السياسية والدعاية السياسي التسويق

ترتبط الظاهرة الدعائية بشكل كبير بالظاهرة السياسية عام��ة، وبظ��اهرة

السلطة بش��كل خ��اص، وهي كش��كل من أش��كال الت��أثير ووس��يلة من الوس��ائل

المستعملة في إطار العالقة بين الحاكم والمحكوم، بل وحتى في إط��ار العالق��ة

بين التنظيم��ات السياس��ية المختلف��ة س��واء الدولي��ة منه��ا أو بين-دولتي��ة،وهي

مرتبطة في وجودها التاريخي بظاهرة الحكم والنفوذ والسيطرة.

لكن الظ��اهرة الدعائي��ة على ال��رغم من أص��ولها الض��اربة في الت��اريخ لم

تستطع أن تفرض نفسها على األق��ل كتقني��ة قائم��ة ب��ذاتها ومع��ترف به��ا، وإنم��ا

استثمرت في غالب األحيان وخالل العديد من القرون، تدخل في عداد الطقوس

ذات الطابع االحتفالي الفرجوي، في بعض األحيان، أو الجنائزي، والمأساوي في

أحي��ان أخ��رى، أو تنتمي إلى تلكم المراس��يم الس��ابقة أو المواكب��ة أو التابع��ة

1للحروب أو الثورات، أو غيرها من األنشطة التحريكية والتحميسية والتهييجية.

كما ظلت عملية القيام بها تخضع وألقصى حد، للصدفة والفجائية، وترتبط

وألعلى درجات ببعض القدرات الشخصية واالستعدادات الموجودة ل��دى أص��ناف

معينة من الفاعلين الذين يت��وفرون على ملك��ات في مج��ال الت��أثير الجم��اهيري

والذين يتمكنون بفضل ه��ذه الموهب��ة من األخ��ذ بناص��ية الجم��اهير وقيادته��ا في

ففي زمن الح��رب2االتجاه الذي يحددونه سواء في ظ��روف الس��لم أو الح��رب،

الدعاية واألعمال الحربية النفسية جزءا من الجسد ال تستطيع األس��لحة األخ��رى

الوصول إليه في محاولة للتأثير في طريقة أداء األطراف المش��اركة في مي��دان

3القتال.

ولقد تطلبت عملية االنتقال بالنشاط الدعائي من مجال الفن الق��ائم على

الح��دس والموهب��ة إلى مس��توى التقني��ة القائم��ة على الح��د األدنى من القواع��د

واألعراف، الناتجة عن عامل التواتر وعلى حجم التراكمات التي تجمعت في هذا

المجال، صدور العديد من القرون واألحقاب، ولقد ك�ان لظه�ر المطبع�ة ول�بروز

على الخص��وص كب��ير األث��ر في19العديد من االختراعات ال��تي عرفه��ا الق��رن

التطور الذي حدث في مجال النقل واالتصال، وفي الطفرة التي عرفتها وس��ائل

االتصال الجماهري، هذه الوسائل ال��تي ش��كلت إح��دى الس��ندات األساس��ية في

1 : " سابق،ص- " مرجع ، السياسية الدعاية العبدي، اإلاله .2عبد2 : " ص- " سابق، مرجع ، والخدمات السياسة تسويق القادر، عبد .19مصطفى3 " ": عدد- المعرفة عالم سلسلة خشبة، سامي ترجمة ، العقول قصف تايلور أبريل 256فليب ،2000 : ص ،23.،

1

السياسية والدعاية السياسي التسويق

مجال الدعاية السياسية، حيث زاد وقع الدعاية واتسع نطاق تأثيرها، لتزداد ح�دة

ه��ذا الوق��ع ودرج��ة الت��أثير م��ع ب��روز الجم��اهير كالعب أساس��ي في الحق��ل

وليزداد بالمثل ميل الساسة ومي��ل الب��احثين على الس��لطة واألملين4السياسي،

فيها إلى البحث عن كل الوسائل التي تمكنهم من الوصول إلى قلوب وعواطف

الجماهير.

، ولعل الفعالي��ة ال��تي20ولعل المكانة التي اكتسبتها الدعاية خالل القرن

أب�انت عليه�ا، ولع�ل الكثاف�ة ال�تي اس�تعملت به�ا من ل�دن الكث�ير من األنظم�ة

الش��مولية بش��كل خ��اص، هي ال��تي جعلت الدعاي��ة تق��ترن في خل��د العدي��د من

الناس بالتسلط وبالدكتاتورية، وبالرغبة في الهيمنة، وهو م��ا أدى إلى غلب��ة ذل��ك

المفهوم المقترن بالتالعب والمناورة وبالدسائس والمؤامرة على ذلك المفه��وم

حيث يع��رف5المرتبط بالترويج لألفك��ار والقيم والتص��ورات ونش��رها وتعميمه��ا،

البعض الدعاية السياسية على أنه��ا عملي��ة تالعب ب��العواطف قص��د الوص��ل إلى

خلق حالة من التوتر الفكري والش��حن الع��اطفي ال��ذي ال ب��د من أن ي��ؤدي إلى

تشويه التتابع المنطقي، كما أنها عملية إقناع وه��و ن��ادرا م��ا يك��ون ص��حيحا في

6جميع عناصره أو كاذبا في جميع عناصره.

يفهم من هذا التعريف أن الدعاية السياسية هي فن الخداع والك��ذب وه��و

ما يجعلها مناقضة للحقيقة، وهو األمر الذي يرفض��ه" ج��ان م��اري دانك��ان" حيث

يؤكد أنه من المستحيل تعريف الدعاية من خالل تعارضها مع الحقيقة، ويرى أنه

من الممكن المي��ل لتعريفه��ا من خالل فعاليته��ا على أنه��ا:" مجم��وع الوس��ائل

المستعملة من أجل جع�ل األف�راد يتبن�ون س�لوكا مختلف�ا عن ذل�ك ال�ذي ك�انوا

7يتبنونه بصورة عفوية.

Lusienويعرفه��ا لويس��ان س��فيز " sphezبأنه��ا:" الجه��ود التواص��لية "

المقصودة والمدبرة التي يقوم بها القائم بالدعاية مستهدفا نقل معلومات ونشر

أفك��ار واتجاه��ات معين��ة تم إع��دادها وص��ياغتها من حيث المض��مون والش��كل،

وطريق��ة الع��رض بأس��لوب ي��ؤدي إلى إح��داث ت��أثير مقص��ود في معلوم��ات

4 " " طبعة- العربي، الفكر دار ، والدعاية اإلعالم حمزة، اللطيف : 1984عبد ص ،61.5 : " ص- " سابق، مرجع ، السياسية الدعاية العبدي، اإلاله .4عبد6 : " ص- " سابق مرجع ، والخدمات السياسة تسويق القادر، عبد .21مصطفى7 " والنشر- " للدراسات الجامعية المؤسسة صاصيال، عرب محمد ترجمة ، السياسة علم دانكان، ماري جون

األولى، الطبعة ببيروت، : 1992والتوزيع، .193ص

2

السياسية والدعاية السياسي التسويق

وسلوكيات فئات محدودة من الناس وآرائهم بغرض السيطرة على الرأي الع��ام

8والتحكم في السلوك االجتماعي للجمهور.

غير أن ما تجب اإلشارة إليه هنا، هو أن تغيير ال��رأي أو التظ��اهر باالقتن��اع

بالفكرة أو بمذهب تحت تأثير اإلرهاب المادي أو التعذيب الجس��دي، ال يمكن أن

يوصف بأنه دعاية، ألن الدعاية تفترض تالعبا في النفس البشرية ال ت��ترك الف��رد

حرا في اختيار النتائج المترتبة عن تحليله لموقف معين.

وإذا ما تساءلنا عما يميز الدعاية عن التسويق السياسي؟

يمكن القول أن الدعاية السياسة تتميز عن التس��ويق السياس��ي من حيث

أنه��ا تس��تعمل من ط��رف الدول��ة عموم��ا، عكس تقني��ات التس��ويق السياس��ي

تس��تعمل بحري��ة من ط��رف جمي��ع الف��اعلين السياس��يين، باإلض��افة إلى ذل��ك،

فالدعاية تسعى إلى تغيير المواقف السياسية، أهدافها ذات طبيع��ة إيديولوجي��ة،

بيد أن التسويق السياسي عكس ذلك يسعى إلى التأثير خصوصا في السلوكيات

السياسية وسلوك التصويت على الخصوص.

إن ميزة الجماهيرية بالنسبة للدعاية السياس��ية تقابله��ا االنتقائي��ة بالنس��بة

للتسويق السياسي، حيث التأثير بالنسبة لهذا األخير يهم غالبا بعض المجموعات

من الناخبين ) حسب الفئات العمرية- المجموع��ات السوس��يومهنية- االنتم��اءات

الحزبي��ة...( والدعاي��ة تتم��يز باس��تمرار تأثيره��ا بينم��ا ت��أثير التس��ويق السياس��ي

محدود في الزمان بفترة االستحقاقات االنتخابية.

كما تتم��يز الدعاي��ة بطبيعته��ا الش��مولية أي أنه��ا تعم��ل على قولب��ة الف��رد

والعالم في قالب واح�د مف�ترض أن��ه كام��ل، وه�و م��ا يجعله�ا تختل��ف أيض��ا عن

9اإلقناع السياسي كما توضح " مونيكا شارلوت" ذلك.

8 : "... " ص- سابق، مرجع ، السياسي التواصل الملياني، .21معاد9 : " " ص- سابق، مرجع ، السياسي التواصل الملياني، .23معاد

3