوبيته

ه وحبه وبغضه وثوابه وعقابه واهللا أعلم وملكه وإهليتأرباب احلوائج على باب امللك يسألون قضاء حوائجهم وأولياؤه احملبون له الذين هو مههم ومرادهم جلساؤه

وخواصه فاذا أراد قضاء حاجة واحد من أولئك اذن لبعض جلسائه وخاصته أن يشفع فيه رمحة له وكرامة الباب مضروبون بسياط العبد للشافع وسائر الناس مطرودون عن

ال فصل عشرة أشياء ضائعة ال ينتفع هبا علم ال يعمل به وعمل

اخالص فيه وال اقتداء ومال ال ينفق منه فال يستمتع به جامعة يف الدنيا وال يقدمه

ة ال تتقيد امامه اىل اآلخرة وقلب فارغ من حمبة اهللا والشوق اليه واألنس به وبدن معطل من طاعته وخدمته وحمببرضاء احملبوب وامتثال أوامره ووقت معطل عن استدراك فارطه أو اغتنام بر وقربه وفكر جيول فيما ال ينفع وخدمة من ال تقربك خدمته اىل اهللا وال تعود عليك بصالح دنياك وخوفك ورجاؤك ملن ناصيته بيد اهللا وهو

وال حياة وال نشورا أسرب ىف قبضته وال ميلك لنفسه حذرا وال نفعا وال موتاوأعظم هذه االضاعات اضاعتان مها أصل كل اضاعة اضاعة القلب واضاعة الوقت فاضاعة القلب من ايثار

الدنيا على اآلخرة واضاعة الوقت من طول األمل فاجتمع الفساد كله ىف اتباع اهلوى وطول األمل والصالح ن كله ىف اتباع هلدى واالستعداد للقاء واهللا املستعا

العجب ممن تعرض له حاجة فيصرف رغبته ومهته فيها ايل اهللا ليقضيها له وال يتصدى للسؤال حلياة قلبه من موت اجلهل واالعراض وشفائه من داء الشهوات والشبهات ولكن اذا مات القلب مل يشعر مبعصيته

فصل هللا سبحانه على عبده أمر أمره به وقضاء يقضيه عليه ونعمة ينعم

يه فال ينفك من هذه الثالثة والقضاء نوعان اما مصائب واما معائب وله عليه عبودية ىف هذه املراتب هبا علكلها فأحب اخللق اليه من عرف عبوديته ىف هذه املراتب ووفاها حقها فهذا اقرب اخللق اليه وأبعدهم منه من

امتثاله اخالصا واقتداءا برسول اهللا وىف جهل عبوديته ىف هذه املراتب فعطلها علما وعمال فعبوديته ىف األمر والنهى اجتنابه خوفا منه واجالال وحمبة وعبوديته ىف قضاء املصائب الصرب عليها مث الرضا هبا وهو أعلى منه مث الشكر عليها وهو أعلى من الرضا وهذا إمنا يأتى منه اذا متكن حبه من قلبه وعلم حسن اختياره له وبره به

ولطفه به

ه اليه باملصيبة وان كره املصيبة وعبوديته ىف قضاء املعائب املبادرة اىل التوبة منها والتنصل والوقوف يف وإحسانمقام االعتذار واالنكسار عاملا بانه ال يرفعها عنه اال هو وال يقيه شرها سواه وأهنا ان استمرت أبعدته من ربه

Page 59: الفوائد لإبن القيم

ىت انه لرياها أعظم من ضر البدن فه عائذ برضاه من وطردته من بابه فرياها من الضر الذي ال يكشفه غريه حسخطه وبعفوه من عقوبته وبه منه مستجري وملتجىء منه اليه بعلم أنه ان ختلى عنه وخلى بينه وبني نفسه فعده و أمثاهلا وشر منها وانه ال سبيل له اىل االقالع والتوبة اال بتوفيقه وإعانته وأن ذلك بيده سبحانه ال بيد العبد فه

أعجز وأضعف وأقل من أن يوفق نفسه أو يأيت مبرضاة سيده بدون إذنه ومشيئته وإعانته فهو ملتجىء اليه متضرع ذليل مسكني ملق نفسه بني يديه طريح بابه مستخذله أذل شيء واكسره له وأفقره وأحوجه اليه

ا انه ال خرب فيه وال له وال به وال وأرغبه فيه واحبه له بدنه متصرف ىف اشغاله وقلبه ساجد بني يديه يعلم يقينمنه وان اخلري كله هللا وىف يديه وبه ومنه فهو ويل نعمته ومبتدئه هبا من غري استحقاق وجمريها عليه مع متقته اليه

باعراضه وغفلته ومعصيته فحظه سبحانه احلمد والشكر والثناء وحظ العبد الذم والنقص والعيب قد استأثر لثناء ووىل العبد املالمة والنقائص ولعيوب فاحلمد كله له واخلري كله يف يديه والفضل كله له باحملامد واملدح وا

والثناء كله له واملنة كلها له فمنه االحسان ومن العبد االساءة ومنه التودد ايل العبد بنعمه ومن العبد التبغض اليه مبعاصيه ومنه النصح لعبده ومن العبد الغش له ىف معاملته

ما عبودية النعم فمعرقتها واالعتراف هبا أوال مث العياذ به ان يقع ىف قلبه نسبتها وإضافتها ايل سواه وان كان وأسببا من األسباب فهو مسببه ومقيمه فالنعمة منه وحده بكل وجه واعتبار مث الثناء هبا عليه وحمبته عليها وشكره

ن يكثر قليلها عليه ويستقل كثري شكره عليها وبعلم اهنا بأن يستعملها ىف طاعته ومن لطائف التعبد بالنعم أ وصلت اليه من سيده من غري مثن بذله فيها وال وسيلة منه توسل

هبا اليه وال استحقاق منه هلا واهنا هللا ىف احلقيقة ال للعبد فال تزيده النعم اال انكسارا وذال وتواضعا وحمبة للمنعم ية وحمبة وخضوعا وذال وكلما أحدث له قبضا احدث له رضي وكلما وكلما جدد له نعمه أحدث هلا عبود

أحدث ذنبا أحدث له توبة وانكسارا واعتذارا فهذا هو العبد الكيس والعاجز مبعزل عن ذلك وباهللا التوفيق

فصل من ترك االختيار والتدبري ىف رجاء زيادة او خوف نقصان أو طلب

ل شيء قدير وأنه املتفرد باالختيار والتدبري وأن تدبريه لعبده خري صحة او فرار من سقم وعلم ان اهللا على كمن تدبري العبد لنفسه وانه أعلم مبصلحته من العبد وأقدر على جلبها وحتصيلها منه وانصح للعبد منه لنفسه ة وال وأرحم منه بنفسه وأبر به منه بنفسه وعلم مع ذلك أنه ال يستطيع أن يتقدم بني يدي تدبريه خطوة واحد

يتأخر عن تدبريه له خطوة واحدة فال متقدم له بني يدي قضائه وقدره وال يتأخر فألقى نفسه بني يديه وسلم األمر كله اليه وانطرح بني يديه انطراح عبد مملوك ضعف بني يدي ملك عزيز قاهر له التصرف يف عبده بكل

ئذ من اهلموم والغموم واألنكاد واحلسرات ما يشاء وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه فاستراح حينومحل كله حوائجه ومصاحله من ال يبايل حبملها وال يثقله وال يكترث هبا فتوالها دونه وأراه لطفه وبره ورمحته واحسانه فيها من غري تعب من العبد وال نصب وال اهتمام منه النه قد صرف اهتمامه كله اليه وجعله وحده

مه حبوائجه ومصاحل دنياه وفرغ قلبه منها فما أطيب عيشه وما انعم قلبه وأعظم سروره مهه فصرف عنه اهتماحق ربه خاله وما اختاره وواله ما تويل وفرحه وإن أيب اال تدبريه لنفسه واختياره هلا واهتمامه حبظه دون

فحضره اهلم والغم واحلزن والنكد اخلوف والتعب وكسف البال وسوء احلال فال قلب

Page 60: الفوائد لإبن القيم

و وال عمل يزكو وال أمل حيصل وال راحة يفوز هبا وال لذة بينها هبا بل بل قد حيل بينه وبني مسرته وفرحه يصفوقره عينه فهو يكدح ىف الدنيا كدح الوحش وال يظفر منه بأمل وال يتزود منها ملعاد واهللا سبحانه أمر العبد

واالجتهاد قام اهللا سبحانه له مبا ضمنه له من بأمر وضمن له ضمانا فان قام بأمره بالنصح والصدق واالخالص الرزق والكفاية والنصر وقضاء احلوائج فانه سبحانه ضمن الرزق ملن عبده والنصر ملن توكل عليه واستنصر به

والكفاية ملن كان هو مهه ومراده واملغفرة ملن استغفره وقضاء احلوائج ملن صدقه ىف طلبها ووثق به وقوى رجاؤه ضله وجوده فالفطن الكيس امنا يهتم بأمره وإقامته وتوفيته ال بضمانه فأنه الويف الصادق ومن أوىف وطمعه ىف ف

بعهده من اهللا فمن عالمات السعادة صرف اهتمامه اىل أمر اهللا دون ضمانه ومن عالمات احلرمان فراغ قلبه من االهتمام بأمره وحبه وخشيته واالهتمام بضمانه واهللا املستعان

بشر بن احلارث اهل اآلخرة ثالثة عابد وزاهد وصديق فالعابد يعبد اهللا مع العالئق والزاهد يعبده على ترك قال العالئق والصديق يعبده على الرضا واملوافقة أن أراه أخذ الدنيا أخذها وان أراه تركها تركها إذا كان اهللا

ي اىل املشاقة واحملادة وهذا أصلها ومنه ورسوله يف جانب فاحذر ان تكون يف اجلانب اآلخر فأن ذلك يفضاشتقاقها فان املشاقة إن يكون ىف شق ومن خيالفه يف شق واحملادة ان يكون حد وهو ىف حد وال تستسهل هذا فان مبادئه جتر اىل غايته وقليله يدعو اىل كثريه وكن ىف اجلانب الذي يكون فيه اهللا ورسوله وان كان الناس

ر فان لذلك عواقب هى أمحد العواقب وأفضلها وليس للعبد انفع من ذلك ىف دنياه قبل كلهم ىف اجلانب اآلخآخرته واكثر اخللق امنا يكونون من اجلانب اآلخر والسيما اذا قويت الرغبة والرهبة فهناك ال تكاد جتد أحدا ىف

ا نسبوه ايل اجلنون وذلك اجلانب الذى فيه اهللا ورسوله بل يعده الناس ناقص العقل سيء االختيار لنفسه ورمب من مواريث أعداء الرسل فأهنم نسبوهم غلى اجلنون ملا كانوا يف شق

وجانب والناس ىف شق وجانب آخر ولكن من وطن نفسه على ذلك فانه حيتاج اىل علم راسخ مبا جاء به المه وال يتم له ذلك اال الرسول يكون يقينا له ال ريب عنده فيه وايل صرب تام علي معاداة من عاداه ولومه من

برغبة قوية ىف اهللا والدار واآلخرة حبيث تكون اآلخرة احب اليه من الدنيا وآثر عنده منها ويكون اهللا ورسوله أحب اليه مما سوامها وليس شيء أصعب علي االنسان من ذلك ىف مبادىء األمر فان نفسه وهواه وطبعه

يدعنه اىل العاجل فاذا خالفوهم تصدوا احلربة فان صرب وثبت وشيطانه وإخوانه ومعاشريه من ذلك اجلانب جاءه العون من اهللا وصار ذلك الصعب سهال وذلك األمل لذة فان الرب شكور فال بد أن يذيقه لذة حتيزه ايل

اهللا واىل رسوله ويريه كرامة ذلك فيشتد به سروره وغبطته ويبتهج به قلبه ويظفر بقوته وفرحه وسروره ويبقى كان حماربا له على ذلك بني هائب له مسامل له ومساعد وتارك ويقوى جنده ويضعف جند العدو وال من

تستصعب خمالفة الناس والتحيز اىل اهللا ورسوله ولو كنت وحدك فان اهللا معك وأنت بعينه وكالءته وحفظه التجرد من الطمع والفزع لك وامنا امتحن يقينك وصربك اعظم األعوان لك على بعد عون اهللا هذا بعون اله

فمىت جتردت منهما هان عليك التحيز اىل اهللا ورسوله وكنت دائما ىف اجلانب الذى فيه اهللا ورسوله وميت قام بك الطمع فال تطمع ىف هذا األمر وال حتدث نفسك به فان قلت فبأي شيء أستعني على التجرد من الطمع

وعلمك بأنه ال يأيت باحلسنات االهو وال يذهب بالسيآت اال هو ومن الفزع قلت بالتوحيد والتوكل والثقة باهللا وأن األمر كله هللا ليس الحد مع اهللا شيء نصيحة

Page 61: الفوائد لإبن القيم

هلم ايل الدخول على اهللا وجماورته ىف دار السالم بال نصيب وال تعب وال عناء بل من أقرب الطرق وأسهلها وذلك انك ىف وقت بني وقتني وهو ىف احلقيقة

وقتك احلاضر بني ما مضى وما يستقبل فالذى مضي تصلحه بالتوبة والندم واالستغفار وذلك شيء عمرك وهو ال تعب عليك فيه وال نصب وال معاناة عمل شاق امنا هو عمل قلب ومتتنع فيما يستقبل من الذنوب وامتناعك

يح بدنك وقلبك وسرك فما ترك وراحة ليس هو عمال باجلوارح يشق عليك معاناته وامنا هو عزم ونية جازمه ترمضى تصلحه بالتوبة وما يستقبل تصلحه باالمتناع والعزم والنية وليس للجوارح ىف هذين نصب وال تعب

ولكن الشأن ىف عمرك وهو وقتك الذي بني الوقتني فأن أضعته أضعت سعادتك وجناتك وان حفظته مع راحة واللذة والنعيم وحفظه أشق من إصالح ما إصالح الوقتني اللذين قبله وبعده مبا ذكرت جنوت وفزت بال

قبله وما بعده فان حفظه أن تلزم نفسك مبا هو أوىل هبا وانفع هلا وأعظم حتصيال لسعادهتا وىف هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت فهى واهللا أيامك اخلالية الىت جتمع فيها الزاد ملعادك إما إىل اجلنة إما اىل النار فان اختذت إليها

ال اىل ربك بلغت السعادة العظمى والفوز األكرب ىف هذه املدة اليسرية الىت ال نسبة هلا اىل األبد وان آثرت سبيالشهوات والراحات واللهو واللعب انقضت عنك بسرعة واعقبتك األمل العظيم الدائم الذي مقاساته ومعاناته

طاعته وخمالفة اهلوى ألجله اشق وأصعب وأدوم من معاناة الصرب عن حمارم اهللا والصرب على

فصل عالمة صحة االرادة أن يكون هم املريد رضا ربه واستعداده للقائه

وحزنه على وقت مر ىف غري مرضاته وأسفه على قربه واألنس به ومجاع ذلك أن يصبح وميسي وليس له هم غريه

فصل اذا استغىن الناس بالدنيا فاستغن أنت باهللا واذا فرحوا بالدنيا

فرح أنت باهللا واذا انسوا بأحباهبم فاجعل أنسك باهللا واذا تعرفوا اىل ملوكهم وكربائهم وتقربوا اليهم لينالوا فاهبم العزة والرفعة فتعرف أنت ايل اهللا وتودد اليه تنل بذلك غاية العز والرفعة قال بعض الزهاد ما علمت أن

ال يطيع اهللا فيها بذكرا وصالة أو قراة أو احسان فقال له رجل اين أكثر أحدا مسع باجلنة والنار تأيت عليه ساعة البكاء فقال انك ان تضحك وأنت مقر خبطيئتك خري من أن تبكي وأنت مدل بعملك وان املدل ال يصعد عمله

فوق رأسه فقال أوصين فقال دع الدنيا ألهلها كما تركوهم اآلخره ألهلها وكن ىف الدنيا كالنحلة ان أكلت وأن أطعمت أطعمت طيبا وان سقطت على شيء مل تكسره ومل ختدشه أكلت طيبا

فصل الزهد أقسام زهد يف احلرام وهو فرض عني وزهد يف الشبهات وهو

حبسب مراتب الشبهة فان قويت التحقت بالواجب وان ضعفت كان مستحبا وزهد ىف الفضول وزهد فيما ال زهد ىف الناس وزهد ىف النفس حبيث هتون عليه نفسه ىف اهللا يعىن من الكالم والنظر والسؤال واللقاء وغريه و

ا شغلك عنه وافضل الزهد إخفاء الزهد وأصعبه وزهد جامع لذلك كله وهو الزهد فيما سوى اهللا وىف كل م

Page 62: الفوائد لإبن القيم

الزهد ىف احلظوظ والفرق بينه وبني الورع أن الزهد ترك ماال ينفع ىف اآلخرة والورع ترك ما خيشى ضررة يف لقلب املعلق بالشهوات ال يصح له زهد وال ورع اآلخرة وا

ثله ويترك أن يعمله اهللا ورجل يبخل مباله وربه قال حيىي بن معاذ عجبت من ثالث رجل يرائي بعمله خملوقا م يستقرضه منه فال يقرضه منه شيئا ورجل يرغب ىف صحبة املخلوقني ومودهتم واهللا يدعوه اىل صحبته ومودته

سهل بن عبد اهللا ترك األمر عند اهللا أعظم منفائدة جليلة قال

ارتكاب النهى ألن آدم هنى عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه وابليس أمر أن يسجد آلدم فلم يسجد فلم يتب عليه قلت هذه مسالة عظيمة هلا شان وهى أن ترك األوامر أعظم عند اهللا من أرتكاب املناهى وذلك من

كره سهل من شأن آدم وعدو اهللا ابليس الثاين أن ذنب ارتكاب النهى مصدره ىف وجوه عديدة أحدها ما ذالغالب الشهوة واحلاجة وذنب ترك األمر مصدره ىف الغالب الكرب والعزة وال يدخل اجلنة من ىف قلبه مثقال

ن ترك املنهى ذرة من كرب ويدخلها من مات علي التوحيد وان زىن وسرق الثالث أن فعل املأمور أحب اىل اهللا مكما دل على ذلك النصوص كقوله أحب االعمال ايل اهللا الصالة على وقتها وقوله أال أنبئكم خبري أعمالكم

وأزكاها عند مليككم وأرفعها ىف درجاتكم وخري لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ن خري أعمالكم الصالة وغري ذلك من النصوص وترك قالوا بلي يا رسول اهللا قال ذكر اهللا وقوله اعلموا أ

املناهى عمل فانه كف النفس عن الفعل وهلذا علق سبحانه احملبة بفعل األوامر كقوله ان اهللا حيب الذين يقاتلون يف سبيله صفا واهللا حيب احملسنني وقوله واقسطوا ان اهللا حيب املقسطني واهللا حيب الصابرين وأما ىف جانب

فأكثر ما جاء النفي للمحبة وقوله واهللا ال حيب الفساد وقوله واهللا ال حيب كل خمتال فخور وقوله وال املناهى تعتدوا ان اهللا ال حيب املعتدين وقوله ال حيب اهللا اجلهر بالسوء من القول اال من ظلم وقوله ان اهللا ال حيب من

ويسخطها كقوله كل ذلك كان سيئه عند ربك كان خمتاال فخورا ونظائره وأخرب ىف موضع آخر أنه يكرهها مكروها وقوله ذلك بأهنم اتبعوا ما اسخط اهللا

اذا عرف هذا ففعل ما حيبه سبحانه مقصود بالذات وهلذا يقدر ما يكرهه ويسخطه الفضائه اىل ما حيب كما اختاذ الشهداء وحصول قدر املعاصى والكفر والفسوق ملا ترتب علي تقديرها مما حيبه من لوازمها من اجلهاد و

التوبة من العبد والتضرع اليه واالستكانة واظهار عدله وعفوه وانتقامه وعزه وحصول املوالة واملعاداة ألجله وغري ذلك من اآلثار الىت وجودها بسبب تقديره ما يكره أحب اليه من ارتفاعها بارتفاع أسباهبا وهو سبحانه ال

ا يقدر ما حيب الفضائه اىل حصول ما ا حيبه فعلم أن فعل م يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه الفضائه اىل محيبه احب اليه مما يكرهه يوضحه الوجه الرابع أن فعل املأمور مقصود لذاته وترك املنهى مقصود لتكميل فعل

لنهى عن املأمور فهو منهى عنه الجل كونه خيل بفعل املأمور أو يضعفه وينقصه كما نبه سبحانه على ذلك ىف اأمورات أو اخلمر وامليسر بكوهنما يصدان عن ذكر اهللا وعن الصالة فاملنهيات قواطع وموانع صادة عن فعل امل

عن كماهلا فالنهى عنها من باب املقصود لغريه واالمر بالواجبات من باب املقصود لنفسه يوضحه الوجه ترك املنهيات من باب احلمية عما يشوش قوة اخلامس أن فعل املأمورات من باب حفظ قوة االميان وبقائها و

Page 63: الفوائد لإبن القيم

االميان وخيرجها عن االعتدال وحفظ القوة مقدم على احلمية فان القوة كلما قويت دفعت املواد الفاسدة وإذا ضعفت غلبت املواد الفاسدة فاحلمية مراد لغريها وهو حفظ القوة وزيادهتا وبقاؤها وهلذا كلما قويت قوة

الرديئة ومنعت من غلبتها وكثرهتا حبسب القوة وضعفها واذا ضعفت غلبت املواد الفاسدة االميان دفعت املواد فتأمل هذا الوجه الوجه السادس أن فعل املأمورات حياة القلب وغذاؤه وزينته وسروره وقرة عينه ولذته

ونعيمه وترك املنهيات بدون ذلك ال حيصل له شيئا من ذلك فانه لو ترك مجيع املنهيات ومل

يأت باالميان واألعمال املأمور هبا مل ينفعه ذلك الترك شيئا وكان خالدا ىف النار وهذا يتبني بالوجه السابع أن من فعل املأمورات واملنهيات فهو اما ناج مطلقا ان غلبت حسناته سيئاته وإما ناج بعد أن يؤخذ منه احلق ويعاقب

ر ومن ترك املأمورات واملنهيات فهو هالك غري ناج وال ينجو إال على سيئاته فمآله اىل النجاة وذلك بفعل املأمو بفعل املأمور وهو التوحيد

فان قيل فهو امنا هلك بارتكاب احملظور وهو الشرك قيل يكفي ىف اهلالك ترك نفس التوحيد املامور به وان مل هو هالك وان مل يعبد معه غريه يأت بضد وجودى من الشرك بل ميت خال قلبه من التوحيد رأسا فلم يوحد اهللا ف

فاذا انضاف اليه عبادة غريه عذب على ترك التوحيد املأمور به وفعل الشرك املنهى عنه يوضحه الوجه الثامن ان املدعو ايل االميان إذا قال ال أصدق وال أكذب وال أحب وال أبغض وال أعبده وال أعبد غريه كان كافرا

اذا قال أنا أصدق الرسول وأحبه وأؤمن به وأفعل ما أمرين ولكن شهويت مبجرد الترك واالعراض خبالف ما واراديت وطبعى حاكمة على ال تدعين أترك ما هناين عنه وانا أعلم أنه قد هناين وكره ىل فعل املنهى ولكن ال صرب

ة ال يعد مطيعا ىل عنه فهذا ال يعد كافرا بذلك وال حكمه حكم األول فان هذا مطيع من وجه وتارك املأمور مجلبوجه يوضحه الوجه التاسع ان الطاعة واملعصية امنا تتعلق باألمر أصال وبالنهى تبعا فاملطيع ممتثل املأمور

والعاصي تارك املأمور قال تعاىل ال يعصون اهللا ما أمرهم وقال موسى ألخيه ما منعك اذ رأيتهم ضلوا أن ال بن العاص عند موته أنا الذى أمرتين فعصيت ولكن ال آله اال أنت وقال تتبعين أفعصيت أمرى وقال عمرو

الشاعر أمرتك أمرا جازما فعصيتين واملقصود من إرسال الرسل طاعة املرسل وال حتصل اال بامتثال أوامره واجتناب املناهي من متام امتثال األوامر

ا لو أيت باملأمورات ولوازمه وهلذا لو اجتنب املناهى ومل يفعل ما أمر به مل يكن مطيعا وكان عاصيا خبالف م وارتكب

املناهى فانه وان عد عاصيا مذنبا فانه مطيع بامتثال األمر عاص بارتكاب النهى خبالف تارك االمر فانه ال يعد مطيعا باجتناب املنهيات خاصة الوجه العاشر ان امتثال االمر عبودية وتقرب وخدمة وتلك العبادة الىت خلق

ا خلقت اجلن واألنس اال ليعبدون فاخرب سبحانه أنه امنا خلقهم للعبادة وكذلك الجلها اخللق كما قال تعاىل ومامنا أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه ليعبدوه فالعبادة هي الغاية اليت خلقوا هلا ومل خيلقوا جملرد الترك فانه أمر

ه أمر وجودي مطلوب احلصول وهذا يتبني عدمى ال كمال فيه من حيث هو عدم خبالف امتثال املأمور فانبالوجه احلادي عشر وهو أن املطلوب بالنهى عدم الفعل وهو أمر عدمى واملطلوب باألمر اجياد فعل وهو أمر

وجودى فمتعلق االمر االجياد ومتعلق النهى االعدام أو العدم وهو أمر ال كمال فيه اال اذا تضمن أمرا وجوديا ا وذلك االمر الوجودى فان العدم من حيث هو ع دم ال كمال فيه وال مصلحة اال اذا تضمن أمرا وجوديا مطلق

Page 64: الفوائد لإبن القيم

مطلوب مأمور به فعادت حقيقة النهى ايل االمر وان املطلوب به ما ىف ضمن النهى من االمر الوجودى املطلوب دها أن املطلوب به به وهذا يتضح بالوجه الثاين عشر وهو ان الناس اختلفوا ىف املطلوب بالنهى علي أقوال اح

كف النفس عن الفعل وحبسها عنه وهو أمر وجودى قالوا الن التكليف امنا يتعلق باملقدور والعدم احملض غري مقدور وهذا قول اجلمهور وقال أبو هاشم وغريه بل املطلوب عدم الفعل وهلذا حيصل املقصود من بقائه على

لكف عنه ولو كان املطلوب الكف لكان عاصيا اذا مل يات به العدم وان مل خيطر بباله الفعل فضال ان يقصد اوالن الناس ميدحون بعدم فعل القبيح من مل خيطر بباله فعله والكف عنه وهذا أحد قوىل القاضي ايب بكر والجله

التزم أن عدم الفعل مقدور للعبد وداخل حتت الكسب قال واملقصود بالنهى االبقاء على العدم األصلى وهو ر وقالت طائفة املطلوب بالنهى فعل الضد فانه هو املقدور وهو املقصود للناهى فانه امنا هناه عن الفاحشة مقدو طلبا

ه عن الظلم طلبا للعدل املأمور به وعن الكذب طلبا للصدق املامور به وهكذا مجيع للعفة وهى املأمور هبا وهنا ى عنه فعاد األمر اىل ان الطلب امنا تعلق بفعل املأمور املنهيات فعند هؤالء ان حقيقة النهى الطلب لضد ملنه

والتحقيق ان املطلوب نوعان مطلوب لنفسه وهو املأمور به ومطلوب اعدامه ملضادته املأمور به وهو املنهى عنه ملا فيه من املفسدة املضادة للمأمور به فاذا مل خيطر ببال املكلف وال دعته نفسه اليه بل استمر على العدم

األصلي مل يثب على تركه وان خطر بباله وكف نفسه عنه هللا وتركه اختيار أثيب عل كف نفسه وامتناعه فانه فعل وجودى والثواب امنا يقع علي األمر الوجودي دون العدم احملض وان تركه مع عزمه اجلازم على فعله لكن

ارادته اجلازمة الىت امنا ختلف مرادها تركه عجزا فهذا وان مل يعاقب عقوبة الفاعل لكن يعاقب على عزمه وعجزا وقد دلت على ذلك النصوص الكثرية فال يلتفت ايل ما خالفها كقوله تعاىل وإن تبدوا ما ىف أنفسكم أو

ختفوه حياسبكم به اهللا فيغفر ملن يشاء ويعذب من يشاء وقوله ىف كامت الشهادة فانه آمث قلبه وقوله ولكن وقوله يوم تبلى السرائر وقوله إذا تواجه املسلمان بسيفهما فالقاتل واملقتول ىف يؤاخذكم مبا كسبت قلوبكم

النار قالوا هذا القاتل فما بال املقتول قال انه أراد قتل صاحبه وقوله ىف احلديث اآلخر ورجل قال لو أن يل ماال هى فعل الضد ليس كذلك فان لعملت بعمل فالن فهو بنيته ومها ىف الوزر سواء وقول من قال ان املطلوب بالن

املقصود عدم الفعل والتلبس بالضدين فان ماال يتم الواجب اال به فهو غري مقصود بالقصد األول وأن كان اعدامه طلب الوسائل والذرائع املقصود بالقصد األول املامور الذي هنى عما مينعه ويضعفه فاملنهى عنه مطلوب

صد والغايات وقول أيب هاشم ان تارك القبائح حيمد وان مل خيطر بباله كف واملأمور به مطلوب اجياده طلب املقا النفس فان أراد

حبمده انه ال يذم فصحيح وان أراد انه يثين عليه بذلك وحيب عليه ويستحق الثواب فغري صحيح فان الناس ال القادر املمتنع عن قدرة حيمدون احملبوب على ترك الزنا وال األخرس على عدم الغيبة والسب وامنا حيمدون

وداع ايل الفعل وقول القاضي االبقاء علي العدم األصلى مقدور فان أراد به كف النفس ومنعها فصحيح وان أراد جمرد العدم فليس كذلك وهذا يتبني بالوجه الثالث عشر وهو أن األمر بالشيء هنى عن ضده من طريق

ا مقصود فعل املأمور فاذا كان من لوازمه ترك الضد صار تركه اللزوم العقلي ال القصد الطلىب فان األمر امنمقصودا لغريه وهذا هو الصواب ىف مسالة األمر بالشيء هل هو هنى عن ضده أم ال فهو هنى عنه من جهة

Page 65: الفوائد لإبن القيم

اللزوم ال من جهة القصد والطلب وكذلك النهى عن الشيء مقصود الناهى بالقصد األول االنتهاء عن املنهى شتغال بضده جاء من جهة اللزوم العقلى لكن امنا هنى عما يضاد ما أمر به كما تقدم فكان املأمور عنه وكونه م

به هو املقصود بالقصد االول ىف املوضعني وحرف املسألة ان طلب الشيء طلب له بالذات وملا هو من ضرورته باللزوم والنهي عن الشيء طلب لتركه

باللزوم واملطلوب ىف املوضعني فعل وكف وكالمها أمر وجودي الوجه بالذات ولفعل ما هو من ضرورة الترك الرابع عشر ان األمر والنهى ىف باب الطلب نظري النفي واالثبات ىف باب اخلرب واملدح والثناء ال حيصالن بالنفى

ه كنفى احملض ان مل يتضمن ثبوتا فان النفى كامسه عدم ال كمال فيه وال مدح فاذا تضمن ثبوتا صح املدح بالنسيان املستلزم لكمال العلم وبيانه ونفى اللغوب واالعياء والتعب املستلزم لكمال القوة والقدرة ونفى السنة

والنوم املستلزم لكمال احلياة والقومية ونفى الولد والصاحبة املستلزم لكمال الغىن وامللك والربوبية ونفى مال التوحيد والتفرد بالكمال واآلهلية وامللك ونفى الظلم الشريك والوىل والشفيع بدون االذن املستلزم لك

املتضمن لكمال العدل ونفى ادراك االبصار له املتضمن لعظمته وأنه أجل من أن يدرك وان رأته

األبصار واال فليس ىف كونه ال يرى مدح بوجه من الوجوه فان العدم احملض كذلك ا وجوديا ثبوتيا مل ميدح بتركه ومل يستحق الثواب والثناء مبجرد واذا عرف هذا فاملنهى عنه ان مل يتضمن أمر

الترك االيستحق املدح والثناء مبجرد الوصف العدمى الوجه اخلامس عشر ان اهللا سبحانه جعل جزاء املامورات ه عشرة أمثال نعلها وجزاء املنهيات مثل واحد وهذا يدل على أن فعل ما أمر به احب اليه من ترك ما هنى عن

ولو كان األمر بالعكس لكانت السيئة بعشرة واحلسنة بواحدة او تساويا الوجه السادس عشر ان املنهى عنه املقصود اعدامه وأن ال يدخل يف الوجود سواء نوى ذلك أو مل ينوه وسواء خطر بباله أو مل خيطر فاملقصود أن

املقصود كونه اجياد والتقرب به نية وفعال ال يكون وأما املأمور به فا طلب اجياده أحب اليه من عدم ما طلب اعدامه وعدم ما أحبه أكره اليه من وجود م وسر املسألة أن وجود ما

يبغضه فمحبته لفعل ما أمر به أعظم من كراهته لفعل ما هنى عنه يوضحه الوجه السابع عشر ان فعل ما حيبه ا يترتب عليه من املدح والثناء من رمحته وفعل مايكره وجزاؤمها يترتب عليه من الذم واالعانة عليه وجزاؤه وم

واألمل والعقاب من غضبه ورمحته سابقة على غضبه غالبة له وكل ما كان من صفة الرمحة فهو غالب ملا كان من صفة الغضب فانه سبحانه ال يكون إال رحيما ورمحته من لوازم ذاته كعلمه وقدرته وحياته ومسعه وبصره

أن يكون على خالف ذلك وليس كذلك غضبه فانه ليس من لوازم ذاته وال يكون غضبانا وإحسانه فيستحيلدائما غضبا ال يتصور انفكاكه بل يقول رسله وأعلم اخللق به يوم القيامة إن ريب قد غضب اليوم غضبا مل

ثله ولن يغضب بعده مثله ورمحته وسعت كل شيء وغضبه مل يسع كل شيء وهو سبحانه كتب يغضب قبله معلي نفسه الرمحة ومل يكتب على نفسه الغضب ووسع كل شيء رمحة وعلما ومل يسع كل شيء غضبا وانتقاما

فالرمحة وما كان هبا ولوازمها وآثارها غالبة على الغضب

وما كان منه وآثاره فوجود ما كان بالرمحة أحب اليه من وجود ما كان من لوازم الغضب وهلذا كانت الرمحة من العذاب والعفو أحب اليه من االنتقام فوجود حمبوبه أحب اليه من فوات مكروهه وال سيما اذا احب اليه

ا حيبه من لوازمه فانه يكره فوات تلك اللوازم احملبوبة كما يكره وجود ذلك كان ىف فوات مكروهه فوات م

Page 66: الفوائد لإبن القيم

مبا حيبه من زوال آثار ما حيبه مبا امللزوم املكروه الوجه الثامن عشر ان أثار ما يكرهه وهو املنهيات أسرع زوااليكرهه فآثار كراهته سريعة الزوال وقد يزيلها سبحانه بالعفو والتجاوز وتزول لتوبة واالستغفار واألعمال الصاحلة واملصائب الكفرة والشفاعة واحلسنات يذهنب والسيئات ولو بلغت ذنوب العبد عنان السماء مث

األرض خطايا مث لقيه ال يشرك به شيئا ألتاه بقراهبا مغفرة وهو سبحانه يغفر استغفره غفر له ولو لقيه بقراب الذنوب وان تعاظمت وال يباىل فيبطلها ويبطل آثارها بأدىن سعى من العبد وتوبة نصوح وندم علي ما فعل وما

له يوضحه ذاك اال لوجود ما حيبه من توبة العبد وطاعته وتوحيده فدل علي أن وجود ذلك أحب اليه وأرضيالوجه التاسع عشر وهو انه سبحانه قدر ما يبغضه ويكرهه من املنهيات ملا يترتب عليها مما حيبه ويفرح به من

املأمورات فأنه سبحانه أفرح بتوبة عبده من الفاقد الواجد والعقيم الوالد والظمآن الوارد وقد ضرب رسول اهللا بلغ منه وهذا الفرح إمنا كان بفعل املأمور به وهو التوبة فقدر الذنب لفرحه بتوبة العبد مثال ليس ىف املفروح به أ

ملا يترتب عليه من هذا الفرح العظيم الذى وجوده أحب اليه من فواته ووجوده بدون الزمه ممتنع فدل على أن ا حيب أحب اليه من وجود ما حيب أحب اليه من فوات ما يكره وليس املراد بذلك أن كل فرد من أفراد م

ا الضحى أحب اليه من فوات قتل املسلم وامنا املراد أن جنس فعل فوات كل فرد مما يكره حىت تكون ركعتاملراد اجلنس املأمورات افضل من جنس ترك احملظورات كما اذا فضل الذكر علي األنثى واالنسى على امللك ف

ال عموم األعيان

ور التوبة يدل على أن هذا املأمور أحب اليه من فوات واملقصود أن هذا الفرح الذى ال فرح يشبهه فعل مأماحملظور الذى تفوت به التوبة وأثرها ومقتضاها فان قيل امنا فرح بالتوبة الهنا ترك للمنهى فكان الفرح بالترك

قيل ليس كذلك فان الترك احملض ال يوجب هذا الفرح بل وال الثواب وال املدح وليست التوبة تركا وان كان من لوازمها وامنا هى فعل وجودى يتضمن اقبال التائب على ربه وإنابته اليه والتزام طاعته ومن لوازم الترك

ذلك ترك ما هنى عنه وهلذا قال تعاىل وأن استغفروا ربكم مث توبوا اليه فالتوبة رجوع مما يكره اىل ما حيب ما حيبه الرب تعاىل مل يكن تائبا فالتوبة وليست جمرد الترك فان من ترك الذنب تركا جمردا ومل يرجع منه اىل

رجوع واقبال وانابة ال ترك حمض الوجه العشرون ان املأمور به اذا فات فاتت احلياة املطلوبة للعبد وهى اليت قال تعاىل فيها

له نورا يا أيها الذين آمنوا استجيبوا هللا وللرسول اذا دعاكم ملا حيييكم وقال أو من كان ميتا فأحييناه وجعلناثله ىف الظلمات وقال ىف حق الكفار أموات غري أحياء وقال انك ال تسمع املوتى وأما ميشي به ىف الناس كمن ماملنهى عنه فغايته أن يوجد املرض وحياة مع السقم خري من موت فان قيل ومن املنهى عنه ما يوجب اهلالك وهو

ه احلياة فلما فقد حصل اهلالك فما هلك إال من عدم اتيانه الشرك قيل اهللك امنا حصل بعدم التوحيد املأمور بباملأمور به وهو وهذا وجه حاد وعشرون ىف املسألة وهو أن ىف املأمورات ما جيب فواته اهلالك والشقاء الدائم وليس ىف املنهيات ما يقتضي ذلك الوجه الثاين والعشرون ان فعل املأمور يتضى ترك املنهى عنه اذا فعل علي

وجهه من االخالص واملتابعة والنصح هللا فيه قال تعاىل إن الصالة تنهى عن الفحشاء واملنكر وجمرد ترك املنهى ال يقتضي فعل املأمور وال يستلزمه الوجه الثالث والعشرون ان ما حيبه من املأمورات فهو متعلق بصفاته وما

دقيق حيتاج اىل بيان فنقول يكرهه من املنهيات فمتعلق مبفعوالته وهذا وجه

Page 67: الفوائد لإبن القيم

املنهيات شرور وتفضي ايل شرور واملأمورات خري وتفضي ايل اخلريات واخلري بيديه سبحانه والشر ليس اليه فان الشر ال يدخل ىف صفاته وال ىف أفعاله وال ىف أمسائه وامنا هو من املفعوالت مع أنه شر باالضافة والنسبة ايل

اخلالق سبحانه فليس بشر من هذه اجلهة فغاية ارتكاب النهى ان يوجب العبد واال من حيث إضافته ونسبته ايلشرا باالضافة ايل العبد مع انه ىف نفسه ليس بشر وأما فوات املأمور فيفوت به واخلري الذى بفواته حيصل ضده

وسر هذه من الشر وكلما كان املأمور أحب اىل اهللا سبحانه كان الشر احلاصل بفواته أعظم كالتوحيد واالميانالوجوه أن املأمور حمبوبه واملنهى مكروهه ووقوع حمبوبه أحب اليه من فوات مكروهه وفوات حمبوبه أكره اليه

من وقوع مكروهه واهللا أعلم

فصل مبىن الدين على قاعدتني الذكر والشكر قال تعاىل

فال تنسى أن تقول دبر كل صالة فاذكروين أذكركم واشكروا يل وال تكفرون وقال النيب ملعاذ واهللا اين ألحبكاللهم أعين علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وليس املراد بالذكر جمرد الذكر اللسان بل الذكر القلىب

واللساىن وذكره يتضمن ذكر أمسائه وصفاته وذكر أمره وهنيه وذكره بكالمه وذلك يستلزم معرفته واالميان به ه بأنواع املدح وذلك ال يتم اال بتوحيده فذكره احلقيقى يستلزم ذلك وبصفات كماله ونعوت جالله والثناء علي

كله ويستلزم ذكر نعمه وآالئه وإحسانه ايل خلقه وأما الشكر فهو القيام بطاعته والتقرب اليه بأنواع حمابه ظاهرا وباطنا وهذان األمران مها مجاع الدين فذكره

الغاية اليت خلق ألجلها اجلن واالنس والسموات واالرض مستلزم ملعرفته وشكره متضمن لطاعته وهذان مها ووضع الجلها الثواب والعقاب وأنزل الكتب وارسل الرسل وهى احلق الذي به خلقت

ظن أعدائه به قال السماوات واألرض وما بينهما وضدها هو الباطل والعبث الذي يتعاىل ويتقدس عنه وهو ا خلقنا السموات تعاىل وما خلقنا السماوات واألرض وما بينهما باطال ذلك ظن الذين كفروا وقال وم

ا خلقنا السموات واألرض وما بينهما إال باحلق وان واألرض وما بينهما العبني ما خلقنامها إال باحلق وقال ومالساعة آلتية وقال بعد ذكر آياته يف أول سورة يونس ما خلق اهللا ذلك إال باحلق وقال أحيسب اإلنسان إن

رك سدى وقال أفحسبتم أمنا خلقناكم عبثا وإنكم إلينا ال ترجعون وقال وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون يتاهللا الذي خلق سبع مسوات ومن األرض مثلهن يتنزل األمر بينهن لتعلموا أن اهللا على كل شيء قدير وأن اهللا

ا للناس والشهر احلرام واهلدى والقالئد ذلك قد أحاط بكل شيء علما وقال جعل اهللا الكعبة البيت احلرام قياملتعلموا أن اهللا يعلم ما يف السموات وما يف األرض وأن اهللا بكل شيء عليم فثبت مبا ذكر أن غاية اخللق واألمر

أن يذكر وأن يشكر يذكر فال ينسى ويشكر فال يكفر وهو سبحانه ذاكر ملن ذكره شاكر ملن شكره فذكره لزيادته من فضله فالذكر للقلب واللسان والشكر للقلب حمبة وإنابة وللسان ثناد سبب لذكره وشكره سبب

ومحد وللجوارح طاعة وخدمة

فصل تكرر يف القرآن جعل األعمال القائمة بالقلب واجلوارح سبب اهلداية

Page 68: الفوائد لإبن القيم

الضالل واإلضالل فيقوم بالقلب واجلوارح أعمال تقتضي اهلدى اقتضاء السبب ملسببه واملؤثر ألثره وكذلكفأعمال الرب تثمر اهلدى وكلما ازداد منها ازداد هدى وأعمال الفجور بالضد وذلك أن اهللا سبحانه حيب

أعمال الرب فيجازى عليها باهلدى والفالح ويبغض أعمال الفجور وجيازي عليها بالضالل والشقاء وأيضا فانه ا قاموا به من الرب الرب وحيب أهل الرب فيقرب قلوهبم منه حبسب م

ويبغض الفجور وأهله فيبعد قلوهبم منه حبسب ما اتصفوا به من الفجور فمن األصل األول قوله تعاىل امل ذلك الكتاب ال ريب فيه هدى للمتقني وهذا يتضمن أمرين أحدمها انه يهدي به من اتقى ما خطه قبل نزول الكتاب

سبحانه يكره الظلم والفواحش والفساد يف فان الناس على اختالف مللهم وحنلهم قد استقر عندهم أن اهللااألرض وميقت فاعل ذلك وحيب العدل واإلحسان واجلود والصدق واإلصالح يف األرض وحيب فاعل ذلك

فلما نزل الكتاب أثاب سبحانه أهل الرب بأن وفقهم لإلميان به جزاء هلم على برهم وطاعتهم وخذل أهل وبني االهتداء به واألمر الثاين أن العبد إذا آمن بالكتاب واهتدى به الفجور والفحش والظلم بأن حال بينهم

جممال وقبل أوامره وصدق بأخباره كان ذلك سببا هلداية أخرى حتصل له على التفصيل فان اهلداية ال هناية هلا فكلما اتقى ولو بلغ العبد فيها ما بلغ ففوق هدايته هداية أخرى وفوق تلك اهلداية هداية أخرى إىل غري غاية

العبد ربه ارتقى إىل هداية أخرى فهو يف مزيد هداية ما دام يف مزيد من التقوى وكلما فوت خطا من التقوى فاته حظ من اهلداية حبسبه فكلما اتقى زاد هداه وكلما اهتدى زادت تقواه قال تعاىل قد جاءكم من اهللا نور

م وخيرجهم من الظلمات إىل النور بإذنه ويهديهم إىل وكتاب مبني يهدي به اهللا من اتبع رضوانه سبل السالا صراط مستقيم وقال تعاىل اهللا جيتيب إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وقال سيذكر من خيشى وقال وم

يتذكر إال من ينيب وقال إن الذين آمنوا وعملوا الصاحلات يهديهم رهبم بإمياهنم فهداهم أوال لإلميان فلما آمنوا لإلميان هداية بعد هداية ونظري هذا قوله ويزيد اهللا الذين اهتدوا هدى وقوله تعاىل يا أيها الذين أمنوا إن هداهم

تتقوا اهللا جيعل لكم فرقانا ومن الفرقان ما يعطيهم من لنور الذي يفرقون به بني احلق والباطل والنصر والعز ن هبذا وهبذا وقال تعاىل إن يف ذلك آلية لكل عبد الذي يتمكنون به من إقامة احلق وكسر الباطل فسر الفرقا

منيب وقال

إن يف ذلك آليات لكل صبار شكور يف سورة لقمان وسورة إبراهيم وسبأ والشورى فأخرب عن آياته املشهودة أهل التقوى العيانية أهنا إمنا ينتفع هبا أهل الصرب والشكر كما أخرب عن آياته اإلميانية القرآنية أهنا إمنا ينتفع هبا

واخلشية واإلنابة ومن كان قصده اتباع رضوانه وأهنا يتذكر هبا من خيشاه سبحانه كما قال طه أنزلنا عليك القرآن لتشقى إال تذكرة ملن خيشى وقال يف لساعة إمنا أنت منذر من خيشاها وأما من ال يؤمن هبا وال يرجوها

نية وهلذا ملا ذكر سبحانه يف سورة هود عقوبات األمم املكذبني وال خيشاها فال تنفعه اآليات العيانية وال القرآللرسل وما حل هبم يف الدنيا من اخلزي قال بعد ذلك إن يف ذلك آلية ملن خاف عذاب اآلخرة فأخرب أن

عقوباته للمكذبني عربة ملن خاف عذاب اآلخرة وأما من ال يؤمن هبا وال خياف عذاهبا فال يكون ذلك عربة وآية قه اذا مسع ذلك قال مل يزل يف الدهر اخلري والشر والنعيم والبؤس والسعادة والشقاوة ورمبا أحال ذلك يف ح

على أسباب فلكية وقوى نفسانية وإمنا كان الصرب والشكر سببا النتفاع صاحبهما باآليات ينبين على الصرب انه وآيات اهللا إمنا ينتفع هبا من والشكر فنصفه صرب ونصفه شكر فعلى حسب صرب العبد وشكره تكون قوة إمي

Page 69: الفوائد لإبن القيم

آمن باهللا وال يتم له اإلميان إال بالصرب والشكر فإن رأس الشكر التوحيد ورأس الصرب ترك إجابة داعي اهلوى ا هواه مل يكن صابرا وال شكورا فال تكون اآليات نافعة له وال مؤثرة فيه إميانا فإذا كان مشركا متبع

اقتضاء الفجور والكرب والكذب للضالل فكثريفصل وأما األصل الثاين وهو

أيضا يف القرآن كقوله تعاىل يضل به كثريا ويهدي به كثريا وما يضل به إال

ا أمر اهللا به أن يوصل ويفسدون يف األرض أولئك الفاسقني الذين ينقضون عهد اهللا من بعد ميثاقه ويقطعون مبالقول الثابت يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة ويضل اهللا الظاملني هم اخلاسرون وقال تعاىل يثبت اهللا الذين آمنوا

ويفعل اهللا ما يشاء وقال تعاىل فما لكم يف املنافقني فئتني واهللا أركسهم مبا كسبوا وقال تعاىل وقالوا قلوبنا غلف به أول مرة فأخرب بل لعنهم اهللا بكفرهم فقليال ما يؤمنون وقال تعاىل ونقلب أفئدهتم وأبصارهم كما مل يؤمنوا

أعرضوا عنه بأن قلب أفئدهتم وأبصارهم وحال بينهم ا جاءهم وعرفوه و أنه عاقبهم على ختلفهم عن اإلميان ملوبني اإلميان كما قال تعاىل يا أيها الذين آمنوا أستجيبوا هللا وللرسول إذا دعاكم ملا حيييكم واعلم أن اهللا حيول

له ولرسوله حني يدعوهم اىل ما فيه حياهتم مث حذرهم من التخلف والتأخر بني املرء وقلبه فأمرهم باألستجابةعن األستجابة الذي يكون سببا ألن حيول بينهم وبني قلوهبم قال تعاىل فلما زاغوا أزاغ اهللا قلوهبم واهللا ال

سبهم غطى يهدي القوم الفاسقني وقال تعاىل كال بل ران على قلوهبم ما كانوا يكسبون فأخرب سبحانه أن كعلى قلوهبم وحال بينها وبني االميان بآياته فقالوا أساطري األولني وقال تعاىل يف املنافقني نسوا اهللا فنسيهم

فجازاهم على نسياهنم له أن نسيهم فلم يذكرهم باهلدى والرمحة وأخرب أنه أنساهم أنفسهم فلم يطلبوا كماهلا ن احلق فأنساهم طلب ذلك وحمبته ومعرفته واحلرص عليه عقوبة بالعلم النافع والعمل الصاحل ومها اهلدى ودي

لنسياهنم له وقال تعاىل يف حقهم أولئك الذين طبع اهللا على قلوهبم واتبعوا أهواءهم والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم فجمع هلم بني اتباع اهلوى والضالل الذي هو مثرته وموجبه كما مجع للمهتدين بني التقوى

اهلدى و

فصل وكما يقره سبحانه بني اهلدى والتقى والضالل والغي فكذلك يقرن بني

اهلدى والرمحة والضالل والشقاء فمن األول قوله أولئك على هدى من رهبم وأولئك هم املفلحون وقال أولئك ذ هديتنا وهب لنا عليهم صلوات من رهبم ورمحة وأولئك هم املهتدون وقال عن املؤمنني ربنا ال تزغ قلوبنا بعد

من لدنك رمحة إنك أنت الوهاب وقال أهل الكهف ربنا آتنا من لدنك رمحة وهيء لنا من أمرنا رشدا وقال لقد كان يف قصصهم عربة ألويل األلباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بني يديه وتفصيل كل شيء

ال لتبني هلم الذي أختلفوا فيه وهدي ورمحة لقوم وهدى ورمحة لقوم يؤمنون وقال ما أنزلنا عليك الكتاب ايؤمنون وقال أنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورمحة وبشرى للمسلمني وقال يا أيها الناس قد

ا يف الصدور وهدى ورمحة للمؤمنني مث أعاد سبحانه ذكرمها فقال قل بفضل جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء مل ليفرحوا اهللا وبرمحته فبذلك ف

وقد تنوعت عبارات السلف يف تفسري الفضل والرمحة والصحيح أهنما اهلدى والنعمة ففضله هداه ورمحته نعمته

Page 70: الفوائد لإبن القيم

ولذلك يقرن بني اهلدى والنعمة كقوله يف سورة الفاحتة اهدنا الصراط املستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ومن وى ووجدك ضاال فهدى ووجدك عائال فأغىن فجمع له بني ذلك قوله لنبيه يذكره بنعمه عليه أمل جيدك يتيما فآ

هدايته له وإنعامه عليه بإيوائه وإغنائه ومن ذلك قول نوح يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ريب وآتاين رمحة من عنده وقول شعيب أرأيتم إن كنت على بينة من ريب ورزقين منه رزقا حسنا وقال عن اخلضر فوجدا عبدا

آتيناه رمحة من عندنا وعلمناه من لدنا علما وقال لرسوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا لغفر لك اهللا ما من عبادناا تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك تقدم من ذنبك وم

يما اهللا نصرا عزيزا وقال وأنزل اهللا عليك الكتاب واحلكمة وعلمك ما مل تكن تعلم وكان فضل اهللا عليك عظوقال ولوال فضل اهللا عليكم ورمحته ما زكى منكم أحد أبدا ففضله هدايته ورمحته وإنعامه وإحسانه إليهم وبره ا يأتينكم مين هدى فمن اتبع هداي فال يضل وال يشقى واهلدى منعه من الضالل والرمحة منعه من هبم وقال فأم

أنزلنا عليك القرآن لتشقى فجمع له بني إنزال الشقاء وهذا هو الذي ذكره يف أول السورة يف قوله طه ماالقرآن عليه ونفى الشقاء عنه كما قال يف آخرها يف حق اتباعه فال يضل وال يشقى فاهلدى والفضل والنعمة

ولرمحة متالزمات ال ينفك بعضها عن بعض كما أن الضالل والشقاء متالزمان ال ينفك أحدمها عن اآلخر قال ضالل وسعر والسعر مجع سعري وهو العذاب الذي هو غاية الشقاء وقال تعاىل ولقد ذرأنا تعاىل إن اجملرمني يف

جلهنم كثريا من اجلن واإلنس هلم قلوب ال يفقهون هبا وهلم أعني ال يبصرون هبا وهلم آذان ال يسمعون هبا ا يف أولئك كاألنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون وقال تعاىل عنهم وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كن

أصحاب السعري ومن هذا انه سبحانه جيمع بني اهلدى وانشراح الصدر واحلياة الطيبة وبني الضالل وضيق الصدر واملعيشة

والضنك قال تعاىل فمن يرد اهللا أن يهديه يشرح صدره لإلسالم ومن يرد أن يضله جيعل له صدره ضيقا حرجا فهو على نور من ربه وكذلك جيمع بني اهلدى واإلنابة وبني الضالل وقال أفمن شرح اهللا صدره لإلسالم

وقسوة القلب قال تعاىل اهللا جيتيب إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وقال تعاىل فويل للقاسية قلوهبم من ذكر اهللا أولئك يف ضالل مبني

فصل واهلدى والرمحة وتوابعها من الفضل واإلنعام كله من صفة العطاء

ضالل واإل

والعذاب وتوابعها من صفة املنع وهو سبحانه يصرف خلقه بني عطائه ومنعه وذلك كله صادر عن حكمة بالغة وملك تام ومحد تام فال إله إال اهللا

فصل إذا رأيت النفوس املبطله الفارغة من اإلرادة والطلب هلذا الشان قد

ه فأنه الالئق هبا لفساد تركيبها وال تنقش عليها ذلك فانه تشبثت هبا هذا العامل السفلي وقد تشبثت به فكلها إليسريع االحنالل عنها ويبقى تشبثها به مع انقطاعه عنها عذابا عليها حبسب ذلك التعلق فتبقى شهوهتا وإرادهتا

Page 71: الفوائد لإبن القيم

فيها وقد حيل بينها وبني ما تشتهي على وجه يئست معه من حصول شهوهتا ولذهتا فلو تصور العاقل ما يف ن األمل واحلسرة لبادر إىل قطع هذا التعلق كما يبادر إىل حسم مواد الفساد ومع هذا فانه ينال نصيبه من ذلك م

ذلك وقلبه ومهه متعلق باملطلب األعلى واهللا املستعان

فصل إياك والكذب فانه يفسد عليك تصور املعلومات على ما هي عليه ويفسد

صور املعدوم موجودا واملوجود معدوما واحلق باطال والباطل حقا عليك تصورها وتعليمها للناس فان الكاذب يواخلري شرا والشر خريا فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له مث يصور ذلك يف نفس املخاطب املغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه ونفس الكاذب معرضه عن احلقيقة املوجودة نزاعة إىل العدم مؤثرة للباطل وإذافسدت عليه قوة تصوره وعلمه اليت هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك األفعال وسرى حكم الكذب إليها فصار صدورها عنه كصدور الكذب عن اللسان فال ينتفع بلسانه وال بأعماله وهلذا كان الكذب أساس

وأول ما يسري الكذب من الفجور كما قال النيب إن الكذب يهدي إىل الفجور وإن الفجور يهدي إىل النار النفس إىل اللسان فيفسده مث يسري إىل اجلوارح

فيفسد عليها أعماهلا كما أفسد على اللسان أقواله فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله فيستحكم عليه الفساد ال القلوب ويترامى داؤه إىل اهللكة إن مل تدركه اهللا بدواء الصدق يقلع تلك من أصلها وهلذا كان أصل أعم

كلها الصدق وأضدادها من الرياء والعجب والكرب والفخر واخليالء والبطر واألشر والعجز والكسل واجلنب واملهانة وغريها أصلها الكذب فكل عمل صاحل ظاهر أو باطن فمنشؤة الصدق وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن

مصاحله ومنافعه ويثيب الصادق بأن يوفقه فمنشؤة الكذب واهللا تعاىل يعاقب الكذاب بأن ويقعده ويثبطه عنللقيام مبصاحل دنياه وآخرته فما استجلبت مصاحل الدنيا واآلخرة مبثل الصدق وال مفاسدها ومضارمها مبثل

الكذب قال تعاىل يا أيها الذين آمنوا اتقوا اهللا وكونوا مع الصادقني وقال تعاىل هذا يوم ينفع الصادقني صدقهم ألمر فلو صدقوا اهللا لكان خريا هلم وقال وجاء املعذرون من األعراب ليؤذن هلم وقعد الذين وقال فإذا عزم ا

كذبوا اهللا ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم

فصل يف قوله تعاىل

وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خري لكم وعسى أن حتبوا شيئا وهو شر لكم واهللا يعلم وأنتم ال تعلمون ة عدة حكم وأسرار ومصاحل للعبد فان العبد إذا علم أن املكروه قد يأيت باحملبوب واحملبوب قد يأيت يف هذه اآلي

باملكروه مل يأمن أن توافيه املضرة من جانب املسرة ومل ييأس أن تأتيه املسرة من جانب املضرة لعدم علمه منها أنه ال انفع له من امتثال األمر وان شق بالعواقب فان اهللا يعلم منها ماال يعلمه العبد وأوجب له ذلك أمورا

عليه يف االبتداء ألن عواقبه كلها خريات ومسرات ولذات وأفراح وان كرهته نفسه فهو خري هلا وأنفع وكذلك ال شيء أضر عليه من

Page 72: الفوائد لإبن القيم

ارتكاب النهى وان هويته نفسه ومالت إليه وإن عواقبه كلها آالم وأحزان وشرور ومصائب وخاصة العقل ل األمل اليسري ملا يعقبه من اللذة العظيمة واخلري الكثري واجتناب اللذة اليسرية ملا يعقبه من األمل العظيم والشر حتم

الطويل فنظر اجلاهل ال جياوز املباديء إىل غاياهتا والعاقل الكيس دائما ينظر إىل الغايات من وراء ستور مبادئها مودة واملذمومة فريى املناهي كطعام لذيذ قد خلط فيه سم قاتل فريى ما وراء تلك الستور من الغايات احمل

دعنه لذته إىل تناوله هناه ما فيه من السم ويرى األوامر كدواء كريه املذاق مفض إىل العافية والشفاء فكلما ن وكلما هناه كراهة مذاقه عن تناوله أمره نفعه بالتناول ولكن هذا حيتاج إىل فضل علم تدرك به الغايات م

مبادئها وقوة صرب يوطن به نفسه على حتمل مشقة الطريق ملا يؤول اعند الغاية فإذا فقد اليقني والصرب تعذر عليه ذلك وإذا قوى يقينه وصربه هان عليه كل مشقة يتحملها يف طلب اخلري الدائم واللذة الدائمة

قب األمور والرضا مبا خيتاره له ويقضيه له ومن أسرار هذه اآلية إهنا تقتضي من العبد التفويض إىل من يعلم عواملا يرجو فيه من حسن العاقبة ومنها أنه ال يقترح على ربه وال خيتار عليه وال يسأله ما ليس له به علم فلعل مضرته وهالكه فيه وهوال يعلم فال خيتار على ربه شيئا بل يسأله حسن االختيار له وأن يرضيه مبا خيتاره فال

لك ومنها انه إذا فوض إىل ربه ورضى مبا خيتاره له أمده فيما خيتاره له بالقوة عليه والعزمية والصرب أنفع له من ذوصرف عنه اآلفات اليت هي عرضة اختيار العبد لنفسه وأراه من حسن عواقب اختياره له ما مل يكن ليصل إىل

أنواع االختيارات ويفرغ قلبه من التقديرات بعضه مبا خيتاره هو لنفسه ومنها أنه يرحيه من األفكار املتعبة يف والتدبريات اليت يصعد منه يف عقبة وينزل يف أخرى ومع هذا فال خروج له عما قدر عليه فلو رضى باختيار اهللا يه وإال جرى عليه القدر وهو مذموم غري ملطوف به فيه ألنه مع أصابه القدر وهو حممود مشكور ملطوف به ف

صح تفويضه ورضاه اكتنفه يف اختياره لنفسه ومىت

املقدور العطف عليه اللطف به فيصري بني عطفه ولطفه فعطفه يقيه ما حيذره ولطفه يهون عليه ما قدره إذا نفذ القدر يف العبد كان من أعظم أسباب نفوذه حتيله يف رده فال أنفع له من االستسالم وإلقاء نفسه بني يدي القدر

ال يرضى بأكل اجليف طرحيا كامليتة فان السبع

فصل ال ينتفع بنعمة اهللا باإلميان والعلم إال من عرف نفسه ووقف هبا

عند قدرها ومل يتجاوزه إىل ما ليس له ومل يتعد طوره ومل يقل هذا يل وتيقن أنه هللا وباهللا ومن اهللا فهو اإلميان به عليه وتكسره كسرة من ال يرى لنفسه وال ابتداء وإدامة ال سبب من العبد وال استحقاق منه فتذله نعم اهللا

فيها خريا البتة وان اخلري الذي وصل إليه فهو هللا وبه ومنه فتحدث له النعم ذال وانكسارا عجيبا ال يعرب عنه فكلما جدد له نعمة ازداد له ذال وانكسارا وخشوعا وحمبة وخوفا ورجاء وهذا نتيجة علمني شريفني علمه

وجوده وإحسانه ورمحته وأن اخلري كله يف يديه وهو ملكه يؤتى منه من يشاء ومينع منه بربه وكماله وبره وغناهمن يشاء وله احلمد على هذا وهذا أكمل محد وأمته وعلمه بنفسه ووقوفه على حدها وقدرها ونقصها وظلمها

العدم فكذلك من صفاهتا وجهلها وأهنا ال خري فيها ألبته وال هلا وال هبا وال منها وأهنا ليس هلا من ذاهتا إالوكماهلا ليس هلا إال العدم الذي ال شيء أحقر منه وال أنقص فما فيها من اخلري تابع لوجودها الذي ليس إليها

وال هبا فإذا صار هذان العلمان صيغة هلا ال صيغة على لساهنا علمت حينئذ إن احلمد كله هللا واألمر كله له

Page 73: الفوائد لإبن القيم

ستحق للحمد والثناء واملدح دوهنا وأهنا هي أوىل بالذم والعيب واللوم ومن فاته واخلري كله يف يديه وانه هو امل التحقيق هبذين العلمني تلونت به أقواله وأعماله

وأحواله وختبطت عليه ومل يهتد إىل الصراط املستقيم املوصل له إىل اهللا فإيصال العبد بتحقيق هاتني املعرفتني هذا معىن قوهلم من عرف نفسه عرف ربه فانه من عرف نفسه باجلهل والظلم علما وحاال وانقطاعه بفواهتما و

والعيب والنقائص واحلاجة والفقر والذل واملسكنة والعدم عرف ربه بضد ذلك فوقف بنفسه عند قدرها ومل حده يتعد هبا طورها وأثىن على ربه ببعض ما هو أهله وانصرفت قوة حبه وخشيته ورجائه وإنابته وتوكله إليه و

وكان أحب شيء إليه وأخوف شيء عنده وأرجاه له وهذا هو حقيقة العبودية واهللا املستعان وحيكى أن بعض احلكماء كتب على باب بيته أنه لن ينتفع حبكمتنا إال من عرف نفسه ووقف هبا عند قدرها

فمن كان كذلك فليدخل وإال فلريجع حىت يكون هبذه الصفة

ا توجبه الشهوة فإهنا أمافصل الصرب عن الشهوة أسه ل من الصرب على م

أن توجب أملا وعقوبة وإما أن تقطع لذة أكمل منها وإما أن تضيع وقتا إضاعته حسرة وندامة وأما أن تثلم عرضا توفريه أنفع للعبد من ثلمه وأما أن تذهب ماال بقاؤه خري له من ذهابه وإما أن تضع قدرا وجاها قيامه

ن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة وأما أن تطرق لوضيع إليك طريقا مل خري من وضعه وأما أيكن جيدها قبل ذلك وأما أن جتلب مها وغما وحزنا وخوفا ال يقارب لذة الشهوة وإما أن تنسى علما ذكره ألذ

بلة وأ ا أن حتدث عيبا من نيل الشهوة وأما أن تشمت عدوا وحتزن وليا وإما أن تقطع الطريق على نعمة مق م يبقى صفة ال تزول فان األعمال تورث الصفات واألخالق

فصل لألخالق حد مىت جاوزته صارت عدوانا ومىت قصرت عنه كان نقصا ومهانة

فللغضب حد وهو الشجاعة احملمودة واألنفة من الرذائل والنقائص وهذا كماله فإذا جاوز حده تعدى صاحبه أنف من الرذائل وللحرص حد وهو الكفاية يف أمور الدنيا وحصول البالغ منها وجار وإن نقص عنه جنب ومل ي

يما ال حتمد الرغبة فيه وللحسد حد فمىت نقص من ذلك كان مهانة وإضاعة ومىت زاد عليه كان شرها ورغبة فطلب الكمال واألنفة أن يتقدم عليه نظرية فمىت تعدى ذلك صار بغيا وظلما يتمىن معه زوال وهو املنافسة يف

النعمة عن احملسود وحيرص على إيذائه ومىت نقص عن ذلك كان دناءة وضعف مهة وصغر نفس قال النيب ال حسد إال يف اثنني رجل آتاه اهللا ماال فسلطه على هلكته يف احلق ورجل أتاه اهللا احلكمة فهو يقضى هبا ويعلمها

ثل احملسود ال حسد مهانة يتمىن به زوال النعمة الناس فهذا حسد منافسة يطالب احلاسد به نفسه أن يكون معن احملسود وللشهوة حد وهو راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل واالستعانة بقضائها على

ذلك فمىت زادت على ذلك صارت هنمة وشبقا والتحق صاحبها بدرجة احليوانات ومىت نقصت عنه ومل يكن ل كانت ضعفا وعجزا ومهانة وللراحة حد وهو امجام النفس والقوى املدركة فراغا يف طلب الكمال والفض

والفعالة لالستعداد للطاعة واكتساب الفضائل وتوفرها على ذلك حبيث ال يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها فمىت زاد على ذلك صار توانيا وكسال وإضاعة وفات به اكثر مصاحل العبد ومىت نقص عنه صار مضرا

Page 74: الفوائد لإبن القيم

وى موهنا هلا ورمبا انقطع به كاملنبت الذي ال أرضا قطع وال ظهر أبقى واجلود له حد بني طرفني فمىت جاوز بالقحده صار إسرافا وتبذيرا أو مىت نقص عنه كان خبال وتقتريا وللشجاعة حد ميت جاوزته صارت هتورا وميت

م يف مواضع األحجام كما قال نقصت عنه صارت جبنا وخورا وحدها األقدام يف مواضع األقدام واألحجامعاوية لعمرو بن العاص أعياين أن أعرف أشجاعا أنت أم جبانا تقدم حىت أقول من أشجع الناس وجتنب حىت

أقول من أجنب الناس فقال

فان مل تكن يل فرصة فجبان ... شجاع إذا ما امكنتين فرصة وإن قصرت عنه كانت تغافال ومبادىء دياثة والغرية هلا حد إذا جاوزته صارت هتمة وظنا سيئا بالربيء

وللتوضع حد إذا جاوزه كان ذال ومهانة ومن قصر عنه احنرف إىل الكرب والفخر وللعز حد إذا جاوزه كان ا وإن قصر عنه احنرف إىل الذل و املهانة كربا وخلقا مذموم

ريط وعليه بناء مصاحل الدنيا وضابط هذا كله العدل وهو األخذ بالوسط املوضوع بني طريف اإلفراط والتفواآلخرة بل ال تقوم مصلحة البدن إال به فانه مىت خرج بعض أخالطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته حبسب ذلك وكذلك األفعال الطبيعية كالنوم والسهر واألكل والشرب واجلماع واحلركة

وسطا بني الطرفني املذمومني كانت عدال وإن احنرفت إىل والرياضة واخللوة واملخالطة وغري ذلك إذا كانت أحدمها كانت نقصا وأمثرت نقصا فمن أشرف العلوم وانفعها علم احلدود وال سيما حدود املشروع املأمور

واملنهى فأعلم الناس أعلمهم بتلك احلدود حىت ال يدخل فيها ما ليس منها وال خيرج منها مه هو داخل فيها قال عراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن ال يعلموا حدود ما أنزل اهللا على رسوله فأعدل الناس من قام حبدود تعاىل األ

األخالق واألعمال واملشروعات معرفة وفعال وباهللا التوفيق

فصل قال أبو الدرداء رضي اهللا عنه يا حبذا نوم األكياس وفطرهم كيف

ب تقوى أفضل من أمثال اجلبال عبادة من املغترين وهذا من يغبنون به قيام احلمقى وصومهم والذرة من صاح جواهر الكالم وأدلة على كمال فقه الصحابة وتقدمهم على من بعدهم يف كل خري رضى اهللا عنهم

فاعلم أن العبد إمنا يقطع منازل السري إىل اهللا بقلبه ومهته وال ببدنه والتقوى يف احلقيقة تقوى القلوب ال تقوى ال تعاىل ذلك ومن يعظم شعائر اهللا اجلوارح ق

فاهنا من تقوى القلوب وقال لن ينال اهللا حلومها وال دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وقال النيب التقوى ههنا وأشار إىل صدره فالكيس يقطع من املسافة بصحة العزمية وعلو اهلمة وجتريد القصد وصحة النية مع العمل

طعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثري والسفر الشاق فان العزمية واحملبة تذهب القليل أضعاف أضعاف ما يقاملشقة وتطيب السري والتقدم والسبق إىل اهللا سبحانه إمنا هو باهلمم وصدق الرغبة والعزمية فيتقدم صاحب اهلمة

تاج إىل تفصيل مع سكونه صاحب العمل الكثري مبراحل فإن ساواه يف مهته تقدم عليه بعمله وهذا موضع حي يوافق فيه اإلسالم واإلحسان

فاكمل اهلدى هدى رسول اهللا وكان موفيا كل واحد منهما حقه فكان مع كماله وإرادته وأحواله مع اهللا يقوم

Page 75: الفوائد لإبن القيم

حىت ترم قدماه ويصوم حىت يقال ال يفطر وجياهد يف سبيل اهللا وخيالط أصحاب وال حيتجب عنهم وال يترك شيئا اد لتلك الواردات اليت تعجز عن محلها قوى البشر واهللا تعاىل أمر عباده إن يقوموا بشرائع من النوافل واالور

اإلسالم على ظواهرهم وحقائق اإلميان على بواطنهم وال يقبل واحدا منهما إال بصاحبه وقرينه ويف املسند ىل حقيقة اإلميان الباطنة فليس مرفوعا اإلسالم عالنية واإلميان يف القلب فكل إسالم ظاهر ال ينفذ صاحبه منه إ

بنافع حىت يكون معه شيء من اإلميان الباطن وكل حقيقة باطنة ال يقوم صاحبها بشرائع اإلسالم الظاهرة ال تنفع ولو كانت ما كانت فلو متزق القلب باحملبة واخلوف ومل يتعبد باألمر وظاهر الشرع مل ينجه ذلك من النار

ام بظواهر اإلس الم وليس يف باطنه حقيقة اإلميان مل ينجه من النار كما أنه لو قوإذا عرف هذا فالصادقون السائرون إىل اهللا والدار اآلخرة قسمان قسم صرفوا ما فضل من أوقاهتم بعد

الفرائض إىل النوافل البدنية وجعلوها دأهبم من غري حرص منهم على حتقيق أعمال القلوب ومنازهلا وأحكامها خالني من أصلها ولكن مهمهم مصروفة إىل االستكثار من األعمال وقسم صرفوا وأن مل يكونوا

ما فضل من الفرائض والسنن إىل االهتمام بصالح قلوهبم وعكوفها على اهللا وحده واجلمعية عليه وحفظ اخلواطر واإلرادات معه وجعلوه قوة تعبده بأعمال القلوب من تصحيح احملبة واخلوف واخلوف والرجاء

توكل واإلنابة ورأوا أن أيسر نصيب من الواردات اليت ترد على قلوهبم من اهللا أحب إليهم من كثري من والالتطوعات البدنية فإذا حصل ألحدهم مجعية ووارد أنس أو حب أو اشتياق أو انكسار وذل مل يستبدل به شيئا

بادر إىل األمر ولو ذهب الوارد فإذا جاءت سواه البتة إال أن جييء األمر فيبادر إليه بذلك الوارد إن أمكنه وإالالنوافل فههنا معترك التردد فإن أمكن القيام إليها به فذاك فذلك به وإال نظر يف األرجح واألحب إىل اهللا هل هو القيام إىل تلك النافلة ولو ذهب وارده كإغاثة امللهوف وإرشاد ضال وجرب مكسور واستفادة إميان وحنو

ي تقدمي النافلة الراجحة ومىت قدمهما هللا رغبة فيه وتقربا إليه فإنه يرد عليه ما فات من وارده ذلك فههنا ينبغأقوى مما كان يف وقت آخر وإن كان الوارد أرجح من النافلة فاحلزم له االستمرار يف وارده حىت يتوارى عنه

مراتب األعمال وتقدمي األهم منها فإنه يفوت والنافلة ال تفوت وهذا موضع حيتاج إىل فضل فقه يف الطريق و فاألهم واهللا املوفق لذلك ال إله غريه وال رب سواه

فصل أصل األخالق املذمومة كلها الكرب واملهانة والدناءة وأصل األخالق

احملمودة كلها اخلشوع وعلو اهلمة فالفخر والبطر واألشر والعجب واحلسد والبغي واخليالء والظلم والقسوة األعراض وإباء قبول النصيحة واالستئثار وطلب العلو وحب اجلاه والرئاسة وأن حيمد مبا مل يفعل والتجرب و

وأمثال ذلك كلها ناشئة من الكرب وأما الكذب واخلسة واخليانة والرياء واملكر واخلديعة والطمع والفزع واجلنب والبخل والعجز والكسل والذل لغري اهللا واستبدال الذي هو

ي هو خري وحنو ذلك فأهنا من املهانة والدناءة وصغر النفس وأما األخالق الفاضلة كالصرب والشجاعة أدىن بالذوالعدل واملروءة والعفة والصيانة واجلود واحللم والعفو والصفح واالحتمال واإليثار وعزة النفس عن الدناآت

و أفضل والتغافل عن زالت الناس وترك والتواضع والقناعة والصدق واألخالق واملكافأة على اإلحسان مبثله أ

Page 76: الفوائد لإبن القيم

تلك األخالق املذمومة وحنو ذلك فكلها ناشئة عن اخلشوع وعلو اهلمة االنشغال مبا ال يعنيه وسالمة القلب من اء فتهتز وتربو وتأخذ زينتها وهبجتها فكذلك واهللا سبحانه أخرب عن األرض بأهنا تكون خاشعة مث ينزل عليها امل

أصابه حظه من التوفيق وأما النار فطبعها العلو واإلفساد مث ختمد فتصري أحقر شيء وأذله املخلوق منها إذا وكذلك املخلوق منها فهي دائما بني العلو إذا هاجت واضطربت وبني اخلسة والدناءة إذا مخدت وسكنت

نها فمن علت مهته واألخالق املذمومة تابعة للنار واخللوق منها واألخالق الفاضلة تابعة لألرض واملخلوق م وخشعت نفسه اتصف بكل خلق مجيل ومن دنت مهته وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل

فصل املطلب األعلى موقوف حصوله على مهة عالية ونية صحيحة فمن فقدمها

تعذر عليه الوصول إليه فان اهلمة إذا كانت عالية تعلقت به وحده دون غريه وإذا كانت النية صحيحة سلك الطريق املوصلة إليه فالنية تفرد له الطريق واهلمة تفرد له املطلوب فإذا توحد مطلوبه والطريق املوصلة إليه العبد

كان الوصول غايته وإذا كانت مهته سافلة تعلقت بالسفليات ومل تتعلق باملطلب األعلى وإذا كانت النية غري عبد ونيته ومها مطلوبه وال يتم له إال بترك ثالثة صحيحة كانت طريقة غري موصلة إليه فمدار الشان على مهة ال

أشياء العوائد والرسوم واألوضاع اليت أحدثها الناس الثاين هجر العوائق اليت تعوقه عن إفراد مطلوبه وطريقة

وقطعها الثالث قطع عالئق القلب اليت حتول بينه وبني جتريد التعلق باملطلوب والفرق بنيها أن العوائق هي ث اخلارجية والعالئق هي التعلقات القلبية باملباحات وحنوها وأصل ذلك ترك الفضول اليت تشغل عن احلواد

املقصود من الطعام والشراب واملنام واخللطة فيأخذ من ذلك ما يعينه على طلبه ويرفض منه ما يقطعه عنه أو يضعف طلبه واهللا املستعان

ه قال رجل عندهفصل من كالم عبد اهللا بن مسعود رضي اهللا عن

ما أحب أن أكون من أصحاب اليمني أحب أن أكون من املقربني فقال عبد اهللا لكن ههنا رجل ود وأنه مات مل يبعث يعين نفسه وخرج ذات يوم فاتبعه ناس فقال هلم ألكم حاجة قالوا ال ولكن أردنا أن منشي معك قال

ون مين ما أعلم من نفسي حلثومت على رأسي التراب وقال ارجعوا فإنه ذلة للتتابع وفتنة للمتبوع وقال لو تعلمحبذا املكروهان املوت والفقر وأمي اهللا إن هو إال الغىن والفقر وما أبايل بأيهما بليت أرجو اهللا يف كل واحد

منهما إن كان الغىن إن فيه للعطف وأن كان الفقر أن فيه للصرب وقال أنكم يف ممر الليل والنهار يف آجل صة وأعمال حمفوظة واملوت يأيت بغتة فمن زرع خريا فيوشك أن حيصد رغبته ومن زرع شرا فيوشك أن منقو

حيصد ندامة ولكل زارع مثل ما زرع ال يسبق بطىء حبظه وال يدرك حريص ما مل يقدر له من أعطى خريا فاهللا إمنا مها اثنتان اهلدى والكالم أعطاه ومن وقى شرا فاهللا وقاه املتقون سادة والفقهاء قادة وجمالستهم زيادة

فأفضل الكالم كالم اهللا وأفضل اهلدى هدى حممد وشر األمور حمدثاهتا وكل حمدثة بدعة فال يطولن عليكم األمد وال يلهينكم األمل فإن كل ما هو آت قريب األوان البعيد ما ليس آتيا األوان الشقي من شقي يف بطن

أمه وأن السعيد من وعظ

Page 77: الفوائد لإبن القيم

وان قتال املسلم كفر وسبابه فسوق وال حيل ملسلم أن يهجر أخاه فوق ثالثة أيام حىت يسلم عليه إذا بغريه إاللقيه وجييبه إذا دعاه ويعوده إذا مرض أال وأن شر الروايا روايا الكذب أال وأن الكذب ال يصلح منه جد وال

ىل الفجور والفجور يهدي إىل النار هزل وال أن يعد الرجل صبيه شيئا مث ال ينجزه أال وأن الكذب يهدي إوالصدق يهدي إىل الرب والرب يهدي إىل اجلنة وأنه يقال للصادق صدق وبر ويقال للكاذب كذب وفجر وأن

حممدا حدثنا أن الرجل ليصدق حىت يكتب عند اهللا صديقا ويكذب حىت يكتب عند اهللا كذابا إن أصدق خري امللة ملة إبراهيم وأحسن السنن سنة حممد وخري اهلدى هدى احلديث كتاب اهللا وأوثق العرى كلمة التقى و

األنبياء وأشرف احلديث ذكر اهللا وخري القصص القرآن وخري األمور عواقبها وشر األمور حمدثاهتا وما قل وكفى خري مما كثر وأهلى ونفس تنجيها خري من إمارة ال حتصيها وشر املعذرة حني حيضر املوت وشر الندامة

يوم القيامة وشر الضاللة الضاللة بعد اهلوى وخري الغىن غىن النفس وخري الزاد التقوى وخري ما ألقى يف ندامةالقلب اليقني والريب من الكفر وشر العمى عمى القلب واخلمر مجاع األمث والنساء حبائل الشيطان والشباب

معة إال دبرا وال يذكر اهللا إال هجرا وأعظم شعبة من اجلنون والنوح من عمل اجلاهلية ومن الناس من ال يأيت اجلاخلطايا الكذب ومن يعف يعف اهللا عنه ومن يكظم الغيظ يأجره اهللا ومن يغفر يغفر اهللا له ومن يصرب على

الرزية يعقبه اهللا وشر املكاسب كسب الربا وشر املآكل مال اليتيم وإمنا يكفي أحدكم ما قنعت به نفسه وإمنا ذرع واألمر إىل آخره ومالك العمل خوامته وأشرف املوت قتل الشهداء ومن يستكرب يضعه اهللا يصري إىل أربعة أ

ومن يعص اهللا يطع الشيطان ينبغي حلامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مفطرون وحبزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس

ن وخبشوعه إذا الناس خيتالون وينبغي حلامل القرآن أن يكون باكيا حمزونا يضحكون وبصمته إذا الناس خيوضوحكيما حليما سكينا وال ينبغي حلامل القرآن ان يكون جافيا وال غافال وال سخابا وال صياحا وال حديدا من

ري وتصديق تطاول تعظما حطه اهللا ومن تواضع ختشعا رفعه اهللا وأن للملك ملة وللشيطان ملة امللك إيعاد باخلباحلق فإذا رأيتم ذلك فامحدوا اهللا وملة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب باحلق فإذا رأيتهم ذلك فتعوذوا باهللا أن الناس قد أحسنوا القول فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه ومن خالف قوله فعله فذاك إمنا يوبخ

بغض الرجل أن أراه فارغا ليس يف شيء من عمل الدنيا وال نفسه ال ألفني أحدكم جيفة ليل قطرب هنار إين ال عمل اآلخرة ومن مل تأمره الصالة باملعروف وتنهه عن املنكر مل يزدد هبا من اهللا بعدا من اليقني أن ال ترضي ا مل يؤتك اهللا فأن رزق اهللا ال يسوقه الناس بسخط اهللا وال حتمد أحدا على رزق اهللا وال تلوم أحدا على م

ص حريص وال يرده كراهة كاره وان اهللا بقسطه وحلمه وعدله جعل الروح والفرح يف اليقني والرضا حروجعل هلم واحلزن يف الشك والسخط ما دمت يف صالة فأنت تقرع باب امللك ومن يقرع باب امللك يفتح له

ابيح اهلدى أحالس البيوت أين ال حسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه باخلطيئة يعملها كونوا ينابيع العلم مصسرج الليل جدد القلوب خلقان الثياب تعرفون يف السماء وختفون على أهل األرض إن للقلوب شهوة وأدبارا

فاغتنموها عند شهوهتا وإقباهلا ودعوها عند فتفرقها وأدبارها ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم اخلشية أنكم مرضه قلبا وتلقون املؤمن من أصح الناس قلبا وأمرضه جسما وأمي اهللا لو ترون الكافر من أصح الناس جسما وأ

مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على اهللا من اجلعالن ال يبلغ العبد حقيقة اإلميان حىت حيل

Page 78: الفوائد لإبن القيم

بذروته وال حيل بذروته حىت يكون الفقر أحب إليه من الغىن والتواضع أحب إليه من الشرف وحىت يكون وذامه وعنده سواه وان الرجل ليخرج من بيته ومعه دينه فريجع وما معه منه شيء يأيت الرجل وال حامده

ميلك له وال نفسه ضرا وال نفعا فيقسم له باهللا أنك لذيت وذويت فريجع وما حىب من حاجته بشيء ويسخط ا األمث حواز القلوب ما كان من نظر فإن للشيطان فيها اهللا عليه لو سخرت من كلب خلشيت أن أحول كلب

مطمعا مع كل فرحة ترحة وما ملىء بيت حربة االملئ عربة وما منكم إال ضيف وماله عارية فالضيف مرحتل والعارية مؤداة إىل أهلها يكون يف آخر الزمان أقوم أفضل أعماهلم التالوم بينهم يسمون األنتان إذا احب

حيب أن يؤيت إليه احلق ثقيل مريء والباطل خفيف ويب رب الرجل أن ينصف من نفسه فليأت إىل الناس الذي شهوة تورث حزنا طويال ما على وجه األرض شيء أحوج إىل طول سجن من لسان إذا ظهر الزنا والربا يف

قرية أذن هبالكها من استطاع منكم أن جيعل كنزه يف السماء حيث ال يأكله السوس وال يناله السراق فليفعل ع كنزه ال يقلدون أحدكم دينه رجال فأن آمن آمن وإن كفر كفر وإن كنتم ال بد مقتدين فإن قلب الرجل م

فاقتدوا بامليت فإن احلي ال تؤمن عليه الفتنة ال يكن أحدكم إمعة قالوا وما اإلمعة قال يقول أنا مع الناس ان يكفر وقال له رجل علمين اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت أال ليوطن أحدكم نفسه على أنه ان كفر الناس ال

كلمات جوامع نوافع فقال أعبد اهللا ال تشرك به شيئا وزل مع القرآن حيث زال ومن جاءك باحلق فاقبل منه وان كان بعيدا بغيضا ومن جاءك بالباطل فاردد عليه وان كان حبيبا قريبا يؤيت بالعبد يوم القيامة فيقال له أد

ت الدنيا فتمثل على هيئتها يوم أخذها يف قعر جهنم فيزل فيأخدها أمانتك فيقول يا رب من أين وقد ذهبفيضعها على عاتقه فيصعد هبا حىت إذا ظن أنه خارج بنها هوت وهوي يف أثرها أبد اآلبدين اطلب قلبك يف ثالثة مواطن عند مساع القرآن ويف جمالس الذكر ويف أوقات اخللوة فان مل جتده يف هذه املواطن فسل اهللا أن

مين عليك بقلب فانه ال قلب لك قال اجلنيد دخلت على شاب فسألين عن التوبة فأجبته فسألين عن حقيقتها فقلت أن تنصب ذنبك بني عينيك حىت يأتيك املوت فقال يل مه ما هذا حقيقة التوبة فقلت له فما حقيقة التوبة

قاسم فقلت القول ما قال الفىت قال عندك يا فىت قال أن تنسى ذنبك وتركين ومضي فكيف هو عندك يا أبا كيف قلت إذا كنت معه يف حال مث نقلين من حال اجلفا إىل حال الوفا فذكرين للجفا يف حال الوفا جفا

د فصل ال جيتمع اإلخالص يف القلب وحمبة املدح والثناء والطمع فيما عن

بطلب اإلخالص فاقبل على الطمع أوال الناس إال كما جيتمع املاء والنار والضب واحلوت فإذا حدثتك نفسك فأذحبه بسكني اليأس وأقبل على املدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا يف اآلخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد يف الثناء واملدح سهل عليك اإلخالص فأن قلت وما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد يف

مع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه اال وبيد اهللا وحده الثناء واملدح قلت أما ذبح الطخزائنه ال ميلكها غريه وال يؤتى العبد منها شيئا سواه وأما ازهد يف الثناء واملدح فيسهله عليك علمك أنه ليس

زين وذمي شني أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمة ويشني اال اهللا وحده كما قال ذلك األعرايب للنيب ان مدحيفقال ذلك اهللا عز و جل فازهد يف مدح من ال يزينك مدحه ويف ذم من ال يشنيك ذم وارغب يف مدح من كل

Page 79: الفوائد لإبن القيم

الزين يف مدحه وكل الشني يف ذمه ولن يقدر على ذلك اال بالصرب واليقني فمىت فقدت الصرب واليقني كنت وعد اهللا حق وال يستخفنك الذين ال يوقنون كمن أراد السفر يف البحر يف غري مركب قال تعاىل فاصرب إن

ا منهم أئمة يهدون بأمرنا ملا صربوا وكانوا بآياتنا يوقنون وقال تعاىل وجعلن

فصل لذة كل أحد على حسب قدره ومهته وشرف نفسه فأشرف الناس نفسا

ليه مبا حيبه ويرضاه فلذته يف وأعالهم مهة وأرفعهم قدرا من لذته يف معرفة اهللا وحمبته والشوق إىل لقائه والتودد إإقباله عليه وعكوف مهته عليه ودون ذلك مراتب ال حيصيها إال اهللا حىت تنتهي إىل من لذته يف أخس األشياء

من القاذورات والفواحش يف كل شيء من الكالم والفعال واألشغال فلو عرضت عليه ما يلتذ به األول مل ورمبا تأملت من ذلك كما أن األول إذا عرض عليه ما يلتذ به هذا مل تسمح نفسه بقبوله وال االلتفات إليه

تسمح نفسه به ومل تلتفت إليه ونفرت نفسه منه وأكمل الناس لذة من مجع له بني لذة القلب والروح ولذة بة البدن فهو يتناول لذاته املباحة على وجه ال ينقص حظه من الدار واآلخرة وال يقطع عليه لذة املعرفة واحمل

واألنس بربه فهذا ممن قال تعاىل فيه قل من حرم زينة اهللا اليت أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هل هي للذين آمنوا يف احلياة الدنيا خالصة يوم القيامة وأخبسهم حظا من اللذة من تناوهلا على وجه حيول بينه وبني

ذهبتم طيباتكم يف حياتكم الدنيا واستمتعتم هبا فهؤالء لذات اآلخرة فيكون ممن يقال هلم يوم استيفاء اللذات أمتتعوا بالطيبات وأولئك متتعوا بالطيبات وافترقوا يف وجه التمتع فأولئك متتعوا هبا على الوجه الذي إذن هلم فيه

ذن هلم فجمع هلم بني لذة الدنيا واآلخرة وهؤالء متتعوا هبا على الوجه الذي دعاهم إليه اهلوى والشهوة وسواء إفيه أم ال فانقطعت عنهم لذة الدنيا وفاتتهم لذة اآلخرة فال لذة الدنيا دامت هلم وال لذة اآلخرة حصلت هلم

فمن أحب اللذة ودوامها والعيش الطيب فليجعل لذة الدنيا موصال له إىل لذة اآلخر بأن يستعني هبا على فراغ به ال حبكم جمرد الشهوة واهلوى وان كان ممن قلبه هللا وإرادته وعبادته فيتناوهلا حبكم االستعان ة والقوة على طل

زويت عنه لذات الدنيا وطيباهتا فليجعل ما نقص منها زيادة يف

لذة اآلخرة وجيم نفسه ههنا بالترك ليستوفيها كاملة هناك فطيبات الدنيا ولذاهتا نعم العون ملن صح طلبه هللا القاطع ملن كانت هي مقصودة ومهته وحوهلا يدندن وفواهتا يف الدنيا والدار اآلخرة وكانت مهه ملا هناك وبئس

نعم العون لطالب اهللا والدار اآلخرة وبئس القاطع النازع من اهللا والدار اآلخرة فمن أخذ منافع الدنيا على وجه يف ترك الذنوب ال ينقص حظه من اآلخرة ظفر هبما مجيعا وإال خسرمها مجيعا سبحان اهللا رب العاملني لو مل يكن

ه وصيانة املال الذي جعله اهللا قواما ملصاحل الدنيا واآلخرة واملعاصي إال إقامة املروءة وصون العرض وحفظ اجلاوحمبة اخللق وجوار القول بينهم وصالح املعاش وراحة البدن وقوة القلب وطيب النفس ونعيم القلب وانشراح

ة اهلم والغم واحلزن وعز النفس عن احتمال الذل وصون نور الصدر واألمن من خماوف الفساق والفجار وقلالقلب إن تطفئه ظلمة املعصية وحصول املخرج له مما ضاق على الفساق والفجار وتيسر الرزق عليه من حيث ال حيتسب وتيسري ما عسر على أرباب الفسوق واملعاصي وتسهيل الطاعات عليه وتيسري العلم والثناء احلسن

ثرة الدعاء له واحلالوة اليت يكتسبها وجهه املهابة اليت تلقي له يف قلوب الناس وانتصارهم ومحيتهم يف الناس وكله إذا أوذي وظلم وذهبم عن عرضه إذا اغتابه مغتاب وسرعة إجابة دعائه وزوال الوحشة اليت بينه وبني اهللا

Page 80: الفوائد لإبن القيم

خدمته وقضاء حوائجه وخطبتهم ملودته وقرب املالئكة منه وبعد شياطني اإلنس واجلن منه وتنافس الناس على وصحبته وعدم خوفه من املوت بل يفرح به لقدومه على ربه ولقائه له ومصريه إليه وصغر الدنيا يف قلبه وكرب اآلخرة عنده وحرصه على امللك الكبري والفوز العظيم فيها وذوق حالوة الطاعة ووجد حالوة اإلميان ودعاء

الئكة له وفرح الكاتبني به ودعائهم له كل وقت والزيادة يف عقله وفهمه وإميانه محلة العرش ومن حوله من املومعرفته وحصول حمبة اهللا له وإقباله عليه وفرحه بتويته وهكذا جيازيه بفرح وسرور ال نسبة له إىل فرحه

وسروره باملعصية بوجه من الوجوه

ملالئكة بالبشرى من ربه باجلنة وبأنه ال خوف عليه وال فهذه بعض آثار ترك املعاصي يف الدنيا فإذا مات تلقته احزن وينتقل من سجن الدنيا وضيقها إىل روضه من رياض اجلنة ينعم فيها إىل يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة

كان الناس يف احلر والعرق وهو يف ظل العرش فإذا انصرفوا من بني يدي اهللا أخذ به ذات اليمني مع أوليائه تقني وحزبه املفلحني وذلك فضل اهللا يؤتيه من يشاء واهللا ذو فضل عظيم امل

فصل ذكر ابن سعد يف الطبقات عن عمر بن عبد العزيز انه كان

إذا خطب على املنرب فخاف على نفسه العجب قطعه وإذا كتب كتابا فخاف فيه العجب مزقه ويقول اللهم أين رع يف قول أو عمل يبتغي فيه مرضاة اهللا مطالعا فيه منة اهللا عليه به أعوذ بك من شر نفسي أعلم أن العبد إذا ش

وتوفيقه له فيه وأنه باهللا ال بنفسه وال مبعرفته وفكره وحوله وقوته بل هو بالذي أنشأ له اللسان والقلب والعني ظر قلبه مل واألذن فالذي من عليه بذلك هو الذي من عليه بالقول الفعل فإذا مل يغب ذلك عن مالحظته ون

حيضره العجب الذي أصله رؤية نفسه وغيبته عن شهود منة ربه وتوفيقه وإعانته فإذا غاب عن تلك املالحظة وثبت النفس وقامت يف مقام الدعوى فوقع العجب ففسد عليه القول والعمل فتارة حيال بينه وبني متامه ويقطع

ال يغيب عن مشاهدة املنة والتوفيق وتارة يتم له ولكن ال يكون له مثرة وإن أمثر عليه ويكون ذلك رمحة به حىت أمثر مثرة ضعيفة غري حمصلة للمقصود وتارة يكون ضرره عليه أعظم من انتفاعه ويتولد له منه مفاسد شىت

حبسب غيبته عن مالحظة التوفيق واملنة ورؤية نفسه وإن القول والفعل به ده وأعماله ويعظم له مثرهتا أو يفسدها عليه ومينعه مثرهتا فال شيء ومن هذا املوضع يصلح اهللا سبحانه أقوال عب

أفسد لألعمال من العجب ورؤية النفس فإذا أراد اهللا

بعده خريا أشهده منته وتوفيقه وإعانته له يف كل ما يقوله ويفعله فال يعجب به مث اشهده تقصريه فيه وأنه ال تحي أن يطلب عليه أجرا وإذا مل يشهده ذلك وغيبه عنه فرأى يرضى لربه به فيتوب إليه منه ويستغفره ويس

نفسه يف العمل ورآه بعني الكمال والرضا مل يقع ذلك العمل منه موقع القبول والرضا واحملبة فالعارف يعمل العمل لوجه مشاهدا فيه منته وفضله وتوفيقه معتذرا منه إليه مستحييا منه إذ مل يوفه حقه واجلاهل يعمل العمل

حلظه وهواه ناظرا فيه إىل نفسه مين به على ربه راضيا بعمله فهذا لون وذاك لون آخر

فصل الوصول إىل املطلوب موقوف على هجر العوائد وقطع العوائق فالعوائد

Page 81: الفوائد لإبن القيم

السكون إىل الدعة والراحة وما ألفه الناس واعتادوه من الرسوم واألوضاع اليت جعلوها مبنزلة الشرع املتبع بل دهم أعظم من الشرع فاهنم ينكرون على من خرج عنها وخالفها ما ال ينكرون على من خالف صريح هي عن

الشرع ورمبا كفروه أو بدعوه وضللوه أو هجروه وعاقبوه ملخالفة تلك الرسوم وأماتوا هلا السنن ونصبوها ا خالف ا وافقهم واملنكر م ها أندادا للرسول يوالون عليها ويعادون فاملعروف عندهم م

وهذه األوضاع والرسوم قد استولت على طوائف بين آدم من امللوك والوالة والفقهاء والصوفية والفقراء واملطوعني والعامة فرىب فيها الصغري ونشأ عليها الكبري واختذت سننا بل هي أعظم عند أصحاهبا من السنن

ا السنة والكتاب من استنصر هبا فهو عند الواقف معها حمبوس واملتقيد هبا منقطع عم هبا املصاب وهجر ألجلهاهللا خمذول ومن اقتدى هبا دون كتاب اهللا وسنة رسوله فهو عند اهللا غري مقبول وهذه أعظم احلجب واملوانع بني

العبد وبني النفوذ إىل اهللا ورسوله

فصل وأما العوائق فهي أنواع املخالفات ظاهرها وباطنها فإهنا تعوق

اهللا وتقطع عليه طريقة وهي ثالثة أمور شرك وبدعة ومعصية فيزول عائق الشرك بتجريد القلب عن سريه إىل التوحيد وعائق البدعة بتحقيق السنة وعائق املعصية بتصحيح التوبة وهذه العوائق ال تتبني للعبد يأخذ يف أهبة

ن بتعويقها له حبسب قوة سريه السفر ويتحقق بالسري إىل اهللا والدار واآلخرة فحينئذ تظهر له هذه العوائق وحيس وجترده للسفر وإال فما دام قاعدا ال يظهر له كوامنها وقواطعها

فصل وأما العالئق فهي كل ما تعلق به القلب دون اهللا ورسوله من

مالذ الدنيا وشهواهتا ورياستها وصحبة الناس والتعلق هبم وال سبيل له إىل قطع هذه األمور الثالثة ورفضها إال ة التعلق باملطلب األعلى وإال فقطعها عليه بدون تعلقه مبطلوبه ممتنع فإن النفس ال تترك مألوفها وحمبوهبا إال بقو

حملبوب هو أحب إليها منه وآثر عندها منه وكلما قوي تعلقه مبطلوبه ضعف تعلقه بغريه وكذا بالعكس والتعلق رفه وفضله على ما سواه باملطلوب هو شدة الرغبة فيه وذلك على قدر معرفته به وش

فصل ملا كمل الرسول مقام االفتقار إىل اهللا سبحانه أحوج اخلالئق

كلهم إليه يف الدنيا واآلخرة أما حاجتهم إليه يف الدنيا فأشد من حاجتهم إىل الطعام والشراب والنفس الذي به حىت يرحيهم من ضيق مقامهم فكلهم حياة أبداهنم وأما حاجتهم إليه يف اآلخرة فإهنم يستشفعون بالرسل إىل اهللا

يتأخر عن الشفاعة فيشفع هلم وهو الذي يستفتح هلم باب اجلنة

فصل من عالمات السعادة والفالح أن العبد كلما زيد يف علمه زيد يف

تواضعه ورمحته وكلما زيد يف خوفه وحذره وكلما زيد يف عمره نقص من حرصه وكلما زيد يف ماله زيد يف ذله وكلما زيد يف قدره وجاهه زيد يف قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع هلم سخائه وب

وعالمات الشقاوة أنه كلما زيد يف علمه زيد يف كربه وتيهه وكلما زيد يف عمله زيد يف فخره واحتقاره للناس

Page 82: الفوائد لإبن القيم

اكه وكلما زيد يف وحسن ظنه بنفسه وكلما زيد يف عمره زيد قي حرصه وكلما زيد يف ماله زيد يف خبله وإمسقدره وجاهه زيد يف كربه وتيهه وهذه األمور ابتالء من اهللا وامتحان يبتلي هبا عباده فيسعد هبا أقوام ويشفى هبا

ا رأى عرش أقوام وكذلك الكرامات امتحان وابتالء كامللك والسلطان واملال قال تعاىل عن نبيه سليمان ملكر أم أكفر فالنعم ابتالء من اهللا وامتحان يظهر هبا شكر الشكور بلقيس عنده هذا من فضل ريب ليبلوين أأش

وكفر الكفور كما أن احملن بلوى منه سبحانه فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي باملصائب قال تعاىل فأما اإلنسان إذا ن كال أي ليس ما ابتاله ربه فأكرمه ونعمه فيقول ريب أكرمن وأما إذا ما ابتاله فقدر عليه رزقه فيقول ريب أهان

كل من وسعت عليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك إكراما مين له وال كل من ضيقت عليه رزقه وابتليته يكون ذلك إهانة مين له

فصل من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدة االعتناء به

يان وأساسها اإلميان ومىت كان فإن علو البنيان على قدر توثيق األساس وإحكامه فاألعمال والدرجات بن األساس وثيقا محل البنيان واعتلى عليه وإذا هتدم شيء من

البنيان سهل تداركه وإذا كان األساس غري وثيق مل يرتفع البنيان ومل يثبت وإذا هتدم شيء من األساس سقط غري أساس فال يلبث بنيانه البنيان أو كاد فالعارف مهته تصحيح األساس وإحكامه واجلاهل يرفع يف البناء عن

أن يسقط قال تعاىل أفمن أسس بنيانه على تقوى من اهللا ورضوان خري أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فاهنار به يف نار جهنم فاألساس لبناء األعمال كالقوة لبدن اإلنسان فإذا كانت القوة قوية محلت البدن ودفعت

ضعيفة ضعف محلها للبدن وكانت اآلفات إليه أسرع شيء عنه كثريا من اآلفات وإذا كانت القوةفامحل بنيانك على قوة أساس اإلميان فإذا تشعث شيء من أعايل البناء وسطحه كان تداركه أسهل عليك من

خراب األساس وهذا األساس أمران صحة املعرفة باهللا وأمره وأمسائه وصفاته والثاين جتريد االنقياد له ولرسوله واه فهذا أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه وحبسبه يعتلى البناء ما شاء فأحكم األساس واحفظ القوة دون ما س

ودم على احلمية واستفرغ إذا زاد بك اخللط والقصد القصد وقد بلغت املراد وإال فما دامت القوة ضعيفة واملادة الفاسدة موجودة واالستفراغ معدوما

قد آذنتك بسرعة التوديع ... ا فاقر السالم على احلياة فإهنفإذا كمل البناء فبيضه حبسن اخللق واإلحسان إىل الناس مث حظه بسور من احلذر ال يقتحمه عدو وال تبدو منه

العورة مث أرخ الستور على أبوابه مث اقفل الباب األعظم بالسكوت عما ختشى عاقبته مث ركب له مفتاحا من فتحت فتحت باملفتاح وإن أغلقت الباب أغلقته به فتكون حينئذ قد بنيت حصنا ذكر اهللا به تفتحه وتغلقه فإن

حتصنت فيه من أعدائك إذا طاف به العدو مل جيد منه مدخال فييأس منك مث تعاهد بناء احلصن كل وقت فإن وصل العدو إذا مل يطمع يف الدخول من الباب نقب عليك النقوب من بعيد مبعاول الذنوب فإن أمهلت أمره

إليك النقب فإذا العدو معك يف داخل احلصن فيصعب عليك إخراجه وتكون معه على

Page 83: الفوائد لإبن القيم

ثالث خالل إما أن يغلبك على احلصن ويستويل عليه وإما أن يساكنك فيه وإما أن يشغلك مبقابلته عن متام احلصن مصلحتك وتعود إىل سد النقب ومل شعث احلصن وإذا دخل نقبه إليك نالك منه ثالث آفات إفساد

واإلغارة على حواصله وذخائره وداللة السراق من بين جنسه على عورته فال يزال يبلي منه بغارة حىت يضعفوا قواه ويوهنوا عزمه فيتخلى عن احلصن وخيلي بينهم وبينه

وهذه حال أكثر النفوس مع هذا العدو وهلذا تراهم يسخطون رهبم برضا أنفسهم بل برضا خملوق مثلهم ال هلم ضرا وال نفعا ويضيعون كسب الدين بكسب األموال ويهلكون أنفسهم مبا ال يبقى هلم وحيرصون ميلك

على الدنيا وقد أدبرت عنهم ويزهدون يف اآلخرة وقد هجمت عليهم وخيالفون رهبم باتباع أهوائهم ويتكلون ليهم ويهتمون مبا ضمنه اهللا على احلياة وال يذكرون املوت ويذكرون شهواهتم وحظوظهم وينسون ما عهد اهللا إ

وال يهتمون مبا أمرهم به ويفرحون بالدنيا وحيزنون على فوات حظهم منها وال حيزنون على فوات اجلنة وما فيها وال يفرحون باإلميان فرحهم بالدرهم والدينار ويفسدون حقهم وهداهم بضالهلم ومعروفهم مبنكرهم

حبرامهم ويترددون يف حرية آرائهم وأفكارهم ويتركون هدى اهللا ويلبسوا إمياهنم بظنوهنم وخيلطون حالهلم الذي أهداه إليهم ومن العجب أن هذا العدو يستعمل صاحب احلصن يف هدم حصنه بيديه

فصل أركان الكفر أربعة الكرب واحلسد والغضب والشهوة فالكرب مينعه

دل والشهوة متنعه التفرغ للعبادة فإذا اهندم ركن االنقياد واحلسد مينعه قبول النصيحة وبذهلا والغضب مينعه العالكرب سهل عليه االنقياد وإذا اهندم ركن احلسد سهل عليه قبول النصح وبذله وإذا اهندم ركن الغضب سهل عليه العدل والتواضع وإذا اهندم ركن الشهوة سهل عليه الصرب والعفاف والعبادة وزوال اجلبال عن أماكنها

ذه األربعة عمن بلى هبا وال سيما إذا صارت هيئات راسخه وملكات وصفات ثابتة فإنه ال أيسر من زوال هيستقيم له معها عمل البتة وال تزكو نفسه مع قيامها هبا وكلما اجتهد يف العمل أفسدته عليه هذه األربعة وكل

صورة الباطل واملعروف يف اآلفات متولدة منها وإذا استحكمت يف القلب أرته الباطل يف صورة احلق واحلق يفصورة املنكر واملنكر يف صورة املعروف وقربت منه الدنيا وبعدت منه اآلخرة وإذا تأملت كفر األمم رأيته ناشئا

منها وعليها يقع العذاب وتكون خفته وشدته حبسب خفتها وشدهتا فمن فتحها على نفسه فتح عليه أبواب لى نفسه أغلق عنه أبوب الشرورفاهتا متنع االنقياد واإلخالص والتوبة الشرور كلها عاجال وآجال ومن أغلقها ع

واإلنابة وقبول احلق ونصيحة املسلمني والتواضع هللا وخللقه ومنشأ هذه األربعة من جهله بربه وجهله بنفسه فإنه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت اجلالل وعرف نفسه

ومل حيسد أحدا على ما أتاه اهللا فإن احلسد يف احلقيقة نوع من معاداة بالنقائص واآلفات مل يتكرب ومل يغضب هلا اهللا فإنه يكره نعمة اهللا على عبده وقد أحبها اهللا وأحب زواهلا عنه واهللا يكره ذلك فهو مضاد هللا يف قضائه تني وقدره وحمبته وكراهته ولذلك كان إبليس عدوه حقيقة ألن ذنبه كان عن كرب وحسد فقلع هاتني الصف

مبعرفة اهللا وتوحيده والرضا به وعنه واإلنابة إليه وقلع الغضب مبعرفة النفس وأهنا ال تستحق أن يغضب هلا وينتقم هلا فإن ذلك إيثار هلا بالرضا والغضب على خالقها وفاطرها وأعظم ما تدفع به هذه اآلفة أن يعودها أن

الرضا له خرج منها مقابله من الغضب والرضا تغضب له سبحانه وترضي له فكلما دخلها شيء من الغضب و

Page 84: الفوائد لإبن القيم

هلا وكذا بالعكس وأما الشهوة فدواؤها صحة العلم واملعرفة بأن إعطاءها شهواهتا أعظم أسباب حرماهنا إياها ومنعها منها ومحيتها نها أعظم أسباب اتصاهلا إليها فكلما فتحت عليها باب الشهوات كنت ساعيا يف حرماهنا إياها وكلما أغلقت ع

ذلك الباب كنت ساعيا يف إيصاهلا إليها على أكمل الوجوه

فالغضب مثل السبع إذا أفلته صاحبه بدأ بأكله والشهوة مثل النار إذا أضرمها صاحبها بدأت بإحراقه والكرب مبنزلة منازعة امللك ملكه فإن مل يهلكك طردك عنه واحلسد مبنزلة معاداة من هو أقدر منك والذي يغلب

وغضبه يفرق الشيطان من ظله ومن تغلبه شهوته وغضبه يفرق من خياله شهوته

فصل عظيم النفع

اجلهال باهللا وأمسائه وصفاته املعطلون حلقائقها يبغضون اهللا إىل خلقه ويقطعون عليهم طريق حمبته والتودد إليه ررون يف نفوس الضعفاء أن بطاعته من حيث ال يعلمون وحنن نذكر من ذلك أمثلة حتتذي عليها فمنها أهنم يق

اهللا سبحانه ال تنفع معه طاعة وان طال زماهنا وبالغ العبد وأتى هبا ظاهره وباطنه وأن العبد ليس على ثقة وال أمن من مكره بل شأنه سبحانه أن يأخذ املطيع املتقي من احملراب إىل املاخور ومن التوحيد واملسبحة إىل الشرك

ميان اخلالص إىل الكفر ويروون يف ذلك آثار صحيحة مل يفهموها وباطلة مل يقلها واملزمار ويقلب قلبه من اإلاملعصوم ويزعمون أن هذا حقيقة التوحيد ويتلون على ذلك قوله تعاىل ال يسأل عما يفعل وقوله أفأمنوا مكر

ه ويقيمون إبليس حجة هلم اهللا فال يأمن مكر اهللا إال القوم اخلاسرون وقوله واعلموا أن اهللا حيول بني املرء وقلبعلى هذه املعرفة وأنه كان طاووس املالئكة وأنه مل يترك يف السماء رقعة وال يف األرض بقعة إال وله فيها سجدة

أو ركعة لكن جىن عليه جاين القدر وسطا عليه احلكم فقلب عينه الطيبة وجعلها أخبث شيء حىت قال بعض ختاف األسد الذي يثب عليك بغري جرم منك وال ذنب أتيته إليه وحيتجون عارفيهم إنك ينبغي أن ختاف اهللا كما

بقول النيب إن أحدكم ليعمل بعمل أهل اجلنة حىت ما يكون بينه وبينها إال ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ويروون عن بعض السلف أكرب الكبائر ال اهللا من مكر اهللا والقنوط من رمحة

وذكر اإلمام أمحد عن عون بن عبد اهللا أو غريه أنه مسع رجال يدعو اهلم ال تؤمين مكرك فأنكر ذلك وقال قل اللهم ال جتعلين ممن يأمن مكرك وبنوا ذلك على أصلهم الباطل وهو إنكار احلكمة والتعليل واألسباب وأن اهللا

التعليل والسبب فال يفعل لشيء وال بشيء وأنه ال يفعل حلكمة وال سبب وإمنا يفعل مبشيئة جمردة من احلكم وال جيوز عليه أن يعذب أهل طاعته أشد العذاب وينعم أعداءه وأهل معصيته جبزيل الثواب وأن األمرين بالنسبة إليه سواء وال يعلم امتناع ذلك إال خبرب من الصادق أنه ال يفعله فحينئذ يعلم امتناعه لوقوع اخلرب بأنه ال يكون

ه يف نفسه باطل وظلم فإن الظلم يف نفسه مستحيل فإنه غري ممكن بل هو مبنزلة جعل اجلسم الواحد يف ال ألنمكانني يف آن واحد واجلمع بني الليل والنهار يف ساعة واحدة وجعل الشيء موجودا ومعدوما معا يف آن واحد

أمر وال يؤمن له مكر كيف يوثق فهذا حقيقة الظلم عندهم فإذا رجع العامل إىل نفسه قال من ال يستقر لهبالتقرب إليه وكيف يعول على طاعنه واتباع أوامره وليس لنا سوى هذه املدة اليسرية فإذا هجرنا فيها اللذات

Page 85: الفوائد لإبن القيم

وتركنا الشهوات وتكلفتا أثقال العبادات وكنا مع ذلك على غري ثقة منه أن يقلب علينا اإلميان كفرا والتوحيد فجورا ويدمي علينا العقوبات كنا خاسرين يف الدنيا واآلخرة فإذا استحكم هذا شركا والطاعة معصية والرب

االعتقاد يف قلوهبم وختمر يف نفوسهم صاروا إذا أمروا بالطاعات وهجر اللذات مبنزلة إنسان جعل يقول لولده معلمك إن كتبت وأحسنت وتأدبت ومل تعصه رمبا أقام لك حجة وعاقبك وإن كسلت وبطلت وتعطلت

وتركت ما أمرك به رمبا قربك وأكرمك فيودع هبذا القول قلب الصيب ما ال يثق بعده إىل وعيد املعلم على اإلساءة وال وعده على اإلحسان وان كرب الصيب وصلح للمعامالت واملناصب قال له هذا سلطان بلدنا يأخذ

احلبس ويقتله ويصلبه فإذا قال له اللص من احلبس فيجعله وزيرا أمريا ويأخذ الكيس احملسن لشغله فيخلدهذلك أو حشه سلطانه وجعله على غري ثقة من وعده ووعيده وأزال حمبته من قلبه وجعله خيافه خمافة الظامل الذي

يأخذ احملسن بالعقوبة

والربيء بالعذاب فأفلس هذا املسكني من اعتقاد كون األعمال نافعة أو ضارة فال بفعل اخلري يستأنس وال بفعلالشر يستوحش وهل يف التنفري عن اهللا وتبغيضه إىل عبادة أكثر من هذا ولو اجتهد املالحدة على تبغيض الدين

والتنفري عن اهللا ملا أتوا بأكثر من هذا وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر التوحيد والقدر ويرد على أهل ديق اجلاهل وكتب اهللا املنزلة كلها ورسله كلهم البدع وينصر الدين ولعمر اهللا العدو العاقل أقل ضررا من الص

شهادة بضد ذلك وال سيما القرآن فلو سلك الدعاة املسلك الذي دعا اهللا ورسوله به الناس إليه لصلح العامل صالحا ال فساد معه فاهللا سبحانه أخرب وهو الصادق الويف أنه إمنا يعامل الناس بكسبهم وجيازيهم بأعماهلم وال

سن ليده ظلما وال هضما وال خياف خبسا وال رهقا وال يضيع عمل حمسن أبدا وال يضيع على العبد خياف احملمثقال ذرة ال يظلمها وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما وإن كان مثقال حبة من خردل

غفار واحلسنات واملصائب جازاه هبا وال يضيعها عليه وأنه جيزي بالسيئة مثلها وحيبطها بالتوبة والندم واالستوجيزي باحلسنة عشر أمثاهلا ويضاعفها إىل سبعمائة ضعف إىل أضعاف كثرية وهو الذي أصلح الفاسدين وأقبل

بقلوب املعرضني وتاب على املذنبني وهدى الضالني وأنقذ اهلالكني وعلم اجلاهلني وبصر املتحيزين وذكر عه بعد شدة التمرد والعتو عليه ودعوة العبد إىل الرجوع إىل إليه الغافلني وآوى الشاردين وإذا أوقع عقابا أوق

واإلقرار بربوبيته وحقه مرة بعد مرة حىت إذا يأس من استجابته واإلقرار بربوبيته ووحدانيته أخذه ببعض كفره ل تعاىل عن وعتوه ومترده حبيث يعذر العبد من نفسه ويعترف بأنه سبحانه مل يظلمه وأنه هو الظامل لنفسه كما قا

أهل النار فاعترفوا بذنبهم فسحقا ألصحاب السعري وقال عمن أهلكهم يف الدنيا أهنم ملا رأوا آياته وأحسوا حصيدا بعذابه قالوا يا ويلنا إنا كنا ظاملني فما زالت تلك دعواهم حىت جعلناهم حصيدا خامدين وقال أصحاب

ا رأوها اجلنة اليت أفسدها عليهم مل

ربنا إنا كنا ظاملني قال احلسن لقد دخلوا النار وأن محده لفي قلوهبم ما وجدوا عليه حجة وال قالوا سبحان سبيال وهلذا قال تعاىل نقطع دابر القوم الذين ظلموا واحلمد هللا رب العاملني فهذه اجلملة يف موضع احلال أي

حلمده فهو قطع وإهالك حيمد قطع دابرهم حال كونه سبحانه حممودا على ذلك فقطع دابرهم قطعا مصاحبا عليه الرب تعاىل لكما حكمته وعدله ووضعه العقوبة يف موضعها الذي ال يليق به غريها فوضعها يف املوضع الذي يقول من علم احلال ال تليق العقوبة إال هبذا احملل وال يليق به إال العقوبة وهلذا قال عقيب إخباره عن

Page 86: الفوائد لإبن القيم

دة إىل اجلنة وأهل الشقاء إىل النار وقضى بينهم باحلق وقيل احلمد هللا رب احلكم بني عباده ومصري أهل السعاالعاملني فحذف فاعل القول إشعارا بالعموم وأن الكون كله قال احلمد هللا رب العاملني ملا شاهدوا من حكمه

حىت تقوله احلق وعدله وفضله وهلذا قال يف حق أهل النار قيل ادخلوا أبواب جهنم كأن الكون كله يقول ذلكأعضاؤهم وأرواحهم وأرضهم ومساؤهم وهو سبحانه خبرب أنه إذا هلك أعداءه أجنى أولياءه وال يعمهم باهلالك

مبحض املشيئة وملا سأله نوح جناة ابنه أخرب أنه يغرقه بسوء عمله وكفره ومل يقل إين أغرقه مبحض مشيئيت اية للمجاهدين يف سبله ومل خيرب أنه يضلهم ويبطل وإراديت بال سبب وال ذنب وقد ضمن سبحانه زيادة اهلد

سعيهم وكذلك ضمن زيادة اهلداية للمتقني الذين يتبعون رضوانه وأخرب أنه ال يضل إال الفاسقني الذين ينقضون عهده من بعد ميثاقه وأنه إمنا يضل من آثر الضالل واختاره على اهلدى فيطبع حينئذ على مسعه وقلبه وأنه يقلب

ا قلب من مل يرض هبداه إذا جاءه ومل يؤمن به ودفعه ورده فيقلب فؤاده وبصره عقوبة له على رده ودفعه ملحتققه وعرفه وأنه سبحانه لو علم يف تلك احملال اليت حكم عليها بالضالل والشقاء خريا ألفهمها وهداها ولكنها

احلجج ومكن من أسباب اهلداية وأنه ال ال تصلح لنعمته وال تليق هبا كرامته وقد أزاح سبحانه العلل وأقام يضل إال الفاسقني والظاملني وال يطبع

إال على قلوب املعتدين وال يركس يف الفتنة إال املنافقني بكسبهم وأن الرين الذي غطى به قلوب الكفار وهو اليهود وقالوا عني كسبهم وأعماهلم كما قال كال بل ران على قلوهبم ما كانوا يكسبون وقال عن أعدائه من

قلوبنا غلف بل طبع اهللا عليها بكفرهم وأخرب أنه ال يضل من هداه حىت ينب له ما يتقي فيختار لشقوته وسوء طبيعته الضالل على اهلدى والغي على الرشاد ويكون مع نفسه وشيطانه وعدو ربه عليه

فيقابل مكرهم السيء مبكره احلسن وأما املكر الذي وصف به نفسه فهو جمازاته للماكرين بأوليائه ورسله فيكون املكر منهم أقبح شيء ومنه أحسن شيءألنه عدل وجمازاة وكذلك املخادعة منه جزاء على خمادعة رسله أوليائه فال أحسن من تلك املخادعة واملكر وأما كون الرجل يعمل بعمل أهل اجلنة حىت ما يكون بينه وبينها إال

يما يظهر للناس ولو كان عمال صاحلا مقبوال للجنة قد ذراع فيسبق عليه الكتاب فإن هذا عمل أهل اجلنة فأحبه اهللا ورضيه مل يبطله عليه وقوله مل يبق بينه وبينها إال ذراع يشكل على هذا التأويل فيقال ملا كان العمل

ذل هبا يف آخر عمره بآخره وخامتته مل يصرب هذا العامل على عمله حىت يتم له بل كان فيه آفة كامنة ونكتة خفخانته تلك اآلفة والداهية والباطنة يف وقت احلاجة فرجع إىل موجبها وعملت عملها ولو مل يكن هناك غش وآفة مل يقلب اهللا إميانه لقد أورده مع صدقه فيه وإخالصه بغري سبب منه يقتضي إفساده عليه واهللا يعلم من

سائر العباد ما ال يعلمه بعضهم من بعض ا شأن إبليس فإن اهللا سبحانه قال للمالئكة إين أعلم ماال تعلمون فالرب تعاىل كان يعلم ما يف قلب إبليس وأم

من الكفر والكرب واحلسد ماال يعلمه املالئكة فلما أمروا بالسجود ظهر ما يف قلوهبم من الطاعة واحملبة واخلشية ن الكرب والغش واحلسد فأىب واستكرب وكان من واالنقياد فبادروا إىل االمتثال وظهر ما يف قلب عدوه م

الكافرين

وأما خوف أوليائه من مكره فحق فإهنم خيافون أن خيذهلم بذنوهبم وخطاياهم فيصريون إىل الشقاء فخوفهم من ذنوهبم ورجاؤهم لرمحته وقوله أفأمنوا مكر اهللا إمنا هو يف حق الفجار والكفار ومعىن اآلية فال يعصي ويأمن

Page 87: الفوائد لإبن القيم

ة اهللا له على مكر السيئات مبكره به إال القوم اخلاسرون والذي خيافه العارفون باهللا من مكره أن يؤخر مقابلعنهم عذاب األفعال فيحصل منهم نوع اغترار فيأنسوا بالذنوب فيجيئهم العذاب على غرة وفترة وأمر آخر

ه فيسرع إليهم البالء والفتنة فيكون وهو أن يغفلوا عنه وينسوا ذكره فيتخلى عنهم إذا ختلوا عن ذكره وطاعتمكره هبم ختليه عنهم وأمر آخر أن يعلم من ذنوهبم وعيوهبم ما ال يعلمونه من نفوسهم فيأتيهم املكر من حيث

ال يشعرون وأمر آخر أن ميتحنهم ويبتليهم مبا ال صرب هلم عليه فيفتنون به وذلك مكر

اهنا والساعات أوراقهافصل السنة شجرة والشهور فروعها واأليام أغص

واألنفاس مثرها فمن كانت أنفاسه يف طاعة فثمرة شجرته طيبة ومن كانت يف معصية فثمرته حنظل وإمنا يكون اجلداد يوم املعاد فعند اجلداد يتبني حلو الثمار من مرها واإلخالص والتوحيد شجرة يف القلب فروعها األعمال

املقيم يف اآلخرة وكما أن مثار اجلنة ال مقطوعة وال ممنوعة فثمرة التوحيد ومثرها طيب احلياة يف الدنيا والنعيمواإلخالص يف الدنيا كذلك والشرك والكذب والرياء شجرة يف القلب مثرها يف لدنيا واخلوف واهلم والغم

يف سورة وضيق الصدر وظلمة القلب ومثرها يف اآلخرة الزقوم والعذاب املقيم وقد ذكر اهللا هاتني الشجرتني إبراهيم

فصل إذا بلغ العبد أعطى عهده الذي عهده إليه خالقه ومالكه فإذا أخذ

عهده بقوة وقبول

وعزم على تنفيذ ما فيه صلح للمراتب واملناصب اليت يصلح هلا املوفون بعهودهم فإذا هز نفسه عند أخذ العهد يذه مين فحرص أوال على فهم عهده وتدبره وانتحاها وقال قد أهلت لعهد ريب فمن أوىل بقبوله وفهمه وتنف

وتعرفه وصايا سيده له مث وطن نفسه على امتثال ما يف عهده والعمل به وتنفيذه حسبما تضمنه عهده فأبصر بقلبه حقيقة العهد وما تضمنه فاستحدث مهة أخرى وعزمية غري العزمية اليت كان فيها وقت الصبا قبل وصول

الصبا واالنقياد للعادة واملنشأ وصرب على شرف اهلمة وهتك ستر الظلمة إىل نور العهد فاستقال من ظلمة غرةاليقني فأدرك بقدر صربه وصدق اجتهاده ما وهبه اهللا له من فضله فأول مراتب سعادته أن تكون له أذن واعية

أى أكثر الناس وقلب يعقل ما تعيه األذن فإذا مسع وعقل واستبانت له اجلادة ورأى عليها تلك األعالم ورمنحرفني عنها ميينا ومشاال فلزمها ومل ينحرف مع املنحرفني الذين كان سبب احنرافهم عدم قبول العهد أو قبلوه

بكره ومل يأخذوه بقوة وال عزمية وال حدثوا أنفسهم بفهمه وتدبره والعمل مبا فيه وتنفيذ وصاياه بل عرض ما ألفوا عليه اآلباء واألمهات فتلقوا العهد تلقي من هو مكتف غيهم العهد ومعهم ضراوة الصبا ودين العادة و

ال تكفي من جيمع مهه وقلبه على فهم العهد والعمل به حىت كأن ذلك مبا وجد عليه آباءه وسلفه وعادهتم ما العهد أتاه وحده وقيل له تأمل ما فيه مث اعمل مبوجبه فإذا مل يتلق عهده هذا التلقي اخلد إىل سري القرابة و

ا عليه سلفه ومن تقدمه من استمرت عليه عادة أهله وأصحابه وجريانه وأهل بلده فإن علت مهته أخلد إىل مغري التفات إىل تدبر العهد وفهمه فرضى لنفسه أن يكون دينه دين العادة فإذا شامة الشيطان ورأى هذا مبلغ

هذا هو احلق وما خالفه باطل ومثل له اهلدى يف مهته وعزميته رماه بالعصبية واحلمية لآلباء وسلفه وزين له أن

Page 88: الفوائد لإبن القيم

صورة الضالل والضالل يف صورة اهلدى بتلك العصبية واحلمية اليت أسست على غري علم فرضاه أن يكون مع ا عليهم فخذل عن اهلدى وواله اهللا ما توىل فلو جاءه كل هدى خيالف قومه ا هلم وعليه م عشريته وقومه له م

وعشريته مل يره

ضاللة وإذا كانت مهته أعلى من ذلك ونفسه أشرف وقدره أعلى أقبل على حفظ عهده وفهمه وتدبره إالوعلم أن لصاحب العهد شأنا ليس كشأن غريه فأخذ نفسه مبعرفته من نفس العهد فوجده قد تعرف إليه وعرفه

ا سواه نفسه وصفاته وأمساءه وأفعاله وأحكامه فعرف من ذلك العهد قيوما بنفسه مقيما لغ ريه غنيا عن كل مخلقه يرى ويسمع ويرضي ويغضب وحيب ويبغض ويدبر وكل ما سواه فقري إليه مستو على عرشه فوق مجيع

كلم آمر ناه يرسل رسله إىل أقطار مملكته بكالمه الذي يسمعه من يشاء من خلقه أمر مملكته وهو فوق عرشه متحليم غفور شكور جواد حمسن موصوف بكل كمال منزه عن وأنه قائم بالقسط جماز باإلحسان واإلساءة وأنه

كل عيب ونقص وأنه ال مثل له ويشهد حكمته يف تدبري مملكته وكيف يقدر مقاديره مبشيئة غري مضادة لعدله وحكمته وتظاهر عنده العقل والشرع والفطرة فصدق كل منهما صاحبيه وفهم عن اهللا سبحانه ما وصف به

ق أمسائه اليت هبا نزل الكتاب وهبا نطق وهلا أثبت وحقق وهبا تعرف إال عبادة حىت أقرت نفسه يف كتابه من حقائبه العقول وشهدت به الفطر فإذا عرف بقلبه وتيقن صفات صاحب العهد وأشرقت أنوارها على قلبه فصارت

مل احلسي والعامل الروحي له كاملعاينة فرأى حينئذ تعلقها باخللق واألمر وارتباطهما هبا وسريان آثارمها يف العاورأى تصرفها يف اخلالئق كيف عمت وخصت وقربت وأبعدت وأعطت ومنعت فشاهد بقلبه مواقع عدله

سبحانه وقسطه وفضله ورمحته واجتمع له اإلميان بلزوم حجته مع نفوذ أقضيته وكمال قدرته مع كمال عدله مته وجالله وكربيائه وبطشه وانتقامه مع رمحته وحكمته وهناية علوه على مجيع خلقه مع إحاطته ومعيته وعظ

وبره ولطفه وجوده وعفوه وحلمه ورأى لزوم احلجة مع قهر املقادير اليت ال خروج ملخلوق عنها وكيف اصطحاب الصفات وتوافقها وشهادة بعضها لبعض وانعطاف احلكمة اليت هي هناية وغاية على املقادير اليت هي

إىل أصوهلا ومبادئها إىل أول وبداية ورجوع فروعها

غاياهتا حىت كأنه مشاهد مباديء احلكمة وتأسيس القضايا على وفق احلكمة والعدل واملصلحة والرمحة واإلحسان ال خترج قضية عن ذلك إىل انقضاء األكوان وانفصال األحكام يوم الفصل بني العباد وظهور عدله

يقة إنسها وجنها مؤمنها وكافرها وحينئذ يتبني من صفات وحكمته وصدق رسله وما أخربت به عنه جلميع اخللا مل يكونوا يعرفونه قبل ذلك حىت أن أعرف خلقه به يف الدنيا يثين عليه يومئذ من جالله ونعوت كماله للخلق م

صفات كماله ونعوت جالله ما مل يكن حيسنه يف الدنيا وكما يظهر ذلك خللقه تظهر هلم األسباب اليت هبا زاغ ائغون وضل الضالون وانقطع املنقطعون فيكون الفرق بني العلم يومئذ حبقائق األمساء والصفات العلم هبا يف الز

الدنيا كالفرق بني العلم باجلنة والنار ومشاهدهتما وأعظم من ذلك وكذلك يفهم من العبد كيف اقتضت أمساؤه ا تضمنته من األوامر والنواهي وصفاته لوجود النبوة والشرائع وأن ال يترك خلقه سدى وكيف اقت ضت م

وكيف اقتضت وقوع الثواب والعقاب واملعاد وأن ذلك من موجبات أمسائه وصفاته حبيث ينزه عما زعم أعداؤه من إنكار ذلك ويرى مشول القدرة وإحاطتها جبميع الكائنات حىت ال يشذ عنها مثقال ذرة ويرى أنه لو

نت تفسد السماوات واألرض ومن فيهن وأنه سبحانه لو جاز عليه النوم كان معه إله آخر لفسد هذا العامل فكا

Page 89: الفوائد لإبن القيم

أو املوت لتدكدك هذا العامل بأسره ومل يثبت طرفة عني ويرى ذلك اإلسالم واإلميان اللذين تعبد اهللا هبما مجيع أنه ال عباده كيف انبعاثهما من الصفات املقدسة وكيف اقتضيا الثواب والعقاب عاجال وآجال ويرى مع ذلك

يستقيم قبول هذا العهد والتزامه ملن جحد صفاته وأنكر علوه على خلقه وتكلمه بكتبه وعهوده كما ال يستقيم قبوله ملن أنكر حقيقة مسعه وبصره وحياته وإرادته وقوته وأن هؤالء هم الذين ردوا عهده وأبوا قبوله وأن من

ا فيه وباهللا التوفيق قبلهم منهم مل يقبله جبميع م

فصل خلق بدن ابن آدم من األرض وروحه من ملكوت السماء وقرن بينهما

فإذا أجاع بدنه وأسهره وأقامه يف اخلدمة وجدت روحه خفة وراحة فتاقت إىل املوضع الذي خلقت منه واشتاقت إىل عاملها العلوي وإذا أشبعه ونعمه ونومه واشتغل خبدمته وراحته أخلد البدن إىل املوضع الذي خلق

ه فاجنذبت الروح معه فصارت يف السجن فلوال أهنا ألفت السجن الستغاثت من أمل وفارقتها وانقطاعها عن من عاملها الذي خلقت منه كما يستغيث املعذب

وباجلملة فكما خف البدن لطفت الروح وخفت وطلبت عاملها العلوي وكلما ثقل وأخلد إىل الشهوات وصارت أرضية سفلية فترى الرجل روحه يف الرفيق األعلى وبدنه والراحة ثقلت الروح وهبطت من عاملها

عندك فيكون نائما على فراشه وروحه عند سدرة املنتهى جتول حول العرش وآخر واقف يف اخلدمة ببدنه وروحه يف السفل جتول حول السفليات فإذا فارقت الروح البدن التحقت برفيقها األعلى أو األدىن فعند الرفيق

كل قرة عني وكل نعيم وسرور وهبجة ولذة وحياة طيبة وعند الرفيق األسفل كل هم وغم وضيق األعلى ذكري فإن له معيشة ضنكا فذكره كالمه الذي وحزن وحياة نكدة ومعيشة ضنك قال تعاىل ومن أعرض عن

ري أهنا عذاب أنزله على رسوله واإلعراض عنه ترك تدبره والعمل به واملعيشة الضنك فأكثر ما جاء يف التفسالقرب قاله ابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد اخلدري وابن عباس وفيه حديث مرفوع وأصل الضنك يف اللغة

الضيق والشدة وكل ما ضاق فهو ضنك يقال منزل ضنك وعيش الضنك فهذه املعيشة الضنك يف مقابلة ما وسعت عليها ضيقت على القلب التوسيع على النفس والبدن بالشهوات واللذات والراحة فإن النفس كل

حىت تصري معيشة ضنكا وكلما ضيقت عليها وسعت على القلب حىت ينشرح وينفسخ فضنك املعيشة يف

الدنيا مبوجب التقوى سعتها يف الربزخ واآلخرة وسعة املعيشة يف الدنيا حبكم اهلوى ضنكها يف الربزخ واآلخرة أشق البدن بنعيم الروح وال تشق الروح بنعيم البدن فإن نعيم فآثر أحسن املعيشتني وأطيبهما وأدومهما و

الروح وشقاءها أعظم وأدوم ونعيم البدن وشقاؤه أقصر وأهون واهللا املستعان العارف ال يأمر الناس بترك الدنيا فإهنم ال يقدرون على تركها ولكن يأمرهم بترك الذنوب مع إقامتهم على

الذنوب فريضة فكيف يؤمر بالفضيلة من مل يقم الفريضة فإن صعب عليهم ترك دنياهم فترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فاجتهد أن حتبب اهللا إليهم بذكر آالئه وإنعامه وإحسانه وصفات كماله ونعوت جالله فإن القلوب

حيىي بن مفطورة على حمبته فإذا تعلقت حببه هان عليها ترك الذنوب واالستقالل منها واإلصرار عليها وقد قال معاذ طلب العاقل للدنيا خري من ترك اجلاهل هلا العارف يدعو الناس إىل اهللا من دنياهم فتسهل عليهم اإلجابة

والزاهد يدعوهم إىل اهللا بترك الدنيا فتشق عليهم اإلجابة فإن الفطام عن الثدي الذي ما عقل اإلنسان نفسه إال

Page 90: الفوائد لإبن القيم

زكاهن وأفضلهن فإن للنب تأثريا يف طبيعة املرتضع ورضاع وهو يرتضع منه شديد ولكن خبري من املرضعات أاملرأة احلمقى يعود حبمق الولد وأنفع الرضاعة ما كان من اجملاعة فإن قويت على مرارة الفطام وإال فارتضع

بقدر فإن من البشم ما يقتل

فصل بني رعاية احلقوق مع الضر ورعايتها مع العافية بون بعيد أن عبدي

ذي يذكرين وهو مالق قرنه يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا اهللا كثريا لعلكم كل عبدي التفلحون ليس العجب من صحيح فارغ واقف مع اخلدمة إمنا العجب من ضعيف سقيم تعتوره األشغال وختتلف

عليه األحوال وقلبه واقف يف اخلدمة غري متخلف مبا يقدر عليه

سبحانه نوعان معرفة إقرار وهي اليت اشترك فيها الناسفصل معرفة اهللا

الرب والفاجر واملطيع والعاصي والثاين معرفة توجب احلياء منه واحملبة له وتعلق القلب به والشوق إىل لقائه وخشيته واإلنابة إليه واألنس به والفرار من اخللق إليه وهذه هي املعرفة اخلالصة اجلارية على لسن القوم

ا أخفاه عن سواهم وكل أشار إىل وتفا وهتم فيهاال حيصيه إال الذي عرفهم بنفسه وكشف لقلوهبم من معرفته مهذه املعرفة حبسب مقامه وما كشف له منها وقد قال اعرف اخللق به ال أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت

اآلن على نفسك وأخرب أنه سبحانه يفتح عليه يوم القيامة من حمامدة مبا ال حيسنهوهلذه املعرفة بابان واسعان باب التفكر والتأمل يف آيات القرآن كلها والفهم اخلاص عن اهللا ورسوله والباب الثاين التفكر يف آياته املشهودة وتأمل حكمته فيها وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله وقيامه بالقسط على خلقه

ماهلا وتفرده بذلك وتعلقها باخللق واألمر فيكون فقيها يف ومجاع ذلك الفقه يف معاين أمسائه احلسىن وجالهلا وكأوامره ونواهيه فقيها يف قضائه وقدره فقيها يف أمسائه وصفاته فقيها يف احلكم الديين الشرعي واحلكم الكوين

القدري وذلك فضل اهللا يؤتيه من يشاء واهللا ذو الفضل العظيم

وأخرج يف حق اهللا فذاك خريفصل الدراهم أربعة دراهم اكتسب بطاعة اهللا

الدراهم ودرهم اكتسب مبعصية اهللا وأخرج يف معصية اهللا فذاك شر الدراهم ودرهم اكتسب بأذى مسلم وأخرج يف أذى مسلم فهو كذلك ودرهم اكتسب مبباح وأنفق يف شهوة مباحة فذاك ال له وال عليه هذه أصول

الدراهم ويتفرع

حبق وأنفق يف باطل ودرهم اكتسب بباطل وأنفق يف حق فإنفاقه كفارته عليها داهم أخر منها درهم اكتسبودرهم اكتسب من شبهة فكفارته أن ينفق يف طاعة وكما يتعلق الثواب والعقاب واملدح والذم بإخراج الدرهم

يما أنفقه فكذلك يتعلق باكتسابه وكذلك يسأل عنه مستخرجه ومصروفه من أين اكتسبه وف

ؤمن أنواع مواساة باملال ومواساة اجلاه ومواساةفصل املواساة للم

Page 91: الفوائد لإبن القيم

بالبدن واخلدمة ومواساة بالنصيحة واإلرشاد ومواساة بالدعاء واالستغفار هلم ومواساة بالتوجع هلم على قدر اإلميان تكون هذه املواساة فكلما ضعف اإلميان ضعفت املواساة وكلما قوي قويت وكان رسول اهللا أعظم

ابه بذلك كله فألتباعه من املواساة حبسب اتباعهم له ودخلوا على بشر احلايف يف يوم شديد الناس مواساة ألصحا أواسيهم به الربد وقد جترد وهو ينتفض فقالوا ما هذا يا أبا نصر فقال ذكرت الفقراء وبردهم وليس يل م

فأحببت أن أواسيهم يف بردهم

لكثري مع الفائدةفصل اجلهل بالطريق وآفاهتا واملقصود يوجب التعب ا

القليلة فإن صاحبه إما أن جيتهد يف نافلة مع إضاعة الفرض أو يف عمل باجلوارح مل يواطئه عمل القلب أو عمل بالباطن والظاهر مل يتقيد باإلقتداء أو مهة إىل عمل مل ترق بصاحبها إىل مالحظة املقصود أو عمل مل يتحرز من

عمل غفل فيه عن مشاهدة املنة فلم يتجرد عن مشاركة النفس فيه أو آفاته املفسدة له حال العمل وبعده أوعمل مل يشهد تقصريه فيه فيقوم بعده يف مقام االعتذار منه أو عمل مل يوفه حقه من النصح واإلحسان وهو يظن

أنه وفاه فهذا كله مما ينقص الثمرة مع كثرة التعب واهللا املوفق

اهللا تعاىل وإرادته عرضت له اخلوادعفصل إذا عزم العبد على السفر إىل

والقواطع فينخدع أوال بالشهوات والرياسات واملالذ واملناكح واملالبس فإن وقف معها انقطع وإن رفضها ومل يقف معها وصدق يف طلبه ابتلي بوطء عقبه وتقبيل يده والتوسعة له يف اجمللس واإلشارة إليه بالدعاء ورجاء

معه وانقطع به عن اهللا وكان حظه منه وإن قطعه ومل يقف معه ابتلى بالكرامات بركته وحنو ذلك فإن وقف والكشوفات فإن وقف معها انقطع هبا عن اهللا وكانت حظه إن مل يقف معها ابتلى بالتجريد والتخلي ولذة

را إىل اجلمعية وعزة الوحدة والفراغ من الدنيا فإن وقف مع ذلك انقطع املقصود وإن مل يقف معه وسار ناظمراد اهللا منه وما حيبه منه حبيث يكون عبده املوقوف على حمابه ومراضيه أين كانت وكيف كانت تعب هبا أو

استراح تنعم أو تأمل أخرجته إىل الناس أو عزلته عنهم ال خيتار لنفسه غري ما خيتاره له وليه وسيده واقف مع أمره قدم راحتها ولذهتا على مرضاة سيده وأمره فهذا هو العبد ينفذه حبسب اإلمكان ونفسه عنده أهون عليه أن ي

الذي قد وصل ونفذ ومل يقطعه عن سيده شيء وباهللا التوفيق

فصل النعم ثالثة نعمة حاصلة يعلم هبا العبد ونعمة منتظرة يرجوها ونعمة

ال يشعر هبا فإذا أراد اهللا إمتام نعمته على عبده عرفة نعمته احلاضرة وأعط اه من شكره قيدا به حىت ال وهو فيها تشرد فإهنا تشرد باملعصية وتقيد بالشكر ورفقة لعمل يستجلب به النعمة املنتظرة وبصره بالطرق اليت تسدها

وتقطع طريقها ورفقة الجتناهبا وإذا هبا قد وافت إليه على أمت الوجوه وعرفه النعم اليت

Page 92: الفوائد لإبن القيم

لرشيد فقال أمري املؤمنني ثبت اهللا عليك النعم اليت أنت فيها هو فيها فال يشعر هبا وحيكي أن أعرابيا دخل على ابإدامة شكرها وحقق لك النعم اليت ترجوها حبسن الظن به ودوام طاعته وعرفك النعم اليت أنت فيها وال

ا أحسن تقسيمه تعرفها لتشكرها فأعجبه ذلك منه وقال م

واألفكار فإهنا قاعدة جليلة مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو اخلواطر

توجب التصورات والتصورات تدعو إىل اإليرادات واإليرادات تقتضي وقوع الفعل وكثرة تكراره تعطي العدة فصلح هذه املراتب بصالح اخلواطر واألفكار وفسادها بفسادها فصالح اخلواطر بأن تكون مراقبة لوليها وأهلها

ه به كل صالح ومن عنده كل هدى ومن توفيقه كل رشد صاعدة إليه دائرة على مرضاته وحمابه فإنه سبحانومن توليه لعبده كل حفظ ومن توليه وإعراضه عنه كل ضالل وشقاء فيضفر العبد بكل خري وهدى ورشد

بقدر إثبات عني فكرته يف آالئه ونعمه وتوحيده وطرق معرفته وطرق عبوديته وإنزاله إياه حاضرا معه مشاهدا ا على خواطره وإرادته ومهه فحينئذ يستحي منه وجيله أن يطلعه منه على عورة له ناظرا إليه رقيبا ع ليه مطلع

ثله أو يرى نفسه خاطرا ميقته عليه يكره أن يطلع عليها خملوق مفمىت أنزل ربه هذه املنزلة منه رفعه وقربه منه وأكرمه واجتباه وواله وبقدر ذلك يبعد عن األوساخ والدناآت

واألفكار الدنيئة كما أنه بعد منه واعرض عنه وقرب من األوساخ والدناآت واألقذار ويقطع واخلواطر الرديئةعن مجيع الكماالت ويتصل جبميع النقائص فاإلنسان خري املخلوقات إذا تقرب من بارئه والتزم أوامره ونواهيه

وعمل مبرضاته وآثره على هواه

لقربه وطاعته وابتغاء مرضاته فمىت اختار التقرب إليه وآثره على وشر املخلوقات إذا تباعد عنه ومل يتحرك قلبه به عقله وإميانه على نفسه وشيطانه وحكم رشده على غيه وهداه على هواه ومىت نفسه وهواه فقد حكم قل

اختار التباعد منه فقد حكم نفسه وهواه وشيطانه على عقله وقلبه ورشده قاهتا إىل الفكر فيأخذها الفكر فيؤديها إىل التذكر فيأخذها الذكر وأعلم أن اخلاطرات والوساوس تؤدي متعل

فيؤديها إىل اإلرادة فتأخذها اإلرادة فتؤديها إىل اجلوارح والعمل فتستحكم فتصري عادة فردها من مبادئها هنا هتجم أسهل من قطعها بعد قوهتا ومتامها ومعلوم أنه مل يعط اإلنسان إماتة اخلواطر وال القوة على قطعها فإ

عليه هجوم النفس إال أن قوة اإلميان والعقل تعينه على قبول أحسنها ورضاه به ومساكنته له وعلى رفع أقبحها وكراهته له نفرته منه كما قال الصحابة يا رسول اهللا إن أحدنا جيد يف نفسه ما ألن حيترق حىت يصري محمة

نعم قال ذاك صريح اإلميان ويف لفظ احلمد هللا الذي رد أحب إليه من أن يتكلم به فقال أو قد وجدمتوه قالواكيده إىل الوسوسة وفيه قوالن أحدمها أن رده وكراهيته صريح اإلميان والثاين أن وجوده وإلقاء الشيطان له يف

شبيهة النفس صريح اإلميان فإنه إمنا ألقاه يف النفس طلبا ملعارضة اإلميان و إزالته به وقد خلق اهللا سبحانه النفسبالرحا الدائرة اليت ال تسكن وال بد هلا من شيء تطحنه فإن وضع فيها حب طحنته وإن وضع فيها تراب أو

حصا طحنته فألفكار واخلواطر اليت جتول يف النفس هي مبنزلة احلب الذي يوضع يف الرحا وال تبقى تلك الرحا ن رحاه حبا خيرج دقيقا ينفع به نفسه وغريه معطلة قط بل ال بد هلا من شيء يوضع فيها فمن الناس من تطح

وأكثرهم يطحن رمال وحصا وتبنا وحنو ذلك فإذا جاء وقت العجن واخلبز تبني له حقيقة طحينه

Page 93: الفوائد لإبن القيم

بلته صار فصل فإذا دفعت اخلاطر الوارد عليك اندفع عنك ما بعده وإن ق

فإن تعذر استخدامها رجعا إىل فكرا جواال فاستخدم اإلرادة فتساعدت هي والفكر على استخدام اجلوارح القلب باملين والشهوة وتوجهه إىل جهة املراد ومن املعلوم أن إصالح اخلواطر أسهل من إصالح األفكار

وإصالح األفكار أسهل من إصالح اإلرادات وإصالح اإلرادات أسهل من تدارك فساد العمل وتداركه أسهل يما ال يعين باب كل من قطع العوائد فأنفع الدواء أن تشغل نفسك ب الفكر فيما يعنيك دون ماال يعنيك فالفكر ف

ا يعنيه واشتغل عن أنفع األشياء له مبا ال منفعة له فيه فالفكر واخلواطر شر ومن فكر فيما ال يعنيه فاته مواإلرادة واهلمة أحق شيء بإصالحه من نفسك فإن هذه خاصتك وحقيقتك اليت تبتعد هبا أو تقرب من إهلك

بودك الذي ال سعادة لك إال يف قربه ورضاه عنك وكل الشقاء يف بعدك عنه وسخطه عليك ومن كان يف ومعخواطره وجماالت فكره دنيئا خسيسا مل يكن يف سائر أمره إال كذلك وإياك أن متكن الشيطان من بيت أفكارك

ألفكار املضرة وحيول بينك وإرادتك فإنه يفسدها عليك فسادا يصعب تداركه ويلقي إليك أنواع الوساوس واوبني الفكر فيما ينفعك وأنت الذي أعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك فملكها عليك فمثالك معه مثال صاحب رحا يطحن فيها جيد احلبوب فأتاه شخص معه محل تراب وبعر وفحم وغثاء ليطحنه يف طاحونته

ا ينفعه وإن مكنه يف إلقاء ذلك يف الطاحون فإن طرده ومل ميكنه من إلقاء ما معه يف الطاحون استمر على طحن مأفسد ما فيها من احلب و خرج الطحني كله فاسدا والذي يلقيه الشيطان يف النفس ال خيرج عن الفكر فيما

يما مل يكن لو كان كيف كان يكون أو فيما ميلك الفكر فيه كان ودخل الوجود لو كان على خالف وذلك وف من أنواع

لفواحش واحلرام أو يف خياالت ومهية الحقيقة هلا وإما يف باطل أو فيما ال سبيل إىل إدراكه من أنواع ما طوى اعنه علمه فيلقيه يف تلك اخلواطر اليت ال يبلغ منها غاية وال يقف منها على هناية فيجعل ذلك جمال فكره

ومسرح ومهه لتصورات مبعرفة ما يلزمك التوحيد وحقوقه ويف املوت ومجاع إصالح ذلك أن تشغل فكرك يف باب العلوم وا

وما بعده إىل الدخول إىل اجلنة والنار ويف آفات األعمال وطرق التحرز منها ويف باب اإلرادات والعزوم أن تشغل نفسك بإرادة ما ينفعك إرادته وطرح إرادة ما يضرك إرادته وعند العارفني أن متين اخليانة واشغال الفكر

هبا أضر على القلب من نفس اخليانة وال سيما إذا فرغ قلبه منها بعد مباشرهتا فإن متنيها يشغل القلب والقلبهبا وميلؤه منها وجيعلها مهه ومراده وأنت جتد يف الشاهد أن امللك من البشر إذا كان يف بعض حاشيته وخدمه

ذلك يف خدمته وقضاء أشغاله فإذا اطلع من هو متمن خليانته مشغول القلب والفكر هبا ممتلىء منها وهو مععلى سره وقصد مقته غاية املقت وابغضه وقابله مبا يستحقه وكان أبغض إليه من رجل بعيد عنه جىن بعض

اجلنايات وقلبه وسره مع امللك غري منطو على متين اخليانة وحمبتها واحلرص عليها فاألول يتركها عجزا واشتغاال به ممتلى ء هبا والثاين يفعلها وقلبه كاره هلا ليس فيه إضمار اخليانة وال اإلصرار عليها فهذا احسن مبا هو فيه وقل

حاال وأسلم عاقبة من األول وباجلملة فالقلب ال خيلو من الفكر وأما يف واجب آخرته ومصاحلها وإما يف مصاحل دنياه ومعاشه وإما يف

تقدم أن النفس مثلها كمثل رحا تدور مبا يلقي فيها فإن الوساوس واألماين الباطلة واملقدرات املفروضة وقد

Page 94: الفوائد لإبن القيم

ألقيت فيها حبا دارت به وإن ألقيت فيها زجاجا وحصا وبعرا دارت به واهللا سبحانه هو قيم تلك الرحا ومالكها ومصرفها وقد أقام هلا ملكا يلقي فيها ما ينفعها فتدور به شيطانا يلقى فيها ما يضرها فتدور به فامللك

ا مرة والشيطان يلم هبا مرة فاحلب الذي يقيه يلم هب

امللك ايعاد باخلري وتصديق بالوعد واحلب الذي يلقيه الشيطان ايعاد بالشر وتكذيب بالوعد والطحني على قدر يمها قد أمهلها احلب وصاحب احلب املضر ال يتمكن من إلقائه إال إذا وجد الرحى فارغة من احلب النافع وق

نئذ يبادر إىل إلقاء ما معه فيها وأعرض عنها فحيوباجلملة فقيم الرحا إذا ختلى عنها وعن إصالحها وإلقاء احلب النافع فيها وجد العدو السبيل إىل إفسادها وإرادهتا مبا معه وأصل صالح هذه الرحى باالشتغال مبا يعنيك وفسادها كله يف االشتغال مبا ال يعنيك وما

ا وجدت أنواع الذخائر منصوبة غرضا للمتألف ورأيت الزوال حاكما عليها أحسن ما قال بعض العقالء ملا ال ينازع فيه احلجا أنه أنفع الذخائر وأفضل املكاسب وأربح املتاجر واهللا مدركا هلا انصرفت عن مجيعها إىل م

املستعان عن شكرها ورغبتهم يف قال شقيق بن إبراهيم اغلق باب التوفيق عن اخللق من ستة أشياء اشتغاهلم بالنعمة

العلم وتركهم العمل واملسارعة إىل الذنب وتأخري التوبة واالغترار بصحبة الصاحلني وترك اإلقتداء بفعاهلم وادبار الدنيا عنهم وهم يتبعوهنا وإقبال اآلخرة عليهم وهم معرضون عنها قلت وأصل ذلك عدم الرغبة

اصله مهانة النفس ودناءهتا واستبدال الذي هو أدىن والرهبة وأصله ضعف اليقني وأصله ضعف البصرية وبالذي هو خري وإال فلو كانت النفس شريفة كبرية مل ترض بالدون فأصل اخلري كله بتوفيق اهللا ومشيئته وشرف النفس ونبلها وكربها وأصل الشر خستها ودناءهتا وصغرها قال تعاىل قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها

ها وكثرها ومناها بطاعة اهللا وخاب من صغرها وحقرها مبعاصي اهللا فالنفوس الشريفة ال ترضي أي أفلح من كربمن األشياء إال بأعالها وأفضلها وأمحدها عاقبة والنفوس الدنيئة حتوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع

بالسرقة واخليانة ألهنا أكرب من الذباب على األقذار فالنفس الشريفة العلية ال ترضى بالظلم وال بالفواحش وال ذلك وأجل والنفس املهينة

احلقرية واخلسيسة بالضد من ذلك فكل نفس متيل إىل ما يناسبها ويشاكلها وهذا معىن قوله تعاىل قل كل يعمل على شاكلته أي على ما يشاكله ويناسبه فهو يعمل على طريقته اليت تناسب أخالقه وطبيعته وكل إنسان جيري

طريقته ومذهبه وعادته اليت ألفها وجبل عليها فالفاجر يعمل مبا يشبه طريقته من مقابلة النعم باملعاصي علىواإلعراض عن النعم واملؤمن يعمل مبا يشاكله من شكر النعم وحمبته والثناء عليه والتودد إليه واحلياء منه

واملراقبة له وتعظيمه وإجالله فصل خالقه فأعلم أن اهللا تعاىل خلق يف صدرك بيتا وهو القلب ووضع يف صدره من مل يعرف نفسه كيف يعرف

عرشا ملعرفته يستوي عليه املثل األعلى فهو مستو على عرشه بذاته بائن من خلقه واملثل األعلى من معرفته ئعه وحمبته وتوحيده مستو على سرير القلب وعلى السرير بساط من الرضا ووضع عن ميينه ومشاله مرافق شرا

وأوامره وفتح إليه بابا من جنة رمحته واألنس به والشوق إىل لقائه وأمطره من وابل كالمه ما أنبت فيه أصناف الرياحني واألشجار املثمرة من أنواع الطاعات والتهليل والتسبيح والتحميد والتقديس وجعل يف وسط البستان

Page 95: الفوائد لإبن القيم

ة واإلنابة واخلشية والفرح به واالبتهاج بقربه وأجرى شجرة معرفة فهي تؤيت أكلها كل حني بإذن رهبا من احملبإىل تلك الشجرة ما يسقيها من تدبري كالمه وفهمه والعمل بوصاياه وعلق يف ذلك البيت قنديال أسرجه بضياء معرفته واإلميان به وتوحيده فهو يستمد من شجرة مباركة زيتونه ال شرقية وال غربية يكاد زيتها يضيء ولو مل

نار مث أحاط عليه حائطا مينعه من دخول اآلفات واملفسدين ومن يؤذي البستان فال يلحقه إذا هم وأقام متسسه عليه حرسا من املالئكة حيفظونه يف يقظته ومنامه مث أعلم صاحب البيت والبستان بالساكن فيه فهو دائما مهه

السكن إصالح السكن ومل شعثه لريضاه الساكن منزال وإذا أحس بأدىن شعث يف

بادر إىل إصالحه ومله خشية انتقال الساكن منه فنعم الساكن ونعم املسكن فسبحان اهللا رب العاملني كم بني هذا البيت وبيت قد استوىل عليه اخلراب وصار مأوى للحشرات واهلوام وحمال إللقاء األنتان والقاذورات فيه

وال حافظ هلا وهي معدة لقضاء احلاجة مظلمة فمن أراد التخلي وقضاء احلاجة وجد خربة ال ساكن فيهااألرجاء منتنة الرائحة قد عمها اخلراب ومألهتا القاذورات فال يأنس هبا وال ينزل فيها إال من يناسبه سكناها من

احلشرات والديدان واهلوام الشيطان جالس على سريرها وعلى السرير بساط من اجلهل وختفق فيه األهواء ه مرافق الشهوات وقد فتح إليه باب من حقل اخلذالن والوحشة والركون إىل الدنيا والطمأنينة وعم ميينه ومشال

هبا والزهد يف اآلخرة وأمطر من وابل اجلهل واهلوى والشرك والبدع وما أنبت فيه أصناف الشوك واحلنظل اهلزليات واملضحكات واألشعار واألشجار املثمرة بأنواع املعاصي واملخالفات من الزوائد والتنديبات والنوادر و

الغزليات واخلمريات اليت هتيج على ارتكاب احملرمات وتزهد يف الطاعات وجعل يف وسط احلقل شجرة اجلهل به واإلعراض عنه فهي تؤيت أكلها كل حني من الفسوق واملعاصي واللهو واللعب واجملون والذهاب مع كل

موم واألحزان واآلالم ولكنها متوارية بإشغال النفس بلهوها ريح واتباع كل شهوة ومن مثرها العموم والغولعبها فإذا أفاقت من سكرها أحضرت كل هم وغم وحزن وقلق ومعيشة ضنك وأجرى إىل تلك الشجرة ما

يسقيها من اتباع اهلوى وطول األمل والغرور مث ترك ذلك البيت وظلماته وخراب حيطانه حبيث ال مينع منه ال مؤذ وال قذر فسبحان خالق هذا البيت وذلك البيت فمن عرف بيته وقدر الساكن فيه مفسد وال حيوان و

وقدر ما فيه من الكنوز والذخائر واآلالت انتفع حبياته ونفسه ومن جهل ذلك جهل نفسه وأضاع سعادته وباهللا التوفيق

قال أكل املؤمنني قيل له سأل سهل التستري الرجل يأكل يف اليوم أكلة قال أكل الصديقني قيل له فأكلتني فثالث أكالت فقال قل ألهله يبنوا

له معلفا قال األسود بن سامل ركعتني أصليهما هللا أحب إيل من اجلنة مبا فيها فقيل له هذا خطأ فقال دعونا من كالمكم اجلنة رضى نفسي والركعتان رضى ريب ورضى ريب أحب إيل من رضى نفسي العارف يف األرض رحيانه

رياحني اجلنة إذا مشها املريد اشتاقت نفسه إىل اجلنة قلب احملب بني جالل حمبوبه ومجاله فإذا الحظ جالله من هابه وعظمه وإذا الحظ مجاله أحبه واشتاق إليه

فائدة من الناس من يعرف اهللا باجلود واإلفضال واإلحسان ومنهم من يعرفه

Page 96: الفوائد لإبن القيم

طش واالنتقام ومنهم من يعرفه بالعلم واحلكمة ومنه من يعرفه بالعفو واحللم والتجاوز ومنهم من يعرفه بالببالعزة والكربياء ومنهم من يعرفه بالرمحة والرب واللطف ومنهم من يعرفه بالقهر وامللك ومنهم من يعرفه بإجابة ت دعوته وإغاثة هلفته وقضاء حاجته وأعم هؤالء معرفة من عرفه من كالمه فإنه يعرف ربا قد اجتمعت له صفا

الكمال ونعوت اجلالل منزه عن املثال برئ من النقائص والعيوب له كل اسم حسن وكل وصف كمال فعال ملا يريد فوق كل شيء ومع كل شيء وقادر على كل شيء ومقيم لكل شيء آمرناه متكلم بكلماته الدينية

م احلاكمني فالقرآن أنزل والكونية أكرب من كل شيء وأمجل من كل شيء أرحم الرامحني وأقدر القادرين واحك لتعريف عباده به وبصراطه املوصل إليه وحبال السالكني بعد الوصول إليه

فائدة من اآلفات اخلفية العامة أن يكون العبد يف نعمة أنعم اهللا هبا

خيرجه من عليه واختارها له فيملها العبد ويطلب االنتقال منها إىل ما يزعم جلهله أنه خري له منها وربه برمحته ال تلك النعمة وبعذره جبهله وسوء اختياره لنفسه حىت إذا ضاق ذرعا

بتلك النعمة وسخطها وتربم هبا واستحكم ملكه هلا سلبه اهللا إياها فإذا انتقل إىل ما طلبه ورأى التفاوت بني ما ا كان فيه فإذا أراد اهللا ب عبده خريا ورشدا أشهده أن كان فيه وما صار إليه اشتد قلقه وندمه وطلب العودة إىل م

ما هو فيه نعمة من نعمه عليه ورضاه به وأوزعه شكره عليه فإذا حدثته نفسه باالنتقال عنه استخار ربه استخارة جاهل مبصلحته عاجز عنها مفوض إىل اهللا طالب منه حسن اختياره له وليس على العبد أضر من ملله

ليها وال يفرح هبا بل يسخطها ويشكوها ويعدها مصيبة هذا وهي من لنعم اهللا فإنه ال يراها نعمة وال يشكره عأعظم نعم اهللا عليه فأكثر الناس أعداء نعم اهللا عليهم وال يشعرون بفتح اهللا عليهم نعمه وهم جمتهدون يف دفعها وردها جهال وظلما فكم من سعت إىل أحدهم من نعمة وهو ساع يف ردها جبهده وكم وصلت إليه وهو ساع

ا بأنفسهم يف دفعها وزواهلا بظلمه وجهله قال تعاىل ذلك بأن اهللا مل يك مغريا نعمة أنعمها على قوم حىت يغريوا ما بقوم حىت يغريوا ما بأنفسهم فليس للنعم أعدى من نفس العبد فهو مع عدوه ظهري وقال تعاىل إن اهللا ال يغري م

فهو الذي مكنه من طرح النار مث أعانه بالنفخ فإذا اشتد على نفسه فعدوه يطرح النار يف نعمه وهو ينفخ فيها ضرامها استغاث من احلريق وكان غايته معاتبة األقدار

حىت إذا فات أمر عاتب القدرا ... وعاجز الرأي مضياع لفرصته

فصل ومن أعز أنواع املعرفة معرفة الرب سبحانه باجلمال وهي معرفة خواص

اته وأمتهم معرفة من عرفه بكماله وجالله ومجاله سبحانه ليس كمثله شيء يف اخللق وكلهم عرفه بصفة من صفسائر صفاته ولو فرضت اخللق كلهم على أمجلهم صورة وكلهم على تلك الصورة ونسبت مجاهلم الظاهر

والباطن إىل مجال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج ضعيف إىل قرص الشمس ويكفي يف مجاله أنه لو جاب كشف احل

Page 97: الفوائد لإبن القيم

عن وجهه ألحرقت سبحانه ما انتهى إليه بصره من خلقه ويكفي يف مجاله أن كل مجال ظاهر وباطن يف الدنيا واآلخرة فمن آثار صنعته فما الظن مبن صدر عنه هذا اجلمال ويكفي يف مجاله أنه له العزة مجيعا والقوة مجيعا

وجهه أشرقت الظلمات كما قال النيب يف دعاء واجلود كله واإلحسان كله والعلم كله والفضل كله ولنور الطائف أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا واآلخرة وقال عبد اهللا بن مسعود ليس عند ربكم ليل وال هنار نور السموات واألرض من نور وجهه فهو سبحانه نور السموات واألرض ويوم

وتشرق األرض بنوره ومن أمسائه احلسىن اجلميل ويف الصحيح عنه إن اهللا مجيل القيامة إذا جاء لفصل القضاء حيب اجلمال

ومجاله سبحانه على أربع مراتب مجال الذات ومجال الصفات ومجال األفعال ومجال األمساء فأمساؤه كلها حسىن وما هو عليه فأمر ال وصفاته كلها صفات كمال وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورمحة وأما مجال الذات

يدركه سواه وال يعلمه غريه وليس عند املخلوقني منه إال تعريفات تعرف هبا إيل من أكرمه من عباده فإن ذلك اجلمال مصون عن األغيار حمجوب بستر الرداء واإلزار كما قال رسوله فيما حيكى عنه الكربياء ردائي والعظمة

كانت أحق باسم الرداء فإنه سبحانه الكبري املتعال فهو سبحانه العلي إزاري وملا كانت الكربياء أعظم وأوسعالعظيم قال ابن عباس حجب الذات بالصفات وحجب الصفات باألفعال فما ظنك جبمال حجب بأوصاف

الكمال وستر بنعوت العظمة واجلالل إىل معرفة الصفات ومن معرفة ومن هذا املعىن يفهم بعض معاين مجال ذاته فإن العبد يترقى من معرفة األفعال

الصفات إىل معرفة الذات فإذا شاهد شيئا من مجال األفعال استدل به على مجال الصفات مث استبدل جبمال الصفات على مجال الذات ومن ههنا يتبني أنه سبحانه له احلمد كله وأن أحدا من خلقه ال حيصي ثناء

ن يعبد لذاته وحيب لذاته ويشكر لذاته وأنه سبحانه حيب نفسه عليه بل هو كما أثىن على نفسه وإنه يستحق أويثين على نفسه وحيمد نفسه وأن حمبته لنفسه ومحده لنفسه وثناءه وعلى نفسه وتوحيده لنفسه هو يف احلقيقة احلمد والثناء واحلب والتوحيد فهو سبحانه كما أثىن على نفسه وفوق ما يثىن به عليه خلقه وهو سبحانه كما

ب كما حيب ذاته حيب صفاته وأفعاله فكل أفعاله حسن حمبوب وإن كان يف مفعوالته ما يبغضه ويكرهه فليس حييف أفعاله ما هو مكروه مسخوط وليس يف الوجود ما حيب لذاته وحيمد لذاته إال هو سبحانه وكل ما حيب سواه

وإال فهي حمبة باطلة وهذا هو حقيقة فإن كانت حمبته نابعة حملبته سبحانه حبيث حيب ألجله فمحبته صحيحةاإلهلية فإن اإلله احلق هو الذي حيب لذاته وحيمد لذاته فكيف إذا انضاف إىل ذلك إحسانه وإنعامه وحلمه

وجتاوزه وعفوه وبره ورمحته فعلى العبد أن يعلم انه ال إله إال اهللا فيحبه وحيمده لذاته وكماله وان يعلم أنه ال بأصناف النعم الظاهرة والباطنة إال هو فيحبه إلحسانه وإنعامه وحيمده على ذلك فيحبه من حمسن على احلقيقة

الوجهني مجيعا وكما أنه ليس كمثله شيء فليس كمحبته حمبة واحملبة مع اخلضوع هي العبودية اليت خلق اخللق هذا هو الشرك الذي ال يغفره ألجلها فإهنا غاية احلب بغاية الذل وال يصلح ذلك إال له سبحانه واإلشراك به يف

اهللا وال يقبل لصاحبه عمال ومحده يتضمن أصلني اإلخبار مبحامده وصفات كماله واحملبة له عليها فمن أخرب مبحاسن غريه من غري حمبة له مل يكن حامدا ومن أحبه من غري إخبار مبحاسنه مل يكن حامدا حىت جيمع األمرين وهو سبحانه حيمد نفسه بنفسه

Page 98: الفوائد لإبن القيم

حيمد نفسه مبا جيريه على ألسنة احلامدين له من مالئكته وأنبيائه ورسله وعباده املؤمنني فهو احلامد لنفسه هبذا ووهذا فإن محدهم له مبشيئته وإذنه وتكوينه فإنه هو الذي جعل احلامد حامدا واملسلم مسلما واملصلي مصليا

حبمده وانتهت إىل محده وهو الذي اهلم عبده التوبة وفرح والتائب تائبا فمنه ابتدأت النعم وإليه انتهت فابتدأت

هبا أعظم فرح وهي من فضله وجوده وأهلم عبده الطاعة وأعانه عليها مث أثابه عليها وهي من فضله وجوده وهو ا سواه فقري إليه بكل وجه والعبد مفتقر إليه لذاته يف األسباب سبحانه غين عن كل ما سواه بكل وجه وم

ال يكون له ال ينفع والغايات فإن ماال يكون به ال يكون وما

فصل وقوله يف احلديث إن اهللا مجيل حيب اجلمال يتناول مجال الثياب

املسؤول عنه يف نفس احلديث ويدخل فيه بطريق العموم اجلمال من كل شيء كما يف احلديث اآلخر إن اهللا ال طيبا ويف السنن إن اهللا حيب أن يرى اثر نعمته على نظيف حيب النظافة ويف الصحيح إن اهللا طيب ال يقبل إ

عبده وفيها عن أيب األحوص اجلشمي قال رآين النيب وعلى أطمار فقال هل لك من مال قلت نعم قال من أي املال قلت من كل ما آتى اهللا من اإلبل والشاه قال فلتر نعمته وكرامته عليك فهو سبحانه حيب ظهور أثر نعمته

فإنه من اجلمال الذي حيبه وذلك من شكره على نعمه وهو مجال باطن فيحب أن يرى على عبده على عبده اجلمال الظاهر بالنعمة واجلمال الباطن بالشكر عليها وحملبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة جتمل

سوآتكم وريشا ولباس التقوى ظواهرهم وتقوى جتمل بواطنهم فقال يا بين آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواريذلك خريا وقال يف أهل اجلنة ولقاهم نظرة وسرورا وجزاهم مبا صربوا جنة وحريرا فجمل وجوههم بالنظرة

وبواطنهم بالسرور وأبداهنم باحلرير وهو سبحانه كما حيب اجلمال يف األقوال واألفعال واللباس واهليأة يبغض واهليأة فيبغض القبيح وأهله وحيب اجلمال وأهله ولكن ضل يف هذا القبيح من األقوال واالفعال والثياب

املوضوع فريقان فريق قالوا كل ما خلقه مجيل فهو حيب كل ما خلقه وحنن حنب مجيع

ما خلقه فال نبغض منه شيئا قالوا ومن رأى الكائنات منه رآها كلها مجيلة وأنشد منشدهم ما حيوي الوجود مليح فجميع ... وإذا رأيت الكائنات بعينهم

ا ترى يف خلق واحتجوا بقوله تعاىل الذي أحسن كل شيء خلقه وقوله صنع اهللا الذي أتقن كل شيء وقوله مالرمحن من تفاوت والعارف عندهم هو الذي يصرح بإطالق اجلمال وال يرى يف الوجود قبيحا وهؤالء قد

فيه وإنكار املنكر واجلهاد يف سبيله وإقامة حدوده ويرى عدمت الغرية هللا من قلوهبم والبغض يف اهللا واملعاداةمجال الصور من الذكور واإلناث من اجلمال الذي حيبه اهللا فيتعبدون بفسقهم ورمبا غال بعضهم حىت يزعم أن

معبوده يظهر يف تلك الصورة وحيل فيها وأن كان احتاديا قال هي مظهر من مظاهر احلق ويسميها املظاهر اجلمالية

فصل وقابلهم يف الفريق الثاين فقالوا قد ذم اهللا سبحانه مجال الصور

Page 99: الفوائد لإبن القيم

بلهم من قرن هم ومتام القامة واخللقة فقال عن النافقني وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وقال وكم أهلكنا قم أحسن أثاثا ورئيا أي أمواال ومناظر قال احلسن هو الصور ويف صحيح مسلم عنه إن اهللا ال ينظر إىل صورك

وأموالكم وإمنا ينظر إىل قلوبكم وأعمالكم قالوا ومعلوم أنه مل ينف نظر اإلدراك وإمنا نفى نظر احملبة قالوا وقد حرم علينا لباس احلرير والذهب وآنية والذهب الفضة وذلك من أعظم مجال الدنيا وقال وال متدن عينك إىل ما

فيه ويف احلديث البذاذة من اإلميان وقد ذم اهللا املسرفني متعنا به أزواجا منهم زهرة احلياة الدنيا لنفتنهم والسرف كما يكون يف الطعام والشراب يكون يف اللباس

ا يذم ومنه ماال يتعلق وفصل النزاع أن يقال اجلمال يف الصورة واللباس واهليأة ثالثة أنواع منه ما حيمد ومنه م به مدح وال ذم فاحملمود منه ما كان

لى طاعة اهللا وتنفيذ أوامره واالستجابة له كما كان النيب يتجمل للوفود وهو نظري لباس آله احلرب هللا وأعان عللقتال ولباس احلرير يف احلرب واخليالء فيه فإن ذلك حممود إذا تضمن إعالء كلمة اهللا ونصر دينه وغيظ عدوه

الشهوات وأن يكون هو غاية العبد وأقصى واملذموم منه ما كان للدنيا والرياسة والفخر واخليالء والتوسل إىلا خال عن هذين القصدين مطلبه فإن كثريا من النفوس ليس هلا مهة يف سوى ذلك وأما ماال حيمد وال يذم هو م

وجترد عن الوصفني واملقصود أن هذا احلديث الشريف مشتمل على أصلني عظيمني فأوله معرفة وآخره سلوك فيعرف اهللا سبحانه

الذي ال مياثله فيه شيء ويعبد باجلمال الذي حيبه من األقوال واألعمال واألخالق فيحب من عبده أن باجلمال جيمل لسانه بالصدق وقلبه باإلخالص واحملبة واإلنابة والتوكل وجوارحه بالطاعة وبدنه بإظهار نعمه عليه يف

واخلتان وتقليم األظفار فيعرفه بصفات لباسه وتطهريه له من األجناس واألحداث واألوساخ والشعور واملكروهة باجلمال ويتعرف إليه باألفعال واألقوال واألخالق اجلميلة فيعرفه باجلمال الذي هو وصفه ويعبده باجلمال الذي

هو شرعه ودينه فجمع احلديث قاعدتني املعرفة والسلوك

فصل ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه يف مجيع أموره مع صدق

صدقه يف عزمه ويف فعله قال تعاىل فإذا عزم األمر فلو صدقوا اهللا لكان خريا هلم فسعادته يف صدق العزمية فيالعزمية وصدق الفعل فصدق العزمية مجعها وجزمها وعدم التردد فيها بل تكون عزمية ال يشوهبا تردد وال تلوم

فيه وأن ال يتخلف عنه بشيء من فإذا صدقت عزميته بقى عليه صدق الفعل وهو استفراغ الوسع وبذل اجلهد ظاهره وباطنه فعزمية القصد متنعه من ضعف اإلرادة واهلمة وصدق الفعل مينعه من الكسل والفتور ومن صدق

اهللا يف مجيع أموره صنع اهللا له فوق ما يصنع لغريه

وهذا الصدق معىن يلتئم من صحة اإلخالص وصدق التوكل فأصدق الناس من صح إخالصه وتوكله

فائدة جليلة يف القدر

Page 100: الفوائد لإبن القيم

ا أمر به وإن خذله وخاله رب ذو إرادة أمر عبدا ذا إرادة فإن وفقه وأراد من نفسه أن يعينه ويلهمه فعل موإرادته ونفسه وهو من هذه احلثيثة ال خيتار إال ما هتواه نفسه وطبعه فهو من حيث هو إنسان ال يريد إال ذلك

ثيثة ومل ميدحه إال بأمر زائد على تلك احلثيثة وهو كونه مسلما ومؤمنا ولذلك ذمة اهللا يف كتابه من هذه احلوصابرا وحمسنا وشكورا وتقيا وبرا وحنو ذلك وهذا أمر زائد على جمرد كونه إنسانا وإرادته صاحلة ولكن ال

صالحية يكفي جمرد صالحيتها إن مل تؤيد بقدر زائد على ذلك وهو التوفيق كما أنه ال يكفي يف الرؤية جمرد العني لإلدراك إن مل حيصل سبب آخر من النور املنفصل عنها

فصل من أعظم الظلم واجلهل أن تطلب التعظيم والتوقري من الناس وقلبك

خال من تعظيم اهللا وتوقريه فإنك توقر املخلوق وجتله أن يراك يف حال ال توقر اهللا أن يراك عليها قال تعاىل ما أي ال تعاملونه معاملة من توقرونه والتوقري والعظمة ومنه قوله تعاىل وتوقروه قال لكم ال ترجون هللا وقارا

ال تبالون عظمة ربكم وقال ابن زيد ال ترون هللا ا وال تشكرونه وقال جماهد احلسن ما لكم ال تعرفون هللا حقلو عظموا اهللا طاعة وقال ابن عباس ال تعرفون حق عظمته وهذه األقوال ترجع إىل معىن واحد وهو أهنم

وعرفوا حق عظمته وحدوه وأطاعوه وشكروه فطاعته سبحانه اجتناب معاصيه واحلياء منه حبسب وقاره

يف القلب وهلذا قال بعض السلف ليعظم وقار اهللا يف قلب أحدكم أن يذكره عند ما يستحي من ذكره فيقرن ذا من وقار اهللا ومن وقاره أن ال تعدل به شيئا امسه به كما تقول قبح اهللا الكلب واخلنزير والننت وحنو ذلك فه

من خلقه ال يف اللفظ حبيث تقول واهللا وحياتك مايل إال اهللا وأنت وما شاء اهللا وشئت وال يف احلب والتعظيم واإلجالل وال يف الطاعة فتطيع املخلوق يف أمره وهنيه كما تطيع اهللا بل أعظم كما عليه اكثر الظلمة والفجرة

خلوف والرجاء وجيعله أهون الناظرين إليه وال يستهني حبقه ويقول هو مبىن على املساحمة وال جيعله على وال يف االفضلة ويقدم حق املخلوق عليه وال يكون اهللا ورسوله يف حد وناحية والناس يف ناحية وحد فيكون يف احلد

طي اخللوق يف خماطبته قلبه ولبه ويعطى والشق الذي فيه الناس دون احلد والشق الذي فيه اهللا ورسوله وال يع اهللا يف خدمته بدنه ولسانه دون قلبه وروحه وال جيعل مراد نفسه مقدما على مراد ربه

فهذا كله من عدم وقار اهللا يف القلب ومن كان كذلك فإن اهللا ال يلقى له يف قلوب الناس وقارا وال هيبة بل افة شره فذاك وقار بغض ال وقار حب وتعظيم ومن وقار اهللا أن يسقط وقاره وهيبته يف قلوهبم وإن وقروه خم

ا يكره ومن وقاره أن يستحي منه يف اخللوة أعظم مما يستحي يستحي من إطالعه على سره وضمريه فريى فيه م من أكابر الناس

وتعظيمه القرآن واملقصود أن من ال يوقر اهللا وكالمه وما آتاه من العلم واحلكمة كيف يطلب من الناس توقريه والعلم وكالم الرسول صالت من احلق وتنبيهات وروادع وزواجر واردة إليك والشيب زاجر ورادع وموقظ

ام بك نصحك ومع هذا تطلب التوقري والتعظيم من غريك فأنت قائم بك فال ما ورد إليك وعظك وال ما قتعظ وينزجر بالنظر إىل مصابه فالضرب مل كمصاب مل تؤثر فيه مصيبة وعظا وانزجارا وهو يطلب من غريه أن ي

يؤثر فيه زجرا وهو يريد االنزجار ممن نظر إىل ضربه من مسع باملثالت والعقوبات

Page 101: الفوائد لإبن القيم

واآليات يف حق غريه وليس اهللا كمن رآها عيانا يف غريه فكيف مبن وجدها يف نفسه سنريهم آياتنا يف اآلفاق آياته يف النفس مشهودة مرئية فعياذا باهللا من اخلذالن قال تعاىل ويف أنفسهم فآياته يف اآلفاق مسموعة معلومة و

إن الذين حقت عليهم كلمة ربك ال يؤمنون ولو جاءهتم كل آية حىت يروا العذاب األليم وقال ولو أننا أنزلنا إليهم املالئكة وكلمهم املوتى وحشرنا عليهم كل شيء قبال ما كانوا ليؤمنوا إال أن يشاء اهللا

قل املؤيد بالتوفيق يعترب بدون هذا ويتم نقائص خلقته بفضائل أخالقه وأعماله فكلما امتحى من جثمانه أثر والعازاد إميانه وكلما نقص من قوى بدنه زاد يف قوة إميانه ويقينه ورغبته يف اهللا والدار اآلخرة وإن مل يكن هكذا

خبالف العيوب والنقائص مع طول العمر فإهنا زيادة فاملوت خري له ألنه يقف به على حد معني من األمل والفساديف أمله ومهه وغمه وحسرته وإمنا حسن طول العمر ونفع ليحصل التذكر واالستدراك واغتنام الغرض والتوبة النصوح كما قال تعاىل أومل نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر فمن مل يورثه التعمري وطول البقاء إصالح معائبه

واغتنام بقية أنفاسه فيعمل على حياة قلبه وحصول النعيم املقيم وإال فال خري له يف حياته فإن وتدارك فارطهالعبد على جناح سفر إما إىل اجلنة وإما إىل النار فإذا طال عمره وحسن عمله كان طول سفره زيادة له يف

ذا طال عمره وساء عمله كان حصول النعيم واللذة فإنه كلما طال السفر أيها كانت الصبابة أجل وأفضل وإطول سفره زيادة يف أمله وعذابه ونزوال له إىل أسفل فاملسافر إما صاعد وإما نازل ويف احلديث املرفوع خريكم

من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وقبيح عمله شيء من دنياه جعله فالطالب الصادق يف طلبه كما خرب شيء من ذاته جعله عمارة لقلبه وروحه وكلما نقص

زيادة يف آخرته وكلما منع شيئا من لذات دنياه جعله زيادة يف لذات آخرته وكلما ناله هم أو حزن أو غم جعله يف أفراح آخرته

فنقصان بدنه ودنياه ولذته وجاهه ورئاسته إن زاد يف حصول ذلك وتوفريه عليه يف معاده كان رمحة به وخريا له بة على ذنوب ظاهرة أو باطنه أو ترك واجب ظاهر أو باطن فإن حرمان خري الدنيا وإال كان حرمانا وعقو

واآلخرة مرتب على هذه األربعة وباهللا التوفيق فائده الناس منذ خلقوا مل يزالوا مسافرين وليس هلم حط عن رحاهلم إال يف اجلنة أو النار والعاقل يعلم أن السفر مبين

ن احملال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذة وراحة إمنا ذلك بعد انتهاء السفر ومن على املشقة وركوب األخطار وماملعلوم أن كل وطأة قدم أو كل آن من آنات السفر غري واقفة وال املكلف واقف وقد ثبت أنه مسافر على

قدم االستعداد احلال اليت جيب أن يكون املسافر عليها من هتيئة الزاد املوصل وإذا نزل أو نام أو استراح فعلى للسري

فائدة عند العارفني إن االشتغال باملشاهدة عن الرب يف السري يف السر

وقوف ألنه يف زمن املشاهدة لو كان صاحب عمل ظاهر أو باطن أو ازدياد من معرفة وإميان مفصل كان أوىل دن حيشر على صورة عمله به فإن اللطيفة اإلنسانية حتشر على صورة عملها ومعرفتها ومهتها وإرادهتا والب

احلسن أو القبيح وإذا انتقلت من هذه الدار شاهدت حقيقة ذلك وعلى قدر قرب قلبك من اهللا تبعد من األنس

Page 102: الفوائد لإبن القيم

بالناس ومساكنتهم وعلى قدر صيانتك لسرك وإرادتك يكون حفظه ومالك ذلك صحة التوحيد مث صحة العلم بالطريق مث صحة اإلرادة مث صحة العمل واحلذر

احلذر من قصد الناس لك وإقباهلم عليك وأن يعثروا على موضع غرضك فإهنا اآلفة العظمى كل

فائدة كل ذي لب يعلم أنه ال طريق للشيطان عليه إال من ثالث

جهات أحدها التزيد واإلسراف فيزيد على قدر احلاجة فتصري فضلة وهي حظ الشيطان ومدخله إىل القلب نفس متام مطلوهبا من غذاء أو نوم أو لذة أو راحة فمىت أغلقت هذا الباب حصل وطريق االحتراز من إعطاء ال

األمان من دخول العدو منه الثانية الغفلة فإن الذاكر يف حصن الذكر فمىت غفل فتح باب احلصن فوجله العدو فيعسر عليه أو يصعب إخراجه الثالثة تكلف ماال يعنيه من مجيع األشياء

إىل اهللا والدار اآلخرة بل وإىل كل علم وصناعةفائدة طالب النفوذ

ورئاسة حبيث يكون رأسا يف ذلك مقتدى به فيه حيتاج إن يكون شجاعا مقداما حاكما على ومهه غري مقهور حتت سلطان ختيله زاهدا يف كل ما سوى مطلوبه عاشقا ملا توجه إليه عارفا بطريق الوصول إليه والطرق

ثابت اجلأش ال يثنيه عن مطلوبه لوم ألمث وال عذل عاذل كثري السكون دائم الفكر القواطع عنه مقدام اهلمة غري مائل مع لذة املدح وال أمل الذم قائما مبا حيتاج إليه من أسباب معونته ال تستفزه املعارضات شعاره الصرب

ئر الذي يلتقط احلب بينهم وراحته التعب حمبا ملكارم األخالق حافظا لوقته ال خيالط الناس إال على حذر كالطاقائما على نفسه بالرغبة والرهبة طامعا يف نتائج االختصاص على بين جنسه غري مرسل شيئا من حواسه عبثا وال

مسرحا

خواطره يف مراتب الكون ومالك ذلك هجر العوائد وقطع العالئق احلائلة بينك وبني املطلوب وعند العوام أن ن اطراح األدب مع الكشف لزوم األدب مع احلجاب خري م

ال فائدة من الذاكرين من يبتديء بذكر اللسان وان كان على غفلة مث

يزال فيه حىت حيضر قلبه فيتواطئا على الذكر ومنهم من ال يرى ذلك وال يبتدىء على غفلة بل يسكن حىت نتقل الذكر من لسانه إىل قلبه حيضر قلبه فيشرع يف الذكر بقلبه فإذا قوى استتبع لسانه فتواطئا مجيعا فاألول ي

والثاين ينتقل من قلبه إىل لسانه من غري أن خيلو قلبه منه بل يسكن أوال حىت حيس بظهور الناطق فيه فإذا أحس بذلك نطق قلبه مث انتقل النطق القليب إىل الذكر اللساين مث يستغرق يف ذلك حىت جيد كل شيء منه ذاكرا

يه القلب اللسان وكان من األذكار النبوية وشهد الذاكر معانيه ومقاصده وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ ف

فصل أنفع الناس لك رجل مكنك من نفسه حىت تزرع فيه خريا أو

Page 103: الفوائد لإبن القيم

تصنع إليه معروفا فأنه نعم العون لك على منفعتك وكمالك فانتفاعك به يف احلقيقة مثل انتفاعه بك أو أكثر ىت تعصي اهللا فيه فإنه عون لك على مضرتك ونقصك وأضر الناس عليك من مكن نفسه منك ح

فصل اللذة احملرمة ممزوجة بالقبح حال تناوهلا مثمرة لألمل بعد

انقضائها فإذا اشتدت الداعية منك إليها ففكر يف انقطاعها وبقاء قبحها وأملها مث وازن بني األمرين

مثمر للذة والراحة فإذا ثقلت على النفس ففكر يف وانظر ما بينهما من التفاوت والتعب بالطاعة ممزوج باحلسن انقطاع تعبها وبقاء حسنها ولذهتا وسرورها ووازن بني األمرين وآثر الراجح على املرجوح فإن تأملت بالسبب فانظر إىل ما يف املسبب من الفرحة والسرور واللذة يهن عليك مقاساته وإن تأملت بترك اللذة احملرمة فانظر إىل

لذي يعقبه ووازن بني األملني وخاصية العقل حتصيل أعظم املنفعتني بتفويت أدنامها واحتمال أصغر األملني األمل ا لدفع أعالمها

وهذا حيتاج إىل علم باألسباب ومقتضياهتا وإىل عقل خيتار به األوىل وإال نفع به له منها فمن وفر قسمه من منهما أو من أحدمها اختار خالفه ومن فكر يف الدنيا العقل والعلم واختار األفضل وآثره ومن نقص حظه

واآلخرة علم أنه ال ينال واحدا منهما إال مبشقة فليتحمل املشقة خلريمها وأبقامها

فصل هللا على العبد يف كل عضو من أعضائه أمر وله عليه فيه

فيه هنيه فقد أدى شكر نعمته عليه هني وله فيه نعمة وله به منفعة ولذة فإن قام هللا يف ذلك العضو بأمره واجتنبفيه وسعى يف تكميل انتفاعه ولذته به وان عطل أمر اهللا وهنيه فيه عطله اهللا من انتفاعه بذلك العضو وجعله من أكرب أسباب أمله ومضرته وله عليه يف كل وقت من أوقاته عبودية تقدمه إليه تقربه منه فإن شغل وقته بعبودية

وان شغله هبوى أرواحه وبطالة تأخر فالعبد ال يزال يف التقدم أو تأخر وال وقوف يف الوقت تقدم إىل ربه الطريق البتة قال تعاىل ملن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر

فصل أقام اهللا سبحانه هذا اخللق بني األمر والنهي والعطاء واملنع

ه بالغفلة عن الشكر ومنعه فافترقوا فرقتني فرقة قابلت أمره بالترك وهنيه باالرتكاب وعطاء

ا فيهم من ذلك وقسم قالوا إمنا حنن عبيدك فإن أمرتنا بالسخط وهؤالء أعداؤه وفيهم من العداوة حبسب مسارعنا إىل اإلجابة وان هنيتنا أمسكنا نفوسنا وكففناها عما هنيتنا عنه وان أعطيتنا محدناك وشكرناك وان منعتنا

ء وبني اجلنة إال ستر احلياة الدنيا فإذا مزقه عليهم املوت صاروا إىل النعيم تضر إليك وذكرناك فليس بني هؤال املقيم وقرة األعني كما أن أولئك ليس بينهم وبني النار إال ستر احلياة فإذا مزقه املوت صاروا إىل احلسرة واألمل

فانظر مع من متيل منهما فإذا تصادمت جيوش الدنيا واآلخرة يف قلبك وأردت أن تعلم من أي الفريقني أنتومع من تقاتل إذ ال ميكنك الوقوف بني اجليشني فأنت مع أحدمها ال حمالة فالفريق األول استغشوا اهلوى يما خلقوا له وجوارحهم للعمل مبا أمروا به فخالفوه واستنصحوا العقل فشاوروه وفرغوا قلوهبم للفكر ف

Page 104: الفوائد لإبن القيم

رة واستظهروا على سرعة األجل باملبادرة إىل األعمال وسكنوا الدنيا وأوقاهتم لعمارهتا مبا يعمر منازهلم يف اآلخوقلوهبم مسافرة عنها واستوطنوا اآلخرة قبل انتقاهلم إليها واهتموا باهللا وطاعنه على قدر حاجتهم إليها وتزودوا

قلوهبم إليه لآلخرة على قدر مقامهم فيها فعجل هلم سبحانه من نعيم اجلنة وروحها أن آنسهم بنفسه وأقبل بومجعها على حمبته وشوقهم إىل لقائه ونعمهم بقربه وفرغ قلوهبم مما مأل قلوب غريهم من حمبة الدنيا واهلم

واحلزن على فوهتا والغم من خوف ذهاهبا فاستالنوا ما استوعره املترفون وأنسوا مبا استوحش منه اجلاهلون صحبوا الدنيا بأبداهنم واملأل األعلى بأرواحهم

صل التوحيد أصلف شيء وأنزهه وأنظفه وأصفاه فأدىن شيء خيدشه ويدنسهف

ويؤثر فيه فهو كأبيض ثوب يكون يؤثر فيه أدىن أثر وكاملرآة الصافية جدا أدىن شيء يؤثر فيها وهلذا تشوشه اللحظة واللفظة والشهوة اخلفية فإن بادر صاحبه

عليه قلعه وقلع ذلك األثر بضده وإال استحكم وصار طبعا يتعسروهذه اآلثار والطبوع اليت حتصل فيه منها ما يكون سريع احلصول سريع الزوال ومنها ما يكون سريع احلصول بطيء الزوال ومنها ما يكون بطيء احلصول سريع الزوال ومنها ما يكون بطيء احلصول بطيء الزوال ولكن

تلك اآلثار ويستحيل فيه مبنزلة املاء الكثري الذي من الناس من يكون توحيده كبريا عظيما ينغمر فيه كثري من خيالطه أدىن جناسة أو وسخ فيغتر به صاحب التوحيد الذي هو دونه فيخلط توحيده الضعيف مبا خلط به

صاحب التوحيد العظيم الكثري توحيده فيظهر تأثريه فيه ما مل يظهر يف التوحيد الكثري وأيضا فإن احملل الصايف ه مما يدنسه ماال يظهر يف احملل الذي مل يبلغ يف الصفاء مبلغه فيتداركه باإلزالة دون هذا فإنه ال جدا يظهر لصاحب

يشعر به وأيضا فإن قوة اإلميان والتوحيد إذا كانت قوية جدا أحالت املواد الرديئة وقهرهتا خبالف القوة ا ال يسامح به من أتى مثل تلك الضعيفة وأيضا فإن صاحب احملاسن الكثرية والغامرة للسيئات ليسامح مب

السيئات وليست له مثل تلك احملاسن كما قيل جاءت حماسنه بألف شفيع ... وإذا احلبيب أتى بذنب واحد

وأيضا فإن صدق الطلب وقوة اإلرادة وكمال االنقياد حييل تلك العوارض والغواشي الغريبة إىل مقتضاه النقياد حييل األقوال واألفعال املمدوحة إىل مقتضاه وموجبه وموجبه كما أن الكذب وفساد القصد وضعف ا

كما يشاهد ذلك يف اإلخالط الغالبة وإحالتها لصاحل األغذية إىل طبعها

فائدة ترك الشهوات هللا وإن أجنى من عذاب اهللا وأوجب الفوز برمحته

حيصل يف قلب فيه غريه وإن كان من فذخائر اهللا وكنوز الرب ولذة األنس والشوق إليه والفرح واالبتهاج به ال أهل العبادة والزهد والعلم فإن سبحانه أىب أن جيعل

ذخائره يف قلب فيه سواه ومهته ومتعلقة بغريه وإمنا يودع ذخائره يف قلب يرى الفقر غىن مع اهللا والغىن فقرا معه وباجلملة فال يرى احلياة إال به دون اهللا والعز ذال دونه والذل عزا ومعه والنعيم عذابا دونه والعذاب نعيما

Page 105: الفوائد لإبن القيم

ومع املوت واألمل واهلم والغم واحلزن إذا مل يكن معه فهذا له جنتان جنة يف الدنيا معجلة وجنة يوم القيامة فائدة اإلنابة هي عكوف القلب على اهللا عز و جل كاعتكاف البدن يف املسجد

باإلجالل والتعظيم وعكوف اجلوارح على طاعته ال يفارقه وحقيقة ذلك عكوف القلب على حمبته وذكره باإلخالص له واملتابعة لرسوله ومن مل يعكف قلبه على اهللا وحده عكف على التماثيل املتنوعة كما قال إمام

ا هذه التماثيل اليت أنتم هلا عاكفون فاقتسم هو وقومه حقيقة العكوف فكان حظ قومه العكوف اخلنفاء لقومه مان حظه العكوف على الرب اجلليل والتماثيل مجع متثال وهو الصور املمثلة فتعلق القلب بغري على التماثيل وك

اهللا واشتغاله به والركون إليه عكوف منه على التماثيل اليت قامت بقلبه وهو نظري العكوف على متاثيل األصنام لهم فإذا كان يف القلب متاثيل قد وهلذا كان شرك عباد األصنام بالعكوف بقلوهبم ومهمهم وإرادهتم على متاثي

ا عليها فهو نظري عكوف األصنام عليها وهلذا مساه النيب عبدا هلا ودعا عليه ملكته واستعبدته حبيث يكون عاكف بالتعس والنكس فقال تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس وانتكس وإذا شيك فال انتقش

مسافر فهو ظاعن إىل مقصده ونازل على من يسر بالنزول الناس يف هذه الدار على جناح سفر كلهم وكل عليه وطالب اهللا والدار اآلخرة إمنا هو ظاعن إىل اهللا يف حال سفره ونازل عليه عند القدوم عليه فهذه مهته يف

سفره ويف

امرأة انقضائه يا أيتها النفس املطمئنة ارجعي إىل ربك راضية مرضية فادخلي يف عبادي وادخلي جنيت وقالت فرعون رب ابن يل عندك بيتا يف اجلنة فطلبت كون البيت عنده قبل طلبها أن يكون يف اجلنة فإن اجلار قبل

الدار من كالم الشيخ على اقة إىل غريي فأضاعفها عليك مكافأة خلروجك عن حدك يف قيل يل يف نوم كاليقظة أو يقظة كالنوم ال تبد ف

ا خالصا فال تزيفن بعد السبك حكمت بالفقر ولنفسي بالغىن فان وصلتها يب عبوديتك ابتليتك بالفقر لتصري ذهبوصلتك بالغىن وان وصلتها بغريي حسمت عنك مواد معونيت طردا لك عن بايب ال تركن إىل شيء دوننا فإنه وبال عليك وقاتل لك إن ركنت إىل العمل رددناه عليك وإن ركنت إىل املعرفة نكرناها عليك وإن ركنت إىل

الوجد استدرجناك فيه وان ركنت إىل العلم أو قفناك معه وان ركنت إىل املخلوقني وكلناك إليهم ارضنا لك ربا نرضاك لنا عبدا

فائدة الشهقة اليت تعرض عند مساع القرآن أو غريه هلا أسباب أحدها يلوح

ثانيها أن يلوح له ذنب ارتكبه له عند مساع درجة ليست له فريتاح إليها فتحدث له الشهقة فهذه شهقة شوق وفيشهق خوفا وحزنا على نفسه وهذه شهقة خشية وثالثها أن يلوح له نقص فيه ال يقدر على دفعه فيحدث له ذلك حزنا فيشهق شهقة حزن ورابعها أن يلوح له كمال حمبوبه ويرى الطريق إليه مسدودة عنه فيحدث ذلك

نه حمبوبه واشتغل بغريه فذكره السماع حمبوبه فالح له مجاله شهقة أسف وحزن وخامسها أن يكون قد توارى عورأى الباب مفتوحا والطريق ظاهرة فشهق فرحا وسرورا مبا الح وبكل حال فسبب الشهقة قوة الوارد

وضعف

Page 106: الفوائد لإبن القيم

احملل عن االحتمال والقوة أن يعمل ذلك الوارد عمله داخال وال يظهر عليه وذلك أقوى له وأدوم فإنه إذا عف أثره وأوشك انقطاعه هذا حكم الشهقة من الصادق فإن الشاهق إما صادق وإما سارق وإما أظهره ض

منافق

قاعدة جليلة أصل اخلري والشر من قبل التفكر فإن الفكر مبدأ اإلرادة

والطلب يف الزهد والترك واحلب والبغض وانفع الفكر الفكر يف مصاحل املعاد ويف طرق اجتالهبا ويف دفع ملعاد ويف طرق اجتناهبا فهذه أربعة أفكار هي أجل األفكار ويليها أربعة فكر يف مصاحل الدنيا وطرق مفاسد ا

حتصيلها وفكر يف مفاسد الدنيا وطرق االحتراز منها فعلى هذه األقسام الثمانية دارت أفكار العقالء ورأس ا القسم األول الفكر يف آالء اهللا ونعمه وأمره وهنيه وطرق العلم به وب أمسائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه وم

والمها وهذا الفكر يثمر لصاحبه احملبة واملعرفة فإذا فكر يف اآلخرة وشرفها ودوامها ويف الدنيا وخستها وفنائها أمثر له ذلك الرغبة يف اآلخرة والزهد يف الدنيا وكلما فكر يف قصر األمل وضيق الوقت أورثه ذلك اجلد

سع يف اغتنام الوقت وهذه األفكار تعلى مهته وحتييها بعد موهتا وسفوهلا وجتعله يف واد واالجتهاد وبذل الووالناس يف واد وبازاء هذه األفكار األفكار الرديئة اليت جتول يف قلوب أكثر هذا اخللق كالفكر فيما مل يكلف

ذات الرب وصفاته مما ال الفكر فيه وال أعطى اإلحاطة به من فضول العلم الذي ال ينفع كالفكر يف كيفيةسبيل للعقول إىل إدراكه ومنها الفكر يف الصناعات الدقيقة اليت ال تنفع بل تضر كالفكر يف الشطرنج

واملوسيقى وأنواع األشكال والتصاوير ومنها الفكر يف العلوم اليت لو كانت صحيحة مل يعط الفكر فيها النفس العلم الرياضي والطبيعي واكثر علوم الفالسفة اليت لو بلغ اإلنسان كماال وال شرفا كالفكر يف دقائق املنطق و

غايتها مل يكمل بذلك ومل يزك نفسه ومنها الفكر يف الشهوات

واللذات وطرق حتصيلها وهذا وإن كان لنفس فيه لذة لكن ال عاقبة له ومضرته يف عاقبة الدنيا قبل اآلخرة يما إذا صار ملكا أو وجد كنزا أو أضعاف مسرته ومنها الفكر فيما مل يكن لو كان كيف كان يكون كالفكر ف

ملك ضيعة ماذا يصنع وكيف يتصرف ويأخذ ويعطي وينتقم وحنو ذلك من أفكار السفل ومنها الفكر يف جزيئات أحوال الناس وما جراياهتم ومداخلهم وخمارجهم وتوابع ذلك من فكر النفوس املبطلة الفارغة من اهللا

ر اآلخرة ومنها الفكر يف دقائق احليل واملكر اليت يتوصل هبا إىل أغراضه وهواه مباحة كانت أو ورسوله والداحمرمة ومنها الفكر يف أنواع الشعر وصروفه وأفانينه يف املدح واهلجاء والغزل واملراثي وحنوها فإنه يشغل

رات الذهنية اليت ال وجود هلا يف اخلارج اإلنسان عن الفكر فيما فيه سعادته وحياته الدائمة ومنها الفكر يف املقدوال بالناس حاجة إليها البتة وذلك موجود يف كل علم حىت يف علم الفقه واألصول والطب فكل هذه األفكار

مضرهتا أرجح من منفعتها ويكتفي يف مضرهتا شغلها عن الفكر فيما هو أوىل به وأعود عليه بالنفع عاجال وآجال

ميان فإذا اجتمع اإلميان والطلب أمثر العملقاعدة الطلب لقاح اإل

Page 107: الفوائد لإبن القيم

الصاحل وحسن الظن باهللا لقاح االفتقار واالضطرار إليه فإذا اجتمعا أمثر إجابة الدعاء واخلشية لقاح احملبة فإذا اجتمعا أمثر امتثال األوامر وأجتناب والنواهي والصرب لقاح اليقني فإذا اجتمعا أورثا اإلمامة يف الدين قال تعاىلوجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا ملا صربوا وكانوا بآياتنا يوقنون وصحة االقتداء بالرسول لقاح اإلخالص فإذا اجتمعا أمثر قبول العمل واالعتداد به والعمل لقاح العلم فإذا اجتمعا كان الفالح والسعادة وإن انفرد أحدمها

ا حصلت سيادة الدنيا واآلخرة وحصل االنتفاع بعلم العامل عن اآلخر مل يفد شيئا واحللم لقاح العلم فإذا اجتمع وإن انفرد

أحدمها عن صاحبه فات النفع واالنتفاع والعزمية لقاح البصرية فإذا اجتمعا نال صاحبهما خري الدنيا واآلخرة ن وبلغت به مهته من العلياء كل مكان فتخلف الكماالت إما من عدم البصرية وإما من عدم العزمية وحس

القصد لقاح لصحة الذهن فإذا فقدا فقدا اخلري كله وإذا اجتمعا أمثرا أنواع اخلريات وصحة الرأي لقاح الشجاعة فإذا اجتمعا كان النصر والظفر وإن قعدا فاخلذالن واخليبة وإن وجد الرأي بال شجاعة فاجلنب والعجز

ة فإذا اجتمعا فاخلري يف اجتماعهما قال وإن حصلت الشجاعة بال رأي فالتهور والعطب والصرب لقاح البصرياحلسن إذا شئت أن ترى بصري إال صرب له رأيته وإذا شئت أن ترى صابرا إال بصرية له رأيته فإذا رأيت صابرا

بصريا فذاك والنصيحة لقاح العقل فكلما قويت النصيحه قوى العقل واستنار والتذكر والتفكر كل منهما لقاح جا الزهد يف الدنيا والرغبة يف اآلخرة والتقوى لقاح التوكل فإذا اجتمعا استقام القلب اآلخر إذا اجتمعا انت

ولقاح أخذ أهبة االستعداد للقاء قصر األمل فإذا اجتمعا فاخلري كله يف اجتماعهما والشر يف فرقتهما ولقاح اهلمة العالية النية الصحيحة فإذا اجتمعا بلغ العبد غاية املراد

بني يدي اهللا موقفان موقف بني يديه يف الصالة وموقف بني قاعدة للعبد

يديه يوم لقائه فمن قام حبق املوقف األول هون عليه املوقف اآلخر ومن استهان هبذا املوقف ومل يوفه حقه شدد عليه ذلك املوقف قال تعاىل ومن الليل فاسجد له وسبحه ليال طويال إن هؤالء حيبون العاجلة ويذرون وراءهم

يوما ثقيال

قاعدة اللذة من حيث هي مطلوبة لإلنسان بل ولكل حي فال تذم من

جهة كوهنا لذة وإمنا تذم ويكون تركها خريا من نيلها وانفع إذا تضمنت فوات لذة

أعظم منها وأكمل أو أعقبت أملا حصوله اعظم من أمل فواهتا فههنا يظهر الفرق بني العاقل الفطن واألمحق رف العقل بني فمىت عالف التفاوت بني اللذتني واألملني وأنه ال نسبة ألحدمها إىل اآلخر هان اجلاهل ضمن ع

عليه ترك أدىن اللذتني لتحصيل أعالمها واحتمال أيسر األملني لدفع أعالمها وإذا تقررت هذه القاعدة فلذة واملعول يف ذلك على اإلميان اآلخرة أعظم وأدوم ولذة الدنيا أصغر واقصر وكذلك أمل اآلخرة وأمل الدنيا

واليقني فإذا قوى اليقني وباشر القلب آثر األعلى على األدىن يف جانب اللذة واحتمل األمل األسهل على األصعب واهللا املستعان

Page 108: الفوائد لإبن القيم

فائدة قوله تعاىل وأيوب إذ نادى ربه أين مسين الضر وأنت أرحم الرامحني

الفقر والفاقة إىل ربه ووجود طعم احملبة يف املتملق له واإلقرار له مجع يف هذا الدعاء بني حقيقة التوحيد وإظهاربصفة الرمحة وإنه أرحم الرامحني والتوسل إليه بصفاته سبحانه وشدة حاجته وهو فقره ومىت وجد املبتلى هذا

كشف عنه بلواه وقد جرب أنه من قاهلا سبع مرات وال سيما مع هذه املعرفة كشف اهللا ضره

لفائدة قول ه تعاىل عن يوسف نبيه أنه قا

أنت ويل يف الدنيا واآلخرة توفين مسلما واحلقين بالصاحلني مجعت هذه الدعوة اإلقرار بالتوحيد واالستالم للرب وإظهار االفتقار إليه والرباءة من مواالة غريه سبحانه وكون الوفاة على اإلسالم اجل غايات العبد وان

االعتراف باملعاد وطلب مرافقة السعداء ذلك بيد اهللا ال بيد العبد و

فائدة قول اهللا تعاىل

وإن من شيء إال عندنا خزائنه متضمن لكنز من الكنوز وهو أن يطلب كل شيء ال يطلب إال ممن عنده خزائنه طلب ممن ليس عنده وال يقدر عليه وقوله وإن إىل ربك املنتهى ومفاتيح تلك اخلزائن بيديه وأن طلبه من غريه

تضمن لكنز عظيم وهو أن كل مراد إن مل يرد ألجله ويتصل به وإال فهو مضمحل منقطع فإنه ليس إليه املنتهى موليس املنتهى إال إىل الذي انتهت إليه األمور كلها فانتهت إىل خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه فهو غاية كل

ال حيب ألجله فمحبته عناء وعذاب وكل عمل ال ير اد ألجله فهو ضائع وباطل وكل مطلوب وكل حمبوب قلب ال يصل إليه فهو شقي حمجوب عن سعادته وفالحه فاجتمع ما يراد منه كله يف قوله وإن من شيء إال

عندنا خزائنه واجتمع ما يراد له كله يف قوله وان إىل ربك املنتهى فليس وراءه سبحانه غاية تطلب وليس دونه غاية إليها املنتهى يم من أسرار التوحيد وهو أن القلب ال يستقر وال يطمئن ويسكن إال بالوصول إليه وكل ما وحتت هذا سر عظ

سواه مما حيب ويراد فمراد لغريه وليس املراد احملبوب لذاته إال واحد إليه املنتهى ويستحيل أن يكون املنتهى إىل بته ورغبته وإرادته وطاعته إىل غريه اثنني كما يستحيل أن يكون ابتداء املخلوقات من اثنني فمن كان انتهاء حم

بطل عليه ذلك وزال عنه وفارقه أحوج ما كان إليه ومن كان انتهاء حمبته ورغبته ورهبته وطلبه هو سبحانه ظفر بنعمه ولذته وهبجته وسعادته أبد اآلباد

ند األوامر وإىل اللطف العبد دائما متقلب بني أحكام األوامر وأحكام النوازل فهو حمتاج بل مضطر إىل العون ععند النوازل وعلى قدر قيامه باألوامر حيصل له من اللطف عند النوازل فإن كمل القيام باألوامر ظاهرا وباطنا

ناله اللطف

ظاهرا وباطنا وإن قام بصورها دون حقائقها وبواطنها ناله اللطف يف الظاهر وقل نصيبه من اللطف يف الباطن ا حيصل للقلب عند النوازل من السكينة والطمأنينة وزوال القلق فإن قلت وما اللطف الب اطن فهو م

واالضطراب واجلزع فيستخذى بني يدي سيده ذليال له مستكينا ناظرا إليه بقلبه ساكنا إليه بروحه وسره قد

Page 109: الفوائد لإبن القيم

أنه عبد شغله مشاهدة لطفه به عن شدة ما هو فيه من األمل وقد غيبه عن شهود ذلك معرفته حبسن اختياره له وحمض جيري عليه سيده أحكامه رضى أو سخط فإن رضى نال الرضا وإن سخط فحظه السخط فهذا اللطف

الباطن مثرة تلك املعاملة الباطنة يزيد بزيادهتا وينقص بنقصاهنا

فائدة جليلة ال يزال منقطعا عن اهللا حىت تتصل إرادته وحمبته بوجه

حملبة إليه وتتعلق به وحده فال حيجبها شيء دونه وأن تتصل املعرفة األعلى واملراد هبذا االتصال أن تفضي ابأمسائه وصفاته وأفعاله فال يطمس نورها ظلمة التعطيل كما ال يطمس نور احملبة ظلمة الشرك وأن يتصل ذكره

صل به سبحانه فيزول بني الذاكر واملذكور حجاب الغفلة والتفاته يف حال الذكر إىل غري مذكوره فحينئذ يتالذكر به ويتصل العمل بأوامره ونواهيه فيفعل الطاعة ال أنه أمر هبا وأحبها ويترك املناهي لكونه هنى عنها وابغضها فهذا معىن اتصال العمل بأمره وهنيه وحقيقة زوال العلل الباعثة على الفعل والترك من األغراض

سبحانه مطمئنا إليه راضيا حبسن تدبريه له غري واحلظوظ العاجلة ويتصل التوكل واحلب به حبيث يصري واثقا بهمتهم له يف حال من األحوال ويتصل فقره وفاقته به سبحانه دون سواه ويتصل خوفه ورجاؤه وفرحه وسروره

وابتهاجه به وحده فال خياف غريه وال يرجوه وال يفرح به كل الفرح وال يسر به غاية السرور وإن ناله رور فليس الفرح التام والسرور الكامل واالبتهاج والنعيم وقرة العني وسكون باملخلوق بعض الفرح والس

القلب إال به سبحانه وما سواه إن أعان على هذا املطلوب فرح به وسر به وإن حجب عنه فهو باحلزن به ليه والوحشة منه واضطراب القلب حبصوله أحق منه بأن يفرح به فال فرحة وال سرور إال به أو مبا أوصل إ

وأعان على مرضاته وقد أخرب سبحانه أنه ال حيب الفرحني بالدنيا وزينتها وأمر بالفرح بفضله ورمحته وهو اإلسالم واإلميان والقرآن كما فسره الصحابة والتابعون واملقصود أن من اتصلت له هذه األمور باهللا سبحانه

يه يف معرفته وإرادته وسلوكه فقد وصل وإال فهو مقطوع عن ربه متصل حبظه ونفسه ملبس عل

قاعدة جليلة قد فكرت يف هذا األمر فإذا أصله أن تعلم أن النعم

كلها من اهللا وحده نعم الطاعات ونعم اللذات فترغب إليه أن يلهمك ويوزعك شكرها قال تعاىل وما بكم من تفلحون وقال واشكروا نعمة اهللا نعمة فمن اهللا مث إذا مسكم الضر فإليه جتأرون وقال فاذكروا آالء اهللا لعلكم

إن كنتم إياه تعبدون وكما أن تلك النعم منه ومن وجمرد فضله فذكرها وشكرها ال ينال إال بتوفيقه والذنوب من خذالنه وختليه عن عبده وختليته بينه وبني نفسه وإن مل يكشف ذلك عن عبده فال سبيل له اىل كشفه عن

البتهال إليه أن تدفع عنه أسباهبا حىت ال تصدر منه وإذا وقعت حبكم نفسه فإذا هو مضطر إىل التضرع وااملقادير ومقتضى البشرية فهو مضطر إىل التضرع والدعاء أن يدفع عنه موجباهتا وعقوباهتا فال ينفك عن العبد

عن ضرورته إىل هذه األصول الثالثة وال فالح له إال هبا الشكر وطلب العافية والتوبة النصوح فكرت فإذا مدار ذلك على الرغبة والرهبة وليسا بيد العبد بل بيد مقلب القلوب ومصرفها كيف يشاء فإن مث

وفق عبده اقبل بقلبه إليه ومأله رغبة ورهبة وأن خذله له تركه ونفسه ومل يأخذ بقلبه إليه ومل يسأله ذلك وما شاء اهللا كان وما مل يشاء مل يكن

Page 110: الفوائد لإبن القيم

ن سبب أم مها مبجرد املشية ال سبب هلما فإذا سببهما أهلية احملل وعدمها فهو مث فكرت هل للتوفيق واخلذالسبحانه خالق احملال متفاوتة يف االستعداد والقبول أعظم تفاوت فاجلمادات ال تقبل ما يقبله احليوان وكذلك

ت يف القبول أعظم النوعان كل منهما متفاوت يف القبول فاحليوان الناطق يقبل ما ال يقبله البهيم وهو متفاوتفاوت وكذلك احليوان البهيم متفاوت يف القبول لكن ليس بني النوع الواحد م ن التفاوت كما بني النوع

اإلنساين فإذا كان احملل قابال للنعمة حبيث يعرفها ويعرف قدرها وخطرها ويشكر املنعم هبا ويثين عليه هبا نة من غري أن يكون هو مستحقا هلا وال هي له وال به وإمنا هي ويعظمه عليها ويعلم أهنا من حمض اجلود وعني امل

هللا وحده وبه وحده فوحده بنعمته إخالصا وصرفها يف حمبته شكرا وشهدها من حمض جوده منه وعرف قصوره وتقصريه يف شكرها عجز أو ضعفا وتفريطا وعلم أنه أن أدامها عليه فذلك حمض صدقته وفضله وإحسانه وإن

فهو أهل لذلك مستحق له وكلما زاده من نعمه ازداد زاللة وانكسارا وخضوعا بني يديه وقياما سلبه إياهاحق بشكره وخشيته له سبحانه أن يسلبه إياها لعدم توفيته شكرها كما سلب نعمته عمن مل يعرفها ومل يرعها

د قال تعاىل وكذلك فتنا بعضهم رعايتها فإن مل يشكر نعمته وقابلها بضد ما يلق أن يقابل به سلبه إياها وال بليقولوا أهؤالء من اهللا عليهم من بيننا أليس اهللا بأعلم بالشاكرين وهم الذين عرفوا قدر النعمة وقبلوها وأحبوها

وأثنوا على املنعم هبا وأحبوه وقاموا بشكره وقال تعاىل وإذا جاءهتم آية قالوا لن نؤمن حىت نؤيت مثل ما أوتى لم حيث جيعل رساالته رسل اهللا اهللا أع

فصل وسبب اخلذالن عدم صالحية احملل وأهليته وقبوله للنعمة حبيث لو

وافته النعم لقال هذا يل وإمنا أوتيته ألين أهله ومستحقه كما قال تعاىل قال إمنا أوتيته على علم عندي أي على علم علمه عندي استحق به ذلك وأستوجبه واستأهله قال

ل عندي إين كنت أهله ومستحقا له إذ أعطيته وقال مقاتل يقول على خري علمه اهللا عندي الفراء أي على فضسليمان بن داود فيما أويت من امللك مث قرأ قوله تعاىل هذا من فضل ريب وذكر عبد اهللا بن احلارث بن نوفل

سليمان ليبلوين أأشكر أم أكفر ومل يقل هذا من كراميت مث ذكر قارون وقوله إمنا أوتيته عل ى علم عندي يعين أن رأى ما أوتيته من فضل اهللا عليه ومنته وأنه ابتلى به شكره وقارون رأى ذلك من نفسه واستحقاقه وكذلك قوله سبحانه ولئن أذقناه رمحة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا يل أي أنا أهله وحقيق به فاختصاصي به

لكا لربه وفضال منه من به على عبده من غري استحقاق منه بل كاختصاص املالك مبلكه واملؤمن يري ذلك مال يتصدق هبا فلو منعه إياها مل يكن قد منعه شيئا هو له يستحقه عليه فإذا مل صدقة تصدق هبا على عبده وله أن يشهد ذلك رأي فيه أهال ومستحقا فأعجبه نفسه وطغت بالنعمة وعلت هبا واستطالت على غريها فكان حظها

ا الفرح والفخر كما قال تعاىل ولئن أذقنا اإلنسان منا رمحة مث نزعتاها منه إنه ليؤس كفور ولئن أذقناه نعماء منهبعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عين إنه لفرح فخور فذمه باليأس والكفر عند االمتحان بالبالء وبالفرح

والثناء عليه إذ كشف عنه البالء قوله ذهب السيئات والفخر عند االبتالء بالنعماء واستبدل حبمد اهللا وشكره عين لو أنه قال اذهب اهللا السيئات عين برمحته ومنه ملا ذم على ذلك بل كان حممودا عليه ولكنه غفل عن املنعم

بكشفها ونسب الذهاب إليها فرح وافتخر فإذا علم اهللا سبحانه هذا من قلب عبد فذلك من أعظم أسباب

Page 111: الفوائد لإبن القيم

عنه فإن حمله ال تناسبه النعمة املطلقة التامة كما قال تعاىل إن شر الدواب عند اهللا الصم البكم خذالنه وختليه الذين ال يعقلون ولو علم اهللا فيهم خريا ألمسعهم ولو أمسعهم لتولوا وهم معرضون فاخرب سبحانه أن حملهم غري

و توليهم وإعراضهم إذا عرفوها وحتققوها قابل لنعمته ومع عدم القبول ففيهم مانع آخر مينع وصوهلا إليهم وه

ومما ينبغي أن يعلم أن أسباب اخلذالن من بقاء النفس على ما خلقت عليه يف األصل وإمهاهلا وختليتها فأسباب اخلذالن منها وفيها وأسباب التوفيق من جعل اهللا سبحانه هلا قابلة للنعمة فأسباب التوفيق منه ومن فضله وهو

خلق أجزاء األرض هذه قابلة للنبات وهذه غري قابلة له وخلق الشجر هذه تقبل الثمرة اخلالق هلذه وه ذه كما وهذه ال تقبلها وخلق النحلة قابلة ألن خيرج من بطوهنا شراب خمتلف ألوانه والزنبور غري قابل لذلك وخلق

ده وخلق األرواح اخلبيثة األرواح الطيبة قابلة لذكره وشكره وحجته وإجالله وتعظيمه وتوحيده ونصيحة عباغري قابلة لذلك بل لضده وهو احلكيم العليم قال شيخ اإلسالم حبر العلوم مفيت الفرق أبو العباس امحد بن تيمية

رمحه اهللا

فصل قال اهللا تعاىل

صدقوا أمل أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ال يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن اهللا الذين وليعلمن الكاذبني أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما حيكمون من كان يرجو لقاء اهللا فإن أجل اهللا آلت وهو السميع العليم ومن جاهد فإمنا جياهد لنفسه إن اهللا لغين عن العاملني والذين آمنوا وعملوا

نوا يعملون ووصينا اإلنسان بوالديه حسنا وإن الصاحلات لنكفرن عنهم سيئاهتم ولنجزينهم احسن الذي كاجاهداك لتشرك يب ما ليس لك به علم فال تطعهما إيل مرجعكم فأنبئكم مبا كنتم تعلمون والذين آمنوا وعملوا الصاحلات لندخلنهم يف الصاحلني ومن الناس من يقول آمنا باهللا فإذا أوذى يف اهللا جعل فتنة الناس كعذاب اهللا

ر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس اهللا بأعلم مبا يف صدور العاملني وليعلمن اهللا الذين آمنوا ولئن جاء نصا يأتكم مثل وليعلمن املنافقني وقال اهللا تعاىل أم حسبتم أن تدخلوا اجلنة ومل

صر اهللا أال الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حىت يقول الرسول والذين آمنوا معه مىت نإن نصر اهللا قريب وقال اهللا تعاىل ملا ذكر املرتد واملكره بقوله من كفر باهللا من بعد إميانه قال بعد ذلك مث إن

ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا مث جاهدوا وصربوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم فالناس إذا أرسل إليهم وإما أن ال يقول آمنا بل يستمر على عمل السيئات فمن قال آمنا الرسل بني أمرين إما أن يقول أحدهم آمنا

امتحنه الرب عز و جل وابتاله وألبسه االبتالء واالختبار ليبني الصادق من الكاذب ومن مل يقل آمنا فال حيسب الناس أنه يسبق الرب لتجربته فإن أحدا لن يعجز اهللا تعاىل هذه سنته تعاىل يرسل الرسل إىل اخللق فيكذهبم

ويؤذهنم قال تعاىل وكذلك جعلنا لكل نيب عدوا شياطني األنس واجلن وقال تعاىل كذلك ما أين الذين من قبلهم من رسول إال قالوا ساحر أو جمنون وقال تعاىل ما يقال لك إال ما قد قيل للرسل من قبلك ومن آمن بالرسل

عوقب فحصل ما يؤمله أعظم وأدوم فال بد من حصول وأطاعهم عادوه وآذوه فابتلى مبا يؤمله وإن مل يؤمن هبم األمل لكل نفس سواء آمنت أم كفرت لكن املؤمن حيصل له األمل يف بد من الدنيا ابتداء مث تكون له العاقبة

Page 112: الفوائد لإبن القيم

واآلخرة والكافر حتصل له النعمة ابتداء مث يصري يف األمل سال رجل الشافعي فقال يا أبا عبد اهللا أميا أفضل كن أو يبتلي فقال الشافعي ال ميكن حىت يبتلي فإن اهللا ابتلي نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وحممدا للرجل أن مي

صلوات اهللا وسالمه عليهم أمجعني فلما صربوا مكنهم فال يظن أحد أنه خيلص من األمل البتة وهذا اصل عظيم بد له من أن يعيش مع الناس والناس فينبغي للعاقل أن يعرفه وهذا حيصل لكل أحد فإن اإلنسان مدين بالطبع ال

هلم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها وإن مل يوافقوهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له األذى والعذاب تارة منهم وتاره من غريهم ومن اخترب أحواله وأحوال الناس وجد من هذا شيئا كثريا كقوم

يريدون الفواحش والظلم

ل باطلة يف الدين أو شرك فهم مرتكبون بعض ما ذكره اهللا من احملرمات يف قوله تعاىل قل إمنا حرم ريب وهلم أقواالفواحش ما ظهر منها وما بطن واإلمث والبغي بغري احلق وأن تشركوا باهللا ما مل ينزل به سلطانا وأن تقولوا على

قيسرية أو مدرسة أو رباط أو قرية أو درب أو اهللا ما ال تعلمون وهم يف مكان مشترك كدار جامعة أو خان أومدينة فيها غريهم وهم ال يتمكنون مما ال يريدون إال مبوافقة ألئك أو بسكوهتم عن اإلنكار عليهم فيطلبون من أولئك املوافقه أو السكوت فإن وافقوهم أو سكتوا سلموا من شرهم يف االبتالء مث قد يتسلطون هم أنفسهم

هنم ويعاقبوهنم أضعاف ما كما أولئك خيافونه ابتداء كمن يطلب منه شهادة الزور أو الكالم يف على أولئك يهينوالدين بالباطل إما يف اخلرب وإما يف األمر أو املعاونة على الفاحشة والظلم فإن مل جيبهم آذوه وعادوه وإن أجاهبم

إال عذب بغريهم فالواجب ما يف حديث فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونه أضعاف ما كان خيافه وعائشة الذي بعثت به إىل معاوية ويروي موقوفا ومرفوعا من أرضي اهللا بسخط الناس كفاه اهللا مؤنة الناس ويف

لفظ رضي اهللا عنه وأرضي عنه الناس ومن أرضي الناس بسخط اهللا مل يغنوا عنه من اهللا شيئا ويف لفظ عاد حامده من الناس ذاما

جيري فيمن يعني امللوك والرؤساء على أغراضهم الفاسدة وفيمن يعني أهل البدع املنتسبني إىل العلم وهذا والدين على بدعهم فمن هداه اهللا وأرشده امتنع من فعل احملرم وصرب على أذاهم وعداوهتم مث تكون العاقبة يف

ملهاجرين يف هذه األمة ومن ابتلي من الدنيا واآلخرة كما جرى للرسل واتباعهم مع من آذاهم وعاداهم مثل اعلمائها وعبادها وجتارها ووالهتا وقد جيوز يف بعض األمور إظهار املوافقة وإبطان املخالفة كاملكره على الكفر ا أنه ال بد من االبتالء مبا يؤذي الناس فال خالص ألحد مما كما هو مبسوط يف غري هذا املوضع إذ املقصود هن

ا ذكر اهللا تعاىل يف غري موضع يؤذيه البتة وهلذ

انه ال بد أن يبتلي الناس واالبتالء يكون بالسراء والضراء وال بد أن يبتلى اإلنسان مبا يسره ومبا يسوؤه فهو حمتاج إىل أن يكون صابرا شكورا قال تعاىل إنا جعلنا ما على األرض زينة هلا لنبلوهم أيهم احسن عمال وقال

ت والسيئات لعلهم يرجعون وقال تعاىل فأما يأتينكم مين هدى فمن اتبع هداي فال يضل تعاىل وبلوناهم باحلسناوال يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا وحنشره يوم القيامة أعمى وقال تعاىل أم حسبتم أن

ل ذلك يف البقرة تدخلوا اجلنة وملا يعلم اهللا الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين هذا يف آل عمران وقد قال قببلكم مستهم البأساء نزل أكثرها قبل آل عمران أم حسبتم أن تدخلوا اجلنة وملا يأتكم مثل الذين خلوا من ق

والضراء وزلزلوا حىت يقول الرسول والذين آمنوا معه مىت نصر اهللا إال إن نصر اهللا قريب وذلك أن النفس ال

Page 113: الفوائد لإبن القيم

خيلص جيده من رديئه حىت يفنت يف كرب االمتحان إذ كانت تزكو وتصلح حىت متحص بالبالء كالذهب الذي الالنفس جاهلة ظاملة وهي منشأ كل شر حيصل للعبد فال حيصل له شر إال منها قال تعاىل ما أصابك من حسنة

فمن اهللا وما أصابك من سيئة فمن نفسك وقال تعاىل أو ملا أصابتكم مصيبة من مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أىن هو من عند أنفسكم وقال وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيدكم ويعفو عن كثري وقال تعاىل ذلك هذا قل

ا بأنفسهم وإذا أراد اهللا بقوم سوءا فال مرد له وماهلم من بأن اهللا مل يك مغريا نعمة أنعمها على قوم حىت يغريوا مذلك يقول إهنم ظلموا أنفسهم فهم دونه من وال وقد ذكر عقوبات األمم من آدم إىل آخر وقت ويف كل

الظاملون ال املظلومون وأول من اعترف بذلك أبواهم قاال ربنا ظلمنا أنفسنا وإن مل تغفر لنا وترمحنا لنكونن من اخلاسرين وقال إلبليس ألمألن جهنم منك وممن تبعك منهم أمجعني وإبليس إمنا اتبعه الغواة منهم كما قال فبما

يف األرض وألغوينهم أمجعني إال عبادك منهم املخلصني وقال تعاىل إن عبادي أغويتين ألزينن هلم

ليس لك عليهم سلطان إال من اتبعك من الغاوين والغي اتباع هوى النفس وما زال السلف معترفون بذلك يطان كقول أيب بكر وعمر وابن مسعود أقول فيها برأيب فإن يكن صوابا فمن اهللا وإن يكن خطأ فمين ومن الش

واهللا ورسوله بريئان منه ويف احلديث اإلهلي حديث أيب ذر الذي يرويه الرسول عن ربه عز و جل يا عبادي إمنا هي أعمالكم أحصيها لكم مث أوفيكم إياها فمن وجد خريا فليحمد اهللا ومن وجد غري ذلك فال يلومن إال نفسه

للهم أنت ريب ال آله إال أنت خلقتين وأنا عبدك ويف احلديث الصحيح حديث سيد االستغفار أن يقول العبد اوأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنيب فاغفر يل

أنه ال يغفر الذنوب إال أنت من قاهلا إذا أصبح موقنا هبا فمات من يومه دخل اجلنة ومن قاهلا إذا أمسى موقنا ته دخل اجلنة ويف حديث أيب بكر الصديق من طريق أيب هريرة وعبد اهللا بن عمرو أن رسول هبا فمات من ليل

ا يقوله إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه اللهم فاطر السماوات واألرض عامل الغيب اهللا علمه مه وان والشهادة رب كل شيء ومليكه اشهد أن ال إله إال أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشرك

أقترف على نفسي سوأ أو أجرة إىل مسلم قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك وكان النيب يقول يف خطبته احلمد هللا نستعينه ونستغفره ونعوذ باهللا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وقد قال النيب إين

اش جلهله وخفة حركته وهي صغرية النفس أخذ حبجركم عن النار وأنتم هتافتون هتافت الفراش شبههم بالفرفإهنا جاهلة سريعة احلركة ويف احلديث مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فالة ويف حديث آخر للقلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا ومعلوم سرعة حركة الريشة والقدر مع اجلهل وهلذا يقال ملن أطاع من

إنه استخف قومه فأطاعوه وقال تعاىل فاصرب إن وعد اهللا حق وال يستخفنك يغويه أنه استخفه قال عن فرعون الذين ال يوقنون

فإن اخلفيف ال يثبت بل يطيش وصاحب اليقني ثابت يقال أيقن إذا كان مستقرا واليقني واستقرار إلميان يف طيش قال احلسن البصري القلب علما وعمال فقد يكون علم العبد جيدا لكن نفسه ال تصرب عند املصائب بل ت

إذا شئت أن ترى بصريا ال صرب له رأيته وإذا شئت أن ترى صابرا ال بصرية له رأيته فإذا رأيت بصريا صابرا فذاك قال تعاىل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا ملا صربوا وكانوا بآياتنا يوقنون وهلذا تشبه النفس بالنار يف

هتا من النار والشيطان من النار ويف السنن عن النيب أنه قال الغضب سرعة حركتها وإفسادها وغضبها وشهو

Page 114: الفوائد لإبن القيم

من الشيطان والشيطان من النار وإمنا تطفأ النار باملاء فإذا غضب أحدكم فليتوظأ ويف احلديث اآلخر الغضب دم القلب لطلب االنتق ام ويف مجرة توقد يف جوف ابن آدم أال ترى إىل محرة عينيه وانتفاخ أوداجه وهو غليان

احلديث املتفق على صحته إن الشيطان جيري من ابن آدم جمرى الدم ويف الصحيحني أن رجلني استبا عند النيب وقد اشتد غضب أحدمها فقال النيب إين ألعلم كلمة لو قاهلا لذهب عنه ما جيد لو قال أعوذ باهللا من الشيطان

ينك وبينه عداوة كأنه ويل محيم وما يلقاها إال الذين الرجيم وقد قال تعاىل ادفع باليت هي أحسن فإذا الذي با ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باهللا إنه هو السميع العليم وقال صربوا وما يلقاها إال ذو حظ عظيم وإم

تعاىل خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن اجلاهلني وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باهللا إنه مسيع عليم ىل ادفع باليت هي أحسن السيئة حنن أعلم مبا يصفون وقل رب أعوذ بك من مهزات الشياطني وأعوذ وقال تعا

بك رب أن حيضرون مت الكتاب واحلمد هللا أوال وآخرا وصلى اهللا على رسولنا حممد النيب األمي وعلى آله وصحبه وتابعيه واملقتدين

العاملني بآثارهم إىل يوم الدين وآخر دعوانا أن احلمد هللا رب

ISLAMICBOOK.WS مين| ٢٠١٠ المسل لجميع جميع الحقوق متاحة