علم واضع الشافعي الفقه أصول

محمد الدكتور األستاذ الزحيلي

اإلسالمية والدراسات الشريعة كلية الشارقة جامعة

1

الرحيم الرحمن الله بسم تقديم

اإلس��الم، لنا واخت��ار لإليم��ان، ه��دانا ال�ذي الع��المين رب لله الحمدواآلخرة. الدنيا في لنسعد القويم، هديه التباع ووفقنا

للعالمين رحمة المبعوث الله، رسول على والسالم والصالة ومن الط�اهرين، الطي�بين وأصحابه آله وعلى المستقيم، والصراط بالنوروبعد: الدين، يوم إلى بإحسان تبعهم

ونورا، وضياء هدى الكريم القرآن تعالى الله أنزل فقد على وباعث��ا والعط��اء، باإلب��داع اإلس��المية األمة طاق��ات ففجر والجد، والعمل التفكير

البش��رية، إلى العلم مشعل وحملوا باإلسالم، العالم المسلمون أنار حتى بالض��ياء يشع ال��ذي الزاخر ال��تراث لنا وترك��وا الجديدة، العلوم واخترعوا

الدنيا في الريادة ويحملوا – فيه بما عملوا إن – به ليستفيدوا الناس، علىواآلخرة.

المسلمون واخترع ونخص الحياة، جوانب مختلف في كثيرة علوما الديني��ة، ب��األمور الخاصة الش��رعية العل��وم في واالخ��تراع اإلب��داع بالذكر

النبوية الس��نة لرواية الس��بل أس��مى لتأمين الحديث مصطلح وهما: علم المف��ترى، والمك��ذوب والموض��وع ال��دخيل من وتنقيتها وحفظه��ا، ونقلها المص���در لتك���ون الس���نة، وحفظت الكامل���ة، أهدافه العلم ه���ذا وحقق

اإلس��المية، ولآلداب الفق��ه، في الش��رعية لألحك��ام الث��اني التش��ريعي وس��لم عليه الله ص�لى الله رس��ول آثار القتفاء وغيرها والتربية، ولألخالق

وشمائله. وأخالقه وهديه، سيرته في المس����لمون أبدعه ال����ذي الفقه أص����ول الث����اني: علم والعلم الطريقة ويح��دد المص��ادر، ويص��ون التش��ريع، طريق ليعبد واخ��ترعوه،

ورسم منهم��ا، األحك��ام الس��تنباط والس��نة، الكتاب من لالستفادة المثلى الدقيق��ة، داللتها وتحديد فيهم��ا، النص��وص تفس��ير في الس��ديد المنهج

ليحقق الش��رعية، األحك��ام منها تؤخذ ال��تي المص��ادر س��ائر واس��تخالص ورس��وله، الله أراد كما ال��دين تط��بيق في الراش��دة الخالفة المس��لمون

العليا. وأهدافها الغراء، الشريعة مقاصد مع يتفق وكما وأرسى والس��نة، الق��رآن في األولى الفقه أص��ول مع��الم وج��اءت

في المجته��دون األئمة عليها واعتمد والت��ابعين، الص��حابة كب��ار دعائمها اإلم��ام ق��ام حتى كالمهم، ثنايا في متناثرة فجاءت والثاني، األول القرنين

منهجها وحدد وكشفها ودونها فجمعها تعالى الله رحمه الشافعي وهذا هو موضوع البحث التي يقتضي التعريف بعلم أصول الفقه، وبيان أهداف�ه، وت�اريخ نش�أته، وظه�وره، علم�ا قائم�ا على ي�دي اإلم�ام الشافعي، بعد توفر المؤهالت الخاصة ب��ه، وكتب في��ه “الرس��الة” ال��تي أرس��لها إلى بغ��داد، وانتش��رت في اآلف��اق، وه��زت المش��اعر واألفئ��دة، وحرضت العلماء من سائر المذاهب على محاكاته ومضاهاته، فوض��عت

2

كتب األصول في مختلف المذاهب، ح��تى نض��ج الفك��ر، ونش��ط العق��ل، وحدد المسار القويم لالجتهاد حتى تقوم الساعة، وذل��ك حس��ب الخط��ة

اآلتية:البحث خطة

المقدمةالمبحث األول: تعريف علم أصول الفقه وأهميته

المبحث الثاني: نشأة علم أصول الفقهالمبحث الثالث: اإلمام الشافعي ومؤهالته

المبحث الرابع: كتب اإلمام الشافعي في األصول المبحث الخ��امس: أث��ر اإلم��ام الش��افعي وكتب��ه في علم

األصولالخاتمة: خالصة البحث ونتائجه وتوصياته.

البحث منهج اعتمد البحث على المنهج االستقرائي لتتبع ما جاء في الموضوع، والمنهج التاريخي للسير مع خطوات الت��اريخ، ومراحل��ه، م��ع ش��يء من المنهج التحليلي للنص��وص والنق��ول والتعريف��ات والعب��ارات ال��تي تلقي

الضوء لتوضيح المراد والمعنى.

3

الدراسات السابقة إن معظم الم���ؤرخين للعل���وم والثقاف���ة اإلس���المية، والعل���وم الش��رعية، وت��اريخ التش��ريع اإلس��المي، والمص��نفين في أص��ول الفق��ه، وطبقات األصوليين، يتفقون على االعتراف بفضل اإلمام الش��افعي في وضع علم أصول الفقه، وأنه أول من وضعه، ولكن يكتفون بعبارات في

فق��رات، أو يتوس��عون في مؤلف��ات، ف��رأيت أن أجلي ه��ذه ذل��ك، أو الحقيقة، وأقدمها كاملة، دون الخوض في التفاصيل، أو موضوعات علم أصول الفقه، لتس��ليط الض��وء على ج��انب من حي��اة اإلم��ام الش��افعي، وإعطائه وسام االستحقاق من الدرجة األولى في مؤهالته التي ساعدته في وضع علم أصول الفقه وجمعه وتدوينه، بدراس��ة مختص��رة ومفي��دة

إن شاء الله تعالى. مع األمل في االستفادة من هذا العلم، وتطويره، وتجديده ليأخ��ذ مداه الكام��ل، ويحق��ق هدف��ه الس��امي في حف��ظ الش��ريعة اإلس��المية، وتأكي��د ص��الحيتها لك��ل زم��ان ومك��ان، وتلبي��ة حاج��ات األم��ة والمجتم��ع

والتطور والحياة لألحكام الشرعية السديدة. ونس�أل الل�ه التوفي�ق والس�داد،وص�لى الل�ه على س�يدنا محم�د،

وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

األستاذ الدكتور محمد الزحيلي

كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية

الشارقةجامعة

م2009-11-22 الموافق 1430الشارقة في األول من ذي الحجة

4

األول المبحث وأهميته الفقه أصول علم تعريف

أوال: تعريف علم أصول الفقهع��رف كث��ير من األص��وليين علم أص��ول الفق��ه باعتب��اره مركب66ا

، وأنه مؤلف من ثالث كلمات، وهي علم، أصول، فقه، وعرف��واإضافياكل كلمة على حدة لغة واصطالحا، لفهم المعنى، وإدراك المضمون.

وأرى أن��ه ال حاج��ة القتف��اء ه��ذا المنهج ال��ذي ينتهي إلى أن علم أصول الفقه هو العلم بأدلة األحكام، ومعرف��ة وج��وه الدالل��ة عليه��ا من

.(1)حيث الجملة

وع��رف فري��ق آخ��ر علم أص��ول الفق��ه باعتب��اره علم��ا ولقب��ا، بتعريفات كثيرة جدا، ونعرض نم�وذجين منه�ا، فعرف�ه البيض��اوي رحم�ه الله تعالى بأنه: »معرفة دالئ�ل الفق�ه إجم�اال، وكيفي�ة االس�تفادة منه�ا،

والم���راد من���ه: العلم والتص���ديق بأدل��ة الفق��ه،(2)وح��ال المس��تفيد« اإلجمالي���ة، وهي مص���ادره العدي���دة من الكت���اب والس���نة، واإلجم���اع والقياس، واالستحسان، واالستص�الح، واالستص��حاب، وق�ول الص�حابي، والعرف والعادة، وشرع من قبلنا، وس��د ال��ذرائع، وغيره��ا، ومعرف��ة م��ا يميز الدليل الصحيح من الباطل، والدليل القوي من الض��عيف، ومعرف��ة قواعد االجتهاد واالستنباط، واالس��تدالل، ومعرف��ة ص��فة المجته��د ال��ذي يس��تفيد من ه��ذا العلم بتحدي��د ش��روطه وص��فاته، لنخلص من ه��ذا التعريف إلى أن علم أصول الفقه هو العلم الذي يكسبنا معرفة مصادر

هل��التشريع اإلسالمي، ويبين لنا الدليل الصحيح الذي يرش��د إلى حكم ال تعالى، م��ع رس��م الطري��ق الس��ديد الس��تخراج األحك��ام الش��رعية ممن تتوفر فيه شروط االجتهاد والتخصص، إلرشاد غير المتخصصين والعوام

.(3)والمقلدين لتعلم أحكام الدين وتطبيقه

وعرف ابن عبد الشكور رحمه الله تعالى علم أصول الفقه بأن��ه: »ه��و العلم بالقواع��د الكلي��ة ال��تي يتوص��ل به��ا إلى اس��تنباط األحك��ام

، وه�ذا يع�ني أن علم أص�ول(4)الشرعية العملي�ة من أدلته�ا التفص�يلية« الفقه قواعد وأسس وضوابط كلي��ة ومب��ادئ عام��ة، يتوص��ل به��ا الع��الم المختص إلى اس��تخراج األحك��ام الش��رعية بوس��اطة ه��ذه القواع��د،

21-15/ 1 اإلسالمي الفقه أصول علم في انظر: الوجيز(?)13ص الوصول، منهاج(?)2 أص�ول بع�دها، وما17/� 1 لإلس�نوي األصول منهاج شرح السول انظر: نهاية(?)3

بعدها. وما12ص الحنفية لغير الفقهص للجرج��اني التعريفات ،14/�� 1 الرحموت فواتح شرحه مع الثبوت مسلم(?)4

149.

5

للوصول إلى األحك��ام العملي��ة، وهي الفق��ه، وذل��ك عن طري��ق مص��ادر .(1)التشريع حصرا

ومن التعريفين السابقين يتحدد علم أصول الفقه بدراسة األدل��ة، والحكم الشرعي، واالجته��اد، وقواع��د االس��تنباط من األدل��ة، أو تفس��ير

.(2)النصوص، والتعارض والترجيحثانيا: أهمية علم أصول الفقه

إن علم أصول الفقه من أشرف العلوم، وأعظمها قدرا، وأكثره��ا نفعا، ألن غايته هي الوصول إلى معرفة األحك��ام الش��رعية في ك��ل م��ا يج��ري في الحي��اة، ليك��ون المس��لم على منهج الل��ه تع��الى في حيات��ه، ويصل إلى المكان الذي أمره الل��ه ب��ه، ويتجنب المعاص��ي والمحرم��ات

والمضار التي ينهى عنها. وإن علم أص��ول الفق��ه ليس غاي��ة في ذات��ه، وإنم��ا ه��و وس��يلة وطريق إلى معرفة حكم الله تعالى الصحيح في الوقائع والقض��ايا، فه�و س��الح م��اض، ومفت��اح س��ديد في ي��د الب��احث والمجته��د في اجته��اده

.(3)وعمله وتتجلى أهمية علم أصول الفقه في معرفة الفوائد التي يحققه��ا،

والغايات التي نجنيها منه، وأهمها: - إن علم أصول الفقه يرسم للمجتهد الطريق القويم الموص��ل1

إلى استنباط األحكام، ويضع أمامه منهجا واض��حا ومس��تقيما في كيفي��ةاالستنباط حتى ال ينحرف، وال يخبط خبط عشواء، وال يزل به الهوى.

- إن علم أصول الفقه أحد الوسائل الناجح��ة لحف��ظ ال��دين من2 التحريف والتضليل، فصان أدلة الشريعة، وحصر مصادر األحكام، فك��ان عقبة ك��أداء في وج��ه المنح��رفين والمض��للين ال��ذي ح��اولوا ال��دس في األحك��ام، وتش��ويه مقاص��د الش��ريعة، وتعطي��ل الش��رع عن التط��بيق

الصحيح. - إن علم أصول الفق��ه ي��بين لألم��ة عام��ة، وألتب��اع المجته��دين،3

ولدارسي الفقه خاصة، المنهج الذي سلكه اإلمام المجتهد، ويرس��م لهم معالم الطريق الذي سار عليه في االستنباط واالجتهاد، لتطمئن قلوبهم لعلمه، وت�زداد ثقتهم ب�الحكم ال�ذي وص�ل إلي�ه، وتس�تقر نفوس��هم إلى

اصطالحات كشاف ،44/� 1 المنير الكوكب شرح ،8/� 1 التوضيح على التلويح(?)1.58ص أحمد مذهب إلى المدخل ،1176/ 5 الفنون

إرشاد ،33/ 1 المنير الكوكب شرح ،9/ 1 لآلمدي اإلحكام ،7/ 1 المستصفى(?)2.5ص الفحول

ص خل�دون البن المقدمة ،3ص الحاجب ابن مختصر ،9/� 1 لآلمدي اإلحكام(?)3452.

6

مسلك اإلمام المجتهد، وأساس االختالف، وأن المجتهد يقصد وجه الل��ه تعالى، ويبتغي مرضاته، دون أن يدفعه الهوى، أو المصلحة، أو التعصب،

أو القصد المادي، أو التطلع إلى منصب أو جاه. - إن علم أصول الفقه يك��ون عن��د الط��الب وال�دارس والب��احث4

ملك��ة عقلي��ة وفكري��ة تص��حح تفك��يره، وتعب��د الطري��ق أمام��ه لالجته��اد واالستنباط والت��درب على ذل��ك للوص��ول إلى اإلدراك الص��حيح، والفهم التام للحكم على األشياء عن��دما يص��بح من رج��ال الغ��د وعلم��اء األم��ة،

وحملة األمانة. - إن علم أصول الفقه يرسم الطري��ق للعلم��اء في ك��ل عص��ر،5

لمعرفة حكم الل��ه تع��الى في الوق��ائع الحادث��ة، والمس��ائل المس��تجدة، والقض��ايا ال��تي لم ي��رد فيه��ا دلي��ل ش��رعي، ولم يجته��د به��ا األئم��ة الس��ابقون، وه��ذا من أهم غاي��ات علم أص��ول الفق��ه للحاج��ة الملح��ة للتشريع الدائم، واالجتهاد المستمر، ألن التش��ريع نفس��ه ولي��د الحاج��ة، والحياة متجددة، والتط��ور ق��ائم، والمس��تجدات متالحق��ة، وكله��ا تحت��اج

لبيان الحكم الشرعي لها عن طريق علم أصول الفقه. - إن علم أصول الفقه يضبط الفروع الفقهي��ة بأص��ولها، ويجم��ع6

المبادئ المشتركة، ويبين أسباب التباين بينها، ويظه��ر أس��اس االختالف.(1)بين األئمة والمجتهدين والمذاهب، وأنها أسباب موضوعية علمية

-إن علم أصول الفقه هو الدعام��ة الرئيس��ة والرك��يز األساس��ية7 لدراسة المذاهب المختلفة، والمقارنة بينها، لعمل التوازن بينها، واختيار األصح، أو األرجح، أو ما يتف��ق م��ع مقاص��د الش��ريعة، أو يحق��ق الحاج��ة والمصلحة للناس واألمة، فعلم أصول الفقه هو المقياس الذي توزن به

اآلراء. - إن علم أص��ول الفق��ه أح��د الوس��ائل الرئيس��ة لوج��ود ال��ثروة8

الفقهية الزاخرة التي خلفها لنا السلف الصالح، وأئمة المذاهب وعلم��اء األمة، مما نفخر به في العالم، فكان لكل مذهب قواعده األصولية التي استعان بها لبيان األحكام الشرعية لكل الوقائع بم��ا يس��د حاج��ة األم��ة، وهكذا بقية المذاهب، ففتح علم األصول عند ذلك تراثا ش��رعيا ال مثي��ل

.(2)له في العالم، والعمل مستمر، والنشاطات محتدمة، واالجتهاد دائم هن�ا، لعرضه مج�ال ال مما الفقه�اء اختالف أسباب في كتب عدة العلماء كتب(?)1

من العلماء بين فيما اإلنصاف ،6/� 1 المجتهد بداية ،12/� 1 األسرار انظر: كشف على التنبيه في اإلنص��اف ،153/�� 2 المنيرية الرس��ائل في البر عبد البن االختالف االختالف س��بب بي��ان في اإلنص��اف للبطليوس��ي، االختالف أوجبت ال��تي األس��باب اختالف أس��باب في محاضرات تيمية، البن األعالم األئمة عن المالم رفع للدهلوي، اختالف في األص��ولية القواعد في االختالف أثر الخفي��ف، علي للش��يخ الفقه��اء،وغيرها. الخن، مصطفى للدكتور الفقهاء،

ابن للط��اهر اإلس��المية الش��ريعة مقاصد ،17ص زه��رة، أبو الفق��ه، أص��ول(?)2

7

الثاني المبحث الفقه أصول علم نشأة

كان التشريع في حياة رسول الله صلى الله عليه وس��لم معتم��دا على الوحي الذي ينزل من السماء باللفظ والمعنى عن طريق القرآن، أو بالمعنى عن طريق السنة النبوية، وكان ينزل بالتدرج بحسب حاجات المجتمع اإلسالمي والدولة الفتية، وكانت األحكام الشرعية ال��واردة في القرآن والسنة القولية والعملية هي المادة الرئيس��ة للفق��ه في معرف��ة أحك��ام الل��ه تع��الى، ولكنه��ا ك��انت تتض��من األس��س العام��ة للتش��ريع، والقواعد الكبرى لإلسالم، والمبادئ األصولية التي ترسم منهج االجته��اد

للناس. وكان الصحابة رض��وان الل��ه عليهم يتلق��ون األحك��ام من رس��ول الله صلى الله عليه وسلم، فإن غابوا عنه اجتهدوا فيم�ا يق�ع معهم مم�ا لم ي��رد في الق��رآن والس��نة، ثم يعرض��ون اجته��ادهم على رس��ول الل��ه صلى الل��ه علي��ه وس��لم عن��د حض��ورهم، ليق��ر الص��واب، وينك��ر الخط��أ ويبطله، وفي هذه الفترة تدرب الص��حابة على االجته��اد حس��ب التربي��ة النبوية، وفهم القرآن والسنة وما ورد فيهما من أحكام ومقاصد ومبادئ وقواعد وأسس، حتى صاروا مؤهلين الستالم الخالف��ة بع��د رس��ول الل��ه صلى الله عليه وسلم، مع معرفة أسباب النزول، وتوفر الملكة اللغوي��ة عندهم، وس��المة الفط��رة وغ��ير ذل��ك مم��ا يخ��ولهم لممارس��ة االجته��اد الكامل فيما يجري من الوقائع، وما يطرأ من األحداث، وما يس��تجد م��ع الفتوحات، فاجتهدوا، وقرروا مبادئ عام�ة، واختلف�وا، واحتج ك�ل فري��ق لرأيه، وأصله، ودعمه ب�الحجج المنطقي�ة والعقلي�ة والقواع�د الش�رعية، وتركوا مجموعة من المبادئ التي كانت بذورا لعلم أصول الفقه، مع ما ورد في الق��رآن والس��نة، ب��ل ص��ار لكب��ار الص��حابة من��اهج متم��يزة في

االجتهاد، مع االختالف فيها. وانتقل األمر إلى التابعين الذين ساروا على خطا الصحابة رض��ي الل��ه عنهم، وت��أثروا بمن��اهجهم، وت��ابعوا االجته��اد، ووق��ع االختالف ح��تى ظهرت مدرسة الح��ديث في الحج��از، ومدرس��ة ال��رأي ب��العراق، ولك��ل منها منهجها في االجتهاد واالستنباط ومعرفة األحكام حتى وق��ع الخالف الشديد بين المدرستين، وصار النزاع على أشده، وثار النق��اش العلمي، وعقدت المناظرات، واشتد الجدل، بل طعن كل منهم��ا ب��اآلخر، وع��اب طريقته، وتشكك فيما وصل إليه من أحكام، وكان كل إمام أو مجتهد أو من��اظر يح��اول أن ي��دعم رأي��ه باألدل��ة، وال��براهين العقلي��ة والعلمي��ة واللغوية، وبرز التعصب للفريقين، وشعر العلماء حينئذ بالحاجة الماس��ة

،29ص الحنفية لغ��ير الفقه أص��ول ،3ص خالف الفق��ه، أصول علم ،6ص عاشوربعدها. وما33/ 1 اإلسالمي الفقه أصول في الوجيز

8

لوجود ضوابط لالستنباط يعتمدون عليها، ومنهاج للتفك��ير يبن��ون علي��ه، وشروط لالجته��اد واالس��تدالل، وقواع��د ألس��اليب البي��ان الع��ربي ال��ذي وردت ب��ه النص��وص، فج��ادت ق��رائح األئم��ة والمجته��دين والعلم��اء بمجموع��ة من ض��وابط االس��تنباط، وش��روط االجته��اد، وقواع��د البي��ان

ب66راعم علموالفهم واالستدالل، والمنهاج للتفكير، وهي في مجموعها.(1)أصول الفقه

وصار كل إمام يشير إلى دليل الحكم، ووجه االستدالل به، ويحتج على مخالفه بوجوه من الحجج، فكان اإلمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى يصرح باعتماده على الكتاب فالسنة ففتاوى الص�حابة إذا أجمع�وا، ف�إن اختلفوا تخير من آرائهم، وال يخرج عنهم، وال يأخذ ب��رأي الت��ابعين، ألنهم رجال مثل��ه، ويح��دد منهج��ه في القي��اس واالستحس��ان، فك��ان أص��حابه ينازعونه بالقياس، فإن ق��ال: أستحس��ن، لم يلح��ق ب��ه أح��د، ثم يق��ول:

علمنا هذا رأي، فمن جاءنا بأفضل منه تركناه. وكان اإلمام مالك رحمه الل��ه تع��الى يتب��ع منهج��ا أص��وليا واض��حا باعتماده على الكتاب والسنة، واحتجاجه بعمل أه��ل المدين��ة، وتقديم��ه على خبر اآلحاد، وغير ذلك من القواعد والمبادئ التي نظمها فيم��ا بع��د

.(2)علم األصول ونص عليها وكان اإلمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول مثال في عدم وق��وع الطالق في ع��دة طالق الخل��ع، ويق��ول: حج��تي في��ه من الق��رآن واألث��ر

.(3))السنة( واإلجماع ولكن ه��ذه المب��ادئ وتل��ك القواع��د ك��انت متن��اثرة هن��ا وهن��اك، وتختلف من عالم إلى آخر، ومن مدرسة إلى أخرى، وال ينتظمها س��لك، وال يحوطه��ا س��ور، وال تش��كل علم��ا مس��تقال، م��ع وج��ود االختالف، واالنقسام، والتعصب، إلى أن جاء اإلم��ام الش��افعي رحم��ه الل��ه تع��الى فجمع شتات علم أص��ول الفق��ه، ودون قواع��ده وأحكام��ه، وص��نف أول كتاب في علم أصول الفقه، وهو الرسالة التي طلبها منه بعض العلماء، فرس��م منهج البحث والنظ��ر والج��دل، وقع��د القواع��د، وح��دد األدل��ة والمص�ادر، ونظم العالق�ة بينه�ا، وبين مك�ان ك�ل منه�ا ومرتبته�ا، وعين الضوابط التي يجب السير عليها في االستنباط، وقرب بين المدرس��تين المتن��ازعتين، والف��ريقين المختلفين، ف��أذعن ل��ه المواف��ق والمخ��الف،

وانقرضت المدرستان، وزالتا من الوجود.

علم إلى المدخل ،206/� 1 والنحل الملل ،29ص الحنفية لغير الفقه أصول(?)1.93ص الفقه أصول

ص الحكم مباحث ،12ص زهرة أبو الفقه، أصول ،107ص الفقه أصول علم(?)2.307/ 1البالغة الله حجة ،45

بدمشق. الفكر دار ط123/ 5 األم(?)3

9

ق��ال ابن خل��دون رحم��ه الل��ه تع��الى: »واعلم أن ه��ذا الفن من الفن��ون المس��تحدثة في المل��ة، وك��ان الس��لف في غني��ة عن��ه، بم��ا أن استفادة المعاني من األلفاظ ال��تي ال يحت��اج إلى أزي��د مم��ا عن��دهم من الملكة اللسانية، وأما القوانين ال��تي يحت��اج إليه��ا في اس��تفادة األحك��ام خصوصا، فمنهم أخذ معظمها...، فلم��ا انق��رض الس��لف، وذهب الص��در األول، وانقلبت العل��وم كله��ا ص��ناعة، احت��اج الفقه��اء والمجته��دون إلى تحصيل هذه القوانين والقواعد الستفادة األحكام من األدلة، فكتبوها فنا قائما برأسه، سموه: أصول الفقه...، وحين ك��ان الكالم ملك��ة ألهل��ه لم تكن هذه علوما وال قوانين، ولم يكن الفقه حينئذ يحتاج إليها ألنه��ا جبل��ة وملك��ة، فلم��ا فس��دت الملك��ة في لس��ان الع��رب قي��دها الجهاب��ذة المتجردون لذلك بنقل ص��حيح، ومق�اييس مس��تنبطة ص�حيحة، وص��ارت

.(1)علوما يحتاج إليها الفقيه في معرفة أحكام الله«الثالث المبحث

ومؤهالته الشافعي اإلمام أوال: نبذة مختصرة عن حياة اإلمام الشافعي

الش��افعي: ه��و أب��و عب��د الل��ه، محم��د بن إدريس بن العب��اس بن شافع بن السائب بن عبد الل��ه بن عب��د يزي��د بن هاش��م بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، وكان السائب صحابيا، ونس��ب رس��ول الل��ه ص��لى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله بن عب��د المطلب )ش��يبة الحم��د( ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي، فالش��افعي مطل��بي قرش��ي، يلتقي نسبه مع رسول الله صلى الل�ه علي��ه وس�لم في عب�د من�اف بن قص��ي

.(2)باتفاق المؤرخين ه�، وتوفي وال�ده،150ولد الشافعي رحمه الله تعالى بغزة سنة

فانتقلت به أمه إلى مك��ة المكرم��ة، وه��و ابن س��نتين، لينش��أ بين أهل��ه وذوي��ه وأقربائ��ه وعش��يرته، وربي يتيم��ا، وت��وفي في فس��طاط مص��ر

، ول��ه(3) ه�، وقبره فيها مشهور، مع مسجد بج��واره204)القاهرة( سنة سيرة عطرة، وميزات فريدة.

.455 ،454ص خلدون ابن مقدمة(?)1 فاإلم��ام قلم، وس��بق خطأ وهو الش��افعي: الهاش��مي، عن ال��زركلي ق��ال(?)2

/6 األعالم هاش��م، بن المطلب عبد ب��ني من وليس المطلب، ب��ني من الش��افعي249.

،3ص ال�رازي الش�افعي، من�اقب ،76/� 1 البيهقي بكر أبو الشافعي، مناقب(?)3 ،44/ 1 األسماء تهذيب ،1/ 1 هشام ابن سيرة ،192/ 1 الكبرى الشافعية طبقات غاية ،361/� 1 الحفاظ تذكرة ،303/� 1 المحاضرة حسن ،305/� 3 األعيان وفيات ،377/� 2 الخالصة ،127/� 1 المبين الفتح ،71ص الفقهاء طبقات ،95/� 2 النهاية ،249/�� 6 األعالم ،66ص االنتق��اء ،63/�� 9 األولي��اء حلية ،56/�� 2 بغ��داد ت��اريخ

.37ص الجندي الشافعي، اإلمام ،14ص زهرة أبو الشافعي،

10

قال الش��يخ أب��و زه��رة رحم��ه الل��ه تع��الى: »ألن الش��افعي يمثل تمام التمثيل الفقه اإلس��المي في عص��ر ازده��اره وكم��ال نم��وه، فقهه

فهو يجمع بين فقه أهل الرأي وفقه أهل الحديث بمقادير متعادلة، وه��و الفقيه الذي ضبط الرأي، ووضع موازين القياس، وأول من حاول ض�بط الس��نة، ووض�ح الط�رق لفهم الق�رآن والس�نة... وس��ائر م��ا وض�عه من أص��ول الفق��ه ق��د وض��ع المب��ادئ الثابت��ة لص��ناعة االس��تنباط وأص��ول

.(1)التخريج« وق��ال ابن خلك��ان رحم��ه الل��ه تع��الى: »وك��ان الش��افعي كث��ير

.(2)المناقب، جم المفاخر، منقطع النظير«ثانيا: مؤهالت الشافعي لوضع علم أصول الفقه

تميزت حياة اإلمام الشافعي رحمه الله تعالى بع��دة أم��ور جعلت��هأهال لكتابة علم أصول الفقه وتدوينه، وهي:

ك��ان الش��افعي ش��ديد ال��ذكاء، راجحمواهب66ه الفطري66ة:-�� 1 العقل، قوي الفطنة، تبدو علي�ه الش�جاعة والفراس��ة، وك��ان من أح�ذق قريش في الرمي، يص��يب عش��رة من عش��رة، وك��ان جه��وري الص��وت شديد الورع والتقوى، كثير العب��ادة، زاه��دا في ال��دنيا، مقبال على العلم، شغوفا به، متعمقا في الفهم واالستنباط، فقد وهبه الل��ه تع��الى رص��انة

العقل، وقوة الحفظ، وجودة الذاكرة، وصفاء القريحة، وشدة الذكاء. نش��أحفظ القرآن وتحصيل عل6وم الق6رآن والفق6ه:-�� 2

اإلمام الشافعي في مكة المكرم��ة، وترع��رع بج��وار الكعب��ة المش��رفة، وحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وأخذ تفسير القرآن الك��ريم وعلومه عن علماء مكة الذين ورثوه عن ترجمان القرآن ومفسره: عبد الله بن عباس رضي الله عن��ه، عن طري��ق ابن ج��ريج ومجاه��د وعط��اء رحمهم الله تعالى، وقد اشتهرت مكة به�ذا، وك��انت مجم�ع العلم��اء من جميع األقاليم، فأخذ الفقه والعلوم الشرعية عن جملة علمائه��ا، وأذن��وا له باإلفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة، قال له مسلم بن خال��د ال��زنجي أح��د علم��اء مك��ة: »أفت ي��ا أب��ا عب��د الل��ه، فق��د – والل��ه – آن ل��ك أن

، وهك��ذا جم��ع في مك��ة بين حف�ظ الق��رآن والتفس��ير وعلوم��ه(3)تفتي«وبين الفقه واألحكام.

رحل اإلمام الشافعي رحم��ه الل��هحفظ السنة وعلومها:-�� 3 تعالى إلى المدينة، وقصد اإلمام مالكا رحمه الله تع��الى، ول��ه في ذل��ك

ة، وأخذ عنه الموطأ مشافهة، بعد أن حفظ��ه في مك��ة وه��وفقصة طري ابن عشر سنين، والزم اإلمام مالكا حوالي تسع سنوات متقطعة، وكان

م.1996/ ه�1416 طبعة ،11ص زهرة أبو الشافعي،(?)1.305/ 3 األعيان وفيات(?)2.9 ،8ص الرازي الشافعي، مناقب ،338/ 1 البيهقي الشافعي مناقب(?)3

11

يتفقه عليه، ويدارسه في كل مسألة يستفتى فيها، ويراجعه فيما يحت��اج إلى المراجعة، واتصل بجميع علماء أهل المدينة، وأخ��ذ عنهم، واس��تفاد مما عندهم، فأخذ عنهم السنة وما يتعلق بها، وما أخرجته من علم، وما اش��تهرت ب��ه من مدرس��ة الح��ديث، وأتقن عل��وم الح��ديث، ف��دافع عنن مكانتها من القرآن الكريم، ورد شبه المنحرفين عنها، حتى السنة، وبي

، ول�ه كت�اب »المس�ند« و »الس�نن«(1)لقب بناصر السنة أو ناصر الحديث في الح��ديث، وجمعهم��ا البن��ا الس��اعاتي م��ع الش��رح في كت��اب »ب��دائع

.(2)المنن في الجمع بين مسند الشافعي والسنن« وهو مطبوع خرج اإلمام الش��افعي إلى البادي��ة،إتقان اللغة وعلومها:-�� 4

ال��تي أع��رقت في الش�عر،ةولزم قبيلة هذيل، وهي من القبائ��ل العربي�� وهذيل رجل من مضر، والنسبة له��ا ه��ذلي، فتعلم كالمه��ا، وأخ��ذ اللغ��ة عنها، وكانت أفصح العرب، فاستفاد منه��ا – م��ع كون��ه عربي��ا وقرش��يا - المعرفة الواسعة باللغة والشعر، حتى أصبح اإلمام الش��افعي حج��ة في

.(3) وشعر الشنفرىهااللغة، ونقل عنه األصمعي شعر وهكذا اكتسب الشافعي فصاحة اللس��ان، وج��ودة النط��ق، وأخ��ذ اللغة العربي��ة من ينابيعه��ا، بع��د أن اختل��ط الحج��از بغ��ير الع��رب، وفهم الشافعي أسرار العربي��ة، وأدرك م��رامي ألفاظه��ا وعباراته��ا وأس��لوبها،

الس��نة الل��ذين ج��اءا بالعربي��ةوفساعده ذلك على تفهم مع��اني الق��رآن الفصحى األصيلة، وأفاده ذلك قوة في التعب��ير، ورص��انة في األس��لوب،

.(4)ودقة في استنباط الضوابط والقواعد والمعاني سافر اإلمام الشافعي في سبيلالتعمق في فقه الرأي:-� 5

طلب العلم وجمع��ه إلى الع��راق، وأخ��ذ عن اإلم��ام محم��د بن الحس��ن

،91ص الجن��دي الش��افعي، اإلم��ام ،10 ،7ص ال��رازي الش��افعي، من��اقب(?)1.6ص الرسالة ،143ص زهرة أبو الشافعي،

وأث��ره »الش��افعي عن األزهر بجامعة دكت��وراه رسالة خاطر مال الدكتور كتب(?)2 في رس��الة تع��الى الله رحمه البغ��دادي الخطيب وكتب وعلوم��ه«، الح��ديث في

.2 العدد1 مجلد اإلسالمية، البحوث مجلة في بالشافعي« ونشر االحتجاج »مسألة من ف��تى على ه��ذيل أش��عار تع��الى: » ص��ححت الله رحمه األص��معي ق��ال(?)3

،47 ،44/� 2 البيهقي الشافعي، انظر: مناقب إدريس«، بن محمد له يقال قريش.70 ،47 الجندي الشافعي، اإلمام

نبغ�وا ال�ذين النبغ�ة، ه�ؤالء كتب في تعالى: »نظ�رت الله رحمه الجاحظ قال(?)4 أحسن أر فلم العلم، في ص��احب ونقل ال��در«، ين��ثر لس��انه المطل��بي، من تأليف��ا

انظ��ر: اإلن��ذار، »الن��ذارة« بمع��نى كلمة الش��افعي اإلم��ام عن المحيط الق��اموس ،34ص الجويني األحق، بيان في الخلق مغيث ،51/� 2 البيهقي الشافعي، مناقب.170ص الجندي الشافعي، اإلمام لغ��ة، ولس��انه عن��ه، يؤخذ باللغ��ة، بص��ير هش��ام: »الش��افعي بن الملك عبد وق��ال

الله رحمه الزعف��راني بها« وقال يحتج وحدها الشافعي لغة فاكتبوه« وقالوا: »إن.27/ 9 التهذيب قط« تهذيب يلحن الشافعي رأيت تعالى: »ما

12

وك��ان س��ابقا ق��د أخ��ذ الح��ديث،( 1)رحم��ه الل��ه تع��الى فق��ه العراق��يين والتفسير عن اإلم��ام مال�ك وعلم��اء المدين��ة، وفق�ه الحج�از من علم��اء مكة، فجمع بين علم الحجاز وعلم العراق، وك��ان فقه��ه يجم��ع بين علم

أهل الحديث وعلم أهل الرأي، وجمع بين علم العقل وعلم النقل. قال ابن حجر رحمه الله تعالى: »انتهت رياسة الفقه في المدينة إلى مالك بن أنس، فرحل إليه وأخذ عنه، وانتهت رئاسة الفقه ب��العراق

بن الحس��ن حمال ليس في��هاإلى أبي حنيف��ة، فأخ��ذ عن ص��احبه محم��د شيء إال وقد س��معه علي��ه، ف��اجتمع عن��ده علم أه��ل ال��رأي وعلم أه��ل الحديث، فتصرف في ذلك حتى أصل األصول، وقعد القواعد، وأذعن له

حتى صار ،الموافق والمخالف، واشتهر أمره، وعال ذكره، وارتفع قدره.(2)منه ما صار«

وأتاحت له هذه الدراسة والرحلة أن يقف على فق��ه أه��ل ال��رأي ومناهجهم في االستدالل واالستنباط، كما ك��ان واقف��ا على من��اهج أه��ل الح��ديث وفقههم وعلمهم، ثم اتخ��ذ م��ذهبا مغ��ايرا لهم��ا، بين الجم��ع، وال��ترجيح، وبين االجته��اد الشخص��ي، فأص��بح نس��يج وح��ده، ودون علم

األصول. وأخ��يرا فق��ددراسة علم الجدل والمناظرة والمنطق:-�� 6

س��افر اإلم��ام الش��افعي إلى اليمن ال��ذي ك��ان مش��هورا بعلم الج��دل والمناظرة والمنطق فدرسها، وأصبح مناظرا من الطراز األول، فيجادل أهل العراق إللمام��ه ب��القرآن والس��نة وبالغتهم��ا، وين��اظر أه��ل الحج��از إلدراكه الحكم الش��رعية والعل��ل القياس��ية، ولم ين��اظر أح��دا إال وظه��ر

.(3)عليه كما كان الشافعي رحمه الله تعالى يستفيد من موس��م الحج في أثناء إقامته في مكة وقدومه عليها، ليجتمع م��ع كب��ار علم��اء المس��لمين في العقي��دة والح��ديث والفق��ه واللغ��ة، فيأخ��ذ عنهم، ويأخ��ذون من��ه، ويج��ادلهم، وين��اظرهم، ف��اجتمع في��ه رجاح��ة العق��ل، وس��عة االطالع، وفصاحة اللسان، وقوة البيان، ورص��انة األس��لوب، وص��دق في��ه ح��ديث رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم: »ق��دموا قريش��ا، وال تق��دموها،

وقر الحسن بن محمد عن حملت تع��الى: »لقد الله رحمه الش��افعي يق��ول(?)1 أهل على عيال وهو إال الرأي في أحد منه« ويقول: »ما سماعي إال فيه ليس بعير،

الش��افعي، الفق��ه« من��اقب في الع��راق أهل على عي��ال العراق« ويقول: »الناس.162/ 1 البيهقي

انظ���ر: تع���الى، الله رحمه المكي الج���ارود أبي ابن كالم من م���أخوذ وه���ذا(?)2.7ص زهرة أبو الشافعي، ،7ص الرسالة

ويق�ول: »ما الح�ق، إلى الوص�ول مناظراته من يبتغي الش�افعي اإلم�ام كان(?)3 جادلت عني الناس يأخذ أن معه« ويقول: »رجوت الحق يكون أن ورجوت إال أحدا

.173/ 1 البيهقي الشافعي، شيء« مناقب منه إلي ينسب أال على العلم هذا

13

، ويض�اف إلى ذل�ك التق�وى وال�ورع، ق�ال(1)وتعلموا منها، وال تعالموها«282تعالى: »واتقوا الله ويعلمكم الله« البقرة/ ، وهو م��ا ك��ان مش��هورا

.(2)عن الشافعي رحمه الله تعالى قال اإلمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: »الشافعي فيلسوف

.(3)في أربعة أشياء: في اللغة، واختالف الناس، والمعاني، والفقه« هذه الصفات والخصائص السابقة التي امتاز بها اإلمام الش��افعي

، وت��دوين مؤهال لكتاب66ة علم أص66ول الفقهرحمه الله تعالى جعلته قواعده، ووضع ضوابط االجتهاد واالستنباط واالستدالل، فأصل األصول، وقعد القواع��د، ليعص��م أه��ل االجته��اد والخالف والمن��اظرة من الخط��أ واالنحراف في االستنباط واالستدالل، ويضع بين أيديهم الموازين لبي��ان

.(4)أول من وضع علم األصولالخطأ من الصواب فكان بحق قال أب��و ث��ور رحم��ه الل��ه تع��الى: »ل��وال أن الل��ه تع��الى من علي بالشافعي للقيت لله تعالى، وأنا ضال، ولم��ا ق��دم علين��ا، ودخلن��ا علي��ه، كان يقول: »إن الله تعالى قد يذكر العام، ويريد به الخ��اص، وق��د ي��ذكر الخاص، ويريد به العام«، وكن��ا ال نع��رف ه��ذه األش��ياء، فس��ألنا عنه��ا...

، وهو م��ا(5)فعلمنا أن كالمه ليس على نهج كالم غيره« رحمه الله تعالى.شرحه اإلمام الشافعي في "الرسالة"

وقال اإلمام أحمد بن حنبل رحمه الل��ه تع��الى: »م��ا كنت أع��رف ، وهو م��ا ش��رحه اإلم��ام الش��افعي(6)قبل الشافعي ناسخا وال منسوخا«

في "الرسالة" في الناسخ والمنسوخ. وقال محمد بن عبد الحكم المصري: » لوال الشافعي م��ا ع��رفت كيف أرد على أحد، وعرفت ما عرفت، وهو الذي علمني القياس رحمه الله، فقد كان صاحب سنة وأثر، وفضل خير، مع لس��ان فص��يح طوي��ل،

/2 الخف��اء )كشف وال��ديلمي، والط��براني الش��افعي اإلمام رواه الحديث هذا(?)1 كت��اب: من��اقب في ق��ريش فضل في ورد ما وانظر الرس��الة(، مؤسسة ط129

بعدها. وما16/ 1 البيهقي الشافعي، العلم: يطلب ف�تى ج�اءه عن�دما للش�افعي تعالى الله رحمه مالك اإلمام قال(?)2

قلبك مأل قد الله أرى إني ف���تى، »يا المعص���ية« ويق���ول بظلمة تطفئه فال ن���وراتعالى: الله رحمه الشافعي

المعاصي ترك إلى فأرشدنيحفظي سوء وكيع إلى شكوتلعاصي. يهدى ال الله ونورنور العلم بأن وأخبرني

.20ص الرازي الشافعي، مناقب ،41/ 2 البيهقي، الشافعي، مناقب(?)3 أبو محمد كت�اب: الش�افعي، في وتوسع بدقة الش�افعي شخصية وصف انظر(?)4

للبيهقي. الشافعي، وكتاب: مناقب ،35ص زهرة.20ص الرازي الشافعي، مناقب(?)5 الفق�ه، أص�ول ،46ص مدكور الحكم، وانظر: مباحث ،1ص السابق المرجع(?)6

.13ص زهرة أبو

14

.(1)وعقل صحيح رصين«ثالثا: ادعاءات

ينقل بعض الباحثين أن ابن النديم ذكر في »الفهرس��ت« أن أول من دون علم أص��ول الفق��ه في س��فر مس��تقل ه��و اإلم��ام أب��و يوس��ف

صاحب أبي حنيفة رحمهما الله تعالى. وهذا االدعاء ليس ل��ه دلي��ل علمي، وإنم��ا أثبتت األدل��ة التاريخي��ة والواقعية عكسه، وأن ابن خل��دون رحم��ه الل��ه تع��الى وغ��يره أك��دوا أن

الشافعي هو أول من دون علم أصول الفقه. ف��إن أراد ابن الن��ديم من كالم��ه وج��ود ض��وابط ومب��ادئ ومن��اهج أصولية في م��ذهب اإلم��ام أبي حنيف��ة، وفي كالم أبي يوس��ف، فه��ذا ال نخالفه فيه، فإن األئمة من الصحابة والت��ابعين ومن بع��دهم لم ينطلق��وافي اجتهادهم من هوى، أما إن أراد التعصب المذهبي فهذا غير مقبول. والواقع أن عبارة ابن النديم ال تدل على المعنى الذي ينقل��ه عن��ه بعض علماء األصول، والعبارة ال توحي ب��أن للص��احبين كتاب��ا في أص��ول الفقه، وإنما يعدد عند ترجمة اإلمام أبي يوس��ف واإلم��ام محم�د الكتب، ويقول: »وألبي يوسف من الكتب في األصول واألماني: كت��اب الص��الة،

فهي كتب أصول في أبواب الفقه.(2)كتاب الزكاة، كتاب المناسك« وتدعي الش�يعة اإلمامي�ة أن أول من دون علم أص�ول الفق�ه ه�و اإلمام محمد الباقر، ولكن لم يصل إلينا شيء من ذلك، ولم يوجد س��ند

تاريخي يؤيد هذا االدعاء. وإن أري��د أن اإلم��ام محم��د الب��اقر، وابن��ه اإلم��ام جعف��ر الص��ادق رحمهما الله تع��الى أملي��ا على أص��حابهما قواع��ده، ثم ج��اء المت��أخرون

فجمعوا مسائله، فهذا ال نزاع فيه، والله أعلم. قال شيخ اإلس��الم ابن تيمي��ة رحم��ه الل��ه تع��الى: »أول من ج��رد

، وق��ال ابن خل��دون(3)الكالم في أص��ول الفق��ه من األئم��ة الش��افعي« رحمه الله تعالى: »وكان أول من كتب فيه الش��افعي رض��ي الل��ه عن��ه، فأملى فيه رسالته المشهورة، تكلم فيها عن األوامر والن��واهي، والبي�ان

النفائس. دار ،15ص المقدمة الرسالة،(?)1الخياط. مكتبة تصوير ،204 ،203ص الفهرست(?)2 ،89/� 1 المبين الفتح وانظر ،403/� 20 ،178/� 19 ،88/� 10 الفتاوى مجموع(?)3

الفق��ه، أص��ول علم ،14ص زهرة أبو الفقه، أصول ،328ص زهرة أبو الشافعي، مدكور الحكم، مباحث ،186ص الخضري اإلسالمي، التشريع تاريخ ،16ص خالف

على الفروع بناء إلى الوصول مفتاح ،11 ،9ص البرديسي الفقه، أصول ،45ص/ج. ص التلمساني األصول،

15

.(1)والخبر، والنسخ، وحكم العلة المنصوصة من القياس« وقال الرازي رحم��ه الل��ه تع��الى: »اعلم أن نس��بة الش��افعي إلى علم األصول كنسبة أرسطو إلى علم المنطق، وكنسبة الخليل إلى علم

.(2)العروض«الرابع المبحث

األصول في الشافعي اإلمام كتب صنف اإلمام الشافعي، وهو واضع علم أص��ول الفق��ه، ع��دة كتب

في األصول، وهي: وهي أكبر الكتب وأهمها وأشهرها، وقد كتب اإلمامالرسالة:- 1

الش��افعي رحم��ه الل��ه تع��الى فص��ول الرس��الة في مك��ة المكرم��ة بع��د تجواله في األقط��ار، وعن��دما ق��دم بغ��داد في الم��رة الثاني��ة طلب من��ه

أن يض�ع كتاب��ا في مع�اني(3)الفقي��ه الحاف�ظ عب��د ال�رحمن بن المه�دي القرآن والسنة والناسخ والمنسوخ، وحجية اإلجم��اع، وأج��اب الش��افعي

لذلك، وكتب له "الرسالة". وك��ان اإلم��ام الش��افعي رحم��ه الل��ه تع��الى يس��مي "الرس��الة" "الكت��اب" أو "كت��ابي" وس��ميت الرس��الة، واش��تهرت في عص��ره، ألن��ه أرس���لها إلى عب���د ال���رحمن بن مه���دي، فغلبت ه���ذه التس���مية على

، وبقي هذا العنوان حتى اآلن.(4)"الكتاب" ولما استقر اإلم��ام الش��افعي رحم��ه الل��ه تع��الى في مص��ر أع��اد كتابة "الرسالة" وأمالها على الربيع بن سليمان، وجعلها مقدم��ة لكتاب��ه

.(5)"األم" وهي النسخة األخيرة والصحيحة التي وصلت إلينا بموض��وع البي��ان"الرسالة"واستهل الشافعي رحمه الله تعالى

( فعرفه، وبين أنواعه، وهي: بيان القرآن للقرآن، وبي��ان الس��نة21)ص للقرآن، وبيان األحكام باالجتهاد والقي�اس، ثم انتق�ل رحم�ه الل�ه تع�الى

(، فبين أن بعض نصوص القرآن عام53إلى مباحث القرآن والسنة )ص يراد به العموم، وبعضها عام يدخل��ه الخص��وص، وبعض��ها ع��ام من حيث

.455ص خلدون ابن مقدمة(?)1.56ص الرازي الشافعي، مناقب(?)2 س��نة وم��ات ه�،135 س��نة ولد اإلم��ام، الحافظ مه��دي، بن ال��رحمن عبد هو(?)3

له أعرف الشافعي: »ال قال ه�،198 ه��امش،11ص ال��دنيا« الرس��الة في نظ��يراهامشها. في والمراجع ،135ص اإلسالمية العلوم مرجع

.12ص الرسالة(?)4 من��اقب ،1ص ش��اكر محمد أحمد الش��يخ تحقيق الرس��الة، انظ��ر: مقدمة(?)5

المبين الفتح ،57 ،55ص الرازي الشافعي، مناقب ،230/� 1 البيهقي الشافعي،.273ص الجندي الشافعي، اإلمام ،30ص الحنفية لغير الفقه أصول ،127/ 1

16

الظ��اهر، وه��و يجم��ع الع��ام والخ��اص، وبعض��ها ع��ام من حيث الظ��اهر والمراد به الخاص، ثم بين المش��ترك والمجم��ل والمفص��ل، ثم أس��هب الكالم عن أكثر الموضوعات أهمية منذ عصره حتى الي��وم، وه��و حجي��ة

( وأن ذلك فرض بنصوص القرآن الكريم،73السنة ووجوب اتباعها )صن مكانة السنة في التشريع، ومراتب السنة بالنسبة للقرآن الك��ريم، وبي )مؤكدة، ومبينة، ومفسرة، وزائدة( وأن درجتها بعد القرآن الكريم، ألنه كالم الله، وهو األصل، وتطرق الشافعي بش��كل خ��اص إلى حجي��ة خ��بر الواح��د في إثب��ات األحك��ام الش��رعية، ثم تكلم رحم��ه الل��ه تع��الى عن

(،471( ثم اس��تعرض مص��ادر التش��ريع )ص106الناسخ والمنسوخ )صن حقيقة اإلجماع وحجيت��ه، ووض��ع الض��وابط للقي��اس، وتع��رض ل��رد فبي

.(1)االستحسان وهو كتاب صغير كتبه الش��افعي رحم��هكتاب جماع العلم:-�� 2

الله تعالى إلثبات حجية خبر اآلحاد، ووجوب العم��ل ب��ه، وال��رد على من.(2)أنكره، وقد أفرده ألهميته، وشدة االختالف فيه

ن فيه اإلمام الشافعي معنىكتاب إبطال االستحسان:-� 3 بي اتب��اعاالستحسان من وجهة نظره، ورد على القائلين ب��ه، وأن ال��واجب

.(3)ما شرع الله تعالى، وأن االستحسان احتكام للعقل والهوى والشهوة وهو الكتاب الذي وضعه الشافعيكتاب اختالف الحديث:-� 4

رحمه الله تعالى للجمع بين األحاديث ال��تي يب��دو عليه��ا التع��ارض، وه��و أول كتاب من نوعه في هذا الموضوع، ولم يقصد منه اإلم��ام الش��افعي استيعاب جميع األحاديث التي وردت في ه��ذا الب��اب، وفي��ه مقدم��ة عن حجية السنة وخبر الواحد وعالقة السنة بالقرآن، وبين معاني األح��اديث ال�تي يش��كل معناه��ا، وإن لم يظه��ر عليه��ا تع��ارض، ورتب��ه على أب��واب

.(4)الفقه ، وهو في أصول الفقه، جمعه البيهقيكتاب أحكام القرآن-� 5

.(5)رحمه الله تعالى، وفيه آيات األحكام، وكيفية استنباط الفقه منها وأهمها م�رات، ع�دة مستقلة طبعة وطبعت األم"،" كتاب مع الرسالة طبعت(?)1

الب��ابي مص��طفى مطبعة قش��يبة، بحلة اإلخ��راج مع ش��اكر، أحمد العالمة بتحقيقباستمرار. باألوفست صورت ثم م،1940ه�/1358 سنة القاهرة الحلبي،

أحمد وأف�رده ،250ص الس�ابع "األم" الج�زء كت�اب مع مطب�وع الكت�اب هذا(?)2 العلمي��ة، الكتب دار ونش��رته العزي��ز، عبد أحمد األس��تاذ حققه ثم بالنش��ر، ش��اكرم.1984/ه�1405- بيروت

.277-267 ص7" الجزء األم"كتاب مع مطبوع الكتاب هذا(?)3 طبع ثم ،8 ،2ص األم كتاب من السابع الجزء هامش على مطبوع الكتاب هذا(?)4

.314ص اإلسالمية العلوم انظر: مرجع مستقال، ونش��ره الخ��الق، عبد الغ��ني عبد ال��دكتور الش��يخ العالمة الكت��اب ه��ذا حقق(?)5

بالقاهرة.

17

، وهو أح�د مص��ادر الفق�ه اإلس��المي، حس�بكتاب القياس-� 6.(1) وأفرده في كتاب ألهميته ،قواعد وضوابط محددة

وقد وضع اإلمام الش�افعي رحم�ه الل��ه تع�الى علم أص�ول الفق�ه ليك��ون ميزان��ا وض��ابطا لمعرف��ة الخط��أ من الص��واب في االجته��اد، والصحيح من غير الصحيح من األدلة واآلراء، وأن يكون قانونا يل��تزم ب��ه المجتهد عند االستنباط، ويقيس به األم��ور الطارئ��ة، والقض��ايا المادي��ة،

والمستجدات العلمية، ويوزن فيه أحكام غيره. وطب��ق الش��افعي رحم��ه الل��ه تع��الى ه��ذه القواع��د والض��وابط، والموازين والقوانين، في مناقشة آراء األئمة والفقهاء، فكتب كتاب��ا في

بن الحسن وأهل ال��رأي،ااختالف اإلمام مالك، وكتابا في اختالف محمد وكتاب��ا في ال��رد على س��ير األوزاعي، ورد اإلم��ام أبي يوس��ف علي��ه،

.(2)رحمهم الله تعالى كما التزم اإلم��ام الش��افعي في مذهب��ه واجته��اده به��ذه القواع��د والضوابط والموازين، وقيد نفسه بها، وسار عليه��ا، فك��انت "الرس��الة" في أص��ول الم��ذهب الش��افعي، وك��انت أص��وال نظري��ة وعملي��ة في آن

.(3)واحد، ولم تكن دفاعا، أو دليال وتسويغا لفروعه الفقهيةالخامس المبحث

الفقه أصول علم في الشافعي أثر لما وضع اإلمام الشافعي رحمه الله تعالى علم أصول الفقه صار كالشمس الساطعة في ربوع العالم اإلسالمي، وترك آثارا عظيمة، ونبه إلى أهمي��ة علم أص��ول الفق��ه، وض��رورته، وحاج��ة العلم��اء واألئم��ة

والمجتهدين والباحثين وطلبة العلم له. ق��ال عب��د ال��رحمن بن مه��دي رحم��ه الل��ه تع��الى: »لم��ا نظ��رت الرسالة للشافعي أذهلتني، ألنني رأيت كالم رج��ل فص��يح ناص��ح، ف��إني

، وسبق كالم اإلمام أبي ثور، واإلمام أحم��د بن حنب��ل(4)ألكثر الدعاء له«رحمهما الله تعالى، في الشافعي وأثره.

أوال: األساس والبناء أول كت��اب أص��ولي، فلم تش��تمل على جمي��ع"الرسالة" ك��انت

بحوث األصول، شأن كل عمل جدي��د، يك��ون في الغ��الب ص��غيرا، وغ��يرمنظم، وال مستوف.

.13ص الرسالة انظر: مقدمة(?)1" الجزء السابع.األم" كتاب مع مطبوعة الكتب هذه(?)2.16ص زهرة أبو الفقه، أصول(?)3.1ص الرسالة(?)4

18

المن��ارة الباس��قة إلزال��ة التعص��ب بين"الرس66الة"لكن ك��انت العلماء، وكانت الس��بب في القض��اء على ال��نزاع والخالف بين أص��حاب مدرس��تي الح��ديث وال��رأي، وإقام��ة الجس��ور بينهم��ا، ووض��ع األس��س

المتفق عليها بين الفريقين والنزعتين. الحافز والمح�رض والمح�رك ل�دعوة العلم�اء"الرسالة"وكانت

للتأليف والكتابة في علم أصول الفقه، وك��انت حج��ر األس��اس في بن��اء ص��رح ه��ذا العلم، فش��مر العلم��اء واألئم��ة عن س��اعد الج��د، وح��رروا المصنفات، وأكملوا البناء الذي أقام أساسه اإلمام الشافعي رحمه الله تعالى، وكان لهم فضل نماء ه��ذا العلم، وتحري��ر مس��ائله، ووافق��وه في أكثرها، وخ��الفوه في بعض��ها، وزادوا علي��ه، ف��زاد الحنفي��ة االستحس��ان والعرف، وزاد المالكية إجماع أهل المدينة والمصالح المرسلة والذرائع، وكتب اإلمام أحمد رحمه الله تعالى كتاب "العلل" والناس��خ والمنس��وخ وكتاب "طاعة الرسول"، وزاد الحنابلة ق�ول الص��حابي، وكتب كث��ير من فقهاء المذاهب األخرى في علم أصول الفقه، وتناول��ه العلم��اء ب��البحث

.(1)والتأليفثانيا: شروح الرسالة

نالت "الرسالة" ش��هرة واس��عة في عص��ر الش��افعي رحم�ه الل��ه تع��الى، وعك��ف كث��ير من العلم��اء، وخاص��ة من علم��اء الش��افعية، على

دراسة "الرسالة" وشرحها والتعليق عليها، والتنافس فيها. فشرحها اإلمام أبو بكر الصيرفي، محمد بن عب��د الل��ه، المت��وفى

ه�، وأبو الوليد النيسابوري، حسان بن محمد، المت��وفى س��نة330سنة ه���، والقف��ال الشاش��ي الكب��ير، محم��د بن علي بن إس��ماعيل،349

ه�، وأبوبكر الجوزقي، محمد بن عبد الل��ه الش��يباني365المتوفى سنة ه�، والجويني أبو محم��د، عب��د الل��ه بن388النيسابوري، المتوفى سنة

.(2) ه�، وغيرهم438يوسف، والد إمام الحرمين، المتوفى ثالثا: طرق التأليف في األصول

إن أسلوب الكتابة في علم أص��ول الفق��ه اختل��ف بع��د الش��افعي رحمه الله تعالى، فبعض العلم��اء س��ار على منهج اإلم��ام الش��افعي في "الرس��الة" بتقري��ر المس��ائل، والت��دليل عليه��ا، وإقام��ة الحجج، واتخ��اذ السؤال والجواب أساسا في البيان على طريقة علماء الكالم، وس��ميت هذه الطريقة بطريقة الش��افعية، أو بطريق��ة المتكلمين، وهي الطريق��ة التي اختطه��ا اإلم��ام الش��افعي في "الرس��الة"، وكتب به��ا أك��ثر علم��اء

الشافعية والمالكية والحنابلة والمعتزلة وعلماء الكالم.

.16ص شعبان الفقه، أصول ،338ص زهرة أبو الشافعي،(?)1.611ص اإلسالمية العلوم مرجع بعدها، وما555/ 1 الظنون كشف(?)2

19

وبعض العلم��اء س��ار في كتاب��ة علم أص��ول الفق��ه على طريق��ة التأليف في الفقه، فسبك قواعد األص��ول بأس��لوب متت��ابع ومتسلس��ل، وسميت هذه الطريقة بطريقة الفقهاء، أو طريقة الحنفية، وس��ار عليه��ا

أكثر علماء المذهب الحنفي وبعض العلماء من المذاهب األخرى. وجاء المتأخرون في القرن السابع الهج��ري، وم��ا بع�ده، فجمع�وا بين الطريقتين باتباع مزايا وفوائد كل طريقة، وتجنب عيوبه�ا، وس��ميت

هذه الطريقة بطريقة المتأخرين. ولك��ل طريق��ة ميزاته��ا وعيوبه��ا وكتبه��ا، ح��تى ج��اءت طريق��ة

المحدثين في هذا العصر بالكتابة في علم أصول الفقه، كما سنبينه.رابعا: طريقة المتكلمين أو الشافعية

تمتاز هذه الطريقة بأنها تحقق قواع��د علم أص��ول الفق��ه تحقيق��ا منطقيا نظريا، وتقرر القواعد األصولية وتنقحها، وتثبت ما أيده البره��ان العقلي والنقلي، وتنظر إلى الحقائق المجردة، ولم تلتفت إلى التوفي��ق بين القواعد وبين الف��روع ال��تي اس��تنبطها األئم��ة في الفق��ه، وال تع��نى باألحك��ام الفقهي��ة، ألن األص��ول علم مس��تقل عن الفق��ه، فك��انت ه��ذه

، فم��ا أي��ده العق��ل، وق��امتهتم بتحرير القواعد وتنقيحهاالطريقة عليه البرهان، فهو األصل والقاعدة، س��واء أواف��ق الف��روع المذهبي��ة أم

، ولذا نالح�ظ(1)خالفها، وسواء أوافق األصل الذي وصل إليه اإلمام أم ال مثال أن اآلم��دي اعت��بر اإلجم��اع الس��كوتي حج��ة، خالف��ا ألص��ل إمام��ه

.(2)الشافعي رحمه الله تعالى، ألن الدليل والحجة أوصاله إلى ذلك ، أي: ف��إن قلت...أس66لوب الفنقلةويك��ثر في ه��ذه الطريق��ة

قلنا، على طريقة علماء الكالم، وتق��ل فيه��ا الف��روع الفقهي��ة، وهي في الواقع أقرب حقيقة إلى وضع المب��ادئ والقواع��د واألص��ول ال��تي تعت��بر أساسا، لتأتي الفروع على منوالها، فاألصول حاكمة على الف��روع، وهي دعامة الفقه واالستنباط، وهذا األسلوب أبعد الناس عن التعصب لف��رع

فقهي، أو حكم مذهبي. ولكن هذه الطريقة تس�رف أحيان��ا في األم�ور النظري�ة والعقلي�ة ال��تي يس��تحيل وقوعه��ا عقال، أو ش��رعا، مث��ل ج��واز تكلي��ف المع��دوم، والحس��ن والقبح العقل��يين، كم��ا تتع��رض لبعض بح��وث العقي��دة وعلم الكالم، مثل عصمة األنبياء قبل النب��وة، ويق��ل فيه��ا الرب��ط بين األص��ول

ال األصول مسلك في أنا تعالى: »على الله رحمه الجويني الحرمين إمام قال(?)1 /2 الف�رع« البره��ان على ال األص�ل، على يصحح فالفرع الفقه، مسائل إلى نلتفت1363.

خ�الف ال�تي المس�ائل وانظر ،180/� 1 اآلم�دي األحكام، أصول في اإلحكام(?)2.1442/ 2 في: البرهان الشافعي إمامه الجويني فيها

20

.(1)والفروع ومن أهم كتب هذه الطريقة: الرسالة لإلمام الشافعي، والتقريب

ه���،436 ه�، والمعتمد ألبي الحسين البص��ري، 403واإلرشاد للباقالني 505 ه�، والمستص��فى للغ��زالي 478والبرهان إلمام الحرمين الجويني

ه���،631 ه�، واإلحكام لآلمدي 606ه�، والمحصول لفخر الدين الرازي .(2) ه�646ومختصر ابن الحاجب

خامسا: طريقة الفقهاء أو الحنفية هذه الطريق��ة مت��أثرة ب��الفروع، وتتج��ه لخ��دمتها، وإثب��ات س��المة

بأخذ القواع66د األص66ولية مناالجتهاد فيه��ا، وتمت��از ه��ذه الطريق��ة ال��تي وض��عها أئم��ة الم��ذهب الحنفي،الف66روع واألحك66ام الفقهية

ويفترض��ون أنهم راع��وا ه��ذه القواع��د عن��د االجته��اد واالس��تنباط، ف��إن وجدوا فرعا يتعارض مع القاعدة لجؤوا إلى تع��ديلها بم��ا يتف��ق م��ع ه��ذا الفرع، مثل قولهم: المشترك ال يعم إال إذا كان بع��د النفي فيعم، ومث��ل قولهم: إن داللة العام قطعية إال إذا خص��ص، ويتف��رع على ذل��ك تق��ديم النص العام على خبر اآلحاد عند التعارض، ألن خبر اآلحاد ظني، والع��ام

قطعي. في قواعدتجميع األحكام الفرعيةوالهدف من هذه الطريقة

كلية، وضوابط عامة، فيضعون القاعدة األصولية بما يتف��ق م��ع الف��روع، ويستمدون األصول من فقه اإلم��ام وف��روع األص��حاب، ويع��بر ال��بزدوي رحمه الل��ه تع��الى عن ذل��ك في أص��وله بقول��ه: »على ه��ذا دلت ف��روع

.(3)أصحابنا« والس��بب في اللج��وء إلى ه��ذه الطريق��ة أن علم��اء الحنفي��ة لم يعثروا على كتب في أص��ول الفق��ه من وض��ع أئمتهم، كم��ا ع��ثر علم��اء الش��افعية في "الرس��الة"، فبحث��وا عن القواع��د األص��ولية في الف��روع الفقهية، باعتبار أنها ال بد أن تك��ون قائم��ة على أس��اس أنه��ا ك��انت في

ذهن المجتهد، واعتمد عليها ذهنيا. ، وهي أق��رب إلىالفقهية الف6روعوهذه الطريق��ة تك��ثر فيه��ا

الفقه، وأليق بالفروع، وأشبه بقواعد الفق�ه الكلي�ة، وك�انت لل�دفاع عن المذهب الذي ينتمي إليه مؤلف الكت��اب، وتجع��ل من األص��ول مق��اييس

أص�ول علم ،331ص زه�رة أبو الفق�ه، أص�ول ،455ص خل�دون ابن مقدمة(?)1.17ص خالف الفقه،

عبد الش�يخ تق�ديم التلمس�اني، الوص�ول، مفت�اح ،183/� 2 الس�عادة مفت�اح(?)2 العل��وم مرجع بع��دها، وما123/�� 1 الم��بين الفتح ،5ص/ اللطيف عبد الوه��اب.67/ 1 اإلسالمي الفقه أصول في الوجيز بعدها، وما610ص اإلسالمية

.292/ 1 األسرار كشف(?)3

21

، لذلك تج��د األحك��ام الفقهي��ة(1)مقررة ومؤكدة له، وليست حاكمة عليهكثيرة جدا جدا في كتاب أصول السرخسي، وأصول البزدوي وغيرهما.

ومن أهم الكتب التي ألفت على طريقة الفقه��اء: كت��اب األص��ول ه�، وتأس��يس النظ��ر370 ه�، واألصول للجصاص الرازي 340للكرخي

ه���، واألص��ول للسرخس��ي430في الخالف وتق��ويم األدل��ة للدبوس��ي ه���،710 ه�، والمن��ار للنس��في 482 ه�، واألصول للبزدوي 490حوالي

ه�، والتمهيد لإلسنوي الش��افعي684وتنقيح الفصول للقرافي المالكي .(2) ه�728 ه� ،682، ه�652 ه�، والمسودة آلل تيمية 772

سادسا: طريقة المتأخرين والمعاصرين جاءت طريقة المتأخرين ابتداء من القرن السابع الهجري لتجم��ع بين الطريقتين السابقتين، بما فيهما من مزاي��ا، فتقع��د القاع��دة، وتقيم األصل، وتثبته باألدلة والبراهين، ثم تذكر الفروع واألحكام الفقهية ال��تي تتف��رع عن ه��ذا األص��ل، وتطبق��ه عملي��ا، كم��ا تش��ير إلى الف��روع ال��تي خالفت األصل، وتبين سبب المخالف��ة، وس��ار على ه��ذه الطريق��ة أك��ثر

العلماء من المذاهب األربعة. وأهم كتب هذه الطريقة: بديع النظام الجامع بين أصول ال��بزدوي

ه���، وتنقيح األص��ول لص��در694واإلحكام، للساعاتي أو ابن الس��اعاتي ه����، لخص���ة من كت���اب ال���بزدوي747الش���ريعة عبي���د بن مس���عود

والمحصول للرازي ومختص��ر ابن الح��اجب، ومنه��ا: جم��ع الجوام��ع البن ه���، ومس�لم الثب��وت البن861 ه�، والتحرير البن الهم�ام 771السبكي

ه���،790 ه�، ويلحق بها كتاب الموافقات للشاطبي 1119عبد الشكور الذي انفرد بطريقة خاصة في التأليف، وقريب منه قواعد األحكام للع��ز

.(3) ه�660بن عبد السالم وجاء علماء الشريعة المعاص��رون فكتب��وا في علم أص��ول الفق��ه على طريقة المتأخرين، م��ع المقارن��ة بين الط��رق، والمن��اهج الس��ابقة،

، ليعود للحياة والتطبيق لالستفادةبإحياء علم أصول الفقهوطالبوا في المسائل والقواعد والض�وابط ال�تي تعتم�دطلب التجديدمنه، مع

ف�إن بهم، تنحصر لم فإنها الطريقة ه�ذه على سار من أول الحنفية كانت لئن(?)1 الطريقة ه��ذه س��لكوا قد والحنبلي والش��افعي المالكي المذهب من العلماء بعض

الم��الكي، ك�القرافي الم��ذهب، في الجزئية الف�روع على تطبق ال�تي األص�ول في ابن انظ��ر: مقدمة الحنبلي، القيم وابن الحنابل��ة، تيمية وآل الش��افعي، واإلس��نوي

.23 ،21 زهرة أبو الفقه، أصول ،17ص خالف الفقه، أصول علم ،455ص خلدون وما6ص الحنفي قطلوبغا البن ال��تراجم ت��ابع ،456ص خل��دون ابن مقدمة(?)2

الفقه أص��ول في الوج��يز بع��دها، وما610ص اإلس��المية العل��وم مرجع بع��دها،.69/ 1 اإلسالمي

الفقه أص���ول في الوج���يز بع���دها، وما623ص اإلس���المية العل���وم مرجع(?)3.71 ،66/ 1 اإلسالمي

22

على األع��راف والع��ادات، ولتلبي��ة ظ��روف العص��ر، والقض��ايا الواقعي��ة، والمستجدات العقلية والفكرية والمنهجية لمواجهة التط��ور الس��ريع في

العلوم التقنية والتقارب والعولمة. وكتب كثير من المعاصرين كتبا قيمة في أصول الفقه في العصر

م، وش���اكر1927ه����، والخض���ري 1250الحاض���ر، منهم الش���وكاني م، وش���عبان،1974 م، وأب���و زه���رة 1955 م، وخالف 1948الحنبلي

والبرديسي، وحسب الله، ومدكور، والدواليبي، ووهب��ة ال�زحيلي، وأديب وحم��د الكبيس��ي ،الص��الح، ومحم��د ال��زحيلي، وال ي��زال الت��أليف قائم��ا

.(1)ومستمرا: الخاتمة

بعد العرض السابق نبين خالصة البحث ونتائجه، ثم نق��دم بعض التوصيات والمقترحات.

أوال: خالصة البحث ونتائجه - لقد فجر الق��رآن الك��ريم طاق��ات األم��ة العربي��ة واإلس��المية،1

فأبدعت، وأنجزت، وحققت إنجازات دينية ودنيوي��ة ط��وال الت��اريخ وفيجميع العلوم، ومنها اختراع علم مصطلح الحديث، وعلم أصول الفقه.

- تتجلى أهمي��ة علم أص��ول الفق��ه بأن��ه يح��دد الطري��ق الق��ويم2 الستنباط األحكام، ويحدد مصادر الشريعة، ويحف��ظ ال��دين، وي��بين منهج األئم�ة والمجته�دين، ويك�ون ملك�ة عقلي��ة وفكري�ة لممارس�ة االجته�اد، ويرسم الطريق لمعرفة أحكام المستجدات، ويضبط الف��روع باألص��ول،

ويساعد في مقارنة المذاهب، ويزود الثروة الفقهية. - ظهرت براعم علم أص��ول الفق��ه في مب��ادئ الق��رآن والس��نة3

وأقوال الصحابة واألئمة والمجته��دين، وك��انت متن��اثرة، وال يوج��د س��لكيجمعها. - ك�ان الش�افعي رحم��ه الل��ه تع�الى أول من وض��ع علم أص��ول4

الفقه، بعد أن حصل على المؤهالت بذلك، فطريا بالذكاء والعقل، ودينيا بالتقوى والورع، وكسبيا بحفظ القرآن وتحصيل علوم��ه، وحف��ظ الس��نة ومعرفة علومه��ا، وإتق��ان اللغ��ة وعلومه��ا، والجم��ع بين مدرس��ة ال��رأي ومدرسة الح��ديث، وفق��ه ك��ل منهم��ا، ومنهجهم��ا، ودراس��ة علم الج��دل والمنط��ق والمن��اظرة، فنس��بة علم األص��ول ل��ه كنس��بة المنط��ق إلى

أرسطو، والعروض إلى الخليل. - صنف الشافعي عدة كتب في أصول الفق��ه، أهمه��ا الرس��الة،5

وهي في القم����ة، ثم جم����اع العلم، وإبط����ال االستحس����ان، واختالفبعدها. وما73/ 1 اإلسالمي الفقه أصول في الوجيز(?)1

23

الحديث، وأحكام القرآن، وكتاب القي��اس، وكله��ا وص��لت إلين��ا وطبعت،واتخذها الشافعي منهجا الستنباط مذهبه.

- كانت الرسالة األساس لبناء علم أصول الفقه، وك��ان المن��ارة6 الباسقة لحمل العلم��اء على محاكاته��ا ومجاراته��ا، والش��روح عليه��ا، ثم تنوعت طرق التأليف في علم أصول الفقه، فسارت طريق��ة المتكلمين على منواله��ا، وس��ارت طريق��ة الفقه��اء على طريق��ة الفق��ه، وج��اء

بين الطريق��تين بأخ��ذ م��يزات ك��ل منهم��ا، وتجنبفجمعواالمتأخرون السلبيات، حتى قام علماء العصر بالتصنيف والتأليف.

:ثانيا: التوصيات والمقترحات - على المس��لمين أن ينش��روا قواع��د علم أص��ول الفق��ه في1

العالم لتحديد المنهج السديد في التفكير والبحث، والدراسة واالجتهاد. - على العلماء أن يقوموا بإحياء علم أصول الفقه في المدارس2

والجامع��ات، وأن يعق��دوا ل��ه الحلق��ات والن��دوات والم��ؤتمرات لبيان��ه والعمل بموجبه، والسير على خطاه، واالستفادة منه في الحياة العلمية

عامة، وفي العلوم الشرعية خاصة، وفي الفقه على وجه أخص. من- ن��دعو لتجدي��د بعض مب��ادئ علم أص��ول الفق��ه وقواع��ده3

، مم��ا ل��ه ص��لة ب��العرف والع��ادات،الناحي��ة الش��كلية والموض��وعية وربط��هوظ��روف العص��ر، والمعطي��ات العلمي��ة الجدي��دة،واإلجم��اع ،

،ة واالس��تفادة من التقني��ة المعاصربمقاصد الش��ريعة تأص��يال وتطبيق��ا، ، ورب��ط علم األص��ولومن تق��ارب الش��عوب واألمم وعولم��ة األنظمة

بالج��انب العب��ادي والفك��ري والوج��داني والس��لوكي وال��تربوي وواق��ع.المسلمين والفروع الفقهية

- نوصي بكتابة علم أصول الفقه بطريقة معاصرة في الت��أليف،4 والمنهج، والخطة، والتبسيط، وسهولة العرض، ثم إتقان اإلخراج الف��ني

للمطبوعات. المب��ادئ المنطقي��ةو مبادئ علم الكالم وأساليبه،- نقترح تجنب5

القديمة التي كانت سائدة في العصور األول، وصبغت علم أصول الفقهبكثير من قواعدها وأساليبها.

- ال بد في عرض أص��ول الفق�ه من ربط�ه ب��الفروع، وبي��ان أث��ر6 االختالف في المب��ادئ والقواع��د األص��ولية على األحك��ام الفقهي��ة، م��ع تجنب األمثلة العملية التي كانت في السابق ولم يبق له��ا وج��ود الي��وم، ونعوضها باألمثلة الواقعية من الحياة اليوم في مختلف جنب��ات األحك��ام في المعامالت، واالقتص��اد، والطب، والمحاس��بة، والق��انون، والعالق��ات

الدولية.

24

: والمراجع المصادر أهم - اإلحك���ام في أص���ول األحك���ام، علي بن أبي علي اآلم���دي )1

م.1967ه�( مؤسسة الحلبي، القاهرة – 631 ه���( مص��طفى1255- إرشاد الفحول، محم��د علي الش��وكاني )2

م.1937ه� / 1356البابي الحلبي – مصر- م(1927ه��� / 1345- أصول الفق��ه، الش��يخ محم��د الخض��ري )3

م.1967ه� / 1385 – 5المكتبة التجارية الكبرى – مصر – ط م(1974ه��� / 1394- أصول الفقه، الش��يخ محم��د أب��و زه��رة )4

مطبعة مخيمر، القاهرة – د.ت. - أص��ول الفق��ه، الش��يخ محم��د زكري��ا البرديس��ي، دار النهض��ة5

م.1969ه� / 1389 – 3العربية – مصر، ط - أصول الفقه اإلسالمي، الشيخ زكي الدين شعبان، دار النهضة6

م.1968 – 1967العربية، القاهرة – - أصول الفقه لغير الحنفية، مجموعة من أساتذة كلية الشريعة7

م.1963ه� / 1382باألزهر – لجنة البيان، القاهرة – - األعالم، خير ال��دين ال��زركلي، د.ن، ب��يروت، الطبع��ة الثالث��ة –8.م1969ه� / 1389

- اإلم��ام الش��افعي، عب��د الحليم الجن��دي، دار الكت��اب الع��ربي،9القاهرة – د.ت.

- البرهان في أصول الفقه، عبد الملك بن عبد الل��ه الجوي��ني،10 ه�( ت ال��دكتور عب��د العظيم ال��ديب، طبع��ة الش��يخ478إمام الحرمين )

ه�.1399 – 1خليفة بن حمد آل ثاني، أمير قطر، قطر – ط ه��� /1345- تاريخ التشريع اإلسالمي، الشيخ محمد الخضري )11

م.1960 – 7م( المكتبة التجارية الكبرى، مصر – ط1927

25

ه���( ت204- الرس��الة، اإلم��ام محم��د بن إدريس الش��افعي )12الشيخ أحمد محمد شاكر – مطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر – ط

م.1999ه� / 1419م + دار النفائس، بيروت -1940ه� / 1358 – 1 - رف��ع المالم عن األئم��ة األعالم، أحم��د بن عب��د الحليم، ابن13

ه�( مكتبة القاهرة – مصر – د.ت.728تيمية ) م( دار1974ه��� / 1394- الشافعي، الشيخ محمد أبو زه��رة )14

الكتاب العربي، القاهرة – د.ت، + طبعة دار الكت��اب الع��ربي، الق��اهرةم.1996ه�/1416

- شرح الكوكب المنير، محمد بن أحمد الفتوحي، ابن النجار )15 ه�( ت الدكتور محمد ال��زحيلي وال��دكتور نزي��ه حم��اد، دار الفك��ر –972

ه��� /1413م + مكتبة العبيكان – الرياض – 1980ه� / 1400دمشق – م.1993

م(1956- علم أص��ول الفق��ه، الش��يخ عب��د الوه��اب خالف )16م.1956ه� / 1376 – 6مطبعة النصر، القاهرة – ط

- الفتح المبين في طبقات األصوليين، عبد الرحمن الم��راغي،17م.1974ه� / 1394 – تصوير بيروت 6ط

ه���( تص��وير380- الفهرست، ابن الن��ديم محم��د بن إس��حاق )18مكتبة خياط – د.ت.

ه���(1158- كشاف اصطالحات الفنون، محمد علي التهانوي )19م.1862تصوير مكتبة كلكتا – الهند –

ه���( علي أص��ول730- كشف األسرار، عبد العزي��ز البخ��اري )20.1307ه�( القاهرة، تصوير عن طبعة 482البزدوي ) - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مال ك��اتب جل��بي21

ه�.1310ه�( ط أولى – د.ن – 1067) - مباحث الحكم عند األصوليين، األستاذ محم�د س��الم م��دكور،22

.دار النهضة العربية – القاهرة – د.ت- مختصر المنتهى = مختصر ابن الحاجب األصولي المالكي )23

ه�.1326ه�( د.ن – مصر – 646 - مرج��ع العل��وم اإلس��المية، ال��دكتور محم��د ال��زحيلي، دار24

م.1990ه� / 1410المعرفة، دمشق، ه���(505- المستصفى، محمد محمد، حجة اإلس��الم الغ��زالي )25

ه�.1322المطبعة األميرية – بوالق – مصر –

26

- مفت��اح الس��عادة ومص��باح الس��يادة في موض��وعات العل��وم،26 ه���( دار الكتب الحديث��ة،968 ك��برى زادة )شأحم��د بن مص��طفى، طا

م.1968القاهرة – - مفتاح الوص��ول إلى بن��اء الف��روع على األص��ول، التلمس��اني27م.1962ه�( مكتبة الجانجي – مصر – 771المالكي ) ه���(808- المقدم��ة، عب��د ال��رحمن بن محم��د بن خل��دون )28

المكتبة التجارية – القاهرة – د.ت. ه��( ت458- مناقب الش��افعي، أحم�د بن الحس�ين ال�بيهقي )29

م.1970سيد صقر – دار التراث – القاهرة – ه���( المطبع��ة606- مناقب الشافعي، محمد بن عمر الرازي )30

العالمية – مصر – د.ت.- منهاج الوص�ول إلى علم األص�ول، ناص�ر ال�دين البيض�اوي )31

ه�.1326ه�( – مطبعة كردستان، القاهرة – 685 ه�( مطبع��ة ص��بيح،774- نهاية السول، عبد الرحيم األسنوي )32

مصر، د.ت. - الوجيز في أصول الفقه اإلسالمي، الدكتور محمد ال��زحيلي،33

م.2003 ه� / 1423دار الخير، دمشق –

27