السيد المسيح رسول السالم يلوح باألفق

فضيلة العالمة اإلنساني حممد أمني شيخو

"قدس اهللا سره"

جمعه وحققه سامر أمحد اهلندي

2

السيد المسيح رسول السالم يلوح باألفق

لفضيلة العالمة اإلنساين الكبري حممد أمني شيخو

قدس اهللا سره

مجعه وحققه سامر أمحد اهلندي

الكبري اإلنساينتطلب كتب فضيلة العالمة حممد أمني شيخو قدس اهللا سره من:

دار نور البشري ) 1067سوريا ـ دمشق ـ ص.ب: (

)0096311(6329717هاتف:

عنوان دار نور البشير على شبكة االنترنت:www.rchss.com

info@amin-sheikho

عنوان البريد االلكتروني:info@ rchss.com.

info@amin-sheikho

3

الفھرس مقدمة.

الفصل األول: حنو مفهوم الساعة

�قوم سيدنا نوح (قوم عاد املعروفني بالعمالقة األشداء) �يدنا هود قوم س

(قوم مثود) �قوم سيدنا صاحل (أهل مدين) �قوم سيدنا شعيب �قوم سيدنا لوط

غاية احلق من إجياد اخللق الفصل الثاني:

الساعة وحتمية وقوعها الفصل الثالث:

أشراط الساعة خروج بيت املقدس من أيدي املسلمني

را وانشقاق القمرطلوع الشمس من مغ النفوذ من أقطار السموات واألرض

خروج يأجوج ومأجوج خروج دابة األرض

زخرفة األرض ظهور الدخان

أشراط الساعة الصغرى الفصل الرابع:

4

ودالئل عودته من القرآن الكرمي �عودة السيد املسيح ما هي النفس؟. وأين مركز وجودها؟. وما هي وظيفتها؟

ما هي الروح؟.

نظام خروج اإلنسان إىل هذا العامل.

. �الدليل األول على عودة السيد املسيح معىن التويف.

نوما؟!. �ما هو السبب يف تويف سيدنا عيسى

.�الدليل الثاين على عودة السيد املسيح .�وجاهة السيد املسيح

. �الدليل الثالث على عودة السيد املسيح انتهاء جوالت الباطل.

ملولود هذا الزمان.طوىب الفصل الخامس:

أبو البشرية ومعلمها. �املعلم األول سيدنا آدم حقيقة الشفاعة.

وصية اهللا تعاىل واستطاع الشيطان أن يغره؟!. �كيف نسي سيدنا آدم ..�غاية قصة سيدنا آدم

اإلنسان من بعده إليها إىل هذه الدنيا وجميء بين �هل كان خروج سيدنا آدم رأسا دون خروجهم إىل الدنيا ،يف اجلنة وخلق بين اإلنسان يف اجلنة ، أم أن بقاءهأحسن

أكثر من اآلخر؟. ،أحسن؟. وأي احلالني يعود على اإلنسان بالسعادة واخلري الفصل السادس:

طريق اإلميان. مقتطفات من علوم العالمة اإلنساين حممد أمني شيخو قدس اهللا سره.

5

جدا:مالحظة هامة مبا أن هذا الكتاب اقتصرنا به على ظهور السيد املسيح وأمه عليهما السالم بعد رقود

، وقد ذكر يف �جتاوز األلفي عام، مل نتطرق إىل البحث عن سيدنا املهدي العظيم األحاديث النبوية الشريفة، أنه ميأل األرض قسطا وعدال، كما ملئت ظلما وجورا، يرضى

ض والسماء، فعلمه إشراقي، وال يعارضه إال مقلدة العلماء، كما عارض عنه ساكن األر . �الفريسيون سيدنا عيسى

أما كتاب سيدنا املهدي فإننا سنفرد له حبثا خاصا فريدا ملا له من أمهية بالغة.

* * *

6

مقدمة بسم اهللا الرمحن الرحيم

لعاملني لمتان األكمالن على خيـر مبعوث والصالة والسالم األ ،احلمد هللا رب العاملني الصادق الوعد األمني. �سيدنا حممد

واستعصت الشهوات يف ،عم اجلهل وتغلب اهلوى ،لقد أضحينا يف آخر الزمن النفوس، استحل احلرام وحرم احلالل، وفتح الناس باب اإلباحية.

ضباب احلضارة الكثيف أمسل البصائر، ففر ظالم دامس وليل أعتم القلوب والنفوس.كما أغرق الضياء والنعيم، وحجب ،الناس من الواقع، وغاصوا يف غياهب اخلمور والفجور

نور احلق املقيم، قلق واضطراب، ورعب ال يفارق الصدور، من ظلم بين اإلنسان ق غاض ماؤها لقسوة أهل مع من مآدزف النـلإلنسان، أمل عاصف جيتاح احلنايا، يست

احلضارة وعمائها.كابوس رهيب ترزح القلوب حتت وطأته، ذل ختطى القيم لنفوس أبت إال الذل من أجل

، عسف أذهل الكائنات ملن يدعون باحلضارة واإلنسانية واملكرمات، مهرجان هةلقمة عيش كريواألغنياء ،والرجال بالنساء واألطفال ،الضعيف عظيم ولكن من األنات إذ بطش القوي ب

بالفقراء، صرخات التوجع واآلهات ترتى والعذاب سجال.فحلت بواديهم مآسي اخلزي ،وأمسكت الرذيلة بصوجلان اإلمارة ،اغتيلت الفضيلة

واخلسارة، دفنت القيم، واستعلى الطاغوت، فقتلت النفوس وافتقدت السعادة، طلقاحلياء فأصبحت سوق الشيطان رائجة، عندها حل البالء وانعدم الرضى وأضحت احلياة

جحيما ال يطاق.والتوراة، وتكالبوا على اإلجنيلاندثرت احلقيقة إذ هجر الناس القرآن، كما هجر من قبله

ن الديان ع ا)، وأشاحو علم المخلوق الضعيف ال علم الخالق العظيم( املزيف اإللهالعلم، وغرق الناس يف حبر ،مبدع الكمال ورب النعيم والسرور العميم، فانقطعت سبل السعادة

الضنك واملرارة.

7

انكبوا على . ـه) سورة ط 124( }... ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا{األمر أشد وأدهى ت، ليعود ألوان اخلمور واملخدرات يعبون منها، وينشدون ا الفرار فرتا

شراسة وأطغى، حىت دفع اليأس والقنوط وخيبة األمل من الدنيا الكثري الكثري يف أم وأكثر اعة الغرارة إىل االنتحار وهجر ما هفوا إليه من دنيا دنية.احلضارات اخلد

مراض، حىت آن األوان ودار الزمان دورته، وملت النفوس من اإلعراض، إذ أترعت باألزاغت األبصار، وبلغت القلوب احلناجر، فتعالت النداءات أن عودوا إىل احلق، فالعود أمحد، والرجوع إىل احلق خري وأحب إىل اهللا من التمادي يف الباطل، لقد أىب الرمحن الرحيم

وبغيهم إال أن ينقذ بين اإلنسان من هذا اهلوان، فبعد أن ذاقوا مرارة اإلعراض من طغيام مبدع األكوان واألرض والسموات، فحل فيهم الشقاء اإللهوفسادهم، عندما ختلوا عن

أجيب ...{ فاستجاب هلم رم أين:من رب اخلالص: والبؤس والبأساء، طلبوا اخلالص سأبدل شقاءكم نعيما، وغمكم ومهكم ) سورة البقرة،186( }... دعوة الداع إذا دعان

جة وحبورا، وسأجعل أرضكم جنات وغبطة أبدية، سأعيد إليكم رسوال عظيما كرميا، ورضى وجة وأمان، بظهور سيد األكوان (يف عصره) يطيب عيشكم يف ظالل روح ورحيان،

فمن نعيم إىل نعيم أكرب، ومن ) إىل يوم تلقوين وأنا عنكم راض. � سيدنا (عيسى املسيح دة أعظم.سعادة إىل سعا

هذا العظيم الذي جاء للدنيا هلداية قومه، وجرب عثرام وإيقاظهم من رقادهم، ونقلهم من السعادة املوهومة الكاذبة إىل احلقيقة املنرية املشرقة والكسب العظيم، وهم للمنطق ما استجابوا، وللعمى أرادوا، بذل الكثري يف نصحهم، وشقي إلسعادهم، لكن حب الدنيا هو

كل خطيئة، وما حل يف قلب إال أمهه ونغصه وأضناه، ويف الرذيلة والقسوة أرداه، رأس فشهوم مستيقظة، وفكرهم يف رقاد.

أحيا هلم امليت، وأبرأ األكمه واألبرص، ورأوا معجزاته كلها، وشاهدوا كماالته ولطفه فاموه بالسحر، ناسني ملسا وحسا، ولكن قلبهم األعمى حبب الدنيا جحد به ونكره،

بغمرم املنحطة كماالته الرفيعة اليت مل يدانه فيها خملوق، ومل يروا مبنظارهم املنحرف

8

منطقه العايل الذي هو من اهللا مباشرة، بل مل يشاهدوا لطفه وكماله، ورمحته وحنانه، فلم نداء رم الرحيم، فكان يعلموا جلهلهم على من يردون، فنكروا الوحي وأصموا أمساعهم عن

هبوطهم من مسائهم حمتما، وفقدام ملنزلتهم التكليفية مربما، وقالوا كلمة الكفر ويا هلول ما قالوا، ظنا ال حتقيقا بقوهلم إنه املسيح الدجال، مث الغض من أمه الصديقة، اليت هي أطهر

نساء العاملني:) سورة 42( }صطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم إن الله ا...{

، فكانوا كمن يهوي من السماء فتخطفه الطري،أو وي به الريح يف مكان آل عمرانأما النصارى فكان قوهلم ال واقع وال منطق فيه، إذ نسبوا له سحيق، هذا عن اليهود،

شرك، فالشرك شيء عظيم ومل ولن خيطر له على بال، براء من ال �وألمه األلوهية وهو ية، فان وباق باهللا، ألنه مشاهد مبصر، فما اإلهل مستغرق باحلضرة ألنه ال يرى إال اهللا

بروحه وكليته وجسمه إىل اهللا، نسبوه إليه ال أصل وال وجود له يف نفسه، وهو مستسلم اء.منه بر � فمن أين جاؤوا ذا القول وخرقوه وهو

وحذرهم من الشرك بقوله: �بل سبق .) سورة املائدة72( }... إنه من يشرك بالله فـقد حرم الله عليه الجنة ...{ وإجالء لوجه احلقيقة، وتبيانا حقا للخليقة أن نبني يف هذا الكتاب:

(السيد المسيح رسول السالم يلوح باألفق)

كاملة، وعالمات الساعة قبل جميئه، ومفهوم الساعة وغريها �ملسيح قصة السيد امن البحوث اهلامة، معتمدين على املنطق الصحيح مبا نطق به الذكر احلكيم من آيات بينات، ومن صلب الواقع احملسوس امللموس، وردا على ما ذهب إليه البعض من مزاعم

باطلة، ال أصل هلا وال وجود.

9

د كل اجلدة، غريب كل الغرابة، مل يعهد الناس كتابا مثله، ومل تألف فهذا كتاب جديالبشر مثل هذه املعاين، ومع ذلك فإن هذا الكتاب مل يكن بدعا من البدع، ألن العالمة

. �اإلنساين حممد أمني شيخو قدس اهللا سره مل خيرج به عن كتاب اهللا وال سنة رسوله تاب اقتبسناه من ثنايا علومه القرآنية.وكل ما خط ضمن هذا الك

إن هذا العلم غريب، ألن الدين أصبح غريبا، جديد، ألن معظم الناس قد هجروا ما أنزل اهللا واتبعوا ما نسب إىل آبائهم.

لقد هجر املسلمون القرآن الكرمي، وميموا وجوههم شطر احلديث والفقه وغري ذلك، ن الكرمي.دون النظر إىل توافقهما والقرآ

من أجل ذلك غدا الدين غريبا، ألن القرآن أصبح مهجورا، وإذا ما أضعنا القرآن ومل نتدبر آياته، وجعلناه وراء ظهورنا، فإننا أضعنا الدين كله، وإنك لرتى الدين قد عفت

حقائقه، فلم يبق من اإلسالم إال امسه، ومن القرآن إال رمسه.آلباء، تركة ال خري يف معظمها، فبدال من أن يوجهوا الناس إىل لقد ورثنا مما نسب إىل ا

التفكر يف آيات اهللا الكونية، وإىل التدبر يف هذا القرآن العظيم، راحوا يوجهوم إىل سفاسف األمور، من اخلرافات والقصص اإلسرائيلية، واإلفاضة مبا هو غري جوهري، وذلك بغية حتويل

ن معاين هذا القرآن العظيم، مث إغراق الناس يف اختالفات الناس عن طريق اإلميان، وع الفقهاء، وكثرة اآلراء اليت ال يعرف اإلنسان بأي يأخذ.

وأوىل ملن أراد أن خيوض هذا البحر اخلضم أن حيسن العوم، أو يصطحب قاربا للنجاة يف ظلمة، بل يف ودليال مرشدا، وإال ابتلعه املوج إن مل تدركه رمحة من ربه، وسوف يعيش

ظلمات من الشكوك بعضها فوق بعض.: يهتدي به يف ) سورة النــور40( }ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ...{

حياته ويف أعماله.من رحمته ويجعل يا أيـها الذين آمنوا اتـقوا الله وآمنوا برسوله يـؤتكم كفلين {

: فال حتصل ) سورة احلديد28( }لكم نورا تمشون به ويـغفر لكم والله غفور رحيم

10

على اهللا �التقوى وهذه الرؤية بالنور إال بعد اإلقبال القليب النفسي بصحبة رسول اهللا تعاىل.

أن نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، ومل يأمرنا أن نتخذهم لقد أمرنا اهللا أن نتبع ما أنزل، ال أربابا، نسمع كالمهم ونشركه مع كالم اهللا.

وال تغرنك هذه املاليني املطمئنة واملصدقة للذي جاءت به األجداد، ألن أغلب الناس ال يتبعون إال الظن، وإن الظن ال يغين من احلق شيئا.

ألرض يضلوك عن سبيل الله إن يـتبعون إال الظن وإن هم وإن تطع أكثـر من في ا{يسكتون إذ ال حجة هلم يف رد احلق عند جماتهم به، :) سورة األنعام116( }إال يخرصون

دنيا وآخرة.نا ل {لذلك فإن اهللا تعاىل خلق اإلنسان يف هذه الدنيا وهداه: ) 12( }لهدىإن عليـ

، بأن أرسل له الرسل الكرام، معلمني هادين لطريق اإلميان، كي ال يضله أكثر سورة الليلمن يف األرض عن احلق، ومن مل يدخل مدرستهم ومل يسر بسريهم، ومل يدرس ومل يتبع ما

الكرام، له أنزل اهللا عليهم، فإنه بواد واهلداية بواد آخر، لذا علينا أن نقتدي دي رسونسلك الطريق اليت ا اهتدوا إليه، وندخل املدرسة اليت منها خترجوا،وحنصل على شهادة (ال

إال اهللا) اليت منها حصلوا عليها، واليت أصبحت هلم العني اليت يرون ا احلقائق، واألذن اليت إلهار الكون، واللسان يسمعون ا، والقلب الذي يفقهون به معاين كالم اهللا الذي أحاط بأسر

.)3(الذي ينطقون بهومن مل يتخرج من هذه املدرسة، فال وربك ال يؤمن ولو قرأ كتب األولني واآلخرين، أو كلمه

املوتى، أو أي شيء يكرب يف صدره.

).12سورة الليل: اآلية( )2( )116سورة األنعام: اآلية( )1( ).147سورة البقرة: اآلية( )4( سنبني حبث اإلميان بنهاية هذا الكتاب. )3(

11

الحق من {:) سورة البقرة147( }الحق من ربك فال تكونن من الممترين { : فلن تكون أبدا من املمرتين.}فال تكونن من الممترين {:(أنت يا حبييب يا حممد):}...ربك

فمن مل يؤمن باهللا، فلن جيعل اهللا له نورا، ولن جيعل له فرقانا يفرق احلق من الباطل، م اهللا والغث من السمني، وهذه املدرسة مفتوحة األبواب يف كل حني، وملن يشاء، وليس عل

أو العلم بكتابه مقصورا على أمة دون أمة، وال زمان دون زمان، وال خزائن رمحته مفتوحة على أناس دون أناس.

:كل من يشأ بصدق فاهللا ) سورة اجلمعة4( }...ذلك فضل الله يـؤتيه من يشاء{ملني. فما خص عاملا دون يؤتيه فضله العظيم. فما أرسل اهللا رسله ورسوله إال رمحة للعا

عامل.الكل عند اهللا :) سورة اإلسراء20( }...كال نمد هؤالء وهؤالء من عطاء ربك {

قاكم ...{واحد، كل امرئ يعطى على حسب صدقه وسعيه: إن أكرمكم عند الله أتـ: ) سورة اإلسراء20( }ء ربك محظوراوما كان عطا...{. ) سورة احلجرات13( }...

.ما تطلبه جتدهسورة ) 8( }...أأنزل عليه الذكر من بـيننا{ لقد تساءلت قريش من قبل فقالوا:

: أمل جيد اهللا من القوم سواه؟.ص◌ أجل، لقد أنزل عليه الذكر ال من بينهم فحسب، بل من بني كل األمم، ألنه كان

لنية والطلب ألن يتعرف على مبدع الوجود، فكان يذهب إىل شعاب مكة، يسري صادق افوق بطاحها، ويتسلق جباهلا، ويقضي األيام والليايل يتفكر يف خلق السموات واألرض، حىت أتاه اليقني من رب اليقني، يف وقت كانت فيه قريش تلهو وتلعب وتسمر، وتشغل

نفسها بزينة الدنيا ومتاعها.اإلنسان قبل أن يستغرب، فهل حاول ولو ملرة واحدة، أن يسلك النهج الذي وعلى

؟. �سلكه القدوة احلسنة

12

أم أن االعتقاد والذي كتب يف املاضي دون توافقه والقرآن الكرمي هو الذي يوصل إىل اإلميان باهللا واليوم اآلخر، أما الحظت كم من آية ميرون عليها يف تفاسريهم وهم

؟.عنها معرضون أما أمرنا اهللا تعاىل أن نتفكر يف خلق السموات واألرض؟.

والتفكر باخللوات واملوت، لتزهد النفس بالدنيا الدنية املنقضية، والتفكر بالفلوات للوصول لرب الكائنات، فبأي حديث بعد اهللا وآياته يؤمنون؟.

هم، كما طلبها أم أم ينتظرون أن تأتيهم اهلداية من رب العاملني، دون أن يطلبوها ، أو دون أن يكلفوا أنفسهم قليال من اجلهد؟.�أبونا إبراهيم

. ؟وكيف يهدي اهللا قوما يقضون أعمارهم يف مراتع اللهو واللعب، أو القيل والقال ه هواه وكان أمره فرطا؟.إهل أم كيف يهدي اهللا من أغفل عنه قلبه، واختذ

ن أي فائدة جينيها اإلنسان إذا سيق إىلفلو شاء اهللا هلدى الناس مجيعا، ولكما يكره بالقوة؟.أال تبقى نفسه معرضة إذا أكرهت على عمل ما؟!. بل قد يزداد إعراضها

إذا أجربت على شيء ليس هلا رغبة فيه.إن اهلداية احلقة هي أن يقبـل اإلنسان عن طوع وبدافع ذايت، حىت يكون اإلميان إميانا

إال اهللا إلهاينه هو وحتقق منه وعقله، وأيقن به قلبه، فيقول أشهد أن ال ذاتيا شهوديا ع شهودا. فاإلميان شهود بالعني عني الرأس، مث شهود قليب بعني النفس.

عندئذ يشاهد اخلري والعدل، ويلمس الرمحة واحلب يسري يف الوجود كله، فال رمحته حانه قائم بالقسط، وهو جل شأنه تعاىل تسبق عدله، وال غضبه يسبق رأفته، فهو سب

على صراط مستقيم.إن اهللا وحده بيده اخلري للمحسن واملسيء على حد سواء، ومن مل يشهد ذلك يف الدنيا، فسوف يشهده يف اآلخرة، وما دام األمر كذلك، وهو كذلك، فإنه ال يوجد ظلم

بني الناس، وما دام ال يوجد ظلم فال يوجد شر.

13

، هو حمض اخلري ملن يصيبه، ألن هذا الشر الذي أصابه سينقذه من شر إن ما نراه شرا أعظم لو مل يصبه، وهذا الشر ما كان ليصيبه لوال ما قدمت يداه، إن شق البطن شر

بالنسبة للمعاىف، إال أنه اخلري كل اخلري ملن خترج به علته.إال على ظامل مثله والظلم أيضا ال يقع إال على من يستحقه، والظامل ال يقع ظلمه

) سورة 129( }وكذلك نـولي بـعض الظالمين بـعضا بما كانوا يكسبون { قال تعاىل: :من أعماهلم.األنعام

إذ لعله بتلك املصيبة يرجع عن غيه ويتذكر ما قدمت يداه، ويتوب إىل اهللا توبة ه تعاىل من الذي ظلمه.نصوحا، عندئذ يرتفع عنه الظلم. بل قد ميكن

هذا التصرف ال يقتصر على األفراد فحسب، بل يتعداه إىل األمم والشعوب، فاألمة اليت يكون فيها من القابلية لإلميان أكثر من غريها، يسلط اهللا عليها أمة أظلم تسومها سوء

يه تعاىل، العذاب لعلها تتضرع إىل اهللا، وتبتعد عما هي فيه من اجرتاح السيئات، فتنيب إلعندئذ يبدل اهللا سيئاا حسنات، ويرد هلا الكرة على من ظلمها، ال لتبطش وتنتقم

لنفسها، بل لرتدها أيضا إىل طريق اهلداية والصالح. ).إنساني، وظالم، وأظلمينقسم اجلنس البشري إىل أصناف ثالثة: (

يق أهوائه، واألظلم ) لتحقحيوانيةوالظامل هنا هو الظامل لنفسه، الذي يسلك مسالك () لتحقيق أغراضه املنحطة. وهذا التقسيم شيطانيةهو ظامل لنفسه ولكن يسلك مسالك (

ينطبق على األمم كما ينطبق على األفراد، ومبا أن اإلنسان اإلنساين بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معىن مفقود أو شبه مفقود يف هذا العصر، لذلك مل يبق إال الظامل واألظلم

منه، ويف هذه احلالة يسلط اهللا األمة األظلم، على األمة الظاملة، لعلها تصحو من غفلتها، وترجع إىل إنسانيتها، فيبدل اهللا ضعفها قوة، وذهلا عزا، وخذالا نصرا على من ظلمها، لعل األخرى ترجع إىل اهللا، وترتاح البشرية بعدها من هذا الشقاء، ومن هذه اآلالم اليت

بها.تصي

14

وال يـزال الذين ...{ غري أن الواقع يشري إىل أن األمل يف الرجوع كاد يصبح مستحيال: ال كفروا تصيبـهم بما صنـعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله

، لذا بات البالء متوقعا والساعة قريبة، والسيد املسيح ة الرعد) سور 31( }يخلف الميعاد ، املنقذ للبشرية من الشقاء واآلالم، ومن الكفر واحلرمان، قد الح باألفق:� ،بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ،ويـومئذ يـفرح المؤمنون ...{

) سورة 6ــ 4( }ال يخلف الله وعده ولكن أكثـر الناس ال يـعلمون وعد الله .الروم

الناشر تقدمي

* * *

15

الفصل ا�ول

في هذا الفصل: نحو مفهوم الساعة. • .�قوم سيدنا نوح • (قوم عاد المعروفين بالعمالقة األشداء). �قوم سيدنا هود • ود).قوم ثم( �قوم سيدنا صالح • .�قوم سيدنا لوط • (أهل مدين). �قوم سيدنا شعيب • غاية الحق من إيجاد الخلق. •

16

نـحـو مفھـوم الســاعـةإن البشرية يف هذا العصر تعاين قلقا نفسيا حادا. وذلك مبا أحدثته الثورة التقنية من

، وحجبها طغيان مادي كثيف، ألقى ظالله القامتة على األنفس فسد عليها منابع النور عن موطن اخللود.

وهذه الثورة أغرقت الناس يف متاهات فكرية، متعاكسة أحيانا، ومتشابكة يف أحيان كثرية.

لقد كانت الثورة العلمية التقنية حلما يدغدغ أحالم بعض املفكرين، وكانوا ينظرون إليها قد أطلقوا ألفكارهم منذ أواخر القرن التاسع عشر نظرة املنقذ من الفقر واملرض واجلهل. و

العنان، فوصفوها وصفا مسرفا يف الالواقعية، وشنوا حربا شعواء على النظم واملعتقدات القدمية، وقالوا إا شاخت واهرتأت، ومل تعد تصلح هلذا العصر، وكما حكموا على النظم

شه) هكذا انظر كتاب (نيت{ باملوت اإللهواملعتقدات بالشيخوخة واالهرتاء، حكموا على .}تكلم زرادشت

سوف يسخر اإللهالعلم أو العقل اجلبار، وأن هذا إلهجديد، هو إلهوأعلنوا عن مولد القدمي. اإللهالطبيعة، أكثر مما سخرها هلم

وصدقت الناس داعي الشيطان، وخاصة الغرب والشرق األقصى، وأشاحت بوجهها استهزأت، بكل ما جاء به من سنن وشرائع عن مبدع السموات واألرض، فهجرت بل و

ومثل، واستبدلتها بشرائع وسنن من وحي سدنة هذا الشيطان املريد.الذي داعب مولده خميلة املفتونني به، قد متخض عن نار يلوح اإللهغري أن هذا

للبشرية بني احلني واحلني، بالدمار الشامل واهلالك األكيد.بني هلم رفاهه، أن طعامه ذو غصة، وإن عليه لشوبا، والسعادة ولقد رأوا من بعد ما ت

املنتظرة اليت كانوا حيلمون ا، إمنا كانت كسراب بقيعة، حيسبه الذين استحبوا احلياة الدنيا

17

ماء، فيه احلياة وفيه السعادة واهلناء. وملا جاؤوه مل جيدوه إال ومها، ومل جيدوه إال أملا بذلك واعظا، لو كانوا يعقلون. وشقاء، وكفى

إن فاطر السموات واألرض قد أبدع الوجود، على أحسن ما يكون اإلبداع، وشرع لنا من النظم ما تتوافق والفطرة اليت فطر الناس عليها.

لقد بىن الوجود على سنن غاية يف الدقة، وغاية يف اإلبداع واجلالل، وترك لإلنسان حني كان نطفة، وكيفية أطواره يف بطن أمه، وينظر إىل اال لكي ينظر يف نفسه

السماء كيف رفعت، وإىل النجوم كيف حبكت، وإىل اجلبال كيف نصبت، وإىل البحار كيف ملئت، وإىل ما بث يف األرض من دابة كيف خلقت، وإىل ما أنبت فيها من كل

زوج كرمي.م، الذي مد وميد الوجود اآلن ترى من الذي قام بكل هذا ويقوم؟. ومن املوجد العظي

ويف كل آن؟.مث جعل "جل شأنه" شرائعه متوافقة مع الفطرة اليت فطر الناس عليها، وهي دف إىل سعادة اإلنسان يف الدنيا واآلخرة، فقد بنيت تلك الشرائع على مبادئ قومية، تنهض

لصلة تستطيع أن تتحرر من باألنفس لتسمو ا، وتربطها خبالقها، وذا الرباط أو هذه اعبودية املادة، اليت ما إن تستويل على النفوس حىت ترديها، وجتعلها تعيش معيشة ضنكا. وذه الصلة، يتبدد اخلوف من قلب املؤمن، ويزداد الرجاء كلما تقدمت به

السنون، وقربته إىل املصري احملتوم، ال يتضجر إن أقبلت الدنيا عليه، أو أدبرت.ك ال يبايل إن اعتل أو أصابته مصيبة، ألنه يعلم أن احلياة الدنيا ليس هلا من وكذل

بقاء، واآلخرة هي احلياة الباقية.أما الذين رضوا باحلياة الدنيا واطمأنوا ا، وجعلوها مبلغ مههم، فإن قلقهم يزداد يف

وه.أمسيات العمر، فيزدادون مها وغما، إن أقبلت أو أدبرت، أو أصام مكر

18

هم احلياة الدنيا فردوسا مجيال، وأن يسخر هلم إهل إن الذين يأملون، أن جيعل هلم الطبيعة بأكثر مما جتود به، أولئك هم املوهومون، وأولئك هم املغبونون ال يف اآلخرة

فحسب، بل ويف احلياة الدنيا أيضا.ا، سوف يفسد عليهم الذي يأملون منه أن جيعل هلم الدنيا جنات وقصور اإللهوهذا

أحالمهم، وسوف يكتوون بناره عن غضبة يغضبها، وجيعل ما بنوه بواسطته من حضارة، قاعا صفصفا.

إن هذه الثورة (التقنية) قد جاءت خميبة لآلمال، إذ أا أبعدت الناس عن السعادة ة احلسية حبقيقتها احلقيقية اليت ال تقارن مع تلك السعادة احلسية املوهومة، ذلك ألن السعاد

ليست سعادة، وإمنا هي لذائذ وقضاء شهوات ورغائب، وشتان بني هذه وتلك.ذلك ألن شهوات النفس كثرية، وطاقتها غري حمدودة، بينما طاقات اإلنسان اجلسمية حمدودة، والفارق بني الطاقتني هو مبعث األمل ومبعث الشقاء، فرتكيب طاقة غري حمدودة

جيعل األخرية ال تستطيع أن تليب رغائب األوىل. على طاقة حمدودة،النفس كالفرس اجلموح، كلما قضت من شهوة وطرا طلبت أخرى من غري ملل أو كلل، ألن ماهية تكوينها غري مادي، وهذه الطاقة غري احملدودة مل يعدها تعاىل لتمأل

ال ينضب.أوضارا، وإمنا أعدت لتمأل كماال ومجاال مطلقني، ولتشرب من معنيوشتان بني تلكما احلالتني، لذائذ زائفة كفيلة بإنتاج الضجر والسأم مشوبة باهلم والغم واألمل ومنتهية من قبل أن ينتهي اإلنسان من الدنيا، وسعادة مستمرة ومتزايدة تظل معه

.)1(إىل األبدس املعرض ويف اآلخرة ال توجد إال حقائق، والزيف ليس له وجود هناك، ولذا فإن نف

عن اهللا يف احلياة الدنيا، بسبب اتباعه لشهواته، تذهب إىل بارئها عمياء، ألا مل حتاول ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة { أن تتعرف على احلق يف الدنيا. قال تعاىل:

قال ،رتني أعمى وقد كنت بصيراقال رب لم حش ،ضنكا ونحشره يـوم القيامة أعمى

.)هابحث السعادة وحقيقت( قدس اهللا سره) للعالمة حممد أمني شيخو الفتوحات المحمدية(نظر كتاب الطفا )1(

19

أتـتك آياتـنا فـنسيتـها وكذلك اليـوم ...{أعمى البصرية يف الدنيا. كنت: }...كذلك أننساك اليوم!. ال بد أن يساق لنفسك ما يلزمها من !.سورة طـه) 126ــ124(}تنسى

فإنـها ال تـعمى األبصار ولكن تـعمى القلوب ...{ :ىلويدعم هذه احلقيقة قوله تعاعالج. .) سورة احلـج46( }التي في الصدور

) سورة 72( }ومن كان في هذه أعمى فـهو في اآلخرة أعمى وأضل سبيال { .اإلسراء

، فإنه يسوق ملن كفر به من العذاب ومبا أن اهللا سبحانه وتعاىل حريص على سعادتنااألدىن دون العذاب األكرب، لعلهم يرجعون عما هم فيه من الشقاء، إىل ما فيه سعادم يف

الدنيا واآلخرة، وختليصهم من حب الدنيا اليت هي مصدر كل شقاء وكل أمل.) 21( }اب األكبر لعلهم يـرجعون ولنذيقـنهم من العذاب األدنى دون العذ { قال تعاىل: : و(لعل) هنا تبني بوضوح أن االختيار مطلق لإلنسان.سورة السجدة

لذلك فإن اهلالك سوف حيل بساحة البشرية إذا خالفت السنن أو القوانني اليت من أوجدها تعاىل هلم، وجتاوزت إىل نقطة الالعودة إىل اهللا عز وجل. لقد ضرب تعاىل

األمثلة العملية فيما حل باألمم السابقة، عندما جتاوزت تلك السنن املوضوعة لسعادم، �ومل يقبلوا بتحطيم احلواجز اليت حالت بينهم وبني السبيل إىل اهللا تعاىل، كقوم نوح

وقوم عاد ومثود وفرعون...الذي حل أما اليوم، فمهما بذلت البشرية من جهد لكي تتخلص من اآلالم والشقاء

ا، أو من هذا القلق احلاد املالزم هلا مالزمة الظل لصاحبه، من هذا الضياع والضالل البعيد، ومن تلك املتاهات الفكرية املتعاكسة واملتشابكة، اليت منها يظنون أم سوف

، يتوصلون إىل السعادة املنتظرة. فإم لن يفلحوا أبدا بذلك، ولن يفلحوا إال بشرط واحدهو العودة إىل إقامة شريعة اهللا يف أرضه قوال وعمال، وأخذها بقوة، فإن مل يفعلوا ولن يفعلوا!. فلينظروا زالزل وبراكني وأعاصري مدمرة، وأمراضا فتاكة، كما وقع ويقع اليوم، وبعدها ينظرون نارا تصهر احلديد الصلب، وتفتت احلجر الصلد، وما ذلك عن الظاملني

20

) 102( }وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد { د:ببعي :هذا قانون، كل من سار ذا السري، حق عليه اهلالك.سورة هود

لقد ضرب لنا تعاىل يف كتابه العزيز الكثري من القصص عن هالك األمم، اليت ختلت ية، واتبعت شرائع من وضع أهوائها، وبني لنا األسباب اليت حالت بينهم اإلهل عن السنن

وبني الرجوع إىل دين احلق، مث النتائج املؤسفة اليت انتهوا إليها.وكان تعاىل قبل هالكهم يرسل إليهم نذيرا، حيذرهم من مغبة معتقدام وأعماهلم

ال تزيدهم إال شقاء، وال تزيدهم إال املخالفة لسنن الوجود، ويبني هلم أن تلك املعتقدات، إال أن دعوم غالبا ما كانت لتلقى إال آذانا ةبؤسا وابتعادا عن منبع السعادة احلقيقي

صماء وقلوبا غلفا، ذلك ألن املادة قد أوصدت أبواا على عقوهلم، وأغرقتهم إىل األذقان بالسيئة قـبل ...{ تعجلون:يسفهم مقمحون. ال يفلحون بل جلهلهم وعدم إميام

ما حدث لألمم الغابرة، :) سورة الرعد6( }...الحسنة وقد خلت من قـبلهم المثالت ماذا حل م؟!.

، ومنيزها عن الساعة �واآلن وقبل أن نبني معىن الساعة اليت يأيت فيها السيد املسيح د أن نستعرض معتقدات وأعمال تلك األمم اليت أهلكت، واحلوار اليت ا تقوم القيامة، نري

الذي دار بني تلك األقوام ورسلهم، مث نتقصى األسباب اليت منعتهم من أن يستجيبوا لداعي اهللا. وأخريا ذكر النهاية املؤسفة اليت انتهوا إليها. فإذا وفقنا إىل ذلك، وهذا ما نأمله

موضوع الساعة سوف يتكشف لنا معناه، وسوف يزول كل من اهللا سبحانه وتعاىل، فإن التباس نتيجة املقارنة بني مفهوم الساعة اليت يأيت فيها السيد املسيح، ليمسح آالم البشرية

وينقذها، وبني الساعة اليت ا تقوم القيامة.إن أول األمم اليت ذكرها تعاىل يف كتابه الكرمي واليت أهلكت بسبب احنرافها عن

.�ريق املستقيم، هم قوم سيدنا نوح الطتلك األمم اليت ساقها اهللا مثال كافية من حيث املوعظة والعربة، ملن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ألن ما قيل للرسل الذين مل يذكرهم تعاىل، هو نفس

21

يهدي ، الذين ذكروا يف القرآن الكرمي، أو ألي رجل صاحل)1(ما قيل لغريهم من الرسلما يـقال لك إال ما قد قيل للرسل من قـبلك إن ربك لذو { إىل احلق. قال تعاىل:

. ) سورة فصلت43( }مغفرة وذو عقاب أليم ر أو كذلك ما أتى الذين من قـبلهم من رسول إال قالوا ساح { وقال جل شأنه:

.) سورة الذاريات53ــ52( }أتـواصوا به بل هم قـوم طاغون ،مجنون وهاك ما قاله أبو الفتح أمحد الشهرستاين يف كتابه( امللل والنحل) حول هذه الفكرة:

..... ومن جادل نوحا، وهودا، وصاحلا، وإبراهيم، ولوطا، وشعيبا، وموسى، وعيسى، (ات اهللا عليهم أمجعني. كلهم نسجوا على منوال اللعني األول ((إبليس)) يف وحممد صلو

إظهار سفاهته، وحاصلها يرجع إىل دفع التكليف عن أنفسهم، أو جحد أصحاب الشرائع ، ) سورة التغابن6( }... أبشر يـهدونـنا ...{والتكاليف بأسرهم). إذ ال فرق بني قوهلم:

، وعن هذا صار مفصل ) سورة اإلسراء61( }د لمن خلقت طيناأأسج ...{ وبني قوله:وما منع الناس أن يـؤمنوا إذ جاءهم الهدى إال { اخلالف وحمز االفرتاق ما هو يف قوله تعاىل:

.) سورة اإلسراء94( }أن قالوا أبـعث الله بشرا رسوال قال ما منـعك أال { ع من اإلميان هو هذا املعىن، كما قال املتقدم األول:فبني أن املان

ر منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) سورة 12( }تسجد إذ أمرتك قال أنا خيـر من أم {. وقال املتأخر من ذريته على لسان فرعون كما قال املتقدم، األعراف أنا خيـ

.) سورة الزخرف52( }هذا الذي هو مهين وال يكاد يبين وقال { وكذلك لو تعقبنا أقوال املتقدمني منهم وجدناها مطابقة ألقوال املتأخرين:

الذين من قـبلهم مثل الذين ال يـعلمون لوال يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال ، إن اآلية اليت مرت معنا قبل قليل: ) سورة البقرة118(}... قـولهم تشابـهت قـلوبـهم

) سورة 52( }كذلك ما أتى الذين من قـبلهم من رسول إال قالوا ساحر أو مجنون {

هم من لم نـقصص عليك وما كان قال تعاىل: { )1( هم من قصصنا عليك ومنـ بلك منـ لرسول أن ولقد أرسلنا رسال من قـ .) سورة غافر78} (هنالك المبطلون يأتي بآية إال بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر

22

اليت ال تتبدل وال تتحول على مر الزمن، وأىن مرت كلمة : تعترب من السننالذاريات(كذلك ) يف القرآن الكرمي، وكما هي يف اآلية اآلنفة الذكر، فإن القول الذي يأيت بعدها

سنة الله { يكون يف أغلب األحيان قانونا أو سنة من تلك السنن اليت عناها تعاىل بقوله: .) سورة األحزاب62(}بل ولن تجد لسنة الله تـبديال في الذين خلوا من قـ

تلك سنن وقوانني ال تتبدل وال تتحول، فما قام به األولون الذين مل يؤمنوا من قول أو فعل، ال خيتلف من حيث اجلوهر عما قاله املتأخرون، لذلك فإن اهللا جل وعال اقتصر يف

يت تعترب أقواهلا اليت تنم عن معتقدها وأفعاهلا، مناذج ضرب األمثلة على بعض األمم ال عملية هلالك كل أمة تسلك مسلكهم، وتعرتض على رسوهلا اعرتاضام.

واآلن وبعد هذا الذي ذكرنا، نريد أن نتناول بشيء من التفصيل أهم األمم اليت طبقت عليها تلك السنن، فمن تلك األمم:

(قـوم سـيدنــا نـــوح) ـيــدنـا هــود)(قـوم س

(قوم سيدنا صاحل) ( قـوم سـيدنا لـوط)

(قوم سيدنا شعيب) علـيهـم السـالم

* * *

23

����قوم سيدنا نوح

ولقد أرسلنا نوحا إلى قـومه إني { إىل قومه فقال: �لقد أرسل اهللا سيدنا نوحا فـقال المأل ، لله إني أخاف عليكم عذاب يـوم أليم أن ال تـعبدوا إال ا،لكم نذير مبين

لنا وما نـراك اتـبـعك إال الذين هم أراذ لنا الذين كفروا من قومه ما نـراك إال بشرا مثـنا من .) سورة هود27ــ25( }فضل بل نظنكم كاذبين بادي الرأي وما نـرى لكم عليـ

أو أي رسول من رسل اهللا الكرام، هي توجيه الناس حنو �إن دعوة سيدنا نوح إال هو، وتلك كلمة باقية إىل يوم القيامة، وتلك خري ما إلهعبادة اهللا، خالقنا الذي ال

الغاية اليت خلقنا من أجلها. أما جاءت به الرسل صلوات اهللا عليهم أمجعني، وتلك هيالغاية من عبادتنا له، فهي ليس كما يدعي البعض بأن اهللا يتباهى أمام مالئكته، فسبحانه وتعاىل عن مثل هذا الوصف. وإمنا الغاية هي تزكية األنفس، وتطهريها مما علق ا من

ة، وبعبادتنا هللا، اليت الشوائب، ذلك ألن تزكية األنفس ال تكون إال بالصلة باهللا وبالصالتعين الطاعة التامة، واالستسالم املطلق ألوامر اهللا، حيث تكتسب األنفس املطيعة الثقة برضاء اهللا عنها، وبتلك الثقة تتوجه األنفس من غري خجل، أو من غري حجاب حيجبها

غة الله ومن أ { عنه فتصبغ النفس بإقباهلا على اهللا بصبغة الكمال: حسن من الله صبـغة ونحن له عابدون ، وبذلك اإلقبال والصلة باهللا والصالة، ) سورة البقرة138( }صبـ

متحى من النفس شوائبها وذنوا، وحتل حملها الفضائل، وتلك الفضائل اليت اكتسبها ل، اإلنسان من اهللا، تصلح سريرته، ويصلح عمله، وإذا صلحت األنفس، صلحت األعما

وبالتايل صلح اتمع. وإذا صلح اتمع، فكيف ال يعيش أفراده يف سعادة وهناء؟. من أجل ذلك طلب إلينا تعاىل أن نتمسك بشريعته، لكي نعيش سعداء يف الدنيا واآلخرة.

ما أوحي إليه من ربه، والقى من الذين كفروا من قومه مثل ما �لقد بلغ سيدنا نوح ما نـراك إال بشرا مثـلنا وما نـراك اتـبـعك إال الذين هم ...{ :فقالوا القى غريه من الرسل

24

نا من فضل بل نظنكم كاذبين ) سورة 27( }أراذلنا بادي الرأي وما نـرى لكم عليـ س من اإلميان باهللا.وهذا اإلنكار على الرسول، هو الذي مينع النا. هود

وما منع الناس أن يـؤمنوا إذ جاءهم الهدى إال أن قالوا أبـعث الله { قال تعاىل:. وهذا اإلنكار إمنا يرجع إىل عدم رؤية كمال الرسول ) سورة اإلسراء94( }بشرا رسوال

نة من ربي وآتاني رحمة من عنده قال يا قـوم أرأيـت { الكرمي لذلك: م إن كنت على بـيـيت عليكم أنـلزمكموها وأنتم لها كارهون سورة هود28( }فـعم (.

وقالوا لوال نـزل {مبثل هذا االعرتاض: �كذلك اعرتضت قريش على سيدنا حممد .) سورة الزخرف31( }على رجل من القريـتـين عظيم هذا القرآن

، وإمنا �والسبب يف هذا االعرتاض هو وكما ذكرنا عدم رؤية كمال الرسول حممد شاهدوا عظمة الرجال باملال أو اجلاه، ومبعىن آخر إن معظم الناس تنظر إىل ظواهر األمور

دون البحث يف حقيقتها.ما لقيه من قومه من إعراض، بالرغم من دعوته املتواصلة ليل �نوح لقد بني سيدنا

ار، إسرارا وإعالنا، ومع ذلك فإن دعوته ما كانت لتلقى آذانا صاغية من قومه، بل جعلوا أصابعهم يف آذام، وأصروا على كفرهم إصرارا، واستكربوا عن مساع احلق

هللا تعاىل خلقهم أطوارا، وكيف خلق اهللا سبع استكبارا، فقد بني هلم رسوهلم كيف أن امسوات طباقا، وجعل القمر فيهن نورا، وجعل الشمس سراجا، وكيف حثهم على التفكر

فيما ذرأ اهللا يف األرض من كل دابة، وما أنبت من كل زوج يج.اب ولكنهم وبدال من أن يلتفتوا إىل ما دعاهم إليه، راحوا ينظرون إليه نظرة استغر

وتعجب، بل نظرة استهزاء خفي وتكذيب. وما رأوه إال بشرا مثلهم، نظروا يف صورته فلم يروا مسو حقيقته، أعمى قلوم حب الدنيا ومل يلتفتوا للموت، فاستحبوا حياة الفناء، وعزفوا عن البقاء األبدي. وقالوا إن هي إال حياتنا الدنيا منوت ونفىن وما حنن مببعوثني، فأنكروا

، بل إم رأوا أنه ما اتبعه إال األراذل منهم، الذين ليس هلم قيمة اإللهالبعث وأشاحوا عن فرد، وحيث أم ال يستطيعون إنكار شأنه �اجتماعية (بنظرهم األعمى)، ومن أنه

25

ث إال أن قالوا أبـع ...{ وسريته العالية ومنطقه، استكربوا وما آمنوا، وما منعهم من اهلدى: .) سورة اإلسراء94( }الله بشرا رسوال

فإذا مل ينظر اإلنسان إىل خلق السموات واألرض، ويسلك طريق التفكري الذايت حىت يؤمن باهللا، وحىت تطهر نفسه من اخلبث بالصلة باهللا، فلن يعرف الرسول ولن يؤمن به

ق أمام عينيه إال صورة الرسول أو وبدعوته أبدا. ذلك ألن الكمال يظل مستورا عنه، ومل يب .�شكله، فال يعرف حقيقته

: ) سورة األعراف198( }وتـراهم ينظرون إليك وهم ال يـبصرون ...{ قال تعاىل: حقيقتك.

يه ملك وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في األسواق لوال أنزل إل {: يتخيل ختيالت، نظرهم للدنيا، وظنوا أن املال ) سورة الفرقان7(}فـيكون معه نذيرا

واألمالك خري لإلنسان ودليل عظمته ورضى اهللا عليه. يف قومه ألف سنة إال مخسني عاما �ولذلك، فال عجب إذا لبث سيدنا نوح

يدعوهم إىل اهللا، ومل يؤمن معه إال قليل. ولو بقي فيهم إىل يوم يبعثون، ما كانوا ليؤمنوا، إال إذا سلكوا القوانني اليت رمسها تعاىل هلداية

الناس، عندها يفتح اهللا بصائرهم بالتقوى، فيستنريوا ويسعدوا ويسعدوا البشرية.ر الله أبـتغي حكما وهو { على لسان اهللا عز وجل : �قال رسول اهللا الذي أفـغيـ

ناهم الكتاب يـعلمون أنه منـزل من ربك أنـزل إليكم الكتاب مفصال والذين آتـيـل لكلماته ، بالحق فال تكونن من الممترين مبد ك صدقا وعدال الت كلمت ربوتم

. ) سورة األنعام115ــ114( }هو السميع العليم و تلك سنن وقوانني، إذ ال ميكن لنفس أن تؤمن إال بسلوكها التفكري الذايت املقرون بنية

املسري املريب اخلالق من ثنايا صنعه تعاىل، فإن مل اإللهالبحث عن احلقيقة واكتشاف وجود يؤتوا الكتاب، الذي هو صبغة اهللا اليت تصبغ األنفس باحلق يؤمنوا باهللا ويعملوا صاحلا، فلن

والكمال، ولن يكون القرآن، أو أي كتاب أنزل على رسله آيات بينات يف صدورهم، بل

26

يظل عليهم عمى، وتظل أعماهلم السيئة حائال دون فقهه، ولن تنفعهم لغتهم كذلك، وال ، وال �ن كتاب مكنون يف قلب الرسول ، ألن هذا القرآ�قرم الزماين من عصر الرسول ، املطهرة قلوم عن أدران الدنيا الدنية ومعاصيها املهلكة.)1(ميس معانيه الرفيعة إال املطهرون

يف قومه ذلك الدهر الطويل، ولكن وبالرغم من طول هذه �لقد لبث سيدنا نوح ل، فأنذرهم إن ظلوا معرضني من الفرتة اليت قضاها بينهم، مل يؤمن معه من قومه إال القلي

قالوا يا نوح قد جادلتـنا { عذاب أليم سيحل م، فأجابه الذين كفروا من قومه::إن كنت ) سورة هود32( }فأكثـرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين

ما حنن فيه.صادقا فلينزل البالء علينا، ال نريد ترك فاستهزأوا لقد تأمل عليهم، وتأملوا منه، وناح عليهم وسخروا منه، وأنذرهم باهلالك

}أني مغلوب فانتصر ...{ به، وبني هلم سخف معتقدهم فمكروا به. عندئذ دعا ربه:، أي: رب أيدين حبجج أخرى مقنعة علهم يغريوا ما بأنفسهم فيهتدي ) سورة القمر10( ا قومي، فبني له تعاىل أنه ال فائدة ترجى منهم، وأن كؤوس نفوسهم قد أترعت

بالفساد، ولن يطلبوا اهلدى ولن يؤمنوا، فال فائدة ترجى منهم، وكانوا قوما بورا، وأوحى إليه أن يصنع الفلك بوحي منه، ألن القوم قد استحقوا اهلالك، ومل يبق أي أمل يرجتى من

حوا وال خري فيهم.إميام، وقد أصب) 25( }مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فـلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا{

.سورة نوحنريد أن نلفت النظر إىل ناحية هامة، �وقبل أن خنتم الكالم عن قوم سيدنا نوح

، بسبب سخريتهم منه وأا )1(ه باهلالكدعا على قوم �وهي أم قالوا أن سيدنا نوحا وقال نوح رب ال { ، مل يدع على قومه بقوله:�خطيئة، واحلقيقة هي أن سيدنا نوحا

ــرآن كريم { قــال تعــاىل: )1( ــاب مكنــون ،إنــه لق ــرون ،فــي كت المطه ــه إال يمس ــ77} (ال يف خمبــأة معانيــه :أي ،الكتــاب مكنــون إن هــذا ) ســورة الواقعــة79ــولـن ميـس معانيـه إال مـن حتصـل لـه الشـفاعة ،س معانيـه إال إذا كـان مـن أهـل الطهـارة النفسـيةوال يستطيع اإلنسان أن مي ،� قلب الرسول األعظم

.� والصحبة القلبية احلبية برسول اهللا .قدس اهللا سره) للعالمة حممد أمني شيخو عصمة األنبياءانظر كتاب ( )1(

27

.، إال من بعد أن أوحى إليه ربه ) سورة نوح26( }تذر على األرض من الكافرين دياراملا أخربه تعاىل أم ال ميكن أن �حنانه بأنه لن يؤمن معه إال من قد آمن. فمن

يؤمنوا، طلب هلم اهلالك، كرجل له قريب عزيز مريض يتأمل ال ميكن شفاؤه يتطلب له طلب هلم اهلالك بعد وحي اهللا له �املوت كي خيلص من آالمه، وكذلك سيدنا نوح

وعنادا، فاملوت أم لن يؤمنوا ليقل شقاؤهم، حيث أم لن يزدادوا إال ضالال وكفرا إيقاف لشرورهم اليت تكويهم بنارها يف اآلخرة.

أنه لن يـؤمن من قـومك إال ...{ ملا طلبوا اهلالك:: }...وأوحي إلى نوح { قال تعاىل:ال تتأمل ال حتزن و : }فال تـبتئس بما كانوا يـفعلون ...{ ال جدوى هلم:: }...قد آمن من

::داللتنا}...ووحينا...{نراك ونلهمك. }...واصنع الفلك بأعيننا{ :من عدم اهتدائهم:ال تتوسط يف دفع البالء عنهم وال ترتجى فيهم }...وال تخاطبني في الذين ظلموا ...{

عن اإلميان والطاعة، حق عليهم . بعد أن دعاهم ألف سنة إال مخسني عاما , ملا امتنعواإنـهم ...{ رغم معارضام له، كان يتمىن هدايتهم: �لكن سيدنا نوحا ،اهلالك

: ال بد منها.) سورة هود37ــ36(}مغرقون

* * *

28

ادـــوم عـــق

ن إله يا قـوم اعبدوا الله ما لكم م ...{:�لقد أرسل اهللا إىل عاد أخاهم هودا ره إن أنتم إال مفتـرون يا قـوم ال أسألكم عليه أجرا إن أجري إال على الذي فطرني ،غيـ

.) سورة هود51ــ50(}أفال تـعقلون بد ال كالم ع: أطيعوا أوامره وامسعوا كالمه،}...اعبدوا الله ...{ :�قال هلم

ره ...{مثلكم: : ما من رزاق ومسري سواه، من الذي ينزل األمطار، }...ما لكم من إله غيـإن ...{من يسوق الشمس والقمر؟. الليل، النهار، الفصول، من يدير الكرة األرضية؟.

ا قـوم ال ي { بعبادتكم األصنام،: على اهللا بادعائكم ذه اآلهلة، }أنتم إال مفتـرون : }أفال تـعقلون ...{:أظهرين:}...أسألكم عليه أجرا إن أجري إال على الذي فطرني

أفال تفكرون ولو قليال؟!. العاقل يفكر بأي كلمة يسمعها، إن كانت صحيحة اتبعها وإال ي ويلمس احلقيقة من اإلهل صل للوجود ردها، أليس األجدر باإلنسان أن يعقل بذاته؟. يتو

آالئه الكونية!. من يطعمه ومن يسقيه؟. ومن إذا مرض يشفيه؟.، مثل ما قاله سيدنا نوح، ومثل ما قاله الرسل �لقد قال هلم رسوهلم سيدنا هود

ره اعبدوا الله ما لكم من إله غيـ ...{صلوات اهللا عليهم أمجعني، من قبل، ومن بعد:: لقد بني هلم هذا الرسول الكرمي،أن املسري هلذا الكون، هو اهللا سبحانه وتعاىل، وأنه }...

ما من شيء إال ويؤول إليه، وال يتحرك متحرك إال من بعد إذنه، فهو وحده احلي القيوم، ألنه هو وحده اخلالق، مصدر احلياة، ومصدر القيام لكل ذرة من ذرات هذا الوجود. وهو

الذي ميد وال يستمد، ألنه فرد صمد.كذلك فإن ميسسكم اهللا بضر فال كاشف له إال هو، وإن يردكم خبري فال راد لفضله، ولكن مبقدار ما تستحقونه. يا قوم إن هذه اآلهلة اليت تعبدوا، أنتم الذين صورمت شكلها

أفال تعقلون. أما ترون أا بأيديكم، أفتعبدون ما تنحتون؟!. تبا لكم (أي اهلالك عليكم) ال تستطيع دفع الضر عنكم، وال عن كياا، ما لكم كيف حتكمون؟!.

29

يا قوم مل تعرضون عن مبدع السموات واألرض؟. وتعبدون ما ال يضركم وال ينفعكم. إن جوام إال أن:هذا إال إفك افرتيتموه أنتم وآباؤكم، ما أنزل اهللا به من سلطان، وما كان

نا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ق { وما ،إن هذا إال خلق األولين ،الوا سواء عليـبين وقال هلم يا قوم ال تغرنكم احلياة الدنيا، ) سورة الشعراء138ــ136( }نحن بمعذ .

) 15( }... من أشد منا قـوة ...{وتغرنكم أموالكم وقوتكم اليت تتبجحون ا، وقولكم::أفال ترون أن الذي خلقكم هو أشد منكم قوة. وإذا فلم االستكبار بغري احلق؟. سورة فصلت

ومل اجلحود وأنتم تشهدون؟. لقد صدهم عن اهللا الرتف املادي، والغىن الفاحش الذي حصلوا الفرات إىل سواحل املتوسط، كانت عليه من التجارة العاملية، فمنطقتهم املمتدة من غرب

التي لم ،إرم ذات العماد { ، وذا الغىن أشادوا عاصمتهم:)3(مركزا لتالقي التجارة العاملية ) سورة الفجر8ــ7( }يخلق مثـلها في البالد

ىل يف سورة وقد وصف لنا تعاىل أعماهلم العمرانية اليت تنم عن غناهم الفاحش، فقال تعا: بكل ريع: روعة واتقان، وتبنون قصورا، مقاهي (بناء }...أتـبـنون بكل ريع آية { الشعراء:

، مقاصف، منتزهات رائعة هي آية يف اجلمال، )2( املقاهي واملالهي يف األماكن املختارة)ن فيه الوقت، أهذا : تضيعو ) سورة الشعراء128(}...تـعبثون ..{ وتتخذوا للهو والرتف:

:مصانع: املعامل املخازن،وما فيها من حرير وألعاب، }...وتـتخذون مصانع { يؤهلكم للجنة؟!.:ظانني أنكم ) سورة الشعراء129(}لعلكم تخلدون ..{أماكن التخزين والبيع تزينوا:

وسطني والفقراء من الناس، ستخلدون، ناسني املوت، ( كل ذلك زينة يف احلياة تؤذي املتوإذا { وجتعلهم مييلون إىل الدنيا، وإىل اخلسة والبخل والشح، ونكران فعل اخلري واملعروف):

:بعضكم مع بعض، وإذا التحمتم يف أمر كدمت ) سورة الشعراء130( }بطشتم بطشتم جبارين فاتـقوا الله { محة من قلوبكم:أن يذهب بعضكم بنفس اآلخرين منكم بوحشية، لفقدان الر

انظروا ملا جتره عليكم هذه األبنية، وهذه القصور، وهذا : ) سورة الشعراء131( }وأطيعون

صرف على هذه املقاصف واملالهي واملزارع.وكذلك تشري كلمة (ريع): إىل املبالغ الضخمة والفاحشة اليت ت )2(

30

:}...واتـقوا الذي أمدكم{ الرتف، من فساد لقلوب الناس، ونكد لعيشهم، وتنافس بالدنيا:أمدكم { من اخلريات: :}بما تـعلمون ...{ أقبلوا عليه، وفكروا مبا أنعم عليكم:

) 134ــ130(}وعيون ...{ساتني: :}...وجنات { وأوالد:: }وبنين ...{ غنم::}...بأنـعام نعم وعطاء عظيم.:سورة الشعراء

إذن حينما يبعث اهللا رسوال فإنه خيلقه يف منطقة متوسطة من العامل، ال يف منطقة تكاد نعزلة عن العامل، إال من بعض التجار القادمني من اهلند أو من الشرق األقصى. قال تكون معث في أمها رسوال { تعاىل: ) سورة 59( }... وما كان ربك مهلك القرى حتى يـبـ

. القصصيف أما قوم مثود فتكاد آراء املؤرخني جتمع بأن موطنهم يقع يف منطقة وادي القرى

طريق احلج الشامي إىل مكة املكرمة.ق /715) عام/سرجونوقد جاء ذكر مثود يف مجلة البالد اليت غلبها امللك اآلشوري (

م، يف بالد احلجاز. ويؤخذ من سياق الوصف أا كانت جبوار مكة مما يلي الشمال، يسموا مثود كذلك ورد ذكرها يف كتب اليونان، وقد عينوا موقعها يف منطقة احلجر، وهم

)، وإذا كانت مثود تسكن هذه Agra)، واحلجر يسموا ( Thamudeniيين ( املنطقة فال بد أن تكون عاد تسكن يف منطقة سورية احلالية.

من املوقع اجلغرايف املمتاز الذي يقطنونه، ،ومن بعدهم قوم مثود ،لقد استفاد قوم عادوالذاهبة إىل الغرب، ،ة العاملية القادمة من الشرقألم كانوا يقطنون يف منطقة تالقي التجار

ملتقى لثالث طرق عاملية. ،وهذه املنطقة كانت يوم ذاك ولزمن ليس بالبعيد: الطريق التجاري القادم من اليمن فاحلجاز، ومن مث إىل بالد الشام وإفريقيا عرب األول

سيناء. بالد الشام وإفريقيا.: طريق اخلليج العريب، ومنه عرب الصحراء إىل الثاني: طريق بالد فارس فبالد الرافدين، فسوريا، فغرب البحر املتوسط، وحبكم هذا الثالث

املوقع االسرتاتيجي استفادت تلك األقوام من التجارة، وذلك مبا كانوا يقدمونه من وسائط

31

أمنية حلفظها من اللصوص، إىل جانب اخلدمات األخرى خدمات ومن ،لنقل البضائعوخانات السرتاحة التجار، وخمازن حلفظ البضائع، ،مأكل ومشرب، وعلف للدوابمن

وال يستبعد أن أصبحوا فيما بعد من التجار العامليني.كانت هلم حضارة ،ومن بعدهم قوم مثود ،ومن تلك اآليات نستنتج أيضا أن قوم عاد

فقد وصفهم ،ية أيضا بل ومن الناحية الثقاف ،ليس من الناحية العمرانية فحسب ،متقدمةوعادا وثمود وقد تـبـين لكم من مساكنهم وزين { مستبصرين: تعاىل بأم كانوا قوما

) سورة 38( }لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين .:تفننوا بالعلم الدنيويالعنكبوت

وليس مبستغرب من أن تكون تلك األقوام متنورة بأنواع الثقافات العلمية واألدبية، ألن وهذا ال يكون إال بعلم راق ،البناء الرائع، واملصانع املشيدة ال بد هلا من مهندسني أكفاء

وبالتايل يف مجيع أنواع الثقافة، ساعدهم يف ذلك موقعهم اجلغرايف املمتاز، ،يف الرياضيات وقد قيل ( حيثما تتالقى التجارة تتالقح العقول).

ويزدكم قوة ،يرسل السماء عليكم مدرارا ،لقد بني هلم رسوهلم أن اعبدوا اهللا وأطيعوهألن اهللا عندما يرسل ،يةاإلهل هو قول عامل بالسنن �إىل قوتكم. وقول سيدنا هود

بالبأساء والضراء، ويذيقهم من يأخذهم ،رسوال إىل قوم من األقوام، وال يستمعون لهولقد أرسلنآ إلى أمم من { لعلهم يتضرعون. ،العذاب األدىن دون العذاب األكرب

:فعارضوا رسلهم. فأرسل اهللا هلم الشدائد والفقر واملرض ،كما أرسلناك، رسال :}قـبلك }لعلهم يـتضرعون ...{ هذه الشدائد؟.ا ملاذ :}...فأخذناهم بالبأساء والضراء...{الشدائد حىت تتضرع هذه(حىت يتضرعوا وتطهر نفوسهم. :) سورة األنعام42(

التجئ. إن ،وتشفى نفسك. إذن البالء ال بد له من سبب يف نفسك. تب إىل اهللا ،الشدائدتطهر نفسك من "املكروب" الذي سبب هذا الفقر واملرض و ،التجأت وأقبلت

وما أرسلنا في قـرية من نبي إال أخذنا { .)ويرفع عنك البالء ،عندها يعطيك اهللا اخلريالرسل وكذم الناس، شدد اهللا على الناس، هكذا : ملا جاء }أهلها بالبأساء والضراء

32

ه بلدة من بلدان العامل داللة ليؤمنوا بال إل تقتضي الرمحة واحلنان. وما أرسل اهللا تعاىل يفحىت يرسل هلا ،إال أخذ أهلها بالبأساء. فاهللا تعاىل ال يهلك أمة ،ومل يؤمنوا ،إال اهللا": عذاب بأساء": عذاب النفس. "الضراءأخذهم بالشدائد. "بال ،إن مل يرجعوا ،الرسلاألعراف: يدل هذا التعذيب والتشديد على ) سورة 94(}لعلهم يضرعون ...{ م:اجلس

فتشفى نفوسهم مما كمن فيها. فانظر ،أن هنالك قابلية للرجوع، كل ذلك لكي يضرعواوآخرين ،ن اهللا خلق أناسا للجنةأ قول كثري من املفسرين،إىل كالم اهللا تعاىل وانظر إىل

.ياإلهل ، فإن هذا القول يناقض العدل للنارعلهم ،فإنه تعاىل يضيق عليهم ،قول: عندما يعاند الناس رسوهلمفاهللا تعاىل ي

وتطهر أنفسهم. دعوة اهللا تعاىل ،يزول اخلبث من أنفسهم ،يضرعون. بتضرعهم إىل اهللالنا ...{ :بل ثابروا على ضالهلم ،: عندما أصروا فما رجعوا}...ثم { :عامة لسائر اخللق بد

:فلما استحكم اجلرثوم يف أنفسهم. ومل يعد مثة رجاء بالشفاء: }..الحسنة مكان السيئة أعطاهم كافة رغائبهم. أعطيناهم الدنيا لعلهم يشكرون. وكان باإلمكان البدء هلؤالء

:لذا يبدؤهم بالشدائد: إن مل يرجعوا هلكوا ،لكن قل من يشكر،باإلنعام بالدنيافما رجعوا ،وأصبحوا أغنياء وكثرت أمواهلم ، يتذكر هؤالء نعم اهللا: مل}..حتى عفوا ...{

وقالوا قد مس آباءنا الضراء ...{:وما عادوا دعوا اهللا، نسوا كل شيء ،:أصابت آباءنا ظروف شدة وظروف سعة: ما نسبوا األشياء لعملهم وفعلهم}..والسراء

) سورة 95( }فأخذناهم بـغتة وهم ال يشعرون ...{ :بل قالوا هذه عادة الزمانأتاهم البالء بغتة. فلو كانت مقطوعة ،األعراف: من دون أن يشعروا وعلى حني غفلة

!. قوهلم خطأ كله: هناك طريق للرجوع، ؟فلم الرسل ومل الشدائد ،فيها أزليا كما يقولونجعل الكون كله ،الرسل، أهل اإلرشاد، أعطاك الفكروإمكان للتوبة واإلنابة. أرسل اهللا

أعطاك كل خري ومل يشدد عليك. ،فإن استدللت بتفكريك ،أمامك لتتذكروتضررت بساتينهم ،فقد حبس عنهم األمطار ،وفعال إن اهللا أخذهم بالعذاب األدىن

ألسباب فقال:ا �قد بني هلم سيدنا هود ، وضرب اقتصادهم وبنيتهم التحتية، و ومواشيهم

33

، كل شيء إن فكرت به استدللت، من رباك يف }...ويا قـوم استـغفروا ربكم { آمنوا باملريب:ا كنت نطفة؟!.

بطن أمك مل

كل شيء يدل على املريب. إن مل تستغفر فتطلب الشفاء من هذه الشهوات فإا تظل رائم تقع يف النفس، إن استغفرت وتبت وعملت متعلقة بقلبك. الزنا، السرقة، القتل، كلها ج

، مبعيته تشاهد اخلري من �صاحلا، أقبلت، فشفيت نفسك، عندها تصاحب رسول اهللا : مما أنتم عليه:}..ثم توبوا إليه ...{ الشر، وحتمد اهللا أن جناك من املعاصي، ملا تراه فيها:

ة إلى ...{ كانوا يف شدة وضيق: :و}..رارايـرسل السماء عليكم مد ...{ ويزدكم قـو:حارمني أنفسكم من اخلريات، ) سورة هود52( }مجرمين ...{ :وأنتم:}..قـوتكم وال تـتـولوا

.وأنتم ما فيكم خري أبدا. جئت للدنيا لتكون من أهل الكمال واملعروف. خلقت لإلحسانو تم يلذلك جتد كل قو بسبب ما يذيقهم اهللا من أنواع ،برسوهلم إن مل يستجيبوا له نطري

فما استكانوا وما ،العذاب. لقد أخذ اهللا قوم عاد بالعذاب األدىن دون العذاب األكرب ا إهل ونعبد ،لكي جر آهلتنا ،بل قالوا إن قولك هذا ال يكفي أن يكون حجة علينا ،رجعوا

ال يتوافق وواقعنا، إذ كيف ال نعتز بدنيانا ،هو إال ختيالت واحدا، وإن قولك هذا إنوهي اليت متيزنا عن غرينا من الشعوب ،ومبصانعنا وقصورنا اليت هي عنوان التقدم والرقي

فإننا نراه صالحا ،. وإن هذا الذي تراه فسادا ، ونلتفت للعبادة وسبل اإلميان بالغيباملتأخرة، فسرتت بسبب إنكارك عبادم ،اعرتاك بعض آهلتنا بسوء ، وما نظنك إال)1(وتقدما

وتعبد ،وننصحك أن ترجع عن هذا التخريف نفسك عن احلق، وجعلتك تقول ما تقول،من ،إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون ...{ ما كان يعبد آباؤك. فأجام:

إني ،فكيدوني جميعا ثم ال تنظرون ...{ :ل وحتداهم أمجعنيب �فأفحمهم : }...دونه تـوكلت على الله ربي وربكم ما من دآبة إال هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط

ني من نفسه كونه سائرا : دبروا ما شئتم، شجاع، ألنه أم) سورة هود56ــ54( }مستقيم

} أال إنـهـم هـم المفسـدون ولكـن ال يشـعرون ،وإذا قيل لهم ال تـفسدوا في األرض قالوا إنما نحن مصلحون {قال تعاىل: )1( ة.ورة البقر ) س12ــ11(

34

على احلق متوكال على اهللا، فشل اهللا قواهم وسرى اجلنب والرعب إىل أعماق قلوم، وخفضوا رؤوسهم صاغرين أمام عظمته املهيبة، إذ كساه تعاىل ثوب املهابة الربانية ألنه

هذا : }ن من الواعظين أوعظت أم لم تك ...{ وملا أنذرهم من مغبة أعماهلم قالوا: رسوله. :هذا ما سار عليه أجدادنا، فما }إن هذا إال خلق األولين { سرينا ومعتقدنا وال نبايل:

) 138ــ136( }وما نحن بمعذبين { بالك تريد أن تغري ما حنن عليه وما ورثناه من قبل.وأصروا أنكر قوم عاد على رسوهلم قوله، لقد:قولك هذا كله ال أصل له. سورة الشعراء

أن يأتيهم مبا يعدهم إن كان من �وطلبوا من سيدنا هود على حمبة دنياهم الدنية، الصادقني.

واذكر أخا عاد إذ أنذر قـومه باألحقاف وقد خلت النذر من بـين { قال تعاىل:قالوا أجئتـنا ،ال تـعبدوا إال الله إني أخاف عليكم عذاب يـوم عظيم يديه ومن خلفه أ

قال إنما العلم عند الله ،لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين فـلما رأوه عارضا مستـقبل أوديتهم ،به ولكني أراكم قـوما تجهلون وأبـلغكم ما أرسلت

تدمر كل شيء ،قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استـعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ولقد ، يـرى إال مساكنـهم كذلك نجزي القوم المجرمين بأمر ربـها فأصبحوا ال

فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا ...{ .: كانوا سادة العامل}...مكناهم هم س ...{ .:تقدموا بالعلوم}...وأبصارا وأفئدة معهم وال أبصارهم وال فما أغنى عنـ

}أفئدتـهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستـهزؤون .) سورة األحقاف26ــ21(

* * *

35

قـــوم ثـمـــود

مود أخاهم صالحا قال يا وإلى ث { إىل مثود أخاهم صاحلا فقال: تعاىل لقد أرسل اهللاره هو أنشأكم من األرض واستـعمركم فيها قـوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيـ

.) سورة هود61( }فاستـغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب يف كل زمان ومكان، وهي دعوة الناس إىل اهللا، وتعريفهم إن دعوة الرسل واحدة

فقد عرف ،مره ونواهيه، ذلك ألن اإلنسان إذا عرف ربهاوتبيان احلكمة من أو ،بكمالهفلن جتد له وليا مرشدا، وعاش يف ظلمات، وأعشته ،كل شيء، ومن أضل نفسه عن ربه

شياء، وهكذا فإن الكافر ينظر إىل وأصبح ال يرى إال صور األ ،الضاللة عن معرفة احلقيقة احلق مبنظار معكوس.

ويسفهون تصرفهم، ألم ،يستنكرون دعوم ،ولذلك عندما ختاطبهم رسلهم باحلقمن الطهارة والشرف . ويعملونعلى ظنهم اخلاطئ خياطبوم مبقلوب ما يفهمون

القلب ظالما فال عجب إذا أن يرى أعمى من سفاالت، بعكس ما يريدون والتضحيات، وهكذا استنكر قوم مثود دعوة يف رابعة النهار الصائف، وأن جيادل يف احلق بعدما تبني

قالوا يا صالح قد كنت { رسوهلم هلم للعودة إىل اهللا، وأبدوا تعجبهم مما يدعوهم إليه:ه ...{ : ناظرين فيك أنك عاقل:}...فينا مرجوا قـبل هذا انا أن نـعبد ما يـعبد أتـنـ

: أتأتينا بدين جديد؟!. كل من سبقنا سار على هذا الطريق!. هل جئتنا أنت }...آباؤنا }وإنـنا لفي شك مما تدعونا إليه مريب ...{ بشيء جديد؟!. أختالف كل من سبق؟!.

: هذا شيء ظاهر خطؤه.) سورة هود62(قالوا يا شعيب أصالتك { :إلنكار قد أنكره من بعد أهل مدين حينماومثل هذا ا

رك ما يـعبد آباؤنا : طول عمرنا وحنن سائرون ذا، واآلن أنت وحدك }...تأمرك أن نـتـالنا ما أو أن نـفعل في أمو ...{ فهمان!. كل الناس سائرون ذا وكانوا يعبدون األصنام:

إنك ألنت ...{ :ألسنا أحرارا يف أموالنا؟!. متانعنا يف التصرف ا كما نشاء!.}...نشاء

36

وكانوا من قبل يثنون عليه الثناء العظيم، فقالوا له: :) سورة هود87( }الحليم الرشيد .هل عقلك يدلك على هذا اآلن؟!. أهذا كالم املنطق؟!.

وبينت هلم أا ،حيصل اليوم أيضا، فلو أوضحت هلم مساوئ حضارم ومثل ذلك قدينبع من نفس املصدر الذي حيسبه ،وأن هذا األمل والشقاء ،غدت مصدرا للشقاء واألمل

،الستنكروا عليك ذلك، واستهزأوا بك ،الناس سعادة، فاستبدلوه بدين اهللا اخلالق الرازق :}...وإذا قيل لهم ال تـفسدوا في األرض { وا ا غريك:اليت ام ،واموك بالتهمة نفسها

املالهي، يقول لك هذه نعم بالزخرف والرتف و إن قلت له ال تفسد الناس بعملك، بالبناء، من اهللا، أترجع بنا إىل القرون املاضية.

حنن يف هذه املالهي :}حون قالوا إنما نحن مصل ...{ :قدميا ما كان عندهم مدنيةيظن نفسه :}أال إنـهم هم المفسدون ولكن ال يشعرون { :نتسلى تسلية ال نعمل شيئا

:نظر من قبلك وماذا فعلوااإن قيل له :}...وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس { :حمسنا هل حنن ،هؤالء كانوا جهاال، ال مدنية عندهم :}...ما آمن السفهاءقالوا أنـؤمن ك ...{

}أال إنـهم هم السفهاء ولكن ال يـعلمون ...{:جيب أن نتسلى ؟.خلقنا للعمل فقط ما سيحل م. ) سورة البقرة:13ــ11(

ا املميز هو البناء، إن قوم مثود كقوم عاد كانت هلم حضارة متقدمة، وكان طابعه ) سورة احلجر80( }...)1(أصحاب الحجر ..{ :وبذلك مساهم تعاىل

وليسـت تلـك التسـمية ،بـأن قـوم مثـود كـانوا يقطنـون يف وادي القـرى أو منطقـة احلجـر ،قـوم عـاد لقد مر معنا عندما تكلمنا عـن )1(

لقـد ذكـر تعـاىل يف قد جاءت من وجود احلجارة يف منطقـة سـكناهم، وإمنـا جـاءت مـن اسـتعماهلم احلجـارة بكثـرة يف أغـراض البنـاء.ـر { قـال تعـاىل: وم فرعون، تلك امليـزة هـي الناحيـة العمرانيـة.سورة الفجر امليزة الرئيسية حلضارات ثالث: حضارة عاد ومثود وق ألـم تـ

ــاد ــبالد ،إرم ذات العمــاد ،كيــف فـعــل ربــك بع ــق مثـلهــا فــي ال ــم يخل ــالواد ، التي ل ــخر ب ــذين جــابوا الصــون ذي ، وثمــود ال وفرع) سـورة 14ـــ6} (إن ربـك لبالمرصـاد ،فصـب علـيهم ربـك سـوط عـذاب ،فأكثـروا فيهـا الفساد ، ين طغوا في البالد الذ ، األوتاد

مـدينتهم الفجر. من تلك اآليات الكرمية يتبني أن الفساد هنا كان نتيجة ما أحدثوه من البناء الضخم الفخم، فقوم عاد قد أشـادواوجيلبوا إىل مدينتهم لبناء القصور بواسطة ،صخر من اجلباللحىت غدت أمجل بالد الدنيا يف ذلك العصر، وقوم مثود الذين جابوا ا

املــاء اجلــاري يف الوديــان حممــوال علــى ألــواح مــن خشــب أو علــى ســفن معــدة لــذلك. والفراعنــة أيضــا اســتخدموا وادي النيــل جللــب ومت بنــاء املعابــد والقصــور وغــري ذلــك، هــذه ،هرامــات الــيت وصــفها تعــاىل كمــا وصــف اجلبــال باألوتــادوب لبنــاء األاحلجــارة مــن اجلنــ

37

لقد ساعد قوم مثود على تشييد حضارم الغىن املادي الذي حصلوا عليه عن طريق ، وقد استثمروا تلك ، واملوقع التجاري املمتاز على طريق التجارة العامليةالتجارة أيضا

األرض، فأنشأوا ا جنات تسقيها العيون، وبنوا يف وسطها )3(ماراألموال يف استعالشاخمات، كذلك كانوا ينحتون من اجلبال بيوتا يصطافون ا فارهني. قال )4(القصور

ركون في ما هاهنا آمنين {:�صاحل سيدنا تعاىل على لسان ) سورة 146( }أتـتـهلذا الكون قابض على ناصيتكم!. آمنني من إله البقاء!. أتظنون أنه ال :ظاننيالشعراء

وزروع { : باقني، فكر مبن سبق، مات وصار حتت الرتاب:}في جنات وعيون {املوت!. :يهضم بسهولة. فقط }هضيم ...{:مثرها. متسق ممشوق يف الفضاء. }...ونخل طلعها

: تأخذون منها احلجارة لتبنوا القصور الضخمة }...يوتاوتـنحتون من الجبال بـ {لألكل!. : رفاهية العيش. (كم بني اهللا وحذر من خطر التطاول يف }فارهين ...{املنتظمة واملرتبة:

: }وال تطيعوا أمر المسرفين ،فاتـقوا الله وأطيعون { البنيان، ذلك لعظيم خطره على الناس):) سورة 152ــ147( }الذين يـفسدون في األرض وال يصلحون { وا على أنفسهم:أسرف

.: حيرضون وينشرون بأفعاهلم الفساد بني الناسالشعراءها وميكن القول أن مثود خلفت عادا حبضارا ونسجت على منواهلا، إال أا مل تفق

قوة وال علما.وأمعنا النظر فيها ثانية، نرى أن صاحلا ،اليت ذكرناها آنفا هذا وإذا رجعنا إىل اآليات

، كما وما جتلبه هلم من شقاء ،وبني هلم فسادها ،قد حذرهم من تلك احلضارة ،� .جلبت لعاد الشقاء ومن مث اهلالك قبلهم

وانقسـم اتمـع لطبقـات مرتفـة أو مدقعـة بـالفقر حمرومـة ،يف قلـوب العبـاد األعمال وما يلحق ا من زينة وفسق قد أحدثت الفسـاد

عندئذ صب عليهم ربك سوط عذاب. ،فحل الشقاق واارت اإلنسانية ،مقهورةـره هـو أنشـأكم مـن اقال تعاىل: { )3( ألرض واسـتـعمركم وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قـوم اعبدوا الله مـا لكـم مـن إلـه غيـ

.) سورة هود61} ( قريب مجيب فيها فاستـغفروه ثم توبوا إليه إن ربيواذكــروا إذ جعلكــم خلفــاء مــن بـعـد عــاد وبـــوأكم فــي األرض تـتخــذون مــن ســهولها صـاحل: { ســيدنا قـال تعــاىل علـى لســان )4(

.) سورة األعراف74} (تـعثـوا في األرض مفسدين قصورا وتـنحتون الجبال بـيوتا فاذكروا آالء الله وال

38

ويتهموه بشىت التهم. ،�هي أن يستنكر املرتفون منهم دعوة سيدنا صاحل يوبدناس ال تؤمن إال بالرفاه املادي سبيال للسعادة، أو على األقل هو أحد ذلك ألن معظم ال

األسباب الرئيسية هلا.وهم الذين يرون بقلوم حقائق األمور، فإم ينظرون إىل الرفاه املادي ،أما الرسل

بينما الرسل ،بعكس ما ينظر إليه املرتفون، فاملرتفون ينظرون إىل األمور مبنظار معكوس، إذ يرون حقائق األمور، بينما املظاهر ليه بنور من اهللا، فريون ما ال يرى أولئكتنظر إينشأ اخلالف بني الرسل ،أو من اختالف املفهومني ،. ومن تلكما النظرتنيخداعة

وال خيفى ما للرفاه املادي وما وبني املرتفني وأشياعهم من جهة أخرى ،وأتباعهم من جهةرقة وعداوة بني الفقراء واألغنياء يف اتمع حىت يكون سببا يتلوه من متايز طبقي وتف

.للمرتفني لتكذيب الرسل فاهلالك ومن مث الشقاء الذي حيسبه الناس سعادة. ،واآلن نريد أن نبني الكيفية يف توليد الفساد

الذي ،إن اإلنسان يظل مبعيشته راضيا إذا شاهد أفراد جمتمعه يعيشون املستوى نفسه تقريبا. وهذا الرضى يظل باقيا، طاملا مل ير غريه قد سبقه يف هذا املضمار كثريا.يعيشه

ويبقى ،ما مل ير قصورا منيفة قد أشيدت إىل جانبه ،فبيته مثال يبقى يف عينه مجيال ،ما يفوق أثاثه ،ما مل ير جاره قد استحدث من األثاث واللباس ،مسرورا بأثاثه ولباسه

جودة وأناقة.سواء كانت سيئة ،ذلك يظل مسرورا مبأكله ومشربه، وأماكن هلوه وعاداته وتقاليدهك

عندئذ ينظر إىل ما كان يستحسنه باألمس ،أو حسنة، ما مل ير الدنيا قد تغريت من حولهوالسخط مث يبدأ اهلم والغم يطارده يف كل مكان، والضجر ،نظرة ازدراء واحتقار ،ويرتضيه

والتربم من احلياة.يف نفس هذا اإلنسان؟. ومن املسؤول عن شقائها؟. ترى من الذي أحدث هذا اهلم

اليت كان يتمتع ا نسبيا؟. ،وتلك السعادة ،ومن الذي سلبه ذلك الرضى

39

هم الذين أفسدوا على السواد األعظم من أفراد اتمع حيام؟. فلكي ،أليس املرتفونباحلياة، فإا تفسد احلياة على الغالبية العظمى من تتمتع هذه الفئة القليلة يف كل جمتمع

الناس.ولو حصلوا ،وتقتين أثاثا يناسب تلك القصور ،ليس بوسع الناس مجيعا أن تبين قصورا

فهل يقف األغنياء منهم عند حد، أم أم يسعون جاهدين إىل ،وهذا حمال ،على ذلك ن عن غريهم من الناس؟.لكي يظلوا متميزي ،اختالق تفنن جديد يف احلياة

بل من أجل التفاخر ،ال من أجل الرفاه وحسب ،أجل: إن التسابق يظل موجودا نكم { والتباهي أمام اآلخرين: يا لعب ولهو وزينة وتـفاخر بـيـ نـ ما الحياة الداعلموا أن

ل غيث أعجب الكفار نـباته ثم يهيج فـتـراه وتكاثـر في األموال واألوالد كمث مصفرا ثم يكون حطاما وفي اآلخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما

نـيا إال متاع الغرور سورة احلديد20( }الحياة الد ( . ليس له اية، ألن النفس ال يستقر سرورها ،بق حنو الرفاه أو حنو التفاخرإذا فالتسا

ورضاها طويال على شيء ألفته، بل متجه وتطلب غريه، فكلما قضت من مطلب وطرا حتى ،ألهاكم التكاثـر { تفتقت هلا مطالب جديدة، وتنقضي احلياة، وشهواا ال تنقضي:

فباستطاعتها أن ،:ذلك ألن النفس ال اية لطاقاا) سورة التكاثر2ــ1( }زرتم المقابر أو من غري أن تروي طاقاا الالمتناهية. ،تبتلع لذة الوجود من غري أن تشبع

،لرتتوي من معينه الذي ال ينضب ،تعاىل فقد أعد هلا تلك الطاقات اهلائلة اهللا أما ومن مجاله وجالله وعلمه ورمحته.

ديث القدسي:ويف احلأحاديث األحياء )وسعني قلب عبدي المؤمنو ما وسعني أرضي وال سمائي ( /.3رقم/

40

من غري أن ،فإنه يرتدى ،وأراد إشباعها من شهوات الدنيا ،لذا إن أطاع اإلنسان نفسهحيقق هلا إال يسريا من لذائذ الشقاء والضجر والسأم والضنك وحيسب أن فيها سعادته

ال ختلصه من شقائه وال يزداد إال ضنكا ومها. واحلقيقة أاتأخذ احلياة بالتعقيد بدل التبسيط، والشقاء بدل ،وبذلك التسابق حنو الرفاه

مبا ،الذين أفسدوا احلياة على الفقراء ،السعادة، ويكون السبب يف هذا هم املرتفونويصبح ،سد القيمتفسد الضمائر، وتف ،أحدثوه من زخرف وزينة، ونتيجة هلذا الفساد

م ورغائبهم وال يهم ،الناس مجع املال هملبم من أي طريق ج هليحققوا به شهوا ،ليكونوا كأمثال من فاقوهم بالرتف أو ليتعالوا على من دوم فيفسدوا قلوم

.ومعيشتهمدت يف نفوسهم حقدا وأملا، وول ،فإن احلضارة قد جلبت للناس شقاء وبؤسا ،إذا

ال سيما بني املرتفني واحملرومني، فاملرتفون يزدادون غىن ،تطاعت أن توقع بينهم العداوةواسواحملرومون يزدادون فقرا وعبودية وحقدا وإذالال. وال عجب عندئذ أن ،وتسلطا واستغالال

ليسقوهم الكأس نفسه الذي سقوهم منه. ولكن هؤالء ،يتكتل الفقراء ضد األغنياءين حلوا حمل سادام، ال بد أن يعيشوا بعد حني بالعقلية ذاا اليت كانت الفقراء الذهي نفسها اليت تسنموا ذروا. فضال عن ،ألن الغاية اليت قاتلوا من أجلها ،لسادام

جتعل اإلنسان خبيال حنو نفسه وحنو ذويه، وال يفعل ،فإن كثرة املتطلبات احلضارية ،ذلكيعترب من األسباب اهلامة يف تقطيع أواصر ،وعدم فعل املعروف من املعروف إال قليال،

وفقدان احملبة فيما بينهم. ،اتمعل إال بالقضاء لن حت ،ومهما يكن من أمر فإن األزمة الروحية واخللقية يف كل حضارة

يدة هي الشرعة الوحألا ،وامتثال أوامره ،على مسبباا، وهذا يعين الرجوع إىل شرعة اهللااليت تنقذنا من شقاء الدارين. واليت أنقذت الصحب الكرام ومن تابعهم، من أجل ذلك

لتمحيص طاقاتنا التوغل يف الدنيااالستغراق و حذر سبحانه وتعاىل على لسان رسله منال أن ، أي يف أطرافها، وطلب إلينا أن منشي يف مناكبهاكلها، حىت ال خنسر اآلخرة الباقية

41

) 15( }فامشوا يف مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ...{ قال تعاىل: قهانغوص يف أعماألن التوغل كما رأينا، وكما نعيشه اآلن يف هذا العصر، حيدث يف األرض .سورة امللك

إن مل نقل مل يعد له نفع أبدا. ،الفساد، وإذا فسد الشيء، يصبح ضرره أكثر من نفعهنا يبل إا تفسد عل ،مل يقتصر إفساد احلضارة على أحوال املعيشة واألخالق فحسب

أو الغاية اليت خلقنا اهللا من أجل حتقيقها. من أجل ،طريق الوصول إىل سعادتنا األبديةوفساد ،وبني هلم فسادها ،قومه من مغبة أعماهلم �صاحل سيدنا حذر ،ذلك

جواب ي أحدثوه يف األرض بعد إصالحها، فما كان معتقدام، وحذرهم من الفساد الذ. مستور عليك : تتخيل ختيالت وتتكلم}قالوا إنما أنت من المسحرين { قومه إال أن:

}ما أنت إال بشر مثـلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين { ما يف هذه األمور من نعيم. .سورة الشعراء) 154ــ153(

رد ، فأرسل اهللا إليهم ناقة ضخمة، هلا و )3(تثبت بأنه رسول من اهللا ،وقد طلبوا منه آيةرد اليوم التايل، وبتلك اآلية أصبح املاء قسمة بينهم وبينها، إال أم مل يصربوا يوم، وهلم و

على تلك القسمة فعقروا الناقة.ويعودوا للحق فيصلحوا سريهم ،العذاب ليتوبوا وكان تعاىل قبلها قد أخذهم بألوان من

،ومن معه، فرد عليهم بأن ما تطريوا به هو من عند اهللا �لكنهم تطريوا بصاحل ،املعوج افتتام يف الدنيا وغرورهم ا. أعماهلم املنحرفة، نتيجة وذلك نتيجة

يق سعادم يف وبني هلم طر ،أجل لقد نصحهم رسوهلم مرارا، وبني هلم فساد مسلكهموعدم تفكرهم ،، بسبب اماكهم بالدنيا)1(الدنيا واآلخرة، إال أم مل يقبلوا نصيحته

حىت ؟.حيبون من حياول يهم عن شهوام املنحطة . أو ، وبالتايل عماهم القليببآالء اهللا ،زؤاممما يظنونه دمسا وهو باحلقيقة سم ، لو أدت م إىل الفساد والتعاسة والشقاء

ا ومل

ـوها بسـوء فـيأخـذكم عـذاب يــوم عظـيم ، قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يــوم معلـوم { قال تعاىل: )3( فـعقروهـا ، وال تمس

سورة الشعراء.) 157ــ155} (فأصبحوا نادمين / من سورة األعراف.80حىت 73انظر اآليات من رقم / )1(

42

أطال نصحه هلم، وظنوه عائقا فيما بينهم وبني ما يشتهون، أراد املرتفون من قومه أن ولكن اهللا كان هلم باملرصاد، فقبل أن تصل إليه أيديهم، ،فكادوا له مؤامرة ،يتخلصوا منه

هللا امن حيث ال يشعرون، إذ حاش ،هم وأتباعهم ،أخذهم اهللا ،وقبل أن ينفذوا مكرهمولقد أرسلنا إلى { بلمسة أذى، قال تعاىل: �من أن يلمس الرسول ا ن ميكن خملوقأ

:منهم من آمن ومنهم }ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون وم { جام:قالوا ائتنا بعذاب من عند اهللا، فأ فالذين مل يؤمنوامن مل يؤمن، قال يا قـ

عجلون بل الحسنة ...{ : قالوا ليفعل اهللا بنا ما يريد:}...لم تستـ :}...بالسيئة قـغفرون الله ...{يستعجلون العذاب: أهكذا بدال من أن تطلبوا الشفاء :}...لوال تستـ

رنا بك وبمن { اهللا لكم. : يغفر}لعلكم تـرحمون ...{ لنفوسكم: يـقالوا اطنون ...{ تشاءمنا:: }...معك : ما }...قال طائركم عند الله بل أنتم قـوم تـفتـ

تفعلونه معلوم عند اهللا، وإن ما حيدث لكم من إنذارات هو من عند اهللا ورمحته بكم، وليس يـفسدون في األرض ...{ قبائل:: }...في المدينة تسعة رهط وكان {:قوةوال حول يل به

وأهله ثم ...{ ذرعا:: نقتله، ضاقوا به }...قالوا تـقاسموا بالله لنبـيتـنه ،وال يصلحون ه ما شهدنا مهلك أهله وإنلولي دبروا تدبريا:}...ومكروا مكرا،ا لصادقون لنـقولن :

، ال اهللاإال إله. أي أنه ال تسيريهم فوق اهللا:بأن يد }ومكرنا مكرا وهم ال يشعرون ...{ ،مهم أجمعين فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقـو {مسري إال اهللا. ، ال فعال

وأنجيـنا الذين آمنوا ،فتلك بـيوتـهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك آلية لقوم يـعلمون .) سورة النمل53ــ45( }وكانوا يـتـقون

ر يف مصريه وما كل هذه األمثلة تبني رمحة اهللا تعاىل بعباده بأنه يبني لإلنسان أن يفكسيؤول إليه أمره هل هو إىل النعيم أم إىل اجلحيم وما الذي جيب عليه أن يعمله ليتجنب

اهلاوية ويسمو إىل اجلنان.

* * *

43

����قـوم سيـدنا لــوط وراح بعد ذلك يدعو قومه إىل ،عليهما السالم ،لوطسيدنا ،مإبراهيلسيدنا آمن

دون غريهم من األمم ،لوط سيئة انفردوا ا سيدنا لقوم رك السيئات، وكانوتـ ،عبادة اهللا اليت سبقتهم.

تلك السيئة هي مباشرة الذكران من دون النساء، وهذه السيئة ترتك يف اتمع آثارا اجتماعية خطرية، إذ أن ممارسة تلك العادة ختلق جيال متحلال من القيم، ومن األخالق.

تمع منحرف. إن الفاعلني لتلك الشهوة الشاذة تفقد من لسلوكية جم وهي باحلقيقة تتويج وحتوهلم إىل أشباه الرجال. إذ ال نستطيع أن نعدهم من ،املفعول م صفة احلياء والرجولة

. لذلك فاجتثاث الفاعل ومن الفاعلني تفقد صفة املروءة والوجدان الرجال وال من النساء، ألم أصبحوا يفسدون يف داموا مصرين، ما من األرض أوىل من بقائهم به واملفعول

هم أول من فتح باب الشذوذ اجلنسي �، وحيث أن قوم لوط األرض وال يصلحونوعليهم وزرها ووزر من عمل ا بالعاملني واخرتعه وابتدعه، لذا كان عقام الردعي عنيفا،

إىل يوم القيامة.أتون الفاحشة ما سبـقكم بها من أحد من ولوطا إذ قال لقومه أت { قال تعاىل:

}إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قـوم مسرفون ،العالمين : تلقون ذا املاء الطاهر يف مكان جنس ودرونه وأنتم تبصرون ) سورة األعراف81ــ80(

وسكم واحنطاطها.نف ضعةقد حذرهم من مسلكهم الشاذ هذا، وبني هلم أن فعلهم مل يسبقهم إليه ،�إن لوطا

أخرجوهم من قـريتكم إنـهم أناس ...{ أحد من العاملني. فما كان جواب قومه إال أن قالوا: ح، هذه شهوة بكل إنسان.هؤالء مجاعة يتظاهرون بالصال :) سورة األعراف82( }يـتطهرون

لوط حد ااهرة خبطيئتهم، وبلغ م العمى أن راودوا سيدنا لقد بلغت الوقاحة بقوم وعرض عليهم الزواج الشرعي من بناته ،م ذرعا �عن ضيفه، وقد ضاق �لوطا

، حىت ال خيزوه يف ضيفه، إال أم رفضوا هذا العرض وقالوا: حيث أن هذا هو أطهر هلم

44

.ال حنب النساء: ) سورة هود79( }...الوا لقد علمت ما لنا في بـناتك من حق ق { .: من الوساخة والسفالة}وإنك لتـعلم ما نريد ...{

فلما رفضوا الزواج من بناته، وأصروا على ما جاؤوا من أجله، طمأنه ضيوفه بأم لن سيدنا مث طلبوا من ،جاؤوا ليقطعوا دابرهم مصبحني ،م مالئكةيصلوا إليه، وأخربوه بأ

،أحد بنفسه إىل أقربائه ممن غري أن يلتفت منك ،ع من الليللوط أن يسري بأهله بقط ألم كفرة فجرة، وذلك كيال تتلوث نفوسكم بالتفاتكم إليهم من شفقة أو عطف، أما

ت ،مصيبها ما أصام امرأتك فقد قدرنا عليها ما قدرنا على قومك وإنه ألن نفسها تغربأو االستماع ،بدل االلتفات إليك ،بسبب حبها ألهلها وميلها هلم ،من نفوس قومها

لك. اهللا ورسوله. أن يعلقوا قلوم مبن حاد ،من أجل ذلك حذر اهللا سبحانه وتعاىل املؤمنني

اليـوم اآلخر يـوادون من حاد الله ورسوله ال تجد قـوما يـؤمنون بالله و { قال تعاىل:ولو كانوا آباءهم أو أبـناءهم أو إخوانـهم أو عشيرتـهم أولئك كتب في قـلوبهم

يمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من ت حتها األنـهار خالدين فيها اإلهم ورضوا عنه أولئك حزب الله أال إن حزب الله هم المفلحون }رضي الله عنـ

.) سورة اادلة22(كما أنه أصبح مشروعا عند ،إن إتيان هذا املنكر أصبح يف اتمعات احلديثة شائعا

كثريا يف بعض دول الشرق األدىن، فإذا أهلك ى، وهذا الشذوذ تفشالغربية الدول بعضالذي يقضي على احلرث والنسل، والذي ليس له من ،اهللا قوم لوط ذا العمل السيء

فما بالك وحال اتمع احلديث كما نراه ،شهوة سوى الشذوذ اجلنسي يف نفوس مرتكبيه إال أن نتوقع هالكا مروعا يشيب هلوله الولدان. ،النساءمن ختنث ومشاة بني الرجال و

: استاء وضاق صدره م:}...ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم { قال تعاىل: ...{ : ضاق صدره من جميئهم، ألنه يعرف أن قومه أرذال:}...وضاق بهم ذرعا...{

وجاءه قـومه يـهرعون إليه ومن قـبل كانوا {ص به: :ال خال}وقال هذا يـوم عصيب

45

قال يا قـوم هؤالء بـناتي هن ...{ :السفالة: هذه صفتهم :}...يـعملون السيئات زون وال تخ ...{؟!. : أال ختجلون}...فاتـقوا الله ...{ : أزوجكم إياهن:}...أطهر لكم

:أال يوجد فيكم رجل عاقل يستنكر هذا العمل؟!.}في ضيفي أليس منكم رجل رشيد } ك لتـعلم ...{ : ال حنب النساء:}...قالوا لقد علمت ما لنا في بـناتك من حقوإن

ة قال لو أن { : من الوساخة والسفالة:}ما نريد أو آوي ...{:ألردكم: }...لي بكم قـوقالوا يا لوط إنا رسل {:ظهر أستند إليه، أو أحد أركن إليه يف دفعكم:}إلى ركن شديد

إبراهيم زوجة سيدنا، �:امللك ال يعرف وهو بصورة إنسان، سيدنا إبراهيم }...ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل وال ...{ :يعرفوهم مل � لوط وسيدنا

كفرت : كانت حتب قومها، }...إال امرأتك ...{ إليهم باحملبة::}...يـلتفت منكم أحد : }...إنه مصيبـها ما أصابـهم ...{ حببها لقومها، كذلك حب املرء جيره حلال من حيب:إن ...{: الطهارةأن يعلق قلبه بأهل ستهلك معهم، ألا كافرة مثلهم. على اإلنسان

فـلما جاء أمرنا جعلنا { جاؤوا وقت الصبح: :}موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ها حجارة من ...{ : حصل هلم زلزال إذ قـلب األرض:}...عاليـها سافلها وأمطرنا عليـ

: من سجل عملهم، كل واحد مسجل عليه عمله من حسنات وسيئات:}...سجيل : كل واحد وبالؤه على حسب ما }..مسومة { : متتالية، واحد بعد واحد.}منضود ...{

ص خمص فالبالء، حسب حاله يصيبه علىيستحق، كل حجر وعليه اسم صاحبه، }ببعيد ...{ : اآلن:}...عند ربك وما هي من الظالمين ...{ خمصصة: والرمحة

: كل واحد سينال حقه. زالزل هربوا منها، فإذا احلجارة ترمجهم من ) سورة هود83ــ77( السماء.

ة كانت مغرب �إذن: على اإلنسان أال يعلق قلبه باملعرضني فهذه زوجة رسول اهللا لوط النفس حيث كان هلا حمبة لقومها فجاءها البالء معهم مبقدار ما تستحق، فمن حبها هلم

وتعلقها م اغربت واتسخت نفسها فصارت رائحتها القلبية من رائحتهم.

46

اهللا تعاىل يقول لإلنسان (أقبل علي عبدي وانظر نتائج املعاصي) اإلنسان الصحيح املؤمن ، وال يعلق قلبه بالكفرة (املؤمن يبغض هللا وحيب هللا ) فأحبب أهل ال يعلق قلبه إال بأهل احلق

ال خوف ...{ الكمال، فاملرء حيشر مع من حيب وأولئك هم الناجون من كل كرب وهم:ع يا أيـها الذين آمنوا اتـقوا الله وكونوا م { .) سورة يونس62( }عليهم وال هم يحزنون

.) سورة التوبة119( }الصادقين

* * *

47

أھــل مـديـنيضرب األمثلة لنا للموعظة والعربة لعل عاص يتوب ويقلع نومن حنان اهللا علينا أ

مرتكب، ويزول الفساد من األرض ويعيش الناس بسعادة حقيقية ال نغص فيها، ويضرب لنا مثال آخر عن أسباب هالك األمم:أهل مدين.

قال يا قـوم اعبدوا الله ما لكم من ...{ رسل اهللا إىل مدين أخاهم شعيبا:لقد أنة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان وال تـبخسوا الناس ره قد جاءتكم بـيـ إله غيـ

ر لكم إن كنتم مؤمنين أشياءهم وال تـفسدوا في األرض بـع }د إصالحها ذلكم خيـ .) سورة األعراف85(

أي أهل دنيا ورفاهية وترف، إثراء وغىن ،قوم مدين ،�شعيب سيدنا كان قوم) إذ جعلوا من حضارم جنة بأصحاب األيكةفاحش. أقاموا حضارة دنيوية رائعة ومسوا (

غش واخلداع واحلرام.أسسها الفساد وال ،أرضيةإذ كانوا أهل حضارة راقية ومدنية عالية مجعوا صنوف لذائذ احلياة الدنيا وتباروا بالتنافس ا، كما كانت لديهم حدائق وجنائن وبساتني معطاءة أكرمهم رم ا فضلوا

ع وأضلوا عن سبيله، وعلى مذبح الدنيا الدنية ضحوا بالقيم اإلنسانية، فكان مههم اجلمواملنع، فالبائع يود السلب والنهب من الشاري، والشاري يود سلب البائع، وغدوا ال يهمهم إال أمر أنفسهم، حىت فقدوا إنسانيتهم على حساب أنانيتهم، وغدا اإلنسان ذئبا مناه سلب أخيه اإلنسان، ومبا أن هذا األسلوب من احلياة يفرق اإلنسان عن أخيه

والنفور والعداء وجيعل احلياة جحيما نفسيا ال يطاق، وحني اإلنسان، ويوقع البغض يذهب اإلنسان إىل ربه إثر مفارقته احلياة. يذهب وليس له عمل صاحل بني يديه يواجه به ربه لريقى يف جناته جزاء ما قدم، إنه مل حيسن ملخلوقاته بل أساء ما استطاع دون رادع أو

لينال اجلنات وبذا خيسر الدارين دنياه وأخراه، فيسقط يف وازع، فال أعمال يتقرب ا لربه �وديان احلسرات والندامة واخلجل، وخوفا على قومه وحبا م ض سيدنا شعيب

ناصحا هلم رؤوفا م شفوقا عليهم، عله ينقذهم، من وديان ومراتع الشقاء إىل مرابع

48

ل متابع هلم من أهل احلق هذا السعادة واهلناء. فالرسل كلهم على نسق واحد وكره ...{قوله: ،وقد جاء أهل مدين حمل }...يا قـوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيـ

ماله فذكرهم مبن سبق ممن هلكوا بسبب حبهم �(قحط) وحفظ اهللا لسيدنا شعيب ارة األبنية للدنيا وتنافسهم ا، وحذرهم من الفساد يف األرض بعد إصالحها، بعم

والقصور، وما تبثه من فساد يف قلوب العباد، فانظروا نتائج أهل الفساد الذين دلوا غريهم على األعمال املنحطة ماذا حل م!.

ومن التالعب بالكيل وامليزان، أو أن ،من الفسق �شعيب سيدنا لقد حذرهمو احلقد والبغضاء بني البائع يبخسوا الناس أشياءهم. ألن هذا األسلوب الشيطاين، يولد

واملشرتي، والغش والتحايل ال يف البيع والشراء فحسب، بل يف مجيع املعامالت املعاشية. وهو أيضا يفسد الضمائر ويعتادون على الكذب؛ وإذا فسد الضمري، شاع الفساد يف

ياة الدنيا وحل الشقاء، وخسروا احلياة األبدية األخروية الباقية، على مذبح احل األرض،وال تـفسدوا في األرض بـعد ...{ بقوله:. من أجل ذلك حذرهم رسوهلم الفانية

ر لكم إن كنتم مؤمنين .) سورة األعراف85( }إصالحها ذلكم خيـويبيعوم ما حيتاجون إليه بثمن ،إن مثل الذين يبتاعون حاجيات الناس بثمن خبس

كمثل املنشار الذي يأكل من اخلشب يف الذهاب واإلياب. من غري أن يفيد مرتفع، اخلشب إال التقطيع والتمزيق.

تولد البغض بدل احلب، والقطيعة ،كذلك فإن األعمال اليت كان يقوم ا أولئك القوموالتفرقة بدل التآزر والتعاون. إن شراء مقتنيات الناس بثمن خبس،مث بيعهم بضائعهم بثمن

الذين إذا { املطففني: بالتايل أسلوب يطعم، وهو من يأكل وال هو أسلوبمرتفع، ) سورة 3ــ2( }وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ،اكتالوا على الناس يستـوفون

.املطففني

49

تنجم عن وبعد أن بني هلم النتائج اليت ،شعيب من هذا األسلوب سيدنا وملا حذرهم ،)2(ويقعدون هلم يف كل طريق ومن أتباعه، تلك املعاملة، راحوا حيذرون الناس منه

قاموا يصدون ،وهكذا وبدل أن يستمعوا إىل موعظة رسوهلم ،ليصدوهم عن مساع احلقناجزوه مناجزة وطلبوا منه تعنتا أن ميطر ألم يريدوا عوجا. ،عن سبيل اهللا ويتوعدوم

عذاب يـوم الظلة ...{ فا من السماء إن كان صادقا فأخذهم اهللا باهلالك:عليهم كس .) سورة الشعراء189( }...

مل � شعيبا سيدنا ، كذلك فإنالكرام أما جوام فال خيتلف عما قيل لغريه من الرسلرسول يعطي . إال أن كل، ملا فيه شفاؤهم وسعادميقل غري ما قاله الرسل من قبل ومن بعد

اهتماما خاصا ملعاجلة الظاهرة السيئة البارزة يف قومه. فاتـقوا ،إني لكم رسول أمين ،إذ قال لهم شعيب أال تـتـقون { لذلك قال هلم رسوهلم:

أوفوا الكيل وال ،على رب العالمين وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إال ،الله وأطيعون : }...وال تـبخسوا الناس أشياءهم ،وزنوا بالقسطاس المستقيم ،تكونوا من المخسرين

: }وال تـعثـوا في األرض مفسدين ...{ تبخس له البضاعة وحتقرها لتأخذها بثمن خبس:) 184ــ177(}واتـقوا الذي خلقكم والجبلة األولين { كل ذلك جير الفساد بني الناس:

.سورة الشعراءوما أنت إال { :تتخيل:}قالوا إنما أنت من المسحرين {وما كان جوام إال أن: نا كسفا من السماء إن { .ظننا: هذا }كاذبين بشر مثـلنا وإن نظنك لمن ال فأسقط عليـ

: }قال ربي أعلم بما تـعملون { :: نزل البالء علينا. هذا هو الكفر}كنت من الصادقين بة غمت عليهم سحا: }...فكذبوه فأخذهم عذاب يـوم الظلة { :هو الذي ينزل

}إن في ذلك آلية وما كان أكثـرهم مؤمنين ،إنه كان عذاب يـوم عظيم ..{ فأهلكتهم: .) سورة الشعراء190ــ185(

غونـهـا عوجـا : { � قال تعاىل على لسان شـعيب )2( وال تـقعـدوا بكـل صـراط توعـدون وتصـدون عـن سـبيل اللـه مـن آمـن بـه وتـبـ

سورة األعراف86(} ركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين واذكروا إذ كنتم قليال فكثـ (.

50

لقد بادت تلك احلضارة واملدنية وكأا مل تكن وعاد الطابع البدوي الرعوي، وغدت ا طبيعية أصبحت للناجني مبثابة مراع يرعون فيها مواشيهم اجلنات والعيون غابات وأحراش

ها قآئم {وسوائمهم: : بآثارها ما تزال قائمة }...ذلك من أنباء القرى نـقصه عليك منـ: حاشا هللا }...وما ظلمناهم {: زالت عن بكرة أبيها، مل يبق هلا أثر:}وحصيد ...{ظاهرة

حدا، خلقك وأعطاك أهلية تامة. فكيف يقولون: إنه كتب أناسا للنار، وأناسا أن يظلم أ: هم }...ولكن ظلموا أنفسهم ...{للجنة؟!. هذا كله يكذبه قوله تعاىل: وما ظلمناهم:

أعرضوا، فضلوا، أرسل هلم الرسل لريشدوهم، ما قدر اهللا عليك الشقاوة، لكن قدر أنك إن ذا الطريق أصابك الشقاء، وإن سرت ذا أصابك اخلري، ما حتم عليك. ظلموا سرت

فما أغنت ...{ أنفسهم إذ مل يفكروا، كل من اجتهد ففكر وعقل سبق، اتهد يرقى:هم آلهتـهم التي يدعون من دون الله من شيء دعون : اليت كانوا يعبدوا، كانوا ي}...عنـ

لما جاء أمر ...{ آهلة، فما أفادم عند البالء شيئا. كذلك كل من يطيع ما سوى اهللا:: ما استطاعوا دفع البالء، كذلك اآلن عندما حيل املوت بأحد، ال يستطيع دفعه }..ربك

ر تـتبيب ...{ مهما كان له جند وقوة:عنه أحد، وخسران::خسارة }وما زادوهم غيـ: هذا قانون، كل من سار ذا السري حق عليه اهلالك. فكر بنفسك، أعطاك }...وكذلك {

أخذ ربك إذا ...{ تستطيع ذا الكون، الوصول لإلميان وحدك، من دون أحد:اهللا أهلية، إن أخذه أليم ...{ : ضمن عدالة، ال يأخذ إال الظامل:}...أخذ القرى وهي ظالمة

: دالة، ظاهرة، }...إن في ذلك آلية { : ولكن ليس مثة من يفكر: يراها بعيدة:}شديد : فقط، وهو كل من فكر واستدل، فعرف أن }..لمن خاف عذاب اآلخرة ...{ مكشوفة:

لشخص يستفيد من هذا هناك موتا، وملكا سيقبض روحه، ومن بعده عذاب أو جنة، هذا ا الكالم.

ففكر يا إنسان، مهما فعلت ال بد من املوت. هذه آية ملن يفكر ويؤمن باآلخرة، فمن ذلك يـوم مجموع له ...{ ال يفكر باملوت، ال يفقه من كالم اهللا شيئا، األماين ال تغين:

) سورة 103ــ100(}ك يـوم مشهود وذل ...{ ، إىل يوم القيامة:�: من آدم }...الناس

51

: تنكشف حقائق اخللق، كل إنسان البس ثوبه، كل واحد البس عمله. هنالك اخلزي هودواهلوان، لقد ضيعوا الغاية اليت خلقوا وأوجدوا من أجلها، فتب وصل اآلن، فاحلسنات

خ، وتلبس الثوب يذهنب السيئات، فتالف أمرك، ال تنقطع عن اهللا حىت تنزع الثوب الوسالنظيف وحتقق الغاية اليت خلقت ألجلها. فال تنشغل مبا هو ليس لك عما هو لك ومبا

خلق ألجلك عما خلقت ألجله.عن حياة معظم األمم البائدة اليت اهيتلكم حملة موجزة سقناها يف هذا البحث، تكلمنا ف

واألقوال اليت ،ليت كانت تفعلهاذكرها تعاىل يف كتابه الكرمي. وأشرنا إىل أهم األعمال ا ،عارضت ا رسلها. مث حتدثنا عن املستوى احلضاري الذي بلغته بعض تلك األمم كقوم عاد

تشغل النفوس عن ذكر اهللا، وإذا أعرضت اليت وهذه احلضارات الزائغة بأفانينها املتعددة. كذلك تبني لنا روحا ولن تغنيها املادة عن الأصبحت تعيش معيشة ضنك ،النفوس عن اهللا

ملا ظلموا أنفسهم، واتبعوا ،من خالل دراستنا لتلك األمم النتائج املؤسفة اليت وصلت إليها أهواءهم، ونسوا الغاية اليت خلقوا من أجلها.

وكيال يقع علينا ما وقع على قوم نوح وهود وصاحل ولوط وشعيب عليهم السالم وكيال ا، لذا ال بد من وقفة نبني فيها غاية احلق من إجياد نضيع الغاية اليت خلقنا من أجله

اخللق:

* * *

52

غاية الحق من إيجاد الخلقال بد أن كل إنسان وعـرب فرتات عمره قد دارت يف خلده أسئلة كثرية، فهو منذ طفولته ومع بداية إدراكه ومتييزه يسأل عما يراه. فقد يسأل الطفل إذا نظر إىل السماء

اذا تلمع هذه النجوم؟. وأين تذهب الشمس يف املساء؟. ومن أين جتيء مثال، مل الغيوم؟. إىل غري ذلك من األسئلة .

ومع منو إدراك هذا الطفل تكثر أسئلته، طالبا من خالهلا إلهامات وتساؤالت: التعرف إىل هـذا الكـون، وهكذا..

نتقل إىل جمال آخر ؛ فيتساءل إىل أن يتجـاوز يف تساؤالته حدود هذا الكون املادي، فيعن موجد هذا الكون؟!. وأين هو؟!. وما غايته من إجياده؟!. فحب االستطالع من أسس طبائع اإلنسان، فما حقيقة تلك األسئلة؟. وما مصدرها؟. قد تظهر وكأا منبعثة

عن من نفس ذلك الطفل، إال أن احلقيقة غري ذلك، فهذه األسئلة كلها موجهة من اهللاطريق مالئكته هلذا الطفل، على شكل صوت خفي ينبض يف قرارة نفسه، علها تقوم بتحريض هذا اإلنسان ودفعه للبحث عما خلق من أجله. فمن أجل أي شيء خلق هذا

اإلنسان؟. وهل صحيح أن هذا السؤال ال جواب له؟.؟. حتما ليست أم هل خلق من أجل مأكل ومشرب وزواج أو غري ذلك من شهوات

هي الغاية اليت خلقت من أجلها .. فكل ما هو دونك من املخلوقات واحليوانات حتصل على مثل هذا، وهي أوفر حظا منك باحلصول على تلك الشهوات والتمتع ا.. فإن كانت الغاية لألكل والشرب، فالبقرة مثال تأكل عشرات األرطال من طعامها..

، فأي إنسان مهما بلغ هل يسبقها بالطعام؟!. بلذة وشهوة ونـهموإن كانت الغاية النكاح، فالطيور أسبق منه بكثري، فأي ديك عنده األعداد الكثرية وقد تصل للعشرات من الدجاجات، وكذا كساء الطيور وأرياشها فهي ذات مجال منقطع

وم البشر ومصانع نسيجه ما يغنيها عن عل،النظري كالطاووس مثال مبا حوى من روائع اخللقوصنع املالبس وما إليها من تعقيدات احلضارة ومدنيتها، وخللق اهللا البشر على ج

53

اجلمال دومنا جهد ونصب لتكاليف احلياة املعقدة املرهقة، ولكفاه ةالطيور الفتانة الرائعدو بالصباح كما يكفي تلك الطيور الراقية البديعة اليت تشده العقول وتسيب القلوب، تغ

مخاصا، وتعود باملساء بطانا، بال جهد وال عمل مضن. فما الغاية اليت جئنا ألجلها إىل الدنيا إذن؟.

نس { قيل: خلقنا اهللا من أجل عبادته، والدليل قوله تعاىل : وما خلقت الجن واإل .) سورة الذاريات56( }إال ليـعبدون

لماذا خلقنا؟!..حيح هذا،ولكن هذا اجلواب للبعض هو سؤال يف حــد ذاتــه، فـلـم خــلقنــا اهللا وأمرنـا ص

أن يكون لديه من يعبده؟. وهل هو سبحانه وتعاىل لهوينبغي لإل إلهبعبادته؟. هل ألنه حباجة لعبادتنا وهو تعاىل الصمد الذي ميد وال يستمد؟.

نا صنوفا من املشقات من أوامر ونواه؟!. حتما ما أم أنه خلقنا وأمرنا بالعبادة ليذيقكانت الغاية ال هذه وال تلك، وحاشا هللا أن تكون كذلك. فإن كمال اهللا وأمساءه احلسىن

تتناىف وهذه الغايات، فاهللا تعاىل غين عنا وعن عبادتنا.هم من رزق وما أريد أن يطع { إذ يقول تعاىل: ) سورة 57( }مون ما أريد منـ

.الذاريات ويف احلديث القدسي الشريف:

يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد (.. فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إال كما ينقص

.)1(..)المخيط إذا أدخل البحر غاية خلقنا:

/.43590رقم / 5كنز العمال ج )1(

54

اد اخللق هو أن يتعرف اإلنسان على خالقه، وأن يعـمل إذن غاية احلق من إجياملــعـروف واإلحسان ؛ وذلك بأن يؤمن باهللا ورسوله ؛ ويصبح صاحب بصرية يرى اخلري من الشر ؛ فيعمل اخلري، فيسعد يف دنياه ويلقى ربه بعد موته بوجه أبيض مبا قدم لعباده

بدية.تعاىل من خريات، فيخلد يف جناته بالغبطة األ إليك بيان ما كنت قد قدمت له فأقول:

كان اهللا ومل يكن معه شيء ؛ فال أرض وال مساء ؛ وال قمر وال جنوم ؛ وال غري ذلك من خملوقات.

فمهما قلت أول، فهو أول وأول، وليس لوجوده تعاىل أول، وال شيء قبله. .) سورة احلديد3( }هو بكل شيء عليم هو األول واآلخر والظاهر والباطن و {

الغاية من خلقنا..وقد أراد اهللا وهو معدن اجلود واإلحسان، والرمحة والفضل واحلـنـان، واجلـمـال والــعـظمـة

، وما إليها من األمساء احلسىن الدالة على الكمال، أراد تعاىل أن خيلق املخلوقات لواجلال وليغمرها بفيض من بره وإحسانه.ليذيقها من رمحته،

أراد تعاىل أن خيلق املخلوقات ليغمرها بذاته، حىت تسبح متنعمة يف وإن شئت فقل: شهود مجاله، وتتمتع مستغرقة يف رؤية كماله.

كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت (ويف احلديث القدسي الشريف: .)1(الخلق وعرفتهم بي فبي عرفوني )

ي العظيم، والكمال العايل الرفيع. ومعىن اإلهل هو ذلك اجلمال هنا: بالكنزاد واملر : أي الذي ال يعرفه أحد.المخفي

وذلك من كرمه تعاىل وكبري فضله، ألن من شأن الكرمي أن يظهر : فأحببت أن أعرف كرمه وفضله، ويفيض بره وإحسانه.

ومــا وقــد وافــق علــى صــحة احلــديث الشــيخ علــي مــال القــاري مســتندا إىل تأويــل ابــن عبــاس رضــي اهللا عنــه لقولــه تعــاىل: { )1(

نس إال ل : أي ليعرفوين. وقد اعتمده الصوفية وابن عريب وبنوا عليه أصوال.) سورة الذاريات56(} يـعبدون خلقت الجن واإل

55

ي، وليستغرقوا يف رؤية ذلك اإلهل ليتمتعوا بشهود ذلك اجلمال :فخلقت الخلقالكمال الذي ال يتناهى. وهي تشري هنا إىل إجياده تعاىل املخلوقات يف ذلك العامل الذي

يسمونه عامل األزل.أي عن طريق رؤيتهم ألنفسهم، توصلوا ملعرفيت، فتمتعوا برؤية ذلك :وعرفتهم بي

لك كله قبل جميئنا إىل الدنيا.الكنز العايل، إذ شاهدوا طرفا من مجايل وكمايل: كان ذهذا، وسبب اخلروج إىل الدنيا هو أن وقوف هذه املخلوقات عند درجة واحدة من

ي الذي شهدته، جيعلها فيما بعد متل احلال الذي هي فيه، اإلهل الرؤية للجمال واجلالل الرؤية من مهما كان عاليا، وال بد هلا حىت يكون النعيم والفضل تاما، من أن ترتقى يف

حال إىل حال أعلى، بصورة جديدة كل اجلدة وال تتناهى. وتقريبا لذلك من األذهان نقول:

تر مثلها العني، وظل مقيما فيها أمدا لو أن رجال جيلس يف مزرعة فاتنة مجيلة مله طويال .. فال شك أنه ميلها، وال يعود يرى بعد حني ما فيها من متعة ومجال، وال بد ل حىت يدوم له النعيم، من أن ينتقل إىل بستان جديد آخر أمجل وأحلى وأى مما هو فيه.

وال شك أن امللل يتطرق إىل النفوس، فهي بطبيعتها متل دوام احلـال الواحـد.. المـلـل:حـىت أـا متل تكرار ودوام األصوات واألنغام الطروبة، بل واملآكل الفاخرة بتكرارها،

املشتهيات املتكررة بذاا. وكافةي من حال إىل حال أعلى، اإلهل وحيث أن املخلوق ال يستطيع أن يرتقى يف رؤية اجلمال

إال إذا كانت له أعمال طيبة جتعله واثقا من رضاء خالقه عنه، وتكون له مبثابة مدارج يستطيع ختيار لنكسب األكثر، وأخرجنا أن يتقرب ا إىل اهللا تعاىل زلفى، لذا منحنا تعاىل حرية اال

تعاىل إىل هذه الدنيا لنصبح أويل بصرية، منيز اخلري من الشر، والغث من الثمني، والعمل الدينء من األعمال اإلنسانية السامية، والباقي من الزاهق الفاين، فننطلق إىل فعل اخلريات، لذا

ة لنا، برؤيته تعاىل اليت تدمي نفع أرسل لنا رسال وأنبياء، أدالء على احلق، ولنخضع ألوامره اخلريما نطبقه أبد اآلباد يف احلياة وبعد املمات، فننفع عباده الذين حيبهم تعاىل كما حيبنا، ألنه هو

56

أوجدهم وخلقهم ومناهم.. وبأعمالنا الطيبة هلم، يرضى عنا، فحني ننتقل إليه تعاىل إثر انتهاء وجه أبيض بأعمالنا الطيبة، فنقبل عليه تعاىل، ونتمتع جبناته الالائية من آجالنا، فإمنا ننتقل ب

جنة جلنة أعلى وهلم جرا، مرتكزين على الثقة مبا قدمنا من أعمال عالية طيبة، تتكرر باآلخرة أمامنا، فتكون مبثابة مدارج ملعارجنا باجلنات.

وعمل اإلحسان، وملا يبىن عليهما يف : فاهللا تعاىل خلق اإلنسان لفعل املعروف إذناآلخرة من إكرامات وجنات وتلك غاية وجودنا إن آمنا به تعاىل فعرفناه، فصرنا أويل بصائر به تعاىل، فهو نور السموات واألرض، نرى اخلري ونعمله، ونرى الشر فنتجنبه، فهو مانح

من عليها فان، ويبقى وخالق كل فضل ونعمة وإحسان، وما هذه الدنيا بذات قرار، فكل وجه ربك ذو اجلالل واإلكرام.

ومبا أن الناس اليوم على وجه هذه البسيطة،ضيعت تلك املعرفة الثمينة، وخسرت األعمال العظيمة اليت تنتجها معرفتها باهللا تعاىل، وأعملت تفكريها فقط باحلياة الدنيا

لك شأن األقوام السابقة اهلالكة بل الدنيئة، فإن البالء بات بكل حلظة متوقعا، شأم بذ أدهى من بالئهم وأمر.

* * *

57

الفصل الثاني في هذا الفصل:

الساعة وحتمية وقوعها. •

* * *

58

الســـاعة وحتمية وقوعھايعترب موضوع الساعة من املواضيع الغامضة واملشوشة، ليس عند املسلمني وحسب،

والنصرانية.لقد خلط علماء املسلمني، بل عند غريهم من أصحاب الديانتني اليهودية، وبني الساعة اليت تقوم ا �وعلماء النصارى، بني الساعة اليت يأيت ا السيد املسيح

هي نفسها ،إن الساعة اليت يأيت ا السيد املسيحالقيامة. فكان معىن قوهلم إذ قالوا:ومشوش لديهم، فإم مل الساعة اليت ا تقوم القيامة، وكما أن مفهوم الساعة غامض

.�يدركوا الغاية اليت يأيت ا السيد املسيح يأملون من ،فاليهود مثال الذين مل يعرتفوا بالسيد املسيح عندما جاء يف املرة األوىل

املسيح احلقيقي بزعمهم، أن يعيد هلم عزهم اآلفل وجمدهم املنهار، وذلك السيد جميء بعد أن يصبح امللك العاملي.

بعد أن كفر عنهم ،أن يدخلهم السيد املسيح ملكوت اآلب ،نصارى يأملون أيضا وال سيئام وافتدى بدمه اخلطيئة األوىل.

أن يقتل الدجال واليهود، ويكسر الصليب، من ،أما املسلمون فغايتهم منه عند جميئه ، تلك، وهم اآلن على ما هم عليهغري أن متسهم األحداث اليت ترافق جميئه بسوء

أمانيهم، أما احلقيقة فليست كذلك، احلقيقة أن تتعرف على رب احلق واحلقيقة، فإذا عن طريق االستدالل بالكون حق اإلميان، جتد كل مسألة ،آمنت باهللا من ذاتك بذاتك

مبينة كفلق الصبح. ،يف القرآن واضحة أشد الوضوحاجلامع للصحف ، من أجل ذلك لن جتد هلذا الكتاب مصدرا سوى القرآن الكرمي

والسنة النبوية املطهرة اليت تشرح عمليا معاين القرآن، السماوية، والتوراة والزبور واإلجنيل، فيه كل شيء.وبني )1(ذلك ألن اهللا سبحانه وتعاىل ما فرط يف الكتاب من شيء

ى مـن شـيء ثـم إلــومـا مـن دآبـة فـي األرض وال طـائر يطيـر بجناحيـه إال أمـم أمثـالكم مـا فـرطنـا فـي الكتـاب قـال تعـاىل: { )1(

نـا بـك شـهيدا علـى هـؤالء ونـزلنـا ، {) سورة األنعـام38(} ربهم يحشرون عث في كل أمة شهيدا علـيهم مـن أنفسـهم وجئـ ويـوم نـبـيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلم .)89(النحلسورة ) سورة النحل89(} ين عليك الكتاب تبـ

59

جديدة كل اجلدة، واقعنا، فهي إننا إزاء مفهوم جديد، وإن شئت فقل إزاء حقيقةعما ألفه الناس وما مسعوه من منقول، وهذه احلقيقة الواقعية اليقينية، ،كل الغرابةغريبة

وكل ما يفيد ،الذي يشمل السنة واحلديث والفقه ،مبنية على االستنباط من القرآن وحده اإلنسان ويسعده يف الدنيا واآلخرة.

الذايت بالبحث غري املبين على اليقني ،وإن شئت احلقيقة فقل إن اإلميان التقليدي ،واإلستدالل، هو الذي جيعل القرآن على الناس عمى، وهذا اإلميان الذي خيلو من اليقني

هو الذي جيعل بيننا وبني معانيه الرفيعة السامية، حجابا مستورا، وهو الذي مينعنا أن .� نستشف ثقل القول الذي أنزله اهللا تعاىل على رسوله الكرمي

وقد ختالفهم أو ،ق أو توازي ما قاله األولون يف بعض األحيانوهذه احلقيقة قد توافكأن ننفي ،تعاكسهم يف أحيان كثرية. هلذا ال نريد أن نناقش أقواهلم أو آراءهم املتضاربة

مث خنرج كتابا ليس فيه إال ،وسطا قوال ونثبت آخر، أو نستخلص من جمموع اآلراء رأيا من غري أن نقول هلم إننا مجعنا هلم مما قاله ،فنا كتابا د أل مث نقول للناس ق ،اجلمع والتنسيق األولون كتابا.

ومن ،نستجلي معناها من املعني الذي ال ينضب ،واآلن لنرجع إىل موضوع الساعةمن كتاب أحكمت آياته مث فصلت من ذلك املصدر الذي ال عوج فيه وال اختالف،

.لدن حكيم خبرينا األسباب وبي ،أهم أعمال ومعتقدات معظم األمم البائدة لقد ذكرنا يف فصل سابق

اليت أدت إىل هالكهم، ونريد يف هذا الفصل أن نستعرض أعمال ومعتقدات البشرية اليوم، مث نقارن بعد ذلك هذه األعمال واملعتقدات مع تلك، وبعد املقارنة سيتبني لنا ما إذا كنا يف

، إن مل نغري ف ننتهي إىل نفس املصري الذي انتهوا إليهأو أننا سو ،جنوة من اهلالك الوشيك .السلوك اخلاطئ، وخنضع حلكم اهللا يف كتابه الكرمي

عن معتقدات ،إن معتقدات األمم البائدة ال ختتلف من حيث اجلوهر أو املضمونالعصر، ومل يتبدل فيها إال الشكل والعرض، ذلك ألن األنفس البشرية ال تتبدل اأمم هذ

60

ف الزمان واملكان، وإمنا الذي يتبدل هو ما تعيه النفس أو حتويه من حق أو باطل، باختالأو من حقائق وأوهام. وعلى أساس هذا الوعي أو هذا االحتواء، تطلب النفس من الفكر

ومبا أن النفس الكافرة برا ال ،ليمنطق هلا ما تعتقد ووى ،أن يبحث هلا عن املربراتوال ترى إال صور األشياء واألشكال، لذلك فإن ،يا أو شهوااحتوي إال شهوات الدن

الذي يتبدل من املعتقدات لديها، هو التغيري والتبديل الذي يطرأ على شكل املادة، وهذا التبديل هو الذي دعيناه بالعرض.

فإن الغاية هي جلب منفعة ،وتتخذ هلا رموزا ،فإذا كانت األمم البائدة تعبد الكواكبقة، هي اليت أوحت هلم مثل تلك ياحلق شهود قاء خطر، وإن تعلقهم بالصورة دونأو ات

املعتقدات.إذا كنا ننظر إىل تلك املعتقدات نظرة ازدراء وسخف، فإن معتقدات األمم احلاضرة و

ال تقل عن تلك سخفا وازدراء.دلت فإن اجلوهر يظل واحدا، لقد استب ،فمهما تبدلت املفاهيم وتغريت الشكليات

اعترب موغريه ،ا إهل فمن البشر من اختذ الطبيعة ،بآهلة متعددة أخرى ،الناس اآلهلة املتعددةهي البارئة املصورة، أما سر خلقها . فالطبيعة بنظر الشيوعية مثال اإللهالعقل املتفوق هو

).دارون وماركس وانجلز ولينين(فلم تبح به إال لرسلها ) التطورية قد مهدت لآلخرين ر الطبيعي أو بقاء األصلحاالختياإن نظرية دارون: (

تقوم ،النظرية اليت ا قوام اخللق واملعاش ه) وهذالنظرية الديالكتيكيةنظريتهم املسماة ( على أسس ثالثة:

وهذه الفكرة أوحتها الطبيعة إىل ،الكمية إىل تبدالت كيفية التبدالت تحول األول:وخالصتها أن التباين بني ظواهر الطبيعة، هو تباين كمي. دارون وأضرابه الذين سبقوه،

أي هي عبارة عن عملية جتميع وتركيب كمي لألجسام، فال تتبدل نوعيا، وهذا التفسري امليكانيكي للتطور أو لالرتقاء، أوقعهم يف أخطاء كثرية، ووجهت إىل تلك النظرية سهام

نقد مميتة.

61

وهذا القانون كما تقول الشيوعية يكمن يف ، وحدة صراع المتناقضات الثاني:العالقات املتبادلة بني حمتوى الشيء وشكله، بني اجلوهر والظاهر. والعالقات املتبادلة تعين أن مجيع األشياء والظواهر ذات تناقضات داخلية، وإن كل شيء هو وحدة متناقضات،

وفيها ما ،وهلا مستقبلهاهلا ماضيها ،هي سلبية وإجيابية ،وهذه املتناقضات يف الشيءوصراع هذه ،وهو يف طريقه إىل املوت، وفيها ما هو يف طريق النمو والتطور ،مضى زمانه

هو مصدر التطور والقوة احملركة له. ،االجتاهات املتناقضة اليت حتتويها األشياء هامة جدا يف التطور، فعندما يستنفد القدمي تويف اعتقادهم أن مرحلة حل املتناقضا

ويصبح جلاما عائقا يف طريق اجلديد، فإن التناقض بني القدمي واجلديد ينبغي أن حيل ،ذاته وظفر اجلديد. ،عن طريق انعدام القدمي

وإحالل النوعية ،وهذا القانون يعين نفي النوعية القدمية ،قانون نفي النفي الثالث: فته، واالشرتاكية سوف حتل حمل ت حمل اإلقطاع بعد أن ناجلديدة، فمثال الربجوازية حل

وال بد أن ،وميكن القول على أساس ذلك بأن الشيوعية ستحل حمل االشرتاكية ،الرأمسالية .)1(يأيت يوم ونتيجة هلذا الصراع أن تنفى الشيوعية من األرض

إن رسل الطبيعة قد اعرتفوا بأن آهلتهم عمياء، وغري واعية. وأهدافها من خلقها تتم بدون وعي.

،طاملا أا ختلق خلقا واعيا ،ولكن ما يضري هذه اآلهلة العمياء عماها وعدم وعيهاوتنظم األمور تنظيما عقالنيا على غاية من الدقة واإلبداع والتكامل، وهذا اإلبداع يف

.!وهذا السر يف اخللق كله، قد ساقته يد املصادفة ،ظيمنالتعتقد؟. أم رأيت عمى أبعد من هذا وبعد ذلك هل رأيت سخفا أشد من هذا امل

وهل املصادفة تتكرر؟. إن تكررت أصبحت قانونا العمى، أليس هذا هو الضالل البعيد؟.وخضعت إلرادة مسرية هلا، فمن يشرق الشمس يف نفس اللحظة من كل يوم يف كل عام

ـــد أمـــني شـــيخو )1( مـــة حممـــا العال س اهللا ســـره وهـــذه بشـــربـــزوال الشـــيوعية مـــن روســـيا مـــن ذلـــك العهـــد باخلمســـينات مـــن القـــرن قـــد

حني كان االحتاد السوفييت بذروة جمده وقوته.،املاضي

62

له له نورا ومن لم يجعل ال ...{ :ولكن ال عجب سابق والحق؟!. هل هذه مصادفة؟.إال اهللا فهو يف ظالم قليب، نوره إلهمن ال يؤمن بال .) سورة النــور40( }فما له من نور

الدنيا الزائلة.هو اإللهالعلم. إن هذا إلهالعقل أو إله ،ومن هذه اآلهلة السائدة يف هذا العصر أيضا

سان العادي بتفوق ذكائه وقدرته على من جنس اإلنسان نفسه، إال أنه ميتاز عن اإلنأن حتقق هلا كل ما كانت تصبو ،الكشف واالخرتاع، والبشرية تأمل من هذه اآلهلة املتفوقة

نيتشه. الفيلسوف باعتقاد ،القدمي الذي قضى حنبه اإللهإليه من حياول ،ها ماركس وأضرابهه (أي اإلنسان املتفوق) هو من نتاج الطبيعة اليت أهل وهذا اإلل

أن يتمرد على آهلته األم، ويسخرها ملشيئته ويتصرف ا كيف يشاء، ألن أمه فضال عن وتأىب أن جتود عليه إال بالنزر اليسري، بالرغم من غناها ،عماها وعدم وعيها، رعناء وظاملة

ومل ،يريد أن جيعل على األرض جنات النعيم ،لذلك فبمحاولته للسيطرة عليها ،الفاحشبل يسعى ليسلب منها سر ،أن يسيطر عليها ،أو هذا االبن العاق ألمه اإللهذا يكتف ه

من غري أن ،تقضي عليه مىت شاءت ،حىت ال يبقى حتت رمحتها أو حتت وصايتها ،احلياةتتخبط يف مصري خملوقاا ختبطا عشوائيا. إن الذي ،ترتكه يتمتع باحلياة. فأمه باعتقاده

اجلديد، واإلميان بقدرته، هو ما أحرزه اإلنسان من اإللهكرة هذا ساعد الناس على تقبل فهو شغل البشرية الشاغل يف العصر احلديث، اإللهتقدم تكنيكي هائل. إذ أصبح نتاج هذا

فضال ،وإىل جانب هذا النتاج خلق هلا من املتاعب ما يفوق التمتع بنتاجه أضعافا مضاعفةوعلى البشرية ،ار الشامل ما تستطيع أن تقضي به عليهعن ذلك فقد وضع من أسلحة الدم

مجعاء.فقد جاءت نتيجة طبيعية لنتاجه، فقد علم الناس البخل، ،اإللهأما شريعة هذا

ومبعىن آخر فقد واخليانة، واجلشع، واملكر، واخلديعة، والفسق، والغلظة، والظلم،نسان نفسه، وبالتايل أفسدت أن تفسد على اإل ،استطاعت هذه اآلهلة من خالل نتاجها

مل ينغمس اعليه معيشته، إذ كيف يتمكن اإلنسان أن يؤمن ما صنعه من زخرف وزينة إذ

63

ويسخر كل طاقاته وملكاته من أجل تأمني متطلبات احلياة اليت ،ويسرتسل يف احلياة الدنياتقف شريعته عند تل ويفسق ويكذب ويسرق. كذلك ملوحي يعيشها جمتمعه، وإذا مل يبخل

بل استطاع أن يقيد الناس ويسلبهم حريام اليت منحت هلم، وأصبح الفرد ،تلك احلدود عنصرا تافها ال قيمة له، وأضحى وكأنه جزء من أجزاء آلته الصماء.

والعبودية؟!. والصراع كيف تستسيغ البشرية حياة تقوم على الظلم والفسق ،ليت شعري .؟عادة على جمتمع حييا حياة مشحونة باحلقد والرياءوكيف ميكن أن حتل الس

العلم إال ومها ابتدعته خميلة املهووسني إلهإنه ال ميكن أن تكون السعادة املنتظرة يف ظل .؟به. إذ كيف يكون ذلك يف جمتمع فقد القيم اإلنسانية،وفقد صفته اإلنسانية

واستبدهلا بقيم يمية ،إنسانا هذا العصر من كل القيم اليت جتعله نلقد جترد إنسابشريعة ،واستبدل شريعته املثلى ،من نوع مفرتس أو حمتال، مث أحل حمل الفضيلة، الرذيلة

الغاب.ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن واإلنس لهم قـلوب ال يـفقهون بها ولهم {

ن بها ولهم آذان ال يسمعون بها أولئك كاألنـعام بل هم أضل أعين ال يـبصرو .) سورة األعراف179( }أولئك هم الغافلون

ة، فهل نعتقد بعد هذا أن تلك مناذج عن أهم املعتقدات املستحدثة يف عصر الذرها ومربيها إىل ما توصلت إليه البشرية تكون الشعوب القدمية قد وصلت بكفرها خبالق

.اليوم؟. وهل أنكرت وجود اخلالق كما أنكرته يف هذا العصر؟وال الربوبية ،يةاإلهل إن إبليس على شدة كفره مل ينكر وجود اخلالق، وال العزة

آدم عليه بغري احلق سيدنا عندما ظن بأن اهللا فضل ،ياإلهل ، بل أنكر العدل )1(أيضا (احلجارة) بل اعتقدوا بأن تلك األصنام ،كذلك فإن عبدة األصنام مل ينكروا اهللابزعمه،

هي الوسيلة لتقرم إىل اهللا زلفى. أما أن حيكموا على اهللا باملوت (جمانني) أو ينفوا

تني ألزيـنن ل { )1( ) سـورة 82(} قال فبعزتـك ألغـويـنـهم أجمعـين { ) سورة احلجر،39} (...هم في األرض قال رب بمآ أغويـ

ية وباخلالق.اإلهل اعرتاف بالعزة .ص

64

وجوده، فهذا ما مل يفعله األولون. ليس باألمر العجاب أن تصل الناس بكفرها لت إليه اآلن، كما أنه ليس مبستبعد أن يصبح إبليس ها إىل ما وصدوإنكارها وجحو

،ضل الناس، ذلك ألن للكفر قوانينهيعلمونه كيف ي ،تلميذا عند أئمة الكفر منهم ميان قوانينه أيضا.ولإل

حبسب سلوك هذا الطريق أو ذاك. ،فالكفر أو اإلميان يزداد وينقص فأميا السبيلني سلك فإنه يبتعد عن اآلخر .

،وارتضت ا حياة واكتفت ن معظم الناس يف هذا العصر اختذت الدنيا سبيال،ومبا أفال نعجب إن صدرت من أفواههم مثل تلك األقوال، وظهرت منهم مثل تلك األعمال،

ويف سائر اتمعات البشرية عامة. ،ال سيما يف اتمعات األوروبية خاصة اإلنسان فكلما ابتعد ،عاكس لطريق الدنيا الدنيةأما سبيل اآلخرة أو سبيل اهللا، فهو باجتاه م

يظل مشدودا ،اقرتب من اهللا واستقام له طريقه. وما دام يف قلبه شيء منها ،عن حب الدنيايكون قد ختلص من أكرب ،بقوة ما يف قلبه منها. ويف اللحظة اليت يتخلص من عقاهلا ،إليها

سافرة من غري قناع. ،حلقيقةعقبة تعرتض سبيله إىل اهللا، وعندها تبدو له اهو أن اإلنسان إذا أحب الدنيا فإن النفس ال تتذكر ،إن السبب يف عدم رؤية احلقيقة

فإا ختتزن من ،إال ما تعي، وال تفقه إال ما حتتوي، فإذا ميمت وجهها شطر الدنيانعها من وهذا الغطاء يكون مبثابة حاجز ميالشهوات بقدر توغلها فيها، وتصبح هلا غطاء،

ال يكون له وقع فيها، وال ميل له، ،يلقى عليها شيء من احلقمساع احلق، لذلك فحينما يل ال تفقه منه شيئا.األا مل تع منه شيئا، وبالت

رأت القرآن جعلنا بـيـنك وبـين الذين ال يـؤمنون باآلخرة { قال تعاىل: وإذا قـ را وإذا ،ستوراحجابا م وجعلنا على قـلوبهم أكنة أن يـفقهوه وفي آذانهم وقـ

نحن أعلم بما يستمعون ،ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نـفوراهم نجوى إذ يـقول الظالمون إن تـتبعون إال رجال به إذ يستمعون إليك وإذ

65

. فهم جنوى مع الشيطان وللدنيا، خياطبهم الشيطان ) سورة اإلسراء47ــ45( }مسحورا ويزين هلم أعماهلم، ألم بعيدون عن اهللا مثله، وحب الدنيا الفانية قد ملك قلبهم.

ر ومن بـيننا وقالوا قـ { قال تعالـى: ا تدعونا إليه وفي آذاننا وقـ مة ملوبـنا في أكنهنا يصف حاهلم وقوهلم: :) سورة فصلت5( }وبـينك حجاب فاعمل إنـنا عاملون

ا عاملون قلوبنا مستورة مرتاحة مما تأمرنا به، ال نريد مساع بيانك اتركنا واعمل مبا ترى إنن مبا نشتهيه. كانت الدنيا الزائلة غاية مناهم.

أما املؤمن فإن القرآن يصبح له تذكري وهدى، يذكره باحلقائق اليت رآها بنفسه، فكلما ويرى القرآن وكأنه ،رأى من القرآن حقائق أعمق وأغزر ،وعى املؤمن من احلقائق أكثر

بإميانه باآليات الكونية ناهلا احلقائق اليتترمجان ملكنونات نفسه أو ملا كان قد شاهده من صنع اهللا) من قبل.(

ومهما تقدم اإلنسان يف معارج القدس كماال وعلما، ومهما رأى من احلقائق بل شارحا ومفصال لتلك احلقائق ،الفكرية والعقلية جيد القرآن ليس سابقا إليها وحسب

أميا تفصيل.املفيض حلقائق القرآن فيضا، ملا حوت نفسه الكرمية ،سولوبذلك الفهم للقرآن، يستعظم الر

الذي مل يدانه مبثله أحد يف العاملني. ،، من العلم ومن الكمال�ي والرمحة والكمال؟. اإلهل سدرة املنتهى يف العلم �وقد بلغ ،وكيف ال يكون ذلك

الذين ،إال العالمون إال أن معانيه الرفيعة ال يتذكرها ،إن القرآن وإن كان ذكرى للعاملني خيشون رم بالغيب.

بعهد اهللا وميثاقه روا الناسال يطلب من الرسل إال أن يذك ،ولذا فإن اهللا جل شأنه والبعث واجلزاء، والنظر إىل ما يؤول إىل خالقهم ومربيهم ومسريهم.

من حضرة اهللا غري أن هذه الذكرى ما كانت لتلقى جزافا من الرسل، بدون وحي ليهم، أما غريهم من الذين أصبح هلم علم بالكتاب، فيكون عن طريق رابطة املؤمنإ

ذلك أن الرسول ال ،وفهمه ملعاين الكتاب، وهذه ناحية جد مهمة �برسول اهللا القلبية

66

يعلم ما يف نفوس البشر، بل اهللا هو العليم بالسر وأخفى، ولذا فإنه سبحانه يوحي إىل أن ينطق به عند اجتماع الناس إليه، ألن هذا القول هو القول الذي جيب ،الرسول

األنسب هلم يف تلك اللحظة. ومن أجل ذلك أوحى تعاىل إىل رسوله الكرمي، أن ال يعجل �إليه وحيه، ومل يقتصر هذا التنبيه على الرسول الكرمي ىبالقرآن من قبل أن يقض

معصومون، ال ينطقون إال قول.بال )1(بل ذكر سبحانه أن مجيع الرسل ال يسبقونه ،وحده بعد قول اهللا وأمره. عباد مكرمون منزهون عن الزلل.

ومبا أنه تعاىل وحده هو املطلع على أسرار نفوس خلقه، وال يأذن ألحد أن يطلع على ما يف نفوس اآلخرين، ألن من صفاته الستار، لذلك هو الذي يوحي إىل الرسول أن

الرسل وإن كان قوهلم حقا، إال أم ال يعلمون أي الكالم يتكلم ذا القول أو بذاك، أماأحق بالقول من غريه، ألم ال يعرفون ما يف نفوس اتمعني إليهم عموما وإحاطة.

ويظنون وكأن الرسول يعلم ما يف أنفسهم، ونتيجة للوحي جتد لكالمهم وقعا يف النفوس، فردا فردا كل يف جماله وأفقه.ألم يرونه يتحدث مبا يهمهم وما يعنيهم

) ســورة 27( }يـعملــون ال يســبقونه بــالقول وهــم بــأمره { لقــد جــاء يف التفاســري: أن الــذين ال يســبقونه بــالقول مــن اآليــة الكرميــة: )1(

هم املالئكة، أما احلقيقة فإن الذين ال يسبقونه بالقول يف هذه اآليـة هـم الرسـل، كمـا ال ننكـر أن املالئكـة أيضـا ال يسـبقونه ،األنبياء بالقول.

هــي ســورة األنبيــاء، اآليــات، كــذلك فــإن الســورة الــيت وردت فيهــا هــذه اآليــة الكرميــة مســرىودليلنــا علــى صــحة مــا ذهبنــا إليــه هــو: ــا أرســلنا مــن { قــال تعــاىل: .تليهــاواآليــات تــدور حــول أعمــاهلم. واآلن لننظــر إىل اآليــات الــيت تســبق تلــك اآليــة مث اآليــات الــيت وم

ال يسـبقونه ،حمن ولـدا سـبحانه بـل عبـاد مكرمـون وقـالوا اتخـذ الـر ، قـبلك من رسول إال نوحي إليه أنـه ال إلـه إال أنـا فاعبـدون ــون ــأمره يـعمل ــم ب ــالقول وه ــيته مشــفقون ، ب ــن خش ــم م ــن ارتضــى وه ــفعون إال لم ــم وال يش ــا خلفه ــديهم وم ــين أي ــا بـ ــم م } يـعل

.من خالل قراءة هذه اآليات الكرمية مل يرد ذكر للمالئكة بل السـورة كلهـا تـدور حـول األنبيـاء وإذا كـان . األنبياء) سورة 28ــ25(الناحيـة األوىل إن إبلـيس مل املفسرون قد ضربوا لذلك إبليس مثال لتدعيم حجتهم فإن ذلـك املثـال غـري صـحيح أيضـا مـن نـاحيتني:

ــم فــي األرض { بقولــه:يــدع األلوهيــة بــل اعــرتف بالربوبيــة تني ألزيـــنن له ــويـ ــال رب بمــآ أغ ) ســورة احلجــر كمــا أنــه 39} (... قي) اإلهلـأما الذي أنكره إبليس هـو (العـدل .) سورة ص82} (قال فبعزتك ألغويـنـهم أجمعين { ية عندما قال:اإلهل اعرتف بالعزة

الناحيـة اهللا فضل آدم عليه وهـو خـري منـه كمـا أنـه نسـب الغوايـة إىل اهللا وتلـك صـفة كـل كـافر يتخـذ الشـيطان وليـا.عندما زعم بأن الثانيـة: إن إبلـيس لـيس مـن املالئكـة، ألن املالئكـة ال يتوالـدون حـىت تكـون هلـم ذريـة أمـا الـذين هلـم ذريـة فهـم اإلنـس واجلـن وإبلـيس

ــيس كــان مــن { تعــاىل يف ســورة الكهــف:كمــا ذكــر تعــاىل هــو مــن اجلــن، قــال وإذ قـلنــا للمالئكــة اســجدوا آلدم فســجدوا إال إبل نور. من } كذلك فإن اهللا خلق اجلن وإبليس أبوهم من النار بينما املالئكة... الجن فـفسق عن أمر ربه

67

ي، أو مبا شاهدوا من اإلهل أما املؤمنون، فإنه حبديثه يذكرهم مبا شاهدوا من الفضل ملكوت السموات واألرض، فيزدادون إميانا، ويزدادون خشوعا. وأما الكافرون واملنافقون،

فحينما يقرأ املؤمن القرآن فإم يرون كل كالم الرسول إنذارا، بينما يراه املؤمنون بشريا. يستبشر به، بينما جيده الكافر عائقا أمام رغباته وأعماله.

وإذا مر على املؤمن شيء من قصص األنبياء، جيد كماهلم وجيدهم دائما وأبدا الطليعة يا { مثال:لكل مكرمة. بينما املنافق أو الكافر يؤول أقواهلم وأفعاهلم نقصا فإذا قال تعاىل

وود إنا جعلناك خليفة في األرض فاحكم بـين الناس بالحق وال تـتبع الهوىداا، إهلي. فإنه يفسر هذا اهلوى هوى جنسيا، بينما يراه املؤمن عشقا سورة ص ) 26( }...

.)2(وهياما حبضرة اهللا ومجاله وجالله، وذلك هو احلقاهللا أن يقضي على عادة من عادات اجلاهلية السيئة، كعادة التبين مثال وإذا أراد

لتلك املهمة، وأمره بأن يتزوج من زينب زوجة متبنيه زيد، وإذا �واختار الرسول حترج الرسول الكرمي الطاهر من اخرتاق تلك العادة املتأصلة، وخشي من انطالق ألسنة

من �د ربك أن يبدي ما كان خيفيه الرسول الناس بسبب اخرتاقه لتلك العادة، وأراهذا احلرج، راح الذين يف قلوم مرض يتهمون الرسول الطاهر حببه لزينب، وخيتلقون

.)3(لتلك احلادثة قصصا شيطانية، ما أنزل اهللا ا من سلطان وقل مثل ذلك يف السادة األنبياء يوسف، وسليمان، وأيوب عليهم السالم.

رى فإا ال تقل سوءا عن هذه الناحية.أما الناحية األخوتلك الناحية هي اعتبار أعماهلم السيئة ونسبتها قدر مقدر من اهللا، ونفي املشيئة واالختيار

عن أنفسهم، ونسبتها إىل اهللا. ويف هذا القول ما فيه من اإلغراء على ارتكاب السيئات.

)2( د أمني شيخوانظر كتاب عصمة األنبياء للعالس اهللا سره مة حممقد. ـد أمـني شـيخو � انظر كتاب حقيقة سيدنا حممد )3( مـة حممس اهللا سـره تظهر يف القرن العشرين للعالمـن � (حبـث قصـة زواجـه قـد

السيدة زينب رضي اهللا عنها).

68

دودا بعرشه، بعيدا عنا بعدا مسرفا، ويوم ا حمإهل أما إذا خاضوا يف ذات اهللا، فإم يصورونه القيامة يكون جالسا على عرشه، واملالئكة حيملونه هو وعرشه، أما يده، وأما عينيه، وأما

وجهه فللمعرضني تصورات غريبة وبعيدة كل البعد عما يعين فيها.من صفات وأما أمساؤه احلسىن، فإم يؤولوا تأويال خمالفا ملا اتصف به سبحانه

الكمال املطلق، يف كل اسم من أمسائه. لذلك فحينما يقرأ الذين يف قلوم مرض القرآن، ال جيدون فيه إال قصصا وأمثاال، ال رابط يربطها وال انسجام بينها. ذلك ألن نفس املعرض عن اهللا، مل تكتسب من اهللا شيئا، فال علم وال طهارة، وال كماال وال حقائق،

اكتسبه يف عامل األزل، ومن هذا العلم الضئيل الذي طمس معظمه باجرتاحه سوى ما السيئات، يراوده حينما يقرأ القرآن الشك ورمبا التكذيب.

بل الذين ،وإذا قرئ عليهم القرآن ال يسجدون*،فما لهم ال يـؤمنون { قال تعاىل:بون ه أعلم بما يوعون و ،كفروا يكذسورة اإلنشقاق23ــ20( }الل (.

إن سبب عدم استعظامهم لكتاب اهللا، وتكذيبهم ملعانيه السامية الرفيعة هو ما وعته نفوسهم من الباطل، وهذا التكذيب أو الشك هو ما حصل لعلماء بين إسرائيل من قبل،

بحت قلوم كاحلجارة بل أشد ألن نفوسهم، نتيجة كفرهم، قد تغلفت بالباطل، فأصقسوة، وأصبحت التوراة عليهم عمى، وملا مل يروا بالتوراة شيئا، هجروها، وراحوا خيطون للناس دينا من عند أنفسهم، ويقولون هو من عند اهللا وما هو من عند اهللا. متاما كما هجر

اهللا ا من سلطان.بعض املسلمني القرآن، وولوا وجوههم شطر اخلرافات، اليت ما أنزل إن الكثري يظنون أم إذا حفظوا شيئا من القرآن، وكثريا من احلديث والفقه، أصبحوا مؤمنني، وهذا مجيل ولكن ال يكفي لنطلق على أحدهم صفة عامل أو مؤمن، فالعامل

ية فال بد وإنه ذاق شيئا اإلهل احلقيقي هو من يرى ويذوق ما حيفظ، فإذا ذكرت الرمحة ها، وإذا ذكر العدل فال بد أن يكون قد ملس شيئا منه، ومبعىن آخر أن يؤمن حبقيقة من

ومعىن ما يقوله من الكالم، ويشهد حقائقه، ال أن يؤمن بالكالم نفسه، ألن الكلمة حبد ذاا، رمز ملعىن، وليست هي املعىن، فإذا شاهدنا أحد احمليطات على اخلارطة، فهذا ال

69

حمليط. فإذا مل تشاهد البحر يظل تصورك له ناقصا إن مل نقل يظل يعين أنه هو ذلك اية، فإن حفظك اإلهل حبدود اخلريطة اليت رأيتها أو رمستها. وهكذا فإذا مل تلمس القدرة

لكلمة القدير ال وزن هلا، وهذه الكلمة سرعان ما تفلت منك إذا رأيت سيفا شهر يف نه القاهر فوق عباده، وعلمت بأنه سبحانه وجهك. فلو كنت ملست القدرة أو ملست بأ

على صراط مستقيم، ملا أرهبك هذا السيف الذي أشهر يف وجهك أبدا إن كنت مستقيما.

هو السبب يف التكذيب والشك، وهذا اإلميان )1(إن اإلميان القائم على الشرك، طريقا للوصول ية اليت رمسها رب العاملنياإلهل اإلشراكي، يرجع إىل عدم التقيد بالسنن

إليه، واإلميان به إميانا سليما من كل شائبة. وخري الطرق هو الطريق الذي سلكته الرسل، أولئك الذين هدى الله فبهداهم {صلوات اهللا عليهم أمجعني، وبذلك أمرنا بقوله تعاىل:

. وقال ) سورة األنعام90( }و إال ذكرى للعالمين اقـتده قل ال أسألكم عليه أجرا إن ه لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يـرجو الله واليـوم { جل شأنه:

.) سورة األحزاب21( }اآلخر وذكر الله كثيراثة وأثناءها، مث تدبرنا معاين القصص اليت أوردها فلو رجعنا إىل مسلك الرسول قبل البع

تعاىل عن رسله الكرام. ومن مث نظرنا إىل اآليات املكية كيف أا حتث اإلنسان على العظيم، ونسلك باإلميان مسلك أبينا اإللهالتفكري، والتعمق يف آيات اهللا الكونية صنع

ع، ولكننا وبدل أن ندخل البيوت من أبواا . جلنينا مثارا يانعة وإميانا ال يتزعز �إبراهيم راح البعض من علمائنا حيشون أذهان الطالب مبعلومات سابقة ألواا، إن مل نقل خالية من كل فائدة، بل رمبا كان ضررها أكثر من نفعها. وتلك العلوم اليت حشوا ا أذهان

سخف األخرية أن تقف أمام النظريات امللحدة، بالرغم من عالطالب ال تستطي وتفاهتها.

) سورة يوسف.106} (كون وما يـؤمن أكثـرهم بالله إال وهم مشر { قال تعاىل: )1(

70

ولو كان ما حشته مقلدة العلماء يف أذهان طالا من عند اهللا، ملا وقفت يف طريقهم أعىت نظرية فلسفية جاء ا علماء هذا العصر املتوحش، بل جلعلوها أضحوكة أمام املعتقدين بصحتها، ذلك ألن اهللا أنزل على رسوله قوال ثقيال، وهذا القول يزهق الباطل

أىن وجده. إذ أن معاين القرآن حمجوبة عن الناس بسبب ما حتمله أنفسهم من السيئات، تفسريا ال جيوز من بعده االجتهاد، نقد فسروا القرآ لوبسبب زعمهم القائل أن األوائ

ألم هم وحدهم الذين فهموا الدين، وأي فهم ملن جاء بعدهم ال ميكن أن يتعاىل على مستواه ووضعوا حوهلا هاالت مقدسة. وبذلك االدعاء املاكر، فهمهم أو حىت يصل إىل

عطلوا على الناس فكرة االجتهاد، وحرموهم من نعمة التفكري، إال ضمن اال الذي رمسته دسا هلم األجداد.

نا علي { ه آباءنا أولو كان وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نـتبع ما ألفيـ. وذا راحوا يصدون الناس ) سورة البقرة170( }آباؤهم ال يـعقلون شيئا وال يـهتدون

عن سبيل اهللا تعاىل، وما من أحد يصد زورهم ويقيم عليهم احلجج فيدحضهم ويردهم خائبني.

ل إليه املسلمون، من ترك دينهم والعجب العجاب أن مقلدة العلماء بالرغم مما يصبأسباب هذه الصفاقات املدسوسة، راحوا يضعون حول الكتب القدمية هاالت مقدسة، وإثباتات واهية، جعلتها عندهم بديل القرآن الكرمي، بل كانت قرآم العملي. فجمدوا

فنسبوا قصص التفكري، وأغلقوا باب االجتهاد، وألقى فريق منهم كتاب اهللا وراء ظهورهم، الرذيلة والسفالة للرسل واألنبياء (وحاشاهم عليهم الصالة والسالم).

كيف نؤمن ببعض ما أوردوه يف تفاسريهم وخاصة وصفهم الرسل الكرام الذين هم خرية اهللا من خلقه بصفات يندى هلا اجلبني. وكيف نصدق تفسريهم لآلية:

: من قول يتندى له سورة يـس) 55( }غل فاكهون إن أصحاب الجنة اليـوم في ش { وجه الفضيلة، ونأىب تكرار قوهلم املدسوس السافل اخلبيث.

71

مث كيف نصدق بأن اهللا بعيد عنا هذا البعد الذي وصفوه لنا، واهللا يقول بأنه أقرب ل إلينا من حبل الوريد، أم كيف نصدق بأن اهللا بعرشه حماط، وهو تعاىل يقول أنه بك

شيء حميط، وكيف نؤمن بأن (طه) اسم رجل امسه بالنبطية (عك) " انظر تفسري الطربي" أم كيف نؤمن بتفسري سورة الناس والفلق، وقضية سحر الرسول من قبل لبيد اليهودي، إذ مىت كان للشيطان سلطان على عباده املخلصني والشيطان ذاته ينفي عن نفسه ذلك

ل رب بمآ أغويـتني ألزيـنن لهم في األرض وألغويـنـهم قا{ بقوله لرب العاملني:هم المخلصين ،أجمعين : بفتح الالم وهم األنبياء ) سورة احلجر40ــ39( }إال عبادك منـ

سيد املخلصني؟!. �والرسل فكيف بسيدنا حممد أم وكانت فتطعمه، ملحان بنت حرام أم على يدخلكان ( أنه: �وما اموه به

وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول عليها فدخل الصامت، بن عبادة تحت حرام .)2( ) ...وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول فنام رأسه، تفلي وجعلت فأطعمته،

زوجات �فمن هي أم حرام حىت ينام عندها، هل هي زوجته؟!!. أليس لرسول اهللا حجرا اخلاصة وينام عندهن؟. ما حاجته أن يذهب إىل امرأة أجنبية؟. إال أن ولكل منهن

من وقت (وهو �تكون فرية نكراء، ودسيسة خبيثة، حبق أشرف اخللق، وهل لرسول اهللا املشغول دائما بالدعوة) للذهاب والنوم عند أم حرام، ومهام العباد والبالد كثرية وكبرية، وهي

، وهو الذي مل يصافح امرأة قط، وقوهلم كانت أم حرام تفلي �شريف ملقاة على عاتقه ال؟!. إن رسول �رأسه؟!. ما الذي كانت تفليه برأسه؟!!. هل هذا الظن يليق برسول اهللا

اهلادي املهدي، مربأ من تلك األقوال، ومن كل األقوال اليت ختطئه، واليت تزيغ �اهللا الظنون، ويقطعون الناس من الصالة عليه، وجتعل الناس يظنون به �القلوب عنه

واالستشفاع به إىل اهللا تعاىل.

/.2636صحيح البخاري رقم/ )2(

72

ويف حبوثهم عن الغسل واجلنابة، يتكلمون بأحاديث مرعبة حبق زوجات الرسول الطاهرات، ال سيما أمنا عائشة رضي اهللا عنها بأا وحاشاها قالت:

وكان جنب، كالنا ،واحد إناء من وسلم عليه اهللا صلى والنبي أنا أغتسل كنت( أليس هذا بقول شيطان مريد؟!. )1( )...حائض وأنا فيباشرني فأتزر، يأمرني

، هذه الرتهات �وقد استغل احلاقدون على الدين اإلسالمي، وعلى رسول اهللا .�وغريها واستخدموها مطاعن حبق املربأ

متت لصفات واألدهى من ذلك أم يضعون لتلك الروايات تربيرات وغايات، ال وألهل بيته الطاهرات بصلة، لتنطلي على عامة الناس. �الرسول

لن نؤمن مبا قالته األجداد إال باحلق، باحلدود اليت ال تنسب إىل اهللا الظلم وال تنايف ية احلسىن، وباحلدود اليت تظهر كمال رسله الكرام وكمال كالم اهللا تعاىل اإلهل األمساء

وإحكام بعضه ببعض.نبذة عن معتقدات هذا العصر، أما أعماهلم فإا ال تقل سوءا عن معتقدام، تلك

فاملصانع اليت أقامتها األمم القدمية قد ال تكون بذات بال أمام مفاعل الذرة، ومصانع أسلحة الدمار الشامل، وأما التالعب بالكيل وامليزان فيعترب حيل أطفال أمام التالعب

ام، وأما بطشهم فال يعتد به أمام اإلبادة اجلماعية وأمام بقوت الشعوب وامتصاص ثرو اآلالت اجلهنمية.

واللباس، وما أدراك ما اللباس، إنه يشف حىت يصف، مث أصبح العري أو شبه العري هو الدارج يف هذه األيام.

قد وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، يكاد يكون مألوفا اليوم. والزىن تبعا لذلك تفشى متاما يف كل اتمعات، والشذوذ اجلنسي قد أقرته بعض احلكومات بشكل رمسي.

/.295/296صحيح البخاري رقم/ )1(

73

وخالصة القول لقد جتاوزت معتقدات وأعمال البشرية يف هذا العصر حد املألوف، وبلغ الفساد والفسق عند أكثر الشعوب ذروته، وما تبقى منها فإا ماضية على سنن من

سريعة.سبقوهم يف الفساد خبطى إن اهللا سبحانه وتعاىل قد ارتضى للبشرية حدودا، ورسم هلا سننا، وأنزل إليها شرائع، فإذا جتاوزت البشرية تلك السنن، وختطت تلك احلدود، وأمهلت الشرائع، فإا تفسد النفوس

ندئذ وبفسادها تفسد احلياة، ومبا أن الفاسد املفسد واملتعمد بطغيانه، ال خري فيه، فالنار ع مثواه، وبئس املثوى واملصري.

وال أظن بعد هذا الذي بيناه، أن تظن أن البشرية مبفازة من اهلالك، بل األصح أا أصبحت على قمة اهلاوية، أو على شفا جرف هار، وهم اآلن يف سكرم يعمهون، ويف

النذر ال تغين لقوم ال غمرم الهون. ولقد أنذرنا تعاىل كثريا يف كتابه الكرمي، ولكن اآليات و كذبوا ،ولقد جاء آل فرعون النذر ،ولقد يسرنا القرآن للذكر فـهل من مدكر { يؤمنون.

ر من أولئكم أم ل ،بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر كم بـراءة في أكفاركم خيـبل الساعة موعدهم ،سيـهزم الجمع ويـولون الدبـر ،أم يـقولون نحن جميع منتصر ،الزبر

اعة أدهى وأمرسورة القمر46ــ40( }والس (. م السابقة، فقوم أما وقد بني لنا تعاىل نوع البالء الذي أصاب كل أمة من تلك األم

سيدنا نوح وقوم فرعون قد أغرقهم، وقوم مثود أهلكت بالطاغية، وعاد أهلكت بريح صرصر عاتية. أما أمم هذا العصر، فسوف لك بنار حامية، ال تبقي وال تذر. وأما

مصادر هذه النار، فهذا ما سنبينه بعد قليل.قوى الشر قد رسخت إن املتعمق مبشاكل العصر يرجع خبيبة أمل، ويشعر بأن

جذورها، إذ ال ميكن إصالح البشرية، إال باجتثاث مسببات الشر والفساد، وال يوجد شر وال يوجد ضالل أكرب من هذه املفاسد الدنيوية املأساوية اليت تغلغلت يف القلوب

شقاء فأتعستها، وكانوا قد ظنوها فيها احلياة واملاء الغدق، فإذا ا سبل البالء والوباء، وال

74

واحلروب، وغضب الطبيعة، وجنون األنعام وهالكها، إذن لن تسعد البشرية إال بإزالتها، مث إقامة شريعة اهللا يف أرضه، وتلك اخليبة اليت يتحسسها املرء تتجلى يف عوامل عدة منها:

سباق التسلح والصراع احملموم بني الدول الكربى على مناطق النفوذ، والتقدم العلمي مث عدم كفاية األنظمة املالئمة هلذه الثورة التقنية اهلائلة، وقلة مرونتها.املخيف،

هذه األسباب وغريها، تدعو اإلنسان بأال يتفاءل مبستقبل يسوده السالم. كذلك فإن اجلهد املبذول إلنقاذ السالم ال يزال ضعيفا، والنتائج اليت متخضت عنها مؤمترات السالم

من انتشاره، أو تقليص كميته، ال يذكر، ومل تتمكن الدول من نزع السالح، أو احلد الكربى بعد من اختاذ قرار حيول دون وقوع الكارثة.

إن مؤمترات نزع السالح، واجلهود املبذولة إلنقاذ السالم، تعرتضها عقبات كثرية، نذكر منها:

يدروجينية، : فقدان الثقة بني األطراف املتصارعة املالكة لألسلحة النووية واهلأوال والنظر بعني الشك واحلذر كل إىل خصمه.

: عدم التفريط باملصلحة الوطنية والسيادة القومية، لصاحل اجلنس البشري، فالسلوك ثانيا الدويل، مل يتعد بعد املستوى القومي، وال يزال حمصورا يف فلك املصلحة الوطنية، ولذا فأي

أو السياسية أو األمنية، جيعلها لنواحي االقتصادية،ديد للسيادة القومية، أو إضرار يف اتلوح ملن يهدد مصاحلها باستعمال تلك األسلحة الرهيبة اليت لن يقتصر ضررها على اخلصم

وحسب، بل يتعداه ليعم البشرية بأسرها تقريبا.ف : وجود نظامني متصارعني يف العامل ومها، النظام الغريب والشرقي، وكل نظام تقثالثا

وراءه كتل بشرية هائلة متتلك أفتك األسلحة، وتسعى من خالل نظامها أن تبسط يدها على البشرية مجعاء. ومبا أن القائمني على كل نظام ميقت كل منهما النظام اآلخر، فإن الرد سوف

يكون حامسا إذا شعر أحدمها بأن النظام اآلخر بدأت ترجح كفته.لتسلح كما وكيفا، وحجتهم يف ذلك (إذا أردت السالم : التسابق اجلنوين حنو ارابعا

فتهيأ للحرب) ومعىن ذلك أنه إذا كان أحد الطرفني أكثر قوة، فإن اآلخر سيتلكأ عن

75

إثارة الكارثة، وحسب هذه النظرية يظل التسابق قائما، حىت ال يتجرأ أحد الطرفني ، فإمنا تدل على الذعر املتنازعني على ذبح خصمه، وهذه النظرية إن دلت على شيء

الدائم، والتوتر املستمر، بني أفراد اتمع البشري. ولكن أما يكون للخوف والتوتر من اية؟. فإذا رأينا استحالة نزع السالح وتدمريه، أما تكون احلرب هي السبيل الوحيد

للوصول إىل النهاية؟.، أكثر وأقوى بكثري، من عوامل مما أسلفنا يتبني لنا أن عوامل الشر الدافعة حنو احلرب

اخلري الدافعة حنو السالم. كذلك فإن عوامل الفساد ال تزال مستشرية، وال تزال تزداد عمقا وانتشارا.

من كل ذلك نستنتج أن البالء بات وشيكا، ويف أية حلظة، والكارثة آتية ال ريب فيها، وهي ليست من الظاملني ببعيد.

حمتوما، لو رجعنا عما حنن فيه، الرتفع البالء، وألوجد اهللا لنا إن البالء ليس قدرا فـلوال { قال تعاىل: وسيلة، ختلصنا من هذا اخلطر اجلامث على صدرنا، أمما كنا أم أفرادا.

م عذاب الخزي كانت قـرية آمنت فـنـفعها إيمانـها إال قـوم يونس لمآ آمنوا كشفنا عنـه نـيا ومتـعناهم إلى حين فباب التوبة والرجوع إىل اهللا ) سورة يونس98( }في الحياة الد .

.)1(مفتوح وال يغلق أبدا إال عند املوت أو وقوع اهلالك) والساعة أينما ذكرت يف الساعةلقد أطلق رب العاملني على هذه الكارثة اسم (

إا عموما حتمل معاين عدة:القرآن فالساعة التي يموت فيها اإلنسان،أو الساعة التي تقوم بها القيامة، أو الساعة التي

نحن بصددها.وإذا تركنا ساعة املوت، وساعة يوم القيامة حاليا واكتفينا بالساعة اليت يأيت ا السيد

هي تسمية ووية القادمة، ، لوجدنا أن تسمية احلرب العاملية أو احلرب الن�املسيح

وال الذين يموتون وهـم كفـار وليست التـوبة للذين يـعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تـبت اآلن { )1(

) سورة النساء.18(} أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما

76

:) سورة القمر46( }بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر { للحرب املطهرة:املنقذ للبشرية رسول السالم والطمأنينة �وهي الساعة املرافقة لقدوم السيد املسيح

ده تعاىل بقوله:واألمان بعد القلق املرهق والشقاء وطوىب ملولود زمانه. إذ وعإذ قال الله يا عيسى إني متـوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا {

وجاعل الذين اتـبـعوك فـوق الذين كفروا إلى يـوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم نك .) سورة آل عمران55( }م فيما كنتم فيه تختلفون بـيـ

متت بإذن اهللا �أي عند ظهوره اآلن، وقريبا جدا، فاألمارات السابقة لظهوره :�وانتهت، وجاء الفرج لكل املؤمنني، وقد حق قول رسول اهللا

دعواهما ال تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة ( . )1( ) واحدة

: وهي ساعة هالك العامل )2() الخلق شرار على إال الساعة تـقوم ال (:�وقوله إذ أن احلرب النووية القادمة متتاز كغريها من احلروب الفاسد، وقصم ظهر الكفر وأهله.

اليت سبقتها، إذ بالسرعة واملفاجأة، ولكن هذه احلرب ختتلف من حيث الغاية عن احلروبيف احلروب السابقة كانت الغاية من السرعة واملفاجأة هي إحراز النصر، أما يف هذه احلرب، أي احلرب النووية واهليدروجينية، فغايتها اتقاء خطر الفناء، والقضاء على اخلصم قضاء تاما، قبل إعطاء الفرصة له ليتمكن من الرد على خصمه. ولذا فإن البادئ يف هذهاحلرب، سوف يلقي أكرب كمية ممكنة من القنابل الذرية واهليدروجينية وغريها من أنواع األسلحة ذات التدمري الشامل، يف الدقائق األوىل، للقضاء على العدو قضاء مربما، وحموه من الوجود، غري أن وسائل اإلنذار احلديثة، والتيقظ التام سوف تفوت على البادئ هذه

يتمكن اخلصم من الرد عليه، وإفنائه أيضا. لذلك فإن احلرب القادمة ال نصر املباغتة، وس

أخرجه البخاري ومسلم. )1( صحيح مسلم. )2(

77

فيها، بل هالك شبه مربم. ومن هنا يتبني أن احلرب القادمة سوف تكون سريعة، ال تتجاوز الساعة من الزمن، وسوف تأتيهم بغتة وهم ال يشعرون.

: يسألونك عن الساعة مىت }ة عن الساع {:: بعد بيانك هذا}يسألونك {قال تعاىل:بدال من أن يفكروا يف قولك ويتبعوه، حيث إم مل يعبؤوا بقوله سألوه هذا ،وقوعهاقل إنما علمها عند ربي ال يجليها لوقتها إال {: مىت وقوعها؟. }أيان مرساها{السؤال:

. ، ولكن هلا إشارات وعالماتغ ال أعلم الوقتمبل : ال أحد يعلم وقتها، أنا }هو ال تبقي وال ،من فوقهم ومن حتت أرجلهم، نريان وزالزل ،: عظمت: هوهلا عظيم}ثـقلت {

أتدري ما فيها من هول؟. فقط تسأل عنها!. ماذا أعددت هلا؟. .تذرسماوات في ال{:بل خلاف منها ،لو فكر لعرف عظمة اهللا وملا سأل هذا السؤال

ومن السماء ،شدائد من السماء واألرض، من األرض ينبعث بالء ،: هول}واألرض على حني غرة. لكن البالء ما هو فقط بالء ،: على غفلة}ال تأتيكم إال بـغتة {:بالء

ها{ :الدنيا: بالء يف الدنيا ويف اآلخرة كأنك ال تعرف شيئا :}يسألونك كأنك حفي عنـوهم يريدون ،عنها، وال تعلمها. كأنك ال تدري عنها شيئا: تريد أن ختلصهم من العذاب

:اليهود، إذ أرادوا امتحان الرسول ألا مذكورة عندهم كفرة أن ميتحنوك امتحانا. وهمن أكثـر الناس ال ولك {:: وقت وقوعها ال يعلمه سواه}قل إنما علمها عند الله {

هذا اهلول الذي فيها. :) سورة األعراف187(}يـعلمون ال يعلمون شيئا عنها وال يفكر فيها أحد. واهللا عليم أن وقتها قريب جدا ومجيع

�كما أنه ورد يف األثر عنه اإلشارات وقعت. فما أشقى من ال يفكر ويستعد هلا!. أماكنها عن الجبال تزول حتى الساعة تقوم ال (وية واهليدروجينية:حيدثنا عن القنابل النو

.)1()ترونها تكونوا لم التي العظام األمور وترونوملا كانت هذه الكارثة م البشرية عامة، لذا كان لزاما علينا أن نعطي صورة واضحة

ذكره بعد قليل عنها، وأما ما سيعقبها من أحداث يتوقف عليها مصري البشرية، فهذا ما سن

/.38571رقم/ 14كنز العمال ج )1(

78

إن ما حيول بني الناس وبني اهللا، هو حب الدنيا الدنية ذه احلضارة املادية بإذن اهللا. العمياء املدمرة، اليت طغت على عقول الناس وقلوم، لذا فإن الرجوع إىل اهللا مرهون

الذي بإزالتها، ومبا أن البشرية ال تتنازل عن هذه احلضارة الدنيوية طوعا، فإن اهللا هويانـهم من القواعد { يزيلها، وعلى أيدي صانعيها: بلهم فأتى الله بـنـ قد مكر الذين من قـ

) سورة 26( }فخر عليهم السقف من فـوقهم وأتاهم العذاب من حيث ال يشعرون ت لرد احلق فأتى اهللا بنيام من أصله فخر عليهم ما :عملوا تدبريات وحيل وترتيباالنحل

صنعوه، ونزلت قنابلهم عليهم، هم دبروا لصد الناس عن احلق، واهللا أرسل هلم بالء }... ثم يـوم القيامة يخزيهم { فالسكني اليت حدها ضرب نفسه ا، أذاه عاد عليه:

.) سورة النحل27(لن متر عليها كارثة بلغت من الشدة مثل ما ستبلغه هذه الكارثة. ولن إن البشرية مل و

ينجو منها إال كل مؤمن، أو من عنده القابلية لإلميان. أما املالجئ األرضية فإا لن تغين من اهللا شيئا، إن شاء أن يهلكهم، ومنطق هذه احلرب يؤكد ذلك، فالذين مل يقض

عاعات الذرية والتلوث، وفساد اجلثث، والزالزل، عليهم من الصدمة األوىل، فإن اإلشستحول بينهم وبني احلياة، بعد خروجهم من املالجئ، وال ندري أيضا ما سيخرج هلم من باطن األرض. فاإلنسان ال يستطيع أن يبقى يف امللجأ زمنا طويال، ولو افرتضنا أن كل

يء خارج امللجأ غدا شيء قد هيئ فيه، فإن احلياة خارجه غدت مستحيلة، فكل شهامدا ال حراك فيه، هدوء مرعب، إال من أنني الرياح، ال أهل وال بيت وال ولد إذ أن كل

شيء قد حتول إىل رماد.ترى ماذا تتصور أن تكون حال هذا اإلنسان الذي خرج من ملجئه بعد حني، ناهيك

بلغ حد اجلنون أو عن الغبار الذري املرعب وآثاره السامة، إن حالته النفسية سوف تااليار. وسيدرك املتفائلون بإعادة احلضارة بعد احلرب من جديد، أا أماين، وأن ذلك

لرجع بعيد.

79

إن الدمار سوف يكون متناسبا مع شدة الفسق، وعلى أساس ذلك فإن مناطق املعسكرين الشرقي والغريب، ستصبح قاعا صفصفا، وستكون جثث شعوا حطبا لتلك

، ومن مث رمادا تذروه الرياح. وسوف ال حتس منهم من أحد أو تسمع هلم بعد ذلك النار ركزا.

أما منطقة الشرق األوسط خاصة اليت هي مهد األنبياء، فسوف يكون حظها من الدمار أقل، وهذا ال يعين أن تبقى فيها بعض مظاهر احلضارة فهذا حمال، فهي كغريها من

األرضية وااعة، الشيء الكثري، وسوف تكون مسرحا املناطق، ستعاين من الزالزلللحروب التقليدية، ولن ينجو منها إال القليل، بعد أن تكون احلرب قد أخرجت هلم كل أمراضهم النفسية، وهيأم للطهارة نتيجة التجائهم إىل اهللا، من شدة ما سيعانون، من

اجلوع واخلوف واألمل.عدها فقط، هي االلتجاء إىل اهللا، وااللتجاء من اآلن، لذلك فاملالجئ اليت جيب أن ن

ولن يفيد االلتجاء إذا أزفت اآلزفة، إذ ليس هلا من دون اهللا كاشفة، فالتوبة، واالستعداد، والتحرس جيب أن يكون قبل أن يأيت يوم ال ينفع فيه الدعاء.

: }قـرية كانت ظالمة وكم قصمنا من {انظروا إىل األمم السابقة ماذا حل م:ق أين هم : فكر مبن سب) سورة األنبياء11(}وأنشأنا بـعدها قـوما آخرين {مثلكم:

.. وأنتم إن مل ترجعوا للحق ستهلكون : هذا ديد ؟؟.. ماذا كانت نتائج أحواهلماآلنبد من العقل : ال ،عام لكل منحرف . فاإلنسان ولو عرف بفكره فلن يستفيد شيئا

إذا {جاءهم اهلالك: ،: جاء البالء}فـلما أحسوا بأسنا{بالعقل اإلنسان يعرف احلقائق:ها يـركضون تراكضوا ليخلصوا من البالء . ملا ،: من البلد) سورة األنبياء12(}هم منـ

كل ،احلج ،الصالة ،.. ستسأل غدا عند املوت عن الصوم؟حصلت الزالزل : أين املفروالصورة بال حقيقة ال فائدة منها : ال ،واحلقيقة بال صورة ال تفيد ،شيء له صورة وحقيقة

: أنتم غدا مثلهم . قلنا }ال تـركضوا{فالذي يأيت بالصور ال يستفيد شيئا: ،بد من اجلمعوارجعوا {:الرسل هكذا قالت ،هلم قبل ذلك على لسان رسلهم ال تركضوا غدا عند البالء

80

.. ؟: ال تفسدوا اخللق , عملكم هل هو منطقي وطيب}إلى ما أترفـتم فيه :اليت تسكنوا، ما سكنت نفوسكم فيه من الدناءة واخلبث،وانظروا إىل }ومساكنكم {

. أين هم الذين سبقوا وعاشوا قبلك؟. ؟. من سكن ا؟هذه املدن من حكمها :تعرفون إن فكرمت فتدركون أنكم بعد هذه احلياة :}لعلكم {.؟أنت وختلد هل ستبقى

:تعرف ملاذا خلقت وتتدارك األمر فتعرف أنك ستسأل عن ) سورة األنبياء13(}تسألون {هذه األشياء كلها :ستسأل عن كل ما فعلت . أما إن مل تفكر، فلن خيطر السؤال لك

) سورة 14(}إنا كنا ظالمين {: عند نزول البالء عليهم:}ويـلناقالوا يا { على بال:فما زالت تـلك {.. ؟:ولكن ما الفائدة من هذا القول عند البالء واهلالكاألنبياء

حتى جعلناهم حصيدا {: ومعارضتهم للحق وتكذيبهم لرسلي:}دعواهم :إذا ظل اإلنسان متعلقا بالدنيا "ال يفكر باملوت"، فإن مل ) سورة األنبياء15(}خامدين

با للحق: ر باملوت، يظل مكذنـهما العبين { يفك }وما خلقنا السماء واألرض وما بـيـبالسماء واألرض واجلبال هل هي ن. . فكر يا إنسا!: لعب اختذناها) سورة األنبياء16(

. ؟ها لسعادتك . هل خلقنا الدنيا لعبا؟!. أال تفكر ملاذا خلق اهللا الكونلعب؟!. كل خلقك لتكون إنسانا.

وهذه الواقعة، سوف ال ينجو منها إال كل مؤمن، أو من هو قابل لإلميان، إذ يف هذه الساعة سوف يهلك كل جمرم، أما الذين لديهم قابلية لإلميان، فإن احلق سيعرض عليه إما

، وإما على لسان أتباعه، فإن آمن واهتدى وصدق باحلسىن، �ان السيد املسيح على لسفسوف حييا حياة طيبة يف الدنيا، ويف اآلخرة يكون من الصاحلني، وإال سيهلك مع اهلالكني. إن البالء سوف ال يأخذ الصاحل جبريرة الطاحل، كما أنه ليس صحيحا املثل

) وهو مثل مغلوط، فالقرآن الكرمي كله وبه احلجة الرحمة مخصصة والبالء يعمالقائل:( البالغة، ال يؤيد هذا الزعم، بل يبني أن الرمحة خمصصة، والبالء خمصص أيضا. إن اهللا سبحانه وتعاىل قد بني لنا عن األقوام السابقة اليت أهلكت، أنه قد جنا من بينهم املؤمنني،

ناهم من ولما جاء أمرنا نج { قال تعاىل: نا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيـ يـ

81

نا صالحا والذين آمنوا معه { . ) سورة هود58( }عذاب غليظ يـ ا جاء أمرنا نجفـلم. وقل مثل ) سورة هود66( }وي العزيز برحمة منا ومن خزي يـومئذ إن ربك هو الق

ذلك عن قوم لوط، وأهل مدين وغريها من اآليات.تلك سنن وقوانني ال تتبدل وال تتغري، وهذه القوانني تنطبق على الفرد كما تنطبق على اجلماعة.. وقد وعد سبحانه بأنه سوف ينجي املؤمنني إذا أصاب قومهم البالء، قال

نا ننج المؤمنين كذ ...{ تعاىل: .) سورة يونس103( }لك حقا عليـنة ال تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة واعلموا أن الله { أما اآلية الكرمية: واتـقوا فتـ

مث )1(الفتنة :فهي تعين أولئك الذين بإمكام حماربة) سورة األنفال25( }شديد العقاب تقاعسوا عنها، لذلك فإنه ال بد أن يصيبهم ما أصاب الذين كانوا سببا يف إيقاظها، ألم بعدم يهم عنها دليل على رضاهم ا، أما إذا استشرت الفتنة واستفحلت، وخرجت عن نطاق مقاومة املؤمنني هلا، فما على املؤمن إال نفسه، ومن يستطيع هدايتهم، أو من له

لطة عليهم. سلقد بني لنا تعاىل هول هذه الساعة، وبني لنا أن النجاة يف عصرها، ال يكون إال بالتقوى، أي اإلميان املبين على الشهود، إذ ال ميكن لإلميان التقليدي أن يثبت صاحبه

أمام هذه الشدائد. يـوم تـرونـها ، الساعة شيء عظيم يا أيـها الناس اتـقوا ربكم إن زلزلة { قال تعاىل:

ا أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وتـرى الناس سكارى مرضعة عم تذهل كل .) سورة احلـج2ــ1( }وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد

شهوات يظن، إىل يوم القيامة، ألن أمحال النفس من إن هذه اآلية ال تشري كما تكون سقطت مجلة )1(كالنساء واملال واجلاه والبناء والسيارات واللباس وما شابه ذلك

الفتنة: هي كل ما يوقظ الشهوة احملرمة يف النفوس. )1(وسـكن مـع أوالده ،را منيفـا غايـة يف اجلمـال علـى شـاطئ البحـرولفهم أمحال النفس نضرب املثال التايل: لـو أن رجـال اقتـىن قصـ )1(

هل يتـذكر يف هـذه اللحظـة قصـره أو سـيارته أو أوالده ،وأصابه الغرق ،وله عدة بواخر وزوارق للتجارة ،واقتىن عدة سيارات ،العشرة أم أنه يذهل عن كل هذا لينجو بنفسه. ،أو بواخره

82

وتفصيال عند املوت،فال محل وال أطفال ترضع وأمهات ترضع يوم القيامة، كما أنه ال يبقى فإنه يتمىن أن يكون بينه وبينها أمدا بعيدا، لإلنسان أية أمنية سيئة حيملها يف ذلك اليوم،

قبل قيام الساعة، تكون موجودة فيها، وال تضعها إال )2(أما أمحال النفس وكل ما يشغلهاعندما ترى شدة هوهلا، حىت أن كل مرضعة تذهل عما أرضعت، كم عند الوالدة من عطف

ة حتدث يف الدنيا عند وقوع على ولدها، ولكن ساعتها تذهل عنه، بل هذه األحداث اهلائلالزالزل املرعبة، إذ ال يبقى للنفس من هم إال اتقاء شدة البالء، وينسى اإلنسان كل شيء،

...{: اهلول ينسيهم كل شيء:}...وتـرى الناس سكارى ..{ إال هذا اخلطر احملدق به: ...{غلهم عن كل شيء:مخرا، لكن العذاب أسكرهم وش:ما شربوا }...وما هم بسكارى

:إذا كان اهللا تعاىل يصف هذا اليوم وعذابه بالشدة، فكيف هو يا }ولكن عذاب الله شديد ترى؟!.

هذا وقد ورد ذكر للساعة يف اإلجنيل أيضا، وسنذكره يف حينه.الء كلمة علم للساعة، وهو املعين باألمر، وهو املأمور بإع �وال غرابة، فالسيد املسيح

احلق يف األرض من قيام الساعة وإىل يوم القيامة بإمداد من اهللا تعاىل، ولكن فهمت النصارى كما فهم املسلمون بأن الساعة اليت يأيت ا هي ساعة يوم القيامة.

عند يوم القيامة؟!. �أقول: ما فائدة جميء الرسول كل منهم كتابه؟!. إما بيمينه وإما أما انتهت فرتة االمتحان؟!. أما ينتظر الناس ليؤتى

بشماله، وما فائدة النصح وهل تنفع موعظة عندئذ؟!. أما كشف الغطاء وأصبح البصر يومئذ حديد؟!.

* * *

ذهله عن كل هذا.أأدىن تلف ألدىن شيء ميتلكه. أما اآلن هول الغرق واالختناق أسكره و أما لو كانت نفسه مطمئنة فإنه يغيظه

كشهوة النساء واملال واجلاه وما شابه ذلك. ،أمحال النفس هنا: هي ما حتمله النفس من شهوات )2(

83

الفصل الثالث

في هذا الفصل: أشراط الساعة. • خروج بيت المقدس من أيدي المسلمين. • طلوع الشمس من مغربها وانشقاق القمر. • ر السموات واألرض.النفوذ من أقطا • خروج يأجوج ومأجوج. • خروج دابة األرض. • زخرفة األرض. • ظهور الدخان. • أشراط الساعة الصغرى. •

* * *

84

أشـراط السـاعة

) سورة األنعام131( }ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون {لى حني غرة، ودون سابق إنذار، وهو جل شأنه إن اهللا سبحانه ال يأخذ الناس ع

إليهم رسوال حيذرهم مما هم فيه من الكفر والضالل، وينذرهم إذا مل )2(لرمحته بعباده يرسل يتوبوا نارا أعدت للكافرين.

فإذا رجعوا عما هم فيه، ووا النفس عن اهلوى، فإن اهللا من بعدها لغفور رحيم، يبدل فـلوال كانت قـرية آمنت فـنـفعها إيمانـها { عنهم عذاب اخلزي:سيئام حسنات، ويرفع

نـيا ومتـعناهم إلى هم عذاب الخزي في الحياة الد إال قـوم يونس لمآ آمنوا كشفنا عنـ .) سورة يونس98( }حين

على كفرهم، فإن اهللا يأخذهم بالعذاب األدىن دون وأما إذا عتوا عن أمر رم، وأصرواالعذاب األكرب، لعلهم يرجعون، أو يبلوهم بالبأساء والضراء، ويلبسهم شيعا ليذيق بعضهم بأس بعض، أو يضرب عليهم الذلة واملسكنة، أو يذيقهم شيئا من اجلوع واخلوف وعدم

صائب أو تلك العالجات، يصحون األمن، إىل غري ذلك من ألوان العذاب، لعلهم بتلك املمن سكرم، ويتنبهون من غفلتهم، فإذا مل يذعنوا ألمر اهللا، ومل يعتربوا من تلك املصائب

وعواصف استوائية، وزالزل وبراكني، الناشبة اآلن يف كل بقاع املعمورة، من أعاصري اء وطوفانات كسونامي وغريها الكثري يف أرج وجفاف وفيضانات يف بقاع أخرى،

األرض، وحروب مدمرة، وأمراض مستعصية لإلنسان واألنعام، كجنون البقر، وانفلونزا الطيور، وطاعون األغنام، ونفوق النوق واجلمال، وغريها، فإن اهللا بعد ذلك يأخذهم

}يم شديد وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أل { بعذاب يوم بئيس: .) سورة هود102(

عث في أمها ر قال تعاىل: { )2( لو علـيهم آياتنـا ومـا كنـا مهلكـي القـرى إال وأهلهـا وما كان ربك مهلك القرى حتى يـبـ سوال يـتـ

.) سورة القصص59} (ظالمون

85

لذلك فقد حذرنا تعاىل على لسان رسوله الكرمي، بالعالمات أو اإلشارات اليت تسبق تلك الساعة، لعلنا نتدارك أمرنا، ونثوب إىل رشدنا، فنرجع إىل ديننا، ونؤمن باهللا ورسوله،

، وضعفنا قوة، فنخدم وعندئذ سوف ينصرنا نصرا عزيزا، ويبدل خوفنا أمنا، وعسرنا يسرا إخواننا بين البشر، لسلوك الطريق املستقيم، وكي ننعم مجيعا حبياة الرغد واهلناء واحملبة والوئام، حتت لواء الرسول الرحيم، فنغدو ذه احلياة يف جنة حقيقية ننعم ا مجيعا، حنن

امل، ال لننهب ثروام، األخوة أوالد أبينا آدم وأمنا حواء عليهما السالم، فيعم ذلك بالعمن عبودية املادة ومن )2(أو نذهلم بغري احلق، كما تفعل بعض الدول اليوم، بل لنحررهم

عبودية شهوام، ومبعىن أمشل لنؤدي هلم رسالة السماء، كي يعرفوا طعم احلرية، وطعم العدل، وطعم السعادة. وننال بذلك األجر والثواب من اهللا تعاىل.

ذلك ونبقى مصرين على ما حنن عليه، فحاشا هللا أن ينصرنا، وحاشا له أن يعزنا، وإال نفعل ألن اهللا جلت قدرته لو سودنا على العامل ألعطينا الناس فكرة مشوهة عن اإلسالم.

هذا وإن كنت قد فصلت يف هذا املوضوع، فإين أضيف هنا لمحا عن كيفية الفساد، ا فيها من مفاتن، هي األساس يف إعراض الناس عن اهللا ذلك ألن حب الدنيا الدنية، وم

جل شأنه.فإذا التفتت النفس إىل الدنيا، واستغنت ا عن اآلخرة، يصبح مهها شهوا املنحطة،

وما أكثرها، وتشغل ساحتها، وتصرفها عما سواها.ل كل وبغية حتقيق تلك الرغبات املتزايدة، يسعى اإلنسان بكل ما أويت من قوة، ويبذ

ما وسعه من جهد، لسد متطلبات احلياة الكثرية واملعقدة اليت فرضها عليه جمتمعه، وهو يف غىن عنها.

إن السعادة نسبية، فالنفس ترضى بالقليل إن وجدت اتمع اإلنساين كله أو حىت البيئة اليت يقطنها، تعيش يف مستوى معني بسيط، ولكن اإلنسان إذا سكن يف بيئة

اء والولـدان الـذين يـ قال تعـاىل: { )2( ال والنسـ ن الرجـ عفين مـ ـه والمستضـ بيل الل اتلون فـي سـ م ال تـقـ ـا ومـا لكـ ن ـون ربـ قول

) سورة النساء75} (صيراأخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك ن

86

الطبقات أو املستويات املعاشية، فإنه من غري شك تأخذه الغرية، واألمل، واحلقد، متفاوتة ومبعىن آخر، لقد أفسد عليه جمتمعه حياته، واهللا ال حيب الفساد، وعندها يشمر عن ساعد اجلد، ويسعى بشىت الطرق، ويتذرع مبختلف الوسائل، ليسد الرغائب اليت فرضها

إذا سلك طرقا ملتوية دون وازع من ضمري، إلرواء غليله، عليه جمتمعه الفاسد، وال يبايل ما دام هذا الطريق أو ذاك حيقق له ما يريد.

إن مهمة الرسول الكرمي إذا هي تصحيح الوضع االجتماعي املرتدي، الذي يقودهم حنو ، اهلاوية، حنو الشقاء األبدي. فيأتيهم باهلدى، والكتاب املنري، ويعظهم ويقارعهم باحلجة

فإن مسعوا وعملوا مبا مسعوا، فإن اهللا من بعدها لغفور رحيم، يبدل سيئام حسنات، ويبتعد اهلم والقلق واألمل والظلم والشقاء بطبيعته، ويصلح باهلم. وإن أبوا واستكربوا فإن اهللا يأخذهم كما ذكرنا بألوان من العذاب، لعلهم يرجعون، وإذا مل يفدهم العالج، ومل يقبلوا

الرسول الكرمي، فعندئذ ينذرهم تعاىل على لسان رسوله، فإن أصروا على كفرهم، نصحواستهزأوا مبا أنذروا، عندئذ فإن البالء حال م ال حمالة، وسينجي اهللا الذين آمنوا منهم

برمحة منه ومتاع إىل حني.نا هودا والذين آم { قال تعاىل: يـ ا جاء أمرنا نجناهم ولم نوا معه برحمة منا ونجيـ

.) سورة هود58( }من عذاب غليظ فما وجدنا ، فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين { وقال سبحانه عن قوم لوط:ر بـيت من المسلمين . ) سورة الذاريات36ــ35( }فيها غيـ

نا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا { عيب قال:وعن قوم ش يـ ا جاء أمرنا نجولم .) سورة هود94(}وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين

سيهلك الذين كفروا منا هذا وملا أصبحت الفنت تتوارد كقطع الليل مظلما، فإن اهللاوأصروا على كفرهم، وسينجي الذين آمنوا برمحة منه، وسيجعلهم بعد ذلك فوق الذين

كفروا إىل يوم القيامة.

87

تلك قوانني ال ميكن التغلب عليها، ألن اهللا غالب على أمره، فإذا فسقت أمة، أو أمم عات نزع السالح، وال فكرة فإن هالكهم سيكون حمققا، فال مؤمترات السالم، وال اجتما

التعايش السلمي، وال توازن القوى، وال أي شيء يف الوجود، ميكنه أن يصرف البالء املنتظر إذا آن أوانه، اللهم إال بشرط واحد فقط، وهذا الشرط هو ابتعاد البشرية عما

التمسك أترفوا فيه، وتغيري هذا النهج، ج الضالل والكفر، والرجوع إىل رياض الدين، و بتعاليمه قوال وفعال، وأخذ الكتاب بقوة، والعمل به بقوة أيضا، وملا كان هذا الشرط، يكاد يكون مستحيال، بسبب االنصراف الكلي حنو الدنيا، واالبتعاد الكلي بالنسبة ملعظم البشرية عن اهللا، فإن الساعة آتية ال ريب فيها، وهذا ما بينه سبحانه وتعاىل، عندما قرن

، ومبا أن دابة األرض قد أخرجت، فإن )1(وقوع القول على الناس خبروج دابة األرضالبالء بات حمققا، ذلك ألن البشرية يف هذا العصر، تقرتف من السيئات ما فاق أعمال األمم السابقة مجيعها، وأا بلغت من الطغيان مبلغا مل يصله أحد من العاملني من قبل،

لن يرتكنا نعيث يف األرض فسادا. كال... فإنه مصيب الذين ظلموا لذا فإن اهللا عز وجل. م، بل أدهى من ذلك كله وأمريف عصرنا ما أصا

، حذرنا من هذا البالء، وبني لنا األشراط الدالة على وقوعه. �إن الرسول الكرمي حممد ما قاله ، وهذا الظهور بات وشيكا، مؤكدا �وكذلك سوف يظهر اهللا السيد املسيح

. وإذا مل تستمع البشرية لداعي اهللا، فإن البالء سوف ال يلبث طويال، �سيدنا حممد وسوف ال ينجو منه إال كل مؤمن، أو قابل لإلميان، ولن تفيدهم صياصيهم، وال غريها من

االستعدادات، إذا أراد اهللا أن يهلكهم.عة، فهي كثرية، لذا نذكر منها أما األشراط أو العالمات أو اإلشارات اليت تسبق السا

ما جاء ذكرها يف القرآن الكرمي ومت وقوعها فعال. فمن هذه األشراط الكربى:

). 163انظر شرحها بالصفحة( )1(

88

خروج بيت المقدس من أيدي المسلمينوقبل تفصيل هذا الشرط نقول من هم الذين تكون القدس يف أيديهم عند فتحها من

قبل املسلمني؟.يف زمن عمر بن اخلطاب، وكانت يومئذ حتت لقد جاء يف األثر بأن القدس قد فتحت

سيطرة النصارى من الرومان، كما فتحت ثانية على يد صالح الدين األيويب، وكانت يوم ذاك حتت سيطرة النصارى من الصليبيني، ولكن هل إىل هذين الفتحني أشار القرآن؟. أم

لك الفتح يف سورة إىل فتح آخر؟.إذا ما رجعنا إىل القرآن الكرمي جنده قد نوه إىل ذنا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتـفسدن في األرض مرتـين { اإلسراء. قال تعاىل: وقضيـنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ، ولتـعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أوالهما بـعثـ

يار وكان وعدا مفعوال فج ة عليهم وأمددناكم ، اسوا خالل الدرددنا لكم الكر ثمإن أحسنتم أحسنتم ألنفسكم وإن أسأتم فـلها ، بأموال وبنين وجعلناكم أكثـر نفيرا

وعد اآلخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة فإذا جاء .) سورة اإلسراء7ــ4( }وليتبـروا ما علوا تـتبيرا

من هذه اآليات يتبني أن بيت املقدس عند فتحه يكون بيد اليهود اإلسرائيليني، وليس من رومان وصليبيني. بيد املسيحيني

نا إلى بني إسرائيل في {وهذا ما تدل عليه تلك اآليات الكرمية: وقضيـإن اهللا قضى يف الكتاب، أي يف التوراة، أن بين إسرائيل ما داموا على :}..الكتاب

ام استكبارهم، وعدم تقديرهم لرسوهلم، وعدم تفكريهم يف آالء اهللا، وبالتايل عدم إميباهللا، فإم سيفسدون يف األرض مرتني، وهذا الفساد قد جاء ذكره يف العهد القدمي، لقد

إنذهلي أيتها السموات من هذا الفساد جاء يف سفر أرميا يف اإلصحاح الثاين:( ).واقشعري وانتفضي جسدا فإن شعبي صنع شرين

89

،ومبا أن العهد القدمي }..ض مرتـين لتـفسدن في األر ...{وهذا مصداق لآلية الكرمية:هو عبارة عن تاريخ بين إسرائيل بغض النظر عن صحة رواياته فإن هذا القول ال شك مأخوذ

) فال يؤخذ مبعناها احلريف بأن الشرين قد حدثا يف صنع شرينمن التوراة كالم اهللا. وأما مجلة (وء الرتمجة، كذلك فإن يف القرآن الكرمي املاضي بسبب التحريفات اليت أحدثوها، وبسبب س

.)1(آيات جاءت بصيغة املاضي، وهي تعين املستقبل) فإنك ترى سفر أشعيا وأرمياأما الفساد األول فانظر ما ضمنوه أسفارهم ال سيما (

، وهذا الفساد واإلفساد قد جاء قبيل )2(وصفا لفسادهم وإفسادهم يفوق حد الوصفلعاملني، لقد بني تعاىل بأن اإلفساد األول ستكون عقوبته إرسال عباد تنفيذ الوعيد من رب ا

له أويل بأس شديد. واآلن لننظر ما جاء يف اإلصحاح السابع من سفر أشعيا:تقتلون، وتسرقون وتزنون، وتحلفون، ثم تأتون وتقفون بين يدي الرب في (...

ا جميع تلك األرجاس. هذا البيت الذي دعي باسمي وتقولون أنقذنا حتى تصنعو ). أفصار هذا البيت الذي دعي باسمي مغارة للصوص

ونتيجة لذلك الفساد جاء جواب الرب كما ورد يف نفس اإلصحاح:ولم تسمعوا فسأصنع بهذا )1(وبما أنكم عملتم كل هذه األعمال وقد كلمتكم مبكرا (

كما نبذت جميع البيت الذي دعي باسمي كما صنعت ((بشيلو)) وأنبذكم على وجهي ).إخوتكم

ا يشركون أتى أمر الله فال ت { مثال ذلك قوله تعاىل: )1( سورة النحل.1} ( ستـعجلوه سبحانه وتـعالى عم (

. وحــني إلــهمــن ذلــك الفســاد نــذكر مــا جــاء يف اإلصــحاح اخلــامس مــن ســفر أشــعيا: (.. كيــف أصــفح وقــد تــركين بنــوك وحلفــوا مبــا لــيس )2(قريبـه أفـال أفتقـد علـى هـذا يقـول الـرب، وال تنـتقم امـرأةل يصـهل علـى أشبعتهم فسقوا وإىل بيت الزانية تبـادروا، صـاروا أحصـنة معلفـة هائمـة كـ

لقد غدر يب آل إسرائيل وآل يهـوذا، هـا أنـذا أجلـب علـيكم أمـة مـن بعيـد يـا آل إسـرائيل أمـة قويـة، أمـة قدميـة، أمـة "نفس من أمة مثل هؤالء، ) يـأكلون ◌ ◌ولـي بـأس شـديدأكلهـم جبـابرة وصـفهم تعـاىل: ( أمة ليسـت تعـرف لسـاا وال تفهـم مـا تـتكلم بـه. جعبتهـا كقـرب مفتـوح "عريقة

حصادك، وخبزك وغنمك، ويدحرون بالسيف مدنك احلصينة، آثامكم وخطاياكم منعت اخلري عنكم).

مــن ) دليــل آخــر بــأن اهللا قضــى لبــين إســرائيل مبكــرا أي يف التــوراة بأنــه ســيدمر البيــت إذا بلغــوا وقــد كلمــتكم مبكــرا إن مجلــة ( )1( الفسق هذا احلد.

90

). وبعد توبتهم بختنصروفعال كان تدمري البيت أمرا مفعوال على يد امللك الكلداين () وأصبحوا خري أمة، ولكنهم جالوتالذي قتل ( �ورفع شأم بعصر سيدنا داود

عادوا للفساد وإفساد حياة األمم، فغريوا سريم اليت كانوا عليها بعهد سيدنا داود يمان عليهما السالم.وسل/ ظل هذا الشعب خاسرا للقدس وخارجها 1967ومنذ ذلك احلني وحىت عام /

حتت حكم ووصاية الدول ورعايتها.لقد بني تعاىل يف اآلية السابقة، بأن اهللا قضى هلم يف الكتاب، بأم سيفسدون يف

ن فسادهم، إال أننا مل نذكر األرض مرتني، ويعلون علوا كبريا، أما وقد أشرنا وذكرنا شيئا معن إفسادهم شيئا، ألننا نعلم أن كل فساد يتبعه اإلفساد، إذ كل فاسد حياول إفساد غريه

اتبعوا سبيلنا ...{ ليكون له ذلك مربرا أمام اهللا والناس بزعمه، فمن ذلك قوهلم: .) سورة العنكبوت12( }... ولنحمل خطاياكم

لشيء ال يظهر بشكل واضح إال بضده، فإذا وجدت فئة مؤمنة وأخرى كافرة، ذلك ألن ا فإن سلوك الثانية يظهر بشعا أمام سلوك األوىل، ونتيجة هلذا التفاضل يتولداحلسد والغيظ من قبل الكفار، وعندئذ يسعون إلفسادهم، لكي يزول ذلك التفاضل، ولكي

ئيل عندما أصبحت نفوسهم خبيثة، ولكي ال ال ينكشف للناس زيفهم. وبالنسبة لبين إسرايظهر للناس فسادهم، أو تقام عليهم احلجة يوم القيامة، بزعمهم، راحوا يسعون يف األرض

الفساد، وقد تذرعوا بشىت الوسائل، لتربير إفسادهم.لقد جاء يف أسفارهم قصص كثرية من األساليب امللتوية، اليت كانوا يتبعوا يف سبيل اإلفساد،

استخدامهم للنساء، واملال، والفسق، ونشر الرتف. ،فمن مجلة األساليب مثال والكثري من هذا الشعب كان وال يزال، ينشر الفساد كلما سنحت له الفرص وواتته الظروف. ألنه كان يبغي مجع املال، واملال مادة الشهوات والفساد، ال يقتصر على اإلغراء

العقائد اليت تدين ا األمم أيضا. وتلك احملاوالت قد بالشهوات، وإمنا يلحقها إفساد نلمسها يف بعض كتب التفسري، ويف األحاديث املدسوسة، وقد متكن هؤالء مع غريهم

91

، كما أم استطاعوا )1(من الداسني، أن يدسوا يف الدين اإلسالمي الشيء الكثريرقوا األمة اإلسالمية، إىل باملساعي مع غريهم، ذه الدسوس وسذاجة من يتقبلها، أن يف

شيع وأحزاب وطوائف كثرية متناحرة.تلك حملة موجزة عن فسادهم وإفسادهم، وعن علوهم وتدمريهم يف املرة األوىل، أما يف املرة الثانية من فسادهم الثاين يف األرض، فهو بني لكل ذي عني، وما فساد أوربا، إال من مكر

ا يف فرتة ال تزيد عن ربع قرن، بواسطة حبل من الناس الغربيني املفسدين من هذا الشعب، ومتكنو ، وبعض األراضي والشرقيني، وهم الذين أمدوهم، بأن يبسطوا نفوذهم على كامل فلسطني

سيطرم واحتالهلم ملدينة م/ أكرب علـو هلم، فقد أمتوا 1967ااورة هلا، وكان عام /نفسكم وإن أسأتم فـلها فإذا جاء وعد اآلخرة إن أحسنتم أحسنتم أل {القدس:

}ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبـروا ما علوا تـتبيرامنني، مث ال بد وأن يؤمن :فيتم هالك الكفرة اجلاهلني منهم، على أيدي املؤ ) سورة اإلسراء7(

وإن من أهل { ، بداللة قوله تعاىل ووعده:�الباقون منهم مجيعا، على يد سيدنا عيسى ) سورة 159( }الكتاب إال ليـؤمنن به قـبل موته ويـوم القيامة يكون عليهم شهيدا

وقـلنا من بـعده لبني إسرائيل { بفلسطني:ريب، وأما آية مجعهم :هذا حتما سيقع عما قالنساءنا بكم لفيفا . وليست ) سورة اإلسراء104( }اسكنوا األرض فإذا جاء وعد اآلخرة جئـ

: تعين يوم القيامة بل هي آخر فسادهم وكفرهم وذلك بعد جتمعهم، فقد }اآلخرة {كلمة وقعت، وقد اجتمعوا اآلن بفلسطني.

وقبل أن خنتم هذا الشرط أو هذه العالمة الكربى من عالمات الساعة عن خروج بيت / نود أن نتعرض للنقطة التالية:1967املقدس من أيدي املسلمني لليهود، حيث وقع ذلك عام /

مــن أن يهوديــا رهــن عنــده النــيب الكــرمي درعــه. ويهوديــا � مــا يســمونه باإلســرائيليات كتلــك الروايــات الــيت تشــوه ســرية أشــرف اخللــق )1(

سحره. ويهودية مسمـت النـيب الكـرمي. وأن اليهـودي (دحيـة الكلـيب) الـذي كـان يشـبه جربيـل (بـزعمهم) خـدع الرسـول وأوحـى لـه بـاخلروجفـــال ميكــن أن يتســـمم، أو يســـحر، أو خيــدع، أو يفتقـــر مطلقـــا، ألن الســالم يعـــين األمـــان مـــن اهللا �إىل بــين قريظـــة. فمـــا دمنــا نقـــول

واللـه يـعصـمك ...{) فـأىن ملخلـوق أن يضـره أو يذلـه واهللا مـانع رسـله. قـال تعـاىل: السالم أمان اهللا فـي األرض( � تعاىل. كما قـال 67سورة املائدة () سورة املائدة 67} (... اس من الن(.

92

ذلة واملسكنة، وباؤوا لقد ذكر لنا تعاىل يف كتابه الكرمي، أن بين إسرائيل قد ضربت عليهم البغضب من اهللا، كما أنه كتب عليهم التشريد يف اآلفاق. وما دام األمر كذلك، فلماذا أصبح هلم

هذا الشأن؟.اآلية احلقيقة أن بين إسرائيل ال يزال مضروبا عليهم الذلة واملسكنة، ضمن حالتني كما ورد يف

ما ثقفوا إال بحبل من الله وحبل من الناس وبآؤوا بغضب ضربت عليهم الذلة أين { التالية:ياء من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنـهم كانوا يكفرون بآيات الله ويـقتـلون األنب

ذلك بما عصوا و سورة آل عمران112( }كانوا يـعتدون بغير حق (. : هو حبل اهللا : أي حتت سيطرة أمم إسالمية.الحبل األول: وهو حبل الناس، يعين بأن اهللا ال ميد بين إسرائيل وهم على هذه احلال والحبل الثاني

م خلدمة مصاحلهم، وتنفيذ غايام إال عن طريق الناس من غري املؤمنني، وهؤالء يسخروومآرم، على مبدأ فرق تسد. وهذا أمر واضح لكل ذي بصر بأن قيام دولة إسرائيل وبقاءها مرهون حببل أمريكا وأوروبا. أما الغاية من تسليط هؤالء وهؤالء علينا من قبل اهللا تعاىل، هي رمحته تعاىل بنا، لعلنا نتعظ ونرجع إىل ديننا وإنسانيتنا، ونتوب إىل اهللا متابا، بعدأن بلغنا من الفسق والضالل ما بلغنا. وألننا دون غرينا املعنيون واملكلفون بنشر احلق إىل العامل أمجع، وحنن األمة الوسط الذين اختارنا اهللا، منذ أن بعث الرسول الكرمي سيدنا حممد

فينا، وهذا الرسول الكرمي جاء ليكون علينا شهيدا، ونكون شهداء على الناس، ولكن �شهادة احلق للناس ال تكون إال إذا أقمنا الصالة، وحصلنا على الزكاة القلبية والطهارة. بيان

وهذه الصالة ال تقام إال إذا اعتصمنا باهللا تعاىل، وأصبح لنا الويل، دون دول الشرق والغرب.

عليكم في وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل { قال تعاىل:بل وفي هذا اكم المسلمين من قـ راهيم هو سم ين من حرج ملة أبيكم إبـ الدليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصالة وآتوا

.) سورة احلـج78( }الله هو موالكم فنعم المولى ونعم النصير الزكاة واعتصموا ب

93

وما مل نرجع عن غينا، فإن اهللا جلت حكمته، سوف يظل مسلطا علينا سوطا من وا وكذلك نـولي بـعض الظالمين بـعضا بما كان {العذاب، ومن يذيقنا كأس الذل واهلوان:

. سورة األنعام )129( }يكسبون أما العز، وحنن على ما حنن عليه، فهو حمال، وما مل نتب توبة نصوحا، ونرجع إىل

ديننا، حنكم مبا أنزل اهللا، فإن البالء سوف ال يفارقنا، حىت يقضي اهللا بأمره.ب ويرجع إىل وهنالك قانون عام ساري: فاهللا يسلط الكافر على املؤمن العاصي، عله يتو

إنسانيته، فإن عاد واستقام، وللصالة والزكاة أقام، وأمر باملعروف وى عن املنكر، سلطه تعاىل بدوره على الكافر فريدعه، لعله يؤمن، فإن آمن، رفع عنه الذل. وأفعاله تعاىل كلها خري حبق

ر إنك على كل شيء قدير وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك ال ...{ اجلميع: }خيـ .) سورة آل عمران26(

وأما بنو إسرائيل، فقد سحبت منهم شهادة احلق للناس، منذ أن جاء السيد املسيح يف املرة األوىل، ولوال كلمة سبقت من اهللا لقضي بينهم من بعد أن مهوا بقتل السيد �

يبني ذلك بعد ذكر طائفة من أنبياء بين إسرائيل . وقد جاء يف القرآن الكرمي ما�املسيح ة فإن يكفر {ذكر تعاىل قائال عن األنبياء: بـوناهم الكتاب والحكم والن أولئك الذين آتـيـ

ها ليسوا ب ...{:العرب: }...فـقد وكلنا بها قـوما ...{: اليهود }...بها هؤالء. وهذه الكلمة متوقف انتهاؤها على عودة السيد املسيح ) سورة األنعام89(}بكافرين يف املرة الثانية، فمن ال يستجيب له، فإن هالكهم سيكون حمققا وكامال. �

: أن اهللا وعد بين إسرائيل إن مل يتوبوا ويستقيموا فيؤمنوا ويقدروا رسوله وخالصة القول وعدين:

واستقرارهم يف �عند خروجهم من مصر، بقيادة الرسول الكرمي موسى : األولفلسطني، حني كانوا هداة مرشدين للبشرية، وبتطاول الزمن عليهم فسدوا وأفسدوا، وحادوا عن طريق احلق، فسلط اهللا عليهم خبتنصر، فتابوا وعادوا للحق، حتت لواء سيدنا

داود وسليمان عليهما السالم.

94

نا ...{ اء وعد اآلخرة ( أي الوعد الثاين):: إذا جالثاني فإذا جاء وعد اآلخرة جئـ:من بعد هذا التشريد عند أمم األرض، وهذا ما ) سورة اإلسراء104( }بكم لفيفا

نلحظه يف هذه األيام، فقد اجتمعوا يف فلسطني من مجيع أحناء املعمورة وأصبح املسجد املسجد �لوقعة الثانية سيدخل املؤمنون مع السيد املسيح األقصى أسريا عندهم وا

فاحتني.نا{وهاكم تأويل اآليات يف سورة اإلسراء: إلى بني إسرائيل {: حكمنا وبينا:}وقضيـ

علي، ومل تسريوا ضمن �:إن مل تدخلوا من باب موسى }في الكتاب إال اهللا، ملتم لغري اهللا، ما آمنتم إله:إن تركتم ال }ين لتـفسدن في األرض مرتـ {أمري:

باهللا: ستميلون للدنيا، وجتعلون الناس مييلون إليها، سيكون هذا مصريكم.: حيث أن قلبهم ممتلئ باخلبث. ) سورة اإلسراء4(}ولتـعلن علوا كبيرا{وتفسدون مرتني:

: }فإذا جاء وعد أوالهما{بقلبكم حب الدنيا وستعلون ا:إن تباعدمت عن اهللا ومل تعظموه، سيقع : وقد فسدمت، وهذا }بـعثـنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد {سيكون هذا لكم: الفساد األول:

ا تسلط عليهم (كم ما : فجاؤوا لتأديبكم، وحصل ل}فجاسوا خالل الديار {):بختنصروقع مل

:مفعوال: أي وقع هذا وانتهى. هذا اخلطاب لليهود ) سورة اإلسراء5(}وكان وعدا مفعوال {حصل:، ذكرهم اهللا مبا جرى هلم. مث تبتم ورجعتم والتجأمت، وعاهدوا فجاءهم سيدنا �يف عهد رسول اهللا

، وانتصر سيدنا داود على العدو �د : بعصر داو }ثم رددنا لكم الكرة عليهم {:�داود ) 6(}وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثـر نفيرا{ورفع اهللا شأم، فأعطيناكم ماال وأوالدا:

: صار لكم مقامكم العايل، بتوبتكم وإميانكم، فغدومت بعهد سيدنا داود وسليمان سورة اإلسراء أمة أخرجت للناس، ألنكم كنتم تأمرون باملعروف، وتنهون عن املنكر، عليهما السالم، خري

إن أحسنتم أحسنتم {ومعه القرآن، فخاطبهم تعاىل: �وتؤمنون باهللا. اآلن أرسلنا لكم حممدا :اآلن قد حصل لكم يا بين إسرائيل أوال ما حصل، ولكن إن أحسنتم وآمنتم به، فتبتم }ألنفسكم

:ظللتم على ما }وإن أسأتم {علي حولت عنكم البالء،خلصتم منه: �دخلتم من باب حممد و : الوقعة }فإذا جاء وعد اآلخرة {: ستحصل لكم الثانية:}فـلها{الفساد:أنتم عليه اآلن من

95

) إذ سنرسل نصربخت: ستستاؤون كما حصل لكم زمن (}ليسوؤوا وجوهكم {واألخرية: الثانيةوليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتـبروا {:�لكم هؤالء املؤمنني، بقيادة السيد املسيح

:ال يبقون لكم أثرا، بل يقطعونكم تقطيعا. وهكذا فاهللا تعاىل، ) سورة اإلسراء7(}ما علوا تـتبيرافسد (ضربة) فريجع إىل اهللا، فيعطيه الدنيا مرة ثانية، فإن نكل، جاءه اهلالك يرسل على اإلنسان إن

إن تبتم رفعت عنكم الشدائد، هنالك أناس كثر :}عسى ربكم أن يـرحمكم {وال مفر منه:وإن {: عند ظهوره اآلن �منهم سيؤمنون مع سيدنا عيسى

وجعلنا جهنم للكافرين {. وهذه عامة لكل إنسان::لتأديبكم}عدنا{::للمعارضات}عدتم يهدي {: الذي أنزلناه على رسولنا يف ليلة القدر:}إن هذا القرآن { حتصرهم::) سورة اإلسراء8(}حصيرا

يا سعيدا، أهدى وأقوم وأمثل طريق. خلقك تعاىل للسعادة، لتعيش يف الدن:للبشرية، }للتي هي أقـوم : الصاحل }الذين يـعملون الصالحات {: دنيا وآخرة:}ويـبشر المؤمنين {ويف اآلخرة سعيدا.

لإلنسانية، املثمر له دوما يؤيت أكله كل حني بإذن ربه، إذ ال شائبة فيه، ألن غايته بعمله لنسل إىل يوم القيامة، املؤمن حقا وجه اهللا، ونتاج هذا العمل يدميه اهللا له، على احلرث وا

يعمل الصاحلات، يرى السعادة يف األعمال الصاحلة، الصالة كلها وسائل للعمل الصاحل، : ال اية وال حد هلذا ) سورة اإلسراء9(}أن لهم أجرا كبيرا{لتكون من أهل اإلحسان:

:لكنك سترتك الكل، أنت اله يف الدنيا فهل }وأن الذين ال يـؤمنون باآلخرة {العطاء:أعتدنا لهم {أنت مؤمن باآلخرة؟. لست مبؤمن وال مبفكر ا، املؤمن ليس هذا عمله:

:املؤمن ا حقا يستقيم، فال يشذ أبدا.) سورة اإلسراء10( }عذابا أليما

* * *

96

طلوع الشمس من مغربھا وانشقاق القمروالقمر آيتان من آيات اهللا، يسريان حنو غاية معينة وألجل، ال يتبدالن إن الشمس *

إىل آخر الدوران، وأي تبديل يف نظامهما، يتبعه تبديل نظام الكون كله، فإذا طلعت الشمس من مغرا، فمعىن ذلك أن األرض بدأت تدور بعكس اجتاهها األول، وبالتايل

ينبغي أن يكون، ألن اهللا قد نفى ذلك بآية صرحية:أصبح الليل سابقا للنهار، وهذا ما ال }ال الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر وال الليل سابق النـهار وكل في فـلك يسبحون { .سورة يـس) 40(

شرق لذلك فإن هذه اإلشارة أو هذه العالمة ال تعين هنا هذا الكوكب امللتهب الذي ي يف الصباح، ويغرب يف املساء وإمنا معىن طلوع الشمس هنا، هو معىن جمازي.

يا أيـها { أنه سراج منري، والسراج هو الشمس: �كما أنه تعاىل حدثنا عن رسول اهللا ) 46ــ45( }وسراجا منيرا وداعيا إلى الله بإذنه ، النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا

مشس النبيني رمحة للعاملني نور اهللا الذي به يرى طرف من أمساء �. فكان سورة األحزابالكاشف ملا أغلق �اهللا احلسىن، فهنا جاء معىن السراج جمازيا كشفا حلقيقة رسول اهللا

والفاتح ملا سبق. ؤيا مشسا وقمرا وإخوته كواكب.رأى والده وأمه يف الر �كما أن سيدنا يوسف

تغرب يف عني محئة فهل �أما الشمس اليت هي مدار حبثنا وجدها ذو القرنني يعقل أن تغرب هذه الشمس اليت يف السماء يف بقعة من بقاع األرض رغم ضخامتها أم

. وماذا حيدث لو اقرتبت الشمس من األرض كيف جيد قوما عندها وهي يف السماء . . أال تتبخر الكرة األرضية وتفىن؟ مدارها املعروف علميا بداهة؟وخرجت عن

إذن: املقصود بطلوع الشمس من مغرا، هو بزوغ احلضارة وعلومها الرباقة من جهة السراج � الغرب، أو من اجلهة اليت غربت فيها، ال من املشرق عن طريق مشس النبيني

املنري.

97

على املعمورة من الغرب، وانتشرت كالشمس يف أرجائها، إن حضارة هذا القرن، قد أشرقت إذ ما من أحد إال وعليه أثر من آثار أشعتها، وما من امرئ إال وومسته مبيسمها.

تلك احلضارة اليت انتشرت عمقا واتساعا، يف أحناء األرض، قد غزت عقول الناس شون يف ظلمات وقلق، وقلوم، وأزاغت قلوم عن منبع النور احلقيقي، وجعلتهم يعي

ونتيجة ما أرسلته مع أشعتها من شوب، استطاعت أن تبهر عقول الذين كفروا، حيث جعلتهم يف ظلمات ال يبصرون، وذا العمى القليب، راحت البشرية تعب منها عبا دنيويا

حمضا، ال إميان فيه.ية، ترمز وتدل على * فما شروق الشمس من مغرا، وال انشقاق القمر، إال معاين جماز

) سورة 1( }اقـتـربت الساعة وانشق القمر { أشراط الساعة الكربى، وبداية اآلية الكرمية:تؤكد هذا املعىن وتبينه بوضوح، بأن اقرتاب الساعة مرتبط بانشقاق القمر، وليست كما :القمر

:ومما يؤكد هذا املعىن أيضا �يقال أا معجزة لرسول اهللا * أن اهللا تعاىل مل يؤيد رسوله باملعجزات، وال خبوارق العادات، وإمنا أيده بقرآن يقذف

بآياته باطل الكفار، فإذا هو زاهق ال حياة فيه.، كما بينها ذلك ألن للمعجزة تعريف: وهي تكون ظاهرة مكشوفة للناس وفيها حتد *

يـوم الزينة وأن يحشر الناس قال موعدكم {:� تعاىل مبعجزة عصا سيدنا موسى:واملعجزة ليست بناقلة ألحد من الكفر إىل اإلميان، ما مل يعمل سورة طـه) 59( }ضحى

العظيم. وقد بني تعاىل بآية واضحة سبب اإللهفكره، ويتأمل يف هذه الكائنات، صنع ما منـعنا أن نـرسل باآليات و { منع إرساله املعجزات، أن كذب ا األولون، قال تعاىل:

فبعد التكذيب باملعجزة، اهلالك ،) سورة اإلسراء59( }... إال أن كذب بها األولون احلتمي، واهللا يدعو إىل دار السالم، وال يرضى لعباده اهلالك، فهل يرسل هلم ما يهلكهم،

املعجزات وما آمنوا، سيهلكون، وهم لن وهو العليم بأحواهلم وبتكذيبهم؟!. فإن جاءت يؤمنوا،وهاك نظرة سريعة لصنائع املعجزات.

98

، بردا وسالما،وما زاد ذلك قومه إال كفرا وعنادا، ومل �: كانت على سيدنا إبراهيم فالنار * يؤمن من قومه أحد، وأصبحوا فيما بعد، قوم لوط املرجومني حبجارة من سجيل.

، بناء على �: معجزة أرسلت لقوم سيدنا صاحل الصخرة خروج الناقة من *طلبهم، ومن صخرة هم عينوها،فما جعلت قومه يعظمونه يف شيء، بل ما كان منهم إال

، مث عقروا الناقة، وعتوا عن ) سورة الشعراء154( }..ما أنت إال بشر مثـلنا{أن قالوا:) سورة 77( }ئتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين يا صالح ا ...{أمر رم، وقالوا:

،وهلكوا.األعرافبعد أن رأوا ما رأوا، من آيات بينات �* وقال آل فرعون لسيدنا موسى

ورة ) س132( }مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ...{ ومعجزات: وازدادوا كفرا وعنادا.،األعراف

أحيا امليت وأبرأ األكمه واألبرص، وخلق من الطني طريا �أيضا معجزات سيدنا عيسى *ومكروا ،) سورة الصف6( }فـلما جاءهم بالبــينات قالوا هذا سحر مبين ...{ بإذن اهللا، أما قومه:

}... الكتاب والحكم والنبـوة ...{ الك احلقيقي، إذ حرموا من:، وحل م اهل�مكرا ليقتلوه :بعد كفرهم. واهللا آواه وأمه إىل ربوة ذات قرار ومعني، ويقال أا ربوة دمشق،أي: ) سورة األنعام89(

، عنهم بكفرهم.�سحب تعاىل هذا اخلري العظيم، ة من رؤية املعجزات، إن مل يصدق أنه ال فائد * وكما أشارت اآلية الكرمية إىلولو فـتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه { اإلنسان بطلب احلق، يف قوله تعاىل:

) سورة 15ــ14( }لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قـوم مسحورون ،يـعرجون اإلنسان هو بذاته طالبا للحق فسينكث ويعود للمعارضة ويظن : إن مل يكن احلجر

املعجزات سحرا، فاإلميان أصل من دونه لن يصدق املرء بطريق الكمال.فاملعجزات ليست بناقلة أحدا من الكفر إىل اإلميان من األقوام السابقة، لذا أتت اآلية

رسل باآليات إال أن كذب بها األولون وما منـعنا أن نـ { الكرمية بإيقاف ظهور املعجزات:إعمال الفكر الدقيق، فيما يسمعه اإلنسان من ،بل ال بد من) سورة اإلسراء59( }...

99

، فرفع تعاىل �، وكما آمن صحابة رسول اهللا �اهلدى والبيان، كما آمن سيدنا إبراهيم مع اخلشية من الفراق الذي ال بد منه، قال شأم، أو النظر والتأمل يف هذه الكائنات،

سورة ) 37( }إن في ذلك لذكرى لمن كان له قـلب أو ألقى السمع وهو شهيد { تعاىل: .ق

القرآن الكريم معجزة الرسول صلى اهللا عليه وسلم الخالدة:ة، كجمال األسلوب، وال يف جرسه * أما معجزة القرآن، فال تنحصر يف ناحية معين

العجيب، وال يف غزارة معناه، مع إجياز لفظه ومبناه، وإمنا تشمل أيضا، احتواءه على علوم البشر، يف ماضيها وحاضرها ومستقبلها،قال تعاىل:

: �. قال رسول اهللا ) سورة األنبياء10( }... لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم { ليس الفصل وهو بينكم، ما وحكم ،بعدكم ما وخبر قبلكم، ما نبأ فيه الله كتاب(

وهو الله، أضله غيره في الهدى ابتغى ومن الله، قصمه جبار من تركه من ،بالهزل به زيغت ال الذي هو المستقيم، الصراط وهو الحكيم، الذكر وهو المتين، الله حبل

وال الرد، كثرة عن يخلق وال العلماء، منه يشبع وال نة،األلس به تلتبس وال األهواء، عجبا قرآنا سمعنا إنا: قالوا حتى سمعته اذ الجن تنته لم الذي هو عجائبه، تنقضي به حكم ومن أجر، به عمل نوم صدق، به قال من به، فآمنا الرشد إلى يهدي .)1()مستقيم صراط إلى هدي إليه دعا ومن عدل،

عاىل الرسل الكرام صلوات اهللا عليهم، إال بلسان قومهم. قال تعاىل:هذا ومل يرسل ت .) سورة إبراهيم4(}... وما أرسلنا من رسول إال بلسان قـومه {

كان السحر بأوجه، فأيده اهللا تعاىل مبعجزة أبطل ا �ففي عصر سيدنا موسى فقد جاء بعصر الطب وتفوقه، �عيسى شعوذم ودجلهم وختييالم وأما سيدنا

مبعجزات ما أبطل علمهم، كإحيائه املوتى بإذن اهللا، وخلق من الطني كهيئة الطري فيكون طريا بإذن اهللا، وإبرائه األكمه واألبرص.

/.3070سنن الرتمذي رقم/ )1(

100

جاء بعصر امللك، وكيف أن اهللا وهب له من امللك ما �وكذلك سيدنا سليمان مل يهبه أحدا من بعده.

إذ أصبح الزمن زمنا يتبارى فيه البلغاء، �مر يف عهد سيدنا حممد وكذلك األويتنافس فيه الشعراء، ومل يبق للملك والسلطان تلك القيمة اليت كانت له عندهم من قبل، فبيت شعر بنظر العرب آنذاك، أمثن لديهم من قصور كسرى وقيصر، فجاءهم رسول اهللا

وفة ظاهرة لكل الناس، وفيها حتد من اهللا تعاىل بالقرآن الكرمي، معجزة أبدية مكش �فإن لم تـفعلوا ولن تـفعلوا فاتـقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت { هلم:

سورة من مثله وادعوا وإن كنتم في ريب مما نـزلنا على عبدنا فأتوا ب ،للكافرين : حتد واضح من اهللا }..فإن لم تـفعلوا ، شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين

األزمان وإىل اية الدوران، : وهذا حتد لكل}...ولن تـفعلوا ...{ تعاىل هلم.) سورة 24ــ23(}ودها الناس والحجارة أعدت للكافرين فاتـقوا النار التي وق {إذن: .البقرة

، وقد �القرآن الكرمي هو املعجزة الكربى الوحيدة، اليت أيد اهللا تعاىل ا رسوله الكرمي وقالوا لوال {ذكر ذلك عز وجل، مبينا أن ال معجزات سوى هذا القرآن الكرمي بقوله تعاىل:

أولم يكفهم أنا ، نزل عليه آيات من ربه قل إنما اآليات عند الله وإنما أنا نذير مبين أ لى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يـؤمنون ) 51ــ50( }أنزلنا عليك الكتاب يـتـ

.ورة العنكبوتسأمل يكفهم أنه أنزل على رجل منهم ال يعرف القراءة والكتابة، والذي يتحدى به بل بسورة منه، أمراء البيان وفحول الشعراء، أن يأتوا مبثله ويف سائر األزمان والعصور، وعجزوا ويعجزون إىل يوم القيامة، ولو كان اإلنس واجلن بعضهم لبعض ظهريا. أال يعترب حبق

. بل أعظم معجزة دائمة ملن أراد وجه احلق!. عجزةمأوليس ما حنن واقعون فيه ذا الزمان، من إشارات وعالمات للساعة، قد بينها تعاىل يف كتابه الكرمي، منذ أربعة عشر قرنا ونيف، أليس هذا مبعجزة؟!!. أال يستدل من

101

ال يأتيه الباطل من بني يديه عالمات الساعة املذكورة يف القرآن الكرمي، أن هذا الكتاب،هذا الزمان ذا الوصف الدقيق، وعرب عنه �وال من خلفه؟. كيف وصف رسول اهللا

بكلمات جامعة مانعة... أليس هذا مبعجزة؟!.إن كلمة شروق الشمس من مغرا، وانشقاق القمر، وغريها من اآليات اليت ختص

ية، اليت أفاضها تعاىل على رسوله الكرمي، هل اإلالساعة، هلي من أكرب املعجزات والرمحات لكي نتدارك أمرنا، ونعود إليه تعاىل.

) 53ــ52( }وكل صغير وكبير مستطر ، وكل شيء فـعلوه في الزبر { قال تعاىل : . سورة القمر

هذا الغيب قد * هذا وملا كان الغيب هللا، فإنه ال يطلعه إال ملن ارتضى من رسول، و مل يضن علينا مبا كشف له �كشفه جل وعال لرسوله الكرمي ليلة أسرى به، والرسول

.)2(تعاىل من علم الغيبفذكر األحداث الكربى اليت ستجري يف املستقبل. وما عالمات الساعة اليت نتحدث عنها

ها تعاىل يف كتابه العزيز.اآلن إال من آثار تلك الفتوحات الغيبية، اليت أراه اهللا إياها. وأوردإذن: فإن انشقاق القمر كما بينا آنفا ليس مبعجزة، وإن الروايات اليت ذكرت حول هذه اآلية، ال صحة هلا أبدا أنه انشق فلقتني، فلقة من دون اجلبل، وفلقة من خلف

ردناه بزعمهم: (اللهم اشهد) فذلك يتناىف مع القرآن الكرمي مبا أو �اجلبل. فقال النيب بآيات سابقة،ويتناىف مع القوانني الكونية اليت سنها تعاىل، وإمنا آية االنشقاق، وحديث طلوع الشمس من مغرا، ودابة األرض، إشارات ودالئل لقرب وقوع الساعة، ولو أن آية

حينها لوقعت الساعة يف تلك األثناء، وهذا ما �انشقاق القمر حصلت بزمن الرسول امتدت الدنيا إىل وقتنا هذا، وحنن اآلن نعيش هذه العالمة، وقرب الساعة مل حيدث، بل

احلتمية.

. ) سورة التكوير24ــ22(} وما هو على الغيب بضنين ،ولقد رآه باألفق المبين ، وما صاحبكم بمجنون { )2(

102

لقد بينا قبل قليل عن طلوع الشمس من مغرا، وبينا بأا رمز للحضارة القادمة من الغرب، هذه احلضارة اليت ظلت حمجوبة وبشكل عملي، عن الشرق اإلسالمي حىت أوائل

بدأ إشراقها بدون حجاب، بعد احلرب الكونية األوىل، وبدأ العامل القرن العشرين تقريبا، و اإلسالمي عامة، والعريب خاصة، ينسلخ عن منبع النور اإلسالمي، من مشس النبوة،

، مستمدا نوره من هذه الشمس الدنيوية احملضة اليت بانت من الغرب، �السراج املنري فأصبح قمرا للغرب، يعكس وهج مشسها.

ار اهللا تعاىل هذه األمة اإلسالمية العربية أمة وسطا، ليكونوا شهداء على لقد اخت، إال أم اآلن هجروا هذا �الناس مبا يستمدونه من نور اهللا، عن طريق رسوله الكرمي

النور واستبدلوه بنور احلضارة املادية احملموم، وبذلك فقد األمل منهم تقريبا يف إقامة احلق وخلق اهللا، واملكلفة بإنقاذ العامل، �ذه األمة الوسط بني رسول اهللا على األرض، ألن ه

ي، قد حتولت بوجهتها إىل الغرب، لذلك، فإن اقرتاب وقوع اإلهل من الظلمات إىل النور الساعة بات حمققا، وال بد يف هذه احلالة، من جميء منقذ للبشرية ينقذها من مشس

رسول السالم، هو املهيأ هلذا اإلنقاذ. الباطل إىل مشس احلق، والسيد املسيح فيا أيها الناس اتقوا ربكم، إن زلزلتها لشيء عظيم، وإن عذاا لشديد.

هذا وإن انشقاق القمر الذي ورد ذكره يف اآلية الكرمية، إن هو إال حدث من األحداث الوقت املسطرة يف الزبر، يبني اهللا تعاىل فيها ألهل كل عصر، ما يهمهم من اآليات يف

، وليعلموا أن )1(وما جاء به هو احلق من ربه �املناسب، ليعلموا أن اهللا حق، وأن الرسول اهللا على كل شيء شهيد، وبيده جناة ونصر من يتقيه.

) سورة 1( }اقـتـربت الساعة وانشق القمر { فبما أن القمر املذكور باآلية الكرمية:املنري كما ذكرنا، إمنا يشري إىل معىن جمازي، وهو البلد الذي : ال يعين ذلك الكوكبالقمر

يستمد من احلضارة الغربية، اليت هي الشمس للعامل، من االخرتاعات واإلبداعات، وهلا التبعية وبكافة األقطار اإلسالمية وغري اإلسالمية، ولفرتة وجيزة كانت هذه الدول تتنعم

) سورة فصلت53} (ي أنفسهم حتى يـتبـين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد سنريهم آياتنا في اآلفاق وف { )1(

103

الدنيوية احملضة، عوامل املادة، من سيارات وطائرات بنتاج حضارة مشس الغرب، ونتاج علومهوقطارات واملصانع الضخمة، وشبكات االتصال والفضائيات، ووسائل اللهو واإلنرتنت، ونقلت كل فنونه حىت يف اللباس واألدوات املنزلية والغناء، فأصبح العامل يعيش بتلك الصور

الكلي حنو هذه الشمس. فقد أشاح الناس الدنيوية حمجوبا عن احلقائق الباقية، باالجتاهبالعامل أمجع، عن مبدع السموات واألرض، وما أعده هلم من جنات باقيات، باتباعهم هلذه

واليت تعقبها خسارة أبدية. احلضارة اآلنية،لقد أصبح الشرق كله، قمرا يستمد نوره من مشس حضارة الغرب، وما العامل اإلسالمي

ن الشرق، شأنه شأن باقي الدول، يستمد نوره أيضا من هذه الشمس إال جزء ال يتجزأ ماحلضارية. مث وبفقدان الروح والغذاء القليب للبشر، بدأت تدرك ما فيه من خطر، وبدأت باالنشقاق، كإيران وشعوب وقبائل باكستان وأفغانستان والقرن األفريقي والعراق وغريهم،

واحدة فيما بينها(إذا االنشقاق حاصل يف كل الدول حىت أن االنشقاق حاصل بني الدولة العلى أعلى وأصغر املستويات) بكل ما تتضمن كلمة االنشقاق من معىن. أما انشقاق

الصني فتم حنو األسوأ، ويا ليتهم مل ينشقوا.انشقوا عن استعمار بالدهم ولكنهم قتلوا أنفسهم إذ غدوا (كاملستجري من الرمضاء

ما يقول املثل العامي (طلعنا من حتت الدلف إىل حتت املزراب)، لقد هووا بالنار)، أو كبانشقاقهم عن الغرب إىل قاع الشيوعية اليت ال روح فيها أبدا وال حياة قلبية، بل فيها نكران

واآلخرة، فهم بالضالل غارقون، وثبت عليهم وعلى بالدهم ما أطلقه أهل الصالح اإللهلصني هي بالد اخلطا)، حىت الكثري من األثرياء يف العامل وغريهم، عربوا عن بالد ا األولون (أن

انشقاقهم عن هذه احلضارة وإفالسها يف نفوسهم، مبا سجلت من حاالت كثرية يف االنتحار، وخاصة يف الدول الراقية. وإليك نبذة من اعرتافام:

" املتهم بكل والكر جيميوحىت عن ملذات ومالهي مدينة نيويورك املتنوعة فإن " شيء إال بعمق نظرته وغور تفكريه قال عنها يف آخر سين حياته:

).أصبحت اليوم ال أرى سحر وفتنة األمس إال شيئا مبهرجا تافها (

104

"مقنعا"). إن أعلى متع األرض ليست إال ألما متنكرا ": ( دراموندويقول "ك هي الحياة البشرية الفانية، عجبا، كما هي الريح كذل": (سير أرنولدويقول "

).عويل، ندب، تحسر،غضب، كدح. سورة طـه) 124( }... ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا{ قال تعاىل:

وهكذا فليست اللذائذ الدنيوية احملضة سوى شقاء وأمل وخسارة أبدية وحسرات مغلفة بغالف براق خمادع.

اليوم من كوارث وفيضانات وزالزل وجماعات، وحروب وأعاصري مدمرة إن ما نعيشه وحرائق يف الغابات واملدن، ومن ذوبان القطبني الشمايل واجلنويب واخنفاض يف املياه اإلقليمية ونقص كبري من مستويات األار، وارتفاع درجة حرارة األرض وفساد البيئة

الحق أهواءهم لفسدت السماوات واألرض ومن فيهن ولو اتـبع { نتيجة ملا ذكره تعاىل::ومبا أن اهللا تعاىل منح اإلنسان حرية االختيار، وهم اختاروا ) سورة املؤمنون71(}...

وصمموا على ما مل يرضه اهللا هلم. لما يعود عليهم بذلك من هالك، ولكنهم أصروا ام،وكل واحد سار واه فتغري نظام الكون، زالزل، طوفانات، فأعطاهم طلبام ومشتهي

قحط. حل البالء الذي أشرنا إليه وسيعقبه اهلالك العام إن مل يثوبوا إىل رشدهم ويلتجئوا إىل رم، ليصلحوا ما أحدثوا من عظيم الفساد، والذي عاد عليهم بأمراض غريبة أصابت

، مصدر غذائنا، ومن آالم وأمراض نفسية على اإلنسان، وأمراض أخرى أصابت األنعاممستوى العامل، حىت أوصلت الكثري منهم إىل االنتحار، وكل ذلك نتيجة انغماس الناس باحلياة الدنيا، واتباعهم مشس هذه احلضارة الغربية، اليت أعمتهم عن احلقائق، وأصمتهم

فساد في البـر والبحر بما ظهر ال { عن مساع احلق، بسبب ما اقرتفت أيديهم من آثام: .) سورة الروم41( }كسبت أيدي الناس ليذيقهم بـعض الذي عملوا لعلهم يـرجعون

فكم هو ربنا رحيم ورؤوف ذا اإلنسان، فالدنيا ال ميكن أن تكون جنة، ألا ليست ، الذي �ؤمنون مبا يستمدون من مشس الرسول الكرمي باقية، ومصريها إىل الزوال، وأما امل

يأتيهم باألنوار من اهللا، فهم يف اجلنة، وبه تعاىل احلياة األبدية السرمدية الباقية، وما وصلت

105

الناس إليه اليوم من ضيق وحزن وأمل، فال بد أن يبدل اهللا شقاءهم سعادة، بعودة وشروق سالم، واألنبياء مجيعا هم مشوس احلقائق، وكان مشس السيد املسيح، حبيب اهللا، رسول ال

ظهورهم دوما يف الشرق األدىن، مهبط الرسل والنبيني، واالنشقاق ظهر يف هذا العصر فقط، عن مشس الغرب املادية احملضة. وهذا االنشقاق مرحلي، ورفض مبدئي ألم احلضارة اليت

الكلي إثر احلرب العاملية الثالثة وعظيم ولدا، والكشف عن زيفها وغرورها، ويئة لرفضهاأهواهلا الكربى وكرا، فعندها يتم الرفض الكلي والتقبل باألشواق لعصر املنقذ رسول اهللا

، عندها تزول عن العيون الغشاوة، وعن اآلذان الوقر، وتتفتح القلوب ألنوار �املسيح .�احلقيقة بقدوم السيد املسيح

:وخالصة القولن سورة القمر ومن بدايتها، تتحدث عن التكذيب واإلعراض الكلي عن اهللا تعاىل، إ

وتستعرض األقوام السابقة حني أتاها العذاب، ابتداء من قوم سيدنا نوح، إىل قوم سيدنا هود، إىل قوم سيدنا صاحل، إىل قوم سيدنا لوط، إىل قوم سيدنا موسى، وبعد هالك

كر تعاىل يف آخر السورة، تكذيب أهل هذا الزمان، والنهاية املكذبني على طول الزمان، يذ املؤسفة اليت سينتهون إليها، شأم يف ذلك، شأن من سبقهم من الكافرين، الذين كذبوا دعوة الرسل، وقد اجتمعت فيهم مجيع علل األقوام، من كفر وعناد وتطاول يف البنيان،

: باحلرب القادمة:}ن نحن جميع منتصر أم يـقولو {وشذوذ يف األخالق، وغش وإعراض:بـر { ون الدإذ أن هذه احلرب النووية اهليدروجينية، ال نصر فيها }سيـهزم الجمع ويـول :

والساعة أدهى ...{:ساعة البالء العام:}...بل الساعة موعدهم {أبدا: الكهم، من الساعات اليت مرت ر) سورة القم46ــ44(}وأمر هذه الساعة هي أدهى :

: أي أشد مرارة من غريها، وذلك لعموميتها }وأمر ...{على األقوام السابقة، وكلمة بأرجاء الكرة األرضية.

* * *

106

النفوذ من أقطار السموات وا�رض

نس إن استطعتم { :قال تعاىل أن تنفذوا من أقطار السماوات يا معشر الجن واإلبان ، واألرض فانفذوا ال تنفذون إال بسلطان كما تكذآالء رب يـرسل عليكما ، فبأي

. ) سورة الرمحن35ــ33( }شواظ من نار ونحاس فال تنتصران ة ظهرت حكمتها اآلن، إذ يبني اهللا بأن نفوذ اإلنس واجلن، من إن هذه اآليات الكرمي

أقطار السموات صعودا حنو التسلح ضمنا واألرض غورا للتنقيب، ال يتم إال بسلطان، بقدرة ومعرفة وعلم، من استطاع أن يعرف ذهابا يف السموات أو غورا يف األرض فله ذلك

بسلطان الفكر. ولكن جيب أن يعد العدة، فال نفاذ إالهذا الشيء قد مت فعال، واستطاعوا أن ينفذوا من أقطار السموات واألرض، بعد أن ختلصوا من سلطان األرض أو جاذبيتها. ولكن على اإلنسان أال يغرت مبا وصل إليه، ألن هذا العلم إمنا هو من نتاج الفكر والعقل، اللذين وهبنا اهللا إيامها لنسمو ما، ال لنكون

السمع، كما قالت كاجلن الذين يصعدون من أقطار السموات واألرض، للشر واسرتاق وجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا{اجلن: وأنا كنا نـقعد ، وأنا لمسنا السماء فـا ليس برقي :فهذ) سورة اجلن9ــ8(}...مقاعد للسمع ..{:من السماء:}...منـها

إنساين، بل كالرقي الشيطاين، واجلن أدىن مرتبة ومنزلة من اإلنس، بل الرقي باإلميان باهللا واألنس والسمو به، فنبلغ مرتبة اإلنسانية احلقة، وننال اجلنات من حضرة اهللا، دنيا وآخرة،

ا، والغاية اليت وهذا الفكر حيمل طاقات هائلة، أعد لنصل به إىل موجدنا، لنحقق إنسانيتنخلقنا من أجلها كما أشرنا، أما وقد وجهه الناس إىل غري ما أعد له، فإنه أيضا يبدع يف

اجلهة اليت صوب حنوها، ولكن بطريق يؤدي إىل هالكهم.ية، فغشت نفسها، وحولتها عن مصدر خريها اإلهل أما إذا استهانت الناس بالقدرة

وجود، كيفما تريد وحسبما تشاء، عندئذ حذرنا سبحانه، وظنت أا ستتصرف هي بال: ) سورة الرمحن35( }يـرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فال تنتصران { تعاىل بقوله:

107

ذه احلضارة الفضائية النووية اليت صنعتها اإلنس ال نصر فيها، بل خسارة تفوق الوصف لكال املتصارعني.

:إمهال وحتذير، ولكنه إمهال غري طويل. وفيهما أيضا فعل يرسل }...يـرسل {يف اآلية:مبين للمجهول، ومعىن ذلك أم بتنفيذهم ذلك، يرسل عليهما بواسطة أو بأخرى، شواظ من نار وحناس، قد تكون هذه هي القنابل النووية احملمولة بواسطة املركبات الفضائية

لن تنتصرا ذه احلضارة، اليت سوف يتم القضاء عليها ا واألقمار االصطناعية، عندئذ ف قضاء مربما، ولن يكون هناك ذه احلرب النووية منتصر.

أم أمنتم ،أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم األرض فإذا هي تمور { قال تعاىل:) سورة 17ــ16( }حاصبا فستـعلمون كيف نذير من في السماء أن يـرسل عليكم

. امللكوهذا البالء الذي سيحصل يوم الساعة الكربى وعندها سيعلم الكفار أي منقلب

سينقلبون، وكيف أن اهللا تعاىل حيذر وينذر وينفذ، ومن أصدق من اهللا حديثا.

* * *

108

خروج يأجوج ومأجوج

حتى إذا فتحت يأجوج ،على قـرية أهلكناها أنـهم ال يـرجعون وحرام { قال تعاىل:واقـتـرب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار ،ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون إنكم وما تـعبدون من ،من هذا بل كنا ظالمين الذين كفروا يا ويـلنا قد كنا في غفلة

ـ95( }دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون .) سورة األنبياء98ـإذن حنان اهللا ورأفته تقتضيان أن يهلك من ال يرجع إليه من القرى وحرام على قرية أن

بل يهلكها تعاىل ألا ال ترجع إليه. �سيدنا عيسى تبقى يف العصر املقبل عصر هللا جل شأنه يف هذا الوجود سنن و قوانني ال تتبدل وال تتغري، فمن تلك السنن

اخلاصة يف إهالك القرى. : إن اهللا ال يأخذ القرى إذا أراد هالكها، وأهلها غافلون.أوال نقطع األمل منهم يف الرجوع إليه.: إن اهللا حرم على نفسه إهالك قرية، إال إذا اثانيا : اعرتاف أهل القرى اهلالكة، بأم كانوا ظاملني.ثالثا

أما بالنسبة لشعوب هذا العصر، فإن استحالة الرجوع إىل اهللا مقرون بانفتاح يأجوج ومأجوج على الناس، لبث عقيدم.

يهم من يظهر هلم فاهللا حيجب الفساد على من فيهم اخلري، فإذا نضب ذلك منهم، بعث إل كوامن أنفسهم، حىت ال يكونوا مغشوشني بأنفسهم، أو يظنوا بأم ما زالوا على احلق.

لقد أذن اآلن ليأجوج ومأجوج، املفسد والفاسد، اآلج واملأجوج بنار الرتف وزينة الدنيا، أن ينشروا عقائدهم الفاسدة، لنفوس أصبحت مستعدة لتقبل تلك العقائد.

الكيفية يف نشر مبادئهم فقال تعاىل: وقد وصف تعاىلواحلدب هو خروج الظهر، ودخول الصدر }وهم من كل حدب ينسلون ... {

والبطن، داللة على الضعف والعجز.

109

واحلدب أيضا هو ما ارتفع من الشيء كحدب املوج والرمل بسبب ضغط بعضه على والضغط. املرتفع من األرض، نتيجة التصدع ظبعض، والغلي:املاضي منها انسل، وتعين انطلق باستخفاء، وبصورة عامة }ينسلون ...{أما كلمة

فإن االنسالل، وكل ما هو مشتق من كلمة ينسلون، تعين: السعي إىل ما يريده املرء بذكاء وحذر. ومن تلك املعاين األخرية نستنتج بأن (يأجوج ومأجوج) يسعون يف نشر دعوم

بني الناس.ولكي تسمع دعوم، ولتصبح مقبولة بني فقراء الناس، فإم يأتوم من نقاط الضعف يف اتمعات املضطربة، حيث ضغط األغنياء، وتسلطهم على الفقراء، مبينني هلم بأن شقاءهم وتعاستهم سببه أغنياؤهم، وأن القضاء عليهم يعين القضاء على الظلم

البؤس والفقر والشقاء.االجتماعي، وبالتايل القضاء على وقد حصل ذلك يف منتصف القرن املاضي حينما بدأت األفكار الشيوعية اإلحلادية بالتسلل إىل هذه اتمعات وبث هذه األفكار املسمومة، ولوال حصول احلدب أو الوضع

غري الصحيح وغري السليم يف تلك اتمعات، ملا راجت أفكارهم اإلحلادية.و الشيء املتفاوت من ارتفاع واخنفاض، وذلك بتعايل الدول الغنية، واحلدب أيضا: ه

على الدول الفقرية، وذا التفاوت وهذا التعايل حصل أيضا االنشقاق بني الدول، مما أتاح الفرصة ليأجوج ومأجوج ومها الصني وروسيا، أن يستغال هذا التفاوت، لنشر

لصني الشيوعية بثوا بضائعهم الرخيصة بني أفكارهم اهلدامة اإلحلادية، كما أن جتار اشعوب العامل، بسبب الغالء الفاحش، مع الفقر املدقع، عندها استطاعوا التدخل

باالقتصاد والتجارة، ويكون هلم بذلك باع ليس بقليل.هذا وإن كافة اخلرائط اجلغرافية القدمية السابقة كانت تشري إليهما، وتسمي إقليمي

مية يأجوج ومأجوج.الروس والصني بتسأما وصف أولئك القوم بكلميت: (يأجوج ومأجوج) فألم بدعوم تلك، يؤججون الفتنة بني الطبقات الغنية منها والفقرية، ويشعلون الثورات بني األمة الواحدة أو بني

110

األمم، وهذا ما حصل معظمه يف منتصف القرن املاضي. لقد بني تعاىل بأن يأجوج ت على العامل، وأخذت بنشر دعوا بني األمم، مث أصبحت لتلك ومأجوج إذا فتح

الدعوة الفعالية والقوة صفة العموم، فإن الوعد احلق بات قريبا، والساعة السابقة له واليت ، سيد هذا الزمان، ليمسح كل ظلم وجور، غدا وشيكا، �يظهر فيها السيد املسيح

ات الالإنسانية، اليت انتشرت يف العامل، وأما يوم القيامة فإن أبصار أصحاب النظرييا ويـلنا قد كنا في غفلة من ...{ شاخصة يوم القيامة من شدة الرعب واهللع يقولون:

:وسوف يكونون هم وآهلتهم من مبدعي هذه ) سورة األنبياء97( }هذا بل كنا ظالمين حصب جهنم أنتم لها ...{ لني جل جالله:النظريات اهلدامة، كما قال أصدق القائ

.) سورة األنبياء98( }واردون

* * *

111

خروج دابة ا�رض

عاء إذا ولوا مدبرين { قال تعاىل: الد مك ال تسمع الموتى وال تسمع الصوما ، إنوإذا ، م إن تسمع إال من يـؤمن بآياتنا فـهم مسلمون أنت بهادي العمي عن ضاللته

وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من األرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا ال . ) سورة النمل82ــ80( }يوقنون

يف اآلية الكرمية، من اآليات اآلنفة الذكر، بأن وقوع اهلالك ال لقد شرط اهللا جل شأنهيكون إال بعد ظهور دابة األرض، ومبا أن تلك الدابة قد ظهرت، فإن البالء أو الساعة

ومل يبق إال تنفيذه، أما حتديد وقوع هذه الساعة فهذا ال علم ألحد به، ،أصبح أمرا مربما قتها إال هو، وألا ال تأتينا إال بغتة، ولكن تكامل أشراطها ألن الغيب هللا وال جيليها لو

ينذر حبلوهلا اآلن، ويف أي وقت، وحنن يقينا على أبواا. أما اآليات اليت تسبق هذه اآلية، فإا تبني صفة الذين يقع عليهم القول، فهم الذين أماتت الدنيا قلوم، وأصمت

آذام، وطمست على أبصارهم.ما كان ألحد يف العاملني القدرة على هدايتهم، ألم أعرضوا عن احلق، وولوا أولئك

وجوههم شطر الباطل، وما كان اهللا ليهديهم، بسبب استسالمهم لشهوام، اليت هم. أما الذين يسمعون احلق، فأولئك الذين يؤمنون بآيات اهللا وله أصبحت هلم آهلة تسري

ال إىل شهوام مسلمون.ن الناس عموما يف هذا العصر، قد أسلموا لشهوام العنان، وأقبلوا على الدنيا ومبا أ

بكليتهم، ودخلوا إليها من أوسع أبواا، لذا فإن إمكانية التوبة باتت شبه مستحيلة، ونتيجة لذلك فقد حق القول على أكثرنا، بأننا مهلكون، وما األعاصري املهلكة، والزالزل

لبقر والطيور الفتاكة، والفيضانات والقحط واجلراد، إال ابتالءات اهلالك املتتابعة، وأمراض االشمويل القادم اآلن إلينا، وهذه االبتالءات الرهيبة املتتالية، مل يسبق هلا مثيل من ألوف

السنني، ومئات األجيال.

112

ولذا إن اهلالك أصبح ملن هذه صفته رمحة، ألن وجوده يف الدنيا، بات له ولغريه ضررا،ومن رمحة اهللا م، من أن يزدادوا إمثا، وبالتايل سعريا، فإن اهللا يأخذهم، أخذا شديدا

ومباغتا. إن اهللا مل يشر يف اآلية الكرمية السابقة، بأنه سوف خيلق هلم دابة، بل قال تعاىل:

: ) سورة النمل82( }...رض تكلمهم وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من األ {كما أنه جل شأنه مل يشر أن الغرض من إخراجها، أن تكون للناس معجزة، بل منع بآية

، لعدم جدواها كما أشرنا سابقا.�صرحية إرسال املعجزات يف زمن سيدنا حممد عنا أن نـرسل باآليات إال أن{ قال تعاىل: كذب بها األولون وآتـيـنا وما منـ

) سورة 59( }ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نـرسل باآليات إال تخويفا .اإلسراء

هذا وليس من املصادفة يف شيء، أن خيص يف هذه اآلية الكرمية (الناقة) كمعجزة من ، �أرسلها اهللا تعاىل على رسله الكرام قبل سيدنا حممد بني تلك املعجزات الكثرية اليت

وإمنا ذكره لتلك املعجزة بالذات، هلا داللتها وهلا ما يربرها، وهذا يعين أن ال يتوهم الناس أو يظنوا بأن الدابة اليت سيخرجها للناس، هي من جنس حيواين، أو أن يكون الغرض من

إخراجها آية أو معجزة.ها غاية أخرى، ال متت إىل املعجزة يف شيء، وكذلك فإن إخراج بل له من إخراج

الدابة ليس له صفة املعجزات. ليس من املنطق يف شيء أن يكرر سبحانه معجزة مشاة ملعجزة سابقة كذب ا الناس.

إن معىن الدابة يف اللغة، هو كل شيء يدب على األرض، وغلب على ما يركب ومن تدب على دبابة، وهي آلية القتال، وقد مسيت ذا االسم ألا هذا املعىن جاءت لفظة

األرض، ولذا فإن معىن الدابة ال يقتصر على احليوان فحسب، بل يشمل ما يدب على األرض من اجلماد أيضا.

ولغة: كل ما دب على األرض فهو دابة.

113

تلك الناقة هي من حلم بأا ناقة اهللا وسقياها، و �لقد ذكر لنا تعاىل عن ناقة سيدنا صاحل ودم وروح، بينما مل يشر إىل هذه الدابة اليت سيخرجها من األرض بأا تتمتع بصفة احلياة، ما عدا لفظة تكلمهم. ومسألة الكالم فقد أصبحت اآللة تشاركنا به، باملسجالت واملذياع والتلفاز

وغريها. أبوابهم على الفتن سلطان عديب سيكون (أما حدثنا صلوات اهللا عليه عن السيارة يصفها:

. اإلبل تستخدم للنقل والرتحال )1() مثله دينه من أخذ إال شيئا أحدا يعطون ال اإلبل كمبارك والسيارة كذلك وتقف أمام بيت صاحبها كما تربك اإلبل وتلزم موضعها.

إلى فتحشرهم المشرق أهل على نار تبعث (:�وصفها بدقة أكثر قال �كما أنه وتخلف منهم سقط ما لها يكون قالوا، حيث معهم وتقيل باتوا، حيث معهم تبيت بالمغر

. أي أن السيارة صناعة الغرب وا نقلوا ثقافتهم وحضارم )2()الكسير الجمل سوق تسوقهممساها نارا �ووسائلها إىل العامل، فتوجه أهل املشرق إليهم يعبون من معينها اآلسن، وأما أنه

(البسطونات) حمركها االنفجاري والنار هنا: نار احملرك االنفجاري للبنزين باملكابس كناية عن) حيث ينام نار تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا واحلقيقة أعظم واحلديث:(

أو الفندق، وهذا هو وصفها صاحب السيارة ويبيت سواء ليال أو ارا، تكون معهم أمام البيت ل إذ وصفها لصحبه الكرام من اخلارج من أن متابعها ال يدركها وهي تدركه، وهذه من الداخ

يكون في آخر هذه األمة رجال يركبون على المياثر (من نبوءات األنبياء اليت ال ختطئ. ) حتى يأتوا أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة السيارات(

أي ابتعدوا ،فالعنوهن: واللعن هو البعد :)1()ملعوناتالبخت العجاف فالعنوهن فإنهن عنهن ألن ملعونات: أي بعيدات عن اهللا.

رواه الطرباين. )1( .عمرو بن اهللا عبد عن وصححه واحلاكم والطرباين األفراد يف الدارقطين أخرجه )2( أمحد واحلاكم. )1(

114

تغشى، خامدة اليوم هي نار لتقصدنكم (حدث عن الطائرات إذ يقول: �كما أنه تطير أيام، ثمانية في كلها الدنيا تدور واألموال األنفس تأكل أليم، عذاب فيها الناس،

واألرض السماء بين ما ولها بالنهار، حرها من أشد بالليل حرها سحاب،وال الريح طير .)2( )العرش من أدنى الخالئق سو رؤ من هي القاصف، الرعد كدوي دويال خيفى ما للقوة العسكرية )تغشى الناس، فيها عذاب أليم، تأكل األنفس واألموال (

ألن الليل مظلم ساتر )بالنهار رهاح من أشد بالليل حرها (اجلوية من قوة تدمريية شاملة. هلا عن اإلصابة باملدفعية املضادة للطائرات سابقا وتنجح املفاجأة بالقصف للمدن واملواقع

طير تطير (العسكرية ليال وكناية عما ركب فيها من أجهزة تكييف وتعديل لدرجات احلرارة دوي واألرض السماء بين ما ولها بالنهار، حرها من أشد بالليل حرها والسحاب، الريح

إىل ضعف �يشري )العرش من أدنى الخالئق سو رؤ من هي القاصف، الرعد كدويإميان الناس اليوم، إذ يظنون أن ا حول وقوة وهلا فعل، وينسون أن احلول والقوة بيد اهللا تعاىل

صاحب التجلي العظيم.ب على األرض إال السيارات وال يعلم إىل اآلن أن شيئا أخرج من األرض، وأصبح يد

والدبابات وما شابه ذلك، من القطارات وغريها. ومادة هذه اآلليات قد استخرجت من األرض، أي من املناجم احلديدية، لذلك أصبحت هذه الدابة تكلم الناس مبا ركب عليها من

صرخ صرخة أجهزة ال سلكية أو مذياع (راديو) أو غري ذلك. وقد قيل بأا تستقبل املشرق فت تنفذه، وتستقبل املغرب فتصرخ صرخة تنفذه، وكذلك الشمال واجلنوب.

وهذا القول صحيح، ألن هذه األجهزة ينفذ صوا من مجيع أقطار األرض. وهذه الدابة ركب عليها محار الدجال الذي يقال بأنه املذياع.

جالني، وهذه فاملذياع احملمول منه أو الثابت، أصبح ينقل إىل الناس أقوال الداإلذاعات باستطاعتها أن تقلب احلق باطال، والباطل حقا، ملا هلا من قدرة اإلمساع، إذ

معظم أقواهلا تدجيل بتدجيل، ليس فيه من احلق إال القليل.

/.38886رقم/ 14العمال ج كنز )2(

115

.)1()إن أذن حمار الدجال لتظل سبعين ألفا ( لشعرة فيه تغني)ذراعا، وأن ا70ــ 40إن طول ذيل حمار الدجال بين( (:�وقوله

(. وأن الشعرة فيه ((أي إبرة املذياع أو املؤشر لنقل صوت اإلذاعات) وقوله الشريف:

أي كلما حركت املؤشر أي اإلبرة مقدار شعرة تنقل صوت إذاعة أخرى، كما أن ) تغني(أي خرب نفوس مستمعيه ملا فيه من أغان )ما دخل بيتا إال أفسده (أنه: �قوله

(أي خرب قلب صاحبه، )وما دخل حانوتا إال خربه (جنسية ال أخالقية)، رخيصة الذي غدا يهوى اللهو واون، وحتقيق مآربه وأهوائه، بكسبه الزائد عن احلد اإلنساين)، على كل، فهذه األمور غدت أمورا تارخيية حبتة غري مهمة، إذ تالها أرقى منها، كالتلفاز

) والفيديو والكومبيوتر واإلنرتنت.البصري و(الستااليت أحدث بما فخذه وتخبره نعله وشراك سوطه عذبة الرجل يكلم (ال تقوم الساعة حىت:

وعذبة السوط هو الالسلكي كالذي حيمله رجال األمن من شرطة املرور. .)1( )بعده أهله : أي أن اهلاتف )وشراك النعل(. اهلاتف السلكي، متسك السماعة والسلك يبقى متدليا

اهلاتف بشراك �يشرتك والنعل (احلذاء) بالصفة الظاهرية والشكل حىت واللون، وقد وصف وتخبره فخذه بما أحدث (النعل كناية عن اهلاتف إذ أنه يشبه النعل متاما أي: احلذاء املقلوب

يف أعلى الفخذ على احلزام أو يف جيب إشارة للموبايل وبيوا اجللدية اليت تعلق )أهله من بعدهالبنطلون. كما أا تشري إىل أجهزة التجسس اليت قد يضعها البعض على بيته أو مكان عمله.

واليت تربط بشكل أو بآخر مع اهلواتف الالسلكية.واحلقيقة ملا بدأت هذه الدابة يف بداية القرن املاضي، كان الناس عن مساع احلق يف

أحدثته هذه الثورة الصناعية من الفنت، وجعلتهم يكفرون بآيات اهللا، صمم، ذلك مباوولوا وجوههم شطر مشس الغرب، فهذا حبث تارخيي ويؤمنون بآهلة العلم والتكنولوجيا،

مساع الكثري من الناس.إأخرجه ابن أيب شيبة: أي صوت املذياع يصل ويغطي سبعني ألفا من باب الكثرة وقدرته على )1( /.17رقم/ 3سنن الرتمذي ج )1(

116

ليس إال، وإن كان ال يزال مستمرا، فهو شاهد صدق على أشراط الساعة اليت يأيت ا رك من ...{ احلرب العاملية املطهرة مباشرة: أثناء أو إثر �سيدنا عيسى املسيح ومطه

، بأنه عندها يطهره �: اآلية هذه، وعد من اهللا تعاىل لسيدنا عيسى }...الذين كفروا من الكفار املصرين على الكفر، ورافع شأنه على العاملني، وشأن أتباعه إثر ظهوره، وإىل

) 55(}..لذين اتـبـعوك فـوق الذين كفروا إلى يـوم القيامة وجاعل ا... {يوم القيامة: .�: أي إثر ظهوره املرتقب اآلن، وقد متت أشراط ظهوره سورة آل عمران

* * *

117

زخــرفـة ا�رض

نـيا كماء أنزلناه من السماء ف { قال تعاىل: ما مثل الحياة الداختـلط به نـبات األرض إنمما يأكل الناس واألنـعام حتى إذا أخذت األرض زخرفـها وازيـنت وظن أهلها أنـهم

هآ أتاها أمرنا ليال أو نـهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تـغن باألمس كذلك قادرون عليـ .) سورة يونس24( }نـفصل اآليات لقوم يـتـفكرون

إن األرض أخذت زخرفها، فقد ازينت القرى واملدن باألضواء الكهربائية امللونة. وتزينت األرض يف البناء الشامخ املزخرف، واملفروشات الوثرية، وأقيمت الشوارع وعلى

ر واملعارض املزينة بالزخارف (الديكورات)، مث خرجت النساء بأمجل زينة حافتيها املتاجوأعظم فتنة، وطلقت اآلداب الدينية واحلياء واحلشمة بالثالث. وراحت حتاكي الرجال يف اللباس، كما أخذت الرجال حتاكي النساء أيضا، بتطويل الشعور وإرخاء السوالف،

أن من عالمات الساعة أن خترج النساء �كرمي واللباس امللون. وقد بني الرسول الكاسيات عاريات، مائالت مميالت، على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف،(وموضة قصة الشعر هي ما يدعونه بالسد العايل) فالعنوهن، ألن ملعونات، ومن عالماا أيضا

:�أنه قال .)1()تتشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء (

ومل )2()العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان أن ترى الحفاة (ضا:وقال أييقتصر الزخرف على أماكن اللهو والبيع، بل إىل املعابد أيضا، فجعلت عمليا كاملتاحف، يزورها املؤمن بالدين والكافر به (كمتحف أثري) بدل ختصيصها للعبادة، وألمور صاحل

عالمات الساعة. املسلمني. وتلك أيضا من

أخرجه أبو نعيم يف احللية. )1( /.4988أخرجه النسائي رقم/ )2(

118

لقد بلغت مشس احلضارة بدءا من القرن املاضي وإىل اآلن، كبد السماء املادي، وتقدم العلم السيما التكنيك منه، تقدما هائال، فخرجت الدنيا يف أمجل وأى حلة، فأىن هلم

روا اإلميان وكيف؟. وهم الذين حيلمون بأن يسيطروا على الطبيعة، بعد أن ظنوا أم سيطهآ ...{على األرض: فإذا بلغت البشرية هذا احلد، فإن }...وظن أهلها أنـهم قادرون عليـ

: أي ينزل البالء العمومي ليال }...أتاها أمرنا ليال أو نـهارا ...{اهللا من بعد ذلك يقول: ثاين من الكرة األرضية.على بالد الشرق، وارا على بالد الغرب، يف النصف ال

هذا وقد فصل اهللا تعاىل يف سورة الزخرف، كيفية تسخري ما يف األرض هلم إذا أصبحت وبالتايل الناس أمة واحدة، قبلتهم الدنيا وزخرفها، وليس أمة واحدة قبلتهم اآلخرة ونعيمها،

لوال أن يكون الناس و { تتبعهم الدنيا صاغرة بإذنه تعاىل، وكما ورد يف اآليات التالية:ها أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبـيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليـ

ها يـتكؤون ،يظهرون متاع الحياة وزخرفا وإن كل ذلك لما ، ولبـيوتهم أبـوابا وسررا عليـنـيا واآلخرة عند ربك للمتقين سورة الزخرف35ــ33( }الد (.

:مما نراه اآلن من ديكورات السقوف }...لبـيوتهم سقفا من فضة ..{:فقوله تعاىل باآليةها يظهرون ومعارج ... {:االصطناعية الرائعة، ذات األلوان الفضية اخلالبة : "املعارج هي }عليـ

ها يظهرون ...{املصاعد باألبنية، ويطلق عليها لفظ مصاعد أو معارج لغة": : أي }عليـالبيوت لغة: الغرف. واملنازل: الدور، فالغرف بالبيوت العربية :}..ولبـيوتهم أبـوابا{يصعدون:

رفة عدة أبواب مثال: باب للبلكون، وباب لغرفة ذات باب واحد، أما يف األبنية، فللغ: أي األسرة الفخمة الفاخرة، يف }...وسررا... {االستقبال، وباب للمطبخ، وما إىل ذلك:

: ديكورات وما أدراك بروعتها وتكاليفها حلياة فانية، }...وزخرفا ...{املوبيليا العصرية احلديثة: ة األبدية يف اجلنات.أنست البشرية احلياة الراقي

لقد أرسل اهللا إىل العامل عددا من اإلنذارات، وألوانا من العذاب، كاحلروب وما إليها كما أحملنا سابقا، ولكنهم نسوا ذلك، وأقبلوا على الدنيا بكل ما لديهم من طاقات.

119

من يزدادون وال ،حرصا إال الدنيا على الناس يزداد وال الساعة اقتربت(: �قال . وملا نسوا ما ذكروا به، فتح اهللا عليهم كنوز األرض، فال بد بعد ذلك )1()ا بعد إال اهللا

من أن يأخذهم بغتة، وهم مبلسون.نـيا كماء أنزلناه من السماء فاختـلط به نـبات {إذن: ما مثل الحياة الدإن ..{غدا:، وهذا مثال عن الساعة اليت ستقع :واآلن هكذا حال الدنيا}...األرض

ا يأكل الناس واألنـعام حتى إذا أخذت األرض زخرفـها طيارات، سيارات، }..مم:: بأنوار }..وازيـنت ...{أبنية، قصور، هواتف... كل شيء على أمته: الدنيا كاملة

هآوظن أهله ..{الكهرباء... :ظنوا أم بعملهم سيطروا على }...ا أنـهم قادرون عليـليال أو ...{: باهلالك:}..أتاها أمرنا ...{الطبيعة فأشاحوا عن مالك امللك:

فجعلناها حصيدا كأن لم تـغن ...{:ليال على الشرق وارا على الغرب. }...نـهارا : كأا ما كانت.}...باألمس

:وال يفيد شيئا من هذا من ال يفكر، إن مل }كذلك نـفصل اآليات لقوم يـتـفكرون ...{ويـهدي من ..{: دار األمان والراحة:}...والله يدعو إلى دار السالم { يفكر فال خري فيه:

: والدعوة ) سورة يونس25ــ24(}إلى صراط مستقيم ...{: كل من شاء اهلداية إليه:}..يشاء) سورة 50( }قل أرأيـتم إن أتاكم عذابه بـياتا أو نـهارا ماذا يستـعجل منه المجرمون { عامة:أترجو خريا : ماذا ترد عن نفسك؟. ما يأتيك من البالء يف ساعته؟. ماذا حضرت له؟. يونس. هل تؤمن كما آمن فرعون؟!. ماذا تفيد اإلنسان رجعته عند اهلالك؟!. أرسلك لتعمل العمل يومها؟

الطيب وعند البالء ال يبقى لك عمل. أعطاك اهللا أهلية عالية وضيعت، فكر ذا الكون وما فيه ارات كلها ألجلك لكي واإلنذمن آيات عظيمة، مل هذه الدقة وهذا الرتتيب؟. وهذه التحذيرات

تفكر.

* * *

أخرجه احلاكم، عن ابن مسعود. )1(

120

ظھــور الدخـان

يـغشى الناس هذا عذاب ،فارتقب يـوم تأتي السماء بدخان مبين { قال تعاىل: أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول ،ربـنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ،أليم إنا كاشفو العذاب قليال إنكم ،ثم تـولوا عنه وقالوا معلم مجنون ،مبين

رى إنا منتقمون ،عائدون .) سورة الدخان16ــ10( }يـوم نـبطش البطشة الكبـناس، فيه عذاب أليم، هو من تبني لنا هذه اآليات الكرمية، أن الدخان الذي يغشى ال

غري شك دخان القنابل، ودخان الغازات السامة، مث دخان حرائق الغابات الكبرية، ودخان احلرائق اليت حتدثها اإلنفجارات، على منطقة معينة حمدودة، من كثرة احلروب، والغازات

امل الكبار اجتمعوا املتصاعدة من املعامل والسيارات، يف كل أحناء املعمورة، حىت أن قادة العألكثر من مرة إلجياد حلول هلذه املشكلة الكبرية، ووقعوا على اتفاقيات، ومنهم من مل يوقع، وكلما اجتمعوا على حل هذه املعضلة، خيرجون خمتلفني، ومن آثارها السلبية على

لوث البيئة صحة اإلنسان واحليوان والنبات أيضا آثارا سيئة على اجلو وارتفاع احلرارة (كتواالحتباس احلراري) حىت بدأت الثلوج يف القطبني بالذوبان، وذه التغريات املناخية املفاجئة، نتيجة هذا الدخان أصيب الناس بكثري من األمراض احلساسة، وخاصة األمراض الصدرية، واجلهاز التنفسي واألمراض اجللدية. وظهور الدخان أيضا يف األماكن الساخنة

روب والفنت من جراء القنابل واملتفجرات، جيعل الناس يستغيثون برم، ليكشف عنهم باحلالبالء. إذ من بعد ظهور الدخان فإن العذاب سينكشف قليال، ألن هذه املنطقة اليت غشاها الدخان قد تضرع سكاا إىل اهللا، وتعهدوا أن يؤمنوا به، بعد أن يكشف عنهم

ال يلبث طويال، وأم سوف يعودون إىل ما كانوا عليه. العذاب. ولكن ادعاءهم هذا يـوم { وعندئذ سوف يكون انتهاؤهم مع من ينتهون يوم يبطش بطشة الساعة، قال تعاىل:

رى إنا منتقمون :وتلك األشراط قد ظهرت ) سورة الدخان16( }نـبطش البطشة الكبـ مجيعها.

121

:ى، توجد أشراط ثانوية نذكر منهاوإىل جانب هذه األشراط الكرب "إذا طبقه املؤمن فيعريونه وخاصة ال تقوم الساعة حتى يجعل كتاب اهللا عارا (

ويكون اإلسالم غريبا، حتى تبدو الشحناء بين الناس، االختالط على كافة األوجه". تمن التهماء، ويتهم ويؤ "العلم: املقصود به هنا العلم بأمساء اهللا احلسىن وحتى يقبض العلم "

األمناء، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، وحتى تبنى الغرف فتتطاول، ويظهر البغي والحسد والشح،ويتبع الهوى، ويقضى بالظن، ويغيض العلم غيضا، ويفيض الجهل فيضا، ويكون الولد غيظا، والشتاء قيظا، ويقوم الخطباء بالكذب فيجعلون حقي لشرار

. )1(). يقل الصدقأمتي، و يأتي على الناس زمان ال يتبع فيه العالم، وال يستحيا فيه من الحليم، وال يوقر (

فيه الكبير، وال يرحم فيه الصغير، يقتل بعضهم بعضا على الدنيا، قلوبهم قلوب األعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب، ال يعرفون معروفا، وال ينكرون منكرا، يمسي

. )2()أولئك شرار خلق اهللا، ال ينظر اهللا إليهم يوم القيامة )1(تخفيا الصالح فيه مسأن يصلي خمسون نفسا، ال تقبل ألحد منهم ( من عالمات اقرتاب الساعة:

.. فصالم ظاهرية ال قلبية كأنه أمر تعبدي قسري فهم ال يشعرون بلذا.)4())3(صالة ، )5()اسمه إال اإلسالم من وال رسمه إال القرآن من يبقى ما (يف آخر الزمان:

تكون المشورة لإلماء ويخطب على المنابر الصبيان وتكون المخاطبة للنساء، فعند (

./.38577 كنز العمال رقم / )1(اســتخفاء املــؤمن: نــاتج عــن جتنبــه االخــتالط يف جمتمــع شــبه عــار لكــيال يــؤذى مــن رائحــة الفاحشــة، فيتجنــب جمتمعــا عــار عــن )1(

الفضائل واخلري مصر على الرذيلة إصرارا. /.31187كنز العمال رقم/ )2(لكــن صــلة نفــوس هــؤالء املصــلني حمصــورة يف الــدنيا، يقفــون بالصــالة ســاهية قلــوم ألن الصــالة يف حقيقتهــا صــلة بــني العبــد وربــه، و )3(

الهية أفكارهم متجهة إىل أهلهم وأعماهلم، حمجوبة عن رم بأعماهلم السيئة. ./2481اجلامع الصغري رقم/ )4( /.31135رقم/ 11كنز العمال ج )5( .ابن مردويه عن ابن عباس رضي اهللا عنهما أخرجه )6(

122

ر وتكثر بوتطول المنا والبيع، الكنائس تزخرف كما ،ذلك تزخرف المساجديكون المؤمن فيهم أذل ،الصفوف، مع قلوب متباغضة وألسن مختلفة وأهواء جمة

يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فال اـيذوب قلبه في جوفه كممن األمة يستطيع أن يغيره، ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ويغار على الغلمان كما

.)6()يغار على الجارية البكر يف كل هذا، أما كان قوله هو الفصل وليس باهلزل!. �أما صدق رسول اهللا

إذا رأيتم الناس أضاعوا الصالة وأضاعوا األمانة، واستحلوا من اقتراب الساعة (الكبائر، وأكلوا الربا، وأكلوا الرشا، وشيدوا البناء، وباعوا الدين بالدنيا، واتخذوا

المعازيف، القرآن مزامير، وقلت العلماء، وكثر القراء، واتخذوا القينات، واستحلت ة زوجها في التجارة، وتشبهت الخمور، وعطلت الحدود، وشاركت المرأ وشربت

ويحلف بغير اهللا (أي: بكثري من األعمال واللباس) النساء بالرجال، والرجال بالنساءوكانت الزكاة مغرما، واألمانة مغنما، وأطاع ،)وحيلف الناس بعقائدهم املادية ومشتهيام(

في أموالكم، الرجل امرأته، وعق أمه، وقرب صديقه، وأقصى أباه، وضيعتم حق اهللا .:وهذا ما نلحظه اليوم بشكل علين)1()وطفف المكاييل، وسب آخر هذه األمة أولها

ومن عالماا كثرة احلروب احلاصلة يف هذا الزمان والفنت، كثر القتل وإراقة الدماء. وقد والذي نفسي بيده ال تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم ال (:�أشار الرسول

أي يزجون يف القتال زجا، أو إشارة )2()يدري القاتل فيما قـتل وال المقتول فيما قتل للمرتزقة يف اجليوش.

ومن أشراط الساعة أن:

/.2010صحيح مسلم رقم/ )2( رواه الديلمي عن أمري املؤمنني علي كرم اهللا وجهه. )1(

123

: واليوم الكل يشكون من )3()يظهر الفحش والتفحش وسوء الخلق وسوء الجوار ( األخالق السيئة ومن سوء اجلوار.

في آخر الزمان إذا لم تنل المعيشة إال بمعصية اهللا، فإذا كان كذلك (: �وقال حلت العزبة، يكون في ذلك الزمان هالك الرجل على يد أبويه، إذا كان له أبوان وإال

والجيران. يعيرونه بضيق المعيشة فعلى يد زوجته وولده، وإال فعلى يدي األقارب . )1()ويكلفونه ما ال يطيق، حتى يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها

.)2()يكون في آخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة(التقوم الساعة حتى يقوم الخطباء بالكذب فيجعلون حقي لشرار أمتي فمن (

. )3()صدقهم بذلك ورضي به لم يرح رائحة الجنةسيشفع للعصاة منهم يوم القيامة �أن رسول اهللا وهذا ما يقوله بعض اخلطباء للناس

:�). مينوم ذه األماين الكاذبة. وقال شفاعتي ألهل الكبائر من أمتي(إن بين يدي الساعة فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع (

. )4()األرحام، وفشو القلم، وظهور الشهادة بالزور، وكتمان شهادة الحقال تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة (: �ال وكذلك ق

وحتى يقبض العلم"احلرب العاملية الثالثة بني الشرق والغرب" عظيمة دعواهما واحدة إال اهللا وبأمسائه تعاىل احلسىن. . إله"العلم بال

الدول، ما ظهر زل يف كل وها حنن اليوم نرى ونسمع عن هذه الزال"وتكثر الزالزل "تقارب الزمان يتم بواسطة السيارة "ويتقارب الزمان معشارها باألجيال البشرية السابقة".

"من ثروات باطنية وحتى يكثر فيكم المال"القتل" وتظهر الفتن ويكثر الهرج "والطائرة

أخرجه ابن أيب شيبة. )3( م.222/14أبو نعيم/ )2( /.154/11كنز العمال/ )1( أخرجه البخاري ومسلم. )4( أخرجه البخاري. )3(

124

حتى يمر الرجل وحتى يتطاول الناس في البنيان، و كالبرتول واملعادن الثمينة وغريها"... وحتى تطلع "هلول األحداث والضيق العام بزالزل الساعة" مكانه يبقبر الرجل فيقول يا ليتن

"بوجهتهم حنو مشس احلضارة فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون الشمس من مغربهال أو كسبت في ال ينفع نـفسا إيمانـها لم تكن آمنت من قـب ...{الغربية" وذلك حني

را ولتقومن الساعة "وذلك حني وقوع ساعة البالء" .) سورة األنعام158(}... إيمانها خيـالرجالن ثوبهما بينهما فال يتبايعانه وال يطويانه. ولتقومن الساعة وقد انصرف وقد نشر

الساعة بغتة وهم وكلها تدل أن قيام،)1()فال يطعمه" الناقة احللوب" الرجل بلبن لقحته مبلسون .

واملقصود باحلر: الفرج، "والحرير ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر(:�قال األغاين استحالل :)2()والخمر والمعازف ج".بدون حر الزنا تفشيوهو داللة على

.واملعازف أي مير، )3()الفجأة وأن يظهر موت ،وأن تتخذ المساجد طرقا …(: �قال

.ال يصلي فيه الرجل يف املسجد مرورا .)4()يوشك األمم أن تداعى عليكم كما تداعى األكلة إلى قصعتها(

ملن شاء أن ينجو يف دينه فهي: �أما وصية الرسول كيف بك إذا بقيت بين حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم، (

م تأمرني؟. قال: إلزم بيتك، واختلفوا، كانوا هكذا؟. "وشبك بين أصابعه" قال: فبـ وأمسك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع

.)5() عنك أمر العامة

اين.رواه الطرب )2( /.5268أخرجه البخاري رقم/ )1( رواه أبو داود عن عبد اهللا بن عمرو بن العاص. )5( أخرجه البخاري. )4( الطرباين يف األوسط عن أنس. )3(

125

لقد جاء ذكر للساعة يف اإلجنيل أيضا، وهذا أمر بديهي أن يذكر السيد املسيح األرض هلذه الفرتة، أشراط الساعة، ألنه هو املعين باألمر، وهو املأمور بإعالء كلمة اهللا يف

وإىل يوم القيامة، بإمداد من اهللا تعاىل. وقد فهمت النصارى كما فهم املسلمون خطأ بأن الساعة اليت يأيت ا هي ساعة يوم القيامة.

والسؤال هنا ما الفائدة من جميء الرسول عند يوم القيامة؟!. أما انتهت فرتة ن كتابه. إما بيمينه وإما بشماله؟. وما فائدة االمتحان؟. أما ينتظر الناس ليؤتى كل إنسا

النصح، وهل تنفع املوعظة عندئذ؟. أما كشف الغطاء وأصبح البصر يومئذ حديد؟!.لقد سئل السيد املسيح من قبل تالميذه عندما كان جالسا على جبل الزيتون عن

، فأجام عن )1(عالمة جميئه وانقضاء الدهر، مجلة انقضاء الدهر ال تعين يوم القيامة األشراط اليت تسبق الساعة، مث وصف هلم الساعة وهوهلا فقال:

فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان (المقدس، ليفهم القارئ، حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال، والذي على

الحقل فال يرجع إلى ورائه ليأخذ السطح فال ينزل ليأخذ من بيته شيئا، والذي في .)2(...)ثيابه، وويل للحبالى والمرضعات في تلك األيام

أما قوله والذي على السطح فال ينزل ليأخذ من بيته شيئا والذي... كناية عن املباغتة والذهول الذي يصيب الناس حني وقوعها. وهذا القول الذي ورد يف اإلجنيل يوافق معىن

لونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي ال يجليها لوقتها يسأ {اآلية: ها إال هو ثـقلت في السماوات واألرض ال تأتيكم إال بـغتة يسألونك كأنك حفي عنـ

.) سورة األعراف187( }ند الله ولكن أكثـر الناس ال يـعلمون قل إنما علمها ع

املقصود بانقضاء الدهر: الفرتة بني زمنه ذاك وذهابه وأمه لربوة ذات قرار ومعني وعودته ثانية ملسح الشرور من على وجه )1(

البسيطة. ).187سورة األعراف: اآلية( )3( والعشرون اجنيل مىت. اإلصحاح الرابع )2( ).2ــ1سورة احلج: اآلية( )4(

126

):وهذا أيضا يوافق معىن اآلية:وويل للحبالى والمرضعات في تلك األياموأما قوله: (ها تذهل كل مرضعة يـوم تـرونـ ،يا أيـها الناس اتـقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم {

ا أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وتـرى الناس سكارى وما هم بسكارى عم .) سورة احلـج2ــ1( }ولكن عذاب الله شديد

/ قوله:21وجاء يف اإلصحاح رقم/ ).منذ ابتداء العالم إلى اآلن ولن يكون ألنه يكون حينئذ ضيق عظيم ولم يكن مثله(

) سورة 46( }بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر { واآلية الكرمية اليت تؤيد هذا القول: .القمر

إن القول الذي ذكرناه آنفا على لسان السيد املسيح ال يعين به يوم القيامة، وإمنا يشري من �ء الذي مت التحدث عنه يف كتابنا هذا عما يسبق ظهوره إىل الساعة، والبال

تطهري األرض من الفساد واملفسدين. ويبني ذلك قول السيد املسيح نفسه:

ألنه كما كانوا في األيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون (فان وأخذ الجميع إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك ولم يعلموا حتى جاء الطو

حينئذ "أي هو نفسه ابن سيدنا آدم عليهما السالم" كذلك يكون مجيء ابن اإلنسانيكون اثنان في الحقل يؤخذ الواحد ويترك اآلخر، اثنتان تطحنان على الرحى تؤخذ

فإذا كان احلديث عن يوم القيامة فإن اهللا يأخذ اجلميع فال ). الواحدة وتترك األخرى �يرتك اآلخر أو يأخذ الواحدة ويرتك األخرى. ومن قول السيد املسيح يأخذ الواحد و

هذا نستنتج استنتاجني: الساعة بالطوفان. �: لقد شبه السيد املسيح االستنتاج األول

وكانوا هم كافة البشر على وجه البسيطة، �ففي الطوفان الذي عم قوم سيدنا نوح مل ينج منه إال أصحاب السفينة.

127

هذا البالء املنتظر ال ينجو منه إال كل مؤمن، فلنكن منهم، بسلوك طريق كذلك فإن اإلميان، تكتب لنا النجاة، إىل عصر السعادة والسالم، وطوىب ملولود هذا الزمان.

) الرحمة مخصصة والبالء يعم:إن هذا الكالم ينفي القول القائل: (االستنتاج الثانيسيئات الطاحل. وقد ذكر هذا االستنتاج سابقا،وذلك ومبعىن آخر أن اهللا ال يأخذ الصاحل ب

بسبب تفشي هذا القول وتقبله على كافة املستويات وحىت الدينية منها. فالقرآن الكرمي يبني أن ما يصيب اإلنسان هو جراء ما قدمت يداه، وغري ذلك كلها ظنون سيئة باهللا تعاىل،

م للعبيد وما رب ...{ نسفها القرآن الكرمي نسفا: سورة فصلت46( }ك بظال (.

* * *

128

الفصل الرابع في هذا الفصل:

ودالئل عودته من القرآن الكريم. �عودة السيد المسيح • ما هي النفس؟. وأين مركز وجودها؟. وما هي وظيفتها؟. •

ما هي الروح؟. •

نظام خروج اإلنسان إلى هذا العالم. •

.�المسيح الدليل األول على عودة السيد •

معنى التوفي. •

نوما؟!. �ما هو السبب في توفي سيدنا عيسى •

.�الدليل الثاني على عودة السيد المسيح •

.�وجاهة السيد المسيح •

.�الدليل الثالث على عودة السيد المسيح •

انتهاء جوالت الباطل. • طوبى لمولود هذا الزمان •

* * *

129

���� عودة السيد المسيحأي بالء آخر، فإن اهللا يرسل إىل الناس إنذارات وحتذيرات، لعلهم قبل قيام الساعة أو

يتنبهون من غفلتهم، ويصحون من سكرم، مث يتداركون أمرهم من قبل أن حيل بساحتهم العذاب، وقبل أن يقولوا ربنا أرجعنا نعمل صاحلا غري الذي كنا نعمل.

تنظيم الكوين الصارم وال تقتصر تلك التحذيرات على لسان الرسل فحسب، بل البدقته، اهلادف يف غايته، حيذرك أيضا من أن هذه احلياة ما هلا من قرار. فاملراحل اليت مير ا اإلنسان أو احليوان، من ضعف إىل قوة، ومن قوة إىل ضعف وشيبة، والنبات حينما

إال خيرج غضا، مث يستغلظ ويستوي على سوقه، مث يصبح هشيما تذروه الرياح، إن هيآيات حمذرات مبينات لإلنسان، بأال يطمئن ويركن إىل احلياة الدنيا، بل تطلب إليه مبا تقدمه من املواعظ، أن يشمر عن ساعد اجلد، ويسعى ملا هو خملوق له، ألن األمر جد،

وما هو باهلزل.، وظهرت اآلن، إال آيات مبينات �وما أشراط الساعة اليت ذكرها الرسول الكرمي

األلباب، الذين يبحثون عن لب األمور، ويذرون القشور، بأن هذه احلضارة اليت ألويلبنوها وارتضوا ا، سوف يأيت اهللا بنياا من القواعد، فيخر عليهم السقف. ذلك بأن اهللا ال يأخذ القرى وأهلها غافلون، أما إذا أخذها وهي ظاملة بعد أن حذرها وذكرها وأنذرها

من البالء ألوانا، فإن أخذه أليم شديد.وبعث تعاىل عليها هذا وجيب أن ال ختدعنا األقوال بأن الدول اليت متلك أسلحة الدمار ال ميكن أن

تستعملها، ألن يف استعماهلا حتفها، وهل يسعى اإلنسان إىل حفر قربه بيده مثال؟!.وال بتلك تلك أقواهلم، أما قول رب العاملني وقوانينه، فال تقاس بتلك العواطف،

األهواء، ألن لرب العاملني غاية سامية من وجودنا، أما إذا احنرفنا عن تلك الغاية، اليت هي احلياة الطيبة بأمسى معانيها، فإن اهلالك يصبح حمققا، وذلك لكيال تزداد شرورنا، فيزداد

أملنا وحسرتنا يوم الدين.

130

ا التربم والضجر واألمل واالنتحار فلو كانت احلياة طيبة يف ظل هذه احلضارة، ملا شاهدنواحلروب والبالءات الكربى واألمراض املرعبة، من هذا النهج الذي ارتضته البشرية لنفسها. إن اهللا أعلم مبن خلق، وأعلم مبا يسعد أنفسهم، أوليس الذي أبدع السموات واألرض،

دة الدارين؟. بلى، وهو وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، بقادر أن يضع سننا تكفل لنا سعاأهون عليه، ألنه هو أعلم مبن خلق، وأعلم مبا يسعد أنفسهم ويشقيها، ولكن خروج الناس، عما أنزل من الشرائع الكفيلة بسعادا ومنحها حياة طيبة، هو الذي سبب هلم النكبات،

ي، ولكن الذنب ذنب اإلهل وسبب هلم األمل والشقاء، إذن فالذنب ليس ذنب الدين اخلارجني عن سننه املنزلة إلينا، من أجل ذلك، يبعث اهللا تعاىل إليهم رسوال من أنفسهم، يتلو عليهم آياته وشرائعه، ويأمرهم أن يطيعوا اهللا ورسوله بتطبيق تلك الشرائع، وحيذرهم

ويعظهم من اهلالك، إذا احنرفوا عنها واستبدلوها بشرائع من وحي أهوائهم.لو عليهم وما ك { قال تعاىل: عث في أمها رسوال يـتـ ان ربك مهلك القرى حتى يـبـ

. ) سورة القصص59( }آياتنا وما كنا مهلكي القرى إال وأهلها ظالمون هو رسول هذا العصر، وهو الذي أرجأه تعاىل هلذه الساعة. � )1(والسيد املسيح

م الكلمة التالية فنقول: � د لنا قبل البدء بقصة سيدنا عيسى ال بو من أن نقد خلق اهللا اإلنسان مركبا من عناصر ثالثة: جسد ونفس وروح.

هو هذا اجلسم املادي املؤلف من حلم وعظم وعروق وأعصاب ودم، فالجسد: فتوة وهرم.و ،وحنول ومسن ،وصحة ومرض ،من قوة وضعف ،واجلسم تنتابه أعراض كثرية

وأشعتها الصدر يف مركزها إهلي نور وهي الشاعرة، املعنوية اإلنسان ذات هي: النفس تتعرف إمنا ماجلس يف املسجونة النفس وهذه ،ماجلس أحناء سائر يف األعصاب بواسطة سارية

تسمع األذن طريق وعن تبصر، العني طريق فمن احلواس، بواسطة األشياء من ا حييط مبا

مـثال لـه أمسـاء عـدة منهـا أمحـد � لكل رسول من الرسل الكرام أكثر من اسم، وكل اسم من أمسائهم يشري إىل معىن، فسيدنا حممد )1(لنواح على قومه، وكذلك اسم املسيح إمنا يعـين بأنـه سيمسـح الكفـر مـن علـى ألنه أمحد اخللق هللا، وسيدنا نوح مسي بذلك لكثرة احلزن وا

وجـه البســيطة بــإذن اهللا. وال تبقــى إال فئـة جــد ضــئيلة وهــؤالء لـن تقــوم هلــم قائمــة أو دولـة إىل يــوم الــدين كمــا سـنأيت علــى شــرحه مفصــال الحقا.

131

عما به تعرب كما األشياء، طعوم تذوق وباللسان وتلمس، حتس اجللد وبواسطة تشم نفوباأل :نقول التفصيل من وبشيء واألفكار، اخلواطر من فيها جيول

هذا أمام خيشع جتعله للبحر رؤيته أن شك فال البحر شاطئ أمام مثال أحدنا وقف إذا .واستعظامها النفس خشوع هو إمنا واالستعظام اخلشوع وهذا ويستعظمه املنظر

الدم وجعل بليغا، جرحا يده جرحت قلوبنا على عزيز شخص على نظرنا وقع وإذا جنده الذي واألمل احلزن فهذا صاحبه، على ونتأمل املشهد هلذا حنزن أننا بد فال منها، يتقاطر

ومسعنا بعيدا سفرا مسافرا حنبهم الذين أقاربنا أحد كان وإذا. وأملها النفس حزن هو إمنا هي فالنفس وهكذا وسرورها، النفس فرح إال ذاك وما ونفرح، نسر فهناك ساملا بعودته وتسر وتتكدر، حتزن اليت وهي وختشع تستعظم اليت فهي اإلنسان يف األساسي العنصر .املعول وعليها وتتأمل وتتلذذ وتغضب وترضى وتفرح

اليت وهي احلق، طريق يف بالسري املكلفة وهي القرآن، يف دوما املخاطبة هي والنفس بالنفس ومسيت. حوال عنها تبغي فال اجلنان يف تتنعم اليت وهي وتداوى، تعاجل عندما تتأمل

.النفيسة لقيمتها القلب هذا ومركزها الدم يف الساري اإلهلي بالنور اإلمداد فهي: للروح بالنسبة أما وقيام وحركة تغذية تتم وبواسطتها اجلسم، وخاليا أجهزة لكافة حملركةا القوة وهي املادي، النفس، ومشتهيات ولوازم ومتطلبات ألغراض التنفيذية السلطة وهي ،ماجلس هذا وحياة اإلرادية األعضاء كافة على الناهية اآلمرة األعصاب يف السارية النفس إمرة حتت وهي

يف تكون لكنها ذاا، هي احلية املخلوقات وكافة يوانواحل اإلنسان يف والروح. والالإرادية مل نفوسهم ألن الدنيئة واألغراض الشوائب عن منزهة: أي مقدسة روحا والرسل األنبياء تنطق ال فهي مقدسة، طاهرة نقية الروح فحفظت اخلبيثة وأدراا الدنيا بشوائب تتلوث

والسعادة والنعيم واألنس اخلريات حلت حلت يثماوح والكمال، والفضيلة واحلق باخلري إال � اهللا رسول سألوا ولقد .إليهم التفت من كل على بواسطتهم اهللا من األبدية والغبطة

.الدم بواسطة ماجلس يف وسرياا الروح � هلم فشرح الروح، عن

132

.)1111()الجسد من الدم مجرى آدم ابن من يجري الشيطان إن(: الشريف احلديث ويف .سورة اإلسراء )85( }…ويسألونك عن الروح { :الكرمية اآلية إليه تشري ما وذلك

:تعاىل فأجام له تعجيزا الروح عن سألوه فقد الروح، عن حممد يا يسألونك ذلك تبني }..ربي ..{وكلمة:}...الروح من أمر ربي ...{":حممد يا: "}..قل ..{

املخلوقات مجيع وقيام ومعاشك اإلنسان أيها قيامك وبه الوجود يف الساري ياإلهل اإلمداد .تعاىل وأمره بإمداده إال حركة تتحرك فال ونبات وحيوان إنسان من

.حياة وال حركة هلا بقي ملا املخلوقات عن الروح: أي إمداده، يسحب تعاىل أنه ولو تعمل اليت اآلالت كل حيرك الذي بائيالكهر التيار كمثل املخلوقات يف الروح ومثل عملها، وتوقف حركتها وسكنت اآلالت مخدت الطاقة تلك انقطعت ما فإذا بواسطته الغذاء بنقل يقوم الذي الدم يف وتسري اإلنسان قلب على اجلسد يف الروح تنصب وهكذا

اجلسم خارج طرحها ليتم والسموم بالفضالت والعودة اجلسم أحناء كافة إىل واألكسجني .والزفري التبول طريق عن

لتتم والدم القلب على اإلمداد ذلك تعين إمنا اآلية يف الواردة:}...من أمر ربي ...{ فيها، حراك ال هامدة جثة بقيت احلية املخلوقات عن اإلمداد ذلك انقطع ما وإذا احلياة،

مسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته إنما ال …{ :تعاىل قوله قلناه ما يؤكد وما .) سورة النساء171( }… ألقاها إلى مريم وروح منه

� عيسى لسيدنا تعاىل اهللا أمده الذي اإلهلي اإلمداد ذلك إال الروح هذه وما :عليهم رد بني ما هلم بني أن وبعد جربيل سيدنا بواسطة

وما أوتيتم من …{ وكلمة:) سورة اإلسراء85( }وما أوتيتم من العلم إال قليال …{ � اهللا رسول على تعود كانت ولو السائلني على بل ،� اهللا رسول على تعود ال}…العلم املعرضون أيها أنتم أوتيتم وما حممد يا هلم قل املتكلم وهو جاءت بل" أوتيت وما" بصيغة جلاءت

.قليال إال العلم من

. 156ص 3ج أمحد مسند عليه متفق )1(

133

نظام خروج اإلنسان إلى هذا العالم:يف عامل األزل، وقد أشرنا إىل هذا األمر ،وقد كان خلق األنفس قبل خلق األجساد

.عند حبثنا ( غاية احلق من إجياد اخللق)ض والجبال فأبـين أن إنا عرضنا األمانة على السماوات واألر {قال تعاىل:

نسان إنه كان ظلوما جهوال ها وحملها اإل .) سورة األحزاب72( }يحملنـها وأشفقن منـجعل ،عامل الصور واألجساد ،فلما أراد تعاىل أن يظهر النوع اإلنساين هلذا العامل

دين: أب وأم، حيمل األب يف ظهره أنفس أبنائه فجعل لكل إنسان وال ،لذلك قانونا وسنةمنطوية نفسه يف ذلك احلوين ،من األب إىل رحم أمه االبنومجيع نفوس ذريته، مث ينتقل

مستقرا يف الرحم يتغذى وينمو لوما يزا ،الذي ال تدركه العني اردة لدقته وصغر جرمه .حىت يصبح إنسانا سويا ،ويتخلق يوما بعد يوم

ولقد {ومنه نسلوا، قال تعاىل: �وهكذا فالناس كلهم كانوا يف ظهر أبيهم آدم نسان من ساللة من طين ثم خلقنا النطفة ، ثم جعلناه نطفة في قـرار مكين ،خلقنا اإل

المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا تبارك الله أحسن الخالقين .) سورة املؤمنون14ــ12( }خلقا آخر فـ

سيدنا آدم ،وجاؤوا إىل هذه الدنيا وقد شذ عن ذلك النظام الذي مبوجبه توالد البشر �مث أرسل نفس سيدنا آدم ،آدم من تراب سيدنا سد، فقد خلق اهللا تعاىل ج�

من غري أن يكون ذلك عن طريق أب. وكذلك كان ،حممولة بواسطة امللك إىل جسدهافقد أرسل اهللا نفس سيدنا عيسى إىل بطن أمه بواسطة ،�خلق سيدنا عيسى بن مرمي

إن مثل { ىل:امللك من غري أن يتوسط أب يف نقل هذه النفس الكرمية إليها، قال تعا) سورة آل 59( }عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تـراب ثم قال له كن فـيكون

.عمرانبه، وبني لنا يف هذه القصة أنه ال � وقد فصل لنا تعاىل قصة محل أم سيدنا عيسى

تعاىل: رجال كان أو امرأة فقال ،بد وأن جيزي الصادق بصدقه

134

ذرية بـعضها ،إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبـراهيم وآل عمران على العالمين { .) سورة آل عمران34ــ33( }من بـعض والله سميع عليم

راد بكلمة تماثلون يف األصل فهم أي: أن البشر مجيعا م }ذرية بـعضها من بـعض {وامل

ال ميزة ألحد على آخر يف هذه الناحية. أما كلمة ،يتوالدون ويتناسلون بعضهم من بعضفإمنا تبني سبب التمايز واإلختالف، فإذا كان البشر يف األصل :}والله سميع عليم {

ا فهذا ال ،من جهة النسب واحلسب ،ال فرق وال ميزة ألحد على أحد ،متماثلني تمايز إمنعليم ،فاهللا تعاىل مسيع ملا يتطلبه كل إنسان ،حيصل بينهم حبسب الصدق والنية العالية

فال بد أن جيزيه اهللا ،وكل من صدق مع ربه يف طلب احلق والكمال ،ق نفسهحباله وصد بصدقه.

عمران رب إين نذرت إذ قالت امرأة {مث ذكر لنا تعاىل مثاال على أهل الصدق فقال: ) سورة آل عمران أي: عزمت أن أجعل هذا الولد الذي 35( }...لك ما يف بطين حمررا

قائما ،وذلك مما تعين به أن يكون ولدها ،أنا حاملة به حمررا أي: خالصا للقيام خبدمتك ،ىل يقبل دعاءها وجيعل ولدها مرشدا فلعل اهللا تعا ،بفعل اإلحسان واخلري جتاه عباد اهللا

فـتـقبل مني إنك أنت السميع {ويعرفهم به مث متمت داعية بقوهلا: ،يدل الناس على اهللا وصدقي يف مطليب. ،عليم حبايل ،أي: مسيع لقويل }العليم

فـلما وضعـتها { قال تعاىل:، مرمي عليها السالم السيدة وضعت ،مث إا ملا ولدتأي: أا كانت }قالت رب إني وضعتـها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كاألنثى

ليستطيع أن يقوم ذه املهمة العالية يف اإلرشاد والداللة ،تتطلب أن يكون مولودها ذكرا وإني سميتـها مريم {شارت إليه اآلية الكرمية يف قوله تعاىل:مث تابعت القول مبا أ ،على اهللا

.) سورة آل عمران36(}وإني أعيذها بك وذريـتـها من الشيطان الرجيم فأنبت هذه البنت نباتا حسنا قال تعاىل: ،وقد استجاب اهللا دعوة األم الصادقة

} لها ربـافـتـقبـلها زكريويل �أي: جعله }...ها بقبول حسن وأنبتـها نـباتا حسنا وكفونشأت هذه البنت ، فاهللا تعاىل يويل الصادق على الصادق أو الصادقة معه تعاىل،تربيتها

135

بب بس ،حىت أفعم قلبها مبحبة اهللا واإلقبال عليه ،الصغرية، وما أن بدأت تعي ومتيزتفكريها الدائب بنعم اهللا وآالء صنعه الكونية، وفضله على اجلميع بالطعام والشراب،

، حني فكر بآيات اهللا الكونية، وتوصل �شأا يف ذلك التفكري، شأن أبينا إبراهيم . وكان اهللا تعاىل يفيض عليها بإقباهلا عليه من بعد ذلك �إىل اهللا، وشأن سيدنا حممد

كلما �وكان سيدنا زكريا ،ما يفيضه على قلوب عباده املؤمنني املقبلني ،العلم واملعرفةأي ،أي مكان خلوا للعبادة يف حماربتها للشيطان وجد عندها رزقا ،دخل عليها احملرابفيعجب بذلك ويسأهلا يا مرمي من أين جئت ذا ،عن كمال اهللا ،علما ومعرفة وبيانا

فتقول هو من عند اهللا، قال تعاىل مبينا ذلك بقوله الكرمي: ،ةوهذه املعرفة العالي ،العلمها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت { كلما دخل عليـ

.) سورة آل عمران37( }هو من عند الله إن الله يـرزق من يشاء بغير حساب أي: يرزق كل صادق، وإين صدقت مع }إن الله يـرزق من يشاء{وهي تريد بكلمة

فأكرمين مبا أكرمين به. ، ففكرت بفضله وآمنت،ريب يف طلب احلقفلما رأى سيدنا .أي: إن األمر ال حيتاج إال إىل الصدق }بغير حساب {واملراد بقوهلا:

يرثه من ،طلب من اهللا تعاىل أن يرزقه ولدا صاحلا ،ذلك ومسع منها ما مسع �زكريا فدعا ربه مبا أشارت إليه اآلية الكرمية يف قوله ،ال ولد له �فيكون مرشدا وكان ،بعده

نك سميع هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إ {تعاىل: .) سورة آل عمران38( }الدعاء

عند هذه �وهكذا فمسرى اآلية يبني لنا أن الرزق الذي كان جيده سيدنا زكريا فمثل هذا ليس مبطلب ، وليست الفاكهة،ليس هو اجلوز والرمان ،البنت يف احملراب

لقول اخلبيث يشكك ، ألن هذا اوال يستدعي أن يتشوق النيب للولد ويدعو اهللا ،األنبياء. إمنا الرزق هو ذلك العلم واملعرفة اليت كان جيدها عندها ويسمعه يف عرضها وحاشاها

وال يعرف الفضل إال ذووه. ،وذلك هو الذي قدره وعظمه منها ،منها

136

ا عليها السالم، وقد استمرت سيدتنا مرمي ال تنقطع ،عاكفة على الوجهة إىل ر، افكان هلا من هذه أن طهرت نفسها طهارة أوصلتها إىل درجة تليق ،الصلة الدائمة بر

وبذلك أصبحت أعلى النساء عند اهللا شأنا ،معها بأن يصطفيها را على نساء العاملني وأعظمهن منزلة.

إىل أن بلغت الدرجة اليت يتغلب ا نور النفس ،وقد زاد ا هذا الصفاء النفسيواليت يستطيع معها اإلنسان أن يشهد املالئكة ،جلسم الكثيفعلى حجاب ا ،اللطيفوقد أشارت اآليات الكرمية إىل ما نوهنا عنه من تلك الطهارة ،فيخاطبهم وخياطبونه ،الكرام

الذي أهل هذه السيدة الكرمية ،كما أشارت إىل ذلك التسامي النفسي واالصطفاء،النفسية وإذ قالت { فقال تعاىل يف كتابه العزيز: وتسمعه، لكرامإىل أن تتلقى خطاب املالئكة ا

يا مريم اقـنتي ،المالئكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين .ن) سورة آل عمرا43ــ42(}لربك واسجدي واركعي مع الراكعين

هو ذلك اخلضوع النفسي هللا تعاىل، ذلك اخلضوع الذي ،ومبا أن الركوع يف حقيقتهمن بعد أن عرف ،فقدره حق قدره ،يتمثل يف نفس املؤمن الذي شاهد كمال ربه وحنانه

فالراكعون هم يف األصل األنبياء والرسل الكرام. ولذلك ،رمحته خبلقه وإحسانه، وعلى هذااأمر اهللا تعاىل يقة بأن تـقنت لر أي تدمي وجهتها إليه تعاىل وتسجد له وتركع ، هذه الصد، املستعظمني مقام رم دوما، وهم األنبياء حصرا، ملقامها العايل الرفيع، مع الراكعني

.كسيدنا زكريا وسيدنا عيسى عليهما السالمها تعاىل أما لرسول من فجعل ،كما أكرم أمها ا من قبل ،وقد أراد ربك أن يكرمها

بآية من ،إىل الدنيا جميؤهذلك الرسول الذي كان ،�رسله الكرام هو سيدنا عيسى أظهرها اهللا ،وكانت على يديه من بعد آيات بينات ،وكانت له يف طفولته آية ،اهللا تعاىل

ك فكره وحتر ،فلعل هذه اآليات تلفت نظر اإلنسان اجلاحد ،تعاىل ليكون منها عربة ملعترب ويتعرف بسببها إىل خالقه. ،فيثوب إىل رشده ،اخلامد

137

وهي آية محل أمه ،ونبدأ اآلن باآلية اليت كان ا جميء هذا الرسول الكرمي إىل الدنيا من دون أن يتوسط يف ذلك أب فنقول: ،به

أن اهللا تعاىل جعل هلذا النوع ،قدمنا يف مطلع حديثنا عن قصة هذا الرسول الكرميووالدته جميؤهفكان �نظاما وسنة، أما سيدنا عيسى ،اإلنساين يف ايء هلذه الدنيا

لك كما ذكرنا � خمالفا هلذا النظام والسنة، فما محلهحامال تلك ،أب إمنا جاء امل

ملتجئة ،وكانت إذ ذاك يف مكان عبادا ،إىل السيدة مرمي عليها السالم ،النفس الكرميةا ،أهلها عن يتها ،منصرفة يف الوجهة إىل را ترى جربيل ،مقبلة عليه بكل فإذا�

وقد أرسله اهللا تعاىل هلا فتمثل هلا على هيئة بشر سوي، قال تعاىل مشريا إىل قصة ،أمامها، كانا شرقياواذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها م {احلمل بقوله الكرمي:

ها روحنا فـتمثل لها بشرا سويا ) 17ــ16( }فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليـ .سورة مرمي

فقالت وقد ،وقد اضطربت سيدتنا مرمي وهي يف خلوا من رؤية هذا الشخص أمامها ،ألتجئ إليه وأحتمي بهأعتز و أي: }...الرحمن منك قالت إني أعوذ ب {حسبته رجال:

أي: إنين التجأت واحتميت }...إني أعوذ بالرحمن منك ...{ويكون ما نفهمه من كلمة بالرمحن منك فمن أنت؟. واعتززت

إن ...{والذي نفهمه من مدلول اآلية أنه عرفها بأنه ملك من مالئكة اهللا فأجابته: فهل حيق لك خمالفة ولو كنت ملكا ما حاجتك؟.) سورة مرمي أي: 18(}كنت تقيا

والدخول على من حرم اهللا عليك اخللوة ا.. وإال فما مرادك؟. ،أوامر اهللا تعاىل }كياإنما أنا رسول ربك ألهب لك غالما ز ...{ :فأجاا مبا ورد يف اآلية الكرمية

لكوين غري مكلف حبمل ،أي: إنين مرسل من اهللا تعاىل، وأنا ال أشتهي ) سورة مرمي19(ألهب مرسل إين ملك وإين ملك ملكت نفسي هللا من عامل األزل، فال أشتهي أبدا،األمانة،

ميسسها ومل تتزوج ومل ،فعجبت أن يكون هلا ولد ،لك غالما طيبا طاهرا عايل االسم والشأنقال كذلك ، قالت أنى يكون لي غالم ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا{ بشر، فأجابته:

138

) سورة 21ــ20( }قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيافيما بسيدتنا مرمي عليها السالم عن طريق الفم �ألقى امللك نفس سيدنا عيسى :مرمي أي

سرت نفس سيدنا ، عندها�هي ختاطب امللك الذي كان حيمل نفس سيدنا عيسى أو كما تسري القوة الالسلكية حمملة على األثري إىل اهلاتف ،عيسى الطاهرة إليها سريان النور

فحملته فانتبذت { ال تعاىل مشريا إىل ذلك بقوله الكرمي:حممول يف بطنها، ق �فإذا هو فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قـبل هذا وكنت ،به مكانا قصيا

والتمسك جبذع النخلة. أي: أجلأها أمل الوالدة إىل االستناد) سورة مرمي 23( }نسيا منسياهو أعظم من ذلك األمل ،هنالك قالت وقد اجتمع عليها أمل الوالدة وأمل نفسي آخر

وهم ال يعلمون من أمر ،وتكثر األقاويل ،ناشئ عن خوفها أن يتهمها الناس بالزىن ،اجلسميصدقوا إذا أرادت وقد يـنكرون عليها كل اإلنكار وقد ال ي ،تلك املعجزة اليت محلت ا شيئا

وهكذا القت غما وحزنا شديدا، والشريف يكرب عليه أن يتهمه ،أن تعرفهم حبقيقة األمر ،ويتمىن أن ميوت وال يتكلم عليه أحد مبا يلوث مسعته وشرفه إفك، الناس بتهمة باطلة

.) سورة مرمي23( }نت نسيا منسياقالت يا ليتني مت قـبل هذا وك ...{ ولذلك:وأراد ربك أن خيفف عنها ما جتده بلمح البصر، �سيدنا عيسى ،وولدت سيدتنا مرمي

تعاىل:مبا أشارت إليه اآلية الكرمية يف قوله ،فأنطق مولودها ساعة والدته ،من غم وحزنواملراد . ) سورة مرمي24( }ربك تحتك سريا فـناداها من تحتها أال تحزني قد جعل {

أي: ولدا وجيها يسري ذكره وشأنه العايل يف اآلفاق. }سريا{بكلمةفكلي ،وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا{ مث متم هذا املولود قوله:

ن ا فإما تـرين من البشر أحدا فـقولي إني نذرت للرحمن صوما فـلن واشربي وقـري عيـ أي: انقطاعا عن الكالم. }صوما{واملراد بكلمة. ) سورة مرمي26ــ25( }أكلم اليـوم إنسيا

تت به قـومها تحمله فأ {قال تعاىل مشريا إىل ذلك: ،وجاءت سيدتنا مرمي مبولودهايا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت ،قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا

139

، يف التقوى والصالح: }يا أخت هارون {واملراد بكلمة ) سورة مرمي 28ــ27( }أمك بغيا .يف الطهارةأي مماثلة له

.) سورة مرمي29( }فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا{تبني ،وأراد اهللا تعاىل أن جيعل من كالمه آية ،يف املهد �وقد تكلم سيدنا عيسى

ة محلها به من دون براءة ذمة أمه مبا قد يتهمها به املتهمون من جهة، وتنضم إليها معجز ،كما يعظمون هذا املولود ،أب من جهة ثانية، فيؤمنون من وراء ذلك بعظمة اهللا تعاىل

ويؤمنون برسالته يوم يبعثه اهللا رسوال، وقد أشارت اآليات الكرمية إىل كالم سيدنا عيسى الكتاب وجعلني قال إني عبد الله آتاني {يف املهد مبا ورد يف قوله تعاىل: �وبـرا بوالدتي ،وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصالة والزكاة ما دمت حيا،نبيا

ذلك ،عث حياوالسالم علي يـوم ولدت ويـوم أموت ويـوم أبـ ،ولم يجعلني جبارا شقياما كان لله أن يـتخذ من ولد سبحانه ،عيسى ابن مريم قـول الحق الذي فيه يمتـرون

وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط ،إذا قضى أمرا فإنما يـقول له كن فـيكون .) سورة مرمي36ــ30( }مستقيم

وبعد أن بني لنا ،�وبعد أن ذكر لنا تعاىل قصة محل سيدتنا مرمي بسيدنا عيسى ،تلك املعجزة اليت تبني براءة السيدة مرمي من جهة ،يف املهد �تعاىل معجزة كالمه

ختم لنا تعاىل ،راموكونه عبد اهللا ورسوال من رسله الك �كما تبني رسالة سيدنا عيسى ما كان لله أن ،ذلك عيسى ابن مريم قـول الحق الذي فيه يمتـرون {ذلك بقوله الكرمي:

)سبحانه (وتفيد كلمة}يـتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يـقول له كن فـيكون ألن املولود من خصائصه ،هذه اآلية معىن أنه تعاىل منزه عن أن يكون له ولد الواردة يف

أو يف أي اسم ،يف ذاته ،فاهللا تعاىل منـزه عن أن يشاه أحد ،أن حيمل صفة أبيه ويشاه من أمسائه.

فمهما قلت ،ال أول لوجوده ،وبشيء من التفصيل نقول: إن اهللا تعاىل أول بال بدايةوأوله زمن ظهوره ،فهو أول وأول وليس له أول، أما سيدنا عيسى بن مرمي فله أول أول

140

والبداية واحلدوث صفة ،اليت هلا بداية واية ،وهو ذا كغريه من املخلوقات ،لعامل الوجود وتتناىف مع األلوهية. ،تالزم املخلوقات

،الذي ميد وال يستمد ويف كل اسم من أمسائه، والصمد هو ،واهللا تعاىل صمد يف ذاتهوال ،مبعىن أنه ال يستمد احلياة من غريه ،وال حيتاج إىل غريه. فاهللا تعاىل مثال صمد يف حياته

منبع احلياة ومصدر ،أو على شيء من األشياء، بل هو تعاىل احلي ،تتوقف حياته على أحد قات.ومنه تعاىل وحده تستمد حياة كل خملوق من املخلو ،احلياة

مستمدة �فحياته ،فهو كغريه من املخلوقات يف هذه الناحية � أما سيدنا عيسى مات يف احلال. ،فإذا انقطع إمداد اهللا تعاىل باحلياة عن سيدنا عيسى ،من اهللا تعاىل ا يكون قائما بذاته اإللهمث إن مبعىن أنه ال حيتاج يف بقاء وجوده إىل عامل من ،إمن شيء من األشياء.العوامل أو

فهو ،فهو خاضع للقوانني الكونية اليت أبدعها اهللا تعاىل لألحياء �أما سيدنا عيسى شأنه يف ،وبقاء حياته متوقف على كثري من العوامل ،والنور واهلواء ،حمتاج إىل الطعام والشراب

واهللا تعاىل ،دا لهذلك كشأن غريه من املخلوقات. مث إن الولد يتخذ ليكون عونا ألبيه ومساعا يستمد كل شيء من اهللا غين عن أن يساعده خملوق من خملوقاته، وإذا كان املخلوق إمن

حول وال قوة له. ال ،تعاىل، فكيف يصح أن يستعني خالق قوي مبخلوق ضعيفا يكون حميطا بسائر املوجودات ،إىل جانب كل ما ذكرناه اإللهو فهو أعظم من كل ،إمن ،فإمنا كان حمموال على سطح األرض �وأكرب من كل شيء. أما سيدنا عيسى ،شيء

وقد أشارت ،وذلك كله مما يتناىف مع صفات األلوهية ،حماطا باهلواء والفضاء والسموات الرسول الكرمي فقال تعاىل:اآليات الكرمية مبينة فساد ادعاء من نسب األلوهية إىل هذا

الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني لقد كفر {إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فـقد حرم الله عليه الجنة

لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثالثة وما ،من أنصار ومأواه النار وما للظالمين ا يـقولون ليمسن الذين كفروا منـهم هوا عم من إله إال إله واحد وإن لم ينتـ

141

غفرونه والله غفور رحيم أفال يـتوبون إلى الله ويس ،عذاب أليم ما المسيح ابن ،تـيقة كانا يأكالن الطعام انظر ه صدسل وأمبله الر مريم إال رسول قد خلت من قـ

ين لهم اآليات ثم انظر أنى يـؤفكون بدون من دون الله ما ال قل أتـع ،كيف نـبـ .) سورة املائدة 76ــ72( }يملك لكم ضرا وال نـفعا والله هو السميع العليم

فلو ويثبت االحتياج، ،ينايف األلوهية ،وهكذا فتوقف احلياة على الطعام والشراب لهارت قواه، وحاشا لإل، عدة أيام بال طعام لضعف، وال�مكث رسول اهللا عيسى

وال ،ال تتوقف حياته على شيء ،كما رأينا صمد اإللهو أن يضعف، إذن الار الكون. .، مغن لكل شيءوهو غين عن كل شيء ،حيتاج لشيء من األشياء

وكان الناس يف عصره على ،لبين إسرائيل �وقد أرسل اهللا تعاىل سيدنا عيسى فأيده اهللا تعاىل بآيات بينات تتناسب مع ،رفة بالطبجانب عظيم من املهارة واملع

فلعل ،إظهارا لرسالته ،أن يأتوا مبثلها ،ويعجز الناس مهما برعوا يف الطب واملداواة ،عصرهوتعرج ،فرتافق نفوسهم تلك النفس الزكية الطاهرة ،الناس يستعظمون رسوهلم ويتبعونه

فرتى اخلري ،احلقائق ياإلهل وتشهد بذلك النور ،ياإلهل فتشهد الكمال ،مبعيتها إىل خالقها ،قبل على اهللا تعاىلوت ،وهنالك تعرض عن الدنيا وسفاسفها ،واحلق من الباطل ،من الشر

فتعمل لآلخرة وتسعى هلا.وأنه ،أنه كان يربئ األكمه واألبرص بإذن اهللا ،ومما أيد اهللا تعاىل به هذا الرسول الكرمي

من وقد أشار تعاىل إىل ما أظهره على يد هذا الرسول ،املوتى بإذن اهللا ييكان حي ورسوال إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من {املعجزات:

را ب إذن الله وأبرئ األكمه واألبـرص وأحيي الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فـيكون طيـ الموتى بإذن الله وأنـبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بـيوتكم إن في ذلك آلية لكم

.) سورة آل عمران49( }إن كنتم مؤمنين ه يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ إذ قال الل {قال تعاىل:

أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهال وإذ علمتك الكتاب والحكمة

142

را والتـوراة واإلنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فـتنفخ فيها فـتكون طيـ بإذني وتـبرئ األكمه واألبـرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل

قال الذين كفروا هم إن هذا إال سحر مبين عنك إذ جئتـهم بالبـيـنات فـ ) 110( }منـعاجزون ،فاألطباء مجيعا يف كل زمان ومكان ،وهكذا فمهما تقدم الطب .سورة املائدة

غري أن اإلنسان ،عن إحياء امليت ورد روحه إليه، وأيد اهللا تعاىل رسوله ذه املعجزة البينةإن هو مل ،شيئا عنه ال يغين ذلك ،له من معجزاتومهما ظهر ،مهما رأى من آيات

أي ال ،ويتعرف منها إىل خالقه، وما دام هذا اإلنسان كافرا ،يفكر يف آيات هذا الكونوال أن يعظم ما يراه من ،فال ميكن أن يرجع عن ضالله ،تقدير لديه وال تعظيم آليات اهللا

اليت يظهرها اهللا على يد رسله. ،املعجزاتخيلق من الطني ،عيسى بن مرمي صلوات اهللا عليه وسالمه، سيدنا فهذا السيد املسيحوخيرج ،ويربئ األكمه واألبرص ،وينفخ فيها فتكون طريا بإذن اهللا ،كهيئة الطري بإذن اهللا

ونعم اهللا ومع ذلك كله جتد الذين كفروا، أي الذين مل يقدروا آيات اهللا ،املوتى بإذن اهللاموا غريه من الرسل صلوات اهللا عليهم أمجعني. ،يعبؤوا اومل همونه بالسحر كما ايت

مث قالوا إىل ،يف املهد �وقد مسعوا كالم سيدنا عيسى ،فيقولون إن هذا إالسحر مبني جانب ذلك على مرمي تانا عظيما.

وما ،ا آمنوا باهللا حق االميانجتد آخرين م ،مث إنك إىل جانب هؤالء الكافرين املعرضنيفهؤالء ملا ،تعرفوا إىل خالقهم عن طريق النظر واالستدالل، بل قلدوا آباءهم تقليدا أعمى

،وكفروا أيضا باهللا ،غلوا يف دينهم ،ما رأوه من معجزات �رأوا على يد سيدنا عيسى وقال آخرون إن ،سيح ابن اهللافقال فريق منهم إن اهللا هو املسيح ابن مرمي. وقال فريق امل

كما مر بنا يف آيات ، من دون اهللاإهلنيفزعموا أن سيدنا عيسى وأمه ،اهللا ثالث ثالثةيوم القيامة �فذكر لنا موقف سيدنا عيسى ،وقد ندد تعاىل بكذم وكفرهم ،مضت

وإذ {تعاىل: فقال ،وأشار إىل كذب هؤالء فيما قالوه عن لسان رسوله الكرمي ،بني يديهقال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال

143

سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قـلته فـقد علمته تـعلم ما ما قـلت لهم إال ما أمرتني ،فسي وال أعلم ما في نـفسك إنك أنت عالم الغيوب في نـ

به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فـلما تـوفـيتني كنت .) سورة املائدة117ــ116( }ليهم وأنت على كل شيء شهيد أنت الرقيب ع

كما عارضوا من قبل ،معارضة شديدة �وقد عارضت بنو إسرائيل سيدنا عيسى ،بسبب إعراضهم عن رم ،ألم فتنوا بالدنيا وشهواا ،من جاءهم من الرسل الكرام

إىل موقفهم وى أنفسهم. قال تعاىل مشريا فما كان يروق هلم أن يأتيهم رسول مبا الأفكلما جاءكم رسول بما ال تـهوى أنفسكم استكبـرتم فـفريقا كذبـتم ...{ هذا جتاه رسله:

.) سورة البقرة 87( }وفريقا تـقتـلون شريا إىل ذلك بقوله وكاد بنو إسرائيل لسيدنا عيسى كيدا شديدا قال تعاىل م

فـلما أحس عيسى مـنهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار {الكرمي: .) سورة آل عمران52( }الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون

موقد محل الكفر أولئك املعارضني الذي على تدبري املؤامرات لقتل رسوله ،ن كفروا برومكروا ومكر الله والله { ذلك بقوله الكرمي: كما هي عادم، قال تعاىل مشريا إىل �

ر الماكرين ؤالء �وقد ضاق صدر سيدنا عيسى . ) سورة آل عمران54( }خيـ ،أحوال املعرضني عن اهللا فيهاتنعكس ،يةاملؤمن كاملرآة الصاف نفس وهكذا ،الكفرة

ولذلك وعد اهللا رسوله ،ويلقى من جراء اجتماعه م غما شديدا ،فيضيق م صدرا إذ قال الله يا عيسى إني {فقال تعاىل: ، وبشره بذلك ،بأن يطهره من الذين كفروا �

ر ومطه يك ورافعك إليذين متـوفبـعوك فـوق الذين اتـذين كفروا وجاعل الك من النكم فيما كنتم فيه تختلفون ) 55( }كفروا إلى يـوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بـيـ

.سورة آل عمران

144

:����الدليل ا�ول على عودة السيد المسيح

ألن ،، وليس املراد من التويف املوت}إني متـوفيك {وقد بدأت اآلية الكرمية بكلمة وهو الذي يـتـوفاكم بالليل ويـعلم ما {قال تعاىل: ،التويف يقع يف حال النوم أيضا

سمعثكم فيه ليـقضى أجل م .) سورة األنعام60( }... ىجرحتم بالنـهار ثم يـبـبعد أن تكون قد منحت فيه حق ،هو أخذك الشيء واستيفاؤك إياهوالتوفي لغة:

التصرف لغريك حينا. تقول: توفيت ديين من فالن، أي: أخذته واستعدته منه، وتقول: النفس نقول: إن ولبيان املراد من تويف ،توىف فالن حقه من غرميه. وبناء على ما قدمناه

وبناء على اختيارك ينفذ اهللا تعاىل ،اهللا تعاىل منح النفس يف هذه احلياة الدنيا االختيار، فمن اإلنسان االختيار والطلب،ومن اهللا تعاىل اإلمداد واحلول لك مرادك ومطلوبك

وتويف النفس إمنا يكون بقبض االختيار. والقوة والتسيري، يقع يف حالة النوم. ،ل املوتوكما يقع التويف يف حا

يكون تويف النفس بأن يقبض اهللا تعاىل االختيار من النفس مدة ،ففي حال النومإال إذا أعاد اهللا تعاىل للنفس ،وهنالك يستسلم اإلنسان لنوم ال يستيقظ منه ،وجيزة

وعاد عليها بسابق فضله. ،اختيارهان يقبض اهللا تعاىل من النفس اختيارها بأ ،فيكون تويف النفس ،أما يف حال املوت

ومبينا ،ووفاا يف حال النوم ،قبضا ائيا، قال تعاىل مشريا إىل وفاة النفس يف حال املوت لنا الفرق بني الوفاتني بقوله تعاىل:

ها الله يـتـوفى األنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فـيم { سك التي قضى عليـ .) سورة الزمر42( }... الموت ويـرسل األخرى إلى أجل مسمىبأن تويف ،عن تويف النفس يف حال النوم أيضا ،وخيتلف تويف النفس يف حال املوت

.ميرافقه تويف الروح وقبضها من اجلس ،النفس يف حال املوت ،وانتظام سري أجهزته م،والذي تكون به حياة اجلس ،ياإلهل نور : وهي ذلك الفالروح

،وتنقطع أجهزته عن القيام بوظائفها ،فعندئذ يتوقف عن احلركة مإذا هي قبضت من اجلس

145

فتمتد إليه يد البلى والفناء. مث إن تويف الروح إمنا يكون بواسطة امللك، ،وتنعدم منه احلياةلك املوكل بنفخ ا

عند خلق النطفة وانتقاهلا إىل ،لروح يف اإلنسان عندما يكون جنينا فامل

قال تعاىل مشريا إىل ذلك ،حني املوت مهو املوكل أيضا بقبض الروح من اجلس ،أمه رحم .) سورة السجدة11( }...قل يـتـوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم {بقوله الكرمي:

}حتى إذا جاء أحدكم الموت تـوفـته رسلنا وهم ال يـفرطون ...{ قال تعاىل: .) سورة األنعام61(

فهي إمنا تعين تويف (الملك)بكلمة (التوفي) إذا قرنت كلمة ،وبناء على ما قدمناه وأعين بذلك املوت وانقطاع احلياة. ،الروح

والفرق بني وفاة املوت ووفاة النوم نقول: مبا أن كلمة ،ا معىن التويف واآلن وبعد أن بينفهي ،مل تقرتن بذكر امللك �اليت خاطب اهللا تعاىل ا سيدنا عيسى }إني متـوفيك {

ا تشري إىل تويف النفس ،إذا ال تعين قبض الروح املعرب عنه باملوت وأعين به قبض ،وإمنتوفيا � وهكذا فقد توىف اهللا تعاىل سيدنا عيسى ،قع يف حال النوماالختيار الذي ي

ويشبه ذلك ما وقع ألصحاب ،وجعله يف حال النائم ،أخفى به جسمه عن األنظارمث ،دون أن يتطرق البلى إىل أجسامهم ،الذين توفاهم اهللا تعاىل مئات السنني ،الكهف

فضربـنا {قال تعاىل: ،العصر الذي بعثهم اهللا فيهبعثهم ليكونوا عربة للذين كانوا يف ذلك ثم بـعثـناهم لنـعلم أي الحزبـين أحصى لما لبثوا ،على آذانهم في الكهف سنين عددا

.) سورة الكهف12ــ11( }أمداقه زلفى سوى عمله يعلم أنه ال يـقرب العبد من خال �ومبا أن سيدنا عيسى

ودعوته الناس إىل ،ي الكرمي غري فعله املعروفاإلهل وليس يرفعه إىل ذلك اجلناب ،العايللقي من قومه ما لقي من الكفر �ميان، ومبا أن سيدنا عيسى طريق احلق واإل

عاىل لذلك ملا أخربه اهللا ت ،ومل يذعن لداللته إال نفر قليل أو ضئيل من الناس ،واملعارضة .يف ذلك اجليلومل يتم له مطلبه ،حزن أسفا على أنه مل حتقق له نيته العالية ،بأنه متوفيه

146

ويبشره مبا سيجعله من اخلري على يديه فقال ،وقد أراد اهللا تعاىل أن يسليه عن ذلكن أن أي ال حتزن فال بد م :) سورة آل عمران55( }... ورافعك إلي ...{تعاىل:

باألعمال اإلنسانية، وستدعوهم إىل اإلميان فيؤمنون، وإين رافعك إيل ،أعيدك للناس ثانيةمن داللتك خللقي يف املستقبل بصدقك ونيتك العالية، ومبا ستقوم به حينئذ اليت ستقدمها

وجهادك يف سبيل األخذ بأيديهم إىل سبيل اإلميان. ،علي ما يتبادر إىل األذهان، أذهان }... ورافعك إلي ...{وإذا فليس املراد من كلمة

ورافعك ...{بعض الناس من أنه رفع إىل السماء. فإن اآلية جاءت صرحية بقوله تعاىل: اية له ،واهللا تعاىل هذا اخلالق العظيم ،ومل تقل ورافعك إىل السماء }... إلي الذي ال،

فهو خالق الزمان واملكان. ،ه زمان ومكانمنزه عن أن حييط بوليس ،وكالمها خملوق ،مث إن السماء واألرض عند اهللا تعاىل سيان يف املنزلة والشأن

ا الذي يرفع اإلنسان إىل خالقه ويدنيه من يرفع من شأن اإلنسان رفعه إىل السماء، إمن ،وته الناس إىل طريق احلقودع ،وجهاده يف سبيل اهللا ،عمله العايل ،جنابه الكرمي

ا ،وهدايتهم إىل الصراط املستقيم. وإذا فالذي جاءت به اآلية الكرمية ليس رفعا جسميا إمنال جسميا ،أي أدناه منه منزلة ومكانة ،هو رفع املنزلة والشأن نقول: رفع األمري فالنا إليه

ومكانا.واذكر في {. ) سورة فاطر10( }... عه والعمل الصالح يـرفـ ...{قال تعاىل:

يقا نبيا ه كان صدا،الكتاب إدريس إن{ .مرمي ) سورة 57ــ56( }ورفـعناه مكانا علي... .ادلة) سورة ا11( }... يـرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات

وجعلنا ابن {إىل السماء قوله تعاىل: �أقول: والذي ينفي أيضا رفع سيدنا عيسى ناهما إلى ربـوة ذات قـرار ومعين .) سورة املؤمنون50( }مريم وأمه آية وآويـ

والمعين: ستقر. هو اجلبل الراسخ املوالقرار: هي املكان املرتفع من األرض. والربوة: .املاء اجلاري الذي ال ينقطع

147

وآويـناهما إلى ربـوة ذات قـرار ...{قال يف هذه اآلية: �عن أيب أمامة عن النيب قال أتدرون أين هي؟. قالوا اهللا ورسوله أعلم. قال: هي بالشام بأرض (. }ومعين

ما رواه وهذا .)1()ير مدن الشاميقال لها الغوطة، في مدينة يقال لها دمشق هي خواملؤرخ ابن جبري يف كتابه "تذكرة األخبار عن اتفاقات األسفار" أن ،البيضاوي يف تفسريه

ا كان إىل ربوة دمشق، وجاء يف بعض اآلثار أن ظهور سيدنا عيسى ،هذا اإليواء إمن� سيكون يف دمشق. ،يف آخر الزمان

إليه اآلية الكرمية من التويف والرفع نقول: واآلن وبعد أن بينا ما تشريأراد ،بالعودة والقيام بالدعوة إىل احلق ،�بعد أن بشر اهللا تعاىل سيدنا عيسى

قبل بأن الناس يف زمنه ،تعاىل أن يطمئن قلب رسولهوسينقلب العامل ،سيهتدون به امل

ود وحتل حملها دولة التوحيد وستمحى دولة الكفر من الوج ،بأسره إىل عامل مؤمن باهللا ،فال يعود يضيق صدرك من أحد ،وهنالك ينطوي الناس حتت لواء احلق مجيعا ،واإلميان

إنك ،من اجتماعك بأهل الكفر والضالل ،وال تعود تشعر ذا الضيق الذي تلقاه اليوموذلك ما ،يةوستشعر ذه الطهارة من هؤالء الكفار طهارة دائم ،ستجد صفاء وسرورا

مث بني تعاىل ،}...ومطهرك من الذين كفروا ...{أشارت إليه اآلية الكرمية بقوله تعاىل: وسيبقى للمؤمنني الشأن ،ستبقى إىل يوم القيامة ،دولة اإلميان ،أن هذه الدولة

اتـبـعوك فـوق الذين وجاعل الذين ...{ يهتدي العامل ديهم قال تعاىل: ،والسيطرةنكم فيما كنتم فيه تختلفون ) 55( }كفروا إلى يـوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بـيـ

.سورة آل عمرانراد من التويف والرفع والتطهري

ال ،سابقةالواردة يف اآلية الكرمية ال ،واآلن وبعد أن بينا امل

،نوما �التي كانت سببا في توفي سيدنا عيسى ،بد لنا من ذكر موجز القصةشاركهم يف ذلك ،�فنقول: ملا تآمر اليهود على قتل سيدنا عيسى ،وحجبه عن األنظار

ودهلم على املغارة اليت كانت ،�أتباعه وأنه من ،رجل منافق منهم كان قد تظاهر باإلميان

أخرجه ابن عساكر. )1(

148

ذلك كانويف اليوم الذي أرادوا فيه تنفيذ املؤامرة، ،�ربية لسيدنا عيسى مركز قيادة ححجب اهللا تعاىل حيث �سيدنا عيسى سابقا املكان الذي كان فيه مالزما الرجل

، بأن أمره بالذهاب مع أمه إىل أن يصل إىل مغارة بينها تعاىل له، رسوله وأخفاه عن األنظارمني كأصحاب الكهف، فكانت هذه الفرتة الطويلة من النوم آية، وهنالك ناما، فأبقامها نائناهما إلى ربـوة ذات قـرار { كما أورد تعاىل بقوله: وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويـ

وألقى الشبه على ذلك حني ظهورمها يف زمننا هذا. : إىل) سورة املؤمنون50( }ومعين ، الذي كان يبالغ يف العناية باللباس واملظهر الديين، وإطالة اللحية والعمامة، للتعمية اخلائن

على نفاقه، فظنه الزبانية الرومان هو اإلمام، أي ظنوه من بني احلواريني أنه هو سيدنا ا مل يكن سيدنا عيسى �عيسى

موجودا باملغارة، إذ سبق أمر اهللا باملغادرة، �، ومل

مغارة أخرى بربوة سريمها تعاىل إليها، وكان األمر الصادر بإلقاء القبض على ومعه أمه إىلسيدنا عيسى صارما لزبانية الرومان، ذلك ألن اليهود أعلموا احلاكم الروماين إذ ذاك

، وأنه غدا يهدد استقرار حكمه، ألن مجاهري فلسطني تبعته، �بشعبية سيدنا عيسى سحرية بزعمهم. عندها خشي احلاكم الروماين من اخلطر بسبب اخلوارق واملعجزات ال

بنشوء ثورة أو قتال من قبل اجلماهري املتأثرة والتابعة هلذا الشخص، الذي بلغت شهرته مبلغا رهيبا، بسبب عجائبه وخوارقه، فأمر بأن يقتلوه فور القبض عليه، ألم إن مل

حقة. أما إن وضع الشعب أمام أمر واقع، يقتلوه، فستثور اجلماهري والعوام بثورة ساحقة ماوهو أنه قد قتل وقضي األمر، فسيقضى على الفتنة يف مهدها، وجيد الناس أنه مقتول فسيهمدون. كانت هذه وجهة نظر احلاكم الروماين، الذي أثاره علماء اليهود ضد سيدنا

ور الناس بثورة عيسى، فأصدر أمر قتله وصلبه فور القبض عليه، دون إبقائه وسجنه، فتثقد تودي باحلاكم وجنده، لذا أمر اجلنود الذين أرسلهم بقتله مباشرة، وهؤالء الزبانية كانوا

، فلما وجلوا الكهف وشاهدوا �جنودا منفذين، ال يعرفون شخص سيدنا عيسى احلواريني األحد عشر، ومعهم هذا املنافق اخلائن، مبظهره الديين الرائع، ومل جيدوا سواه،

نوه سيدنا عيسى، واألمر بقتله كان مشددا صارما من احلاكم، لذا اعتقلوه، فقاوم ظ

149

،فتمنع متنعا شديدا ،فأخذوه يريدون أن يقتلوه ويصلبوه فأذلوه، وبصقوا عليه وعذبوه.بل قتلوه وصلبوه وهم ،فما مسعوا له قوال ،ونفى ذلك نفيا قويا ،وبني هلم أنه ليس بعيسى

ونال جزاءه قال تعاىل: ،وهكذا فقد لقي ذلك اخلائن مصرعه ،�أنه عيسى يظنونر الماكرين { .) سورة آل عمران54( }ومكروا ومكر الله والله خيـ

بعد أن فعلوا ما فعلوا خامرهم الشك فقالوا وهم يتساءلون فيما املتآمرينمث إن هؤالء وقد ،فأين عيسى ،وإن كنا قد قتلنا صاحبنا ،ى فأين صاحبناإن كنا قد قتلنا عيس ،بينهم

وقـولهم إنا قـتـلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول {أشار تعاىل إىل ذلك بقوله الكرمي: ه لفي شك منه ما الله وما قـتـلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختـلفوا في

بل رفـعه الله إليه وكان الله عزيزا ،لهم به من علم إال اتـباع الظن وما قـتـلوه يقينا .) سورة النساء158ــ157( }حكيما

* * *

150

الدليل الثاني:

ين حتى لم يكن الذين كفروا م { قال تعاىل: ن أهل الكتاب والمشركين منفكنة سورة البينة1( }تأتيـهم البـيـ (.

رسول { :أنها رسول من اهللا فقال تعالى ،بين تعالى هذه البينة لقد فما هي البينة؟:لو صحفا مطهرة ما أرسله اهللا تعاىل من ،املطهرةوالصحف :) سورة البينة2( }من الله يـتـ

وهي حبسب اآلية التالية ،الدال على طريق السعادة واخلري ،والتشريع احلكيم ،يةاإلهل األوامر الثالثة السابقة القرآن الكرمي، الذي حوى كافة الكتب السماوية سور إمنا تعين ،املوضحة هلا املقدسة. األربع والصحف

اليت ،) سورة البينة، أي أن هذه الصحف املطهرة3( }ب قـيمة فيها كت {قال تعاىل: ا تضمنت بني طياا كتبا ذات قيمة عالية. وما هذه الكتب ،يتلوها رسول من اهللا إمنمن �على من سبق سيدنا حممدا ،اليت أنزهلا اهللا تعاىل ،يةاإلهل القيمة إال الكتب

ية اإلهل الذي حوى الكتب ،القرآن الكرمي سورإال ،رةاملرسلني، وما هذه الصحف املطههو الكتاب الذي سيتلوه ،حبسب ما ورد يف هذه اآليات ،السابقة. ولذلك فالقرآن الكرمي

وما تـفرق الذين أوتوا الكتاب { :على اخللق كافة ،يوم عودته �سيدنا عيسى بن مرمي نة إال من بـعد ما جاءتـ أي أن الذين أوتوا الكتاب وهم بنو ) سورة البينة4( }هم البـيـ:

. �إسرائيل، مل يتفرقوا إىل يهود ونصارى، إال من بعد ما جاءهم سيدنا عيسى ، إذ يف بعثة سيدنا �إذن: هذه اآلية دليل واضح، على أن البينة هو سيدنا عيسى

قني إىل يهود ونصارى من قبل، ومل سنة/ متفر 600كان اليهود منذ حوايل / �حممد تعين }البـيـنة {تكن بعثته الشريفة سبب شقاقهم واختالفهم، وعلى هذا أصبحت كلمة:

، الذي بعهده وظهوره األول، تفرق أهل الكتاب إىل �بال شك، سيدنا عيسى الله واشهد بأنا نحن أنصار الله آمنا ب ...{ نصارى أرادوا نصر سيدنا عيسى وقالوا:

: أي حني طلب سيدنا عيسى قتال كفرة اليهود ) سورة آل عمران52( }مسلمون

151

وطلب أنصاره، فكانوا فقط احلواريني، الذين فيما بعد تغلبوا على اليهود، وأصبحوا كونوا أنصار يا أيـها الذين آمنوا { ظاهرين بالعامل، إذ آمنت معهم دولة روما الكربى:

الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن هم : و }...أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا

على عدوهم فأصبحوا {احلواريون، وتبعتهم الدولة الرومانية مع أممها الثماين عشرة أمة:اليهود. إىل :}...وما تـفرق الذين أوتوا الكتاب {. إذن: ) سورة الصف14( }ظاهرين

نة ... {يهود ونصارى: هم البـيـ :أي الرسول الكرمي ) سورة البينة4(}إال من بـعد ما جاءتـالبينة. وهو بينة مبعجزاته وكلماته باإلجنيل، ووالدته دون أب، ونطقه وكالمه �عيسى

باملهد، والذي بعودته يف آخر الزمان، سينفك الفريقان اليهود والنصارى عن كفرهم، كما من أهل الكتاب والمشركين لم يكن الذين كفروا{: بينت اآلية من السورة الكرميةنة ى تأتيـهم البـيـين حت وإذا كان املقصود بكلمة البينة، هي : ) سورة البينة1( }منفك

، واملشركني هم أهل مكة أو عبدة األصنام، كما يدعي املفسرون، حلصل �سيدنا حممد . وهذا ما مل حيصل، بل طردهم رسول !االنفكاك حينها ألهل الكتاب اليهود عن الكفر

من املدينة املنورة بسبب بقائهم على كفرهم. إن السورة الكرمية تبني مبا ال يدع �اهللا حتما، وذلك لتفرق �جماال لتفسري أعوج ال ترابط فيه، أن البينة، هي سيدنا عيسى

، وهذا ما أكدته اآلية اليهود إىل فريقني بعد بعثته األوىل، فانقسموا إىل يهود ونصارىإال ... {أي اليهود تفرقوا إىل فرقتني: }...وما تـفرق الذين أوتوا الكتاب { الثانية بكلمة:

نة هم البـيـ ، إذن بداية اآلية الذين أوتوا �. وهو سيدنا عيسى }من بـعد ما جاءتـما أمروا إال ليـعبدوا الله مخلصين له و {الكتاب هم اليهود، واملشركني هم النصارى:

ين حنـفاء ويقيموا الصالة ويـؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة إذا، إن .) سورة البينة5( }الدمن الذين كفروا من أهل الكتاب، أي من اليهود واملشركني من النصارى لن ينفكوا عما هم فيه

، �كفرهم وإشراكهم، (كما لن ينفكوا عن اختالفهم من تكذيب اليهود للمسيح

152

حىت تأتيهم هذه البينة، وهذه البينة وصفها تعاىل، بأا رسول من واختالف النصارى يف طبيعته) اهللا يتلو صحفا مطهرة.

، هو الذي يفض اخلالف الذي نشأ بني اليهود والنصارى، عندما �إذ أن املسيح مل �يأيت إليهم، ألن كل رسول مكلف حبل خالفات أمته، لذلك فإن سيدنا حممدا

حياول أن حيل اخلالف بني اليهود والنصارى، إال باليت هي أحسن، فمثال حينما كان حيارب قوما كافرين، كعبدة األصنام باجلزيرة العربية، وعبدة النريان بعدها، كان يشرط

احلرب حىت يسلموا. ومبا أنه مل تقبل جزية من عبدة األصنام عليهم شرطني: اإلسالم أو باجلزيرة، وال من عبدة النريان، لذا ال جند معابد لألصنام باجلزيرة العربية، وال معابد للنريان بإيران، ولو قبلت اجلزية منهم لبقيت معابدهم، كما بقيت معابد النصارى واليهود وقبلت

، فيحل خالفهم ويسلموا، وهكذا بالنسبة �ا عيسى منهم اجلزية حىت يظهر سيدن .اإلسالم. الجزية. الحربلليهود والنصارى، فكانت هلم شروط ثالثة هي:

فإن أسلموا فتلك الغاية، وإن أبوا، فدفع اجلزية، وإال احلرب حىت يسلموا، أو يدفعوا م وأعيد هلم اجلزية، اليت هي حبقيقتها رمز لعلهم يسلمون، فإذا أسلموا، ارتفعت عنه

عزهم، وأصبح هلم ما للمسلمني.وهذا دليل واضح على أن الذي حيل اخلالف الناشب بني اليهود والنصارى هو

.�رسوهلم سيدنا عيسى إن تسمية املشركني ال تقتصر على كفار مكة، أو غريهم من عبدة األصنام، وإمنا

لث ثالثة، ألن معتقدات هؤالء تشمل أيضا الذين اعتقدوا بأن املسيح هو ابن اهللا أو ثا .)1(وهؤالء متضاهئةلقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا { قال تعاىل:

ه من يشرك بالله فـقد حركم إني وربة بني إسرائيل اعبدوا الله ربم الله عليه الجن

تقول ضاهاه شاكله وضهيئك شبيهك. )1( ).73ــ72(اآليةسورة املائدة: )2(

153

لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثالثة وما من ، ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ا يـقولون ليمسن الذين م ينتـهوا عمإله واحد وإن ل هم عذاب أليم إله إال }كفروا منـ

.) سورة املائدة73ــ72(وقالت اليـهود عزيـر ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله {وقال جل جالله:

}م الله أنى يـؤفكون ذلك قـولهم بأفـواههم يضاهؤون قـول الذين كفروا من قـبل قاتـله . ومن الناحية التارخيية نقول: لقد أنكر اليهود على السيد املسيح ) سورة التوبة30(

رسالته، وادعوا بأنه ليس هو املسيح املنتظر الذي سيكون ملكا علينا وقالوا، وبذلك لعنهم فيها، واموه بالتدجيل، مث اهللا، بأنه املسيح الكذاب، مث شنوا عليه حربا دعائية ال هوادة

أساؤوا بالدسوس واإلفك، والتقول عن أمه، اليت هي أطهر نساء العاملني، وتلك هي عادم، فكلما جاءهم رسول مبا ال وى أنفسهم كذبوه.

ونتيجة لتلك املقاومة وذلك الدس، استطاعوا أن يصرفوا الناس عنه، وما انصرف عنه ؤمن معه إال فئة قليلة، استطاعت بإمياا الرفيع أن تنشر الديانة إال القوم ارمون. ومل ت

النصرانية بني رعايا اإلمرباطورية، السيما يف روما نفسها، بالرغم من أم كانوا يف ظل االحتالل الروماين.

إال أن تلك الديانة شوهت فيما بعد، ومبرور بضع مئات من السنني حصل ضعف ان، وذلك مبا دخل عليها من املعتقدات الوثنية اليونانية بسبب بسبب عدم التفكري واإلمي

عدم تفكريهم، وسريهم بالتقليد األعمى.وما أمروا إال { أما نوع اخلالف الذي شب بينهم فهو ما جاء يف اآلية الكرمية:

ين ه مخلصين له الدسورة البينة5( }...ليـعبدوا الل (. وإذ قال الله يا عيسى ابن { ف هو الذي بينه سبحانه يف سورة املائدة:وهذا االختال

مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي علمته تـعلم ما في نـفسي وال أعلم ما أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قـلته فـقد

154

ما قـلت لهم إال ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي ،في نـفسك إنك أنت عالم الغيوب .) سورة املائدة117ــ116( }... وربكم

ين وما أ { وهذا هو معىن قوله تعاىل: ه مخلصين له الدليـعبدوا الل مروا إال...{. وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فـلما تـوفـيتني كنت أنت الرقيب عليهم ...{

.) سورة املائدة117( }وأنت على كل شيء شهيد ووعده بأن ،ذلك التويف الذي بيناه ،�هللا سيدنا عيسى ولعلك تقول: مل توىف ا

وما وقع هذا ألحد من املرسلني؟. ،يعيده يف آخر الزمان ،حق اإلقبال ،وأقبل على اهللا تعاىل ،حق اإلميان ،فأقول: إذا آمن اإلنسان خبالقه

اىل ال يعطي وأصبحت وى فعل اخلري واإلحسان. ومبا أن اهللا تع ،امتألت نفسه بالكمالوحيث أن سيدنا ،إال بناء على ما قدم من أعمال طيبة ،امرءا يوم القيامة منزلة من املنازل

تلك املعارضة ،ملا جاء بالبينات عارضته بنو إسرائيل كما رأينا من قبل �عيسى وداللتهم ،يف تعريف الناس خبالقهم ،وما استطاع أن حيقق رغائبه ونيته العالية ،الشديدة

، إلخراجهم من الظلمات إىل النور، فما اهتدى على يديه إال القليل وهذه عليه تعاىلوأن ،وأن يرفعه بعمله العايل ،ولذلك وعده اهللا عز وجل أن يعيده يف آخر الزمان وظيفته،

ظهارا وإ ،فوق الذين كفروا إىل يوم القيامة، تطييبا لنفسه ،جيعل املؤمنني الذين سيتبعونهوذلك ما أشارت إليه اآلية الكرمية اليت قدمناها من قبل ،وملا خفي من عايل نيته ،لعمله

يف قوله تعاىل:رك من الذين كفروا { ومطه يك ورافعك إليي متـوفإذ قال الله يا عيسى إن

الذين كفروا إلى يـوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم وجاعل الذين اتـبـعوك فـوق نكم فيما كنتم فيه تختلفون .) سورة آل عمران55( }بـيـ

* * *

155

الدليل الثالث:

����وجاهة السيد المسيح

} الله يـبش نه اسمه المسيح عيسى ابن إذ قالت المآلئكة يا مريم إنرك بكلمة منـيا واآلخرة ومن المقربين اس في المهد وكهال ومن ،مريم وجيها في الدم النويكل

.) سورة آل عمران46ــ45( }الصالحين ها يف الدنيا ويف اآلخــرة، فـإذا كــانت سيكون وجي �فاآلية تبني أن السيد املسيح .

وجـاهـة اآلخرة ال ريب فيها فوجاهة الدنيا مل حتصل له بعد، ففي فرتة قدومه األوىل، مل يكن الذين معه يتجاوزون األحد عشر، لذا فتلك الوجاهة هي اليت ستكون له عند عودته

يأتي على لعاملي للناس قاطبة (ثانية، فيؤمن به كل من بقي حيا تقريبا، فيصبح امللك اويغدو للعاملني إماما إذ يؤم إليه الرجال، وإىل أمه عليها السالم النساء ) سحابة من المجد

مجيعهن. بقضية �واآلية الثانية وحبديث القرآن عن معجزاته :كالم الكهل ليس بمعجزة إال

معجزة، أمــا أن تكليمه باملهد فكالمه يعترب حبقكلم الناس كهال فليس مبعجزة،إال إذا غاب حينا من الدهر يتجاوز أضعافا مضاعفة من يــ

عمر اإلنسان الوسطي، ومبا جتاوز ألفي سنة مث يعود ليكلم الناس بنفس العمر كهال:جميؤه بعد عشرين قرنا تقريبا معجزة عظمى، وهو بنفس السن الذي توفاه اهللا به.

يئه، فعلينا حىت يكمل البحث، أن نشرح الغاية اليت يأيت من أجلها. أما وقد تكلمنا عن جمإن القرآن جاء بأعلى مستوى وأكمله من التشريع والتنظيم والربهان، ويف احلدود اليت ارتضاها

به اإلنسان كليا إىل الدنيا، فرب العاملني للبشرية، وهذه احلدود تبقى يف اال الذي ال ينصر ه الفكرية والنفسية واجلسمية.ومتتص كل طاقات

فأرضية اتمع الديين، واملناخ الذي جيب أن يعيش فيه اإلنسان ويتالءم مع معتقداته، هو جمتمع ال يتجاوز مستواه احلضاري مستوى التعقيد وامتصاص طاقات اإلنسان لدنياه فقط، ألن

156

متاما كما نلحظه يف هذا العصر، التجاوز عن هذا املستوى يولد الشقاء واألمل والظلم والتفرقة، وكل زيادة على هذا املستوى، يعترب فسادا وإفسادا،واطمئنانا إىل الدنيا، وانصرافا عن الغاية اليت

جاء من أجلها اإلنسان.عند جميئه، لن حيمل معه إجنيال يستوعب حضارة هذا �لذلك فالسيد املسيح

كتاب ال يدخل عليه الباطل، بل يأيت ليمحو القرن، ولن يصحح القرآن الكرمي، ألنهالصدأ الذي حجب الناس عن القرآن الكرمي من تلك التفاسري الضحلة، ومن كثرة التفاسري املضللة، املنقولة عن دسوس إسرائيلية وغريها واملخالفة للقرآن كالم اهللا، خمالفات

فرحون، هذه الدعوة صرحية، واليت فرقت الناس إىل أحزاب وشيع، كل حزب مبا لديهممن قبل أن جيلو الصدأ الذي تراكم على التوراة، نتيجة التفاسري �نفسها عندما أراد

الباطلة والتحريف املقصود من علماء بين إسرائيل، ولكن عند جميئه الثاين مهما يلق هذا م، أو من الرسول الكرمي من التحدي، من قبل بعض مقلدة علماء األديان الثالثة وفريسيه

الذين يتبعوم بغري علم، فاهللا سينصره حتما، هو والذين آمنوا معه، وسيجعل عداءهم له حسرة يف قلوم إىل يوم يلقونه، وعندئذ سيحكم تعاىل بينهم، وهو خري احلاكمني.

انتھاء جوVت الباطلخلالفات بدعوته لقوم قد مزقت ا �إن الدين بدأ غريبا، فقـد بــدأ رسولنا حممد

وأبعدت القبلية تضامنهم، وكانوا عبارة عن قبائل متفرقة، ودويالت تستخدمها وحدم،دول أجنبية كربى، وبني أظهرهم أمة تعالت عليهم مبا هلم " أبناؤها " من ماض جميد، ويستفتحون عليهم مبا يعتقدون بأن رسوال امسه أمحد " أي أمحد اخللق أمساهم وأعالهم "

قارب زمانه، ومبجيئه سينتصرون على العرب، ويأخذون ديارهم وأمالكهم، ويصبحون قدأسيادهم. هذا الوضع قبل أربعة عشر قرنا، " يشبه ضمنا وضعنا احلايل ". فاألمة العربية خاصة، واإلسالمية عامة، قد مزقتها اخلالفات إىل شيع ودويالت متناحرة، تسري قسما

ارية كربى، وبني أظهرها أمة يتعالون علينا اآلن حباضرهم، وهم اآلن كما منها دول استعمفهم اآلن ينتظرون قدوم السيد املسيح يف �كانوا باألمس، ينتظرون ظهور سيدنا حممد

157

باملدينة املنورة �أرض امليعاد، فلسطني اليت جتمعوا اآلن ا، كما جتمعوا بعهد الرسول عاملي. فالدين أصبح غريبا إذ ما من أحد تقريبا يأمل أن تقوم وخيرب، ليكون امللك ال

للدين بعد اليوم قائمة، ألن عصر األديان باعتقادهم قد وىل منذ زمن بعيد، وإىل غري رجعة .

أال إن الزمان قد دار دورته، وعاد الوضع كما بدأ. يف هذا الزمان الذي كفرت الناس آلخر، سيظهر الدين غريبا كما بدأ قبل أربعة عشر قرنا . فيه باهللا وكتبه ورسله واليوم ا

.) سورة التوبة32( }ويأىب الله إال أن يتم نوره ولو كره الكافرون ...{، فقد آن أوان ظهوره حقا �فطوىب للمؤمنني الغرباء بقدوم الرسول، السيد املسيح

كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.وصدقا، وذلك معلوم وظاهر ملن : ) سورة النساء159( }... وإن من أهل الكتاب إال ليـؤمنن به قـبل موته {عندها :

.�وهذه اآلية الكرمية، دليل واضح على عودته، وإميان أهل الكتاب به قبل موته

* * *

158

طوبى لمولود ھذا الزمان، ال يكاد يذكر بالقرآن الكرمي إال ومع ذكره دليل على عودته �سيح إن السيد امل

ثانية، وإن كانت األدلة اليت سقناها سابقا، كافية لكل ذي لب، إال أننا أحببنا أن نستكمل البحث، وذلك ألمهيته الكبرية اليت أوالها له القرآن الكرمي.

لك ألن لكل مسمى من امسه ) هلو من أكرب األدلة على عودته، وذ�* إن امسه ( نصيب، أما األنبياء الكرام، فلهم النصيب الكامل من أمسائهم اليت مساهم اهللا تعاىل ا.

ذا االسم الكرمي مبا حوى من الكماالت مجيعها، ومبا �فمثال مسى اهللا تعاىل سيدنا حممدا امسه (حممدا).انطوت عليه هذه النفس الكرمية العالية من احملامد كلها، فكان

، فقد أطلق اهللا تعاىل عليه امسني كرميني (املسيح ــ عيسى) �أما السيد املسيح وكلمة املسيح: من املسح، ومسح الشيء أي : أزاله، ومبا أن وظيفة كل رسول هي إخراج الناس من الظلمات إىل النور، وبالتايل إزالة ومسح حب الدنيا من قلوم، وربطها باهللا

مبعيته. تعاىلومبا أنه مبجيئه أول مرة، مل ميسح الكفر من األرض، فإنه ببعثته الثانية حتما سيمسح الكفر من الكون، وكلمة عيسى مشتقة من (عسى) وكلمة عسى تعين احتمال حصول الشيء أو عدم حصوله مثال: عسى أن يأيت زيد، فاحتمال أن يأيت، أو ال يأيت، أما كلمة

تما سيأيت، وليس هناك احتمال، إذ يكون معىن امسه الشريف (عيسى) فمعناها حبالتمام(عيسى املسيح) أي حتما سيأيت وميسح الكفر من الكون، وتكون له الوجاهة يف الدنيا، بإميان أهل األرض به وهؤالء املؤمنني التابعني له، سيكونون فوق الذين كفروا إىل

يوم القيامة، كما يف اآلية الكرمية:وجاعل الذين اتـبـعوك فـوق الذين كفروا إلى يـوم القيامة ثم إلي مرجعكم ...{

نكم فيما كنتم فيه تختلفون وإنه لعلم { . قال تعاىل: ) سورة آل عمران55( }فأحكم بـيـ .) سورة الزخرف61( }ها واتبعون هذا صراط مستقيم للساعة فال تمتـرن ب

159

نقول، املنارة علم للرب، أي برؤية املنارة نعلم بوجود الرب، إن كنا تائهني بالبحار، ، علم للساعة: أي ظهوره دليل على قيام الساعة، فبمجيئه سينبئنا حبدوث �فاملسيح

ث تكون احلرب قد وضعت أوزارها. فهذه الزلزلة زلزلة عظيمة، تشمل األرض كلها، حي، ستبتلع ما بقي من آثار احلرب املدمرة، ومن �اليت سيعلمنا ا السيد املسيح

اإلشعاعات الذرية والنووية.، وذلك الرتتيب �بسورة مرمي، على إثر ذكر سيدنا حيىي �جاء ذكر السيد املسيح *

ذات معىن. حيث ورد يف كتب اليهود احملرفة:يف مسرى اآليات الكرمية، له مدلوالت

أن سيدنا )، وذكر عن النصارى: (قد قتل، وقطع رأسه �أن سيدنا يحيى ( )، فجاءت اآليات القرآنية داحضة تلك األقوال، ، قد قتل على الصليب�عيسى

يـوم وسالم عليه {قال تعاىل: �وناسفة تلك املزاعم الباطلة: ففيما خيص سيدنا حيىي عث حيا .) سورة مرمي15(}ولد ويـوم يموت ويـوم يـبـ

فالسالم أي األمان على ،)1() األرض في اهللا أمان السالم (ويف احلديث الشريف:سيدنا حيىي يوم ميوت، فمعىن ذلك أنه مل جيرؤ أحد على التعرض له، وقد عاش بعد أبيه،

إلرشاد واهلداية . واهللا تعاىل بني لنا باآلية أعاله بأنه مات ، وقام مقامه با�سيدنا زكريا موتا عاديا ومل يقل بأنه قتل أو ذبح، وما عدا ذلك، فهو دس خبيث ال أصل له. مث ذكر

، ولكن بصيغة أخرى، فحني بني اهللا تعاىل أن سيدنا �اهللا عز وجل السيد املسيح ، مدافعا عنه وعن سريته الشريفة. جعل حيىي عاش بسالم ومات بسالم، ويبعث بسالم

تكون من فمه الشريف بآية: �تعاىل صيغة اخلطاب عند ذكر سيدنا عيسى . وما ذلك ) سورة مرمي33( }والسالم علي يـوم ولدت ويـوم أموت ويـوم أبـعث حيا{

كافرون أن يلمسوه بلمسة أذى، فهو إال ألنه سيعود ثانية، ويقوهلا بنفسه، فال يستطيع ال، وأنه مل ميت بعد بل هو وأمه عليهما السالم مبغارة كأهل الكهف، أما �رسول اهللا

، فإنه مات ولن يعود، فلذلك دافع عنه تعاىل بكلمة وسالم عليه. كما �سيدنا حيىي

.خرجه الرتمذي عن أيب بكر الصديقأ )1(

160

ما، فبسرية أن السورة حتمل مدلوالت بذكر هذين الرسولني الكرميني، ومقارنة لطيفة بسري. يف يوم من األيام: }...وبـرا بوالديه ولم يكن{ قال تعاىل: �سيدنا حيىي

:عمله كله ضمن أمر اهللا ) سورة مرمي14(}عصيا ...{:على اخللق: }...جبارا...{ }...ي جباراوبـرا بوالدتي ولم يجعلن {تعاىل. أما بذكر سيدنا عيسى فجاءت اآلية:

:أي حمروما من اخلريات واألعمال، فسيدنا }شقيا ...{على اخللق: .) سورة مرمي32( سيأيت، وسيكون على يديه خري كثري، وأعمال عظيمة. �عيسى

لقد جاء ذكر سيدنا املسيح وأمه الصديقة عليهما السالم بسوريت"املؤمنون واألنبياء"، *وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويـناهما إلى ربـوة {اتني اآليتني الكرميتني:وعلى أثر ذكرمها، ترد ه

يا أيـها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تـعملون ،ذات قـرار ومعين .) سورة املؤمنون52ــ50( }ة واحدة وأنا ربكم فاتـقون وإن هذه أمتكم أم ،عليم

والتي أحصنت فـرجها فـنـفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابـنـها آية { واآلية الثانية: . ) سورة األنبياء92ــ91( }م فاعبدون إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربك ،للعالمين

أي أن البشرية كلها ستصبح أمة واحدة، حني ظهورمها عليهما السالم، وسيؤم هلما ، والنساء تؤم �كافة املؤمنني، حيث يؤم الرجال مجيعا بالعامل إلمامهم سيدنا عيسى

.�بسيدتنا مرمي عليها السالم والكل مبعيته يتني اآلنفتني الذكر أن سيدتنا مرمي عليها السالم ذكرها تعاىل كآية ومن املالحظ يف اآل

}وجعلناها وابـنـها آية للعالمين ...{. و}...وجعلنا ابن مريم وأمه آية { ومعجزة للعاملني:ين . فمىت تكون سيدتنا مرمي آية أي معجزة؟. وهي ولدت ألبو ) سورة األنبياء91(

وعاشت كما يعيش عموم الناس ومل تأت مبعجزات.إذن: ال تكون املعجزة معجزة عليها السالم إال حني قدومها الثاين مع ابنها العظيم

�. لقد كفر الذين قآلوا إن الله هو المسيح ابن مريم {* قال تعاىل يف سورة املائدة:

من الله شيئا إن أراد أن يـهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في قل فمن يملك

161

مل ميت هو وأمه، �. وهذا دليل قاطع بأنه ) سورة املائدة17( }... األرض جميعافلو كانا ميتني لكان اخلطاب بغري هذه الصيغة، إذ أن كلمة يهلك جاءت بصيغة

كان ميتا، جلاءت بصيغة املاضي أي: أهلك. وهذا واضح وضوح الشمس املضارع، فلو يف رابعة النهار.

خاطبه تعاىل بآية صرحية قائال جل وعال: �رسول اهللا سيد الكون سيدنا حممد العظيم *

، فال توجد آية �أما سيدنا املسيح . ) سورة الزمر30( }إنك ميت وإنـهم ميتون {، لذكر تعاىل ذلك بوضوح، كما ذكر �رآن الكرمي تقول أنه مات، فلو كان ميتا يف الق

، بل لكرره يف أكثر من موضع، بسبب أن هناك أقواما يدعون �تعاىل على سيدنا حممد ، ولكن اآليات جاءت مبينة أنه نائم وأنه موجود هو وأمه، وأما يف إلهأن السيد املسيح

ما {. فمن ذلك قوله تعاىل: إلهيات أخرى داحضة للمزاعم بأنه ربوة ذات قرار ومعني، وآيقة كانا يأكالن ه صدسل وأمبله الر المسيح ابن مريم إال رسول قد خلت من قـ

.) سورة املائدة75( }... الطعام فقريا وضعيفا، كيف اإلله. هل يكون ا!إهل الذي يأكل الطعام فقري وضعيف فهذا يكون

...{:أال تكفي هذه احلجة عليهم }...انظر كيف نـبـين لهم اآليات ...{يطعم غريه؟!. . كيف يتحولون، الذي ال يأكل ليوم واحد، ) سورة املائدة75(}ثم انظر أنى يـؤفكون

تذهب قوته، فكيف يعني اخللق؟!.ميتا، ألضافها تعاىل إىل تلك اآلية كرد على من يعبد �و كان السيد املسيح هذا ول

السيد املسيح، لكنه تعاىل مل يقل ذلك، بل بني سبحانه (بشرية السيد املسيح وأمه عليهما السالم) من خالل افتقارمها للطعام والشراب، ومل يتعرض لذكر املوت هنا.

* * *

من اجلنة السامية إىل دار العمل والنصب حمط خالف �آدم وملا كان هبوط سيدناورموه باملعصية واجلحود، �عند أهل الكتب السماوية، حيث أم خطؤوا آبينا آدم

162

ليكفر عنهم سيئام ويفتدي بدمه �كما عزا إخواننا النصارى جميء سيدنا عيسى بيان احلقيقة يف قضية هبوط سيدنا (وحاشاه)، لذا كان لزاما ت �اخلطيئة األوىل آلدم

وأسباا: �آدم

* * *

163

الفصل الخامس في هذا الفصل:

أبو البشرية ومعلمها. �المعلم األول سيدنا آدم • حقيقة الشفاعة. • وصية اهللا تعالى واستطاع الشيطان أن يغره؟!. �كيف نسي سيدنا آدم • .�غاية قصة سيدنا آدم •هذه الدنيا ومجيء بني اإلنسان من بعده إلى �هل كان خروج سيدنا آدم •

رأسا دون خروجهم إلى ،في الجنة وخلق بني اإلنسان في الجنة إليها أحسن، أم أن بقاءه أكثر من اآلخر؟. ،الدنيا أحسن؟. وأي الحالين يعود على اإلنسان بالسعادة والخير

* * *

164

م ا�ولل ــمعـال

مهابو البشرية ومعل أ سيدنا آدم عليه الصالة والسالم

) سورة البقرة30( }...وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليفة {

وقد ذكر لنا تعاىل يف القرآن طائفة من قصص األنبياء تتجلى فيها طهارة تلك النفوس ها من أدركها من أهل التقوى أدركاملؤمنة اليت عصمت بإقباهلا الدائم على را من كل معصية،

وما قاموا به من ،ورأوا ما تشري إليه تلك القصص الكرمية من مسو هؤالء الرجال ،واإلميانواحلقيقة أنه ال يقدر أهل وما امتازوا به من كرمي األخالق وعايل الصفات. ،جليل األعمال

يدرك عظمة ما يف القرآن من عرب وال ،وال يعرف الفضل إال ذووه ،اإلميان إال أهل اإلميان إال كل قريب من اهللا متحل حبلية الكمال. ،وأمثال

ولي األلباب { قال تعاىل: رة أل ) سورة 111( }... لقد كان في قصصهم عبـ .يوسف ) سورة العنكبوت.43( }وتلك األمثال نضربـها للناس وما يـعقلها إال العالمون {

يف قوله تعاىل:، �وإليك اآلن ما بينه اهللا تعاىل عن سيدنا آدم وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يـفسد {

ماء ونحن نسبح بحمدك ي أعلم ما ال تـعلمون فيها ويسفك الدس لك قال إنونـقد{ ) سورة البقرة.30(

ملا عرض اهللا تعاىل على األنفس يف ،مجع ملك، وهم نوع من املخلوقاتوالمالئكة: كما أحجم غريهم عن الدخول يف ذلك ،عامل األزل أن مينحها حرية االختيار أحجموا

ورضوا أن ال يكون هلم إطالق وحرية يف االختيار. لقد ملك ،سانامليدان الذي دخله اإلنلذلك ، ولذلك مسوا مالئكة. ومبا أم ليس هلم أجسام كما لإلنسان ،هؤالء اختيارهم هللا

هم جمردون عن هذه الشهوات املادية اليت مييل اإلنسان إليها، وليس هلم تلك احلاجات

165

وال مييلون لشيء من هذه ،وال يتزوجون وال يتوالدون ،، فال يأكلون وال يشربوناجلسمية األشياء.

طمعوا أن ينالوا ذلك :}...إني جاعل في األرض خليفة ...{:وملا قال ربك للمالئكةألن اخلليفة معناه ذلك املخلوق العايل الذي يكون أهال للنيابة عن اهللا تعاىل يف ،املقام

من خالقه �وتعريفهم به تعاىل والدخول م عليه، فبما اكتسبه ،هتبليغ عباده أوامر وغري ذلك من ،ومسو يف اخللق ،وعدل وحب للحق ،وعلم وحكمة ،من رأفة ورمحةويقيم ،فيكون خليفة اهللا يف أرضه ،صار أهال ألن يقوم بذلك املقام ،صفات الكمال

لصالح يف األرض.وينشر اخلري وا ،العدل وحيكم بني الناس باحلقيا { :�يف قوله تعاىل خماطبا سيدنا داوود ،وقد أشارت اآلية الكرمية إىل ذلك

اس بالحقا جعلناك خليفة في األرض فاحكم بـين النسورة ص ) 26( }... داوود إن. اد، قال تعاىل يف سورة يتوىل منصب الداللة واإلرش ،واخلليفة كما يتوىل منصب احلكم

ناهم الكتاب والحكم والنبـوة {األنعام: ) سورة األنعام، إذ 89( }... أولئك الذين آتـيـ ،ومبا انطبع يف قلبه من حب خلالقه وشغف به ،مبا اكتسبه من دالالت ربه وأمسائه احلسىن

يبلغهم أوامره تعاىل ويعرفهم ،اهللا أضحى خليقا بأن يكون وسيطا بني اخللق وبنيويرشدهم إىل طريق معرفته، فإذا ما ارتبطت نفوسهم به وأقبلت ،بكماالته وأمسائه احلسىن

طرفا من تلك وكان هلا سراجا منريا ترى به ،دخل بتلك األنفس على اهللا تعاىل ،مبعيته ،وهنالك تقتبس به من اهللا نورا ،عشقهفتحبه وت ،ياإلهل وتشاهد الكمال ،يةاإلهل األمساء

ترى به اخلري خريا والشر شرا.أو األخ الراشد من ،مبنزلة األب العطوف على بنيه ،فاخلليفة واحلالة هذه هو من اخللقوهو ذا أحب ،وأنفعهم هلم ،وأرأفهم وأرمحهم م ،إخوته وذويه، أشفقهم وأعطفهم عليهم

وأقرم زلفى لديه. ،وأرفعهم شأنا إليه ،م عندهوأحظاه ،اخللق إىل اهللا وطمعت به املالئكة الكرام. ،ذلك هو مقام اخلالفة الذي أهل اهللا تعاىل له اإلنسان

166

وإىل ذلك تشري اآلية الكرمية يف قوله تعاىل: ،وكان خلق اجلن قد سبق خلق اإلنسانوالجآن خلقناه من قـبل من نار ،حمإ مسنون ولقد خلقنا اإلنسان من صلصال من {

ث أن إبليس وذريته أفسدوا يف األرض بإعراضهم يوح. ) سورة احلجر27ــ26( }السموم م بنفوسهم قائلني: أتجعل فيها من يـفسد فيها ...{عن اهللا، لذلك خاطب املالئكة ر

ويفعل ما فعله إبليس ،:أي أيصدر من هذا املخلوق ما صدر من اجلن}... اءويسفك الدم :أي جنعل نفوس عبادك تسبح يف }...ونحن نسبح بحمدك ...{وذريته من قبل؟.

لك وما حتمد عليه من عظيم عنايتك. ،فضلك مبا نلقيه فيها من التعريف بإحسانكفامل

اهللا ارجع إىل اهللا، فكر احبث عن سعادتك، يا نفس امسعي كالم يلقي اإلهلام بنفسك:يا عبد:أي: وذا جنعل نفوسهم }..ونـقدس لك ..{ اهللا، انظري يف الكون استديل على اهللا.

ونطهر قلوم لتكون ،طاهرة بإقباهلا عليك، أي: نطهر نفوسهم لك، نسبحهم مبا حتمد عليه صاحلة لإلقبال عليك.

وكنا وسطاء يف إيصال نفوسهم إليك ،إن جعلتنا خلفاء ظهر منا اخلري لعبادكفم مبا أشارت إليه اآلية الكرمية يف قوله تعاىل: والدخول ا عليك. وهنالك خاطبهم ر

.) سورة البقرة30(}قال إني أعلم ما ال تـعلمون ...{وأرقى ،ليته ما ال تعلمون. آدم أعلى منكمأي: إين أعلم من قابلية هذا اإلنسان وأه

أرقى من املالئكة الكرام. فاإلنسان لديه أهلية ألن يكون ،وكذلك املؤمن الكامل ،منكم ،أعلى من كل شيء، لكن الكافر أحط من كل شيء، هذا واحليوان جاء وأدى الوظيفة

ه هنا فقط، لكن الكافر غدا فهو جيازى يف الدنيا على شذوذه عنها، وغدا ال نار له، جزاؤ للنار: فالكلب خري من كثري من اخللق ممن كفروا.

فضل �وأخرجه إىل هذا الوجود، وقد عظم �وخلق اهللا تعاىل سيدنا آدم هت نفسه إىل اهللا تعاىل مقبلة ،وقدر إحسانه إليه ،خالقه عليه ذا التقدير والتعظيم اجتو

عليه.

167

حيثما وجهتها انطبعت فيها آثار ما ،رية مثلها كمثل املرآة الصافيةومبا أن النفس البشهت إليه، لذلك انطبعت يف نفس سيدنا آدم ذا ،يةاإلهل انطباعات من األمساء ����اجتو

وعلم آدم األسماء { وإىل ذلك أشارت اآلية الكرمية يف قوله تعاىل: ،صار له علم ا كلهاتلك .. أمساء اهللا احلسىن:الرحيم، العليم، القدير، الحليم) سورة البقرة:31( }... كلها

ية اليت جتعل ممن اإلهل إمنا هي أمساء احلضرة �هي األمساء اليت علمها اهللا تعاىل سيدنا آدم حقيقا بذلك املقام جديرا ذا املنصب، فإن من صار له علم ،سيكون خليفة اهللا يف األرض

يضحي جديرا بأن يكون خليفة ،يةاإلهل مبا انطبع يف نفسه من الرمحة ،هللا تعاىل الرمحنباسم افبما رحمة { :����حممدا اهللا يف خلقه، قال تعاىل مشريا إىل هذه الناحية خماطبا رسوله سيدناهم من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا من حولك فاعف عنـ

الله يحب ل على الله إنواستـغفر لهم وشاورهم في األمر فإذا عزمت فـتـوكلقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما {. ) سورة آل عمران159( }المتـوكلين

.) سورة التوبة128( }حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم عنتم صار ،من الرمحة اليت اكتسبها بإقباله على خالقه �فبما انطبع يف نفس رسول اهللا

،لينا مع اخللق، لطيفا يف معاملتهم، حريصا على هدايتهم وداللتهم، رؤوفا رحيما مويف نفس ،�اخلالفة من صفات حتققت يف نفس سيدنا حممد وذلك ما يتطلبه مقام

كل على حسب إقباله ،من قبل، ال بل يف نفس كل رسول ونيب ومرشد �سيدنا آدم ومل تنطبع يف نفسه تلك األمساء ،على خالقه وقربه منه، ومن مل حيصل له اإلقبال على اهللا

وغري ذلك من ،العدل واحللم واحلكمةو ،فلم يكتسب من خالقه الرمحة والرأفة ،يةاإلهل أشار تعاىل إىل حتقق هذه وقد فليس أهال ألن يقوم يف ذلك املقام. ،الصفات الكاملة

الصفة يف نفوس أصحاب رسوله الكرام يف قوله تعاىل:نـه { ) 29( }... م محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بـيـ

سورة الفتح. فنقول: �ونعود إىل الكالم عن سيدنا آدم

168

الرحمن والعادل والرؤوف والحليم علم بأمساء اهللا تعاىل �لقد صار لسيدنا آدم مبا انطبع يف نفسه الصافية منها، فكان رحيما ،يةاإلهل إىل غري ذلك من األمساء والغفور..

ان.. وبذلك استحق ألن يكون أهال لذلك املقام.وكان عادال وكان حليما وكان وك ،القصعة والقصيعة �أما ما يذهب إليه أناس من أن اهللا تعاىل علم سيدنا آدم

وغري ذلك من املوجودات، فذلك بعيد كل البعد عن ذلك ،وأمساء احليوانات والنباتاتيات ينفي ذلك نفيا قطعيا، تشري إليه اآلية الكرمية، كما أن مسرى اآل الذياملعىن العايل

ال يتطلب منه ،فإن املقام الذي يقوم فيه سيكون خليفة اهللا يف أرضه وهاديا ومرشدا لعبادهإمنا يتطلب منه أن يكون مصطبغا قلبه بالرأفة ،أن يعلمه اهللا اسم القصعة والقصيعة

وغري ذلك من الصفات الكاملة. ،والرمحةية اليت اإلهل أن يعرض على املالئكة األمساء �سيدنا آدم مث إن اهللا تعاىل أمر وانطبعت بانطباعات منها. ،اصطبغت نفسه بصبغتهاوذلك ما أشارت إليه اآلية ،على املالئكة تلك األمساء �وعرض سيدنا آدم �م فسأهلم سيدنا آد: }... ثم عرضهم على المالئكة ...{الكرمية يف قوله تعاىل:

.القدير، الحليم، العليم، الرحيم.عن معاين أمساء اهللا احلسىن: مبا تدل عليه تلك األمساء: ينبئوهوقد طلب تعاىل من املالئكة أن

:أي: أخربوين ) سورة البقرة31( }فـقال أنبئوني بأسماء هؤالء إن كنتم صادقين ...{رضها عليكم آدم، فما املعىن املنطوي مثال حتت اسم مبدلوالت ومعاين األمساء اليت ع

إن كنتم ...{:إىل غري ذلك من األمساء، امسا بعد اسمالمهيمن والجبار والقهار.. ) 32( }...قالوا سبحانك { يف أنكم أهل للخالفة. فما كان منهم إال أن: :}صادقين

مك!.ما أعظم كمالك وما أعظ سورة البقرة::أي: ال علم لنا أكثر مما علمتنا، فقد أجبنا }...ال علم لنا إال ما علمتـنا ...{

بنا :}...إنك أنت العليم ...{:وحبسب صدقنا معك ،حبسب ما علمناه بإقبالنا عليكبفعلك عملك كله ضمن حكمة. فأنت احلكيم :}الحكيم ...{:وبدرجة علمنا بأمسائك

169

،إمنا طمعا يف ذلك املقام، طمعا بغية التقرب إليك ،واختيارك. فما قلنا ما قلناه اعرتاضا وأنت أدرى وأعلم مبن هو ذا املقام أجدر وأليق.

ية اليت اإلهل أن يعرف املالئكة بتلك األمساء �هنالك أمر اهللا تعاىل سيدنا آدم هم بأسمآئهم قال يا آدم { :عرضها عليهم :تكلم عن أمسائي احلسىن اليت }...أنبئـ

فـلما أنبأهم ...{:شرحوها وتكلموا عنها: أي: عرفهم باألمساء اليت عرضتها عليهمية املعروضة عليهم مفصال مبينا علمه اإلهل باألمساء �:فلما عرفهم آدم }...بأسمآئهم

فبني ما ينطوي فيها من ،وتفوقه على املالئكة يف ذلك العلم والبيان ،يةاإلهل ألمساء بتلك افظهر ،كالما سبق به املالئكة أمجعني ،كماالت اهللا تعاىل حبسب إقباله العظيم على ربه

م مبا أشارت إليه اآلية الكرمية يف قوله تعاىل: قال ... {تفوقه عليهم، هنالك خاطبهم ر وأعلم ما ..{:آدم أعلى منكم :}...ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات واألرض

) سورة البقرة:33( }وما كنتم تكتمون ...{ :اآلن من اإلقرار باحلق آلدم :}...تـبدون من طلبكم اخلالفة ألنفسكم.

لوق. فكل ما وقع وما سيقع، وكل ما أوجده اهللا كل ما غاب علمه عن املخوالغيب: إمنا ،مما ال علم للمخلوق به وال إطالع له عليه ،تعاىل وما سيوجده يف السموات واألرض

وكل ما ،هو غيب. واهللا تعاىل يعلم غيب السموات واألرض ألنه تعاىل هو اخلالق املوجده ووجوده وحدوثه على دوام إمداد اهللا فيهما قائم به تعاىل مستمد احلياة منه، متوقف بقاؤ

وجتليه.وهو تعاىل عليم بكل نفس ومبا انطوت عليه، فقد علم تعاىل ما انطوت عليه نفوس

والوظيفة اليت تتناسب مع علمهم، كما علم تعاىل أهلية هذا اإلنسان ،املالئكة من العلم وقابلياته. �العظيم

طلعه اهللا تعاىل عليه، فقد يغيب عنه مثال ما يف نفسه وقد أما املخلوق فال علم له إال مبا ي كما وقع للمالئكة ملا طلبوا اخلالفة، إذ ظنوا أن لديهم األهلية ،ختفى عليه درجة علمه ومعرفته

من سبق وتفوق يف ذلك املضمار، �وغاب عنهم ما عليه سيدنا آدم ،لذلك املقام

170

ويتبني لنا وأوقفهم على جلية األمر. ،وبني هلم درجة علمهم ،وهنالك أراهم اهللا تعاىل احلقيقةوأعلم ما تـبدون وما كنتم ...{ الواردة يف قوله تعاىل::}وما كنتم تكتمون ...{ من كلمةا من يـفسد قالوا أتجعل فيه ...{ أن قول املالئكة عندما قالوا::) سورة البقرة33( }تكتمون

إمنا كان :) سورة البقرة30( }... فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونـقدس لك فاطلع اهللا تعاىل عليه وخاطبهم به ،قوال نفسيا. فقد قالوا ذلك يف سرهم وكتموه يف أنفسهم

نفوسهم تقر حبكمته تعاىل وختضع حىت جعل ،ما أراهم �وأراهم من علم سيدنا آدم الختياره وعلمه، مستسلمة له مذعنة إليه.

تبني لنا علمه تعاىل مبا أبداه املالئكة اآلن :}...وأعلم ما تـبدون ..{ وكما أن كلمة، وأظهروه من التسليم هللا واإلقرار حبكمته يف اختياره، فكذلك �من اإلقرار باحلق آلدم

من طلبكم اخلالفة ألنفسكم، وتبني لنا علمه تعاىل مبا :}ما كنتم تكتمون و ...{ كلمة كتموه وأسروه يف أنفسهم.

أن علمه بالسر الذي خيفيه املخلوق يف نفسه ،وقد ذكر لنا تعاىل هاتني الكلمتني ليبني لناعند اهللا تعاىل سيان. ال خيتلف عند اهللا تعاىل عن اجلهر الذي يبديه بلسانه، فاجلهر والسر

.سورة طـه) 7( }وإن تجهر بالقول فإنه يـعلم السر وأخفى{ قال تعاىل:أال يـعلم من خلق ،وأسروا قـولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور {

..{واآلن وبعد أن بينا املراد من كلمة .) سورة امللك14ــ13( }وهو اللطيف الخبير الواردة يف اآليات السابقة البد لنا من اإلجابة على ) سورة البقرة31( }...األسماء

هم {سؤال نستطيع أن نلخصه مبا يلي:فإذا أولنا قوله تعاىل: قال يا آدم أنبئـالبقرة:أي: أنبئهم بأمسائي اليت عرضتها عليهم، مع أن ) سورة33( }...بأسمآئهم

رأينا أن ومل ترد بأمسائي فنقول: }..بأسمآئهم ...{:الكلمة قد وردت يف اآلية الكرميةإمنا هي بيان مسو سيدنا آدم ،والغاية اليت وردت من أجلها ،ترمي إليه القصة الذياهلدف العلم بأمساء اهللا، ذلك التفوق الذي جعله خليقا وتفوقه على املالئكة الكرام يف �

..{ ضي بأن يكون املراد من كلمةتمبقام اخلالفة. وقد كنا بينا أن ذلك اهلدف يق

171

ية، وإن مسرى القصة ينفي ما اإلهل الواردة يف هذه القصة إمنا هو األمساء :}...األسماء نفيا قطعيا، وهلذا فتكرار :}...األسماء ..{ :سوى ذلك من املعاين اليت تتناوهلا كلمة

ية دون سواها، إذ هي اإلهل يف هذه القصة إمنا يعين األمساء :}...األسماء ..{ كلمة موضوع اخلطاب وحمور القصة.

ية اإلهل ال تعين واحلالة هذه أمساء املالئكة، إمنا تعين األمساء :}..بأسمآئهم ...{ وكلمةوال ،بأمساء املالئكة ال يزيده عند اهللا رفعة �ألن معرفة سيدنا آدم ،يهماملعروضة عل

جيعله أمسى من املالئكة منزلة.

* * *

) سورة 33( }... فـلما أنبأهم بأسمآئهم ...{ولعلك تقول:ملاذا ال نؤول كلمة ملا كان ، اآلية ذا التأويلأي: مبا عرفوه هم من أمساء رم فنقول:لو أولنا معىن:البقرة

ألنه إمنا أنبأهم ،تلك املكانة اليت مسا ا متفوقا على املالئكة مجيعا �لسيدنا آدم بشيء عرفوه من قبل وأدركوه، وذا ال يكون خليقا بأن يستحق اخلالفة ويكون أمسى

، وما هو بذلك ئا م شيألنه مل يزد على شرح املالئكة لألمساء املعروضة عليه ،منهم مقاما مبينا فيها ،ية املعروضة عليهماإلهل البيان إال كواحد منهم، ولكنه إمنا أنبأهم بتلك األمساء

بيانا عاليا تفوق به عليهم مجيعا.حسبما وردت يف :}..بأسمآئهم ...{ بقي علينا أن نبني الفرق يف املعىن بني كلمة

اليت جعلناها موضوعا لسؤالنا الذي حنن بصدده "بأسمائيني كلمة "اآليات الكرمية، وب◌نبأهم أ ..{ بدال من"أنبئهم بأسمائي" فنقول:لو أن اخلطاب يف اآلية الكرمية قد جاء

معناها أنبئهم "أنبئهم بأسمائي" الختلف املعىن اختالفا كليا، ألن كلمة:}...بأسمآئهم ي على وجه اإلحاطة.بكل اسم من أمسائفيعلم مبلغ رمحة اهللا تعاىل فينبئ ،خملوق أن حييط باسم الرمحن باستطاعةومبا أنه ليس

،فيعلم علم اهللا تعاىل وينبئ اخللق به ،يستطيع أن حييط أحد باسم العليم والاخللق ا،

172

◌نبأهم أ ..{ ا وردتإمن"أنبئهم بأسمائي" ية، ولذلك مل ترد اآليةاإلهل وكذا سائر األمساء أي: بأمسائهم اليت عرضتها عليهم واليت شرحوها هم مبينا مبلغ علمك :}...بأسمآئهم

منها، وما ينطوي فيها من الكمال حبسب إقبالك العظيم.وال حييط أحد ا علما، إذ ال حد هلا وال ،واحلقيقة أنه ال يعلم أمساء اهللا إال اهللا تعاىل

ية إمنا يشاهد اإلنسان منها بقدر قربه من اهللا اإلهل تهاء، وكل ما يف األمر أن األمساء ان ،وذلك إىل حد ما ،ويتوسع يف تعريف غريه برمحة اهللا ورأفته وعلمه وسائر أمسائه ،تعاىل

واهللا واسع عليم.ت مرتبة فهي أوسع وأوسع، وكلما بلغ ،فكلما وصلت إىل درجة من العلم بأمساء اهللا

وفوق كل ذي علم عليم. ،فربك سبحانه أعلى وأرفع ،يف ذلك املضماريف العلم بأمساء اهللا سبقا فاقهم فيه �أما وقد ظهر للمالئكة الكرام سبق سيدنا آدم

فيتخذوه سراجا منريا ،�بصحبة آدم ،مجيعا، هنالك أمرهم اهللا تعاىل أن يقبلوا عليهبالسجود لسيدنا لذلك أمر اهللا تعاىل املالئكة ،هلم يف إقباهلم عليه تعاىللنفوسهم، وإماما

) سورة البقرة:اطلبوا منه 34( }...وإذ قـلنا للمالئكة اسجدوا آلدم {، قال تعاىل�آدم بواسطته" العلم واملعرفة، اربطوا نفوسكم معه لتدخلوا علي"، فتشاهدوا مشاهدات أعلى وأجل

إذ مل يكن يعرف : جلهله،}...إال إبليس ..{:: كلهم}...فسجدوا ...{:من مشاهداتكم شيئا عن اهللا.

عن السجود، قال أنا :}... أىب ...{:أبلس عليه األمر فما عرف عن اهللا إال أنه خالقما :)1(}الكافرين وكان من ...{::عن آدم}...واستكبـر ...{:أكرب من آدم وأعظم منه

خلضع آلدم ونال من الكماالت والسعادة ما نال. ،فكر بآيات اهللا، لو فكر وعظمما هو هذا السجود الذي أمر اهللا تعاىل به مالئكته؟. وهل يكون ولعلك تقول:

السجود ألحد غري اهللا تعاىل فنقول:

).34سورة البقرة: اآلية( )1( ).18سورة احلج: اآلية( )2(

173

ر. فالسجود هللا تعاىل هو طلب السجود: هو الطلب املقرون باخلضوع النفسي والتقدياملعونة منه واإلمداد، وقد أشار تعاىل إىل هذا املعىن يف مواضع عديدة من القرآن الكرمي، كما

ألم تـر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في األرض والشمس والقمر { بقوله:والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه والنجوم والجبال

ولله يسجد من في السماوات واألرض طوعا { .) سورة احلـج18(}...العذاب .) سورة الرعد15( }*وكرها وظاللهم بالغدو واآلصال

فما سجود الشمس والقمر والنجوم :) سورة الرمحن6( }يسجدان والنجم والشجر {واجلبال والشجر والدواب، وما سجود من يف السموات ومن يف األرض هللا إال خضوعهم

ي انقطع اإلهل طالبني منه دوام اإلمداد باحلياة، إذ لو أن هذا اإلمداد ،له تعاىل مفتقرين إليها ومل يبق هلم وجود وال أثر، فكل ما يف الكون ساجد هللا عنهم طرفة عني لزالوا وانعدمو

مستدمي االستمداد منه واإلقبال بنفسه عليه.وهنالك سجود آخر وهو السجود ملن تعظم شأم وعلمهم لتستزيد منه، وذا

دخلت من ،ترتبط نفسك بنفسهم، فإن كانوا مؤمنني باهللا ،التعظيم وطلب املزيد منه وتلك هي الشفاعة: وحصل لك الشهود لكمال اهللا �بام عليه

إن النفس البشرية بفطرا جمبولة على تقدير الكمال لكن هذا حقيقة الشفاعة:تستطيع أن ترى ا وتشاهد، إذ بعني الرأس نرى النفس عينا التقدير والتعظيم يتطلب من

والكهرباء ووسائط اإلنارة. األشياء الظاهرة بواسطة األنوار املادية كنور الشمس والقمر، نور دائمي أبدي �أما عني القلب، قلب النفس، فإمنا ترى بنور اهللا ونور رسوله

متعاظم، ما هذه األنوار املادية جتاهه إال أنوارا بسيطة ضئيلة تكاد جتاهه ال تكون شيئا نه وباهر ألالء مذكورا، وهي أثر بسيط من أنوار اخلالق العظيم جلت عظمته وعظم سلطا

ية والشفاء النفسي العذب الطيب املذاق. فإذا أقبلت اإلهل سناء نوره املدسم بالغبطة النفس على اهللا بالصالة واصطبغت بالكمال وحتلت به، فقد أضحت هلا هذه اإلمكانية

ن فيمن وتفتحت فيها تلك العني اليت متكنها من رؤية الكمال ومشاهدته، وينظر هذا املؤم

174

حوله وتقع عينه على أهل الكمال ويرى ما هم فيه من مسايرة له يف هذا الطريق السامي فيحبهم، وكلما رأى أحدا أكثر منه يف الكمال سبقا كان أكثر له تقديرا وتعظيما وأكثر

هو أسبق املؤمنني كافة يف هذا املضمار، وحيث �له حبا وعشقا، وحيث إن رسول اهللا سيد الكاملني قاطبة وأعالهم مقاما وأقرم إىل اهللا زلفى، لذا جتد هذا املؤمن مبا �نه إ

ويقدره ويعزره ويوقره، فليس �من الكمال من ربه حيب رسول اهللا اصطبغ به ومبا اكتسبه ع بذكره ، فإذا مس�من خملوق لديه أرفع منزلة وال أمسى مقاما وال أجل شأنا من رسول اهللا

، فإذا هي �هاجت كوامن احملبة يف قلبه وسرت كوميض الربق نفسه حنو رسول اهللا مصاحبة له ومرافقة لنفسه الشريفة، وأحوال احملبني أعظم من أن تشبه بشيء أو متثل به.

وصالته عليه �، وما تزال صلته به �وما يزال هذا املؤمن يتدرج يف حب رسول اهللا ما يف طريق التقدير والتعظيم واإلجالل، حىت يصل حلال يف ازدياد وارتقاء، وما يزال متقد

وتلك هي عني الشفاعة، �تشتبك به النفسان برابطة التقدير واحملبة واإلجالل لرسول اهللا هي دوما مستغرقة يف حضرة اهللا عندها يكون هذا املستشفع أهال ألن �ونفس رسول اهللا

على اهللا، وهنالك ويف مثل هذه اللحظة يرى بنور رسول اهللا �مبعية رسول اهللا يدخل ، وإن شئت فقل مبن أرسله اهللا تعاىل سراجا منريا ورمحة للعاملني، نور اهللا الذي به يرى �

طرفا من أمساء اهللا فيهيم مبا رأى حبا وخير يف حضرة اهللا تعاىل ساجدا ويفىن يف رؤية األمساء ية فناء كليا، إنه يرى اسم الرمحن وقد غمر برمحته اليت ال اية هلا الكائنات مجيعها، إلهل ا

ويرى اسم الرؤوف وقد أحاطت رأفته باملخلوقات كلها، ويرى من أمسائه تعاىل احلكيم والعليم والعلي الكبري، وغري ذلك من األمساء ما جتعله يستغرق ا استغراقا، ويستسلم هلذا

وصالته عليه قد أوصلته �الرب الرؤوف الرحيم استسالما كليا، وتكون صلته برسول اهللا ي العظيم والشهود العايل والغبطة األبدية.اإلهل إىل هذا الفضل

فلعمري تلك هي الشفاعة احلقة، إا شفاعة حب وصحبة نفسية لتلك النفس العالية رن شيء شيئا ويزاوجه مالزما إياه، وإىل هذه وهو أن يقا الشفع:الكرمية مأخوذة من

أشارت اآلية الكرمية: وإىل هذه الشفاعة احلقة وهذا االرتباط �الصلة النفسية برسول اهللا

175

}يماإن الله ومالئكته يصلون على النبي يا أيـها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسل {، ليعرج بكم �صلوا عليه أي: صلوا أنفسكم بنفسه الشريفة . ) سورة األحزاب56(

وإذا {، واآلية �ية ذلك ألن الصالة صلة بني العبد وربه وال تتم إال بالوسيط اإلهل للحضرة ي الناس الصالة ال كما يصل . ) سورة النساء102( }... كنت فيهم فأقمت لهم الصالة

صالة حركات فقط، الصالة الصحيحة اليت يكون فيها رسول اهللا يف نفسك، تدخل مبعيته على اهللا. هذه هي الصالة حبقيقتها. ومل يقل تعاىل: "إذا كنت معهم".. إذا الصالة

فبمعيته حتصل الصلة باهللا. الصالة جيب أن يكون �الصحيحة تتم بالشفاعة برسول اهللا الذي أرسله لريدك �بنفسك، إذ يتم الدخول على اهللا بصحبته وشفاعته �رسول اهللا

( بسم اهللا الرمحن :الصالة ذه الشفاعة بينك وبينه فيقول لك بعد �إليه تعاىل، يعلمك هذه هي : ) سورة الفاحتة2(}رب العالمين ...{::يا أخي}...الحمد لله { الرحيم ) :

عليك أوامر اهللا فرتكع طائعا خاضعا هللا العظيم وتسجد طالبا املعونة من الصالة عندما ميلي ، ولوال الصالة �وأنه لوال تلك الصلة والصحبة النفسية برسول اهللا اهللا على طاعة اهللا.

عليه ملا كان هلذا املؤمن هذا السمو والعروج وملا حصلت له هذه الرؤية والشهود وملا سلم هللا تسليما.

رجع املؤمن من تلك الرحلة النفسية بالصالة وقد أضاء يف نفسه قبس من نور اهللا ويأوقده يف قلبه حبه خلالقه، بسبب ما رآه من كمال اهللا تعاىل، وما شاهده من عطفه وحنانه ورأفته ورمحته بسائر عباده، واحلق أن احملبة ال تكون إال بعد الشهود والرؤية، ولكن

ي الذي سطع يف قلبه؟.اإلهل ؤمن من هذا النور أتدري ماذا يفيد املإنه يرى ذا النور احلقائق املستكنة من وراء الصور فإذا هو ال يغرت مبظاهر األشياء وال ختدعه صور الرجال، لقد تفتحت منه عني البصرية وأضحى ينظر بنور اهللا، فإذا هو فاروق

طل، يرى اخلري خريا فيحبه ويهواه ومييل إليه، يفرق بني اخلري والشر، ومييز احلق من الباوالشر شرا فيعافه ويأنف منه ويزهد فيه، وتلك هي املنزلة السامية اليت جيب أن يتبوأها كل

بالشفاعة اليت حث اهللا تعاىل املؤمنني وحضهم عليها. إنسان وتلك هي التقوى

176

قوا الله وآمنوا برسوله يـؤتكم كفلين من يا أيـها الذين آمنوا اتـ {قال تعاىل: ) سورة 28( }رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويـغفر لكم والله غفور رحيم

.احلديدا ويكفر عنكم سيئاتكم ويـغفر يا أيـها الذين آمنوا إن تـتـقوا الله يجعل لكم فـرقان{

وهكذا فالتقوى إمنا هي استنارة . ) سورة األنفال29( }لكم والله ذو الفضل العظيم يف حضرة اهللا تعاىل، �بنور اهللا وأثر من آثار استشفاعك برسول اهللا ودخولك مبعيته

ي وقاية لك من السقوط يف اإلهل هذا النور لقد أضحت نفسك مستنرية بنور اهللا وكان مهاوي الضالل والوقوع يف املهالك والشرور، ومن مل جيعل اهللا له نورا فما له من نور.

الذي أقبل على ربه أعظم �حال من األحوال النفسية. فالرسول هي :الشفاعةفوأشد نور وإمداد، إذا وأمسى إقبال، هذا الرسول الذي يتوارد عليه أعظم جتل من اهللا،

توجه بنفسه ألصحابه الذين أقبلوا عليه وصدقوا برسالته ومبا جاءهم به عن اهللا، فهنالك إىل أصحابه واملؤمنني به، ويكون الرسول �ي، بواسطة الرسول اإلهل يسري ذلك النور

ي، فتتمكن العظيم ذا احلال وسيطا بني اهللا وخلقه، ووسيلة ختفف من شدة ذلك التجل .حقيقة الشفاعة )األنفس من تقبله وحتمله. وهذه هي (

رب ويـرجون {قال تعاىل أولئك الذين يدعون يـبتـغون إلى ربهم الوسيلة أيـهم أقـ . ) سورة اإلسراء57( }... رحمته ويخافون عذابه

ولو أن اهللا تعاىل جتلى مباشرة على قلوب ة وال ألهل الكبائر.وليست الشفاعة للعصا، لتصدعت نفوسهم، فلم تقو على حتمل ذلك ����الناس، ومن دون وساطة الرسول

ي، ولصعقوا واجنذبت عقوهلم من ذلك النور.كما صعق صحب سيدنا اإلهل التجلي لك انتخب الرسل عليهم الذين مل يقدروه بامليقات. وربك حكيم، ولذ ����موسى

الصالة والسالم الذين كانوا أشد الناس حبا له، وأكثرهم حتمال لنوره، وسطاء بينه وبني بأن يتجه بنفسه الشريفة إىل ����عباده. ومن رمحة اهللا وحنانه على خلقه أن أمر الرسول

يطا بينهم وبني رم، ي إىل قلوم، ووساإلهل الذين آمنوا فيكون سببا يف سريان ذلك النور

177

...{وهنالك وذا النور حتصل هلم التزكية واملغفرة وينالون الشفاء النفسي، قال تعاىل: فما ) سورة التوبة.103( }وصل عليهم إن صالتك سكن لهم والله سميع عليم

م علمه وتقديره من بعد أن رأوا إال تعظيمه ،وأمه وأبيه له � سجود أخوة سيدنا يوسفمقبلة معه على ،من سبقه إياهم يف العلم واإلميان، وذا التعظيم والتقدير ارتبطت أنفسهم به

ورفع أبـويه على العرش وخروا له { :وإىل ذلك أشارت اآلية الكرمية يف قوله تعاىل ،اهللادا وقال يا أبت هذا ا سجي حقبل قد جعلها رب ) 100( }... تأويل رؤياي من قـ

.سورة يوسفمبا أشارت إليه ،�ويؤيد هذا املعىن أيضا ما ورد عن سجود السحرة لسيدنا موسى

نا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تـلقف {اآلية الكرمية يف قوله تعاىل: ما وأوحيـوألقي ، فـغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ،فـوقع الحق وبطل ما كانوا يـعملون ،يأفكون

.) سورة األعراف120ــ117( }السحرة ساجدين على الرغم من كثرة ،ما أبطل سحرهم � فهؤالء السحرة ملا رأوا من سيدنا موسى

وأقبلت نفوسهم عليه ،وقدروه � عظموا علم سيدنا موسى ،قوة كيدهمعددهم و تبدت هلم من وراء تلك النفس ،خاضعة لعلمه، وهنالك وذا اإلقبال النفسي عليه

قالوا آمنا برب {الصافية الطاهرة احلقائق بادية ظاهرة، فما أن ألقوا ساجدين حىت: وملا هددهم فرعون ) سورة األعراف.122ــ121( }سى وهارون رب مو ، العالمين

قالوا {خاطبوه مبا شهدت نفوسهم من احلق غري عابئني: ،بالتعذيب والتنكيل والتصليبنات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تـقضي ؤثرك على ما جاءنا من البـيـلن نـ

نـياه ه ،ذه الحياة الدحر واللنا ليـغفر لنا خطايانا وما أكرهتـنا عليه من السا بربـا آمنإنر وأبـقى ته ومن يأ ،إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم ال يموت فيها وال يحيى،خيـ

جنات عدن تجري من تحتها ،مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى .سورة طـه) 76ــ72( }األنـهار خالدين فيها وذلك جزاء من تـزكى

178

د جيء م من املدائن وق ،فيا ترى من أين جاء السحرة ذا البيان الذي بينوه بيانا وال داللة؟. �وما مسعوا من سيدنا موسى ،املختلفة حمضرين

وهناك ،جعل نفوسهم ترتبط بنفسه مقبلة على اهللا �إنه التعظيم والتقدير لعلمه شأم يف ذلك ،فقالوا ما قالوا من كلمات اليقني واإلميان ،شاهدوا ما شاهدوا من حقائق

قيل لها ادخلي الصرح { ، إذ:�عظمت ملك سيدنا سليمان شأن ملكة سبأ ملاها قال إنه صرح ممرد من قـوارير . }... فـلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقـيـ

وما هو �ووقفت موقف املقدر من ملك سيدنا سليمان ،وهنالك استصغرت ملكهانفسها على اهللا من باب حىت دخلت ،يه من شأن عظيم، وما أن نظرت فيه هذه النظرةعل

تلك النفس الزكية الطاهرة فكان لساا مرتمجا عما يف نفسها، إذ:) 44(}قالت رب إني ظلمت نـفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ...{

.سورة النملإن هذه النقطة اهلامة اليت حنن بصددها وأعين ا تقدير النفس وإعجاا بنفس متفوقة

هلا أثرها يف سلوك اإلنسان وعليها يتوقف سريه واجتاهه يف ،عليها يف ناحية من النواحي وتصاحب صحبة معنوية ،هذه احلياة، ألن النفس املقدرة املعجبة إمنا ترتبط دوما برباط وثيق

وذلك هو قانون من قوانني النفس وسنة من سننها ،تلك النفس اليت قدرا وأعجبت ا ولن جتد لسنة اهللا تبديال ولن جتد لسنة اهللا حتويال. ،اليت رمسها هلا خالقها وموجدها

على أن هذا التقدير واإلعجاب باآلخرين خيتلف من شخص إىل شخص ومن نفس إمنا يقدر غريه على حسب ما متيل إليه نفسه وما يهوى. فبعض إىل نفس. فكل امرئ

أو أي شيء من ،أو ملكه وسلطانه، أو كماله وخلقه ،األنفس تقدر غريها لعلمه ومعرفتهر إال ،األشياء األخرى. فلكل امرئ ميول ونواح يهتم ا دون غريها ولذلك تراه ال يقد

عليه يف تلك النواحي. من سبقه يف تلك امليول وتفوقكماله، ألن �وكذلك أمه وأبوه إمنا قدروا فيه �فهؤالء إخوة سيدنا يوسف

نفوسهم كانت وى الفضيلة والكمال أكثر من كل شيء يف هذه احلياة.

179

ملا رأوا منه �فقد قدروا علم سيدنا موسى ،وأما سحرة فرعون الذين كانوا علماء بالسحر يعا، فما أن ألقى عصاه ولقفت ما يأفكون حىت ألقوا ساجدين.ما أبطل سحرهم مج

إال لكوا ذات ملك �وما سجدت بلقيس ملكة سبأ مقدرة سيدنا سليمان حىت عظمته وقدرته وارتبطت ،عظيم، فما أن رأت ملكه وتفوقه عليها يف هذه الناحية

نفسها به خاضعة هللا تعاىل.فهي كما رأينا انعكاس ما يف هذه األنفس ،السجود النفسيأما آثار هذا التقدير و

من �وانطباعه يف األنفس املقدرة. فلقد انعكس ما يف نفس سيدنا يوسف ،السابقة فكان هلم إماما يف هذا املضمار. ،يف نفوس أبيه وأمه وإخوته ،السبق يف العلم باهللا وحمبته

فقالوا ما ،من إميان ومعرفة �سى وانعكس يف نفوس السحرة ما يف نفس سيدنا مو .�قالوا مما كنا أشرنا إليه وبيناه، وكذلك األمر بالنسبة مللكة سبأ مع سيدنا سليمان

فال بد لك من أن تدخل مدخله ،وهكذا إذا أنت قدرت أي شخص من األشخاصما فيه ظاهرا وتنعكس أحواله يف نفسك. فإن كان من أهل الفسق واإلحلاد تبدى ،وترد مورده

يف نفسك بينا، وإن كان من أهل الكمال واإلميان صرت تشعر ذا الكمال ودخلت مبعيته يقول داعيا: ����وهلذا كان ،يف مداخل اإلميان

.)1()قلبي فيحبه يدا عندي لفاجر تجعل ال اللهم( فكان خيشى من ،يدعو ذا الدعاء ألنه عرف قوانني النفس وسننها �لقد كان

خوفا من أن مييل قلبه إليه فتنعكس أحواله يف ،وصول هذا اخلري إليه على يد بعيد عن اهللاويدعو ذا الدعاء. ،خيشى هذه اخلشية ،وهو سيد اخللق �فانظر إىل رسول اهللا نفسه.

إمنا خيشى ذلك حرصا على صفاء نفسه، أما حنن فما حالنا إذا ملنا بنفوسنا �لقد كان هل الكفر والفسق واإلحلاد؟. وماذا يكون عليه حالنا إذا ملنا بقلوبنا إىل مستعظمني أ

فقدرناه وعظمناه؟. �رسول اهللا حيث يقول: �ومما يؤيد لنا هذا املعىن أيضا ما ورد عنه

أخرجه ابن مردويه. )1(

180

.)1()الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل(ال ميكن وال يكون لك ،أهل الكمالوتقدير املرشدين من �على أن تقدير رسول اهللا

إال إذا كنت من أهل الكمال، إذ أنه ال يعرف الفضل إال ذووه، فإذا أردت أن حتصل لك ،وأن تكون برفقته املعنوية، فعليك أن تفكر يف هذا الكون ،النفسية �صحبة رسول اهللا

نت ا حجزتك عن معاصي إال اهللا حق اإلميان. فإذا أنت آم إلهحىت تصل إىل اإلميان بال فتقبل بنفسك ،وهناك تتولد الثقة بنفسك من رضاء اهللا عنك ،اهللا واستقمت على أمر اهللا

فتقدر وتعظم من فاقك يف ،عليه تعاىل، وذا اإلقبال تشتق نفسك الكمال من اهللا بالصالةتدخل �تباطك به ، وبتقديرك لرسول اهللا وار �الكمال وتدخل مبعيته على سيد الكاملني

ارجعي إلى ،يا أيـتـها النـفس المطمئنة { وترتقي يف منازل حمبة اهللا. ،نفسك مبعيته على اهللا ) سورة الفجر30ــ27( }وادخلي جنتي،فادخلي في عبادي،ربك راضية مرضية

إال ملا �مرهم اهللا تعاىل بالسجود لسيدنا آدم وهكذا فما سجد املالئكة الكرام ملا أ سجدوا له مجيعا. ،فيهم من كمال. فلما رأوا من علمه وكماله ما سبقهم به متفوقا

ومل حيصل على شيء من العلم بأمساء ،ياإلهل أما إبليس فما عرف شيئا من الكمال ومل تصطبغ نفسه بشيء من ،ياماهللا تعاىل. إبليس الذي مل يقبل على اهللا يف يوم من األ

صبغة الكمال، هذا اجلاهل األمحق الذي ما قدر خالقه ملا أمره اهللا تعاىل بالسجود لسيدنا .) سورة البقرة34( }أبى واستكبـر وكان من الكافرين ...{ :�آدم

كما يف قوله تعاىل: إىل إباء إبليس واستكباره ،وقد أشار القرآن الكرمي يف مواضع أخرىوإذ قـلنا للمآلئكة اسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس قال أأسجد لمن خلقت {وإذ قـلنا للمالئكة اسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس { .) سورة اإلسراء61( }طينا

ه كان من الجنسورة الكهف50( }... فـفسق عن أمر رب ( .

أخرجه أبو داود والرتمذي. )1( ).30ــ27سورة الفجر: اآلية( )2(

181

إمنا ،وأنت ترى من خالل هذه اآليات الكرمية أن إباء إبليس واستكباره عن السجودوخفي عنه ما ،هو شيء ناشئ من كفره خبالقه، ولذلك عمي عن احلق وأبلس عليه األمر

من الكمال. �عليه سيدنا آدم كما يزعم فريق من الناس، بل كان من ،رئيس املالئكةكما ترى أن إبليس مل يكن

ولذلك فسق عن أمر ربه. ،اجلن، ومل يكن له عرف بعظمة خالقهقاصرا ،جيعل نظر النفس مبعزل عن رؤية احلقائق ،مث إن الكفر وخلو النفس من الكمال

ومل يدر أن العلم ،على رؤية الصور متعلقا باألوهام، فقد احتج إبليس بأن النار خري من الطنيوجيعله يسمو على املخلوقات. وقد أشار تعاىل إىل ،باهللا هو الذي يرفع شأن صاحبه

مبا بينته اآلية الكرمية يف قوله تعاىل: ،احتجاب الكافرين عن رؤية احلقائق ومعرفة رسل اهللا

رة األعراف.) سو 198( }وتـراهم ينظرون إليك وهم ال يـبصرون ...{قالوا إنما {: �ومن ذلك أيضا ما خاطبت به أهل مدين رسوهلا سيدنا شعيبا

) 186ــ185( }وما أنت إال بشر مثـلنا وإن نظنك لمن الكاذبين ،أنت من المسحرين .سورة الشعراء

وحال كل بعيد ،ل كافر ال يؤمن باهللاوكذلك قوم عاد ومثود، وذلك هو أيضا قول كومن هنا يتبني لنا أن معرفة رسل اهللا عليهم الصالة والسالم وتقديرهم، وكذلك عن اهللا.

ال تكون إال بعد الوصول إىل اإلميان باهللا، ذلك اإلميان ،الصادقني من أهل اإلرشادفهنالك يقبل ،ه الفضل واإلحسانورأى من ،املقرون بالعقل. فإذا عظم اإلنسان اهللا تعاىل

عليه ويشتق منه الكمال، وعندئذ يعظم أهل الكمال، فهو سبحانه وتعاىل األول واآلخر، ومن يؤمن باهللا فقد رشد وهدي إىل صراط مستقيم. ،ومن يؤمن باهللا يهد قلبه

ة وإىل ذلك أشارت اآلي ،أن يسكن وزوجه اجلنة �مث إن اهللا تعاىل أمر سيدنا آدم الكرمية يف قوله تعاىل:

ها رغدا حيث شئتما وال تـقربا { وقـلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكال منـ) سورة البقرة:كانت نفس سيدنا آدم وزوجه 35( }هذه الشجرة فـتكونا من الظالمين

182

وما كان ،فكان نعيمهما من الدنيا ذوقيا ،يهما الشريفنيعليهما السالم البسة جسد الثمر ليدخل جوفيهما، الدخول للجوف حيتاج هلضم وعمل.

كان يف بادئ �وليس املراد من اجلنة ما يتبادر لبعض األذهان من أن سيدنا آدم ليها.األمر يف مكان مرتفع يف السموات، مث أهبطه اهللا تعاىل إىل األرض اليت حنن ع

وليس هذا الظن مبطابق للحقيقة يف شيء، فاهللا تعاىل ،فإن مسرى اآليات ينفي ذلك ذكر لنا يف أول هذه القصة أنه أخرب املالئكة بأنه جاعل يف األرض خليفة، وقال تعاىل:

يف والطني يف األرض ال. سورة ص◌ ) 71( }إني خالق بشرا من طين ...{آليات اليت ذكرها اهللا تعاىل يف القرآن الكرمي مبينا فيها أصل اإلنسان وبدء السموات. كما أن ا

وجد على األرض اليت حنن عليها اآلن، وتبني أن اإلنسان أول ما ،خلقه تنفي ذلك أيضا ه كن إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تـراب ثم قال ل { قال تعاىل:

.) سورة آل عمران59( }فـيكون ) 18ــ17( }ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا،والله أنبتكم من األرض نـباتا{

.سورة نوح .) سورة هود61( }... هو أنشأكم من األرض واستـعمركم فيها ...{ها خلقناك { ها نخرجكم تارة أخرىمنـ .سورة طـه) 55( }م وفيها نعيدكم ومنـ

فاهللا تعاىل خلق سيدنا آدم وزوجه من األرض وأسكنهما فيها وكان هلما يف األرض وال يطلع ،ذلك النعيم النفسي املستور الذي جيده اإلنسان يف قرارة نفسه هي جنة. واجلنة

الناس.عليه أحد من وشهود لذلك الكمال ،وزوجه إقبال على اهللا ووجهة إليه �فكان لسيدنا آدم

"، ألن جنةوذلك ما نستطيع أن نفهمه من كلمة " ،ي الذي ال يعادله نعيم وال سروراإلهل النفس البشرية املؤمنة ال جتد هلا سرورا وال نعيما وال تطمئن بشيء كسرورها ونعيمها

وشهود كماله األسىن "األعلى". ،ظر إىل مجال خالقهاواطمئناا بالن

183

وهو يومئذ ،وزوجه يف ذلك النعيم النفسي وسكن فيه �وقد استغرق سيدنا آدم يف حال خمالف للحال املادي الذي حنن اآلن نعيش فيه.

وكانت نفس اإلنسان اآلن يف عامل الدنيا حماطة ،وإذا كان لإلنسان نفس وروح وجسدوتذوق ،وتسمع عن طريق األذنني ،فهي تبصر عن طريق العينني ،سة فيهحمبو جبسمها

اآلن غالب على احلال النفسي فال يعيش هذا اجلسميبواسطة اللسان. وإذا كان حالنا اجلسممن مطعم ومشرب وملبس، إذ ال بد من أن يبذل ،حظه اجلسماإلنسان ما مل ينل

جانب ذلك حباجة إىل الراحة والنوم. جمهودا للحصول على ما حيتاجه، مث هو إىليف حال خمالف ،وكذلك زوجه ملا خلقه اهللا تعاىل وأوجده �فقد كان سيدنا آدم

كما حييط هلب الشمعة بالفتيل من ،ملا حنن عليه اآلن، ألن نفسه كانت حميطة جبسدها، بل وال حاجة له واحلالة هذه ألذن تسمع أو عني تبصر أو لسان يذوق به ،كل جانب

وما كان جسده يومئذ حباجة إىل شيء من ،كانت نفسه كلها لسانا ومسعا وبصرا وال تعب وال نصب. فالنفس البسة جسدها ،وال حر وال برد ،األشياء، فال جوع وال ظمأ

حميطة به وحاهلا غالب عليه.. إقبال دائم على اهللا مستمر ال ينقطع، ولعمري ذلك حال �غدا، قال تعاىل مشريا إىل ذلك احلال الذي كان عليه سيدنا آدم أهل اجلنة يف اجلنة

يف بدء احلياة:إن ، فـقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فال يخرجنكما من الجنة فـتشقى{

سورة ) 119ــ117( }فيها وال تضحى وأنك ال تظمأ ،لك أال تجوع فيها وال تـعرى .طـه

،أما ذلك األكل الذي يأكله وهو يف هذا احلال النفسي وإن شئت فقل وهو يف اجلنةوهو أيضا أكل اإلنسان يف الدار اآلخرة يف اجلنة. فالنفس احمليطة ،فقد كان أكال ذوقيا

كما متتد ،فتتذوقها ذوقا مستمرا متواصال باجلسد متتد أشعتها يومئذ إىل الفواكه واألمثار دون أن يدنو جرم الشمس منها. ،أشعة الشمس إىل أعماق املياه فتخالطها وتسري ا

184

وهذا الذوق املتواصل وهذا األكل قد يدوم أشهرا وحينا طويال وال يشعر معه اإلنسان ا مبا تأكله من أشياء زادت ذوق ،بثقل أو شبع، وكلما زادت النفس من خالقها قربا يكون ذوقها ومتتعها. ،وتضاعفت لذا، إذ على حسب صحة النفس وسرورهاوزوجه ملا أسكنهما اهللا تعاىل �ذلك هو حال أهل اجلنة وهو حال سيدنا آدم

وإىل جانب ذلك كانت ،ي العظيماإلهل األرض. لقد كانا يف جنة النعيم بشهود اجلمال فال جتد ثقال وال ضيقا. ،األرض رغدا، أي تتذوق تذوقا مستمرا شامال نفسامها تأكل من

وزوجه عن أن يقربا الشجرة، أي: أن ال يضعا مادة �ولقد ى اهللا تعاىل سيدنا آدم حيتاج إىل مضغ ،ألن دخول املادة إىل الفم ومن بعد ذلك إىل اجلوف فيهما،الثمر يف

وتنقلب للجسم،فيصبح احلكم ،سان من حال إىل حالومن مث يتحول اإلن ،وهضمويتطلب ذلك من اإلنسان جهدا ،فتصبح حماطة بعد أن كانت حميطة ،النفس إىل الداخل

وضروراته املادية، وذلك ما عنته اآلية الكرمية يف اجلسم،وعمال وسعيا وراء تأمني حاجات قوله تعاىل:

}... المين وال تـقربا هذه الشسورة البقرة:لنفسكما 35( }جرة فـتكونا من الظ (أي: ال تدنيا مثرها من فيكما وجسديكما، بل تذوقا وكال منها أكال فتتعبان بالعمل.

فتكونا من الظاملني لنفسيكما، إذ عرضتمامها فيكماذوقيا. أما إذا وضعتما الثمر يف نعم، كانت نفسا سيدنا آدم وزوجه .اجلسممني حاجات والسعي وراء تأ ،للتعب والنصبوما كان ،فكان نعيمهما من الدنيا ذوقيا ،البسة جسديهما الشريفني ،عليهما السالم

الثمر ليدخل جوفيهما، إذ الدخول للجوف يتطلب اهلضم والتعب.الكرمية اليت وذلك ما أشارت إليه اآلية ،وقد حذرمها اهللا تعاىل من الشيطان وعداوته

أوردناها آنفا وهي قوله تعاىل: }فـقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فال يخرجنكما من الجنة فـتشقى{

وسكنت زوجه ذلك ،كما بينا من قبل �وسكن سيدنا آدم . سورة طـه) 117(ال يبغيان عنه ،ي العظيماإلهل تمتع بشهود ذلك اجلمال وال ،النعيم، نعيم اإلقبال على اهللا

185

وهنا ومن . وهل يعدل النظر إىل وجه اهللا نعيم؟. أم هل يرضى عنه املؤمن ببديل؟.حوال ليحول ذلك النيب الكرمي ،هذه النقطة أراد الشيطان أن يتخذ لنفسه مدخال يدخل منه

فـوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل {يه: ويزله عن ذلك احلال الذي هو ف ،عن خالقهلى .سورة طـه) 120( }أدلك على شجرة الخلد وملك ال يـبـ

كانت سببا يف خلودك يف هذا النعيم وملكت ،أي: هل أدلك على الشجرة اليت إن أكلت منها بال على اهللا والوجهة الدائمة إليه.فلم تنقطع نفسك عن ذلك اإلق ؟.هذا احلال

أنه هلما ملن الناصحني، وال يقدر العظيم إال ،فأقسم الشيطان باهللا العظيم لسيدنا آدم وزوجه فأنساه ذلك احلب وصية اهللا، قال تعاىل: ،حبه هللا �لذا غلب على سيدنا آدم ،العظيم

أي نسي وصيتنا . سورة طـه) 115( }ولم نجد له عزما ولقد عهدنا إلى آدم من قـبل فـنسي { ومل جند له عزما وتصميما على خمالفتنا، أي على املعصية. ،نسيانا

،فأكال من الشجرة، أي: طعما مثرها ووضعاه يف فيهما حبا باهللا ،وكذلك احلال بالنسبة لزوجه وبذلك انقلبت نفسامها من حال إىل حال.

بعد أن كانت حميطة به، فإذا مها يف باجلسم،وأصبحت حماطة ،قت النفس املادة الداخلةلقد حلفـلما ذاقا الشجرة بدت ...{ يؤملهما اجلوع ويشتد عليهما الظمأ. ،هذا احلال الذي حنن فيه اآلن

نة وناداهما ربـهما ألم أنـهكما عن تلكما لهما سوءاتـهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الج قاال ربـنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تـغفر لنا وتـرحمنا ، الشجرة وأقل لكما إن الشيطآن لكما عدو مبين

.) سورة األعراف23ــ22( }لنكونن من الخاسرين اجلسمي،وقد أشارت اآلية الكرمية التابعة لآليات اليت حنن بصددها يف سورة البقرة إىل هذا احلال

صار حسودا منحطا، دفعه ،الذي أصبح فيه سيدنا آدم وزوجه، ذلك ألن الشيطان ببعده عن اهللا ) سورة البقرة.36( }... جهما مما كانا فيه فأزلهما الشيطان عـنها فأخر { احلسد فحوهلما:

نه مل أفإن أكلت خلدت يف النعيم، وحيث ،قال يا آدم: ربك ما اك عن الشجرةوانسد عليه ،فدخلت نفسه للداخل ،نسي أمر اهللا وأكل ،فكر �يكن لسيدنا آدم اإلقبال على اهللا.

186

أي جعلهما ينزالن وينتقالن من تلك احلالة :}...عـنها فأزلهما الشيطان {واملراد بكلمة ،وبذلك أخرجهما مما كانا فيه من أكل ذوقي ونعيم معنوي اجلسمية،إىل احلالة ،النفسية الذوقية

ومطالب مادية ما كانا يهتمان ا من قبل. جسمية،فأصبحت هلما حاجات دو ولكم في األرض مستـقر ومتاع إلى وقـلنا اهبطوا بـعضكم لبـعض ع ...{: من احلال النفسي، أي: }...وقـلنا اهبطوا ...{وأما كلمة . ) سورة البقرة 36( }حين

والعمل لتأمني ما تقتضيه هذه احلياة ،انزلوا إىل هذه احلياة الدنيا حياة السعي وراء الرزق ،وزوجه �حلال اجلديد الذي صار إليه سيدنا آدم من حاجات ومطالب، ذلك هو ا

وهو كما نعلم خمتلف كل االختالف عن احلال األول الذي كانا ،وصار إليه بنوه من بعده فيه.

: الكافر يعادي املؤمن، فتفيد أن احلكمة }...بـعضكم لبـعض عدو ...{أما كلمة يس وذريته املعرضني عن اهللا هلذا النوع من هذه القصة كلها إمنا هي إظهار عداوة إبل

البشري. فالذين يتبعون كالم اهللا من بين اإلنسان سريون من بعد ما فعله إبليس وما قام فال يغرتون به وال ،وحلف له كذبا باهللا ليحوله عن اهللا �به من تغرير سيدنا آدم

جلن سيكونون معه ضدا وهم بعض ا ،يستطيع أن يفتنهم. والكافرون من أوالد إبليس وليلبسوا عليهم دينهم. ،لريدوهم عن احلق ،وأعداء لبين آدم

،:بعضكم تعين الشيطان عدوا لإلنسان}...بـعضكم لبـعض عدو ...{وهكذا فكلمة وتريد أن تعرفنا أن اهللا تعاىل إمنا جعل خروج النوع البشري هلذه احلياة الدنيا ذا القالب

ليضع بني يدي هذا اإلنسان املهيأ للكمال مثال وعمال ـ عداوة الشيطان ،الصورة وهذهحذرا من إغرائه، وذلك كله مما يبني لنا رمحة اهللا ،وكيده ـ فيكون هذا اإلنسان على علم به

واهللا رؤوف رحيم. ،تعاىل ورأفتهمدة حياتك، إن هلذا :}اع إلى حين ولكم في األرض مستـقر ومت ..{وتفيد كلمة

فال ،اإلنسان على وجه األرض عمرا حمدودا وأجال معينا، فإذا انقضى العمر ووافاه األجلخبالف حال اإلنسان يف اآلخرة فال حد له وال انقضاء ،بد له من فراق هذه احلياة الدنيا

187

وبقائه مف حياته على سالمة اجلسوالسبب يف ذلك أن اإلنسان يف الدنيا تتوق ،حلياتهخرجت النفس الحقة ،قادرا على العمل، فإذا تعطلت أجهزته الرئيسية وتوقف عن العمل

وفارقت معها هذا اجلسد، وإن ظل هلا ارتباط به وإشراف عليه. ،بالروحة وال وليس له يومئذ فعالي ،فهي احمليطة باجلسد ،فاحلكم للنفس ،أما يف الدار اآلخرة

وهي ،وإن هو إال مرتكز ترتكز عليه النفس ،وليس يصيبه هرم وال ضعف وال وهن ،عملال يطرأ عليها ما يطرأ على املادة املرتكب منها ،يومئذ صاحبة احلياة. ومبا أا جوهر نوراين

ليس هلا حد وال ،لذلك فاحلياة يف الدار اآلخرة حياة أبدية ،من ضعف واحنالل ،اجلسد هاء.انت

:أن وجود النوع }ولكم في األرض مستـقر ومتاع إلى حين ..{وتفيد أيضا كلمة انتهت معه هذه ،البشري على وجه األرض له أجل حمدود، فإذا ما انتهى هذا األجل

فريى كل امرئ نتائج أعماله وسعيه. ،احلياة، مث يقدم الناس إىل اآلخرةف نسي سيدنا آدم صلى اهللا عليه وسلم وصية اهللا تعالى ولعلك تقول: كي

واستطاع الشيطان أن يغره؟. وهل يستطيع الشيطان أن يدخل على األنبياء؟. وهل يعصون اهللا تعاىل؟. وكيف

مع ما قرره القرآن الكرمي من عصمة �ما وقع من سيدنا آدم بني نستطيع أن نوفق خمالفة من املخالفات؟.وعدم إمكان وقوعهم يف ،األنبياء

أقول: هذه نقاط هامة هي مزلة قدم بالنسبة للكثري من الناس، فإذا مل يفهمها ومل ير كمال رسل اهللا ومسوهم النفسي وعصمتهم من الوقوع يف ،اإلنسان حق الفهم

وليس خيلصه من ،فيهوي يف جحيم البعد عن اهللا ،املخالفات، فال بد أن تزل به القدمما دامت نفسه حمجوبة عن رؤية ذلك الكمال الذي اصطبغت به أنفس ،البعد أحد هذا

رسل اهللا صلوات اهللا عليهم أمجعني.

188

مفطورة على حب الكمال، وهي ال تستطيع أن تقدر ،فالنفس البشرية كما نعلمرافا أو ما دامت ترى فيه نقصا واحن ،أحدا وبالتايل ال ميكن هلا أن ترتبط برباط احملبة بأحد

ميال عن احلق.ذلك هو قانون من قوانني النفس اليت ال تتبدل. وإذا كان الدخول يف مداخل التقوى

،واإلميان النفسي يتوقف على حمبة رسل اهللا صلوات اهللا عليهم وصحبتهم املعنويةنقيصة والدخول ذه الصحبة واملعية على اهللا، فكيف ميكن للنفس اليت ترى يف رسل اهللا

أن حتبهم وترافقهم؟. أم كيف تستطيع أن تدخل مبعيتهم على اهللا؟. ال ، من النقائص حمرومة من ذلك كل احلرمان. ،شك أا تظل بعيدة عن اهللا حمجوبة عنه

:لذلك وتبيانا لهذه النقاط الهامة التي أوردناها نقولمن أن ،صية اهللاو �ال بد لنا حىت نفهم النقطة األوىل وهي نسيان سيدنا آدم

قبل ،نرجع إىل ذلك احلال األول الذي كان عليه سيدنا آدم يف جنة اإلقبال على اهللاالذي اجلسميانتقاله إىل هذه احلياة الدنيا أي: قبل هبوطه من احلال النفسي إىل احلال

،فقطوليس يف اجلنة إال عقل ،حنن عليه فنقول:لإلنسان يف هذه احلياة الدنيا فكر وعقل وهو جمرد عن الفكر.

وجعلها ،فالفكر وهو تلك اجلوهرة اليت زين اهللا تعاىل ا اإلنسان يف هذه احلياة الدنيا والوصول إىل احلقائق. ،هو اآلن بالنسبة لإلنسان جهاز املعرفة ،يف الدماغ

إذا ف ،واللسان يذوق، مث تنتقل هذه املشاعر إىل النفس ،واألذن تسمع ،فالعني تبصروأرسلت بإشعاعات هذه املشاعر للدماغ، هنالك ،كانت النفس صادقة يف طلب احلقيقة

يقوم الفكر بعمليات املقارنة واملقايسة والتحليل والرتكيب، مث تصل النفس إىل مطلوا. ،حيكم بوجود املؤثر، ومن الرتبية ،يهتدي إىل احلكم بوجود املنظم، ومن األثر ،فمن النظام

، وهنالك تعقل النفس هذه احلقائق اليت حكم ا الفكريصل إ فتشاهدها ،ىل معرفة املريبومنها لشهود ،ياإلهل فتعقلها، تعقل حقيقة الوجود ،وتنتقش فيها ال تربحها ،وتوقن ا ،بذاا

وتلك غاية أقصى املىن لوجود اإلنسان. ،أمساء اهللا تعاىل احلسىن

189

به الدماغ من عمليات املقايسة واملقارنة والتحليل فالتفكري هو ما يقوم ،وهكذا واحلكم بوجودها. ،توصال إىل إدراك احلقائق ،والرتكيب

: فهو شهود النفس هذه احلقائق ومعاينتها إياها. وكل تفكري صادق ال بد أما العقل أن يصل بصاحبه إىل العقل.

احتاج اإلنسان إىل أمر من وتظل هذه احلقائق حمفوظة يف النفس خمزونة فيها، فإذا مافتضيء له تلك احلقائق ،يعكس الفكر أشعته على ما عقلته النفس ،األمور السابقة

فيعرفها اإلنسان ويذكرها. ،املخزونة يف النفسال بد لنا من أن نذكر كلمة وجيزة نبني فيها مدى فعالية ،وعلى ذكر الفكر والعقل

ئق فنقول:هذا الفكر وقدرته على إدراك احلقاال بد من اهتمام النفس باألمر حىت تصل إىل عقله. فاألمور اليت ال تم ا النفس

،ال يكون عمل الفكر فيها إال سطحيا ،وال تطلب معرفتها بصدق وإحلاح ،اهتماما كليا وبذلك تبقى ،وال أن يصدر حكما ،ولذلك ال يستطيع أن يصل فيها إىل إدراك حقيقة

يدة عن عقلها أو شهودها.النفس بع مث الوصول إىل اإلميان بال ،ولذلك وتوصيال للنفس إىل العقل يف معرفة اخلالق واملريب

ال بد من تعريف النفس بأن هذه احلياة الدنيا ،ومعرفة أن السري كله بيد اهللا ،إال اهللا إلهنقضاء، وأنه مهما مجع إمنا هي سريعة الزوال وشيكة اال ،اليت اطمأنت إليها وفرحت ا

فال بد له من املوت وال بد من الفراق، وهذه حقيقة ،اإلنسان منها، ومهما عاش فيها واقعية ال بد من وقوعها حتما.

وعرفها مبن ،فإذا ما ضرب املرء لنفسه أمثلة ملن عاش قبله من آبائه وأجداده وذويهوكرر هلا هذا ،والقرب ووحشته ،رهبتهسكن يف مساكنهم ومن سبقوه، مث بصرها باملوت و

وتقلع عن االسرتسال يف حمبة الدنيا ،فهنالك ختاف وترهب ،الدرس وأعاده عليهاوتتحد جهود النفس مع ،وتطلب وجتد يف معرفة املريب الذي يعىن ا ،واالنصراف إليها

ايس وحيلل ويركب ويسأل ذاته وما يزال يقارن ويق ،فيعمل منطلقا جادا يف البحث ،الفكر

190

الذي خلق كل شيء، ،بوجود اخلالق العظيم ،حىت ينتهي به اإلقرار واحلكم ،بذاته وجييبفيتوصل إىل اإلميان بأنه تعاىل هو املريب املمد، يريب املخلوقات وميدها ،ويستمر به البحث

عقال شهوديا ال ريب فيه.مبا يلزمها، ال يغفل عنها طرفة عني، يعقل هذا بنفسه الذي ،املسري اإللهوأخريا يصل هذا الفكر الصادق منتقال من معرفة املريب إىل معرفة

إال اهللا. مث إلهوأن ال ،فيحكم بأن سري الكون كله بيد اهللا ،يؤول إليه أمر الكون كله ،و مثرة من مثرات العقلفتغدو مؤمنة حقا، واإلميان إمنا ه ،تعقل النفس هذه احلقائق

وال إميان ملن ال عقل له، وال دين ملن ال عقل له. ،ونتيجة من نتائجهوهكذا فللعقل مكانه األول يف الوصول إىل اإلميان، والعقل متوقف حصوله على

إال بالصدق يف طلب املعرفة، والصدق متوقف ،التفكري، والتفكري ال يتم وال تدور دواليبه لى اخلوف من املوت ونتائجه.حصوله ع

كما مر بنا من قبل، يتكئ يف املسجد بني سنة الصبح والفرض �ولذلك كان مقلدا حال اإلنسان يف القرب، مفكرا ومعلما ،مضطجعا على جنبه األمين ووجهه إىل القبلة

ا ذكر هاذم (أكثرو يقول: �والوصول إىل اإلميان. وكان ،هذا اإلنسان طريق الصدق .)1(اللذات)

(عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك ويذكر اإلنسان بقوله الشريف: .)1(مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به)

وكفى باملوت واعظا ومذكرا. ،فلعل هذا اإلنسان يهتدي ويسلك طريق اإلميانملن أراد أن يذكر وأراد أن يصل إىل ،اح عليهاهذه كلمة ذكرناها ومن الضروري اإلحل

وبالتايل إىل فهم القرآن خطاب ربه العظيم. ،اإلميانوأكله من �ونعود إىل أصل البحث الذي كنا بدأنا به يف كالمنا عن سيدنا آدم

الشجرة ونسيانه وصية اهللا تعاىل فنقول:

/.2307يف كتاب الزهد باب ما جاء يف ذكر املوت رقم / أخرجه الرتمذي )1( رواه الطرباين. )1(

191

وأنه يف ،ذه احلياة الدنيا فكرا وعقال أن لإلنسان يف ه ،لقد وضحنا يف حبثنا السابق وهو جمرد عن التفكري. ،اجلنة ليس لإلنسان إال عقل فقط

وإن ،والسبب يف ذلك أن الفكر إمنا يتوقف عمله على وجود الدماغ وجريان الدم فيهشئت فقل:أن الفكر يعني النفس ويساعدها على الوصول إىل احلقائق وعقل هذه

صاحب السيطرة اجلسموما دام اجلسم،ت يف هذه الدنيا حمبوسة يف ما دام ،احلقائق واحلكم.

أما إذا خرجت النفس من اجلسد ولبسته وأصبحت حميطة به وأضحت صاحبة ألن ،وبالتايل يتوقف الفكر ،فهنالك تتوقف مجيع األجهزة اجلسدية عن العمل ،احلكم

،لنفس واحلالة هذه احلقائق بذااأضحت ال عمل هلا، وتعقل ا ،هذه األجهزة وهذا الفكر دون حاجة إىل حاسة أو فكر.

وما قام به من ،وإذا كان اإلنسان يتذكر يف هذه الدنيا ما وقع له من احلوادثفتضيء له هذه احلقائق ويذكرها، ،الذي يرسل بأشعته إىل النفس ،األعمال بواسطة الفكر

ال يعود هذا اإلنسان يتذكر تذكرا فكريا، ،ففي الدار اآلخرة حني يتوقف الفكر عن العملعقلتها النفس ،بل يعقل عقال. فإذا عرضت على اإلنسان أعماله اليت قام ا يف الدنيا

عقال، أي: أا تعقل ما هو مطبوع فيها.من قبل. فقد كانت نفسه �وحال سيدنا آدم ،ذلك هو حال اإلنسان يف اجلنة

ما تراه عقال، فلما جاء الشيطان وقال:تعقل ،حميطة جبسدهلى ...{ . سورة طـه) 120( }يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك ال يـبـ

أي: هل أدلك على الشجرة اليت إن أكلت منها خلدت نفسك يف ذلك احلال العايل من ملكا أبديا ال يبلى. وملا أقسم له ،لوملكت ذلك احلال اجلميل اجللي ،اإلقبال على اهللا

عنه وغاب ،أن اهللا اه عن األكل من الشجرة �غاب عنه ،باهللا أنه ملن الناصحني أنه تعاىل حذره من الشيطان.

192

ألنه مل يكن له يومئذ فكر يتذكر ،وهذا أمر طبيعي ،ذلك كله �لقد نسي سيدنا آدم سورة ) 115( }نا إلى آدم من قـبل فـنسي ولم نجد له عزماولقد عهد { قال تعاىل: ،به

. أي مل جيد له عزما على املعصية :طـهأمر يقتضيه الوضع النفسي ،وزوجه �وهكذا فالنسيان الذي وقع لسيدنا آدم

لنفسي وكل امرئ إذا هو لبس ذلك احلال ا ،وهو ليس واحلالة هذه مبعصية ،الذي كانا فيهلفعل ما فعله ،الذي حنن فيه اجلسميقبل انتقاله للحال �الذي كان عليه سيدنا آدم

وال خرقا ،وال ميكن أن يعد خمالفة ألمر اهللا ،، فهو حال يقتضيه الوضع�سيدنا آدم لوصيته. وما أجرى اهللا تعاىل ذلك على سيدنا آدم، وما جعل اهللا سيدنا آدم وزوجه

اجلسمي،إال ليتعرف أوالدمها من بعدمها إذا هم أصبحوا يف احلال ،حمورين هلذه القصةوليعطيهم درسا عمليا ويضع بني أيديهم مثاال واقعيا يف هذا ،بعداوة الشيطان ومكائده

فيحذر األبناء من الشيطان وعداوته. وقد أشارت اآلية الكرمية إىل هذه الناحية ،املوضوع يف قوله تعاىل:

) سورة 27( }... بني آدم ال يـفتنـنكم الشيطان كما أخرج أبـويكم من الجنة يا { األعراف

فما تأويل اآلية الكرمية الواردة يف وصف هذه ،ولعلك تقول: إذا كان األمر كما بيناه .سورة طـه) 121( }وعصى آدم ربه فـغوى ...{ الواقعة يف قوله تعاىل:

فنقول: بعد أن عرضنا ما عرضناه من أن احلال النفسي الذي كان عليه سيدنا آدم الذي حنن عليه اآلن، وإن اجلسميمن قبل يف خصائصه اليت ال تنطبق على احلال �

لعدم وجود الفكر. لذلك ال ميكن بوجه من الوجوه ،النسيان من لوازم ذلك احلال النفسيمن الشجرة معصية باملفهوم الذي نفهمه حنن اآلن يف �سيدنا آدم أن يعترب أكل. وال بد لنا لفهم �والذي يتبادر ألذهان الذين مل يعرفوا قدر رسول اهللا ،حالنا الدنيوي

من أن نتفهم ما قبلها وما بعدها من اآليات الكرمية الواردة يف مسرى هذه ،هذه اآليةوإذ ،د عهدنا إلى آدم من قـبل فـنسي ولم نجد له عزماولق {القصة وهي قوله تعاىل:

193

قلنا يا آدم إن هذا عدو لك ،قـلنا للمالئكة اسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس أبى فـوأنك ال ،إن لك أال تجوع فيها وال تـعرى،شقىولزوجك فال يخرجنكما من الجنة فـت

فـوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد ،تظمأ فيها وال تضحىلى ها فـبدت لهما سوآتـهما،وملك ال يـبـ وطفقا يخصفان عليهما من ورق فأكال منـ

سورة ) 122ــ115( }ثم اجتباه ربه فـتاب عليه وهدى،الجنة وعصى آدم ربه فـغوى .طـه

ومل يكن له ،إمنا نسي وصية اهللا تعاىل �فهذه اآليات الكرمية تبني لنا أن سيدنا آدم وهي كما ذكرنا ،إمنا أكل من الشجرة طمع اخللود يف اجلنة �وإنه ،الفةعزم على املخ

جنة اإلقبال على اهللا والتنعم بشهود مجاله، وأما الدافع الذي دفعه إىل األكل من ،من قبل وطمعه البقاء يف نعيم اإلقبال على اهللا. ،هو حبه هللافالشجرة

فيتبدى معناها ظاهرا جليا إذا حنن قرناها إىل }ه فـغوىوعصى آدم رب ...{أما كلمة ها فـبدت لهما سوآتـهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة { :كلمة }...فأكال منـ

وزوجه من الشجرة حىت ظهر هلما �. فما أن أكل سيدنا آدم سورة طـه) 121( ،وصية اهللا �تذكر سيدنا آدم اجلسمي،وهنالك وبظهور هذا احلال مي،اجلسحاهلما

يالزمه وجود الفكر الذي حيصل به اجلسمي،وكان هذا التذكر بسبب أن هذا احلال ،إمنا هو بسبب خمالفته الوصية ،أن هذا احلال الذي صار إليه �وقد عرف التذكر.

ونسيانه األمر.

* * *

194

����دم غاية قصة سيدنا آ

تعليم محبة اهللا. * وعدم االستماع إلى الشيطان. *

تقول: .سورة طـه) 121( }...وعصى آدم ربه ...{ كلمةأنه نسي وفعل ،له اجلسميثر ظهور ذلك احلال إمن نفسه �وأدرك سيدنا آدم

يست من اهللا ل :}...وعصى آدم ربه ..{ فكلمة ،وهكذا خالف ما أوصاه اهللا تعاىل به.وتقريرا للمعصية، إمنا هي حكاية حال سيدنا آدم وبيان ،�تعاىل إثباتا لعصيان آدم

ي.اإلهل اليت أوقعه فيها نسيان األمر ،مشاعره وإحساساته النفسية باملخالفةوهو االنقالب والتحول من حال عال ،فمأخوذة من: الغي :}فـغوى ...{أما كلمة فيه املتاعب والشقاء. ،إىل حال أدىن،خلريفيه السعادة وا

فخلف من بـعدهم خلف أضاعوا الصالة واتـبـعوا الشهوات فسوف {قال تعاىل: احنطاطا ،أي سيلقون بتضييعهم الصالة واتباع الشهوات :) سورة مرمي59( }يـلقون غيا

وسيجدون متاعب وشقاوة. ،ئهم من قبلمن تلك املكانة اليت كانت آلبا ومن رشد، فقد ورسوله اهللا يطع من( كثريا ما يستهل خطبه بقوله الكرمي: �وكان

.)1()اهللا أمر إلى يفيء حتى غوى فقد ورسوله اهللا يعص ،الذي صار إليه اجلسميذلك احلال �وبناء على هذا نقول: ملا رأى سيدنا آدم

ربه، خجلت نفسه من هذه املخالفة، وذا اخلجل الذي سيطر وتذكر أنه خالف وصية على نفسه احتجبت نفسه عن ذلك احلال من اإلقبال على اهللا.

أي: سورة طـه) 121( }وعصى آدم ربه فـغوى ...{ويكون ما نفهمه من كلمة ال على وبذلك احتجبت نفسه عن اإلقب ،من نفسه أنه خالف وصية ربه �ورأى آدم ناداه ،وحتول عن ذلك احلال العايل الذي كان فيه. وهنالك ويف هذه اللحظة ،اهللا خجال

عن ابن عباس. )1(

195

إمنا صدر منه بناء على نية عالية، ،ربه مبينا له أن هذا األكل الذي أكله من هذه الشجرةال ،قصد الساميوهذا امل ،نية اخللود يف اإلقبال ودوام البقاء مع اهللا. وهذه النية العالية

ال سيما إذا اقرتن مع ذلك احلال األول ،وال يوجب استحياء وخجال ،يعد معصيةوأراد تعاىل بذلك التعريف الذي عرف به سيدنا آدم النفسي الذي من لوازمه النسيان.

ويرفع عنه ذلك اخلجل الذي استوىل عليه، وذلك ما نفهمه من ،أن يرجعه إليه �أي: جعله يرجع إليه ومجع قلبه عليه سورة طـه) 122( }... اجتباه ربه ثم { كلمة تعاىل.

ت عنه اآلية الكرمية الواردة يف سورة البقرة يف قوله تعاىل: ى {وذلك أيضا ما عربفـتـلقوعلو ،:أي: كلمات مبينات له مسو نيته) سورة البقرة37( }... آدم من ربه كلمات

وبذلك عرف أن اهللا تعاىل مل يؤاخذه على ،مقصده وغايته، حموا للخجل من نفسهومل يعامله بظاهر عمله، بل نظر إىل حقيقته ونيته، وإمنا األعمال بالنيات. نعم ،نسيانه

،أن يا آدم نيتك عالية وشريفة ،فألقى اهللا تعاىل يف نفسه ،�لقد تذلل سيدنا آدم له سهولة رجعة؛ ،اخذك أبدا على ما وقع. كذلك كل من يقع عن غري قصدفنحن ال نؤ وما عزم على خمالفته، ،وهنالك أدرك أنه ما عصى ربه فال رجعة له. واملصر؛ أما املتعمد

وذا رجعت الطمأنينة والثقة إىل نفسه من أن اهللا تعاىل ،ينظر إىل النيات وأن اهللا عليمفتاب عليه ربه، أي: فكشف له ذلك ،إلقبال على اهللا والوجهة إليهفعاد إىل ا ،راض عنهوذلك ما أشارت ،ياإلهل من رؤية اجلمال والكمال ،ورده إىل ذلك احلال األول ،احلجاب

:تلك هي عناية اهللا تعاىل حتوط }...فـتاب عليه ...{إليه اآلية الكرمية يف قوله تعاىل: ت لك ظاهرة يف هذه القصة، وتلك هي معاملته تعاىل مع وترعاه، تبد �سيدنا آدم ليتمتعوا مبا أعده هلم من ،يعاملهم مبا يعاملهم به لريد نفوسهم الشاردة إليه ،سائر عباده

: أي: يعامل هذا }إنه هو التـواب الرحيم ...{نعيم مقيم، وذلك ما نفهمه من كلمة: وهذا لريجعوا.

196

حنان اهللا تعاىل ورمحته، وانظر إىل عظيم فضله على عباده، لقد قرر على فانظر إىلوقبل أن خيرج ذريته من صلبه، إذ كان حبال ،قبل أن خيرجه إىل هذه الدنيا �سيدنا آدم

بأسلوب أظهر به اجلسمي،إىل هذا احلال ،فجعل خروجه من ذلك احلال النفسي ،نفسيعربا ،وضرب تعاىل بقصة هذا اإلنسان األول ،ه خلالقهوعظيم حب ،شرف هذا الرسول

ليعلم الناس ،وأجرى ما أجراه له ،فأقامه يف مقام املعلم األول ألوالده ،وأمثاال باقية لبنيهقوانني النفس اليت ينبين عليها اإلقبال على اهللا، وليشهدوا الطريق الذي تعود منها النفس إىل

إذا ،أمكنها الرجوع والعودة ،خجلت نفوسهم وتراجعت متأخرةحصرية القدس، فإذا ما هي فعلت ما جيدد هلا الثقة وميحو منها اخلجل، كما أراد تعاىل أن يعرفنا كما كنا قد ذكرنا

يستطيع أن يتعرض ،أفبعد هذا كله فنحذر من مكره وكيده. ،من قبل بعداوة الشيطانمن قسوة على ،أو ينسب هللا ما ينسب ،سول الكرميفينقص من مكانة هذا الر ،متعرضوهم يجادلون في الله وهو شديد ...{ . إنه تعاىل حياول رد عباده إىل احلق:؟اإلنسان .) سورة الرعد13( }المحال

وكم حوت هي وأمثاهلا من عرب وأمثال. ،هذا بعض ما فهمناه من هذه القصة .) سورة العنكبوت43( }ثال نضربـها للناس وما يـعقلها إال العالمون وتلك األم {

ما �مبينني مفصلني أن سيدنا آدم ،أما وقد أجبنا على األسئلة اليت أوردناها من قبلعليه عصى ربه، وأن حاله النفسي األول من لوازمه النسيان، وهذا ما يدلنا على أن ما أقدم

وزوجه إمنا كان بنية عالية ألن الشيطان أقسم هلما بأن يكونا ملكني أو �سيدنا آدم ال يعرف الكذب �يكونا من اخلالدين إن مها أكال من هذه الشجرة، ومبا أن هذا النيب

}... خطأناربـنا ال تـؤاخذنا إن نسينا أو أ ...{ :فصدق قول الشيطان، ونسي وصية اهللا له .)1((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه): ����قال .) سورة البقرة286(

) 33( }إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبـراهيم وآل عمران على العالمين {كيف اخللق إىل اهللا. األسر اصطفاهم تعاىل على العاملني لريشدوا :هذهسورة آل عمران

/ (طب). عن ثوبان.4486اجلامع الصغري: / )1(

197

كلهم : }... ذرية بـعضها من بـعض {...هذا االصطفاء!. بني تعاىل يف سورة آل عمران:: ) سورة آل عمران34( }والله سميع عليم ...{ يف األصل واحد: كلهم أوالد آدم، لكن

تهم. كالمهم عال وحاهلم عال حباهلم وني عليم: لقوهلم، سميع: ما اصطفاهم جزافا، بل إنه فكل من تكلم حبق األنبياء لذلك اصطفاهم: "إن كان كالمك عاليا ونيتك عالية أعطاك".

حىت �فكأن اهللا تعاىل ال علم له بآدم :}والله سميع عليم ...{معناه أنه ينفي كلمة اصطفاه؛ وهذا غري صحيح.

م وكماهلم، املرشد جيب أن يكون كامال. فمن يتكلم حبق اهللا تعاىل اصطفاهم لعلو نفوسهاألنبياء معناه أنه ال إميان عنده، ولو حصل عنده إميان بأن اهللا مسيع عليم ملا تكلم سوءا حبق رسل

اهللا، ألن اهللا مسيع بكل خملوق عليم حباله: اصطفاهم لطهارم وعلو نيتهم.ذا اخلصوص وهو الذي ال ينطق عن اهلوى � هذا وإن عدنا إىل حديث رسول اهللا

(أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وال فخر، وبيدي لواء لسمعنا قوله السامي، إذ يقول:الحمد وال فخر، وما من نبي يومئذ ـ آدم فمن سواه ـ إال تحت لوائي، وأنا أول شافع،

.وال فخر)تيب من حيث العلو والسمو واملكانة العلية فوق هو الثاين يف الرت �ولفهمنا بأن آدم

، والنبيون باملنزلة دونه فهو كمن�حممد سيدنا ودون سيد اخللقواملرسلني مجيع األنبياء دونه من السادة األنبياء الربرة معصوم عن اخلطأ يف الصغائر والكبائر وعن املخالفة

ال يسبقونه بالقول وهم ،ل عباد مكرمون ب ...{ والعصيان لقوله تعاىل عن النبيني مجعا: .) سورة األنبياء27ــ26( }بأمره يـعملون

هم ...{ :وهو الرسول النيب األول باخللق وقد خاطبه تعاىل بقوله الكرمي عن املالئكة أنبئـ إىل اجلن املكلفني وإىل املالئكة فهو نيب وهو رسول اهللا ) سورة البقرة،33( }... بأسمآئهم

يته الكرمية. وأن الغرض من هذه القصة إن هو إالحتذير الكرام أمجعني، واإلنس بدءا من ذر وما ذلك من اهللا تعاىل إال حمض الرأفة والرمحة واحلنان. ،اإلنسان من مكر الشيطان

198

ة السابقة، فإن حنن فهمنامها بقي علينا أن نتفهم نقطتني وردتا من معرض تلك األسئل حق الفهم فقد تبددت من أذهاننا مجيع املشكالت اليت ضل عن فهمها كثري من الناس.

أما النقطة األوىل فهي: ما معىن اآلية الكرمية اليت وردت يف هذه القصة وهي قوله تعاىل يف سورة األعراف:

�شيطان أن يغر سيدنا آدم ) سورة األعراف؟.وهل استطاع ال22( }... بغرور { وزوجه؟.

أم إن لآلية معىن دقيقا يتناسب مع مقام هذا الرسول الكرمي وما هو عليه من كمال؟.. تقول: دىل }فدالهما{وجوابا على هذا السؤال نقول:إن كلمة مأخوذة من دىل

بأن أكله من �فالن الغصن، أي: أدناه منه. وهكذا فالشيطان ملا حلف لسيدنا آدم جعله يدنو من الشجرة ويأكل ،ومالكا ذلك احلال ،الشجرة جيعله دائم البقاء مع اهللا

إمنا ينصرف �فليس ينصرف معناها إىل سيدنا آدم }بغرور {وزوجه منها. أما كلمة للشيطان ذاته.

من . وبشيء �ومل خيالط نفس سيدنا آدم ،فالغرور إمنا كان خيالط نفس الشيطان التفصيل نقول:

وهو ،فيجعله يتوهم وجود شيء ،هو حال نفسي يسيطر على نفس اإلنسانالغرور: فيتوهم إذا استيقظ ورآه بازغا ،باحلقيقة غري موجود. فقد يغرت اإلنسان ليال بضوء القمر

فيتوهم ،واحلقيقة أنه ما يزال يف أواسط الليل. وقد يغرت اإلنسان بنفسه ،أن الصبح قريبإال مبا يعلمه اهللا تعاىل إياه، وال قوة إال ،واحلقيقة أنه ال علم لإلنسان ،أنه قوي وأنه عامل

باهللا.فالشيطان إمنا كان مغرورا بنفسه، فكان حيسب أنه ذا القسم الذي أقسمه ،وهكذا

يستطيع أن ،البقاء مع اهللا �يدمي لسيدنا آدم ،باهللا مدعيا فيه أن األكل من الشجرةفريميه باخلجل ويبعده عن اهللا، ولكن األمور جاءت ،يف خمالفة ربه �يوقع سيدنا آدم

199

العالية أساسا متينا ارتكز عليه �على عكس ما أراد وتوهم. فقد كانت نية سيدنا آدم وخرج إبليس من هذه احملاولة مذموما مدحورا. ،يف العودة والرجوع إىل اهللا

وأن ،ويبعده عن اهللا �ني لنا أن الشيطان ما استطاع أن يغر سيدنا آدم وذا يتبفجاءت األمور ،إمنا تصف حال الشيطان من حيث أنه توهم شيئا }بغرور {معىن كلمة

وباء بالفشل واخلذالن. ،خبالف ما توهم

* * *

وساوسه إىل سيدنا كيف استطاع الشيطان أن يتوصل إىل إلقاءأما النقطة الثانية: مقبل على اهللا ال ينقطع عنه؟. وهل ميكن أن تعترب هذه الواقعة �وسيدنا آدم آدم،

دليال على إمكان دخول الشيطان على األنبياء؟. وإيضاحا هلذه النقطة نقول: ،وجوابا على هذا السؤال

ول ملا كانت إذا حنن رجعنا إىل حال اإلنسان األ ،تبدو لنا هذه املشكلة جلية واضحةالذي حنن اجلسميذا احلال ،نفسه حميطة جبسده، مث قارنا ذلك احلال األول النفسي

عليه اآلن.وكانت نفسه البسة جسده ،ملا كان يف جنة اإلقبال على اهللا �فسيدنا آدم

ما كان بني نفسه ونفس الشيطان من حجاب حيجبها عنه، بل كانت تبدو ،وحميطة بهلذلك ما ،مقبل على اهللا دائم النظر إليه �كشوفة. ومبا أن سيدنا آدم ظاهرة م

ثه مبا حدثه به عن ،استطاع الشيطان أن يفعل أكثر من أن يلقي إليه بوساوسه إلقاء وحيدودون أن يدنو منه. فقد أكون اآلن سائرا يف طريق وأمسع عن بعد كلمة يهمس ا ،بعد

وال يعترب ،نفسي يفويرغب أن تقع ،يد أن جيعلها يف أذينأو يقصدين ا وير ،إنسان د ،ذلك دخوال منه عليطا من نفسه على نفسي، إمنا هو جمرحديثه ومهسه تسل وال يعد

فأصابت هذه املوجات صفحة النفس الثانية، وبني النفس ،قول صدرت موجاته من نفس األوىل والثانية مسافة ظاهرة.

200

سل اآلن احملطات اإلذاعية مثال "الالسلكية" مبوجاا من منطقة يف وهكذا فقد تر فتعكس هذه املوجات األجهزة األخرى الالقطة اليت تقع يف املغرب ،أقصى الشرق

وبني احملطتني بعد املشرقني. ،األقصىيطان ويبني لنا أن الش ،إن هذا املثال يوضح لنا هذه النقطة اليت حنن بصددها وضوحا تاما

دائم �ألنه ،وهو ال يستطيع أن يدنو منه ،وال دخل عليه ،�ما دنا من سيدنا آدم وقد وردت اآلية صرحية الوجهة إىل اهللا، بل كل ما يف األمر أنه وسوس إليه وسوسة عن بعد.

.سورة طـه) 120( }... فـوسوس إليه الشيطان { ذا املعىن، إذ قالت: يف صدره أو يف نفسه، كما يف قوله تعاىل:ومل تقل وسوس

أي املنقطعني عن اهللا تعاىل. .) سورة الناس5(}الذي يـوسوس في صدور الناس {يدل على الظرفية "فييدل على االنفصال، وأن حرف " "إلىومن الواضح أن حرف "

وال من الشيطان على دخ ،فال تعد هذه الوسوسة امللقاة عن بعد ،وهكذا واالشتمال.دليال على إمكان دخول ،أو دنوا منه، وال ميكن أن تعترب هذه القصة �سيدنا آدم

بقي علينا أن نبني عدم إمكان دنو الشيطان من األنبياء يف هذا الشيطان على األنبياء. ،حميطة بأنفسهم أجسامهممن حيث كون ،مثلهم كمثل سائر البشر اجلسمي،احلال يف احلياة أجسامهمويطرأ على ،، فهم يولدون كما يولد سائر البشرللجسماحلكم وكون

وضعف وهرم ،وشباب وشيخوخة ،من صحة ومرض ،غريهم أجسامالدنيا ما يطرأ على وموت.

فهي دائمة اإلقبال على اهللا، فبما عرفت من رأفة اهللا ،أما أنفسهم صلوات اهللا عليهمأضحت عاكفة يف ذلك ،ومجاله الالمتناهي ،دته من كماله تعاىلورمحته خبلقه، ومبا شه

ي، مشمولة بذلك النور ال اإلهل مغمورة بذلك التجلي ،وهي واحلالة هذه ،اجلناب العايل ينقطع عنها طرفة عني.

وال ميكن أن تصلها وساوس باجلسم،حماطة اجلسميومبا أن النفس يف هذا احلال واخرتاق الصدر، وحيث اجلسمبد له من النفوذ إليها عن طريق الشيطان من بعيد، بل ال

201

ي املتوارد على نفوسهم، بصدقهم القوي اإلهل األنبياء مغمورة دوما بذلك النور أجسامأن وأن ،وحبهم العظيم له تعاىل، لذلك ال يستطيع الشيطان أن يدنو منهم ،جدا مع اهللا

يف حصن حصني من ،هللا عليهم ذا التجليوهم صلوات ا ،ياإلهل خيرتق ذلك النور الشيطان وحرز منيع.

وهكذا خنلص من حديثنا هذا وقد بينا أن الشيطان ال سبيل له وال مدخل على ما دامت نفسه مقبلة على اهللا متجهة ،األنبياء قطعا، كما أنه ال سبيل له على كل مؤمن

أرشد تعاىل اإلنسان بصورة عامة إىل هذه أو مرتبطة بأنبيائه الكرام الربرة. وقد ،إليه الوسيلة اليت يتخلص ا من الشيطان فقال تعاىل:

إن الذين اتـقوا إذا ، وإما ينزغنك من الشيطان نـزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم { يطان تذكن الشهم طائف مبصرون مسسورة األعراف201( }روا فإذا هم م (.

إنما سلطانه على الذين ، إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يـتـوكلون { ) سورة النحل 100ــ99( }يـتـولونه والذين هم به مشركون

* * *

ال بد لنا من معاجلة نقطة ،وبعد أن أجبنا على أسئلة دقيقة كنا أوردناها ،واآلن جديدة تتلخص ذا السؤال التايل:

هل كان خروج سيدنا آدم صلى اهللا عليه وسلم إلى هذه الدنيا ومجيء بني اإلنسان رأسا دون ،في الجنة وخلق بني اإلنسان في الجنة من بعده إليها أحسن، أم أن بقاءه

أكثر من ،خروجهم إلى الدنيا أحسن؟. وأي الحالين يعود على اإلنسان بالسعادة والخير اآلخر؟.

وجوابا على هذا السؤال نقول:وأن منازل الناس يف ،تتوضح لنا هذه النقطة إذا حنن رجعنا إىل احلديث عن اجلنة وحقيقتها

ة يف التفصيل نضرب املثال اآليت فنقول:اجلنة إمنا تكون على حسب أعماهلم. وزياد

202

وكانت الطريق اليت تطل عليها نافذة القطار من أمجل ،هب أن رجال سافر يف قطاروأار ،ما خلق اهللا تعاىل يف مناظرها ومشاهدها وعجائبها وغرائبها.. حدائق وأشجار

ومل خيطر هلم مثاهلا على ،ومدن مجيلة خمتلفة مل ير الراؤون نظريها ،ومناظر فتانة ،وحبارجتد هذا اإلنسان الراكب ،ال يتوقف عن املسري مستمرا يف سريهبال. فما دام هذا القطار

وتراه ال ينقطع عن ،لتجددها وتباينها ال يبغي عنها حوال ،مشرئبا بعنقه إىل تلك املشاهدجتد هذا ،به الوقوف وطال ،خمافة أن يفوته شيء منها. أما إذا وقف هذا القطار ،النظر

املشهد الذي وقف أمامه من أمجل املناظر كانالراكب ينصرف عن النافذة متحوال، ولو وما جعله فيها االنفس حبسب ما فطرها اهللا تعاىل عليه وأمتعها. والسبب يف ذلك هو أن

تضيق إذا هي حبست عند حال واحدة. وحب االستطالع على ،من الوسعة الالمتناهيةتسرب امللل ،فإن توقف على حال واحد ،من األمور اليت فطر عليها اإلنسان ،جديد كلممال بل ممقوتا، حىت واملطرب اللذيذ بتكراره دون ،وأصبح اجلميل الذي ال يتبدل ،إليه

.ومدعاة للملليغدو مرفوضا ،جديد هذا وبناء على ما قدمناه نقول:

يتوقف على حسب ما كنا بيناه ،وتنقله يف جنة اإلقبال على اهللا ارتقاء اإلنسان مبا أن أن فلو ،على ما يقدمه اإلنسان يف هذه احلياة الدنيا من صاحل األعمال، ولذلك ،من قبل

ملا كان له عمل يتقرب به إىل ،ومل خيرج إىل هذه الدنيا ،اإلنسان خلق يف اجلنة رأسا مكن االرتقاء من حال إىل حال أعلى، ومن جنة إىل جنة أوسع وأرقى، وملا أ ،خالقه زلفى

.يتعداهابل لظل يف اجلنة مالزما ملنزلة واحدة ال وأعطاها أعظم وأغىن عطاء، فقد جعل ،فاهللا تعاىل إمنا خلق النفس البشرية ،وهكذا

ع يف هذه املشاهدة ما ال يقف والتوس ،ياإلهل فيها من القابلية للتدرج يف مشاهدة الكمال (ما وسعني أرضي وال يف حديث قدسي: �يف قوله وذلك ا عند حد أو انتهاء،

.سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن)

203

لتكون أهال لذلك الشهود ،وفتح هلا جمال العمل ،وأخرجها تعاىل إىل هذه الدنياماحنة إياه قيمته، إذ لو مل تكن ،لالالمتناهي وذلك االرتقاء، وجعل الشهوة دافعة للعم

ملا كان للصدقة عنده وزن وال قيمة، وكذلك غض النظر ،لإلنسان شهوة إىل املال مثال ما ألعظمعن النساء اللوايت ال حيل النظر إليهن، وبذلك كله أهل اهللا تعاىل هذا اإلنسان

.والنعيم املقيم ،ياإلهل ميكن أن يناله خملوق من الفضل من خري ،أفليس إخراج اإلنسان واحلالة هذه إىل احلياة الدنيا فضال من اهللا ونعمة

عالية إىل جنات عال مبسرات ،إبقائه يف اجلنة؟. أي: من جنة واحدة عالية قطوفها دانية ،ملتذوقتروق للرائي ا ،تنكب عليها النفس لتنوعها وتفاضلها مسوا وعلوا ،متسامية متزايدة

الرحيم العظيم الذي دوما يغدق عليه سعادة أمسى من السعادة اليت اإللهومتلؤه حبا بمن الرحيم والقربمع زيادة يف العلو ،قبلها، فال ملل وال كلل، بل سرور مغمور حببور

بالنوايا على أعمال ممزوجة ،يف معارجه وهذا املؤمن متكئا ،املنان، أي: من جنة إىل جنانخري من ذلك احلال ،اإلنسانية!. قال تعاىل مشريا إىل أن إخراج اإلنسان إىل هذه الدنيا

يا بني آدم {مبا بينته اآلية الكرمية يف قوله تعاىل: ،سابقا �الذي كان فيه سيدنا آدم ر ذلك من قد أنزلنا عليكم لباسا يـواري سوءاتكم وريشا ولب اس التـقوى ذلك خيـ

)26سورة األعراف( }آيات الله لعلهم يذكرون خري من احلال األول الذي كان فيه. كذا ،�ولباس التقوى الذي ازدان به آدم

خري له من ،وما فيها من قيود وتشديدات ،إخراج الطفل من بيته السعيد إىل املدرسةألن رقيه يتم من تدريسه، فالدنيا مدرسة ويليها ،بيت االنطالق واحلرية ،ء يف بيتهالبقا

يبقى مقعدا عن السمو ال رقي له، كذا ،وما مل خيرج للمدرسة ،الرقي يف الدنيا واآلخرةغدا يف جنات متعالية ،لكنه بعد احلياة الدنيا ،يف جنة واحدة �كان سيدنا آدم

بدميومة مرغوبة حمبوبة أي: بدل اجلنة جنات. ،حنو األفضل واألكمل ،ميةمتنوعة متسا

204

الفصل السادس في هذا الفصل:

طريق اإليمان. •

مقتطفات من علوم العالمة اإلنساني محمد أمين شيخو قدس اهللا سره. •

* * *

205

طــريق ا_يمــانا فيه من أمطار وثلوج هذا الكون مبا فيه من مشس وقمر وكواكب وأجرام، مبإن

وسحب ورياح، مبا فيه من أرض ومساء وحيوان ونبات، حىت الكرة األرضية يف جرياا ودوراا، والفصول األربعة يف تبدهلا وتعاقبها، والليل والنهار يف اختالفهما وتالحقهما،

وإن شئت فقل:حىت جسمك وما هذا العامل اخلضم الزاخر باملخلوقات وجبميع ما فيه من كائنات،

تألف منه من أجهزة وأعضاء، وما جيري فيه من مبادالت وحتليل وتركيب وقيام غدده مبا يتطلبه من إفرازات، ويئة ما يلزمه من مواد خمتلفات، ذلك كله مما تعلمه وما ال تعلمه إمنا

جيري ضمن قانون ثابت ووفق نظام.ون جبميع ما فيه من خملوقات قانونا ونظاما وإذا كان اخلالق العظيم قد جعل هلذا الك

اه، وإذا كان اخلالق العظيم قد سخر هذا الكون وذلله هلذا اإلنسان، يسري عليه وال يتعدفهل يتصور ويعقل أن ال يكون هلذا اإلنسان وهو أكرم املخلوقات وأفضلها قانون

اإلنسان يسري يف هذه احلياة على غري ونظام؟. هل نظم اخلالق العظيم الكون كله وترك هدى ونظام؟. هل نظم اخلالق العظيم الكون كله وأمهل هذا اإلنسان، وتركه يتخبط يف الظلمات فال يعرف خريه من شره وال يدري كيف يسري يف جماهل هذه احلياة؟. الفكر

هذا النظام املرسوم املستقيم واملنطق الصحيح والوعي السليم، كل هذا حيكم مقرا بوجود هلذا اإلنسان، فأين يا ترى ذلك القانون والنظام؟.

تعال معي ننظر فيما جاء به الرسل الكرام عامة عن اهللا، تعال نستمع إىل أول كلمة اقـرأ باسم ربك الذي { ليبلغها للناس إذ قال تعاىل: �أوحى ا اهللا تعاىل إىل الرسول

نسان من علق خ ،خلق نسان ما لم ،الذي علم بالقلم ،اقـرأ وربك األكرم ،لق اإل علم اإل .) سورة العلق5ــ1( }يـعلم

للعرب كافة وجلميع العاملني، � تعال لندقق يف هذه الكلمة اليت بلغها الرسول حممدة اليت دل الرسول عليها أصحابه الكرام، تعال ننظر إىل ما كان تعال ننظر يف تلك الدالل

206

من قرآن منزل من عند اهللا، تعال ننظر �يتلوه عليهم يف مكة ويف األيام األوىل من بعثته نظرات الظامئ إىل احلقيقة ال املتمسك مبا وجد عليه آباءه األولني دون وعي أو تفكري،

اليت ركبتها فئات من ذوي األهواء والضالالت، تعال نرجع تعال خنرج من هذه اجلهاالتإىل احلق واحلق أحق أن يـتبع، ولنقتد بالرسل الكرام ولنتبع النهج القومي الذي ساروا عليه

بذاته ودعا � كافة جتد النظام املنشود والقانون املرسوم يف القرآن، والذي طبقه رسول اهللاام، فكان هلم ما كان من شأن حىت مأل ذكرهم اخلافقني، وفازوا مبا إىل تطبيقه صحابته الكر

فازوا به من السعادة واخلريات.ذلك القانون والنظام هو أن تتعرف إىل أصلك وتنظر يف بدايتك أيها اإلنسان، أقول:

فمن عرف نفسه عرف ربه، ومن عرف ربه هداه طريق السعادة وحفظه من الشقاوة هد اهللا فهو املهتدي، ومن يضلل فلن جتد هلم أولياء من دونه. فكر أيها والضالل، ومن ي

اإلنسان يف أصلك، وتفكريك يف أصلك وبـدايتك أول مواد هذا القانون والنظام الذي شرعه لك اهللا، فكر وكيف ال تفكر وقد تفضل عليك ربك بتلـك اجلوهرة الثمينة اليت

وتصل بك إىل معرفة خالـقك ومربيك، فكر وكيف ال تفكر وقد تساعدك على التفكريجعل لك يف هذا الكون من اآليات العظيمة والنظام البديع مراتع واسعة وجماالت كربى يرتع وجيول فيها التفكري، فكر وكيف ال تفكر والكون أمامك كتاب مفتوح تستطيع أن

مل يتول أمرك أحد، فاهللا تعاىل لك إن صدقت خري تقرأ فيه ولو مل يعلمك معلم، ولومعلم ودليل، فكر يف أصلك يوم كنت نطفة يف ظهر أبيك، فكر يف هذه النطفة كيف

تكونت ومم تركبت، فكر يف هذه النطفة أين وضعت واستقرت؟. ر يف نفسك وقد أصبحت يف ظلمات الرحم ويف ذلك املستودع األمني، فكر يف فك

تلك األطوار اليت مررت ا فمن نطفة إىل علقة ومن علقة إىل مضغة ومن مضغة إىل عظام، عظام مركبات بنظام واتساق، ركبت عليها العضالت وخلق منها جتويف الدماغ

ذن والفم منه مكان، وللقلب والرئتني قفصهما ولألحشاء منها حوامل ومراكز وللعني واأل تار.للعروق واألو

207

فكر وال أريد أن أفصل لك يف هذا كل التفصيل، بل أدع لك اال لتشاهد وترى كيف أن النطفة األمشاج حتولت إىل إنسان سوي وخملوق كرمي، فكر وقدر عظمة تلك اليد اليت أوجدتك وصورتك وسوت لك هذه األعضاء وجعلت الدماغ والقلب واألجهزة

تألف منه من أعظم وأجزاء يف مكان أمني وحرز حريز، فكر يف تلك اليد الرئيسية، وما تاليت كانت تسوق لك الغذاء وأنت يف طريقك إىل الدنيا وحيدا فريدا ال حول لك وال قوة، وما متلك لنفسك رزقا وما ميلك لك أحد رزقا، لكن تلك اليد اليت سهرت على

ك الغذاء ومتد كل عضو من أعضائك مبا يلزمه خلقك هي اليت كانت ترزقك، فتسوق ل من مواد.

فكر يف تلك اليد اليت استطاعت خالل بضعة أشهر نقلك من نطفة إىل إنسان، فما تأخر خلقها وما هي مبسبوقة عن إجناز اخللق وتركيب اإلنسان يف مدته املعينة، فما أن

بتك وأنت يف بطن أمك رأسا على عقب، أزف موعد الوالدة واخلروج إىل الدنيا حىت قـل فجعلت رأسك إىل أسفل وأرجلك إىل أعلى ويسرت لك السبيل إىل الوالدة، قال تعاىل:

نسان ما أكفره { ثم السبيل ، من نطفة خلقه فـقدره ، من أي شيء خلقه ، قتل اإل .) سورة عبس22ــ17( }ثم إذا شاء أنشره ، ه فأقـبـره ثم أمات ، يسره

فكر وقد نزلت إىل هذا العامل اجلديد يف أرض جديدة، فأحاطك بعطف أمك ولطفها وبث يف قلبها حمبتك وأودعه حناا وهيأ لك طعامك يف ثدييها فإذا هو سائغ شرابه،

ه جسمك من مواد ومجيع ما يتطلبه. فكر يف تلك لذيذ طعمه، مغذ حاو كل ما حيتاجالوجبات من الغذاء اليت كانت يئها لك تلك اليد الرحيمة بك، فتزيد لك يف معايريها الغذائية حلظة بعد حلظة ووجبة بعد وجبة زيادة متناسبة مع منوك وتقدمك يف السن، حىت

ت معدتك قادرة على هضم األطعمة، إذا ما احتاج جسمك مزيدا من التغذية وأصبح أنبت لك األسنان اللبنية سنا بعد سن حسبما يقتضيه النماء وتتطلبه احلاجة.

ولسن سبع خلت من سين احلياة، ومن أجل جسم سيهيأ ألن يضطلع بأمور هامة ة وأعمال عظيمة وفكر يدبر أمورا جليلة بدل لك تلك األسنان اللبنية بأسنان دائم

208

تستطيع أن يئ هلذا اجلسم ما يتطلبه من غذاء، فكر يف تلك اليد اليت تربيك اآلن فرتسل بأشعة الشمس احلارة على البحار تبخر مياهها، ومتر الرياح فتسوق السحب وتثريها من مكامنها مث حييت األرض من بعد موا وارتوت من بعد عطشها كشفت

سماء صفاءها وللشمس إشراقها فإذا الزرع يف مناء وإذا األرض جتود الغيوم وأعادت إىل الرأيـتم ما تحرثون { باخلريات، قال تعاىل: لو نشاء ، أأنتم تـزرعونه أم نحن الزارعون ،أفـ

بل نحن ، لمغرمون إنا،إنا لمغرمون ، لجعلناه حطاما فظللتم تـفكهون تم الماء الذي تشربون ،محرومون لو ، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ،أفـرأيـ

.) سورة الواقعة70ــ63( }نشاء جعلناه أجاجا فـلوال تشكرون ، واألزهار وأشكاهلا وروائحها، والفواكه وألواا وطعومها، فكر يف األغذية وأنواعها

فكر يف الفصول األربعة وتقلبها، فكر يف النوم وقد جعله اهللا تعاىل لك سباتا ويف النهار معاشا، فكر يف اهلواء يقدم لك ما يف التنفس واالستنشاق وما يساعد على االحرتاق،

باحلرارة والضياء، فكر يف البحار، يف األار، يف السهول فكر يف الشمس وهي متدك والقطن والكتان، فكر يف واجلبال، يف احليوان والنبات، يف املالبس والثياب يف الصوف

هذه اليد اليت تؤمن لك مجيع ما حتتاج، وتسهر على تربيتك فإذا هي تغدق عليك من دها يف كل حلظة وآن دون أدىن انقطاع.خرياا وتغمرك بفضلها وتواصل عليك إمدا

فكر على هذا النمط وذه الرتبية فبمثل هذا التفكري بدأ سيدنا إبراهيم أوىل خطواته � سائرا يف طريق اإلميان، ومبثل هذا التفكري بدأ سائر الرسل الكرام من لدن سيدنا آدم

لك مربيا عظيما ساهرا ، فكر فإن أنت فكرت اهتديت وعرفت أن �حىت سيدنا حممد عليك ال يغفل عنك طرفة عني، أمدك جنينا مث مولودا وطفال صغريا، مث رجال وإنسانا كامال ما يزال إمداده عليك دائما، وخريه إليك جاريا متواصال، حىت إذا ما استقر يف

آخر من التفكري.نفسك وعقلته فتحققت فيه، فهنالك سينفتح أمامك أفق جديد ومنط سرتى أن جسمك سوف ال يبقى قويا جلدا وأنك سوف ال تعيش يف احلياة خملدا، فهذا قريبك قد ودع احلياة ومات، وهذا جارك قد فارق زوجه وبنيه وقضى حنبه، ومل يتمتع

209

باحلياة الدنيا سوى أعوام معدودات، وذاك صديقك مل يفرح مبتجره وال ببيته الذي شاده اللذات كل أمل له يف احلياة ووافاه األجل ومل ينظره حلظات. وذا )1(مذناه، بل قطع هاوب

مات مريضا وذا عليال وهذا فجأة دون أدىن استعداد، وتنظر إىل هذا وذاك، حىت أنك لتمر بذهنك على امللوك واألمراء والقواد العظماء واألغنياء والفقراء، حىت الرسل الكرام

وت أبقى أحدا، وهنالك تعلم أن املوت مصريك احملتوم رغم كل احملاوالت، كما فما جتد املهو مصري من كان قبلك فال جناة منه وال خالص، وهنا تنقطع آمالك من هذه احلياة

الدنيا، وتعلم أا دار الرحلة والفناء.املريب، وب ويبعث التفكري يف املوت اخلشية يف نفسك والرهبة ويولد الصدق يف معرفة

تبحث صادقا عنه وتتساءل من هو هذا املريب الذي خلقين من نطفة، ومل أكن من قبل شيئا مذكورا، مث جعلين طفال فرجال كبريا؟. وتنظر يف الكون من جديد نظرة أخرى أوسع

كله من سابقتها، فتجد أن هذا املريب هو املسري الذي يسري الشمس والقمر، ويدير الكونمبا فيه من أجل تربيتك وتأمني ما يلزمك، فال يد ألحد معه وال تصرف لغريه، وهو اهللا

إال هو. وهنا تنتقل من اإلميان باملريب إىل خطوة جديدة أخرى، وهي اإلميان إلهوحده ال ، فرتى األجرام السماوية جارية يف مساحبها وأفالكها، و اإللهبأن هذا املريب هو تشهد املسري

هبت ثائرة من مكامنها، والرياح وهي جتري الشمس ترسل بأشعتها وحرارا، والغيوم وقد عاصفة يف اجتاهاا، والبحار الزاخرة متدافعة مياهها متالطمة بأمواجها، واألار منطلقة من

اجلارية يف منابعها سائرة إىل مصباا منحدرة شالالا، حىت الكرة األرضية الساحبة يف فضائهافلكها الدائرة حول نفسها مبا فيها من املخلوقات اليت على ظهرها، ترى ذلك كله سائرا بأمره

تعاىل وقدرته.وتتعمق يف النظر وتزداد تعمقا فرتى أنه ال خيطو خملوق خطوة وال يرفع يدا وال يتحرك

تقيا متساميا حىت تصل إىل حركة، إال من بعد إذنه تعاىل وإرادته، وتنتقل يف التفكري مر درجة تشهد معها، أن الكون كله وحدة متصلة األجزاء مرتابطة الذرات يعمل كله يف

.ا من لذائذ الدنيا شيئ جاء ال يبقيألنه إذا هاذم: بالذال، مبعىن قاطعها، )1(

210

اإللهية هي املشرفة والقائمة عليه، وذلك املريب هو اإلهل اتساق وانسجام، وتلك اإلرادة سواه. إلهاملسري هلذا الكون كله، فال مسري غريه وال

إال اهللا، بلسانك من بعد أن شهدا إلهأن ربك هو اهللا وهنالك تشهد أن ال إنك تعلمنفسك يف الكون كله، ومن بعد مشاهدا يف صميمك، تقوهلا بلسانك وقد عقلتها عقال ال عن مساع وتقليد، وتؤمن ا كما آمن السلف الصاحل والصحابة الكرام، ال إميانا كإميان

رافات وأوهام، وإذا أنت واحلالة هذه قد آمنت بتلك الكلمة صدقا، العجائز مبنيا على خ فاعلم أنه ال إله إال الله { إال اهللا حقا وذلك بعض ما نفهمه من قوله تعاىل: إلهوقلت ال

.) سورة حممد19( }...ا؟. قال: له إال اهللا مخلصا دخل الجنة، قيل: وما إخالصه(من قال ال إ :�وقوله

.)2(أن تحجزه عن محارم اهللا)وكيف ال حتجزه عن حمارم اهللا وقد أضحى يف حال يرى اهللا تعاىل معه مشاهدا رقيبا

ه؟. اجت كيفما سار وأىن إال اهللا من بعد أن وصلت إلههذه املرحلة، مرحلة اإلميان بال بلغتكواآلن وبعد أن

، سأسرع يف املسري وقد أضحيت ممن يستطيع السري معي بسرعة بك مبرحلة اإلميان باملريبوأن أنقلك إىل حمبة ، )له إال اهللاال إ دون إبطاء، أريد أن أبني لك آثار اإلميان بكلمة (

إال اهللا، وأصبحت ممن يرى أن إلهفأقول: إذا أنت وصلت إىل اإلميان بال �رسول اهللا ، سري الكون كله بيد اهللا، وانغمر ب ذه املشاهدة فصرت ترى أنه ال رياح ت نفسك

وال حبر ،وال غيوم تتلبد وتتجمع، وال أمطار طل، وال برق يلمع ويومض وال رعد يدويميوج بعضه يف بعض فيعلو ويهبط، وال ر يتدافع ماؤه يف تدفق متواصل، وال بركان يثور

زلزال يهز األرض هزا فيلقي الذعر يف يف غضب، وال سيل جيري يف عنفوان وشدة، والقلوب غافلة الهية، وال أرض تدور يف سبيل توليد ليل وار وفصول أربعة، وال جنوم جتري

رواه الطرباين يف األوسط الكبري. )2(

211

المعة يف أفالك منظمة، وإن شئت فقل:إذا أنت أصبحت ممن يشاهد أن الكون جبميع ما فيه من خملوقات، وحدة تصرفه يد

عليم خبري، حىت أن يدك ال تتحرك حبركة وعينك ال تطرف بنظرة، عزيز حكيم وإرادةوأذنك ال تستمع إىل صوت أو جلبة، وقلبك ال خيفق نابضا بني انقباض وانبساط، وأن معدتك ال تفرز عصاراا على ما فيها من أطعمة، وكبدك ال يقوم بتخزين مواد وإفراز

تنقبض يف شهيق وزفري، ودمك ال جيري يف مواد وفق معايري منظمة، ورئتك ال تتسع و تقف شرايني وأوردة، والكريات احلمر ال تنقل ما تنقل يف غدو ورواح، والكريات البيض ال

مع اجلراثيم يف صراع وعراك، واجلراثيم ال اجم اجلسم يف عنفوان وشدة، أقول:طريق السماع من إذا أنت وصلت إىل هذا عن طريق العقل واملشاهدة النفسية، ال عن

ذوي االختصاص والنقل عن الدات والكتب، وصرت ترى أن األمر كله بيد اهللا، وأن الناس مجيعهم خاصتهم وعامتهم، قريبهم وبعيدهم، قويهم وضعيفهم، ال بل اخلالئق كلها

أو أذى، ال يستطيع أحد منها أن جيلب لك خريا أو يدفع عنك شرا أو ميد لك يده بسوء أو يغري من شأنك تغيريا، إال من بعد إذن اهللا: تدخل يف حصن االستقامة وال تستطيع أن خترج عن حدود اهللا، ومبا أن النفس ال تستطيع أن تظل هادئة بال عمل، ومبا أا هجرت املنكر وهاجرت إىل اهللا لذلك تراها تنطلق جاهدة يف فعل املعروف واإلحسان، وتشتغل يف

عدة كل ذي حاجة تقربا بفعلها إىل اهللا.مساهنا ويف هذه املرحلة مرحلة االستقامة على أمر اهللا، والتقرب بفعل املعروف زلفى إىل اهللا، تتولد يف النفس الثقة بإحساا والثقة برضاء اهللا عنها، وهنالك ومبثل هذه الثقة تقبل

صلتها وتصلح صالا، فرتى أا يف النفس على خالقها وتستقيم إليه وجهتها وتنعقدحال القرب ال البعد، والوداد والصفاء ال البعد واجلفاء، واحلياة الطيبة والروح والرحيان، وعندئذ وذه الصلة والوجهة وبتلك الصلوات الطيبات حتصل النفس على مثرتني ما

باهلا على اهللا.كانت لتجنيهما لوال صلتها خبالقها، وما كانت لتظفر ما لوال إقأما الثمرة األوىل: فهي أا بوجهتها إىل خالقها تتساقط منها الذنوب، وأعين بالذنوب

212

ن فيها من أدران. فبهذه الصلة باهللا، تنحتما عـلق بالنفس من شهوات دنيئة وما متك هذه الشهوات الدنيئة متساقطة، وتنغسل النفس من أدراا، فتخرج من صالا وقد

اكتسبت طهارة ونقاوة، وخلصت من شهوات كانت تنغصها وأدران كانت تلوثها، فال خبل وال جنب وال حرص على الدنيا وال شح، وال فظاظة وال غالظة، وال قساوة قلب وال حب إيذاء، وال ذل وال خنوع، وال ميل إىل بغي وال عدوان، وال مطمع مبا يف الدنيا من

أي صفة رديئة تنقص من قيمة اإلنسان وحتط من شأنه بني الناس جاه وسلطان، حىت وال وعند اهللا.

مبينا �ذلك كله متحوه الصلة باهللا واإلقبال عليه تعاىل، ويف حديث شريف ورد عنه :�فيه أثر الصالة يف نفس اإلنسان إذ يقول

تقولون؟. أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ما (ذلك يبقي من درنه شيئا؟. قالوا: ال يبقي من درنه شيئا، قال: فذلك مثل الصلوات

)الخمس يمحو اهللا بها الخطايا)1(.

تلك هي أوىل مثرات اإلقبال على اهللا تعاىل ونتائج الصالة الصحيحة.سك : فإليكها وكم أنت مغتبط إن نلتها، إنك ويف حالة صلة نفأما الثمرة الثانية

خبالقك لتشعر باحلياة تسري يف أعماقها كما يشعر املرء بدفء الشمس املنعش يف أيام الربد الشديد القارس، وتشعر باحلياة تسري يف نفسك كما يشعر املرء بنسيم اهلواء الرطب العليل إذا جلس حتت شجرة يتفيأ ظالهلا يف أيام الصيف الشديدة القيظ، وتشعر باحلياة

ك كما يشعر الظامئ اهليمان جبرعة املاء البارد يسري ريها يف عروقه فيطفئ تسري يف نفسظمأه وينعش جسمه وروحه، وتشعر وتشعر وليس من شعور لدى املؤمن بأمجل من ذلك الشعور الذي جيده يف ساعات إقباله على خالقه ومربيه، وفيما أنت منغمس ذا احلال

على صفحات نفسك معان عالية من الكمال وتلك من الشعور السامي الرفيع، تنطبع هي الثمرة الثانية اليت جتنيها النفس من تلك الصالة الصحيحة وذلك اإلقبال على اهللا.

بخاري ومسلم.أخرجه ال )1(

213

النفس يف ساعات اإلقبال على اهللا، ومن ومن آثار هذا الكمال الذي اصطبغت به ن، والكرم واجلود مظاهره يف نفس هذا املؤمن السائر يف ذلك املضمار: الرمحة واحلنا

والسخاء واملروءة ومد يد املعونة للمحتاج، وصدق احلديث والصراحة يف األقوال، واللطف والرقة ودماثة األخالق واحللم واألناة واحلياء، والشجاعة والوقوف يف وجه الباطل وقفة

د ما شئت من صفات الكمال األبطال، والعدل واإلنصاف وعزة النفس واإلباء، وهكذا عـدومظاهره جتد النفس قد نالت يف حال إقباهلا على اهللا تعاىل شطرا منه واصطبغت به، قال

تعاىل:غة ونحن له عابدون { غة الله ومن أحسن من الله صبـ .) سورة البقرة138( }صبـ

، وأصبحت ذات كمال واآلن وقد بلغت النفس هذه املرحلة وأضحت يف تلك املنزلةوخلق عال، جتدها حتب كل ذي كمال وخلق عال، إا حتب كل ذي كمال بسبب ما ر الفضل إال أهل الفضل وال يعرف الكمال إال أهل الكمال، فيها من كمال، إذ ال يقدفإذا رأت أهل الكرم واجلود قدرت سبقهم إياها يف الكرم واجلود، وإن شاهدت أهل الرمحة واحلنان قدرت تفوقهم عليها يف الرمحة واحلنان، وكذلك األمر بالنسبة لسائر الصفات واألخالق، فهي تقدر كل متفوق عليها وسبقه إياها، فإن وجدت مؤمنا كامال أحبته،

هو سيد أهل �وإن اجتمعت مبرشد صادق عشقته وصاحبته، ومبا أن رسول اهللا بقربه العايل من خالقه �ني قاطبة يف هذا املضمار، وحيث إنه الكمال، وأسبق العامل

ية أوفر حظ من الكمال، حىت إنه مل يدانه يف ذلك املقام اإلهل اكتسب من تلك احلضرة تقديرا عظيما ميأل قلبه �ملك وال إنسان، لذلك جتد هذا املؤمن يقدر رسول اهللا

، �وال جيد إنسانا أمسى مكانة من رسول اهللا وجوارحه، فال يرى خملوقا أعظم يف نظرهفإذا ما مسع بذكره حن إليه قلبه، وإذا ما ذكر امسه وذكرت مشائله وأعماله سرت إليه نفسه قاطعة شاسع املسافات متخطية وبأقل من ملح البصر القرون واألجيال، فإذا هي يف

العروة الوثقى استمساكا ال صحبة مع تلك النفس العالية، وإذا هي متمسكة بتلك انقطاع له وال انفصام.

214

هنا وذا السريان النفسي وبذلك االرتباط املعنوي والصحبة لتلك النفس، وأعين ا الزكية الطاهرة، تعرج نفسك إن كنت ممن وصل إىل هذا املقام بلطف � نفس رسول اهللا

على اهللا، فإذا النفسان معا يف املقبلة دوما �ومن دون شعور مصاحبة نفس رسول اهللا عن �حضرة اهللا، وهنا يضيء لك ما مساه اهللا تعاىل بالسراج املنري وهو نور رسول اهللا

شاهدته من رمحة ة وحنان إهليطرف من كماالت اهللا تعاىل فتشاهد ما تشاهد ما أنت أهل مل

ل وتربية وإمداد برزق وعطف ولطف ورأفة وإحسان وعدل وقدرة وعلم وحكمة، وواسع فضية اليت ما رأى طرفا منها اإلهل لكل ذي روح وحياة، وتسيري شامل إىل غري ذلك من األمساء

راء إال وهام ا عشقا وشغف ا حبا.ي واحلب املنبعث عن رؤية تلك األمساء اإلهل وهنا ومبثل هذا العشق لذلك الكمال

القها، صلة ولدها احلب املنبعث عن رؤية األمساء احلسىن حتصل النفس على صلة عالية خبية والكمال، وهنالك وذه الصلة تكتسب النفس نورا من اهللا تعاىل ترى به اخلري خريا اإلهل

فتحبه ومتيل إليه، والشر شرا فتأنف منه وتزهد فيه، ولعمري تلك هي التقوى اليت حث ؤمنني إذ قال تعاىل:اهللا تعاىل عليها وندب إليها عباده امل

.) سورة التوبة119( }يا أيـها الذين آمنوا اتـقوا الله وكونوا مع الصادقين {يا أيـها الذين آمنوا اتـقوا الله وآمنوا برسوله يـؤتكم كفلين من رحمته ويجعل {

.) سورة احلديد28( }مشون به ويـغفر لكم والله غفور رحيم لكم نورا ت يا أيـها الذين آمنوا إن تـتـقوا الله يجعل لكم فـرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويـغفر {

.األنفال ) سورة29( }لكم والله ذو الفضل العظيم يصلح لكم أعمالكم ويـغفر ، يا أيـها الذين آمنوا اتـقوا الله وقولوا قـوال سديدا{

.) سورة األحزاب71ــ70( }لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فـقد فاز فـوزا عظيماحقيقتها، إا اتقاء الشرور بنور اهللا تعاىل، إا اتقاء نعم تلك هي التقوى على

ي، الذي ما كنت تستطيع أن تصل اإلهل املهالك ورؤية ما يف الدنيا من مفاسد بذلك النور .�إليه لوال ارتباط نفسك بنفس رسول اهللا

215

رتن مق �وهكذا فاإلميان برسول اهللا نتيجة من نتائج اإلميان باهللا، وحب رسول اهللا دوما باإلميان الصحيح مرتافق مع الصلة احلقيقية باهللا، ويف احلديث الشريف الذي ورد

أال ال إيمان لمن ال محبة له، أال ال إيمان لمن ال محبة له، أال ال إذ يقول: ( �عنه ).إيمان لمن ال محبة له

اطق بفم حد فيعرب عنه ن فإن فضل رسول اهللا ليس له

* * *

216

د أمين شيخو قدس هللا سره مقتطفات من علوم العaمة ا_نساني محمهكذا هو دأب هذا العالمة اإلنساين اجلليل قدس اهللا سره يف كل ما أحتفنا به من علوم غزيرة، تدير العقول، وحتين اجلباه، إجالال واستعظاما ملعاين القرآن الكرمي، فقد

علومه القرآنية أطباق السموات مبا أفاض اهللا تعاىل عليه، فهو الذي برأ األنبياء مألت ) من كل ما يتناىف مع عصمتهم وكماهلم وطهارة عصمة األنبياءالكرام يف كتابه (

نفوسهم، وشرح أعماهلم العالية اليت استحقوا ا رسالة رم، فأصبحوا هادين مهديني، بكتابني أفردمها عن احلبيب �ناىف مع عصمة سيدنا حممد ورد كل قول أو رواية تت

) وكتاب حقيقة سيدنا محمد صلى اهللا عليه وسلم تظهر في القرن العشريناملصطفى ( ). زيارة الرسول صلى اهللا عليه وسلم وأثر محبته في رقي النفس المؤمنة(

جل وعال، فشرح لقد بني احلكمة من آيات القرآن الكرمي، ومن كل أمر أمرنا به * أحرف أوائل السور اليت عجز عن إدراكها كافة علماء املسلمني، وبيانه املعجز لفاحتة أم الكتاب، وسر قراءا يف الصالة اليت وقف أمامها كافة العلماء واألولياء حيارى. وذلك يف

).تأويل األمين للقرآن العظيم) وكتاب(أسرار السبع المثانيكتاب (استنبط أوقات الصلوات اخلمس من القرآن الكرمي، وبني احلكمة منها وسر كما أنه *

%) من اآليات القرآنية، وشرح معىن التقوى 2.5التوجه إىل الكعبة، كما استنبط نسبة الزكاة (وكيفية احلصول عليها برمضان، وشرح معاين ليلة القدر، وبني سبب نزول القرآن يف تلك الليلة

على طريق املباركة، وبني أسرار مناسك احلج واحلكمة من كل عمل يقوم به احلاج، ودل اإلميان احلقيقي، وأن اإلميان باهللا هو شهود، وليس قول أو اعرتاف فقط، مبينا معىن كلمة

المدارس العليا إال اهللا وأشهد أن حممدا رسول اهللا) وكل ذلك يف كتابه: ( إله(أشهد أن ال ).كام في شرح أركان اإلسالمللتقوى، درر األح

ت أفهام العلماء وفالسفة اليونان والرومان * وقد بني معضلة القضاء والقدر اليت حريواجلربية واملعتزلة، وعلماء وفالسفة اإلسالم واليهود واملسيحيني. وفهمه العايل لقوله

...{. سورة آل عمران )129( }... يـغفر لمن يشاء ويـعذب من يشاء ...{تعاىل

217

. وأن املشيئة للعبد السالك ) سورة النحل93( }... يضل من يشاء ويـهدي من يشاءبصدق والطالب للهداية وجتنب سبل الغواية، ابتغاء وجه احلقيقة واحلق والدين، وبني حرية

االختيار لكل امرئ يف هذه الدنيا.إن ربكم الله الذي خلق {ذكورة بالقرآن الكرميفصل معىن األيام الستة امل*

. ) سورة األعراف54( }... السماوات واألرض في ستة أيام ثم استـوى على العرش واليت تاه ا علماء اليهود وعلماء النصارى وعلماء املسلمني، وشرح معىن الليايل العشر،

الكشف العلمي الجبار، الحقيقة الرهيبة للسموات ت السبع، يف كتابه (ومعىن السموا ).السبع واأليام الستة

بسورة عبس، حني �وبني باملنطق السليم املدح العظيم الذي استحقه رسول اهللا * عبس النيب الكرمي، صاحب اخللق العظيم، ملا جاءه عبد اهللا ابن أم مكتوم، يف حني أن

�مبطلع هذه السورة الكرمية، ونفى عن رسول اهللا �خطؤوا رسول اهللا املفسرين كلهم كل ما ألصق من دسوس باألدلة القرآنية، فكشف الغطاء عن احلقيقة احملمدية الطاهرة

املقدسة املعصومة.، شرحا وتفصيال ) سورة النبأ1( }عم يـتساءلون {وبني معاين جزء عم كلها، وكلمة: * ).تأويل جزء عم بكتابه ( معجزا * كما بني احلقيقة والرمحة املنطوية بقضية تعدد الزوجات، يف أوائل سورة النساء، وحل

استعصاء هذه القضية املعضلة، ونسف كل قول جيعل من اإلسالم دينا شهوانيا بالسماح البحث فيها ضمن للرجل بالزواج من أربع نساء، دون الرجوع إىل اآلية الكرمية ومتامها، و

سياقها، إذ ال جيوز للمسلم الزواج إال بامرأة واحدة، أما الثانية والثالثة والرابعة فلها شروط مذكورة ببداية اآلية الكرمية واليت أمهلت ومل يعمل ا، وهي أن تكون املرأة أرملة وعندها

األيتام، وبناء جمتمع أيتام، فالغاية من التعدد غاية سامية إنسانية ألجل األرامل وتربية صحيح، ال شهوانية نفسية، كما يفسرها الكثريون، ويعملون على تطبيقها دون ربط اآلية

218

ببدايتها، وبذلك جروا السمعة السيئة لإلسالم واملسلمني، وأصبح الدين (تعدد الزوجات) مبنظارهم دينا شهوانيا ال إنسانيا.

القرآن الكرمي، وكيفية تطبيق هذه الشروط كذلك بني قوانني الطالق استنباطا منلم واألحكام، يف حال النشوز ودب اخلالف بني الرجل واملرأة، كل ذلك بكتابه(

)؟!.الحجاب ولم الطالق ولم أكثر من زوجة يا إسالمكما بني غاية احلق من إجياد اخللق، وسبب خلق اإلنسان وجميئه إىل هذه الدنيا، *

واخللق األول ومحل األمانة، وتصدي اإلنسان هلا، وشرح السؤال املعجز فشرح عامل األزل ملاذا يولد األنبياء أنبياء؟!. وعلى أي أساس حكم فيهم تعاىل بذلك، فقرر من قبل

. والدم أم أنبياء ورسل كرام!ت، ي، وبينه باملنطق الرفيع، وبني سبب الفقر واألمراض والبالءااإلهل كما شرح العدل

وكل ما يصيب اإلنسان يف هذه احلياة الدنيا من خري أو شر، وبني عناصر اإلنسان بشرح الفت، فتكلم عن الفرق بني النفس والروح، والفرق بني العقل والفكر، وحتدث عن ماهية كل منهم، وذلك حني أسلم على يديه العامل اإلنكليزي الشهري السري جون بينت، حني

سئلته اليت مل جيد هلا طيلة حياته جوابا عنده وال عند غريه من العلماء قصده ليطرح عليه أقاطبة، فتم اللقاء بينهما مبدينة دمشق وطرح السري جون بينت أسئلته الكربى وعن كل ما جيول يف فكره عن اإلسالم وقوانينه، وعن الصيام واحلج والزكاة، واحلكمة من كل واحدة

مة قائال له (هل توصلتم أيها السري أن تدركوا عن كأس املاء الذي منها إىل أن سأله العالتشربونه من أين مصدره؟. فأجاب السري بينت بأن مياه األمطار هي املصدر األساسي لشربنا، فرد عليه العالمة: إن مياه األمطار للمزروعات واحليوانات، وبني باحلجة الدامغة

مصادر مياه الينابيع يف العامل كله، وجريان األار الكبرية واستنباطا من القرآن الكرمي، والصغرية على وجه املعمورة بأنه ليس من مياه األمطار قطعا، وذلك ما مل يعلمه أحد من علماء الغرب والشرق، حقا إا معجزة علمية جبارة، إذ أن هلذه الينابيع مصادر أكرب

ر من ثالثني دليل علمي وباستناد إىل اآليات الكرمية، وأغزر من مياه األمطار، وبني بأكث

219

أن القطبني الشمايل واجلنويب مها مصدر املياه يف كل الينابيع، وملا مسع السري بينت منه هذا البحث وناقشه فيه، أعلن على الفور إسالمه وقال: (عجبا يل طيلة حيايت مل خيطر

ال كلمته املشهورة أمام حشد من العلماء هذا السؤال على بايل). وملا عاد إىل بالده ق ((إن كل ما توصلنا إليه من علوم ال يعدل حبر ذلك العامل الكبري يف الشرق)).واملثقفني،

بني احلكمة أيضا من اخلتان للذكور، وسبب خلقه تعاىل هذه (احلشفة) للذكر وهو *ف مل يسبقه إليه أطباء يف بطن أمه، مث احلكمة من إزالتها بعد الوالدة. وهذا االكتشامصادر مياه الينابيع في العصر وال أطباء العصور السابقة كلها. وكل ذلك يف كتابه (

).العالم وبحث كشوفات سر الختانوإنقاذه لألنعام، بأن بني فائدة ذكر اسم اهللا تعاىل على األنعام أثناء ذحبها بكلمة *

اعها هلذه الكلمة العظيمة يفور دمها كله، (اهللا أكرب)، وأن هذه األنعام حني الذبح ومسوينتفض جسمها، فتطرح كل الدم خارج اجلسم، وال يبقى منه شيء داخل حلمها، فيعطينا اهللا تعاىل حلما نقيا طاهرا، خاليا من كل جرثوم، وعلى العكس، كل ذبيحة ال

راض، وأن إمهال ذكر يذكر اسم اهللا عليها، تبقى اجلراثيم فيها، ويصبح آكلها معرضا لألماسم اهللا على األنعام، سيعرض األنعام لإلصابة بأمراض خطرية وفتاكة،كل ذلك استنبطه

من اآليات القرآنية.وملا خضع كالمه للبحث الطيب قام فريق طيب خمربي من أساتذة الطب املخربي يف

ام ذحبت ومل الشرق األوسط بإجراء التحاليل ألنعام ذحبت وذكر اسم اهللا عليها، وأنعيذكر اسم اهللا عليها، فكانت النتائج مثلما قال العالمة (مستعمرات الفريوسات واجلراثيم

تبقى يف جسد الذبيحة غري املكرب عليها).وقد أذيع هذا اخلرب العلمي من قبل وكاالت األنباء والفضائيات والصحف واالت

األنعام، ولألسف بقي الكثري مل يذكر اسم واإلذاعات، حتذيرا من عدم ذكر اسم اهللا علىاهللا عليها، فابتلي العامل بأمراض جنون البقر، وأنفلونزا الطيور، وطاعون الغنم، وهو ما كان

220

ها ...{: قد حذر منه العالمة استنباطا من قوله تعاىل وأنـعام ال يذكرون اسم الله عليـ .) سورة األنعام138( }زيهم بما كانوا يـفتـرون افتراء عليه سيج

).اهللا أكبر رفقا بالحيوانوكل ذلك بكتابه:(أحيا السنة النبوية الطاهرة، من بعد أن أغلقت عليها كتب القدامى، فجال األمراض *

ة املعضلة بإحيائه لسنة احلجامة، فبني شروطها الصحيحة والسليمة، بأا جترى على منطقالكاهل حصرا بالظهر، وأا جترى صباحا، وعلى الريق، ويف فصل الربيع، وحينما يكون القمر بالتنازل، أي بعد السابع عشر من الشهر القمري، لعالقة تأثريه الفعلي على

/ ثالمثائة ومخسني أستاذا وطبيبا يف 350األرض، فقام فريق طيب كبري مؤلف من حوايل /وا بدراستها ضمن الشروط اليت بينها العالمة ملدة ثالث سنني الشرق األوسط، قام

متتاليات، فجاءت النتائج صاعقة بعامل الطب، وظل االهتمام يزداد ا سنة بعد سنة، حىت عمت املعمورة، من شدة فوائدها، ولقد االت تقارير الشكر واالمتنان ملعيد هذا

رض، يف حني طبقها املسلمون وغري املسلمني الفن العالجي الناجع من مجيع أقطار األالدواء العجيب الذي شفى من حتقيقا من فوائدها، ولقد تبني ذلك من خالل كتابه (الحجامة علم طبي نبوي في " مرض القلب القاتل والسرطان والشلل والشقيقة

). "منظوره الجديدالصحف واالت، كما بثتها معظم الفضائيات ووكاالت األنباء، وتكلمت عنها

وعقدت حوهلا املؤمترات والندوات، وتبنتها مراكز طبية وصحية يف العامل التماسا لفوائدها الكثرية، حيث أا حوت الطب بكامله بضربة مشرط.

كذلك كشف السحرة واملشعوذين والدجالني، الذين يتعاونون مع الشياطني، لضرب *ب والتخيالت اليت جيريها السحرة مع الناس، وهم وأذى الناس بالسحر، وشرح كل األالعي

ال يعلمون عن حقيقة السحر شيئا، وأنه تعاون وثيق بني الساحر والشياطني (القرائن) كإخبار باملغيبات الومهية على عمومها، وهذا األمر قد تفشى يف معظم الناس يف هذه

السحرة، أو من الضيق املعمورة، حىت تكاد ال جتد بيتا خال من أالعيب وحيل ومكر

221

واهلموم نتيجة تصديقهم لداعي الشيطان، وخاصة أولئك السحرة الذين خيرجون للناس على الفضائيات، وحيدثوم بأمورهم وعللهم وأمراضهم، فيصدقهم املشاهد أو املتصل من

دون علم له أن الساحر يتفق مع قرينه، ويأخذ منه أخباره.ص والشفاء من هذا الداء دون الرجوع إىل أحد من الناس، كما بني احللول وطريق اخلال

وخاصة الذين يدعون أم يعاجلون بالرقية أو آيات القرآن الكرمي، وهم ال يعلمون، وكل ذلك ).كشف خفايا علوم السحرةيف كتابه (

* شرح حالة اإلنسان عند املوت يف كلتا احلالتني إن كان صاحلا أو كافرا، وبني حالته بعد املوت وهو بالربزخ.

كما شرح آيات احلساب يوم القيامة، وأن أعمال اإلنسان بدنياه مطبوعة على * صفحات نفسه، يراها يوم القيامة ماثلة أمامه.

بني حقيقة اجلنة بأا النظر إىل وجه ربه الكرمي ذي اجلالل واجلمال واإلكرام، وأن *هو دون تلك اجلنة العالية، وذلك بأدلة منطقية من كل ما يناله من نعيم وإكرام ولذائذ،

القرآن الكرمي.

كما بني أن النار يوم القيامة هي مبثابة مشفى يعاجل ا أرباب العلل واألمراض النفسية مبا محلوه معهم من دنياهم، من أعمال منحطة حطت من قدرهم أمام اهللا تعاىل، فجعلهم

م تفتك م فتكا، قال العالج) ليسرتحيوا مما هم فيه من آالخزيهم وعارهم يطلبون النار ((إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب إلرسالك بي إلى النار : رسول اهللا

.)1(أيسر علي مما ألقى وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب) ).نتأويل األمي) وكتاب (تأويل القرآن العظيمكل ذلك يف كتابه (

كما بني حقيقة الشفاعة واليت تاه فيها معظم العلماء، فظنوها شفاعة وساطة وظلم، *ا من يشاء من النار، ويف ذلك ما فيه من إغراء بارتكاب �خيرج الرسول الكرمي

السيئات، على أمل الشفاعة يوم القيامة، فبني من خالل آيات القرآن الكرمي، أن الشفاعة

/ (ك) عن جابر (ح)2074اجلامع الصغري / )1(

222

لدنيا، وتستمر معه إىل اآلخرة، وأن الشفاعة اقرتان نفس بنفس، كما أن للمؤمن يف االشفع:وهو أن يقارن شيء شيئا ويزاوجه مالزما إياه، أي رابطة النفوس املؤمنة

ية، كما ارتبطت نفوس الصحابة اإلهل ،كي يعرج ا إىل احلضرة �واستشفاعها بالرسول ، فدخل م على اهللا تعاىل، وهم معه دنيا �الكرام واستشفعت بنفسه الزكية الطاهرة

يف الدنيا، فال شفاعة له يف اآلخرة، وإن �وبرزخ وآخرة، ومن مل يستشفع برسول اهللا هي إال أماين مينون أنفسهم ا، لريخصوا لبعضهم ارتكاب احملرمات، وأن القرآن الكرمي

ل ذرة من أعماله، إما خريا كله ينبه اإلنسان من مغبة أعماله، وأنه سيحاسب على كليس بيده شيء سوى النصح �فللجنة، أو شرا بعالج يف النار. وأن رسول اهللا

قل ال أملك لنـفسي ضرا {وال ميلك لنفسه الشريفة شيئا والتذكري، وال ميلك ملخلوق شيئا بل . ) سورة يونس49( }...وال نـفعا

.) سورة اإلنفطار19( }فس لنـفس شيئا واألمر يـومئذ لله يـوم ال تملك نـ { .) سورة الزمر19( }أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار {

) حقيقة الشفاعةهذا البحث اهلام بينه مفصال يف معظم كتبه، وباألخص كتاب ( بني الدكتور مصطفى حممود. و الدكتور يوسف القرضاوي.حوار هادئ

* كما أنه بني حقيقة خروج أبينا آدم من اجلنة، وسبب أكله من الشجرة، واحلالة اليت كان فيها أبونا آدم وأمنا حواء عليهما السالم، قبل األكل من الشجرة، وأنه حببه العظيم

ذلك كان برتتيب من اهللا تعاىل خبروج لربه، نسي الوصية، وأكل من تلك الشجرة، وكل من اجلنة، وليعطيه بدال منها هو وذريته جنات، ولرييه تعاىل هو وذريته �أبينا آدم

عداوة الشيطان، ليعلم اإلنسان أن له عدوا باملرصاد، فيحتاط منه، ويأخذ حذره فيسري باملعاصي، ومن على هدى من ربه الذي اهتدى به األنبياء الكرام. فيحفظ من الوقوع

تسلط الشيطان عليه.

* كما أنه أول من بني حقيقة اإلميان وطريقه املستقيم الذي نص عليه القرآن وسار على جه كافة األنبياء والرسل الكرام.

223

* كما بني سبب ورود قصة بين إسرائيل بكثرة يف القرآن الكرمي، وجمادلتهم لرسوهلم ل امرئ إذا مل يسلك السبيل اليت سنها اهللا تعاىل هلذا ، وأن ك�الكرمي سيدنا موسى

اإلنسان، فليس يفيده أن يرى املعجزات وخوارق العادات، وليس جيعله يف عداد املؤمنني أن تأتيه مبا تأتيه من آيات، وحجج دامغات، إمنا الصدق يف طلب احلقيقة وإعمال الفكر

موارد املعرفة احلقيقية، كل ذلك يف كتابه يف البحث عنها، هو الذي يهدي النفس ويوردها ).تأويل األمين(

من القرآن الكرمي، �* كما بني كل عالمات الساعة، ودالئل عودة السيد املسيح ذا الكتاب الذي بني أيدينا.

كل هذا غيض من فيض مما بينه هذا العالمة اإلنساين الكبري، :غـيـض مــن فيـضال تكفيها سطور ملطالعتها، وإمنا هي لفتة لبعض ما لتفكري بداللته،فالبحوث وجماالت ا

قدمه وأبداه للبشرية، من علوم القرآن الكرمي، وقد حتدث عنه كثري من العلماء األفاضل،وامتدحوا علمه واستنباطه العميق، وفهمه الكبري للقرآن الكرمي، ووجدوا بدعوته

ل حتت لواء القرآن الكرمي والسنة املطهرة وداللته الصدق واإلخالص، وأا جتمع الك، فتزال ذه الدعوة والداللة االختالفات املذهبية املقيتة، احملطمة �لرسول اهللا الكرمي واليت أصبحت (هذه املذهبيات) اتباعا لآلباء بدال من االتباع �لدين سيدنا حممد

ن الطريق احلق، إىل فرق وشيع للقرآن الكرمي، فتحولت األمة الواحدة إىل أمم، وعوطوائف، كل حزب مبا لديهم فرحون،مكر م الداسون، مبا أشبعوا كتبهم من األخطاء واملخالفات والتفسريات املخالفة ألمساء اهللا احلسىن، ولكمال األنبياء الكرام، فتاه املسلم،

هم. وقد قال وغرق باختالف املذاهب والفرق، وعزف عن الدين، ومال إىل الدنيا بسبب) إن القرآن الكرمي كان مهجورا قبل علوم هذا العامل الكبري، الدكتور مصطفى محمود(

فعلمه إشراقي وبيانه منطقي، وأنا مل أقرأ حبيايت كلها كلمة واحدة مثل كلماته عند غريه. نظرات في صحائف فضيلة العالمة الكبير محمد أمين أفرد كتابا خاصا عنه أمساه:(وقد ).قدس اهللا سره شيخو

224

سـامر أحمد الهندي المدير العام لدار نور البشير

225

د أمين شيخو (قدس سره) صدر لفضيلة العaمة ا_نساني الكبير محم1. .تأويل جزء عم وأثر حمبته يف رقي النفس املؤمنة. �زيارة الرسول .2 عصمة األنبياء. .3 ارس العليا للتقوى). درر األحكام يف شرح أركان اإلسالم( املد .4 مصادر مياه الينابيع يف العامل وحبث كشوفات سر اخلتان( باللغة العربية). .5

تأويل القرآن العظيم( أنوار التنزيل وحقائق التأويل) ــ الد األول. .6 تأويل القرآن العظيم( أنوار التنزيل وحقائق التأويل) ــ الد الثاين. .7 محن يف تأويل القرآن) ــ الد األول. موسوعة عم( آالء الر .8 ).1من سري األبطال لألوالد واألطفال(الغالم الشجاع واجلنية) رقم( .9 ). 2من سري األبطال لألوالد واألطفال(الكلب الذي أصبح حصانا) رقم( .10(الغالم الشجاع ورده العملي على خاله) لمن سري األبطال لألوالد واألطفا .11

).3رقم( ).4األبطال لألوالد واألطفال(حلبة الصراع) رقم( من سري .12 ).5(تأديب بائع اخلضار) رقم( من سري األبطال لألوالد واألطفال .13 ).6(سلمت يداك يا شبل احلي) رقم( من سري األبطال لألوالد واألطفال .14 ).7من سري األبطال لألوالد واألطفال(مغامرة الفارس الصغري) رقم( .15 ظيم( الد األول). تأويل األمني للقرآن الع .16

الرتمجة اإلنكليزية لكتاب مصادر مياه الينابيع يف العامل وحبث كشوفات سر اخلتان. .17صفحات من اد اخلالد( سرية حياة العالمة العريب الكبري حممد أمني شيخو) .18

الد األول. حقيقة الشفاعة: حوار بني (د. مصطفى حممود) و(د. يوسف القرضاوي). .19 تظهر يف القرن العشرين. �حقيقة سيدنا حممد .20

226

تظهر يف القرن العشرين. �الرتمجة الفارسية لكتاب حقيقة سيدنا حممد .21 اهللا أكرب (رفقا باحليوان): دراسة علمية طبية حول فائدة ذكر اسم اهللا على الذبيحة. .22 مل احلجاب، ومل الطالق، ومل أكثر من زوجة.. يا إسالم؟!. .23 غرب حرر اإلنسان من العبودية، واإلسالم مل مل حيرره؟!. ال .24 الكشف العلمي اجلبار( احلقيقة الرهيبة للسموات السبع واأليام الستة). .25 صواعق معجزات أم الكتاب يف القرن احلادي والعشرين. .26 اإليـمـان( أول املـدارس العليا للتقوى). .27 وى). الصالة( ثاين املدارس العليا للتق .28 الزكاة( ثالث املدارس العليا للتقوى). .29 الصيـام( رابع املدارس العـليا للتقوى). .30 احلج( خامس املدارس العليا للتقوى). .31 حوار هادئ عن فضيلة العالمة العريب الكبري حممد أمني شيخو. .3233. )ــ تأويـل سـورة املاعــون. 8مـوسوعـة عم ( 34. )ـورة قريـــش. ) ــ تأويـل سـ9مـوسوعـة عم 35. )ــ تأويل ســورة الفيــل. 10مـوسوعـة عم ( 36. )ــ تـأويـل ســــورة اهلـمــزة. 11مـوسـوعـة عـم ( الدواء العجيب الذي شفى من مرض القلب القاتل والشلل والناعور والشقيقة والعقم .37

والسرطان. العالمة العريب الكبري حممد أمني شيخو يرد على معارضيه. .38 بحوث ايدة.ال .39 الفتوحات احملمدية( اجلزء األول). .40 تأويل القرآن العظيم( أنوار التنزيل وحقائق التأويل) ــ الد الثالث. .41

كشف خفايا علوم السحرة. .42

227

الرتمجة الفارسية لكتاب اهللا أكرب( رفقا باحليوان). .43

األول). العظيم تظهر يف القرن الواحد والعشرين (اجلزء تيمورلنكحقيقة .44

السيد املسيح رسول السالم يلوح باألفق. .45

* * *

228

قريبا سيصدر أسرار السبع املثاين. .46

حقيقة تيمورلنك العظيم تظهر يف القرن الواحد والعشرين (اجلزء الثاين). .47

تأويل القرآن العظيم( أنوار التنزيل وحقائق التأويل)ــ الد الرابع. .48

وداعا لطبيب املقوقس. .49

50. )ــ تـأويل سـورة العصـر.12موسوعة عم (

51. )ــ تأويل سورة التكاثـر. 13موسوعة عم (

52. )ــ تأويل سورة القارعـة. 14موسوعة عم (

53. )ــ تأويل سورة العاديات. 15موسوعة عم (

54. )ــ تأويـل سورة الزلـزلـة. 16موسوعة عم (

55. )نـة. 17موسـوعة عـمــ تـأويـل ســورة البي (

* * *

229