Transcript
Page 1: دروس ألمانية لسوق العمل العربية

دروس ألمانية ألسواق العمل العربيةعاني الدول العربية ارتفاعا مستمرا في

تمعدالت البطالة. وأدت سياسات سوق العمل التي طبقت خالل السنوات األخيرة، إلى ظهور عدد من املضاعفات غير املرغوب فيها، بدل أن تقلص معدالت البطالة. وعلى رغم التباينات االقتصادية واالجتماعية الهيكلية بني أملانيا

والدول العربية، ميكن هذه األخيرة أن تستفيد كثيرا من التجربة األملانية.

ارتفعت البطالة في معظم البلدان الصناعية والناشئة على حد سواء في أعقاب األزمة

االقتصادية األخيرة، في حني حافظت أملانيا على معدل منخفض جدا للبطالة. ولم يتردد اقتصاديون مرموقون بوصف أداء سوق العمل

األملانية بـ »معجزة التوظيف األملانية«. وعكف خبراء ومستشارون حكوميون على درس التجربة

األملانية الستكشاف خباياها ودراسة إمكانية محاكاتها في بلدانهم، فما هي الدعامات التي

قامت عليها هذه التجربة؟ وما هي الدروس التي ميكن استخالصها منها جلهة تنشيط أسواق

العمل العربية، وجعلها قادرة على مجابهة التحديات التي تواجهها؟

متيزت أملانيا قبل عقد من الزمن مبعدالت مرتفعة من البطالة. واتسمت سياساتها في شأن سوق

العمل بكلفتها املرتفعة، وفاعليتها احملدودة في تقليص البطالة وتوفير فرص التوظيف

الكافية. وبدال من أن ميثل نظام إعانات البطالة شبكة أمان يلجأ إليها العاطلون من العمل

كمالذ أخير، سعى هذا النظام إلى احلفاظ على وضعهم االجتماعي، وأضعف احلافز

لديهم لالندماج في شكل سريع في وظائف بديلة. وجتاوزت قيمة إعانات البطالة التي متنح

للعاطلني من العمل في أملانيا نظيراتها في البلدان األخرى في منظمة التعاون االقتصادي

والتنمية.

ودأبت احلكومة األملانية، قبل اإلصالح الذي انطلق في 2004، على دفع إعانات للبطالة

لفترة قد متتد لعامني ونصف عام، ومببلغ قد يساوي ثلثي الراتب السابق للعاطل من العمل.

ووضعت نظاما سخيا للمساعدات االجتماعية يفتح في وجه العاطل من العمل بعد انقضاء

فترة استحقاقه إلعانات البطالة. وأدت األنظمة املذكورة إلى تقليص حوافز العاطلني من العمل للعودة إلى التوظيف، خصوصا أن االستفادة من

اإلعانات واملساعدات االجتماعية لم تكن مشروطة باجلهود

املبذولة للبحث عن وظيفة جديدة. وانحسرت مهمة وكاالت

التوظيف احلكومية في تقدمي قدر محدود من التوجيه واملساعدة

للعاطلني من العمل، ولم تؤد أي دور في مراقبة مدى جديتهم في

البحث عن عمل.

وبسبب االختالالت التي نتجت عن األنظمة السابقة، قررت احلكومة

األملانية قبل عقد من الزمن، تنفيذ إصالحات عميقة بهدف تخفيض معدالتها املرتفعة

واملتصلبة من البطالة. ومتحورت اإلصالحات

حول ثالث ركائز رئيسة:

- أوال: إصالح وكاالت التوظيف بهدف حتسني أدائها وتوسيع نطاق خدماتها لتشمل مواكبة

العاطلني من العمل، ودعم جهودهم لتسريع عودتهم إلى التوظيف. وعززت احلكومة رقابتها

على وكاالت التوظيف، وأخضعتها إلى املساءلة حول األهداف التي التزمت ببلوغها.

- ثانيا: اعتمدت عملية حفز العاطلني من العمل للعودة إلى التوظيف على مبدأ »الواجبات

في مقابل احلقوق«، لتعزيز املسؤولية الذاتية للباحثني عن عمل وتسهيل إعادة إدماجهم.

ورصدت احلكومة إعانات مالية مخصصة للرفع م اإلعانات من معدالت اخلروج من البطالة. وتقد

في شكل دعم مباشر للعاطلني من العمل حلضهم على التوظيف الذاتي، أو تستفيد منه الشركات التي توظفهم. ويتمتع كبار السن

الذين تصل أعمارهم إلى 55 سنة على األقل، واألشخاص ذوو االحتياجات اخلاصة، باألولوية في االستفادة من اإلعانات. ويلتزم العاطلون من العمل، مبوجب تعاقد مكتوب، بقبول أي

وظيفة مناسبة تعرض عليهم.- ثالثا: خففت احلكومة قواعد العمل اخلاصة

بالعمل املوقت، واحلماية من الفصل من الوظيفة، والعقود احملددة املدة. ونتيجة لهذه اإلجراءات، أصبح العمل املوقت يدعم بعض

القطاعات مثل التصنيع واخلدمات التي تعتمد على الكفاءات املتوسطة أو املنخفضة.

ووسعت اإلعفاءات من القواعد التي حتكم صرف العاملني لتشمل الشركات التي توظف أقل من 10 موظفني بدل خمسة كما كانت عليه احلال

سابقا.ترتبت على هذه اإلصالحات ثالثة آثار رئيسة،

فهي أدت أوال إلى انخفاض معدل البطالة بنسبة 50 في املئة، وخفض البطالة طويلة

األجل )12 شهرا أو أكثر( من ستة في املئة

في 2005، إلى 2.5 في املئة في 2012. وأدت اإلصالحات ثانيا، إلى زيادة مشاركة النساء في النشاط االقتصادي بسبب املرونة العالية في ساعات العمل. وأمنت اإلصالحات ثالثا، آليات

أكثر مالئمة لتكييف نظام العمل مع الظرفية االقتصادية.

فازدادت نسبة الفقر وعدم املساواة

في أملانيا منذ تطبيق إصالحات

سوق العمل. ومع ذلك، ال تزال

هذه األخطار أقل مما هي عليه في بقية بلدان منطقة اليورو.

كذلك ليست إصالحات سوق العمل بالضرورة العامل الوحيد الذي يفسر التطور السلبي

للفقر وعدم املساواة.وفي املقابل، مكنت اإلصالحات املعتمدة

االقتصاد األملاني من احلفاظ على مستوى منو اقتصادي أعلى من بقية البلدان الصناعية،

وعززت قدرته التنافسية على األسواق األوروبية والعاملية. ويبدو أساسيا للدول العربية أن تربط بني املرونة واحلماية االجتماعية في اإلصالحات االجتماعية وإصالحات سوق العمل للرفع من

املنافسة واملسؤولية الذاتية، مع ضمان حد أدنى معقول من الرعاية االجتماعية.

املصدر/ احلياة اللندنية

اقتصاد عربي ودولي - تقارير وحوارات

www.pbf.org.ps منتدى األعمال الفلسطيني

كان لتجربة اإلصالحات األملانية

بعض املساوئ واآلثار اجلانبية التي ال ميكن

جتاهلها،