143

ذاكرة الجسد.pdf

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: ذاكرة الجسد.pdf
Page 2: ذاكرة الجسد.pdf

مقدمة>

طبعة. بع منها حتى اآلن ;3, 4006ف بروت. بلؽت طبعاتها حتى فبرار 5;;3صدرت رواة ذاكرة الجسد سنة لبنان(. اعتبرها –مصر -سورا -فلسطن –نسخة )عدا النسخ المقرصنة ف عدة دول عربة مثل االردن 350000

هم عمل رواب صدر ف العالم العرب خبلل العشر سنوات األخرة وبسبب نجاحاتها أثرت حولها الزوابع مما جعلها النقاد أالرواة األشهر واألكثر إثارة للجدل. ظلت لعدة سنوات الرواة االكثر مبعا حسب إحصابات معارض الكتاب العربة

. وه جابزة 9;;3حصلت على جابزة "نجب محفوظ" للرواة سنة الشارقة(. -تونس -سورا -عمان –)معرض بروت تمنحها الجامعة األمركة بالقاهرة ألهم عمل رواب باللؽة العربة. جابزة "نور" عن مإسسة نور لئلبداع النساب القاهرة

ن الرواة ما ال ألهم إنتاج إبداع )بروت(. صدرت ع ;;;3. جابزة "جورج طربه للثقافة واالبداع " سنة 8;;3ة عبر العالم العرب ف جامعات األردن, سورا, الجزابر, تونس, المؽرب حصى من الدراسات واألطروحات الجامع

مرسلا, البحرن. اعتمدت للتدرس ف عدة جامعات ف العالم العرب وأوروبا منها> جامعة السوبورن.. جامعة لون ة الترجمة.. الجامعة العربة و)إكس ان بروفنس( و)مون بوله( الجامعة األمركة ف بروت.. جامعة السوعة.. كل

بروت.. كما اعتدمت ف البرنامج الدراس لعدة ثانوات ومعاهد لبنانة. كانت نصوصها ضمن مواد إمتحانات الباكلورا لرواة إلنتاجها سنمابا.. لكن بطلب من حقوق ا :;;3. إشترت شركة أفبلم مصر العالمة سنة 4005 ف لبنان لسنة

. أبدى الممثل العرب القدر نور الشرؾ أكثر من مرة أمنته ف نقل هذا العمل الى السنما 4003المإلفة ألؽ العقد سنة رشحن ف فلم ضخم, وعد بإصاله الى مهرجان "كان" العالم. كما تداولت الصحافة العربة لعدة سنوات أسماء ممثبلت

. 4005االنكلزة. صدرت الطبعة الثانة سنة -ألداء الدور النساب ف هذا الفلم. ترجمت الى عدة لؽات عالمة منها> Albin Michel عن دار 4005الفرنسة سنة تصدر الطبعة الثانة هذا العام ف سلسلة كتاب الجب. االطالة..

ة الصنة.. الكرد

Page 3: ذاكرة الجسد.pdf

الفصل األول

زلت أذكر قولك ذات وم > ما

"الحب هو ما حدث بننا. واألدب هو كل ما لم حدث".

مكنن الوم, بعد ما انتهى كل شء أن أقول >

هنبا لؤلدب على فجعتنا إذن فما اكبر مساحة ما لم حدث . إنها تصلح الوم ألكثر من كتاب .

وهنبا للحب أضا ...

ا أجمل الذي لم حدث... ما أجمل الذي لن حدث .فما أجمل الذي حدث بننا ... م

قبل الوم, كنت اعتقد أننا ال مكن أن نكتب عن حاتنا إال عندما نشفى منها .

عندما مكن أن نلمس جراحنا القدمة بقلم , دون أن نتؤلم مرة أخرى .

عندما نقدر على النظر خلفنا دون حنن, دون جنون, ودون حقد أضا .

ا حقا ؟أمكن هذ

نحن ال نشفى من ذاكرتنا .

ولهذا نحن نكتب, ولهذا نحن نرسم, ولهذا موت بعضنا أضا .

أترد قهوه ؟ -

ؤت صوت عتقة ؼاببا, وكؤنه طرح السإال على شخص ؼري .

معتذرا دون اعتذار, على وجه للحزن لم أخلعه منذ أام .

خذلن صوت فجؤة ...

ط .أجب بإشارة من رأس فق

فتنسحب لتعود بعد لحظات, بصنة قهوة نحاسه كبرة علها إبرق، وفناجن, وسكره, ومرش لماء الزهر, وصحن للحلوات .

ف مدن أخرى تقدم القهوة جاهزة ف فنجان, وضعت جواره مسبقا معلقه وقطعة سكر .

ولكن قسنطنة مدنه تكره اإلجاز ف كل شء .

دابما .تماما كما تلبس كل ما تملك. وتقول كل ما تعرؾ .إنها تفرد ما عندها

ولهذا كان حتى الحزن ولمه ف هذه المدنة .

أجمع األوراق المبعثرة أمام , ألترك مكانا لفنجان القهوة وكؤنن أفسح مكانا لك ..

فها الحاة, وتتحول من ورق بعضها مسودات قدمة, وأخرى أوراق بضاء تنتظر منذ أام بعض الكلمات فقط... ك تدب إلى أام .

كلمات فقط, أجتاز بها الصمت إلى الكبلم, والذاكرة إلى النسان, ولكن ..

تركت السكر جانبا, وارتشفت قهوت مره كما عودن حبك .

سجارة فكرت ف ؼرابه هذا الطعم العذب للقهوة المرة . ولحظتها فقط, شعرت أنن قادر على الكتابة عنك فؤشعلت ة, ورحت أطارد دخان الكلمات الت أحرقتن منذ سنوات, دون أن أطفا حرابقها مرة فوق صفحه . عصب

هل الورق مطفؤة للذاكرة؟

نترك فوقه كل مرة رماد سجارة الحنن األخرة , وبقاا الخبة األخرة. .

من منا طفا أو شعل اآلخر ؟

حق الذكر... معك فقط سؤبدأ الكتابة.ال ادري ... فقبلك لم اكتب شبا ست

وال بد أن أعثر أخرا على الكلمات الت سؤنكتب بها, فمن حق أن أختار الوم كؾ أنكتب. أنا الذي أختر تلك القصة .

قصه كان مكن أن ال تكون قصت, لو لم ضعك القدر كل مره مصادفه, عند منعطفات فصولها .

من أن جاء هذا االرتباك؟

ؾ تطابقت مساحة األوراق البضاء المستطلة, بتلك المساحة الشاسعة الباض للوحات لم ترسم بعد.. وما زالت مسنده وك جدار مرسم كان مرسم ؟

وكؾ ؼادرتن الحروؾ كما ؼادرتن قبلها األلوان. وتحول العالم إلى جهاز تلفزون عتق, بث الصور باألسود واألبض فقط ؟

قدما للذاكرة, كما تعرض أفبلم السنما الصامتة .وعرض شرطا

كنت أحسدهم دابما, أولبك الرسامن الذن كانوا نتقلون بن الرسم والكتابة دون جهد, وكؤنهم نتقلون من ؼرفه إلى أخرى داخلهم. كؤنهم نتقلون بن امرأتن دون كلفة ..

Page 4: ذاكرة الجسد.pdf

كان ال بد أال أكون رجبل المرأة واحدة !

لقلم إذن.. األكثر بوحا واألكثر جرحا .ها هوذا ا

ها هو ذا الذي ال تقن المراوؼة , وال عرؾ كؾ توضع الظبلل على األشاء . وال كؾ ترش األلوان على الجرح المعروض للفرحة .

وتمنعن من وها ه الكلمات الت حرمت منها , عارة كما أردتها , موجعه كما أردتها , فلم رعشة الخوؾ تشل دي , الكتابة؟

تران أع ف هذه اللحظة فقط ، أنن استبدلت بفرشات سكنا. وأن الكتابة إلك قاتله.. كحبك .

ارتشفت قهوتك المرة, بمتعه مشبوهة هذه المرة. شعرت أنن على وشك أن اعثر على جمله أولى, ابدأ بها هذا الكتاب .

.جمله قد تكون ف تلقابة كلمات رسالة

كؤن أقول مثبل >

"أكتب إلك من مدنه ما زالت تشبهك, وأصبحت أشبهها. ما زالت الطور تعبر هذه الجسور على عجل, وأنا أصبحت جسرا آخر معلقا هنا.

ال تحب الجسور بعد الوم..".

أو شبا آخر مثل >

" أمام فنجان قهوة ذكرتك ..

. لماذا كل هذه الصنة.. من أجل قهوة مرة..؟".كان ال بد أن تضع ولو مرة قطعة سكر ف قهوت

كان مكن أن أقول أي شء ...

فف النهاة, لست الرواات سوى رسابل وبطاقات, نكتبها خارج المناسبات المعلنة.. لنعلن نشرتنا النفسة, لمن همهم أمرنا .

وسنا. وربما كان وما سببا ف كل تقلباتنا الجوة .ولذا أجملها, تلك الت تبدأ بجمله لم توقعها من عاش طقسنا وطق

تتزاحم الجمل ف ذهن . كل تلك الت لم تتوقعها .

وتمطر الذاكرة فجؤة ..

فؤبتلع قهوت على عجل. وأشرع نافذت ألهرب منك إلى السماء الخرفة.. إلى الشجر والجسور والمارة.

خذت ل موعدا معها لسبب آخر هذه المرة .إلى مدنة أصبحت مدنت مرة أخرى . بعدما أ

ها ه ذي قسنطنة.. وها هو كل شء أنت .

, من النافذة نفسها الت سبق أن دخلت منها منذ سنوات. مع صوت المآذن نفسه, وصوت الباعة, وها أنت تدخلن إل وخطى النساء الملتحفات بالسواد, واألؼان القادمة من مذاع ال تعب ...

لتفاحة .. ا التفاحة ... خبرن وعبلش الناس والعة بك .."."ا ا

تستوقفن هذه األؼنة بسذاجتها .

تضعن وجها لوجه مع الوطن . تذكرن دون مجال للشك بؤنن ف مدنه عربه فتبدو السنوات الت قضتها ف بارس حلما خرافا .

التؽن به، ف أكثر هل التؽزل بالفواكه ظاهره عربة؟ أم وحده التف لحد اح الذي ما زال حمل نكهة خطبتنا األولى, شه من بلد عرب .

وماذا لو كنت تفاحه؟

ال لم تكون تفاحه .

كنت المرأة الت أؼرتن بؤكل التفاح ال أكثر. كنت تمارسن مع فطرا لعبة حواء . ولم كن بإمكان أن أتنكر ألكثر من معك أنت بالذات ف حماقة آدم ! رجل سكنن, ألكون

أهبل س خالد..واش راك الوم ..؟-

الجار, تسلقت نظراته طوابق حزن. وفاجؤه وقوف الصباح, خلؾ شرفة للذهول . سلم عل

أتابع ف نظرة ؼاببة, خطواته المتجهة نحو المسجد المجاور . وما لها من خطوات, لمارة آخرن, بعضها كسلى, وأخرى عجلى, متجهة جمعها نحو المكان نفسه .

الوطن كله ذاهب للصبلة .

والمذاع مجد أكل التفاحة .

وأكثر من جهاز هواب على السطوح, قؾ مقاببل المآذن رصد القنوات األجنبة، الت تقدم لك كل لله على شاشة تلفزونك, أكثر من طرقه _عصره_ ألكل التفاح !

فقط . أكتف بابتبلع رق

Page 5: ذاكرة الجسد.pdf

ف الواقع لم أكن أحب الفواكه. وال كان أمر التفاح عنن بالتحدد .

كنت أحبك أنت. وما ذنب إن جاءن حبك ف شكل خطبة؟

كؾ أنت.. سؤلن جار ومض للصبلة .

فجب لسان بكلمات مقتضبة، ومض ف السإال عنك .

كؾ أنا؟

أنا ما فعلته ب سدت.. فكؾ أنت ؟

امرأة كساها حنن جنونا، وإذا بها تؤخذ تدرجا , مبلمح مدنه وتضارس وطن . ا

وإذا ب اسكنها ف ؼفلة من الزمن, وكؤنن اسكن ؼرؾ ذاكرت المؽلقة من سنن .

كؾ حالك؟

ا شجرة توت تلبس الحداد وراثا كل موسم .

ا قسنطنة األثواب ....

واألحزان واألحباب .. أجب أن تكونن اآلن؟ . ا قسنطنة الحب ... واألفراح

ها ه ذي قسنطنه ...

باردة األطراؾ واألقدام. محمومة الشفاه, مجنونة األطوار .

ها ه ذي .. كم تشبهنها الوم أضا ... لو تدرن !

دعن أؼلق النافذة!.

كان مارسل بانول قول>

أشاء مكن أن تحدث أضا " ."تعود على اعتبار األشاء العادة ..

ألس الموت ف النهاة شبا عادا. تماما كالمبلد, والحب, والزاج, والمرض, والشخوخة, والؽربة والجنون, وأشاء أخرى ؟

اة فما أطول قابمة األشاء العادة الت نتوقعها فوق العادة, حتى تحدث. والت نعتقد أنها ال تحدث سوى لآلخرن, وأن الح لسبب أو آلخر ستوفر علنا كثرا منها, حتى نجد أنفسنا وما أمامها .

عندما ابحث ف حات الوم, أجد أن لقاب بك هو الشء الوحد الخارق للعادة حقا. الشء الوحد الذي لم أكن ألتنبؤ به، . ألنن كنت اجهل وقتها أن األشاء ؼر العادة, قد تجر معها أضا كثرا من األشاء العادة .أو أتوقع عواقبه عل

ورؼم ذلك ....

ما زلت أتساءل بعد كل هذه السنوات, أن أضع حبك الوم ؟

أف خانة األشاء العادة الت قد تحدث لنا وما كؤة وعكه صحة أو زلة قدم.. أو نوبة جنون؟

أم .. أضعه حث بدأ وما؟

لم توقع وجوده الفلكون. أو زلزال لم تتنبؤ به أة أجهزة للهزات األرضة . كشء خارق للعادة, كهدة من كوكب,

أكنت زلة قدم .. أم زلة قدر ؟.

ر مسار حات وجاء ب إلى هنا . أقلب جردة الصباح بحثا عن أجوبة مقنعه لحدث "عادي" ؼ

أتصفح تعاستنا بعد كل هذه األعوام , فعلق الوطن حبرا أسود بدي .

ناك صحؾ جب أن تؽسل دك إن تصفحتها وإن كان لس للسبب نفسه ف كل مرة. فهنالك واحده تترك حبرها علك .. ه وأخرى أكثر تؤلقا تنقل عفونتها إلك .

أألن الجرابد تشبه دابما أصحابها, تبدو ل جرابدنا وكؤنها تستقظ كل وم مثلنا, بمبلمح متعبه وبوجه ؼر صباح ؼسلته عجل، ونزلت به إلى الشارع. هكذا دون أن تكلؾ نفسها مشقة تصفؾ شعرها, أو وضع ربطة عنق مناسبة.. أو على

إؼرابنا بابتسامة .

. ::;3أكتوبر 47

عناون كبرى.. كثر من الحبر األسود. كثر من الدم. وقلل من الحاء .

ره .هناك جرابد تبعك نفس صور الصفحة األولى.. ببدلة جددة كل م

هنالك جرابد.. تبعك نفس األكاذب بطرقة أقل ذكاء كل مرة ....

وهنالك أخرى، تبعك تذكرة للهروب من الوطن.. ال ؼر .

وما دام ذلك لم عد ممكنا, فؤلؼلق الجردة إذن.. وألذهب لؽسل دي .

ت أتصفح عن طرق المصادفة, وإذا آخر مره استوقفتن فها صحفة جزابرة, كان ذلك منذ شهرن تقربا. عندما كن بصورتك تفاجبن على نصؾ صفحه بؤكملها, مرفقه بحوار صحاف بمناسبة صدور كتاب جدد لك .

Page 6: ذاكرة الجسد.pdf

ر نظري أمام ذلك اإلطار الذي كان حتوك. وعبثا رحت أفك رموز كبلمك . كنت أقرأك مرتبكا، متلعثما, ومها تسم تحدث إلك عن, ولست أنت الت كنت تتحدثن لآلخرن, عن قصة ربما لم تكن قصتنا .على عجل. وكؤنن أنا الذي كنت أ

أي موعد عجب كان موعدنا ذلك الوم! كؾ لم أتوقع بعد تلك السنوات أن تحجزي ل موعدا على ورق بن صفحتن, ف مجلة ال اقرأها عادة .

لم أتعود شراءها، فقط ألقلب حات رأسا على عقب إنه قانون الحماقات، ألس كذلك؟ أن أشتري مصادفة مجلة

وأن العجب؟

ألم تكون امرأة من ورق. تحب وتكره على ورق. وتهجر وتعود على ورق. وتقتل وتح بجرة قلم.

فكؾ ال أرتبك وأنا أقرأك. وكؾ ال تعود تلك الرعشة المكهربة لتسري ف جسدي، وتزد من خفقان قلب، وكؤنن كنت مامك، ولست أمام صورة لك.أ

تساءلت كثرا بعدها، وأنا أعود بن الحن واآلخر لتلك الصورة، كؾ عدت هكذا لتتربص ب، أنا الذي تحاشت كل الطرق المإدة إلك؟

لحب، كؾ عدت.. بعدما كاد الجرح أن لتبم. وكاد القلب المإثث بذكراك أن فرغ منك شبا فشبا وأنت تجمعن حقابب ا وتمضن فجؤة لتسكن قلبا آخر.

ؼادرت قلب إذن..

كما ؽادر سابح مدنة جاءها ف زارة ساحة منظمة. كل شء موقوت فها مسبقا، حتى ساعة الرحل، ومحجوز فها ي منها هداا مسبقا، حتى المعالم الساحة الت سزورها، واسم المسرحة الت سشاهدها، وعنوان المحبلت الت سشتر

للذكرى.

فهل كانت رحلتك مضجرة إلى هذا الحد؟

ها أنا أمام نسخة منك، مدهوش مرتبك، وكؤنن أمامك.

تفاجبن تسرحتك الجددة. شعرك القصر الذي كان شاال لؾ وحشة لل.. ماذا تراك فعلت به؟

أتوقؾ طوبل عند عنك. أبحث فهما عن ذكرى هزمت األولى أمامك.

ذات وم.. لم كن أجمل من عنك سوى عنك. فما أشقان وما أسعدن بهما!

هل تؽرت عناك أضا.. أم أن نظرت ه الت تؽرت؟ أواصل البحث ف وجهك عن بصمات جنون السابق. أكاد ال أعرؾ شفاهك وال ابتسامتك وحمرتك الجددة.

صورتك تلبسن ثوبها العناب، وتعجنن بهذه األدي ذات األظافر كؾ حدث وما.. أن وجدت فك شبها بؤم. كؾ ت المطلة الطولة، تلك الكسرة الت افتقدت مذاقها منذ سنن؟

أي جنون كان لك.. وأة حماقة!

ر ذاكرتك أضا، ومذاق شفاهك وسمرتك الؽجرة؟ ر الزواج حقا مبلمحك وضحكتك الطفولة، هل ؼ هل ؼ

النب المفلس" الذي سرقوا منه الوصاا العشر وهو ف طرقه إلك.. فجاءك بالوصة الحادة عشرة وهل أنساك ذلك " فقط.

ها أنت ذي أمام، تلبسن ثوب الردة. لقد اخترت طرقا آخر. ولبست وجها آخر لم أعد أعرفه. وجها كذلك الذي نصادفه ت مسبقا لبع شء ما، قد كون معجون أسنان، أو مرهما ضد ف المجبلت واإلعبلنات، لتلك النساء الواجهة، المعدا

التجاعد.

أم تراك لبست هذا القناع، فقط لتروج لبضاعة ف شكل كتاب، أسمتها "منعطؾ النسان" بضاعة قد تكون قصت معك.. وذاكرة جرح؟

عنق .وقد تكون آخر طرقه وجدتها لقتل الوم من جدد, دون أن تترك بصماتك على

ومها تذكرت حدثا قدما لنا . عندما سؤلتك مرة لماذا اخترت الرواة بالذات. وإذا بجوابك دهشن .

قلت ومها بابتسامة لم أدرك نسبة الصدق فها من نسبة التحال>

ف حاجة إلى نفض كؤي " كان ال بد أن أضع شبا من الترتب داخل.. وأتخلص من بعض األثاث القدم . إن أعماقنا أضا بت نسكنه وال مكن أن أبق نوافذي مؽلقه هكذا على أكثر من جثة ..

إننا نكتب الرواات لنقتل األبطال ال ؼر, وننته من األشخاص الذن أصبح وجودهم عببا على حاتنا. فكلما كتبنا عنهم فرؼنا منهم... وامتؤلنا بهواء نظؾ ..." .

لصمت>وأضفت بعد شء من ا

" ف الحققة كل رواة ناجحة, ه جرمة ما نرتكبها تجاه ذاكرة ما. وربما تجاه شخص ما, على مرأى من الجمع بكاتم صوت. ووحده دري أن تلك الكلمة الرصاصة كانت موجهة إله

Page 7: ذاكرة الجسد.pdf

ة أنهم ال حسنون والرواات الفاشلة, لست سوى جرابم فاشلة, ال بد أن تسحب من أصحابها رخصة حمل القلم, بحج استعمال الكلمات, وقد قتلون خطؤ بها أي احد .. بمن ف ذلك أنفسهم , بعدما كونون قد قتلوا القراء ... ضجرا !".

ة شكوك ومها .. وكؾ لم أتوقع كل جرابمك الت تلت ذلك الوم, والت جربت فها أسلحتك كؾ لم تثر نزعتك الساد األخرى؟

ومها انك قد توجهن وما رصاصك نحوي .لم أكن أتوقع

ولذا ضحكت لكبلمك, وربما بدأ ومها انبهاري اآلخر بك. فنحن ال نقاوم, ف هذه الحاالت , جنون اإلعجاب بقاتلنا !

ورؼم ذلك أبدت لك دهشت . قلت >

منح الخلود لمن أحب . _ كنت اعتقد أن الرواة طرقه الكاتب ف أن عش مرة ثانه قصه أحبها.. وطرقته ف

وكؤن كبلم فاجؤك فقلت وكؤنك تكتشفن شبا لم تحسب له حسابا>

وربما كان صححا أضا, فنحن ف النهاة ال نقتل سوى من أحببنا. ونمنحهم تعوضا عن ذلك خلودا أدبا . إنها صفقه - عادلة . ألس كذلك؟!

عادله ؟

من ناقش نرون وم احرق روما حبا لها, وعشقا لشهوة اللهب . وأنت, أما كنت من ناقش الطؽاة ف عدلهم أو ظلمهم؟ و مثله امرأة تحترؾ العشق والحرابق بالتساوي؟

أكنت لحظتها تتنبؤن بنهات القربة، وتواسنن مسبقا على فجعت...

, وتسعدن سرا باندهاش الدابم أمامك, وانبهاري بقدرتك أم كنت تتبلعبن بالكلمات كعادتك, و وتتفرجن على وقعها عل المذهلة, ف خلق لؽة على قاس تناقضك .

كل االحتماالت كانت ممكنه ...

فربما كنت أنا ضحة رواتك هذه, والجثة الت حكمت علها بالخلود, وقررت أن تحنطها بالكلمات... كالعادة.

صدق. فوحدك تعرفن ف النهاة الجواب على كل تلك األسبلة الت و ربما كنت ضحة وهم فقط, ومراوؼتك الت تشبه ال ظلت تطاردن, بعناد الذي بحث عن الحققة دون جدوى .

متى كتبت ذلك الكتاب؟

أقبل زواجك أم بعده؟ أقبل رحل زاد .. أم بعده؟ أكتبته عن .. أم كتبته عنه؟ أكتبته لتقتلن به.. أم لتحه هو ؟

ا معا، وتقتلنا معا بكتاب واحد... كما تركتنا معا من أجل رجل واحد ؟لم لتنته من

, لصبح كتابك محور تفكري, أن تعودي فجؤة بذلك الحضور الملح عندما قرأت ذلك الخبر منذ شهرن,. لم أتوقع إطبلقا ودابرة مؽلقه أدور فها وحدي .

للبحث عنه ف المكتبات , ألشتري قصت من بابع مقابل ورقه نقدة. وال فبل كان ممكنا ومها بعد كل الذي حدث, أن اذهب كان ممكنا أضا أن أتجاهله وأواصل حات وكؤنن لم اسمع به , وكؤن أمره ال عنن تماما .

الم أكن متحرقا إلى قراءة بقة القصة؟

كنت شاهدها الؽابب, بعدما كنت شاهدها األول. قصتك الت انتهت ف ؼفلة من , دون أن أعرؾ فصولها األخرة. تلك الت أنا الذي كنت,. حسب قانون الحماقات نفسه. الشاهد والشهد دابما ف قصة لم كن فها من مكان سوى لبطل واحد .

تة, ها هوذا كتابك أمام.. لم عد بإمكان الوم أن أقرأه. فتركته هنا على طاولت مؽلقا كلؽز, تربص ب كقنبلة موقو أستعن بحضوره الصامت لتفجر منجم الكلمات داخل ... واستفزاز الذاكرة .

كل شء فه ستفزن الوم .. عنوانه الذي اخترته بمراوؼه واضحة.. وابتسامتك الت تتجاهل حزن . ونظرتك المحادة الت تعاملن وكؤنن قارىء, ال عرؾ الكثر عنك .

كل شء.. حتى اسمك .

كان اسمك األكثر استفزازا ل, فهو مازال قفز إلى الذاكرة قبل أن تقفز حروفه الممزة إلى العن .وربما

سمع كموسقى تعزؾ على آلة واحدة من أجل مستمع واحد. قرأ وإنما اسمك الذي .. ال

ع وما؟كؾ ل أن أقرأه بحاد, وهو فصل من قصة مدهشه كتبتها الصدفة, وكتبها قدرنا الذي تقاط

قول تعلق على ظهر كتابك إنه حدث أدب .

وأقول وأنا أضع عله حزمة من األوراق الت سودتها ف لحظة هذان..

" حان لك أن تكتب.. أو تصمت إلى األبد أها الرجل . فما أعجب ما حدث هذه األام !"

شة. فؤعد للقلم ؼطاءه, وانزلق بدوري تحت وفجؤة.. حسم البرد الموقؾ, وزحؾ لل قسنطنة نحوي من نافذة للوح ؼطاء الوحدة .

مذ أدركت أن لكل مدنة اللل الذي تستحق, اللل الذي شبهها والذي وحده فضحها, وعري ف العتمة ما تخفه ف النهار, قررت أن أتحاشى النظر لبل من هذه النافذة .

Page 8: ذاكرة الجسد.pdf

لؽرباء أسرارها , حتى عندما ال تقول شبا .كل المدن تمارس التعري لبل دون علمها, وتفضح ل

وحتى عندما توصد أبوابها.

وألن المدن كالنساء, حدث لبعضهن أن جعلننا نستعجل قدوم الصباح. ولكن ...

"soirs, soirs.que de soirs pour un seul matin "..

لؽة .. كؾ تذكرت هذا البت للشاعر "هنري مشو" ورحت اردده على نفس بؤكثر من

"أمسات .. أمسات كم من مساء لصباح واحد "

كؾ تذكرته, ومتى تران حفظته؟ .. تران كنت أتوقع منذ سنن أمسات بابسة كهذه, لن كون لها سوى صباح واحد ؟

أنقب بعض الشء ف ذاكرت عن القصدة الت اخذ منها هذا البت, وإذا بعنوانها "الشخوخة" ..

اف فجؤة وكؤنن أكتشؾ معه مبلمح وجه الجددة. فهل تزحؾ الشخوخة هكذا نحونا حقا بلل طول واحد. فخفن اكتش وبعتمة داخله تجعلنا نتمهل ف كل شء, ونسر ببطء, دون اتجاه محدد؟

أكون الملل والضاع والرتابة جزءا من مواصفات الشخوخة أم من مواصفات هذه المدنة ؟

ذي ادخل الشخوخة.. أم ترى الوطن بؤكمله هو الذي دخل الوم سن الؤس الجماع؟تران أنا ال

ألس هو الذي ملك هذه القدرة الخارقة, على جعلنا نكبر ونهرم ف بضعة اشهر, وأحانا ف بضعة أسابع فقط ؟

ال تنضب, وكانت بارس مدنه قبل الوم لم أكن اشعر بثقل السنن, كان حبك شباب, وكان مرسم طاقت الشمسة التأنقة, خجل الواحد أن همل مظهره ف حضرتها . ولكنهم طاردون حتى مربع ؼربت, وأطفؤوا شعلة جنون ... وجاإوا

ب حتى هنا .

اآلن نحن نقؾ جمعا على بركان الوطن الذي نفجر , ولم عد ف وسعنا , إال أن نتوحد مع الجمر المتطار من فوهته, وننسى نارنا الصؽرة... الوم ال شء ستحق كل تلك األناقة واللاقة. الوطن نفسه أصبح ال خجل أن بدو أمامنا ف

وضع ؼر البق !

ال أصعب من أن تبدأ الكتابة, ف العمر الذي كون فه اآلخرون قد انتهوا من قول كل شء.

جنون شبه بعودة المراهقة.الكتابة ما بعد الخمسن ألول مرة ... شء شهوان و

شء مثر وأحمق , شبه بعبلقة حب بن رجل ف سن الؤس, ورشة حبر بكر .

األول مرتبك وعلى عجل... والثانة عذراء ال روها حبر العالم !

سنن بملبها .سؤعتبر إذن ما كتبته حتى اآلن, مجرد استعداد للكتابة فقط, وفابض شهوة ... لهذه األوراق الت حملت منذ

ربما ؼدا ابدأ الكتابة حقا .

أحب دابما أن ترتبط األشاء الهامة ف حات بتارخ ما .... كون ؼمزة لذاكره أخرى .

أؼرتن هذه الفكرة من جدد, وأنا استمع إلى األخبار هذا المساء واكتشؾ، أنا الذي فقدت عبلقت بالزمن, أن ؼدا سكون كن ل أال أختار تارخا كهذا, ألبدأ به هذا الكتاب ؟أول نوفمبر ... فهل م

سنه على انطبلق الرصاصة األولى لحرب التحرر, وكون قد مر على وجودي هنا ثبلثة أسابع, 56ؼدا ستكون قد مرت ومثل ذلك من الزمن على سقوط آخر دفعه من الشهداء ...

عه بنفس وادفنه هنا. كان احدهم ذلك الذي حضرت ألش

بن أول رصاصه , وآخر رصاصه, تؽرت الصدور, تؽرت األهداؾ .. وتؽر الوطن .

ولذا سكون الؽد وما للحزن مدفوع األجر مسبقا .

لن كون هناك من استعراض عسكري, وال من استقباالت, وال من تبادل تهان رسمه ....

سكتفون بتبادل التهم ... ونكتف بزارة المقابر .

زور ذلك القبر . ال أرد أن أتقاسم حزن مع الوطن.ؼدا لن ا

أفضل تواطإ الورق, وكبراء صمته .

كل شء ستفزن الللة.. واشعر أنن قد اكتب أخرا شبا مدهشا, لن أمزقه كالعادة..

ف انتظاري, فما أوجع هذه الصدفة الت تعود ب , بعد كل هذه السنوات إلى هنا, للمكان نفسه , ألجد جثة من أحبهم بتوقت الذاكرة األولى .

ستقظ الماض الللة داخل ... مربكا. ستدرجن إلى دهالز الذاكرة .

فؤحاول أن أقاومه, ولكن, هل مكن ل أن أقاوم ذاكرت هذا المساء ؟

أؼلق باب ؼرفت واشرع النافذة ..

أحاول أن أرى شبا آخر ؼر نفس. وإذا النافذة تطل عل...

Page 9: ذاكرة الجسد.pdf

تمتد أمام ؼابات الؽاز والبلوط, وتزحؾ نحوي قسنطنه ملتحفه مبلءتها القدمة, وكل تلك األدؼال والجروؾ والممرات السرة الت كنت وما اعرفها والت كانت تحط بهذه المدنة كحزام أمان, فتوصلك مسالكها المتشعبة, وؼاباتها الكثفة,

ا تشرح لك شجرة بعد شجره, ومؽارة بعد أخرى .إلى القواعد السرة للمجاهدن, وكؤنه

إن كل الطرق ف هذه المدنة العربة العرقة, تإدي إلى الصمود.

وإن كل الؽابات والصخور هنا قد سبقتك ف االنخراط ف صفوؾ الثورة .

هنالك مدن ال تختار قدرها ...

سلم ...فقد حكم علها التارخ, كما حكمت علها الجؽرافا, أال تست

ولذا ال ملك أبناإها الخار دابما .

فهل عجب أن أشبه هذه المدنة حد التطرؾ ؟

ذات وم منذ أكثر من ثبلثن سنه سلكت هذه الطرق, واخترت أن تكون تلك الجبال بت ومدرست السرة الت أتعلم فها رجها من دفة ثالثه, وان قدري سكون مختصرا المادة الوحدة الممنوعة من التدرس. وكنت ادري انه لس من بن خ

بن المساحة الفاصلة بن الحرة .. والموت .

ذلك الموت الذي اخترنا له اسما آخر أكثر إؼراء، لنذهب دون خوؾ وربما بشهوة سره, وكؤننا نذهب لشء آخر ؼر حتفنا .

ؾ اختصرنا منذ البدء حرتنا.... ف مفهومها األول ؟لماذا نسنا ومها أن نطلق على الحرة أضا أكثر من اسم؟ وك

كان الموت ومها مش إلى جوارنا, ونام وؤخذ كسرته معنا على عجل. تماما مثل الشوق والصبر واإلمان .. والسعادة المبهمة الت ال تفارقنا

سبقتها سوى بعدد شهدابها, الذن لم كن كان الموت مش وتنفس معنا.. وكانت األام تعود قاسه دابما, ال تختلؾ عما توقع احد موتهم على الؽالب.. أو لم كن تصور لسبب أو آلخر, أن تكون نهاتهم, هم بالذات, قربه إلى ذلك الحد ..

ومفجعه إلى ذلك الحد. وكان ذلك منطق الموت الذي لم أكن قد أدركته بعد .

أن نتحدث عنهم بالجملة. وكؤن الجمع ف هذه الحالة بالذات، لس اختصارا ما زلت اذكرهم أولبك الذن تعودنا بعد ذلك للذاكرة , وإنما لحقهم علنا

لم كونوا شهداء.. كان كل واحد منهم شهدا على حده. كان هناك من استشهد ف أول معركة, وكؤنه جاء خصصا للشهادة .

احد, بعدما قضى عدة أسابع ف دراسة تفاصلها, واإلعداد لها .وهناك من سقط قبل زارته المسروقة إلى أهله بوم و

وهناك من تزوج وعاد .. لموت متزوجا .

وهناك من كان حلم أن عود وما لك تزوج ... ولم عد.

وب ف الحروب, لس الذن موتون هم التعساء دابما, إن األتعس هم أولبك الذن تركونهم خلفهم ثكالى, تامى, ومعط أحبلم .

اكتشفت هذه الحققة باكرا، شهدا بعد آخر، وقصة بعد أخرى..

واكتشفت ف المناسبة نفسها، أنن ربما كنت الوحد الذي لم ترك خلفه سوى قبر طري ألم ماتت مرضا وقهرا، وأخ فرد صؽرن بسنوات، وأب مشؽول بمطالب عروسه الصؽرة.

م.. وحده الذي ماتت أمه تم".لقد كان ذلك المثل الشعب ع لى حق "إن الذي مات أبوه لم تت

وكنت تما، وكنت أع ذلك بعمق ف كل لحظة. فالجوع إلى الحنان، شعور مخؾ وموجع، ظل نخر فك من الداخل وبلزمك حتى ؤت علك بطرقة وبطرقة أو بؤخرى.

للبحث عن موت أجمل خارج تلك األحاسس المرضة الت كانت تمؤلن أكان التحاق بالجبهة آنذاك محاولة ؼر معلنة تدرجا حقدا على كل شء؟

كانت الثورة تدخل عامها الثان، وتم دخل شهره الثالث، ولم أعد أذكر اآلن بالتحدد، ف أة لحظة بالذات أخذ الوطن ؾ له.مبلمح األمومة، وأعطان ما لم أتوقعه من الحنان الؽامض، واالنتماء المتطر

وربما كان الختفاء "س الطاهر" من حنا بسدي المبروك منذ بضعة أشهر، دور ف حسم القضة، واستعجال ف أخذ ذلك القرار المفاجا. فلم كن خفى على أحد أنه انتقل إلى مكان سري ف الجبال المحطة بقسنطنة لإسس من هناك مع

ولى للكفاح المسلح.آخرن إحدى الخبلا األ

من أن عاد اسم "س طاهر" الللة لزد من ارتباك، ومن منكما استدرجن لآلخر؟.

من أن عاد.. وهل ؼاب حقا، وعلى بعد شارعن من شارع مازال حمل اسمه؟

هناك شء اسمه "سلطة االسم".

Page 10: ذاكرة الجسد.pdf

كاد تتحدث عنها وكؤنك تتحدث إلها بنفس تلك وهناك أسماء عندما تذكرها، تكاد تصلح من جلستك، وتطفا سجارتك. ت الهبة وذلك االنبهار األول.

ولذا .. ظل السم )س طاهر( هبته عندي. لم تقتله العادة وال المعاشرة، ولم تحوله تجربة السجن المشترك، وال سنوات الحاجز البلمرب، الذي فصل بن النضال، إلى اسم عادي لصدق أو لجار. فالرموز تعرؾ دابما كؾ تحط نفسها بذلك

العادي واالستثناب، والممكن والمستحل، ف كل شء.

ها أنذا أذكره ف للة لم أحجزها له..

وبنما أسحب نفسا من سجارة أخرة، رتفع صوت المآذن معلنا صبلة الفجر. ومن ؼرفة بعدة ؤت بكاء طفل أقظ صوته أنحاء كل البت..

ذن، وأحسد األطفال الرضع، ألنهم ملكون وحدهم حق الصراخ والقدرة عله، قبل أن تروض الحاة حبالهم فؤحسد المآ الصوتة، وتعلمهم الصمت.

ال أذكر من قال "قض اإلنسان سنواته األولى ف تعلم النطق، وتقض األنظمة العربة بقة عمره ف تعلمه الصمت!".

مة ف هذه الللة بالذات، تماما كالنسان. فالذاكرة ف مناسبات كهذه ال تؤت بالتقسط، وكان مكن للصمت أن صبح نع وإنما تهجم علك شبلال جرفك إلى حث ال تدري من المنحدرات.

وكؾ لك لحظتها أن توقفها دون أن تصطدم بالصخور، وتتحطم ف زلة ذكرى؟

ف الواقع، وبذاكرة تسكنها ألنها جسدك. وها أنت ذا، تلهث خلفها لتلحق بماض لم تؽادره

جسدك المشوه ال ؼر.

وتدري أن هناك من لهثون اآلن من منبر إلى آخر، بحجة أو بؤخرى، لدنوا تارخا كانوا طرفا فه. عساهم لحقون بالموجة الجددة، قبل أن جرفهم الطوفان. فبل تملك إال أن تشفق علهم.

ان بثاب مبللة.. خارجا لتوه من مستنقع.. وأال صمت قلبل ف انتظار أن تجؾ!ما أتعس أن عش اإلنس

صامتا ؤت )س طاهر( الللة.

صامتا كما ؤت الشهداء.

صامتا.. كعادته.

وها أنت ذا مرتبك أمامه كعادتك.

بحد ذاتها، ورمزا بحد ذاتها، لرجل لقد كانت دابما الخمس عشرة سنة الت تفصلكما، أكبر من عمر السنوات. كانت عمرا كان جمع إلى جانب الفصاحة الت كان تمز بها كل من اختلط بجمعة العلماء، ودرس ف قسنطنة، فصاحة أخرى.. ه

فصاحة الحضور.

كان )س طاهر( عرؾ متى بتسم، ومتى ؽضب. وعرؾ كؾ تكلم، وعرؾ أضا كؾ صمت. وكانت الهبة ال تفارق وجهه وال تلك االبتسامة الؽامضة الت كانت تعط تفسرا مختلفا لمبلمحه كل مرة.

"إن االبتسامات فواصل ونقاط انقطاع.. وقلل من الناس أولبك الذن ما زالوا تقنون وضع الفواصل والنقط ف كبلمهم".*

شحونا باألحاسس المتطرفة، وبدهشة ف سجن ) الكدا( كان موعدي النضال األول مع )س طاهر(. كان موعدا م االعتقال األول، بعنفوانه.. وبخوفه.

وكان )س طاهر( الذي استدرجن إلى الثورة وما بعد آخر، دري أنه مسإول عن وجودي ومها هناك. وربما كان شفق ، وعرؾ ما مكن أن تفعله بها سرا على سنوات الست عشرة، على طفولت المبتورة، وعلى ) أما( الت كان عرفها جدا

تجربة اعتقال األول.

ولكنه كان خف عن كل شفقته تلك، مرددا لمن رد سماعه> "لقد خلقت السجون للرجال".

الت 67;3ماي :وكان سجن )الكدا( وقتها، ككل سجون الشرق الجزابري عان فجؤة من فابض رجولة، إثر مظاهرات وسطؾ وضواحها أول عربون للثورة، متمثبل ف دفعة أولى من عدة آالؾ من الشهداء سقطوا ف قدمت فها قسنطنة

مظاهرة واحدة، وعشرات اآلالؾ من المساجن الذن ضاقت بهم الزنزانات، مما جعل الفرنسن رتكبون أكبر حماقاتهم، ف زنزانات جاوز أحانا عدد نزالبها العشرن وهو جمعون لعدة أشهر بن السجناء الساسن، وسجناء الحق العام،

معتقبل.

وهكذا، جعلوا عدوى الثورة تنتقل إلى مساجن الحق العام الذن وجدوا فرصة للوع الساس، ولؽسل شرفهم باالنضمام ش بتكرم ووجاهة إلى الثورة الت استشهد بعد ذلك من أجلها الكثر منهم. ومازال بعضهم حتى اآلن على قد الحاة، ع

القادة التارخن لحرب التحرر، بعدما تكفل التارخ بإعادة سجل سوابقهم العدلة.. لعذرته األولى. بنما وجد بعض السجناء الساسن _ ف تلك الحماقة االستعمارة _ فرصة للتعرؾ على بعض، ووقتا كافا للتشاور والتفكر ف أمور

مرحلة القادمة.الوطن.. والتخطط لل

Page 11: ذاكرة الجسد.pdf

الوم.. عندما أذكر تلك التجربة، تبدو ل لكثافتها ودهشتها، وكؤنها أطول مما كانت. رؼم أنها لم تدم بالنسبة ل سوى ستة ا. أشهر فقط. قضتها هناك قبل أن طلق سراح أنا واثنن آخرن لصؽر سننا وألنه كان هناك من همهم أمرهم، أكثر من

نوة قسنطنة، بعدما أخلفت هاما دراسا، ألجد البرنامج نفسه وكتب الفلسفة نفسها واألدب الفرنس ف وهكذا عدت إلى ثا انتظاري..

بن، بن مساجن وشهداء. وحدهم بعض رفاق الدارسة كانوا ما زالون ضمن المتؽ

قفن والموظفن الجزابرن المفرنسن.أؼلبهم طلبة ف الصفوؾ العلا الت كان مقررا أن تتخرج منها أول دفعة من المث

وكان ذلك شرفهم، أولبك الذن راهن البعض على خانتهم، فقط ألنهم اختاروا الثانوات والثقافة الفرنسة، ف مدنة ال مكن ألحد فها أن تجاهل سلطة اللؽة العربة، وهبتها ف القلوب والذاكرة.

وعذبوا بعد تلك المظاهرات، الكثر منهم، هم الذن كانوا بحكم ثقافتهم الؽربة فهل عجب أن كون من بن الذن سجنوا تمتعون بوع ساس مبكر، وبفابض وطنة.. وفابض أحبلم.

والذن أدركوا، والحرب العالمة تنته لصالح فرنسا والحلفاء، أن فرنسا استعملت الجزابرن، لخوضوا حربا لم تكن ا آالؾ الموتى ف معارك ال تعنهم، لعودوا بعد ذلك إلى عبودتهم.حربهم، وأنهم دفعو

كان ف مصادفة وجودي مع )س الطاهر( ف الزنزانة نفسها شء أسطوري بحد ذاته، وتجربة نضالة ظلت تبلحقن ر قدري. فهناك رجال عندما تلتق بهم تكو ن قد التقت بقدرك.لسنوات بكل تفاصلها، وربما كان لها بعد لك أثر ف تؽ

كان )س الطاهر( استثنابا ف كل شء، وكؤنه كان عد نفسه منذ البدء، لكون أكثر من رجل.

لقد خلق لكون قابدا. كان فه شء من سبللة طارق بن زاد، واألمر عبد الطارق، وأولبك الذن مكنهم أن ؽروا التارخ بخطبة واحدة.

عذبوه وسجنوه لمدة ثبلث سنوات عرفون ذلك جدا. ولكنهم كانوا جهلون أن )س الطاهر( سؤخذ وكان الفرنسون الذن بثؤره منهم بعد ذلك بسنوات، وصبح الرأس المطلوب بعد كل عملة قوم بها المجاهدون ف الشرق الجزابري.

ف تجربة كفاحة مسلحة هذه المرة!أي صدفة.. أن عود القدر بعد عشر سنوات تماما، لضعن مع )س طاهر(

.. وف شهر ألول بالذات، التحقت بالجبهة.77;3سنة

كان رفاق بدأون سنة دراسة ستكون الحاسمة، وكنت ف عام الخامس والعشرن أبدأ حات األخرى.

ة تفاصل خاصة عن حات أو دراست. لم سؤلن حتى أذكر أن استقبال )س طاهر( ل فاجؤن وقتها. لم سؤلن عن أه كان نتظرن كؾ أخذت قرار التحاق بالجبهة، وال أي طرق سلكت ألصل إله. ظل تؤملن قبل أ، حتضنن بشوق وكؤن

هناك منذ سنة.

ثم قال>

جبت..! -

وأجبته بفرح وبحزن ؼامض معا>

جبت! -

ف فرحته؛ فكنت موجزا معه ف حزن أضا.كان ) س الطاهر( هكذا أحانا، كون موجزا حتى

سؤلن بعدها عن أخبار األهل، وأخبار ) أما( بالتحدد، فؤجبته أنها توفت منذ ثبلثة أشهر. وأعتقد أنه فهم كل شء، فقد قال وهو ربت على كتف، وشء شبه بالدمع لمع ف عنه>

رحمها هللا، لقد تعذبت كثرا. -

ره بعدا إلى حث ال أدري..ثم ذهب ف تفك

بعدها حسدت تلك الدمعة المفاجبة ف عنه، والت رفع بها أم إلى مرتبة الشهداء. فلم حدث ل أن رأت )س الطاهر( بك سوى الشهداء من رجاله. وتمنت طوبل بعد ذلك أن أمدد جثمانا بن ده، ألتمتع ولو بعد موت بدمعة مكابرة ف

عنه.

ألكل هذا تقلصت عابلت فجؤة ف شخصه، ورحت أتفانى ف إثبات بطولت له، وكؤنن أرد أن أجعله شاهدا على رجولت أ, على موت؛ شاهدا على أنن لم أعد أنتسب إلى أحد ؼر هذا الوطن، وأنن لم أترك خلف سوى قبر المرأة كانت أم،

ستصبح أمه.وأخ صؽرن اختار له أب مسبقا امرأة

كنت ألق بنفس على الموت ف كل مرة، وكؤنن أتحداه أو كؤنن أرد بذلك أن ؤخذن بدل رفاق الذن تركوا خلفهم أوالدهم وأهلهم نتظرون عودتهم.

وكنت كل مرة أعود أنا وسقط آخرون، وكؤن الموت قرر أن رفضن..

ف المهمات الصعبة، وكلفن وكان )س طاهر( بعد أكثر من معركة ناجحة اشتركت فها، قد بدأ تدرجا عتمد علبالمهمات األكثر خطورة، تلك الت تتطلب مواجهة مباشرة مع العدو. ورفعن بعد سنتن إلى رتبة مبلزم ألتمكن من إدارة

بعض المعارك وحدي، وأخذ القرارات العسكرة الت قتضها كل ظرؾ.

Page 12: ذاكرة الجسد.pdf

لى د الثورة إلى رجل، وكؤن الرتبة الت كنت أحملها قد منحتن شهادة بالشفاء من ذاكرت.. بدأت وقتها فقط أتحول ع وطفولت.

وكنت آنذاك سعدا وقد بلؽت أخرا تلك الطمؤننة النفسة الت ال تمنحنا إاها سوى راحة الضمر.

ف ذلك الوقت الذي كنت أعتقد فه أن ال شء لم أكن أع أن طموحات ال عبلقة لها بالمكتوب وأن القدر كان تربص ب بعد الوم مكن أن عدن إلى حزن السابق.

وجاءت تلك المعركة الضارة الت دارت على مشارؾ "باتنة" لتقلب وما كل شء..

ا بمجرى فقد فقدنا فها ستة مجاهدن، وكنت فها أنا من عداد الجرحى بعدما اخترقت ذراع السرى رصاصتان، وإذحات تؽر فجؤة، وأنا أجد نفس من ضمن الجرحى الذن جب أن نقلوا على وجه السرعة إلى الحدود التونسة للعبلج. ولم كن العبلج بالنسبة ل.. سوى بتر ذراع السرى، الستحالة استبصال الرصاصتن. ولم كن هناك من مجال للنقاش

طرق اآلمنة الت مكن أن نسلكها حتى تونس، حث كانت القواعد الخلفة للمجاهدن.أو التردد. كان النقاش فقط، حول ال

وها أنذا أمام واقع آخر..

ها هو ذا القدر طردن من ملجؤي الوحد، من الحاة والمعارك الللة، وخرجن من السرة إلى الضوء، لضعن أمام فقط.. وشرفة أتفرج منها على ما حدث ف ساحة القتال. فلقد بدا ساحة أخرى، لست للموت ولست للحاة. ساحة لؤللم

واضحا من كبلم )س طاهر( ومها، أنن قد ال أعود إلى الجبهة مرة ثانة.

ف ذلك الوم األخر، حاول )س طاهر( أن حافظ على نبرته الطبعة، وراح كما كان ودعن كل مرة قبل معركة جددة. كان دري أنه عدن لتحمل معركت مع القدر.ولكن هذه المرة

ؼر أنه كان موجزا على ؼر عادته، ربما.. ألنه لس هناك من تعلمات خاصة تعطى ف هذه الحاالت.. وربما ألنه كان تكبد ومها أكبر خسارة بشرة وفقد ف معركة واحدة عشرة من خرة رجاله بن جرحى وقتل. وكان دري، والثورة

طوقة من كل جانب، قمة كل مجاهد وحاجة الثورة إلى كل رجل على حدة.م

ولم أقل له شبا ذلك الوم.. كنت أشعر، لسبب ؼامض، أنن أصبحت تما مرة أخرى.

. كنت أنزؾ، وكان ألم ذراع نتقل تدرجا إلى جسدي كله، وستقر ف حلق ؼصة. كانت دمعتان قد تجمدتا ف عن خبة واأللم.. والخوؾ من المجهول.ؼصة ال

كانت األحداث تجري مسرعة أمام، وقدري ؤخذ منحى جددا بن ساعة وأخرى، ووحده صوت )س طاهر( وهو عط حث كان، لصبح صلت الوحدة مع العالم. تعلماته األخرة، كان صل إل

تفقدن قبل سفري بساعة، ووضع ورقة صؽرة ف جب وبرؼم ذلك، مازلت أذكر تماما حضوره األخر، عندما جاء وكؤنه ودعن سرا> وبعض األوراق النقدة، وقال وهو نحن عل

"لقد قدر لك أن تصل إلى هناك.. أتمنى أن تذهب لزارتهم حن تشفى وتسلم هذا المبلػ إلى )أما( لتشتري به هدة دار البلدة لو استطعت ذلك.. فقد مر وقت طول قبل أ، أتمكن من زارتهم..".للصؽرة، وأود أضا أن تقوم بتسجلها ف

وعاد بعد لحظات وكؤنه نس شبا لضؾ شبه مرتبك وهو لفظ ذلك االسم ألول مرة..

".. لقد اخترت لها هذا السم.. سجلها متى استطعت ذلك وقبلها عن.. وسلم كثرا على )أما(.."

مرة سمعت فها اسمك.. سمعته وأنا ف لحظة نزؾ بن الموت والحاة، فتعلقت ف ؼبوبت بحروفه، كما كانت تلك أول تعلق محموم ف لحظة هذان بكلمة..

كما تعلق رسول بوصة خاؾ أن تضع منه..

كما تعلق ؼرق بحبال الحلم.

بن ألؾ األلم ومم المتعة كان اسمك.

التحذر. فكؾ لم أحذر اسمك الذي ولد وسط الحرابق األولى، شعلة صؽرة ف تلك الحرب. تشطره حاء الحرقة.. والم كؾ لم أحذر اسما حل ضده وبدأ بـ "أح" األلم واللذة معا. كؾ لم أحذر هذا االسم المفرد _ الجمع كاسم هذا الوطن،

وأدرك منذ البدء أن الجمع خلق دابما لقتسم!

، حدث الوم أن أستعد تلك الوصة>بن االبتسام والحزن

"قبلها عن.." وأضحك من القدر، وأضحك من نفس، ومن ؼرابة المصادفات.

ثم أعود وأخجل من وقار صوته، ومن مسحة الضعؾ النادرة الت ؼلفت جملته تلك، هو الذي كان رد أن بدو أمامنا وال أهل له ؼر رجاله.. دابما، رجبل مهبا ال هموم له سوى هموم الوطن،

لقد اعترؾ ل أنه رجل ضعؾ؛ حن وشتاق وقد بك ولكن، ف حدود الحاء، وسرا دابما. فلس من حق الرموز أن تبك شوقا.

إنه لم ذكر أمك مثبل.. تراه لم حن إلها، ه العروس الت لم تمتع بها ؼر أشهر مسروقة من العمر وتركها حامبل.

ولماذا هذا االستعجال المفاجا؟ لماذا ال نتظر بعض الوقت لرتب قضة ؼابه ألام، وقوم هو نفسه بتسجلك؟

Page 13: ذاكرة الجسد.pdf

لقد انتظر ستة أشهر، فلماذا ال نتظر أسابع أخرى.. ولماذا أنا بالذات..

أي قدر جعلن أحضر إلى هناك بتوقتك؟

ت بالمكتوب.كلما طرحت على نفس هذا السإال، دهشت له وآمن

فقد كان بإمكان )س طاهر( برؼم مسإولاته أن هرب لوم أو لومن إلى تونس. ولم تكن قضة عبور الحدود بحراستها المشددة ودوراتها وكمابنها لتخفه، وال حتى اجتاز )خط مورس( المكهرب والمفروش باأللؽام، والممتد بن الحدود

ى الصحراء، والذي اجتازه فما بعد ثبلث مرات، وهو رقم قاس بالنسبة لعشرات التونسة الجزابرة من البحر إل المجاهدن الذن تركوا جثثهم على امتداده.

أكان حب )س طاهر( لبلنضباط، واحترامه للقوانن هو الذي خلق عنده ذلك الشعور بالقلق بعد مبلدك، وهو كتشؾ اسما، ولم تمكن حتى من تسجلها؟ عاجزا أنه أب منذ شهور لطفلة لم منحها

أم كان خاؾ، هو الذي انتظرك طوبل، أن تضع منه إن هو لم رسخ وجودك وانتسابك له على ورقة رسمة علها ختم رسم؟

القدر أكان تشاءم من وضعك القانون هذا، ورد أن سجل أحبلمه ف دار البلدة، لتؤكد من أنها تحولت إلى حققة.. وأن لن عود لؤخذها منه، هو الذي كان حلمه ف النهاة أن صبح أبا كاآلخرن بعد محاولة زواج فاشلة لم رزق منها ذرة؟

ا.. أدري فقط، كما علمت فما بعد، أنه حاول أن وال أدري إذا كان )س الطاهر( ف أعماقه فضل لو كان مولوده صبل سفره اسما احتاطا لصب،متجاهبل احتمال مجء أنثى. وربما فعل ذلك أضا بعقلة تحال على القدر وأن ترك قب

عسكرة، وبهاجس وطن دون أن دري.. فقد كانت أحادثه وخططه العسكرة تبدأ ؼالبا بتلك الجملة الت كثرا ما سمعته دها "الزمنا رجال ا جماعة.." رد

سعدا ومتفاببل ف كل شء ف تلك الفترة..إذن، لهذا كان )س طاهر( بدو

ر الرجل الصلب. أصبح أكثر مرونة وأكثر دعابة ف أوقات فراؼه. فجؤة تؽ

شء ما كان تؽر تدرجا داخله، وجعله أقرب إلى اآلخرن، وأكثر تفهما ألوضاعهم الخاصة.

مون بها إلى أهلهم، هو الذي كان بخل بها على نفسه. فقد أصبح منح البعض بسهولة أكثر تسرحات لزارة خاطفة قورته األبوة المتؤخرة، الت جاءت رمزا جاهزا لمستقبل أجمل.. لقد ؼ

معجزة صؽرة لؤلمل.. كانت أنت.

طلع صباح آخر..

، فؤشعر أنه وها هو ذا النهار فاجبن بضججه االعتادي، وبضوبه المباؼت الذي دخل النور إلى أعماق ؼصبا عن ختلس شبا من.

ف هذه اللحظة.. أكره هذا الجانب الفضول والمحرج للشمس.

أرد أن أكتب عنك ف العتمة. قصت معك شرط مصور أخاؾ أن حرقه الضوء ولؽه، ألنك امرأة نبتت ف دهالزي السرة..

ألنك امرأة امتلكتها بشرعة السرة..

أسدل كل الستابر، وأؼلق نوافذ ؼرفت. ال بد أن أكتب عنك بعد أن

ورؼم ذلك.. سعدن ف هذه اللحظة منظر األوراق المكدسة أمام، والت مؤلتها البارحة، ف للة نذرتها للجنون. فقد أهدتها لك مؽلفة بصورة مهذبة ف كتاب..

وأدري..

. وأن ال شء عنك ف النهاة، خارج حدودك أنت.. وجسدك أدري أنك تكرهن األشاء المهذبة جدا.. وأنك أنانة جدا. أنت.

دت. ولكن قلبل من الصبر س

ي أمامك ذاكرت األخرى. صفحات أخرى ال بد منها، قبل أن أمؤلك ؼرورا.. وشهوة.. وندما صفحات أخرى فقط.. ثم أعروإن كنت أعترؾ أن "المقدمات" لست مشكلت اآلن بقدر ما وجنونا. فالكتب كوجبات الحب.. ال بد لها من مقدمات أضا..

ربكن البحث عن منطلق لهذه القصة.

من أن أبدأ قصت معك؟

ولقصتك مع عدة بداات، تبدأ مع النهاات ؼر المتوقعة ومع مقالب القدر.

ث؟ أعن طفلة كانت تحبو وما عند قدم.. أم عن صبة قلبت بعد خمس وعشرن وعندما أتحدث عنك.. عمن تران أتحدسنة حات.. أم عن امرأة تكاد تشبهك، أتؤملها على ؼبلؾ كتاب أنق عنوانه "منعطؾ النسان" .. وأتساءل> أتراها حقا..

أنت؟ وعندما أسمك فبؤي اسم؟

Page 14: ذاكرة الجسد.pdf

ة، أم باسمك األول، ذلك الذي ترى أدعوك بذلك االسم الذي أراده والدك، وذهبت بنفس ألسجله نابة عنه ف سجبلت البلد حملته خبلل ستة أشهر ف انتظار اسم شرع آخر؟ "حاة"..

سؤدعوك هكذا.. لس هذا اسمك على كل حال. إنه أحد أسمابك فقط.. فؤلسمنك به إذن مادام هذا االسم الذي عرفتك به، مسجل على صفحات الكتب والمجبلت، وال ف أي واالسم الذي أنفرد بمعرفته. اسمك ؼر المتداول على األلسنة، وؼر ال

سجبلت رسمة.

االسم الذي منحته لتعش ولمنحك هللا الحاة والذي قتلته أنا ذات وم، وأنا أمنحك اسما رسما آخر، ومن حق أن أحه نادك رجل قبل ه. الوم، ألنه ل ولم

منذ خمس وعشرن سنة. وكلما لفظته، عدت طفلة تجلس على ركبت اسمك الطفول الذي حبو على لسان، وكؤنك أنت وتعبث بؤشاب وتقول ل كبلما ال أفهمه..

فؤؼفر لك لحظتها كل خطااك.

كلما لفظته تدحرجت إلى الماض، وعدت صؽرة ف حجم دمة.. وإذا بك ابنت.

ولكنن أعرؾ مسبقا أنك لن تكتب عن طفولتك.. وال هل أقرأ كتابك ألعرؾ كؾ تحولت تلك الطفلة الصؽرة إلى امرأة؟ عن سنواتك األولى.

أنت تملبن ثقوب الذاكرة الفارؼة بالكلمات فقط، وتتجاوزن الجراح بالكذب، وربما كان هذا سر تعلقك ب؛ أنا الذي أعرؾ ات قللة ف ح اتك، وتلك المدنة الت كنت تسكننها الحلقة المفقودة من عمرك، وأعرؾ ذلك األب الذي لم تره سوى مر

تها دون عشق، وتمشن وتجبن على ذاكرتها دون انتباه. وال تسكنك، وتعاملن أزق

أنت الت تعلقت ب لتكتشف ما تجهلنه.. وأنا الذي تعلقت بك ألنسى ما كنت أعرفه.. أكان ممكنا لحبنا أن دوم؟

نا من البدء حتى عندما ال نتحدث عنه، كان بننا حاضرا بؽابه، فهل أقتله مرة ثانة كان )س طاهر( طرفا ثالثا ف قصتد بك؟ ألتفر

آه لو تدرن.. لو تدرن ما أثقل حمل الوصاا، حتى بعد ربع قرن، وما أوجع الشهوة الت واجهها أكثر من مستحل وأكثر من مبدأ فبل زدها ف النهاة إال ... اشتهاء!

السإال منذ البداة.. كان

كؾ ل أن ألؽ )س طاهر( م ذاكرت، وألؽ عمره من عمري، ألمنح حبنا فرصة والدة طبعة؟

ولكن.. ما الذي سبقى وقتها، لو أخرجتك من ذاكرتنا المشتركة وحولتك إلى فتاة عادة؟

كان والدك رفقا فوق العادة .. وقابدا فوق العادة.

حاته وف موته. فهل أنسى ذلك؟كان استثنابا ف

( وأبطال المعارك األخرة. وال كان 84لم كن من المجاهدن الذن ركبوا الموجة األخرة، لضمنوا مستقبلهم، مجاهدي ) من شهداء المصادفة، الذن فاجؤهم الموت ف قصؾ عشواب، أو ف رصاصة خاطبة.

مهدي، ومصطفى بن بولعد، الذن كانوا ذهبون إلى الموت وال كان من طنة ددوش مراد، ومن عجنة العرب بن نتظرون أن ؤتهم.

فهل أنسى أنه والدك.. وسإالك الدابم عد السمه هبته حا وشهدا؟

فرتبك القلب الذي أحبك حد الجنون. وبقى صدى سإالك ماببل... "حدثن عنه.."

دث عن الشهداء. تارخهم جاهز ومعروؾ مسبقا كخاتمتهم. ونهاتهم تؽفر لهم ما سؤحدثك عنه حببت.. فبل أسهل من الح مكن أن كونوا قد ارتكبوا من أخطاء.

ثك عن )س طاهر(.. سؤحد

فوحده تارخ الشهداء قابل للكتابة، وما تبله تارخ آخر صادر األحاء. وسكتبه جل لم عرؾ الحققة ولكنه سستنتجها فهناك عبلمات ال تخطا. تلقابا..

مات )س طاهر( طاهرا على عتبات االستقبلل. ال شء ف ده ؼر سبلحه. ال شء ف جوبه ؼر أوراق ال قمة لها.. ال شء على أكتافه سوى وسام الشهادة.

الرموز تحمل قمتها ف موتها..

ة، وما مؤلوا به جوبهم على عجل من حسابات ووحدهم الذن نوبون عنهم، حملون قمتهم ف رتبهم وأوسمتهم ال شرف سرة.

ست ساعات من الحصار والتطوق، ومنن القصؾ المركز لدشرة بؤكملها لتمكن قتلته من نشر صورته على صفحات قة" الذن أقسمت فرنسا أن تؤت علهم.. جرابد الؽد كدلل على انتصاراتهم الساحقة على أحد المخربن و "الفبل

أكان حقا موت ذلك الرجل البسط انتصارا لقوة عظمى، كانت ستخسر بعد بضعة أشهر الجزابر بؤكملها؟!

، دون أن تمتع بالنصر وال بقطؾ ثماره.80;3استشهد هكذا ف صؾ

Page 15: ذاكرة الجسد.pdf

ها هو رجل أعطى الجزابر كل شء، ولم تعطه حتى فرصة أن رى ابنه مش إلى جواره..

ة أو أستاذة كما كان حلم.أو راك أنت ربما طبب

كم أحبك ذلك الرجل!

بجنون أبوة األربعن.. بحنان الذي كان خف خلؾ صرامته الكثر من الحنان، بؤحبلم الذي صودرت منه األحبلم، بزهو المجاهد الذي أدرك وهو رى مولده األول، أنه لن موت تماما بعد الوم.

ان حضر فها إلى تونس لزارتكم خلسة لوم واحد أو لومن.مازلت أذكر المرات القللة الت ك

فا لسماع آخر األخبار، وتطورات األحداث على الجبهة. وأنا أجهد نفس ف الوقت نفسه حتى وكنت وقتها أسرع إله متله رة.ال أسرق منه تلك الساعات القللة النادرة، الت كان ؽامر بحاته لقضها برفقة عابلته الصؽ

كنت أندهش وقتها، وأنا أكتشؾ فه رجبل آخر ال أعرفه.

رجل بثاب أخرى، بابتسامة وكلمات أخرى، وبجلسة سهل له فها إجبلسك على ركبته طوال الوقت لمبلعبتك.

ت كان عش كل لحظة بؤكملها، وكؤنه عتر من الزمن الشحح كل قطرات السعادة؛ وكؤنه سرق من العمر مسبقا، ساعا عرفها معدودة؛ ومنحك مسبقا من الحنان زادك لعمر كامل.

. وكان حضر لشهد أهم حدث ف حاته؛ لتعرؾ على مولوده الثان 80;3كانت آخر مرة رأته فها، ف نار سنة ثته قلبل رزق وما بكر. ومها لسبب ؼامض تؤملته كثرا.. وحد .. وفضلت أن أتركه "ناصر"، فقد كانت أمنته السرة أن

لفرحته تلك، ولسعادته المسروقة. وعندما عدت ف الؽد، قل ل إنه عاد إلى الجبهة على عجل مإكدا أنه سعود قربا لمدة أطول. ولم عد..

انتهى بعد ذلك كرم القدر البخل. فقد استشهد )س طاهر( بعد بضعة أشهر دون أن تمكن من رإة ابنه مرة ثانة.

كان ناصر آنذاك نه شهره الثامن، وأنت تدخلن عامك الخامس.

بركانا موت وولد كل وم. وتتقاطع مع موته ومبلده، أكثر من قصة، بعضها مإلم 80;3وكان الوطن ف صؾ وبعضها مدهش..

وبعضها ؤت متؤخرا كما جاءت قصت الت تقاطعت ومها معك.

ت مسار حات بعد عمر بؤكمله، بحكم شء قد كون اسمه القدر، وقد كون العشق قصة فرعة، كتبت مسبقا وحول الجنون..

ذاك الذي فاجبنا من حث ال نتوقع، متجاهبل كل مبادبنا وقمنا السابقة.

والذي ؤت متؤخرا.. ف تلك اللحظة الت ال نعود ننتظر فها شبا؛ وإذا به قلب فنا كل شء.

ل الوم، بعدما قطعت بننا األام جسور الكبلم، أن أقاوم هذه الرؼبة الجنونة لكتابة هاتن القصتن معا، كما فهل مكن عشتهما معك ودونك، بعد ذلك بسنوات..

.. وتقلبن ن رؼبة.. وعشقا.. وحلما.. وحقدا.. وؼرة.. وخبة.. وفجابع حد الموت. أنت الت كنت تحبن االستماع إل كدفتر قدم للدهشة.

كان ال بد أن أكتب من أجلك هذا الكتاب، ألقول لك ما لم أجد متسعا من العمر ألقوله.

سؤحدثك عن الذن أحبوك ألسباب مختلفة، وخنتهم ألسباب مختلفة أخرى.

.. لقد اختار كل منا قدره.سؤحدثك حتى عن زاد، أما كنت تحبن الحدث عنه وتراوؼن؟ لم عد من ضرورة اآلن للمراوؼة

سؤحدثك عن تلك المدنة الت كانت طرفا ف حبنا، والت أصبحت بعد ذلك سببا ف فراقنا، وانته فها مشهد خرابنا الجمل.

ا أحببت؟ ومن.. منا ستقتلن؟ ا تراك كتبت؟ من من فعم تراك ستتحدثن؟ عن أي رجل من

تستبدلن حبا بحب، وذاكرة بؤخرى، ومستحبل بمستحل؟ولمن تراك أخلصت، أنت الت

وأن أنا ف قابمة عشقك وضحااك؟

تران أشؽل المكانة األولى، ألنن أقرب إلى النسخة األولى؟

تران النسخة المزورة لـ )س طاهر( تلك الت لم حولها االستشهاد إلى نسخة طبق األصل؟

ب المزور؟تران األبوة المزورة.. أم الح

أنت الت _كهذا الوطن_ تحترفن تزور األوراق وقلبها.. دون جهد.

كان "مونترالن" قول>

"إذا كنت عاجزا عن قتل من تدع كراهته، فبل تقل إنك تكرهه> أنت تعهر هذه الكلمة!".

ب ألقتلك به أضا. دعن أجرب أسلحتك..دعن أعترؾ لك أنن ف هذه اللحظة أكرهك، وأنه كان ال بد أن أكتب هذا الكتا

فربما كنت على حق.. ماذا لو كانت الرواات مسدسات محشوة بالكلمات القاتلة ال ؼر؟.

ولو كانت الكلمات رصاصا أضا؟

Page 16: ذاكرة الجسد.pdf

ولكنن لن أستعمل معك مسدسا بكاتم صوت، على طرقتك.

هذه االحتاطات. ال مكن لرجل حمل السبلح بعد هذا العمر، أن ؤخذ كل

أرد لموتك وقعا مدوا قدر اإلمكان..

فؤنا أقتل معك أكثر من شخص، كان ال بد أن جرإ أحد على إطبلق النار علهم وما.

فاقرأي هذا الكتاب حتى النهاة، بعدها قد تكفن عن كتابة الرواات الوهمة.

وطالع قصتنا من جدد..

آخر، فلم حدث ألدبنا التعس هذا، أن عرؾ قصة أروع منها.. دهشة بعد أخرى، وجرحا بعد

وال شهد خرابا أجمل.

الفصل الثان

كان وم لقابنا وما للدهشة..

لم كن القدر فه هو الطرؾ الثان، كان منذ البدء الطرؾ األول. ألس هو الذي أتى بنا من مدن أخرى، من زمن آخر عة ببارس، ف حفل افتتاح معرض للرسم؟وذاكرة أخرى، لجمعنا ف قا

ومها كنت أنا الرسام، وكنت أنت زابرة فضولة على أكثر من صعد.

لم تكون فتاة تعشق الرسم على وجه التحدد. وال كنت أنا رجبل شعر بضعؾ تجاه الفتات البلب صؽرنه عمرا. فما الذي ي طوبل أمام وجهك؟قاد خطاك هناك ذلك الوم؟.. وما الذي أوقؾ نظر

كنت رجبل تستوقفه الوجوه، ألن وجوهنا وحدها تشبهنا، وحدها تفضحنا، ولذا كنت قادرا على أن أحب أو أكره بسبب وجه.

وبرؼم ذلك، لست من الحماقة ألقول إنن أحبتك من النظرة األولى. مكنن أن أقول إنن أحبتك، ما قبل النظرة األولى.

مسبقا، وكؤنن أحببت وما امرأة تشبهك. أو كؤنن كنت كان فك شء ما أعرفه، شء ما شدن إلى مبلمحك المحببة إل منذ األزل ألحب امرأة تشبهك تماما. مستعدا

كان وجهك طاردن بن كل الوجوه، وثوبك األبض المتنقل من لوحة إلى أخرى، صبح لون دهشت وفضول..

وحده تلك القاعة المؤلى.. بؤكثر من زابر وأكثر من لون. واللون الذي إثث

هل ولد الحب أضا من لون لم نكن نحبه بالضرورة!_ -

وفجؤة اقترب اللون األبض من، وراح تحدث بالفرنسة مع فتاة أخرى لم أالحظها من قبل..

ى ما ألن األبض عندما لبس شعرا طوبل حالكا، كون قد ؼط على كل األلوان.. رب

قال األبض وهو تؤمل لوحة>

- Je prefere l'abstrait!..

وأجاب اللون الذي ال لون له>

- moi je prefere comprendre ce que je vois.

ولم تدهشن حماقة اللون الذي ال لون له، عندما فضل أن فهم كل ما رى..

ن فضل الؽموض!أدهشن اللون األبض فقط.. فلس من طبعه أ

قبل ذلك الوم، لم حدث أن انحزت للون األبض.

لم كن وما لون المفضل.. فؤنا أكره األلوان الحاسمة.

ولكنن آنذاك انحزت إلك دون تفكر.

ووجدتن أقول لتلك الفتاة، وكؤنن أواصل جملة بدأتها أنت>

ه!الفن هو كل ما هزنا.. ولس بالضرورة كل ما نفهم -

معا بشء من الدهشة، وقبل أن تقول شبا، كانت عناك تكتشفان ف نظرة خاطفة، ذراع جاكت الفارؼة نظرتما إل والمختبا كمه بحاء ف جب سترت.

كانت تلك بطاقة تعرف وأوراق الثبوتة.

مددت نحوي دك مصافحة وقلت بحرارة فاجؤتن>

المعرض..كنت أرد أن أهنبك على هذا -

وقبل أن تصلن كلماتك.. كان نظري قد توقؾ عند ذلك السوار الذي زن معصمك العاري الممدود نحوي.

Page 17: ذاكرة الجسد.pdf

القسنطنة الت تعرؾ من ذهبها األصفر المضفور، ومن نقشتها الممزة. تلك "الخبلخل" الت لم كن كان إحدى الحل ة من الشرق الجزابري.خلو منها ف الماض، جهاز عروس وال معصم امرأ

مددت دي إلك دون أن أرفع عن تماما عنه. وف عمر لحظة، عادت ذاكرت عمرا إلى الوراء. إلى معصم )أما( الذي لم فارقه هذا السوار قط.

وداهمن شعور ؼامض، منذ متى لم ستوقؾ نظري سوار كهذا؟

ما منذ أكثر من ثبلثن سنة! لم أعد أذكر.. رب

ما دون أن أدري، وكؤنن أمسك بشء ما، استعدته فجؤة.بكث ر من اللباقة سحبت دك الت كنت أشد علها رب

وابتسمت ل..

رفعت عن نحوك ألول مرة.

تقاطعت نظراتنا ف نصؾ نظرة.

كنت تتؤملن ذراع الناقصة، وأتؤمل سوارا بدك.

كان كبلنا حمل ذاكرته فوقه..

نتعرؾ على بعضنا بهذه الطرقة فقط. ولكن كنت لؽزا ال تزده التفاصل إال ؼموضا. فرحت أراهن على وكان مكن لنا أن اكتشافك. أتفحصك مؤخوذا مرتبكا.. كؤنن أعرفك وأتعرؾ علك ف آن واحد.

لم تكون جملة ذلك الجمال الذي بهر، ذلك الجمال الذي خؾ وربك.

ة، ولكن بتفا ما ف جبهتك العالة وحاجبك كنت فتاة عاد صل ؼر عادة، بسر ما كمن ف مكان ما من وجهك.. ربالسمكن والمتروكن على استدارتهما الطبعة. وربما ف ابتسامتك الؽامضة وشفتك المرسومتن بؤحمر شفاه فاتح

ة لقبلة. كدعوة سر

المتقل ب.أو ربما ف عنك الواسعتن ولونهما العسل

وكنت أعرؾ هذه التفاصل..

أعرفها.. ولكن كؾ؟ وجاء صوتك بالفرنسة خرجن من تفكري قلت>

سعدن أن صل فنان جزابري إلى هذه القمة من اإلبداع.. -

ثم أضفت بمسحة خجل>

حكم على األشاء الجملة، ف الحققة.. أنا ال أفهم كثرا ف الرسم، ولم أزر إال نادرا معارض فنة، ولكن مكنن أن أ -ولوحاتك ش ممز.. كنا ف حاجة إلى شء جدد بنكهة جزابرة معاصرة كهذه... لقد كنت أقول هذا البنة عم عندما

فاجؤتنا.

م ل نفسها، وكؤنها بذلك ستصبح طرفا ف وقفتنا، وذلك الحوار الذي وجدت وعندما تقدمت تلك الفتاة من لتصافحن، وتقد ها خارجه بعدما تجاهلتها منذ البدء دون أن أدري..نفس

قالت وه تعرفن بنفسها>

اآلنسة عبد المولى. إن سعدة بلقابك.. -

انتفضت لسماع ذلك االسم.

ونظرت مدهوشا إلى تلك الفتاة الت صافحتن بحرارة ال تخلو من شء من الؽرور..

عسان أجد ف مبلمحك جوابا لدهشت. تفحصتها وكؤنن أكتشؾ وجودها، ثم عدت ألتؤملك

عبد المولى.... عبد المولى..

وراحت الذاكرة تبحث عن جواب لتلك المصادفة..

كنت أعرؾ عابلة عبد المولى جدا.

إنهما أخوان ال أكثر. أحدهما )س طاهر( استشهد منذ اكثر من عشرن سنة، وترك صبا وبنتا فقط.

بل االستقبلل، و قد كون له الوم عدة أوالد وبنات..واآلخر )س الشرؾ( تزوج ق

فمن منكما ابنة )س الطاهر(... تلك الت حملت اسمها وصة من الجبهة حتى تونس.. ونبت عن أبها ف دار البلدة، لتسجلها رسما ف سجل الوالدات؟

لتها نابة عنه؟من منكما تلك الصؽرة الت قبلتها نابة عن أبها، وال عبتها ودل

من منكما... أنت؟

وبرؼم بعض الخطوط المشتركة لمبلمحكما، كنت أشعر أنك أنت.. ال تلك.

أو هكذا كنت أتمنى، وأنا أحلم قبل األوان بقرابة ما تكون جمعتن بك.

مسبقا. لقد كنت نسخة عن )س ط اهر(، نسخة أكثر وأندهش لهذه المصادفة، وأجد فجؤة تبررا لوجهك المحبب إل جاذبة.

Page 18: ذاكرة الجسد.pdf

كنت أنثى.

( ؼداة االستقبلل، عندما رحت أطمبن 84;3ولكن.. أعقل أن تكون أنت الطفلة الت رأتها آلخر مرة ف تونس سنة )علكم كالعادة، وأتابع بنفس تفاصل عودتكم إلى الجزابر؟ بعدما اتصل ب )س الشرؾ( من قسنطنة، لطلب من بع

الذي لم عد هناك ضرورة لوجوده، والذي اشتراه )س الطاهر( منذ عدة سنوات لهرب إله أسرته الصؽرة، ذلك البت عندما أبعدته فرنسا عن الجزابر ف الخمسنات، بعد عدة أشهر من السجن قضاها بتهمة التحرض الساس.

كم كان عمرك وقتها؟

إلى هذا الحد.. خبلل عشرن سنة؟!أعقل أن تكون تؽرت إلى هذا الحد.. وكبرت

رحت أتؤملك مرة أخرى، وكؤنن أرفض أن أعترؾ بعمرك، وربما أرفض أن أعترؾ بعمري وبالرجل الذي أصبحته منذ ذلك الزمن الذي بدو ل الوم ؼابرا.

ما الذي أوصلك إلى هذه المدنة.. وإلى هذه القاعة ف هذا الزمن وهذا الوم بالذات؟

رته طوبل لسبب ال عبلقة له بك..وم انتظ

وحسبت له ألؾ حساب لم تكون ضمنه..

وتوقعت فه كل المفاجآت إال أن تكون أنت مفاجؤت.

فجؤة أذهلن اكتشاف، وخفت من مواجهة عنك اللتن كانتا تتابعان بشء من الدهشة ارتباك. فقررت أن أطرح سإال لفتاة األخرى الت قدمت ل نفسها. كنت أعرؾ أنن إذا عرفتها سنحل اللؽز، وأعرؾ بالمقلوب، وأنا أواصل حدث مع ا

تلقابا من منكما.. أنت.

فقط أن أتعرؾ على صاحبته. فقد كان إلحداكما اسم أعرفه منذ خمس وعشرن سنة، وعل

سؤلتها>

هل لدك قرابة بس الشرؾ عبد المولى؟ -

ن أمرها عنن>أجابت بسعادة وكؤنها تكتشؾ أ

إنه أب.. لقد تعذر عله الحضور الوم بسبب وصول وفد من الجزابر البارحة.. لقد حدثنا عنك كثرا. وقد أثار فضولنا - لمعرفتك لدرجة قررنا أن نؤت مكانه الوم لحضور االفتتاح!

، والثان سبب تخلؾ )س الشرؾ(.كان كبلم تلك الفتاة على تلقابته حمل ل جوابن. األول أنها لم تكن أنت

كنت الحظت ؼابه وتساءلت عن سببه، هل كان المانع شخصا، أم ساسا.. أم تراه كان لسبب ما تحاشى الظهور مع؟

كنت أدري أن طرقنا تقاطعت منذ سنن عندما دخل دهالز اللعبة الساسة، وأصبح هدفه الوحد الوصول إلى الصفوؾ رؼم ذلك لم كن بإمكان أن أتجاهل وجوده مع ف المدنة نفسها. فقد كان جزءا من شباب وطفولت.. وكان األمامة. و

بعض ذاكرت.

ولذا، وألسباب عاطفة محض، كان الشخصة الجزابرة الوحدة الت دعوتها.

ن، قبل سنت ن، ملحقا ف السفارة الجزابرة، وهو لم ألتق به منذ عدة سنوات، ولكن أخباره كانت تصلن دابما منذ ع منصب ككل المناصب "الخارجة"، تطلب كثرا من الوساطة واألكتاؾ العرضة.

وكان بإمكان )س الشرؾ( أن شق طرقه إلى هذا المنصب وألهم منه بماضه فقط، وباسمه الذي خلده س الطاهر فرده لضمان الحاضر، وكان عله أن تؤقلم مع كل الراح للوصول..باستشهاده. ولكن بدو أن الماض لم كن كافا بم

خطر ببال كل ذلك، وأنا أحاول بدوري أن أتؤقلم مع كل المفاجآت واالنفعاالت الت هزتن ف بضع لحظات، والت كانت !بداتها أنن وددت أن أسلم على فتاة جملة تزور معرض ال ؼر.. فإذا ب أسلم على ذاكرت

وعدت إلى دهشت األولى معك..

إلى كل التفاصل األولى الت لفتت نظري إلك منذ البدء. إلى تلك اللوحة بالذات الت توقفت طوبل أمامها. لقد كان هناك أكثر من قدر، أكثر من مكتوب.. أكثر من مصادفة.

أنت..

تتوقفن عند بعضها اآلخر، وتعودن إلى الدلل الذي أكنت أنت.. ف قاعة تتفرجن فها على لوحات. تتؤملن بعضها، تمسكه بدك لتتعرف على أسماء اللوحات الت تلفت نظرك األكثر؟

أنت..

تراك أنت.. نور آخر ضء كل لوحة تمرن بها، فتبدو األضواء الموجهة نحو اللوحات، وكؤنها موجهة نحوك.. وكؤنك كنت اللوحة األصلة.

أنت إذن..

فن أمام لوحة صؽرة لم تستوقؾ أحدا. تتؤملنها بإمعان أكبر، تقتربن منها أكثر، وتبحثن عن اسمها ف قابمة تتوق اللوحات.

Page 19: ذاكرة الجسد.pdf

ولحظتها سرت ف جسدي قشعررة مبهمة. واستقظ فضول الرسام المجنون داخل..

..؟ من تكونن، أنت الواقفة أمام أحب لوحات ل

تتؤملنها.. وتقولن لرفقتك كبلما ال صلن شء منه. رحت أتؤملك مرتبكا وأنت

ما الذي أوقفك أمامها؟

لم تكن أجمل ما ف القاعة من لوحات، كانت لوحت األولى وتمرن األول ف الرسم فقط..

ولكنن أصررت هذه المرة، على أن تكون حاضرة ف معرض األهم هذا، ألنن اعتبرتها برؼم بساطتها، معجزت الصؽرة.

رسمتها منذ خمس وعشرن سنة، وكان مر على بتر ذراع السرى أقل من شهر.

لم تكن محاولة لئلبداع وال لدخول التارخ. كانت محاولة للحاة فقط، والخروج من الؤس. رسمتها كما رسم تلمذ ف امتحان للرسم منظرا لجب على ورقة األستاذ>

"."ارسم أقرب منظر إلى نفسك

إنها الجملة الت قالها ل ذلك الطبب الوؼسبلف الذي قدم مع بعض األطباء من الدول االشتراكة إلى تونس، لمعالجة الجرحى الجزابرن، والذي أشرؾ على عملة بتر ذراع وظل تابع تطورات الصحة والنفسة فما بعد.

، وهو بلحظ إحباط النفس المستمر.كان سؤلن كل مرة أزوره فها عن اهتمامات الجددة

لم أكن مرضا لحتفظ ب الطبب ف مستشفى، وال كنت معافى بمعنى الكلمة ألبدأ حات الجددة.

كنت أعش ف تونس، ابنا لذلك الوطن وؼربا ف الوقت نفسه؛ حرا ومقدا ف الوقت نفسه؛ سعدا وتعسا ف الوقت نفسه.

رفضه الموت ورفضته الحاة. كنت كرة صوؾ متداخلة.. فمن أن مكن لذلك الطبب أن جد رأس الخط كنت الرجل الذي الذي حل به كل عقدي؟

وعندما سؤلن ذات مرة، وهو كتشؾ ثقافت، هل كنت أحب الكتابة أو الرسم، تمسكت بسإاله وكؤنن أتمسك بقشه قد الطبة الت كان عدها ل.تنقذن من الؽرق، وأدركت فورا الوصفة

قال>

إن العملة الت أجرتها علك، أجرت مثلها عشرات المرات على جرحى كثرن فقدوا ف الحرب ساقا أو ذراعا، وإذا -كانت العملة ال تختلؾ، فإن تؤثرها النفس ختلؾ من شخص إلى آخر، حسب عمر المرض ووظفته وحاته

حسب مستواه الثقاف، فوحده المثقؾ عد النظر ف نفسه كل وم، وعد النظر ف عبلقته مع العالم االجتماعة.. وخاصة ر شء ف حاته.. ومع األشاء كلما تؽ

لقد أدركت هذا من تجربت ف هذا المدان. لقد مرت ب أكثر من حالة من هذا النوع، ولذا أعتقد أن فقدانك ذراعك قد أخل ما هو حولك. وعلكم أن تعد بناء عبلقة جددة مع العالم من خبلل الكتابة أو الرسم..بعبلقتك ب

علك أن تختار ما هو اقرب إلى نفسك، وتجلس لتكتب دون قود كل ما دور ف ذهنك. وال تهم نوعة تلك الكتابات وال م داخل..مستواها األدب.. المهم الكتابة ف حد ذاتها كوسلة تفرػ، وأداة ترم

ر ف نظرك، ألنك أنت وإذا كنت تفضل الرسم فارسم.. الرسم أضا قادر على أن صالحك مع األشاء ومع العالم الذي تؽرت وأصبحت تشاهده وتلمسه بد واحدة فقط.. تؽ

م أفعل شبا طوال حات، وكان مكن أن أجبه ذلك الوم بتلقابة.. إنن أحب الكتابة، وأنها األقرب إلى نفس، مادمت ل سوى القراءة الت تإدي تلقابا إلى الكتابة.

كان مكن أن أجبه كذلك، فقد تنبؤ ل أساتذت دابما بمستقبل ناجح.. ف األدب الفرنس!

ولهذا أجبته دون تفكر، أو ربما بموقؾ اكتشفت فما بعد أنه كان جاهزا ف أعماق>

أفضل الرسم.. -

جملت المقتضبة فسؤلن إن كنت رسمت قبل الوم..لم تقنعه

قلت> "ال..".

قال> "إذن ابدأ برسم أقرب شء إلى نفسك.. ارسم أحب ش إلك..".

بعد الوم!". وعندما ودعن قال بسخرة األطباء عندما عترفون بعجزهم بلباقة> " ارسم.. فقد ال تكون ف حاجة إل

أرد أن أخلو لنفس بن تلك الجداران البضاء، الت كانت استمرارا لجدران مستشفى عدت ومها إلى ؼرفت مسرعا "الحبب ثامر" الذي كان حتى ذلك الوقت، المكان الذي أعرفه األكثر ف تونس.

وجوه رحت ومها أتؤمل تلك الجدران على ؼر عادت، وأنا أفكر ف كل ما مكن أن أعلق علها من لوحات بعد الوم. كل من أحب.. كل األزقة الت أحب.. كل ما تركته خلف هناك.

Page 20: ذاكرة الجسد.pdf

نمت ف تلك الللة قلقا، وربما لم أنم. كان صوت ذلك الطبب حضرن بفرنسته المكسرة لوقظن "ارسم". كنت أستعده كر ف ؼفوت أول داخل بدلته البضاء، ودعن وهو شد على دي "ارسم". فتعبر قشعررة ؼامضة جسدي وأنا أتذ

سورة للقرآن. وم نزل جبرابل عله السبلم على محمد ألول مرة فقال له "اقرأ" فسؤله النب مرتعدا من الرهبة.. "ماذا أقرأ؟" فقال جبرل "اقرأ باسم ربك الذي خلق" وراح قرأ عله أول سورة للقرآن. وعندما انتهى عاد النب إلى زوجته

ما سمع. وما كاد راها حتى صاح "دثرن.. دثرن...".وجسده رتعد من هول

كنت ذلك المساء أشعر برجفة الحمى الباردة. وبرعشة ربما كان سببها توتري النفس ومها، وقلق بعد ذلك اللقاء الذي أوج الشتاء كنت أعرؾ أنه آخر لقاء ل مع الطبب. وربما أضا بسبب ذلك الؽطاء الخفؾ الذي كان ؼطاب الوحد ف

القارس، والذي لم منحن مستؤجري البخل ؼره.

وكدت أصرخ وأنا أتذكر فراش طفولت. وتلك "البطانة" الصوفة الت كانت ؼطاب ف مواسم البرد القسنطن، كدت ب الؽرفة البابس. أصرخ ف لل ؼربت.. "دثرن قسنطنة.. دثرن.." ولكن لم أقل شبا للتها، ال لقسنطنة وال لصاح

اي وبرودت لنفس. صعب على رجل عابد لتوه من الجبهة، أن عترؾ حتى لنفسه بالبرد.. احتفظت بحم

انتظرت فقط طلوع الصباح ألشتري بما تبقى ف جب من أوراق نقدة ما أحتاج إله لرسم لوحتن أو ثبلث. ووقفت ..كمجنون على عجل أرسم "قنطرة الحبال" ف قسنطنة

حقا، ألقؾ بتلقابة ألرسمه وكؤنن وقفت ألجتازه كالعادة؟ أم تراه كان أسهل شء للرسم أكان ذلك الجسر أحب شء إل فقط؟

ال أدري..

أدري أنن رسمته مرات ومرات بعد ذلك، وكؤنن أرسمه كل مرة ألول مرة. وكؤنه أحب شء لدي كل مرة.

متها دون كثر من التفكر "حنن". لوحة لشاب ف السابعة والعشرن من خمس وعشرون سنة، عمر اللوحة الت أس عمره، كان أنا بؽربته وبحزنه وبقهره.

وها أنا ذا الوم، ف ؼربة أخرى وبحزن وبقهر آخر.. ولكن بربع قرن إضاف، كان ل فه كثر من الخبات والهزابم الذاتة.. وقلل من االنتصارات االستثنابة.

نا الوم أحد كبار الرسامن الجزابرن، وربما كنت أكبرهم على اإلطبلق؛ كما تشهد بذلك أقوال النقاد الؽربن الذن ها أ نقلت شهادتهم بحروؾ بارزة على بطاقات دعوة االفتتاح.

صؽر نزل عله الوح ذات خرؾ ف ؼرفة صؽرة بابسة، ف شارع "باب سوقة" بتو نس.ها أنا الوم... نب

ها أنا نب خارج وطنه كالعادة.. وكؾ ال وال كرامة لنب ف وطنه؟

ها أنا "ظاهرة فنة؟، كؾ ال وقدر ذي العاهة أن كون "ظاهرة" وأن كون جبارا ولو بفنه؟

ها أنا ذا..

؟ إنه الؽابب الوحد فؤن هو ذلك الطبب الذي نصحن بالرسم ذات مرة؟ والذي صدقت نبوءته ولم احتاج إله بعد ذلك الومف هذه القاعة الشاسعة الت لم سبق ألي عرب أن عرض فها لوحاته قبل. أن هو الدكتور "كابوتسك" لرى ماذا

فعلت بد واحدة..

ذلك الذي لم أسؤله وما ماذا فعل بدي األخرى!

ي وضعته ألول مرة أسفل لوحة. تماما كما ( توقع الذ79وها ه "حنن" لوحت األولى، وجوار تارخ رسمها )تونس لك ف دار البلدة ألول مرة..79;3وضعته أسفل اسمك، وتارخ مبلدك الجدد، ذات خرؾ من سنة ، وأنا أسج

من منكما طفلت.. ومن منكما حببت؟ سإال لم خطر على بال ذلك الوم، وأنا أراك تقفن أمام تلك اللوحة ألول مرة..

عمرك.. تكبرنها _ رسما _ ببضعة أام.. وتصؽرك ف الواقع ببضعة أشهر ال ؼر.لوحة ف

لوحة كانت بدات مرتن.. مرة وم أمسكت بفرشاة ألبدأ معها مؽامرة الرسم.. ومرة وم وقفت أنت أمامها، وإذا ب أدخل ف مؽامرة مع القدر...

، وكؤنن أرد أن 3:;3وضعت دابرة حول تارخ ذلك الوم> نسان على مفكرة مؤلى بمواعد وعناون ال أهمة لها، أمزه عن بقة األام. قبل ذلك الوم، لم أجد ف سنوات الماضة ما ستحق التمز.

فقد كانت أام مثل أوراق مفكرت مؤلى بمسودات ال تستحق الذكر. وكنت امؤلها ؼالبا ك ال أتركها بضاء، فقد كان ض خفن دابما عندما كون على مساحة ورق.اللون األب

ثمان مفكرات لثمان سنوات، لم كن فها ما ستحق الدهشة. جمعها صفحة واحدة لمفكرة واحدة ال تارخ لها سوى الؽربة. ؼربة كنت أحاول أن أختصرها بعملة حسابة كاذبة، تتحول فها السنوات إلى ثمان مفكرات ال ؼر، مازالت

سة ف خزانت الواحدة فوق األخرى... مسجلة ال حسب توارخها المبلدة أو الهجرة.. إنما حسب أرقام سنوات مكد هجرت االختارة.

Page 21: ذاكرة الجسد.pdf

أضع دابرة حول تارخ ذلك الوم، وكؤنن أؼلق علك داخل تلك الدابرة. كؤنن أطوقك وأطارد ذكراك لتدخل دابرة ضوب إلى األبد.

مسبق، وكؤن هذا التارخ سكون منعطفا للذاكرة؛ كؤنه سكون مبلدي اآلخر على دك. وكنت كنت أتصرؾ عن حدس أع وقتها تماما أن الوالدة على دك كالوصول إلك أمر لن كون سهبل.

ان شهد على ذلك ؼاب رقمك الهاتف وعنوانك من تلك الصفحة الت لم تكن تحمل ف النهاة سوى تارخ لقابك. فهل كمن المنطق أن اطلب منك رقم هاتفك ف لقابنا األول أو صدفتنا األولى تلك.. وبؤي مبرر وبؤة حجة سؤفعل ذلك، وكل

األسباب تبدو ملفقة عندما طلب رجل من فتاة جملة رقم هاتفها؟

ألخرى لذاكرت. ولكن كؾ كنت أشعر برؼة ف الجلوس إلك.. ف التحدث واالستماع إلك.. عسان أتعرؾ على النسخة اأقنعك بذلك؟ كؾ أشرح لك ف لحظات أنن أعرؾ الكثر عنك، أنا الرجل الذي تقابلنه ألول مرة، وال تتحدثن إله كما

نتحدث بالفرنسة للؽرباء بضمر الجمع.. فبل أملك إال أن أجبك بنفس كبلم الؽرباء بالجمع..

، وكؤنن أتحدث لك بلؽة ال أعرفها.. بلؽة ال تعرؾ شبا عنا. أعقل بعد عشرن سنة كانت الكلمات تتعثر ومها على لسان أن أصافحك وأسؤلك بلؽة فرنسة محادة..

- Mais comment allez-vous mademoiselle?

بنفس المسافة اللؽوة> فتردن عل

- Bien.. je vous remercie..

عرفتك طفلة تحبو.وتكاد تجهش الذاكرة بالبكاء.. تلك الت

تكاد ترتعش ذراع الوحدة وه تقاوم رؼبة جامحة الحتضانك، وسإالك بلهجة قسنطنة افتقدتها..

واشك..؟ -

آه واشك.. أتها الصؽرة الت كبرت ف ؼفلة من.. كؾ أنت أتها الزابرة الؽربة الت لم تعد تعرفن. ا طفلة تلبس وارا كان ألم؟ذاكرت، وتحمل ف معصمها س

دعن أضم كل من أحببتهم فك. أتؤملك وأستعد مبلمح )س الطاهر( ف ابتسامتك ولون عنك. فما أجمل أن عود الشهداء هكذا ف طلتك. ما أجمل أن تعود أم ف سوار بمعصمك؛ وعود الوطن الوم ف مقدمك. وما أجمل أن تكون

أنت.. ه أنت!

أتدرن..

ادؾ اإلنسان شء جمل مفرط ف الجمال.. رؼب ف البكاء..()إذا ص

ومصادفتك أجمل ما حل ب منذ عمر.

كؾ أشرح لك كل هذا مرة واحدة.. ونحن وقوؾ تتقاسمنا األعن واألسماع؟

كؾ أشرح لك أنن كنت مشتاقا إلك دون أن أدري.. أنن كنت انتظرك دون أن أصدق ذلك؟

.وأنه ال بد أن نلتق

أجمع حصلة ذلك اللقاء األول..

ربع ساعة من الحدث أو أكثر. تحدثت فها أنا أكثر مما تحدثت أنت. حماقة ندمت علها فما بعد. كنت ف الواقع أحاول أن أستبقك بالكلمات. نست أن أمنحك فرصة أكثر للحدث.

ا كنت سعدا وأنا أكتشؾ شؽفك بالفن.. كنت على استعداد لمناقشت طوبل ف كل لوحة، كان كل شء معك قاببل للجدل. وأم أنا فكنت لحظتها ال أرؼب سوى ف الحدث عنك. وحده وجودك كان ثر شهت للكبلم.

وألنه لم كن ف الوقت متسع ألسرد علك فصول قصت المتقاطعة مع قصتك، اكتفت بجملتن أو ثبلث عن عبلقات ولتك األولى.. وعن لوحة قلت إنك أحببتها، وقلت لك إنها توأمك!القدمة بؤبك.. وعن طف

اخترت جمل بكثر من االقتضاب.. وكثر من الذكاء. تركت بن الكلمات كثرا من نقط االنقطاع.. إلشعارك بثقل الصمت الذي لم تمؤله الكلمات.

لم أكن أرد أن أنفق ورقت الوحدة معك ف وم واحد على عجل.

رد أن أوقظ فضولك لمعرفت أكثر، لك أضمن عودتك ل ثانة. وعندما سؤلتن "هل ستكون موجودا هنا طوال فترة كنت أالمعرض؟" أدركت أنن نجحت ف أول امتحان معك، وأنا أجعلك تفكرن ف لقاب مرة ثانة. ولكنن قلت بصوت طبع ال

عبلقة له بزالزل الداخلة>

ر ف أؼلب األحان.." ثم أضفت وأنا أكتشؾ أن جواب قد ال شجعك على زارة قد أكون ؼاببا "سؤكون هنا بعد الظه عنها>

"ومن األرجح أن أكون هنا كل وم، فستكون ل مواعد كثرة مع الصحافن واألصدقاء..".

Page 22: ذاكرة الجسد.pdf

ف المعرض. كنت فقط أحاول كان ف ذلك الكبلم شء من الحققة. ولكنن لم أكن ف الواقع مضطرا للبقاء طوال الوقت أال أجعلك تعودن عن قرارك لسبب ما.

قلت وأنت تتحدثن ل فجؤة بطرقة األصدقاء القدامى>

"قد أعود لزارة المعرض وم االثنن القادم.. إنه الوم الذي ال دروس ل فه. ف الحققة أنا حضرت الوم عن فضول فقط.. وسعدن أن أتحدث إلك أكثر..".

تدخلت ابنة عمك، وكؤنها تعتذر، وربما تتحسر ألنها لن تكون طرفا ف ذلك اللقاء>

"خسارة.. إنه الوم األكثر مشاؼل بالنسبة ل.. لن مكنن أن أرافقك، ولكن قد أعود أنا أضا ف وم آخر." ثم التفت نحوي سابلة>

"متى نته المعرض؟"

قلت>

م..".نسان.. أي بعد عشرة أا 47"ف

صاحت>

"عظم.. سؤجد فرصة للعودة مرة أخرى.."

تنفست الصعداء.

المهم أن أراك مرة واحدة على انفراد، وبعدها سصبح كل شء أسهل.

تزودت منك بآخر نظرة، وأنت تصافحنن قبل أن تنسحب.

كان ف عنك دعوة لشء ما..

كان فهما وعد ؼامض بقصة ما..

ق اللذذ المحبب.. وربما نظرة اعتذار مسبقة عن كل ما سحل ب من كوارث بعد ذلك بسببهما.كان فهما شء من الؽر

وكنت أع ف تلك اللحظة، وذلك اللون األبض ولن ظهره ملتفا بشال شعره األسود.. وبتعد عن تدرجا لختلط بؤكثر وانتهى األمر. من لون، أنن سواء رأتك أم لم أرك بعد الوم، فقط أحببتك..

ؼادرت القاعة إذن مثلما جبت.. ضوءا شق الطرق انبهارا عند مروره.. متؤلقا ف انسحابه كما ف قدومه.

جر خلفه أكثر من قوس قزح.. وذبل من مشارع األحبلم.

ما الذي أعرفه عنك؟

م تكون "نجما مذنبا" عابرا كذاك الذي ضء شبان أو ثبلثة.. أعدتهما على نفس بعد ذلك عدة مرات، ألقنع نفس أنك لف األمسات الصفة، وختف قبل أن تمكن الفلكون من مطاردته بمنظارهم، والذي سمونه ف قوامس الفلك.. "النجم

الهارب"!

دن شهادة ما ف ال.. لن تهرب من، وتختف ف شوارع بارس وأزقتها المتشعبة بهذه السهولة. أعرؾ على األقل أنك تعالمدرسة العلا للدراسات، وأنك ف السنة األخرة للدراسة، وأنك ف بارس منذ أربع سنوات، وتقمن عند عمك منذ عن

ف بارس أي منذ سنتن. معلومات قد تكون هزلة، ولكنها تكف للعثور علك بؤة طرقة.

تبدو طولة وكؤنها ال تنته. وكنت بدأت ف العد العكس منذ تلك اللحظة كانت األام الفاصلة بن وم الجمعة ووم االثننالت ؼادرت فها القاعة، رحت أعد األام الفاصلة بن وم الجمعة ووم االثنن. تارة أعدها فتبدو ل أربعة أام، ثم أعود

بدو ل المسافة أقصر وأبدو أقدر على وأختصر الجمعة الذي كان على وشك أن نته، واالثنن الذي سؤراك فه، فت التحمل، إنها ومان فقط هما السبت واألحد.

ثم أعود فؤعد اللال.. فتبدو ل ثبلث لال كاملة، ه الجمعة والسبت واألحد، أتساءل وأنا أتوقع مسبقا طولها، كؾ سؤقضها؟ وحضرن ذلك البت الشعري القدم الذي لم أصدقه من قبل>

اللال للة بعد للة ... وقد عشت دهرا ال أعد اللالا أعد

ترى أهكذا بدأ الحب دابما، عندما نبدأ ف استبدال مقاسنا الخاصة، بالمقاس المتفق علها، وإذا بالزمن فترة من العمر، ال عبلقة لها بالوقت؟

ة كما كنت أتوقع. أنقة كما كنت أتوقع. داخل فستان ف ذلك الوم، سعدت وأنا أرى "كاترن" تدخل القاعة. جاءت متؤخر أصفر ناعم، تطر داخله كفراشه. قالت وه تضع قبلة على خدي>

لقد وصلت متؤخرة.. كان هناك ازدحام ف الطرق كالعادة ف مثل هذا الوقت. -

بوع، ف تلك الطرقات الرابطة كانت كاترن تسكن الضاحة الجنوبة لبارس. وكانت المواصبلت تتضاعؾ ف نهاة األسبن بارس وضواحها، والت لم كن ذلك السبب الوحد لتؤخرها. كنت أعرؾ أنها تكره اللقاءات العامة، أو تكره كما

استنتجت أن تظهر مع ف األماكن العامة. ربما تخجل أن راها بعض معارفها وه مع رجل عرب، كبرها بعشر سنوات، ونقصها بذراع!

Page 23: ذاكرة الجسد.pdf

كانت تحب أن تلتق ب، ولكن دابما ف بت أو بتها، بعدا عن األضواء، وبعدا عن العون، هنالك فقط كانت تبدو تلقابة ف مرحها وف تصرفها مع. وكف أن ننزل معا لنتناول وجبة ؼداء ف المطعم المجاور، لبدو علها ش من االرتباك

نعود إلى البت. والتصنع، وصبح همها الوحد أن

وهكذا تعودت عندما تحضر أن أشتري مسبقا ما كفنا من األكل لقضاء وم أو ومن معا. لم أعد أناقشها وال أقترح علها شبا. كان ذلك أوفر وأكثر راحة ل، فلماذا كل هذا الجدل؟

ت المعلقة الت كانت تعرفها جمعا>قالت كاترن بصوت أعلى من العادة وه تمسك ذراع وتلق نظرة على اللوحا

برافو خالد، أهنبك.. رابع كل هذا.. أها العزز. -

تعجبت شبا ما، كانت تتحدث هذه المرة وكؤنها ترد أن عرؾ اآلخرون أنها صدقت أو حببت.. أو أي شء من هذا القبل.

ر سلوكها فجؤة، هل منظر ذلك الحشد من الشخصات ا لفنة والصحافن الذن حضروا االفتتاح.. أم أنها ما الذي ؼاكتشفت ف هذا المكان، أنها كانت منذ سنتن تضاجع عبقرا دون أن تدري، وأن ذراع الناقصة الت كانت تضاقها ف

ظروؾ أخرى، تؤخذ هنا بعدا فنا فردا ال عبلقة له بالمقاس الجمالة؟

خمس والعشرن سنة الت عشتها بذراع واحدة، لم حدث أنن نست عاهت إال ف قاعات اكتشفت لحظتها، أنن خبلل ال العرض.

ف تلك اللحظات الت كانت فها العون تنظر إلى اللوحات، وتنسى أن تنظر إلى ذراع. أو ربما ف السنوات األولى سة بن الناس. كانوا وحون باالحترام أكثر مما لبلستقبلل.. وقتها كان للمحارب هبته، ولمعطوب الحروب شء من القدا

وحون بالشفقة. ولم تكن مطالبا بتقدم أي شرح وال أي سرد لقصتك.

كنت تحمل ذاكرتك على جسدك، ولم كون ذلك تطلب أي تفسر.

ذاكرتك الوم بعد ربع قرن..، أنت تخجل من ذراع بدلتك الفارغ الذي تخفه بحاء ف جب سترتك، وكؤنك تخف الشخصة، وتعتذر عن ماضك لكل من ال ماض لهم.

دك الناقصة تزعجهم. تفسد على البعض راحتهم. تفقدهم شهتهم.

لس هذا الزمن لك، إنه زمن لما بعد الحرب.

وف للبدالت األنقة والسارات الفخمة.. والبطون المنتفخة. ولذا كثرا ما تخجل من ذراعك وه ترافقك ف المترو المطعم وف المقهى وف الطابرة وف حفل تدعى إله. تشعر أن الناس نتظرون منك ف كل مرة أن تسرد علهم قصتك.

كل العون المستدرة دهشة، تسؤلك سإاال واحدا تخجل الشفاه من طرحه> "كؾ حدث هذا؟".

معلقة للركاب. ثم تقرأ على بعض الكراس تلك العبارة>وحدث أن تحزن، وأنت تؤخذ المترو وتمسك بدك الفردة الذراع ال

"أماكن محجوزة لمعطوب الحرب والحوامل..".

ال لست هذه األماكن لك. ش من العزة، من بقاا شهامة، تجعلك تفضل البقاء واقفا معلقا بد واحدة.

انت على دك.إنها أماكن محجوزة لمحاربن ؼرك، حربهم لم تكن حربك، وجراحهم ربما ك

أما جراحك أنت.. فؽر معترؾ بها هنا.

ها أنت أمام جدلة عجبة..

تعش ف بلد حترم موهبتك ورفض جروحك. وتنتم لوطن، حترم جراحك ورفضك أنت. فؤهما تختار.. وأنت الرجل لها؟والجرح ف آن واحد.. وأنت الذاكرة المعطوبة الت لس هذا الجسد المعطوب سوى واجهة

أسبلة لم أكن أطرحها على نفس ف السابق. كنت أهرب منها بالعمل فقط، والخلق المتواصل، وذلك األرق الداخل الدابم.

كان داخل شء ال نام، شء واصل الرسم دابما وكؤنه واصل الركض ب لوصلن إلى هذه القاعة، حث سؤعش ألام جبل فوق العادة..رجبل عادا بذراعن، أو باألحرى ر

رجبل سخر من هذا العالم بد واحدة. وعد عجن تضارس األشاء بد واحدة.

ها أنا ذا ف هذه القاعة إذن.. وها هوذا جنون معلق للفرجة على الجدران. تتفحصه العون وتفسره األفواه كفما شاءت.. صل مسمع. وأتذكر قوال ساخرا لـ "كونكور">وال أملك إال أن أبتسم، وبعض تلك التعلقات المتناقضة ت

"ال ش سمع الحماقات األكثر ف العالم.. مثل لوحة ف متحؾ!".

جاء صوت كاترن خافتا وكؤنها تتحدث ل وحدي هذه المرة>

عجب.. إنن أرى هذه اللوحات وكؤنن ال أعرفها، إنها هنا تبدو مختلفة.. -

ابقة>كدت أجبها وأنا أواصل فكرة س

"إن للوحات مزاجها وعواطفها أضا.. إنها تماما مثل األشخاص. إنهم تؽرون أول ما تضعنهم ف قاعة تحت األضواء!"

ولكنن لم أقل لها هذا.

قلت لها فقط>

Page 24: ذاكرة الجسد.pdf

عنها اللوحة أنثى كذلك.. تحب األضواء وتتجمل لها، تحب أن ندللها ونمسح الؽبار عنها، أن نرفعها عن األرض ونرفع -ها به... تحب أن نعلقها ف قاعة لتتقاسمها األعن حتى ولو لم تكن معجبة بها.. اللحاؾ الذي نؽط

إنها تكره ف الواقع أن تعامل بتجاهل ال ؼر..

قالت وه تفكر>

ا وقتا للحدث عندما صحح ما تقوله.. من أن تؤت بهذه األفكار؟ أتدري أنن أحب االستماع إلك؟ ال أفهم كؾ ال نجد أبد - نلتق.

وقبل أن أعلق على سإالها بجواب مقنع جدا.. أضافت بنواا أعرفها وه تضحك..

متى ستعاملن أخرا كلوحة؟ -

قلت وأنا أضحك لسرعة بداهتها.. ولشهتها الت ال تشبع>

هذا المساء إذا شبت.. -

شة داخل فستانها األصفر نحو الباب.وعندما أخذت كاترن من مفاتح البت، وطارت كفرا

قالت وكؤنها شعرت فجؤة بالؽرة من كل تلك اللوحات المعلقة بعناة على الجدران، والت ما زال بعض الزوار تؤملونها>

أنا متعبة بعض الشء.. سؤسبقك. -

أو تؽار من.. أم جاءتن بجوع مسبق؟. كالعادة، لم أحاول أن أكانت حقا متعبة إلى هذا الحد، أم أصبحت فجؤة تؽار عل أتعمق ف فهمها.

كنت أرد فقط أن أستعن بها ألنسى. كنت سعدا أن أختصر معها وما أو ومن من االنتظار.. انتظارك أنت! وكنت ف حاجة إلى للة حب بعد شهر من الوحدة، والركض إلعداد كل تفاصل هذا المعرض.

لحقت بكاترن بعد ساعة.

كنت متعبا ألسباب كثرة. أحدها لقاب العجب بك وكل ما عشته من هزات نفسة ذلك الوم.

قالت وه تفتح ل الباب>

إنك لم تتؤخر كثرا.. -

قلت وأنا أداعبها>

كان ف ذهن مشروع لوحة.. فعدت مسرعا إلى البت.. الوح ال نتظر كثرا كما تعلمن! -

ضحكنا..

واطإ جسدي ما، شع بننا تلك البهجة الثنابة، تلك السعادة السرة الت نمارسها دون قود.. بشرعة الجنون!كان بننا ت

ولكن شعرت لحظتها وه جالسة ف األركة المقابلة ل تشاهد األخبار، وتلتهم )سندوتشا( أحضرته معها، أنها امرأة ه المرة _ كذلك _ لن تكونها!كانت دابما على وشك أن تكون حببت، وأنها هذ

إن امرأة تعش على "السندوتشات" ه امرأة تعان من عجز عاطف، ومن فابض ف األنانة.. ولذا ال مكنها أن تهب رجبل ما لزمه من أمان.

للتها، ادعت أنن لست جابعا.

.ف الحققة كنت رافضا وربما عاجزا عن االنتماء لزمن "السندوتشات"

وبرؼم ذلك..

حاولت أال أتوقؾ عند تلك التفاصل الت كانت تستفز بداوت ف أول األمر.

تعودت منذ تعرفت على كاترن أال أبحث كثرا عن أوجه االختبلؾ بننا. أن أحترم طرقتها ف الحاة، وال أحاول أن أصنع التناقض أحانا. منها نسخة من. بل إنن ربما كنت أحبها ألنها تختلؾ عن حد

فبل أجمل من أن تلتق بضدك، فذلك وحده قادر على أن جعلك تكتشؾ نفسك. وأعترؾ أنن مدن لكاترن بكثر من اكتشافات، فبل شء كان جمعن بهذه المرأة ف النهاة، سوى شهوتنا المشتركة وحبنا المشترك للفن.

وكان كافا لنكون سعدن معا.

رور الزمن أال نزعج بعضنا باألسبلة وال بالتساإالت. ف البدء تؤقلمت بصعوبة مع هذا النمط العاطف الذي ال تعودنا مع م مكان فه للؽرة وال لبلمتبلك.

ة.. وعدم االلتزام بشء تجاه أحد.. ثم وجدت فه حسنات كثرة، أهمها الحر

عدة أسابع قبل أن نلتق.. ولكن كنا نلتق دابما بشوق وبرؼبة كان حدث أن نلتق مرة ف األسبوع، كما حدث أن تمر مشتركة.

كانت كاترن تقول "نبؽ أال نقتل عبلقتنا بالعادة"، ولهذا أجهدت نفس حتى ال أتعود علها، وأن أكتف بؤن أكون سعدا عندما تؤت، وأن أنسى أنها مرت من هنا عندما ترحل.

أستبقها لقضاء كل نهاة األسبوع مع، وسعدت أن تقبل عرض بحماس. ف تلك المرة حاولت أن

Page 25: ذاكرة الجسد.pdf

كنت ف الوقع أخاؾ أن أبقى وحدا مع ساعت الجدارة ف انتظار وم االثنن.

ورؼم أن كاترن ظلت مع حتى عشة وم األحد، فإن الوقت بدا ل طوبل، وربما بدا ل أكثر ألنها كانت مع. فقد بدأت أستعجل ذهابها وكؤنن سؤخلو بك عند ذلك. فجؤة

كانت أفكاري تدور حول سإال واحد..

ماذا أقول لك لو انفردت بك وم االثنن؟ من أن أبدأ معك الحدث.. وكؾ أقص علك تلك القصة العجبة، قصتنا؟

تها؟ كؾ أؼرك بالعودة من جدد لسماع بق

دنا المحتمل. اخترت بذوق ربطة عنق. وضعت عطري المفضل، واتجهت نحو صباح االثنن، لبست بدلت األجمل لموع قاعة المعرض نحو الساعة العاشرة.

كان أمام متسع من الوقت ألشرب قهوت الصباحة ف مقهى مجاور. فلم كن عقل أن تؤت قبل تلك الساعة، وحتى القاعة نفسها لم تكن تفتح أبوابها قبل العاشرة.

ت القاعة، كنت أول من طؤها ف ذلك الصباح. كان ف الجو شحنة ؼامضة من الكآبة. لم كن هناك من أضواء عندما دخل موجهة نحو اللوحات، وال أي ضوء كهرباب ضء السقؾ.

ألقت نظرة خاطفة على الجدران.

وال "رتوش".ها ه لوحات تستقظ كامرأة، بتلك الحققة الصباحة العارة دون زنة وال مساحق

هاه امرأة تتثاءب على الجدران بعد أمسة صاخبة.

اتجهت نحو لوحت الصؽرة "حنن" أتفقدها وكؤنن أتفقدك.

"صباح الخر قسنطنة.. كؾ أنت ا جسري المعلق.. ا حزن المعلق منذ ربع قرن؟".

اللوحة بصمتها المعتاد، ولكن بؽمزة صؽرة هذه المرة. ردت عل

تسمت لها بتواطإ.فاب

إننا نفهم بعضنا أنا وهذه اللوحة "البلدي فهم من ؼمزة!"

ة مكابرة مثل صاحبها، عرقة مثله، تفهم بنصؾ ؼمزة! وكانت لوحة بلد

رحت بعدها أتلهى ببعض المشاؼل الت كانت مإجلة منذ البارحة. طرقة مثل أخرى لكسب الوقت، والتفرغ لك فما بعد. بلحقن أثناء ذلك، لذكرن أنك ستؤتن، ومنعن من التركز على أي شء.وكان صوت د اخل

ستؤت..

ستؤت.. ردد الصوت ساعة وساعتن وأكثر.. ومر صبح ومر مساء ولم تؤت.

حاولت أن أنشؽل بلقاءات وتفاصل ومة كثرة، حاولت أن أنسى أنن هنا النتظارك..

دون أن تفارق عناي الباب. كنت أترقبك ف كل خطوة.. قابلت صحافا وتحدثت آلخر

وكلما تقدم الوقت زاد ؤس.

وفجؤة فتح الباب لدخل منه.. س الشرؾ!

رت أؼنة فرنسة قول مطلعها "أردت أن أرى أختك.. فرأت أمك نهضت إله مسلما وأنا أخف عنه دهشت. تذك كالعادة..".

عاش من شافك!ع السبلمة ا سدي.. -

بحرارة. وأعترؾ برؼم خبت أنه لم حدث أن شعرت بسعادة وأنا أسلم عله مثل تلك قالها وهو حتضنن وسلم عل المرة.

وقبل أن أسؤله عن أخباره قال وهو قدم ل ذلك الصدق المشترك الذي كان رافقه>

شفت شكون جبتلك معاي؟ -

خرى>صحت وأنا أنتقل من دهشة إلى أ

أهبل س مصطفى واش راك.. واش هاذ الطلة.. -

قال بمودة وهو حتضنن بدوره>

واش آسدي.. لو كان ما نجوكش ما نشوفوكش وإال كفاش؟ -

رحت أجامله.ز وأسؤله بدوي عن أخباره وإن كنت أدري أن ف مرافقة س الشرؾ له وف مبالؽته ف تكرمه دلبل على اري ما كما تقول اإلشاعات.أنه مرشح لمنصب وز

عاتبن س الشرؾ بود أحسسته صادقا>

ا أخ.. أعقل أن نسكن هذه المدنة معا دون أن تفكر ف زارت مرة واحدة؟. أنا هنا منذ سنتن وعنوان معروؾ - عندك.

تدخل س مصطفى لضؾ بتلمح ساس بن المزاح والجد>

Page 26: ذاكرة الجسد.pdf

كفاش هاذا الؽبة..؟واش راك مقاطعنا.. وإال -

أجبته بصدق>

بة - ال أبدا.. ولكن لس من السهل على شخص سكنته الؽربة أن جمع أشاءه هكذا وعود.. ف الحققة "المنفى عادة س تخذها اإلنسان" وقد أصبحت ل أكثر من عادة سبة هنا..

ومجاملة فقط.. ضحكنا.. وتشعب بنا الحدث ف مواضع أخرى تطرقنا إلها عبورا

وكان ال بد أن توقفا بعد ذلك أمام إحدى اللوحات وهما قومان بجولة لمشاهدة المعرض. ألفهم سر زارة س مصطفى لمعرض، والت تعود لكونه رد أن شتري لوحة أو لوحتن من. قال>

معا ف تونس؟ مازلت أذكر حتى لوحاتك األولى.. أرد أن أحتفظ منك بشء للذكرى.. أال تذكر أنك بدأت الرسم وم كنا - لقد كنت أول من أرته لوحاتك وقتها.. هل نست؟

ال لم أنس.. وكم كنت أتمنى لحظتها لو أستطع ذلك. شعرت بشء من اإلحراج وهو ستدرجن لتلك الفترة..

ن ضمن المجموعة الت كانت تعمل تحت قادة كان س مصطفى صدقا مشتركا ل ولس الشرؾ منذ أام التحرر. فقد كاس الطاهر. بل، وكان واحدا من الجرحى الذن نقلوا مع للعبلج إلى تونس، حث قضى ثبلثة أشهر ف المستشفى عاد

بعدها إلى الجبهة، لبقى حتى االستقبلل ف صفوؾ جش التحرر، وعود برتبة رابد.

ة. وكنت ف الماض أكن له احتراما وودا كبرن. ثم تبلشى تدرجا رصده كان ومها بشهامة وأخبلق نضالة عالعندي.. كلما امتؤل رصده اآلخر بؤكثر من طرقة وأكثر من عملة، مثله مثل من سبقوه إلى تلك المناصب الحلوب الت

تناوب علها البعض بتقسم مدروس للولمة..

حزنن. فقد كان رفق سبلح لسنتن كاملتن.. وكان بننا تفاصل صؽرة جمعتنا ف ولكن كان أمره هو بالذات عنن و الماض وال مكن للذاكرة رؼم كل شء أن تتجاهلها.

ضة ف تونس تعطن وأنا أؼادر المستشفى ثابه الت وصل لعل أكثر تلك التفاصل تؤثرا، تلك المصادفة الت جعلت الممرام.بها، والت جؾ ع لها دمه منذ عدة أ

كان ف جب سترته ومها بطاقة تعرفه الت تكاد ال تقرأ، من آثار بقع الدم علها. والت احتفظت بها ألعدها إله فما بعد.. ولكنه عاد بعد ذلك إلى الجبهة دون أن دري حتى أنها كانت ف حوزت، وربما دون أن سؤل عنها. فقد كان ذاهبا

ن ال حتاج فه إلى بطاقة تعرؾ.إلى مكا

عثرت مصادفة على تلك البطاقة ضمن أوراق القدمة. وكنت آنذاك أجمع أشاب استعدادا للرحل.. 95;3سنة

ترددت بن أن أحتفظ بها أو أعدها إله، فقد كنت أدري أن تلك الهوة لم تعد ف الواقع هوته. ولكنن كنت أرد أن رة.. دون أي تعلق.أواجهه بالذاك

من بلد إلى آخر، 97;3وربما كنت أرد كذلك وأنا على أبواب المنفى أن أنه عبلقات بتلك البطاقة الت رافقتن منذ وكؤنن أنه عبلقات بالوطن، وأضعه أخرا هو وأشاءه خارج الذاكرة..

أمامه، بعد ست عشرة سنة. ومها دهش س مصطفى وأنا أخرج من جب سترت تلك البطاقة وأضعها

أهو الذي ارتبك لحظتها.. أم أنا؟

شعرت فجؤة وأنا أنفصل عنها أنن أعطته شبا كان ملتصقا بصدري؛ شبا من، ربما ذراع األخرى، أو أي شء كان ل..

كان أنا!

معنا وما، مكافؤة للذاكرة ووهما ما ولكنن وجدت آنذاك ف فرحته عزاب.. وف احتضانه ل بذلك العنفوان األول الذي ج بإمكانة إقاظ ذلك الرجل اآلخر داخله.

ها هو س مصطفى بعد سنوات، تؤمل لوحة ل وأتؤمله. لقد مات فه الرجل "اآلخر".. فكؾ راهنت وما عله؟

مقابلها. فمن المعروؾ عنه أنه ف هذه اللحظة، ال شء عنه سوى امتبلك لوحة ل؛ وربما كان مستعدا أن دفع أي ثمنال حسب كثرا ف هذه الحاالت، مثله مثل بعض الساسن واألثراء الجزابرن الجدد الذن شاعت وسطهم عدوى اقتناء

أضا.. وبهاجس االنتساب للنخبة. اللوحات الفنة، ألسباب ال عبلقة لها ؼالبا بالفن، وإنما بعقلة جددة للنهب الفن

ربما كان أكثر سخاء مع أنا بالذات، لؤلسباب نفسها الت تجعلن الوم أكثر رفضا له.و

لقد قرر أن ستبدل بتلك البطاقة المهتربة، لوحة )أكوارل( فاخر بها.. فهل تساوى الدم باأللوان المابة.. ولو بعد ربع قرن!

على خاطرهما.. ودون أن أتنازل عن ذلك المبدأ الذي حدث سعدت بعدها وأنا أتخلص منه ومن س الشرؾ دون أن ؤخذاأن جعت بسببه. فبل مكن ل أن آكل من الخبز الملوث. هناك من ولدون هكذا بهذه الحساسة الت ال شفاء منها تجاه كل

ما هو قذر!

كونا هناك.كنت ف الواقع على عجل. أرد أن أنته منهما بسرعة.. خشة أن تؤت ف تلك اللحظة و

Page 27: ذاكرة الجسد.pdf

وكنت قلقا ومبعثرا بن األحاسس الت استدرجتن إلها س مصطفى بعد كل تلك السنوات.. وبن هاجس قدومك، الذي أرهقن انتظاره منذ أام.. ولكنك لم تؤت.. ال أثناء ذلك وال بعده.

كل تلك الكآبة بعد ذلك؟ من أن هجمت عل

تقودانن بخطى مثقلة، محبطة، إلى البت، بعدما كانتا قد حملتان إلى هنا، على أجنحة الشوق الجارؾ. وإذا بقدم

ماذا لو لم أرك مرة أخرى.. لو انتهى ذلك المعرض ولم تعودي؟.

ماذا لو كان حدثك عن زارتك المحتملة مجرد مجاملة، أخذتها أنا مؤخذ الجد؟

كؾ مكن ل وقتها أن أطارد نجمك المذنب الهارب؟

اها س الشرؾ وهو ودعن كانت تبعث شبا من األمل ف نفس. فقد كنت أعرؾ وح دها تلك البطاقة الت أعطان إأخرا األرقام السرة الت توصلن إلك، فنمت وأنا أخطط لمبرر هاتف قد جمعن بك. ولكن الحب عندما ؤت ال بحث له

كدت ف الوم التال أدخل القاعة وأجلس ف الصالون ألطالع جردت، حتى رأتك عن مبرر، وال ؤخذ له موعدا.. ولذا ما تدخلن.

كنت تتقدمن نحوي، وكان الزمن توقؾ انبهارا بك.

وكان الحب الذي تجاهلن كثرا قبل ذلك الوم.. قد قرر أخرا أن هبن أكثر قصصه جنونا..

الفصل الثالث

التقنا إذن..

قالت>

مرحبا.. آسفة، أتت متؤخرة عن موعدنا وم.. -

قلت>

ال تؤسف.. قد جبت متؤخرة عن العمر بعمر. -

قالت>

كم لزمن إذن لتؽفر ل؟ -

قلت>

ما عادل ذلك العمر من عمر! -

وجلس الاسمن مقاببل ل.

ا اسمنة تفتحت على عجل.. عطرا أقل حببت.. عطرا أقل!

للذاكرة عطرا أضا.. هو عطر الوطن. لم أكن أعرؾ أن

مرتبكا جلس الوطن وقال بخجل>

عندك كؤس ماء.. عشك؟ -

وتفجرت قسنطنة نابع داخل.

ارتوي من ذاكرت سدت.. فكل هذا الحنن لك.. ودع ل مكانا هنا مقاببل لك..

أحتسك كما تحتسى، على مهل، قهوة قسنطنة.

.. وزجاجة كوكا جلسنا. لم كن لنا الظمؤ نفسه.. ولكن كانت لنا الرؼبة نفسها ف الحدث.أمام فنجان قهوة

قلت معتذرة>

أنا لم أحضر البارحة، ألنن سمعت عم تحدث لشخص على الهاتؾ وتفق معه على زارتك، ففضلت أن أإجل زارت - لك إلى الوم حتى ال ألتق بهما..

ادة من رى نجمه الهارب أخرا أمامه>أجبتك وأنا أتؤملك بسع

خفت أال تؤت أبدا.. -

ثم أضفت>

أما اآلن فسعدن أنن انتظرتك وما آخر، إن األشاء الت نردها تؤت متؤخرة دابما! -

تران قلت وقتها أكثر مما جب قوله؟

Page 28: ذاكرة الجسد.pdf

ردن كسر الصمت، أو إثارة فضول>ساد ش من الصمت بننا وارتباك االعتراؾ األول.. عندما قلت وكؤنك ت

أتدري أنن أعرؾ الكثر عنك؟ -

قلت سعدا ومتعجبا>

وماذا تعرفن مثبل؟ -

أجبت بطرقة أستاذ رد أن حر تلمذه>

أشاء كثرة قد تكون نستها أنت.. -

قلت لك بمسحة حزن>

سى!ال أعتقد أن أكون نست شبا. مشكلت ف الواقع أنن ال أن -

< أجبتن بصوت بريء، وباعتراؾ لم أع ساعتها كل عواقبه القادمة عل

أما أنا فمشكلت أنن أنسى.. أنسى كل شء.. تصور.. البارحة مثبل نست بطاقة المترو ف حقبة دي األخرى. ومنذ - الباب.. إنها كارثة. أسبوع نست مفتاح البت داخل البت، وانتظرت ساعتن قبل أن حضر أحد لفتح ل

قلت ساخرا>

شكرا إذن ألنك تذكرت موعدنا هذا! -

أجبت باللهجة الساخرة نفسها>

لم كون موعدا.. كان احتمال موعد فقط.. ال بد أن تعلم أنن أكره القن ف كل شء.. أكره أن أجزم بشء أو ألتزم به.. - كذلك. األشاء األجمل، تولد احتماال.. وربما تبقى

سؤلتك>

لماذا جبت إذن.؟ -

تؤملتن.. وراحت عناك تتسكعان ف مبلمح وجه، وكؤنهما تبحثان عن جواب لسإال مفاجا.. ثم قلت ف نظرة مثقلة بالوعود واإلؼراء..

ألنك قد تكون قن المحتمل! -

ه سمتك_ وقلت وقد مؤلتن عناك ؼرورا ضحكت لهذه الجملة الت تحمل تناقضا أنثوا صارخا_ لم أكن أعرؾ بعد أن وزهوا رجالا>

أما أنا فؤكره االحتماالت.. ولذا أجزم أنن سؤكون قنك. -

قلت بإصرار أنثى على قول الكلمة األخرة>

إنه افتراض.. محتمل كذلك! -

وضحكنا كثرا.

ات أخرى، وكنت قد أعددت جمبل ومواقؾ كثرة كنت سعدا وكؤنن أضحك ألول مرة منذ سنوات. كنت أتوقع لنا بدا لمبادرتك ف هذا اللقاء األول. ولكن اعترؾ أنن لم أكن أتوقع لنا بداة كهذه.

فقد تبلشى كل ما أعددته ساعة قدومك.. وتبعثرت لؽت أمام لؽتك الت لم أكن أدري من أن تؤتن بها.

ن هناك تلقابة وبساطة تكاد تجاور الطفولة، دون أن تلؽ ذلك كان ف حضورك شء من المرح والشاعرة معا. كاالحضور األنثوي الدابم.. وكنت تملكن تلك القدرة الخارقة على مساواة عمري بعمرك، ف جلسة واحدة. وكؤن فتوتك

عن طرق العدوى. كنت ما أزال تحت وقع تصرحاتك تلك، عندما فاجؤن كبلمك تك قد انتقلتا إل >وحو

ف الواقع.. كنت أرد أن أرى لوحاتك بتؤن أكثر، لم أكن أرد أن أتقاسمها ف ذلك الوم مع ذلك الحشد من الناس.. عندما - أحب شبا.. أفضل أن أنفرد به!

أذهب كانت هذه أجمل شهادة إعجاب مكن أن تقولها زابرة لرسام.. وأجمل ما مكن أن تقوله ل أنت ذلك الوم. وقبل أن بعدا ف فرحت أو أشكرك أضفت>

ؾ علك منذ زمن بعد. لقد كانت جدت تحدثن أحانا عنك عندما تذكر أب. بدو أنها كانت - ما عدا هذا.. كنت أود أن أتعر تحبك كثرا..

سؤلتك بلهفة>

وكؾ ه )أما الزهرة(؟ إنن لم أرها منذ زمان. -

قلت بمسحة حزن>

ن أربع سنوات، وبعد وفاتها انتقلت أم لتعش مع أخ ناصر ف العاصمة. وجبت أنا إلى بارس لمتابعة لقد توفت م -تنا ف الواقع.. ر موتها حاتنا بعض الشء.. فه الت رب دراست. لقد ؼ

ا(، من عطرها حاولت أن أنسى ذلك الخبر. كان موتها شوكة أخرى انؽرست ف قلب ومها. فقد كان فها شء من )أم ة ف صدرها الممتلا. السري، من طرقتها ف تعصب رأسها على جنب بالمحارم الحررة، وإخفاء علبة "النفة" الفض

Page 29: ذاكرة الجسد.pdf

وكانت لها تلك الحرارة التلقابة الت تفض بها األمهات عندنا، تلك الكلمات الت تعطك ف جملة واحدة ما كفك من الحنان لعمر بؤكمله.

الوقت لم كن للحزن. كنت مع أخرا، وكان على الزمن أن كون للفرح فقط.ولكن

قلت لك>

رحمها هللا.. لقد كنت أنا أضا أحبها كثرا.. -

تراك أردت عندبذ، أن تضع نهاة لموجة الحزن الت فاجؤتن. خشة أن تجرفنا معا نحو ذاكرة لم نكن مهؤن بعد لتصفحها.

دن أن تطبق برنامج زارتك عندما نهضت فجؤة وقلت>أم فقط كنت تر

أمكنن أن ألق نظرة على لوحاتك؟ -

وقفت لمرافقتك.

< رحت أشرح لك بعضها والمناسبات الت رسمتها فها عندما قلت وأنت تنقلن فجؤة عنك من اللوحات إل

، ولكن أعتقد أنن لو كنت أرسم لرسمت هكذا مثلك.. أتدري أنن أحب طرقتك ف الرسم؟. أنا ال أقول لك هذا مجاملة - أشعر أننا نحن االثنن نرى األشاء بإحساس واحد.. وقل ما أحسست بهذا تجاه إنتاج جزابري.

ما الذي أربكن األكثر لحظتها؟. أترى عناك اللتان أصبح لهما فجؤة لون آخر تحت الضوء، واللتان كانتا تتؤمبلن فجؤة ما تتؤمبلن لوحة أخرى ل.. أم ما قلته قبل ذلك والذي شعرت أنه تصرح عاطف ولس انطباعا فنا؛ أو مبلمح وكؤنه

ل ل. توقؾ سمع عند كلمة "نحن االثنن". إنها بالفرنسة تؤخذ بعدا موسقا عاطفا فردا.. حتى إنها هكذا تمنت أو خ ( .Nous deux طقن ف فرنسا )عنوان لمجلة عاطفة تصدر لمن تبقى من رومن

أخفت ارتباك بسإال ساذج>

وهل ترسمن؟ -

قلت>

ال أنا أكتب. -

وماذا تكتبن؟ -

أكتب قصصا ورواات؟! -

قصصا ورواات...! -

رددتها وكؤنن ال أصدق ما أسمع.. فقلت وكؤنك شعرت بإهانة من مسحة العجب أو الشك ف صوت>

رواة منذ سنتن..لقد صدرت ل أول -

سؤلتك وأنا أنتقل من دهشة إلى أخرى>

وبؤي لؽة تكتبن؟ -

قلت>

بالعربة.. -

بالعربة؟! -

استفزتك دهشت، وربما أسؤت فهمها حن قلت>

ا كان مكن أن أكتب بالفرنسة، ولكن العربة ه لؽة قلب.. وال مكن أن أكتب إال بها.. نحن نكتب باللؽة الت نحس به - األشاء.

ولكنك ال تتحدثن بؽر الفرنسة.. -

إنها العادة.. -

قلتها ثم واصلت تؤمل اللوحات قبل أن تضف>

المهم.. اللؽة الت نتحدث بها ألنفسنا ولست تلك الت نتحدث بها لآلخرن! -

رحت أتؤملك مدهوشا، وأنا أحاول أن أضع شبا من الترتب ف أفكاري..

مع كل هذه المصادفات، ف مصادفة واحدة؟ وكل هذه األشاء الت كانت قناعات الثابتة.. وأحبلم الوطنة أمكن أن تجترت لقاء مدهشا ف حات، لما األولى، ف امرأة واحدة.. وأن تكون هذه المرأة ه أنت.. ابنة س الطاهر ال ؼر؟ لو تصو

ادفة، إنه قدر عجب، أن تتقاطع طرقنا على هذا النحو، بعد ربع قرن.تصورت أكثر إدهاشا من هذا. إنها أكثر من مص

أعادن صوتك إلى الواقع وأنت تتوقفن عند إحدى اللوحات>

أنت قل ما ترسم وجوها، ألس كذلك؟ -

وقبل أن أجبك قلت>

اسمع.. لن نتحدث إلى بعض إال بالعربة.. سؤؼر عاداتك بعد الوم.. -

Page 30: ذاكرة الجسد.pdf

>سؤلتن بالعربة

هل ستقدر؟ -

أجبتك>

سؤقدر... ألنن سؤؼر أضا عادات معك.. -

أجبتن عندبذ بفرح سري المرأة اكتشفت فبما بعد أنها تحب األوامر>

رن فقط لو حدث ونست. - سؤطعك.. فؤنا أحب هذه اللؽة.. وأحب إصرارك. ذك

قلت>

لن أذكرك.. ألنك لن تنس ذلك! -

الحماقات. وأنا أجعل تلك اللؽة الت كان ل معها أكثر من صلة عشقة، طرفا آخر ف قصتنا وكنت أرتكب لحظتها أجمل المعقدة..

عدت ألسؤلك بالعربة>

عم كنت تتحدثن منذ قلل؟ -

قلت>

كنت أعجب أال وجد ف معرضك سوى هذه اللوحة الت تمثل وجها نسابا.. أال ترسم وجوها؟ -

قلت>

رة أرسم وجوها ثم انتقلت إلى موضوعات أخرى. ف الرسم، كلما تقدم عمر الفنان وتجربته، ضاقت به كنت ف فت - المساحات الصؽرة وبحث عن طرق أخرى للتعبر.

ف الحققة أنا ال أرسم الوجوه الت أحبها حقا.. أرسم فقط شبا وح بها.. طلتها.. تماوج شعرها.. طرفا من ثوب امرأة.. ها. تلك التفاصل الت تعلق ف الذاكرة بعدما نفارقها. تلك الت تإدي إلها دون أن تفضحها تماما.. أو ق طعة من حل

فالرسام لس مصورا فوتوؼرافا طارد الواقع.. إن آلة تصوره توجد داخله، مخفة ف مكان جهله هو نفسه، ولهذا هو وبؤشاء أخرى. ال رسم بعنه، وإنما بذاكرته وخاله..

قلت وعناك تنظران المرأة طؽى شقار شعرها على اللوحة وال ترك مجاال للون آخر سوى حمرة شفتها ؼر البربتن>

وهذه المرأة إذن.. لماذا رسمت لها لوحة واقعة إلى هذا الحد؟ -

ضحكت وقلت>

هذه امرأة ال ترسم إال بواقعة.. -

ار"؟ولماذا أسمت لوحتها "اعتذ-

ألنن رسمتها اعتذارا لصاحبتها.. -

ة قد ألؽت اتفاقنا السابق> قلت فجؤة بلهجة فرنسة وكؤن ؼضبك أو ؼرتك السر

أتمنى أن كون قد أقنعها هذا االعتذار.. فاللوحة جملة حقا. -

ثم أضفت بشء من الفضول النساب>

ا!ولكن هذا عود إلى نوع الذنب الذي اقترفته ف حقه -

ة رؼبة ف أن أقص علك قصة تلك اللوحة، ف لقابنا األول. كنت أخاؾ أن كون لتلك القصة تؤثر سلب لم أكن أشعر بؤعلى عبلقتنا، أو على نظرتك ل. فحاولت أن أتهرب من تعلقك الذي ستدرجن بحلة إلى مزد من التوضح، وأتجاهل

ة بالذات.عنادك ف الوقوؾ طوبل أمام تلك اللوح

ولكن.. هل مكن أن تقاوم فضول أنثى تصر على معرفة شء؟

أجبتك>

لهذه اللوحة قصة طرفة شبا ما، تكشؾ عن جانب من عقدي ورواسب القدمة، وه هنا ربما لهذا السبب. -

ن واآلخر، إحدى ورحت أقص ألول مرة قصة تلك اللوحة الت رسمتها ذات وم، بعدما حضرت مرة، كما أفعل بن الحجلسات الرسم ف مدرسة الفنون الجملة، حث دعون هناك بعض أصدقاب األساتذة، كما فعلون عادة مع بعض

امن، أللتق بالطلبة والرسامن الهواة. الرس

وااه كان الموضوع ذلك الوم هو رسم مودل نساب عار. وبنما كان جمع الطلبة متفرؼن لرسم ذلك الجسد من ز، وبنظرة جمالة ال ؼر، وكؤنهم ر مدهوشا ف قدرة هإالء على رسم جسد امرأة بحاد جنس المختلفة، كنت أنا أفك

رسمون منظرا طبعا أو مزهرة على طاولة، أو تمثاال ف ساحة.

ارة هكذا تحت الضوء تؽر من الواضح، أنن كنت الوحد المرتبك ف تلك الجلسة. فقد كنت أرى، ألول مرة، امرأة عأوضاعها، تعرض جسدها بتلقابة، ودون حرج أمام عشرات العون؛ وربما ف محاولة إلخفاء ارتباك رحت أرسم أضا. ولكن رشت الت تحمل رواسب عقد رجل من جل، رفضت أن ترسم ذلك الجسد، خجبل أو كبراء ال أدري.. بل راحت

Page 31: ذاكرة الجسد.pdf

النهاة سوى وجه تلك الفتاة كما بدو من زاوت.. وعندما انتهت تلك الجلسة، وارتدت تلك ترسم شا آخر، لم كن فالفتاة الت لم تكن سوى إحدى الطالبات ثابها، وقامت بجولة كما ه العادة لترى كؾ رسمها كل واحد، فوجبت وه تقؾ

لعتاب وكؤنها ترى ف تلك اللوحة إهانة ألنوثتها> أمام لوحت، بؤنن لم أرسم سوى وجهها. قالت بلهجة فها شء من ااه؟" فقلت مجامبل> "ال، لقد ألهمتن كثرا من الدهشة، ولكن أنا أنتم لمجتمع لم دخل الكهرباء بعد "أهذا كل ما ألهمتك إ

ل امرأة أشاهدها عارة هكذا تحت الضوء، رؼم أنن رجل حترؾ الرسم. . فاعذرن. إن فرشات إلى دهالز نفسه. أنت أو تشبهن، إنها تكره أضا أن تتقاسم مع اآلخرن امرأة عارة.. حتى ف جلسة رسم!".

فجؤة رجبل آخر لم تحدثك عنه جدتك. كان ف عنك فجؤة ش جدد، نظرة مدهوشة، وكؤنك تكتشفن ف كنت تستمعن إلرة نسابة من امرأة مجهولة، سرقت ف وم ما اهتمام رجل لم كن ؼامضة ما، شء من اإلؼراء المتعمد، ربما سببه ؼ

حتى اآلن مهما بالنسبة إلك.

رحت أتلذذ بذلك الموقؾ العجب الذي لم أتعمده. كنت سعدا أن تثر فك الؽرة هذا الصمت المفاجا، وهذه الحمرة الخففة حتفظت لنفس ببقة القصة.. لم أخبرك أن هذه الحادثة تعود الت علت وجنتك، وجعلت عنك تتسعان بؽضب مكبوت. فا

فما بعد أن أقدم لجسدها اعتذارا آخر.. بدو أنه كان مقنعا لسنتن، وأن صاحبتها لست سوى كاترن، وأنه كان عل لدرجة أنها لم تفارقن منذ ذلك الحن!

بلقتنا فجؤة بعدما حدثتك عن تلك اللوحة.. عجب هو عالم أذكر الوم بشء من السخرة، ذلك المنعطؾ الذي أخذته عالنساء حقا! كنت أتوقع أن تقع ف حب، وأنت تكتشف تلك العبلقة السرة الت تربطك بلوحت األولى "حنن". لوحة ف

عمرك وف هوتك. وإذا بك تتعلقن ب بسبب لوحة أخرى المرأة أخرى، تعبر الذاكرة خطؤ!

نا األول عند الظهر.انتهى موعد

كان عندي إحساس ما إنن سؤراك مرة أخرى.. ربما ؼدا. كنت أشعر أننا ف بداة شء ما، وأننا كلنا على عجل. كان هناك كثر من األشاء الت لم نقلها بعد، بل إننا لم نقل شا ف النهاة. نحن أؼرنا بعضنا فقط بحدث محتمل. كنا، عن

اء، نمارس اللعبة نفسها معا، ولذا لم أتعجب كثرا عندما سؤلتن وأنت تودعنن>سذاجة أو عن ذك

؟ - هل ستكون هنا ؼدا صباحا

قلت لك بسعادة من ربح الرهان>

طبعا. -

قلت>

تبه لذلك..سؤعود إذن ؼدا ف الوقت نفسه تقربا، سكون لنا متسع أكثر للحدث. لقد مر الوقت بسرعة الوم دون أن نن -

لم أعلق على كبلمك. كنت أدري أن ال مقاس للوقت سوى قلبنا. ولذا فالوقت ال ركض بنا إال عندما ركض بنا القلب الهثا ر. أضا من فرحة إلى أخرى، ومن دهشة إلى أخرى.. ولذا وجدت ف كبلمك اعترافا بفرح مشترك سري.. توقعت أن تكر

عك عند باب القاعة>أذكر أنن قلت لك ومه ا وأنا أود

ال تنس كتابك ؼدا.. أرد أن أقرأك. -

قلت متعجبة>

أتتقن العربة؟ -

قلت>

طبعا.. سترن ذلك بنفسك. -

قلت>

سؤحضره إذن.. -

ثم أضفت بابتسامة ال تخلو من كد نساب محبب>

مادمت تصر على معرفت.. لن أحرمك من هذه المتعة! -

باب خلؾ ابتسامتك تلك، دون أن أفهم ما كنت تعنه بالتحدد.وانؽلق ال

ذهبت بالؽموض الضباب الذي جبت به.. نفسه. وبقت عند عتبة ذلك الباب الزجاج، أتؤملك تندمجن بخطى المارة وتختفن مرة أخرى كنجم هارب.. و أنا أتسال بشء من الذهول.. ترانا التقنا حقا؟!

التقنا إذن..

ن قالوا "الجبال وحدها ال تلتق".. أخطؤوا.الذ

والذن بنوا بنها جسورا، لتتصافح دون أن تنحن أو تتنازل عن شموخها.. ال فهمون شبا ف قوانن الطبعة.

الجبال ال تلتق إال ف الزالزل و الهزات األرضة الكبرى، وعندما ال تتصافح، وإنما تتحول إلى تراب واحد.

إذن..التقنا

وحدثت الهزة األرضة الت لم تك متوقعة، فقد كان أحدنا بركانا، وكنت أنا الضحة.

Page 32: ذاكرة الجسد.pdf

كت به. ا امرأة تحترؾ الحرابق. وا جببل بركانا جرؾ كل شء ف طرقه، وأحرق آخر ما تمس

عاشقة ؼجرة. من أن أتت بكل تلك األمواج المحرقة من النار؟ وكؾ لم أحذر تربتك المحمومة، كشفت

كؾ لم أحذر بساطتك وتواضعك الكاذب، وأتذكر درسا قدما ف الجؽرافة> "الجبال البركانة ال قمم لها؛ إنها جبال ف تواضع هضبة.." فهل مكن للهضاب أن تفعل كل هذا؟

ه بتلعنا. وذلك العود الصؽر الذي ال كل األمثلة الشعبة تحذرنا من ذلك النهر المسالم الذي خدعنا هدوإه فنعبره، وإذا ب نحتاط له.. وإذا به عمنا.

أكثر من مثل قول لن بؤكثر من لهجة "إخذ الحذر من مؤمنه". ولكن كل تحذراتها لن تمنعنا من ارتكاب المزد من الحماقات، فبل منطق للعشق خارج الحماقات والجنون. وكلما ازددنا عشقا كبرت حماقاتنا.

قل )برنارد شو( "تعرؾ أنك عاشق عندما تبدأ ف التصرؾ ضد مصلحتك الشخصة!"ألم

وكانت حماقات األولى، أنن تصرفت معك مثل سابح زور صقلة ألول مرة، فركض نحو بركان )إتنا(، وصل لستقظ لمحملن باآلالت الفوتوؼرافة.. البركان النابم بعن واحدة من نومه، وؽرق الجزرة نارا، على مرأى من السواح ا

والدهشة.

وتشهد جثث السواح الت تحولت إلى تراب أسود أنه ال أجمل من بركان تثاءب، وقذؾ ما ف جوفه من نران وأحجار، وبتلع المساحات الشاسعة ف بضع لحظات.

ب، شده لتلك السول النارة، فظل منبهرا وأن المتفرج عله صاب دابما بجاذبة مؽناطسة ما.. بشء شبه بشهوة الله أمامها. حاول أن تذكر ف ذهول كل ما قرأه عن قام الساعة، ونسى بحماقة عاشق، أنه شهد ساعتها.. قام ساعته!

قت جاك برل عندما قا ل "هناك شهد الدمار حول الوم، أنن أحببتك حتى الهبلك؛ وأشتهك.. حتى االحتراق األخر. وصدأراض محروقة تمنحك من القمح ما ال منحك نسان ف أوج عطابه". وراهنت على ربع هذا العمر القاحل. ونسان هذه

السنوات العجاؾ.

ا بركانا جرؾ من حول كل شء.. ألم كن جنونا أن أزاد على جنون السواح والعشاق، وكل من أحبوك قبل.. فؤنقل ع ذاكرت عند أقدام براكنك، وأجلس بعدها وسط الحرابق.. ألرسمك.بت عند سفحك، وأض

ألم كن جنونا.. أن أرفض االستعانة بنشرات األرصاد الجوة، والكوارث الطبعة، وأقنع نفس أنن أعرؾ عنك أكثر مما لمنطق وال بالمعرفة.عرفون. نست وقتها أن المنطق نته حث بدأ الحب، وأن ما أعرفه عنك ال عبلقة له با

التقت الجبال إذن.. والتقنا.

ربع قرن من الصفحات الفارؼة البضاء الت لم تمتلا بك.

ربع قرن من األام المتشابهة الت أنفقتها ف انتظارك.

ل لقاء بن رجل كان أنا، وطفلة تلعب على ركبت كانت أنت. ربع قرن على أو

ك الطفول، نابة عن والد لم رك.ربع قرن على قبلة وضعتها على خد

ة ذراعه، وف المجن المؽلقة قلبه.. أنا الرجل المعطوب الذي ترك ف المعارك المنس

لم أكن أتوقع أن تكون المعركة الت سؤترك علها جثت، والمدنة الت سؤنفق فها ذاكرت.. واللوحة البضاء الت . وجبارة مثلك. تحمل ف لونها كل األضداد.ستستقل أمامها فرشات، لتبقى عذراء.

كؾ حدث كل هذا؟ لم أعد أدري.

كان الزمن ركض بنا من موعد إلى آخر، والحب نقلنا من شهقة إلى أخرى، وكنت أستسلم لحبك دون جدل.

كان حبك قدري.. وربما كان حتف، فهل من قوة تقؾ ف وجه القدر؟

ا، كنا نلتق ف تلك القاعة نفسها ف ساعات مختلفة من النهار، فقد شاءت المصادفات أن كان لقاإنا تكرر كل وم تقرب صادؾ معرض عطلة الربع المدرسة. وكنت تملكن ما كف من الوقت لزارت كل وم. فلم كن لك أي دوام جامع.

أكثر، حتى ال ترافقك لسبب أو آلخر. كان علك فقط أن تتحال على اآلخرن بعض الشء، وربما على ابنة عمك

كنت أتساءل كل مرة وأنا أودعك مرددا تلقابا، "إلى الؽد"> ترانا نرتكب أكبر الحماقات وزداد تعلقنا ببعض كل وم. وربما نحو ألنن كنت أكبرك سنا، كنت أشعر أنن تحمل وحدي مسإولة ذلك الوضع العاطف الشاذ وانحدارنا السرع والمفجع

الحب.

ولكن عبثا كنت أحاول الوقوؾ ف طرق ذلك الشبلل الذي كان جرفن إلك بقوة حب ف الخمسن، بجنون حب ف الخمسن، بشهة رجل لم عرؾ الحب قبل ذلك الوم.

العشق، ف آخر كان حبك جرفن بشبابه وعنفوانه، ونحدر ب إلى أبعد نقطة ف البلمنطق.. تلك الت كاد بلمس فها المطاؾ، الجنون أو الموت..

Page 33: ذاكرة الجسد.pdf

وكنت أشعر وأنا أنحدر معك إلى تلك المتاهات العمقة داخل، إلى تلك الدهالز السرة للحب والشهوة، وإلى تلك المساحة ر دون أن أدري لتلك المثل الت البعدة األؼوار الت لم تطؤها امرأة قبلك، أنن أنزل أضا سلم القم تدرجا، وأنن أتنك

آمنت بها بتطرؾ، ورفضت عمرا بؤكمله أن أساوم علها.

لقد كانت القم بالنسبة ل شا ال تجزأ، ولم كن هناك ف قاموس من فرق بن األخبلق الساسة، وبقة األخبلق.. وكنت ر لواحدة ألقنعك بؤخرى. أع أنن، معك، بدأت أتنك

تساءلت كثرا آنذاك..

ان كنت أخون الماض، وأنا أنفرد بك ف جلسة شبه بربة، ف قاعة تإثثها اللوحات والذاكرة؟تر

تران أخون أعز من عرفت من رجال، وأكثرهم نخوة ومروءة، وأكثرهم شجاعة ووفاء؟

ته تران سؤخون س الطاهر قابدي ورفق وصدق عمر بؤكمله. فؤدنس ذكراه وأسرق منه زهرة عمره الوح دة.. ووص األخرة؟

ثك عن الماض! أمكن أن أفعل كل ذلك باسم الماض، وأنا أحد

ثك فها طوبل عنه؟. ولكن.. أكنت حقا أسرق منك شبا، ف تلك الجلسات الت كنت أحد

الوقت نفسه. كانت ال.. لم حدث هذا أبدا، كانت هبة اسمه حاضرة ف ذهن دابما. كانت تربطن بك وتفصلن عنك ف جسرا وحاجزا ف الوقت نفسه..

وكانت متعت الوحدة وقتها، أن أودعك مفاتح ذاكرت. أن أفتح لك دفاتر الماض المصفرة، ألقرأها أمامك صفحة.. صفحة. وكؤنن أكتشفها معك وأنا أستمع لنفس، أقصها ألول مرة.

أنا الماض الذي تجهلنه، وكنت أنت الحاضر الذي ال ذاكرة له، والذي كنا نكتشؾ بصمت أننا نتكامل بطرقة مخفة. كنت أحاول أن أودعه بعض ما حملتن السنوات من ثقل.

كنت فارؼة كإسفنجة، وكنت أنا عمقا ومثقبل كبحر.

رحت تمتلبن ب كل وم أكثر..

وهبتك شا من الماض، حولتك إلى نسخة من. وإذا كنت أجهل ساعتها أنن كنت كلما فرؼت امتؤلت بك أضا، وأنن كلماا معا معطوب حرب، وضعتنا األقدار بنا نحمل ذاكرة مشتركة، طرقا وأزقة مشتركة، وأفراحا وأحزانا مشتركة كذلك. فقد كن

ف رحاها الت ال ترحم، فخرجنا كل بجرحه.

وا ذراع، وبتروا طفولتك. اقتلعوا من جسدي عضوا.. وأخذوا من كان جرح واضحا و جرحك خفا ف األعماق. لقد بترا أشبلء حرب.. وتمثالن محطمن داخل أثواب أنقة ال ؼر. أحضانك أبا.. كن

ثك عن أبك. واعترفت بشء من االرتباك، أنك جبت لزارت من أذكر ذلك الوم الذي طلبت فه من ألول مرة، أن أحد لنة فقط. كان ف صوتك شء من الحزن المكابر.. ش من المرارة الت اكتشفتها فك ألول مرة.البدء.. بهذه ا

قلت>

ما فابدة أن منح اسم أب لشارع كبر، وأن أحمل ثقل اسمه الذي ردده أمام المارة والؽرباء عدة مرات ف الوم. ما - كان ال وجد بنهم شخص واحد قادر على أن حدثن عنه حقا؟فابدة ذلك إذا كنت ال أعرؾ عنه أكثر مما عرفون، وإذا

قلت لك متعجبا>

ألم حدثك عنه عمك مثبل؟ -

قلت>

عم ال وقت له لهذا.. وعندما حدث أن ذكره أمام، ؤت كبلمه وكؤنه أقرب لخطبة تؤبنة توجه بها لؽرباء ستعرض - لحدثن عن رجل هو أب قبل كل ش..أمامهم مآثر أخه، وال توجه فها إل

الذي أرد أن أعرفه عن أب، لس تلك الجمل الجاهزة لتمجد األبطال والشهداء، والت تقال ف كل مناسبة عن الجمع؛ وكؤن الموت سوى فجؤة بن كل الشهداء، فؤصبحوا جمعا نسخة طبق األصل.

ل حاته.. أخطاءه وحسناته.. طموحاته السرة.. هزابمه السرة. ال أرد همن أن أعرؾ شبا عن أفكاره.. بعض تفاصأن أكون ابنة ألسطورة، األساطر بدعة ونانة. أرد أن أكون ابنة لرجل عادي بقوته وبضعفه، بانتصاراته وبهزابمه. فف

حاة كل رجل خبة ما وهزمة ما، ربما كانت سببا ف انتصار آخر.

لصمت بننا..حل شء من ا

ا، كنت أتؤملك وأؼوص ف أعماق نفس. رحت أبحث عن الحد الفاصل بن هزابم وانتصارات. لم أكن ف تلك اللحظة نبوال كنت أنت آلهة إؼرقة.. كنا فقط تمثالن أثرن قدمن محطم األطراؾ، حاوالن ترمم أجزابهما بالكلمات. فرحت

م ن ما ف أعماقك من دمار.أستمع إلك وأنت ترم

قلت>

Page 34: ذاكرة الجسد.pdf

حدث أن أشعر أنن ابنة لرقم فقط، رقم بن ملون ونصؾ ملون رقم آخر. ربما كان بعضها أكبر أو أصؽر، ربما كتب - اسم بعضها بخط أكبر أو أصؽر من خط آخر، ولكنها جمعا أرقام لمؤساة ما.

وأضفت>

عن شبا. لقد أورثن مؤساة ف ثقل اسمه، وأورث أخ الخوؾ الدابم من أن كون أب أورثن اسما كبرا، هذا ال -السقوط، والعش مسكونا بهاجس الفشل، وهو االبن الوحد للطاهر عبد المولى الذي لس من حقه أن فشل ف الدراسة

عة وهو كتشؾ عبثة تكدس وال ف الحاة، ألنه لس من حق الرموز أن تتحطم. والنتجة، أنه تخلى عن دراسته الجامالشهادات، ف زمن كدس فه اآلخرون المبلن. ربما كان على حق، فالشهادات ه آخر ما مكن أن وصلك الوم إلى

وظفة محترمة.

فن برواتب وأحبلم محدودة، فقرر أن نتقل لقد رأى أصدقاءه الذن تخرجوا قبله، نتقلون مباشرة إلى البطالة أو إلى موظإلى التجارة. ورؼم أنن أشاطره رأه، إال أنه حزنن أن تحول أخ وهو ف عز شبابه، إلى تاجر صؽر در محبل تجارا

وشاحنة وهبتها له الجزابر كامتاز بصفته ابن شهد. ال أعتقد أن أب كان توقع له مستقببل كهذا!

قاطعتك ف محاولة لتخفؾ تذمرك>

توقع أضا لك مستقببل كهذا. لقد ذهبت أبعد من أحبلمه؛ إنك الورثة لكل طموحاته ومبادبه. كان رجبل قدس العلم إنه لم -والمعرفة، وعشق العربة، وحلم بجزابر ال عبلقة لها بالخرافات والعادات البالة الت أرهقت جله وقضت عله. إنك ال

ستثناب، ف وطن منحك فرصة أن تكون فتاة مثقفة، مكنها الدراسة والعمل وحتى تعن أن كون لك الوم هذا الحظ اال الكتابة..

أجبت بشء من السخرة>

. نحن نكتب لنستعد ما أضعناه وما - قد أكون مدنة للجزابر بثقافت أو بعلم، ولكن الكتابة ش آخر لم من به أحد علل طفولة عادة وحاة عادة، أن كون ل أب وعابلة كاآلخرن؛ ولس مجموعة سرق خلسة منا.. كنت أفضل أن تكون

من الكتب وجزمة من الدفاتر. ولكن أب أصبح ملكا لكل الجزابر، ووحدها الكتابة أصبحت ملك.. ولن ؤخذها من أحد!

علك. إن امرأة ذكة ال تثر الشفقة. أذهلن كبلمك. مؤلن بؤحاسس متناقضة. أحزنن، ولكنه لم وصلن إلى حد الشفقةإنها دابما تثر اإلعجاب حتى ف حزنها. وكنت معجبا بك، بجرحك المكابر، بطرقتك االستفزازة ف تحدي هذا الوطن. كنت

ل لو بقت رجبل عادا بذراعن اثنتن، ألقوم بؤشاء تشبهنن أنا الذي كنت أرسم بد ألستعد دي األخرى. كنت أفض عادة ومة، وال أتحول إلى عبقري بذراع واحدة، ال تتؤبط ؼر الرسوم واللوحات.

لم كن حلم أن أكون عبقرا وال نبا وال فنانا رافضا ومرفوضا. لم أجاهد من أجل هذا. كان حلم أن تكون ل زوجة ن وزوج للؽربة والفرشاة.. لقد بتروا أضا أحبلم.وأوالد، ولكن القدر أراد ل حاة أخرى، فإذا ب أب ألطفال آخر

قلت لك>

لن ؤخذ أحد منك الكتابة.. إن ما ف أعماقنا هو لنا ولن تطوله د أحد. -

قلت>

ولكن لس ف أعماق شء سوى الفراؼات المحشوة بقصاصات الجرابد.. بنشرات األخبار، وبكتب ساذجة لس بن - وبنها من قرابة.

فت وكؤنك تودعنن سرا>ثم أض

أتدري لماذا كنت أحب جدت أكثر من أي شخص آخر.. وأكثر حتى من أم؟ إنها الوحدة الت كانت تجد متسعا من -ثن عن كل شء.. كانت تعود إلى الماض تلقابا، وكؤنها ترفض الخروج منه. كانت تلبس الماض.. تؤكل الوقت لتحد

سوى لسماع أؼانه. الماض.. وال تطرب

كانت تحلم بالماض ف زمن كان اآلخرون حلمون فه بالمستقبل. ولذا كثرا ما تحدثن عن أب دون أن أطلب منها ذلك، فقد كان أجمل ما ف ماضها األنثوي العابر. وكانت ال تتعب من الحدث عنه، كؤنها تستعده بالكلمات وتستحضره. كانت

م الت ترفض أن تنسى أنها فقدت بكرها إلى األبد.. ولكنها لم تكن تقول ل عنه أكثر مما تقوله أم عن تفعل ذلك بحسرة األ ابنها. كان الطاهر هو األجمل.. هو األروع.. هو االبن البار الذي لم جرحها وما بكلمة.

ستقلت الجزابر؟" قالت> "كنت ف الماض أنتظر وم االستقبلل بكت جدت كما لم تبك وما. سؤلتها "أما.. لماذا تبكن وقد ا االستقبلل لعود ل الطاهر، الوم أدركت أنن لم أعد أنتظر شبا".

ة الت قرأتها فما بعد. وقفت ف وسط الدار وه تشهق بالبكاء وم مات أب لم تزؼرد جدت كما ف قصص الثورة الخال> " ا وخدت.. ا سوادي.. آه الطاهر أحنان لمن خلتن.. نروح علك وتنتفض عارة الرأس مرددة بحزن بداب

أطراؾ".

وكانت أم تبك بصمت وه تحاول تهدبتها، وكنت أنا أتفرج علهما وأبك دون أن أفهم تماما أنن أبك رجبل لم أره ات.. رجبل كان أب. سوى مر

Page 35: ذاكرة الجسد.pdf

تلك العواطؾ الؽامضة، الت كانت جملة ودافبة قبل ذلك الوم، والت لماذا كان ذكرك لـ ) أما الزهرة( ثر داب ما ف أصبحت فجؤة موجعة حد البكاء؟

مازلت أذكر مبلمح تلك العجوز الطبة الت أحبتن بقدر ما أحببتها والت قضت طفولت وصباي متنقبل بن بتها وبتنا. تشفت بعدها أنها طرقة مشتركة لكل األمهات عندنا. إنها تحبك باألكل، فتعد من كان لتلك المرأة طرقة واحدة ف الحب، اك

ها من إعداده. أجلك طبقك المفضل وتبلحقك باألطعمة، وتحملك بالحلوات، وبالكسرة والرخسس الذي انتهت لتو

عراس كولمة حب، هبن فها من جملة لقد كانت تنتم لجل من النساء نذرن حاتهن للمطبخ، ولذا كن عشن األعاد واأل.. وحنانهن وجوع سري لم جد له من تعبر آخر خارج األكل. ما هبن فابض أنوثتهن

لقد كن ف الوقع طعمن كل وم أكثر من مابدة.. وأكثر من "تراس".. ونمن كل للة دون أن نتبه أحد إلى جوعهن _ عاجزا عن حب امرأة تعش المتوارث من عصور..اكتشفت هذه الحق ما وفاء لهن قة مإخرا فقط، وم وجدت نفس رب

على األكل الجاهز، وال ولمة لها ؼر جسدها!

سؤلتك وأنا أهرب من تلك الذكرات هرب من خدوش طفولت البعدة>

وأمك.. إنك لم تحدثن عنها أبدا كؾ عاشت بعد وفاة س الطاهر؟ -

قلت>

انت قللة الحدث عنه.. ربما كانت ف أعماقها تعتب على الذن زوجوها منه، فقد كانوا زفونها لشهد ولس لقد ك - لرجل..

ة، ولن زورها إال كانت تعرؾ مسبقا نشاطه الساس، وتدري أنه سلتحق بالجبهة بعد الزواج، وسدخل ف الحاة السرلها إال جثمانا، فلماذا هذا الزواج إذن؟ ولكن كان ال بد لذلك الزواج أن تم؛ كان ف خلسة بن الحن واآلخر، وقد ال عود إ

الجو رابحة صفقة ما. فقد كان أهلها فخورن بمصاهرة الطاهر عبد المولى، صاحب االسم والثروة الكبرة. وال بؤس أن نه خلق لستشهد فراحت تزور األولاء والصالحن تكون أم زواجه الثان أو أرملته القادمة. وربما كانت جدت تعرؾ أ

ا.. ة.. تماما كما كانت تزور سابقا وم كانت حبلى به طالبة آنذاك أن كون مولودها صب عة باكة البنها أخرا ذر متضر

سؤلتك>

من أن تعرفن كل هذه القصص؟ -

قلت>

ى بؤب لم تفارق مزار )سدي محمد الؽراب( بقسنطنة، حتى إنها منها ه.. ومن أم أضا. تصور أنها وم كانت حبل -كادت تلده هناك.. ولذا سمته ) محمد الطاهر( تباركا به.. ثم سمت عم ) محمد الشرؾ( تباركا به أضا.. بعدها عرفت أن

لؤلسماء، وأن معظمهم حمل أسماء نصؾ رجال تلك المدنة أسماإهم هكذا.. وأن أهل تلك المدنة ولون اهتماما كبرا ة الت كانت تزورها ف تونس كل مرة األنباء أو األولاء الصالحن. وهكذا كادت تسمن "السدة" تباركا بالسدة المنوبمحملة بالشمع والسجاد والدعوات، متنقلة بن ضرحها ومزار )سدي عمر الفااش(. ربما سمعت به، ذلك الول الذي كان عش عارا تماما من كل شء.. وهو ما جعل السلطات التونسة تقوم بربط قدمه إلى سلسال حددي حتى ال ؽادر البت عارا كما تعود أن فعل.. وهكذا كان عش مقدا، دور وصرخ وسط ؼرفة فارؼة، إال من النساء البلت تسابقن

مجرد اكتشاؾ رجولته المعروضة للفرجة.. ولفضول النساء الملتحفات بـ لزارته، بعضهن للتبارك به.. وأخرات ل )السفساري( والمتظاهرات بالحشمة الكاذبة!.

.. سؤلتك ضاحكا

وهل زرته أنت؟. -

قلت>

مها، طبعا.. لقد زرته بعد ذلك مع كل واحدة منهن على انفراد؛ وزرت أضا "السدة المنوبة"، المرأة الت كدت أحمل اس -لوال أن أم أنقذتن من تلك الكارثة، وقررت أن تسمن "حاة" ف انتظار مجء أب، الذي عود إله القرار األخر ف

اختار اسم.

توقؾ القلب عند هذا االسم.. وركضت الذاكرة إلى الوراء. تعثر اللسان وهو لفظ هذا االسم بعد ربع قرن تماما وفاجؤك سإال>

سعدك أن أنادك "حاة"؟هل -

قلت متعجبة..

لماذا.. أال عجبك اسم الحقق.. ألس أجمل؟! -

قلت>

Page 36: ذاكرة الجسد.pdf

إنه حقا أجمل.. حتى إنن تعجبت وقتها كؾ خطر اسم كهذا ف بال والدك. كنت أسمعه ألول مرة ولم كن ف حاته آنذاك -ك "حاة" ألنن قد أكون الوحد مع والدتك الذي عرؾ ما مكن أن وح باسم جمل كهذا.. وبرؼم ذلك أحب أن أسم

الوم هذا االسم. أرد أن كون بننا ككلمة سر، لذكرك بعبلقتنا االستثنابة، وبؤنك أضا.. طفلت بطرقة ما.

ضحكت.. قلت>

ركا حتى قبل أن تحبن. وكؤنك أتدري أنك لم تخرج أبدا من فترة الثورة، ولذا أنت تشعر برؼبة ف أن تعطن اسما ح -ة مهمة تراك تعد ل؟ ستدخلن بذلك ف العمل السري.. أ

ضحكت بدوري لمبلحظتك الت فاجؤتن بواقعتها. تراك بدأت تعرفنن إلى هذا الحد؟

قلت>

ة المبتدبة أنه ال بد من أكثر من اختبار. لنكلؾ أحدا بمهمة فدابة. و - لذا سؤبدأ ف مرحلة أولى اعلم أتها الثور بدراستك، ومعرفة استعدادتك الخاصة!

أحسست لحظتها، أن الوقت قد أصبح مناسبا، ألقص علك أخرا قصة وم األخر ف الجبهة، ذلك الوم الذي لفظ فه عن وكلفن إذا ما وصلت إلى تونس على قد الح اة أن أقوم بتسجلك نابة س الطاهر اسمك أمام ألول مرة، وهو ود

عنه.

د لنفس بهذان الحمى، وتلك الللة الت عبرت فها الحدود الجزابرة التونسة، بجسد محموم وذراع تنزؾ، وأنا أرداسمك الذي أصبح وسط إجهادي ونزف، وكؤنه اسم لعملة أخرة كلفن بها س الطاهر، كنت أرد أن أحقق طلبه األخر،

لمه الهارب، فؤمنحك اسما شرعا رسما.. ال عبلقة له بالخرافات واألولاء..وأطارد ح

أذكر ذلك الوم الذي وقفت فه ألول مرة أدق باب بتكم ف شارع التوفق بتونس. أذكر تلك الزارة بكل تفاصلها وكؤن ذاكرت كانت تقرأ مسبقا ما سكتب ل معك، فؤفرؼت مساحة كافة لها.

من شهر ألول، انتظرت أمام بابكم الحددي األخضر، قبل أن تفتح )أما الزهرة( الباب بعد لحظات ف ذلك الوم الخرف بدت ل طولة..

مازلت أذكر تلك الشهقة ف نظرتها، كؤنها كانت تنتظر شخصا آخر ؼري.

توقفت عند ذراع الوحدة الت تمسك توقفت مدهوشة أمام، تفحصت معطف الرمادي الحزن ووجه النحل الشاحب. علبة الحلوى، وذراع معطف األخرى الفارؼة الت تختبا ألول مرة بحاء داخل جب معطف.

ر حتى ف دعوت إلى دخول البت. وقبل أن أنطق بؤة كلمة اؼرورقت عناها بالدموع، وراحت تبك دون أن تفك

د بعد سنتن انحنت أقبلها.. بشوق السنوات الت لم أرها فها.. بالشوق الذي حملن إاه ابنها.. وبشوق )أما( الت لم أتعو ونصؾ على فجعتها..

واشك أما الزهرة؟ -

زاد بكاإها وه تحتضنن وتسؤلن بدورها..

واش راك ا ولدي..؟ -

ة ألول مرة.. أكانت تبك ألنها توقعت أن أكان بكاإها فرحا بلقاب، أم حزنا على حالت، وعلى ذراع الت تراها مبتورما لم دخله ترى ابنها ورأتن.. أم فقط ألن أحدا قد دق هذا الباب، ودخل حامبل ف ده البهجة، وشبا من األخبار، لبت رب

رجل منذ شهور؟

ع السبلمة.. جوز ا ولدي جوز.. -

أعادت وه تسبقن "جوز..جوز.." بصوت عال كإشارة موجهة قالتها وه تشرع باب الدار أخرا وتمسح دموعها. ثم ألمك الت ركضت عند سماع هذه الكلمات، ولم أر ؼر ذل ثوبها سبقن، وختف خلؾ باب مؽلق على عجل.

دار.أحببت ذلك البت.. بدوال العنب الت تتسلق جدران حدقته الصؽرة، وتمتد لتتدلى عناقد ثرات سوداء على وسط ال

شجرة الاسمن الت ترتم وتطل من السور الخارج، كامرأة فضولة ضاقت ذرعا بجدران بتها، وراحت تتفرج على ما حدث ف الخارج، لتؽري المارة بقطؾ زهرها.. أو جمع ما تبعثر من الاسمن أرضا.. ورابحة الطعام الت تنبعث منه،

قك هناك.فتبعث معها الطمؤننة، ودؾء ؼامض ستب

سبقتن )أما الزهرة( إلى ؼرفة تطل على وسط الدار مرددة>

اقعد ا ولدي.. اقعد.. -

قالتها وه تؤخذ من علبة الحلوى وتضعها على الصنة النحاسة المستدرة والموضوعة على مابدة خشبة.

ؽرة كدمة، وحبوت مسرعة نحو وما كدت أجلس أرضا على ذلك المطرح الصوف حتى ظهرت أنت ف طرؾ الؽرفة صالعلبة البضاء تحاولن سحبها إلى األرض وفتحها. وقبل أن أتدخل أنا كانت )أما الزهرة( قد أخت منك العلبة وذهبت بها

إلى مكان آخر وه تقول> "عطك الصحة ا ولدي.. وعبلش عت روحك ا خالد ا بن.. وجهك كفنا..".

Page 37: ذاكرة الجسد.pdf

تتجهن نحو الشاحة الخشبة، الموضوعة على شكل قبة صؽرة فوق كانون، والت كانت ثابك ثم عادت ونهرتك، وأنتالصؽرة البضاء منثورة فوقها ك تجؾ.. وعندها حبوت تحوي ف خطوتن مترددتن، وداك الصؽرتان أمامك

تستنجدان ب.

حاولة لئلمساك بك. لقد كنت عاجزا عن التقاطك بدي لحظتها شعرت بهول ما حل ب، وأنا أمد نحوك دي الفردة ف م الوحدة المرتبكة، ووضعك ف حجري لمبلعبتك دون أن تفلت من.

ألس عجبا أن كون لقاب األول بك هو امتحان األول وعقدت األولى، وأن أنهزم على دك ف أصعب تجربة مررت بها ام ال أكثر..!منذ أصبحت رجل الذراع الواحدة.. من عشرة أ

عادت )أما الزهرة( بصنة القهوة وبصحن "الطمنة">

قل ل ا خالد ا ابن وراسك.. واش راه الطاهر؟ -

قالتها قبل أن تجلس حتى على المطرح.. كان ف سإالها مذاق الدمع. وف حلقها ؼصة السإال الذي خاؾ الجواب.. ته وأنه اآلن ف منطقة الحدود وأن صحته جدة ولكنه ال ستطع الحضور هذه فرحت أطمبنها. أخبرتها أنن كنت تحت قاد

األام، لصعوبة األوضاع ولمسإولاته الكثرة.

لم أخبرها أن المعارك تشتد كل وم، وأن العدو قرر أن طرق المناطق الجبلة، وحرق كل الؽابات، حتى تتمكن طابراته من ء القبض على مصطفى بن بولعد، ومعه مجموعة من كبار القادة والمجاهدن، وأن ثبلثن مراقبة تحركاتنا.. وأنه تم إلقا

منهم قد صدر ف حقهم الحكم باإلعدام، وأنن أتت للعبلج مع مجموعة من الجرحى والمشوهن الذن مات اثنان منهم قبل أن صبل..

ر مجرى الحدث.. أمددتها بتلك األوراق النقدة الت أرسلها لقد قال لها منظري أكثر مما تتحمله امرأة ف سنها، فرحت أؼ مع س الطاهر، وطلبت منها حسب وصته أن تشتري لك بها هدة، ووعدتها أن أعود قربا لتسجلك، بذلك االسم الذي

س الطاهر بالنسبة اختاره لك، والذي رددته أما الزهرة بصعوبة، وبش من الدهشة، ولكن دون تعلق. فقد كان لما قوله لها صفة القداسة.

وكؤنك انتبهت فجؤة أن الحدث عنك، فتسلقت ركبت وجبت فجؤة لتجلس ف حجري بتلقابة طفولة، ولم أتمالك لحظتها ، وكؤنن أضم الحلم الذي أضعت من أجله ذراع الثانة؛ كؤنن أخاؾ أن هرب من احتضانك بدي الوحدة.. ضممتك إل

رب معه أحبلم ذلك الرجل الذي لم سعد بعد باحتضانك.وته

رحت أقبلك وسط دموع وفرحت وألم وكل تناقض، نابة عن س طاهر وعن رفاق لم روا أوالدهم منذ التحقوا بالجبهة، ونابة عن آخرن، ماتوا وهم حلمون بلحظة بسطة كهذه، حتضنون فها بدل البنادق، أطفالهم الذن ولدوا

وكبروا ف ؼفلة منهم.

نست ومها أن أقبلك نابة عن.. وأن أبك أمامك نابة عن. نابة عن الرجل الذي سؤتحول إله على دك بعد ربع قرن. نست أن أسجل جوار اسمك اسم مسبقا.. وأن أطلب ذاكرتك مسبقا.. وأعوامك القادمة مسبقا.. أن أحجز عمرك، وأوقؾ

الذي كان ركض ب نحو السابعة والعشرن.. وأنت تدخلن شهرك السابع! عداد السنوات

نست أن أستبقك هكذا على حجري إلى األبد، تلعبن وتعبثن وبؤشاب، وتقولن ل كبلما ال أفهمه.. وال تفهمنه.

شعبة ل.لم تقاطعن مرة واحدة، وأنا أقص علك تلك القصة بإجاز متعمد، وأترك تفاصلها المت

الذي وقفت فه ألكتب على سجل رسم اسمك النهاب. 79;3ألول 37توقفت فقط عند ذلك الوم

لم تسؤلن أي سإال توضح، وال علقت ومها بكلمة واحدة، على قصة لم قصها علك أحد قبل. ربما ألن ال أحد وجد ف تلك القصة ما ستحق التوقؾ.

بذهول، وبصمت مخؾ. وراحت ؼوم مكابرة تحجب نظرتك عن.. كنت تبكن أمام ألول مرة، أنت الت استمعت إل ضحكت مع ف ذلك المكان نفسه كثرا.

ترانا أدركنا لحظتها، أننا كنا نضحك لنتحال على الحققة الموجعة، على شء ما كنا نبحث عنه، ونإجله ف الوقت نفسه؟

كنت أود لحظتها، لو احتضنتك بذراع الوحدة، كما لم أحضن امرأة، كما لم أحضن حلما. نظرت إلك خلؾ ضباب الدمع..ولكنن بقت ف مكان، وبقت ف مكانك، متقابلن هكذا.. جبلن مكابرن، بنهما جسر سري من الحنن والشوق.. وكثر

من الؽوم الت لم تمطر.

، وكؤنن تذكرت الفصل األهم من قصة، كنت أروها لك وربما أروها لنفس استوقفتن كلمة جسر، وتذكرت تلك اللوحة أضا، عسان أصدق ؼرابتها. وقفت وقلت>

تعال سؤرك شبا. -

تبعتن دون سإال.

وقفت أمام تلك اللوحة. قلت لك وأنت تنتظرن مدهوشة ما سؤقوله>

Page 38: ذاكرة الجسد.pdf

الوم األول، سرت قشعررة ف جسدي. شعرت أن بنك وبن هذه أتدرن.. وم رأتك تقفن أمام هذه اللوحة، ف ذلك - اللوحة قرابة ما أجهلها. ولكنن كنت متؤكدا منها، ولذا أتت ألسلم علك عسان أكتشؾ خطؤ حدس.. أو صوابه.

قلت متعجبة>

وهل كنت مصبا ف حدسك؟ -

قلت>

ألم تبلحظ التارخ المكتوب على هذه اللوحة؟ -

ت تبحثن عنه أسفلها..أجبت وأن

ال.. -

قلت>

_ إنه قرب من تارخ مبلدك الرسم. أنت تكبرن هذه اللوحة بؤسبوعن فقط. إنها توأمك إذا شبت!

قلت مدهوشة>

عجب.. عجب كل هذا! -

نظرت إلى اللوحة وكؤنك تبحثن فها عن نفسك، فقلت>

ألست هذه قنطرة الحبال؟ -

أجبتك>

قنطرة.. إنها قسنطنة. وهذه ه القرابة األخرى الت تربطك بهذه اللوحة. إنها أكثر من -

وم دخلت هذه القاعة، دخلت قسنطنة معك.. -

دخلت ف طلتك.. ف مشتك.. ف لهجتك.. وف سوار كنت تلبسنه. -

فكرت قلبل ثم قلت> -

ناسبات.. ولكنه ثقل وجع معصم.آ.. تعن "المقاس".. حدث أحانا أن ألبسه ف بعض الم - -

قلت>

ألن الذاكرة ثقلة دابما. لقد لبسته "أما" عدة سنوات متتالة،ولم تشك من ثقله. ماتت وهو ف معصمها.. إنها العادة - فقط!

ر لم أعتب علك. كان ف صوت حسرة، ولكن لم أقل لك شبا. كنت تنتمن لجل ثقل عله حمل أي شء. ولذا اختص القدمة، بحل خففة تلبس وتخلع األثواب العربة القدمة بؤثواب عصرة من قطعة أو قطعتن. واختصر الصؽة والحل

ة، واسم أو اسمن ف الشعر العرب.. على عجل. واختصر التارخ والذاكرة كلها بصفحة أو صفحتن ف كتب مدرس

تها إال ف المناسبات، بن نشرة أخبار وأخرى. وسرعان ما تخلعها عندما لن أعتب علك، نحن ننتم ألوطان ال تلبس ذاكر تطفؤ األضواء، ونسحب المصورون، كما تخلع امرأة أثواب زنتها.

قلت وكؤنك تعتذرن عن خطؤ لم تتعمده>

إذا شبت سؤلبس ذلك السوار من أجلك.. أسعدك هذا؟ -

رؼم تلقابته، وربما كان مضحكا بحزن.فاجؤن كبلمك. كان الموقؾ جزنا شبا ما،

أمومتك. أنت الفتاة الت كان مكن أن تكون ابنت، والت أصبحت دون كنت هنا أعرض علك أبوت، وكنت تعرضن عل أن تدري.. أم!

ه تجاهك من وكان مكن أن أجبك لحظتها بكلمة واحدة، أختصر فها كل تناقضات موقفنا ذلك، وأختصر فها كل ما أشعر ب عواطؾ متطرفة.. وجامحة. ولكنن قلت شبا آخر.

قلت>

سعدن ذلك، وسعدن أضا أن تلبسه من أجلك أنت. -

ال بد أن تع أنك لن تفهم شبا من الماض الذي تبحثن عنه، وال من ذاكرة أب لم تعرفه، إذا لم تفهم قسنطنة اكرتنا ونحن نتفرج على بطاقة بردة.. أو لوحة زتة كهذه.بعاداتها وتلتحم بها. إننا ال نكتشؾ ذ

نحن نكتشفها عندما نلمسها، عندما نلبسها ونعش بها.

هذا السوار مثبل، لقد أصبحت عبلقت به فجؤة عبلقة عاطفة. لقد كان ف ذاكرت رمزا لؤلمومة دون أن أدري. اكتشفت هذا سه. وتظل كل تلك األحاسس الت فجرها داخل نابمة ف دهالز النسان. هل وم رأتك تلبسنه، وكان مكن أال تلب

تفهمن اآلن.. أن الذاكرة أضا ف حاجة إلى أن نوقظها أحانا؟

كم كنت أحمق.. كنت دون أن أدري، أوقظ داخل ماردا كان نابما منذ سنن. وكنت أحولك ف حمى جنون من فتاة إلى معن ل بانبهار تلمذة، وتتلقن كلمات كما تلقى شخص ف جلسة تنوم مؽنطس، تعالمه وأوامره مدنة. وكنت تست

من منوم فعل به ما شاء.

Page 39: ذاكرة الجسد.pdf

اكتشفت ومها قدرت على تروضك، وعلى السطرة على نارك المحرقة.

رت ف سري أن أحولك إلى مدنة شاهقة.. شامخة، عرقة.. عمقة، لن طؤها ا ألقزام وال القراصنة.وقر

حكمت علك أن تكون قسنطنة ما..

وكنت أحكم على نفس بالجنون.

قضنا معا وقتا أطول ذلك الوم.. وافترقنا مثقلن بالهزات النفسة، مشحونن باالنفعاالت المتطرفة، الت عشناها خبلل ابرة أحانا، ووسط صمتنا المخؾ أحانا أخرى.أربع ساعات من الحدث المستمر. قلنا الكثر، وسط دموعنا المك

كنت سعدا ربما ألنن رأتك تبكن ألول مرة. كنت أحتقر الناس الذن ال دموع لهم، فهم إما جبابرة.. أو منافقون. وف الحالتن هم ال ستحقون االحترام.

كنت المرأة الت كنت أرد أن أضحك وأبك معها.

شفته ذلك الوم.وكان هذا أروع ما اكت

تذكرت لقاءنا األول، الذي بدأناه دون تخطط بالتعلقات الساخرة. ومها تذكرت مثبل فرنسا قوم> "أقصر طرق ألن تربح امرأة هو أن تضحكها"، وقلت ها أنذا ربحتها دون جهد..

العابرة الت ال هم أن تبك بعدها المرأة الوم اكتشفت حماقة ذلك المثل الذي شجع على الربح السرع، وعلى المؽامرات الت قد ضحكت ف البداة.

لم أربحك بعد نوبة ضحك..

ربحتك وم بكت أمام وأنت تستمعن إلى قصتك الت كانت قصت أضا. ثم ف تلك اللحظة الت تؤملت فها تلك اللوحة ، أو تحضنن ف لحظة حنان مفاجا.. ولكنك لم تفعل.بتؤثر واضح. وكنت ربما على وشك أن تضع قبلة على خدي

وافترقنا مثل العادة، ونحن نتصافح، وكؤننا نخاؾ أن تتحول تلك القبلة العابرة على الخد، إلى فتلة تشعل البراكن النابمة.

جنون. وعناك كانت كنا نفهم بعضنا بصمت متواطا. كان حضورك وقظ رجولت. كان عطرك ستفزن وستدرجن إلى ال تجردانن من سبلح حتى عندما تمطران حزنا.

وصوتك.. آه صوتك كم كنت أحبه.. من أن جبت به؟ أي لؽة كانت لؽتك؟ أي موسقى كانت موسقاك..

شبا كنت دهشت الدابمة، وهزمت المإكدة، فهل كان مكن أن تكون ابنت، أنت الت لم كن مكن ف المنطق أن تكون آخر ؼر ذاك بالنسبة ل.

ورحت أقاومك بحواجز وهمة أضعها بننا كل مرة، كما توضع حواجز ف ساحة سباق، ولكنك كنت فرسا خلقت للتحدي وربح الرهان. كنت تقفزن علها جمعا مرة واحدة، بنظرة واحدة.

أو زر قمص المفتوح كالعادة.كانت نظراتك تتسكع فوق، تتوقؾ أحانا هنا.. وأحانا هناك، لتن ته عند عن

قلت مرة وأنت تتؤملنن أكثر>

فك شء من زوربا. شء من قامته.. من سمرته.. وشعره الفوضوي المنسق. ربما كنت فقط أكثر وسامة منه. -

أجبتك>

حدته.. من حزنه ومن انتصاراته مكن أن تضف كذلك، أنن ف سنه، وف جنونه وتطرفه، وأن ف أعماق شبا من و - الت تتحول دابما إلى هزابم.

قلت متعجبة>

أتعرؾ عنه كل ها... أتحبه؟ -

أجبت>

ربما.. -

قلت>

أتدري أنه الرجل الذي أثر أكثر ف حات؟ -

رت إما أنك لم تعرف كثرا من الرجال.. أو لم تقرب كثرا من الكتب. وقبل أن أقول شبا واصلت أدهشن اعترافك. فك بحماسة>

عجبن جنونه وتصرفاته ؼر المتوقعة.. عبلقته العجبة بتلك المرأة.. فلسفته ف الحب والزواج.. ف الحرب والعبادة، -شفى من وتعجبن أكثر طرقته ف أن صل بؤحاسسه إلى ضدها. أتذكر قصة الكرز، وم كان حب الكرز كثرا وقرر أن

ؤه. بعد ذلك أصبح عامله كفاكهة عادة. كانت تلك طرقته ف أن شفى من ولعه ب ه بؤن ؤكل منه كثرا.. كرا حتى تق األشاء الت شعر أنها تستعبده.

قلت>

ال أذكر هذه القصة.. -

قلت>

Page 40: ذاكرة الجسد.pdf

وفجابعه حد الرقص. وهل تذكر رقصته تلك وسط ما سمه بالخراب الجمل؟ إنه شء مدهش أن صل اإلنسان بخبته -ز ف الهزابم أضا، فلست كل الهزابم ف متناول الجمع. فبل بد أن تكون لك أحبلم فوق العادة، وأفراح وطموحات إنه تم

فوق العادة، لتصل بعواطفك تلك إلى ضدها بهذه الطرقة..

ذي كنت تصفنه ل بحماسة، ما مكن أن ثر كنت أستمع إلك بانبهار وبمتعة. وبدل أن أجد ف ذلك "الخراب الجمل" ال مخاوف من نزعة سادة، أو مازوشة ما قد تسكنك، رحت أنقاد لجمال فكرتك فقط، وأقول دون كثر من التفكر>

صحح.. جمل ما تقولن. _ ثم أضفت_ لم أكن أدري أنك تحبن زوربا إلى هذا الحد! -

قلت ضاحكة>

كتن هذه القصة كثرا. وم قرأتها شعرت بشء من الؽبطة والحزن معا. كنت أرد أن أحب سؤعترؾ لك بشء.. لقد أرب - رجبل كهذا.. أو أكتب رواة كهذه، ولم كن ذلك ممكنا، ولهذا ستطاردن هذه القصة حتى أشفى منها بطرقة أو بؤخرى.

قلت ساخرا>

تحققن األمنتن معا.. سعدن إذن أن تجدي شبا من الشبه بن وبنه، فقد -

تؤملتن بشء من الشطة المحببة وقلت>

معك أرد أن أحقق إحدى األمنتن فقط. -

هما> وأضفت قبل أن أسؤلك أ

لن أكتب عنك شبا. -

آ.. لماذا..؟ -

علنا.. نحن نكتب ألن ال أرد قتلك، أنا سعدة بك.. نحن نكتب الرواات لنقتل األشخاص الذن أصبح وجودهم عببا - لننته منهم..

ومها ناقشتك طوبل ف نظرتك "اإلجرامة" لؤلدب وقلت لك ونحن نفترق>

أمكنن أخرا أن أطلع على رواتكم األولى.. أو "جرمتك األولى"؟! -

ضحكت وأجبت>

طبعا.. شرط أال تتحول إلى محقق جناب أو طرؾ ف تلك القصة! -

نببن بما نتظرن، وتدرن مسبقا أنن لن أكون معك قارا محادا بعد اآلن.تراك كنت تت -

ف الوم التال أحضرت ل تلك الرواة. قلت وأنت تمدن نحوي الكتاب>

أتمنى أن تجد شبا من المتعة ف قراءتها.. -

قلت مازحا>

وأتمنى أال فسد عدد ضحااك متعت! -

أجبت باللهجة نفسها>

.. اطمبن.. فؤنا أكره المقابر الجماعة!ال -

كؾ نست هذه الجملة األخرة..

عندما أتذكرها اآلن، أقتنع أن قصتك الجددة هذه، الت تروج لها المجبلت والجرابد، لن تكون سوى ضرح فردي لبطل ا بمتة كهذه؟! ما كان زاد.. وربما كان أنا.. فمن ترى المحظوظ من واحد رب

كتابك قد حمل جوابا على هذا السإال، وعلى أسبلة أخرى تطاردن.وحده

ولكن.. لماذا ثر كل ما تكتبه لدي أكثر من سإال؟ ولماذا أشعر أنن طرؾ ف كل قصصك الواقعة والوهمة، حتى تلك الت كتبتها قبل؟

ك األول ذاك، لم تضع عله أي إهداء، وقلت ذلك ترى ألنن أتوهم أن ل حقا تارخا علك، أو ألنك وم أهدتن كتاب التعلق المدهش الذي لم أنسه>

"إننا نخط إهداء للؽرباء فقط.. وأما الذن نحبهم فمكانهم لس ف الصفحة البضاء األولى، وإنما ف صفحات الكتاب..".

ة إلى أخرى، وكؤنن أبحث عن شء ما ومها أسرعت إلى ذلك الكتاب ألتهمه ف سهرتن. رحت أركض الهثا من صفحؼر الذي أقرأه. عن شء قد تكونن كتبته ل مسبقا مثبل حتى قبل أن نلتق. عن شء ما قد كون ربطنا من خبلل قصة

لم تكن قصتنا.

، 79;3نة أدري أن ذلك كان جنونا، ولكن ألس ف الحاة مصادفات مدهشة كتلك اللوحة الت رسمتها ذات ألول من س وبقت تنتظرك ربع قرن دون أن أنها كانت لك.. بل إنها كانت أنت؟

وكان ذلك محض أوهام.. لم تخبب ل ف كتابك ذاك، سوى مرارة وألم وؼرة حمقاء، ذقت نارها ألول مرة. ؼرة جنونة فراغ أامك وباض الصفحات فقط. من رجل من ورق، قد كون مر بحاتك حقا.. وقد كون مخلوقا خالا، أثثت به

Page 41: ذاكرة الجسد.pdf

ولكن أن هو الحد الفاصل بن الوهم والواقع؟ لم تجبن مرة واحدة عن ذلك السإال.. رحت تعمقن حرت بؤجوبة أكثر ؼموضا.. قلت>

ذن كتبنا عنهم فهم إن المهم ف كل ما نكتبه.. هو ما نكتبه ال ؼر، فوحدها الكتابة ه األدب.. وه الت ستبقى، وأما ال - حادثة سر.. أناس توقفنا أمامهم ذات وم لسبب أو آلخر.. ثم واصلنا الطرق معهم أو بدونهم.

قلت>

ولكن ال مكن أن تكون عبلقة الكاتب بملهمه مبسطة إلى هذا الحد. إن الكاتب ال شء دون من لهمه.. إنه مدن له - بشء..

قاطعتن..

. إن ما كتبه "أراؼون" عن عون "إلزا" هو أجمل من عون "إلزا" الت ستشخ وتذبل.. وما كتبه مدن له بماذا..؟. -نزار قبان عن ضفابر "بلقس" أجمل بالتؤكد من شعر ؼزر كان محكوما عله أن بض وتساقط.. وما رسمه لونارد

ساذجة للمونولزا، وإنما ف قدرة ذلك الفنان المذهلة دفانش ف ابتسامة واحدة للجوكاندا، أخذ قمته لس ف ابتسامة على نقل أحاسس متناقضة، وابتسامة ؼامضة تجمع بن الحزن والفرح ف آن واحد.. فمن هو المدن لآلخر بالمجد إذن؟

اشرة>كان حدثنا ؤخذ منحى آخر ربما أردته أنت ف محاولة للهرب من الحققة. فؤعدت علك السإال بصؽة أكثر مب

هل مر هذا الرجل بحاتك.. أم ال؟ -

ضحكت.. وقلت>

جرمة. وف رواات كاتبات أخرات أكثر من هذا العدد من القتلى. 80عجب.. إن ف رواات "أؼاتا كرست" أكثر من -. وكف كاتبة أن تك تب قصة حب واحدة، ولم رفع أي مرة قارئ صوته لحاكمهن على كل تلك الجرابم، أو طالب بسجنهن

لتتجه كل أصابع االتهام نحوها، ولجد أكثر من محقق جناب أكثر من دلل على أنها قصتها. أعتقد أنه ال بد للنقاد من أن حسموا وما هذه القضة نهابا، فإما أن عترفوا أن للمرأة خاال فوق خال الرجال، وإما أن حاكمونا جمعا!

دهشتن ولم تقنعن. قلت>ضحكت لحجتك الت أ

ف انتظار أن حسم النقاد هذه القضة، دعن أكرر علك سإاال لم تجبن عنه.. هل مر هذا الرجل بحاتك حقا؟ -

قلت وأنت تعبثن بؤعصاب>

المهم أنه مات بعد هذا الكتاب.. -

آ.. ألنك قادرة على أن تقتل الماض هكذا بجرة قلم؟ -

لن مراوؼتك>قلت وأنت تواص

أي ماض؟.. نحن قد نكتب أضا لنصنع أضرحة ألحبلمنا ال ؼر.. -

كان ف أعماق شعور ما بؤن تلك القصة كانت قصتك، وأن ذلك الرجل قد مر بحاتك.. وربما بجسدك أضا.

فقرة شء منه.. من كنت أكاد أشم بن السطور رابحة تبؽه. أكاد أكتشؾ أشاءه مبعثرة بن صفحات كتابك. ف كل سمرته.. من مذاق قبلته.. من ضحكته.. من أنفاسه.. ومن اشتهابك الفاضح له..

تراه أبدع ف حبك حقا.. أم أنت الت أبدعت ف وصفه؟ أم تراه محض اختراع نساب، كسته لؽتك رجولة وأحبلما، صنعت ت أطالع ذلك الكتاب، ف زي عاشق متنكر ببدلة شرط لها بعد ذلك ضرحا جمبل.. على مقاسه. وأنا، بؤي منطق رح

أخبلق. وإذا ب أنقب بن الكلمات وأبحث بن الفواصل، عسان أكتشفك متلبسة بقبلة ما.. هنا، أو أكتشؾ األحرؾ األولى من اسمه هناك.

ن ف بارس، أي منذ سنتن ذهب تفكري بعدا.. تذكرت أنك ف بارس من أربع سنوات، وأنك تقطنن عند عمك منذ ع فقط. فماذا تراك فعلت قبل ذلك ف كل الفترة الت كنت فها بمفردك؟

رت منذ قرأتك وأنن أشك ف أن أرهقن كتابك ذاك، كان ممتعا ومتعبا مثلك.. اعترفت لك ف ما بعد، أن عبلقت بك قد تؽ ؤ لسبلح الكلمات.أكون قادرا على الصمود بعد الوم.. فؤنا لم أكن مه

قلت فقط وكؤن األمر ال عنك تماما>

كان علك أال تقرأن إذن! -

أجبتك بحماقة>

ولكنن أحب أن أقرأك. ثم أنا ال أملك طرقة أخرى لفهمك.. -

أجبت>

. ذلك اختصاص مخطا.. أنت لن تفهم شبا هكذا.. الكاتب إنسان عش على حافة الحققة، ولكنه ال حترفها بالضرورة -المإرخن ال ؼر.. إنه ف الحققة حترؾ الحلم.. أي حترؾ نوعا من الكذب المهذب. والرواب الناجح هو رجل كذب

ة. بصدق مدهش، أو هو كاذب قول أشاء حقق

Page 42: ذاكرة الجسد.pdf

بعد ذلك ف ذاكرتك. أنت ثم أضفت بعد شء من التفكر.. أعذب الكذب كان كذبك، وأكثره ألما كذلك. قررت ومها أال أنقب لن تبوح ل بشء. ربما ألنك أنثى تحترؾ المراوؼة. وربما ألنه لس هناك من ش ستحق االعتراؾ.

كنت تردن فقط أن توهمن أنك لم تعودي تلك الطفلة الت عرفتها. ف الواقع.. كنت فارؼة، وكان كذبك ف مساحة كنت تطاردن ذاكرت باألسبلة، وتسدرجنها للحدث عن كل شء؟ لماذا كل تلك فراؼك. وإال ما سر تعلقك ب، ولماذا

الشراهة للمعرفة، كل تلك الرؼبة ف مقاسمت ذاكرت وكل ما أحببت وما كرهت من أشاء.. أكانت الذاكرة عقدتك؟

***

هر كما كان بدو لنا. فكؾ فرؼنا من ال بد لمعرض أن نته، لننتبه أننا نعرؾ بعضنا من أسبوعن فقط، ولس منذ أش ذاكرتنا ف بضعة أام؟ كؾ تعلمنا ف بضع ساعات قضناها معا، أن نحزن ونفرح ونحلم بتوقت واحد؟

كؾ أصبحنا نسخة من بعضنا.. وكؾ مكن لنا أن نؽادر هذا المكان، الذي أصبح جزءا من ذاكرتنا؟ كؾ..؟ وهو الذي ج حدود الزمان والمكان، ف قاعة شاسعة، سكنها الصمت وإثثها الفن، وربع قرن من المعاناة وضعنا لعدة أام، خار

والجنون؟

كنا لوجة وسط عدة لوحات أخرى.

كنا لوحة متقلبة األطوار، متعددة األلوان، رسمتها المصادفة وما ثم واصلت رسمها د األقدار. وكنت أتلذذ بوضع الجدد من صاحب ذلك المعرض، إلى لوحة من لوحاته ال أكثر.ذاك وأنا أتحول

لم حدث، مثل تلك المرة، أن شعرت بحزن وأنا أرفع تلك اللوحات المعلقة على الجدران، لوحة بعد أخرى، وأجمعها ف ام آخر، سؤت بلوحاته.. بحزنه وبفرحه وبقصص أخرى ال تشبه قصت. الصنادق ألترك القاعة فارؼة لرس

شعر أنن أجمع أام معك.كنت أ

فجؤة، توقفت دي وه على وشك أن ترفع تلك اللوحة الت تركتها لآلخر.

تؤملتها مرة أخرى، شعرت أنها ناقصة. لم كن على مساحتها سوى جسر عبرها من طرؾ إلى آخر، معلق نحو األعلى بحبال من طرفه كؤرجوحة حزن.

اربة ف العمق تعلن تناقضها الصارخ مع المزاج الصاف لسماء استفزازة وتحت األرجوحة الحددة هوة صخرة ض الهدوء والزرقة.

لم أشعر، قبل تلك اللحظة، أن هذه اللوحة ف حاجة إلى تفاصل جددة تكسر هذا التضاد، وتإثث عري اللونن اللذن نفردان بها.

أحبلم تجاوزتها األحداث بخمس عشرة سنة من الحنن ف الواقع، لم تكن "حنن" لوحة، كانت رإوس أقبلم ومشارع والدهشة ولس فقط بربع قرن من الزمن.

زها عن األخرات. كنت فجؤة على عجل. أرد أن أجلس أمامها بعد كل تلك السنوات، محمبل حملتها تحت إبط، وكؤنن أمرا حجارة "قنطرة الحبال" حجرا.. حجرا. ولكن كان ف بفرشاة وألوان أخرى، ألنفخ الحاة والضجج فها، وأنقل إلها أخ

ذهن المبعثر لحظتها هاجس آخر طؽى على كل شء> كؾ مكن أن نلتق بعد اآلن... وأن؟

انتهت عطلتك الجامعة مع نهاة معرض تقربا. وها نحن محاصران بكل مستحبلت الزمان والمكان. مبلحقان بكل العون سرنا. بكل أولبك الذن ال نعرفهم.. وعرفوننا. أي جنون.. وأي قدر كان قدري معك! ولماذا وحدي تفضحن الت قد تسرق

عاهت؟ ولماذا كل هذا الحذر.. ولماذا أنت بالذات؟ كان مجرد احتمال لقاب بس الشرؾ ذات وم وأنا بصحبتك، جعلن ك االرتباك الذي سفضحن ال محالة.أعدل عن هذه الفكرة، وأشعر فجؤة بحرج الموقؾ، وبذل

اتفقنا على أن تطلبن هاتفا، وأن نتفق على برنامج جدد.

ك الجامع. فقد كانت ابنة عمك تتابع دراستها معك ف الجامعة كان ذلك هو الحل الوحد. فلم كن ممكنا أ، أزورك ف ح نفسها.

ه؟.أكان مكن لنا أن نجد ظروفا أكثر تعقدا من هذ

أطول نهاة أسبوع على اإلطبلق، كانت تلك الت قضتها ف انتظار هاتفك صباح االثنن.

وم األحد دق الهاتؾ.

أسرعت إله وأنا أراهن أنك أنت. فربما نجحت ف سرقة لحظات تحدثنن فها.. ولو قلبل. كانت كاترن على الخط. أخفت ثر حول مشاؼلها الومة، ومشروع سفرها القادم إلى لندن.. ثم سؤلتن عن أخبار عنها خبت. ورحت أستمع لها وه تثر

المعرض وقالت وه تنتقل من موضوع إلى آخر>

لقد قرأت مقاال جدا عن معرضك ف مجلة أسبوعة.. من المإكد أنك اطلعت عله.. إنه بقلم روجه نقاش، بدو أنه - عرفك.. أو عرؾ لوحاتك جدا.

م أكن أشعر برؼبة ف الحدث.. قلت لها باقتضاب>ل

نعم، إنه صدق قدم.. -

Page 43: ذاكرة الجسد.pdf

تخلصت منها بلباقة.

لم أكن أشعر بؤة رؼبة ف لقابها ذلك الوم. ربما كانت حاجت للرسم ومها، تفوق حاجات الجسدة األخرى.. وربما كنت فقط ممتلبا بك.

عدت إلى مرسم مثقل الخطى.

عداد تشكلة من األلوان، ألبدأ ف وضع لمسات على تلك اللوحة.كنت شرعت ف إ

ولكنن ارتبكت. تحولت أمامها إلى ذلك الرسام المبتدئ الذي كنته منذ خمس وعشرن سنة.

ترى قرابتها الجددة لك، ه الت أضفت علها هذه الصبؽة المربكة؟

ر.. ألضف على الذاكرة_ ولس على لوحة_ بعض "الرتوشات"؟أم تران كنت مرتبكا ألنن كنت أجلس أمام الماض ال ؼ

كنت أشعر أنن على وشك أن أرتكب حماقة. وأدري_رؼم رؼبت المضادة للمنطق_ أنه ال نبؽ أبدا العبث بالماض، وأن أة محاولة لتجمله، لست سوى محاولة لتشوهه.

هكذا.. كان كل شء فها مبسطا حد السذاجة، فلماذا ال أواصل كنت أدرك هذا.. ولكن هذه اللوحة أصبحت تضاقن فجؤة رسمها الوم، ولماذا ال أعاملها بمنطق فن ال أكثر؟

ألم قض ) شاؼال( خمس عشرة سنة ف رسم إحدى لوحاته؟ كان عود إلها دابما بن لوحة وأخرى لضؾ شبا أو جمع فها كل الوجوه واألشاء الت أحبها منذ طفولته؟وجها جددا علها، بعدما أصر على أن

ألس من حق أضا أن أعود إلى هذه اللوحة، أن أضع على هذا الجسر بعض خطى العابرن، وأرش على جانبه بعض ا أحانا أخرى.. ألم البوت المعلقة فوق الصخور، وأسفله شبا من ذلك النهر الذي شق المدنة، بخبل أحانا، ورقراقا زبد

عد ضرورا أن أضع علها بصمات ذاكرت األولى، الت كنت عاجزا عن نقلها ف السابق، وم كنت رساما مبتدبا وهاوا ال ؼر؟

ال أدري كؾ تذكرت لحظتها روجه نقاش، صدق طفولت.. وصدق ؼربت.

مع أهله، ومع فوج من الجالة ;7;3عد إلها أبدا منذ ؼادرها سنة ذكرت ولعه بقسنطنة، وتعلقه بذكراها، هو الذي لم الهودة الت كانت ترد أن تبن لها مستقببل آمنا ف بلد آخر.

لك حدث أن زرته مرة ف بته، دون أن صر على أن سمعن شرطا جددا للمطربة الهودة "سمون تمار" وه تؽن القسنطنة بؤداء وبصوت مدهش، مرتدة ذلك الثوب القسنطن الفاخر، الذي أهدوها إاه ف أول المالوؾ والموشحات

ن ؼبلؾ شرطها. عودة لها هناك.. والذي ز

منذ بضعة أشهر أخبرن روجه أن سمن ماتت مقتولة على د زوجها ف إحدى نوبات ؼرته، فقد كان تهمها بحب رجل عرب.

حقا.. أجابن.. "ال أدري.." ثم أضاؾ بمرارة ما.. " أدري أنها كانت تحب قسنطنة". سؤلته إن كان ذلك

وروجه أضا كان حبها.. وكان حلمه السري أن عود إلها ولو مرة واحدة، أو ؤته أحد على األقل بثمرة واحدة من جال..شجرة التن الت كانت تطال نافذة ؼرفته والت كانت ف حدقة بته منذ أ

بلهجته القسنطنة المحببة الت لم طمس ربع وكنت أشعر بمزج من السعادة واإلحراج معا وأنا أستمع إله، قص عل قرن من البعد أي نبرة فها، شوقه إلى تلك المدنة.. لقاتلة!

ستقر فها. فقد كان له من وكان زد إحراج كل ما قام به روجه لمساعدت منذ سنوات، عندما وصلت إلى بارس أل_دون أن أطلب منه_ كثرا من المعامبلت والمشكبلت الت تواجه رجبل ف الصداقات والوساطات، ما مكن أن سهل عل

وضع.

ذات مرة سؤلته "لماذا لم تعد ولو مرة واحدة لزارة قسنطنة؟ أنا ال أفهم خوفك، إن الناس مازالوا عرفون أهلك ف ذلك وذكرونها بالخر.." أذكر وقتها أنه قال ل "ما خفن لس أال عرفن الناس هناك، بل أال أعرؾ أنا تلك المدنة.. الح

وتلك األزقة.. وذلك البت الذي لم عد بت منذ عشرات السنن..".

ك الشباك مازال طل على ناس ثم أضاؾ> "دعن أتوهم أن تلك الشجرة مازالت هناك.. وأنها تعط تنا كل سنة، وأن ذلكنت أحبهم.. وذلك الزقاق الضق مازال إدي إلى أماكن كنت أعرفها.. أتدري.. إن أصعب شء على اإلطبلق هو مواجهة

الذاكرة بواقع مناقض لها.."

دنة معك، كان ف عنه ومها لمعة دموع مكابرة، فؤضاؾ بشء من المزاح "لو حدث وؼرت رأ، سؤعود إلى تلك الم أخاؾ أن أواجه ذاكرت وحدي..".

الوم، وبعد عدة سنوات، أذكر كبلمه فجؤة_ هو الذي لم طرح مع ذلك الموضوع بعد ذلك أبدا_

تراه نجح حقا ف التحال على ذاكرته؟

واجهة اصطدامة وماذا لو كان على حق؟ جب أن نحتفظ بذكراتنا ف قالبها األول وصورتها األولى وال نبحث لها عن م مع الواقع تحطم بعدها كل شء داخلنا كواجهة زجاجة.. المهم ف هذه الحاالت إنقاذ الذاكرة.

Page 44: ذاكرة الجسد.pdf

أقنعن ذلك المنطق، وشعرت أن هاتؾ كاترن أنقذن بطرقة ؼر مباشرة من حماقة كنت على وشك ارتكابها.

إلها شبا هنا، أو طمست فها شبا هناك.. ستصبح لوحة لن كون لتلك اللوحة أة قمة تؤرخة بعد الوم، إذا أضفت لقطة لذاكرة مزورة.. وهل هم عندبذ أن نكون أجمل؟

نظرت إلى خشبة األلوان الت كانت بدي. فكرت أنه رؼم ذلك ال بد أن أفعل شبا بهذه األلوان.. وبهذه الفرشاة العصبة مة.الت كانت تترقب مثل لحظة الخلق الحاس

ة لم تخطر ببال. وفجؤة وجدت الحل ف فكرة بسطة ومنطق

رفعت تلك اللوحة عن خشبات الرسم، ووضعت أمامها لوحة بضاء جددة، ورحت أرسم دون تفكر، قنطرة أخرى، بسماء أخرى، بواد آخر وبوت وعابرن.

جسر لم عد عنن ف النهاة، بقدر ما تعنن رحت هذه المرة، أتوقؾ عند كل التفاصل وأكاد أبدأ بها، وكؤن أمر الالحجارة والصخور الت قؾ علها. وتلك النباتات الت تبعثرت أسفله، مستفدة من رطوبة )أو عفونة( األعماق. وتلك

لجسر الممرات السرة الت حفرتها خطى اإلنسان وسط المسالك الصخرة. منذ أام )ماسنسا( وحتى الوم، ف ؼفلة من ا متر من أقدامه! 900العجوز الذي ال مكن له ف شموخه الشاهق، أن رى ما حدث على علو

ألس التحال على الجسور هو الهدؾ األزل األول لئلنسان الذي ولد بن المنحدرات.. والقمم؟

تشؽلن الوم بإلحاح، لم تكن أدهشتن هذه الفكرة الت ولدت ف ذهن مصادفة؛ وأدهشن أكثر، كون هذه التفاصل الت تلفت انتباه منذ ربع قرن، وم رسمت هذا الجسر نفسه ألول مرة.

ترى ألنن كنت ف بدات األولى، محكوما بالخطوط العرضة لؤلشاء كؤي مبتدئ، وأن طموح آنذاك، لم كن تجاوز بد واحدة؟رؼبت ف إدهاش ذلك الدكتور_ أو إدهاش نفس_ ورفع أثقال التحدي

وإنن الوم بعد ذلك العمر.. لم عد عنن أن أثبت شبا ألحد. أرد فقط أن أعش أحبلم السرة، وأن أنفق ما بق ل من وقت ف طرح أسبلة.. كان الجواب علها ف الماض ترفا.. لس ف متناول الشباب. وال ف متناول.. ذلك المناضل أو

كنته..المجاهد المعطوب الذي

ربما ألن الوقت آنذاك لم كن للتفاصل، بل كانت وقتا جماعا نعشه بالجملة، وننفقه بالجملة.

كان وقتا للقضاا الكبرى.. والشعارات الكبرى.. والتضحات الكبرى. ولم كن ألحد الرؼبة ف مناقشة الهوامش أو الوقوؾ عند التفاصل الصؽرة.

م حماقة الثورات!تراها حماقة الشباب.. أ

أخذت من تلك اللوحة، كل أمسة األحد، وقسما كبرا من اللل. ولكنن كنت سعدا وأنا أرسم، وكؤنن كنت أسمع صوت الدكتور "كابوتسك" عود لقول ل بعد ذلك العمر "ارسم أحب شء إلى نفسك".

وها أنا أطعه وأرسم اللوحة نفسها، باالرتباك نفسه.

ما رسمته هذه المرة، لم كن تمرنا ف الرسم. كان تمرنا ف الحب.ولكن

كنت أشعر أنن أرسمك أنت ال ؼر. أنت بكل تناقضك. أرسم نسخة أخرى عنك أكثر نضجا.. أكثر تعارج. نسخة أخرى من لوحة كبرت معك.

ما بشهوة ورؼبة سرة ما..كنت أرسم تلك اللوحة بشهة مدهشة للرسم. بل ورب

فهل بدأت شهوتك تتسلل ومها إلى فرشات، دون أن أدري؟!

***

ف الوم التال، جاءن صوتك ف الساعة التاسعة تماما.

جاء شبلل فرح، وشجرة اسمن تساقطت أزهارها على وسادت.

ذ ؼرفت، وقبلن قبلة كنت أكتشؾ صوتك على الهاتؾ، وأنا ف فراش بعد للة مرهقة من العمل. شعرت أنه شرع نواف صباحة.

هل أقظتك.؟ -

ال أنت لم توقظن.. أنت منعتن البارحة من النوم ال أكثر! -

قلت بلهجة جزابرة بن المزاح والجد>

عبلش.. إن شاء هللا خر.. -

قلت>

ألنن رسمت حتى ساعة متؤخرة من اللل.. -

وما ذنب أنا؟ -

.. ا ملهمت!ال ذنب لك سوى ذنب الملهم -

Page 45: ذاكرة الجسد.pdf

صحت فجؤة بالفرنسة كعادتك عندما تفقدن السطرة على أعصابك>

- ah.. non!

ثم أضفت>

أتمنى أنك لم ترسمن.. ا لها من كارثة معك! -

وأن ه الكارثة إن كنت قد رسمتك؟ -

واصلت بصوت عصب>

إلى أخرى، تفرج علها كل من عرفن؟!أأنت مجنون؟ ترد أن تحولن إلى لوحة تدور بها القاعات من مدنة -

كنت أشعر برؼبة صباحة ف مشاكستك، ربما من فرط سعادت، وربما ألنن مجنون حقا، وال أعرؾ كؾ أكون سعدا مثل اآلخرن.

قلت لك>

سوا سوى حادثة سر. أما قلت مرة.. إن الناس الذن بلهموننا هم أناس توقفنا أمامهم ذات وم لسبب أو آلخر، وأنهم ل - فإن أكون رسمتك ال عن شا، سوى أنن صادفتك وما ف طرق ال ؼر!

صحت>

أأنت أحمق؟. ترد أن تقنع عم وتقنع اآلخرن أنك رسمتن بعدما صادفتن مرة على رصؾ، واقفة مثبل أمام ضوء - !أحمر.. إننا ال نرسم سوى ما ثرنا.. أو ما نحبه.. هذا معروؾ

تراك كنت تستدرجنن إلى ذلك االعتراؾ، وتدورن حوله، أم كنت من الحماقة لتصدق زعم بؤنن ال أدري ذلك. لكنن وجدت ف تلك الفرصة الصباحة، وف ذلك الخط الهاتف الذي كان فصلن وقربن منك ف آن واحد.. مناسبة

لمصارحتك.

قلت>

لنفترض إذن أنن أحبك.! -

نتظر وقع الكلمات علك، وأتوقع عدة أجوبة لكبلم. ولكنك قلت بعد لحظة صمت>كنت أ

ولنفترض إذن.. أنن لم أسمع! -

أدهشتن..

لم أفهم تماما إذا كنت تجدن ذلك "التصرح" أقل أو أكثر مما توقعت، أم أنك كعادتك تتبلعبن بالكلمات بمتعة مدهشة، ؼر، وتقذفنن من سإال.. إلى تساإل آخر. وأنت تدرن أنك تلعبن بؤعصاب ال

أن نلتق؟ -

كان هذا هو السإال األهم الذي قررنا أن نجب عله بجدة.

تناقشنا طوبل ف عنوان مكان آمن مكن أن نشرب فه قهوة، أو نتناول فه وجبة الؽداء معا.

ولكن بارس ضاقت بنا.

. قررنا أن نلتق ف أحد كنت ال تعرفن ؼر األماكن الت رتادها الطلبة. وكنت ال أرتاد ؼر المقاه القربة من ح المقاه المجاورة لبت والت تقدم وجبات ؼداء.

وكنت أقترؾ إحدى حماقات الكبرى.

اردت.لم أكن أعرؾ وقتها أنن أختار عنوانا لذاكرت مجاورا تماما لعنوان بت، وأنن بذلك سؤمنح الذكرات حق مط

لم أعد أذكر اآلن، كؾ أصبح ذلك المقهى العنوان الدابم لجنوننا. وكؾ أصبح تدرجا شبهنا، بعدما تعود أن ختار لنا زاوة جددة كل مرة، تتبلءم مع مزاجنا المتقلب، خبلل شهرن من السعادة المسروقة..

راستك وبرنامج أعمال.كنا نلتق هناك ف أوقات مختلفة من النهار، وحسب ساعات د

تعودت أن تطلبن هاتفا كل صباح ف الساعة التاسعة، وأنت ف طرقك إلى الجامعة. ونتفق كل صباح على برنامج لك الوم الذي لم بعد لنا فه ف النهاة من برنامج سوانا.

ف طرق من مستحبلت. ولكنن كنت كنت أتدحرج وما بعد آخر نحو هاوة حبك، أصطدم بالحجارة والصخور، وكل ما أحبك. وال أنتبه إلى آثار الجراح على قدم، وال إلى آثار الخدوش على ضمري الذي كان قبلك إناء بلور ال قبل الخدش.

وكنت أواصل نزول معك بسرعة مذهلة نحو أبعد نقطة ف العشق الجنون.

تلك الفترة الت كنت مكتفا فها بحبك، بعدما أقنعت نفس أنن ال وكنت أشعر أنن ؼر مذنب ف حبك. على األقل حتى أسء إلى أحد بهذا الحب.

وقتها لم أكن أجرإ على أن أحلم بؤكثر من هذا. كانت تكفن تلك العاطفة الجارفة الت تعبرن ألول مرة، بسعادتها المتطرفة أحانا, وحزناه المتطرؾ أحانا أخرى..

حب.كان كفن ال

Page 46: ذاكرة الجسد.pdf

متى بدأ جنون بك؟

حدث أن أبحث عن ذلك التارخ وأتساءل.. ترى أف ذلك الوم الذي رأتك فه ألول مرة؟ أم ف ذلك الوم الذي انفردت بك فه ألول مرة؟ أم ف ذلك الوم الذي قرأتك فه ألول مرة؟.

رة!أم ترى وم وقفت فه بعد عمر من الؽربة، ألرسم فه قسنطنة.. كؤول م

ترى وم ضحكت أم وم بكت.

. ثت.. أم عندما صمت أعندما تحد

مت أنك أم؟! أعندما أصبحت ابنت.. أم لحظة توه

أي امرأة فك ه الت أوقعتن؟.

كنت معك ف دهشة دابمة. فقد كنت شبهة بتلك الدمة الروسة الخشبة الت تخف داخلها دمة أخرى. وهذه تخف دمة ر، وهكذا تكون سبع دمى داخل واحدة!أصؽ

كنت كل مرة أفاجؤ بامرأة أخرى داخلك. وإذا بك تؤخذن ف بضعة أام مبلمح كل النساء. وإذا ب محاط بؤكثر من امرأة، ف حضورك وف ؼابك، فؤقع ف حبهن جمعا. تناوبن عل

أكان مكن ل إذن أن أحبك بطرقة واحدة؟

. كنت مدنة.لم تكون امرأة.

؛ نساء ؛ ف خجلهن وف جرأتهن مدنة بنساء متناقضات. مختلفات ف أعمارهن وف مبلمحهن؛ ف ثابهن وف عطرهن من قبل جل أم إلى أامك أنت.

نساء كلهن أنت.

عرفت ذلك بعد فوات األوان. بعدما ابتلعتن كما تبتلع المدن المؽلقة أوالدها.

ولك التدرج إلى مدنة تسكنن منذ األزل..كنت أشهد تح

كنت أشهد تؽرك المفاجا، وأنت تؤخذن وما بعد وم مبلمح قسنطنة، تلبسن تضارسها، تسكنن كهوفها وذاكرتها ن ومؽاراتها السرة، تزورن أولاءها، تتعطرن ببخورها، ترتدن قندورة عناب من القطفة، ف لون ثاب "أما"، تمش

وتعودن على جسورها، فؤكاد أسمع وقع خلخالك الذهب رن ف كهوؾ الذاكرة.

أكاد ألمح آثار الحناء على كعب قدمك المهؤتن لؤلعاد.

وكنت أنا أستعد لهجت القدمة معك. كنت ألفظ التا "تساء" على الطرقة القسنطنة.

ون النساء ف قسنطنة.كنت أنادك مدلبل "اال" كما لم عد الرجال ناد

كنت أنادك بحنن "ا أممة" بذلك النداء الذي ورثته قسنطنة دون ؼرها، عن أهل قرش من عصور.

نك!". وكنت، كنت عندما جردن عشقك من سبلح األخر، أعترؾ لك مهزوما على طرقة عشاقنا "نشتك.. عن بو ز

والت اختصروها منذ زمان لتخف معناها األصل، وتتحول إلى كلمة ود ال ؼر. تلك الكلمة الت كان أصلها "أشتهك"

فقسنطنة مدنة منافقة، ال تعترؾ بالشهوة وال تجز الشوق؛ إنما تؤخذ خلسة كل شء، حرصا على صتها، كما تفعل المدن العرقة.

!ولذا فه تبارك مع أولابها الصالحن.. الزانن أضا.. والسراق

ا، وال شخا دع البركات، لتباركن قسنطنة. ولم أكن سارقا، وال كنت ول

كنت فقط، رجبل عاشقا، أحبك بجنون رسام؛ بتطرؾ وحماقة رسام، خلقك هكذا كما خلق الجاهلون آلهتهم بدهم، ثم جلسون لعبادتها، وتقدم القرابن لها.

ف حب!وربما كان هذا، أكثر ما كنت تحبنه

ذات وم قلت ل>

كنت أحلم أن حبن رسام. قرأت عن الرسامن قصصا مدهشة. إنهم األكثر جنونا بن كل المبدعن. إن جنونهم متطرؾ.. قال عن الشعراء مثبل أو عن الموسقن. لقد قرأت حاة فان ؼوغ.. دوالكروا.. مفاجا ومخؾ. ال شبه ف شء ما

.. سزان.. بكاسو وآخرن كثرن لم بلؽوا هذه الشهرة. أنا ال أتعب من قراءة سرة الرسامن.ؼوؼان... دال

ف الواقع شهرتهم ال تعنن بقدر ما عنن تقلبهم وتطرفهم. تهمن تلك اللحظة الفاصلة بن اإلبداع والجنون. عندما اللحظة تستحق التؤمل واالنبهار أحانا، فهم فعلون ذلك علنون فجؤة خروجهم عن المنطق واحتقارهم له. وحدها تلك

لمجرد تحدنا وتعجزنا بلوحة لست سوى حاتهم.

تهم ف إنتاجهم. وهنالك آخرون، صرون على توقع حاتهم أضا، بنفس العبقرة، هنالك مبدعون، كتفون بوضع عبقر التزور..فتركون لنا سرة فردة، ؼر قابلة للتكرار أو

أعتقد أن مثل هذا الجنون نفرد به الرسامون. وال أظن أن شاعرا مكن أن صل إلى ما وصل إله فان ؼوغ مثبل ف لحظة ؤس واحتقار للعالم، عندما قطع أذنه لهدها إلى ؼانة..

Page 47: ذاكرة الجسد.pdf

ف سقؾ ؼرفته، لوحة المرأة الت أو ما فعله ذلك الرسام المجهول الذي لم أعد أذكر اسمه، وال شنق نفسه، بعدما علق أحبها والت قضى أاما ف رسمها. وهكذا توحد معها على طرقته.. ووقع لوحته وحاته معا مرة واحدة.

قلت>

إن ما عجبك ف النهاة، هو قدرة الرسامن الخارقة على تعذب أنفسهم، أو على التمثل بها.. ألس كذلك؟. -

أجبت>

هنالك لعنة ما تبلحق الرسامن دون ؼرهم؛ وهنالك جدلة ال تنطبق إال علهم. فكلما زاد عذابهم وجوعهم ال.. ولكن - وجنونهم، زاد ثمن لوحاتهم. حتى إن موتهم وصلها إلى أسعار خالة، وكؤن علهم أن نسحبوا لتحل ه مكانهم.

لم أناقشك ف رأك.

عرفه، ولكن فاجؤن منك.رحت أستمع إلك وأنت ترددن كبلما أ

تك البلشعورة تحول إلى لوحة ثمنة لم أتساءل ومها، إن كنت تحبنن الحتمال جنون، أو لشء آخر. وال أن تكون ن أدفع ثمنها من حطام.

هل سزد عذاب حقا، من قمة أة لوحة سؤرسمها كفما كان، تحت تؤثر جوع أو نوبة جنون؟

ل.. أن بدأ الفن ترى؟.. وأن تبدأ النزعة السادة عند اآلخرن؟اكتفت بالتساإ

كنت أعتقد أن هذه الجدلة ال عبلقة لها باإلبداع وال بالفن، وإنما بطبع اإلنسان ال أكثر.

ا.نحن سادون بفطرتنا. حلو لنا أن نسمع عذابات اآلخرن، ونعتقد، عن أنانة، أن الفنان مسح آخر جاء لصلب مكانن

عذابه حزننا و سعدنا ف آن واحد. قصته قد تبكنا، ولكنها لن تمنعنا من النوم، ولن تدفعنا إلى إطعام فنان آخر، موت جوعا أو قهرا أمامنا. بل إننا نجد من الطبع أن تتحول جراح اآلخرن إلى قصدة نؽنها، أو لوحة نحتفظ بها، وقد نتاجر

بها، للسبب نفسه.

نون قصر حقا على الرسامن دون ؼرهم؟فهل الج

ة ف الخلق؟ ألس هو قاسما مشتركا بن كل المبدعن، وكل المسكونن بهذه الرؼبة المرض

فالذي ال مكن بحكم منطق اإلبداع نفسه، أن كون إنسانا عادا، بؤطوار عادة وبحزن وفرح عادي. بمقاس عادة للكسب والتعاسة. والخسارة.. للسعادة

إنه إنسان متقلب، مفاجا، لن فهمه أحد ولن جد أحد مبررا لسلوكه.

كان ذلك أول وم حدثتك فه عن زاد.

قلت>

لقد عرفت شاعرا فلسطنا كان درس ف الجزابر. كان سعدا بحزنه وبوحدته؛ مكتفا بدخله البسط كؤستاذ لؤلدب -ن. حتى ذلك الوم الذي تحسنت أحواله المادة، وحصل على شقة العرب، وبؽرفته الجامعة الصؽ رة، وبدوانن شعر

وكان على وشك الزواج من إحدى طالباته الت أحبها بجنون، والت قبل أهلها أخرا تزوجها منه.

عندما قرر فجؤة أن تخلى عن كل شء، وعود إلى بروت للتحق بالعمل الفداب..

إقناعه بالبقاء. لم أكن أفهم حماقته تلك، وإصراره على الرحل عندما أوشك أخرا أن حقق أحبلمه. وكان عبثا حاولتجب ساخرا "أي أحبلم.. أنا ال أرد أن أقتل داخل ذلك الفلسطن المشرد.. فعندها لن كون ألي شء أمتلكه من

قمة..".

> "ثم.. ال أرد أن أنتم المرأة.. أو إذا شبت ال وضؾ وهو نفث دخانه على مهل وكؤنه ختف خلفه ك بوح ل بسر أرد أن أقم فها.. أخاؾ السعادة عندما تصبح جبرة. هنالك سجون لم تخلق للشعراء..".

ن عبثا، لم وكانت الفتاة الت أحبته تزورن راجة أن أقنعه بالبقاء، وأنه مجنون ذاهب إلى الموت وإلى حتفه المإكد. ولك تكن هناك حجة واحدة إلؼرابه بالبقاء.. بل إنه ف تطرفه المفاجا، أصبح جد ف حجج ما زده إؼراء بالرحل.

أذكر أنه قال ل ومها بشء من السخرة، وكؤنه عطن درسا ف الحاة>

ة الناس.. والرجال االستثنابن!"."هناك عظمة ما، ف أن نؽادر المكان ونحن ف قمة نجاحنا. إنه الفرق بن عام

سؤلتك إن كنت تعتقدن أن شاعرا كهذا، هو أقل جنونا من رسام قطع أذنه؟

لقد استبدل براحته شقاء لم كن مرؼما عله. واستبدل بحاته موتا، دون أن كون مجبرا عله.

هزم، وهو الموت.لقد أراد أن ذهب إلى الموت مكابرا ولس مهزوما ومكرها. إنه ا طرقته ف أن هزم مسبقا شبا ال

سؤلتن بلهفة>

هل مات؟ -

قلت لك>

بها ف رأس السنة، أي - ال.. إنه لم مت.. أو على األقل مازال على قد الحاة حتى تارخ بطاقته األخرة الت بعث إل منذ ستة أشهر تقربا.

Page 48: ذاكرة الجسد.pdf

نا معا ذهبت إله..ساد بننا شء من الصمت، وكؤن أفكار

قلت لك>

أتدرن أنه كان سببا ؼر مباشر ف مؽادرت الجزابر؟ معه تعلمت أنه ال مكن أن نتصالح مع كل األشخاص الذن -سكنوننا، وأنه ال بد أن نضح بؤحدهم لعش اآلخر. وأمام هذا االختبار فقط نكتشؾ طنتنا األولى، ألننا ننحاز تلقابا إلى

نعتقد أنه األهم.. وأنه نحن ال ؼر.ما

قلت وأنت تقاطعنن>

صحح.. نست أن أسؤلك لماذا جبت إلى فرنسا؟ -

أجبتك وتنهدة تسبقن، وكؤنها تفتح أبواب صدر أوصدته الخبات>

خاصة أن قد ال تقنعك أسباب.. ولكنن مثل ذلك الصدق، أكره الجلوس على القمم الت سهل السقوط منها. وأكره - حولن مجرد كرس أجلس عله إلى شخص آخر ال شبهن.

، والت كان الجمع لهثون للوصول إلها. لقد كنت بعد االستقبلل أهرب من المناصب الساسة الت عرضت عل

ولذا كنت أحلم بمنصب ف الظل مكن أن أقوم فه بشء من التؽرات دون كثر من الضجج ودون كثر من المتاعب.نت كمسإول عن النشر والمطبوعات ف الجزابر، شعرت أنن خلقت لذلك المنصب. فقد قضت كل سنوات إقامت عندما ع

ف تونس ف تعلم العربة والتعمق فها، وتجاوز عقدت القدمة كجزابري ال تقن بالدرجة األولى سوى الفرنسة. أنام قبل أن أبتلع وجبت من القراءة بإحدى اللؽتن.وأصبحت، ف بضع سنوات، مزدوج الثقافة، ال

كنت أعش بالكتب ومع الكتب. حتى إنن كدت ف فترة ما أنتقل من الرسم إلى الكتابة، خاصة أن الرسم، كان ف نظر البعض آنذاك، شبها بالشذوذ الثقاف، وعبلمة من عبلمات الترؾ الفن، الت ال عبلقة لها بظروؾ التحرر.

ندما عدت إلى الجزابر بعدها، كنت ممتلبا بالكلمات.ع

ر العقلات والقام بثورة داخل العقل وألن الكلمات لست محادة، فقد كنت ممتلبا كذلك بالمثل والقم، ورؼبة ف تؽ الجزابري الذي لم تؽر فه الهزات التارخة شبا.

د أن أسمه "الثورة الثقافة". بعدها لم تعد هاتان الكلمتان مجتمعتن أو ولم كن الوقت مناسبا لحلم الكبر الذي ال أر متفرقتن تعنان شبا عندنا.

كانت هناك أخطاء كبرى ترتكب عن حسن نة. فلقد بدأت التؽرات بالمصانع، والقرى الفبلحة والمبان والمنشآت الضخمة، وترك اإلنسان إلى األخر.

بس فارغ، وؼارق ف مشكبلت ومة تافهة، ذي عقلة متخلفة عن العالم بعشرات السنن، أن بن فكؾ مكن إلنسان با وطنا، أو قوم بؤة ثورة صناعة أو زراعة، أو أة ثورة أخرى؟

الوم. لقد بدأت كل الثورات الصناعة ف العالم من اإلنسان نفسه، ولذا أصبح الابان )ابانا( وأصبحت أوربا ما ه عله

وحدهم العرب راحوا بنون المبان وسمون الجدران ثورة. وؤخذون األرض من هذا وعطونها لذاك، وسمون هذا ثورة.

الثورة عندما ال نكون ف حاجة إلى أن نستورد حتى أكلنا من الخارج.. الثورة عندما صل المواطن إلى مستوى اآللة الت رها. س

بشء من كان صوت ؤخذ فجؤة ن برة جددة، فها كثر من المرارة والخبة الت تراكمت منذ سنن. وكنت تنظرن إل الدهشة وربما من اإلعجاب الصامت، وأنا أحدثك ألول مرة عن شجون الساسة.

سؤلتن>

ألهذا جبت إلى فرنسا إذن؟ -

قلت>

نن ذات وم قررت أن أخرج من الرداءة، من تلك الكتب ال.. ولكنن جبت ربما بسبب أوضاع ه نتجة أخطاء كهذه، أل - الساذجة الت كنت مضطرا إلى قراءتها ونشرها باسم األدب والثقافة، للتهمها شعب جابع إلى العلم.

كنت أشعر أنن أبعه معلبات فاسدة مر وقت استهبلكها. كنت أشعر أنن مسإول بطرقة أو بؤخرى عن تدهور صحته وأنا ألقنه األكاذب بعدما تحولت من مثقؾ إلى شرط حقر، تجسس على الحروؾ والنقاط، لحذؾ كلمة هنا الفكرة،

وأخرى هناك.. فقد كنت أتحمل وحدي مسإولة ما كتبه اآلخرون.

كنت أشعر بالخجل وأنا أدعو أحدهم إلى مكتب إلقناعه بحذؾ فكرة أو رأي كنت أشاركه فه.

اد.. ذلك الشاعر الفلسطن الذي حدثتك عنه، والذي لم أكن التقت به من قبل.ذات وم، زارن ز

وكنت اتصلت به ألطلب منه حذؾ أو تؽر بعض الكلمات الت جاءت ف دوانه، والت كانت تبدو ل قاسة تجاه بعض إاهم بكل األلقاب. األنظمة.. وبعض الحكام العرب بالذات، والذن كان شر إلهم بتلمح واضح، ناعتا

لم أنس أبدا نظرته ذلك الوم.

توقفت عناه عند ذراع المبتورة لحظة، ثم رفع عنه نحوي ف نظرة مهنة وقال>

Page 49: ذاكرة الجسد.pdf

دي.. رد ل دوان، سؤنشره ف بروت". " ال تبتر قصابدي س

صفعه. ثم هدأت من روع، شعرت أن الدم الجزابري ستقظ ف عروق، وأنن على وشك أن أنهض من مكان أل وحاولت أن أتجاهل نظرته وكلماته االستفزازة.

ما الذي شفع له عندي ف تلك اللحظة؟

ته الشعرة؟ فقد كان دوانه أروع ته الفلسطنة، أو تلك الشجاعة الت لم واجهن بها كاتب قبله، أم ترى عبقر ترى هو كنت أإمن ف أعماق أن الشعراء كاألنباء هم دابما على حق.ما قرأت من الشعر ف ذلك الزمن الرديء. و

تلقت كلماته كصفعة أعادتن إلى الواقع، وأقظتن بخجل. لقد كان ذلك الشاعر على حق، كؾ لم أكتشؾ أنن لم أكن أفعل شبا من سنوات سوى تحول ما وضع أمام من إنتاج إلى نسخة مبتورة مشوهة مثل؟

تحدا، وأنا ألق نظرة ؼاببة على ؼبلؾ تلك المخطوطة> "سؤنشره لك حرفا".قلت له م

كان ف موقف شء من "الرجولة"، تلك الرجولة أو الشجاعة الت كان ال مكن لموظؾ مهما كان منصبه أن تحلى بها، ا! دون أن ؽامر بوظفته، ألن الموظؾ ف النهاة هو رجل استبدل برجولته كرس

ب ل دوانه عند صدوره بعض المتاعب. شعرت أن هناك شبا من الزؾ الذي لم أتحمله.سب

ما الذي منعن من فضح أنظمة دموة قذرة، مازلنا باسم الصمود ووحدة الصؾ، نصمت على جرابمها؟ ولماذا من حقنا بواخرنا؟أن ننتقد أنظمة دون أخرى حسب النشرات الجوة، والراح الت ركبها قبطان

بدأ شء من الؤس والمرارة مؤلن تدرجا. هل أؼر وظفت ألستبدل بمشكبلت مشاكل أخرى، وأصبح هذه المرة طرفا ف لعبة أخرى؟

ماذا أفعل بكل ما كدست وجمعت من أحبلم طوال سنوات ؼربت ونضال، وماذا أفعل بسنوات األربعن، وبذراع ؟المبتورة، وبذراع األخرى

ماذا أفعل بهذا الرجل المكابر العند الذي سكنن، ورفض أن ساوم على حرته، وبذلك الرجل اآلخر الذي ال بد أن عش وتعلم الجلوس على المبادئ.. وتؤقلم مع كل كرس.

كان ال بد أن أقتل أحدهما لحا اآلخر... وقد اخترت.

كان لقاب بزاد منعطفا ف حات.

دها أن قصص الصداقة القوة، كقصص الحب العنفة، كثرا ما تبدأ بالمواجهة واالستفزاز واختبار القوى.اكتشفت بع

فبل مكن لرجلن تمتع كبلهما بشخصة قوة وبذكاء وحساسة مفرطة، رجلن حمبل السبلح ف فترات من حاتهما.. وتعودا على لؽة العنؾ والمواجهة، أن لتقا دون تصادم.

ان ال بد لنا من ذلك االصطدام األول.. وذلك التحدي المتبادل لنفهم أننا من طنة واحدة.وك

بعدها أصبح زاد تدرجا صدق الوحد الذي أرتاح إله حقا.

كان نلتق عدة مرات ف األسبوع، نسهر ونسكر معا، نتحدث طوبل عن الساسة، وكثرا عن الفن، نشتم الجمع ونفترق دن بجنوننا.سع

. كان عمره ثبلثن سنة، ودوانن، ما قارب الستن قصدة، وما عادلها من األحبلم المبعثرة.95;3كنا ف سنة

وكان عمري بعض اللوحات، قلبل من الفرح وكثرا من الخبات، وكرسن أو ثبلثا، تنقلت بنها منذ االستقبلل، بشء من . وبمذاق ؼامض للمرارة.الوجاهة، بسابق وسارة.

ذات وم، رحل زاد بعد حرب أكتوبر بشهرن أو ثبلثة. عاد إلى بروت لنضم إلى الجبهة الشعبة الت كان منخرطا فها قبل قدومه إلى الجزابر.

ات، وتلك الصدقة ترك ل كل كتبه المفضلة والت كان نقلها من بلد إلى آخر. ترك ل فلسفته ف الحاة، وشبا من الذكر الت كانت تزورن أحانا لتسؤل عن أخباره، تلك الت كان رفض أن كتب لها، وكانت ترفض أن تنساه.

قلت وأنت تخرجن من صمتك الطول>

ولماذا لم كتب لها؟ -

قلت>

لها قدرا آخر ؼر قدره.ربما ألنه كان كره التحرش بالماض.. وربما كان رد أن تنساه وتتزوج بسرعة، كان رد -

سؤلتن>

وهل تزوجت؟ -

قلت>

ال أدري.. لقد فقدت أخبارها منذ عدة سنوات، ومن األرجح أن تكون تزوجت. لقد كانت على قدر كبر من الجمال. ولكن ال - أعتقد أن تكون قد نسته، من الصعب على امرأة عرفت رجبل مثل زاد أن تنساه..

نك ذهبت بعدا ف أفكارك.شعرت ف تلك اللحظة، أ

Page 50: ذاكرة الجسد.pdf

تراك كنت قد بدأت تحلمن به؟

تران قد بدأت ومها باقتراؾ حماقات، الواحدة تلو األخرى، وأنا أرد بعد ذلك على أسبلتك الكثرة حوله، بؤجوبة تثر فك فضول األنثى والكاتبة ف آن واحد؟

عوا حدثتك عن قصابده كثرا، وعن دوانه األخر، الذي كتب قصابده كما طلق بعضهم الرصاص ف األعراس والمآتم لش حببا أو قربا.

ع صدقا قدما اسمه الشعر، وقسم أنه لن كتب بعد الوم سوى بسبلحه. كان هو ش

ف الواقع، لم كن ذلك الرجل كتب. كان فقط فرغ رشاشه المحشو ؼضبا وثورة ف وجه الكلمات.

ص على كل شء حوله.. بعدما لم عد ثق ف شء!كان طلق الرصا

آخ.. كم كان زاد مدهشا!

ال بد أن أعترؾ الوم أنه كان مدهشا حقا، وأنن كنت أحمق. كان ال بد أن أحدثك عنه وأنا أتوهم أن الجبال ال تلتق..

لماذا كنت أحدثك عنه بتلك الحماسة، وبتلك الشاعرة؟

ه، وأقنعك من خبلله أن ل قرابة سابقة بالكتاب والشعراء، فؤكبر بذلك ف عنك؟أكنت أرد التقرب إلك ب

أم كنت أصفه لك ف صورته األجمل، ألنن كنت أعتقد حتى ذلك الوم أنن أشبهه، وأنن كنت أصؾ لك نفس ال ؼر..

ربما كان كل هذا حقا.. ولكن..

ثنابن، كما لم تنجب هذه األمة.كنت أرد أضا، أن تكتشف العروبة ف رجال است

رجال ولدوا ف مدن عربة مختلفة، نتمون إلى أجال مختلفة، واتجاهات ساسة مختلفة، ولكنهم جمعا لهم قرابة ما بؤبك.. بوفابه وشهامته، بكبرابه وعروبته..

جمعهم ماتوا أو سموتون من أجل هذه األمة.

الوطن الصؽر، وأن تتحول إلى منقبة لآلثار والذكرات، ف مساحة مدنة واحدة.كنت ال أرد أن تنؽلق ف قوقعة

فكل مدنة عربة اسمها قسنطنة. وكل عرب ترك خلفه كل شء وذهب لموت من أجل قضة، كان مكن أن كون اسمه الطاهر..

وكان مكن أن تكون لك قرابة به.

أكثر واقعة، أبطال تخرجن معهم من مراهقتك الساسة، ومراهقتك العاطفة. كنت أرد أن تمؤلي روااتك بؤبطال آخرن

ألم أقل لك ذلك الوم _بحماقة_ "لو عرفت رجاال مثل زاد.. لما أحببت بعد الوم "زوربا" ولما كنت ف حاجة إلى خلق أبطال وهمن. هنالك ف هذه األمة أبطال جاهزون بفوقون خال الكتاب..".

أكن أتوقع ومها أن حصل كل الذي حصل، وأن أكون أنا الذي ستحول ذات وم إلى منقب بحث بن سطورك عن آثار لم زاد، وتساءل من منا أحببت أكثر، ولمن بنت ضرحك األخر، ورواتك األخرة..

أل.. أم له؟

على وشك أن ننهض للذهاب>ف ذلك الوم، وضعت فجؤة قبلة على خدي. وقلت بلهجة جزابرة ونحن

" خالد.. انحبك.."

توقؾ كل شء لحظتها حول، وتوقؾ عمري على شفتك. وكان مكن وقتها أن أحتضنك، أو أقبلك.. أو أرد علك بؤلؾ.. ألؾ أحبك أخرى.

ولكنن جلست من دهشت، وطلبت من النادل قهوة أخرى، وقلت لك أول جملة خطرت آنذاك ف ذهن>

الوم بالذات؟" " لماذا

أجبتن بصوت خافت>

ألنن الوم أحترمك أكثر. إنها أول مرة منذ ثبلثة أشهر تحدثن فها عن نفسك. اكتشفت الوم أشاء مدهشة. لم أكن -أتصور أنك حضرت إلى بارس لهذه األسباب. عادة ؤت الفنانون هنا بحثا عن الشهرة أو الكسب ال أكثر. لم أتوقع أن

تخلت عن كل شء هناك، لك تبدأ من الصفر هنا..تكون

حا لكبلمك> قاطعتك مصح

لم أبدأ من الصفر.. نحن ال نبدأ من الصفر أبدا عندما نسلك طرقا جددا. إننا نبدأ من أنفسنا فقط. أنا بدأت من قناعات. -

كل قناعات، وشكل طموحات وأحبلم القادمة.شعرت ومها أننا ندخل مرحلة أخرى من عبلقتنا، وأنك عجنة تؤخذ فجؤة

تذكرت جملة قرأتها وما ف كتاب عن الرسم ألحد النقاد تقول>

ة عن نفسه. إنه قدم لنا فقط مشروعا عن نفسه وكشؾ لنا الخطوط "إن الرسام ال قدم لنا من خبلل لوحته صورة شخص العرضة لمبلمحه القادمة".

القادم.وكنت أنت مشروع

كنت مبلمح القادمة، ومدنت القادمة. كنت أردك األجمل، أردك األروع.

Page 51: ذاكرة الجسد.pdf

كنت أرد لك وجها آخر، لس وجه تماما، وقلبا آخر، لس قلب، وبصمات أخرى، ال عبلقة لها بما تركه الزمن على جسدي وروح من بصمات زرقاء.

ذات وم مرسم، ألرك ما رسمته ف األام األخرة.ومها عرضت علك بعد شء من التردد، أن تزوري

وكنت سعدا أن تقبل عرض دون تردد أو خوؾ. فقد كنت أحرص على أال تسب الظن ب. وكنت قررت أن ألؽ ذلك العرض نهابا إذا ما ضاقك.

ولكنك فاجؤتن وأنت تصحن بفرح طفلة عرض علها زارة مدنة لؤللعاب>

ابع سعدن حقا أن أزوره!أو... ر -

ف الوم التال، طلبتن هاتفا لتخبرن أن عندك ساعتن وقت الظهر، مكنك أن تزورن خبللهما.

وضعت السماعة.. ورحت أحلم، أسبق الساعات، وأسبق الزمن.

أنت ف بت.. أحقا سحدث هذا؟

ستمشن هنا أمام. أحقا ستدقن جرس هذا الباب، ستجلسن على هذه األركة،

أنت.. أخرا أنت؟

أخرا سؤجلس إلى جوارك، ولس مقاببل لك. أخرا لن بلحقنا نادل بطلباته وخدماته. لن تبلحقنا عون رواد المقهى، وال عون الؽرباء من المارة.

ة.أخرا مكننا أن نتحدث، أن نحزن ونفرح، دون أن كون من شاهد على تقلباتنا النفس

رحت من فرح أشرع الباب لك مسبقا، وأنا أجهل أنن أشرع قلب للعواطؾ والزوابع.

أي جنون كان.. أن آت بك إلى هنا، أن أفتح لك عالم السري اآلخر، أن أحولك إلى جزء من هذا البت.

هذا البت الذي أصبح جنت ف انتظارك، والذي قد صبح جحم بعدك.

هذا؟ أم كنت سعدا وأحمق كؤي عاشق ال رى أبعد من موعده القادم؟ أكنت عندبذ أع كل

ة للجنون. تساءلت بعدها.. إن كنت حقا ال أرد ؼر إطبلعك على لوحت األخرة.. وعلى حدقت السر

با آخر ؼر وجهها، تذكرت كاترن، وتلك اللوحة الت رسمتها لها اعتذارا ألنن ذات وم، كنت عاجزا عن أن أرسم ش بنما كان اآلخرون تسابقون ف رسم جسدها العاري، المعروض للوح ف قاعة للفنون الجملة.

تذكرت وم عرضت علها أن تزورن ألرها تلك اللوحة..

لم أتوقع أن تكون تلك اللوحة البربة، سببا بعد ذلك ف عبلقة ؼر بربة دامت سنن.

زارة مرسم، شء من قلة التعقل، ورؼبة سرة الستدراج الظروؾ ألشاء أخرى؟ألس ف دعوت لك ل

تران كنت أفعل ذلك، وأنا أستعد جملة كاترن، وه تستسلم ل ف ذلك المرسم، وسط فوضى اللوحات المرسومة، واللوحات البضاء المتكبة على الجدران، وتقول ل بإشارة متعمدة>

لحب..هذا مكان ؽري با -

فؤجبتها بشء من الواقعة>

لم أكن أعرؾ هذا قبل الوم.. -

فهل كان مرسم ؽري بالحب؟ أم أن ف كل مكان للخلق جاذبة ما تؽري بالجنون؟

ولكن، ورؼم هذا كنت أدري أنك لم تكون كاترن.. ولن تكونها. فبننا من الحواجز ما لن حطمه أي جنون..

على تلك الزارة، أستعد ذلك الوم، وكؤنن أعشه مرة أخرى، بكل هزاته النفسة المتقلبة.الوم، بعد ست سنوات

ها أنت تدخلن ف فستان أبض )لماذا أبض؟(، سبقك عطرك إلى الطابق العاشر. سبقك القلب إلى المصعد وهرول أمامك.

؟(.ها أنا أكاد أضع قبلة على خدك.. وإذا ب أصافحك )لماذا أصافحك

ة أو جرأة أسؤلك هل وجدت البت بسهولة فتؤت الكلمات بالفرنسة )لماذا أضا بالفرنسة؟( تران كنت أبحث عن حر أكثر، داخل تلك اللؽة الؽربة عن تقالدي وحواجزي النفسة؟

على تلك األركة جلست.

قلت وأنت تلقن نظرة عامة على ؼرفة الجلوس>

كذا. إنه رابع ومإثث بكثر من الذوق!لم أكن أتصور بتك ه -

سؤلتك>

كؾ كنت تتصورنه إذن؟ -

أجبتن>

بفوضى.. وبؤشاء أكثر. -

قلت لك ضاحكا>

Page 52: ذاكرة الجسد.pdf

لست ف حاجة إلى أن أسكن شقة مؽبرة، بؤشاء كثرة مبعثرة ألكون فنانا. إنها فكرة أخرى خاطبة عن الرسامن. أنا - ا بالضرورة. إنها طرقت الوحدة، ف وضع شء من الترتب داخل.مسكون بالفوضى، ولكنن ال أسكنه

لقد اخترت هذه الشقة الشاهقة، ألن الضوء إثثها وهو كل ما لزم للرسام، فاللوحة مساحة ال تإثث بالفوضى وإنما بالضوء ولعبة الظل واأللوان.

فتحت نافذت الزجاجة الكبرة، ودعوتك للخروج إلى الشرفة.

قلت>

انظري هذه النافذة، إنها الجسر الذي ربطن بهذه المدنة. من هنا، من شرفت أتعامل مع سماء بارس المتقلبة. -

كل صباح تقدم ل بارس نشرتها النفسة، فؤجلس هنا ف الشرفة ألتفرج علها وه تنقلب من طور إلى آخر.

ف الخارج ألتفرج على نهر السن، وهو تحول إلى إناء طفح حدث كثرا أن أرسم أمام هذه النافذة، وحدث أن أجلس بدموع مدنة تحترؾ البكاء.

حلو ل الجلوس هنا على حافة المطر قربا ومحما منه ف آن واحد. منظر المطر ستدرجن ألحاسس متطرفة.

" إن اإلنسان لشعر أنه ف عنفوان الشباب عند نزول المطر"

السماء وكؤنك تصلن لتمطر، وقلت بالعربة> عندبذ، نظرت إلى

إن المطر ؽرن بالكتابة.. وأنت؟ -

وكنت على وشك أن أجبك " وأنا ؽرن بالحب".

نظرت طوبل إلى السماء. كانت صافة زرقاء كسماء حزران.

كان زرقتها تضاقن فجؤة، ربما ألنن تعودت أن أراها رمادة.

سري، لو أمطرت لحظتها؛ لو تواطؤت مع ورمتك إلى صدري عصفورة مبللة.وربما ألنن تمنت ف

ولم أقل لك شبا من كل هذا.

نقلت نظرت من السماء إلى عنك.

كنت أراهما ألول مرة ف الضوء. شعرت أنن أتعرؾ علهما.

ارتبكت أمامهما كؤول مرة. كانتا أفتح من العادة، وربما أجمل من العادة.

ما شء من العمق والسكون ف آن واحد. شء من البراءة، والمإامرة العشقة..كان فه

تران أطلت النظر إلك؟ سؤلتن بطرقة من عرؾ الجواب مسبقا>

هكذا؟ - لماذا تنظر إل

كان صوتك بالعربة ؤت كموسقى عزؾ منفرد.

وجدت الجواب ف قصدة، حفظت مطلعها ذات وم>

ل ساعة السحرعناك ؼابتا نخ

أو شرفتان راح نؤى عنهما القمر

سؤلتن مدهوشة>

أتعرؾ شعر الساب أضا؟. عجب! -

قلت ف جواب مزدوج>

أعرؾ "أنشودة المطر". -

اب أضا. عرت أنك ربما أحببتن أكثر تلك اللحظة بالذات، وكؤنن أصبحت ف نظرك الس

ما باللؽة العربة، سؤلتن>وككل مرة أفاجبك فها ببت شعر، أو بمقولة

متى قرأت هذا؟ -

أجبتك هذه المرة>

أنا لم أفعل شبا عززت سوى القراءة. ثروة اآلخرن تعد باألوراق النقدة، وثروت بعناون الكتب. أنا رجل ثري كما - ترن.. قرأت كل ما وقعت عله دي.. تماما كما نهبوا كل ما وقعت عله دهم!.

لت وأنت تحدقن ف ذلك الجسر الحجري الرمادي، الذي جري تحته نهر السن بزرقة صفة استثنابة>بعدها ق

أنت محظوظ بهذا المنظر، جمل أن تطل شرفتك على نهر السن، ما اسم هذا الجسر؟ -

قلت>

لى بعضها منذ أام ف دوان له. إنه جسر مرابو. اكتشفت أخرا أن " أبولنر" قد خلد هذا الجسر ف قصابده، عثرت ع -بدو أنه كان مولعا به. إن الشعراء مثل الرسامن لهم عادة ال تقاوم ف تخلد كل مكان سكنوه أو عبروه بحب. بعضهم خلد

ضعة مجهولة، وآخر مقهى كتب فه وما، وثالث مدنة عبرها مصادفة، وإذا به قع ف حبها إلى األبد.

سؤلتن>

Page 53: ذاكرة الجسد.pdf

مت أنت هذا الجسر؟وهل رس -

أجبتك متنهدا> -

ال.. ألننا ال نرسم بالضرورة ما نرى.. وإنما ما رأناه وما ونخاؾ أال نراه بعد ذلك أبدا. وهكذا قضى )دوالكروا( عمره - ف رسم مدن مؽربة لم سكنها سوى أام، وقضى )أطبلن( عمره ف رسم مدنة واحدة.. ه قسنطنة.

الحققة قبل أن أقؾ منذ شهرن ف هذه الؽرفة مقاببل لهذه النافذة، ألرسم بشء من التوتر االستثناب لم أكن أع هذه لوحت األخرة.

كانت عناي تران جسر مرابو ونهر السن. ودي ترسم جسرا آخر ووادا آخر لمدنة أخرى.

ر. وأدركت أننا ف النهاة ال نرسم ما نسكنه.. وإنما وعندما انتهت، كنت رسمت قنطرة سدي راشد ووادي الرمال.. ال ؼ ما سكننا.

سؤلتن بلهفة>

هل مكن أن أرى هذه اللوحة؟ -

قلت وأنا أقودك إلى مرسم>

طبعا. -

وقفت أمام تلك الؽرفة الشاسعة المؤلى باللوحات. رحت تنظرن إلى الجدران، وإلى ما اتكؤ من اللوحات أرضا بدهشة طفل نة سحرة. ثم قلت باالنبهار نفسه>ف مد

كم هو رابع كل هذا.. أتدري؟ لم حدث أن زرت مرسما قبل الوم.. -

كنت أود أن أقول لك " ولم حدث أن زارته امرأة قبلك، قبل الوم".

عندما قلت ولكن لوحة كاترن المستندة على الجدار ذكرتن بمرور امرأة أخرى من هنا. ذهب فكري عندها بعض الوقت فجؤة>

وأن ه اللوحة الت حدثتن عنها؟ -

أخذتك إلى الطرؾ اآلخر للقاعة، كانت اللوحة ما تزال منتصبة على خشبات الرسم، وكؤنها تلؽ بوضعها الممز ذاك، كل اللوحات األخرى المبعثرة حولها.

اطف صامت، لن كسره سوى دخول لوحة عذرا هنالك عبلقة عشقة ما بن أي رسام ولوحته األخرة. هنالك تواطإ ع أخرى إلى دابرة الضوء.

فالرسام مثل الكاتب ال عرؾ كؾ قاوم النداء الموجع للون األبض، واستدراجه إاه للجنون اإلبداع كلما وقؾ أمام مساحة بضاء.

أشهرت ف وجه باضها؟ كؾ إذن، ما زلت أقاوم منذ شهرن تحدي اللون األبض وإؼراء كل اللوحات الت

ولماذا، رفضت أن أرسم شبا بعد لوحت هذه، وفضلت أن أبقها هكذا على الخشبات نفسها، ألشهد لها أنها كانت سدت، وسدة كل ما حول من لوحات، وكؤنن أرفض أن أحلها إلى ركن أو جدار كما تحال عشقة عابرة.

ة، ما لم تعطنه حتى النساء؟أمكن ذلك.. وه الت أعطتن من النشو

ربما.. ألنه لم حدث قبلها أن مارست الحب رسما.. مع الوطن!

قلت وأنت تتؤملنها>

إنها مشابهة للوحتك األولى "حنن" ولكنها تختلؾ عنها، ف الكثر من التفاصل.. وخاصة ف األلوان الترابة الخام - ة أكثر.الت استعملتها، إنها تعطها نضجا.. وحا

قلت وأنا أنقل نظري منها إلك>

لقد بعثت فها الحاة.. إنها أنت. -

أنا؟ -

أتذكرن وم قلت لك على الهاتؾ، لقد سهرت البارحة حتى ساعة متؤخرة من اللل ألرسمك. اتهمتن ومها بالجنون -ك عبرت حات ذات وم. إن للفرشاة وخفت أن أكون قد فضحت مبلمحك. ال تخاف، لن أرسمك أبدا ولن عرؾ أحد أن

شهامة أضا.

وأضفت>

أنت مدنة.. ولست امرأة، وكلما رسمت قسنطنة رسمتك أنت، ووحدك ستعرفن هذا..

قلت فجؤة وأنت تشرن بنظرة من عنك إلى لوحة كاترن>

وه؟ -

هن.كان ف سإالك شء من عناد األطفال وأنانتهم، وشء من عناد النساء وؼرت

قلت وأنا أرفع تلك اللوحة من األرض>

Page 54: ذاكرة الجسد.pdf

هل تزعجك هذه اللوحة حقا؟. -

أجبت بشء من الكذب الواضح>

ال.. -

واصلت وأنا أشعر أنن قادر ف تلك اللحظة على أن أرتكب أي جنون>

إذا شبت سؤتلفها أمامك.. -

صحت>

ال، أأنت مجنون! -

قلت بهدوء>

تعن شبا بالنسبة ل. إنها امرأة عابرة، ف مدنة عابرة.لست مجنونا.. وهذه اللوحة ال -

قلت بابتسامة مربكة وأنت تتؤملنها>

إنها مدنتك األخرى.. ألس كذلك؟ -

من أن جبت بتلك الرصاصة األخرة، لتطلقها على تلك اللوحة؟

اعترفت لك بتلمح واضح>

شبت سرري اآلخر فقط!ال.. لست مدنت، إنها وسادت األخرى.. أو إذا -

شعرت أن شبا من الحمرة قد عبل وجنتك، وأن عواطؾ وأحاسس متناقضة قد عبرتك، وتركت آثارها على مبلمحك الت رت ف لحظات. تؽ

ثم تمتمت بهدوء وكؤنك تتحدثن إلى نفسك>

... ال هم!-

قلت لك وأنا أمسكك من ذراعك>

رأة واحدة تستحق أن تؽاري منها ف هذا البت، ه هذه..ال تؽاري من هذه اللوحة. هنالك ام -

نظرت نحو المكان الذي أشرت إله. كان ثمة تمثال نتصب على األرض ف حجم امرأة.

قلت بتعجب>

هذه.. لماذا هذه؟ -

قلت>

ابق أملك منها نسخة ألنها المرأة الوحدة الت ارتحت لها حتى اآلن، والت قاسمتن معظم سنوات ؼربت. كنت ف الس - مصؽرة. وقررت منذ سنتن أن أهدي نفس تمثالها ف حجمه األكبر.

كانت تلك إحدى نوبات جنون. ولكنن لم أندم على اقتنابها، إنها تشبهن كثرا. أنا بذراع واحدة وه ببل ذراعن. لقد لن تمنعنا عاهتنا من الخلود. فقدنا أطرافنا ف أزمنة مختلفة، ألسباب مختلفة. ولكننا صامدان معا،

لم تعلق على كبلم.

بدو أنك لم تصدق ذلك. أن عش رجل مع تمثال المرأة، ضرب من الجنون ألس كذلك؟ حتى لو كان الرجل رساما، وكانت المرأة فنوس ال ؼر!

أن تكشفها. ولذا كلما أردت أن المشكلة معك.. أنك كنت مؤخوذة بالعبقرة الت تبلمس الجنون. ولكنك كنت أعقل من أعطك دلبل على جنون، لم تكون تصدقن تماما.

رحت فقط بحماقة أنثى، تسترقن النظر إلى لوحة كاترن، وكؤنها وحدها تعنك. ورحت أنا أحاول فهمك.

ذكرك بمرور امرأة أخرى ما الذي كان زعجك ف تلك اللوحة؟ هل وجودها ف تلك اللحظة بننا بحضورها الصامت الذي ف حات؟ أم شقرة تلك المرأة، واإلؼراء االستفزازي لشفتها وعنها المختفتن خلؾ خصبلت شعر فوضوي؟

أكنت تؽارن من اللوحة أم من صاحبتها؟ وكؾ كون من حقك أن تعاتبن على لوحة واحدة رسمتها المرأة، دون أن ل ما كتبته قبل، وعلى ذلك الرجل الذي عذبتن به صدقا أم كذبا؟كون ل الحق ف أن أحاسبك على ك

عادت عناك إلى اللوحة األخرة. تؤملتها قلبل ثم قلت>

إذن هذه.. أنا! -

قلت>

ربما لم تكون أنت، ولكن هكذا أراك، فك شء من تعارج هذه المدنة؛ من استدارة جسورها، من شموخها، من - رات ودانها، من هذا النهر الزبدي الذي شطر جسدها، من أنوثتها وإؼرابها السري ودوارها.مخاطرها، من مؽا

قاطعتن مبتسمة>

أنت تحلم.. كؾ مكن لك أن تجد قرابة بن وبن هذا الجسر؟ -

Page 55: ذاكرة الجسد.pdf

ت نهاة كؾ خطرت فكرة كهذه بذهنك؟! أتدري أنن ال أحب سوى الجسور الخشبة الصؽرة تلك الت نراها ف بطاقاالسنة، مرشوشة بالثلج والفضة، تعبرها العربات الخرافة. وأما جسور قسنطنة الجددة المعلقة ف الفضاء، فه جسور

مخفة.. حزنة. ال أكر أنن عبرتها مرة واحدة راجلة، أو حاولت مرة واحدة النظر منها إلى أسفل.. إال شعرت بالفزع والدوار.

قلت>

العشق؛ هو الوقوؾ على حافة السقوط الذي ال قاوم؛ هو التفرج على العالم من نقطة شاهقة للخوؾ؛ ولكن الدوار هو -هو شحنة من االنفعاالت واألحاسس المتناقضة، الت تجذبك لؤلسفل واألعلى ف وقت واحد، ألن السقوط دابما أسهل من

ن أن أعترؾ لك أنك دواري. إنه ما لم قله لك رجل الوقوؾ على قدمن خابفتن! أن أرسم لك جسرا شامخا كهذا، ع قبل.

أنا ال أفهم أن تحب قسنطنة وتكره الجسور؛ وتبحث عن اإلبداع، وأنت تخافن الداور. لوال الجسور لما كانت هذه المدنة. ولوال شهقة الدوار، لما أحب أحد.. أو أبدع.

، وكؤنك تكتشفن شبا لم تنتبه له من قبل برؼم بساطته.كنت تستمعن إل

ؼر أنك قلت>

ربما كنت ف النهاة على حق، ولكنن كنت أفضل لو رسمتن أنا ولس هذا الجسر. إن أي امرأة تتعرؾ على رسام، -تكتب تحلم ف سرها أن خلدها، أن رسمها ه.. ال أن رسم مدنتها؛ تماما كما أن أي رجل تعرؾ على كاتبة، تمنى أن

عنه شبا، ولس عن شء آخر له عبلقة به. إنها النرجسة.. أو الؽرور أو أشاء أخرى ال تفسر لها.

فاجؤن اعترافك. شعرت بشء من الخبة.

هل رسمت نسخة مزورة عنك إذن؟ أحق أنه لس بنك وبن هذا الجسر من قرابة؟ أكانت هذه اللوحة نسخة طبق األصل حلمك ف النهاة، أن تصبح نسخة أخرى عن كاترن ال ؼر، أن تتحول إلى لوحة عادة، مفضوحة عن ذاكرت.. وأن

المزاج، ووجه بكثر من المساحق، شبه وجهه؟

ترانا لم نشؾ من هذه العقدة؟

قلت لك بشء من الؤس>

إذا كان هذا ما تردن.. سؤرسمك. -

أجبتن بصوت فه خجل ما>

نذ البداة، كنت أحلم أن ترسمن أنا.. وأن أحتفظ بهذه اللوحة عندي كذكرى، شرط أال تضع علها توقك أعترؾ أنن م - إذا أمكن..

شعرت برؼبة ف الضحك، أو على األرجح برؼبة ف الحزن، وأنا أكتشؾ ذلك المنطق العجب لؤلشاء.

ن شبه. وأما أنت فلس ف وسع أن أضع أسفل كان من حق إذن أن أوقع الرموز واللوحات الت لس بنها وبنك م رسمك توقع. أنت المرأة الوحدة الت أحببتها، لن قترن اسم بك ولو مرة واحدة، حتى ف أسفل لوحة؟

هناك إذن الذن شترون توقع فقط، ولس لوحات. وهناك أنت الت تردن لوحت دون توقع.

رفض هذا المنطق الجدد لؤلشاء، ورفض باسم الحب أن حولك إلى لوحة لقطة، ال وهنالك أنا.. المجنون العند الذي نسب لها وال صاحب. مكن أن تتبناها أة رشة وأي رسام.

رك صمت.. قلت شبه معتذرة> ح

هل زعجك أن ترسمن؟ -

قلت ساخرا>

طن رسمت مبلمحه ذات وم. ولكن آخرن ال.. كنت أكتشؾ فقط مرة أخرى، أنك نسخة طبق األصل عن وطن ما، و -وضعوا إمضابهم أسفل انتصارات. هنالك إمضاءات جاهزة دابما لمثل هذه المناسبات. فمن األزل، كان هنالك دابما من

كتب التارخ، وهنالك من وقعه، ولذا أنا أكره اللوحات الجاهزة للتزور.

تراك فهمت كل ما قلته لك لحظتها؟

فجؤة ف وعك الساس. لقد كان كل ما همك ف النهاة، هو موضوع لوحتك ال ؼر.بدأت أشك

قلت وأنت تؽادرن المرسم>

أتدري أننا لن نلتق لمدة شهرن؟ سؤسافر األسبوع القادم إلى الجزابر.. -

صحت وأنا أستوقفك ف الممر>

أحق ما تقولن؟ -

قلت>

Page 56: ذاكرة الجسد.pdf

فة مع والدت ف الجزابر. وال بد أن أعود األسبوع القادم مع عم وعابلته.. لن بقى طبعا أنا أقض دابما عطلت الص - أحد هنا ف بارس.

وقفت مذهوال وسط الممشى. أمسكت بذراعك وكؤنن أمنعك من الرحل، وسؤلتك بحزن>

وأنا..؟ -

األول. ولكن سنحتال على الوقت لمر بسرعة.أنت.. سؤشتاق إلك كثرا. أعتقد أننا سنتعذب بعض الشء.. إنه فراقنا -

ثم أضفت بلهجة من رد أن حل مشكلة، أو نته منها بسرعة>

ال تحزن.. مكنك أن تكتب ل أو تطلبن هاتفا.. سنبقى على اتصال. -

كنت على حافة البكاء.

ن السادة الت أدهشتن. وكؤن عذاب ؽرك كطفل أخبرته أمه أنها ستسافر دونه. وكنت أنت تزفن ل ذلك الخبر، بش م بشء ما.

هل أمسك بؤطراؾ ثوبك كطفل وأجهش بالبكاء؟

هل أتحدث إلك ساعات، ألقنعك أنن لن أقدر بعد الوم على العش بدونك، وأن الزمن بعدك ال قاس بالساعات وال باألام، وأنن أدمنتك؟

، لتناقضك كؾ أقنعك أنن أصبحت عبدا لصوتك عندما ؤت على الهاتؾ؟ عبدا لضحكتك، لطلتك، لحضورك األنثوي الشه ف كل ش وف كل لحظة. عبد لمدنة أصبحت أنت، لذاكرة أصبحت أنت، لكل ش لمسته أو عبرته وما. التلقاب

فجؤة، وأنا واقؾ هكذا ف ذلك الممر أتؤملك بذهول من ال صدق. كان الحزن هجم عل

ربة من حد االلتصاق، كما لم حدث أن كنته وما. بحثت ف مبلمحك عن شء فضح ل ف تلك اللحظة وكنت ق عواطفك؛ لكنن لم أفهم شبا.

أتراه عطرك الذي كان خترق حواس وشل عقل، هو الذي جعلن عندبذ ال أتعمق ف البحث؟ كنت أع فقط أنك بعد كنت ساعتها قربة.لحظات ستكونن بعدة، بقدر ما

رفعت وجهك نحوي.

ة كلمة، كانت شفتاي قد سبقتان وراحتا تلتهمان شفتك ف كنت أرد أن أقول لك شبا لم أعد أذكره. ولكن قبل أن أقول أ قبلة محمومة مفاجبة. وكانت ذراع الوحدة تحط بك كحزام، وتحولك ف ضمة واحدة إلى قطعة من.

.انتفضت قلبل بن دي كسمكة خرجت لتوها من البحر، ثم استسلمت إل

كان شعرك الطول الحالك، نفرط فجؤة على كتفك شاال ؼجرا أسود، ووقظ رؼبة قدمة إلمساكك منه، بشراسة العشق الممنوع. بنما راحت شفتاي تبحثان عن طرقة تتركان بها توقع على شفتك المرسومتن مسبقا للحب.

بد أن حدث هذا..كان ال

أنت الت تضعن الظبلل على عنك، والحمى على شفتك بدل أحمر الشفاه، أكان مكن أن أصمد طوبل ف وجه أنوثتك؟ ها ، وها أنا أذوب أخرا ف قبلة قسنطنة المذاق، جزابرة ه سنوات الخمسون تلتهم شفتك، وها ه الحمى تنتقل إل

االرتباك.

من حرابقك.. باردة قبل الؽربة لو تدرن. باردة تلك الشفاه الكثرة الحمرة والقللة الدؾء. بارد ذلك السرر الذي ال أجمل ال ذاكرة له.

دعن أتزود منك لسنوات الصقع. دعن أخبا رأس ف عنقك. أختبا طفبل حزنا ف حضنك.

ن كل هذه المساحات المحرقة.. ل.دعن أسرق من العمر الهارب لحظة واحدة، وأحلم أ

فاحرقن عشقا، قسنطنة!

تن شفتاك كانتا، كحبات توت نضجت على مهل. عبقا جسدك كان، كشجرة اسمن تفتحت على عجل. شه

جابع أنا إلك.. عمر من الظمؤ واالنتظار. عمر من العقد والحواجز والتناقضات. عمر من الرؼبة ومن الخجل، من القم لموروثة، ومن الرؼبات المكبوتة. عمر من االرتباك والنفاق.ا

على شفتك رحت ألملم شتات عمري.

ف قبلة منك اجتمعت كل أضدادي وتناقضات. واستقظ الرجل الذي قتلته طوبل مراعاة لرجل آخر، كان وما رفق أبك.

رجل كاد كون أباك.

تلت رجبل وأحت آخر.على شفتك ولدت ومت ف وقت واحد. ق

هل توقؾ الزمن لحظتها؟

هل سوى أخرا بن عمرنا، هل ألؽى ذاكرتنا بعض الوقت؟

ال أدري..

Page 57: ذاكرة الجسد.pdf

كل الذي كنت أدره، أنك كنت ل، وأنن كنت أرد أن أصرخ لحظتها كما ف إحدى صرخات "ؼوته" على لسان فاوست "قؾ أها الزمن.. ما أجملك!".

كالعادة. وكنت بعد لحظات تتؤملن ساعتك ف محاولة إلخفاء ولكن الزمن لم ت وقؾ. كان تربص ب كالعادة. تآمر عل ارتباكك، وتذكري بضرورة عودتك إلى الجامعة.

عرضت علك فنجان قهوة ف محاولة أخرة الستبقاك.

ن جمعه>قلت وأنت أمام المرآة تضعن شبا من الترتب ف مظهرك، وتصففن شعرك وتعد

إذا أمكن.. - أفضل شبا باردا

تركتك ف الصالون وذهبت إلى المطبخ. تعمدت أال أستعجل ف العودة، وكؤنن فجؤة أخجل من آثار قبل على شفتك.

وعندما عدت بعدها، كنت أمام المكتبة تلقن نظرة على عناون الكتب، وتقلبن بعضها. ثم سحبت من أحد الرفوؾ كتابا را، سؤلتن وأنت تنظرن إلى ؼبلفه>صؽ

ألس هذا الدوان لصدقك الشاعر الذي حدثتن عنه؟ -

أجبتك بسعادة وأنا أجد أخرا ف ذلك الموضوع مخرجا الرتباك>

نعم.. هناك دوان آخر له أضا تجدنه على الرؾ نفسه. -

قلت>

وم.هل اسمه زاد الخلل؟ لقد سمعت هذا االسم قبل ال -

قلبت الكتاب. رأتك تتؤملن طوبل صورته على ظهر الكتاب. تقربن بعض السطور.. ثم قلت>

أمكن ل أن أستعر منك هذن الدوانن؟. أفضل أن أقرأهما على مهل هذا الصؾ، فلس ل ما أطالعه. -

أجبتك بحماسة، أو بحماقة>

وانن ستركان تؤثرهما على كتاباتك. ستجدن أشاء رابعة خاصة ف طبعا، إنها فكرة جدة.. أنا واثق أن هذن الد - الدوان األخر "مشارع للحب القادم". إنه أجمل ما كتب زاد.

رحت بسعادة تخفن الكتابن ف حقبة دك. كنت وقتها ف سعادة طفلة تعود إلى بتها بلعب أحبتها.

ؤكون بعد ذلك لعبتك األخرى، وأن هذن الكتابن ستركان تؤثرهما أضا على طبعا، لم أكن أع ف ذلك الحن، أنن س مجرى قصتنا.

كنت تستعدن تدرجا وجهك العادي ومبلمحك الطبعة.

وكؤن زوبعة حب لم تمر بك. فهل كان ذلك تمثبل أم حققة؟

ف زارتك. حاولت أضا أن أخفؾ من خبتك. حاولت أن أنسى خبت معك، أمام تلك اللوحة الت كانت السبب األول

قلت>

سؤرسمك، ستكون لوحتك تسلت ف هذا الصؾ.. -

ثم أضفت دون أة نة خاصة>

جب أن تزورن مرة أخرى لتجلس أمام، حتى أتمكن من رسمك. أو تعطن صورة لك أنقل عنها مبلمحك. -

قلت وكؤن الجواب كان جاهزا لدك>

أمام متسع من الوقت ألعود إلك هذه األام، ولس ف حوزت أة صورة. مكنك أن تستعن بصورت لم بق - الموجودة على ظهر كتاب، ف انتظار أن أعود.

أعترؾ أنن لم أفهم ف ذلك الحن أضا، إذا كان ف جوابك شء من التلمح ل بؤنك لن تعودي إلى هذا البت، أم أنك بتلقابة بربة ال أكثر؟ كنت تجبن

أن أرسمك؟ ألست أنت الت كنت تلحن عل

بها؟ فلماذا حولت هذه اللوحة إلى قضة شخصة أنا وحدي معن

لم أناقشك كثرا. كنت أدري أنن ف جمع الحاالت سؤرسمك. ربما ألنن ال أعرؾ كؾ أرفض لك طلبا، وربما ألنن ال استحضارك ولو رسما. أعرؾ كؾ سؤقض الصؾ دون

ذهبت ذلك الوم بعدما وضعت قبلتن على خدي، ووعدتن بلقاء قرب. لم عد ممكنا بعد قبلتنا أن نتصافح..

ر ف عبلقتنا، ولم عد ممكنا بعد الوم لذلك المارد الذي انطلق فجؤة من أعماقنا، أن عود إلى كنت أع أن شبا ما قد تؽ أؼلقناها عله ألسابع كاملة. قلب الزجاجة الت

كنت أع أنن أنتقل معك ف بضع لحظات من الحب إلى العشق. من العاطفة البربة إلى الشهوة، وأنه سكون من الصعب، بعد الوم، أن أنسى مذاق قبلتك، وحرارة جسدك الملتصق ب للحظات.

ال ؼر؟ كم دامت قبلتنا تلك.. دققتن؟ ثبلثا؟ أم خمس دقابق للجنون

أمكن أن تفعل تلك الدقابق القللة كل الذي حل ب بعد ذلك؟

Page 58: ذاكرة الجسد.pdf

أمكن أن تلؽ خمس دقابق، خمسن سنة من عمري؟

وكؾ لم أشعر بعدها بؤي إحساس بالندم، بؤي خجل تجاه ذكرى س الطاهر؟ أنا الذي كنت أقترؾ ومها أول خانة بالمفهوم األخبلق للخانة.

قلب سوى الحب.ال.. لم كن ف

كنت ممتلبا بالعشق، بالشهوة، بالجنون. كنت أخرا سعدا. فلماذا أفسد سعادت بالندم، بالتساإالت الت ستوصلن إلى التعاسة؟

ال أذكر من قال " الندم هو الخطؤ الثان الذي نقترفه.." ولم كن ف القلب مساحة أخرى ولو صؽرة، مكن أن تسلل منها ؼر؟ الحب.شء آخر

ألم كن كل ذلك جنونا.

كؾ سمحت لنفس أن أكون سعدا إلى ذلك الحد، وأنا أدري أنن لم أمتلك منك شبا ف النهاة، سوى بضع دقابق للفرح المسروق، وأن أمام متسعا من العمر.. للعذاب؟...

الفصل الرابع

أحالتن ف أام إلى مرتبة لوحة تمة على جدار، تحضرن جملة تبدأ بها رواة كان لرحلك مذاق الفجعة األولى. والوحدة الت

..أحببتها وما

"..ما أعظم هللا! فهو عظم بقدر ما أنا وحد. إن ألرى المإلؾ فبدو ل كلوحة"

!ت معلقا على جداره، ف انتظاركوكنت أنا ف عزلت ووحدت، ذلك المإلؾ وتلك اللوحة معا . فما أكبر وأبرد ذلك الكون الذي كن

كنت أدخل بعدك منحدرات الخبات النفسة والعاطفة ف الوقت نفسه. وأعش ذلك القلق الؽامض، الذي سبق ول دابما كل معرض

.ل. وكنت أقوم تلقابا بجردة ألفراح وخبات

.دة. وبعض المجبلت العربة المهاجرةانتهى معرض إذا . لم تهتم به ؼر صحافة فرنسة مختصة كالعا

.ولكن مكن أن أقول إنه حصل على تؽطة إعبلمة كافة، وأن الذن كتبوا عنه أجمعوا على أنه حدث فن عرب ف بارس

وكؤنهما وحدها الصحافة الجزابرة تجاهلته، عن إهمال ال ؼر، كالعادة. جردة ومجلة أسبوعة واحدة، كتبتا عنه بطرقة مقتضبة.

.تعانان فعبل من قلة الصفحات، ولس من قلة المواد الصحافة

بنما لم حضر ذلك الصدق الصحاف، الذي وعدن بالحضور إلى بارس لقضاا شخصة، وإلجراء مقابلة مطولة مع بالمناسبة

ث عن نفس، فإنن كنت أتمنى أن تتم تلك نفسها. ورؼم أنن رجل ؼر مولع باألضواء، والجلوس لعدة ساعات إلى صحاف للحد

.المقابلة، ألتمكن أخرا من الحدث مطوال إلى الشخص الوحد الذي كان عنن حقا .. القارئ الجزابري

عبد القادر طلبن لخبرن أنه اضطر للبقاء ف الجزابر، لتؽطة مهرجان ما من أحد المهرجانات الت ازدهرت هذه األام، ألسباب

.ؼامضة علمها هللا.. وآخرون

ولم أعتب عله.. لس هناك من مقارنة بن مهرجان أو ملتقى رسم، تم إعداده واإلنفاق عله بالعملة الصعبة وبن أي معرض

.مهما كان اسم صاحبه، والسنوات الت أخذتها منه تلك اللوحات

.ةف النهاة ال مكن حتى أن أعتب على الصحافة الجزابر

ماذا مكن أن قدم معرض للوحات الفنة من متعة أو ترفه للمواطن الجزابري الذي عش على وشك االنفجار، بل االنتحار، وال وقت

له للتؤمل أو التذوق، والذي فضل على ذلك مهرجانا ألؼنة )الراي(. مكن أن رقص.. وصرخ.. وؽن فها حتى الفجر، منفقا على

ن الشعبة المشبوهة، ما تجمع ف جبه من دنارات، وما تراكم ف جسده من "لبدو"؟تلك األؼا

.تلك "الثروة" الوحدة الت ملكها شبابنا حقا ، والت كعملتنا دري أن نفقها خارج األسواق السوداء.. للبإس

.بعضهم أدرك هذا قبل ؼره

لذي كان عشه الوطن، اخترع أحدهم ف بضعة أام، أكبر مهرجان عرفته الجزابر ، وف عز الفراغ والبإس الثقاف ا<;<9سنة

Page 59: ذاكرة الجسد.pdf

وإفرقا، كان اسمه "المهرجان اإلفرق األول"، دعت إله قارة وقبابل إفرقة بؤكملها لتؽن وترقص _عارة أحانا _ ف شوارع

!الجزابر لمدة أسبوع كامل على شرؾ الثورة

تها، على مهرجان للفرح ظل األول واألخر. وكانت أهم إنجازاته التعتم على محاكمة قابد تارخ كان أثناء كم من مبلن أنفقت وق

.ذلك، ستجوب وعذب رجاله ف الجلسات المؽلقة.. باسم الثورة نفسها

لحاكم الذي كان وما مجاهدا وقابدا ودون أن تكون ل صداقة ما بذلك القابد، الذي كان اسمه الطاهر أضا ، وال أي عداء خاص لذلك ا

أضا ، بدأت أع لعبة السلطة، وشراهة الحكم. وأصبحت أحذر األنظمة الت تكثر من المهرجانات والمإتمرات.. إنها دابما تخف شبا

.!ما

فهل ه مصادفة أن تبدأ مشكبلت من ذلك الحن، وولد أول مذاق للمرارة ف حلق ومها؟

.لتقت بذلك الصدق بعد أشهر، اعتذر ل بؤسؾ صادق، ووعدن أال فوت معرض القادمعندما ا

:ربت على كتفه ضاحكا وقلت

!ال هم.. بعد أام لن ذكر أحد اسم ذلك المهرجان. ولكن التارخ سذكر اسم ال محالة ولو بعد قرن -

:قال ل بمزاح ال خلو من الجد

أتدري أنك مؽرور؟ -

:أجبته

أنا مؽرور لك ال أكون "محقورا " فنحن ال نملك الخار ا صاحب. إننا ننتم إلى أمة ال تحترم مبدعها وإذا فقدنا ؼرورنا -

!وكبرابنا، ستدوسنا أقدام األمن والجهلة

تساءلت بعدها أأكون مؽرورا حقا ؟

لحظة أقؾ أمام لوحة بضاء وأنا ممسك بفرشاة. كم بلزمن من الؽرور اكتشفت بعد شء من التفكر، أنن ال أكون مؽرورا إال

لحظتها ألهزم باضها وأفض بكارتها، وأتحال على ارتباك بفابض رجولت، وعنفوان فرشات؟

..ولكن

هوشا ، وأنا أكتشؾ أنن ما أكاد أنته منها، وأمسح دي من كل ما علق بها من ألوان حتى أرتم على األركة المجاورة، وأتؤملها مد

..الوحد الذي كان عرق ونزؾ أمامها

!وأنها أنثى عربة تتلقى ثورت ببرود وراث مخؾ

.ولذا، حدث ف لحظات انهارات وخبات الكبرى أن مزقت إحداهن وألقت بها ف سلة المهمبلت، بعدما أصبح وجودها ضاقن ..

!لبرودة بحث تخلق عندك عقدة رجولة.. ولس فقط عقدة إبداعهنالك لوحات ه من السذاجة وا

.ورؼم ذلك، لن عرؾ أحد هذا. وربما لن توقع ضعف وهزابم السرة أحد

فاآلخرون لن روا ؼر انتصارات، معلقة على الجدران ف إطار جمل. وأما سبلل المهمبلت، فستبقى دابما ف ركن من مرسم

.األضواء وقلب، بعدة عن

.فالذي جلس أمام مساحة بضاء للخلق، ال بد أن كون إلها أو عله أن ؽر مهنته

أأكون إلها ؟ أنا الذي حولن حبك إلى مدنة إؼرقة، لم بق منها قابما ؼر األعمدة الشاهقة المتآكلة األطراؾ؟

هران.. وال ش سوى رقم هاتف مستحل.. وكلمات تركتها ل تجؾ هل فد شموخ، وملح حبك فتت أجزاب من الداخل كل وم؟ ش

.لها الفرشاة

.وإذا بالصمت صبح لون المفضل

.كنت أدرى جدلة الرسم والكتابة كما أردتها أنت

عث الحاة ف كنت تفرؼن من األشاء كلما كتبت عنها، وكؤنك تقتلنها بالكلمات. وكنت كلما رسمت امتؤلت بها أكثر، وكؤنن أب

.تفاصلها المنسة. وإذا ب أزداد تعلقا بها، وأنا أعلقها من جدد على جدران الذاكرة

أن أرسمك، ألس عن أن أسكنك ؼرؾ بت أضا ، بعدما أسكنتك قلب؟

.حماقة قررت ف البدء أال أرتكبها. ولكنن اكتشفت لبل بعد آخر عبثة قراري

مت؟لماذا كان اللل هز

..أألنن كلما خلوت بنفس خلوت بك، أم ألن للفن طقوس الشهوة السرة الت تولد ؼالبا لبل ف ذلك الزمان الخارج عن الزمن

والخارج عن القانون؟

Page 60: ذاكرة الجسد.pdf

..على حافة العقل والجنون.. ف ذلك الحد الذي تلؽه العتمة والفاصل بن الممكن والمستحل

..كنت أقترفك

.بشفت حدود جسدككنت أرسم

.أرسم برجولت حدود أنوثتك

..أرسم بؤصابع كل ما ال تصله الفرشاة

ر تضارس جسدك لتصبح على مقاس .بد واحدة كنت أحتضنك.. وأزرعك وأقطفك.. وأعرك وألبسك وأؼ

..ا امرأة على شاكلة وطن

للرجولة ومقاسك للحب.. ومقاسك للذة! كم من األدي احتضنتك امنحن فرصة بطولة أخرى. دعن بد واحدة أؼر مقاسك

.دون دؾء! كم من األدي تتالت علك.. وتركت أظافرها على عنقك، وإمضاءها أسفل جرحك. وأحبتك خطؤ.. وآلمتك خطؤ

.أحبك السراق والقراصنة.. وقاطعوا الطرق. ولم تقطع أدهم

.وا ذوي عاهاتووحدهم الذن أحبوك دون مقابل، أصبح

.لهم كل شء، وال شء ؼرك ل

أنت ل الللة ككل للة. فمن سؤخذ طفك من؟ من سصادر جسدك من سرري؟ من سسرق عطرك من حواس؟ ومن سمنعن من

استعادتك بدي الثانة؟

.أنت لذت السرة، وجنون السري، ومحاولت السرة لبلنقبلب على المنطق

تسقط قبلعك ف دي، وستسلم حراسك ل، وتؤتن ف ثاب نومك لتتمددي إلى جواري، فؤمرر دي على شعرك األسود كل للة

.الطول المبعثر على وسادت، فترتعشن كطابر بلله القطر. ثم ستجب جسدك النابم ل

كؾ حدث هذا.. وما الذي أوصلن إلى هذا الجنون؟

؟ترى صوتك الذي تعودت عله حد اإلدمان، صوتك الذي كان ؤت شبلل حب وموسقى، فتدحرج قطرات لذة عل

"حبك هاتؾ سؤل "واشك؟

.دثرن لبل بلحاؾ من القبل. ترك جواري عنه قندل شوق، عندما تنطفا األضواء

من وحدت ومن شخوخت. فعدن إلى الطفولة دون است من العتمة، خاؾ عل قصصا صدقها خاؾ عل شارت. قص عل

.األطفال. ؽن ل أؼنات نام لسماعها األطفال

ترى أكان كذب؟ هل تكذب األمهات أضا ؟

!هذا ما ال صدقه األطفال

ما الذي أوصلن إلى جنون؟

.ترى قبلتك المسروقة من المستحل. وهل تفعل القبل كل هذا؟

..ت عمرا ولم أصدقأذكر أنن قرأت عن قبل ؼر

كؾ مكن لنتشه فبلسوؾ القوة والرجل الذي نظر طوبل للجبروت والتفوق أن قع صرع قبلة واحدة، سرقها مصادفة ف زارة

المرأة الت أحبها أكثر من كاتب وشاعر ف عصرها. كان أحدهم " أبولنر" الذي تؽزل فها طوبل "Lou " ساحة إلى معبد، صحبة

دلبل قاطعا على قدره معها؟ "Loup " وبكاها أمام هذا الجسر نفسه، واجدا ف اسمها المطابق بالفرنسة تماما السم الذبب

أما )نتشه( القابل "عندما تزور امرأة ال تنس أن تصحب معك العصا" فقد كان أمامها رجبل محطما، ضعفا ، وبدون إرادة. حتى إن أمه

."!ترك هذه المرأة أمام ابن سوى اختار من بن ثبلثة: إما أن تزوجها.. أو نتحر.. أو صبح مجنونا قالت وما "لم ت

كان هذا حال "نتشه" وم أحب. فهل أخجل من ضعف معك، وأنا لست فلسوفا للقوة، ولست شمشون الذي فقد شعره وقوته

األسطورة بسبب قبلة؟

ها، أنا الذي بدأ عمري على شفتك؟هل أخجل من قبلتك، وهل أندم عل

ال أدري كؾ شف "نتشه" من امرأة لم تزوجها. هل انتحر أم أصبح مجنونا ؟

أدري فقط، أنن قضت شهرن وسط تقلبات نفسة متناقضة، كدت أالمس فها شبا شبه الجنون، ذلك الجنون الذي كان ؽرك،

.نه الصك الوحد الذي شهد للفنان بالعبقرةوكنت تتؽزلن ل به كثرا ، وتعتبر

.فلكن.. سؤعترؾ لك الوم، بعد كل تلك السنوات، أنن وصلت معك وما إلى ذلك الحد المخؾ من البلعقل

.أكان عشقا فقط، أم ألهدك ال شعورا اللعبة الت لم تكون قد حصلت علها بعد: ذلك الرجل المجنون الذي تحلمن به

Page 61: ذاكرة الجسد.pdf

.ث كثرا وقتها، أن استعدت قصت معك فصبل فصبلحد

كنت كل مرة أقع على استنتاجات متناقضة. مرة بدو ل حبك قصة أسطورة أكبر منك ومن. شبا ربما كان مقدرا مسبقا منذ قرون،

.(منذ.. كانت قسنطنة مدنة تدعى )سرتا

ؼراك جنونه بقصة ما؟ومرة أتساءل، ماذا لو كنت رجبل استوقفتك ذاكرته وأ

ماذا لو كنت مجرد ضحة لجرمة أدبة ما، تحلمن بارتكابها ف كتاب قادم؟

ثم فجؤة تطؽى طفولتك على الجانب "اإلجرام" فك، فؤذكر أنن كنت أضا نسخة عن والدك. وأنن بسبب قبلة حمقاء نسفت إلى األبد

.ذاك الجسر السري الذي كان جمعنا

أقرر االعتذار منك. وأستقظ من نوم وأتجه إلى مرسم. أجلس طوبل أمام لوحتك البضاء وأتساءل: من أن أبدأك؟ آنذاك، كنت

أتؤمل طوبل صورتك، على ظهر رواتك الت أهدتنها دون إهداء. أكتشؾ أن وجهك ال عبلقة له بالصورة. فكؾ أضع عمرا لوجهك

نك نسخة دون أن أخونك؟الجدد والقدم معا . كؾ أنقل ع

أتذكر وسط ارتباك ) لوناردو دافنش(، ذلك الرسام العجب الذي كان قادرا على أن رسم بده المنى وده السرى باإلتقان نفسه.

بؤي د تراه رسم )الجوكندا( لمنحها الخلود والشهرة؟ وبؤي د جب أن أرسمك أنا؟

ال بالد السرى، تلك الت لم تعد دي؟ماذا لو كنت المرأة الت ال ترسم إ

.خطر ببال مرة أن أرسمك بالمقلوب. وأجلس ألتفرج علك عسان أكتشؾ أخرا سرك. فربما كانت هذه الطرقة الوحدة لفهمك

."فكرت حتى ف إمكانة عرض تلك للوحة مقلوبة ف معرض. سكون اسمها "أنت

.ن بها، دون أن تعرؾ أحدهم تماما علكستوقؾ أمامها الكثرون. وقد عجبو

!ألس هذا ما تردن ف النهاة؟

***

:مر أكثر من أسبوع، وأكثر من نشرة جوة قبل أن ؤت صوتك ذات صباح دون مقدمات

كؾ أنت؟ -

:اندهش القلب الذي لم توقع هدة صباحة كتلك. وارتبك الكبلم

ونك؟ -

ل ل. ولكنك أجبتن بضحكة أعرؾ مراوؼتها كان صوتك بدو قربا أو :هكذا خ

!حاول أن تحزر -

:أجبتك كمن حلم

هل عدت إلى بارس؟ -

:ضحكت وقلت

أي بارس.. أنا ف قسنطنة. جبت هنا منذ أسبوع ألحضر زواج إحدى القربات.. وقلت ال بد أن أطلبك من هنا. طمن عنك ماذا -

لم تسافر إلى أي مكان؟تفعل ف هذا الصؾ.. أ

:اختصرت عذاب ف بضع كلمات قلت

إنن متعب.. جد متعب.. كؾ لم تتصل ب حتى اآلن؟ -

:فقلت وكؤنك طبب سكتب وصفة لمرض، أو شخ طلب منه كتابة حجاب أو تعاوذ سحرة

حاة هنا مزعجة وصعبة. إن الواحد ال خلو لنفسه ف هذه سؤكتب لك.. وهللا سؤكتب لك قربا .. جب أن تعذرن. أنت ال تدري كم ال -

..المدنة ولو لحظة. حتى الكبلم على الهاتؾ مؽامرة بولسة

وماذا تفعلن؟ -

..ال شء.. أنتقل من بت إلى آخر، ومن دعوة إلى أخرى. حتى المدنة لم أتجول فها على قدم، لقد عبرتها بالسارة فقط -

:تذكرت فجؤة شبا هاما ثم أضفت وكؤنك

..أتدري.. أنت على حق. إن أجمل ما ف قسنطنة، جسورها ال ؼر. لقد ذكرتك وأنا أعبرها -

:كنت أود تلك اللحظة لو سؤلتك "هل تحبنن؟" ولكنن سؤلتك بحمافة

.هل تحبنها؟ -

:أجبتن بعد شء من الصمت، وكؤنن طرحت علك سإاال ستدع التفكر

Page 62: ذاكرة الجسد.pdf

..ربما بدأت أحبها -

:قلت

..شكرا -

:ضحكت.. قلت وأنت تنهن المكالمة

!أها األحمق.. لن تتؽر -

***

."..المرء فتح شباكه لنظر إلى الخارج.. وفتح عنه لنظر إلى الباطن.. وما النظر سوى تسلقك الجدار الفاصل بنك وبن الحرة

احة على ؼر عادت. وجلست على شرفت أمام فنجان قهوة، أتؤمل نهر السن، وهو تحرك ف ذلك الصباح، أشعلت سجارة صب

.ببطء تحت جسر مرابو

.كانت زرقته الصفة الجملة، تستفزن ذلك الصباح دون مبرر. تذكرن فجؤة بالعون الزرق الت ال أحبها

هر؟أترى ألنه ال نهر ف قسنطنة.. أعلنت العداء على هذا الن

.نهضت دون أن أكمل سجارت. كنت فجؤة على عجل

فلكن.. عفوك أها النهر الحضاري. عفوك أها الجسر التارخ. عفوك صدق )أبولنر(. هذه المرة أضا سؤرسم جسرا آخر ؼر

.هذا

.كنت هذه المرة ممتلبا بك، بصوتك القادم من هناك، لوقظ من جدد تلك المدنة داخل

لم أكن قد لمست الفرشاة من ثبلثة أشهر. وكان داخل شء ما على وشك أن نفجر بطرقة أو بؤخرى. كل تلك األحاسس والعواطؾ أ

.المتضاربة، الت عشتها قبل رحلك وبعده، والت تراكمت داخل كقنبلة موقوتة

.وكان ال بد أن أرسم ألرتاح أخرا

بدي الموجودة وبتلك المفقودة. أرسم بكل تقلبات، بتناقض وجنون وعقل، بذاكرت أرسم ملء دي.. ملء أصابع. أرسم

.ونسان. حتى ال أموت قهرا ذات صؾ، ف مدنة فارؼة إال من السواح والحمام

.وهكذا بدأت ذلك الصباح لوحة لقنطرة جددة، قنطرة سدي راشد

تجربة رسم ف حات، وأنها ستكون البداة لعشر لوحات أخرى، سؤرسمها ف شهر لم أكن أتوقع ومها وأنا أبدأها، أنن أبدأ أؼرب

.ونصؾ دون توقؾ، إال لسرقة ساعات قللة من النوم، أنهض منها ؼالبا مخطوفا بشهة جنونة للرسم

.كانت األلوان تؤخذ فجؤة لون ذاكرت، وتصبح نزفا صعب إقافه

حتى ستقظ آخر، وما أكاد أنته من قنطرة، حتى تصعد من داخل ما كنت أنته من لوحة حتى تول د أخرى، وما أنته من ح

..أخرى

.كنت أرد أن أرض قسنطنة حجرا .. حجرا ، جسرا .. جسرا .. حا .. حا ، كما رض عاشق جسد امرأة لم تعد له

بل ترابها.. وأحجارها وأشجارها وودانها. أوزع عشق على مساحتها كنت أعبرها ذهابا وإابا بفرشات، وكؤنن أعبرها بشفاه. أق

.قببل ملونة. أرشها بها شوقا .. وجنونا .. وحبا حتى العرق

.وكنت أسعد وذلك القمص لتصق ب، بعد ساعات من االلتحام بها

من أجل أة امرأة. وال من أجل أة لوحة. الجسد العرق دموع الجسد. ونحن ف ممارسة الحب كما ف ممارسة الرسم، ال نبك جسدنا

.ختار لمن عرق

.وكنت سعدا أن تكون قسنطنة، ه اللوحة الت بكى لها جسدي

ف ذلك الشهر األخر من الصؾ، كنت ما أزال أتوقع رسالة منك، تعطن شبا من القوة والحماسة اللتن افتقدتهما خبلل الشهرن

.ك. عندما فاجؤتن رسالة من زادالماضن لؽاب

.كانت رسابله القادمة من بروت تدهشن دابما حتى قبل أن أفتحها

كنت أتساءل كل مرة، كؾ وصلت هذه الرسالة إلى هنا؟ من أي مخم أو من أة جبهة، تحت أي سقؾ مدمر كون قد كتبها؟ أي

هنا، داخل صندوق بردي.. بالح السادس عشر ببارس؟ صندوق أودعها، وكم من ساع برد تناوب علها حتى تصل

.كنت أعاملها دابما بحب خاص. كانت تذكرن بزمن حرب التحرر، وم كنا نبعث الرسابل ألهلنا مهربة تحت الثاب

.رواة كم من الرسابل لم تصل، وماتت مع أصحابها! وكم من الرسابل وصلت بعد فوات األوان. هنالك قصص تصلح ألكثر من

.آخر رسالة لزاد كانت تعود لما قارب السنة

."كان حدث أن كتب ل هكذا دون مناسبة، رسابل مطولة أحانا ، وموجزة أحانا أخرى، كان سمها "إشعار بالحاة

Page 63: ذاكرة الجسد.pdf

.ف البدء ضحكت لهذه التسمة الت رد أن خبرن بها فقط أنه مازال على قد الحاة

.أخاؾ صمته الطول، وانقطاع رسابله. فقد كان حمل ل احتمال إشعار بشء آخر بعدها أصبحت

هذه المرة، كان رد أن خبرن أنه قد حضر إلى بارس ف بداة ألول. وأنه نتظر جوابا سرعا من لتؤكد من وجودي ف بارس

.ف هذه الفترة

.فاجؤتن رسالته.. وأسعدتن وأدهشتن

كري إلك وقلت "طول عمر هذا الرجل.. ما كدت أذكره معك حتى حضر". ثم تساءلت تراك قرأت أشعاره؟ وهل أعجبتك؟ ذهب تف

وماذا سكون رد فعلك إذا قلت لك إنه سحضر إلى بارس، أنت الت خفت أن كون قد مات، وأبدت اهتماما بقصته؟

.درجا كذلككان الصؾ نسحب تدرجا . وكنت أستعد توازن ت

معك .لقد أنقذتن تلك اللوحات من االنهار. كان ال بد أن أرسمها ألخرج من تلك المطبات الجنونة الت وضعت علها قدم

كنت قد فقدت كثرا من وزن. ولكن لم كن ذلك عنن. أو ربما لم أكن وقتها ألنتبه له، بعدما أصبحت أنظر إلى اللوحات، وأنسى أن

.ر إلى نفس ف مرآةأنظ

كنت أعتقد أن الذي خسرته من وزن ف أام، هو الذي ربحته من مجد إلى األبد. ولذا كان حلو ل أن أتؤمل نزف وجنون معلقا

.أمام: إحدى عشرة لوحة لم تعد تكفها جدران البت

ة وأنا أنته منها، أنه قد تمر عدة أشهر قبل أن أشعر وربما جاء تعلق بها، كذلك، لكون كنت أدري وأنا أضع فرشات آلخر مر

.برؼبة جددة ف الرسم

.فقد كنت فرؼت مرة واحدة من ذاكرت.. وارتحت

.كنا على أبواب ألول. وكنت سعدا أو ربما ف حالة ترقب للسعادة

ة المعروضة ف الواجهات تعلن عودتك. اللوازم ستعودن أخرا .. كنت أنتظر الخرؾ كما لم أنتظره من قبل. كانت الثاب الشتو

.المدرسة الت تمؤل رفوؾ المحبلت، تعلن عودتك

.والرح، والسماء البرتقالة.. والتقلبات الجوة.. كلها كانت تحمل حقاببك

..ستعودن

.مع النوء الخرف، مع األشجار المحمرة، مع المحافظ المدرسة

..ستعودن

.عابدن إلى المدارس، مع زحمة السارات، مع مواسم اإلضرابات، مع عودة بارس إلى ضوضابهامع األطفال ال

.مع الحزن الؽامض.. مع المطر

.مع بداات الشتاء.. مع نهاات الجنون

.ستعودن ل.. ا معطف الشتوي.. ا طمؤننة العمر المتعب.. ا أحطاب اللال الثلجة

تلك المقولة الرابعة ألندره جد "ال تها أفراحك!" كؾ نست نصحة كهذه؟ أكنت أحلم؟. كؾ نست

.كنت ف الواقع امرأة زوبعة. تؤت وترحل وسط األعاصر والدمار. كنت معطفا لؽري وبردا ل

.كنت األحطاب الت أحرقتن بدل أن تدفبن

.كنت أنت

..وكنت أنتظر ألول إذن

حدث أخرا بصدق مطلق. ماذا تردن من بالتحدد. ومن أكون أنا بالنسبة إلك.. وما اسم قصتنا هذه؟أنتظر عودتك لنت

.أخطؤت مرة أخرى

.لم كن الوقت للسإال وال للجواب. كان وقتا لجنون آخر

..كنت أنتظر األمان. وجبت، زوبعة صادفت زوبعة أخرى، اسمها زاد

.وكانت األعاصر

، أكثر رجولة مع العمر، من ذلك الوقت لم تؽر ز اد منذ آخر مرة رأته فها، منذ خمس سنوات ببارس. ربما أصبح فقط أكثر امتبلء

.ف مكتب. وم كان شابا فارعا بوزن أقل، وربما بهموم أقل أضا 1><9الذي زارن فه ألول مرة ف الجزابر سنة

صه المتمرد الذي لم تعود وما على ربطة عنق، مفتوحا دابما بزر أو زرن. وصوته الممز مازال شعره مرتبا بفوضوة مهذبة. وقم

.دفبا وحزنا ، وهمك أنه قرأ شعرا ، حتى عندما قول أشاء عادة. فبدو وكؤنه شاعر أضاع طرقه وأنه وجد خطؤ حث هو

Page 64: ذاكرة الجسد.pdf

.ه النهابة، وأنه عش على أهبة سفرف كل مدنة قابلته فها، شعرت أنه لم صل بعد إلى وجهت

كان حتى عندما جلس على كرس بدو جالسا على حقاببه. لم كن وما مرتاحا حث كان، وكؤن المدن الت سكنها محطات نتظر

.فها قطارا ال دري متى ؤت

.سروال الجنز نفسه، كؤنه هوته األخرى ها هو ذا.. كما تركته، محاطا بؤشابه الصؽرة ومحمبل بالذاكرة، ومرتدا

.كان زاد شبه المدن الت مر بها. فه شء من ؼزة، من عمان.. ومن بروت وموسكو.. ومن الجزابر وأثنا

اب.. من الحبلج، من مشما.. من ؼسان كنفان.. ومن لوركا وتودوراكس .كان شبه كل من أحب. فه شء من بوشكن، من الس

.وألنن كثرا ما قاسمت زاد ذاكرته، حدث أن أحببت كل ما أحب ومن أحب، دون أن أدري

.كنت ف حاجة إله ف تلك األام

.شعرت وأنا أستقبله، أنن افتقدته طوال هذه السنوات دون أن أدري، وأنن بعده لم ألتق بشخص مكن أن أدعوه صدقا

.عدتنا القارات. ووحدها قناعاتنا القدمة ظلت تجمعناها هو زاد. باعدتنا األام وبا

.ولذلك لم تزل ف القلب مكانته األولى. فلم حدث لزاد أن فقد احترام لسبب أو آلخر خبلل كل هذه السنوات

ألس هذا أمرا نادرا هذه األام؟

..جاء زاد

.ى ف وجه كاترن نفسهاواستقظ البت الذي ظل مؽلقا لشهرن ف وجه اآلخرن،حت

راح زاد مؤله بحضوره، بؤشابه وفوضاه، بضحكته العالة أحانا ، وبحضوره السري الؽامض دابما . فؤكاد أشكره فقط، ألنه أشرع

.نوافذ هذا البت، واحتل ؼرفة من ؼرفه.. وربما احتله كله

.ات، عندما زارن ألول مرة ف بارسعدنا تلقابا إلى عاداتنا القدمة الت تعود إلى خمس سنو

ر منذ ذلك الحن. لم سقط نظام رحنا من جدد إلى المطاعم نفسها تقربا . جلسنا وتحدثنا ف الموضوعات نفسها تقربا ، فبل ش تؽ

ر خرطة عرب واحد من تلك األنظمة الت كان زاد راهن على سقوطها منذ عرفته. لم حدث أي زلزال ساس هنا أ و هناك، لؽ

.هذه األمة

وحده لبنان أصبح وطنا للزالزل والرمال المتحركة. ولكن من تراه سبتلع ف النهاة؟

كان هذا هو السإال الذي حاولنا أن نتنبؤ به بؤكثر من جواب. وكان النقاش صب ف النهاة دابما ف القضة الفلسطنة، وف خبلفات

.الت حدثت بن عناصرها ف لبنان، والتصفات الجسدة الت راح ضحتها أكثر من اسم فلسطن ف الخارجفصابلها، والمعارك

كان حدث زاد نته كالعادة بشتم تلك األنظمة الت تشتري مجدها بالدم الفلسطن، تحت أسماء مستعارة كالرفض والصمود..

.لشرقة البذبة، الت أضحك لها وأنا أكتشؾ بعضها ألول مرةوالمواجهة. فنعتها ف فورة ؼضبه بكل النعوت ا

وأكتشؾ أضا أن لكل ثوار قاموسهم الخاص، الذي تفرزه ثورتهم ومعاشتهم الخاصة، فؤستعد بحنن، مفردات أخرى لزمن آخر

.وثورة أخرى

د ذلك ولعدة سنوات أال أذكر ؼرها، حتى ال أشعر ربما كان هذا األسبوع هو أجمل األام الت قضتها مع زاد، والت حاولت بع

.بالمرارة وال بالحسرة على كل ما عشته بعدها عن خطؤ أو عن صواب

..كل ما مر ب من ألم.. من ؼرة ومن صدمات، وأنا أضعكما ذات وم هكذا وجها لوجه، دون أة مقدمات أو توضحات خاصة

."... ال بد أن أعرفك علهاله قلت: "سنتؽدى ؼدا مع صدقة كاتبة.

لم بد عله اهتمام خاص بكبلم. قال على طرقته الخاصة وهو عود لقراءة جردته: " أنا أكره النساء عندما حاولن ممارسة األدب

لنوع من تعوضا عن ممارسات أخرى.. أتمنى أال تكون صدقتك هذه عانسا ، أو امرأة ف سن الؤس.. فؤنا ال صبر ل على هذا ا

"!النساء

!لم أجبه. رحت أتعمق ف فكرته.. وأبتسم

"..على الهاتؾ قلت لك: "تعال ؼدا للؽداء ف ذلك المطعم نفسه.. فؤنا أحمل لك مفاجؤة ال تتوقعنها

:قلت

"إنها لوحت.. ألس كذلك؟"

"!أجبتك بعد شء من التردد: "ال.. إنها شاعر

***

..التقتما إذن

:أن أقول هذه المرة أضا ومكن

Page 65: ذاكرة الجسد.pdf

.الذن قالوا وحدها الجبال ال تلتق أخطؤوا. والذن بنوا بنها جسورا لتتصافح دون أن تنحن، ال فهمون شبا ف قوانن الطبعة"

."الجبال ال تلتق إال ف الزالزل والهزات األرضة الكبرى. وعندها ال تتصافح، بل تتحول إلى تراب واحد

!تما إذن.. وكان كبلكما بركانا .. فؤن العجب، إذا كنت هذه المرة أضا أنا الضحةالتق

..مازلت أذكر ذلك الوم

..وصلت متؤخرة بعض الشء، وكنت مع زاد قد طلبنا مشروبا ف انتظارك

..ودخلت

.ازن باب المطعمكان زاد حدثن عن شء ما عندما صمت فجؤة، وتوقفت عناه علك وهو راك تجت

.فاستدرت بدوري نحو الباب.. ورأتك تتقدمن نحونا ف ثوب أخضر.. أنقة، مؽرة، كما لم تكون وما

.وقؾ زاد لسلم علك وأنت تقتربن منا. وبقت أنا من دهشت جالسا . كان من الواضح أنه لم توقعك هكذا

..ها أنت ذي أخرا

من أحسست أن شبا ما فجؤة، ومنع رجل سمرن إلى ذلك الكرس، وكؤن تعب كل األسابع الماضة، وكل عذاب بعدك قد نزل عل

.الوقوؾ

ها أنت ذي أخرا .. أهذه أنت حقا !؟

:قابلة وقبل أن أفكر ف تعرفكما ببعض، كنت قد قدمت نفسك لزاد، وكان هو بدوره على وشك أن عرفك بنفسه عندما قاطعته

دعن أحزر.. ألست زاد خلل؟ -

:ووقؾ زاد مدهوشا قبل أن سؤلك

كؾ عرفت؟ -

:استدرت نحوي عندبذ وكؤنك تكتشفن وجودي هناك، فوضعت قبلتن على خدي وقلت وأنت توجهن الحدث إله

..أنت تملك شبكة إعبلن قوة ف شخص هذا الرجل -

:ن مبلمحثم سؤلتن وأنت تتفحص

لقد تؽرت بعض الشء.. ما الذي حدث لك ف هذه العطلة؟ -

:تدخل زاد لقول ساخرا

لقد رسم إحدى عشرة لوحة ف شهر ونصؾ.. إنه لم فعل شبا ؼر هذا. نس حتى أن ؤكل ونس أن نام.. أعتقد أنن لو لم -

!اء وسط لوحاته.. كما لم عد الرسامون موتون الومأحضر إلى بارس لمات هذا الرجل الذي أمامك جوعا وإع

:وبدل أن تسؤلن سؤلت زاد بشء من الذعر، وكؤنك كنت تخافن أن أكون قد رسمت إحدى عشرة نسخة من صورتك

ماذا رسم؟ -

:أجابك زاد بابتسامة وجهها إل

..ورلقد رسم قسنطنة.. ال شء سوى قسنطنة.. وكثرا من الجس -

:صحت وأنت تسحبن كرسا وتجلسن

ال.. أرجوكم ال تحدثون عن قسنطنة مرة أخرى.. إنن عابدة توا منها. إنها مدنة ال تطاق.. إنها الوصفة المثالة لك نتحر المرء -

!أو صبح مجنونا

:ثم وجهت كبلمك إل

متى تشفى أنت من هذه المدنة؟ -

"!لك لو كنا على انفراد "وم أشفى منك كان مكن أن أقول

:ولكن زاد أجاب ربما نابة عن

..نحن ال نشفى من ذاكرتنا ا آنست.. ولهذا نحن نرسم.. ولهذا نحن نكتب.. ولهذا موت بعضنا أضا -

.رابع زاد.. كان مدهشا وشاعرا ف كل شء

.ؽري دون جهدكان قول شعرا دون جهد. وحب وكره دون جهد. و

.كنت أنظر إله وهو سؤلك "أنت جزابرة إذن؟". وال أستمع لما تقولنه له

.بدا ل ف تلك اللحظة أن الحدث كان دور بنكما فقط، وأنن لم أقل كلمة واحدة منذ قدومك

.كنت طرفا فقط ف تلك الجلسة الؽربة للقدر

Page 66: ذاكرة الجسد.pdf

.ح لما حل بكنت أنظر إلك.. وأبحث ف تفاصلك عن شر

"سؤلتك وما : "ما هو أجمل شء فك؟

.ابتسمت بإماء ؼامض ولم تجب

!لم تكون األجمل، كنت األشهى. فهل هناك من تفسر للرؼبة

..ربما كان زاد شبهك أضا

.اكتشفت ذلك مع مرور األام، وأنا أنظر إلكما وأنتما تتحدثان أمام كل مرة

من السحر الؽامض فه.. من الجاذبة الت ال عبلقة لها بالجمال. وكانت فكرة تشابهكما أو تطابقكما هذه تزعجن.. بل كان أضا ش

وأزعجتن ربما من اللحظة األولى. عندما نبهتن إلى تدهور صحت وشحوب لون، بنما كنت أراكما أمام ف صحة وتؤلق مثر

.للؽرة

ل اللحظة.. وأنا أكتشؾ أنن لست سوى شبح بنكما، ووجه حشر خطؤ ف لوحتكما الثنابة؟ترى بدأت الؽرة تتسلل إ

.. وكثرا إله .لم تتنبه ومها أنن وصلت إلى تلك الحالة بسببك. ولذا لم تعتذري ل، بل وأكثر من ذلك كنت تتحدثن قلبل إل

:قلت له

لحب القادم"؛ لقد ساعدن شبا ما على تحمل هذه العطلة البابسة. هنالك مقاطع منه حفظتها لقد أحببت دوانك األخر "مشارع ل -

..لفرط ما أعدت قراءتها

:ورحت تقرأن أمام دهشة زاد

تربص ب الحزن ال تتركن لحزن المساء"

سؤرحل سدت

أشرع الوم بابك قبل البكاء

فهذي المناف تؽرر ب للبقاء

مطارات عاهرة ف انتظاروهذي ال

"...تراودن للرحل األخر

.كنت أستمع إلك تقربن شعرا ألول مرة

كان ف صوتك موسقى آللة لم تخلق بعد أتعرؾ علها ألول مرة ف حزن نبرتك الت خلقت ف البدء للفرح.. فإذا بها عزؾ لشء

.آخر

.ؤة جلس خارج الزمن وخارج الذاكرةوكان زاد ستمع إلك بشء من الذهول، وكؤنه فج

.كؤنه أخرا قرر أن جلس على شء آخر ؼر حقاببه لستمع إلك

.. راح قرأ بقة تلك القصدة وكؤنه قرأ لك طالعه ال ؼر :وعندما سكت

ومال سواك وطن"

وتذكرة للتراب.. رصاصة عشق بلون كفن

وال شء ؼرك عندي

"!قصر مشارع حب.. لعمر

.ف تلك اللحظة.. شعرت أن شحنة من الحزن المكهرب وربما الحب المكهرب أضا قد سرت بننا، واخترقتنا نحن الثبلثة

..كنت أحب زاد.. كنت مبهورا به. كنت أشعر أنه سرق من كلمات الحزن، وكلمات الوطن، وكلمات الحب أضا

.حلو له أن قولكان زاد لسان، وكنت أنا ده كما كان

!وكنت أشعر ف تلك اللحظة.. أنك أصبحت قلبنا.. معا

***

.كان جب أن أتوقع كل الذي حدث

فهل كان مكن أن أوقؾ انجرافكما بعد ذلك؟

.كنت شبها بذلك العالم الفزاب الذي خترع وحشا ، ثم صبح عاجزا عن السطرة عله

.قصتكما بدي. بل وكتبتها فصبل فصبل بؽباء مثال، وأنن عاجز عن التحكم ف أبطال كنت أكتشؾ بحماقة أنن صنعت

، وأحاول أن أقس نفس به أمامك؟ كؾ مكن أن أضع أمامك رجبل صؽرن باثنت عشرة سنة، وفوقن حضورا وإؼراء

Page 67: ذاكرة الجسد.pdf

أن تحب شاعرا تحفظ أشعاره عن ظهر قلب؟كؾ مكن أن أفك صلة الكلمة الت كانت تجمعكما بتواطإ، وأمنع كاتبة

وكؾ أقنعه هو الذي ربما لم شؾ بعد من حبه الجزابري السابق، أال حبك أنت الت جبت لتوقظ الذاكرة، وتشرع نوافذ النسان؟

!كؾ حدث هذا.. وكؾ أتت بكما ألضعكما أمام قدركما.. الذي كان أضا قدري

:قال ل ذلك المساء

إنها رابعة هذه الفتاة.. ال أذكر أنن قرأت لها شبا ، فربما بدأت الكتابة بعدما ؼادرت الجزابر حسب ما فهمت. ولكنن أعرؾ هذا -

.االسم.. لقد سبق أن قرأته ف مكان ما.. إنه لس ؼربا عل

:قلت له وقتها

جزابر حمل اسم أبها )الطاهر عبد المولى( الذي استشهد أثناء أنت لم تقرأ هذا االسم وإنما سمعته فقط. إنه اسم لشارع ف ال -

.الثورة

دون أن قول شبا .وضع زاد جردته ونظر إل

.أحسسته ذهب بعدا ف تفكره

أمامها؟ تراه بدأ أضا كشؾ كل الهوامش المثرة للقابكما ف تلك الظروؾ.. وكل التفاصل العجبة الت ال مكن أن بقى محادا

.شعرت برؼبة ف الكبلم عنك أكثر

كنت على وشك أن أحدثه عن س الطاهر. كدت أخبره أنك ابنة قابدي وصدق. كدت أقص عله حتى قصت العجبة معك. أنت الت

!كان مكن أن تكون ابنت، قبل أن تصبح فجؤة بعد ربع قرن حببت

وتصادفها مع مبلدك. وقصة لوحات األخرة وعبلقتها بك.. وسبب تدهور صحت وجنون كدت أحك له قصة لوحت األولى )حنن(

..األخر

.كدت أشرح له سر قسنطنة

.أصمت ألحتفظ بسرك ل كما نحتفظ بسر كبر نتلذذ بحمله وحدنا؟ أكان لحبك نكهة العمل السري ومتعته القاتلة؟

أن أدري أنك حببت، هو الذي لم أخجل منه وما والذي تقاسمت معه كل شء؟أنم تران كنت أخجل أن أعترؾ له دون

قتسم، قررت منذ البدء أن تكون ألحدنا.. فقط؟ خلق ل أألنك حب لم

أعن صداقة أو حماقة، كنت أرد أن أمنحه فرصة حبك الذي قد كون حبه األخر، وأاما من السعادة المسروقة من الموت المحتمل

الذي كان تربص به ف كل حن.. وف كل مدنة؟

ماذا جاء زاد فعل ف بارس؟ من الواضح أنه لم ؤت ف زارة ساحة. ربما جاء لقوم ببعض االتصاالت السرة، لتق ببعض

..الجهات.. تلقى أو عط تعلمات ال أدري

.الهاتؾ، وكان ال ؽادر البت بمفرده إال نادرا ولكنه كان قلقا شبا ما. كان تحاشى أخذ مواعده على

ولم أطرح عله وما أي سإال حول سبب زارته لبارس. كان هناك شء من بقاا فترة كفاحة ف حات، تجعلن أحترم أسرار

.اآلخرن عندما تعلق ذلك بقضاا نضالة

.ا حتى قصتنا المشتركة معككنت أحترم سره، وكان حترم صمت. ولهذا نقلنا سرنا وصمتن

أكان بحدسه المفرط توقع شبا ما بن وبنك؟

.أم تراه أمام تظاهري بالبلمباالة، لم توقع وجود حب ملتهب كهذا ف أحشاب

وكؾ مكن أن توقع ذلك، وأنا أنسحب تدرجا على رإوس األصابع، ألترك له المجال تدرجا لمزد من التوسع؟

.أدعه جب على الهاتؾ نابة عن. تحدث إلك ودعوك إلى البت نابة عن كنت

وكنت تؤتن، وأحاول أال أسؤل نفس لمن جبت.. ولمن تراك تجملت؟

.ربما كان أكثر األام وجعا وم زرت البت بعد ذلك ألول مرة

ن ؼرفة إلى أخرى وكؤنك تعبرن ؼرؾ بتك. لم ستوقفك ذلك الممر، كان ال بد أن نبهك زاد للوحات لتنتبه إلها. رحت تنتقلن م

.وال ذكرى قبلة قلبت حات رأسا على عقب

أكانت تلك اللحظة ه األكثر ألما ، أم عندما فتحت )خطؤ؟( بابا ، فقلت لك موضحا "هذه ؼرفة زاد". فوقفت أمام ذلك الباب نصؾ

.ته من وقت أمام كل لوحات مجتمعةالمفتوح، لحظات بدت ل أطول مما قض

:قلت وأنت تعودن إلى الصالون وتجلسن على تلك األركة نفسها

..ال أفهم أن تكون رسمت كل هذه الجسور.. جنون هذا.. كان كف لوحة أو اثنتان -

Page 68: ذاكرة الجسد.pdf

، والحظ :تلك الخبة الت أفقدتن صوتأعن قناعة أم عن لاقة تطوع زاد لجبك نابة عن، بعدما الحظ وقع كلماتك عل

أنت لم تتؤمل هذه اللوحات.. لقد حكمت علها من النظرة األولى.. وف الرسم، اللوحات ال تتطابق وإن تشابهت. هنالك أرقام سرة -

..إلنا صاحبهاتفتح لؽز كل لوحة.. شء شبه بـ )الكود( ال بد من البحث عنه للوصول إلى ذلك اإلشعار بشء ما رد أن وصله

لو مررت بنفس هذه السرعة أمام لوحة )العب الورق( الشهرة، لما الحظت سوى العبن جالسن أمام طاولة، ولما انتبهت إلى

كونهما مسكان بؤوراق بضاء خفانها على بعض. إن ما أراد أن نقله لنا "سزان" لس مشهدا للعبة الورق بل مشهد من التزور

.عله.. وربما المتوارث مادام أحد البلعبن أكبر من الثان سنا المتفق

:وقبل أن واصل زاد كبلمه قاطعته قابلة

من أن تعرؾ كل هذا.. هل أنت خبر أضا ف الرسم.. أم أن عدوى خالد انتقلت إلك؟ -

:ضحك زاد واقترب منك بعض الشء وقال

. إنه ترؾ لس ف متناول رجل مثل.. بل إن جهل ف الفن سبفاجبك. أنا ال أعرؾ ؼر قلة لس هذا مدان خبرت على اإلطبلق. -

قللة من الرسامن اكتشفت أعمالهم عن طرق المصادفة.. وف الكتب المختصة ؼالبا .. ولكنن أحب بعض المدارس الحدثة الت

..تطرح أسبلة من خبلل أعمالها

دة المحترمة ال تهزن. أحب الفن الذي ضعن ف مواجهة وجودة مع نفس، ولهذا أعجبت بلوحات الفن للفن ال قنعن، والجوكن

.خالد األخرة.. إنها أول مرة دهشن فها حقا

..لقد توحد مع هذا الجسر لوحة بعد أخرى ف فرح ثم ف حزن متدرج حتى العتمة، وكؤنه عاش توقته وما أو عمرا كامبل

لوحة األخرة ال ظل بادا من الجسر سوى شبحه البعد تحت خط من الضوء. كل شء حوله ختف تحت الباب فبدو الجسر ف ال

مضبا ، عبلمة استفهام معلقة إلى السماء. ال ركابز تشد أعمدته إلى أسفل، ال شء حده على منه وال على ساره، وكؤنه فقد فجؤة

!وظفته األولى كجسر

أترى بداة الصبح عندبذ أم بداة اللل؟ أتراه حتضر أم ولد مع خط الفجر؟ إنه السإال الذي بقى معلقا كالجسر لوحة بعد أخرى،

.مطاردا بلعبة الظل والضوء المستمر، بالموت والبعث المستمر، ألن أي شء معلق بن السماء واألرض هو شء حمل موته معه

.اد مدهوشا ، وربما اكتشفت شبا لم خطر ببال لحظة رسم كل هذه اللوحاتكنت أسمتع إلى ز

أحق ما قاله؟

من المإكد أن زاد كان تحدث عن لوحات خرا من. مثل كل النقاد الذن عطونك شروحا مدهشة ألعمال فنة قمت بها أنت بكل

نا صادقا وبسطا ال تهمك الرموز والنظرات المعقدة ف الفن. وقد مؤلونك بساطة، دون أة تساإالت فلسفة، فضحكونك إذا كنت فنا

!ؼرورا وجنونا ، إذا كنت مثل الكثرن الذن ؤخذون أنفسهم مؤخذ الجد، وبدأون عندبذ بالتنظر بمدرسة فنة جددة

.كان ف تحلل زاد حققة هامة أدهشتن ولم أنتبه لها من قبل

عتقد وأنا أرسم تلك الجسور أنن أرسمك، ولم أكن ف الواقع أرسم سوى نفس. كان الجسر تعبرا عن وضع المعلق دابما لقد كنت أ

.ومنذ األزل. كنت أعكس عله قلق ومخاوف ودواري دون أن أدري

.ولهذا ربما كان الجسر هو أول ما رسمت وم فقدت ذراع

ر ف حات منذ ذلك الحن؟فهل تعن كل هذه الجسور، أن ال ش ء تؽ

ربما كان هذا هو األصح.. ولكن لس هذا كل شء. وقد كان مكن لزاد أن فلسؾ أضا رمز الجسر بؤكثر من طرقة.. ولكن من

كل ثناا المإكد أنه لن ذهب أبعد من الرموز المعروفة، ألن رموزنا تؤخذ بعدها من حاتنا فقط، وزاد ف النهاة لم كن عرؾ

.ذاكرت

!ولم كن زار تلك المدنة الت تعرؾ وحدها سر الجسور

تذكرت حن ذاك رساما ابانا معاصرا ، قرأت عنه أنه قضى عدة سنوات وهو ال رسم سوى األعشاب. وعندما سبل مرة لماذا

."..كت سر العالماألعشاب دابما .. قال: "وم رسمت العشب فهمت الحقل.. ووم فهمت الحقل أدر

.وكان على حق. لكل مفتاحه الذي فتح به لؽز العالم.. عالمه

همنؽواي فهم العالم وم فهم البحر. وألبرتو مورافا وم فهم الرؼبة، والحبلج وم فهم هللا، وهنري ملر وم فهم الجنس، وبودلر

.وم فهم اللعنة والخطبة

ته، عندما كان جلس محموما معصوب الرأس أمام تلك النافذة الت لم كن رى منها.. ؼر وفان ؼوغ.. تراه فهم حقارة العال م وساد

حقول عباد الشمس الشاسعة فبل ملك أمام إرهاقه إال أن رسم أكثر من لوحة للمنظر نفسه؟

.ألن ده المحمومة لم تكن تقدر على رسم أكثر من تلك الزهور البسطة الساذجة

Page 69: ذاكرة الجسد.pdf

.ولكنه.. كان واصل الرسم برؼم ذلك، ال لعش من لوحاته وإنما لنتقم لها ولو بعد قرن

ألم قل ألخه تلك النبوءة الت حطمت بعدها كل األرقام القاسة ف ثمن لوحة )عباد الشمس(: "سؤت وم فوق فه ثمن لوحات..

."ثمن حات

.لرسامون أنباء أضا ؟تساءلت وأنا أصل إلى هذه الفكرة: هل ا

"..ثم رحت أربط هذه الفكرة بتعلق زاد "كل شء معلق حمل موته معه

ة نبوءة تحمل كل اللوحات الت رسمتها ف درجة متقدمة من البلوع والجنون؟ أموت أم مبلد تلك المدنة؟ وإذا ب أسؤل نفس، أ

ن نشرة جوة وأكثر من رح مضادة؟ أم سقوطها جمعا ف دمار هابل مفاجا، ف أصمود جسورها المعلقة منذ قرون ف وجه أكثر م

!تلك اللحظة الت ال فصل فها بن اللل والنهار سوى خط باهت للؽفلة.. ؼفلة التارخ

.كنت تحت تؤثر تلك الرإة المذهلة، عندما جاء صوتك لنتزعن من هواجس

:قلت وأنت توجهن حدثك إل

أتدري خالد.. إن من حسن حظك أنك لم تزر قسنطنة منذ عدة سنوات.. وإال لما رسمت من وحها أشاء جملة كهذه. وم ترد أن -

!تشفى منها علك أن تزورها فقط.. ستكؾ عن الحلم

.حتى أعتاب قسنطنة مكرها طبعا ، لم أكن أدري آنذاك، أنك ذات وم ستتكلفن شخصا بقتل ذلك الحلم، وتوصلن ف ما بعد

.تدخل زاد لقول كبلما جاء هذه المرة أضا سابقا لوقته.. كالنبوءة

:قال بشء من العتاب المهذب

..لماذا تصرن على قتل حلم هذا الرجل؟. هنالك أحبلم نموت على دها، دعه سعدا ولو بوهمه -

:تهمك بالدرجة األولى. سؤلته فقط لم تعلق على كبلمه، وكؤن أحبلم لم تعد

وأنت.. ما هو حلمك؟ -

:قال

..ربما مدنة ما أضا -

هل اسمها الخلل؟ -

:قال مبتسما

ال.. نحن ال نحمل دابما أسماء أحبلمنا.. وال ننتسب لها -

.اسم الخلل ومدنت اسمها ؼزة

ومنذ متى لم تزرها؟ -

..ذ خمس عشرة سنة تماما منذ حرب حزران.. أي من -

:ثم أضاؾ

ضحكن الذي حدث لخالد الوم، كان قنعن ف الماض وم كنا ف الجزابر بالزواج والعش هناك نهابا . لم كن فهم أن تطاردن -

كونا بمدنة، مطاردا تلك المدنة إلى درجة إخراج من كل المدن. وها هو اآلن صل إلى كبلم من تلقاء نفسه، وصبح بدوره مس

.بها

ا العجب أنه لم حدثن عنها أي مرة.. وكؤنه لم كن ولها اهتماما من قبل. هنالك أشاء شبهة بالسعادة ال ننتبه لوجودها إال بعدم

!نفتقدها

قبل مجء زاد.. وقبل أن تحول ربما كان ذلك ما حدث ل.. فقد كنت أع تدرجا أنن كنت سعدا معك قبل تلك العطلة الصفة.. و

حبنا من عشق ثناب عنؾ إلى حب مثلث األطراؾ كل زوااه متساوة، ومن لعبة شطرنج حكمها العبان متقاببلن، ومؤل الحب فها

قلوبة، وأحزاننا كل المربعات السوداء والبضاء، بقانون المد والجزر العشق، إلى لعبة طاولة، نجلس حولها نحن الثبلثة، بؤوراقنا الم

المقلوبة، بنبضات قلبنا المشتركة، بذاكرتنا المشتركة، نتربص ببعضنا ونخلق قوانن جددة للحب.. نزور األوراق الت نملك النسخ

من نفسها منها، نحتال على منطق األشاء ال لربح أحدنا الجولة، وإنما لك ال كون بننا من خاسر، وحتى تكون نهاتنا أقل وجعا

.البداة

كان واضحا أن زاد كان شعر أنن أحبك بطرقة أو بؤخرى. ولكنه لم كن ع جذور ذلك الحب ومداه. ولذا كان نساق إلى حبك دون

.تفكر ودون شعور بالذنب

ى مثلث، ابتلعنا كما بتلع مثلث لم كن ألحدنا وع كامل لنتبه إلى أن العشق اسم ثناب ال مكان فه لطرؾ ثالث. ولذا عندما حولناه إل

"برمودا" كل البواخر الت تعبره خطؤ؟

Page 70: ذاكرة الجسد.pdf

.كؾ وصلنا إلى هنا

أي رح حملتنا إلى هذه الدار الؽربة عن طقوسنا؟ أي قدر بعثرنا ثم أعاد جمع أقدارنا المتناقضة المبعثرة، وأعمارنا وتوارخنا

نا هنا، أطرافا ف معركة نخوضها مع بعضنا ضد بعضنا دون وع؟المتفاوتة، ومعاركنا وأحبلمنا المتباعدة، وأوقف

:بعد أشهر قرأت بن أوراق زاد خاطرة، أدهشتن بتطابقها مع أحاسس هذه، كتب فها

عشقنا جولة أخرى خسرناها ف زمن المعارك الفاشلة، فؤي الهزابم أكثر إبلما إذن؟"

.مقدرا كان كل الذي حصل

.ألرض واحدة شعبن كنا

.ونبن لمدنة واحدة

.وها نحن قلبان المرأة واحدة

.(كل شء كان معدا لؤللم. )هل سعنا العالم معا ؟

ها نحن نتقاسم كبراءنا رؼفا عربا مستدرا كجرحنا. رصاصة مستدرة الرأس.. أطلقوها على مربع أحمر، تدرب فه القدر على

..ر سوداء تصؽر تدرجا كالدوار.. حتى تصل مركز الموتإطبلق الرصاص على دواب

.حث الرصاصة ال تخطا

.حث الرصاصة ال ترحم

"..وحث سكون قلب أحدنا

..كان زاد ف تلك األمسات الشتابة، سهر أحانا ف ؼرفته لكتب. وكنت أرى ف ذلك عبلمة ال تخطا

.ابة بهذه الشراهة، هو الذي لم كتب شبا منذ عدة سنواتال بد أن كون عاشقا لعود إلى الكت

.كنت أبتسم أحانا ، وصوت موسقى خافتة نبعث من ؼرفته حتى ساعة متؤخرة من اللل

.كؤن زاد كان رد أن مؤل ربته بالحاة، أو كؤنه لم كن ثق بها تماما . وخاؾ إن هو نام أن تسرق منه شا

ا إلى األشرطة نفسها الت ال أدري من أن أحضرها، والت لم أكن مولعا بها أنا على وجه التحدد، كالموسقى كان ستمع دابم

.الكبلسكة.. وشرط لففالدي وآخر لتودوراكس

:وكنت أقول لنفس وأنا أقض أحانا سهرة كاملة بمفردي أمام التلفزون

."!لصؾ.. وهنالك جنون الشتاء. انتهى جنون وبدأ جنونهإنه عش جنونه أضا . هنالك جنون ا "

ولكن.. كؾ مكن ل أن أعرؾ درجات جنونه هذا؟ من أن آت بمقاس للزلزال، أعرؾ منه ما حدث ف أعماقه بالتحدد؟

شرة لوحة تشهد ضدي.. كؾ مكن ذلك، ونوباته كتابات سرة ال دري بها ؼر الورق. بنما علق جنون على الجدران إحدى ع

.وتفضحن

فهل انتهى جنون حقا ؟

ة أبذرها هباء ف الؽرة والؤس .ال.. أصبح فقط جنونا داخلا ال عبلقة له باإلبداع. أصبح أحاسس مرض

ر زاد بدلته، شعرت أنه توقع قدومك، وإذا جلس لكتب فهو كتب لك، وإذا ترك البت فهو على موع ..د معككان إذا ؼ

.نست ف زحمة ؼرت، حتى األسباب الت جاء من أجلها زاد إلى بارس، ولقاءاته.. وهواجسه األخرى

.ثم جاء ذلك السفر الذي كدت أنساه ..

أن أترككما عشرة أام كاملة معا ف مدنة واحدة. وربما ؼالب ا ف بت ربما كانت تلك أكثر تجارب ألما على اإلطبلق. فقد كان عل

.واحد هو بت.. نظرا لصعوبة لقابكما خارج البت

ب سافرت ومها وأنا أحاول أن أقنع نفس أنها فرصة لنا جمعا ، لنضع شبا من الترتب ف عبلقتنا، وأنه كان البد ألحدنا أن تؽ

.لتحسم هذه األمور الؽامضة بننا نهابا

طبعا ، لم أكن مقتنعا ف أعماق .بهذا المنطق، أو على األقل بهذا القدر العند الذي جعل القرعة تقع عل

:فمن الواضح أن القدر كان منحازا لكما. وكان ذلك إلمن كثرا . ولكن ما الذي كان أشد إبلما ل

ؼرؾ لم أتمتع بك فها؟أن أدري أنك مع رجل آخر، أم أن كون ذلك الرجل هو زاد ال سواه، أم أن تتم خانت ف بت ف

إلى أي حد ستذهبن معه.. وإلى أي حد سذهب هو معك؟ وهل ستوقفه ذاكرتنا المشتركة.. وكل ما جمعنا وما من قم؟

.قلت لك الكثر عن زاد.. ولم أقل لك األهم

ت السرة، أوراق انتماب السرة .كان زاد وما خل

Page 71: ذاكرة الجسد.pdf

ج وقناعات، كان عمرا سرا لعمر آخر. فهل سخونن زاد؟كان هزابم وانتصارات، حج

.كنت قد بدأت أعتب عله، وربما أحقد عله مسبقا

نست ف جنون ؼرت، أنن لم أفعل شبا ؼر ذلك معك، أنا الذي تنكرت أضا لس الطاهر، لرجل كان وما قابدي، وكان وما

.ة ذات وم ومات شهدا صدق.. لرجل أودعك عندي وص

من منا األكثر خانة إذن؟

ز التنفذ.. أم أنا الذي لم أنفذها ألنن لم أجد فرصة لذلك؟ هو الذي قد ضع أحبلمه ورؼباته ح

أنا الذي أنام وأصحو معك من شهور، وأؼتصبك حتى ف ؼفوت.. أم هو الذي ستكونن له بإرادتك؟

أسماإها مسبقا . تؽرك وتربكك، تمؤلك وتفرؼك، وتجردك ذاكرتها من كل مشارعك، لصبح الحب كل هنالك مدن كالنساء، تهزمك

.برنامجك

.هنالك مدن.. لم تخلق لتزورها بمفردك. لتتجول وتنام وتقوم فها.. وتتناول فطور الصباح وحدا

..هنالك مدن جملة كذكرى، قربة كدمعة، موجعة كحسرة

!تشبهك هنالك مدن.. كم

فهل مكن أن أنساك ف مدنة اسمها.. ؼرناطة؟

كان حبك ؤت مع المنازل البضاء الواطبة، بسقوفها القرمدة الحمراء.. مع عرابش العنب.. مع أشجار الاسمن الثقلة.. مع

.الجداول الت تعبر ؼرناطة.. مع الماه.. مع الشمس.. مع ذاكرة العرب

.عطور واألصوات والوجوه، مع سمرة األندلسات وشعرهن الحالككان حبك ؤت مع ال

.مع فساتن الفرح.. مع قثارة محمومة كجسدك.. مع قصابد لوركا الذي تحبنه.. مع حزن أب فراس الحمدان الذي أحبه

كنت أشعر أنك جزء من تلك المدنة أضا .. فهل كل المدن العربة أنت.. وكل ذاكرة عربة أنت؟

.ر الزمان وأنت مازلت كماه ؼرناطة، رقراقة الحنن.. تحملن طعما ممزا ال عبلقة له بالماه القادمة من األنابب والحنفاتم

مر الزمن، وصوتك مازال ؤت كصدى نوافر الماه وقت السحر، ف ذاكرة القصور العربة المهجورة، عندما فاجا المساء ؼرناطة،

..سها عاشقة لملك عرب ؼادرها لتوهوتفاجا ؼرناطة نف

!كان اسمه "أبا عبد هللا". وكان آخر عاشق عرب قبلها

تران كنت ذلك الملك الذي لم عرؾ كؾ حافظ على عرشه؟

تران أضعتك بحماقة أب عبد هللا، وسؤبكك وما مثله؟

"..النساء ملكا مضاعا ، لم تحافظ عله مثل الرجال كانت أمه قد قالت له وما وؼرناظة تسقط ف ؼفلة منه: "ابك مثل

فهل حقا لم أحافظ علك؟. وعلى من أعلن الحرب.. أسؤلك؟

.على من.. وأنتما ذاكرت وأحبت

.على من.. وأنت مدنت وقلعت

فلم الخجل؟

نة ما؟هل هناك ملك عرب واحد.. حاكم عرب واحد، لم بك منذ أب عبد هللا مد

!فاسقط قسنطنة.. هذا زمن السقوط السرع

.هل سقطت حقا ومها.. هذا ما لن أعرفه أبدا

.ولكن أعرؾ فقط تارخ سقوطك األخر، سقوطك النهاب الذي كنت شاهدا عله بعد ذلك

كمجنون أجلس كل للة ألكتب لك رسابل فؤي جنون كان أن تزد المسافات من حبك، وأن تؤخذي مبلمح تلك المدنة أضا . وإذا ب

.كانت تولد من دهشت وشوق وؼرت علك. كنت أقص لك فها تفاصل وم وانطباعات ف مدنة تشبهك حد الدهشة

:كتبت لك مرة

.أرد أن أحبك هنا. ف بت كجسدك، مرسوم على طراز أندلس"

.بك بتا شبهك ف تعارج أنوثتك العربةأرد أن أهرب بك من المدن المعلبة، وأسكن ح

بتا تختف وراء أقواسه ونقوشه واستداراته ذاكرت األولى. تظلل حدقة شجرة لمون كبرة، كتلك الت زرعها العرب ف حدابق

.بوتهم باألندلس

.، وأتؤملك مدهوشا أرد أن أجلس إلى جوارك، كما أجلس هنا على حافة بركة ماء تسبح فها سمكات حمراء

Page 72: ذاكرة الجسد.pdf

.أستنشق جسدك، كما أستنشق رابحة اللمون البلدي األخضر قبل أن نضج

"..أتها الفاكهة المحرمة.. أمام كل شجرة أمر بها، أشتهك

كما حلقة كم من الرسابل كتبت لك.. هل مكن لكاتبة أن تقاوم الكلمات؟ كنت أرد أن أطوقك بالحروؾ، أن أستعدك بها، أن أدخل مع

الكلمات المؽلقة ف وجه بتهمة الرسم فقط، فرحت أخترع من أجلك رسابل لم تكتب قبلك المرأة. رسابل انفجرت ف ذهن فجؤة بعد

.خمسن سنة من الصمت

مرة. قبلك تران بدأت ومها أكتب كتاب هذا دون أن أدري، بعد أن انتقل عشق لك إلى هذه اللؽة الت كنت أكتب بها رسابل ألول

.كتبت لنساء عبرن حات أام الشباب والمراهقة

.لم أكن أجهد نفس آنذاك ف البحث عن الكلمات

.كانت اللؽة الفرنسة تستدرجن تلقابا بحرتها للقول دون عقد.. وال خجل

.حاءاتهامعك رحت أكتشؾ العربة من جدد. أتعلم التحال على هبتها، أستسلم إلؼرابها السري، إل

رحت أنحاز للحروؾ الت تشبهك.. لتاء األنوثة.. لحاء الحرقة.. لهاء النشوة.. أللؾ الكبراء.. للنقاط المبعثرة على جسدها خال

..أسمر

التم هل اللؽة أنثى أضا ؟ امرأة ننحاز إلها دون ؼرها، نتعلم البكاء والضحك.. والحب على طرقتها. وعندما تهجرنا نشعر بالبرد وب

دونها؟

تراك قرأت تلك الرسابل؟. هل شعرت بعقدة تم وخوف من مواسم الصقع؟

أأدهشتك أم تراها جاءت ف ؼر وقتها؟

.كان ال بد أن أكتبها لك قبل أن تسلل زاد إلك من كل المسام، وصبح لؽتك

فهل تفد رسابل الحب عندما تؤت متؤخرة عن الحب؟

ال وبول إلوار المرأة نفسها؟ألم حب سلفادور د

وعبثا راح بول إلوار كتب لها أجمل الرسابل.. وأروع األشعار.. لستعدها من دال الذي خطفها منه. ولكنها فضلت جنون دال

من طقس، ولم المجهول آنذاك.. على قواف بول إلوار. وظلت حتى موتها منحازة لرشة دال فقط الذي تزوجها أكثر من مرة بؤكثر

.رسم امرأة ؼرها طوال حاته

.الواقع أن الحب ال كرر نفسه كل مرة، وأن الرسامن ال هزمون الشعراء دابما .. حتى عندما حاولون التنكر ف ثاب الكلمات

***

متعة ن جاح ذلك المعرض. واللقاءات عندما عدت بعد ذلك إلى بارس، كان ف الحلق ؼصة الزمتن طوال تلك األام، وأفسدت عل

.الجملة أو المفدة الت تمت ل أثناءه

كان هناك شء داخل نزؾ دون توقؾ. عاطفة جددة للؽرة والحقد الؽامض الذي ال فارقن وذكرن كل لحظة أن شبا ما حدث

.هناك

الذي وصل أثناء ؼاب وبورقة سجل علها أسماء الذن طلبون استقبلن زاد بشوق. )أكان حقا سعدا بعودت؟(. أمدن بالبرد

.هاتفا خبلل تلك األام

.أمسكتها دون أن ألق علها نظرة. كنت أدري أنن لن أجد اسمك فها

رته ثم راح سؤلن عن المعرض.. عن سفرت وأخباري العامة، وحدثن عن آخر التطورات الساسة بشء من القلق، الذي فس

.بارتباكه لحظتها أمام لسبب أو آلخر

د كنت أستمع إله وأنا أتفقد بحواس ذلك البت كما ف خرافة الؽول الذي كان كلما عاد إلى بته، راح تشمم األجواء بحثا عن إنسان ق

..كون تسلل إلى مؽارته أثناء ؼابه

. ذلك، دون أن أجد ف الواقع حجة تثبت ل شكوككنت أشعر أنك مررت بهذا البت. إحساس ؼامض كان إكد ل

ة؟.. هل عقل أن تمر عشرة أام دون أن تلتقا.. وأن مكن أن تلتقا ف مكان ؼر هذا؟ وإذا التقتما هل ولكن هل تهم الحج

ستكتفان بالحدث؟

!.. وكان زاد عاشقا مجوسا عبد اللهبللكبرتكنت منجما

ن أن صمد طوبل ف وجه نرانك.. أنت المرأة الت حلم الرجال أن حترقوا بها ولو وهما ؟فهل كان مك

.رحت أبحث ف مبلمح زاد عن فرح ما، عن سعادة ما أجد فها الحجة القاطعة على أنك كنت له

.ولكن لم بد على وجهه أي شعور خاص، ؼر القلق

Page 73: ذاكرة الجسد.pdf

:فجؤة حدثن عنك قال

..نها أن تؤت ؼدا لنتناول معا ؼداءنا األخرلقد طلبت م -

:صحت بشء من الدهشة

لماذا األخر؟ -

:قال

..ألنن سؤسافر األحد -

ولماذا األحد؟ -

.قلتها وأنا أشعر بشء من الحزن والفرح معا

:أجاب زاد

بقى هنا أكثر من أسبوعن. لقد قضت شهرا كامبل وال بد أن ألنن جب أن أعود.. كنت أنتظر فقط عودتك ألسافر. لم كن مقررا أن أ -

..أعود

:ثم أضاؾ بشء من السخرة

.قبل أن أتعود على الحاة البارسة -

تراك أنت الحاة البارسة الت كان خاؾ أن تعود علها؟ تراه كان هرب مرة أخرى من حب آخر أم أن مهمته قد انتهت أخرا فلم

أمامه ؼر الرحل؟ عد

.مر وم السبت وسط مشاؼل عودت، وانشؽال زاد بترتب تفاصل سفره

حاولت أن أتحاشى الجلوس إله ذلك المساء. ولكن كان وم األحد تربص بنا وضعنا أخرا وجها لوجه نحن الثبلثة ف ذلك الؽداء

.الحاسم

ى طرقت بؤنها شعور بالذنب، )أو ربما باالمتنان(. ألم أقدم لك حبا على طبق من شعر ومها قابلتن بحرارة لم أتوقعها. فسرتها عل

!على طاولة ه.. بت؟

.ثم شكرتن على رسابل، وأبدت إعجابك بؤسلوب.. وكؤنك أستاذة قدم لها تلمذ نصا إنشابا

.ا أضا أزعجن شكرك العلن، وشعرت أنك حدثت زاد عنها وربما أرته إاه

:كنت على وشك أن أقول شبا عندما واصلت

تمنت لو كنت معك هناك.. هل ؼرناطة جملة حقا إلى هذا الحد؟ وهل زرت حقا بت ؼارسا لوركا ف )خوانتا فاكروس(.. ألس -

..هذا اسم ضعته كما قلت؟ حدثن عنه

.مثرا للدهشة، وربما للتفكر أضا وجدت ف طرقتك ف بدء الحدث مع من الهوامش، شبا

أهذا كل ما وجدت قوله بعد كل الزوابع الت مرت بنا، وبعد عشرة أام من الجحم الذي عشته وحدي؟

..ال أدري كؾ خطر عندبذ ف ذهن شهد لفلم شاهدته وما عن حاة لوركا

:قلت لك

أتدرن كؾ مات لوركا؟ -

:قلت

..باإلعدام-

:لتق

ال.. وضعوه أمام سهل شاسع وقالوا له امش.. وكان مش عندما أطلقوا خلفه الرصاص، فسقط متا دون أن فهم تماما ما الذي -

.حدث له

إنه أحزن ما ف موته. فلم كن لوركا خاؾ الموت، كان توقعه، وذهب إله مشا على األقدام كما نذهب لموعد مع صدق.. ولكن

!كره فقط أن تؤته الرصاصة من الظهركان

.شعرت آنذاك أن زاد تلق كلمات كرصاصة ف الصدر. رفع عنه نحوي، أحسسته على وشك أن قول شبا ولكنه صمت

.كنا نفهم بعضنا دون كثر من الكبلم

أكثر من ألمك. ولكن كان هذا أقل ما مكن أن أقوله له بعد كل ما عشته ندمت بعدها على إبلم المتعمد له. فقد كان إبلمه عز عل

.من عذاب بسببه

.وربما كان أكثره أضا

Page 74: ذاكرة الجسد.pdf

تحول ؼداإنا فجؤة إلى وجبة صمت مربك تتخلله أحانا أحادث مفتعلة، كنت تخترعنها أنت بفطرة نسابة لترطب الجو.. وربما

.للمراوؼة. ولكن عبثا

.نكسر بننا. ولم عد هناك من أمل لترممهكان هناك شء من البلور قد ا

:سؤلتك بعدها

هل ستؤتن مع لنرافق زاد إلى المطار؟ -

:أجبت

ال.. ال مكن أن أذهب إلى المطار.. قد ألتق بعم هناك، إذ أنه حدث أن مر بمكتب الخطوط الجوة الجزابرة. ثم إنن أكره -

.الذن نحبهم ال نودعهم، ألننا ف الحققة ال نفارقهم. لقد خلق الوداع للؽرباء.. ولس لؤلحبةالمطارات.. وأكره مراسم الوداع.

كانت تلك إحدى طلعاتك العجبة المدهشة كقولك السابق مثبل "نحن ال نكتب إهداء سوى للؽرباء وأما الذن نحبهم فهم جزء من الكتاب

"..ولسوا ف حاجة إلى توقع ف الصفحة األولى

ولماذا الوداع؟

هل هناك من ضرورة لوداع آخر؟

.كنت أراك طوال وجبة الؽداء تلتهمنه بنظراتك وال تؤكلن شا سواه

كانت عناك تودعان جسده قطعة قطعة. تتوقفان طوبل عند كل شء فه، وكؤنك تختزنن منه صورا عدة.. لزمن لن بقى لك فه

سوى الصور

ى نظراتك، ربما مراعاة ل، أو ألن كلمات الموجعة أفقدته رؼبة الحب.. ورؼبة األكل كذلك. وجعلته حول نظراته وكان هو تحاش

.الحزنة إلى أعماقه وإلى ما بعد السفر

ا كخبت. متشعب األسباب ؼامضا كموقف من قصتكما العج .بةوكنت أنا ال أقل حزنا عنكما، ولكن حزن كان فردا وفرد

وربما زاده رفضك مرافقت إلى المطار توترا . فقد كنت أطمع ف عودتك مع على انفراد ألخلو أخرا بك. ألفهم منك دون كثر من

دون جروح أو خدوش ..األسبلة، إلى أي مدى كنت قادرة على محو تلك األام من ذاكرتك، والعودة إل

، كنت أدري أن قلبك قد أصبح منحازا إله. وربما جسدك أضا . ولكنن كنت أثق بمنطق األام. وأعتقد أنك ف النهاة ستعودن إل

.ألنه لن كون هناك سواي.. وألنن ذاكرتك األولى.. وحننك األول ألبوة كنت أنا نسخة أخرى عنها

.فرحت أراهن على المنطق وأنتظرك

تربكك، تمؤلك وتفرؼك، وتجردك ذاكرتها من كل مشارعك، لصبح الحب كل هنالك مدن كالنساء، تهزمك أسماإها مسبقا . تؽرك و

.برنامجك

.هنالك مدن.. لم تخلق لتزورها بمفردك. لتتجول وتنام وتقوم فها.. وتتناول فطور الصباح وحدا

..هنالك مدن جملة كذكرى، قربة كدمعة، موجعة كحسرة

!هنالك مدن.. كم تشبهك

اك ف مدنة اسمها.. ؼرناطة؟فهل مكن أن أنس

كان حبك ؤت مع المنازل البضاء الواطبة، بسقوفها القرمدة الحمراء.. مع عرابش العنب.. مع أشجار الاسمن الثقلة.. مع

.الجداول الت تعبر ؼرناطة.. مع الماه.. مع الشمس.. مع ذاكرة العرب

.ع سمرة األندلسات وشعرهن الحالككان حبك ؤت مع العطور واألصوات والوجوه، م

.مع فساتن الفرح.. مع قثارة محمومة كجسدك.. مع قصابد لوركا الذي تحبنه.. مع حزن أب فراس الحمدان الذي أحبه

كنت أشعر أنك جزء من تلك المدنة أضا .. فهل كل المدن العربة أنت.. وكل ذاكرة عربة أنت؟

.ه ؼرناطة، رقراقة الحنن.. تحملن طعما ممزا ال عبلقة له بالماه القادمة من األنابب والحنفاتمر الزمان وأنت مازلت كما

مر الزمن، وصوتك مازال ؤت كصدى نوافر الماه وقت السحر، ف ذاكرة القصور العربة المهجورة، عندما فاجا المساء ؼرناطة،

..ها لتوهوتفاجا ؼرناطة نفسها عاشقة لملك عرب ؼادر

!كان اسمه "أبا عبد هللا". وكان آخر عاشق عرب قبلها

تران كنت ذلك الملك الذي لم عرؾ كؾ حافظ على عرشه؟

تران أضعتك بحماقة أب عبد هللا، وسؤبكك وما مثله؟

"..لم تحافظ عله مثل الرجالكانت أمه قد قالت له وما وؼرناظة تسقط ف ؼفلة منه: "ابك مثل النساء ملكا مضاعا ،

فهل حقا لم أحافظ علك؟. وعلى من أعلن الحرب.. أسؤلك؟

Page 75: ذاكرة الجسد.pdf

.على من.. وأنتما ذاكرت وأحبت

.على من.. وأنت مدنت وقلعت

فلم الخجل؟

هل هناك ملك عرب واحد.. حاكم عرب واحد، لم بك منذ أب عبد هللا مدنة ما؟

!. هذا زمن السقوط السرعفاسقط قسنطنة.

.هل سقطت حقا ومها.. هذا ما لن أعرفه أبدا

.ولكن أعرؾ فقط تارخ سقوطك األخر، سقوطك النهاب الذي كنت شاهدا عله بعد ذلك

كتب لك رسابل فؤي جنون كان أن تزد المسافات من حبك، وأن تؤخذي مبلمح تلك المدنة أضا . وإذا ب كمجنون أجلس كل للة أل

.كانت تولد من دهشت وشوق وؼرت علك. كنت أقص لك فها تفاصل وم وانطباعات ف مدنة تشبهك حد الدهشة

:كتبت لك مرة

.أرد أن أحبك هنا. ف بت كجسدك، مرسوم على طراز أندلس"

.ج أنوثتك العربةأرد أن أهرب بك من المدن المعلبة، وأسكن حبك بتا شبهك ف تعار

بتا تختف وراء أقواسه ونقوشه واستداراته ذاكرت األولى. تظلل حدقة شجرة لمون كبرة، كتلك الت زرعها العرب ف حدابق

.بوتهم باألندلس

.أرد أن أجلس إلى جوارك، كما أجلس هنا على حافة بركة ماء تسبح فها سمكات حمراء، وأتؤملك مدهوشا

.نشق جسدك، كما أستنشق رابحة اللمون البلدي األخضر قبل أن نضجأست

"..أتها الفاكهة المحرمة.. أمام كل شجرة أمر بها، أشتهك

كم من الرسابل كتبت لك.. هل مكن لكاتبة أن تقاوم الكلمات؟ كنت أرد أن أطوقك بالحروؾ، أن أستعدك بها، أن أدخل معكما حلقة

ف وجه بتهمة الرسم فقط، فرحت أخترع من أجلك رسابل لم تكتب قبلك المرأة. رسابل انفجرت ف ذهن فجؤة بعد الكلمات المؽلقة

.خمسن سنة من الصمت

تران بدأت ومها أكتب كتاب هذا دون أن أدري، بعد أن انتقل عشق لك إلى هذه اللؽة الت كنت أكتب بها رسابل ألول مرة. قبلك

.ن حات أام الشباب والمراهقةكتبت لنساء عبر

.لم أكن أجهد نفس آنذاك ف البحث عن الكلمات

.كانت اللؽة الفرنسة تستدرجن تلقابا بحرتها للقول دون عقد.. وال خجل

.معك رحت أكتشؾ العربة من جدد. أتعلم التحال على هبتها، أستسلم إلؼرابها السري، إلحاءاتها

وؾ الت تشبهك.. لتاء األنوثة.. لحاء الحرقة.. لهاء النشوة.. أللؾ الكبراء.. للنقاط المبعثرة على جسدها خال رحت أنحاز للحر

..أسمر

هل اللؽة أنثى أضا ؟ امرأة ننحاز إلها دون ؼرها، نتعلم البكاء والضحك.. والحب على طرقتها. وعندما تهجرنا نشعر بالبرد وبالتم

دونها؟

تلك الرسابل؟. هل شعرت بعقدة تم وخوف من مواسم الصقع؟تراك قرأت

أأدهشتك أم تراها جاءت ف ؼر وقتها؟

.كان ال بد أن أكتبها لك قبل أن تسلل زاد إلك من كل المسام، وصبح لؽتك

فهل تفد رسابل الحب عندما تؤت متؤخرة عن الحب؟

فسها؟ألم حب سلفادور دال وبول إلوار المرأة ن

وعبثا راح بول إلوار كتب لها أجمل الرسابل.. وأروع األشعار.. لستعدها من دال الذي خطفها منه. ولكنها فضلت جنون دال

المجهول آنذاك.. على قواف بول إلوار. وظلت حتى موتها منحازة لرشة دال فقط الذي تزوجها أكثر من مرة بؤكثر من طقس، ولم

.رها طوال حاتهرسم امرأة ؼ

.الواقع أن الحب ال كرر نفسه كل مرة، وأن الرسامن ال هزمون الشعراء دابما .. حتى عندما حاولون التنكر ف ثاب الكلمات

***

متعة نجاح ذلك المعرض. واللقاءا ت عندما عدت بعد ذلك إلى بارس، كان ف الحلق ؼصة الزمتن طوال تلك األام، وأفسدت عل

.الجملة أو المفدة الت تمت ل أثناءه

كان هناك شء داخل نزؾ دون توقؾ. عاطفة جددة للؽرة والحقد الؽامض الذي ال فارقن وذكرن كل لحظة أن شبا ما حدث

Page 76: ذاكرة الجسد.pdf

.هناك

رقة سجل علها أسماء الذن طلبون استقبلن زاد بشوق. )أكان حقا سعدا بعودت؟(. أمدن بالبرد الذي وصل أثناء ؼاب وبو

.هاتفا خبلل تلك األام

.أمسكتها دون أن ألق علها نظرة. كنت أدري أنن لن أجد اسمك فها

ثم راح سؤلن عن المعرض.. عن سفرت وأخباري العامة، وحدثن عن آخر التطورات الساسة بشء من القلق، الذي فسرته

. لسبب أو آلخربارتباكه لحظتها أمام

د كنت أستمع إله وأنا أتفقد بحواس ذلك البت كما ف خرافة الؽول الذي كان كلما عاد إلى بته، راح تشمم األجواء بحثا عن إنسان ق

..كون تسلل إلى مؽارته أثناء ؼابه

.اقع حجة تثبت ل شكوككنت أشعر أنك مررت بهذا البت. إحساس ؼامض كان إكد ل ذلك، دون أن أجد ف الو

ة؟.. هل عقل أن تمر عشرة أام دون أن تلتقا.. وأن مكن أن تلتقا ف مكان ؼر هذا؟ وإذا التقتما هل ولكن هل تهم الحج

ستكتفان بالحدث؟

!كنت منجما للكبرت.. وكان زاد عاشقا مجوسا عبد اللهب

نرانك.. أنت المرأة الت حلم الرجال أن حترقوا بها ولو وهما ؟فهل كان مكن أن صمد طوبل ف وجه

.رحت أبحث ف مبلمح زاد عن فرح ما، عن سعادة ما أجد فها الحجة القاطعة على أنك كنت له

.ولكن لم بد على وجهه أي شعور خاص، ؼر القلق

:فجؤة حدثن عنك قال

..معا ؼداءنا األخر لقد طلبت منها أن تؤت ؼدا لنتناول -

:صحت بشء من الدهشة

لماذا األخر؟ -

:قال

..ألنن سؤسافر األحد -

ولماذا األحد؟ -

.قلتها وأنا أشعر بشء من الحزن والفرح معا

:أجاب زاد

لقد قضت شهرا كامبل وال بد أن ألنن جب أن أعود.. كنت أنتظر فقط عودتك ألسافر. لم كن مقررا أن أبقى هنا أكثر من أسبوعن. -

..أعود

:ثم أضاؾ بشء من السخرة

.قبل أن أتعود على الحاة البارسة -

تراك أنت الحاة البارسة الت كان خاؾ أن تعود علها؟ تراه كان هرب مرة أخرى من حب آخر أم أن مهمته قد انتهت أخرا فلم

عد أمامه ؼر الرحل؟

.وم السبت وسط مشاؼل عودت، وانشؽال زاد بترتب تفاصل سفرهمر

حاولت أن أتحاشى الجلوس إله ذلك المساء. ولكن كان وم األحد تربص بنا وضعنا أخرا وجها لوجه نحن الثبلثة ف ذلك الؽداء

.الحاسم

نب، )أو ربما باالمتنان(. ألم أقدم لك حبا على طبق من شعر ومها قابلتن بحرارة لم أتوقعها. فسرتها على طرقت بؤنها شعور بالذ

!على طاولة ه.. بت؟

.ثم شكرتن على رسابل، وأبدت إعجابك بؤسلوب.. وكؤنك أستاذة قدم لها تلمذ نصا إنشابا

.أزعجن شكرك العلن، وشعرت أنك حدثت زاد عنها وربما أرته إاها أضا

:أقول شبا عندما واصلت كنت على وشك أن

تمنت لو كنت معك هناك.. هل ؼرناطة جملة حقا إلى هذا الحد؟ وهل زرت حقا بت ؼارسا لوركا ف )خوانتا فاكروس(.. ألس -

..هذا اسم ضعته كما قلت؟ حدثن عنه

Page 77: ذاكرة الجسد.pdf

.فكر أضا وجدت ف طرقتك ف بدء الحدث مع من الهوامش، شبا مثرا للدهشة، وربما للت

أهذا كل ما وجدت قوله بعد كل الزوابع الت مرت بنا، وبعد عشرة أام من الجحم الذي عشته وحدي؟

..ال أدري كؾ خطر عندبذ ف ذهن شهد لفلم شاهدته وما عن حاة لوركا

:قلت لك

أتدرن كؾ مات لوركا؟ -

:قلت

..باإلعدام-

:قلت

ل شاسع وقالوا له امش.. وكان مش عندما أطلقوا خلفه الرصاص، فسقط متا دون أن فهم تماما ما الذي ال.. وضعوه أمام سه -

.حدث له

إنه أحزن ما ف موته. فلم كن لوركا خاؾ الموت، كان توقعه، وذهب إله مشا على األقدام كما نذهب لموعد مع صدق.. ولكن

!من الظهر كان كره فقط أن تؤته الرصاصة

.شعرت آنذاك أن زاد تلق كلمات كرصاصة ف الصدر. رفع عنه نحوي، أحسسته على وشك أن قول شبا ولكنه صمت

.كنا نفهم بعضنا دون كثر من الكبلم

أكثر من ألمك. ولكن كان هذا أقل ما مكن أن أق وله له بعد كل ما عشته ندمت بعدها على إبلم المتعمد له. فقد كان إبلمه عز عل

.من عذاب بسببه

.وربما كان أكثره أضا

تحول ؼداإنا فجؤة إلى وجبة صمت مربك تتخلله أحانا أحادث مفتعلة، كنت تخترعنها أنت بفطرة نسابة لترطب الجو.. وربما

.للمراوؼة. ولكن عبثا

.من أمل لترممهكان هناك شء من البلور قد انكسر بننا. ولم عد هناك

:سؤلتك بعدها

هل ستؤتن مع لنرافق زاد إلى المطار؟ -

:أجبت

ال.. ال مكن أن أذهب إلى المطار.. قد ألتق بعم هناك، إذ أنه حدث أن مر بمكتب الخطوط الجوة الجزابرة. ثم إنن أكره -

.ننا ف الحققة ال نفارقهم. لقد خلق الوداع للؽرباء.. ولس لؤلحبةالمطارات.. وأكره مراسم الوداع. الذن نحبهم ال نودعهم، أل

كانت تلك إحدى طلعاتك العجبة المدهشة كقولك السابق مثبل "نحن ال نكتب إهداء سوى للؽرباء وأما الذن نحبهم فهم جزء من الكتاب

"..ولسوا ف حاجة إلى توقع ف الصفحة األولى

ولماذا الوداع؟

اك من ضرورة لوداع آخر؟هل هن

.كنت أراك طوال وجبة الؽداء تلتهمنه بنظراتك وال تؤكلن شا سواه

كانت عناك تودعان جسده قطعة قطعة. تتوقفان طوبل عند كل شء فه، وكؤنك تختزنن منه صورا عدة.. لزمن لن بقى لك فه

.سوى الصور

، أو ألن كلمات الموجعة أفقدته رؼبة الحب.. ورؼبة األكل كذلك. وجعلته حول نظراته وكان هو تحاشى نظراتك، ربما مراعاة ل

.الحزنة إلى أعماقه وإلى ما بعد السفر

ا كخبت. متشعب األسباب ؼامضا كموقف من قصتكما العجبة .وكنت أنا ال أقل حزنا عنكما، ولكن حزن كان فردا وفرد

افقت إلى المطار توترا . فقد كنت أطمع ف عودتك مع على انفراد ألخلو أخرا بك. ألفهم منك دون كثر من وربما زاده رفضك مر

دون جروح أو خدوش ..األسبلة، إلى أي مدى كنت قادرة على محو تلك األام من ذاكرتك، والعودة إل

، كنت أدري أن قلبك قد أصبح منحازا إله. وربما جسدك أضا . ولكن ن كنت أثق بمنطق األام. وأعتقد أنك ف النهاة ستعودن إل

.ألنه لن كون هناك سواي.. وألنن ذاكرتك األولى.. وحننك األول ألبوة كنت أنا نسخة أخرى عنها

.فرحت أراهن على المنطق وأنتظرك

..رحل زاد

Page 78: ذاكرة الجسد.pdf

.ورحت أستعد تدرجا بت وعادات األولى قبله

ولكن بمرارة ؼامضة. فقد كنت تعودت على وجوده مع، وكنت أشعر بشء من الوحدة المفاجبة وهو تركن وحدي كنت سعدا

.لموسم الشتاء؛ لتلك األام الرمادة، والسهرات الطولة المدهشة

.رحل زاد.. وفرغ البت منه فجؤة كما امتؤل به

هنا، والت تركها أسفل الخزانة بعدما جمع فها أوراقه وأشاءه، والت رأت لم بق سوى تلك الحقبة الت قد تشهد على مروره من

.ف بقابها عندي مشروع عودة محتملة، قد تكونن أنت أحد أسبابها

.ولكن البد أن أعترؾ أن سعادت كانت تفوق حزن، وأنن كنت أشعر أنن أستعدك وأنا أستعد ذلك البت الفارغ منه

.ذا البت سمتلا أخرا بحضورك بطرقة أو بؤخرى، وأنن سؤخلو فه بك وأنا أخلو لنفسكنت أشعر أن ه

سؤعدك إله تدرجا . ألم تعترف مرارا أنك تحبنه.. تحبن طرقة ترتبه.. تحبن ضوءه.. منظر نهر السن الذي طل عله؟

!ء.. وجعل األشاء أحلىأن ترى كنت تحبن فقط زاد، وحضوره الذي كان إثث كل ش

.ف البدء.. كنت أتوقع هاتفك. كنت أتمسك به، أستنجد به، ولكن صوتك كان نسحب أضا تدرجا أمام دهشت

.كان هاتفك ؤت مرة كل أسبوع، ثم كل أسبوعن، ثم نادرا ، قبل أن نقطع نهابا

تطلبنن مجاملة فقط، أو عن ضجر، أو ربما بنة ؼر معلنة لمعرفة أخبار كان ؤت شححا كقطرات الدواء. وكنت أشعر أحانا أنك

.زاد

وكنت أنا أثناء ذلك، أتساءل "تراه كان كتب إلك مباشرة بعنوان البت، ولهذا لم تكون ف حاجة إلى أن تسؤلن مرة عن أخباره؟

أضا أم أنه كعادته أخبرك مسبقا أنه لن كتب إلك، وأن علك مثله .!أن تتعلم النسان. فرحت تطبقن تلك العقوبة عل

.كان زاد كره أنصاؾ الحلول ف كل شء

!"كان متطرفا كؤي رجل حمل بندقة. ولذا كان كره أضا ما كان سمه سابقا "أنصاؾ الملذات" أو "أنصاؾ العقوبات

عندبذ عن كل شء لبقى مع من حب، أو رحل ألن الذي نتظره هناك أهم. كان رجل االختارات الحاسمة. فإما أن حب وتخلى

.وعندها لن كون من مبرر لتعذب النفس باألشواق والذكرى

تساءلت طوبل بعد ذلك، ماذا عساه اختار؟

..واج منهاتراه تصرؾ هذه المرة أضا كما تصرؾ منذ سنوات ف الجزابر مع تلك الفتاة الت كان على وشك الز

ر هذه المرة، ربما بحكم العمر.. وربما فقط ألنك أنت، وألن الذي حدث بنكما لم كن قصة عادة تحدث بن شخصن أم أنه تؽ

.عادن

.كنت أحاول أحانا استدراجك للحدث عنه، عسان أصل إلى نتجة تساعدن على تحدد القواعد الجددة للعبة.. والتؤقلم معها

.ت تراوؼنن كعادتك. كان من الواضح أنك تحبن أن أحدثك عنه، ولكن دون أن تبوح ل بشءوكن

..كنت تناقضن نفسك كل لحظة. تمزجن بن الجد والمزاح، وبن الحققة والكذب، ف محاولة للهروب من شء ما

.اسبا مع كل ما أعرفه عنككان كبلمك كذبا أبض أستمع إله بفرشات، وألون جمله بؤلوان أكثر تن

.تعودت أن أكسو ما تقولنه ل بالبنفسج، باألزرق.. والرمادي، بالقلق الذي خم على كل ما تقولنه

تعودت أن أجمع حصلة ما قلته ل، وأصنع منها حوارا لرسوم متتالة على ورق، أضع علها أنا التعلقات المناسبة لحوار آخر وكبلم

.لم نقله

.علن وقتها بدأت أكتشؾ تدرجا تلك العبلقة الؽامضة الت بدأت تربطك ف ذاكرت بذلك اللون األبضل

.لم كن كبلمك وحده كذبا أبض

كنت امرأة تملك قدرة خارقة على استحضار ذلك اللون ف كل أشكاله وأضداده. أو لعلن وقتها أضا بدأت دون أن أدري وبحدس

.اللون نهابا من ألوان لوحات، وأحاول االستؽناء عنه، ف محاولة مجنونة إللؽابكؼامض أخرج هذا

كان لونا متواطبا معك. منذ ذلك الوم الذي رأتك فه طفلة تحبو بنما أثوابها الطفولة البضاء تجؾ فوق خشبات منصوبة فوق

ؤ ل معك على نار ه .باردة، أكثر من ثوب أبضكانون. ؼمزة مسبقة للقدر الذي كان

كان األبض لونا مثلك دخل ف تركب كل األلوان وكل األشاء. فكم من األشاء جب أن أدمر قبل أن أنته منه! وكم من اللوحات

!سؤلؽ إن أنا قاطعته

. حبككنت أحاول بكل األشكال )واأللوان.. ( أن أنته منك. ولكن كنت ف الحققة أزداد تورطا ف

:اعترفت لك مرة على الهاتؾ.. ف لحظة ؤس

Page 79: ذاكرة الجسد.pdf

..أتدرن.. حبك صحراء من الرمال المتحركة، لم أعد أدري أن أقؾ فها

:أجبتن بسخرتك الموجعة

الت قؾ حث أنت.. المهم أال تتحرك. فكل محاولة للخبلص ف هذه الحاالت، ستجعل الرمال تسحبك أكثر نحو العمق. إنها النصحة -

!وجهها أهل الصحراء لكل من قع ف بالوعة الرمال المتحركة.. كؾ ال تعرؾ هذا؟

ومها كان ال بد أن أحزن.. ولكنن ضحكت. ربما ألنن أحب سخرتك الذكة حتى عندما تكون موجعة، فنحن قلما نلتق بامرأة تعذبنا

.بذكاء

..جمبل بقدر ما هو حتم وربما ألنك كنت تزفن ل احتمال موت كنت أراه

."!تذكرت مثبل شعبا رابعا ، لم أكن قد تنبهت له من قبل" "الطر الحر ما نحكمش، وإذا انحكم.. ما تخبطش

وكنت أشعر آنذاك أنن ذلك الطابر المكابر الذي نتسب إلى سبللة الصقور والنسور الت ال سهل اصطادها، والت عندما تصطاد،

.ح شهامتها ف أن تستسلم بكبراء، دون أن تقاوم أو تتخبط كما فعل طابر صؽر وقع ف فخ تصب

:عندما أجبتك ومها بذلك المثل الشعب، صحت دهشة

!ما أجمله.. لم أكن أعرفه -

:أجبتك وسط تنهدة

!المدجنة الت تنتظر ف الحدابق العمومة ألنك لم تعرف الرجال.. لس هذا زمنا للصقور وال للنسور.. إنه زمن للطور -

:ست سنوات مرت على ذلك الحدث. وها أنا أذكره الوم مصادفة، وأستعد نصحتك األخرة

."!قؾ حث أنت.. المهم أال تتحرك"

من العواصؾ والزوابع.. والرمال المتحركة. أنت الت أوقفتن هنا ف مهب الجرح عدة كؾ صدقت ومها أنك كنت تخافن عل

.. وتحرضن القدر عل .سنوات، ورحت تنفخن حول العواصؾ وتحركن أمواج الرمال تحت قدم

..لم أتحرك أنا

.ظللت واقفا بحماقة عند عتبات قلبك لسنوات عدة

.كنت اجهل أنك تبتلعنن بصمت، أنك تسحبن األرض من تحت قدم وأنن أنزلق نحو العمق

.ل أن زوابعك ستعود كل مرة، وحتى بعد ؼابك بسنوات لتؽتالنكنت أجه

.والوم.. وسط األعاصر المتؤخرة ؤت كتابك لثر داخل زوبعة من األحاسس المتطرفة والمتناقضة معا

..منعطؾ النسان" قلت "

من أن ؤت النسان..أسؤلك؟

.ت س الشرؾ على الهاتؾ، لدعون إلى العشاء ف منزلهمازلت أذكر ذلك الوم من فبرار، عندما جاء صو

.فوجبت بدعوته، ولم أسؤله حتى عن مناسبتها. فهمت منه فقط أنه دعا آخرن للعشاء، وأننا لن نكون بمفردنا

.أعترؾ أنن كنت سعدا ومرتبكا بفرح

أن أزوره ولو مرة ف المكتب، خجلت من نفس ألنن منذ لقابنا األخر لم أطلبه سوى مرة واحدة بمن اسبة العد، برؼم إلحاحه عل

.لنؤخذ قهوة معا

.فجؤة، أخذت قرارا ربما كان أحمق

.قررت أن آخذ إحدى لوحات ألهدها إاه

ألم هدن الوم تلك الفرحة الت لم أعد أتوقعها؟

.بالعمبلت المشبوهة سؤثبت له دون كبلم، أن لوحات ال تتداول إال بعملة القلب ولس

.بعد ذلك وجدت لهذه الفكرة حسنة أخرى

.سؤكون حاضرا ف ذلك البت الذي تسكننه ولو معلقا على جدار

.ف الوم التال، حملت لوحت وذهبت إلى ذلك العشاء

كر من اهتدى إلى بتك أوال : عناي.. أم كان القلب ركض ب، سبقن ف ذلك الح الراق بحثا عن تلك البناة. حتى أنن لم أعد أذ

.قلب

.عندما دخلتها شعرت أن عطرك كان تربص ب عند المدخل..وف المصعد.. وأنك كنت هنا تقودن وجهت بعطرك فقط

.استقبلن س الشرؾ عند الباب. رحب ب بعناق حار، زادت حرارته رإة تلك اللوحة الكبرة الت كنت أحملها بصعوبة

Page 80: ذاكرة الجسد.pdf

بدا ل ف تلك اللحظة أنه لم صدق تماما أن تكون هدة له. تردد قبل أن ؤخذها من، لكنن استوقفته ألقول له: "هذه لوحة من..

"..إنها هدة لك

.رأت فجؤة على وجهه فرحا وؼبطة نادرة. وراح نزع عنها الؽبلؾ على عجل، بفضول من ربح شبا ف الانصب

:ى منظر تلك القنطرة معلقة وسط الضباب إلى السماءثم صاح وهو ر

!هذي قنطرة الجبال -

:وقبل أن أقول شبا عانقن وقال وهو ربت على كتف

!عطك الصحة.. تعش آ حبب.. تعش -

.لم أتمالك نفس من تقبله بالحرارة نفسها، ألنه أهدان شبا ربما لم نتبه لثمنه عندي

الشرؾ إلى الصالون وهو مسك ذراع بد، ومسك لوحت بالد األخرى. واتجه ب نحو ذلك المجلس لقدمن إلى رافقن س

ضوفه، كؤنه رد أن شهد الجمع على امتنانه ل. أو ربما على عبلقتنا وصداقتنا الوطدة، الت كان شابعا عن أنن ال أجود بها ف

.القلةهذا الزمن المبتذل.. إال على

.لفظ أمام عدة أسماء لعدة وجوه، صافحت أصحابها وأنا أتساءل من كون معظمهم

لك لم أكن أعرؾ منهم ؼر واحد أو اثنن، وأما البقة فكانوا ما أسمه النبتات الطفلة.. أو "النبتات السبة". كما سم الفرنسون ت

تربة، وإذا بها تمد جذورها فجؤة وتضاعؾ أوراقها وفروعها، حتى تطؽى وحدها النبتة الت تنمو من البلشء، ف أي حوض أو أة

.ذات وم على كل التربة

ال أدري لماذا كنت دابما أملك الحاسة القوة الت تجعلن أتعرؾ على هذا النوع من المخلوقات أنما كانوا. فهم على اختبلؾ أشكالهم

ركا فضحهم، بذلك الزؾ والراء المفرط وبمظاهر الؽنى والوجاهة الحدثة الت لبسوها على وهآتهم ومناصبهم متلكون مظهرا مشت

.عجل.. وبذلك القاموس المشترك ف الحدث الذي وهمك أنهم أهم مما تتوقع

بة من وجهاء نظرة خاطفة واحدة، وبعض الجمل المتبادلة فقط، كانت كافة ألستنتج نوعة ذلك المجلس "الراق" الذي ضم نخ

.المهجر، الذن حترفون الشعارات العلنة.. والصفقات السرة

..من الواضح أنن كنت ف كوكب لس كوكب

..راح س الشرؾ طلع ضوفه على تلك اللوحة بشء من الفخر والمودة معا

لقول ل :والتفت إل

. ك _ نت للذكرى أرد أن كون ف بت شء لك. ال تنس أنك صدق طفولت وابن أتدري خالد.. لقد حققت ل الوم أمنة عززة عل

؟ "كوشة الزات".. أتذكر ذلك الح ح

كنت أحب س الشرؾ. كان فه ش من هبة قسنطنة وحضورها، شء من الجزابر العرقة وذاكرتها، شء من س الطاهر، من

..صوته وطلته

لم ..لوث بعد برؼم كل شء. ولكن حتى متىوكان ف أعماقه شء نق

.كنت أشعر أنه محاط بالذباب وبقذارة المرحلة. وكنت أخاؾ أن تسلل إله العفن حتى العمق ذات وم

.أخاؾ عله، وقد أخاؾ على ذلك االسم الكبر الذي حمله إرثا من س الطاهر من التدنس

نطقا لذلك الواقع الموجع الذي كنت أراه محاطا به؟ترى أكان شعوري ذلك حدسا ، أم استنتاجا م

فهل سنجو س الشرؾ من هذه العدوى؟ وماذا عساه أن ختار؟ ف أة بحرة سسبح.. مع أي تار وضد أي تار.. وال حاة

لؤلسماك الصؽرة المعزولة ف هذه الماه العكرة الت تحكمها أسماك القرش؟

.أنتبه ف تلك السهرة، أن س الشرؾ قد اختار بحرته العكرة وانتهى األمركان الجواب أمام ولم

:قال جاري األنق خلؾ سجاره الكوب

لقد كنت دابما معجبا برسومك.. وطلبت أن تصلوا بك لتساهم ف بعض مشارعنا.. ولكنن ال أذكر أنن شاهدت لك أي لوحات -

.عندنا

محدث.. وال عن أة مشارع كان حدثن. ولكن كان كف أن تحدث عن نفسه بصؽة الجمع، ألفهم أنه لم أكن أدري آنذاك من هو

.شخصة فوق العادة

:وكؤن س الشرؾ تنبه إلى أنن أجهل هوة محدث فتدخل موضحا

ر الوجه الثقاف للجزابر - .إن )س..( مولع بالفن، وهو مشرؾ على مشارع كبرى ستؽ

:أضاؾ وكؤنه تنبه إلى شءثم

Page 81: ذاكرة الجسد.pdf

..ولكنك لم تزر الجزابر منذ عدة سنوات.. صحح أنك لم تر بعد تلك المركبات الثقافة والتجارة الجددة.. ال بد أن تتعرؾ علها .. -

..ولم أجبه

ن تلك.. "المنشآت" وكل ما جاورها كنت أراه تدحرج أمام من سلم القم، ؼباء أو تواطإا ال أدري. فاحتفظت لنفس بما سمعته ع

حجرا على العموالت والصفقات، وتناوب علها السراق كبارا وصؽارا .. على مرأى من الشهداء الذن من معالم وطنة بنت حجرا

.شاء لهم حظهم أن كون مقامهم مقاببل .. لتلك الخانة

بدلته األنقة جدا .. وحدثه الذي ال توقؾ عن مشارعه القربة والبعدة، الت ها هو إذن )س...( بدو طبا و رجبل شبه بسط، لوال

.تمر جمعها ببارس وبؤسماء أجنبة مشبوهة، تبدو مخجلة ف فم ضابط سابق

..ها هو إذن.. تراه ظاهرة ثقافة ف عالم العسكر.. أم ظاهرة عسكرة ف عالم الثقافة

!عة" أصبح رمزا طبعا مذ شاع وباإه "رسما " ف أكثر من قادة أركان عربةأم أن "الزواج المناف للطب

كان الجمع تملقونه، وجاملونه، عساهم لحسون شبا من ذلك العسل الذي كان تدفق بن ده نهرا من العملة الصعبة، ف زمن

..القحط والجفاؾ

وسط ذلك المجلس العجب؟وكنت أتساءل طوال تلك السهرة، ماذا كنت أفعل

.كنت أتوقع أن تكون تلك الدعوة، أو على األقل موعدا نادرا ل مع الوطن، أستعد فه مع س الشرؾ ذكراتنا البعدة

.ولكن الوطن كان ؼاببا من تلك السهرة. ناب عنه جرحه، ووجهه الجدد المشوه

مشارع ستم معظمها عن طرق جهات أجنبة.. بتمول من الجزابر.. فهل كانت سهرة ف فرنسا.. نتحدث فها بالفرنسة.. عن

!حصلنا على استقبللنا حقا ؟

.انتهت تلك السهرة ف حدود منتصؾ اللل. فقط كان )س...( متعبا وله ارتباطات ومواعد صباحة.. وربما للة أضا

.ملذات إن المال السرع الكسب، عجل ف فتح شهتنا ألكثر من

..وكان مكن أن أكون سعدا ذلك المساء. لقد كنت ف الواقع محط اهتمام الجمع ألسباب لم أشؤ التعمق فها

بل ربما كنت النجم الثان ف تلك السهرة مع )س...( الذي فهمت أن الدعوة كانت على شرفه، وأنن دعت لها، ألنه كان حب أن

!انن دلبل على ولعه باإلبداع.. وذوقه ؼر العسكريكون محاطا ف سهراته بالفن

والواقع أنه كان لطفا ومجامبل .. وأنه حدثن ومها عن آرابه الفنة ف مجاالت مختلفة، وحبه لبعض الرسامن الجزابرن بالذات. بل

أذهب، فسدعون إلى بته عند زارت وقال مازحا ، إنه حسد س الشرؾ على تلك اللوحة، وأنن إذا كنت آخذ مع لوحة حث

..للجزابر

.ضحكت من مزاحه

ولكنن كنت حزنا بما فه الكفاة بعد ذلك ألكون على حافة البكاء، وأنا أنفرد بنفس ذلك المساء ف سرري، وأتساءل أي حماقة

أوصلتن إلى ذلك البت؟

.ألمح حتى طرؾ ثوبك، وهو عبر ذلك الممر الذي كان فصلن.. عن عالمك بت كنت أتوقعه بتك، وإذا ب أدخله وأؼادره دون أن

:ف صباح الوم التال، دق الهاتؾ. توقعتك أنت، وكانت كاترن.. قالت

..قببلت صباحة.. وأجمل األمان لك -

:وقبل أن أسؤل عن المناسبة أضافت

.لعشاقالوم عد )السان فالنتان( القدس الذي بارك ا .. -

فكرت أن أطلبك بدل أن أبعث إلك بطاقة.. ماذا ترد أن أتمنى لك ف عد الحب؟

:وأمام دهشت.. أو ترددي أضافت بلهجة ساخرة أحبها

!اطلب أها األحمق.. فالدعوات تستجاب الوم -

..ضحكت

:كدت أقول لها أطلب شبا من النسان فقط. ولكنن قلت شبا مشابها لذلك

!أرد أن أحال إلى التقاعد العاطف.. أمكنك أن تبلؽ قدسك طلب هذا -

:قالت

با لك من مجنون.. أتمنى أال سمعك فحرمك من بركاته إلى األبد.. هل أتعبك موعدنا األخر إلى هذا الحد؟ -

.ومها ضحكت مع كاترن. ثم وضعت تلك السماعة ألبك معك

Page 82: ذاكرة الجسد.pdf

.ألم ذلك العد الذي لم أكن سمعت به من قبلكنت أكتشؾ ألول مرة

بت عنه .لم ؤت هاتفك حتى لشكرن على تلك اللوحة، أو حتى على تلك الزارة، وذلك الموعد المتعمد الذي حضرته وتؽ

..جاء عد الحب إذن

..فا عدي وفجعت، وحب وكراهت، ونسان وذاكرت، كل عد وأنت كل هذا

دت؟للحب عد إذن.. حتفل به المحبون والعشاق، وتبادلون فه البطاقات واألشواق، فؤن عد النسان س

ة هم الذن أعدوا لنا مسبقا تقوما بؤعاد السنة، ف بلد حتفل كل وم بقدس جدد على مدار السنة.. ألس بن قدسهم الثبلثماب

سان؟والخمسة والستن.. قدس واحد صلح للن

مادام الفراق هو الوجه اآلخر للحب، والخبة ه الوجه اآلخر للعشق، لماذا ال كون هناك عد للنسان ضرب فه سعاة البرد عن

!العمل، وتتوقؾ فه الخطوط الهاتفة، وتمنع فه اإلذاعات من بث األؼان العاطفة.. ونكؾ فه عن كتابة شعر الحب

تور هوؼو" لحببته جولات دروي قول: "كم هو الحب عقم، إنه ال كؾ عن تكرار كلمة واحدة "أحبك" وكم منذ قرنن كتب "فك

.."هو خصب ال نضب: هنالك ألؾ طرقة مكنه أن قول بها الكلمة نفسها

..دعن أدهشك ف عد الحب.. وأجرب معك ألؾ طرقة لقول الكلمة الواحدة نفسها ف الحب

.ك إلك الطرق المتشعبة األلؾ، وأعشقك بالعواطؾ المتناقضة األلؾ، وأنساك وأذكرك، بتطرؾ النسان والذاكرةدعن أسل

.وأخضع لك وأتبرأ منك، بتطرؾ الحرة والعبودة.. بتناقض العشق والكراهة

.دعن ف عد الحب.. أكرهك.. بشء من الحب

تران بدأت أكرهك ومها؟

اخل تلك العاطفة بالتحدد، وراحت تنمو بسرعة مدهشة، وأصبحت تجاور الحب بعنفه؟ومتى ولدت د

ترى إثر خبات المتكررة معك، بعد كل تلك األعاد الت أخلفتها مرورا بذكرى لقابنا، أم بسبب ذلك التوتر الؽامض الذي كان سكنن،

.واكذلك الجوع الدابم إلك، الذي كان جعلن ال أشته امرأة س

.كنت أردك أنت ال ؼر، وعبثا كنت أتحال على جسدي. عبثا كنت أقدم له امرأة أخرى ؼرك. كنت شهوته الفردة.. ومطلبه الوحد

األكثر إبلما ربما، عندما كنت ف لحظة حب أمرر دي على شعر كاترن. وإذا بدي تصطدم بشعراتها القصرة الشقراء، فؤفقد فجؤة

ة .حب وأنا أتذكر شعرك الؽجري الطول الحالك، الذي كان مكن أن فرش بمفرده سرري شه

.كان نحولها ذكرن بامتبلبك، وخطوط جسدها المستقمة المسطحة تذكرن بتعارجك وتضارس جسدك

ذلك العطر لم كن العطر السري وكان عطرك ؤت بؽابه حتى حواس للؽ عطرها، وذكرن كطفل تصرؾ بحواسه األولى، أن

!ألم

.كنت تتسللن إلى جسدي كل صباح وتطردنها من سرري

.وقظن ألمك السري، وشهوتك المتراكمة ف الجسد قنبلة موقوتة، ورؼبة للة مإجلة وما بعد آخر

هل تستقظ الرجولة باكرا حقا ، أم الشوق هو الذي ال نام؟

..نثى الت تنام ملء جفونها كل للةأجبن أتها األ

أوحدهم الرجال ال نامون؟

ولماذا رتبك الجسد، وأكاد أجهش على صدر ؼرك بالبكاء، أكاد أعترؾ لها أنن عاشق امرأة أخرى، وأنن عاجز أمامها ألن

!رجولت لم تعد ملك، وإنما تتلقى أوامرها منك فقط

!متى بدأت أكرهك

وم الذي لبست فه كاترن ثابها، مدعة بمجاملة كاذبة موعدا ما لتتركن وحدي ف ذلك السرر الذي لم عد شبع ترى ف ذلك ال

.نهمها

وم اكتشفت وأنا أذرؾ دمعة رجالة مكابرة: أنه حدث للرجولة أضا أن تنكس أعبلمها، وترفض حتى لعبة المجاملة.. أو منطق

.ف النهاة لسنا أساد أجسادنا كما نعتقد الكبراء الرجال.. وأننا

ومها تساءلت بشء من السخرة المرة، إن كان ذلك القدس )السان فالنتان( قد استجاب لدعوت بهذه السرعة.. وحولن حقا إلى

!عاشق متقاعد

لذي لم أبك حتى وم بترت ذراع، كان مكن أذكر أنن لعنتك.. وحقدت علك آنذاك، وشعرت بشء من المرارة المجاورة للبكاء.. أنا ا

.أن أبك ومها وأنت تسرقن من آخر ما أملك

!تسرقن رجولت

Page 83: ذاكرة الجسد.pdf

."..ذات وم سؤلتك "هل تحبنن؟

:قلت

!ال أدري.. حبك زد ونقص كاإلمان -

..مكن أن أقول الوم، إن حقدي علك كان زد ونقص أضا كإمانك

:ذاجة عاشقومها أضفت بس

وهل أنت مإمنة؟ -

:صحت

طبعا .. أنا أمارس كل شعابر اإلسبلم.. وفرابضه -

وهل تصومن؟ -

.طبعا أصوم.. إنها طرقت ف تحدي هذه المدنة.. ف التواصل مع الوطن.. ومع الذاكرة -

.وهم بتحررك من كل الرواسب تعجبت لكبلمك. ال أدري لماذا لم أكن أتوقعك هكذا. كان ف مظهرك شء ما

:عندما أبدت لك دهشت قلت

..كؾ تسم الدن رواسب، إنه قناعة؛ وهو ككل قناعاتنا قضة ال تخص سوانا -

ال تصدق المظاهر أبدا ف هذه القضاا. اإلمان كالحب عاطفة سرة نعشها وحدنا ف خلوتنا الدابمة إلى أنفسنا. إنها طمؤننتنا

.رة، درعنا السرة.. وهروبنا السري إلى العمق لتجدد بطراتنا عند الحاجةالس

أما الذن بدو علهم فابض من اإلمان، فهم ؼالبا ما كونون قد أفرؼوا أنفسهم من الداخل لعرضوا كل إمانهم ف الواجهة، ألسباب

!ال عبلقة لها باهلل

!ما كان أجمل كبلمك ومها

.لب ثناا الذاكرة، ووقظ داخل صوت المآذن ف صباحات قسنطنةكان ؤت لق

كان ؤت مع الصلوات، مع التراتل، مع صوت )المإدب( ف كتاتب قسنطنة القدمة. فؤعود إلى الحصر نفسه أجلس عله باالرتباك

ا كنا ننسخها على ذلك اللوح ونحفظها كؾ ما كان، الطفول نفسه، أردد مع أوالد آخرن تلك اآلات الت لم نكن نفهمها بعد، ولكنن

.خوفا من "الفاالقة". وتلك العصا الطولة الت كانت تتربص بؤقدامنا لتدمها عند أول ؼلطة

.كان ؤت لصالحن مع هللا، أنا الذي لم أصم من سنن

.م مساحة صؽرة من اإلمان.. ومن الذاكرةكان صالحن مع الوطن، وحرضن ضد هذه المدنة الت تسرق من كل و

.كنت ومها المرأة الت أقظت مبلبكت وشاطن ف الوقت نفسه

بعدما حولتن إلى ساحة تصارع الخر والشر فها.. دون رحمة !ثم راحت تتفرج عل

***

.ف ذلك العام.. كان النصر للمبلبكة

."، وربما أضا للهروب منك إلى هللا. أما قلت "العبادة درعنا السرةقررت أن أصوم وقتها ربما بتؤثر كبلمك

..قلت سؤحتم من سهامك باإلمان إذن

.رحت أحاول أن أنساك وأنسى قطعتك.. وأنسى حتى وجودك مع ف المدنة نفسها

سدي على الجوع أن أروضه على الحرمان منك كم من األام قضتها ف تلك الؽبوبة الدنة. بن الرهبة والذهول.. أحاول بتروض ج

.أضا

.كنت أرد أن أستعد سلطت على حواس الت تسللت إلها، وأصبحت تتلق أوامرها منك وحدك

.كنت أرد أن أعد لذلك الرجل الذي كان وما أنا، مكانته األولى قبلك. هبته.. حرمته.. مبادبه.. وقمه الت أعلنت علها الحرب

.أعترؾ أنن نجحت ف ذلك بعض الشء ولكنن لم أنجح ف نسانك أبدا

.كنت أقع ف فخ آخر لحبك. وأنا أكتشؾ أنن كنت أثناء ذلك أعش بتوقتك ال ؼر

.كنت أجلس إلى طاولة اإلفطار معك. وأصوم وأفطر معك

.ر بك.. ال ؼرأتسحر وأمسك عن األكل معك، أتناول نفس أطباقك الرمضانة، وأتسح

.لم أكن أفعل شبا سوى التوحد معك ف كل ش دون علم

..كنت ف النهاة كالوطن. كان كل شء إدي إلك إذن

Page 84: ذاكرة الجسد.pdf

.مثله كان حبك متواصبل حتى بصده وبصمته

.مثله كان حبك حاضرا بإمانه وبفكره

فهل العبادة تواصل أضا ؟

طوابق سموي العابر، وأتدحرج فجؤة نحو حزران. ذلك الشهر الذي كنت أملك أكثر من مبرر للتشاإم انتهى رمضان. وها أنا أنزل من

.منه

الذي قضت بعضه ف سجن 9>، ذكرات موجعة أخرى ارتبطت بهذا الشهر، آخرها حزران >;فقد كان ف ذاكرت ما عدا حزران

..ا ألسنتهم بعدللتحقق والتؤدب، ستضاؾ فه بعض الذن لم بتلعو

أما أول ذكرى مإلمة ارتبطت بهذا الشهر فكانت تعود إلى سجن )الكدة( الذي دخلته وما ف قسنطنة مع مبات المساجن إثر

.حث تمت محاكمتنا ف بداة حزران أمام محكمة عسكرة :9<9مظاهرات ماي

ما ؟أي حزران كان األكثر ظلما ، وأة تجربة كانت األكثر أل

.أصبحت أتحاشى طرح هذه األسبلة، منذ الوم الذي أوصلتن أجوبت إلى جمع حقابب ومؽادرة الوطن

الوطن الذي أصبح سجنا ال عنوان معروفا لزنزانته؛ ال اسم رسما لسجنه؛ وال تهمة واضحة لمساجنه، والذي أصبحت أقاد إله فجرا ،

.دانن إلى وجهة مجهولة أضا . شرؾ لس ف متناول حتى كبار المجرمن عندنامعصوب العنن محاطا بمجهولن، قو

هل توقعت وم كنت شابا بحماسه وعنفوانه وتطرؾ أحبلمه أنه سؤت بعد ربع قرن، وم عجب كهذا، جردن فه جزابري مثل من

..( زنزانة أدخلها باسم الثورة هذه المرةثاب.. وحتى من ساعت وأشاب، لزج ب ف زنزانة )فردة هذه المرة

!الثورة الت سبق أن جردتن من ذراع

ر من ذلك الشهر الذي قضم الكثر من سعادت على مر السنوات .أكثر من سبب وأكثر من ذكرى كانت تجعلن أتط

مذهلة الت حلت ب ف شهر واحد؟تران ف ذلك العام تحرشت بالقدر أكثر، لرد على تشاإم بكل تلك الفجابع ال

."أم فقط، كان ذلك هو قانون الفجابع والكوارث الت ال تؤت سوى دفعة واحدة "ك تج تجبها شعرة.. وك تروح تقطع السبلسل

ة الحاة، الت كف لمصادفة رفعة كشعرة أن تؤتك بالسعادة والحب والحظ الذي لم تكن تتوقعه .كانت تلك عبث

ولكن.. عندما تنقطع تلك الشعرة الرفعة، فه تكسر معها كل السبلسل الت كنت مشدودا إلها، معتقدا أنها أقوى من أن تكسرها

!شعرة

قبلها لم أنتبه إلى أن لقاءك ذات وم، بعد ربع قرن من النسان، كان تلك المصادفة الرفعة كشعرة الت عندما جاءت جرت معها

.الم بؤكمله، وعندما رحلت قطعت كل سبلسل األحبلم، وسحبت من تحت سجاد األمانسعادة الع

، بعدما اعتقدت أنن ف حزران تلك الشعرة الت ها ه ذي وبعد ست سنوات، تعود الوم لتكسر آخر أعمدة بت، وتهد السقؾ عل

بق شء واحد قابم ف حات، مكن أن أخاؾ عله من دفعت ما كف من الضربة لنسان القدر بعض الوقت، بعدما لم 1=

..السقوط

:كنت أجهل حن ذاك المادة األولى ف قانون الحاة

."إن مصر اإلنسان إنما هو خبلصة تسلسبلت حمقاء.. ال ؼر"

***

.ة القومة مرة واحدةطعم المرارة الؽامضة، ومذاق الؤس القاتل، عندما جمع بن الخبات الذات 1=كان لبداة صؾ

ن: خبر صمتك المتواصل، وخبر الفجابع العربة .وكنت أعش بن خبر

كان قدري تربص ب هذه المرة من طرق آخر. فقد جاء اجتاح إسرابل المفاجا لبروت ف ذلك الصؾ، وإقامتها ف عاصمة

.ون عرب.. جاء نزل ب عدة طوابق ف سلم الؤسعربة لعدة أسابع.. على مرأى من أكثر من حاكم.. وأكثر من مل

ة، احتجاجا أذكر أن خبرا صؽرا انفرد ب وقتها وؼطى على بقة األخبار. فقد مات الشاعر اللبنان خلل حاوي منتحرا بطلقات نار

..بلعلى اجتاح إسرابل للجنوب الذي كان جنوبه وحده، والذي رفض أن تقاسم هواءه مع إسرا

ز فرد المرارة .كان لموت ذلك الرجل الذي لم أكن قد سمعت به من قبل، ألم مم

.فعندما ال جد شاعر شبا حتج به سوى موته.. وال جد ورقا كتب عله سوى جسده.. عندها كون قد أطلق النار أضا علنا

..ذهب قلب طوال تلك األام عند زاد

الشعراء فراشات تموت ف الصؾ". كان وقتها مولعا بالرواب الابان "مشما" الذي مات منتحرا أضا بطرقة كان قدما قول: "

..أخرى احتجاجا على خبة أخرى

تراه قالها ومها من وح أحد عناون مشما: "الموت ف الصؾ"، أم أنها فكرة مسبقة مادام دافع عنها بسرد قابمة بؤسماء

Page 85: ذاكرة الجسد.pdf

اء الذن اختاروا هذا الموسم لرحلوا؟الشعر

. فؤقول له مازحا : كنت أستمع إله آنذاك، وأحاول أن أقابل نظرته التشاإمة للصؾ بشء من السخرة، خشة أن نقل عدواه إل

."!"مكنن أن أسرد علك أضا عشرات األسماء لشعراء لم موتوا ف الصؾ

."!ضا من موتون بن صفن! " فبل أملك إال أن أجبه: "ا لعناد الشعراء.. وحماقتهمفضحك ورد: "طبعا .. هناك أ

عاد زاد إلى الذاكرة. ورحت أتساءل فجؤة أن مكن أن كون ف هذه األام؟

ف أة مدنة.. ف أة جبهة.. ف أي شارع، وكل الشوارع مطوقة، وكل المدن مقابر جاهزة للموت؟

م تصلن منه سوى رسالة واحدة قصرة، شكرن فها على ضافت. كان ذلك منذ رحله.. منذ ثمانة أشهر. فماذا تراه منذ رحل ل

أصبح منذ ذلك الحن؟

لم أكن قلقا عله حتى اآلن. فقد عاش دابما وسط المعارك والكمابن، والقصؾ العشواب. كان رجبل خافه الموت أو حترمه، فلم شؤ

.خذه بالجملةأن ؤ

.وبرؼم ذلك كانت عاطفة ؼامضة ما توقظ مخاوف. ورحت أتشاءم وأنا أتذكر كبلمه عن الصؾ.. وموت ذلك الشاعر منتحرا

ماذا لو كان الشعراء قلدون بعضهم ف الموت أضا ؟ ماذا لو لم كونوا فراشات فقط؟ لو كانوا مثل حتان البالن الضخمة حبون

ا ف المواسم نفسها.. على الشطآن ذاتها؟الموت جماع

."تاركا خلفه مسودة رواته األخرة "الصؾ الخطر 9;<9لقد انتحر )همنؽواي( أضا صؾ

فؤة عبلقة بن الصؾ وبن كل هإالء الروابن والشعراء الذن لم تبلقوا؟

بها القدر أو أتحداه، فعطن ف ذلك الصؾ تلك الصفعة الت لم أنهض كان ال بد أال أتعمق كثرا ف تلك الفكرة، وكؤنن أستدرج

.منها بعد، برؼم مرور السنوات

***

..مات زاد

وها هو خبر نعه قفز مصادفة من مربع صؽر ف جردة إلى العن.. ثم إلى القلب.. فتوقؾ الزمن. تكور النبؤ ؼصة ف حلق، فبل

.أصرخ.. وال أبك

.اب بشلل الذهول فقط، وصاعقة الفجعةأص

كؾ حدث هذا؟. وكؾ لم أتوقع موته ونظراته األخرة ل كانت تحمل أكثر من وداع؟

.مازالت حقبته هنا، ف خزانة ؼرفت تفاجبن عدة مرات ف الوم وأنا أبحث عن أشاب

لزاد لرحلته األخرة، أم كان فكر ف العودة لستقر هنا وعش إلى لقد عاد هناك دون أمتعة. أكان عرؾ أنه لن حتاج إلى كثر من ا

جوارك كما كنت أتوهم تحت تؤثر ؼرت؟

لم أسؤله ومها عن قراره األخر. لقد سكن الصمت بننا ف األام األخرة. وأصبحت أتحاشى الجلوس إله. وكؤنن أخاؾ أن عترؾ

.ل بؤمر أخشاه أو بقرار أتوقعه

قل شبا وهو سافر محمبل بحقبة د صؽرة. قال ل معتذرا فقط: "أال زعجك أن أترك هذه األام الحقبة عندك.. أنت تدري أن لم

"..مضاقات المطارات كثرة هذه األام، وال أرد أن أنقل أشاب مرة أخرى من مطار إلى آخر

."!ظرن ف المطار األخرثم أضاؾ بما شبه السخرة: "خاصة أن ال شء نت

.لم خطا حدسه إذن.. لم كن ف انتظاره سوى رصاصة الموت

"..مازلت أذكر قوله مرة: "لنا ف كل وطن مقبرة.. على د الجمع متنا.. باسم كل الثورات وباسم كل الكتب

!ولم تقتله قناعاته هذه المرة.. قتلته هوته فقط

.نخب ضحكته سكرت ذلك المساء

.نخب حزنه المكابر أضا .. ذلك الذي ال عادله حزن

.نخب رحله الجمل.. نخب رحله األخر

..بكته ذلك المساء

.ذلك البكاء الموجع المكابر الذي نسرقه سرا من رجولتنا

.وتساءلت أي رجل فه كنت أبك األكثر

ولم البكاء؟

Page 86: ذاكرة الجسد.pdf

.اد. مقاتبل ف معركة ما كما أراد أضا لقد مات شاعرا كما أراد.. ذات صؾ كما أر

.لقد هزمن حتى بموته

تذكرت وقتها تلك المقولة الرابعة للشاعر والرسام "جان كوكتو" الذي كتب وما سنارو فلم تصور فه موته مسبقا ، فتوجه إلى

:لموجعة الت كان تقنهابكاسو وإلى أصدقابه القبلبل الذن وقفوا بكونه، لقول لهم بتلك السخرة ا

."!ال تبكوا هكذا.. تظاهروا فقط بالبكاء.. فالشعراء ال موتون. إنهم تظاهرون بالموت فقط"

وماذا لو كان زاد تظاهر بالموت فقط؟ لو فعل ذلك عن عناد.. لقنعن أن الشعراء موتون حقا ف الصؾ وبعثون ف كل الفصول؟

..وأنت

ل أتاك خبر موته؟ أم سؤتك ذات وم وسط قصة أخرى وأبطال آخرن؟تراك تدرن؟ ه

وماذا ستفعلن ومها؟ أستبكنه.. أم تجلسن لتبن له ضرحا من الكلمات، وتدفنه بن دفت كتاب، كما تعودت أن تدفن على عجل

كل من أحببت وقررت قتلهم وما ؟

العنق والبدالت الفاخرة، بؤة لؽة سترثنه؟ هو الذي كان كره الرثاء، كراهته لربطات

.ف الواقع.. لقد هزمك زاد كما هزمن

.وضعك أمام الحد الفاصل بن لعبة الموت.. والموت. فلس كل األبطال قابلن للموت على الورق

.هنالك من ختارون موتهم وحدهم.. وال مكننا قتلهم لمجرد رواة

.واةوكان كذب.. كبطل جاهز لر

كان كابر ودع أن فلسطن وحدها أمه. وعترؾ أحانا فقط بعد أكثر من كؤس، أن ال قبر ألمه، تلك الت دفنت ف مقابر جماعة

.(لمذبحة أولى كان اسمها )تل الزعتر

.هاوإنهم أخذوا صورا تذكارة، ورفعوا عبلمات النصر ووقفوا بؤحذتهم على جثث.. قد تكون بنها جثت

.ولحظتها فقط كان بدو ل أنه بك

فلم البكاء زاد؟

ف كل معركة كانت لك جثة. ف كل مذبحة تركت قبرا مجهوال . وها أنت ذا تواصل بموتك منطق األشاء. فبل ش كان ف انتظارك ؼر

.قطار الموت

..أو قطار صبرا وشاتبل( 1=هنالك من أخذ قطار تل الزعتر، وهنالك من أخذ قطار )بروت

م أو ف بقاا بت، أو ف بلد عرب ما ..وهناك من هنا أو هناك، مازال نتظر رحلته األخرة، ف مخ

.وبن كل قطار وقطار.. قطار

.بن كل موت وموت.. موت

!فما أسعد الذن أخذوا القطار صدق. ما أسعدهم وما أتعسنا أمام كل نشرة أخبار

..م كثرت "وكاالت السفرات" و "الرحبلت الجماعة". أصبحت ظاهرة عربة حترفها كل نظام على طرقتهبعده

بعدهم أصبح الوطن مجرد محطة. وأصبحت ف أعماق كل منا سكة حددة تنتظر قطارا ما.. حزننا أن نؤخذه.. وحزننا أن سافر

.دوننا

..رحل زاد إذن

ة ف ركن خزانته، منذ عدة شهور، تؽط فجؤة على كل أثاث البت، وتصبح أثاث الوحد، حتى أنن ال وإذا بحقبته السود اء المنس

.أرى ؼرها

عندما أعود إلى البت. أشعر أنها تنتظرن وأنن على موعد معه. عندما أترك بت، أشعر أنن أهرب منها وأنها كانت بلؽزها جاثمة

.يعلى صدري، دون أن أدر

ولكن كؾ الهروب منها وه تتربص ب كل مساء، عندما أطفا جهاز التلفزون، وأجلس وحدا ألدخن سجارة قبل النوم فبدأ

..العذاب

وأعود إلى السإال نفسه: ماذا داخل هذه الحقبة.. وماذا أفعل بها؟

وحاجاتهم الخاصة. فتعود )أمؤ( إلى الذاكرة ومعها تلك األام أحاول أن أتذكر ماذا فعل الناس عادة بؤشاء الموتى. بثابهم مثبل

.المإلمة الت سبقت وتلت وفاتها

. فقد تعودت أن أراها ت لبسها أتذكر ثابها وأشاءها، أتذكر )كندورتها( العناب الت لم تكن أجمل أثوابها، ولكنها كانت أحب أثوابها إل

.ف كل المناسبات

Page 87: ذاكرة الجسد.pdf

حمل األكثر عطرها ورابحتها الممزة، رابحة فها شء من العنبر، شء من عرقها، وشء شبه بالاسمن كانت الثوب الذي

.المعتق. مزج من عطور طبعة بدابة، كنت أستنشق معها األمومة

للنساء الفقرات، البلت سؤلت عن تلك )الكندورة( بعد أام من وفاة )أما( فقل ل بشء من االستؽراب إنها أعطت مع أشاء أخرى

.حضرن إلعداد الطعام ف ذلك الوم

صرخت: "إنها ل.. كنت أردها.." ولكن خالت الكبرى قالت: "إن أشاء المت جب أن تخرج من البت قبل خروجه منه.. ما عدا

."بعض األشاء الثمنة الت حتفظ بها للذكرى أو للبركة

لذي لم فارق معصمها وما وكؤنها ولدت به، ماذا تراهم فعلوا به؟ومقاس )أما(.. ذلك السوار ا

.لم أجرإ على السإال

.كان أخ حسان الذي لم كن تجاوز السنوات العشر، ال ع شبا مما حدث حوله سوى وفاة )أما( وؼابها النهاب

:بت أصبح فجؤة لهنوكنت محاطا بحشد من النساء البلت كن قررن كل شء. كؤن ذلك ال

أن )مقاس( أما؟ من األرجح أن كون قد أصبح من نصب إحدى الخاالت، أو ربما استحوذ عله أب مع بقة صؽتها لقدمها هدة

.لعروسه الجددة

.كلما عدت إلى هذه الذكرى وتفاصلها، ازدادت عبلقت بهذه الحقبة تعقدا

طتها، قمة ال عبلقة لها بمقاس اآلخرن للتركة والمخلفات. فماذا أفعل بحقبة تركها صاحبها منذ فقد كان لبعض األشاء على بسا

ثمانة أشهر دون أة وصة أو توضح خاص.. ومات؟

اء هل أتصدق بها على الفقراء، مادامت أشاء الموتى جب أن تلحق بهم، أم أحتفظ بها كذكرى من صدق مادمنا ال نحتفظ إال باألش

الثمنة؟

أه عبء.. أم أمانة؟

وإذا كانت عببا.. لماذا أخذتها منه دون مناقشة، لماذا لم أقنعه بحملها معه، بحجة أنن قد أترك بارس مثبل ؟

وإذا كانت أمانة.. ألم تتحول بموت صاحبها إلى وصة. فهل نتصدق بوصاا الشهداء.. هل نضعها عند بابنا هدة ألول عابر سبل؟

، وأن محتواها وحده مكن أن حدد وكنت أدري خبلل تلك األام الت عشتها مسكونا بهاجس تلك الحقبة أنن أرهق نفس هباء

.قمتها وصفتها، وحدد بالتال ما مكن أن أفعله بها. ولذا بدأت أخافها فجؤة، أنا الذي لم أكن أعرها اهتماما من قبل

ي أضفى علها ذلك الطابع المربك، أم أنن ف الحققة، كنت أخاؾ أن تحمل ل سرك، تحمل شبا عنك ترى أكان موت زاد هو الذ

كنت أخاؾ أن أعرفه؟

***

.كان ال بد أن أفتح تلك الحقبة.. ألؼلق أبواب الشك

.أخذت ذلك القرار ذات للة سبت، بعد مرور أسبوع على قراءت خبر استشهاد زاد

ال آخر فقط، ال خلو من الحماقة، كؤن آخذها إلى مقر المنظمة وأسلمها ألحدهم هناك، لتكفل بإرسالها إلى أقرباء زاد كان هناك احتم

..ف لبنان أو ف مكان آخر

وأة ولكنن عدلت عن هذه الفكرة الساذجة وأنا أتذكر أنه لم عد لزاد من أهل ف لبنان. فلمن سسلمها هإالء.. وعند أة قبلة

فصلة سنته مصرها؟

من سكون "أبوها".. وهنالك أكثر من "أبو" عتقد أنه نفرد وحده بؤبوة القضة الفلسطنة، وأنه الورث الشرع الوحد للشهداء..

وأن اآلخرن خونة؟

ومن أدران على د من مات زاد؟

أما كان قول: "لقد حولوا "القضة" إلى قضاا.. حتى مكنهم قتلنا تحت على د المجرمن "اإلخوة".. أم على د المجرمن األعداء؟

"..تسمة أخرى ؼر الجرمة

فبؤة رصاصة مات زاد.. وخرة الشباب الفلسطن قتل برصاص فلسطن.. أو عرب ال ؼر؟

.ف ذلك المساء.. ارتجفت دي وأنا أفك أقفال تلك الحقبة

.نن أملك دا واحدةشء ما جعلن أتذكر أ

لم تكن الحقبة مؽلقة بمفتاح وال بؤقفال جانبة. وكؤنه تعمد أن تركها ل شبه مفتوحة كما ترك أحد الباب مواربا ، ف دعوة صامتة

.للدخول

خول عالمه الخاص دون شعرت بشء من االرتاح لهذه "االلتفاتة"، ولهذا اإلذن السابق أو المتؤخر عن أوانه، الذي منحه ل زاد لد

Page 88: ذاكرة الجسد.pdf

..إحراج

تراه فعل ذلك ألنه كان كره األقفال المخلوعة، واألبواب المفتوحة عنوة كراهته للمخبرن وألقدام العسكر؟

أم ألنه كان توقع وما كهذا؟

..كل هذه االفتراضات لم تمنع قشعررة من أن تسري ف جسدي، وفكرة أخرى تعبرن

أنه ذاهب إلى الموت. وهذه الحقبة كانت معدة ل منذ البداة. وكان بإمكان أن أفتحها منذ عدة شهور. فه لم لقد كان عرؾ مسبقا

.تعد موجودة بالنسبة إله منذ أن ؼادر هذا البت

.إنها طرقته ف قطع جذور الذاكرة.. كالعادة

.وألقت نظرة أولى على ما فهارفعت النصؾ الفوق للحقبة، بعد أن وضعتها على طرؾ السرر..

معا ، وأنا أرى ثابه أمام، ألمس كنزته الصوفة الرمادة، وجاكته الجلدي األسود الذي تعودت أن وإذا بالموت والحاة هجمان عل

..أراه به

بالقوة نفسها من ثناا تلك ها أنا أملك حجة حضوره، وحجة موته.. وحجة حاته. وها ه رابحة الحاة والموت تنبعثان معا و

.الحقبة

.ها أنا معه ودونه.. أمام بقااه

.ثاب.. ثاب.. أؼلفه خارجة لكتاب بشري

.واجهة قماشة لمسكن من زجاج

.انكسر المسكن وظلت الواجهة، ذاكرة مثنة ف حقبة، فلماذا ترك ل الواجهة؟

. ؼبلفه البلمع الشفاؾ.. لم فتح بعد. أستنتج دون جهد أنه هدة منكبن الثاب قمص حرري سماوي اللون، مازال ف

ثم ثبلثة أشرطة موسقة، أحدها لتودوركس، واألخرى مقطوعات كبلسكة أضعها جانبا وأنا أتذكر أن زاد كلما سافر ترك ل

.أشرطة وكتبا .. وثابا .. وحبا معلقا أضا

الت ترك أشاءه مجموعة ف حقبة، مرتبة بعناة وكؤنه أعدها لنفسه وجمع فها مل ما حب استعدادا ولكن هذه ه المرة األولى

لسفر ما. كؤنه أراد أن ؤخذها معه حث سذهب وحث كان رد أن رتدي جاكته األسود المفضل.. وستمع إلى موسقى

!تودوركس

صاب بهزة أولى. ترتعش دي، تتوقؾ لحظات قبل أن تمسك بالكتاب. أجلس على طرؾ وفجؤة تقع دي على رواتك أسفل الحقبة. فؤ

.السرر قبل أن أفتحه. وكؤنن سؤفتح طردا ملؽوما

.أتصفح الكتاب بسرعة. وكؤنن ال أعرفه

ة. دون توقع أو إهداء. فؤشعر ثم أتذكر شبا .. وأركض إلى الصفحة األولى بحثا عن اإلهداء، فتقابلن ورقة بضاء.. دون كلمة واحد

.بنوبة حزن تشل دي، وبرؼبة ؼامضة للبكاء

لمن منا أهدت نسختك المزورة؟ وكبلنا ملك نسخة دون توقع؟

من منا أوهمته أنه سكن الصفحات الداخلة للكتاب_ كما سكن قلبك_ وأنه لس ف حاجة إلى إهداء؟

!ا _ لدرجة أنه قرر أن ؤخذ معه هذه الرواة لعد قراءتها، حث سذهب.. هناكوهل صدقك زاد.. هل صدقك _هو أض

كانت تلك الصفحة البضاء كافة إلدانتك. كانت تقول بالكلمات الت لم تكتب، أكثر مما كان مكن أن تكتب.. فهل كان مهما بعد ذلك أال

أجد أة رسالة لك ف تلك الحقبة؟

.الكتابة على باض.. ووحدي كنت أعرؾ ذلك لقد كنت امرأة تتقن

.ما عدا رواتك لم أجد سوى مفكرة سوداء متوسطة الحجم موضوعة أسفل الحقبة_أضا _ كسر عمق

ما كدت أرفعها حتى وقعت منها "البطاقة البرتقالة" الت كان ستعملها زاد للتنقل بالمترو. داخلها قصاصة بتارخ )أكتوبر( الشهر

.ألخر الذي رحل فها

..أنظر على تلك البطاقة على عجل، وأنا ال أفكر إال ف اإلطبلع على تلك المفكرة. ولكن صورته تستوقفن

..مربكة صور الموتى

.ومربكة أكثر صور الشهداء. موجعة دابما . فجؤة صبحون أكثر حزنا وأكثر ؼموضا من صورتهم

.بح أبشع منهمفجؤة.. صبحون أجمل بلؽزهم، ونص

.فجؤة.. نخاؾ أن نطل النظر إلهم

!فجؤة.. نخاؾ من صورنا القادمة ونحن نتؤملهم

Page 89: ذاكرة الجسد.pdf

.كم كان وسما ذاك الرجل

ة الت ال تفسر لها. ها هو حتى ف صورة سرعة تلتقط له ف ثبلث دقابق، بخمسة فرنكات، مكنه أن تلك الوسامة الؽامضة المخف

.كون ممزا

.كنه أن كون حتى بعد موته مؽرا ، بذلك الحزن الؽامض الساخر. وكؤنه سخر من لحظة كهذهم

وأفهم مرة أخرى أن تكون أحببته. لقد أحببته قبلك بطرقة أخرى. كما نحب شخصا نعجب به ونرد أن نشبهه، لسبب أو آلخر. فنكثر

تقد ف أعماقنا أن الجمال والجنون والموهبة والصفات الت تبهرنا فه قد من الجلوس إله والخروج برفقته والظهور معه. وكؤننا نع

.تكون قابلة للعدوى واالنتقال إلنا عن طرق المعاشرة

أة فكرة حمقاء كانت تلك! لم أكتؾ أنها كانت سبب كارثت إال مإخرا . عندما قرأت قوال رابعا لكاتب فرنس )رسام أضا ..( "ال تبحث

"!ل..ألنك عندما تجده، تكون قد شوهت نفسكعن الجما

.ولم أكن فعلت شبا ؼر هذه الحماقة

..أعدت بطاقته وصورته إلى الحقبة، ورحت أقلب تلك المفكرة

كنت أشعر أنها تحمل شبا قد فاجبن، قد عكر مزاج وشرع الباب للعواصؾ المتؤخرة عن مواسمها. فماذا تراه كتب ف هذا

؟الدفتر

..كنت أدري أن الحققة تولد صؽرة دابما . وكنت أشعر أن الحققة هنا كانت صؽرة ف حجم مفكرة جب. فخفت المفكرة

..بحثت عن سجارة أشعلها. واستلقت على ذلك السرر ألتصفح جرح على مهل

ات الهامشة.. ثم بقصابد أخرى تشؽل وحدها أحانا كانت الصفحات تتالى ملبة بالمقاطع الشعرة المبعثرة بن تارخ وآخر. بالكتاب

صفحتن أو ثبلثا . ثم خواطر قصرة من بضعة سطور مكتوبة وسط الصفحة بلون أحمر دابما .. وكؤنه كان رد أن مزها عن بقة ما

.كتب

.ربما ألنها لم تكن شعرا وربما ألنها كانت أهم من الشعر

من أي مدخل أدخل هذه الدهالز السرة لزاد، الت حلمت دابما بالتسلل إلها عسان أكتشفك فها؟من أن أبدأ هذه المفكرة؟..

كانت العناون تستوقفن، فؤبدأ ف قراءة قصدة. أحاول فك لؽز الكلمات المتقاطعة.. أبحث عنك وسط الرموز تارة، ووسط التفاصل

.األكثر اعترافا أحانا أخرى

ن أتركها وألهث مسرعا إلى صفحة أخرى، بحثا عن حجج أخرى، عن إضاحات أكثر، عن كلمات تقول ل باألسود ثم ال ألبث أ

.واألبض.. ما الذي حدث

ولكنن كنت ف الواقع على درجة من االنفعال واألحاسس المتطرفة المتناقضة الت كانت تكاد تشل تفكري، وتجعلن عاجزا عن

.أ وما أتوهم قراءتهالتمز بن ما أقر

كان منظر تلك الحقبة المفتوحة أمام بؤشابها المبعثرة، وبذلك الدفتر األسود الصؽر الذي كنت ممسكا به تجعلن أخجل من نفس

ا الدفتر ف تلك اللحظة. وكؤنن بفتحها لم أفعل شبا ؼر تشرح جثة زاد المبعثرة بؤشابها وأشبلبها على سرري، ألخرج منها هذ

.الذي هو قلبه ال ؼر

قلب زاد الذي نبض وما لك، والذي هاهو الوم حتى بعد موته بواصل نبضه بن دي على وقع الكلمات المشحونة حسرة وخوفا ..

..حزنا .. وشهوة

على جسدي مرري شفتك"

فما مرروا ؼر تلك السوؾ عل

أشعلن أا امرأة من لهب

حب وما قربنا ال

باعدنا الموت وما

..وحكمنا حفنة من تراب

تقربنا شهوة للجسد

ثم وما

باعدنا الجرح لما صر بحجم جسد

توحدت فك

أا امرأة من تراب ومرمر

Page 90: ذاكرة الجسد.pdf

..سقتك ثم بكت وقلت

..أمرة عشق

أمرة موت

تعال!؟

رة، بشك جدد كل مرة، وتساءلت بعجز من ال حترؾ الشعر.. أن نته الخال.. كم من مرة قرأت هذا المقطع. بؤحاسس جددة كل م

وأن بدأ الواقع؟

أن قع الحد الفاصل بن الرمز والحققة؟

.كانت كل جملة تلؽ الت سبقتها. وكانت المرأة هنا جسدا ملتحما باألرض إلى حد لم عد فه الفصل أو التمز بنهما ممكنا

:لكن كانت هناك كلمات ال تخطا بواقعتها وبشهوتها المفضوحةو

"مرري على جسدي شفتك"

"أشعلن أا امرأة من لهب"

"تقربنا شهوة للجسد"

"توحدت فك"

أكانت الثورة إذن حشوا من الكلمات ال أكثر برأ بها زاد نفسه؟

ة كبر ."..اء.. مراوؼة شخصة.. "أمرة موت.. تعالكان فضل أن هزمه الموت وال تهزمه امرأة. قض

ها هو الموت جاء أخرا . وأنت تراك جبت ف ذلك الوم؟

هل انفرد بك حقا .. أمررت على جسده شفتك.. أأشعلته.. أتوحد فك.. وهل..؟

.من األرجح أن كون ذلك قد حصل. فتارخ هذه القصدة صادؾ تارخ سفري إلى إسبانا

.القلب قد بدأ طفح بعاطفة ؼربة ال عبلقة لها بالؽرة كان

ر طعم المرارة ف هذه الحاالت .نحن ال نشعر بالؽرة من الموات.. ولكننا ال مكن أن نؽ

.فهل أمنع عن اللتن ستوقفهما اللون األحمر، من أن تقرأ هذه الخاطرة.. دون دموع

لم بق من العمر الكثر"

قفة ف مفترق األضدادأتها الوا

..أدري

ستكونن خطبت األخرة

.أسؤلك

حتى متى سؤبقى خطبتك األولى

لك متسع ألكثر من بداة

.وقصرة كل النهاات

إن أنته اآلن فك

"!فمن عط للعمر عمرا صلح ألكثر من نهاة

..تستوقفن بعض الكلمات، وتستدرجن إلى الذهول

."..بر األحمر فجؤة لونا شبها بدم وردي خجول تدحرج على ورق.. لصبح لون "خطبتك األولىوؤخذ الح

!فؤسرع بإؼبلق تلك المفكرة وكؤنن أخاؾ إن أنا واصلت قلب الصفحات، أن أفاجبكما ف وضع لم أتوقعه

.حضرن كبلم قاله زاد مرة ف زمن بعد.. بعد

را آلدم، ألنه وم قرر أن ذوق التفاحة لم كتؾ بقضمها، وإنما أكلها كلها. ربما كان دري أنه لس هناك من قال: "أنا أكن احترما كب

أنصاؾ خطاا وال أنصاؾ ملذات.. ولذلك ال وجد مكان ثالث بن الجنة والنار. وعلنا _تفادا للحسابات الخاطبة_ أن ندخل إحداهما

"!بجدارة

فلسفة زاد ف الحاة. فما الذي إلمن الوم ف أفكار شاطرته إاها؟كنت آنذاك معجبا ب

ترى كونه سرق تفاحته هذه المرة من حدقت السرة؟ أم كونه راح قضمها أمام.. بشهة من حسم اختاره وارتاح؟

ال تملك األشجار إال"

Page 91: ذاكرة الجسد.pdf

أن تمارس الحب واقفة أضا

ا نخلة عشق.. قف

الؽابات الت وحدي حملت حداد

أحرقوها

لرؼموا الشجر على الركوع

"واقفة تموت األشجار"

تعال للوقوؾ مع

ع فك رجولت أرد أن أش

"..إلى مثواها األخر

.فجؤة بدأت أشعر بحماقة فتح تلك المفكرة

.أتعبتن تؤوبلت الشخصة لكل كلمة أصادفها

.ء ال أرد أن أكره زاد الوم. ال أستطع ذلكوبدأت أشعر بالندم. فؤنا برؼم كل ش

.لقد منحه الموت حصانة ضد كراهت وؼرت. وها أنا صؽر أمامه وأمام موته

ها أنا ال أملك شبا إلدانته، سوى كلماته القابلة ألكثر من تؤول. فلماذا أصر على تؤولها األسوأ؟

أنه شاعر حترؾ االؼتصاب اللؽوي، نكاة ف العالم الذي لم خلق على قاسه، بل ربما لماذا أطارده بكل هذه الشبهات، وأنا أدري

خلق على حسابه. فهل أطلق النار عله بتهمة الكلمات؟

لقد ولد هكذا واقفا .. وال قدر له سوى قدر األشجار. فهل أحاسبه حتى على طرقة موته.. وعلى طرقة حبه؟

.فا وأذكر اآلن أنن عرفته واق

أذكر ذلك الوم الذي زارن فه ف مكتب ألول مرة، عندما أبدت له بعض مبلحظات عن دوانه، وطلبت منه أن حذؾ بعض

.القصابد

أذكر صمته، ثم نظرته الت توقفت بعض الوقت عند ذراع المبتورة، قبل أن قول تلك الجملة الت كانت بعد ذلك سببا ف تؽر

"..ال ل: "ال تبتر قصابدي..سدي، رد ل دوان. سؤطبعه ف بروتمجرى حات. ق

لماذا قبلت إهانته ومها، دون رد؟ لماذا لم أصفعه بدي الثانة ؼر المبتورة وأرم له بمخطوطه؟

أألنن احترمت فه شجاعة األشجار ووحدتها، ف زمن كانت فه األقبلم سنابل تنحن أمام أول رح؟

.عرفت زاد.. وواقفا ؼادرن واقفا

.أما مخطوط تركن كؤول مرة. ولكن دون أي تعلق هذه المرة

.لقد أصبح بننا _منذ ذلك الحن_ تواطإ الؽابات... والوم صمتها

ا دب ف فجؤة استقظت داخل بقاا مهنة سابقة. ورحت أقلب ذلك الدفتر وأعد صفحاته وأتصفحها بعن ناشر. وإذ بحماس مفاج

.قلب وؽط على بقة األحاسس. وقرار جنون سكنن

.سؤنشر هذه الكتابات ف مجموعة شعرة، قد أسمها "األشجار" أو "مسودات رجل أحبك".. أو عنوانا آخر قد أعثر عله أثناء ذلك

فهكذا نتقم الشعراء دابما من القدر الذي طاردهم المهم.. أن تصدر هذه الخواطر األخرة لزاد. أن أمنحه عمرا آخر ال صؾ فه..

..كما طارد الصؾ الفراشات

إنهم تحولون إلى دواون شعر. فمن قتل الكلمات؟

***

..أنقذن دفتر زاد من الؤس دون أن أدري

ها وأنا أنسخ قصدة، أو أبحث عن منحن مشارع ألام كانت فارؼة من أي مشروع. فقد حدث ف تلك األام أن قضت ساعات بؤكمل

.عنوان ألخرى، وأحاول ترتب فوضى تلك الخواطر والمقاطع المبعثرة، لوضعها ف ساق صالح للنشر

..كنت أشعر بلذة ومرارة معا

.لذة االنحاز للفراشات، وبعث الحاة ف كلمات وحدي أملك حق وأدها ف مفكرة، أو منحها الخلود ف كتاب

..ارة أخرىومر

مرارة التنقب ف أوراق شاعر مات، والتجول ف دورته الدموة، ف نبضه وحزنه ونشوته، ودخول عالمه المؽلق السري دون

Page 92: ذاكرة الجسد.pdf

.تصرح وال رخصة منه، والتصرؾ نابة عنه ف االختار وف اإلضافة والحذؾ

ر موكل بمهمة كهذه؟أحقا كنت أملك صبلحة كهذه..؟ ومن مكن أن دع أنه لسبب أو آلخ

ولكن من جرإ أضا على الحكم بالموت على كلمات اآلخرن، وقرر االستحواذ علها وحده؟

كنت أدري ف أعماق، أنه إذا كان لموت الشعراء والكتاب نكهة حزن إضافة، تمزهم عن موت اآلخرن، فربما تعزى لكونهم وحدهم

.ككل المبدعن، رإوس أقبلم.. رإوس أحبلم، ومسودات أشاء لم تكتملعندما موتون تركون على طاولتهم

.ولذا فإن موتهم حرجنا.. بقدر ما حزننا

أما الناس العادون، فهم حملون أحبلمهم وهمومهم ومشاعرهم فوقهم. إنهم لبسونها كل وم مع ابتسامتهم، وكآبتهم، وضحكتهم،

.وأحادثهم، فتموت أسرارهم معهم

.البدء، كان سر زاد حرجن، قبل أن ستدرجن إلى البوح، وإذا بكتاباته تخلق عندي رؼبة ال تقاوم للكتابةف

رؼبة كانت تزداد ف تلك المرات الت كنت أشعر أن كلماته ال تطال أعماق، وأنها أقصر من جرح. ربما ألنه كان جهل النصؾ

.اآلخر للقصة، تلك الت كنت أعرفها وحدي

متى ولدت فكرة هذا الكتاب؟

ترى ف تلك الفترة الت قضتها محاصرا بإرث زاد الشعري، ف ذلك اللقاء ؼر المتوقع ل مع األدب والمخطوطات الت انفصلت

عنها منذ انفصال عن وظفت.. منذ عدة سنوات ف الجزابر؟

فسه موعدا متؤخرا معها؟أم ف لقاب ؼر المتوقع اآلخر، مع مدنة حجز ل القدر ن

..أكان مكن ل أن أجد نفس وجها لوجه مع قسنطنة، دون سابق إنذار، دون أن تنفجر داخل الدهشة، شبلالت شوق وجنون وخبة

!فتجرفن الكلمات.. إلى حث أنا

فصل الخامسال

مازلت

شرة األخبارأذكر ذلك السبت العجب.. عندما رن الهاتؾ ذلك المساء بتوقت ن .

.كان س الشرؾ على الخط بحرارة وشوق أسعدان ف البداة، وأخرجان من رتابة صمت اللل ووحدته

.كان صوته عندي عدا بحد ذاته والصلة الوحدة الت ظلت تربطن بك، بعدما سدت كل الطرق الموصلة إلك

بك بطرقة أو بؤخرى وكنت أستبشر خرا به. إنه حمل دابما احتمال لقاء .

..ولكنه هذه المرة كان حمل ل أكثر من هذا

راح س الشرؾ عتذر أوال عن انقطاعه عن منذ سهرتنا األخرة، بسبب مشاؼله الكثرة، وزارات المسإولن الت ال تتوقؾ إلى

:بارس.. قبل أن ضؾ

" الصالون وأصبحت أتقاسم معك البت.. أتدري، لقد تركت التفاتتك تلك أثرا إنن لم أنسك طوال هذه الفترة.. لقد علقت لوحتك ف

."كبرا ف نفس، وخلقت ل أكثر من حاسد.. وكل مرة ال بد أن أشرح لآلخرن صداقتنا وعبلقتنا الت تعود إلى أام الشباب

..كنت أستمع له وكان القلب قد ذهب بحماقة على عجل إلك

أن تلك المكالمة تؤت من بت أنت فه، ألعود عاشقا مبتدبا بكل انفعاالت العشاق وحماقاتهم كان كف أن أعرؾ .

:ولكن صوته أعادن إلى الواقع عندما سؤلن

..أتدري لماذا طلبتك الللة؟ إنن قررت أن أصحبك مع إلى قسنطنة.. لقد أهدتن لوحة عن قسنطنة وأنا سؤهدك سفرة إلها -

حت متعجبا ص :

قسنطنة.. لماذا قسنطنة؟ -

:قال وكؤنه زؾ ل بشرى

..لحضور عرس ابنة أخ الطاهر -

.ثم أضاؾ بعد شء من التفكر

Page 93: ذاكرة الجسد.pdf

..ربما تذكرها. لقد حضرت افتتاح معرضك منذ شهور مع ابنت نادا .. -

احدةشعرت فجؤة أن صوت انفصل عن جسدي، وأنن عاجز عن أن أجب بكلمة و .

أمكن للكلمات أن تنزل صاعقة على شخص بهذه الطرقة؟

أمكن للجسد أن صبح إثر كلمة، عاجزا عن اإلمساك بسماعة؟

..حدث ف لحظات كهذه، أن أتذكر فجؤة أنن أملك دا واحدة

.سحبت بقدم كرسا مجاورا وحلست عله

ذهول قاببل وربما الحظ س الشرؾ صمت وحدوث شء ما.. فقطع :

ا خوا.. ما الذي خفك ف سفر كهذا؟ لقد جاء ذكرك منذ أام ف جلسة مع بعض األصدقاء ف األمن، وأكدوا ل أنه ال توجد أة -

و ف تعلمات ف شؤنك، وأن بإمكانك أن تزور الجزابر متى شبت. لقد تؽرت األمور كثرا منذ مجبك، وال بد أن تعود إلى الجزابر ول

زارة خاطفة.. إنن أتحمل مسإولة عودتك.. ستسافر مع وعلى حساب.. فما الذي قلقك إلى هذا الحد؟

:أجبته وأنا أبحث عن مخرج لتوتري

..الحققة أنن لست مستعدا نفسا بعد لزارة كهذه.. وأفضل أن تكون ف ظروؾ أخرى -

:قال

دة.. أنا واثق من أنن إذا لم أجرك هكذا من دك هذه المرة، فقد تمض عدة سنوات أخرى قبل أنت لن تجد ظروفا أحسن من هذه للعو -

أن تعود إلها. هل ستقض عمرك ف رسم قسنطنة؟ ثم أال سعدك حضور زواج ابنة س الطاهر؟ إنها ابنتك أضا ، لقد عرفتها طفلة

..أن تقؾ مع ف ذلك الوم مكان س الطاهر وجب أن تحضر عرسها للبركة.. افعل هذا لوجه أبها، جب

كان س الشرؾ عرؾ نقطة ضعف، ودري مكانة س الطاهر عندي. فراح حرك ما تبقى داخل من وفاء لماضنا وذاكرتنا

.المشتركة

.كان ف ذلك الموقؾ شء من السرالة والبلمعقول

..ن الضحك والبكاءكنت أقؾ على الحد الفاصل بن العقل والجنون، ب

لقد عرفتها طفلة.." ال ا صدق! عرفتها أنثى أضا وهذه ه المشكلة. "إنها ابنتك أضا .." ال لم تكن ابنت، كان مكن فقط أن "

.تكون زوجت.. كان مكن أن تكون ل

:سؤلته

لمن ستكون؟ -

:قال

قال عنهأعطتها لـ )س....( لقد سهرت معه المرة الماضة.. ال - . أدري ما رأك فه، ولكنن أعتقد أنه رجل طب برؼم ما

.كان ف جملته األخرة جواب مسبق على رد كان توقعه

!س....( إذن وال أحد ؼره)

.رجل طب.." هل الطبة ه حقا صفته الممزة األولى؟ أعرؾ أنا أكثر من رجل طب كان مكن إذن أن صبح زوجها"

س....( كان أكثر من ذلك. كان رجل الصفقات السرة والواجهات األمامة. كان رجل العملة الصعبة والمهمات الصعبة. كان ولكن )

رجل العسكر.. ورجل المستقبل. فهل مهم بعد هذا أن كون طبا أو ال كون؟

سؤل س الشرؾ سإاال واحدا فقط: تراه عتقد تجمعت ف الحلق أكثر من ؼصة، منعتن من أن أبدي رأ فعبل ف ذلك الشخص، وأ

حقا أن بإمكان رجل ال أخبلق له.. أن كون طبا ؟

أم تران صمت ألنن كنت بدأت ال أفرق كثرا بنه وبن "صهره" وأنا أسؤل نفس سإاال آخر.. هل مكن لشخص تصاهر مع رجل

قذر.. أن كون نظفا حقا ؟

:م. أخرستن الصدمات المتتالة ف مكالمة واحدة. فاختصرت كل الكبلم ف جملة واحدة قابلة ألكثر من تفسرفقدت فجؤة شهة الكبل

..كل شء مبروك -

:رد س الشرؾ حسب التقالد

..هللا هنك.. وبارك فك -

Page 94: ذاكرة الجسد.pdf

:ثم أضاؾ بسعادة من نجح ف امتحان

ولو.. أطلبن هاتفا ك نتفق على تفاصل :9أام تقربا فالزواج سكون ف إذن سنراك..ران نعول علك.. سنسافر بعد عشرة-

.سفرك

.انتهت المكالمة، وبدأت مرحلة جددة من حات

بدأ عمري اآلخر الذي أعلنت ومها رسما خروجك منه. ولكن.. هل خرجت حقا ؟

بعات بلون واحد ال ؼر.. وكل القطع أصبحت قطعة واحدة أمسكها أحسست أن رقعة الشطرنج أصبحت فارؼة إال من. كانت كل المر

!وحدي.. بد واحدة

فهل كنت الرابح أم الخاسر الوحد.. كؾ ل أن أعرؾ ذلك؟ لقد تقلصت الرقعة، ومعها مساحة األمل والترقب، حسمها طرؾ آخر، كنا

!نلعب جمعا منذ البدء نابة عنه: إنه القدر

القدر أحانا ، ولكن كنت كثرا ما أستسلم له دون مقاومة. بلذة ؼامضة وبفضول رجل رد أن عرؾ كل مرة، إلى كنت أحقد على ذلك

أي حد مكن لها القدر أن كون أحمق، ولهذه الحاة أن تكون ؼر عادلة، وأن تكون عاهرة ال تهب نفسها سوى لذوي الثروات

..ؽتصبونها على عجلالسرعة، وألصحاب السلوك المشبوه الذن

وعندها كنت أجد سعادت النادرة ف مقارنة نفس بتفاهة اآلخرن. وأجد ف هزابم الذاتة، دلبل على انتصارات أخرى لست ف

.متناول الجمع

البعض دون تران ف لحظة جنون كهذه قبلت أن أحضر عرسك، وأن أكون شاهدا على مؤتم، وعلى الحقارة الت مكن أن صلها

خجل؟

ا بتفوق، وأصر ف ؼاب السعادة المطلقة، أن أعش حزن المطلق، وأن أذهب معك إلى أبعد أم تران ككل المبدعن، كنت مازوش

هذا القلب بنفس لشفى منك؟ نقطة ف تعذب النفس، فؤمارس ك

.كرهتك ذلك الوم بشراسة لم أكن عرفتها من قبل

.مرة واحدة إلى عاطفة جددة، فها مزج من المرارة والؽرة والحقد.. وربما االحتقار أضا انقلبت عواطف

ما الذي أوصلك هنا؟

!وهل النساء حقا مثل الشعوب، شعرن دابما بإؼراء.. وبضعؾ ما تجاه البدالت العسكرة.. حتى الباهتة منه؟

هب إلى قسنطنة لحضور عرسك؟ما زلت حتى الوم أتساءل.. كؾ قبلت ومها أن أذ

.كنت أعرؾ مسبقا أن دعوت لم تكن مجرد نة حسنة، والتفاتة ود وصداقة لرجل تجمعن به أكثر من قرابة

.رةولكن كانت قبل كل شء، استؽبلال للذاكرة واستعماال سبا السم من األسماء القللة الت ظلت نظفة ف زمن انتشر فه وباء القذا

..ان س الشرؾ دري أنه سقوم بصفقة قذرة، وأنه بع بزواجه اسم أخه، وأحد كبار شهدابنا مقابل منصب وصفقات أخرىك

.وأنه تصرؾ باسمه، بطرقة لم كن لقبلها لو كان حا

.وكان لزمه أنا.. وال أحد ؼري ألبارك اؼتصابك، أنا صدق س الطاهر الوحد ورفق سبلحه

.الهكل المفتت األطراؾ األخر، الذي بق من ذلك الزمن الؽابرأنا

سكت بحضوري ضمره وعتقد أن س الطاهر سؽفر له، هو الذي عاش من اسمه طوبل .كانت تلزمه مباركت، ل

فلماذا قبلت الدخول ف تلك اللعبة؟ لماذا قبلت دون نقاش أن أسلمك ألظافرهم؟

قضة شكلة، لن تقدم ولن تإخر ف شء، وأنه لو لم زوجك من )س....( لكنت من نصب )س....( آخر أألنن أدري أن مباركت

.من السادة الجدد

!فماذا هم ف النهاة، أي اسم من أسماء األربعن لصا ستحملن

كان بلحقن وطاردن من األزل، كما طارد لماذا قبلت السفر.. ألكل هذا أم ألنن استسلمت إلؼراء قسنطنة، ولندابها السري الذي

..نداء الحورات ف الجزر المسحورة أولبك البحارة الذن نزلت على بواخرهم لعنة اآللهة

أم تران كنت عاجزا عن أن أخلؾ موعدا معك، حتى ولو كان ذلك مناسبة زواجك؟

را أخذته خارج المنطق؟هنالك قرارات ولدة ضدها، فكؾ مكن ل الوم أن أفسر قرا

كنت كعالم فزاب مجنون، رد أن جمع بن صؽتن متفجرتن ف الوقت نفسه: أنت.. وقسنطنة، صؽتن صنعتهما بنفس ف

Page 95: ذاكرة الجسد.pdf

.نوبة شوق وعشق وجنون، قست قدرتهما التدمرة كبل على انفراد، وأردت أن أجربهما معا كما تجرب قنبلة ذرة ف صحراء

أن أعشهما معا ف انفجار داخل واحد.. هزن وحدي.. دمرن وحدي.. وأخرج بعده من وسط الحرابق والدمار، إما رجبل أردت

.آخر.. وأشبلء رجل

ألم تقول مرة إن هناك رؼبة سرة تسكننا جمعا اسمها "شهوة اللهب"؟

.اكتشفت بعدها بنفس التطابق بنك وبن تلك المدنة

..ا معا ، شء من اللهب الذي لم نطفا.. وقدرة خارقة على إشعال الحرابقكان فكم

ولكنكما معا ، كنتما تتظاهران بإعبلن الحرب على المجوس. إنه زؾ المدن العرقة المحترمة.. ونفاق بنات العاببلت.. ألس كذلك؟

***

.رح ممزة.. دون ارتباك وال أي خجل واضحجاء صوتك وم االثنن هكذا دون مقدمات. دون أة نبرة حزن أو ف

، وكؤنك تواصلن حدثا بدأناه البارحة، كؤن صوتك لم عبر هذا الخط الهاتف منذ أكثر من ستة أشهر .ورحت تتحدثن إل

!ما أؼرب عبلقتك بالزمن.. وما أؼرب ذاكرتك

أهبل خالد.. هل أقظتك؟ -

:صح أن أقول نعم. ولكنن قلت بصوت من خرج من ؼبوبة عشقكان مكن أن أقول ال، وكان من األ

!أنت..؟ -

:ضحكت.. تلك الضحكة الطفولة الت أسرتن وما وقلت

!أعتقد أنن أنا.. هل نست صورت؟ -

:ثم أضفت أمام صمت

كؾ أنت؟ -

..أحاول أن أصمد -

تصمد ف وجه من.؟ -

..ف وجه األام -

:ء من الصمت.. وكؤنك شعرت بذنب ماقلت بعد ش

..كلنا نحاول ذلك -

:ثم أضفت

هل أخباري ه الت أزعجتك؟ -

!عجب سإالك. عجب كذاكرتك. كعبلقتك بمن تحبن

:قلت

.أخبارك لست سوى جزء من تقلبات األام -

:أجبت ببراءة كاذبة

قد سمعت عم تحدث إلك أمس على الهاتؾ، وتعجبت أن تكون قبلت المجء كنت أتوقع أن تستقبل خبر زواج بطرقة أخرى. ل -

.. فؤنا أرد أن تحضر إلى إلى قسنطنة دون مناقشة أو تردد. لقد أسعدن ذلك كثرا ، وقررت أن أطلبك.. استنجت أنك لم تعد عاتبا عل

..هذا العرس.. من الضروري أن تحضر

.لى مكالمت السابقة مع س الشرؾ، وإلى ذلك الموقؾ العجب، عندما كان قنعن أنك ابنتال أدري لماذا أعادتن كلماتك إ

..شعرت مرة أخرى أنن أقؾ على الحد الفاصل بن العقل والبلعقل، بن البكاء والضحك

:سؤلتك بشء من المرارة الساخرة

..أتمنى أن أفهم سر إصراركم جمعا على حضوري -

:قلت

بت عن المجءس - ..بب إصرار عم على حضورك ال همن إطبلقا . ولكنن أدري أنن سؤكون تعسة لو تؽ

:أجبتك بتهكم

هل السادة .. آخر هوااتك؟ -

Page 96: ذاكرة الجسد.pdf

:قلت بنبرة فاجؤتن

.لقد أحببت هذه المدنة من أجلك -

."..قد أحببتك وم قرأتك" فقلت "كان نبؽ أال تقرأنأجبتك بتلك الطرقة نفسها الت أجبتن بها وما ، وأنا أعترؾ لك "ل

:قلت

..كان نبؽ أال تحبها إذن -

..وإذا بجوابك دهشن.. وقظن.. وبث شحنة كهربابة ف جسدي

!ولكنن أحببتك ... -

م.. لماذا اآلن.. ولماذا كل هذا العذاب إذن؟ها ه الكلمة الت انتظرتها عاما دون جدوى. فهل أشكرك أم أبك. أم أسؤلك لماذا الو

:سؤلتك فقط

وهو؟ -

:أجبتن وكؤنك تتحدثن عن شء ال عنك تماما

.إنه قدر جاهز -

:قاطعتك

لكل شخص القدر الذي ستحقه. كنت أتوقع قدرا ؼر هذا.. كؾ قبلت أن ترتبط به؟ -

:قلت

..فقط من ذاكرة لم تعد تصلح للسكن، بعدما أثثتها باألحبلم المستحلة والخبات المتتالة أنا ال أرتبط به.. أنا أهرب إله -

ولكن لماذا هو.. كؾ مكن أن تمرؼ اسم والدك ف مزبلة كهذه.. أنت لست امرأة فقط، أنت وطن، أفبل همك ما سكتبه التارخ -

وما ؟

:أجبت بشء من السخرة المرة

أن التارخ جالس مثل مبلبكة الشر والخر على جانبنا، لسجل انتصاراتنا الصؽرة المجهولة.. أو كبواتنا وسقوطنا وحدك تعتقد -

!المفاجا نحو األسفل. التارخ لم عد كتب شبا . إنه محو فقط

..لم أسؤلك ما الذي تردن محوه بالضبط. ولم أناقشك ف نظرتك الخاطبة للقم

:سؤلتك

ا الذي تردنه من على التحدد؟م -

:قلت كؤنك طفلة سؤلونها عن أي حلوى ترد

..أردك -

خطر بذهن لحظتها أنك ربما كنت امرأة عاجزة عن حب رجل واحد، وأنه لزمك دابما رجبلن. كانا ف الماض زاد وأنا. وأصبحا

.الوم أنا.. واآلخر

:عاد صوتك قول

نن أحببتك.. إنه حدث أن أردتك واشتهتك حد الجنون.. شء فك جردن من عقل وما .. ولكنن قررت أن أشفى خالد.. أتدري أ -

ة، أنت نفسك قلت هذا ..منك.. كانت عبلقة حبنا عبلقة مرض

:سؤلتك

لماذا عدت الوم إذن؟ -

:قلت

مدنة ولو مرة واحدة.. تباركنا ولو كذبا ، لقد تواطؤت معنا وأوصلتنا إلى عدت ألقنعك بالمجء إلى قسنطنة. أرد أن تباركنا تلك ال -

جنوننا هذا.. أدري أننا لن نلتق فها.. قد ال نتحدث.. وقد ال نتصافح. ولكن سؤكون لك ما دمنا فها. سنتحداهم على مرأى منها..

ووحدها ستعرؾ أنن أمنحك للت األولى.. أسعدك هذا؟

ولى كنت تملكن؟ كم من للة وهمة أولى كنت قادرة على أن تهب على باض، كما وهبت رواتك األولى.. نسختن كم من للة أ

.مزورتن ل ولزاد.. موقعتن على باض

تك الملؽومة األولى؟ لمن ستكونن بعد كل للة وهمة؟ ومع من بدأت كذبتك األولى؟ لمن أهدت هد

Page 97: ذاكرة الجسد.pdf

وم، أضحك وأنا أشبه نفس آنذاك بؤثوب جابع سردون عله قابمة من األطباق الشهة الت لن ذوقها، عندما أذكر كبلمك ال

..وسؤلونه بعدها كؾ وجدها.. وإذا كان ذلك سعده

."..ولكن وقتها لم أضحك، بل ربما بكت وأنا أجبك بحماقة عاشق.. "سعدن

أن أتنازل عنها مباشرة لرجل آخر، سستفد منها فعلا لم أنتبه إلى أنك كنت تمنحنن للة وهم !ة، عل

ولكن هل هم ذلك.. مادمت أتنازل عن شء لس ف جمع الحاالت ل؟

.هكذا التارخ دابما عززت وهكذا الماض.. ندعوه ف المناسبات لتكفل بفتات الموابد

.نما تنصب الموابد لآلخرننتحال على الذاكرة، نرم لها عظمة تتلهى بها، ب

تدعى وهكذا الشعوب أضا ، نهبها كثرا من األوهام.. كثرا من األحبلم المعلبة، من السعادة المإجلة، فتؽض النظر عن الوالبم الت لن

..إلها

.مام فتات الذاكرةولكن لم أع كل هذا إال بعد فوات األوان. بعدما رفعت الموابد، وانسحب الجمع ألبقى وحدي.. أ

:قلت

..أرد أن أراك -

:صحت

.. ال.. لم عد لقاإنا ممكنا اآلن.. وربما كان هذا أفضل. جب أن نبحث عن نهاة أقل وجعا لقصتنا. لتكن قسنطنة لقاءنا وفراقنا معا -

.فبل داع لمزد من العذاب

!حدة، ذهابا وإابا .. ف لقاء وفراق واحد. فما أرأفك ب.. وما أؼبانهكذا إذن.. قررت قتل حسب األصول، بجرة سكن وا

.أكثر من سإال ظل معلقا ف الحلق، لم أطرحه علك ومها

..أكثر من لوم.. أكثر من عتاب.. أكثر من رؼبة

.ولكن هاتفك انتهى كما جاء خارج الزمان، وأنا بن الصحوة والقظة ممدد بذهول ف فراش

حتى أنن تساءلت بعدها: هل طلبتن حقا ف ذلك الصباح أم أنن حلمت.. فقط؟

..ها نحن مثل أطفال إذن

.نمحو كل مرة آثار الطباشر على األرض لنرسم قوانن لعبة جددة

.تحل إلى آخرنتحال على كل شء لنربح كل شء. فتتسخ ثابنا ونصاب بخدوش ونحن نقفز على رجل واحدة من مربع مس

.كل مربع فخ نصب لنا، وف كل مربع وقفنا وتركنا أرضا شبا من األحبلم

.كان ال بد أن نعترؾ أننا تجاوزنا عمر النط على رجل واحدة، والقفز على الحبال، واإلقامة ف مربعات الطباشر الوهمة

..أخطؤنا حببت

.بطبلء األظافر الوطن ال رسم بالطباشر، والحب ال كتب

..أخطؤنا.. التارخ ال كتب على سبورة، بد تمسك طباشر وأخرى تمسك ممحاة

.والعشق لس أرجوحة تجاذبها الممكن والمستحل

هم دعنا نتوقؾ لحظة عن اللعب. لحظة عن الجري ف كل االتجاهات. نسنا ف هذه اللعبة من منا القط، ومن الفؤر.. ومن منا سلت

.من

.نسنا أنهم سلتهموننا معا

.لم عد أمامنا متسع للكذب. ال شء أمامنا سوى هذا المنعطؾ األخر. ال شء تحتنا ؼر هاوة الدمار

.فلنعترؾ أننا تحطمنا معا

..لست حببت

.ع عمري اآلخرأنت مشروع حب للزمن القادم. أنت مشروع قصت القادمة وفرح القادم.. أنت مشرو

..ف انتظار ذلك.. أحب من شبت من الرجال، واكتب ما شبت من القصص

.وحدي أعرؾ قصتك الت لن تصدر وما ف كتاب. وحدي أعرؾ أبطالك المنسن وآخرن صنعتهم من ورق

.وحدي أعرؾ طرقتك الشاذة ف الحب، طرقتك الفردة ف قتل من تحبن.. لتإثث كتبك فقط

Page 98: ذاكرة الجسد.pdf

.أنا الذي قتلتن لعدة أسباب ؼامضة، وأحببتك ألسباب ؼامضة أخرى

.أنا الرجل الذي حولك من امرأة إلى مدنة، وحولته من حجارة كرمة إلى حصى

.ال تتطاول على حطام كثرا

.لم نته زمن الزالزل، وما زال ف عمق هذا الوطن حجارة لم تقذفها البراكن بعد

..ؾ لحظة عن اللعب. كفاك كل ما قلته من كذبدعنا نتوق

.أعرؾ الوم أنك لن تكون ل

.دعن إذن، أنحشر معك وم الحشر حث تكونن، ألكون نصفك اآلخر

دعن أحجز مسبقا مكانا ل إلى جوارك، ما دامت كل األماكن محجوزة حولك هنا، وما دامت مفكرتك مؤلى بالمواعد حتى آخر

..أامك

..ا امرأة على شاكلة وطن

أهم بعد الوم أن نبقى معا ؟

.حقبة صؽرة فقط لمبلقاة الوطن

وسك.. قمصان.. وشفرات حبلقة .وال ش سوى بدلة سوداء لحضور حفل زفافك. زجاجت

!هنالك أوطان تنتج كل مبررات الموت، وتنسى أن تنتج شفرات حبلقة

.الوطن على أصابع الجرح أعود إلى

.دون أمتعة شخصة، دون زادة ف الوزن وال زادة ف حساب

وحدها الذاكرة أصبحت أثقل حمبل ، ولكن من سحاسبنا على ذاكرة نحملها بمفردنا؟

.مشا على جرح األخر أعود إله على عجل

..عشر سنوات من الؽاب، وها هوذا الرجوع المفاجا. كنت أتوقع لقاء ؼر هذا

.كنت سؤحجز ل مكانا ف الدرجة األولى مثبل . فحدث للذاكرة ف مثل هذه المناسبات، أن ترفض الجلوس ف الكراس الخلفة

..ولكن، ال هم سدت.. كانت كل الكراس األمامة محجوزة مسبقا ، ألولبك الذن حجزوا كراس الوطن أضا بؤمر

.رس جانب للحزنفؤلعد إله كما جبت منه إذن، على ك

.نؽادر الوطن، محملن بحقابب نحشر فها ما ف خزابننا من عمر. ما ف أدراجنا من أوراق

..نحشر أبوم صورنا، كتبا أحببناها، وهداا لها ذكرى

.نحشر وجوه من أحببنا.. عون من أحبونا.. رسابل كتبت لنا.. وأخرى كنا كتبناها

.ال نراها، قبلة على خد صؽر سكبر بعدنا، دمعة على وطن قد ال نعود إلهآخر نظرة لجارة عجوز قد

نحمل الوطن أثاثا لؽربتنا، ننسى عندما ضعنا الوطن عند بابه، عندما ؽلق قلبه ف وجهنا، دون أن لق نظرة على حقاببنا، دون أن

.ستوقفه دمعنا.. ننسى أن نسؤله من سإثثه بعدنا

.ه.. نعود بحقابب الحنن.. وحفنة أحبلم فقطوعندما نعود إل

.نعود بؤحبلم وردة.. ال "بؤكاس وردة"، فالحلم ال ستودر من محبلت "تات" الرخصة الثمن

!عار أن نشتري الوطن ونبعه حلما ف السوق السوداء. هنالك إهانات أصعب على الشهداء من ألؾ عملة صعبة

.رة، هنا ف البلمكانها أنذا.. بحقبة د صؽ

.ف هذه النقطة المعلقة بن األرض والسماء. والهاربة ب من ذاكرة إلى أخرى. أجلس على مقعد ف الدرجة الثانة للنسان

أحلق على تضارس حبك. على ارتفاع تصعب معه الرإة، وصعب معه النسان. وأتساءل رؼم فوات األوان: تران أرتكب آخر

ي، وأهرب منك إلى الوطن؟ أحاول أن أشفى منك به. أنا الذي لم أشؾ بك منه؟حماقات عمر

.ها ه اللوحة الت أحضرتها هدة لعرسك تشؽل مكانك الفارغ إلى جواري

Page 99: ذاكرة الجسد.pdf

..ها نحن نسافر _ أخرا معا _ أنا وأنت

.نؤخذ طابرة واحدة ألول مرة. ولكن لس للرحلة نفسها.. وال لبلتجاه نفسه

..قسنطنة ها ه

.ساعتان فقط لعود القلب عمرا إلى الوراء

تشرع مضفة باب الطابرة، وال تتنبه إلى أنها تشرع معه القلب على مصراعه. فمن وقؾ نزؾ الذاكرة اآلن؟

نظر إلى عنها دون من سقدر على إؼبلق شباك الحنن، من سقؾ ف وجه الراح المضادة، لرفع الخمار عن وجه هذه المدنة.. و

.بكاء

..ها ه قسنطنة إذن

.وها أنذا أحمل بدي الوحدة حقبة د، ولوحة تسافر مع سفرها األخر، بعد خمس وعشرن سنة من الحاة المشتركة

مع اللوحة األصل ..ها ه "حنن"، النسخة الناقصة عن قسنطنة، ف لقاء لل

.برة تعبا .. ودهشة.. وارتباكا تكاد مثل تقع من على سلم الطا

..تتقاذفنا النظرات الباردة المؽلقة، تتقاذفنا العبارات الت تنهى وتؤمر. وكل هذه الوجوه المؽلقة، وكل هذه الجدران الرمادة الباهتة

فهل هذا هو الوطن؟

..قسنطنة

كؾ أنت ا اممة.. واشك؟

..ة.. موجعة هذه العودةأشرع بابك واحضنن.. موجعة تلك الؽرب

.بارد مطارك الذي لم أعد أذكره. بارد للك الجبل الذي لم عد ذكرن

.دثرن ا سدة الدؾء والبرد معا

.أجل بردك قلبل .. أجل خبت قلبل

.قادم إلك أنا من سنوات الصقع والخبة، من مدن الثلج والوحدة

ف .مهب الجرحفبل تتركن واقفا

كانت اإلشارات المكتوبة بالعربة، وبعض الصور الرسمة، وكل تلك الوجوه المتشابهة السمراء، تإكد ل أنن أخرا أقؾ وجها لوجه

.مع الوطن. وتشعرن بؽربة من نوع آخر تنفرد بها المطارات العربة

.اللقاء األول.. مع ذلك المطار وحده وجه حسان مؤلن دفبا مفاجبا عندما أطل، وأذاب جلد

:وعندما احتضنن، وأخذ عن حمولة دي، وقال بلهجة جزابرة مازحة وهو حمل عن تلك اللوحة

."!..واش.. مازلت تنقل ف الطابلوهات..؟" ثم أضاؾ "آ سدي.. هذا نهار مبروك من هو الل قال نشوفك هنا"

.نها أخرا جات ترحب بشعرت أن قسنطنة أخذت فجؤة مبلمحه، وأ

وهل كان حسان ؼر تلك المدنة نفسها. ؼر حجارتها.. قرمدها.. وجسورها ومدارسها.. وأزقتها وذاكرتها؟

.هنا ولد، وهنا تربى ودرس، وهنا أصبح مدرسا. لم ؽادرها إال نادرا ف زارات قصرة إلى تونس أو إلى بارس

ولشتري بالمناسبة بعض لوازم عابلته الت ما فتبت تكبر وتتضاعؾ. وكؤن كان حضر لزارت من سنة إ لى أخرى، لك طمبن عل

حسان قرر أن تحمل بمفرده مسإولة عدم اندثار اسم العابلة، بعدما بس من تزوج وأدرك بعد محاوالت إؼراء فاشلة، أنه لن

.تنفرد بحمل اسمكون ل بنات و ال بنون.. ما عدا تلك اللوحات الت

أكتشؾ الوم، أن هذا الرجل الفارع القامة، المهذب المظهر، والذي تحدث دابما بحماسة األساتذة وعنادهم وتكرارهم، وكؤنه واصل

.حدثه لتبلمذه ولس لآلخرن، هو أخ.. ال ؼر

!أكنت أجهل هذا؟ ال

فرحة! أشعر أن قرابته ب تصبح األرض الصلبة الوحدة الت مكن أن أقؾ علها ولكن ف هذا الوم االستثناب األلم والخبة.. وال

Page 100: ذاكرة الجسد.pdf

.وسط زالزل الداخلة، والصدر الوحد الذي كنت لوال الكبراء، بكت عله ف تلك اللحظة

.(عشر سنوات.. حدث خبللها ف بعض المرات أن انتظرته أنا ف مطار )أورل الدول

ة. كان هو القادم.. وأنا المنتظر. وكنت أشعر آنذاك أنن أقوم بواجب عابل لست ملزما به، ولكن كنت أحرص كانت األدوار معكوس

عله. فقد كانت تلك إحدى فرص القللة أللعب دور "األخ الكبر" بكل مسإولاته وواجباته. ذلك الدور الذي لم أوفق دابما ف أدابه.

.ا عن حسان، حسان الذي كنت أدرك جوعه للحنان وتمه المبكر.. وتعلقه العاطف بفقد عشت ف الواقع دابما بعد

ت تراه لهذا أضا تزوج باكرا على عجل، وراح كثر من األوالد لحط نفسه أخرا بتلك العابلة الت حرم منها دابما ف طفولته، وال

.ب المتنقل من منفى إلى آخركنت عاجزا عن أن أعوضها له بحضوري العابر.. وؼا

فلماذا قلب لقاب بحسان الوم كل مقاس السابقة، وشعرن برؼم فارق العمر، وبرؼم أوالده الستة، أنن األخ األصؽر وأنه ف

..هذه اللحظة كبرن بسبع سنوات، وربما بؤكثر

سفري.. أم أن هذا المطار الذي ستفز رجولت وكبراب ترى ألنه هو الذي حمل حقبت ومش أمام، وسؤلن عن تفاصل

جردن من وقار عمري. فؤترك حسان تصرؾ فه نابة عن، وكؤن تجربته مع هذه المدنة ومعاشته لطباعها المتقلبة، جعلته الوم

..بدو أكبر

سوة، ه الت حولتن بوطؤة قدم واحدة على ترابها، إلى ذلك أم تراها قسنطنة.. تلك األم المتطرفة العواطؾ، حبا وكراهة.. حنانا وق

الشاب المرتبك الخجول الذي كنته قبل ثبلثن سنة؟

نظرت إلها من زجاج سارة كانت تنقلن من المطار إلى البت، وتساءلت: أتراها تعرفن؟

ة.. وتدخلن مع طوابر الؽرباء هذه المدنة الوطن، الت تدخل المخبرن وأصحاب األكتاؾ العرضة واألد ي القذرة من أبوابها الشرف

.وتجار الشنطة.. والبإساء

أتعرفن.. ه الت تتؤمل جوازي بإمعان.. وتنسى أن تتؤملن؟

."سبلت أعرابة وما : "من أحب أوالدك إلك؟" قالت: "ؼاببهم حتى عود.. ومرضهم حتى شفى.. وصؽرهم حتى كبر

..أنا ؼاببها الذي لم عد.. ومرضها الذي لم شؾ وصؽرها الذي لم كبروكنت

!ولكن قسنطنة لم تكن قد سمعت بقول تلك األعرابة. فلم أعتب علها. عتبت على ما قرأت من كتب التراث العرب

..لم أنم تلك الللة

، والذي استسلمت له بشهة أكاد أقول تارخة، هو الذي كان سبب أكان ذلك العشاء الذي أعدته عتقة زوجة حسان، وكؤنها تعد ولمة

قلق، بعدما تناولت الكثر من أطباقه الت لم أذق معظمها من سنن؟

أم أن السبب هو صدمة لقاب العاطف اآلخر مع ذلك البت، الذي ولدت فه وتربت، والذي على جدرانه وأدراجه ونوافذه وؼرفه

من ذاكرت، من أفراح ومآتم وأعاد.. وأام عادة أخرى، تراكمت ذكراها ف أعماق لتطفو اآلن فجؤة.. كذكرات فوق وممراته، كثر

العادة تلؽ كل شء عداها؟

ها أنا أسكن ذاكرت وأنا أسكن هذا البت، فكؾ نام من توسد ذاكرته؟

ذل كندورة )أما( العناب مر هنا، وروح وجء بذلك الحضور السري مازال طؾ الذن ؼادروه عبر هذه الؽرؾ أمام. أكاد أرى

لؤلمومة. وصوت أب طالب بالماء للوضوء، أو صح من أسفل الدرج "الطرق.. الطرق" لنبه النساء ف البت أنه قادم صحبة

.رجل ؼرب، وأن علهن أن فسحن الطرق وذهبن لبلختباء ف الؽرؾ البعدة

اد أرى خلؾ الجدران الجددة الباض آثار المسمار الذي علق عله أب وما شهادت االبتدابة منذ أربعن سنة. ثم جوارها بعد أك

..سنوات شهادة أخرى

Page 101: ذاكرة الجسد.pdf

..وبعدها ال شء

بلستهبلك، ومعدا ف توقؾ اهتمامه ب لبدأ اهتمامه بؤشاء أخرى، ومشارع أخرى، انتهت بموت )أما( وزواجه الذي كان جاهزا ل

.ذهنه منذ مدة

.أكاد أرى جثمان )أما( خرج مرة أخرى من ها الباب الضق له حشد من قراء القرآن.. ونساء حترفن البكاء ف المآتم

.أكاد أرى موكبا آخر عود بعد أسابع، بعروس صؽرة هذه المرة.. ونساء حترفن الزؼارد والمواول

.الت قبلت فها حسان وودعته قبل أن ألتحق بالجبهةثم تلك الللة

.لم سؤلن للتها إلى أن كنت ذاهبا . كان حسان وهو ف عامه الخامس عشر، قد سبق عمره بسنوات

.كان مثل جعله التم كبر على عجل.. وعلمه ذله أن صمت وحتفظ لنفسه باألسبلة

:سؤلن

وأنا؟ .. -

:نفسه وأجبته بالذهول

..مازلت صؽرا ا حسان.. انتظرن -

عل :فقال وكؤنه تقمص فجؤة صوت )أما( وخوفها المرض

..عندك على روحك.. آ خالد -

.وأجهش بالبكاء

.ها هو الوطن الذي استبدلته بؤم وما

.كنت أعتقد أنه وحده قادر على شفاب من عقدة الطفولة، من تم ومن ذل

تم األوطان أضا . هنالك مذلة األوطان، ظلمها ال وم.. بعد كل هذا العمر، بعد أكثر من صدمة وأكثر من جرح، أدري.. أن هناك

.قسوتها، هنالك جبروتها وأنانتها

.هنالك أوطان ال أمومة لها.. أوطان شبهة باآلباء

.لم أنم للتها حتى ساعة متقدمة من الصباح

لل مع تلك المدنة مذاق مسبق لمرارة ما. وما كدت أؼفو حتى أقظن من ؼفوت أصؽر أوالد حسان، الذي استقظ كان للقاب ال

.باكرا وراح بك بكاء رضع طالب بحضن أمه، ووجبته الصباحة

.حسدت براءته وجرأته الطفولة.. وقدرته على قول ما رد دون كبلم

.ل مع تلك المدنة، فقدت لؽتف ذلك الصباح، وف أول لقاء

!شعرت أن قسنطنة هزمتن حتى قبل أن نلتق، وأنها جاءت ب إلى هنا، لتقنعن بذلك ال ؼر

.ولم أشعر برؼبة ف مقاومة قدري

.لقد هزمت من مروا قبل، وصنعت من جنونهم بها أضرحة للعبرة

..وأنا آخر عشاقه المجانن

لذي أحبها، أنا"أحدب نوتردام" اآلخر، وأحمق قسنطنة اآلخر.. ما الذي أوصلن إلى جنون كهذا؟ ما الذي أوقفن أنا ذا العاهة اآلخر ا

عند أبواب قلبها عمرا ؟

..وكانت تشبهك

.تحمل اسمن مثلك، وعدة توارخ للمبلد. خارجة لتوها من التارخ، باسمن: واحد للتداول.. وآخر للتذكار

Page 102: ذاكرة الجسد.pdf

.ما "سرتا". قاهرة كانت.. كمدنة أنثىكان اسمها و

!وكانوا رجاال .. ف ؼرور العسكر

.من هنا مر صفاكس.. ماسنسا.. ووؼررطة.. وقبلهم آخرون

.تركوا ف كهوفها ذاكرتهم. نقشوا حبهم وخوفهم وآلهتهم

..تركوا تماثلهم وأدواتهم، وصكوكهم النقدة، أقواس نصرهم وجسورا رومانة

.ورحلوا ..

."لم صمد من الجسور سوى واحد. ولم بق من أسمابها سوى اسم "قسنطنة" الذي منحه لها من ستة عشرة قرنا "قسطنطن

أحسد ذلك اإلمبراطور الرومان المؽرور، الذي منح اسمه لمدنة لم تكن حببته بالدرجة األولى.. وإنما اقترن بها ألسباب تارخة

.محض

.نحتك اسما لم كن اسموحدي م

تها األولى .وربما لذلك، حدث أن أعاكس قانون الحماقات هذا. وأنادي تلك المدنة "سرتا" ألعدها إلى شرع

."تماما.. كما أنادك "حاة

.ككل الؽزاة.. أخطؤ قسطنطن

.المدن كالنساء.. نحن ال نمتلكها لمجرد أننا منحناها اسمنا

تا" مدنة نذرت للحب والحروب، تمارس إؼراء التارخ، وتتربص بكل فاتح سبق أن ابتسمت له وما من علو لقد كانت "سر

.صخرتها

..كنسابها كانت تؽري بالفتوحات الوهمة

!ولكن لم عتبر من مقابرها أحد

ن.. وواحد وأربعن باا تناوبوا علها قبل أن هنا أضرحة الرومان.. والوندال.. والبزنطن.. والفاطمن.. والحفصن.. والعثمان

.تسقط ف د الفرنسن

.هنا وقفت جوش فرنسا سبع سنوات بؤكملها على أبواب قسنطنة

، سالكة ممرا جبلا تركت فه نصؾ >8=9، لم تفتح هذه المدنة الجالسة على صخرة، إال سنة 81=9فرنسا الت دخلت الجزابر سنة

.فه قسنطنة خرة رجالهاجشها، وتركت

.منذ ذلك الوم، ولد أكثر من جسر حول تلك المدنة، وكثرت الطرقات المإدة إلها

!ولكن، كانت الصخرة دابما أكبر من الجسور، ألنها تدري أن ال شء تحت الجسور سوى الهاوة

.ها عن كل سابحها ه مدنة تتربص بكل فاتح.. تلؾ نفسها بمبلءتها السوداء وتخف سر

صالح، تبعثرت أضرحتهم على المنعرجات الخضراء تحرسها الوهاد العمقة من كل جانب، تحرسها كهوفها السرة وأكثر من ول

.تحت الجسور

وكؤنن أعبر هنا القنطرة.. أقرب جسر لبت ولذاكرت. أعبرها تلقابا وكؤنن أرسمها، مشا على األقدام، بن الدوار المبهم والتذكار

.حات، أجتاز العمر من طرؾ إلى آخر

.كل شء كان بدو مسرعا على هذا الجسر. السارات والعابرون وحتى الطور، وكؤن شبا ما كان نتظرهم على الطرؾ اآلخر

ف الجسر. الفرق الوحد هو ربما كان بعضهم جهل آنذاك أن الذي بحث عنه، قد كون تركه خلفه، وأنه ف الحققة، ال فرق بن طر

.ما ف فوقه.. وما تحته

ال توقؾ أحد لبنظر إلها، ربما ألن اإلنسان بطبعه ال حب أن والتتلك الهاوة المخفة الت فصلك عنها حاجز حددي ال أكثر،

.تؤمل الموت.. كثرا

.وحدي تستوقفن هذه الهاوة الموؼلة ف العمق

بؤفكار مسبقة وذاكرة متوارثة؟ أم سلكت هذا الطرق، ألنفرد بهذه المدنة على جسر؟ترى ألنن أتتها

***

Page 103: ذاكرة الجسد.pdf

.هنالك حماقات جب عدم ارتكابها، كؤن تؤخذ موعدا مع ذاكرتك على جسر

..خاصة عندما تتذكر فجؤة، تلك القصة الت نستها تماما منذ سنن

ر ربما كان هذا.. بعدما توعده أحد الباات بالقتل.. عندما جاءه خبر خانته وتآمره قصة جدك البعد الذي رمى بنفسه وما من جس

.عله مع بعض وجهاء قسنطنة لئلطاحة به. هو الذي كان مبعوثه ورسوله الخاص.. ورجل ثقته

ن متدن. ولهذا هاجرت عابلتنا بدو أنه كان ال حب رواة هذه الحادثة. فقد كان االنتحار ف حد ذاته عارا وكفرا ف مجتمع قسنط

.بعد ذلك إلى ؼرب الجزابر مستبدلة باسم نكرة اسمها األول. ولم تعد إلى قسنطنة إال بعد جل وأكثر، باسم لمدنة أخرى

.أعد نظري إلى أسفل

الذي تعبره أسراب الؽربان على ماذا تران جبت أبحث هنا، ف هذا الجسر المعلق على ارتفاع مبة وسبعن مترا من جوؾ األرض، و

عجل؟

تران أبحث عن بقاا جد ما، كان اسمه أحمد.. قال إنه كان وسما وذا مال وعلم كبر، وأنه رمى وما كل شء من هنا.. لترك

.حزنه وجرحه إرثا لتلك العابلة

..هذه ه قسنطنة

ها خوفا من القل والقال الذي تمارسه بتفوق. وتشتري شرفها بالدم تارة.. مدنة ال همها ؼر نظرة اآلخرن لها، تحرص على صت

.والبعد والهجرة تارة أخرى

رت؟ تراها تؽ

أذكر أنن سمعت وأنا شاب بعابلة ؼادرت قسنطنة فجؤة إلى مدنة أخرى، بعدما شاع أن إحدى األؼان الت ما زال ؽنها

!دهم تؽزال ف إحدى بناتها"الفرقان" الوم، قد نظمها أح

وظل السإال.. ما الذي جبت أفعل هنا فوق هذا الجسر؟

تران على موعد مع ذاكرت، أم فقط مع لوحت ف هذا الصباح؟

.ها أنا أقؾ أمامها الوم دون فرشاة وال ألوان، وببل قلق أو خوؾ من مربع القماش األبض

.ست رسامها وال مبدعها. أنا جزء منها. ومكنن أن أصبح حتى جزءا من تفاصلها وتضارسهاأنا لست خالقها ف هذه اللحظة. ل

.مكنن أن أجتاز هذا الحاجز الحددي الذي فصلن عنها، وكؤنن أجتاز إطار لوحة.. كؤنن أخترقها ألسكنها إلى األبد

.ما.. على لوحة أبدة، لمنظر أردت أن أرسمه.. فرسمن أتدحرج نحو هذا الوادي الصخري العمق نقطة بشرة، قطرة للون

ألست هذه أجمل نهاة لرسام، أن توحد مع لوحته ف مشهد واحد؟

كنت أدري ف تلك اللحظة وأنا أنظر إلى الوهاد العمقة تحت، إلى تلك األنفاق الصخرة الت شطرها نهر الرمال ببطء زبدي، أن

أخر، ربما كان فرصت األخرة للتوحد الجسدي مع قسنطنة، ومع "الهاوة األنثى" ك انت تستدرجن إلى العمق، ف موت شبق

.ذاكرة جد بدأت أشعر بتواطإ ؼامض معه

ترى شهوة السقوط والتحطم ه الت أشعرتن عندبذ بالدوار، وأنا معلق على ذلك الجسر وحدي؟

لمدنة.. وأكاد أعتذر لها. وحدهم الؽرباء هنا شعرون بالدوار. فمتى بالتحدد وضعتن قسنطنة وإذا ب أشعر فجؤة بالخجل من هذه ا

ف خانتهم؟

.ورؼم ذلك أعترؾ، أنن لم أكن ومها مستعدا للموت

بالحاة. ولكن ألنن وصلت بذلك الحزن الجارؾ العمق الذي اجتاحن منذ وطبت هذه المدنة، إلى عاطفة ؼامضة لس تمسكا من

.متطرفة أخرى

.لقد وصلت بمرارت وخبت حد الطمؤننة والسعادة المبهمة

.فلقد تعلمت أن أسخر من استفزاز األشاء ل، وأقابل تلك المواجهة مع الذاكرة بشء من التهكم المر

Page 104: ذاكرة الجسد.pdf

بدأت أتلذذ سرا بهذه اللعبة الموجعة، وأحرص على أن ألم آت هنا إثر قرار جنون، ربما بحثا عن الجنون ف مدنة تكاد تحترفه! ولذا

ة متعمدة. فربما كانت خبت الوم مع هذه المدنة، ه منجم جنون وعبقرت القادمة .أعش صدمات بمازوش

.وبرؼم ذلك قررت فجؤة أن أهرب من ذلك الجسر الذي كان بداة جنون وما

رت منه، أن الذي أولعت .به طوبل وحولته إلى دكور لحات، بعدما أحطت نفس بؤكثر من نسخة منهفجؤة تط

أكون ذلك اإلحساس جاءن، وأنا ألمح من حث كنت تلك السفوح الجبلة الت كانت وما مرشوشة بشقابق النعمان.. وأزهار

سنة الستقبال الربع.. محملن بما أعدته النساء لتلك النرجس المنثور بن الممرات الخضراء، والت كان أهل قسنطنة ؤتون إلها كل

المناسبة من "براج" وحلوات وقهوة.. والت تبدو الوم حزنة، وكؤن أزهارها ؼادرتها لسبب ؼامض؟

خ عن أم تراه منظر مزار )سدي محمد الؽراب( الذي عود فجؤة إلى الذاكرة. وإذا ب أستعد ما قرأته عنه مإخرا ف كتاب تار

.قسنطنة. فتعبرن قشعررة ؼامضة

ماذا لو الحقتن دون أن أدري اللعنة الت الحقت صالح باي أكبر باات قسنطنة على اإلطبلق بسبب هذا الجسر؟ هو الذي كان رد أن

رة، اللسان التراب الوحد الذي ختم إنجازاته المعمارة الهابلة، وإصبلحاته المختلفة الت وهبها لتلك المدنة، بإصبلح جسر القنط

.كان ربط المدنة بالخارج، والجسر الوحد الذي صمد من بن خمسة جسور رومانة

..تقول أسطورة شعبة، إن هذا الجسر كان أحد أسباب هبلك )صالح باي( ونهاته المفجعة

برة. وعندما سقط رأس الرجل الول على األرض، تحول فقد قتل فوقه )سدي محمد(، أحد األولاء الذن كانوا تمتعون بشعبة ك

جسمه إلى ؼراب، وطار متوجها نحو دار صالح باي الرفة الت كانت على تلك السفوح. ولعنه واعدا إاه بنهاة ال تقل قسوة وال

.ظلما عن نهاة الول الذي قتله

را من ذلك الؽراب، واكتفى بداره ف المدنةفما كان من صالح باي إال أن ؼادر بته وأراضه إلى األب .د، تط

هكذا أطلق الناس على ذلك المكان اسم "سدي محمد الؽراب"، لبقى بعد قرنن مزار المسلمن والهود ف قسنطنة، ؤتونه ف

متوارثة جبل عن جل، فقدمون له نهاات األسبوع وف المواسم، لقضاء أسبوع كامل رتدون خبلله ثابا وردة، إدون بها طقوسا

ذبابح الحمام، وستحمون ف الماه الدافبة لبركته الصخرة حث كانت تستحم السبلحؾ، وعشون على شرب "العروق" ال ؼر،

."واالستسبلم لنوبات رقص بدابة، ف حلقات جماعة إدونها ف الهواء الطلق.. على وقع بندر "الفقرات

.نة، لم تحقد على باها الذي وهبها الكثر من الوجاهة والرفاهةولكن قسنط

.سوت فقط بطبة أو بجنون.. بن القاتل والقتل

قسنطن على اإلطبلق، ف مدنة حمل كل شارع فها اسم ول .صنعت من )سدي محمد الؽراب( أشهر مزار ول

صالح باي وحده، فكتبت فه أجمل أشعارها، وؼنت فجعة موته ف أجمل أؼنة رثاء. وخلدت من بن واحد وأربعن باا حكمها، اسم

!ومازالت تلبس حداده حتى الوم مع مبلءات نسابها السوداء.. دون أن تدري

..هذه ه قسنطنة

تها، ال مقاس معروفة لمنطقها .ال فرق بن لعنتها ورحمتها، ال حاجز بن حبها وكراه

.خلود لمن تشاء، وتنزل العقاب بمن تشاءتمنح ال

فمن عساه حاسبها على جنونها، ومن عساه حسم موقفه منها، حبا أو كراهة.. إجراما أو براءة .. دون أن عترؾ أنها تحمل ف كل

الحاالت ضدها؟

***

سهرات مع حسان، وأحادثنا الجانبة الطولة، ف كل وم كنت أقضه ف تلك المدنة، كنت أتورط أكثر ف ذاكرتها، فرحت أبحث ف

.الت تمتد بنا أحانا حتى ساعة متؤخرة من اللل.. عن وصفة أخرى للنسان

.أبحث ف ذلك الجو العابل الذي افتقدته طوبل عن طمؤننة أخرى خارج فضابها

ت ف تلك األام. وربما كان سندي السري الذي لم أتوقعه. كان لوجودي ف ذلك البت العابل الذي أعرفه وعرفن، تؤثر على ن فس

..لقد كنت أعود إله كل للة، وكؤنن أصعد نحو دهالز طفولت البعدة، ألصبح جننا من جدد

.أختبا ف جوؾ أم وهمة، مازال مكانها هنا فارؼا منذ ثبلثن سنة

Page 105: ذاكرة الجسد.pdf

.قام عندي لبضعة أشهر ف الجزابر، عندما رفض مستؤجره أن جدد له عقد إجار البتحدث ف تلك اللال أن أذكر زاد، وم أ

.تعودت وقتها أن أترك له سرري، وأنام على فراش آخر وضعته على األرض ف ؼرفة أخرى

.وكان زاد حتج وشعر بشء من اإلحراج، معتقدا أنن أفعل ذلك مجاملة له

نن اكتشفت بفضله أنن أسعد أكثر بالنوم على األرض. فقد كان ذلك الفراش األرض ذكرن بطفولت وكنت أوكد له كل مرة، أ

وبنوم إلى جوار أم لعدة سنوات، على ذلك المطرح الصوف الذي ما زلت أذكر لونه األزرق. بل وتلك األام الت كانت تخصصها

.لصوفة الت كانت األثاث األساس لؽرفة نوم)أما( كل خرؾ، لؽسل الصوؾ وتجدد تلك المطارح ا

تمنت لو طلبت من عتقة أن تضع ل ف المستقبل فراشا على األرض، تماما كما تفعل مع أوالدها الذن نامون ف الؽرؾ األخرى،

رت وحنن لزمن لم أعد على فراش أرض مشترك وح بالدؾء والرؼبة باالنزالق تحت أؼطته الصوفة الجملة الت تثر ؼ

لته .أدري لبعده، إن كنت عشته حقا .. أم تخ

ولكن أعقل أن أطلب هذا الطلب من عتقة؟ ه الت أعطتن أجمل ؼرؾ بتها، ؼرفة نومها العصرة المعدة الستقبال الضوؾ، أكثر

منها لقضاء لال زوجة.. للحب؟

ت تفسرا لجنون هذا. فقد كانت عتقة تشارك أحانا ف سهرتنا، وتحاول أن تستنجد ب، لو فعلت هذا فلربما أحرجتها، ولما وجد

بصفت رجبل متحضرا قادما من بارس، ألقنع أخ بالتخل عن هذا البت العرب القدم، وهذه الطرقة المتخلفة ف العش. وتكاد

.ة.. ونادرةتعتذر ل عن كل األشاء الت كانت تبدو ف نظري جمل

وألنن لم أكن أملك القدرة على إقناعها برأ، وال الجرأة على معاكسة رأها، كنت أكتف باالستماع إلى نقاشها مع حسان، ذلك

:النقاش الذي كاد تحول أحانا إلى شجار قبل أن تنسحب ه إلى النوم، وعلق حسان شبه معتذر

سل )داالس( على التلفزون، أن تسكن بتا كهذا وتحمد هللا.. ال بد أن وقفوا هذا المسلسل، ماداموا ال مكن أن تقنع امرأة تشاهد مسل"

."..عاجزن عن منح الناس سكنا محترما .. وحاة أفضل

.كنت أحسد قناعة حسان. وأعجب بفلسفته ف الحاة

ن ف دك قطعة رؼؾ، ونظرت لمن لس ف ده شء، ستسعد كان قول: "لك تكون سعدا علك أن تنظر إلى من تحتك. فإذا كا

وتحمد هللا. وأما إذا رفعت رأسك كثرا ونظرت لمن ف دهم قطعة "كعك" فؤنت لن تشبع، بل ستموت قهرا فقط.. وتتعس

."!باكتشافك

تفاصلها الصؽرة الت تجاوزها العصر، وهكذا فف نظر حسان أن العش ف بت كهذا برؼم كل سلباته الت تبدو أحانا مزعجة، ب

ظل أفضل مما عانه آالؾ الناس. بل وعشرات اآلالؾ الذن لم جدوا بتا واسعا كهذا سكنونه بمفردهم مع أوالدهم وزوجتهم. بل

.كثرا ما تقاسمون مع أهلهم وأقاربهم، الشقة الضقة الت تكون بتا لعابلتن لعدة سنوات

..حسان هكذا كان

."..لقد كانت نظرته إلى األشاء نظرة عمودة، فقد تعلم كل ما تعلمه ف صباه على سبورة بالحابط"

!وكان سعدا بتلك النظرة الت قد تعود أضا إلى عقلته كموظؾ محدود الدخل.. ومحدود األحبلم

ة، وسرد سرة الكتاب والشعراء القدامى على تبلمذه.. فبم مكن أن حلم أستاذ للعربة قض ومه ف شرح النصوص األدب

وتصحح أخطابهم النحوة واإلنشابة، وال جد متسعا من الوقت _أو الجرأة_ لشرح ما كان حدث أمامه، وتصحح أخطاء أكبر

.ترتكب على مرأى منه باسم كلمات خرجت فجؤة من اللؽة، لتدخل قاموس الشعارات والمزادات؟

. أعماق حسان مرارة ؼامضة تبدو على كل تفاصل حاته. ولكنه كان حتفظ بها لنفسهكان ف

Page 106: ذاكرة الجسد.pdf

من الواضح أنه كان متعبا وؼارقا ف مشكبلت أوالده الستة وزوجته الشابة الت تحلم بحاة أخرى ؼر حاة قسنطنة المؽلقة. وأما

بالعثور على شخص توسط له لحصل على ثبلجة جددة.. ال ؼرهو فلم كن جرإ على الحلم، أو باألحرى كان حلم آنذاك

عندما عرفت أمنته البسطة الصعبة، حزنت وأنا أكتشؾ أننا لم نكن متخلفن عن أوربا وفرنسا فقط، كما كنت اعتقد، وإال لهان

.ت االستعماراألمر.. وبدا منطقا . لقد كنا متخلفن عما كنا عله منذ نصؾ قرن وأكثر. وم كنا تح

.ومها كانت أمناتنا أجمل.. وأحبلمنا أكبر

.كف أن تتؤمل وجوه الناس الوم وأن تسمع أحادثهم وأن تلق نظرة على واجهات المكتبات لتفهم ذلك

.ومها كنا وطنا صدر األحبلم.. مع كل نشرة أخبار إلى كل شعوب العالم

.ن الجرابد والمجبلت والكتب ما ال تصدره الوم المإسسات الوطنة ال نوعا .. وال عدا وكانت هذه المدنة بمفردها تصدر م

.ومها كان لنا من المفكرن والعلماء.. والشعراء والظرفاء والكتاب، ما مؤلنا زهوا وؼرورا بعروبتنا

.د ما ستحق الحفظالوم.. لم عد أحد شتري الجرابد لحتفظ بها ف خزانة، إذ لم عد ف الجراب

ولم عد أحد جلس إلى كتاب لتعلم منه شبا . لقد أصبح البإس الثقاف ظاهرة جماعة، وعدوى قد تنتقل إلك وأنت تتصفح كتابا . "

."..لقد كانت الكتب دابما على صواب ف ذلك العهد، وكان الواحد منا فصحا تكلم كما تتكلم الكتب

كتب تكذب أضا .. مثلها مثل الجرابد. ولذا تقلص صدقنا.. وماتت فصاحتنا، منذ أصبح حدثنا دور فقط حول المواد والوم أصبحت ال

!االستهبلكة المفقودة

:عندما قلت ومها هذا الكبلم لحسان، ظل تؤملن بذهول وكؤنه اكتشؾ شبا لم نتبه له من قبل.. ثم قال بشء من الحسرة

خلقوا لنا أهدافا صؽرة ال عبلقة لها بقضاا العصر. وانتصارات فردة وهمة، قد تكون بالنسبة للبعض الحصول على صحح.. لقد -

شقة صؽرة بعد سنوات من االنتظار.. أو قد تكون الحصول على ثبلجة، أو التمكن من شراء سارة.. أو حتى دوالبها فقط! وال أحد

..هب أكثر من هذا، وطالب بؤكثر من هذاعنده متسع من الوقت واألعصاب لذ

اء نحن متعبون.. أهلكتنا هموم الحاة الومة المعقدة الت تحتاج دابما إلى وساطة لحل تفاصلها العادة. فكؾ ترد أن نفكر ف أش

لى أمة من النمل، تبحث عن قوتها أخرى، عن أي حاة ثقافة تتحدث؟ نحن همنا الحاة ال ؼر.. وما عدا هذا ترؾ.. لقد تحولنا إ

..وجحر تختبا فه مع أوالدها ال أكثر

:سؤلته بسذاجة

وماذا فعل الناس؟ -

:قال مازحا

الناس..؟ ال شء.. البعض نتظر.. والبعض سرق.. والبعض اآلخر نتحر، هذه مدنة تقدم لك االختارات الثبلثة بالمبررات نفسها.. -

!والحجة نفسها

.ومها خفت على حسان من تلك المدنة.. وانتابتن فجؤة قشعررة مبهمة

:سؤلته دون تفكر.. وكؤنن أسؤله أي الوصفات الثبلثة أختار

وهل لك أصدقاء هنا تلتق بهم.. وتخرج معهم؟ -

:أجابن وكؤنه عجب لسإال، أو سعد الهتمام المفاجا بكل تفاصل حاته

هم مدرسون مع ف الثانوة.. ما عدا هذا لس ل أحد.. لقد فرؼت قسنطنة من أهلها، ورحلت كل العاببلت ل أصدقاء معظم -

.القدمة الت عرفناها

أسماء عاببلت كبرة هاجرت أو راحت تستقر ف العاصمة أو ف الخارج، لتترك تلك المدنة آلخرن.. جاء معظمهم وراح سرد عل

.صؽرة المجاورةمن القرى و المدن ال

:قبل أن ضؾ تلك الجملة الت لم تستوقفن ساعتها، والت أخذت بعد ست سنوات كل أبعاد القدر األحمق، قال

!لقد أصبح سكان هذه المدنة األصلون، ال زورونها سوى ف األعراس.. أو ف المآتم -

Page 107: ذاكرة الجسد.pdf

:وقبل أن أعلق على كبلمه، أضاؾ وكؤنه تذكر شبا

رفك على ناصر ابن س الطاهر.. من المإكد أنه سؤت بعد ؼد لحضور زواج أخته. سترى.. لقد أصبح رجبل بطولك سؤع -

منذ بضعة أشهر، منذ قرر أن ستقر ف قسنطنة. إنه الوحد الذي قام بهجرة معاكسة. لقد رفض حتى وبضخامتك، وهو تردد عل

ذا.. عندما سؤلته لماذا لم سافر مثل اآلخرن وهرب من هذا البلد، قال ل: "أخاؾ إن منحة إلى الخارج.. تصور! ال أحد صدق ه

."..سافرت أال أعود أبدا .. كل أصحاب الذن سافروا لم عودوا

ضحكت وأنا أكتشؾ هذا التطرؾ الذي ذكرن بك، وكؤنه سمة عابلة. وشعرت برؼبة ف إطالة ذلك الحدث الذي كان إدي إلك

..طرقة.. أو بؤخرىب

:سؤلته

وماذا فعل اآلن؟ -

لقد أعطوه بصفته ابن شهد محبل تجارا وشاحنة عودان عله بدخل كبر. ولكنه مازال ضابعا مترددا ، فكر أحانا ف مواصلة -

نقطع إنسان عن دراسته العلا، ألنه دراسته، ثم أحانا أخرى ف التفرغ للتجارة. والحققة أنن عاجز عن نصحه. فمن المإسؾ أن

سظل شعر بذلك النقص طوال حاته.. ومن ناحة أخرى، لم تعد تفد الشهادات الوم ف شء حسب قوله، وهو رى شبابا بشهادات

ه زمن علا عاطلن عن العمل، وآخرن جهلة تنقلون ف سارات مرسدس وسكنون فبلت فخمة.. لس هذا زمنا للعلم.. إن

..الشطارة.. فكؾ مكن أن تقنع الوم صدقك أو حتى تلمذك بالتفان ف المعرفة؟. لقد اختلت المقاس نهابا

:قلت لحسان

المهم أن عرؾ اإلنسان ما هو هدفه الحقق ف الحاة.. هل المال هو مشكلته األولى.. أم المعرفة وتوازنه الداخل؟

:رد حسان مازحا

توازن..؟ عن أي توازن تتحدث.. نحن شعب نصؾ مختل. ال أحد فنا دري ما رد بالضبط.. وال ماذا نتظر بالتحدد.. إن المشكل -

الحقق هو هذا الجو الذي عشه الناس، وهذا اإلحباط العام لشعب بؤكمله. إنه فقدك شهة المبادرة والحلم والتخطط ألي مشروع.

اء.. وال الجاهلون وال البسطاء وال األؼناء. قل ل رحم والدك.. ماذا مكن أن تفعل بعلمك إذا كنت ستنته موظفا فبل المثقفون سعد

عمل تحت إشراؾ مدر جاهل، وجد ف منصبه مصادفة لس لسعة معرفته، وإنما.. لكثرة معارفه وعرض أكتافه.! وماذا مكن أن

سوى أن تدفعها عمولة لتحصل على شقة ؼر صالحة للسكن ف معظم األحان.. أو تقم عرسا بها تفعل بؤموالك ف قسنطنة مثبل ..

ؽن فه "الفرقان"؟ أما إذا كان كل ما تملكه ال تجاوز العشرن ألؾ دنار.. فبقى أمامك أن تدفعها "شراب قهوة" لمسإول محل

لحج. وهكذا مكنك أن تإدي فرضتك وتحجز لك ؼرفة صؽرة ف اآلخرة.. ختبا خلؾ أي موظؾ آخر، لبع جوازات سفر إلى ا

!بعدما ضاقت بك الدنا

:صحت عجبا

واش.. أحقا تقول.. هل بعون جوازات سفر إلى الحج بملونن!؟ -

شفت أن معظمهم سافر عدة مرات طبعا .. ألن الحكومة حددت عدد الحجاج كل عام بسبب تكالفهم الباهظة بالعملة الصعبة، بعدما اكت -

ألسباب ال عبلقة لها بالحج، وإنما ألؼراض تجارة محض. وإال كؾ تفسر أن كون بعضهم قد حج ست مرات أو سبعا دون أن كون

س".. ذلك واضحا على سلوكه وأخبلقه؟ أنا أعرؾ حاجا "سوكارج" ال تفارق الخمرة بته، وأعرؾ آخر متفرؼا للترافك و"البزن

وتؽر العملة الصعبة ف األسواق السوداء.. هإالء مازالوا سافرون كل عام للحج. مكنهم أن حصلوا على عشرن ألؾ دنار

بسهولة. وأما أنا فمن أن ل هذا المبلػ ألقوم بتؤدة فرضت، ودخل ال تجاوز األربعة آالؾ دنار ف الشهر؟

:خرىقلت له وأنا أنتقل من دهشة إلى أ

عبلش.. هل تنوي الحج؟ -

طبعا .. ولم ال.. ألست مسلما ؟ لقد عدت إلى الصبلة منذ سنتن ولوال إمان ألصبحت مجنونا . كؾ مكن أن تصمد أمام كل هذا المنكر -

النتجة وربما وهذا الظلم دون إمان؟ وحدها التقوى تعطك القدرة على الصمود.. انظر حولك: لقد توصل جمع الناس إلى هذه

الشباب أكثر من ؼرهم ألنهم الضحة األولى ف هذا الوطن.. وحتى ناصر نفسه أصبح صل منذ عاد إلى قسنطنة، ربما لهذا السبب

. وربما ألن الدن كالكفر.. عدوى أضا ! وهللا ا خالد.. لو رأتهم وم الجمعة تجهون إلى المساجد باآلالؾ حتى تضق بهم جدرانها.

!وتفض بهم الشوارع.. لوقفت معهم تصل دون أن تتساءل لماذا

Page 108: ذاكرة الجسد.pdf

لم أجد شبا أعلق به على كبلم حسان ف تلك السهرة العجبة، الت طالت بنا حتى الثانة صباحا . فقد كان حسان سعدا بوجودي،

طوبل بعد كل .هذه السنوات الت باعدتناوسعدا ببدء العطلة الصفة الت تسمح له بالسهر والتحدث إل

.فتركته تحدث.. وعري أمام هذا الوطن الذي كنت كسوته حننا وعشقا وجنونا

من خبت،وخشى أن فقد فرحة عودت إله وإلى هذا الوطن مرة أخرى، عندما كان توقؾ أحانا عن الحدث أكان خاؾ عل

ثبل بطرقة ؼر مباشرة إلى الدن وإلى التقوى واإلمان. وؽرن بالتوبة، وكؤن لنتقل ب إلى موضوع آخر؟ كؤن ستدرجن م

.وجودي ف فرنسا بحد ذاته قد أصبح ذنبا وكفرا

.أهذا هو حسان؟

وسك كالعادة ..لم أمنع نفس ساعتها من االبتسام وأنا أتذكر أنن أحضرت له مع زجاجت

نوب. حاولت أن ألخصها، أن أحصرها.. فلم أجدها أكبر من ذنوب ؼري، بل وربما وجدتها أقل تساءلت للتها وأنا ف فراش عن ذ

..بدرجات

..لم أكن مجرما .. وال مقامرا .. وال كافرا.. وال كاذبا .. وال سكرا .. وال خابنا

.لم تكن ل زوجة وال سرر شرع استبدلت به آخر

ما مكن أن أسمه "السنوات المعطوبة" تلك الت قضتها بذراع واحدة، مشوه الجسد خمسون سنة من الوحدة. نصفها تماما

.واألحبلم

كم أحببت من النساء؟. لم أعد أذكر. منذ حب األول لتلك الجارة الهودة الت أؼرتها. إلى تلك الممرضة التونسة الت أؼرتن. إلى

نساء أخرات.. لم أعد أذكر أسماءهن وال م بلمحهن، تناوبن على سرري ألسباب جسدة محض، وذهبن محمبلت ب ألبقى فارؼا

..منهن

..وجبت أنت

.أكبر ذنوب على اإلطبلق كنت أنت. المرأة الوحدة الت لم أمتلكها، والذنب الوحد الذي لم أقترفه حقا

الد الوحدة الت رسمتك بها.. واستحضرتك بها.. واؼتصبتك لقد كانت ذنوب معك، ه ما مكن أن أسمه "ذنوب الد المنى"..

!بها.. وهما

فهل سعاقبن هللا على ذنوب د لم ترك ل سواها!؟

!ال أذكر من قال: "لس الفضلة تجنب الرذلة، الفضلة ف أال تشتهها

.وأعتقد أنن بهذا المفهوم فقط.. لم أكن رجبل فاضبل

أال أشتهك أنت.. وأال أبدأ رذلت معك. كان لحبك طعم المحرمات والمقدسات الت جب تجنبها، والت كنت أنزلق نحوها فقد كان ال بد

.دون تفكر

لقد كان األمر المدهش حقا ف قصت معك، أن تكون المبررات الت جعلتن أحبك، ه الت كان جب أن تجعلن أعدل عن حبك.

.وأعدل عن حبك.. أكثر من مرة ف الوم. وبالتطرؾ نفسه كل مرة ولهذا ربما كنت أحبك

.وأنا ال أفعل شبا ف النهاة هنا، سوى البحث عن حد لهذا المد والجزر العاطف الذي أعشه معك كل لحظة

ل تدرجا كل وم أكثر نحو كنت أدري أن العاشق مثل المدمن، ال مكن أن قرر بمفرده الشفاء من دابه، وأنه مثله شعر أنه نز

الهاوة. ولكنه ال مكن أن قؾ على رجله وهرب، مادام لم صل إلى أبعد نقطة ف الجحم، وبلمس بنفسه قعر الخبة والمرارة

.القصوى

..وكنت سعدا ف تلك الللة

.قادمن، وأنن بطرقة أو بؤخرى سؤنته منكتلك السعادة الؽامضة المرة، ألنن كنت أدري أن كل ش سوؾ حسم ف الومن ال

كانت زوجة حسان ف تلك السهرة منهمكة ف إعداد نفسها للحدث الهام، ولمرافقة الموكب النساب ف الؽد إلى الحمام، ثم إلى للة

.الحنة

من ثاب للحمام، حث ستستعرض وكانت كثرة الحركة ومشؽولة عنا وعن أوالدها بهمومها النسابة، وبما ستؤخذه ف حقبتها

النساء مثل العادة كل شء حتى ثابهن الداخلة.. لتظاهرن بؽناهن الكاذب ف معظم األحان.. أو لقنعن أنفسهن فقط، أنهن مازلن

Page 109: ذاكرة الجسد.pdf

.برؼم كل شء قادرات على إؼراء رجل، تماما مثل تلك العروس الت رافقنها.. والت تؤملنها بحسد سري

.ن.. ؼدا تبدأ طقوس أفراحك.. ونته ذلك الزمن الذي سرقناه من الزمنفلك

.أجمل األحبلم إذن سدت ف انتظار ؼدك

!ولتصبح على خر.. أها الحزن

.وقظن الحب المضاد ف هذا الصباح الصف.. ورم ب ف الشوارع

لذي ال نقطع عن مراسم الحفل، وعن أسماء الشخصات والعاببلت قررت حال استقاظ أن أهرب من البت، ومن حدث عتقة ا

.الكبرة الت جاءت خصصا لتحضر ذلك الحدث الذي لم تشهد قسنطنة مثله منذ سنوات

:ولكنها لحقت ب حتى الباب لتواصل حدثها

عرس.. لو رأت جهاز العروس وما لبسته على بالك.. قال إنهم حضروا كل شء من فرنسا.. منذ شهر والطابرة تنقل لوازم ال -

"!..البارحة.. ا حسرة.. قال لك "واحد عاش ف الدنا.. وواحد وانس فه

:أجبتها وأنا أؼلق خلف الباب، وكؤنن أؼلق بعنؾ أبواب قلب

!ما علهش.. البلد لهم والطابرات أضا . ومكنهم أن جلبوا إله كما أخذوا منه ما شاإوا -

ن أهرب؟أ

.ها أنا أوصدت الباب خلف، وإذا ال ش أمام.. سواي

.رمت بخطاي دون تفكر وسط أفواج المارة الذن جوبون الشوارع هكذا كل وم دون جهة محددة

حابط هنا.. أنت تملك الخار بن أن تمش، أو تتكا على جدار، أو تجلس ف مقهى لتتؤمل الذن مشون أو تكبون أمامك.. على

..الرصؾ المقابل

..رحت أمش

شعرت ف لحظة ما، أننا نطوؾ جمعا حول هذه المدنة الصخرة، دون أن ندري تماما .. ماذا جب أن نفعل بؽضبنا، ماذا جب أن نفعل

.ببإسنا.. وعلى من نرم هذا الحصى الذي امتؤلت به جوبنا الفارؼة

؟ ذلك الجالس فوق الجمع.. أم أولبك الجالسون فوقنا؟من األولى بالرجم ف هذا الوطن؟ من

."حضرن لحظتها عنوان رواة لمالك حداد.. "األصفار تدور حول نفسها

.تمنت لو أنن قرأتها، عسان أجد تفسرا لكل هذه الدوابر الت تحولنا إلها

ن، دور دون توقؾ ف ساحة )سدي بوسعد(، لستخرج ثم قادتن أفكاري إلى مشهد شاهدته وما ف تونس لجمل مؽمض العن

.الماء من ببر أمام متعة السواح ودهشتهم

استوقفن ومها عناه اللتان وضعوا علهما ؼمامة لتوهم أنه مش إلى األمام دابما ، وموت دون أن كتشؾ أنه كان دور ف حلقة

!مفرؼة.. وأنه قضى عمره دابرا حول نفسه

أصبحنا ذلك الجمل الذي ال كاد نته من دورة حتى بدأ أخرى تدور به بطرقة أو بؤخرى حول همومه الصؽرة الومة؟ ترانا

ترى هذه الجرابد الت تحمل لنا أكاسا من الوعود بؽد أفضل، لست سوى رباط عنن، خف عنا صدمة الواقع وفجعة الفقر والبإس

رة تربص بنصؾ هذا الشعب؟الحتم الذي أصبح ألول م

وأنا.. تران لم أعد أعرؾ المش إلى األمام ف خط مستقم ال عود ب تلقابا إلى الوراء.. إلى هذا الوطن الذاكرة؟

المستقمات، وتحولها إلى دابرة.. وأصفار !وهذا الوطن.. من أن له هذه القدرة الخارقة على ل

.حط ب من كل جانبها ه الذاكرة ساج دابري

..تطوقن أول ما أضع قدم خارج البت. وف كل اتجاه أسلكه تمش إلى جواري الذكرات البعدة

Page 110: ذاكرة الجسد.pdf

فؤمش نحو الماض مؽمض العنن.. أبحث عن المقاه القدمة تلك الت كان لكل عالم أو وجه مجلسه الخاص فها، حث كانت تعد

.م بالجزوة.. وخجل نادل أن بلحقك بطلباته. كان كفه شرؾ وجودك عندهالقهوة على الوجاق الحجري وتقد

.(ف ذلك الزمن كان البن بادس المقهى الذي كان توقؾ عنده، وهو ف طرقه إلى المدرسة. كان اسمه )مقهى بن بامنة

.أحانا وأنا أمر بهذا الطرق وكان هنالك )مقهى بو عرعور( حث كان مجلس بلعطار وباشتارزي وحث كنت ألمح أب

أن ذلك المقهى ألحتس فه هذا الصباح فنجان قهوة نخب ذكراه؟

كؾ أعثر على مقهى لم كن كبرا سوى بؤسماء رواده؟ كؾ أجده.. ف هذا الزمن الذي كبرت فه المقاه وكثرت، لتسع بإس

المدنة. وإذا بها متشابهة وحزنة كوجوه الناس؟

وباهتا الوملم .عد مزها شء. حتى تلك الهبة الت كانت سمة أهل قسنطنة، وذلك الشاش والبرنس المتؤلق باضا ، أصبح نادرا

ربما كان أول ما لفت نظري ذلك الصباح، ذلك الزي الموحد لتلك المدنة الت تستقظ كما تنام بحزن ؼامض. ذلك اللون القاتم المتدرج

.ن الجنسنوالمشترك ب

.النساء ملفوفات بمبلءاتهن السوداء الت ال بدو منها شء سوى عونهن

والرجال ف بدالتهم الرمادة أو البنة الت ال تختلؾ عن لون بشرتهم.. وال لون شعرهم. والت بدون وكؤنهم اشتروها جمعا عند

.خاط واحد

.لون زاه لفستان أو لبدلة صفة وقلما كان بدو من بن الحشود نقطة ضوء، أو

تران كنت أنظر ذلك الصباح إلى تلك المدنة، بعون رسام ال تلفت نظره سوى األلوان، وكاد ال رى سواها ف كل شء. أم تران

كنت أراها فقط بعون الماض وخبة الحاضر؟

.شعرت ألول مرة أنن بدأت أشبههمرمت بنفس وسط أمواج الرجال الضابعن مثل ف تلك المدنة.

مثلهم أملك وقتا ورجولة ال أدري ماذا أفعل بها. فبل أملك إال أن أمش ساعات ف الشوارع كما مشون.. محمبل ببإس الحضاري..

.وبإس الجنس اآلخر

.عة على األرصفةها نحن نتشابه فجؤة ف كل شء. ف لون شعرنا ولون بدلتنا وجر أحذتنا وخطانا الضاب

نتشابه ف كل شء، وأنفرد وحدي بك. ولكن هل ؽر ذلك شبا ؟

حبك الذي استدرجن حتى هذه المدنة، أعادن إلى تخلف دون علم. رمى ب وسط هذه الجموع الرجالة، الت تسر ببطء تحت

الت تختزنها األجساد المحمومة ف النهار، وتنفقها الشمس الصفة، دون وجهة محددة، ودون أن تدري ماذا تفعل بتلك األشعة

.األدي البابسة سرا ف اللل.. ف الملذات الفردة

.تتوقؾ فجؤة خطوات أمام جدران بت ال شبه بوتا أخرى

.هنا كانت أكبر "دار مؽلقة" رتادها الرجال. وكان لها ثبلثة أبواب تإدي إلى شوارع وأسواق مختلفة

.كانت ف الواقع دارا مؽلقة مشرعة، مدروسة لتسلل إلها الرجال من أة جهة، وخرجوا منها من أة جهة أخرىلقد

.كان الرجال إمونها من كل صوب، هربا من المدن والقرى المجاورة، الت ال ملذات فها وال نساء

لمجاورة لختفن خلؾ هذه الجدران المصفرة، الت ال خرجن منها إال وكانت النساء الجمبلت والبابسات، ؤتن أضا من كل المدن ا

.عجابز لنفقن ثروتهن ف الصدقات والحسنات، وتطهر األتام ف موسم توبتهن األخرة

Page 111: ذاكرة الجسد.pdf

!..هنا أنفق أب ثروته ورجولته

.، وربما موتها قهرا أحاول أال أتوقؾ عند ذلك البت االستثناب، الذي كان لعدة سنوات سبب حزن أم السري

وكان لعدة سنوات أضا سر نشوت السرة، وأحبلم المكبوتة أام صباي، وم كنت أحلم به وال أجرإ على دخوله، ربما خوفا من أن

قلما فتحها ألتق بؤب هناك، وربما أضا ألنن كنت مكتفا بمؽامرات العابرة المسروقة فوق السطح تارة، أو ف ؼرؾ المإونة الت

..أحد

.الوم لم عد أب هناك لمنعن احتمال وجوده ف هذا "البت" من الدخول

.لقد رحل بعدما ترك تارخه بامتاز خلؾ هذه الجدران، تماما كما فعل أي فلسطن ثري ومحترم على أامه

."!لخانة بفخر: "إن ما فعله الرجال.. طرز على أكتافهمألم تكن جدت تقول وقتها لتعلم أم الصبر، وتعودها على تقبل تلك ا

.وكان أب طرز مؽامراته جرحا ووشما على جسد )أما( دون أن دري

..ماذا أصبح هذا "البت" لست أدري

ت ف هذه المدنة، أو قال إنهم أؼلقوه وربما ظل له باب واحد فقط.. بعدما أؼلقت أبوابه األخرى، ف إطار ساسة تقلص الملذا

احتراما لعشرات المساجد الت نبتت على صدر هذه الصخرة، والت رتفع صوتها مجتمعة مرات ف الوم، لذكر الناس بمزاا اإلمان

..والتوبة

ى أسفل النداء وكنت ف تلك اللحظة، كمعظم رجال هذه المدنة، أقؾ ف الحد الفاصل بن شهوة الجسد وعفة الروح. تجاذبن إل

السري لتلك الؽرؾ المظلمة الشبقة.. حث تحلو الخطاا.. وسمو ب إلى أعلى ذلك النداء اآلخر، لتلك المآذن الت افتقدت طوبل

.تكبرها، ورهبة آذانها الذي كان دعو إلى الصبلة، فخترق بقوته دهالز نفس، وهزن ألول مرة منذ سنوات

ام رجبل مزدوجا كهذه المدنة، وبدأت أع أن لس ف هذا العالم المسكون باألضداد من مدن بربة. ومدن لقد أصبحت ف بضعة أ

.فاجرة

..هنالك مدن منافقة.. وأخرى أقل نفاقا فقط

.ولس هناك من مدن بوجه واحد.. وحرفة واحدة. وقسنطنة أكثر المدن وجوها .. وتناقضا

.الخطبة. ثم تردعك بالقوة نفسها الت تستدرجك بها ها ه مدنة تستدرجك إلى

كل شء هنا دعوة مكشوفة للجنس.. شء ما ف هذه المدنة ؽري بالحب المسروق: قلوالتها الت ال تنته.. صباحاتها الدافبة

رطوبة.. منظر جبل الوحش وما حوله الكسلى.. وللها الموحش المفاجا. طرقاتها المعلقة بن الصخور.. أنفاقها السرة الموبوءة ال

.من ممرات متشعبة.. ؼابات الؽار والبلوط.. وكل تلك المؽارات واألنفاق المختببة

ولكن.. علك أن تكتف بالتفرج على عادات النفاق المتوارثة هنا من أجال، وتتحاشى النظر إلى هذه المدنة ف عنها حتى ال

!تربكها.. وترتبك

نا عرفون أن خلؾ شوارعها الواسعة تختبا األزقة الضقة الملتوة، وقصص الحب ؼر الشرعة، واللذة الت تسرق على فالجمع ه

عجل خلؾ باب.. وتحت مبلءتها السوداء الوقور، تنام الرؼبة المكبوتة من قرون. الرؼبة الت تعط نساءها تلك المشة القسنطنة

.لعجار(، ذلك البرق النادرالمنفردة، وتمنح عونهن تحت )ا

تعودت النساء هنا منذ قرون، على حمل رؼبتهن كقنبلة موقوتة، مدفونة ف البلوع. ال تنطلق من كبتها إال ف األعراس، عندما

على وقع تستسلم النساء لوقع البندر، فبدأن الرقص وكؤنهن ستسلمن للحب، بخجل ودالل ف البداة. حركن المحارم منة وسرة

."الزندال".. فتستقظ أنوثتهن المخنوقة تحت ثقل ثابهن وصؽتهن

.صبحن أجمل ف إؼرابهن المتوارث

.تهتز الصدور وتتمال األرداؾ، ودفؤ فجؤة الجسد الفارغ من الحب

Page 112: ذاكرة الجسد.pdf

المحموم، فتزد الضربات فجؤة قوة تشب فه فجؤة الحمى الت لم طفبها رجل. وتواطؤ البندر الذي تسخنه النساء مسبقا مع الجسد

وسرعة. وتنفك ضفابر النساء، وتتطار خصبلت شعرهن، ونطلقن ف حلبات الرقص كمخلوقات بدابة تتلوى وجعا ولذة ف حفلة

أن جذب وتهول، فقدن خبللها كل عبلقة بما حولهن، وكؤنهن خرجن فجؤة من أجسادهن، من ذاكرتهن وأعمارهن، ولم عد مكن أحدا

.عدهن إلى هدوبهن السابق

وكما ف طقوس اللذة.. وطقوس العذاب، دري الجمع أنه ال جب وقؾ ضربات البندر، وال قطع وقعها المتزاد، قبل أن تصل النساء

ر إلى ذروة ال شعورهن ولذتهن، وقعن على األرض مؽمى علهن، تمسكهن نساء من خصورهن، وترشهن أخرات بالرحة والعط

.الجاهز لهذه المناسبات.. حتى عدن تدرجا إلى وعهن

!هكذا تمارس النساء الحب.. وهما ف قسنطنة

.قسنطنة الت أؼرتن.. بللة حب وهمة، وقبلت صفقتها السرة، مقابل شء من النسان

فؤن النسان قسنطنة.. وف كل منعطؾ تربص ب جرح؟

؟هل الحنن وعكة صحة

.مرض أنا بك قسنطنة

.كان موعدنا وصفة جربتها للشفاء، فقتلتن الوصفة

تران تجاوزت معك جرعة الشوق المسموح بها ف هذه الحاالت؟

.لم أشترك ف صدلة جاهزة ف طرق، ألرفع دعوى على بابع األقدار الذي وضعك ف طرق

..مقاسلقد صنعتك أنا بنفس، وقست كل تفاصلك على

..أنت مزج من تناقض، من اتزان وجنون، من عبادت وكفري

.أنت طهارت وخطبت. وكل عقد عمري

.الفرق بنك وبن مدنة أخرى.. ال شء

.لعلك كنت فقط المدنة الت قتلتن أكثر من مرة لسبب مناقض لؤلول.. كل مرة

بتلع دفعة واحدة، فؤن الحد الفاصل بن جرعة الشفاء وجرعة الم وت هذه المرة؟ وف مواسم الخبة، تصبح الذاكرة مشروبا مرا

حتسى على مهل؟ بعدما كان حلما مشتركا

.هنا تبدأ الذاكرة المشتركة، وشوارع سكنها التارخ ونفرد بها

.بعضها مشتها مع س الطاهر وأخرى مع آخرن

.عبوره. وها أنذا أتوحد بخطاه وأواصل طرقا لم نكمله معا هنا شارع حمل اسمه.. وشوارع تذكر

إلى آخر. وملإن فجؤة شعور ؼامض بالؽرور .تمش العروبة مع من ح

.ال مكن أن تنتم لهذه المدنة، دون أن تحمل عروبتها

.العروبة هنا.. زهو ووجاهة وقرون من التحدي والعنفوان

.كلمته تحكم هذه المدنة حتى بعد موتهمازالت لحة )ابن بادس( و

.مازال تؤملنا ف صورته الشهرة تلك. ملتحا وقاره، متكبا على ده، فكر ف ما ألنا إله بعده

.ومازالت صرخته التارخة تلك بعد نصؾ قرن. النشد ؼر الرسم الوحد.. الذي نحفظه جمعا

نتسب شعب الجزابر مسلم *** وإلى العروبة

من قال حاد عن أصله *** أو قال مات فقد كذب

أو رام إدماجا له *** رام المحال من الطلب

.صدقت نبوءتك لنا ا ابن بادس.. لم نمت

تنا للحاة. فماذا نفعل أها العالم الفاضل؟ فقط ماتت شه

ال أحد توقع لنا الموت ؤسا . كؾ موت شعب تضاعؾ كل عام؟

نشء أنت رجاإنا *** وبك الصباح قد اقترب ا

Page 113: ذاكرة الجسد.pdf

ذلك النشء الذي تؽنت به.. لم عد ترقب الصباح، مذ حجز الجالسون فوقنا.. الشمس أضا . إنه ترقب البواخر والطابرات.. وال فكر

.سوى بالهرب

.أمام كل القنصلات األجنبة تقؾ طوابر موتانا، تطالب بتؤشرة حاة خارج الوطن

ر التارخ وانقلبت األدوار. أصبحت فرنسا ه الت ترفضنا، وأصبح الحصول على "فزا" إلها ولو ألام.. هو "المحال من دا

!"الطلب

.لم نمت ظلما .. متنا قهرا . فوحدها اإلهانات تقتل الشعوب

، لتردده زنزانات أخرى، لم كن مساجنها ف زمن ما كنا نردد هذا النشد ف سجن قسنطنة. كان كف أن نطلق من زنزانة واحدة

.ساسن

.كان لكلماته قدرة خارقة على توحدنا. اكتشفنا مصادفة هناك صوتنا الواحد

.كنا شعبا واحدا ترتعد الجدران لصوته. قبل أن ترتعد أجسادنا تحت التعذب

هذا الوطن لبعضنا فقط؟هل بح صوتنا الوم.. أم أصبح هناك صوت علو على الجمع. مذ أصبح

***

.سنة مع جدران سجن كنت وما أراها من الداخل >8ولدت كل هذه األفكار ف ذهن وأنا أعبر ذلك الشارع، وألتق بعد

لؽ ولكن هل صبح السجن شبا آخر لمجرد أننا ننظر إله من الخارج، وهل مكن للعن أن تلؽ الذاكرة الوم، وهل مكن لذاكرة أن ت

أخرى؟

.كان سجن "الكدا" جزءا من ذاكرت األولى الت لن تمحوها األام

على الوقوؾ، فؤدخله من جدد كما دخلته ذات وم من سنة مع خمسن ألؾ سجن :9<9وها ه الذاكرة تتوقؾ أمامه وترؼم قدم

علهم القبض بعد مظاهرات .ماي الحزنة الذكر =ألق

.قاسا إلى الذن لم دخلوه ومها وكنت أكثر حظا ،

.خمسة وأربعون ألؾ شهد سقطوا ف مظاهرة هزت الشرق الجزابري كله بن قسنطنة وسطؾ وقالمة وخراطة

.وكانوا أول دفعة رسمة لشهداء الجزابر. جاء استشهادهم سابقا لحرب التحرر بسنوات

هل أنساهم؟

خرجوا منه، وظلت جثثهم ف ؼرؾ التعذب؟ وأولبك الذن ماتوا بؤكثر من طرقة للموت، رفاقنا الذن أأنسى أولبك الذن دخلوه ولم

اختاروا موتهم وحدهم؟

هنالك إسماعل شعبلل. كان مجرد عامل ف البناء. وكانت له مهمة حفظ وثابق "حزب الشعب" وأرشفه السري. وكان أول من تلقى

."الذن دقوا باب ؼرفته الصؽرة الشاهقة صارخن "البولس..افتحزارة االستخبارات العامة

وبدل أن فتح إسماعل شعبلل الباب.. فتح نافذته الوحدة. ورمى بنفسه على وادي الرمال، لموت هو وسره ف ودان قسنطنة

.العمقة

حتى ال بوح بؤسمابنا تحت التعذب؟ أمكن الوم، وحتى بعد نصؾ قرن، أن أذكر إسماعل دون دموع، هو الذي مات

وهنالك صوت )عبد الكرم بن وطاؾ( الذي كانت صرخات تعذبه تصل حتى زنزانتنا، خنجرا خترق جسدنا أضا وبعث فه الشحنات

ن والقتلة.. فؤت متقطعا بن ص .رخة وأخرىالكهربابة نفسها. وصوته شتم بالفرنسة معذبه وصفهم بالكبلب والناز

"criminels.. assassins.. salauds.. nazis"

.فرد عله صوتنا باألناشد الحماسة والهتاؾ

.وصمت صوت بن وطاؾ

.وهنالك )ببلل حسن( أقرب صدق إلى س الطاهر، أحد رجال التارخ المجهولن، وأحد ضحااه

م جل بؤكمل الوطنة. فقد كان محله القابم تحت جسر )سج راشد( مقر كان ببلل نجارا . لم كن رجل علم ولكن على ده تعل

.االجتماعات السرة

قراءة جردة "األمة" أو منشورا سرا .أذكر أنه كان ستوقفن وأنا أمر بمحله متجها إلى ثانوة قسنطنة، فعرض عل

". وضعن أمام أكثر من امتحان مدان، كان ال بد لكل عضو أن مر وكان خبلل سنتن هإن ساسا لبلنخراط ف "حزب الشعب

.به قبل أن إدي قسم االنخراط ف الحزب. وبدأ نشاطه ف إحدى الخبلا الت كان حددها ببلل

Page 114: ذاكرة الجسد.pdf

نوقشت الشعارات ف ذلك المحل الذي ال أثر له الوم، كان لتق القادة الساسون. وعط )مصالح الحاج( تعلماته األخرة. وفه

.الت رفعها المتظاهرون، وكتبت لبل على البلفتات لتكون مفاجؤة فرنسا

وعندما انطلقت تلك المظاهرة من فوق جسر )سدي راشد( كما خطط لها ببلل ألسباب تكتكة، سهل معها تجمع المتظاهرن ثم

ة بدقتها ونظامها ؼر المتوقع. وكان ببلل أول من ألق القبض عله تبعثرهم من كل الطرقات المإدة للجسر. أدهشت القوات الفرنس

.ومها.. ومن عذب للعبرة

.ولم مت ببلل حسن كؽره. قضى سنتن ف السجن والتعذب. ترك فهما جلده على آالت التعذب

لتصق بجراحه المفتوحة، بعدما رفض طبب أذكر أنه ظل لعدة أام عاري الصدر، عاجزا حتى أن ضع قمصا على جلده، حتى ال

.المستشفى تحمل مسإولة عبلجه

ثم خرج محكوما عله بالنف والرقابة المشددة. وعاش ببلل حسن مناضبل ف المعارك المجهولة، مبلحقا مطاردا حتى االستقبلل. ولم

.نفسه الذي مات فه ألول مرة، ف الشهر ==<9ماي >1مت إال مإخرا ف عامه الواحد والثمانن ف

.مات بابسا ، وأعمى، ومحروما من المال والبنن

.اعترؾ قبل موته ببضعة أشهر لصدقه الوحد، أنهم عندما عذبوه تعمدوا تشوه رجولته، وقضوا علها إلى األبد

..وأنه ف الواقع مات منذ أربعن سنة

لمرافقته إلى مثواه األخر. أولبك الذن لم سؤلوه وما بماذا كان عش، وال لماذا ال أهل وم وفاته، جاء حفنة من أنصاؾ المسإولن

.له

.مشوا خلفه خطوات.. ثم عادوا إلى ساراتهم الرسمة، دون أدنى شعور بالذنب

.لم كن أحد عرؾ سره الذي احتفظ به أربعن سنة كاملة، بحاء رجل من جله ومن طنته

ستحق ذلك السر، كل ذلك الكتمان؟فهل كان

..كان ببلل حسن آخر الرجال ف زمن الخصان

..وكان المبصر ف زمن عمت فه البصابر

فهل أنسى ببلل حسن؟

***

..(ها هوذا سجن )الكدا

.أتؤمله كما نتؤمل جدران سجن أول، دخلناه كما ندخل حلما مزعجا لم نكن مهؤن له

آخر، كان جبلدوه هذه المرة جزابرن ال ؼر. ولم كن له من عنوان معروؾ، لعرؾ طؾ مرت سنوات ك ثرة، قبل أن أدخل سجنا

فؤتن كما كانت تؤت لزارت هنا ف الماض، باكة متضرعة لكل حارس ..)أما( طرقه إل

.السجن، الذي تناوب عله أكثر من ثابر، ألكثر من ثورةها هوذا سجن )الكدا(.. كم من قصص مإلمة، وأخرى مدهشة عرفها هذا

. عاد هذا السجن للصدارة، بدفعة جددة لسجناء استثنابن كانت :9<9ماي =.. أي عشر سنوات بالضبط بعد أحداث ::<9سنة

.فرنسا تعد لهم عقابا استثنابا

ادة الثورة ورجالها األوابل، نتظرون موثقن، تنفذ الحكم باإلعدام .. المعدة النتظار الموت. كان ثبلثون من ق=ف الزنزانة رقم

.علهم، بنهم مصطفى بن بولعد والطاهر الزبري ومحمد الفا وإبراهم الطب رفق ددوش مراد وباج مختار وآخرون

طفى بولعد ف الصباح، أنهم ؼسلوا كان كل شء معدا للموت ومها، حتى أن حبلق مساجن الحق العام، أخبر الشهد القابد مص

."المقصلة باألمس، وأنه حلم أنهم "نفذوا

ن بالنسبة لمصطفى بن بولعد، الذي كان عد منذ أام خطة للهرب من )الكدا(.. وكان شرع مع رفاقه وكانت هذه الكلمة تحمل معن

ى إلى ساحة مؽلقة داخل السجن. فؤعادوا الحفر من جدد، منذ عدة أام، ف حفر ممر سري تحت األرض، أوصلهم ف المرة األول

.لصلوا بعد ذلك إلى خارج السجن

، بعد صبلة المؽرب، وبن الساعة السابعة والثامنة مساء بالتحدد، كان نصطفى بولعد ومعه عشرة آخرون من ::<9نوفمبر 91وم

.ن زنزانة لم ؽادرها أحد ذلك الوم.. سوى إلى المقصلةرفاقه، قد هربوا من )الكدا(، وقاموا بؤؼرب عملة هروب م

Page 115: ذاكرة الجسد.pdf

بعد ذلك سقط القابد مصطفى بولعد وبعض من فروا معه، شهداء ف معارك أخرى ال تقل شجاعة عن عملة فرارهم، فتصدروا

.برحلهم كتب التارخ الجزابري، وأهم الشوارع والمنشآت الجزابرة

.من ظلوا بالزنزانة، دون أن تمكنوا من الهروب بنما نفذ حكم اإلعدام، ف

ولم بق الوم من السجناء األحد عشر الذن هربوا من الكدا، سوى اثنن على قد الحاة. ومات الرجال الثمانة والعشرون الذن

.جمعتهم الزنزانة رقم ثمانة وما ، لقدر كان مقررا أن كون.. واحدا

جدران العالة لهذا السجن تبعثرت ذاكرت، وذهبت ألكثر من وجه، ألكثر من اسم، وألكثر من جبلد. وشعرت برؼبة كلما وقفت أمام ال

.ف فتح أبواب سجون أخرى مازالت مؽلقة على أسرارها، دون أن تجد كاتبا واحدا رد دن من مروا بها

.ة أسابعوقتها كنت أحسد ذلك الرفق الذي جمعتن به زنزانة هنا لبضع

.كنا آنذاك.. أنا وهو، أصؽر معتقلن ساسن. وربما كان اسن صؽرن ببضعة أشهر

.كان عمره ستة عشر عاما فقط

ورؼم أنهم أطلقوا سراح لصؽر سن، فقد رفضوا أن طلقوا سراح اسن. وبق ف سجن )الكدا( أربعة عشر شهرا . حلم

!"عشر سنوات، كانت ف السادسة والعشرن من عمرها.. وكان اسمها "نجمةبالحرة.. وبامرأة تكبره ب

."وبنما عدت أنا بعد ستة أشهر من السجن إلى الدراسة، راح اسن كتب بعد عدة سنوات رابعته "نجمة

.ة واألحبلم الوطنة الكبرىتلك الرواة الفجعة، الت ولدت فكرتها األولى هنا. ف ذلك اللل الطول، وف مخاض المرارة والخب

.أذكر أن اسن كان مدهشا دابما . كان مسكونا بالرفض وبرؼبة ف التحرض والمواجهة

ولذا كان نقل عدواه من سجن إلى آخر. وكنا نستمع إله، ونجهل وقتها أننا أمام )لوركا( الجزابر، وأننا نشهد مبلد شاعر سكون

.الوطن من مواهبوما ، اكبر ما أنجب هذا

.مرت عدة سنوات، قبل أن ألتق بكاتب اسن ف منفاي اإلجباري اآلخر بتونس

.اكتشفت بفرح ال خلو من الدهشة أنه لم تؽر

.مازال تحدث بذلك الحماس نفسه، وبلؽته الهجومة نفسها، معلنا الحرب على كل من شتم فهم رابحة الخضوع لفرنسا أو لؽرها

!د كانت له حساسة ضد اإلهانات المهذبة، وضد قابلة البعض لبلنحناء.. الفطريلق

.كان ومها لق محاضرة ف قاعة كبرى بتونس، عندما راح فجؤة هاجم الساسن العرب، والسلطات التونسة بالتحدد

.ولم ستطع أحد ومها إسكات اسن

.صوت المكروفون، وأطفؤوا األضواء لرؼموا الناس على مؽادرة القاعة فقد ظل خطب وشتم حتى بعدما قطعوا عله

."..ومها دفعت ف جلسة تحقق مع البولس ثمن حضوري ف الصؾ األمام وهتاف على اسن "تعش.. آ اسن

.دة المرفوعة تؤدا .. وإعجابا لم نتبه أحد وقتها إلى وجوه من صفقوا. ولكن بعض من كان عنهم األمر انتبهوا إلى دي الوح

!ومها اكتشفت البعد اآلخر للد الواحدة. فقدر صاحبها أن كون معارضا ورافضا ، ألنه ف جمع الحاالت.. عاجز عن التصفق

"..احتضنته بعدها وقلت: "اسن.. لو رزقت ولدا سؤسمه اسن

.أجمل ما مكن أن نقوله لصدق أو لكاتبوشعرت بشء من العنفوان والمتعة، كؤنن أقول له

.فضحك اسن وهو ربت على كتف بد عصبة كعادته عندما ربكه اعتراؾ ما

"!وقال بالفرنسة: "أنت أضا لم تتؽر.. مازلت مجنونا

.وضحكنا لنفترق لعدة سنوات أخرى

ا لذاكرتنا المشتركة، أم فقط، كن ت أرد أن أعوض بذلك عن عقدت تجاه "نجمة"، الرواة الت لن أكتبها، تران كنت أرد أن أكون وف

والت كنت أشعر أنها بطرقة أو بؤخرى، كانت قصت أضا . بؤحبلم وخبات، بمبلمح )أما( الواقفة على حافة الؤس والجنون،

والعموالت لحارس السجن الهودي، الذي كان جارنا.. الراكضة بن السجن واألولاء الصالحن، تقدم الذبابح لسدي محمد الؽراب،

Page 116: ذاكرة الجسد.pdf

حتى ؤتن بن الحن واآلخر بقفة األكل الذي تعده ل. )أما( الت كدت ال أعرفها عندما ؼادرت السجن بعد ستة أشهر، والت أمام

الشء الوحد الذي مكن أن برر انشؽال أب عن وعنها، بتجارته وعشقاته، أصبحت ال تطلب من هللا إال عودت لها. وكؤنن

.وجودها، والشاهد الوحد على أمومتها وأنوثتها المسلوبة

نعم كنا ف النهاة جبل بقصة واحدة، بجنون األمهات المتطرفات ف الحب، بخانة اآلباء المتطرفن ف القسوة، وبقصص حب

.ألدب، وتحول آخرون على دها إلى مرضى نفساننوهمة، وخبات عاطفة، صنع منها البعض روابع عالمة ف ا

تران ال أفعل شبا بكتابة هذا الكتاب، سوى محاولة الهروب من صنؾ المرضى إلى صنؾ المبدعن؟

..آه اسن.. كم تؽر العالم منذ ذلك اللقاء.. منذ ذلك الوداع

:أنت الذي أنهت رواتك قاببل على لسان ذلك البطل

".!أها الرفاق.. أي شباب عجب ذاك الذي عشناه وداعا "

!لم تكن تتوقع وقتها، أن عمرنا سكون أعجب من سنوات شبابنا بكثر

..ؼدا سكون عرسك إذن

.وعبثا أحاول أن أنسى ذلك، وأمش ف شوارع قسنطنة، سلمن زقاق إلى آخر.. وذاكرة إلى أخرى

المدنة؟ أما قلت إنك ل مادمنا ف هذه

أن تكونن اآلن إذن؟ ف أي شارع.. ف أي زقاق من هذه المدنة المتشعبة الطرقات واألزقة كقلبك، والت تذكرن بحضورك وؼابك

الدابم، وتشبهك حد االرتباك؟

..لست ل

.نا على جرح ألنسى الذي حدث هناكأدري أنهم عدونك اآلن لللة حبك القادمة. عدون جسدك لرجل آخر لس أنا. بنما أهم أ

.ملبا كان ومك، كوم عروس، وفارؼا كان وم، كوم موظؾ متقاعد

منذ زمان أخذ كل واحد منا طرقا مخالفا لآلخر. وها نحن نعش بمفكرتن متناقضتن، إحداهما للفرح وأخرى للحزن. فكؾ أنسى

ذلك؟

.تلك الت سلكتها للنسان، والت كنت تتربصن ل فهاكانت كل الطرق تإدي إلك، حتى

كل المدارس والكتاتب العتقة.. كل المآذن.. كل "البوت المؽلقة".. كل السجون.. كل المقاه.. كل الحمامات الت كانت تخرج منها

بس. وحتى.. تلك المقبرة الت ألقت نفس ف النساء أمام جاهزات للحب، كل الواجهات الت تعرض الصؽة والثاب الجاهزة للعرا

سارة أجرة، ورحت أبحث فها عن قبر )أما(، وأستعن بسجبلت حارسها ألتعرؾ على أرقام الممرات الت كانت توصل إلها..

.أوصلتن إلك ال ؼر

رها فقط.. أم رحت أدفن جوارها امرأة أخرى أما(.. لماذا قادتن قدماي إلها ذلك الوم بالذات، ف للة عرسك بالذات؟ أرحت أزو)

توهمتها وما أم؟

عند قبرها الرخام البسط مثلها، البارد كقدرها.. والكثر الؽبار كقلب، تسمرت قدماي، وتجمدت تلك الدموع الت خبؤتها لها منذ

.سنوات الصقع والخبة

ف كل ما كنت أملك من كنوز. صدر األمومة الممتلا.. رابحتها.. خصبلت شعرها ها ه ذي )أما(.. شبر من التراب، لوحة رخامة تخ

."..المحناة.. طلتها.. ضحكتها.. حزنها.. ووصااها الدابمة.. "عندك ا خالد ا ابن

.أمؤ( عوضتها بؤلؾ امرأة أخرى.. ولم أكبر)

.قصة حب.. ولم أشؾ عوضت صدرها بؤلؾ صدر أجمل.. ولم أرتو. عوضت حبها بؤكثر من

.كانت عطرا ؼر قابل للتكرار. لوحة ؼر قابلة للتقلد وال للتزور

فلماذا ف لحظة جنون تصورت أنك امرأة طبق األصل عنها؟ لماذا رحت أطالبك بؤشاء ال تفهمنها، وبدور لن تطاله؟

الذي أقؾ عنده أرحم ب منك .هذا الحجر الرخام

.مامه.. ألجهش بدوره بالبكاءلو بكت اآلن أ

Page 117: ذاكرة الجسد.pdf

.لو توسدت حجره البارد، لصعد من تحته ما كف من الدؾء لمواسات

."لو نادته )ا أما..( ألجابن ترابه مفجوعا "واش بك آ ممة..؟

.ولكن كنت أخاؾ حتى على تراب )أما( من العذاب، ه الت كانت حاتها مواسم للفجابع ال ؼر

.علها حتى بعد موتها من األلم، وأحاول كلما زرتها أن اخف عنها ذراع المبتورةكنت أخاؾ

ماذا لو كان للموتى عون أضا ؟

ماذا لو كانت المقابر ال تنام.. كم كان لزمن من الكبلم وقتها ألشرح لها كل ما حل ب بعدها؟

.لعمرلم أجهش ساعتها بالبكاء، وأنا أقؾ أمامها بعد كل ذلك ا

.نحن نبك دابما فما بعد

.مررت فقط دي على ذلك الرخام، وكؤنن أحاول أن أنزع عنه ؼبار السنن وأعتذر له عن كل ذلك اإلهمال

..ثم رفعت دي الوحدة ألقرأ فاتحة على ذلك القبر

..حة وكؤنها تطلب الرحمة بدل أن تعطهابدا ل وقتها ذلك الموقؾ، وكؤنه موقؾ سرال. وبدت دي الوحدة الممدودة للفات

.فتنهدت.. وأخفت دي

.ألقتها داخل جب سترت.. وألقت بخطاي خارج مدنة التراب.. والرخام

***

كان ترقب حسان وزوجته للعرس، واستعداداتهما الدابمة له، للقاء كل الذن سحضرونه من شخصات وعاببلت كبرة، جعلن أستمع

.حانا ، وكؤنن أستمع إلى أطفال تحدثون عن "سرك"، سحل بمدنة لم زرها سرك وال مهرجون من قبللهما أ

.وكنت لذلك أشفق علهما.. وأعذرهما

ار"، واحتفظت لقد كانت قسنطنة ف النهاة، مدنة ال حدث فها شء ما عدا األعراس. فتركتهما لفرحتهما نتظران "السرك عم

. بخبتلنفس

.كان كل شء استثنابا ف ذلك الوم. وكنت أعرؾ مسبقا برنامجه من أحادث السهرة

سذهب حسان لقضاء حاجاته ف الصباح، ثم صل صبلة الظهر ف المسجد، وبعدها سمر ب صحبة )ناصر( لنذهب جمعا إلى

.حضور العرس

ح لترافق العروس إلى الحبلق. ثم تبقى هناك لتقوم مع نساء أخرات بخدمة الضوؾ أما عتقة فقد تؤخذ األوالد وتذهب منذ الصبا

.وإعداد الطاوالت

كنت أشعر برؼبة ف البقاء ف سرري ف ذلك الصباح، وعدم مؽادرته قبل الظهر، ربما بسبب متاعب البارحة، وربما استعدادا للسهر

..والمتاعب األخرى الت تنتظرن ف ذلك الوم

وربما فقط ألنن لم أعد أدري أن مكنن أن أذهب، بعدما قضت أسبوعا وأنا أهم على وجه ف تلك المدنة الت كانت تتربص

..بذاكرت ف كل شارع. وكنت تختببن ل فها خلؾ كل منعطؾ

.أو على األقل ألتق فه معك بلذة ولس بؤلموجدت بعد تفكر قصر، أن السرر هو المكان الوحد الذي مكن أن أهرب منك إله.

..ولكن

هل سؤجرإ حقا على استحضارك الوم.. ف هذه اللحظة الت كنت أدري أنك تتجملن فها استعدادا لرجل آخر؟

ة؟ كان ذلك هل سؤجرإ على استحضارك ف هذا الصباح.. وهل سؽفر لك جسدي حقا ف لحظة نزوة كل خاناتك السابقة والبلحق

!!جنونا ف جنون

."..ولكن ألس هذا الذي كنت تردنه ف النهاة، عندما قلت: "سؤكون لك ف تلك الللة

.كنت أشعر برؼبة ف امتبلكك ف ذلك الصباح

موجعة الحمقاء الت لم وكؤنن أرد أن أسرق منك كل شء، قبل أن أفتقدك إلى األبد. فبعد الوم لن تكون ل، وستنته هذه اللعبة ال

.تكن هوات قبلك

.موجعا كان لقاب معك ذلك الصباح

Page 118: ذاكرة الجسد.pdf

.فه كثر من الشراسة والمرارة الؽامضة

.فه كثر من الحقد والشهوة الجنونة

..لو كنت ل

رات الطفولة المبتورة.. وشهوة آه لو كنت ل ذلك الصباح.. ف ذلك السرر الكبر الفارغ البارد دونك. ف ذلك البت الشاسع بذك

.الشباب المكبوت الذي مر على عجل

لو كنت ل.. المتلكتك كما لم أمتلك امرأة هنا. العتصرتك بدي الوحدة ف لحظة جنون. لحولتك إلى قطع.. إلى مواد أولة.. إلى بقاا

.. أقل ظلما وجبروتا منك امرأة.. إلى عجنة تصلح لصنع امرأة.. إلى أي شء ؼرك أنت، أي شء أقل .ؼرورا وكبراء

أنا الذي لم أرفع دي الوحدة ف وجه امرأة، ربما كنت ضربتك ذلك الوم حد األلم، ثم أحببتك حد األم، ثم جلست إلى جوار جسدك

..أعتذر له

حمرة أطرافك المخضبة بالحناء، ألوشمك بشراسة الق بل، عساك عندما تستقظن تكتشفنن مرسوما أقبل كل شء فك، أمحو بشفت

!على جسدك كالوشم، بذلك اللون األخضر الوحد الذي ال رسم إال على الجسد

من أن جاءن كل ذلك الجنون؟ أكنت أرد أن أنفرد بك وأمتلكك قبله، أم كنت أدري ومها بحدس أو بقرار مسبق أنن أنفق معك آخر

سؤضعك خارج هذا السرر بعد الوم إلى األبد؟رعشات اللذة، وأنن

.لم تكن مشكلت معك مجرد شهوة. لو كانت لحسمتها ومها بطرقة أو بؤخرى

.هنالك أكثر من امرأة هنا مكن أن متلكها رجل دون جهد

.هنالك أكثر من باب نصؾ مفتوح نتظر أن فتحه رجل

.هذه البوت العربة المشتركة، وأدري رؼبتهن السرة ف الحبهناك جارات تتقاطع خطوات بهن مرارا ف

.تعلمت مع الزمن، أن أفك رموز نظرات النساء المحتشمات.. والمبالؽات ف اللاقة والمفردات المإدبة

.ولكنن كنت أتجاهل نظرتهن ودعوتهن الصامتة إلى الخطبة

. أم عن حماقة وشعور ؼامض بالؽثان؟لم أعد أدري الوم.. إن كنت أتصرؾ كذلك عن مبدأ.

..كنت ف الواقع أشفق علهن.. وأحتقر أزواجهن الذن سرون كالدوك المؽرورة دون مبرر

!سوى أنهم متلكون ف البت دجاجة ممتلبة متشحمة لم قربها أحد ربما عن قرؾ

ة ومدجنة حسب التقالد وال توقع صاحبها أن جناح !ها القصرن.. مازاال مارسان القفز.. فطرا أو أخرى شه

!ا لحماقة الدوك

إذا كانت كل النساء عففات هنا، وشرؾ كل الرجال مصونا ، فمع من زن هإالء إذن؟ وكلهم دون استثناء تبجح ف المجالس

الرجالة بمؽامراته؟

!ضحك عله؟ألس كل واحد منهم ضحك على اآلخر.. وال دري أن هناك من

!كم أكره ذلك الجو الموبوء بالنفاق.. وتلك القذارة المتوارثة.. بنزاهة

حدث عندما تتقاطع نظرات بهن، أن أستعد قولك مرة، عندما أبدت لك دهشت مما جاء ف رواتك األولى.. ورحت أستجوبك بحثا

.عن ذاكرة مشبوهة

:قلت

ت الكلمات. إن امرأة تكتب ه امرأة فوق كل الشبهات.. ألنها شفافة بطبعها. إن الكتابة تطهر مما ال تبحث كثرا .. ال وجد شء تح"

"!علق بنا منذ لحظة الوالدة.. أبحث عن القذارة حث ال وجد األدب

.وكانت القذارة المتوارثة أمام ف كل مكان، ف عون معظم النساء الجابعات ألي رجل كان

.ال الذن حملون شهوتهم تراكما قاببل لبلنفجار.. أمام أول أنثىف عصبة الرج

أن أقاوم رؼبت الحوانة ذلك الوم. وأال أترك تلك المدنة تستدرجن إلى الحضض .ولكن كان عل

.فهنالك مبادئ ال مكنن التخل عنها مهما حدث. كؤن أعاشر امرأة متزوجة، تحت أي مبرر كان

هذا سر حزن اآلخر. فقد كنت أدري أن مستحبل آخر قد أضؾ إلى مستحبلت أخرى ومها، وأنك لن تكون ل أبدا بعد وربما كان

.الوم

Page 119: ذاكرة الجسد.pdf

.لم أكن خجوال من دي المنى ذلك الوم

.شعرت بشء من االرتاح، وأنا أكتشؾ أنن برؼم كل ما حل ب مازلت أحترم جسدي

.ال نفقد احترام جسدنا ونحن نمنحه ألول عابر سبلالمهم ف هذه الحاالت، أ

فؤن مكن أن نسكن بعد ذلك إن نحن أهناه.. وإن رفض أن نسى ذلك؟

.رمت فجؤة بالؽطاء، واتجهت نحو النافذة وأشرعتها وكؤنن أفتحها لخرج طفك منها إلى األبد، ودخل النور إلى تلك الؽرفة

قصصا عجبة، ف هذه المدنة المسكونة مع العتمة، تنام إلى جواري، تقص عل بالجن والسحرة، ماذا لو كنت جنة تتسلل إل

تعدن بؤلؾ حل سحري لمؤسات.. ثم تختف مع أول شعاع وتتركن لهواجس وظن؟

!هل خرج طفك حقا ومها من سرري.. من ؼرفت وذاكرت. وهرب من تلك النافذة؟ ال أدري

.ي فقط أن قسنطنة، دخلت من تلك النافذة نفسها، الت قلما فتحتهاأدر

.وإذا باألذان فاجبن من أكثر من مبذنة ف آن واحد، وسمرن ف مكان أمام األقدام المسرعة ف كل االتجاهات

بهمومه الومة، وبحماس نهاات وكان جسر )سدي راشد( بدو بدوره منهمكا ف حركة دابمة كامرأة تستعد لحدث ما.. مؤخوذا

.األسبوع

.وجدت ف انشؽاله عن حزن ذلك الصباح بالذات شبا شبها بالخانة.. وعدم العرفان بالجمل

..قررت بدوري أال أجامله.. فؤؼلقت ف وجهه وجه.. ورددت النافذة

.د توازي رؼبت الجنسة السابقة وتساوها عنفا وتطرفا وفجؤة.. انتابتن رؼبة جارفة للرسم. زوبعة شهوة األلوان.. تكا

..لم أعد ف حاجة إلى امرأة.. شفت من جسدي وانتقل األلم إلى أطراؾ أصابع

ف النهاة لم كن السرر مساحة للذت وال لطقوس جنون. وحدها تلك المساحة البضاء المشدودة إلى الخشب كانت قادرة على

.تإفراؼ من ذا

.فها أرد أن أصب اآلن لعنت، أبصق مرارة عمر من الخبات

أفرغ ذاكرة انحازت للون األسود.. مذ انحزت لهذه المدنة الملتحفة _حماقة_ بالسواد منذ قرون، والت تخف وجهها _تناقضا _ تحت

.مثلث أبض لئلؼراء

.(الساسة –الجنس –لت تعش مؽلقة وسط ثالوثها المحرم ) الدن سبلما أها المثلث المستحل.. سبلما أتها المدنة ا

..كم تحت عباءتك السوداء.. ابتلعت من رجال. فلم كن أحد توقع أن تكون لك طقوس مثلث )برمودا( وشهته لئلؼراق

الساعة واقترب وقت قدوم حسان وناصر كانت األفكار الرمادة تتوالد ف ذهن ف ذلك الصباح. والؽظ ملإن تدرجا كلما تقدمت

.لمرافقت إلى ذلك البت، ألحضر عرسك

.وكان ؼظ وخبت قد شبل دي ومنعان حتى من أن أحلق ذقن أو أستعد لذلك الفرح المؤتم

.كنت أذهب وأجء فجؤة ف تلك الؽرفة بعصبة مدمن تنقصه رشفة أفونه

ة الوم إلمساك فرشاة، وبهذه الرؼبة الجارفة للرسم؟ تلك الرؼبة الت ال تقاوم، والت كؾ لم أتوقع أن أشعر بهذه الحاجة المرض

تصبح ألما ف أطراؾ األصابع، وتوترا جسدا نتقل من عضو إلى آخر؟

إرهاقا ونشوة .كنت أرد أن أرسم.. وأرسم.. حتى أفرغ من كل شء. وأقع متا .. أو مؽمى عل

نن هذه المرة لن أرسم جسورا وال قناطر. ربما رسمت نساء بمبلءات سوداء.. ومثلثات بضاء.. وعون كاذبات، من األرجح أ

.واعدات بفرح ما. فاللون األسود لون كاذب ف معظم األحان.. تماما مثل اللون األبض

.وقد ال أرسم شبا ، وأموت هكذا واقفا ، عاجزا أمام لوحة بضاء

من أن نوقع مساحة بضاء بباض، وننسحب على رإوس األصابع، مادمنا لم نوقع شبا ف النهاة، ووحدها األقدار توقع فهل أروع

حاتنا، وتفعل بنا ما تشاء؟

لماذا التحال على األشاء إذن.. لماذا المراوؼة؟

عه علك الوم، سضع بصماته على جسدك، واسمه جوار أما كنت لوحت؟ ما فابدة أن أكون رسمتك ألؾ مرة، مادام آخر سضع توق

أوراقك الثبوتة؟

وماذا تفد عشرات المساحات الت ؼطتها بك، أمام سرر سحتوي جسدك.. وخلد أنوثتك األبدة؟

Page 120: ذاكرة الجسد.pdf

أي جدوى لما أرسمه.. إذا كان هناك دابما من سضع توقعه نابة عن كالعادة؟

***

دمة من الؤس، دق فجؤة الهاتؾ، وأخرجن للحظة من وحدت وهواجس. فرحت أسرع نحو الؽرؾ البعدة ف تلك اللحظة المتق

.األخرى، ألرد عله

:كان حسان على الخط. سؤلن دون مقدمات

واش راك تعمل..؟ -

:أجبته بشء من الصدق

..كنت ؼافا شبا ما -

:قال

وتنتظرن منذ مدة. كنت أرد أن أخبرك أنن قد أتؤخر بعض الوقت. هنالك مشكل صؽر جب أن حسنا إذن.. توقعت أن تكون جاهزا -

.أحله

:سؤلته متعجبا

أي مشكل؟ -

:قال

..تصور بماذا طلع ل ناصر الوم؟ إنه ال رد أن حضر عرس أخته -

:قلت وأنا أزداد فضوال

لماذا؟ -

:قال

! رد أن لتق بالضوؾ وال بالعرس.. وال حتى بعمهإنه ضد هذا الزواج.. وال -

:كدت أقاطعه "معه حق".. ولكنن سؤلته

وأن هو اآلن؟ -

:قال

!"...لقد تركته ف المسجد. قال ل إنه فضل أن قض ومه هناك بدل أن قضه مع هإالء "القوا -

:ن التعلق بصوت عال وألول مرة ضحكت من قلب. ولم أستطع أن أمنع نفس م

!."رابع ناصر.. وهللا "نستعرؾ به -

:ولكن حسان قاطعن بصوت فه شء من العتاب والعجب

..واش بك هبلت إنت تان.. عب.. شفت واحد ما روحش لعرس أختو.. واش قولوا الناس -

..الناس.. الناس.. قولوا واش حبوا.. خلنا ا راجل رحم والدك -

:وقبل أن أقول له شبا قال

ابق ف البت إذن.. سؤمر علم حال ما انته. سنتحدث ف هذا الموضع فما بعد، فؤنا أحدثك من مقهى، وحول كثر من الناس )... -

.(!..على بالك

:ثم أضاؾ

..ستجد ف المطبخ أكبل أعدته لك عتقة -

.وضعت السماعة. وعدت إلى ؼرفت

حاجة إلى أكل. كنت فقط أشعر بشء من الظمؤ الصباح، وبشء من المرارة الت صار لها فجؤة بعد ذلك الهاتؾ، مذاق لم أكن ف

.السعادة الؽامضة

لقد مؤلن موقؾ ناصر ؼبطة. شعرت أن هناك شخصا آخر شاركن حزن دون علمه، وقؾ مع ضد هذا الزواج، ولكن على

..طرقته

.بؤن كون ابن س الطاهر فحل ناصر، جدر

.لم ألتق به بعد. ولكن أتوقع أن كون )راسو خشن..( مثل أبه. أن كون عندا ومباشرا مثله

.وإذا كان فعبل مثله فلن نجح حسان أبدا ف تؽر رأه

Page 121: ذاكرة الجسد.pdf

.مازلت أذكر عناد س الطاهر وقراراته النهابة دابما ، الت ال مكن ألحد أن زحه عنها

وقتها كنت أجد ف تلك المواقؾ شبا من الدكتاتورة، وؼرور القابد. ثم مع الزمن، أدركت أنه كان ال بد للثورة ف أامها األولى من

رجال مثل س الطاهر، بذلك العناد، وتلك الثقة المطلقة بالنفس، حتى فرضوا رأهم وسلطتهم على اآلخرن، لس حبا بالجاه

..للم شمل الثورة وعدم ترك مجال للخبلفات واالعتبارات الشخصة، وحتى ال تموت تلك الشعلة األولى وتبعثرها الراح والسلطة، إنما

..عادت ذكرى س الطاهر فجؤة. ف لحظة لم أحجزها له

.بر بؤشهروعادت طلته، موجعة كتلك الرصاصات الت أفرؼوها ف جسده وما ، وأودت به قبل أن شهد استقبلل الجزا

أن هو لحضر هذا الوم االستثناب الذي سخلؾ موعده أضا؟

أكان قدره أن خلؾ فرحتن؟

رحل كما جاء، سابقا لزمنه، وكؤنه أدرك أنه لم خلق للزمن اآلت. كنت أع بشء من المرارة، أن كل الذن أحبوك لن حضروا

.عرسك هذا

.فرحتهم. س الطاهر وزاد.. وناصر أضا ستؽب عن فرحك كل الذن كنت

تلك القرعة، وقادتن األقدار إلك؟ لماذا وحدي وقعت عل

ولماذا استدرجتن حتى هنا، باسم الذاكرة والحنن.. وذلك الحب الجنون المستحل، وقلت تلك الجملة الت مؤلت جوب األحبلم

."..وهما .. "سؤكون لك مادمنا ف قسنطنة

صدقتك.. وجبت؟ كؾ

وكنت أدري انك تكذبن، وتهدنن الؽوم البضاء.. لصؾ طول. ولكن.. من قاوم مطر الكذب الجمل؟

هنالك أكاذب نحاول أن نصدقها حتى نحرج النشرات الجوة. لكن عندما تنهطل األمطار داخلنا.. من جفؾ دمع السماء؟

ة، وكنت أع .رؾ ذلكف الواقع كنت امرأة ساد

."!أذكر ذلك الوم الذي قلت لك فه: "لو خلؾ هتلر ابنة ف هذا العالم.. لكنت ابنته الشرعة

ضحكت ومها. ضحكت.. ضحكة حاكم جبار واثق من قوته. وعلقت أنا بسذاجة الضحة: "ال أدري ما الذي أوصلن إلى حبك، أنا

."!..مر أن أقع ف حب امرأة طاؼةالهارب من حكم الجبابرة.. أمكن بعد هذا الع

أكثر من موضوع للكتابة.. سؤكتب وما هذه ابتسمت فجؤة.. ثم قلت بعد شء من الصمت: "مدهش أنت عندما تتحدث، تفجر ف

."..الفكرة

!اكتبها إذن ذات وم.. صحح أنها تصلح لرواة

. معكف ذلك الصباح، كانت الخمرة ملجب الوحد، ألنسى خبت

ف تلك الؽرفة الت إثثها سرر فارغ، ونافذة تطل على المآذن والجسور، وطاولة فارؼة من لوازم الرسم، لم أجد ل من طوق نجاة

سوى بضع أوراق وأقبلم فقط، وزجاجة وسك أحضرتها لحسان قبل أن توب، ومازالت ف حقبت تنتظر. فؤحضرتها ورحت أشرب

.وس الطاهر.. ونخب قسنطنة ذلك الصباح نخب زاد

."تذكرت مسرحة أعجبت بها وما . فكتبت أعلى الصفحة، دون كثر من التفكر "كؤسك ا قسنطنة

.وضحكت لهذا الدور الذي كان جاهزا ل ف هذه المدنة الت تمنع عنك الخمرة، وتوفر لك كل أسباب شربها

.خبت كلمتن قد تصلحان عنوانا لهذا الكتاب، الذي ربما ولدت فكرته ومهالم أكن أدري وقتها، أنن كنت أخط خبلصة

.كانت ب رؼبة لتحدك وتحدي هذه المدنة.. وهذا الوطن الكاذب

.رفعت كؤس المآلى بك.. نخب ذاكرتك الت تحترؾ مثله النسان. نخب عنك اللتن خلقتا لتكذبا

.خب بكاب العاجز عن الدموعنخب فرح الللة الجاهز للبكاء.. ن

رصاص الؽدر ..أنت الت صالحتن مع هللا، وأعدتن وما إلى العبادة. ها أنت تخوننن للة جمعة.. تحلن دم، وتطلقن عل

!فلماذا ال أسكر الوم.. من أكثرنا كفرا ا ترى

. ولذا ارتبطت بك وبتقلباتك الجنونة. فف كل مرة شربت ف الواقع، لم تكن الخمرة هوات. كانت مشروب فرح وحزن التطرؾ

.فها كنت أإرخ لحدث ما ف قصتنا الت ال تنته

وها أنا أفتح على شرفك زجاجت األخرة.. وأرتكب جنون األخر. فبل أعتقد أنن قد أسكر بعد الوم. ألنن سؤؼسل دي منك الوم..

عك على طرقت .وأش

عنن اآلن، أخك الذي صل ف هذه اللحظة ف أحد مساجد هذه المدنة، لنسى مثل، أنهم ستناوبون على وحده أمر ناصر

..ولمتك الللة.. وأن هناك من ستمتع بك ف ؼفلة منا

Page 122: ذاكرة الجسد.pdf

!ف الواقع.. كنت أسكر نخبه.. ال ؼر

..إه ناصر

.أنا.. وأنت.. وهذه المدنة

رؾ والجنون. مدنة "سادة" تتلذذ بتعذب أوالدها. حبلت بنا دون جهد. ووضعتنا كما تضع سلحفاة بحرة مدنة تواطؤت معنا ف التط

..أوالدها عند شاطا وتمض دون اكتراث، لتسلمهم لرحمة األمواج والطور البحرة

روا.." قول "الفكرون" ف ذلك المثل الشعب وهو تخل" .ى عن أوالدهإفكروا.. وإال هللا ال جعلكم تفك

.وها نحن ببل أفكار.. نبحث عن قدرنا بن الحانات والمساجد

..ها نحن سلحفاة تنام على ظهرها. قلبوها حتى ال تهرب، قلبوها ف محاولة انقبلب على المنطق

!فكم شبه المبلد الموت ف المدن العرقة، حث نولد ونموت وسط مجرى الهواء والراح المضادة

!ر تم السبلحؾ ف هذه المدنةوما أكب

عندما جاء حسان بعد ذلك، وفاجؤن جالسا أكتب أمام تلك الطاولة وأمام زجاجة وسك نصؾ فارؼة، كاد شهق من العجب. وظل

.نظر إل مدهوشا وكؤنن بفتح تلك الزجاجة أخرجت له ماردا ، أو جنا أطلقته ف البت

:رةحاولت أن أمازحه فسؤلته بسخ

هكذا.. ألم تر زجاجة كهذه قبل الوم؟ - لماذا تنظر إل

.ولكنه دون أي رؼبة ف المزاح أخذ الزجاجة من أمام، وذهب بها إلى المطبخ، وهو سب وتحدث لنفسه كبلما لم كن صلن

:وعندما عاد قال ل بنبرة فها شء من الؤس وبقاا من متاعب ناصر

كم.. الببلد متخذة وأنتما واحد الت صل.. وواحد الت سكر.. كفاش نعمل معاكم؟ا أخ واش ب -

توقؾ سمع عند ذلك التعبر الذي لم أسمعه منذ عدة سنوات "الببلد متخذة" والذي عن أن الببلد قابمة قاعدة.. أو تشهد حدثا

.استثنابا ، والذي هو ف الواقع تعبر جنس محض

..أن أكتشؾ مرة أخرى قدرة هذه المدنة على زج الصور الجنسة ف كل شء. وذلك ببراءة مدهشةابتسمت و

:رفعت عن نحوه وقلت له بشء من السخرة المرة

!"..هذه ه الجزابر ا حسان.. البعض صل.. والبعض سكر.. واآلخرون أثناء ذلك "اخذوا ف الببلد -

.ستعداد للتمادي مع ف النقاشولكن حسان لم بد على ا

:ربما ألنه بعد ذلك الوقت الذي قضاه ف إقناع ناصر لم عد قادرا على المزد من المناقشة. فقال وهو قاطعن

سؤذهب ألحضر لك القهوة، حتى تفق وتطر عنك هذه السكرة.. ثم نتحدث. إن الناس نتظروننا هناك وبعضهم لم رك منذ سنوات. -

!أال تذهب إلهم ف هذه الحالةجب

:عندما عاد بعد لحظات بالقهوة سؤلته

ماذا فعلت مع ناصر؟ -

:قال

لقد وعدن أنه سمر هناك وقت العشاء إرضاء لخاطري فقط، ولكنه لن مكث طوبل . وبرؼم ذلك أشك ف أن حضر فعبل . ال أفهم -

.نهاة.. وال مكن أال قؾ ف عرسها أمام الناسعناده هذا.. إنه ال ملك سوى أخت واحدة ف ال

!جنون

كنت أحتس تلك القهوة حتى طر سكري، حسب تعبر حسان. ولكن كنت أشعر ف الواقع أنن أزداد سكرا أو جنونا ، وأنا أستمع

.إله

.لى أكثر من موضوعكتلك اللحظة الت سؤلته فها عن سبب مقاطعة ناصر لهذا العرس، وإذا بالحدث جرنا إ

:قال

إنه على خبلؾ مع عمه. فهو عتقد أنه استفاد كثرا من اسم س الطاهر، وأنه قلما اهتم بمصر زوجة أخه وأوالده. وهذا العرس ال -

ة ومطامع ساسة محض.. فهو ضد اختار عمه لهذا العرس السا الصت ساسا وأخبلقا . ف الجمع هدؾ له ؼر أسباب وصول

تحدث عن العموالت الت تقاضاها ف صفقاته المختلفة.. وعن حساباته ف الخارج.. وعن عشقاته الجزابرات.. واألجنبات. إضافة

..إلى كون هذا الزواج زواجه الثان، وأن له أوالدا قارب عمرهم عمر عروسه الجددة

Page 123: ذاكرة الجسد.pdf

:سؤلته

وهل تجد أنت هذا الزواج طبعا ؟ -

:قال

ال أدري بؤي منطق ترد أن أحكم عله. من المإكد أنه بمنطق األشاء عندنا زواج طبع. إنه لس أول زواج من هذا النوع، ولن -

كون األخر.. إن لمعظم الرجال المهمن هنا أكثر من عشقة. وكلهم تخلوا بطرقة أو بؤخرى عن زوجاتهم وأوالدهم، لتزوجوا من

عمرا وأكثر جماال وثقافة من األولى.. إنك ال تستطع أن تمنع رجبل عندنا زادوا له نجمة على أكتافه، من أن زد عروس جددة أصؽر

.امرأة ف بته، أو تمنع رجبل حصل على منصب جدد لم حلم به، من أن بدأ ف البحث عن فتاة أحبلمه

:وأضاؾ

بالضرورة القضاء على مستقبل أخته بهذا الزواج. بل إن أي شخص سواه كان أنا حاولت فقط أن أقنع ناصر أن عمه لم قصد -

سرحب بهذه المصاهرة.. وسعى إلها الهثا .. إنها الطرقة الوحدة لحل مشكبلته ومشكبلت ابنته مرة واحدة، ووفر علها كثرا من

..المتاعب

:سؤلته

زوجته منها؟لو كانت لك بنت وخطبها منك هذا الرجل، أكنت -

:قال

طبعا .. ولم ال؟ إن الزواج حبلل.. الحرام هو ما مارسه بعضهم بطرق عصرة. كؤن رسل أحدهم ابنته أو زوجته.. أو أخته لتحضر -

بسطاء له ورقة من إدارة، أو تطلب شقة أو رخصة لمحل تجاري نابة عنه، وهو علم أن ال أحد هنا عطك شبا ببل مقابل. لقد خلق ال

!بؤنفسهم عملة أخرى للتداول وقضون بها حاجاتهم.. هات امرأة.. وخذ ما تشاء

:تمتمت بذهول

أحق ما تقول؟ -

:أجاب

إنه ما حدث اآلن ف أكثر من مدنة.. وف العاصمة بالذات.. حث مكن ألي فتاة تمر بمكتب ما ف الحزب أن تحصل على شقة أو -

عرؾ العنوان طبعا ، وعرؾ اسم من وزع الشقق والخدمات على النساء والشعارات على الشعب بالتساوي.. خدمة أخرى.. والجمع

..كف أن ترى منظر الفتات البلت دخلن هناك لتفهم كل شء

:سؤلته

ومن أدراك بها؟ -

:قال متذمرا

ر ألقابل صدقا موظفا ف الحزب.. عساه ساعدن ف الخروج من؟ لقد سمعته بؤذن وشاهدته بعن وم ذهبت هناك منذ بضعة أشه -

.. وعبثا رحت أشرح له أنن قادم من قسنطنة لهذا الؽرض. من سلك التعلم. تصور.. حتى البواب لم كلؾ نفسه مشقة الحدث إل

بشء من العصبة، و"التشناؾ" أن معظم وحدهن النساء كن جدرات بالعناة هناك.. وعندما أبدت تذمري "لؤلخ الفراش" أجابن

الزابرات موظفات ف االتحادات الحزبة.. أو مناضبلت. وكدت أسؤله وأنا أرى إحداهن تمر أمام "بؤي "عضو" ناضلن على

.التحدد..؟" ولكنن سكت

كنت أملك الخار لزوجت ابنت من إه.. ا ولدي روح.. كل ش أصبح مر بالنساء الوم. بالسهرات.. المجالس الخاصة. ولذا لو

واحد مكنه بهاتؾ أن ؤتها بكل شء. على أن أعطها لواحد مثل عش معها ف البإس كما أعش أنا.. أو دخل ف هذه الحلقة

القذرة.. وبعثها تدق على مبة باب؟

تتن من الهول، عندما أضاؾ وكؤنه ستدرك لخفؾ من ربما الحظ وقتها آثار الصدمة المدهشة على مبلمح.. وتلك المرارة الت أسك

:خبت

على كل حال.. لن حدث هذا. حتى لو عرضت ابنت على )س....( فمن المإكد أنه لن قبل بها. إنهم ال تزوجون إال من بعضهم. -

كرس سلطة إلى آخر، فكؾ ترد ف هذا ففبلن ال رد إال بنت فبلن، حتى "بقى زتنا ف دققنا.!" وضمنوا ألنفسهم التنقل من

الجو أن ستطع شاب بسط أن بن حاته؟ كل البنات بحثن عن المسإولن والمدرن والرجال الجاهزن.. وهإالء عرفون ذلك

.فزدون من شروطهم كل مرة.. بنما عدد العوانس زد كل وم.. إنه قانون العرض والطلب

.ه العن، فإنك حتما تعذر س الشرؾ. المهم أن ستر بنت أخه، وضمن لها ولنفسه مستقببل سعدا قدر اإلمكانإذا رأت األمور بهذ

Page 124: ذاكرة الجسد.pdf

أما كون العرس سارقا وناهبا ألمبلك الدولة.. فماذا ترد أن تفعل؟ كلهم سراق ومحتالون. هنالك من انفضحت أموره، وهنالك من

!. فقطعرؾ كؾ حافظ على مظهر محترم.

.أصبت بذهول وأنا أستمع إله

.كدت أقول له إنه ف النهاة على حق. وربما كان س الشرؾ أضا على حق.. ال أدري

.ولكن كان هناك شء ما ف هذا الزواج، رفض أن دخل عقل وأقتنع به

الفصل السادس

.لعرسك لبست بدلت السوداء

!لؤلفراح.. وللمآتم مدهش هذا اللون. مكن أن لبس

لماذا اخترت اللون األسود؟

.ربما ألنن وم أحببتك أصبحت صوفا ، وأصبحت أنت مذهب وطرقت. وربما ألنه لون صمت

.لكل لون لؽته. قرأت وما أن األسود صدمة للصبر

:سه الدابم لؤلسود قالقرأت أضا أنه لون حمل نقضه. ثم سمعت مرة مصمم أزاء شهرا ، جب عن سر لب

."إنه لون ضع حاجزا بن وبن اآلخرن"

.ومكن أن أقول لك الوم الكثر عن ذلك اللون. ولكن سؤكتف بقول مصمم األزاء هذا

.حكفقد كنت ف ذلك الوم أرد أن أضع حاجزا بن وبن كل الذن سؤلتق بهم، كل ذلك الذباب الذي جاء لحط على مابدة فر

.وربما كنت أرد أن أضع حاجزا بن وبنك أضا

لبست طقم األسود، ألواجه بصمت ثوبك األبض، المرشوش بالآللا والزهور، والذي قال إنه أعد لك خصصا ف دار أزاء

..فرنسة

هل مكن لرسام أن ختار لونه بحاد؟

رآة ذلك. ونظرة حسان، الذي استعاد فجؤة ثقته ب، وقال بلهجة جزابرة أحبها، وهو وكنت أنقا . فللحزن أناقته أضا . أكدت ل الم

."!..تؤملن: "هكذا نحبك آ خالد.. إهلكهم

.نظرت إله.. كدت أقول له شا .. ولكن صمت

..عند الباب المشرع للسارات، وأفواج القادمن، استقبلن س الشرؾ باألحضان

.أهبل .. زارتنا البركة.. عطك الصحة الل جت.. راك فرحتن الومأهبل س خالد.. -

:اختصرت ذلك الموقؾ العجب مرة أخرى ف كلمة. قلت

..كل شء مبروك -

.وضعت قناع الفرح على وجه. وحاولت أن أحتفظ به طوال تلك السهرة

حرقن. متلا قلب حزنا . وتعلم وجه تلقابا االبتسامات الكاذبة. متلا البت زؼارد. ومتلا صدري بدخان السجابر الت أحرقها وت

فؤضحك مع اآلخرن. أجالس من أعرؾ ومن ال أعرؾ. أتحدث ف الذي أدري والذي ال أدري. حتى ال أخلو بك لحظة واحدة.. حتى ال

.أفاجبك داخل.. فؤنهار

:به منذ مدة أسلم على العرس الذي قبلن بشوق صدق قدم لم لتق

!هاك جت للجزابر آ سدي.. كان موش هاذا العرس.. ما كناش شفناك -

مجاملة على عجل، وهو فكر ربما ف اللحظة الت سنفرد فها بك ف آخر أحاول أن أنسى أنن أتحدث لزوجك، لرجل تحدث إل

..اللل

الحررة الت لبسها _أو تلبسه_ بؤناقة من تعود على الحرر. أحاول أال أتؤمل سجاره الذي اختاره أطول للمناسبة.. بدلته الزرقاء

.أتوقؾ عند جسده. أحاول أال أتذكر. أتلهى بالنظر إلى وجوه الحاضرن

..وتطلن

Page 125: ذاكرة الجسد.pdf

.تدخلن ف موكب نساب، حترؾ البهجة والفرح، كما أحترؾ أنا الرسم والحزن

لك، تمرن قربة وبعدة، كنجمة هاربة. تسرن.. مثقلة األثواب والخطى، وسط الزؼارد ودقات أراك ألول مرة، بعد كل أشهر الؽبة ت

البندر. وأؼنة تستفز ذاكرت، وتعود ب طفبل أركض ف بوت قسنطنة القدمة. ف مواكب نسابة أخرى.. خلؾ عروس أخرى.. لم

.أكن أعرؾ عنها شبا ومذاك

!ان الت كانت تزؾ بها العرابس، والت كانت تطربن دون أن أفهمها. وإذا بها الوم تبكنآه كم كنت أحب تلك األؼ

.شرع الباب ا أم العروس.." قال إن العرابس بكن دابما عند سماع هذه األؼنة"

تراك بكت ومها؟

.سإالكانت عناك بعدتن.. فصلن عنهما ضباب دمع وحشد الحضور. فعدلت عن ال

.اكتفت بتؤملك، ف دورك األخر

.ها أنت ذي تتقدمن كؤمرة أسطورة، مؽرة شهة، محاطة بنظرات االنبهار واإلعجاب.. مرتبكة.. مربكة، بسطة.. مكابرة

..ها أنت ذي، شتهك كل رجل ف سره كالعادة.. تحسدك كل النساء حولك كالعادة

.ول أمامكوها أنذا _ كالعادة_ أواصل ذه

.وها هوذا "الفرقان".. كالعادة.. ؽن ألصحاب النجوم والكراس األمامة

.صبح صوته أجمل، وكمنجته أقوى عندما زؾ الوجهاء وأصحاب القرار والنجوم الكثرة

:تعلو أصوات اآلالت الموسقة.. ورتفع ؼناء الجوقة ف صوت واحد لترحب بالعرس

..بلل عرسو.. بالعوادةا دن ما أح"

..هللا ال قطعلو عادة

"وانخاؾ عله.. خمسة. والخمس عله

.تعلو الزؼارد.. وتتساقط األوراق النقدة

!ما أقوى الحناجر المشتراة. وما أكرم األدي الت تدفع كما تقبض على عجل

..ها هم هنا

.كانوا هنا جمعهم.. كالعادة

.فخة.. والسجابر الكوبة.. والبدالت الت تلبس على أكثر من وجهأصحاب البطون المنت

أصحاب كل عهد وكل زمن.. أصحاب الحقابب الدبلوماسة، أصحاب المهمات المشبوهة، أصحاب السعادة وأصحاب التعاسة، وأصحاب

.الماض المجهول

..ها هم هنا

سراق. مدرون وصولون.. ووصولون بحثون عن إدارة. مخبرون وزراء سابقون.. ومشارع وزراء. سراق سابقون.. ومشارع

.سابقون.. وعسكر متنكرون ف ثاب وزارة

..ها هم هنا

أصحاب النظرات الثورة، والكسب السرع. أصحاب العقول الفارؼة، والفبلت الشاهقة، والمجالس الت تحدث فها المفرد بصؽة

.الجمع

..دابما كؤسماك القرش. ملتفون دابما حول الوالبم المشبوهة ها هم هنا.. مجتمعون

"!أعرفهم وأتجاهل معظمهم "ما تقول أنا.. حتى موت كبار الحارة

.أعرفهم وأشفق علهم

!ما أتعسهم ف ؼناهم وف فقرهم. ف علمهم وف جهلهم. ف صعودهم السرع.. وف انحدارهم المفجع

.الذي لن مد فه أحد ده حتى لمصافحتهم ما أتعسهم، ف ذلك الوم

ف انتظار ذلك.. هذا العرس عرسهم. فلؤكلوا ولطربوا. ولرشقوا الوراق النقدة. ولستمعوا للفرقان ردد كما ف كل عرس

."قسنطن أؼنة "صالح باي

..صالح باي( وخدعة الحكم والجاه الذي ال دوم ألحدتلك الت مازالت منذ قرنن تؽنى للعبرة، لتذكر أهل هذه المدنة بفجعة )

..والت أصبحت تؽنى الوم بحكم العادة للطرب دون أن تستوقؾ كلماتها أحدا

Page 126: ذاكرة الجسد.pdf

كانوا سبلطن ووزراء *** ماتوا وقبلنا عزاهم

نالوا من المال كثرة *** ال عزهم.. ال ؼناهم

"..ال مالوقالوا العرب قالوا *** ما نعطو صالح و

أتذكر وأنا أستمع لهذه الكلمات، أؼنة عصرة أخرى وصلتن كلماتها من مذاع بموسقى راقصة.. تتؽزل بصالح آخر "صالح.. ا

."..صالح.. وعنك عجبون

!إه ا قسنطنة، لكل زمن "صالحه".. ولكن لس كل "صالح" باا .. ولس كل حاكم صالحا

ر أخرا أمام.. أهذا هو الوطن حقا ؟ها هوذا الوطن اآلخ

.ف كل مجلس وجه أعرؾ عنه الكثر. فؤجلس أتؤملهم، وأستمع لهم شكون وتذمرون

.ال أحد سعد منهم حسب ما بدو

.المدهش أنهم هم دابما الذن بادرونك بالشكوى، وبنقد األوضاع.. وشتم الوطن

!عجبة هذه الظاهرة

جمعا خلؾ مناصبهم زحفا على كل شء. كؤنهم لسوا جزءا من قذارة الوطن. كؤنهم لسوا سببا ف ما حل به من كؤنهم لم ركضوا

..كوارث

.أسلم على )س مصطفى(. لقد أصبح وزرا منذ ذلك الوم الذي زارن فه لشتري من لوحة. ورفضت أن أبعه إاها

..فقد راهن على حصان رابح لقد نجحت تكهنات )س الشرؾ( إذن،

:أسؤله مجاملة

واش راك س مصطفى؟ -

:فبدأ دون مقدمات بالشكوى

!..رانا ؼارقن ف المشاكل.. على بالك -

."!تحضرن وقتها، مصادفة، مقولة لدؽول: "لس من حق وزر أن شكو.. فبل أحد أجبره على أن كون وزرا

..أحتفظ بها لنفس وأقول له فقط

..إه.. على بال -

نعم.. كنت )على بال..( بتلك المبالػ الهابلة الت تقاضاها ف كندا كعمولة لتجدد معدات إحدى الشركات الوطنة الكبرى. ولكنن كنت

.أخجل أن أقول له ذلك، ألنن أدري أن الذن سبقوه إلى ذلك المنصب.. لم فعلوا أحسن منه

..إله وهو شكو، بطرقة تثر شفقة أي مواطن مسكناكتفت فقط باالستماع

!بنما كان حسان مشؽوال عن بالحدث مع صدق قدم.. كان أستاذا للعربة.. قبل أن صبح فجؤة.. سفرا ف دولة عربة

كؾ حدث ذلك؟

ات.. وأنها لست "الحالة الدبلوماسة" قال إنه رد دن.. وقضة "تركة" وصداقة قدمة تجمع ذلك األستاذ بوالد إحدى الشخص

!الوحدة

مثل )س حسن( الذي أعرفه جدا والذي كان مدر إحدى المإسسات الثقافة، وم كنت أنا مدرا للنشر. وإذا به بن للة وضحاها

ن سفرا ف الخارج.. بعدما طلعت رابحته ف الداخل. فتكفلوا بلفه بضعة أشهر وبعثه إلى الخارج مع كل التشرفات الدبلوماسة ع

!خلؾ علم الجزابر

.ها هوذا الوم هنا.. ف جوه الطبع

لقد استدع إثر قضة احتال وتبلعب بؤموال الدولة ف الخارج، لعاد دون ضجج إلى وظفة حزبة.. ولكن على كرس جانب هذه

.المرة

ة هنالك دابما ف هذه الحاالت.. سلة مهمبلت !شرف

ف مجلس آخر، مازال أحدهم نظر وتحدث وكؤنه مفكر الثورة وكل ما سلها من ثورات. وإحدى ثورات هذا الشخص.. أنه وصل إلى

..الصفوؾ األمامة ف ظروؾ مشبوهة، بعدما تفرغ لتقدم طالباته إلى مسإول عجوز مولع بالفتات الصؽرات

..هذا هو الوطن

لذي دعوتن إله. إنه "السرك عمار".. سرك ال مكان فه إال للمهرجن، ولمن حترفون األلعاب البهلوانة.. والقفز وها هو عرسك ا

Page 127: ذاكرة الجسد.pdf

م .على المراحل.. والقفز على الرقاب.. والقفز على الق

.سرك ضحك فه حفنة على ذقون الناس، وروض فه شعب بؤكمله على الؽباء

!ندما لم حضر هذا الكرنفالفكم كان ناصر محقا ع

كنت أدري بحدس ما أنه لن حضر.. ولكن أن هو اآلن.؟

ر سكري شبا ؟ ر صبلته.. أو ؽ تراه مازال صل ف ذلك المسجد.. لك ال لتق بهم. وهل تؽ

الصبلة.. وتعال نفكر قلبل . فؤثناء ذلك آه ا ناصر! كؾ عن الصبلة ا ابن. لقد أصبحوا صلون أضا ولبسون ثاب التقوى. كؾ عن

.ها هوذا الذباب حط على كل شء، والجراد لتهم هذه الولمة

كلما تقدم اللل، تقدم الحزن ب، وتقدم بهم الطرب. وانهطل مطر األوراق النقدة عند أقدام نساء الذوات، المستسلمات لنشوة الرق،

..على وقع موسقى أشهر أؼنة شعبة

ن انباتو *** فوق فراش حرر ومخداتو" "..إذا صاح اللل و

..أمان.. أمان

..إه آ الفرقان ؼن

ال عبلقة لهذه األؼنة بؤزمة السكن، كما قد بدو من الوهلة األولى. إنها فقط تمجد للال الحمراء واألسرة الحررة الت لست ف

.متناول الجمع

"..وا.. ا عن ما تبكش ع الل ماتواع الل مات"

.أمان.. أمان

.لن أبك.. لست هذه للة لس الطاهر.. وال لزاد

.لست للشهداء وال للعشاق. إنها للة الصفقات الت حتفل بها علنا بالموسقى والزؼارد

" ة *** ا لندراش للؽر وإال ل "..خارجة من الحمام بالرح

... أمانأمان

لن أطرح على نفس هذا السإال. اآلن أع أنك للؽر ولست ل. تإكد ذلك األؼنات، وذلك الموكب الذي هرب بك، ورافقك بالزؼارد

.إلى للة حبك الشرعة

ة" وإنما بقدمك وعندما تمرن ب، عندما تمرن.. وأنت تمشن مشة العرابس تلك، أشعر أنك تمشن على جسدي، لس "بالرح

..المخضبتن بالحناء.. وأن خلخالك الذهب دق داخل، وعبرن جرسا وقظ الذاكرة

..قف

!قسنطنة األثواب مهبل ! ما هكذا تمر القصابد على عجل

قطفة العناب. وحزام ثوبك المطرز بخوط الذهب، والمرشوش بالصكوك الذهبة، معلقة شعر كتبتها قسنطنة جبل بعد آخر على ال

، هو مطلع دهشت .الذهب الذي شد خصرك، لتتدفق أنوثة وإؼراء

.هو الصدر والعجز ف كل ما قد قل من شعر عرب

..فتمهل

.دعن أحلم أن الزمن توقؾ.. وأنك ل. أنا الذي قد أموت دون أن كون ل عرس، ودون أن تنطلق الزؼارد وما من أجل

!أتمنى الوم لو سرقت كل هذه الحناجر النسابة، لتبارك امتبلك لك كم

لو كنت "خطاؾ العرابس" ذلك البطل الخراف الذي هرب بالعرابس الجمبلت للة عرسهن، لجبتك أمتط الرح وفرسا بضاء..

..وخطفتك منهم

حرق البخور على طرقنا.. ولكن ما أحزن الللة.. قسنطنةلو كنت ل.. لباركتنا هذه المدنة، ولخرج من كل شارع عبرناه و !ل

ا أماما ..ما أتعس أولاءها الصالحن.. وحدهم جلسوا إلى طاولت دون سبب واضح.. وحجزوا لذاكرت األخرى كرس

..وإذا ب أقض سهرت ف السبلم علهم واحدا واحدا

..سبلما ا سدي راشد

مبروك.. ا سدي محمد الؽراب.. ا سدي سلمان.. ا سدي بوعنابة.. ا سدي عبد المإمن.. ا سدي مسد.. ا سبلما ا سدي

..سدي بومعزة.. ا سدي جلس

Page 128: ذاكرة الجسد.pdf

.سبلما ا من تحكمون شوارع هذه المدنة.. أزقتها وذاكرتها

.. أما كان منكم أب؟قفوا مع ا أولاء هللا.. متعب أنا هذه الللة.. فبل تتخلوا عن

أب ا "عساوي" أبا عن جد؟

ة العجبة، تؽرس ف جسدك ذلك السفود األحمر الملتهب نارا .. أنت الذي كنت ف تلك الحلقات المؽلقة، ف تلك الطقوس الطرق

فتخرق جسدك من طرؾ إلى آخر، ثم تخرجه دون أن تكون عله قطرة دم؟

.دده الملتهب والمحمر كقطعة جمر، فنطفا جمره من لعابك، وال تحترقأنت الذي كنت تمرر ح

.علمن الللة كؾ أتعذب دون أن أنزؾ

.علمن كؾ أذكر اسمها دون أن حترق لسان

:علمن كؾ أشفى منها، أنت الذي كنت تردد مع جماعة "عساوة" ف حلقات الجذب والتهول، وأنت ترقص مؤخوذا باللهب

"..أنا سدي عساوي.. جرح وداوي"

من داون ا أب.. من؟

..وأحبها

.ف هذه الساعة المتؤخرة من األلم، أعترؾ أنن مازلت أحبها.. وأنها ل

أتحدى أصحاب البطون المنتفخة.. وذلك صاحب اللحة.. وذلك صاحب الصلعة.. وأولبك أصحاب النجوم الت ال تعد.. وكل الذن

.منحتهم الكثر.. واؼتصبوها ف حضرت الوم

.أتحداهم بنقص فقط

.بالذراع الت لم تعد ذراع، بالذاكرة الت سرقوها من، بكل ما أخذوه منا

.أتحداهم أن حبوها مثل. ألنن وحدي أحبها دون مقابل

ع عنها صؽتها دون كثر من االهتمام وركض نحو جسدها وأدري أنه ف هذه اللحظة، هناك من رفع عنها ثوبها ذاك على عجل. خل

.بلهفة رجل ف الخمسن ضاجع صبة

.حزن على ذلك الثوب.. حزن عله

كم من األدي طرزته، وكم من النساء تناوبن عله، لتمتع الوم برفعه رجل واحد. رجل لق به على كرس كفما كان، وكؤنه لس

.لوطنذاكرتنا، كؤنه لس ا

فهل قدر األوطان أن تعدها أجال بؤكملها، لنعم بها رجل واحد؟

أتساءل الللة.. لماذا وحدي تستوقفن كل هذه التفاصل. وكؾ اكتشفت اآلن فقط، معنى كل األشاء الت لم كن لها معنى من قبل؟

قداسة ال شعر بها ؼر الذي حرم منه؟أتراه عشق هذا الوطن.. أم البعد عنه، هو الذي أعطى األشاء العادة

أألن المعاشة الومة تقتل الحلم وتؽتال قداسة األشاء كان أحد الصحابة نصح المسلمن بؤن ؽادروا مكة، حال انتهابهم من مراسم

ة مكن ألي واحد أن سرق الحج، حتى تبقى لتلك المدنة رهبتها وقداستها ف قلوبهم، وحتى ال تتحول بحكم العادة إلى مدنة عاد

وزن وجور فها دون رهبة؟

.إنه ما حدث ل منذ وطبت قدماي هذه المدنة. وحدي أعاملها كمدنة فوق العادة

..أعامل كل حجر فها بعشق. أسلم على جسورها جسرا جسرا . أسؤل عن أخبار أهلها، عن أولابها وعن رجالها، واحدا .. واحدا

.تمش، أتؤلها وه تصل، وتزن وتمارس جنونها وال أحد فهم جنون وسر تعلق بمدنة حلم الجمع بالهرب منها أتؤملها وه

هل أعتب علهم؟

هل شعر سكان أثنا أنهم مشون وجبون على ذاكرة التارخ.. وعلى تراب مشت عله اآللهة، وأكثر من بطل أسطوري؟

سهم وفقرهم، أنهم عشون عند أقدم معجزة، وأن الفراعنة مازالو بنهم، حكمون مصر بحجرهم هل شعر سكان الجزة ف بإ

وقبورهم؟

وحدهم الؽرباء الذن قرأوا تارخ الونان والفراعنة، ف كتب التارخ، عاملون تلك الحجارة بقداسة، وؤتون من أطراؾ العالم لمجرد

.االقتراب منها

ا، واقترفت حماقة االقتراب من األحبلم حتى االحتراق، وإذا ب وما بعد آخر، وخبة بعد أخرى، أشفى من تران أطلت المكوث هن

Page 129: ذاكرة الجسد.pdf

، وأفرغ من وهم الجمل.. ولكن لس دون الم؟ سلطة اسمها عل

.ف هذه اللحظة، ال أرد لهذه المدنة أن تكون أكثر من رصاصة رحمة

قت ف ساعة متقدمة من الفجر، لتبارك قمصك الملطخ ببراءتك، كآخر طلقة نارة تطلقها ف وجه ولذا أتقبل تلك الزؼارد الت انطل

هذه المدنة، ولكن دون كاتم صوت.. وال كاتم ضمر. فؤتلقاها جامدا .. مذهول النظرات كجثة، بنما أرى حول من تسابق للمس

.قمصك المعروض للفرجة

.خة بالدم، دلبل على عجزي اآلخر. دلبل على جرمتهم األخرىها هم قدمونك ل، لوحة ملط

ولكنن ال أتحرك وال أحتج. لس من حق مشاهد لمصارعة الثران، أن ؽر منطق األشاء، ونحاز للثور. وإال كان عله أن بقى ف

!"بته وال حضر "كوردا" خلقت أساسا لتمجد "الموتادور

و المشحون بالزؼارد والزنة وموسقى "الدخلة".. والهتافات أمام ثوب موقع بالدم، ذكرن بطقوس الكوردا. شء ما ف هذا الج

نة للقتل، مؤخوذا وذلك الثور الذي عدون له موتا جمبل على وقع موسقى راقصة دخل بها الساحة، وموت على نؽمها بسوؾ مز

!باللون األحمر.. وبؤناقة قاتله

من منا الثور؟ أنت أم أنا المصاب بعمى األلوان، والذي ال رى اآلن ؼر اللون األحمر.. لون دمك؟

.ثور دور ف حلبة حبك، بكبراء حوان ال هزم إال خدعة، ودري أنه محكوم عله بالموت المسبق

.الواقع أن دمك هذا ربكن، حرجن، ومؤلن تناقضا

دابما لمعرفة نهاة قصتك معه، هو الذي أخذك من، تراه أخذ منك كل شء؟أما كنت أتحرق

.سإال كان شؽلن وسكنن حد الجنون، منذ ذاك الوم الذي وضعت فه )زاد( أمامك. ووضعتك أمام قدرك اآلخر

تراك فتحت له قبلعك المحصنة، وأذللت أبراجك العالة، واستسلمت إلؼراء رجولته؟

كت طفولتك ل، وأنوثتك له؟تراك تر

.ها هو الجواب ؤتن بعد عام من العذاب. ها هو أخرا لزج.. طري.. أحمر.. وردي.. عمره لحظات

ها هو الجواب كما لم أتوقعه، مقحما ، محرجا ، فلم الحزن؟

أن تمتع بك، وأنه ف النهاة كان هو األجدر بك ما الذي إلمن األكثر هذه الللة.. أن أدري أنن ظلمت زادا بظن، وأنه مات دون

الللة؟

أم أن تكون فقط، مدنة فتحت الوم عنوة بؤقدام العسكر، ككل مدنة عربة؟

ما الذي زعجن أكثر الللة؟ أن أكون قد عرفت لؽزك أخرا ، أم كون أدري أنن لن أعرؾ عنك شبا بعد الوم، ولو تحدثت إلك

لو قرأتك ألؾ مرة؟عمرا ، و

أكنت عذراء إذن، وخطااك حبر على ورق؟

فلماذا أوهمتن إذن بكل تلك األشاء؟ لماذا أهدتن كتابك وكؤنك تهدنن خنجرا للؽرة؟

!لماذا علمتن أن أحبك سطرا بعد سطر.. وكذبة بعد أخرى.. وأن أؼتصبك على ورق

..فلكن

.الخبات.. كنت خبت األجمل عزاب الوم، أنك من بن كل

سؤلن حسان: لماذا أنت حزن هذا الصباح؟

أحاول أال أسؤله: ولماذا هو سعد الوم؟

أدري أن ؼاب ناصر ومقاطعته البارحة للعرس، قد عكر نوعا ما مزاجه. ولكنه لم منعه من أن نسجم مع أؼان "الفرقان"، وأن

.اس الذن لم لتق بهم من قبلضحك.. وحادث كثرا من الن

.كنت أالحظه. وكنت سعدا شبا ما، لسعادته الساذجة تلك

كان حسان سعدا أن تفتح له أخرا تلك األبواب الت قلما تفتح للعامة، وأن دعى لحضور ذلك العرس الذي مكنه اآلن أن تحدث عنه

م من أطباق.. وما لبست العروسف المجالس ألام؛ وصفه لآلخرن الذن سبلحقون ..ه باألسبلة، عن أسماء من حضروا وما قد

ومكن لزوجته أضا أن تنسى أنها استعارت صؽتها والثاب الت حضرت بها العرس من الجران واألقارب، وتبدأ بدورها ف التفاخر

.فه، فقط ألنها دعت للتفرج على خرات اآلخرن على الجمع بما رأته من بذخ ف ذلك العرس، وكؤنها أصبحت فجؤة طرفا

:قال فجؤة

..إن س الشرؾ دعونا ؼدا للؽداء عنده. ال تنس أن تكون ف البت وقت الظهر لنذهب معا -

Page 130: ذاكرة الجسد.pdf

:قلت له بصوت ؼابب

.ؼدا سؤعود إلى بارس -

:صاح

الذي نتظرك هناك؟كؾ تعود ؼدا .. ابق معنا أسبوعا آخر على األقل.. ما -

.حاولت أن أوهمه أن ل بعض االلتزامات، وأنن بدأت أتعب من إقامت ف قسنطنة

:ولكنه راح لح

..ا أخ عب.. على األقل احضر ؼداء س الشرؾ ؼدا ثم سافر -

:أجبته بلهجة قاطعة لم فهم سببها

.فرات.. ؼدوة نروح -

.قسنطنة. كنت أشعر مع كل كلمة ألفظها، أنه قد مر وقت طول قبل أن ألفظها مرة أخرى كان حلو ل أن أحدثه بلهجة

:قال حسان وكؤنه قنعن بضرورة عدم رفض تلك الدعوة

ا لصداقتنا القدمة. أتدري أن البعض قول هنا إنه قد صبح وزرا . ربما - وهللا س الشرؾ ناس مبلح.. مازال برؼم منصبه وف

..رجها هللا علنا ف ذلك الوم على دهف

..قال حسان هذه الجملة األخرة بصوت شبه خافت، وكؤنه قولها لنفسه

!مسكن حسان

مسكن أخ الذي لم فرجها هللا عله بعد ذلك. أكان من السذاجة بحث جهل أن ذلك العرس هو صفقة ال ؼر، وأن س الشرؾ ال بد

.مقابله. نحن ال نصاهر ضباطا من الدرجة األولى.. دون نواا مسبقة أن تلقى شبا ما

.أما بالنسبة لما مكن أن ربح حسان من وراء منصب س الشرؾ المحتمل.. فمجرد أوهام

.المإمن بدأ بنفسه، وقد تمر سنوات قبل أن صل دور حسان.. ونال بعض ما طمح إله من فتات

:سؤلته مازحا

بدأت تحلم أن تصبح أنت أضا سفرا؟هل -

:قال وكؤن السإال قد جرحه نوعا ما

ة - ا حسرة ا رجل.. "الل خطؾ.. خطؾ بكري.." أنا ال أرد أكثر من أن أهرب من التعلم، وأن أستلم وظفة محترمة ف أ

.. كؾ ترد أن نعش نحن الثمانة بهذا الدخل؟. أنا مإسسة ثقافة أو إعبلمة، أة وظفة أعش منها أنا وعابلت حاة شبه عادة

عاجز حتى عن أن أشتري سارة. من أن آت بالمبلن ألشترها؟. عندما أتذكر تلك السارات الفخمة الت كانت مصطفة أمس ف

ر الزمن ذلك العرس، أمرض وأفقد شهة التعلم. لقد تعبت من هذه المهنة، أنت ال تشعر بؤة مكافؤة مادة أو معنوة فها. لقد تؽ

.الذي "كاد فه المعلم أن كون رسوال ".. الوم حسب تعبر زمل ل "كاد المعلم أن كون )شفونا ( وخرقة ال أكثر

ثل زمل لقد أصبحنا ممسحة للجمع. فاألستاذ ركب الحافلة مع تبلمذه. و "دز" و "طبع" مثلهم. وشتمه الناس أمامهم. ثم عود م

.هذا، لعد دروسه وصحح االمتحانات ف شقة بؽرفتن، سكنها ثمانة أشخاص وأكثر

بنما هناك من ملك شقتن وثبلثا بحكم وظفته أو واسطاته.. مكنه أن ستقبل فها عشقاته أو عر مفاتجها لمن سفتح له أبوابا

.أخرى

ك الراق ببارس.. ما على بالكش واش صار ف الدنا صحة علك ا خالد.. أنت تعش بعدا !.عن هذه الهموم، ف ح

.آه حسان.. عندما أذكر حدثنا ذلك الوم، تصبح المرارة ؼصة ف الحلق، تصبح جرحا ، تصبح دمعا، تصبح ندما وحسرة

.كان مكن أن أساعدك أكثر، صحح

ألست مجاهدا ؟ ألم تفقد ذراعك ف هذه الحرب؟ اطلب محبل تجارا .. اطلب قطعة أرض.. كنت تقول: "اطلب شبا ا خالد مادمت هنا،

أو شاحنة، إنهم لن رفضوا لك شبا . هذا حقك. وإذا شبت دعه ل ألستفد منه وأعش عله أنا وأوالدي.. أنت حترمونك وعرفونك،

وطن. إنهم ال تصدقون علك بشء. أكثر من واحد حمل شهادة مجاهد وأما أنا فبل عرفن أحد. إنه جنون أال تؤخذ حقك من هذا ال

"..وهو لم قم بشء ف الثورة. أنت تحمل شهادتك على جسدك

إه حسان.. لم تكن تفهم أن هذا هو الفرق الوحد بن وبنهم. لم تكن تفهم أنه لم عد ممكنا الوم، بعد كل هذه السنوات، وكل هذا

.ؤطا رأس ألحد.. ولو مقابل أة هبة وطنةالعذاب، أن أط

.ربما كنت فعلت هذا بعد االستقبلل. ولكن الوم مع مرور الزمن، أصبح ذلك مستحبل

.لم بق من العمر الكثر أخ. لم بق من العمر الكثر، ألطؤطا رأس قبل الموت

Page 131: ذاكرة الجسد.pdf

خجلوا عندما لتقوا ب، أن طؤطبوا هم رإوسهم وسؤلون عن أرد أن أبقى هكذا أمامهم، مؽروسا كشوكة ف ضمرهم. أرد أن

.أخباري، وهم عرفون أنن أعرؾ كل أخبارهم، وأنن شاهد على حقارتهم

!آه لو تدري حسان

.لو تدري لذة أن تمش ف شارع مرفوع الرأس، أن تقابل أي شخص بسط أو هام جدا ، دون أن تشعر بالخجل

الوم أن مش خطوتن على قدمه ف الشارع، بعدما كانت كل الشوارع محجوزة له. وكان عبرها ف موكب من هناك من ال ستطع

.السارات الرسمة

لم أقل شبا لحسان. وعدته فقط كمرحلة أولى أن أشتري له سارة. قلت له: "تعال مع، واختر سارة تناسبك. تؤخذها معك من

."..كذا ف هذه الحالة بعد الومفرنسا. ال أرد أن تعش ه

فرح حسان ومها كطفل. شعرت أن ذلك كان حلمه الكبر الذي كان عاجزا عن تحققه، وعاجزا عن طلبه من. ولكن كؾ ل أن

أعرؾ ذلك وأنا لم أزره منذ سنوات؟

ن أسعدته بعض الوقت، ومنحته راحة لبضع عندما أذكر حسان الوم، وحدها تلك االلتفاتة تبعث ف قلب شبا من السعادة، ألن

.سنوات

.سنوات.. لم أكن أتوقع أن تكون األخرة

:عاد حسان إلى موضوعه قال

هل أنت مصر حقا على السفر ؼدا ؟ -

:قلت له

..نعم.. من األرجح أن أسافر ؼدا -

:قال

..سر موقفك.. وؤخذ على خاطرهإذن ال بد أن تطلب س الشرؾ الوم، لتعتذر منه. فقد سء تف -

:فكرت قلبل فوجدته على حق. قلت لحسان

..اطلب ل رقم س الشرؾ ألعتذر إله -

..كنت أتوقع أن تتوقؾ األمور هناك. ولكن س الشرؾ راح رحب ب.. وحرجن بلطفه، ولح ألحضر لزارته ولو ف ذلك الحن

:قال

لوم.. المهم أن نراك قبل أن تسافر.. ثم مكنك أن تقدم هدتك بنفسك للعروسن قبل أن سافرا أضا هذا تعال إذن وتؽد معنا ا -

..المساء

لم كن هناك من مخرج. وجدت نفس مرة أخرى، أواجه قدري معك. أنا الذي قررت السفر على عجل، حتى أنته من العش ف هذه

.و بؤخرى حولكاألجواء الت كانت تدور كلها بطرقة أ

ها أنا مرة أخرى ألبس بدلت السوداء نفسها، أحمل لوحة توقفت أمامها وما وكانت سبب كل ما حل ب بعد ذلك. وأذهب مع حسان

..إلى الؽداء

ؾ هذا ها هما قدماي تقودانن مرة أخرى نحوك. كنت أدري أنن سؤلتق بك هذه المرة. كان هناك حدس مسبق شعرن أننا لن نخل

.الموعد الوم

.ما الذي قاله س الشرؾ ذلك الوم؟ ما الذي قلته ومن قابلت من الناس؟ وماذا قدم لنا من أطباق على تلك السفرة.. لم أعد أذكر

!كنت أعش لحظات حبك األخرة. ولم كن همن شء ف تلك اللحظة، سوى أن أراك.. وأن أنته منك ف الوقت نفسه

ت أخاؾ حبك. كنت أخاؾ أن شتعل حبك من رماده مرة أخرى. فالحب الكبر، ظل مخفا حتى ف لحظات موته.. ظل خطرا ولكن.. كن

.حتى وهو حتضر

..وجبت

أكثر اللحظات وجعا ، أكثر اللحظات جنونا ، أكثر اللحظات سخرة، كانت تلك الت وقفت فها ألسلم علك، وأضع على وجنتك قبلتن

.بتن، وأنا أهنبك بالزواج، مستعمبل كل المفردات البلبقة بذلك الموقؾ العجببر

كم كان لزمن من القوة، من الصبر ومن التمثل، ألوهم اآلخرن أنن لم ألتق بك قبل الوم، سوى مرة عابرة، وأنك لم تكون المرأة

الت قلبت حات رأسا على عقب؟

!سرري الفارغ منذ عدة أشهر، والت كانت حتى البارحة.. لالمرأة الت تقاسمن

Page 132: ذاكرة الجسد.pdf

كم كان لزمن من التمثل، ألهدك تلك اللوحة، دون أي تعلق إضاف، دون أة إشارة توضحة، وكؤنها لم تكن اللوحة الت بدأت بها

.قصت معك منذ خمس وعشرن سنة

وتلقن نظرة معجبة علها، وكؤنك ترنها ألول مرة! فبل أستطع إال أن أسؤلك تواطإ وكم كنت مدهشة أنت ف تمثلك، وأنت تفتحنها

:سري جمعنا وما

هل تحبن الجسور؟

.وخم بننا فجؤة صمت قصر، بدو ل طوبل كلحظة تسبق حكما باإلعدام.. أو العفو

:قبل أن ترفع عنك نحوي ونزل حكمك عل

!نعم أحبها -

!من السعادة منحتن لحظتها ف كلمتن كم

.شعرت أنك تبعثن ل آخر إشارة حب

ة لذاكرتنا المشتركة.. ولمدنة شعرت أنك تهدن أكثر من مشروع لوحة قادمة. أكثر من للة وهمة.. وأنك رؼم كل شء ستظلن وف

.تواطؤت معنا، ومدت كل هذه الجسور.. لتجمعنا

حقا ؟ ف تلك اللحظة الت كان رجل آخر فها إلى جوارك. لتهمك بعنن لم تشبعهما للة حب كاملة، ف تلك ولكن.. أكنت حببت

عك بصمت، لسفرك األخر عن قلب ..اللحظة الت كان فها الحدث دور حول المدن الت ستزورنها ف شهر العسل، وكنت أنا أش

تهى كل شء إذن. ها أنا قابلتك أخرا ، أكان هذا اللقاء ستحق كل ذلك االنتظار، كل ذلك األلم؟لقد كانت تلك هزمتك األولى مع.. ان

!كم كان حلم به جمبل ! وكم هو الوم مدهش ومسطح ف واقعه! كم كان ملبا بانتظارك، وكم هو فارغ.. موجع بحضورك

ك الوجع، كل ذلك الشوق والجنون؟أكانت نصؾ النظرة الت تبادلناها بن نظرتن، تستحق كل ذل

.تردن أن تقول ل شا ، وتتلعثم الكلمات.. تتلعثم النظرات

.. ولم أعد أعرؾ فك رموزك الهروؼلفة .لقد نست عناك الحدث إل

فهل عدنا ومها إلى مرتبة الؽرباء، دون أن ندري؟

..افترقنا

.ان.. وكثر من التمثل، وألم سري صامتقبلتان أخرتان على وجنتك. نظرة.. نظرت

.تبادلنا جمعا كلمات المجاملة والتهان والشكر األخر

.تبادلنا عناوننا، بعدما أصر زوجك على أن عطن رقم هاتفه ف البت وف المكتب ف حالة ما احتجت إلى شء

.وانصرفنا كل بوهمه.. وقراره المسبق

عد ذلك، نظرت طوبل إلى تلك البطاقة الت كنت أتحسسها طوال الطرق بشء من الذهول.. ومذاق ساخر عندما عدت إلى البت ب

.للمرارة. وكؤنك انتقلت معها من قلب إلى جب تحت اسم ورقم هاتف جدد

لك، ومادمت مصمما على أن نته ودون كثر من التردد.. أو التعمق ف التفكر، قررت أن أمزقها فورا ، مادمت أملك القدرة على ذ

.كل شء هنا ف قسنطنة.. كما أردت وما ، وكما أصبحت أرد أنا الوم

***

ما الذي كنت تردنه ذلك المساء؟ عندما جاء هاتفك فجؤة لخرجن من دوامة أفكاري وأحاسس المتناقضة؟

.حدث إلك.." توقعت كل شء إال أن تكون أنت حن مد حسان نحوي الهاتؾ وقال: "هناك امرأة ترد أن تت

:سؤلتك بدهشة

ألم تسافري بعد؟ -

:قلت

..سنسافر بعد ساعة.. أردت أن أشكرك على اللوحة.. لقد وهبتن سعادة لم أتوقعها -

:قلت لك

هدة قدرنا الذي تقاطع وما . وأما أنا فل أنا لم أهبك شبا .. لقد أعدت لك لوحة كانت جاهزة لك منذ خمس وعشرن سنة.. إنها -

..هدة أخرى أتوقع أن تعجبك، سؤقدمها لك ذات وم فما بعد

:قلت بصوت خافت وكؤنك تخافن أن سترق أحد السمع إلك أو سرق منك تلك الهدة

Page 133: ذاكرة الجسد.pdf

ماذا ستهدن؟ -

:قلت

.إنها مفاجؤة.. لنفترض أنن سؤهبك ؼزالة -

:قلت مدهوشة

!إنه عنوان كتاب -

:قلت

أدري.. ألنن سؤهبك كتابا . عندما نحب فتاة نهبها اسمنا. عندما نحب امرأة نهبها طفبل . وعندما نحب كاتبة.. نهبها كتابا . سؤكتب من -

.أجلك رواة

:شقة لم أعهدها منكأحسست ف صوتك بشء من الفرح واالرتباك.. شء من الدهشة والحزن الؽامض. ثم قلت فجؤة بنبرة ع

خالد.. أحبك.. أتدري هذا؟ -

:وانقطع صوتك فجؤة، لتوحد بصمت وحزن، ونبقى هكذا لحظات دون كبلم. قبل أن تضف بشء من الرجاء

خالد.. قل شبا .. لماذا ال تجب؟ -

:قلت لك بش من السخرة المرة

..ألن رصؾ األزهار لم عد جب -

ك لم تعد تحبن؟هل تعن أن -

:أجبتك بصوت ؼابب

!أنا ال أعن شبا بالتحدد.. إنه عنوان لرواة أخرى للكاتب نفسه -

.ماذا قلت لك بعدها، ال أذكر. من األرجح أن كون هذا آخر ما قلته لك قبل أن أضع السماعة، ونفترق لعدة سنوات

***

."ال تطرق الباب كل هذا الطرق.. فم أعد هنا"

ة، ومن الشبابك الت أشرعتها العواصؾ من األبواب الخلفة، ومن ثقوب الذاكرة، وثناا األحبلم المطو .ال تحاول أن تعودي إل

..ال تحاول

فؤنا ؼادرت ذاكرت. وم وقعت على اكتشاؾ مذهل: لم تكن تلك الذاكرة ل، وإنما كانت ذاكرة مشتركة أتقاسمها معك. ذاكرة حمل كل

.منا نسخة منها حتى قبل أن نلتق

.ال تطرق الباب كل هذا الطرق سدت.. فلم عد ل باب

وأنا أحاول أن أهرب أشاب المبعثرة بعدك .لقد تخلت عن الجدران وم تخلت عنك، وانهار السقؾ عل

.فبل تدوري هكذا حول بت كان بت

.لقد سرقت كل شء من، ولم عد هناك من شء ستحق المؽامرة ال تبحث عن نافذة تدخلن منها كسارقة.

..ال تطرق الباب كل هذا الطرق الموجع

.هاتفك دق ف كهوؾ الذاكرة الفارؼة دونك، وؤت الصدى موجعا ومخفا

أال تدرن أنن أسكن هذا الوادي بعدك، كما سكن الحصى جوؾ "وادي الرمال"؟

..إذنتمهل سدت

تمهل وأنت تمرن على جسور قسنطنة. فؤة زلة قدم سترمن بسل من الحجارة. وأي سهو منك سرمك هنا عندي لتتحطم

.مع

..ا امرأة متنكرة ف ثاب أم.. ف عطر أم وف خوؾ أم عل

.متعب أنا.. كجسور قسنطنة. معلق أنا مثلها بن صخرتن وبن رصفن

ماذا كل هذا األلم..؟ ولماذا.. أكذب األمهات أنت، وأحمق العشاق أنا؟فل

.ال تطرق أبواب قسنطنة الواحد بعد اآلخر.. أنا ال أسكن هذه المدنة.. إنها ه الت تسكنن

.ال تبحث عن فوق جسورها، ه لم تحملن مرة.. وحدي أنا حملتها

..خبر قدم _جدد، وأؼنة كانت تؽنى للحزن فصارت تؽنى لؤلفراحال تسؤل أؼانها عن، وتؤتن الهثة ب

قالوا العرب قالوا *** ما نعطو صالح وال مالو"

Page 134: ذاكرة الجسد.pdf

"..قالوا العرب ههات *** ما نعطو صالح باي الباات

.أعرؾ عن ظهر قلب ما قاله العرب، وما لم جرإوا الوم على قوله

ته األخرة: "ا حمودة.. آخ ا وأدري.. كان "صالح" ثوب حدادك األول حتى قبل أن تولدي. كان آخر باات قسنطنة.. وكنت أنا وص

."..ولدي تها هللا ل ف الدار.. آه.. آه

أي دار ا صالح.. أي دار توصن بها؟

ة. خربوا ممراتها وعبثوا لقد زرت )سوق العصر( وشاهدت دارك فارؼة من ذاكرتها. سرقوا حتى أحجارها، وشبابكها الحدد

.بنقوشها.. وظلت واقفة، هكبل مصفرا بول الصعالك والسكارى على جدرانه

أي وطن هذا الذي بول على ذكرته ا صالح؟

أي وطن هذا؟

..ها ه ذي مدنة تلبس حداد رجل لم تعد تذكر اسمه. وها أنت ذي طفلة ال أحد عرؾ قرابتها بهذه الجسور

..زع "مبلتك" بعد الوم.. وارفع عن وجهك الخمار، وال تطرق الباب كل هذا الطرقفان

.فلم عد صالح هنا.. وال أنا

..افترقنا إذن

..الذن قالوا الحب وحده ال موت، أخطؤوا

.شبا ف قوانن القلب والذن كتبوا لنا قصص حب بنهاات جملة، لوهمونا أن مجنون للى محض استثناء عاطف.. ال فهمون

إنهم لم كتبوا حبا ، كتبوا لنا أدبا فقط

..العشق ال ولد إال ف وسط حقول األلؽام، وف المناطق المحظورة. ولذا لس انتصاره دابما ف النهاات الرصنة الجملة

!إنه موت كما ولد.. ف الخراب الجمل فقط

..افترقنا إذن

.ل سبلما . ا وردة البراكن، وا اسمنة نبتت على حرابق سبلما فا خراب الجم

..ا ابنة الزالزل والشروخ األرضة! لقد كان خرابك األجمل سدت، لقد كان خرابك األفظع

..قتلت وطنا بؤكمله داخل، تسللت حتى دهالز ذاكرت، نسفت كل شء بعود ثقاب واحد فقط

!الذاكرة؟ أجب من علمك اللعب بشظاا

من أن أتت هذه المرة _أضا _ بكل هذه األمواج المحرقة من النار. من أن أتت بكل ما تبل ذلك الوم من دمار؟

..افترقنا إذن

.لم تكون كاذبة مع.. وال كنت صادقة حقا . ال كنت عاشقة.. وال كنت خابنة حقا . ال كنت ابنت.. وال كنت أم حقا

.نت فقط كهذا الوطن.. حمل مع كل شء ضدهك

أتذكرن؟

عن نسخة أخرى ألبك .ف ذلك الزمن البعد، ف ذلك الزمن األول، وم كنت تحبنن وتبحثن ف

:قلت مرة

!ا خالد.. أنا ف حاجة إلكانتظرتك طوبل .. انتظرتك كثرا ، كما ننتظر األولاء الصالحن.. كما ننتظر األنباء.. ال تكن نبا مزفا -

.."الحظت وقتها أنك لم تقول أنا أحبك. قلت فقط "أنا ف حاجة إلك

.نحن ال نحب بالضرورة األنباء. نحن ف حاجة إلهم فقط.. ف كل األزمنة

:أجبتك

..أنا لم أختر أن أكون نبا -

:قلت مازحة

!ونها فقطاألنباء ال ختارون رسالتهم، إنهم إد -

:أجبتك

ؾ.. قد كون ذلك ألنن بعثت لرعة تحترؾ الردة - مز تهم أضا . ولذا لو حدث واكتشفت أنن نب !وال ختارون رع

:ضحكت.. وبعناد أنثى ؽرها التحدي قلت

..أنت تبحث عن مخرج لفشلك المحتمل مع، ألس كذلك؟ -

Page 135: ذاكرة الجسد.pdf

.العشر وأنا أطبقها لن أمنحك مبررا كهذا. هات وصااك

نظرت إلك طوبل ومها. كنت أجمل من أن تطبق وصاا نب، أضعؾ من أن تحمل ثقل التعالم السماوة. ولكن كان فك نور داخل

..لم أشهده ف امرأة قبلك.. بذرة نقاء لم أكن أرد أن أتجاهلها

ألس دور األنباء البحث عن بذور الخر فنا؟

:قلت

..دع الوصاا العشر جانبا واسمعن.. لقد جبتك بالوصة الحادة عشرة فقط -

:ضحكت وقلت بشء من الصدق

!هات ما عندك أها النب المفلس.. أقسم أنن سؤتبعك -

ي قد بدأت لحظتها شعرت برؼبة ف أن أستؽل قسمك. وأقول لك: "كون ل فقط.." ولكن لم كن ذلك كبلم نب. وكنت دون أن أدر

:أمثل أمامك الدور الذي اخترته ل.. فرحت أبحث ف ذهن عن شء مكن أن قوله نب باشر وظفته ألول مرة.. قلت

احمل هذا االسم بكبراء أكبر.. لس بالضرورة بؽرور، ولكن بوع عمق أنك أكثر من امرأة. أنت وطن بؤكمله.. هل تعن هذا؟ -

تهشم.. هذا زمن حقر، إذا لم ننحز فه إلى القم سنجد أنفسنا ف خانة القاذورات والمزابل. ال تنحازي لس من حق الرموز أن ت

!لشء سوى المبادئ.. ال تجامل أحدا سوى ضمرك.. ألنك ف النهاة ال تعشن مع سواه

:قلت

!أهذه وصتك ل.. فقط؟ -

:قلت

..كما تتوهمن.. ستكتشفن ذلك بنفسك ذات وم ال تستهن بها.. إن تطبقها لس سهبل -

!..كان ال بد أال تسخري ومها من وصة ذلك النب المفلس.. وتستسهلها إلى هذا الحد

.مرت ست سنوات على ذلك السفر. على ذلك اللقاء، ذلك الوداع

ترتب ف قلب. أن أعد األشاء على مكانها األول، حاولت خبللها أن ألملم جرح وأنسى. حاولت منذ عودت، أن أضع شبا من ال

ر مكان لوحة، وال مكان القم القدمة الت تكدس الؽبار علها داخل منذ دون ضجج وال تذمر، دون أن أكسر مزهرة، دون أن أؼ

.زمن

.حاولت أن أعد الزمان إلى الوراء، دون حقد وال ؼفران أضا

السهولة لمن جعلنا بسعادة عابرة، نكتشؾ كم كنا تعساء قبله. ونؽفر أقل، لمن قتل أحبلمنا أمامنا دون أدنى ال.. نحن ال نؽفر بهذه

.شعور بالجرمة

.ولذا لم أؼفر لك.. وال لهم

.حاولت فقط أن أتعامل معك ومع الوطن بعشق أقل. واخترت البلمباالة عاطفة واحدة نحوكما

عن طرق المصادفة، وأنا أستمع إلى من تحدث عن زوجك، عن صعوده المستمر.. وعن صفقاته كان حدث ألخبارك أن تصلن

.وشإونه السرة والعلنة الت تشؽل أحادث المجالس

وكان حدث ألخبار الوطن أن تؤتن أضا تارة ف جردة، وتارة ف مجالس أخرى. وتارة عندما زارن حسان بعد ذلك آلخر مرة

..السارة الت وعدته بها لشتري تلك

.وكل مرة، كنت أواجه كل ما أسمعه بالبلمباالة نفسها الت ال مكن أن ولدها سوى الؤس األخر

بدأت أتعلق بحسان فقط، وكؤنن اكتشفت فجؤة وجوده. أصبح أمره وحده همن بعدما وعت أنه كل ما تبقى ل ف هذا العالم، وبعدما

.اة البابسة الت كان عشها، والت كنت أجهل كل شء عنها قبل زارت إلى قسنطنةاكتشفت تلك الح

أصبحت أطلبه هاتفا بانتظام. أسؤله عن أخباره وعن األوالد، وعن البت الذي كان نوي أن قوم فه ببعض اإلصبلحات، والذي

.وعدته أن أتكفل بمصارؾ ترممه وتجدده

وترتفع من هاتؾ إلى آخر. كان حدثن تارة عن بعض مشارعه، وعن بعض االتصاالت الت قوم بها لتم كانت معنواته تنخفض

.نقله إلى العاصمة.. ثم عود وفقد فجؤة حماسه

:كنت أعرؾ ذلك عندما سؤلن ف آخر مكالمته

متى ستؤت ا خالد؟ -

.النجدة منأشعر عندبذ أنه باخرة تؽرق، وتبعث إشارة ضوبة تطلب

وبرؼم ذلك، كنت أساره فقط، وأعده كل مرة أنن قد أزوره ف الصؾ القادم. وكنت أعرؾ ف أعماق أنن أكذب، وأنن قطعت

Page 136: ذاكرة الجسد.pdf

.الجسور مع الوطن حتى إشعار آخر

معها أن نفعل شبا .. أي ف الواقع، أصبحت عندي قناعة بانعدام األمل. كان القطار سر ف االتجاه المعاكس، وبسرعة لم كن ممكنا

.شء، ؼر الذهول وانتظار كارثة االصطدام

.وكنت أحزم حقابب القلب.. وأمض دون أن أدري ف اتجاه آخر أضا ، ف االتجاه المعاكس للوطن

أن أتعود العش فه .رحت أإثث ؼربت بالنسان. أصنع من المنفى وطنا آخر ل، وطنا ربما أبدا ، عل

بدأت أتصالح مع األشاء. أقمت عبلقات طبعة مع نهر السن.. مع جسر مرابو.. مع كل المعالم الت كانت تقابلن من تلك النافذة،

.والت كنت أعش ف معاداة لها دون سبب

لك بهن كل مرة أكثر، حتى اخترت ل أكثر من عشقة عابرة. أثثت سرري بالملذات الجنونة.. بنساء كنت أدهشهن كل مرة أكثر، وأقت

.لم بق شء منك ف النهاة

:ظلت تجهش بالبكاء وتردد اسم، وأنا أسؤلها مفجوعا

"واش صار..؟" -

كنت على علم بتلك األحداث الت هزت الببلد، والت كانت الجرابد ونشرات األخبار الفرنسة تتسابق بنقلها مصور، مفصلة، مطولة،

.من الشماتةباهتمام ال خلو

كنت أعرؾ تفاصلها، وأدري أنها مازالت وه ف ومها الثان مقتصرة على العاصمة. فمن أن ل أن أتوقع الذي حدث؟

:كان صوت عتقة ردد مقطعا

..قتلوه.. آ خالد.. ا وخدت قتلوه -

:وصوت ردد مذهوال

.نس تطرفه وحماقاته وإضرابه عن كل لذة ما عدا لذتك الوهمةنس هذا الجسد شوقه لك، كفاش.. كفاش قتلوه؟ -

.تعمدت أن أفرغ النساء من رموزهن األولى

..من قال إن هناك امرأة منفى، وامرأة وطنا ، فقد كذب

مكنن أن أجزم ال مساحة للنساء خارج الجسد. والذاكرة لست الطرق الذي إدي إلهن. ف الواقع هنالك طرق واحد ال أكثر..

!الوم بهذا

ال بد أن أقوله لك الوم ..اكتشفت شبا

الرؼبة محض قضة ذهنة. ممارسة خالة ال أكثر. وهم نخلقه لحظة جنون نقع فها عبدا لشخص واحد، ونحكم عله بالروعة

.المطلقة لسبب ؼامض ال عبلقة له بالمنطق

..نا إلى ذكرى أخرى.. لعطر رابحة أخرى.. لكلمة، لوجه آخررؼبة تولد هكذا من شء مجهول، قد عد

رؼبة جنونة تولد ف مكان آخر خارج الجسد، من الذاكرة أو ربما من البلشعور، من أشاء ؼامضة تسللت إلها أنت ذات وم، وإذا

.بك األروع، وإذا بك األشهى، وإذا كل النساء أنت

تلت قسنطنة ف داخل؟أفهمت لماذا قتلتك تلقابا وم ق

.ولم أعجب ومها وأنا أرى جثتك ممدة ف سرري

.لم تكونا ف النهاة سوى امرأة واحدة

.ستقولن: لماذا كتبت ل هذا الكتاب إذن؟ وسؤجبك أنن أستعر طقوسك ف القتل فقط، وأنن قررت أن أدفنك ف كتاب ال ؼر

.نا. فللحب بعد الموت، رابحة كرهة أضا ، خاصة عندما ؤخذ بعد الجرمةفهناك جثث جب أال نحتفظ بها ف قلب

.الحظ أنن لم أذكر اسمك مرة واحدة ف هذا الكتاب. قررت هكذا أن أتركك ببل اسم. هنالك أسماء ال تستحق الذكر

لنفترض أنك امرأة كان اسمها "حاة"، وربما كان لها اسم آخر.. فهل مهم اسمك حقا ؟

وحدها أسماء الشهداء ؼر قابلة للتزور، ألن من حقهم علنا أن نذكرهم بؤسمابهم كاملة. كما من حق هذا الوطن علنا أن نفضح من

.خانوه، وبنوا مجدهم على دماره، وثروتهم على بإسه، مادام ال وجد هناك من حاسبهم

.لك اإلشاعةوأدري.. ستقول إشاعة ما إن هذا الكتاب لك. أإكد لك سدت ت

.سقول نقاد مارسون النقد تعوضا عن أشاء أخرى، إن هذا الكتاب لس رواة، وإنما هذان رجل ال علم له بمقاس األدب

أإكد لهم مسبقا جهل، واحتقاري لمقاسهم. فبل مقاس عندي سوى مقاس األلم، وال طموح ل سوى أن أدهشك أنت، وأن أبكك

..تهن من قراءة هذا الكتابأنت، لحظة تن

Page 137: ذاكرة الجسد.pdf

.فهناك أشاء لم أقلها لك بعد

.اقرب هذا الكتاب.. وأحرق ما ف خزانتك من كتب ألنصاؾ الكتاب، وأنصاؾ الرجال، وأنصاؾ العشاق

.. اتزانهممن الجرح وحده ولد األدب. فلذهب إلى الجحم كل الذن أحبوك بتعقل، دون أن نزفوا.. دون أن فقدوا وزنهم وال

.تصفحن بشء من الخجل.. كما تتصفحن ألبوم صور مصفرة، لطفلة كانت أنت

.كما تطالعن قاموسا لمفردات قدمة معرضة لبلنقراض والموت

.كما تقرأن منشورا سرا ، عثرت عله وما ف صندوق بردك

.افتح قلبك.. واقرأن

. الطاهر وعن زاد وعن آخرن.. عن كل ما كنت تجهلنكنت وما أرد أن أحدثك عن س

.ولكن مات حسان.. ولم عد الوم وقت للحدث عن الشهداء.. أصبح كل واحد منا مشروع شهد

ة". ولم بق ل ما مكن أن أهدك الوم .حزنن أال أهبك ؼزالة. "الؽزالن ال تكون ؼزالنا إال عندما تكون ح

كل من أحببت، الواحد بعد اآلخر، بطرقة أو بؤخرى. وتحول القلب إلى مقبرة جماعة نام فها دون ترتب كل من لقد أخذت من

.أحببت. وكؤن قبر )أما( قد اتسع لضمهم جمعا

.ولم أعد أنا سوى شاهد قبر لس الطاهر.. لزاد ولحسان. شاهد قبر للذاكرة

.ثر عن ظلمه وعن عناده، عندما صر على مبلحقة أحدكنت أدري الكثر عن حماقة القدر، الك

ولكن أكان مكن ل أن أتوقع أن شبا كذلك مكن أن حدث؟

كنت اعتقد أنن دفعت لهذا القدر األحمق ما فه الكفاة، وأنه حان ل بعد هذا العمر، وتلك السنوات الت تلت فجعة زاد، وفجعة

.زواجك، أن أرتاح أخرا

ؾ عاد القدر الوم لؤخذ من أخ، أخ الذي لم كن لموته من منطق. ال كان ف جبهة، وال كان ف ساحة قتال لموت متة س فك

.الطاهر، ومتة زاد، رما بالرصاص.. أضا

***

.لدموع، جاء خبر موته هكذا صاعقة حملها خط هاتف مشوش، وصوت عتقة الذي تخفه ا==ذات وم من أكتوبر

كؾ مات حسان؟

.هل مهم السإال، وموته كان أحمق كحاته، ساذجا كؤحبلمه

.أقرأ كل الجرابد ألفهم كؾ مات أخ، بن الحلم والحلم.. بن الوهم والوهم

.ما الذي ذهب به إلى العاصمة لقابل "جماعة" هناك، هو الذي لم زر العاصمة إال نادرا

.ع.. لبحث عن نهاتهذهب هكذا ف نهاة أسبو

.ضاقت به قسنطنة، ولم توصله جسورها الكثرة إلى شء

."!قالوا له: "ف العاصمة ستكون لك "خوط". ستوصلك الطرق القصرة هناك.. ولن توصلك الجسور هنا

..صدق حسان، وذهب إلى العاصمة لقابل "فبلنا " من قبل "فبلن" آخر

أخرا هذه المرة، بعد عدة سنوات من الوساطات والتدخبلت، وؽادر نهابا سلك التعلم، لنتقل إلى وكان مقررا أن تحل قضته

ن موظفا ف مإسسة إعبلمة .العاصمة وع

.ولكن القدر هو الذي حسم "ملفه" هذه المرة

.بن "فبلن" و "فبلن" مات حسان، خطؤ برصاصة خاطبة، على رصؾ الحلم

!متناول الجمع أخ.. كان علك أال تحلمفالحلم لس ف

.أحقا "إن الشقاء عرؾ كؾ ختار صفاته" ولهذا اختارن أنا، واختار ل كل هذه الفجابع المذهلة، ألنفرد بها وحدي

..أنا الذي لم أكن أحلم سوى بؤن أهبك ؼزالة

؟كؾ ل أن أفعل ذلك.. وأنت تهبنن كل هذا الدمار.. كل هذا الخراب

***

.وعود فجؤة، حدث قدم بننا إلى البال

حدث مرت عله الوم ست سنوات. ف ذلك الزمن الذي كنت تجدن فه شبها بن وبن "زوربا". الرجل الذي أحببته األكثر حسب

.تعبرك، والذي كنت تحلمن بكتابة رواة كرواته، أو حب رجل مثله

ة رواة كتلك، اكتفت بتحول إلى نسخة منه، وجعلتن مثله أتعلم أن أشفى من األشاء الت أحبها ترى ألنك كنت عاجزة عن كتاب

Page 138: ذاكرة الجسد.pdf

..بؤكلها حتى التقإ

..جعلتن أعشق الخراب الجمل، وأتعلم كطابر ذبح أن أرقص من ألم

:ها هوذا الخراب الجمل، الذي حدثتن عنه وما بحماس مدهش لم ثر شكوك، وم قلت

مدهش أن صل اإلنسان بفجابعه حد الرقص. إنه تمز ف الخبات والهزابم أضا . فلست كل الهزابم ف متناول الجمع. ال بد أن "

."..تكون لك أحبلم فوق العادة، وأفراح وطموحات فوق العادة، لتصل بعواطفك تلك إلى ضدها بهذه الطرقة

!آه سدت لو تدرن

!برة. وما أفظع هذا الخراب الذي تتسابق قنوات التلفزون على نقله الومكم كانت أحبلم ك

!ما أفظع هذا الدمار، وما أحزن جثة أخ الملقاة على رصؾ، خترقها رصاص طابش

.ما أحزن جثته، وه تنتظرن اآلن ف ثبلجة الموتى ألتعرؾ عله، وأرافقه جثمانا إلى قسنطنة

..أخرى ها ه ذي قسنطنة مرة

.تلك األم الطاؼة الت تتربص بؤوالدها، والت أقسمت أن تعدنا إلها ولو جثة

.ها ه قد هزمتنا، وأعادتنا إلها معا . ف تلك اللحظة الت اعتقدنا فها أننا شفنا منها، وقطعنا معها صلة الرحم

..بعد الومال حسان سؽادرها إلى العاصمة.. وال أنا سؤقدر على الهرب منها

..ها نحن نعود إلها معا

.أحدنا ف تابوت.. واآلخر أشبلء رجل

أتها الصخرة.. أتها األم الصخرة ..وقع حكمك عل

فؤشرع مقابرك، وانتظرن. سآتك بؤخ.. افسح له مكانا صؽرا جوار أولابك الصالحن، وشهدابك، وبااتك.. كان حسان كل هذا

.على طرقته

..كان ؼزاال

!ف انتظار ذلك.. تعال سدت وتفرج على كل هذا الخراب الجمل

.فبعد قلل سحضر زوربا لمسك بكتف ولنبدأ الرقص معا

..تعال

.ال بد أال تخلف هذا المشهد، سترن كؾ رقص األنباء عندما فلسون حقا

..اشتهت أن أرقص ف عرسك ولم أفعل تعال.. سؤرقص الوم كما لم أرقص وما ، كما

.سؤقفز وكؤن جناحن قد التصقا بقدم فجؤة، وكؤن ذراع المفقودة قد نبتت من جدد لتصبح ذراع

."تعال.. ولعذرن أب الذي لم أشاركه وما ف طقوس "عساوة

.بنشوة األلم الذي جاور اللذة ف حفل جذبه ورقصه الجنون، وؼرسه ذلك السفود ف جسده من طرؾ إلى آخر..

!للحزن أكثر من طقس، ولس لؤللم وطن على التحدد. فلعذرن األنباء واألولاء الصالحون

لعذرون جمعا. ال أدري ماذا فعل األنباء بالتحدد عندما حزنون، ماذا فعلون ف زمن الردة؟

هل بكون أم صلون؟

..تواصل أضا . الرقص عبادة أضا أنا قررت أن أرقص. الرقص

.فانظر أها األعظم.. بذراع واحدة سؤرقص لك

..ما أصعب الرقص بذراع واحدة ا رب! ما أبشع الرقص بذراع واحدة ا رب! ولكن

.ستعذرن أنت الذي أخذت ذراع األخرى

.ستعذرن.. أنت الذي أخذتهم جمعا

!ستعذرن.. ألنك ستؤخذن أضا

هل المإمن مصاب حقا ؟.. أن ترى تلك مقولة خلقت لتعلمنا الصبر فقط، لتبعنا بدل مصاببنا فرح امتبلك شهادة بالتقوى؟

..فلكن

حمد على مكروه سواه .شكرا لك أها األعظم، أنت الذي ال

.أنت الذي ال تخص بمصابك سوى المإمنن من عبادك.. واألتقاء منهم

!أكن احلم بشهادة حسن سلوك كهذه اعترؾ أنن لم

Page 139: ذاكرة الجسد.pdf

.أفرغ منك سدت وأمتلا لحنا ونانا

.تتقدم موسقى "زوربا" نحوي، دعوة للجنون المتطرؾ

تؤت على شرط تعودت االستماع إله بمتعة ؼامضة. وإذا بذلك اللحن القادم الوم وسط الخراب والجثث، ؤخذ فجؤة بعده األول

.الحقق

."..جؤة من أركت وهو فاجبن، وأصرخ كما ف تلك القصة "ها زوربا.. دربن على الرقصفؤنتفض ف

!ها هوذا "الخراب الجمل" الذي جعلتنا نشتهه. لم أكن أعتقد أن كون بشعا إلى هذا الحد.. موجعا إلى هذا الجد

.تزحؾ موسقى تودراكس نحوي. وتخترقن نؽمة.. نؽمة. جرحا .. جرحا

.بطبة.. ثم سرعة كنوبة بكاء

.خجولة.. ثم جربة كلحظة رجاء

.حزنة.. ثم نشوى كتقلبات شاعر أمام كؤس

.مترددة.. ثم واثقة كؤقدام عسكر

.فؤستسلم لها. أرقص كمجنون ف ؼرفة شاسعة، تإثثها اللوحات والجسور

ط الخراب، بنما جسور قسنطنة الخمسة تتحطم وتتدحرج أمام وأقؾ أنا وسطها وكؤنن أقؾ على تلك الصخرة الشاهقة، لرقص وس

.حجارة نحو الودان

!إه زوربا

.تزوجت تلك المرأة الت كنت أحبها، وكانت تحبك أنت. وكنت أرد أن أجعلها نسخة من، فجعلتن نسخة منك

ن اجلها، وربما ألنه كان توقع ل وما كهذا، وعد ل ومات زاد.. ذلك الصدق الذي اشترى هذا الشرط ألنه ربما كان حبك أضا م

.على طرقته كل تفاصل حزن القادم

.وربما كون تلقاه هدة منها.. وورثته أنا ف جملة ما أورثن من أحزان

.ومات حسان.. أخ الذي لم كن هتم كثرا باإلؼرق، وباآللهة الونانة

.ألسطورات القدمةكان له إله واحد فقط، وبعض ا

.مات وال حب له سوى الفرقان.. وأم كلثوم.. وصوت عبد الباسط عبد الصمد

.وال حلم له سوى الحصول على جواز سفر للحج.. وثبلجة

.لقد تحققت نصؾ أحبلمه أخرا . لقد أهداه الوطن ثبلجة نتظرن فها بهدوء كعادته، ألشعه هذه المرة إلى مثواه األخر

.عرفك، ربما لم كن لموت تلك المتة الحمقاءلو

..لو قرأك بتمعن، لما نظر إلى قاتله بكل االنبهار، لما حلم بمنصب ف العاصمة، بسارة وبت أجمل

:لبصق ف وجه قاتله مسبقا .. لشتمهم كما لم شتم أحدا ، لرفض أن صافحهم ف ذلك العرس، لقال

قون.. القتلة. لن تسرقوا دمنا أضا . امؤلوا جوبكم بما شبتم. أثثوا بوتكم بما شبتم.. وحساباتكم بؤة عملة أها القوادون.. السرا" -

."شبتم.. سبقى لنا الدم والذاكرة. بهما سنحاسبكم.. بهما سنطاردكم.. بهما سنعمر هذا الوطن.. من جدد

.آه زوربا.. مات زاد وها هوذا حسان موت ؼدرا أضا

.آه لو تدري ا صدق، لم كن أحدهما لستحق الموت

.كان حسان نقا كزببق، وطبا حد السذاجة. كان خاؾ حتى أن حلم، وعندما بدأ حلم قتلوه

وكان زاد.. آه كان شبهك بعض الشء. لو رأت ضحكته، لو سمعته تحدث.. كفر.. لعن.. بك.. سكر.. لو عرفتهما، لرقصت..

.ا علهما الللة كما لم ترقص من قبلحزن

ولكن ال هم.. أدري بؤنك أنت أضا لن تحضر الللة. ربما ألنك مت، كما ف تلك الرواة، بعد أن لعنت الكاهن الذي جاء لناولك

..القربان المقدس قبل الموت

ان الناس بحثون فه عن خرافة كهذه. عن آلهة إؼرقة أو ربما ألنك لم توجد وما أبدا على هذه األرض. ألنك بطل خراف لزمن ك

.جددة، تعلمهم الجنون والتحدي.. وعبثة الحاة

فهل مهم أن تتؽب الللة، كما تؽبوا جمعا ؟

!لن أعتب علك ا صدق. أنت لست مسإوال ف النهاة عن كل ما مكن أن رتكب من حماقات بسبب رواة

أنت الذي قتلت من األتراك، وقتلوا من رفاقك الكثرن. هل هناك من فرق بن القتلة؟ ولكن أجبن فقط..

Page 140: ذاكرة الجسد.pdf

.على د الفرنسن مات س الطاهر.. وعلى د اإلسرابلن مات زاد.. وها هو حسان موت على د الجزابرن الوم

ا ؟فهل هناك درجات ف االستشهاد؟ وماذا لو كان الوطن هو القاتل والشهد مع

!فكم من مدنة عربة دخلت التارخ بمذابحها الجماعة، ومازالت مؽلقة على مقابرها السرة

!كم من مدنة عربة أصبح سكانها شهداء.. قبل أن صبحوا مواطنن

فؤن تضع كل هإالء.. ف خانة ضحاا التارخ، أم ف خانة الشهداء؟

!وما اسم الموت عندما كون بخنجر عرب

***

:ما كادت كاترن تران ف ذلك الصباح حتى صاحت

!إن لك وجه رجل ستقظ من للة سكر -

:ثم أضافت بشء من السخرة والتلمح الواضح

ماذا فعلت أمس أها الشق، لتكون ف هذه الحالة؟ -

:قلت

!ال شء.. ربما لم أنم فقط -

:ول امرأة عن آثار تدلها على نوعة من قضت معهم السهرةقالت وه تلق نظرة على الصالون، وتبحث بفض

هل استقبلت أصدقاء أمس؟ -

.ابتسمت لسإالها، شعرت برؼبة ف أن أجبها: نعم

..حدث للحزن عندما جاور الجنون، أن بدأ هكذا ف السخرة من نفسه

:واصلت

وهل قضوا الللة هنا؟ -

:قلت

..ال.. رحلوا -

:بعد شء من الصمت أضفت

!أصدقاب رحلون دابما -

وربما لم قنعها كبلم، أو زاد ف فضولها فقط. فراحت تواصل بعنها البحث وسط فوضى الؽرفة، والحقبتن المفتوحتن ف

.الصالون عن شء ما

.تشؾ آثار زاد وحسان وزوربا.. ف ذلك البتالنساء هكذا دابما: ال رن أبعد من أجسادهن، ولذا لم كن ف إمكان كاترن أن تك

.ف الحققة.. لقد كانت كاترن دابما تعش على هامش حزن

.وال ربما اقتنعت دون كثر من الكبلم أنن أستقظ من للة حب

:سؤلتن وكؤنها ال تجد فجؤة مبررا لوجودها عندي ف تلك اللحظة

لماذا طلبتن على عجل؟ -

:قلت

..ألسباب كثرة -

:ثم أضفت فجؤة

كاترن.. هل تحبن الجسور؟ -

:قالت بنبرة ال تخلو من التعجب

!ال تقل ل إنك أحضرتن ف هذا الصباح لتطرح عل هذا السإال -

:قلت

.ال.. ولكن أود لو أجبتن عله -

:قالت

..ت دابما ف مدن ال جسور فها. ما عدا بارس ربماال أدري.. أنا لم أسؤل نفس سإاال كهذا قبل الوم. لقد عش -

:قلت

..ال هم.. فؤنا أفضل ف النهاة أال تحبها. كف أن تحب رسم -

Page 141: ذاكرة الجسد.pdf

:أجابت

..طبعا أحب ما ترسمه.. لقد راهنت دابما على انك رسام استثناب -

:قلت

.فلكن إذن.. كل هذه اللوحات لك -

:صاحت

.كؾ تهبن كل هذه اللوحات؟ إنها مدنتك.. قد تحن إلها وما أأنت مجنون؟ -

:قلت

..لم عد هناك من ضرورة للحنن بعد الوم، أنا عابد إلها. أهبها لك، ألنن أدري أنك تقدرن الفن، وأنها معك لن تضع -

:قالت كاترن وصوتها ؤخذ نبرة جددة لحزن وفرح ؼامض

.... فلم حدث لرجل أن أهدان وما شبا كهذاسؤحتفظ بها جمعا -

:قلت وأنا ألق نظرة أخرة على جسدها المختبا داما تحت األثواب الخففة الفضفاضة

..ولم حدث المرأة قبلك أن منحتن ؼربة أشهى -

:قالت

.ديأخاؾ أن تندم وما وتشتاق إلى إحدى هذه اللوحات.. اعلم أنك ستجدها دابما عن -

:قلت

..ربما سحدث ذلك.. فنحن ف جمع الحاالت نندم على شء ما -

:تقاطعن وكؤنها اكتشفت جدة الموقؾ

- Mais ce n'est pas possible .. ال مكن أن نفترق هكذا!

نا تماما.. ألكثر من سبب. إنك أو كاترن.. دعنا نفترق على جوع. لقد حكم علنا التارخ أال نشبع من بعض تماما .. وال نحب بعض -

!تملكن الوم أكثر من نسخة من.. علق على جدرانك ذاكرت، حتى ولو كانت ذاكرة مضادة.. لقد كنت أضا طرفا فها

.ال تفهم كاترن لماذا كل هذه الرموز الوم

ولماذا هذا الحدث الؽامض الذي لم أعودها عله؟

ن رفض أن فهم. جسدها خرج عن الموضوع دابما . جسدها موظؾ فرنس حتج دابما. طالب دابما وربما فهمت، ولكن جسدها كا

.بالمزد.. فرط ف حرة التعبر، ف حرة اإلضراب

..ولكن

من أن سآت بالكلمات الت ستشرح لها حزن؟

مدنة أخرى، نتظرن ف ثبلجة، وأن أوالده الستة لم من أن سآت بالصمت الذي سقول لها دون أن أقول شبا ، إن حسان هناك ف

عد لهم ؼري

الباردتن، والصقع الذي زحؾ نحوي كلما تقدمت ب الساعات، وكلما راحت داها تفتحان أزرار قمص كؾ أشرح لها سر قدم

.دون انتباه.. بحكم العادة

..كاترن.. لس ل شهة للحب، اعذرن -

رد إذن؟وماذا ت -

.أرد أن تضحك كالعادة -

لماذا أضحك؟ -

.ألنك عاجزة عن الحزن -

وأنت؟ -

..وأنا سؤنتظر أن تذهب ألحزن. حزن مإجل فقط كالعادة -

ولماذا تقول ل هذا الوم.؟ -

..ألنن متعب.. وألنن سؤرحل بعد ساعات -

..إلى الجزار ولكن ال مكنك أن تسافر. لقد ألؽوا كل الرحبلت -

..سؤذهب، وأنتظر ف المطار أول طابرة تقلع. ال بد أن أسافر الوم أو ؼدا. هناك من نتظرن -

Page 142: ذاكرة الجسد.pdf

.كان مكن أن أقول لها: "لقد مات أخ.. أخ الوح ا كاترن.." وأجهش بالبكاء. فقد كنت ف حاجة إلى أن أبك أمام أحد ومها

... لعلها عقدة قدمة.. فالحزن قضة شخصة، قضة أحانا وطنةولكن لم أكن قادرا على ذلك معها

ولذا احتفظت بجرح داخل. وقررت أن أواصل حدث كالعادة. لعلن ف وم آخر سؤخبرها بذلك. ولكن لس الوم. الصمت الوم

.أكبر

.شعرت فجؤة أنن أسؤت للفراشات

:قلت

س كذلك؟ كانت معقدة بعض الشء.. ولكنها جملة برؼم ذلك. لقد كنت المرأة الت كانت دابما ، كاترن.. لقد كانت قصتنا جملة، أل -

..على وشك أن تكون حببت. وربما سنجح الفراق ف تحقق ما عجزت كل سنوات القرب هذه من تحققه

هل ستحبن عندما نفترق؟ -

ر عادات ال أدري.. من المإكد أنن سؤفتقدك كثرا . إنه منطق - ..األشاء. لقد كان ل معك أكثر من عادة. وال بد ل بعد الوم أن أؼ

وهل ستعود؟ -

..لس قبل مدة طولة.. ال بد أن أتعلم اآلن الوجه اآلخر للنسان. الؽربة أم أضا لس سهبل أن نجتاز الجسر الذي سفصلنا عنها -

ر؟خالد.. لماذا تحط نفسك بكل هذه الجسو -

أنا ال أحط نفس بها.. أنا أحملها داخل. هناك أناس ولدوا هكذا على جسر معلق. جاإوا إلى العالم بن وصفن وطرقن وقارتن. -

ولدوا وسط مجرى الراح المضادة، وكبروا وهم حاولون أن صالحوا بن األضداد داخلهم. ربما كنت من هإالء.. ف الحققة دعن

لك بسر. اكتشفت أنن ال أحب الجسور. وأكرهها كراهت لكل شء له طرفان، ووجهتان، واحتماالن، وضدان. ولهذا تركت لك أبوح

.كل هذه اللوحات

كنت أود إحراقها، راودتن هذه الفكرة. ولكن لست ف شجاعة طارق بن زاد. ربما ألن إحراق بحار لباخرته ف معركة حربة، ظل

..إحراق رسام للوحاته ف لحظة جنونأسهل من

.وبرؼم ذلك، أرد أن أحرقها حتى أقطع على قلب طرق العودة إلى الخلؾ

.ال أرد أن أقض حات، وأنا أسلك هذا الجسر ف االتجاهن

..أرد أن أختار لقلب مسقطه األخر

..ا من جدد. كما فتح طارق بن زاد ذلك الجل، ومنحه اسمهأرد أن أعود إلى تلك المدنة الجالسة فوق صخرة، وكؤنن أفتحه

منذ ؼادرتها أضعت بوصلت. قطعت عبلقت بالتارخ وبالجؽرافة. ووقفت سنوات على نقطة استفهام، خارج خطوط الطول ..

.والعرض

أن قع البحر وأن قؾ العدو؟ أهما أمام وأهما وراب؟

..لوطن.. وال شء أمام سوى زورق الؽربة.. وال ش بنهما سوايوال شء وراء البحر سوى ا

على من أعلن الحرب وال شء حول سوى الحدود اإلقلمة للذاكرة؟

كاترن، ولم تفهم شبا ..نظرت إل

ضحة سوء فهم وقصر نظر. فافترقنا كما التقنا منذ أكثر من قرن، دون أن نعرؾ بعضنا حقا .. دون أن نحب لقد كانت عبلقتنا دابما

.بعضنا تماما .. ولكن دابما بتلك الجاذبة الؽامضة نفسها

***

:وقلت

."الحب هو ما حدث بننا.. واألدب هو كل ما لم حدث"

..نعم ولكن

.بن ما حدث وما لم حدث، حدثت أشاء أخرى، ال عبلقة لها بالحب وال باألدب

.ف الحالتن سوى الكلمات. ووحده الوطن صنع األحداث. وكتبنا كفما شاء.. مادمنا حبرهفنحن ف النتجة، ال نصنع

.ؼادرت الوطن ف زمن لحظر التنفس.. وها أنا أعود إله مذهوال ف زمن آخر لحظر التجول

ت سنوات واستوقفتن كلماته دون سبب أتذكر وأنا أواجه وحدي هذه المرة مطار تلك المدنة الملتحفة بالحداد كبلما قاله حسان منذ س

.واضح

."قال: "إن قسنطنة فرؼت من أهلها األصلن. لقد أصبحوا ال ؤتونها سوى ف األعراس و ف المآتم

.ذهلن اكتشاف.. ها أنا أصبحت إذن االبن الشرع لهذه المدنة الت جاءت ب مكرها مرتن

Page 143: ذاكرة الجسد.pdf

.ما الفرق بن االثنن؟ لقد مات أخ ف الواقع مثلما مت أنا منذ ذلك العرسمرة ألحضر عرسك.. ومرة ألدفن أخ. ف

..قتلتنا أحبلمنا

.هو ألنه أصب بعدوى األحبلم الفارؼة الكبرة

.وأنا ألنن ؼادرت وهم.. ولبست نهابا حداد أحبلم

عصب ف عمر االستقبلل لم ستوقفه حزن وال استوقفته ذر اع.. فراح صرخ ف وجه، بلهجة من أقنعوه أننا سؤلن جمرك

..نؽترب فقط لنؽنى، وأننا نهرب دابما شبا ما ف حقابب ؼربتنا

بماذا تصرح أنت؟ -

.كان جسدي نتصب ذاكرة أمامه.. ولكن لم قرأن

ا .حدث للوطن أن صبح أم

ة بحقابب أ .نقة دبلوماسةكان آخرون لحظتها دخلون من األبواب الشرف

:وكانت داه تنبشان ف حقبة زاد المتواضعة، وتقعان على حزمة من األوراق.. فتكاد دمعة مكابرة بعن تجبه لحظتها

..أصرح بالذاكرة.. ا ابن -

.ولكنن أصمت.. وأجمع مسودات هذا الكتاب المبعثرة ف حقبة، رإوس أقبلم.. ورإوس أحبلم

...متت

==<9س _ تموز بار -