95

سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

  • Upload
    -

  • View
    4.930

  • Download
    0

Embed Size (px)

DESCRIPTION

من السهل أن يكون لك أنت المغربي أخوال في بلاد المليون شهيد، أحبة في بلاد تعرف ان حكامها مسؤولون عن الويلات في بلدك. كيف يمكن لطالب مغربي أن يقضي عطلته بالجارة الجزائر دون أن يشعر للحظة واحدة أنه غريب عن بلده. في صيف عام 2004 حطت طائرة الخطوط الملكية المغربية بمطار الجزائر العاصمة ومعها نادر فرح ،هي رحلة الى بلاد الاشقاء الاعداء،خلال شهر من الزمن ،قطع فيها الطالب المغربي الخارج للتو من امتحانات الباكالوريا بلاد المليون شهيد طولا وعرضا. رحلة بجسد الطالب النحيف وبعيون كل القراء.

Citation preview

Page 1: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

الجزائر يف مغربي سائح رحلة شهر

Page 2: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

سائح مغربي يف الجزائر رحلة شهر

شعوب جمعتها ملحمة الجهاد و المقاومة حبا في حرية »ملغومة« بمخلفات اإلستعمار، جمعتها اللغة و

الثقافة و الديانة و العادات و التقاليد وحتى الجغرافيا، إلى

أن برز شيئ إسمه »السياسة« اللعينة، ففرقت بين أعضاء

جسد واحد .

Page 3: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

الجزائر يف مغربي سائح رحلة شهر

د.نادر فرح

Page 4: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

إهداءأهدي أحرف ذاكرتي:

إلى روح » الجدة«، الشخصية التي توفيت بعد سنتين من أحداث الرحلة.

إلى روح » الجد«، المجاهد الشهيد و هو حي يرزق.

إلى أصدقائي، الذين لوال هم لما خططت شيئا.

إلى عائلتي، الصغيرة و الكبيرة.

و أكرر؛ إلى إبني » أنس« الذي ال أعلم هل ستسمح دراسته في بالد غربية، هل تسمح له قراءة اللغة العربية.

إلى زوجتي، نبض قلبي و قلمي.

إلى »زوج بغال«، الحدود الشائكة.

إلى أفراد ش���عبينا؛ المغربي و الجزائري ،قال تعالى:( واعتصموا بحبل اهلل جميعا وال تفرقوا( صدق اهلل العظيم.

نـــــــــادر.

Page 5: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

استعدادات قبل التحليق

Page 6: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

الدراسي الموسم إنتهاء مع ،2004 عام صيف في شبه رحلة إهدائي والدايا قررا »الباك«، لشهادة بحيازتي إجبارية نحو البلد األم لألم( الجزائر(، مع ديكتاتورية األب و

حنان األم ما كان علي إال أن أقبل العرض.

علما أنها المرة األولى »لي كنفوت طنجة«، إستعداداتي دامت األسبوع، كدت أن أحزم بيتي كامال لجره معي بدل إختزال كل شيء في »شانطة« وحدة، لوال تدخل األب صابا جم غضبه علي؛ »مالك واش باغي تشوه بيا وال ! واش عمرك ما شفتي

شي حاجة وال !؟

نحو ليقلني أبي سيارة إلى وتوجهت حقيبتي جمعت مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، خرجت من باب المنزل، والبعض محتفل؛ أختي الكبيرة وأخي الصغير (على األقل في إستعمال البالد، سيقتسمون خارج التي سأقضيها المدة هذه الحاسوب على حصتين فقط وإستغالل حصتي كذلك(، وبين من حول المنزل إلى دار عزاء، أمي وعمتي (بكاء و«تنخسيس« سلم على حناك لويزة وخالتك يزة...(، أما األب الصنديد فقد شغل محرك العربة وفي يده جلدة المسح (پو د شامو(، تارة »وطلقونا للعائلة؛ كالمه يوجه وتارة العربة نوافذ يمسح

خالص راه باقي تابعانا الطريق«!!

أمتطي أن وقبل السيارة صندوق في حقيبتي وضعت 4

Page 7: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

السيارة، أعدت التأكد للمرة المليون من صحة الوثائق، تفاديا غضب األب قبل كل شيء، ركبت السيارة وعينايا على شفتا دموعا اغرورقتا عيناه، نحو النظر زاوية حولت حين أبي، يااااا الحزن؛« يعلوها بلهجة ناطقا بالالشيء، تظاهره رغم

بسم اللله يا فتاح يا رزاق!«

تصرفاته غير أبي أن أشعر بدأت الطريق في ونحن بغيتك إبنه؛ »راني نحو األب بكلمات يستلطفني وبدأ نحوي وتجمع عليك ونعول راسك على تعتامد و راجل تكون غير راسك، هانتا غادي تسافر وتتهنا مني (مبتسما(، سير أسيدي وتبرع وتسارا مزيان وعرف العائلة...« خاتما كل فقرة من

كالمه بالزمته »پروفيط طوا« وعيناه تبتسمان سخرية.

الصديق األب حياتي، طوال تمنيته الذي بأبي أشعر بدأت األخ...

بين الرحيل، قبل نحو ساعة اإلقالع مطار إلى وصلنا اإلجراءات اإلدارية والجمركية المعتادة... فزت بلحظة قهوتي

5

Page 8: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

المفضلة وصديقي »الجديد«، نصف ساعة في مقهى بالطابق أفسدته ما لتصلح كافية كانت الخامس محمد لمطار العلوي

إرهاقات العمل وغياب التواصل بين األبناء وآبائهم.

ونحن منغمسان في حديث السفر والعائلة والتوصيات...

خطابها موجهة اإلرشادات »سلعفانة« صوت سمعنا فجأة المتجهين المغربية الملكية الخطوط »مسافرو للمسافرين: إلى مطار الجزائرالعاصمة، المرجو التوجه إلى محطة اإلركاب

الدولية«.

تأخرت لو تمنيت اللحظات فقط بيتك! في هذه يخرب الرحلة أو حتى إن ألغيت، لقضاء مزيد من الوقت مع أبي األخ

الصديق ...

»نوض أوليدي نوض شد بالصتك اهلل يوصلك على خير«، أبي وهو يودعني، تقريبا آخر ما نطق به الجملة كانت هذه اإلركاب عانقني عناق أب إلبنه وبدأت باب إلى إياي مرافقا عيناه تدمعا »فرحزنا«، لإلشارة أنه لم يسبق لي أن رأيت أبي

وهو يدمع، إال لحظة وفاة العم المصاب ب�«الزهايمر«.

6

Page 9: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

أشرت جوازي وصعدت سلم الطائرة وأنا لم أتخلص بعد من شغبي، تارة جتدني متحرشا مبضيفة الطائرة وتارة أعبث

بتجهيزاتها، خاصة أنها املرة األولى التي أصعد الطائرة...

7

Page 10: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

ساعتان يف الجو

Page 11: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

بعد صعودنا الطائرة ومحاولة أخذ مقاعدنا المرقمة، هنا فقط اقتنعت أننا شعب يستحق محو األمية الثقافية، الكل

يصرخ:

- »النمرة مياوربعاوعشرين فين كاينة؟«

- »نوض نوض من بالستي!!«

- »وانا فين نگلس ؟!«

- »أسيدي نوض هادي بالستي شوف نتا فين تگلس!«

- »عجوز في عقده السابع: وواللللله ال قلعات هاد لمشقوفة، شكون دالي لقراب ديالي؟!«

>> محطة والد زيان صافي <<

طاقم الطائرة حائر، »سپيكرينات« تلهثن من ضغط الربان وتخلف المسافرين، فجأة غير الطاقم خطابه اإلرشادي

إلى خطاب شديد اللهجة:

9

Page 12: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

»واش تشدو باليصكم وال غادي نتعطلو ساعة أخرى«

شعب يهاب وال يستحيي نحن!

تعود فتاة اإلرشاد وتتحدث على الميكروفون: »ميدامزيميسيو بونسوار...« هتافات استهجان، سب

وشتم... »واش حسابليها نصارى وال!«، يصرخ واحد من ر في مقعدي وقلبي ازداد نبضا، ذوي الشطاطيب، وأنا مسم

حين سمعت »بولحية« ما ذا قال.

علما أن سنة 2004 كانت موسم اإلرهاب في المغرب العربي، ومع قليل من وسوسة الشيطان:« ناري هاد الطيارة

موحال واش توصل بسالم!«

أخرجت قارئ أقراص من محفظتي، وعيني على »بولحية«، من يدري قد يكفرني إلستعمال سماعات

الموسيقى بدعوى أنها من صنع »الكفار«، دون أن يتذكر أن »البوينگ737« هي كذلك من صنع »الكفار«.

فجأة سمعنا صوتا ذكوريا مقدما نفسه »معكم القبطان فالن« - لم أتذكر اسمه لألسف، إال أنه كان إسما بلديا أثار

سخرية البعض بقهقهات متذبذبة- قائد الرحلة رقم... نرحب

10

Page 13: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

بكم ونتمنى لكم رحلة سعيدة، الطائرة ستقلع بعد خمس دقائق، المرجو ربط األحزمة«.

حل صمت رهيب مما زاد من خوفي، اللطيف والتضرع إلى اهلل... و صوت اللحي يعلو باقي األصوات.

صفير محركات اآللة العمالقة بدأت تعلو شيئا فشيئا، الطائرة في السماء، الكل حمد اهلل »مؤقتا«، سحبت قنينة ماء معدني صغيرة، كنت قد اقتنيتها بمبلغ 15 درهم من

إحدى متاجر المطار، بدل ثمنها الذي يقل عن 3 دراهم خارج المطار –«هي لي لقاو عندي«-، ارتشفت منها القليل حتى

هدأت أعصابي وتثاقل تدفق األدرينالين.

>> نقطة وجب اإلشارة إليها بكل فخر و إعتزاز وإشادة، الربابنة املغاربة و مساعديهم يستحقون كل

اإلحترام فعال، مهنية جد عالية و ثقافة جوية هامة، ينالوا إحترام كل ربابنة العالم <<

شغلت الموسيقى ظنا مني أنها ستخفف وقع الرحلة، نظرت إلى جانبي؛ على يساري عجوز شاب وليدها رفقة

إبنها، وعلى يميني رجل »أفعال« هو من بادرني بالسؤال؛ »سي ال پروميير فوا جو كخوا؟« هنيهة وأجبته:« وي أول

11

Page 14: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

مرة«.

وضعت السماعات حتى أغلق باب »من أنتم؟«، محاوال النوم ولو قليال، فضلت موسيقى الغيوان وقطعات

»خاترة«، على أن أسمع ربما قصص األلف رحلة ورحلة، التي

سيسردها علي رجل »األفعال« جانبي.

غرقت في نوم عميق نظرا لإلرهاق والخوف... فجأة أفاقني صوت المضيفة؛ »نحن في أجواء مطار الجزائر

العاصمة، بعد عشر دقائق ستهبط الطائرة، من فضلكم راقبوا أحزمتكم واستعدوا للهبوط«.

»هنا ضرباتني التوگيضة«، ارتشفت قليال من الماء، وضعت قارئ األقراص في جيب المحفظة، في الحقيقة لم

أحس بالهبوط إال وقت ارتطام العجالت باألرض فقط، هذا ما ينم عن مهنية وحرفية الربابنة المغاربة.

خمس دقائق بعد هبوط الطائرة، فتحت أبواب الطائرة ليستقبلنا نسيم عليل من جو صيفي شبه معتدل ليال.

12

Page 15: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

ها نحن يف »الدزاير«

Page 16: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

أول ما وطأت قدمايا رصيف مطار (هواري بومدين( الجزائر العاصمة، إقشعر بدني حين خالجتني مشاعر تختلط بين لهفة

اللقاء، لقاء العائلة وبين مشاعر حب استطالع ورغبة في استكشاف نصف آخر لوحدة مغاربية حالت السياسة اللعينة

دون لم الشمل.

هنا مطار الجزائر العاصمة، ال فرق بين المجتمع المغربي والجزائري إال ما فرقته السياسة وما يكتب من

أسماء وعناوين في لوحات اإلرشاد، كدت أجزم أني كنت نائما وأن هذه الرحلة مجرد حلم عابر لوال وجودي في بوابة

»المراقبة األمنية الجمركية«، مخاطبا إياي: »بونسوار موسيو، سويي بيان ڤوني...«، حسبت أنه ظنني فرنسيا،

لكن فيما بعد اكتشفت أن معظم الجزائريين يتقنون اللغة الفرنسية وهي لغتهم اليومية بنسبة كبيرة.

كما سبق أن ذكرت، األوضاع األمنية كانت مشددة بسبب الهجمات اإلرهابية التي وجدت مرتعها في المغرب العربي، خاصة المغرب والجزائر وما رافق ذلك من رفع

درجة الحذر األمني إلى مستويات قياسية.

مددت جواز سفري لرجل األمن والجمركي، تفحصاه جيدا قبل مبادرتهما بطرح بعض األسئلة المعتادة، من أين

14

Page 17: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

أتيت؟، ما جنسيتك؟، رحلة عمل؟، سياحة؟، زيارة عائلية؟، وجهتك التالية...؟

فضلت أن أجيبهم بالدارجة المغربية، محاوال استدراجهم للتحدث بالعربية، مبتسما أجبت عن األسئلة،

كسبت ابتسامتهم هم كذلك؛ »مرحبا خويا، پروفيط طوا...«

خرجت من بوابة التمحيص هاته، انتظرت حقيبتي بضع الوقت و خرجت من الباب الرئيسي مواجها المجهول،

ال أعرف الوجوه التي ستكون في انتظاري، وال هم يعرفونني جيدا، بينما أبحث عن مخدع هاتفي ألجري اإلتصال، تسمرت عينايا على مجموعة من أربع أشخاص، رجل أخذ منه الدهر ، امرأة تقاربه سنا وفيزيولوجيا، فتاة في مقتبل العمر ما حب

بهندام محافظ، وشاب وسيم تسطع األمازيغية من نظراته nadir« هو من كلف بحمل ورقة إرشاد مكتوب عليها

Farah«، رغم الخطأ في كتابة اإلسم، إال أنني أدركت بما ال يحتاج الشك أني المعني بالالفتة.

اقتربت من الموكب بخطى خجولة تعلوها ابتسامة من أعماق قلب بات ليس لي

وال حكم لي عليه، قصدت الشاب الوسيم الذي لم يكن إال ابن

15

Page 18: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

الخالة »يزة« الذي غالبا ما كنا نتمازح عبر سماعة الهاتف -الذي كنت أسرقه ألبي-، اقتربت من أذنه اليسرى هامسا؛«

يا ودي يا الراجل يا ودي! عولنا عليك بكري تتالقاني«، حبس أنفاسه معانقا إياي وكلمات السالم والترحيب، فجأة

نطقت الفتاة ذات الهندام المحافظ »أرگاز أرگاز أيبا!« وهي ابنة الخالة (أرگاز= رجل بالقبائلية(، انتبه الكل فكانت فعال سالم هي حتى قدوم رجال األمن واألمر بالخروج لدواعي

أمنية.

خرجنا من محيط المطار، متجهين نحو السيارة وهم لم ينتهوا بعد من السؤال عن الحال واألحوال، توجه ابن الخالة

إلى المقود وفجأة وجدت نفسي مجبرا على الركوب في الكرسي األمامي لدواعي »أخالقية« لم أعلمها حينها.

شغل المحرك وما إن خرج من موقف السيارات التابع للمطار حتى إنطلت الطريق بالحواجز األمنية، رغم ذلك فإننا لم نتوقف إال ناذرا، وصلنا إلى منزل اإلقامة؛ منزل خليط بين

العمران العربي والفرنكفوني، ما هو برياض وال ڤيال وال شقة ... لم أعرف ماذا يسمى إال بعد مرور بضعة أيام، إنه

»الدشار«.

دخلنا المنزل بعد االستقبال والفرحة بقدوم الحفيد

16

Page 19: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

»نادر«، عمت أهال و سهال.

الحقيقة التي لم أستطع اخفائها حينئذ هي أني أصبحت واحدا منهم لتوه، رغم تظاهري أني »ضيف«، لكن بساطتهم

وتقارب ثقافاتنا وميوالتنا عززت من إندماجي السريع بين أفراد العائلة، فجأة صرت أتصرف كأني في بيتي طبعا

بمساعدة ابن الخالة.

بعد أن استحممت وغيرت مالبسي، حان وقت العشاء، الجد حاكم »الدشار« يأمر وينهى... »واش بيكم ثقال؟ ألي تحركو جيبو لعشا ولدي نادر جا مسافر وبالك يكون حاب

ينام !!!«

قليال من »صواب«، »اهلل أودي أحنيني ماعليش غييير بشوية مافياش النعاس«، ما الحظته هو اختالف طفيف في األكل أو باألحرى في أسمائه، فوق الطاولة

با عبر وجدة- مليء بما لذ »طبسيل طاووس« -ألفناه مهروطاب، كلمة ترددت كثيرا ولم أعلم معناها إلى أن بدأ يوزع،

»المطلوع« أووووه ماي گووود، إنه الخبز !!!

بعد يوم طويل ورحلة جوية دامت ساعتين ونصف،

17

Page 20: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

أي أقل بنص ساعة على الوقت المحدد للوصول – »لمغاربة خطاار، حتا فالجو وكيجريو مع الليل ماكاين ال رادارات

ال والو والطريق خاوية«-، ال الجوع وال التعب أخذا مني الشيء الكثير.

عرگتها مزياااان، ما هوش غير لبحر لي يجوع، حتى الجو راه يجوع.

18

Page 21: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

األسبوع األول يف » الدزاير »

Page 22: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

في أول أيامي في الجزائر، رغم السفر المضني وتعبه، استفقت باكرا وأنا في شوق لإلكتشاف واالستكشاف،

إستظهرت نشيدي المفضل؛ »أنا الفتى النظيف، أفيق في الصباح، أسعى إلى الفالح، أغسل اليدين بالفرشاة…«،

ة على عادتها، ماشية تعمل سكون حالك، شمس مصرعمل الديك النائم، أبقار في إنتظار الحلب، دواجن تبيض

بال حساب، ولكن أين أهل الدشار!؟ ال أحد! قررت أن أجر إبن الخالة من مضجعه؛ »كريم! فيق فيق أصاحبي!، يجيب

وهو يجر الغطاء؛ آش صرا آش صرا؟«، حينئذ خرجت بخالصة:«إن خيروك بين إيقاظ جزائري صيفا باكرا و بين

تحرير القدس، أنصحك باألخيرة«.

ا كون عكب با أش إنطلق من فراشه وهو يصرخ؛« أيم»! يفرقو علي

بدأت الحركة تدب في أرجاء المنزل، الجدة »يزة« مخاطبة حفيدها الوافد الجديد«؛ أرواح أرواح سمح فداك

»الكماخ«!

تشكلت طاولة الفطور بسرعة، الجدة »يزة« أم أمي وابن الخالة »كريم« الذي ينتظر بفارغ الصبر التأشيرة للحاق بوالديه الذين يقيمان في فرنسا، وإبنة الخالة التي

20

Page 23: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

ال يفصلها إال أياما معدودات لتكوين أسرتها الخاصة و الزواج بإبن عمها، وأنا الذي صرت كل إهتمام العائلة حبا

وكرما، أما الجد فهو الصديق الوفي لديكه، قام باكرا في دورة استطالعية على »الدشار«، أطعم ما يجب أن يطعم، وأروى ما يستحق الري، بعد أن صلى فجره بين أحضان

الجماعة رغم التضييقات التي كان يتعرض لها معظم رواد المساجد فجرا، من تحقيقات و مراقبات علنية و سرية خوفا من إنتشار الداء الذي أطلق عليه الرئيس األمريكي »جورج

بوش االبن« إسم (اإلرهاب(.

فطور طبيعي بعسله وجبنه وحليبه وخبزه وبيضه… ما أثار اهتمامي في أول فطور هو أنه ال وجود لقهوة

ر بحليب، فضلت أن احتسي كأس شاي سوداء، فدائما ما تكسوإفراغ بعض الصحون فقط !

مع اقتراب عرس ابنة الخالة، خصوصا وأن العرس شعبي بكل جوانبه، ال ممون حفالت وال خدم و ال تجهيزات

استثنائية، الكل مطالب بالمشاركة في انجاح الفرح.

خرجت مع »كريم« من المنزل قاصدين سيارته التي با راقتني كثيرا، -«جاب اهلل فاش نطلقو يدينا مزيان«-، مصونحوي بمفاتحها؛ »شبر ليكلي وخرج اللوطو گاريها انا نلبس

21

Page 24: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

النعايل«، مع كثرة المصطلحات الجديدة، كنت أحاول تخزينها لإلندماج سريعا في مجتمع يملك نقطة قوة عظيمة وهي أنه ال يغير نفسه من أجل اآلخر، (ماشي بحالنا المغاربة، تلقى

بنادم مثقف بشالغمو كيتعوج باش يهضر بالمصرية أو اللبنانية...(.

شغلت السيارة المرقمة بفرنسا (34(، بدأت اكتشف نوع األقراص الموسيقية المركونة في رفوف السيارة،

راي، راي، الرگادة، راي، راي،وقرآن كريم لتمويه الجد، فكانت خالصتي أن الشاب »بلدي« ولن اضطر معه إلعادة

حساباتي.

خرج من الباب مسرعا الى السيارة، بدأ في تحسس بعض األغراض في سيارته، مدني قنينة عطر مازحا »دير الشمة ال تقول ولد خالتك مراهش يتهال فيك«، استوقفني

لحظة بقوله: »كولشي ديالك، دير لي تحب، راني منعاودش نعرضك«. أجبته أنني قررت أن أتصرف كما لو أني في

بيتي، وأني قررت كذلك أن أرث مع جدي، مازحا.

- »كوزان تحب نهودو للڤيالج ؟«

-كان جوابي طبعا بنعم.

22

Page 25: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

- »ألي عمل السنتورة !«

- وأنا أحملق في وجهه مشيرا بتراسيم وجهي أني لم افهم ما يقصده؟

- »عمل السانتير أبنادم!«، مازحا.

شققنا الطريق بين أشجار الكلبتوس الشاهقة ودروب الصبار«المغربي«، بعد وصولنا للفيالج، مدينة »مستغانم«، في الحقيقة لم أجد تلكم الثقافة المغربية في المقاهي، مقاهي شبه فارغة خاصة أنه فصل الصيف وما يرافقه من رحالت

وأسفار، جلسنا في مقهى قرب محطة بنزين، في بادئ األمر ظننت أنه أراد إخباري بتوفر الجزائر على حقول نفط... إال

أنه هي المقهى التي تريحه حسب كالمه، النادل في عمر قل بضعا عن الشيخوخة، مبتسما في وجه كريم »اش خبارك مون فيس؟ غاية؟ أجابه كريم: غاية با علي«، طلب كأس

شاي وطلبت قهوة، وهو يهم بوضعهما فوق الطاولة توجه النادل بخطاب ساخر البن خالتي؛ »ماحابش تپريزونطي لي

كوزان«؟ وأنا أراقب الوضع وأجس النبض، أجابه ابن خالتي ساخرا وجارا لساني:«موغرابي من الفاميال«. ابتسم النادل

ابتسامة وأردفها بالقول »ألي الكونسماسيون واهلل ماراكم مخلصينها، و مرحبا بيك كوزان«، رغم اصرار كريم على

23

Page 26: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

الدفع رفض النادل ذلك جملة وتفصيال.

تلكم هي عادات المغاربة كذلك، إكرام الضيف هي أولى األركان في ثقافتهم.

24

Page 27: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

رحلة، أعراس و أشياء اخرى

Page 28: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

هنا بدأ يندثر »نادر« المستحيي اللطيف...، بعد أن وجد الكل مرتعه في محاولة نبشه بسخريتهم المعتادة،

إشتد عودي وصرت أنافسهم في السخرية، فما عساك أن تفعله أمام أناس هم منبع الطيبوبة وخفة الدم! ال شيئ إال

اإلنصهار.

- مالحظة وجب ذكرها هي تقارب ثقافة األعراس والمناسبات بين الجزائر والمغرب، عريسين لكن الكل

محتفل ومساهم، خاصية تحدد الوجه التضامني بين أفراد المجتمعين.

» كريم« نظر إلي طويال وخاطب جدتي وهو يحاول اظهار الجدية:

ا، نالغيو على خالتي ونزوجو نادر، لبارح »يمشفتو يحكر على بنت الجار« - يقصد سعاد إبنة أحد وجهاء

المدينة-.

مستنكرا كالمه وبحياء تجاه جدتي التي لم أكسر حائط االحترام بيني وبينها بعد: »نتا لي باغي تتزوج وكتديرني

قنطرة!«.

26

Page 29: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

الجدة متحسرة: »ليجون ماراهمش يحبو يتزوجو، الزنقة الزنقة...«

صادف يومنا هذا يوم جمعة في الجزائر، كنت أنتظر بشوق ما الفرق بين الجمعة في مستغانم وأگادير؟ بعد

الوضوء وتغيير المالبس، قدم لي جدي جلبابا جزائريا صنعا ولباسا، مغاير تماما عن الجلباب الذي عهدته، جلباب بدون »قب«، أيدي قصيرة، جيب في الصدر... حينها علمت أنها

ثقافة فتيات البلدة، يتقن فن الخياطة التقليدية والتطريز وما جاور ذلك من أعمال يدوية.

المسجد يبعد حوالي ثالث كيلومترات ورغم ذلك الكل فضل قطع المسافة على األرجل تيمنا بحسنات الخطوات، بينما نحن في الطريق بدأ ابن خالتي كريم يخمم في جهر ويتمتم بعض الحسابات؛ نحن في بداية شهر يوليوز، إذن

الخامس منها لن يلحق الجمعة القادمة »عرفتي أخالي نادر الخطبة ليوم راها تكون على إستقالل الجزائر«، هنا ابتسمت

وخاطبته: »حتا نتوما كتنبؤو بخطب الجمعة، حسابلي غير حنا؟«

مجيبا بنبرة حادة: »راه أوبليجي أخالي، بغيتي لفقيه يبات عند »المير« وال ؟!

27

Page 30: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

ها نحن في ساحة المسجد، ال شيئ مغاير عن مساجدنا، أحذية مترامية في كل مكان، كالم وشتائم، سخرية

وقهقهات...

ولجنا المسجد، بعد التحية وقراءة ما تيسر من القرآن، حان وقت اآلذان، هنا انزعجت قليال؛ الجزائر التي ولدت حالقم الراي لم تقدر على والدة ولو مؤذنا واحدا يعطي

اآلذان حقه !!!

أنصتوا رحمكم اهلل، ومن لغى فال جمعة له... جلست أتأمل؛ »واش هاد الناس لي كيهضرو كاااملين جمعتهم

باطلة« !؟

لإلشارة فإن هذه الجمعة كانت هي األخيرة قبل خامس يوليوز الذي يصادف عيد استقالل الجزائر من اإلستعمار

الفرنسي، بدأ اإلمام في سرد تاريخ الجهاد والكفاح الذي توج التضحيات بالنصر العظيم.

هنا تأكدت أنه ال فرق بين مساجدنا ومساجدهم إال في الدعاء الختامي، فهم يدعون لفخامة الرئيس ونحن ندعو

لجاللة الملك.

28

Page 31: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

حان وقت البحث عن األحذية، الكل نسي ربه لتوه، سب وشتم ودفع وعفس للثكل، سباق مع البشر لكسب

الزمن، ليس لشيء إال للغذاء و«السييست« على حد تعبير الجزائريين.

ونحن في طريقنا إلى المنزل فقدنا الجد، كانت مناسبة للتمازح والسخرية من بعضنا البعض، ابن خالتي (الحامل أنذاك إلجازة في االقتصاد - فرنسية(، بدأ في حديث نقدي نحو سياسة بالده والتهميش الذي يطال معظم الجهات...

علمت لتوه أنه لم يكن يعلم أن سياسة المساجد متشابهة إلى حد بعيد، ال في التنظيم وال في المضمون.

وصلنا للمنزل وفي انتظارنا وجدنا الجد، رغم سنه إال أن العمل والجد و والمثابرة جعلت منه رجال قويا، اجتمعنا

على »الميدة« في انتظار ما قد تجود به أيادي ابنتة الخالة، طابق كسكس بالحليب! يختلف مع الكسكس المغربي في الشكل والمضمون، علمت أنهم يسمونه »سكسو«، في

حالة جس نبض، مذاق ربما سيجعلني ألعق أصابعي !!! مذاق رائع فعال، يختلف قليال عن الكسكس الذي عهدته من

أيدي أمي، وكذا في طريقة تحضيره، فغالبا ما ألفنا الكسكس بخضر سبع.

29

Page 32: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

في أوج حرارة الصيف التي قد تعلو عن األربعين غالب األحيان، مباشرة بعد الغذاء غالبا ما يستلقي الجميع،

نحن شعوب تلزمنا راحة بعد استيقاظنا من النوم.

»ال بأس أرواح نديرو السييست أونسومبل«.

لم يفصلنا إال يومين عن عرس »ذات الهندام المحافظ« إبنة الخالة بإبن عمها الذي سألتقيه عشية

إلحتساء قهوة، الكل على قدم وساق، تحضيرات من هنا وهناك، منزل صار مليئا بالجيران واألقارب، كل تكلف بما يناسبه وجدي على رأس كبار المفاوضين، ال تمر قضية

وإال أفتى فيها وهو يتحسس ذقنه، بدأت األسرة في تطبيق العادات والتقاليد، حمام بلدي وحناء بأيدي من تعثر حظها في

الزواج، تنظيف وتزيين في كل أرجاء المنزل...

خرجت وإبن خالتي للقاء »إبن عمي« المسمى عبد السالم، توجهنا نحو مقهى تنأى المدينة بنحو نصف ساعة سيارة، في مدخل و مخرج المدينة، رجال أمن إستثنائيين

إضافة إلى حواجز األمن المعتادة، تحقق من الهوية وأسئلة طفيفة تنم عن مستوى حذر األجهزة األمنية، ونحن في الطريق، أثارت إنتباهي ظاهرة »األوطوسطوپ«، تماما

كمختلف الطرق المغربية، وأنا أمزح خاطبت كريم »جاب

30

Page 33: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

اهلل محلوشي الحدود البرية بين المغرب و الجزائر، كون راه درت أوطوسطوپ باش نجي حسن مانقطع لبيي«.

وصلنا إلى مكاننا المقصود، لم يكن إال فضاء سياحيا خالبا طبيعيا عبارة عن »أوبيرج«، جلسنا في إنتظار

»عبسالم« العريس الجديد أو بلسانهم »موالي«، قصدنا النادل وعلى محياه بسمة عمل وإستقبال الزبائن؛ »بونسوار

كوزان، أش تحبو تشربو«؟ ظننت أن أيام »الگازوز« قد إنتهت، إلى أن طلبت مشروب غازي« طونيك«، فاجأني

النادل بقوله »ف ليبواسون كاين غير لگازوز«. عدم درايتي بهذا المشروب فضلت أن آخذ قهوة سوداء دون إثارة

سخرية وردءا لرد فعل النادل.

فجأة ظهر شاب في عقده الثالث، مرتديا لباسا لوال تنقصه ربطة العنق لظننته من الجهاز األمني السري،

قامة طويلة، ذقن حلق، شعر مثبت، حذاء يلمع، عضالت مالكم سابق، إبتسامة طبيعية، »بونسوار كوزان«، موجها كالمه لكريم، بعد التحية والترحاب، تعرفت على »عبسالم«

العريس الجديد.

البساطة لعبت دورها في اإلنصهار واإلندماج التام بين أفراد هذا المجتمع.

31

Page 34: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

حان موعد العرس، بعد أن تجند الكل إلنجاح هذا الحفل وبإمكانيات بسيطة، فضلت أن أقتني مالبس جديدة تناسب المناسبة، قصدنا متجرا، علما أنها المرة األولى التي كان

لزاما علي إرتداء لباسا كالسيكيا شبه رسمي وبربطة عنق، لم أكن »أنتوي« وضعها أبدا، وكريم يسخر مني؛ »واااو

جيمس بوند الموغرابي« !!!

-فعال سبق لي أن أحسست بما أحس به السيد بن كيران رئيس الحكومة حين إرتدائه ربطة العنق ألول

مرة-

أرغمني على إرتداء لباسي الجديد لحظة شرائه كما فعل هو، متجهين نحو المنزل ليال، تارة يسخر مني وتارة يرفع من معنوياتي، لحظة وصولنا إلى المنزل كانت النقطة الفاصلة

التي كسرت حائط الحياء المفرط تجاه جدتي، إذ قابلتني بزغرودة وأهازيج توحي أني »موالي« !!!

غدا يوم العرس ولنا لقاء للتعرف على بعض العادات والتقاليد وإكتشاف الفروق بين ثقافاتنا.

32

Page 35: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

عرس،نشاط،تقاليدوأشياء أخرى

Page 36: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

صباح يومه السبت، كالعادة الكل منشغل بإستعدادات وتدابير العرس، اللمسات األخيرة قبل اإلعالن الرسمي

عن إنطالق فعاليات العرس الذي يننظره كل ساكنة البلدة، الكل مدعو إما للمساهمة أو لإلحتفال، فتيات البلدة ينشدن ويرقصن على أنغام بعضهن، حناجر منبع الزغاريد، منزل مكسي بأعالم تطغى عليها األمازيغية منها، شباب ينصبوا خيمة ضخمة إلحتواء الفرح، نساء يساعدن »لفقيرة« في

إعداد الطعام، الجد في بذلة إعتاد على ارتدائها حين يستدعى أحيانا لحضور حفالت تكريم »القدماء المقاومين«، كريم في طور التأكد من إستعدادية الفرقة الموسيقية الرئيسية

للعرس، العروسة منشغلة في التأكد من إختيارات المالبس التقليدية التي ستقدمها على شكل »تصديرة«- هي عبارة عن

عرض أزياء أمام النساء، مرفوقا بغناء ورقص وحلويات مملحة-، شباب البلدة همهم الوحيد هو إختيار الفرق

الموسيقية التي ستحيي العرس، وعبد ربه يزين السيارة بما توفر من زينة، كل إنشغل بما يهمه.

ما الحظته بشدة هو إقبال العروسة على إقتناء كل يحلو لها، أشياء نفيسة فعال من مالبس تقليدية وحلي

و«حسنيات«... قد تصرف العروسة ما قد يكفي لمصاريف العرس كامال.

34

Page 37: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

بعد الظهيرة يبدأ رسميا قدوم الوفود المدعوة وغير المدعوة، الجد يسهر على إستقبال الرجال وتوجيههم

إلى قاعة الحفل الطبيعية، أما الجدة فهي المكلفة رسميا بتطبيق العادات وإستقبال الضيفات وهدايهن المختلفة شكال

ومضمونا و إرشادهن إلى قاعة فسيحة داخل المنزل.

في إنتظار صفارة الحكم ليعطي انطالقة المباراة، انزويت مع كريم في ركن ساحة خارج المنزل تحت ظل

أشجار عمالقة ألخذ قسط من الراحة، آخذين بعين اإلعتبار أن العرس هو نشاط حتى مطلع الصبح.

بعد أخذ ترياق المساء، صار كل شيء رسمي، إختلط الحابل بالنابل، ال مجال لمعرفة أهل المنزل من الضيوف،

قررت أن أبقى قريبا من كريم إلى حين ظهور معالم العرس.

بدأت الحركة تدب ومعها معالم وأحداث العرس بقدوم الفرقة الموسيقية في سيارة ظننت أن صنفها إنقرض مع

خروج الفرنسيين من الجزائر، عجلة مثقوبة، صفيحة »زنگ« بدل الزجاج الخلفي، مرآة منزلية بدل المرآة

األصلية، طالء كوجه بهلوان، في الزجاج األمامي ملصق تشجيع رياضي«وان تو ثري ... ڤيڤا اللجيري«- هنا تذكرت

الهزيمة القاسية التي ألحقها المنتخب المغربي بنظيره

35

Page 38: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

الجزائري بثالث أهداف لواحد-، و أنا أنتظر بفارغ الصبر نزول الفرقة الموسيقية واحدا تلو اآلخر، تارة مصافحة

األعضاء وتارة أستقبل معاني المباركة إلى أن أقدم السائق -عرفت فيما بعد أنه العازف على الكمان-، على غلق صندوق

السيارة مستعينا بأقفال إضافية.

و أنا مخاطبا ابن خالتي؛ فين الشيخات أخالي !؟ »عرس زيرو هادا أخالي«.

هنا إكتشفت الفرق بين الفرق الموسيقية في األعراس الشعبية المغربية التي تحيي األعراس و المناسبات

والجزائرية، إذ أنه ال وجود ل� »الشيخات« في األجواق الشعبية الجزائرية.

وفي خلسة للنظر، أبهرني جو اإلحتفاالت في محيط النساء، بنادير ودفوف، فتيات مشتاقات للغناء والرقص أمام أنظار أمهاتهن، لما ال ونهاية نشاطهن يحل مع بداية الجلبة

الذكورية وأبواق الجوق الشعبي.

عقارب الساعة تشير إلى العاشرة ليال، الكل متحمس لبداية العرس وأنا أولهم، الجوق يضع آخر الروتوشات للتأكد

من صحة المعدات، جماهير بدأت تتقاطر من كل صوب،

36

Page 39: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

بدأت أعضاء الفرقة الموسيقية تأخذ مكانها، فجأة ظهر كبير المفاوضين -الجد- وهو يشير للجموع؛ »مرحبا بكم ونهار

كبير هادا لي جيتو«... وهو ينظر إلى »رايس« الجوق وبنبرة شبه تأكيدية؛« نقا ! عنداك !«

وأنا أتحسس ربطة عنقي التي لم ألفها، تارة أحزمها وتارة أرخي ربطها وفي ظني أن الكل ينظر إلي، وسوسة

»لگرافاط« هاته جعلتني أحاول تناسيها بتذكرها كل لحظة.

كريم إبن خالتي هو من ألف اللباس الكالسيكي وثقافة األعراس الشعبية، وهو في قمة األناقة، حامال في يده

»كاميرا« وهي حالل على أهل المنزل وحرام على اآلخرين نظرا للثقافة المحافظة التي تسيطر على العائلة، لما ال وهو النائب األول والمسؤول الثاني عن العرس برمته بعد الجد

»يدار«، هنا بدأ كريم تقاسمه المسؤوليات معي وبشكل حازم وجدي، علما أن جدي »يدار« إكتفى بمسؤلية السهر على راحة أصدقائه من رفاق النضال والجهاد وجيران في سنه

وأفراد عائلة يتفادون الضجيج فقط، ما جعل كريم منه اآلمر والناهي والمفتي في كل األحداث، هاتف ال يكف عن الرن، اسم »كريم« انطلت به كل أرجاء المنزل، تارة يكبح جماح

غضبه وتارة يصبه على من ساءه الحظ.

37

Page 40: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

بإتفاق معه وبمساعدة بعض شباب العائلة، قررت أن أتكلف بتقديم العشاء للضيوف حتى يأخذ هو قسطا من الراحة إستعدادا للقادم، تماما كما خططنا وكما كنت أظن، ال فرق بين

عشاء العرس الجزائري واألعراس المغربية التي سبق لي حضورها، تراتيب قبل وضع العشاء جعلت من الجموع 13 »ميدة« وكل واحدة منها إحتوت عشرا بعد أن أخذ أحد كبار العائلة ميكروفون الجوق وهو ينادي في الجموع؛ »رواحو

تتعشاو، مرحبا بكم كاملين«.

عشاء تقليدي شعبي، لحم بالزيتون األخضر ثم دجاج مشوي مع الزبدة البلدية وخبز تنبعث منه رائحة »النافع«، ومشروبات غازية باردة إضطررنا إلى وضعها في بئر بارد لتكتسب البرودة نظرا لكثرتها وال جدوى للثالجة في صيف

حارق.

ونحن في طور تقديم العشاء، كنت مضطرا ألفقد ربطة عنقي بعد تحسسها ويدي متسخة بمرق إحدى الصحون،

ضريبة على الوسوسة، وكريم يسخر مني؛ » أش داك ألموغرابي تلبس لكرافط »؟!

ربما هي عقدة سترافقني طول حياتي، إذ صرت ال أستغني على ربطة العنق أبدا.

38

Page 41: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

بعد إنتهاء العشاء، حان وقت »الهضم«، حمل مقدم الجوق في يده ورقة و قلما وهو يطوف على الجموع ويسجل

!

سألت أحد األصدقاء عن ماهية العملية فأجابني وهو يحملق في وجهي؛ »نتا مراكش مستغانمي !؟ راه يقيد

فالدياسك لي راه يغني«.

يا له من كرم وإحترام للضيوف ! أن تحضر عرسا بدون دعوة فال بأس، وأن تأخذ قسطك من العشاء

والمشروبات والحلويات فذلك عظيم، لكن أن تتحكم في ما سيعزف ويغنى فتلكم قمة الكرم.

بدأ الجوق في عزف بعض المقطوعات التي تتغنى بالعروسين وأهلهما، وبعد فترة قصيرة ظهر بعض »المهلوسين« بقنينات »إبراهيم زنيبر« المغربي!

والذين غالبا ما ينتهي بهم المطاف في كراسي إضطرارية »إحتراما« للمالكم العريس.

سيطرت طلبات أغاني »الراي« و »الرگادة« والقليل من »العلوي«، هرج ومرج والكل يغني ويرقص في لحظات

ينسى اإلنسان إسمه؛ كأحد أبناء البلدة الذي ظل يناديه

39

Page 42: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

صديقه لوقت طويل قبل أن يلتفت إليه »راني سهيت على سميتي«.

بعد أن أنهى كريم بعض األمور، تفرغ هو كذلك ألخذ قسط من الفرح، وهو يجرني للرقص، رغم رفضي بدعوى

عدم المعرفة وأمام إصراره وبداية تغير مالمح وجهه، إضطررت لإلستمتاع بالرقص على نغمات الركادة والراي، قبل أن أنغمس في هذا الجو وأنسجم في حفل إكتشفت أنه كان لحظة إنتظار كل شباب البلدة، لما ال، ونحن سنعيش

حياة واحدة وال وجود للخلد !

بعد مرور مدة قصيرة على بداية الجوق، أحد أعضاء الجوق وفي يده ميكروفون؛ فالن ولد فالن، 500 دينار،

حاب أغنية ...، إنه » التبراح« بالعامية الجزائرية، »التعالق أو لغرامة » بالمغربية.

الفرق الوحيد في هذه العملية هو أن »التعالق أو لغرامة« المغربي يالزم »الشيخات« في األعراس، أما

»التبراح« الجزائري فغالبا ما يالزم كل أعضاء الجوق رغم عدم وجود »شيخات« بينهم.

بين الفينة واألخرى تظهر بعض المشادات الكالمية 40

Page 43: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

وأحيانا باأليدي، إال أنها كانت حاالت شاذة وال تعبر عن ثقافة ووعي وإحترام الحاضرين لمنزل العرس.

اليوم األول من العرس شارف على اإلنتهاء كما بدأ، تدبير وتنظيم محكم طبعا بمساعدة الحاضرين، الساعة تشير

إلى ما بعد الفجر بدقائق، بدأت الجموع الحاضرة تنسحب لحال سبيلها حتى تحولت الساحة الفسيحة مرتعا لجثث

بشرية قد أعياها الرقص والنشاط وإضطرت للنوم خارج المنزل آخذين الجو الدافئ غطاءا لهم.

اليوم األول من العرس قد مر بسالم وسالسة، ال مشاكل وال معيبات لعرس نظم نفسه بنفسه بعد أن كنت متخوفا من عدم قدرة الشاب ابن الخالة على التحكم في

أطواره.

غدا سيكون اليوم الثاني من العرس، لكن هو في بيت العريس عبد السالم »المالكم«.

41

Page 44: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

ثاني أيام العرس، أو بعبارة أخرى »نهار قولبوني خوالي »

Page 45: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

بعد مرور األربعة و عشرين ساعة الالزمة على بدأ التقاليد حيث غالبا ما يدوم العرس يومين على األقل، ليلة

العروسة و تكون في منزلها و على نفقة أهلها، ثم يوم العريس أو باألحرى ليلته المنشودة، و تكون إما في منزله

أو في إحدى قاعات األفراح .

اليوم الثاني للعرس سيكون في قاعة حفالت وسط مدينة و«هران«، اضطر العريس إلكمال مراسيم عرسه في

قاعة حفالت نظرا للضيق الذي يالزم شقق السكن اإلقتصادي و تأثير الضجيج الذي سيحدثه العرس على باقي الجيران الذين تفصلهم و العرس مجرد »ياجورة« بسمك العشرين

سنتيمترا.

43

Page 46: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

هنا تظهر فوائد العرس خارج المدن المكتظة بالسكان و البنايات، فلتحيى األعراس التي تقام على هوامش المدن !

بعد مرور يوم من الضجيج و التعب و الرقص و الفرح، حان وقت اإلستعداد لمرافقة العروسة نحو القاعة التي سينظم فيها » ليلة العريس«، و بعد رفضي مرافقة موكب العروسة لدواعي تبريرية فقط، كان القرار حاسما

من كل األفراد، كيف ال و أن العروسة هي إبنة الخالة، فكان لزاما الفرحة و إسعاد العائلة و لو بمشاركة بسيطة.

في إنتظار قدوم موكب العريس الذي سيخطف العروسة من أهلها نحو وجهة واضحة اإلطار و مجهولة المعالم،

الزواج، بدأت العائلة في اإلستعداد لموكب العريس، الجدة و باقي نساء العائلة تحطن بالعروسة الفتية الشابة لرفع

معنوياتها كيف ال و هي التي لم يسبق لها أن عرفت معنى » الحب« حتى و إن كانت مدمنة على المسلسالت المكسيكية و التركية عالوة بباقي صديقاتها في السن، فهو إدمان شكلي

فقط لتكسير روتين أجواء المنزل. أما الجد فلم يهدأ له بال، كيف له أن يترك منزله ليلة

كاملة بدون حسيب وال رقيب !

يطعم المواشي و الدواجن و يرويها، يحكم غلق 44

Page 47: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

األبواب، يتأكد من كل شيء دون مباالة العرس.

كريم إبن خالتي استفاق لتوه و عيناه مفقعتان من شدة التعب و السهر، و على ظهره منشفة يتجه نحو حمامهم البلدي الذي كنت أستمتع به رغم حرارة الصيف الحارقة.

» حمام بلدي عبارة عن قبو تحت أرضي، مهيأ بطريقة يدوية، خرسانة في األرضية بعد أن فرش بالملحة الحية...مغطى بغالف بالستيكي سميك للحفاظ على حرارة الحمام، تماما كبعض الحمامات التي يبنيها المغاربة قرب

منازلهم خاصة في الضواحي، إال أن الفرق الوحيد هو المادة المستعملة إليقاد و تسخين الحمام، فالمغاربة يستعملون

الخشب و مشتقاته نظرا لوفرته أما الجزائريون فهم يفضلون إستعمال البنزين كوقيد نظرا لتوفره و بخص ثمنه«.

كل منشغل بما يهمه، أما أنا فال شغل لي إال أن أنتظر جفاف ربطة عنقي التي فقدتها ليلة أمس و أنا أتحسسها

بيدي المتسخة مرقا من إحدى الصحون، حذاء يلزمه المسح، فوضى عارمة في لباس لم ألفه بعد،...

فجأة ! منبهات صوت تعلو البلدة، موسيقى تنبعث من

44

Page 48: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

نوافذ سيارات اختلفت جودتها و قيمتها حسب »موديلها«، أعالم بيضاء ترفرف على جنباتها، نعم إنه موكب العريس قد أتى محدثا ضجة لم تعهدها البلدة، و معها بدأت أهازيج

النساء بالتمني للعرسان الرفاه و البنين، زغاريد تمأل الجنبات، كؤوس حليب و أطباق الثمور بعد اإلستقبال و

الترحيب.

حان وقت المغادرة سريعا نظرا لبعد المسافة بين منزل العروسة و مدينة »وهران« مقام العريس.

و أنا أراقب سيارة إبن خالتي حتى ال أفقد مكاني، عاد الموكب من حيث أتى حامال العروسين في سيارة واحدة بل و في مقعدين ملتصقين، ألول مرة نظرا للتقاليد و العادات

المحافظة طبعا.

بعد ساعة و نصف من الطريق وصلنا إلى قاعة األفراح و التي تنم عن حضارة و تقدم أهل المدينة، عرفت

أنه ال مجال للتشبيه بين العرس الذي شهدناه ليلة أمس و بين ما سيكون اليوم فال مجال للمقارنة، شاحنات ممون

حفالت مركنة بجنبات القاعة و حراس في أبوابها، كامرات تمأل جنبات القاعة، حلوى بالتقسيط، ...

46

Page 49: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

هنا قررت أن ألتزم الصمت و آخذ مكاني بين من أعرفه و أحاول اإلستمتاع بالحفل، رغم أن التنظيم المفرط

يزعجني و يجعلني مقيدا.

بدأ عرس » الشيكي« الذي لم أستحمله منذ بدايته، ال رقص و ال غناء شعبي و ال راي و ال رگادة، كلمات حب و

رومنسية مصرية لبنانية و غناء » بوسي لواوا«...

هنا قصدت كريم و قررت اإلنسحاب بعد أن أمدني بمفاتيح سيارته التي قررت أن أستلقي في مقاعدها الخلفية

تاركا عرس » زويزووات« وراء ظهري، بعد المدة التي قضيتها مع أخي و صديقي و إبن الخالة » كريم«، صار

يفهم مالميح وجهي و نبرات كالمي دون أن يلح علي ما إن رفضت شيئا.

مع مرور الوقت و اقتراب وقت العشاء، قدم كريم و أحد إخوة العريس، قدم و في يده صحن عشاء، بسطيلة و شيئا من هذا القبيل... و هو يسخر مني ؛ »الموغرابي

ماراكش مولف لومبيونص !

تناولت بعض الشيء و أنا أتساءل » فوقاش نروحو لمستغانم ؟«

47

Page 50: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

أجاب كريم بنبرة ساخرة؛« غدوا إن شاء اهلل ».

هنا قررت أن أنزل السيارة و أستكشف قليال محيط القاعة، بعد مغادرتي السيارة مباشرة قررت أن ألج إحدى

مقاهي األنترنيت لتصفح بعض المدونات التي كنت أتابعها و أفتح » اإلم إس إن« ألرى إن كان هناك من قد يمضي وقتي،

دخلت مقهى األنترنيت و أنا أراقب مفاتيح السيارة و بعض أغراضي الشخصية، وقفت أمام الواجهة و عيناي ترقرقان لهاتف كثر حوله القيل و القال، لما ال يكون هو أول هاتف

سأمتلكه، و بدوره التذكار الذي سيترك بصمته من بالد األم !؟

سألت صاحب المقهى عن الجودة و الخصائص و الثمن، هنا كنت قد إرتكبت خطأ فادحا حين تحدثت له

بالدارجة المغربية، فكان علي التحدث إما بالفرنسية أو تقليد اللهجة الجزائرية حتى أضمن حقي في الجودة و الثمن.

وجد البائع ضالته و هو يذكر الخصائص؛« وي كوزان هادا پورطابل مجهد، نوكيا 6600، كارط ميموار و كاميرا

و...«.

ال يهمني ما يسرده علي بقدر ما يهمني أن معظم

48

Page 51: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

األصدقاء في المغرب يمتلكون هاتفا مثله.

و ما بالك أن تتجادل على الجودة و الهاتف مازال في علبته !!!

و يبقى الثمن نقطة الحسم، خمسة عشر ألف دينار جزائري أي حوالي األلف و خمسمائة درهم مغربي أنذاك،

و ما شجعني هو أن ثمن ذلك الهاتف في المغرب أنذاك كان يراوح الثالث آالف درهم.

أدفع الثمن و في ذهني ؛« صيدت الرخى«.

وضعت الهاتف في علبته و أنا أبتسم، قررت أن أقضي بعض الوقت على األنترنيت، أخذت مقعدا و بدأت في فتح

حسابي على » إم إس إن« الذي كان يطغى على كل البرامج و المواقع اإلجتماعية، فجأة و أنا أرى مؤشر الفأرة يتحرك

لوحده ! علمت أنه برنامج مراقبة يثبته أصحاب مقاهي األنترنيت في الحواسيب للتجسس على زبائنهم !

قررت أن أغادر األنترنيت فورا و دون أن أبدي أي ردة فعل، أغلقت الحاسوب و قصدت المسير؛« شحال عندي

؟«، أجاب بنبرة ندم عما فعله، » بالش كوزان ماعندك والو«.

49

Page 52: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

خرجت من مقهى األنترنيت مشوش الخاطر، »زعما عالش هاد لخصايل دوالو ! حيت أنا ماشي ولد لبالد »؟

ربما نعم و ربما ال، قد يكون التجسس على الزبائن من عاداته .

كانت رغبتي في قضاء حاجتي البيولوجية أشد من أي شيئ آخر، إلى أن لمحت عيناي الالزمة الشهيرة لدى

المغاربة » ممنوع البول و رمي األزبال...« على حائط إحدى الدور الخالية.

إضطررت أن أجلس في مقهى ال تبعد قاعة العرس إال أمتارا معدودات، أحتسي قهوة و إن لم ترقني، تارة أقرأ

جرائدا تتغنى بمستوى المنتخب الجزائري في إقصائيات كأس إفريقيا 2004 و تارة أشاهد التلفاز...

الساعة تشير إلى الثانية صباحا و العرس لم ينتهي بعد، قررت أن أركب السيارة ثانية و أنام و لو قليال بدل التسكع في مدينة أصبحت مصابيح شارعها قادرة على

تمييزي من أبناء المدينة.

50

Page 53: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

استلقيت في المقاعد الخلفية حتى سمعت يدا تطرق نافذة السيارة، كريم إبن خالتي و هو يوقظني و في يده

كأس قهوة سوداء علها تمحو آثار النوم البادية علي، و هو يبشرني أن وقت العودة في حال سبيلنا قد يحين بعد نصف

ساعة.

إنتهى العرس و تجمعت العائلة حول السيارة لقطع الساعة و نصف عودة إلى المنزل، شغلت محرك السيارة ه إستعدادا للرحيل، و أنا أسمع بعض عبارات التأنيب توج

نحو إبن خالتي: » عالش تخليه ينم فاللوطو »! إنه العريس شخصيا مودعا العائلة، و هو يعانقني و يطلب مني أن

أعذره ظنا منه أنه قد قصر في حقي، إال أني أقنعته أن كل شيء عادي و هو مضطر للسهر على أشياء أخرى... و

كريم يساندني في إقناعه.

السابعة صباحا و نحن نهم بدخول المنزل، رغم التعب و السفر و الضجيج، قرر الجد كعادته القيام بدورة

إستطالعية قبل أخذ قسط من الراحة.

بعد اإلستراحة الطويلة التي دامت نصف اليوم، إستفاقت الجموع على فوضى المنزل بعد العرس، مازالت

آثار التعب بادية على الكل، قررت أن أفاجئ إبن خالتي بما

51

Page 54: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

فعلته ليلة أمس دون علمه: »راني شريت بورطابل أخالي«.

أخذ إبن الخالة »كريم« الهاتف في يديه و هو يحاول إكتشاف الخلل متأكدا أني كنت عرضة لعملية نصب و إحتيال،

الهاتف أصابه فيروس رقمي حطم ذاكرته و جعله يصاب بالشلل التام !

كريم و هو يوجه خطابه لي:« هادا راه أوندوماجي أأ خالي، قولبوك، بلحق ميبقاش فيك الحال قولبوك غير خوالك

!

52

Page 55: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

الطريق نحو شاطئ » جيجل«

Page 56: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

بعض إنقضاء يومي العرس و مراسيمه، قررنا أنا و إبن الخالة مغادرة »مستغانم«، فكان من الضروري اختيار

بين وجهتين؛ إما البحر و شاطئه بصخبه و جموح رواده، و إما الجبال و الغابات بسكونها و راحة بالها.

بعد أخذ و رد وقع االختيار عليهما االثنين، فضرب العصفورين بحجر واحد كان حال يرضي كال الطرفين بعد

أن تشبثت برأيي القاضي بالتوجه لمجال طبيعي سواء غابة أو جبال أو ما شابه تفاديا لضوضاء و صخب الشواطئ، و تشبث إبن الخالة بعرضه الذي يدل على حبه و رغبته في

قضاء األيام على شاطئ البحر.

وقع االختيار على شاطئ » جيجل«، و الذي يعتبر من أحسن الشواطئ الجزائرية نظرا لشساعته و جودته ثم قربه من مجال غابوي و مناظر طبيعية ممتدة على طول الطريق

الرابط بين »مستغانم« و »جيجل« مرورا بمجموعة من المدن و التجمعات الحضرية و القروية منها، -حاسي، بحبح،

بوسعادة، الجلفة، مسيلة، سطيف، وقاس...-.

دام التخطيط و اإلستعداد قرابة اليوم، بعد جمع أغراضنا و التي ال تختلف عن أي مقبل على رحلة قد تدوم األسبوع أو أكثر من ذلك؛ حقائب ظهر، منشفات بالجملة،

54

Page 57: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

أغراض إستحمام و إستجمام، مظالت لمضاهاة شمس حارقة، وثائق شخصية لتفادي كل ما من شأنه إفساد الرحلة،

ثم ما تيسر و توفر من الدينار الجزائري.

أما ابن الخالة كريم فتكلف بكل ما يهم السيارة، وثائق و مراقبة تقنية للسيارة، بعض التعديالت البسيطة على

المحيط الداخلي للسيارة حتى تستطيع تحمل كل أغراضنا...

شيئ أثار انتباهي قبل االنطالق، كانت عادتي في المغرب أن يقوم كل راغب في السفر و لو قريبا، أن يقوم بملئ خزان وقود سيارته عن آخره، أما في الجزائر فقد صدمني إبن الخالة عند إقتراحي له بذلك، بقول«؛ جامي تبقا أومپان فاللجيري كوزان، فين تأريطي اللوطو خرج للطريق عمل طرو فأقرب قادوس يدي البترول«. مازحا طبعا و لكن في طيات ذلك شيئين: أولهما استهزاء ضمني بي لعدم توفرالمغرب على النفط، و ثانيهما تهاون الجزائريين في اتخاذ الحيطة و الحذر قبل االنطالق في قطع المسافاتالطويلة، علماالمسافة التي سنقطعها اليوم قد تفوق األلف كيلومتر.

غدا فجرا ستكون ساعة االنطالق في طريق » شاطئ جيجل« و استكشاف ما يصادف طريقنا.

55

Page 58: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

عشاء مع العائلة التي أصبحت مكونة من الجد و الجدة و إبن الخالة فقط بعد أن فقدت األسرة فردها الرابع، إبنة الخالة التي تزوجت قبل يومين، باالضافة إلي أنا الضيف

المنغمس و المنصهر تماما في جو العائلة و حتى المجتمع، رغم بعض الحاالت الشاذة، و الشاذ ال يقاس عليه.

بعض النصائح و االرشادات التي تفوح من أفواه الجدين، تارة لي و تارة ألبن الخالة، و التي غالبا ما تصب في عدم االنسياغ وراء الشهوات و أخذ الحيطة و الحذر...

جاء وقت اخذ قسط من الراحة استعدادا لما سيؤول غدا.

الساعة الرابعة و النصف صباحا، إستيقاظ اضطراري بعد رن جرس الهاتف و كتمه لمرات عديدة، عيون شبه

مفتوحة، ركض وراء الوقت، لما ال و المسار المراد قطعه قد يأخذ منا حوالي عشر ساعات كاملة، لكنها ستكون مضاعفة

نظرا لدرجة الحرارة المرتفعة جدا في منتصف النهار.

بعد إعداد السيارة و بعض اللمسات االخيرة، حان موعد االنطالقة، ركبت السيارة في صمت رهيب يوحي في الوهلة االولى أن هناك خصاما ما، لما ال و نحن اإلثنين لم

نلف االستيقاظ باكرا، قبل ظهور نور الشمس قررت ان أتمم نومي رغم مناوشات كريم الذي غالبا ما كان يوقظني بين

الفينة و األخرى، إلى أن ظهر نور الصباح الذي صادف 56

Page 59: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

تواجدنا في التجمع الحضري » الشلف«، كانت مناسبة لإلستفاقة النهائية و أخذ شيئا من فطور الصباح؛ عسل

بمذاق الزهور و كأس ليمون ختما بقهوة سوداء قد تجدد نشاطنا.

بدأت بوادر الرحلة تتظح، و بدأت معها الحركة تدب في محيط السيارة، تشغيل المذياع » نسمعو

ليزانفورماسيون« على حد تعبير كريم، و أخبار كلها تصب في تخليد الجزائر لعيد استقاللها... تصادفت يدانا على قرص

أغاني واحد، كان آخر ألبوم لألصلع »بالل«، إيقاع متميز يناسب المرحلة العمرية الشبابية، كلمات شعبية جزائرية

تكاد تكون مفهومة ، حماس في اآلداء، من فينة ألخرى يمد كريم يده لتغيير القطعة و هو يقرأ مالمحي التي اضطر معها تغيير القرص إلى مغني آخر، » الهواري الدوفان« و ألبومه

الجديد » نفكر فيك«، إستقر اإلختيار و توافق على هذا القرص، حتى ال يذهب تفكيركم بعيدا و تظنوني أني كنت أفكر في بالدي أو عائلتي أنذاك، أقول و أجزم أني كنت أفكر في » صديقة«، كنا قد قضينا موسمين دراسين كاملين و نحن معا،

بعيدا عن أي تأويالت خارج سياق الصداقة و األخوة.

57

Page 60: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

» و من يبالي مبن لم يبالي به ملدة تقارب العقدين !«

بعد قطعنا لمسافة ال بأس بها، كنا قد إقتربنا من التجمع الحضري لوالية »برج بوعريريج«، و كما يطلق

عليها » كاپطال دي پورط« أو » عاصمة البيبان« على حد تعبير الجزائريين أنفسهم.

والية »برج بوعريريج« هي أقرب تجمع حضري يجاور الجزائر العاصمة في أقصى شمال البالد، وجهة

سياحية مفضلة لدى مجموعة من الجزائريين و السياح كذلك، كان لزاما علينا زيارة شالل بلدية » أوالد حمدان«، شالل رغم توسط علوه و مناظره الخالبة، إال أنه يستقطب

هو اآلخر نسبة مهمة من عشاق الطبيعة الهادئة بعيدا عن صخب المدن الكبرى، فكان أغلب مرتاديه هم عائالت محترمات، فتجد األب و األم و األبناء و في بعض األحيان

األجداد كذلك.

بعض قضائنا لنصف ساعة تقريبا، و التقاط بعض الصور التذكارية، كان علينا مغادرة المكان و تركه

»لمحتليه«، نظرات تعجب من هنا و هناك و نساء تهمسن

58

Page 61: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

لبعضهن:« جوج تاع ليسيليباطير واش راهم يحوسو هنا ! هادي بالصة دالفاميالت« !!!

واصلنا طريقنا نحو النصف ساعة، كان الجوع و العطش قد نال منا الشيئ الكثير، و نحن وسط مدينة »

سطيف«، و نحن نبحث عن محل لألكالت الشعبية بعيدا عن محالت العم » سام« المتناثرة هنا و هناك، أثار إعجابنا محل

شعبي، خاصة في طريقة عرضه لمنتوجاته، فتذكرت بعض األسواق الشعبية المغربية و الباع الطويل الذي كسبته خاصة في طرق عرض الحلويات و المحمضات -و هنا أخص بالذكر ال الحصر » سوق الهديم« بمدينة مكناس و التي عشت فيها

ما يناهز العام و نصفه-، أكالت شعبية تسمن و تغني من جوع.

بعد إنتهائنا من الغذاء و ما يرافقه من محليات و فواكه، و بعد أن كنا جاهزين للرحيل، كان البد من إصالح

ثقب في إطار العجلة !

و إبن الخالة كريم يسب و يشتم، بادرني بالقول أنها حركة مدبرة من أحد حراس موقف السيارات حتى يتسنى له أخذ قسطا من المال جراء مساعدتنا في إيجاد محال إلصالح

العجالت، علما أن اليوم يوم أحد و ما أدراك ما يوم األحد !!!

59

Page 62: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

» حاميها حراميها« على حد تعبير المصريين! »

لكن و احلمد هلل أن جرت رياح الصناعة األملانية مبا ال تشتهي النفوس و األخالق » العربية«.

السيارة كما سبق لي أن ذكرت كانت ال تزال مرقمة بفرنسا، و في حالة جيدة، و تتوفر على عدة متكاملة إلصالح

مثل هذه األعطاب؛ مضخة إلكترونية، و عبوة لصاق ذاتي، يصلح ثقب العجلة حال وصوله له، دون أدنى عناء، و

الحارس الماكر ينظر من بعيد و هو يستطلع ما الذي يجري !

بعد إصالح إطار العجلة، حاولت تضليل إبن الخالة حتى أنسيه فعلة حارس موقف السيارات هذا، و بكثير من الحظ

أن الحارس نفسه قرأ مالمح كريم و لو من بعيد، حتى أنه لم يقترب منا و لم يطالبنا بآداء ثمن الموقف !

بعد أن أخذنا طريقنا من جديد بدأت األعصاب تهدأ و بجهد طفيف عادت مالمح المرح و الفرح إلى وجه » كريم«

إبن الخالة، و هو يسخر من إبن بالده الجزائري:« شاف الماطريكول فرانسيس على بالو حنا ديزيميگري منعرفو والو

60

Page 63: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

كنا قد ناصفنا مسافة الطريق التي وددنا قطعها اليوم وصوال إلى شاطئ »جيجل«، في الجزء القادم سنحاول شق

طريقنا نحو هذا الشاطئ وبكل تفاصيله.

61

Page 64: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

مسار الرحلة، نفوذ، جاه، و رشاوى.

Page 65: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

و نحن على طول الطريق الرابط بين »سطيف« و وجهتنا األخيرة »شاطئ جيجل«، كثيرا ما صادفنا ظواهر

كنت أظنها منحصرة في بلدي األم فقط، لكن فيما بعد فهمت أنها ظواهر مغاربية و إن لم نقل عربية إفريقية.

فغالبا ما كانت تتجسد لي ظواهر ألفتها في بالدي و ظننتها في الوهلة األولى أنها تخص بلد بعينه و تقتصر على

محيطه الجغرافي، إلى أن أوقفتنا شرطة مرور تبعد حوالي نصف ساعة طريقا على التجمع الحضري » سطيف«،

السيارة مرقمة بلوحات معدنية فرنسية، شابان في مقتبل العمر، مالمحهما توحي بالبراءة، أحدهما جزائري أبا عن

جد و اآلخر مغربي، و خارج السيارة يقف أربعة رجال أمن بمختلف الرتب، فيما يحاول البقية إفراغ وسط الطريق، قدم كبيرهم و هو يشير إلى السائق بأخذ أقصى يمين الطريق، إبن الخالة يمد يده إلى سلة السجائر و هو يتحسس وجود

الفكة متمتما ؛« عندك شي دراهم پياس«؟ أفرغت جيبي بما يحتويه من دنانير جزائرية و هو يشير إلي أن أضعها في يديه، تقدم رجل األمن الطاعن في السن، بعد فتحه لنافذة السيارة و التي لم تفتح منذ اإلنطالقة نظرا لتوفر السيارة

على مكيف هوائي، الشرطي و هو يلقي تحية مرفوقة بأمر السائق مده بوثائق السيارة، فاجأني كريم في تعامله النبيه

هذا؛ 500 دينار في يده اليسرى، يد يمنى تؤدي تحية

63

Page 66: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

شبه عسكرية، و عينان تشيران للطاعن في السن إلى اليد اليسرى، و كالم معسول » مارانيش إيميگري، ولد لبالد«.

تبسم الشرطي بعد أن كان مكشرا أنيابه، و هو يتمتم » دراهم ! كومصا واخا«، أخذ الخمسمائة دينار جزائري( حوالي 50 درهما مغربية(، و هو يثني على تصرف السائق

بكالم يفيد أن ما فعله هو » قمة المواطنة«.

و أنا أتبسم في قرارة نفسي، » الحمد هلل ماشي غير حنا«.

}}} شيئ أثار انتباهي و هو استعمال الجزائريين مصطلح »دراهم« للتعبير عن المال رغم أن عملتهم هي

الدينار الجزائري {{{.

تابعنا مسارنا و نحن نسخر من بعضنا تارة و نتنابز بظواهر بلدانا تارة أخرى، و بعد قطعنا لمسافة ال بأس بها كنا قد اقتربنا من منطقة » سوق تنين«، كانت هذه فرصة

64

Page 67: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

أخرى إلكتشاف ظاهرة أخرى من الظواهر التي كنت أظن أنها من خاصيات مغربية فقط، النفوذ و الجاه.

مع اقترابنا من المجال الجغرافي ل« سوق االثنين«، و الظرفية التي تمر من الجزائر من تخليد لذكرى استقاللها

و مستوى الحذر الذي كان أنذاك إثر الهجمات اإلرهابية المتكررة على معظم الدول المغاربية، كان لزاما وضع

حواجز أمنية حيطة و حذرا، و مع تنوع المناظر الطبيعة على طول الطريق، و عدم معرفتنا التامة بشعاب هذه الطريق

و إنشغالنا بصخب الموسيقى تارة و بالحديث تارة أخرى، أهملنا مواقع مراقبة سرعة السيارات »الرادار« حتى أن إستوقفنا حاجز أمني آخر، إال أن هذا كان يتكون من ثالث عناصر من »الدرك الوطني الجزائري« و ليس الشرطة،

و ما إن رمقه كريم حتى بدأ يعض شفتيه ندما وهو يسحب شيئا من جيب محفظته المنسدلة على صدره، إنها بطاقة نعم و لكن ليست بالبطاقة الوطنية و ال رخصة السياقة و ال شيئا من هذا القبيل، بطاقة تحمل خطوطا متوازية باللون األزرق

و األخضر و األحمر، تحمل إسمه و صورته الشخصية و بعض المعطيات العائلية، يعلوها طابعا بيضوي الشكل !!! كانت بطاقة إنتمائه لعائلة » األمير عبد القادر«، و تسمى بطاقة » شياخ«، أو باألحرى بطاقة النخبة و اإلنتماء إلى إحدى العائالت المنضوية تحت منطق » الشرفاء و أبناء

65

Page 68: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

عمومتهم«، و هو يهمس لي؛« شوف واش يصرا شوف .»!!!

تقدم أحد رجال »الدرك الوطني« بعد أن أشار إلينا بالوقوف و هو يخطط لمستهل كالمه، توقف السائق جانبا

دون أن ينوي إمداده بالوثائق ال الشخصية و ال وثائق السيارة و بثقة نفس مستمدة من لحظة تمثيلية محظة، أقدم

على فتح نافذة السيارة و هو يشير ببطاقته هاته في وجه الدركي حتى قبل أن يلقي هذا األخيرتحيته، تثاقلت خطوات

الدركي و هو يستعد للعودة بنصف دورة لحال سبيله مكتفيا بتمنيه لنا »طريق السالمة« .

معاتبا إبن الخالة على طريقة تصرفه أمام رجل دركي » محترم«؛« على األقل عطيه قيمة و هضر معاه، نتا هاكا

معتبرتيهش واش كاين كاع »! و أنا أتساءل لما لم يمنح هذه البطاقة »السحرية« لرجل األمن في الحاجز السابق الذي

فضل مساومته بمبلغ مالي فقط ؟

حاول كريم االجابة و بسخرية تعلوها ابتسامة غدر ؛« واش تبغي ولد خالت يپاسي ؟-عبارة تدل على

السجن-، لپروميي باراج كان ديال الپوليس، و باالك يعملو إدونتفيكاسيون بالصون فيل، أما الجوندارم معندهومش

66

Page 69: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

الپوڤوار باش يعيطو، و هاد لكارط راني شاريها بدراهم كبار، في بالك حتا نتا من الفاميال د عبد القادر وال !؟«

مستهزئا بي.

بعد هذين الحادثين قررت أن أقنع نفسي أنه ال فرق بين السفر في طرقات بالدي المغرب و نظيراتها الجزائرية و أن هما فعال جسد واحد و لكن برأسين متقابلين، كالهما يفكر

بعكس ما يفكر به اآلخر.

}}} شعوب جمعتها ملحمة الجهاد و المقاومة حبا في حرية »ملغومة« بمخلفات اإلستعمار، جمعتها اللغة و الثقافة

و الديانة و العادات و التقاليد وحتى الجغرافيا، إلى أن برز شيئ إسمه »السياسة« اللعينة، ففرقت بين أعضاء جسد

واحد {{{.

واصلنا قطع مسافات المسار المتبقي بشوق و رغبة في وصول مبكر على األقل لحجز مكان لقضاء أسبوع

عطلتنا، فثقافة الحجز عن بعد أو الحجز القبلي تكاد تنعدم 67

Page 70: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

في مجتمع يكاد يجزم ببطالن مقولة » الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك«-علي بن أبي طالب-، و يمجد مقولة » رخاها

اهلل« إلى حد اتخاذها مبدأ من مبادئ الحياة العامة.

و نحن نهوم بالفتح العظيم، دخول مدينة »جيجل«، تاريخ »المعلمة الفينيقية«، ما أثار انتباهي قبيل عبور

مدخل المدينة هو التطابق التام، ال من حيث التضاريس و ال الهندسة المعمارية التي تتباين بين الهندسة المعمارية

الفرنكفونية و نظيرتها العربية التقليدية، قلت التطابق التام بين مدينة »جيجل« الجزائرية و مدينة »عين اللوح«

المغربية، خاصة من حيث مدخلها الرئيسي؛ سور على طول الطريق يحول دون تدحرج السيارات نحو أسفل الهضبة، قردة مصطفة على طوله تارة تستعمل األشجار المحاذية للطريق منزال لها، و تارة تلعب دور مضيفي المدينة، و

كان الفرق الوحيد بين هاتين المدينتين هو توفر »جيجل« الجزائرية على شاطئ يطل على البحر األبيض المتوسط،

بينما »عين اللوح« المغربية هي مدينة تقع في جبال األطلس المتوسط وال تجاور أي شاطئ غير البحيرات الصغيرة

كبحيرة »أكرمام أزيزا« و غيرها من البحيرات و العيون الطبيعة.

في الجزء القادم سنحجز مقامنا و نتجول قليال في دروب المدينة »الفنيقيين« الجزائرية.

68

Page 71: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

Page 72: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

أسبوع على شواطئ »جيجل«

Page 73: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

بعد قطعنا مسافة قاربت األلف كيلومتر التي تفصل بين بلدة »مستغانم« و شاطئ »جيجل« في أقصى شمال الجزائر

على ضفاف البحر األبيض المتوسط، حان موعد البحث عن مكان قضاء أول ليلة من أسبوعنا هذا، مدينة تعج بكتل

بشرية موزعة بين أبناء المدينة البادية مالمحها عليهم و بين المصطافين الزوار، بعد أخذنا قسطا من الراحة و بعد أن تلقى ابن الخالة مجموعة من المكالمات اإلرشادية، قررنا أن

نتوجه نحو منطقة »تاسوست األمير عبد القادر« حيث تواجد فندق »emeraudes« أو » الزمرد«، و المطل على

رمال الشاطئ، حيث يبعد حوالي العشرة أمتار عن موجات البحر و خريره.

بعد ركن السيارة في موقف الفندق الغاص بالسيارات الجزائرية و األجنبية منها، الساعة تقارب منتصف الليل إال ساعة، إال أن باحة الفندق لم يكف صخب روادها بعد، ثلة

تركت حياءها في منازل أهلها، و ثلة تأخذ بمقولة » شوية لربي و شوية لعبدو«، أطفال »يصرخون« فرنسية، سب و شتم، عشيقان يتنفسان فوق أريكة باحة اإلستقبال، و كل ما

ال يخطر على قلب بشر !

في الوهلة األولى ترددت في الدخول قبل أن يتقدمني إبن الخالة و هو يشق الطريق بين المتسكعين في بهو

اإلستقبال إلى أن وصل »موظفة« اإلستقبال و الحجز، بعد التحية و اإلستقبال و هي تتفنطز فرنسية، بدأت مباشرة في

71

Page 74: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

عملية الحجز و ما يوازيها من إجراءات، عدد األشخاص، عدد الغرف، درجة الجناح، اإلمتيازات، مدة الحجز، قبل أن

تذيل أسئلتها بعبارة إستفزتني حتى أنا غير الجزائري؛« ڤوزيط ديزيميگري أو نون ؟«

و أنا أسائل نفسي، لما هذا السؤال التمييزي!؟ بعد أن أجابها إبن الخالة أنه جزائري و أني مغربي.

حينها فهمت المغزى؛« ولد لبالد كيخلص پالن طريف، و التوريست كيحيدو ليه 20%، هادا هو تشجيع السياحة

الداخلية و إال فال !«.

بعد العملية أخذنا مفتاح غرفتنا و حملنا حقائبنا متجهين نحو مكان إقامتنا.

هنا تذكرت إحدى التجارب التي خضتها قبل عامين، في صيف 2002، و دائما من أيام الدراسة، حين أنهيت الموسم الدراسي كان علي مساعدة أبي بتسيير فندق بالدار البيضاء

المغربية و العمل كمسير مسؤول أول عن الفندق لمدة قاربت الثالث أشهر صيفا، شاب في عمر يناهز الثمانية عشر

سنة فقط، يجلس وراء مكتب اإلستقبال و اإلرشاد كمن نزل لتوه من عالم خارجي، في بداية التجربة كانت األمور شبه

72

Page 75: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

مستعصية، أخطاء في التسيير و مشادات مع العمال، محاولة السيطرة أمام أقدمية تتربص باألخطاء، تنوع في األجناس و الجنوس، من رجال و نساء »األفعال« إلى محتلي بعض األجنحة نظرا لعملهم شبه اليومي ثم العائالت »المسافرة«.

حينها خرجت بخالصة » أن تكون مسؤوال عن فندق بالدار البيضاء، يلزمك تعطيل حاسات السمع و البصر و

حتى التنفس، خاصة ليال«.

بعد أخذ إستراحة قصيرة و تجول إلكتشاف أرجاء الغرفة المطلة على رمال الشاطئ، إبن الخالة دائما ما يكون

السباق ألخذ حمامه و هو يتمتم تارة و يشتم تارة أخرى لعدم توفر دوش الفندق على أساسيات اإلستحمام، مناشف

مسروقة و عدة منهوبة، حتى صار الدوش قاحال.

بينما أكتشف التجهيزات و المزايا، التي ظلت موظفة اإلستقبال تمدحها، أخذت جهاز التحكم عن بعد و قابلت شاشة

التلفاز في إنتظار تفرغ كريم من دوشه الذي غالبا ما يدوم بين الساعة و نصفها، أشعلت التلفاز ثم المستقبل الرقمي،

و ما إن ظهرت أول الصور حتى وجبت علي طهارة كبرى!، الغرفة و قبل حجزنا كانت تستغل من طرف »عشيقين« بالنظر لمخلفاتهما في كل أرجاء الغرفة و تناسيهما أو

73

Page 76: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

إغفالهما جمع مخلفاتهما بعد » األشغال«.

بعد خروج كريم من دوشه و ما إن علم حتى ثار متجها نحو الباب رغبة منه في »غسل« وجه القائم على

خدمة الغرف، على حد تعبيره، بينما أخذت منشفتي و بعض األغراض وقصدت دوش الفندق ألتخلص من تعب السفر و

عيائه، كانت ليلة أولى في غرفة الفندق، قليل من السهر تاله نوم عميق حتى منتصف اليوم الموالي.

بعد جمع الفطور بالغذاء، شمس حارقة،بعيدا عن الشاطئ تظنه حضرا للتجول، في دورة إستطالعية على

شاطئ »جيجل« قد تتفاجأ بمن قضى ليلته على رمال البحر، خيم و مركبات غريبة هنا و هناك، مظالت شمسية تحجز

مكان أصحابها إستعدادا لمساء غاص، سالت مهمالت فارغة و محيطها توحي عن إعصار قد مر من هنا، أصحاب محالت و عربات لبيع المأكوالت الخفيفة و هم يستعدون ل«موسم«

جديد، أجانب يقومون بحركات رياضية، و نحن المتطفالن نجر أحذيتنا غير آبهين بما يجري حولنا، كنا قد لبسنا

سراويل قصيرة وأقمصة تناسب لحظتها، حينها قرر كريم إبن الخالة تدشين األسبوع و هو »يسلخ« مالبسه بطريقة هيستيرية متجها نحو مياه بحر هادئة، و أنا أحملق! قررت أن أفعل ما فعله تماما جنونا و حبا في اإلستمتاع بمياه بحر

74

Page 77: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

لم يوتينا المسؤولون منه شيئا رغم إطاللته علينا بوجهين، على األقل سنأخذ نصيبنا سباحة و تجديفا.

بعد ساعتين تقريبا من السباحة و الفنطزة، كان علينا الرجوع للفندق إلحضار بعض المستلزمات من مظالت و مناشيف و أشياء أخرى، إبن الخالة يقرر أن يعود وحيدا

حتى يتسنا لي أن أحجز مكانا فوق الصخور، ما إن أحضر كريم ما ذهب من أجله حتى بدأت جحافيل بشرية تغزو شاطئ

البحر، شباب، رجال، كهل، نساء، فتيات... الكل حاضر مع تنوع األجناس؛ جزائريون من كل صوب و سياح أجانب و الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج أو على حد تعبيرهم »

ليزيميكري« على رأس المصطافين.

بعد اإلستلقاء قليال و أخذ قسطنا من »لبرونزاج«، تارة سباحة و تارة ركضا وراء كرة إقتنيناها من أحد الباعة

المتجولين، و أنت على شاطئ بحر »جيجل« قد تنسى التفكير في نفسك نهائيا نظرا للمواقف التي تحدث أماغم عينيك رغم محاولتك غض النظر، عائالت قدمت من كل جهة، نساء محمالت بعدة على رأسها »طنجرة الضغط« و قنينة غاز، بينما يتكلف الرجال بحمل مظالت شمس و خيمات مع أوتاد و عصي تستعمل في نصب الخيم... قد تتفاجؤ في الوهلة األولى، لما هذه العصي و األوتاد و

75

Page 78: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

بعض المتالشيات؟ لكن حين تبدأ مراسيم »التخييم« الفعلي ستفهمون ما معنى » الدرهم لبيض ينفاااع لنهار لكحل«.

و أنت مستلقي ظهرا على رمال الشاطئ الدافئة، فال عجب أن تلتقط أذناك أو عيناك أو حتى أنفك شيئا عهدته في

األسواق الشعبية المغربية، أم قد جعلت من الشاطئ حماما بلديا و هي تحك جلد إبنها بكيس ثوبي مملوءا برمال خشنة

و تصرخ في وجه إبنتها؛« أطونسيو لكوكوط تتشوط!«، و الفتاة تراقب أبوها حتى يتسنى لها السباحة ولو للحظة في حياتها، أما االب فقد جر معه إبنه الصغير بغية تعليمه

السباحة، لكن كيف ؟ أحضر االب إطارا مطاطيا غالبا ما إنتزعه من سيارته الخاصة بعد أن ضخه هواءا و هو يتمتم في جهر؛« واهيا ربي راه يبيردي«، متجها نحو البحر جارا

إبنه الذي لم ترقه هذه الطريقة لتعليم السباحة؛« وابا وابا ! هاني ماشي نجيب شي حاجة و نرجع سير بالص«، هنا

بدات األم تصرخ في وجه زوجها؛« طلڭ ولدي نتا حاب تقتلو !«.

بعد قضاء مدة بين السباحة و النميمة و اإلستمتاع برمال الشاطئ و موجاته المنكسرة بالموجات البشرية، قررنا

زيارة المدينة و التسكع قليال بين دروبها الضيقة، و تناول أحد المأكوالت المفضلة لدي »مرڭاز »، و قفنا أمام محل

76

Page 79: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

لبيع المأكوالت الشعبية و إسطففنا وراء الجموع التي تنتظر دورها لرمق جوعها، أخيرا وصل دورنا، ال حاجة لكراسي

وال موائد وال خدمات... لك الحق أن تتناول ما طلبته واقفا أو تنصرف و معك ما طلبت، كريم إبن الخالة وقع إختياره على أكلة »الشخشوخة«، فيما فضلت أن أصطحب معي طبقا من

»مرڭاز ».

قبل إلتهام ما إقتنيناه بدأنا نخيط في دروب و أزقة المدينة »الفينيقية« ذهابا و إيابا، تارة متحرشين و

تارة مستكشفين على منوال ما يقوم به » األجانب«، إذ تراهم يطوفون بين الجدران و يشيرون لبعضهم البعض

بمناظر و معالم آثارية و أيديهم تحمل آالت تصوير لتوثيق الرحلة، بينما نحن فال نحمل آالت تصوير و ال ثقافتها، لكن

أيدينا منشغلة ب »مرڭاز » و » الشخشوخة« و عبوات المشروبات الغازية.

}}} ثقافة الحياة من أجل األكل، و نظيرتها األكل من أجل الحياة{{{

77

Page 80: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

الزيارة كانت مناسبة لحضور ما تبقى من مهرجان شعبي غنائي كان قد شارف على انتهائه، موسيقى و رقص

على رمال الشاطئ، مغنيين شباب جزائريين بمختلف أصناف الموسيقى و على رأسها »الراي«، طبعا.

ترادفت األيام السبع بمختلف أنشطتها، من سباحة و رياضة و تسكع بين دروب و أزقة المدينة، و قبل يوم واحد

من العودة في حال سبيلنا، قصدنا »كورنيش جيجل«المجاور للمدينة، تنويعا منا و إستراحة من ضجيج المدينة و شاطئها،

ر« مخلفات األسبوع الخشن يوم واحد »پيك-نيك« قد »طهالذي قضيناه بين الفندق و الشاطئ و المدينة.

مناظر طبيعية حقا تسر الناظرين، كهوف قديمة يحكي التاريخ عن ماضيها » الفينيقي« و »الروماني« و »

الوندالي« و » القرطاجي« ثم الجزائري بمعارك و بسالة رجالها.

الساعة تشير إلى ما بعد منتصف اليوم بقليل، و نحن ننتقل بين الكهوف و الجبال و المناظر الغابوية الخالبة،

حتى أن إستوقفنا رجل مسن يتكئ على عكازه، لحية بيضاء، مالمح البطوالت و األمجاد بادية على محياه، و هو يرحب

بنا بلغة تكاد تطغى عليها الفرنسية، بعد أخذ و رد في الكالم و التعارف، و ما إن علم بجنسيتي المغربية حتى أقسم بغليظ

يمينه على استضافته لنا لتناول الغذاء في منزله، بدون

78

Page 81: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

تردد قبلنا بعرضه هذا و رافقناه إلى منزله المجاور إلحدى الكهوف، بعد أن أكرمنا بما أوتي من أكل و شراب، كان البد من كأس شاي سيحضره هو بنفسه و هو يحكي عن عالقته ب« الحاج عبد الكريم الخطابي« على حد تعبيره، و ببعض

من مقاومي »الريف المغربي« ضد اإلستعمارين الفرنسي و اإلسباني.

فعال كان ختام األسبوع مسكا، مع بدأ الظالم في إنسداله قررنا العودة نحو فندقنا هذا و قضاء آخر ليلة بين أحضان مدينة »جيجل«، ثم حزم أمتعتنا إستعدادا

لقطع المسافة الفاصلة بين هذه األخيرة و موطننا مدينة »مستغانم«.

و أثناء عودتنا، قررنا تغيير مسار الطريق الذي سلكناه في ذهابنا، فبدل عبور المدن شبه الداخلية؛( وقاس، سطيف،

مسيلة، الجلفة، بوسعاد، بحبح، حاسي...(، قررنا عبور المدن شبه الساحلية؛( بجاية، سيدي عيش، أقبو تازمالت،

البويرة، األخضرية، الجزائر العاصمة، لبليدة، الشلف، صبحة، ...(، مناظر خالبة و جو معتدل باإلضافة إلى قصر

المسافة.

بعد مرور يوم كامل تقريبا، كنا قد وصلنا لبلدة

79

Page 82: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

»مستغانم«، مرورا بمجموعة من التجمعات الحضرية منها و القروية، تماما كما ذهابنا، بنفس الطقوس و العادات

»الطرقية« التي كنا قد تحدثنا عنها سابقا.

80

Page 83: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

فرحة »الرزفة«، و عزاء موت أحد األقارب

Page 84: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

مباشرة بعد عودتنا من أسبوع الشاطئ و المناظر الخالبة التي كست الطريق ذهابا و إيابا، كان لنا موعد مع

إحدى تقاليد العرس الجزائري كشأن المغربي، خصوصا المدن الشمالية منها، إنها عادة »الرزفة«، و هي عادة تتم

بعد مرور عشة أيام على يوم العرس، حيث يحل العروسين و عائلة العريس ضيوفا على عائلة العروسة، و كانت الزيارة

في سيارة واحدة فقط.

و تحضر مثل هذه التقاليد العائلتين الصغيرتين فقط و في لمة عائلية محظة.

من جهة العريس؛ كان هو نفسه، زوجته أو إبنة الخالة، األب و األم الصهرين، ثم األخ الصغير للعريس.

أما المنزل فكان من الجدين و إبن الخالة ثم الحفيد عبد ربه »نادر«، كان عشاء عائليال بإمتياز تمازجت فيه لحظات

التمني للعروسين الجديدين الرفاه و » الفراخ« بلحظات من الحزن خاصة لدى الجدة التي ألفت حفيدتها و هي تحوم

حولها ليال و نهارا.

في مثل هذه المواقف غالبا ما أصير » منافقا«، أكتفي بالضحك حين يضحك الكل و ألتزم الصمت حين يحل الجد.

82

Page 85: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

الساعة تشير إلى منتصف الليل، و مراسيم »الرزفة« شارفت على إنقضاء زمنها، كل العائلة مجتمعة على إحتساء

كأس شاي من يد الجد و هو يرفع »البراد« إلى مستوى جبهته، أنواع من الحلوى تنتظر اإللتهام، عريس يتصبب

خجله عرقا، عروسة تكاد تنطق بكلمات يعلوها الحياء من صهريها، جدة و في يديها منديل ثوب تارة تمسح دموعها

و تارة تقتنص »الذباب« محلقا على طبق الحلوى، جد رغم حزنه الشديد على فراق حفيدته يتشجع و يروي قصص

»المقاومة« و » الكارابيل« و هو يتحسس لحيته البيضاء، أب العريس(الصهر( و هو يتأمل و يجس النبض مطأطئا

رأسه، أم العريس(الصهرة( تتوارا خلف شبه نقاب قد تصعب تحديد عينيها لو ال إرتدائها نظارتان طبيتان.

و في الزاوية المقابلة إجتمع ثالث شبان على »النميمة الموضعية«، تجد كريم و هو يخفي قهقهاته بالسعال

المصطنع، و أخ العريس يتحين لحظات الضجيج ليستمتع بالضحك جهرا، أما أنا فرغم محاولتي إلتزام الصمت فقد باءت بالفشل، فتجدني أكتم الصوت »يدويا« أو أنسحب

خارج الصالة ريثما أهدأ و أعود لمكاني و عيناي تغرورقان دموعا من شدة الضحك.

مرت ليلة »الرزفة« بفرحها و جوها العائلي، أخذ

83

Page 86: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

الضيوف العائلة طريقهم نحو » وهران« مكان إقامتهم، بينما أخذت العائلة سبيلها، بعد يوم طويل و شاق بمختلف تجلياته،

طان البد من أخذ قسط من الراحة، كل قصد بيته إلى أن قررنا المبيت فوق »سطح« المنزل بدل غرفتنا المعتادة، جو

عليل و سماء مزينة بمصابيح إلهية، موسيقى حيوانية من خوار أبقار، نقنقة دجاج، صهيل حصان، هديل حمام، نباح كالب... فعال إنه جوق طبيعي يطرب آذان السامع و يجعله

في حصة إسترخاء فطرية.

في الصباح الباكر و مع ظهور نور الشمس، كان لزاما

اإلستيقاظ نظرا ألشعة الشمس الحارقة، إما لتغيير مكان النوم أو التخلص من االلكسل و اإلستمتاع بالنسيم الصباحي

الرائع.

فضلنا الفطورمع الجدين في جو عائلي، و ما إن إنتهينا من الفطور و خروجنا من المنزل حتى سمعنا صراخا و بكاءا و ويالت نسيائية تدل على حدوث فاجعة ما، في مجتمع ال تكاد

تسمع أصوات نسائه إال في »الزغاريد« أو النواح جراء فاجعة، نعم كانت وفاة شيخ من شيوخ البلدة، يبعد منزله

عن منزل الجد حوالي المائتي متر على أقصى تقدير، علمنا لتوه أن برنامجنا هذا اليوم لن يتم، فعادات البلدة تحتم على

كل العائالت مواساة العائلة التي فقدت فردا من افرادها و

84

Page 87: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

مساعدتها في مراسيم الجنازة و الدفن ...

الجد سيكون أول المعزين هو و زوجته، أما إبن الخالة فهو اآلخر وجب عليه التوجه إلى منزل العزاء لتقديم يد المساعدة

ألفراد األسرة، و بطبيعة الحال كان لزاما علي مرافقته لحضور العزاء و بعدا صالة الجنازة في المسجد بعد صالة الظهر، ثم بعدها حضور مراسيم الدفن، شغل غبن الخالة

سيارته متجها نحو منزل العزاء رغم قربه إال أنه قد تحتاج العائلة للسيارة في قضاء بعض الحوائج، إقتربنا من المنزل و كانت االجواء مشحونة بالحزن و البكاء و »النواح«، لمل ال و العائلة فقدت هرمها الذي كان شيخا مسنا معروفا لدى

جميع سكان البلدة، فدأت الجموع تتوافد رجاال و نساءا، ثلة تستفسر عن الواقعة و ثلة تقدم العزاء للعائلة، منهم من يتحدث عن مراسيم صالة الجنازة و منهم من يتحدث عن

حفر القبر و بعض المستلزمات، الكل يتهافت لمد يد العون.

›› هنا ال يمكننا إال أن نشيد بالطابع التضامني الذي يطغى على مجتمعات »المغرب العربي«، في األفراح كما القروح،

كان ذلك جليا في مراسيم العرس الذي حضرته سابقا و بدا أجلى في مراسيم العزاء هذا‹‹.

85

Page 88: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

في الحقيقة وددت أن أتحدث عن مراسيم الدفن و الظواهر التي تشوبها، اإليجابي منها و السلبي، لكن سأكون قد

سطوت على فكرة كوميدي جزائري ظهر مؤخرا في الساحة الفنية الجزائرية المغاربية، »عبد القادر سيكتور« الذي

وصف مشاهد الجنازات و بتفصيل سخري شامل و واقعي جدا، لذا سأستغني عن الحديث على هذه المشاهد، تفاديا ألي

إتهام ب«سرقة الملكية الفكرية«.

›› عملية نقل الموتى التي تتم بسيارة »بوجو 404«، و أنا اثير هذه النقطة يقينا مني أن معظم من يقرا هذا لن

يعرف هذه السيارة، رغم انه كثيرا ما يصادفها على صفحات erreur األنترنت في شكل »رسالة عطل تقني في اإلتصال404«، إال أنه ال عالقة بين اإلثنين رغم أن الصدفة جمعت

بين تاريخهما، فالشركة الفرنسية للسيارات أنتجت أولى سياراتها المعنية في بدايات السبعينيات من القرن الماضي، كما األنترنت الذي بدأ الجيش األمريكي في إستعماله ألول

مرة سنة 1969‹‹.

86

Page 89: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

آخر يوماي يف بالد »الملك بوتفليقة«

Page 90: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

بعد مرور حوالي الشهر على حلولي ضيفا بين أفراد عائلتي الصغيرة و الكبيرة، حان موعد حزم أمتعتي و عودة أدراجي،

كنت قد قضيت أفضل أوقاتي في بلدي الثاني، حينها تمنيت لو لم تكن الحدود البرية موصدة في وجه العائالت لتبادل

الزيارات، عائلية و سياحة.

قبل يومين من حلول ساعة اإلقالع، كان البد من زيارة بعض األسواق الشعبية إلقتناء تذكار قد يقيني من زلة النسيان،

و جعلها زيارة وداع لبلد لم أحس فيه بأي فرق مقارنة مع بلدي األصل، المغرب.

صادف هذا اليوم أن زرنا إحدى اإلدارات الجزائرية، إدارة الجمارك المختصة في تعشير السيارات، ما إن وصلنا إلى شارع اإلدارة حتى تأكدت بما ال يدع لي الشك أن مفهوم

»التنظيم« في اإلدارات المغاربية هو مجرد إشاعة أطلقتها الدول المتقدمة لخلق عقد نفسية لدى الشعوب المغاربية.

إدارة على فضاء األلفي متر مربع، باب قد يتسع لمرور شخص واحد، حارسا أمن يحاوالن »التنظيم«، مائات

المواطنين داخل و خارج الفضاء، طابعة ألخذ التذكرة قد أصابها الشلل، تجار و سماسرة يصطادون الضحايا، و

في الخارج شمس حارقة، موقف سيارات أخذ من الطريق

88

Page 91: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

مرتعه، الساعة تشير إلى العاشرة صباحا و فجأة قد إصطاد إبن الخالة دورا مبكرا مقابل »إتاوة« دفعها ألحد حراس

األمن !

بعد ربع ساعة تقريبا، حان »دورنا« أو باألحرى الذي كان دور أحد المواطنين الذين ال يفقهون في علم »اإلدارة الجزائرية« شيئا، ولجنا المركز و في يد كريم ملف أوراق قدر شجرة كاملة، و هو يسخر من المسطرة الجمركية؛«

أرواح رواح دخل معايا، باالك يخصني شي فوطوكوبي«!!!

بعد مقابلة الموظف و بدون تحية من الجانبين، بدأ الجمركي في طلب الوثائق حتى و أنه لم يضبطها كاملة و هو يستعين بورقة المتطلبات، بين أخذ و رد و »بيع و شراء«، مبلغ قد

يحل عقدة لسان الموظف و هو يحاول مساعدة المواطن، بعض األسئلة الضرورية ثم سؤال حينها لم أفهم القصد؛« راها تعوم ؟«، بعد أن أجابه كريم باإليجاب، كانت األمور

تسير في اإلتجاه »الصحيح«.

}}} مصطلح » كتعوم«، اإلبحار، هو تعبير عن ما إن كانت السيارة قد سرقت من الخارج و دخلت البالد و هي مبحوث عنها من طرف األمن األوروبي، و بالتالي فرغم تعشيرها

غير القانوني يمكن لها السير في الطرق الوطنية، دون

89

Page 92: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

العبور إلى الضفة األوروبية{{{.

و يتم تداول هذا المصطلح بشكل واسع خاصة في المغرب العربي، موطن نشاط مافيات سرقة السيارات بأوروبا، خاصة

الفاخرة منها.

بعد أن أنهى كريم ما جاء من أجله، قصدنا الباب و في ظهرنا صدى الجمركي صارخا في وجه رجل األمن؛« ألي سد لباب نمشي نشرب

قهوة !«

و نحن نتجه إلى السيارة، أول ما إنتبهت إليه عيناي هو وجود »مكتبة وطنية« محاذية لإلدارة، لكن الفرق بين،

ال وجود لحشود تنتظر دورها، المنظر يوحي بهزالة ثقافة »إقرأ«، كانت مناسبة لسؤال إبن الخالة عن حالة األدب

و القراءة، كانت إجابته تصب في منحى الوحدة المغاربية في كل الميادين، إستهالك المجالت اإلباحية و بعض الكتب

المختصة في تحضير األكالت، رغم غزارة العرض اإلبداعي.

فهل هي ثقافة إستهالكية ؟ أم أن األديب المغاربي ال يكتب لمحيطه بقدر ما يعمل تحت الطلب؟

هنا تذكرت أن أعيد التأكد من حجزي لرحلتي على الطائرة،

90

Page 93: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

إذ سبق لي أن قمت بذلك حين تواجدي بالمغرب، فقد أديت ثمن التذكرة ذهابا و إيابا، لكن و تفاديا ألي إستهتار تقني

أو بشري، لزمني التأكد عبر الهاتف، و بلغة حاسمة و جازمة تؤكد موظفة »النصب« لدى شركة الطيران أن الوقت

مضبوط و ال داعي للقلق، كل شيئ على ما يرام و الطائرة ستقلع غدا صباحا.

ليال و بعد تقديم العشاء، كانت مناسبة أخيرة لتقديم بعض التوصيات التي سأحملها في جعبتي و انا عائد للمغرب،

الجدة و هي تحاول تقبل الفراقين المتتالين، فراق حفيدتها التي تزوجت قبل أسبوعين تقريبا، و فراق حفيدها »نادر«

ة ال توصف، تارة تدمع حزنا على الذي كانت تكن له معزالفراق و تارة إبتسامة بعد اللقاء.

أما الجد، يتحسر و هو يعاتبني؛« الش قطعتي البيي ألي روتور الش ؟«، ملحا على ترك هذه التذكرة وإضافة أيام

أخرى في كنف العائلة.

كريم إبن الخالة، العائلة الصديق األخ، فعال »وافق شن طبقة«، أو »بلعربية تاعرابت: طاح القوطي و صاب غطاه«، لكن إلى حد اآلن لم نتفق بعد على من هو »

القوطي« و من هو« غطاه!!!«

91

Page 94: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

في العاشرة صباحا سيكون موعد إقالع الطائرة و معها ذكريات لن تنسى رغم مر الزمن، تساوى في طياته اإلجابي

منه و السلبي، تقاليد و عادات تنم عن شعب غير الشعب الذي تتداوله الشاشات االجنبية، شعب منبع كرم الضيافة.

بعد مرور ليلة بيضاء تماما، أصبح الصبح بنوره و أضحت معه األحداث مجرد ذكريات، حان وقت الرحيل، ودعت العائلة

الصغيرة و الكبيرة بدموع تحجرت في عيون ألفت ندى الفرح، بعد أن حزمت أغراضي و إتجهت نحو السيارة، كريم ال تقوى مشاعره على »الرومنسية« على حد تعبيره و هو

ينتظر داخل السيارة، أخذنا طريقنا نحو مطار »، بعد وصولنا لباحة المطار، فجأة قرر إبن الخالة عدم الدخول مبررا ذلك

أن »قلبو هشيش« و ال يستطيع التحمل !

ودعت إبن الخالة بعناق حار و دموع متبادلة، أسرعت بالدخول و اإلبتعاد من المنطقة المكهربة، و على محياي ندى

دمعات إنفلتت لنفسها، متجها نحو سبورة اإلرشادات و أنا أتهجى »الدار لبيضا الدار البيضا...«، فجأة كانت الصدمة المتوقعة: تاخر إقالع الطائرة لمدة 45 دقيقة، و السبب:

تأخر بعض أفراد الهيئة الدبلوماسية الجزائرية بفرنسا !!!

حشود تحتج، أو باألحرى فرنسي يحتج، ثم فرنسي آخر

92

Page 95: سائح مغربي في الجزائر، رحلة شهر. نادر فرح

د. نادر فرح سائح مغربي في اجلزائر

يحتج، ث����م فرنسي آآآخر يحتج، بينما أنا في قرارة نفسي أستذكر ما قاله األجداد: » كم من شيئ قضيناه بتأخيره، و

لما ال بتركه حتى !؟«

لن أعلق على الحادث، و سأضطر إلى قطع اإلتصال تفاديا ألي تشويش.

انتهى

93