اإلعجاز: كتاب دالئل اجلرجاين : املؤلف بن حممد لرمحن عبدا هر بن لقا بكر عبدا بو أ

املدخل إىل إعجاز القرآن

بسم اهللا الرمحن الرحيم

توكلت على اهللا وحده احلمد : قال الشيخ اإلمام جمد اإلسالم أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرمحن بن حممد اجلرجاين رمحه اهللا تعاىل

هللا رب العاملني محد الشاكرين وصلواته على حممد سيد املرسلني وعلى آله أمجعني هذا كالم وجيز يطلع به الناظر على أصول النحو جملة وكل ما به يكون النظم دفعة وينظر منه يف مرآة

ت له حتى رآها يف مكان واحد ويرى هبا مشئما قد ضم إىل معرق تريه األشياء املتباعدة األمكنة قد التقومغربا قد أخذ بيد مشرق وقد دخلت بأخرة يف كالم من أصغى إليه وتدبره تدبر ذي دين وفتوة دعاه إىل

اه واهللا تعاىل املوفق للصواب وامللهم لما يؤدي إىل النظر يف الكتاب الذي وضعناه وبعثه على طلب ما دون الرشاد مبنه وفضله

معلوم أن ليس النظم سوى تعليق الكلم بعضها ببعض وجعل بعضها : قال عبد القاهر رضي اهللا تعاىل عنه بسبب من بعض

تعلق اسم : فيما بينها طرق معلومة وهو ال يعدو ثالثة أقسام اسم وفعل وحرف وللتعليق: والكلم ثالث باسم

وتعلق اسم بفعل وتعلق حرف هبما

فاالسم يتعلق باالسم بأن يكون خربا عنه أو حاال منه أو تابعا له صفة أو تأكيدا أو عطف بيان أو بدال أو افا األول إىل الثاين أو بأن يكون األول يعمل يف الثاين عمل الفعل ويكون عطفا حبرف أو بأن يكون مض

: ( زيد ضارب أبوه عمرا وكقوله تعاىل : الثاين يف حكم الفاعل له أو املفعول وذلك يف اسم الفاعل كقولنا : واسم املفعول كقولنا ) وهم يلعبون الهية قلوبهم : ( اىل وقوله تع) أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها زيد حسن : والصفة املشبهة كقولنا ) ذلك يوم مجموع له الناس : ( زيد مضروب غلمانه وكقوله تعاىل

أو : ( ب زيد عمرا وكقوله تعاىل عجبت من ضر: وجهه وكرمي أصله وشديد ساعده واملصدر كقولنا أو بأن يكون متييزا قد جاله منتصبا عن متام االسم ) إطعام يف يوم ذي مسغبة يتيما

قفيزان برا : أن يكون فيه ما مينع من اإلضافة وذلك بأن يكون فيه نون تثنية كقولنا " متام االسم " ومعىن عشرون درمها : ون مجع كقولنا أو ن

مخسة عشر رجال أو : راقود خال وما يف السماء قدر راحة سحابا أو تقدير تنوين كقولنا : أو تنوين كقولنا

ملء األرض : ( يكون قد أضيف إىل شيء فال ميكن إضافته مرة أخرى كقولنا يل ملؤه عسال وكقوله تعاىل ) ذهبا

وأما تعلق االسم بالفعل فبأن يكون فاعال له أو مفعوال فيكون مصدرا قد انتصب به

أو ظرفا مفعوال . ضربت زيدا : أو مفعوال له كقولك . املفعول املطلق : ضربت ضربا ويقال له : كقولك جاء الربد : مك أو مفعوال معه كقولنا خرجت يوم اجلمعة ووقفت أما: فيه زمانا أو مكانا كقولك

جئتك إكراما لك وفعلت ذلك : أو مفعوال له كقولنا . ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها . والطيالسة من الفعل منزلة أو بأن يكون منزال) . ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة اهللا : ( إرادة اخلري بك وكقوله تعاىل

طاب زيد نفسا : مثل . وأخواهتا واحلال والتمييز املنتصب عن متام الكالم " كان " املفعول وذلك يف خرب جاءين القوم إال زيدا ألنه من : ومثله االسم املنتصب على االستثناء كقولك . وحسن وجها وكرم أصال

عن متام الكالم قبيل ما ينتصب : وأما تعلق احلرف هبما فعلى ثالثة أضرب

أحدها أن يتوسط بني الفعل واالسم فيكون ذلك يف حروف اجلر اليت من شأنها أن تعدي األفعال إىل ما ال : فإذا قلت . و زيد وعمرو فال يصل إىل حن" مررت : " تتعدى إليه بأنفسها من األمساء مثل أنك تقول

يف قولنا " مع " وكذلك سبيل الواو الكائنة مبعىن . مررت بزيد أو على زيد وجدته قد وصل بالباء أو على إال أن . لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها مبنزلة حرف اجلر يف التوسط بني الفعل واالسم وإيصاله إليه : يف االستثناء " إال " وكذلك حكم . رق أهنا ال تعمل بنفسها شيئا لكنها تعني الفعل على عمله النصب الف

يف التوسط وعمل النصب يف املستثىن للفعل ولكن " مع " فإنها عندهم مبنزلة هذه الواو الكائنة مبعىن بوساطتها وعون منها تعلق احلرف مبا يتعلق به العطف وهو أن يدخل الثاين يف عمل والضرب الثاين من

جاءين زيد وعمرو ورأيت زيدا وعمرا ومررت بزيد وعمرو : العامل يف األول كقولنا . يه تعلقه مبجموع اجلملة كتعلق حرف النفي واالستفهام والشرط واجلزاء مبا يدخل عل: والضرب الثالث

معىن ذلك أنك إذا . وذلك أن من شأن هذه املعاين أن تتناول ما تتناوله بالتقييد وبعد أن يسند إىل شيء ما خرج زيد وما زيد خارج مل يكن النفي الواقع هبا متناوال اخلروج على اإلطالق بل اخلروج واقعا : قلت

أهنا لنفي اجلنس فإن املعىن يف ذلك ) ال رجل يف الدار : ( ال يغرنك قولنا يف حنو و. من زيد ومسندا إليه أنها لنفي الكينونة يف الدار عن اجلنس ولو كان يتصور تعلق النفي باالسم املفرد لكان الذي قالوه يف كلمة

فضال من القول وتقديرا ملا ال يحتاج إليه " يف الوجود إال اهللا ال إله لنا أو" التوحيد من أن التقدير فيها وكذلك احلكم أبدا

: وإذا قلت . هل خرج زيد مل تكن قد استفهمت عن اخلروج مطلقا ولكن عنه واقعا من زيد : فإذا قلت وكذا مل جتعل اإلكرام على اإلطالق . تيان من زيد إن يأتين زيد أكرمه مل تكن جعلت اإلتيان شرطا بل اإل

كيف وذلك يؤدي إىل أشنع ما يكون من املحال وهو أن يكون هاهنا . جزاء لإلتيان بل اإلكرام واقعا منك

إتيان من غري آت وإكرام من غري مكرم مث يكون هذا شرطا وذلك جزاء ر أنه ال يكون كالم من جزء واحد وأنه ال بد من مسند ومسند إليه وكذلك السبيل يف وخمتصر كل األم

يقتضي مشبها " كأن : " أال ترى أنك إذا قلت . وأخواتها " كإن " كل حرف رأيته يدخل على مجلة وجدتهما يقتضيان جملتني " لوال " و " لو " : وكذلك إذا قلت . كأن زيدا األسد : ومشبها به كقولك

تكون الثانية جوابا لألوىل

. يا عبد اهللا : ومجلة األمر أنه ال يكون كالم من حرف وفعل أصال وال من حرف واسم إال يف النداء حنو دليل على " يا " أعين وأريد وأدعو و وذلك أيضا إذا حقق األمر كان كالما بتقدير الفعل املضمر الذي هو

قيام معناه يف النفس وهي كما تراها معاين النحو وأحكامه . فهذه هي الطرق والوجوه يف تعلق الكلم بعضها ببعض

ذلك يعدو وكذلك السبيل يف كل شيء كان له مدخل يف صحة تعلق الكلم بعضها ببعض ال ترى شيئا من مث إنا نرى هذه كلها موجودة يف كالم العرب ونرى . أن يكون حكما من أحكام النحو ومعنى من معانيه

العلم هبا مشتركا بينهم إذا كانت هذه األمور وهذه الوجوه من التعلق اليت هي: وإذا كان ذلك كذلك فما جوابنا خلصم يقول لنا

حمصول النظم موجودة على حقائقها وعلى الصحة وكما ينبغي يف منثور كالم العرب ومنظومه ورأيناهم قد استعملوها وتصرفوا فيها وكملوا مبعرفتها وكانت حقائق ال تتبدل وال تختلف هبا احلال إذ ال يكون لالسم

وصوف أو حاال لذي حال أو فاعال أو مفعوال لفعل يف كالم حقيقة هي خالف بكونه خربا ملبتدأ أو صفة ملحقيقته يف كالم آخر فما هذا الذي جتدد بالقرآن من عظيم املزية وباهر الفضل والعجيب من الوصف حىت

وقيد اخلواطر والفكر وحىت خرست أعجز اخللق قاطبة وحتى قهر من البلغاء والفصحاء القوى والقدر الشقاشق وعدم نطق الناطق وحىت مل يجر لسان ومل ينب بيان ومل يساعد إمكان ومل ينقدح ألحد منهم زند

هذا ومل يمض له حد وحىت أسال الوادي عليهم عجزا وأخذ منافذ القول عليهم أخذا أيلزمنا أن جنيب اخلصم عن سؤاله ونرده عن ضالله وأن نطب لدائه ونزيل الفساد عن رائه فإن كان ذلك يلزمنا فينبغي

فإن علم أنه الطريق . لكل ذي دين وعقل أن ينظر يف الكتاب الذي وضعناه ويستقصي التأمل لما أودعناه ة والبرهان تبع احلق وأخذ به وإن رأى أن له طريقا غريه أومى لنا إليه ودلنا إىل البيان والكشف عن احلج

: - البسيط -وهذه أبيات يف مثل ذلك ! عليه وهيهات ذلك ) ولست أرهب خصما إن بدا فيه ... إني أقول مقاال لست أخفيه ( ) يف النظم إال مبا أصبحت أبديه .. .ما من سبيل إىل إثبات معجزة ( ) معنى سوى حكم إعراب تزجيه ... فما لنظم كالم أنت ناظمه ( ) يتم من دونه قصد لمنشيه ... اسم يرى وهو أصل للكالم فما ( ) تنفيه ما أنت تثبته أو أنت ... وآخر هو يعطيك الزيادة يف ( ) تلقى له خربا من بعد تثنيه ... تفسري ذلك أن األصل مبتدأ (

) إليه يكسبه وصفا ويعطيه ... وفاعل مسند فعل تقدمه ( ) من منطق مل يكونا من مبانيه ... هذان أصالن ال تأتيك فائدة ( ) سلطت فعال عليه يف تعديه ... د التمام فما وما يزيدك من بع( ) ما يشسبه البحر فيضا من نواحيه ... هذي قوانني يلفى من تتبعها ( ) إال انصرفت بعجز عن تقصيه ... فلست تأيت إىل باب لتعلمه (

) ن أن املدى دان لباغيه يرو... هذا كذاك وإن كان الذين ترى ( ) مبا يجيب الفىت خصما يماريه ... ثم الذي هو قصدي أن يقال لهم ( ) وليس من منطق يف ذاك يحكيه ... من أين أن ال نظم يشبهه : يقول ( ) و نمضي يف توخيه حكم من النح... وقد علمنا بأن النظم ليس سوى ( ) معنى وصعد يعلو يف ترقيه ... لو نقب األرض باغ غري ذاك له ( ) وال رأى غري غي يف تبغيه ... ما عاد إال خبسر يف تطلبه ( )أحكامه ونروي يف معانيه ... ونحن ما إن بثثنا الفكر ننظر يف ( ) بها وكال تراه نافذا فيه ... كانت حقائق يلفى العلم مشتركا ( ) يف كل ما أنت من باب تسميه ... فليس معرفة من دون معرفة ( ) يجرونه باقتدار يف مجاريه ... ترى تصرفهم يف الكل مطردا ( ) حتى غدا العجز يهمي سيل واديه ... ذا الذي عرفوا فما الذي زاد يف ه( ) كالصبح منبلجا يف عين رائيه ... قولوا وإال فأصغوا للبيان تروا (

احلمد هللا وحده وصلواته على رسوله حممد وآله

مقدمة املؤلف بقلمه

بسم اهللا الرمحن الرحيم

العاملني محد الشاكرين نحمده على عظيم نعمائه ومجيل بالئه ونستكفيه نوائب الزمان ونوازل احلمد هللا رباحلدثان ونرغب إليه يف التوفيق والعصمة ونربأ إليه من احلول والقوة ونسأله يقينا ميأل الصدر ويعمر القلب

وثقة بأنه عز وجل الوزر والكاىلء . فها إذا نزغت ويردها إذا تطلعت ويستويل على النفس حىت يكوأن النعم كلها من عنده وأن ال سلطان ألحد مع سلطانه نوجه . والراعي واحلافظ وأن اخلري والشر بيده

يجعلنا ممن همه الصدق وبغيته احلق وغرضه الصواب وما رغباتنا إليه ونخلص نياتنا يف التوكل عليه وأن تصححه العقول وتقبله األلباب ونعوذ به من أن ندعي العلم بشيء ال نعلمه وأن نسدي قوال ال نلحمه وأن

اإلطراء وأن يكون سبيلنا سبيل من يعجبه أن نكون ممن يغره الكاذب من الثناء وينخدع للمتجوز يف. يجادل بالباطل ويموه على السامع وال يبايل إذا راج عنه القول أن يكون قد خلط فيه ومل يسدد يف معانيه

د سيد املرسلني وعلى ونستأنف الرغبة إليه عز وجل يف الصالة على خري خلقه واملصطفى من بريته حمم أصحابه اخللفاء الراشدين وعلى آله األخيار من بعدهم أمجعني

وبعد فإنا إذا تصفحنا الفضائل لنعرف منازلها يف الشرف ونتبين مواقعها من العظم

لعلم أوالها بذلك وأوهلا هنالك إذ ال ونعلم أي أحق منها بالتقدمي وأسبق يف استيجاب التعظيم وجدنا اشرف إال وهو السبيل إليه وال خري إال وهو الدليل عليه وال منقبة إال وهو ذروتها وسنامها وال مفخرة إال

وبه صحتها وتمامها وال حسنة إال وهو مفتاحها وال محمدة إال ومنه يتقد مصباحها لواله ملا بان اإلنسان من سائر احليوان إال . هو الويف إذا خان كل صاحب والثقة إذا مل يوثق بناصح و

بتخطيط صورته وهيئة جسمه وبنيته ال وال وجد إىل اكتساب الفضل طريقا وال وجد بشيء من احملاسن خليقا

نصل إىل اكتساب فضيلة إال بالفعل وكان ال يكون فعل إال بالقدرة فإنا مل نر فعال زان ذاك ألنا وإن كنا ال ومل نر قدرة قط . فاعله وأوجب الفضل له حىت يكون عن العلم صدره وحتى يتبين ميسمه عليه وأثره

يكون العلم رائدها فيما تطلب وقائدها حيث تؤم وتذهب أكسبت صاحبها مجدا وأفادته حمدا دون أنويكون املصرف لعنانها واملقلب هلا يف ميدانها فهي إذا مفتقرة يف أن تكون فضيلة إليه وعيال يف استحقاق

مسه آلت وال شيء أحشد للذم هذا االسم عليه وإذا هي خلت من العلم أو أبت أن تمتثل أمره وتقتفي ر على صاحبها منها وال شين أشين من إعماله هلا

فأما املفاضلة بني بعضه وبعض . فهذا يف فضل العلم ال جتد عاقال يخالفك فيه وال ترى أحدا يدفعه أو ينفيه ى آراء وتقدمي فن منه على فن فإنك ترى الناس فيه عل

يقدم ما يحسن من -حلبه نفسه وإيثاره أن يدفع النقص عنها - مختلفة وأهواء متعادية ترى كال منهم مث . وحياول الزراية على الذي مل حيظ به والطعن على أهله والغض منهم . أنواع العلم على ما ال يحسن

فمن مغمور قد استهلكه هواه وبعد يف اجلور مداه ومن مترجح فيه بني : ذلك تتفاوت أحوالهم يف فأما من يخلص يف هذا املعىن من احليف حتى ال . اإلنصاف والظلم جيور تارة ويعدل أخرى يف احلكم

ومل يكن ذلك كذلك إال . املمتنع وجوده يقضي إال بالعدل وحىت يصدر يف كل أمره عن العقل فكالشيءلشرف العلم وجليل محله وأن حمبته مركوزة يف الطباع ومركبة يف النفوس وأن الغرية عليه الزمة للجبلة

نه فلم يعاد إذا وموضوعة يف الفطرة وأنه ال عيب أعيب عند اجلميع من عدمه وال ضعة أوضع من اخللو ع إال من فرط احملبة ومل يسمح به إال لشدة الضن

مث إنك ال ترى علما هو أرسخ أصال وأبسق فرعا وأحلى جنى وأعذب وردا وأكرم نتاجا وأنور سراجا من ويلفظ الدر وينفث السحر ويقري الشهد علم البيان الذي لواله مل تر لسانا حيوك الوشي ويصوغ احللي

والذي لوال حتفيه بالعلوم وعنايته هبا . ويريك بدائع من الزهر ويجنيك احللو اليانع من الثمر

بأهلتها واستوىل وتصويره إياها لبقيت كامنة مستورة ولما استبنت هلا يد الدهر صورة وال ستمر السرار اال أنك لن ترى على . إىل فوائد ال يدركها اإلحصاء وحماسن ال حيصرها االستقصاء . اخلفاء على جملتها

ذلك نوعا من العلم قد لقي من الضيم ما لقيه ومني من احليف بما مني به ودخل على الناس من الغلط يف فقد سبقت إىل نفوسهم اعتقادات فاسدة وظنون ردية وركبهم فيه جهل عظيم . اه ما دخل عليهم فيه معن

ترى كثريا منهم ال يرى له معىن أكثر مما يرى لإلشارة بالرأس والعني وما جيده للخط . وخطأ فاحش والعقد فكل من . ولكل من ذلك لفظ قد وضع له وجعل دليال عليه . ر وهني إنما هو خرب واستخبار وأم: يقول

عرف أوضاع لغة من اللغات عربية كانت أو فارسية وعرف املغزى من كل لفظة مث ساعده اللسان على األداة بالغ من البيان املبلغ الذي ال النطق هبا وعلى تأدية أجراسها وحروفها فهو بين يف تلك اللغة كامل

مزيد عليه منته إىل الغاية اليت ال مذهب بعدها يسمع الفصاحة والبالغة والرباعة فال يعرف هلا معىن سوى اإلطناب يف القول وأن يكون املتكلم يف ذلك

وأن يستعمل اللفظ الغريب والكلمة . وال تقف به حبسة جهري الصوت جاري اللسان ال تعترضه لكنة فإن استظهر لألمر وبالغ يف النظر فأن ال بلحن فريفع يف موضع النصب أو خيطىء فيجيء . الوحشية

باللفظة على غري ما هي

العرب عليه يف الوضع اللغوي وعلى خالف ما ثبتت به الرواية عنومجلة األمر أنه ال يرى النقص يدخل على صاحبه يف ذلك إال من جهة نقصه يف علم اللغة ال يعلم أن ها

هنا دقائق وأسرارا طريق العلم هبا الروية والفكر ولطائف مستقاها العقل وخصائص معان ينفرد هبا قوم قد ليها وكشف هلم عنها ورفعت احلجب بينهم وبينها وأنها السبب يف أن عرضت املزية يف هدوا إليها ودلوا ع

الكالم ووجب أن يفضل بعضه بعضا وأن يبعد الشأو يف ذلك ومتتد الغاية ويعلو املرتقى ويعز املطلب حتى من طوق البشر ينتهي األمر إىل اإلعجاز وإىل أن خيرج

مث عن هلا بسوء . وملا مل تعرف هذه الطائفة هذه الدقائق وهذه اخلواص واللطائف مل تتعرض هلا ومل تطلبها االتفاق رأي صار حجازا بينها وبني العلم هبا وسدا دون أن تصل إليها وهو أن ساء اعتقادها يف الشعر

ي هو معدنها وعليه املعول فيها ويف علم اإلعراب الذي هو هلا كالناسب الذي ينميها إىل أصوهلا ويبني الذفجعلت تظهر الزهد يف كل واحد من النوعني وتطرح كال من الصنفني وترى . فاضلها من مفضولها

هبما واإلعراض عن تدبرمها أصوب من اإلقبال على تعلمهما التشاغل عنهما أوىل من االشتغال أما الشعر فخيل إليها أنه ليس فيه كثري طائل وأن ليس إال ملحة أو فكاهة أو بكاء

احلاجة منزل أو وصف طلل أو نعت ناقة أو مجل أو إسراف قول يف مدح أو هجاء وأنه ليس بشيء متس إليه يف صالح دين أو دنيا

. وأما النحو فظنته ضربا من التكلف وبابا من التعسف وشيئا ال يستند إىل أصل وال يعتمد فيه على عقل جدي نفعا وأن ما زاد منه على معرفة الرفع والنصب وما يتصل بذلك مما جتده يف املبادىء فهو فضل ال ي

إىل أشباه هلذه الظنون يف القبيلني وآراء -كما عرفت -وضربوا له املثل بامللح . وال حتصل منه على فائدة للو علموا مغبتها وما تقود إليه لتعوذوا بالله منها وألنفوا ألنفسهم من الرضا هبا ذاك ألنهم بإيثارهم اجله

بذلك على العلم يف معىن الصاد عن سبيل اهللا واملبتغي إطفاء نور اهللا تعاىل وذاك أنا إذا كنا نعلم أن اجلهة اليت منها قامت احلجة بالقرآن وظهرت وبانت وهبرت هي أن كان على حد

وكان محاال أن يعرف كونه . غاية ال يطمح إليها بالفكر من الفصاحة تقصر عنه قوى البشر ومنتهيا إىلكذلك إال من عرف الشعر الذي هو ديوان العرب وعنوان األدب والذي ال يشك أنه كان ميدان القوم إذا

هبا كان التباين يف الفضل مث حبث عن العلل اليت . تجاروا يف الفصاحة والبيان وتنازعوا فيهما قصب الرهان وكان مثله مثل من . وزاد بعض الشعر على بعض كان الصاد عن ذلك صادا عن أن تعرف حجة اهللا تعاىل

يتصدى للناس فيمنعهم عن أن حيفظوا كتاب اهللا تعاىل ويقوموا به ويتلوه ويقرؤوه ويصنع يف اجلملة صنيعا أن يقل حفاظه والقائمون به واملقرئون يؤدي إىل

ذاك ألنا مل نتعبد بتالوته وحفظه والقيام بأداء لفظه على النحو الذي أنزل عليه وحراسته من أن يغير . له ا يف كل أوان ويكون ويبدل إال لتكون احلجة به قائمة على وجه الدهر تعرف يف كل زمان ويتوصل إليهفمن حال بيننا وبني ماله . سبيلها سبيل سائر العلوم اليت يرويها اخللف عن السلف ويأثرها الثاين عن األول

عة كان حفظنا إياه واجتهادنا يف أن نؤديه ونرعاه كان كمن رام أن ينسيناه جملة ويذهبه من قلوبنا دففسواء من منعك الشيء الذي ينتزع منه الشاهد والدليل ومن منعك السبيل إىل انتزاع تلك الداللة

وال فرق بني من أعدمك الدواء الذي تستشفي به من دائك وتستبقي به . واالطالع على تلك الشهادة العلم بأن فيه شفاء وأن لك فيه استبقاء حشاشة نفسك وبني من أعدمك

إنك قد أغفلت فيما رتبت فإن لنا طريقا إىل إعجاز القرآن غري ما قلت وهو علمنا : فإن قال منهم قائل ريع هلم بالعجز بعجز العرب عن أن يأتوا مبثله وتركهم أن يعارضوه مع تكرار التحدي عليهم وطول التق

واستوى الناس قاطبة فلم . وألن األمر كذلك ما قامت به احلجة على العجم قيامها على العرب . عنه خيرج اجلاهل بلسان العرب من أن يكون محجوجا بالقرآن

أن كانت معجزته باقية على وجه خبرنا عما اتفق عليه املسلمون من اختصاص نبينا عليه السالم ب: قيل له الدهر أتعرف له معىن غري أن ال يزال الربهان منه الئحا معرضا لكل من أراد العلم به وطلب الوصول إليه

اء املعجزة واحلجة فيه وبه ظاهرة ملن أرادها والعلم هبا ممكنا ملن التمسه فإذا كنت ال تشك يف أن ال معىن لبق بالقرآن إال أن

الوصف الذي له كان معجزا قائم فيه أبدا وأن الطريق إىل العلم به موجود والوصول إليه ممكن فانظر أي رجل تكون إذا أنت زهدت يف أن تعرف حجة اهللا تعاىل وآثرت فيه اجلهل على العلم وعدم االستبانة على

وكان التقليد فيها أحب إليك والتعويل على علم غريك آثر لديك ونح اهلوى عنك وراجع . جودها ووهل رأيت رأيا . عقلك واصدق نفسك يبن لك فحش الغلط فيما رأيت وقبح اخلطأ يف الذي توهمت

عاىل من اجلهة اليت إذا عرفت منها كانت أنور وأهبر أعجز واختيارا أقبح ممن كره أن تعرف حجة اهللا ت

واهللا . وأقوى وأقهر وآثر أن ال يقوى سلطانها على الشرك كل القوة وال تعلو على الكفر كل العلو املستعان

فصل يف الكالم على من زهد يف رواية الشعر وحفظه وذم االشتغال بعلمه وتتبعه : ال خيلو من كان هذا رأيه من أمور

أن يكون رفضه له وذمه إياه من أجل ما جيده فيه من هزل وسخف وهجاء وسب وكذب وباطل : أحدها على اجلملة

أن يذمه ألنه موزون مقفى ويرى هذا مبجرده عيبا يقتضي الزهد فيه والتنزه عنه: والثاين وأي كان من . قد ذموا يف التنزيل : أن يتعلق بأحوال الشعراء وأهنا غري مجيلة يف األكثر ويقول : والثالث

هذه رأيا له فهو يف ذلك على خطأ ظاهر وغلط فاحش وعلى خالف ما يوجبه القياس والنظر وبالضد مما جاء به األثر وصح به اخلرب

أما من زعم أن ذمه له من أجل ما يجد فيه من هزل وسخف وكذب وباطل فينبغي أن يذم الكالم كله وأن يفضل اخلرس على النطق والعي على البيان

وعاداه بسببه فيه والذي زعم أنه ذم الشعر من أجله. فمنثور كالم الناس على كل حال أكثر من منظومه ألن الشعراء يف كل عصر وزمان معدودون والعامة ومن ال . أكثر

وحنن نعلم أن لو كان منثور الكالم يجمع كما جيمع املنظوم مث عمد . يقول الشعر من اخلاصة عديد الرمل عصر واحد ألرىب على جميع ما قاله الشعراء نظما يف عامد فجمع ما قيل من جنس اهلزل والسخف نثرا يف

األزمان الكثرية ولغمره حتى ال يظهر فيه مث إنك لو مل ترو من هذا الضرب شيئا قط ومل تحفظ إال اجلد احملض وإال ما ال معاب عليك يف روايته ويف

ن يف ذلك غنى ومندوحة ولوجدت طلبتك ونلت مرادك وحصل لك ما احملاضرة به ويف نسخه وتدوينه لكا فاختر لنفسك ودع ما تكره إىل ما حتب . حنن ندعوك إليه من علم الفصاحة

ال أو هذا وراوي الشعر حاك وليس على احلاكي عيب وال عليه تبعة إذا هو مل يقصد حبكايته أن ينصر باطفانظر إىل الغرض الذي له روي الشعر ومن أجله أريد وله . يسوء مسلما وقد حكى اهللا تعاىل كالم الكفار

وقد . دون تعلم أنك قد زغت عن املنهج وأنك مسيء يف هذه العداوة وهذه العصبية منك على الشعر وإعرابه باألبيات فيها الفحش وفيها ذكر الفعل القبيح مث مل يعبهم ذلك إذ استشهد العلماء لغريب القرآن

كانوا مل يقصدوا إىل ذلك الفحش ومل يريدوه ومل يرووا الشعر من أجله - ها عنده وكان احلسن البصري رمحه اهللا يتمثل يف مواعظه باألبيات من الشعر وكان من أوجع: قالوا

-الكامل ) وغدا لغيرك كفها واملعصم ... اليوم عندك دلها وحديثها (

ذكره املرزباين يف كتابه بإسناد -ويف احلديث عن عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه

فأتاه حممد بن جعفر بن أيب أيت عمر رضوان اهللا عليه حبلل من اليمن: عن عبد امللك بن عمري أنه قال طالب وحممد بن أيب بكر الصديق وحممد بن طلحة بن عبيد اهللا وحممد بن حاطب فدخل عليه زيد بن ثابت

. ائذن هلم يا غالم : فقال . يا أمري املؤمنني هؤالء احملمدون بالباب يطلبون الكسوة : رضي اهللا عنه فقال فقال - هذه حملمد بن حاطب وكانت أمه عنده وهو من بين لؤي : بحلل فأخذ زيد أجودها وقال فدعا

- الطويل - ومتثل بشعر عمارة بن الوليد . أيهات أيهات : عمر رضي اهللا عنه ) خروجي منها سالما غير غارم ... أسرك ملا صرع القوم نشوة ( ) وليس اخلداع مرتضى يف التنادم ... بريئا كأني قبل مل أك منهم (

. أدخل يدك فخذ حلة وأنت ال تراها فأعطهم : وقال . ائتين بثوب فألقه على هذه احللل : مث قال ! ردها هذا هو عمارة بن الوليد بن املغرية خطب امرأة من وعمارة. فلم أر قسمة أعدل منها : قال عبد امللك

مث مر خبمار . فأىب مث اشتد وجده هبا فحلف هلا أال يشرب . ال أتزوجك أو تترك الشراب : قومه فقالت ومكثوا . ببرديه فنحر هلم ناقته وسقاهم . عنده شرب يشربون فدعوه فدخل عليهم وقد أنفدوا ما عندهم

: أمل تحلف أال تشرب فقال : أياما مث خرج فأتى أهله فلما رأته امرأته قالت ) ثياب الندامى عندهم كالغنائم ... ولسنا بشرب أم عمرو إذا انتشوا (

) مبنزلة الريان ليس بعائم ... ولكننا يا أم عمرو ندمينا ( البيتني . . . سرك أ

وكالم جرى يف باطل مث استعني به على حق كما أنه رب شيء خسيس توصل به فإذا رب هزل أداة يف جد : - الكامل - كما قال أبو متام . إىل شريف بأن ضرب مثال فيه وجعل مثاال له

) مثال من املشكاة والنبراس ... ه والله قد ضرب األقل لنور( وعلى العكس فرب كلمة حق أريد هبا باطل فاستحق عليها الذم كما عرفت من خبر اخلارجي مع علي

ورب قول حسن مل يحسن من قائله حني تسبب به إىل قبيح كالذي حكى اجلاحظ قال . رضوان اهللا عليه سبحان الله " جع طاووس يوما عن جملس محمد بن يوسف وهو يومئذ وايل اليمن فقال ما ظننت أن قول ريكون معصية هللا حىت كان اليوم مسعت رجال أبلغ ابن يوسف عن رجل كالما فقال رجل من أهل املجلس " ليغضب ابن يوسف كاملستعظم لذلك الكالم! سبحان اهللا :

فبهذا وحنوه فاعترب واجعله حكما بينك وبني الشعر وبعد فكيف وضع من الشعر عندك وكسبه املقت منك أنك وجدت فيه الباطل والكذب وبعض ما ال

حلق والصدق واحلكمة وفصل يحسن ومل يرفعه يف نفسك ومل يوجب له احملبة من قلبك أن كان فيه ااخلطاب وأن كان مجىن مثر العقول واأللباب ومجتمع فرق اآلداب والذي قيد على الناس املعاين الشريفة

وأفادهم الفوائد اجلليلة

دائع الشرف عن الغائب إىل وترسل بني املاضي والغابر ينقل مكارم األخالق إىل الولد عن الوالد ويؤدي والشاهد حىت ترى به آثار املاضني مخلدة يف الباقني وعقول األولني مرددة يف اآلخرين وترى لكل من رام

األدب وابتغى الشرف وطلب حماسن القول والفعل منارا مرفوعا وعلما منصوبا وهاديا مرشدا ومعلما وجتد فيه للنائي عن طلب املآثر والزاهد يف اكتساب احملامد داعيا ومحرضا وباعثا وحمضضا . دا مسد

ومذكرا ومعرفا وواعظا ومثقفا . فلو كنت ممن ينصف كان يف بعض ذلك ما يغير هذا الرأي منك وما حيدوك على رواية الشعر وطلبه

ولكنك أبيت إال ظنا سبق إليك وإال بادىء رأي عن لك فأقفلت عليه قلبك . عك أن تعيبه أو تعيب به ومين: نعم وكيف رويت . فعي الناصح بك وعسر على الصديق واخلليط تنبيهك . وسددت عما سواه سمعك

إن من : " وهلجت له وتركت قوله " . فرييه خري له من أن ميتلىء شعرا ألن ميتلىء جوف أحدكم قيحا" " وكيف نسيت أمره بقول الشعر ووعده عليه اجلنة وقوله حلسان " . الشعر حلكما وإن من البيان لسحرا

نه له وارتياحه عند مساعه قل وروح القدس معك ومساعه له واستنشاده إياه وعمله به واستحسا

أما أمره به فمن املعلوم ضرورة وكذلك مساعه إياه فقد كان حسان وعبد اهللا بن رواحة وكعب بن زهري وكان . ميدحونه ويسمع منهم ويصغي إليهم ويأمرهم بالرد على املشركني فيقولون يف ذلك ويعرضون عليه

ما نسي ربك وما كان ربك نسيا شعرا " يذكر هلم بعض ذلك كالذي روي من أنه قال لكعب عليه السالمالكامل -فأنشد أبو بكر رضوان اهللا عليه " . أنشده يا أبا بكر : " وما هو يا رسول اهللا قال : قال " . قلته

- : ) يغلبن مغالب الغالب ول... زعمت سخينة أن ستغلب ربها (

قول أيب طالب - حني استسقى فسقي - من ذلك اخلرب املعروف يف استنشاده . وأما استنشاده إياه فكثري : -الكامل - ) ثمال اليتامى عصمة لألرامل ... وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ( ) فهم عنده يف نعمة وفواضل ... من آل هاشم يطيف به اهلالك(

األبيات

ملا نظر رسول اهللا إىل القتلى يوم بدر مصرعني : وعن الشعيب رضي اهللا عنه عن مسروق عن عبد اهللا قال وذلك : قال " باألنامل لو أن أبا طالب حي لعلم أن أسيافنا قد أخذت: " قال أليب بكر رضي اهللا عنه

: لقول أيب طالب ) لتلتبسن أسيافنا باألنامل ... كذبتم وبيت الله إن جد ما أرى ( ) نهوض الروايا يف طريق حالحل ... وينهض قوم يف الدروع إليهم (

: صاري مجعه وابن أيب حدرد األسلمي الطريق قال ومن احملفوظ يف ذلك حديث حممد بن مسلمة األنأنشدين : " كنا يوما عند النيب فقال حلسان بن ثابت : فقال حممد : قال . فتذاكرنا الشكر واملعروف

قصيدة لألعشى فأنشده " : قصيدة من شعر اجلاهلية فإن الله تعاىل قد وضع عنا آثامها يف شعرها وروايته : -السريع -هجا هبا علقمة بن عالثة

) الناقض األوتار والواتر ... علقم ما أنت إىل عامر (

فقال يا رسول اهللا تنهاين عن رجل " يا حسان ال تعد تنشدين هذه القصيدة بعد جملسك هذا : " فقال النيب وإن قيصر سأل . يا حسان أشكر الناس للناس أشكرهم هللا تعاىل : " فقال النيب ! مشرك مقيم عند قيصر

أبا سفيان بن حرب عني فتناول مني

فشكره رسول اهللا على ذلك " . وإنه سأل هذا عين فأحسن القول - ويف خرب آخر فشعث مين - يا رسول اهللا من نالتك يده وجب علينا شكره : قال وروي من وجه آخر أن حسان

" أبياتك : " كان رسول اهللا كثريا ما يقول : ومن املعروف يف ذلك خرب عائشة رضوان اهللا عليها أهنا قالت : - الكامل - فأقول

) واقب قد نمى يوما فتدركه الع... ارفع ضعيفك ال يحر بك ضعفه ( ) أثنى عليك بما فعلت فقد جزى ... يجزيك أو يثني عليك وإن من (

صنع إليك عبدي معروفا فهل : يقول الله تبارك وتعاىل لعبد من عبيده : " فيقول عليه السالم : قالت لم تشكرين إذ مل : فيقول الله عز وجل : تك عليه قال يا رب علمت أنه منك فشكر: شكرته عليه فيقول

" تشكر من أجريته على يده : وأما علمه عليه السالم بالشعر فكما روي أن سودة أنشدت

" ... ) عدي وتيم تبتغي من حتالف ( " فأخرب النيب . ا عرضت هبما وجرى بينهن كالم يف هذا املعىن فظنت عائشة وحفصة رضي الله عنهما أنه

ليس يف عديكن وال تيمكن قيل ! يا ويلكن : " فدخل عليهن وقال

- بوع ومتام هذا الشعر وهو لقيس بن معدان الكليب من بين ير. وتيم متيم " وإنما قيل يف عدي متيم . هذا : -الطويل

) من األرض إال أنت للذل عارف ... فحالف وال والله تهبط تلعة ( ) عدي وتيم تبتغي من تحالف ... أال من رأى العبدين أو ذكرا له (

-يقول يف بعض أزقة مكة مر رسول اهللا ومعه أبو بكر رضي الله عنه برجل: وروى الزبري بن بكار قال : -الكامل

) هال نزلت بآل عبد الدار ... يا أيها الرجل احملول رحله ( : - الكامل - ال يا رسول اهللا ولكنه قال : قال " يا أبا بكر أهكذا قال الشاعر : " فقال النيب

) هال سألت عن آل عبد مناف ... يا أيها الرجل احملول رحله ( " هكذا كنا نسمعها : " فقال رسول اهللا

: من ذلك حديث النابغة اجلعدي قال . وأما ارتياحه للشعر واستحسانه له فقد جاء فيه اخلرب من وجوه : - الطويل - أنشدت رسول اهللا قويل

) وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا ... جدودنا بلغنا السماء مجدنا و(

: " مث قال " . أجل إن شاء اهللا : " قال . اجلنة يا رسول اهللا : فقلت " أين املظهر يا أبا ليلى : " فقال النيب : - الطويل - فأنشدته من قويل " . أنشدين

) بوادر تحمي صفوه أن يكدرا .. .وال خري يف حلم إذا مل تكن له ( ) حليم إذا ما أورد األمر أصدرا ... وال خير يف جهل إذا مل يكن له (

فنظرت إليه فكأن فاه البرد املنهل ما سقطت له سن : قال الرازي " . أجدت ال يفضض الله فاك " فقال انفلت ترف غروبه وال

روي أن كعبا وأخاه بجيرا خرجا إىل رسول اهللا حىت بلغا أبرق العزاف : ومن ذلك حديث كعب بن زهري وقدم بجري على رسول اهللا فعرض . إلق هذا الرجل وأنا مقيم ها هنا فأنظر ما يقول : فقال كعب لبجري فكتب إليه بجري يأمره أن . فأهدر النيب دمه . وبلغ ذلك كعبا فقال يف ذلك شعرا . عليه اإلسالم فأسلم

ويقول إن من شهد أن ال إله إال اهللا وأن حممدا رسول اهللا قبل منه رسول اهللا : يسلم ويقبل إىل النبي : -البسيط - د النيب قصيدته املعروفة فقدم كعب وأنش: قال . وأسقط ما كان قبل ذلك

) متيم إثرها مل يفد مغلول ... بانت سعاد فقليب اليوم متبول ( ) إال أغن غضيض الطرف مكحول ... وما سعاد غداة البين إذ رحلت ( ) كأنه منهل بالراح معلول ... جتلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ( ) من ماء أبطح أضحى وهو مشمول ... سح السقاة عليها ماء محنية ( ) موعودها أو لو ان النصح مقبول ... ويل امها خلة لو أنها صدقت (

: اهللا حتى أتى على آخرها فلما بلغ مديح رسول ) مهند من سيوف الله مسلول ... إن الرسول لسيف يستضاء به ( ) زولوا : ببطن مكة ملا أسلموا ... يف فتية من قريش قال قائلهم ( ) عند اللقاء وال ميل معازيل ... زالوا فما زال أنكاس وال كشف ( ) وما بهم عن حياض املوت هتليل ... عن إال يف نحورهم ال يقع الط( ) من نسج داود يف اهليجا سرابيل ... شم العرانني أبطال لبوسهم (

وكان رسول اهللا يكون من : قال . أشار رسول اهللا إىل احللق أن اسمعوا

واألخبار فيما . القوم يتحلقون حلقة دون حلقة فيلتفت إىل هؤالء وإىل هؤالء أصحابه مكان املائدة من يشبه هذا كثرية واألثر به مستفيض

وإن زعم أنه ذم الشعر من حيث هو موزون مقفى حىت كأن الوزن عيب وحىت كأن الكالم إذا نظم نظم إنما : " يف نفسه وتغيرت حاله فقد أبعد وقال قوال ال يعرف له معىن وخالف العلماء يف قولهم الشعر اتضع

وقد روي ذلك عن النيب مرفوعا أيضا " الشعر كالم حسنه حسن وقبيحه قبيح هى به فإنا إذا كنا مل ندعه إىل الشعر من أجل فإن زعم أنه إمنا كره الوزن ألنه سبب ألن يغنى يف الشعر ويتل

ذلك وإنما دعوناه إىل اللفظ اجلزل والقول الفصل واملنطق احلسن والكالم البين وإىل حسن التمثيل

ىل الضئيل فتفخمه وإىل واالستعارة وإىل التلويح واإلشارة وإىل صنعة تعمد إىل املعىن اخلسيس فتشرفه وإ النازل فترفعه وإىل اخلامل فتنوه به وإىل العاطل فتحلته وإىل املشكل فتجليه فال متعلق له علينا مبا ذكر وال

ا من هذا ضرر علينا مبا أنكر فليقل يف الوزن ما شاء وليضعه حيث أراد فليس يعنينا أمره وال هو مرادن) . وما علمناه الشعر وما ينبغي له : ( الذي راجعنا القول فيه وهذا هو اجلواب لمتعلق إن تعلق بقوله تعاىل

ن أجل أن كان وأراد أن جيعله حجة يف املنع من الشعر ومن حفظه وروايته وذاك أنا نعلم أنه مل مينع الشعر م قوال فضال وكالما جزال ومنطقا حسنا وبيانا بينا

كيف وذلك يقتضي أن يكون الله تعاىل قد منعه البيان والبالغة وحماه الفصاحة والبراعة وجعله ال يبلغ وخالف لما عرفه العلماء وأمجعوا عليه من مبلغ الشعراء يف حسن العبارة وشرف اللفظ وهذا جهل عظيم

وإذا بطل أن يكون . أنه كان أفصح العرب

املنع من أجل هذه املعاين وكنا قد أعلمناه أنا ندعو إىل الشعر من أجلها ونحذو بطلبه على طلبها كان احنالال االعتراض باآلية محاال والتعلق هبا خطال من الرأي و

فقد كره للنيب الشعر ونزهه عنه بال شبهة ) وما علمناه الشعر وما ينبغي له : ( إذا قال اهللا تعاىل : فإن قال وهذه الكراهة وإن كانت ال تتوجه إليه من حيث هو كالم ومن حيث إنه بليغ بين وفصيح حسن وحنو .

فإنها تتوجه إىل أمر ال بد لك من التلبس به يف طلب ما ذكرت أنه مرادك من الشعر وذاك أنه ال ذلك حىت إذا رويته التبست به من حيث هو كالم ومل تلتبس . سبيل لك إىل أن متيز كونه كالما عن كونه شعرا

ا كان ال بد لك من مالبسة موضع الكراهة فقد لزم العيب برواية وهذا حمال وإذ. به من حيث هو شعر هذا منك كالم ال يتحصل وذلك أنه لو كان الكالم إذا وزن حط ذلك : الشعر وإعمال اللسان فيه قيل له

حق العيب فيه أن من قدره وأزرى به وجلب على املفرغ له يف ذلك القالب إثما وكسبه ذما لكان من يكون على واضع الشعر أو من يريده ملكان الوزن خصوصا دون من يريده ألمر خارج عنه ويطلبه لشيء

سواه إنك ال تستطيع أن تطلب من الشعر ما ال يكره حىت تلتبس مبا يكره فإني إذا مل أقصده من : فأما قولك

أو أحتج يف تفسري . وه ومل أرده له وأردته ألعرف به مكان بالغة وأجعله مثاال يف براعة أجل ذلك املكركتاب وسنة وأنظر إىل نظمه ونظم القرآن فأرى موضع اإلعجاز وأقف على اجلهة اليت منها كان وأتبين

علي وأن ال أؤاخذ به إذ ال تكون مؤاخذة حىت يكون عمد الفصل والفرقان فحق هذا التلبس أن ال يعتد إىل أن تواقع املكروه وقصد إليه

وقد تتبع العلماء الشعوذة والسحر وعنوا بالتوقف على حيل املموهني ليعرفوا فرق ما بني املعجزة واحليلة ذ كان الغرض كرميا والقصد شريفا فكان ذلك منهم من أعظم البر إ

هذا وإذا حنن رجعنا إىل ما قدمناه من األخبار وما صح من اآلثار وجدنا األمر

على خالف ما ظن هذا السائل ورأينا السبيل يف منع النبي الوزن وأن ينطلق لسانه بالكالم املوزون غري ما ذاك لو كان منع تنزيه وكراهة لكان ينبغي أن يكره له سماع الكالم موزونا وأن ينزه سمعه و. ذهبوا إليه

وكان الشاعر ال يعان على وزن الكالم وصياغته . عنه كما نزه لسانه ولكان ال يأمر به وال يحث عليه شعرا وال يؤيد فيه بروح القدس

ن هذا كذلك فينبغي أن يعلم أن ليس املنع يف ذلك منع تنزيه وكراهة بل سبيل الوزن يف منعه عليه وإذا كاالسالم إياه سبيل اخلط حني جعل عليه السالم ال يقرأ وال يكتب يف أن مل يكن املنع من أجل كراهة كانت

داللة أقوى وأظهر ولتكون أكعم للجاحد وأقمع للمعاند وأرد يف اخلط بل ألن تكون احلجة أهبر وأقهر وال لطالب الشبهة وأمنع يف ارتفاع الريبة

وأما التعلق بأحوال الشعراء بأنهم قد ذموا يف كتاب اهللا تعاىل فما أرى عاقال يرضى به أن جيعله حجة يف ذم ن حفظه وروايته والعلم مبا فيه من بالغة وما خيتص به من أدب وحكمة ذاك ألنه الشعر وتهجينه واملنع م

يلزم على قود هذا القول أن يعيب العلماء يف استشهادهم بشعر امرىء القيس وأشعار أهل اجلاهلية يف تقدم ذكره من أمر النيب بالشعر وكذلك يلزمه أن يدفع ما . تفسري القرآن ويف غريبة وغريب احلديث

هذا ولو كان يسوغ ذم القول من أجل قائله وأن يحمل ذنب الشاعر على . وإصغائه إليه واستحسانه له وعملوا إال الذين آمنوا: ( الشعر لكان ينبغي أن يخص وال يعم وأن يستثىن فقد قال الله عز وجل

ولوال أن القول جير بعضه بعضا وأن الشيء يذكر لدخوله يف القسمة لكان ) الصالحات وذكروا اهللا كثيرا حق هذا وحنوه أن ال يشاغل به وأن ال يعاد ويبدأ يف ذكره

اوهنم به فصنيعهم يف ذلك أشنع من صنيعهم يف وأما زهدهم يف النحو واحتقارهم له وإصغارهم أمره وهتالذي تقدم وأشبه بأن يكون صدا عن كتاب اهللا وعن معرفة معاينه ذاك ألنهم ال جيدون بدا من أن يعترفوا

ذي يفتحها وأن باحلاجة إليه فيه إذ كان قد علم أن األلفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون اإلعراب هو الاألغراض كامنة فيها حىت يكون هو املستخرج هلا وأنه املعيار الذي ال يتبين نقصان كالم ورجحانه حىت

وال ينكر ذلك إال من نكر حسه . واملقياس الذي ال يعرف صحيح من سقيم حتى يرجع إليه . يعرض عليه ئق نفسه وإذا كان األمر كذلك فليت شعري ما عذر من هتاون به وزهد فيه ومل ير وإال من غالط يف احلقا

أن يستسقيه من مصبه ويأخذه من معدنه ورضي لنفسه بالنقص والكمال هلا معرض وآثر الغبينة وهو جيد إىل الربح سبيال

علم ومل ننكر مكان احلاجة إليه يف معرفة كتاب اهللا تعاىل وإنما أنكرنا إنا مل نأب صحة هذا ال: فإن قالوا مث مل تحصلوا على شيء . أشياء كثرتموه هبا وفضول قول تكلفتموها ومسائل عويصة جتشمتم الفكر فيها

خبرونا عما زعمتم أنه فضول قول : هلم أكثر من أن تغربوا على السامعني وتعايوا هبا احلاضرين قيل وعويص ال يعود بطائل ما هو فإن بدأوا فذكروا مسائل التصريف اليت يضعها النحويون للرياضة ولضرب

ما وزن كذا وتتبعهم يف ذلك : كيف تبين من كذا كذا وكقوهلم : من تمكني املقاييس يف النفوس كقوهلم ما وزن عزويت وما وزن أرونان وكقوهلم يف باب : لفاظ الوحشية كقوهلم األ

لو مسيت رجال بكذا كيف يكون احلكم وأشباه ذلك : ما ال ينصرف أما هذا اجلنس فلسنا نعيبكم: أتشكون أن ذلك ال يجدي إال كد الفكر وإضاعة الوقت قلنا هلم : وقالوا

فإن تركوا ذلك . فقولوا فيه ما شئتم وضعوه حيث أردتم . إن مل تنظروا فيه ومل تعنوا به وليس يهمنا أمره وتجاوزوه إىل الكالم على أغراض واضع اللغة وعلى وجه احلكمة يف األوضاع وتقرير املقاييس اليت

أن تجري على ما أجريت عليه كالقول يف املعتل وفيما يلحق اطردت عليها وذكر العلل اليت اقتضت أو ككالمنا مثال على التثنية . الثالثة اليت هي الواو والياء واأللف من التغير باإلبدال واحلذف واإلسكان

فيهما اجلر ويف النون أنه لم كان إعرابهما على خالف إعراب الواحد ولم تبع النصب : ومجع السالمة عوض عن احلركة والتنوين يف حال وعن احلركة وحدها يف حال والكالم على ما ينصرف وما ال ينصرف

وأنه إذا . والقول على األسباب التسعة وأهنا كلها ثوان ألصول . ومل كان منع الصرف وبيان العلة فيه وإذا صار كذلك أشبه الفعل ألن . م أو تكرر سبب صار بذلك ثانيا من جهتني حصل منها اثنان يف العل

الفعل ثان لألسم واألسم املقدم واألول وكل ما جرى هذا املجرى ار إنا نسكت عنكم يف هذا الضرب أيضا ونعذركم فيه ونساحمكم على علم منا بأن قد أسأتم االختي: قلنا

فدعوا ذلك . ومنعتم أنفسكم ما فيه احلظ لكم ومنعتموها االطالع على مدارج احلكمة وعلى العلوم اجلمة وانظروا يف الذي اعترفتم بصحته وباحلاجة إليه

اما يؤمنكم هل حصلتموه على وجهه وهل أحطتم حبقائقه وهل وفيتم كل باب منه حقه وأحكمتموه إحكاخلطأ فيه إذا أنتم خضتم يف التفسري وتعاطيتم علم التأويل ووازنتم بني بعض األقوال وبعض وأردتم أن

وعدمت يف ذلك وبدأتم وزدتم ونقصتم وهل رأيتم إذ قد عرفتم صورة املبتدأ . تعرفوا الصحيح من السقيم ع أن تجاوزوا ذلك إىل أن تنظروا يف أقسام خربه فتعلموا أنه يكون مفردا وجملة واخلرب وأن إعرابهما الرف

وأن اجلملة على أربعة أضرب وأنه ال . وأن املفرد ينقسم إىل ما حيتمل ضمريا له وإىل ما ال حيتمل الضمري . يعود إىل املبتدأ وأن هذا الذكر رمبا حذف لفظا بد لكل مجلة وقعت خربا لمبتدأ من أن يكون فيها ذكر

وأن ذلك ال يكون حتى يكون يف احلال دليل عليه إىل سائر ما يتصل بباب اإلبتداء من . وأريد معىن ع املوصوف وأن املسائل اللطيفة والفوائد اجلليلة اليت ال بد منها وإذا نظرمت يف الصفة مثال فعرفتم أهنا تتب

جاءين رجل ظريف ومررت بزيد الظريف هل ظننتم أن وراء ذلك علما وأن هاهنا صفة : مثاهلا قولك تخصص وصفة توضح وتبني وأن فائدة التخصيص غري فائدة التوضيح كما أن فائدة الشياع غري فائدة

أمس : كون فيها ختصيص وال توضيح ولكن يؤتى هبا مؤكدة كقوهلم وأن من الصفة صفة ال ي. اإلهبام وصفة يراد هبا املدح والثناء كالصفات اجلارية ) فإذا نفخ يف الصور نفخة واحدة : ( وكقوله تعاىل . الدابر

كل واحد منها وبني احلال وهل عرفتم على اسم اهللا تعاىل جدة وهل عرفتم الفرق بني الصفة واخلرب وبني أن هذه الثالثة تتفق يف أن كافتها لثبوت املعىن للشيء مث ختتلف يف كيفية ذلك الثبوت

ليس إال أحد : مث يقال . وهكذا ينبغي أن تعرض عليهم األبواب كلها واحدا واحدا ويسألوا عنها بابا بابا ا أن تقتحموا اليت ال يرضاها العاقل فتنكروا أن يكون بكم أمرين إم

حاجة يف كتاب اهللا تعاىل ويف خرب رسول اهللا ويف معرفة الكالم مجلة إىل شيء من ذلك وتزعموا أنكم إذا : " نظرتم إىل قولنا عرفتم مثال أن الفاعل رفع مل يبق عليكم يف باب الفاعل شيء حتتاجون إىل معرفته وإذا

وحتى تزعموا مثال أنكم ال تحتاجون . مل حتتاجوا من بعده إىل شيء تعلمونه يف االبتداء واخلرب " زيد منطلق يف سورة املائدة إىل ما قاله العلماء فيه وإىل استشهادهم بقول ) الصابئون ( يف أن تعرفوا وجه الرفع يف

: -الوافر - الشاعر ) بغاة ما بقينا في شقاق ... وإال فاعلموا أنا وأنتم (

وحىت كأنكم قد أوتيتم أن تستنبطوا من املسألة . وحىت كأن املشكل على اجلميع غير مشكل عندكم ال يبقى معه كالم وإما أن تعلموا أنكم قد الواحدة من كل باب مسائله كلها فتخرجوا إىل فن من التجاهل

أخطأتم حني أصغرتم أمر هذا العلم وظننتم ما ظننتم فيه فترجعوا إىل احلق وتسلموا الفضل ألهله وتدعوا وباهللا التوفيق . الذي يزري بكم ويفتح باب العيب عليكم ويطيل لسان القادح فيكم

ولو أن هؤالء القوم إذ تركوا هذا الشأن تركوه مجلة وإذ زعموا أن قدر املفتقر إليه القليل منه ومل -هذا يخوضوا يف التفسري ومل يتعاطوا التأويل لكان البالء واحدا ولكانوا إذ مل يبنوا مل يهدموا وإذ مل يصلحوا مل

فجلبوا من الداء ما أعيى الطبيب وحير اللبيب وانتهى التخليط مبا . نهم مل يفعلوا يكونوا سببا للفساد ولكوما اآلفة . أتوه فيه إىل حد يئس من تالفيه فلم يبق للعارف الذي يكره الشغب إال التعجب والسكوت

نسان أن جيري لفظه وميشي له أن يكثر يف غري تحصيل العظمى إال واحدة وهي أن جييء من اإل

ونسأل اهللا اهلداية ونرغب إليه يف . وأن يقول الشيء مل يقتله علما . وأن يحسن البناء على غري أساس العصمة

ويل األشياء عن حاالهتا ونقل مث إنا وإن كنا يف زمان هو على ما هو عليه من إحالة األمور عن جهاهتا وحتالنفوس عن طباعها وقلب اخلالئق احملمودة إىل أضدادها ودهر ليس للفضل وأهله لديه إال الشر صرفا

والغيظ بحتا وإال ما يدهش عقولهم ويسلبهم معقولهم حىت صار أعجر الناس رأيا عند اجلميع من كانت له يف أن يستفيد علما أو يزداد فهما أو يكتسب فضال أو جيعل له ذلك حبال شغال فإن اإللف من طباع همة

الكرمي وإذا كان من حق الصديق عليك وال سيما إذا تقادمت صحبته وصحت صداقته أن ال جتفوه بأن فالعلم الذي هو . وتحرجك محن الزمان فتتناساه جملة وتطويه طيا تنكبك األيام وتضجرك النوائب

صديق ال حيول عن العهد وال يدغل يف الود وصاحب ال يصح عليه النكث والغدر وال يظن به اخليانة واملكر أوىل منه بذلك وأجدر وحقه عليك أكرب

أن تقر األمور قرارها وتوضع األشياء مواضعها والنزاع إىل بيان ما يشكل وحل ما ينعقد مث إن التوق إىلواستبانة . والكشف عما يخفى وتلخيص الصفة حىت يزداد السامع ثقة باحلجة واستظهارا على الشبهة

قل ويف طباع النفس إذا كانت نفسا للدليل وتبيينا للسبيل شيء يف سوس العومل أزل منذ خدمت العلم أنظر فيما قاله العلماء يف معىن الفصاحة والبالغة والبيان والبراعة ويف بيان املغزى

بعضه كالتنبيه و. من هذه العبارات وتفسري املراد هبا فأجد بعض ذلك كالرمز واإلمياء واإلشارة يف خفاء على مكان اخليبء ليطلب وموضع

وكما يفتح لك الطريق إىل املطلوب لتسلكه وتوضع لك القاعدة لتبين عليها . الدفني ليبحث عنه فيخرج حتبريا وأن سبيل ووجدت املعول على أن ها هنا نظما وترتيبا وتأليفا وتركيبا وصياغة وتصويرا ونسجا و

وأنه كما يفضل هناك . هذه املعاين يف الكالم الذي هي جماز فيه سبيلها يف األشياء اليت هي حقيقة فيها مث يعظم الفضل وتكثر املزية حىت يفوق . النظم النظم والتأليف التأليف والنسخ النسج والصياغة الصياغة

كذلك يفضل بعض . وحىت تتفاوت القيم التفاوت الشديد . ه واملجانس له درجات كثرية الشيء نظريالكالم بعضا ويتقدم منه الشيء الشيء مث يزداد فضله ذلك ويترقى منزلة فوق منزلة ويعلو مرقبا بعد مرقب

ث تنقطع األطماع وتحسر الظنون وتسقط القوى وتستوي وتستأنف له غاية بعد غاية حىت ينتهي إىل حي. األقدام يف العجز

حىت إذا نظرنا فيها وعدنا وبدأنا . أهنا تكفي وتغين - وبادىء الظن -وهذه مجلة قد يرى يف أول األمر وعلمنا أنهم لئن أقصروا اللفظ . توهمناه وجدنا األمر على خالف ما حسبناه وصادفنا احلال على غري ما

ما زدتم على : لقد أطالوا املعىن وإن مل يغرقوا يف النزع لقد أبعدوا على ذاك يف املرمى وذاك ألنه يقال لنا ي أن تظهر املزية يف مث بنيتم عليه أنه ينبغ. نظم ونظم وترتيب وترتيب ونسج ونسج : أن قستم قياسا فقلتم

وأن يعظم األمر يف ذلك كما عظم ثم وهذا صحيح كما قلتم . هذه املعاين هاهنا حسب ظهورها هناك ولكن بقي أن تعلمونا مكان املزية يف الكالم وتصفوها لنا وتذكروها ذكرا كما ينص الشيء ويعين

إنه خصوصية يف كيفية النظم وطريقة خمصوصة يف نسق : وال يكفي أن تقولوا . بين ويكشف عن وجهه ويمثل كيت : الكلم بعضها على بعض حىت تصفوا تلك اخلصوصية وتبينوها وتذكروا هلا أمثلة وتقولوا

علم به وجه دقة الصنعة أو يعلمه بني يديك كما يذكر لك من تستوصفه عمل الديباج املنقش ما ت. وكيت حىت ترى عيانا كيف

تذهب تلك اخليوط وجتيء وماذا يذهب منها طوال وماذا يذهب منها عرضا وبم يبدأ ومب يثني وبم يثلث ولو كان . ذق وموضع األستاذية وتبصر من احلساب الدقيق ومن عجيب تصرف اليد ما تعلم منه مكان احل

إهنا خصوصية يف نظم الكلم وضم بعضها إىل بعض على طريق : قول القائل لك يف تفسري الفصاحة خمصوصة أو على وجوه تظهر هبا الفائدة أو ما أشبه ذلك من القول املجمل كافيا يف معرفتها ومغنيا يف العلم

فكان يكفي يف معرفة نسج الديباج الكثري التصاوير أن تعلم أنه . ه يف معرفة الصناعات كلها هبا لكفى مثلترتيب للغزل على وجه خمصوص وضم لطاقات األبريسم بعضها إىل بعض على طرق شتى وذلك ما ال

يقوله عاقل ناعات علما تمر فيه وتحلي حىت تكون ممن يعرف اخلطأ فيها من ومجلة األمر أنك لن تعلم يف شيء من الص

الصواب ويفصل بني اإلساءة واإلحسان بل حتى تفاضل بني اإلحسان واإلحسان وتعرف طبقات املحسنني ها وصفا مجمال وإذا كان هذا هكذا علمت أنه ال يكفي يف علم الفصاحة أن تنصب هلا قياسا وأن تصف

بل ال تكون من معرفتها يف شيء حىت تفصل القول وتحصل وتضع اليد على . وتقول فيها قوال مرسال وتكون معرفتك معرفة . اخلصائص اليت تعرض يف نظم الكلم وتعدها واحدة واحدة وتسميها شيئا شيئا

م علم كل خيط من األبريسم الذي يف الديباج وكل قطعة من القطع املنجورة يف الصنع احلاذق الذي يعل الباب املقطع وكل آجرة من اآلجر الذي يف البناء البديع

وإذا نظرت إىل الفصاحة هذا النظر وطلبتها هذا الطلب احتجت إىل صرب على

دبر وإىل مهة تأىب لك أن تقنع إال بالتمام وأن تربع إال بعد بلوغ الغاية التأمل ومواظبة على التومىت جشمت ذلك وأبيت إال أن تكون هنالك فقد أممت إىل غرض كرمي وتعرضت ألمر جسيم وآثرت

تعرف حجة اهللا تعاىل من وذلك أن. اليت هي أمت لدينك وفضلك وأنبل عند ذوي العقول الراجحة لك الوجه الذي هو أضوأ هلا وأنوه هلا وأخلق بأن يزداد نورها سطوعا وكوكبها طلوعا وأن تسلك إليها الطريق

الذي هو آمن لك من الشك وأبعد من الريب وأصح لليقني وأحرى بأن يبلغك قاصية التبيني يل إىل أن تعرف صحة هذه اجلملة حىت يبلغ القول غايته وينتهي إىل آخر ما أردت مجعه لك واعلم أنه ال سب

وتصويره يف نفسك وتقريره عندك إال أن هاهنا نكتة إن أنت تأملتها تأمل املتثبت ونظرت فيها نظر املتأني : وهي أنا إذا سقنا دليل اإلعجاز فقلنا . صغاء إىل ما أورده عليك رجوت أن يحسن ظنك وأن تنشط لإل

لوال أنهم حني سمعوا القرآن وحني تحدوا إىل معارضته مسعوا كالما مل يسمعوا قط مثله وأهنم قد رازوا ا منه لكان محاال أن يدعوا معارضته أنفسهم فأحسوا بالعجز عن أن يأتوا مبا يوازيه أو يدانيه أو يقع قريب

قد : وقد تحدوا إليه وقرعوا فيه وطولبوا به وأن يتعرضوا لشبا األسنة ويقتحموا موارد املوت فقيل لنا أم عن سمعنا ما قلتم فخبرونا عنهم عما ذا عجزوا أعن معان يف دقة معانيه وحسنها وصحتها يف العقول

أعجزتهم مزايا : ألفاظ مثل ألفاظه فإن قلتم عن األلفاظ فماذا أعجزهم من اللفظ أم ما هبرهم منه فقلنا ظهرت هلم يف نظمه وخصائص صادفوها يف سياق لفظه وبدائع راعتهم من مبادىء آيه ومقاطعها وجماري

كل خرب وصورة كل عظة وتنبيه وإعالم وتذكري وترغيب ألفاظها ومواقعها ويف مضرب كل مثل ومساق وبهرهم أنهم تأملوه سورة سورة . وترهيب ومع كل حجة وبرهان وصفة وتبيان

وعشرا عشرا وآية آية فلم جيدوا يف اجلميع كلمة ينبو هبا مكانها ولفظة ينكر شأنها أو يرى أن غيرها بل وجدوا اتساقا بهر العقول وأعجز اجلمهور ونظاما والتئاما . أصلح هناك أو أشبه أو أحرى وأخلق

موضع طمع حىت خرست -ولو حك بيافوخه السماء - وإتقانا وإحكاما مل يدع يف نفس بليغ منهم ك أن تصول األلسن عن أن تدعي وتقول وخلدت القروم فلم متل

أي أشبه بالفىت يف عقله ودينه وأزيد له يف : نعم فإذا كان هو الذي يذكر يف جواب السائل فبنا أن ننظر علمه ويقينه أأن يقلد يف ذلك وحيفظ منت الدليل وظاهر لفظه وال يبحث عن تفسري املزايا واخلصائص ما

كثرة العظيمة واتسعت االتساع اجملاوز لوسع اخللق وطاقة البشر وكيف يكون أن هي ومن أين كثرت التظهر يف ألفاظ حمصورة وكلم معدودة معلومة بأن يؤتى ببعضها يف إثر بعض لطائف ال حيصرها العدد وال

ويتتبعه شيئا فشيئا ويستقصيه بابا فبابا ينتهي هبا األمد أم أن يبحث عن ذلك كله ويستقصي النظر يف مجيعه حىت يعرف كال منه بشاهده ودليله ويعلمه بتفسريه وتأويله ويوثق بتصوره ومتثيله وال يكون كمن قيل فيه

: -الطويل -

) ا هاتوا حققوا مل حيققو: ولو قيل ... يقولون أقواال وال يعلموهنا ( قد قطعت عذر املتهاون ودللت على ما أضاع من حظه وهديته لرشده وصح أن ال غىن بالعاقل عن معرفة هذه األمور والوقوف عليها واإلحاطة هبا وأن اجلهة اليت منها يقف والسبب الذي به يعرف استقراء كالم

وإذ قد ثبت ذلك فينبغي لنا أن نبتدىء يف بيان ما أردنا بيانه ونأخذ يف .العرب وتتبع أشعارهم والنظر فيها شرحه والكشف عنه

ومجلة ما أردت أن أبينه لك أنه ال بد لكل كالم تستحسنه ولفظ تستجيده من أن يكون الستحسانك ذلك ن ذاك سبيل وعلى صحة ما ادعيناه من ذلك دليل وأن يكون لنا إىل العبارة ع. جهة معلومة وعلة معقولة

ورأيت له أثرا يف الدين . وهو باب من العلم إذا أنت فتحته اطلعت منه على فوائد جليلة ومعان شريفة من عظيما وفائدة جسيمة ووجدته سببا إىل حسم كثري من الفساد فيما يعود إىل التنزيل وإصالح أنواع

وإنه ليؤمنك من أن تغالط يف دعواك وتدافع عن مغزاك ويربأ بك عن أن . اخللل فيما يتعلق بالتأويل وأن تكون عاملا يف ظاهر مقلد . تستبني هدى مث ال هتتدي إليه وتدل بعرفان مث ال تستطيع أن تدل عليه

وأن يسألك ا لسائل عن حجة يلقى هبا اخلصم يف آية من كتاب اهللا تعاىل أو غري ومستبينا يف صورة شاك قد نظرت : ذلك فال ينصرف عنك مبقنع وأن يكون غاية ما لصاحبك منك أن تحيله على نفسه وتقول

لتجد فانظر لتعرف كما عرفت وارجع نفسك واسرب وذق. فرأيت فضال ومزية وصادفت لذلك أريحية فإن عرف فذاك وإال فبينكما التناكر تنسبه إىل سوء التأمل وينسبك إىل فساد يف . مثل الذي وجدت

وإنه على اجلملة حبيث ينتقي لك من علم اإلعراب خالصه ولبه ويأخذ لك من أناسي العيون . التخيل وليس يتأتى يل . فيه دافع وال ينكر رجحانه يف موازين العقول منكر وحبات القلوب وما ال يدفع الفضل

أن أعلمك من أول األمر يف ذلك آخره وأن أمسي لك الفصول اليت يف نييت أن أحررها مبشيئة اهللا عز وجل ال جييء بعضها يف إثر بعض وهذا فاعمل على أن هاهنا فصوال . حىت تكون على علم هبا قبل موردها عليك

: أوهلا

فصل يف حتقيق القول على البالغة والفصاحة والبيان والرباعة

يف حتقيق القول على البالغة والفصاحة والبيان والرباعة وكل ما شاكل ذلك مما يعبر به عن فضل بعض السامعني عن األغراض واملقاصد وراموا أن يعلموهم القائلني على بعض من حيث نطقوا وتكلموا وأخربوا

ما يف نفوسهم ويكشفوا هلم عن ضمائر قلوهبم

ومن

املعلوم أن ال معىن هلذه العبارات وسائر ما جيري مجراها مما يفرد فيه اللفظ بالنعت والصفة وينسب فيه الكالم حبسن الداللة ومتامها فيما له كانت داللة مث تربجها يف الفضل واملزية إليه دون املعىن غري وصف

صورة هي أهبى وأزين وآنق وأعجب وأحق بأن تستويل على هوى النفس وتنال احلظ األوفر من ميل

غري أن يؤتى وال جهة الستعمال هذه اخلصال . القلوب وأوىل بأن تطلق لسان احلامد وتطيل رغم احلاسد املعىن من اجلهة اليت هي أصح لتأديته وخيتار له اللفظ الذي هو أخص به وأكشف عنه وأمت له وأحرى بأن

يكسبه نبال ويظهر فيه مزية رة اليت هبا وإذا كان هذا كذلك فينبغي أن ينظر إىل الكلمة قبل دخوهلا يف التأليف وقبل أن تصري إىل الصو

يكون الكلم إخبارا وأمرا وهنيا واستخبارا وتعجبا وتؤدي يف اجلملة معنى من املعاين اليت ال سبيل إىل إفادهتا هل يتصور أن يكون بني اللفظتني تفاضل يف الداللة حىت -إال بضم كلمة إىل كلمة وبناء لفظة على لفظة

ناها الذي وضعت من صاحبتها على ما هي موسومة به حىت يقال إن رجال أدل تكون هذه أدل على معوحىت يتصور يف االمسني املوضوعني لشيء واحد أن يكون هذا . على معناه من فرس على ما سمي به

املعلوم من " السبع "مثال أدل على " الليث " أحسن نبأ عنه وأبني كشفا عن صورته من اآلخر فيكون أدل على " رجل " األسد وحىت إنا لو أردنا املوازنة بني لغتني كالعربية والفارسية ساغ لنا أن جنعل لفظة

اآلدمي الذكر من نظريه يف الفارسية ينظر إىل وهل يقع يف وهم وإن جهد أن تتفاضل الكلمتان املفردتان من غري أن

مكان تقعان فيه من التأليف والنظم بأكثر من أن تكون هذه مألوفة مستعملة وتلك غريبة وحشية أو أن تكون حروف هذه أخف وامتزاجها أحسن ومما يكد اللسان أبعد

لنظم وحسن مالئمة معناها ملعىن هذه اللفظة فصيحة إال وهو يعترب مكانها من ا: وهل جتد أحدا يقول قلقة ونابية ومستكرهة : لفظة متمكنة ومقبولة ويف خالفه : جاراتها وفضل مؤانستها ألخواهتا وهل قالوا

إال وغرضهم أن يعربوا بالتمكن عن حسن االتفاق بني هذه وتلك من جهة معناهما وبالقلق والنبو عن سوء وأن األوىل مل تلق بالثانية يف معناها وأن السابقة مل تصلح أن تكون لفقا للتالية يف مؤداها . التالؤم

وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض املاء وقضي األمر : ( وهل تشك إذا فكرت يف قوله تعاىل ! فتجلى لك منها اإلعجاز وبهرك الذي ترى وتسمع ) . ي وقيل بعدا للقوم الظالمني واستوت على اجلود

أنك مل تجد ما وجدت من املزية الظاهرة والفضيلة القاهرة إال ألمر يرجع إىل ارتباط هذه الكلم بعضها ث القت األوىل بالثانية والثالثة بالرابعة وهكذا إىل أن ببعض وأن مل يعرض هلا احلسن والشرف إال من حي

تستقربها إىل آخرها وأن الفضل تناتج ما بينها وحصل من جمموعها هل ترى لفظة منها حبيث لو أخذت من بني أخواهتا وأفردت ألدت من الفصاحة ما ! إن شككت فتأمل

واعتبرها وحدها من غري أن تنظر إىل ما قبلها وإىل ما بعدها " ابلعي : " ة قل تؤديه وهي يف مكاهنا من اآليوكيف بالشك يف ذلك ومعلوم أن مبدأ العظمة يف أن نوديت األرض مث . وكذلك فاعترب سائر ما يليها

مث إضافة املاء إىل الكاف دون أن . رض يا أيتها األ: حنو " أي " دون " يا " أمرت مث يف أن كان النداء ب . ابلعي املاء مث أن أتبع نداء األرض وأمرها مبا هو من شأهنا ونداء السماء وأمرها كذلك مبا خيصها : يقال

. وقدرة قادر الدالة على أنه مل يغض إال بأمر آمر" فعل " فجاء الفعل على صيغة . وغيض املاء : مث أن قيل استوت على ( مث ذكر ما هو فائدة هذه األمور وهو ) . قضي األمر : ( مث تأكيد ذلك وتقريره بقوله تعاىل

" مث مقابلة . مث إضمار السفينة قبل الذكر كما هو شرط الفخامة والداللة على عظم الشأن ) . اجلودي أفترى لشيء . يف الفاحتة " قيل "يف اخلامتة ب " قيل

من هذه اخلصائص اليت متلؤك باإلعجاز روعة وحتضرك عند تصورها هيبة حتيط بالنفس من أقطارها تعلقا باللفظ من حيث هو صوت مسموع وحروف تتواىل يف النطق أم كل ذلك ملا بني معاين األلفاظ من

االتساق العجيب قد اتضح إذا اتضاحا ال يدع للشك جماال أن األلفاظ ال تتفاضل من حيث هي ألفاظ جمردة وال من حيث ف

وأن األلفاظ تثبت هلا الفضيلة وخالفها يف مالءمة معىن اللفظة ملعىن اليت تليها أو ما أشبه . هي كلم مفردة ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك يف موضع مث تراها . ذلك مما ال تعلق له بصريح اللفظ

: -الطويل - من -بعينها تثقل عليك وتوحشك يف موضع آخر كلفظ األخدع يف بيت احلماسة ) وجعت من اإلصغاء ليتا وأخدعا ... تلفت نحو احلي حتى وجدتني ( : -الطويل -يت البحتري وب ) وأعتقت من رق املطامع أخدعي ... وإني وإن بلغتني شرف الغىن (

: -من املنسرح - مث إنك تتأملها يف بيت أيب متام . فإن هلا يف هذين املكانني ما ال خيفى من احلسن ) أضججت هذا األنام من خرقك ... ك فقد يا دهر قوم من أخدعي(

فتجد هلا من الثقل على النفس ومن التنغيص والتكدير أضعاف ما وجدت هناك من الروح واخلفة واإليناس فإنك تراها مقبولة " الشيء " ومن أعجب ذلك لفظة . والبهجة

وإن أردت أن تعرف ذلك فانظر إىل قول عمر بن أيب ربيعة . ة يف موضع حسنة يف موضع وضعيفة مستكره : املخزومي

) إذا راح خيو اجلمرة البيض كالدمى ... ومن ماىلء عينيه من شيء غريه ( : -الطويل - وإىل قول أيب حية

) شيء ال يمل التقاضيا تقاضاه... إذا ما تقاضي املرء يوم وليلة ( : -الطويل - مث انظر إليها يف بيت املتنيب . فإنك تعرف حسنها ومكانها من القبول

) لعوقه شيء عن الدوران ... لو الفلك الدوار أبغضت سعيه ( ها فيما تقدم فإنك تراها تقل وتضؤل حبسب نبلها وحسن

مث ترى هذا قد فرع السماك . وهذا باب واسع فإنك جتد مىت شئت الرجلني قد استعمال كلما بأعيانها فلو كانت الكلمة إذا حسنت حسنت من حيث هي لفظ وإذا استحقت . وترى ذاك قد لصق باحلضيض

ذاتها وعلى انفرادها دون أن يكون السبب يف ذلك حال هلا مع أخواهتا املزية والشرف واستحقت ذلك يفومل تر قوال يضطرب . اجملاورة هلا يف النظم ملا اختلف هبا احلال ولكانت إما أن حتسن أبدا أو ال حتسن أبدا

بل إن أردت احلق فإنه من جنس . ول على قائله حتى ال يدري كيف يعبر وكيف يرؤد ويصدر كهذا الق فإذا فتش نفسه وجدها تعلم بطالنه . الشيء يجري به الرجل لسانه ويطلقه

ذاك ألنه مما ال يقوم باحلقيقة يف اعتقاد وال يكون له صورة يف فؤاد . وتنطوي على خالفه

فصل

حروف : الفرق بني قولنا : مة والكلم ومما جيب إحكامه بعقب هذا الفصل يف الفروق بني احلروف املنظو منظومة وكلم منظومة

وذلك أن نظم احلروف هو تواليها يف النطق فقط وليس نظمها مبقتضى عن معىن وال الناظم هلا مبقتف يف مكان " ربض " هلا ما حتراه فلو أن واضع اللغة كان قد قال ذلك رمسا من العقل اقتضى أن يتحرى يف نظمه

وأما نظم الكلم فليس األمر فيه كذلك ألنك تقتضي يف نظمها . ضرب ملا كان يف ذلك ما يؤدي إىل فساد حال املنظوم بعضه مع بعض فهو إذا نظم يعترب فيه. آثار املعاين وترتبها على حسب ترتيب املعاين يف النفس

وكذلك كان عندهم نظريا للنسج . وليس هو النظم الذي معناه ضم الشيء إىل الشيء كيف جاء واتفق والتأليف والصياغة والبناء والوشي والتحبري وما أشبه ذلك مما يوجب اعتبار األجزاء بعضها مع بعض حىت

وضع كل حيث وضع علة تقتضي كونه هناك وحىت لو وضع يف مكان غريه مل يصح يكون لوالفائدة يف معرفة هذا الفرق أنك إذا عرفته عرفت أن ليس الغرض بنظم الكلم أن توالت ألفاظها يف النطق

وكيف يتصور أن يقصد به إىل . قتضاه العقل بل أن تناسقت داللتها وتالقت معانيها على الوجه الذي اتوايل األلفاظ يف النطق بعد أن ثبت أنه نظم يعترب فيه حال املنظوم بعضه مع بعض وأنه نظري الصياغة

حال للفظة مع والتحبري والتفويف والنقش وكل ما يقصد به التصوير وبعد أن كنا ال نشك يف أن الوأي مساغ للشك يف أن األلفاظ ال تستحق من حيث هي . صاحبتها تعترب إذا أنت عزلت داللتهما جانبا

ولو فرضنا أن تنخلع من هذه األلفاظ اليت هي لغات داللتها لما كان . ألفاظ أن تنظم على وجه دون وجه " ولو حفظت صبيا شطر كتاب . وال يتصور أن جيب فيها ترتيب ونظم . قدمي من شيء شيء منها أحق بالت

من غري أن تفسر له شيئا منه وأخذته بأن " اجلمهرة " أو " العني

أن من -ل وال خيطر ببا - يضبط صور األلفاظ وهيئتها ويؤديها كما يؤدي أصناف أصوات الطيور لرأيته اللهم إال أن تسومه . بل كان حاله حال من يرمي احلصى ويعد اجلوز . شأنه أن يؤخر لفظا ويقدم آخر

أنت أن يأيت هبا على حروف املعجم ليحفظ نسق الكتاب يكون الغرض ترتيب املعاين يف النفس مث ودليل آخر وهو أنه لو كان القصد بالنظم إىل اللفظ نفسه دون أن

النطق باأللفاظ على حذوها لكان ينبغي أال خيتلف حال اثنني يف العلم حبسن النظم أو غري احلسن فيه ألهنما خر يحسان بتوايل األلفاظ يف النطق إحساسا واحدا وال يعرف أحدمها يف ذلك شيئا جيهله اآل

وأوضح من هذا كله وهو أن النظم الذي يتواصفه البلغاء وتتفاضل مراتب البالغة من أجله صنعة يستعان وإذا كانت مما يستعان عليه بالفكرة ويستخرج بالروية فينبغي أن ينظر يف الفكر . عليها بالفكرة ال حمالة

أم باأللفاظ فأي شيء وجدته الذي تلبس به فكرك من بني املعاين واأللفاظ فهو الذي مباذا تلبس أباملعاينحتدث فيه صنعتك وتقع فيه صياغتك ونظمك وتصويرك فمحال أن تتفكر يف شيء وأنت ال تصنع فيه شيئا

الغزل ليجعل فكره فيه وصلة إىل أن يصنع من وإمنا تصنع يف غريه لو جاز ذلك جلاز أن يفكر البناء يف. اآلجر وهو من اإلحالة املفرطة

النظم موجود يف األلفاظ على كل حال وال سبيل إىل أن يعقل الترتيب الذي تزعمه يف املعاين ما : فإن قيل إن هذا هو الذي يعيد هذه الشبهة جذعة أبدا والذي : مل تنظم األلفاظ ومل ترتبها على الوجه اخلاص قيل

أتتصور أن تكون معتبرا مفكرا يف حال اللفظ مع اللفظ مىت تضعه جبنبه أو قبله وأن تقول : يحلها أن تنظر تقول صلحت هاهنا ألن معناها أم ال يعقل إال أن. هذه اللفظة إنما صلحت هاهنا لكونها على صفة كذا :

كذا ولداللتها على كذا وألن معىن الكالم والغرض فيه يوجب كذا وألن معىن ما قبلها يقتضي معناها وإن مل تتصور إال الثاين فال ختدعن . واعلم أن كل ما ذكرناه باطل . فإن تصورت األول فقل ما شئت

واعلم أن ما ترى أنه ال بد منه من ترتيب األلفاظ . ضاليل ودع النظر إىل ظواهر األمور نفسك باألوتواليها على النظم اخلاص ليس هو الذي طلبته بالفكر ولكنه شيء يقع بسبب األول ضرورة من حيث إن

بع املعاين يف مواقعها فإذا وجب ملعىن أن يكون أوال يف األلفاظ إذا كانت أوعية للمعاين فإنها ال حمالة تتالنفس وجب اللفظ الدال عليه أن يكون مثله أوال يف النطق فأما أن تتصور يف األلفاظ أن تكون املقصودة

فكرا يف نظم األلفاظ أو أن قبل املعاين بالنظم والترتيب وأن يكون الفكر يف النظم الذي يتواصفه البلغاءحتتاج بعد ترتيب املعاين إىل فكر تستأنفه ألن جتيء باأللفاظ على نسقها فباطل من الظن ووهم يتخيل إىل

من ال يويف النظر حقه وكيف تكون مفكرا يف نظم األلفاظ وأنت ال تعقل أوصافا وأحواال إذا عرفتها حقها أن تنظم على وجه كذا عرفت أن

فالعرف . هذا كالم قد نظمت معانيه : ومما يلبس على الناظر يف هذا املوضع ويغلطه أنه يستبعد أن يقال كأنه مل جير بذلك إال أهنم وإن كانوا مل يستعملوا النظم يف املعاين قد استعملوا فيها ما هو مبعناه ونظري له

يرتب الفروع : كما يقولون . إنه يرتب املعاين يف نفسه وينزلها ويبين بعضها على بعض : ولهم وذلك ق على األصول ويتبع املعىن

وإذا كنت تعلم أهنم استعاروا النسج والوشي والنقش والصياغة لنفس ما استعاروا له . املعىن ويلحق النظري كان ال يشك يف أن ذلك كله تشبيه ومتثيل يرجع إىل أمور وأوصاف تتعلق باملعاين دون األلفاظ النظم و

فمن حقك أن تعلم أن سبيل النظم ذلك السبيل فإهنا وأعلم أن من سبيلك أن تعتمد هذا الفصل حدا وجتعل النكت اليت ذكرتها فيه على ذكر منك أبدا

إذ أنت مكنتها يف نفسك وجدت الشبه تنزاح عنك والشكوك تنتفي عن . عمد وأصول يف هذا الباب وال أن تتوخى . قلبك وال سيما ما ذكرت من أنه ال يتصور أن تعرف للفظ موضعا من غري أن تعرف معناه

فإذا مت . رتيبا ونظما وأنك تتوخى الترتيب يف املعاين وتعمل الفكر هناك يف األلفاظ من حيث هي ألفاظ توأنك إذا فرغت من ترتيب املعاين يف نفسك مل حتتج إىل أن . لك ذلك أتبعتها األلفاظ وقفوت هبا آثارها

أنها خدم للمعاين وتابعة هلا والحقة هبا وأن تستأنف فكرا يف ترتيب األلفاظ بل جتدها تترتب لك حبكم العلم مبواقع املعاين يف النفس علم مبواقع األلفاظ الدالة عليها يف النطق

فصل

واعلم أنك إذا رجعت إىل نفسك علمت علما ال يعترضه الشك أن ال نظم يف الكلم وال ترتيب حىت يعلق هذا ما ال جيهله عاقل وال خيفى على . ويبىن بعضها على بعض وتجعل هذه بسبب من تلك بعضها ببعض

وإذا كان كذلك فبنا أن ننظر إىل التعليق فيها والبناء وجعل الواحدة منها بسبب من . أحد من الناس صاحبتها ما معناه وما حمصوله أو تعمد . ال حمصول هلا غري أن تعمد إىل اسم فتجعله فاعال لفعل أو مفعوال وإذا نظرنا يف ذلك علمنا أن

إىل امسني فتجعل أحدهما خربا عن اآلخر أو تتبع االسم امسا على أن يكون الثاين صفة لألول أو تأكيدا له أو بدال منه أو جتيء باسم بعد متام

ين صفة أو حاال أو متييزا أو تتوخى يف كالم هو إلثبات معىن أن يصري نفيا أو كالمك على أن يكون الثااستفهاما أو متنيا فتدخل عليه احلروف املوضوعة لذلك أو تريد يف فعلني أن جتعل أحدهما شرطا يف اآلخر

وعلى - مساء اليت ضمنت معىن ذلك احلرف فتجيء هبما بعد احلرف املوضوع هلذا املعىن أو بعد اسم من األ هذا القياس

وإذا كان ال يكون يف الكلم نظم وال ترتيب إال بأن يصنع هبا هذا الصنيع وحنوه وكان ذلك كله مما ال على ما قلناه من أن بان بذلك أن األمر -يرجع منه إىل اللفظ شيء ومما ال يتصور أن يكون فيه ومن صفته

اللفظ تبع للمعىن يف النظم وأن الكلم تترتب يف النطق بسبب ترتب معانيها يف النفس وأنها لو خلت من معانيها حىت تتجرد أصواتا وأصداء حروف ملا وقع يف ضمري وال هجس يف خاطر أن جيب فيها ترتيب ونظم

والله املوفق للصواب . هلا أمكنة ومنازل وأن جيب النطق هبذه قبل النطق بتلك وأن يجعل فصل

وهي أن يدعي أن . وهذه شبهة أخرى ضعيفة عسى أن يتعلق هبا متعلق ممن يقدم على القول من غري روية مزاج احلروف حتى ال يتالقى يف النطق حروف تثقل على ال معىن للفصاحة سوى التالؤم اللفظي وتعديل : - السريع - اللسان كالذي أنشده اجلاحظ من قول الشاعر

) وليس قرب قرب حرب قرب ... وقرب حرب مبكان قفر ( : - اخلفيف -وقول ابن يسري

) مال جد خبيل بعدها باآل... ال أذيل اآلمال بعدك إني ( ) رجعت من نداه بالتعطيل ... كم لها موقفا بباب صديق ( ) وانثنت حنو عزف نفس ذهول ... لم يضرها واحلمد لله شيء (

ويزعم أن . من بعض فتفقد النصف األخري من هذا البيت فإنك ستجد بعض ألفاظه يتربأ: قال اجلاحظ ومنه ما هو أخف منه كقول . الكالم يف ذلك على طبقات فمنه املتناهي يف الثقل املفرط فيه كالذي مضى

: - الطويل - أيب متام

) جميعا ومهما لمته ملته وحدي ... كرمي متى أمدحه أمدحه والورى ( فيه بعض الكلفة على اللسان إال أنه ال يبلغ أن يعاب به صاحبه ويشهر أمره يف ذلك ويحفظ ومنه ما يكون

وأن . ويزعم أن الكالم إذا سلم من ذلك وصفا من شوبه كان الفصيح املشاد به واملشار إليه . عليه له غاية إذا انتهى إليها كان اإلعجاز الصفاء أيضا يكون على مراتب يعلو بعضها بعضا وأن

أنا إن قصرنا صفة الفصاحة على كون اللفظ كذلك -إن ذهب إليها ذاهب -والذي يبطل هذه الشبهة وجعلناه املراد هبا لزمنا أن نخرج الفصاحة من حيز البالغة ومن أن تكون

إما أن جنعله العمدة يف املفاضلة بني العبارتني وال نعرج : مل خنل من أحد أمرين وإذا فعلنا ذلك . نظرية هلا فإن . على غريه وإما أن جنعله أحد ما نفاضل به ووجها من الوجوه اليت تقتضي تقدمي كالم على كالم

يكون اإلعجاز إال به ويف ذلك ما ال يخفى من الشناعة أخذنا باألول لزمنا أن نقصر الفضيلة عليه حىت المن وضوح الداللة وصواب اإلشارة - ألنه يؤدي إىل أن ال يكون للمعاين اليت ذكروها يف حدود البالغة

التفصيل وتصحيح األقسام وحسن الترتيب والنظام واإلبداع يف طريقة التشبيه والتمثيل واإلمجال ثممدخل فيما له -ووضع الفصل والوصل موضعهما وتوفيه احلذف والتأكيد والتقدمي والتأخري شروطهما

كان القرآن معجزا حىت ندعي أنه مل يكن معجزا من حيث هو بليغ وال من حيث هو قول فصل وكالم من هذه املعاين بتالؤم احلروف شريف النظم بديع التأليف وذلك أنه ال تعلق لشيء

وإن أخذنا بالثاين وهو أن يكون تالؤم احلروف وجها من وجوه الفضيلة وداخال يف عداد ما يفاضل به بني كالم وكالم على اجلملة مل يكن هلذا اخلالف ضرر علينا ألنه ليس بأكثر من أن يعمد إىل الفصاحة فيخرجها

ز البالغة والبيان وأن تكون نظرية هلما ويف عداد ما هو شبههما من الرباعة واجلزالة وأشباه ذلك مما من حيينىبء عن شرف النظم وعن املزايا اليت شرحت لك أمرها وأعلمتك جنسها أو جيعلها امسا مشتركا يقع تارة

إىل سالمة اللفظ مما يثقل على اللسان وليس واحد من األمرين بقادح فيما ملا تقع له تلك وأخرى لما يرجعحنن بصدده وإن تعسف متعسف يف تالؤم احلروف فبلغ به أن يكون األصل يف اإلعجاز وأخرج سائر ما

: آن معجزا كان الوجه أن يقال له ذكروه يف أقسام البالغة من أن يكون له مدخل أو تأثري فيما له كان القرإنه يلزمك على قياس قولك أن تجوز أن يكون هاهنا نظم لأللفاظ وترتيب ال على نسق املعاين وال على

وجه يقصد به الفائدة مث يكون مع ذلك معجزا وكفى به فسادا ا حىت يكون اللفظ ذلك داال وذاك أنه إنما تصعب مراعاة إين ال أجعل تالؤم احلروف معجز: فإن قال قائل

كما أنه . التعادل بني احلروف إذا احتيج مع ذلك إىل مراعاة املعاين

فأنت : إنما تصعب مراعاة السجع والوزن ويصعب كذلك التجنيس والترصيع إذا روعي معه املعىن قيل له ما تقول قد خرجت من مسألتك وتركت أن يستحق اللفظ املزية من حيث هو لفظ وجئت اآلن إن عقلت

تطلب لصعوبة النظم فيما بني املعاين طريقا وتضع له علة غري ما يعرفه الناس وتدعي أن ترتيب املعاين سهل تزداد وتقوى إذا توخي يف حروف األلفاظ التعادل وأن تفاضل الناس يف ذلك إىل حد وأن الفضيلة

والتالؤم وهذا منك وهم وذلك أنا ال نعلم لتعادل احلروف معىن سوى أن تسلم من حنو ما جتده يف بيت أيب

: متام ... ) كرمي مىت أمدحه أمدحه والورى (

: وبيت ابن يسري ... ) عزف نفس ذهول وانثنت حنو (

وليس اللفظ السليم من ذلك مبعوز وال بعزيز الوجود وال بالشيء ال يستطيعه إال الشاعر املفلق واخلطيب البليغ فيستقيم قياسه على السجع والتجنيس وحنو ذلك مما إذا رامه املتكلم صعب عليه تصحيح املعاين

لفظ " أطال الله بقاءك وأدام عزك وأمت نعمته عليك وزاد يف إحسانه عندك : " فقولنا . ض وتأدية األغراوهكذا حال كالم الناس يف كتبهم ومحاوراتهم ال تكاد . سليم مما يكد اللسان وليس يف حروفه استكراه

عر إذا تكلف وتعمل فأما املرسل نفسه على سجيتها جتد فيه هذا االستكراه ألنه إنما هو شيء يعرض للشا فال يعرض له ذلك

هذا واملتعلل مبثل ما ذكرت من أنه إنما يكون تالؤم احلروف معجزا بعد أن يكون اللفظ داال ألن مراعاة يذهب إىل شيء ظريف وهو أن -إذا تأملت - ين التعادل إنما تصعب إذا احتيج مع ذلك إىل مراعاة املعا

يصعب مرام اللفظ بسبب املعىن وذلك محال ألن الذي يعرفه العقالء عكس ذلك وهو أن يصعب مرام املعىن بسبب اللفظ فصعوبة ما صعب من السجع هي صعوبة عرضت يف املعاين من أجل األلفاظ وذاك أنه

ن توفق بني معاين تلك األلفاظ املسجعة وبني معاين الفصول اليت جعلت أردافا هلا فلم تستطع صعب عليك أ ذلك إال بعد أن عدلت عن أسلوب إىل أسلوب أو دخلت يف ضرب من اجملاز أو

وكيف يتصور أن يصعب . أخذت يف نوع من االتساع وبعد أن تلطفت على اجلملة ضربا من التلطف مرام اللفظ بسبب املعىن وأنت إن أردت احلق ال تطلب اللفظ حبال وإنما تطلب املعىن وإذا ظفرت باملعىن فاللفظ معك وإزاء ناظرك وإمنا كان يتصور أن يصعب مرام اللفظ من أجل املعىن أن لو كنت إذا طلبت

ته احتجت إىل أن تطلب اللفظ على حدة وذلك محال املعىن فحصلهذا وإذا توهم متوهم أنا حنتاج إىل أن نطلب اللفظ وأن من شأن الطلب أن يكون هناك فإن الذي يتوهم

بغي لنا أن نرجع إىل نفوسنا وإذا كان ذلك فين. أنه حيتاج إىل طلبه هو ترتيب األلفاظ يف النطق ال محالة فننظر هل يتصور أن نرتب معاين أمساء وأفعال وحروف يف النفس مث ختفى علينا مواقعها يف النطق حىت

يحتاج يف ذلك إىل فكر وروية وذلك ما ال يشك فيه عاقل إذا هو رجع إىل نفسه مطلوبا حبال ومل يكن املطلوب أبدا إال ترتيب املعاين وكان معول هذا وإذا بطل أن يكون ترتيب اللفظ

املخالف على ذلك فقد اضمحل كالمه وبان أنه ليس ملن حام يف حديث املزية واإلعجاز حول اللفظ ورام والله املوفق . فاسد من القول إىل مثله أن جيعله السبب يف هذه الفضيلة إال التسكع يف احلرية واخلروج عن

للصواب إذا كان اللفظ مبعزل عن املزية اليت تنازعنا فيها وكانت مقصورة على املعىن فكيف كانت : فإن قيل

املعىن معىن فصيح وكالم فصيح: الفصاحة من صفات اللفظ البتة وكيف امتنع أن يوصف هبا املعىن فيقال

إنما اختصت الفصاحة باللفظ وكانت من صفته من حيث كانت عبارة عن كون اللفظ على وصف : قيل إذا كان عليه دل على املزية اليت حنن يف حديثها وإذا كانت لكون اللفظ داال استحال أن يوصف هبا املعىن

ثال فاعرفه كما يستحيل أن يوصف املعىن بأنه دال ممعىن لطيف ولفظ شريف : فماذا دعا القدماء إىل أن قسموا الفضيلة بني املعىن واللفظ فقالوا : فإن قيل

إن املعاين ال تتزايد : وفخموا شأن اللفظ وعظموه حتى تبعهم يف ذلك من بعدهم وحتى قال أهل النظر فأطلقوا كما ترى كالما يوهم .وإمنا تتزايد األلفاظ

كل من يسمعه أن املزية يف حاق اللفظ ملا كانت املعاين إنما تتبني باأللفاظ وكان ال سبيل للمرتب هلا واجلامع شملها إىل أن يعلمك ما : قيل له

كنوا عن ترتيب املعاين بترتيب األلفاظ مث صنع يف ترتيبها بفكره إال بترتيب األلفاظ يف نطقه تجوزوا ف: " مث أتبعوا ذلك من الوصف والنعت ما أبان الغرض وكشف عن املراد كقوهلم . باأللفاظ حبذف الترتيب

ولفظ . " يريدون أنه مبوافقة معناه ملعىن ما يليه كالشيء احلاصل يف مكان صاحل يطمئن فيه " لفظ متمكن يريدون أنه من أجل أن معناه غري موافق ملا يليه كاحلاصل يف مكان ال يصلح له فهو ال يستطيع " قلق ناب

وأهنم نحلوه إياه بسبب . الطمأنينة فيه إىل سائر ما جييء يف صفة اللفظ مما يعلم أنه مستعار له من معناه ومن تعلق هبذا وشبهه واعتراضه الشك فيه بعد الذي مضى من احلجج فهو رجل هذا . مضمونه ومؤداه

ومن كان هذا سبيله فليس له دواء سوى . قد أنس بالتقليد فهو يدعو الشبهة إىل نفسه من هاهنا وثم دبر السكوت عنه وتركه وما خيتاره لنفسه من سوء النظر وقلة الت

قد فرغنا اآلن من الكالم على جنس املزية وأنها من حيز املعاين دون األلفاظ وأهنا ليست لك حيث تسمع . بأذنك بل حيث تنظر بقلبك وتستعني بفكرك وتعمل رويتك وتراجع عقلك وتستنجد يف اجلملة فهمك

مداه وبلغ القول يف ذلك أقصاه وانتهى إىلوإنه ملرام صعب ومطلب عسري . وينبغي أن نأخذ اآلن يف تفصيل أمر املزية وبيان اجلهات اليت منها تعرض

ولوال أنه على ذلك ملا وجدت الناس بني منكر له من أصله ومتخيل له على غري وجهه ومعتقد أنه باب ال . ملك فيه إال اإلشارة وأن طريق التعليم إليه مسدود وباب التفهيم دونه مغلق وأن تقوى عليه العبارة وال ت

معانيك فيه معان تأبى أن تربز من الضمري وأن تدين للتبيني والتصوير وأن ترى سافرة ال نقاب عليها ونادية لوح ويشري أو يضرب مثال ينىبء عن حسن قد عرفه على ال حجاب دوهنا وأن ليس للواصف هلا إال أن ي

اجلملة وفضيلة قد أحسها من غري أن يتبع ذلك بيانا ويقيم عليه برهانا ويذكر له علة ويورد فيه حجة وأنا له التوفيق أنزل لك القول يف ذلك وأدرجه شيئا فشيئا وأستعني باهللا تعاىل عليه وأسأ

فصل يف اللفظ يطلق واملراد به غري ظاهره : اعلم أن هلذا الضرب اتساعا وتفننا ال إىل غاية إال أنه على اتساعه يدور يف األمر األعم على شيئني

الكناية واجملاز ال يذكره باللفظ املوضوع له يف اللغة ولكن واملراد بالكناية هاهنا أن يريد املتكلم إثبات معىن من املعاين ف

هو طويل : " جييء إىل معىن هو تاليه وردفه يف الوجود فيومىء به إليه وجيعله دليال عليه مثال ذلك قولهم " ؤوم الضحى ن: " ويف املرأة . يعنون كثري القرى " وكثري رماد القدر " يريدون طويل القامة " النجاد

فقد أرادوا يف هذا كله كما ترى معىن مث مل يذكروه بلفظه . واملراد أهنا مترفة خمدومة هلا من يكفيها أمرها أفال . اخلاص به ولكنهم توصلوا إليه بذكر معىن آخر من شأنه أن يردفه يف الوجود وأن يكون إذا كان

ا طالت طال النجاد وإذا كثر القرى كثر رماد القدر وإذا كانت املرأة مترفة هلا من يكفيها ترى أن القامة إذ أمرها ردف ذلك أن تنام إىل الضحى

والكالم . وأما اجملاز فقد عول الناس يف حده على حديث النقل وأن كل لفظ نقل عن موضوعه فهو جماز وأنا أقتصر هاهنا على ذكر ما هو . وقد ذكرت ما هو الصحيح من ذلك يف موضع آخر . يف ذلك يطول

: واالسم والشهرة فيه لشيئني . أشهر منه وأظهر

وإمنا يكون التمثيل جمازا إذا جاء على حد االستعارة . االستعارة والتمثيل الشي بالشيء فتدع أن تفصح بالتشبيه وتظهره وجتيء إىل اسم املشبه به فتعريه فاالستعارة أن تريد تشبيه

رأيت رجال هو كاألسد يف شجاعته وقوة بطشه سواء فتدع ذلك وتقول : املشبه وجتريه عليه تريد أن تقول -الكامل -: ان حنو قوله وضرب آخر من االستعارة وهو ما ك" . رأيت أسدا : "

... ) إذ أصبحت بيد الشمال زمامها ( هذا الضرب وإن كان الناس يضمونه إىل األول حيث يذكرون االستعارة فليسا سواء وذاك أنك يف األول

رأيت : أنك إذا قلت تفسري هذا. ويف الثاين جتعل للشيء الشيء ليس له . جتعل الشيء الشيء ليس به إذ أصبحت بيد : " وإذا قلت . أسدا فقد ادعيت يف إنسان أنه أسد وجعلته إياه وال يكون اإلنسان أسدا

ومعلوم أنه ال يكون للريح يد . فقد ادعيت أن للشمال يدا " الشمال زمامها أحدمها أن تنزله منزلة الشيء تذكره : ملشبه املشبه به على ضربني وهاهنا أصل جيب ضبطه وهو أن جعل ا

وذلك حيث تسقط ذكر املشبه من الشيئني . بأمر قد ثبت له فأنت ال حتتاج إىل أن تعمل يف إثباته وتزجيته وال تذكره بوجه من الوجوه كقولك رأيت أسدا

وذلك حيث جتري اسم املشبه به . أن جتعل ذلك كاألمر الذي حيتاج إىل أن تعمل يف إثباته وتزجيته والثاينإن : أو جنيء به على وجه يرجع إىل هذا كقولك . زيد أسد وزيد هو األسد : صراحة على املشبه فتقول

فأنت يف هذا كله تعمل يف إثبات كونه أسدا أو األسد . األسد لقيته لقيت به أسدا وإن لقيته ليلقينك منه وأما يف . وتضع كالمك له

والقياس يقتضي أن يقال يف هذا الضرب أعين ما . األول فتخرجه مخرج ما ال حيتاج فيه إىل إثبات وتقرير ة ويقتصر على هذا القدر وال يسمى استعارة أنت تعمل يف إثباته وتزجيته أنه تشبيه على حد املبالغ

وأما التمثيل الذي يكون جمازا جمليئك به على حد االستعارة فمثاله قولك للرجل يتردد يف الشيء بني فعله جال ويؤخر أخرى أراك يف ترددك كمن يقدم ر: فاألصل يف هذا . أراك تقدم رجال وتؤخر أخرى : وتركه

رأيت أسدا : مث اختصر الكالم وجعل كأنه يقدم الرجل ويؤخرها على احلقيقة كما كان األصل يف قولك .

: " وكذلك تقول للرجل يعمل غري معمل . مث جعل كأنه األسد على احلقيقة " رأيت رجال كاألسد : " فتجعله يف ظاهر األمر كأنه ينفخ وخيط واملعىن على أنك يف " تخط على املاء " و " أراك تنفخ يف غري فحم : وتقول للرجل يعمل احليلة حىت يميل صاحبه إىل الشيء قد كان يأباه وميتنع منه . فعلك كمن يفعل ذلك

فتجعله بظاهر اللفظ كأنه كان منه فتل يف ذروة . ما زال يفتل يف الذروة والغارب حتى بلغ منه ما أرادواملعىن على أنه مل يزل يرفق بصاحبه رفقا يشبه حاله فيه حال الرجل جيىيء إىل البعري الصعب . وغارب

فالن يفرد فالنا : قوهلم وهو يف املعىن نظري . فيحكه ويفتل الشعر يف ذروته وغاربه حىت يسكن ويستأنس يعىن به أنه يتلطف له فعل الرجل ينزع القراد من البعري ليلذه ذلك فيسكن ويثبت يف مكانه حىت يتمكن من

أخذه دوا وهكذا كل كالم رأيتهم قد نحوا فيه التمثيل مث مل يفصحوا بذلك وأخرجوا اللفظ مخرجه إذا مل يري

تمثيال

فصل

قد أمجع اجلميع على أن الكناية أبلغ من اإلفصاح والتعريض أوقع من التصريح وأن لالستعارة مزية وفضال إال أن ذلك وإن كان معلوما على اجلملة فإنه ال تطمئن نفس العاقل يف كل . وأن اجملاز أبدا أبلغ من احلقيقة

العلم به حىت يبلغ فيه غايته وحتى يغلغل الفكر إىل زواياه وحىت ال يبقى عليه موضع شبهة ومكان ما يطلبهو طويل النجاد وهو جم الرماد كان أهبى ملعناك وأنبل من أن : مسألة فنحن وإن كنا نعلم أنك إذا قلت

: رأيت أسدا كان لكالمك مزية ال تكون إذا قلت : ذا إذا قلت وك. تدع الكناية وتصرح بالذي تريد بلغين أنك تقدم : وإذا قلت . رأيت رجال هو يف معىن الشجاعة ويف قوة القلب وشدة البطش وأشباه ذلك

نك يف ذلك كمن بلغين أنك تتردد يف أمرك وأ: رجال وتؤخر أخرى كان أوقع من صرحيه الذي هو قولك ونقطع على ذلك حىت ال خياجلنا شك فيه فإمنا . فيقدم رجال ويؤخر أخرى . أخرج وال أخرج : يقول

تسكن أنفسنا متام السكون إذا عرفنا السبب يف ذلك والعلة ومل كان كذلك وهيأنا له عبارة تفهم عنا من يف ذلك وهذا هو قول. نريد إفهامه

أعلم أن سبيلك أوال أن تعلم أن ليست املزية اليت تثبتها هلذه األجناس على الكالم املتروك على ظاهره واملبالغة اليت تدعي هلا يف أنفس املعاين اليت يقصد املتكلم إليها خبربه ولكنها يف طريق إثباته هلا وتقريره إياها

أنك ملا كنيت عن املعىن زدت يف ذاته " إن الكناية أبلغ من التصريح : " يس املعىن إذا قلنا تفسري هذا أن ل. أنه دل " جم الرماد : " فليست املزية يف قوهلم . بل املعىن أنك زدت يف إثباته فجعلته أبلغ وآكد وأشد

وأوجبته إجيابا هو أشد وادعيته . الكثري من وجه وهو أبلغ على قرى أكثر بل املعىن أنك أثبت له القرى دعوى أنت هبا أنطق وبصحتها أوثق

رأيت رجال ال يتميز من األسد يف : " على قولك " رأيت أسدا : " وكذلك ليست املزية اليت تراها لقولك مساواته األسد بل أنك أفدت تأكيدا وتشديدا وقوة يف أنك قد أفدت باألول زيادة يف" شجاعته وجرأته

فليس تأثري االستعارة إذا يف ذات املعىن وحقيقته بل يف إجيابه . إثباتك له هذه املساواة ويف تقريرك هلا

واحلكم به ن وهكذا قياس التمثيل ترى املزية أبدا يف ذلك تقع يف طريق إثبات املعىن دو

إن من شأن هذه األجناس أن تكسب املعاين نبال وفضال وتوجب هلا : فإذا مسعتهم يقولون . املعىن نفسه شرفا وأن تفخمها يف نفوس السامعني وترفع أقدارها عند املخاطبني فإنهم ال يريدون الشجاعة والقرى

ردة وإنما يعنون إثبات معاين هذه الكلم ملن تثبت له ويخبر هبا عنه وأشباه ذلك من معاين الكلم املفهذا ما ينبغي للعاقل أن جيعله على ذكر منه أبدا وأن يعلم أن ليس لنا إذا حنن تكلمنا يف البالغة والفصاحة

. مد إىل األحكام اليت حتدث بالتأليف والتركيب مع معاين الكلم املفردة شغل وال هي منا بسبيل وإنما نعوإذ قد عرفت مكان هذا املزية واملبالغة اليت ال تزال تسمع هبا وأهنا يف اإلثبات دون املثبت فإن هلا يف كل

واحد من هذه األجناس سببا وعلة إذا رجع إىل -مزية ال تكون للتصريح أن كل عاقل يعلم أما الكناية فإن السبب يف أن كان لإلثبات هبا

أن إثبات الصفة بإثبات دليلها وإجيابها مبا هو شاهد يف وجودها آكد وأبلغ يف الدعوى من أن جتيء - نفسه واألمر ظاهر معروف وحبيث ال إليها فتثبتها ساذجا غفال وذلك أنك ال تدعي شاهد الصفة ودليلها إال

يشك فيه وال يظن باملخرب التجوز والغلط كنت قد تلطفت ملا " رأيت أسدا : " وأما االستعارة فسبب ما ترى هلا من املزية والفخامة أنك إذا قلت ب له الثبوت واحلصول وكاآلمر الذي أردت إثباته له من فرط الشجاعة حىت جعلتها كالشيء الذي جي

وذلك أنه إذا كان أسدا فواجب أن تكون له تلك الشجاعة العظيمة . نصب له دليل يقطع بوجوده كنت قد " رأيت رجال كاألسد : " وإذا صرحت بالتشبيه فقلت . وكاملستحيل أو املمتنع أن يعرى عنها

ت الشيء يترجح بني أن يكون وبني أن ال يكون ومل يكن من حديث الوجوب يف شيء أثبتها إثبا أراك تقدم رجال وتؤخر أخرى : وحكم التمثيل حكم االستعارة سواء فإنك إذا قلت

: فتقول . أن جتري على الظاهر فأوجبت له الصورة اليت يقطع معها بالتحير والتردد كان أبلغ ال حمالة من أخرج وال أخرج فيقدم رجال ويؤخر أخرى : قد جعلت تتردد يف أمرك فأنت كمن يقول

فصل أفال ترى أنك جتد يف . اعلم أن من شأن هذه األجناس أن جتري فيها الفضيلة وأن تتفاوت التفاوت الشديد

رأيت أسدا ووردت حبرا ولقيت بدرا واخلاصي النادر الذي ال جتده إال : املبتذل كقولنا االستعارة العامي : - الطويل -يف كالم الفحول وال يقوى عليه إال أفراد الرجال كقوله

... ) وسالت بأعناق املطي األباطح ( انت سرعة يف لني وسالسة كأنه كانت سيوال وقعت يف تلك أراد أهنا سارت سريا حثيثا يف غاية السرعة وك

األباطح فجرت هبا ومثل هذه االستعارة يف احلسن واللطف وعلو الطبقة يف هذه اللفظة بعينها قول اآلخر : - البسيط - ) أنصاره بوجوه كالدنانري ... سالت عليه شعاب احلي حني دعا (

وأهنم يسرعون إىل نصرته وأنه ال يدعوهم حلرب أو نازل خطب إال أتوه وكثروا أراد أنه مطاع يف احلي عليه وازدمحوا حواليه حىت جتدهم كالسيول جتيء من

هاهنا وهاهنا وتنصب من هذا املسيل وذلك حتى يغص هبا الوادي ويطفح منها إال أن جهة الغرابة فيه غري جهتها يف هذا قول يزيد بن مسلمة بن عبد -ع االستعارة ونادرها ومن بدي

امللك يصف فرسا له وأنه مؤدب وأنه إذا نزل عنه وألقى عنانه يف قربوس سرجه وقف مكانه إىل أن يعود : -الكامل -إليه

) إمهاله وكذاك كل مخاطر ... أزور حبائيب عودته فيما ( ) علك الشكيم إىل انصراف الزائر ... وإذا احتىب قربوسه بعنانه (

فالغرابة هاهنا يف الشبه نفسه ويف أن استدراك أن هيئة العنان يف موقعه من قربوس السرج كاهليئة يف موضع : وليست الغرابة يف قوله . ركبة املحتيب الثوب من

... ) وسالت بأعناق املطي األباطح ( على هذه اجلملة وذلك أنه مل يغرب ألن جعل املطي يف سرعة سريها وسهولته كاملاء جيري يف األبطح فإن

فعال لألباطح مث عداه " سال " وصية أفادها بأن جعل ولكن الدقة واللطف يف خص. هذا شبه معروف ظاهر ولو قال " بأعناق املطي : " بالباء مث بأن أدخل األعناق يف البيت فقال سالت املطي يف : " ومل يقل باملطي

" ولكن يف تعديته ب " ال س" وكذلك الغرابة يف البيت اآلخر ليس يف مطلق معىن . مل يكن شيئا " األباطح وهذا . ولوال هذه األمور كلها مل يكن هذا احلسن " . شعاب احلي : " والباء وبأن جعله فعال لقوله " على

موضع يدق الكالم فيه : - من البسيط - وهذه أشياء من هذا الفن

) ي فداؤك ما ذنبي فأعتذر نفس... اليوم يومان مذ غيبت عن بصري ( ) لقد تأنق يف مكروهي القدر ... أمسي وأصبح ال ألقاك واحزنا (

: -الوافر -سوار بن املضرب وهو لطيف جدا ) نسيم ال يروع الترب وان ... بعرض تنوفة للريح فيها (

: - الكامل - بعض األعراب ) تقذي عيونهم بهتر هاتر ... ولرب خصم جاهدين ذوي شذا ( ) وخسأت باطلهم حبق ظاهر ... لد ظأرتهم على ما ساءهم (

" خسأت " لفظة : املقصود : - الرجز - ابن املعتز

) لصبح لنا يف اإلبصار وأذن ا... حتى إذا ما عرف الصيد الضار ( حىت إذا تهيأ لنا أن نبصر شيئا ملا كان تعذر اإلبصار منعا من الليل جعل إمكانه عند ظهور الصبح : املعىن

: -من جمزوء الوافر - وله . إذنا من الصبح ) ج يكد الوعد باحلج... بخيل قد بليت به (

: -الطويل - وله ) فتختصم اآلمال واليأس يف صدري ... يناجيين اإلخالف من حتت مطله (

: ومما هو يف غاية احلسن وهو من الفن األول قول الشاعر أنشده اجلاحظ ) طائح بنفسك إال أن ما طاح... لقد كنت يف قوم عليك أشحة ( ) وال يدفع املوت النفوس الشحائح ... يودون لو خاطوا عليك جلودهم (

: -الرجز -وإليه ذهب بشار يف قوله : قال ) محلته يف رقعة من جلدي ... وصاحب كالدمل املمد (

عدة مواضع مث ترى هلا يف بعض ذلك مالحة ومن سر هذا الباب أنك ترى اللفظة املستعارة قد استعريت يف -البسيط -يف قول أيب متام " اجلسر " مثال ذلك أنك تنظر إىل لفظة . ال جتدها يف الباقي

) بالقول ما مل يكن جسرا له العمل ... ال يطمع املرء أن يجتاب لجته ( : -البسيط - وقوله

) تنال إال على جسر من التعب ... بالراحة العظمى فلم ترها بصرت ( : -البسيط - مث تنظر إليها يف قول ربيعة الرقي . فترى هلا يف الثاين حسنا ال تراه يف األول

) نعم عسى وعسى جسر إىل : قالت ... نعم ونعم إن قلت واجبة : قويل ( فترى هلا لطفا وخالبة وحسنا ليس الفضل فيه بقليل

ومما هو أصل يف شرف االستعارة أن ترى الشاعر قد مجع بني عدة استعارات قصدا إىل أن يلحق الشكل : - الطويل -مثاله قول امرىء القيس . بالشكل وأن يتم املعىن والشبه فيما يريد

) وأردف أعجازا وناء بكلكل ... فقلت له ملا تمطى بصلبه ( ملا جعل لليل صلبا قد متطى به ثنى ذلك فجعل له أعجازا قد أردف هبا الصلب وثلث فجعل له كلكال قد

ناظر من سواده إذا نظر قدامه وإذا نظر إىل ما ناء به فاستوفى له مجلة أركان الشخص وراعى ما يراه ال خلفه وإذا رفع البصر ومدده يف عرض اجلو

القول يف النظم ويف تفسريه واعلم أن هاهنا أسرارا ودقائق ال يمكن بيانها إال بعد أن نعد مجلة من القول يف النظم ويف تفسريه واملراد

فينبغي لنا أن نأخذ يف ذكره وبيان أمره وبيان املزية . ه وأي شيء هو وما حمصوله وحمصول الفضيلة فيه من اليت تدعى له من أين تأتيه وكيف تعرض فيه وما أسباب ذلك وعلله وما املوجب له

قدره والتنويه بذكره وإمجاعهم أن ال فضل مع وقد علمت إطباق العلماء على تعظيم شأن النظم وتفخيموبتهم احلكم بأنه الذي ال تمام . عدمه وال قدر لكالم إذا هو مل يستقم له ولو بلغ يف غرابة معناه ما بلغ

وما كان هبذا احملل من . دونه وال قوام إال به وأنه القطب الذي عليه املدار والعمود الذي به االستقاللالشرف ويف هذه املنزلة من الفضل وموضوعا هذا املوضع من املزية وبالغا هذا املبلغ من الفضيلة كان حرى

ال وكان العاقل جديرا أن . بأن توقظ له اهلمم وتوكل به النفوس وحترك له األفكار وتستخدم فيه اخلواطر مث يعرض عن . يرضى من نفسه بأن جيد فيه سبيال إىل مزية علم وفضل استبانة وتلخيص حجة وحترير دليل

ذلك صفحا ويطوي دونه كشحا وأن يربأ بنفسه وتدخل عليه األنفة من أن يكون يف سبيل املقلد الذي ال يبت

وهو يستطيع أن يرتفع . لشيء علما وال جيد ما يبرىء من الشبهة ويشفي غليل الشاك حكما وال يقتل ا عن هذه املنزلة ويباين من هو هبذه الصفة فإن ذلك دليل ضعف الرأي وقصر اهلمة ممن خيتاره ويعمل عليه

الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله واعلم أن ليس النظم إال أن تضع كالمك الوضعوذلك أنا . وتعرف مناهجه اليت نهجت فال تزيغ عنها وحتفظ الرسوم اليت رمست لك فال تخل بشيء منها

ال نعلم شيئا يبتغيه الناظم بنظمه غري أن ينظر يف وجوه كل باب وفروقه منطلق " و " وينطلق زيد " زيد ينطلق " و " زيد منطلق : " ر يف اخلرب إىل الوجوه اليت تراها يف قولك فينظ " زيد هو منطلق " و " زيد هو املنطلق " و " املنطلق زيد " و " زيد املنطلق " و " زيد

خترج أخرج وإن خرجت خرجت وإن خترج فأنا إن: ويف الشرط واجلزاء إىل الوجوه اليت تراها يف قولك خارج وأنا خارج إن خرجت وأنا إن خرجت خارج

جاءين زيد مسرعا وجاءين يسرع وجاءين وهو مسرع أو هو : ويف احلال إىل الوجوه اليت تراها يف قولك ك موضعه وجييء به حيث ينبغي له فيعرف لكل من ذل. يسرع وجاءين قد أسرع وجاءين وقد أسرع

وينظر يف احلروف اليت تشترك يف معنى مث ينفرد كل واحد منها خبصوصية يف ذلك املعىن فيضع كال من " إن " إذا أراد نفي االستقبال وب " ال " يف نفي احلال وب " ما " ذلك يف خاص معناه حنو أن جييء ب

فيما علم أنه كائن " إذا " أن يكون وأن ال يكون وب فيما يترجح بنيوينظر يف اجلمل اليت تسرد فيعرف موضع الفصل فيها من موضع الوصل مث يعرف فيما حقه الوصل موضع

" ثم " الواو من موضع الفاء وموضع الفاء من موضع

ويتصرف يف التعريف والتنكري " . بل " من موضع " كن ل" وموضع " أم " من موضع " أو " وموضع والتقدمي والتأخري يف الكالم كله ويف احلذف والتكرار واإلضمار واإلظهار فيضع كال من ذلك مكانه

ويستعمله على الصحة وعلى ما ينبغي له إن كان صوابا وخطؤه إن كان خطأ إىل النظم ويدخل هذا هو السبيل فلست بواجد شيئا يرجع صوابه

حتت هذا االسم إال وهو معنى من معاين النحو قد أصيب به موضعه ووضع يف حقه أو عومل خبالف هذه ده أو املعاملة فأزيل عن موضعه واستعمل يف غري ما ينبغي له فال ترى كالما قد وصف بصحة نظم أو فسا

وصف مبزية وفضل فيه إال وأنت جتد مرجع تلك الصحة وذلك الفساد وتلك املزية وذلك الفضل إىل معاين النحو وأحكامه ووجدته يدخل يف أصل من أصوله ويتصل بباب من أبوابه

ت عندك صحة وازددت هبا ثقة وليس من أحد هذه مجلة ال تزداد فيها نظرا إال ازددت هلا تصورا وازداد. درى ذلك أو مل يدر . ألن يقول يف أمر النظم شيئا إال وجدته قد اعترف لك هبا أو ببعضها ووافق فيها

ل ويكفيك أهنم قد كشفوا عن وجه ما أردناه حيث ذكروا فساد النظم فليس من أحد يخالف يف حنو قو : -الطويل -الفرزدق

) أبو أمه حي أبوه يقاربه ... وما مثله يف الناس إال مملكا ( : -الكامل - وقول املتنيب

) من أنها عمل السيوف عوامل ... ولذا اسم أغطية العيون جفونها ( : وقوله

) واملاء أنت إذا اغتسلت الغاسل ... الطيب أنت إذا أصابك طيبه( : -الطويل - وقوله

) بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه ... وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه ( : -الكامل -وقول أيب متام

) ار الثنين ثان إذ هما يف الغ... ثانيه يف كبد السماء ومل يكن ( : -البسيط - وقوله

) من راحتيك درى ما الصاب والعسل ... يدي ملن شاء رهن مل يذق جرعا ( ويف نظائر ذلك مما وصفوه بفساد النظم وعابوه من جهة سوء التأليف أن الفساد واخللل كانا من أن تعاطى

الشأن على غري الصواب وصنع يف تقدمي أو تأخري أو حذف وإضمار أو غري ذلك الشاعر ما تعاطاه من هذا ما ليس له أن يصنعه وما ال يسوغ وال يصح على أصول هذا العلم

ل وإذا ثبت أن سبب فساد النظم واختالله أن ال يعمل بقوانني هذا الشأن ثبت أن سبب صحته أن يعممث إذا ثبت أن مستنبط صحته وفساده من هذا العلم ثبت أن احلكم كذلك يف مزيته والفضيلة اليت . عليها

وإذا ثبت مجيع ذلك ثبت أن ليس هو شيئا غري توخي معاين هذا العلم وأحكامه فيما بني الكلم . تعرض فيه واهللا املوفق للصواب.

وإذ قد عرفت ذلك فاعمد إىل ما تواصفوه باحلسن وتشاهدوا له بالفضل مث جعلوه كذلك من أجل النظم خصوصا دون غريه مما يستحسن له الشعر أو غري الشعر من معنى لطيف أو حكمة أو أدب أو استعارة أو

وتأمله فإذا رأيتك قد ارحتت واهتززت واستحسنت فانظر إىل . جتنيس أو غري ذلك مما ال يدخل يف النظملك كما قلت اعمد إىل . حركات األرحيية مم كانت وعند ماذا ظهرت فإنك ترى عيانا أن الذي قلت

: - من املتقارب -قول البحتري

) ينا لفتح ضريبا فما إن رأ... بلونا ضرائب من قد نرى ( ) عزما وشيكا ورأيا صليبا ... هو املرء أبدت له احلادثات ( ) سماحا مرجى وبأسا مهيبا ... تنقل يف خلقي سؤدد (

) وكالبحر إن جئته مستثيبا ... فكالسيف إن جئته صارخا ( قتك وكثرت عندك ووجدت هلا اهتزازا يف نفسك فعد فانظر يف السبب واستقص يف النظر فإذا رأيتها قد را

فإنك تعلم ضرورة أن ليس إال أنه قدم وأخر وعرف ونكر وحذف وأضمر وأعاد وكرر وتوخى على ذلك كله مث لطف موضع صوابه وأتى مأتى اجلملة وجها من الوجوه اليت يقتضيها علم النحو فأصاب يف

: " مث قوله " هو املرء أبدت له احلادثات : " أفال ترى أن أول شيء يروقك منها قوله . يوجب الفضيلة ء مع وعطفه بالفا" فكالسيف : " مث قوله . بتنكري السؤدد وإضافة اخللقني إليه " تنقل يف خلقي سؤدد

مث أن قرن إىل " وكالبحر : " مث تكريره الكاف يف قوله . ال حمالة فهو كالسيف : حذفه املبتدأ ألن املعىن مث أن أخرج من كل واحد من الشرطني حاال على مثال ما . كل واحد من التشبيهني شرطا جوابه فيه

ال ترى حسنا تنسبه إىل النظم ليس . هاهنا " ومستثيبا " هناك " ارخا ص" أخرج من اآلخر وذلك قوله سببه ما عددت أو ما هو يف حكم ما عددت فأعرف ذلك

: وإن أردت أظهر أمرا يف هذا املعىن فانظر إىل قول إبراهيم بن العباس ) أعداء وغاب نصري وسلط... فلو إذ نبا دهر وأنكر صاحب ( ) ولكن مقادير جرت وأمور ... تكون عن األهواز داري بنجوة ( ) ألفضل ما يرجى أخ ووزير ... وإني ألرجو بعد هذا حممدا (

فإنك ترى ما ترى من الرونق والطالوة ومن احلسن واحلالوة مث تتفقد السبب يف

وأن مل " . تكون " على عامله الذي هو " إذ نبا " ده إنما كان من أجل تقدميه الظرف الذي هو ذلك فتجمث أن نكر " كان : " ومل يقل " تكون : " مث أن قال . فلو تكون عن األهواز داري بنحوة إذ نبا دهر : يقل

: " مث أن قال . مث أن ساق هذا التنكري يف مجيع ما أتى به من بعد " فلو إذ نبا الدهر: " ومل يقل " الدهر " ال ترى يف البيتني األولني شيئا غري الذي عددته لك جتعله . وأنكرت صاحبا : ومل يقل " وأنكر صاحب

ل حسن ومزية رأيتهما قد نسبا وهكذا السبيل أبدا يف ك. حسنا يف النظم وكله من معاين النحو كما ترى إىل النظم وفضل وشرف أحيل فيهما عليه

فصل يف أن مزايا النظم حبسب املوضع وحبسب املعىن املراد والغرض املقصود

م وإذ قد عرفت أن مدار أمر النظم عل معاين النحو وعلى الوجوه والفروق اليت من شأهنا أن تكون فيه فاعل أن الفروق والوجوه كثرية ليس هلا غاية تقف عندها وهناية ال جتد هلا ازديادا بعدها

مث اعلم أن ليست املزية بواجبة هلا يف أنفسها ومن حيث هي على اإلطالق ولكن تعرض بسبب املعاين بعض واستعمال بعضها مع بعض واألغراض اليت يوضع هلا الكالم مث حبسب موقع بعضها من

من " دهر " ويف " تنقل يف خلقي سؤدد : " من قوله " سؤدد " تفسري هذا أنه ليس إذا راقك التنكري يف وال إذا استحسنت لفظ ما مل يسم فاعله . فإنه جيب أن يروقك أبدا ويف كل شيء " فلو إذ نبا دهر : " قوله

بل ليس من . فإنه ينبغي أن ال تراه يف مكان إال أعطيته مثل استحسانك هاهنا " وأنكر صاحب : " قوله يف

فضل ومزية إال حبسب املوضع وحبسب املعىن الذي تريد والغرض الذي تؤم وإنما سبيل هذه املعاين سبيل فكما أنك ترى الرجل قد هتدى يف األصباغ اليت عمل منها . األصباغ اليت تعمل منها الصور والنقوش

الصورة والنقش يف ثوبه الذي نسج إىل ضرب من التخير والتدبر يف أنفس األصباغ ويف مواقعها ومقاديرها أجل ذلك أعجب وصورته أغرب وكيفية مزجه هلا وترتيبه إياها إىل ما مل يتهد إليه صاحبه فجاء نقشه من

كذلك حال الشاعر والشاعر يف توخيهما معاين النحو ووجوهه اليت علمت أنها محصول النظم

واعلم أن من الكالم ما أنت ترى املزية يف نظمه واحلسن كاآلجزاء من الصبغ تتالحق وينضم بعضها إىل فأنت لذلك ال تكرب شأن صاحبه وال تقضي له باحلذق واألستاذية وسعة الذرع . يف العني بعض حىت تكثر

وشدة املنة حىت تستويف القطعة وتأيت على عدة أبيات وذلك ما كان من الشعر يف طبقة ما أنشدتك من عليك منه دفعة ويأتيك منه ما ميأل العني ضربة حىت تعرف ومنه ما أنت ترى احلسن يهجم . أبيات البحتري

وحىت . من البيت الواحد مكان الرجل من الفضل وموضعه من احلذق وتشهد له بفضل املنة وطول الباع وذلك ما إذا أنشدته .أنه من قبل شاعر فحل وأنه خرج من حتت يد صناع - إن مل تعلم القائل - تعلم

وما كان كذلك فهو الشعر الشاعر والكالم الفاخر والنمط . هذا هذا : وضعت فيه اليد على شيء فقلت العايل الشريف والذي ال جتده إال يف شعر الفحول البزل مث املطبوعني الذي يلهمون القول إهلاما

عدة قصائد بل أن تفلي ديوانا من الشعر حىت جتمع منه عدة أبيات وذلك ما مث إنك حتتاج إىل أن تستقريكان مثل قول األول ومتثل به أبو بكر الصديق رضوان اهللا عليه حني أتاه كتاب خالد بالفتح يف هزمية

: -الوافر - األعاجم ) مهم السرابا ختال بياض أل... متنانا ليلقانا بقوم ( ) عوانا متنع الشيخ الشرابا ... فقد القيتنا فرأيت حربا (

: انظر إىل موضع الفاء يف قوله ... ) فقد القيتنا فرأيت حربا (

: - البسيط -ومثل قول العباس بن األحنف

) القفول فقد جئنا خراسانا ثم ... خراسان أقصى ما يراد بنا : قالوا ( : -الطويل - ومثل قول ابن الدمينة . قبلها " مث " انظر إىل موضع الفاء و

) فأفرح أم صيرتين يف شمالك ... أبيين أيف يمىن يديك جعلتين ( ) خيفة من زيالك جذار الردى أو ... أبيت كأني بني شقني من عصا ( ) تريدين قتلي قد ظفرت بذلك ... تعاللت كي أشجى وما بك علة (

: انظر إىل الفصل واالستئناف يف قوله ... ) تريدين قتلي قد ظفرت بذلك (

وقاله على لسان علية أخت الرشي -د وقد كان الرشيد عتب عليها ومثل قول أيب حفص الشطرجني : - البسيط

) من أن يكون له ذنب إىل أحد ... لو كان مينع حسن العقل صاحبه ( ) من أن تكافا بسوء آخر األبد ... كانت علية أبرا الناس كلهم ( ! ) ب أني قد مألت يدي قد كنت أحس... ما أعجب الشيء ترجوه فتحرمه (

وإىل مكان هذا االستئناف " قد كنت أحسب : " انظر إىل قوله

: - اخلفيف - ومثل قول أيب دؤاد ) أحوذي ذو ميعة إضريج ... ولقد أغتدي يدافع ركين ( ) ي السراة دموج حملته وف... سلهب شرجب كأن رماحا (

: - من جمزوء الوافر - ومثل قول ابن البواب " . كأن رماحا : " انظر إىل التنكري يف قوله ) ملا ضاقت احليل ... أتيتك عائذا بك منك ( ) حليين يضرب املثل ... وصيرين هواك ويب ( ) ما القيته جلل ف... فإن سلمت لكم نفسي ( ) فإني ذلك الرجل ... وإن قتل اهلوى رجال (

: - السريع - ومثل قول عبد الصمد . فإين ذلك الرجل : انظر إىل اإلشارة والتعريف يف قوله ) تبكي عليه مقلة عبرى ... مكتئب ذو كبد حرى ( ) يدعو وفوق الكبد اليسرى ... إىل ربه يرفع يمناه(

: ومثل قول جرير . وإىل موقعها " يدعو " انظر إىل لفظ ) إذ ال نبيع زماننا بزمان ... لمن الديار بربقة الروحان (

) ا لذاك تدان صدع الزجاجة م... فؤاده -إذ رمين -صدع الغواين ( ليس من بصري عارف جبواهر الكالم حساس . وتأمل حال هذا االستئناف " ما لذاك تدان : " انظر إىل قوله

متفهم لسر هذا الشأن ينشد أو يقرأ هذه األبيات إال مل يلبث أن يضع يده يف كل بيت منها على املوضع يه يعجب ويكبر شأن املزية فيه والفضل الذي أشرت إل

فصل يف شواهد على النظم يتحد يف الوضع ويدق فيه الصنع

واعلم أن مما هو أصل يف أن يدق النظر ويغمض املسلك يف توخي املعاين اليت عرفت أن تتحد أجزاء الكالم منها بأول وأن حيتاج يف اجلملة إىل أن تضعها يف النفس وضعا ويدخل بعضها يف بعض ويشتد ارتباط ثان

نعم ويف حال ما . واحدا وأن يكون حالك فيها حال الباين يضع بيمينه هاهنا يف حال ما يضع بيساره هناك ى هذا الوصف حد حيصره وقانون وليس لما شأنه أن جييء عل. يبصر مكان ثالث ورابع يضعها بعد األولني

فمن ذلك أن تزاوج بني معنيني يف الشرط واجلزاء معا . حييط به فإنه جييء على وجوه شتى وأحناء خمتلفة : - الطويل - كقول البحتري

) ر أصاخت إىل الواشي فلج هبا اهلج... إذا ما نهى الناهي فلج يب اهلوى ( : -طويل - وقوله

) تذكرت القرىب ففاضت دموعها ... إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها ( : -الوافر -ونوع منه آخر قول سليمان بن داود القضاعي . فهذا نوع

) ومنحط أتيح له اعتالء ... فبينا املرء يف علياء أهوى ( ) وبؤس إذ تعقبه ثراء ... ا نعمة إذ حال بؤس وبين(

: - طويل - ونوع ثالث وهو ما كان كقول كثري

) ختليت مما بيننا وختلت ... وإني وتهيامي بعزة بعدما ( ) تبوأ منها للمقيل اضمحلت .. .لكاملرتجي ظل الغمامة كلما (

: - طويل - وكقول البحتري ) على األضعف املوهون عادية األقوى ... لعمرك إنا والزمان كما جنت (

: - البسيط -ومنه التقسيم وخصوصا إذا قسمت مث مجعت كقول حسان ) أو حاولوا النفع يف أشياعهم نفعوا ... م قوم إذا حاربوا ضروا عدوه( ) إن اخلالئق فاعلم شرها البدع ... سجية تلك منهم غري محدثة (

ومنه : - البسيط -ومن ذلك وهو شيء يف غاية احلسن قول القائل

دائما أبدا ظننت ما أنا فيه... لو أن ما أنتم فيه يدوم لكم ) ما سر من حادث أو ساء مطردا ... لكن رأيت الليايل غير تاركة ( ) سنستجد خالف احلالتين غدا ... فقد سكنت إىل أني وأنكم (

طفا حبسن ما بناه عليه ولطف وقد ازداد ل. مجع فيما قسم لطيف " سنستجد خالف احلالتني غدا : " قوله " فقد سكنت إىل أني وأنكم : " ما توصل به إليه من قوله

وإذا قد عرفت هذا النمط من الكالم وهو ما تتحد أجزاؤه حىت يوضع وضعا واحدا فاعلم أنه النمط العايل يف شيء كعظمه فيه ومما ندر منه ولطف مأخذه ودق نظر واضعه والباب األعظم ال ترى سلطان املزية يعظم

وجلى لك عن شأو قد تحسر

بيت امرىء -دونه العتاق وغاية يعيا من قبلها املذاكي القرح األبيات املشهورة يف تشبيه شيئني بشيئني : -الكامل -القيس

) لدى وكرها العناب واحلشف البايل ... رطبا ويابسا كأن قلوب الطري( : - من الكامل -وبيت الفرزدق

) ليل يصيح بجانبيه نهار ... والشيب ينهض يف الشباب كأنه ( : - طويل -وبيت بشار

) ل تهاوى كواكبه وأسيافنا لي... كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ( : - طويل -ومما أتى يف هذا الباب مأتى أعجب مما مضى كله قول زياد األعجم

) لكالبحر مهما يلق يف البحر يغرق ... وإنا وما تلقي لنا إن هجوتنا ( ه املشابكة فيه أغرب وإنما كان أعجب ألن عمله أدق وطريقه أغمض ووج

بل ترى . واعلم أن من الكالم ما أنت تعلم إذا تدبرته أن مل حيتج واضعه إىل فكر وروية حىت انتظم له سبيله يف ضم بعضه إىل بعض سبيل من عمد إىل آلل فخرطها يف سلك ال يبغي أكثر من أن مينعها التفرق

من نضد أشياء بعضها على بعض ال يريد يف نضده ذلك أن جتيء له منه هيئة أو صورة بل ليس إال أن وكوذلك إذا كان معناك معىن ال حيتاج أن تصنع فيه شيئا غري أن تعطف لفظا . تكون جمموعة يف رأي العني

بهة وعصمك من احليرة وجعل بينك وبني املعرفة نسبا وبني جنبك الله الش: " على مثله كقول اجلاحظ الصدق سببا وحبب إليك التثبت وزين يف عينك اإلنصاف وأذاقك حالوة التقوى وأشعر قلبك عز احلق

" . اطل من الذلة وما يف اجلهل من القلة وأودع صدرك برد اليقني وطرد عنك ذل اليأس وعرفك ما يف البهللا در خطيب قام عندك يا أمري املؤمنني ما أفصح لسانه وأحسن بيانه وأمضى جنانه : " وكقول بعضهم

فواهللا لقفاك أيفاخرك امللك اللخمي: " ومثل قول النابغة يف الثناء املسجوع " . وأبل ريقه وأسهل طريقه خري من وجهه ولشمالك خري من يمينه وألخمصك خري من رأسه ولخطؤك خري من صوابه ولعيك خري من

اللسان أداة يظهر هبا حسن : " وكقول بعض البلغاء يف وصف اللسان " . كالمه وخلدمك خري من قومه ينبئك عن غائب وحاكم يفصل به اخلطاب وواعظ ينهى عن القبيح البيان وظاهر خيرب عن الضمري وشاهد

" ومزين يدعو إىل احلسن وزارع حيرث املودة وحاصد حيصد الضغينة ومله يونق األمساع ه وتأليفه وذلك ألنه فما كان من هذا وشبهه مل جيب به فضل إذا وجب إال مبعناه أو مبتون ألفاظه دون نظم

ال فضيلة حتى ترى يف األمر مصنعا وحىت جتد إىل التخير سبيال

وحىت تكون قد استدركت صوابا أفليس هو كالما قد اطرد على الصواب وسلم من العيب أفما يكون يف كثرة الصواب فضيلة : فإن قلت

. ألنا لسنا يف ذكر تقومي اللسان والتحرز من اللحن وزيغ اإلعراب . رى فال أما والصواب كما ت: قيل وإمنا حنن يف أمور تدرك بالفكر اللطيفة ودقائق يوصل إليها بثاقب الفهم فليس . فنعتد مبثل هذا الصواب

الوصول إليه وكذلك ال يكون ترك خطأ درك صواب دركا فيما حنن فيه حىت يشرف موضعه ويصعب وهذا باب ينبغي أن . تركا حىت حيتاج يف التحفظ منه إىل لطف نظر وفضل رؤية وقوة ذهن وشدة تيقظ

حىت إذا وازنت بني كالم وكالم ودريت كيف تصنع فضممت إىل كل شكل شكله . تراعيه وأن تعنى به ابلته مبا هو نظري له وميزت ما الصنعة منه يف لفظه مما هي منه يف نظمه وق

باب يكثر فيه الغلط - أعين الفرق بني أن تكون املزية يف اللفظ وبني أن تكون يف النظم - واعلم أن هذا وال تزال ترى الشبهة قد دخلت . ليس له ترى مستحسنا قد أخطأ باالستحسان موضعه فينحل اللفظ ما

مثال ذلك . عليك يف الكالم قد حسن من لفظه ونظمه فظننت أن حسنه ذلك كله للفظ منه دون النظم

: - طويل -أن تنظر إىل قول ابن املعتز ) ظرة مث أطرق لتجمح مني ن... وإني على إشفاق عيين من العدا (

فترى أن هذه الطالوة وهذا الظرف إنما هو ألن جعل النظر جيمح وليس هو لذلك بل ألن قال يف أول : ومل يقل " نظرة : " مث ألن قال " . مين : " مث قوله " لتجمح : " حىت دخل الالم يف قوله " وإين : " البيت

وللطيفة أخرى نصرت هذه اللطائف وهي اعتراضه بني . مث أطرق : يف قوله " مث " مث ملكان . النظر مثال " على إشفاق عيين من العدا : " اسم إن وخربها بقوله

: -وقد تقدم إنشاده قبل - : وإن أردت أعجب من ذلك فيما ذكرت لك فانظر إىل قوله

) أنصاره بوجوه كالدنانير ... عليه شعاب احلي حني دعا سالت( فإنك ترى هذه االستعارة على لطفها وغرابتها إنما مت هلا احلسن وانتهى إىل حيث انتهى مبا توخي يف وضع

وإن شككت فاعمد . عاونة ذلك ومؤازرته هلا وجتدها قد ملحت ولطفت ومب. الكالم من التقدمي والتأخري سالت شعاب احلي بوجوه : إىل اجلارين والظرف فأزل كال منها عن مكانه الذي وضعه الشاعر فيه فقل

مث انظر كيف يكون احلال وكيف يذهب احلسن واحلالوة وكيف تعدم. كالدنانري عليه حني دعا أنصاره أريحيتك اليت كانت وكيف تذهب النشوة اليت كنت جتدها

وجملة األمر أن هاهنا كالما حسنه للفظ دون النظم وآخر حسنه للنظم دون اللفظ وثالثا قد أتاه احلسن ذي ال تزال ترى الغلط قد من اجلهتني ووجبت له املزية بكال األمرين واإلشكال يف هذا الثالث وهو ال

عارضك فيه وتراك قد حفت فيه على النظم فتركته وطمحت ببصرك إىل اللفظ وقدرت يف حسن كان به إن يف االستعارة ما ال ميكن بيانه إال من : وهذا هو الذي أردت حني قلت لك . وباللفظ أنه للفظ خاصة

بالنظم والوقوف على حقيقته بعد العلممل يزيدوا فيه على ) واشتعل الرأس شيبا : ( ومن دقيق ذلك وخفيه أنك ترى الناس إذا ذكروا قوله تعاىل

هكذا ترى األمر يف ظاهر. ذكر االستعارة ومل ينسبوا الشرف إال إليها ومل يروا للمزية موجبا سواها وال هذا الشرف العظيم وال هذه املزية اجلليلة وهذه الروعة اليت تدخل . كالمهم وليس األمر على ذلك

ولكن ألن سلك بالكالم طريق ما يسند الفعل فيه إىل . على النفوس عند هذا الكالم جملرد االستعارة ما يسند إليه ويؤتى بالذي الفعل له يف املعىن منصوبا بعده مبينا أن الشيء وهو لما هو من سببه فيرفع به

ذلك اإلسناد وتلك النسبة إىل ذلك األول إنما كان من أجل هذا الثاين وملا بينه وبينه من االتصال واملالبسة وكرم أصال طاب زيد نفسا وقر عمرو عينا وتصبب عرقا : كقوهلم

وذلك أنا . وأشباه ذلك مما جتد الفعل فيه منقوال عن الشيء إىل ما ذلك الشيء من سببه . وحسن وجها كما أن طاب للنفس وقر للعني . للشيب يف املعىن وإن كان هو للرأس يف اللفظ " اشتعل " نعلم أن

ما أسند إليه يبين أن الشرف كان ألن سلك فيه هذا املسلك وتوخي به هذا وتصبب للعرق وإن أسند إىلاشتعل شيب الرأس : املذهب أن تدع هذا الطريق فيه وتأخذ اللفظ فتسنده إىل الشيب صرحيا فتقول

خامة وهل ترى الروعة اليت كنت تراها هل جتد ذلك احلسن وتلك الف: مث تنظر . والشيب يف الرأس

إذا استعري للشيب على هذا الوجه كان له الفضل ولم بان " اشتعل " فما السبب يف أن كان : فإن قلت و أصل املعىن باملزية من الوجه اآلخر هذه البينونة فإن السبب أنه يفيد مع لمعان الشيب يف الرأس الذي ه

الشمول وأنه قد شاع فيه وأخذه من نواحيه وأنه قد استغرقه وعم جملته حىت مل يبق من السواد شيء أو مل بل ال . اشتعل شيب الرأس أو الشيب يف الرأس : يبق منه إال ما ال يعتد به وهذا ما ال يكون إذا قيل

اشتعل البيت نارا فيكون : ووزان هذا أنك تقول . أكثر من ظهوره فيه على اجلملة يوجب اللفظ حينئذ : وتقول . املعىن أن النار قد وقعت فيه وقوع الشمول وأهنا قد استولت عليه وأخذت يف طرفيه ووسطه

وعها فيه وإصابتها جانبا منه فأما الشمول فال يفيد ذلك بل ال يقتضي أكثر من وق. اشتعلت النار يف البيت وأن تكون قد استولت على البيت وابتزته فال يعقل من اللفظ البتة

التفجري للعيون يف املعىن وأوقع على األرض ) وفجرنا األرض عيونا : ( ونظري هذا يف التنزيل قوله عز وجل وقد حصل بذلك من معىن الشمول هاهنا مثل الذي حصل . ناك االشتعال إىل الرأس يف اللفظ كما أسند ه

وذلك أنه قد أفاد أن األرض قد كانت صارت عيونا كلها وأن املاء قد كان يفور من كل مكان . هناك يون يف األرض مل يفد ذلك ومل يدل وفجرنا عيون األرض أو الع: ولو أجري اللفظ على ظاهره فقيل . منها

عليه ولكان املفهوم منه أن املاء قد كان فار من عيون متفرقة يف األرض وتبجس من أماكن منها

واعلم أن يف اآلية األوىل شيئا آخر من جنس النظم وهو تعريف الرأس باأللف والالم وإفادة معىن اإلضافة فصرح باإلضافة لذهب بعض احلسن . واشتعل رأسي : ولو قيل . افة وهو أحد ما أوجب املزية من غري إض

وأنا أكتب لك شيئا مما سبيل االستعارة فيه هذا السبيل ليستحكم هذا الباب يف نفسك ولتأنس به . فاعرفه : -الرجز -فمن عجيب ذلك قول بعض األعراب

) والبين محجور على غرابه ... يل داج كنفا جلبابه الل( ولكن يف أن وضع الكالم الذي . ليس كل ما ترى من املالحة ألن جعل لليل جلبابا وحجر على الغراب

أضاف اجللباب إىل ضمري الليل خربا له وفعال ملا بعده وهو الكنفان و" داج " ترى فجعل الليل مبتدأ وجعل يبني ذلك . مبتدأ وأجرى حمجورا خربا عليه وأن أخرج اللفظ على مفعول " البني " وألن جعل كذلك .

وكذلك . قد حجر على غراب البني مل تجد له هذه املالحة : وغراب البني حمجور عليه أو : أنك لو قلت كنفا جلباب الليل مل يكن شيئا قد دجا : لو قلت

: -اخلفيف - ومن النادر فيه قول املتنيب ) فبناها يف وجنة الدهر خاال ... غصب الدهر وامللوك عليها (

وليس األمر . نة قد ترى يف أول األمر أن حسنه أمجع يف أن جعل للدهر وجنة وجعل البنية خاال يف الوجعلى ذلك فإن موضع األعجوبة يف أن أخرج الكالم مخرجه الذي ترى وأن أتى باخلال منصوبا على احلال

وهي خال يف وجنة الدهر لوجدت الصورة غري ما ترى وشبيه : أفال ترى أنك لو قلت " . فبناها " من قوله : بذلك أن ابن املعتز قال

) وخال وجه النهار ... يا مسكة العطار ( يا خاال يف وجه : وكانت املالحة يف اإلضافة بعد اإلضافة ال يف استعارة لفظة اخلال إذ معلوم أنه لو قال

قال . راه ومن شأن هذا الضرب أن يدخله االستك. يا من هو خال يف وجه النهار مل يكن شيئا : النهار أو وذكر أنه يستعمل يف اهلجاء كقول القائل " . إياك واإلضافات املتداخلة فإن ذلك ال يحسن : " الصاحب

: - اخلفيف - ) أنت واهللا ثلجة يف خياره ... يا علي بن محزة بن عماره (

سلم من االستكراه لطف وملح وال شبهة يف ثقل ذلك يف األكثر ولكنه إذا : -طويل -ومما حسن فيه قول ابن املعتز أيضا

) عتاق دنانري الوجوه مالح ... وظلت تدير الراح أيدي جآذر ( : -من املسرح - ومما جاء منه حسنا مجيال قول اخلالدي يف صفة غالم له

) وهو على أن يزيد مجتهد ... ر مثل معرفيت ويعرف الشع( ) املعاين الدقاق منتقد ... وصيريف القريض وزان دينار (

: - الكامل -ومنه قول أيب متام ) والليل أسود رقعة اجللباب ... خذها ابنة الفكر املهذب يف الدجى (

: -طويل - ومما أكثر احلسن فيه بسبب النظم قول املتنيب

) ومن وجد اإلحسان قيدا تقيدا ... وقيدت نفسي يف ذراك محبة ( حىت يألفه االستعارة يف أصلها مبتذلة معروفة فإنك ترى العامي يقول للرجل يكثر إحسانه إليه وبره له

قد قيدين بكثرة إحسانه إيل ومجيل فعله معي حىت صارت نفسي ال تطاوعين على : وخيتار املقام عنده اخلروج من عنده وإنما كان ما ترى من احلسن باملسلك الذي سلك يف النظم والتأليف

فصل يف التقدمي والتأخري

ال يزال يفتر لك عن بديعة ويفضي بك إىل . احملاسن واسع التصرف بعيد الغاية هو باب كثري الفوائد جموال تزال ترى شعرا يروقك مسمعه ويلطف لديك موقعه مث تنظر فتجد سبب أن راقك ولطف . لطيفة

عندك أن قدم فيه شيء وحول اللفظ عن مكان إىل مكان : تقدمي الشيء على وجهني واعلم أن

تقدمي يقال إنه على نية التأخري وذلك يف كل شيء أقررته مع التقدمي على حكمه الذي كان عليه ويف جنسه منطلق زيد : الذي كان فيه كخرب املبتدأ إذا قدمته على املبتدأ واملفعول إذا قدمته على الفاعل كقولك

مل يخرجا بالتقدمي عما كانا عليه من كون هذا خرب " وعمرا " " منطلق " معلوم أن . عمرا زيد وضرب كما يكون إذا أخرت . مبتدأ ومرفوعا بذلك وكون ذلك مفعوال ومنصوبا من أجله

عل وتقدمي ال على نية التأخري ولكن على أن تنقل الشيء عن حكم إىل حكم وجت

له بابا غري بابه وإعرابا غري إعرابه وذلك أن جتيء إىل امسني حيتمل كل واحد منهما أن يكون مبتدأ ويكون ومثاله ما تصنعه بزيد واملنطلق حيث تقول . اآلخر خربا له فتقدم تارة هذا على ذاك وأخرى ذاك على هذا

فأنت يف هذا مل تقدم املنطلق على أن يكون متروكا على حكمه . املنطلق زيد :وأخرى . زيد املنطلق : مرة . الذي كان عليه مع التأخري فيكون خرب مبتدأ كما كان بل على أن تنقله عن كونه خربا إىل كونه مبتدأ

. ه عن كونه مبتدأ إىل كونه خربا وكذلك مل تؤخر زيدا على أن يكون مبتدأ كما كان بل على أن تخرجمل تقدم زيدا على أن يكون مفعوال منصوبا بالفعل كما . ضربت زيدا وزيد ضربته : وأظهر من هذا قولنا

كان ولكن على أن ترفعه باالبتداء وتشغل الفعل بضمريه وجتعله يف موضع اخلرب له وإذ قد عرفت هذا بعه جبملة من الشرح التقسيم فإين أت

" الكتاب " قال صاحب . واعلم أنا مل جندهم اعتمدوا فيه شيئا يجري مجرى األصل غري العناية واالهتمام كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم هلم وهم بشأنه أعنى وإن كانا مجيعا يهمانهم : " وهو يذكر الفاعل واملفعول

إن معىن ذلك أنه قد تكون أغراض الناس يف فعل : وقال النحويون . ومل يذكر يف ذلك مثاال " . م ويعنياهنما أن يقع بإنسان بعينه وال يبالون من أوقعه كمثل ما يعلم من حالهم يف حال اخلارجي يخرج فيعيث

بالون من كان القتل منه وال يعنيهم منه شيء فإذا قتل وأراد ويفسد ويكثر يف األذى أنهم يريدون قتله وال ي. قتل زيد اخلارجي : وال يقول . قتل اخلارجي زيد : مريد اإلخبار بذلك فإنه يقدم ذكر اخلارجي فيقول

نيهم ذكره ويهمهم ويتصل فيع. ألنه يعلم أن ليس للناس يف أن يعلموا أن القاتل له زيد جدوى وفائدة مبسرتهم ويعلم من حالهم أن الذي هم متوقعون له ومتطلعون إليه مىت يكون وقوع القتل باخلارجي املفسد

وأهنم قد كفوا شره وختلصوا منه وأراد املخرب أن يخرب بذلك فإنه فإن كان رجل ليس له بأس وال يقدر فيه أنه يقتل فقتل رجال: مث قالوا

قتل زيد رجال ذاك ألن الذي يعنيه ويعين الناس من شأن هذا القتل طرافته : يقدم ذكر القاتل فيقول ومعلوم أنه مل يكن نادرا وبعيدا من حيث كان واقعا بالذي وقع . وموضع الندرة فيه وبعده كان من الظن

إال أن الشأن يف أنه ينبغي أن يعرف يف . ولكن من حيث كان واقعا من الذي وقع منه فهذا جيد بالغ به كل شيء قدم يف موضع

وقد وقع يف ظنون الناس أنه يكفي أن يقال . من الكالم مثل هذا املعىن ويفسر وجه العناية فيه هذا التفسري لعناية وألن ذكره أهم من غري أن يذكر من أين كانت تلك العناية ومب كان أهم ولتخيلهم ذلك إنه قدم ل:

حىت إنك لترى أكثرهم يرى تتبعه والنظر فيه . قد صغر أمر التقدمي والتأخري يف نفوسهم وهونوا اخلطب فيه صاحبه من هذا وشبهه ومل تر ظنا أزرى على . ضربا من التكلف

وكذلك صنعوا يف سائر األبواب فجعلوا ال ينظرون يف احلذف والتكرار واإلظهار واإلضمار والفصل والوصل وال يف نوع من أنواع الفروق والوجوه إال نظرك فيما غريه أهم لك بل فيما إن مل تعلمه مل يضرك

ذهب هبم عن معرفة البالغة ومنعهم أن يعرفوا مقاديرها وصد أوجههم عن اجلهة ال جرم أن ذلك قد. ويبلغ الشيطان . اليت هي فيها والشق الذي حيويها واملداخل اليت تدخل منها اآلفة على الناس يف شأن العلم

وليت - إن وجدت متعجبا -ها مراده منهم يف الصد عن طلبه وإحراز فضيلته كثرية وهذه من أعجب. شعري إن كانت هذه أمورا هينة وكان املدى فيها قريبا واجلدا يسريا من أين كان نظم أشرف من نظم ر وبم عظم التفاوت واشتد التباين وترقى األمر إىل اإلعجاز وإىل أن يقهر أعناق اجلبابرة أو هاهنا أمور أخنحيل يف املزية عليها وجنعل اإلعجاز كان هبا فتكون تلك احلوالة لنا عذرا يف ترك النظر يف هذه اليت معنا

خيانة منه لعقله ودينه ودخوال -إن نظر العاقل -واإلعراض عنها وقلة املباالة هبا أو ليس هذا التهاون ويغض من قدر ذوي القدر وهل يكون أضعف رأيا وأبعد من حسن التدبر منك إذا فيما يزري بذي اخلطر

وتعرف الصراط والزراط وأشباه ذلك ) رأى القمر ( واإلمالة يف ) أأنذرتهم ( أمهك أن تعرف الوجوه يف عك مما ال يعدو علمك فيه اللفظ وجرس الصوت وال مين

إن مل تعلمه بالغة وال يدفعك عن بيان وال يدخل عليك شكا وال يغلق دونك باب معرفة وال يفضي بك إىل حتريف وتبديل وإىل اخلطأ يف تأويل وإىل ما يعظم فيه املعاب عليك ويطيل لسان القادح فيك وال يعنيك وال

وكان أكثر كالمك يف . هلته عرضت نفسك لكل ذلك وحصلت فيما هنالك يهمك أن تعرف ما إذا جالتفسري وحيث ختوض يف التأويل كالم من ال يبين الشيء على أصله وال يأخذه من مأخذه ومن ربما وقع

زلل والتوفيق ملا هو أقرب ونسأل اهللا العصمة من ال. يف الفاحش من اخلطأ الذي يبقى عاره وتشنع آثاره إىل رضاه من القول والعمل

واعلم أن من اخلطأ أن يقسم األمر يف تقدمي الشيء وتأخريه قسمني فيجعل مفيدا يف بعض الكالم وغري هلذا قوافيه وأن يعلل تارة بالعناية وأخرى بأنه توسعة على الشاعر والكاتب حىت تطرد. مفيد يف بعض فمىت ثبت يف . ذاك ألن من البعيد أن يكون يف مجلة النظم ما يدل تارة وال يدل أخرى . ولذاك سجعه

تقدمي املفعول مثال على الفعل يف كثري من الكالم أنه قد اختص بفائدة ال تكون تلك الفائدة مع التأخري فقد ومن سبيل من جيعل التقدمي وترك التقدمي سواء أن . يف كل شيء وكل حال وجب أن تكون تلك قضية

فأما أن جيعله بني بني فيزعم أنه للفائدة يف بعضها وللتصرف يف اللفظ . يدعي أنه كذلك يف عموم األحوال من غري معنى يف بعض فمما ينبغي أن يرغب عن القول به

ومن أبني شيء يف . ال يستطيع أحد أن ميتنع من التفرقة بني تقدمي ما قدم فيها وترك تقدميه وهذه مسائلأفعلت فبدأت بالفعل كان الشك يف الفعل : ذلك االستفهام باهلمزة فإن موضع الكالم على أنك إذا قلت

أأنت فعلت فبدأت باالسم كان الشك : وإذا قلت . نفسه وكان غرضك من استفهامك أن تعلم وجوده أبنيت الدار اليت كنت على أن تبنيها أقلت : ومثال ذلك أنك تقول . يف الفاعل من هو وكان التردد فيه

ل ألن الشعر الذي كان يف نفسك أن تقوله أفرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه تبدأ يف هذا وحنوه بالفع السؤال عن الفعل نفسه والشك فيه ألنك يف مجيع ذلك متردد يف وجود الفعل

أأنت بنيت هذه الدار أأنت قلت هذا الشعر : وتقول . وانتفائه جموز أن يكون قد كان وأن يكون مل يكن ك يف الفعل أنه كان وكيف وقد ذلك ألنك مل تش. أأنت كتبت هذا الكتاب فتبدأ يف ذلك كله باألسم

فهذا من الفرق ال . أشرت إىل الدار مبنية والشعر مقوال والكتاب مكتوبا وإمنا شككت يف الفاعل من هو

يدفعه دافع وال يشك فيه شاك تبنيها أأنت قلت أأنت بنيت الدار اليت كنت على أن: فلو قلت . وال خيفى فساد أحدمها يف موضع اآلخر

. الشعر الذي كان يف نفسك أن تقوله أأنت فرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه خرجت من كالم الناس أبنيت هذه الدار أقلت هذا الشعر أكتبت هذا الكتاب قلت ما ليس بقول ذاك لفساد : وكذلك لو قلت

أموجود أم ال ومما يعلم به ضرورة أنه ال تكون البداية : صب عينيك أن تقول يف الشيء املشاهد الذي هو نولو قلت . أقلت شعرا قط أرأيت اليوم إنسانا فيكون كالما مستقيما : بالفعل كالبداية باالتسم أنك تقول

عن الفاعل من هو يف مثل هذا أأنت قلت شعرا قط أأنت رأيت إنسانا أخطأت وذاك أنه ال معىن للسؤال: من قال هذا الشعر ومن بنى هذه : ألن ذلك إمنا يتصور إذا كانت اإلشارة إىل فعل خمصوص حنو أن تقول

فأما . الدار ومن أتاك اليوم ومن أذن لك يف الذي فعلت وما أشبه ذلك مما ميكن أن ينص فيه على معني على اجلملة ورؤية إنسان على اإلطالق فمحال ذلك فيه ألنه ليس مما خيتص هبذا دون ذاك حىت قيل شعر

ولو كان تقدمي االسم ال يوجب ما ذكرنا من أن يكون السؤال عن الفاعل من هو . يسأل عن عني فاعله أن يستقيم ذلك وكان يصح أن يكون سؤاال عن الفعل أكان أم مل يكن لكان ينبغي

فإذا قلت . قائم فيها إذا كانت هي للتقرير " وهي لالستفهام " واعلم أن هذا الذي ذكرت لك يف اهلمزة أأنت ( يبني ذلك قوله تعاىل حكاية عن قول منروذ . أأنت فعلت ذاك كان غرضك أن تقرره بأنه الفاعل

ال شبهة يف أنهم مل ) راهيم فعلت هذا بآلهتنا يا إب

. يقولوا ذلك له عليه السالم وهم يريدون أن يقر هلم بأن كسر األصنام قد كان ولكن أن يقر بأنه منه كان بل فعله : ( وقال هو عليه السالم يف اجلواب ) . أأنت فعلت هذا : ( وقد أشاروا له إىل الفعل يف قوهلم

: " أو ليس إذا قال : فعلت أو مل أفعل فإن قلت : ولو كان التقرير بالفعل لكان اجلواب ) . هم هذا كبريفهو يريد أيضا أن يقرره بأن الفعل كان منه ال بأنه كان على اجلملة فأي فرق بني احلالني فإنه إذا " أفعلت

من غري أن يردده بينه وبني غريه وكان كالمه كالم من يوهم أنه ال فهو يقرره بالفعل" أفعلت : " قال أأنت فعلت كان قد ردد الفعل بينه وبني غريه ومل يكن : وإذا قال . يدري أن ذلك الفعل كان على احلقيقة

بداللة أنك ، فعل أم مل يكن ومل يكن كالمه كالم من يوهم أنه ال يدري أكان ال. منه يف نفي الفعل تردد تقول ذلك والفعل ظاهر موجود مشار إليه كما رأيت يف اآلية

وهلا مذهب آخر . واعلم أن اهلمزة فيما ذكرنا تقرير بفعل قد كان وإنكار له لم كان وتوبيخ لفاعله عليه أفأصفاكم ربكم بالبنني : ( ومثاله قوله تعاىل . أصله وهو أن يكون إلنكار أن يكون الفعل قد كان من أصطفى البنات على البنني ما لكم : ( وقوله عز وجل ) واتخذ من املالئكة إناثا إنكم لتقولون قوال عظيما

وإذا . ب هلم يف قولهم ما يؤدي إىل هذا اجلهل العظيم فهذا رد على املشركني وتكذي) . كيف تحكمون أأنت قلت هذا الشعر : قدم االسم يف هذا صار اإلنكار يف الفاعل ومثاله قولك للرجل قد انتحل شعرا

نكار الفعل وقد تكون إذ يراد إ. أنكرت أن يكون القائل ومل تنكر الشعر . كذبت لست ممن يحسن مثله ) قل آلله أذن لكم : ( من أصله مث يخرج اللفظ مخرجه إذا كان اإلنكار يف الفاعل مثال ذلك قوله تعاىل

ومعلوم أن ) . قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحالال : ( اإلذن راجع إىل قوله املعىن على إنكار أن يكون قد كان من اهللا تعاىل

إال أن اللفظ أخرج . إذن فيما قالوه من غري أن يكون هذا اإلذن قد كان من غري اهللا فأضافوه إىل اهللا تعاىل إذنا كان من غري اهللا فإذا مخرجه إذا كان األمر كذلك ألن يجعلوا يف صورة من غلط فأضاف إىل اهللا

حقق عليه ارتدع أهو قال ذاك باحلقيقة أم أنت تغلط : ومثال ذلك قولك للرجل يدعي أن قوال كان ممن تعلم أنه ال يقوله

فاعل فيكون تضع الكالم وضعه إذا كنت علمت أن ذلك القول قد كان من قائل لينصرف اإلنكار إىل القل آلذكرين حرم أم األنثيني أما اشتملت عليه أرحام : ( ونظري هذا قوله تعاىل . أشد لنفي ذلك وإبطاله

أخرج اللفظ مخرجه إذا كان قد ثبت حترمي يف أحد أشياء مث أريد معرفة عني احملرم مع أن املراد ) األنثيني وذلك أن كان الكالم وضع . إنكار التحرمي من أصله ونفي أن يكون قد حرم شيء مما ذكروا أنه حمرم

أخبرونا عن هذا التحرمي الذي زعمتم فيم هو أيف هذا أم : على أن يجعل التحرمي كأنه قد كان مث يقال هلم ويظهر مكان الفرية منهم على اهللا تعاىل ذاك أم يف الثالث ليتبين بطالن قولهم

مىت كان هذا أيف ليل أم هنار تضع الكالم وضع من سلم : ومثل ذلك قولك للرجل يدعي أمرا وأنت تنكره : له قولك ومث. أن ذلك قد كان مث تطالبه ببيان وقته لكي يتبني كذبه إذا مل يقدر أن يذكر له وقتا ويفتضح

من أمرك هبذا منا وأينا أذن لك فيه وأنت ال تعين أن أمرا قد كان بذلك من واحد منكم إال أنك تضع فالن وأن يحيل على واحد : الكالم هذا الوضع لكي تضيق عليه وليظهر كذبه حني ال يستطيع أن يقول

والقول . قدمي الفعل وتقدمي االسم والفعل ماض فينبغي أن ينظر فيه والفعل مضارع وإذ قد بينا الفرق بني تفإن أردت احلال كان . أتفعل وأأنت تفعل مل خيل من أن تريد احلال أو االستقبال : يف ذلك أنك إذا قلت

املعىن على أنك أردت أن تقرره بفعل هو يفعله أتفعل كان : املعىن شبيها مبا مضى يف املاضي فإذا قلت أأنت تفعل كان املعىن على أنك تريد : وإذا قلت . وكنت كمن يوهم أنه ال يعلم باحلقيقة أن الفعل كائن

أن

وإن أردت . وكان أمر الفعل يف وجوده ظاهرا وحبيث ال يحتاج إىل اإلقرار بأنه كائن. تقرره بأنه الفاعل إذا بدأت بالفعل على أنك تعمد باإلنكار إىل الفعل نفسه وتزعم أنه ال : املستقبل كان املعىن " تفعل " ب

: - طويل -أو أنه ال ينبغي أن يكون فمثال األول . يكون ) اب أغوال ومسنونة زرق كأني... أيقتلني واملشرفي مضاجعي (

ومثله أن يطمع طامع يف أمر . فهذا تكذيب منه إلنسان تهدده بالقتل وإنكار أن يقدر على ذلك ويستطيعه أيرضى عنك فالن وأنت مقيم على ما يكره أجتد عنده ما حتب وقد : ال يكون مثله فتجهله يف طمعه فتقول

ومثال الثاين قولك للرجل ) أنلزمكموها وأنتم هلا كارهون : ( لك قوله تعاىل فعلت وصنعت وعلى ذ: أخترج يف هذا الوقت أتذهب يف غري الطريق أتغرر بنفسك وقولك للرجل يضيع احلق : يركب اخلطر

: - طويل -عه ألن تغير الزمان كما قال أتنسى قدمي إحسان فالن أتترك صحبته وتتغير عن حالك م

) زيارته إني إذا للئيم ... أأترك إن قلت دراهم خالد ( أهو يفعل كنت : أأنت تفعل أو قلت : جملة األمر أنك تنحو باإلنكار حنو الفعل فإن بدأت باالسم فقلت

اإلنكار إىل نفس املذكور وأبيت أن تكون مبوضع أن وجهت

أأنت تمنعين أأنت تأخذ : تفسري ذلك أنك إذا قلت . جييء منه الفعل وممن جييء منه وأن يكون بتلك املثابة عت إن غريك الذي يستطيع منعي واألخذ على يدي ولست بذاك ولقد وض: على يدي صرت كأنك قلت

وقد يكون أن . هذا إذا جعلته ال يكون منه الفعل للعجز وألنه ليس يف وسعه . نفسك يف غري موضعك أهو يسأل : ومثاله أن تقول . جتعله ال حييء منه ألنه ال خيتاره وال يرتضيه وأن نفسه نفس تأىب مثله وتكرهه

وقد يكون أن جتعله ال يفعله . مينع الناس حقوقهم هو أكرم من ذاك أهو. فالنا هو أرفع مهة من ذلك أهو يسمح مبثل هذا أهو يرتاح للجميل : لصغر قدره وقصر همته وأن نفسه نفس ال تسمو وذلك قولك

هو أقصر مهة من ذلك وأقل رغبة يف اخلري مما تظن إين أفعل : أن تقدمي االسم يقتضي أنك عمدت باإلنكار إىل ذات من قيل إنه يفعل أو قال هو وجملة األمر

وال يكون هذا املعىن إذا بدأت . ليس هو بالذي يفعل وليس مثله يفعل : وأردت ما تريده إذا قلت . أخترج يف هذا الوقت : ل أن تزعم أن املعىن يف قول الرجل لصاحبه أتفعل أال ترى أن املحا: بالفعل فقلت

. أتغرر بنفسك أمتضي يف غري الطريق أنه أنكر أن يكون مبثابة من يفعل ذلك ومبوضع من جييء منه ذاك وكذلك حمال . يستعمل فيها هذا الكالم ذاك ألن العلم حميط بأن الناس ال يريدونه وأنه ال يليق باحلال اليت

أنا لسنا مبثابة من جييء منه هذا ) أنلزمكموها وأنتم هلا كارهون : ( أن يكون املعىن يف قوله جل وعال ل فإذا نظر مل وقد يتوهم املتوهم يف الشيء من ذلك أنه حيتم -جل اهللا تعاىل - اإللزام وأن غرينا من يفعله

: حيتمل فمن ذلك قوله ... ) أيقتلين واملشريف مضاجعي (

: وقد يظن الظان أنه جيوز أن يكون يف معىن أنه ليس بالذي جييء منه أن يقتل مثلي ويتعلق بأنه قال قبل ) رء ليس بقتال ليقتلني وامل... يغط غطيط البكر شد خناقه (

. فذكر ما يكون منعا من الفعل " واملشريف مضاجعي : " ولكنه إذا نظر علم أنه ال جيوز وذاك ألنه قال إين أمنعه ألن املنع يتصور فيمن جييء منه الفعل ومع : ومحال أن يقول هو ممن ال جييء منه الفعل مث يقول

ن يصح منه ال من هو منه محال ومن هو نفسه عنه عاجز فاعرفه مواعلم أنا وإن كنا نفسر االستفهام يف مثل هذا باإلنكار فإن الذي هو محض املعىن أنه لتنبيه السامع حىت

فإذا ثبت . القدرة على فعل ال يقدر عليه يرجع إىل نفسه فيخجل ويرتدع ويعيا باجلواب إما ألنه قد ادعىوإما ألنه هم بأن يفعل ما ال يستصوب فعله فإذا روجع فيه . فيفضحه ذلك " فافعل : " على دعواه قيل

: ى تعنته وقيل له وإما ألنه جوز وجود أمر ال يوجد مثله فإذا ثبت على جتويزه وبخ عل. تنبه وعرف اخلطأ ولو كان يكون لإلنكار وكان املعىن فيه . وأقم شاهدا على أنه كان يف وقت . فأرناه يف موضع ويف حال

أتصعد إىل : إنه يكون حىت ينكر عليه كقوهلم : من بدء األمر لكان ينبغي أن ال جييء فيما ال يقول عاقل

اجلبال أإىل رد ما مضى سبيل وإذ قد عرفت ذلك فإنه ال يقرر باملحال ومبا ال السماء أتستطيع أن تنقلإنه يكون إال على سبيل التمثيل وعلى أن يقال له إنك يف دعواك ما ادعيت مبنزلة من يدعي : يقول أحد

من يطمع يف املمتنع هذا املحال وإنك يف طمعك يف الذي طمعت فيه مبنزلة ليس ) . أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي : ( وإذ قد عرفت هذا فمما هو من هذا الضرب قوله تعاىل

ظن هبم وإنما املعىن فيه التمثيل والتشبيه وأن ينزل الذي ي. إمساع الصم مما يدعيه أحد فيكون ذلك لإلنكار مث املعىن يف تقدمي . أهنم يسمعون أو أنه يستطيع إمساعهم منزلة من يرى أنه يسمع الصم ويهدي العمي

أأنت خصوصا قد أوتيت أن تسمع الصم وأن : هو أن يقال للنيب " أتسمع الصم : " االسم وأن مل يقل ومن لطيف . ه أنه يستطيع إمساعهم مبثابة من يظن أنه قد أويت قدرة على إمساع الصم يجعل يف ظن

: - الكامل - ذلك قول ابن أيب عيينة ) أطنني أجنحة الذباب يضري ... فدع الوعيد فما وعيدك ضائري (

ني أجنحة الذباب مبثابة ما يضري حىت ظن أن وعيده يضري جعله كأنه قد ظن أن طنواعلم أن حال املفعول فيما ذكرنا كحال الفاعل أعين تقدمي إسم املفعول يقتضي أن يكون اإلنكار يف طريق

دا تضرب كنت قد أنكرت أزي: فإذا قلت . اإلحالة واملنع من أن يكون مبثابة أن يوقع به مثل ذلك الفعل يف " غري " أن يكون زيد مبثابة أن يضرب أو مبوضع أن يجترأ عليه ويستجاز ذلك فيه ومن أجل ذلك قدم

أو أتتكم قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله : ( وقوله عز وجل ) قل أغير الله أتخذ وليا : ( قوله تعاىل قل : وكان له من احلسن واملزية والفخامة ما علم أنه ال يكون لو أخر فقيل ) الساعة أغير الله تدعون

أتتخذ غري اهللا وليا وأتدعون غري اهللا وذلك ألنه حصل بالتقدمي معىن قولك أيكون غري اهللا مبثابة أن يتخذ من نفسه أن يفعل ذلك وأيكون جهل أجهل وعمى أعمى من ذلك وال يكون شيء من وليا وأيرضى عاقل

أأتخذ غري اهللا وليا وذلك ألنه حينئذ يتناول الفعل أن يكون فقط وال يزيد على ذلك فاعرفه : ذلك إذا قيل وذلك ألنهم بنوا كفرهم على أن من ) . حدا نتبعه فقالوا أبشرا منا وا: ( وكذلك احلكم يف قوله تعاىل

كان مثلهم بشرا مل يكن مبثابة أن يتبع ويطاع وينتهى إىل ما يأمر ويصدق أنه مبعوث من اهللا تعاىل وأهنم : ( وكقوله عز وجل ) ا تريدون أن تصدونا إن أنتم إال بشر مثلن: ( مأمورون بطاعته كما جاء يف األخرى

ما هذا إال بشر مثلكم يريد أن

فهذا هو القول يف الضرب األول وهو أن يكون يفعل بعد ) يتفضل عليكم ولو شاء الله ألنزل مالئكة اهلمزة لفعل مل يكن

الثاين وهو أن يكون يفعل لفعل موجود فإن تقدمي االسم يقتضي شبها مبا اقتضاه يف املاضي من وأما الضرب أأنت : فمثال األول قولك للرجل يبغي ويظلم . األخذ بأن يقر أنه الفاعل أو اإلنكار أن يكون الفاعل

أفأنت تكره : ( أن األمر كيت وكيت وعلى ذلك قوله تعاىل جتيء إىل الضعيف فتغضب ماله أأنت تزعم ، ) أهم يقسمون رحمة ربك ( ومثال الثاين ) الناس حتى يكونوا مؤمنني

فصل يف التقدمي والتأخري يف النفي

كنت نفيت عنك . ما فعلت : إذا قلت . في وإذ قد عرفت هذه املسائل يف االستفهام فهذه مسائل يف النتفسري ذلك . كنت نفيت عنك فعال ثبت أنه مفعول . ما أنا فعلت : وإذا قلت . فعال مل يثبت أنه مفعول

مقول وكنت نوظرت يف شيء ثبت أنه . كنت نفيت أن تكون قد قلت ذاك . ما قلت هذا : أنك إذا قلت كنت نفيت عنك ضربه ومل جيب أن يكون قد ضرب بل جيوز أن . ما ضربت زيدا : وكذلك إذا قلت .

مل تقله إال وزيد : ما أنا ضربت زيدا : وإذا قلت . يكون قد ضربه غريك وأن ال يكون قد ضرب أصال ارب مضروب وكان القصد أن تنفي أن تكون أنت الض

ما قلت شعرا قط وما أكلت اليوم : ومن أجل ذلك صلح يف الوجه األول أن يكون املنفي عاما كقولك ما أنا قلت شعرا قط وما : ومل يصلح يف الوجه الثاين فكان خلفا أن تقول . شيئا وما رأيت أحدا من الناس وذلك ألنه يقتضي املحال وهو أن يكون هاهنا إنسان . ت أحدا من الناس أنا أكلت اليوم شيئا وما أنا رأي

فنفيت أن تكونه . قد قال كل شعر يف الدنيا وأكل كل شيء يؤكل ورأى كل أحد من الناس : - من املتقارب -ومما هو مثال بني يف أن تقدمي االسم يقتضي وجود الفعل قوله

) وال أنا أضرمت يف القلب نارا ... ا أنا أسقمت جسمي به وم( كما ال يخفي على أن السقم ثابت موجود وليس القصد بالنفي إليه ولكن إىل أن يكون هو اجلالب : املعىن

له ويكون قد جره إىل نفسه : - طويل -ومثله يف الوضوح قوله

... ) دي قلت ذا الشعر كله وما أنا وح( الشعر مقول على القطع والنفي ألن يكون هو وحده القائل له

وهاهنا أمران يرتفع معهما الشك يف وجوب هذا الفرق ويصري العلم به كالضرورة بت زيدا وال ضربه أحد وما ضر. ما قلت هذا وال قاله أحد من الناس : أحدمها أنه يصح لك أن تقول

وما أنا . ما أنا قلت هذا وال قاله أحد من الناس : فلو قلت . وال يصح ذلك يف الوجه اآلخر . سواي لست الضارب : ضربت زيدا وال ضربه أحد سواي كان خلفا من القول وكان يف التناقض مبنزلة أن تقول

فتثبت . ما ضربه أحد من الناس ولست القائل ذلك : قد ضرب مث تقول من بعده فتثبت أنه. زيدا أمس وما قاله أحد من الناس : أنه قد قيل مث جتيء فتقول

ما أنا ضربت إال زيدا : ما ضربت إال زيدا فيكون كالما مستقيما ولو قلت : والثاين من األمرين أنك تقول وتقدميك ضمريك وإيالؤه . من القول وذلك ألن نقض النفي بإال يقتضي أن تكون ضربت زيدا كان لغوا

حرف النفي يقتضي نفي أن تكون ضربته فهما يتدافعان فاعرفه عل ما ضربت زيدا فقدمت الف: فإذا قلت . وجييء لك هذا الفرق على وجهه يف تقدمي املفعول وتأخريه

كان املعىن أنك قد نفيت أن يكون قد وقع ضرب منك على زيد ومل تعرض يف أمر غريه لنفي وال إثبات ما زيدا ضربت فقدمت املفعول كان املعىن على أن ضربا وقع منك : وإذا قلت . وتركته مبهما محتمال

ما ضربت : فلك أن تقول يف الوجه األول . فنفيت أن يكون إياه على إنسان وظن أن ذلك اإلنسان زيد زيدا وال أحدا من

ما زيدا ضربت وال أحدا من الناس كان فاسدا على ما مضى : الناس وليس لك يف الوجه الثاين فلو قلت يف الفاعل

ولكين أكرمته فتعقب الفعل املنفي بإثبات فعل ما ضربت زيدا : ومما ينبغي أن تعلمه أنه يصح لك أن تقول مل يكن الفعل هذا : ما زيدا ضربت ولكين أكرمته وذاك أنك مل ترد أن تقول : هو ضده وال يصح أن تقول

ربت ما زيدا ض: فالواجب إذا أن تقول . ولكن ذاك ولكنك أردت أنه مل يكن املفعول هذا ولكن ذاك ما أمرتك هبذا كان : فإذا قلت . وحكم اجلار مع اجملرور يف مجيع ما ذكرنا حكم املنصوب . ولكن عمرا

ما هبذا : وإذا قلت . املعىن على نفي أن تكون قد أمرته بذلك ومل جيب أن تكون قد أمرته بشيء آخر أمرتك كنت قد أمرته بشيء غريه

والتأخري يف اخلرب املثبتالتقدمي

فإذا . واعلم أن هذا الذي بان لك يف االستفهام والنفي من املعىن يف التقدمي قائم مثله يف اخلبر املثبت زيد قد فعل وأنا : عمدت إىل الذي أردت أن حتدث عنه بفعل فقدمت ذكره ثم بنيت الفعل عليه فقلت

: إال أن املعىن يف هذا القصد ينقسم قسمني . نت فعلت اقتضى ذلك أن يكون القصد إىل الفاعل فعلت وأأحدهما جلي ال يشكل وهو أن يكون الفعل فعال قد أردت أن تنص فيه على واحد فتجعله له وتزعم أنه

أنا كتبت يف معىن فالن وأنا شفعت يف : تقول ومثال ذلك أن . فاعله دون واحد آخر أو دون كل أحد بابه تريد أن تدعي االنفراد بذلك واالستبداد به وتزيل االشتباه فيه وترد على من زعم أن ذلك كان من

نا أتعلمين بضب أ: " فيه كما كتبت ومن البين يف ذلك قولهم يف املثل . غريك أو أن غريك قد كتب والقسم الثاين أن ال يكون القصد إىل الفاعل على هذا املعىن ولكن على أنك أردت أن حتقق " . حرشته

على السامع أنه قد فعل ومتنعه من الشك فأنت لذلك تبدأ بذكره وتوقعه

الشبهة وتمنعه من اإلنكار أو من أن يظن بك أوال ومن قبل أن تذكر الفعل يف نفسه لكي تباعده بذلك يفهو يعطي اجلزيل وهو حيب الثناء ال تريد أن تزعم أنه ليس هاهنا من يعطي : الغلط أو التزيد ومثاله قولك

غب كما اجلزيل وحيب الثناء غريه وال أن تعرض بانسان وحتطه عنه وجتعله ال يعطي كما يعطي وال ير. وأن متكن ذلك يف نفسه . ولكنك تريد أن حتقق على السامع أن إعطاء اجلزيل وحب الثناء دأبه . يرغب

: - طويل - ومثاله يف الشعر ) وأجرد سباح يبذ المغاليا ... هم يفرشون اللبد كل طمرة (

ي هلم هذه الصفة دعوى من يفردهم هبا وينص عليهم فيها حىت كأنه يعرض بقوم آخرين مل يرد أن يدعوإنما أراد أن يصفهم بأنهم فرسان يمتهدون صهوات اخليل وأهنم ! فينفي أن يكونوا أصحابها هذا حمال

غريهم إال أنه بدأ بذكرهم لينبه السامع يقتعدون اجلياد منها وأن ذلك دأبهم من غري أن يعرض لنفيه عنهلم ويعلم بديا قصده إليهم مبا يف نفسه من الصفة ليمنعه بذلك من الشك ومن توهم أن يكون قد وصفهم

: - طويل -بصفة ليست هي هلم أو أن يكون قد أراد غريهم فغلط إليهم وعلى ذلك قول اآلخر ) على وجهه من الدماء سبائب ... ضربون الكبش يبرق بيضه هم ي(

ولكن أراد الذي ذكرت من تنبيه . مل يرد أن يدعي هلم االنفراد وجيعل هذا الضرب ال يكون إال منهم السامع لقصدهم باحلديث من قبل ذكر احلديث ليحقق األمر

: -من اهلزج -ده ومن البين فيه قول عروة بن أذينة ويؤك ) فأين تقولها أينا ... سليمى أزمعت بينا (

وذلك أنه ظاهر معلوم أنه مل يرد أن جيعل هذا اإلزماع هلا خاصة وجيعلها من مجاعة مل يزمع البني منهم أحد فأوقع ذكرها يف سمع الذي كلم ابتداء ومن أول . كنه أراد أن حيقق األمر ويؤكده هذا حمال ول. سواها

ومثله يف الوضوح قوله . األمر ليعلم قبل هذا احلديث أنه أرادها باحلديث فيكون ذلك أبعد له من الشك : - طويل - ) شحيحان ما اسطاعا عليه كالهما .. .هما يلبسان املجد أحسن لبسة (

وأبني من اجلميع . ال شبهة يف أنه مل يرد أن يقصر هذه الصفة عليهما ولكن نبه هلما قبل احلديث عنهما وإذا جاؤوكم : ( جل وقوله عز و) واتخذوا من دونه آلهة ال يخلقون شيئا وهم يخلقون : ( قوله تعاىل

وهذا الذي قد ذكرت من أن تقدمي ذكر احملدث عنه ) قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به عليه يفيد التنبيه له قد ذكره صاحب الكتاب يف املفعول إذا قدم فرفع باالبتداء وبين الفعل الناصب كان له

وإمنا قلت عبد الله : عبد الله ضربته فقال " : ضربت عبد الله " وعدي إىل ضمريه فشغل به كقولنا يف فنبهته له مث بنيت عليه الفعل ورفعته باالبتداء

ذلك الفعل له وأن يكون فمن أين وجب أن يكون تقدمي ذكر احملدث عنه بالفعل آكد إلثبات: فإن قلت : أبلغ يف جعلهما يلبسانه من أن يقول " مها يلبسان اجملد : " قوله

. فإن ذلك من أجل أنه ال يؤتى باالسم معرى من العوامل إال لحديث قد نوي إسناده إليه . يلبسان اجملد ت قلبه بذلك أنك قد أردت احلديث عنه فإذا جئت فقد أشعر" عبد اهللا : " وإذا كان كذلك فإذا قلت

قدم فقد علم ما جئت به وقد وطأت له وقدمت : خرج أو قلت : قام أو قلت : باحلديث فقلت مثال - ال حمالة - اإلعالم فيه فدخل على القلب دخول املأنوس به وقبله قبول املتهيء له املطمئن إليه وذلك

أشد لثبوته وأنفى للشبهة وأمنع للشك وأدخل يف التحقيق وجملة األمر أنه ليس إعالمك الشيء بغتة مثل إعالمك له بعد التنبيه عليه والتقدمة له ألن ذلك يجري

ذا أضمر مث فسر كان ذلك أفخم إن الشيء إ: مجرى تكرير اإلعالم يف التأكيد واإلحكام ومن هاهنا قالوا فإنها ال : ( له من أن يذكر من غري تقدم إضمار ويدل على صحة ما قالوه أنا نعلم ضرورة يف قوله تعاىل

بيل وكذلك الس. فإن األبصار ال تعمى : فخامة وشرفا وروعة ال جند منها شيئا يف قولنا ) تعمى األبصار

يفيد من القوة يف نفي ) إنه ال يفلح الكافرون : ( فقوله تعاىل . أبدا يف كل كالم كان فيه ضمري قصة إن الكافرين ال يفلحون مل يفد ذلك ومل يكن ذلك كذلك إال ألنك تعلمه : الفالح عن الكافرين ما لو قيل

وال يخفى مكان . نت به يف حكم من بدأ وأعاد ووطد مث بين ولوح مث صرح إياه من بعد تقدمة وتنبيه أ املزية فيما طريقه هذا الطريق

ويشهد لما قلنا من أن تقدمي احملدث عنه يقتضي تأكيد اخلرب وحتقيقه له أنا إذا تأملنا وجدنا هذا الضرب من أنت : ليس يل علم بالذي تقول فتقول له : ق فيه إنكار من منكر حنو أن يقول الرجل الكالم جييء فيما سب

هو يعلم ذاك وإن أنكر وهو يعلم : وكقول الناس . تعلم أن األمر على ما أقول ولكنك متيل إىل خصمي فهذا من ) لله الكذب وهم يعلمون ويقولون على ا: ( وكقوله تعاىل . الكذب فيما قال وإن حلف عليه

أبني شيء

وذاك أن الكاذب ال سيما يف الدين ال يعترف بأنه كاذب وإذا مل يعترف بأنه كاذب كان أبعد من ذلك أن ما صنع فالن كأنك ال تعلم: يعترف بالعلم بأنه كاذب أو جييء فيما اعترض فيه شك حنو أن يقول الرجل

وإذا جاؤوكم قالوا آمنا : ( أنا أعلم ولكني أداريه أو يف تكذيب مدع كقوله عز وجل : ومل يبلغك فيقول كما آمنا دعوى منهم أنهم مل يخرجوا بالكفر: وذلك أن قوهلم ) . وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به

واتخذوا من دونه : ( أو فيما القياس يف مثله أن ال يكون كقوله تعاىل . دخلوا به فاملوضع موضع تكذيب وكذلك يف كل . وذلك أن عبادتهم هلا تقتضي أن ال تكون خملوقة ) آلهة ال يخلقون شيئا وهم يخلقون

أال تعجب من فالن يدعي : ى خالف العادة وعما يستغرب من األمر حنو أن نقول شيء كان خربا عل العظيم وهو يعيا باليسري ويزعم انه شجاع وهو يفزع من أدىن شيء

. األمر أنا أعطيك أنا أكفيك أنا أقوم هبذا : ومما يحسن ذلك فيه ويكثر الوعد والضمان كقول الرجل وذلك أن من شأن من تعده وتضمن له أن يعترضه الشك يف متام الوعد ويف الوفاء به فهو من أحوج شيء

أنت تعطي اجلزيل أنت تقري يف املحل أنت جتود حني ال جيود : إىل التأكيد وكذلك يكثر يف املدح كقولك : - الكامل - وكما قال . أحد

) القوم يخلق مث ال يفري ... وألنت تفري ما خلقت وبعض ( : - من الرمل -وكقول اآلخر

... ) نحن يف املشتاة ندعو اجلفلى (

فيما ميدح به ويباعدهم من الشبهة وكذلك املف . تخر وذلك أن من شأن املادح أن مينع السامعني من الشك ويزيدك بيانا أنه إذا كان الفعل مما ال يشك فيه وال ينكر حبال مل يكد جييء على هذا الوجه ولكن يؤتى به

قد خرج : فإذا أخربت باخلروج مثال عن رجل من عاداته أن خيرج يف كل غداة قلت . غري مبين على اسم هو قد خرج ذاك ألنه ليس بشيء يشك فيه السامع فتحتاج أن حتققه وإىل أن : ومل حتتج إىل أن تقول.

وكذلك إذا علم السامع من حال رجل أنه على نية الركوب واملضي إىل موضع . تقدم فيه ذكر احملدث عنه هو قد ركب : قد ركب وال تقول : ل ومل يكن شك وتردد أنه يركب أو ال يركب كان خربك فيه أن تقو

جئته وهو قد : وذلك قولك . فإن جئت مبثل هذا يف صلة كالم ووضعته بعد واو احلال حسن حينئذ . وذاك أن احلكم يتغري إذا صارت اجلملة يف مثل هذا املوضع ويصري األمر مبعرض الشك . ركب وذاك .

: فإن قلت فإنك قد تقول . هذا من ظن أنه يصادفه يف منزله وأن يصل إليه من قبل أن يركب أنه إمنا يقولأفال ترى . فإن الشك ال يقوى حينئذ قوته يف الوجه األول . جئته وقد ركب هبذا املعىن ومع هذا الشك

: شمس قد طلعت كان ذلك أبلغ يف استبطائك له من أن تقول أتانا وال: أنك إذا استبطأت إنسانا فقلت أتى والشمس مل تطلع كان أقوى يف وصفك به : أتانا وقد طلعت الشمس وعكس هذا أنك إذا قلت

هذا وهو . أتى ومل تطلع الشمس بعد : بالعجلة واجمليء قبل الوقت الذي ظن أنه جييء فيه من أن تقول : -الكامل -ال يكاد جييء إال نابيا وإنما الكالم البليغ هو أن تبدأ باالسم وتبين الفعل عليه كقوله كالم

... ) قد أغتدي والطري مل تكلم ( رأيته : كقولك فإذا كان الفعل فيما بعد هذه الواو اليت يراد هبا احلال مضارعا مل يصلح إال مبنيا على اسم

: -طويل -وكقوله . وهو يكتب ودخلت عليه وهو يملي احلديث ) إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا ... تمززتها والديك يدعو صباحه (

ومتززتها رأيته ويكتب ودخلت عليه وميلي احلديث : ليس يصلح شيء من ذلك إال على ما تراه لو قلت ويدعو الديك صباحه مل يكن شيئا

: ومما هو هبذه املنزلة يف أنك جتد املعىن ال يستقيم إال على ما جاء عليه من بناء الفعل على االسم قوله تعاىل طري واألولني اكتتبها فهي تملى عليه وقالوا أسا) ( إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحني (

فإنه ال ) وحشر لسليمان جنوده من اجلن واإلنس والطير فهم يوزعون : ( وقوله تعاىل ) بكرة وأصيال إن وليي الله الذي نزل : قيل يخفى على من له ذوق أنه لو جيء يف ذلك بالفعل غري مبين على االسم ف

واإلنس والطري فيوزعون الكتاب ويتولى الصاحلني واكتتبها فتملى عليه وحشر لسليمان جنوده من اجلن لوجد اللفظ قد نبا عن املعىن واملعىن قد زال عن صورته واحلال اليت ينبغي أن يكون عليها

أنت ال تحسن هذا كان أشد : لصنيع يقتضي يف الفعل املنفي ما اقتضاه يف املثبت فإذا قلت واعلم أن هذا اويكون الكالم يف األول مع من هو أشد إعجابا . ال تحسن هذا : لنفي إحسان ذلك عنه من أن تقول

ال تحسن أنت مل يكن : عد تحسن فقلت بنفسه وأعرض دعوى يف أنه حيسن حىت إنك لو أتيت بأنت فيما بيفيد من التأكيد يف نفي اإلشراك ) والذين هم برهبم ال يشركون : ( وكذلك قوله تعاىل . له تلك القوة

حق لقد : ( والذين ال يشركون بربهم أو بربهم ال يشركون مل يفد ذلك وكذا قوله تعاىل : عنهم ما لو قيل إن ( و ) فعميت عليهم األنباء يومئذ فهم ال يتساءلون : ( وقوله تعاىل ) القول على أكثرهم فهم ال يؤمنون

) شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم ال يؤمنون : تقدمي مثل وغري : - السريع - يف نحو قوله " غري " و " مثل " السم فيه كالالزم ومما يرى تقدمي ا

) ويسترد الدمع عن غربه ... مثلك يثني املزن عن صوبه ( م يريد القيد ألمحلنك على األده: وكقول الذي قال له احلجاج . مثلك رعى احلق واحلرمة : وقول الناس

وما أشبه ذلك مما ال يقصد فيه مبثل . ومثل األمري حيمل على األدهم واألشهب : فقال على سبيل املغالطة ولكنهم يعنون أن كل من كان مثله يف احلال والصفة كان من مقتضى . إىل إنسان سوى الذي أضيف إليه

-ومن أجل أن املعىن كذلك قال . العرف والعادة أن يفعل ما ذكر أو أن ال يفعل وموجب. القياس : - السريع

) سواك يا فردا بال مشبه ... ولم أقل مثلك أعين به ( " أن يومىء غريي يفعل ذاك على معىن أين ال أفعله ال: إذا سلك هذا املسلك فقيل " غري " وكذلك حكم

: - البسيط -إىل إنسان فيخرب عنه بأن يفعل كما قال " بغري ... ) غيري بأكثر هذا الناس ينخدع (

وذاك أنه معلوم أنه مل يرد أن يعرض بواحد كان هناك فيستنقصه ويصفه بأنه مضعوف يغر ويخدع بل مل : - الوافر -وكذلك مل يرد أبو متام بقوله . إين لست ممن ينخدع ويغتر : يرد إال أن يقول

أن يعرض مثال بشاعر سواه فيزعم أن ) وتشحب عنده بيض األيادي ... وغيري يأكل املعروف سحتا ( ال منه هذا حمال بل ليس إال أنه نفى عن الذي قرف به عند املمدوح من أنه هجاه كان من ذلك الشاعر

على هذا السبيل شيء مركوز يف " غري " و " مثل " واستعمال . نفسه أن يكون ممن يكفر النعمة ويلؤم الطباع وهو جار يف عادة

عل إذا نحي هبما هذا فأنت اآلن إذا تصفحت الكالم وجدت هذين االمسني يقدمان أبدا على الف. كل قوم يثين املزن : أفال ترى أنك لو قلت . النحو الذي ذكرت لك وترى هذا املعىن ال يستقيم فيهما إذا مل يقدما

عن صوبه مثلك ورعى احلق واحلرمة مثلك وحيمل على االدهم واألشهب مثل األمري وينخدع غريي بأكثر أكل غريي املعروف سحتا رأيت كالما مقلوبا عن جهته ومغيرا عن صورته ورأيت اللفظ قد هذا الناس وي

نبا عن معناه ورأيت الطبع يأىب أن يرضاه وأعلم أن معك دستورا لك فيه إن تأملت غنى عن كل ما سواه . ئه يف االستفهام معنى ال يكون له ذلك املعىن يف اخلرب وهو أنه ال جيوز أن يكون لنظم الكالم وترتيب أجزا

فإذا كان كذلك كان محاال . وذاك أن االستفهام استخبار واالستخبار هو طلب من املخاطب أن يخربك أقام : ذا قلت أن يفترق احلال بني تقدمي االسم وتأخريه يف االستفهام فيكون املعىن إذا قلت أزيد قام غريه إ

زيد قام وقام زيد سواء ذاك ألنه يؤدي إىل أن : زيد مث ال يكون هذا االفتراق يف اخلرب ويكون قولك تستعمله أمرا ال سبيل فيه إىل جواب وأن تستثبته املعىن على وجه ليس عنده عبارة يثبته لك هبا على ذلك

ىن يف إدخالك حرف االستفهام على اجلملة من الكالم هو أنك تطلب أن وجملة األمر أن املع. الوجه : فإذا قلت أزيد منطلق فأنت تطلب أن يقول لك . يقفك يف معىن تلك اجلملة ومؤداها على إثبات أو نفي

ن ال تكون اجلملة إذا وإذا كان ذلك كذلك كان محاال أ. ال ما هو منطلق : نعم هو منطلق أو يقول

دخلتها مهزة االستفهام استخبارا عن املعىن على وجه ال تكون هي إذا نزعت منها اهلمزة إخبارا به على ذلك الوجه فاعرفه

فصل هذا كالم يف النكرة إذا قدمت على الفعل أو قدم الفعل عليها هل كان جميء من أحد من الرجال إليه فإن قدمت االسم : تسأله أجاءك رجل فأنت تريد أن: إذا قلت

أرجل جاءك فأنت تساله عن جنس من جاءه أرجل هو أم امرأة ويكون هذا منك إذا كنت علمت : فقلت ن تعرف عين اآليت ولكنك مل تعلم جنس ذلك اآليت فسبيلك يف ذلك سبيلك إذا أردت أ. أنه قد أتاه آت

أزيد جاءك أم عمرو وال جيوز تقدمي االسم يف املسالة األوىل ألن تقدمي االسم يكون إذا كان : فقلت وإذا كان كذلك كان . السؤال عن الفاعل والسؤال عن الفاعل يكون إما عن عينه أو عن جنسه وال ثالث

ة وأنت ال تريد السؤال عن اجلنس ألنه ال يكون لسؤالك حينئذ متعلق من محاال أن تقدم االسم النكرأرجل : فإن قلت . والنكرة ال تدل على عني شيء فيسال هبا عنه . حيث ال يبقى بعد اجلنس إال العني

م قصارهم فإن وصفت النكرة طويل جاءك أم قصري كان السؤال عن أن اجلائي من جنس طوال الرجال أأرجل كنت عرفته من قبل أعطاك هذا أم رجل مل تعرفه كان السؤال عن املعطي أكان ممن : باجلملة فقلت

عرفه قبل أم كان إنسانا مل تتقدم منه معرفة رجل جاءين مل يصلح : فإذا قلت . ليه وإذا قد عرفت احلكم يف االبتداء بالنكرة يف االستفهام فابن اخلرب ع

فإن مل . حتى تريد أن تعلمه أن الذي جاءك رجل ال امرأة ويكون كالمك مع من قد عرف أن قد أتاك آت م حىت رجل جاءين مل يستق: وكذلك إن قلت . جاءين رجل فتقدم الفعل : ترد ذاك كان الواجب أن تقول

يكون السامع قد ظن أنه قد أتاك قصري أو نزلته من ظن ذلك ألن املراد أن يعلم أن الذي أهر ذا " شر " إنما قدم فيه " شر أهر ذا ناب : " وقوهلم

. ل جاءين تريد أنه رجل ال امرأة رج: الناب هو من جنس الشر ال جنس اخلري فجرى مجرى أن تقول ما : أال ترى أنك ال تقول . بيان لذلك " ما أهر ذا ناب إال شر : " وقول العلماء إنه إنما يصلح ألنه مبعىن

ون حيث يراد أن ذاك ألن اخلرب بنقض النفي يك. أتاين إال رجل إال حيث يتوهم السامع أنه قد أتتك امرأة ما جاءين إال زيد كان املعىن أنك قد قصرت اجمليء : فإذا قلت . يقصر الفعل على شيء وينفى عما عداه

ومىت مل يرد بالنكرة اجلنس مل يقف . على زيد ونفيته عن كل من عداه وإنما يتصور قصر الفعل على معلوم امع على معلوم حىت يزعم أين أقصر له الفعل عليه وأخربه أنه كان منه دون غريه منها الس

ألنه أريد به اجلنس " شر أهر ذا ناب " وأعلم أنا مل نرد مبا قلناه من أنه إنما حسن االبتداء بالنكرة يف قوهلم أن الغرض من الكالم أن نبني أن الذي أهر ذا الناب هو من جنس والشر سواء وإنما أردنا " شر " أن معىن

أرجل أتاك أم امرأة أن السؤال عن اجلنس مل نرد بذلك : كما أنا إذا قلنا في قوهلم . الشر ال جنس اخلري أهو من جنس : نك سألت عن اآليت الرجل أم املرأة أتاك ولكنا نعين أن املعىن على أ: أنه مبنزلة أن يقال

إال أن القصد منك مل يقع إىل . الرجال أم جنس النساء فالنكرة إذا على أصلها من كونها لواحد من اجلنس أرجل أتاك أم رجالن : وعكس هذا أنك إذا قلت . كونه واحدا وإنما وقع إىل كونه من جنس الرجال

وهو أنه قد يكون يف اللفظ دليل . كونه واحدا دون كونه رجال فاعرف ذلك أصال كان القصد منك إىل على أمرين مث يقع القصد إىل أحدمها دون اآلخر فيصري اآلخر بأن مل يدخل يف القصد كأنه مل يدخل يف داللة

عبد اهللا فنبهته له مث بنيت عليه الفعل : ت أنك قل: وإذا اعتربت ما قدمته من قول صاحب الكتاب . اللفظ . وذاك أن التنبيه ال يكون إال على معلوم كما أن قصر الفعل ال يكون إال على معلوم . وحدته يطابق هذا

احلديث رجل رجل وأنت ال تقصد هبا اجلنس وأن تعلم السامع أن الذي أردت ب: فإذا بدأت بالنكرة فقلت إين أردت أن أنبه : إين قدمته ألنبه املخاطب له ألنه خيرج بك إىل أن تقول : ال امرأة كان محاال أن تقول

وذلك ما ال يشك يف استحالته فاعرفه . السامع لشيء ال يعلمه يف جملة وال تفصيل

القول يف احلذف

ملأخذ عجيب األمر شبيه بالسحر فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر هو باب دقيق املسلك لطيف اوهذه . والصمت عن اإلفادة أزيد لإلفادة وجتدك أنطق ما تكون إذا مل تنطق وأمت ما تكون بيانا إذا مل تبن

أمثلة مما عرض فيه احلذف مث أنبهك على مجلة قد تنكرها حىت تخبر وتدفعها حىت تنظر أنا أكتب لك بديئا : -البسيط - صحة ما أشرت إليه واقيم احلجة من ذلك عليه صاحب الكتاب

ل وك... ربع قواء أذاع املعصرات به ... وهاج أهواءك املكنونة الطلل ... اعتاد قلبك من ليلى عوائده ( ) حيران جار ماؤه خضل

: -البسيط - ومثله قول اآلخر : قال . أراد ذاك ربع قواء أو هو ربع : قال ) كما عرفت بجفن الصيقل اخللال ... هل تعرف اليوم رسم الدار والطلال (

) لكانسية نرعى اللهو والغزال با... دار لمروة إذ أهلي وأهلهم ومل يحمل البيت األول على أن الربع بدل من الطلل ألن : قال شيخنا رمحه اهللا . تلك دار : كأنه قال

. يتصور فأما الشيء من أقل منه ففاسد ال . الربع أكثر من الطلل والشيء يبدل مما هو مثله أو أكثر منه وهذه طريقة مستمرة هلم إذ ذكروا الديار واملنازل وكما يضمرون يف املبتدأ فريفعون فقد يضمرون الفعل

: - البسيط -فينصبون كبيت الكتاب أيضا ) وال يرى مثلها عجم وال عرب ... ديار مية إذ مي تساعفنا (

أذكر ديار مية : على إضمار فعل كأنه قال " ديار " أنشده بنصب ومن املواضع اليت يطرد فيها حذف املبتدأ القطع واالستئناف يبدؤون بذكر الرجل ويقدمون بعض أمره مث

رب من غري مبتدأ مثال وإذا فعلوا ذلك أتوا يف أكثر األمر خب. يدعون الكالم األول ويستأنفون كالما آخر : ذلك قوله من جمزوء الكامل

) تنمروا حلقا وقدا ... قوم إذا لبسوا احلديد ... منازل كعبا ونهدا ... وعلمت أني يوم ذاك (

: -الوافر - وقوله دماؤهم ... بناة مكارم واساة كلم ... ب العشرية حيث شاؤوا ومن حس... هم حلوا من الشرف املعلى (

) من الكلب الشفاء : -طويل - وقوله

له ... غالم رماه اهللا باخلير مقبال ... إىل ماله حايل أسر كما جهر ... رآين على ما يب عميلة فاشتكى ( ) ياء ال تشق على البصر سيم

: -طويل - وقوله ) ذراعي وألقى باسته من أفاخر ... إذا ذكر ابنا العنربية مل تضق ( ) من الثقل ما ال تستطيع األباعر ... هالالن حماالن يف كل شتوة ( رجالن حماالن : بصفة كما يكون لو قلت مثال خرب ثان وليس " : حماالن "

فتى من صفته كذا : ومما اعتيد فيه أن يجيء خربا قد بني على مبتدأ حمذوف قولهم بعد أن يذكروا الرجل : - طويل -كقوله . وأغر من صفته كيت وكيت

) ال عرف إال قد تولى وأدبرا و... أال ال فتى بعد ابن ناشرة الفىت ( ) تجود بمعروف وتنكر منكرا ... فتى حنظلي ما تزال ركابه (

: -طويل - وقوله يقه فتى غري حمجوب الغنى عن صد... أيادي مل تمنن وإن هي جلت ... سأشكر عمرا إن تراخت منييت (

) وال مظهر الشكوى إذا النعل زلت ... : -البسيط - ومن ذلك قول مجيل

) ديني وفاعلة خيرا فأجزيها ... وهل بثينة يا للناس قاضيتي ( )قليب عشية ترميين وأرميها ... ترنو بعيني مهاة أقصدت بهما ( ) ريا العظام بال عيب يرى فيها ... هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ( ) خود غذاها بلني العيش غاذيها ... من األوانس مكسال مبتلة (

: - الكامل - وقوله ) تشكو إيل صبابة لصبور... إين عشية رحت وهي حزينة ( ) أشكو إليك فإن ذاك يسري ... بت عندي فديتك ليلة : وتقول ( ) در تحدر نظمه منثور ... غراء مبسام كأن حديثها (

) ريا الروادف خلقها ممكور ... محطوطة املتنين مضمرة احلشا كم أعطيك مايل وأنت تنفقه فيما ال يعنيك واهللا ال : يشر يف ابن عم له موسر سأله فمنعه وقال وقول األقفتركه حىت اجتمع القوم يف ناديهم وهو فيهم فشكاه إىل القوم وذمه فوثب إليه ابن عمه فلطمه . أعطيك

: -طويل - فأنشأ يقول

... حريص على الدنيا مضيع لدينه ... وليس إىل داعي الندى بسريع ... ن العم يلطم وجهه سريع إىل اب( ) وليس لما يف بيته بمضيع

من اللطف فتأمل اآلن هذه األبيات كلها واستقرها واحدا واحدا وانظر إىل موقعها يف نفسك وإىل ما جتده مث . والظرف إذا أنت مررت مبوضع احلذف منها مث قلبت النفس عما تجد وألطفت النظر فيما حتس به

تكلف أن ترد ما حذف الشاعر وأن تخرجه إىل لفظك وتوقعه يف سمعك فإنك تعلم أن الذي قلت كما وإن أردت ما هو أصدق يف ذلك شهادة وأدل . الدة اجليد وقاعدة التجويد قلت وأن رب حذف هو ق

: -طويل - داللة فانظر إىل قول عبد اهللا بن الزبري يذكر غرميا له قد أحل عليه ... دبيب البغل يألم ظهره فدب... يحاوله قبل اعتراض الشواغل ... عرضت على زيد ليأخذ بعض ما (

) وأخرج أنيابا له كاملعاول ... داسع نفسه : تثاءب حتى قلت ... تعلم أنين غري فاعل : وقال وفه أي حسبته من شدة التثاؤب ومما به من اجلهد يقذف نفسه من ج. هو داسع نفسه : األصل حىت قلت

مث إنك ترى نصبة . ويخرجها من صدره كما يدسع البعري جرته

الكالم وهيئته تروم منك أن تنسى هذا املبتدأ وتباعده عن وهمك وجتتهد أن ال يدور يف خلدك وال يعرض يخشى هجومه وتراك كأنك تتوقاه توقي الشيء يكره مكانه والثقيل. خلاطرك

: -السريع -ومن لطيف احلذف قول بكر بن النطاح ) وتظهر اإلبرام والنقضا ... العين تبدي احلب والبغضا ( ) وال رحمت اجلسد املنضى ... درة ما أنصفتين يف اهلوى ( ) ال أطعم البارد أو ترضى ... ها غضبى وال واهللا يا أهل(

وذلك أن التقدير " غضبى : " واملقصود قوله . يقول يف جارية كان يحبها وسعي به إىل أهلها فمنعوها منه ال حمالة أال ترى أنك ترى النفس كيف تتفادى من إظهار هذا احملذوف " غضىب هي " أو " هي غضىب " يف تأنس إىل إضماره وترى املالحة كيف تذهب إن أنت رمت التكلم به وك

: -الكامل -ومن جيد األمثلة يف هذا الباب قول اآلخر خياطب امرأته وقد المته على اجلود ) حقا تناوب مالنا ووفودا ... قد غويت بأن رأت : قالت سمية ( ) ما دام مال عندنا موجودا ... ي لعمرك ال أزال أعوده غ(

ذاك غي ال أزال أعود إليه فدعي عنك لومي : املعىن وإذ قد عرفت هذه اجلملة من حال احلذف يف املبتدأ فاعلم أن ذلك سبيله يف كل شيء فما من اسم أو فعل

ب به موضعه وحذف يف احلال جتده قد حذف مث أصي

ينبغي أن يحذف فيها إال وأنت جتد حذفه هناك أحسن من ذكره وترى إضماره يف النفس أوىل وآنس من النطق به

وإذ قد بدأنا يف احلذف بذكر املبتدأ وهو حذف اسم إذ ال يكون املبتدأ إال امسا فإين أتبع ذلك ذكر املفعولبه إذا حذف خصوصا فإن احلاجة إليه أمس وهو مبا حنن به أخص واللطائف كأهنا فيه أكثر وما يظهر بسببه

وهاهنا أصل جيب ضبطه وهو أن حال الفعل مع املفعول الذي يتعدى . من احلسن والرونق أعجب وأظهر فاسندت الفعل إىل الفاعل كان غرضك من ذلك . ضرب زيد : ذا قلت وكما أنك إ. إليه حاله مع الفاعل

وكذلك إذا عديت الفعل إىل . أن تثبت الضرب فعال له ال أن تفيد وجود الضرب يف نفسه وعلى اإلطالق من األول بالثاين ووقوعه كان غرضك أن تفيد التباس الضرب الواقع . ضرب زيد عمرا : املفعول فقلت

إنما كان من أجل أن يعلم التباس املعىن الذي . عليه فقد اجتمع الفاعل واملفعول يف أن عمل الفعل فيهما فعمل الرفع يف الفاعل ليعلم التباس الضرب به من جهة وقوعه منه والنصب يف املفعول. اشتق منه بهما

بل إذا أريد اإلخبار . ومل يكن ذلك ليعلم وقوع الضرب يف نفسه . ليعلم التباسه به من جهة وقوعه عليه بوقوع الضرب ووجوده يف اجلملة من غري أن ينسب إىل فاعل أو مفعول أو يتعرض لبيان ذلك بالعبارة فيه

وما شاكل ذلك من ألفاظ تفيد الوجود اجملرد يف . ضرب أو وجد ضرب كان ضرب أو وقع: أن يقال الشيء

وإذ قد عرفت هذه اجلملة فاعلم أن أغراض الناس ختتلف يف ذكر األفعال املتعدية فهم يذكروهنا تارة فإذا . ني من غري أن يتعرضوا لذكر املفعولني ومرادهم أن يقتصروا على إثبات املعاين اليت اشتقت منها لفاعل

ومثال . كان األمر كذلك كان الفعل املتعدي كغري املتعدي مثال يف أنك ال ترى مفعوال ال لفظا وال تقديرا ل ويقري هو يعطي ويجز: وكقوهلم . ذلك قول الناس فالن يحل ويعقد ويأمر وينهى ويضر وينفع

املعىن يف مجيع ذلك على إثبات املعىن يف نفسه للشيء على اإلطالق وعلى اجلملة من غري أن . ويضيف صار إليه احلل والعقد وصار حبيث يكون منه حل وعقد وأمر : يتعرض حلديث املفعول حىت كأنك قلت

قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ال : ( لى ذلك قوله تعاىل وع. ونهي وضر ونفع وعلى هذا القياس هل يستوي من له علم ومن ال علم : املعىن ) يعلمون

ات وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أم: ( وكذلك قوله تعاىل . له من غير أن يقصد النص على معلوم هو الذي منه اإلحياء واإلماتة واإلغناء واإلقناء : املعىن ) وأنه هو أغنى وأقىن : ( وقوله ) وأحيا

وهكذا كل موضع كان القصد فيه أن يثبت املعىن يف نفسه فعال للشيء وأن يخرب بأن من شأنه أن يكون . فإن الفعل ال يعدى هناك ألن تعديته تنقص الغرض وتغير املعىن . منه منه أو ال يكون إال منه أو ال يكون

هو يعطي الدنانري كان املعىن على أنك قصدت أن تعلم السامع أن الدنانري تدخل : أال ترى أنك إذا قلت لة بيان جنس ما تناوله اإلعطاء ال يف عطائه أو أنه يعطيها خصوصا دون غريها وكان غرضك على اجلم

ومل يكن كالمك مع من نفى أن يكون كان منه إعطاء بوجه من الوجوه بل مع من أثبت . اإلعطاء يف نفسه فهذا قسم من خلو . إال أنه مل يثبت إعطاء الدنانري فاعرف ذلك فإنه أصل كبري عظيم النفع . له إعطاء ن املفعول وهو أن ال يكون له مفعول ميكن النص عليه الفعل ع

إال أنه يحذف من اللفظ لدليل احلال عليه . وقسم ثان وهو أن يكون له مفعول مقصود قصده معلوم وهم يريدون أذين : ه أصغيت إلي: فمثال اجللي قولهم . وينقسم إىل جلي ال صنعة فيه وخفي تدخله الصنعة

فنوع منه أن تذكر . وأما اخلفي الذي تدخله الصنعة فيتفنن ويتنوع . واملعىن جفين : أغضيت عليه : و

إال أنك تنسيه نفسك . الفعل ويف نفسك له مفعول خمصوص قد علم مكانه إما جلري ذكر أو دليل حال أنك مل تذكر ذلك الفعل إال ألن تثبت نفس معناه من غري أن تعديه إىل شيء أو تعرض فيه وختفيه وتوهم

: - اخلفيف -ومثاله قول البحتري . ملفعول ) أن يرى مبصر ويسمع واع ... شجو حساده وغيظ عداه (

ولكنك تعلم . ويسمع واع أخباره وأوصافه ال حمالة أن يرى مبصر حماسنه : املعىن

على ذلك أنه كأنه يسرق علم ذلك من نفسه ويدفع صورته عن ومهه ليحصل له معنى شريف وغرض إن حماسن املعتز : فأراد أن يقول . وذاك أنه ميدح خليفة وهو املعتز ويعرض خبليفة وهو املستعني . خاص

. وفضائله واحملاسن والفضائل يكفي فيها أن يقع عليها بصر ويعيها سمع حىت يعلم أنه املستحق للخالفة والفرد الوحيد الذي ليس ألحد أن ينازعه مرتبتها فأنت ترى حساده وليس شيء أشجى هلم وأغيظ من

حىت ليتمنون أن ال يكون يف الدنيا من له عني يبصر هبا وأذن يعي علمهم بأن هاهنا مبصرا يرى وسامعا يعي معها كي يخفى مكان استحقاقه لشرف اإلمامة فيجدوا بذلك سبيال إىل منازعته إياها

وهذا نوع آخر منه وهو أن يكون معك مفعول معلوم مقصود قصده قد علم أنه ليس للفعل الذي ذكرت ليل احلال أو ما سبق من الكالم إال أنك تطرحه وتتناساه وتدعه يلزم ضمري النفس لغرض مفعول سواه بد

غري الذي مضى وذلك الغرض أن تتوفر العناية على إثبات الفعل للفاعل وختلص له وتنصرف جبملتها وكما نطقت ... فلو أن قومي أنطقتين رماحهم ( : - طويل - ومثاله قول عمرو بن معدي كرب . هي إليه

) ولكن الرماح أجرت وأنه " ولكن الرماح أجرتين : " فعل متعد ومعلوم أنه لو عداه ملا عداه إال إىل ضمير املتكلم حنو " أجرت "

فلو أن قومي أنطقتين رماحهم مث يقول : ستحالة أن يقول ال يتصور أن يكون هاهنا شيء آخر يتعدى إليه ال. إال أنك جتد املعىن يلزمك أن ال تنطق هبذا املفعول وال تخرجه إىل لفظك . ولكن الرماح أجرت غريي :

ه كان من والسبب يف ذلك أن تعديتك له توهم ما هو خالف الغرض وذلك أن الغرض هو أن تثبت أنجاز أن يتوهم أنه مل " أجرتين " ولو قال . الرماح إجرار وحبس األلسن عن النطق وأن تصحح وجود ذلك

فقد يذكر الفعل . يعن بأن يثبت للرماح إجرارا بل الذي عناه أن يبين أهنا أجرته

أضربت زيدا وأنت ال تنكر أن يكون كان من املخاطب : اله أنك تقول كثريا والغرض منه ذكر املفعول مثفلما كان يف تعدية . وإمنا تنكر أن يكون وقع الضرب منه على زيد وأن يستجيز ذلك أو يستطيعه . ضرب

تخلص العناية إلثبات اإلجرار للرماح ما يوهم ذلك وقف فلم يعد البتة ومل ينطق باملفعول ل" أجرت " أمنيت املىن وخلبت حتى : ( - الوافر -وتصحيح أنه كان منها وتسلم بكليتها لذلك ومثله قول جرير

) تركت ضمري قلبي مستهاما ... أهكذا تصنعني وهذه حيلتك يف فتنة الناس :الغرض أن يثبت أنه كان منها تمنية وخالبة وأن بقول هلا

ملا تشاغل : بإسناد قال " الشعر " ومن بارع ذلك ونادره ما جتده يف هذه األبيات روى املرزباين يف كتاب فواهللا إما كلفتموين أخالق رسول اهللا: أبو بكر الصديق رضي اهللا عنه بأهل الردة استبطأته األنصار فقال

ما ذاك عندي وال عند أحد من الناس ولكني واهللا ما أوتى من مودة لكم وال حسن رأي فيكم وكيف ال جزى : ( - طويل - فواهللا ما وجدت مثال لنا ولكم إال ما قال طفيل الغنوي لبين جعفر بن كالب ! حنبكم

تالقي الذي ... أبوا أن يملونا ولو أن أمنا ) ( بنا نعلنا يف الواطئني فزلت .. .اهللا عنا جعفرا حني أزلقت ) إىل حجرات أدفأت وأظلت ... هم خلطونا بالنفوس وأجلؤوا ) ( القوه منا لملت

مللتنا : مللت وأجلؤوا وأدفأت وأظلت ألن األصل : فيها حذف مفعول مقصود قصده يف أربعة مواضع قولهإال أن احلال على ما ذكرت لك من أنه يف حد املتناسي حىت كأن ال . وأجلؤونا إىل حجرات أدفأتنا وأظلتنا

قد مل : إذا قلت قصد إىل مفعول وكأن الفعل قد أبهم أمره فلم يقصد به قصد شيء يقع عليه كما يكون قد : فالن تريد أن تقول

هذا بيت : من غري أن تخص شيئا بل ال تزيد على أن جتعل املالل من صفته وكما تقول . دخله املالل تريد أنه هبذه الصفة . يدىفء ويظل

ما ذكرت من توفري العناية على إثبات الفعل أجرت ومللت فائدة أخرى زائدة على: واعلم أن لك يف قوله كان من سوء بالء القوم ومن تكذيبهم عن القتال ما يجر مثله وما القضية فيه أنه ال يتفق : وهي أن تقول

ولكن : وتعديتك الفعل متنع من هذا املعىن ألنك إذا قلت. على قوم إال خرس شاعرهم فلم يستطع نطقا الرماح أجرتين مل يكن أن يتأول على معىن أنه كان منها ما شأن مثله أن يجر قضية مستمرة يف كل شاعر

قد كان منك ما يؤمل : ونظيره أنك تقول . قوم بل قد جيوز أن يوجد مثله يف قوم آخرين فال يجر شاعرهم مل يفد ذلك ألنه قد جيوز أن . ما يؤملين : ولو قلت . يؤمل كل أحد وكل إنسان تريد ما الشرط مثله أن

ولو أن أمنا تالقي الذي القوه منا مللت يتضمن أن من حكم : وهكذا قوله . يؤلمك الشيء ال يؤلم غريك يعلم أن األم تمل له االبن وتتربم مع ما يف طباع مثله يف كل أم تمل وتسأم وأن املشقة يف ذلك إىل حد

فإن املعىن على أن ذلك " أمنا " وذلك أنه وإن قال . األمهات من الصرب على املكاره يف مصاحل األوالد لو لقيت أمنا : مل يحتمل ذلك ألنه يجري مجرى أن تقول " مللتنا : " ولو قلت . حكم كل أم مع أوالدها ما ميلها منا فقيدت مل يصلح ألن يراد به معىن العموم وأنه حبيث : وإذا قلت . ذلك لدخلها ما يملها منا حجرات : ألن فيه معىن قولك " إىل حجرات أدفأت وأظلت : " وكذلك قوله . يمل كل أم من كل ابن

وال جييء هذا املعىن . تدىفء وتظل أي هي بالصفة اليت إذا كان البيت عليها أدفأ وأظل من شأن مثلها أن حجرات من شأن مثلها أن تدفئنا وتظلنا هذا لغو من الكالم فاعرف هذه : مع إظهار املفعول إذ ال تقول

الذي هو توفري العناية على إثبات الفعل النكتة فإنك جتدها يف كثري من هذا الفن مضمومة إىل املعىن اآلخر والداللة على أن القصد من ذكر الفعل أن تثبته لفاعله ال أن تعلم التباسه مبفعوله

وإن أردت أن تزداد تبيينا هلذا األصل أعين وجوب أن تسقط املفعول لتتوفر العناية على إثبات الفعل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون : ( ها شوب فانظر إىل قوله تعاىل لفاعله وال يدخل

ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا ال

ففيها حذف مفعول يف أربعة ) توىل إىل الظل فسقى لهما ثم . نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبري : وجد عليه أمة من الناس يسقون أغنامهم أو مواشيهم وامرأتني تذودان غنمهما وقالتا : مواضع إذ املعىن

كره مث إنه ال يخفى على ذي بصر أنه ليس يف ذلك كله إال أن يترك ذ. ال نسقي غنمنا فسقى هلما غنمهما وما ذاك إال أن الغرض يف أن يعلم أنه كان من الناس يف تلك احلال سقي ومن . ويؤتى بالفعل مطلقا

ال يكون منا سقي حىت يصدر الرعاء وأنه كان من موسى عليه السالم من بعد : املرأتني ذود وأهنما قالتا وذاك أنه لو . غنما أم إبال أم غري ذلك فخارج عن الغرض وموهم خالفه فأما ما كان املسقي. ذلك سقي

وجد من دوهنم امرأتني تذودان غنمهما جاز أن يكون مل ينكر الذود من حيث هو ذود بل من حيث : قيل ما لك متنع أخاك كنت منكرا : قلت هو ذود غنم حىت لو كان مكان الغنم إبل مل ينكر الذود كما أنك إذا

املنع ال من حيث هو منع بل من حيث هو منع أخ فاعرفه تعلم أنك مل جتد حلذف املفعول يف هذا النحو من . ركه الروعة واحلسن ما وجدت إال ألن يف حذفه وترك ذكره فائدة جليلة وأن الغرض ال يصح إال على ت

... إذا بعدت أبلت وإن قربت شفت : ( -الطويل - ومما هو كأنه نوع آخر غري ما مضى قول البحتري ) فهجرانها يبلي ولقيانها يشفي

كر ذلك إال أنك جتد الشعر يأىب ذ" إذا بعدت عين أبلتين وإن قربت مين شفتين : " قد علم أن املعىن وذاك ألنه أراد أن يجعل البلى كأنه واجب يف بعادها أن يوجبه وجيلبه وكأنه كالطبيعة . ويوجب اطراحه

أتدري ما بعادها هو الداء املضين وما قربها هو : وكذلك حال الشفاء مع القرب حىت كأنه قال . فيه . وال سبيل لك إىل هذه اللطيفة وهذه النكتة إال حبذف املفعول البتة فاعرفه .الشفاء والبرء من كل داء

وليس لنتائج هذا احلذف أعين حذف املفعول هناية فإنه طريق إىل ضروب من الصنعة وإىل لطائف ال تحصى . ى اإلضمار على شريطة التفسري اعلم أن هاهنا بابا من اإلضمار واحلذف يسم: وهذا نوع منه آخر أكرمين عبد اهللا : أردت . أكرمين وأكرمت عبد اهللا : وذلك مثل قولهم

فهذا طريق معروف ومذهب ظاهر . مث تركت ذكره يف األول استغناء بذكره يف الثاين . وأكرمت عبد اهللا وفيه إذا أنت طلبت الشيء من . ريك األمثلة املذكورة منه وشيء ال يعبأ به ويظن أنه ليس فيه أكثر مما ت

فمن لطيف ذلك ونادره قول . معدنه من دقيق الصنعة ومن جليل الفائدة ما ال جتده إال يف كالم الفحول ) خالد كرما ومل تهدم مآثر... لو شئت مل تفسد سماحة حاتم : ( -الكامل -البحتري مث حذف ذلك من األول استغناء بداللته يف . ال حمالة لو شئت أن ال تفسد مساحة حامت مل تفسدها : األصل

مث هو على ما تراه وتعلمه من احلسن والغرابة وهو على ما ذكرت لك من أن الواجب يف . الثاين عليه فليس يخفى أنك لو رجعت فيه إىل ما هو أصله . ف وال يظهر إال اللفظ حكم البالغة أن ال ينطق باحملذو

لو شئت أن ال تفسد مساحة حامت مل تفسدها صرت إىل كالم غث وإىل شيء يمجه السمع وتعافه : فقلت طفا ونبال ال يكون إذا مل يتقدم ما وذلك أن يف البيان إذا ورد بعد اإلهبام وبعد التحريك له أبدا ل. النفس

لو شئت علم السامع أنك قد علقت هذه املشيئة يف املعىن بشيء فهو يضع يف نفسه : حيرك وأنت إذا قلت مل تفسد مساحة حامت عرف ذلك : فإذا قلت . أن هنا شيئا تقتضي مشيئته له أن يكون أو أن ال يكون

الشيء : ( وبعد حروف اجلزاء هكذا موقوفة غري معداة إىل شيء كثري شائع كقوله تعاىل " لو " يء املشيئة بعد وجم

والتقدير يف ذلك كله على ما ذكرت ) . ولو شاء لهداكم أجمعني ) ( ولو شاء الله لجمعهم على اهلدى إال أن البالغة يف . لو شاء أن يهديكم أمجعني هلداكم : ه جيمعهم على اهلدى جلمعهم و لو شاء الل: فاألصل

أن يجاء به كذلك

: - الطويل -وقد يتفق يف بعضه أن يكون إظهار املفعول هو األحسن وذلك حنو قول الشاعر . حمذوفا ) عليه ولكن ساحة الصبر أوسع ... ولو شئت أن أبكي دما لبكيته (

لو شئت بكيت دما ولكنه : أن يقول " ولو شاء الله جلمعهم على اهلدى : " فقياس هذا لو كان على حد أنه بدع وسبب حسنه أنه ك. كأنه ترك تلك الطريقة وعدل إىل هذه ألنها أحسن يف هذا الكالم خصوصا

فلما كان كذلك كان األوىل أن يصرح بذكره ليقرره يف نفس . عجيب أن يشاء اإلنسان أن يبكي دما السامع ويؤنسه به

وإذا استقريت وجدت األمر كذلك أبدا مىت كان مفعول املشيئة أمرا عظيما أو بديعا غريبا كان األحسن لو شئت أن أرد على األمير رددت ولو شئت أن : يقول الرجل يخرب عن عزة نفسه . ال يضمر أن يذكر و

لو شئت خرجت ولو شئت : فإذا مل يكن مما يكبره السامع فاحلذف كقولك . ألقى اخلليفة كل يوم لقيت لو شئت : وكذا تقول ) لو نشاء لقلنا مثل هذا : ( ويف التنزيل . قمت ولو شئت أنصفت ولو شئت لقلت

: - البسيط -كنت كزيد قال ) أو كابن طارق حول البيت واحلرم ... لو شئت كنت ككرز يف عبادته (

: ( قال اهللا تعاىل : أردت دفعت إن شئت قلت وإن: وكذلك احلكم يف غريه من حروف اجملازاة أن تقول ) من يشأ اهللا : ( وقال عز امسه ) فإن يشأ الله يختم على قلبك

ومما . ونظائر ذلك من اآلي ترى احلذف فيها املستمر ) . يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ( : - الطويل -غري احلذف وجه قول طرفة يعلم أن ليس فيه ل

) مخافة ملوي من القد محصد ... وإن شئت مل ترقل وإن شئت أرقلت ( : -الطويل - وقول حميد

) أو الزرق من تثليث أو بيلملما ... إذا شئت غنتين بأجزاع بيشة ( ) دنا الصيف وانجاب الربيع فأنجما ... ة ورقاء تسجع كلما مطوق(

: -الطويل - وقول البحتري ) عقائل سرب أو تقنص ربربا ... إذا شاء غادى صرمة أو غدا على (

: - الكامل - وقوله ) فحللت بين عقيقه وزروده . ..لو شئت عدت بالد جند عودة (

إذا شئت أن تغنيين : أو قلت : وإن شئت أن ال ترقل مل ترقل : معلوم أنك لو قلت

بأجزاع بيشة غنتين وإذا شاء أن يغادي صرمة غادى ولو شئت أن تعود بالد جند عودة عدتها أذهبت املاء : -الطويل - وأما قول اجلوهري . وخرجت إىل كالم غث ولفظ رث والرونق

) فلو شئت أن أبكي بكيت تفكرا ... فلم يبق مني الشوق غري تفكري ( شئت بكيت تفكرا فلو : ولو شئت أن أبكي دما لبكيته فأظهر مفعول شئت ومل يقل : فقد نحا به حنو قوله

ولو شئت أن أبكي تفكرا بكيت : ألجل أن له غرضا ال يتم إال بذكر املفعول وذلك أنه مل يرد أن يقول قد أفناين النحول فلم يبق مين ويف غري خواطر تجول حىت لو شئت بكاء : ولكنه أراد أن يقول . كذلك فالبكاء الذي أراد . شؤوين وعصرت عيين ليسيل منها دمع مل أجده وخلرج بدل الدمع التفكر فمريت

وإذا كان . إيقاع املشيئة عليه مطلق مبهم غري معدى إىل التفكر البتة والبكاء الثاين مقيد معدى إىل التفكر لو شئت أن تعطي درمها أعطيت : ري األول وجرى مجرى أن تقول األمر كذلك صار الثاين كأنه شيء غ

يف أن الثاين ال يصلح أن يكون تفسريا لألول . درمهني ولكنه شبيه به يف أنه إنما حذف " أكرمت وأكرمين عبد اهللا : " واعلم أن هذا الذي ذكرنا ليس بصريح

وأخواهتا يدل عليه " لو " ة واإلرادة ألن الذي يأيت يف جواب الذي حذف من مفعول املشيئوإذا أردت ما هو صريح يف ذلك مث هو نادر لطيف ينطوي على معنى دقيق وفائدة جليلة فانظر إىل بيت

: - اخلفيف -البحتري ) كارم مثال واملجد وامل... قد طلبنا فلم نجد لك يف السؤدد (

مث إن للمجيء به كذلك من احلسن . قد طلبنا لك مثال مث حذف ألن ذكره يف الثاين يدل عليه : املعىن طلبنا لك يف السؤدد واجملد واملكارم مثال فلم جنده مل تر من هذا : ولو أنه قال . واملزية والروعة ما ال يخفى

وسبب ذلك أن الذي هو األصل يف املدح والغرض باحلقيقة هو نفي الوجود عن . ي تراه شيئا احلسن الذ فأما الطلب فكالشيء يذكر . املثل

قد طلبنا لك السؤدد واجملد : وإذا كان هذا كذلك فلو أنه قال . ليبنى عليه الغرض ويؤكد به أمره ده لكان يكون قد ترك أن يوقع نفي الوجود على صريح لفظ املثل وأوقعه على ضمريه واملكارم مثال فلم جن

ولن تبلغ الكناية مبلغ الصريح أبدا . ويبين هذا كالم ذكره أبو عثمان اجلاحظ يف كتاب البيان والتبيني وأنا أكتب لك الفصل حىت يستبني الذي

أال ترى أن قيس بن خارجة . والسنة يف خطبة النكاح أن يطيل اخلاطب ويقصر املجيب " : هو املراد قال بل ما : ما يل فيها أيها العشمتان قاال : ملا ضرب بسيفه مؤخرة راحلة احلاملين يف شأن حمالة داحس وقال

آمر . ساخط وخطبة من لدن تطلع الشمس إىل أن تغرب عندي قرى كل نازل ورضا كل: عندك قال فقيل أليب . فخطب يوما إىل الليل فما أعاد كلمة وال معنى : قالوا . فيها بالتواصل وأنهى فيها عن التقاطع

لة هو النهي عن القطيعة قال هال اكتفى باألمر بالتواصل عن النهي عن التقاطع أوليس األمر بالص: يعقوب انتهى الفصل " . أو ما علمت أن الكناية والتعريض ال يعمالن يف العقول عمل اإليضاح والتكشيف :

الذي أردت أن أكتبه فقد بصرك هذا أن لن يكون إيقاع نفي الوجود على صريح لفظ املثل كإيقاعه على

ضمريه قد عرفت هذا فإن هذا املعىن بعينه قد أوجب يف بيت ذي الرمة أن يضع اللفظ على عكس ما وضعه وإذ

: -الوافر - البحتري فيعمل األول من الفعلني وذلك قوله ) لئيما أن يكون أصاب ماال ... ومل أمدح ألرضيه بشعري (

الذي هو الثاين " وأرضى " ألول يف صريح لفظ اللئيم الذي هو ا" مل أمدح " أعمل

وذلك ألن إيقاع نفي املدح على اللئيم صرحيا واجمليء به مكشوفا ظاهرا هو الواجب من حيث . يف ضميره يكون قد ومل أمدح ألرضي بشعري لئيما لكان : ولو أنه قال . وكان اإلرضاء تعليال له . كان أصل الغرض

وهلذا الذي ذكرنا من أن للتصريح عمال ال . أهبم األمر فيما هو األصل وأبانه فيما ليس باألصل فاعرفه وقوله ) وباحلق أنزلناه وباحلق نزل : ( يكون مثل ذلك العمل للكناية كان إلعادة اللفظ يف مثل قوله تعاىل

من احلسن والبهجة ومن الفخامة والنبل ما ال خيفى موضعه على ) الله الصمد . الله أحد قل هو: تعاىل وقل هو اهللا أحد هو الصمد . وباحلق أنزلناه وبه نزل : وكان لو ترك فيه اإلظهار إىل اإلضمار فقيل . بصري

لعدمت الذي أنت واجده اآلن

يف حتليل شاهد متميز للحذف عند البحتري فصل قد بان اآلن واتضح ملن نظر نظر املتثبت احلصيف الراغب يف اقتداح زناد العقل واالزدياد من الفضل ومن

الذي شأنه التوق إىل أن يعرف األشياء على حقائقها ويتغلغل إىل دقائقها ويربأ بنفسه عن مرتبة املقلدوال يعدو الذي يقع يف أول اخلاطر أن الذي قلت يف شأن احلذف ويف تفخيم أمره . يجري مع الظاهر

وهذا فن آخر من معانيه عجيب : والتنويه بذكره وأن مأخذه مأخذ يشبه السحر ويبهر الفكر كالذي قلت : - الطويل - دته اليت أوهلا قال البحتري يف قصي: وأنا ذاكره لك

... ) أعن سفه يوم األبيرق أم حلم ( : وهو يذكر حماماة املمدوح عليه وصيانته له ودفعه نوائب الزمان عنه

) وسورة أيام حززن إىل العظم ... وكم ذدت عني من تحامل حادث ( اللحم إىل العظم إال أن يف جميئه به حمذوفا وإسقاطه له من النطق وتركه يف الضمري حززن : األصل ال حمالة

وذاك أن من حذق الشاعر أن يوقع املعىن يف نفس السامع إيقاعا مينعه به من أن . مزية عجيبة وفائدة جليلة ومعلوم أنه لو أظهر املفعول فقال وسورة أيام . املراد يتوهم يف بدء األمر شيئا غري املراد مث ينصرف إىل

حززن اللحم إىل العظم

أن هذا احلز كان يف بعض اللحم دون " العظم " إىل : " جلاز أن يقع يف وهم السامع إىل أن جييء إىل قوله ا كان كذلك ترك ذكر اللحم وأسقطه من اللفظ فلم. كله وأنه قطع ما يلي اجللد ومل ينته إىل ما يلي العظم

ليربىء السامع من هذا الوهم وجيعله حبيث يقع املعىن منه يف أنف الفهم ويتصور يف نفسه من أول األمر أن

رت أفيكون دليل أوضح من هذا وأبني وأجلى يف صحة ما ذك. احلز مضى يف اللحم حىت مل يرده إال العظم لك من أنك قد ترى ترك الذكر أفصح من الذكر واالمتناع من أن يربز اللفظ من الضمري أحسن للتصوير

فصل القول على فروق يف اخلرب

أول ما ينبغي أن يعلم منه أنه ينقسم إىل خرب هو جزء من اجلملة ال تتم الفائدة دونه وخرب ليس جبزء من لكنه زيادة يف خرب آخر سابق له اجلملة و

فكل واحد من هذين . خرج زيد : والفعل كقولك . زيد منطلق : فاألول خرب املبتدأ كمنطلق يف قولك جزء من اجلملة وهو األصل يف الفائدة

ن حيث إنك تثبت هبا املعىن وذاك ألن احلال خرب يف احلقيقة م. جاءين زيد راكبا : والثاين هو احلال كقولك جاءين : " أال تراك قد أثبت الركوب يف قولك . لذي احلال كما تثبت خبرب املبتدأ للمبتدأ وبالفعل للفاعل

لزيد إال أن الفرق أنك جئت به لتزيد معىن يف إخبارك عنه باجمليء وهو أن جتعله هبذه اهليئة يف " زيد راكبا ومل جترد إثباتك للركوب ومل تباشره به بل ابتدأت فأثبت اجمليء مث وصلت به الركوب فالتبس به جميئه

زيد منطلق : " وأما يف اخلبر املطلق حنو . اإلثبات على سبيل التبع للمجيء وبشرط أن يكون يف صلته ه له وجعلته يباشره من غري واسطة ومن غري أن تتسبب بغريه فإنك مثبت للمعىن إثباتا جردت" وخرج عمرو

إليه فاعرفه وإذ قد عرفت هذا الفرق فالذي يليه من فروق اخلرب هو الفرق بني اإلثبات إذا كان

أن موضوع االسم وبيانه. وهو فرق لطيف تمس احلاجة يف علم البالغة إليه . باالسم وبينه إذا كان بالفعل وأما الفعل فموضوعه على أنه . على أن يثبت به املعىن للشيء من غري أن يقتضي جتدده شيئا بعد شيء

فقد أثبت االنطالق فعال له من غري . زيد منطلق : فإذا قلت . يقتضي جتدد املعىن املثبت به شيئا بعد شيء . زيد طويل وعمرو قصري : بل يكون املعىن فيه كاملعىن يف قولك . وحيدث منه شيئا فشيئا أن جتعله يتجدد

فكما ال تقصد هاهنا إىل أن جتعل الطول أو القصر يتجدد وحيدث بل توجبهما وتثبتهما فقط وتقضي ألكثر من إثباته لزيد .زيد منطلق : بوجودمها على اإلطالق كذلك ال تتعرض يف قولك

فقد زعمت أن االنطالق يقع منه . زيد ها هو ذا ينطلق : وأما الفعل فإنه يقصد فيه إىل ذلك فإذا قلت وإن شئت أن تحس الفرق بينهما من حيث يلطف فتأمل هذا البيت . جزءا فجزءا وجعلته يزاوله ويزجيه

: - البسيط - ) لكن يمر عليها وهو منطلق ... ال يألف الدرهم املضروب خرقتنا (

وإذا أردت أن . لكن يمر عليها وهو ينطلق مل يحسن : ولو قلته بالفعل . هذا هو احلسن الالئق باملعىن وكلبهم باسط ذراعيه : ( فانظر إىل قوله تعاىل تعتبره حبيث ال خيفى أن أحدهما ال يصلح يف موضع صاحبه

. كلبهم يبسط ذراعيه ال يؤدي الغرض : فإن أحدا ال يشك يف امتناع الفعل هاهنا وأن قولنا ) بالوصيد ثبوت الصفة وحصولها ويقتضي االسم . وليس ذلك إال ألن الفعل يقتضي مزاولة وجتدد الصفة يف الوقت

) وكلبهم باسط : ( وال فرق بني . من غري أن يكون هناك مزاولة وتزجية فعل ومعىن حيدث شيئا فشيئا وكلبهم واحد مثال يف أنك ال تثبت مزاولة وال جتعل الكلب يفعل شيئا بل تثبته بصفة هو : وبني أن يقول

ومىت اعتربت احلال يف الصفات املشبهة وجدت الفرق ظاهرا بينا . تأدية هيئة الكلب فالغرض إذا. عليها زيد طويل وعمرو قصري مل : فإذا قلت . ومل يعترضك الشك يف أن أحدمها ال يصلح يف موضع صاحبه

كان احلديث عن شيء يزيد وينمو كالشجر يطول ويقصر إذا: يطول ويقصر وإمنا تقول : يصلح مكانه والنبات والصيب وحنو ذلك مما

فأما وأنت تحدث عن هيئة ثابتة وعن شيء قد استقر طوله ومل . يتجدد فيه الطول أو حيدث فيه القصر يكن ثم تزايد وجتدد فال يصلح فيه إال االسم

ني الشيئني يف مواضع كثرية وظهر األمر بأن ترى أحدمها ال يصلح يف موضع صاحبه وإذا ثبت الفرق بوجب أن تقضي بثبوت الفرق حيث ترى أحدهما قد صلح يف مكان اآلخر وتعلم أن املعىن مع أحدمها غريه

س لك هذا احلكم أعين أنك كما وجدت وينعك. مع اآلخر كما هو العبرة يف حمل اخلفي على اجللي االسم يقع حيث ال يصلح الفعل مكانه كذلك جتد الفعل يقع ثم ال يصلح االسم مكانه وال يؤدي ما كان

: -الطويل -فمن البين يف ذلك قول األعشى . يؤديه ) يف يفاع تحرق إىل ضوء نار... لعمري لقد الحت عيون كثرية ( ) وبات على النار الندى واحمللق ... تشب لمقرورين يصطلياهنا (

مث ال يكون ذاك النبو وذاك اإلنكار . إىل ضوء نار محرقة لنبا عنه الطبع وأنكرته النفس : معلوم أنه لو قيل : -الكامل -وكذلك قوله . د به من جهة أنه ال يشبه الغرض وال يليق باحلال من أجل القافية وأنها تفس

) ) بعثوا إيل عريفهم يتوسم ... أو كلما وردت عكاظ قبيلة ( وإذا قيل . فحاال وذاك ألن املعىن يف بيت األعشى على أن هناك موقدا يتجدد منه اإلهلاب واإلشعال حاال

إىل ضوء نار : وجرى مجرى أن يقال . محرقة كان املعىن أن هناك نارا قد ثبتت هلا وفيها هذه الصفة : وكذلك احلال يف . عظيمة يف أنه ال يفيد فعال يفعل

وتأمل ونظر يتجدد من العريف هناك حاال على توسم : وذلك ألن املعىن . بعثوا إيل عريفهم يتوسم : قوله بعثوا إيل عريفهم متوسما مل يفد ذلك حق اإلفادة : ولو قيل . فحاال وتصفح منه للوجوه واحدا بعد واحد

هل من خالق غري : و قيل ل) هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء واألرض : ( ومن ذلك قوله تعاىل . وال ينبغي أن يغرك أنا إذ تكلمنا يف مسائل املبتدأ واخلرب قدرنا . اهللا رازق لكم لكان املعىن غري ما أريد

فإن ذلك ال " زيد قائم " إنه يف موضع " : زيد يقوم : " الفعل يف هذا النحو تقدير االسم كما نقول يف أن يستوي املعىن فيها استواء ال يكون من بعده افتراق فإهنما لو استويا هذا االستواء مل يكن أحدمها يقتضي

فعال واآلخر امسا بل كان ينبغي أن يكونا مجيعا فعلني أو يكونا امسني فيكون لك يف كل " ملنطلق زيد ا" و " زيد املنطلق " و " زيد منطلق : " ومن فروق اإلثبات أنك تقول

وأنا أفسر لك ذلك . واحد من هذه األحوال غرض خاص وفائدة ال تكون يف الباقي

كان كالمك مع من مل يعلم أن انطالقا كان ال من زيد وال من عمرو " زيد منطلق : " اعلم انك إذا قلت كان كالمك مع من عرف أن انطالقا كان إما من " زيد املنطلق : " ت وإذا قل. فأنت تفيده ذلك ابتداء .

أنك تثبت يف األول الذي هو : والنكتة . زيد وإما من عمرو فأنت تعلمه أنه كان من زيد ودون غريه فعال قد " زيد املنطلق " قولك زيد منطلق فعال مل يعلم السامع من أصله أنه كان وتثبت يف الثاين الذي هو

فقد وافق األول يف املعىن الذي له كان اخلرب خربا . علم السامع أنه كان ولكنه مل يعلمه لزيد فأفدته ذلك وليس يقدح يف ذلك أنك كنت قد علمت أن انطالقا كان من أحد الرجلني . وهو إثبات املعىن للشيء

القطع على أنه كان من زيد دون عمرو كان حالك يف احلاجة إىل من يثبته لزيد ألنك إذا مل تصل إىل كحالك إذا مل تعلم أنه كان من أصله

ومتام التحقيق أن هذا كالم يكون معك إذا كنت قد بلغت أنه كان من إنسان انطالق من موضع كذا يف فإذا قيل . كون ذلك كان من زيد وقت كذا لغرض كذا فجوزت أن ي

مث إهنم إذا أرادوا . زيد املنطلق صار الذي كان معلوما على جهة اجلواز معلوما على جهة الوجوب : لك زيد هو املنطلق : تأكيد هذا الوجوب أدخلوا الضمري املسمى فصال بني اجلزءين فقالوا

أنك إذا نكرت اخلرب جاز أن تأتي مببتدأ ثان -و ما تمس احلاجة إىل معرفته وه - ومن الفرق بني املسألتني تفسري هذا . وإذا عرفت مل يجز ذلك . على أن تشركه حبرف العطف يف املعىن الذي أخربت به عن األول

ذلك ألن . زيد املنطلق وعمرو : قول وال ت. وعمرو منطلق أيضا : تريد . زيد منطلق وعمرو : أنك تقول املعىن مع التعريف على أنك أردت أن تثبت انطالقا خمصوصا قد كان من واحد فإذا أثبته لزيد مل يصح

يد ز: مث إن كان قد كان ذلك االنطالق من اثنني فإنه ينبغي أن يجمع بينهما يف اخلرب فتقول . إثباته لعمرو ومن الواضح يف متثيل هذا النحو . وعمرو مها املنطلقان ال أن تفرق فتثبته أوال لزيد مث جتيء فتثبته لعمرو

: - الطويل -جرير هو القائل : هو القائل بيت كذا كقولك : قولنا ... ) وليس لسيفي يف العظام بقية (

جرير هو القائل هذا البيت وفالن حاولت محاال ألنه : شرك يف هذا اخلرب غريه فتقول فأنت لو حاولت أن ت فال يتصور أن يشرك جريرا فيه غريه . قوله بعينه

: واعلم أنك جتد األلف والالم يف اخلرب على معىن اجلنس مث ترى له يف ذلك وجوها زيد هو اجلواد وعمرو هو : نس املعنى على املخبر عنه لقصدك املبالغة وذلك قولك أن تقصر ج: أحدها

إال أنك تخرج الكالم يف صورة توهم أن اجلود والشجاعة مل توجد إال فيه . الشجاع تريد أنه الكامل فهذا كاألول يف امتناع العطف عليه . لكمال وذلك ألنك مل تعتد مبا كان من غريه لقصوره عن أن يبلغ ا

زيد هو اجلواد وعمرو كان خلفا من القول : فلو قلت . لإلشراك أن تقصر جنس املعىن الذي تفيده باخلرب على املخرب عنه ال على : والوجه الثاين

وال يكون ذلك . بل على دعوى أنه ال يوجد إال منه معىن املبالغة وترك االعتداد بوجوده يف غري املخبر عنه إال إذا قيدت املعىن بشيء خيصصه وجيعله يف حكم نوع برأسه وذلك كنحو أن يقيد باحلال والوقت كقولك

شترطت له مفعوال وهكذا إذا كان اخلرب مبعىن يتعدى مث ا" . حني ال تظن نفس بنفس خريا " هو الويف : : - من املتقارب - خمصوصا كقول األعشى

) إما خماضا وإما عشارا ... هو الواهب املئة املصطفاة ( وكذلك جتعل هبة املئة من اإلبل . فأنت جتعل الوفاء يف الوقت الذي ال يفي فيه أحد نوعا خاصا من الوفاء

مث إنك جتعل كل هذا خربا على معىن االختصاص وأنه للمذكور دون . الوفاء وكذا الباقي نوعا خاصا من : من عداه أال ترى أن املعىن يف بيت األعشى أنه ال يهب هذه اهلبة إال املمدوح ورمبا ظن أن الالم يف

... ) هو الواهب املئة املصطفاة ( زيد هو املنطلق من حيث كان القصد إىل هبة خمصوصة كما كان القصد إىل انطالق : حنو مبنزلتها يف

. خمصوص وليس األمر كذلك ألن القصد هاهنا إىل جنس من اهلبة خمصوص ال إىل هبة خمصوصة بعينها وأما املعىن يف . املئة مرة بعد أخرى يدلك على ذلك أن املعىن على أنه يتكرر منه وعلى أنه جيعله يهب

فالتكرر هناك . زيد هو املنطلق فعلى القصد إىل انطالق كان مرة واحدة ال إىل جنس من االنطالق : قولك جرير هو القائل : غري متصور كيف وأنت تقول

... ) وليس لسيفي يف العظام بقية ( فافصل بني أن تقصد إىل نوع فعل وبني أن تقصد إىل فعل واحد . تثبت له قيل هذا البيت وتأليفه تريد أن

متعين حاله يف املعاين حال زيد يف الرجال يف أنه ذات بعينها : والوجه الثالث أن ال تقصد قصر املعىن يف جنسه على املذكور ال كما كان يف

: تريد أن ال تعتد بشجاعة غريه وال كما ترى يف قوله " زيد هو الشجاع " ... ) هو الواهب املئة املصطفاة (

: -الوافر -لكن على وجه ثالث وهو الذي عليه قول اخلنساء ) رأيت بكاءك احلسن اجلميال ... إذا قبح البكاء على قتيل (

أن ما عدا البكاء عليه فليس حبسن وال مجيل ومل تقيد احلسن بشيء فيتصور أن يقصر على البكاء مل ترد ولكنها أرادت أن تقره يف جنس ما حسنه احلسن الظاهر الذي . كما قصر األعشى هبة املئة على املمدوح

: - الطويل -ومثله قول حسان . ال ينكره أحد وال يشك فيه شاك ) بنو بنت مخزوم ووالدك العبد ... وإن سنام املجد من آل هاشم (

ووالدك عبد مل يكن قد جعل حاله : ولو قال . أراد أن يثبت العبودية مث جيعله ظاهر األمر فيها ومعروفا هبا : -الطويل -وعلى ذلك قول اآلخر . ظاهرة متعارفة يف العبودية حالة

) ويف سائر الدهر الغيوث املواطر ... أسود إذا ما أبدت احلرب نابها ( واعلم أن للخرب املعرف باأللف والالم معنى غري ما ذكرت لك وله مسلك مث دقيق وحملة كاخللس يكون

وأنت ال تقصد . هو البطل احملامي وهو املتقى املرتجى : أمل عنده كما يقال يعرف وينكر وذلك قولك املتزيد : شيئا مما تقدم فلست تشري إىل معنى قد علم املخاطب أنه كان ومل يعلم ممن كان كما مضى يف قولك

: عنى عليه على معنى أنه مل حيصل لغريه على الكمال كما كان يف قولك وال تريد أن تقصر م. هواملنطلق هل مسعت بالبطل احملامي وهل حصلت معىن هذه الصفة وكيف ينبغي أن : ولكنك تريد أن تقول لصاحبك

يكون الرجل حىت يستحق أن يقال ذلك له وفيه فإن كنت قتلته

تصوره فعليك صاحبك واشدد به يدك فهو ضالتك وعنده بغيتك وطريقه طريق قولك علما وتصورته حق هل مسعت باألسد وهل تعرف ما هو فإن كنت تعرفه فزيد هو هو بعينه :

ول ابن ويزداد هذا املعىن ظهورا بأن تكون الصفة اليت تريد اإلخبار هبا عن املبتدأ مجراة على موصوف كق : -الطويل - الرومي

) ولكنه باملجد واحلمد مفرد ... هو الرجل املشروك يف جل ماله ( . فكر يف رجل ال يتميز عفاته وجريانه ومعارفه عنه يف ماله وأخذ ما شاؤوا منه : تقديره كأنه يقول للسامع

وهذا فن عجيب الشأن وله مكان من الفخامة . ه يف نفسك فاعلم أنه ذلك الرجل فإذا حصلت صورتوالنبل وهو من سحر البيان الذي تقصر العبارة عن تأدية حقه واملعول فيه على مراجعة النفس واستقصاء

ل ماله أن يقول هو الذي بلغك حديثه الرجل املشروك يف ج: فإذا علمت أنه ال يريد بقوله . التأمل هو الرجل الذي بلغك أنه أنفق كذا : وعرفت من حاله وقصته أنه يشرك يف جل ماله على حد قولك

هو الكامل يف هذه الصفة حتى كأن : " وال أن يقول إنه على معىن . والذي وهب املئة املصطفاة من اإلبل وذاك أن كون . ألن ذلك ال يتصور " يف جل أمواهلم إال أنه يف ذلك أكمل وأمت هاهنا أقواما يشركون

كما أن بذل الرجل كل ما ميلك كذلك ولو . الرجل حبيث يشرك يف جل ماله ليس مبعىن يقع فيه تفاضل عنى ثالث وليس إال ما أشرت وإذا كان كذلك علمت أنه م. الذي يشرك يف ماله جاز أن يتفاوت : قيل

مث تأمل فالنا " . رجل مشروك يف جل ماله " ضع يف نفسك معىن قولك : إليه من أنه يقول للمخاطب وإن أردت أن تسمع يف هذا املعىن . فإنك تستملي هذه الصورة منه وجتده يؤديها لك نصا ويأتيك هبا كمال

: -الطويل - إليه سكون الصادي إىل برد املاء فامسع قوله ما تسكن النفس ) إذا مل تكارمين صروف زماين ... أنا الرجل املدعو عاشق فقره (

: -الكامل -وإن أردت أعجب من ذلك فقوله ) ديه غدا أرجو الثواب هبا ل... أهدى إيل أبو احلسني يدا ( ) أولى يدا حسبت عليه يدا ... وكذاك عادات الكرمي إذا ( ) فألزعمنك ذلك األحدا ... إن كان يحسد نفسه أحد (

مجرى ما عهد فهذا كله على معىن الوهم والتقدير وأن يصور يف خاطره شيئا مل يره ومل يعلمه مث يجريهفإنه جييء كثريا على أنك تقدر شيئا يف " الذي " وليس شيء أغلب على هذا الضرب املوهوم من . وعلم

: -الطويل - ومثال ذلك قوله . وهمك مث تعبر عنه بالذي ) يف يغضب يجبك وإن تغضب إىل الس... أخوك الذي إن تدعه لملمة (

: -الطويل - وقول اآلخر

) أربت وإن عاتبته الن جانبه ... إنما : أخوك الذي إن ربته قال ( فهذا وحنوه على أنك قدرت إنسانا هذه صفته وهذا شأنه وأحلت السامع على ما يعن يف الوهم دون أن

: ذه الصفة فأعلمته أن املستحق السم األخوة هو ذلك الذي عرفه حىت كأنك قلت يكون قد عرف رجال هبولكون هذا اجلنس معهودا من طريق الوهم والتخيل . أخوك زيد الذي عرفت أنك إن تدعه مللمة جيبك

يكون وهذا ما ال يدخل يف هذا هو الذي ال: جرى على ما يوصف باالستحالة كقولك للرجل وقد متنى : -الكامل - وقوله . الوجود

) أبدا وما هو كائن سيكون ... ما ال يكون فال يكون بحيلة ( : -الطويل -ومن لطيف هذا الباب قوله

) يرق ويصفو إن كدرت عليه ... وإني لمشتاق إىل ظل صاحب ( فهذا . خذ مين اخلالفة وأعطين هذا الصاحب : قد قدر كما ترى ما لم يعلمه موجودا ولذلك قال املأمون

التعريف الذي تراه يف الصاحب ال يعرض فيه شك أنه موهوم ذلك أنك وإن كنت ترى يف الظاهر فالقول يف" زيد املنطلق : " املنطلق زيد والفرق بينه وبني : وأما قولنا

أهنما سواء من حيث كان الغرض يف احلالين إثبات انطالق قد سبق العلم به لزيد فليس األمر كذلك بل بني فأنت يف حديث انطالق قد كان وعرف السامع . زيد املنطلق : وبيانه أنك إذا قلت . الكالمني فصل ظاهر

زيد املنطلق أزلت عنك الشك وجعلته يقطع : إال أنه مل يعلم أمن زيد كان أم من عمرو فإذا قلت . كونه: فقلت " املنطلق " وليس كذلك إذا قدمت . وبأنه كان من زيد بعد أن كان يرى ذلك على سبيل اجلواز

أيت إنسانا ينطلق بالبعد منك فلم يثبته ومل تعلم أزيد هو أم املنطلق زيد بل يكون املعىن حينئذ على أنك روقد ترى الرجل . املنطلق زيد أي هذا الشخص الذي تراه من بعد هو زيد : فقال لك صاحبك . عمرو

الالبس : فيقال لك قائما بني يديك وعليه ثوب ديباج والرجل ممن عرفته قدميا مث بعد عهدك به فتناسيتهوال يكون الغرض أن ! الديباج صاحبك الذي كان يكون عندك يف وقت كذا أما تعرفه لشد ما نسيت

يثبت له لبس الديباج الستحالة ذلك من حيث إن رؤيتك الديباج عليه تغنيك عن إخبار مخرب وإثبات ت اسم فاعل أو صفة من الصفات قد بدىء به فجعل مبتدأ وجعل الذي هو فمىت رأي. مثبت لبسه له

صاحب الصفة يف املعىن خربا فاعلم أن الغرض هناك غري الغرض إذا كان اسم الفاعل أو الصفة خربا زيد املنطلق : كقولك

هذا الباب حىت يظن أن واعلم أنه ربما اشتبهت الصورة يف بعض املسائل من

ومما يوهم ذلك قول النحويني يف باب . املعرفتني إذا وقعتا مبتدأ وخربا مل خيتلف املعىن فيهما بتقدمي وتأخري كان زيد أخاك : إذا اجتمع معرفتان كنت باخليار يف جعل أيهما شئت امسا واآلخر خربا كقولك : كان

فيظن من هاهنا أن تكافؤ االمسني يف التعريف يقتضي أن ال خيتلف املعىن بأن تبدأ هبذا . ا وكان أخوك زيدوحىت كان الترتيب الذي يدعى بني املبتدأ واخلرب وما يوضع هلما يف املنزلة يف التقدم والتأخر . وتثني بذاك

يسقط ويرتفع إذا كان اجلزآن معا معرفتني

األمري زيد وجئتك واخلليفة عبد امللك فيكون املعىن على إثبات اإلمارة لزيد : مما يوهم ذلك أنك تقول ووتقوله ملن ال يشاهد ومن هو . زيد األمري وعبد امللك اخلليفة : واخلالفة لعبد امللك كما يكون إذا قلت : -الطويل -من - وهكذا يتوهم يف حنو قوله . غائب عن حضرة اإلمارة ومعدن اخلالفة

) وجدي يا حجاج فارس شمرا ... أبوك حباب سارق الضيف برده ( والذي يبني وجه . وهو موضع غامض . حباب أبوك وفارس شمر جدي : وأنه ال فصل بينه وبني أن يقال

على وجوب الفرق بني املسألتني أنك إذا تأملت الكالم وجدت ما ال حيتمل التسوية وما الصواب ويدل وإن أردت أن تعرف ذلك فانظر إىل ما . جتد الفرق قائما فيه قياما ال سبيل إىل دفعه هو األعم األكثر

: مث انظر إىل قول العرب . رجل بني يديه الالبس الديباج زيد وأنت تشري له إىل: قدمت لك من قولك : - الوافر -ليس الطيب إال املسك وقول جرير

... ) ألستم خري من ركب املطايا (

: - الوافر -وحنو قول املتنيب ... ) ألست ابن األلى سعدوا وسادوا (

ليس : وأراد املعىن على أن يسلم لك مع قلب طريف اجلملة وقل . وأشباه ذلك مما ال يحصى وال يعد أليس ابن األىل سعدوا وسادوا إياك تعلم أن : أليس خري من ركب املطايا إياكم و : و . املسك إال الطيب

األمر على ما عرفتك من وجوب اختالف املعىن حبسب التقدمي والتأخري نا نكتة جيب القطع معها بوجوب هذا الفرق أبدا وهي أن املبتدأ مل يكن مبتدأ ألنه منطوق به أوال وال وهاه

كان اخلبر خربا ألنه مذكور بعد املبتدأ بل كان املبتدأ مبتدأ ألنه مسند إليه ومثبت له املعىن واخلرب خربا ألنه مسند ومثبت به املعىن

فزيد مثبت له ومنطلق . زيد منطلق فقد أثبت االنطالق لزيد وأسندته إليه : لك أنك إذا قلت تفسري ذوأما تقدم املبتدأ على اخلرب لفظا فحكم واجب من هذه اجلهة أي من جهة أن كان املبتدأ هو . مثبت به

ت به املعىن ويسند ولو كان املبتدأ مبتدأ ألنه يف اللفظ الذي يثبت له املعىن ويسند إليه واخلرب هو الذي يثبإن : ولوجب أن يكون قولهم . منطلق زيد : مقدم مبدوء به لكان ينبغي أن خيرج عن كونه مبتدأ بأن يقال

لتهما مبتدأ وخربا وإذا كان هذا كذلك مث جئت مبعرفتني فجع. اخلرب مقدم يف اللفظ والنية به التأخري محاال " أخوك " زيد أخوك كنت قد أثبت ب : فإذا قلت . فقد وجب وجوبا أن تكون مثبتا بالثاين معنى لألول

وإال " أخوك " أخوك زيد وجب أن تكون مثبتا بزيد معنى ل : وإذا قدمت وأخرت فقلت . معنى لزيد : ذاك خربا تغيريا لالسم عليه من غري معنى وألدى إىل أن ال يكون لقولهم كان تسميتك له اآلن مبتدأ وإذ

فائدة غري أن يتقدم اسم يف اللفظ على اسم من غري أن ينفرد كل واحد منهما حبكم ال " املبتدأ واخلرب " يكون لصاحبه وذلك مما ال يشك يف سقوطه

إذا جئت مبعرفتني مث جعلت هذا مبتدأ وذاك خربا تارة وتارة - ى اختالف املعىن ومما يدل داللة واضحة عل احلبيب أنت وأنت احلبيب وذاك أن معىن : قولهم -بالعكس

ها أنه ال فصل بينك وبني من حتبه إذا صدقت احملبة وأن مثل املتحابين مثل نفس يقتسم" احلبيب أنت " فرق لطيف - كما ترى -احلبيب أنت إال أنه غريك فهذا : شخصان كما جاء عن بعض احلكماء أنه قال

ألن الذي يعقل من . أنت احلبيب حاولت ما ال يصح : ولو حاولت أن تفيدها بقولك . ونكتة شريفة : - البسيط -أنت احلبيب هو ما عناه املتنيب يف قوله : قولك

) من أن أكون محبا غري محبوب ... أنت احلبيب ولكني أعوذ به ( أنك أنت الذي أختصه باحملبة من بني " أنت احلبيب : " وال يخفى بعد ما بني الغرضني فاملعىن يف قولك

زيد أخوك " و " أخوك زيد " جيوز أن يكون وإذا كان كذلك عرفت أن الفرق واجب أبدا وأنه ال. الناس مبعنى واحد "

أنت الشجاع تريد أنه الذي كملت فيه : أنت احلبيب كقولنا : وهاهنا شيء جيب النظر فيه وهو أن قولك وإذا نظرنا .زيد املنطلق تريد أنه الذي كان منه االنطالق الذي سمع املخاطب به : أو كقولنا . الشجاعة

أنت الشجاع ألنه يقتضي أن يكون املعىن أنه ال حمبة يف الدنيا إال ما هو : وجدناه ال حيتمل أن يكون كقولنا أنه ال شجاعة يف الدنيا إال ما جتده عنده وما هو شجاع به " هو الشجاع " كما أن املعىن يف . به حبيب

وذلك حمال فاحملبة إذا ليست هي له باحلقيقة وإمنا هي صفة لغريه قد . مبعىن مفعول ) فعيل ( احلبيب وأمر آخر وهو أن

والصفة إذا وصفت بالكمال وصفت به على أن يرجع ذلك . ال بسته وتعلقت به تعلق الفعل باملفعول أنت احملبوب : وإذا كان كذلك بعد أن تقول . ل الكمال إىل من هي صفة له دون من تالبسه مالبسة املفعو

كما أن بعيدا أن يقال هو املضروب على معىن أنه الكامل يف . على معىن أنت الكامل يف كونك محبوبا كونه

زيد : وإن جاء شيء من ذلك جاء على تعسف فيه وتأويل ال يتصور هاهنا وذلك أن يقال مثال . مضروبا هو املظلوم على معىن أنه مل يصب أحدا ظلم يبلغ يف الشدة والشناعة الظلم الذي لحقه فصار كل ظلم

أنت احلبيب ألنا نعلم أهنم ال يريدون هبذا الكالم أن : وال جييء هذا التأويل يف قولنا . سواه عدال يف جنبه وإن ذلك قد أبطل احملبات كلها حىت صرت الذي ال يعقل . حب أحدا محبيت لك إن أحدا مل ي: يقولوا

وإنما الذي يريدون أن احملبة مين جبملتها مقصورة عليك وأنه ليس ألحد غريك حظ . للمحبة معنى إال فيه يف حمبة مين

إال أنه ينبغي . تريد الذي تكامل الوصف فيه " . ت الشجاع أن" وإذا كان كذلك بان أنه ال يكون مبنزلة فرقا وهو أن لك يف احملبة اليت أثبتها طرفا من " زيد املنطلق " وبني " أنت احلبيب " من بعد أن تعلم أن بني

أال . د إىل حمبة واحدة من حمباتك اجلنسية من حيث كان املعىن أن احملبة مين جبملتها مقصورة عليك ومل تعمأنت احلبيب أنك ال حتب غريه وأن ال حمبة ألحد سواه عندك وال يتصور هذا : ترى أنك قد أعطيت بقولك

ألنه ال وجه هناك للجنسية إذ ليس ثم إال انطالق واحد قد عرف املخاطب أنه كان " زيد املنطلق " يف زيد املنطلق يف حاجتك تريد الذي من شأنه : فإن قلت . احتاج أن يعين له الذي كان منه وينص له عليه و

وهاهنا أصل جيب أن " . أنت احلبيب " أن يسعى يف حاجتك عرض فيه معىن اجلنسية حينئذ على حدها يف إذا وصفت أن تتنوع بالصفة فيصري الرجل الذي هو جنس تحكمه وهو أن من شأن أمساء األجناس كلها

أنواعا خمتلفة يعد كل " رجل ظريف ورجل قصري ورجل شاعر ورجل كاتب : " واحد إذا وصفته فقلت يف املصادر وهكذا القول. ويستأنف يف اسم الرجل بكل صفة تقرنها إليه جنسية . منها شيئا على حدة

فتجد كل واحد من هذه املعاين جنسا . العلم واجلهل والضرب والقتل والسري والقيام والقعود : تقول علم : علم كذا وعلم كذا كقولك : فإذا وصفت فقلت . كالرجل والفرس واحلمار

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي

اإلعجاز: كتاب دالئل اجلرجاين : املؤلف بن حممد لرمحن عبدا هر بن لقا بكر عبدا بو أ

ضروري وعلم مكتسب وعلم جلي وعلم خفي وضرب شديد وضرب خفيف وسري سريع سري بطيء وما املؤلف تفرقه فرقا انقسم اجلنس منها أقساما وصار أنواعا وكان مثلها مثل الشيء اجملموع . شاكل ذلك

وهذا مذهب معروف عندهم وأصل متعارف يف كل جيل وأمة . وتشعبه شعبا وهو أن من شأن املصدر أن يفرق . مث إن هاهنا أصال هو كاملتفرع على هذا األصل أو كالنظري له

: فتراه جنسا واحدا فإذا قلت " الضرب : " قول ومعىن هذا الكالم أنك ت. بالصالت كما يفرق بالصفات الضرب بالسيف غري : أال تراك تقول . الضرب بالسيف صار تعديتك له إىل السيف نوعا مخصوصا

الضرب بالعصا تريد أهنما نوعان خمتلفان وأن اجتماعهما يف اسم الضرب ال يوجب اتفاقهما ألن الصلة قد : - الكامل - ومن املثال البين يف ذلك قول املتنيب . بينهما وفرقتهما فصلت

) الهيجاء غير الطعن يف امليدان ... وتوهموا اللعب الوغى والطعن يف ( ملا كان هلذا الكالم لوال أن اختالف صلة املصدر تقتضي اختالفه يف نفسه وأن يحدث يف انقسام وتنوع

فقد بان إذا أنه إنما كان كل واحد من الطعنني . والطعن غري الطعن : معنى ولكان يف االستحالة كقولك وهكذا احلكم يف كل شيء تعدى إليه . جنسا برأسه غري اآلخر بأن كان هذا يف اهليجاء وذاك يف امليدان

وأن يكون املتعدي إىل هذا املفعول غري . فاختالف مفعولي املصدر يقتضي اختالفه . املصدر وتعلق به وهكذا إذا عديته إىل احلال . ليس إعطاؤك الكثري كإعطائك القليل : وعلى ذلك تقول . املتعدي إىل ذاك

وإذ قد . ل كبذلك وأنت مكثر وليس بذلك وأنت مق. ليس إعطاؤك معسرا كإعطائك موسرا : كقولك عرفت هذا من حكم املصدر فاعتبر به حكم االسم املشتق منه

-وقوله . هو الويف حني ال يفي أحد وهو الواهب املئة املصطفاة : وإذا اعتربت ذلك علمت أن قولك : - اخلفيف

) تغلو والضرب أغلى وأغلى ... وهو الضارب الكتيبة والطعنة ( واشباه ذلك كلها أخبار فيها معىن اجلنسية وأهنا يف نوعها اخلاص مبنزلة اجلنس املطلق إذا جعلته خربا فقلت

أنت الشجاع إىل شجاعة بعينها قد كانت وعرفت من إنسان: أنت الشجاع وكما أنك ال تقصد بقولك : . وأردت أن تعرف ممن كانت بل تريد أن تقصر جنس الشجاعة عليه وال جتعل ألحد غريه فيه حظا .

حني ال يفي : " إىل وفاء واحد كيف وأنت تقول " أنت الوفي حني ال يفي أحد : " كذلك ال تقصد بقولك إىل هبة واحدة ألنه يقتضي أن " الواهب املئة املصطفاة هو: " وهكذا حمال أن يقصد من قوله " . أحد

ألن املعىن أنه الذي من . ومعلوم أنه خالف الغرض . يقصد إىل مئة من اإلبل قد وهبها مرة مث مل يعد ملثلها يعطي مادحه األلف واأللفني هو الذي: شأنه أن يهب املئة أبدا والذي يبلغ عطاؤه هذا املبلغ كما تقول

: -الرجز - وكقوله

... ) وحامت الطائي وهاب املئي ( وأصل آخر وهو أن من حقنا أن نعلم أن مذهب اجلنسية يف االسم وهو خرب . وذلك أوضح من أن يخفى

أنت الشجاع للجنس كما هو له يف : الالم يف قولك إن : تفسري هذا أنا وإن قلنا . غري مذهبها وهو مبتدأ الشجاع موقى : وذلك أن املعىن يف قولك . الشجاع موقى واجلبان ملقى فإن الفرق بينهما عظيم : قوهلم

لست و. الشجعان كلهم موقون : أنك تثبت الوقاية لكل ذات من صفتها الشجاعة فهو يف معىن قولك إن الشجاع كالشجعان على اإلطالق وإن كان ذلك ظن كثري من الناس ولكني أريد أنك جتعل : أقول

أنت الشجاع فال معىن فيه لالستغراق إذ : وأما يف قولك . الوقاية تستغرق اجلنس وتشمله وتشيع فيه أنت اخللق كلهم وأنت : تذهب به مذهب قولهم أنت الشجعان كلهم حىت كأنك: لست تريد أن تقول

السريع - كما قال . العامل

) أن يجمع العالم يف واحد ... ليس على اهللا مبستنكر ( ولكن حلديث اجلنسية هاهنا مأخذا آخر غري ذلك وهو أنك تعمد هبا إىل املصدر املشتق منه الصفة وتوجهها

مث لك يف توجيهها إليه مسلك دقيق وذلك أنه ليس القصد أن تأتي إىل شجاعات . ه ال إىل نفس الصفة إليإن الشجاعات اليت يتوهم وجودها يف املوصوفني بالشجاعة : كثرية فتجمعها له وتوجدها فيه وال أن تقول

كنا قد عقلنا الشجاعة وعرفنا : بل املعىن على أنك تقول هذا كله محال. هي موجودة فيه ال فيهم حقيقتها وما هي وكيف ينبغي أن يكون اإلنسان يف إقدامه وبطشه حىت يعلم أنه شجاع على الكمال

د استكمل حىت إذا صرنا إىل املخاطب وجدناه ق. واستقرينا الناس فلم جند يف واحد منهم حقيقة ما عرفناه ويبين لك أن األمر كذلك اتفاق . هذه الصفة واستجمع شرائطها وأخلص جوهرها ورسخ فيه سنخها

اجلميع على تفسيرهم له مبعىن الكامل ولو كان املعىن على أنه استغرق الشجاعات اليت يتوهم كونها يف ىن الكامل يف الشجاعة ألن الكمال هو أن تكون الصفة على ما ينبغي إنه مبع: املوصوفني بالشجاعة ملا قالوا

وليس الكمال أن جتتمع آحاد اجلنس وينضم بعضها إىل بعض . أن تكون عليه وأن ال خيالطها ما يقدح فيها . ة وما عداها جبن هذه هي الشجاعة على احلقيق: أنت الشجاع هو الغرض بقوهلم : فالغرض إذا بقولنا

وهذا هو الشعر وما سواه فليس بشيء وذلك أظهر من أن يخفى . وهكذا يكون العلم وما عداه تخيل مبعىن أنك كأنك مجيع الشجعان على حد : أنت الشجاع : وضرب آخر من االستدالل يف إبطال أن يكون

أنت اخللق وأنت الناس كلهم وقد جمع العامل منك يف واحد : ك يف قولك وهو أن. أنت اخللق كلهم : تدعي له مجيع املعاين الشريفة املتفرقة يف الناس من غري أن تبطل تلك املعاين وتنفيها عن الناس بل على أن

دود بألف رجل فلست تعين أنه معدود بألف إنه مع: أال ترى أنك إذا قلت يف الرجل . تدعي له أمثالها بل تريد أنه يعطيك من معاين الشجاعة أو العلم أو كذا أو كذا . رجل ال معىن فيهم وال فضيلة هلم بوجه

قد انفرد أنت الشجاع فإنك تدعي له أنه : وأما يف حنو . جمموعا ما ال جتد مقداره مفرقا إال يف ألف رجل حبقيقة الشجاعة وأنه قد أوتي فيها مزية وخاصية مل يؤتها أحد

حىت صار الذي كان يعده الناس شجاعة غري شجاعة وحىت كأن كل إقدام إحجام وكل قوة عرفت يف كما : ستحق اسم اجلواد أحد جاد حىت بخل كل جواد وحتى منع أن ي: احلرب ضعف وعلى ذلك قالوا

: - الوافر -قال ) هباتك أن يلقب باجلواد ... وأنك ال تجود على جواد (

كما قال . جاد حىت كأن مل يعرف ألحد جود وحىت كأن قد كذب الواصفون الغيث باجلود : وكما يقال : - البسيط - ) وجدت حتى كأن الغيث مل يجد ... حتى تركت الريح حاسرة أعطيت(

خصوصا" الذي " هذا فصل يف

علما كثريا وأسرارا مجة وخفايا إذا حبثت عنها وتصورتها اطلعت على فوائد " الذي " أعلم أن لك يف

والوجه يف ذلك أن . ضي بك إليه من اليقني ويؤديه إليك من حسن التبيني تؤنس النفس وتثلج الصدر مبا يف لم وضع وألي غرض اجتلب وأشياء وصفوه هبا : تتأمل عبارات هلم فيه

" ذو " اجتلب ليكون وصلة إىل وصف املعارف باجلمل كما اجتلب " الذي " إن : فمن ذلك قوهلم مررت بزيد الذي أبوه منطلق وبالرجل : ليتوصل به إىل الوصف بأمساء األجناس يعنون بذلك أنك تقول

: فتجدك قد توصلت بالذي إىل أن يبين أبنت زيدا من غريه باجلملة اليت هي قولك . الذي كان عندنا أمس فيتوصل بذي : مررت برجل ذي مال : إىل ذلك كما أنك تقول مل تصل" الذي " ولوال " . أبوه منطلق "

. برجل مال : مل يتأت لك ذلك إذ ال تستطيع أن تقول " ذو " ولوال . إىل أن يبين الرجل من غريه باملال فهذه مجلة مفهومة إال أن حتتها خبايا حتتاج إىل الكشف عنها

من أين امتنع أن توصف املعرفة باجلملة ولم لم يكن حالها يف ذلك حال النكرة اليت فمن ذلك أن تعلمإن السبب : وقالوا . مررت برجل أبوه منطلق ورأيت إنسانا تقاد اجلنائب بني يديه : تصفها هبا يف قولك

فلما : قالوا . تستفاد وإمنا يستفاد اجملهول دون املعلوم يف امتناع ذلك أن اجلمل نكرات كلها بداللة أهنا فجاز وصفها هبا ومل يجز أن توصف هبا املعرفة إذ مل تكن وفقا هلا . كانت كذلك كانت وفقا للنكرة

قصة وأمر جرى له فتخصص إنه إنما اجتلب حىت إذا كان قد عرف رجل ب: والقول املبني يف ذلك أن يقال " تفسري هذا أنك ال تصل " . الذي " مث أريد القصد إليه ذكر . بتلك القصة وبذلك األمر عند السامع

إال جبملة من الكالم قد سبق من السامع علم هبا وأمر قد عرفه له حنو أن ترى عنده رجال ينشده " الذي " ما فعل الرجل الذي كان عندك باألمس ينشدك الشعر هذا حكم اجلملة بعد : فتقول له من غد شعرا

إنه اجتلب ليتوصل به إىل وصف املعارف باجلملة أنه : فكان معىن قوهلم . إذا أنت وصفت به شيئا " الذي فإن . لشيء جبملة قد عرفها السامع له وبني أن ال يكون األمر كذلك جيء به ليفصل بني أن يراد ذكر ا

: خربا كقولك " الذي " باجلملة غري املعلومة للسامع وذلك حيث يكون " الذي " قد يؤتى بعد : قلت

علم املخاطب أمرا أنت يف هذا وشبهه ت. هذا الذي كان عندك باألمس وهذا الذي قدم رسوال من احلضرة خربا إذ " الذي " ولو مل يكن كذلك مل يكن . مل يسبق له به علم وتفيده يف املشار إليه شيئا مل يكن عنده

إن اجلملة يف هذا النحو وإن كان املخاطب ال : فالقول يف ذلك . كان ال يكون الشيء خربا حىت يفاد به فإنك على كل حال . ن من أشرت إليه فإنه ال بد من أن يكون قد علمها على اجلملة وحدث هبا يعلمها لعيوكذا ال . ملن مل يعلم أن رسوال قدم ومل يبلغه ذلك يف مجلة وال تفصيل : هذا الذي قدم رسوال : ال تقول

كان عنده إنسان وذهب عن وهمه وإمنا تقوله ملن ذاك هذا الذي كان عندك أمس ملن قد نسي أنه: تقول إال أنه رأى رجال يقبل من بعيد فال يعلم أنه ذاك ويظنه إنسانا غريه . على ذكر منه

فليس من" . الذي " وبينها مع غري " الذي " وعلى اجلملة فكل عاقل يعلم بون ما بني اخلرب باجلملة مع هذا الذي قدم رسوال من احلضرة كاملعىن إذا قلت : أحد به طرق إال وهو ال يشك أن ليس املعىن يف قولك

وليس . هذا يسكن محلة كذا : هذا الذي يسكن يف حملة كذا كقولك : هذا قدم رسوال من احلضرة وال : مبتدىء خربا بأمر مل يبلغ السامع ومل يبلغه ومل " رسوال من احلضرة هذا قدم : " ذاك إال أنك يف قولك

معلم يف أمر قد بلغه أن هذا صاحبه فلم يخل إذا من " هذا الذي قدم رسوال : " ويف قولك . يعلمه أصال الذي

فاعرفه فإنه . ن مجلة قد سبق من السامع علم هبا من أنه ينبغي أن تكو" الذي " بدأنا به يف أمر اجلملة مع واهللا املوفق . من املسائل اليت من جهلها جهل كثريا من املعاين ودخل عليه الغلط يف كثري من األمور

للصواب فروق يف احلال هلا فضل تعلق بالبالغة

وأول ما ينبغي أن يضبط . والقصد هاهنا إىل اجلملة . ا جتيء مفردا ومجلة اعلم أن أول فرق يف احلال أنهأتاين وعليه ثوب ديباج : من أمرها أنها جتيء تارة مع الواو وأخرى بغري الواو فمثال جميئها مع الواو قولك

ومثال جميئها بغري واو . وجاءين زيد وهو متقلد سيفه ورأيته وعلى كتفه سيف ولقيت األمري واجلند حواليه جاءين زيد يسعى غالمه بني يديه وأتاين عمرو يقود فرسه :

والقول يف ذلك أن اجلملة إذا كانت من مبتدأ وخرب . ويف متييز ما يقتضي الواو مما ال يقتضيه صعوبة فإن كان . جاءين زيد وعمرو أمامه وأتاين وسيفه على كتفه : كقولك فالغالب عليها أن جتيء مع الواو

جاءين زيد وهو راكب ورأيت : املبتدأ من اجلملة ضمري ذي احلال مل يصلح بغري الواو البتة وذلك كقولك فلو تركت الواو . ىء اجليش زيدا وهو جالس ودخلت عليه وهو يملي احلديث وانتهيت إىل األمري وهو يعب

جاءين زيد هو راكب ودخلت عليه هو ميلي احلديث مل يكن كالما : فلو قلت . يف شيء من ذلك مل يصلح عليه سيف ويف يده : فإن كان اخلرب يف اجلملة من املبتدأ واخلرب ظرفا مث كان قد قدم على املبتدأ كقولنا .

- الطويل - فمما جاء منه كذلك قول بشار . جتيء بغري واو سوط كثر فيها أن ) خرجت مع البازي علي سواد ... إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها (

علي بقية من الليل : يعين : -البسيط -وقول أمية

) يف رأس غمدان دارا منك محالال ...فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ( : -الطويل - وقول اآلخر

) تقوم عليها يف يديك قضيب ... لقد صبرت للذل أعواد منرب ( ا وقد جييء ترك الواو فيم. كل ذلك يف موضع احلال وليس فيه واو كما ترى وال هو حمتمل هلا إذا نظرت

رجع عوده على بدئه يف " و " كلمته فوه إىل يف : " فمن ذلك قوهلم . ليس اخلرب فيه كذلك ولكنه ال يكثر : -الكامل -" اإلصالح " قول من رفع ومنه بيت

) ورفيقه بالغيب ال يدري ... نصف النهار املاء غامره (

: - الطويل -" اإلغفال " و علي يف ومن ذلك ما أنشده الشيخ أب ) إىل جعفر سرباله مل يمزق ... ولوال جنان الليل ما آب عامر (

: -البسيط - ومما ظاهره أنه منه قوله ) اجلود والكرم : وجدته حاضراه ... إذا أتيت أبا مروان تسأله (

مجلة من املبتدأ واخلرب كما ترى وليس فيها واو واملوضع موضع حال أال تراك " : حاضراه اجلود " : فقوله يف مثل هذا من الكالم ال تكون " وجدت " أتيته فوجدته جالسا فيكون جالسا حاال ذاك ألن : تقول

إال أنه ينبغي أن تعلم أن . وجدت الضالة : كقولك املتعدية إىل مفعولني ولكن املتعدية إىل مفعول واحد وجدته اجلود والكرم : تأثريا يف معىن الغىن عن الواو وأنه لو قال " حاضراه " لتقدميه اخلرب الذي هو

وجدته : وكان السبب يف حسنه مع التقدمي أنه يقرب يف املعىن من قولك. حاضراه مل حيسن حسنه اآلن حاضره اجلود والكرم أو حاضرا عنده اجلود والكرم

وإن كانت اجلملة من فعل وفاعل والفعل مضارع مثبت غري منفي مل يكد جييء بالواو بل ترى الكالم على : -ط البسي - وكقوله . جاءين زيد يسعى غالمه بني يديه : مجيئها عارية من الواو كقولك

) يوم قديدمية اجلوزاء مسموم ... وقد علوت قتود الرحل يسفعين (

: -اخلفيف - وقوله ) أحوذي ذو ميعة إضريج ... ولقد أغتدي يدافع ركين (

ال وبني أن يكون ملن هو من ال فصل بني أن يكون الفعل لذي احل. جاءين زيد يسرع : وكذلك قولك ( وعليه التنزيل والكالم ومثاله يف التنزيل قوله عز وجل . سببه فإن ذلك كله يستمر على الغىن عن الواو

ويذرهم ( كقوله عز امسه و) الذي يؤيت ماله يتزكى . وسيجنبها األتقى : ( وقوله تعاىل ) وال تمنن تستكثر : - من املتقارب - فأما قول ابن همام السلويل ) . يف طغيانهم يعمهون

) نجوت وأرهنهم مالكا ... فلما خشيت أظافريه ( فليست الواو فيها للحال . وجهه قمت وأصك: وما شبهوه به من قوهلم " وأرهنهم " يف رواية من روى

الكامل - جنوت راهنا مالكا وقمت صاكا وجهه ولكن أرهن وأصك حكاية حال مثل قوله : وليس املعىن - : ) ال يعنيين : فمضيت ثمت قلت ... ولقد أمر على اللئيم يسبين (

" . رهنت وصككت " كذلك يكون أرهن وأصك هناك يف معىن " مررت " ا يف معىن هاهن" أمر " فكما أن ويبني ذلك أنك ترى الفاء جتيء مكان الواو يف مثل هذا وذلك كنحو ما يف اخلرب يف حديث عبد اهللا بن

يه فإذا هو يف بيت مظلم ال أدري أين هو فانتهيت إل: " عتيك حني دخل على أيب رافع اليهودي حصنه قال فكما " . من هذا فأهويت حنو الصوت فأضربه بالسيف وأنا دهش : فقال . أبا رافع : فقلت . من البيت

على معطوفا" أرهنهم " مضارع قد عطفه بالفاء على ماض ألنه يف املعىن ماض كذلك يكون " أضربه " أن " كذلك يكون املعىن يف البيت " فأهويت فضربت : " وكما ال يشك يف أن املعىن يف اخلرب . املاضي قبله

إال أن الغرض يف أخراجه على لفظ احلال أن يحكي احلال يف أحد اخلربين ويدع اآلخر " . جنوت ورهنت " للئيم يسبين فمضيت ولقد أمر على ا: " على ظاهره كما كان يف

إال أن املاضي يف هذا البيت مؤخر معطوف ويف بيت ابن همام وما ذكرناه معه مقدم معطوف عليه فاعرفه كنت وال : فإن دخل حرف نفي على املضارع تغري احلكم فجاء بالواو وبتركها كثريا وذلك مثل قولهم

: -من الرمل -وقول مسكني الدارمي . أخشى بالذئب ) ولقد كان وال يدعى ألب ... أكسبته الورق البيض أبا (

: -الوافر - وقول مالك بن رفيع وكان جنى جناية فطلبه مصعب بن الزبير ) هم ال أحيد فأين أحيد عن... أتاين مصعب وبنوا أبيه ( ) وكنت وما ينهنهين الوعيد ... أقادوا من دمي وتوعدوين ( وجدت غري " يف هذا كله تامة واجلملة الداخل عليها الواو يف موضع احلال أال ترى أن املعىن " كان "

وال معنى جلعلها " دت غري منهنه بالوعيد وغري مبال به ووج. ولقد وجد غري مدعو ألب . خاش للذئب أال تراك . وليس مجيء الفعل املضارع حاال على هذا الوجه بعزيز يف الكالم . ناقصة وجعل الواو مزيدة

: جعلت أمشي وما أدري أين أضع رجلي وجعل يقول وال يدري وقال أبو األسود : تقول وهو شائع كثري " يصيب وما يدري و"

: - الطويل -فمن ذلك قوله . فأما جميء املضارع منفيا حاال من غري الواو فيكثر ويحسن ) من الدهر أسباب جرين على قدر ... مضوا ال يريدون الرواح وغالهم (

: -البسيط -طيف جدا وقال أرطاة بن سهية وهو ل

) تنس السالح وتعرف جبهة األسد ... إن تلقين ال ترى غيري بناظرة ( ومثله يف اللطف واحلسن قول أعشى همدان وصحب عتاب بن . يف موضع حال " : ال ترى : " فقوله

: -ر الواف -ورقاء إىل أصبهان فلم يحمده فقال

) وكنا قبل ذلك يف نعيم ... أتينا أصبهان فهزلتنا ( ) مسريي ال أسري إىل حميم ... وكان سفاهة مني وجهال (

فكأنه . وهو فاعل يف املعىن " مسريي " حال من ضمري املتكلم الذي هو الياء يف . ال أسري إىل حميم : قوله وقال خالد . وكان سفاهة مين وجهال أن سرت غري سائر إىل حميم وأن ذهبت غري متوجه إىل قريب : قال

: -الكامل -بن يزيد بن معاوية ) دخلوا السماء دخلتها ال أحجب ... لو أن قوما الرتفاع قبيلة (

دي إىل وضعه باملوضع املرضي إال من كان صحيح الطبع وهو كثري إال أنه ال يهتأما جميئها بالواو . مظهرة أو مقدرة " قد " ومما جييء بالواو وغري الواو املاضي وهو ال يقع حاال إال مع

: -البسيط - فكقوله وأما بغري الواو " . أتاين وقد جهده السير : " فالكثري الشائع كقولك ) والليل قد مزقت عنه السرابيل ... متى أرى الصبح قد الحت مخايله (

: - الوافر - وقول اآلخر ) وأبنا بالسيوف قد انحنينا ... فآبوا بالرماح مكسرات (

: -الكامل -وقال آخر وهو لطيف جدا ) متبسمني وفيهم استبشار ... يمشون قد كسروا اجلفون إىل الوغى (

ومما جييء بالواو يف األكثر األشيع مث يأيت يف مواضع بغري الواو فيلطف مكانه ويدل على البالغة اجلملة قد مث قد . فهذا هو املعروف املستعمل . أيته وليس معه غريه أتاين وليس عليه ثوب ور: تقول " ليس " دخلها

: -الرجز - جاء بغري الواو فكان من احلسن على ما ترى وهو قول األعرايب ) تعرفه األرسان والدالء ... لنا فتى وحبذا األفتاء ( ) ليس فيه املاء خلى القليب... إذا جرى يف كفه الرشاء (

مث تنظر . ومما ينبغي أن يراعى يف هذا الباب أنك ترى اجلملة قد جاءت حاال بغري واون ويحسن ذلك : - الطويل -فترى ذلك إمنا حسن من أجل حرف دخل عليها مثاله قول الفرزدق

) بني حوايل األسود احلوارد ... عسى أن تبصريين كأنما : فقلت ( عسى أن : فقلت " كأن " ولو أنك تركت . إىل آخره يف موضع احلال من غير شبهة " كأمنا بين : " قوله

عسى أن : رأيته ال حيسن حسنه األول ورأيت الكالم يقتضي الواو كقولك . تبصريين بني حوايل كاألسود بصريين وبني حوالي كاألسود احلوارد ت

ولو أنك أردت أن جتعلها حاال من . وشبيه هبذا أنك ترى اجلملة قد جاءت حاال بعقب مفرد فلطف مكانها : -السريع -مثال ذلك قول ابن الرومي . غري أن يتقدمها ذلك املفرد مل حيسن

) برداك تبجيل وتعظيم ... لنا سالما والله يبقيك( والله يبقيك " من البيت فقلت " ساملا " ولو أنك أسقطت . برداك تبجيل يف موضع حال ثانية : فقوله

مل يكن شيئا . برداك تبجيل

ف الظاهر فال بد من أن يكون ذلك إنما وإذ قد رأيت اجلمل الواقعة حاال قد اختلف هبا احلال هذا االختالفمحال أن يكون هاهنا مجلة ال تصح إال مع الواو وأخرى ال . كان من أجل علل توجبه وأسباب تقتضيه

لذلك سبب وعلة مث ال يكون . تصلح فيها الواو وثالثة تصلح أن جتيء فيها بالواو وأن تدعها فال جتيء هبا ذاك ألن الطريق إليه غري مسلوك واجلهة اليت منها . ويف الوقوف على العلة يف ذلك إشكال وغموض .

وأنا أكتب لك أصال يف اخلرب إذا عرفته انفتح لك وجه العلة يف ذلك . تعرف غري معروفة من اجلملة ال تتم الفائدة دونه وخرب ليس جبزء من اجلملة ولكنه واعلم أن اخلرب ينقسم إىل خبر هو جزء

خرج : والفعل كقولك . زيد منطلق : فاألول خرب املبتدا كمنطلق يف قولك . زيادة يف خبر آخر سابق له جاءين زيد : ين هو احلال كقولك والثا. وكل واحد من هذين جزء من اجلملة وهو األصل يف الفائدة . زيد

وذاك ألن احلال خرب يف احلقيقة من حيث إنك تثبت هبا املعىن لذي احلال كما تثبته باخلرب للمبتدأ . راكبا جاءين زيد راكبا لزيد إال أن الفرق أنك : أال تراك قد أثبت الركوب يف قولك . وبالفعل للفاعل

ومل جترد إثباتك للركوب ومل . زيد معنى يف إخبارك عنه باجمليء وهو أن تجعله هبذه اهليئة يف جميئه جئت به لتفالتبس به اإلثبات على سبيل التبع لغيره . تباشره به ابتداء بل بدأت فأثبت اجمليء مث وصلت به الركوب

فإنك أثبت املعىن إثباتا " زيد منطلق وخرج عمرو " يف اخلبر املطلق حنو وأما . وبشرط أن يكون يف صلته جردته له وجعلته يباشره من غري واسطة ومن غري أن تتسبب بغريه إليه

ت إىل الفعل وإذ قد عرفت هذا فاعلم أن كل مجلة وقعت حاال مث امتنعت من الواو فذاك ألجل أنك عمدوكل مجلة جاءت حاال مث اقتضت الواو فذاك . الواقع يف صدرها فضممته إىل الفعل األول يف إثبات واحد

ألنك مستأنف هبا خربا وغري قاصد إىل أن تضمها إىل الفعل األول يف اإلثبات يف أنك تثبت مجيئا . جاءين زيد مسرعا : مبنزلة قولك كان . جاءين زيد يسرع : تفسري هذا أنك إذا قلت

جاءين كذلك وجاءين : فيه إسراع وتصل أحد املعنيني باآلخر وجتعل الكالم خربا واحدا وتريد أن تقول : وهكذا قوله . هبذه اهليئة

) اجلوزاء مسموم يوم قديدمية... وقد علوت قتود الرحل يسفعين ( : وكذلك قوله . وقد علوت قتود الرحل بارزا للشمس ضاحيا : كأنه قال

... ) متى أرى الصبح قد الحت مخايله ( ين وغالمه جاء: وإذا قلت . مىت أرى الصبح باديا الئحا بينا متجليا وعلى هذا القياس أبدا : ألنه يف معىن

كان املعىن على أنك بدأت فأثبت اجمليء والرؤية مث . يسعى بين يديه ورأيت زيدا وسيفه على كتفه وملا كان املعىن على . استأنفت خربا وابتدأت إثباتا ثانيا لسعي الغالم بني يديه ولكون السيف على كتفه

زيد منطلق : ربط اجلملة الثانية باألوىل فجيء بالواو كما جيء هبا يف قولك استئناف اإلثبات احتيج إىل ما يال يخرجها عن أن تكون مجتلبة " واو احلال " وتسميتنا هلا . وعمرو ذاهب والعلم حسن واجلهل قبيح

أتين فأنت مكرم إن ت: ونظريها يف هذا الفاء يف جواب الشرط حنو . لضم مجلة إىل مجلة

فإهنا وإن مل تكن عاطفة فإن ذلك ال يخرجها من أن تكون مبنزلة العاطفة يف أهنا جاءت لتربط مجلة ليس من جاءين زيد يسرع وقد علوت قتود الرحل : شأنها أن ترتبط بنفسها فاعرف ذلك ونزل اجلملة يف حنو

: اجلزاء الذي يستغين عن الفاء ألن من شأنه أن يرتبط بالشرط من غري رابط وهو قولك يسفعين يوم منزلةجاءين زيد وهو راكب منزلة اجلزاء الذي ليس من شأنه أن يرتبط : ونزل اجلملة يف . إن تعطين أشكرك

مكرم قياسا سويا وموازنة صحيحة إن تأتين فأنت: بنفسه وحيتاج إىل الفاء كاجلملة يف حنو لقد علمنا أن علة دخول الواو على اجلملة أن تستأنف اإلثبات وال تصل املعىن الثاين باألول يف : فإن قلت

ن يكون تقديرها ولكن بقي أن تعلم لم كان بعض اجلمل بأ. إثبات واحد وال تنزل اجلملة منزلة املفرد جاءين زيد وهو يسرع أو : تقدير املفرد يف أن ال يستأنف هبا اإلثبات أوىل من بعض وما الذي منع يف قولك

جاءين زيد : وهو مسرع أن يدخل اإلسراع يف صلة اجمليء ويضامه يف اإلثبات كما كان ذلك حني قلت يسرع

جاءين زيد وهو يسرع على استئناف إثبات للسرعة ومل : السبب يف ذلك أن املعىن يف قولك فاجلواب أنوذلك أنك إذا أعدت ذكر زيد فجئت بضمريه املنفصل املرفوع كان . جاءين زيد يسرع : يكن ذلك يف

" يسرع " يف أنك ال جتد سبيال إىل أن تدخل . جاءين زيد وزيد يسرع: مبنزلة أن تعيد امسه صرحيا فتقول وذلك أن إعادتك ذكر زيد ال تكون حىت تقصد استئناف اخلرب عنه . يف صلة اجمليء وتضمه إليه يف اإلثبات

مري زيد أو امسه بأنه يسرع وحىت تبتدىء إثباتا للسرعة ألنك إن مل تفعل ذلك تركت املبتدأ الذي هو ضمث تزعم . جاءين زيد وعمرو يسرع أمامه : الظاهر بمضيعة وجعلته لغوا يف البين وجرى مجرى أن تقول

جاءين زيد : هاهنا حاله إذا قلت " يسرع " أنك مل تستأنف كالما ومل تبتدىء للسرعة إثباتا وأن حال له ومل تذكر عمرا وذلك حمال فجعلت السرعة. يسرع

إىل زيد وتنزله منزلة " يسرع " جاءين زيد وعمرو يسرع أمامه أن ترد : إنما استحال يف قولك : فإن قلت ضمري لعمرو " يسرع " جاءين زيد يسرع من حيث كان يف : قولك

جاءين زيد وهو يسرع ألن : وليس كذلك . يد وأن يقدر حاال له وتضمنه ضمري عمرو مينع أن يكون لزليس املانع أن يكون : السرعة هناك لزيد ال حمالة فكيف ساغ أن تقيس إحدى املسألتني على األخرى قيل

أخرت عمرا فإنك لو . جاءين زيد وعمرو يسرع أمامه حاال من زيد أنه فعل لعمرو : يسرع يف قولك وجدته قد صلح حاال لزيد . جاءين زيد يسرع عمرو أمامه : زيدا فقلت " يسرع " فرفعته بيسرع وأوليت

ومما . مع أنه فعل لعمر وإمنا املانع ما عرفتك من أنك تدع عمرا بمضيعة وجتيء به مبتدأ مث ال تعطيه خربا قد اجتمع يف موضعه النصب والرفع وذلك أن " يسرع " ذلك أنه يؤدي إىل أن يكون يدل على فساد

جعله حاال من زيد يقتضي أن يكون يف موضع نصب وجعله خربا عن عمرو املرفوع باالبتداء يقتضي أن جاءين زيد : دافع إذا أخرت عمرا فقلت وال يجب هذا الت. وذلك بني التدافع . يكون يف موضع رفع

وإذا ارتفع به مل يوجب يف موضعه إعرابا فيبقى . ألنك ترفعه بيسرع على أنه فاعل له . يسرع عمرو أمامه امه جاءين زيد مسرعا عمرو أم: مفرغا ألن يقدر فيه النصب على أنه حال من زيد وجرى مجرى أن تقول

فقد ينبغي على هذا األصل أن ال جتيء مجلة من مبتدأ وخرب حاال إال مع الواو وقد ذكرت قبل : فإن قلت . أن ذلك قد جاء يف مواضع من كالمهم فاجلواب أن القياس واألصل أن ال جتيء مجلة من مبتدأ وخرب حاال

فسبيله سبيل الشيء يخرج عن أصله وقياسه والظاهر فيه بضرب وأما الذي جاء من ذلك. إال مع الواو إمنا حسن بغري واو من أجل أن املعىن كلمته " كلمته فوه إىل يف : " فقولهم . من التأويل ونوع من التشبيه

: فيه واالبتداء من غري واو ألن املعىن إمنا جاء الرفع" رجع عوده على بدئه : " وكذلك قولهم . مشافها له فألن تقدمي اخلرب " اجلود والكرم : وجدته حاضراه : " وأما قوله . رجع ذاهبا يف طريقه الذي جاء فيه

وليس احلمل على املعىن . وجدته حاضرا عنده اجلود والكرم : يجعله كأنه قال " حاضراه " الذي هو فأجازوا أن يكون مثال األمر يف . زيد اضربه : لشيء منزلة غريه بعزيز يف كالمهم وقد قالوا وتنزيل ا

ووضعوا اجلملة من املبتدأ واخلرب موضع الفعل . اضرب زيدا : موضع اخلرب ألن املعىن على النصب حنو ألن األصل يف املعادلة أن تكون الثانية كاألوىل ) م أنتم صامتون أدعوتموهم أ: ( والفاعل يف حنو قوله تعاىل

) أدعومتوهم أم صمتم ( حنو

ويدل على أن ليس جميء اجلملة من املبتدأ واخلرب حاال بغري الواو أصال قلته وأنه ال جييء إال يف الشيء بعد " قد " ء من ذلك إمنا جاء على إرادة الواو كما جاء املاضي على إرادة هذا وجيوز أن يكون ما جا. الشيء

واعلم أن الوجه فيما كان مثل قول بشار ... ) خرجت مع البازي علي سواد (

هاهنا بالظرف دون االبتداء ويجري الظرف" سواد " أن يؤخذ فيه مبذهب أيب احلسن األخفش فيرفع وذلك أن صاحب . مررت برجل معه صقر صائدا به غدا : مجراه إذا جرت اجلملة صفة على النكرة حنو فلذلك جيوز أن يجري . من الفعل " معه " مبا يف " صقر " الكتاب يوافق أبا احلسن يف هذا املوضع فريفع

من " علي " مبا يف " سواد " اهر بالظرف إذا هو جاء حاال فيكون ارتفاع احلال مجرى الصفة فريفع الظمث ينبغي أن يقدر هاهنا خصوصا أن الظرف يف تقدير اسم فاعل ال فعل أعين أن . معىن الفعل ال باالبتداء

يكون سواد علي ويبقى علي سواد " ر وال يقد" خرجت كائنا علي سواد أو باقيا علي سواد " يكون املعىن خرجت مع البازي قد بقي علي سواد واألول أظهر : كقولك " قد " اللهم إال أن تقدر فيه فعال ماضيا مع

ولذلك . وإذا تأملت الكالم وجدت الظرف وقد وقع مواقع ال يستقيم فيها إال أن يقدر تقدير اسم فاعل استقر يف الدار : زيد يف الدار إنك خمير بني أن تقدر فيه فعال فتقول : قال أبو بكر بن السراج يف قولنا وإذا عاد األمر إىل هذا كان احلال يف ترك الواو ظاهرة . مستقر يف الدار : وبني أن تقدر إسم فاعل فتقول

: -الطويل -يف قوله " قضاء اهللا " ت مع البازي علي سواد مبنزلة خرج: يف قوله " سواد " وكان

) علي قضاء الله ما كان جالبا ... سأغسل عني العار بالسيف جالبا ( أن ويدلك على. يف كونه امسا ظاهرا قد ارتفع باسم فاعل قد اعتمد على ذي حال فعمل عمل الفعل

جاءين زيد والسيف على كتفه وخرج والتاج : التقدير فيه ما ذكرت وأنه من أجل ذلك حسن أنك تقول . جاءين زيد السيف على كتفه وخرج التاج عليه : فتجده ال يحسن إال بالواو وتعلم أنك لو قلت . عليه

جاءين وهو متقلد سيفه وخرج وهو : ستعمال وذلك ألنه مبنزلة قولك كان كالما نافرا ال يكاد يقع يف االولكن . جاءين كذلك . يف أن املعىن على أنك استأنفت كالما وابتدأت إثباتا وأنك مل ترد . البس التاج

جاءين وهو كذلك فاعرفه

بسم اهللا الرمحن الرحيم

القول يف الفصل والوصل

ن العلم مبا ينبغي أن يصنع يف اجلمل من عطف بعضها على بعض أو ترك العطف فيها واجمليء هبا اعلم أمنثورة تستأنف واحدة منها بعد أخرى من أسرار البالغة ومما ال يتأتى لتمام الصواب فيه إال األعراب

وقد بلغ من قوة . أوتوا فنا من املعرفة يف ذوق الكالم هم هبا أفراد اخللص واإل قوم طبعوا على البالغة ومعرفة الفصل من الوصل : األمر يف ذلك أنهم جعلوه حدا للبالغة فقد جاء عن بعضهم أنه سئل عنها فقال

حد إال كمل لسائر معاين البالغة ذاك لغموضه ودقة مسلكه وأنه ال يكمل إلحراز الفضيلة فيه أومعلوم . واعلم أن سبيلنا أن ننظر إىل فائدة العطف يف املفرد مث نعود إىل اجلملة فننظر فيها ونتعرف حالها

شركه يف حكم وأنه إذا أشركه يف إعرابه فقد أ. أن فائدة العطف يف املفرد أن يشرك الثاين يف إعراب األول ذلك اإلعراب حنو أن املعطوف على املرفوع بأنه فاعل مثله واملعطوف على املنصوب بأنه مفعول به أو فيه

وإذا كان هذا أصله يف املفرد فإن اجلمل املعطوف بعضها على بعض على ضربني . أو له شريك له يف ذلك وف عليها موضع من اإلعراب وإذا كانت كذلك كان حكمها حكم املفرد إذ ال أحدمها أن يكون للمعط:

وإذا كانت اجلملة األوىل واقعة موقع . يكون للجملة موضع من اإلعراب حىت تكون واقعة موقع املفرد املفرد كان عطف الثانية عليها جاريا مجرى

مررت : فإذا قلت . و ظاهرا واإلشراك هبا يف احلكم موجودا عطف املفرد وكانت وجه احلاجة إىل الواكنت قد أشركت اجلملة الثانية يف حكم األوىل وذلك احلكم كونها يف . برجل خلقه حسن وخلقه قبيح

ونظائر ذلك تكثر واألمر فيها يسهل . موضع جر بأنها صفة للنكرة كل أمره هو الضرب الثاين وذلك أن تعطف على اجلملة العارية املوضع من اإلعراب مجلة أخرى والذي يشال سبيل لنا إىل أن ندعي أن الواو أشركت . زيد قائم وعمرو قاعد والعلم حسن واجلهل قبيح : كقولك

وإذا كان كذلك فينبغي أن تعلم املطلوب من هذا . وه الثانية يف إعراب قد وجب لألوىل بوجه من الوجزيد قائم عمرو قاعد : ومل لم يستو احلال بني أن تعطف وبين أن تدع العطف فتقول . العطف واملغزى منه

بعد أن ال يكون هنا أمر معقول يؤتى بالعاطف ليشرك بني األوىل والثانية فيه واعلم أنه إمنا يعرض اإلشكال يف الواو دون غريها من حروف العطف وذاك ألن تلك تفيد مع اإلشراك

تردد الفعل بني شيئني " أو " معاني مثل أن الفاء توجب الترتيب من غري تراخ وثم توجبه مع تراخ و أعطاين : فإذا قلت . ه فإذا عطفت بواحد منها اجلملة على اجلملة ظهرت الفائدة وجتعله ألحدمها ال بعين

. خرجت مث خرج زيد : وإذا قلت . فشكرت ظهر بالفاء أن الشكر كان معقبا على العطاء ومسببا عنه دلت . يعطيك أو يكسوك : وإذا قلت .أفادت مث أن خروجه كان بعد خروجك وأن مهلة وقعت بينهما

وليس للواو معنى سوى اإلشراك يف احلكم الذي يقتضيه اإلعراب . أو على أنه يفعل واحدا منهما ال بعينه يف مل تفد بالواو شيئا أكثر من إشراك عمرو. فإذا قلت جاءين زيد وعمرو . الذي أتبعت فيه الثاين األول

اجمليء الذي أثبته لزيد واجلمع بينه وبينه وال يتصور إشراك بني شيئني حتى يكون هناك معنى يقع ذلك زيد قائم وعمرو قاعد معنى تزعم أن الواو : وإذا كان ذلك كذلك ومل يكن معنا يف قولنا . اإلشراك فيه

ه ثبت إشكال املسألة أشركت بني هاتني اجلملتني فيفإنا ال . زيد قائم وعمرو قاعد : إنا وإن كنا إذا قلنا : مث إن الذي يوجبه النظر والتأمل أن يقال يف ذلك

نرى هاهنا حكما نزعم أن الواو جاءت للجمع بني اجلملتني فيه فإنا نرى أمرا آخر حنصل معه على معىن زيد قائم وعمرو قاعد : نا ال نقول اجلمع وذلك أ

حىت يكون عمرو بسبب من زيد وحىت يكونا كالنظريين والشريكين وحبيث إذا عرف السامع حال األول يدلك على ذلك أنك إن جئت فعطفت على األول شيئا ليس منه بسبب وال . عناه أن يعرف حال الثاين

: مث قلت . خرجت اليوم من داري : فلو قلت . ا يذكر بذكره ويتصل حديثه حبديثه مل يستقم هو مم - الكامل -ومن هاهنا عابوا أبا متام يف قوله . قلت ما يضحك منه . وأحسن الذي يقول بيت كذا

) احلسين كرمي صبر وأن أبا... ال والذي هو عالم أن النوى ( وذلك ألنه ال مناسبة بني كرم أيب احلسني ومرارة النوى وال تعلق ألحدمها باآلخر وليس يقتضي احلديث

هبذا احلديث بذاك واعلم أنه كما جيب أن يكون احملدث عنه يف إحدى اجلملتني بسبب من احملدث عنه يف األخرى كذلك

: فلو قلت . يكون اخلرب عن الثاين مما يجري مجرى الشبيه والنظري أو النقيض للخرب عن األول ينبغي أنكان خلقا ألنه ال مشاكلة وال تعلق بني طول القامة وبني الشعر وإمنا . زيد طويل القامة وعمرو شاعر

ومجلة األمر أهنا ال جتيء حىت . وزيد طويل القامة وعمرو قصري زيد كاتب وعمرو شاعر : الواجب أن يقال يكون املعىن يف هذه اجلملة لفقا للمعىن يف األخرى ومضاما له مثل أن زيدا وعمرا إذا كانا أخوين أو نظريين

ن قيام أو قعود أو ما شاكل ذلك أو مشتبكي األحوال على اجلملة كانت احلال اليت يكون عليها أحدمها موكذا السبيل أبدا واملعاين يف ذلك . مضمومة يف النفس إىل احلال اليت عليها اآلخر من غري شك

ألن كون العلم حسنا مضموم يف العقول إىل . العلم حسن واجلهل قبيح : فإمنا قلت مثال . كاألشخاص بيحا كون اجلهل ق

هو يقول ويفعل ويضر وينفع ويسيء ويحسن : واعلم أنه إذا كان املخرب عنه يف اجلملتني واحدا كقولنا ويأمر وينهى ويحل ويعقد ويأخذ ويعطي ويبيع ويشتري ويأكل ويشرب واشباه ذلك ازداد معىن اجلمع يف

كنت قد أفدت . هو يضر وينفع : وذلك أنك إذا قلت . وكان األمر حينئذ صرحيا الواو قوة وظهورا

يضر ينفع من غري واو مل جيب ذلك : ولو قلت . بالواو أنك أوجبت له الفعلني مجيعا وجعلته يفعلهما معا وإذا وقع الفعالن يف مثل هذا . ال له بل قد جيوز أن يكون قولك ينفع رجوعا عن قولك يضر وإبطا

: يف الصلة ازداد االشتباك واالقتران حىت ال يتصور تقدير إفراد يف أحدمها عن اآلخر وذلك يف مثل قولك العجب من أين أحسنت وأسأت ويكفيك ما قلت ومسعت وأحيسن أن تنهى عن شيء وتأتي مثله وذلك أنه

: ومن البين يف ذلك قوله . يشبه على عاقل أن املعىن على جعل الفعلني يف حكم فعل واحد ال ) وأن نكف األذى عنكم وتؤذونا ... ال تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم (

ومما له مأخذ لطيف يف هذا . معها يف احلصول ال تطمعوا أن تروا إكرامنا وقد وجد مع إهانتكم وجا: املعىن : -الطويل -الباب قول أيب متام

) ونذكر بعض الفضل منك وتفضال ... لهان علينا أن نقول وتفعال ( ن واصل يصله ورابط وأعلم أنه كما كان يف األمساء ما يصله معناه باالسم قبله فيستغين بصلة معناه له ع

يربطه وذلك كالصفة اليت ال حتتاج يف اتصالها باملوصوف إىل شيء يصلها به وكالتأكيد الذي يفتقر كذلك كذلك يكون يف اجلمل ما تتصل من ذات نفسها باليت قبلها وتستغين بربط معناها هلا -إىل ما يصله باملؤكد

وكانت إذا حصلت مل تكن . يربطها وهي كل مجلة كانت مؤكدة لليت قبلها ومبينة هلا عن حرف عطف جاءين زيد الظريف : فإذا قلت . شيئا سواها كما ال تكون الصفة غري املوصوف والتأكيد غري املؤكد

وم وجاءين القوم كلهم مل يكن الظريف وكلهم غري زيد وغري القبيان ) ال ريب فيه ( قوله ) . آمل ذلك الكتاب ال ريب فيه ( ومثال ما هو من اجلمل كذلك قوله تعاىل

هو ذلك الكتاب هو ذلك : وزيادة تثبيت له ومبنزلة أن تقول ) ذلك الكتاب : ( وتوكيد وحتقيق لقوله وليس تثبيت اخلرب غري اخلرب وال شيء يتميز به عنه فيحتاج إىل ضام يضمه . الكتاب فتعيده مرة ثانية لتثبته

إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ال : ( ومثل ذلك قوله تعاىل . إليه وعاطف يعطفه عليه ختم الله . يؤمنون

تأكيد ) ال يؤمنون : ( قوله تعاىل ) هم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم على قلوبتأكيد ثان ) ختم اهللا على قلوبهم وعلى سمعهم : ( وقوله ) سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم : ( لقوله

األول ألن من كان حاله إذا أنذر مثل حاله إذا مل ينذر كان يف غاية اجلهل وكان مطبوعا على قلبه أبلغ من ومن الناس من يقول آمنا بالله باليوم اآلخر وما هم بمؤمنين يخادعون ( وكذلك قوله عز وجل . ال حمالة

آمنا من غري أن : وخيادعون ألن هذه املخادعة ليست شيئا غري قولهم : ومل يقل ) خيادعون ( إمنا قال ) الله ( فهو إذا كالم أكد به كالم آخر هو يف معناه وليس شيئا سواه وهكذا قوله عز وجل . يكونوا مؤمنني

وذلك ألن ) ا خلوا إىل شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذخرب هبذا املعىن ) إمنا حنن مستهزئون : ( إنا معكم أنا مل نؤمن بالنيب ومل نترك اليهودية وقولهم : معىن قوهلم

إنا مل نخرج : وبين أن يقولوا . نقل ما قلناه من أنا آمنا إال استهزاء إنا مل : بعينه ألنه ال فرق بين أن يقولوا فكما ال . إنا معكم مل نفارقكم : فصار كأهنم قالوا . بل مها يف حكم الشيء الواحد . من دينكم وإنا معكم

مستهزئون غريه فاعرفه يكون إنا مل نفارقكم شيئا غري أنا معكم كذلك ال يكون إمنا حننوإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن يف : ( ومن الواضح البين يف هذا املعىن قوله تعاىل

يف أذنيه وقر هو بعينه مل يأت معطوفا حنو وكأن يف أذنيه وقرا ألن املقصود من التشبيه بمن) أذنيه وقرا وذلك أن املعىن يف التشبيهني مجيعا . املقصود من التشبيه بمن مل يسمع إال أن الثاين أبلغ وأكد يف الذي أريد

إذا تليت أن ينفي أن يكون لتالوة ما تلي عليه من اآليات فائدة معه ويكون هلا تأثري فيه وأن جيعل حالهوال شبهة يف أن التشبيه بمن يف أذنيه وقر ابلغ وآكد يف جعله كذلك من حيث . عليه كحاله إذا مل تتل

وإن اراد ذلك أبعد من أن يكون لتالوة ما يتلى عليه -كان من ال يصح منه السمع

إال أنه ال يسمع إما اتفاقا وإما قصدا إىل أن ال يسمع فاعرفه وأحسن فائدة من الذي يصح منه السمع تدبره

إن هذا إال : ( وذلك أن قوله ) ما هذا بشرا إن هذا إال ملك كرمي : ( ومن اللطيف يف ذلك قوله تعاىل وجهان هو فيهما شبيه : منه من ثالثة أوجه ومداخل يف ض) ما هذا بشرا : ( مشابك لقوله ) ملك كرمي

فأحد وجهي كونه شبيها بالتأكيد هو أنه إذا كان ملكا مل يكن بشرا . بالتأكيد ووجه هو فيه شبيه بالصفة أن والوجه الثاين . وإذا كان كذلك كان إثبات كونه ملكا حتقيقا ال حمالة وتأكيدا لنفي أن يكون بشرا

ما هذا بشرا وما هذا بآدمي واحلال حال تعظيم وتعجب مما يشاهد : اجلاري يف العرف والعادة أنه إذا قيل يف اإلنسان من حسن خلق أو خلق أن يكون الغرض واملراد من الكالم أن يقال إنه ملك وأن يكنى به عن

وإذا كان مفهوما من اللفظ قبل أن يذكر كان ذكره إذا ذكر تأكيدا ال . للفظ ذلك حىت إنه يكون مفهوم اأفال ترى أنه إمنا كان . حمالة ألن حد التأكيد أن حتقق باللفظ معنى قد فهم من لفظ آخر قد سبق منك

من حيث كان الذي فهم منه وهو الشمول قد فهم بديئا من جاءين القوم كلهم تأكيدا : كلهم يف قولك ولو أنه مل يكن فهم الشمول من لفظ القوم وال كان هو من موجبه مل يكن كل تأكيدا . ظاهر لفظ القوم

ولكان الشمول مستفادا من كل ابتداء فة فهو أنه إذا نفي أن يكون بشرا فقد أثبت له جنس سواه إذ وأما الوجه الثالث الذي هو فيه شبيه بالص

من املحال أن خيرج من جنس البشر مث ال يدخل يف جنس آخر وإذا كان األمر كذلك كان إثباته ملكا تبيينا فإن مل يكن بشرا فما : تسأل فتقول وتعيينا لذلك اجلنس الذي أريد إدخاله فيه وإغناء عن أن حتتاج إىل أن

مررت بزيد الظريف كان الظريف تبيينا وتعيينا للذي اردت من بني من : هو وما جنسه كما أنك إذا قلت أي الزيدين أردت : له هذا االسم وكنت قد أغنيت املخاطب عن احلاجة إىل أن يقول

وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إال ذكر ( ثبات بإن وإال على هذا احلد قوله عز وجل ومما جاء فيه اإل وما ينطق عن اهلوى إن هو إال وحي ( وقوله ) وقرآن مبني

فإثبات ما علمه النيب وأوحي . لنفي ما نفي فال ترى أن اإلثبات يف اآليتني مجيعا تأكيد وتثبيت ) . يوحى وكذلك إثبات ما يتلوه عليهم وحيا من اهللا . إليه ذكرا وقرآنا تأكيد وتثبيت لنفي أن يكون قد علم الشعر

تعاىل تأكيد وتقرير لنفي أن يكون نطق به عن هوى

م البالغة أنت تقول إنه فيه خفي غامض ودقيق صعب إال وعلم هذا الباب وأعلم أنه ما من علم من علوإن : وقد قنع الناس فيه بأن يقولوا إذا رأوا مجلة قد ترك فيها العطف . أغمض وأخفى وأدق وأصعب

ولقد غفلوا غفلة شديدة . ذلك الكالم قد استؤنف وقطع عما قبله ال تطلب أنفسهم منه زيادة علىومما هو أصل يف هذا الباب أنك ترى اجلملة وحالها مع اليت قبلها حال ما يعطف ويقرن إىل ما قبله مث تراها

اهللا : ( قد وجب فيها ترك العطف ألمر عرض فيها صارت به أجنبية مما قبلها مثال ذلك قوله تعاىل الظاهر كما ال خيفى يقتضي أن يعطف على ما قبله من قوله ) تهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون يس

: ( وذلك أنه ليس باجنيب منه بل هو نظري ما جاء معطوفا من قوله تعاىل ) إنما حنن مستهزئون : ( . وما أشبه ذلك مما يرد فيه العجز على الصدر ) . ومكروا ومكر اهللا ( وقوله ) يخادعون اهللا وهو خادعهم

) إنما حنن مستهزئون : ( مث إنك جتده قد جاء غري مطوف وذلك ألمر أوجب أن ال يعطف وهو أن قوله خرب من اهللا تعاىل أنه ) اهللا يستهزىء هبم : ( وقوله تعاىل. حكاية عنهم أنهم قالوا وليس خبرب من اهللا تعاىل

وإذا كان كذلك كان العطف ممتنعا الستحالة أن يكون الذي هو خبر . جيازيهم على كفرهم واستهزائهم ىل إىل وال يجاب ذلك أن خيرج من كونه خربا من اهللا تعا. من اهللا تعاىل معطوفا على ما هو حكاية عنهم

كونه حكاية عنهم وإىل أن يكونوا قد شهدوا على أنفسهم بأنهم مؤاخذون وأن اهللا تعاىل يعاقبهم عليه

ألن األول ) . ومكروا ومكر اهللا ) . ( يخادعون اهللا وهو خادعهم : ( وليس كذلك احلال يف قوله تعاىل وإذا : ( وهذا هو العلة يف قوله تعاىل . كالثاين يف أنه خبر من اهللا تعاىل وليس حبكاية من الكالمين فيهما

إمنا ) . أال إنهم هم املفسدون ولكن ال يشعرون . قيل لهم ال تفسدوا في األرض قالوا إنما نحن مصلحون ( مستأنفا مفتتحا بأال ألنه خرب من اهللا تعاىل بأهنم كذلك والذي قبله من قوله ) م املفسدون إنهم ه( جاء

حكاية عنهم فلو عطف للزم عليه مثل الذي قدمت ذكره من الدخول يف احلكاية ) إمنا حنن مصلحون قالوا إمنا حنن مصلحون : ولصار كأنه قيل . مفسدون ولصار خربا من اليهود ووصفا منهم ألنفسهم بأنهم

وإذا قيل هلم آمنوا كما : ( وكذلك قوله تعاىل . وذلك ما ال يشك يف فساده . وقالوا إنهم هم املفسدون إهنم هم ( ولو عطف ) . علمون آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء أال إنهم هم السفهاء ولكن ال ي

على ما قبله لكان يكون قد أدخل يف احلكاية ولصار حديثا منهم عن أنفسهم بأهنم هم السفهاء ) السفهاء أن على أن يف هذا أمرا آخر وهو . من بعد أن زعموا أهنم إنما تركوا أن يؤمنوا لئال يكونوا من السفهاء

استفهام وال يعطف اخلرب على االستفهام " أنؤمن : " قوله قالوا إنا : ( من قوله " قالوا " على ) اهللا يستهزئ بهم : ( هل كان جيوز أن يعطف قوله تعاىل : فإن قلت

وكان ) . نهم هم السفهاء إ( و ) إنهم هم املفسدون ( ال على ما بعده وكذلك كان يفعل يف ) معكم ولو ( وذلك أن قوله ) وقالوا لوال أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي األمر : ( يكون نظري قوله تعاىل

فيما " قالوا " دون ما بعده قيل إن حكم املعطوف على " قالوا " معطوف من غري شك على ) أنزلنا ملكا اهللا : ( فلو عطف قوله . ها هنا جواب شرط " قالوا " فيه خمالف حلكمه يف اآلية اليت ذكرت وذلك أن حنن

وذاك أنه مىت عطف على . عليه للزم إدخاله يف حكمه من كونه جوابا وذلك ال يصح ) يستهزىء هبم

:جواب الشرط شيء بالواو كان ذلك على ضربني إن تأتين أكرمك أعطك : أن يكونا شيئني يتصور وجود كل واحد منهما دون اآلخر ومثاله قولك : أحدمها

وأكسك

ويكون الشرط لذلك سببا فيه . أن يكون املعطوف شيئا ال يكون حىت يكون املعطوف عليه : والثاين إذا رجع األمري إىل الدار استأذنته وخرجت فاخلروج ال يكون حىت : اله قولك بوساطة كونه سببا ألول ومث

فيكون املعىن يف مثل . يكون االستئذان وقد صار الرجوع سببا يف اخلروج من أجل كونه سببا يف االستئذان إذا رجع األمري استأذنت وإذا استأذنت خرجت : هذا على كالمني حنو

كما زعمت كان الذي " قالوا " على ) اهللا يستهزئ بهم : ( إذ قد عرفت ذلك فإنه لو عطف قوله تعاىل ووإذا خلوا إىل شياطينهم قالوا إنا معكم إمنا ( يتصور فيه أن يكون من هذا الضرب الثاين وأن يكون املعىن

وهذا وإن كان يرى أنه . اهللا هبم ومدهم يف طغيانهم يعمهون فإذا قالوا ذلك استهزأ) . حنن مستهزئون يستقيم فليس هو مبستقيم وذلك أن اجلزاء إنما هو على نفس االستهزاء وفعلهم له وإرادهتم إياه يف قوهلم

يقتضي أن يكون اجلزاء " قالوا " على إنا آمنا ال على أنهم حدثوا عن أنفسهم بأنهم مستهزئون والعطفويبين ما ذكرناه من أن اجلزاء ينبغي أن يكون على . على حديثهم عن أنفسهم باالستهزاء ال عليه نفسه

: ( قصدهم االستهزاء وفعلهم له ال على حديثهم عن أنفسهم بإنا مستهزئون أنهم لو كانوا قالوا لكربائهم وهم يريدون بذلك دفعهم عن أنفسهم هبذا الكالم وأن يسلموا من شرهم وأن ) : إنما نحن مستهزئون

يومهوهم أنهم منهم وإن مل يكونوا كذلك لكان ال يكون عليهم مؤاخذة فيما قالوه من حيث كانت إنا استهزأنا من غري أن يقترن : ء واخلديعة يف إظهار اإلميان ال يف القول املؤاخذة تكون على اعتقاد االستهزا

بذلك القول اعتقاد ونية كيت : هذا وهاهنا أمر سوى ما مضى يوجب االستئناف وترك العطف وهو أن احلكاية عنهم بأهنم قالوا

مرهم وما يصنع هبم وأتنزل بهم النقمة عاجال أم ال تنزل وكيت حترك السامعني ألن يعلموا مصري أ: وإذا كان كذلك كان هذا الكالم الذي هو قوله . ويمهلون وتوقع يف أنفسهم التمني ألن يتبين هلم ذلك

وإذا كان مصدره . ه يف أنفس السامعني يف معىن ما صدر جوابا عن هذا املقدر وقوع) اهللا يستهزىء هبم ( اهللا : ( فإن سألتم قيل لكم : كذلك كان حقه أن يؤتى به مبتدأ غري معطوف ليكون يف صورته إذا قيل

) يستهزىء هبم ويمدهم في طغيانهم يعمهون كالم إذا جاء بعقب ما يقتضي وإذا استقريت وجدت هذا الذي ذكرت لك من تنزيلهم ال

: - الكامل - فمن لطيف ذلك قوله من . سؤاال منزلته إذا صرح بذلك السؤال كثريا ! ) صدقوا ولكن غمرتي ال تنجلي ... زعم العواذل أنني يف غمرة (

فما : وكان ذلك مما حيرك السامع ألن يسأله فيقول " . غمرة هو يف: " ملا حكى عن العواذل أنهم قالوا أقول : قولك يف ذلك وما جوابك عنه أخرج الكالم مخرجه إذا كان ذلك قد قيل له وصار كأنه قال

عواذل أنين يف غمرة وصدقوا لكان زعم ال: ولو قال . صدقوا أنا كما قالوا ولكن ال مطمع هلم يف فالحي

: يكون مل يصح يف نفسه أنه مسؤول وأن كالمه كالم جميب : - الكامل - ومثله قول اآلخر يف احلماسة

) جبنوب خبت عريت وأجمت ... زعم العواذل أن ناقة جندب ( ) لج وذلت : بالقادسية قلن ... لو رأين مناخنا كذب العواذل (

كذب : وقد زاد هذا أمر القطع واالستئناف وتقدير اجلواب تأكيدا بأن وضع الظاهر موضع املضمر فقال ان ذلك أبين وأقوى لكونه كالما وذلك أنه ملا أعاد ذكر العواذل ظاهرا ك" . كذبن : " العواذل ومل يقل

ومما هو على . مستأنفا من حيث وضعه وضعا ال حيتاج فيه إىل ما قبله وأتى فيه مأتى ما ليس قبله كالم : - الوافر -ذلك قول اآلخر

) ف لهم إلف وليس لكم إال... زعمتم أن إخوتكم قريش (

كذبتم هلم إلف : فهو إذا مبنزلة أن يقول . هلم إلف تكذيب لدعواهم أنهم من قريش : وذلك أن قوله : زعمتم أن إخوتكم قريش وهلم إلف وليس لكم إالف لصار مبنزلة أن يقول : ولو قال . وليس لكم ذلك

يخرج عن أن يكون موضوعا على أ نه جواب سائل يقول له زعمتم إن إخوتكم قريش وكذبتم يف أنه كان فماذا تقول يف زعمهم ذلك ويف دعواهم فاعرفه :

عليه بالفاء " هلم إلف : " لكان جيوز له أن يعطف هذا الكالم الذي هو قوله " كذبتم " واعلم أنه لو أظهر أما اآلن فال مساغ لدخول الفاء البتة ألنه يصري حينئذ " . س لكم ذلك كذبتم فلهم إلف ولي: " فيقول

زعمتم أن إخوتكم قريش وذلك يخرج إىل املحال من حيث يصري كأنه يستشهد : معطوفا بالفاء على قوله كذبتم فلهم إلف كنت قد : على أن هذا الزعم كان منهم كما أنك إذا قلت. هلم إلف : بقوله

ومن اللطيف يف االستئناف على معىن جعل الكالم جوابا . استشهدت بذلك على أهنم كذبوا فاعرف ذلك : -السريع -يف التقدير قول اليزيدي

) ألقاه من زهد على غاريب ... ملكته حبلي ولكنه ( ) انتقم اهللا من الكاذب ... اهلوى كاذب إني يف: وقال (

فما تقول فيما اتهمك به : انتقم اهللا من الكاذب ألنه جعل نفسه كأنه جييب سائال قال له : استأنف قوله : - اخلفيف - ر ومن النادر أيضا يف ذلك قول اآلخ. انتقم اهللا من الكاذب : أقول : من أنك كاذب فقال

) سهر دائم وحزن طويل ... عليل : كيف أنت قلت : قال يل ( ما بك وما علتك قدر : عليل أن يسأل ثانيا فيقال : كيف أنت فقال : لما كان يف العادة إذا قيل للرجل جوابا عن هذا السؤال املفهوم من فحوى احلال فاعرفه سهر دائم: كأنه قد قيل له ذلك فأتى بقوله

: - الوافر -ومن احلسن البين يف ذلك قول املتنيب ) عفاه من حدا بهم وساقا ... وما عفت الرياح له محال (

وأن تكون اليت فعلت ذلك وكان يف العادة . ح ملا نفى أن يكون الذي يرى به من الدروس والعفاء من الرياقد : فمن فعله قدر كأن قائال قال : مل يفعله فالن أن يقال : إذا نفي الفعل املوجود احلاصل عن واحد فقيل

وساقا عفاه من حدا بهم: زعمت أن الرياح مل تعف له محال فما عفاه إذا فقال جميبا له : ومثله قول الوليد بن يزيد من اهلزج

) عفا من بعد أحوال ... عرفت املنزل اخلايل ( ) عسوف الوبل هطال ... عفاه كل حنان (

ان عفاه كل حن: فما عفاه فقال : قدر كأنه قيل له " عفا من بعد أحوال : " ملا قال واعلم أن السؤال إذا كان ظاهرا مذكورا يف مثل هذا كان األكثر أن ال يذكر الفعل يف اجلواب ويقتصر

إن : تفسري هذا أنه جيوز لك إذا قيل . فأما مع اإلضمار فال جيوز إال أن يذكر الفعل . على االسم وحده كما تقول يف . عفاه من حدا : وال تقول " من حدا هبم وساقا : " فاه أن تقول كانت الرياح مل تعفه فما ع

وأما إذا مل يكن السؤال مذكورا . فعله زيد : وال جيب أن تقول . من فعل هذا زيد : جواب من يقول وما عفت الرياح له حمال من حدا هبم : ت مثال فلو قل. كالذي عليه البيت فإنه ال جيوز أن يترك ذكر الفعل

مث تركت ذكر الفعل أحلت ألنه إنما جيوز تركه حيث يكون " عفاه من حدا هبم " وساقا تزعم أنك أردت إىل العلم به سبيل السؤال مذكورا ألن ذكره فيه يدل على إرادته يف اجلواب فإذا مل يؤت بالسؤال مل يكن

فاعرف ذلك مفصوال غري معطوف هذا هو التقدير " قال " واعلم أن الذي تراه يف التنزيل من لفظ

إذ دخلوا عليه فقالوا . هل أتاك حديث ضيف إبراهيم املكرمني : ( أعين مثل قوله تعاىل . فيه واهللا أعلم فأوجس . فقربه إليهم قال أال تأكلون . فراغ إىل أهله فجاء بعجل مسني . نكرون سالما قال سالم قوم م

فلما كان يف العرف والعادة . جاء على ما يقع يف أنفس املخلوقني من السؤال ) منهم خيفة قالوا ال تخف : فما قال هو ويقول اجمليب : فقالوا كذا أن يقولوا دخل قوم على فالن : فيما بني املخلوقني إذا قيل هلم

قال كذا أخرج الكالم ذلك املخرج ألن الناس خوطبوا مبا يتعارفونه وسلك باللفظ معهم املسلك الذي يقتضي ) فجاء بعجل مسني فقربه إليهم : ( وذلك أن قوله ) قال أال تأكلون : ( وكذلك قوله . يسلكونه

قال أال : ( فما قال حني وضع الطعام بني أيديهم فأتى قوله : أن يتبع هذا الفعل بقول فكأنه قيل واهللا أعلم يقتضي أن يكون من ) فأوجس منهم خيفة : ( ألن قوله ) قالوا ال ختف ( وكذا . جوابا عن ذلك ) تأكلون

فما قالوا حني رأوه وقد تغير ودخلته اخليفة فقيل : فكأنه قيل . ينه مما خامره املالئكة كالم يف تأنيسه وتسكقالوا ال تخف وذلك واهللا أعلم املعىن يف مجيع ما جييء منه على كثرته كالذي جييء يف قصة فرعون عليه :

قال رب السماوات واألرض . العاملني قال فرعون وما رب: ( اللعنة ويف رد موسى عليه السالم كقوله قال إن . قال ربكم ورب آبائكم األولني . قال لمن حوله أال تستمعون . وما بينهما إن كنتم موقنني

قال لئن . قال رب املشرق واملغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون . رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال فأت به إن كنت من . قال أو لو جئتك بشيء مبني . اتخذت إهلا غريي ألجعلنك من املسجونني

جاء ذلك كله واهللا أعلم على تقدير السؤال واجلواب كالذي جرت به العادة فيما بني ) الصادقين : وما رب العاملني وقع يف نفسه أن يقول : إذا سمع اخلرب عن فرعون بأنه قال املخلوقني فلما كان السامع

. مأتى اجلواب مبتدأ مفصوال غري معطوف ) قال رب السماوات واألرض : ( فما قال موسى له أتى قوله يكون األمر يف بعض ذلك وقد . هذا اجمليء " قال " وهكذا التقدير والتفسري أبدا يف كل ما جاء فيه لفظ

اشد وضوحا قالوا إنا . قال فما خطبكم أيها املرسلون : ( فمما هو يف غاية الوضوح قوله تعاىل

وذلك أنه ال يخفى على عاقل أنه جاء على معىن اجلواب وعلى أن ينزل ) أرسلنا إىل قوم مجرمني وكذلك قوله عز ) . قالوا إنا أرسلنا إىل قوم مجرمني : ( فما قال له املالئكة فقيل : ن كأهنم قالوا السامعو

إذ أرسلنا إليهم اثنين . واضرب لهم مثال أصحاب القرية إذ جاءها املرسلون : ( وجل يف سورة يس قالوا ما أنتم إال بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء . هما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون فكذبو

قالوا إنا تطيرنا بكم . غ املبني وما علينا إال البال. قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون . إن أنتم إال تكذبون قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون . لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم

) اتبعوا من ال يسألكم أجرا وهم مهتدون . ل يا قوم اتبعوا املرسلني وجاء من أقصى املدينة رجل يسعى قا. التقدير الذي قدرناه من معىن السؤال واجلواب بين يف ذلك كله ونسأل اهللا التوفيق للصواب والعصمة من

الزلل

باب الفصل والوصل

العامة لوصل اجلمل وفصلهافصل يف األصول

وإذ قد عرفت هذه األصول والقوانني يف شأن فصل اجلمل ووصلها فاعلم أنا قد حصلنا من ذلك على أن اجلمل على ثالثة أضرب

بتة لشبه فال يكون فيها العطف ال. مجلة حالها مع اليت قبلها حال الصفة مع املوصوف والتأكيد مع املؤكد العطف فيها لو عطفت بعطف الشيء على نفسه

ومجلة حاهلا مع اليت قبلها حال االسم يكون غري الذي قبله إال أنه يشاركه يف حكم ويدخل معه يف معىن مثل أن يكون كال االمسني فاعال أو مفعوال أو مضافا إليه فيكون حقها العطف

ت يف شيء من احلالني بل سبيلها مع اليت قبلها سبيل االسم مع االسم ال يكون منه يف شيء فال ومحلة ليسويكون ذكر الذي قبله . يكون إياه وال مشاركا له يف معنى بل هو شيء إن ذكر مل يذكر إال بأمر ينفرد به

وحق هذا ترك العطف البتة فترك العطف يكون إما . وبينه رأسا وترك الذكر سواء يف حاله لعدم التعلق بينهلالتصال إىل الغاية أو االنفصال إىل الغاية والعطف ملا هو واسطة بني األمرين وكان له حال بني حالني

فاعرفه

فصل يف مسائل دقيقة يف عطف اجلمل

لم أن مما يقل نظر الناس فيه من أمر العطف أنه قد يؤتى باجلملة فال اع. هذا فن من القول خاص دقيق مثال ذلك قول . تعطف على ما يليها ولكن تعطف على مجلة بينها وبني هذه اليت تعطف مجلة أو مجلتان

: - الوافر -املتنيب

) ففاجأين اغتياال تهيبين ... تولوا بغتة فكأن بينا ( ) وسير الدمع إثرهم انهماال ... فكان مسري عيسهم ذميال (

ألنا إن عطفناه " ففاجأين : " دون ما يليه من قوله " تولوا بغتة " فكان مسري عيسهم معطوف على : قوله إنه يدخل يف معىن كأن وذلك يؤدي إىل أن ال يكون مسري على هذا الذي يليه أفسدنا املعىن من حيث

والسبب يف ذلك أن اجلملة . عيسهم حقيقة ويكون متوهما كما كان هتيب البني كذلك وهذا أصل كبري لذي ترى أن املتوسطة بني هذه املعطوفة أخريا وينب املعطوف عليها األوىل ترتبط يف معناها بتلك األوىل كا

وذلك أن الثانية مسبب واألوىل سبب أال ترى " . تولوا بغتة : " مرتبط بقوله " فكأن بينا هتيبين : " قوله وال شك أن هذا التوهم كان بسبب أن كان التويل بغتة وإذا " تولوا بغتة فتوهمت أن بينا هتيين " أن املعىن

كذلك كانت مع األوىل كالشيء الواحد وكان منزلتها منها منزلة املفعول والظرف وسائر ما جييء بعد كان متام اجلملة من معموالت الفعل مما ال ميكن إفراده عل اجلملة وأن يعتد كالما على حدته

فكان مسري عيسهم ذميال وجدته مل يعطف هو :وهو أنك إذا نظرت إىل قوله . وهاهنا شيء آخر دقيق وحده على ما عطف عليه ولكن جتد العطف قد تناول مجلة البيت مربوطا آخره بأوله أال ترى أن الغرض

بكاءه وموجبا من هذا الكالم أن جيعل توليهم بغتة وعلى الوجه الذي توهم من أجله أن البني هتيبه مستدعيافلم يعنه أن يذكر ذمالن العيس إال ليذكر همالن الدمع وأن يوفق بينهما وكذلك احلكم . أن ينهمل دمعه

فإنا ال نعين أن العطف عليه وحده مقطوعا عما بعده " تولوا بغتة " يف األول فنحن وإن قلنا إن العطف على أن نعلمك أنه " إن العطف عليه : " وإنما أردنا بقولنا . عليه مضموما إليه ما بعده إىل أخره بل العطف

األصل والقاعدة وأن نصرفك عن أن تطرحه وجتعل العطف على ما يلي هذا

. تقع يف اخلطأ كالذي أريناك ف" فاجأين " فكان مسري عيسهم معطوف على : الذي تعطفه فتزعم أن قوله فأمر العطف إذا موضوع على أنك تعطف تارة مجلة على مجلة وتعمد أخرى إىل جملتني أو جمل فتعطف

بعضا على بعض مث تعطف جمموع هذي على جمموع تلك وذلك أنك ترى مىت شئت . أصال يعترب به وينبغي أن يجعل ما يصنع يف الشرط واجلزاء من هذا املعىن

ومن يكسب : ( مجلتني قد عطفت إحداهما على األخرى مث جعلنا مبجموعهما شرطا ومثال ذلك قوله تعاىل ع اجلملتني ال يف الشرط كما ال خيفى يف جممو) خطيئة أو إمثا ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا

كل واحدة منهما على االنفراد وال يف واحدة دون األخرى ألنا إن قلنا إنه يف كل واحدة منهما عل وإن قلنا إنه . االنفراد جعلناهما شرطني وإذا جعلناهما شرطني اقتضتا جزاءين وليس معنا إال جزاء واحد

مث . ى لزم منه إشراك ما ليس بشرط يف اجلزم بالشرط وذلك ما ال خيفى فساده يف واحدة منهما دون األخرإنا نعلم من طريق املعىن أن اجلزاء الذي هو احتمال البهتان واإلمث املبني أمر يتعلق إجيابه جملموع ما حصل

لرمي الربيء باخلطيئة أو اإلمث على اإلطالق فليس هو االكتساب اخلطيئة على االنفراد وال. من اجلملتني ومن خيرج من : ( وكذلك احلكم أبدا فقوله تعاىل . بل لرمي اإلنسان الربيء خبطيئة أو إمث كان من الرامي

احلكم فيه باهلجرة على مل يعلق ) بيته مهاجرا إىل اهللا ورسوله مث يدركه املوت فقد وقع أجره على اهللا االنفراد بل هبا مقرونا إليها أن يدركه املوت عليها

واعلم أن سبيل اجلملتني يف هذا وجعلهما مبجموعهما مبنزلة اجلملة الواحدة سيبل اجلزءين تعقد منهما غالمه وزيد أبوه كرمي ومررت برجل أبوه زيد قام: اجلملة مث يجعل اجملموع خربا أو صفة أو حاال كقول

فكما يكون اخلرب والصفة واحلال ال حمالة يف جمموع اجلزءين ال يف أحدمها . كرمي وجاءين زيد يعدو به فرسه وإذا علمت ذلك يف الشرط فاحتذه يف العطف . كذلك يكون الشرط يف جمموع اجلملتني ال يف إحداهما

نك جتده مثله سواء فإ

وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إىل موسى : ( ومما ال يكون العطف فيه إال على هذا احلد قوله تعاىل يف أهل مدين تتلو ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا. األمر وما كنت من الشاهدين

لو جريت على الظاهر فجعلت كل مجلة معطوفة على ما يليها منع منه ) . عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلني ل فتطاو( معطوفا على قوله ) وما كنت ثاويا يف أهل مدين : ( املعىن وذلك أنه يلزم منه أن يكون قوله

ولكنك ما كنت ثاويا وذلك ما ال : ويصري كأنه قيل " لكن " وذلك يقتضي دخوله يف معىن ) عليهم العمر إىل ) وما كنت ثاويا يف أهل مدين ( وإذا كان ذلك بان منه أنه ينبغي أن يكون عطف جمموع . خيفى فساده

) العمر ( إىل قوله ) وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إىل موسى األمر ( على جمموع قوله) مرسلني ( ) وما كنت من الشاهدين ( معطوفا على ) وما كنت ثاويا يف أهل مدين ( فهال قدرت أن يكون : فإن قلت

ألنا إن قدرنا ذلك وجب أن : قيل " العمر " قوله دون أن تزعم أنه معطوف عليه مضموما إليه ما بعده إىل وما كنت جبانب الغريب إذ قضينا : وأن يكون الترتيب ) ولكنا أنشأنا قرونا : ( ينوى به التقدمي على قوله

تنا ولكنا أنشأنا قرونا إىل موسى األمر وما كنت من الشاهدين وما كنت ثاويا يف أهل مدين تتلو عليهم آيا. عن موضعها الذي ينبغي أن تكون فيه ) لكن ( فتطاول عليهم العمر ولكنا كنا مرسلني ويف ذلك إزالة

جاءين القوم وخرج أصحابك إال زيدا وإال : فكما ال جيوز أن تقول ) إال ( سبيل ) لكن ( ذاك ألن سبيل كذلك ال جيوز أن . من خرج أصحابك " إال عمرا " استثناء من جاءين القوم و " إال زيدا" عمرا جبعل

فإذا : ما جاءين زيد وما خرج عمرو ولكن بكرا حاضر ولكن أخاك خارج : تصنع مثل ذلك بلكن فتقول ه مل يجز ذلك وكان تقديرك الذي زعمت يؤدي إليه وجب أن حتكم بامتناعه فاعرف

وهذا وإمنا جتوز نية التأخري يف شيء معناه يقتضي له ذلك التأخري مثل أن كون االسم مفعوال ال يقتضي له يف اآلية يقتضي أن تكون يف ) لكن ( ومعىن . أن يكون بعد الفاعل فإذا قدم على الفاعل نوي به التأخري

وز أن ينوى هبا التأخري عنه إىل موضع آخر موضعها الذي هي فيه فكيف جي

هذه فصول شىت يف أمر اللفظ والنظم فيها فضل شحذ للبصرية وزيادة كشف عما

فيها من السريرة

البالغة ليس مرجعها إىل العلم باللغة بل العلم مبواضع املزايا" فصل

" واخلصائص لك أنك جتد كثريا ممن يتكلم يف شأن البالغة إذا ذكر أن للعرب وغلط الناس يف هذا الباب كثري فمن ذ

الفضل واملزية يف حسن النظم والتأليف وأن هلا يف ذلك شأوا ال يبلغه الدخالء يف كالمهم واملولدون جعل كلف ولن يبلغ الدخيل يف اللغات واأللسنة مبلغ ال غرو فإن اللغة هلا بالطبع ولنا بالت: يعلل ذلك بأن يقول

وأشباه هذا مما يوهم أن املزية أتتها من جانب العلم باللغة وهو خطأ . من نشأ عليها وبدأ من أول خلقه هبا ال يثبت إعجاز حىت تثبت مزايا عظيم منكر يفضي بقائله إىل رفع اإلعجاز من حيث ال يعلم وذلك أنه

تفوق علوم البشر وتقصر قوى نظرتهم عنها ومعلومات ليس يف منن أفكارهم وخواطرهم أن تفضي هبم وذلك حمال فيما كان علما باللغة ألنه يؤدي إىل أن يحدث يف دالئل اللغة ما مل . إليها وأن تطلعهم عليها

اضع عليه أهل اللغةوذلك ما ال خيفى امتناعه على عاقل يتوواعلم أنا مل يوجب املزية من أجل العلم بأنفس الفروق والوجوه فنستند إىل اللغة ولكنا أوجبناها للعلم

" ومث " للتعقيب بغري تراخ فليس الفضل للعلم بأن الواو للجمع والفاء. مبواضعها وما ينبغي أن يصنع فيها لكذا " إذا " لكذا و " إن " و . له بشرط التراخي

ولكن ألن يتأتى لك إذا نظمت شعرا والفت رسالة أن تحسن التخير وأن تعرف لكل من ذلك موضعه اعتقاده وهو أن املزية لو كانت جتب من وأمر آخر إذا تأمله اإلنسان أنف من حكاية هذا القول فضال عن

أجل اللغة والعلم بأوضاعها وما أراده الواضع فيها لكان ينبغي أن ال تجب إال مبثل الفرق بني الفاء وثم لتكرار فكانت ال جتب بالفصل وترك العطف باحلذف وا. وإن وإذا وما أشبه ذلك مما يعبر عنه وضع لغوي

والتقدمي والتأخري وسائر ما هو هيئة يحدثها لك التأليف ويقتضيها الغرض الذي تؤم واملعىن الذي تقصد وكان ينبغي أن ال جتب املزية مبا يبتدئه الشاعر واخلطيب يف كالمه من استعارة اللفظ لشيء مل يستعر له وأن

يف استعارة قد تعورفت يف كالم العرب وكفى بذلك جهال ال تكون الفضيلة إال ومل يكن هذا االشتباه وهذا الغلط إال ألنه ليس يف جملة اخلفايا واملشكالت أغرب مذهبا يف الغموض وال

قاله العلماء وأن الذي. أعجب شأنا من هذه اليت حنن بصددها وال أكثر تفلتا من الفهم وانسالال منها والبلغاء يف صفتها واإلخبار عنها رموز ال يفهمها إال من هو يف مثل حالهم من لطف الطبع ومن هو مهيأ

حىت كأن تلك الطباع اللطيفة وتلك القرائح واألذهان قد تواضعت فيما بينها على . لفهم تلك اإلشارات الترمجة يتواطأ عليها قوم فال تعدوهم وال يعرفها من ليس منهم ما سبيله سيبل

وليت شعري من أين ملن لم يتعب يف هذا الشأن ومل ميارسه ومل يوفر عنايته عليه أن ينظر إىل قول اجلاحظ وبلغائهم سورة قصرية أو طويلة ولو أن رجال قرأ على رجل من خطبائهم : " وهو يذكر إعجاز القرآن

لتبين له يف نظامها ومخرجها من لفظها وطابعها أنه عاجز عن مثلها ولو تحدى هبا أبلغ العرب ألظهر عجزه وقوله وهو يذكر رواة " عنها

ال على األلفاظ املتخيرة واملعاين وهم ال يقفون إ -ورأيت عامتهم فقد طالت مشاهديت لهم : " األخبار املنتخبة واملخارج السهلة والديباجة الكرمية وعلى الطبع املتمكن وعلى السبك اجليد وعلى كل كالم له ماء

: -الطويل -وقوله يف بيت احلطيئة " ورونق ) عندها خير موقد جتد خري نار... مىت تأته تعشو إىل ضوء ناره ( على أني مل أعجب مبعناه أكثر من . وما كان ينبغي أن يمدح هبذا البيت إال من هو خري أهل األرض "

فيفهم منه شيئا أو يقف للطابع والنظام والنحت والسبك واملخارج " عجيب بلفظه وطبعه ونحته وسبكه وكيف بأن يعرفه ولربما خفي على كثري من أهله . لة على معنى أو يحلى منه بشيء السه

واعلم أن الداء الدوي والذي أعيا أمره يف هذا الباب غلط من قدم الشعر مبعناه وأقل االحتفال باللفظ يقول ما يف اللفظ لوال املعىن وهل الكالم إال : ل عن املعىن وجعل ال يعطيه من املزية إن هو أعطى إال ما فض

. مبعناه فأنت تراه ال يقدم شعرا حىت يكون قد أودع حكمة أو أدبا واشتمل على تشبيه غريب ومعنى نادر ة مث ال ينظر يف حال تلك فإن مال إىل اللفظ شيئا ورأى أن ينحله بعض الفضيلة مل يعرف غري االستعار

أحسنت مبجرد كونها استعارة أم من أجل فرق ووجه أم لألمرين ال يحفل هبذا وشبهه قد قنع : االستعارة يرى أنه إذا تكلم يف. بظواهر األمور وباجلمل وبأن يكون كمن جيلب املتاع للبيع إمنا مهه أن يروج عنه

أخذه من فالن وأمل فيه بقول : األخذ والسرقة وأحسن أن يقول

كذا فقد استكمل الفضل وبلغ أقصى ما يراد واعلم أنا وإن كنا إذا اتبعنا العرف والعادة وما يهجس يف الضمريوما عليه العامة أرانا ذلك أن الصواب

أن يكون على املعىن وأنه الذي ال يسوغ القول خبالفه فإن األمر بالضد إذا جئنا معهم وأن التعويل ينبغي إىل احلقائق وإىل ما عليه احملصلون ألنا مل نرى متقدما يف علم البالغة مربزا يف شأوها إال وهو ينكر هذا

روي أن عبيد اهللا بن : لك ما روي عن البحتري فمن ذ. الرأي ويعيبه ويزري على القائل به ويغض منه إن أبا العباس ثعلبا ال : فقال . أبو نواس : عبد اهللا بن طاهر سأله عن مسلم وأيب نواس أيهما أشعر فقال

ن عمله إمنا يعلم ليس هذا من شأن ثعلب وذويه من املتعاطني لعلم الشعر دو: فقال . يوافقك على هذا رآين : وعن بعضهم أنه قال . ذلك من دفع يف سلك طريق الشعر إىل مضايقه وانتهى إىل ضروراته

إىل أيب : وإىل أين تمضي فقلت : فقال . شعر الشنفرى : ما هذا فقلت : البحتري ومعي دفتر شعر فقال رأيت أبا عباسكم هذا منذ أيام عند ابن ثوابة فما رأيته ناقدا للشعر وال قد: فقال . العباس أقرؤه عليه

أما نقده ومتييزه فهذه : فقلت له . مميزا لأللفاظ ورأيته يستجيد شيئا وينشده وما هو بأفضل الشرع الكامل - قول احلارث بن وعلة : قال فما كان ينشد. صناعة أخرى ولكنه أعرف الناس بإعرابه وغريبه

- :

) فإذا رميت يصيبين سهمي ... قومي هم قتلوا أميم أخي ( ) ولئن سطوت ألوهنن عظمي ... فلئن عفوت ألعفون جلال (

أين الشعر الذي فيه عروق الذهب : فقال . ى ولفظ واهللا ما أنشد إال أحسن شعر يف أحسن معن: فقلت : - الكامل - مثل قول أيب ذؤاب : مثل ماذا فقال : فقلت

) بعتيبة بن احلارث بن شهاب ... إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ( ) على األصحاب وأعزهم فقدا ... بأشدهم كلبا على أعدائه (

) بجيدها إال كعلم األباعر ... زوامل لألشعار ال علم عندهم : ( - الطويل - ويف مثل هذا قال الشاعر ) بأوساقه أو راح ما يف الغرائر ... لعمرك ما يدري البعري إذا غدا (

: -اخلفيف - وقال اآلخر ) وما فيك آلة احلكام ... جعفر تحكم يف الشعر يا أبا( ) صعب فكيف نقد الكالم ... إن نقد الدينار إال على الصيرف ( ) بين األرواح واألجسام ... قد رأيناك لست تفرق يف األشعار (

الكالم مبعناه من حيث جهلوا أن املعىن إذا كان أدبا وحكمة وكان غريبا نادرا واعلم أهنم مل يعيبوا تقدميفهو أشرف مما ليس كذلك بل عابوه من حيث كان من حكم من قضى يف جنس من األجناس بفضل أو

وأن ال ينظر فيها . حقيقته نقص أن ال يعترب يف قضيته تلك إال األوصاف اليت ختص ذلك اجلنس وترجع إىلومعلوم أن سبيل الكالم . إىل جنس آخر وإن كان من األول بسبيل أو متصال به اتصال ما ال ينفك منه

سبيل التصوير والصياغة وأن سبيل املعىن الذي يعبر عنه سبيل الشيء الذي يقع التصوير والصوغ فيه فكما أن محاال إذا أنت أردت النظر يف صوغ اخلامت ويف . الذهب يصاغ منهما خاتم أو سوار كالفضة و

جودة العمل ورداءته أن ينظر إىل الفضة احلاملة تلك الصورة أو الذهب الذي وقع فيه العمل وتلك الصنعة وكما أنا لو . زية يف الكالم أن تنظر يف جمرد معناه كذلك حمال إذا أردت أن تعرف مكان الفضل وامل -

. فضلنا خامتا على خاتم بأن تكون فضة هذا أجود أو فصه أنفس مل يكن ذلك تفضيال له من حيث هو خامت حيث هو شعر وكالم كذلك ينبغي إذا فضلنا بيتا على بيت من أجل معناه أن ال يكون ذلك تفضيال له من

وهذا قاطع فاعرفه واعلم أنك لست تنظر يف كتاب صنف يف شأن البالغة وكالم جاء عن القدماء إال وجدته يدل على فساد

وإذا نظرت يف كتب اجلاحظ وجدته يبلغ يف. ورأيتهم يتشددون يف إنكاره وعيبه والعيب به . هذا املذهب وقد انتهى يف ذلك إىل أن جعل العلم باملعىن مشتركا وسوى فيه بني . ذلك كل مبلغ ويتشدد غاية التشدد

: اخلاصة والعامة فقال

ومل أر ذلك قط إال يف رواية غري بصري . ورأيت ناسا يبهرجون أشعار املولدين ويستسقطون من رواها " وأنا مسعت أبا عمرو . ولو كان له بصر لعرف موضع اجليد ممن كان ويف أي زمان كان . جبوهر ما يروي

الشيباين وقد بلغ من استجادته هلذين البيتني وحنن يف املسجد اجلامع يوم اجلمعة أن كلف رجال حتى

وأنا أزعم أن صاحب هذين البيتني ال يقول شعرا : جلاحظ قال ا" . أحضره قرطاسا ودواة حتى كتبهما - السريع - ومها قوله . أبدا ولوال أن أدخل يف احلكومة بعض الغيب لزعمت أن ابنه ال يقول الشعر أيضا

: ) وإنما املوت سؤال الرجال ... ال تحسبن املوت موت البلى ( ) أشد من ذاك على كل حال ... الهما موت ولكن ذا ك(

وذهب الشيخ إىل استحسان املعاين واملعاين مطروحة يف الطريق يعرفها العجمي والعريب والقروي : مث قال الطبع وكثرة املاء وجودة وإمنا الشأن يف إقامة الوزن وختير اللفظ وسهولة املخرج وصحة. والبدوي وإمنا الشعر صياغة . السبك

وهي مطروحة يف : فقال . فقد تراه كيف اسقط أمر املعاين وأىب أن جيب هلا فضل . وضرب من التصوير الشعر بلفظه ال وأنا أزعم أن صاحب هذين البيتني ال يقول شعرا أبدا فأعلمك أن فضل: مث قال . الطريق

" وأعاد طرفا من هذا احلديث يف . مبعناه وأنه إذا عدم احلسن يف لفظه ونظمه مل يستحق هذا االسم باحلقيقة ولقد رأيت أبا عمرو الشيباين يكتب أشعارا من أفواه جلسائه ليدخلها يف باب التحفظ : " فقال " البيان

ما خيل إيل أن أبناء أولئك الشعراء ال يستطيعون أبدا أن يقولوا شعرا جيدا ملكان أعراقهم ورب. والتذكر ولوال أن أكون عيابا ثم للعلماء خاصة لصورت لك بعض ما مسعت من أيب : " مث قال . من أولئك اآلباء

" عبيدة ومن هو أبعد يف ومهك من أيب عبيدة واعلم أنهم مل يبلغوا يف إنكار هذا املذهب ما بلغوه إال ألن اخلطأ فيه عظيم وأنه يفضي بصاحبه إىل أن ينكر

وذلك أنه إن كان العمل على ما يذهبون إليه من أن ال جيب . اإلعجاز ويبطل التحدي من حيث ال يشعر وحىت يكون قد قال حكمة أو أدبا واستخرج معنى غريبا أو تشبيها نادرا فضل ومزية إال من جانب املعىن

وبطل أن جيب بالنظم . فقد وجب اطراح مجيع ما قاله الناس يف الفصاحة والبالغة ويف شأن النظم والتأليف د بطل أن يكون يف الكالم معجز وصار وإذا بطل ذلك فق. فضل وأن تدخله املزية وأن تتفاوت فيه املنازل

ونعوذ باهللا من . األمر إىل ما يقوله اليهود ومن قال مبثل مقاهلم يف هذا الباب ودخل يف مثل تلك اجلهاالت العمى بعد اإلبصار

فصل باب اللفظ والنظم

: فإن قلت . املعىن تأثري ال يكون لصاحبتها ال يكون إلحدى العبارتني مزية على األخرى حىت يكون هلا يف: فإذا أفادت هذه ما ال تفيد تلك فليستا عبارتني عن معىن واحد بل مها عبارتان عن معنيني اثنني قيل لك

تقصد إن: والذي أراد املتكلم أن يثبته أو ينفيه حنو . يف مثل هذا يراد به الغرض " املعىن : " إن قولنا فتفيد تشبيهه . كأن زيدا األسد : زيد كاألسد مث تريد هذا املعىن بعينه فتقول : تشبيه الرجل باألسد فتقول

أيضا باألسد إال أنك تزيد يف معىن تشبيهه به زيادة مل تكن يف األول وهي أن جتعله من فرط شجاعته وقوة وإذا . ال يتميز عن األسد وال يقصر عنه حىت يتوهم أن أسد يف صورة أدمي قلبه وأنه ال يروعه شيء حبيث

كان هذا كذلك فانظر هل كانت هذه الزيادة وهذا الفرق إال مبا توخي يف نظم اللفظ وترتيبه حيث قدم شك سبيل أن ذلك كان بالنظم فاجعله وإذا مل يكن إىل ال" . أن " الكاف إىل صدر الكالم وركبت مع

العربة يف الكالم كله ورض نفسك على تفهم ذلك وتتبعه واجعل فيها أنك تزاول منه أمرا عظيما ال يقادر قدره وتدخل يف حبر عميق ال يدرك قعره فصل هو فن آخره يرجع إىل هذا الكالم

ض للكالم معارض له من اجلهة اليت منها يوصف بأنه فصيح وبليغ ومتخير اللفظ جيد قد علم أن املعار السبك وحنو ذلك من األوصاف اليت نسبوها إىل اللفظ

وإذا كان هذا هكذا فبنا أن ننظر فيما إذا أتي به كان معارضا ما هو أهو أن جييء بلفظ فيضعه مكان لفظ أم ذلك م ال يذهب غليه عاقل . دنا : نأى ومكان قرب : ليث وبدل بعد : آخر حنو أن يقول بدل أسد

ولكان . وال يقوله من به طرق كيف ولو كان ذلك معارضة لكان الناس ال يفصلون ينب الترمجة واملعارضة وإذا بطل أن يكون جهة للمعارضة وأن يكون الواضع نفسه يف هذه املنزلة . كل من فسر كالما معارضا له

وإذا بطل أن يكون جهة للمعارضة وأن يكون الواضع نفسه يف هذه املنزلة معارضا على وجه . معارضا له ا أوصاف راجعة إىل املعاين وإىل ما يدل من الوجوه علمت أن الفصاحة والبالغة وسائر ما يجري يف طريقهم

عليه باأللفاظ دون األلفاظ أنفسها ألنه إذا مل يكن يف القسمة إال املعاين واأللفاظ وكان ال يعقل تعارض يف لكالم املعقولة األلفاظ اجملردة إال ما ذكرت مل يبق إال أن تكون املعارضة معارضة من جهة ترجع إىل معاين ا

وإذا عادت املعارضة إىل جهة املعىن وكان الكالم يعارض من حيث هو فصيح وبليغ . دون ألفاظه املسموعة ومتخير اللفظ حصل من ذلك أن الفصاحة والبالغة وختير اللفظ عبارة عن خصائص ووجوه تكون معاين

كأن زيدا " و " زيد كاألسد : " ت حتدث يف أصول املعاين كالذي أريتك فيما بني الكالم عليها وعن زيادا وبأن ال نصيب لأللفاظ من حيث هي ألفاظ فيها بوجه من الوجوه " . األسد

إىل العلم به واعلم أنك ال تشفي الغلة وال تنتهي إىل ثلج اليقني حىت تتجاوز حد العلم بالشيء مجمال مفصال وحتى ال يقنعك إال النظر يف زواياه والتغلغل يف مكامنه وحىت تكون كمن تتبع املاء حتى عرف

منبعه وانتهى يف البحث عن جوهر العود الذي يصنع فيه إىل أن يعرف منبته ومجرى عروق الشجر الذي قيسون الكالم يف معىن املعارضة على األعمال الصناعية كنسج الديباج وصوغ وإنا لنراهم ي. هو منه

الشنف والسوار وأنواع ما يصاغ وكل ما هو صنعة وعمل يد بعد أن يبلغ مبلغا يقع التفاضل فيه مث يعظم يف حد ما يعجز عنه األكثرون حىت يزيد فيه الصانع على الصانع زيادة يكون له هبا صيت ويدخل

فإن . وهذا القياس وإن كان قياسا ظاهرا معلوما وكالشيء املركوز يف الطباع حتى ترى العامة فيه كاخلاصة فيه أمرا جيب العلم به وهو أنه يتصور أن يبدأ هذا فيعمل ديباجا ويبدع يف نقشه وتصويره فيجيء آخر

مل ديباجا آخر مثله يف نقشه وهيئته وجملة صفته حىت ال يفصل الرائي بينهما وال يقع ملن مل يعرف ويعوهكذا احلكم يف سائر . القصة ومل خيرب احلال إال أهنما صنعة رجل واحد وخارجان من حتت يد واحدة

وارا مثله ويؤدي صنعته كما هي حىت ال يغادر منها املصنوعات كالسوار يصوغه هذا وجييء ذاك فيعمل س

وليس يتصور مثل ذلك يف الكالم ألنه ال سبيل إىل أن جتيء إىل معىن بيت من الشعر أو فصل . شيئا البتة هو املفهوم من تلك ال من النثر فتؤديه بعينه وعلى خاصيته وصفته بعبارة أخرى حىت يكون املفهوم من هذه

قد أتى باملعىن بعينه وأخذ معىن كالمه : وال يغرنك قول الناس . خيالفه يف صفة وال وجه وال أمر من األمور واملراد أنه أدى الغرض فأما أن يؤدي املعىن بعينه على الوجه الذي . فأداه على وجهه فإنه تسامح منهم

كالم األول حىت ال تعقل ها هنا إال ما عقلته هناك وحىت يكون حالهما يف نفسك حال يكون عليه يف الصورتني املشتبهتني يف عينك كالسوارين والشنفني ففي غاية اإلحالة وظن يفضي بصاحبه إىل جهالة عظيمة

وذلك أن ليس . ومتفقتها إذا جمعت وألف منها كالم وهي أن تكون األلفاظ خمتلفة املعاين إذا فرقتولكن فيما فهم من جمموع كالم وجمموع كالم " . قعد وجلس " كالمنا فيما يفهم من لفظتني مفردتني حنو

البعض إحياء للجميع فإنه قتل: وقول الناس ) ولكم يف القصاص حياة : ( آخر حنو أن تنظر يف قوله تعاىل وإن كان قد جرت عادة الناس بأن يقولوا يف مثل هذا إهنما عبارتان معبرمها واحد فليس هذا القول قوال

منهم ميكن األخذ بظاهره أو يقع لعاقل شك أن ليس املفهوم من أحد الكالمين املفهوم من اآلخر

الم على ضربني فصل الكضرب أنت تصل منه إىل الغرض بداللة اللفظ وحده وذلك إذا قصدت أن تخبر عن زيد مثال باخلروج

عمرو منطلق وعلى هذا القياس : خرج زيد وباالنطالق عن عمرو فقلت : على احلقيقة فقلت للفظ وحده ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه وضرب آخر أنت ال تصل منه إىل الغرض بداللة ا

ومدار هذا األمر على الكناية . موضوعه يف اللغة ثم جتد لذلك املعىن داللة ثانية تصل هبا إىل الغرض هو كثري رماد :وقد مضت األمثله فيها مشروحة مستقصاة أو ال ترى أنك إذا قلت . واالستعارة والتمثيل

نؤوم الضحا فإنك يف مجيع ذلك ال تفيد غرضك الذي : طويل النجاد أو قلت يف املرأة : القدر أو قلت تعين من جمرد اللفظ ولكن يدل اللفظ على معناه الذي يوجبه ظاهره مث يعقل السامع من ذلك املعىن على

ى ثانيا هو غرضك كمعرفتك من كثري رماد القدر أنه مضياف ومن طويل النجاد انه سبيل االستدالل معنرأيت أسدا : وكذا إذا قال . طويل القامة ومن نؤوم الضحا يف املرأة أنه مترفة خمدومة هلا من يكفيها أمرها

التشبيه إال أنه بالغ فجعل الذي رآه حبيث ال يتميز علمت أنه أراد -ودلك احلال على أنه مل يرد السبع -بلغين أنك تقدم رجال وتؤخر أخرى أنه أراد التردد يف أمر : وكذلك تعلم يف قوله . من األسد يف شجاعته

البيعة واختالف العزم يف الفعل وتركه على ما مضى الشرح فيه نا عبارة خمتصرة وهي أن تقول املعىن ومعىن املعىن تعين باملعىن املفهوم من وإذ قد عرفت هذه اجلملة فها ه

ظاهر اللفظ والذي تصل إليه بغري واسطة ومبعىن

املعىن أن تعقل من اللفظ معنى مث يفضي بك ذلك املعىن إىل معنى آخر كالذي فسرت لك علون األلفاظ زينة للمعاين وحلية عليها أو جيعلون املعاين كاجلواري وإذ قد عرفت ذلك فإذا رأيتهم جي

واأللفاظ كاملعارض هلا وكالوشي احملبر واللباس الفاخر والكسوة الرائقة إىل أشباه ذلك مما يفخمون به أمر اللفظ وجيعلون املعىن ينبل به ويشرف

فخمون به أمر اللفظ وجيعلون املعىن أعطاك املتكلم أغراضه فيه من طريق فاعلم أنهم يضعون كالما قد يمعىن املعىن فكنى وعرض ومثل واستعار مث أحسن يف ذلك كله وأصاب ووضع كل شيء مه يف موضعه

وأن . كه ولطفت إشارته وأصاب به شاكلته وعمد فيما كنى به وشبه ومثل ملا حسن مأخذه ودق مسلاملعرض وما يف معناه ليس هو اللفظ املنطوق به ولكن معىن اللفظ الذي دللت به على املعىن الثاين كمعىن

: - الوافر -قوله ) جبان الكلب مهزول الفصيل ... فإني ( . . . . . . . . . . . . . . . .

أنه مضياف فاملعاين األول املفهومة من أنفس األلفاظ هي املعارض والوشي واحللي الذي هو دليل على واملعاين الثواين اليت يومأ إليها بتلك املعاين هي اليت تكسى تلك املعارض وتزين بذلك الوشي . وأشباه ذلك

جل اللفظ بصورة ويبدو يف هيئة ويتشكل بشكل يرجع املعىن وذلك إذا جعلوا املعىن يتصور من أ. واحللي يف ذلك كله

إىل الدالالت املعنوية وال يصلح شيء منه حيث الكالم على ظاهره وحيث ال يكون كناية ومتثيل به وال ض من جمرد اللفظ فلو أن قائال قال استعارة وال استعانة يف اجلملة مبعنى على معنى وتكون الداللة على الغر

إنه صور املعىن يف غري صورته األوىل وال : لقيت الليث مل يجز أن يقال يف الثاين : رأيت األسد وقال آخر : ين ال تتغير ومجلة األمر أن صور املعا. أبرزه يف معرض سوى معرضه وال شيئا من هذا اجلنس : أن يقال

بنقلها من لفظ إىل لفظ حىت يكون هناك اتساع وجماز وحتى ال يراد من األلفاظ ظواهر ما وضعت له يف اللغة ولكن يشار مبعانيها إىل معان أخر

ير املعىن على ما مضى واعلم أن هذا كذلك ما دام النظم واحدا فأما إذا تغير النظم فال بد حينئذ من أن يتغإن زيدا : من البيان يف مسائل التقدمي والتأخري وعلى ما رأيت يف املسألة اليت مضت اآلن أعين قولك

عند " أن " وأما فتحك . كاألسد وكأن زيدا األسد ذاك ألنه مل يتغير من اللفظ شيء وإنما تغير النظم فقط لكاف وكانت مكسورة فال اعتداد هبا ألن معىن الكسر باق حباله تقدمي ا

واعلم أن السبب يف أن أحالوا يف أشباه هذه احملاسن اليت ذكرتها لك على اللفظ أهنا ليست بأنفس املعاين كأن زيدا األسد على قولك :أال ترى أن ليست املزية اليت تجدها لقولك . بل هي زيادات فيها وخصائص

زيد كاألسد بشيء خارج عن التشبيه الذي هو أصل املعىن وإمنا هو زيادة فيه ويف حكم اخلصوصية يف : الشكل حنو أن يصاغ خاتم على وجه وآخر على وجه آخر جتمعهما صورة اخلاتم ويفترقان خباصة وشيء

وملا كان األمر كذلك لم يمكنهم أن يطلقوا اسم املعاين على هذه اخلصائص . أنه ال يعلم منفردا يعلم إالفلما . إذا كان ال يفترق احلال حينئذ بني أصل املعىن وبني ما هو زيادة يف املعىن وكيفية له وخصوصية فيه

بأن وصفوا اللفظ يف ذلك بأوصاف يعلم أهنا ال تكون أوصافا له من امتنع ذلك توصلوا إىل الداللة عليها حيث هو لفظ كنحو وصفهم له بأنه لفظ شريف وأنه قد زان املعىن وأن له ديباجة وأن عليه طالوة وأن

ال يعنى مبثله الصوت املعىن منه يف مثل الوشي وأنه عليه كاحللي إىل أشباه ذلك مما يعلم ضرورة أنه

اللفظ واللفظ لز ذلك بأنفس : واحلرف مث إنه ملا جرت به العادة واستمر عليه العرف وصار الناس يقولون أقوام بابا من الفساد وخامرهم منه شيء لست أحسن وصفه

فصل يف داللة املعىن على املعىن

دهم يجرونها على اللفظ مث ال تعترضك شبهة وال يكون منك توقف يف أهنا ليست له ومن الصفات اليت جتوال يكون . ال يكون الكالم يستحق اسم البالغة حىت يسابق معناه لفظه ولفظه معناه : ولكن ملعناه قولهم

األذن بال إذن فهذا مما ال يشك العاقل يف أنه يدخل يف: لفظه أسبق إىل مسعك من معناه إىل قلبك وقولهم يرجع إىل داللة املعىن على املعىن وأنه ال يتصور أن يراد به داللة اللفظ على معناه الذي وضع له يف اللغة

و يكون جاهال بذلك فإن ذاك ألنه ال خيلو السامع من أن يكون عاملا باللغة ومبعاين األلفاظ اليت يسمعها أكان عاملا مل يتصور أن يتفاوت حال األلفاظ معه فيكون معىن لفظ أسرع إىل قلبه من معىن لفظ آخر وإن

كان جاهال كان ذلك يف وصفه أبعد كان ذلك مما يدرك بالفكر وإذا ومجلة األمر أنه إمنا يتصور أن يكون ملعنى أسرع فهما منه ملعنى آخر إذا

وذلك محال يف دالالت األلفاظ اللغوية ألن طريق معرفتها . كان مما يتجدد له العلم به عند سمعه للكالم التوقيف والتقدم بالتعريف

على املعاين وأهنم أرادوا أن وإذا كان ذلك كذلك علم علم الضرورة أن مصرف ذلك إىل دالالت املعاين من شرط البالغة أن يكون املعىن األول الذي تجعله دليال على املعىن الثاين ووسيطا بينك وبينه متمكنا يف

نك داللته مستقال بوساطته يسفر بينك وبينه أحسن سفارة ويشري لك إليه أبين إشارة حىت يخيل إليك أ -فهمته من حاق اللفظ وذلك لقلة الكلفة فيه عليك وسرعة وصوله إليك فكان من الكناية مثل قوله

: - املنسرح

) أبتاع إال قريبة األجل ... ال أمتع العوذ بالفصال وال ( : - الطويل -ومن االستعارة مثل قوله

) تضاعف فيه احلزن من كل جانب ... الليل عازب همه وصدر أراح ( : -املديد -ومن التمثيل مثل قوله

) قد بلوت املر من ثمره ... ال أذود الطير عن شجر ( أريد منه ألنه يعترضه ما يمنعه وإن أردت أن تعرف ما حاله بالضد من هذا فكان منقوص القوة يف تأدية ما

أن يقضي حق السفارة فيما بينك وبني معناك ويوضح متام اإليضاح عن مغزاك فانظر إىل قول العباس بن : - الطويل -األحنف من

) وع لتجمدا وتسكب عيناي الدم... سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ( بدأ فدل بسكب الدموع على ما يوجبه الفراق من احلزن والكمد فأحسن وأصاب ألن من شأن البكاء أبدا

: أن يكون أمارة للحزن وأن يجعل داللة عليه وكناية عنه كقولهم

: - السريع - وكما قال " ساءين وسرين " أبكاين وأضحكين على معىن ) أضحكين الدهر بما يرضي ... أبكاين الدهر ويا ربما (

" . لتجمدا " مث ساق هذا القياس إىل نقيضه فالتمس أن يدل على ما يوجبه دوام التالقي من السرور بقوله زن ما بلغ سكب الدمع يف الداللة على الكآبة وظن أن اجلمود يبلغ له يف إفادة املسرة والسالمة من احل

: " وأنه إذا قال . ونظر إىل أن اجلمود خلو العني من البكاء وانتفاء الدموع عنها . والوقوع يف احلزن ط فيما ظن وغل. أحزن اليوم لئال أحزن غدا وتبكي عيناي جهدمها لئال تبكيا أبدا : فكأنه قال " لتجمدا

ومع أن العني يراد منها أن تبكي ويشتكى . وذاك أن اجلمود هو أن ال تبكي العني مع أن احلال حال بكاء من أن ال تبكي ولذلك ال ترى أحدا يذكر عينه باجلمود إال وهو يشكوها ويذمها وينسبها إىل البخل ويعد

أال إن عينا مل : ( -الطويل -تركا ملعونة صاحبها على ما به من اهلم أال ترى إىل قوله امتناعها من البكاء ) عليك بجاري دمعها لجمود ... تجد يوم واسط

ء ألن اجلود وليس هناك التماس بكا. فأتى باجلمود تأكيدا لنفي اجلود وحمال أن جيعلها ال جتود بالبكاء ولو كان اجلمود يصلح ألن يراد به السالمة من البكاء ويصح أن . والبخل يقتضيان مطلوبا يبذل أو يمنع

ال زالت عينك جامدة كما يقال : يدل به على أن احلال حال مسرة وحبور جلاز أن يدعى به للرجل فيقال وذاك مما . عينك ال أبكى اهللا:

عين جمود ال ماء فيها وسنة جماد ال مطر فيها وناقة : وعلى ذلك قول أهل اللغة . ال يشك يف بطالنه وكما ال تجعل السنة والناقة مجادا إال على معىن أن السنة خبيلة بالقطر والناقة ال تسخو . مجاد ال لنب فيها

كذلك حكم العني ال تجعل جمودا إال وهناك ما يقتضي إرادة البكاء منها وما جيعلها إذا بكت . ر بالد وإذا مل تبك مسيئة موصوفة بأن قد ضنت وبخلت . محسنة موصوفة بأن قد جادت وسخت

م أجترع غصص الفراق وأمحل نفسي على مره وأحتمل ما يؤديين إليه إين اليو: إنه أراد أن يقول : فإن قيل من حزن يفيض الدموع من عيين ويسكبها لكي أتسبب بذلك إىل وصل يدوم ومسرة تتصل حىت ال أعرف

بدا كاجلمود اليت ال يكون هلا دمع بعد ذلك احلزن أصال وال تعرف عيين البكاء وتصري يف أن ال ترى باكية أأحتمل البكاء هلذا الفراق عاجال : فإن ذلك ال يستقيم ويستتب ألنه يوقعه يف التناقض وجيعله كأنه قال

لقت ألصري يف اآلجل بدوام الوصل واتصال السرور يف صورة من يريد من عينه أن تبكي مث ال تبكي ألهنا خ وذلك من التهافت واالضطراب حبيث ال تنجع احليلة فيه . جامدة ال ماء فيها

. ومجلة األمر أنا ال نعلم أحدا جعل مجود العني دليل سرور وأمارة غبطة وكناية عن أن احلال حال فرح لفظه أسبق إىل سمعك من معناه إىل قلبك ألنك ترى فهذا مثال فيما هو بالضد مما شرطوا من أن ال يكون

وجيري لك هذا الشرح والتفسري يف . اللفظ يصل إىل مسعك وحتتاج إىل أن تخب وتوضع يف طلب املعىن قلبك تلو النظم كما جرى يف اللفظ ألنه إذا كان النظم سويا والتأليف مستقيما كان وصول املعىن إىل

وإذا كان على خالف ما ينبغي وصل اللفظ إىل السمع وبقيت يف املعىن تطلبه . وصول اللفظ إىل مسعك

إنه يستهلك املعىن : وإذا أفرط األمر يف ذلك صار إىل التعقيد الذي قالوا . وتتعب فيه للفظ ومل ينغلق الكالم يف هذا الباب إال ألنه واعلم أن مل تضق العبارة ومل يقصر ا

قد تناهى يف الغموض واخلفاء إىل أقصى الغايات وأنك ال ترى أغرب مذهبا وأعجب طريقا وأحرى بأن وما قولك يف شيء قد بلغ من أمره أن يدعى على كبار العلماء بأهنم مل يعلموه ومل. تضطرب فيه اآلراء منه

فقيل : أبو نواس : أيهما أشعر فقال : يفطنوا له فقد ترى أن البحتري قال حني سئل عن مسلم وأيب نواس ليس هذا من شأن ثعلب وذويه من املتعاطني لعلم : فقال . فإن أبا العباس ثعلبا ال يوافقك على هذا :

ع يف مسلك طريق الشعر إىل مضايقه وانتهى إىل ضروراته الشعر دون عمله إمنا يعلم ذلك من دف. مث مل ينفك العالمون به والذين هم من أهله من دخول الشبهة فيه عليهم ومن اعتراض السهو والغلط هلم

تيان بشارا وكانا يأ. كنت أسري مع أيب عمرو بن العالء وخلف األمحر : روي عن األصمعي أنه قال فيسلمان عليه بغاية اإلعظام مث يقوالن يا أبا معاذ ما أحدثت فيخبرمها وينشدمها ويسأالنه ويكتبان عنه

ما هذه القصيدة اليت أحدثتها يف : وأتياه يوما فقاال . مث ينصرفان . متواضعين له حىت يأيت وقت الزوال نعم بلغين أن سلم : قال . بلغنا أنك أكثرت فيها من الغريب : قالوا . هي اليت بلغتكم : ال سلم بن قتيبة ق

فأنشدمها من . فأنشدناها يا أبا معاذ : قالوا . بن قتيبة يتباصر بالغريب فأحببت أن أورد عليه ما ال يعرف : اخلفيف

) إن ذاك النجاح يف التبكري ... بكرا صاحيب قبل اهلجري( " : إن ذاك النجاح يف التبكري " لو قلت يا أبا معاذ مكان : حىت فرغ منها فاقل له خلف

... ) بكرا فالنجاح يف التبكري ( كما يقول " نجاح يف التبكري إن ذاك ال: " إمنا بنيتها أعرابية وحشية فقلت : فقال بشار . كان أحسن

كان هذا من كالم " بكرا فالنجاح : " ولو قلت . األعراب البدويون

فهل . فقام خلف فقبل بشارا بين عينيه : قال . املولدين وال يشبه ذاك الكالم وال يدخل يف معىن القصيدة للطف املعىن يف ذلك وخفائه كان هذا القول من خلف والنقد على بشار إال

إذا جاءت على هذا الوجه أن تغين غناء الفاء العاطفة مثال وأن تفيد من ربط " : إن " واعلم أن من شأن أفال ترى . فأنت ترى الكالم هبا مستأنفا غري مستأنف مقطوعا موصوال معا . اجلملة مبا قبلها أمرا عجيبا

إن ذاك النجاح يف التبكري مل تر الكالم يلتئم ولرأيت اجلملة الثانية ال : من قوله " إن " أنك لو أسقطت بكرا صاحبي قبل اهلجري فذاك النجاح يف : تتصل باألوىل وال تكون منها بسبيل حىت جتيء بالفاء فتقول

: -الرجز - له قول بعض العرب التبكري ومث ) إن غناء اإلبل احلداء ... فغنها وهي لك الفداء (

إن غناء اإلبل احلداء وإىل مالءمته الكالم قبله وحسن تشبثه به وإىل حسن تعطف الكالم : فانظر إىل قوله فغنها وهي لك الفداء غناء اإلبل احلداء كيف تكون : فقلت " إن " إذا تركت مث انظر. األول عليه

الصورة وكيف ينبو أحد الكالمني عن اآلخر وكيف يشئم هذا ويعرق ذاك حىت ال جتد حيلة يف ائتالفهما

اء اإلبل احلداء مث تعلم أن ليست األلفة بينهما من فغنها وهي لك الفداء فغن: حىت جتتلب هلما الفاء فتقول : وروي عن عنبسة أنه قال . جنس ما كان وأن قد ذهبت األنسة اليت كنت جتد واحلسن الذي كنت ترى

: -ويل الط - قدم ذو الرمة الكوفة فوقف ينشد الناس الكناسة قصيدته احلائية اليت منها

) وموت اهلوى يف القلب مني املربح ... هي البرء واألسقام واهلم واملىن ( ) وحبك عندي يستجد ويربح ... وكان اهلوى بالنأي يمحى فيمحي ( ) حب مية يبرح رسيس اهلوى من... إذا غير النأي احملبني مل يكد (

قال فشنق ناقته وجعل يتأخر ! أراه قد برح : يا غيالن : فلما انتهى إىل هذا البيت ناداه ابن شربمة : قال : هبا ويتفكر مث قال

) رسيس اهلوى من حب مية يبرح ... إذا غير النأي املحبني مل أجد ( أخطأ ابن شبرمة حني أنكر على ذي الرمة وأخطأ ذو ذو الرمة حني : فلما انصرفت حدثت أيب قال : قال

ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد : ( غير شعره لقول ابن شربمة إمنا هذا كقول اهللا تعاىل ا ومل يكد وإمنا هو مل يره) . يراها

يف فعل قد : ما كاد يفعل ومل يكد يفعل : واعلم أن سبب الشبهة يف ذلك أنه قد جرى يف العرف أن يقال فذبحوها وما : ( فعل على معىن أنه مل يفعل إال بعد اجلهد وبعد أن كان بعيدا يف الظن أن يفعله كقوله تعاىل

فلما كان جميء النفي يف ) . كادوا يفعلون

مل يكد رسيس اهلوى من حب مية يربح فقد زعم : على هذا السبيل توهم ابن شبرمة أنه إذا قال " كاد " الذي يقتضيه اللفظ إذا وليس األمر كالذي ظناه فإن . أن اهلوى قد برح ووقع لذي الرمة مثل هذا الظن

مل يكد يفعل وما كاد يفعل أن يكون املراد أن الفعل مل يكن من أصله وال قارب أن يكون وال ظن أنه : قيل موضوع ألن يدل على شدة قرب الفعل من الوقوع " كاد " وكيف بالشك يف ذلك وقد علمنا أن . يكون

وإذا كان كذلك كان محاال أن يوجب نفيه وجود الفعل ألنه يؤدي إىل أن . شارف الوجود وعلى أنه قد مقتضيا على البت أنه قد فعل : ما قارب أن يفعل : يوجب نفي مقاربة الفعل الوجود وأن يكون قولك

على أنه قد كان هناك صورة تقتضي أن ال يكون وإذ قد ثبت ذلك فمن سبيلك أن تنظر فمىت مل يكن املعىن) فذبحوها وما كادوا يفعلون : ( الفعل وحال يبعد معها أن يكون ثم تغير األمر كالذي تراه يف قوله تعاىل

ون فضال عن أن يكون فليس إال أن تلزم الظاهر وجتعل املعىن على أنك تزعم أن الفعل مل يقارب أن يكفاملعىن إذا يف بيت ذي الرمة على أن اهلوى من رسوخه يف القلب وثبوته فيه وغلبته على طباعه حبيث ال

إذا سال احملبون : يتوهم عليه البراح وأن ذلك ال يقارب منه أن يكون فضال عن أن يكون كما تقول ع يل وهم ومل يجر مين على بال أنه جيوز علي ما يشبه السلوة ما يعد فترة فضال عن وفتروا يف حمبتهم مل يق

مل يرها ومل يكد فبدؤوا فنفوا : وينبغي أن تعلم أنهم إمنا قالوا يف التفسري . أن يوجد ذلك مين وأصري إليه : يف قوله تعاىل " ما كادوا " هاهنا سبيل " مل يكد " ليعلموك أن ليس سبيل عليه " مل يكد " الرؤية مث عطفوا

يف أنه نفي معقب على إثبات وأن ليس املعىن على أن رؤية كانت من بعد أن ) فذحبوها وما كادوا يفعلون (

" مل يكد " ولو كان . تكون فضال عن أن تكون كادت ال تكون ولكن املعىن على أن رؤيتها ال تقارب أن فاعرفه . مل يرها ورآها : يوجب وجود الفعل لكان هذا الكالم منهم محاال جاريا مجرى أن تقول

واملاضي إذا وقع يف جواب الشرط" إذا " يف اآلية والبيت واقع يف جواب " مل يكد " وهاهنا نكتة وهي أن إذا خرجت مل أخرج كنت قد نفيت خروجا فيما : على هذا السبيل كان مستقبال يف املعىن فإذا قلت

وإذا كان األمر كذلك استحال أن يكون املعىن . يستقبل

جواب الشرط يف البيت أو اآلية على أن الفعل قد كان ألنه يؤدي إىل أن جييء بلم أفعل ماضيا صرحيا يف : - املتقارب - ومما يتضح فيه هذا املعىن قول الشاعر . إذا خرجت مل أخرج أمس وذلك محال : فتقول

) سقاهن مرتجز باكر ... ديار لجهمة باملنحىن ( ) ضعيف القوى ماؤه زاخر ... وراح عليهن ذو هيدب ( ) كذي الساق أخطأها اجلابر ... نهضا هبا لم يكد إذا رام (

وأعود إىل الغرض فإذا بلغ من دقة هذه املعاين أن يشتبه األمر فيها على مثل خلف األمحر وابن شربمة وحىت وما تعجبك من أن يكثر يشتبه على ذي الرمة يف صواب قاله فريى أنه غري صواب فما ظنك بغريهم

: - الرجز -التخليط فيه ومن العجب يف هذا املعىن قول أيب النجم ) علي ذنبا كله لم أصنع ... قد أصبحت أم اخليار تدعي (

ز عند الضرورة من غري أن كانت به يف شيء إمنا جيو" كل " قد حمله اجلميع على أنه أدخل نفسه من رفع وإذا تأملت . ما يكسر له وزنا أو يمنعه من معنى أراده " كل " ألنه ليس يف نصب : قالوا . ضرورة

وذاك أنه . ريد وجدته مل يرتكبه ومل حيمل نفسه عليه إال حلاجة له إىل ذلك وإال ألنه رأى النصب مينعه ما يوالنصب مينع من هذا . أراد أهنا تدعي عليه ذنبا مل يصنع منه شيئا البتة ال قليال وال كثريا وال بعضا وال كال

وذلك أنا إذا تأملنا وجدنا إعمال الفعل يف . املعىن ويقتضي أن يكون قد أتى من الذنب الذي ادعته بعضه

مل ألق كل : تقول . لفعل منفي ال يصلح أن يكون إال حيث يراد أن بعضا كان وبعضا مل يكن وا" كل " وأخذت بعضا من . القوم ومل آخذ كل الدراهم فيكون املعىن أنك لقيت بعضا من القوم ومل تلق اجلميع

. واحدا من القوم ومل تأخذ شيئا من الدراهم وال يكون أن تريد أنك مل تلق. الدراهم وتركت الباقي وإذا نظرت وجدته قد اجتلب ألن يفيد . يف اإلثبات وتتعرف فائدته فيه " كل " وتعرف ذلك بأن تنظر إىل

القوم كلهم جاءين: تفسري ذلك أنك إمنا قلت . الشمول يف الفعل الذي تسنده إىل اجلملة أو توقعه هبا جاءين القوم وسكت لكان جيوز أن يتوهم السامع أنه قد ختلف عنك بعضهم إال أنك مل : ألنك لو قلت

تعتد هبم أو أنك جعلت الفعل إذا وقع من بعض القوم فكأنما وقع من اجلميع لكونهم يف حكم الشخص وهكذا احلكم أبدا . فعلتم وصنعتم يراد فعل قد كان من بعضهم أو واحد منهم : الواحد كما يقال للقبيلة

رأيت القوم كلهم ومررت بالقوم كلهم كنت قد جئت بكل لئال يتوهم أنه قد بقي عليك من : فإذا قلت . يفيد الشمول أن سبيله يف ذلك سبيل الشيء يوجب :ينبغي أن يعلم أنا ال نعين بقولنا . مل تره ومل تمر به

كيف . ملا عقل الشمول ومل يكن فيما سبق من اللفظ دليل عليه " كل " املعىن من أصله وأنه لوال مكان

عمال على فاملعىن أنه مينع أن يكون اللفظ املقتضي الشمول مست. ولو كان كذلك مل يكن يسمى تأكيدا خالف ظاهره ومتجوزا فيه

وإذ قد عرفت ذلك فها هنا أصل وهو أنه من حكم النفي إذا دخل على كالم مث كان يف ذلك الكالم تقييد أتاين : تفسري ذلك أنك إذا قلت . على وجه من الوجوه أن يتوجه إىل ذلك التقييد وأن يقع له خصوصا

كان نفيه ذلك متوجها إىل االجتماع الذي هو تقييد يف . مل يأتك القوم جمتمعني : فقال قائل . القوم جمتمعني إهنم مل يأتوك : اإلتيان دون اإلتيان نفسه حىت إنه إن أراد أن ينفي اإلتيان من أصله كان من سبيله أن يقول

وإذا كان هذا حكم النفي إذا دخل على . هذا مما ال يشك فيه عاقل " جمتمعني " أصال فما معىن قولككالم فيه تقييد فإن التأكيد ضرب من التقييد فمىت نفيت كالما فيه تأكيد فإن نفيك ذلك يتوجه إىل التأكيد

خصوصا ويقع له و لم يأتين القوم كلهم أو مل يأتين كل القوم أو مل أر كل القوم كنت عمدت مل أر القوم كلهم أ: فإذا قلت

وإذا كان . مل يأتين القوم جمتمعني : يف قولك " جمتمعني " خاصة وكان حكمه حكم " كل " بنفيك إىل معىن : النفي يقع لكل خصوصا فواجب إذا قلت

مل يأتين القوم : كما جيب إذا قلت . كلهم أو مل يأتين كل القوم أن يكون قد أتاك بعضهم مل يأتين القوممل يأتين القوم جمتمعني وأنت تريد أهنم مل : وكما يستحيل أن تقول . جمتمعني أن يكونوا قد أتوك أشتاتا

مل يأتين القوم كلهم وأنت تريد أنهم مل يأتوك : تقول كذلك حمال أن . يأتوك أصال ال جمتمعني وال منفردين أصال فاعرفه

واعلم أنك إذا نظرت وجدت اإلثبات كالنفي فيما ذكرت لك ووجدت النفي قد احتذاه فيه وتبعه وذلك يتوجه إليه إثباتك بداللة أن املعىن هذا والذي . فائدة خربك " كل " جاءين القوم كلهم كان : أنك إذا قلت

وذلك " الكل " على أن الشك مل يقع يف نفس اجمليء أنه كان من القوم على اجلملة وإنما وقع يف مشوله الذي عناك أمره يف كالمك

ىن للشيء إال كان الغرض اخلاص من ومجلة األمر أنه ما من كالم كان فيه أمر زائد على جمرد إثبات املعجاءين زيد راكبا وما جاءين زيد راكبا كنت قد : فإذا قلت . الكالم والذي يقصد إليه ويزجى القول فيه

هذا ما ال سبيل إىل. وضعت كالمك ألن تثبت جميئه راكبا أو تنفي ذلك ال ألن تثبت اجمليء وتنفيه مطلقا الشك فيه

مل أر القوم كلهم على معىن أنك مل تر واحدا : واعلم أنه يلزم من شك يف هذا فتوهم أنه جيوز أن تقول ال تضرب القوم كلهم على معىن ال تضرب واحدا منهم وأن : منهم أن يجري النهي هذا املجرى فتقول

فإذا قال ذلك لزمه أن يحيل قول . على معىن ال تضرب واحدا منهما : ا ال تضرب الرجلني كليهم: تقول وال تأخذمها مجيعا ولكن واحدا منهما وكفى بذلك فسادا . ال تضربهما معا ولكن اضرب أحدمها : الناس

ن الذنب بعضا وترك بعضا وإذ قد بان لك من حال النصب أنه يقتضي أن يكون املعىن على أنه قد صنع م. فاعلم أن الرفع على خالف ذلك وأنه يقتضي نفي أن يكون قد صنع منه شيئا وأتى منه قليال أو كثريا

كلهم ال يأتيك وكل ذلك ال يكون وكل هذا ال حيسن كنت نفيت أن يأتيه واحد منهم : وأنك إذا قلت الطويل - ومما يشهد لك بذلك من الشعر قوله من . حسن شيء مما أشرت إليه وأبيت أن يكون أو ي

) وال المرئ عما قضى اهللا مزحل ... فكيف وكل ليس يعدو حمامه ( وليس يعدو كل محامه فأخرت فكيف: ولو قلت . املعىن على نفي أن يعدو أحد من الناس حمامه بال شبهة

. إن من الناس من يسلم من احلمام ويبقى خالدا ال ميوت : ألفسدت املعىن وصرت كأنك تقول " كال " : -الطويل - ومثله قول دعبل من

) رمتين وكل عندنا ليس باملكدي ... فواهللا ما أدري بأي سهامها ( ) ألتهم عينيها مع الفاحم اجلعد ... أباجليد أم مجرى الوشاح وإنني (

ومن البين يف ذلك ما جاء يف حديث ذي . املعىن على نفي أن يكون يف سهامها مكد على وجه من الوجوه : فقال ذو اليدين " . كل ذلك مل يكن : " اهللا فقال أقصرت الصالة أم نسيت يا رسول: اليدين قال للنيب

ال حمالة على نفي األمرين مجيعا وعلى أنه عليه السالم أراد أنه مل يكن واحد : املعىن . بعض ذلك قد كان بعضه لم يكن كل ذلك لكان املعىن أنه قد كان: ولو قيل . منهما ال القصر وال النسيان

. مل يأتين القوم كلهم ومل أر القوم كلهم : حنو " كل " واعلم أنه ملا كان املعىن مع إعمال الفعل املنفي يف ومل أر . مل يأتين القوم كلهم ولكن أتاين بعضهم : على أن الفعل قد كان من البعض ووقع على البعض قلت

فلو قلت . باالبتداء " كل " وال يكون ذلك مع رفع . ن رأيت بعضهم فأثبت بعد ما نفيت القوم كلهم ولكوكل ذلك مل يكن ولكن كان بعض ذلك مل يجز ألنه يؤدي إىل . كلهم مل يأتين ولكن أتاين بعضهم :

التناقض

بعضهم مل يأتين واحد منهم ولكن أتاين : وهو أن تقول وإنما التأثري ألمر آخر وهو . واعلم أنه ليس التأثري لما ذكرنا من إعمال الفعل وترك إعماله على احلقيقة

وإمنا علقنا احلكم يف البيت وسائر ما مضى بإعمال الفعل . دخول كل يف حيز النفي وأن ال يدخل فيه ن حيث كان إعماله فيه يقتضي دخوله يف حيز النفي وترك عماله يوجب خروجه منه من وترك إعماله م

ال أن كونه معموال للفعل وغري " مل " حيث كان احلرف النايف يف البيت حرفا ال ينفصل عن الفعل وهو في يتصور انفصاله عن الفعل لرأيت أفال ترى أنك لو جئت حبرف ن. معمول يقتضي ما رأيت من الفرق

: - البسيط -مع ترك إعمال الفعل مثله مع إعماله ومثال ذلك قوله " كل " املعىن يف ... ) ما كل ما يتمىن املرء يدركه (

: - البسيط - وقول اآلخر ... ) ما كل رأي الفىت يدعو إىل رشد ( مث إن املعىن مع ذلك " . ما " ترى غري معمل فيه الفعل ومرفوع إما باالبتداء وإما بأنه اسم كما " كل "

ما يدرك املرء كل ما يتمناه وما يدعو كل رأي الفىت إىل : على ما يكون عليه إذا أعملت فيه الفعل فقتل : يف هذا فقلت " كال " ولو قدمت . ذلك حاصل يف احلالني رشد وذلك أن التأثري لوقوعه يف حيز النفي و

إن املرء : كل ما يتمىن املرء ال يدركه وكل رأي الفىت ال يدعو إىل رشد لتغري املعىن ولصار مبنزلة أن يقال من الوجوه ال يدرك شيئا مما يتمناه وال يكون يف رأي الفىت ما يدعو إىل رشد بوجه

واعلم أنك إذا أدخلت كال يف حيز النفي وذلك بأن تقدم النفي عليه لفظا أو تقديرا فاملعىن على نفي وإذا أخرجت كال يف حيز . الشمول دون نفي الفعل والوصف نفسه

ك تتبعت اجلملة فنفيت الفعل والوصف عنها النفي ومل تدخله فيه ال لفظا وال تقديرا كان املعىن على أنوالعلة يف أن كان ذلك كذلك أنك إذا بدأت بكل كنت قد بنيت النفي عليه وسلطت . واحدا واحدا

فه في فاعروإعمال معىن الكلية يف النفي يقتضي أن ال يشذ شيء عن الن. الكلية على النفي وأعملتها فيه واعلم أن من شأن الوجوه والفروق أن ال يزال يحدث بسببها وعلى حسب األغراض واملعاين اليت تقع فيها

. دقائق وخفايا ال إىل حد وهناية وأنها خفايا تكتم أنفسها جهدها حىت ال ينتبه ألكثرها وال يعلم أهنا هي ترى العالم يعرض له السهو فيه وحىت إنه ليقصد إىل الصواب فيقع أثناء كالمه ما يوهم وحتى ال تزال

اخلطأ وكل ذلك لشدة اخلفاء وفرط الغموض

فصل يف وجوب تنكري بعض املفردات

عليه حتى ال يشكل وحىت ال يحتاج يف واعلم أنه إذا كان بينا يف الشيء أنه ال يحتمل إال الوجه الذي هووإمنا تكون املزية وجيب الفضل إذا احتمل يف . العلم بأن ذلك حقه وأنه الصواب إىل فكر وروية فال مزية

اآلخر ورأيت للذي ظاهر احلال غري الوجه الذي جاء عليه وجها آخر مث رأيت النفس تنبو عن ذلك الوجه جاء عليه حسنا وقبوال يعدمهما إذا أنت تركته إىل الثاين

ليس خباف أن لتقدمي الشركاء حسنا وروعة ومأخذا ) وجعلوا هللا شركاء اجلن : ( ومثال ذلك قوله تعاىل وجعلوا اجلن شركاء هللا وأنك ترى حالك حال : من القلوب أنت ال جتد شيئا منه إن أنت أخرت فقلت

من نقل عن الصورة املبهجة واملنظر الرائق واحلسن الباهر إىل الشيء الغفل الذي ال تحلى منه بكثري طائل ومعىن . فة والسبب يف أن كان ذلك كذلك هو أن للتقدمي فائدة شري. وال تصري النفس به إىل حاصل بيانه أنا وإن كنا نرى مجلة املعىن وحمصوله أنهم جعلوا اجلن شركاء . جليال ال سبيل إليه مع التأخري

وعبدوهم مع اهللا تعاىل وكان هذا املعىن حيصل مع التأخري حصوله مع التقدمي فإن تقدمي الشركاء يفيد هذا وإذا أخر . ر وهو أنه ما كان ينبغي أن يكون هللا شريك ال من اجلن وال غري اجلن املعىن ويفيد معه معىن آخ

جعلوا اجلن شركاء هللا مل يفد ذلك ومل يكن فيه شيء أكثر من اإلخبار عنهم بأهنم عبدوا اجلن مع اهللا : فقيل يكون له شريك من اجلن وغري اجلن فال يكون يف اللفظ مع فأما إنكار أن يعبد مع اهللا غريه وأن. تعاىل

" هللا " مفعول أول جلعل و " شركاء " وذلك أن التقدير يكون مع التقدمي أن . تأخري الشركاء دليل عليه ن جعلوا شركاء على كالم ثان على تقدير أنه كأنه قيل فم" اجلن " يف موضع املفعول الثاين ويكون

يف موضع املفعول الثاين وقع " هللا " أنه مفعول أول و " شركاء " اجلن وإذا كان التقدير يف : اهللا تعاىل فقيل اإلنكار على كون شركاء اهللا تعاىل على اإلطالق من غري اختصاص شيء دون شيء وحصل من ذلك أن

اجلن قد دخل يف اإلنكار دخول اتخاذه من اجلن ألن الصفة إذا ذكرت جمردة غري اختاذ الشريك من غير مجراة على شيء كان الذي تعلق هبا من النفي عاما يف كل ما جيوز أن تكون له تلك الصفة

وحكم . لدار عن كل من يكون الكرم صفة له ما يف الدار كرمي كنت نفيت الكينونة يف ا: فإذا قلت الشركاء " مفعوال أول و " اجلن " وجعلوا اجلن شركاء هللا كان : وإذا أخر فقيل . اإلنكار أبدا حكم النفي

ري خربا خمصوصا غري مطلق من حيث كان محاال أن جي" الشركاء " وإذا كان كذلك كان . مفعوال ثانيا " على اجلن مث يكون عاما فيهم ويف غريهم وإذا كان كذلك احتمل أن يكون القصد باإلنكار إىل اجلن

خصوصا أن يكونوا شركاء دون غريهم جل اهللا وتعاىل عن أن يكون له شريك وشبيه حبال شركاء واعتربه فإنه ينبهك لكثري من األمور ويدلك فانظر اآلن إىل شرف ما حصل من املعىن بأن قدم ال

على عظم شأن النظم وتعلم به كيف يكون اإلجياز به وما صورته وكيف يزاد يف املعىن من غري أن يزاد يف عىن ما إن حاولت مع تركه اللفظ إذ قد ترى أن ليس إال تقدمي وتأخري وأنه قد حصل لك بذلك من زيادة امل

وجعلوا اجلن شركاء هللا وما ينبغي أن يكون : مل حيصل لك واحتجت إىل أن تستأنف له كالما حنو أن تقول مث ال يكون له إذا عقل من كالمني من الشرف والفخامة ومن كرم . هللا شريك ال من اجلن وال من غريهم

قع يف النفس ما جتده له اآلن وقد عقل من هذا الكالم الواحد املوإذا أنت راجعت نفسك ) . ولتجدنهم أحرص الناس على حياة : ( ومما ينظر إىل مثل ذلك قوله تعاىل

قل على احلياة حسنا وروعة ولطف موقع ومل ي" على حياة " وأذكيت حسك وجدت هلذا التنكري وأن قيل والسبب يف ذلك . وجتدك تعدم ذلك مع التعريف وخترج عن األرحيية واألنس إىل خالفهما . ال يقادر قدره

أن املعىن على االزدياد من

فأما العادم للحياة فال يصح منه احلرص على . احلياة ال احلياة من أصلها وذلك ال حيرص عليه إال احلي ولتجدنهم أحرص الناس ولو عاشوا ما عاشوا : وإذا كان كذلك صار كأنه قيل . احلياة وال على غريها

ن فكما أنك ال تقول هاهنا أ. على أن يزدادوا إىل حياتهم يف ماضي الوقت وراهنه حياة يف الذي يستقبل يزدادوا إىل حياتهم احلياة بالتعريف وإمنا تقول حياة إذ كان التعريف يصلح حيث تراد احلياة على اإلطالق

كذلك احلكم يف اآلية . كل أحد حيب احلياة ويكره املوت : كقولنا ه إذا كان موجودا حال وصفك له والذي ينبغي أن يراعى أن املعىن الذي يوصف اإلنسان باحلرص علي

كيف وال حيرص على الراهن وال املاضي وإمنا . باحلرص عليه مل يتصور أن جتعله حريصا عليه من أصله يكون احلرص على ما مل يوجد بعد

وذلك أن ) . م يف القصاص حياة ولك: ( يف هذه اآلية تنكريها يف قوله عز وجل " احلياة " وشيبه بتنكري السبب يف حسن التنكري وأن مل حيسن التعريف أن ليس املعىن على احلياة نفسها ولكن على أنه ملا كان

بقتله يف اإلنسان إذا علم أنه إذا قتل قتل ارتدع بذلك عن القتل فسلم صاحبه صارت حياة هذا املهموم

مستأنف الوقت مستفادة بالقصاص وصار كأنه قد حيي يف باقي عمره به أي بالقصاص وإذا كان املعىن على حياة يف بعض أوقاته وجب التنكري وامتنع التعريف من حيث كان التعريف يقتضي أن

ون القصاص قد كان سببا يف كونها يف كافة األوقات تكون احلياة قد كانت بالقصاص من أصلها وأن يكلك يف هذا غنى فتنكر إذا أردت أن جتعل : وذلك خالف املعىن وغري ما هو املقصود ويبين ذلك أنك تقول

لك يف الغىن كان الظاهر أنك جعلت غناه به : فإن قلت . ذلك من بعض ما يستغىن به ليس بواجب أن ال يكون إنسان يف الدنيا إال . آخر وهو أنه ال يكون ارتداع حىت يكون هم وإرادة وأمر

وإذا مل يجب ذلك فمن مل يهم إنسان بقتله فكفي ذلك اهلم . وله عدو يهم بقتله مث يردعه خوف القصاص وال يقال " حياة " وإذا دخل اخلصوص فقد وجب أن يقال . بالقصاص خلوف القصاص ليس هو ممن حيي

" شفاء " كما وجب أن يقال " احلياة "

حيث مل ) يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس : ( يف قوله تعاىل " الشفاء " وال يقال يكن شفاء للجميع

لم أنه ال يتصور أن يكون الذي هم بالقتل فلم يقتل خوف القصاص داخال يف اجلملة وأن يكون واعوذلك أن هذه احلياة إنما هي ملن كان يقتل لوال القصاص . القصاص أفاده حياة كما أفاد املقصود قتله

يف وصفه ما هو كالضد هلذا وهو أن يقال إنه كان ال يخاف فإمنا يصح. وذلك حمال يف صفة القاصد للقتل عليه القتل لوال القصاص وإذا كان هذا كذلك كان وجها ثالثا من وجوب لتنكري

فصل يف الذوق واملعرفة

يكون من أهل الذوق واعلم أنه ال يصادف القول يف هذا الباب موقعا من السامع وال يجد لديه قبوال حىتواملعرفة وحىت يكون ممن حتدثه نفسه بأن ملا يومىء إليه من احلسن واللطف أصال وحىت خيتلف احلال عليه

وحىت إذا عجبته عجب وإذ نبهته ملوضع املزية . عند تأمل الكالم فيجد األرحيية تارة ويعرى منها أخرى أما من كانت احلاالن والوجهان عنده أبدا على سواء وكان ال يفقه من أمر النظم إال الصحة املطلقة ف. انتبه

فليكن من هذه صفته عندك مبنزلة من عدم اإلحساس . وإال إعرابا ظاهرا فما أقل ما يجدي الكالم معه بع الذي مييز صحيحه من مكسوره ومزاحفه من سامله وما خرج بوزن الشعر والذوق الذي يقيمه به والط

من البحر مما مل خيرج منه يف أنك ال تتصدى له وال

فليكن قدحك يف زند وار . تتكلف تعريفه لعلمك أنه قد عدم األداة اليت معها يعرف واحلاسة اليت هبا يجد ت تطمع منه يف نار واحلك يف عود أن

واعلم أن هؤالء وإن كانوا هم اآلفة العظمى يف هذا الباب فإن من اآلفة أيضا من زعم أنه ال سبيل إىل معرفة العلة يف قليل ما تعرف املزية فيه وكثريه وأن ليس إال أن تعلم أن هذا التقدمي وهذا التنكري أو هذا

فأما أن تعلم لم كان كذلك وما . وأن له موقعا من النفس وحظا من القبول . أو هذا الفصل حسن العطف

السبب فمما ال سبيل إليه وال مطمع يف االطالع عليه فهو بتوانيه والكسل فيه يف حكم من قال ذلك وأن تعرف العلة والسبب فيما ميكنك . وجب ترك النظر يف الكل واعلم أنه ليس إذا مل يمكن معرفة الكل

معرفة ذلك فيه وإن قل فتجعله شاهدا فيما مل تعرف أحرى من أن تسد باب املعرفة على نفسك وتأخذها على ألسنة الناس وله وكالم كثري قد جرى: " قال اجلاحظ . عن الفهم والتفهم وتعودها الكسل واهلويىن

فلو أن علماء كل : قال . مل يدع األول لآلخر شيئا : فمن أضر ذلك قولهم . مضرة شديدة وثمرة مرة " عصر مذ جرت هذه الكلمة يف أمساعهم تركوا االستنباط لما مل ينته إليهم عمن قبلهم لرأيت العلم مختال

واعلم أن العلم إمنا هو معدن فكما أنه ال مينعك أن ترى ألف وقر قد أخرجت من معدن تبر أن تطلب فيه وأن تأخذ ما جتد ولو كقدر تومة كذلك ينبغي أن يكون رأيك يف طلب العلم ومن اهللا تعاىل نسأل التوفيق

فيما تقدم فصل هذا فن من اجملاز مل نذكرهاعلم أن طريق اجملاز واالتساع يف الذي ذكرناه قبل أنك ذكرت الكلمة وأنت ال تريد معناها ولكن تريد

وإذ قد عرفت ذلك . فتجوزت بذلك يف ذات الكلمة ويف اللفظ نفسه . معىن ما هو ردف له أو شبيه ا السبيل وهو أن يكون التجوز يف حكم جيري على الكلمة فقط فاعلم أن يف الكالم جمازا على غري هذ

. وتكون الكلمة متروكة على ظاهرها ويكون معناها مقصودا يف نفسه ومرادا من غري تورية وال تعريض فما ربحت تجارتهم ( : وقوله تعاىل " . هنارك صائم وليلك قائم ونام ليلي وجتلى مهي : " واملثال فيه قولهم

: - الطويل -وقول الفرزدق ) ) عالطا وال مخبوطة يف املالغم ... سقتها خروق يف املسامع لم تكن (

أنت ترى جمازا يف هذا كله ولكن ال يف ذوات الكلم وأنفس األلفاظ ولكن يف أحكام أجريت عليها أفال يف نفس صائم وقائم ولكن يف أن أجريتهما " هنارك صائم وليلك قائم : " مل تتجوز يف قولك ترى أنك

وكذلك ليس اجملاز . خربين على النهار والليل

" سقتها خروق : " وهكذا احلكم يف قوله . نفسها ولكن يف إسنادها إىل التجارة " رحبت " يف اآلية يف لفظه أفال ترى أنك ال ترى شيئا منها إال وقد . ولكن يف أن أسنده إىل اخلروق " سقتها " لتجوز يف نفس ليس ا

" أريد به معناه الذي وضع له على وجهه وحقيقته فلم يرد بصائم غري الصوم وال بقائم غري القيام وال ب : -الطويل -يف قوله " سالت " كما أريد ب غري السقي" سقت " غري الربح وال ب " رحبت

... ) وسالت بأعناق املطي األباطح ( غري السيل

واعلم أن الذي ذكرت لك يف اجملاز هناك من أن من شأنه أن يفخم عليه املعىن وحتدث فيه النباهة قائم لك : -الرجز -أن ليس حال املعىن وموقعه يف قوله فليس يشتبه على عاقل. مثله هاهنا

... ) فنام ليلي وجتلى همي ( رأيت : فنمت يف ليلي وجتلى مهي كما مل يكن احلال يف قولك : كحاله وموقعه إذا أنت تركت اجملاز وقلت

فما : ( ع املزية وصورة الفرقان بني قوله تعاىل ومن ذا الذي يخفى عليه مكان العلو وموض. رجال كاألسد

" فما رحبوا يف جتارتهم : " وبني أن يقال ) رحبت جتارتهم : -الكامل -وإن أردت أن تزداد لألمر تبينا فانظر إىل بيت الفرزدق

) لسواعد أرعل ضرب تطري له ا... يحمي إذا اخترط السيوف نساءنا (

حنمي إذا اخترط : " مث ارجع إىل الذي هو احلقيقة وقل . وإىل رونقه ومائه وإىل ما عليه من الطالوة مث اسبر حالك هل ترى مما كنت تراه شيئا " السيوف نساءنا بضرب تطري له السواعد أرعل

ته كنز من كنوز البالغة ومادة الشاعر املفلق والكاتب البليغ يف اإلبداع وهذا الضرب من اجملاز على حدوأن جتيء بالكالم مطبوعا مصنوعا وأن يضعه بعيد املرام قريبا من . واإلحسان واالتساع يف طرق البيان

يب الشوق إىل لقائك وسار يب احلنني إىل أتى : " وال يغرنك من أمره أنك ترى الرجل يقول . األفهام وأشباه ذلك مما جتده لسعته وشهرته يجري مجرى احلقيقة اليت " رؤيتك وأقدمين بلدك حق يل على إنسان

ال يشكل أمرها فليس هو كذلك أبدا بل يدق ويلطف حىت ميتنع مثله إال على الشاعر املفلق والكاتب البليغ وحىت يأتيك بالبدعة مل تعرفها والنادرة تأنق هبا

فكما أن من . ومجلة األمر أن سبيله سبيل الضرب األول الذي هو جماز يف نفس اللفظ وذات الكلمة . ه سيفا ماضيا رأيت أسدا ووردت حبرا وشاهدت بدرا وسل من رأي: االستعارة والتمثيل عاميا مثل

: وخاصيا ال يكمل له كل أحد مثل قوله ... ) وسالت بأعناق املطي األباطح (

كذلك األمر يف هذا اجملاز احلكمي واعلم أنه ليس بواجب يف هذا أن يكون للفعل فاعل يف التقدير إذا أنت نقلت الفعل إليه عدت به إىل

نحمي نساءنا " : حيمي نساءنا ضرب " رحبوا يف جتارتهم ويف ) : رحبت جتارتهم ( ثل أن تقول يف احلقيقة مأقدمين بلدك حق : أال ترى أنه ال ميكنك أن تثبت للفعل يف قولك . بضرب فإن ذلك ال يتأتى يف كل شيء

: - جمزوء الوافر - قوله فاعال سوى احلق وكذلك ال تستطيع يف: يل على إنسان ) لحيين يضرب املثل ... وصيرين هواك ويب (

: - جمزوء الوافر - وقوله ) إذا ما زدته نظرا ... يزيدك وجهه حسنا (

حيمي " و " جتارهتم رحبت " أن تزعم أن لصيرين فاعال قد نقل عنه الفعل فجعل للهوى كما فعل ذلك يف . يزيدك وجهه فاعال غري الوجه : يف قوله " يزيد " وال تستطيع كذلك أن تقدر ل " نساءنا ضرب

معىن ذلك أن القدوم . فاالعتبار إذا بأن يكون املعىن الذي يرجع إليه الفعل موجودا يف الكالم على حقيقته وصيرين هواك : ن موجود على احلقيقة وكذلك الصيرورة يف قوله أقدمين بلدك حق على إنسا: يف قولك

وإذا كان معىن اللفظ موجودا على احلقيقة مل . موجودتان على احلقيقة " يزيدك وجهه : " والزيادة يف قوله فاعرف هذه اجلملة وأحسن .وإذا مل يكن اجملاز يف نفس اللفظ كان ال حمالة يف احلكم . يكن اجملاز فيه نفسه

ضبطها حىت تكون على بصرية من األمر

: - الوافر -ومن اللطيف يف ذلك قول حاجز بن عوف ) وعمي مالك وضع السهاما ... أيب عبر الفوارس يوم داج ( ) ئة الغالما إذا لم تغبق امل... فلو صاحبتنا لرضيت عنا (

يريد إذا كان العام عام جدب وجفت ضروع اإلبل وانقطع الدر حىت إن جلب منها مئة مل يحصل من لبنها فالفعل الذي هو غبق مستعمل يف نفسه على حقيقته غري مخرج عن معناه . ما يكون غبوق غالم واحد

وإمنا اجملاز يف أن أسند إىل اإلبل وجعل فعال هلا . فيكون قد دخله جماز يف نفسه . يء آخر وأصله إىل معىن ش وإسناد الفعل إىل الشيء حكم يف الفعل وليس هو نفس معىن الفعل فاعرفه .

از احلكمي بسهولة بل واعلم أن من سبب اللطف يف ذلك أنه ليس كل شيء يصلح ألن يتعاطى فيه هذا اجمل جتدك يف كثري من األمر وأنت حتتاج إىل أن هتيىء الشيء

: -الطويل -وإن أردت مثاال يف ذلك فانظر إىل قوله . وتصلحه لذلك بشيء تتوخاه يف النظم ) ر بأسجح مرقال الضحى قلق الضف... تناس طالب العامرية إذ نأت ( ) شواة األفاعي يف مثلمة سمر ... إذا ما أحسته األفاعي تميزت ( ) زجاجة شرب غري مألى وال صفر ... تجوب له الظلماء عني كأنها (

ولوالها لكانت . ها يصف جمال ويريد أنه يهتدي بنور عينه يف الظلماء وميكنه هبا أن خيرقها وميضي فيفأنت اآلن تعلم أنه لوال أنه . الظلماء كالسد واحلاجز الذي ال جيد شيئا يفرجه به ويجعل لنفسه فيه سبيال

إليها ولكان ال تتبين " جتوب " ملا صلحت العني ألن يسند " جتوب " ب " له " فعلق " جتوب له : " قال تجوب له الظلماء : وكذلك تعلم أنه لو قال مثال . فعال للعني كما ينبغي " جتوب " ز يف جعل جهة التجو

عينه مل يكن له هذا املوقع وال ضرب عليه معناه وانقطع السلك من حيث كان يعيبه حينئذ أن يصف العني مبا وصفها به اآلن ئة وهذا االستعداد يف هذا اجملاز احلكمي نظري أنك تراك يف االستعارة اليت فهذه التهي. فتأمل هذا واعتربه

هي جماز يف نفس الكلمة وأنت حتتاج يف األمر األكثر إىل أن متهد هلا وتقدم أو تؤخر ما يعلم به أنك مستعري : -طويل ال - أال ترى إىل قوله . ومشبه ويفتح طريق اجملاز إىل الكلمة

) على أرؤس األقران خمس سحائب ... وصاعقة من نصله تنكفي هبا ( عىن خبمس السحائب أنامله ولكنه مل يأت هبذه االستعارة دفعة ومل يرمها إليك بغتة بل ذكر ما ينىبء عنها

فبين أن تلك الصاعقة من نصل سيفه مث قال " من نصله : "ويستدل به عليها فذكر أن هناك صاعقة وقال " مخس : " مث قال " على أرؤس األقران : "

فذكر اخلمس اليت هي عدد أنامل اليد فبان من جمموع هذه األمور غرضه : - الرجز - وأنشدوا لبعض العرب

) أيماننا نريانا فإن يف... فإن تعافوا العدل واإلميانا ( وأن يف ذلك داللة " فإن تعافوا العدل واإلميان : " ولوال قوله أوال . يريد أن يف أمياننا سيوفا نضربكم هبا

ا جاز فإن يف أمياننا ملا عقل مراده ومل: على أن جوابه أهنم يحاربون ويقسرون على الطاعة بالسيف مث قوله يف أيديهم سيوف تلمع : " أن يستعري النريان للسيوف ألنه كان ال يعقل الذي يريد ألنا وإن كنا نقول

: -الكامل -كما قال " كأهنا شعل نار ) شعل على أيديهم تتلهب ... ناهضتهم والبارقات كأنها (

وإذا . أنه يريد الشجاعة " رأيت أسدا : " غ ما يعرف مع اإلطالق كمعرفتنا إذا قال فإن هذا التشبيه ال يبل أنه يريد احلسن وال يقوى تلك القوة فاعرفه " لقيت مشسا وبدرا : " قال

: -البسيط - ومما طريق اجملاز فيه احلكم قول اخلنساء ) فإنما هي إقبال وإدبار ... دكرت ترتع ما رتعت حتى إذا ا(

وإمنا جتوزت يف أن . وذاك أهنا مل ترد باإلقبال واإلدبار غري معناهما فتكون قد جتوزت يف نفس الكلمة ا قد جتسمت من جعلتها لكثرة ما تقبل وتدبر ولغلبة ذاك عليها واتصاله هبا وأنه مل يكن هلا حال غريمها كأهن

وإنما كان يكون اجملاز يف نفس الكلمة لو أهنا كانت قد استعارت اإلقبال واإلدبار ملعىن . اإلقبال واإلدبار ومعلوم أن ليس االستعارة مما أرادته يف شيء . غري معناهما الذي وضعا له يف اللغة

ذا على اإلطالق معد ما حذف منه املضاف وأقيم املضاف إليه مقامه مثل واعلم أن ليس بالوجه أن يعد ه : - املتقارب - ومثل قول النابغة اجلعدي ) وأسأل القرية : ( قوله عز وجل

) خاللته كأيب مرحب ... وكيف تواصل من أصبحت ( : -الوافر - وقول األعرايب

) وما هي ويب غيرك بالعناق ... سبت بغام راحليت عناقا ح( فإمنا هي ذات إقبال وإدبار " إنه يف تقدير : وإن كنا نراهم يذكرونه حيث يذكرون حذف املضاف ويقولون

اد يف املعىن كمثل أن ذاك ألن املضاف احملذوف من حنو اآلية والبيتني يف سبيل ما يحذف من اللفظ وير" حيذف خرب املبتدأ أو املبتدأ إذا دل الدليل عليه إىل سائر ما إذا حذف كان يف حكم املنطوق به وليس األمر

" فإمنا هي ذات إقبال وإدبار : " كذلك يف بيت اخلنساء ألنا إذا جعلنا املعىن فيه اآلن كاملعىن إذا حنن قلنا وكان سبيلنا سبيل من . الشعر على أنفسنا وخرجنا إىل شيء مغسول وإىل كالم عامي مرذول أفسدنا

: -الوافر - يزعم مثال يف بيت املتنيب ) وفاحت عنبرا ورنت غزاال ... بدت قمرا ومالت خوط بان (

بدت مثل قمر ومالت مثل خوط بان وفاحت مثل : إذا قلت أنه يف تقدير حمذوف وأن معناه اآلن كاملعىنعنرب ورنت مثل غزال يف أنا خنرج إىل الغثاثة وإىل شيء يعزل البالغة عن سلطاهنا وخيفض من شأهنا ويصد

تقدير املضاف يف هذا على فالوجه أن يكون. بأوجهنا عن حماسنها ويسد باب املعرفة هبا وبلطائفها علينا معىن أنه لو كان الكالم قد جىء به على ظاهره ومل يقصد إىل الذي ذكرنا من املبالغة واالتساع وأن تجعل

الناقة كأهنا قد صارت جبملتها إقباال وإدبارا حىت كأهنا قد تجسمت منهما لكان حقه حينئذ أن يجاء فيه فأما أن يكون الشعر اآلن موضوعا على إرادة ذلك وعلى . إمنا هي ذات إقبال وإدبار : ذات فيقال بلفظ ال

: تنزيله منزلة املنطوق به حىت يكون احلال فيه كاحلال يف ... ) حسبت بغام راحليت عناقا (

مما ال مساغ له عند من كان صحيح . حليت بغام عناق حسبت بغام را: حني كان املعىن والقصد أن يقول الذوق صحيح املعرفة نسابة للمعاين

فصل يف هتور بعض املفسرين قوله . هذه مسألة قد كنت عملتها قدميا وقد كتبتها هاهنا ألن هلا اتصاال هبذا الذي صار بنا القول إليه

أي ملن كان أعمل قلبه فيما خلق القلب له من التدبر ) ى لمن كان له قلب إن يف ذلك لذكر: ( تعاىل فهذا على أن يجعل الذي ال يعي وال يسمع وال ينظر وال يتفكر . والتفكر والنظر فيما ينبغي أن ينظر فيه

كما جعل الذي . لذي هو فائدة القلب واملطلوب منه كأنه قد عدم القلب من حيث عدم االنتفاع به وفاته اال ينتفع ببصره ومسعه وال يفكر فيما يؤديان إليه وال حيصل من رؤية ما يرى وسماع ما يسمع على فائدة

مبنزلة من ال سمع له وال بصر منا يصح على أن يكون قد أراد الداللة على فإنه إ" من كان له عقل " فأما تفسري من يفسره على أنه مبعىن

فأما أن يؤخذ به على هذا الظاهر حىت كأن القلب اسم للعقل كما يتوهمه أهل . الغرض على اجلملة احلشو ومن ال يعرف خمارج الكالم فمحال باطل ألنه يؤدي إىل إبطال الغرض من اآلية وإىل حتريف الكالم

وذاك أن املراد به احلث على النظر والتقريع على تركه وذم من يخل . ن صورته وإزالة املعىن عن جهته عوال حيصل ذلك إال بالطريق الذي قدمته وإال بأن يكون قد جعل من ال يفقه بقلبه وال ينظر . به ويغفل عنه

وليس سبيل من فسر . جعل كأنه مجاد وكأنه ميت ال يشعر وال حيس وال يتفكر كأنه ليس بذي قلب كما يهذا بين ملن كانت له عين : " القلب هاهنا على العقل إال سبيل من فسر عليه العني والسمع يف قول الناس

لة على جمرد اجلهل وأجرى وفسر العمى والصمم واملوت يف صفة من يوصف باجلها" . وملن كان له مسع مجيع ذلك عل الظاهر فاعرفه

ومن عادة قوم ممن يتعاطى التفسري بغري علم أن يتوهموا أبدا يف األلفاظ املوضوعة على اجملاز والتمثيل أهنا م مبوضع البالغة على ظواهرها فيفسدوا املعىن بذلك ويبطلوا الغرض ومينعوا أنفسهم والسامع منهم العل

وناهيك هبم إذا هم أخذوا يف ذكر الوجوه وجعلوا يكثرون يف غري طائل هناك ترى ما . ومبكان الشرق ونسأل اهللا تعاىل العصمة والتوفيق . شئت من باب جهل قد فتحوه وزند ضاللة قد قدحوا به

فصل يف الكناية والتعريض

املسلم لطيف املأخذ وهو أنا نراهم كما يصنعون يف نفس الصفة بأن يذهبوا هبا هذا فن من القول دقيق وإذا فعلوا ذلك بدت هناك . كذلك يذهبون يف إثبات الصفة هذا املذهب . مذهب الكناية والتعريض

غة ال يكمل هلا ورأيت هناك شعرا شاعرا وسحرا ساحرا وبال. حماسن متأل الطرف ودقائق تعجز الوصف

وكما أن الصفة إذا مل تأتك مصرحا بذكرها مكشوفا عن وجهها . إال الشاعر املفلق واخلطيب املصقع كذلك إثباتك الصفة للشيء تثبتها له إذا مل . ولكن مدلوال بغريها كان ذلك أفخم لشأهنا وألطف ملكانها

وجئت إليه من جانب التعريض والكناية والرمز واإلشارة كان له من الفضل واملزية تلقه إىل السامع صرحيا ومن احلسن والرونق ما ال يقل قليله ال يجهل موضع الفضيلة فيه

وتفسري هذه اجلملة وشرحها أهنم يرومون وصف الرجل ومدحه وإثبات معنى من املعاين الشريفة له ويتوصلون يف . التصريح بذلك ويكنون عن جعلها فيه جبعلها يف شيء يشتمل عليه ويتلبس به فيدعون

ومثاله . اجلملة إىل ما أرادوا من اإلثبات ال من اجلهة الظاهرة املعروفة بل من طريق يخفى ومسلك يدق : -الكامل -قول زياد األعجم

) يف قبة ضربت على ابن احلشرج ... احة واملروءة والندى إن السم( : وبعده

) للمعتفين يمينه لم تشنج ... ملك أغر متوج ذو نائل ( ) بعد النبي املصطفى املتحرج ... يا خير من صعد املنابر بالتقى ( ) ألفيت باب نوالكم لم يرتج ... ا أتيتك راجيا لنوالكم مل(

فترك أن يصرح . أن يثبت هذه املعاين واألوصاف خالال للمدوح وضرائب فيه -كما ال خيفى - أراد وما شاكل " ورة عليه أو خمتصة به إن السماحة واملروءة والندى جمموعة يف ابن احلشرج أو مقص: " فيقول

وعدل إىل ما ترى من الكناية والتلويح فجعل . ذلك مما هو صريح يف إثبات األوصاف للمذكورين هبا فخرج كالمه بذلك إىل ما خرج إليه من . كونها يف القبة املضروبة عليه عبارة عن كوهنا فيه وإشارة إليه

ولو أنه أسقط هذه الواسطة من البيت ملا كان إال كالما غفال . ر فيه ما أنت ترى من الفخامة اجلزالة وظهفهذه الصنعة يف طريق اإلثبات هي نظري الصنعة يف املعاين إذا جاءت كنايات عن معان أخر . وحديثا ساذجا

: -الوافر - حنو قوله ) جبان الكلب مهزول الفصيل ... عيب فإني وما يك في من (

فكما أنه إنما كان من فاخر الشعر ومما يقع يف االختيار ألجل أن أراد أن يذكر نفسه بالقرى والضيافة فكن وكليب مؤدب ال قد عرف أن جنايب مألوف: عن ذلك جبنب الكلب وهزال الفصيل وترك أن يصرح فيقول

يهر يف وجوه من يغشاين من األضياف وأين أحنر املتايل من إبلي وأدع فصالها هزىل كذلك إمنا راقك بيت زياد ألنه كنى عن إثباته السماحة واملروءة والندى كائنة يف املمدوح جبعلها كائنة يف

من شأن الكناية الواقعة يف نفس الصفة أن جتيء على صورة خمتلفة وكما أن - هذا . القبة املضروبة عليه كذلك من شأهنا إذا وقعت يف طريق إثبات الصفة أن جتيء على هذا احلد مث يكون يف ذلك ما يتناسب كما

دح بن يزيد بن تفسري هذا أنك تنظر إىل قول يزيد بن احلكم مي. كان ذلك يف الكناية عن الصفة نفسها : - املنسرح - املهلب وهو يف حبس احلجاج

) واجملد وفضل الصالح واحلسب ... أصبح يف قيدك السماحة (

بان ج: " كما أنك تنظر إىل قوله . فتراه نظريا لبيت زياد وتعلم أن مكان القيد هاهنا هو مكان القبة هناك : - الطويل -فتعلم أنه نظري لقوله " الكلب

... ) زجرت كاليب أن يهر عقورها ( واستمر حىت أخرج الكلب . من حيث مل يكن ذلك اجلنب إال ألن دام منه الزجر

وتنظر إىل قوله . يعس دوهنا بذلك عما هو عادته من اهلرير والنبح يف وجه من يدنو من دار هو مرصد ألن فتعلم أنه نظري قول ابن هرمة " مهزول الفصيل : "

... ) ال أمتع العوذ بالفصال ( : - املتقارب - وتنظر إىل قول نصيب

) وغيرهم منن ظاهره ... لعبد العزيز على قومه ( ) ودارك مأهولة عامره ... وابهم فبابك أسهل أب( ) من األم باالبنة الزائره ... وكلبك آنس بالزائرين (

: -الطويل -فتعلم أنه من قول اآلخر ) يكلمه من حبه وهو أعجم ... يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبال (

" يزيد " و " زياد " ما قرابة شديدة ونسبا الصقا وأن صورتهما يف فرط التناسب صورة بيتي وأن بينهاجملد بين ثوبيه والكرم يف برديه وذلك أن قائل : ومما هو إثبات للصفة على طريق الكناية والتعريض قولهم

لممدوح بأن جيعلهما يف ثوبه الذي يلبسه كما توصل زياد إىل إثبات هذا يتوصل إىل إثبات اجملد والكرم ل - ومن ذلك قوله . السماحة واملروءة والندى البن احلشرج بأن جعلها يف القبة اليت هو جالس فيها

: - البسيط

... ) وحيثما يك أمر صاحل فكن ( : - تقارب امل - وما جاء يف معناه من قوله

) واملكرمات معا حيث صارا ... يصري أبان قرين السماح ( : - الطويل - وقول أيب نواس

) ولكن يصري اجلود حيث يصري ... فما جازه جود وال حل دونه ( كان الذي يكون فيه وإىل لزومها له بلزومها كل ذلك توصل إىل إثبات الصفة يف املمدوح بإثباهتا يف امل

: - الطويل - وهكذا إن اعتربت قول الشنفرى يصف امرأة بالعفة . املوضع الذي حيله ) إذا ما بيوت باملالمة حلت ... يبيت بمنجاة من اللوم بيتها (

بأن نفاه عن بيتها : أنه توصل إىل نفي اللوم عنها وإبعادها عنه وجدته يدخل يف معىن بيت زياد وذلكوكان مذهبه يف ذلك مذهب زياد يف التوصل إىل جعل السماحة واملروءة والندى يف ابن . وباعد بينه وبينه

وذلك فرق ال يف . يثبت وإنما الفرق أن هذا ينفي وذاك. احلشرج بأن جعلها يف القبة املضروبة عليه موضع اجلمع فهو ال مينع أن يكونا من نصاب واحد

ومما هو يف حكم املناسب لبيت زياد وأمثاله اليت ذكرت وإن كان قد أخرج يف صورة أغرب وأبدع قول : - الطويل - حسان رضي اهللا عنه

) علينا فأعيا الناس أن يتحوال ... اده بنى املجد بيتا فاستقرت عم( - الكامل - وقول البحتري

) يف آل طلحة ثم لم يتحول ... أو ما رأيت املجد ألقى رحله ( ذاك ألن مدار األمر على أنه جعل اجملد واملمدوح يف مكان وجعله يكون حيث يكون ( معىن هذا أن جعلهم . علم أنه ليس كل ما جاء كناية يف إثبات الصفة يصلح أن يحكم عليه بالتناسب وا

: -الطويل - اجلود والكرم واجملد يمرض بمرض املمدوح كما قال البحتري ) من اجملد اعتل عضو: وجدت وقلنا ... ظللنا نعود اجلود من وعكك الذي (

وإن كان يكون القصد منه إثبات اجلود واجملد للممدوح فإنه ال يصح أن يقال إنه نظري لبيت زياد كما قلنا : ذاك يف بيت أيب نواس

... ) ولكن يصري اجلود حيث يصري ( : وغريه مما ذكرنا أنه نظري له كما أنه ال جيوز أن يجعل قوله

... ) وكلبك أرأف بالزائرين ( مهزول الفصيلوإن كان الغرض منهما مجيعا الوصف بالقرى والضيافة وكانا مجيعا كنايتني : مثال نظريا لقوله

عن معنى واحد ألن تعاقب الكنايات على املعىن الواحد ال يوجب تناسبها ألنه يف عروض أن تتفق األشعار وقد جيتمع يف البيت الواحد كنايتان . كثرية يف كوهنا مدحا بالشجاعة مثال أو اجلود أو ما أشبه ذلك ال

املغزى منهما شيء واحد

: جبان الكلب نظريا لقوله : مثال ذلك أنه ال يكون قوله . مث ال تكون إحدامها يف حكم النظري لألخرى وكذلك قول ابن هرمة . من هاتني الكنايتني أصل بنفسه وجنس على حدة مهزول الفصيل بل كل واحدة

: - املنسرح - ) أبتاع إال قريبة األجل ... ال أمتع العوذ بالفصال وال (

ليس إحدى كنايتيه يف حكم النظري لألخرى وإن كان املكىن هبما عنه واحدا فاعرفه ومن لطيف ذلك ونادره . األصل وفروعه وأمثلته وصوره وطرقه ومسالكه حد وهناية وليس لشعب هذا

: - الوافر -قول أيب متام ) وحسبك أن يزرن أبا سعيد ... أبين فما يزرن سوى كرمي

: -الوافر - ومثله وإن مل يبلغ مبلغه قول اآلخر ) ومسلمة بن عمرو من تميم ... ىت ختلو متيم من كرمي م(

: - املتقارب - وكذلك قول بعض العرب ) فسقى وجوه بين حنبل ... إذا اهللا مل يسق إال الكرام (

) من الغيث يف الزمن املمحل ... وسقى ديارهم باكرا ( : - الطويل -ه غريب قول بعضهم يف الربامكة وفن من

) تبدلتما ذال بعز مؤيد ... ما يل أراكما : سألت الندى واجلود (

) أصبنا بابن يحيى حممد : فقاال ... وما بال ركن املجد أمسى مهدما ( ) فقد كنتما عبديه يف كل مشهد ... موته فهال متما عند: فقلت ( ) مسافة يوم ثم نتلوه يف غد ... أقمنا كي نعزى بفقده : فقاال (

فصل يف التوكيد وعالماته

ها العامة وكثري من اخلاصة واعلم أن مما أغمض الطريق إىل معرفة ما حنن بصدده أن هاهنا فروقا خفية تجهل. ليس أهنم جيهلونها يف موضع ويعرفونها يف آخر بل ال يدرون أهنا هي وال يعلمونها يف مجلة وال تفصيل

إين ألجد يف كالم : ركب الكندي املتفلسف إىل أيب العباس وقال له : روي عن ابن األنباري أنه قال عبد اهللا قائم : أجد العرب يقولون : يف أي موضع وجدت ذلك فقال : قال له أبو العباس ف: العرب حشوا

فقال أبو . إن عبد اهللا لقائم فاأللفاظ متكررة واملعىن واحد : إن عبد اهللا قائم مث يقولون : مث يقولون . إن عبد اهللا : عبد اهللا قائم إخبار عن قيامه وقولهم : بل املعاين خمتلفة الختالف األلفاظ فقولهم : العباس

إن عبد اهللا لقائم جواب عن إنكار منكر قيامه فقد تكررت : وقولهم . قائم جواب عن سؤال سائل عليه حىت يركب وإذا كان الكندي يذهب هذا . فما أحار املتفلسف جوابا : قال . األلفاظ لتكرر املعاين

فيه ركوب مستفهم أو معترض فما ظنك بالعامة ومن هو يف عداد العامة ممن ال خيطر شبه هذا بباله

مث ألطف النظر وأكثر التدبر لعلم : إن " واعلم أن هاهنا دقائق لو أن الكندي استقرأ وتصفح وتتبع مواقع : فأول ذلك وأعجبه ما قدمت لك ذكره يف بيت بشار . لم ضرورة أن ليس سواء دخولها وأن ال تدخل ع ) إن ذاك النجاح يف التبكري ... بكرا صاحبي قبل اهلجري (

: وما أنشدته معه من قول بعض العرب ) ن غناء اإلبل احلداء إ... فغنها وهي لك الفداء (

وذلك أنه هل شيء أبني يف الفائدة وأدل على أن ليس سواء دخولها وأن ال تدخل من أنك ترى اجلملة إذا حىت كأن الكالمني قد أفرغا إفراغا واحدا وكأن أحدمها . هي دخلت ترتبط مبا قبلها وتأتلف معه وتتحد به

ك يف اآلخر قد سبفأسقطتها رأيت الثاين منهما قد نبا عن األول وجتاىف معناه عن " إن " هذه هي الصورة حىت إذا جئت إىل

بكرا صاحبي قبل اهلجري فذاك : معناه ورأيته ال يتصل هبوال يكون منه بسبيل حىت جتيء بالفاء فتقول مث ال ترى الفاء تعيد اجلملتني إىل ما كانتا . ك الفداء فغناء اإلبل احلداء النجاح يف التبكري وغنها وهي ل

من املعىن " إن " عليه من األلفة وال ترد عليك الذي كنت جتد ب

زلزلة الساعة شيء يا أيها الناس اتقوا ربكم إن: ( وهذا الضرب كثري يف التنزيل جدا من ذلك قوله تعاىل يا بني أقم الصالة وأمر باملعروف وانه عن املنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك : ( وقوله عز امسه ) عظيم

م وتزكيهم بها وصل عليهم إن صالتك خذ من أموالهم صدقة تطهره: ( وقوله سبحانه ) من عزم األمور وقد يتكرر يف اآلية ) وال تخاطبني يف الذين ظلموا إنهم مغرقون : ( ومن أبني ذلك قوله تعاىل ) سكن لهم

ارة بالسوء إال ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم وما أبرىء نفسي إن النفس ألم: ( الواحدة كقوله عز امسه وهي على اجلملة من الكثرة حبيث ال يدركها اإلحصاء )

ومن خصائصها أنك ترى لضمري األمر والشأن معها من احلسن واللطف ما ال تراه إذا هي مل تدخل عليه بل إنه من يتق ويصرب فإن اهللا ال يضيع أجر : ( هبا وذلك يف مثل قوله تعاىل تراه ال يصلح حيث صلح إال

أنه من عمل منكم سوءا : ( وقوله ) أنه من يحادد اهللا ورسوله فأن له نار جهنم : ( وقوله ) املحسنني وأجاز ) . فإنها ال تعمى األبصار : ( ومن ذلك قوله ) . إنه ال يفلح الكافرون : ( وقوله ) بجهالة ثم تاب

لألبصار أضمرت قبل الذكر على شريطة " إهنا " أبو احلسن فيها وجها آخر وهو أن يكون الضمري يف هي ال : قائمة كما كانت يف الوجه األول فإنه ال يقال " إن " واحلاجة يف هذا الوجه أيضا إىل . التفسري

أو ليس قد جاء ضمري األمر : فإن قلت . هو من يتق ويصبر فإن اهللا ال يضيع : تعمى األبصار كما ال يقال وإن جاء هاهنا فإنه ال يكاد يوجد مع : قيل ) قل هو اهللا أحد : ( مبتدأ به معرى من العوامل يف قوله تعاىل

أن ) قل هو اهللا أحد ( على أهنم قد أجازوا يف " . إن " اجلملة من الشرط واجلزاء بل تراه ال جييء إال ب ال يكون الضمري لألمر

أنشدها اجلاحظ لبعض احلجازيني ومن لطيف ما جاء يف هذا الباب ونادره ما جتده يف آخر هذه األبيات اليت : -الطويل -

) كتائب يأس كرها وطرادها ... إذا طمع يوما عراين قريته ( ) أعالج منها حفرها واكتدادها ... أكد ثمادي واملياه كثرية ( ) ي أن ترضى النفوس ثمادها هو الر... وأرضى هبا من حبر آخر إنه (

أحدهما أن تكون ضمري األمر ويكون : حتتمل أمرين " إنه " إنه هو الري وذلك أن اهلاء يف : املقصود قوله وقد أضمر قبل الذكر على شريطة التفسري األصل أن األمر أن ترضى " أن ترضى " ضمري " هو " قوله

على مذهب ) فإهنا ال تعمى األبصار ( ادها الري مث أضمر قبل الذكر كما أضمرت األبصار يف النفوس مث. أيب احلسن مث أتى باملضمر مصرحا به يف آخر الكالم فعلم بذلك أن الضمري السابق له وأنه املراد به

إن : فصال ويكون أصل الكالم " هو " كر ويكون ضمري أن ترضى قبل الذ" إنه " والثاين أن تكون اهلاء يف " وأي األمرين كان فإنه ال بد فيه من . أن ترضى النفوس ثمادها هو الري مث أضمر على شريطة التفسري

رضى هبا وأ: وال سبيل إىل إسقاطها ألنك إن أسقطتها أفضى ذلك بك إىل شيء شنيع وهو أن تقول " إن من بحر آخر وهو الري أن ترضى النفوس مثادها

هذه شيء آخر يوجب احلاجة إليها وهو أنها تتولى من ربط اجلملة مبا قبلها حنوا مما ذكرت " إن " هذا ويف

يبقى من والضمريين معا واقتصرت على ذكر ما " إن " أال ترى أنك لو أسقطت . لك يف بيت بشار فلو أن . وأرضى هبا من بحر آخر فالري أن ترضى النفوس ثمادها : الكالم مل تقله إال بالفاء كقولك

الفيلسوف قد كان تتبع هذه املواضع لما ظن الذي ظن هذا وإذا كان خلف األحمر وهو القدوة ومن يؤخذ عنه ومن هو حبيث يقول

وجيوز أن يشتبه ما حنن فيه عليه حىت يقع له أن ينتقد . الشعر فينحله الفحول واجلاهليني فيخفى ذلك له فال غرو أن تدخل الشبهة يف ذلك على الكندي . على بشار ون هلا حكم املبتدأ أعين أن تكون إن يف الكالم أنك تراها تهيىء النكرة وتصلحها ألن يك" ومما تصنعه

: - خملع البسيط -ومثال ذلك قوله . محدثا عنها حبديث من بعدها ) وخبب البازل األمون ... إن شواء ونشوة (

: فقلت " إن " قد ترى حسنها وصحة املعىن معها مث إنك إن جئت هبا من غري ... ) بب البازل األمون شواء ونشوة وخ(

أحسن " إن " فإن كانت النكرة موصوفة وكانت لذلك تصلح أن يبتدأ هبا فإنك تراها مع . مل يكن كالما : -اخلفيف -أفال ترى إىل قوله . وترى املعىن حينئذ أوىل بالصحة وأمكن

) زمان يهم باإلحسان ل... إن دهرا يلف شملي بسعدى ( أن ليس احلاالن -: دهر يلف مشلي بسعدى دهر صاحل : وإن كان يستقيم أن تقول - ليس خبفي : -مشطور املديد - وكذلك ليس يخفى أنك لو عمدت إىل قوله . علىسواء

) عن جوايب شغلك ... إن أمرا فادحا ( إن لعدمت منه احلسن والطالوة والتمكن الذي أنت واجده اآلن ووجدت ضعفا وفتورا " منه فأسقطت

ووضع صاحب الكتاب يف . يف اجلملة أهنا تغين إذا كانت فيها عن اخلرب يف بعض الكالم " إن " ومن تأثري إلضمارك ما يكون مستقرا هلا " يف األحرف اخلمسة هذا باب ما حيسن عليه السكوت : " ذلك بابا فقال

إن هلم : أي " إن ماال وإن ولدا وإن عددا " وذلك . وموضعا لو أضمرته وليس هذا املضمر بنفس املظهر إن : يقول هل لكم أحد إن الناس ألب عليكم ف: ويقول الرجل للرجل " . هلم " فالذي أضمرت هو . ماال

: -املنسرح -زيدا وإن عمرا أي لنا وقال ) وإن يف السفر إن مضوا مهال ... إن محال وإن مرحتال (

وانتصب اإلبل والشاء كانتصاب : قال . إن لنا أو عندنا غريها : إن غريها إبال وشاء كأنه قال : وتقول : ومثل ذلك قوله من الرجز : وقال . ما يف الناس مثله فارسا : قلت الفارس إذا

... ) يا ليت أيام الصبا رواجعا ( يا ليت أيام الصبا أقبلت : وكأنه قال : أال ماء لنا باردا : كأنه قال : أال ماء باردا : فهذا كقولهم : قال

رواجع

مث إنك . وقد ترى حسن الكالم وصحته مع حذفه وترك النطق به . أن اخلرب حمذوف فقد أراك يف هذا كله فأسقطتها وجدت الذي كان حسن من حذف " إن " إن عمدت إىل

وذلك أن. مال وعدد وحمل ومرتحل وغريها إبال وشاء مل يكن شيئا : اخلرب ال حيسن أو ال يسوغ فلو قلت كانت السبب يف أن حسن حذف الذي حذف من اخلرب وأهنا حاضنته واملترجم عنه واملتكفل بشأنه " إن "

من أنها تدخل على اجلملة من شأهنا إذا هي أسقطت منها أن يحتاج فيها إىل " إن " واعلم أن الذي قلنا يف فإنك قد . ء وكل موضع بل يكون يف موضع دون موضع ويف حال دون حال الفاء ال يطرد يف كل شي

إن املتقني : ( وذلك فيما ال يحصى كقوله تعاىل . تراها قد دخلت على اجلملة ليست هي مما يقتضي الفاء إن : ومعلوم أنك لو قلت ) . ا ما كنتم به تمترون إن هذ( وذاك أن قبله ) يف جنات وعيون . يف مقام أمني

إن الذين سبقت لهم منا : ( وكذلك قوله . هذا ما كنتم به تمترون فاملتقون يف جنات وعيون مل يكن كالما فالذين سبقت هلم ) . هم فيها ال يسمعون لهم فيها زفري و: ( ألنك لو قلت ) احلسنى أولئك عنها مبعدون

إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئني : ( وكذا قوله . منا احلسىن مل جتد إلدخالك الفاء فيه وجها اسم إن وما بعده ) الذين آمنوا) ( والنصارى واملجوس والذين أشركوا إن اهللا يفصل بينهم يوم القيامة

ودخول الفاء فيها محال . مجلة يف موضع اخلرب ) إن اهللا يفصل بينهم يوم القيامة : ( معطوف عليه وقوله ألن اخلرب ال يعطف على املبتدأ

فإذا إمنا يكون الذي ) أحسن عمال إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا ال نضيع أجر من( ومثله سواء ذكرنا يف اجلملة من حديث اقتضاء الفاء إذا كان مصدرها مصدر الكالم يصحح به ما قبله ويحتج له ويبين

ملعىن يف قوله إن ذاك النجاح يف التكبري جله أن يبين ا: أال ترى أن الغرض من قوله . وجه الفائدة فيه وأن حيتج لنفسه يف األمر بالتبكري ويبني وجه الفائدة فيه وكذلك احلكم يف اآلي اليت " بكرا " لصاحبيه

يا أيها الناس اتقوا : ( بيان ملعىن يف قوله تعاىل ) إن زلزلة الساعة شيء عظيم : ( تلوناها فقوله

بيان للمعىن يف أمر النيب بالصالة أي ) . إن صالتك سكن : ( ولم أمروا بأن يتقوا وكذلك قوله ) م ربك فاعرف ذلك . وهلذا سبيل كل ما أنت ترى فيه اجلملة يحتاج فيها إىل الفاء . بالدعاء هلم

وجواب منكر إذا كان معها . جواب سائل إذا كانت وحدها فأما الذي ذكر عن أيب العباس من جعله هلافالذي يدل على أن هلا أصال يف اجلواب أنا رأيناهم قد ألزموها اجلملة من املبتدأ واخلرب إذا كانت . الالم

مث إنا إذا استقرينا . منطلق واهللا زيد : وامتنعوا من أن يقولوا . واهللا إن زيدا منطلق : جوابا للقسم حنو ويسألونك عن ذي : ( الكالم وجدنا األمر بينا يف الكثري من مواقعها أنه يقصد هبا إىل اجلواب كقوله تعاىل

نحن : ( وجل يف أول السورة وكقوله عز) إنا مكنا له يف األرض . القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا ) فإن عصوك فقل إني برىء مما تعملون : ( وكقوله تعاىل ) نقص عليك نبأهم باحلق إنهم فتية آمنوا بربهم

) وقل إني أنا النذير املبني : ( وقوله ) ون اهللا قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من د: ( وقوله تعاىل وعلى ذلك . وأشباه ذلك مما يعلم به أنه كالم أمر النيب بأن جييب به الكفار يف بعض ما جادلوا وناظروا فيه

فأتياه فإذا قال لكما ما : ذاك أنه يعلم أن املعىن و) فأتيا فرعون فقوال إنا رسول رب العالمني : ( قوله تعاىل

وقال موسى يا فرعون : ( وكذا قوله . إنا رسول رب العاملني : شأنكما وما جاء بكما وما تقوالن فقوال هذا سبيله ) إني رسول من رب العالمني

وذاك ألنه عيان أنه جواب ) . قالوا إنا إىل ربنا منقلبون : ( اىل يف قصة السحرة ومن البني يف ذلك قوله تع فهذا هو وجه القول يف نصرة هذه احلكاية ) آمنتم له قبل أن آذن لكم : ( فرعون عن قوله

وإذا كان قد ثبت . ي دون يف الكتب من أهنا للتأكيد مث إن األصل الذي ينبغي أن يكون عليه البناء هو الذذلك فإذا كان اخلرب بأمر ليس للمخاطب ظن يف خالفه البتة وال يكون قد عقد يف نفسه أن الذي تزعم أنه

وإمنا حتتاج إليها إذا كان له "إن " كائن غري كائن وأن الذي تزعم أنه مل يكن كائن فأنت ال حتتاج هناك إىل ولذلك تراها تزداد حسنا إذا كان اخلرب . ظن يف اخلالف وعقد قلب على نفي ما تثبت أو إثبات ما تنفي

: -السريع -بأمر يبعد مثله يف الظن وبشيء قد جرت عادة الناس خبالفه كقول أيب نواس ... ) سك يف الياس إن غىن نف(

فقد ترى حسن موقعها وكيف قبول النفس هلا وليس ذلك إال ألن الغالب على الناس أهنم ال يحملون فلما . أنفسهم على اليأس وال يدعون الرجاء والطمع وال يعترف كل أحد وال يسلم أن الغىن يف اليأس

ومثله سواء قول حممد بن . إىل التأكيد فلذلك كان من حسنها ما ترى كان كذلك كان املوضع موضع : - الطويل - وهيب

) وصبرا على استدرار دنيا بإبساس ... أجارتنا إن التعفف بالياس ( ) ناس كرميا وأن ال يحوجاه إىل ال... حريان أن ال يقذفا مبدلة ( ) وأكثر أسباب النجاح مع الياس ... أجارتنا إن القداح كواذب (

ومعلوم أنه مل يقله إال . هو كما ال يخفى كالم مع من ال يرى أن األمر كما قال بل ينكره ويعتقد خالفه ب واملرأة حتدوه وتبعثه على التعرض للناس وعلى الطل

إن حالك والذي : ومن لطيف مواقعها أن يدعى على املخاطب ظن مل يظنه ولكن يراد التهكم به وأن يقال : - السريع - ومثال ذلك قول األول . صنعت يقتضي أن تكون قد ظننت ذلك

) ح إن بين عمك فيهم رما... جاء شقيق عارضا رمحه ( إن جميئه هكذا مدال بنفسه وبشجاعته قد وضع رحمه عرضا دليل على إعجاب شديد وعلى اعتقاد : يقول

وإذا كان كذلك وجب . منه أنه ال يقوم له أحد حىت كأن ليس مع أحد منا رمح يدفعه به وكأنا كلنا عزل أن يشترط فيه أن يكون للسائل ظن يف املسؤول عنه على خالف ما أنت - إذا قيل أنها جواب سائل -

كيف زيد أن : جتيبه به فأما أن يجعل جمرد اجلواب أصال فيه فال ألنه يؤدي أن ال يستقيم لنا إذا قال الرجل إنه صاحل وإنه يف الدار : حتى تقول وأن ال يصح. يف الدار : أين هو أن تقول : وإذا قال . صاحل : تقول

إن عبد اهللا لقائم للكالم مع املنكر : وأما جعلها إذا جمع بينها وبني الالم حنو . وذلك ما ال يقوله أحد . لزيادة فجيد ألنه إذا كان الكالم مع املنكر كانت احلاجة إىل التأكيد أشد وذلك أنك أحوج ما تكون إىل ا

إال أنه ينبغي أن يعلم أنه كما يكون لإلنكار قد . يف تثبيت خربك إذا كان هناك من يدفعه وينكر صحته

إنه لكذلك : ومجلة األمر أنك ال تقول . كان من السامع فإنه يكون لإلنكار أو يرى أن يكون من السامعني يزع فيه عن اإلنكار حىت تريد أن تضع كالمك وضع من

وذلك . واعلم أهنا قد تدخل للداللة على أن الظن قد كان منك أيها املتكلم يف الذي كان إنه ال يكون هو مرأى من املخاطب ومسمع إنه كان من األمر ما ترى وكان مين إىل فالن إحسان : قولك للشيء

فتجعلك كأنك ترد على نفسك ظنك الذي ظننت وتبين اخلطأ . ومعروف مث إنه جعل جزائي ما رأيت قالت رب إني : ( وعلى ذلك واهللا أعلم قوله تعاىل حكاية عن أم مرمي رضي اهللا عنها . الذي توهمت

وضعتها أنثى واهللا أعلم بما

وليس ) . قال رب إن قومي كذبون : ( نوح عليه السالم وكذلك قوله عز وجل حكاية عن) وضعت الذي يعرض بسبب هذا احلرف من الدقائق واألمور اخلفية يدرك باهلوينا وحنن نقتصر اآلن على ما ذكرنا

ونأخذ يف القول عليها إذا اتصلت هبا ما

فصل يف مسائل إمنا

قل إمنا حرم ربي : ( يقول ناس من النحويني يف حنو قوله تعاىل : ريازيات قال الشيخ أبو علي يف الشقال وأصبت ما يدل على صحة . ما حرم ريب إال الفواحش : إن املعىن ) : الفواحش ما ظهر منها وما بطن

: -الطويل - قولهم يف هذا وهو قول الفرزدق ) يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي ... ئد احلامي الذمار وإنما أنا الذا(

أال ترى أنك ال . فلو كان املراد به اإلجياب مل يستقم . فليس يخلو هذا الكالم من أن يكون موجبا أو منفيا ما يدافع إال أنا فصلت : أال أن املعىن ملا كان . أدافع وأقاتل: يدافع أنا وال يقاتل أنا وإنما تقول : تقول

: وقال أبو إسحاق الزجاج يف قوله تعاىل . الضمري كما تفصله مع النفي إذا أحلقت معه إال محال على املعىن إنما حرم عليكم امليتة (

قال أبو إسحاق والذي أختاره أن تكون ما . إمنا حرم عليكم :النصب يف امليتة هو القراءة وجيوز ) والدم ما حرم عليكم إال امليتة ألن إمنا تأيت إثباتا ملا يذكر بعدها ونفيا ملا : هي اليت متنع إن من العمل ويكون املعىن

: سواه وقول الشاعر ... ) ثلي وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو م(

انتهى أيب كالم أيب علي . ما يدافع عن أحسابهم إال أنا أو مثلي : املعىن هذا الذي كتبته لك فإنهم مل يعنوا بذلك أن املعىن يف هذا هو املعىن يف ذلك : اعلم أنهم وإن كانوا قد قالوا

وفرق بني أن يكون يف الشيء معنى الشيء وبني أن . عنى واحد بعينه وأن سبيلهما سبيل اللفظني يوضعان مليبين لك أنهما ال يكونان سواء أنه ليس كل كالم يصلح فيه ما وإال . يكون الشيء للشيء على اإلطالق

ما أحد : وال يف حنو قولنا ) الله وما من إله إال: ( أال ترى أهنا ال تصلح يف مثل قوله تعاىل . يصلح فيه إمنا

. إنما من إله الله وإنما أحد وهو يقول ذاك قلت ما ال يكون له معنى : إذ لو قلت . إال وهو يقول ذاك ستفهام وأن إن سبب ذلك أن أحدا ال يقع إال يف النفي وما يجري مجرى النفي من النهي واال: فإن قلت

ففي هذا كفاية بأنه اعتراف بأن ليسا : قيل . من املزيدة يف ما من إله إال اهللا كذلك ال تكون إال يف النفي وكما وجدت . سواء ألهنما لو كانا سواء لكان ينبغي أن يكون يف إمنا من النفي مثل ما يكون يف ما وإال

كرنا جتد ما وإال ال تصلح يف ضرب من الكالم قد صلحت فيه إمنا وذلك يف مثل قولك إمنا ال تصلح فيما ذ وإذ قد بان هبذه اجلملة . ما هو إال درهم ال دينار مل يكن شيئا : لو قلت . إنما هو درهم ال ينار :

فيهما واحد على اإلطالق وأن يسقطوا الفرق فإين أنهم حني جعلوا إنما يف معىن ما وإال مل يعنوا أن املعىن أبين لك أمرها وما هو أصل يف كل واحد منهما بعون اهللا وتوفيقه

تفسري . اعلم أن موضوع إمنا على أن جتيء خلرب ال جيهله املخاطب وال يدفع صحته أو ملا ينزل هذه املنزلة إنما هو أخوك وإمنا هو صاحبك القدمي ال تقوله ملن جيهل ذلك ويدفع صحته :ذلك أنك تقول للرجل ومثله . إال أنك تريد أن تنبهه للذي جيب عليه من حق األخ وحرمة الصاحب . ولكن ملن يعلمه ويقر به

: -اخلفيف - قول اآلخر ) اطع أحنى من واصل األوالد الق... إنما أنت والد واألب (

مل يرد أن يعلم كافورا أنه والد وال ذاك مما حيتاج كافور فيه إىل اإلعالم ولكنه أراد أن يذكره باألمر املعلوم . ى الفوت إنما يعجل من يخش: ومثل ذلك قولهم . لينبين عليه استدعاء ما يوجبه كونه مبنزلة الوالد

: ( ومثاله من التنزيل قوله تعاىل . وذلك أن من املعلوم الثابت يف النفوس أن من مل خيش الفوت مل يعجل وقوله تعاىل) إمنا تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب ( وقوله تعاىل ) إنما يستجيب الذين يسمعون

وذلك أن كل عاقل يعلم أنه ال تكون . كل ذلك تذكري بأمر ثابت معلوم ) . إنما أنت منذر من خيشاها : ( وكذلك . وأن من مل يسمع ومل يعقل مل يستجب . استجابة إال ممن يسمع ويعقل ما يقال له ويدعى إليه

ذار إمنا يكون إنذارا ويكون له تأثري إذا كان مع من يؤمن باهللا وخيشاه ويصدق بالبعث معلوم أن اإلنفهذا مثال ما اخلبر فيه خرب بأمر يعلمه املخاطب وال . فأما الكافر اجلاهل فاإلنذار معه واحد . والساعة

ينكره حبال : - اخلفيف -زلة فكقوله وأما مثال ما ينزل هذه املن

) تجلت عن وجهه الظلماء ... إمنا مصعب شهاب من اهللا ( ادعى يف كون املمدوح هبذه الصفة أنه أمر ظاهر معلوم للجميع على عادة الشعراء إذا مدحوا أن يدعوا يف

بتة هلم وأنهم قد شهروا هبا وأهنم مل يصفوا إال باملعلوم الظاهر األوصاف اليت يذكرون هبا املمدوحني أهنا ثا : الذي ال يدفعه أحد كما قال

) وما قلت إال بالذي علمت سعد ... وتعذلين أفناء سعد عليهم ( : وكما قال البحتري

) يسلمها إليه عداه حتى... ال أدعي أليب العالء فضيلة (

إذا أدخلوا إمنا جعلوا يف حكم الظاهر املعلوم . إمنا هو أسد وإمنا هو نار وإمنا هو سيف صارم : ومثله قولهم الذي ال ينكر وال يدفع وال يخفى

. يكون لألمر ينكره املخاطب ويشك فيه وأما اخلرب بالنفي واإلثبات حنو ما هذا إال كذا وإن هو إال كذا فوإذا . ما هو إال مخطىء قلته ملن يدفع أن يكون األمر على ما قلته : ما هو إال مصيب أو : فإذا قلت

ما هو إال زيد مل تقله إال وصاحبك يتوهم أنه ليس بزيد وأنه إنسان آخر : رأيت شخصا من بعيد فقلت وإذا كان األمر ظاهرا كالذي مضى مل تقله كذلك فال تقول للرجل ترققه . وجيد يف اإلنكار أن يكون زيدا

وكذلك ال . ما هو إال أخوك : على أخيه وتنبهه للذي جيب عليه من صلة الرحم ومن حسن التحاب ما مصعب : إمنا مصعب شهاب فيصلح فيه أن تقول : فأما حنو . والد إمنا أنت والد ما أنت إال: يصلح يف

وإذا كان هذا هكذا جاز . ألنه ليس من املعلوم على الصحة وإمنا ادعى الشاعر فيه أنه كذلك . إال شهاب حد املبالغة من حيث ال تكون قد إال أنك خترج املدح حينئذ عن أن يكون على. أن تقوله بالنفي واإلثبات

ادعيت فيه أنه معلوم وأنه حبيث ال ينكره منكر وال خيالف فيه خمالف

- واهللا أعلم -إمنا جاء ) . إن أنتم إال بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا : ( قوله تعاىل إمنا أنتم بشر مثلنا ألهنم جعلوا الرسل كأهنم بادعائهم النبوة قد أخرجوا : إنما فلم يقل بإن وإال دون

أنفسهم عن أن يكونوا بشرا مثلهم وادعوا أمرا ال جيوز أن يكون لمن هو بشر مث جاء . املخاطب ويدعي خالفه وملا كان األمر كذلك أخرج اللفظ مخرجه حيث يراد إثبات أمر يدفعه

كذلك بإن وإال دون ) قالت هلم رسلهم إن حنن إال بشر مثلكم : ( اجلواب من الرسل الذي هو قوله تعاىل إنما ألن من حكم من ادعى عليه خصمه اخلالف يف أمر هو ال خيالف فيه أن يعيد كالم اخلصم على وجهه

نعم أنا من : قال . أنت من شأنك كيت وكيت : فإذا قلت للرجل . وجييء به على هيئته وحيكيه كما هو فالرسل صلوات اهللا . شأين كيت وكيت ولكن ال ضير علي وال يلزمين من أجل ذلك ما ظننت أنه يلزم

لسنا ننكر ذلك وال جنهله ولكن ذلك ال : ا بشر مثلكم كما قلتم إن ما قلتم من أن: عليهم كأهنم قالوا ) . قل إنما أنا بشر مثلكم : ( وأما قوله تعاىل . مينعنا من أن يكون اهللا تعاىل قد من علينا وأكرمنا بالرسالة

هم ويقوله معهم وليس هو جوابا لكالم سابق قد قيل فجاء بإمنا ألنه ابتداء كالم قد أمر النيب بأن يبلغه إيافيجب أن يؤتى به على وفق ذلك الكالم ويراعى فيه حذوه كما كان ذلك يف . إن أنت إال بشر مثلنا : فيه

اآلية األوىل اء بالنفي فذلك لتقدير معنى صار به ومجلة األمر أنك مىت رأيت شيئا هو من املعلوم الذي ال يشك فيه قد ج

إمنا جاء ) وما أنت مبسمع من يف القبور إن أنت إال نذير : ( فمن ذلك قوله تعاىل . يف حكم املشكوك فيه يف ذلك أن وكان املعىن ) . وما أنت مبسمع من يف القبور : ( واهللا أعلم بالنفي واإلثبات ألنه ملا قال تعاىل

إنك : يقال للنيب

لن تستطيع أن حتول قلوبهم عما هي عليه من اإلباء وال متلك أن توقع اإلميان يف نفوسهم مع إصرارهم كان الالئق هبذا . على كفرهم واستمرارهم على جهلهم وصدهم بأسماعهم عما تقوله هلم وتتلوه عليهم

ال النيب حال من قد ظن أنه يملك ذلك ومن ال يعلم يقينا أنه ليس يف وسعه شيء أكثر من أن أن يجعل حويبني ذلك ) إن أنت إال نذير : ( فأخرج اللفظ مخرجه إذا كان اخلطاب مع من يشك فقل . ينذر وحيذر

إنك ال تستطيع أن تسمع امليت وأن تفهم اجلماد وأن : ومقاولته أنك تقول للرجل يطيل مناظرة اجلاهل فإنما : تحول األعمى بصريا وليس بيدك إال أن تبين وحتتج ولست متلك أكثر من ذلك ال تقول هاهنا

ع امليت حىت جعلته مبثابة من إنك ال تستطيع أن تسم: ذلك ألنك مل تقل له . الذي بيدك أن تبين وحتتج ومثل هذا يف أن الذي تقدم من الكالم . وهذا واضح فاعرفه . يظن أنه ميلك وراء االحتجاج والبيان شيئا

قل ال أملك لنفسي نفعا وال ضرا إال : ( اقتضى أن يكون اللفظ كالذي تراه من كونه بإن وإال قوله تعاىل ما شاء اهللا ولو كنت أعلم الغيب الستكثرت من اخلري وما مسين السوء إن أنا إال نذير وبشري لقوم يؤمنون

( " إمنا " فصل هذا بيان آخر يف

قل منه إمنا جاءين زيد ع: فإذا قلت . اعلم أهنا تفيد يف الكالم بعدها إجياب الفعل لشيء ونفيه عن غريه جاءين زيد ال عمرو : فمعىن الكالم معها شبيه باملعىن يف قولك . أنك أردت أن تنفي أن يكون اجلائي غريه

. إال أن لها مزية وهي أنك تعقل معها إجياب الفعل لشيء ونفيه عن غريه دفعة واحدة ويف حال واحدة ومزية ثانية وهي أهنا جتعل األمر . فإنك تعقلهما يف حالني . ال عمرو جاءين زيد: وليس كذلك األمر يف

جاءين زيد ال عمرو : ظاهرا يف أن اجلائي زيد وال يكون هذا الظهور إذا جعلت الكالم بال فقلت ملراد به أهنا تنفي عن الثاين أن إهنا تنفي عن الثاين ما وجب لألول ليس ا: العاطفة " ال " مث اعلم أن قولنا يف

يكون قد شارك األول يف الفعل بل إهنا تنفي أن يكون الفعل الذي قلت إنه كان من األول قد كان من أال ترى أن ليس املعىن . الثاين دون األول

زيد حىت كأنه عكس قولك جاءين زيد ال عمرو أنه مل يكن من عمرو جميء إليك مثل ما كان من : يف قولك بل املعىن أن اجلائي هو زيد ال عمرو فهو كالم تقوله مع من يغلط يف الفعل قد كان . جاءين زيد وعمرو :

والنكتة أنه ال شبهة يف أن ليس ها هنا جائيان وأنه ليس إال جاء واحد . من هذا فيتوهم أنه كان من ذلك جاءين زيد ال عمرو أنه : فأنت حتقق على املخاطب بقولك . يف أن ذلك اجلائي زيد أم عمرو وإمنا الشبهة

جاءين زيد ال عمرو حىت يكون قد بلغ املخاطب أنه : ونكتة أخرى وهي أنك ال تقول . زيد وليس بعمرو ه أنه مل يكن من عمرو ولكن من زيد إال أنه ظن أنه كان من عمرو فأعلمت. كان جميء إليك من جاء

العاطفة فاعلم أهنا جبملتها قائمة لك يف الكالم بإمنا فإذا قلت " ال " وإذ قد عرفت هذه املعاين يف الكالم ب مل يكن غرضك أن تنفي أن يكون قد جاء مع زيد غريه ولكن أن تنفي أن يكون اجمليء . إمنا جاءين زيد :

وكذلك تكون الشبهة مرتفعة يف أن ليس هاهنا جائيان وأن ليس . قلت إنه كان منه كان من عمرو الذيحىت . إمنا جاءين زيد : فإذا قلت . وإمنا تكون الشبهة يف أن ذلك اجلائي زيد أم عمرو . إال جاء واحد

فإنه قد : فإن قلت . نه عمرو مثال فأعلمته أنه زيد يكون قد بلغ املخاطب أن قد جاءك جاء ولكنه ظن أفإن ذلك شيء . إنما جاءين من بني القوم زيد وحده وإمنا أتاين من مجلتهم عمرو فقط : يصح أن تقول

ومعلوم أنك . عناه وما يف م" وحده " مث االعتبار به إذا أطلق فلم يقيد ب . كالتكلف والكالم هو األول إمنا جاءين زيد ومل تزد على ذلك أنه ال يسبق إىل القلب من املعىن إال ما قدمنا شرحه من أنك : إذا قلت

أردت النص على زيد أنه اجلائي وأن تبطل ظن املخاطب أن اجمليء مل يكن منه ولكن كان من عمرو حسب جاءين زيد ال عمرو فاعرفه : قلت ما يكون إذا

وإذ قد عرفت هذه اجلملة فإنا نذكر مجلة من القول يف ما وإال وما يكون من حكمهما أن تريد اختصاص زيد باجمليء وأن تنفيه عمن : ما جاءين إال زيد احتمل أمرين أحدمها : اعلم أنك إذا قلت

كالما تقوله ال ألن باملخاطب حاجة إىل أن تعلم أن زيدا قد جاءك ولكن ألن به حاجة وأن يكون . عداه ويكون كالما تقوله ليعلم أن " إمنا " أن تريد الذي ذكرناه يف : والثاين . إىل أن يعلم أنه مل جيئ إليك غريه

ما قلت اليوم إال ما : لرجل يدعي أنك قلت قوال مث قلت خالفه فمن ذلك قولك ل. اجلائي زيد ال غريه قلته أمس بعينه

ما قلت هلم إال : ( وعلى ذلك قوله تعاىل . بل مل أر إال زيدا : فتقول . مل تر زيدا وإمنا رأيت فالنا : ويقول ألنه ليس املعىن أين مل أزد على ما أمرتين به شيئا ولكن املعىن أين مل ) ما أمرتين به أن اعبدوا اهللا ربي وربكم

: - السريع - ومثال ما جاء يف الشعر من ذلك قوله . أدع ما أمرتين به أن أقوله هلم وقلت خالفه ) ما قطر الفارس إال أنا ... قد علمت سلمى وجاراتها (

أنا الذي قطر الفارس وليس املعىن على أنه يريد أن يزعم أنه انفرد بأن قطره وأنه مل يشركه فيه غريه : املعىنإمنا خيشى : ( قوله تعاىل . وهاهنا كالم ينبغي أن تعلمه إال أين أكتب لك من قبله مسألة ألن فيها عونا عليه

وإمنا يبين لك ذلك إذا . يف تقدمي اسم اهللا عز وجل معنى خالف ما يكون لو أخر ) اده العلماء اهللا من عبما : ما ضرب زيدا إال عمرو وبني قولك : وحصلت الفرق بني أن تقول " إال " و " ما " اعتربت احلكم يف

ما ضرب زيدا إال عمرو فقدمت املنصوب كان : ما أنك إذا قلت والفرق بينه. ضرب عمرو إال زيدا الغرض بيان الضارب من هو واإلخبار بأنه عمرو خاصة دون غريه وإذا قلت ما ضرب عمرو إال زيدا

فقدمت املرفوع كان الغرض بيان املضروب من هو واإلخبار بأنه زيد خاصة دون غريه وإذا اعتربتها به علمت أن تقدمي اسم اهللا تعاىل إمنا كان ألجل أن . ذلك فاعترب به اآلية وإذ قد عرفت

ولو أخر ذكر اسم اهللا وقدم . الغرض أن يبين اخلاشون من هم وخيرب بأهنم العلماء خاصة دون غريهم هللا لصار املعىن على ضد ما هو عليه اآلن ولصار الغرض بيان املخشي من إنما خيشى العلماء ا: العلماء فقيل

ومل يجب حينئذ أن تكون اخلشية من اهللا تعاىل مقصورة على العلماء . هو واإلخبار بأنه اهللا تعاىل دون غريه وأن

ن املعىن أن غري العلماء خيشون اهللا تعاىل أيضا بل كان يكو. يكونوا خمصوصني هبا كما هو الغرض يف اآلية وهذا املعىن وإن كان قد . إال أهنم مع خشيتهم اهللا تعاىل خيشون معه غريه والعلماء ال خيشون غري اهللا تعاىل

لغرض يف اآلية وال فليس هو ا) وال خيشون أحدا إال اهللا : ( جاء يف التنزيل يف غري هذه اآلية كقوله تعاىل إنما : ( ومن أجاز حملها عليه كان قد أبطل فائدة التقدمي وسوى بني قوله تعاىل . اللفظ مبحتمل له البتة

ني وإذا سوى بينهما لزمه أن يسوي ب. إمنا خيشى العلماء اهللا : وبني أن يقال ) خيشى اهللا من عباده العلماء وذلك ما ال شبهة يف امتناعه . ما ضرب عمرو إال زيدا : ما ضرب زيدا إال عمرو وبين : قولنا

أال ترى . وإذ قد عرفتها فاألمر فيها بين أن الكالم مبا وإال قد يكون يف معىن الكالم بإمنا . فهذه هي املسألة ما ضرب زيدا إال عمرو وما ضرب عمرو إال زيدا أنه يف األول لبيان من :إىل وضوح الصورة يف قولك

ويف الثاين لبيان من املضروب وإن كان تكلفا أن تحمله على نفي الشركة فتريد مبا ضرب زيدا . الضارب إال عمرو أنه مل يضربه اثنان ومبا ضرب عمرو إال زيدا أنه مل يضرب اثنني

مث اعلم أن السبب يف أن مل يكن تقدمي املفعول يف هذا كتأخريه ومل يكن ما ضرب زيدا إال عمرو وما ضرب مث إنه . عمرو إال زيدا سواء يف املعىن أن االختصاص يقع يف واحد من الفاعل واملفعول وال يقع فيهما مجيعا

دون الذي قبلها الستحالة أن حيدث معىن احلرف يف الكلمة قبل أن منهما " إال " يقع يف الذي يكون بعد ما : فتقول " إال " وإذا كان األمر كذلك وجب أن يفترق احلال بني أن تقدم املفعول على . جييء احلرف

ا إن زعمنا أن احلال ال ألن. ما ضرب عمرو إال زيدا : ضرب زيدا إال عمرو وبني أن تقدم الفاعل فتقول " إال " وذلك يقتضي املحال الذي هو أن يحدث معىن . يفترق جعلنا املتقدم كاملتأخر يف جواز حدوثه فيه

يف االسم من قبل أن جتيء هبا فاعرفه " إمنا " ول فكذلك يقع مع يقع يف الذي تؤخره من الفاعل واملفع" إال " وإذ قد عرفت أن االختصاص مع

: وإذا قلت . إمنا ضرب زيدا عمرو كان االختصاص يف الضارب : فإذا قلت . يف املؤخر منهما دون املقدم إمنا ضرب عمرو زيدا كان االختصاص يف

وإذا " . إمنا " ال جيوز مع كذلك" إال " وكما ال جيوز أن يستوي احلال بني التقدمي والتأخري مع . املضروب : استبنت هذه اجلملة عرفت منها أن الذي صنعه الفرزدق يف قوله

) يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي ... وإنما ( . . . . . . . . . . . . . . . . وأنه ال يزعم أن . ملدافع ال املدافع عنه ذاك ألن غرضه أن خيص ا. شيء لو مل يصنعه مل يصح له املعىن

. وما أدافع إال عن أحسابهم : املدافعة منه تكون عن أحسابهم ال عن أحساب غريهم كما يكون إذا قال وليس ذلك معناه إنما معناه أن يزعم أن املدافع هو ال غريه فاعرف ذلك فإن الغلط كما أظن يدخل على

فريى أنه لو مل يفصله لكان يكون معناه . إنه فصل الضمري للحمل على املعىن : ممن تسمعهم يقولون كثري : - اهلزج -هذا وال جيوز أن ينسب فيه إىل الضرورة فيجعل مثال نظري قول اآلخر . مثله اآلن

! ) نقتل إيانا ... كأنا يوم قرى إنما ( ألنه ليس به ضرورة إىل ذلك من حيث إن أدافع ويدافع واحد يف الوزن فاعرف هذا أيضا

ومجلة األمر أن الواجب أن يكون اللفظ على وجه جيعل االختصاص فيه للفرزدق وذلك ال يكون إال بأن أحساهبم استكن ضمريه يف الفعل فلم يتصور وإمنا أدافع عن : يقدم األحساب على ضمريه وهو لو قال

وإذا تأخرت انصرف . إال مؤخرا عن ضمري الفرزدق " األحساب " تقدمي األحساب عليه ومل يقع االختصاص إليها ال حمالة

قيل إنه " . أنا " ساب على فيقدم األح" وإمنا أدافع عن أحساهبم أنا : " إنه كان ميكنه أن يقول : فإن قلت . الظاهر تأكيدا له أعين للمستكن " أنا " أدافع كان الفاعل الضمري املستكن يف الفعل وكان : إذا قال

واحلكم يتعلق باملؤكد دون التأكيد ألن التأكيد

ع اجملرور الذي هو قوله عن أحساهبم على كالتكرير فهو جييء من بعد نفوذ احلكم وال يكون تقدمي اجلار مالضمري الذي هو تأكيد تقدميا له على الفاعل ألن تقدمي املفعول على الفاعل إمنا يكون إذا ذكرت املفعول

ول سبيل إىل أن تذكر املفع" وإنما أدافع عن أحسابهم : " وال يكون لك إذا قلت . قبل أن تذكر الفاعل قبل أن تذكر الفاعل ألن ذكر الفاعل هاهنا هو ذكر الفعل من حيث إن الفاعل مستكن يف الفعل فكيف

يتصور تقدمي شيء عليه فاعرفه يف واعلم أنك إن عمدت إىل الفاعل واملفعول فأخرتهما مجيعا إىل ما بعد إال فإن االختصاص يقع حينئذ

ما ضرب إال عمرو زيدا كان االختصاص يف الفاعل وكان املعىن أنك : فإذا قلت . منهما " إال " الذي يلي ما ضرب إال زيدا عمرو كان االختصاص يف املفعول وكان : وإن قلت . إن الضارب عمرو ال غريه : قلت

وحكم املفعولين حكم الفاعل واملفعول فيما ذكرت لك . من سواه إن املضروب زيد ال: املعىن أنك قلت وكذلك احلكم حيث . فيكون املعىن أنه خص اجلبة من أصناف الكسوة . مل يكس إال زيدا جبة : تقول .

: -السريع -يكون بدل أحد املفعويل جار وجمرور كقول السيد احلمريي ) ما اختار إال منكم فارسا ... لو خير املنبر فرسانه (

فارسا " ما اختار إال فارسا منكم صار االختصاص يف : ولو قلت " . فارسا " دون " منكم " االختصاص يف "

لعربة اليت ذكرت لك يف الفاعل واملفعول إذا على ا" إنما " واعلم أن األمر يف املبتدأ واخلرب إن كانا بعد معىن ذلك أنك إن تركت اخلرب يف موضعه فلم تقدمه على املبتدأ كان . أنت قدمت أحدمها على اآلخر

وإن قدمته على املبتدأ صار . االختصاص فيه

" لك " فيكون االختصاص يف . إمنا هذا لك : تفسري هذا أنك تقول. االختصاص الذي كان فيه يف املبتدأ بداللة أنك " لك " فيكون االختصاص يف . وتقول إمنا لك هذا . إنما هذا لك ال لغريك : بداللة أنك تقول

إمنا : بداللة أنك تقول " هذا " إمنا لك هذا فيكون االختصاص يف : إمنا هذا لك ال لغريك وتقول : تقول وإن أردت أن . واالختصاص يكون أبدا يف الذي إذا جئت بال العاطفة كان العطف عليه : هذا ال ذاك لك

: ( وقوله عز وعال ) فإنما عليك البالغ وعلينا احلساب : ( يزداد ذلك عندك وضوحا فانظر إىل قوله تعاىل فإنك ترى األمر ظاهرا أن االختصاص يف اآلية األوىل يف املبتدأ ) . ونك إنما السبيل على الذين يستأذن

على " الذي هو البالغ واحلساب دون اخلرب الذي هو عليك وعلينا وأنه يف اآلية الثانية يف اخلرب الذي هو " السبيل " دون املبتدأ الذي هو " الذين

ال كان الذي ذكرته من أن االختصاص يكون يف اخلرب إن مل تقدمه ويف واعلم أنه إذا كان الكالم مبا وإما زيد إال قائم فيكون املعىن أنك اختصصت القيام من بني : املبتدأ إن قدمت اخلرب أوضح وأبني تقول

فيكون املعىن أنك اختصصت ما قائم إال زيد: وتقول . األوصاف اليت يتوهم كون زيد عليها جبعله صفة له فقد قصرت يف األول الصفة على املوصوف ويف الثاين املوصوف على الصفة . زيدا بكون موصوفا بالقيام

أنك اختصصت القيام من بني األوصاف اليت يتوهم " ما زيد إال قائم " واعلم أن قولنا يف اخلرب إذا أخر حنو فإمنا نعين أنك نفيت عنه األوصاف اليت تنايف القيام حنو أن . عليها ونفيت ما عدا القيام عنه كون زيد

ومل نرد أنك نفيت ما ليس من القيام بسبيل إذ . يكون جالسا أو مضطجعا أو متكئا أو ما شاكل ذلك . أسود أو أبيض أو طويال أو قصريا أو عاملا أو جاهال ما هو إال قائم أن يكون: لسنان ننفي عنه بقولنا

ما قائم إال زيد مل نرد أنه ليس يف الدنيا قائم سواه وإنما نعين ما قائم حيث حنن وحبضرتنا : كما إنا إذا قلنا وما أشبه ذلك

ليس املعىن على نفي الشركة ولكن على نفي أن ال يكون ما زيد إال قائم أن : واعلم أن األمر بين يف قولنا أال ترى أن ليس املعىن أنه ليس له مع القيام صفة أخرى بل املعىن أن ليس . املذكور ويكون بدله شيء آخر

الضطجاع أو حنومها له بدل القيام صفة ليست بالقيام وأن ليس القيام منفيا عنه وكائنا مكانه فيه القعود أو اوحنن نرى أنه جيوز يف . فصورة املعىن إذا صورته إذا وضعت الكالم بإمنا فقلت إمنا هو قائم : فإن قلت .

إمنا هو قائم ال قاعد وال نرى ذلك جائزا مع ما وإال إذ ليس من كالم الناس أن : هذا أن تعطف بال فتقول ما زيد إال قائم فقد نفيت : ما زيد إال قائم ال قاعد فإن ذلك إمنا مل يجز من حيث إنك إذا قلت :يقولوا

وهكذا حىت ال . ليس هو بقاعد وال مضطجع وال متكىء : وصرت كأنك قلت . عنه كل صفة تنايف القيام تدع صفة خيرج هبا من القيام

ال قاعد كنت قد نفيت بال العاطفة شيئا قد بدأت فنفيته وهي موضوعة ألن تنفي : بعد ذلك فإذا قلت من ما جاءين أحد ال : ومن ثم مل يجز أن تقول . هبا ما بدأت فأوجبته ال ألن تفيد هبا النفي يف شيء قد نفيته

م أحد فتنفيه على اخلصوص بل كان الواجب إذا أردت زيد على أن تعمد إىل بعض ما دخل يف النفي بعموحىت خترج بذلك عن أن تكون عاطفة " ال " ما جاءين أحد وال زيد فتجىء بالواو من قبل : ذلك أن تقول فاعرف ذلك

ما جاءين إال : ن تقول ما زيد إال قائم ال قاعد فإنك تعرف بذلك امتناع أ: وإذ قد عرفت فساد أن تقول ما جاءين إال زيد فقد : وذلك أنك إذا قلت . زيد ال عمرو وما ضربت إال زيدا ال عمرا وما شاكل ذلك

ال عمرو كنت قد طلبت أن تنفي بال العاطفة شيئا قد : فإذا قلت . نفيت أن يكون قد جاءك أحد غريه فإنك : فإن قيل . خروج هبا عن املعىن الذي وضعت له إىل خالفه -كما عرفتك - تقدمت فنفيته وذلك

إمنا جاءين زيد فقد نفيت فيه أيضا أن يكون اجملىء قد كان من غريه فكان ينبغي أن ال جيوز فيه : إذا قلت إمنا جاءين زيد : إن الذي قلته من أنك إذا قلت : و قيل إنما جاءين زيد ال عمر: أيضا أن تعطف بال فتقول

جاءين زيد : فقد نفيت فيه أيضا اجملىء عن غريه غري مسلم لك على حقيقته وذلك أنه ليس معك إال قولك إمنا فيه أنك وضعت و. ما جاءين إال زيد : وهو كالم كما تراه مثبت ليس فيه نفي البتة كما كان يف قولك

وذلك . يدك على زيد فجعلته اجلائي

وإمنا أوجبه من . وإن أوجب انتفاء اجمليء عن غريه فليس يوجبه من أجل أن كان ذلك إعمال نفي يف شيء أبيناه أن تنفي بال والذي. حييث كان اجمليء الذي أخربت به مجيئا خمصوصا إذا كان لزيد مل يكن لغريه

العاطفة عن شيء وقد نفيته عنه لفظا أن هذا اجمليء مل يكن من غريه مث ال مينع ذلك من أن جتيء . زيد هو اجلائي : ونظري هذا أنا نعقل من قولنا

نتفاء اجمليء عن غريه بنفي ألنا مل نعقل ما عقلناه من ا. زيد هو اجلائي ال عمرو : فيه بال العاطفة فتقول بأنه فاعله وإثباته " زيد " أوقعناه على شيء ولكن بأنه ملا كان اجمليء املقصود جميئا واحدا كان النص على

إن ف. له نفيا له عن غريه ولكن من طريق املعقول ال من طريق أن كان يف الكالم نفي كما كان ثم فاعرفه ومل يكن غرضك أن تنفي أن يكون قد جاء معه واحد آخر كان . ما جاءين إال زيد : فإنك إذا قلت : قيل

إنه وإن كان واحدا فإنك إمنا تثبت أن زيدا الفاعل له بأن نفيت اجمليء عن : قيل . اجمليء أيضا جميئا واحدا وإذا كان كذلك كان ما . كما تصنع إذا أردت أن تنفي أن يكون قد جاء معه جاء آخر كل من سوى زيد

ما جاءين إال زيد ال عمرو كنت قد نفيت الفعل عن شيء قد : قلناه من أنك إن جئت بال العاطفة فقلت نفيته عنه مرة صحيحا ثابتا كما قلنا فاعرفه

ما جاءين غري زيد احتمل أن تريد نفي : فإذا قلعت " إال " يف مجيع ما ذكرنا حكم " غري " م واعلم أن حكوال يصح أن . أن يكون قد جاء معه إنسان آخر وأن تريد نفي أن ال يكون قد جاء وجاء مكانه واحد آخر

ما جاءين إال زيد ال عمرو : ز كما مل يج. ما جاءين غري زيد ال عمرو : تقول " إال " و " ما " فصل يف نكتة تتصل بالكالم الذي تضعه ب

فتوقع الفاعل واملفعول مجيعا بعد إال ليس . ما ضرب إال عمرو زيدا : اعلم أن الذي ذكرناه من أنك تقول حىت إنهم ذهبوا . ما ضرب زيدا إال عمرو : حنو " إال " على بأكثر الكالم وإنما األكثر أن تقدم املفعول

ما ضرب إال عمرو زيدا : فيه أعين يف قولك

ما : إىل أنه على كالمني وأن زيدا منصوب بفعل مضمر حىت كأن املتكلم بذلك أبهم يف أول أمره فقال ضرب زيدا : من ضرب فقال : ه مث قيل ل. ضرب إال عمرو

كان " ما ضرب زيدا إال عمرو : " معنى لطيف يوجب ذلك وهو أنك إذا قلت -إذا تأملت - وهاهنا وإذا كان كذلك وجب أن تعدي الفعل . غرضك أن تختص عمرا بضرب زيد ال بالضرب على اإلطالق

فعول من قبل أن تذكر عمرا الذي هو الفاعل ألن السامع ال يعقل عنك انك اختصصته بالفعل معدى إىل املال يفهم عنك أنك أردت أن ختتص عمرا بضرب زيد حىت تذكره له : أعين . حتى تكون قد بدأت فعديته

فإن الذي يقع يف نفسه أنك . ما ضرب إال عمرو : معدى فقلت فأما إذا ذكرته غري. معدى إىل زيد أردت أن تزعم أنه مل يكن من أحد غري عمرو ضرب وأنه ليس هاهنا مضروب إال وضاربه عمرو فاعرفه

أصال يف شأن التقدمي والتأخري

" ظن " و " إمنا " فصل يف للخرب ال جيهله املخاطب وال يكون ذكرك له ألن تفيده " إمنا " مك كله على أن مضيت يف كال: إن قيل

والقصد باخلرب بعدها أن تعلم السامع أمرا قد غلط فيه باحلقيقة . وإنا لنراها يف كثري من الكالم . إياه وتراها . إنما جاءين زيد ال عمرو : ثاين من قولك واحتاج إىل معرفته كمثل ما ذكرت يف أول الفصل ال

كذلك تدور يف الكتب للكشف عن معان غري معلومة وداللة املتعلم منها على ما ال يعلم مه إمنا جاء زيد ال عمرو فإنه وإن كان يكون إعالما ألمر ال يعل: أما ما جييء يف الكالم من حنو : قيل

وقد . السامع فإنه ال بد مع ذلك من أن يدعى هناك فضل انكشاف وظهور يف أن األمر كالذي ذكر قسمت يف أول ما افتتحت القول فيها فقلت إنها تجيء للخرب ال جيهله السامع وال ينكر صحته أو لما تنزل

ن أهنا جتيء يف الكتب لداللة املتعلم على ما مل يعلمه فإنك إذا تأملت مواقعها وأما ما ذكرت م. هذه املنزلة مثال ذلك أن صاحب . وجدتها يف األمر األكثر قد جاءت ألمر قد وقع العلم مبوجبه وشيء يدل عليه

ا هو معروف عنده مثله عندك وإمنا ينتظر كان زيد قد ابتدأت مب: إذا قلت : " الكتاب قال يف باب كان كان حليما فإمنا ينتظر أن تعرفه صاحب : وإذا قلت . حليما فقد أعلمته مثل ما علمت : فإذا قلت . اخلرب

معلوما أنك وذاك أنه إذا كان معلوما أنه ال يكون مبتدأ من غري خبر وال خرب من غري مبتدأ كان " . الصفة " كان حليما أنه ينتظر االسم فلم يقع إذا بعد : وإذا قلت . فاملخاطب ينتظر اخلرب . كان زيد : إذا قلت

إال شيء كان معلوما للسامع من قبل أن ينتهي إليه " إمنا ما كان كالما ال " قلت " وإمنا حتكي بعد : ومما األمر فيه بين قوله يف باب ظننت

فال . إذا كنت تنحو حنو املعىن إال ما كان مجلة مفيدة " قلت " وذلك أنه معلوم أنك ال حتكي بعد . قوال زيد وتسكت اللهم إال أن تريد أنه نطق باالسم على هذه اهليئة كأنك تريد أنه ذكره : قال فالن : تقول

إىل أشباه ذلك مما ال . إنما حيذف الشيء إذا كان يف الكالم دليل عليه : ل ذلك قولهم ومث. مرفوعا فإن رأيتها قد دخلت على كالم هو ابتداء إعالم بشيء مل يعلمه السامع فألن الدليل عليه حاضر . يحصى

علم أنه ليس يكاد ينتهي ما يعرض بسبب هذا احلرف من وا. منعه والشيء حبيث يقع العلم به عن كثب الدقائق

ومما يجب أن يعلم أنه إذا كان الفعل بعدها فعال ال يصح إال من املذكور وال يكون من غريه كالتذكر الذي كما حيسن فيما ال خيتص باملذكور ويصح من يعلم أنه ال يكون إال من أويل األلباب مل حيسن العطف بال فيه

إمنا : كما حيسن أن تقول . إمنا يتذكر أولو األلباب ال اجلهال : تفسري هذا أنه ال حيسن أن تقول . غريه ال التأخري ما تراه يف فمث. مث إن النفي فيما جييء فيه النفي يتقدم تارة ويتأخر أخرى . جييء زيد ال عمرو

) إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر : ( وكقوله تعاىل . إمنا جييء زيد ال عمرو : قولك : -الرمل -وكقول لبيد

... ) إنما يجزي الفىت ليس اجلمل ( وهذا مما أنت تعلم به مكان الفائدة فيها وذلك . عمرو ما جاءين زيد وإمنا جاءين: ومثال التقدمي قولك

ما جاءين زيد وجاءين عمرو لكان الكالم مع من ظن أهنما : أنك تعلم ضرورة أنك لو مل تدخلها وقلت

ظن أنه كان زيدا ال عمرا جاءاك مجيعا وأن املعىن اآلن مع دخولها أن الكالم مع من غلط يف عني اجلائي ف فائدة أكثر " إن " إىل " ما " وأمر آخر وهو ليس ببعيد أن يظن الظان أنه ليس يف انضمام

ومكانها هاهنا يزيل هذا . من أهنا تبطل عملها حىت ترى النحويني ال يزيدون يف أكثر كالمهم على أهنا كافة ما جاءين زيد وإن عمرا جاءين مل يعقل منه أنك أردت أن : وذلك أنك ترى أنك لو قلت .الظن ويبطله

اجلائي عمرو ال زيد بل يكون دخول إن كالشيء الذي ال حيتاج إليه ووجدت املعىن ينبو عنه ذا كان ال يراد بالكالم بعدها مث اعلم أنك إذا استقريت وجدتها أقوى ما تكون وأعلق ما ترى بالقلب إ

إنما يتذكر أولو : ( نفس معناه ولكن التعريض بأمر هو مقتضاه حنو أنا نعلم أن ليس الغرض من قوله تعاىل ومن غلبة . عناد إهنم من فرط ال: أن يعلم السامعون ظاهر معناه ولكن أن يذم الكفار وأن يقال ) األلباب

وإنكم إن طمعتم منهم يف أن ينظروا ويتذكروا كنتم كمن طمع . اهلوى عليهم يف حكم من ليس بذي عقل إنما تنذر : ( وقوله عز امسه ) إنما أنت منذر من يخشاها : ( وكذلك قوله . يف ذلك من غري أويل األلباب

املعىن على أن من مل تكن له هذه اخلشية فهو كأنه ليس له أذن تسمع ) . يخشون ربهم بالغيب الذين : -جمزوء الرمل - ومثال ذلك من الشعر قوله . فاإلنذار معه كال إنذار . وقلب يعقل

) رزقا إنما للعبد ما ... أنا لم أرزق حمبتها ( الغرض أن يفهمك من طريق التعريض أنه قد صار ينصح نفسه ويعلم أنه ينبغي له أن يقطع الطمع من

: - البسيط -ومن ذلك قوله . وصلها وييأس من أن يكون منها إسعاف ... ) وإنما يعذر العشاق من عشقا (

نبغي للعاشق أن يلوم من يلومه يف عشقه وأنه ينبغي أن ال ينكر ذلك منه فإنه ال يعلم كنه إنه ليس ي: يقول : -الكامل -وقوله . ولو كان ابتلي به لعرف ما هو فيه فعذره . البلوى يف العشق

) ة األسباب نجح األمور بقو... ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ( ) يدعى الطبيب لساعة األوصاب ... فاليوم حاجتنا إليك وإنما (

إنا قد : ويقول يف الثاين . إنه ينبغي أن أنجح يف أمري حني جعلتك السبب إليه : يقول يف البيت األول استعنا بك فيما عرض من احلاجة وعولنا على فضلك وضعنا الشيء يف موضعه وطلبنا األمر من جهته حني

كما أن من عول على الطبيب فيما يعرض له من السقم كان قد أصاب بالتعويل موضعه وطلب الشيء . من معدنه

يتذكر أولو : لت فلو ق" إمنا " مث إن العجب يف أن هذا التعريض الذي ذكرت لك ال حيصل من دون " . إمنا " األلباب مل يدل على ما دل عليه يف اآلية وإن كان الكالم مل يتغير يف نفسه وليس إال أنه ليس فيه

والسبب يف ذلك أن هذا التعريض إمنا وقع بأن كان من شأن إنما أن تضمن الكالم معىن النفي من بعد يتذكر أولو األلباب كان : وإذا أسقطت من الكالم فقيل . والتصريح بامتناع التذكر ممن ال يعقل اإلثبات

وحمال أن يقع . ومل يكن فيه معىن نفي للتذكر عمن ليس منهم . جمرد وصف ألويل األلباب بأهنم يتذكرون يتذكر أولو : فالتعريض مبثل هذا أعين بأن يقول . يه دليل عليه تعرض لشيء ليس له يف الكالم ذكر وال ف

يقع إذا إن وقع مبدح إنسان بالتيقظ وبأنه فعل ما فعل وتنبه لما تنبه له لعقله " إمنا " األلباب بإسقاط وضع فيه دقة وغموض وهو مما وهذا م. كذلك يفعل العاقل وهكذا يفعل الكرمي : وحلسن متييزه كما يقال

ال يكاد يقع يف نفس أحد أنه ينبغي أن يتعرف سببه ويبحث عن حقيقة األمر فيه ما عرفتك أوال من أهنا قد " إمنا " ومما جيب لك أن جتعله على ذكر منك من معاين

: ويدعي أنه من الصحة حبيث ال يدفعه دافع كقوله تدخل يف الشيء على أن يخيل فيه املتكلم أنه معلوم ... ) إنما مصعب شهاب من اهللا (

: - الطويل -ومن اللطيف يف ذلك قول قتب بن حصن ) أجدت لغزو إنما أنت حالم ... أال أيها الناهي فزارة بعدما (

وإذا قيل لهم ال تفسدوا يف األرض قالوا إنما نحن : ( حكاية عن اليهود ) تعاىل ( ومن ذلك قوله لتدل على أنهم حني ادعوا ألنفسهم أهنم مصلحون أظهروا أهنم يدعون من " إنما " دخلت ) مصلحون

الذي هو للتنبيه " أال " كذيبهم والرد عليهم فجمع بني وكذلك أكد األمر يف ت. ذلك أمرا ظاهرا معلوما ) أال إنهم هم املفسدون ولكن ال يشعرون : ( الذي هو للتأكيد فقال " إن " وبني

"النظم " و " احملاكاة " فصل يف

احلكاية األلفاظ وأجراس احلروف وذلك أن أعلم أنه ال يصح تقدير احلكاية يف النظم والترتيب بل لن تعدو احلاكي هو من يأيت مبثل ما أتى به املحكي عنه وال بد أن تكون حكايته فعال له وأن يكون هبا عامال عمال

تستغرب فيعمد مثل عمل احملكي عنه حنو أن يصوغ إنسان خاتما فيبدع فيه صنعة ويأيت يف صناعته خباصة: واحد آخر فيعمل خامتا على تلك الصورة واهليئة وجييء مبثل صنعته فيه ويؤديها كما هي فيقال عند ذلك

والنظم والترتيب يف الكالم كما بينا عمل يعمله . إنه قد حكى عمل فالن وصنعة فالن

وهو مبا يصنع يف سبيل من يأخذ األصباغ املختلفة فيتوخى . لكلم ال يف ألفاظها مؤلف الكالم يف معاين اوإذا كان األمر كذلك فإنا إن تعدينا باحلكاية األلفاظ إىل . فيها ترتيبا حيدث عنه ضرب من النقش والوشي

ملنشد شعر امرىء القيس قد عمل يف املعاين وترتيبها النظم والترتيب أدى ذلك إىل املحال وهو أن يكون ا - الطويل - واستخراج النتائج والفوائد مثل عمل امرىء القيس وأن يكون حاله إذا أنشد قوله

) وأردف أعجازا وناء بكلكل ... فقلت له لما تمطى بصلبه ( وذلك . صورة قد عملها صائغ من ذهب له أو فضة فيجيء مبثلها يف ذهبه وفضته حال الصائغ ينظر إىل

خيرج مبرتكب إن ارتكبه إىل أن يكون الراوي مستحقا ألن يوصف بأنه استعار وشبه وأن يجعل كالشاعر وجعل هذا حاال . وال وهذا مبتدأ وذاك خربا يف كل ما يكون به ناظما فيقال إنه جعل هذا فاعال وذاك مفع

وأن يقال نفى كذا واثبت كذا وأبدل كذا من كذا وأضاف كذا إىل كذا وعلى هذا السبيل . وذاك صفة صدق وكذب كما يقال يف املحكي عنه: وإذا قيل ذاك لزم منه أن يقال فيه . كما يقال ذاك يف الشاعر

ويجمع هذا كله أنه يلزم منه أن يقال إنه قال شعرا كما يقال فيمن حكى صنعة . وكفى هبذا بعدا وإحالة إنه قد صاغ خامتا : الصائغ يف خاتم قد عمله

كر فإن كان راوي الشعر وجملة احلديث أنا نعلم ضرورة أنه ال يتأتى لنا أن ننظم كالما من غري روية وفومنشده حيكي نظم الشاعر على حقيقته فينبغي أن ال يتأتى له رواية شعره إال بروية وإال بأن ينظر يف مجيع

ما نظر فيه الشاعر من أمر النظم وهذا ما ال يبقى معه موضع عذر للشاك من دخلت عليه نه ملا رأى املعاين ال تتجلى للسامع إال من األلفاظ وكان ال هذا وسبب دخول الشبهة على

يوقف على األمور اليت بتوخيها يكون النظم إال بأن ينظر إىل األلفاظ مرتبة على األحناء اليت يوجبها ترتيب قد نظم ألفاظا فأحسن نظمها وألف : األلفاظ فيقال وجرت العادة بأن تكون املعاملة مع. املعاين يف النفس

كلما فأجاد تأليفها

جعل األلفاظ األصل يف النظم وجعله يتوخى فيها أنفسها وترك أن يفكر يف الذي بيناه من أن النظم هو فلما جعل هذا يف نفسه ونشب هذا . توخي معاين النحو يف معاين الكلم وأن توخيها يف متون األلفاظ حمال

االعتقاد به خرج له من ذلك أن احلاكي إذا أدى ألفاظ الشعر على النسق الذي سمعها عليه كان قد حكى وهذه شبهة قد ملكت قلوب الناس وعششت يف صدورهم وتشربتها . نظم الشاعر كما حكى لفظه ا منهم وهو من حلولها عندهم حمل العلم الضروري حبيث إن أومأت له إىل نفوسهم حىت إنك لترى كثري

شيء مما ذكرناه امشأز لك وسك مسعه دونك وأظهر التعجب منك وتلك جريرة ترك النظر وأخذ الشيء ومن اهللا التوفيق . من غري معدنه

فصل يف ضرورة ترتيب الكالم ونسبته إىل صاحبه

م أنا إذا أضفنا الشعر أو غري الشعر من ضروب الكالم إىل قائله مل تكن إضافتنا له من حيث هو كلم اعلوأوضاع لغة ولكن من حيث توخي فيها النظم الذي بينا أنه عبارة عن توخي معاين النحو يف معاين الكلم

فإذا . الشيء من اجلهة اليت ختتص منها باملضاف إليه وذاك أن من شأن اإلضافة االختصاص فهي تتناولوإذا كان األمر . غالم زيد تناولت اإلضافة للغالم من اجلهة اليت خيتص منها بزيد وهو كونه مملوكا : قلت

ص به من جهة وإذا نظرنا وجدناه خيت. كذلك فينبغي لنا أن ننظر يف اجلهة اليت خيتص منها الشعر بقائله ورأينا أنفس الكلم مبعزل عن االختصاص . توخيه يف معاين الكلم اليت ألفه منها ما توخاه من معاين النحو

ورأينا حالها معها حال اإلبريسم مع الذي ينسج منه الديباج وحال الفضة والذهب مع من يصوغ منهما ر يف أن الديباج ال خيتص بناسجه من حيث اإلبريسم واحللي بصائغها من حيث احللي فما ال يشتبه األم

الفضة والذهب ولكن من جهة العمل والصنعة كذلك ينبغي أن ال يشتبه أن الشعر ال خيتص بقائله من جهة أنفس

امرؤ القيس قائل : القائل إذا أضفته إىل الشعر فقلت ويزداد تبينا لذلك بأن ينظر يف . الكلم وأوضاع اللغة من أين جعلته قائال له أمن حيث نطق بالكلم وسمعت ألفاظها من فيه أم من حيث صنع يف . هذا الشعر

لم وسمعت معانيها ما صنع وتوخى فيها ما توخى فإن زعمت أنك جعلته قائال له من حيث إنه نطق بالكألفاظها من فيه على النسق املخصوص فاجعل راوي الشعر قائال له فإنه ينطق هبا وخيرجها من فيه على اهليئة

إن الراوي وإن كان نطق بألفاظ : فإن قلت . والصورة اليت نطق هبا الشاعر وذلك ما ال سبيل لك إليه يت نطق هبا الشاعر فإنه مل يبتدئىء فيها النسق والترتيب وإمنا ذلك شيء ابتدأه الشعر على اهليئة والصورة ال

خبرنا عنك أترى أنه يتصور أن جيب أللفاظ : قيل لك . لذلك جعلته القائل له دون الراوي . الشاعر -الطويل - الكلم اليت تراها يف قوله

... ) منزل قفا نبك من ذكرى حبيب و( جوابا لألمر " نبك " هذا الترتيب من غري أن يتوخى يف معانيها ما تعلم أن أمرا القيس توخاه من كون

معطوفا " منزل " وكون " حبيب " مضافة إىل " ذكرى " وكون " ذكرى " معدية له إىل " من " وكون فإذا : قيل لك . نعم هو حمال : ستحالته مل تكلم وإن قلت أم ذلك حمال فإن شككت يف ا" حبيب " على

إن الشاعر : " كان محاال أن جيب يف األلفاظ ترتيب من غري أن يتوخى يف معانيها معاين النحو كان قولك قوال مبا ال يتحصل " ابتدأ فيها ترتيبا

ى يكون هناك قصد إىل صورة وصنعة إن مل يقدم فيه ما قدم ومل ومجلة األمر أنه ال يكون ترتيب يف شيء حتوإذا . يؤخر ما أخر وبدىء بالذي ثني به أو ثني بالذي ثلث به مل حتصل لك تلك الصورة وتلك الصنعة

أيف األلفاظ : من الصورة والصنعة كان كذلك فينبغي أن ينظر إىل الذي يقصد واضع الكالم أن حيصل لهحيصل له ذلك أم يف معاين األلفاظ وليس يف اإلمكان أن يشك عاقل إذا نظر أن ليس ذلك يف األلفاظ وإنما الذي يتصور أن يكون مقصودا يف األلفاظ هو الوزن وليس هو من كالمنا يف شيء ألنا حنن فيما ال يكون

الكالم إال به وليس للوزن مدخل يف ذلك

فصل يف ضرورة ربط اللفظ باملعىن

واعلم أين على طول ما عدت وأبدأت وقلت وشرحت يف هذا الذي قام يف أوهام الناس من حديث اللفظ ذا الذي حنن لرمبا ظننت أين مل أصنع شيئا وذاك أنك ترى الناس كأنه قد قضي عليهم أن يكونوا يف ه

وإطالق اللفظ من غري معرفة باملعىن قد صار ذاك . بصدده على التقليد البحت وعلى التوهم والتخيل وهذا الذي بيناه وأوضحناه كأنك ترى أبدا . الدأب والديدن واستحكم الداء منه االستحكام الشديد

وحىت كأنه كلما . هم منه شيئا تلفظه أمساعهم وتنكره نفوسهم حجابا بينهم وبني أن يعرفوه وكأنك تسمعكان األمر أبني وكانوا عن العلم به أبعد ويف توهم خالفه اقعد وذاك ألن االعتقاد األول قد نشب يف

والذي . لما قلعته عاد فنبت قلوهبم وتأشب فيها ودخل بعروقه يف نواحيها وصار كالنبات السوء الذي كله صاروا كذلك أهنم حني رأوهم يفردون اللفظ عن املعىن وجيعلون له حسنا على حدة ورأوهم قد قسموا

إن منه ما حسن لفظه ومعناه ومنه ما حسن لفظه دون معناه ومنه ما حسن معناه دون لفظه : الشعر فقالوا

ون اللفظ بأوصاف ال يصفون هبا املعىن ظنوا أن للفظ من حيث هو لفظ حسنا ومزية ونبال ورأوهم يصفوذهبوا عما قدمنا شرحه من أن هلم يف . وشرفا وأن األوصاف اليت نحلوه إياها هي أوصافه على الصحة الصورة اليت خيرج فيها فنسبوا ما كان ذلك رأيا وتدبريا وهو أن يفصلوا بني املعىن الذي هو الغرض وبني

من احلسن واملزية يف صورة املعىن إىل اللفظ

ووصفوه يف ذلك بأوصاف هي تخبر عن أنفسها أهنا ليست له كقوهلم إنه حلي املعىن وإنه كالوشي عليه ن وإنه على قدر املعىن ال فاضل وال مقصر إىل وإنه قد كسب املعىن دال وشكال وإنه رشيق أنيق وإنه متمك

إال أهنم كأهنم رأوا بسال . أشباه ذلك مما ال يشك أنه ال يكون وصفا له من حيث هو لفظ وصدى صوت حراما أن يكون هلم يف ذلك فكر وروية وأن مييزوا فيه قبيال من دبري

وإن جرى يف ظاهر املعاملة على اللفظ إال أنه يبعد عند الناس كل البعد أن يكون ومما الصفة فيه للمعىنوذاك أن العادة . األمر فيه كذلك وأن ال يكون من صفة اللفظ بالصحة واحلقيقة وصفنا اللفظ بأنه مجاز

أن يقر اللفظ على أصله يف اللغة واجملاز أن إن احلقيقة : قد جرت بأن يقال يف الفرق بني احلقيقة واجملاز وهو وإن . وحبر ويراد جواد . أسد ويراد شجاع : يزال عن موضعه ويستعمل يف غري ما وضع له فيقال

وذاك . كان شيئا قد استحكم يف النفوس حتى إنك ترى اخلاصة فيه كالعامة فإن األمر بعد فيه على خالفهذاك ألنه مل يجعل يف معىن . أنا إذا حققنا مل جند لفظ أسد قد استعمل على القطع والبت يف غري ما وضع له

شجاع على اإلطالق ولكن جعل الرجل بشجاعته أسدا فالتجوز يف أن ادعيت للرجل أنه يف معىن األسد إن أنت - وهذا . شه ويف أن اخلوف ال خيامره والذعر ال يعرض له وأنه كأنه هو يف قوة قلبه وشدة بط

جتوز منك يف معىن اللفظ وإمنا يكون اللفظ مزاال باحلقيقة عن موضعه ومنقوال عما وضع له أن - حصلت ال ما يريده إذا قال هو أسد وهو ال يضمر يف نفسه تشبيها له باألسد وال يريد إ: لو كنت جتد عاقال يقول

هو شجاع وذلك ما ال يشك يف بطالنه إنه أبلغ من احلقيقة فليت شعري إن كان لفظ : وليس العجب إال أنهم ال يذكرون شيئا من اجملاز إال قالوا

فمن أين . ساذجا قد نقل عما وضع له يف اللغة وأزيل عنه وجعل يراد به الشجاع هكذا غفال " أسد " أسد أبلغ من قولنا شجاع : جيب أن يكون قولنا

وهكذا احلكم يف االستعارة هي وإن كانت يف ظاهر املعاملة من صفة اللفظ

يدلك . هذه لفظة مستعارة قد استعري له اسم األسد إن مآل األمر إىل أن القصد هبا إىل املعىن : وكنا نقول فلو مل يكن القصد هبا إىل املعىن مل يكن هلذا . جعله أسدا وجعله بدرا وجعله حبرا : نقول على ذلك أنا

جعلته أمريا وجعلته واحد : كقولنا . ال تصلح إال حيث يراد إثبات صفة للشيء " جعل " الكالم وجه ألن صيرته : فكما ال تقول " صير " حكم إذا تعدى إىل مفعولني" جعل " وحكم . أثبت له ذلك : دهره تريد

جعلته أسدا إال على معىن أنك : أمريا إال على معىن أنك أثبت له صفة اإلمارة كذلك ال يصح أن تقول اجعل ابنك زيدا مبعىن : مبعىن مسيته زيدا وال يقال للرجل . جعلته زيدا : وال يقال . جعلته يف معىن األسد

وإمنا يدخل الغلط يف ذلك على من ال حيصل . ه زيدا وولد لفالن ابن فجعله زيدا مس

فإنما جاء على احلقيقة اليت وصفتها وذاك ) وجعلوا املالئكة الذين هم عباد الرحمن إناثا : ( فأما قوله تعاىل وعن هذا االعتقاد صدر عنهم ما . ث واعتقدوا وجودها فيهم أن املعىن على أهنم أثبتوا للمالئكة صفة اإلنا

وليس املعىن أهنم وضعوا هلا لفظ اإلناث أو لفظ البنات امسا من . صدر من االسم أعين إطالق اسم البنات وا خلقهم أشهد: ( أما تسمع قول اهللا تعاىل : هذا محال ال يقوله عاقل . غري اعتقاد معنى وإثبات صفة

فإن كانوا مل يزيدوا على أن أجروا االسم على املالئكة ومل يعتقدوا إثبات ) ستكتب شهادتهم ويسألون اشهدوا خلقهم هذا ولو كانوا مل يقصدوا إثبات صفة ومل : صفة ومعىن بإجرائه عليهم فأي معنى ألن يقال

استحقوا إال اليسري من الذم وملا كان هذا القول منهم كفرا واألمر يف ذلك يزيدوا على أن وضعوه امسا ملا أظهر من أن خيفى

إنه ليس يف الدنيا علم قد عرض للناس فيه من فحش الغلط ومن قبيح التورط من : ومجلة األمر أنه إن قيل وهل . ننت أن ال يخشى على من يقوله الكذب الذهاب مع الظنون الفاسدة ما عرض هلم يف هذا الشأن ظ

: عجب أعجب من قوم عقالء يتلون قول اهللا تعاىل

هم لبعض قل لئن اجتمعت اإلنس واجلن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ال يأتون بمثله ولو كان بعض( نون به ويدينون بأن القرآن معجز مث يصدون بأوجههم عن برهان اإلعجاز ودليله ويسلكون ويؤم) ظهريا

عظيما -لو دروا ذاك - ولقد جنوا . غري سبيله

فصل يف حتليل بعض الشواهد على اللفظ واملعىن

ري توخي معاين النحو فيما واعلم أنه وإن كانت الصورة يف الذي أعدنا وأبدأنا فيه من أن ال معىن للنظم غبني الكلم قد بلغت يف الوضوح والظهور واالنكشاف إىل أقصى الغاية وإىل أن تكون الزيادة عليه

كالتكلف لما ال يحتاج إليه فإن النفس تنازع إىل تتبع كل ضرب من الشبهة يرى أنه يعرض للمسلم نفسه وإنا لنرى أن يف الناس من إذا رأى أنه يجري يف القياس وضرب املثل أن تشبه الكلم . عند اعتراض الشك

يف ضم بعضها إىل بعض بضم غزل اإلبريسم بعضه إىل بعض ورأى أن الذي ينسج الديباج ويعمل النقش بعضه إىل بعض ويتخير لألصباغ املختلفة والوشي ال يصنع باإلبريسم الذي ينسج منه شيئا غري أن يضم

املواقع اليت يعلم أنه إذا أوقعها فيها حدث له يف نسجه ما يريد من النقش والصورة جرى يف ظنه أن حال الكلم يف ضم بعضها إىل بعض ويف ختير املواقع هلا حال خيوط اإلبريسم سواء ورأيت كالمه كالم من ال

يعلم أنه ال يكون الضم فيها ضما وال املوقع موقعا حىت يكون قد توخى فيها معاين النحو وأنك إن عمدت إىل ألفاظ فجعلت تتبع بعضها بعضا من غري أن تتوخى فيها معاين النحو مل تكن صنعت شيئا تدعى به مؤلفا

ع على اجلملة صنيعا ومل يتصور أن تكون قد ختريت هلا املواقع وتشبه معه مبن عمل نسجا أو صنوفساد هذا وشبيهه منا الظن وإن كان معلوما ظاهرا فإن هاهنا استدالال لطيفا تكثر بسببه الفائدة وهو أنه

الناظم له ويفسدها عليه من غري أن يتصور أن يعمد عامد إىل نظم كالم بعينه فيزيله عن الصورة اليت أرادها

مثال ذلك أنك إن قدرت . حيول منه لفظا عن موضعه أو يبدله بغريه أو يغري شيئا من ظاهر أمره على حال : - الطويل - يف بيت أيب متام

... ) واسل وأري اجلنى اشتارته أيد ع... لعاب األفاعي القاتالت لعابه ( خرب كما يومهه الظاهر أفسدت عليه كالمه وأبطلت الصورة اليت " لعابه " مبتدأ و " لعاب األفاعي " أن

أرادها فيه وذلك أن الغرض أن يشبه مدار قلمه بلعاب األفاعي على معىن أنه إذا كتب يف إقامة السياسات اجلني على معىن أنه إذا كتب يف العطايا والصالت أوصل به إىل وكذلك الغرض أن يشبه مداده بأري

مبتدأ " لعابه " وهذا املعىن إمنا يكون إذا كان . النفوس ما حتلو مذاقته عندها وأدخل السرور واللذة عليها ا فيبطل ذلك ومينع منه خرب" لعابه " لعاب األفاعي مبتدأ و " فأما تقديرك أن يكون . ولعاب األفاعي خربا

البتة ويخرج بالكالم إىل ما ال جيوز أن يكون مرادا يف مثل غرض أيب متام وهو أن يكون أراد أن يشبه لعاب فلو كان حال الكلم يف ضم بعضها إىل بعض كحال غزل . األفاعي باملداد ويشبه كذلك األري به

كما ال تتغري . أن ال تتغير الصورة احلاصلة من نظم كلم حىت تزال عن مواضعها اإلبريسم لكان ينبغي الصورة احلادثة عن ضم غزل اإلبريسم بعضه إىل بعض حىت تزال اخليوط عن مواضعها

: واعلم أنه ال جيوز أن يكون سبيل قوله ) ... لعاب األفاعي القاتالت لعابه (

وذلك أن املعىن يف بيت أيب متام على أنك تشبه شيئا بشيء جلامع بينهما " . عتابك السيف : " سبيل قوهلم على أنك تشبه عتابه بالسيف ولكن على أن تزعم أنه جيعل " عتابك السيف " وليس املعىن يف . يف وصف

: مداد قلمه قاتل كسم األفاعي وال يصح أن تقول : أن تقول أفال ترى أنه يصح . السيف بدال من العتاب عتابك كالسيف اللهم إال أن خترج إىل باب آخر وشيء ليس هو غرضهم هبذا الكالم فتريد أنه قد عاتب

ن عتابه قد السيف عتابك خرجت به إىل معنى ثالث وهو أن تزعم أ: مث إنك إن قلت . عتابا خشنا مظلما بلغ يف إيالمه وشدة تأثريه مبلغا صار له السيف كأنه ليس بسيف

واعلم أنه إن نظر ناظر يف شأن املعاين واأللفاظ إىل حال السامع فإذا رأى املعاين تقع يف نفسه من بعد وقوع األلفاظ يف سمعه ظن لذلك أن املعاين تبع لأللفاظ يف

وذلك أنه لو كانت املعاين تكون تبعا لأللفاظ يف ترتيبها . فإن هذا الذي بيناه يريه فساد هذا الظن . ترتيبها لكان محاال أن تتغير املعاين واأللفاظ حباهلا مل تزل عن ترتيبها فلما رأينا املعاين قد جاز فيها التغير من غري أن

وتزول عن أماكنها علمنا أن األلفاظ هي التابعة واملعاين هي املتبوعة تتغير األلفاظ واعلم أنه ليس من كالم يعمد واضعه فيه إىل معرفتني فيجعلهما مبتدأ وخربا مث يقدم الذي هو اخلرب إال

أنشد الشيخ أبو علي . تحسن التدبر أشكل األمر عليك فيه فلم تعلم أن املقدم خرب حىت ترجع إىل املعىن و : - اخلفيف - " التذكرة " يف ... ) نم وإن مل أمن كراي كراكا (

أي نم وإن مل أمن فنومك " كراك كراي " خربا مقدما ويكون األصل " كراي " ينبغي أن يكون : مث قال

وإذا كان : مث قال . هذا هو عرف االستعمال يف حنوه . مي قم وإن جلست فقيامك قيا: كما تقول . نومي - فهو كبيت احلماسة : قال . كذلك فقد قدم اخلرب وهو معرفة وهو ينوي به التأخري من حيث كان خربا

: -الطويل ) بنوهن أبناء الرجال األباعد ... بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ( وإمنا دل على أنه ينوي التأخري املعىن ولوال ذلك لكانت املعرفة إذا قدمت هي . دم خرب املبتدأ وهو معرفة فق

هذا كله لفظه . املبتدأ لتقدمها فافهم ذلك

واعلم أن الفائدة تعظم يف هذا الضرب من الكالم إذا أنت أحسنت النظر فيما ذكرت لك من أنك تستطيع أن تنقل الكالم يف معناه عن صورة إىل صورة من غري أن تغير من لفظه شيئا أو حتول كلمة عن

مكاهنا إىل مكان آخر وهو الذي وسع جمال التأويل والتفسري حىت صاروا يتأولون يف الكالم الواحد تأويلني وهو على ذاك الطريق املزلة الذي ورط كثريا من الناس يف أو أكثر ويفسرون البيت الواحد عدة تفاسري

وهو مما يعلم به العاقل شدة احلاجة إىل هذا العلم وينكشف معه عوار اجلاهل به ويفتضح عنده . اهللكة مث ال يكون له . يريه الظاهر ذاك ألنه قد يدفع إىل الشيء ال يصح إال بتقدير غري ما . املظهر الغىن عنه

. سبيل إىل معرفة ذلك التقدير إذا كان جاهال هبذا العلم فيتسكع عند ذلك يف العمى ويقع يف الضالل ) سنى قل ادعوا اهللا أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله األسماء احل: ( مثال ذلك أن من نظر إىل قوله تعاىل

هو يدعى زيدا ويدعى األمري : الدعاء ولكن الذكر باالسم كقولك " ادعوا " مث مل يعلم أن ليس املعىن يف . قل أدعوه اهللا أو ادعوه الرمحن أيا ما تدعوا فله األمساء احلسىن كان : وأن يف الكالم حمذوفا وأن التقدير .

ولعياذ -رك من حيث إنه إن جرى يف خاطره أن الكالم على ظاهره خرج ذلك به بعرض أن يقع يف الشوذلك من حيث كان حماال أن تعمد إىل . إىل إثبات مدعوين تعاىل عن أن يكون له شريك -باهللا تعاىل

واألمري هو -ا األمري ادع يل زيد: امسني كالمها اسم شيء واحد فتعطف أحدمها على اآلخر فتقول مثال أن تكون أبدا " أي " وليس هناك إال مدعو واحد ألن من شأن " أيا تدعو : " وكذلك حمال أن تقول . زيد

واحدا من اثنني أو مجاعة ومن مل يكن له بد من اإلضافة إما لفظا وإما تقديرا بغري تنوين وذلك أنهم قد ) وقالت اليهود عزير ابن اهللا ( وهناك باب واسع من املشكل فيه قراءة من قرأ

: حملوها على وجهني

قل هو اهللا : ( أحدمها أن يكون القارىء له أراد التنوين مث حذفه اللتقاء الساكنني ومل حيركه كقراءة من قرأ وال الليل سابق ( وكما حكي عن عمارة بن عقيل أنه قرأ " : أحد " بترك التنوين من ) أحد اهللا الصمد

فلو قلته لكان : فقال . فهال قلته : قيل " . سابق النهار " أريد : ما تريد فقال : بالنصب فقيل له ) النهار : -املتقارب -وكما جاء يف الشعر من قوله . أوزن

) وال ذاكر اهللا إال قليال ... فألفيته غير مستعتب( فيكون املعىن يف هذه القراءة مثله يف القراءة األخرى سواء . إىل نظائر ذلك جاءين زيد بن : أن يكون االبن صفة ويكون التنوين قد سقط على حد سقوطه يف قولنا : والوجه الثاين

وقالت اليهود هو " وا يف احملذوف فمنهم من جعله مبتدأ فقدر مث اختلف. عمرو ويكون يف الكالم حمذوف . ويف هذا أمر عظيم " عزير ابن اهللا معبودنا : " ومنهم من جعله خربا فقدر وقالت اليهود " عزير ابن اهللا

إىل ما كان فيه خربا وذلك أنك إذا حكيت عن قائل كالما أنت تريد أن تكذبه فيه فإن التكذيب ينصرف زيد بن عمرو سيد مث كذبته فيه ومل : تفسري هذا أنك إذا حكيت عن إنسان أنه قال . دون ما كان صفة

زيد الفقيه قد : وكذلك إذا قال . تكن قد أنكرت بذلك أن يكون زيد بن عمرو ولكن أن يكون سيدا مل تكن قد أنكرت أن يكون زيد فقيها ولكن أن يكون قد قدم كذبت أو غلطت: قدم فقلت له

هذا ما ال شبهة فيه وذلك أنك إذا كذبت قائال يف كالم أو صدقته فإمنا ينصرف التكذيب منك والتصديق فة ثابتة يف حال واإلثبات والنفي يتناوالن اخلرب دون الصفة يدلك على ذلك أنك جتد الص. إىل إثباته ونفيه

ما جاءين زيد الظريف كان الظرف ثابتا لزيد كثبوته إذا قلت : فإذا قلت . النفي كثبوتها يف حال اإلثبات . وذلك أن ليس ثبوت الصفة للذي هي صفة له باملتكلم وبإثباته هلا فتنتفي بنفيه . جاءين زيد الظريف :

وإمنا ثبوتها بنفسها

رر الوجود فيها عند املخاطب مثله عند املتكلم ألنه إذا وقعت احلاجة يف العلم إىل الصفة كان االحتياج وبتقتفسري ذلك أنك إذا قلت جاءين زيد الظريف فإنك إمنا حتتاج . إليها من أجل خيفة اللبس على املخاطب

جاءين : فأنت تخشى إن قلت . واحد آخر يسمى زيدا إىل أن تصفه بالظريف إذا كان فيمن جييء إليك أهذا عنيت أم ذاك وإذا كان الغرض من : أن يلتبس على املخاطب فال يدري " الظريف " زيد ومل تقل

ألنه يؤدي إىل . ذكر الصفة إزالة اللبس والتبيني كان محاال أن تكون غري معلومة عند املخاطب وغري ثابتة . ن تروم تبيني الشيء للمخاطب بوصف هو ال يعلمه يف ذلك الشيء وذلك ما ال غاية وراءه يف الفساد أ

وإذا كان األمر كذلك كان جعل االبن صفة يف اآلية مؤديا إىل األمر العظيم وهو إخراجه عن موضع النفي عن شبه املخلوقني وعن مجيع ما يقول الظاملون علوا جل اهللا تعاىل. واإلنكار إىل موضع الثبوت واالستقرار

كبريا إن هذه قراءة معروفة والقول جبواز الوصفية يف االبن كذلك معروف ومدون يف الكتب وذلك : فإن قيل

إن : قيل يقتضي أن يكونوا قد عرفوا يف اآلية تأويال يدخل به االبن يف اإلنكار مع تقدير الوصفية فيه ولكن . القراءة كما ذكرت معروفة والقول جبواز أن يكون االبن صفة مثبت مسطور يف الكتب كما قلت

األصل الذي قدمناه من أن اإلنكار إذا لحق اخلرب دون الصفة ليس بالشيء الذي يعترض فيه شك أو االبن صفة مث يلحقه اإلنكار مع ذلك إال على تأويل غامض وهو فليس يتجه أن يكون. تتسلط عليه شبهة

إن الغرض الداللة على أن اليهود قد كان بلغ من جهلهم ورسوخهم يف هذا الشرك أهنم كانوا : أن يقال ا يف أمر صاحبهم وغلوا يف كما تقول يف قوم تريد أن تصفهم بأهنم قد استهلكو. يذكرون عزيرا هذا الذكر

إين أراهم قد اعتقدوا أمرا عظيما فهم يقولون أبدا زيد األمري تريد أنه كذلك يكون ذكرهم إذا : تعظيمه ذكروه إال أنه إمنا يستقيم هذا التأويل فيه إذا أنت مل تقدر له خربا معينا ولكن تريد أهنم كانوا ال يخبرون

رب إال كان ذكرهم له هكذا عنه خب ) وال تقولوا ثالثة انتهوا خيرا لكم : ( ومما هو من هذا الذي حنن فيه قوله تعاىل

" وال تقولوا آهلتنا ثالثة " إن التقدير : وذلك أنهم قد ذهبوا يف رفع ثالثة إىل أهنا خرب مبتدأ حمذوف وقالوا شبه - والعياذ باهللا - كان ذلك " وال تقولوا آهلتنا ثالثة : " وذلك أنا إذا قلنا . وليس ذلك مبستقيم

اإلثبات أن هاهنا آهلة من حيث إنك إذا نفيت فإمنا تنفي املعىن املستفاد من اخلرب عن املبتدأ وال تنفي معىن هو معىن اخلرب عن زيد ومل تنف معىن زيد ومل ما زيد منطلقا كنت نفيت االنطالق الذي: فإذا قلت . املبتدأ

كنا قد نفينا أن تكون عدة " وال تقولوا آهلتنا ثالثة : " وإذا كان ذلك كذلك فإذا قلنا . توجب عدمه نا ليس أمراؤ: كما أنك إذا قلت -جل اهللا تعاىل عن الشريك والنظري - اآلهلة ثالثة ومل ننف أن تكون آهلة

ثالثة كنت قد نفيت أن تكون عدة األمراء ثالثة ومل تنف أن يكون لكم أمراء هذا ما ال شبهة فيه وإذا إن صفة " ثالثة " أن تكون - واهللا أعلم -أدى هذا التقدير إىل الفساد وجب أن يعدل عنه إىل غريه والوجه

لنا آهلة ثالثة أو يف الوجود آهلة ثالثة مث حذف اخلرب الذي وال تقولوا : " مبتدأ ال خرب مبتدأ ويكون التقدير آهلة : وال تقولوا : فبقي ) ما من إله إال اهللا ( و ) ال إله إال اهللا ( أو يف الوجود كما حذف من " لنا " هو

فه ما يتوقف وليس يف حذف ما قدرنا حذ" . وال تقولوا ثالثة " ثالثة مث حذف املصوف الذي هو آهلة فبقي فمطرد يف كل ما معناه التوحيد ونفي أن " يف الوجود " أو " لنا " أما حذف اخلرب الذي قلنا إنه . يف صحته

إله -تعاىل عن ذلك - يكون مع اهللا عندي ثالثة وأنت تريد ثالثة : وذلك أنه كما يسوغ أن تقول . وأما حذف املصوف بالعدد فكذلك شائع

( عندي ثالثة وأنت تريد : كذلك يسوغ أن تقول . مث حتذف لعلمك أن السامع يعلم ما تريد . أثواب ألنه ال فصل بني أن جتعل املقصود بالعدد مميزا وبني أن جتعله موصوفا بالعدد يف أنه حيسن ) أثواب ثالثة

قصود بالعدد قد ترك ذكره مث ال تستطيع أن تقدره إال ويبين ذلك أنك ترى امل. حذفه إذا علم املراد عندي : عندي اثنان وعندي واحد يكون احملذوف هاهنا موصوفا ال حمالة حنو : موصوفا وذلك يف قولك

وال يكون مميزا البتة من حيث كانوا قد رفضوا إضافة الواحد واالثنني. رجالن اثنان وعندي درهم واحد ولذلك كان قول " . ثالثة رجال " واحد رجال واثنان رجال على حد : إل اجلنس فتركوا أن يقولوا

: - الرجز - الشاعر

... ) ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل ( : " تقدير هذا وال ميتنع أن جتعل احملذوف من اآلية يف موضع التمييز دون موضع املوصوف فتجعل ال. شاذا

وال تقولوا لنا " -واهللا أعلم - مث يكون احلكم يف اخلرب على ما مضى ويكون املعىن " وال تقولوا ثالثة آهلة " أو يف الوجود ثالثة آهلة

فذاك" وال تقولوا آهلتنا ثالثة : " فلم صار ال يلزم على هذا التقدير ما لزم على قول من قدر : فإن قلت وال تقولوا لنا أو يف الوجود آهلة ثالثة أو ثالثة آهلة كنا قد نفينا الوجود عن اآلهلة : ألنا إذا جعلنا التقدير

" وال تقولوا آهلتنا ثالثة " وإذا زعموا أن التقدير ) . وما من إله إال اهللا ( و ) ال إله إال اهللا ( كما نفيناه يف

فإن يلزم على تقديرك الفساد من : فإن قيل . تكون عدة اآلهلة ثالثة ومل ينفوا وجود اآلهلة كانوا قد نفوا أنأن يكون املعىن ليس لنا أمراء ثالثة ولكن لنا " ليس لنا أمراء ثالثة : " وجه آخر وذاك أنه جيوز إذا قلت

إن هاهنا أمرا قد أغفلته وهو أن : قيل . ديرهم مجيعا خطأ وإذا كان كذلك كان تقديرك وتق. أمريان اثنان يوجب ثبوت آهلة جل اهللا تعاىل عما يقول الظاملون علوا كبريا : قوهلم آهلتنا

ينفيه :فقيل . إن كان ال يوجبه فإنه ال ينفيه : فإن قلت . ليس لنا آهلة ال يوجب ثبوت اثنني البتة : وقولنا وإذا . فإنه كما ينفي اإلهلني كذلك ينفي اآلهلة : فإن قيل ) . إنما اهللا إله واحد : ( ما بعده من قوله تعاىل

ولكنهم إذا . ينفي اآلهلة : هو كما قلت : قيل . كان كذلك وجب أن يكون تقديرهم صحيحا كتقديرك من الشرك يقتضي إثبات آهلة - والعياذ باهللا -وكان ذلك " تنا ثالثة وال تقولوا آهل" زعموا أن التقدير

فإذا كان كذلك كان محاال أن يكون للصحة . كانوا قد دفعوا هذا النفي وخالفوه وأخرجوه إىل املناقضة حىت - تعاىل اهللا - إهلني سبيل إىل ما قالوه وليس كذلك احلال فيما قدرناه ألنا مل نقدر شيئا يقتضي إثبات

يبين لك ذلك أنه يصح لنا . يكون حالنا حال من يدفع ما يوجبه هذا الكالم من نفيهما

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي

اإلعجاز: كتاب دالئل اجلرجاين : املؤلف بن حممد لرمحن عبدا هر بن لقا بكر عبدا بو أ

وال تقولوا لنا آهلة ثالثة وال : " تفسري ذلك أنه يصح أن تقول . أن نتبع ما قدرناه نفي االثنني وال يصح هلم وال يصح هلم أن . ة وال إهلان وهذا صحيح ليس لنا آهلة ثالث: ألن ذلك يجري مجرى أن تقول " إهلان

وال تقولوا آهلتنا إهلان : ألن ذلك جيري مجرى أن يقولوا " وال تقولوا آهلتنا ثالثة وال إهلان : " يقولوا وذلك فاسد فاعرفه وأحسن تأمله

يبين . أي نعبدمها كما نعبد اهللا . ه ثالثة وال تقولوا اهللا واملسيح وأم: مث إن هاهنا طريقا آخر وهو أن تقدر وقد استقر يف العرف أهنم إذا أرادوا إحلاق ) . لقد كفر الذين قالوا إن اهللا ثالث ثالثة : ( ذلك قوله تعاىل

إذا أرادوا كما يقولون . هم ثالثة : اثنني بواحد يف وصف من األوصاف وأن جيعلومها شبيهني له قالوا . هم يعدون معدا واحدا : على هذا السبيل كأهنم يقولون . مها اثنان : إحلاق واحد بآخر وجعله يف معناه

ويوجب هلم التساوي والتشارك يف الصفة والرتبة وما شاكل ذلك مل يلزم منه إثبات اآلهلة ألنه جيري وإنه إذا كان حكاية . إن القول حكاية : واعلم أنه ال معىن ألن يقال

وذلك ألن اخلطاب يف اآلية للنصارى " . إن من دين الكفار أن يقولوا اآلهلة ثالثة : " مجرى أن تقول نما يا أهل الكتاب ال تغلوا يف دينكم وال تقولوا على اهللا إال احلق إ: ( أنفسهم أال ترى إىل قوله تعاىل

لوا ثالثة املسيح عيسى ابن مريم رسول اهللا وكلمته ألقاها إىل مرمي وروح منه فآمنوا باهللا ورسله وال تقو إذا يف معىن ال" ال تقولوا " وإذا كان اخلطاب للنصارى كان تقدير احلكاية محاال ف ) . انتهوا خيرا لكم

ما قلنا إنه يلزم من إثبات اآلهلة " وال تقولوا آهلتنا ثالثة " وإذا كان يف معىن االعتقاد لزم إذا قدر . تعتقدوا وذلك ألن االعتقاد يتعلق باخلرب ال باملخبر عنه

العدة ال عن أن يعتقد أن ال تعتقد أن األمراء ثالثة هنيته عن أن يعتقد كون األمراء على هذه : فإذا قلت ال تعتقد أن هاهنا أمراء : هذا ما ال يشك فيه عاقل وإنما يكون النهي عن ذلك إذا قلت . هاهنا أمراء

هذا ولو كان اخلطاب مع املؤمنني لكان تقدير . ال تعتقد وجود أمراء : ألنك حينئذ تصري كأنك قلت إن املؤمنني نهوا عن أن يحكوا عن النصارى مقالتهم : نه ال جيوز أن يقال ذاك أل. احلكاية ال يصح أيضا

وقالت اليهود عزير ابن اهللا وقالت ( كيف وقد قال اهللا تعاىل . وخيربوا عنهم بأنهم يقولون كيت وكيت النصارى املسيح ابن

ول املبطل ويف ترك حكايته ترك له وكفر وامتناع من النفي عليه ومن أين يصح النهي عن حكاية ق) . اهللا ألنه ال سبيل إىل شيء من ذلك إال من بعد . واإلنكار لقوله واالحتجاج عليه وإقامة الدليل على بطالنه

حكاية القول واإلفصاح به فاعرفه

بسم اهللا الرمحن الرحيم فصل

اللفظ ال املعىنيف أن الفصاحة يف

قد أردنا أن نستأنف تقريرا نزيد به الناس تبصريا أنهم يف عمياء من أمرهم حتى يسلكوا املسلك الذي سلكناه ويفرغوا خواطرهم لتأمل ما استخرجناه وأنهم ما مل يأخذوا أنفسهم بذلك ومل يجردوا عناياتهم له

يقال هلم إنكم تتلون قول . نفسه الري من السراب الالمع وخيادعها بأكاذيب املطامع يف غرور كمن يعدوقوله عز و ) قل لئن اجتمعت اإلنس واجلن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ال يأتون بمثله : ( اهللا تعاىل

اآلن أجيوز أن يكون تعاىل قد أمر : فقالوا ) . بسورة من مثله : ( وقوله ) له قل فأتوا بعشر سور مث: ( جل نبيه بأن يتحدى العرب إىل أن يعارضوا القرآن مبثله من غري أن يكونوا قد عرفوا الوصف الذي إذا أتوا

جيوز أبطلوا التحدي من : ألنهم إن قالوا " ال "بكالم على ذلك الوصف كانوا قد أتوا مبثله وال بد من مطالبة بأن يأتوا بكالم على وصف وال تصح املطالبة باإلتيان به على - كما ال خيفى -حيث إن التحدي

وذلك ألنه ال . وصف من غري أن يكون ذلك الوصف معلوما للمطالب ويبطل بذلك دعوى اإلعجاز أيضا : فال يقوم يف عقل عاقل أن يقول خلصم له . إنه كان عجز حىت يثبت معجوز عنه معلوم : ر أن يقال يتصو

أفال ترى أنه . وهو ال يشري إىل وصف يعلمه يف فعله ويراه قد وقع عليه . قد أعجزك أن تفعل مثل فعلي عملته صنعة أنت ال تستطيع مثلها مل تتجه له عليه حجة ومل إين قد أحدثت يف خاتم: لو قال رجل آلخر

يثبت به أنه قد أتى مبا يعجزه إال من بعد أن يريه اخلامت ويشري له إىل ما زعم أنه أبدعه فيه من الصنعة ألنه ال يصح وصف اإلنسان بأنه قد عجز عن شيء حىت يريد

وليس يتصور أن يقصد إىل شيء ال يعلمه وأن تكون منه إرادة . د إليه مث ال يتأتى له ذلك الشيء ويقص ألمر مل يعلمه يف مجلة وال تفصيل

. مث إن هذا الوصف ينبغي أن يكون وصفا قد جتدد بالقرآن وأمرا مل يوجد يف غريه ومل يعرف قبل نزوله قد وجب أن يعلم أنه ال جيوز أن يكون يف الكلم املفردة ألن تقدير كونه فيها يؤدي إىل وإذا كان كذلك ف

احملال وهو أن تكون األلفاظ املفردة اليت هي أوضاع اللغة قد حدث يف حذاقة حروفها وأصدائها أوصاف مل د اختصت يف أنفسها هبيئات وصفات يسمعها تكن لتكون تلك األوصاف فيها قبل نزول القرآن وتكون ق

وال جيوز . السامعون عليها إذا كانت متلوة يف القرآن ال جيدون هلا تلك اهليئات والصفات خارج القرآن أن تكون يف معاين الكلم املفردة اليت هي هلا بوضع اللغة ألنه يؤدي إىل أن يكون قد جتدد يف معىن احلمد

وهذا ما لو كان . وهكذا وصف مل يكن قبل نزول القرآن . والرب ومعىن العاملني وامللك واليوم والدين وال جيوز أن يكون هذا الوصف يف تركيب احلركات . هاهنا شيء أبعد من املحال وأشنع لكان إياه

ون كلماته على تواليها يف زنة كلمات القرآن وحىت والسكنات حىت كأنهم تحدوا إىل أن يأتوا بكالم تككأن الذي بان به القرآن من الوصف يف سبيل بينونة حبور الشعر بعضها من بعض ألنه خيرج إىل ما تعاطاه

إنا أعطيناك اجلماهر فصل لربك وجاهر والطاحنات طحنا : مسيلمة من احلماقة يف كم إن زعم زاعم أن الوصف الذي تحدوا إليه هو أن يأتوا بكالم جيعلون له مقاطع وفواصل وكذلك احل

وإنما الفواصل يف اآلي . كالذي تراه يف القرآن ألنه أيضا ليس بأكثر من التعويل على مراعاة وزن

فلو مل يكن التحدي إال إىل فصول من . هو وقد علمنا اقتدارهم على القوايف كيف . كالقوايف يف الشعر إن كانت - وقد خيل إىل بعضهم . الكالم يكون هلا أواخر أشباه القوايف مل يعوزهم ذلك ومل يتعذر عليهم

شيء من هذا حىت وضع على ما زعموا فصول كالم أواخرها كأواخر اآلي مثل - احلكاية صحيحة يعلمون

وال جيوز أن يكون اإلعجاز بأن مل يلتق يف حروفه ما يثقل على اللسان . ؤمنون وأشباه ذلك ويومجلة األمر أنه لن يعرض هذا وشبهه من الظنون ملن يعرض له إال من سوء املعرفة هبذا الشأن أو للخذالن

من نفسه أن يزعم أن الربهان الذي بان هلم واألمر ومن هذا الذي يرضى. أو لشهوة اإلغراب يف القول إن له : " الذي هبرهم واهليئة اليت مألت صدورهم والروعة اليت دخلت عليهم وأزعجتهم حتى قالوا

قع حركاته ومن إمنا كان بشيء راعهم من موا" . حلالوةوإن عليه لطالوة وإن أسفله ملغدق وإن أعاله ملثمر ترتيب بينها وبني سكناته أو لفواصل يف أواخر آياته من أين تليق هذه الصفة وهذا التشبيه بذلك أم ترى أن

إذا وقعت يف آل حم وقعت يف : " وقال " ال يتفه وال يتشان : " ابن مسعود حني قال يف صفة القرآن قال ذلك من أجل أوزان الكلمات ومن أجل الفواصل يف . أي أتتبع حماسنهن " يهم روضات دمثات أتأنق ف

ال تفىن عجائبه وال يخلق على كثرة الرد أم ترى اجلاحظ حني قال : أواخر اآليات أم ترى أهنم لذلك قالوا هم سورة واحدة لتبين له يف نظامها ولو أن رجال قرأ على رجل من خطبائهم وبلغائ" : " النبوة " يف كتاب

ولو تحدي هبا أبلغ العرب ألظهر عجزه عنها لغا ولغط . ومخرجها من لفظها وطابعها أنه عاجز عن مثلها "

انظر إىل مثل ذلك فليس كالمه هذا مما ذهبوا إليه يف شيء : ما قاله الناس يف معناها كموازنتهم بني وينبغي أن تكون موازنتهم بني بعض اآلي وبني

خطأ منهم ألنا ال نعلم حلديث التحريك " قتل البعض إحياء للجميع : " وبني ) ولكم يف القصاص حياة ( وال نعلمهم أرادوا غري ما يريده الناس إذا وازنوا بني. والتسكني وحديث الفاصلة مذهبا يف هذه املوازنة

ولوال أن الشيطان قد استحوذ على كثري من . كالم وكالم يف الفصاحة والبالغة ودقة النظم وزيادة الفائدة الناس يف هذا وأهنم بترك النظر وإمهال التدبر وضعف النية وقصر اهلمة وقد طرقوا له حىت جعل يلقي يف

هم يعطون الذي يلقيه حظا من قبوهلم ويبوؤنه مكانا من قلوهبم ملا نفوسهم كل محال وكل باطل وجعلوا بلغ من قدر هذه األقوال الفاسدة أن تدخل يف تصنيف ويعاد ويبدأ يف تبيني لوجه الفساد فيها وتعريف

أنه لو مل يكن عجزهم عن وذاك. مث إن هذه الشناعات اليت تقدم ذكرها تلزم أصحاب الصرفة أيضا معارضة القرآن وعن أن يأتوا مبثله ألنه معجز يف نفسه لكن ألن أدخل عليهم العجز عنه وصرفت هممهم

وكان حالهم على اجلملة حال من أعدم العلم بشيء قد كان يعلمه . وخواطرهم عن تأليف كالم مثله قد كان يتسع له لكان ينبغي أن ال يتعاظمهم وال يكون ومنهم ما يدل على إكبارهم وحيل بينه وينب أمر

أمره وتعجبهم منه وعلى أنه قد بهرهم وعظم كل العظم عندهم ولكان التعجب للذي دخل من العجز نب شيء قد كان عليهم سهال وأن سد دونه باب عليهم ولما رأوه من تغير حاهلم ومن أن حيل بينهم وي

إن آييت أن أضع يدي على رأسي هذه الساعة وتمنعون : " أرأيت لو أن نبيا قال لقومه . كان هلم مفتوحا كم يكون تعجب القوم أمن . وكان األمر كما قال " كلكم من أن تستطيعوا وضع أيديكم على رؤوسكم

ه يده على رأسه أم من عجزهم أن يضعوا أيديهم على رؤوسهم وضعفإذا بطل أن يكون الوصف الذي أعجزهم من القرآن يف شيء مما عددناه مل يبق : ونعود إىل النسق فنقول

صر عليها ألن ذلك وال ميكن أن جتعل االستعارة األصل يف اإلعجاز وأن يق. إال أن يكون يف االستعارة وإذا امتنع ذلك فيها . يؤدي إىل أن يكون اإلعجاز يف آي معدودة يف مواضع من السور الطوال خمصوصة

وإذا ثبت أنه يف . مل يبق إال أن يكون يف النظم والتأليف ألنه ليس من بعد ما أبطلنا أن يكون فيه إال النظم النظم

قد علمنا أن ليس النظم شيئا غري توخي معاين النحو وأحكامه فيما بني الكلم وأنا إن بقينا والتأليف وكناالدهر نجهد أفكارنا حىت نعلم للكلم املفردة سلكا ينظمها وجامعا جيمع مشلها ويؤلفها وجيعل بعضها بسبب

بنا ما كل حمال دونه من بعض غري توخي معاين النحو وأحكامه فيها طلفقد بان وظهر أن املتعاطي القول يف النظم والزاعم أنه حياول بيان املزية فيه وهو ال يعرض فيما يعيده

ويبديه للقوانني واألصول اليت قدمنا ذكرها وال يسلك إليك املسالك اليت نهجناها يف عمياء من أمره ويف ذاك ألنه إذا كان ال يكون النظم شيئا غري توخي معاين . ع من األماين واألضاليل غرور من نفسه ويف خدا

النحو وأحكامه فيما بني الكلم كان من أعجب العجب حني يزعم زاعم أنه يطلب املزية يف النظم مث ال لم يطلبها يف معاين النحو وأحكامه اليت النظم عبارة عن توخيها فيما بني الك

يقتضي إخراج ما يف القرآن من االستعارة وضروب اجملاز من مجلة ما هو به " إال النظم : " قولك : فإن قيل ليس األمر كما ظننت بل ذلك يقتضي دخول االستعارة ونظائرها فيما : قيل . معجز وذلك ما ال مساغ له

االستعارة والكناية والتمثيل وسائر ضروب اجملاز من بعدها وذلك ألن هذه املعاين اليت هي. هو به معجز ألنه ال يتصور أن يدخل شيء منها يف الكلم وهي أفراد مل . وعنها يحدث وهبا يكون . من مقتضيات النظم

ستعارة من دون يتوخ فيما بينها حكم من أحكام النحو فال يتصور أن يكون هاهنا فعل أو اسم قد دخلته االأن ال ) واشتعل الرأس شيبا : ( أفال ترى أنه إن قدر يف اشتعل من قوله تعاىل . أن يكون قد ألف مع غريه

وهكذا . منصوبا عنه على التمييز مل يتصور أن يكون مستعارا " شيبا " يكون الرأس فاعال له ويكون اعرف ذلك السبيل يف نظائر االستعارة ف

نطلب املزية ظنوا أن موضعها اللفظ بناء : واعلم أن السبب يف إن مل يقع النظر منهم موقعه أهنم حني قالوا وحني ظنوا أن موضعها ذلك واعتقدوه وقفوا على . على أن النظم نظم األلفاظ وأنه يلحقها دون املعاين

إال أهنم على ذاك مل يستطيعوا أن ينطقوا يف تصحيح هذا . امهم إىل شيء سواه اللفظ وجعلوا ال يرمون بأوهالذي ظنوه حبرف بل مل يتكلموا بشيء إال كان ذلك نقضا وإبطاال ألن يكون اللفظ من حيث هو لفظ

موضعا للمزية

طلبوها موضع ومكان تكون فيه إال معاين وإال رأيتهم قد اعترفوا من حيث مل يدروا بأن ليس للمزية اليتإن الفصاحة ال تظهر يف أفراد الكلمات وإمنا تظهر بالضم على طريقة : وذلك أهنم قالوا . النحو وأحكامه

ال يصح أن يراد به النطق باللفظة بعد اللفظة من غري اتصال يكون بني " بالنظم : " فقولهم . خمصوصة ضحك : " هما ألنه لو جاز أن يكون جملرد ضم اللفظ إىل اللفظ تأثري يف الفصاحة لكان ينبغي إذا قيل معنيي

وإذا بطل ذلك مل يبق إال أن يكون املعىن يف . فصاحة " ضحك " إىل " خرج " أن حيدث من ضم " خرج على طريقة خمصوصة يوجب : وقولهم . النحو فيما بينهما ضم الكلمة إىل الكلمة توخي معنى من معاين

معنى وهذا سبيل كل ما قالوه إذا -إذا أنت أردت جمرد اللفظ - ذلك أيضا وذلك أنه ال يكون للطريقة يشعروا ذلك ألنه أنت تأملته تراهم يف اجلميع قد دفعوا إىل جعل املزية يف معاين النحو وأحكامه من حيث مل

أمر ضروري ال ميكن اخلروج منه وهذا كالم إذا تأملته . إن املعاين ال تتزايد وإنما تتزايد األلفاظ : ومما جتدهم يعتمدونه ويرجعون إليه قولهم

ن توخي معاين النحو مل جتد له معنى يصح عليه غري أن جتعل تزايد األلفاظ عبارة عن املزايا اليت حتدث م وأحكامه فيما بني الكلم ألن التزايد يف األلفاظ من حيث هي ألفاظ ونطق لسان حمال

وحمال أن يكون . مث إنا نعلم أن املزية املطلوبة يف هذا الباب مزية فيما طريقه الفكر والنظر من غري شبهة اللهم إال أن تريد تأليف النغم وليس ذلك مما حنن . بط بالفكر ويستعان عليها بالروية اللفظ له صفة تستن

ومن هاهنا مل يجز إذا عدت الوجوه اليت تظهر هبا املزية أن يعد فيها اإلعراب وذلك أن العلم . فيه بسبيل فليس أحدهم بأن . يستنبط بالفكر ويستعان عليه بالروية باإلعراب مشترك بني العرب كلهم وليس هو مما

إعراب الفاعل حيتاجون فيه إىل حدة ذهن وقوة خاطر إمنا الذي تقع احلاجة فيه إىل ذلك العلم مبا يوجب وكقول الفرزدق ) تجارتهم فما ربحت: ( الفاعلية للشيء إذا كان إجيابها من طريق اجملاز كقوله تعاىل

... ) سقتها خروق يف املسامع ( وليس يكون هذا علما . وأشباه ذلك مما يجعل الشيء فيه فاعال على تأويل يدق ومن طريق تلطف

يكون املتكلم قد ومن مث ال جيوز لنا أن نعتد يف شأننا هذا بأن. باإلعراب ولكن بالوصف املوجب لإلعراب استعمل من اللغتني يف الشيء ما يقال إنه أفصحهما وبأن يكون قد حتفظ مما ختطىء فيه العامة ال بأن يكون

قد استعمل الغريب ألن العلم جبميع ذلك ال يعدو أن يكون علما باللغة بأنفس الكلم املفردة ومبا طريقه ولئن كانت العامة وأشباه العامة ال يكادون . ليه بالنظر ويوصل إليه بإعمال الفكر احلفظ دون ما يستعان ع

وأنت تزعم . يعرفون الفصاحة غري ذلك فإن من ضعف النحيزة إخطار مثله يف الفكر وإجراءه يف الذكر " واهلاء من " الشمع " اروا الفتح يف امليم من أنك ناظر يف دالئل اإلعجاز أترى أن العرب تحدوا أن خيت

أو إىل أن يأتوا بالغريب " هذا يسوى ألفا " وأن يتحفظوا من ختليط العامة يف مثل . على اإلسكان " النهر الوحشي يف الكالم معارضون به القرآن كيف وأنت تقرأ السورة من السور الطوال فال جتد فيها من

الغريب شيئا وتأمل ما مجعه العلماء يف غريب القرآن فترى الغريب منه إال يف القليل إمنا كان غريبا من أجل فاصدع بما تؤمر : ( ومثل ) خلصوا نجيا : ( ومثل ) وأشربوا يف قلوبهم العجل : ( استعارة هي فيه كمثل

( و ) عجل لنا قطنا : ( إمنا ترى ذلك يف كلمات معدودة كمثل . اللفظة غريبة يف نفسها دون أن تكون ) ) جعل ربك تحتك سريا ( و ) ذات ألواح ودسر

ذاك ألنه .مث إنه لو كان أكثر ألفاظ القرآن غريبا لكان محاال أن يدخل يف اإلعجاز وأن يصح التحدي به فلو . ال يخلو إذا وقع التحدي به من أن يتحدى من له علم بأمثاله من الغريب أو من ال علم له بذلك

أال ترى أنه ال يتعذر عليك إذا أنت عرفت ما جاء . تحدي به من يعلم أمثاله مل يتعذر عليه أن يعارضه مبثله وإذا " . الشوذب : " بأن تقول أنت " الشوقب " أن تعارض من يقول -الطويل -معىن من الغريب يف

ولو تحدي به من ال علم له بأمثال ما فيه من . وعلى هذا السبيل " األشق : " أن تقول " األمق : " قال الترك الغريب كان ذلك مبنزلة أن يتحدى العرب إىل أن يتكلموا بلسان

هذا وكيف بأن يدخل الغريب يف باب الفضيلة وقد ثبت عنهم أهنم كانوا يرون الفضيلة يف ترك استعماله إنه كان ال يعاظل بين القول وال يتتبع حوشي : أفال ترى إىل قول عمر رضي اهللا عنه يف زهري . وجتنبه و الغريب من غري شبهة إىل املعاظلة اليت هي التعقيد فقرن تتبع احلوشي وه. الكالم

ورأيت الناس يتداولون رسالة حيىي بن يعمر عن لسان يزيد بن : وقال اجلاحظ يف كتاب البيان والتبيني طان وبتنا إنا لقينا العدو فقتلنا طائفة وحلقت طائفة بعراعر األودية وأهضام الغي: " املهلب إىل احلجاج

: فحمل إليه فقال . ما يزيد بأيب عذر هذا الكالم : فقال احلجاج " . بعرعرة اجلبل وبات العدو حبضيضه : باألهواز : أين ولدت فقال

ورأيتهم يديرون يف كتبهم أن امرأة خاصمت: قال . أخذتها عن أيب : فأنى لك هذه الفصاحة قال : فقال إن سألتك مثن شكرها وشبرك أنشأت تطلها : فقال له حيىي . زوجها إىل حيىي بن يعمر فانتهرها مرارا

وإن كانوا قد رووا هذا الكالم لكي يدل على فصاحة وبالغة فقد باعده اهللا من صفة : وتضهلها مث قال البالغة والفصاحة نظرت وجدت سبب الفساد واحدا وهو ظنهم الذي ظنوه يف اللفظ وجعلهم األوصاف واعلم أنك كلما

وتركهم أن مييزوا بني ما كان وصفا له يف . اليت تجري عليه كلها أوصافا له يف نفسه ومن حيث هو لفظ وملا كان هذا دأبهم مث رأوا الناس وأظهر . نفسه وينب ما كانوا قد أكسبوه إياه من أجل أمر عرض يف معناه

تقومي اإلعراب والتحفظ من اللحن مل يشكوا أنه ينبغي أن يعتد به يف مجلة : شيء عندهم يف معىن الفصاحة ها وذهب عنهم أن ليس هو من الفصاحة اليت يعنينا أمر. املزايا اليت يفاضل هبا بني كالم وكالم يف الفصاحة

وإن كالمنا يف فصاحة جتب للفظ ال من أجل شيء يدخل يف النطق ولكن من أجل لطائف تدرك . يف شيء وإنا نعترب يف شأننا هذا فضيلة جتب ألحد الكالمني على اآلخر من بعد أن يكونا قد برئا من اللحن . بالفهم

أنا إذا نظرنا يف اإلعراب وجدنا التفاضل فيه حماال ألنه ال ومن العجب. وسلما يف ألفاظهما من اخلطأ يتصور أن يكون للرفع والنصب يف كالم مزية عليهما يف كالم آخر وإمنا الذي يتصور أن يكون هاهنا

ا على وكالمان قد استمر أحدمه. كالمان قد وقع يف إعراهبما خلل مث كان أحدمها أكثر صوابا من اآلخر وال يكون هذا تفاضال يف اإلعراب ولكن تركا له يف شيء واستعماال له يف . الصواب ومل يستمر اآلخر

آخر فاعرف ذلك ومجلة األمر أنك ال ترى ظنا هو أنأى بصاحبه عن أن يصح له كالم أو يستمر له نظام أو تثبت له قدم أو

حال فم من ظنهم هذا الذي حام هبم حول اللفظ وجعلهم ال يعدوهنوال يرون للمزية مكانا ينطق منه إال بامل دونه

واعلم أنه قد يجري يف العبارة منا شيء هو يعيد الشبهة جذعة عليهم وهو أنه يقع

صفة املعىن البتة ألنا نرى الناس قاطبة يف كالمنا أن الفصاحة تكون يف املعىن دون اللفظ ونراها ال تدخل يفهذا معىن فصيح وهذه معان فصاح : وال نرى عاقال يقول . هذا لفظ فصيح وهذه ألفاظ فصيحة : يقولون

: " كما أنه ملا كان احلسن يكون فيه قيل . ولو كانت الفصاحة تكون يف املعىن لكان ينبغي أن يقال ذاك . وهذا شيء يأخذ من الغر مأخذا " . سن وهذه معان حسنة هذا معنى ح

إن الفصاحة تكون يف املعىن أن املزية اليت من أجلها استحق : إن غرضنا من قولنا : واجلواب عنه أن يقال ناه لكان ينبغي إذا قلنا ولو قيل إهنا تكون فيه دون مع. اللفظ الوصف بأنه فصيح عائدة يف احلقيقة إىل معناه

ومعلوم أن األمر خبالف ذلك فإنا نرى . يف اللفظة إهنا فصيحة أن تكون تلك الفصاحة واجبة هلا بكل حال اللفظة تكون يف غاية الفصاحة يف موضع ونراها بعينها فيما ال يحصى من املواضع وليس فيها من الفصاحة

إمنا كان كذلك ألن املزية اليت من أجلها نصف اللفظ يف شأننا هذا بأنه فصيح مزية حتدث و. قليل وال كثري وهذا شيء إن أنت طلبته فيها وقد جئت . من بعد أن ال تكون وتظهر يف الكلم من بعد أن يدخلها النظم

طلبت محاال هبا أفرادا مل ترم فيها نظما ومل حتدث هلا تأليفاوعبارة أخرى يف هذا . وإذا كان كذلك وجب أن يعلم قطعا وضرورة أن تلك املزية يف املعىن دون اللفظ

قد علمنا علما ال تعترض معه شبهة أن الفصاحة فيما حنن فيه عبارة عن مزية هي : بعينه وهي أن يقال كان كذلك فينبغي لنا أن ننظر إىل املتكلم هل يستطيع أن يزيد من عند وإذا. باملتكلم دون واضع اللغة

نفسه يف اللفظ شيئا ليس هو له يف اللغة حىت جيعل ذلك من صنيعه مزية يعرب عنها بالفصاحة وإذا نظرنا عل ذلك أفسد كيف وهو إن ف. وجدناه ال يستطيع أن يصنع باللفظ شيئا أصال وال أن يحدث فيه وصفا

عل نفسه وابطل أن يكون متكلما ألنه ال يكون متكلما حىت يستعمل أوضاع لغة على ما وضعت هي عليه وكنا قد اجتمعنا على أن . وإذا ثبت من حاله أنه ال يستطيع أن يصنع باأللفاظ شيئا ليس هو هلا يف اللغة .

هي باملتكلم البتة وجب أن نعلم قطعا وضرورة أنهم وإن كانوا قد الفصاحة فيما حنن فيه عبارة عن مزيةجعلوا الفصاحة يف ظاهر االستعمال من صفة اللفظ فإنهم مل جيعلوها وصفا له يف نفسه ومن حيث هو

ه يف اللفظ شيئا مل صدى صوت ونطق لسان ولكنهم جعلوها عبارة عن مزية أفادها املتكلم وملا مل تزد إفادت يبق إال أن تكون عبارة

عن مزية يف املعىن ومجلة األمر أنا ال نوجب الفصاحة للفظة مقطوعة مرفوعة من الكالم الذي هي فيه ولكنا نوجبها هلا

واشتعل الرأس : ( تعاىل من قوله" اشتعل " فإذا قلنا يف لفظة . موصولة بغريها ومعلقا معناها مبعىن ما يليها

إهنا يف أعلى املرتبة من الفصاحة مل نوجب تلك الفصاحة هلا وحدها ولكن موصوال هبا الرأس معرفا ) : شيبا باأللف والالم ومرونا إليها الشيب منكرا منصوبا فأما ما . وجب الفصاحة للفظة وحدها فيما كان استعارة هذا وإمنا يقع ذلك يف الوهم ملن يقع له أعين أن ت

أفال ترى أنه ال يقع يف . خال من االستعارة من الكالم الفصيح البليغ فال يعرض توهم ذلك فيه لعاقل أصال يهم هم العدو فاحذرهم يحسبون كل صيحة عل: ( نفس من يعقل أدىن شيء إذا هو نظر إىل قوله عز وجل

إهنا فصيحة : وإىل إكبار الناس شأن هذه اآلية يف الفصاحة أن يضع يده على كلمة كلمة منها فيقول ) . : كيف وسبب الفصاحة فيها أمور ال يشك عاقل يف أهنا معنوية

أن كانت اجلملة اليت : والثاين . فعول الثاين فيها متعلقة مبحذوف يف موضع امل" على " أن كانت : أولها ولو . هم عدو : التعريف يف العدو وأن مل يقل : والثالث . بعدها عارية من حرف عطف " هم العدو " هي

حرف عطف وأسقطت األلف " هم العدو " بظاهر وأدخلت على اجلملة اليت هي " على " أنك علقت حيسبون كل صيحة واقعة عليهم وهم عدو لرأيت الفصاحة قد ذهبت عنها : فقلت والالم من العدو

متعلقا بنفس الصيحة ويكون حاله معها كحاله إذا " عليهم " ولو أنك أخطرت ببالك أن يكون . بأسرها هو الفيصل ملن عقل وهذا. صحت عليه ألخرجته عن أن يكون كالما فضال عن أن يكون فصيحا : قلت

ما مسعت كلمة عربية من : ومن العجيب يف هذا ما روي عن أمري املؤمنني علي رضوان اهللا عليه أنه قال مات حتف : " ومسعته يقول . العرب إال ومسعتها من رسول اهللا

ظ بالعريب يف مثل هذا يكون يف معىن الوصف ال شبهة يف أن وصف اللف. وما مسعتها من عريب قبله " أنفه وإذا كان األمر كذلك فانظر هل يقع يف وهم متوهم أن يكون رضي اهللا عنه قد جعلها عربية . بأنه فصيح

من أجل ألفاظها وإذا نظرت مل تشك يف ذلك ألفاظ وعبارات ال يصح هلا معىن سوى واعلم أنك جتد هؤالء الذين يشكون فيما قلناه جتري على ألسنتهم

فمن ذلك ما يقوله الناس . مث تراهم ال يعلمون ذلك . توخي معاين النحو وأحكامه فيما بني معاين الكلم وإذا رجعنا إىل أنفسنا مل جند لذلك معنى سوى أنه . قاطبة من أن العاقل يرتب يف نفسه ما يريد أن يتكلم به

د إىل قولك ضرب فيجعله خربا عن زيد وجيعل الضرب الذي أخرب بوقوعه منه واقعا عل عمرو وجيعل يقصضرب زيد : يوم اجلمعة زمانه الذي وقع فيه وجيعل التأديب غرضه الذي فعل الضرب من أجله فيقول

ولو أنك . لنحو فيما بني معاين هذه الكلم وهذا كما ترى هو توخي معاين ا. عمرا يوم اجلمعة تأديبا له أن جتعله خربا عن زيد ويف عمرو أن جتعله مفعوال به لضرب ويف يوم " : ضرب " فرضت أن ال تتوخى يف

اجلمعة أن جتعله زمانا هلذا الضرب ويف التأديب أن جتعله غرض زيد من فعل الضرب ما تصور يف عقل وال وإذ قد عرفت ذلك فهو العربة يف الكالم كله فمن ظن ظنا يؤدي . هم أن تكون مرتبا هلذه الكلم وقع يف و

إىل خالفه ظن ما خيرج به عن املعقول ومعلوم علم . ومن ذلك إثباتهم التعلق واالتصال فيما بني الكلم وصواحبها تارة ونفيهم هلما أخرى

. تصور أن يكون للفظة تعلق بلفظة أخرى من غري أن تعترب حال معىن هذه مع معىن تلك الضرورة أن لن ي

وكيف بالشك : قفا نبك : جوابا لألمر يف قوله " نبك " ويراعى هناك أمر يصل إحدامها بأخرى كمراعاة فاظ ومع اطراح النظر يف معانيها ألدى ولو كانت األلفاظ يتعلق بعضها ببعض من حيث هي أل. يف ذلك

ذلك إىل أن يكون الناس حني ضحكوا مما يصنعه املجان من قراء أنصاف الكتب ضحكوا عن جهالة وأن : يكون أبو متام قد أخطأ حني قال

)قرأت به الورهاء شطر كتاب ... عذال شبيها باجلنون كأنما ( ألنهم مل يضحكوا إال من عدم التعلق ومل جيعله أبو متام جنونا إال لذلك فانظر إىل ما يلزم هؤالء القوم من

طرائف األمور فصل وهذا فن من االستدالل لطيف على بطالن أن تكون الفصاحة صفة للفظ من حيث هو لفظ

تكون صفة يف اللفظ حمسوسة تدرك بالسمع أو تكون صفة فيه معقولة تعرف ال ختلو الفصاحة من أنفمحال أن تكون صفة اللفظ حمسوسة ألهنا لو كانت كذلك لكان ينبغي أن يستوي السامعون . بالقلب

بأهنا صفة معقولة وإذا بطل أن تكون حمسوسة وجب احلكم ضرورة. للفظ الفصيح يف العلم بكونه فصيحا وإذا وجب احلكم بكونها صفة معقولة فإنا ال نعرف للفظ صفة يكون طريق معرفتها العقل دون احلس إال .

وإذا كان كذلك لزم منه العلم بأن وصفنا اللفظ بالفصاحة وصف له من جهة معناه ال . داللته على معناه ذا ما ال يبقى لعاقل معه عذر يف الشك واهللا املوفق للصواب وه. من جهة نفسه

فصل يف أن الفصاحة يف الكلمة ال يف حروفها

فإنه ال يجد الفصاحة اليت جيدها ) واشتعل الرأس شيبا : ( وبيان آخر وهو أن القارىء إذا قرأ قوله تعاىل لكان ينبغي أن يحسها " اشتعل " فلو كانت الفصاحة صفة للفظ . الكالم إىل آخره إال من بعد أن ينتهي

. القارىء فهي حال نطقه به فمحال أن تكون للشيء صفة مث ال يصح العلم بتلك الصفة إال من بعد عدمه صارت موجودة فيه وهل سمع ومن ذا رأى صفة يعرى موصوفها عنها يف حال وجوده حىت إذا عدم

السامعون يف قدمي الدهر وحديثه بصفة شرط حصوهلا ملوصوفها أن يعدم املوصوف فإن قالوا إن الفصاحة تكون فيه يف حال نطقنا به إال أنا نعلم يف تلك احلال أهنا فيه فإذا بلغنا آخر " اشتعل " اليت ادعيناها للفظ

هذا فن آخر من العجب وهو أن تكون هاهنا صفة : قيل . حينئذ أهنا كانت فيه حني نطقنا الكالم علمنا موجودة يف شيء مث ال يكون يف اإلمكان وال يسع يف اجلواز أن نعلم وجود تلك الصفة يف ذلك الشيء إال

حىت يعدم فإذا عدم علمنا أهنا كانت فيه حني كان ويكون العلم هبا وبكوهنا فيه حمجوبا عنا. بعد أن يعدم مث إنه ال شبهة يف أن هذه الفصاحة اليت يدعوهنا للفظ هي مدعاة جملموع الكلمة دون آحاد حروفها إذ ليس

لى حدته فصاحة فيجعلوا الشني ع" اشتعل " يبلغ هبم هتافت الرأي إىل أن يدعوا لكل واحد من حروف وإذا كانت الفصاحة مدعاة جملموع الكلمة مل يتصور حصولها هلا إال . فصيحا وكذلك التاء والعني والالم

ذلك ألنه ال يتصور أن تدخل احلروف جبملتها يف النطق . من بعد أن تعدم كلها وينقضي أمر النطق هبا ة فيها يف حال وجودها وما بعد هذا إال أن نسأل اهللا تعاىل العصمة دفعة واحدة حىت جتعل الفصاحة موجود

فقد بلغ األمر يف الشناعة إىل حد إذا انتبه العاقل لف رأسه حياء من العقل حني يراه قد قال قوال . والتوفيق لفصاحة صفة اللفظ من حيث هو لفظ وما مثل من يزعم أن ا. هذا مؤداه وسلك مسلكا إىل هذا مفضاه

ونطق لسان مث يزعم أنه يدعيها جملموع حروفه دون آحادها إال مثل من يزعم أن هاهنا غزال إذا نسج منه ثوب كان أمحر وإذا فرق ونظر إليه خيطا خيطا مل تكن فيه محرة أصال

هم ال ينكرون أن اللفظ املستعار إذا كان فصيحا كانت فصاحته تلك من ومن طريف أمرهم أنك ترى كافتوتراهم مع ذلك ال يشكون يف أن االستعارة ال تحدث يف . أجل استعارته ومن أجل لطف وغرابة كانا فيها

وأن . على حقيقته حروف اللفظ صفة وال تغير أجراسها عما تكون عليه إذا مل يكن مستعارا وكان متروكاكيف وهم يعتقدون أن اللفظ إذا استعري لشيء نقل عن معناه . التأثري من االستعارة إمنا يكون يف املعىن

وإذا كان األمر كذلك فلوال إمهالهم أنفسهم وتركهم النظر لقد كان يكون يف هذا . الذي وضع له بالكلية يكشف الغطاء عن أعينهم ما يوقظهم من غفلتهم و

فصل عالقة الفكر مبعاين النحو

ومما ينبغي أن يعلمه اإلنسان وجيعله على ذكر أنه ال يتصور أن يتعلق الفكر مبعاين الكلم أفرادا وجمردة من ن يريد إعماله يف معاين النحو فال يقوم يف وهم وال يصح يف عقل أن يتفكر متفكر يف معىن فعل من غري أ

أو يريد منه . وال أن يتفكر يف معىن اسم من غري أن يريد إعمال فعل فيه وجعله فاعال له أو مفعوال . اسم وإن . حكما سوى ذلك من األحكام مثل أن يريد جعله مبتدأ أو خربا أو صفة أو حاال أو ما شاكل ذلك

إىل أي كالم شئت وأزل أجزاءه عن مواضعها وضعها وضعا ميتنع معه أردت أن ترى ذلك عيانا فاعمد : دخول شيء من معاين النحو فيها فقل يف

... ) قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ( مث انظر هل يتعلق منك فكر مبعىن كلمة منها " من نبك قفا حبيب ذكرى منزل "

ت أقول إن الفكر ال يتعلق مبعاين الكلم املفردة أصال ولكين أقول إنه ال يتعلق هبا جمردة من واعلم أين لسوإال فإنك . معاين النحو ومنطوقا هبا على وجه ال يتأتى معه تقدير معاين النحو وتوخيها فيها كالذي أريتك

رب بأحدهما عن الشيء أيهما أوىل أن تخرب به عنه وأشبه إذا فكرت يف الفعلني أو االمسني تريد أن ختبغرضك مثل أن تنظر أيهما أمدح وأذم أو فكرت يف الشيئني تريد أن تشبه الشيء بأحدمها أيهما أشبه به

توخيت فيها من معاين إال أن فكرك ذلك مل يكن إال من بعد أن . كنت قد فكرت يف معاين أنفس الكلم النحو وهو أن أردت جعل االسم الذي فكرت فيه خربا عن شيء أردت فيه مدحا أو ذما أو تشبيها أو غري

ومل تجىء إىل فعل أو اسم فكرت فيه فردا ومن غري أن كان لك قصد أن جتعله خربا . ذلك من األغراض : -الطويل - وإن أردت مثاال فخذ بيت بشار . أو غري خرب فاعرف ذلك

) وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه ... كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ( وانظر هل يتصور أن يكون بشار قد أخطر معاين هذا الكلم بباله أفرادا عارية من معاين النحو اليت تراها

يف نفسه من غري أن يكون قصد إيقاع التشبيه منه على شيء وأن يكون " : كأن " فيها وأن يكون قد وقع من غري أن " فوق رؤوسنا " من غري أن يكون أراد إضافة األول إىل الثاين وفكر يف " مثار النقع " فكر يف

" كون أراد عطفها بالواو على إىل الرؤوس ويف األسياف من دون أن ي" فوق " يكون قد أراد أن يضيف من دون أن يكون " الليل " ويف الواو من دون أن يكون أراد العطف هبا وأن يكون ذلك فكر يف " مثار

من دون أن يكون أراد أن جيعل هتاوى فعال للكواكب مث " تهاوى كواكبه " أراد أن جيعله خربا لكأن ويف لليل ليتم الذي أراد من التشبيه أم مل ختطر هذه األشياء بباله إال مرادا فيه هذه األحكام جيعل اجلملة صفة

واملعاين اليت تراها فيها وليت شعري كي يتصور وقوع قصد منك إىل معىن كلمة من دون أن تريد تعليقها

علم السامع هبا شيئا ال يعلمه ومعلوم أنك أيها املتكلم مبعىن كلمة أخرى ومعىن القصد إىل معاين الكلم أن تخرج زيد لتعلمه معىن خرج يف : لست تقصد أن تعلم السامع معاين الكلم املفردة اليت تكلمه هبا فال تقول

ن الفعل وحده اللغة ومعىن زيد كيف وحمال أن تكلمه بألفاظ ال يعرف هو معانيها كما تعرف وهلذا مل يكومل تأت " خرج : " وكنت لو قلت . من دون االسم وال االسم وحده من دون اسم آخر أو فعل كالما

زيد ومل تأت بفعل وال اسم آخر ومل تضمره يف نفسك كان : باسم وال قدرت فيه ضمري الشيء أو قلت ذلك وصوتا تصوته سواء فاعرفه

أن مثل واضع الكالم مثل من يأخذ قطعا من الذهب أو الفضة فيذيب بعضها يف بعض حىت تصري واعلم ضرب زيد عمرا يوم اجلمعة ضربا شديدا تأديبا له فإنك حتصل من : وذلك أنك إذا قلت . قطعة واحدة

وذلك ألنك مل تأت . عان كما يتوهمه الناس جمموع هذه الكلم كلها على مفهوم هو معىن واحد ال عدة موبني " ضرب " هبذه الكلم لتفيده أنفس معانيها وإمنا جئت هبا لتفيده وجوه التعلق اليت بني الفعل الذي هو

" فعولية من وإذا كان األمر كذلك فينبغي لنا أن ننظر يف امل. ما عمل فيه واألحكام اليت هي حمصول التعلق . وكون يوم اجلمعة زمانا للضرب وكون الضرب ضربا شديدا وكون التأديب علة للضرب " عمرو

إىل زيد وإثبات الضرب " ضرب " أيتصور فيها أن تفرد عن املعىن األول الذي هو أصل الفائدة وهو إسناد كون يوم اجلمعة مفعوال فيه وكون ضربا شديدا مصدرا وكون به له حىت يعقل كون عمرو مفعوال به و

التأديب مفعوال له من غري أن خيطر ببالك كون زيد فاعال للضرب وإذا نظرنا وجدنا ذلك ال يتصور ألن لك عمرا مفعول لضرب وقع من زيد عليه ويوم اجلمعة زمان لضرب وقع من زيد وضربا شديدا بيان لذ

وإذا كان ذلك كذلك بان منه . الضرب كيف هو وما صفته واألديب علة له وبيان أنه كان الغرض منه وثبت أن املفهوم من جمموع الكلم معنى واحد ال عدة معان وهو إثباتك زيدا فاعال ضربا لعمرو يف وقت

ه كالم واحد إن: وهلذا املعىن تقول . كذا وعلى صفة كذا ولغرض كذا وإذ قد عرفت هذا فهو العربة أبدا فبيت بشار إذا تأملته وجدته كاحللقة املفرغة اليت ال تقبل التقسيم ورأيته قد صنع يف الكلم اليت فيه ما يصنعه الصانع حني يأخذ كسرا من الذهب فيذيبها مث يصبها يف قالب وخيرجها

وإن أنت حاولت قطع . اال لك سوارا أو خلخ

وذلك أنه مل يرد أن يشبه النقع . بعض ألفاظ البيت عن بعض كنت كمن يكسر احللقة ويفصم السوار ولكنه أراد أن يشبه النقع واألسياف جتول فيه بالليل يف . بالليل على حدة واألسياف بالكواكب على حدة

تتهاوى فيه حال ما تنكدر الكواكب وفانظر اآلن ما تقول يف احتاد هذه . فاملفهوم من اجلميع مفهوم واحد والبيت من أوله إىل آخره كالم واحد

إن معانيها اتحدت : إن ألفاظها اتحدت فصارت لفظة واحدة أم تقول : الكلم اليت هي أجزاء البيت أتقول ظة واحدة فإن كنت ال تشك أن االحتاد الذي تراه هو يف املعاين إذ فصارت ألفاظ من أجل ذلك كأنها لف

كان من فساد العقل ومن الذهاب يف اخلبل أن يتوهم متوهم أن األلفاظ يندمج بعضها يف بعض حىت تصري ألفاظها وأن أن النظم يكون يف معاين الكلم دون - إن مل تكابر عقلك -فقد أراك ذلك . لفظة واحدة

وذلك أنه إذا ثبت االحتاد وثبت أنه يف املعاين فينبغي أن تنظر إىل الذي . نظمها هو توخي معاين النحو فيها وإذا نظرنا مل جندها احتدت إال بأن جعل مثار النقع اسم كأن وجعل . به اتحدت املعاين يف بيت بشار

معموال ملثار ومعلقا به وأشرك األسياف يف كأن بعطفه هلا على مثار مث " فوق رؤوسنا " الظرف الذي هو " هتاوى كواكبه له صفة مث جعل جمموع : ليل هتاوى كواكبه فأتى بالليل نكرة وجعل مجلة قوله : بأن قال

الحتاد به غري ما عددناه وهل تعرف له موجبا فانظر هل ترى شيئا كان ا. خربا لكأن " ليل هتاوى كواكبه سواه فلوال اإلخالد إىل اهلوينا وترك النظر وغطاء ألقي على عيون أقوام لكان ينبغي أن يكون يف هذا وحده

األباطيل واعلم أن الذي هو آفة هؤالء الذي لهجوا ب. ونسأل اهللا تعاىل التوفيق . الكفاية وما فوق الكفاية يف أمر اللفظ أنهم قوم قد أسلموا أنفسهم إىل التخيل وألقوا مقادتهم إىل ا ألوهام حىت عدلت هبم عن الصواب كل معدل ودخلت هبم من فحش الغلط يف كل مدخل وتعسفت هبم يف كل مجهل وجعلتهم

إنه ال : حىت إنك لو قلت هلم . كل محال ويقتحمون يف كل جهالة يرتكبون يف نصرة رأيهم الفاسد القول ب يتأتى للناظم نظمه إال بالفكر والروية فإذا جعلتم النظم يف األلفاظ

يف نظم الكالم فكرا يف األلفاظ اليت يريد أن - إذا هو فكر - لزمكم من ذلك أن جتعلوا فكر اإلنسان ن املعاين مل يبالوا أن يرتكبوا ذلك وأن يتعلقوا فيه مبا يف العادة ومجرى اجلبلة من أن اإلنسان ينطق هبا دو

يخيل إليه إذا هو فكر أنه كان ينطق يف نفسه باأللفاظ اليت يفكر يف معانيها حىت يرى أن يسمعها مساعه هلا هذا جتاهل ألن سبيل ذلك سبيل إنسان يتخيل دائما يف و. حني خيرجها من فيه وحني يجري هبا اللسان

فكما ال يوجب هذا أن يكون . وأن مثاله نصب عينيه . الشيء قد رآه وشاهده أنه كأنه يراه وينظر إليه كون رائيا له وأن يكون الشيء موجودا يف نفسه كذلك ال يكون ختيله أنه كان ينطق باأللفاظ موجبا أن ي

مث إنا نعلم أنه ينطق . وأن تكون موجودة يف نفسه حىت جيعل ذلك سببا إىل جعل الفكر فيها . ناطقا هبا فمن أين لنا أنه إذا فكر كان الفكر منه فيها أم ماذا يروم . باأللفاظ يف نفسه وأنه جيدها فيها على احلقيقة

كر من اإلنسان يكون يف أن يخبر عن شيء بشيء أو يصف شيئا ليت شعري بذلك الفكر ومعلوم أن الفبشيء أو يضيف شيئا إىل شيء أو يشرك شيئا يف حكم شيء أو خيرج شيئا من حكم قد سبق منه لشيء أو

زائدة وهذا كله فكر يف أمور معلومة معقولة . جيعل وجود شيء شرطا يف وجود شيء وعلى هذا السبيل

على اللفظ إما أن يخرج هذه املعاين من : وإذا كان هذا كذلك مل خيل هذا الذي يجعل يف األلفاظ فكرا من أحد أمرين

وإما أن جيعل له فكرا يف اللفظ مفردا عن . أن يكون لواضع الكالم فيها فكر وجيعل الفكر كله يف األلفاظ اين فإن ذهب إىل األول مل يكلم وإن ذهب إىل الثاين لزمه أن جيوز وقوع فكر من الفكرة يف هذه املع

األعجمي الذي ال يعرف معاين ألفاظ العربية أصال يف األلفاظ وذلك مما ال يخفى مكان الشنعة والفضيحة فيه

مع فإذا رأى املعاين ال تترتب يف نفسه إال وشبيه هبذا التوهم منهم أنك قد ترى أحدهم يعترب حال السابترتب األلفاظ يف مسعه ظن عند ذلك أن املعاين تبع لأللفاظ وأن الترتب فيها مكتسب من األلفاظ ومن

لف وهذا ظن فاسد ممن يظنه فإن االعتبار ينبغي أن يكون حبال الواضع للكالم واملؤ. ترتبها يف نطق املتكلم وإذا نظرنا علمنا ضرورة أنه محال أن يكون . والواجب أن ينظر إىل حال املعاين معه ال مع السامع . له

الترتب فيها تبعا لترتب األلفاظ ومكتسبا عنه ألن ذلك يقتضي أن تكون األلفاظ سابقة للمعاين وأن تقع يف

املعاين من بعدها وتالية هلا بالعكس مما يعلمه كل عاقل إذا هو مل يأخذ عن نفسه نفس اإلنسان أوال مث تقعوليت شعري هل كانت األلفاظ إال من أجل املعاين وهل هي إال خدم . ومل يضرب حجاب بينه وبني عقله

دل عليها فكيف يتصور أن تسبق هلا ومصرفة على حكمها أو ليست هي مسات هلا وأوضاعا قد وضعت لتاملعاين وأن تتقدمها يف تصور النفس إن جاز ذلك جاز أن تكون أسامي األشياء قد وضعت قبل أن عرفت

وما أدري ما أقول يف شيء جير الذاهبني إليه إىل أشباه هذا من فنون املحال . األشياء وقيل أن كانت لو كان النظم يكون يف معاين النحو : قالوا : وهذا سؤال هلم من جنس آخر يف النظم ! ل ورديء األقوا

. لكان البدوي الذي مل يسمع بالنحو قط ومل يعرف املبتدأ واخلرب وشيئا مما يذكرونه ال يتأتى له نظم كالم هذه شبهة من جنس ما عرض للذين : قيل . يف علم النحو وإنا لنراه يأيت يف كالمه بنظم ال يحسنه املتقدم

إنا نعلم أن الصحابة رضي اهللا عنهم والعلماء يف الصدر األول مل يكونوا يعرفون : عابوا املتكلمني فقالوا الداللة على فإن كان ال تتم. اجلوهر والعرض وصفة النفس وصفة املعىن وسائر العبارات اليت وضعتموها

حدوث العامل والعلم بوحدانية اهللا إال مبعرفة هذه األشياء اليت ابتدأتموها فينبغي لكم أن تدعوا أنكم قد وجوابنا هو مثل جواب املتكلمني وهو . علمتم يف ذلك ما مل يعلموه وأن منزلتكم يف العلم أعلى من منازهلم

جاءين زيد : لول العبارات ال مبعرفة العبارات فإذا عرف البدوي الفرق بني أن يقول أن االعتبار مبعرفة مدكانت عبارة النحويني " راكبا : " جاءين زيد الراكب مل يضره أن ال يعرف أنه إذا قال : راكبا وبني قوله إنه صفة جارية على زيد وإذا عرف يف قوله " الراكب : " وإذا قال . إنه حال " راكب " فيه أن يقولوا يف

: وإذا عرف يف قولنا . زيد منطلق أن زيدا خمرب عنه ومنطلق خرب مل يضره أن ال يعلم أنا نسمي زيدا مبتدأ : ن ال يعلم أنا نسمي ضربته تأديبا له أن املعىن يف التأديب أنه غرضه من الضرب وأن ضربه ليتأدب مل يضره أ

التأديب مفعوال له ولو كان عدم العلم هبذه العبارات مينعه العلم مبا وضعناها له وأردناه هبا لكان ينبغي أن

إذا كان " ما " ال يكون له سبيل إىل بيان أغراضه وأن ال يفصل فيما يتكلم به بني نفي وإثبات وبني بمعىن الذيوإذا كان مبعىن اجملازاة ألنه مل يسمع عباراتنا يف الفرق بني هذه املعاين استفهاما وبينه إذا كان

صنع ماذا أنكر : أشهد أن حممدا رسول اهللا بالنصب فأنكر وقال : أترى األعرايب حني مسع املؤذن يقول ول يف حكم اسم واحد وأنه إذا صار عن غري علم أن النصب يخرجه عن أن يكون خربا وجيعله واأل

واألول يف حكم اسم واحد احتيج إىل اسم آخر أو فعل حىت يكون كالما وحىت يكون قد ذكر ما له فائدة صنع ماذا فطلب ما جيعله خربا : إن كان مل يعلم ذلك فلماذا قال

: س حني قال ويكفيك أنه يلزم على ما قالوه أن يكون امرؤ القي ... ) قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل (

حبيب " مضاف إىل " ذكرى " جواب األمر و " نبك " أمر و " قفا " إن : قاله وهو ال يعلم ما نعنيه بقولنا عاين وأن تكون هذه األلفاظ قد رتبت له من غري قصد منه إىل هذه امل. معطوف على احلبيب " منزل " و " نبك باجلزم من غري أن يكون عرف معنى يوجب اجلزم وأتى به مؤخرا عن : وذلك يوجب أن يكون قال .

ومن أفضت به احلال إىل أمثال هذه الشناعات مث . قفا من غري أن عرف لتأخريه موجبا سوى طلب الوزن ه واإلعراض عنه مل يرتدع ومل يتبين أنه على خطأ فليس إال ترك

ولوال أنا حنب أن ال ينبس أحد يف معىن السؤال واالعتراض حبرف إال أريناه الذي استهواه لكان ترك ذاك ألنا قد علمنا علم ضرورة أنا لو بقينا الدهر األطول نصعد ونصوب . التشاغل بإيراد هذا وشبهه أوىل

قد اتصلت بصاحبة هلا ولفظة قد انتظمت مع أختها من غري أن نتوخى فيما ونبحث وننقب نبتغي كلمة فإن كان هاهنا من يشك يف ذلك ويزعم . بينهما معنى من معاين النحو طلبنا ممتنعا وثنينا مطايا الفكر ظلعا

: ين غري معاين النحو فإنا نقول أنه قد علم التصال الكلم بعضها ببعض وانتظام األلفاظ بعضها مع بعض معاهات فبين لنا تلك املعانيوأرنا مكاهنا واهدنا هلا فلعلك قد أوتيت علما قد حجب عنا وفتح لك باب قد

: -الوافر - أغلق دوننا ) مرببة وشب ابن اخلصي ... وذاك له إذا العنقاء صارت (

فصاحة والتشبيه واالستعارةفصل يف ال

. قد أردت أن أعيد القول يف شيء هو أصل الفساد ومعظم اآلفة والذي صار حجازا ينب القوم وبني التأمل وأخذ هبم عن طريق النظر وحال بينهم وبني أن يصغوا إىل ما يقال هلم وأن يفتحوا للذي تبين أعينهم وذلك

قد اتفقوا على أنه يصح أن يعبر عن املعىن الواحد بلفظني مث يكون أحدمها فصيحا إن العقالء: قوهلم يقتضي أن يكون للفظ نصيب يف املزية ألهنا لو كانت مقصورة على -قالوا -وذلك . واآلخر غري فصيح

وهذا شيء تراهم . ر عنه واحد املعىن لكان حماال أن يجعل ألحد اللفظني فضل على اآلخر مع أن املعبلوال أن األمر كذلك لكان ينبغي أن ال يكون : يعجبون به ويكثرون ترداده مع أهنم يؤكدونه فيقولون

للبيت من الشعر فضل عل تفسري املفسر له ألنه إن كان اللفظ إمنا يشرف من أجل معناه فإن لفظ املفسر

وإذا لزم ذلك : مث يقولون . إذ لو كان ال يؤديه لكان ال يكون تفسريا له . ديه ال حمالة يأيت على املعىن ويؤوهم إذا انتهوا يف احلجاج إىل هذا املوضع ظنوا . يف تفسري البيت من الشعر لزم مثله يف اآلية من القرآن ورمبا أخرجهم اإلعجاب به . ه نقض ليس بعده إبرام أهنم قد أتوا مبا ال جيوز أن يسمع عليهم معه كالم وأن

إىل الضحك والتعجب ممن يرى أن إىل الكالم عليه سبيال وأن يستطيع أن يقيم على بطالن ما قالوه دليال لفظني يحتمل إنه يصح أن يعرب عن املعىن الواحد ب: قولك : واجلواب وباهللا التوفيق أن يقال للمحتج بذلك

: أمرين شحط وبعد وأشباه : الليث واألسد ومثل : أن تريد باللفظني كلمتني معنامها واحد يف اللغة مثل : أحدمها

ذلك مما وضع اللفظان فيه ملعىن احة تحدث من بعد فإن أردت األول خرجت من املسألة ألن كالمنا حنن يف فص. أن تريد كالمني : والثاين

التأليف دون الفصاحة اليت توصف هبا اللفظة مفردة ومن غري أن

فإن هاهنا أصال من عرفه عرف - وال بد لك من أن تريده -وإن أردت الثاين . يعتبر حالها مع غريها فكما . أشكال احللي كاخلاتم والشنف والسوار سقوط هذا االعتراض وهو أن يعلم أن سبيل املعاين سبيل

أن من شأن هذه األشكال أن يكون الواحد منها غفال ساذجا مل يعمل صانعه فيه شيئا أكثر من أن يأيت مبا . رب صانعه فيه يقع عليه اسم اخلامت إن كان خامتا والشنف إن كان شنفا وأن يكون مصنوعا بديعا قد أغ

مث تراه نفسه . كذلك سبيل املعاين أن ترى الواحد منها غفال ساذجا عاميا موجودا يف كالم الناس كلهم وقد عمد إليه البصري بشأن البالغة وإحداث الصور يف املعاين فيصنع فيه ما يصنع الصنع احلاذق حىت يغرب

وشواهد ذلك حاضرة لك كيف شئت وأمثلته نصب . يف العمل ويبدع يف الصياغة يف الصنعة ويدقالطبع ال يتغير ولست تستطيع أن خترج اإلنسان عما جبل : عينيك من أين نظرت تنظر إىل قول الناس

: -املتقارب -قول املتنيب مث تنظر إليه يف. عليه فترى معنى غفال عاميا معروفا يف كل جيل وأمة ) وتأىب الطباع على الناقل ... يراد من القلب نسيانكم (

فتجده قد خرج يف أحسن صورة وتراه قد حتول جوهرة بعد أن كان خرزة وصار أعجب شيء بعد أن مل يكن شيئا

إنه يصح أن يعبر عن املعىن الواحد بلفظني مث : هذا قصدوا حني قالوا وإذ قد عرفت ذلك فإن العقالء إىلإنه يصح أن تكون هاهنا عبارتان أصل املعىن فيهما : يكون أحدمها فصيحا واآلخر غري فصيح كأنهم قالوا

ال يكون لألخرى واحد مث يكون إلحدامها يف حتسني ذلك املعىن وتزيينه وإحداث خصوصية فيه تأثريواعلم أن املخالف ال خيلو من أن ينكر أن يكون للمعىن يف إحدى العبارتني حسن ومزية يكونان له يف

فإن أنكر مل يكلم ألنه يؤديه إىل أن ال . األخرى وأن تحدث فيه على اجلملة صورة مل تكن أو يعرف ذلك جيعل للمعىن يف قوله

... ) ىب الطباع على الناقل وتأ( الطبع ال يتغير وال يستطيع أن خيرج اإلنسان عما جبل عليه وأن ال يرى : مزية على الذي يعقل من قوهلم

: - السريع - لقول أيب نواس ) أن يجمع العامل يف واحد ... وليس هللا بمستنكر (

ومن أداه " . غري بديع يف قدرة اهللا تعاىل أن جيمع فضائل اخللق كلهم يف رجل واحد : " قال مزية على أن يوكنت إذا كلفته أن يعرف كمن يكلف أن مييز حبور . قول يقول إىل مثل هذا كان الكالم معه محاال

من ليس له ذوق يقيم به الشعر - السريع - والبسيط - الطويل - الشعر بعضها من بعض فيعرف املديد : أخربنا عنك أتقول يف قوله : من أصله وإن اعترف بأن ذلك يكون قلنا له

... ) وتأىب الطباع على الناقل ( أو كان كذلك عندك من أجل حروفه أم من أجل حسن : قيل له . نعم : إنه غاية يف الفصاحة فإذا قال

من أجل حسن ومزية حصال : وإن قال . من أجل حروفه دخل يف اهلذيان : مزية حصال يف املعىن فإن قال وفذاك ما أردناك عليه حني قلنا إن اللفظ يكون فصيحا من أجل مزية تقع يف معناه ال من : يف املعىن قيل له

أجل جرسه وصداه وأحرى أن يكشف الشبهة عن متأمله يف صحة ما قلناه من التشبيه فإنك واعلم أن ليس شيء أينب وأوضح

. كأن زيدا األسد : مث تقول . فتجد ذلك كله تشبيها غفال ساذجا . زيد كاألسد أو شبيه باألسد : تقول رى له صورة خاصة وجتدك قد فخمت إال أنك ترى بينه وبني األول بونا بعيدا ألنك ت. فيكون تشبيها أيضا

املعىن وزدت فيه بأن أفدت أنه من الشجاعة وشدة البطش وأن قلبه قلب ال خيامره الذعر وال يدخله الروع لئن لقيته ليلقينك منه األسد فتجده قد أفاد هذه املبالغة ولكن يف : مث تقول . حبيث يتوهم أنه األسد بعينه

يتوهم أنه األسد وجتعله هاهنا يرى منه األسد على " كأن " أحسن وصفة أخص وذلك أنك جتعله يف صورة : -الطويل -مث إن نظرت إىل قوله . القطع فيخرج األمر على حد التوهم إىل حد اليقني

وجدته قد بدا لك يف صورة آنق ) نك غالبه يداك يدي ليث فإ... أأن أرعشت كفا أبيك وأصبحت ( : -البسيط - مث إن نظرت إىل قول أرطاة بن سهية . وأحسن

) تنس السالح وتعرف جبهة األسد ... إن تلقني ال ترى غيري بناظرة ( تلك الصور كلها وجدته قد فضل اجلميع ورأيته قد أخرج يف صورة غري

مث إنه . واعلم أن من الباطل واحملال ما يعلم اإلنسان بطالنه واستحالته بالرجوع إىل النفس حىت ال يشك : أعين قولهم -وهذه الشبهة . إذا أراد بيان ما جيد يف نفسه والداللة عليه رأى املسلك إليه يغمض ويدق

أن يكون األمر على خالف ما قالوه من أن الفصاحة وصف للفظ من حيث هو لفظ لكان إنه لو كان جيوزوقد علقت لذلك بالنفوس . ينبغي أن ال يكون للبيت من الشعر فضل على تفسري املفسر إىل آخره من ذاك

مة مما حنن فيه إال كان هذا أول كالمه وقويت فيها حىت إنك ال تلقي إىل أحد من املتعلقني بأمر اللفظ كلإن التفسري بيان للمفسر فال جيوز أن يبقى من معىن املفسر شيء ال يؤديه التفسري وال : وإال عجب وقال

العلم به يأيت عليه ألن يف جتويز ذلك القول باحملال وهو أن ال يزال يبقى من معىن املفسر شيء ال يكون إىل وإذا كان األمر كذلك ثبت أن الصحيح من أنه ال جيوز أن يكون للفظ املفسر فضل من حيث . سبيل

وإذا مل يجز أن يكون الفضل من حيث املعىن مل يبق إال أن يكون من حيث اللفظ . املعىن على لفظ التفسري وإذ قد عرفته فامسع . وه يف نصرة هذه الشبهة قد استقصيته لك فهذا مجلة ما ميكنهم أن يقول. نفسه

إن التفسري جيب أن يكون كاملفسر : اعلم أن قولهم : اجلواب وإىل اهللا تعاىل الرغبة يف التوفيق للصواب ين أن ختتلف هبا الصور ويدفعوه دعوى ال تصح هلم إال من بعد أن ينكروا الذي بيناه من أن من شأن املعا

وأن حال املعىن مع االستعارة كحاله مع ترك االستعارة . أصال حىت يدعوا أنه ال فرق بني الكناية والتصريح وحىت يطلبوا ما أطبق عليه العقالء من أن اجملاز يكون أبدا أبلغ من احلقيقة .

: -املنسرح -اد وطويل القامة واحد وأن حال املعىن يف بيت ابن هرمة طويل النج: فيزعموا أن قولنا ) أبتاع إال قريبة األجل ... وال ( . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رجال رأيت: رأيت أسدا مل يكن األمر أقوى من أن تقول : وأنك إذا قلت . أنا مضياف : كحاله يف قولك ومل تكن قد زدت يف املعىن بأن ادعيت له أنه أسد باحلقيقة وال . هو من الشجاعة حبيث ال ينقص عن األسد

: على قولك يف تفسريه . ألقيت حبله على غاربه : وحتى يزعموا أنه ال فضل وال مزية لقوله . بالغت فيه وأشربوا يف قلوبهم العجل : ( وحتى ال جيعلوا للمعىن يف قوله تعاىل . شاء خليته وما يريد وتركته يفعل ما ي

وأن تكون صورة املعىن يف قوله عز . اشتدت حمبتهم للعجل وغلبت على قلوهبم : مزية على أن يقال ) وحتى ال . وابيض رأسي كله وشاب رأسي كله : صورته يف قول من يقول ) واشتعل الرأس شيبا : ( وجل

فما رحبوا يف جتارتهم وحىت يرتكبوا مجيع ما : وبني ) فما ربحت تجارتهم : ( يروا فرقا بني قوله تعاىل : أريناك الشناعة فيه من أن ال يكون فرق بني قول املتنيب

... ) وتأىب الطباع على الناقل ( : وجيعلوا حال املعىن يف قول أيب نواس . إنك ال تقدر أن تغير طباع اإلنسان : وبني قوهلم

) أن جيمع العامل يف واحد ... وليس هللا مبستنكر ( إنه ليس ببديع يف قدرة اهللا أن جيمع فضائل اخللق كلهم يف : كحاله يف قولنا

) : ولكم يف القصاص حياة : ( يزعموا أنا إذا قلنا يف قوله تعاىل ويرتكبوا ذلك يف الكالم كله حىت. واحد أن املعىن فيها أنه ملا كان اإلنسان إذا هم بقتل آخر لشيء غاظه منه فذكر أنه إن قتله قتل ارتدع صار

ينا املعىن يف تفسرينا هذا على صورته كما قد أد. املهموم بقتله كأنه قد استفاد حياة فيما يستقبل بالقصاص وحىت يكون حال اآلية والتفسري حال اللفظتني إحدامها غريبة . اليت هو عليها يف اآلية حىت ال نعرف فضال

ويف القط إنه -الطويل - واألخرى مشهورة فتفسر الغريبة باملشهورة مثل أن تقول مثال يف الشرجب إنه ومن صار األمر به إىل هذا كان الكالم معه حماال . ب ويف الدسر إنه املسامري الكتا

واعلم أنه ليس عجيب أعجب من حال من يرى كالمني أجزاء أحدمها خمالفة يف معانيها ألجزاء اآلخر مث إنه لو : خر سواء حىت يتصدى فيقول يرى أنه يسع يف العقل أن يكون معىن أحد الكالمني مثل معىن اآل

ومثله . كان يكون الكالم فصيحا من أجل مزية تكون يف معناه لكان ينبغي أن توجد تلك املزية يف تفسريه فريى إعراب االسم الذي هو التجارة قد تغير ) فما رحبت تجارتهم : ( يف العجب أنه ينظر إىل قوله تعاىل

" رحبوا " ويرى أنه قد حذف من اللفظ بعض ما كان فيه وهو الواو يف . وعا بعد أن كان جمرورا فصار مرف مث ال نعلم أن ذلك يقتضي أن يكون املعىن قد تغير كما تغري اللفظ . يف جتارهتم : من قولنا " يف " و

وكلما انتهى منه باب انفتح فيه باب . واعلم أنه ليس للحجج والدالئل يف صحة ما حنن عليه حد وهناية : وقد أردت أن آخذ يف نوع آخر من احلجاج ومن البسط والشرح فتأمل ما أكتبه لك . آخر

وقسم يعزى ذلك فيه . قسم تعزى املزية واحلسن فيه إىل اللفظ : اعلم أن الكالم الفصيح ينقسم قسمني الكناية واالستعارة والتمثيل الكائن على حد االستعارة وكل ما كان فيه على : فالقسم األول . إىل النظم

فما من ضرب من هذه الضروب إال وهو إذا وقع على . اجلملة جماز واتساع وعدول باللفظ عن الظاهر كان له موقع وحظ من . رماد القدر هو كثري : فإذا قلت . الصواب وعلى ما ينبغي أوجب الفضل واملزية

هو طويل النجاد كان له تأثري يف : وكذا إذا قلت . هو كثري القرى والضيافة : القبول ال يكون إذا قلت كان له مزية ال تكون إذا قلت . رأيت أسدا : وكذا إذا قلت . هو طويل القامة : النفس ال يكون إذا قلت

رأيت :

كان له . أراك تقدم رجال وتؤخر أخرى : وكذلك إذا قلت . رجال يشبه األسد ويساويه يف الشجاعة أخرج وال أخرج فيقدم رجال : أراك تتردد يف الذي دعوتك إليه كمن يقول : موقع ال يكون إذا قلت

: كان له مأخذ من القلب ال يكون إذا قلت . ه ألقى حبله على غارب: وكذلك إذا قلت . ويؤخر أخرى ال جيهل املزية فيه إال . هو كالبعري الذي يلقى حبله على غاربه حىت يرعى كيف يشاء ويذهب حيث يريد

ه معىن عدمي احلس ميت النفس وإال من ال يكلم ألنه من مبادي املعرفة اليت من عدمها مل يكن للكالم معوإذ قد عرفت هذه اجلملة فينبغي أن تنظر إىل هذه املعاين واحدا واحدا وتعرف حمصولها وحقائقهاوأن تنظر

وإذا نظرت إليها وجدت حقيقتها وحمصول أمرها أهنا إثبات ملعنى أنت تعرف ذلك املعىن . أوال إىل الكناية هو كثر رماد القدر وعرفت منه : أال ترى أنك ملا نظرت إىل قولهم . اللفظ من طريق املعقول دون طريق

: أنهم أرادوا أنه كثري القرى والضيافة مل تعرف ذلك من اللفظ ولكنك عرفته بأن رجعت إىل نفسك فقلت أنهم أرادوا أن يدلوا بكثرة فليس إال. إنه كالم قد جاء عنهم يف املدح وال معىن للمدح بكثرة الرماد

الرماد على أنه تنصب له القدور الكثرية ويطبخ فيها للقرى والضيافة وذلك ألنه إذا كثر الطبخ يف القدور وهكذا السبيل يف كل ما كان . وإذا كثر إحراق احلطب كثر الرماد ال حمالة . كثر إحراق احلطب تحتها

: ناية فليس من لفظ الشعر عرفت أن ابن هرمة أراد بقوله ك ) أبتاع إال قريبة األجل ... وال ( . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ليه ولكنك عرفته بالنظر اللطيف وبأن علمت أنه ال معنى للتمدح بظاهر ما يدل ع. التمدح بأنه مضياف فإذا . فعلمت أنه أراد أن يشتري ما يشتريه لألضياف . اللفظ من قرب أجل ما يشتريه فطلبت له تأويال

اشترى شاة أو بعريا كان قد اشترى ما قد دنا أجله ألنه يذبح وينحر عن قريب ها على أنك تثبت هبا معنى ال وإذ قد عرفت هذا يف الكناية فاالستعارة يف هذه القضية وذاك أن موضوع

رأيت : بيان هذا أنا نعلم أنك ال تقول . ولكنه يعرفه من معىن اللفظ . يعرف السامع ذلك املعىن من اللفظ

إال وغرضك أن تثبت للرجل أنه مساو لألسد يف شجاعته وجرأته وشدة بطشه وإقدامه ويف أن . أسدا مث تعلم أن السامع إذا عقل هذا املعىن مل يعقله من لفظ أسد ولكنه . خيامره واخلوف ال يعرض له الذعر ال

يعقله من معناه وهو أنه يعلم أنه ال معىن جلعله أسدا مع العلم بأنه رجل إال أنك أردت أنه بلغ من شدة مشاهبته

م معه أنه أسد باحلقيقة فاعرف هذه اجلملة وأحسن تأملها لألسد ومساواته إياه مبلغا يتوهرأيت أسدا وأنت تريد التشبيه كنت نقلت لفظ أسد : واعلم أنك ترى الناس وكأهنم يرون أنك إذا قلت

إىل اسم الشيء عما وضع له يف اللغة واستعملته يف معنى غري معناه حىت كأن ليس االستعارة إال أن تعمدفتجعله امسا لشبيهه وحىت كأن ال فصل بني االستعارة وبني تسمية املطر مساء والنبت غيثا واملزادة راوية

ويذهبون عما هو مركوز يف الطباع من أن . وأشباه ذلك مما يوقع فيه اسم الشيء على ما هو منه بسبب وأنه إمنا يعار اللفظ من بعد أن . يدعى يف الرجل أنه ليس برجل ولكنه أسد باحلقيقة املعىن فيها املبالغة وأن

ال ترى أحدا يعقل إال وهو . يعار املعىن وأنه ال يشرك يف اسم األسد إال من بعد أن يدخل يف جنس األسد ن كان األمر كذلك رأيت العقالء كلهم يثبتون ومن أجل أ. يعرف ذلك إذا رجع إىل نفسه أدىن رجوع

القول بأن من شأن االستعارة أن تكون أبدا أبلغ من احلقيقة وإال فإن كان ليس هاهنا إال نقل اسم من شيء دا رأيت أس: أن تكون االستعارة أبلغ من احلقيقة ويكون لقولنا -ليت شعري -إىل شيء فمن أين جيب

رأيت شبيها باألسد وقد علمنا أنه حمال أن يتغير الشيء يف نفسه بأن ينقل إليه اسم قد : مزية على قولنا وضع لغريه من بعد أن ال يراد من معىن ذلك االسم فيه شيء بوجه من الوجوه بل جيعل كأنه مل يوضع

بأن يوضع لفظ أسد عليه " شبيها باألسد " أن يتغري معىن لذلك املعىن األصلي أصال ويف أي عقل يتصور وينقل إليه

واعلم أن العقالء بنوا كالمهم إذ قاسوا وشبهوا على أن األشياء تستحق األسامي خلواص معان هي فيها جل حبيث ال تنقص شجاعته فإذا جعلوا الر. فإذا أثبتوا خاصة شيء لشيء أثبتوا له امسه . دون ما عداها

وإذا وصفوه بالتناهي يف اخلري واخلصال الشريفة أو . هو أسد : عن شجاعة األسد وال يعدم منها شيئا قالوا هو مسك وكذلك احلكم : وإذا وصفوا الشيء بغاية الطيب قالوا . هو ملك : باحلسن الذي يبهر قالوا

. ليس هو بإنسان وإمنا هو أسد : إذا استقصوا يف ذلك نفوا عن املشبه اسم جنسه فقالوا مث إهنم. أبدا ما هذا بشرا إن هذا إال ملك : ( كما قال اهللا تعاىل . وليس هو أدميا وإمنا هو ملك

هو أسد يف صورة إنسان وهو ملك يف صورة : مث إن مل يريدوا أن يخرجوه عن جنسه مجلة قالوا ) . كرمي : - اخلفيف -وقد خرج هذا للمتنيب يف أحسن عبارة وذلك يف قوله . آدمي

) فوق طير هلا شخوص اجلمال ... حنن ركب ملجن يف زي ناس ( إىل شيء ولكنها ادعاء معىن االسم ففي هذه اجلملة بيان ملن عقل أن ليست االستعارة نقل اسم عن شيء

رأيت أسدا مبعىن رأيت شبيها باألسد ومل يكن ادعاء أنه أسد : إذ لو كانت نقل اسم وكان قولنا . لشيء كما أنه حمال أن . ليس هو بإنسان ولكنه أسد أو هو أسد يف صورة إنسان : باحلقيقة لكان حماال أن يقال

هو شبيه بأسد يف صورة إنسان : ليس هو بإنسان ولكنه شبيه بأسد أو يقال : يقال إن االستعارة تعليق : فمن ذلك قوهلم . واعلم أنه قد كثر يف كالم الناس استعمال لفظ النقل يف االستعارة

االستعارة ما : ضي أبو احلسن وقال القا. العبارة على غري ما وضعت له يف أصل اللغة على سبيل النقل ومن شأن ما غمض من . اكتفي فيه باالسم املستعار عن األصلي ونقلت العبارة فجعلت يف مكان غريها

املعاين ولطف أن يصعب تصويره على الوجه الذي هو عليه لعامة الناس فيقع لذلك يف العبارات اليت يعبر وإطالقهم يف االستعارة أهنا نقل للعبارة عما وضعت له من ذلك فال يصح األخذ به . خلطأ هبا عنه ما يوهم ا

وذلك أنك إذا كنت ال تطلق اسم األسد على الرجل إال من بعد أن تدخله يف جنس األسود من اجلهة . نك إمنا تكون ناقال إذا أنت أخرجت معناه األصلي من اليت بينا مل تكن نقلت االسم عما وضع له باحلقيقة أل

فأما أن تكون . أن يكون مقصودك ونفضت به يدك

ناقال له عن معناه مع إرادة معناه فمحال مناقض : - الكامل -واعلم أن يف االستعارة ما ال يتصور تقدير النقل فيه البتة وذلك مثل قول لبيد

) إذ أصبحت بيد الشمال زمامها ... وغداة ريح قد كشفت وقرة ( . قد نقل عن شيء إىل شيء " اليد " مث إنك ال تستطيع أن تزعم أن لفظ . ال خالف يف أن اليد استعارة

م أنه نقل لفظ اليد إليه وإمنا املعىن على أنه وذلك أنه ليس املعىن على أنه شبه شيئا باليد فيمكنك أن تزعأراد أن يثبت للشمال يف تصريفها الغداة على طبيعتها شبه اإلنسان قد أخذ الشيء بيده يقلبه ويصرفه

يف لفظ اليد وكما ال ميكنك تقدير النقل. فلما أثبت هلا مثل فعل اإلنسان باليد استعار هلا اليد . كيف يريد أال ترى أنه حمال أن تقول إنه استعار لفظ اليد . كذلك ال ميكنك أن جتعل االستعارة فيه من صفة اللفظ

للشمال وكذلك سبيل نظائره مما جتدهم قد أثبتوا فيه للشيء عضوا من أعضاء اإلنسان من أجل إثباهتم له : -الطويل -كبيت احلماسة املعىن الذي يكون يف ذلك العضو من اإلنسان

) نواجذ أفواه املنايا الضواحك ... إذا هزه يف عظم قرن هتللت ( : -الطويل -فإنه ملا جعل املنايا تضحك جعل هلا األفواه والنواجذ اليت يكون الضحك فيها وكبيت املتنيب

) ويف أذن اجلوزاء منه زمازم ... زحفه مخيس بشرق األرض والغرب( ملا جعل اجلوزاء تسمع على عادتهم يف جعل النجوم تعقل ووصفهم هلا ملا

فأنت اآلن ال تستطيع أن تزعم يف . يوصف هبا األناسي أثبت هلا األذن اليت هبا يكون السمع من األناسي وهو أن يكون يف املنايا شيء . ستعار لفظ النواجذ ولفظ األفواه ألن ذلك يوجب املحال بيت احلماسة أنه ا

إنه ملا ادعى أن املنايا تسر وتستبشر إذا : فليس إال أن تقول . قد شبهه بالنواجذ وشيء قد شبهه باألفواه اد أن يبالغ يف األمر فجعلها يف صورة من يضحك حىت هو هز السيف وجعلها لسرورها بذلك تضحك أر

ألنه " األذن " وكذلك ال تستطيع أن تزعم أن املتنيب قد استعار لفظ . تبدو نواجذه من شدة السرور يوجب أن يكون يف اجلوزاء شيء قد أراد تشبيهه باألذن وذلك من شنيع احملال

وإذا ثبت . ه أن االستعارة إمنا هي ادعاء معىن االسم للشيء ال نقل االسم عن الشيء فقد تبين من غري وج

أهنا ادعاء معىن االسم للشيء علمت أن الذي قالوه من أهنا تعليق للعبارة على غري ما وضعت يف اللغة ونقل ادعاء معىن االسم مل يكن االسم مزاال عما هلا عما وضعت له كالم قد تساحموا فيه ألنه إذا كانت االستعارة

وضع له بل مقرا عليه إنه أراد املبالغة فجعله أسدا بل هم : واعلم أنك تراهم ال ميانعون إذا تكلموا يف االستعارة من أن يقولوا

استعري له : احلقيقة وأن قولنا وذلك صريح يف أن األصل فيها املعىن وأنه املستعار يف . يلجؤون إىل القول به هاهنا " جعل " اسم األسد إشارة إىل أنه استعري له معناه وأنه جعل إياه وذلك أنا لو مل نقل ذلك مل يكن ل

تريد . جعلته أمريا وجعلته لصا : ال يصلح إال حيث يراد إثبات صفة للشيء كقولنا " جعل " معىن ألن إذا تعدى إىل " جعل " وحكم . اإلمارة ونسبته إىل اللصوصية وادعيتها عليه ورميته هبا أنك أثبت له

صيرته أمريا إال على معىن أنك أثبت له صفة اإلمارة كذلك ال يصح : مفعولني حكم صير فكما ال تقول " وأما ما جتده يف بعض كالمهم من أن . جعلته أسدا إال على معىن أنك أثبت له معاين األسد: أن تقول

أنا ال : فمما تساحموا فيه أيضا ألن املعىن معلوم وهو مثل أن جتد الرجل يقول " سمى " يكون مبعىن " جعل جعل "فأما أن يكون . إين ال أثبت له املعاين اليت هبا كان اإلنسان إنسانا : وغرضه أن يقول . أسميه إنسانا

جعلته زيدا مبعىن : أال ترى أنك ال جتد عاقال يقول . هكذا غفال فمما ال خيفى فساده " مسى " يف معىن " ولد لفالن ابن فجعله عبد اهللا أي مساه : أجعل ابنك زيدا مبعىن مسه زيدا و : مسيته زيدا وال يقال للرجل

عبد اهللا يكون " جعل " إن : وأكثر ما يكون منهم هذا التسامح أعين قولهم . إذا نظر هذا ما ال يشك فيه ذو عقل

وجعلوا املالئكة الذين هم عباد الرحمن : ( يف قوله تعاىل " مسى " مبعىن

املعىن على جمرد وعلى ذاك فال شبهة يف أن ليس. فقد ترى يف التفسري أن جعل يكون مبعىن مسى ) . إناثا وذاك أهنم أثبتوا للمالئكة صفة اإلناث واعتقدوا وجودها . التسمية ولكن على احلقيقة اليت وصفتها لك

وليس املعىن أهنم . وعن هذا االعتقاد صدر عنهم ما صدر من االسم أعين إطالق اسم البنات . فيهم أوال ترى إىل قوله تعاىل . هذا حمال . ري اعتقاد معىن وإثبات صفة وضعوا هلا لفظ اإلناث ولفظ البنات من غ

فلو كانوا مل يزيدوا على إجراء االسم على املالئكة ومل ) أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون : ( يقصدوا إثبات صفة ومل يكن هذا ولو كانوا مل ) . أشهدوا خلقهم : ( يعتقدوا إثبات صفة ملا قال اهللا تعاىل

. غري أن وضعوا امسا ال يريدون به معنى ملا استحقوا إال اليسري من الذم وملا كان هذا القول منهم كفرا إن اجلعل هاهنا يف : والتفسري الصحيح والعبارة املستقيمة ما قاله أبو إسحاق الزجاج رحمه اهللا فإنه قال

أي وصفته بذلك وحكمت به " قد جعلت زيدا أعلم الناس : " كم على الشيء تقول معىن القول واحلوكنا إذا . فإذا ثبت أن ليست االستعارة نقل االسم ولكن ادعاء معىن االسم : ونرجع إىل الغرض فنقول

إنه من قوة : ه بالشجاعة وأن يقول أنه أراد به املبالغة يف وصف" رأيت أسدا : " عقلنا من قول الرجل ويف أن اخلوف ال خيامره والذعر ال يعرض له حبيث ال ينقص عن . القلب ومن فرط البسالة وشدة البطش

األسد مل نعقل ذلك من لفظ أسد ولكن من ادعائه معىن األسد الذي رآه ثبت بذلك أن االستعارة كالكناية

فيها من طريق املعقول دون طريق اللفظ يف أنك تعرف املعىنوإذ قد عرفت أن طريق اعلم باملعىن يف االستعارة والكناية معا املعقول فاعلم أن حكم التمثيل يف ذلك حكمها بل األمر يف التمثيل أظهر وذلك أنه ليس من عاقل يشك إذا نظر يف كتاب يزيد بن الوليد إىل

فإذا أتاك . أما بعد فإين أراك تقدم رجال وتؤخر أخرى : " بن حممد حني بلغه أنه يتلكأ يف بيعته مروان بلغين أنك يف أمر البيعة بني : يعلم أن املعىن أنه يقول له " . كتايب هذا فاعتمد على أيتهما شئت والسالم

رأيني خمتلفني

إذا أتاك كتايب هذا فاعمل على أي الرأيني شئت وأنه مل . رى أن متتنع من البيعة ترى تارة أن تبايع وأخيعرف ذلك من لفظ التقدمي والتأخري أو من لفظ الرجل ولكن بأن علم أنه ال معىن لتقدمي الرجل وتأخريها

إن مثلك يف ترددك بني أن تبايع وبني أن متتنع : ول وأن املعىن على أنه أراد أن يق. يف رجل يدعى إىل البيعة مثل رجل قائم ليذهب يف أمر فجعلت نفسه تريه تارة أن الصواب يف أن يذهب فجعل يقدم رجال تارة

ويؤخر أخرى كون للناس يف ذلك ال وهكذا كل كالم كان ضرب مثل ال يخفى على من له أدىن متييز أن األغراض اليت ت

ولو كان . تعرف من األلفاظ ولكن تكون املعاين احلاصلة من جمموع الكالم أدلة على األغراض واملقاصد فما اللفظ يضرب . ضرب كذا مثال لكذا معنى : الذي يكون غرض املتكلم يعلم من اللفظ ما كان لقوهلم

إنه ضرب عليه السالم " إياكم وخضراء الدمن : " قلنا يف قول النيب عليه السالم فإذا. مثال ولكن املعىن مثال " خضراء الدمن " مل يكن املعىن انه ضرب لفظ . خضراء الدمن مثال للمرأة احلسناء يف منبت السوء

زال الشك وارتفع يف أن طريق العلم مبا يراد إثباته فقد . هذا ما ال يظنه من به مس فضال عن العاقل . هلا واخلرب به يف هذه األجناس الثالثة اليت هي الكناية واالستعارة والتمثيل املعقول دون اللفظ من حيث يكون

ه ويستنبط منه القصد باإلثبات فيها إىل معنى ليس هو معىن اللفظ ولكنه معنى يستدل مبعىن اللفظ عليوأنت ال تعرف ذلك من هذا . هو كثري رماد القدر إىل كثرة القرى : كنحو ما ترى من أن القصد يف قوهلم

اللفظ الذي تسمعه ولكنك تعرفه بأن تستدل عليه مبعناه على ما مضى الشرح فيه يف قولنا إن الفصاحة وصف جتب للكالم وإذ قد عرفت ذلك فينبغي أن يقال هلؤالء الذي اعترضوا علينا

: من أجل مزية تكون يف معناه وأهنا ال تكون وصفا له من حيث اللفظ جمردا عن املعىن واحتجوا بأن قالوا إنه لو كان الكالم إذا وصف بأنه فصيح كان ذلك من أجل مزية تكون يف معناه لوجب أن يكون تفسريه

عنكم أترون أن من شأن هذه األجناس إذا كانت يف الكالم أن تكون له هبا مزية أخربونا: فصيحا مثله نرى للكالم إذا : وإن قالوا . مل يكلموا . ال نرى ذلك : توجب له الفصاحة أم ال ترون ذلك فإن قالوا

اللفظ أم يف املعىن فإن قالوا فأخربونا عن تلك املزية أتكون يف : كانت فيه مزية توجب له الفصاحة قيل هلم :

دخلوا يف اجلهالة من حيث يلزم من ذلك أن تكون الكناية واالستعارة والتمثيل أوصافا للفظ . يف اللفظ وذلك حمال من حيث يعلم كل عاقل أنه ال . ألنه ال يتصور أن تكون مزيتها يف اللفظ حىت تكون أوصافا له

ظ عن اللفظ وأنه إمنا يكنى باملعىن عن املعىن يكنى باللفوكذلك يعلم أنه ال يستعار اللفظ جمردا عن املعىن ولكن يستعار املعىن ثم اللفظ يكون تبع املعىن على ما

قدم أراك ت" ويعلم كذلك أنه حمال أن يضرب املثل باللفظ وأن يكون قد ضرب لفظ . قدمنا الشرح فيه فهو ما أردناكم عليه : هي يف املعىن قيل هلم : وإن قالوا . مثال لتردده يف أمر البيعة " رجال وتؤخر أخرى

فدعوا الشك عنكم وانتبهوا من رقدتكم فإنه علم ضروري قد أدى التقسيم إليه وكل علم كان كذلك نه خطأ وأن السائل ملبوس عليه فإنه جيب القطع على كل سؤال يسأل فيه بأ

إنه لو كان الكالم يكون فصيحا من أجل مزية : مث إن الذي يعرف به وجه دخول الغلط عليهم يف قولهم هو أنك إذا نظرت إىل كالمهم هذا وجدتهم كأنهم : تكون يف معناه لوجب أن يكون تفسريه فصيحا مثله

لكالم إذا كان فيه كناية أو استعارة أو متثيل كان لذلك فصيحا لوجب أن يكون إذا مل قالوا إنه لو كان اإن املعىن : توجد فيه هذه املعاين فصيحا أيضا ذاك ألن تفسري الكناية أن نتركها ونصرح باملكنى عنه فنقول

حلكم يف االستعارة فإن تفسريها أن نتركها وكذلك ا. هو كثري رماد القدر أنه كثري القرى : يف قوهلم وكذلك . إن املعىن رأيت رجال يساوي األسد يف الشجاعة " : رأيت أسدا " ونصرح بالتشبيه فنقول يف

إن" : أراك تقدم رجال وتؤخر أخرى : " األمر يف التمثيل ألن تفسريه أن نذكر املتمثل له فنقول يف قوله أفعل وتارة ال أفعل كمن يريد الذهاب يف وجه : فتقول تارة ! أراك تتردد يف أمر البيعة : املعىن أنه قال

وهذا . فتريه نفسه تارة أن الصواب يف أن يذهب وأخرى أنه يف أن ال يذهب فيقدم رجال ويؤخر أخرى إن كان هذا الوصف جيب هلذه العلة : ب لوصف علة خروج عن املعقول ألنه مبنزلة أن تقول لرجل قد نص

فينبغي أن جيب مع عدمها فلما رأوا اللفظ إذا فسر بلفظ . مث إن الذي استهواهم هو أهنم نظروا إىل تفسري ألفاظ اللغة بعضها ببعض

من حيث املعىن مزية ال تكون يف مل يجز أن يكون يف املفسر - الطويل -إنه : مثل أن يقال يف الشرجب ألهنم إمنا كان للمفسر فيما حنن فيه . ظنوا أن سبيل ما حنن فيه ذلك السبيل وذلك غلط منهم . التفسري

الفضل واملزية على التفسري من حيث كانت

الطباع والراسخ يف الداللة يف املفسر داللة معىن ويف التفسري داللة لفظ على معىن وكان من املركوز يفغرائز العقول أنه مىت أريد الداللة على معىن فترك أن يصرح به ويذكر باللفظ الذي هو له يف اللغة وعمد إىل معنى آخر فأشري به إليه وجعل دليال عليه كان للكالم بذلك حسن ومزية ال يكونان إذا مل يصنع ذلك

وال يكون هذا الذي ذكرت أنه سبب فضل املفسر على التفسري من كون الداللة يف . حيا وذكر بلفظه صراملفسر داللة معنى على معنى ويف التفسري معنى معلوم يعرفه السامع وهو غري معىن لفظ التفسري يف نفسه

غري الذي هو معىن اللفظ . اد القدر هو كثري رم: وحقيقته كما ترى من أن الذي هو معىن اللفظ يف قوهلم هو كثري القرى ولو مل يكن كذلك مل يتصور أن يكون هاهنا داللة معىن على معىن : يف قوهلم

داللة اللفظ على املعىن وداللة : وإذ قد عرفت هذه اجلملة فقد حصل لنا منها أن املفسر يكون له داللتان . وال يكون للتفسري إال داللة واحدة وهي داللة اللفظ . يه على معىن لفظ آخر املعىن الذي دل اللفظ عل

وحمال أن يكون هذا قضية املفسر يف . وهذا الفرق هو سبب أن كان للمفسر الفضل واملزية على التفسري مث إن معىن . كون للمجهول داللة ذاك ألن معىن املفسر يكون جمهوال عند السامع وحمال أن ي. ألفاظ اللغة

املفسر يكون هو معىن التفسري بعينه وحمال إذا كان املعىن واحدا أن يكون للمفسر فضل على التفسري ألن وذلك ال يكون مع . الفضل كان يف مسألتنا بأن دل لفظ املفسر على معىن مث دل معناه على معىن آخر

يتصور كون املعىن واحدا والبيان هذا أنه حمال أن يقال إن معىن الشرجب الذي هو املفسر يكون دليال على معىن تفسريه الذي هو

" كثري القرى " يدل على معىن تفسريه الذي هو " كثري رماد القدر " إن معىن : الطويل على وزان قولنا : ألمرين حىت يكون معناه جمهوال عند السامع وحمال أن يكون للمجهول داللة أنك ال تفسر الشرجب: أحدمها وإذا . أن املعىن يف تفسرينا الشرجب بالطويل أن نعلم السامع أن معناه هو معىن الطويل بعينه : والثاين

ل إن معناه هو معىن إن معناه يدل على معىن الطويل والذي يعقل أن يقا: كان كذلك كان حماال أن يقال ولو . وإىل ما رأوا يف منامهم من األحالم الكاذبة . فاعرف ذلك وانظر إىل لعب الغفلة بالقوم . الطويل

أهنم تركوا االستنامة إىل التقليد واألخذ

ا ولعاد إعجابهم بأنفسهم لعلمو. وأشعروا قلوهبم أن هاهنا كالما ينبغي أن يصغى إليه . باهلوينا وترك النظر يف سؤالهم هذا ويف سائر أقوالهم عجبا منها ومن تطويح الظنون هبا

فينبغي أن تعلم أن ليست املزايا اليت جتدها هلذه . وإذ قد بان سقوط ما اعترض به القوم وفحش غلطهم اليت حتسها يف أنفس املعاين اليت يقصد املتكلم خبربه إليها األجناس على الكالم املتروك على ظاهره واملبالغة

إن من شأن هذه األجناس أن تكسب : ولكنها يف طريق إثباته هلا وتقريره إياها وأنك إذا مسعتهم يقولون فس املعاين اليت يقصد املعاين مزية وفضال وتوجب هلا شرفا ونبال وأن تفخمها يف نفوس السامعني ال يعنون أن

فإذا . املتكلم خبربه إليها كالقرى والشجاعة والتردد يف الرأي وإمنا يعنون إثباتها ملا تثبت له ويخبر هبا عنه . ه جعلوا للكناية مزية على التصريح مل جيعلوا تلك املزية يف املعىن املكنى عنه ولكن يف إثباته للذي ثبت ل

وذلك أنا نعلم أن املعاين اليت يقصد اخلرب هبا ال تتغير يف أنفسها بأن يكنى عنها مبعان سواها ويترك أن تذكر ومن هذا الذي يشك أن معىن طول القامة وكثرة القرى ال يتغيران بأن يكنى . األلفاظ اليت هي هلا يف اللغة

جاد وكثرة رماد القدر وتقدير التغيري فيهما يؤدي إىل أن ال تكون الكناية عنهما ولكن عن عنهما بطول النوقد ذكرت هذا يف صدر الكتاب وذكرت أن السبب يف أن كان يكون لإلثبات إذا كان من . غريمها

رة القرى بكثرة رماد القدر طريق الكناية مزية ال تكون إذا كان من طريق التصريح أنك إذا كنيت عن كثوذلك ال حمالة يكون أبلغ . كنت قد أثبت كثرة القرى بإثبات شاهدها ودليلها وما هو علم على وجودها

وذكرت أن السبب يف . من إثباتها بنفسها وذلك ألنه يكون سبيلها حينئذ سبيل الدعوى تكون مع شاهد عارة أبلغ من احلقيقة أنك إذا ادعيت للرجل أنه أسد باحلقيقة كان ذلك أبلغ وأشد يف أن كانت االست

وكذلك . وذاك ألنه أن يكون من األسود مث ال تكون له شجاعة األسود . تسويته باألسد يف الشجاعة

: غ يف إثبات التردد له من أن تقول أراك تقدم رجال وتؤخر أخرى كان أبل: احلكم يف التمثيل فإذا قلت أنت كمن يقدم رجال ويؤخر أخرى

واعلم أنه قد يهجس يف نفس اإلنسان شيء يظن من أجله أنه ينبغي أن يكون احلكم يف املزية اليت حتدث نظرنا إىل االستعارة وجدناها إمنا إنا إذا: باالستعارة أهنا حتدث يف املثبت دون اإلثبات وذلك أن تقول

كانت أبلغ من أجل أهنا تدل على قوة الشبه وأنه قد تناهى إىل أن صار املشبه ال يتميز عن املشبه به يف حادثة يف وإذا كان كذلك كانت املزية احلادثة هبا حادثة يف الشبه وإذا كانت. املعىن الذي من أجله شبه به

الشبه كانت يف املثبت دون اإلثبات تقتضي قوة الشبه وكونه حبيث ال يتميز املشبه عن -لعمري - واجلواب عن ذلك أن يقال إن االستعارة

حيا املشبه به ولكن ليس ذاك سبب املزية وذلك ألنه لو كان ذاك سبب املزية لكان ينبغي إذا جئت به صروما شاكل . رأيت رجال مساويا لألسد يف الشجاعة وحبيث لوال صورته لظننت أنك رأيت أسدا : فقلت

وليس خيفى على عاقل أن ذلك ال . ذلك من ضروب املبالغة أن جتد لكالمك املزية اليت جتدها لقولك أسدا يكون

رأيت رجال " من طريق املعىن ويف " رأيت أسدا " املساواة تعلم يف إن املزية من أجل أن: فإن قال قائل من طريق اللفظ قيل قد قلنا فيما تقدم إنه حمال أن يتغير حال املعىن يف نفسه بأن يكنى عنه " مساويا لألسد

جاد ومعىن كثرة القرى بأن مبعىن آخر وأنه ال يتصور أن يتغير معىن طول القامة بأن يكنى عنه بطول النوكما أن ذلك ال يتصور فكذلك ال يتصور أن يتغير معىن مساواة الرجل األسد يف . يكنى عنه بكثرة الرماد

: - البسيط -فأنت اآلن إذا نظرت إىل قوله . الشجاعة بأن يكنى عن ذلك ويدل عليه بأن جتعله أسدا ) وردا وعضت على العناب بالبرد ... من نرجس وسقت فأسبلت لؤلؤا(

فال حتسبن أن -فرأيته قد أفادك أن الدمع كان ال يحرم من شبه اللؤلؤ والعني من شبه النرجس شيئا ك أنك تستطيع أن جتيء به صرحيا وذا. احلسن الذي تراه واألرحيية اليت جتدها عنده أنه أفادك ذلك فسحب

فأسبلت دمعا كأنه اللؤلؤ عينه من عين كأهنا : فتقول

ولكن اعلم أن سبب أن راقك وأدخل األرحيية عليك . مث ال ترى من ذلك احلسن شيئا . النرجس حقيقة رز يف طبع اإلنسان أن يرتاح هلا وجيد يف نفسه أنه أفادك يف إثبات شدة الشبه مزية وأوجدك فيه خاصة قد غ

: -السريع -وهكذا حكم نظائره كقول أيب نواس . هزة عندها ) ويلطم الورد بعناب ... يبكي فيذري الدر عن نرجس (

: - الوافر - وقول املتنيب ) وفاحت عنبرا ورنت غزاال ... بان بدت قمرا ومالت خوط(

حىت إنك . وأعلم أن من شأن االستعارة أنك كلما زدت إرادتك التشبيه إخفاء ازدادت االستعارة حسنا ه تراها أغرب ما تكون إذا كان الكالم قد ألف تأليفا إن أردت أن تفصح فيه بالتشبيه خرجت إىل شيء تعاف

: -جمزوء الرمل - ومثال ذلك قول ابن املعتز . النفس ويلفظه السمع

) بجنان احلسن عنابا ... أثمرت أغصان راحته ( أمثرت أصابع يده : أال ترى أنك لو محلت نفسك على أن تظهر التشبيه وتفصح به احتجت إىل أن تقول

ومن أجل . وهذا ما ختفى غثاثته . ن لطاليب احلسن شبيه العناب من أطرافها املخضوبة اليت هي كاألغصا : ذلك كان موقع العناب يف هذا البيت أحسن منه يف قوله

... ) وعضت على العناب بالبرد ( ت على وعض: وذاك ألن إظهار التشبيه فيه ال يقبح هذا القبح املفرط ألنك لو قلت

وهذا موضع ال يتبين سره إال . أطراف أصابع كالعناب بثغر كالبرد كان شيئا يتكلم مبثله وإن كان مرذوال وسنقول فيها . ويف االستعارة علم كثري ولطائف معان ودقائق فروق . من كان ملتهب الطبع حاد القرحية

وضع آخر إن شاء اهللا يف مإنه لو كان الكالم يكون فصيحا من أجل مزية تكون يف معناه : واعلم أنا أخذنا يف اجلواب عن قولهم

قسم تعزى املزية فيه : قلنا إن الكالم الفصيح ينقسم قسمني : لكان ينبغي أن يكون تفسريه فصيحا مثله إذا - وقد ذكرنا يف القسم األول من احلجج ما ال يبقى معه لعاقل . لنظم وقسم تعزى فيه إىل ا. إىل اللفظ إن الكالم يكون فصيحا من أجل مزية : " شك يف بطالن ما تعلقوا به من أنه يلزمنا يف قولنا -هو تأملها

نه هتوس منهم وتقحم يف احملاالت وأ. أن يكون تفسري الكالم الفصيح فصيحا مثله " تكون يف معناه وأما القسم الذي تعزى فيه املزية إىل النظم فإنهم إن ظنوا أن سؤاهلم الذي اغتروا به يتجه هلم فيه كان أمرهم أعجب وكان جهلهم يف ذلك أغرب وذلك أن النظم كما بيناه هو توخي معاين النحو وأحكامه

وقه ووجوهه والعمل بقوانينه وأصوله وليست معاين النحو معاين األلفاظ فيتصور أن يكون هلا تفسري وفرمبتدأ و ) احلمد هللا رب العاملني الرمحن الرحيم : ( من قوله تعاىل " احلمد " ومجلة األمر أن النظم إمنا هو أن

تعاىل ومضاف إىل العاملني والعاملني مضاف إليه والرمحن الرحيم صفتان خرب ورب صفة السم اهللا" هللا " . مضاف إىل الدين " يوم " صفة أيضا ومضاف إىل يوم و ) مالك يوم الدين : ( كالرب ومالك من قوله

معىن ذلك أنك لو . ضمري اسم اهللا تعاىل مما هو ضمري يقع موقع االسم إذا كان االسم منصوبا: وإياك إياك " وكذلك حكم . هو املقتضي معىن النصب فيه " نعبد " اهللا نعبد مث أن : ذكرت اسم اهللا مكانه لقلت

" مفعول و " الصراط " و " . إياك نعبد " معطوف بالواو على مجلة " إياك نستعني " مث إن مجلة " . نستعني " صلة الذين " وأنعمت عليهم " بدل من الصراط املستقيم " صراط الذين " راط و صفة للص" املستقيم

معطوف على املغضوب عليهم " والضالني " صفة الذين " وغري املغضوب عليهم

هل يتصور يف شيء من هذه املعاين أن يكون معىن اللفظ وهل يكون كون احلمد مبتدأ معىن : فانظر اآلن مد أم يكون كون رب صفة وكونه مضافا إىل العاملني معىن لفظ الرب لفظ احل

إنه إن مل تكن هذه املعاين أنفس األلفاظ فإهنا تعلم على كل حال من ترتيب األلفاظ ومن : فإن قيل م أنه صفة وبالياء يف العاملني اإلعراب فبالرفع يف الدال من احلمد يعلم أنه مبتدأ وباجلر يف الباء من رب يعل

ترتيب اللفظ ال يكون لفظا واإلعراب وإن كان : قيل . وعلى هذا قياس الكل . يعلم أنه مضاف إليه

. يكون لفظا فإنه ال يتصور أن يكون هاهنا لفظان كالمها عالمة إعراب مث يكون أحدمها تفسريا لآلخر ومن لم يتنبه له يف أول ما يسمع . هذا من خطل الرأي فإنه مما يعلمه العاقل ببديهة النظر وزيادة القول يف

: ونعود إىل رأس احلديث فنقول . مل يكن أهال ألن يكلم .قد بطل اآلن من كل وجه وكل طريق أن تكون الفصاحة وصفا للفظ من حيث هو لفظ ونطق لسان

وإذا كان هذا صورة احلال ومجلة األمر مث مل تر القوم تفكروا يف شيء مما شرحناه حبال وال أخطروه هلم ببال وأنهم مل يزيدوا على أن . بان وظهر أنهم مل يأتوا األمر من بابه ومل يطلبوه من معدنه ومل يسلكوا إليه طريقه

م قد أبانوا الوجه الذي به كان القرآن معجزا والوصف الذي به بان من كالم أومهوا أنفسهم ومها كاذبا أهناملخلوقني من غري أن يكونوا قد قالوا فيه قوال يشفي من شاك غليال ويكون على علم دليال وإىل معرفة ما

قصدوا إليه سبيال ها استبعد أن يكون قد ظن ظان يف الفصاحة أنها من واعلم أنه إذا نظر العاقل إىل هذه األدلة فرأى ظهور

ولعمري إنه كذلك ينبغي إال أنا ننظر إىل جدهم وتشددهم وبتهم احلكم بأن املعاين ال . صفة اللفظ صرحيا وإمنا يريدون لطائف معان فلئن كانوا قد قالوا األلفاظ وهم ال يريدوهنا أنفسها. تتزايد وإمنا تتزايد األلفاظ

تفهم منها لقد كان ينبغي أن يتبعوا ذلك من قولهم ما ينىبء عن غرضهم وأن يذكروا أنهم عنوا بألفاظ ضربا من املعىن وأن غرضهم مفهوم خاص

هذا وأمر النظم يف أنه ليس شيئا غري توخي معاين النحو فيما بني الكلم وأنك ترتب

وإنا لو فرضنا أن ختلو ألفاظ من املعاين مل . اين أوال يف نفسك مث حتذو على ترتيبها األلفاظ يف نطقك املعمث ترى الذين لهجوا بأمر اللفظ قد أبوا إال أن . يتصور أن جيب فيها نظم وترتيب يف غاية القوة والظهور

رجل منهم يرى ويعلم أن اإلنسان ال يستطيع أن جييء باأللفاظ مرتبة إال فترى ال. جيعلوا النظم يف األلفاظ من بعد أن يفكر يف املعاين ويرتبها يف نفسه على ما أعلمناك مث تفتشه فتراه ال يعرف األمر حبقيقته وتراه

ن بعد أن تقع األلفاظ مرتبة يف مسعه فإذا رأى املعاين ال تقع مرتبة يف نفسه إال م. ينظر إىل حال السامع سبب ذلك قصر اهلمة وضعف العناية وترك النظر واألنس . نسي حال نفسه واعترب حال من يسمع منه

قد وإن الصبح ليمأل األفق مث ال يراه النائم ومن . وما يغين وضوح الداللة مع من ال ينظر فيها . بالتقليد أطبق جفنه

واعلم أنك ال ترى يف الدنيا علما قد جرى األمر فيه بديئا وأخريا على ما جرى عليه يف علم الفصاحة أما البديء فهو أنك ال ترى نوعا من أنواع العلوم إال وإذا تأملت كالم األولني الذين علموا . والبيان

واألمر يف علم الفصاحة بالضد . شارة والتصريح أغلب من التلويح الناس وجدت لعبارة فيه أكثر من اإلمن هذا فإنك إذا قرأت ما قاله العلماء فيه وجدت جله أو كله رمزا ووحيا وكناية وتعريضا وإمياء إىل

إىل أملعية يقوى معها ومن يرجع من طبعه. الغرض من وجه ال يفطن له إال من غلغل الفكر وأدق النظر على الغامض ويصل هبا إىل اخلفي حىت كان بسال حراما أن تتجلى معانيهم سافرة األوجه ال نقاب هلا وبادية

وحىت كأن اإلفصاح هبا حرام وذكرها إال على سبيل الكناية والتعريض غري . الصفحة ال حجاب دونها سائغ

و أنا مل نر العقالء قد رضوا من أنفسهم يف شيء من العلوم أن حيفظوا كالما لألولني وأما األخري فهويتدارسوه ويكلم به بعضهم بعضا من غري أن يعرفوا له معىن ويقفوا منه على غرض صحيح ويكون عندهم

ات من الناس يتداولون فيما بينهم بيان له وتفسري إال علم الفصاحة فإنك ترى طبق -إن يسألوا عنه -ألفاظا للقدماء وعبارات من غري أن يعرفوا هلا معنى أصال أو يستطيعوا إن سئلوا عنها أن يذكروا هلا تفسريا

يصح إن ذلك يكون جبزالة اللفظ : فمن أقرب ذلك أنك تراهم يقولون إذا هم تكلموا يف مزية كالم على كالم

إن ذلك يكون لوقوعه على طريقة خمصوصة وعلى وجه دون وجه : ذا تكلموا يف زيادة نظم على نظم وإ. . مث ال جتدهم يفسرون اجلزالة بشيء ويقولون يف املراد بالطريقة والوجه ما يحلى منه السامع بطائل .

بأوصاف تعلم ضرورة أنها ال ترجع إليه من ويقرؤون يف كتب البلغاء ضروب كالم قد وصفوا اللفظ فيهاوإنه جيد . لفظ متمكن غري قلق وال ناب به موضعه : حيث هو لفظ ونطق لسان وصدى حرف كقوهلم

إن من حق اللفظ أن يكون طبقا للمعىن : وكقوهلم . وإنه ليس فيه فضل عن معناه . السبك صحيح الطابع هذا إذا . كانت ألفاظه قوالب ملعانيه : يزيد عليه وال ينقص عنه كقول بعض من وصف رجال من البلغاء ال

مث ال خيطر بباهلم . هو لفظ معقد وإنه بتعقيده قد استهلك املعىن وأشباه هلذا . وقولهم إذا ذموه . مدحوه ه فائدة وجيشم فيه فكر وأن يعتقد على اجلملة أقل ما يف الباب أنه أنه جيب أن يطلب ملا قالوه معنى وتعلم ل

فالوصف بالتمكن والقلق يف . وأن يكون املراد باللفظ فيه نطق اللسان . كالم ال يصح محله على ظاهره لفاظ حروف ال يوجد منها حرف واأل. اللفظ حمال فإمنا يتمكن الشيء ويعلق إذا كان شيئا يثبت يف مكان

حىت يعدم الذي كان قبله مث إنه لو كان يصح يف حروف . متمكن أو قلق وصف للكلمة بأسرها ال حرف حرف منها : وقولهم

الكلمة أن تكون باقية مبجموعها لكان ذلك فيها محاال أيضا من حيث إن الشيء إمنا يتمكن ويقلق يف ومكان احلروف إمنا هو احللق والفم واللسان والشفتان فلو كان يصح عليها أن . نه الذي يوجد فيه مكا

توصف بأهنا تتمكن وتقلق لكان يكون ذلك

لفظ ليس فيه : وكذلك قولهم . التمكن وذلك القلق منها يف إمكاهنا من احللق والفم واللسان والشفتني يكون املراد به اللفظ ألنه ليس هاهنا اسم أو فعل أو حرف يزيد على معناه أو فضل عن معناه حمال أن

كيف وليس بالذرع وضعت األلفاظ على املعاين وإن اعتربنا املعاين املستفادة من اجلمل . ينقص عنه ات أو النفي أمت أو أنقص وذلك أنه ليس هاهنا مجلة من مبتدأ وخرب أو فعل وفاعل حيصل هبا اإلثب. فكذلك

وإمنا فضل اللفظ عن املعىن أن تريد الداللة مبعنى على معنى فتدخل يف أثناء ذلك شيئا ال . مما حيصل بأخرى وكذلك السبيل ي السبك والطابع وأشباههما ال يحتمل شيء من ذلك أن . حاجة باملعىن املدلول عليه إليه

اللفظ من حيث هو لفظ يكون املراد به

فإن أردت الصدق فإنك ال ترى يف الدنيا شأنا أعجب من شأن الناس مع اللفظ وال فساد رأي مازج فقد بلغ من . النفوس وخامرها واستحكم فيها وصار كإحدى طبائعها أغرب من فساد رأيهم يف اللفظ

ركهم وكأهنم إذا نوظروا فيه أخذوا عن أنفسهم وغيبوا عن عقوهلم وحيل ملكته هلم وقوته عليهم أن تفلست ترى إال نفوسا قد . بينهم وبني أن يكون هلم فيما يسمعونه نظر ويرى هلم إيراد يف اإلصغاء وصدر

د عن التحصيل وتلقي بأيديها فهي تغتر باألضاليل وتتباع. جعلت ترك النظر دأبها ووصلت باهلوينا أسبابها إىل الشبه وتسرع إىل القول املموه

ولقد بلغ من قلة نظرهم أن قوما منهم ملا رأوا الكتب املصنفة يف اللغة قد شاع فيها أن توصف األلفاظ ر فيه إال اللغه واأللفاظ مع أنه مل يذك" الفصيح " املفردة بالفصاحة ورأوا أبا العباس ثعلبا قد سمى كتابه

إن الشمع بفتح امليم أفصح من الشمع بإسكانه أن يكون ذلك من أجل : وكان حماال إذا قيل . املفردة سبق إىل قلوهبم أن حكم الوصف بالفصاحة أينما . املعىن إذ ليس تفيد الفتحة يف امليم شيئا يف الذي سمي به

ال يكون له مرجع إىل املعىن البتة وأن يكون وصفا للفظ يف نفسه ومن حيث هو كان ويف أي شيء كان أنومل يعلموا أن املعىن يف وصف األلفاظ املفردة بالفصاحة أهنا يف اللغة أثبت ويف استعمال . لفظ ونطق لسان

معىن الفصاحة يف الفصحاء أكثر أو أهنا أجرى على مقاييس اللغة والقوانني اليت وضعوها وأن الذي هو فصيح : أصل اللغة هو اإلبانة عن املعىن بداللة قولهم

وأنه لو كان وصفهم هو لها . إذا صرح به : وأعجم أفصح األعجمي وفصح اللحان وأفصح الرجل بكذا اللفظ أن ال إهنا فصيحة على صفة يف: من حيث هي ألفاظ ونطق لسان لوجب إذا وجدت كلمة يقال

" فقهت احلديث " توجد كلمة على تلك الصفة إال وجب هلا أن تكون فصيحة وحىت جيب إذا كان مث . بالكسر أفصح منه بالفتح أن يكون سبيل كل فعل مثله يف الزنة أن يكون الكسر فيه أفصح من الفتح

مثل إن . ن مل يكن فيه حرف كان فيما جعله أفصح منه إن فيما أودعه ثعلب كتابه ما هو أفصح من أجل أأفترى أنه حدث يف الواو والقاف والفاء بأن مل يكن معها اهلمزة فضيلة " أوقفت " افصح من " وقفت "

وجب هلا أن تكون أفصح وكفى برأي هذا مؤداه هتافتا وخطال من معىن يعرف فإن كان ذلك املعىن وصفا يف ألفاظ الكلمات " الفصاحة : " لنا ومجلة األمر أنه ال بد لقو

املفردة فينبغي أن يشار لنا إليه وتوضع اليد عليه ومن أبني ما يدل على قلة نظرهم أنه ال شبهة على من نظر ل به اللفظ فصيحا وأن اجملاز مجلته واإلجياز من يف كتاب تذكر فيه الفصاحة أن االستعارة عنوان ما يجع

مث يذهب عنهم أن إجيابهم . وأنت تراهم يذكرون ذلك ويعتمدونه . معظم ما يوجب للفظ الفصاحة الفصاحة للفظ هبذه املعاين اعتراف بصحة ما حنن ندعوهم إىل القول به من أنه يكون فصيحا ملعناه

ستعارة فإهنم إن أغفلوا فيها الذي قلناه من أن املستعار باحلقيقة يكون معىن اللفظ واللفظ تبع من أما االرأيت أسدا وحنن نعين رجال إال على أنا ندعي أنا رأينا أسدا باحلقيقة من حيث جنعله ال : حيث إنا ال نقول

فإهنم على كل حال ال يستطيعون أن جيعلوا االستعارة . وجراءة قلبه يتميز عن األسد يف بأسه وبطشهرأيت أسدا كنت نقلت اسم األسد إىل : وصفا للفظ من حيث هو لفظ مع أن اعتقادهم أنك إذا قلت

نقل عن السبع إىل الرجل أفترى أن لفظ األسد ملا . الرجل أو جعلته هكذا غفال ساذجا يف معىن شجاع املشبه به أحدث هذا النقل يف أجراس حروفه ومذاقتها وصفا صار بذلك الوصف فصيحا مث إن من

االستعارة قبيال ال يصح أن يكون املستعار فيه اللفظ البتة وال يصح أن تقع االستعارة فيه إال على املعىن : -الكامل -ل اليد يف قول لبيد وذلك ما كان مث

) إذ أصبحت بيد الشمال زمامها ... وغداة ريح قد كشفت وقرة ( وكذلك ليس فيه شيء . ذاك أنه ليس هاهنا شيء يزعم أنه شبهه باليد حىت يكون لفظ اليد مستعارا له

إمنا املعىن على أنه شبه الشمال يف تصريفها الغداة على طبيعتها باإلنسان يتوهم أن يكون قد شبهه بالزمام و. وملا أراد ذلك جعل للشمال يدا وعلى الغداة زماما . فهو يصرفه على إرادته . يكون زمام البعري يف يده

وقد شرحت هذا قبل شرحا شافيا لضرب األول من إجياب وصف الفصاحة للكالم ال بل هو أقوى وليس هذا الضرب من االستعارة بدون ا

وإن أردت أن . واحملاسن اليت تظهر به والصور اليت حتدث للمعاين بسببه آنق وأعجب . منه يف اقتضائها : -الرجز - تزداد علما بالذي ذكرت لك من أمره فانظر إىل قوله

... ) ؤس الكرى سقته كف الليل أك( ولكن لما كان . وذلك أنه ليس يخفى على عاقل أنه مل يرد أن يشبه شيئا بالكف وال أراد ذلك يف األكؤس

-البسيط - سكر الكرى وسكر النوم واستعار للكرى األكؤس كما استعار اآلخر الكأس يف قوله : يقال : ... ) النعسة السهر وقد سقى القوم كأس(

وملا جعله ساقيا جعل له كفا إذ كان الساقي يناول . مث إنه ملا كان الكرى يكون يف الليل جعل الليل ساقيا الطويل -ومن اللطيف النادر يف ذلك ما تراه يف آخر هذه األبيات وهي للحكم بن قنرب . الكأس بالكف

) يل اليأس منها مل يقم باهلوى صبري ... ال اعتصامي باملنى كلما بدا ولو( ) لراح بنعشي الدافنون إىل قبري ... ولوال انتظاري كل يوم جدا غد ( ) وبسط جديد اليأس كفيه يف صدري ... وقد رابين وهن املىن وانقباضها (

ليس املعىن على أنه استعار لفظ الكفني لشيء ولكن على أنه أراد أن يصف اليأس بأنه قد غلب على نفسه وملا أراد ذلك وصفه مبا يصفون به الرجل بفضل القدرة على الشيء وبأنه متمكن منه . ومتكن يف صدره

وقد بسط العامل يده . ط يديه يف املال ينفقه وصنع فيه ما يشاء قد بس: وأنه يفعل فيه كل ما يريد كقوهلم يف الناحية ويف ظلم الناس فليس لك إال أن تقول إنه ملا أراد ذلك جعل لليأس كفني واستعارمها له فأما أن

توقع االستعارة فيه على اللفظ فمما ال ختفى استحالته على عاقل وإمنا الفرق أن اجملاز أعم من حيث إن . جملاز هو القول يف االستعارة ألنه ليس هو بشيء غريها والقول يف ا

وإذا نظرنا من اجملاز فيما ال يطلق عليه أنه استعارة ازداد خطأ . كل استعارة جماز وليس كل جماز استعارة هو الذي جعل لكم الليل : ( هلم أن يكون إمنا قوله تعاىل القوم قبحا وشناعة وذلك أنه يلزم على قياس قو

والنهار لتبصروا أنتم فيه أو مبصرا أنتم فيه : أفصح من أصله الذي هو قولنا ) لتسكنوا فيه والنهار مبصرا وكذلك . ف مل يكن وص - بأن جعل الفعل للنهار على سعة الكالم -من أجل أنه حدث يف حروف مبصر

: -الرجز - يلزم أن يكون السبب يف أن كان قول الشاعر ... ) فنام ليلي وجتلى مهي (

وهذا مما ينبغي للعاقل . أن كسب هذا اجملاز لفظ الليل مذاقة مل تكن هلما . فنمت يف ليلي : أفصح من قولنا ونسأل اهللا تعاىل العصمة والتوفيق . أن يهمل النظر إمهاال يؤديه إىل مثله أن يستحي منه وأن يأنف من

وإذا قد عرفت ما لزمهم يف االستعارة واجملاز فالذي يلزمهم يف اإلجياز أعجب وذلك أنه يلزمهم إن كان زا اللفظ فصيحا ألمر يرجع إليه نفسه دون معناه أن يكون كذلك موج

ألمر يرجع إىل نفسه وذلك من احملال الذي يضحك منه ألنه ال معىن لإلجياز إال أن يدل بالقليل من اللفظ وإذ مل جتعله وصفا للفظ من أجل معناه أبطلت معناه أعين أبطلت معىن اإلجياز . على الكثري من املعىن

نبغي أن نكون قد ذكرناه يف أثناء ما مضى من كالمنا وهو أن العاقل إذا مث إن هاهنا معنى شريفا قد كان يال نظر علم علم ضرورة أنه ال سبيل له إىل أن يكثر معاين األلفاظ أو يقللها ألن املعاين املودعة يف األلفاظ

كثرة املعىن مع قلة اللفظ : ظهر منه أنه ال معىن لقولنا وإذا ثبت. تتغري على اجلملة عما أراده واضع اللغة غري أن املتكلم يتوصل بداللة املعىن على املعىن إىل فوائد لو أنه أراد الداللة عليها باللفظ الحتاج إىل لفظ

كثري م نباهة وصيت وعلو منزلة يف أنواع واعلم أن القول الفاسد والرأي املدخول إذا كان صدوره عن قوم هل

من العلوم غري العلم الذي قالوا ذلك القول فيه مث وقع يف األلسن فتداولته ونشرته وفشا وظهر وكثر ورأيت الذين هم أهل ذلك العلم . الناقلون له واملشيدون بذكره وصار ترك النظر فيه سنة والتقليد دينا

- لو أنهم نظروا فيه -واملمارسون له والذين هم خلقاء أن يعرفوا وجه الغلط واخلطأ فيه وخاصته كاألجانب الذين ليسوا من أهله يف قبوله والعمل به والركون إليه ووجدتهم قد أعطوه مقادهتم وأالنوا له

وانتشاره وإطباق اجلمع بعد اجلمع عليه أن الضن جانبهم أو أوهمهم النظر إىل منتماه ومنتسبه مث اشتهاره يروه خلف عن سلف وأخر عن ولرمبا بل كلما ظنوا أنه مل يشع ومل يتسع ومل . به أصوب واحملاماة عليه أوىل

أول إال ألن له أصال صحيحا وأنه أخذ من معدن صدق واشتق من نبعة كرمية وأنه لو كان مدخوال لظهر وكم من خطأ ظاهر ورأي فاسد حظي هبذا السبب عند . الدخل الذي فيه على تقادم الزمان وكرور األيام

بوؤوه يف أخص موضع من قلوهبم ومنحوه احملبة الصادقة من نفوسهم وعطفوا عليه عطف األم الناس حتى ولوال . وكم من داء دوي قد استحكم هبذه العلة حىت أعيا عالجه وحىت بعل به الطبيب . على واحدها

عن التدبر وتقطع عنها دواعي التفكر ملا سلطان هذا الذي وصفت على الناس ون له أخذة متنع القلوب كان هلذا الذي ذهب إليه القوم يف أمر اللفظ هذا التمكن وهذه القوة

وال كان يرسخ يف النفوس هذا الرسوخ وتتشعب عروقه هذا التشعب مع الذي بان من هتافته وسقوطه أين نظرت وكيف صرفت وقلبت مصحا وال تراه باطال فيه وفحش الغلط فيه وأنك ال ترى يف أدميه من

شوب من احلق وزيفا فيه شيء من الفضة ولكن ترى الغش حبتا والغلط صرفا ونسأل اهللا التوفيق أفراد الكلمات وكيف ال يكون يف إسار األخذة وحموال بينه وبني الفكرة من يسلم أن الفصاحة ال تكون يف

وأهنا إمنا تكون فيها إذا ضم بعضها إىل بعض مث ال يعلم أن ذلك يقتضي أن تكون وصفا هلا من أجل معانيها ال من أجل أنفسها ومن حيث هي ألفاظ ونطق لسان ذاك ألنه ليس من عاقل يفتح عني قلبه إال وهو يعلم

بعضها إىل بعض تعليق بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب من بعض ال أن ينطق ضرورة أن املعىن يف ضمأن التعلق يكون -إذا فكر -ببعضها يف إثر بعض من غري أن يكون فيما بينها تعلق ويعلم كذلك ضرورة

هد أن نتصور تعلقا فيما بني لفظني ال أال ترى أنا لو جهدنا كل اجل. فيما بني معانيها ال فيما بينها أنفسها معىن حتتهما مل نتصور

وغري مؤتلف . مؤتلف وهو االسم مع االسم والفعل مع االسم : ومن أجل ذلك انقسمت الكلم قسمين لكان ينبغي أن ولو كان التعلق يكون بني األلفاظ. وهو ما عدا ذلك كالفعل مع الفعل واحلرف مع احلرف

ال خيتلف حالها يف االئتالف وأن ال يكون يف الدنيا كلمتان إال ويصح أن يأتلفا ألنه ال تنايف بينهما من وإذا كان كل واحد منهم قد أعطى يده بأن الفصاحة ال تكون يف الكلم أفرادا وأهنا إمنا . حيث هي ألفاظ

وكان يكون املراد بضم بعضها إىل بعض تعليق معانيها بعضها ببعض ال . إىل بعض تكون إذا ضم بعضهاكون بعضها يف النطق على أثر بعض وكان واجبا إذا علم ذلك أن يعلم أن الفصاحة جتب هلا من أجل

مث . ا تعلق معانيها بعضها ببعض معانيها ال من أجل أنفسها ألنه حمال أن يكون سبب ظهور الفصاحة فيه. وإذا كان العلم هبذا ضرورة مث رأيتهم ال يعلمونه . تكون الفصاحة وصفا جيب هلا ألنفسها ال ملعانيها

فليس إال أن اعتزامهم على التقليد قد حال بينهم بني الفكرة وعرض هلم منه شبه األخذة وذاك . هم مثل من يرى خيال الشيء فيحسبه الشيء واعلم أنك إذا نظرت وجدت مثل

أنهم قد اعتمدوا يف كل أمرهم على النسق الذي يرونه يف األلفاظ وجعلوا ال حيفلون بغريه وال يعولون يف نطق الفصاحة والبالغة على شيء سواه حىت انتهوا إىل أن زعموا أن من عمد إىل شعر فصيح فقرأه و

إال . بألفاظه على النسق الذي وضعها الشاعر عليه كان قد أتى مبثل ما أتى به الشاعر يف فصاحته وبالغته أهنم زعموا أنه يكون يف إتيانه به حمتذيا ال مبتدئا

أنه نسق إذا وحنن إذا تأملنا وجدنا الذي يكون يف األلفاظ من تقدمي شيء منها على شيءإمنا يقع يف النفسأفال ترى . فأما مع ترك اعتبار ذلك فال يقع وال يتصور حبال . اعتربنا ما توخي من معاين النحو يف معانيها

: أنك لو فرضت يف قوله ) قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل (

" مضافة إىل " ذكرى " وال يكون " ذكرى " إىل جوابا لألمر وال يكون معدى بمن " نبك " أن ال يكون خلرج ما ترى فيه من التقدمي والتأخري عن أن " حبيب " معطوفا بالواو على " منزل " وال يكون " حبيب

يكون نسقا ذاك ألنه إمنا يكون تقدمي الشيء على الشيء نسقا وترتيبا إذا كان التقدمي قد كان ملوجب فأما أن يكون مع عدم املوجب نسقا فمحال ألنه لو كان يكون تقدمي . ن يقدم هذا ويؤخر ذاك أوجب أ

اللفظ على اللفظ من غري أن يكون له موجب نسقا لكان ينبغي أن يكون توايل األلفاظ يف النطق على أي مل تكن قد أعدمته النسق والنظم " : ذكرى من نبك قفا حبيب: " حىت إنك لو قلت . وجه كان نسقا

وقد تقدم هذا فيما مضى ولكنا أعدناه هاهنا ألن الذي أخذنا فيه من إسالم القوم . وإمنا أعدمته الوزن فقط أنفسهم إىل التقليد اقتضى إعادته

قديره ومتييزه أن يبتدئىء الشاعر يف معنى له وغرض واعلم أن االحتذاء عند الشعراء وأهل العلم بالشعر وتفيعمد شاعر آخر إىل ذلك األسلوب فيجيء به -الضرب من النظم والطريقة فيه : واألسلوب - أسلوبا

على مثاله قد احتذى: يف شعره فيشبه بمن يقطع من أدميه نعال على مثال نعل قد قطعها صاحبها فيقال : -الطويل -وذلك مثل أن الفرزدق قال

) خبري وقد أعيا ربيعا كبارها ... أترجو ربيع أن جتيء صغارها (

: -الطويل -واحتذاه البعيث فقال ) خبري وقد أعيا كليبا قدميها ... أترجو كليب أن جييء حديثها (

: لفرزدق ملا مسع هذا البيت قال من الوافر وقالوا إن ا ! ) تنحلها ابن محراء العجان ... إذا ما قلت قافية شرودا (

: -الطويل -ومثل ذلك أن البعيث قال يف هذه القصيدة ) وأنت إذا عدت كليب لئيمها ... كليب لئام الناس قد يعلمونه (

: - الطويل -بحتري وقال ال ) كرام بين الدنيا وأنت كرميها ... بنو هاشم يف كل شرق ومغرب

- الطويل - قول أيب نواس : قال يل البحتري : أن ابن الرومي قال " صنعة الشعر " وحكى العسكري يف : ) ساباط الديار البسابس بشرقي... ومل أدر من هم غري ما شهدت هلم (

: -الطويل - مأخوذ من قول أيب خراش اهلذيل

) سوى أنه قد سل من ماجد محض ... ولم أدر من ألقى عليه رداءه ( أما ترى حذو الكالم حذوا واحدا : قد اختلف املعىن فقال : فقلت : قال

من حلي األخذ يف احلذو وهذا الذي كتبت : -الطويل -ومما هو يف حد اخلفي قول البحتري

) تمكن رضوى واطمأن متالع ... ولن ينقل احلساد جمدك بعدما ( : -الكامل -وقول أيب متام

) لم فإذا أبان قد رسا ويلم... ولقد جهدمت أن تزيلوا عزه ( : -الكامل -قد احتذى كل واحد منهما على قول الفرزدق

) ثهالن ذا اهلضبات هل يتحلحل ... فادفع بكفك إن أردت بناءنا (

: -الوافر -قال ذو الرمة . ومجلة األمر أنهم ال جيعلون الشاعر محتذيا إال مبا جيعلونه به آخذا ومسترقا ) أجنبه املساند واملحاال ... وشعر قد أرقت له غريب ( ) قوافي ال أريد هلا مثاال ... فبت أقيمه وأقد منه (

. فأما أن يجعل إنشاد الشعر وقراءته احتذاء فمما ال يعلمونه . ال أحذوها على شيء مسعته : يقول : قال كيف وإذا عمد عامد إىل يبت شعر فوضع مكان كل لفظ لفظا يف معناه

: -البسيط - كمثل أن يقول يف قوله ) واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي ... دع املكارم ال ترحل لبغيتها ( ) أنت اآلكل الالبس واجلس فإنك... ذر املآثر ال تذهب لمطلبها (

مل جيعلوا ذلك احتذاءومل يؤهلوا صاحبه ألن يسموه محتذيا ولكن يسمون هذا الصنيع سلخا ويرذلونه : فمن أين جيوز لنا أن نقول يف صيب يقرأ قصيدة امرىء القيس إنه احتذاه يف قوله . ويسخفون املتعاطي له

) وأردف أعجازا وناء بكلكل ... ا تمطى بصلبه فقلت له مل( كما أن الذي . والعجب من أنهم مل ينظروا فيعلموا أنه لو كان منشد الشعر محتذيا لكان يكون قائل شعر

غي أن يقال ملن يزعم أن وهذا تقرير يصلح ألن يحفظ للمناظرة ينب. حيذو النعل بالنعل يكون قاطع نعل ملاذا زعمت أن : أخربنا عنك : كان قد أتى مبثله على سبيل االحتذاء : املنشد إذا أنشد شعر امرىء القيس

املنشد قد أتى مبثل ما قاله امرؤ القيس أألنه نطق بأنفس األلفاظ اليت نطق هبا أم ألنه راعى النسق الذي إن ذلك ألنه نطق بأنفس األلفاظ اليت نطق هبا أحلت ألنه إمنا يصح أن يقال : ق هبا فإن قلت راعاه يف النط

إنه أتى مبثل ما أتى به األول إذا كان األول قد سبق إىل شيء فأحدثه ابتداء وذلك يف األلفاظ : يف الثاين : األلفاظ اليت هي يف قوله محال إذ ليس ميكن أن يقال إنه مل ينطق هبذه

... ) قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ( إن ذلك ألنه قد راعى يف نطقه هبذه األلفاظ النسق الذي راعاه امرؤ : وإن قلت . قبل امرىء القيس أحد

إن التحدي : ا قلت إن كنت هلذا قضيت يف املنشد أنه قد أتى مبثل شعره أخربنا عنك إذ: قيل . القيس وقع يف القرآن إىل أن يؤتى مبثله على جهة االبتداء ما تعين به أتعين أنه يأيت يف ألفاظ غري ألفاظ القرآن مبثل

الترتيب والنسق الذي تراه يف

يف إثر بعض على أعلمت أنه ال يكون اإلتيان باألشياء بعضها: قيل له . ذلك أعين : ألفاظ القرآن فإن قال التوايل نسقا وترتيبا حىت تكون األشياء خمتلفة يف أنفسها مث يكون للذي جييء هبا مضموما بعضها إىل بعض

غرض فيها ومقصود ال يتم ذلك الغرض وذاك املقصود إال بأن يتخير هلا مواضع فيجعل هذا أوال وذاك بهة فيه على عاقل ثانيا فإن هذا ما ال ش

وإذا كان األمر كذلك لزمك أن تبين الغرض الذي اقتضى أن تكون ألفاظ القرآن منسوقة النسق الذي وال خملص له من هذه املطالبة ألنه إذا أىب أن يكون املقتضي واملوجب للذي تراه من النسق املعاين . تراه

اللهم إال أنه جيعل . إىل اللفظ مل جتد شيئا يحيل اإلعجاز يف وجوبه عليه البتة وجعله قد وجب ألمر يرجع

اإلعجاز يف الوزن ويزعم أن النسق الذي تراه يف ألفاظ القرآن إمنا كان معجزا من أجل أن كان قد حدث إن التحدي وقع إىل : نه أن يقول عنه ضرب من الوزن يعجز اخللق عن أن يأتوا مبثله وإذا قال ذلك مل ميك

ألن الوزن ليس هو من الفصاحة والبالغة يف شيء إذ لو كان له . يف فصاحته وبالغته : أن يأتوا مبثله فإن عاد بعض . مدخل فيهما لكان جيب يف كل قصيدتني اتفقتا يف الوزن أن تتفقا يف الفصاحة والبالغة

لف لما مسع من أن اإلعجاز يف اللفظ إىل أن جيعله يف مجرد الوزن كان قد دخل يف أمر الناس طول اإلشنيع وهو أن يكون قد جعل القرآن معجزا ال من حيث هو كالم وال مبا كان لكالم فضل على كالم فليس

بالوزن ما كان الكالم كالما وال به كان كالم خريا من كالم مث يعين بذلك سالمته من أن تلتقي . كذا السبيل إن زعم زاعم أن الوصف املعجز هو اجلريان والسهولة وه

فيه حروف تثقل على اللسان ألنه ليس بذلك كان الكالم كالما وال هو بالذي يتناهى أمره إن عد يف فما به كان الشاعر . ول عليه يف املفاضلة بني كالم وكالم الفضيلة إىل أن يكون األصل وإىل أن يكون املع

ورأينا العقالء حيث ذكروا عجز العرب عن معارضة القرآن قالوا . مفلقا واخلطيب مصقعا والكاتب بليغا والبيان وقوة القرائح إن النيب حتداهم وفيهم الشعراء واخلطباء والذين يدلون بفصاحة اللسان والبراعة:

أن النيب عليه السالم تحداهم وهم : ومل نرهم قالوا . واألذهان والذين أوتوا احلكمة وفصل اخلطاب العارفون مبا ينبغي أن يصنع حىت يسلم الكالم من أن تلتقي فيه حروف تثقل على اللسان ولما ذكروا

إن اهللا تعاىل قد جعل : وقالوا . لسالم معجزات األنبياء عليهم ا

معجزة كل نيب فيما كان أغلب على الذين بعث فيهم وفيما كانوا يتباهون به وكانت عوامهم تعظم به إنه ملا كان السحر الغالب على قوم فرعون ومل يكن قد استحكم يف زمان استحكامه يف : قالوا . خواصهم

وملا كان الغالب على زمان عيسى عليه . جعل تعاىل معجزة موسى عليه السالم يف إبطاله وتوهينه زمانهوملا انتهوا إىل ذكر نبينا . السالم الطب جعل اهللا تعاىل معجزته يف إبراء األكمه واألبرص وإحياء املوتى

وا إال البالغة والبيان والتصرف يف ضروب النظم حممد وذكر ما كان الغالب على زمانه مل يذكروما دعاين إىل إعادة ذكره . وقد ذكرت يف الذي تقدم عني ما ذكرته هاهنا مما يدل على سقوط هذا القول

حد إال أنه ليس هتالك الناس يف حديث اللفظ واحملاماة على االعتقاد الذي اعتقدوه فيه وضن أنفسهم به إىل فأحببت لذلك أن ال أدع شيئا مما جيوز أن يتعلق به متعلق ويلجأ إليه الجىء ويقع منه يف نفس سامع شك .

إال استقصيت يف الكشف عن بطالنه ال ختتص وهاهنا أمر عجيب وهو أنه معلوم لكل من نظر أن األلفاظ من حيث هي ألفاظ وكلم ونطق لسان

وإذا كان كذلك كان من رفع النظم من البني . بواحد دون آخر وأهنا إمنا ختتص إذا توخي فيها النظم وجعل اإلعجاز جبملته يف سهولة احلروف وجرياهنا جاعال له فيما ال يصح إضافته إىل اهللا تعاىل وكفى هبذا

شدة الضالل عن الطريق دليال على عدم التوفيق و

فصل فيه إمجال وعظة

قد بلغنا يف مداواة الناس من دائهم وعالج الفساد الذي عرض يف آرائهم كل مبلغ وانتهينا إىل كل غاية ىل النمري وأخذنا هبم عن اجملاهل اليت كانوا يتعسفون فيها إىل السنن الالحب ونقلناهم عن اآلجن املطروق إ

ومل . الذي يشفي غليل الشارب

ومل نترك غطاء كان على بصر . ندع لباطلهم عرقا ينبض إال كويناه وال للخالف لسانا ينطق إال أخرسناه ذي عقل إال حسرناه

كنت مسعت مساع صادق الرغبة يف أن فيا أيها السامع ملا قلناه والناظر فيما كتبناه واملتصفح ملا دوناه إنتكون يف أمرك على بصرية ونظرت نظر تام العناية يف أن يورد ويصدر عن معرفة وتصفحت تصفح من إذا

لضالتك مارس بابا من العلم مل يقنعه إال أن يكون على ذروة السنام ويضرب باملعلى من السهام فقد هديتفخذ لنفسك باليت هي . وفتح الطريق إىل بغيتك وهي لك األداة اليت هبا تبلغ وأوتيت اآللة اليت معها تصل

أمأل ليديك وأعود باحلظ عليك ووازن بني حالك اآلن وقد تنبهت من رقدتك وأفقت من غفلتك وصرت معىن ما تذكر وتعلم كيف تورد وتصدر وبينها وأنت من -ظ والنظم إذا أنت خضت يف أمر اللف - تعلم

قصاراك أن تكرر ألفاظا ال تعرف لشيء منها تفسريا وضروب كالم . أمرها يف عمياء وخابط خبط عشواء غفلتك وتكثر للبلغاء إن سئلت عن أغراضهم فيها مل تستطع هلا تبيينا فإنك تراك تطيل التعجب من

ونسأل اهللا تعاىل أن جيعل كل ما نأتيه ونقصده . االعتذار إىل عقلك من الذي كنت عليه طول مدتك وننتحيه لوجهه خالصا وإىل رضاه عز وجل مؤديا ولثوابه مقتضيا وللزلفى عنده موجبا مبنه وفضله ورمحته

بسم اهللا الرمحن الرحيم

اللفظ واالستعارة وشواهد حتليلية للمعىن فصل يف اعلم أنه ملا كان الغلط الذي دخل على الناس يف حديث اللفظ كالداء الذي يسري يف العروق ويفسد ى مزاج البدن وجب أن يتوخى دائبا فيهم ما يتوخاه الطبيب يف الناقه من تعهده مبا يزيد يف منته ويبقيه عل

وقد علمنا أن أصل الفساد وسبب اآلفة هو ذهابهم عن أن من شأن املعاين . صحته ويؤمنه النكس يف علته أن ختتلف عليها الصور وحتدث فيها خواص ومزايا من بعد أن ال تكون فإنك ترى الشاعر قد عمد إىل

إذا هو أغرب يف صنعة خاتم وعمل شنف وغريمها من معنى مبتذل فصنع فيه ما يصنع الصانع احلاذقفإن جهلهم بذلك من حاهلا هو الذي أغواهم واستهواهم وورطهم فيما تورطوا فيه من . أصناف احللي

وبنوا اجلهاالت وأداهم إىل التعلق باملحاالت وذلك أنهم ملا جهلوا شأن الصورة وضعوا ألنفسهم أساساوإنه إذا كان كذلك وجب إذا كان ألحد . إنه ليس إال املعىن واللفظ وال ثالث : على قاعدة فقالوا

الكالمني فضيلة ال تكون لآلخر مث كان الغرض من أحدمها هو الغرض من صاحبه أن يكون مرجع تلك من حيث إن ذلك زعموا يؤدي إىل التناقض وأن الفضيلة إىل اللفظ خاصة وأن يكون هلا مرجع إىل املعىن

وملا أقروا هذا يف نفوسهم حملوا كالم العلماء يف كل ما نسبوا فيه . يكون معنامها متغايرا وغري متغاير معا اللفظ مثل الفضيلة إىل اللفظ على ظاهره وأبوا أن ينظروا يف األوصاف اليت أتبعوها نسبتهم الفضيلة إىل

إىل سائر ما ذكرناه قبل فيعلموا أنهم مل يوجبوا للفظ ما . لفظ متمكن غري قلق وال ناب به موضعه : قوهلم ولكن جعلوا كاملواضعة فيما بينهم أن . أوجبوه من الفضيلة وهم يعنون نطق اللسان وأجراس احلروف

الصورة يقولوا اللفظ وهم يريدون

وذهب الشيخ إىل : اليت حتدث يف املعىن واخلاصة اليت حدثت فيه ويعنون الذي عناه اجلاحظ حيث قال استحسان املعاين واملعاين مطروحة وسط الطريق يعرفها العريب والعجمي واحلضري والبدوي وإنما الشعر

إنه يأخذ احلديث فيشنفه ويقرطه ويأخذ املعىن خرزة : ه إذا قالوا وما يعنون. صياغة وضرب من التصوير وليس كون هذا مرادهم حبيث كان ينبغي . فريده جوهرة وعباءة فيجعله ديباجة ويأخذه عاطال فريده حاليا

أهله وتولى األمر غري البصري به ولكن إذا تعاطى الشيء غري. أن يخفى هذا اخلفاء ويشتبه هذا االشتباه أعضل الداء واشتد البالء

ولو مل يكن من الدليل على أنهم مل ينحلوا اللفظ الفضيلة وهم يريدونه نفسه وعلى احلقيقة إال واحد وهو لفاظ أدلة على املعاين وليس للدليل وذاك أن األ. وصفهم له بأنه يزين املعىن وأنه حلي له لكان فيه الكفاية

فأما أن يصري بالدليل على صفة مل يكن عليها فمما ال يقوم يف . إال أن يعلمك الشيء على ما يكون عليه عقل وال يتصور يف وهم

ث ذكروا األخذ ومما إذا تفكر فيه العاقل أطال التعجب من أمر الناس ومن شدة غفلتهم قول العلماء حيوهو كالم مشهور متداول يقرؤه . إن من أخذ معنى عاريا فكساه لفظا من عنده كان أحق به : والسرقة

مث ال ترى أحدا من هؤالء الذين هلجوا جبعل الفضيلة يف اللفظ يفكر . الصبيان يف أول كتاب عبد الرمحن ن يتصور أن يكون هاهنا معنى عار من لفظ يدل عليه مث من أين يعقل أن جييء من أي: يف ذلك فيقول

الواحد منا ملعنى من املعاين بلفظ من عنده إن كان املراد باللفظ نطق اللسان مث هب أنه يصح له أن يفعل من صاحبه الذي أخذه منه إن كان هوال يصنع ذلك فمن أين جيب إذا وضع لفظا على معىن أن يصري أحق

باملعىن شيئا وال يحدث فيه صفة وال يكسبه فضيلة وإذا كان كذلك فهل يكون لكالمهم هذا وجه سوى عبارة عن صورة يحدثها الشاعر أو غري الشاعر " فكساه لفظا من عنده : " أن يكون اللفظ يف قولهم

إذا أخذ معنى : " الشأن يف أنهم قالوا : بلى يكون وهو أن يستعري للمعىن لفظا قيل : ىن فإن قالوا للمع " عاريا فكساه لفظا من عنده كان أحق به

دث فيه واالستعارة عندكم مقصورة على جمرد اللفظ وال ترون املستعري يصنع باملعىن شيئا وترون أنه ال حيمث إن . يكون أحق به فاعرفه - ليت شعري - وإذا كان كذلك فمن أين . مزية على وجه من الوجوه

وذلك أن أبا نخيلة قال . أردت مثاال يف ذلك فإن من أحسن شيء فيه ما صنع أبو متام يف بيت أيب نخيلة : -الطويل -يف مسلمة بن عبد امللك

) ويا جبل الدنيا ويا واحد األرض ... أمسلم إني يابن كل خليفة ( وأنبهت يل ذكري وما كان ) ( وما كل من أوليته صاحلا يقضي ... شكرتك إن الشكر حبل من التقى (

) ن بعض ولكن بعض الذكر أنبه م... خامال

: - الطويل -فعمد أبو متام إىل هذا البيت األخري فقال ) بهيما وال أرضى من األرض مجهال ... لقد زدت أوضاحي امتدادا ومل أكن ( ) أغر فأوفت يب أغر محجال ... ولكن أياد صادفتين جسامها (

: " ومن األمثال القدمية قوهلم : للمرزباين فصل يف هذا املعىن حسن قال " الشعراء الشعر و" ويف كتاب يضرب مثال للذي خياف من " حرا أخاف على جاين كمأة ال قرا

: -الكامل - شيء فيسلم منه ويصيبه غريه مما مل خيفه فأخذ هذا املعىن بعض الشعراء فقال ) مل ينكين ولقيت ما لم أحذر ... ذرت من أمر فمر بجانيب وح(

: -املنسرح -وقال لبيد ) أرهب نوء السماك واألسد ... أخشى على أربد احلتوف وال (

: - الكامل - وأخذه البحتري فأحسن وطغى اقتدارا على العبارة واتساعا يف املعىن فقال: قال ) فيما أرت لرجوت ما أخشاه ... لو أنين أوفي التجارب حقها (

وشبيه هبذا الفصل فصل آخر من هذا الكتاب أيضا : -السريع -أنشد إلبراهيم بن املهدي

) يف جسد من لؤلؤ رطب ... يا من لقلب صيغ من صخرة ( ) برحت حىت اقتص من قليب ... رحت خديه بلحظي فيما ج(

: -الكامل -أخذه أمحد بن فنن معنى ولفظا فقال : قال علي بن هارون : مث قال

) فاقتص ناظره من القلب ... أدميت باللحظات وجنته ( ن مأخذه قد صار أوىل به ولكنه بنقاء عبارته وحس: قال

ففي هذا دليل ملن عقل أهنم ال يعنون حبسن العبارة جمرد اللفظ ولكن صورة وصفة وخصوصية حتدث يف املعىن وشيئا طريق معرفته على اجلملة العقل دون السمع فإنه على كل حال مل يقل يف البحتري إنه أحسن

لى العبارة من أجل حروف لو أنين أويف التجارب حقها فطغى اقتدارا ع : وكذلك مل يصف ابن أيب فنن بنقاء العبارة من أجل حروف

... ) أدميت باللحظات وجنته ( مث كانت واعلم أنك إذا سربت أحوال هؤالء الذين زعموا أنه إذا كان املعبر عنه واحدا والعبارة اثنتني

إحدى العبارتني أفصح من األخرى وأحسن فإنه ينبغي أن يكون السبب يف كوهنا أفصح وأحسن اللفظ فلما رأوا أنه إذا قيل يف الكلمتني . نفسه وجدتهم قد قالوا ذلك من حيث قاسوا الكالمني على الكلمتني

عىن يف إحدامها حال ال يكون له يف األخرى ظنوا أن إن معناهما واحد مل يكن بينهما تفاوت ومل يكن املولقد غلطوا فأفحشوا ألنه ال يتصور أن تكون صورة املعىن يف أحد الكالمني . سبيل الكالمني هذا السبيل

لفظة منه لفظة يف أو البيتني مثل صورته يف اآلخر البتة اللهم إال أن يعمد عامد إىل بيت فيضع مكان كل : -البسيط - معناها وال يعرض لنظمه وتأليفه كمثل أن يقول يف بيت احلطيئة

) واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي ... دع املكارم ال ترحل لبغيتها ( ) لالبس واجلس فإنك أنت اآلكل ا... ذر املفاخر ال تذهب لمطلبها (

وما كان هذا سبيله كان مبعزل من أن يكون به اعتداد وأن يدخل يف قبيل ما يفاضل فيه بني عبارتني بل ال ذلك ألنه ال . يصح أن يجعل ذلك عبارة ثانية وال أن يجعل الذي يتعاطاه مبحل من يوصف بأنه أخذ معىن

ذاك ألن . أن يدعى من أجله واضع كالم ومستأنف عبارة وقائل شعر يكون بذلك صانعا شيئا يستحقبيت احلطيئة مل يكن كالما وشعرا من أجل معاين األلفاظ املفردة اليت تراها فيه جمردة معراة من معاين النظم

" ال ترحل لبغيتها : " ون قوله وك" دع " والتأليف بل منها متوخى فيها ما ترى من كون املكارم مفعوال ل مجلة

أنت الطاعم الكاسي " معطوفا بالواو على جمموع ما مضى وكون مجلة " اقعد " أكدت اجلملة قبلها وكون فالذي يجيء فال يغير شيئا من هذا الذي به كان كالما وشعرا ال يكون قد " . اقعد " معطوفة بالفاء على "

ثان وعبارة ثانية بل ال يكون قد قال من عند نفسه شيئا البتة أتى بكالمومجلة األمر أنه كما ال تكون الفضة أو الذهب خامتا أو سوارا أو غريهما من أصناف احللي بأنفسهما ولكن

روف كالما وشعرا من غري كذلك ال تكون الكلم املفردة اليت هي أمساء وح. مبا حيدث فيهما من الصورة فإذا ليس ملن يتصدى لما ذكرنا من أن . أن حيدث فيها النظم الذي حقيقته توخي معاين النحو وأحكامه

يعمد إىل بيت فيضع مكان كل لفظة منها لفظة يف معناها إال أن يسترك عقله ويستخف ويعد معد الذي : - الكامل - قال حسان . إين قلت بيتا هو أشعر من بيت حسان :حكي أنه قال

) ال يسألون عن السواد املقبل ... يغشون حتى ما تهر كالبهم ( : وقلت

) أبدا وال يسلون من ذا املقبل ... يغشون حتى ما تهر كالبهم ( ! بيت حسان ولكنك قد أفسدته هو : فقيل

واعلم أنه إمنا أتي القوم من قلة نظرهم يف الكتب اليت وضعها العلماء يف اختالف العبارتني على املعىن الواحد ويف كالمهم يف أخذ الشاعر من الشاعر ويف أن يقول الشاعران على اجلملة يف معىن واحد ويف

ولو أهنم كانوا أخذوا أنفسهم بالنظر يف تلك الكتب وتدبروا ما فيها . اليت دونوها يف هذا املعىن األشعار حق التدبر لكان يكون ذلك قد أيقظهم من غفلتهم وكشف الغطاء عن أعينهم وهو ينقسم . عىن واحد وقد أردت أن اكتب مجلة من الشعر الذي أنت ترى الشاعرين فيه قد قاال يف م

قسم أنت ترى أحد الشاعرين فيه قد أتى باملعىن غفال ساذجا وترى اآلخر قد أخرجه يف صورة : قسمني وقسم أنت ترى كل واحد من الشاعرين قد صنع يف املعىن وصور . تروق وتعجب

د البيتني غفال ويف اآلخر مصورا مصنوعا ويكون ذلك إما ألن وأبدأ بالقسم األول الذي يكون املعىن يف أح - السريع -متأخرا قصر عن متقدم وإما ألن هدي متأخر لشيء مل يهتد إليه املتقدم ومثال ذلك قول املتنيب

:

) يرقدها شوقا إىل من يبيت ... بئس الليايل سهدت من طريب ( : -الكامل -مع قول البحتري

) ضدين أسهره لها وتنامه ... ليل يصادفين ومرهفة احلشا ( : -البسيط - وقول البحتري

) قودا لكان ندى كفيك من عقلي ... ولو وملكت زماعا ظل يجذبين ( : - الطويل - مع قول املتنيب

) ومن وجد اإلحسان قيدا تقيدا ... وقيدت نفسي يف ذراك محبة ( : -الكامل - وقول املتنيب

) ومن فوقها والبأس والكرم املحض ... إذا اعتل سيف الدولة اعتلت األرض ( : -الكامل -مع قول البحتري

) اعتل عضو من املجد : وجدت وقلنا ... ظللنا نعود اجلود من وعكك الذي ( : -الكامل - وقول املتنيب

) أعطاك معتذرا كمن قد أجرما ... يعطيك مبتدئا فإن أعجلته ( : -كامل ال -مع قول أيب متام

) إلينا ولكن عذره عذر مذنب ... أخو عزمات فعله فعل محسن ( : -الطويل - وقول املتنيب

) وقد لقحت حرب فإنك نازل ... كرمي متى استوهبت ما أنت راكب ( : مع قول البحتري من البسيط

) يوم لقاء البيض ما ندما ... يف اجلود لو وهب الششباب ماض على عزمه( : - اخلفيف - وقول املتنيب

) كأن القتال فيها ذمام ... والذي يشهد الوغى ساكن القلب ( : - الطويل -مع قول البحتري

) أن ذاك الزي زي محارب على ... لقد كان ذاك اجلأش جأش مسامل ( : -الكامل -وقول أيب متام

) من غريه ابتغيت وال أعالم ... الصبح مشهور بغير دالئل ( : -الوافر - مع قول املتنيب

) إذا احتاج النهار إىل دليل ... وليس يصح يف األذهان شيء (

: - الوافر -وقول أيب متام ) لمختبر على الشرف القدمي ... ويف شرف احلديث دليل صدق (

: -البسيط - مع قول املتنيب

) جدي اخلصيب عرفنا العرق بالغصن ... أفعاله نسب لو مل يقل معها ( : - الكامل - وقول البحتري

) أرض ينال بها كرمي املطلب ... وأحب آفاق البالد إىل الفىت ( : - الطويل - مع قول املتنيب

) وكل مكان ينبت العز طيب ... وكل امرىء يويل اجلميل محبب ( : -الطويل - وقول املتنيب

) ويقضي له بالسعد من ال ينجم ... من ال يوده يقر له بالفضل( : -الكامل -مع قول البحتري

) حتى يسلمها إليه عداه ... ال أدعي أليب العالء فضيلة ( : - املتقارب - وقول خالد الكاتب

) حب بال آخر وليل امل... رقدت ومل ترث للساهر ( : - الطويل -مع قول بشار

) إىل أن ترى ضوء الصباح وساد ... لخديك من كفيك يف كل ليلة (

) وليس لليل العاشقني نفاد ... تبيت تراعي الليل ترجو نفاده ( : - الوافر -وقول أيب متام

) أطار قلوب أهل املغربني ... باملشرقين هلم ضجاج ثوى( : -الطويل - وقول البحتري

) أطاع هلا العاصون يف بلد الغرب ... تناذر أهل الشرق منه وقائعا ( : -البسيط - مع قول مسلم

) صي باملقاليد ألقى إليك األقا... ملا نزلت على أدىن ديارهم ( : - البسيط -وقول حممد بن بشري

) فلو فرغت لكنت الدهر مبذوال ... افرغ حلاجتنا ما دمت مشغوال ( : -الطويل -مع قول أيب علي البصري

) لقد رث حىت كاد ينصرم احلبل : ... فقل لسعيد أسعد اهللا جده ( ) تناط بك اآلمال ما اتصل الشغل ... ر بالشغل عنا فإمنا فال تعتذ(

: - الكامل - وقول البحتري ) فلو أهنا بذلت لنا مل تبذل ... من غادة منعت ومتنع وصلها (

: - جمزوء الكامل - مع قول ابن الرومي ) منوعا علقت ممنوعا... ومن البلية أنين (

: - الطويل -وقول أيب متام ) أساء ففي سوء القضاء يل العذر ... لئن كان ذنيب أن أحسن مطليب (

: - البسيط -مع قول البحتري ) كيف أعتذر : كانت ذنويب فقل يل ... إذا حماسين الاليت أدل هبا (

: - البسيط -وقول أيب متام ... ) يقدم العير من ذعر على األسد قد(

: - الطويل -مع قول البحتري ) إىل أهرت الشدقني تدمى أظافره ... فجاء جميء العير قادته حرية (

: -الطويل - وقول معن بن أوس ) لدهر تقبل إليه بوجه آخر ا... إذا انصرفت نفسي عن الشيء مل تكد ( : -البسيط - مع قول العباس بن األحنف ( ) أخف من رد قلب حني ينصرف ... نقل اجلبال الرواسي من أماكنها (

: -الطويل -وقول أمية بن أيب الصلت

! )خبير وما كل العطاء يزين ... عطاؤك زين المرىء إن أصبته ( : - البسيط -مع قول أيب متام

) كانت فخارا ملن يعفوه مؤتنفا ... تدعى عطاياه وفرا وهي إن شهرت ( ) حىت رأيت سؤاال يجتىن شرفا ... ما زلت منتظرا أعجوبة عننا (

: -الطويل -وقول جرير ) بأسهم أعداء وهن صديق ... قلوبنا بعثن اهلوى مث ارتمين (

: - الطويل -مع قول أيب نواس ) له عن عدو يف ثياب صديق ... إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت (

: -الطويل -وقول كثري ) احلاجبية أول : أبينا وقلنا ... إذا ما أرادت خلة أن تزيلنا (

: -الكامل -مع قول أيب متام ) نقل فؤادك حيث شئت من اهلوى ما احلب إال للحبيب األول (

: -الطويل - وقول املتنيب ) شبيب وأوفى من ترى أخوان ... وعند من اليوم الوفاء لصاحب (

: -الطويل -مع قول أيب متام ) سجية نفس كل غانية هند ... ا هندا هلا الغدر وحدها فال تحسب(

: -الطويل - وقول البحتري

) فحاولت ورد النيل عند احتفاله ... ومل أر يف رنق الصرى يل موردا ( : - الطويل - مع قول املتنيب

) لبحر استقل السواقيا ومن قصد ا... قواصد كافور توارك غريه ( : وقول املتنيب من املنسرح

) ال صغر عاذر وال هرم ... كأنما يولد الندى معهم ( : - الطويل -مع قول البحتري

) لناشئهم من حيث يؤتنف العمر ... عريقون يف اإلفضال يؤتنف الندى ( : -الطويل - وقول البحتري

) ليمضي فإن الكف ال السيف تقطع ... فال تغلين بالسيف كل غالئه ( : -الطويل -مع قول املتنيب من

) فسيفك يف كف تزيل التساويا ... إذا اهلند سوت بني سيفي كريهة (

: - الكامل - وقول البحتري ) غري اجلواد وجاد غري املفضل ... من حسد فأفضل منهم ساموك( ) وتكرما وبذلت ما مل يبذل ... فبذلت فينا ما بذلت سماحة (

: -الطويل -مع قول أيب متام ) مهايعه املثلى ومحت لواحبه ... أرى الناس منهاج الندى بعدما عفت ( ) مواهب ليست منه وهي مواهبه ... ففي كل نجد يف البالد وغائر (

: -البسيط - وقول املتنيب ) وعز ذلك مطلوبا إذا طلبا ... بيضاء تطمع فيما حتت حلتها (

: -الكامل -مع قول البحتري : - الكامل - وقول املتنيب ) خللي ثنت بصدفة مؤيس شغل ا... تبدو بعطفة مطمع حتى إذا ( ) إذ ال تريد لما أريد مترجما ... إذكار مثلك ترك إذكاري له (

: - اخلفيف -مع قول أيب متام ) تقاضيته بترك التقاضي ... وإذا اجملد كان عوين عل املرء (

: -الكامل -ام وقول أيب مت ) من خدرها فكأنها مل تحجب ... فنعمت من شمس إذا حجبت بدت (

: مع قول قيس بن اخلطيم من املنسرح ) أال يكنها سدف ... قضى هلا اهللا حني صورها اخلالق (

: - اخلفيف - وقول املتنيب ) تشق القلوب قبل اجللود ... ا اهلدب راميات بأسهم ريشه(

: - الطويل - مع قول كثري ) ظواهر جلدي وهو يف القلب جارح ... رمتين بسهم ريشه كالكحل مل يجز (

: - الكامل - وقول بعض شعراء اجلاهلية ويعزى إىل لبيد ) يصحين فإذا السالمة داء ل... ودعوت ربي بالسالمة جاهدا (

: -الرجز - مع قول أيب العتاهية ) تدبر يف إقباهلا أيامه ... أسرع يف نقص امرىء متامه (

: -جمزوء الكامل - وقوله ) تكون كالثوب استجده ... أقلل زيارتك احلبيب ( ) أن ال يزال يراك عنده ... ه إن الصديق يمل(

: -الطويل -مع قول أيب متام ) لديباجتيه فاغترب تتجدد ... وطول مقام املرء يف احلي مخلق (

: - الرمل -وقول اخلرميي ) أنه عندك حمقور صغري ... زاد معروفك عندي عظما ( ) وهو عند الناس مشهور كبري ... أن مل تأته تتناساه ك(

: - املنسرح - مع قول املتنيب ) أنهم أنعموا وما علموا ... تظن من فقدك اعتدادهم (

: -الوافر - وقول البحتري ) إىل أهل النوافل والفضول ... أمل تر للنوائب كيف تسمو ( : -البسيط - ع قول املتنيب م

) يخلو من اهلم أخالهم من الفطن ... أفاضل الناس أغراض لذا الزمن ( : -الطويل - وقول املتنيب

) فما عاشق من ال يذل ويخضع ... تذلل هلا واخضع على القرب والنوى ( : -رمل جمزوء ال - مع قول بعض احملدثني

) للذي تهوى مطيعا ... كن إذا أحببت عبدا ( ) تلزم النفس اخلضوعا ... لن تنال الوصل حتى (

: -الطويل - وقول مضرس بن ربعي ) علي دالل واجب ملفجع ... لعمرك إني باخلليل الذي له ( ) وال ضائري فقدانه لممتع ... عي وإني باملوىل الذي ليس ناف(

: - الطويل - مع قول املتنيب ) بغيضا ثنائي أو حبيبا تقرب ... أما تغلط األيام يف بأن أرى (

: -البسيط - وقول املتنيب ) مظلومة الريق يف تشبيهه ضربا ... مظلومة القد يف تشبيهه غصنا (

: - الطويل -مع قوله ) بخسناك حظا أنت أهبى وأمجل ... إذا حنن شبهناك بالبدر طالعا ( ) ألنك أمحى للحرمي وأبسل ... ونظلم إن قسناك بالليث يف الوغى (

القسم الثاين تاذية على اجلملة فمن ذلك وهو من ذكر ما أنت ترى فيه يف كل واحد من البيتني صنعة وتصويرا وأس

: النادر قول لبيد من الرمل ) إن صدق النفس يزري باألمل ... واكذب النفس إذا حدثتها (

: -الكامل -مع قول نافع بن لقيط )أمال ويأمل ما اشتهى املكذوب ... وإذا صدقت النفس مل تترك هلا (

وقول رجل من اخلوارج أتي به احلجاج يف مجاعة من أصحاب قطري فقتلهم ومن عليه ليد كانت عنده : -الكامل - عاود قتال عدو اهللا احلجاج فأىب وقال : وعاد إىل قطري فقال له قطري

) ها موالته بيد تقر بأن... أأقاتل احلجاج عن سلطانه ( ) يف الصف واحتجت له فعالته ... ماذا أقول إذا وقفت إزاؤه ( ) غرست لدي فحنظلت خنالته ... وحتدث األقوام أن صنائعا (

: -الطويل -مع قول أيب متام ) إذا هلجاين عنه معروفه عندي . ..أسربل هجر القول من لو هجوته (

: -الطويل - وقول النابغة ) عصائب طير تهتدي بعصائب ... إذا ما غدا باجليش حلق فوقه (

) إذا ما التقى الصفان أول غالب ... جوانح قد أيقن أن قبيله ( : - لرمل جمزوء ا -مع قول أيب نواس

) وتراءى املوت يف صوره ... وإذا مج القنا علقا ( ) أسد يدمى شبا ظفره ... راح يف ثنيي مفاضته ( ) ثقة بالشبع من جزره ... تتأيا الطير غدوته (

: ثين عمرو الوراق حد: وحكى املرزباين قال . املقصود البيت األخري : رأيت أبا نواس ينشد قصيدته اليت أوهلا

... ) أيها املنتاب عن عفره ( : فلم بلغ إىل قوله . فحسدته

) ثقة بالشبع من جزره ... تتأيا الطري غدوته (

اسكت فلئن كان سبق : فقال -البيتني : ذا ما غدا باجليش إ: ما تركت للنابغة شيئا حيث يقول : قلت له فما أسأت االتباع

ذاك ألنه لو كان ال يكون قد . وهذا الكالم من أيب نواس دليل بين يف أن املعىن ينقل من صورة إىل صورة مث إن . على كل حال مل يتبعه يف اللفظ ألنه. محاال : فما أسأت االتباع : صنع باملعىن شيئا لكان قوله

األمر ظاهر ملن نظر يف أنه قد نقل املعىن عن صورته اليت هو عليها يف شعر النابغة إىل صورة أخرى وذلك أحدمها أصل : أن هاهنا معنيني

واآلخر فرع وهو طمع الطير . لغالب وهو علم الطري بأن املمدوح إذا غزا عدوا كان الظفر له وكان هو اوقد عمد النابغة إىل األصل الذي هو علم الطري بأن املمدوح . يف أن تتسع عليها املطاعم من لحوم القتلى

وإهنا . واعتمد يف الفرع الذي هو طمعها يف حلوم القتلى . يكون الغالب فذكره صرحيا وكشف عن وجهه وعكس أبو نواس القصة فذكر الفرع الذي هو طمعها يف حلوم . لق فوقه على داللة الفحوى لذلك حت

: القتلى صرحيا فقال كما ترى ... ) ثقة بالشبع من جزره (

وعول يف األصل الذي هو علمها بأن الظفر يكون للممدوح على الفحوى وداللة الفحوى على علمها أنوهي ال تثق بأن شبعها يكون منجزر املمدوح حىت " . من جزره : " الظفر يكون للممدوح هي يف أن قال

أفيكون شيء أظهر من هذا يف النقل عن صورة إىل صورة . تعلم أن الظفر يكون له : - اخلفيف -ومن ذلك قول أيب العتاهية . أرجع إىل النسق ( ) كان مستغلقا على املداح ... شيم فتحت من املدح ما قد (

: -الكامل -مع قول أيب متام ) ينفثن يف عقد اللسان املفحم ... نظمت له خرز املديح مواهب (

: -الوافر -وقول أيب وجزة ) ع السيول وكنت له كمجتم... أتاك اجملد من هنا وهنا (

: - البسيط -مع قول منصور النمري

) أحلك اهللا منها حيث تجتمع ... إن املكارم واملعروف أودية ( : -البسيط - وقول بشار

) أعجب بشيء على البغضاء مودود ... الشيب كره وكره أن يفارقين ( : - افر الو -مع قول البحتري

) ومن يل أن أمتع باملعيب ... تعيب الغانيات علي شييب ( : - الوافر -وقول أيب متام

) ويكثر الوجد حنوه األمس ... يشتاقه من كماله غده ( : - الطويل - مع قول ابن الرومي

) ف ويشتاقه الغد تلفت ملهو... إمام يظل األمس يعمل حنوه ( يعمل حنوه تلفت ملهوف : فأعاد لفظ أيب متام ولكن النظر إىل قوله " يشتاقه الغد : " ال تنظر إىل أنه قال

: - الطويل -وقول أيب متام ) فليس يؤدي شكرها الذئب والنسر ... لئن ذمت األعداء سوء صباحها (

: - املتقارب - مع قول املتنيب ) فأثنت بإحسانك الشامل ... وأنبت منهم ربيع السباع (

: - البسيط -وقول أيب متام ) لصيق روحي ودان ليس بالداين ... ورب نائي املغاين روحه أبدا (

-الوافر - مع قول املتنيب ) تالقى يف جسوم ما تالقى ... قلوب لنا وألهله أبدا(

: -الرمل -وقول أيب هفان ) ما له إال ابن حيىي حسنه ... أصبح الدهر مسيئا كله (

: - الطويل - مع قول املتنيب ) بنوها هلا ذنب وأنت لها عذر ... أزالت بك األيام عتبي كأنما (

: - الكامل - لي بن جبلة وقول ع ) ردته يف عظيت ويف إفهامي ... وأرى الليايل ما طوت من قويت (

: -املتقارب -مع قول ابن املعتز ) يزد يف نهاها وألبابها ... وما ينتقص من شباب الرجال (

: - الطويل -وقول بكر بن النطاح ) جلاد هبا فليتق اهللا سائله ... كن يف كفه غري روحه ولو مل ي(

: - املنسرح - مع قول املتنيب ) ما دون أعمارهم فقد بخلوا ... إنك من معشر إذا وهبوا (

: -الطويل - وقول البحتري ) أن راح يهطل يفيض وصوب املزن... ومن ذا يلوم البحر أن بات زاخرا (

: -البسيط - مع قول املتنيب ) ومن يسد طريق العارض اهلطل ... وما ثناك كالم الناس عن كرم (

: - الكامل - وقول الكندي ) فهم الذرى وجماجم اهلامات ... عزوا وعز بعزهم من جاوروا ( ) أو يطلبوا ال يدركوا بترات ... اتهم يعطوا هبا إن يطلبوا بتر(

: - الطويل - مع قول املتنيب

) وهن لما يأخذن منك غوارم ... تفيت الليايل كل شيء أخذته ( : - الطويل -وقول أيب متام

) ه وهو يف السيف حاكم غدا العفو من... إذا سيفه أضحى على اهلام حاكما ( : - الكامل - مع قول املتنيب

) ومن عادة اإلحسان والصفح غامد ... له من كرمي الطبع يف احلرب منتض ( يع ذلك فانظر اآلن نظر من نفى الغفلة عن نفسه فإنك ترى عيانا أن للمعىن يف كل واحد من البيتني من مج

إن املعىن يف هذا هو : وأن العلماء مل يريدوا حيث قالوا . صورة وصفة غري صورته وصفته يف البيت اآلخر وأن املعىن عائد عليك يف البيت الثاين . املعىن يف ذاك أن الذي تعقل من هذا ال خيالف الذي تعقل من ذاك

ن عليها يف البيت األول وأن ال فرق وال فصل وال تباين بوجه من الوجوه وأن على هيئته وصفته اليت كاولكن قالوا ذلك على . حكم البيتني مثال حكم االمسني قد وضعا يف اللغة لشيء واحد كالليث واألسد ا وصفات كاخلامت واخلامت حسب ما يقوله العقالء يف الشيئني جيمعهما جنس واحد مث يفترقان خبواص ومزاي

والشنف والشنف والسوار والسوار وسائر أصناف احللي اليت جيمعها جنس واحد مث يكون بينها االختالف الشديد يف الصنعة والعمل

هذا ومن هذا الذي ينظر إىل بيت اخلارجي وبيت أيب متام فال يعلم أن صورة املعىن يف ذلك غري صورته يف : ويقول أبو متام . واحتجت له فعالته : كيف واخلارجي يقول

... ) إذا لهجاين عنه معروفه عندي ( ومىت كان احتج وهجا واحدا يف املعىن وكذلك احلكم يف مجيع ما ذكرناه فليس يتصور يف نفس عاقل أن

: يكون قول البحتري ) أرض ينال هبا كرمي املطلب ... ىل الفىت وأحب آفاق البالد إ(

: وقول املتنيب ... ) وكل مكان ينبت العز طيب (

سواء فلما رأينا البينونة . الصورة إمنا هو متثيل وقياس ملا نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا : واعلم أن قولنا

من جهة الصورة فكان بين إنسان بني آحاد األجناس تكون

من إنسان وفرس من فرس خبصوصية تكون يف صورة هذا ال تكون يف صورة ذاك مث وجدنا بني املعىن . وكذلك كان األمر يف املصنوعات فكان تبين خاتم من خاتم وسوار من سوار بذلك

: " ونة يف عقولنا وفرقا عبرنا عن ذلك الفرق وتلك البينونة بأن قلنا يف أحد البيتني وبينه يف اآلخر بينوليس العبارة عن ذلك بالصورة شيئا حنن ابتدأناه فينكره " . للمعىن يف هذا صورة غري صورته يف ذلك

صناعة وضرب من وإمنا الشعر : " ويكفيك قول اجلاحظ . منكر بل هو مستعمل مشهور يف كالم العلماء " التصوير

واعلم أنه لو كان املعىن يف أحد البيتني يكون على هيئته وصفته يف البيت اآلخر وكان التايل من الشاعرين إنه أخذ املعىن : جييئك به معادا على وجهه مل يحدث فيه شيئا ومل يغري له صفة لكان قول العلماء يف شاعر

إنه أساء وقصر لغوا من القول من حيث كان محاال أن حيسن أو : ويف آخر . حبه فأحسن وأجاد من صاوكذلك كان يكون جعلهم البيت نظريا للبيت ومناسبا له خطأ منهم ألنه . يسيء يف شيء ال يصنع به شيئا

إنه أخذ : " وأمر ثالث وهو أهنم يقولون يف واحد .حمال أن يناسب الشيء نفسه وأن يكون نظريا لنفسه ولو كان املعىن يكون معادا على صورته وهيئته وكان . إنه أخذه فأخفى أخذه : املعىن فظهر أخذه ويف آخر

ألن اللفظ ال يخفى اآلخذ له من صاحبه ال يصنع شيئا غري أن يبدل لفظا مكان لفظ لكان اإلخفاء فيه حماال مثال ذلك أن القاضي أبا احلسن ذكر فيما ذكر . املعىن وإمنا يخفيه إخراجه يف صورة غري اليت كان عليها

: -جمزوء الرمل -فيه تناسب املعاين بيت أيب نواس ) تنتقي منه وتنتخب ... حليت واحلسن تأخذه (

: -الوافر - ن مصعب وبيت عبد اهللا ب ) ختير يف األبوة ما تشاء ... كأنك جئت حمتكما عليهم

: -الطويل -وذكر أهنما معا من بيت بشار

) هوايولو خيرت كنت املهذبا ... خلقت على ما يف غري مخير ( : - الوافر -نه ذكر أن أبا متام قد تناوله فأخفاه وقال مث إ. واألمر يف تناسب هذه الثالثة ظاهر

) على ما فيك من كرم الطباع ... فلو صورت نفسك مل تزدها ( : - الكامل - ومن العجب يف ذلك ما تراه إذا أنت تأملت قول أيب العتاهية

) على ظهري عني خلفته... جزي البخيل علي صالحة ( ) فعلت ونزه قدره قدري ... أعلى وأكرم عن يديه يدي ( ) أن ال يضيق بشكره صدري ... ورزقت من جدواه عافية ( ) أحنو عليه بأحسن العذر ... وغنيت خلوا من تفضله ( ) عني يداه مؤونة الشكر ...ما فاتين خير امرىء وضعت (

: - املنسرح - مث نظرت إىل قول الذي يقول ) فيا بردها على كبدي ... أعتقين سوء ما صنعت من الررق ( ) أحسن سوءا قبلي إىل أحد ... فصرت عبدا للسوء فيك وما (

: -الطويل - ب ما صنعه اجلاحظ بقول نصيب ومما هو يف غاية الندرة من هذا البا ... ) ولو سكتوا أثنت عليك احلقائب (

والناس ينظرون إىل . حنن أعزك اهللا نسحر بالبيان ومنوه بالقول : وكتب به إىل ابن الزيات : حني نثره فقال ينطق إذا سكتنا فإن املدعي بغري بينة متعرض للتكذيب فأثر يف أمرنا أثرا. احلال ويقضون بالعيان

: وهذه مجلة من وصفهم للشعر وعمله وإدالهلم به

: -الكامل - أبو حية النمري ) صنع اللسان هبن ال أتنحل ... إن القصائد قد علمن بأنين ( ) جعلت تذل لما أريد وتسهل ... سج ريض وإذا ابتدأت عروض ن( ) غيري حلاول صعبة ال تقبل ... حتى تطاوعين ولو يرتاضها (

: -الطويل -متيم بن مقبل ) هلا قائال بعدي أطب وأشعرا ... إذا مت عن ذكر القوايف فلن ترى ( ) حزون جبال الشعر حتى تيسرا ... بيتا سائرا ضربت له وأكثر ( ) كما تمسح األيدي األغر املشهرا ... أغر غريبا يمسح الناس وجهه (

: - الكامل - عدي بن الرقاع ) لها وسنادها حتى أقوم مي... وقصيدة قد بت أجمع بينها ( ) حتى يقيم ثقافه منآدها ... نظر املثقف يف كعوب قناته (

: -الطويل - كعب بن زهري ) إذا ما ثوى كعب وفوز جرول ... فمن للقوايف شانها من يحوكها ( ) ها كل ما يتمثل فيقصر عن... يقومها حتى تلني متونها (

: -الطويل -بشار ) فجئت عجيب الظن للعلم موئال ... عميت جنينا والذكاء من العمى ( ) لقلب إذا ما ضيع الناس حصال ... وغاض ضياء العني للعلم رافدا ( ) بقول إذا ما أحزن الشعر أسهال ... وشعر كنور الروض الءمت بينه (

: - املنسرح - وله ) يغرف من شعره ومن خطبه ... زور ملوك عليه أبهة ( يخرج ضوء النهار ... خيرج من فيه للندي كما ) ( من لؤلؤ ال ينام عن طلبه ... هللا ما راح يف جوانحه (

) هبه من ل : -الوافر - أبو شريح العمري

) قوايف تعجب املتمثلينا ... فإن أهلك فقد أبقيت بعدي (

) لو أن الشعر يلبس الرتدينا ... لذيذات املقاطع محكمات ( : - الوافر -الفرزدق

) قرنها من حيث غابا ومسقط ... بلغن الشمس حني تكون شرقا ( ) غرائبهن تنتسب أنتسابا ... بكل ثنية وبكل ثغر (

: -الطويل -ابن ميادة من ) فأصبح فيه ذو الرواية يسبح ... فجرنا ينابيع الكالم وبحره (

) كلفة ومتلح وشعر سواهم... وما الشعر إال شعر قيس وخندف ( : - الطويل - وقال عقال بن هاشم القيين يرد عليه

) هبا خطل الرماح أو كان يمزح ... أال بلغ الرماح نقض مقالة ( ) طوال وشعر سائر ليس يقدح ... لئن كان يف قيس وخندف ألسن ( ) حبور الكالم تستقى وهي طفح ... اليمانون قبلهم لقد خرق احلي ( ) وهم أعربوا هذا الكالم وأوضحوا ... وهم علموا من بعدهم فتعلموا ( ) وليس لمسبوق عليهم تبجح ... فللسابقني الفضل ال تجحدونه (

: -الطويل -أبو متام ) وطيرته عن وكره وهو واقع ... قناع الشعر عن حر وجهه كشفت (

) ويدنو إليها ذو احلجا وهو شاسع ... بغر يراها من يراها بسمعه ( ) إذا أنشدت شوقا إليها مسامع ... يود ودادا أن أعضاء جسمه (

: - الكامل - وله ) وبالغة وتدر كل وريد ... متأل كل أذن حكمة حذاء ( ) بالشذر يف عنق الفتاة الرود ... كالدر واملرجان ألف نظمه ( ) يف أرض مهرة أو بالد تزيد ... كشقيقة البرد املنمنم وشيه ( ... بشرى الغين أيب البنات تتابعت ) ( بردائها يف املحفل املشهود ... يعطي هبا البشرى الكرمي ويرتدي (

) بشراؤه بالفارس املولود : - الكامل - وله

) سمطان فيها اللؤلؤ املكنون ... جاءتك من نظم اللسان قالدة ( ) ذا نضب الكالم معني جفر إ... أحذاكها صنع الضمري يمده (

ونقله إىل " بأنين صنع اللسان هبن ال أتنحل : " أخذ لفظ الصنع من قول أيب حية

: -البسيط - وقد جعل حسان أيضا اللسان صنعا وذلك يف قوله . الضمري ) نع فيما أحب لسان حائك ص... أهدى هلم مدحا قلب مؤازره (

: -الطويل - وأليب متام من ) متهل يف روض املعاين العجائب ... إليك أرحنا عازب الشعر بعدما ( ) من املجد فهي اآلن غري غرائب ... غرائب القت يف فنائك أنسها ( ولو كان يفىن الشعر أفناه ما قرت (

) السنني الذواهب حياضك منه يف... ) سحائب منه أعقبت بسحائب ... ولكنه صوب العقول إذا انجلت (

: -الطويل -البحتري

) هي األجنم اقتادت مع الليل أنجما ... ألست املوالي فيك نظم قصائد ( ) الوشي منه منمنما ضحى وكأن... ثناء كأن الروض منه منورا (

: -البسيط - وله ) عليك أجنمه باملدح تنتثر ... أحسن أبا حسن بالشعر إذ جعلت ( ) كما تفتح غب الوابل الزهر ... فقد أتتك القوافي غب فائدة (

: -الطويل - وله

) يسير ضاحي وشيها وينمنم ... صد إليك القوايف نازعات قوا( ) هباء وحسنا أهنا لك تنظم ... ومشرقة يف النظم غر يزينها (

: -الطويل - وله ) هلا اللفظ مختارا كما ينتقى التبر ... بمنقوشة نقش الدنانري ينتقى (

: -الطويل - وله ) ومل يدر ما مقدار حلي وال عقدي ... هب هذا الدهر مل ير موضعي أيذ( ) يبيع ثمينات املكارم واجملد ... ويكسد مثلي وهو تاجر سؤدد (

) تعلقن من قبلي وأتعنب من بعدي ... سوائر شعر جامع بدد العلى ) إلحكامها تقدير داود يف السرد ... فيها صانع متعمل يقدر(

: - الكامل - وله ) متملمال وتنام دون ثوابه ... اهللا يسهر يف مدحيك ليله ( ) جيش لديه يريد أن يلقى به ... يقظان ينتحل الكالم كأنه ( ) ما بني قائم سنخه وذبابه ... ل فأتى به كالسيف رقرق صيق(

: - اخلفيف -ومن نادر وصفه للبالغة قوله ) امرؤ أنه نظام فريد ... يف نظام من البالغة ما شكك ( ) يف رونق الربيع اجلديد ... وبديع كأنه الزهر الضاحك ( ) عوده على املستعيد ... قه مشرق يف جوانب السمع ما يخل(

) فرادى كاجلوهر املعدود ... حجج تخرس األلد بألفاظ ( ) هجنت شعر جرول ولبيد ... ومعان لو فصلتها القوايف ( ) وجتنبن ظلمة التعقيد ... حزن مستعمل الكالم اختيارا ( ) به غاية املراد البعيد ... كبن اللفظ القريب فأدركن ور( ) إذا رحن يف اخلطوط السود ... كالعذارى غدون يف احللل الصفر (

الغرض من كتب هذه األبيات االستظهارحىت إن حمل حامل نفسه على الغرر والتقحم على غري بصرية عم أن اإلعجاز يف مذاقة احلروف ويف سالمتها مما يثقل على اللسان علم بالنظر فيها فساد ظنه وقبح فز

غلطه من حيث يرى عيانا أن ليس كالمهم كالم من خطر ذلك منه ببال وال صفاتهم صفات تصلح له حلزون جبال الشعر ألن تسلم ألفاظه من " متيم " على حال إذ ال يخفى على عاقل أن مل يكن ضرب

لشعره وال تشبيهه نظره فيه بنظر املثقف يف كعوب قناته " عدي " حروف تثقل على اللسان وال كان تقومي نور العني قد غاض فصار إىل قبله وأن يكون اللؤلؤ الذي كان " بشار " ذلك وأنه حمال أن يكون له جعل

وأن ليس " اجنلت سحائب منه أعقبت بسحائب " ينام عن طلبه وأن ليس هو صوب العقول الذي إذا ال مقدرا تقدير داود يف السرد " البحتري " مؤلفا بالشذر يف العقد وال الذي له كان " الدر واملرجان " هو

ستنبط بالفكر وليس الفكر الطريق إىل متييز ما يثقل على كيف وهذه كلها عبارات عما يدرك بالعقل ويولوال أن البلوى قد عظمت هبذا الرأي الفاسد وأن الذين . اللسان مما ال يثقل إنما الطريق إىل ذلك احلس

: " لو أن إنسانا قال حىت . قد استهلكوا فيه قد صاروا من فرط شغفهم به يصغون إىل كل شيء يسمعونه يريهم أنه يريد نصرة مذهبهم ألقبلوا بأوجههم عليه فألقوا أمساعهم إليه لكان اطراحه وترك " باقلى حار

االشتغال به أصوب ألنه قول ال يتصل منه جانب بالصواب البتة ال مبا به كان قرآنا وكالم اهللا ذلك ألنه أول شيء يؤدي إىل أن يكون القرآن معجزا

ومعلوم أن ليس . عز و جل ألنه على كل حال إمنا كان قرآنا وكالم اهللا عز و جل بالنظم الذي هو عليه مث إنه اتفاق من العقالء أن الوصف . النظم من مذاقة احلروف وسالمتها مما يثقل على اللسان يف شيء

وما رأينا عاقال جعل القرآن . اهى القرآن إىل حد عجز عنه املخلوقون هو الفصاحة والبالغة الذي به تنفصيحا أو بليغا بأن ال يكون يف حروفه ما يثقل على اللسان ألنه لو كان يصح ذلك لكان جيب أن يكون

وأعجب من هذا أنه . لشعر فصيحا إذا خفت حروفه السوقي الساقط من الكالم والسفساف الرديء من ا" احلمد هللا : " يلزم منه أنه لو عمد عامد إىل حركات اإلعراب فجعل مكان كل ضمة وكسرة فتحة فقال

به بل بفتح الدال والالم واهلاء وجرى على هذا يف القرآن كله أن ال يسلبه ذلك الوصف الذي هو معجزإن : فإن قال . كان ينبغي أن يزيد فيه ألن الفتحة كما ال خيفى أخف من كل واحدة من الضمة والكسرة

إذا كان املعىن والعلة يف كونه معجزا خفة اللفظ وسهولته فينبغي أن يكون مع : قيل له . ذلك حييل املعىن الوصف خيص لفظه دون معناه كان حماال أن خيرج عن كونه معجزا ألنه إذا كان معجز. إحالة املعىن معجزا

مع قيام ذلك الوصف فيه فإنه يكفي يف الداللة على سقوطه وقلة متييز القائل به أن يقتضي . ودع هذا وهب أنه ال يلزم شيء منه

واطراح مجيعها رأسا مع أهنا األقطاب اليت تدور إسقاط الكناية واالستعارة والتمثيل واجملاز واإلجياز مجلةالبالغة عليها واألعضاد اليت تستند الفصاحة إليها والطلبة اليت يتنازعها املحسنون والرهان الذي جترب فيه

ن أقدارها العلماء اجلياد والنضال الذي تعرف به األيدي الشداد وهي اليت نوه بذكرها البلغاء ورفع موصنفوا فيها الكتب ووكلوا هبا اهلمم وصرفوا إليها اخلواطر حتى صار الكالم فيها نوعا من العلم مفردا وصناعة على حدة ومل يتعاط أحد من الناس القول يف اإلعجاز إال ذكرها وجعلها العمد واألركان فيما

فإنك تراهم جيعلونهما عنوان ما يذكرون وأول ما . ية وخصوصا االستعارة واإلجياز يوجب الفضل واملز

وأشربوا في : ( وقوله ) واشتعل الرأس شيبا : ( يوردون وتراهم يذكرون من االستعارة قوله عز وجل فاصدع بما : ( وقوله عز و جل ) سلخ منه النهار وآية لهم الليل ن: ( وقوله عز و جل ) قلوبهم العجل

: ( وقوله ) حتى تضع احلرب أوزارها : ( وقوله تعاىل ) فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا : ( وقوله ) تؤمر فما ربحت

وال : ( وقوله تعاىل ) افن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء وإما تخ: ( ومن اإلجياز قوله تعاىل ) تجارتهم وتراهم على لسان واحد يف أن اجملاز واإلجياز من ) . فشرد بهم من خلفهم : ( وقوله ) ينبئك مثل خبري

األركان يف أمر اإلعجاز ة العلماء الذين تكلموا يف املزايا اليت للقرآن فينبغي أن ينظر يف أمر الذي وإذا كان األمر كذلك عند كاف

يسلم نفسه إىل الغرور فيزعم أن الوصف الذي كان له القرآن معجزا هو سالمة حروفه مما يثقل على يدعي الغلط على العقالء قاطبة فيما قالوه واخلطأ فيما أمجعوا أيصح له القول بذلك إال من بعد أن. اللسان

اللهم إال أن خيرج إىل الضحكة . عليه وإذا نظرنا وجدناه ال يصح له ذلك إال بأن يقتحم هذه اجلهالة حيدث هبما يف حروفه خفة ويتجدد فيها فيزعم مثال أن من شأن االستعارة واإلجياز إذا دخال الكالم أن

ونسأل اهللا تعاىل العصمة والتوفيق . سهولة واعلم أنا ال نأىب أن تكون مذاقة احلروف وسالمتها مما يثقل على اللسان داخال فيما يوجب الفضيلة وأن

ي ننكره ونفيل رأي من يذهب إليه أن جيعله معجزا به وحده وجيعله وإمنا الذ. تكون مما يؤكد أمر اإلعجاز األصل والعمدة فيخرج إىل ما ذكرنا من الشناعات

مث إن العجب كل العجب ممن جيعل كل الفضيلة يف شيء هو إذا انفرد مل يجب به فضل البتة ومل يدخل يف وذلك أنه ال يخفى على عاقل أنه ال يكون بسهولة األلفاظ وسالمتها مما يثقل على اللسان . ال اعتداد حب

وأنه . مث كان ذلك الكالم صحيحا يف نظمه والغرض الذي أريد به . اعتداد حىت يكون قد ألف منها كالم يها معنى ويؤلف منها كالما مل تر عاقال يعتد السهولة لو عمد عامد إىل ألفاظ فجمعها من غري أن يراعي ف

فإذا عدمت الذي له تراد أو . ألن األلفاظ ال تراد ألنفسها وإمنا تراد لتجعل أدلة على املعاين . فيها فضيلة . لسهولة وغير السهولة فيها واحدا اختل أمرها فيه مل يعتد باألوصاف اليت تكون يف أنفسها عليها وكانت ا

ومن هاهنا رأيت العلماء يذمون من حيمله تطلب السجع والتجنيس على أن يضم هلما املعىن ويدخل اخللل لذي عليه من أجلهما وعلى أن يتعسف يف االستعارة بسببهما ويركب الوعورة ويسلك املسالك اجملهولة كا

البسيط -صنع أبو متام يف قوله

) ملا تخرم أهل األرض مخترما ... سيف اإلمام الذي سمته هيبته ( ) باألشترين عيون الشرك فاصطلما ... قرت بقران عني الدين وانتشرت (

: - الكامل - وقوله ) فيه الظنون أمذهب أم مذهب ... والتوت ذهبت مبذهبه السماحة (

ويصنعه املتكلفون يف األسجاع وذلك أنه ال يتصور أن جيب هبما ومن حيث مها فضل ويقع هبما مع اخللو

-يس القائل فاستضعفته وإىل جتن" أمذهب أم مذهب : " وإذا نظرت إىل جتنيس أيب متام . من املعىن اعتداد : - البسيط

... ) حتى جنا من خوفه وما نجا ( : - اخلفيف - وقول احملدث

) أو دعاين أمت مبا أودعاين ... ناظراه فيما جنى ناظراه ( فت يف األول فاستحسنته مل تشك حبال أن ذلك مل يكن ألمر يرجع إىل اللفظ ولكن ألنك رأيت الفائدة ضع

على أن أمسعك حروفا " مذهب " و " مذهب " وذلك أنك رأيت أبا متام مل يزدك ب . وقويت يف الثاين ورأيت اآلخر قد أعاد عليك اللفظة كأنه . إال متكلفة متمحلة -إن وجدت -مكررة ال جتد هلا فائدة

وهلذه النكتة كان . ويومهك أنه مل يزدك وقد أحسن الزيادة ووفاها . عطاها خيدعك عن الفائدة وقد أمن حلي الشعر والقول فيما يحسن وفيما ال يحسن " جنا وجنا : " التجنيس وخصوصا املستوفى منه مثل

من

توكيد ما انتهى بنا القول إليه ومل يكن غرضنا من ذكرمها شرح أمرمها ولكن. التجنيس والسجع يطول من استحالة أن يكون اإلعجاز يف جمرد السهولة وسالمة األلفاظ مما يثقل على اللسان

ومجلة األمر أنا ما رأينا يف الدنيا عاقال اطرح النظم واحملاسن اليت هو السبب فيها يف االستعارة والكناية وضروب اجملاز واإلجياز وصد بوجهه عن مجيعها وجعل الفضل كله واملزية أمجعها يف سالمة والتمثيل

احلروف مما يثقل كيف وهو يؤدي إىل السخف واخلروج من العقل كما بينا أنه هو الطلبة وكل ما عداه واعلم أنه قد آن لنا أن نعود إىل ما هو األمر األعظم والغرض األهم والذي ك

وهو بيان العلل اليت هلا وجب أن يكون لنظم مزية . ذرائع إليه وهو املرام وما سواه أسباب للتسلق عليه ك وحنن نسأل اهللا تعاىل العون على ذل. على نظم وأن يعم أمر التفاضل فيه ويتناهى إىل الغايات البعيدة

والتوفيق له واهلداية إليه

بسم اهللا الرمحن الرحيم

فصل يف أمهية السياق للمعىن

ما أظن بك أيها القارىء لكتابنا إن كنت وفيته حقه من النظر وتدبرته حق التدبر إال أنك قد علمت علما ليس النظم شيئا إال توخي معاين النحو وأحكامه أىب أن يكون للشك فيه نصيب وللتوقف حنوك مذهب أن

وأنك قد تبينت أنه إذا رفع معاين النحو وأحكامه مما بني الكلم . ووجوهه وفروقه فيما بين معاين الكلم ن الشعر حىت ال تراد فيها يف مجلة وال تفصيل خرجت الكلم املنطوق ببعضها يف أثر بعض يف البيت م

والفصل من النثر عن أن يكون لكونها يف مواضعها اليت وضعت فيها موجب ومقتض وعن أن يتصور أن يقال يف كلمة منها إهنا مرتبطة بصاحبة هلا ومتعلقة هبا وكائنة بسبب منها وأن حسن تصورك لذلك قد ثبت

ة نفسك وباعدك من أن حتن إىل الذي كنت عليه وأن يجرك اإللف واالعتياد إليه فيه قدمك ومأل من الثقفإن كان األمر . وأنك جعلت ما قلناه نقشا يف صدرك وأثبته يف سويداء قلبك وصادقت بينه وبني نفسك

تعاىل منك نية حسنة تقيك امللل ورغبة صادقة كما ظنناه رجونا أن يصادف الذي نريد أن نستأنفه بعون اهللاواهللا تعاىل ويل توفيقك وتوفيقنا مبنه . تدفع عنك السأم وأرحيية خيف معها عليك تعب الفكر وكد النظر

: ونبدأ فنقول . وفضله توخي معاين النحو وأحكامه فيما ينب معاين فإذا ثبت اآلن أن ال شك وال مرية يف أن ليس النظم شيئا غري

الكلم ثبت من ذلك أن طالب دليل اإلعجاز من نظم القرآن إذا هو مل يطلبه يف معاين النحو وأحكامه طلبه ووجوهه وفروقه ومل يعلم أهنا معدنه ومعانه وموضعه ومكانه وأنه ال مستنبط له سواها وأن ال وجه ل

فيما عداها غار نفسه بالكاذب من الطمع ومسلم هلا إىل اخلدع وأنه إن أىب أن يكون فيها كان قد أىب أن يكون القرآن معجزا بنظمه ولزمه أن يثبت شيئا آخر يكون معجزا به وأن يلحق بأصحاب الصرفة

ر ال يدفعه إال معاند يعد الرجوع عن باطل قد اعتقده عجزا والثبات وهذا تقري. فيدفع اإلعجاز من أصله ونسأل اهللا . عليه من بعد لزوم احلجة جلدا ومن وضع نفسه يف هذه املنزلة كان قد باعدها من اإلنسانية

تعاىل العصمة والتوفيق ذي عمدنا به وهذه أصول حيتاج إىل معرفتها قبل ال

وإذا أحكمت . واألصل واألول هو اخلرب . اعلم أن معاين الكالم كلها معان ال تتصور إال فيما بني شيئني ومن الثابت يف العقول والقائم يف النفوس أنه ال يكون خرب حىت . العلم هبذا املعىن فيه عرفته يف اجلميع

والنفي يقتضي . واإلثبات يقتضي مثبتا ومثبتا له . ه ألنه ينقسم إىل إثبات ونفي يكون خمبر به ومخرب عنفلو حاولت أن يتصور إثبات معىن أو نفيه من دون أن يكون هناك مثبت له ومنفي عنه . منفيا ومنفيا عنه

ن أجل ذلك امتنع أن يكون لك قصد إىل شيء مظهر أو وم. حاولت ما ال يصح يف عقل وال يقع يف وهم وكان لفظك به إذا أنت مل ترد ذلك وصوت تصوته سواء . مقدر مضمر

هل . خرج : ما فعل زيد فقلت : وإن أردت أن تستحكم معرفة ذلك يف نفسك فانظر إليك إذا قيل لك معىن من دون أن تنوي فيه ضمري زيد وهل تكون إن أنت زعمت " خرج " يف خلدك من يتصور أن يقع

صاحل هل : كيف زيد فقلت : أنك مل تنو ذلك إال مخرجا نفسك إال اهلذيان وكذلك فانظر إذا قيل لك أم هل يعقل السامع منه شيئا إن هو " هو صاحل" أثر يف نفسك من دون أن تريد " صاحل : " يكون لقولك

مل يعتقد ذلك فإنه مما ال يبقى معه لعاقل شك أن اخلرب معنى ال يتصور إال بني شيئني يكون أحدمها مثبتا له ومنفي من واآلخر مثبتا له أو يكون أحدمها منفيا واآلخر منفيا عنه وأنه ال يتصور مثبت من غري مثبت

: وملا كان األمر كذلك أوجب ذلك أن ال يعقل إال من جمموع مجلة فعل واسم كقولنا . دون منفي عنه فليس يف الدنيا خرب يعرف من غري هذا السبيل وبغري هذا . زيد منطلق : خرج زيد أو اسم واسم كقولنا

يف كل جيل وأمة وحكم جيري عليه األمر يف كل لسان ولغة وهو شيء يعرفه العقالء . الدليل خمرب به وخمرب عنه فينبغي أن يعلم أنه حيتاج من بعد : وإذ قد عرفت أنه ال يتصور اخلرب إال فيما بني شيئني

كذلك ال . يكون خمرب به وخمبر عنه وذلك أنه كما ال يتصور أن يكون هاهنا خرب حىت . هذين إىل ثالث يتصور أن يكون خرب حىت يكون له مخبر يصدر عنه وحيصل من جهته ويكون له نسبة إليه وتعود التبعة فيه

فيكون هو املوصوف . عليه

كون إثبات ونفي حىت أفال ترى أن من املعلوم أنه ال ي. بالصدق إن كان صدقا وبالكذب إن كان كذبا يكون مثبت وناف يكون مصدرمها من جهته ويكون هو املزجي هلما واملربم والناقض فيهما ويكون هبما

موافقا ومخالفا ومصيبا وخمطئا وحمسنا ومسيئا فها يف فكره ويناجي هبا قلبه ويراجع ومجلة األمر أن اخلرب ومجيع الكالم معان ينشئها اإلنسان يف نفسه ويصر

فيها عقله وتوصف بأنها مقاصد وأغراض وأعظمها شأنا اخلرب فهو الذي يتصور بالصور الكثرية وتقع فيه ا وفيه يكون يف األمر األعم املزايا اليت هبا يقع التفاضل يف الفصاحة كما شرحنا فيم. الصناعات العجيبة

تقدم ونشرحه فيما نقول من بعد إن شاء اهللا تعاىل واعلم أنك إذا فتشت أصحاب اللفظ عما يف نفوسهم وجدتهم قد توهموا يف اخلرب أنه صفة للفظ وأن

ل على عدمه املعىن يف كونه إثباتا أنه لفظ يدل على وجود املعىن من الشيء أو فيه ويف كونه نفيا أنه لفظ يدوهو شيء قد لزمهم وسرى يف عروقهم وامتزج بطباعهم حىت صار الظن بأكثرهم أن . وانتفائه عن الشيء

والدليل على بطالن ما اعتقدوه أنه حمال أن يكون اللفظ قد نصب دليال على شيء . القول ال ينجع فيهم إذ ال معىن لكون الشيء دليال إال إفادته إياك العلم مبا هو دليل عليه مث ال حيصل منه العلم بذلك الشيء

وإذا كان هذا كذلك علم منه أن ليس األمر على ما قالوه من أن املعىن يف وصفنا اللفظ بأنه خرب أنه قد بغي أن ال يقع من سامع شك يف خرب وضع ألن يدل على وجود املعىن أو عدمه ألنه لو كان كذلك لكان ين

وذلك مما ال يشك يف . يسمعه وأن ال تسمع الرجل يثبت وينفي إال علمت وجود ما أثبت وانتفاء ما نفى أو وإذا مل يكن ذلك مما يشك يف بطالنه وجب أن يعلم أن مدلول اللفظ ليس هو وجود املعىن. بطالنه

إال أنه . عدمه ولكن احلكم بوجود املعىن أو عدمه وأن ذلك أي احلكم بوجود املعىن أو عدمه حقيقة اخلرب . وإذا كان بعدم املعىن وانتفائه عن الشيء يسمى نفيا . إذا كان بوجود املعىن من الشيء أو فيه يسمى إثباتا

أنه لو كان معىن اإلثبات الداللة على وجود املعىن وإعالمه السامع أيضا ومن الدليل على فساد ما زعموه أن يكون قد دل هذا على وجود " زيد ليس بعامل " " وقال آخر " زيد عامل : " لكان ينبغي إذا قال واحد

أن يكون قد دل " هو قدمي : " وقال امللحد " العالم محدث : وإذا قال املوحد . العلم وهذا على عدمه املوحد على حدوثه وامللحد على قدمه وذلك ما ال يقوله عاقل

ال يتصور أن تفتقر املعاين املدلول عليها باجلمل املؤلفة إىل دليل يدل عليها زائد : تقرير لذلك بعبارة أخرى ومن ذهب . ى أن العلم مبقاصد الناس يف حماوراتهم علم ضرورة كيف وقد أمجع العقالء عل. على اللفظ

مذهبا يقتضي أن ال يكون اخلرب معنى يف نفس املتكلم ولكن يكون وصفا للفظ من أجل داللته على وجود من حيث يكون قد املعىن من الشيء أو فيه أو انتفاء وجوده عنه كان قد نقض منه األصل الذي قدمناه

جعل املعىن املدلول عليه باللفظ ال يعرف إال بدليل سوى اللفظ ذاك ألنا ال نعرف وجود املعىن املثبت

وما من عاقل إال وهو يعلم ببديهة . ولكنا نعلمه بدليل يقوم لنا زائد على اللفظ . وانتفاء املنفي باللفظ وم بغري اللفظ ال يكون مدلول اللفظ النظر أن املعل

الداللة على الشيء هي ال حمالة إعالمك السامع إياه وليس بدليل ما أنت ال تعلم به مدلوال : طريقة أخرى وإذا كان كذلك وكان مما يعلم ببدائه املعقول أن الناس إمنا يكلم بعضهم بعضا ليعرف السامع . عليه املتكلم ومقوده فينبغي أن ينظر إىل مقصود املخرب من خربه وما هو أهو أن يعلم السامع وجود املخرب غرض

إن املقصود إعالمه السامع وجود : من املخبر عنه أم أن يعلمه إثبات املعىن املخرب به للمخبر عنه فإن قيل ضرب زيد كان مقصوده أن يعلم السامع وجود الضرب من زيد وليس : قال فإذا . املعىن من املخرب عنه

إهلا - تعاىل عما يقول الظاملون -فالكافر إذا أثبت مع اهللا : اإلثبات إال إعالمه السامع وجود املعىن قيل له ا آخر تعاىل اهللا عن ذلك علوا كبريا أن مع اهللا تعاىل إهل -نعوذ باهللا تعاىل -آخر يكون قاصدا أن يعلم

وكفى هبذا فضيحة أتشكون يف أنه ال بد من أن يكون خلرب املخرب معنى يعلمه السامع علما : ومجلة األمر أنه ينبغي أن يقال هلم

فما ذلك املعىن فإن : قيل هلم. ال نشك : ال يكون معه شك ويكون ذلك معىن اللفظ وحقيقته فإذا قالوا هو وجود املعىن املخرب به من املخرب عنه أو فيه إذا كان اخلرب إثباتا وانتفاؤه عنه إذا كان نفيا مل : قالوا

خرج زيد علموا علما : ميكنهم أن يقولوا ذلك إال من بعد أن يكابروا فيدعوا أنهم إذا سمعوا الرجل يقول وكيف يدعون ذلك وهو يقتضي أن يكون اخلرب على وفق املخبر عنه . معه وجود اخلروج من زيد ال شك

وأن يكون العقالء قد غلطوا حني جعلوا من خاص . أبدا وأن ال جيوز فيه أن يقع على خالف املخرب عنه ار اآلحاد وصفه أنه حيتمل الصدق والكذب وأن يكون الذي قالوه يف أخب

ويقتضي الغىن عن املعجزة ألنه إمنا احتيج . وأخبار التواتر من أن العلم يقع بالتواتر دون اآلحاد سهوا منهم فإذا كان ال يكون إال على وفق املخرب عنه مل تقع . إليها ليحصل العلم بكون اخلرب على وفق املخبر عنه

دليل يدل على كونه كذلك فاعرفه احلاجة إىل واعلم أنه إمنا لزمهم ما قلناه من أن يكون اخلرب على وفق املخبر عنه أبدا من حيث إنه إذا كان معىن اخلرب

عندهم إذا كان إثباتا أنه لفظ موضوع ليدل على وجود املعىن املخرب به من املخرب عنه أو فيه وجب أن وكذلك جيب . ضرب زيد إال إذا كان الضرب قد وجد من زيد : كذلك أبدا وأن ال يصح أن يقال يكون

ضرب : ما ضرب زيد إال إذا كان الضرب مل يوجد منه ألن جتويز أن يقال : يف النفي أن ال يصح أن يقال وقد كان منه ضرب يوجب على " . ب زيد ما ضر: " زيد من غري أن يكون قد كان منه ضرب وأن يقال

أصلهم إخالء اللفظ من معناه الذي وضع ليدل عليه وذلك ما ال يشك يف فساده وال يلزمنا على أصلنا ألن معىن اللفظ عندنا هو احلكم بوجود املخرب به من املخرب عنه أو فيه إذا كان اخلرب إثباتا واحلكم بعدمه

يدل " ضرب وما ضرب : " وذلك ألن قولنا . واللفظ عندنا ال ينفك من ذلك وال خيلو منه . ان نفيا إذا كألنا إن مل نقل ذلك مل خيل من أن يزعم أن . من قول الكاذب على نفس ما يدل عليه من قول الصادق

ما وضع هلوكالمها باطل الكاذب يخلي اللفظ من املعىن أو يزعم أنه جيعل للفظ معنى غري

. ومعلوم أنه ال يزال يدور يف كالم العقالء يف وصف الكاذب أنه يثبت ما ليس بثابت وينفي ما ليس مبنتف : والقول مبا قالوه يؤدي إىل أن يكون العقالء قد قالوا احملال من حيث جيب على أصلهم أن يكونوا قد قالوا

ل على وجود ما ليس مبوجود وعلى عدم ما ليس مبعدوم وكفى هبذا هتافتا وخطال ودخوال يف إن الكاذب يدوإذا اعتربنا أصلنا كان تفسريه أن الكاذب حيكم بالوجود فيما ليس مبوجود وبالعدم فيما . اللغو من القول

وهو أسد كالم وأحسنه . ليس مبعدوم قول الكاذب يدل على نفس ما يدل عليه من قول الصادق إهنم جعلوا خاص والدليل على أن اللفظ من

. فلوال أن حقيقته فيهما حقيقة واحدة ملا كان حلدهم هذا معنى . وصف اخلرب أنه حيتمل الصدق والكذب ألن ذلك إمنا يقال فيمن أراد شيئا مث أتى إن الكاذب يأيت بالعبارة على خالف املعبر عنه : وال جيوز أن يقال

وال ميكننا أن نزعم يف الكاذب أنه أراد أمرا مث أتى بعبارة ال تصلح ملا أراد . بلفظ ال يصلح للذي أراد

ومما ينبغي أن حيصل يف هذا الباب أهنم قد أصلوا يف املفعول وكل ما زاد على جزءي اجلملة أن يكون زيادة وقد يخيل إىل من ينظر إىل ظاهر هذا من كالمهم أهنم أرادوا بذلك أنك تضم مبا تزيده على . يف الفائدة

جزءي اجلملة فائدة أخرى وينبين عليه أن ينقطع عن اجلملة حىت يتصور أن يكون فائدة على حدة وهو ما " ضربت " أن يكون شيئا برأسه حىت يكون بتعديتك ضربت زيدا: ال يعقل إذ ال يتصور يف زيد من قولك

وإذا كان ذلك وجب أن يعلم أن احلقيقة يف هذا أن الكالم خيرج بذكر . إليه قد ضممت فائدة إىل أخرى املفعول إىل معنى غري الذي كان وأن وزان الفعل قد عدي إىل مفعول معه وقد أطلق فلم يقصد به إىل

جاءين رجل : " ون مفعول وزان االسم املخصص بالصفة مع االسم املتروك على شياعه كقولك مفعول ديف أنك لست يف ذلك كمن يضم معنى إىل معنى وفائدة إىل فائدة " جاءين رجل : " مع قولك " ظريف

: " ان املعىن غريه إذا قلت ضربت زيدا ك: فإذا قلت . ولكن كمن يريد هاهنا شيئا وهناك شيئا آخر وهكذا يكون األمر أبدا كلما زدت شيئا وجدت املعىن قد صار غري الذي كان " . زيدا " ومل تزد " ضربت

ومن أجل ذلك صلح اجملازاة بالفعل الواحد إذا أتى به مطلقا يف الشرط ومعدى إىل شيء يف اجلزاء كقوله . مع العلم بأن ) وإذا بطشتم بطشتم جبارين : ( وقوله عز وجل ) أحسنتم ألنفسكم إن أحسنتم : ( تعاىل

الشرط ينبغي أن يكون غري اجلزاء من حيث كان الشرط سببا واجلزاء مسببا وأنه حمال أن يكون الشيء يف األوىل وأهنا يف حكم فعل ثان ملا ساغ ذلك الثانية غري املعىن " أحسنتم " فلوال أن املعىن يف . سببا لنفسه

املرء بأصغريه : " ومثله من الكالم قوله . إن قمت قمت وإن خرجت خرجت : كما ال يسوغ أن تقول . ى وجيري ذلك يف الفعلني قد عديا مجيعاإال أن الثاين منهما قد تعد" إن قال قال ببيان وإن صال صال جبنان وهو أصل كبري " . إن أتاك زيد أتاك حلاجة : " ومثاله قولك . إىل شيء زائد على ما تعدى إليه األول

واألدلة على ذلك كثرية ومن أوالها بأن حيفظ أنك ترى البيت قد استحسنه الناس وقضوا لقائله بالفضل فيه وبأنه الذي غاص على معناه

ومثال . ره مث ال ترى احلسن وتلك الغرابة كانا إال لما بناه على اجلملة دون نفس اجلملة بفكره وأنه أبو عذ : -الطويل - ذلك قول الفرزدق

) أعق من اجلاين عليها هجائيا ... وما حملت أم امرىء يف ضلوعها ( ذي كان ويتغير يف ذاته لكان حماال أن يكون البيت فلوال أن معىن اجلملة يصري بالبناء عليها شيئا غري ال

وأن يكون معناه خاصا بالفرزدق وأن يقضي له بالسبق إليه إذ ليس يف . حبيث تراه من احلسن واملزية اجلملة اليت بين عليها ما يوجب شيئا من ذلك فاعرفه

ك صورة املعىن الذي هو معىن الفرزدق إال عند آخر حرف والنكتة اليت جيب أن تراعى يف هذا أنه ال تتبني لبل الياء اليت هي ضمري الفرزدق مل يكن الذي تعقله منه " هجائيا : " حىت إن قطعت عنه قوله . من البيت

ضها وأن من عرض أمه له كان قد عر. مما أراده الفرزدق بسبيل ألن غرضه هتويل أمر هجائه والتحذير منه : -البسيط - فإذا نظرت إىل قول القطامي . وكذلك حكم نظائره من الشعر . ألعظم ما يكون من الشر

) مواقع املاء من ذي الغلة الصادي ... فهن ينبذن من قول يصبن به ( ويزيدك " . ذي الغلة : " معناه إال عند قوله وجدتك ال حتصل على معنى يصح أن يقال إنه غرض الشاعر و

الكامل - استبصارا فيما قلناه أن تنظر فيما كان من الشعر جمال قد عطف بعضها على بعض بالواو كقوله - : ) وأطراف األكف عنم ... النشر مسك والوجوه دنانري (

إليه " والوجوه دنانري : " ال يصري بانضمام قوله " النشر مسك : " وذلك أنك ترى الذي تعقله من قولهال يلحقه " والوجوه دنانري " كذلك ترى ما تعقل من قوله . شيئا غري الذي كان بل تراه باقيا على حاله

إليه " وأطراف األكف عنم : " تغري بانضمام قوله

من شأن اجلملة أن يصري معناها بالبناء عليها شيئا غري الذي كان وأنه يتغير وإذ قد عرفت ما قررناه من أن : -الطويل -يف ذاته فاعلم أن ما كان من الشعر مثل بيت بشار

) وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه ... كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ( : - الطويل - وقول امرىء القيس

) لدى وكرها العناب واحلشف البايل ... قلوب الطري رطبا ويابسا كأن( : -الطويل - وقول زياد

) لكالبحر مهما يلق يف البحر يغرق ... وإنا وما تلقي لنا إن هجوتنا ( زدق مجلة تؤدي معنى وإن مل يكن كان له مزية على قول الفرزدق فيما ذكرنا ألنك جتد يف صدر بيت الفر

وال جتد يف صدر هذه األبيات ما يصح أن يعد مجلة تؤدي معنى " . إنه معىن فالن : " معنى يصح أن يقال جزء " وأسيافنا : إىل . . كأن مثار النقع : " ذاك ألن قوله . فضال عن أن تؤدي معىن يقال إنه معىن فالن

جبملته اجلزء الذي ما مل تأت به مل تكن قد أتيت بكالم وهكذا سبيل البيتني " ليل هتاوى كواكبه "واحد و " العناب واحلشف البايل : " جزء وقوله " كأن قلوب الطري رطبا ويابسا لدى وكرها : " فقوله . األخريين

: وقوله . اجلزء الثاين ... ) جوتنا وإنا وما تلقي لنا إن ه(

وإن كان مجلة مستأنفة ليس " مهما تلق يف البحر يغرق : " وقوله . اجلزء الثاين " لكالبحر : " جزء وقوله فإهنا ملا كانت مبينة حلال هذا التشبيه صارت كأنها متعلقة هبذا " لكالبحر : " هلا يف الظاهر تعلق بقوله

" لكالبحر يف أنه ال يلقى فيه شيء إال غرق : " التشبيه وجرى جمرى أن تقول

فصل يف األلفاظ املفردة والوضع والنظم

وإذا ثبت أن اجلملة إذا بين عليها حصل منها ومن الذي بين عليها يف الكثري معنى جيب فيه أن ينسب إىل ذاك . هو غري املخرب به واملخرب عنه واحد خمصوص فإن ذلك يقتضي ال حمالة أن يكون اخلرب يف نفسه معىن

لعلمنا باستحالة أن يكون للمعىن املخرب به نسبة إىل املخرب وأن يكون املستنبط واملستخرج واملستعان على : تصويره بالفكر فليس يشك عاقل أنه حمال أن يكون للحمل يف قوله

... ) وما محلت أم امرىء يف ضلوعها ( ىل الفرزدق وأن يكون الفكر منه كان فيه نفسه وأن يكون معناه الذي قيل إنه استنبطه واستخرجه نسبة إ

وهكذا السبيل أبدا ال يتصور أن يكون للمعىن املخبر به نسبة إىل الشاعر وأن يبلغ من أمره . وغاص عليه أن يصري خاصا به فاعرفه

كناية واالستعارة والتمثيل وشرحناه من أن من شأن هذه األجناس أن ومن الدليل القاطع فيه ما يبناه يف التوجب احلسن واملزية وأن املعاين تتصور من أجلها بالصور املختلفة وأن العلم بإجياهبا ذلك ثابت يف العقول

ثة يف املعىن املخرب به ومركوز يف غرائز النفوس وبينا كذلك أنه حمال أن تكون املزايا اليت حتدث هبا حادطويل : " علىقولنا " هو طويل النجاد : " املثبت أو املنفي لعلمنا باستحالة أن تكون املزية اليت جتدها لقولنا

يف " هو كثري القرى والضيفاة : " على قولنا " هو كثري رماد القدر : " يف الطول واليت جتدها لقولنا " القامة وإذا كان ذلك حماال ثبت أن املزية واحلسن يكونان يف إثبات ما يراد أن يوصف به املذكور . كثرة القرى

وإذا ثبت ذلك ثبت أن اإلثبات معنى ألن حصول املزية واحلسن فيما ليس مبعىن حمال . واإلخبار به عنه

بسم اهللا الرمحن الرحيم

وبه ثقيت وعليه اعتمادي

أصال أنت ترى الناس فيه يف صورة من يعرف من جانب وينكر من آخر وهو أن األلفاظ اعلم أن هاهنا املفردة اليت هي أوضاع اللغة مل توضع لتعرف معانيها يف أنفسها ولكن ألن يضم بعضها إىل بعض فيعرف

منا أن األلفاظ اليت هي والدليل على ذلك أنا إن زع. فيما بينها فوائد وهذا علم شريف وأصل عظيم أوضاع اللغة إمنا وضعت ليعرف هبا معانيها يف أنفسها ألدى ذلك إىل ما ال يشك عاقل يف استحالته وهو أن

رجل وفرس : يكونوا قد وضعوا لألجناس األمساء اليت وضعوها هلا لتعرفها هبا حتى كأهنم لو مل يكونوا قالوا فعل ويفعل ملا كنا نعرف اخلرب يف نفسه ومن : وحىت لو مل يكونوا قالوا . علم مبعانيها ودار ملا كان يكون لنا

وحتى لو مل يكونوا . افعل ملا كنا نعرف األمر من أصله وال جنده يف نفوسنا : ولو مل يكونوا قد قالوا . أصله

وكيف واملواضعة ال . يا وال استفهاما وال استثناء قد وضعوا احلروف لكنا جنهل معانيها فال نعقل نفيا وال هنفمحال أن يوضع اسم أو غري اسم لغري معلوم وألن املواضعة كاإلشارة . تكون وال تتصور إال على معلوم

لم أنه خذ ذاك مل تكن هذه اإلشارة لتعرف السامع املشار إليه يف نفسه ولكن ليع: فكما أنك إذا قلت ومن هذا الذي . املقصود من بني سائر األشياء اليت تراها وتبصرها كذلك حكم اللفظ مع ما وضع له

يشك أنا مل نعرف الرجل والفرس والضرب والقتل إال من أساميها لو كان لذلك مساغ يف العقل لكان غري أن تكون قد شاهدته أو ذكر لك بصفة زيد أن تعرف املسمى هبذا االسم من : ينبغي إذا قيل

وإذا قلنا يف العلم واللغات من مبتدأ األمر إنه كان إهلاما فإن اإلهلام يف ذلك إمنا يكون بني شيئني يكون أحدمها مثبتا واآلخر مثبتا له أو يكون أحدمها منفيا واآلخر منفيا

فلما كان األمر كذلك أوجب ذلك . غري مثبت له ومنفي من غري منفي عنه عنه وأنه ال يتصور مثبت من فما . زيد خارج : خرج زيد أو اسم واسم كقولنا : أن ال يعقل إال من جمموع مجلة فعل واسم كقولنا

فاظ اللغات مسات لذلك عقلناه منه وهو نسبة اخلروج إىل زيد ال يرجع إىل معاين اللغات ولكن إىل كون ألوعلم آدم األمساء كلها ثم عرضهم على املالئكة فقال : ( أفال ترى إىل قوله تعاىل . املعىن وكوهنا مرادة هبا

رفون املشار أنبئوين بأمساء هؤالء وهم ال يع: أفترى أنه قيل هلم ) أنبئوين بأسماء هؤالء إن كنتم صادقني إليهم هبؤالء

مث إنا إذا نظرنا يف املعاين اليت يصفها العقالء بأهنا معان مستنبطة ولطائف مستخرجة وجيعلون هلا اختصاصا إنه معىن مل يسبق إليه فالن وإنه الذي فطن له واستخرجه : بقائل دون قائل كمثل قوهلم يف معان من الشعر

غاص عليه بفكره وإنه أبو عذره مل جتد تلك املعاين يف األمر األعم شيئا غري اخلرب الذي هو إثبات وإنه الذي يدلك على ذلك أنا ال ننظر إىل شيء من املعاين الغريبة اليت ختتص بقائل دون قائل . املعىن للشيء ونفيه عنه

-وإن أردت يف ذلك مثاال فانظر إىل يبت الفرزدق . ي إال وجدت األصل فيه واألساس اإلثبات والنف : -الطويل

) أعق من اجلاين عليها هجائيا ... وما محلت أم امرىء يف ضلوعها ( وأن ما جاوز ذلك من " وما محلت أم امرىء : " فإنك إذا نظرت مل تشك يف األصل واألساس هو قوله

آخر البيت مستند إليه ومبين عليه وأنك إن رفعته مل جتد لشيء منها بيانا وال رأيت لذكرها الكلمات إىل والسبب الذي من أجله كان كذلك أن من حكم كل ما عدا . معنى بل ترى ذكرك هلا إن ذكرتها هذيانا

يف : فقوله . للمعىن املثبت واملنفي أن يكون حتقيقا -الفعل والفاعل واملبتدأ واخلرب - جزءي اجلملة أعق يفيد أنه مل : وقوله . ضلوعها يفيد أوال أنه مل يرد نفي احلمل على اإلطالق ولكن احلمل يف الضلوع

يرد هذا احلمل الذي هو محل يف الضلوع أيضا على اإلطالق ولكن محال يف الضلوع حمموله أعق من اجلاين وإذا كان ذلك كله ختصيصا للحمل مل يتصور أن يعقل من دون أن يعقل نفي احلمل ألنه ال . ها هجاءه علي

يتصور ختصيص شيء مل يدخل يف نفي وال إثبات وال ما كان يف سبيلهما من األمر به والنهي عنه واالستخبار عنه

ان ينشئها اإلنسان يف نفسه ويصرفها يف فكره ويناجي هبا قلبه وإذ قد ثبت أن اخلرب وسائر معاين الكالم معويراجع فيها لبه فاعلم أن الفائدة يف العلم هبا واقعة من املنشىء هلا صادرة عن القاصد إليها وإذا قلت يف

نفسه وجنسه ومن أصله وما هو الفعل إنه موضوع للخبر مل يكن املعىن فيه أنه موضوع ألن يعلم به اخلرب يف ولكن املعىن أنه موضوع حىت إذا ضممته إىل اسم عقل منه ومن االسم أن احلكم باملعىن الذي اشتق ذلك .

الفعل منه على مسمى ذلك االسم واقع منك أيها املتكلم

بسم اهللا الرمحن الرحيم

مناذج حتليلية ألمهية النظم

ن ترى عجبا أعجب من الذي عليه الناس في أمر النظم وذلك أنه ما من أحد له أدىن معرفة إال أعلم أنك لمث تراهم إذا أنت أردت أن تبصرهم ذلك تسدر أعينهم وتضل . وهو يعلم أن هاهنا نظما أحسن من نظم

به نفسه من حيث حسبوه شيئا غري توخي معاين وسبب ذلك أهنم أول شيء عدموا العلم. عنهم أفهامهم فأنت تلقى اجلهد حىت تميلهم عن رأيهم ألنك تعاجل مرضا . النحو وجعلوه يكون يف األلفاظ دون املعاين

ين النحو مث إذا أنت قدتهم باخلزائم إىل االعتراف بأن ال معىن له غري توخي معا. وداء متمكنا . مزمنا وذلك أنهم يروننا ندعي املزية . عرض هلم من بعد خاطر يدهشهم حىت يكادوا يعودون إىل رأس أمرهم

واحلسن لنظم كالم من غري أن يكون فيه من معاين النحو شيء يتصور أن يتفاضل الناس يف العلم به ويروننا وجوهه على شيء نزعم أن من شأن هذا أن يوجب املزية لكل ال نستطيع أن نضع اليد من معاين النحو و

كالم يكون فيه بل يروننا ندعي املزية لكل ما ندعيها له من معاين النحو ووجوهه وفروقه يف موضع دون وا األمر كذلك دخلتهم فإذا رأ. موضع ويف كالم دون كالم ويف األقل دون األكثر ويف الواحد من األلف

كيف يصري املعروف جمهوال ومن أين يتصور أن يكون للشيء يف كالم مزية عليه يف كالم : الشبهة وقالوا آخر بعد أن تكون حقيقته فيهما حقيقة واحدة فإذا رأوا التنكري يكون فيما ال يحصى من املواضع مث ال

ولكم يف : ( ة اهتمونا يف دعوانا من ادعيناه لتنكري احلياة يف قوله تعاىل يقتضي فضال وال يوجب مزيولسنا نستطيع يف . من أن له حسنا ومزية وأن فيه بالغة عجيبة وظنوه ومها منا وتخيال ) القصاص حياة

كشف الشبهة يف هذا عنهم

يف نفس النظم ألنا ملكنا يف ذلك أن نضطرهم إىل أن يعلموا وتصوير الذي هو احلق عندهم ما استطعناه وال هو حبيث إذا رمت العالج منه . صحة ما نقول وليس األمر يف هذا كذلك فليس الداء فيه باهلني

اهنا وتصور هلم وجدت اإلمكان فيه مع كل أحد مسعفا والسعي منجحا ألن املزايا اليت حتتاج أن تعلمهم مكشأهنا أمور خفية ومعان روحانية أنت ال تستطيع أن تنبه السامع هلا وحتدث له علما هبا حتى يكون مهيأ إلدراكها وتكون فيه طبيعة قابلة هلا ويكون له ذوق وقرحية جيد هلما يف نفسه إحساسا بأن من شأن هذه

ية على اجلملة وممن إذا تصفح الكالم وتدبر الشعر فرق بني موقع شيء الوجوه والفروق أن تعرض فيها املز

: - السريع - منها وشيء وممن إذا أنشدته قوله ) نظر وتسليم على الطرق ... يل منك ما للناس كلهم (

: - الكامل - وقول البحتري ) ولو أن دجلة يل عليك دموع ... ابة وسأستقل لك الدموع صب(

: -الطويل - وقوله ) وقالت جنوم لو طلعن بأسعد ... رأت مكنات الشيب فابتسمت هلا (

: -البسيط - وقول أيب نواس ) كأس الكرى فانتشى املسقي والساقي ... ركب تساقوا على األكوار بينهم ( ) على املناكب مل تعمد بأعناق ... كأن أعناقهم والنوم واضعها (

: - الكامل - وقوله ) وغدوت لللذات مطرحا ... يا صاحيب عصيت مصطبحا ( ) حذر العصا مل يبق يل مرحا ... فتزودا مني محادثة (

: -السريع -وقول إمساعيل بن يسار ) وغابت اجلوزاء واملرزم ... حىت إذا الصبح بدا ضوؤه ( ) ينساب من مكمنه األرقم ... خرجت والوطء خفي كما (

: أنق هلا وأخذته أرحيية عندها وعرف لطف موقع احلذف والتنكري يف قوله ... ) نظر وتسليم على الطرق (

" عليك " على " يل " من شبه السحر وأن ذلك من أجل تقدمي " يل عليك دموع : " ل البحتري وما يف قو : وعرف كذلك شرف قوله . مث تنكري الدموع

... ) وقالت جنوم لو طلعن بأسعد ( ناس حىت إنه ليكون أن يقع والبالء والداء العياء أن هذا اإلحساس قليل يف ال. وعلو طبقته ودقة صنيعته

للرجل الشيء من هذه الفروق والوجوه يف شعر يقوله أو رسالة يكتبها املوقع احلسن مث ال يعلم أنه قد فلست متلك إذا من أمرك شيئا حىت تظفر مبن له طبع إذا . فأما اجلهل مبكان اإلساءة فال تعدمه . أحسن

فأما وصاحبك من ال يرى ما تريه وال يهتدي للذي تهديه فأنت رام معه . ى وقلب إذا أريته رأى قدحته وروكما ال تقيم الشعر يف نفس من ال ذوق له كذلك ال تفهم . يف غري مرمى ومعن نفسك يف غري جدوى ال أنه إمنا يكون البالء إذا ظن العادم هلا إ. هذا الشأن من مل يؤت اآلية اليت هبا يفهم

فأما . أنه أوتيها وأنه ممن يكمل للحكم ويصح منه القضاء فجعل يقول القول لو علم غيه الستحيا منه الذين حيس بالنقص من نفسه ويعلم أنه قد علم علما قد أوتيه من سواه فأنت منه يف راحة وهو رجل عاقل

قد محاه عقله أن يعدو طوره وأن يتكلف ما ليس بأهل به وإذا كانت العلوم اليت هلا أصول معروفة وقوانني مضبوطة قد اشترك الناس يف العلم هبا واتفقوا على أن

أي الذي رآه إال البناء عليها إذا أخطأ فيه املخطىء مث أعجب برأيه مل يستطع رده عن هواه وصرفه عن الرإن عليك بقية من النظر وقف : بعد اجلهد وإال بعد أن يكون حصيفا عاقال ثبتا إذا نبه انتبه وإذا قيل

وأصغى وخشي أن يكون قد غر فاحتاط باستماع ما يقال له وأنف من أن يلج من غري بينة ويتطيل بغري ان من هذا وصفه يعز ويقل فكيف بأن ترد الناس عن رأيهم يف هذا الشأن وأصلك الذي تردهم وك. حجة

إليه وتعول يف محاجتهم عليه استشهاد القرائح وسرب النفوس وفليها وما يعرض فيها من األرحيية عندما وهم ال . عن أعينهم ويصرف إليك أوجههم وكان ذلك الذي يفتح لك سمعهم ويكشف الغطاء. تسمع

يضعون أنفسهم موضع من يرى الرأي ويفيت ويقضي إال وعندهم أهنم ممن صفت قرحيته وصح ذوقه ومتت أداته

ونظرنا ال بل قرائحنا اصح: " ردوا عليك مثله وقالوا " إنكم قد أتيتم من أنفسكم : " فإذا قلت هلم وإمنا اآلفة فيكم ألنكم خيلتم إىل نفسكم أمورا ال حاصل هلا وأومهكم اهلوى وامليل . أصدق وحسنا أذكى

فتبقى يف " . أن توجبوا ألحد النظمني املتساويني فضال على اآلخر من غري أن يكون ذلك الفضل معقوال فليس الكالم إذا مبغن عنك وال القول بنافع وال احلجة مسموعة حىت . ب أيديهم حسريا ال متلك غري التعجومن أتى عليك أىب ذاك طبعه فرده إليك وفتح سمعه لك ورفع احلجاب . جتد من فيه عون لك على نفسه

فاستبدل بالنفار أنسا واراك . ومأت بينك وبينه وأخذ به إىل حيث أنت وصرف ناظره إىل اجلهة اليت إليها أ ومل يكن األمر على هذه اجلملة إال ألنه . من بعد اإلباء قبوال

وإنك لتتعب يف . ليس يف أصناف العلوم اخلفية واألمور الغامضة الدقيقة أعجب طريقا يف اخلفاء من هذا قد قتلته علما وأحكمته فهما كنت : حىت إذا قلت . ل جهدك الشيء نفسك وتكد فيه فكرك وجتهد فيه ك

: - الطويل - كما قال أبو نواس . الذي ال يزال يتراءى لك فيه شبهة ويعرض فيه شك ) تغص به عيين ويلفظه وهمي ... أال ال أرى مثل امترائي يف رسم ( ) فظني كال ظن وعلمي كال علم ... وبينه أتت صور األشياء بيين(

مث يبدو لك فيه أمر خفي مل تكن . وإنك لتنظر يف البيت دهرا طويال وتفسره وال ترى أن فيه شيئا مل تعلمه : - الكامل - قد علمته مثال ذلك بيت املتنيب

) ها األشياء من عاداتها ما حفظ... عجبا له حفظ العنان بأنمل ( وحنن نقرؤه فال ننكر منه شيئا وال يقع لنا أن فيه خطأ مث بان بأخرة أنه قد أخطأ -الطويل -مضى الدهر

فيضيف املصدر إىل املفعول فال يذكر " ما حفظ األشياء من عاداتها : " وذلك أنه كان ينبغي أن يقول . ن املعىن على أنه ينفي احلفظ عن أنامله جملة وأنه يزعم أنه ال يكون منها أصال وإضافته الفاعل ذاك أل

ما حفظها األشياء يقتضي أن يكون قد أثبت هلا حفظا : احلفظ إىل ضمريها يف قوله خروجي يف مثل ليس: " وال تقول " ليس اخلروج يف مثل هذا الوقت من عاديت : " ونظري هذا أنك تقول ليس ذمي الناس من : " وال تقول " ليس ذم الناس من شأين : " وكذلك تقول " . هذا الوقت من عاديت

ألن ذلك يوجب إثبات الذم ووجوده منك " . شأين وال يصح قياس املصدر يف هذا على الفعل أعين ال ينبغي أن يظن أنه كما جيوز أن

ذاك أن " . ما من عادهتا حفظها األشياء : " كذلك ينبغي أن جيوز " ا من عادهتا أن حتفظ األشياء م: " يقال أمرت زيدا بأن خيرج : " يبني ذلك أنك تقول . إضافة املصدر إىل الفاعل يقتضي وجوده وأنه قد كان منه

" أمرته خبروجه غدا : " وال تقول " غدا : -البسيط -و يف اخلفاء قوله ومما فيه خطأ ه

) شكوى اجلريح إىل الغربان والرخم ... وال تشك إىل خلق فتشمته ( كنت قد جعلت زيدا يضجر ضربا من الضجر مثل أن جتعله " ال تضجر ضجر زيد : وذلك أنك إذا قلت

مث إن مل تعترب خصوص وصف فال أقل من أن جتعل . عرف هذا هو موجب ال. يفرط فيه أو يسرع إليه : وإذا كان كذلك اقتضى قوله . الضجر على اجلملة من عادته وأن جتعله قد كان منه

... ) شكوى اجلريح إىل الغربان والرخم ( وإمنا العبارة . وذلك حمال أن يكون هاهنا جريح قد عرف من حاله أن يكون له شكوى إىل الغربان والرخم

ال تشك إىل خلق فإنك إن فعلت كان مثل ذلك مثل أن تصور يف وهمك أن : الصحيحة يف هذا أن يقال بعريا دبرا كشف عن جرحه مث شكاه إىل الغربان والرخم ال وقضى فيه بأمر فتعتقده اتباعا وال ترتاب أنه ومن ذلك أنك ترى من العلماء من قد تأول يف الشيء تأوي

مث يلوح لك ما تعلم به أن األمر على -الطويل -وتبقى على ذلك االعتقاد الزمان . على ما قضى وتأول خالف ما قدر

: -البسيط - ومثال ذلك أن أبا القاسم اآلمدي ذكر بيت البحتري ) وحاك ما حاك من وشي وديباج ... ر ومن ورق فصاغ ما صاغ من تب(

: ولذلك ال يقال . صوغ الغيث وحوكه للنبات ليس باستعارة بل هو حقيقة : مث قال

على أن لفظ حائك يف غاية : قال . هو حائك وكأنه حائك : وكذلك ال يقال . هو صائغ وال كأنه صائغ : - الطويل -أخرجه أبو متام يف قوله الركاكة إذا أخرج على ما

) خلت حقب حرس له وهو حائك ... إذا الغيث غادى نسجه خلت أنه ( والسبب يف هذا الذي . حسن مستعمل " فحاك ما حاك : " والذي قاله البحتري . وهذا قبيح جدا : قال

خلت الغيث : " إىل احلوك وأنه أراد أن يقول " خلت " ن يقصد ب قاله إنه ذهب إىل أن غرض أيب متام أإنه يظهر يف غداة يوم : وإمنا قصد أن يقول . إىل لك " خلت " وذلك سهو منه ألنه مل يقصد ب " حائكا

م منه أن الغيث كان من حوك الغيث ونسجه بالذي ترى العيون من بدائع األنوار وغرائب األزهار ما يتوهفاحليلولة واقعة على كون زمان احلوك حقبا ال على كون . يف فعل ذلك ويف نسجه وحوكه حقبا من الدهر

ما فعله الغيث حوكا فاعرفه الرومي كان األستاذ أبو الفضل خيتار من شعر ابن : ومما يدخل يف ذلك ما حكي عن الصاحب من أنه قال

: - الطويل - فدفع إيل القصيدة اليت أوهلا : وينقط عليه قال ... ) أحتت ضلوعي مجرة تتوقد (

: فتأملتها فكان قد ترك خري بيت فيها وهو . تأملها : وقال ) ف مغمد وحلم كحلم السيف والسي... بجهل كجهل السيف والسيف منتضى (

مث رآين من بعد فاعتذر بعذر كان شرا : قال . لعل القلم جتاوزه : لم ترك األستاذ هذا البيت فقال : فقلت قال . إمنا تركته ألنه أعاد السيف أربع مرات : من تركه قال

: لو مل يعد أربع مرات فقال : الصاحب ) وحلم كحلم السيف وهو مغمد ... منتضى جبهل كجهل السيف وهو(

لفسد البيت والسبب يف ذلك أنك إذا حدثت عن اسم مضاف مث أردت أن تذكر املضاف . واألمر كما قال الصاحب

ميل أن وتفسري هذا أن الذي هو احلسن اجل. إليه فإن البالغة تقتضي أن تذكره بامسه الظاهر وال تضمره ومن الشاهد يف ذلك قول " . جاءين غالم زيد وهو : " ويقبح أن تقول " جاءين غالم زيد وزيد : " تقول : - البسيط -دعبل

) ويف حباء غري ممنوع ... أضياف عمران يف خصب ويف سعة ( ) والضيف للجوع عمرو لبطنته... وضيف عمرو وعمرو يسهران معا (

: -الطويل - وقول اآلخر ) أمر مذاق العود والعود أخضر ... وإن طرة راقتك فانظر فربما (

: -الطويل - وقول املتنيب ) إليك وأهل الدهر دونك والدهر ... مبن نضرب األمثال أم من نقيسه (

وضيف عمرو وهو : من له ذوق أنه لو أتى موضع الظاهر يف ذلك كله بالضمري فقيل ليس خبفي على . يسهران معا ورمبا أمر مذاق العود وهو أخضر وأهل الدهر دونك وهو لعدم حسن ومزية ال خفاء بأمرمها

ي أن ذلك من أجل اللبس وأنك إذا وقد يرى يف بادىء الرأ. ليس ألن الشعر ينكسر ولكن تنكره النفس جاءين غالم زيد وهو كان الذي يقع يف نفس السامع أن الضمري للغالم وأنك على أن جتيء له خبرب : قلت

إال أنه ال

مثل الذي جاءين غلمان زيد وهو فتجد االستنكار ونبو النفس مع أن ال لبس : يستمر من حيث إنا نقول وإذا كان كذلك وجب أن يكون السبب غري ذلك والذي يوجبه التأمل أن يرد إىل األصل الذي . وجدناه

عندي قرى كل نازل ورضى كل ساخط " ذكره اجلاحظ من أن سائال سأل عن قول قيس بن خارجة أليس : فقال " . رب آمر فيها بالتواصل وأهنى فيها عن التقاطع وخطبة من لدن تطلع الشمس إىل أن تغأما علمت أن الكناية والتعريض ال يعمالن يف : فقال أبو يعقوب : األمر بالصلة هو النهي عن التقاطع قال

ال يكون مثل ذلك العقول عمل اإلفصاح والتكشيفوذكرت هناك أن هلذا الذي ذكر من أن للتصريح عمال

قل هو اهللا أحد : ( وقوله ) وباحلق أنزلناه وباحلق نزل : ( العمل للكناية كان إلعادة اللفظ يف قوله تعاىل ومن البين اجللي يف هذا . وإذا كان هذا ثابتا معلوما فهو حكم مسألتنا . عمل لوالها مل يكن ) اهللا الصمد

: -اهلزج - بيت احلماسة - وهو كبيت ابن الرومي سواء ألنه تشبيه مثله - ىن املع ) غدا والليث غضبان ... شددنا شدة الليث (

: - الرجز -ومن الباب قول النابغة ) وعلمته الكر واإلقداما ... نفس عصام سودت عصاما (

: ذوق حسن هذا اإلظهار وأن له موقعا يف النفس وباعثا لألريحية ال يكون إذا قيل ال خيفى على من له نفس عصام سودته شيء منه البتة

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي