43
1 لسلة سسلفئد ال عقا( 9 ) الحيدة وعتذار ا القرآن بخلقى من قالرد عل في ال مبي ال ـ ح ـ س ـ ن ع ـ ب ـ د ال ـ ع ـ زي ـ ز ب ـ ن ي ـ ح ـ ي ـ ى ب ـ ن ع ـ ب ـ د ال ـ ع ـ ز ـ يز أب ــ ن م ـ س ـ ل ــ م ب ــ ن م ــ ي ـ م ــ ون ال ــ ك ـ ن ـ ان ـ ي ال ــ م ـ ك ـ ي ال ــ ك ـ ن ـ ان ـ ي المتوفى سنة042 ود الرحمن بشر هو عبمردود عليه ال كريمةاث بن أبي بن غي أب ــ يــسـي الـــمـري ال ــ م ـ ع ــ ت ــ زل ـ ي ال ـ م ــ ت ــ وف ــ ى س ــ ن ـ ة012 حققه و علق عليه دك ـ ت ـ ور ع ـ ل ـ ي ب ـ ن م ـ ح ـ م ـ د ب ـ ن ن ـهيصر الفقي اميةسمعة ايا بالجاعلت الساذ لقسم الدرا أستالناشر ام وعلو مكتبة ال الحكم المنورة المدينة

الحيدة والاعتذار

  • Upload
    a333

  • View
    40

  • Download
    2

Embed Size (px)

DESCRIPTION

هذه نسخة مطبوعة ب برنامج وورد و من يملك نسخة موافقة للمطبوع فليشاركنا بها جزاكم الله خيرا

Citation preview

1

(9)عقائد السلفسلسلة

االعتذارالحيدة و في الرد على من قال بخلق القرآن

يزـزـعـد الـبـن عـى بـيـحـن يـز بـزيـعـد الـبـن عـسـحـألبي ال

يـانـنـكــي الـكـمــي الـانـنـكــال ونــمـيــن مــم بــلـسـن مــأب

042المتوفى سنة

بن غياث بن أبي كريمة المردود عليه هو عبد الرحمن بشرو

012ة ـنــى ســوفــتــمـي الـزلــتــعـمــال الـــمـريــسـي ي ــأب

علق عليهحققه و

اصر الفقيهيـن نـد بـمـحـن مـي بـلـور عـتـدك

أستاذ لقسم الدراسات العليا بالجامعة اإلسالمية

الناشر

الحكممكتبة العلوم و

المدينة المنورة

0

لرحمن الرحيمبسم هللا ا

وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

:ذكر ما جرى بين عبد العزيز بن يحيى رحمه هللا وبين بشر المريسي

قرأت على أبي عمر أحمد بن خالد في ربيع اآلخر عام اثنين وخمسين وثالثمائة، حدثنا أبو

كر محمد بن الحسن بن أزهر بن حسين عمر وعثمان بن أحمد بن عبد هللا السماك قال فنا أبو ب

حدثني أبي محمد بن فرقد بهذا : حدثني أبو عبد هللا العباس بن محمد بن فرقد، قال: القطايعي، قال

قال عبد العزيز بن مسلم الكناني :الكتاب من أوله إلى آخره، قال1:

خلق القرآن، اتصل بي وأنا بمكة ما قد أظهره بشر بن غياث المريسي ببغداد من القول ب

ودعاه الناس إلى موافقته على قوله ومذهبه وتشبيهه على أمير المؤمنين المأمون وعامة الناس وما

قد دفع الناس إليه من المحنة، واألخذ في الدخول في هذا الفكر2والضاللة، ورهبة الناس وفزعهم

حجته ويبطلون به من مناظرته، وإحجامهم عن الرد عليه بما يكسرون به قوله، ويدحضون به

مذهبه، واستتار المؤمنين في بيوتهم وانقطاعهم عن الجمعات والجماعات، وهربهم من بلد إلى بلد،

خوفا على أنفسهم وأديانهم، وكثرة موافقة الجهال والرعاع من الناس لبشر على مذهبه وكفره

ن العقاب الذي كان وضاللته، والدخول في بدعته، واالنتحال لمذهبه، رغبة في الدنيا ورهبة م

. يعاقب به من خالفه على مذهبه

فأزعجني ذلك وأقلقني واسهر ليلي وأطال غمي وهمي فخرجت : قال عبد العزيز بن يحيى

من بلدي متوجها إلى ربي عز وجل أسأله سالمتي وتبليغي، حتى قدمت ببغداد فشاهدت من غلظ

بي أدعوه وأتضرع إليه راغبا وراهبا، األمر واحتداده أضعاف ما كان يصل إليه، ففزعت إلى ر

واضعا له خدي، وباسطا إليه يدي، أسأله أرشادي وتسديدي، وتوفيقي ومعونتي، واألخذ بيدي وأن

ال يسلمني وال يكلني إلى نفسي، وأن يفتح لفهم كتابه قلبي، وأن يطلق لشرح بيانه لساني، وأخلصت

وتعالى إجابتي، وثبت عزمي، وشجع وفتح لفهم هلل عز وجل نيتي ووهبت له نفسي، فعجل تبارك

كتابه قلبي، وأطلق به لساني، وشرح به صدري، فأبصرت رشدي بتوفيقه إياي، وأنست إلى معونته

ونصره وتأييده ولم أسكن إلى مشاورة أحد من خلق هللا في أمري، وجعلت أستر أمري وأخفي

م بمكاني فاقتل قبل أن يسمع كالمي، من أن يشيع خبري، ويعل" خوفا "خبري عن الناس جمعيا

فأجمع رأي على إظهار نفسي وإشهار قولي ومذهبي على رؤوس الخالئق واألشهاد، والقول

بمخالفة أهل الكفر والضالل والرد عليهم وذكر كفرهم وتبيين ضاللتهم، وأن يكون ذلك في مسجد

ال يعجلون عليه بقتل وغيره من الجامع في يوم الجمعة، وأيقنت أنهم ال يحدثوا على حادثة، و

) العقوبة بعد إشهار نفسي، والنداء بمخالفتهم على رؤوس الخالئق إال بعد مناظرتي واالستماع مني

(. وكان ذلك كله بتوفيق هللا عز وجل لي، ومعونته إياي

1باب ذكر مناظرات الممتحنين بين يدي : مرفقة قالب ال/162في كتاب اإلبانة ورقة أما إسناد اإلمام ابن بطه

.الملوك الجبارين الذين دعو الناس إلى هذه الضاللة

حدثنا أبو حفص –مناظرة عبد العزيز بن يحيى المكي لبشر بن غياث المريسي بحضرة المأمون : قال

قاسم العطاف بن مسلم قال حدثني محمد ابن رجاء قال ثنا أبو أيوب عبد الوهاب بن عمرو النزلي قال حدثني أبو ال

. الخ... قال لنا عبد العزيز بن يحيى المكي الكناني: الحسين بن بشر ودبيس الصائغ ومحمد بن فرقد قالواولكن علماء السلف . ذلك ألن القول بخلق القرآن كفر ألن القرآن كالم هللا وهو صفة من صفاته، وصفاته من ذاته 2

، فالقول قد يكون كفرا، أما القائل المعين فال يحكم بكفره إال بعد قيام الحجة عليه وإزالة يفرقون بين القول والقائل

الشبهة عنه، ومن هنا نجد إن العلماء حكموا على الجهم بن صفوان بالكفر لقيام الحجة عليه، وكذلك الحكم على

ن قول شيخ اإلسالم ابن تيمية الفتاوى غيره ممن قامت عليهم الحجة، وانظر هذه القاعدة العظيمة في هذا الباب م

10/466.

3

وكان الناس في ذلك الزمان وذلك الوقت في أمرا عظيم، قد منع : قال عبد العزيز بن يحيى

فقهاء والمحدثون والمذكرون والداعون من القعود في الجامعين ببغداد وفي غيرهما من سائر ال

المواضع، إال بشر المريسي وابن الجهم، ومن كان موافقا لهما على مذهبهما، فأنهم كانوا يقعدون

(الجهميةالجهم بن صفوان الذي به تعرف )يعني 3الل ويجتمع الناس إليهم فيعلمونهم الكفر والض

وكل من أظهر مخالفتهم وذم مذهبهم، أو أتاهم بذلك أحضر، فإن وافقهم ودخل في كفرهم وأجابهم

إلى ما يدعونه إليه وإال قتلوه سرا، وحملوه من بلد إلى بلد، فكم من قتيال لم يعلم به، وكم من

فسهم لما مضروب قد ظهر أمره وكم ممن أجابهم واتبعهم على قولهم من العلماء خوفا على أن

عرضوا على السيف والقتل أجابوا كرها، وفارقوا الحق عيانا، وهم يعلمون لما حذروا، من بأسهم

.والوقوع بهم

فلما كان في الجمعة التي اعتزمت فيها على إظهار نفسي، وإشهار قولي، : قال عبد العزيز

حيال القبلة والمنبر بأول واعتقالي، صليت الجمعة بالمسجد الجامع بالرصافه من الجانب الشرقي ب

صف من صفوف العامة، فلما سلم اإلمام من صالة الجمعة، وثبت قائما على رجلي ليراني الناس

ويسمعوا كالمي، وال تخفى عليهم مقالتي، وناديت بأعلى صوتي ألبني، وكنت قد أقمت أبني بحيالي

. كالم هللا غير مخلوق: اليا أبني ما تقول في القرآن؟ ق: عند األسطوانة األخرى، فقلت له

فلما سمع الناس كالمي، ومسألتي ألبني وجوابه إياه هربوا على وجوههم : قال عبد العزيز

خارجين من المسجد إال يسير من الناس خوفا على أنفسهم، وذلك أنهم سمعوا ما لم يكونوا يسمعون،

أتاني أصحاب السلطان، وظهر لهم ما كانوا يخفون ويكتمون، فلم يستتم أبني الجواب حتى

واحتملوني وأبني فأوقفوني بين يدي عمرو بن مسعدة4وكان قد جاء ليصلي الجمعة، فلم نظر إلى

وجهي، وكان قد سمع كالمي ومسألتي ألبني، وجواب أبني إياي، فلم يحتج أن يسألني عن كالمي،

أني . ال: معتوه أنت؟ قلتأف: قال. ال: فموسوس أنت؟ قلت: قال. ال: أمجنون أنت؟ قلت: فقال لي

فقال ألصحابه . ال: فمظلوم أنت؟ قلت: قال. لصحيح العقل جيد الفهم ثابت المعرفة والحمد هللا كثيرا

. مروا بهما إلى منزلي: ورجالته

فحملنا على أيد الرجال حتى أخرجنا من المسجد ثم جعلوا يتعادون بنا : قال عبد العزيز

د الرجال يمنه ويسره، وسائر أصحابه خلفنا وقدامنا، حتى صرنا إلى منزل سحبا شديدا وأيدينا في أي

العنيفة الغليظة، فوقفنا على بابه حتى دخل، وأمر بنا فأدخلنا عليه عمرو بن مسعدة على تلك الحال

: وهو جالس في صحن داره على كرسي حديد، ووسادة عليه، فلما صرنا بين يديه، أقبل علي فقال

طلب القربة إلى هللا : ما حملك على ما فعلت بنفسك؟ قلت: من أهل مكة، فقال: لتمن أين أنت؟ ق

فهال فعلت ذلك سرا من غير نداء وال إظهار لمخالفة أمير : قال. عز وجل وطلب الزلفة لديه

ما أردت : فقلت. ولكنك أردت الشهرة والرياء والتسوق لتأخذ أموال الناس. المؤمنين، أطال هللا بقاه

أو : فقال. شيئا، وال أردت إال الوصول إلى أمير المؤمنين والمناظرة بين يديه ال غير ذلك من هذا

ولذلك قصدت وبلغت بنفسي ما ترى بعد خروجي من بلدي وتغريري بنفسي . نعم: تفعل ذلك؟ قلت

3الكتاب المتكلم رأس الضاللة ورأس هكذا في األصل وجهم بن صفوان أبو محرز الراسبي موالهم السمرقندي

الجهمية، كان صاحب ذكاء وجدال كتب لألمير الحارث بن سريج التميمي وكان ينكر الصفات وينزه الباري عنها

كان يخالف مقاتال في التجسيم وكان : القرآن، ويقول إن هللا في األمكنة كلها، قال ابن حزمبزعمه، ويقول بخلق

102إن مسلم بن احوز قتل الجهم إلنكاره أن هللا كلم موسى، سنة : اإليمان عقد بالقلب وإن تلفظ بالكفر، قيل: يقول

، 5/350، الكامل 4/024، الفصل 1/111، الملل والنحل 1/406، ميزان االعتدال 6/06هـ سير أعالم النبالء

ابن الجهم، كما ذكر في السطر السابق فإنه وبشر المريسي ومن : ، ولعل الصواب351، 0/041الخطط للمقريزي

. الخ...وافقهما يعلمون الناس مذهب الجهم بن صفوان4. سنة سبع عشرة ومائتينعمرو بن مسعدة بن سعيد بن صول الكاتب كنيته أبو الفضل، أحد وزراء المأمون توفي

.0/475وفيات األعيان 10/023تاريخ بغداد

4

مع سلوكي البراري أنا وولدي، رجاء تأدية حق هللا عز وجل فيما استودعني من الفهم والعلم وما

إن كنت إنما جعلت هذا سببا لغيره إذا وصلت إلى أمير : فقال. خذ علي وعلى العلماء من البيانأ

إن تكلمت في شيء غير هذا، أو جعلت : فقلت له. المؤمنين فق حل دمك بمخالفتك أمير المؤمنين

. هذا ذريعة إلى غيره فدمي حالل ألمير المؤمنين

أخرجوه بين يدي إلى أمير : جليه، وقالفوثب عمرو قائما على ر: قال عبد العزيز

فأخرجت، وركب من الجانب الغربي وأنا بين يديه وولدي يعدي بنا على وجوهنا، : قال. المؤمنين

وأيدينا في أيدي الرجال حتى صار إلى أمير المؤمنين من الجانب الشرقي، فدخل وأنا في الدهليز

فقعد في حجرة له، وأمر بي فأدخلت عليه، قائم على رجلي، فأطال عند أمير المؤمنين، ثم خرج

قد أخبرت أمير المؤمنين أطال هللا بقاه بخبرك وما فعلت، وما قلت وما سألت من الجمع : فقال لي

بينك وبين مخالفيك من المناظرة بين يديه، وقد أمر أطال هللا بقاه، بإجابتك إلى ما سألت وجمع

ه هللا في يوم االثنين األتي وتحضر معهم ليناظروا بين المناظرين عن هذه المقالة إلى مجلسة أعال

. يديه أيده هللا ويكون هو الحاكم بينكم

فأكثرت حمد هللا على ذلك وشكرته وأظهرت الشكر والدعاء ألمير : قال عبد العزيز

أعطنا كفيال بنفسك حتى تحضر معهم يوم االثنين وليس بنا : المؤمنين، فقال لي عمرو بن مسعدة

. إلى حبسك حاجة

أعزك هللا أنا رجل غريب ولست أعرف في هذا البلد أحدا وال يعرفني من أهله : فقلت له

لو كان الخلق يعرفوني لتبرؤا مني، أحد، فمن أين لي من يكفلني، وخاصة مع إظهار مقالتي

فنوكل بك من يكون معك حتى يحضك في ذلك اليوم، : وهربوا من قربي وأنكروا معرفتي، قال

نصرف فتصلح من شأنك وتفكر في أمرك فلعلك أن ترجع عن غيك وتتوب من فعلك فيصفح وت

. أمير المؤمنين عن جرمك، فقلت ذلك إليك أعزك هللا فأفعل ما رأيت

. فوكل بي من يكون معي في منزلي وانصرفت: قال عبد العزيز

لذي كان على باب فلما كان يوم االثنين، صليت الغداة في مسجدي ا: قال عبد العزيز

منزلي، فلما فرغت من الصالة إذ بخليفة عمرو بن مسعدة قد جاء ومعه خلق كثير من الفرسان

والرجال فحملوني مكرما على دابة حتى صاروا بي على باب أمير المؤمنين فأوقفوني حتى جاء

. ه فدخلتعمرو بن مسعدة فدخل فجلس في حجرته التي كان يجلس فيها، ثم أذن لي بالدخول علي

بل : أنت مقيم على ما كنت عليه، أو قد رجعت عنه، فقلت: فلما صرت بين يديه أجلسني ثم قال لي

أيها الرجل قد : مقيم على ما كنت وقد ازددت بتوفيق هللا إياي بصيرة في أمري، فقال لي عمرو

ن مخالفة في مكروهها وتعرضت لما ال قوام لك به، م آيةحملت نفسك على أمر عظيم وبلغت الغ

أمير المؤمنين أطال هللا بقاه، وادعيت ما ال يثبت لك به حجة على مخالفيك وال ألحد غيرك، وليس

وراءك بعد الحجة عليك إال السيف، فأنظر نفسك وبادر أمرك قبل أن تقع المناظرة، وتظهر عليك

ك وأشفقت عليك مما الحجة، فال تنفعك الندامة، وال تقبل لك معذرة، وال تقال لك عثرة، فقد رحمت

هو نازل بك، وأنا استقبل أمير المؤمنين أطال هللا بقاه وأساله الصفح عن جرمك وعظيم ما كان

منك، إن أظهرت الرجوع عنه، والندم على ما كان منك، وآخذ لك األمان منه أيده هللا والجائزة،

جلست رحمة لك مما هو وإن كانت لك ظالمة أزلتها عنك، وإن كانت لك حاجة قضيتها لك، فإنما

نازل بك بعد ساعة إن أقمت على ما أنت عليه، ورجوت أن يخلصك هللا على يدي من عظيم ما

ما ندمت أعزك هللا وال رجعت، وال خرجت عن بلدي، وغررت بنفسي : أوقعت بنفسك فيه، فقلت له

الحق فيه، وما توفيقي إال في طلب هذا اليوم، وهذا المجلس رجاء أن يبلغني هللا ما أؤمل من إقامة

.عليه توكلت وهو حسبي ونعم الوكيلإال باهلل

5

قال محمد بن الحسن1سمعت أبا عبدا هلل

2قال لي أبي: يقول

3جاء عبد العزيز إلى أبي عبدا

إن هذا األمر الذي أنت فيه ليس تطيقه على : هلل أحمد بن حنبل رضي هللا عنه وهو في الحبس فقال

إليه أبو عبد هللا أنا قد وقعت، وأخاف أن أذكرك فأشيط بدمك، فيكون قتلك دقته، فاذكرني فبعث

.على يدي، فأقتل أنا أحب إلي، فانصرف بسالم

قد حرصت في كالمك جهدي، : فقام عمرو بن مسعدة على رجليه، وقال: قال عبد العزيز

عز وجل ألطف معونة هللا أعظم، وهللا: وأنت حريص مجتهد في سفك دمك وقتل نفسك، فقلت له

من أن يسلمني ويكلني إلى نفسي، وعدل أمير المؤمنين أطال هللا بقاه أوسع من أن يقصر عني، وأنا

.ال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم: أقول

وأمر بي فأخرجت إلى الدهليز األول، ومعي جماعة موكلون بي، وكان قد : قال عبد العزيز

يحضر مجلس أمير المؤمنين أطال هللا بقاه، أن يركبوا ووجه إلى تقدم إلى سائر بني هاشم ممن

وسائر المتكلمين، والمناظرين أن يحضروا دار أمير . الفقهاء والقضاة والموافقين لهم على مذهبهم

ومنع الناس من . المؤمنين، فأمر القواد واألمراء أن يركبوا في السالح كل ذلك ليرهبوني بهم

ي المجلس، فلما اجتمع الناس وتأهبوا ولم يتخلف منهم أحد ممن يعرفون االنصراف إلى أن ينقض

بالكالم والجدال، أذن لي في الدخول، فلم أزل أنقل من دهليز إلى دهليز حتى صرت إلى الحاجب

الستر الذي على باب الصحن، فلما رآني أمر بي فأدخلت إلى حجرته، ودخل معي فقال ( صاحب)

صل ركعتين قبل دخولك، : ال حاجة لي بذلك، فقال: د طهرا فافعل، فقلتإن احتجت إلى أن تجد: لي

فصليت أربع ركعات ودعوت هللا وتضرعت إليه، فلما فرغت، أمر من كان بحجرته فخرج من

آدم، المؤمنين بشر مثلك رجل من ولد يا هذا إن أمير: الحجرة ثم تقدم إلي فقال لي وهو يسارني

فهو بشر مثلك، فال تتهيبهم، واجمع فهمك وعقلك لمناظرتهم، وكذلك كل من يناظرك بحضرته

وإياك والجزع، واعلم علما يقينا أنه إن ظهرت حجتك عليهم انكسروا وانقطع كالمهم عنك،

وأذللتهم وغلبتهم ولم يقدروا على ضر وال مكروه وصار أمير المؤمنين أطال هللا بقاه وسائر

ت حجتهم عليك أذلوك وقتلوك وأشهروك وجعلوك للخلق األولياء والرعية معك عليهم، وإن ظهر

عبرة، فأجمع همتك ومعرفتك وال تدع شيئا مما تحسنه وتحتاج إليه أن تتكلم به خوفا من أمير

.المؤمنين أو من أحد غيره وتوكل على هللا واستخر هللا ، وقم فادخل

ت الوحشة، وخرج، جزاك هللا خيرا فقد أديت النصيحة وسكنت الروعة وآنس: فقلت له

. وخرجت معه إلى باب الصحن

فشال الستر، وأخذ الرجال بيدي وعضدي وجعل أقوام يتعادون بي، : قال عبد العزيز

خلو عنه خلو عنه، وكثر : وأيديهم في ظهري وعلى عنقي، فجعلت أسمع أمير المؤمنين وهو يقول

قلي أن يتغير من شدة الجزع الضجيج من الحجاب واألولياء بمثل ذلك، فخلي عني وقد كاد ع

وعظيم ما رأيت من ذلك الصحن من السالح والرجال، وقد انبسطت الشمس عليهم، ومأل الصحن

صفوفا، وكنت قليل الخبرة بدار أمير المؤمنين، ما رأيتها قبل ذلك وال دخلتها، فلما صرت على

باب اإليوان وقعت عيني قربوه قربوه، فلما دخلت من : باب اإليوان، وقفت هناك فسمعته يقول

السالم عليك يا أمير : لما كان على باب اإليوان من الحجاب والقواد، فقلت أتبينهعليه، وقبل ذلك لم

أدن مني زاده تكرارا، وأنا أدنو : أدن مني، فدنوت منه، ثم قال: فقال. المؤمنين ورحمة هللا وبركاته

المناظرون، ويسمع كالمهم، والحاجب منه خطوة خطوة، حتى صرت في الموضع الذي يجلس فيه

. أجلس فجلست: قال لي المأمون. معي يقدمني، فلما انتهيت إلى الموضع

1 .هو ابن األزهر 2 .أبو عبد هللا، هو العباس بن محمد بن فرقد 3 .هو محمد بن فرقد، وهؤالء جميعا ورد ذكرهم في إسناد الكتاب

6

يا أمير المؤمنين : فسمعت رجال من جلسائه يقول وقد دخلت من اإليوان: قال عبد العزيز

ته يقول هذا يكفيك من كالم هذا قبح وجهه، ال وهللا ما أريت خلق هللا قط أقبح وجها منه، فسمع

وفهمت كالمه كله ورأيت شخصه على ما بي من الروعة والجزع والخوف، وجعل ينظر إلي وأنا

يؤنسني وأن يسكن عني ما قد لحقني وأن ينشطني، فجعل يكثر كالم ارتعد وانتفض، فأحب أن

ريد بذلك كله جلسائه ويكلم خليفته عمرو بن مسعدة، ويتكلم بأشياء كثيرة مما ال يحتاج أن يتكلم بها ي

إيناسي، وجعل يطيل النظر إلى اإليوان، ويدير طرفه فيه، فوقعت عينه على موضع من نقش

يا عمرو أما ترى هذا الذي قد انتفخ من هذا النقش، وسيقع فبادره في يومنا : الجص قد انتفخ، فقال

. قطع هللا يد صانعه، فإنه قد استحق العقوبة على عمله هذا: هذا، فقال عمرو

ابن : فقال لي. عبد العزيز: ، فقلتاالسم: ثم أقبل علي المأمون فقال لي: قال عبد العزيز

نعم، يا : قلت. وأنت من كنانه: قال. ابن ميمون الكناني: ابن من؟ قلت: ابن يحيى قال: من؟ فقلت

جاز، من الح: من أين الرجل، قلت: أمير المؤمنين، فتركني ولم يكلمني هنيهة، ثم أقبل علي فقال

يا أمير المؤمنين كل من بها : ومن تعرف من أهلها، قلت: من مكة، قال: من أي الحجاز، قلت: قال

فهل تعرف فالنا، : من أهلها أعرفه إال رجال ضوى إليها وجاور بها من الغرباء فإني ال أعرفه، قال

نعم : لهل تعرف فالنا حتى عد جماعة من بني هاشم كلهم أعرفهم حق معرفتهم، فجعلت أقو

أعرفه، وسألني عن أوالدهم وأنسابهم فأخبره من غير حاجة به إلى شي من ذلك، وال مما تقدم من

مسألتي وإنما يريد به إيناسي وبسطي للكالم، وتسكين روعتي وجزعي، فقوى بها ظهري، واشتد

وت بها بها قلبي، واجتمع بها فهمي، وعال بها جدي، وانشرح بها صدري، وانطلق بها لساني، ورج

. النصر على عدوي

يا عبد العزيز إنه اتصل بي ما كان منك في : فأقبل علي المأمون فقال: قال عبد العزيز

قيامك في المسجد الجامع، وقولك إن القرآن كالم هللا غير مخلوق، وبحضرة الخلق على رؤوس

رتي وفي مجلسي، األشهاد، ومسألتك بعد ذلك الجمع بينك وبين مناظريك على هذه المقالة بحض

واالستماع منك ومنهم، وقد جمعتك والمخالفين لك لتتناظروا بين يدي وأكون أنا الحكم فيما بينكم

ثم أقبل . فإن تكن لك الحجة والحق معك تبعناك، وإن تكن لهم الحجة عليك والحق معهم عاقبناك

.صفهقم إلى عبد العزيز فناظره وأنيا بشر : المأمون على بشر المريسي فقال

فوثب إلي بشر من موضعه الذي كان فيه كاألسد يثب إلى فريسته، فجاء : قال عبد العزيز

. فانحط علي، فوضع فخذه األيسر على فخذي األيمن، فكاد أن يحطمها، واعتمد علي بقوته كلها

اظرتي مهال فإن أمير المؤمنين أطال هللا بقاه لم يأمرك بقتلي وال بظلمي، وإنما أمرك بمن: فقلت له

. وإنصافي، فصاح به المأمون تنح عنه، وكرر ذلك عليه حتى باعده مني

يا عبد العزيز ناظره على ما تريد واحتج عليه، : ثم أقبل علي المأمون فقال: قال عبد العزيز

ويحتج عليك، وسله ويسألك، وتناصفا في كالمكما، وتحفظا ألفاظكما، فإني مستمع إليكما ومتحفظ

. ألفاظكما

فقلت السمع والطاعة يا أمير المؤمنين، ولكني أقول شيئا فإن رأى أمير : قال عبد العزيز

يا أمير المؤمنين أطال هللا : فقلت. قل ما تريد: فقال. المؤمنين أبقاه هللا أن يأذن لي في ذلك فعلت

ي شيئا قبل بقاك إني رجل عربي، وفي كالمي دقة، ولم يسمع أمير المؤمنين أطال هللا بقاه من كالم

هذا الوقت، فجليل كالمي في سمع أمير المؤمنين دقيق، وبشر يا أمير المؤمنين كثير سماع أمير

المؤمنين دقيق كالمه، فصار في سمع أمير المؤمنين جليال، فإن رأى أمير المؤمنين أطال هللا بقاه

7

المي على ما تقدم، أن يأذن لي فأقدم شيئا من كالمي في هذا المجلس ليقيس ما يدق بعده من ك

. ويعرف مذهبي في كالمي، ثم يجمعني ومن أحب لمناظرتي بعد هذا في أي وقت شاء

أنا مشغول عن هذا بما يلزمني من أمر المسلمين، وإنما جمعتك ومخالفيك لما : قال المأمون

نهم وبي( بينك)أظهرت من مخالفتك إياهم وذمك لمذهبهم، وادعائك الرد عليهم، ومسألتك الجمع

ولست أجمعك وإياهم بعد هذا المجلس إال عن مناظرة تجري بينك وبينهم فتحتاجون إلى عودة

. الستمام ما بقي عليكما من المناظرة فأجمعكما لذلك

فقلت في نفسي، هذا الذي سألت هللا عز وجل أن يبلغنيه وعاهدته ألن : قال عبد العزيز

همني بتوفيقه صابرا محتسبا وإن عرضت على السيف بلغنيه ألقومن بحقه وألذبن عن دينه بما يل

والقتل حتى إذا بلغني هللا ما أملته وأعطاني ما سألته، وأيدني بالمعونة، وكفاني المؤونة وعطف

قلوب عباده علي، وصرف عني ما كنت أحاذر من سوء بادرة تكون قبل قيامي بحق هللا تعالى،

خط علي ويخذلني ويكلني إلى نفسي، وهللا وهللا ال وعده، وأكفر نعمه، فيس أأنقض عهده، وأخلف

. فعلت ولو تلفت نفسي

المناظرة ولم أعجز عنها، وإنما أتهيبيا أمير المؤمنين إني لم : فقلت: قال عبد العزيز

أحببت أن أقدم في هذا المجلس شيئا من كالمي ليقف من بحضرة أمير المؤمنين أطال هللا بقاه ومن

فقال أمير المؤمنين : قال. ى كالمي ودقته فال يخفى عليهم بعض ما يجري بيننافي مجلسه على معن

. ناظر صاحبك على ما تريد: المأمون لبشر

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاك إن رأيت أن تأذن لي أن أتكلم بشي : فقلت: قال عبد العزيز

.نت لكتكلم بما شئت فقد أذ: فقال لي. قد شغل قلبي قبل مناظرتي لبشر

فأطرق مليا، ثم رفع . أسألك باهلل يا أمير المؤمنين من بلغك إنه كان أجمل ولد آدم : فقلت

فوهللا ما أعطي يوسف على حسن -صدقت يا أمير المؤمنين: فقلت. يوسف عليه السالم: رأسه فقال

د الذي وجهه بعرتين، ولقد سجن وضيق عليه من أجل حسن وجهه بعد أن وقف على براءته بالشاه

أنطقه هللا عز ول بتصديقه وبيان قوله وبعد إقرار امرأة العزيز إنها هي راودته عن نفسه فاستعصم

ن بعد ما رأوا اآليات ليسجننه }: فحبس بعد ذلك كله لحسن وجهه، قال هللا تعالى حتى ثم بدا لهم م

{حين 1ر ذنب لعله حسن وجهه وليغيبوه عنها وعن غيرها، فطال فدل بقوله عز وجل أنه سجن بغي

في السجن جبسه حتى إذا عبر الرؤيا ووقف الملك على علمه ومعرفته اشتاق إليه، ورغب في

{لنفسي وقال الملك ائتوني به أستخلصه }: صحبته فقال عز وجل2فكان هذا القول من الملك

لم يوسف ومعرفته قبل أني يسمع كالمه، فلما دخل عليه وسمع كالمه عندما وقف عليه من ع

األمور كلها وتبرأ منها وصار كأنه وحسن عبارته صيره على خافي خزائن األرض، وفوض إليه

ا }: من تحت يده، فكان هذا الذي بلغه يوسف عليه السالم بكالمه وعلمه ال بجماله، قال عز وجل فلم

{اجعلني على خزآئن األرض إني حفيظ عليم قال نك اليوم لدينا مكين أمين كلمه قال إ 3ولم يقل أني

أ منها حيث يشاء وكذلك }: حسن جميل، قال هللا عز وجل نا ليوسف في األرض يتبو {مك4فوهللا يا

. ما أبالي إن وجهي أقبح مما هو، وإني أحسن من الفهم والعلم أكثر مما أحسنأمير المؤمنين

1 .35 آيةسورة يوسف 2 .54 آيةسورة يوسف 3 .55 آيةسورة يوسف 4 .56 ةآيسورة يوسف

2

فقال لي المأمون وأي شي أردت بهذا القول، وما الذي دعاك إلى ذكر : قال عبد العزيز

يكفيك من كالمه قبح وجهه، فما يضرني : هذا؟ فقلت سمعت بعض من هاهنا يقول ألمير المؤمنين

فتبسم المأمون حتى وضع هللا عز وجل من فهم كتابه، والعلم بسنة نبيه قبح وجهي مع ما رزقني

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاه فقد رأيتك تنظر إلى هذا النفش وانتفاخ الجص : يده على فيه، ثم قلت

وتذكره، وسمعت عمرا يعيب ذلك ويدعو إلى صانعه، وال يعيب الجص، وال يدعو عليه، فقال

صدقت يا : قلت: قال. ال يقع على الشيء المصنوع، وإنما يقع العيب على الصانع العيب: المأمون

(.ثناياه)أمير المؤمنين، ولكن هذا يعيب ربي لم خلقني قبيحا فازداد تبسما حتى ظهرت

سناظر صاحبك فقد طال المجل: لعزيزيا عبد ا: فأقبل علي المأمون وقال: قال عبد العزيز

ير المؤمنين أطال هللا بقاك، كل متناظرين على غير أصل يكون بينهما أم: بغير مناظرة، فقلت

يرجعان إليه إذا اختلفا في شي من الفروع، فهما كالسائر على غير الطريق، ال يعرف الحجة

فيتبعها ويسلكها وهو ال يعرف الموضع الذي يريد فيقصده، وال يدري من أين جاء فيرجع يطلب

. الطريق فهو على ضالل أبدا

ولكننا نؤصل بيننا أصال، فإذا اختلفنا في شيء من الفروع رددناه إلى األصل، فإن وجدناه فيه وإال

. رمينا به ولم نلتفت إليه

نعم ما قلت، فاذكر األصل الذي تريد أن يكون بينكما، : فقال لي المأمون: قال عبد العزيز

.ماويذكر أيضا هو مثله حتى تتفقا على األصل فتؤصاله بينك

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاك، أو أصل بيني وبينه ما أمرنا هللا به : فقلت: قال عبد العزيز

واختاره لنا وأدبنا به وعلمنا ودلنا عليه عند التنازع واالختالف، ولم يكلنا إلى أنفسنا وال إلى

. اختيارنا

: المؤمنين قال هللا تعالى نعم يا أمير: قلت. وذلك موجود عن هللا عز وجل: فقال المأمون

سول إن كنتم } والر وه إلى هللاه واليوم اآلخر ذلك خير وأحسن فإن تنازعتم في شيء فرد تؤمنون باهلله

{تأويال 1

.

سن ما أصله وهذا تعليم هللا عز وجل وتأديبه واختياره لعباده المؤمنين وهو خير وأح

المتنازعون بينهم، وقد تنازعت أنا وبشر يا أمير المؤمنين فنحن نؤصل بيننا كتاب هللا عز وجل

كما أمرنا فإن اختلفنا في شيء من الفروع رددناه إلى كتاب هللا عز وجل، فإن وجدناه وسنه نبيه

. ط ولم نلتفت إليهفإن وجدناه فيها وإال ضربنا به الحائ فيه وإال رددناه إلى سنة نبيه

كأنك : قلت وأين أمرنا هللا أن نرد ما اختلفنا فيه إلى كتاب هللا وإلى سنة نبيه : فقال بشر

سول يا أيها الذين آمنوا أطيعوا }: لم تسمع ما جرى وما ابتدأت به، قال هللا تعالى وأطيعوا الر هللاه

سول إن كنتم األمر منكم وأولي والر وه إلى هللاه واليوم اآلخر فإن تنازعتم في شيء فرد تؤمنون باهلله

{ذلك خير وأحسن تأويال 2

فإنما أمر هللا أن يرد إليه وإلى الرسول، ولم يأمرنا أن نرده إلى كتابه العزيز : قال بشر

. نبيه عليه السالم وإلى سنة

1 .51 آيةسورة النساء 2 .51سورة النساء آية

1

هذا ماال خالف فيه بين المؤمنين وأهل العلم إن رددناه إلى هللا فهو إلى : قال عبد العزيز

كتاب هللا، وإن رددناه إلى رسوله بعد وفاته رددناه إلى سنته، وإنما يشك في هذا الملحدون، وقد

روى هذا بهذا اللفظ عن ابن عباس1وعن جماعة من األئمة

2 . خذ العلم عنهم رحمة هللا عليهمالذين أ

فافعال وأصال بينكما يا عبد العزيز أصال واتفقا عليه : فقال لي المأمون: قال عبد العزيز

. وأنا الشاهد بينكما إن شاء هللا تعالى

إنه من الحد في كتاب هللا عز وجل جاحدا أو زائدا : فقلت يا أمير المؤمنين: قال عبد العزيز

. أويل، وال بالتفسير، وال بالحديثلم يناظر بالت

كذلك }: بنص التنزيل كما قال عز وجل لنبيه: وبأي شي تناظره، قلت: فقال المأمون

ة قد خلت من قبلها أمم ح أرسلناك في أم قل هو مـن لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالر

{ربي ال إلـه إال هو عليه توكلت وإليه متاب 3

م ربكم قل }: وقال تعالى {عليكم تعالوا أتل ما حر4

{كنتم صادقين قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن}: وقال حين أدعت اليهود تحريم أشياء لم تحرم عليهم5

{لنفسه وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي}: وقال عز وجل لنبيه عليه الصالة والسالم6 .

فإنما أمر هللا نبيه بالتالوة، ولم يأمره بالتأويل، وإنما يكون التأويل لمن أقر بالتنزيل، وإما

نعم : ويخالفك في التنزيل، قلت: فقال لي المأمون. ف يناظر بتأويلهمن الحد في التنزيل فكي

. ليخالفني، أو ليدع قوله ومذهبه ويوافقني

يا بشر ما حجتك أن القرآن مخلوق، وانظر إلى : ثم أقبلت على بشر فقلت: قال عبد العزيز

. أحد سهم في كنانتك فارمني به، وال تحتاج إلى معاودتي بغيره

القرآن شيء أم غير شيء، فإن قلت إنه شيء أقررت إنه مخلوق إذ كانت األشياء تقول : فقال

مخلوقة بنص التنزيل، وإن قلت إنه ليس بشيء فقد كفرت ألنك تزعم أنه حجة هللا على خلقه وإن

. حجة هللا ليس بشيء

فقلت لبشر ما رأيت أعجب من هذا تسألني وتجيب نفسك عني وتكفرني : قال عبد العزيز

م تسمع كالمي وال قولي فإن كنت سألت ألجيبنك، فاسمع مني فأني أحسن أن أجيب عن نفسي ول

واحتج عن مقالتي ومذهبي، وأن كنت إنما تريد أن تخطئني وتتكلم لتدهشني وتنسيني حجتي فلن

أزداد بتوفيق هللا إياي إال بصيرة وفهما، وما أحسبك إال وقد تعلمت شيئا أو سمعت قائال يقول هذه

. المقالة التي قلتها أو قرأتها في كتاب فأنت تكره أن تقطعها حتى تأتي على آخرها

صدق عبد العزيز، اسمع منه جوابه ورد : فقال( على بشر) فأقبل المأمون : قال عبد العزيز

. تكلم يا عبد العزيز وأجب عما سألك عنه: عليه بعد ذلك بما شئت من الكالم، ثم قال لي

1 .3/324ابن كثير التفسير 2 .3/324ابن كثير التفسير 3 .32سورة الرعد آية 4 .151سورة األنعام آية 5 .13سورة أل عمران آية 6 .10سورة النمل آية

12

سألت عن القرآن أهو شيء أم غير شيء، فإن كنت تريد هو شيء إثباتا : يزقال عبد العز

للوجود ونفيا للعدم1 . فهو شيء، وإن كنت تريد أن الشيء اسم له وأنه كاألشياء فال

ما أدري ما تقول وال أفهمه وال أعقله وال أسمعه، وال بد من جواب يفهم ويعقل : فقال بشر

. أنه شيء يعقل أو غير شيء

تعقل وال تسمع ما أقول ولقد وصفت نفسك صدقت إنك ال تفهم وال : قال عبد العزيز

أو : بأقبح الصفات، واخترت لها أذم االختيارات، ولقد ذم هللا عز وجل في كتابه من قال مثل ما قلت

واب }: كان بمثل ما وصفت به نفسك، فقال هللا عز وجل م إن شر الد الص الذين ال البكم عند للاه

يعقلون سمعهم ولو علم للاه عرضون فيهم خيرا ل هم م {ولو أسمعهم لتولوا و2: وقال عز وجل لنبيه

بين أفأنت تسمع } م أو تهدي العمي ومن كان في ضلل م {الص3أولـئك الذين }: ال عز وجلوق

للة ا بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين مثلهم كمثل الذي استوقد نارا اشتروا الض فلم بنورهم وتركهم أضاءت ما حوله {بكم عمي فهم ال يرجعون ال يبصرون صم في ظلمات ذهب للاه

4 .

ومثل هذا في القرآن كثيرا جدا، ولقد امتدح هللا عز وجل في كتابه أقواما بحسن االستماع وأثنى

بعون أحسنه الذين يستمعون القول }: عليهم أحسن الثناء فقال وأولئك هم أولئك الذي فيت ن هداهم للا

{أولوا اللباب 5سول }: وقال عز وجل ا ترى أعينهم تفيض من وإذا سمعوا ما أنزل إلى الر مع مم الد

{عرفوا من الحق 6نا وإليك المصير وأطعنا غفرانك وقالوا سمعنا}: وقال عز وجل {رب

7وقال عز

ن الجن ي } :وجل اوإذ صرفنا إليك نفرا م ا قضي ول ستمعون القرآن فلم وا حضروه قالوا أنصتوا فلم

نذرين قا لما بين يديه يهدي إلى ابا أنزل من بعد موسىقالوا يا قومنا إنا سمعنا كت إلى قومهم م صد

ستقيم {الحق وإلى طريق م8ومثل هذا في القرآن كثير، فما اخترت لنفسك ما اختاره الرسول، وال

. ما اختاره المؤمنون، وال ما اختاره أهل الكتاب، وال ما اختاره الجن ألنفسهم

دع هذا يا عبد العزيز وارجع إلى ما كنت فيه، وبين ما كنت : قال المأمون: قال عبد العزيز

إن هللا عز وجل أجرى على كالمه ما أجراه : يا أمير المؤمنين: فيه، واشرحه، واحتج لنفسك، فقلت

نفسه على نفسه إذ كان كالمه من صفاته فلم يتسم بالشيء ولم يجعل الشيء أسمائه ولكنه دل على

أنه شيء وأكبر األشياء إثباتا للوجود ونفيا للعدم9

، وتكذيبا منه للزنادقة، والدهرية، ومن تقدمهم

شهادة قل أي شيء أكبر }: ممن جحد معرفته وأنكر ربوبيته من سائر األمم فقال عز وجل لنبيه

شهيد بيني وبينكم ل هللاه }10نه شيء ليس األشياء، وأنزل في ذلك خبرا خاصا فدل على نفسه أ

مفردا لعلمه السابق أن جهما وبشرا ومن قال بقولهما سيلحدون في أسمائه ويشبهون على خلقه،

ميع البصير ليس كمثله شيء }: ويدخلونه وكالمه في األسماء المخلوقة، قال عز وجل هو الس }11

من األشياء المخلوقة بهذا الخبر تكذيبا لمن الحد في كتابه، وافترى فأخرج نفسه وكالمه وصفاته

األسماء الحسنى فادعوه بها وذ }: عليه، وشبهه بخلقه، قال عز وجل روا الذين يلحدون فيوهلله

سمآئه سيجز ة ن خلقنا أم بوا بآياتناوا بالحق وبه يعدلون يهدون ون ما كانوا يعملون ومم لذين كذ

1 .13/420فتح الباري 2 .30-00سورة األنفال آية 3 .42 سورة الزخرف آية 4 .12-16سورة البقرة آية 5 .12سورة الزمر آية 6 .23سورة المائدة آية 7 .025سورة البقرة آية 8 .32-01سورة األحقاف آية 9 .13/420فتح الباري 10 .11سورة األنعام آية 11 .11سورة الشورى آية

11

ن حيث ال يعلمون {سنستدرجهم م1ثم عدد أسماءه في كتابه ولم يتسم بالشيء ولم يجعله أسما من

(نةإن هللا تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الج: ) أسمائه، ثم قال النبي2ثم عدها فلم

كالمه نفسه ودل عليه بمثل ما دل على نفسه نجده جعل الشيء اسما هلل عز وجل، ثم ذكر جل ذكره

حق قدره إذ قالوا }: عز وجل ليعلم الخلق أنه من ذاته وأنه صفة من صفاته، فقال هللا وما قدروا للاه

على بشر من ش {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس يء ما أنزل للاه3فذم هللا

اليهودي حين نفى أن تكون التوراة شيئا، وذلك أن رجال من المسلمين ناظر رجال من اليهود

ر نبوته فيها وذك بالمدينة، فجعل المسلم يحتج على اليهودي من التوراة بما علم من صفة النبي

ما أنزل هللا على بشر من شيء، فأنزل هللا : من التوراة فضحك اليهودي وقال حتى أثبت نبوته

عز وجل تكذيبه، وذم قوله، وأعظم فريته حين جحد أن يكون كالم هللا شيئا، ودل بذلك على أن

:موضع أخر كالمه شيء ليس كاألشياء، كما دل على نفسه أنه شيء ليس كاألشياء ثم قال في

ن افترى على} كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن أظلم مم {هللاه4فدل بهذا الخبر أيضا

على أن الوحي شي بالمعنى، وذم من جحد أن كالم هللا شيء فلما أظهر هللا عز وجل اسم كالمه لم

الملحدون في ذلك ويدخلونه في جملة األشياء المخلوقة، ولكنه أظهره عز يظهره باسم الشيء فيلحد

وجل باسم الكتاب والنور والهدى ولم يقل قل من أنزل الشيء الذي جاء به موسى، فيجعل الشيء

اسما لكالمه، وكذلك سمى كالمه بأسماء ظاهرة يعرف بها، فسمى كالمه نورا وهدى، وشفاء،

باه ذلك لعلمه السابق في جهم وبشر ومن يقول بقولهما إنهم سيلحدون ورحمة، وحقا، وقرآنا، وأش

. في أسمائه وصفاته التي هي من ذاته وسيدخلونها في األشياء المخلوقة

يا أمير المؤمنين قد اقر عبد العزيز إنه شيء، وإنه ال كاألشياء فليأت بنص : فقال بشر

اء، وإال فقد بطل ما ادعاه وصح قولي إنه التنزيل كما أخذ علي وعلى نفسه، أنه ليس كاألشي

مخلوق، إذ كنا قد أجمعنا واتفقنا إنه شيء، وقلت أنا هو شيء كاألشياء وداخل في األشياء، وقال هو

ليس هو شيء كاألشياء وال داخل في األشياء، فليأت بنص التنزيل على ما ادعاه، وإال فقد ثبتت

. أخبرنا بنص التنزيل أنه خالق كل شيء الحجة عليه بخلقه إذ كان هللا عز وجل قد

فقال لي المأمون هذا يلزمك يا عبد العزيز، وجعل محمد بن الجهم وغيره : قال عبد العزيز

الباطل وطمعوا في قتلي، وجثا ظهر أمر هللا وهم كارهون، جاء الحق وزهق( يقولون)يصيحون

بخلق القرآن، فأمسكت فلم أتكلم حتى قال أقر وهللا يا أمير المؤمنين: بشر على ركبتيه وجعل يقول

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاك، قد تكلم بشر : مالك ال تتكلم يا عبدالعزيز فقلت: لي المأمون

وطالبني بنص التنزيل على ما قلت وهو المناظر لي فضجيج هؤالء أي شيء هو وأنا لم أنقطع ولم

ما طالبني ولست أتكلم في هذا المجلس ويتكلم فيه أعجز عن الجواب وإقامة الحجة بنص التنزيل ك

غير بشر إال أن ينقطع بشر عن الحجة فيعتزل ويتكلم غيره في مكانه، فصاح المأمون بمحمد بن

. الجهم وغيره فأمسكوا

. فقال لي المأمون تكلم يا عبد العزيز فليس يعارضك أحد غير بشــر: قال عبد العزيز

{له كن فيكون إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول }: عز وجلقال هللا: قال عبد العزيز5

{إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون }وقال عز وجل 6وإذا قضى أمرا }: وقال عز وجل

1 .122سورة األعراف آية 2 .7310ح 13/377وحيد فتح الباري ، والت6412ح 11/014الدعوات، فتح الباري / خ .11سورة األنعام آية 3 .13سورة األنعام 4 .42سورة النحل آية 5 .20سورة يس آية 6

10

{فإنما يقول له كن فيكون 1فدل عز وجل بهذه األخبار كلها وأشباه لها كثيرة على أن كالمه ليس

كاألشياء وأنه غير األشياء، وأنه خارج عن األشياء، وأنه إنما تكون األشياء بقوله وأمره، ثم ذكر

خلق األشياء كلها فلم يدع منها شيئا إال ذكره، وأخرج كالمه وقوله وأمره منها ليدل على أن كالمه

الذي خلق السماوات }: ياء وخارج عن األشياء المخلوقة، فقال عز وجلغير األش إن ربكم هللاه

والشمس والقمر أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا واألرض في ستة

را {واألمر ت بأمره أال له الخلق والنجوم مسخ2

واألمر، : فجمع في هذه اللفظة الخلق كله، ثم قال

يعني األمر الذي كان به هذا الخلق، ففرق عز وجل بين خلقه وبين أمره، فجعل الخلق خلقا واألمر

{ واحدة كلمح بالبصر وما أمرنا إال }: أمرا، وجعل هذا غير هذا، وهذا غير هذا، فقال عز وجل3

فيكون كلمح بالبصر، وقال عز أريدالبصر يقول له كن كما يقول إذا أردت شيئا فإنما هو كلمح

األمر }: وجل {من قبل ومن بعد هلل4يقول من قبل الخلق ومن بعد الخلق، ثم جمع عز وجل بين

ن كتابه، وأخبر عن خلقهما بقوله وكالمه، وأن كالمه وقوله األشياء المخلوقة في آيات كثيرة م

ماوات واألرض وهو الذي}: غيرها وخارج عنها فقال عز وجل بالحق ويوم يقول كنخلق الس

{فيكون قوله الحق 5ماوات واألرض وما ب وما}وقال عز وجل هما إال بالحق وإن ين خلقنا الس

فح الجميل {الساعة آلتية فاصفح الص6ماوات واألرض بالحق إن في }: وقال عز وجل الس خلق هللا

{آلية للمؤمنين ذلك 7 العز الكتاب من تنزيل حم }وقال عز وجل ماوات يز الحكيم ما خلقناهللا الس

سمهى {واألرض وما بينهما إال بالحق وأجل م8ماوات واألرض وما }: وقال عز وجل وما خلقنا الس

{ما خلقناهما إال بالحق وما بينهما العبين 9 أول }: وقال عز وجل م يتفكروا في أنفسهم ما خلق هللا

ماوات واألرض ى وإن كثيرا وما بينهما إال بالحق وأ الس سمه {بلقاء ربهم لكافرون ن الناس م جل م10

ماوات واألرض }: وقال عز وجل الس نفس بما كسبت وهم ال ولتجزى كل بالحق وخلق هللا

{يظلمون 11 .

يا أمير المؤمنين قد : فقال لي المأمون بعض هذا يجزيك فاختصره، فقلت: قال عبد العزيز

أخبرنا هللا عز وجل عن خلق السموات واألرض وما بينهما، فلم يدع شيئا من الخلق إال ذكره،

لقه، وأنه إنما خلقه بالحق، وأن الحق قوله وكالمه الذي به خلق الخلق كله، وأنه غير وأخبر عن خ

الخلق، وخارج عن الخلق، وهذا نص التنزيل على أن كالم هللا غير األشياء المخلوقة، وليس هو

. كاألشياء وإنما به تكون األشياء

شياء إنما تكون بقوله، ثم جاء يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاك فقد أدعى أن األ: فقال بشر

بأشياء متباينات متفرقات فزعم أن هللا عز وجل يخلق بها األشياء فأكذب نفسه ونقض قوله ورجع

. عما ادعاه من حيث ال يدري، وأمير المؤمنين أطال هللا بقاه الشاهد عليه الحاكم بيننا

.117سورة البقرة آية 1 .54سورة األعراف آية 2 .52سورة القمر آية 3 .4سورة الروم آية 4 .73سورة األنعام آية 5 .25سورة الحجر آية 6 .44ت آية سورة العنكبو 7 .3-1سورة األحقاف آية 8 .31-32سورة الدخان آية 9

.2سورة الروم آية 10 .00سورة الجاثية آية 11

13

د قال بشر كالما قد قلته وتحتاج يا عبد العزيز ق: فأقبل علي المأمون فقال: قال عبد العزيز

لو تركناه يتكلم لجاءنا بألف : أن تصحح قولك وال ينقض بعضه بعضا، وجعل بشر يصيح ويقول

. لون مما خلق هللا عز وجل بها األشياء

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاك، ذهبت الحجج وانقطع الكالم، : فقلت: قال عبد العزيز

خالص ج والترويج إلى الباطل وقطع المجلس وطلب الخالص والورضي بشر وأصحابه بالضجي

يا بشر أقبل على صاحبك واسمع منه، ودع هذا الضجيج، : فصاح المأمون: قال. من هللا عز وجل

.وكان قد قعد منا مقعد الحاكم من الخصوم

مت أني يا بشر زع: فقلت. تكلم يا عبد العزيز: ثم أقبل علي المأمون وقال: قال عبد العزيز

قد أتيت بأشياء متباينات متفرقات، فزعمت أن هللا خلق بها األشياء، فما قلت إال ما قال هللا عز وجل

. خلق األشياء بكالمه( هللا)في كتابه، وما جئت بشيء غير كالم هللا وال قلت وال أقول إال أن

وبكالمه، وبالحق، فقال يا أمير المؤمنين، قد قال إنه خلق األشياء بقوله وبأمره، : قال بشر

. بلى قد قلت هذا يا عبد العزيز: المأمون

يا أمير المؤمنين قد قلت هذا، وما قلته إال على صحته، وال خرجت : فقلت: قال عبد العزيز

عن كتاب هللا عز وجل وال قلت إال ما قال هللا عز وجل، وال أخبرت إال بما أخبر هللا عز وجل به

بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، وكل ما ذكر هللا عز وجل إنه خلق يوافق ( مما)أنه خلق

ويخلق به األشياء فهو شيء واحد له أسماء، هو كالم هللا، هو قول هللا، هو أمر هللا، وهو الحق،

فقول هللا هو كالمه وكالمه هو الحق، والحق هو أمره، وأمره هو قوله، وقوله هو الحق، وهي

ما سمى كالمه نورا وهدى وشفاء ورحمة وقرآنا، وفرقانا، فهذا مثل أسماء شتى لشيء واحد، وك

كالمه، كما أجراه على نفسه ألنه من ذلك، وذلك مثل هذا، وإنما أجرى هللا عز وجل مثل هذا على

ذاته، فسمى كالمه بأسماء كثيرة، وهي شيء واحد كما سمى نفسه بأسماء كثيرة وهو واحد أحد

. هذا ويستعظمه لقلة فهمه ومعرفته باللغة، ومعنى كالم العرب وألفاظها صمد فرد، وإنما ينكر بشر

، وزعم يا أمير المؤمنين قد أصل بيني وبينه كتاب هللا عز وجل وسنة رسوله: قال بشر

أنه ال يقبل إال نص التنزيل فما لنا ولذكر لغة العرب وغيرها لست أقبل منه إال نص التنزيل بما قال

. و قوله، وهو أمره، وهو الحقأن كالم هللا ه

.ذلك يلزمك يا عبد العزيز لما عقدت على نفسك من الشرط: فقال المأمون

صدقت يا أمير المؤمنين إن ذلك يلزمني وعلي أن آتي به من نص التنزيل، : فقلت: قال عبد العزيز

. هاته: قال

ن المشركين و }: قال هللا عز وجل وقد ذكر كالمه فقال: فقلت: قال عبد العزيز إن أحد م

رك فأجره حتى يسمع استجا {كالم هللاه1يعني حتى يسمع القرآن، ألنه ال يقدر أن يسمع كالم هللا من

إذا سيقول المخلفون }وقال عز وجل . هللا، وإنما عنى القرآن ال خالف بين أهل العلم واللغة في ذلك

لوامغانم لتأخذوها ذرونا نتبع لقتم إلىانط من كم يريدون أن يبد قل لن تتبعونا كذلكم قال هللا كالم هللا

{قبل 2 يريدون }: فسمى هللا القرآن كالمه، وسماه قوله، وأخبر أن قوله هو كالمه بقوله عز من قائل

لوا أن يريدون } من قبل يبد قل لن تتبعونا كذلكم قال هللا {كالم هللا3وإذا قيل }: وقال هللا عز وجل

.6سورة التوبة آية 1 .15سورة الفتح آية 2 .15سورة الفتح آية 3

14

قالوا نؤمن بما بما أنزل آمنوا لهم {لما معهم قا اءه وهو الحق مصد أنزل علينا ويكفرون بما ور هللاه1

وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم }: فهذا خبر هللا عن القرآن إنه الحق، وقال عز وجل

{بوكيل 2ا أنزلنا إليك فإن كنت في ش }: فأخبر عن القرآن إنه الحق ، وقال عز وجل م فاسأل ك م

بك فال تكونن من الممترين اب من قبلك لقد جاءك يقرؤون الكت الذين {الحق من ر3فهذا خبر هللا عن

نه إن من األحزاب فالنار موعده فال تك في م به ومن يكفر }: القرآن إنه الحق وقال عز وجل ه رية م

بك ولـكن أكثر الناس ال يؤمنون الحق {من ر4فهذا خبر هللا عن القرآن إنه الحق وقال عز وجل

بكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه الناس قد جاءكم قل يا أيها}: لنبيه {الحق من ر5وقال عز

بك الحق المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل }: وجل {ولـكن أكثر الناس ال يؤمنون إليك من ر6وقال

ب العالمين الم تنزيل الكتاب ال ريب }: ب فيه من ر {ك أم يقولون افتراه بل هو الحق من ر7وقال

سول وإذا سمعوا }: عز وجل ا عرفوا من الحق ترى أعينهم تفيض من ما أنزل إلى الر مع مم {الد8

بنا قالوا آمنا به إنه الحق من وإذا يتلى عليهم }: وقال عز وجل {ر9

ا في القرآن ، فهذه كلها وأمثاله

كثير، إخبار هللا عن القرآن أنه الحق، فسماه باسم الحق، ثم ذكر عز وجل أن القرآن قوله وأن قوله

}: هو الحق فقال عز وجل بيل ذلكم قولكم بأفواهكم وهللا {يقول الحق وهو يهدي الس10فهذا خبر هللا

مني ألمألن جهنم من الجنة ولكن حق القول }: قوله، وقال عز وجل عن قوله إنه الحق وإن الحق

{والناس أجمعين 11ع عن}: وقال عز وجل {قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق حتى إذا فز

12

وأن قوله هو الحق، ومثل هذا في القرآن كثير، ثم ذكر أن فهذه أخبار هللا كلها عن الحق إنه قوله

حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم ال كذلك }: الحق كالمه وأن كالمه الحق فقال عز وجل

{يؤمنون 13 الحق بكل }: فأخبر عن كالم هللا أنه الحق، وقال عز وجل ماته ولو كره ويحق هللاه

{المجرمون 14ولكن }: فأخبر عز وجل عن الحق أنه كالمه وأن كالمه هو الحق، وقال عز وجل

{حقت كلمة العذاب على الكافرين 15فهذه أخبار هللا عز وجل عن الحق أنه كالمه وإن كالمه هو

حم والكتاب المبين إنا أنزلناه }: كالمه فقال عز وجل الحق ثم ذكر عز وجل أن القرآن أمره، وهو

باركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم في ليلة ن عندنا م {أمرا م16هللا يعني القرآن ، فأخبر

أنزله ذل }: أن القرآن أمره؛ وأن أمره القرآن، وقال عز وجل {إليكم ك أمر هللا17يعني القرآن فهذا

خبر هللا أن القرآن أمره وأن أمره القرآن، وإن هذه أسماء شتى لشيء واحد، وهو الشيء الذي به

خلق األشياء وهو غير األشياء، وخارج عن األشياء، وغيره داخل في األشياء، وال هو كاألشياء

وهذا نص التنزيل بال تأويل وال . المه، وهو قوله، وهو أمره، وهو الحقوبه تكون األشياء، وهو ك

. تفسير

.11سورة البقرة آية 1 .66سورة األنعام آية 2 .14سورة يونس آية 34 .17سورة هود آية 5 .122يونس آية سورة 6 .1سورة الرعد آية 7 .0-1سورة السجدة آية 8 .23سورة المائدة آية 9 .53سورة القصص آية 10 .4سورة األحزاب آية 11 .13سورة السجدة آية 12 .03سورة سبأ آية 13 .33سورة يونس آية 14 .20سورة يونس آية 15 .71سورة الزمر آية 16 .5-1سورة الدخان آية .5لطالق آية سورة ا 17

15

.أحسنت أحسنت يا عبد العزيز: فقال المأمون: قال عبد العزيز

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاك، إنه يحب أن يخطب ويهذي بما ال أعقله، وال : قال بشر

.أقبل من هذا شيئا أسمعه، وال التفت إليه، وال أتى بحجة، وال

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاك، من ال يعقل عن هللا ما خاطب به : فقلت: قال عبد العزيز

، وما علمه لعباده المؤمنين في كتابه، وال يعلم ما أراد هللا بكالمه وقوله، يدعي العلم، ويحتج نبيه

.بالمقاالت والمذاهب ويدعو الناس إلى البدع والضالالت؟

أنا وأنت في هذا سواء، أنت تنتزع بآيات من القرآن ال تعلم تفسيرها وال تأويلها، : فقال بشر

. وأنا أرد ذلك وأدفعه حتى تأتي بشيء أفهمه وأعقله

بشر وتسويته فيما بيني وبينه، يا أمير المؤمنين، قد سمعت كالم: فقلت: قال عبد العزيز

وأين ذلك لك من كتاب هللا عز : خبر أنا على غير السواء، قالوأ( ولقد فرق هللا فيما بيني وبينه)

أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر }: قال هللا عز وجل: وجل؟ قلت

{أولوا األلباب 1هو الحق، وأومن به، وبشر نزل عليهفأنا وهللا يا أمير المؤمنين أعلم أن الذي أ

وال هو مما يقوم لي به عليه حجة، فلم يقل كما يشهد على نفسه إنه ال يعلم ذلك وال يعقله وال يقبله

أن يقوله، وال كما قال موسى عليه السالم، وال كما قالت قال هللا عز وجل، وال كما علم نبيه

قال أهل الكتاب، ولقد أخبر هللا عز وجل عن جهله، وأزال المالئكة، وال كما قال المؤمنين، وال كما

عنه التذكرة، وأخرجه عن جملة أولى األلباب، لكن أمير المؤمنين أطال هللا بقاه لما خصه هللا به من

والسؤدد، ورزقه من دقة الفهم وكثرة العلم والمعرفة باللغة عقل عن هللا عز وجل قوله، الفضل

. نى به فقبله واستحسنه ممن انتزعه بين يديه وأظهر قبوله والرضاء بقولهوعرف ما أراد به وما ع

فقد ( شاء)يا أمير المؤمنين قد اقر بين يديك أن القرآن شيء، فليكن عنده كيف : فقال بشر

{خالق كل شيء }إنه : اتفقنا على أنه شيء، وقال هللا عز وجل بنص التنزيل2وهذه لفظة لم تدع

أدخلته في الخلق وال يخرج عنها شيء ينسب إلى الشيء ألنها لفظة استقصت األشياء وأنت شيئا إال

. عليها مما ذكر هللا تعالى ومما لم يذكرها فصار القرآن مخلوقا بنص التنزيل بال تأويل وال تفسير

يل يا أمير المؤمنين علي أن أكسر قوله وأكذبه فيما قال بنص التنز: فقلت: قال عبد العزيز

هات ما عندك يا : فقال. حتى يرجع أو يقف أمير المؤمنين على كسر قوله وكذبه وبطالن ما أدعاه

ر كل }: يا أمير المؤمنين، قال هللا عز وجل: عبد العزيز، فقلت {شيء بأمر ربها تدم3يعني الريح

ال لم يبق شيء إال دمرته، وقد : الالتي أرسلت على عاد، فهل أبقت الريح يا بشر شيئا لم تدمره، ق

قد أكذب : قلت. لم يبق شيء إال وقد دخل في هذه اللفظة ألنهدمرت كل شيء كما أخبر هللا تعالى

{فأصبحوا ال يرى إال مساكنهم }: هللا من قال هذا بقوله4فأخب عنهم أن مساكنهم كانت باقية بعد

ميم }: وقال عز وجل. ةتدميرهم، ومساكنهم أشياء كثير {ما تذر من شيء أتت عليه إال جعلته كالر5

وقد أتت الريح على األرض والجبال والمساكن والشجر وغير ذلك فلم يصر شيئا منها كالرميم

{وأوتيت من كل شيء }: وقال عز وجل6يبقى شيء يعني بلقيس، فكأن بقولك يا بشر يجب أن ال

.11سورة الرعد آية 1 .120سورة األنعام آية 2 .05سورة األحقاف آية 3 .05سورة األحقاف آية 4 .40سورة الذاريات آية 5 .03سورة النمل آية 6

16

يقع عليه اسم الشيء إال دخل في هذه اللفظة وأوتيته بلقيس، وقد بقي ملك سليمان وهو مائة ألف

فهذا كله مما يكسر قولك ويدحض حجتك، ومثل هذا في . ضعف مما أوتيته لم يدخل في هذه اللفظة

لبدعتك، قال هللا القرآن كثير مما يبطل قولك، ولكني أبدأ بما هو أشنع وأظهر فضيحة لمذهبك وأدفع

ن علمه وال } :عز وجل {يحيطون بشيء م1 يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه }: وقال كن هللاه لـ

شهيدا {والمآلئكة يشهدون وكفى باهلله2لموا أنما أنزل بعلم فإن لم يستجيبوا لكم فاع }: وقال عز وجل

{هللاه3{وما تحمل من أنثى وال تضع إال بعلمه }: وقال عز وجل

4فأخبر هللا عز وجل بأخبار كثيرة

. في كتابه، أن له علما أفتقر يا بشر أن هللا علما كما أخبرنا أو تخالف التنزيل؟

ليس هلل علم، فيكون قد : جوابي وأبا أن يصرح بالكفر فيقولفحاد بشر عن : قال عبد العزيز

إن هللا علما، فأسأله عن علم هللا هل هو داخل : رد نص التنزيل فتتبين ضاللته وكفره، وأبى أن يقول

في األشياء المخلوقة أم ال؟ وعلم ما أريد، وما يلزمه في ذلك من كسر قوله وإبطال حجته، فاجتلب

يا أمير المؤمنين ال : فأقبلت على المأمون فقلت. معنى علمه إن ال يجهل: نه، فقالكالما لم أسأله ع

يكون الخبر عن المعنى قبل اإلقرار بالشيء، وإنما يكون اإلقرار بالشيء ثم الخبر عن معناه، فليقر

جبن أن بشر أن هلل علما كما أخبرنا في كتابه، فإن سألته عن معنى العلم وهذا مما ال أسأله عنه فلي

. هللا ال يجهل، وقد حاد بشر يا أمير المؤمنين عن جوابي

نعم إني أعرف الحيدة في كتاب هللا عز وجل وهي : وهل تعرف الحيدة؟ قلت: فقال بشر

. سبيل الكفار التي اتبعتها

نعم يا أمير : يا عبد العزيز هل تعرف الحيدة في كتاب هللا عز وجل؟ قلت: فقال لي المأمون

قال : فقلت. وأين هي من كتاب هللا عز وجل: فقال. ين وفي سنة المسلمين، وفي لغة العربالمؤمن

تدعون أو ينفعونكم هل يسمعونكم إذ }: هللا عز وجل في قصة إبراهيم عليه السالم حين قال لقومه

ون {أو يضر5ويسفه أحالمهم فعرفوا ما أراد بهم، وإنما قال لهم إبراهيم هذا ليكذبهم فيعيب آلهتهم

:وإنهم بين أمرين

إما أن يقولوا نعم يسمعوننا حين ندعو وينفعوننا ويضروننا، فيشهد عليهم بلغة قومهم إنهم قد

وعلموا . أو يقولوا ال يسمعوننا حين ندعو وال ينفعوننا وال يضروننا فينفوا عن آلهتهم القدرة. كذبوا

فحادوا عن كالمه واجتلبوه كالما . في أي القولين أجابوه عليهم قائمةعليه السالم أن الحجة إلبراهيم

{كذلك يفعلون بل وجدنا آباءنا}: من غير ما سألهم عنه فقالوا6ولم يكن هذا جوابا لمسألة إبراهيم

عنه أنه قال هللا رضيعليه السالم، وأما الحيدة في سنة المسلمين فيروى عن عمر بن الخطاب

يا معاوية ما : هللا عنه وقد قدم عليه فنظر إليه يكاد يتفقأ شحما، فقال رضيلمعاوية بن أبي سفيان

يا أمير المؤمنين رحمك هللا : هذه الشحمة لعلها من نومة الضحى ورد الخصوم، قال له معاوية

د عن جوابه لعلمه بما فيه، علمني وفهمني، ولم يكن هذا جوابا لقول عمر رضي هللا عنه إنما حا

.فاجتلب كالما غيره فأجاب به

: وأما الحيدة في كالم العرب فقول امرئ القيس

عقـرت بعيـري يا امرء القيس فانزل تقول وقد مــال الغبيـط بنـا معا

1 .055سورة البقرة آية 2 .166سورة النساء آية 3 .14سورة هود آية 4 .11سورة فاطر آية 5 .23– 71سورة الشعراء آية 6 .74سورة الشعراء آية

17

وال تبعدني من جنـــاك المعــلل فقلت لها سيري وأرخي زمامـــه1

فأقبل المأمون : وإنما حاد عن جوابها واجتلب كالما غيره، قال ولم يكن هذا جوابا لكالمها،

قد : فقال بشر. يأبي عليك عبد العزيز إال أن تقرأن هلل علما فأجبه وال تحد عن جوابه: على بشر فقال

. أجبته وأن معنى العلم ال يجهل وهذا جوابه ولكنه يتعنث

ال يجهل، ولم تكن مسألتي إياه على فقلت يا أمير المؤمنين صدق أن هللا: قال عبد العزيز

هذا، إنما سألته أني يقر بالعلم الذي أخبر هللا تعالى عنه في كتابه وأثبته لنفسه ولم أسأله عن الجهل

. فينفي الجهل عن هللا تعالى فليقر أن هلل علما، ولينفي أن هللا ال يجهل

تقول أن هلل علما كما أخبر، أو ترد ال بد من أن: ثم التفت إلى بشر فقلت: قال عبد العزيز

يا أمير : أخبار هللا بنص التنزيل، أو يقف أمير المؤمنين على حيدتك عن جوابي، فجعل يقول

المؤمنين إن نفي الجهل عنه هو جوابه وهو الذي عناه هللا في كتابه وهو الذي يطالبني به واحد إال

. أن اللفظين مختلفان

وكيف : ا أمير المؤمنين إن نفي السوء ال تثبت به المدحة قال بشري: فقلت: قال عبد العزيز

. إن قولي هذه االسطوانة ال تجهل ليس هو إثبات العلم لها: ذلك؟ قلت

يا أمير المؤمنين إنه لم يمدح هللا تعالى في : ثم أقبلت على المأمون فقلت: قال عبد العزيز

: ليدل على إثبات العلم، وإنما مدحهم بالعلم فقال عز وجل كتابه ملكا وال نبيا وال مؤمنا بنفي الجهل

{كاتبين يعلمون ما تفعلون كراما }2 عنك لم }: ولم يقل ال يجهلون، وقال عز وجل لنبيه عفا هللاه

{صدقوا وتعلم الكاذبين أذنت لهم حتى يتبين لك الذين 3 من عباده }: وقال عز وجل إنما يخشى هللا

{العلماء4، وللمؤمنين فمن ولم يقل الذين ال يجهلون فهذا قول هللا تعالى ومدحته للمالئكة وللنبي

أثبت العلم نفى الجهل، ومن نفى الجهل لم يثبت العلم، وعلى الخلق جميعا أن يثبتوا ما أثبت هللا،

فى هللا، ويمسكوا عما أمسك هللا، فما اختار بشر يا أمير المؤمنين من حيث اختار هللا وينفوا ما ن

، وال من حيث اختار لعباده لنفسه، وال من حيث اختار للمالئكة، وال من حيث اختار لنبيه

المؤمنين، فمن أجهل ممن اختار لنفسه غير ما اختار هللا لنفسه ولمالئكته وألنبيائه ولعباده

.منينالمؤ

: فإذا قال بشر إن هلل علما وأقر بذلك فيكون ماذا، قلت: فقال لي المأمون: قال عبد العزيز

خالق كل }: اسأله يا أمير المؤمنين عن علم هللا هل هو داخل في األشياء المخلوقة حين احتج بقوله

{شيء 5نعم فقد دخل في األشياء : فإن قال. فزعم إنه لم يبق شيء إال وقد أتى عليه هذا الخبر

يا أمير المؤمنين بخلقه الذين أخرجهم من بطون أمهاتهم وال يعلمون شيئا، المخلوقة فقد شبه هللا

قبل علمه فقد دخل عليه الجهل فيما بين وجوده إلى حدوث علمه، وهذه صفة ( وجوده)وكل من تقدم

نسب إليه، ومن قال ذلك فقد كفر المخلوقين، وهللا عز وجل أعظم وأجل من أن يوصف بذلك أو ي

وحل دمه ووجب على أمير المؤمنين قتله، وإن قال إن علم هللا خارج عن جملة األشياء وغير داخل

فيها، كما أن قوله خارج عن األشياء وغير داخل فيها، فمن ثم ترك قوله وضل يا أمير المؤمنين

عبد العزيز، وإنما فر بشر أن يجيبك في أحسنت أحسنت يا: فقال المأمون. وثبتت عليه الحجة فيها

1 .معلقة امرئ القيس .11-12سورة االنفطار آية 2 .43سورة التوبة آية 3 .02سورة فاطر آية 4 .120سورة األنعام آية 5

12

نعم يا أمير : فقلت. يا عبد العزيز تقول إن هللا عالم: ثم أقبل علي المأمون فقال. هذه المسألة لهذا

فتقول إن هلل سمعا : قال. نعم يا أمير المؤمنين: قلت: قال. إن هللا سميع بصير: فتقول: المؤمنين، قال

أي فرق بين هذين؟ : فقال. فقلت، ال أطلق هذا هكذا يا أمير المؤمنين كما قلت إن له علم،. وبصرا

بل نقذف }: يا أمير المؤمنين يا أفقه الناس، ويا أعلم الناس يقول هللا عز وجل: فأقبل بشر يقول

{على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق بالحق 1

.

ر المؤمنين قد قدمت إليك فيما احتججت به إن على الناس كلهم يا أمي: فقلت: قال عبد العزيز

جميعا أن يثبتوا ما أثبت هللا، وينفوا ما نفى هللا، ويمسكوا عما أمسك هللا عنه، فأخبرنا هللا عز وجل

}: أن له علما بقوله {فاعلموا أنما أنزل بعلم هللاه2إنه سميع بصير وأخبرنا : إن له علما كما قال: فقلت

ميع البصير }: بقوله {وهو الس3ولم يخبرنا أن له سمعا وبصرا . إنه سميع بصير كما قال: فقلت

4 ،

فقال . ما هو مشبه فال تكذبوا عليه: فأقبل عليهم المأمون فقال. وأمسكت عند إمساكه. كما قال: فقلت

هذا مما تفرد هللا بعلمه : معنى علم هللا فقلت لهقد زعمت أن هللا علما، فأي شيء هو علم هللا، و: بشر

يخبر به ملكا مقربا وال نبيا مرسال وال علمه أحد قبلي، ومعرفته وحجب عن الخلق جميعا علمه فلم

تسمع إلى قوله وال يعلمه أحد بعدي ألن علم هللا أكبر وأوسع وأعظم من أن يعلمه أحد من خلقه، ألم

ن علمه إال بماوال يحيطو}: عز وجل {شاء ن بشيء م5يظهر على غيبه عالم الغيب فال }: وقال

سول {أحدا إال من ارتضى من ر6هو ويعلم ما وعنده مفاتح الغيب ال يعلمها إال }: وقال عز وجل

يابس إال في ظلمات األرض وال رطب وال وما تسقط من ورقة إال يعلمها وال حبة البر والبحر في

بين {في كتاب م7ه أنما في األرض ولو }: وقال ا من بعده سبعة أبحر من شجرة أقالم والبحر يمد م

عزيز حكيم إن هللا {نفدت كلمات هللا8وأي شيء هذا مما نحن : أتدري يا بشر ما معنى هذا؟ قال.

: يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاك يقول: قلت. قل يا عبد العزيز أنت ما معنى هذا: فقال المأمون. فيه

صب أقالم يكتب بها والبحر مداد يمده من بعده ولو أن ما في األرض من جميع الشجر والخشب والق

سبعة أبحر بالمداد والخالئق كلهم يكتبون بهذه األقالم من هذا الشجر ما نفذت كلمات هللا، فمن يبلغ

قل لو }: عقله أو فهمه أو فكره كنه عظمة هللا عز وجل وسعة علمه وكثرة كالمه، قال عز وجل

1 .12سورة األنبياء آية 2 .14سورة هود آية 3 .11سورة الشورى آية 4 األسماء الحسنى فادعوه بها}: ها حسنى كما قال تعالىمذهب أهل السنة والجماعة، أن أسماء هللا عز وجل كل { وهلله

وذلك ألنها متضمنة لصفات كاملة ال نقص فيها بوجه من الوجوه، فهي أعالم وأوصاف، أعالم باعتبار داللتها على

ميع ال }: الذات، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني، فقوله تعالى يتضمن إثبات –فالسميع { بصير وهو الس

... }: أسما هلل عز وجل، وإثبات السمع صفه له، وإثبات حكم ذلك ومقتضاه وهو أنه يسمع السر والنجوى قال تعالى

سميع بصير يسمع تحاوركما إن هللا .{وهللا

:13/370فقد روى اإلمام أحمد والبخاري تعليقا في كتاب التوحيد

الحمد هلل الذي وسع سمعه األصوات لقد جاءت المجادلة إلى النبي : عن عائشة رضي هللا عنها قالت

قول التي تجادلك في زوجها }تكلمه وأنا في ناحية من البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل هللا عز وجل قد سمع هللا

وتشتكي إلى هللا سميع بصير وهللا .2/62وقد أورد ابن كثير هذا الحديث في تفسير اآلية { يسمع تحاوركما إن هللا

واإلمام الكناني من أهل السنة والجماعة وهو الناصر لمذهبهم بما جاء في الكتاب والسنة، فال يخالف

عند إمساكه، فلعل ذلك على سبيل المناظرة التي يتحاشا فيها ولم أقل إن له سمعا وبصرا وأمسكت : قولهم، وأما قوله

كما أنه . الدخول في دقائق المسائل التي قد تخفى على الحضور، وكل ما في األمر أنه أمسك مجتهدا ولم ينف الصفة

. ما هو بمشبه فال تكذبوا عليه: أثبت صفة العلم، ولهذا قال المأمون لبشر وأصحابه

سميع بال سمع بصير بال : ين ينفون الصفات التي تدل عليها األسماء الحسنى، فيقولونأما المعتزلة الذ

.وهكذا يسلكون في نفي صفات هللا تعالى.. بصر، عليم بال علم .055سورة البقرة آية 5 .07-06سورة الجن آية 6 .51سورة األنعام آية 7 .07سورة لقمان آية 8

11

{لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا مات ربيلكل كان البحر مدادا 1فمن يحد هذا

قالوا }أو يصفه أو يدعي علمه؟ وقد عجزت المالئكة المقربون عن علم ذلك واعترفوا بالعجز

{إنك أنت العليم الحكيم سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا 2 عنده علم الساعة }: وقال عز وجل إن هللا

ل الغيث اذا تكسب غدا وينز وما تدري نفس بأي أرض تموت ويعلم ما في األرحام وما تدري نفس م

عليم {خبير إن هللا3ال بد أن تقول أي شيء هو علم هللا أو يقف أمير المؤمنين أطال هللا : فقال بشر

إنما تأمرني بما نهاني هللا عنه : فقلت. بقاه على حيدتك عن الجواب فأكون أنا وأنت في الحيدة سواء

يع وحرم علي القول به، وتأمرني بما أمرني به الشيطان، ولست أعصي هللا وارتكب نهيه وأط

. الشيطان وأتبع أمره وأمرك إذ قد أمرتماني بمعصية هللا وارتكاب نهيه

يا عبد العزيز أمرك بشر بما : فاشتد تبسم أمير المؤمنين من كالمي فقال: قال عبد العزيز

نعم يا أمير المؤمنين، : نهاك هللا عنه وحرم عليك القول به، وأمرك بما أمرك به الشيطان؟ فقلت

: قال هللا عز وجل: قلت. هاته: قال. من كتاب هللا وكالمه بنص التنزيل: لك ذلك؟ قلتومن أين : قال

م ربي الفواحش ما ظهر منها وما} ما لم إنما حر بطن واإلثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا باهلله

ل به ما ال تعلمون سلطانا وأ ينز {ن تقولوا على هللاه4فحرم هللا على الخلق جميعا بهذا الخبر أني

ا في }: وأمرهم الشيطان بضد ذلك، قال عز وجل. يقولوا على هللا ماال يعلمون يا أيها الناس كلوا مم

بين إنما يأمركم ال األرض حالال طيبا وال تتبعوا خطوات يطان إنه لكم عدو م وء والفحشاء ش بالس

ما ال تعلمون {وأن تقولوا على هللاه5وهذا أمر الشيطان لنا أن نقول ماال نعلم، وقد اتبع يا أمير

ت عنه من ارتكاب نهي هللا عز المؤمنين بشر سبيل الشيطان ووافقه على قوله، وأمرني بما نهي

البد أن تقول أي شيء علم هللا، وقد أعلمته أني ال أعلمه وال علمه أحد : وجل وتحريمه حين قال

. قبلي وال يعلمه أحد بعـدي

. فكثر تبسم المأمون حتى غطى فمه بيده وأطرق ينكث بيده على السـرير: قال عبد العزيز

.121سورة الكهف آية 1 .30بقرة آية سورة ال 2 .34سورة لقمان آية 3 .30سورة األعراف آية 4 .161-162سورة البقرة آية 5

02

(هللا عز وجل" علـم"باب ذكر)

إن : لو ورد عليك اثنان وقد تنازعا في علم هللا عز وجل، فحلف أحدهما بالطالق: فقال لي بشر

أفتنا في أيماننا فما كان : ، فقاال لك إن علم هللا غير هللا: وحلف اآلخر بالطالق. علم هللا هو هللا

شر يلزمك ويجب قال ب. اإلمساك عنهما وتركهما وجهلهما وصرفهما بغير جواب: قلت. جوابك لهما

عليك إذ كنت تدعي العلم أن تجيبهما عن مسألتهما وأن تخرجهما من أيمانهما وإال فأنت وهما في

.الجهل سواء

أو يجب علي أن أجيب كل من سألني عن مسألة ال أجد لها في : فقلت لبشر: قال عبد العزيز

قال . ل عنها، وحمق الحالف عليهاذكرا وال علما قد جهل السائ كتاب هللا وال في سنة رسول هللا

. يجب عليك أن تجيبه عن مسألته فإنه البد لكل مسألة من جواب: بشر

يا : ثم أقبلت على المأمون فقلت: قال عبد العزيز. هذا جهل من قائله: فقلت: قال عبد العزيز

راجه من أمير المؤمنين سمعت ما قال بشر إنه يجب علي جواب من سألني عن مسألة وفتياه وإخ

.يمينه بما ال أجده في كتاب هللا وال في سنة نبيه

في الكوكب الذي أخبر هللا عز وجل ( قد تنازعوا) فلو ورد علي يا أمير المؤمنين ثالثة نفر

ا}: أن إبراهيم عليه السالم رآه بقوله ا جن عليه الليل رأى كوكبا قال هـذا ربي فلم ال أفل قال فلم

{أحب اآلفلين 1. حلفت بالطالق إنه المشتري وقال اآلخر حلفت بالطالق إنه الزهرة: فقال أحدهم

فأفتنا في أيماننا وأجبنا في مسألتنا كان علي أن أجيبهم في " المريخ وقال اآلخر حلفت بالطالق إنه"

. عز وجل به وال رسوله مسألتهم وأفتيهم في أيمانهم، وذلك مما لم يخبرنا هللا

. فقال المأمون ما ذلك عليك بواجب وال لك بالزم

فلو ورد علي يا أمير المؤمنين ثالثة نفر قد تنازعوا في األقالم : فقلت له: قال عبد العزيز

{مريم إذ يلقون أقالمهم أيهم يكفل }: بقولهالتي أخبر هللا عنها في كتابه 2حلفت بالطالق : ل أحدهمقا

حلفت بالطالق إنها : حلفت بالطالق إنها خشب، وقال اآلخر: إن هذه األقالم نحاسا، وقال اآلخر

قصب، فأجبنا عن مسألتنا، وأجبنا عن أيماننا، وذلك مما لم يخبر هللا به وال رسول وال يوجد علمه

ن أن أجيبهم عن مسألتهم وأفتيهم في ، كان علي يا أمير المؤمني في كتاب هللا وال في سنة نبيه

يا أمير المؤمنين، فلو ورد علي : فقلت: قال. ال ليس عليك إجابتهم وال فتياهم: فقال المأمون. أيمانهم

: ثالثة نفر قد تنازعوا في المؤذن الذي يؤذن بين أهل الجنة والنار الذي أخبر هللا عز وجل بقوله

ن بينهم أ } ن مؤذ على الظالمين نفأذ {لعنة هللاه3. حلفت بالطالق إن المؤذن من المالئكة: فقال أحدهم

. حلفت بالطالق إن المؤذن من الجن: وقال اآلخر. حلفت بالطالق إن المؤذن من اإلنس: وقال اآلخر

، في سنه نبيهفأجبنا عن مسألتنا وافتنا في أيماننا، وذلك مما ال أجده في كتاب هللا عز وجل وال

وال أخبرنا هللا به وال رسوله كان علي يا أمير المؤمنين أن أجيبهم في مسألتهم وأفتيهم في أيمانهم،

أمير المؤمنين ال يجوز لي وال صدقت يا: فقال المأمون ال ليس عليك إجابتهم وال فتياهم، فقلت

أخبر عن ذلك في كتابه أو عن علم لغيري بأن يقض بينهم وال يفتيهم إال أن يكون هللا عز وجل قد

هللا، وهو مما ال يوجد في كتابه وال في سنة نبيه، وال أخبرنا هللا به وال رسوله، وقد أكذب هللا بشرا

.76سورة األنعام آية 1 44سورة أل عمران آية 2 .44سورة األعراف آية 3

01

على لسان أمير المؤمنين أطال هللا بقاه فيما ادعاه من وجوب الجواب علي وفتوى من جهل في

. بد العزيزأحسنت أحسنت يا ع: مسألته وحمق في يمينه، فقال

واحدة بواحدة يا أمير المؤمنين، سألني عبد العزيز أن أقول هلل علما فلم أجبه، : فقال بشر

وسألته ما علم هللا فلم يجبني فقد استوينا في الحيدة عن الجواب، ونخرج عن هذه المسألة إلى

. غيرها، وندعها على غير حجة تثبت ألحدنا على صاحبه فيما قال

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاءك إن بشرا قد أفحم وانقطع عن الجواب : عزيزقال عبد ال

ودحضت حجته وبقي ال حجة يقيمها لهذا المذهب الذي كان يدعو الناس إليه، فلجأ إلى أن يسألني

سألني عبد العزيز عن مسألة فلم أجبه، وسألته عن مسألة فلم : عن مسألة محال يحتج بها علي ليقول

وبشر يا أمير المؤمنين على غير السواء في مسألتنا، ألني سألته نها، وقد قال ذلك، وأنا يجبني ع

وسائر عما أخبر هللا به وشهد به على نفسه وشهدت له المالئكة به، وتعبد هللا عز وجل نبيه

من كتاب }: الخلق باإليمان به بقوله {وقل آمنت بما أنزل هللا1وعلى الخلق بيهفوجب على ن

جميعا اإليمان بما أنزل هللا من كتاب، وبشر يا أمير المؤمنين يأبى أن يؤمن بذلك أو يقر به أو

وسألني بشر عن مسالة ستر هللا علمها عن المالئكة، وأهل واليته جميعا، وعني وعن بشر . يصدقه

م يعلمها أحد قبلنا وال يعلمها وعن سائر الخلق جميعا، ممن مضى وممن هو آت إلى يوم القيامة فل

علي يا أمير المؤمنين لو كان بشر أحد بعدنا، فلم يكن لي أن أجيبه عن مسألته، وإنما يدخل النقض

ال أعلمه، فإما إذا اجتمعنا جميعا أنا وبشر وسائر أنايعلم ما سألني عنه أو غيره من العلماء، وكنت

، فليس الضرر بداخل علي دونه، وهذه مسألة ال يحل أن الخلق في جهل هذه المسألة وقلة العلم بها

. يسأل عنها، وال يحل ألحد يجيب فيها ألن هللا عز وجل حرم ذلك عليه

أنتما في مسألتكما على غير السواء، وقد صح قولك في : فقال لي المأمون: قال عبد العزيز

. اهذه المسألة يا عبد العزيز وبان ووضح وظهرت حجتك على بشر فيه

ورأيت بشرا قد حار وانقطع وصح ما في يدي واستبان الحق ووضح : قال عبد العزيز

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاءك، أرجع إلى المسألة ، : ألمير المؤمنين ولسائر من بحضرته، فقلت

. وأدع العلم فأكسر قول بشر وافضح مذهبه وأبطل قوله واحتجاجه

ا عبد العزيز بتركك الكالم فيما قد قطع المجلس من غير أن قد أصبت ي: فقال لي المأمون

يرجع إليك عن مسألتك فيه جواب، وقد وقفنا من قولك على ما يلزم بشرا في هذه المسألة لو أجابك

. عن مسألتك، فهات ما عندك من غير هذا

يال أن يوفي يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاءك على كل من اكتال بمك: فقلت: عبد العزيزقال

{خالق كل شيء }: يا بشر ألست تزعم أن قوله: فقلت. به، قال ذلك يلزمه2لفظه ال يخرج عنها

هكذا : فقال بشر. شيء، ألن كل ، كلمة تجمع األشياء فال تدع شيئا يخرج عنها وكل شيء داخل فيها

أمير : هذيانك، فقلتقلت وهكذا أقول، وهكذا هو عند الخلق ولست أرجع عنه بكثرة خطبك و

. المؤمنين شاهد عليك بهـذا

{واصطنعتك لنفسي}يا بشر قال هللا عز وجل : ثم قلت له: قال عبد العزيز3وقال عز

ركم }: وجل نفسه ويحذ {هللاه1حمة ليجمعنكم إلى يوم ال }: وقال جل ذكره ال قيامة كتب على نفسه الر

1 .15سورة الشورى آية 2 .120سورة األنعام آية 3 .41سورة طه آية

00

{ريب فيه 2حمة أنه من عمل منكم سوءا كتب }: وقال عز وجل بجهالة ثم تاب ربكم على نفسه الر

{من بعده 3{ب نفسي وال أعلم ما في نفسك إنك أنت عالم الغيو تعلم ما في}: وقال

4فقد أخبر هللا

عز وجل في مواضع كثيرة من كتابه أن له نفسا، أفتقر يا بشر أن هللا نفسا كما أخبرنا عنها بهذه

نعم: األخبار كلها، قال5 .

{كل نفس ذآئقة الموت }: قال هللا عز وجل: فقلت له: قال عبد العزيز6أفتقول أن نفس رب

بأعلى صوته وكان جهير فوس التي تذوق الموت، فصاح المأمونالعالمين داخلة في هذه الن

إذا ورفعت صوتي معاذ هللا معاذ هللا أن يكون كالم هللا :الصوت، معاذ هللا معاذ هللا معاذ هللا، فقلت

داخال في األشياء المخلوقة، كما إن نفسه ليست بداخله في األنفس الميتة، وكالمه خارج عن األشياء

.إن نفسه خارجة عن األنفس الميتة المخلوقة كما

تكلم : فقلت له. يا أمير المؤمنين قد سألني فليسمع كالمي وليدع الصياح والضجيج: قال بشر

. ضميرا أو توهما، فهي خارجة وليست بداخلة في هذه النفوس( هللا)إذا كانت نفس : فقال. بما شئت

علم ما ستر عني، وإنما قلت إن هلل نفسا كما كم ألقي عليك إني أقول بالخبر وأمسك عن : فقلت له

أخبرنا وقد أقررت بذلك فلتكن عندك علي أي معنى شئت؟ وقل هي داخلة في هذه النفوس أو ال،

أنت رجل متعنت تجاب عن مسألتك فتطلب غيرها، : ودع عنا كالم الخطرات والوساوس، فقال لي

. وليس عندي جواب غير هذا وانقطع

يا أمير المؤمنين، قد كسرت قوله بقوله، ودحضت حجته بحجته : فقلت :قال عبد العزيز

وبطل ما كان يدعو إليه من بدعته، وبان ألمير المؤمنين قبح مذهبه وفحش قوله، فأقبل علي

يا عبد العزيز وقد وضحت حجتك، وبان قولك، وانكسر قول بشر، وتحتاج أن تشرح : المأمون فقال

ومعانيها وما أراد هللا عز وجل بها ليسمع من بحضرتنا، فقد جرت هذه األخبار التي في القرآن

. اليوم أشياء كثيرة يحتاج من سمعها إلى معرفتها وفهمها

يا أمير المؤمنين إن هللا عز وجل شرف العرب وكرمهم بأن أنزل : فقلت: عبد العزيزقال

{ا أنزلناه قرآنا عربيها إن }: القرآن بلسانهم وجعله مكتتبا على تبيانهم فقال عز وجل7: وقال عز وجل

وح } األمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الر

بين {م8{فإنما يسرناه بلسانك }: وقال عز وجل

9 عز وجل العرب بفهمه ومعرفته فخص هللا

وفضلهم على غيرهم بعلم أخباره ومعاني ألفاظه وخصوصه وعمومه ومحكمه ومبهمه، وخاطبهم

بما عقلوه وعلموه، ولم يجهلوه وقبلوه ولم يدفعوه، وعرفوه فلم ينكروه، إذ كانوا قبل نزوله عليهم

جل ذكره القرآن على أربعة أخبار بمثل ذلك في خطابهم ولغاتهم وكالمهم، فأنزل هللا يتعاملون

مخرج الخصوص ومعناه معنى الخصوص، ومنها خبر فمنها خبر مخرجه خاصة، وعامة،

مخرجه مخرج العموم ومعناه معنى العموم، فهذان خبران محكمان ال ينصرفان بإلحاد ملحد، ومنها

1 .32سورة آل عمران آية 2 .10آية سورة األنعام 3 .54سورة األنعام آية 4 .116سورة المائدة آية 5ابتداء الجزء الثاني " ظ"في : وعلق في الحاشية بقوله –الجزء الثاني : ثم قال –تم الجزء األول : في طبعة المجمع

... لعزيزقال عبد ا –نعم : بعد قوله: لكن الكالم في هذه النسخة متصل حيث قال: قلت. وهو ساقط من جميع النسخ

.إلخ كما في الصفحة التالية6 .125سورة آل عمران آية 0سورة يوسف آية 7 115-110سورة الشعراء آية 8 17آية مريمسورة 9

03

ومعناه معنى خبر مخرجه مخرج العموم ومعناه معنى الخصوص، ومنها خبر مخرجه الخصوص

. العموم، ففي هذين الخبرين يا أمير المؤمنين دخلت الشبهة على من ال يعرف خاص القرآن وعامه

{وله كل شيء }: فأما الخبر الذي مخرجه العموم ومعناه العموم، فهو قوله عز وجل1

يء هو له، مما هو مخلوق فجمع هذا الخبر الخلق واألمر، ولم يبق شيئا إال وقد أتى عليه، ألن كل ش

. فهذا خبر مخرجه مخرج العموم ومعناه معنى العموم. وغير مخلوق

: وأما الخبر الذي مخرجه مخرج الخصوص ومعناه معنى الخصوص، فهو قوله عز وجل

ن} سنون ف وإذ قال ربك للمالئكة إني خالق بشرا م ن حمإ م يته ونفخت فيه منصلصال م إذا سو

وحي فقعوا له ساجدين {ر2 كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال إن }: وقوله تعالى له مثل عيسى عند هللاه

ن الممترين بك فال تكن م {له كن فيكون الحق من ر3الخبر آلدم عليه السالم مخرج فكان مخرج

الخصوص، ومعناه معنى الخصوص، وكذلك كان مخرج الخبر لعيسى عليه السالم مخرجه مخرج

ن ذكر وأنثى وجعلناكم }: ثم قال. الخصوص ومعناه معنى الخصوص يا أيها الناس إنا خلقناكم م

أتقاكم شعوبا وقبائل لتعارفوا {إن أكرمكم عند هللا4والناس اسم يجمع آدم وعيسى ومن بينهما ومن

بعدهما، فعقل المؤمنون عن هللا عز وجل عند نزول هذا الخبر إنه لم يعن آدم وعيسى عليهما السالم

يهما السالم، في الناس الذين خلقهم من ذكر وأنثى ألنه قد قدم ذلك الخبر الخاص في آدم وعيسى عل

. وكان مخرج اللفظ عاما بهما وبغيرهما ومعناه خاصا بالناس دونهما

وأنه هو }: وأما الخبر الذي مخرجه مخرج الخصوص ومعناه معنى العموم فهو قوله تعالى

عرى رب {الش5 . فكان مخرج الخبر خاصا ومعناه عاما

ورحمتي}: ه الخصوص، فهو قوله تعالىوأما الخبر الذي مخرجه مخرج العموم ومعنا

{وسعت كل شيء 6فعقل المؤمنون عن هللا عز وجل عند نزول هذا الخبر أنه لم يعن إبليس فيمن

م منك وممن تبعك }: تسعة الرحمة لما قدم فيه من الخبر الخاص قبل ذلك وهو قوله ألمألن جهن

{ين منهم أجمع 7فكان إبليس ومن تبعه خارجين بهذا الخبر الخاص من رحمته التي وسعت كل

شيء، فصار معنى ذلك الخبر العام خاصا لخروج إبليس ومن تبعه من رحمة هللا تعالى التي وسعت

كل شيء، فلما أنزل هللا عز وجل هذه األربعة األخبار، خص العرب بفهمها ومعرفة معانيها

وعمومها والخطاب بها، ثم لم يدعها اشتباها على خلقه فيجد الملحدون السبيل وألفاظها وخصوصها

إلى اإللحاد في صفاته والطعن على أخباره والتشبيه على خلقه من غير العرب الذين لم يعقلوا عنه

ما أراد بخطابه حتى جعل فيها بيانا ظاهرا وعلما واضحا ال يخفى على من سمعه وتدبره وتفهمه

ر العرب، ممن ال يعرف الخاص، والعام، والمحكم، والمبهم، تفضال منه وتكرما وإحسانا من غي

إلى خلقه وإثباتا منه للحجة على من ألحد في كتابه وصفاته وما هو من ذاته، فإذا أنزل هللا تبارك

وتعالى خبرا مخرج لفظه خاص ومعناه عام، أو خبرا مخرج لفظه عام ومعناه خاص لم يدعه

ال على خلقه حتى يجعل أحد بيانين، أما أن يستثني من الجملة شيئا يكون بيانا للناس جميعا، أو إشكا

يقدم قبله خبرا خاصا، فإذا أنزل بعده خبرا عاما لم يتوهم أحد من العلماء إنه عنى ما خصه في

.الخبر الذي قدمه قبل نزول العام إذ كان قد خصه ونصه قبل ذلك

.11سورة النمل آية 1 .70، 71سورة ص آية 2 .62-51سورة آل عمران آية 3 .13سورة الحجرات آية 4 .41سورة النجم آية 5 156 سورة األعراف آية 6 25سورة ص 7

04

أما الخبر الذي ينزل على لفظ العموم ثم يستثني من الجملة ما لم يعنه في ف: قال عبد العزيز

{إال خمسين عاما فلبث فيهم ألف سنة }: العموم فهو قوله عز وجل في قصة نوح عليه السالم1

نوح فعقل المؤمنون عن هللا عز وجل حين استثنى الخمسين سنة من األلف أن األلف لم يستكملها

فكان ابتداء اللفظ عاما باأللف سنة، ومعناه خاصا باالستثناء للخمسين : في قومه أيام الطوفان قال

سنة، من األلف، ومثل هذا في القرآن كثير، ولكني أختصر من كل خبر مسألة واحدة ليقف من

. بحضرة أمير المؤمنين على ذلك كما أمر

: وأما الخبر الذي ينزله على مخرج العموم وقد قدم قبلة خبرا خاصا، فهو قوله عز وجل

{وسعت كل شيء ورحمتي}2فكان مخرج الخبر باللفظ عاما، وكان معناه خاصا لما قدم قبله من

{منهم أجمعين ك ألمألن جهنم منك وممن تبع }: الخصوص في إبليس ومن تبعه بقوله3: وقوله

ولقائه } حمتي وأولئك لهم عذاب أليم والذين كفروا بآيات هللا {أولئك يئسوا من ر4فعقل المؤمنون

عن هللا تعالى أنه لم يعن هؤالء الذين قدم فيهم األخبار الخاصة لخروجهم عن الرحمة أنهم

: معمومون بالرحمة مع غيرهم بهذا الخبر العام، وكذلك قال عز وجل في قصة لوط عليه السالم

ا جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو} قال إن أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين ولم

ينه فيها لوطا قالوا {وأهله إال امرأته كانت من الغابرين نحن أعلم بمن فيها لننج5وقال في موضع

وك وأهلك إال امرأتك }: آخر {إنا منج6فخص عز وجل المرأة بالهالك وقدم فيها أخبارا خاصة

إنا أرسلنا}: مخرج العموم ومعناه معنى الخصوص فقالبذلك، ثم أنزل عز وجل خبرا مخرجه

يناهم بسحر {عليهم حاصبا إال آل لوط نج7فعقل المؤمنون عن هللا عز وجل أنه لم يعن امرأة لوط

را بالنجاة، لما قدم فيها من األخبار الخاصة بالهالك، وكذلك حين قدم إلينا عز وجل في نفسه خب

{على الحي الذي ال يموت وتوكل }: خاصا إنه حي ال يموت بقوله8ثم أنزل خبرا مخرجه مخرج

{كل نفس ذآئقة الموت }: العموم ومعناه معنى الخصوص فقال9عقل المؤمنون عن هللا عز وجل أنه

الخبر الخاص في نفسه أنه حي ال يموت أنه لم يعن نفسه مع هذه النفوس الميتة لما قدم إليهم من

له إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول }: وكذلك حين قدم إلينا في كتابه خبرا خاصا فقال عز وجل

{كن فيكون 10فدل على قوله باسم معرفة، وعلى الشيء باسم نكره، فكانا شيئين مفترقين عند

ولم يقل أن نقول ( أن نقول له: وقال)إذا أردناه، ولم يقل إذا أردناهما، : ، فقالالعرب وأهل اللغة

: لهما، ففرق بين القول والشيء المخلوق والذي يقول له كن فيكون بالقول مخلوقا، ثم قال عز وجل

{خالق كل شيء }11المه فعقل المؤمنون عن هللا عز وجل عند نزول هذا الخبر العام إنه لم يعن ك

وقوله في األشياء المخلوقة لما قدم في ذلك من الخبر الخاص أن األشياء المخلوقة إنما تكون بقوله،

وإنما غلط بشر ومن قال بقوله وهلكوا وتاهوا وضلوا لجهلهم بالخاص والعام في القرآن العظيم،

. وإنما شرف هللا العرب وفضلها بمعرفتها بخاص القرآن وعامه ومجمله ومبهمه

.أحسنت أحسنت يا عبد العزيز: فقال المأمون

.14سورة العنكبوت آية 1 .156سورة األعراف آية 2 .25سورة ص آية 3 .03سورة العنكبوت آية 4 .31،30سورة العنكبوت آية 5 .33سورة العنكبوت آية 6 .34سورة القمر آية 7 .52سورة الفرقان آية 8 .125سورة آل عمران آية 9

.42سورة النحل آية 10 .120آية نعاماألسورة 11

05

وخالف يا أمير المؤمنين إن بشرا خالف كتاب هللا وسنة رسوله: فقلت: قال عبد العزيز

. إجماع أصحاب محمد

: قلت خالف كتاب هللا عز وجل، وسنة رسوله وإجماع أصحاب محمد: فقال لي المأمون

يا أمير المؤمنين إن اليهود ادعت تحريم : فقلت. قل: عة، قالنعم يا أمير المؤمنين، أوقفك عليه السا

قل }: أشياء لم تحرم عليهم في التوراة وزعموا أنها في التوراة محرمة، فقال هللا عز وجل لنبيه

{فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين 1ما عليهم فإذا أتوا بالتوراة فتليت لم يوجد ما ادعوه محر

أتل قراءنا بما : فيها، كان إمساك التوراة عند ذلك مكذبا لقولهم ومبطال لدعواهم، وكذلك أقول لبشر

وكذلك ننظر في سنة الرسول . قلت، وإال فإن إمساك القرآن عما تدعيه مكذب لك مبطل لدعواك

كذب لقوله مبطل بما قال، وإال فإمساك السنة م عليه السالم فإن كان معه سنة من رسول هللا

لدعواه وهما األصل الذي أصلناه بيننا وأشهدنا أمير المؤمنين أطال هللا بقاه على أنفسنا به وشرطنا

. كل ما لم يوجد في كتاب هللا وسنة رسوله إسقاطعلى أنفسنا

فإن أصحابه اختلفوا في الحالل والحرام ومخارج األحكام، فلم أما خالف أصحاب محمد

وبشر يا أمير المؤمنين أدعى على األمة . بعضهم بعضا، فهم من أن يكفر بعضهم بعضا أبعد يخطئ

كلمة تأولها بغير علم منه لمعناها وبما أراد هللا عز وجل بها ولم يجد لها في كتاب هللا عز وجل ما

ألمة جميعا ينصها وال ما يدل على تأويلها، ثم زعم أن من خالفه عليها كافر حالل الدم فأباح دم ا

تسليما وشرف وكرم على ذلك، فهو خارج عن إجماع أصحاب محمد 2 .

الكتــاب الثانــي

.بسم هللا الرحمن الرحيم وصلى هللا على سيدنا وموالنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من إبطال خلق )قد خطبت وتكلمت وهذيت وتركتك حتى تفرغ مما ادعيت : فقال بشر

ال يتهيأ لك معارضتها وال دفعها، وال التشبيه فيها، آيةلتنزيل، ومعنا من كتاب هللا بنص ا( القرآن

وال الخطب عليها، كما فعلت في غيرها، وإنما أخرتها ليكون انقضاء المجلس عليها وسفك دمك

. بها

هاتها فأنا أشهد أمير المؤمنين على نفسي إني أول من يتبعك : فقلت له: قال عبد العزيز

ها ويقول بها، ويرجع عن قوله، ويكذب نفسه ويتوب إلى هللا إن كان معك نص التنزيل، وكل علي

من خالف نص التنزيل فهو كافر، وهللا لو اجتمعت األنس والجن على ما قلت أن يأتوا به لم يقدروا

.أن يأتوا به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا

{قرآنا عربيها إنا جعلناه }: قال هللا عز وجل: قال بشر3 .

.13سورة آل عمران آية 12تم الكتاب األول بعون هللا وتوفيقه وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، يتلوه : قال الناسخ

.بسم هللا الرحمن الرحيم: ثم بدأ به فقال. الكتاب الثاني إن شاء هللا3 .3سورة الزخرف آية

06

إن هللا : ال أعرف أحدا من المؤمنين إال وهو يؤمن بهذا ويقول: فقلت له: قال عبد العزيز

. فأي شي في هذا من الحجة لك والدليل على خلقه. جعل القرآن عربيا وال يخالف ذلك

. علناه خلقناهوهل في الخليفة أحد يشك في هذا أو يخالف علي فيه إن معنى ج: فقال بشر

يا أمير المؤمنين هات نص التنزيل الذي قال يأتي به ورجعنا إلى معناه : قال عبد العزيز

. وتأويله

. ما هذا تأويل وال تفسير وال معنى، وال هو إال نص التنزيل: فقال بشر

قرآن يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاءك إن ال: فأقبلت على المأمون فقلت: قال عبد العزيز

منزل بلسانك وبلسان قومك، وأنت أفهم أهل األرض بلغة العرب ومعاني كالمها، وبشر رجل من

أبناء األعاجم يتأول كتاب هللا على غير ما عناه هللا عز وجل ويحرفه عن مواضعه ويبدل معانيه،

مه، وإنما يكفر ويقول ما تنكره العرب وال تتعارفه في كالمها ولغاتها، وأنت أعلم خلق هللا بلغات قو

. بشر الناس ويبيح دماءهم وبتأويل التنزيل

جاء الحق وزهق الباطل، تروح يا عبد العزيز إلى الكالم والخطب : فجعل بشر يقول

ا جاءهم}: واالستغاثة بأمير المؤمنين أطال هللا بقاه لينقطع المجلس قال هللا عز وجل ا عرفوا فلم م

{نة هللا على الكافرين كفروا به فلع 1أقبل علي فقد أتيت بما ال : ثم ضرب بشر يده على فخذي وقال

تقدر على دفعه وال على التشبيه فيه لينقطع المجلس بثبات الحجة عليك وإيجاب العقوبة عليك، فإن

في أول يكن عندك شيء تتكلم به، وإال فقد قطع هللا مقالك وأدحض حجتك، وجعل يصيح، فرحناك

. ما أردت فأين كالمك واحتجاجك إنه انقطع ذاك وجاء ما يخرس اللسان ويذهب العقل ويحل الدم

يا عبد العزيز مالك قد أمسكت أجبه إن كان : فأقبل علي المأمون فقال: قال عبد العزيز

سك ليس يدعني يا أمير المؤمنين أكلمه من ضجيجه وصياحه، فإن أم: عندك جواب لمسألته، فقلت

تكلمت وأجبته وكسرت قوله بإذن هللا عز وجل، وإن أراد أن يهذي ويروج الكالم إلى قطع المجلس

لم أتكلم، وكان أمير المؤمنين أطال هللا بقاه أعال عينا بما يراه، فصاح به المأمون أمسك وأسمع

. الجواب منه عما سألت

يا أمير : فقلت. العزيز بما تريدتكلم يا عبد : فأمسك، فقال لي المأمون: قال عبد العزيز

المؤمنين أطال هللا بقاءك ما خفي عليك حرف واحد مما جرى اليوم في مجلسك ولنعم الحاكم أنت

ما يخطر بباله من غير علم وال حقيقة لقوله، فإن : جزاك هللا عن رعيتك أفضل الجزاء، وبشر يقول

بيننا في هذه المسألة ويشهد علينا بما نقول رأى أمير المؤمنين أن يتحفظ علينا ألفاظنا وما يجري

أنا أفعل : فقال. ويطالب كل واحد منا صاحبه بإقامة الشاهد على ما يقول، من الكتاب والسنة فعل

. ذلك منذ اليوم

أخبرني عن جعل هذا حرف محكم ال يحتمل غير : فأقبلت على بشر فقلت: قال عبد العزيز

م ال يحتمل معنى غير الخلق وما بين جعل وخلق فرق عندي نعم هو حرف محك: الخلق، فقال بشر

وال عند غيري من سائر الناس، وال عند أحد من العرب، وال من العجم، وال يتعارفون الناس وال

. خلق أو جعل: يعقلون غير هذا في كالمهم ولغاتهم سواء عندهم قالوا

.21سورة البقرة آية 1

07

فأنا من الناس ومن الخلق أخبرني عن نفسك ودع ذكر العرب وسائر الناس : فقلت لبشر

. ومن العرب أخالفك على هذا وكذلك سائر العرب تخالفك

هذا باطل منك ودعوى تدعيها على العرب وغيرهم وليس يخالف في هذا أحد : فقال بشر

.من خلق هللا غيرك خوفا على نفسك مما هو نازل بك ال محالة

جعل وحلق واحد ال فرق بينهما أخبرني بإجماع الخلق بزعمك على أن: قال عبد العزيز

بل في سائر القرآن من ذلك وفي سائر : في هذا الحرف وحده أو في سائر القرآن من الجعل، قال

.الكالم واألخبار واألشعار

. حفظ عليك أمير المؤمنين أطال هللا بقاءه ما قلت وشهد به عليك: فقلت: قال عبد العزيز

. ليك متى سألتني عنه وال أخالفه وال أرجع عنهأنا أعيد هذا القول ع: فقال بشر

نعم هكذا : زعمت أن معنى جعلناه خلقناه قرآنا عربيا، قال: فقلت لبشر: قال عبد العزيز

هللا عز وجل تفرد بخلقه ولم يشاركه فيه أحد، أو شاركه في خلقه أحد، : قلت وهكذا أقول أبدا فقلت

.كه في خلقه أحدبل هللا خلقه وتفرد بخلقه ولم يشار: قال

إن بعض ولد آدم خلقوا القرآن من دون هللا أمؤمن هو : أخبرني عمن قال: قال عبد العزيز

. وأنا أقول أيضا هكذا كافر حالل الدم: فقلت. بل كافر حالل الدم: أم كافر؟ فقال

فر؟ فأخبرني عمن قال من أن التوراة خلقها اليهود من دون هللا تعالى أمؤمن هو أم كا: قلت

فأخبرني عمن قال: قلت. وأنا أقول أيضا هكذا كافر حالل الدم: بل كافر حالل الدم، فقلت: قال1

إن :

وأنا أقول : قلت. بل كافر حالل الدم: أمؤمن هو أم كافر؟ قال. بني آدم خلقوا هللا، وأن هللا أخبر بذلك

. أيضا مثل ذلك

فهل شاركه في خلقهم : قلت. بلى: قال فأخبرني يا بشر أليس هللا خلق الخلق كلهم أجمعين؟

بل كافر حالل : فمن قال إن بعض بني آدم خلقوا هللا أمؤمن هو أم كافر؟ قال: قلت. ال: أحد؟ قال

. وأنا هكذا أقول: قلت. الدم

قد قعدت تمتحنني وتشغلني حتى يؤذن الظهر وينقطع المجلس رجاء أن تنصرف : قال بشر

. اب لمسألتي وإال فقد انقطع الكالم وأي شي هذه الخرافاتسالما وهو ماال يكون عندك جو

فقلت يا أمير المؤمنين ليس ينصفني فأمره أن يجيبني عما أسأله عنه، فإن : قال عبد العزيز

الذي بقي أيسر، ثم أجيبه عن مسألته وعن كالمه، فقال له المأمون أجبه عن كالمه وما يسألك، قال

يؤخر اآلذان بالصالة إلى آخر الوقت وإن : المجلس، فقال المأمون الساعة يؤذن بالصالة وينقطع

. احتجتما إلى المجلس بعد الصالة لتمام الكالم جلست لكما حتى تفرغا

سله يا عبد العزيز عما تريد وال تدع شيئا مما : ثم أقبل علي المأمون فقال: قال عبد العزيز

جزاك هللا عني يا : ينكما وشاهد عليكما، فقلت لهتحتاج إليه فإني متحفظ عليكما جميع ما يجري ب

أمير المؤمنين خاصة وعن رعيتك عامة أفضل الجزاء فقد جلست منا اليوم مجلس اإلمام العادل

.مث أشار يف احلاشية إىل أن هذا اللفظ جاء يف ت و ظ م. إن بين آدم خلقوا اهلل وإن اهلل تعاىل أخرب بذلك: عمن قال: 45واجلامعة ص 27ص/ يف طبعة اجملمع 1

02

أحسنت إلي حين رأيتني جزعا فسكنت روعتي وآنست وحشتي وبسطت لساني بحجتي وتابعت

حجة، ودفعت أهل الباطل حين زهق الحق حين ظهر لك ودافعت وانتصرت له وشهدت لي بثبات ال

واضمحل، وبانت فضيحته، وشهدت على بطالنه، وأنصفت في مجلسك، وكان ذلك كله منك بتوفيق

هللا تعالى وتأييده إياك فله الحمد والشكر على ما أوالك وأولى رعيتك فيك يجزيك هللا أفضل ما

.جازى أحدا من األئمة عن رعيته

غت يا عبد العزيز في القول والشكر ولك الزيادة مما ابتدأناك به، قد أبل: فقال لي المأمون

. عما تريد( وأسأله) فارجع إلى مسألة بشر

أخبرني عمن زعم إن بعض بني آدم خلقوا : فأقبلت على بشر فقلت: قال عبد العزيز

أقول هكذا وأنا: فقلت. بل كافر حالل الدم: المالئكة من دون هللا تعالى أمؤمن هو أم كافر؟ قال

بل كافر : أخبرني عمن زعم إن بعض بني آدم خلقوا هلل شركاء أمؤمن أم كافر؟ قال: قلت. أيضا

. وهكذا أقول أنا أيضا: قلت. حالل الدم

يا أمير المؤمنين قد أقر بشر أنه كافر حالل : فأقبلت على المأمون فقلت: قال عبد العزيز

ه، وعلمت إني قد أخطأت، وأطرق المأمون إطراق الدم، وكل من قال بقوله ووافقه على مذهب

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاءك لم يكفرنا ويحل دماءنا بحضرتك : مغضب، نظر إليه بشر فقال

. وفي مجلسك بال حجة ظهرت، وإنما سبب ذلك ليقول هذا

لقد : فقال لي المأمون. قد شهد عليك أمير المؤمنين بما قلت: فقلت له: قال عبد العزيز

افحشت القول وأعظمته واستشهدني على ما لم أسمعه ولم أشهد على بشر به وال على أحد يقول

. بقوله

قلت حقا وإن بشرا قد كفر نفسه ( كنت)يا أمير المؤمنين اسمع قول فإن : قال عبد العزيز

عز من كتاب هللا آيةومن قال بمقالته وأحل دمه ودماءهم وانتزعت على كل حرف من كالمي ب

وجل، وإال فدمي حالل وليأمر أمير المؤمنين بضرب عنقي الساعة على رؤوس األشهاد وإن أتيت

على ما قلت ولفظت به بنص الكتاب والتنزيل في كل لفظة وأقمت الشهادة على بشر من كتاب هللا

. هات ما عندك وال تطل الكالم بغير حجة: فقال لي: قال. وسعني عدل أمير المؤمنين

إذا عاهدتم وال تنقضوا األيمان }: قال هللا عز وجل: فقلت: ل عبد العزيزقا وأوفوا بعهد هللاه

عليكم كفيال {بعد توكيدها وقد جعلتم هللاه1وقد خلقتم هللا عليكم كفيال، ال معنى لذلك عنده غيره، وإنه

. الفه وسائر العرب والعجم يقولون هذاومن قال بقوله ومن خ

من قال هذا فهو كافر حالل الدم، وقد كذب في القول األول، وصدق في قوله إن من : ثم قال

. قال هذا حالل الدم بإجماع األمة

يمانكم }: وقال عز وجل عرضة أل {وال تجعلوا هللاه2وال تخلقوا هللا عرضة أليمانكم، ال

عنى له عنده وال عند من قال بقوله، ومن خالفه وسائر الخلق جميعا غير هذا أن هللا قال لبني آدم، م

من قال هذا فهو كافر حالل الدم، وأمير المؤمنين يشهد عليه بهذا اللفظ، وقد : وال تخلقوا هللا، ثم قال

ل هذا فهو كافر حالل كذب في قوله، إن معنى وال تجعلوا وال تخلقوا، وصدق في قوله، إن من قا

. الدم بقوله وقولي وقول الناس جميعا

.11سورة النحل آية 1 .004سورة البقرة آية 2

01

}: قال هللا سبحانه: فقلت. ما أقبح هذا وأشنعه وأعظم القول به: فقال المأمون ويجعلون هلله

ا يشتهون {البنات سبحانه ولهم م1ت، ويخبر فزعم بشر يا أمير المؤمنين إن بني آدم يخلقون هللا البنا

من قال هذا فهو كافر حالل الدم : بذلك عن هللا عز وجل وإنه هو قاله وشهد به على نفسه، ثم قال

. بإجماع األمة

أندادا ليضلوا عن سبيله }: وقال عز وجل: قلت {وجعلوا هلله2فزعم بشر يا أمير المؤمنين

ه وال عند من قال بقوله غير هذا فزعم عن هللا عز وجل إن معنى وجعلوا وخلقوا، وال معنى له عند

. من قال هذا فهو كافر حالل الدم بإجماع األمة: إنه قال وخلقوا هلل أندادا ثم قال

شركاء الجن }: وقال هللا عز وجل {وجعلوا هلله3وخلقوا له شركاء الجن، ال معنى له عنده وال عند

خالفه وال عند سائر الناس إال هذا، فزعم بشر أن هللا عز وجل أخبر إنهم من يقول بقوله ومن

من قال هذا فهو كافر حالل الدم، وقد كذب في قوله إن معنى : يخلقون له شركاء الجن، ثم قال

. وجعلوا وخلقوا، وصدق في قوله إن من قال هذا فهو كافر حالل الدم بقوله وقول الناس جميعا

وهم أم تنبئونه بما ال يعلم في األرض أم جعلوا و }: وقوله عز وجل شركاء قل سم ن هلله بظاهر م

{القول 4فزعم بشر يا أمير المؤمنين إن معنى، وجعلوا، وخلقوا هلل شركاء، ال معنى له عنده وال

م وإال هذا المعنى فزعم أن هللا عز وجل عند من قال بقوله وال من خالفه وال عند العرب والعج

أخبرهم، إنهم خلقوا له شركاء وكذب بشر يا أمير المؤمنين وقال الباطل والزور، ولقد نفى هللا

وجعلوا : )إن من قال ذلك كافر ضال بقول تعالى ذلك وأبطله، وأخبر أنه ال يعلم من هذا شيئا وأخبر

(. ..لم في األرض أم بظاهر من القولهلل شركاء قل سموهم أم تنبؤونه بما ال يع

وا عن }: وكما قال فما له من هاد زين للذين كفروا مكرهم وصد {السبيل ومن يضلل هللاه5

ا آتاهما صالحا جعال له شركاء فيما آتاهما}: وقال عز وجل {فلم6نده وال عند من قال ال معنى له ع

من قال هذا فهو كافر حالل الدم، وكذب في األول ، : بقوله وعند الناس جميعا غير هذا، ثم قال

شركاء خلقوا }: وصدق في اآلخر إنه كافر حالل الدم بإجماع األمة، وقال عز وجل أم جعلوا هلله

{عليهم كخلقه فتشابه الخلق 7عم بشر إن معنى أم جعلوا، أم خلقوا، ال معنى له عنده وعند من فز

قال بقوله وعند الناس جميعا غير هذا، وزعم أن من قال هذا كافر حالل الدم، وكذب في قوله األول

الذين هم وجعلوا المالئكة } :وصدق في اآلخر إنه حالل الدم كافر بإجماع األمة، وقال عز وجل

حمن إناثا أشهدوا خلقهم عب {...اد الر8: فزعم بشر إن معنى قوله، وجعلوا، وخلقوا المالئكة، ثم قال

من قال هذا كافر حالل الدم، وكذب في األول وصدق في اآلخر إن من قال هذا فهو كافر حالل الدم

حق ق } : بإجماع األمة، وقال عز وجل ن شيء وما قدروا هللاه على بشر م قل دره إذ قالوا ما أنزل هللاه

{...تجعلونه قراطيس تبدونها من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس 9فزعم بشر يا

لقوا التوراة، ومعنى خلق التوراة يا أمير المؤمنين إن معنى تجعلونه وتخلقونه، يعني أن اليهود خ

خلق كالم هللا عز وجل، فزعم أن اليهود خلقت كالم هللا تعالى وأنه ال معنى لذلك عنده وال عند

من قال هذا فهو كافر خالل الدم، : غيره ومن قال بقوله وعند سائر العرب والعجم غير ذلك، ثم قال

.57سورة النحل آية 1 .32سورة إبراهيم آية 2 .122سورة األنعام آية 3 .33سورة الرعد آية 4 .33سورة الرعد آية 5 .112سورة األعراف آية 6 .16سورة الرعد آية 7 .11سورة الزخرف آية 8 .11سورة األنعام آية 9

32

كما أنزلنا على }: ثم قال هللا عز وجل. دمفكذب في االول، وصدق في اآلخر إنه كافر حالل ال

{المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين 1فزعم بشر إن معنى قوله الذين جعلوا القرآن عضين، الذين

من قال هذا فهو كافر حالل الدم، وقد كذب في قوله، إن : الذين خلقوا القرآن عضين، ثم قال

.آن، وصدق في قوله، إن من قال هذا فهو كافر حالل الدم بإجماع األمةالمقتسمين خلقوا القر

حسبك يا عبد العزيز قد أقر بشر على نفسه : فأقبل علي المأمون فقال: قال عبد العزيز

بالكفر وإحالل الدم وأشهد على نفسه بذلك وقد صدقت في كل ما قلت، ولكنه قال ما قال وهو ال

ذلك وهذا شيء يلزمه في نفسه خاصة وال يلزم غيره ممن ال يقر بمثل ما يعقل وال يعلم ما عليه في

. أقر به وال يحكم به على غيره بمثل ما حكم به بشر على نفسه

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاءك إنما قد خاطبت أمير المؤمنين بما : فقلت: قال عبد العزيز

ن على نفسه، وعلمت أن أمير المؤمنين قد حفظ قد حصل في يدي، واقر بشر به وأشهد أمير المؤمني

عليه كالمه، ولوال ذلك ما اجترأت على ذلك، فقال لي المأمون، كنت تقصد بشرا وحده بالكالم

هذا قولي وقول : لم يدعني، جعلت أسأله في خاصة نفسه فيقول: والمخاطبة دون سائر الناس، قلت

ب كالمه، وصدق أمير المؤمنين هذا يلزم من سائر الناس وقول العرب والعجم، فأجبته على حس

: أقر به دون غيره إال من قال مثل قوله وأقر بمثل ما أقر به وهذا الذي عنيت بقولي األول حين قلت

. قد أحسنت يا عبد العزيز االنتزاع: ومن قال بقوله فقال

هذا واذكر الجعل يا عبد العزيز تكلم في بيان : ثم أقبل علي المأمون فقال: قال عبد العزيز

نعم يا أمير المؤمنين : والخلق وفرق بينهما واشرح ذلك ليقف عليه من بحضرتنا ويعرفه، فقلت

أطال هللا بقاءك، ولكن إن رأيت أن تأذن لي فأقول قبل البيان والشرح أشياء في هذا المعنى مما

ال يطول بنا المجلس : أكسر به قول بشر وأدحض به حجته وأفضح به مذهبه وأبطل به اعتقاده فقال

قل ما تريد، وال تخاطب بشرا أقبل : يا أمير المؤمنين إنما أدرسه درسا يا أمير المؤمنين، قال: فقلت

خذوال }: قال هللا عز وجل لنبيه: قلت. علي ودعه إلـها آخر فتقعد مذموما م {ال تجعل مع هللاه2

إلها } : وقال في موضع آخر لنبيه دحورا وال تجعل مع هللاه م ملوما م {آخر فتلقى في جهن3فزعم

ال تخلق مع هللا إلها آخر، فمن أقبح قوال من هذا أو أفحش بشر يا أمير المؤمنين إن هللا قال لنبيه

كل ك مغلولة إلى عنقك وال تبسطهاوال تجعل يد } : وقال هللا عز وجل لنبيه عليه السالم. منه

{البسط 4فزعم بشر إن هللا قال لنبيه عليه السالم وال تخلق يدك مغلولة إلى عنقك، فزعم أن هللا

وال تخلق يدك، وهللا سبحانه خلقه خلقا : خلقه وبعثه رسوال، وليس له يد، ثم خاطبه بعد الرسالة فقال

سول } : ح هذا القول وأشنعه وأبين كسره وقال هللا عز وجلسويا، وما أقب بينكم ال تجعلوا دعاء الر

{كدعاء بعضكم بعضا 5ال تخلقوا دعاء : فزعم بشر يا أمير المؤمنين أن هللا عز وجل قال لخلقه

أن أرضعيه ا إلى أم موسىوأوحين }: الرسول بينكم، ما أقبح هذا من قول وأدحضه، وقال عز وجل

وه إليك وجاعلوه من المرسلين فإذا خفت عليه فألقيه في اليم وال تخافي {وال تحزني إنا راد6فاهلل

وبشر . له من المرسلينيأمرها بعد والته والرضاع له أن تلقيه في اليم ويعدها أن يرده إليها ويجع

يزعم إنه وعدها أن يرده إليها ويخلقه، وهذا ماال يعقله الناس، كيف يخلقه وهو مخلوق، وقال عز

ة ونجعلهم الوارثين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا}: وجل {في األرض ونجعلهم أئم7وزعم

.11-12سورة الحجر آية 1 .00سورة اإلسراء آية 2 .31سورة اإلسراء آية 3 .01سورة اإلسراء آية 4 .63سورة النور آية 5 .7القصص آية سورة 6 .5سورة القصص آية 7

31

د أن يمن على الذين استضعفوا في األرض ويخلقهم وهم مخلوقون مستضعفون في بشر إنه يري

{يا داوود إنا جعلناك خليفة في األرض }: وقال عز وجل. األرض هذا ماال تعقله العرب وال العجم1

اك خليفة في إنا جعلن: فخاطبه بعد خلقه وبعد فهمه ومعرفته، وزعم بشر أن هللا تعالى قال لداود

األرض، وهذا مما لو خوطب به داود عليه السالم ما عقله، وقال هللا عز وجل مخبرا عن دعاء

{لك ربنا واجعلنا مسلمين }: إبراهيم عليه السالم وإسماعيل عليه السالم حين قاال2فأخبر أنهما دعيا

يخلقهما مسلمين كان قد خلقهما، وقال هللا ربهما وهما مخلوقان، وزعم بشر أنهما دعيا ربهما إن

{رب اجعل هـذا البلد آمنا } :عز وجل مخبرا عن دعاء إبراهيم عليه السالم3وقد كانت مكة مخلوقة

مخلوقة قبل آدم عليه السالم وقبل إبراهيم، فكيف يدعو إبراهيم بخلقها وهذا مما ال يعقله الناس،

}: وقال عز وجل { من بحيرة وال سآئبة وال وصيلة وال حام ما جعل هللاه4فأخبر هللا أنه ما جعل ذلك

ذلك كله، وزعم بشر أن هللا ما خلق البحيرة وال السائبة وال الوصيلة وال الحام، وإنما خلقهما الكفار

.من دون هللا تعالى ومن قال هذا فقد كفر باهلل عز وجل

حسبك يا عبد العزيز فقد ثبتت حجتك في هذه : علي المأمون فقال فأقبل: قال عبد العزيز

ى بيان ما قد المسألة كثباتها في المسألة األولى وانكسر قول بشر فيها، وبطل دعواه، فارجع إل

معانيه وما أراد هللا به وما هو من الجعل مخلوق؟ وما هو غير ( رواذك)انتزعت به واشرحه

اهد، وما هو مخلوق، وما هو غير مخلوق، وما تتعامل به العرب في مخلوق؟ وبيان األعالم والشو

لغاتها وما تفرق به بين الجعلين في كالمها، ليسمع من في المجلس ذلك، ويقفوا على مذهب العرب

. في ذلك وما أراده هللا عز وجل بقوله في ذلك

وجل يحتمل معنيين يا أمير المؤمنين، إن جعل في كتاب هللا عز : فقلت: قال عبد العزيز

عند العرب، معنى خلق، ومعنى صير غير خلق، فلما كان خلق حرفا محكما ال يحتمل معنى غير

اخلقوا أو ال تخلقوا، إذ كان الخلق : الخلق، ولم يكن من صناعة العباد لم يتعبد هللا به العباد فيقول لهم

. ليس من صناعة المخلوقين وكان من فعل الخالق سبحانه وتعالى

معنى الخلق خاطب هللا به العباد باألمر والنهي –ولما كان جعل على معنى صير ال على

اجعلوا وال تجعلوا، ولما كان جعل كلمة تحتمل معنيين معنى خلق ومعنى صير لم يدع هللا في : فقال

بشر ذلك استباها على خلقه ولبسا على عباده فيلحد الملحدون في ذلك ويشبهون على خلقه كما فعل

وأصحابه حتى جعل على كل كلمة علما ودليال فرق به بين الجعل الذي يكون على معنى الخلق،

وبين الجعل الذي يكون على معنى التصيير، فأما الجعل الذي هو على معنى الخلق فإن هللا عز

والقول المفصل . انزل القرآن به مفصال وهو بيان لقوم يفقهون،وجل جعله من القول المفصل

أن تـوصل الكلمة بغيرها من الكالم إذ كانت قائمة بذاتها تدل ( به قبل)ستغني به السامع إذا أخبر ي

ماوات واألرض وجعل الظلمات }: على معناها، فمن ذلك قول هللا عز وجل الذي خلق الس الحمد هلله

{والنور 5 .

ال وخلق، ألنها قد علمت أنه أراد بهذا الجعل الخلق، فسواء عند العرب قال، وجعل، أو ق

ن أزواجكم بنين وحفدة }: ألنه أنزل من القول المفصل، وقال عز وجل {وجعل لكم م6فعقلت

مع وجعل }: وقال تعالى. العرب عنه أن معنى هذا وخلق لكم إذ كـان قوال مفصال لكم الس

.06سورة ص 1 .102سورة البقرة آية 2 .35سورة إبراهيم آية 3 .123سورة المائدة آية 4 .1سورة األنعام آية 5 .70سورة النحل آية 6

30

{واألفئدة واألبصار 1

، فعقلت العرب عنه أنه عنى بهذا الجعل الخلق، إذ كان من القول المفصل،

ومثل هذا في القرآن كثيرا . وسواء عندها قال جعل أو قال خلق، ألنها قد علمت ما أراده وما عنى

به جدا، يا أمير المؤمنين، فهذا وما كان على مثاله من القول المفصل الذي يستغني المخاطب

. والسامع له بكل كلمة عما بعدها

وأما جعل الذي هو بمعنى التصيير الذي هو غير خلق فإن هللا عز وجل أنزله من القول

حتى تصل الكلمة بالكلمة التي بعدها فيعلم ما أراد بها، وإن ( به)الموصل الذي ال يدري المخاطب

ع لها ما أراد بها ولم يفهمها ولم يقف على تركها مفصلة لم يصلها بغيرها من الكالم لم يعقل السام

(. بغيرها)معنى ما عنى بها حتى يصلها

{يا داوود إنا جعلناك خليفة في األرض }: فمن ذلك قول هللا عز وجل2إنا جعلناك، : فلو قال

وال ما . ما أراد هللا بهولم يصلها بما بعدها لم يعقل داود عليه السالم وال أحد ممن سمع هذا الخطاب

عنى بقوله ألنه خاطبه بهذا القول وهو مخلوق، فلما وصلها بخليفة في األرض، عقل داود وكل من

أن }: سمع هذا الخطاب ما أراد هللا بقوله وما عنى به، وكذلك حين قال هللا عز وجل ألم موسى

وه إليك وجاعلوه من م وال تخافيأرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في الي وال تحزني إنا راد

{المرسلين 3فلو لم يصل جاعلوه بالمرسلين لم تعقل أم موسى ما خاطبها به وال ما عنى بقوله، إذ

ى ما كان خلق موسى عليه السالم قد تقدم لرده إليها، فلما وصل الكلمة بالمرسلين عقلت أم موس

ا تجلى }: أراد بخطابها، وكذلك قوله عز وجل ا فلم {ربه للجبل جعله دكه4وقد كان الجبل قبل أن

يتجلى له مخلوقا، فوصل الجعل بدكا، ولو لم يصله لم يعقل السامع له ما أراد هللا بقوله، وكذلك قوله

{لك ربنا واجعلنا مسلمين }: عز وجل5فلو لم يصل الكلمة وفصلها لم يعقل أحد كل من سمع ذلك

{رب اجعل هـذا بلدا آمنا }: ما أراد بدعوتهما، وكذلك قول إبراهيم6فوصله بآمنا، ولم لم يصله ما

عقل أحد ممن سمع ذلك ما عنا بدعوته إذ كان بلد مكة مخلوقا قبل ذلك، فلما وصل بآمنا عقل

. لك ما أراد إبراهيم عليه السالم بدعوته، ومثل هذا كثير في القرآن جدا يا أمير المؤمنينالسامع لذ

والذي تتعارفه العرب وتتعامل به في لغاتها وخطابها ومعنى كالمها ومخارج ألفاظها هو

هللا الذي جرت به سنة هللا عز وجل في كتابه إذ كان إنما أنزل بلسانها واكتتب على تبيانها فخاطبهم

. عز وجل بما عقلوه وعرفوه ولم ينكروه ولم يكونوا يعرفون سواه وهو القول الموصل والمفصل

إنا جعلناه قرآنا }: فأرجع أنا وبشر يا أمير المؤمنين لما اختلفنا فيه من قول هللا عز وجل

{عربيها 7عرب أيضا وما تتعارفه وتتعامل به، إلى سنة هللا في كتابه في الجعلين جميعا، وإلى سنة ال

أنزله _ أي_ فإن كان من القول الموصل فهو كما قلت أنا إن هللا جعله قرآنا عربيا، بأن صيره عربيا

بلغه العرب ولسانها، ولم يصيره أعجميا فينزله بلغة العجم، وإن كان من القول المفصل فهو كما

شر ومن قال بقوله يا أمير المؤمنين ألنهم ليسوا من قال ولن يجد ذلك أبدا، وإنما دخل الجهل على ب

العرب وال علم لهم بلغة العرب ومعاني كالمها، فتناولوا القرآن على لغة العجم التي ال تفقه ما

تقول، وإنما تتكلم بالشيء كما يجري على ألسنتها، فكل كالمهم ينقض بعضه بعضا ال ينتقدون ذلك

. يرهم لكثرتهمن أنفسهم، وال ينتقده عليهم غ

.72سورة النحل آية 1 .06 صسورة 2 .7سورة القصص آية 3 .143سورة األعراف آية 4 .102سورة البقرة آية 5 .106سورة البقرة آية 6 .3سورة الزخرف آية 7

33

وسمعت األصمعي عبد الملك بن قريب، وقد سأله رجل أتدغم الفاء في : قال عبد العزيز

الياء؟ فتبسم األصمعي وقبض على يدي وكان لي صديقا، فقال لي أما تسمع، ثم أقبل على السائل

-بني ساسان -نباءتدغم الفاء في الياء في لغة إخواننا بني األ: وهو يتعجب من مسألته وقوله فقال له

. كيصبحت، فيدغمون الفاء في الياء، أما العرب فال تعرف هذا: يقولون

وهذا : قلت. فاشتد تبسم المأمون من قول األصمعي ووضع يده على فيه: قال عبد العزيز

.بني ساسان_ الذي يأتينا به بشر يا أمير المؤمنين من لغة أصحابنا بني األنباء

لمؤمنين أطال هللا بقاءك يذمنا ويكفرنا ويقول إنا نحرف القرآن عن يا أمير ا: فقال بشر

مواضعه، وهو قد وضع قدر القرآن وشأنه وسماه بأنقص اسم ووصفه بأخس صفة واقلها ولقد

خالف بقوله كتاب هللا عز وجل وحرفه عن مواضعه ألن هللا عز وجل سماه كتابا عزيزا، وسماه

طنا في الكتاب من شيء }: بقولهكريما، وأخبر عنه إنه تام كامل ا فر {م1وسماه عبد العزيز .

موصال ومفصال، فخالف كتاب هللا تعالى وصفته وذم ما مدح هللا ألن الموصل عند العرب والعجم

وسائر الخلق دون التام الصحيح الكامل، إذ كان الموصل عندهم جميعا الملفق الذي قد وصل بعضه

هو : فإذا أراد الرجل من العرب وغيرهم أن يضع من قدر الشيء قال. ه ببعضببعض ولف بعض

موصل وليس هو صحيح، فقد سمى كتاب هللا اسما ناقصا وقال فيه إثما وبهتانا عظيما، ولو قلت أنا

هذا وما هو دونه لكان قد خطب وتكلم واستغاث بأمير المؤمنين وأخرجنا عن اإلسالم وهو يقول

. ل على العرب، وأمير المؤمنين أطال هللا بقاه يحلم عنه بفضله وهو يتقوى بحلمه عليناالعظام ويحي

وهذا أيضا من جهلك بما في كتاب هللا عز وجل، تذمني : فقلت لبشر: قال عبد العزيز

وتزعم إني سميت كتاب هللا اسما ناقصا، وتغري بي أمير المؤمنين، وهو أعلم بما قلت وتكلمت

ما قلت إال ما قال هللا عز وجل، وما نسبت إال ما نسبه إليه وارتضاه له، وهو عند مني ومنك و

العرب الفصحاء كالم جيد صحيح مرتضى، وأنت تزعم أن كالم هللا هو من ذاته مخلوق وتشبهه

. بكالم المخلوقين من الشعر وقول الزور وغيره، وتنكر عل أن سميته بما سماه هللا تعالى به

في كتابه من حيث ال تفهمه وال تعلمه : قلت. وأين سماه هللا موصال ومفصال: فقال بشر

. هاته: فقال

لنا لهم القول لعلهم يتذكرون }: قال هللا عز وجل: فقلت: قال عبد العزيز {ولقد وص2فهذه

فسير وهو الذي اختاره لنفسه تسمية هللا عز وجل لكالمه ووصفه له بنص التنزيل ال بتأويل وال بت

به أن يوصل }: ولكالمه وارتضاه له، وقال {والذين يصلون ما أمر هللاه3فامتدحهم بصلة ما وصل

: من كتابه ووعدهم على ذلك أحسن عدة وهي الجنة، وقال عز وجل آيةوأثنى عليهم في غير

ياتهم والمالئكة ت عدن يدخلونهاأولئك لهم عقبى الدار جنا} ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذر

ن كل باب سالم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار يدخلون {عليهم م4فهذه مدحة هللا وهذا ثناء هللا،

ولقد ذم هللا عز وجل الذين قطعوا ما أمر هللا بصلته وذمهم . وصل ما وصل وهذا جزاء هللا لمن

من بع }: ولعنهم وجعلهم من الخاسرين فقال عز وجل د ميثاقه ويقطعون ماوالذين ينقضون عهد هللاه

.32سورة األنعام آية 1 .51سورة القصص آية 2 .01سورة الرعد آية 3 .04-00سورة الرعد آية 4

34

به أن يوصل ويفسدون في األرض {ولهم سوء الدار هم اللعنة أولئك ل أمر هللاه1فهذا ذم هللا لمن قطع

.ما وصل هللا وما أمر بصلته وهو وعيد هللا لهم بالنار

لت من }: ثم ذكر هللا ما في القرآن من المفصل فقال عز وجل الر كتاب أحكمت آياته ثم فص

{لدن حكيم خبير 2لت }: لوقال عز وج حيم كتاب فص حمن الر ن الر آياته قرآنا عربيها حم تنزيل م

{لقوم يعلمون 3ل اآليات لقوم يعقلون }: وقال عز وجل {كذلك نفص

4لنا اآليات لقوم }: وقال قد فص

{يفقهون 5ل وهذه أخبار هللا وهذه تسمية هللا وهذه نسبة هللا عز وجل لكالمه فهذا قول هللا عز وج

. وهذا اختيار هللا عز وجل لكتابه ولكالمه وهذا ما ارتضاه هللا ورضي به من قائله

يا أمير المؤمنين يزعم بشر أني سميت : فأقبلت على أمير المؤمنين فقلت: قال عبد العزيز

ذهبت بقدره وسميته بما لم يسمه هللا عز وجل، وإني أتيت بذلك كتاب هللا اسما ناقصا مذموما وإني

إثما وبهتانا عظيما ويدعي علي الدعاوي وأنا حاضر معه، وإنما ينبغي له إذا تكلمت بشي يطالبني

بإقامة الحجة والدليل على كل لفظة لفظت بها، فإن لم أفعل ذلك فليتكلم بما شاء ولقد أكذبه هللا عز

ذم قوله وأبطله بما أنزل هللا في كتابه من ذكر الموصل والمفصل، وما قصد بشر يا وجل في كتابه و

أمير المؤمنين بقوله هذا إال إلى تنقيص العرب كلها وذم كالمها ولغاتها، وما تتعامل به في خطابها،

إذ كانت تسمي كالم هللا تعالى موصال ومفصال، وتسمي كالمها مفصال وموصال، وتختار هذه

. اء لكالمها وترتضيها، وهي عندنا جميلة حسنة صحيحة المعنى ال خالف بينهماألسم

ما تعرف العرب من هذا شيئا، وما أنت أعرف بلغة العرب مني، وكل شيء : قال بشر

. نسبته إلى العرب فهو مخالف لقولها ولغتها ومذهبها في كالمها

لمؤمنين أطال هللا بقاءك أنت بيت يا أمير ا: فأقبلت على المأمون فقلت: قال عبد العزيز

اللغة وأعلم خلق هللا بلغة العرب وكالمها وما تتعارفه وتتعامل به في خطابها وأنت الحاكم بيننا فإن

أكن تزيدت على العرب منذ اليوم في ما حكيته عن العرب أو نسبته إليهم أو عدلت عن سنتهم أو

ألفاظهم فقد استحققت العقوبة من وجهين، حدث عنهم وعن مذهبهم وكالمهم وخطابهم ومخارج

أحدهما جرأتي على أمير المؤمنين أطال هللا بقاه وقولي بين يديه، وحكايتي عن قومه ما يعلم خالفه

واألخرى كذبي على سائر العرب وادعائي الباطل عليهم وأمير . مع علمي إنه أعلم خلق هللا بذلك

حل وسعة من دمي ومن كل ما يعاقبني به، إن كان قد المؤمنين يشهد علي بكذبي وتزييدي وهو في

وإن يكون بشر يا أمير المؤمنين قد تزيد في القول، وادعى علي الباطل كان . وقف على ذلك مني

. أمير المؤمنين أعال عينا بالرد عليه ومنعه من قول الزور والكذب

لعرب وما تتعارفه وتتعامل به، ما قلت يا عبد العزيز منذ اليوم إال ما تقوله ا: فقال المأمون

وما خرجت عن مذهبها، ولو عدلت عن ذلك ما سوغت6 . لك الكذب عليهـا

هللا أكبر هللا أكبر كذب بشر وهللا بشهادة أمير المؤمنين أطال هللا : فقلت: قال عبد العزيز

. أفلحت ورب الكعبة أفلحت ورب الكعبة وظهر أمر هللا وهم كارهون_ لي عليه_ بقاه

.07سورة البقرة آية 1 .1سورة هود آية 2 .3-1سورة فصلت آية 3 .02سورة الروم آية 4 .12سورة األنعام آية 5 .سوغتك 2ب سطر /32ة يف األصل ورق 6

35

فقال بشر وعلى الخلق أن يتعلموا لغة العرب: قال عبد العزيز1وما تعبدنا هللا بهذا، كل

إنسان يقول بلغته وبقدر معرفته، وما كلف هللا الخلق فوق طاقتهم، وال طالب أوالد العجم بلغة

. العرب

يت العلم وكلف هللا الخلق أن يتكلموا بما ال يعلمون حيث ادع: فقلت لبشر: قال عبد العزيز

، إتباعكوتكلمت في القرآن العظيم وتأولت كتاب هللا على غير ما عناه هللا، ودعوت الخلق إلى

وكفرت من خالفك وأبحت دمه، وهللا قد نهى الخلق جميعا فلم يحاش نبيا مرسال وال صديقا وال عبدا

مع يس لك به علم وال تقف ما ل }: مؤمنا أن يقولوا ماال يعلمون، فقال عز وجل لنبيه إن الس

{والبصر والفؤاد كل أولـئك كان عنه مسؤوال 2ما فال تسألن }: وقال عز وجل لنوح عليه السالم.

{ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين 3عترفا بخطيئته فقال نوح معتذرا إلى ربه م

ن لي به علم وإال قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس }: مستغفرا منها تغفر لي وترحمني أكن م

{الخاسرين 4حكمات هن هو }: وقال تعالى وأخر أم الكتاب الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات م

ا الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله متشابهات فأم

{إال هللاه5أخطب حتى تشبع من : وا، فقال بشريذمهم هللا بهذا الخبر وذم فعلهم وطريقهم التي سلك

فقلت يا أمير المؤمنين إن بشرا قد تحير في ضاللته، وعمي عن : قال عبد العزيز. الكالم ثم أخاطبك

ما انقطعت وال تحيرت وال : فقال بشر. رشده، وبانت فضيحة قوله ومذهبه، وانقطع فما يأتي بحجة

وت الناس وال أدعوهم إال إلى سبيل الرشاد بانت فضيحة مذهبي، وأنا على بينة من أمري، وما دع

. وال أنا وال هم إال على سداد وكل من خالفني فكافر حالل الدم

فقلت يا أمير المؤمنين ما كان بقي على بشر غير هذا قد قال كما قال : قال عبد العزيز

. فرعون، ولجأ إلى سبيل فرعون فاتبعها وإلى سبيله فسلكها

كيف قلت يا عبد العزيز؟ فأعدت عليه القول : ضع يده على فيه ثم قالفتبسم المأمون حتى و

لما قرأت على : كيف قال بشر ما قال فرعون ولجأ إلى سبيل فرعون؟ فقلت له: فازداد تبسمه ثم قال

بشر القرآن وأوضحت السبيل والبرهان ودللته على طريق النجاة، ونطقت بالحق الذي أنطقني هللا

لى بينة من ربي قال هو ما دعوت الناس إال إلى سبيل الرشاد، وكذلك قال به قال بشر إني لع

ن آل }: فرعون حين أنطق هللا من وفقه لقول الحق قال عز وجل ؤمن م فرعون يكتم وقال رجل م

وقد جاءكم بالب إيمانه أتقتلون رجال أن يقول ربي بكم وإن يك كاذبا هللا فعليه كذبه وإن يك ينات من ر

ال يهدي من هو مسرف كذاب يا قوم صادقا يصبكم بعض الذي لكم الملك اليوم يعدكم إن هللا

إن جاءنا نظاهرين في األرض فمن ينصرنا م {بأس هللا6قال هذا المؤمن الحق الذي أنطق : قلت

ما أريكم إال ما أرى وما}: هللا به لسانه وسدد به قوله وسمعه فرعون وقومه قال فرعون لقومه

شاد {أهديكم إال سبيل الر7قني هللا إليه وكذلك بشر يا أمير المؤمنين حين سمعني أقول الحق وف

إني لعلى بينة من ربي وما دعوت الناس إال إلى سبيل الرشاد فأجاب بمثل : وأنطق به لساني، فقال

ما أجاب به فرعون عند سماع الحق واتبع سبيله وما عدل عنها فبشر مرة يتبع سبيل الشيطان

يطا إن كيد }: ويأمر بما أمر به الشيطان وقد قال هللا عز وجل {ن كان ضعيفا الش8ومرة يتبع سبيل

. لغات العرب كلها ما تعبدنا اهلل هبذا: 111يف طبعة اجملمع ص 1 .36سورة اإلسراء آية 2 .46سورة هود آية 3 .47سورة هود آية 4 .7سورة آل عمران آية 5 .02-07سورة غافر آية 6 .01سورة غافر آية 7 .76سورة النساء آية 8

36

فون الكلم عن }: اليهود في تحريف القرآن عن مواضعه، وقد قال هللا عز وجل ن الذين هادوا يحر م

واضعه {م1 }: إلى قوله {أولـئك الذين لعنهم هللاه

2لة وال }: وقال مسكنة وبآؤوا وضربت عليهم الذ

ن بغضب م {هللا3ومثل هذا كثير، ومرة يتبع سبيل الكفار في التسوية بين الناس وبين خلقه في خلق

وما كيد }: خلق األشياء، ومرة يتبع سبيل عبدة األصنام في الحيدة عن الجواب وقد قال هللا عز وجل

{الكافرين إال في ضالل 4وما }: تبع سبيل فرعون والقول بمثل قوله وقد قال هللا عـز وجلومرة ي

{كيد فرعون إال في تباب 5على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق بل نقذف بالحق }: وقال عز وجل

ا تصفون {ولكم الويل مم6{إن الباطل كان زهوقا حق وزهق الباطل وقل جاء ال }: وقال عز وجل

7 .

{زهوقا 7 .

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاءكم إنما يتكلم ويخطب لينسي خصمه حجته ويشغله : فقال بشر

بغيرها، ولوال بسط أمير المؤمنين إياه لم يقدر يدير لسانه في فمه ولكنت ظاهرا عليه، ثم أقبل بشر

قال عبد . بت إلى غد ما تركت مطالبتك بما قلت فدع عنك الهذيان وأقبل عليلو خط: علي وقال

تعبد هللا الخلق أن يعرفوا الموصل والمفصل : فقال بشر. تكلم بما شئت حتى أجيبك: فقلت له: العزيز

. وما يضر الخلق أن ال يعرفوا ذلك وال يتعلمونه

. قد رجعنا إلى الكالم األول: فقال له المأمون

أدهشني بكالمه وخطبه عن تمام الكالم في هذا وهو يتوهم أنه كسر قولي بهذا : ال بشرفق

.وال يطالب أحد به/ المفصل والموصل الذي ال يحتاج إلى معرفته

فقلت لبشر بل قد تعبد هللا الخلق أن يعرفوا ذلك ويتعلمونه لئال يصلوا ما : قال عبد العزيز

. وجلفصل هللا ويفصلوا ما وصل هللا عز

. ما الحجة في ذلك والدليل على صدق قولك: قال

فقلت له أما سمعت ما قرأت عليك من كتاب هللا وما تلوت عليك من : قال عبد العزيز

اآليات المحكمات فيمن وصل ما أمر هللا به أن يوصل ومن قطع ما أمر هللا به أن يوصل وما وعد

. هللا به هؤالء من اللعنة والعذاب وسوء الدار هللا هؤالء من حسنى وعقبى الدار، وما توعد

.دع ذكر ما مضى فمالك فيه حجة واحتج الساعة بشيء أفهمه: فقال بشر

فقلت له صدقت أنك ما فهمت ما مضى ولو فهمت ما قلت ما قلت، وأقبلت : قال عبد العزيز

لكن بشر يزعم أنه لم وبالغ و آيةيا أمير المؤمنين إن في بعض ما مضى لكف: على المأمون فقلت

يفهم شيئا مما مضى وأنا أتكلم في ذكر المفصل والموصل من القرآن وأحتج للعرب في صحة

.لغاتها ومذاهبها في كالمها وخطابها

.46سورة النساء آية 1 .50رة النساء آية سو 2 .61سورة البقرة آية 3 .05سورة غافر آية 4 .37سورة غافر آية 5 .12سورة األنبياء آية 6 .21سورة اإلسراء آية 7

37

إن كان بشر لم يفهم ما مضى فكذلك ال يفهم إعادة ما يأتي : قـال عبد العزيز فقال المأمون

. فيه فإن هذا وقت الصالةفدع إعادة شيء قد مضى وظهرت لك الحجة

فقلت يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تأذن لي أن أتكلم بشيء لم أتكلم به في هذا المعنى أقيم

: فقال. به الحجة على بشر وأرجو أن يستحسنه أمير المؤمنين أطال هللا بقاءه من غير إطالة الكالم

.تكلم وأوجز

ت يا بشر إن هللا لم يتعبد الخلق بمعرفة زعم: فأقبلت على بشر فقلت: قال عبد العزيز

ما قلت هذا يا أمير المؤمنين : قال بشر. الموصل والمفصل فمن زاد فيه شيئا أو نقص منه كان كافرا

. وهو يدعيه علي

اخبرني عمن قال إن هللا عز وجل لم يتعبد الخلق بمعرفة شيء، من هذا أو غيره : فقلت له

كاذبا وإنما أقول كل شيء إذا زيد فيه : ا، أيكون صادقا أو كاذبا؟ فقالأو زاد فيه أو نقصه كان كافر

. كافرا ألن هللا تعبد الخلق بمعرفته وعلمه/ أو نقص منه أو غير عما هو عليه كان فاعل ذلك

. بما أنكرت وأقررتقد وافقتني وأجبت نفسك عني : فقلت له

الدليل على ما تقول قال عبد العزيز فقلت دع الكالم والتشبيه عنك وأقم الشاهد و: فقال بشر

أنه ال إلـه إال هو والمالئكة وأولوا العلم قآئما بالقسط شهد }: قال هللا عز وجل: له ال إلـه إال هو هللاه

{العزيز الحكيم 1بذلك لنفسه وشهدت له المالئكة وأولو فأخبر هللا عز وجل أنه ال إله إال هو وشهد

العلم بمثل ذلك فلو قال رجل شهد هللا أنه ال إله وقطع الكالم والصلة عامدا كان كافرا حالل الدم ألنه

أعظم على هللا عز وجل الفرية وأبطل الربوبية وجحد أن يكون هللا تعالى الها واستشهد مالئكته

شهد هللا أنه ال إله هو : كلمة كما وصلها هللا عز وجل فقالوأولو العلم على قوله، فإذا وصل ال

والمالئكة وأولو العلم كان صادقا وكان قد قال ما قال هللا عز وجل وشهد به لنفسه وشهدت به

ال إلـه إال هو الحي القيوم }: المالئكة وأولو العلم وكذلك قوله تعالى {هللاه2ن وكذلك كل ما في القرآ

: من التهليل فعلى هذا المعنى من فصله من صلته وزاد فيه أو نقص منه كان كافرا، وقال عز وجل

ا بعوضة فما} ال يستحيي أن يضرب مثال م {فوقها إن هللا3إن هللا ال يستحيي : لو أن رجال قال

يستحيي، ومن قال هذا فقد أعظم الفرية إذ أخبر وقطع الكالم عامدا كان كافرا ألنه زعم أن هللا ال

سورة عن هللا أنه أخبر عن نفسه أنه ال يستحيي فقد كفر وحل دمه بقوله هذا وكذلك قوله في

ال }: األحزاب {يستحيي من الحق وهللا4وهللا ال يستحيي وقطع الصلة عامدا كان : فلو قال رجل

في الحرفين فيقول في األول أن يضرب مثال ويقول في اآلخر من كافرا حتى يصل ما وصل هللا

الحق فيكون قد وصل ما وصل هللا ولم يقطعه وإن لم يصله كان كافرا حالل الدم، وقال هللا عز

{وعنده مفاتح الغيب ال يعلمها إال هو }: وجل5ع وعنده مفاتح الغيب ال يعلمها وقط: فلو قال رجل

الصلة عامدا كان كافرا حالل الدم ألنه زعم أن هللا ال يعلم الغيب، ومن زعم هذا فقد رد خبر هللا عز

والشهادة الكبير عالم الغيب }: وجل ورد قول هللا عز وجل بشهادته لنفسه بعلم الغيب بقوله

{المتعال 6سول يظ عالم الغيب فال }: وقوله عز وجل {هر على غيبه أحدا إال من ارتضى من ر

7

.12سورة آل عمران آية 1 .055، وسورة البقرة آية 0سورة آل عمران آية 2 .06سورة البقرة آية 3 .53سورة األحزاب آية 4 .51آية سورة األنعام 5 .1سورة الرعد آية 6 .07-06سورة الجن آية 7

32

عالم }: وقوله دور إن هللا ماوات واألرض إنه عليم بذات الص {غيب الس1فمن قال إن هللا ال يعلم

عنده مفاتح الغيب ال و: الغيب فقد كفر وحل دمه، فإذا وصل ما وصل هللا عز وجل ولم يقطعه فقال

يعلمها إال هو كان صادقا وكان قد قال ما قال هللا عز وجل ووصل ما وصل هللا عز وجل ومثل هذا

. في القرآن كثير

. استمع لما في مسألتك: أحسنت يا عبد العزيز، قال عبد العزيز فقلت لبشر: قال المأمون

للذين ال }: يجوز صلته فقول هللا عز وجلهاته، قال عبد العزيز وأما المفصل الذي ال: فقال بشر

{باآلخرة مثل السوء يؤمنون 2 المثل األعلى وهو }: هاهنا تم الكالم ثم يبتدي القاري فيقول وهلله

{العزيز الحكيم 3ا كان كافرا فلو قال رجل للذين ال يؤمنون باآلخرة مثل السوء وهلل قطع الكالم عامد

كافرا حالل الدم ألنه زعم أن هلل مثل السوء وشبهه جل ذكره بالذين ال يؤمنون باآلخرة وأدخله

للذين ال : معهم في المثل السوء، فإذا فصل الكالم كما فصله هللا ولم يصله بما لم يصله هللا به فقال

م الكالم وفصل ما فصل يؤمنون باآلخرة مثل السوء وقطع الكالم كان صادقا وكان قد وقف على تما

فلى}: هللا عز وجل ولم يصل ما فصل هللا قال هللا عز وجل {وجعل كلمة الذين كفروا الس4هاهنا تم

هي العليا}: الكالم ثم يبتدي القاري فيقرأ {وكلمة هللاه5وجعل كلمة الذين كفروا : فلو قال رجل

عامدا كان كافرا حالل الدم ألنه قد أعظم الفرية على هللا عز وجل وزعم أن السفلى وكلمة هللا وقطع

هللا تعالى بالذين كفروا فإذا فصل الكالم من ه سفلى مع كلمة الذين كفروا فشبههللا قد أخبر أن كلمت

الصلة فقال وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ووقف على ذلك وقطع الصلة كان صادقا وكان فصل

. ل هللا عز وجلما قد فص

أحسنت أحسنت يا عبد العزيز وقد أبلغت فال : فأقبل علي المأمون فقال: قال عبد العزيز

يا بشر هل عندك شيء تحتاج تسأل عنه عبد العزيز أو : تحتاج إلى زيادة، ثم أقبل على بشر فقال

ال هللا بقاءك هذا يا أمير المؤمنين أط: قال بشر. تحتج به عليه فقد ظهرت حجته ووضح قوله عندنا

يريد نص التنزيل بكل شيء يتكلم به أو يلفظ به وليس كل ما يتكلم به الناس ويحتجون به يجدونه

في نص التنزيل وإنما يجدونه في التأويل وهذا ال يقبل التأويل ويبطل التفسير حتى كأنه كان يشاهد

إذ كان الناس ال يجدون علم ما التنزيل وهذا ما ال أسوغه أنا للمناظرين وال أطيقه للمتكلمين

يختلفون فيه ويتنازعون من أمر دينهم في كتاب هللا عز وجل بنص التنزيل ولو كان هذا كما يقول

عبد العزيز لبطل التفسير كله وبقي الناس في حيرة من أمر دينهم والناس جميعا يوافقوني على

. قولي ويخالفون عبد العزيز

أمير المؤمنين أطال هللا بقاءك كل ما يتكلم به الناس من علم دينهم فقلت يا : قال عبد العزيز

طنا في }: وما يختلفون فيه ويتنازعون فيه فهو موجود في القرآن وفي غيره من كتبه لقوله ا فر م

{الكتاب من شيء 6فخذ ما آتيتك المييا موسى إني اصطفيتك على الناس برساالتي وبك }: وقوله

اكرين وكتبنا ن الش {له في األلواح من كل شيء وكن م7فليس من شيء يحتاج إليه يا أمير المؤمنين

. المؤمنين إال وهو موجود في القرآن عقله من عقله وجهله من جهله

.32سورة فاطر آية 1 .62سورة النحل آية 2 .62سورة النحل آية 3 .42سورة التوبة آية 4 .42سورة التوبة آية 5 .32سورة األنعام آية 6 .145-144سورة األعراف آية 7

31

عبد العزيز زعمت أن كل شيء فجثى محمد بن الجهم على ركبتيه وقال يا : قال عبد العزيز

يتكلم به الناس ويحتاجون إلى معرفته موجود في كتاب هللا بنص التنزيل بال تأويل وال تفسير

فأوجدنا أن هذا الحصير مخلوق أو غير مخلوق في كتاب هللا تعالى بنص التنزيل ووضع يده على

قال عبد العزيز . أوجدك ذلك نعم علي أن: كان تحتنا مبسوطا في اإليوان فقلت له/ حصير مرمي

. بلى: أخبرني عن هذا الحصير أليس هو من سعف النخل وجلود األنعام؟ قال: فأقبلت عليه فقلت له

فقلت له بل هاهنا . ال: هل هاهنا شيء غير هذا قال: فقلت له. ال: فهل فيه شيء غير هذا؟ قال: قلت

.نعم: ان الذي صنعه وألفه وأحكمه قالاإلنس: قال وما هو؟ قلت. شيء صار به حصيرا يجلس عليه

خلقها لكم فيها واألنعام }: فقلت له قال هللا عز وجل وقد ذكر األنعام فقال: قال عبد العزيز

{دفء ومنافع 206{نحن المنشؤون أأنتم أنشأتم شجرتها أم }: وأما السعف فإن هللا ذكره فقال

207

نسان من}: لوقا ن طين ولقد خلقنا اإل {ساللة م208فقد كمل خلق الحصير بنص القرآن بال تأويل

وال تفسير، فهل عندك مثل هذا في خلق القرآن تذكره وتحتج به وإال فقد بطل ما تدعونه في خلقه

يا : ال فصاح المأمونق .وصح ولم يزل صحيحا أن القرآن كالم هللا تعالى غير مخلوق من كل جهة

يا بشر هل : محمد بن الجهم مالك وللكالم خل بين الرجل وصاحبه حتى يكلمه وأقبل على بشر فقال

فقال . عندك شيء تناظر به عبد العزيز قبل أن نصرفه ونقوم فقد طال المجلس وصليت الظهر

أقول بالنظر والقياس فليدع يا أمير المؤمنين عندي أشياء كثيرة إال أنه يقول بنص التنزيل وأنا: بشر

مطالبتي بنص التنزيل ويناظرني بغيره فإن لم يدع قوله ويرجع عنه ويقول بقولي ويقر بخلق

. القرآن الساعة فدمي حالل

يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاءك : قال عبد العزيز فقلت. لهذا مجلس تناظرون فيه: فقال المأمون

ره كما سأل على جهة النظر والقياس وأدع مطالبته بالقرآن ونص إن رأيت أن تأذن لي فأناظ

التنزيل ويكون أمير المؤمنين أطال هللا بقاءه الشاهد علينا والمحتفظ لكالمنا فإن أقام بشر علي

إن ،فدمي حالل كما قال بشر / الحجة كما زعم وأقررت بشيء مما قال ورجعت عن شي مما قلت

والنظر كما ثبتت عليه من القرآن والسنة وشهد عليه أمير المؤمنين ثبتت الحجة عليه من القياس

. بذلك فقد حل دمه بما شرط على نفسه

فقال المأمون أنا الشاهد عليكما والحاكم بينكما فأوجزا واقتصرا وال تطيال : قال عبد العزيز

طمع في هو وجميع سل أنت ف: أتسألني أم أسألك؟ فقال: قال عبد العزيز لبشر. فيخرج وقت الصالة

قال عبد العزيز فقلت . أصحابه وتوهموا أني إذا خرجت عن التنزيل لم أحسن أن أتكلم بشيء غيره

إن القرآن مخلوق، قال عبد العزيز فقلت له يلزمك واحدة من : فقال. تقول إن كالم هللا مخلوق: لشر

، ه في نفسه ، أو خلقه في غيرهكالمثالث ال بد أن تقول أن هللا عز وجل خلق القرآن وهو عندي أنا

. أو خلقه قائما بذاته ونفسه فقل ما عندك

يا أمير : قال عبد العزيز فقلت. أقول إنه مخلوق وإنه خلقه كما خلق األشياء كلها: قال بشر

المؤمنين تركنا القرآن والسنن واألخبار عند هربه منها وناظرناه بالقياس والكالم لما ادعاه وذكر

الحجة علي به وإني أقر معه بخلق القرآن، فقد رجع بشر إلى الحيدة عن الجواب وانقطع أنه يقيم

الكالم فإن كان يريد مناظرتي على أنه يجيبني عما أسأله عنه وإال فأمير المؤمنين أعال عينا في ما

قله يراه في صرفي فإنما يريد بشر أن يقع معه من ال يفهم فيحيد عن دينه ويحتج عليه بما ال يع

. فتظهر حجته عليه فيبيح بذلك دمه

.5سورة النحل آية 206 .70سورة الواقعة آية 207 .10ة المؤمنون آية سور 208

42

أجب عبد العزيز عما سألك فقد ترك قوله ومذهبه وناظرك : قال فأقبل عليه المأمون فقال

. على مذهبك وما ادعيت أنك تحسنه وتقيم الحجة به عليه

يأبى عليك عبد العزيز إال أن تقول : فقال له المأمون. قد أجبته ولكنه يتعنت: فقال بشر

. دة من ثالثواح

.هذا بشر من مطالبته بالتنزيل ما عندي غير ما أجبت به: قال

فأقبل علي المأمون فقال يا عبد العزيز تكلم أنت في شرح هذه المسألة : قال عبد العزيز

. وبيانها ودع بشرا فقد انقطع عن الجواب من كل جهة

فقلت له ما صح . نعم: وق هو قالفقلت يا أمير المؤمنين سألته عن كالم هللا عز وجل أمخل

يلزمك في هذا القول وهو واحدة من ثالث البد منها أن تقول إن هللا خلق كالمه في نفسه، أو خلقه

فإن قال إن هللا خلق كالمه في نفسه فهذا محال ال يجد السبيل إلى . في غيره، أو خلقه قائما بذاته

جل ال يكون مكانا للحوادث وال يكون فيه شيء القول به من قياس وال نظر معقول ألن هللا عز و

مخلوق وال يكون ناقصا فيزيد فيه شيء مخلوق، وال يكون ناقصا فيزيد فيه شيء إذا خلقه تعالى هللا

. عن ذلك وجل وتعاظم

خلقه في غيره فيلزمه في النظر والقياس أن كل كالم خلقه هللا في غيره هو كالم : وإن قاتل

فرق بينهما فيجعل الشعر كالما هلل تعالى ويجعل قول الكفر والفحص وكل قول ذمه هللا ال يقدر أن ي

هللا وذم قائله كالما هلل عز وجل وهذا محال ال يجد السبيل إليه وال إلى القول به لظهور الشناعة

. والفضيحة على قائله تعالى هللا عنه ذلك علوا كبيرا

هو المحال الباطل الذي ال يجد إلى القول به سبيال خلقه قائما بنفسه وذاته وهذا : وإن قال

في قياس وال نظر وال معقول ألنه ال يكون الكالم إال من متكلم كما ال تكون اإلرادة إال من مريد وال

العلم إال من عالم وال القدرة إال من قادر وال رئي وال يرى كالم قط قائم نفسه يتكلم بذاته وهذا ماال

يثبت في نظر وال قياس وال غير ذلك فلما استحال من هذه الجهات أن يكون يعقل وال يعرف وال

مخلوقا ثبت أنه صفة هلل عز وجل وصفات هللا عز وجل كلها غير مخلوقة فبطل قول بشر يا أمير

. المؤمنين من جهة النظر كما بطل من جهة القرآن والتنزيل

أل عن غير هذه المسألة فلعله يخرج تس: أحسنت يا عبد العزيز فقال بشر: فقال المأمون

. سل يا عبد العزيز: فقال/ بيننا شيء يسمع فقلت نعم أنا أدع هذه المسألة وأسأل عن غيرها

تقول إن هللا كان وال شيء، وكان ولما يفعل شيئا ولما يخلق : فقلت لبشر: قال عبد العزيز

م تكن شيئا أهي أحدثت أنفسها أم هللا بأي شيء حدثت األشياء بعد إذ ل: فقلت له. بلى: قال. شيئا

: قلت له. أحدثها بقدرته التي لم تزل: فبأي شي أحدثها؟ قال: فقلت له. هللا أحدثها: أحدثها؟ قال

: فتقول إنه لم يزل يفعل؟ قال: قلت له. بلى: صدقت أحدثها بقدرته أفليس تقول إنه لم يزل قادرا؟ قال

لزمك أن تقول إنه خلق بالفعل الذي كان عن القدرة وليس الفعل فال بد من أن ي: قلت له. ال أقول هذا

. ألن القدرة صفة هللا وال يقال لصفة هي هللا وال هي غير هللا

ويلزمك أيضا أن تقول إن هللا لم يزل يفعل ويخلق وإذا قلت ذلك فقد أثبت أن : قال بشر

. المخلوق لم يزل مع هللا سبحانه وتعالى

41

ليس لك أن تحكم علي وتلزمني ماال يلزمني وتحكي عني ما لم : لت لهقال عبد العزيز فق

أقل إذ لم أقل إنه لم يزل فاعال يفعل فيلزمني مثل ما قلت وإنما قلت إنه لم يزل الفاعل سيفعل ولم

. يزل الخالق سيخلق ألنه الفعل صفة هلل عز وجل يقدر عليه وال يمنعه منه مانع

.األشياء بقدرته فقل أنت ما شئت أنا أقول إنه أحدث: قال بشر

فقلت يا أمير المؤمنين قد أقر بشر أن هللا كان وال شيء معه وأنه أحدث : قال عبد العزيز

األشياء بعد أن لم تكن األشياء بقدرته، وقلت أنا إنه أحدثها بأمره وقوله عز وجل عن قدرته فلم يخل

له قاله أو بأرادة أرادها أو بقدرة قدرها فأي ذلك فقد يا أمير المؤمنين أن يكون أول خلق خلقه هللا بقو

ثبت إن هاهنا إرادة ومريد وقول وقائل ومقال وقدرة وقادر ومقدور عليه وذلك كله متقدم قبل الخلق

وما كان قبل الخلق فليس هو من الخلق في شيء وكسرت وهللا يا أمير المؤمنين قول بشر ودحضت

قوله بالقرآن والسنة واللغة العربية، والنظر والمعقول، ولم يبق إال حجته إقراره بلسانه فقد كسرت

. القياس، وأنا أكسره بالقياس إن شاء هللا تعالى

هاته يا عبد : فقال. وكان المأمون قد جلس منا مقعد الحاكم من الخصمين: قال عبد العزيز

ال أجد علمهما من أحد من الناس يا أمير المؤمنين، لو كان بشر غالمان، وأنا: العزيز وأوجز، فقلت

إال من بشر، يقال ألحدهما خالد، ولآلخر يزيد، وكان بشر غائبا عني فكتب إلي ثمانية عشر كتابا

يقول ) وكتب إلي أربعة وخمسين كتابا . يقول في كل كتاب منها، أدفع إلى خالد غالمي هذا الكتاب

(في كل كتاب209، هذا الكتاب، ثم كتب إلي كتابا جمعهما فيه يزيد غالمي: أدفع إلى يزيد، ولم يقل

. أدفع إلى خالد غالمي هذا الكتاب، وإلى يزيد ولم يقل، يزيد غالمي: فقال

قد كتبت إلي أربعة : أليس تعلم أن يزيد هذا غالمي؟ فقلت له: ثم قدم بشر من سفره، فقال

(تقول في كل كتاب منها)وخمسين كتابا 210ولم تقل غالمي، ولم أسمعك أدفع هذا الكتاب إلى يزيد

تقول في كل _ وكتبت إلي ثمانية عشر كتابا. تقول إنه أحد غالميك، وأنا ال أجد علمه عن أحد غيرك

أدفع إلى خالد غالمي هذا الكتاب فعلمت إنه غالمك، ثم كتبت إلي كتابا جمعتهما فيه _ واحد منها

تقل غالمي، فمن أين أعلم أن يزيدا غالمك أدفع إلى خالد غالمي هذا الكتاب، وإلى يزيد ولم: فقلت

. وأنت لم تقل بي قبل هذا الوقت إنه غالمك وليس أعلم خبرهما من غيرك

فقال بشر فرطت، فحلفت أنا إن بشرا فرط، وحلف بشر إني أنا فرطت حيث لم أعلم إن

بشر أي شي هذا مما بشر المفرط، فقال: فقال. يزيدا غالمه من كتبه، فأينا المفرط يا أمير المؤمنين

. نحن فيه

إن هللا أخبر في كتابه عن خلق اإلنسان في ثمانية عشر موضعا، ما ذكره : قال عبد العزيز

. في موضع منها إال أخبر عن خلقه

وذكر القرآن في أربعة وخمسين موضعا من كتابه فلم يخبر عن خلقه في موضع منها وال

جمع بين القرآن واإلنسان في موضع واحد وأخبر عن خلق أشار إليه بشي من صفات الخلق، ثم

نسان }: فقال عز وجل. اإلنسان، ونفى الخلق عن القرآن حمن علم القرآن خلق اإل {الر211ففرق بين

القرآن وبين اإلنسان، فزعم بشر يا أمير المؤمنين إن هللا عز وجل فرط في الكتاب، وكان يجب

209 .130من طبعة المجمع ص 210 .130من طبعة المجمع ص 211 .3-1سورة الرحمن آية

40

طنا في الكتاب من شيء }عن خلق القرآن، وقال هللا عز وجل عليه أن يخبر ا فر {م212فهذا كسر

قول بشر في القياس والحمد هلل رب العالمين وصلى هللا على سيدنا وموالنا محمد وعلى آله وصحبه

. وسلم

أحسنت يا عبد العزيز، ثم أمر لي بعشرة أالف درهم، فحملت بين يدي: قال المأمون

وانصرفت من مجلسه على أحسن حال وأجملها، قد أعز هللا دين اإلسالم وعز أهله وأذل الكفر

. وأهله فلله الحمد والشكر على نعمه كلها وعلى مننه وتوفيقه وتسديده

فسر المسلمون جميعا بما وهبهم هللا من إظهار الحق وقمع الباطل، : قال عبد العزيز

كتنفها من الغم والهم والحزن وجعل الناس يجيئون إلي أفواجا حتى وانكشف عن قلوبهم ما كان قد ا

ال بد أن تملى علينا : أغلقت بابي واحتجبت عنهم خوفا على نفسي وعليهم من مكروه يلحقنا، فقالوا

أنا أذكر بعض : ما جرى لنعرفه ونتعلمه، فتهيبت ذلك، وتخوفت سوء العاقبة، فلما ألحوا علي قلت

ن علي حجة في ذكره فرضوا بذلك، فأملين عليهم أوراقا يسيرة مقدار عشر ما جرى مما ال يكو

أوراق مختصرة مما جرى ألقطعهم بها عني وعن مالزمة بابي، ولم يتهيأ لي شرح هذا كله لما

تخوفت على نفسي مما يلحقني بعضه، وأنا أذكر ما لحقني بعد هذا المجلس وما جرى بسبب تلك

عني في كتاب مفرد بعد هذا إن شاء هللا تعالى األوراق التي كتبها الناس213 " . آخر كتاب الحيدة"

وكان خلق ظهري وأنا في مجلس أمير المؤمنين المأمون أناظر : قال عبد العزيز الكناني

بشرا المريسي على ما سأذكره في هذا الكتاب رجل ممن يعرف بالكالم والنظر، فجعل كلما سكت

م، وإذا أردت أنا أن أتكلم ال يزال يهذي خلفي ويقرب رأسه من بشر وانقطع يحرضه على الكال

أذني ليسمعني ويدهشني ويقطعني بذلك عن حجتي، فشكوت إلى أمير المؤمنين ذلك فصاح به

ما من شيء كان أو هو كائن مما يحتاج الناس إلى معرفته وعلمه إال : وباعده عني، فلما قلت لبشر

عقله من عقله، وجهله من جهله، فإذا ذلك الرجل يضرب يده على وقد ذكره هللا عز وجل في كتابه

يا سبحان هللا تزعم أن كل ما هو كائن مما يحتاج إليه قد ذكره هللا ما أعظم هذا وكيف : فخذه ويقول

يعلم ما هو كائن فيذكره؟

فالتفت إليه فقلت له أنت جهمي قدري أيضا وأنت تهذي دائما، ثم أقبلت : قال عبد العزيز

هو . يا أمير المؤمنين أطال هللا بقاءك إن هذا الذي شكوت إليك أذاه منذ اليوم: على المأمون فقلت

جهمي قدري قد جمع األمرين من جهتين، ينكر أن يكون هللا يعلم ما يكون قبل أن يكون، فقال

أكذبه وأكسر إن رأى أمير المؤمنين أطال هللا بقاءه أن يأذن لي حتى : هذا قوله، فقلت له: المأمون

. قوله وأدحض حجته وأبطل مذهبه بنص التنزيل الساعة

. لهذا وقت غير هذا ومجلس غير هذا تتكلم معه ومع غيره في القدر خاصـة: فقال المأمون

فقال . واحدة آيةيا أمير المؤمنين ليس أطول إنما أحتج عليه ب: فقلت: قال عبد العزيز

. قل ما تريد: المأمون

. أنا أنكر هذا. نعم: قال. أتنكر أن هللا يعلم ما يكون فبل أن يكون: لعزيز فقلت لهقال عبد ا

فصاح . وهللا يا أمير المؤمنين لقد علم هللا ما لم يكن، وال يكون أن لو كان كيف كان يكون: فقلت

.الذي أخذك بلسانك الحمد هللالرجل ما أجراك على الكذب

212 .32سورة األنعام آية

.إىل هنا آخر طبعة مركز شئون الدعوة 213

43

نعم وهللا لقد علم هللا ما لم يكن وال : فقلت له. يا عبد العزيز أعد هذا الكالم: فقال لي المأمون

. يكون أن لو كان كيف كان يكون

يا عبد العزيز هذا شيء تقوله من نفسك أو شيء تحكيه عن غيرك، فقلت : فقال لي المأمون

تاب هللا وأين ذلك من ك: ، فقال لي المأمونهذا شيء أخبرنا به في كتابه الذي أنزله على نبيه: له

. عز وجل

فقالوا يا ليتنا نرد إذ وقفوا على النار ولو ترى }: قال هللا عز وجل: قال عبد العزيز فقلت له

ا كانوا يخفون من قبل ول ب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم م وا لعادوا لما وال نكذ و رد

{وإنهم لكاذبون نهوا عنه 214في قولهم هذا، وهذا ما لم يكن وال يكون ألنهم ال يردون ال هم وال

غيرهم، فأخبر عز وجل بعلمه السابق فيهم أن لو ردوا ما كانوا فاعلين، ولن يردوا أبدا، فهذا ما لم

. كونيكن وال يكون أن لو كان كيف ي

. ، وما قلت في يومك هذا أحسن وال أدق من هذاأحسنت يا عبد العزيز: لي المأمونفقال

قد أكذبت وهللا أهل هذه المقالة وكسرت قولهم ودحضت حجتهم وأبطلت مذهبهم بنص : فقلت

. التنزيل بال تأويل وال تفسير والحمد هلل رب العالمين

قه وصلى هللا على سيدنا وموالنا محمد وعلى آله تم كتاب الحيدة بعون هللا تعالى وتوفي

وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين وكان الفراغ من نسخه أواخر

.وهللا ولي التوفيق. واحد وتسعين ومائة وألف 1111جماد األولى سنة

.07-06سورة األنعام آية 214

انية التي تنظمها الجامعة بتركيا في الدورة الث اسطنبولهـ بمدينة 7/1/1411مساء األحد " الحيدة"وقد أتممت نسخ

.اإلسالمية لنشر اللغة العربية والثقافة اإلسالمية والحمد هلل رب العالمين